الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ١٥
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٦ - ١٩٨٦ م
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء الخامس عشر من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب القسمة)
(قال الشيخ الامام الاجل لزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل
السرخسي إملاء القسمة من الحقوق اللازمة في المحل المحتمل لها عند طلب بعض الشركاء
وجوازها بالكتاب والسنة) أما الكتاب فقوله تعالى ونبئهم أن الماء قسمة بينهم والسنة ما
أشهر من قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم بين الصحابة رضوان الله عليهم وقسمة
المواريث وغير ذلك والناس يعاملون من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا
وإنما تجب بعد طلب بعض الشركاء لان كل واحد من الشريكين قبل القسمة منتفع بنصيب
صاحبه فالطالب للقسمة يسأل القاضي أي يخصه بالانتفاع بنصيبه ويمنع الغير من الانتفاع
بملكه فيجب على القاضي اجابته إلى ذلك وفى القسمة شيئان المعادلة في المنفعة وتمييز نصيب
أحدهما من نصيب الاخر وهي تتنوع نوعين أحدهما تمييز محض وهو القسمة في
المكيلات والموزونات و لهذا ينفرد بعض الشركاء حتى أن المكيل والموزون من جنس
واحد إذا كان مشتركا بين اثنين وأحدهما غائب كان للحاضر أن يتناول من ذلك من مقدار
نصيبه وبعد ما اقتسما نصيب كل واحد منهما عين ما كان مملوكا له قبل القسمة ولهذا يبيعه
مرابحة على نصف الثمن ونوع هو تمييز فيه معنى المبادلة كالقسمة فيما يتفاوت من الثياب
والحيوانات فإنما يتميز عند اتحاد الجنس وتقارب المنفعة ولهذا يجبر القاضي عليها عند طلب
بعض الشركاء وفيها معنى المبادلة على معنى أن ما يصيب كل واحد منهما مما يصفه كان
مملوكا له ونصفه عوض عما أخذه صاحبه من نصيبه ولهذا لا ينفرد به أحد الشريكين
ولا يبيع أحدهما نصيبه مرابحة إذا عرفنا هذا فنقول بدأ الكتاب بحديث يسير بن يسار
عن رسول الله صلى الله عليه أنه قسم جبريل على ستة وثلاثين سهما جمع ثمانية عشر للمسلمين
وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم وثمانية عشر سهما فيها أرزاق أزواج رسول الله
2

صلى الله عليه وسلم ونوائبه واعلم أن خيبر كانت ستة حصون الشق والنطاة والكتيبة والسلاليم
والغموس والوطيخة إلا أن الأموال والمزارع كانت في ثلاثة حصون منها والنسق والنطاة
والكتيبة وقد افتتح بعض الحصون منها عنوة وقهرا وبعضها صلحا على ما روى أن كنانة من
أبى الحقيق مع قومه صالح على النزول وذلك معروف في المغازي فما افتتح منها كان لرسول
الله صلى الله عليه وسلم خالصا فإنهم إنما خرجوا لما وقع في قلوبهم من الرعب وقد خص الله
سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالنصرة بالقاء الرعب في قلوب أعدائه قال صلى الله
عليه وسلم نصرت بالرعب مسيرة شهر والى ذلك أشار الله تعالى في قوله وما أفاء الله على
رسوله منهم إلى قوله ولكن الله يسلط رسله على من يشاء فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
تلك الحصة مع الخمس في الشطر وقسم الشطرين بين الغانمين وقد فسر ذلك محمد بن إسحاق
والكلبي على ما ذكر بعد هذا عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على ثمانية عشر سهما
جميعا وكانت الرجال ألفا وأربعمائة والخيل مائتي فرس وكان على كل مائة رجل فكان علي رضي الله عنه
على مائة وكان عبيد السها على مائة وكان عاصم بن عدي رضي الله عنه على مائة
وكان القاسم في النسق والنطاة وكانت النسق ثلاثة عشر سهما والنطاة خمسة أسهم وكانت
الكتيبة فيها خمس الله وطعام أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعطاياه وكان أول سهم
خرج من النسق سهم عاصم رضي الله عنه وفيه سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث
إلى آخره فهذا الحديث يبين معنى الحديث الأول ففي الحديث الأول ذكر الشطرين وأن
أصل القسمة كانت علي ستة وثلاثين سهما وفى الحديث الاخر ذكر مقدار ما قسم بين الغانمين
انه قسم على ثمانية عشر سهما وفيه دليل على أن للامام في المغانم قسمين قسمة على العرفاء
وأصحاب الرايات وقسمة أخرى على الرؤس الذين هم تحت كل راية وإنما يفعل ذلك لان
اعتبار المعادلة بهذا الطريق أيسر فإنه لو قسم ابتداء على الرؤس ربما يتعذر عليه اعتبار المعادلة
ثم لم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم نفسه سهما ولكن كان سهمه مع سهم بن عاصم
ابن عدي رضي الله عنه فقيل أنه تواضع بذلك وقيل إنما فعل ذلك لأنه ما كان يساوى اسمه
اسم في المزاحمة عند خروج القرعة ولهذا خرج سهم عاصم بن عدي رضي الله عنه أولا لان فيه
سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أولى مما يقوله بعض مشايخنا أن العرافة مذمومة
في الجملة فيتحرز من ذلك فان في الجهاد وقسمة الغنائم العرافة غير مذمومة (ألا ترى) انه
3

اختار لذلك الكبار من الصحابة كعلى وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم
ثم بظاهر الحديث استدل أبو يوسف ومحمد في أن سهم الفرس ضعف سهم الرجل لأنه قال
وكانت الرجال ألفا وأربعمائة والخيل أربعمائة فرس فعرفنا أنه كان لكل مائة من الرجال سهم
وعرفنا أنه كان لكل مائة من الرجال سهم ولكل مائة من الخيل سهمان ولكن أبو حنيفة
يقول المراد بالرجال الرجالة قال الله تعالى يأتوك رجالا وعلى كل ضامر والمراد بالخيل الفرسان
يقال عارت الخيل قال الله وأجلب عليهم بخيلك ورجلك أي بفرسانك ورجالتك فهذا يتبين
أن الرجال كانوا ألفا وستمائة وانه أعطى الفارس سهمين والراجل سهما وفيه دليل انه لا بأس
باستعمال القرعة في القسمة فقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في قسمة الغنيمة
مع نهيه صلوات الله عليه عن القمار فدل ان استعماله ليس من القمار وذكر عن مسروق رحمه
الله انه لم يأخذ عن القضاء رزقا ففيه دليل أنه من ابتلى بالقضاء وكان صاحب يسار فالأولى له
أن يحتسب ولا يأخذ كفايته من مال بيت المال وإن كان لو أخذ جاز له وبيانه بما روى عن
عمر رضي الله عنه فيه قال ما أحب أن يأخذ قاضي المسلمين أجرا ولا الذي على الغنائم ولا الذي
على المقاسم ولم يرد به حقيقة الاجر فالاستئجار على القضاء لا يجوز ولا يستوجب الاجر علي
القضاء وان شرط ولكن مراده الكفالة التي يأخذها القاضي من بيت المال فالمستحب له
عند الاستغناء أن لا يأخذ ذلك قال الله تعالى ومن كان غنيا فليستعفف وقد بينا الكلام في
هذا الفصل فيما أمليناه من شرح أدب القاضي والذي على الغنائم يحفظها والذي على المقاسم من
وجد كالقاضي لأنه عامل للمسلمين ولكنه ليس بمنزلة القاضي في الحكم حتى يجوز استئجاره
على ذلك أن لم يكن له فيه ذلك إن لم يكن له فيه نصيب وتأويل الحديث إذا كان له نصيب في ذلك فاستئجار أحد
الشركاء على العمل في المال المشترك لا يجوز كما لا يجوز استئجار القاضي على القضاء ذكر عن
يحيى بن جزار ان عبد الله بن يحيى كان يقسم لعلي رضي الله عنه الدور والأرضين ويأخذ على
ذلك الاجر وقد بينا فوائد هذا الحديث في أدب القاضي وجواز الاستئجار لعمل القسمة
بخلاف عمل القضاء وعن عامر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليا رضي الله عنه إلى
اليمين فاتى بركاز فأخذ منه الخمس وترك أربعة أخماسه للواجد وأتاه ثلاثة يدعون غلاما كل
واحد يقول ابني فاقرع بينهم قضى بالغلام للذي خرجت قرعته وجعل عليه الدية لصاحبيه
قال الراوي فقلت لعامر هل رفع عنه بحصته قال لا أردى أما حكم الخمس في الركاز فقد بيناه
4

في كتاب الزكاة وأما حكم القرعة فالشافعي رحمه الله يستدل بظاهر هذا الحديث في المصر
على القرعة في دعوى النسب عند الاشتباه ولسنا نأخذ بذلك أن فعله هذا كان بعد حرمة القمار
أم قبله وانه عرض ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضي به أو لم يرض عليه ثم لعل
القضاء له بحجة أقامها وكان استعماله القرعة ليطيب القلوب وإنما رجحه في القضاء لترجيح في
حجته من يد أو غيره وقوله فقضى للذي خرجت قرعته مذكور على سبيل التعريف لا لان
الاستحقاق كان بالقرعة كما يقال قضى القاضي لصاحب الطيلسان وما ذكر في آخره من أنه
جعل عليه الدية لصاحبيه مشكل لا يتضح فالحي الحر لا يتقوم بالدية وإن كان هذا الغلام
مملوكا لهم أو من جارية مشتركة بينهم فاقرار كل واحد منهم أنه ابنه يوجب حرية نصيبه
ويسقط حقه في التضمين وكذلك ما أشكل على السائل حيث قال هل رفع عنه بحصته فان
الدية اسم يجمع بدل النفس وقد كان في ذلك حصة الذي قرع فلا بد من أن يرفع عنه بحصته
في الموضع الذي يجب كأحد الشركاء في العبد إذا قبله إلا أن عامر لم يحارف ألم يرد ما سمع فقال
لا أدري فكأنه لم يتكلف لذلك لعمله ان هذا ليس بحكم مأخوذ به فبهذا يتبين ضعف هذا
الحديث في استعمال القرعة في النسب وعن إسماعيل بن إبراهيم قال خاصمت أخي إلى الشعبي
في دار صغيرة أريد قسمتها ويأبى ذلك فقال الشعبي رضي الله عنه لو كانت مثل هذه فخط بيده
مقدار آجرة قسمتها بينكم فقال وخطها على أربع قطع وفيه دليل على أن القاضي يقسم المشترك
عند طلب بعض الشركاء وان أبى ذلك بعضهم لان الذي طلب القسمة متظلم من صاحبه أنه
يشفع بملكه ولا ينصفه في الانتفاع والذي يتعنت وإنما يبنى القاضي قضاءه على التماس المتظلم
الطالب للانصاف دون المتعنت ولهذا لا تجب القسمة فيما لا يحتملها عند طلب بعض الشركاء
لان الطالب هنا متعنت فإنه قبل القسمة ينتفع بنصيبه وبالقسمة تنقطع عنه المنفعة وأما قول الشعبي
في مقدار آجرة خطها على الأرض قسمتها بينكم علي وجه التمثيل دون التحقيق للمبالغة في دار
الذي يأتي القسمة منهما فيما يحتمل لان مقدار الأجرة يحتمل القسمة وهو نظير قوله صلى
الله عليه وسلم من بنى مسجد الله كمفحص قطاه بنى الله له بيتا في الجنة والمسجد لا يكون كمفحص
القطاة وإنما قال ذلك للمبالغة في بيان الميل وقال أبو حنيفة رحمه الله أجرة القسام إذا استأجره
الشركاء للقسمة بينهم على عدد الرؤس لا على مقدار الأنصباء وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي
رحمهم الله على مقدار الأنصباء ويستوي في ذلك قاسم القاضي وغيره وهو رواية عن أبي
5

حنيفة رحمه الله وجه قولهم أن هذه مؤنة تلحق الشركاء بسبب الملك فيكون بينهم على وجه
النفقة علي قدر الملك كالنفقة وأجرة المكيال والوزان ان استأجروه ليفعل ذلك فيما هو
مشترك بينهم وهذا لان المقصود هنا بالقسمة أن يتوصل كل واحد منهم إلى الانتفاع بنصيبه
ومنفعة نصيب صاحب الكبير أكبر من منفعة نصيب صاحب القليل أو لان الغرم مقابل
بالغنم ثم الغنم بين الشركاء علي قدر الملك يعنى الثمار والأولاد فكذلك الغرم عليهم بقدر الملك
ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن عمله لهم سواء وإنما يستحق الاجر بذلك فيكون الاجر
عليهم بالتسوية كما إذا استوت الأنصباء وبيان الوصف أن القسام لا يستحق الاجر بالمساحة
ومد الاطناب والمشي علي الحدود فإنه لو استعان في ذلك بأرباب الملك استوجب كمال الاجر
إذا قسم بنفسه فعرفنا أنه لا يستوجب الاجر بالقسمة وهي تمييز نصيب كل واحد منهم ولا
تفاوت بينهم في ذلك فكما يتميز نصيب صاحب الكبير بعمله عن نصيب صاحب القليل يتميز
نصيب صاحب القليل عن نصيب صاحب الكبير وربما يكون عمله في نصيب صاحب القليل
أكبر والحساب لا يدق إذا استوت الأنصباء وإنما يدق عند تفاوت الأنصباء وتزداد دقته
بقلة بعض الأنصباء فلعل تمييز نصيب صاحب القليل أسوأ من تمييز نصيب صاحب الكبير
ولكن لا يعتبر ذلك لان التمييز حصل بعمل واحد وهما في ذلك العمل سواء بخلاف الزوائد
فإنها تتولد من الملك فإنما تتولد بقدر الملك وبخلاف النفقة فإنها لابقاء الملك وحاجة الكبير إلى
ذلك أكثر من حاجة صاحب القليل ولا معنى لما قال أن منفعة صاحب الكثير هنا أكثر
لان ذلك لكثرة نصيبه لا للعمل الذي استوجب الاجر به فاما أجر الكيال والوزان فقد قال
بعض مشايخنا هو علي الخلاف فان المكيل والموزون يقسم بذلك والكيال والوزان بمنزلة
القسام والأصح أن أبا حنيفة رضي الله عنه يفرق بينهما فنقول هنا إنما لا يستوجب الاجر
بعمله في الكيل والوزن ألا تري أنه لو استعان في ذلك بالشركاء لم يستوجب الاجر وعمله
في ذلك بالشركاء لم يستوجب الاجر وعمله في ذلك لصاحب الكثير أكثر فكل عاقل
يعرف أن كيل مائة قفيز يكون أكثر من كيل عشرة أقفزة فلهذا كانت الأجرة عليهما بقدر
الملك بخلاف القسام فذكر أن الأولى أن يجعل لقاسم الأرضين رزقا من بيت المال حتى لا
يأخذ من الناس شيئا وإن لم يجعل رزقا له فقسم بالأجر فهو جائز لان القسمة ليست كعمل القضاء
فالقضاء فرض هو عبادة والقاضي في ذلك نائب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والقسمة
6

ليست من ذلك في شئ ولكنها تتصل بالقضاء لان تمام انقطاع المنازعة يكون بالقسمة فمن
هذا الوجه القسام نائب عن القاضي فالأولى أن يجعل كفايته في مال بيت المال ومن
حيث إن عمله ليس من القضاء في شئ يجوز له أخذ الأجر على ذلك والقسام بمنزلة الكاتب
للقاضي في ذلك وقد قررنا هذا في أدب القاضي وكذلك ما ذكر بعده من حديث شريح
رحمه الله ومالي لا أرتزق استوفى منهم وأوفيهم أصبر لهم نفسي في المجلس وأعدل بينهم في القضاء
فقد بينا ان شريحا رحمه الله كان يأخذ كفايته من بيت المال على ما روى أن عمر رضي الله عنه
كان يرزقه مائة درهم على القضاء فزاده علي رضي الله عنه وذلك لكثرة عياله حتى جعل له في
كل شهر خمسمائة درهم ولعل عاتبه بعض أصدقائه على أخذ الأجر وقال له احتسب فقال شريح
في جوابه ما قال ومراده انى فرغت نفسي عن أشغالي لعمل المسلمين فآخذ كفايتي من مال
المسلمين وكأنه بهذا الكلام أشار إلى الاستدلال بما جعل الله تعالى من النصيب في الصدقات
للعامين عليها فإنهم لما فرغوا أنفسهم لعمل الفقراء استحقوا الكفاية في مال الفقراء وذكر
عن محمد بن إسحاق والكلبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر أقرع بين نسائه
قالت عائشة رضي الله عنها فأصابتني القرعة في السفرة التي أصابني فيها ما أصابني تريد به
حديث الإفك واعلم بان المرأة لاحق لها في القسم عند سفر الزوج فكان لرسول الله صلى
الله عليه وسلم أن لا يسافر بواحدة منهن وأن يسافر بمن شاء منهن من غير قرعة ولكنه كان
يقرع بينهن تطييبا لقلوبهن فاستعمال القرعة في مثل هذا الموضع جائز عند العلماء أجمع رحمهم
الله وبهذا الحديث قلنا إذا تزوج أربع نسوة فله أن يقرع بينهن لابدائه بالقسم لان له أن يبدأ
بمن شاء منهن فيقرع بينهن تطييبا لقلوبهن ونفيا لتهمة الميل عن نفسه وإنما أورد الحديث
للحكم المذكور بعده أنه لا بأس للقسام أن يستعجل القرعة في القسمة بين الشركاء قاسم القاضي
وغيره في ذلك سواء وهو استحسان وفى القياس هذا لا يستقيم لأنه في معنى القمار فإنه تعليق
الاستحقاق بخروج القرعة والقمار حرام ولهذا لم يجوز علماؤنا استعمال القرعة في دعوى
النسب ودعوى الملك وتعيين العتق ثم هذا في معنى الاستقسام بالأزلام الذي كان بعبادة
أهل الجاهلية وقد حرم الله تعالى ذلك ونص على ذلك أنه رجس وفسق ولكنا تركنا بالسنة
والتعامل الظاهر فيه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير
منكر ثم هذا ليس في معنى القمار ففي القمار أصل الاستحقاق يتعلق بما يستعمل فيه وفي هذا
7

الموضع أصل الاستحقاق بكل واحد منهم لا يتعلق بخروج القرعة ثم القاسم لو قال عدلت أنا
في القسمة فخذ أنت هذا الجانب وأنت هذا الجانب كان مستقيما إلا أنه ربما يتهم في ذلك فيستعمل
القرعة لتطييب قلوب الشركاء ونفى تهمة الميل عن نفسه وذلك جائز ألا ترى أن يونس عليه
السلام في مثل هذا استعمل هذا القرعة مع أصحاب السفينة كما قال الله تعالى فساهم فكان من
المدحضين وهذا لأنه علم أنه هو المقصود ولكن لو ألقى نفسه في الماء ربما ينسب إلى مالا
يليق بالأنبياء عليهم السلام فاستعمل القرعة لذلك وكذلك زكريا عليه السلام استعمل القرعة
مع الأحبار في ضم مريم عليها السلام إلى نفسه وقد كان علم أنه أحق بها منهم لان خالتها كانت
تحته ولكن استعمل القرعة تطييبا لقلوبهم قال الله تعالى إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ثم إن
كان القاضي هو الذي يقسم بالقرعة أو نائبه فليس لبعض الشركاء أن يأتي ذلك بعد خروج
بعض السهام كما لا يلتفت إلى إباء بعض الشركاء قبل خروج القرعة وإن كان القاسم يقسم بينهم
بالتراضي فرجع بعضهم بعد خروج بعد السهام كان له ذلك الا إذا خرجت السهام كلها الا
واحدا لان التمييز هنا يعتمد التراضي بينهم فلكل واحد منهم أن يرجع قبل أن يتم وبخروج
بعض السهام لا يتم فكان هذا كالرجوع عن الايجاب قبل قول المشترى فاما إذا خرج جميع
السهام الا واحدا فقد تمت القسمة لان نصيب ذلك الواحد تعين خرج أولم يخرج فلا يملك
بعضهم الرجوع بعد تمام القسمة * دار بين ورثة اقتسموها وفضلوا بعضا علي بعض بفضل قيمة
البناء على بعض بفضل قيمة البناء والموضع فهو جائز لأنه يعتبر في القسمة المعادلة في المالية
والمنفعة ولا يتأتى ذلك في المساواة في الزرع والبناء يكون في جانب دون جانب وبعض العرصة
تكون أفضل قيمة من البعض وأكثر منفعة فان مقدم الدار يرغب فيه مالا يرغب في مؤخره
وفي اعتبار هذه المعادلة لا بد من تفضيل البعض على البعض في المساحة وان اقتسموا الأرض
مساحة والبناء والقيمة قيمة بقيمة عدل فهو جائز عند التراضي لا يشكل وكذلك إذا قضي
القاضي به لان المعادلة في الأرض باعتبار المساحة تتسر وقد يتعذر ذلك في البناء لما بين الأبنية
من التفاوت العظيم في القيمة فقسمة البناء بالتقديم تكون أعدل وإذا جاز قسمة الكل باعتبار
القيمة فقسمة البعض كذلك وإن كان البناء حين اقتسموا الأرض غير معروف القسمة فهذا
في القياس لا يكون لان البناء والأرض تتناولهما قسمة واحدة وإذا لم تعرف قيمة البناء فقد
تعذر تصحيح القسمة في البناء للجهالة فلا تصح القسمة في الأرض أيضا كما هو الأصل في العقد
8

الواحد إذا فسد في بعض المعقود عليه فسد في الكل ولكنا استحسنا وجوزنا هذا لمعينين
(أحدهما) أنهم ميزوا البناء عن الأرض في هذه القسمة حين خالفوا بينهما في طريق القسمة
فاعتبروا في الأرض المعادلة في المساحة وفى البناء المعادلة في القيمة فصار بمنزلة أرضين يقسم
كل واحدة منهما قسمة على حدة وفى ذلك تصح القسمة في إحديهما قبل ظهور المساحة
في الأخرى فكذلك هنا تجوز القسمة في الأرض قبل أن يظهر قيمة البناء (والثاني) أن حكم
القسمة في الأرض لا يتم بالمساحة ولكن يتوقف تمام القسمة فيها على معرفة قيمة البناء وقسمتها
بالقيمة لا تتم القسمة الا بعد ظهور المعادلة في الكل ومعرفة كل واحد من الشركاء نصيبه وإنما
يعتبر حال تمام العقد وإذا كان يتم في المعلوم لم تضرهم الجهالة في الابتداء كما لو اشترى أحد
الثياب الثلاثة على أنه بالخيار يأخذ أيهما شاء ويسمى لكل واحد ثمنا وإذا كانت الدار ميراثا بين
قوم حضور كبار تصادقوا عند القاضي عليها وأرادوا القسمة بها فان فعلوا ذلك عن تراضى
منهم لم يمنعهم القاضي من ذلك لان هذا تصرف منهم فيما بقي في أيديهم بطريق مشروع ولو
تصرفوا في ذلك ببيع أو هبة لم يمنعوا منه فكذلك بالقسمة وان سألوا القاضي أن يقسمها
بينهم فان أبا حنيفة قال القاضي لا يقسم العقار بينهم باقرارهم حتى تقوم البينة على أصل الميراث
وقال أبو يوسف ومحمد يقسمها بينهم ويشهد أنه قسمها باقرارهم وقضى بذلك عليهم دون غيرهم
لان اليد فيها لهم ومن في يده شئ فقوله مقبول فيه ما لم يحضر خصم ينازعه في ذلك وليس
هنا خصم ينازعهم فلا حاجة لهم إلى إقامة البينة لاثبات ملكهم فيها وإذا كان الملك ثابتا لهم
بقولهم إنما سألوا القاضي أن يقسم بينهم ملكهم فعليه أن يجيبهم إلى ذلك كما لو زعموا أن
الدار مملوكة لهم ولم يذكروا ميراثا ولا غيره وسألوه أن يقسمها بينهم قسمهم القاضي بطلبهم
وأشهدوا أنه قضى بذلك عليهم دون غيرهم نظرا منه لغائب عسى يحضر فيدعى لنفسه فيها حقا
فكذلك هنا والدليل عليه انه لو كانت في أيديهم عروض أو منقول سوى العقار فأقروا انها
ميراث بينهم وطلبوا قسمتها قسمها القاضي باقرارهم واشهد على أنه قسمها باقرارهم لاعتبار يدهم
فكذلك في العقار لان اليد تثبت على العقار كما تثبت على المنقول وكذلك لو كان في أيديهم
دار فأقروا أنها دارهم اشتروها من فلان الغائب وسألوا القاضي قسمتها أجابهم القاضي إلى ذلك بهذا الطريق فكذلك في الميراث إذ لا فرق بينهما لأنهم في الموضعين أقروا بأصل الملك
لغيرهم ثم أخبروا بانتقال الملك إليهم بسبب محتمل مشروع فإذا جاز له أن يعتمد القسمة
9

على قولهم فكذلك في الشراء وكذلك في الميراث ولأبي حنيفة رحمه الله طريقان أحدهما على قولهم
في أن قضاء القاضي هنا يتناول الميت ويصير هو مقضيا عليه بقسمة القاضي وقولهم ليس بحجة
عليه فلا بد لهم من إقامة البينة ليثبت بها حجة القضاء على الميت وبيانه من وجهين (أحدهما)
أن التركة قبل القسمة مبقاة على ملك الميت بدليل ان حقه يثبت في الزوائد التي تحدث حتى
يقضى منه ديونه وينفذ وصاياه وبالقسمة ينقطع حق الميت عن التركة حتى لا يثبت حقه فيما
يحدث بعد ذلك من الزوائد فكان فيه قضاء على الميت يقطع حقه (والثاني) ان القاضي يثبت له
الولاية على الميت في تركته فيما يرجع إلى النظر وينفذ تصرفه إليه إذا كان فيه نظر للميت
فبم يخبرون القاضي بثبوت ولايته على الميت ليلزم الميت قضاؤه فيما يرجع إلى النظر وذلك
أمر وراء ما في أيديهم فلا يكون قولهم في ذلك حجة فيكلفهم إقامة البينة على ذلك وتقبل
هذه البينة من غير خصم لأنها تقوم لاثبات ولاية النظر للقاضي في حق من هو عاجز عن
النظر لنفسه وهذا بخلاف ما إذا اقتسموا بأنفسهم لان فعلهم لا يلزم الميت شيئا وبخلاف العروض
لان معنى النظر للميت هناك في القسمة من وجهين (أحدهما) أن العروض يخشي عليها النوى
والتلف وفى القسمة تحصين وحفظا لها فاما العقار محصنة بنفسها لا يخشى عليها التلف ففي القسمة
قضاء على الميت يقطع حقه عنها (والثاني) ان في العروض ما يأخذه كل واحد منهم بعد القسمة
يصير مضمونا عليه بالقبض في حق غيرهم ففي جعل ذلك مضمونا عليهم معنى النظر للميت
وذلك لا يوجد في العقار فإنها لا تصير مضمونة على من أثبت يده فيها عند أبي حنيفة رحمه الله
وهذا بخلاف ما زعموا انها مملوكة لهم لان القضاء بالقسمة هناك لا يقتصر عليهم ولا يعتدى
إلى غيرهم إذ لم يثبت فيها أصل الملك لغيرهم فاما في الشراء فقد روى عن أبي حنيفة رحمه الله في
غير الأصول أن القاضي لا يقسمها بينهم وسوى بين الشراء والميراث ولكن على هذا الطريق
نسلم كما هو ظاهر الرواية فنقول قضاؤه بالقسمة في المشتري لا يتضمن قطع حق البائع لان
بعد البيع والتسليم لا يبقى المبيع على حكم ملك البائع بخلاف الميراث ولأنه لا يثبت للقاضي
الولاية على الغائب بالتصرف في أمواله فهم ما أخبروا القاضي بثبوت ولايته على البائع الغائب
بخلاف الميراث على ما قررنا والطريق الآخر لأبي حنيفة أنه لا يتمكن من القضاء بالقسمة
حتى يقضى بموت المورث ويتعلق بموته أحكام غير مقصودة على ما في أيديهم من وقوع التفريق
بينه وبين زوجته وعتق أمهات أولاده ومدبراته وحلول آجاله وقولهم ليس بحجة في شئ
10

من ذلك فلا يشتغل القاضي بالقسمة حتى تقوم البينة عنده على الموت وأصل الميراث بخلاف
العروض فالقسمة فيها للتحصين لا لتحصيل الملك (ألا ترى) ان القسمة في العروض تجرى بين
المودعين للحفظ فلا يتضمن القضاء بموته فاما في العقار القسمة لتحصيل الملك ولا يكون ذلك
الا بعد القضاء بموته وعلى هذا الطريق يأخذ في مسألة الشراء برواية النوادر لأنه لا يتمكن
من القضاء بالقسمة حتى يقضى بالبيع وزوال ملك البائع وقولهم ليس بحجة عليه ولئن سلمنا
فنقول الحكم المتعلق بالبيع هناك مقصود على ما في أيديهم فيستقيم أن يجعل ذلك نائبا في
حقهم باقرارهم بخلاف الميراث وإذا كان في الورثة صغير أو كبير غائب والدار في أيدي الكبار
الحضور فكذلك الجواب عند أبي حنيفة رحمه الله لا يقسمها القاضي بينهم حتى تقوم البينة على
أصول المواريث لأنها لما لم يقسم في الفصل الأول مع أن الورثة كلهم كبار حضور ففي هذا الفصل
أولى أن لا يقسم لان في قسمته قضاء على الغائب والصغير بقولهم وعلي قول أبى يوسف ومحمد
يقسمها بينهم ويعزل حق الغائب والصغير ويشهد أنه قسمها باقرار الحضور الكبار وان
الغائب والصغير على حجتهما كما في الفصل الأول لان الدار كلها في يد الكبار الحضور وليس
في هذه القسمة قضاء على الصغير والغائب باخراج شئ من يدهما بل فيها نظر لهما بظهور
نصيبهما مما في يد الغير فإنه بالقسمة يعزل نصيب الغائب والصغير وكان هذا محض نظر في
حق الغائب والصغير وللقاضي هذه الولاية وإن كان شئ من العقار في يد الصغير أو الغائب
لم أقسمها باقرار الحضور حتى تقوم البينة على أصل الميراث لان في هذه القسمة قضاء على
الغائب والصغير باخراج شئ مما كان في يده عن يده وكذلك أن كان الكبير أودع ما كان
في يده منها رجلا حين غاب لان المودع أمين فلا يكون خصما في ذلك ولا يجوز للقاضي
أن يقضي على الغائب بحضور أمينه فلهذا لا يقسم حتى تقوم البينة فإذا قامت البينة قبلها القاضي
لأنها تقوم لاثبات ولاية القاضي في تركة الميت ولان الورثة يخلفون الميت في الميراث فينتصبون
خصما عنه وينصب بعضهم خصما عن بعض فقل ما تخلو تركة عن هذا فان الورثة يكثرون
وقل ما يحضرون فلو لم يقبل القاضي البينة ولم يقسمها لمكان غائب أو صغير أدى إلى الضرر
والضرر مدفوع وكذلك إذا حضر القاضي اثنان من الورثة والعقار في أيديهما وأقاما البينة
على أصل الميراث فان القاضي يقسمها بينهم ويوكل بنصيب الغائب والصغير من يحفظه
لأنه يجعل أحد الحاضرين خصما عن الميت وعن الصغير والغائب والآخر خصما عن نفسه
11

فيتمكن من قبول هذه البينة والعمل بها بحضور مدع ومدعى عليه وإذا كان الحاضر واحدا
لم يقسمها القاضي ولم يقبل منه البينة لأنه ليس معه خصم فان الحاضر لو كان خصما عن نفسه
فليس هنا خصما عن الميت وعن الغائب وإن كان هذا الحاضر خصما عنهما فليس هنا من
يخاصم عن نفسه ليقيم البينة عليه بذلك بخلاف ما إذا كان الحاضر اثنين من الورثة والثاني
أن الحاضر إذا كان واحدا فهو غير متظلم في طلب القسمة ولا طالب للانصاف إذ ليس معه
من ينتفع بملكه حتى يقول للقاضي أقسمها بيننا لكيلا ينتفع بملكي غيري فإذا حضر اثنان
فكل واحد منهما يطلب القسمة ليسأل القاضي أن يمنع صاحبه من الانتفاع بنصيبه وذلك
مستقيم وإن كان فيهم خصم صغير جعل له القاضي وصيا لان للقاضي ولاية النظر للصبي في
نصيب الوصي ووصى الصغير قائم مقام الصغير فكأنه بالغ حاضر فتقبل البينة حينئذ ويأمر
بالقسمة باعتبار أنه يجعل أحدهما مدعيا ولآخر مدعى عليه وأحدهما خصما عن نفسه والآخر
عن الميت والغائب وإن كان العقار شراء بينهم ومنه غائب لم أقسمها بينهم وان أقاموا البينة
على الشراء حتى يحضر الغائب لان في الميراث إنما قسمها عند حضور جماعة منهم لتعذر اشتراط
حضورهم عند القسمة بطريق العادة وهذا لا يوجد في الشراء فقد كانوا حاضرين عند الشراء
فتيسر اشتراط حضورهم عند القسمة أيضا ولان الحاضر من المسيرين لا ينتصب خصما عن
الغائب لان النائب بالشراء لكل واحد منهم ملك جديد بسبب باشره في نصيبه ولا يجوز
القضاء على الغائب بالبينة إذا لم يكن عنه خصم حاضر فاما في الميراث لا يثبت للورثة ملك
متجدد بسبب حادث وإنما ينسب إليهم ما كان من الملك للمورث بطريق الخلافة ولهذا
يثبت لهم حق الرد بالعيب على بائع المورث ويصح اقالتهم معه فيستقيم أن يجعل بعضهم خصما
عن البعض في ذلك لاتحاد السبب في حقهم وهو الخلافة عن الميت وإذا كانت الدار ميراثا
وفيها وصية بالثلث وبعض الورثة غائب وبعضهم شاهد فأراد الموصي له بالثلث القسمة وأقام
البينة على المواريث والوصية فان الدار تقسم على ذلك لان من حضر من الورثة ينتصب خصما
عن الميت وعن سائر الورثة فتقبل بينة الموصى له بذلك عليهم وإذا قبلت بينته قسمت الدار
بينهم على ذلك ولو أن بيتا في دار بين رجلين أراد أحدهما قسمته وامتنع الآخر وهو صغير
لا ينتفع واحد منهما بنصيبه إذا قسم لم يقسمه القاضي بينهما لان الطالب للقسمة بينهما متعنت
فان قبل القسمة يتمكن كل واحد منهما من الانتفاع بنصيبه وبالقسمة يفوت ذلك فالطالب
12

منهما إنما يقصد التعنت والاضرار بشريكه فلا يجيبه القاضي إلى ذلك وكذلك لا يقسم
الحائط والحمام بين رجلين لان في قسمته ضررا والمقصود بالقسمة اتصال منفعة الملك إلى
كل واحد من الشركاء وفى الحائط والحمام تفوت المنفعة بالقسمة لان كل واحد منهما
لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة كما كان ينتفع قبل القسمة فلا يقسمه القاضي بينهم لأنه لا يشتغل
لما لا يفيد ولا بما فيه اضرار ولو اقتسموا بينهم بالتراضي لم يمنعهم من ذلك لأنهم لو أقدموا
على اتلاف الملك لم يمنعهم من ذلك في الحكم فكذلك إذا تراضوا القسمة فيما بينهم فإن كانت
دار بين رجلين ولأحدهما فيها بعض قليل لا ينتفع به إذا قسم فأراد صاحب الكثير القسمة
قسمها بينهم وان أبى ذلك صاحب القليل عندنا (وقال) ابن أبي ليلى رحمه الله لا يقسمها وكذلك
إن كان سائر الشركاء لا ينتفعون بأنصبائهم الا هذا الواحد الطالب للقسمة فإنه يقسمها بينهم
وإن كان الطالب صاحب القليل لم يقسمها إذا كان هو لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة وعلى قول
ابن أبي ليلى رحمه الله لا يقسمها عند اباء بعضهم الا إذا كان كل واحد منهم ينتفع بنصيبه بعد
القسمة لان المقصود بالقسمة تحصيل المنفعة لا تفويتها والمعتبر في القسمة المعادلة بين الشركاء في
المنفعة فإذا كان بعضهم لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة فهذه قسمة تقع على ضرر والقاضي لا يجبر
الشركاء على مثله كما لو كان الطالب من لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة ولنا أن الطالب للقسمة
يطلب الانصاف من القاضي ولا يتعنت لأنه يطلب منه أن يخصه بالانتفاع بملكه ويمنع غيره
من الانتفاع بملكه وهذا منه طلب للأصناف فعلى القاضي أن يجيبه إلى ذلك بخلاف ما إذا كان
الطالب للقسمة من لا ينتفع بنصيبه لأنه متعنت في طلب القسمة والقاضي يجيب المتعنت بالرد
يوضحه أن بعد القسمة وان تعذر على صاحب القليل الانتفاع بنصيبه فذلك لقلة نصيبه لا
لمعنى من جهة صاحب الأكبر وذلك لا يعتبر في حق صاحب الكبير فيصير هذا في حقه
وما إذا كان كل واحد منهما ينتفع بنصيبه بعد القسمة سواء والحاكم في المختصر (قال) إذا كان
الضرر على أحدهما دون الآخر قسمتها أيهما طلب القسمة وهذا غير صحيح والصحيح أنه إنما
يقسم إذا طلب ذلك صاحب الكبير خاصة ومنهم من صحح ما ذكره الحاكم رحمه الله وقال
صاحب القليل رضي بالضرر حين طلب القسمة وصاحب الكبير منتفع بالقسمة فيقسمه القاضي
بينهم لهذا ولكن الأول أصح لان رضاه بالتزام الضرر لا يلزم القاضي شيئا وإنما الملزم طلبه
الانصاف من القاضي واتصاله إلى منفعة ملكه وذلك لا يوجد عند طلب صاحب القليل
13

* ألا ترى أن كل واحد منهما إذا كان بحيث لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة وطلبا جميعا القسمة من
القاضي لم يقسمها القاضي بينهما فكذلك إذا كان الطالب من لا ينتفع بنصيبه بعد القسمة والرجال
والنساء والحر والمملوك وأهل الاسلام وأهل الذمة في القسمة سواء لأنها من حقوق الملك
والمقصود التوصل بها إلى منفعة الملك وهو في ذلك سواء وإذا اقتسم الرجلان دارا ورفعا
بينهما طريقا فهو جائز لأنهما قسما بعض المشترك وبقيا شركتهما في البعض وهو موضع
الطريق فيجوز ذلك اعتبار للبعض بالكل ولان المقصود بالقسمة أن ينتفع كل واحد منهما
بنصيبه وإنما يتم ذلك إذا رفعا طريقا بينهما وما يرجع إلى تتميم المقصود بالقسمة لا يكون مانعا
صحتها وإن كان نصيب أحدهما أكثر من نصيب الاخر ينبغي أن يبين ذلك في كتاب
القسمة ويذكر كيف الطريق بينهما لأنه بقي في موضع الطريق ما كان لهما من الشركة في
جميع الدار وقد كانت شركتهما فيها على التفاوت فإنما يحصل التوثق أن يبين ذلك في كتاب
القسمة لأنهما إذا لم يبينا ذلك فربما يدعي صاحب الأقل المساواة بينهما في رقبة الطريق
ويحتج على ذلك بأنه مساو في استعماله بالتطرق فيه وإنما يكتب الكتاب بينهما للتوثق فينبغي
أن يكتب على وجه يحصل به معنى التوثق لهما وإذا كانت الدار بين رجلين وفيها صفة فيها
بيت وباب البيت في الصفة ومسيل ماء ظهر البيت على ظهر الصفة فاقتسما فأصاب الصفة
أحدهما وقطعه من الساحة ولم يذكر طريقا ولا مسيل ماء وصاحب البيت يقدر أن يفتح
بابه فيما أصابه من الساحة ويسيل ماءه في ذلك فأراد أن يمر في الصفة على حاله ويسيل ماءه
على ما كان فليس له ذلك سواء اشترط كل واحد منهما أن له ما أصابه بكل حق له أو لم يشترط
ذلك والقسمة في هذا بخلاف البيع فإنه لو باع البيت وذكر في البيع الحقوق والمرافق
دخل الطريق ومسيل الماء وإن لم يذكر الحقوق والفرق أن المقصود بالبيع ايجاب الملك
وقصد المشترى أن يتمكن من الانتفاع وذلك أنما يتم بالطريق والمسيل لا أن ذلك خارج
من المحدود فلا يدخل في البيع بمطلق التسمية للبيت الا بذكر الحقوق والمرافق فالمقصود
بالقسمة تمييز أحد الملكين من الآخر وان يختص كل واحد منهما بالانتفاع بنصيبه على
وجه لا يشاركه الاخر فيه وإنما يتم هذا المقصود إذا لم يدخل الطريق والمسيل لتمييز نصيب
أحدهما عن الآخر من كل وجه فلهذا لا يدخل مع ذكر الحقوق والمرافق توضيح الفرق أن
المقصود بالبيع الاسترباح وذلك باعتبار المالية والمالية تختلف بدخول الطريق والمسيل في البيع
14

فعند ذكر الحقوق والمرافق عرفنا أنهما قصدا ذلك فاما في القسمة المقصود التميز دون
الاسترباح فبذكر الحقوق والمرافق لا يتبين أنهما لم يقصدا التمييز في أن لا يبقى لأحدهما في
نصيب الآخر طريق مسيل ماء ولو لم يكن له مفتتح للطريق ولا مسيل ماء فإنه ذكر في
كتاب القسمة أن لكل واحد منهما ما أصابه بكل حق له جازت القسمة وكان طريقه في
الصفة ومسيل مائه على طريق سطحه كما كان قبل القسمة وإن لم يذكر الحقوق والمرافق
فالقسمة فاسدة بخلاف البيع فإنه يكون صحيحا وإن لم يذكر الحقوق والمرافق لان المقصود
بالبيع ملك العين وهذا المقصود يتم للمشترى وإن كان يتعذر عليه الانتفاع لعدم الطريق
والمسيل له كمن اشتري مهرا صغيرا أو أرضا سبخة فإنه يجوز وإن كان لا ينتفع بالمشترى وهذا
لأنه ترك النظر لنفسه حين لم يذكر الحقوق والمرافق ليدخل الطريق والمسيل فلا يشتغل
بالنظر له فاما في القسمة المقصودة اتصال كل واحد منهما إلى الانتفاع بنصيبه فإذا لم يكن له
مفتتحا إلى الطريق ولا مسيل ماء فهذه قسمة وقعت على ضرر فلا يجوز إلا أن يذكر الحقوق
والمرافق فيستدل بذلك على أنهما قصد ادخال الطريق والمسيل لتصحيح القسمة لعلمها أن
القسمة لا تصح بدونهما في هذا الموضع بخلاف ما سبق توضيحه أن المعتبر في القسمة المعادلة
في المنفعة وإذا لم يكن له طريقا ولا مسيل ماء لا يحصل معنى المعادلة في المنفعة فلا تصح القسمة
كما لو استأجر مهرا صغيرا أو أرضا سبخة للزراعة لم يجز لفوات ما هو المقصود وهو المنفعة فان
قيل فعلي هذا ينبغي أن يدخل الطريق والمسيل وإن لم يذكر الحقوق والمرافق لتصحيح القسمة
كما إذا استأجر أرضا دخل الشرب والطريق وإن لم يذكر الحقوق والمرافق لتحصيل المنفعة
قلنا هناك موضع الشرب والطريق ليس مما تتناوله الإجارة ولكن يتوصل به الانتفاع
بالمستأجر والأجير إنما يستوجب الأجرة إذا تمكن المستأجر من الانتفاع ففي ادخال الشرب
توفير المنفعة عليهما وأما هنا موضع الطريق والمسيل داخل في القسمة و موجب القسمة
اختصاص كل واحد منهما بما هو نصيبه فلو أثبتنا لأحدهما حقا في نصيب الآخر تضرر
به الآخر ولا يجوز الحاق الضرر به بدون رضاه وإنما دليل الرضا اشتراطه الحقوق
والمرافق فلهذا لا يدخل الطريق والمسيل بدون ذكره الحقوق والمرافق ولو رفعا طريقا
بينهما وكان على الطريق ظلة وكان طريق أحدهما على تلك الظلة وهو يستطيع أن يتخذ
طريقا آخرا فأراد صاحبه أن يمنعه من المرور على ظهر الظلة لم يكن له ذلك لان أصل الطريق
15

مشترك بينهما وكما أن أسفله ممر لهما فكذلك أعلاه فهو لا يريد بهذا أن يحدث لنفسه حقا
في نصيب شريكه وإنما يريد أن يستوفى حقه فلا يمنع من ذلك بخلاف ما تقدم فهناك إنما
يريد اتخاذ طريق ومسيل لنفسه في ملك خص به صاحبه وليس له ذلك وكان أبو حنيفة
رحمه الله يقول في العلو الذي لا سفل له وفى السفل الذي لا علو له يحسب في القسمة ذراع
من السفل بذراعين من العلو وقال أبو يوسف رحمه الله يحسب العلو بالنصف والسفل بالنصف
ثم ينظر كم جملة ذرع كل واحد منهما فيطرح من ذلك النصف وقال محمد رحمه الله يقسم ذلك
على القيمة قيمة العلو أو قيمة السفل وقيل إن أبا حنيفة رحمه الله أجاب بناء على ما شاهد من
عادة أهل الكوفة في اختيار السفل على العلو وأبو يوسف رحمه الله أجاب بناء على ما شاهده
من عادة أهل بغداد في التسوية بين العلو والسفل في منفعة السكنى ومحمد شاهد اختلاف
العادات في البلدان فقال إنما يقسم على القيمة وقيل بل هو بناء على أصل آخر وهو أن عند
محمد رحمه الله وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لصاحب السفل منفعتان منفعة السكنى ومنفعة
البناء فإنه لو أراد أن يحفر في سفله سردابا لم يكن لصاحب العلو منعه من ذلك فلصاحب
العلو منفعة واحدة وهي منفعة السكنى فإنه لو أراد أن يبنى على علوه علوا آخرا كان لصاحب
السفل منعة من ذلك والمعتبر في القسمة المعادلة في المنفعة فلهذا جعل بمقابلة ذراع من
السفل ذراعين من العلو وأبو يوسف رحمه الله يقول لصاحب العلو أن يبنى على علوه إذا كان
ذلك لا يضر بالسفل كما أن لصاحب السفل أن يحفر سردابا في السفل إذا كان لا يضر
بصاحب العلو فاستويا في المنفعة فيحصل ذراع من السفل بذراع من العلو وحجته لاثبات
هذا الأصل ان صاحب العلو يبنى على ملكه كما أن صاحب السفل يتصرف في ملكه واتصال
العلو بالسفل كاتصال بيتين متجاورين فلكل واحد منهما أن يتصرف في ملكه على وجه لا يلتحق
الضرر لصاحبه وأبو حنيفة رحمه الله يقول صاحب السفل بحفر السرداب يتصرف في الأرض
وهي خالص ملكه وصاحب العلو يحمل ما يبنى على حائط السفل أيضا وهو مملوك لصاحب
السفل وزيادة البناء تصير بحائط صاحب السفل لا محالة ويتبين ذلك في الثاني إن كان لا يتبين
في الحال ولا يكون له أن يفعل ذلك بدون رضاء صاحب السفل ومحمد في هذا الفصل وافق
أبا يوسف ولكن في القسمة يقول تعتبر القيمة لان العلو والسفل بناء والمعادلة في قسمة
البناء تتيسر ولان في بعض البلدان تكون قيمة العلو أكثر من قيمة السفل وهو كذلك
16

بمكة وبمصر وفى بعض البلدان قيمة السفل أكثر من قيمة العلو كما هو بالكوفة قيل كل موضع
تكثر النداوة في الأرض يختار العلو عن السفل وفى كل موضع يشتد البرد ويكثر الريح يختار
السفل على العلو وربما يختلف ذلك أيضا باختلاف الأوقات فلا يمكن اعتبار المعادلة إلا بالقيمة
فاستحسن القسمة في العلو والسفل باعتبار القيمة ثم تفسير المسألة في فصلين أحدهما أن يكون
بينهما سفل علوه لغيرهما وعلو سفله لغير هما فأراد القسمة فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله يجعل
بمقابلة كل ذراع ذراع والثاني أن يكون المشترك بين الشركاء بيتا لسفله علو وسفل لا علو
له بان كان العلو لغيرهم وعلو لا سفل له فعند أبي حنيفة رحمه الله يجعل بإزاء مائة ذراع من العلو
الذي لا سفل له ثلاثة وثلثين ذراعا وثلثا من البيت الكامل وبإزاء مائة ذراع من السفل الذي
لا علو له ستة وستين ذراعا وثلثي ذراعا من البيت الكامل لان العلو عنده مثل نصف السفل
كما في الفصل الأول وعند أبي يوسف رحمه الله يجعل بإزاء خمسين ذراعا من البيت الكامل
مائة ذراع من السفل الذي لا علو له ومائة ذراع من العلو الذي لا سفل له لان السفل والعلو
عنده سواء فخمسون ذراعا من البيت الكامل بمنزلة مائة ذراع خمسون منها سفل وخمسون
منهما علو ومحمد رحمه الله في ذلك كله يعتبر المعادلة بالقيمة وعليه الفتوى وإذا كانت الدور بين
قوم فأراد أحدهم أن يجمع نصيبه منها في دار واحدة وأتى ذلك بعضهم قسم القاضي كل دار
بينهم على حدة ولم يضم بعض انصبائهم إلى بعض إلا أن يصطلحوا على ذلك في قول أبي حنيفة
رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله الرأي في ذلك إلى القاضي وينبغي أن ينظر في ذلك
فإن كانت أنصباء أحدهم إذا جمعت في دار كان أعدل للقسمة جمع ذلك لان المعتبر في القسمة
المعادلة في المنفعة والمالية والمقصود دفع الضرر وإذا قسم كل دار على حدة ربما يتضرر كل
واحد منهم لتفرق نصيبه وإذا قسم الكل قسمة واحدة يجتمع نصيب كل واحد منهم في دار
وينتفع بذلك والقاضي نصب ناظرا فيمضي قضاءه علي وجه يرى النظر فيه كما يمضى قضاءه في
المجتهدات على ما يؤدى إليه اجتهاده ولان الدور في حكم جنس واحد لاتحاد المقصود بها وهو
السكنى والجنس والواحد يقسم بين الشركاء قسمة واحدة كالغنم والثياب الهروية إلا أنها تتفاوت
منفعة السكنى باختلاف البلدان وباختلاف المحال فمن هذا الوجه نسبه البلدان الأجناس
المختلفة فعند تعارض الأدلة الرأي للقاضي فيرجح بعضها بطريق النظر وأبو حنيفة رحمه الله يقول
الدور أجناس مختلفة بدليل انها لا تثبت صداقا بمطلق التسمية حتى إذا تزوج امرأة علي دار فهو
17

بمنزلة ما لو تزوجها على ثوب (وكذلك) لو وكل وكيلا بشراء دار لم يصح التوكيل وبعد اعلام
الجنس جهالة الوصف لا تمنع صحة الوكالة فعرفنا أنها أجناس مختلفة والأجناس المختلفة لا تقسم
قسمة واحدة الا باصطلاح الشركاء علي ذلك وهذا لان في الأجناس المختلفة معنى المعاوضة
يغلب علي معنى التمييز والمعاوضة تعتمد التراضي وفى الجنس الواحد معنى التمييز يغلب وذلك
داخل تحت ولاية القاضي ففي الدور معنى المعاوضة يغلب لان قبل القسمة يتيقن بان نصيب كل
واحد منهم في أمكنة متفرقة فإذا جمعها في مكان واحد يكون ذلك بطريق المعاوضة وإذا قسم
كل ذراع علي حدة فمعنى التمييز فيه يغلب لان نصيب كل واحد منهم يكون في أمكنة متفرقة
بعد القسمة كما كان قبلها ثم المقصود بالقسمة تمكين كل واحد منهم من الانتفاع بملكه فلا بد من
اعتبار المعادلة في المنفعة والتفاوت في المنفعة في الدور تفاوت عظيم فإنما يختلف باختلاف
البلدان وباختلاف المحال وباختلاف الجيران وبالقرب من الماء وبالبعد عنه وبالقرب من الربط
والبعد عنه والظاهر أنه يتعذر عليه اعتبار المعادلة في المنفعة إذا قسمها قسمة واحدة وأن قسمة
كل دار على حدة أعدل ثم هي ثلاثة فصول عنده الدور والبيوت والمنازل فالدور سواء كانت
متفرقة أو متلازمة لا يقسم عنده قسمة واحدة إلا برضاء الشركاء والبيوت تقسم قسمة واحدة
سواء كانت متفرقة أو مجتمعة في مكان واحد لأنها تتفاوت في منفعة السكنى فالبيت اسم لمسقف
واحد له دهليز فلا يتفاوت في المنفعة عادة (ألا ترى) انها تؤجر بأجر واحد في كل محلة فتقسم
قسمة واحدة وبالمنازل ان كانت مجتمعة في دار واحدة متلازمة بعضها ببعض تقسم قسمة واحدة
وان كانت متفرقة تقسم كل منزلة على حدة سواء كانت في محال أو في دار واحدة بعضها
في أقصاها وبعضها في أدناها لان المنزل فوق البيت ودون الدار فالمنازل تتفاوت في منفعة
معنى السكنى ولكن التفاوت فيها دون التفاوت في الدور فهي تشبه البيوت من وجه والدور
من وجه فلشبهها بالبيوت قلنا إذا كانت متلازمة تقسم قسمة واحدة لان التفاوت فيها تقل
في مكان واحد ولشبهها بالدور قلنا إذا كانت في أمكنة متفرقة لا تقسم قسمة وهما في
الفصول كلها يقولان ينظر القاضي إلى أعدل الوجوه فتمضي القسمة علي ذلك ولو اختلفوا
في قيمة البناء فقال بعضهم يجعل البناء بذرع من الأرض وقال بعضهم يجعلها على الدراهم
والصحيح أن القاضي يجعلها علي الذرع إذا تيسر عليه ذلك لان الدراهم ليست من الميراث
والثابت لقاضي ولاية قسمة الميراث بينهم فإذا جعل على ذلك الذرع كان ذلك تصرفا في
18

محل ولايته وإذا جعل ذلك علي الدراهم كان ذلك تصرفا منه وراء محل ولايته وربما لا
يقدر كل أحد علي تحصيل الدراهم وأدائها فليس للقاضي أن يكلفه ذلك توضيحه انه إذا
جعل ذلك على الدراهم فالذي وقع البناء في نصيبه الدرهم دين عليه وربما ينوي ذلك عليه وإن كان
يخرج فنفس القسمة يتعجل نصيب من وقع البناء في نصيبه ويتأخر نصيب الآخر إلى
خروج الدين منه فتنعدم المعادلة بذلك وإذا جعل ذلك علي الذرع يتعجل وصول نصيب كل
واحد منهم إليه ويتم القسمة ولاحق لبعضهم علي بعض فهذا أولى الوجهين وإذا تعذر عليه
اعتبار المعادلة علي الذرع فله أن يقسم على الدراهم عندنا (وقال) مالك رحمه الله ليس له ذلك
إلا أن يصطلحوا عليه أو تكون الدراهم يسيرة لان في القسمة علي الدراهم محض المعاوضة
وهو بيع نصيب أحدهما من البناء بما يوجب له من الدراهم على صاحبه وليس للقاضي
ولاية المعاوضة إلا عند تراضى الخصمين عليه إلا أن اليسير من الدراهم ربما يتحقق فيه الحاجة
والضرورة فيتعدى إليه حكم ولايته للحاجة وأصحابنا رحمهم الله يقولون هذه الحاجة تتحقق في
الكثير كما تتحقق في القليل لان قيمة نصيب أحدهما من البناء ربما يكون أضعاف جميع قيمة
الأرض فتتعذر عليه القسمة بطريق مقابلة قيمة البناء بالذرع من الأرض أو يقع جميع الساحة
لأحدهما فلا يتمكن صاحب البيت من الانتفاع بالبناء بدون الأرض وإذا كلف نقل البناء
تنقطع المنفعة عنه فلهذا قلنا عند الضرورة يجوز له أن يجعل القسمة في البناء على الدراهم وهذا
لأن ولاية القسمة تثبت له فلا يتعدى فيتعدى ولايته إلى مالا يتأتى له القسمة الا به كالجد
مع موصي الأب يصح منه تسمية الصداق في النكاح وإن كان التصرف في المال إلي
الوصي دون الجد وكذلك الأخ ليس له ولاية التصرف في المال ثم له ولاية التسمية في الصداق
باعتبار ثبوت الولاية في التزويج ولو اختلفوا في الطريق فقال بعضهم يرفع طريقا بيننا وقال
بعضهم لا يرفع نظر فيه الحاكم فإن كان يستقيم لكل واحد منهم طريقا يفتحه في نصيبه قسمه
بينهم بغير طريق يرفع كما بين عنهم وإن كان لا يستقيم ذلك رفع طريقا بينهم لان المقصود بالقسمة
توفير المنفعة على كل واحد منهم ثم موضع الطريق مشترك بينهم كغيره فإذا كان يستقيم
لكل واحد منهم طريق يفتحه في نصيبه فالذي يقول لا يرفع طريقا بطلب القسمة في جميع
المشترك وذلك ممكن مع اعتبار المعادلة في المنفعة فيجيبه القاضي إلى ما التمس وإذا كان لا
يستقيم ذلك ففي قسمة موضع الطريق قطع المنفعة عنهم وذلك ضد ما هو المقصود بالقسمة
19

والقائل لا يرفع طريقا في هذا الموضع متعنت توضيحه انه لو كان المشترك بينهم موضع
الطريق فقط فطلب بعضهم قسمته وفيه ضرر على كل واحد منهم لم يجبه القاضي إلى ذلك
وإن كان فيه منفعة للطالب أجابه القاضي إلى ذلك فكذلك إذا كان المشترك موضع الطريق
وغيره ولو اختلفوا في سعة الطريق وضيقه جعل الطريق بينهم على عرض باب الدار وطوله
على أدنى ما يكفيهم لان باب الدار متفق عليه والمختلف فيه يرد إلى المتفق عليه ثم لا فائدة في
جعل الطريق أعرض من باب الدار لأنه ما لم يدخل الحمل من باب الدار لا يحمله في ذلك
الطريق وإذا جعل الطريق أضيق من باب الدار يتضرر به الشركاء ومقصود كل واحد منهم
أن يحمل إلى مسكنه في ذلك الطريق ما يدخله في باب الدار فلهذا يجعل الطريق بينهم على
عرض الدار وطوله وإذا وقع الحائط لاحد القسمين وعليه جزوع للاخر ووقعت القسمة
على أن يكون هكذا أولم يذكرا ذلك في القسمة فإنه يترك على حال لأنه وجد كذلك عند
تمام القسمة ويجوز أن يكون ملك الحائط لأحدهما وللآخر عليه حق وضع الجذوع فيترك
على حاله إلا أن يشترط قلع الجذوع عنه فحينئذ يجب الوفاء به للحديث الشرط أملك وكذلك
لو كان أزج وقع على حائط على هذه الصفة أو درجة وكذلك أسطوانة وقع عليها جذوع
وكذلك روشن وقع على صاحب العلو مشرف علي نصيب الآخر فأراد صاحب السفل أن
يقطع الروشن ليس له ذلك إلا أن يشترط قطعه لان حق قرار هذه الأشياء تجوز أن تكون
مستحقا لإنسان في حائط غيره فإذا تمت القسمة بينهما على هذه الصفة يجب تركها كذلك
ألا ترى أنه لو أصاب أحدهما ثبت علو والآخر السفل لم يكن لصاحب السفل أن يهدم العلو
فاما إذا وقعت الساحة لأحدهما وللآخر أطراف جذوع شاخصة فيها فأراد صاحب الساحة
قطع تلك الجذوع فإن كانت أطراف الجذوع بحيث يمكن البناء عليها فليس له أن يقطع ذلك
لان هذا لجواز أن يكون قراره مستحقا لإنسان في ساحة غيره وإن كان بحيث لا يمكن البناء
عليها فلصاحب الساحة أن يجبره على قطع ذلك أو تفريغ هواء الساحة عنه بما يقدر عليه لان
ذلك لا يجوز أن يكون حقا مستحقا له في ملك الغير إذ هو لا ينتفع به من حيث البناء عليه ولو
وقعت شجرة في نصيب أحدهما وأغصانها متدلية إلى نصيب الآخر فقد ذكرني رستم عن
محمد رحمه الله ان له ان يجبره علي قطع تلك الأغصان وهذا مما لا يستحق اقراره في ملك الغير
بسبب من الأسباب وذكرني سماعة عن محمد رحمه الله انه يترك كذلك لأنه بالقسمة استحق
20

الشجرة بأغصانها فترك الأغصان على ما كانت عليه عند تمام القسمة بمنزلة الأزج والدرجة
وإذا أصاب رجلا مقصورة من الدار وأصاب من الآخر منزل طريق علو هذا المنزل في
هذه المقصورة ولم يذكروا ذلك عند القسمة فلا طريق له في المقصورة لأنه يقدر على أن يجعل
طريقه في حقه من غير ضرر والقسمة لتمييز نصيب أحدهما من نصيب الآخر وتمام التمييز
إذا لم يبق لأحدهما حق في نصيب الآخر فإذا أمكن ذلك من غير ضرر يجب امضاء القسمة
عليه وإذا أصاب أحدهما قسمة ساحة في القسمة فأراد أن يبنى فيها ويرفع بناء وأراد الآخر
منعه وقال إنك تسد على الريح والشمس فله أن يرفع بناء ما بدا له لان الساحة ملكه والساحة
حق خالص له وللإنسان أن يتصرف في ملك نفسه بما يبدوا له وليس للجار ان يمنعه عن
ذلك وله أن يتخذ فيها حماما أو تنورا أو مخرجا لأنه يتصرف في خالص ملكه أرأيت لو
أراد أن يجعل فيها رحا أو حدادا أو قصارا كان للآخر أن يمنعه من ذلك والحاصل أن من
تصرف في خالص ملكه لم يمنع منه في الحكم وإن كان يؤدى إلى الحاق الضرر بالغير ألا ترى
أن من اتجر في حانوته نوع تجارة لم يمنع من ذلك وان كانت تكسد بسببه تجارة وان أصحاب
الحوانيت يتأذون بغبار سنابك الدواب المارة وان يتأذى المارة بدخان نيرانهم التي يوقدونها
في حوانيتهم ثم ليس للبعض منع البعض من ذلك وللإنسان أن يسقى أرضه وليس لجاره أن
يمنع من ذلك مخافة أن يقل ماء بئره فعرفنا أن المالك مطلق التصرف فيما هو خالص حقه
وان كف عما يؤذي جاره كان أحسن له قال صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل عليه السلام
يوصي بالجار حتى ظننت أنه سيورثه والتحرز عن سوء المجاورة مستحق دينا ولكنه لا يجبر
علي ذلك في الحكم والحيلة للجار أن يتصرف في ملك على وجه يدفع به ضرورة عن
نفسه ويحول بينه وبين مقصوده علي ما حكى أن رجلا جاء إلى أبي حنيفة رضي الله عنه فقال
أن جاري اتخذ مجمدة بجنب حائطي فقال اتخذ أنت أتونا بجنب الحائط ليذيب هو ما يجمع
من الجمد وعلى هذا قال في الكتاب لو فتح صاحب البناء في علو بنائه بابا أو كوة فتأذى
بذلك صاحب الساحة فليس له أن يمنعه من ذلك لان اتخاذ الباب والكوة يرفع نقص
الحائط ولو رفع جميع البناء لم يكن للآخر أن يمنعه منه فلهذا أولى ولكنه يبنى في ملكه
ما يستره ان شاء وليس لصاحب الكوة أن يمنعه عن ذلك وكذلك هذا الحكم في الدارين
والجارين ولو اتخذ رجل بئرا في ملكه كرياسا أو بالوعة أو بئر ماء فنز منها حائط جاره وطلب
21

تحويل ذلك لم يجبر على تحويله لان تصرفه في خالص ملكه وان سقط الحائط من ذلك لم
يلزمه ضمانه لأنه غير متعدي في هذا السبب والمسبب إذا كان غير متعدي في تسببه فهو
غير ضامن لما تلف به كما لو سقط انسان في بئره هذا وإذا قسم رجلان دارا فأخذ أحدهما
حيزا والآخر حيزا فوقع لأحدهما حائط للظاهر منه على آجرتين وأسه على أربع وقد
دخل في نصيب صاحبه من ذلك آجرة فقال صاحب الحائط أنا آخذ من نصيبك ما دخل فيه
من أس حائطي لم يكن له ذلك وإنما له ما ظهر من الحائط على وجه الأرض لأنه بالقسمة استحق
الحائط والحائط اسم للبناء المرتفع من وجه الأرض فاما الأس الذي ليس عليه بناء مرتفع
عن وجه الأرض فهو أرض لا حائط والأرض واقع في قسم الآخر فلو استحقه صاحب
الحائط إنما يستحقه حريما لحائطه وليس للحائط حريم وإذا قسم الشريكان دارا أو دارين بينهما
لم يكن للجار في ذلك شفعة لان كل واحد منهما شريك لصاحبه والشريك مقدم على الجار
ألا ترى ان أحدهما لو باع نصيبه من صاحبه لم يكن للجار فيه الشفعة ثم في دار واحدة معنى
التمييز في القسمة تغلب علي معنى المعاوضة والشفعة تختص بالمعاوضة مال بمال وإذا اقتسم
الرجلان دارا ورفعا طريقا بينهما ثم أراد قسمة الطريق بعد ذلك فإن كانت قسمته تستقيم
بغير ضرر قسمته بينهما وان كانت لا تستقيم ولا يكون لأحدهما طريق لم أقسمه ثم لان في
القسمة هنا معنى الضرر والمقصود بالقسمة توفير المنفعة علي كل واحد منهما لا تفويتها وإذا
اصطلح الرجلان في القسمة على أن أخذ أحدهما دارا الآخر منزلا في دار أخرى أو على أن
أخذ أحدهما دارا والآخر نصف دار أخرى أو على أن أجر كل واحد منهما سهاما معلومة
من دار على حدة أو علي أن أخذ أحدهما دارا والآخر عبدا أو ما أشبهه ذلك من الاصطلاح
في الأجناس المختلفة فذلك جائز لأن هذه معاوضة تجرى بينهما بالتراضي ولا ربا في شئ مما
تناوله تصرفه ولو اصطلحا في دار واحدة على أن يأخذ أحدهما الأرض كلها والآخر البناء
كله فهو جائز للتراضي فان الأرض والبناء كل واحد منهما مال متقوم مبادلة نصيب أحدهما
من الأرض بنصيب الآخر من البناء صحيح فان شرط على أن يكون البناء له ينقضه وتكون
الأرض للآخر فهو جائز وان اشترط أن لا يقلع بناءه فهذا فاسد لان صاحب الأرض لا يتوصل
بهذه القسمة إلى الانتفاع بالأرض ولان هذا في معنى بيع شرط فيه إعارة أو إجارة
فان صاحب البناء لما شرط ترك البناء في أرض الآخر فإن كان بمقابلة هذا الترك شئ من العوض
22

فهو إجارة فاسدة شرطت في بيع وإن لم يكن بمقابلتها شئ من العوض فهو إعارة مشروطة في
في البيع وإذا كانت الدار في طريق ليس بنافذ لها فيه باب فاقتسمها أهلها على أن يفتح كل
انسان منهم في ذلك الزقاق لنفسه فهو جائز وليس لأهل الزقاق منعهم من ذلك لان كل واحد
منهم يفتح الباب يرفع بعض الحائط ولو رفعوا جميع الحائط لم يكن لأهل الزقاق منعهم عن
ذلك ولان لكل واحد منهم يفتح الباب برفع بعض الحائط ولو رفعوا جميع الحائط لم يكن
لأهل الزقاق منعهم عن ذلك ولان لكل واحد من الشركاء حق المرور في هذا الطريق
إلى أن يتوصل إلى ملكه وكل واحد منهم يفتح الباب يريد أن يستوفى حق نفسه ولا يريد
الزيادة على ذلك ولو كانت مقصورة بين ورثة بابها في درا مشتركة ليس لأهل المقصورة
فيها الا طريقهم فاقتسموا المقصورة على أن يفتح كل واحد منهم بابا من نصيبه في الدار
العظمى لم يكن لهم ذلك لان لهم طريقا واحدا في موضع معلوم من عرصة الدار فهم يريدون
هذه الزيادة في ذلك بان يجعلوا جميع صحن الدار ممرا فيكون لأهل الدار منعهم من ذلك
ومن أصحابنا من يقول لا يمنعون من فتح الباب لان ذلك رفع بعض الحائط والحائط خالص
حقهم وإنما يمنعون من التطرق في غير الموضع المعروف طريقا لهم في صحن الدار ولكن
في ظاهر الجواب قال يمنعون من فتح الأبواب لأنهم إذا تمكنوا من ذلك فربما يدعى كل
واحد منهم بعد تقادم الزمان لهم طريقا خاصا في صحن الدار ويستدل على ذلك بالباب المركب
وقد يعتمد ذلك بعض القضاة فيفصل الحكم به فلهذا منعوا من فتح الأبواب ولأهل الدار
أن يبنوا ما بدا لهم في صحن الدار بعد أن يتركوا لهم طريقا واحدا بقدر عرض باب الدار
العظمى لان ذلك القدر من حقهم متفق فيرد عليه ما وراء ذلك الموضع وما سوى ذلك من
صحن الدار فهو ملك خاص لأهل الدار فلهم ان يبنوا فيها ما أحبوا ويفتح أهل المقصورة
ما بدا لهم من الأبواب في ذلك الموضع لأنهم بفتح هذه الأبواب لا يبنون لأنفسهم زيادة
على مقدار حقهم وإن كان لأهل هذه المقصورة دارا أخرى إلى جنب هذه المقصورة فوقعت
هذه الدار في قسم رجل منهم فأراد أن يفتح بابا في هذا الطريق المرفوع بينهم فليس له ذلك لأنه
لا طريق لهذه الدار فيها فسا كنها يريد اثبات طريق لنفسه في طريق مشترك الشركة فيها خاصة
والطريق الخاص بمنزلة الملك فكما لا يمكن من احداث طريق لنفسه في ملك الغير فكذلك
في الطريق الخاص وان اشترى الذي اصابته المقصورة هذه الدار فأراد أن يجعل طريقها في
23

مقصورة ثم يمر في ذلك الطريق المشترك فله إذ كان الدار والمقصورة واحدا لان الكل في حكم
منزل واحد وإن كان ساكن المقصورة غير ساكن الدار لم يكن له ذلك لأنهما منزلان وكما أنه
ليس لساكن الدار أن يتطرق في هذا الطريق من داره فكذلك لا يكون له أن يتطرق فيه من
المقصورة لان لصاحب المقصورة أن يرضى بتطرقه فما هو خالص ملكه وهو المقصورة ولا
يعتبر رضاه بذلك في ملك الغير وهو الطريق وفرق بين هذا وبين الشرب فان من له أرض
بجنب نهر شربها من ذلك النهر إذا اشترى بجنب أرضه أرضا أخرى وأراد أن يسقى الأرض
الأخرى من هذا النهر باجراء الماء في أرضه لم يكن له ذلك وفى الطريق له ذلك إذا كان ساكن
الدار والمقصورة واحدا لان هناك يستوفى من الماء فوق حقه فان حقه في هذا النهر مقدار ما يسقى
به أرضه فإذا سقى به أرضين فهو يستوفى أكثر من حقه فيمنع من ذلك وفى الطريق هو الذي
يتطرق سواء دخل المقصورة فقط أو يحول من المقصورة إلى الدار فلهذا لا يمنع من ذلك
إذا كان ساكن الدار والمقصورة واحدا وإذا اقتسم الرجلان دارا فأخذ أحدهما طائفة
وفي نصيب الآخر ظلة على الطريق وكنيف شارع فالقسمة في هذا كالبيع وقد بينا في كتاب
الشفعة ان كنيف الشارع بدخل في بيع الدار سواء ذكر الحقوق والمرافق أو لم يذكر والظلة
عند أبي حنيفة لا يدخل الا بذكر الحقوق والمرافق وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يدخل إذا
كان مفتحها في الدار سواء ذكر الحقوق والمرافق أولم يذكر فكذلك في القسمة فان هدم
أهل الطريق تلك الظلة لم تنتقض القسمة لأنه إنما استحق البناء بالقسمة أما الأرض من طريق
المسلمين وإنما يستحق بالقسمة ما كان مشتركا بينهم قبل القسمة والمشترك البناء دون الأرض
ولا يرجع على شريكه بشئ لأنهما كانا يعلمان أن الظلة على الطريق فان لهم منها نفس البناء
لاحق القرار وذلك سالم له وإذا اقتسما دارا فلما وقعت الحدود بينهما إذا أحدهما لا طريق له
ولا يقدر على طريق فالقسمة مردودة لأنها وقعت على الضرر والمقصود تحصين كل واحد
منهما بالانتفاع بملكه لا قطع ملك المنفعة عند وقد تبين أن في هذه القسمة قطع منفعة الملك
عن أحدهما فكانت مردودة وإن كان له حائط يقدر على أن يفتح بابا يمر فيه رجل ولا تمر
فيه الحمولة فالقسمة جائزة لتمكنه من الانتفاع بنصيبه بالتطرق إليه من هذا الجانب فالأصل
في الطريق مرور الناس فيه فاما مرور الحمولة فيه لا يكون الا نادرا ويتعذر ذلك لا يمتنع عليه
استيفاء ما هو المقصود وان كانت بحيث لا يمر فيه رجل فليس هذا بطريق ولا تجوز القسمة
24

لما فيها من قطع منفعة الملك عن أحدهما وإن كان اقتسما على أن لا طريق لفلان وهو
يعلم أنه لا طريق له فهو جائز بتراضيهما لأنه رضي بذلك لنفسه وإنما لم تصح القسمة لدفع
الضرر عنه فإذا رضى بالتزام الضرر سقط اعتبار ذلك الضرر وإذا اقتسما دارا على أن يستوفى
أحدهما من الآخر دارا له بألف درهم فالقسمة على هذا الشرط باطلة لان فيها معنى البيع
واشتراط هذا في البيع مبطل له لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة وكذلك
كل قسمة على شرط هبة أو صدقة فهي فاسدة كالبيع وكذلك كل شراء على شرط قسمته فهو
باطل لان اشتراط القسمة في الشراء كاشتراط الشراء في القسمة وإذا كانت القسمة على أن
يزيد شيئا معروفا فهو جائز لأنه لو شرط في البيع زيادة في الثمن مقدار مسمى أو زيادة في
المبيع شيئا بعينه جاز ذلك فكذلك في القسمة و الله أعلم
(باب قسمة الدور بالدراهم يريدها)
(قال رحمه الله أحدهما وإذا كانت الدار بين رجلين فاقتسماها على أن يرد أحدهما على الآخر
دراهم مسماة فهو جائز) لان في حصة الدراهم المشروطة العقد بيع وقد تراضيا عليه وجواز
البيع يعتمد المراضات وقد بينا أن الشريكين عند القسمة يحتاجان إلى ذلك عادة إلا أن القاضي
لا يفعله الا عند الضرورة فاما إذا تراضيا على القسمة فذلك مستقيم منهما ثم كل ما يصلح أن
يكون عوضا مستحقا بالبيع يجوز اشتراطه في هذه القسمة عند تراضيهما عليه فالنقود حالة
كانت أو مؤجلة والمكيل والموزون معينا أو موصوفا مؤجلا أو حالا يجوز استحقاقه عوضا
في البيع فكذلك في القسمة فإن كان لشئ من ذلك حمل ومؤنة فلا بد من بيان مكان الايفاء
فيه عند أبي حنيفة رحمه الله كما في السلم والإجارة وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله ان بينا
للتسليم مكانا جاز ذلك وإن لم يبينا جازت القسمة ويتعين للتسليم موضع الدار وكان ينبغي في
القياس أن يتعين موضع العقد كما في السلم عندهما ولكنهما استحسانا فقالا تمام القسمة يكون
عند الدار وإنما يجب عند تمام القسمة فيتعين موضع الوجوب فيه للتسليم كما في الإجارة عندهما
يتعين موضع الدار لا موضع العقد لان وجوب الآخر باستيفاء المنفعة وذلك عند الدار يكون
وان كانت الزيادة شيئا من الحيوان بعينه فهو جائز وإن كان بغير عينه لم يجز موصوفا كان أو غير
موصوف مؤجلا كان أو حالا لان الحيوان لا يستحق في الذمة عوضا عما هو مال وإن كان بعينه
25

وشرط أن لا يسلمه إلى شهر فهو فاسد لأنه شرط الاجل في العين وذلك مفسد للبيع لكونه
غير منتفع به بل فيه ضرر على المتملك للعين بالعقد من غير منفعة للآخر فيه فكذلك في القسمة
ولو كانت الزيادة ثيابا موصوفة إلى أجل معلوم فهو جائز وإن لم يضرب له أجلا لم يجز كما في
البيع وهذا لان الثياب تثبت في الذمة سلما ولا تثبت في الذمة قرضا والسلم لا يكون إلا مؤجلا
والقرض لا يكون الا حالا فعرفنا بذلك أنها تثبت في الذمة مؤجلا ثبوتا صحيحا ولا تثبت
حالا وإذا كان ميراث بين رجلين في دار وميراث في دار أخرى فاصطلحا على أن لأحدهما
ما في هذه الدار وللآخر ما في تلك الدار وزاد مع ذلك دراهم مسماة فإن كانا سميا سهاما كم
هي سهم من كل دار جاز لان ما يستحقه كل واحد منهما بالقسمة والبيع معلوم له وإن لم يسميا
ذلك لم يجز لجهالة ما يستحقه كل واحد منهما وهذه جهالة تفضي إلى تمكن المنازعة بينهما في
الثاني وان سميا مكان السهام أذرعا مسماة مكسرة جاز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله
ولم يجز في قول أبي حنيفة رحمه الله وأصل الخلاف فيما ذكرنا في البيوع إذا باع ذراعا في عشرة
أذرع من هذه الدار فالقسمة نظير البيع في ذلك داران بين ثلاثة نفر اقتسموها على أن يأخذ
أحدهما احدى الدارين والثاني الدار الأخرى على أن يرد الذي أخذ الدار الكبرى على الذي لم
يأخذ شيئا دراهم مسماة فهو جائز لأنه اشترى نصيب الشريك الثالث بما أعطاه من الدراهم
ولو اشترى نصيب الشريكين جميعا بالدراهم جاز فكذا إذا اشترى نصيب أحدهما ثم قاسم الشريك
الآخر على قدر ملكها في الدارين وذلك مستقيم أيضا فقد بينا أن الدور تقسم قسمة واحدة بالتراضي
وكذلك أن أخذ الدار الكبرى اثنان منهم وأخذ الثالث الدار الصغرى وإذ كانت دارا واحدة
بينهم وأخذها اثنان منهم كل واحد منهما طائفة معلومة على أن يرد على الثالث دراهم
معلومة فهو جائز لأنهما اشتريا نصيبه بما نفذا له من الدراهم وكذلك أن اشترطوا على أحدهما
ثلثي الدراهم لفضل في منزله فذلك جائز لأنه يكون مشتريا ثلثي نصيب الثالث وصاحبه الثلث
وكذلك دار بين شريكين اقتسماها نصفين على أن يرد أحدهما على الآخر عبدا بعينه على أن
زاده الآخر مائة درهم فهو جائز لان بعض العبد عوض عن المائة الدراهم وبعضه عوض
عما أخذ مالك العبد من نصيب صاحبه بالقسمة من الدار وذلك مستقيم وكذلك لو اقتسماها
على أن يأخذ أحدهما البناء وأخذ آخر الخراب على أن يرد صاحب البناء على الاخر دراهم
مسماة فذلك جائز لان بعض ما أخذ من البناء عوض مستحق له بالقسمة وبعضه مبيع له بما
26

نقد من الدراهم وكذلك لو أخذ أحدهما السفل والآخر العلو واشترط أحدهما على صاحبه
دراهم مسماة لان السفل مع العلو كالبيتين المتجاورين يجوز بيع كل واحد منهما فكذلك
يجوز اشترط فضل الدراهم على أحدهما في قسمة العلو والسفل شرط ذلك على صاحب
العلو أو على صاحب السفل والله أعلم
(باب قسمة الدور بتفضيل بعضها على البعض بغير دراهم)
(قال رحمه الله وإذا كانت الدار بين رجلين فاقتسماها فأخذ أحدهما مقدمهما وهو الثلث والآخر
أخذ مؤخرها وهو الثلثان جاز ذلك) لان المعتبر في القسمة المعادلة في المالية والمنفعة والظاهر
أن ذلك لا يتأتى مع اعتبار المساواة في المساحة ومالية مقدم الدار فوق مالية مؤخرها لكثرة
الرغبة في المقدم دون المؤخر وتتفاوت المنفعة بحسب ذلك فالقسمة لا تخلو في العادة عن
التفاوت في المساحة ولا يعد ذلك ضررا وإنما الضرر بالتفاوت في المنفعة والمالية ففي ذلك
تعتبر المعادلة بينهما فإن كانت الدار بينهما أثلاثا فأخذ صاحب الثلث نصيبه ما بقي من الدار
وهو أكثر من حقه فهو جائز بمنزلة البيع لوجود التراضي منهما وقد بينا أن المال الذي
لا يجرى فيه الربا يعتبر لجواز المبايعة فيه المراضاة فكذلك أن كان الذي وقع في قسم الآخر
ليست له غلة فهو جائز لأنه رضي به لغرض له وهو غير متهم في النظر لنفسه فيه ولو اشتراه بمال
عظيم جاز شراؤه فكذلك إذا اختار أحدهما أخذه في القسمة بقسمه وإذا اقتسما دارا بينهما
على أن لكل واحد منهما طائفة من الدار على أن رفعا طريقا بينهما ولأحدهما ثلثه وللآخر
ثلثاه فهذا جائز وان كانت الدار في الأصل بينهما نصفين لان رقبة الطريق ملك لهما محل
للمعاوضة فقد شرط أحدهما لنفسه بعض نصيب صاحبه من الطريق عوضا عن بعض ما سلم
إليه من نصيبه في المنزل الذي أخذه صاحبه بالقسمة وذلك جائز وان أخذهما طائفة منهما
يكون قدر الثلث وأخذ الآخر طائفة تكون قدر النصف ورفعا طريقا بينهما يكون مقدار
السدس فهو جائز لأنهما نفيا شركتهما في موضع الطريق وقسما ما وراء ذلك على الأخماس
فأخذ أحدهما ثلاثة أخماسه والآخر خمسه ولو قسما الكل بينهما بهذه الصفة جاز فكذلك
إذا اقتسما البعض وبقيا شركتهما في البعض ليكون ذلك طريقا لهما ولو اشترطا أن يكون
الطريق بينهما على قدر مساحة ما في أيديهما فهو جائز لأنهما لو قسما الكل على هذه المساحة
27

جاز فكذلك إذا اشترطا أن يتركاه مشتركا للطريق بينهما على قدر هذه المساحة وكذلك
ان شرطا أن يكون الطريق لصاحب الأقل ويكون للآخر ممره فيه فهو جائز لان عين
الطريق مملوك لهما فقد حصل أحدهما نصيبه من عين الطريق لصاحبه عوضا عن بعض
ما أخذه من نصيب صاحبه بالقسمة ولكن بقي لنفسه حق الممر في ذلك جائز بالشرط كمن
باع طريقا مملوكا له من غيره على أن يكون له حق الممر فان ذلك جائز بمثله بيع السفل على
أن يكون حق القرار العلو له عليه وإن لم يشترطا شيئا من ذلك فالطريق بينهما على قدر ما
ورثا لأنهما نفيا شركتهما في قدر الطريق فيبقى في هذا الجزء عين ما كان لهما من الشركة
في الكل وإذا كانت دار بين رجلين وبينهما شقص من دار أخرى فاقتسماها على أن يأخذ
أحدهما الدار والآخر الشقص ولم يسميا سهام الشقص لم يجز ذلك للجهالة فان أقرا أنهما
كان يعرفان كم هو يوم اقتسما فهو جائز لان عين التسمية في العقد غير مقصودة بل المقصود
اعلام المتعاقدين بها وقد تصادقا على أنه كان معلوما لهما وان عرف ذلك أحدهما وجهله
الآخر فالقسمة مردودة وقد بينا في كتاب الشفعة انه إذا اشترى نصيب فلان من الدار
فإن كان المشترى يعلم كم نصيبه جاز البيع وإن كان البائع يعلم ذلك دون المشترى لم يجز في
قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ويجوز في قول أبى يوسف الآخر رحمه الله وينبغي أن يكون
الجواب في القسمة علي ذلك التفصيل أيضا وقيل بل هذا الجواب صحيح في القسمة وهو
قولهم جميعا لان المعتبر في القسمة المعادلة في المنفعة والمالية ولا يصير ذلك معلوما لكل واحد
منها الا إذا كان الشقص معلوما لكل واحد منهما فلهذا قلنا إذا جهل أحدهما ذلك فالقسمة
مردودة فاما البيع عقد معاينة يقصد للاسترباح والمشترى هو الذي يقبض البيع فيشترط أن
يكون مقداره معلوما له فاما حق البائع في الثمن معلوم فلتحقيق هذا المعنى يظهر الفرق وإذا
اقتسم الرجلان دارا على أن أخذ أحدهما الثلث من مؤجرها بجميع حقه وأخذ الثلثين من
مقدمها بحقه فهو جائز وإن كان فيه غبن لأنهما تراضيا عليه والقسمة نظير البيع فلا يمتنع
جوازها بسبب الغبن عند تمام التراضي من المتعاقدين عليه وما لم تقع الحدود بينهما والتراضي
بعد القسمة فلكل واحد منهما أن يرجع كما في البيع قبل تمام العقد بالايجاب والقبول لكل
واحد منهما أن يرجع فكذلك في القسمة وتمام القسمة بوقوع الحدود بينهما وإذا كانت
أقرحة الأرض متفرقة بين رجلين فهي كالدور عند أبي حنيفة رحمه الله يقسم كل قراح بينهما
28

على حدة الا إذا تراضيا على أن يقسما الكل قسمة واحدة وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما
الله ينظر القاضي في ذلك فيقسمها بينهم على أعدل الوجهين كما هو مذهبهما في الدور وهذا
لان الأراضي المتفرقة تتفاوت فيما هو المقصود منهما في العلة والصلاحية للرطبة والكرم
وغير ذلك بمنزلة تفاوت الدور المتفرقة تتفاوت فيما هو المقصود منها أو أكبر من ذلك فكما أن
هناك لتعذر المعادلة في المنفعة قال أبو حنيفة رحمه الله تقسم كل دار على حدة فكذلك الجواب
في الأقرحة وإذا كانت القرية ميراثا بين قوم اقتسموها فأصاب أحدهم قراح وغلات في
قراح وأصاب الآخر قرحا كرم فهو جائز لان هذا النوع من القسمة يعتمد الرضا وما
أصاب كل واحد منهما غير مال متقوم يجوز بيعه فيجوز استحقاقه بالقسمة أيضا وإذا أصاب
بعضهم بستان وكرم وبيوت وكتبوا في القسمة بكل حق هو لها أولم يكتبوا ذلك فله ما فيها
من الشجر والبناء ولا يدخل في ذلك الثمر والزرع وقد بينا هذا في كتاب الشفعة في
البيع فهو كذلك في القسمة وان كتبوا بكل قليل وكثير هو فيها أو منها دخل ذلك في القسمة
وفى كتاب المزارعة قال لا يدخل الزرع والثمر بهذا اللفظ ولكن قال هناك بكل قليل وكثير
هو فيها ومنها من حقوقها فيما ذكر في آخره يتبين ان المراد ادخال الطريق والشرب دون
الزرع والثمر وهناك أطلق بكل قليل وكثير هو فيها أو منها والثمر والزرع من هذه الجملة
فعند إطلاق اللفظ تدخل في القسمة ومن جعل المسألة على روايتين فقد بينا وجه الروايتين
في كتاب الشفعة وإذا اقتسم نفر بينهم أرضا على أن لا طريق لهم ولا شرب ورضوا بذلك
فهو جائز لوجود التراضي منهم على التزام الضرر إلا أنهم قالوا القاضي لا يشتغل بهذه القسمة
وان تراضوا عليه لان القاضي لا يشتغل بما لا يفيد ولكن ان فعلوا ذلك لم يمنعهم من ذلك كما
لو طلبوا من القاضي قسمة الحمام بينهم لا يفعل وذلك وان فعل ذلك لم يمنعهم من ذلك وان
كانت أرض بين قوم لهم نخل في غير أرضهم فاقتسموا على أن يأخذ اثنان منهم الأرض وأخذ
الثالث النخيل بأصولها فهذا جائز لان النخلة بمنزلة الحائط منها ولو شرط لأحدهم في القسمة
حائطا ينصبه جاز فكذلك النخلة وان شرطوا أن لفلان هذه القطعة وهذه النخلة وهو في غير
تلك القطعة وللآخر قطعة وللثالث القطعة التي فيها تلك النخلة فأراد أن يقطع النخلة فليس
له ذلك والنخلة لصاحبها بأصلها لما بينا أن النخلة كالحائط وتسمية الحائط في القسمة يستحقه
بأصله فكذلك تسمية النخلة وهذا لأنها نخلة ما لم تقطع فاما بعد القطع هو جذع فمن ضرورة
29

استحقاق النخلة استحقاق أصلها وكذلك على هذا لو أقر لإنسان بنخلة استحقاقها بأصلها
وذكر في النوادر في البيع اختلافا بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله قال عند أبي يوسف رحمه الله
يستحقها بأصلها وعند محمد رحمه الله لا يستحق بأصلها إلا بالذكر فقيل الجواب في الاقرار
كالجواب في البيع على الخلاف فأبو يوسف رحمه الله يسوى بين القسمة والبيع ومحمد رحمه
الله يفرق بينهما فنقول في القسمة بعض نصيب أحدهما باعتبار أصله ملكه وأصل ملكه فيها
نخلة وإنما تكون نخلة قبل القطع فمن ضرورة استحقاقه البعض بأصله استحقاق جميع النخلة
بأصلها وكذلك في الاقرار فهو اخبار بملك النخلة له وإنما تكون نخلة بأصلها فاما البيع ايجاب
ملك مبتدأ فلا يستحق به الا المسمى فيه والنخلة اسم لما ارتفع من الأرض لا الأرض فلا
يجوز أن يثبت له الملك ابتداء في شئ من الأرض بتسمية النخلة في البيع فلهذا يشترط
فيه ذكر الأصل فان قطعها فله أن يغرس مكانها ما بدا له لأنه قد استحق له ذلك من الأرض
فكما كان له أن يبقى الأولى فيها قبل القطع فكذلك له أن يغرس مكانها أخرى فان أراد أن يمر
إليها فمنعه صاحب الأرض فالقسمة فاسدة لأنها وقعت على الضرر فلا طريق له إلي نخلته
وقد بينا أن القسمة متى وقعت على ضرر فهي فاسدة وان الطريق الخاص لا يدخل الا
بذكر الحقوق والمرافق فإن كانوا ذكروا في القسمة بكل حق هو لها فالقسمة جائزة وله
الطريق إلى نخلته لأنه نص على شرط الحقوق والمرافق ولا يقصد بهذا اللفظ الا شرط
الطريق فكأنه شرط الطريق إلى نخلته أيضا وإذا كانت قرية وأرض ورحى ماء بين نفر
فاقتسموها فأصاب رجل الرحاء وأصاب الآخر أقرحة معلومة وأصاب الاخر بيوت
وأقرحة فاقتسموها بكل حق هو لها فأراد صاحب النهر أن يمر إلى نهره في أرض قسمة
فمنعه ذلك ليس له أن يمنعه وله الطريق إلى نهره إذا كان نهره في وسط أرض وهذا ولا يخلص
إليه الا بذلك لأنه لا يتمكن من الانتفاع بنهره ما لم يخلص إليه ولا طريق له إلى ذلك الا في
أرض قسيمه وقد اشترط في القسمة كل حق هو لها فعرفنا انه إنما شرط ذلك لأجل هذا
الطريق والطريق بالشرط يصير مستحقا له في نصيب قسيمه وإن كان النهر منعرجا مع حد
الأرض له طريق إليه في غير الأرض لم يكن له أن يمر في أرض هذا لان القسمة لتمييز ملك
أحدهما من ملك الآخر وتمام ذلك بان لا يبقي لأحدهما حق في نصيب الآخر واتمام القسمة
في هذا الفصل ممكن بهذه الصفة فلا يستحق الطريق بذكر الحقوق والمرافق وفي الأول
30

لا يمكن اتمام القسمة بهذه الصفة فيجعل الطريق مستحقا له بذكر الحقوق وقد تقدم
بيان هذا الفرق في البيت والصفة وإن كان في وسط أرض هذا ولم يشترطوا المرافق والطريق
ولا كل حق هو لها ولا كل قليل وكثير هو فيها أو منها فلا طريق له في أرض هذا لما بينا
انه لا يستحق في نصيب قسيمه حقا من غير لفظ يدل عليه في القسمة والقسمة فاسدة لأنها
وقعت على ضرر إلا أن يقدر على أن يمر في بطن النهر بان انكشف الماء عن موضع من النهر
فان قدر على هذا فالقسمة جائزة وطريقه في بطن النهر ليمكنه من الانتفاع بنصيبه بهذه الصفة
وطريقه لا في بطن النهر زيادة منفعة له ولم يشترط ذلك لنفسه فلا يستحقه ولا تبطل القسمة
لأجله مع تمكنه من الانتفاع بنصيبه لان حرمانه هذه الزيادة بتركه النظر لنفسه عند القسمة
وإن كان للنهر مسناة من جانبيه يكون طريقه عليها فهو جائز وطريقه عليها دون أرض صاحبه
وان ذكر الحقوق في القسمة لتمكنه من الانتفاع بالنهر بالتطرق على مسناته وإن لم يذكروا
المسناة في القسمة فاختلف صاحب النهر والأرض فيها فهي لصاحب النهر لملتقى طينه وطريقه
في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وقال أبو حنيفة رحمه الله هو لصاحب الأرض وهذا بناء على
مسألة كتاب الشرب أن عند أبي حنيفة رحمه الله لا حريم للنهر وعندهما للنهر حريم من جانبيه
مثل عرض بطن النهر فإذا كان عندهما للنهر حريم كان اشتراط النهر لأحدهما في القسمة
اشتراطا لحريمه له فهو أولى به وعند أبي حنيفة رحمه الله لا حريم للنهر وقد جعلا في القسمة
النهر حدا لملك صاحبه والمسناة من جنس الأرض يصلح لما يصلح له الأرض من الغرس
والزراعة ولا يصلح لما يصلح له من اجراء الماء فيه فيكون صاحب الأرض أولى به وإن لم يكن
للنهر طريق الا في أرض لقسيمه واشترطوا عليه أن لا طريق له في هذه الأرض فهو جائز
ولا طريق له إذا علم يومئذ أنه لا طريق له لان فساد القسمة لدفع الضرر عنه وقد رضى هو بالتزام
الضرر والشرط أملك وكذلك النخلة والشجرة نصبت إحداهما في أرض الاخر واشترطا
أن لا طريق له في أرض صاحبه فهو والنهر سواء ولو كان نهر يصب في أجمه كان لصاحبه ذلك
المصب على حاله لأنه محتاج إليه مستعجل له وقد وقعت القسمة على هذه الصفة فيترك على
ذلك لما بينا في جذوع لأحدهما على حائط الاخر فالمصب يجوز أن يكون مستحقا لصاحب
النهر في ملك الغير كالجذوع وإذا كان نهر لرجل يمر في ملك رجل آخر فاختلفا في مسناة على النهر
فهي لرب الأرض في قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما للمسناة لصاحب النهر وهذا بناء على مسألة
31

حريم النهر وعلى سبيل الابتداء هما يقولان لصاحب النهر في المسناة يد من حيث الاستعمال
فإنه بالمسناة من الجانبين يجرى ماؤه في النهر مستويا والاستعمال يد وعند المنازعة القول قول
ذي اليد ولأبي حنيفة ان الظاهر يشهد لرب الأرض لان المسناة من جنس الأرض يصلح
لما يصلح له الأرض وملك الاخر في النهر وهو العمق الذي يجرى فيه الماء وما وراء ذلك
يكون لصاحب الأرض باعتبار الظاهر حيث يثبت للاخر استحقاقه بالحجة إلا أنه ليس له أن
يهدمها فان ذلك يضر بالنهر لأن الماء يفيض عدم المسناة فهو مملوك لصاحب الأرض
ولصاحب النهر فيه حق استمساك الماء به فلا يهدمها لحقه كحائط لإنسان عليه جذوع لاخر
ليس لصاحب النهر أن يهدمه ولكن لصاحب الأرض أن يغرس على المسناة ما بدا له لأنه
يتصرف في ملكه وليس فيه ابطال حق صاحب النهر فهو بمنزلة حائط سفله لرجل وعلوه
لاخر ولصاحب العلو أن يحدث على علوه ما بدا له ما لم يضر بالسفل وإذا كانت القرية والأرض
بين قوم اقتسموا الأرض مساحة على أن من أصابه شجر أو بيوت في أرضه فهي عليه بقيمتها
دراهم فهو جائز وهذا استحسان بمنزلة رجلين يقتسمان دارا على أن لكل واحد منهما ما أصابه من
البناء بالقيمة فهو جائز وإن لم يسميا ذلك استحسانا وقد بيناه قال ألا ترى أنه لو كانت دار بين رجلين
فيها ساحة وبناء لهما ولاخر فاقتسماها على أن أخذهما الساحة وأخذ الاخر موضع البناء على
أن البناء بينهم على حاله ثم أراد الذي أصابه الساحة أن يأخذ نصيبه من البناء لم يكن له ذلك
لان فيه ضررا على صاحبه ولكن له قيمة حقه من ذلك أجبره عليه فإذا كنت أجبره على
أخذ القيمة بغير شرط فهي إذا كان بشرط أجوز وإن لم يسميا ذلك ومعنى هذا أن البناء وصف
للساحة وتبع لها فإذا استويا في ملك البيع وتفرد أحدهما بملك الأصل كان لصاحب الأصل
أن يتملك على شريكه من الوصف بالقيمة ألا ترى أن صبغ الغير لو اتصل بثوب الغير كان
لصاحب الثوب أن يتملك الصبغ على صاحبه بالقيمة باعتبار انه وصف لملكه وهذا بخلاف
ما إذا كان البناء كله لإنسان في ساحة الغير لان هناك صاحب البناء يتمكن من رفع بنائه من
غير اضرار بصاحب الساحة فلا يكون لصاحب الساحة حق تملك البناء عليه بغير رضاه وأما
إذا كان البناء مشتركا فهو لا يتمكن من رفع نصيبه من البناء بدون الاضرار بصاحب الساحة
لأنه ما لم يرفع جميع البناء لا يمكن قسمته بينهما فلهذا كان لصاحب الأصل أن يرفع الضرر
عن نفسه ويتملك نصيبه عليه بضمان القيمة توضيحه أن البناء تبع من وجه حتى يدخل في
32

بيع الأصل من غير ذكر كالصبغ في الثوب وهو أصل من وجه حتى يجوز بيعه على الانفراد
فيوفر حظه على الشبهين فلشبهه بما هو أصل لا يكون لصاحب الأرض أن يتملك على صاحب
البناء جميع البناء بغير رضاه ولشبهه بالبيع يكون له عليه أن يتملك نصيبه من البناء إذا كان
مشتركا بينهما وان اشترطوا ذلك بدنانير فالدنانير كالدراهم في أنها لا تستحق إلا ثمنا في الذمة
وكذلك أن اشترطوا مكيلا أو موزونا موصوفا في الذمة فذلك ثمن بمقابلة العين والبناء عين
فاشتراط المكيل والموزون في الذمة بمقابلة البناء بمنزلة اشتراط الثمن فهو كاشتراط الدراهم
والدنانير وان شرطوا شيئا من ذلك بعينه أو من غير ذلك من العروض والحيوان فذلك
باطل لأنه مبيع يرد عليه العقد مقصودا فجهالته عند العقد تكون مبطلة للعقد وهذا لان
الثمن معقود به (ألا ترى) أن قيامه في ملك المشتري عند العقد ليس بشرط لصحة العقد
فكذلك ترك تسمية المقدار فيه عند ابتداء القسمة لا يمنع جواز القسمة إذا كان معلوم المقدار
عند تمام القسمة فاما العين يكون معقودا عليه ويشترط وجوده في ملك العاقد وقدرته على
تسليمه عند العقد فكذلك يشترط أن يكون معلوما بالتسمية عند العقد أو بالإشارة إلى عينه
وهذا لأنه إذا لم يكن معلوما فهو يكون مشتريا للعين بقيمته وذلك لا يجوز وفي الثمن هنا يقتسمان
المشترى بعضه بالمساحة وبعضه بالقيمة وذلك جائز والفضة والذهب التبر والأواني المصوغة
في هذا بمنزل المكيل والموزون بعينه وهذا دليل على أن يتعين التبر وانه يستحق مبيعا وقد
تقدم الكلام فيه في كتاب الشركة والصرف ولو أقامت الورثة البينة على المواريث وسألوا
القاضي قسمته وعلى الميت دين وصاحب الدين غائب لم يقسم شيئا من أجناس التركة لان
الدين مقدم على الميراث والقسمة ليتوصل كل واحد من الشركاء إلى الانتفاع بنفسه وذلك
للورثة بعد قضاء الدين قال الله تعالى من بعد وصية يوصى بها أو دين فلا يشتغل القاضي
بالقسمة قبل قضاء الدين كما لا يشتغل به في حياة المورث فإن كان الدين أقل من التركة
فسألوه أن يوقف منها قدر الدين ويقسم الباقي فعل ذلك استحسانا وفي القياس لا يفعل لان
الدين شاغل لك جزء من أجزاء التركة حتى لو هلك جميع التركة الا مقدار الدين كان
ذلك لصاحب الدين وهذا القياس قول أبي حنيفة الأول ولكنه استحسن وقال قل ما تخلو
التركة عن دين يسير ويقبح أن يوقف عشرة آلاف درهم بدين عشرة دراهم فالأحسن
أن ينظر الفريقين جميعا فيقف من التركة قدر الدين لحق الغرماء ويقسم ما زاد على ذلك بين
33

الورثة مراعاة لحقهم وفيه نظر للميت أيضا من حيث أن وارثه يقوم بحفظ ما يصيبه من ذلك
ويكون ذلك مضمونا عليه ما لم يصل إلى صاحب الدين حقه ولا يأخذ كفيلا بشئ من
ذلك أرأيت لو لم يجد الوارث من يكفل عنه أولم يجد الغريم من يكفل عنه أيسع القاضي
إمساك حقه وهو يعرف أنه حقه وإنما يطلب الكفيل بشئ لم يلحقه بعد ولكنه يخاف ذلك
وعسى لا يلحقه شئ وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله وفي الجامع الصغير قال هذا شئ احتاطه
القضاة وهو جور أي مائل عن طريق القصد فقد بينا المسألة في كتاب الدعوى وإن لم يعلم القاضي
بالدين سألهم هل هي دين أم لا فان قالوا لا فالقول قولهم ويقسم المال بينهم لتمسكهم بالأصل
وهو فراغ ذمة الميت عن الدين ولان المال في أيديهم فقد زعموا أنه خالص حقهم فيقبل فيه
قولهم ما لم يحضر خصم ينازعهم فان ظهر دين بعد ذلك نقض القسمة بينهم لأنه لو كان الدين
معلوما لم يشتغل بالقسمة فكذلك إذا ظهر بعد القسمة لأنه تبين أن القسمة كانت قبل أوانها
فان أوان القسمة بعد قضاء الدين وكذلك لو قسم قبل أن يسألهم عن الدين إلا أن يقضوا
الدين الذي ظهر قبل أن تنقض القسمة فحينئذ لا ينقضها لارتفاع الموجب لنقضها كمالا ينقض
سائر تصرفات الوارث إذا قضى الدين من موضع آخر وكذلك لو لحق وارث آخر لم يعرفه
الشهود ولم يشهدوا عليه لان القسمة تنتقض في كلها لأنه تبين انها وقعت بغير محضر بن بعض
الشركاء ولو لم تنقض القسمة تضرر به هذا الوارث لأنه يحتاج إلى أن يستوفي مما وصل إلى كل
واحد منهم مقدار نصيبه فيتفرق نصيبه في مواضع فلهذا تنتقض القسمة ويستقبل بينهم وان
أقر أحدهم لرجل بدين وجحد ذلك بعضهم قسمت التركة بينهم على المواريث لان الدين
المانع من ذلك لا يظهر في حق الجاحدين ثم يؤمر المقر بقضاء الدين من نصيبه إذا كان في نصيبه
وفاء بذلك عندنا وعند الشافعي رحمه الله يقضي من نصيبه بقدر حصته وقد بينا المسألة في
الاقرار ولو قسم القاضي التركة بينهم ثم أقام رجل البينة أن الميت أوصي له بألف درهم وهي
تخرج من ثلثه فالقسمة تبطل لان الوصية بالمال المرسل إذا كان يخرج من الثلث يستحق
سابقا على الميراث كالدين فظهور هذه الوصية بعد القسمة كظهور الدين فان غرم الوارث هذه
الألف من مالهم مضت القسمة لوصول حق الموصي له بكماله إليه كما لو قضوا الدين وكذلك
لو قضى ذلك واحد منهم على أن لا يرجع عليهم بشئ وهو سواء في الدين والوصية وان أراد
أن يرجع عليهم لم تجز القسمة لان قيام حقه في التركة كقيام حق صاحب الدين والموصي له
34

قبل أن يقضيه في المنع من القسمة إلا أن يقضوه بالحصص فان فعلوا ذلك قبل نقض القسمة
فالقسمة ما فيه ولو كان صاحب الوصية أقام البينة على أنه أوصى له بالثلث أبطلت القسمة لان
الموصى له بالثلث شريك الورثة في التركة حتى تزداد حصته بزيادة التركة وتنقص بنقصان
التركة فثبوت وصيته بالبينة كظهور وارث آخر لم يكن معلوما وقت القسمة فتنتقض القسمة
لحقه وإذا كانت القرية وأرضها بين رجلين بالشراء فمات أحد وترك نصيبه ميراثا فأقام ورثته
البينة على الميراث وعلى الأصل وشريك أبيهم غائب لم يقسم حتى يحضر الغائب لان حضور
ورثة الميت لو كان حيا وقد بينا في الشركة في المشتراة ان غيبة بعض الشركاء يمنع القاضي
من القسمة وان قامت البينة على الشراء فهذا مثله ولو حضر الغائب وغاب بعض الورثة قسمتها
بينهم لان من حضر من الورثة قائم مقام الميت وحضوره كحضور الميت لو كان حيا ولان
بعض الورثة في التركة خصم عن البعض وحضور بعضهم كحضور جماعة اما وارث الميت
لا يكون خصما عن شريكه المشترى معه فلهذا لا يشتغل بالقسمة عند غيبة الشريك ولو كان
الأصل بين رجلين ميراثا من أبيهما فمات أحدهما وترك نصيبه ميراثا بين ورثته فحضروا
وغاب عمهم وأقاموا البينة على أصول ميراث الجد قسمتها بينهم ويعزل نصيب عمهم وكذلك
لو كان عمهم حاضرا وغاب بعض بنى أخيه لان الأصل ميراث هنا وفي الميراث بعض الورثة
يكون خصما عن البعض فيجعل حضور بعضهم كحضور جماعتهم للقسمة عند إقامة البينة
ويعزل نصيب كل غائب من ذلك كما لو كانت الشركة بالميراث بينهم من رجل واحد وإذا
اقتسم القوم القرية وهي ميراث بينهم بغير قضاء قاض وفيهم صغير ليس له وصى أو غائب
ليس له وكيل لم تجز القسمة لأنه لا ولاية لهم على الغائب والصغير والظاهر أن نظرهم لأنفسهم
في هذه القسمة فوق نظرهم للغائب والصغير بخلاف القاضي إذا قسم بينهم فله ولاية النظر
على الصبي والغائب والظاهر أنه ينظر له شفقة لحق الدين بعجزه عن النظر لنفسه وكذلك لو
اقتسموها بأمر صاحب الشرط أو عامل غير القاضي كالعامل على الرستاق أو الطسوج على
الخراج أو على المعونة لأنه لا ولاية لهؤلاء على الغائب والصغير فوجود أمرهم كعدمه وكذلك
لو رضوا بحكم بعض الفقهاء فسمع من بينهم على الأصل والميراث ثم قسمها بينهم بالعدل وفيهم
صغير لا وصى له أو غائب لا وكيل له لم تجز لان الحكم لا ولاية له على الغائب والصبي فإنه صار
حكما بتراضي الخصوم فيقتصر ولايته على من وجد منه الرضا بحكمه فان أجاز الغائب أو
35

كبر الصبي فأجاز فهو جائز لان هذا العقد مجيزا حال وقوعه (ألا ترى) أن القاضي لو أجاز جاز
وهو نظير ما لو باع انسان مال الصبي فكبر الصبي وأجاز ذلك وان مات الغائب أو الصغير
فأجاز وارثه لم يجز في القياس وهو قول محمد رحمه الله لان الملك حادث للورثة فلا تعمل إجازة
الوارث كما لو باع انسان ماله وأجاز وارثه بعد موته البيع لم يجز ذلك لهد المعنى وفي الاستحسان
يجوز وهو قولهما لان الوارث يخلف المورث فأجازته بعد موته كإجازة المورث في حياته
وحرف الاستحسان وبه يتضح الفرق بين هذا وبين سائر التصرفات أن الحاجة إلى القسمة
قائمة بعد موت المورث كما كان في حياته فلو نقضت تلك القسمة احتيج إلى اعادتها في الحال
بتلك الصفة وإنما تكون اعادتها برضى الوارث فلا فائدة في نقضها مع وجود الإجازة منه
لتعاد برضاه بخلاف البيع فانا لو نقضنا ذلك البيع عند الموت لا تقع الحاجة إلى اعادته فالبيع
لا يكون مستحقا في كل عين لا محالة فلهذا لا يعمل إجازة الوارث فيه بعد تعين جهة البطلان
فيه بموت المورث والله أعلم
(باب قسمة الحيوان والعروض)
(قال رحمه الله وإذا كانت الغنم بين قوم ميراثا أو شراء فأراد بعضهم قسمتها وكره ذلك
بعضهم وقامت البينة على الأصل فان القاضي بقسمها بينهما) لان اعتبار المعادلة في المنفعة والمالية
عند اتحاد جنس الحيوان ممكن للتقارب في المقصود فيغلب معنى التمييز في هذه القسمة على
معنى المعاوضة وبمعنى التمييز يثبت للقاضي ولاية اجبار بعض الشركاء عليه وكذلك كل صنف
من الحيوان أو غيره من الثياب أو ما يكال أو يوزن فعند اتحاد الجنس يجبر القاضي على القسمة
عند طلب بعض الشركاء الا في الرقيق فان أبا حنيفة رحمه الله يقول لا يقسم الرقيق بينهم إذا
كره ذلك بعضهم وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يقسم ذلك بينهم بطلب بعضهم لان الرقيق
جنس واحد إذا كانوا ذكورا أو إناثا ومراعاة المعادلة في المنفعة ممكن لتقارب المقصود فيقسمها
بينهم عند طلب بعضهم كما في سائر الحيوانات (ألا ترى) أن الرقيق كسائر الحيوانات في سائر
العقود من حيث أنها تثبت في الذمة مهرا ولا تثبت سلما فكذلك في القسمة يجعل الرقيق كسائر
الحيوانات والدليل عليه أن الرقيق يقسم في الغنيمة كسائر الأموال فكذلك في القسمة بين
الشركاء وأبو حنيفة رحمه الله يقول التفاوت في الرقيق أظهر منه في الأجناس المختلفة فان الأجناس
36

المختلفة قد تتفاوت في المالية والرقيق يتفاوت تفاوتا فاحشا ثم قسمة الجبر لا تجري في
الأجناس المختلفة فكذلك في الرقيق وهذا لان المعتبر المعادلة في المالية والمنفعة وذلك يتفاوت
في الادمي باعتبار معاني باطلة لا يوقف عليها حقيقة كالدهن والكتابة وقد يرى الانسان
من نفسه ما ليس فيه حقيقة أو أكثر مما هو فيه فيتعذر اعتبار المعادلة في المالية وبترجح معنى
المعاوضة في هذه القسمة على معنى التمييز فلا يجوز الا بالتراضي والدليل على الفرق بين الرقيق
وسائر الحيوانات أن الذكور والإناث في سائر الحيوانات جنس واحد وفي الرقيق هما
جنسان حتى إذا اشترى شخصا على أنه عبد فإذا هي جارية لم يجز الشراء بخلاف سائر الحيوانات
وما كان ذلك الا باعتبار معنى التفاوت وهذا بخلاف قسمة الغنيمة فإنها تجري في الأجناس
المختلفة وكان المعنى فيه أن حق الغانمين في معنى المالية دون العين حتى كان للامام بيع المغانم
وقسمة الثمن فإنما يعتبر اتصال مقدار من المالية إلى كل واحد منهم فاما في الشركة الملك حق
الشركاء في العين والمالية فللامام حق التمييز بالقسمة على طريق المعادلة وليس له ولاية المعاوضة
فإذا كان يتعذر اعتبار المعادلة هنا بطريق التمييز لا يثبت للقاضي ولاية الاجبار على القسمة
إلا أن يكون مع الرقيق شئ ء آخر من غنم أو ثياب أو متاع فحينئذ يقسم ذلك كله وكان
أبو بكر الرازي رحمه الله يقول تأويل هذه المسألة أنه يقسم ذلك برضاء الشركاء فاما مع كراهة
بعضهم القاضي لا يقسم لأنه إذا كان عند اتحاد الجنس في الرقيق لا يقسم قسمة الجبر عند أبي
حنيفة رحمه الله فعند اختلاف الجنس أولى والأظهر أن قسمة الجبر هنا تجري عند أبي حنيفة
رحمه الله باعتبار أن الجنس الاخر الذي هو مع الرقيق يجعل أصلا في القسمة وحكم القسمة
جبرا يثبت فيه فيثبت في الرقيق أيضا تبعا وقد يثبت حكم العقد في الشئ تبعا وإن كان لا يجوز
اثباته فيه مقصودا كالشرب والطريق في البيع والمنقولات في الوقت وكأنه استحسن ذلك
لأنه قال ما تخلو تركة يحتاج فيها إلى قسمة القاضي عن الرقيق وإذا كان مع الرقيق شئ آخر
فباعتبار المعادلة في المالية يتيسر بخلاف ما إذا كان الكل رقيقا فعند مقابلة الرقيق بالرقيق يعظم
الغبن والتفاوت وعند مقابلة الرقيق بمال آخر يقل التفاوت وإن كان الذي بين الشركاء ثوب
زطي وثوب هروي وبساط ووسادة لم يقسمه الا برضاهم لان في الأجناس المختلفة القسمة
تكون بطريق المعاوضة فان كل واحد من الشريكين يتملك على شريكه نصيبه من الجنس
الذي يأخذ عوضا عما يملكه من نصيب نفسه من الجنس الاخر وفي المعاوضات لا بد من
37

التراضي فإن كان في الميراث بينهم رقيق وثياب وغنم ودور وضياع فاقتسموها بينهم وأخذ كل
واحد منهم صنفا جاز ذلك لوجود التراضي منهم على انشاء المعاوضة وان رفعوا إلى القاضي
قسم كل صنف بينهم على حدة ولا يضيف بعضها إلى بعض لان للقاضي ولاية التمييز بالقسمة
وإنما يغلب معنى التمييز إذا قسم كل واحد من صنف على حدة ولان القاضي يعتبر المعادلة في كل ما
يتهيأ له اعتباره وقسمة كل صنف على حدة أقرب إلى المعادلة فأما اتفاقهم على القسمة يعتمد
التراضي دون المعادلة وإذا تمت بتراضيهم بعد ذلك كيف وقعت القسمة وإذا كانت الغنم بين
رجلين فقسمها نصفين ثم أقرعا فأصاب هذا طائفة وهذا طائفة ثم ندم أحدهما وأراد
الرجوع فليس له ذلك لان القسمة قد تمت بخروج السهام وكذلك لو رضيا برجل قسمها
ولم يألوا أن يعدل في ذلك ثم أقرع بينهما هو جائز عليهما لان فعله بتراضيهما كفعلهما وان
تساهموا عليها قبل أن يقسموها فأيهم خرج سهمه عدوا له الأول فالأول فهذا يجوز لأنه
مجهول لا يعرف ما يصيب كل واحد منهم بالقسمة وفي القسمة معنى البيع فالجهالة التي تفضى إلى
المنازعة تفسدها كما تفسد البيع وإن كان في الميراث إبل وبقر وغنم فجعلوا الإبل قسما والغنم
قسما والبقر قسما ثم تساهموا عليها وأقرعوا على أن من أصابه الإبل رد كذا درهما على صاحبيه
نصفين فهو جائز لان القسمة لا تتم بينهم الا بخروج القرعة وعند ذلك من وجب عليه الدراهم
ومن وجب له معلوم بخلاف الأول فهناك عند خروج القرعة ما يأخذه كل واحد ممن
خرجت القرعة باسمه مجهول فيما يتفاوت فان ندم أحدهم بعد ما وقعت السهام لم يستطع نقض
ذلك لان القسمة تمت بالتراضي فان رجع عن ذلك قبل أن يقع السهام فله ذلك لان القسمة
لم تتم بعد ونفوذ هذه القسمة باعتبار المراضات فيعمل الرجوع من كل واحد منهم قبل تمامها
كما في البيع يصح الرجوع بعد الايجاب قبل القبول وكذلك أن وقع سهم وبقي سهمان
فرجع عن ذلك جاز رجوعه وان وقعت السهام كلها الا سهم واحد لم يكن لبعضهم أن يرجع بعد
ذلك لان القسمة قد تمت فبخروج سائر السهام يتعين ما يصيب السهم الباقي خرج أو لم يخرج
وإن كان الثوب بين رجلين فأراد أحدهما قسمته لم يقسم لان في قسمته ضررا فإنه يحتاج إلى
قطع الثوب بينهما وفي قطعه اتلاف جزء منه فلا يفعله القاضي مع كراهة بعض الشركاء فان
رضيا بذلك جميعا قسمه بينهما لوجود الرضا منهما بالتزام هذا الضرر وقد قال بعض مشايخنا
القاضي لا يفعل ذلك وان تراضيا عليه ولكن ان اقتسما فيما بينهما لم يمنعهما من ذلك لان في هذه
38

القسمة اتلاف جزء والقاضي بقضائه يحصل ولا يتلف وقد تقدم نظيره فيما لا يحتمل القسمة
كالحمام وغيره فان اقتسماه فشقاه طولا أو عوضا بتراض منهما فهو جائز وليس لواحد منهما
ان يرجع بعد تمام القسمة وان كانت الثياب بين قوم ان اقتسموها لم يصب كل واحد منهم ثوب
تام فان القاضي لا يقسمها بينهم لأنها تحتاج إلى القطع وفيه اتلاف جزء وان تراضوا بينهم على
شئ جاز ذلك ولو كانت ثلاثة بين رجلين فأراد أحدهما قسمتها وأبى الاخر فانى انظر
في ذلك أن كانت قسمتها تستقيم من غير قطع بان تكون قيمة ثوبين مثل قيمة الثالث فان
القاضي يقسمها بينهما فيعطى أحدهما ثوبين والاخر ثوبا وإن كان لا يستقيم لم أقسمها بينهم الا
ان تراضوا فيما بينهم على شئ هكذا قال في الكتاب والأصح أن يقال إن استوت القيمة
وكان نصيب كل واحد منهما ثوب ونصف فإنه يقسم الثوبين بينهما ويدع الثالث مشتركا
وكذلك أن استقام أن يجعل أحد القسمين ثوبا وثلثي الاخر والقسم الاخر ثوبا وثلث الاخر
أو أحد القسمين ثوبا وربعا والاخر ثوبا وثلاثة أرباع فإنه يقسم بينهم ويترك الثوب الثالث
مشتركا لأنه تيسير عليه التمييز في بعض المشترك ولو تيسر ذلك في الكل كان يقسم الكل عند
طلب بعض الشركاء فكذلك إذا تيسر ذلك في البعض والله أعلم بالصواب
(باب الخيار في القسمة)
(قال رحمه الله وإذا اقتسما الشريكان عقارا أو حيوانا أو متاعا ولم ير أحدهما قسمه الذي
وقع له ثم رآه فهو بالخيار ان شاء رد القسمة وان شاء أمضاها) واعلم بان هذه المسائل في
قسمة يتفقان عليها دون ما يفعله القاضي فله ولاية اجبار الشركاء عند طلب بعضهم فلا معنى
لاثبات خيار الرؤية فاما فيما لا يتفقان عليه القسمة تعتمد التراضي كالبيع فكما أن في البيع الرضا
لا يتم الا برؤية العين الذي يدخل في ملكه فكذلك في القسمة والمكيل والموزون والذهب
التبر وأوان الذهب والفضة والجواهر في ذلك كله سواء وإذا كانت ألفا درهم بين رجلين كل
الف في كيس فاقتسما على أن أخذ أحدهما كيسا والاخر أخذ الكيس الاخر وقد رأى أحدهما
المال كله ولم يره الاخر فالقسمة جائزة على الذي رآه وعلى الذي لم يره ولا خيار لواحد منهما
في ذلك على قياس البيع فان عدم الرؤية في الثمن لا يثبت الخيار للبائع فكذلك في القسمة
والمعنى ان الدراهم والدنانير أثمان محضة ولا مقصود في عينها إنما المقصود الثمنية وبمعرفة المقدار
39

يصير المقصود معلوما على وجه لا يتفاوت ضم الرضا به قبل الرؤية بخلاف سائر الأعيان إلا أن
يكون قسم الذي لم ير المال شرهما فيكون له الخيار لأنه إنما رضي بقسمه على أن يكون
في الصفة مثل ما أخذه صاحبه فإذا كان دون ذلك لم يتم رضاه فيخير في ذلك كما لو رأى عند
الشراء جزءا من المكيل أو الموزون ثم كان ما بقي شرا مما رأى فإنه يثبت له الخيار فإذا اقتسم
الرجلان دارا وقد رأى كل واحد منهما ظاهر الدار وظاهر المنزل الذي أصابه ولم يرجو فيه
فلا خيار لهما إلا على قول زفر رحمه الله وقد بينا المسألة في البيوع ان برؤية الظاهر من حيطان
الدار المشتراة يسقط خيار الرؤية عندنا ولا يسقط عند زفر رحمه الله ما لم يدخلها فكذلك القسمة
وكذلك أن اقتسما بستانا وكرما فأصاب أحدهما البستان والاخر الكرم ولم ير واحد منهما الذي
أصابه ولا رأى جوفه ولا نخله ولا شجره ولكنه رأى الحائط من ظاهره فلا خيار لواحد
منهما ورؤية الظاهر مثل رؤية الباطن وبه يتبين أن قول من يقول جوابه في الدار بناء على دور
الكوفة فإنها لا تتفاوت الا في السعة والضيق ضعيف جدا ففي البستان المقصود يتفاوت بتفاوت
الأشجار والنخيل ولم يشترط رؤية شئ من ذلك عرفنا ان المعنى فيه أن ما يتعذر الاستقصاء
برؤية كل جزء منه مقام رؤية الجميع في اسقاط خيار الرؤية وكذلك في الثياب المطوية يجعل رؤية جزء من ظاهر كل ثوب كرؤية الجميع في اسقاط الخيار واشتراط الخيار في القسمة جائز
فهو في البيع لأنها في اعتبار تمام الرضا كالبيع وفي احتمال الفسخ كذلك والخيار بعدم تمام الرضا
فإنما يشترط الفسخ أو لئلا يثبت صفة اللزوم مع بقاء الخيار في جانب من شرط الخيار لنفسه
فان مضت الثلاثة ثم ادعى أحدهما الرد بالخيار في الثلاثة وادعي الاخر الإجازة فالقول قول
مدعى الإجازة لان مضى المدة قبل ظهور الفسخ متمم للعقد فمن يدعى الإجازة يتمسك بما
يشهد له الظاهر به وان أقاما البينة فالبينة بينة من يدعى الرد لان بينته تثبت الفسخ وهو
المحتاج إلى الاثبات دون صاحبه وسكنى الدار التي وقعت في سهم صاحب الخيار رضا منه بها
وابطال للخيار وقد بينا اختلاف الروايات في هذه المسألة في البيوع وان مراده حيث يقول
ذلك رضا منه إذا تحول إليها وسكنها بعد القسمة وحيث يقول لا يكون رضا إذا كان ساكنا
فيها فاستدام السكنى وكذلك أن بنى أو هدم فيها شيئا أو جصصها أو طين فيها حائط أو ذرع
الأرض أو سقاها أو قطف الثمرة أو غرس الشجر أو لقح النخل أو كسح الكرم فهو كله رضا
لأنه تصرف لا يفعل عادة الا في الملك ومباشرته دليل الرضا بملكه في ذلك المحل ودليل
40

الرضا كصريح الرضا في سقوط الخيار به ويجوز قسمة الأب على الصغير والمعتوه في كل شئ
ما لم يكن عليهما فيه غبن فاحش لان له ولاية البيع عليهما ما لم يكن فيه غبن فاحش ويجعل رضاه
في ذلك كرضاهما أن لو كانا من أهل الرضا فكذلك في القسمة وكذلك وصي الأب في ذلك
قائم مقام الأب بعد موته فكذلك الجد أب الأب إذا لم يكن وصيا ويجوز قسمة وصي الأم
إذا لم يكن أحد من هؤلاء فيما سوى العقار من تركة الأم لأنه قائم مقام الأم في ذلك وتصرفها
في ملك ولدها الصغير بالبيع صحيح فيما سوى العقار فكذلك تصرف وصيها بعدها وهذا لان
لها ولاية الحفظ والبيع والقسمة فيما سوى العقار فيه معنى الحفظ ولا يوجد ذلك في العقار
وكذلك وصي الأخ والعم وابن العم في ميراثه منهم ولا يجوز فيه قسمته في ميراثه من
غيرهم لان الوصي قائم مقام الموصى فيثبت له ولاية الحفظ عليه فيما ورث منه ولان في حفظ
ذلك منفعة للموصى فإنه إذا ظهر عليه دين يباع ذلك في دينه وليس له ولاية الحفظ فيما ورث
من غيره كما لم يكن للموصي فيه ولاية وهذا ليس في حفظه معنى النظر للموصي إنما فيه معنى
النظر لليتيم ولا ولاية لوصي العم وابن العم على اليتيم وهذا بخلاف وصى الأب فقد كان للأب
ولاية على الصغير في جميع ذلك ووصيه بعده يقوم مقامه وإذا كان له أب أو وصى أو جد لم
تجز قسمة وصى هؤلاء فيما سوى العقار في تركتهم عليه لان الأب قائم مقامه أن لو كان
حاضرا بالغا وعند ذلك لا يكون لوصي هؤلاء عليه ولاية القسمة في شئ من ذلك فكذلك إذا
كان له أب يقوم مقامه وهذا لان نظر الأب له يكون عن شفعة وافرة وولاية كاملة كنظره
لنفسه ولا حاجة مع وجوده إلى اعتبار نظر وصي العم له بخلاف حال عدم الأب والوصي
ويجوز قسمة وصى الأب على الابن الكبير الغائب فيما سوى العقار لأنه قائم مقام الأب فيما
يرجع إلى حفظ تركته والقسمة فيما سوى العقار ترجع إلى حفظ التركة ولا تجوز قسمة
الأم والعم والأخ والزوج على امرأته الصغيرة والكبير الغائب وإن لم يكن لاحد منهم أب
ولا وصى أب لأنه لا ولاية لاحد من هؤلاء على الصغير فلا ينفذ تصرفه من حيث القسمة
والبيع عليه وقد بينا انه إنما ينفذ عليه من قسمة هؤلاء فيما يرجع إلى الحفظ من تركة الموصى
خاصة دون غيره فاما في سائر أموال الصغير هم ووصيهم كالأجانب ولا يجوز قسمة الكافر
والمملوك والمكاتب على ابنه الحر الصغير المسلم لأنه لا ولاية له عليه فالكفر والرق يخرجه من
الأهلية للولاية على المسلم ولا تجوز قسمة الملتقط على اللقيط وإن كان يعوله لأنه لا ولاية له
41

عليه في التصرف في ماله بيعا وشراء فالقسمة مثله والوصي الذي يقيمه القاضي في أمر اليتيم بمنزلة
وصى الأب إذا جعله وصيا في كل شئ لان له ولاية كاملة على الصغير نعم المال والنفس جميعا
كولاية الأب فوصيه أيضا كوصي الأب وان جعله وصيا في النفقة خاصة أو في حفظ شئ عنده
لم تجز قسمته لان نصيب القاضي إياه وصيا قضاء منه والقضاء يقبل التخصيص وهذا بخلاف
ما إذا جعله الأب وصيا في شئ خاص لان ايصاء الأب إليه اثبات الولاية بعد موته والولاية
لا تحتمل التجزئ والمعنى في الفرق أن قسم القاضي يتصرف مع بقاء رأى القاضي فلا حاجة
إلى اثبات ولايته من غير ما أمر القاضي به لتمكن القاضي من النظر في ذلك بنفسه له
فيكون من هذا الوجه نصيب القيم بمنزلة الوكيل فاما وصي الأب إنما يتصرف بعد موت الأب
وزوال تمكنه من النظر لنفسه فالحاجة تمس إلى تعميم ولايته فيما يحتاج الصبي إلى من ينظر فيه
له ومن وجد من الشركاء بنصيبه عيبا بعد تمام القسمة كان له أن يرده بالعيب وينقض القسمة
إن كان شيئا واحدا أو كان مكيلا أو موزونا كما ينقض البيع بالرد بالعيب وسواء كانت القسمة
باصطلاحهما أو بحكم الحاكم لان الحاكم إنما يميز نصيب كل واحد منهما فيما أعطاه على أنه سليم
من العيب فيثبت لكل واحد منهما استحقاق السلامة عن العيب سواء كانت القسمة بالتراضي
أو بقضاء القاضي فبوجود العيب يفوت ما كان مستحقا له فيتخير لذلك (قال وإن كان الذي
أصابه عدد من الغنم أو الثياب رد الذي به العيب خاصة بعد القبض كما هو في البيع فإنه لو
اشترى شاتين وقبضهما ثم وجد بأحديهما عيبا رد المعيب خاصة فهذا مثله ويكون المردود
بينه وبين أصحابه لانتقاض القسمة فيه بالرد ويرجع في جميع ما أصابهم بقدر ذلك) لان عند
الرد بالعيب يكون رجوعه بعوض المردود والعوض حصته هنا مما أصابهم فيرجع عليهم بقدر
ذلك كما يرجع في البيع بالثمن إذا رد المبيع بالعيب وان أصابه دار أو خادم فسكن الدار بعد
ما رأى العيب أو استخدم الجارية لم يكن هذا رضا بالعيب استحسانا وفي القياس هو رضا
لأنه تصرف لا يفعله الانسان الا في ملكه عادة فاقدامه عليه دليل الرضا بتقرير ملكه وهو
كالعرض على البيع أو زراعة الأرض أو طحن الطعام أو قطع الثوب بعد العلم بالعيب ولكنه
استحسن فقال الاستخدام والسكنى قد يفعله الانسان في ملك الغير عادة بإذن المالك وبغير إذن
المالك فلا يكون ذلك دليل الرضا ولأنه يفعل ذلك على سبيل الاختيار لينظر أن هذا العيب
هل يمكن نقصانا في مقصوده أولا فلا يجعل ذلك دليل الرضا منه وقيل جوابه هنا في السكنى
42

بناء على احدى الروايتين في السكنى مدة خيار الشرط إذ لا فرق بين الفصلين ومنهم من
فرق فقال حقه هنا في المطالبة بالجزء الفائت وفي اسقاط حقه اضرار به ومجرد السكنى منه
لا يكون رضا بالتزام الضرر فاما في خيار الشرط حقه في الفسخ فقط وفي جعل السكنى
بمنزلة الرضا اسقاط لحقه في الفسخ ولكن ليس في ذلك كثير ضرر (ألا ترى) أنه إذا تعذر
رده بخيار الشرط لا يرجع بشئ وان تعذر رده بالعيب رجع بحصته من الثمن وإذا ركب
الدابة أو لبس الثوب أو سقى الزرع فهذا رضاء بالعيب لأنه تصرف لا يفعله الانسان الا في
ملكه عادة وان لبس الثوب لينظر إلى قده أو قال قدره فهذا رضاء بالعيب وليس برضا في الخيار
لأنه إنما يشترط الخيار لهذا حتى ينظر أنه صالح له أم لا ولا يعرف ذلك الا باللبس فلهذا
لا يجعل ذلك دليل الرضا منه بسقوط الخيار وفي العيب ثبوت الخيار له لفوات صفة السلامة
وتمكن النقصان في المالية ولا تأثير للبس في معرفة ذلك فكأن لبسه الثوب بعد العلم بالعيب
دليل الرضا بملكه وإذا باع ما أصابه بالقسمة من الدار ولا يعلم بالعيب فرد المشترى عليه بذلك
العيب فان قبله بغير قضاء القاضي فليس له أن ينقض القسمة لان هذا بمنزلة الإقالة والإقالة
في حق شريكه كالشراء المبتدأ وان قبله بقضاء قاض فله أن ينقض القسمة والبينة في ذلك
واباء اليمين سواء لأنه فسخ لبيعه من الأصل فعاد من الحكم ما كان قبله وإن كان المشترى
هدم من الدار شيئا قبل أن يعلم بالعيب لم يكن له أن يردها ولكن يرجع على البائع بنقصان
العيب ولا يرجع البائع على شريكه بشئ لأنه تعذر الرد عليه باعتبار اخراجه نصيبه من ملكه
وفي نظيره في البيع اختلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله موضع بيانه كتاب الصلح
فينبغي أن يكون الجواب في القسمة كذلك وإن كان الشريك هو الذي هدم شيئا منه ولم
يبعه ثم وجد به عيبا رجع بنقصان العيب في أنصباء شركائه إلا أن يرضوا بنقض القسمة ورده
بعينه مهدوما لأنه تعذر الرد لدفع الضرر عنهم فإذا رضوا بذلك رد عليهم وإذا أبوا أن يرضوا به
فكما يجب النظر لهم يجب النظر لمن وقع في سهمه فلهذا يثبت له حق الرجوع بنقصان العيب
على شركائه في أنصبائهم والله أعلم
(باب الاستحقاق في القسمة)
(قال رحمه الله وإذا كانت الدار بين رجلين نصفين فاقتسماها فاخذ أحدهما الثلث من
43

مقدمها وقيمته ستمائة وأخذ الاخر الثلثين من مؤخرها وقيمته ستمائة وهي ميراث بينهما أو
شراء ثم استحق نصف ما في يدي صاحب المقدم فان أبا حنيفة رحمه الله قال في هذا يرجع
صاحب المقدم على صاحب المؤخر بربع ما في يده وقيمة ذلك مائة وخمسون درهما ان شاء
وان شاء نقص القيمة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يرد ما في يده ويبطل القسمة فيكون ما
بقي في أيديهما بينهما نصفين وفي رواية أبى حفص رحمه الله ذكر محمد مع أبي حنيفة وهو
الأصح فقد ذكر ابن سماعة انه كتب إلى محمد يسأله عن قوله في هذه المسألة فكتب إليه أن
قوله كقول أبي حنيفة رحمه الله وجه قول أبى يوسف رحمه الله أن استحقاق نصف ما في يد
صاحب المقدم شائعا ظهر لهما شريك ثالث في الدار والدار المشتركة بين ثلاثة نفر إذا اقتسمها
اثنان منهم لا تصح القسمة كما لو استحق المستحق ربع الدار شائعا يوضحه ان استحقاقه الدار
وإن كان من نصيب صاحب المقدم خاصة فذلك يؤدى إلى الشيوع في الكل لأنه إذا أخذ
المستحق نصف ما في يد صاحب المقدم رجع بحصته ذلك فيما في يد صاحب المؤخر فيكون
ذلك بمنزلة ما لو كان المستحق جزءا شائعا في الكل وجه قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ان القسمة
في معنى البيع واستحقاق بعض المبيع لا يبطل البيع فيما بقي ولكن يثبت الخيار للمشترى بين
نقض البيع في الباقي وبين الرجوع بعوض المستحق كما لو اشترى نصف داره فاستحق ذلك
النصف فكذلك في القسمة ولئن كان بطريق التمييز فهو أبعد عن الانتقاض فيما بقي باستحقاق
بعضه وهذا لان ما تبين بالاستحقاق لا يمنع ابتداء القسمة فإنه لو كان مؤخر الدار بين شريكين
ولهما شريك ثالث في نصف المقدم بنصفه فاقتسما على أن أخذ أحدهما نصبهما من النصف
المقدم مع ربع النصف المؤخر وأخذ الاخر ما بقي كان ذلك جائزا وما لا يمنع ابتداء القسمة
لا يمنع بقاءها بطريق الأولى بخلاف ما إذا كان المستحق جزءا شائعا في جميع الدار لان
استحقاق ذلك لو كان ظاهرا لم تجز القسمة بينهما ابتداء فكذلك لا يبقى وبهذا تبين ان هذا
بمنزلة ما لو استحق من المقدم بيت بعينه فكما أن هناك - لا تبطل القسمة فيما بقي فكذلك هنا
وإنما يرجع صاحب المقدم على شريكه بربع ما في يده إذا اختار امضاء القسمة لأنه لو استحق
جميع المقدم رجع على شريكه بنصف ما في يده فإذا كان المستحق نصفه يرجع عليه بنصف
نصف ما في يده يوضح ان جميع قيمة الدار ألف ومائتي درهم وباستحقاق نصف المقدم
يتبين ان المشترك بينهما تسعمائة فحق كل واحد منهما في أربعمائة وخمسين والذي بقي في يد
44

صاحب المقدم يساوى ثلاثمائة وما في يد صاحب المؤخر يساوى ستمائة فيرجع عليه بربع
ما في يده وقيمته مائة وخمسون حتى يسلم لكل واحد منهما ما يساوى أربعمائة وخمسين
فلو كان صاحب المقدم باع نصف ما في يده واستحق النصف الباقي فإنه يرجع في قول أبي حنيفة
رحمه الله على صاحبه بربع ما في يده إن كان الذي باع بألف درهم أو بعشرة دراهم
وعند أبي يوسف رحمه الله يرجع فيما في يد صاحبه من الدار فيكون بينهما نصفين ويضمن
نصف قيمة ما باع لصاحبه وفي قول محمد رحمه الله اضطراب كما بينا وهذا بناء على الفصل
الأول عند أبي يوسف رحمه الله يتبين بالاستحقاق ان القسمة كانت فاسدة والمقبوض بالقسمة
الفاسدة ينفذ البيع فيه كالمقبوض بالشراء الفاسد ويكون مضمونا بالقيمة فلهذا يضمن نصف
قيمة ما باع لشريكه وما في يد صاحب المؤخر بينهما نصفان وعند أبي حنيفة رحمه الله القسمة
كانت صحيحة فيما بقي وكان له الخيار في بعض القسمة فبالبيع سقط خياره ويتعين حقه في
الرجوع بعوض المستحق وذلك ربع ما في يد صاحب المؤخر كما بينا وكذلك أرض بين رجلين
نصفان وهي مائة جريب فاقتسما على أن أخذ أحدهما بحقه عشرة أجربة تساوى ألف درهم
ثم باع كل واحد منهما الذي أصابه بأقل من قيمته أو أكثر ثم استحق جريب من العشرة الأجربة
فرد المشترى ما بقي منهما على البائع ففي قياس قول أبي حنيفة رحمه الله يرجع على صاحب
التسعين جريبا بخمسين درهما وفي قول أبى يوسف رحمه الله تكون التسعة الأجربة بينهما
نصفين ويضمن صاحب التسعين جريبا خمسمائة درهم لصاحبه لان عند أبي يوسف رحمه الله
يتبين فساد القسمة باستحقاق مقدار جريب من العشرة شائعا وبيع صاحب العشرة الأجربة
قد انفسخ من الأصل يرد الباقي عليه بعيب التبعيض وكأنه لم يبع ذلك فهي بينهما نصفين
وصاحب التسعين جريبا قد باع ما قبضه بقسمة فاسدة فينفذ بيعه ويضمن نصف قيمته لصاحبه
بقدر حصته وذلك خمسمائة درهم وعند أبي حنيفة رحمه الله القسمة كانت صحيحة وتبين
بالاستحقاق أن المشترى بينهما ما يساوى ألفا وتسعمائة لكل واحد منهما تسعمائة وخمسون
والسالم للذي أخذ عشرة أجربة تسعمائة ولصاحبه الف فيرجع على صاحبه بخمسين درهما
لأنه قد باع ما في يده وإذا رجع بذلك سلم لكل واحد منهما تسعمائة وخمسون وإذا كانت
مائة شاة بين رجلين فاقتسماها على أن أخذ أحدهما أربعين منها ما تساوى خمسمائة وأخذ الاخر
منها ستين تساوى خمسمائة فاستحقت شاة من الأربعين تساوى عشرة دراهم فإنه يرجع بخمسة
45

دراهم في الستين شاة عندهم جميعا وأبو يوسف رحمه الله يفرق بين هذا وبين ما سبق باعتبار
أن المستحق شاة بعينها فلا يوجب ذلك نقض فيما بقي وتبين أن المشترى بينهما
تسعمائة وتسعون درهما والذي سلم لاخذ الأربعين ما يساوى أربعمائة وتسعين لصاحب
الستين ما يساوى خمسمائة فيرجع عليه بمقدار الخمسة لتكون حصة كل واحد منهما ما يساوي
أربعمائة وخمسة وتسعين وإنما يرجع بذلك في الستين شاة لأنها باقية في يده فيضرب هو في
الستين بخمسة دراهم وصاحبه بأربعمائة وخمسة وتسعين فالسبيل أن يجعل كل خمسة بينهما
فيكون الستين سهما على مائة سهم للمستحق عليه سهم ولصاحب الكثير تسعة وتسعون
سهما منها وفي ظاهر الرواية ليس للمستحق عليه أن ينقض القسمة فيما بقي كما لو اشترى
عددا من الغنم فاستحق واحد منهما بعد القبض وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أن
ينقض القسمة فيما بقي وهكذا في البيع ليفرق الصفقة عليه فالعقد في المستحق يبطل من الأصل
فلا فرق بينهما بعد القبض وقبله وإذا كان كر حنطة بين رجلين نصفين عشرة أقفزة منها
طعام جيد على حدة وثلاثون قفيزا ردئ على حدة فأراد أحدهما أن يأخذ العشرة بحقه ويأخذ
شريكه الثلثين بحقه لم يصح ذلك لان في هذه القسمة معنى البيع ومبادلة الحنطة بجنسها
متفاضلا ربا فان رد الذي أخذ الثلاثين قفيزا ثوبا بعينه على صاحبه واقتسما على ذلك جاز بناء
على أصلنا أن الفصل يجعل بمقابلة الثوب احتيالا لتصحيح العقد وان استحق من الثلاثين
عشرة مخاتيم فإنه يرجع عليه بنصف الثوب وفي زيادات الزيادات (قال) في هذه المسألة يرجع
بثلث الثوب وسدس الطعام الجيد وقيل ما ذكر ثمة جواب القياس وما ذكر في كتاب القسمة
جواب الاستحسان وجه القياس أنه لو استحق جميع الطعام الردئ يرجع على صاحبه بجميع
الثوب ونصف الطعام الجيد والعشرة ثلث الثلاثين فعند استحقاق العشرة يرجع بثلث ذلك
اعتبارا للبعض بالكل وبيان المعنى فيه أن عشرة من الثلاثين أخذها باعتبار ملكه وعشرة
بالمقاسمة بمقابلة العشرة التي أخذها صاحبه وعشرة عوضا عن الثوب والعشرة المستحقة
شائعة في الكل ثلثها فيما أخذ بقديم ملكه فلا يرجع فيه على أحد بشئ والثلث مما أخذه عوضا
عن الثوب فيرجع بعوضه وهو ثلث الثوب والثلث مما أخذه بالمقاسمة فيرجع بما يقابله من
الطعام الجيد بقدر حصته وذلك قفيز وثلثا قفيز لان العشرة كلها لو استحقت رجع عليه بخمسة
أقفزة فإذا استحق الثلث رجع عليه بثلث الخمسة وثلثها قفيز وثلث قفيز سدس الطعام الجيد
46

ووجه الاستحسان أن المستحق إنما يجعل شائعا في الكل إذا استوت الجهالة فاما إذا تفاوتت فلا
كما إذا باع ثوبا وقلبا وزنه عشرة دراهم وبعشرين درهما وتقابضا ثم استحقت عشرة من العشرين
فان المستحق يجعل من ثمن الثوب خاصة لأنه لو جعل بعضه من ثمن القلب بطل العقد في القلب
بقدره ولو جعل من ثمن الثوب لم يبطل العقد في شئ من القلب فيجعل ذلك من ثمن
الثوب لابقاء العقد صحيحا حين لم تثبت المساواة فهناك كذلك لان المقصود بالقسمة التمييز
والمعاوضة فيها بيع ولا مساواة بين المقصود والبيع فلا يجعل شئ من المستحق مما أخذه
بالمقاسمة لابقاء معنى التمييز بحسب الامكان ولو جعل شئ من المستحق بمقابلة العشرة التي
أخذها بالقسمة تنتقض القسمة فيحتاج إلى اعادتها ثانية فلا يجعل شئ بمقابلة كيلا ينتقض
وإذا جعلنا المستحق ما وراء العشرة المقسومة يكون النصف من العشرة لمشتراة والنصف
العشرة الموزونة لم يرجع به على أحد وما أخذ من العشرة المأخوذة على وجه الشراء رجع
بحصته من الثمن وثمنه نصف الثوب فلهذا يرجع عليه بنصف الثوب ولكن يجعل المستحق
نصف العشرين الذي أخذه بمقابلة الثوب وعشرة من تلك العشرة أخذها بقديم ملكه
وعشرة عوضا عن الثوب فنصف المستحق مما كان بمقابلة الثوب فلهذا يرجع بنصف الثوب
خاصة وإذا كان كر حنطة وكر شعير بين رجلين فاقتسماه فاخذ أحدهما ثلاثين مختوما حنطة
رديئة وعشرة مخاتيم شعيرا جيدة وأخذ الآخر عشرة مخاتيم حنطة جيدة وثلاثين مختوما
شعيرا رديئا ثم استحق نصف الشعير الردئ فإنه يرجع عليه بربع عشرة مخاتيم حنطة وهذا
غلط بين فان العشرة المخاتيم حنطة جيدة في يد المستحق عليه فكيف يرجع بربعه والصحيح
ما في النسخ العتيقة أنه يرجع بربع المخاتيم حنطة يعنى بثلاثين مختوما حنطة رديئة التي أخذها
صاحبه يرجع بربع ذلك وهو سبعة أقفزة ونصف وهو جواب الاستحسان وفى القياس على
ما ذكره في زيادات الزيادات يرجع عليه بخمسة أقفزة حنطة رديئة وقفيزين ونصف شعير جيد
وجه القياس انه لو استحق جميع الشعير الردئ من يده رجع علي صاحبه بثلث الحنطة الرديئة
عشرة أقفزة ونصف الشعير الجيد خمسة أقفزة فان استحق نصف الشعير الردئ يرجع بنصف
كل واحد منهما وبيانه من حيث المعنى انه أخذ الثلاثين قفيزا شعيرا رديئا عشرة بقديم ملكه
وعشرة بالمقاسمة فقد أخذ صاحبه عشرة أقفزة شعيرا " جيدا " وعشرة بالمعاوضة وعوضه عشرة
أقفزة من الحنطة الرديئة التي أخذها صاحبه من نصيبه فإذا استحق النصف كان ثلث المستحق
47

مما أخذه بقديم ملكه فلا يرجع باعتباره على أحد بشئ وثلثه مما أخذه صاحبه بالمعاوضة فيرجع
بعوضه على صاحبه وذلك خمسة أقفزة من الحنطة الرديئة وثلثه مما أخذه بالمقاسمة فيرجع
على صاحبه بنصف ذلك قدر حصته من الشعير الجيد وذلك قفيزان ونصف ووجه الاستحسان
ما بينا ان المستحق لا يجعل شئ منه من المأخوذ بالمقاسمة لابقاء معنى التمييز وإنما يجعل نصفه
من المأخوذ بقديم ملكه ونصفه من المأخوذ بالمعاوضة فيرجع بعوض ذلك على صاحبه وذلك
سبعة أقفزة ونصف من الطعام الردئ وربع الثلاثين قفيزا يكون سبعة أقفزة ونصف فلهذا
قال يرجع بربع المخاتيم حنطة وإذا كانت الدار بين رجلين نصفين فاقتسماها وأخذ أحدهما
النصف المقدم وقيمته ستمائة وأخذ الآخر النصف المؤخر وقيمته أربعمائة على أن يرد عليه
صاحب النصف المقدم مائة درهم ثم باع كل واحد منهما ما أصابه ثم استحق نصف النصف
المقدم ورجع المشترى على بائعه بحصة ذلك من الثمن وأنفذ البيع في البقية فان صاحب المقدم
يرجع على صاحب المؤخر بمائة وخمسين درهما خمسون منها نصف المائة التي نقده ومائة منهما
ربع قيمة النصف المؤخر لأنه لو استحق جميع المقدم رجع على شريكه بالمائة التي أعطاها وبقيمة
نصف النصف المؤخر وذلك مائتا درهم فإذا استحق نصف ذلك يرجع بنصف الثلثمائة وذلك
مائة وخمسون وهذا لان في حصة المائة كان هو مشتريا وقد استحق نصف المبيع فيرجع
بنصف الثمن وتبين أن المشترى بينهما ما يساوي سبعمائة وان حق كل واحد منهما من ذلك
ثلاثمائة وخمسون فصاحب المؤخر أخذ أربعمائة والسالم لصاحب المقدم ما يساوى مائتين وخمسين
بالمقاسمة فيرجع على شريكه بربع ما أخذ وذلك مائة درهم فعند ذلك يصل إلى كل واحد منهما
ما يساوى ثلاثمائة وخمسين كمال حقه ولو كان مكان المائة ثوب قائم بعينه يرجع بنصف الثوب وبمائة
درهم لان المستحق مما أخذه عوضا عن الثوب نصفه فيرجع بعوضه وذلك نصف الثوب وإذا
كانت أرض ودار بين رجلين فاقتسماهما فأخذ أحدهما الدار والآخر الأرض على أن يرد
صاحب الأرض على صاحب الدار عبدا قيمته ألف درهم وقيمة الدار ألف درهم وقيمة
الأرض الفان وقبضه ثم إن صاحب الدار باع الدار فاستحق انسان منها علو بيت يكون ذلك
البيت والسفل عشر الدار فلما استحق العلو ذهب نصف العشر ورجع المشترى على البائع
بحصة ذلك من الثمن وأمسك الباقي من الدار فان صاحب الدار يرجع بستة عشر وأربع دوانق
من قيمة الأرض على صاحب الأرض في قياس قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وفى قياس قول
48

أبى يوسف رحمه الله يرجع بذلك في رقبتها ويكون شريكا به في الأرض وقيل لا خلاف
بينهم في الحقيقة وتأويل قول أبي حنيفة رحمه الله لأنه لا ينتفع بذلك اليسير من الأرض فلهذا
جعل له حق الرجوع بذلك القدر من القيمة حتى إذا رضى هو بالرجوع في رقبة الأرض
بذلك القدر يكون له ذلك وإنما كان رجوعه بهذا المقدار لان نصف الأرض بمقابلة العبد
ونصفها أخذه بالمقاسمة مع الدار وقد كان قيمة الدار ألف درهم فلما استحق منها ما يساوى
نصف العشر وذلك خمسون درهما تبين أن المشترك ما يساوى ألف درهم وتسعمائة وخمسين
وان حق كل واحد منهما فيما يساوى الف وأربعمائة وخمسة وسبعين وقد أخذ صاحب الأرض
ألفي درهم الف بمقابلة ما أدى من العبد وألف بالمقاسمة وأخذ الآخر تسعمائة وخمسين فيرجع
على صاحبه بستة عشر درهما وأربع دوانيق في الأرض حتى يكون السالم له بالمقاسمة تسعمائة
وستة وستين وثلثان ولصاحبه مثل ذلك بالمقاسمة قال أبو عصمة وفى هذا الجواب نظر بل
ينبغي أن يكون رجوعه بما يساوى خمسة وعشرين لان نصيب كل واحد منهما الف
وأربعمائة وخمسة وسبعون كما بينا ولكنا نقول هذا بناء علي الأصل الذي بينا لأبي حنيفة رحمه
الله أن العلو مثل نصف السفل حتى قال في القسمة يحسب ذراع من السفل بذر أعين من العلو
فإذا استحق علو بيت يكون ذلك العلو مع السفل عشر الدار عرفنا أن المستحق ثلث العشر
وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث فإنما يرجع على شريكه بنصف ذلك وذلك ستة عشر وثلثان
فيستقيم الجواب بناء على ذلك الأصل وإذا وقعت القسمة في دار واحدة أو أرض واحدة
وبناء أحدهما في نصيبه ثم استحق ذلك الموضع من نصيبه فرد القسمة وأراد أن يرجع بقيمة
بنائه على شريكه لم يكن له ذلك لان الرجوع بقيمة البناء في الشراء لأجل الغرور ولا غرور
في القسمة فان الشريك مجبر على القسمة عند طلب شريكه فلا يصير عاد الشريك فيما يجبره
القاضي عليه فلهذا لا يرجع شريكه عليه بقيمة البناء بمنزلة الشفيع إذا أخذ الدار بالشفعة وبنى
فيها ثم استحقت ونقض بناءه لم يرجع على المشترى بقيمة البناء وقد بينا في آخر الشفعة نظيره
في الجارية المأسورة ومن نظائره أيضا أحد الشريكين في الجارية إذا استولدها ثم استحقت
وضمن قيمة الولد لم يرجع على شريكه بشئ من ذلك وكذلك إذا استولد جارية ابنه ثم
استحقت وضمن قيمة الولد لم يرجع بذلك علي الابن لانعدام معنى الغرور منه وهذا بخلاف
الغاصب فان المغصوب منه إذا ضمن قيمة الجارية ثم استولدها الغاصب ثم استحقت وضمن
49

الغاصب قيمة الولد رجع به على المغصوب من رواية عن أبي يوسف ولم يرو عن غيره خلافه
لان المغصوب منه في تضمين القيمة هناك مختار فإنه كان متمكنا من أن يصبر حتى تطهر الجارية
فيتحقق الغرور من جهته حين ملكها من الغاصب بضمان القيمة ولو وقعت القسمة في دارين
أو أرضين وأخذ كل واحد منهما أحدهما ثم استحقت إحداهما بعد ما بنى فيها صاحبها رجع علي
صاحبه بنصف قيمة البناء قيل هذا قول أبي حنيفة رحمه الله بناء علي أصله ان قسمة الجبر
لا تجرى في الدور والأراضي بهذه الصفة وعلى قولهما تجرى قسمه الجبر فيها فهذا والدار
الواحدة عندهما سواء (قال) رحمه الله والأصح عندي ان هذا قولهم جميعا لأنهما ما أطلقا
الجواب في قسمة الجبر في الدور ولكن قال إن رأى القاضي المصلحة في أن يقسمها قسمة
واحدة فله ذلك وهما أقدما على القسمة قبل أن يري القاضي المصلحة في ذلك فيكون هذا
معاوضة بينهما عن اختيار منهما والغرور بمثله يثبت فيرجع على صاحبه بنصف قيمة البناء لان
نصف الموضع الذي بنى فيه أخذه بقديم ملكه ونصفه بالمعاوضة وكذلك أن اقتسما جاريتين
فوطئ أحدهما الجارية التي أخذها فولدت له ثم استحقت وضمن قيمة الولد رجع علي صاحبه
بنصف قيمة الولد وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله لان قسمة الجبر عنده لا تجري في الرقيق
فتكون هذه معاوضة بينهما عن اختيار فاما عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله قسمة الجبر تجرى
في الرقيق فلا يتحقق معنى الغرور ولا يرجع على صاحبه بشئ من قيمة الولد ويكون له نصف
الجارية التي في يد شريكه لان القسمة قد بطلت باستحقاق نصيب أحدهما فإن كان باعها ضمنه
نصف قيمتها لأنها كانت مقبوضة بقسمة فاسدة فنفذ بيعه فيها ويضمن لصاحبه قيمة حصته
منها وذلك النصف وكذلك إذا اقتسما منزلين متفرقين في دار واحدة فقد بينا ان المنازل
المتفرقة في حكم القسمة كالدور المتفرقة فإن كان القاضي قسم الدور المختلفة بين الشركاء وجمع
نصيب كل واحد منهم في دار على حدة وأجبرهم على ذلك فبنى أحدهم في الدار التي أصابته ثم
استحقت وهدم بناؤه لم يرجع على شركائه بقيمة البناء لان القاضي حين رأى جمعها في القسمة
صارت كدار واحدة فان معنى الغرور في الدار الواحدة إنما ينعدم باعتبار ان القاضي يجبر الشركاء
على ذلك وقد تحقق ذلك هنا بما رآه القاضي فينعدم الغرور به فلهذا لا يرجع على شركائه بشئ
من قيمة البناء وإذا اقتسما الرجلان دارين فاخذ أحدهما دارا والآخر دارا فبنى أحدهما في
الدار التي أخذها وهدم وأنفق ثم استحق من الأخرى موضع جذع في حائط أو مسيل ماء
50

أو طريق أو حائط بأصله أو بناء بيت فالذي استحق ذلك من يده بالخيار ان شاء نقض القسمة
كلها وهدم ما أحدث هذا من البناء وضمنه قيمة ما هدم وان شاء لم ينقض القسمة ولم يرجع
بشئ ورضى بما في يده وقيل هذا الجواب قولهما فاما عند أبي حنيفة رحمه الله لا يكون له أن
ينقض بناء شريكه على ما قال في الجامع الصغير المشتري شراء فاسدا إذا بنى في الدار المشتراة
انقطع به حق البائع في الاسترداد عند أبي حنيفة رحمه الله وليس له أن ينتقض بناء المشتري
وعندهما له أن ينقض بناءه فهنا إذا اختار نقض القسمة تبين أن صاحبه أخذ الدار بقسمة
فاسدة فهي كالمأخوذة بالشراء الفاسد قال الحاكم رحمه الله ويحتمل أن هذا الجواب على مذهبهم
جميعا تخريجا على ما هو الصحيح عند أبي يوسف من مذهب أبي حنيفة رحمهما الله إذا بنى
المشترى في الدار المشتراة شراء فاسدا فإنه ذكر في الجامع الصغير شكا في رواية أبى يوسف
عن أبي حنيفة رحمهما الله أن الدار تترك للمشترى شراء فاسدا من أجل بنائه حيث قال فيما
أعلم وقيل هذه من احدى المسائل التي جرت فيها المحاورة بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله في
رواية عن أبي حنيفة رحمه الله وقوله لا يرجع بشئ يحتمل أن يكون جوابا في استحقاق موضع
الجذع ومسيل الماء خاصة لأن لما سواهما حصة من الدرك فعند الاستحقاق لابد أن يرجع
بذلك أو بقيمته ان تعذر الرجوع بعينه لأجل البناء ولو أخذ أحدهما دارا وأخذ الاخر
دارين قيمتها سواء فاستحقت إحداهما لم يكن له أن ينقض القسمة وكانت له الدار الباقية
ويرجع بربع الدار التي أخذ الآخر بمنزلة ما لو اشترى دارين وقبضهما فاستحقت إحداهما
فلا خيار له في الأخرى وإنما يرجع بحصة المستحق من الثمن فهنا أيضا لا خيار له في الباقية
فيرجع بعوض المستحق وذلك ربع الدار المستحق وذلك ربع الدار التي أخذها الآخر لان
الدارين كلاهما لو استحقتا رجع عليه بنصف الدار التي في يده فإذا استحقت إحداهما و قيمتهما
سواء رجع بنصف النصف وهو الربع كما قررنا والله أعلم
(باب ما لا يقسم)
(قال رحمه الله ولا يقسم الحمام والحائط وما أشبه ذلك بين الشركاء لما فيها من الضرر
والمقصود بالقسمة توفير المنفعة فإذا أدى إلى الضرر وقطع المنفعة عن كل واحد منهما على
الوجه الذي كان قبل القسمة لم يجبر القاضي عليه) فان رضوا به جميعا قسمه لوجود التراضي
51

منهم بالتزام الضرر ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول هذا في الحمام فكل واحد منهما ينتفع بنصيبه
بجهة أخرى بأن يجعله بيتا وربما كان ذلك مقصود كل واحد منهم فاما في الحائط ان رضوا
بالقسمة لينتفع كل واحد منهم من غير هدم فكذلك الجواب وان رضوا بالهدم وقسمة الأسهم
لم يباشر القاضي ذلك لما فيه من اتلاف الملك ولكن ان فعلوا ذلك فيما بينهم لم يمنعهم من ذلك
وفي البيت الصغير لا يقسمه القاضي بينهم إذا كره ذلك بعضهم ولان نصيب كل واحد منهم بعد
القسمة ما ينتفع به إلا أن تتفاوت أنصباؤهم وكان صاحب الكبير ينتفع بنصيبه بعد القسمة
وهو الطالب للقسمة فحينئذ يقسمه القاضي لأنه متظلم يطلب من القاضي أن يمنع الغير من
الانتفاع بملكه ولو كان بناء بين رجلين في أرض رجل قد بنيا باذنه ثم أراد قسمة البناء
وصاحب الأرض غائب فلهما ذلك بالتراضي وان امتنع أحدهما لم يجبر عليه لان كل واحد
منهما بعد القسمة لا يتمكن من ابقاء نصيبه من البناء والانتفاع به فالأرض لغيرهما بطريق العارية
أو الإجارة في أيديهما وكل جزء منه كذلك بينهما ولكل واحد منهما أن يمنع صاحبه من
الاختصاص بالانتفاع بما هو مستعار له أو مستأجر فكان لكل واحد منهما أن يكلف صاحبه
رفع البناء لو صحت القسمة وفيه ضرر عليهما فلا يفعل القاضي لا يفعل ذلك إذا أتى أحدهما وإن كان
أراد هدم البناء ففي هذه القسمة اتلاف الملك وقد بينا أن القاضي لا يفعل ذلك ولكن ان أرادا
فعله لم يمنعهما عن ذلك وان أخرجهما صاحب الأرض هدماه لان صاحب الأرض له عارية
في أيديهما وللمعير في العارية حق الاسترداد متى شاء فيكلفهما هدم البناء ثم النقض يحتمل
القسمة بينهما فيفعله القاضي عند طلب بعض الشركاء وإذا كان طريق بين قوم ان اقتسموه لم
يكن لبعضهم طريق ولا منفذ فأراد بعضهم قسمته لم أقسمه لما في القسمة من الضرر على بعض
الشركاء بقطع منفعة ملكه عنه ويستوى ان كره صاحب الكثير أو صاحب القليل لأنه كان
لكل واحد منهما حق التطرق إلى ملكه في هذا الطريق قبل القسمة وصاحب القليل من
ذلك مستو بصاحب الكثير وفي القسمة تفويت هذا الحق عليه بخلاف البيت فهناك الانتفاع
بعين البيت وصاحب الكثير فيه غير مستو بصاحب القليل وانقطاع المنفعة عنه لقلة نصيبه
لا لأجل القسمة فلهذا قسم القاضي هناك بطلب صاحب الكثير وهنا لا يقسم إذا كان في
قسمته ضرر على بعضهم دون بعض في صغر أو أنه لا يجد طريقا إلا أن يتراضوا جميعا وإن كان
يكون لكل واحد منهم طريقا نافذ قسمته إذا طلب ذلك أحدهم لأنه ليس في القسمة
52

تفويت المنفعة على بعضهم بل فيها تخصيص كل واحد منهم بالانتفاع في ملكه ورقبة الطريق
مشتركة بينهم بمنزلة الأرض فتقسيمها بطلب بعضهم وإن كان طريق بين رجلين ان اقتسماه لم
يكن لواحد منهما فيه ممر وكل واحد منهما يقدر أن يفتح في منزله بابا ويجعل طريقه من وجه
آخر فأراد أحدهما قسمته وأبى الآخر قسمته بينهما لأنه لا ضرر علي واحد منهما في القسمة
فكل واحد منهما يتمكن من التطرق إلى ملكه من جانب آخر ولا فرق في حقه بين التطرق
من هذا الجانب وبينه من الجانب الآخر وإذا كان مسيل ماء بين الرجلين أراد أحدهما قسمة
ذلك وأبى الآخر فإن كان فيه موضع يسيل فيه ماؤه سوى هذا قسمته وإن لم يكن له موضع
الا بضرر لم أقسمه وهذا والطريق سواء فالمقصود هنا الانتفاع بتسييل الماء وهناك بالتطرق
ولا فرق في حق كل واحد منهما بين أن يسيل ماؤه من هذا الجانب أو من جانب آخر إذا
كان يتيسر له ذلك من غير ضرر وإنما شرط هذه الزيادة لان التصويب قد يكون من جانب
ولا يمكن جعل ذلك في جانب آخر بلا ضرر وان كانت أرض صغيرة بين قوم ان اقتسموها
لم يصب كل واحد منهم شئ ينتفع به فأراد بعضهم قسمتها لم أقسمها وهو وما تقدم من البيت
الصغير سواء وان كانت حانوت في السوق يبيعان فيه أو يعملان بأيديهما سواء فأراد أحدهما
قسمته فانى انظر في ذلك فإن كان نصيب كل واحد منهما يعمل فيه قسمته بينهما وان
كأن لم يصبه ذلك لم أقسمه بينهما لمعنى الضرر وإن كان الزرع بين ورثة في أرض لغيرهم فأرادوا
قسمة الزرع فإن كان قد أدرك لم أقسمه بينهم حتى يحصد بالتراضي ولا بغير التراضي لان
الحنطة مال الربا فلا يجوز قسمته مجازفة الا بكيل ولا يمكن قسمته بالكيل قبل الحصاد وإن كان
بقلا لم أقسمه لما في ذلك من الضرر على كل واحد منهم فإنه لا يتمكن بعد القسمة من ترك
نصيبه بغير رضاء أصحابه لان موضعه من الأرض عارية لهم جميعا إلا أن يشترطوا في البقل
أنه يجز كل واحد منهم ما أصابه فإذا اقتسموها على هذا بتراضيهم أجزته لما بينا ان في هذه
القسمة اتلاف جزء فلا يباشره القاضي ولا يمنع الشركاء منه ان تراضوا عليه ولو كانت أرض
بين رجلين فأرادا أن يقتسما زرعها دون الأرض لم يجز ذلك أن اشترطا تركه في الأرض
إلى وقت الادراك وان اشترطا جز ذلك واجتمعا عليه أجزته والقسمة في هذا كالبيع فكما
لا يجوز شراء الزرع قبل الادراك بشرط الترك ويجوز بشرط القطع فكذلك القسمة وكذلك
طلع في نخل بين قوم ان اقتسموا الطلع على أن يتركوا على النخل لم يجز وان اقتسموه على أن
53

يقطع كل واحد منهم ما أصابه أجزت ذلك بمنزلة الشراء فان استأذن رجل منهم أصحابه بعد
القسمة في ترك ما أصابه فأذنوا له فأدرك وبلغ طاب له الفضل وان تركه بغير رضاهم يصدق
بالفضل بمنزلة المشتري للثمار على رؤس النخيل قبل الادراك ان ترك باذن البائع طاب الفضل
وكل شئ يحتاج في قسمته إلى كسر أو قطع لم أقسمه بينهم لما في ذلك من اتلاف الجزء إلا أن
يرضي جميع الشركاء فان رضوا قسمته فالمراد انى لا أمنعهم من أن يفعلوا ذلك بالتراضي فاما
أن يباشر القاضي ذلك فلا وان أوصي بصوف علي ظهر غنمه لرجلين فأراد قسمته قبل الجز لم
أقسمه وكذلك اللبن في الضرع لان ذلك مال الربا فإنه موزون أو مكيل فلا يمكن قسمته
الا بوزن أو كيل وذلك بعد الحلب والجز فاما الولد في البطن فلا يجوز شركته بين الشركاء
بحال لمضي الضرر والجهالة ولان المقصود بالقسمة الحيازة وذلك فيما في البطن لا يتصور لان كل
واحد منهما لا يتمكن من اثبات اليد على نصيبه قبل الانفصال وكذلك لو قسما ذلك بينهما
بالتراضي لم يجز وان كانت قوصرة تمر بينهما أو دن خل فأراد أحدهما قسمته لان هذا مما
يتأتى فيه الكيل والوزن والقسمة فيه تمييز محض لكل واحد من الشريكين أن ينفرد به
فكذلك يفعله القاضي عند طلب بعض الشركاء وان كانت خشبة أو باب أو رحاء أو دابة
بين رجلين فأراد أحدهما قسمتها لم تقسم لأنها لا تحتمل القسمة من غير ضرر وكذلك
اللؤلؤة والياقوتة لا يمكن قسمتها إلا بضرر ويقسم اللؤلؤ واليواقيت بين الشريكين إذا أراد
ذلك أحدهما لان التعديل في المنفعة والمالية ممكن إذا كانت بأعيانها وان كانت جنة بين رجلين
فأراد أحدهما قسمتها وأبى الآخر فإن كان في قطعها ضرر على واحد منهما لم أقسمها وإن لم
يكن في ذلك ضرر قسمتها وقطعتها بمنزلة الثوب الواحد وإن كان حبا كثيرا قسمته بينهما
لأنه لا حاجة إلى القطع هنا في القسمة وهو نظير الثياب إذا كانت من نوع واحد وتقسم
نقرة الفضة والذهب وما أشبه ذلك مما ليس بمصوغ من الحديد والصفر والنحاس لأنه لا
ضرر في قطع ذلك على واحد منهما وكذلك علو بين رجلين نصيب كل واحد منهما ما ينتفع
به والسفل لغيرهما أو سفل بينهما والعلو لغيرهما فكذلك كله يقسم إذا طلب بعض الشركاء
لان العلو والسفل كل واحد منهما مسكن وفي القسمة توفير المنفعة على كل واحد منهما وإذا
كان بين رجلين بئرا وعين أو قناة أو نهر لا أرض مع ذلك بينهما فأراد أحدهما قسمة ذلك
وأبى الآخر فانى لا أقسم ذلك بينهما لأنه غير محتمل للقسمة وفيه ضرر علي كل واحد منهما
54

فإن كان مع ذلك أرض ليس لها شرب الا من ذلك قسمت الأرض بينهما وتركت القناة
والبئر والنهر على حالها لكل واحد منهما شربه منها وإن كان كل واحد منهما يقدر على أن
يجعل لأرضه شربا من مكان آخر أو كانت أرضين وأنهار متفرقة أو آبار قسمت ذلك كله
فيما بينهم لأنه لا ضرر على واحد منهم في هذه القسمة أو قسمة النهر والعين هنا تبع لقسمة
الأراضي فهو بمنزلة البيع فالشرب يدخل في بيع الأرض تبعا وإن كان البيع لا يجوز فيه
مقصودا فكذلك في القسمة وقال أبو حنيفة رحمه الله لا أجبر واحدا منهما على البيع في شئ
مما سميناه في هذا الكتاب وان طلب ذلك شريكه وكان مالك رحمه الله يقول إذا كان المشترك
بحيث لا يحتمل القسمة بين الشريكين فان القاضي يجبر أحدهما على بيع نصيبه إذا طلب
الآخر ذلك أو يبيع ذلك بنفسه ويقسم الثمن بينهما لأنه لا طريق لتوفير المنفعة على كل واحد
منهما الا هذا وإذا ثبت له ولاية الاجبار على القسمة لتوفير المنفعة على كل واحد منهما فكذلك
يثبت له ولاية الاجبار على البيع في كل موضع تتعذر القسمة ولا يقال كل واحد منهما يقدر
على بيع نصيبه وحده لأنه يتضرر بذلك فالاشقاص لا تشتري الا بثمن وكس فينبغي أن
تثبت له ولاية الاجبار على البيع لدفع الضرر وحجتنا في ذلك أن في الاجبار على البيع معنى
الحجر على الحد وذلك غير جائز عندنا ثم كل واحد منهما متمكن من بيع نصيبه وحدة فلا
حاجة إلى اجبار الشريك على ذلك لنفوذ تصرفه في نصيبه تبعا قوله بان لا يشترى منه الا
بوكس قلنا إنه لا يملك نصيبه الا مشتركا ويتوفر عليه نصيبه مشتركا إنما يحصل له زيادة على
ذلك فلا حق له في الزيادة توضيحه أن ولاية الاجبار لمعنى الاحراز وتحصيل الملك كما في
القسمة وفي الاجبار هنا إزالة الملك وللناس في أعيان الملك أغراض (ألا ترى) أنه ليس لواحد
منهما أن يجبر صاحبه على بيع نصيبه منه فلان لا يكون له ان يجبره على بيع نصيبه من غيره
كان أولى والله أعلم بالصواب
(باب قسمة الدار فيها طريق لغير أهلها)
(قال رحمه الله ذكر عن عكرمة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
اذرعوا الطريق سبعة أذرع ثم ابنوا وبظاهر هذا الحديث يأخذ بعض العلماء رحمهم الله
فيقول عند المنازعة بين الشركاء في الطريق ينبغي أن يقدر الطريق سبعة أذرع ولسنا نأخذ
55

بذلك) لان هذا خبر واحد فيما تعم به البلوى وقد ظهر عمل الناس فيه بخلافه فانا نرى الطرق
التي اتخذها الناس في الأمصار متفاوتة في الذرع ولو كان الحديث صحيحا لما اجتمع الناس على
ترك العمل به لان المقدار الثابت بالشرع لا يجوز لاحد أن يتجاوز إلى ما هو أكثر منه
أو أقل ثم يحمل الحديث على تأويل وهو انه كان ذلك في حادثة بعينها وراء حاجة الشركاء
إلى ذلك القدر من الطريق فأمرهم أن يتركوا ذلك القدر ويبنوا فيما وراء ذلك لبيان المصلحة
لهم في ذلك لا ليصيب مقدار في الطريق شرعا وإذا كانت الدار بين رجلين فأراد قسمتها وفيها
طريق لغيرهما فأراد صاحب الطريق أن يمنعهما من القسمة ليس له ذلك ويترك الطريق عرضه
عرض باب الدار الأعظم وطوله من باب الدار إلى باب الذي له الطريق ويقسم بقية الدار بين
الرجلين على حقوقهما لأنه لاحق لصاحب الطريق في بقية الدار ويترك الطريق بينهما نصفين
على ما كان عليه من جميع الدار بينهما قبل القسمة فان رقبة الطريق ملكهما ولم يباشر فيه قسمة فيبقى
على ما كان بينهما قبل القسمة ولصاحب الطريق ممره في ذلك وإنما جعل الطريق بعرض باب
الدار لان ذلك طريق متفق عليه فإليه يرد المتنازع فيه ولأنه لا فائدة له في الزيادة على ذلك
لأنه إنما يحمل في هذا الطريق ما يدخله من باب الدار إلى باب داره فيكفيه لذلك طريق عرضه
عرض باب الدار الأعظم وطوله إلى باب داره وليس لهم قسمة هذا الطريق إلا أن يتراضوا
بينهم جميعا لان حق التطرق فيه مستحق لصاحب الطريق فكما لا يكون لصاحبي الدار أن
يفوتا ذلك عليه بالبناء فكذلك لا يكون لهما أن يفوتا ذلك عليه بالقسمة وان باعوا هذه الدار
وهذا الطريق برضا منهم جميعا اقتسموا الثمن يضرب فيه صاحب الأرض بثلث الطريق
وصاحب الممر بالثلث لان المقصود بالطريق المرور فيه وصاحب الممر في ذلك مساوى للشريكين
في رقبة الطريق بحق مستحق له فساواهم أيضا في ثمن حصة الطريق وكان الكرخي رحمه الله
يقول تأويل هذه المسألة إذا كان هو شريكا في أصل الطريق فاما إذا كان له حق الممر ولا
شركة له في أصل الطريق فلا حصة له من أصل الثمن لان الثمن بمقابلة العين دون المنفعة
فيختص به مالك العين وقد كان لصاحب الممر حق في المنفعة دون العين فان رضي بالبيع
كان ذلك منه رضا بسقوط حقه فلا يكون له في الثمن شركة (ألا ترى) ان بيع الممر وحده
بدون رقبة الطريق لا يجوز فتبين بهذا ان شيئا من الثمن لا يقابل ما هو حق صاحب الممر وقد
روى عن محمد رحمه الله أنه قال لصاحب الممر مقدار حقه من الثمن وبيان ذلك أن الطريق بين
56

الشريكين إذا كان فيه حق الممر لآخر يكون قيمة ملكها أنقص منه إذا لم يكن لغيرهما حق
الممر فيه فقد رد ذلك النقصان حق صاحب الممر بقيمة الطريق مع ذلك النقصان بين الشريكين
نصفين فيضرب كل واحد منهم في الثمن عند البيع بمقدار حقه والأصح ما ذكر في ظاهر
الرواية لأنه لا مقصود في الطريق الا الممر والمالية والتقوم باعتبار المقصود ولأجله يجوز البيع
فإذا استووا في ذلك كان حق كل واحد منهم مستحقا على سبيل التأييد ولا يتم البيع الا برضاهم
فلهذا قلنا بأنهم يستوون في الثمن وإن كان في الدار مسيل ماء لرجل فأراد أصحابها قسمتها لم يكن
لصاحب المسيل منعهم من القسمة ولكن بتر كون له مسيله وهذا والطريق سواء فيما بينا من
المعنى وإن كان فيها طريق لرجل وطريق لآخر من ناحية أخرى فإنه يعزل طريق واحد
عرضه عرض باب الدار إلى باب كل واحد منهما ويقسم ما بقي من الدار بين أهلها لان
مقصود كل واحد من صاحبي الطريق التطرق فيه إلى ملكه ويتوفر هذا المقصود على كل واحد
منهما بطريق واحد من باب الدار عرضه باب الدار إلى الموضع الذي يفترق فيه طريق كل
واحد منهما إلى باب داره فكل واحد منهما في المطالبة بطريق له خاص من باب الدار الأعظم
يكون متعنتا فلا يلتفت إلى تعنته ولكن إلى الموضع الذي يفترق الطريق بهما يترك لهما طريقا
واحدا ثم من ذلك الموضع لكل واحد منهما الطريق إلى باب داره وإن كان باب صاحب الدار
أعظم من باب الدار الأعظم لم يكن له من عرض الطريق الا بمقدار عرض باب الدار لان
مالا يدخل في باب الأعظم لا يتمكن هو من حمله في هذا الطريق فإن كان أوسع من
باب الدار الأعظم وكذلك أن كانت صفة رجل في دار رجل وطريقها إلى باب الدار لم يكن
على أهل باب الدار أن يتركوا له من الطريق الا قدر عرض باب الدار دون عرض باب الصفة
ولو كان له منزل بطريقه في الدار فقسمت الدار وترك له الطريق فأراد أن يفتح من منزله إلى
هذا الطريق بابين أو ثلاثة كان له ذلك لان فتح الباب هدم بعض الحائط ولو أراد أن يرفع
جميع الحائط لم يكن لاحد أن يمنعه من ذلك فكذا إذا أراد أن يفتح فيه بابين أو ثلاثة وهذا
لأنه هو الذي يتطرق في هذا الطريق من أي باب دخل منه في منزله ولا يستحق ببابين إلا ما
يستحقه بباب واحد فهو بهذا التصرف لم يزد على مقدار حقه فيما يستوفيه ولو كان هذا المنزل
بين اثنين فقسماه بينهما وفتح كل واحد منهما بابا إلى الطريق كان لهما ذلك لان لهما حق التطرق
في هذا الطريق إلى منزلهما فلا فرق بين أن يتطرقا فيه من باب أو بابين وإن كان صاحب المنزل
57

واحدا فاشترى دارا من وراء هذا المنزل وفتحها إليه واتخذ لها طريقا في هذا المنزل وفي هذا
الطريق فإن كان ساكن الدار والمنزل واحدا فله أن يمر من الدار في المنزل وفي الطريق المرفوع
بينهم لان له حق التطرق في هذا الطريق إلى منزله وبعد ما دخل منزله فلا يمنعه أحد من أن
يدخل داره لأنه ينتقل من ناحية من ملكه إلى ناحية أخرى ولأنه لا ضرر على أهل الطريق
إذا كان ساكن الدار والمنزل واحدا وإن كان للدار ساكن آخر لم يكن له أن يمر في هذا الطريق
لأنه ما كان لصاحب الدار حق التطرق في هذا الطريق فليس له أن يحدث لنفسه فيه حقا
وصاحب الممر يريد أن يستوفي من ملك الغير أكثر من حقه وليس له ذلك بخلاف ما إذا
كان صاحب المنزل والدار واحدا وقد بينا الفرق بين الطريق والشرب في هذا ولو اختصم
أهل الطريق في الطريق وادعى كل واحد منهم انه له فهو بينهم بالسوية إذا لم يعرف أصله
لاستوائهم في اليد على الطريق والاستعمال له ولا يجعل على قدر ما في أيديهم من ذرع الدار
والمنزل لان حاجة صاحب المنزل الصغير إلى الطريق كحاجة صاحب الدار الكبيرة وهذا بخلاف
الشرب فان عند اختلاف الشركاء فيه يجعل بينهم على قدر أراضيهم لان الحاجة هناك
تختلف بكثرة الأراضي وقلتها فيجعل ذلك بينهم على قدر حاجتهم عند اشتباه الامر لاعتبار
الظاهر وهنا حاجتهم إلى التطرق في الطريق سواء فلهذا يجعل الطريق بينهم سواء وبهذا تبين
ما أشرنا إليه في المسألة الأولى أن صاحب المنزل بإضافة الدار المشتراة إلى منزله لا يثبت لنفسه
زيادة حق في الطريق ولو كان يعتبر في قسمة الطريق ذرع ملك كل واحد منهم عند الاشتباه
لم يكن لصاحب المنزل أن يضيف الدار المشتراة إلى منزله وان عرف أصل الطريق كيف
كان بينهم جعلته بينهم على ذلك لان ما اعتبرناه نوع من الظاهر فإنما يصار إليه إذا لم تعلم حقيقة
الحال بخلافة فإن كانت دارا لرجل ولآخر فيها طريق مات صاحب الدار واقتسم ورثته الدار
بينهم ورفعوا الطريق لصاحب الطريق ولهم ثم باعوه فأرادوا قسمة ثمنه فلصاحب الطريق
نصفه وللورثة نصفه لان الورثة قائمون مقام المورث ولو كان هو حيا فباعاه كان الثمن بينهما
نصفين فبموته وكثرة ورثته لا يزداد نصيبه ولا ينقص نصيب صاحب الطريق وإن لم يعرف ان
أصل الدار بينهم ميراث وجحدوا ذلك قسم ذلك على عدد رؤسهم ورأس صاحب الطريق لأنهم
مستوون في الحق في الطريق وقد بينا ان البناء على الظاهر واجب ما لم يعلم خلافه وكل واحد
منهما في الظاهر أصل في نصيب نفسه فيعتبر هذا الظاهر في قسمة ثمن الطريق بينهم وإذا
58

كان في يد رجل بيت من الدار وفي يد آخر بيتان وفي يد آخر منزل عظيم وكل واحد منهم
يدعي جميع الدار فكل واحد منهم ما في يده لأن الظاهر يشهد له فيما في يده وساحة الدار
بينهم أثلاثا لاستوائهم في اليد عليها فان كل واحد منهم مستعمل للساحة بكسر الحطب فيها
وغير ذلك من وجوه الانتفاع بالساحات وان مات أحدهم عن ورثة كان لورثته ثلث الساحة
لأنهم قائمون مقامه في ذلك وان اقتسموا دارا ورفعوا طريقا بينهم صغيرا أو عظيما أو مسيل
ماء لذلك فهو جائز لأنه صلح جرى بينهم عن تراض وإذا اقتسم القوم دارا وفيها كنيف
شارع على الطريق الأعظم أو ظلة فليس يحسب ذرع الظلة والكنيف في ذرع الدار لان ما
تحت ذلك طريق هو حق لجماعة المسلمين فكيف يذرع ذلك في قسمة الدار بينهم (ألا ترى)
أن عند أبي حنيفة رحمه الله لكل واحد من المسلمين أن يخاصم في رفع البناء وعندهما
رحمهما الله إذا كان فيه ضرر للمسلمين فكذلك فعرفنا أنه لاحق للشركاء فيه الا في نقض البناء
فيعتبر قيمة ذلك في القسمة بينهم فاما أن يذرع مع ذرع الدار فلا ولو كانت الظلة على طريق
غير نافذ قد كان ذرعها يحسب في ذرع الدار لان حق قرار الظلة على ذلك الطريق مستحق
لهم مشترك فهو بمنزلة علو في الدار سفله لغيرهم وقد بينا الاختلاف في كيفية القسمة في العلو
والسفل بالذرع بين الشركاء والله أعلم
(باب القسمة الدار للميت وعليه دين أو وصية)
(قال رحمه الله وإذا اقتسم الورثة دار الميت وعليه دين ردت القسمة قليلا كان الدين أو
كثيرا أما إذا كان الدين مستغرقا للتركة فلان الورثة لا يملكون التركة ولا ينفذ تصرفهم فيها
والقسمة تصرف بحكم الملك وأما إذا قل الدين فلانه شاغل لكل جزء من التركة ولان القسمة
للاحراز ولا يسلم للوارث شئ من التركة الا بعد قضاء الدين فهذه قسمة قبل أوانها فهو
كقسمتهم في حياة الميت فإن كان للميت مال سوى ذلك بعته في الدين ونفذت القسمة) لان
كل مال الميت محل لقضاء الدين والمانع للقسمة قيام حق الغريم فإذا وصل إليه حقه من محله
زال المانع من نفوذ القسمة وكذلك أن لم يكن للميت مال سوى ذلك فادى الورثة الدين من
أموالهم على قدر مواريثهم أو ابراء الغريم الميت من الدين جازت القسمة لزوال المانع أما
بوصول حقه إليه أو بسقوط دينه بالابراء وكما أن سائر تصرفات الورثة في التركة تنفذ إذا
59

وصل إلى الغريم حقه فكذلك القسمة وإذا كان فيه وصية بالثلث لم تجز قسمة الوصي والورثة
على الموصى له الغائب بغير قضاء قاض لان الموصي له بالثلث شريك الورثة في عين التركة
حق لو أراد ايفاء حقه من محل آخر لم يملكوا ذلك فإن كان هو غائبا وليس عنده خصم
حاضر لم تجز القسمة والوصي لا يكون خصما عن الموصى له لأنه قائم مقام الميت والملك
الثابت للموصى له ملك متجدد والوصي إنما ينتصب خصما عمن يكون خلف الميت في الملك
الذي كان ثابتا للميت فلهذا يجوز قسمة الوصي مع الموصى له على الورثة ولا تجوز قسمته مع
الورثة على الموصي له وإنما تنظر القسمة بغير قضاء قاض لان القاضي إذا كان هو الذي قسم
بعد قضائه لمصادفته موضع الاجتهاد وثبوت الولاية له علي الموصي له الغائب فيما يرجع إلى
النظر له وإذا اقتسم الورثة دارا وفيهم وارث غائب وليس للميت وصي ولا للغائب وكيل
ثم قدم الغائب فله أن يبطل القسمة وكذلك الصغير إذا كبر لأنه لا ولاية للحضور مع الورثة
على الغائب والصغير خصوصا في تصرفهم مع أنفسهم والقسمة بهذه الصفة وما ينقل ومالا
ينقل في ذلك سواء وإن كان شئ من ذلك ميراثا بين قوم ولا دين على الميت ولا وصية
ثم مات بعض الورثة وترك عليه دينا أو أوصي بوصية أو كان له وارث غائب أو صغير ولا
وصي له فاقتسم الورثة الدار بغير قضاء قاض فللغرماء أن يبطلوا القسمة وكذلك أهل
الوصية والوارث الغائب والصغير لان لهم شركة فيما اقتسموا من التركة اما في العين أو في
المالية ولم يكن عنهم خصم حاضر ولأنهم قائمون مقام الميت الثاني في حصته ولو كان هو حيا
غائبا لم تنفذ قسمتهم عليه إن لم يحضر عنه خصم فكذلك بعد موته وإذا اقتسم الورثة دارا بينهم
واشهدوا على أنفسهم بالقسمة ثم ادعت امرأة الميت مهرها وأقامت عليه البينة فلها أن تنقض
القسمة ولا يكون قسمتها واقرارها بالميراث خروجا من دينها لان دين الوارث كدين أجنبي
آخر وللورثة أن يقضوا الدين من مال آخر لهم فيستخلصوا التركة لأنفسهم فهي إنما وافقت
معهم في القسمة على أن يقضوا مهرها من محل آخر فلا يكون ذلك منها ابراء للميت عن
المهر ولا اقرار بأنه لا دين لها ويكون لها ان تنقض القسمة لان القسمة لا تنفذ الا بشرط
قضاء الدين وإجازة الغريم القسمة قبل أن يصل إليه الدين لا يكون معتبرا بل وجود ذلك
كعدمه لان تقديم قضاء الدين لحق الميت لا لحق الغريم خاصة فإذا لم يقضوا دينها كان
لها أن تنقض القسمة وكذلك لو ادعى وارث آخر دينا على الميت فهو والمهر سواء ولو أن
60

وارثا ادعى وصية لابن له صغير له الثلث وأقام البينة وقسموا الدار فان هذه القسمة لا تبطل
حق ابنه في الوصية لان الأب لو أراد أن يرد هذه الوصية أو يبطل حق ابنه عنها بعد موت
الموصي لا يملك ذلك فكذلك مساعد الورثة على القسمة لا يبطل حق ابنه في الوصية إلا أن
الأب ليس له أن يطلب وصية ابنه ولا أن يبطل القسمة لان القسمة تمت به ومن سعي في
نقض ما قد تم ضل سعيه واقدامه على القسمة معهم اقرار بأنه لا وصية لابنه لما بينا ان
الموصى له بالثلث شريك الورثة في العين فالقسمة لا تصح بدون تميز حقه فيكون اقدامه على
القسمة مع الورثة اقرارا بأنه لا وصية لابنه بخلاف الدين فان قضاء حق الغريم من محل
آخر جائز ولا يصير هو بدعوى الدين بعد القسمة مناقضا أو ساعيا في نقض ما قد تم به ويصير
بدعوى الوصية لابنه مناقضا في كلامه فلا تسمع دعواه وللابن إذا كبر أن يطلب حقه ويرد
القسمة وإذا كانت الدار ميراثا بين قوم فاقتسموها على قدر ميراثهم من أبيهم ثم ادعى أحدهم
أن أخاله من أبيه وأمه قد ورثاه معهم وأنه مات بعد ابنه فورثه هو وأراد ميراثه منه
وقال إنما قسمتهم لي ميراث من أبى ولم يكتبوا في القسمة انه لا حق لبعضهم فيما أصاب
البعض وأقام البينة على ذلك لم تقبل بينته ولم تنقض القسمة لأنه لما ساعدهم على القسمة
وقد أقر أن جميع الدار ميراث بينهم من الأب فيكون في دعواه أن بعض الدار لأخيه
مناقضا وهو بهذا الكلام يسعى في نقض ما قد تم به لان تمام القسمة كان برضاه وان كانوا
كتبوا في القسمة أنه لاحق لبعضهم فيما أصاب البعض فهو أبقى لدعواه ومراده من قوله
ولم يكتبوا إزالة الاشكال وبيان التسوية في الفصلين في الجواب فكذلك لو أقام البينة انه
اشتراها من ابنه في حياته أو انه وهبا له وقبضها منه أو أنها كانت لامه ورثها منها لم تقبل
بينته لأنه مناقض في كلامه شارع في نقض ما قد تم به وإذا كانت القرية ميراثا بين ثلاثة نفر
من أبيهم فمات أحدهم وترك ابنا كبيرا فاقتسم هو وعماه القرية على ميراث الجد وقبض
كل واحد منهم حصته ثم إن ابن الابن أقام البينة على أن الجد أوصي له بالثلث لم تقبل بينته
لأنه لما ساعدهم على القسمة فقد أقر أنه لا وصية له فيها فكان هو في دعوى الوصية بعد
ذلك مناقضا ولو ادعى لنفسه دينا على ابنه وأقام البينة على هذا الدين كان له أن يبطل القسمة
لما بينا أن مساعدته إياهم على القسمة لا تكون اقرارا على أنه لا دين على ابنه وإنما ساعدهم على
القسمة ليتبين نصيب الابن فيستوفى دينه منه (ألا ترى) أن الدين لو كان لغيره فأجاز الغريم
61

القسمة كان ذلك باطلا وكان له أن يبطل القسمة فكذلك الوارث إذا كان هو الغريم ومعنى
هذا أنه لا معتبر بإجازة الغريم في القسمة لان المانع من نفوذها قيام دينه وذلك لا يختلف بإجازته
وعدم اجازته فلا يكون هو في دعوى الدين ساعيا في نقض ما قد تم به بخلاف ما إذا ادعى
الشركة في العين بالوصية بالثلث فالقسمة هناك تتم برضاه كما لو كان الموصى له أجنبيا آخر
فيكون هو في دعوى الوصية ساعيا في نقض ما قد تم به وإذا ادعى الوارث أنه كان اشترى
نصيب أبيه منه في حياته بثمن مسمى ونقده الثمن وأقام البينة على ذلك فهو جائز ولا يبطل
ذلك بالقسمة لأنه خصم في نصيبه سواء كان شراء أو ميراثا وقد تمت القسمة بحضرته
ورضاه وإذا كانت الأرض ميراثا بين قوم فاقتسموها وتقابضوا ثم إن أحدهم اشترى من
الآخر قسمه وقبضه ثم قامت البينة بدين على الأب فان القسمة والشراء جميعا يبطلان وكذلك
لو اشتراه غير وارث لان القسمة والشراء كلاهما تصرف من الوارث في التركة فلا ينفذ
مع قيام الدين وإذا ورث ثلاثة نفر عن أبيهم دارا فاقتسموها أثلاثا وتقابضوا ثم إن رجلا
غريبا اشترى من أحدهم قسمه وقبضه ثم جاء أحد الباقين فقال أنا لم أقسم فاشترى منه
الثلث من جميع الدار ثم جاء الثالث فقال قد اقتسمناها وأقام البينة على ذلك وصدقه البائع
الأول وكذبه الثاني وقال المشترى لا أدري أقسمتم أم لا فالقسمة جائزة لأنها تثبت بحجة
أقامها من هو خصم والثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ثم القسمة بعد تمامها لا تبطل بجحود بعض
الشركاء ويتبين أن الأول باع نصيب نفسه خاصة فكان بيعه صحيحا وأما الثاني إنما باع ثلث
الدار شائعا ثلث ذلك من قسمه وثلثا ذلك من نصيب غيره وإنما ينفذ بيعه في نصيبه خاصة
ويتخير المشتري فيه أن شاء أخذ ثلث قسمه بثلث الثمن وان شاء ترك لتفرق الصفقة عليه
ولا يقال ينبغي أن ينصرف بيعه إلى نصيبه خاصة لتصحيح عقده لأنه ملكه في منزل معين
وهو إنما باع ثلث الدار شائعا فلا يمكن تنفيذ ذلك البيع في منزل معين بخلاف ما قبل القسمة
فإنه إذا باع ثلث الدار فإنه ينصرف بيعه إلى نصيبه لان نصيبه ثلث شائع في جميع الدار كما
باعه ولو كان المشترى أقر في الشراء الأول بالقسمة وأقر في الشراء الآخر أنها لم تقسم
والمسألة على حالها كان القضاء بينهم على ما وصفته لان في اثبات القسمة بينهم هم الخصماء
ولا قول للمشترى في ذلك ولان المشترى في كلامه الثاني مناقض وقول المناقض غير معتبر
في حق غيره ولكنه معتبر في حقه حتى إذا رد البيع الثاني فإنه يرد عليه من نصيب الأول
62

ثلثه لأنه أقر به له وكأنه جحده في الكلام الأول ولكن الاقرار بعد الجحود صحيح وان
أمضي البيع لزمه ثلثا الثمن بثلث نصيب الأول وثلث نصيب الثاني لان زعمه معتبر في حقه
فبقدر ما يسلم له بزعمه يلزمه ثلثه وقد سلم له بزعمه ثلثا ما اشتراه من الثاني ويرجع بثلث الثمن
حصة نصيب الثالث لان ذلك لم يسلم له ويبقى في يد البائع الثاني ثلثا قسمه الذي أصابه لان
المشترى منه ما سلم إليه ذلك القسم إلا الثلث وإذا أقر الرجل ان فلانا مات وترك هذه الأرض
وهذه الدار ميراثا ثم ادعى بعد ذلك أنه أوصى له بالثلث فانى أقبل منه البينة على ذلك ولا
يخرجه قوله هذا من وصيته وكذلك لو ادعى دينا قبله لان محل الدين والوصية التركة وبعد
الموت توصف التركة بأنها ميراث وإن كان فيها دين أو وصية على معنى أنه كان ملكا للميت
إلى وقت موته وانه ميراث لورثته إذا سقط الدين أو رد الموصي له فلا يكون هو في
دعوى الدين والوصية مناقضا في كلامه بخلاف ما إذا ادعى شراء من الميت أو هبة أو صدقة فإنه
لا يسمع دعواه ولا تقبل بينته على ذلك لأنه مناقض في كلامه فان التركة اسم لما كان ملكا
للمورث إلى وقت موته والمشترى منه في حياته لا يكون مملوكا عند موته وكذلك لو أقر أنها
ميراث من غير أبيه فذلك غير مسموع منه للتناقض وإذا اقتسما القوم دارا ميراثا عن الميت
والمرأة مقرة بذلك وأصابها الثمن وعزل لها علي حدة ثم ادعت انه أصدقها إياها وأنه اشتراها
بصداقهما فإنه لا يقبل ذلك منها لأنها لما ساعدتهم على القسمة فقد أقرت انها كانت للزوج
عند موته وصار ميراثا فيما بينهم فهي مناقضة في هذه الدعوى بعد ذلك وكذلك إذا
اقتسموا فأصاب كل انسان طائفة بجميع ميراثه عن أبيه ثم ادعى أحدهم في قسم الآخر بناء
أو نخلا زعم أنه هو الذي بناه أو غرسه وأقام البينة بذلك لم يقبل منه لأنه قد سبق منه الاقرار
أن جميع ذلك ميراث لهم من الأب لان هذا القسم صار ميراثا لأخيه من أبيه وذلك يمنعه
من دعوى الملك لنفسه لامن جهة أبيه ولو اقتسموا دارا أو أرضا فيها زرع ونخيل حامل ولم
يذكروا الحمل في القسمة وإنما أشهدوا بما أصاب كل واحد منهم بميراثه من أبيه فان الزرع والثمار
لا يدخلان في هذه القسمة حتى كان لكل واحد منهم أن يطلب نصيبه منها لان القسمة في
هذا كالبيع وقد بينا أن الثمار والزرع لا يدخلان في البيع إن لم يشترط بكل قليل وكثير هو
منه أو فيه فكذلك لا يدخلان في القسمة ولو كانت للدار والأرض غلة من إجارة كانت أو من
ثمن ثمرة دين على رجل لم يدخل ذلك في القسمة لأنه غير متصل بما جرت القسمة بينهم فيه
63

وبقي ذلك بينهم على المواريث ولو شرطوا ذلك في قسم رجل كانت القسمة فاسدة لان
كل واحد منهم يصير مملكا نصيبه من ذلك الدين ممن شرط له بما يملك عليه من نصيبه من
العين وتمليك الدين من غير من عليه الدين بعوض لا يجوز ولو اقتسموا على أن ضمن أحدهم
دينا على الميت مسمى كان هذا باطلا إذا كان في أصل القسمة لان القسمة كالبيع ولو شرط
على المشترى في البيع أن يضمن دينا على البائع كان باطلا فكذلك إذا شرط في القسمة وان
ضمنه بغير شرط في القسمة على أن لا يبيع الوارث الميت ولا ميراثه بشئ من ذلك وعلى أن
يبرئ الغرماء الميت كان هذا جائزا ان رضى الغرماء بضمانه كما لو ضمنه أجنبي آخر بشرط
براءة الميت ورضي الغرماء بذلك وهذا لان المانع من القسمة قيام الدين على الميت وقد زال
ذلك فان أبى الغرماء أن يقبلوا ضمانه فلهم نقض القسمة لقيام دينهم على الميت وهو مانع من
نفوذ القسمة وان تراضوا بضمانه وأبرأوا الميت ثم نوى المال عليه رجعوا في مال الميت حيث
كان لأنهم أبرأوه بشرط وهو أن يسلم لهم دينهم من جهة الضامن فإذا لم يسلم كانوا على حقهم
في اتباع تركة الميت بمنزلة المحتال عليه إذا مات مفلسا فان الدين يعود إلى ذمة المحيل والله
أعلم بالصواب
(باب دعوى الغلط في القسمة)
(قال رحمه الله وإذا اقتسم القوم أرضا ميراثا بينهم أو شراء وتقابضوا ثم ادعى أحدهم
غلطا في القسمة فإنه لا يشتغل بإعادة القسمة بمجرد دعواه) لان القسمة بعد تمامها عقد لازم
فمدعي الغلط يدعى لنفسه حق الفسخ بعد ما ظهر سبب لزوم العقد وقوله في ذلك غير مقبول
كالمشترى إذا ادعى لنفسه خيارا بسبب العيب أو الشرط ولكن ان أقام البينة على ذلك فقد
أثبت دعواه بالحجة فتعاد القسمة بينهم حتى يستوفي كل ذي حق حقه لان المعتبر في القسمة
المعادلة وقد ثبت بالحجة أن المعادلة بينهم لم توجد كما لو ثبت المشتري العيب بالبينة وإن لم
يكن له بينة وأراد أن يستحلفهم على الغلط فله ذلك لأنهم لو أقروا بذلك لزمهم فإذا أنكروا
استحلفوا عليهم لرجاء النكول فمن حلف منهم لم يكن له عليه سبيل ومن نكل عن اليمين
جمع نصيبه إلى نصيبه ثم يقسم ذلك بينهما على قدر نصيبهما لان الناكل كالمقر واقراره حجة
عليه دون غيره ففيما في يده يجعل كان ما أقر به حق فيقسم بينهما على قدر نصيبهما وكذلك
64

كل ما يقسم فهو على هذا لا يعاد ذرع شئ من ذلك ولا مساحته ولا كيله ولا وزنه إلا بحجة
لأن الظاهر أن القسمة وقعت على سبيل المعادلة وانه وصل إلى كل ذي حق حقه والبناء على
الظاهر واجب ما لم يثبت خلافه وإذا اقتسم رجلان دارين وأخذ أحدهما دارا والاخر دارا
ثم ادعى أحدهما غلطا وجاء بالبينة ان له كذا كذلك ذراعا في الدار التي في يد صاحبه وفصلا في
قسمة فإنه يقضى له بذلك الذرع ولا تعاد القسمة وليس هذا كالدار الواحدة في قول أبى
يوسف رحمهما الله واما في قول أبي حنيفة فالقسمة فاسدة والدار ان بينهما نصفان لان
الثابت بالبينة كالثابت باتفاق الخصمين ومن أصل أبي حنيفة رحمه الله ان هذه القسمة بمنزلة
البيع حتى لا تجوز الا بالتراضي وبيع كذا كذا ذراعا من الدار التي في يد الغير لا يجوز في قول
أبي حنيفة رحمه الله وقد بيناه في البيوع فكذلك إذا شرط ذلك لأحدهما في دار صاحبه في القسمة
كانت القسمة فاسدة وأما على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله هذا بمنزلة البيع أيضا لما بينا ان
قسمة الخبر في الدار إنما تجري عندهما إذا رأى القاضي المصلحة فيه فأما بدون ذلك فهو كالبيع
ولكن من أصلهما أن بيع كذا كذا ذراعا من الدار جائز فكذلك اشتراط ذلك في القسمة
لأحدهما لا يمنع صحة القسمة وبه فارق الدار الواحدة لان معنى التمييز هناك يغلب على المعاوضة
في القسمة ولهذا لا يجبر عليه بعض الشركاء عند طلب البعض فإذا شرط لأحدهما كذا كذا
ذراعا في نصيب صاحبه لا يحصل التمييز بهذه القسمة بل الشرط والشيوع يبقى بذلك
القدر فلا تصح القسمة بخلاف الدارين فمعنى المعاوضة هناك يغلب على ما بينا وتتحقق المعاوضة
مع شرط كذا كذا ذراعا لأحدهما في دار صاحبه وإذا اقتسما أقرحة فأصاب أحدهما قراحان
والآخر أربعة أقرحة ثم ادعى صاحب القراحين أحد الا قرحة التي في يد الآخر وأقام
البينة انه له فأصابه في قسمة فإنه يقضي له به لأنه أثبت الملك لنفسه في تلك العين بالقسمة
وأثبت انه لم يقبضه واستولى عليه شريكه بغير حق فيقضي له بذلك كما لو ثبت ذلك باقرار
صاحبه وكذلك هذا في الأثواب فإن لم يكن للمدعى بينة كان له أن يستحلف الذي في يده الثوب
لان ذي اليد مستحق له باعتبار يده ظاهرا ولكن لو أقر بما ادعى حق صاحبه امر بتسليمه إليه
فإذا أنكر استحلف على ذلك وان أقام البينة على ثوب بعينه مما في يد صاحبه انه أصابه في
قسمة وجاء الآخر ببينة انه أصابه في قسمة فالبينة بينة الذي ليس الثوب في يده لان
دعواهما في الثوب دعوى الملك وبينة الخارج فيه تترجح على بينة ذي اليد لأنه هو المحتاج
65

إلى إقامة البينة وهو المثبت على صاحبه لما يدعيه بالبينة وكذلك هذا الاختلاف في بيوت الدار
وان اقتسما مائة شاة فأصاب أحدهما خمس وخمسون شاة وأصاب الاخر خمس وأربعون
شاة ثم ادعى صاحب الأوكس غلطا في التقويم لم تقبل بينته على ذلك وهذه المسألة في الحاصل
على ثلاثة أوجه أحدهما ان يدعى الغلط في التقويم وذلك غير مسموع منه وان أقام البينة على
ذلك لأنه شاع في نقض ما قد تم به والقيمة تعرف بالاجتهاد وذلك يختلف باختلاف المقومين
واختلاف الأوقات والأمكنة ولأنه بهذه البينة لا يثبت شيئا في ذمة غيره إنما يثبت قيمة ما
تناوله فعل القسمة وفعل القسمة لاقى العين دون القيمة وذلك يختلف باختلاف مقدار القيمة
بخلاف الغصب فان بينة المغصوب منه على مقدار قيمته تقبل لأنه يثبت ذلك دينا في ذمة
الغاصب فالمغصوب مضمون بالقيمة دينا في ذمة الغاصب توضيحه أن القسمة في معنى البيع ومع
بقاء عقد البيع لا تقبل البينة على قيمة المبيع من أحد المتعاقدين على صاحبه فكذلك في
القسمة والثاني أن تكون الدعوى في عدد ما أخذ كل واحد منهما بان قال أحدهما لصاحبه
أحدث احدى وخمسين غلطا أو أحدث أنا تسعة وأربعين وقال الآخر ما أحدث أنا الا
خمسين فالقول قوله مع يمينه وعلى المدعي البينة لان الاختلاف بينهما في مقدار المقبوض فالقول
قول المنكر للزيادة وعلى من يدعى الزيادة فيما قبض صاحبه اثباته بالبينة ولأنه يدعى شاة مما
في يد صاحبه انها ملكه اصابته في القسمة وصاحبه ينكر ذلك فالقول قوله مع يمينه والثالث
ان قال أخطأنا في العدد وأصاب كل واحد منا خمسين خمسين وهذه الخمسين خطأ كان منا
وقال الآخر قد اقتسمنا على هذا لك خمس وأربعون ولى خمس وخمسون وليس بينهما بينة
والغنم قائمة بعينها تحالفا وتراد لان القسمة في معنى البيع واختلاف المتبايعين في البيع حال قيام
السلعة توجب التحالف والتراد فكذلك في القسمة لأنه عقد محتمل للفسخ بعد لزومه بالتراضي
فيفسخ بالتحالف أيضا وان أقام كل واحد منهما بينة على ذلك ردت بالقسمة لان صاحب
الخمس وأربعين هو المدعى وهو المثبت ببينته فيترجح كذلك بينته ويصير كأن خصمه صدقه
فيما قال فتبطل القسمة ويستقبلانها على وجه المعادلة وإذا اقتسما دارا ولم يشهدا على القسمة
حتى اختلفا فقال هذا أصابني هذه الناحية وهذا البيت فيها وقال الذي هي في يديه أصابني
هذا كله تحالفا وترادا لان الاختلاف بينهما في المعقود عليه في الحاصل وان كانت لهما بينة على
القسمة أنفذت بينتهما على ما يشهد به الشهود كما لو اتفق الخصمان عليه وهذا لان ما أصاب
66

كل واحد منهما معلوم بحدة وقد تحقق التمييز بينهما بهذه القسمة بخلاف ما تقدم فهناك أبتت
بينة صاحب الخمس وأربعين انه بقي من حقه خمس شائعة فيما أخذه صاحبه فلهذا تبطل القسمة
وان اختلفا في الحد فيما بينهما فقال أحدهما هذا الحد لي قد دخل في نصيب صاحبه وقال
الآخر هذا الحد لي قد دخل في نصيب صاحبه فان قامت لهما بينة أحدث بينة هذا وبينة
هذا لان كل واحد منهما ثبت الملك لنفسه في جزء مما في يد صاحبه بعينه واجتمع ذلك الجزء
بينة الخارج وبينة ذي اليد فيترجح بينة الخارج وإن لم يقم لهما بينة أستحلف كل واحد منهما
على دعوى صاحبه وجعل لكل واحد منهما يدعي لنفسه جزءا معينا في يد صاحبه وان أراد
أحدهما أن يرد القسمة ردها بعد ما يتحالفان لما بينا أن الاختلاف بينهما في المعقود عليه
وفي مقدار ما حصل لكل واحد منهما بالقسمة وذلك موجب للتحالف وبعد التحالف ترد
القسمة إذا طلب ذلك أحدهما كما في البيع * رجل مات وترك دارا وابنين فاقتسما الدار وأخذ
كل واحد منهما النصف وأشهد على القسمة والقبض والوفاء ثم ادعي أحدهما بيتا في يد صاحبه
لم يصدق على ذلك إلا أن يقر به صاحبه من قبل أن قد أشهد على الوفاء يعنى أنه أقر باستيفاء
كمال حقه فبعد ذلك هو مناقض فيما يدعيه في يد صاحبه فلا تقبل بينته على ذلك ولكن ان
أقر به صاحبه فاقراره ملزم إياه والمناقض إذا صدقه خصمه فيما يدعى ثبت الاستحقاق له ولو
لم يكن له أشهد بالوفاء ولم يسمع منه اقرار بالقسمة حتى قال اقتسمنا فأصابني في هذه الناحية
وهذا البيت والناحية في يده والبيت في يد صاحبه وقال شريكه بل أصابني البيت وما في
يدي كله فانى أسأل المدعى عن البيت أكان في يد صاحبه قبل القسمة فلم يدفعه إليه أو غصب
منه بعد القسمة فان قال كان في يدي بعد القسمة فغصبناه وأعرته أو أجرته لم أنقض القسمة
لتصادقهما على شريكه بقبض لكل واحد منهما جميع نصيبه وبقي دعواه أن البيت وصل إلى
يد صاحبه من يده وصاحبه جاحد لذلك فالقول قوله مع يمينه وإن كان قال في يد صاحبي قبل
القسمة فلم يسلمه إلي تحالفا ويراد أن الاختلاف بينهما في مقدار ما أصاب كل واحد منهما
بالقسمة وقد بينا أن الاختلاف في المعقود عليه يوجب التحالف في القسمة فكذلك الاختلاف
في الحد وعلى هذا القسمة في جميع أجناس الأموال يكون الجواب على التقسيم الذي قلنا إذا
ادعى أحدهما شيئا في يد صاحبه ولو ادعى غلطا في الذرع فقال أصابني الف وأصابك الف
فصار في يدك الف ومائة وفي يدي تسعمائة وقال الآخر أصابك ألف وأصابني الف فقبضتها
67

ولم أزد فالقول قول الذي يدعي قبله الغلط مع يمينه لان صاحبه يدعى عليه أنه قبض زيادة على
حقه وهو منكر لذلك وان قال أصابني الف ومائة و أصابك الف ومائة وقال الآخر أصابني
الف وأصابك الف فقبضت أنت ألفا ومائة وقبضت تسعمائة تحالفا وتراضيا لأنهما تصادقا
على أن المدعى عليه قبض الف ومائة وإنما الاختلاف بينهما في مقدار نصيبه بالقسمة فالمدعى
يقول نصيبك الف والمدعى عليه يقول نصيبي الف ومائة والاختلاف في المعقود عليه
يوجب التحالف بينهما ولان المدعى لم يقر بقبض المائة هنا والمدعى عليه يدعى ذلك فلا بد من
استحلافه وقد توجهت اليمين على المدعى عليه لما بينا فلهذا تحالفا وترادا ولو قال كنت
قبضتها فقبضتها لم أنقض القسمة وأحلف المدعى قبله الفصل لأنهما تصادقا على انتهاء القسمة
بقبض كل واحد منهما تمام نصيبه ثم ادعى أحدهما الغصب على صاحبه وهذا هو الحرف
الذي تدور عليه هذه الفصول أن القسمة حيازة وتمامها بالقبض فإذا تصادقا على قبض كل
واحد منهما تمام نصيبه بالقسمة لم يكن الاختلاف بينهما بعد ذلك اختلافا في المعقود عليه
وإذا اختلفا في مقدار ما قبضه كل واحد منهما كان ذلك اختلافا في المعقود عليه فيثبت حكم
التحالف بينهما ولو اقتسما مائة شاة فصار في يد أحدهما ستون وفي يد الآخر أربعون
فقال الذي في يده الأربعون أصاب كل واحد منا خمسون وتقابضنا ثم غصبني عشرا بأعيانها
وخلطتهما بغنمك فهي لا تعرف وجحد ذلك الآخر الغصب وقال بل أصابني ستون وأنت
أربعون فالقول قوله مع يمينه لتصادقهما على أن كل واحد منهما قبض كمال حقه بالقسمة ثم
ادعى أحدهما الغصب على صاحبه وأنكر صاحبه ذلك فالقول قوله مع يمينه فلو قال الأول
أصابني خمسون فدفعت إلي أربعين وبقي في يدك عشرة لم تدفعها إلي وقال الآخر أصابني
ستون وأصابك أربعون تحالفا وتراد الآن الاختلاف بينهما في مقدار ما أصاب كل واحد
منهما ولو كان أشهد عليه بالوفاء قبل هذه المقالة كان القول قول الذي في يده ستون لاقرار
صاحبه باستيفاء كمال حقه ولا يمين عليه لان صاحبه مناقض في الدعوى بعد ذلك الاقرار
وبالدعوى مع التناقض لا يستحق اليمين على الخصم فان ادعى الغصب بعد القبض حلف المنكر
عليه لان دعوى الغصب منه دعوى صحيحة ولا تناقض فيها فيستوجب فيها اليمين على المنكر
وإن لم يشهد بالوفاء فقال الذي في يده الأربعون كانت غنم والدي مائة شاة فأصابني خمسون
وأصابك خمسون وتقابضنا ثم غصبني عشرا وهي هذه وقال الذي في يده الستون بل كانت
68

غنم والدي مائة وعشرين فأصابني ستون وأنت ستون ولم أغصبك وقد تقابضنا فان هذا
قد أقر بفصل عشر من الغنم ليس فيها قسمة لان الآخر إنما أقر بقسمة المائة وهو منكر
للقسمة فما زاد على المائة وقد أقر ذو اليد ان هذه العشرة زيادة على المائة وادعى القسمة فيها
ووصول مثلها إلى صاحبه وصاحبه منكر فالقول قوله مع يمينه وإذا حلف بقيت هذه العشرة
في يده غير مقسومة فيردها ليقسم بينهما فإن لم يقر بفصل على مائة وقال كانت مائة فأصابني
ستون وأنت أربعون فالقول قوله مع يمينه على الغصب الذي ادعاه صاحبه قبله من قبل أن
شريكه قد أبرأه من خصه المائة ولم يبرأ من حصته من الفضل عليها فإن كانت قائمة بعينها
اقتسماها نصفين والا أفسدت القسمة لجهالة العشرة التي لم تتناولها القسمة فالغنم تتفاوت
وبجهالة ما لم تتناوله القسمة يصير ما تناولته القسمة مجهولا فالسبيل أن ترد الستون والأربعون
وتستقبل القسمة فيما بينهما لفساد القسمة الأولى والله أعلم
(باب قسمة الوصي على أهل الوصية والورثة)
(قال رحمه الله وإذا كان في الميراث دين على الناس فأدخلوه في القسمة لم يجز لما بينا ان
من وقع الدين في نصيبه يكون متملكا على أصحابه نصيبهم من الدين بعوض وتمليك الدين من
غير من عليه الدين بعوض لا يجوز) وكذلك لو اقتسموا الدين فاخذ كل واحد منهم من
حقه فيها دينا على رجل خاصة لم يجز لان كل واحد منهم مملك نصيبه مما في ذمة زيد من
صاحبه لم يتملك عليه من نصيبه مما في ذمة عمر وإذا كان تمليك الدين من غير من عليه الدين
لا يجوز بعوض عين فلان لا يجوز بعوض دين أولى وكذلك أن كان الدين كله على رجل
واحد فقسمتهم فيه قبل القبض باطلة لان القسمة حيازة ولا يتحقق ذلك فيما في الذمة ولا تجوز
قسمة وصي الأب بين الصغير لان القسمة في معنى المعاوضة وليس للوصي ولاية بيع مال أحد
القسمين من صاحبه لأنه لا ينفرد بالتصرف الا عند منفعة ظاهرة لليتيم وفي هذا التصرف
أن نقع أحدهما أضر بالآخر وإن كان معهم ورثة كبار فان قسم نصيب الصغيرين معا جاز
ذلك لان المعاوضة في مال الصغيرين مع الوارث الكبير جائزة فكذلك قسمة نصيب الصغيرين
معا مع الوارث الكبير (قال) في الأصل وكذلك الأب ومراده هذا الفصل لا ما قبله فقسمة
الأب مع ابنيه الصغيرين جائزة لأنه يملك بيع مال أحدهما من صاحبه بخلاف الوصي فيفرده
69

بالتصرف ولا يتقيد بشرط منفعة ظاهرة للصبي ولا تجوز قسمة وصى الميت على الكبار وهم
كارهون لأنه لا ولاية له عليهم في المعاوضة والتصرف في مالهم إذا كانوا حضورا فإن كان
فيهم غائب فقاسم الوصي عليه لم يجز في العقار وجاز في غيره لان القسمة في العروض من
الحفظ وللوصي ولاية الحفظ في نصيب الكبير الغائب فكان له في نصيبه من القسمة ما يرجع
إلى الحفظ فاما العقار فحصته بنفسها وليس في قسمتها معنى الحفظ بل هو مطلق التصرف ولا
ولاية له في نصيب الكبير الغائب في مطلق التصرف وإن كان فيهم صغير وكبير غائب وكبير
حاضر فعزل الوصي نصيب الكبير الغائب مع نصيب الصغير وقاسم الكبار الحضور فهو جائز
في العقار وغيرها في قول أبي حنيفة رحمه الله ولا يجوز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله
على الكبير الغائب في العقار وهذه تنبنى على ما بيناه في كتاب الشفعة ان عند أبي حنيفة بثبوت
ولايته في نصيب الصغير يملك بيع جميع التركة من العقار وغيره وعندهما لا يملك البيع الا
في نصيب الصغير فكذلك القسمة لان فيها معنى البيع وكذلك الحكم في وصى الذمي لأنه في
ملك التصرف كوصي المسلم فإن كان الوصي ذميا والميت ورثته مسلمين فإنه يخرج من
الوصية لان في الوصية نوع ولاية ولا ولاية للكافر على المسلم وان قاسم على الصغير قبل أن
يخرج جازت قسمته مثل قسمة الوصي المسلم لان القسمة تصرف منه كسائر التصرفات
والإنابة في التصرف بعد الموت كالإنابة في الحياة بالوكالة ولو وكل المسلم ذميا بالتصرف نفذ
تصرفه عليه فكذلك إذا جعله وصيا في التصرف بعد موته قلنا ينفذ تصرفه بطريق النيابة
ما لم يخرج من الوصاية لاعتبار معنى الولاية وكذلك لو كان الوصي عبدا لغير الميت فهو وصي
نافذ التصرف بطريق النيابة بمنزلة ما لو وكله في حياته حتى يخرجه القاضي من الولاية فالرقيق
ليس من أهل أن تثبت له الولاية على غيره لأنه لا ولاية له على نفسه وإنما يتعدى إلى الغير
عند وجود شرط التعدي ما كان للمرء من الولاية على نفسه ولا تجوز قسمة الكافر والمملوك
على الولد الصغير الحر المسلم كما لا تجرى عليه سائر تصرفاته لأنه لا ولاية له عليه وهو ليس
بنائب عن الصغير في التصرف لينفذ بطريق النيابة ويجعل كتصرف المنوب عنه ولا يجوز
قسمة الحربي المستأمن على ابن صغير له ذمي لان الذمي من أهل دارنا ولا ولاية للحربي على
من هومن أهل دارنا ويجوز على ابن له مثله لثبوت ولايته عليه قال الله تعالى والذين كفروا
بعضهم أولياء بعض الآية ولا تجوز قسمة المرتد إذا قتل على ردته على ولد له صغير مثله مرتد
70

لأنه لا ولاية له عليه ولأنه لا ولاية له على التصرف في ماله إذا قتل على ردته حتى تبطل قسمته
لنفسه وسائر تصرفاته إذا قتل على الردة في قول أبي حنيفة رحمه الله ففي حق ولده الصغير
أولى والمعتوه المغلوب بمنزلة الصغير في جميع ما وصفنا لأنه لا ولاية له علي نفسه وهو محتاج
إلى تصرف الولي له كالصغير وأما المبرسم والمغمى عليه والذي يجن ويفيق فلا تجوز عليه
القسمة إلا برضاه أو وكالته في حال إفاقته لان بهذه العوارض لا تزول ولايته عن نفسه فلا
يصير موليا عليه وإذا كان يجوز تنفيذ التصرف له وعليه برأيه في حال إفاقته بطريق التوكيل
فلا حاجة إلى إقامة رأى الولي مقام رأيه بخلاف الصغير والمعتوه فإنه لا يمكن تنفيذ التصرف
له وعليه باعتبار رأيه في ذلك فأقمنا رأى الولي مقام رأيه لتحقق الحاجة وأهل الذمة في القسمة
بمنزلة أهل الاسلام الا في الخمر والخنزير يكون بينهم فأراد بعضهم قسمتها وأبى بعضهم فاني
أجبرهم على القسمة كما أجبرهم على قسمة غيرها لان الخمر والخنزير مال متقوم في حقهم كالخل
والغنم في حق المسلمين وان اقتسموا فيما بينهم خمرا وفضل بعضهم بعضا في كيلها لم يجز الفضل
في ذلك فيما بينهم لأنه مال الربا فإنه مكيل أو موزون وفي حكم الربا هم يستوون بالمسلمين فهو
مستثنى من عقد الذمة وإذا كان وصيي الذمي مسلما كرهت له مقاسمة الخمر والخنزير ولكنه يوكل
من يثق به من أهل الذمة فيقاسم الصغير ويبيع ذلك بعد القسمة لان المسلم ممنوع من التصرف
في الخمر والخنزير والقسمة نوع تصرف فينبغي أن يفوض ذلك إلى ذمي ولا يشكل جواز ذلك
على أصل أبي حنيفة رحمه الله لأنه يجوز للمسلم أن يوكل الذمي بالتصرف له في الخمر والخنزير
وكذلك على قولهما هنا لان الوكيل نائب عن الصغير وحكم تصرفه يثبت للصغير (ألا ترى)
أنه يرجع بما يلحقه من العهدة في مال الصغير والوصي فيما يأمر من ذلك كالقاضي وأمر القاضي
الذمي بالبيع والقسمة في خمور يتامى أهل الذمة صحيح فكذلك أمر الوصي به وان وكل الذمي
المسلم بقسمة ميراث فيه خمر وخنزير لم يجز ذلك من المسلم كما لا يجوز بيعه وشراؤه في الخمر والخنزير
لأنه إنما يتصرف للغير بوكالته في مال يجوز له أن يتصرف فيه لنفسه لو كان مملوكا له وليس
للمسلم الوكيل ان يوكل بقسمة ذلك غيره لان الموكل لم يرض برأي غيره فيه فان فوض
ذلك إليه فوكل ذميا به جاز وإذا أسلم أحد الورثة فوكل ذميا بمقاسمة الخمر والخنزير مع
سائر الورثة جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله ولم يجز في قولهما لان في القسمة معنى البيع فهو
كالمسلم يوكل الذمي ببيع الخمر والخنزير ولو أخذ نصيبه من الخمر فجعله خلا كان المسلم ضامنا
71

لحصة شركائه من الخمر التي خللها لان القسمة لم تصح عندهما كما لو باشر بنفسه فإنما قبض
نصيب شركائه من الخمر بحكم عقد فاسد وقد خللها فيكون ضامنا لنصيبهم من القيمة ويكون
الخل له وإذا كان في تركة الذمي خمرا وخنزير وغرماؤه مسلمون وليس له وصي فان القاضي
يوكل ببيع ذلك رجلا من أهل الذمة فيبيعه ويقضي به دين الميت لان من يأمره القاضي يكون
نائبا عن الميت ولهذا يرجع بما يلحقه من العهدة في مال الميت والميت كافر فيجوز بيع الذمي
خمرة على سبيل النيابة عنه والغرماء إنما يقبضون الثمن بدينهم لا أن يكون بيع قيم القاضي واقعا
لهم والمكاتب كالحر في القسمة لأنه من صنيع التجار وفيها معنى المعاوضة كالبيع وان عجز بعد
القسمة لم يكن لمولاه فسخها لان القسمة تمت في حال قيام الكتابة فهو كبيع أو شراء أتمه المكاتب
ومقاسمته مع مولاه جائزة لأنه في التصرف مع المولى بيعا أو شراء كأجنبي آخر فكذلك
المقاسمة ولا تجوز مقاسمة المولى على المكاتب بغير رضاه سواء كان المكاتب حاضرا أو
غائبا لأنه في حكم التصرف في كسبه كأجنبي آخر فان فعل ذلك ثم عجز المكاتب وصار ذلك
لمولاه لم تجز تلك القسمة كما لا ينفذ سائر تصرفاته بعجز المكاتب لأنه حين تصرف كان هو من
كسب المكاتب كالأجنبي وان وكل المكاتب بالقسمة وكيلا ثم عجز أو مات لم يجز لوكيله أن
يقاسم بعد ذلك لان الوكيل نائب عن الموكل وقد زالت ولاية الموكل بعجزه وبموته حتى لا
ينفذ منه هذا التصرف بعد العجز لو باشره لنفسه فكذلك من وكيله وان أعتق فهو على وكالته
لان ولايته بالعتق ازدادت قوة فتصرف الوكيل له بعد عتقه كتصرفه بنفسه وان أوصى
المكاتب عند موته إلى وصى فقاسم الوصي ورثة المكاتب الكبار لولده الصغير وقد ترك وفاء
فان قسمته في هذا جائز على ما تجوز عليه قسمة وصى الحر لأنه يؤدي كتابته ويحكم بحريته حال
حياته وكأنه أدى الكتابة بنفسه ثم مات فيكون وصيه في التصرف على ولده الصغير كوصي
الحر وقال في الزيادات وصيه بمنزلة وصى الحر في حق الابن الكبير الغائب حتى يجوز
قسمته فيما سوي العقار وما ذكر هناك أصح لأنه لا يثبت للمكاتب على ولده الصغير ولاية
مطلقة وان استندت حريته إلى حال حياته لأنه في تلك الحال مشغول بنفسه لا يمكنه أن
ينظر إلى الولد فلا تثبت له الولاية وإنما تثبت الولاية المطلقة للوصي إذا كان للموصى ولاية
مطلقة (ألا ترى) أن وصى الأخ والعم لا يثبت له من الولاية الا قدر ما كان للموصى فهنا أيضا
كان للموصي على ولده الصغير المولود في الكتابة من الولاية ما يرجع إلى الحفظ ولا ولاية له
72

عليه فوق ذلك فكذلك وصيه بعد موته وما زاد على هذا من البيان قد ذكرنا في إملاء
شرح الزيادات وإن لم يترك وفاء فقاسم الوصي الولد الكبير للولد الصغير وقد سعوا في
المكاتبة لم يجز لأنه لا ولاية له على الولد الصغير فإنه مكاتب للمولى إذا اختار المضي على
الكتابة فان أدوا المكاتبة قبل أن يردوا القسمة أجزت القسمة لأنهم لما أدوا الكتابة حكم
بعتق المكاتب وكان وصيه كوصي الحر على هذه الرواية حتى يملك استئناف القسمة فكذلك
تنفذ تلك القسمة منه لأنه لا فائدة في الاشتغال بنقض قسمة يحتاج إلى اعادتها والعبد التاجر
بمنزلة الحر في القسمة لأنه من صنيع التجار وهو نظير البيع فإذا قاسم العبد التاجر عبدا تاجرا
مثله وهما لرجل واحد جاز ذلك أن كان عليهما دين أو على أحدهما وإن لم يكن على واحد منهما
دين فقسمتهما باطلة بمنزلة البيع والشراء وهذا لان كسبهما لمالك واحد والقسمة في مال هو
خالص لمالك واحد لا تتحقق ولان مقاسمة كل واحد منهما مع عبد مولاه كمقاسمته مع
مولاه ولو كانا مكاتبين لرجل واحد جازت قسمتهما لان كل واحد من المكاتبين في كسبه
بمنزلة الحر في التصرف ولا ملك للمولى في كسب واحد منهما فان قاسم العبد التاجر مولاه
دارا وعليه دين جازت القسمة وإن لم يكن عليه دين لم تجز القسمة لان المولى من كسب
عبده المديون بمنزلة الأجنبي في التصرف وان تصرف العبد لغرمائه وكذلك لو كانت الدار
بين العبد ورجل آخر فقاسم مولى العبد الشريك بغير رضاء العبد فإن لم يكن على العبد دين
فهو جائز وإن كان عليه دين قليل أو كثير لم يجز إلا أن يسلمه العبد بمنزلة سائر تصرفات المولى
في كسبه وان قاسم العبد التاجر رجلا أجنبيا دارا " بغير أمر مولاه وعليه دين أو لا دين عليه
فهو جائز لأنه من نوع التجارة وقد استفاده بمطلق الاذن في التجارة ولا تجوز قسمة العبد
المحجوز عليه بغير أمر من المولى والحاصل أن القسمة تصرف كالبيع والشراء فإنما تصح ممن
يملك البيع والشراء في ذلك المحل ولو كان عبد بين رجلين أذن له أحدهما في التجارة فاشترى
هو ورجل آخر دارا جاز ذلك في حصة الذي أذن له لان الاذن فك الحجر وقد ثبت ذلك
في نصيب الذي أذن له فينفذ تصرفه باعتباره في حصته كما لو كاتب أحد الشريكين نصيبه
من العبد وان قاسم العبد شريكه فهو جائز كما لو باع نصيبه من شريكه أو من غيره جاز ذلك
لثبوت حكم انفكاك الحجر في نصيب الاذن منه ولو كانت دار بينه وبين مولاه الذي لم يأذن
له فقاسمها إياه جاز ذلك لان نفوذ تصرفه مع الأجنبي بسبب انفكاك الحجر عنه في نصيب
73

الاذن والمولى الذي لم يأذن له من نصيب الاذن كالأجنبي وهو نظير ما لو كاتبه أحد الموليين
على نصيبه باذن شريكه فإنه تجوز قسمته وسائر تصرفاته باعتبار هذا الفك مع الأجنبي ومع
المولى الآخر فكذلك بعد الاذن من أحدهما له في التجارة والله أعلم بالصواب
(كتاب الإجارات)
(قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل
السرخسي إملاء إعلم أن الإجارة عقد على المنفعة بعوض هو مال والعقد على المنافع شرعا نوعان
أحدهما بغير عوض كالعارية والوصية بالخدمة والآخر بعوض وهو الإجارة وجواز هذا
العقد عرف بالكتاب والسنة) أما الكتاب فقوله تعالى ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ
بعضهم بعضا سخريا أي في العمل باجر وقال الله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام على أن
تأجرني ثماني حجج فان أتممت عشرا فمن عندك وما ثبت شريعة لمن قبلنا فهو لازم لنا ما لم
يقم الدليل على انفساخه وقال صلى الله على وسلم أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه
فالامر باعطاء الاجر دليل صحة العقد وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يؤاجرون
ويستأجرون فأقرهم على ذلك وبين أحكامه وزعم بعض مشايخنا رحمهم الله أن القياس يأبى
جواز هذا العقد لأنه يرد على المعدوم وهي المنفعة التي توجد في مدة الإجارة والمعدوم ليس
بمحل للعقد لأنه ليس بشئ فيستحيل وصفه بأنه معقود عليه ولأنه ملك المعقود عليه بعد
الوجود لا بد منه لانعقاد العقد والمعدوم لا يوصف بأنه مملوك ولا يمكن جعل العقد مضافا
لان المعاوضات لا تحتمل الإضافة كالبيع والنكاح (قال) رضي الله عنه وهذا عندي ليس
بقوي واشتراط الوجود والملك فيما يضاف إليه العقد لعينه بل للقدرة على التسليم وذلك
لا يتحقق في المانع فان الوجود يعجزه عن التسليم بحكم العقد هنا لان المنافع أعراض لا تبقى
وقتين والتسليم حكم العقد والحكم يعقب السبب فلا يتصور بقاء الموجود من المنفعة عند
العقد إلى وقت التسليم فإذا كان بالوجود يتحقق العجز عن التسليم عند وجوب التسليم فلا
معنى لاشتراط الوجود عند العقد ولكن تقام العين المنتفع بها موجودة في ملك العقد مقام
المنفعة في حكم جواز العقد ولزومه كما تقام المرأة مقام ما هو المقصود بالنكاح في حكم العقد
والتسليم وتقام الذمة التي هي محل المسلم فيه مقام ملك المعقود عليه في حكم جواز السلم أو
74

يجعل العقد مضافا للانعقاد إلى وقت وجود المنفعة ليقترن الانعقاد بالاستيفاء فيتحقق بهذا
الطريق التمكن من استيفاء المعقود عليه وهو معنى قول مشايخنا رحمهم الله أن الإجارة عقود
متفرقة يتجدد انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة وإنما يفعل كذلك لحاجة الناس فالفقير
محتاج إلى مال الغنى والغنى محتاج إلي عمل الفقير وحاجة الناس أصل في شرع العقود فيشرع
على وجه ترتفع به الحاجة ويكون موافقا لأصول الشرع ثم يرد هذا العقد تارة على المنفعة
وعلى العمل أخرى وفي الوجهين لا بد من اعلام ما يرد عليه العقد على وجه تنقطع به
المنازعة فاعلام المنفعة ببيان المدة أو المسافة وذكر المدة لبيان مقدار العقود عليه لا للتوقيت في
العقد فان المنافع لما كانت تحدث شيئا فشيئا فمقدارها يصير معلوما ببيان المدة بمنزلة الكيل
والوزن في المقدرات أو ببيان المسافة فان مقدار السير والمشي يصير به معلوما واعلام العمل
ببيان محله والمعقود عليه فيه وصف يحدثه في المحل من قصارة أو دباغة أو خياطة فيختلف
مقداره باختلاف المحل ولهذا لا يتعين عليه إقامة العمل بيده إلا أن يشترط عليه ذلك فحينئذ
يجب الوفاء بالشرط لأنه مفيد فبين الناس تفاوت في إقامة العمل بأيديهم وكما يجب اعلام ما يرد
عليه العقد فيجب اعلام البدل لقطع المنازعة وقد دل عليه الحديث الذي بدأ به الكتاب ورواه
عن أبي هريرة وأبى سعيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يستام الرجل على
سوم أخيه ولا ينكح على خطبته وقال لا تناجشوا ولا تبيعوا بالقاء الحجر ومن استأجر أجيرا
فليعلمه أجره وهذا حديث طويل بدأ ببعضه كتاب النكاح وببعضه كتاب الإجارات وهو
مشهور تلقته العلماء رحمهم الله بالقبول وبالعمل به وفيه دليل على أنه لا يحل الاستيام على
سوم الغير وهذا اللفظ يروى بروايتين بكسر الميم فيكون نهيا والنهى مجزوم ولكن المجزوم
إذا حرك لاستقبال الألف واللام حرك بالكسر ويرفع الميم وهو نهى بصيغة الخبر وأبلغ
ما يكون من النهى هذا كالأمر فان أبلغ الامر ما يكون بصيغة الخبر قال سفيان بن عيينة رحمه
الله بظاهر الحديث إذا استام على سوم الغير واشترى أو نكح على خطبة الغير فالعقد باطل
لان النهى يوجب فساد المنهي عنه ولكنا نقول هذا نهى لمعنى في غير المنهى عنه غير متصل
به وهو الأذى والوحشة الذي يلحق صاحبه وذلك ليس من العقد في شئ فيوجب الاستياء
ولا يفسد العقد كالنهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة ثم هذا النهى بعد ما ركن أحدهما
إلى صاحبه فاما إذا ساومه بشئ ولم يركن أحدهما إلى صاحبه فلا بأس للغير أن يساومه ويشتريه
75

على ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بعبد فساومه ولم يشتره فاشتراه آخر فأعتقه
الحديث وهذا لان بيع المزايدة لا بأس به على ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم باع قعبا
وحلسا ببيع من يزيد وصفة بيع المزايدة ان ينادى الرجل على سلعته بنفسه أو بنائبه ويزيد
الناس بعضهم على بعض فما لم يكف عن النداء فلا بأس للغير أن يريد وإذا ساومه انسان بشئ
فكف عن النداء ورضي بذلك فحينئذ يكره للغير أن يزيد ويكون هذا استياما على سوم
الغير وكذلك إذا خطب امرأة ولم تركن إليه فلا بأس للغير أن يخطبها على ما روى أن امرأة
جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن معاوية يخطبني وان أبا الجهم يخطبني
فقال صلى الله عليه وسلم أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له وأما أبو الجهم فهو لا يرفع العصا
عن أهله أنكحي أسامة بن زيد فإنك تجدين فيه خيرا كثيرا فاما بعد ما ركن أحدهما إلى
صاحبه لا يحل لاحد أن يخطبها لان معنى الأذى إنما يتحقق في هذه الحال والمراد بالنجش
الإنارة ومنه سمي الصياد ناجشا لأنه ينثر الصيد عن أوكارها فالمراد أن يطلب السلعة بثمن يعلم
أنها لا تساوي ذلك ولا يقصد شراؤها وإنما يقصد أن يرغب الغير في شرائها به وهذا من باب
الخداع والغرور وقوله ولا تبيعوا بالقاء الحجر وفي بعض الروايات ولا تنابذوا وهو عبارة عن
هذا المعنى أيضا " فالنبذ هو الطرح وهذه أنواع بيوع كانوا تعارفوها في الجاهلية وهي أن يرمى
الحجر إلى سلعة انسان فان أصابها وجب البيع بينهما أو يطلب سلعة من انسان فان طرح إليه
صاحبها وجب البيع بينهما ثم نهى الشرع عن ذلك لما فيه من الغرر كما روى أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى عن بيع الغرر ومقصوده آخر الحديث ومن استأجر أجيرا فليعلمه أجره وهذا
دليل جواز الإجارة وجواز استئجار الحر للعمل ووجوب اعلام الاجر وانه لا يجب تسليم
الاجر بنفس العقد لأنه أمر بالاعلام ولو كان التسليم يجب بنفس العقد لكان الأولى أن يقول
فليؤته أجره وفي قوله صلى الله عليه وسلم أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه دليل على
ذلك أيضا فإنه أمر بالمسارعة إلى أداء الأجرة وجعل أول أوقات المسارعة ما بعد الفراغ من
العمل قبل جفوف العرق فدل أن أول وقت الوجوب هذا وعن أبي أمامة قال قلت لعبد الله
ابن عمر رضي الله عنهما أنى أكرى ابلى إلى مكة أفتجزيني من حجتي فقال ألست تلبي وتقف
وترمى الجمار قلت بلى قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألتني عنه فلم يجبه حتى
أنزل الله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فقال صلى الله عليه وسلم أنتم حاج
76

وفي هذا دليل جواز الإجارة وجواز كراء الإبل إلى مكة شرفها الله من غير بيان المدة لان
ذكر المسافة في الاعلام كبيان المدة ثم أشكل على السائل حال حجة لان خروجه كان لتعاهد
إبله واكتساب الكراء لنفسه وهو موضع الاشكال فان النبي صلى الله عليه وسلم جعل من
أشراط الساعة اكتساب الدنيا بعمل الآخرة فأزال ابن عمر رضي الله عنه اشكاله بما ذكر
له من مباشرة أعمال الحج وهذا بيان له أن بالذهاب لا يتأذى الحج وإنما يتأذى بالاحرام
والوقوف والطواف والرمي وهو بهذه الاعمال لا يبتغى عرض الدنيا وهذا جواب تام لو اقتصر
عليه ولكنه أحب أن يزيده وضوحا فروى الحديث لان الأول دليل يستدرك بالتأمل وقد
شبه ذلك بالسراج والخبر دليل واضح وهو مشبه بالشمس وكم من عين لا تبصر بضوء
السراج وتبصر إذا بزغ الضياء الوهاج ثم فيه دليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظر زول
الوحي في بعض ما يسأل عنه فإنه آخر جواب هذا السائل حتى نزلت الآية ثم بين له أنه لا
نقصان في الحج وأهل الحديث يروون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن التجارة في
طريق الحج ولما كان اكراء الإبل في معناه روى أبن عمر رضي الله عنهما الحديث فيه وعليه هذا
قلنا الرستاقي إذا دخل المصر يوم الجمعة لشراء الدهن واللحم وشهد الجمعة فهو في الثواب والذي
لا شغل له سوى إقامة الجمعة سواء لان مقصود المسلم إقامة العبادة فيما سوى ذلك يكون تبعا
له ولا يتمكن نقصان في ثواب العبادة وان سعيد بن جبير رضي الله عنه قال أتى الرجل إلى ابن عباس
رضي الله عنهما فقال أنى أجرت نفسي من قوم وحططت لهم من أجرى أفيجزيني من حجتي
فقال ابن عباس رضي الله عنهما هذا من الدين قال الله تعالى ليس عليكم جناح الآية وإنما
أشكل على هذا السائل ما أشكل على الأول وكأنه بلغه الحديث الذي قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم للذي استؤجر بدينارين للخروج مع المجاهد وإنما لك دينارك في الدنيا والآخرة
فظن مثله في الحج وحط بعض الاجر به ليرتفع به نقصان حجه فان الحط احسان وانتداب
إلى ما ندب في الشرع ومثله مشروع جبرا لنقصان الفرائض كالنوافل فأزال ابن عباس رضي
الله عنهما اشكاله وبين أنه لا نقصان في حجه ولم يأمره بالكف عن حط الاجر وإن كان
حجه بدونه تماما لان المنع من البر والاحسان لا يحسن وهو على ما أفتى به ابن عباس رضي الله عنهما
بخلاف حال من استؤجر للخروج مع المجاهد فإنه خرج ليخدم غيره لا ليباشر
الجهاد وهذا خرج ليباشر أعمال الحج ويخدم في الطريق غيره فكان هذا تبعا لا يتمكن به نقصان
77

في الأصل وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على حائط
فأعجبه فقال لمن هذا الحائط فقلت لي استأجرته فقال صلى الله عليه وسلم لا تستأجره بشئ
منه وفيه دليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه من الدنيا ما يعجب غيره ولكنه
كان لا يركن إليه كما قال الله تعالى ولا تمدن عينيك إلى متعنا به الآية وهذا القدر من الاعجاب
لا يضر أحدا بخلاف ما يقوله جهال المتعسفة أن من أعجبه شئ من الدنيا ينتقص من الايمان
بقدره فكيف يستقيم هذا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبب إلى من دنياكم ثلاث
النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة فلما أعجبه قال صلى الله عليه وسلم لمن هذا وفيه
بيان أن هذا ليس من جملة مالا يعنى المرء فرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتكلم بما لا
يعينه ولكنه من باب الاستئناس وحسن الصحبة وفي قول رافع رضي الله عنه لي استأجرته
دليل على أن الشئ يضاف إلى المرء وإن كان لا يملكه حقيقة فان رسول الله صلى الله عليه
وسلم لم ينكر ذلك عليه ولهذا قلنا من حلف أن لا يدخل دار فلان فدخل دارا " يسكنها فلان
بإجارة أو عارية حنث وفي الحديث دليل جواز الاستئجار للأراضي ودليل فساد عقد المزارعة
ففي المزارعة استئجار الأرض ببعض ما يخرجه ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن
خديج رضي الله عنه عن استئجار الأرض بشئ منه فهو حجة أبي حنيفة رضي الله عنه على من
أجازه وعن الشعبي رحمه الله في رجل استأجر بيتا وأجره بأكثر مما استأجره به أنه لا بأس بذلك
إذا كان يفتح بابه ويغلقه ويخرج متاعه فلا بأس بالفضل وفيه دليل أن للمستأجر أن يؤجر
من غيره وبه يقول فجواز هذا العقد من المالك قبل وجود المنفعة كان بالطريق الذي قلنا
وهو موجود في حق المستأجر ولان المالك ما كان يتمكن من مباشرة العقد عليها يعد الوجود
لأنها لا تبقى فكذلك المستأجر ثم بين أنه إنما يجوز له أن يستفضل إذا كان يعمل فيه عملا نحو
فتح الباب واخراج المتاع فيكون الفضل له بإزاء عمله وهذا فضل اختلف فيه السلف رحمهم
الله كان عطاء رحمه الله لا يرى بالفضل بأسا ويعجب من قول أهل الكوفة رحمهم الله حيث
كرهوا الفضل وبقوله أخذ الشافعي رضي الله عنه وكان إبراهيم رحمه الله يكره الفضل إلا أن
يزيد فيه شيئا فان زاد فيه شيئا طاب له الفضل وأخذنا بقول إبراهيم رحمه الله وقلنا إذا أصلح
في البيت شيئا أو طين البيت أو جصص أو زاد فيه لوحا فالفضل حلال لان الزيادة بمقابلة ما
زاد من عنده حملا لامره على الصلاح وإن لم يزد فيه شيئا لا يطيب له الفضل لنهى النبي صلى
78

الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن والمنفعة بالعقد لم تدخل في ضمان المستأجر فيكون هذا استرباحا
على ما لم يضمنه فعليه أن يتصدق به للنهي عن وكيس البيت ليس بزيادة فيه أنما هو اخراج
التراب منه فلا يطيب الفضل باعتباره وكذلك فتح الباب واخراج المتاع ليس بزيادة في
البيت فلا يطيب الفضل باعتباره إلا أن يكون شرط له من ذلك شيئا معلوما في العقد فحينئذ
يكون الفضل بمقابلته ويطيب له وهو تأويل حديث الشعبي رضي الله عنه وعن إبراهيم رحمه
الله انه كان يعجبهم إذا أبضعوا بضاعة أن يعطوا صاحبها أجرا كي يضمنها وهذا منه إشارة إلا أنه
قول من كان قبله من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم فيكون دليلا لمن يضحى الأجير
المشترك لان المستبضع إذا أخذ أجرا فهو أجير على الحفظ وهو أجير مشترك ولكن أبو
حنيفة رحمه الله يقول ليس فيه بيان السبب الذي به يضمنها فيحتمل أن يكون المراد كي يضمن
ما يتلف بعمله مما يكون قصد به الاصلاح دون الافساد وبه نقول فالأجير المشترك ضامن لما
جنت يده وعن شريح رحمه الله أنه خاصم إليه بقال قد أجره رجل بيتا فألقى فيه مفتاحه في
وسط الشهر فقال شريح رحمه الله هو برئ من البيت وكان هذا مذهب شريح في الإجارة أنه
لا يتعلق بها اللزوم فلكل واحد منهما أن ينفرد بفسخه لأنه عقد على المعدوم بمنزلة العارية
ولان الجواز للحاجة ولا حاجة إلى اثبات صفة اللزوم ولسنا نأخذ في هذا بقوله فالإجارة عقد
معاوضة واللزوم أصل في المعاوضات ولان في المعاوضات يجب النظر من الجانبين ولا يعتدل
النظر بدون صفة اللزوم ثم أخذ أبو حنيفة رحمه الله بحديث شريح رضي الله عنه من وجه فقال إن
ألقى إليه المفتاح بعذر له فهو برئ من البيت والعذر ان يريد سفرا أو يمرض فيقوم أو يفلس
فيقوم من السوق وما أشبه ذلك وهذا لان شريحا رحمه الله أفتى بضعف هذا العقد ولكن
جعله في الضعف نهاية حيث قال ينفرد بالفسخ سواء كان له عذر أو لم يكن ومن يقول لا ينفرد
بالفسخ مع وجود العذر فقد جعله نهاية في القوة وفي الجانبين معنى الضرر فإنما يعتدل النظر
ويندفع الضرر بما قلنا لان عند الفسخ تعذر بقصد دفع الضرر عن نفسه وعند الفسخ بغير عذر
يقصد الاضرار بالغير ولان العقد معاوضة وهو دليل قوته وعدم ما يضاف إليه العقد عند العقد
دليل ضعفه وما يجاذبه دليلان يوفر حظه عليهما فدليل القوة قلنا لا ينفسخ بغير عذر ولدليل
الضعف قلنا ينفسخ بالعذر لان صفة المعاوضة لا تمنع الفسخ عند الحاجة إلى دفع الضرر كالمشترى
يرد المبيع بالعيب وظاهر ما يقوله في الكتاب أنه ينفسخ العقد عند العذر بفعل المشترى ولكن
79

الأصح ما ذكره في الزيادات أن القاضي هو الذي يفسخ العقد بينهما إذا أثبت العذر عندهما
في الرد بالعيب وجه هذه الرواية أن المستأجر غير قابض للمنفعة حتى لم يدخل في ضمانه
فيكون هذا بمنزلة الرد بالعيب قبل القبض ينفرد به من غير قضاء وجه تلك لرواية أن عين
الحانوت أقيم مقام المعقود عليه في حكم انعقاد العقد فكذلك في حكم الفسخ وهو قابض
للحانوت فكان هذا نظير الرد بالعيب بعد القبض فلهذا لا يتم الا بالقضاء وعن إبراهيم رحمه
الله انه كان لا يضمن الأجير المشترك ولا غيره وفسر الأجير المشترك في الكتاب بالقصار
والخياط والإسكاف وكل من يقبل الاعمال من غير واحد وأجير الواحد أن يستأجر الرجل
الرجل ليخدمه شهرا أو ليخرج معه إلى مكة وما أشبه ذلك مما لا يستطيع الأجير أن يؤجر فيه
نفسه من غيره والحاصل ان أجير الواحد من العقد واردا على منافعه ولا تصير
منافعه معلومة الا بذكر المدة أو بذكر المسافة ومنافعه في حكم العين فان صارت مستحقة بعقد
المعاوضة لا يتمكن من ايجابها لغيره والأجير المشترك من يكون عقده واردا على عمل هو
معلوم ببيان محله لان المعقود عليه في حقه الوصف الذي يحدث في العين بعمله فلا يحتاج
إلى ذكر المدة ولا يمتنع عليه بعمل مثل ذلك العمل من غيره لان ما استحقه الأول في حكم
الدين في ذمته وهو نظير السلم مع بيع العين فان المسلم فيه لما كان دينا في ذمته لا يتعذر عليه
به قبول السلم من غيره والبيع لما كان يلاقى العين فبعد ما باعه من انسان لا يملك بيعه من غيره
ولهذا سمى هذا مشتركا والأول أجير الوحدة ثم أخذ أبو حنيفة رحمه الله بقول إبراهيم رضي الله عنه
إذا تلفت العين بغير صنعه فلا ضمان عليه سواء كان أجيرا واحد أو مشترك تلف بما
يمكن الاحتراز عنه أو بما لا يمكن وأخذ به أبو يوسف ومحمد رحمهما الله في أجير الواحد
أيضا وفي الأجير المشترك أخذ بقول شريح رحمه الله على ما روى عنه بعد هذا انه كان يضمن
الأجير المشترك والاختلاف فيه بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فقد روي عن عمر
وعلي رضي الله عنهما أنهما كانا يضمنان الأجير المشترك ما ضاع على يده وعن علي رضي الله عنه
انه كان لا يضمن القصار والصباغ ونحوهما فلأجل الاختلاف اختار المتأخرون
رحمهم الله الفتوى بالصلح على النصف وسنقرر هذه المسائل بطريق المعنى في مواضعها إن شاء الله
تعالى وذكر عن شريح رحمه الله انه كان يضمن الملاح كل شئ الا الغرق والحرق
والملاح أجير مشترك وقد بينا أن من مذهب شريح رحمه الله أن الأجير المشترك ضامن
80

الا مالا يمكن التحرز عنه والذي لا يمكن التحرز عنه هو الحرق الغالب أو الغرق الغالب وكان
أبو حنيفة رحمه الله يقول إن غرقت من مده أو معالجته فهو ضامن لان التلف بفعله والأجير
المشترك ضامن لما جنت يده وان احترقت من نار أدخلها السفينة لحاجة له من خبز أو طبخ
أو غيره فلا ضمان عليه لان السفينة كالبيت فلا يكون هو معتديا في ادخال النار السفينة
لحاجته وإذا كان التلف غير مضاف إليه تسببا ولا مباشرة لم يكن ضامنا وكان ابن أبي ليلى
رحمه الله يضمن الأجير المشترك ولكنه كان يقول لا ضمان على الملاح في الماء خاصة وان
غرقت السفينة من مده لان الغرق غالب لا يمكن الاحتراز عنه فهو كالحرق الغالب
والغارة الغالبة ولكنا نقول الاحتراز ممكن بمنع السفينة عند المد والمعالجة من موضع الغرق
فإذا حصل التلف بعمله كان ضامنا وعن شريح رحمه الله أنه أتاه رجل بصباغ فقال إني
أعطيت هذا ثوبي ليصبغه فاحترق بيته فقال له شريح رحمه الله اضمن له ثوبه فقال الصباغ
كيف أضمن له ثوبه وقد احترق بيتي فقال له شريح أرأيت لو احترق بيته أكنت تدع له
أجرك وكان هذا الحرق لم يكن غالبا و كان من مذهب شريح رحمه الله تضمين الأجير
المشترك فيما يمكن التحرز عنه فكأنه عرف امكان التحرز عنه باخراج الثوب من البيت
أو بامكان اطفاء النار ولكنه تهاون فلم يفعل فلهذا قال له إضمن له ثوبه ثم احتج عليه الصباغ
وقال كيف أضمن له وقد احترق بيتي وكأنه ادعى بهذا أن الحرق كان غالبا ولم يصدقه
شريح رحمه الله لعلمه بخلاف قوله ثم قال أرأيت لو احترق بيته كنت تدع له أجرك ومعنى
استدلاله هذا ان الحفظ مستحق له عليك والأجر لك عليه فكما لا يسقط ما هو مستحق
لك باحتراق بيته فكذلك لا يسقط ما هو مستحق له باحتراق بيتك ولو كان هذا الصباغ
فقيها لبين الفرق ويقول له أيها القاضي قياسك فاسد فالاجر لي في ذمته وباحتراق بيته لا يفوت
محل حقي وحقه في عين الثوب وباحتراق بيتي يفوت محل حقه ولكن لم يحضره هذا الفرق
أو احتشمه فلم يعارضه والتزم حكمه وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله ان احترق بيته بعمل هو
متعدي فيه فهو ضامن وإن كان بغير عمله فلا ضمان عليه ولا ضمان على أجير الواحد الا إذا
خالف ما أمر به وذكر عن أبي جعفر أن عليا رضي الله عنه كان يضمن الخياط والقصار
وغيرهما من الصناع احتياطا للناس أن لا يضيعوا متاعهم وعن أبي جعفر أيضا ان عليا رضي
الله عنه لم يكن يضمن القصار في الرواية والصباغ والصائغ ونحو ذلك وعن بكير بن الأشج
81

قال كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضمن الصياغ ما أفسدوا من متاع الناس أوضاع
على أيديهم وقد بينا اختلافهم فيما إذا حصل التلف بغير صنع الأجير وفي هذا دليل على
اجتماعهما على تضمين الأجير المشترك لما جنت يده لان قوله ما أفسدوا من متاع الناس عبارة
عن التلف بعلمهم فهو دليل على زفر والشافعي رحمهما الله لنا فإنهما يقولان لا يضمن ما جنت
يده وسيأتيك بيان المسألة في موضعه إن شاء الله تعالى وعن إبراهيم ابن أبي الهيثم رحمه الله
اتبعت كاذيا من السفن فحملت خوابي منها حمالا فانكسرت الخابية فخاصمته إلى شريح رحمه
الله فقال الحمال زاحمني في السوق فانكسرت قال شريح رحمه الله إنما استأجرك لتبلغها
أهله فضمنه إياها والكاذي دهن تحمل من الهند في السفن إلى العراق وقيل هو اسم لما
يتخذه راكب السفينة من الأواني كالأمتعة لحاجته فيسع ذلك إذا خرج من السفينة وقد
بينا أنه كان من مذهب شريح رحمه الله تضمين الأجير المشترك بما يمكن التحرز عنه من
الأسباب والحمال أجير مشترك وكثرة الزحام مما يمكن التحرز عنه بأن يصبر حتى يقل
الزحام فلهذا ضمنه وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله لا ضمان على الحمال فيما تلف في يده بفعل غيره
وهو ضامن إذا تعثر أو زلقت رجله لان ذلك من فعله والقول قوله بعد أن يحلف لأنه أمين
عنده فإذا أنكر السبب الموجب للضمان عليه كان القول قوله مع يمينه وعن ابن سيرين رحمه
الله قال كان شريح رحمه الله إذا أتاه حائك بثوب قد أفسده قال رد عليه مثل غزله وخذ الثوب
وإن لم بر فسادا قال على بشاهدي عدل على شرط لم يوفك به وفيه دليل على أن الأجير المشترك
إذا أفسد كان ضامنا لصاحب المال مثل ماله فيما هو من ذوات الأمثال والغزل من ذوات
الأمثال وان أداء الضمان يوجب الملك له في المضمون وبآخر الحديث أخذ ابن أبي ليلى
رحمه الله فيقول إذا اختلفا في الشرط القول قول الحائك وعلى رب الثوب البينة أنه خالف
شرطه وعندنا القول قول رب الثوب لان الاذن مستفاد من جهته فالقول قوله في صفته
وعن عامر رحمه الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة
ومن كنت خصمه خصمته رجل باع حرا وأكل ثمنه واسترق الحر ورجل استأجر أجيرا
واستوفي عمله ومنعه أجره ورجل أعطى بي ثم غدر واللفظ الذي ذكر في هذا الحديث أبلغ
ما يكون من الوعيد فرسول الله صلى الله عليه وسلم شفيع لامته وكل مؤمن يرجو النجاة
بشفاعته فإذا صار الشفيع خصما يشتد الامر وهو معنى قوله ومن كنت خصمه خصمته
82

أي ألزمته وحججته فاما قوله رجل باع حرا " وأكل ثمنه فالمراد صورة البيع لا حقيقته فالحر
ليس بمحل لحقيقة البيع وببيع الحر يرتكب الكبيرة ولكن باستعمال صورة البيع فسمى فعله
بيعا وما يقبض بمقابلته ثمنا مجازا " ومن يفعل ذلك بحر فقد استذله والمؤمن عزيز عند الله
ورسوله فرسول الله صلى الله عليه وسلم خصم لمن يستذله وإنما يتمكن من ذلك بقوته
وضعف ذلك الحر ورسول الله صلى الله عليه وسلم خصم عن كل ضعيف وهو يظلمه
باسترقاقه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يذب عن كل مظلوم حتى ينتصف من ظالمه وهو
معنى قوله صلى الله عليه وسلم ورجلا استأجر أجيرا فاستوفى عمله ومنعه أجره لأنه استذله
بالعمل واستزبنه بمنع الاجر وظلمه فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم انه يذب عنه وفيه دليل
جواز استئجار الأجير وان الاجر لا يملك بنفس العقد لأنه ألحق الوعيد به بمنع الاجر بعد
العمل فلو كان الاجر يجب تسليمه بنفس العقد لما شرط استيفاء العمل لذكر الوعيد على منع
الاجر وقوله صلى الله عليه وسلم ورجل أعطى بي ثم غدر أي أعطى كافرا أمان الله وأمان رسوله
ثم غدر وهو معنى ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في وصيته لأمراء السرايا وان
أرادوكم أن تعطوهم ذمة الله وذمة رسوله فلا تعطوهم وهذا يرجع إلى ما بينا من المعنى
فالمستأمن يكون مستذلا في ديارنا فإذا عذره واستحقره بعد اعطاء الأمان بالله ورسوله فقد
ظلمه وعن أبي نعيم رحمه الله عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب التيس وكسب الحجام وقفيز الطحان والمراد
بعسب التيس أخذ المال على الضراب وهو انزاء الفحول على الإناث وذلك حرام فإنه يأخذ
المال بمقابلة الماء وهو مهين لا قيمة له والعقد عليه باطل لأنه يلتزم مالا يقدر على الوفاء به وهو
الاحبال فان ذلك ليس في وسعه وهو ينبنى على نشاط الفحل أيضا وكذلك قفيز الطحان هو
أن يستأجر طحانا ليطحن له حنطة معلومة بقفيز منها أو من دقيقها وذلك حرام لأن العقد
فاسد فإنه لو صح كان شريكا بأول جزء من العمل والعامل فيما هو شريك فيه لا يستوجب
الاجر ثم الاجر اما أن يلتزمه في الذمة أو في عين موجود وهو ما التزمه في الذمة ودقيق
تلك الحنطة غير موجود وقت العقد فاما كسب الحجام فأصحاب الظواهر يأخذون بظاهر
هذا الحديث ويقولون كسب الحجام حرام لأنه يأخذه بمقابلة ما استخرج من الدم أو
ما يشرط فهو مجهول فيكون محرما وقد دل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول
83

الله صلى الله عليه وسلم قال من السحت عسب التيس ومهر البغي وكسب الحجام والمراد
بمهر البغي ما تأخذ الزانية شرطا على الزنا فقد كانوا يؤاجرون الإماء لذلك وفيه نزل قوله تعالى
ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء الآية لما قرن بين ذلك وكسب الحجام عرفنا أن كسب
الحجام حرام ولكنا نقول هذا النهى في كسب الحجام قد انفسخ بدليل ما ذكره في آخر
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال فأتاه رجل من الأنصار وقال إن لي حجاما وناضحا
أفأعلف ناضحي من كسبه قال نعم وأتاه آخر فقال إن لي عيالا وحجاما أفأطعم عيالي من
كسبه قال نعم فالرخصة بعد النهى دليل انتساخ الحرمة ودل عليه أيضا حديث ابن عباس
رضي الله عنهما قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو كان حراما
لم يعطه لأنه كما لا يحل أكل الحرام لا يحل إيكاله قال صلى الله عليه وسلم لعن الله آكل الربا
وموكله وقال صلى الله عليه وسلم لعن الله الراشي والمرتشي ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول
هذا النهى في كسب الحجامة ما كان على سبيل التحريم بل على سبيل الاشفاق فان ذلك
يدنى بالمرء به ويخسسه وقال صلى الله عليه وسلم ان الله يحب معالي الأمور ويبغض سفسافها
ونحن نقول به فالأولى للمؤمن أن يكتسب بما لا يدينه وقد دل عليه حديث عثمان رضي الله
عنه حين سأل بعض مواليه عن كسبه فذكر أنه حجام فقال إن كسبك لوسخ وذكر عن عطاء
ومجاهد وطاوس رحمهم الله قال لا ضمان على الأجير الراعي وان اشترطوا ذلك عليه وبه يقول إن
كان أجير واحد فهو أمين كالمودع واشتراط الضمان على الأمين باطل وإن كان الراعي
مشتركا فلا ضمان عليه فيما تلف بغير فعله عند أبي حنيفة رحمة الله عليه شرط ذلك عليه أو لم
يشترط وهو ضامن لما تلف من فعله شرط ذلك أو لم يشترط وعندهما ما تلف بما لا يمكن
التحرز عنه فلا ضمان عليه فيه شرط أو لم يشترط فاشتراط الضمان عليه باطل على اختلاف
الأصلين والله أعلم بالصواب
(باب الرجل يستصنع الشئ)
(قال رحمه الله اعلم بان البيوع أنواع أربعة بيع عين بثمن وبيع دين في الذمة بثمن وهو السلم
وبيع عمل العين فيه تبع وهو الاستئجار للصناعة ونحوهما فالمعقود عليه الوصف الذي يحدث
في المحل بعمل العامل والعين هو الصبغ بيع فيه وبيع عين شرط فيه العمل وهو الاستصناع
84

فالمستصنع فيه مبيع عين) ولهذا يثبت فيه خيار الرؤية والعمل مشروط فيه وهذا لان هذا
النوع من العمل اختص باسم فلا بد من اختصاصه بمعنى يقتضيه ذلك الاسم ولاستصناع
استفعال من الصنع فعرفنا أن العمل مشروطا فيه ثم أحكام ما للناس فيه تعامل من الاستصناع
قد بيناه في شرح البيوع فبذلك بدأ الباب هنا وبين الفرق بينه وبين ما إذا أسلم حديدا إلى
حداد ليصنعه اناء مسمى باجر مسمى فإنه جائز ولا خيار له فيه إذا كان مثل ما سمى لان
ثبوت الخيار للفسخ حتى يعود إليه رأس ماله فيندفع الضرر به وذلك لا يتأتى هنا فان بعد
اتصال عمله بالحديد لا وجه لفسخ العقد فيه فاما في الاستصناع المعقود عليه العين وفسخ العقد
فيه ممكن فلهذا ثبت خيار الرؤية فيه ولان الحداد هنا يلتزم العمل بالعقد في ذمته ولا يثبت
خيار الرؤية فيما يكون محله الذمة كالمسلم فيه فأما في الاستصناع المقصود هو العين والعقد
يرد عليه حتى لو صار دينا بذكر الاجل عند أبي حنيفة رحمه الله لم يثبت فيه خيار الرؤية
بعد ذلك وان أفسده الحداد فله أن يضمنه حديدا مثل حديده ويصير الاناء للعامل وان
شاء رضى به وأعطاه الاجر لان العامل مخالف له من وجه حيث أفسد عمله وموافق من
وجه وهو إقامة أصل العمل وان شاء مال إلى جهة الخلاف وجعله كالغاصب ومن غصب
حديدا وضربه اناء فهو ضامن حديدا مثله والاناء له بالضمان وان شاء مال إلى جهة الوفاق
ورضى به متغير الصفة فأخذ الاناء وأعطاه الاجر كالمشترى إذا وجد بالبيع عيبا إلا أنه يعطيه
أجر مثله لا يجاوز به المسمى لأنه إنما التزم جميع المسمى بمقابلة عمل صالح ولم يأت به ولكن
قدر ما أقام من العمل سلم له بحكم العقد فعليه أجر المثل ولا يجاوز به المسمى لان المنفعة إنما
تتقوم بالعقد والتسمية ولم يوجد ذلك فيما زاد على المسمى ولأنه لما رضى بالمسمى بمقابلة عمل
صالح يكون أرضى به بمقابلة عمل فاسد وهذا بخلاف المشترى فإنه لو رضى بالعيب يلزمه
جميع الثمن لان الثمن بمقابلة العين دون الأوصاف والفائت بالعيب وصف وهنا البدل بمقابلة
العمل المشروط وبالافساد ينعدم ذلك العمل فلهذا لا يلزمه جميع المسمى وان رضى به وكذلك
كل ما يسلمه إلى عامل ليصنع له شيئا مسمى كالجلد يسلمه إلى الإسكاف ليصنعه خفين والغزل
يسلمه إلى حائك لينسجه فلو استصنع عند حائك ثوبا موصوف الطول والعرض والرفعة
والجنس ينسجه من غزل الحائك كان هذا في القياس مثل الخف وغيره يريد به قياس
الاستحسان في مسألة الخف ولكن هذا لا يعمل به الناس وإنما جوزنا الاستصناع فيما فيه
85

تعامل ففيما لا تعامل نأخذ بأصل القياس ونقول إنه لا يجوز ولو ضرب لهذا الثوب أجلا وتعجل
الثمن كان جائزا وكان سلما لا خيار له فيه وان فارقه قبل أن يعجل الثمن فهو فاسد قيل هذا قول
أبي حنيفة رحمه الله فاما عندهما لما كان الاستصناع الجائز بذكر الاجل فيه لا يصير سلما
فالاستصناع الفاسد بذكر الاجل كيف يكون سلما صحيحا فان الاجل لتأخير المطالبة ولا
مطالبة عند فساد العقد فذكر الاجل فيه يكون لغوا والأصح أنه قولهم جميعا والعذر لهما أن
تحصيل مقصود المتعاقدين بحسب الامكان واجب ففيما للناس فيه تعامل أمكن تحصيل مقصودهما
على الوجه الذي صرحا به وفيما لا تعامل فيه ذلك غير ممكن فيصار إلى تحصيل مقصودهما
بالطريق الممكن وهو أن يجعل ذلك سلما * توضيحه أن فيما فيه التعامل المستصنع فيه مبيع
شرط فيه العمل فذكره المدة لإقامة العمل فيها فلا يخرج به من أن يكون مبيعا عينا فاما
فيما لا تعامل فيه فليس هنا مبيع عين ليكون ذكر المدة لإقامة العمل في العين بل ذكر
العمل لبيان الوصف فيما يلتزمه دينا وذكر المدة لتأخير المطالبة وهذا هو معنى السلم فيجعله
سلما لذلك ولو أسلم غزلا إلى حائك لينسج له سبعا في أربع فحاكه أكثر من ذلك أو أصغر
فهو بالخيار ان شاء ضمنه مثل غزله وسلم له الثوب وان شاء أخذ ثوبه وأعطاه الاجر الا في
النقصان فإنه يعطيه الاجر بحساب ذلك ولا يجاوز به ما سمى له أما ثبوت الخيار له فلتغيير شرط
العقد لأنه ان حاكه أكثر مما سمى فهو أرق مما سمى وان حاكه أصغر مما سمى فهو أصفق
مما سمى هذا إذا كان قدر له الغزل وإن لم يكن قدره له فإذا حاكه أكثر مما سمى فقد زاد فيما
استعمله من غزله على ما سمى وإن كان أصغر من ذلك فقد نقص عن ذلك فلتغير شرط العقد
ثبت له الخيار ان شاء مال إلى جهة الخلاف وجعله كالغاصب فضمنه غزلا مثل غزله والثوب
للحائك ولا أجر له عند ذلك بمنزلة من غصب غزلا ونسجه وان شاء رضى بعمله لكونه موافقا
له في أصله وان خاف في صفته وأعطاه الاجر الا في النقصان فاما إذا أراد فقد أتى بالعمل
المشروط وزيادة فيعطيه الاجر المسمى وفي الزيادة لم يوجد ما يقومه وهو التسمية فلا يطالبه
بشئ من ذلك وأما في النقصان قال يعطيه من الاجر بحساب ذلك ومعنى هذا الكلام أنه
ينظر إلى تكسير ما شرط عليه وتكسير ما جاء به فالمشروط عليه سبع في أربعة فذلك ثمانية
وعشرون ذراعا والذي جاء به سبع في ثلاثة فذلك أحد وعشرون ذراعا فعرفت أنه أقام ثلاثة
أرباع العمل المشروط فعليه ثلاثة أرباع الاجر وقال كثير من مشايخنا رحمهم الله يعطيه ثلاثة
86

أرباع المسمى لان جميع المسمى بمقابلة ثمانية وعشرين ذراعا فإحدى وعشرون يقابله ثلاثة أرباع
المسمى كما لو استأجره ليضرب له ثمانية وعشرين لبنة بأجر مسمى فضرب احدى وعشرين
فإنه يستوجب ثلاثة أرباع المسمى قال رضي الله عنه والأصح عندي أنه يعطيه أجر مثله لا يجاوز
به ثلاثة أرباع المسمى لان مالية الثوب تتفاوت بالطول والعرض وربما تنقص زيادة الطول في
المالية وزيادة العرض تزيد فيه كما في الملاءة وربما تزيد في ماليته زيادة الطول دون العرض كما في
العمامة فلا يمكن توزيع المسمى على الذرعان بهذه الصفة بخلاف اللبن فالبعض هناك غير متصل
بالبعض في معنى المالية وإذا تقرر هذا عرفنا أن التوزيع هنا على الذرعان غير ممكن فيعطيه
أجر مثل عمله ولكن لا يجاوز به ثلاثة أرباع المسمى لأنه لو جاء بالثوب مثل ما سمى كان حصته
ثلاثة أرباع من الاجر ثلاثة أرباع المسمى فإذا تم رضاه بذلك القدر عنه الموافقة يكون أرضى
به عند الخلاف فلهذا أوجبنا عليه أجر مثل عمله لا يجاوز به ثلاثة أرباع المسمى وكأنه أشار إلى
هذا بقوله ولا تجاوز به الا ما سمى له بمقابلة ما جاء به وكذلك لو شرط عليه صفيقا فحاكه رقيقا
لو شرط عليه رقيقا فحاكه صفيقا كان له أجر مثله لا يجاوز به ما سمى لأنه إنما ضمن جميع الاجر
بمقابلة الوصف الذي شرط عليه ولم يأت به فان مالية الثوب تختلف بالرقة والصفاقة وربما
يختار الصفيق في بعض الأوقات والرقيق في بعض الأوقات فلهذا وجب المصير إلى أجر
المثل ولا تجاوز به ما سمى لانعدام المقوم فيما زاد عليه ولو وجود الرضا من الحائك بالمسمى من
الاجر ولو أمره أن يزيد في الغزل رطلا من غزله وقال قد زدته وقال رب الغزل لم تزده
فالقول قول رب الغزل مع يمينه أما جواز هذا العقد فلانه استقرض منه ما أمره أن يزيد فيه
من الغزل ويصير المستقرض قابضا باتصاله بملكه فالحائك يقيم العمل في غزل رب الثوب
بخلاف ما إذا كان جميع الغزل من الحائك فان المستصنع هناك لا يمكن أن يجعل مستقرضا
للغزل قابضا فيكون الحائك عاملا في غزل نفسه ثم الحائك يدعى أنه أقرضه رطلا من غزله
وسلمه إليه ورب الثوب منكر لذلك فالقول قول المنكر مع يمينه وعلى الحائك البينة
لحاجته إلى اثبات ما يدعى من التسليم إليه بحكم القرض وما يدعى من الدين لنفسه في ذمته
فان أقام البينة أخذ من رب الثوب مثل غزله لان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم وإن لم
تكن له بينة فاليمين على رب الثوب على علمه لأنه إنما يستحلف على فعل الغير فان حلف برئ
وان لكل عن اليمين فنكوله كاقراره وإذا سلم إليه غزلا ينسجه ثوبا وأمره أن يزيد من عنده
87

غزلا مسمى مثل غزله على أن يعطيه ثمن الغزل وأجر الثوب دراهم مسماة جاز وهذا استحسان
وفي القياس لا يجوز لأنه اشترى منه ما سماه من الغزل وهو غير معين ولا مشروط في ذمته
دينا ولكنه يستحسن للتعامل في هذا المقدار فقد يدفع الانسان غزلا إلى حائك فيقول له
الحائك هذا لا يكفي لما تطلبه فيأمره أن يزيد من عنده بقدر ما يحتاج إليه ليعطيه ثمن ذلك
وإنما لا يجوز الاستصناع في الثوب لعدم التعامل فإذا وجد التعامل في هذا يجوزه اعتبارا
بالاستصناع فيما فيه التعامل ثم الطول والعرض في الثوب وصف ورأينا جواز استئجار الأجير
لاحداث وصف في الثوب بملكه وهو الصباغ فيجوز هنا أيضا اشتراط زيادة الطول والعرض
عليه بغزل نفسه بالقياس على الصباغ فان أتاه كما شرط واتفقا على أنه زاد أعطاه بمن غزله لأنه
صار قابضا للمشترى باتصاله بملكه وأجر المسمى لأنه وفاء بما شرط له وان قال رب الثوب
لم يزد فيه شيئا وكان وزن غزل منا وقال النساج قد كان وزن غزلك منا وقد زدت فيه رطلا
فوزنوا الثوب فوجدوه منوين فقال رب الثوب إنما زاد لما فيه من الدقيق وقال النساج هو
من الغزل والدقيق فالقول قول الحائك مع يمينه لأن الظاهر شاهد له وعند المنازعة القول
قول من يشهد له الظاهر وينبغي للقاضي أن يرجع إلى العلماء من الحوكة فان قالوا الدقيق لا يزيد
فيه هذا المقدار فالقول قول الحائك مع يمينه وان قالوا يزيد فيه فالقول قول رب الثوب
لأنه ما اشتبه على القاضي فإنه ما يرجع في معرفته إلى من له بصر في ذلك الباب كما في قيم المتلفات
ومتى كان القول قول الحائك وحلف بخبر صاحبه على أن يعطيه ما سمى له ومتى كان القول
قول رب الثوب بأن كان يعلم أن الدقيق يزيد فيه هذا المقدار فإنه يتخير صاحب الثوب لأنه
تغير عليه شرط عقده فإنه لما أمره بأن يزيد فيه فقد أمره بثوب هو أطول أو أعرض مما
جاء به وان شاء مال إلى جهة الخلاف وضمنه مثل عزله وان شاء مال إلى الموافقة في أصل
العمل وأعطاه من الاجر بحساب ما أقام من العمل لأنه جعل جميع المسمى بمقابلة عمله في من
ونصف من الغزل وإنما أقامه في من فيعطيه بحسابه من الاجر وفيه طريقان باعتبار المسمى
وأجر المثل كما بينا (ولو كان الثوب) مستهلكا وقد استهلكه صاحبه قبل أن يعلم ورثته كان
القول قول رب الثوب مع يمينه على عمله لان الحائك يدعى عليه تسليم مانعه من الغزل
ووجوب ثمنه في ذمته وهو منكر لذلك وإنما يمينه على فعل الغير فكان على العلم وإذا حلف
فعليه أجر الثوب وليس عليه ثمن الغزل فيقسم الاجر على عمل ثوب مثله وقيمة رطل من
88

غزله فيطرح عنه ما أصاب قيمة الغزل ولم يزد على هذا في الأصل قال الحاكم رحمه الله وصواب
هذا الجواب أن يطرح عنه أيضا حصة ما تركه من زيادة العمل في النسج لما بينا أن المسمى
بمقابلة عمله في ثلاثة أرطال غزل وإنما أقام العمل في رطلين من غزل وهذا التقسيم والمصير إلى
معرفة وزن الثوب لم يذكره في المسألة الأولى لان موضوع المسألة هناك فيما إذا لم يكن مقدار
غزل الدافع معلوما ولا يعرف الصادق من الكاذب بالمصير إلى وزن الثوب وهنا وضع المسألة
فيما إذا كان وزن غزل الدافع معلوما فلهذا وجب المصير إلى وزن الثوب ليعرف به الصادق
من الكاذب (قال) وإذا أسلم الرجل حنطة إلى طحان ليطحنها بدرهم وبربع دقيق منها فهذا
فاسد وهو تفسير الحديث في النهى عن قفيز الطحان ثم الحكم متى ثبت في حادثة بالنص وعرف
المعنى فيه تعدى الحكم بذلك المعنى إلى الفرع ومن فرع هذا لو دفع سمسما إلى رجل على أن
يعصره له برطل من دهنه فهو فاسد أيضا وكذلك لو استأجر رجلا ليذبح له شاة بدرهم
ورطل من لحمها فذلك فاسد وفي الكتاب قال وكيف يستأجر بلحم شاة حية وقد ورد الحديث
بالنهي عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة يريد به أن الأجرة متى كانت معينة فهي
بمنزلة المبيع المعين وما في مضمون خلقة حيوان لا يجوز بيعه عينا وتفسير الملاقيح عند بعضهم ما
تضمنه الأصلاب والمضامين ما تضمنه الأرحام وعند بعضهم على عكس هذا فالملاقيح ما تضمنه
الأرحام بألقاح الفحول واستدلوا بقول القائل شعر
وعدة العام وعام قابل * ملقوحة في بطن ناب حابل
وحبل الحبلة هو بيع ما يحمل حبل هذه الناقة وكانوا يعتادون ذلك في الجاهلية أبطل الشرع ذلك
كله بالنهي عن بيع الغرر واستدل أيضا بالنهي عن بيع اللبن في الضرع وعن بيع الصوف
على ظهورها فعرفنا أن ما كان في مضمون خلقه حيوان لا يجوز تمليكه بعقد المعاوضة فان
عمله بهذا الشرط كان له أجر مثله لان بفساد العقد لم يملك شيئا مما أقام العمل فيه فكان عاملا
لغيره فيما لا شركة له فيه بعقد فاسد فيستوجب أجر المثل لا يجاوز به ما سمى لانعدام التسمية
فيما زاد عليه ولوجود الرضى منه بالمسمى فان المسمى متى كان معلوما يتم الرضى به وان شرط
مع الدرهم ربع قفيز دقيق جيد ولم يقل منها كان جائزا لان الدقيق مكيل معلوم يصلح أن
يكون ثمنا في البيع فيصلح أن يكون أجرة أيضا ولو دفع غزلا إلى حائك لينسجه بذراع من
ذلك الثوب أو بجزء شائع مسمى فذلك لا يجوز في ظاهر المذهب أيضا لأنه في معنى قفيز
89

الطحان (قال) رضي الله عنه وكان شيخنا الامام يحكى عن أستاذه رحمهما الله انه كان يفتي بجواز
هذا ويقول فيه عرف ظاهر عندنا بنسف ولو لم يجوزه إنما يجوزه بالقياس على المنصوص
والقياس يترك بالعرف كما في الاستصناع ثم فيه منفعة فان النساج يعجل بالنسج ويجد فيه إذا
كان له في الثوب نصيبا قال ولو دفع سمسما إلى رجل فقال قشره وربه بنفسج فاعصره على أن
أعطيك أجره درهما كان هذا فاسدا لأنه لا يعرف ما شرط من البنفسج وجهالة ذلك تفضي
إلى المنازعة وهذا بخلاف ما لو دفع إلى صباغ ثوبا ليصبغه بصبغ من عنده لان مقدار الصبغ
في كل الثوب معلوم عند أهل الصنعة المسبغ منه وغير المسبغ ولا تتمكن المنازعة بينهما لان
اللون في الثوب محسوس فاما الرائحة في الدهن المربى غير محسوس ويتفاوت ذلك بتفاوت
ما يربى به من البنفسج فتتمكن المنازعة بينهما * يوضح الفرق ان اعلام مقدار الصبغ يتعذر
على الصباغ لأنه يجمع الثياب ويصبغ الكل جملة واحدة فيسقط اعتباره لذلك فاما القشار
لا يخلط سمسم الناس ولو فعل ذلك صار ضامنا ولكنه يربى سمسم كل انسان على حدة فلا
يتعذر عليه اعلام مقدار البنفسج فلهذا شرط ذلك وان قال على أن تربيه بقفيز من بنفسج فهذا
جائز وكذلك أن كان البنفسج الذي يدخل في مثل هذا السمسم معروفا عند التجار فهو
جائز لان المعلوم بالعرف كالمعلوم بالشرط ولا تتمكن المنازعة بينهما إذا كان ذلك معلوما فلهذا
جوزناه ثم تبين بعد هذا ما يجوز فيه الاستصناع وحاصل ذلك أن المعتبر فيه العرف وكل
ما تعارف الناس الاستصناع فيه فهو جائز فإذا جاء به الصانع مفروغا عنه واختار المستصنع
أخذه فليس للصانع أن يمنع لان البيع قد لزم فيه باتفاقهما عليه إلا أنه ان كأن لم يستوف
الثمن حبسه بالثمن وان باعه الصانع قبل أن يراه المستصنع فبيعه جائز لأنه باع ملك نفسه
فالعقد لا يتعين في هذا المصنوع قبل أن يراه المستصنع وإذا نفذ بيعه صار مملوكا للمشترى
فلا سبيل للمستصنع عليه بعد ذلك وإذا دفع إلى إسكاف جلدا واستأجره بأجر مسمى على
أن يخرزه له خفين بصفة معلومة على أن يفعله الإسكاف ويبطنه ووصف له البطانة والنعل
فهو جائز لأنه متعارف وإذا جاز الاستصناع في الخف لكونه متعارفا ففي البطانة والنعل
أجوز و لا خيار لصاحب الأديم إذا عمله عملا مقارنا الا فساد فيه وكان ينبغي أن يثبت له
الخيار في البطانة والنعل لأنه اشترى ما لم يرده لكنه قال لا خيار له في أصل الأديم لأنه ملكه
ولا يتأتي الرد في البطانة والنعل منفردا عن الأصل ثم البطانة والنعل بيع في هذا العقد
90

والمقصود هو العمل (ألا ترى) أن بالبطانة والنعل يصير الخف أحكم وان الخف ينسب إلى
الأديم دون البطانة والنعل ولا خيار له فيما هو المقصود وهو العمل وفيما هو الأصل وهو
الأديم فكذلك في البيع وان جاء به فاسدا ضمنه قيمة الجلد ان شاء لأنه إنما طلب منه العمل
الصالح دون الفاسد فكان هو في إقامة أصل العمل موافقا وباعتبار صفة الفساد في العمل
مخالف فإن شاء مال إلى الخلاف وجعله كالغاصب فيضمنه قيمة جلده وان شاء مال إلى
الموافقة في أصل العمل ورضي به مع تغيير الوصف فاخذ الخفين وأعطاه أجر مثل عمله وقيمة
ما زاد فيه ولا يجاوز به ما سمى له أما أجر مثل العمل لما بينا أن المسمى بإزاء العمل الصالح فعند
الفساد يجب أجر المثل وقيمة ما زاد فيه لأنه مشترى له وقد تم قبضه باتصاله بملكه ومن
أصحابنا رحمهم الله من قال قوله ولا يجاوز به ما سمى ينصرف إلى الاجر خاصة دون قيمة ما زاد
فيه فان المشترى شراءا فاسدا مضمون بالقيمة بالغة ما بلغت لان الأعيان متقومة بنفسها
بخلاف المنافع واستدلوا على هذا بما ذكر في آخر الباب في مسألة الجبة ولا يجاوز به ما سمى
في أجر عمله خاصة وقالوا بيانه في فصل يكون بينا في جميع الفصول ولكن الأصح أن قوله
ولا يجاوز به ما سمى له في هذا الموضع ينصرف إليهما لان البطانة والنعل تابع للعمل ولهذا
يجوز العقد هنا فإنه لو كان مقصودا ما جاز العقد فيه وإذا لم يكن معينا والتبع معتبر بالأصل
فإذا كان الأصل لا يجاوز به ما سمى له فكذلك في التبع وسنقرر هذا الفرق في مسألة الجبة
إن شاء الله تعالى وكذلك أن سلم خرقة إلى صانع ليصنعها قلنسوة ويبطنها ويحشوها فهو مثل
ذلك لان البطانة والحشو في القلنسوة تبع (ألا ترى) أن القلنسوة تنسب إلى الظهار وأنها
بالبطانة والحشو تصير أحكم واسم القلنسوة يتناوله بدون البطانة والحشو كالخف فالجواب
فيهما سواء وبجميع هؤلاء الصناع إذا رضى المستصنع العمل وأجازه أن لا يدفعه له حتى يأخذ
منه الاجر إلا أن يكون مؤجلا فلا يكون له منع المتاع حينئذ لان الأجرة في الإجارات
كالثمن في البيع والمبيع يحبس بالثمن إذا كان البيع حالا ولا يحبس به إذا كان مؤجلا وعلى قول
زفر رحمه الله ليس للصانع حق الحبس بالأجرة إذا كان الأصل ملكا للمستأجر لأنه صار
مسلما المعقود عليه باتصاله بملكه وهذا لان المعقود عليه الوصف الذي أحدثه بعمله وقد اتصل
ذلك بملك المستأجر باختيار العامل ورضاه وبعد ما سلم المعقود عليه لا يكون له حق الحبس
ولكنا نقول هذا تسليم لا يمكن التحرز عنه فإنه لا يتصور منه إقامة العمل بدون أن يتصل
91

ذلك بملكه ومالا يمكن التحرز عنه يجعل عفوا فلا يصير هو به راضيا بسقوط حقه في الحبس
وربما يقول زفر رحمه الله البدل ليس بمقابلة الأصل وإنما يحبس المبدل بالبدل فإذ لم يثبت له
حق الحبس فيما هو الأصل لا يثبت في البيع ولكنا نقول حق الحبس يثبت له في المعقود
عليه ولا يتأدى ذلك الا بحبس الأصل فثبت حقه في حبس الأصل كمن أجر عينا يلزمه تسليم
العين وهو إنما عقد على المنفعة ولكن لما كان تسليم المنفعة لا يتأدى بدون العين لزمه تسليم
العين فهذا مثله (قال) في الأصل إن كان الاجل ميعادا من غير شرط فله أن لا يدفعه حتى
يقبض أجره لان المواعيد لا يتعلق بها اللزوم وهذا يصير رواية في فصل بيع المرابحة وهو
أنه إذا اشترى عينا من بياع وواعده أن يستوفى الثمن منجما في كل سبت فللمشتري أن
يبيعه مرابحة من غير بيان في الصحيح من الجواب لأنه مشترى بثمن حال والميعاد لا يكون
لازما بدليل هذه المسألة وإذا دفع الرجل إلى صباغ ثوبا يصبغه له بأجر مسمى ووصف له الصبغ
فهو جائز لأنه إذا وصف له الصبغ وسماه من زعفران أو عصفور أو بقم فقد صار المقصود معلوما
لا تتمكن المنازعة بينهما فان خالفه بصبغه على غير ما سمى له إلا أنه من ذلك الصبغ فلصاحب
الثوب أن يضمنه قيمة ثوبه أبيض وان شاء أخذ الثوب وأعطاه أجر مثله ولا يجاوز به ما سمى
له أما ثبوت الخيار فلانه في أصل الصبغ موافق وفي الصفة مخالف وإذا اختار الاخذ أعطاه
أجر مثله ولا يجاوز به ما سمى له لأنه رضى بالمسمى وهذا بخلاف مسألة الخف والقلنسوة فقد
قال هناك يعطيه أجر مثل عمله وقيمة ما زاد فيه وهنا لم يذكر قيمة ما زاد الصبغ فيه وروى أبن
سماعة عن محمد رحمهما الله التسوية بينهما ووجه الفرق على ظاهر الرواية أن الصبغ آلة العمل
المستحق على الصباغ بمنزلة الحرض والصابون في عمل الغسال فلا يصير صاحب الثوب مشتريا
للصبغ حتى تعتبر القيمة عند فساد السبب بخلاف ما سبق وهذا لان القائم بالثوب لون الصبغ
لا عينه وإنما يصير مشتريا لما يتصل بملكه واللون لا يمكن أن يجعل مشترى بخلاف البطانة
والنعل فذاك يتصل بعمله بملكه وهو عين مال (ألا ترى) أنه يتأدى بفعله فلهذا تعتبر قيمة ما
زاد فيه ووجه رواية محمد رحمه الله أن الصبغ في الثوب بمنزلة عين مال قائم حكما حتى لو
انصبغ ثوب انسان بصبغ الغير واتفقا على بيعه فان صاحب الثوب يضرب في الثوب بقيمة
ثوبه أبيض وصاحب الصبغ بقيمة الصبغ ولو لم يكن الصبغ المتصل بالثوب في حكم عين قابل
للبيع لما كان من الثمن حصة ولكن ما ذكره في الكتاب أصح لان الصبغ بعد ما اتصل بالثوب
92

لا يتصور تمييزه عنه فإنما يكون في حكم مال متقوم مع الثوب لا وحده وهنا لا يجب عليه قيمة
الثوب فلا يجب عليه قيمة ما زاد الصبغ فيه وفي مسألة الخف البطانة والنعل لما كان بعرض الفصل
كان مالا متقوما منفردا " عن الخف فلهذا اعتبر قيمة ما زاد فيه وان اختلف الصباغ ورب
الثوب فيما أمره أن يصبغه به بأن صبغه بعصفر فقال رب الثوب أمرتك بالزعفران فالقول
قول رب الثوب مع يمينه عندنا وقال ابن أبي ليلى رحمه الله القول قول الصباغ لأنهما اتفقا
على الاذن في الصبغ ثم رب الثوب يدعى عليه خلافا ليضمنه أو ليثبت الخيار لنفسه وهو منكر
لذلك فالقول قول المنكر ولكنا نقول الاذن يستفاد من جهة رب الثوب ولو أنكر الاذن له
في الصبغ أصلا كان القول قوله فكذا إذا أنكر الاذن فيما صبغه به وإذا استصنع الرجل عند
الرجل خفين فلما فرغ منه قال المستصنع ليس هكذا أمرتك وقال الإسكاف بهذا أمرتني
فالقول قول المستصنع لما بينا أن الاذن يستفاد من جهته ولا يمين عليه لان توجه اليمين ينبنى
على دعوته تلزمه الجواب وذلك لا يوجد هنا فان للمستصنع أن يأبى وإن لم يكن الصانع مخالفا
فلا فائدة في استحلافه وكذلك لو أقام العامل البينة لم يلزم الامر لان الثابت بالبينة كالثابت
باقرار الخصم ولو قال المستصنع بهذا أمرتك ولكن لا أريده كان له ذلك لما بينا أن الخيار
ثابت للمستصنع بسبب عدم الرؤية ولو أسلم إليه خفه بنعله بأجر مسمى فهو جائز للعرف الظاهر
فإذا نعله بنعل لا ينعل بمثله الخفاف فصاحب الخف بالخيار ان شاء ضمنه قيمة الخف بغير نعل
وان شاء أخذه وأعطاه أجر مثله وقيمة النعل لا يجاوز به ما سمى لما بينا أنه في أصل العمل
موافق وفي الصفة مخالف وإن كان ينعل بمثله الخفاف فهو لازم عليه وإن لم يكن جيدا " لان
المستحق بمطلق العقد صفة السلامة فأما صفة الجودة لا تستحق الا بالشرط كما في بيع العين
ولو شرط عليه جيدا " فأنعله بنعل غير جيد فلصاحب الخف الخيار لان فوات الوصف
المشروط بمنزلة العيب في اثبات الخيار كما إذا اشتري عبدا بشرط أنه كاتب فوجده لا يحسن
الكتابة يثبت له الخيار بمنزلة ما لو وجد العيب في المعقود عليه فهذا مثله ولو اختلافا في الاجر
وقد عمله عملا على ما وصفه له فان أقاما البينة فالبينة بينة العامل لأنه يثبت الزيادة في حقه
وهو الاجر فتترجح بينته بذلك وان قال رب الخف عملته لي بغير أجر وقال العامل عملته
بدرهم ولا بينة بينهما فعلى رب الخف اليمين لله ما شارطه على درهم لان العامل يدعى عليه
الدرهم دينا في الذمة وهو منكر فالقول قول المنكر مع اليمين فإذا حلف غرم له ما زاد النعل
93

في خفه بعد أن يحلف العامل على دعواه أنه عمل له بغير أجر لان رب الخف يدعي عليه هبة
النعل وهو لو أقر به لزمه فإذا أنكر يحلف عليه وإذا حلف انتفى ما ادعى كل واحد منهما من
العقد يبقى نعله متصلا بخف الغير باذن صاحب الخف فتجب قيمته لاحتباس ملك الغير عنده
ولا يجب أجر المثل لان المنفعة لا تتقوم الا بالعقد والتسمية وقد انتفى ذلك فاما العين متقوم
بنفسه ولو أقاما البينة أخذت بينة العامل لاثباته الزيادة ولو عمل الخف كله من عنده ثم اختلفا
في الاجر فالقول قول الإسكاف ولا يمين على المستصنع ولكنه بالخيار ان شاء أخذه بما قال
الإسكاف وان شاء تركه لما بينا ان العقد غير لازم في حق كل واحد منهما والذي جاء به عين
ملك الإسكاف فلا يستحق عليه الا بما رضي به من الثمن ولو أسلم ثوبا إلى صباغ فصبغه أحمر
على ما أمره به فقال الصباغ صبغته بدرهم وقال رب الثوب بدانقين وانى أنظر إلى ما زاد الصبغ
فيه فان زاد درهما أو أكثر فله درهم بعد أن يحلف الصباغ ما صبغه بدانقين وإن كان دانقين
أو أقل فإنه يعطيه دانقين بعد أن يحلف رب الثوب ما صبغة بدرهم كما يدعيه الصباغ لان
الأصل في باب الخصومات أن القول قول من يشهد له الظاهر والظاهر أن الصباغ لا يجعل في
ثوب انسان صبغا يساوى درهما بدانقين اذن يخسر وهو ما جلس لهذا والظاهر أن الانسان
لا يلتزم درهما بإزاء صبغ يساوى دانقين اذن يغبن والمغبون لا محمود ولا مأجور فإذا كان قيمة
الصبغ درهما أو أكثر فله فالظاهر شاهد للصباغ فيجعل القول قوله مع يمينه على دعوى خصمه
وإذا كانت قيمة الصبغ أقل من دانقين فالظاهر شاهد لرب الثوب فيكون القول قوله مع يمينه
على دعوى خصمه وإن كان أكثر من دانقين وأقل من درهم أعطيت الصباغ ذلك بعد أن يحلف
ما صبغه بدانقين وبعض مشايخنا رحمهم الله يقول هنا يتحالفان لأن الظاهر لا يشهد لكل واحد
منهما فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه على قياس اختلاف الزوجين في المهر إذا كان
مهر المثل لا يشهد لقول واحد منهما قال رضي الله عنه والأصح عندي انه لا تحالف هنا بل
اليمين على الصباغ خاصة لان المبتغى بالتحالف الفسخ وبعد اتصال الصبغ بالثوب لا تصور
لفسخ العقد فلا معنى للتحالف بخلاف النكاح فإنه محتمل للفسخ ببعض الأسباب وإذا لم يجب
التحالف هنا كان على رب الثوب قيمة الصبغ لان لاتصال الصبغ بالثوب موجبا وهو قيمته
على رب الثوب كالغاصب إذا صبغ ثوب انسان وأراد رب الثوب أخذه أعطاه قيمة الصبغ
إلا أن رب الثوب هنا يدعى براءته عن بعض القيمة برضاء الصباغ بدانقين والصباغ منكر
94

لذلك فيحلف على دعواه لهذا المعنى وإن كان الصبغ سوادا فالقول قول رب الثوب مع يمينه
لما بينا فيما سبق ان السواد نقصان فلا يمكن تحكيم قيمة الصبغ بنفي الظاهر الدعوى والانكار
والصباغ يدعى زيادة في حقه ورب الثوب منكر لذلك فيحلف على دعواه لهذا المعنى ولو
قال رب الثوب صبغته لي بغير أجر فالقول قوله وكذلك كل صبغ ينقص الثوب فاما كل
صبغ يزيد في الثوب قال رب الثوب صبغته لي بغير أجر وقال الصباغ صبغته بدرهم فعلى كل
واحد منهما اليمين على دعوى صاحبه وليس هذا بتحالف للاختلاف في بدل العقد ولكن
الصباغ يدعي لنفسه درهما على رب الثوب ورب الثوب منكر فعليه اليمين ورب الثوب يدعى
على الصباغ أنه وهب الصبغ منه وقد تمت الهبة باتصاله بملكه والصباغ منكر لذلك فيحلف كل
واحد منهما على دعوى صاحبه ثم يضمن رب الثوب ما زاد الصبغ في ثوبه لان ما ادعاه كل
واحد منهما انتفى بيمين صاحبه يبقى صبغ الغير متصلا بثوبه باذنه وعليه قيمته ولا يجاوز به
درهما لان الصباغ لا يدعى أكثر من درهم فهو بهذه الدعوى يصير مبرئا له عن الزيادة
على درهم ولو اختلف القصار ورب الثوب في مقدار الأجرة فإن لم يكن أخذ في العمل تحالفا
وتراد لان الإجارة نوع بيع وقد ورد النص بالتحالف عند اختلاف المتبايعين في البدل
فيعم ذلك أنواع البيوع ثم التحالف مشروع لدفع الضرر عن كل واحد منهما بطريق الفسخ
حتى يعود إليه رأس ماله وعقد الإجارة محتمل للفسخ قبل إقامة العمل كالبيع فلهذا يجب
التحالف بينهما وإن كان قد فرغ من العمل فالقول قول رب الثوب لأنه لا تصور للفسخ
بعد الفراغ من العمل فلا معنى للتحالف بينهما ولكن القصار يدعى زيادة في حقه ورب
الثوب منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه وهذا ظاهر على أصل أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله فان هلاك السلعة عندهما يمنع التحالف في البيع فكذلك في الإجارة ومحمد رحمه الله
يفرق بينهما فيقول التحالف هناك مفيد لأن المبيع عين مال متقوم بنفسه فيمكن ايجاب
قيمته بعد انتفاء العقد بالتحالف وهنا المنافع لا تتقوم الا بالعقد فلو تحالفا هنا انتفى العقد
بالتحالف لا يمكن ايجاب شئ للقصار فكان جعل القول قول رب الثوب مع يمينه أنفع
للقصار فلهذا لا يصار إلى التحالف هنا ولو كان الاختلاف بينهما بعد ما أقام بعض العمل
ففي حصة ما أقام القول قول رب الثوب مع يمينه وفي حصة ما بقي يتحالفان اعتبارا للبعض
بالكل وهذا لان فسخ العقد في الباقي ممكن وفي حصة ما بقي يتحالفان اعتبارا وفيما أقام من
95

العمل متعذر وفرق أبو حنيفة رحمه الله بين هذا وبين ما إذا اشترى عبدين فهلك أحدهما ثم
اختلفا في الثمن فقال هناك لا يتحالفان لأن العقد فيهما واحد فإذا تعذر فسخه في البعض بالهلاك
يتعذر فسخه فيما بقي وهنا عقد لإجارة في حكم عقود متفرقة يتجدد انعقادها بحسب ما يقيم عليه
من العمل فبأن تعذر فسخه في البعض لا يمنع الفسخ فيما بقي وكذلك لو قال عملته لي بغير أجر
فالقول قوله مع يمينه لما بينا انه ينكر وجوب الاجر عليه وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله
القول قول الأجير إلى أجر مثله كما في مسألة الصباغ وقد أشرنا إلى الفرق بينهما فهناك الصبغ
عين مال قائم في الثوب وهو متقوم بنفسه وهنا لا قيمة للمنفعة بدون التسمية وقد أنكر رب
الثوب التسمية فالقول قوله مع يمينه ولو شارط قصارا على أن يقصر له عشرة أثواب بدرهم ولم
يره الثياب ولم تكن عنده كان فاسدا " لان المعقود عليه مجهول فإنه الوصف الذي يحدث في
الثوب بعمله وذلك يختلف باختلاف الثياب في الطول والعرض والصفاقة والرقة والجودة
والرداءة وعمله يتفاضل بحسب ذلك وإن كان أراه الثياب كان جائزا لان برؤية المحل يصير
مقدار العمل فيه معلوما ولو مسما له جنسا من الثياب كان مثل ذلك ما لم يرها إياه لان بتسمية
الجنس لا يصير مقدار العمل فيه معلوما فان بالغ في بيان الصفة على وجه يصير مقدار عمله
معلوما فهو وإراءته الثياب سواء ولو أسلم ثوبا إلى خياط وأمره أن يخيطه قميصا بدرهم فخاطه
قباء فلصاحب الثوب ان يضمنه قيمة ثوبه وان شاء أخذ القباء وأعطاه أجر مثله لا يجاوز به ما
سمى له لأنه في أصل الخياطة موافق وفي الهيئة والصفة مخالف وبعض مشايخنا رحمهم الله
يقولون القباء والقميص تتفاوتان في الاستعمال وإن كان لا يتفق فلم يكن في أصل مقصوده
مخالفا وإنما خالفه في تتميم المقصود حتى لو خاطه سراويلا كان غاصبا ضامنا ولا خيار لصاحب
الثوب لأنه لا مقاربة بين القميص والسراويل في الاستعمال والأصح أن الجواب في الفصلين
واحد وقد روى هشام عن محمد رحمهما الله أنه لو دفع إليه شبها ليضرب له طستا فضربه كوزا "
فهو بالخيار ولا مقاربة في الاستعمال هنا ولكنه موافق في أصل الصنعة مخالف في الهيئة والصفة
فكذلك في مسألة الثوب وان خاطه سراويلا فهو في أصل الخياطة موافق وفي الهيئة مخالف
فان قال رب الثوب أمرتك بقميص وقال الخياط أمرتني بقباء فالقول قول رب الثوب مع
يمينه عندنا وقال ابن أبي ليلى رحمه الله القول قول الخياط لانكاره الخلاف والضمان والشافعي
رحمه الله يقول إنهما يتحالفان لأنهما اختلفا في المعقود عليه ولو اختلفا في البدل تحالفا إذا كان
96

قبل إقامة العمل فكذلك في المعقود عليه ولكن هذا لا معنى له هنا لان رب الثوب يدعى
عليه ضمان قيمة الثوب والخياط ينكر ذلك ويدعى الاجر دينا في ذمة رب الثوب فلا يكون
هذا في معنى ما رود الأثر بالتحالف فيه مع أن المقصود بالتحالف الفسخ وبعد إقامة العمل
لا وجه للفسخ وان أقاما البينة فالبينة بينة الخياط لأنه هو المدعى الاذن في خياطة القباء
والوفاء بالمعقود عليه وتقرر الاجر في ذمة صاحب الثوب وان اختلفا في الاجر فالقول قول
رب الثوب لأنه منكر للزيادة والبينة بينة الخياط لأنها تثبت الزيادة وكذلك لو قال صاحب
الثوب خيطه لي بغير أجر فالقول قوله مع يمينه على قياس ما بينا في القصارة لان عمل
الخياطة المتصل بالثوب غير متقوم بنفسه ولم يذكر في الكتاب ما إذا اتفقا على أنه لم يشارطه
على شئ في هذه الفصول وفي النوادر عن أبي حنيفة رحمه الله انه لا أجر له لان المنافع لا
تتقوم الا بعقد ضمان أو بتسمية عوض وعن أبي يوسف رحمه الله قال استحسن إذا كان
خيط له فأوجب الاجر له لان الخياطة التي بينهما دليل على أنه طلب منه إقامة العمل بأجره
فقام ذلك مقام الشرط وعن محمد رحمه الله قال إن كان العامل معروفا بذلك العمل بالأجر
فتح الحانوت لأجله فذلك ينزل منزلة شرط الاجر ويقضى له بالأجر استحسانا ولو أعطى
صباغا ثوبا ليصبغه بعصفر بربع الهاشمي بدرهم فصبغه بقفيز عصفر وأقر رب الثوب بذلك
فرب الثوب بالخيار ان شاء ضمنه قيمة الثوب وان شاء أخذ الثوب وأعطاه ما زاد العصفر
في قيمة الثوب مع الاجر ومعنى هذه المسألة أن الربع الهاشمي هو الصاع وهو ربع قفيز
فكأنه أمره بأن يصبغه صبغا غير مشبع وقد صبغ صبغا مشبعا فكان في أصل العمل
موافقا وفي الصفة مخالف فيجبر صاحب الثوب لذلك ثم أطلق الجواب في الكتاب ومشايخنا
رحمهم الله قالوا يقسم الجواب فيه فاما أن يصبغه بربع الهاشمي أولا ثم بالزيادة إلى تمام القفيز
أو يصبغه بالقفيز دفعة واحدة فإن كان صبغه بربع الهاشمي أولا فصاحب الثوب بالخيار ان
شاء ضمنه قيمة ثوبه أبيض وان شاء ضمنه قيمة ثوبه مصبوغا بربع الهاشمي وأعطاه الاجر
لأنه أقام العمل المشروط وصار ذلك من وجه كالمسلم إلى صاحب الثوب لاتصاله بالثوب
ثم غيره قبل تمام التسليم فإن شاء لم يرض به متغيرا وضمنه قيمة ثوبه أبيض وان شاء رضي به
متغيرا وضمنه قيمته مصبوغا بربع الهاشمي وأعطاه الاجر وان شاء أخذ الثوب وأعطاه
الاجر مع قيمة ما زاد من العصفر فيه وهو ثلاثة أرباع قفيز لأنه بمنزلة من غصب ثوبا
97

مصبوغا بربع قفير فصبغه بثلاثة أما إذا صبغه بقفيز دفعة واحدة فصاحب الثوب
بالخيار ان شاء ضمنه قيمة ثوبه أبيض وان شاء أخذ الثوب وأعطاه قيمة الصبغ ولا أجر له
لأنه ما أقام العمل المشروط ولكنه خالف في هيئة العمل في الابتداء ولأنه لا بد من
اعتبار قيمة الصبغ فلا يعتبر الاجر لان أحدهما تبع للآخر فلا يجمع بينهما (ألا ترى) أن في
الموضع الذي يجب الاجر لا ينظر إلى قيمة الصبغ فهنا لما وجب قيمة الصبغ بسبب ما زاد
من الصبغ فيه سقط اعتبار الاجر والحاكم رحمه الله في المنتفى ذكر هذا التقسيم عن أبي يوسف
رحمه الله وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله انه إذا دفع ثوبا ليصبغه بمن عصفر بدرهم
فصبغه بمنين دفعة واحدة فصاحب الثوب بالخيار ان شاء ضمنه قيمة ثوبه أبيض وان
شاء أعطاه الاجر درهما مع قيمة من من الصبغ قال (قلت) لمحمد رحمه الله لم لا يضمن له قيمة
منين من الصبغ قال لان صاحب الثوب يقول أنا خادعته حتى رضي بدرهم من قيمة من
من الصبغ وربما تكون قيمته خمسة فبعد وجود الرضى منه بهذا المقدار ليس له أن يضمن زيادة
عليه فلهذا أعطاه الاجر مع قيمة من الصبغ وإن كان ما روى عن محمد رحمه الله هو الأصح
ولأنه وان صبغه جملة فإنما يتشرب فيه الصبغ شيئا فشيئا فإذا تشرب فيه المقدار المشروط
وجب الاجر فكان هذا وما لو صبغه بدفعتين سواء ولو قال رب الثوب لم تصبغه الا بربع
عصفر فإن كان مثل ذلك الصبغ يكون بربع الهاشمي فالقول قوله مع يمينه على علمه لأن الظاهر
شاهد له وهو ينكر وجوب قيمة الصبغ عليه والاستحلاف على العلم لأنه على فعل الغير
إلا أن يقيم الصباغ بينة وإن كان مثل ذلك لا يكون بربع عصفر وكان ذلك يعرف فالقول
قول الصباغ لأن الظاهر شاهد له والجواب فيه كالجواب في المسألة الأولى ولو قال لخياط
أنظر إلى هذا الثوب فان كفاني قميصا فاقطعه بدرهم وخطه فقال نعم ثم قال بعد ما قطعه انه
لا يكفيك فالخياط ضامن لقيمة الثوب لأنه علق الاذن بالشرط والمتعلق بالشرط معدوم
قبل الشرط فإذا لم يكفه قميصا فإنما قطعه بغير إذنه ومن قطع ثوب الغير بغير إذنه فهو ضامن
لقيمته ولو قال له أنظر أيكفيني قميصا فقال نعم فقال اقطعه فإذا هو لا يكفيه لم يضمن لأنه قطعه
باذنه فان قوله اقطعه أذن مطلق ولا يقال قد غره بقوله يكفيك لان الغرور بمجرد الخير إذا
لم يكن في ضمن عقد ضمان لا يوجب الضمان على الغار كما لو قال هذا الطريق أمن فسلك فيه
فأخذ اللصوص متاعه بخلاف الأولى فانعدام الاذن هناك بما صرح في لفظه من الشرط حتى لو
98

كان في لفظه هنا ما يدل على الشرط بأن يقول فاقطعه أو اقطعه إذا فهو ضامن إذا لم يكفه
لان الفاء للوصل فبذكره تبين انه شارط للكفاية في الاذن وقوله إذا إشارة إلى ما سبق
فكأنه قال اقطعه إذا كان يكفيني لان هذا شرط إلا أنه أوجز كلامه ولو سلم ثوبا إلى خياط
فقطعه له قباء فقال بطنه من عندك واحشه على أن لك من الاجر كذا وكذا فهو مثل الخف
الذي أمره أن يبطنه وينعله في القياس ولكن لا أجيز هذا استحسانا لان ذلك مستحسن في
القياس بالتعامل وهذا لا تعامل فيه فيستحسن العود إلى أصل القياس فيه ويقال إنه مشترى
لمعدوم أو لمجهول فلا يجوز ولان هذا ليس في معنى ذلك لان الخف بدون النعل والبطانة
يسمى خفا ولكن بالنعل والبطانة يصير أحكم فما شرط عليه يمكن أن يجعل تبعا للعمل فاما القباء
والجبة لا تكون بدون البطانة والحشو وإذا كان ما التمس منه لا ينطلق عليه الاسم الا بما شرط
عليه لم يكن ذلك تبعا للعمل وإنما هو استصناع لا تعامل فيه فلا يجوز ذلك فان أتاه بالقباء مبطنا
محشوا فللخياط قيمة بطانته وحشوه وأجر خياطته ولا تجاوز به ما سمى له في أجر خياطته خاصة
لأنه استوفى منافعه بحكم عقد فاسد فكذلك استوفى غير ملكه بحكم عقد فاسد وتعذر عليه
رده فيلزمه قيمه المشترى بالغا ما بلغ وأجر مثل عمله لا يجاوز به ما سمى له وبهذا اللفظ يستدل
بعض أصحابنا رحمهم الله ممن يقول في الفصول المتقدمة أن قوله لا يجاوز به ما سمى له من الاجر
خاصة دون قيمة ما زاد فيه والأصح هو الفرق لان الحشو والبطانة هنا لم تكن في العقد تبعا
في العمل ولذلك فسد العقد في الأصل وإذا وجب اعتبارهما مقصودا " بقيمتها بالغة ما بلغت وفيما
سبق النعل والبطانة في الخف والحشو والبطانة في القلنسوة جعل تبعا للعمل في العقد ولذلك
جاز العقد فكما أن في أصل العمل لا يجاوز بالبدل ما سمى له فكذلك فيما هو تبع له ولو
أعطاه ثوبا وبطانة وقطنا وأمره أن يقطعه جبة ويحشوها ويندف القطن عليها وسمى الاجر
له فهو جائز لأنه استأجره لعمل معلوم ببدل معلوم ولو شرط على خياط أن يقطع له عشر
قمص كل قميص بدرهم ولم يسم له قدرها وجنسها لم يجز لجهالة المعقود عليه من العمل فعمل
الخياط يختلف باختلاف جنس الثياب وباختلاف القميص في الطول والقصر ولو قال الثياب
هروية ومقداره على هذا الشئ معروف فهو جائز لان مقدار العمل بما سمى يصير معلوما
على وجه لا يبقى بينهما منازعة ولو دفع إليه ثوبا ليقطعه قميصا واشترط عليه إن خاطه اليوم فله
درهم وإن لم يفرغ منه اليوم فله نصف درهم عند أبي حنيفة رحمه الله ان خاطه اليوم فله درهم
99

وإن لم يفرغ منه اليوم فله أجر مثله لا ينقص عن نصف درهم ولا يجاوز به درهما وقال أبو
يوسف ومحمد رحمهما الله هو على ما اشترط إذا فرغ منه اليوم فله درهم وان فرغ منه بعد
ذلك فله نصف درهم وقال زفر رحمه الله العقد فاسد كله وهو قول الشافعي رحمه الله وهذه
فصول (أحدها) أن يقول إن خطته اليوم فلك درهم وان خطته غدا فلا شئ لك وهو فاسد
بالاتفاق لأن هذه مخاطرة فإنه شرط له على نفسه درهما ان خاطه اليوم ولنفسه عليه العمل
إن لم يخطه اليوم وهو صورة القمار فكان فاسدا " ولأنه يصير تقدير كلامه كأنه قال لك أجر
درهم على خياطتك أولا شئ ولو قال ذلك كان العقد فاسدا " وكان له أجر مثله لا يجاوز
درهما فهذا مثله (والفصل) الثاني أن يقول إن خطت خياطة رومية فلك درهم وان خطته خياطة
فارسية فلك نصف درهم أو يقول إن خطته قباء فلك درهم وان خطته قميصا فلك نصف درهم
فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله الأول العقد فاسد كله وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله هو
القياس ثم رجع أبو حنيفة رحمه الله فقال الشرطان جائزان وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما
الله وجه قوله الأول أن المعقود عليه مجهول عند العقد والبدل مجهول وجهالة أحدهما في
المعاوضة تكون مفسدة للعقد فجهالتها أولى كما لو قال بعت منك هذا العبد بألف درهم أو هذه
الجارية بمائة دينار أو زوجتك أمتي هذه بمائة درهم أو ابنتي هذه بمائة دينار فقال قلت كان
باطلا وهذا لان عقد الإجارة يلزم بنفسه وإذا لم يعين عليه نوعا من العمل عند العقد لا يدري
بماذا يطالبه فكان العقد فاسدا ووجه قوله الآخر أنه خيره بين نوعين من العمل كل واحد
منهما معلوم في نفسه والبدل بمقابلة كل واحد منهما مسمى معلوم فيجوز العقد كما لو اشترى
ثوبين على أن له الخيار يأخذ أيهما شاء ويرد الآخر وسمى لكل واحد منهما ثمنا وهذا لان
الاجر لا يجب بنفس العقد وإنما يجب بالعمل وعند العمل ما يلزمه من البدل معلوم وكذلك
عقد الإجارة في حق المعقود عليه كالمضاف وإنما ينعقد عند إقامة العمل وعند ذلك لا جهالة
في المعقود عليه بخلاف النكاح والبيع فالعقد هناك ينعقد لازما في الحال والبدل يستحق بنفس
العقد فإذا لم يكن معلوما عند العقد كان العقد فاسدا (والفصل) الثالث أن يقول إن خطته اليوم
فلك درهم وان خطته غدا فلك نصف درهم فعند أبي حنيفة رحمه الله الشرط الأول جائز
والثاني فاسد وعندهما الشرطان جائزان وفي القياس يفسد الشرطان وهو قول زفر رحمه الله
كما في الفصل (ألا ترى) انه لو قال في البيع ان أعطيت لي الثمن إلى شهر فعشرة دراهم
100

وان أعطيته إلى شهرين فخمسة عشر درهما كان العقد كله فاسدا للتردد بين التسميتين ولهذا
التردد أفسد أبو حنيفة رحمه الله للشرط الثاني فكذلك يفسد الشرط الأول وهما اعتبرا هذا
في الفصل الثاني قالا إنه سمى عملين وسمى بمقابلة كل واحد منهما بدلا معلوما فيجوز العقد
كما في الفصل الثاني وهذا لان عمله في الغد غير عمله في اليوم ولصاحب الثوب في إقامة
العمل في كل وقت غرض صحيح وإنما يجب الاجر عند إقامة العمل ولا جهالة عند ذلك
بخلاف الفصل الأول فهناك إنما أفسدنا العقد لمعنى القمار وذلك غير موجود هنا لأنه في
اليومين شرط الاجر له على نفسه وأبو حنيفة رحمه الله يقول علق البراءة عن بعض الاجر
بشرط فوات منفعة التعجيل بقوله إن لم تفرغ منه اليوم فلك نصف درهم ولو علق البراءة
عن جميع الاجر بهذا الشرط لم يصح بان قال وإن لم تفرغ منه اليوم فلا شئ لك فكذلك
إذا علق البراءة عن بعض الاجر به اعتبارا للبعض بالكل ولان البراءة لا تحتمل التعليق بالشرط
وهذا لان الخياطة في اليومين بصفة واحدة وإنما تفوت منفعة التعجيل بتأخير العمل إلى
الغد بخلاف الخياطة الرومية والفارسية فإنهما مختلفان فلا يكون ذلك تعليق البراءة عن بعض
الاجر حتى لو قال هناك وان خطته فارسيا فلا أجر لك كان ذلك استعانة صحيحة في خياطة
الفارسية واختلفت الروايات فيما إذا قال له خط هذا الثوب اليوم بدرهم فخاطه غدا ماذا يجب
له ففي احدى الروايتين يجب المسمى بمنزلة قوله خطه بدرهم وفي الرواية الأخرى يجب
أجر المثل لا يجاوز به درهما لأنه رضى بالدرهم بشرط منفعة التعجيل فإذا فاته ذلك يلزمه
أجر المثل فعلى الرواية الأولى يقول اجتمع في اليوم الثاني تسميتان درهم ونصف فكان
العقد فاسدا كما لو قال خطه بدرهم أو بنصف درهم وبيان ذلك أن موجب التسمية الأولى
عند الخياطة غدا الدرهم لو اقتصر عليه فهو بالتسمية الثانية يضم الشرط الثاني إلى الأول في
الغد مع بقاء الأول فتجتمع تسميتان بخلاف اليوم الأول فليس فيه الا تسمية واحدة وهو
الدرهم لان تسمية نصف درهم في الغد لا موجب له في اليوم حتى إذا قال استأجرتك غدا
لتخيطه بنصف درهم فخاطه اليوم فلا أجر له فلهذا صح الشرط الأول دون الثاني بخلاف
الخياطة الرومية والفارسية لأنه لا تجتمع تسميتان في واحد من العملين حتى لو قال خطه
خياطة رومية بدرهم فخاطه خياطة فارسية كان مخالفا وعلى الرواية الأخرى يقول التسمية
الأولى لها موجب في اليوم الثاني وهو أجل المثل فهو بتسمية نصف درهم قصد تغيير
101

موجب تلك التسمية مع بقائها وذلك فاسد كما في قوله وان خطته غدا فلا شئ لك بخلاف
الخياطة الرومية والفارسية لأنه ليس لأحد العقدين موجب في العمل الآخر فكان عقدين
مختلفين كل واحد منهما ببدل مسمى معلوم فيهما فلهذا افترقا وإذا اشترى نعلا بدرهم وشراكا
معها على أن يحذوها البائع فهو جائز استحسانا لكونه متعارفا بين الناس وإذا كان أصل
العقد يجوز للعرف فالشرط في العقد إذا كان متعارفا للجواز أولى وان اشترى ثوبا على أن
يخيطه البائع بعشرة فهو فاسد لأنه بيع شرط فيه إجارة فإنه إن كان بعض البدل بمقابلة
الخياطة فهي إجارة مشروطة في بيع وإن لم يكن بمقابلتها شئ من البدل فهي إعانة مشروطة
في البيع وذلك مفسد للعقد وهذا ومسألة النعل في القياس سواء غير أن هناك استحسانا
للعرف ولا عرف هنا فيؤخذ به بالقياس ولو جاء إلى حذاء بشراكين ونعلين استأجره على
أن يحذوهما له باجر مسمى جاز وان اشترط عليه الشراكين فأراهما إياه ورضيه ثم حذاهما
له كان جائز أيضا استحسانا وفي الخف ينعل ويرقع كذلك الجواب بخلاف ما لو شرط في
الجبة والقباء البطانة والحشو على العامل والفرق بالعرف ثم شرط هنا أن يريه الشراك والنعل
والصحيح أنه لا يشترط إراءته إياه ولكن ان أعلمه على وجه لا يبقى بينهما فيه منازعة فذلك
كاف لما في شرط الإراءة من بعض الحرج ولو شرط على الخياط أن يكون كم القميص من
عنده كان فاسدا لانعدام العرف فيه وكذلك لو شرط على البناء أن يكون الآجر والجص
من عنده وكل شئ من هذا الجنس يشترط فيه على العامل شيئا من قبله بغير عينه فهو فاسد
الا فيما بينا للعرف فإذا عمله فالعمل لصاحب المتاع وللعامل أجر مثله مع قيمة ما زاد لأنه صار
قابضا لما اشتراه بعقد فاسد وتعذر رده حين صار وصفا من أوصاف ملكه واستوفي عمله بعقد
فاسد فكان له أجر مثله وإذا رد القصار على صاحب الثوب ثوبا غيره خطأ أو عمدا فقطعه
وخاطه ثم جاء صاحبه فهو بالخيار يضمن أيهما شاء لان القصار جان في تسليم ثوبه إلى الغير
والقابض في قبضه وقطعه وخياطته فيضمن أيهما شاء فان ضمن القصار فقد ملك القصار
الثوب بالضمان وتبين أن القاطع قطع ثوبه وخاطه بغير أمره فيرجع عليه بقيمته ويعامل
بما يعامل به الغاصب وان ضمن القاطع لم يرجع القاطع بهذه القيمة على القصار لأنه ضمن
بسبب عمل باشره لنفسه وفي الوجهين يرجع على القصار بثوبه لأنه عين ملكه وقد بقي في يد
القصار فيأخذه منه والله أعلم
102

(باب متى يجب للعامل الاجر)
(قال رحمه الله وإذا هلك الثوب عند القصار بعد الفراغ من العمل فلا أجر له ولا
ضمان عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله وهو قول زفر والحسن بن زياد رحمهم الله وقال أبو يوسف
ومحمد رحمهما الله هو ضامن الا إذا تلف بأمر لا يمكن الاحتراز عنه كالحرق الغالب) وكذلك
الخلاف في كل أجير مشترك كالأجير المشترك في حفظ الثياب وغيره والمشترك من
يستوجب الاجر بالعمل ويعمل لغير واحد ولهذا يسمى مشتركا ولا خلاف ان أجير الواحد
لا يكون ضامنا لما تلف في يده من غير صنع وهو الذي يستوجب البدل بمقابلة منافعه حتى
إذا سلم النفس استوجب الاجر وإن لم يستعمله صاحبه ولا يملك أن يؤجر نفسه من آخر في
تلك المدة وجه قولهما أنه خالف بموجب العقد فكان ضامنا كما إذا دق الثوب وتخرق وبيان
ذلك أن المعقود عليه هو الحفظ وعقد المعاوضة يقتضي سلامة المعقود عليه عن العيب فيكون
المستحق بالعقد حفظا سليما فإذا سرق تبين أنه لم يأت بالحفظ السليم فكان مخالفا موجب
العقد كما قلنا في الدق فالمستحق بالعقد وفي سليما عن عيب التخرق فإذا تخرق كان ضامنا وهذا
في الأجير بالحفظ ظاهر وكذلك في القصار فإنه لا يتوصل إلى إقامة العمل إلا بالحفظ والعمل
مستحق عليه وما لا يتوصل إلى المستحق الا به يكون مستحقا والمستحق بالمعاوضة السليم
دون المعيب والبدل وإن لم يكن بمقابلة الحفظ هنا لكن لما كان مستحقا بعقد المعاوضة تعتبر
فيه صفة السلامة كأوصاف المبيع إلا أن مالا يمكن التحرز عنه يكون عفوا كما في السراية في
حق النزاع فإنه عفو لأنه لا يستطاع الامتناع منه والقياس ما قاله أبو حنيفة رحمه الله لأنه
قبض العين بإذن المالك لمنفعته وهو إقامة العمل له فيه فلا يكون مضمونا عليه كالمودع وأجير
الواحد وهذا لأن الضمان اما أن يكون ضمان عقد أو ضمان جبران والعقد وارد على العمل
لا على العين فلا تصير العين به مضمونة والجبران للفوات وهو ما فوت على المالك شيئا حين
قبضه باذنه وبهذا الطريق لا يضمن أجير الواحد فكذلك المشترك وهما يقولان يستحسن
فنضمن المشترك احتياطا بخلاف الخاص فالعين هناك في يد صاحبه لان أجير الخاص يعمل
له في بيته ولان البدل هناك ليس بمقابلة العمل فلا تشترط فيه السلامة عن العيب ولكن أبو
حنيفة رحمه الله يقول هذا نظر فيه ضرر في حق الأجير وهو أن يلزمه ما لم يلتزمه ونظر الشرع
103

للكل فمن النظر للأجير أن لا يكون مضمونا عليه ولما تساوى الجانبان لم يجب الضمان بالشك
وما قال إنما يستقيم أن لو كان التلف يتولد من الحفظ كما يتولد من العمل ولا يتصور تولد
التلف من الحفظ إلا أن يضيع الحفظ وعند ذلك هو ضامن لا أجر له عند أبي حنيفة
رحمه الله لان المعقود عليه الوصف الحادث في الثوب بعمله وقد فات قبل تمام التسليم على صاحبه
فلا أجر له بخلاف أجير الواحد فالمعقود عليه هناك منافعه في المدة وقد تم التسليم فيه فبهلاك
العين عنده لا يبطل الاجر وأما عندهما رب الثوب بالخيار ان شاء ضمنه قيمة الثوب مقصورا "
وأعطاه الاجر وان شاء ضمنه قيمته غير مقصور ولا أجر له لان المعقود عليه صار مسلما
من وجه باتصاله بالثوب الا انه لم يتم التسليم حتى تغير إلى البدل وهو ضمان القيمة فيتخير
صاحب الثوب ان شاء رضى به متغيرا " فضمنه قيمته مقصورا " وأعطاه الاجر وان شاء لم
يرض بالتغير وفسخ العقد فيه فيضمنه قيمة ثوبه أبيض بمنزلة ما لو قبل المبيع قبل القبض فإنه
يتخير المشترى فاما إذا تلف بعمله بان دق الثوب فتخرق فهو ضامن عندنا وقال زفر رحمه الله
لا ضمان عليه إن لم يجاوز الحد المعتاد وللشافعي رحمه الله فيه قولان في أحد القولين يقول هو
ضامن سواء تلف بفعله أو بغير فعله وفي قوله الآخر يقول لا ضمان عليه سواء تلف بفعله أو بغير
فعله وجه قول زفر رحمه الله أنه عمل مأذون فيه فما تلف بسببه لا يكون مضمونا عليه كالمعين
في الدق وأجير الواحد وبيانه انه استأجره ليدق الثوب ولدق عمل معلوم بحده وهو إرسال
المدقة على المحل من غير عنف وقد أتى بتلك الصفة فكان مأذونا فيه ثم التخرق إنما كان لوهاء
في الثوب وليس في وسع العامل التحرز من ذلك فهو نظير البزاغ والفصاد والحجام والختان
إذا سرى إلى النفس لا يجب الضمان عليهم لهذا المعنى وهذا لان العمل مستحق عليه بعقد
المعاوضة وما يستحق على المرء لا يبعد بما ليس في وسعه وبه فارق المشي في الطريق والرمي
إلى الهدف فإنه مباح غير مستحق عليه فقيد بشرط السلامة والدليل عليه ان أجير القصار
إذا دق فتخرق الثوب لم يجب الضمان على الأجير وعندكم يجب الضمان على الأستاذ فإن كان
هذا العمل مأذونا فيه لم يجب الضمان على أحد وإن لم يكن مأذونا فيه فهو موجب
للضمان على من باشره فاما أن يقال من باشره لا يضمن وغيره يضمن بسببه فهو بعيد جدا "
وحجتنا في ذلك أن التلف حصل بفعل غير مأذون فيه فيكون مأذونا كما لو دق الثوب بغير
أمره وبيان ذلك أن الاذن ثابت بمقتضى العقد والمعقود عليه عمل في الذمة والعقد عقد
104

معاوضة فمطلقه يقتضى سلامة المعقود عليه عن العيب كعقد البيع وما في الذمة يعرف بصفته
والموصوف بأنه سليم غير الموصوف بأنه معيب فإذا ثبت أن المعقود عليه العمل السليم المزين
للثوب عرفنا أن المعيب المخرق للثوب غير المعقود عليه فلا يكون مأذونا فيه وبه فارق أجير
الواحد ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول هناك البدل ليس بمقابلة السليم بل بمقابلة تسليم النفس
دون العمل وصفة السلامة في العمل بمقتضى عقد المعاوضة إلا أن هذا ليس بقوى فالمعقود
عليه في الموضعين العمل والبدل بمقابلة المقصود إلا أن هناك يقام تسليم النفس مقام العمل
دفعا للضرر عن الأجير لتضيق مدة التسليم عليه وهذا لا يدل على أنه إذا وجد ما هو المقصود
لا يكون البدل بمقابلته كما يقام تسليم النفس في النكاح مقام ما هو المقصود ثم إذا وجد ما هو
المقصود وهو الوطئ كان البدل بمقابلته فالصحيح أن يقول المعقود عليه في حق أجير الواحد
منافعه ولهذا يشترط اعلامه ببيان المدة ومنافعه عين والعين لا تختلف بكونه سليما أو معيبا كما
في بيع العين فإنه وان وجد بالمعقود عليه عيبا لا يخرج العقد به من أن يكون متناولا له فعرفنا
أن الاذن متناول للعمل معيبا كان أو سليما وهنا المعقود عليه عمل في الذمة بمنزلة المسلم فيه
وعقد السلم إذا تناول الجيد لا يكون الردئ معقودا عليه ما لم يسقط حقه في الجودة بالرضاء به
فهنا ما دام العمل السليم معقودا " عليه لا يكون المعيب معقودا عليه إلا أن يرضى به وهذا
بخلاف المعين فإنه واهب للعمل والهبة لا تقتضي السلامة عن العيب فبالتخرق لا يخرج العمل
من أن يكون مأذونا فيه وبخلاف البزاغ والفصاد والحجام فهناك العمل معلوم بحده لا بصفته
لأنه حرج والحرج الذي هو غير ساري ليس في وسع البشر فإنما يلتزم بعقد المعاوضة ما يقدر
على تسليمه دون مالا يقدر فاما التحرز عن التخرق في وسع القصار في الجملة إلا أنه ربما يلحقه
الحرج فيه وذلك لا يمنع صحة التزامه بعقد المعاوضة * يوضحه أن التخرق اما أن يكون لشئ
في طي الثوب أو لرقة في الثوب أو لحدة في المدقة وكل هذا يمكن الوقوف عليه عند التأمل
فاما السراية فلضعف الطبيعة عن دفع أثر الجناية ولا طريق للوقوف بحال * يوضحه أن التلف
هناك لا يحصل في حال العمل وإنما يكون بعد الفراغ منه بمدة والعمل مضمون عليه لأنه يقابله
بدل مضمون فما يقابل المضمون يكون مضمونا إلا أنه بالفراغ منه يصير مسلما إلى صاحبه
فإنما حصل التلف بعد خروجه من ضمان العاقد وهنا التخرق يحصل في حال العمل لا بعد
الفراغ من العمل وفي حال العمل التسليم لم يوجد بعد وهو عمل مضمون عليه لأنه يقابله
105

بدل مضمون والمتولد من المضمون يكون مضمونا فاما أجير القصار فهو أجير واحد والبدل
في حقه بمقابلة منافعه فلهذا لا يكون ضمانا ثم عمله للأستاذ كعمل الأستاذ بنفسه وهو لو قام
بالثوب بنفسه فخرق الثوب كان ضامنا فكذلك إذا عمل له أجيره إذا عرفنا هذا فنقول
لصاحب الثوب الخيار ان شاء ضمنه قيمته مقصورا وأعطاه الاجر وان شاء ضمنه قيمته غير
مقصورا ولا أجر له (قال) بشر بن غياث رحمه الله وهذا الجواب صحيح على أصل أبى يوسف
ومحمد رحمهما الله لان عندهما قبضه قبض ضمان فله أن يضمنه قيمته وقت القبض غير مقصور
فأما عند أبي حنيفة رحمه الله هو خطأ لان عنده قبل قبض القصار قبض أمانة وإنما الموجب
للضمان عليه العمل فيكون له أن يضمنه قيمته معمولا ولا خيار له في ذلك ولكن الأصح
ما قلنا فانا لا نقول نضمنه قيمته بالقبض ولكنه يضمنه قيمته بالاتلاف ان شاء معمولا وان
شاء غير معمول لان العمل يصير مسلما من وجه باتصاله بالثوب وذلك العمل يجوز أن يكون
معقودا عليه عند الرضاء به كالردئ في باب السلم مكان الجيد يكون معقودا عليه عند التجوز
به فإذا وقع التغير في العمل كان له الخيار ان شاء رضى به متغيرا فضمنه قيمته معمولا وأعطاه
الاجر وان شاء لم يرض به فيخرج العمل به من أن يكون معقودا عليه ويضمنه قيمته غير
معمول ولا أجر له وإن لم يهلك الثوب وأراد صاحبه أخذه كان للقصار أن يمنعه حتى يستوفى
الاجر وقد بينا خلاف زفر رحمه الله في هذا والحاصل أن كل أجير يكون أثر عمله قائما في
المعمول كالنساج والقصار والصباغ والفتال فله حق الحبس لان المعقود عليه الوصف الذي
أحدثه في الثوب وهو قائم فيكون له أن يحبسه ببدله وكل من ليس لعمله أثر في المعمول
كالحمال فإنه لا يستوجب الحبس لان المعقود عليه نفس العمل ولم يبق بعد الفراغ منه فلا
يكون له أن يحبس فان (قيل) في القصار عمله في إزالة الدرن والوسخ لا في احداث البياض في
الثوب فالبياض للقطن صفة أصلية (قلنا) نعم ولكن لما غلب الدرن والوسخ حتى استتر به صار
في حكم المعدوم وحين أظهره القصار بعمله جعل ظهوره مضافا إلى عمله فيكون أثر عمله قائما
في المعمول فان منعه فهلك فالجواب على ما بينا لان المنع كان بحق فلا يكون سببا موجبا
للضمان فيما ليس بمضمون فلهذا يستوى الهلاك بعد المنع وقبله وعلى قول زفر رحمه الله ليس
له حق الحبس فإذا حبسه كان غاصبا ضامنا للقيمة وان أراد أن يأخذ الثوب قبل تمام العمل
بغير إذنه ويعطيه من الاجر بمقدار ما عمل لم يكن له ذلك حتى يفرغ منه لأن العقد لازم
106

من الجانبين لكونه معاوضة فما ليس للقصار أن يفرق الصفقة على صاحب الثوب فيمتنع من
إقامة بعض العمل بغير إذنه فكذلك لا يكون ذلك لرب الثوب وكما أن إقامة العمل مستحق
على القصار فامساك العين إلى أن يفرغ من العمل مستحق له ولهذا لا يأخذه منه صاحبه
وان استأجره حمالا ليحمل له شيئا على ظهره أو على دابته إلى موضع معلوم فحمله وصاحبه
يمشي معه أوليس معه فانكسر في بعض الطريق أو عثر فانكسرت الدابة فانكسر المتاع (قال)
رضي الله عنه اعلم بان الحمال أجير مشترك بمنزلة القصار وان تلف في يده بغير فعله بأن زحمه
الناس ففي وجوب الضمان عليه خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله كما بينا وان تلف
بفعله بان تعثر فانكسر المتاع فهو ضامن عندنا خلافا لزفر رحمه الله فان التلف حصل
بجناية يده ثم عندنا لصاحب المتاع الخيار ان شاء ضمنه قيمته محمولا إلى الموضع الذي سقط
وأعطاه من الاجر بحصته وان شاء ضمنه قيمته غير محمول ولا أجر له وهذا لان العمل
صار مسلما إن كان صاحبه يمشي معه فلا يشكل وكذلك أن كان لا يمشي معه فإنه يصير
مسلما باتصاله بملكه ثم تغير قبل تمام التسليم فيثبت الخيار لهذا وكان أبو بكر الرازي رحمه
الله يقول الصفقة قد تفرقت عليه فيما لم يحصل المقصود الا بجملته فان مقصود صاحب المتاع
لا يحصل الا بوصول المتاع إلى موضع حاجته فإذا انكسر في بعض الطريق فقد انفسخ العقد
فيما بقي للفوات فعرفنا أن الصفقة قد تفرقت فإن شاء رضى بهذا التفرق وقرر العقد فيما استوفى
من العمل وأعطاه من الاجر بحصته وان شاء أبى ذلك وفسخ العقد في الكل فيضمنه قيمته
غير محمول ولا أجر له ولهذا كان الخيار لصاحب المتاع ولو هلك في نصف الطريق بغير
فعله لم يضمن شيئا عند أبي حنيفة رحمه الله وكان له نصف الاجر بخلاف ما سبق العمل من
القصار لان المعقود عليه هنا صار مسلما بنفسه ولهذا لا يستوجب الحبس إذا فرغ من العمل
فكان هو في هذا الحكم كأجير الواحد بخلاف القصار فالتسليم هناك لا يتم بإقامة العمل بدليل
أن له أن يحبس لاستيفاء الاجر وهذا الفصل يوهن طريقة الرازي رحمه الله في الفصل
الأول ويتبين به أن الصحيح ما قلنا أولا من أن ثبوت الخيار للتغير إلى البدل وقيام البدل
مقام الأصل في فسخ العقد فيه حتى أن في هذا الموضع لما لم يجب البدل وهو الضمان
لا يمكن فسخ العقد فيما أقام من العمل فكان له من الاجر بحصة ذلك وكان أبو حنيفة
رحمه الله يقول في الكراء إلى مكة لا يعطى شيئا من كرائه حتى يرجع من مكة وكذلك
107

كان يقول في جميع من يحمل الحمولة على ظهره أو على دابته أو سفينة ثم رجع عن ذلك فقال
كل ما صار مسيرا له من الاجر شئ معروف فله أن يأخذه بذلك وهو قول أبى يوسف
ومحمد رحمهما الله وسواء كان الاجر دراهم أو ثوبا أو عبدا أو غير ذلك وأصل المسألة أن الأجرة
لا تملك بنفس العقد ولا يجب تسليمها به عندنا عينا كان أو دينا وإنما تملك بأحد معان ثلاثة
إما التعجيل أو شرط التعجيل أو استيفاء ما يقابله وعند الشافعي رحمه الله تملك بنفس العقد
ويجب تسليمها عند تسليم الدار أو الدابة إلى المستأجر وحجته في ذلك أن هذا عقد معاوضة
فمطلقه يوجب ملك البدل بنفسه كعقد البيع والنكاح وهذا لان ما هو المعقود عليه المنفعة
ومنفعة العين في حكم العين فكما يملك البدل في العقد الوارد على العين بنفسه فكذلك في العقد
الوارد على المنفعة والدليل على أن المنفعة في حكم العين صحة الاستئجار بأجرة مؤجلة وما ليس
بعين فهو دين والدين بالدين حرام في الشرع وهذا لان المنفعة وان كانت معدومة عند العقد
حقيقة فقد جعلت كالموجودة حكما بدليل جواز العقد ولزومه وعقد المعاوضة على المعدوم لا
ينعقد ولا يلتزم وللشرع ولاية أن يجعل المعدوم حقيقة موجودا " حكما لحاجة الناس إليه كما
جعل النطفة في الرحم ولا حياة فيها كالحي حكما في حق الإرث والعتق والوصية وكما جعل
الحي حقيقة كالميت حكما والمرتد اللاحق بدار الحرب وإذا صارت موجودة حكما التحقت
بالموجود حقيقة فتصير مملوكة بالعقد وكما يصير مملوكا بالعقد حكما يصير مسلما بتسليم الدار بدليل
أن المستأجر يملك التصرف فيه بالإجارة من الغير وأنه لو استأجر دارين فانهدمت أحدهما
بالقبض لم يكن له خيار في رد الأخرى لتفرق الصفقة بعد التمام بخلاف ما قبل القبض وأنه
لو تزوج امرأة على سكنى دار سنة فسلم الدار إليها لم يكن لها أن تحبس نفسها لاستيفاء المنفعة
بخلاف ما قبل تسليم الدار إليها ولا يدخل على هذا ما إذا انهدمت الدار فان المنفعة لا تتلف في
ضمان المستأجر لأنا جعلناها كالموجودة المسلمة باعتبار عرضية الوجود في المدة وقد زال ذلك
بانهدام الدار وهو كما لو جعلنا النطفة في الرحم كالحي لكونها معدة لذلك فان زال ذلك
بالانفصال ميتا بطل حكم العتق والإرث والوصية له لانعدام المعنى الذي لأجله جعل
كالموجود والدليل عليه أن الأجرة تملك بشرط التعجيل ولو كان مقتضى مطلق العقد تأخر
الملك في الاجر أو لم تجعل المنفعة كالموجودة حكما لما وجب الاجر بالشرط كما قلتم في الإجارة
المضافة إلى وقت في المستقبل ولان أكثر ما في الباب أن تقام عين الدار مقام المعقود عليه في
108

حق انعقاد العقد فكذلك في ملك البدل كعقد السلم فان الذمة لما أقيمت مقام المعقود عليه
هناك في انعقاد العقد ولزومه ملك البدل به بنفس العقد * وحجتنا في ذلك أن هذا عقد معاوضة
فيقتضي تقابل البدلين في الملك والتسليم كعقد البيع ثم أحد البدلين وهو المنفعة لم تصر مملوكة
بنفس العقد فكذلك الأجرة وهذا لأنه معدوم في نفسه والملك من صفات الموجودات
فالمعدوم لا يوصف بشئ سوى أنه معدوم والملك عبارة عن القدرة فلا يتحقق ذلك على المعدوم
وإذا لم يملك المعقود عليه في الحال فلو ملك البدل بغير عوض وذلك ليس بقضية المعاوضة ثم
عند الحدوث تملك المنفعة بعقد المعاوضة بغير عوض لان العوض كان مملوكا له من قبل
وملكه لا يكون عوضا عن ملكه ولا وجه أن يقال إن المنافع التي تحدث في المدة تجعل
موجودة حكما لأنه إنما يقدر الشئ حكما إذا كان يتصور حقيقة كما فيما استشهدوا به فان الحي
يتصور فيه الموت والميت يتصور فيه الحياة ولا تصور لوجود المنافع التي تحدث في المدة جملة فلا
يجوز أن يقدر حكما فاما جواز العقد ليس باعتبار أن المنفعة تجعل موجودة حكما وكيف يقال
هذا والموجود من المنفعة حقيقة لا يقبل العقد فان المنفعة عرض لا يتصور بقاؤها وقتين والتسليم
بحكم العقد يكون عقيبه والجزء الموجود حقيقة لابقاء له ليسلم عقيب العقد وما لا يتصور فيه
التسليم بحكم العقد لا يكون محلا لعقود المعاوضة فلو جعلناها كالموجودة حقيقة لم تقبل العقد
فبهذا تبين أن الجواز العقد لم يكن بالطريق الذي قال الخصم بل بأحد الطريقين اما بإقامة عين
الدار المنتفع بها مقام المنفعة في حق صحة الايجاب ثم انعقاد العقد في حق المعقود عليه في حكم
المضاف إلى وقت الحدوث وهو معنى ما قلنا إن عقد الإجارة في حكم عقود متفرقة يتجدد
انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة وهذا لان الايجاب بعد الوجود لا يتحقق وحكم الانعقاد
بعد الايجاب يحتمل التأخير في حكم المحل كالطلاق المضاف والعتق المضاف والوصية والمزارعة
على أصل الخصم والمضاربة بالاتفاق أو باعتبار انه لما تعذر الايجاب بعد وجود المنفعة سقط
اعتبار الوجود فيه شرعا لانعقاد العقد تيسيرا ولكن عرضية الوجود بكون العين منتفعا بها
تكفى لانعقاد العقد كما لو تزوج رضيعة صح النكاح باعتبار أن عرضيه الوجود فيما هو المعقود
عليه وهو ملك الحل يقام مقام الوجود وعلى الطريقين جميعا إقامة الشئ مقام غيره تكون
بطريق الضرورة فتقدر بقدر الضرورة ولا ضرورة في ملك البدل بنفس العقد لان الملك حكم
السبب والحكم قد يتأخر عن السبب وإنما الشرط أن لا يخلو السبب عن الحكم فأما أن يقترن
109

به فلا وفي حكم ملك البدل لا ضرورة فاعتبرنا ما هو الأصل وهو أن يتأخر إلى وجود الملك
فيما يقابله والدليل عليه أن قبل تسليم الدار لا يجب تسليم الاجر ولو جعلت المنفعة كالعين لكان
أول التسليمين على المستأجر كالثمن في بيع العين ولا يقول أن المنفعة دين فان الدين محله الذمة
وهو لا يلتزم المنفعة في الذمة فكيف نقول ذلك وإنما يتحقق العدم عند العقد فما يكون دينا فهو
في حكم الموجود بوجود محله ولهذا جعلنا المسلم فيه مملوكا بنفس العقد وجعلنا بدله مملوكا حتى
وجب على رب السلم تسليمه بنفس العقد وهذا بخلاف النكاح فالمعقود عليه هناك العين والملك
في باب النكاح لا يحتمل التأخر عن السبب فلهذه الضرورة جعلناه كالموجود في حكم الملك
فاما إذا شرط التعجيل فنقول امتناع الملك بنفس العقد كان بمقتضى مطلق المعاوضة وذلك
يتغير بالشرط بمنزلة البيع فان مقتضى مطلق العقد ملك المبيع بنفس العقد ثم يتأخر بشرط
الخيار ومقتضى مطلق البيع وجوب تسليم الثمن بنفس العقد ثم يتعين شرط الاجل بخلاف
الإجارة المضافة فان امتناع ثبوت الملك هنا ليس بمقتضى العقد بل بالتصريح بالإضافة إلى وقت
في المستقبل والمضاف إلى وقت لا يكون موجودا قبل ذلك الوقت فلا يتغير هذا المعنى بالشرط
وإذا ثبت أنه يملك بشرط التعجيل ثبت أنه تملك بالتعجيل أيضا لأنه فوق اشتراط التعجيل
وذلك لان الملك يثبت بالقبض وللقبض تأثير في اثبات الملك فيما لم يملك بنفس العقد كما في الهبة
ونفقة الزوجة تملك بالقبض لمدة في المستقبل ولا يملك بنفس العقد ثم كما لا ضرورة في الملك
لا ضرورة في التسليم لأنه قد يتأخر التسليم عن العقد فلا يجعل مسلما بتسليم الدار وهذا لان
تأثير التسليم بحكم المعاوضة في نقل الضمان ولما لم ينتقل إلى ضمان المستأجر عرفنا أنه لم يصر
مسلما إليه وجواز تصرفه من الوجه الذي يجوز فيه تصرف الاخر لعجزه عن التصرف بعد
الوجود حقيقة كما بينا وكذلك في حكم تفرق الصفقة فإنه لا يمكن اثبات ذلك عند القبض
حقيقة فتقام الدار فيه مقامه كما في حكم التصرف وصحة تسمية المنفعة صداقا لأنه ليس من
ضرورة صحة العقد ملك المسمى بنفس العقد فإنه في حكم البيع عندنا ولهذا لو تزوج امرأة
على عبد الغير صحت التسمية ويتأخر الملك إلا أن يحصل الزوج ملك العقد لنفسه وإنما يعتبر
مجرد تسليم الدار في سقوط حقها في الحبس لوجود الرضاء منها بذلك فإنها لما جعلت الصداق
المنافع التي توجد في المدة مع علمها أنه لا يتصور تسليمها جملة فقد صارت راضية بسقوط
حقها في الحبس عند تسليم الدار إليها لتحدث المنفعة على ملكها بمنزلة ما لو زوجت نفسها
110

بمهر منجم وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول أولا في الكراء إلى مكة لا يعطيه شيئا من الكراء
حتى يرجع من مكة وهو قول زفر رحمه الله لان مقصوده لا يتم الا به ووجوب تسليم
الاجر بعد حصول المقصود كما لو استأجر خياطا ليخيط له ثوبا لا يلزمه ايفاء الاجر ما لم
يفرغ من العمل ثم رجع فقال كلما سار مسيرا له من الاجر شئ معروف فله أن يأخذه بذلك
وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لان العمل بحسبه يصير مسلما وإنما يجب تسليم الاجر
عند تسليم ما يقابله وكان ينبغي في القياس أنه كما سار شيئا ولو خطوة يجب تسليم ما يقابله
من الاجر ولكن ذلك القدر لا يعرف فلو أخذنا بالقياس لم نتفرغ إلى شغل آخر بل يسلم
الاجر في كل ساعة بقدر ما يستوفي من العمل وذلك بعيد وكان الكرخي رحمه الله يقول
كلما سار مرحلة أو في حصته من الاجر وعن أبي يوسف رحمه الله قال إذا سار ثلث
الطريق طالب بحصته من الاجر لان هذا القدر من الطريق قد يكترى المرء فيه دابة ثم
ينتقل إلى أخرى وعلى هذا لو استأجر دارا مدة معلومة ففي قوله الأول ما لم تنته المدة
لا يجب تسليم الاجر وفي قوله الاخر إذا مضى من المدة ماله حصة معلومة من الاجر
يجب ايفاء الاجر بحسابه فالكرخي رحمه الله قدر ذلك بيوم وان عجل الاجر كله فهو جائز
لأنه أخذ بالفضل وأوفى قبل وجوب الايفاء فهو كمن عليه الدين المؤجل إذا عجله وليس له
أن يرجع فيما عجل من الاجر لان المستأجر ملك ذلك بالقبض بعد انعقاد العقد فلا يرجع
فيه حال بقاء العقد وان شرط في العقد أن لا يسلم الاجر حتى يرجع أو حتى تنتهي المدة فهو
جائز أما في قوله الأول فهذا شرط يوافق مقتضي العقد وفي قوله الاخر هذا اشتراط
الاجل في الاجر والأجر قياس الثمن يثبت الاجل فيه إذا كان دينا ولا يصح التأجيل فيه
إذا كان عينا ولو أبرأه عن جميع الاجر أو وهبه له فإن كان ذلك دينا لم يصح ذلك في قول
أبى يوسف الاخر رحمه الله وصح في قوله الأول وهو قول محمد رحمه الله ولا تبطل به
الإجارة وإن كان عينا لم يصح حتى يقبل الاخر فان قبل بطلت الإجارة لان المعين من الاجر
كالمبيع والمشترى إذا وهب المبيع من البائع قبل القبض لا تصح الهبة ما لم يقبل فإذا قبل
انفسخ العقد فأما إذا كان دينا فمن أصحابنا رحمهم الله من يقول في قول أبى يوسف الأول
وهو قول محمد رحمهما الله يجب الاجر بالعقد مؤجلا والابراء عن الدين المؤجل صحيح وفي قوله
الاخر لا يجب بنفس العقد عينا كان أو دينا والابراء قبل الوجوب لا يصح وعلى هذا الأصل
111

بنوا مسألة المصارفة على هذا ولكن هذا شئ لا يروى عن محمد رحمه الله نصا وفي الجامع بنى
المسائل على أن الاجر لا يجب بنفس العقد عينا كان أو دينا ولكن وجه قوله الأول أن سبب
الوجوب هو العقد والعقد منعقد إلا أن الوجوب تأخر لتأخر ما يقابله والابراء بعد وجوب
سبب الوجوب صحيح كالابراء عن نفقة العدة مشروطا في الخلع وهذا لان السبب لما اعتبر
في جواز أداء الواجب وأقيم مقام الوجوب فكذلك في الاسقاط وجه قوله الاخر أن الابراء
اسقاط واسقاط ما ليس بواجب لا يتحقق والهبة تمليك وتمليك ما ليس بمملوك لا يصح ولو جاز
الابراء وبقي العقد بملك المستأجر المنفعة عند الاستيفاء بغير عوض وهذا يخالف قضية الإجارة
فإنه من حكم الإعارة ولا خلاف بينهما أن الابراء عن بعض الأجرة قبل استيفاء شئ من المنفعة
صحيح لان هذا بمنزلة الحط فيلتحق بأصل العقد ويصير كأنه عقد في الابتداء بما بقي ولو باعه
بالأجر متاعا وسلمه إليه فهو جائز لأن الشراء لا يتعلق بالدين المضاف إليه بل بمثله دينا في الذمة
(ألا ترى) انه لو اشترى بالدين المظنون شيئا ثم تصادقا على أن لا دين بقي الشراء صحيحا ثم لما
اتفقا على المقاصة بالأجر مع علمهما بأنه لا يجب بنفس العقد فكأنهما شرطا تعجيل الاجر
ويجعل ذلك مضمرا في كلامهما بالتحصيل مقصودهما كما إذا قال أعتق عبدك عنى على ألف درهم
يجعل التمليك مضمرا لتحصيل مقصودهما فيصير الاجر بالثمن قصاصا بهذا الطريق ولا يكون
للبائع حق حبس المبيع باستيفاء الثمن فإن لم يوفه العمل لعذر رجع عليه بالدراهم دون المتاع
لأنه لما انفسخ العقد بعد ما صار مستوفيا للأجر بالمقاصة وجب رد ما استوفى كما لو استوفاه
حقيقة أو لما انفسخ العقد ظهر أن الاجر غير واجب وان المقاصة لا تقع به ولكن أصل
الشراء بقي صحيحا بثمن في ذمته فيطالبه بالثمن وان باعه المستأجر بالدراهم دنانير ودفعها إليه قبل
استيفاء المنفعة فهو جائز في قول أبى يوسف رحمه الله الأول وهو قول محمد رحمه الله وفي
قوله الاخر الصرف باطل فإذا افترقا قبل ايفاء العمل فوجه قوله الأول أنهما لما أضافا عقد
الصرف إلى الأجرة فقد قصد المقاصة بها ولا وجه لتحصيل مقصودهما الا بتقديم اشتراط
التعجيل فيقدم ذلك لتحصيل مقصودهما ثم المضمر كالمصرح به ولو صرح باشتراط التعجيل
ثم صارف به دينارا وقبضه لم يبطل العقد بالافتراق فكذلك إذا ثبت ذلك ضمنا في كل منهما
وهو نظير الشراء والدليل عليه أن من كفل عن غيره عشرة دراهم بأمره ثم صارف به مع المكفول
عنه دينارا قبل أن يؤدي جاز ذلك لوجود السبب وإن لم يجب دينه على المكفول عنه ما لم
112

يود مثله وجه قوله الاخر أن وجوب العشرة مقترن بعقد الصرف وما يجب بعقد الصرف
إذا لم يقبض حتى افترقا بطل العقد كما لو تصارفا دينارا بعشرة دراهم مطلقا وبيان ذلك أن الاجر
لم يجب بعقد الإجارة بالاتفاق قبل استيفاء العمل ولا سبب للوجوب بعده سوى الصرف
فعرفنا أنه واجب بعقد الصرف والذي قال من أنه يقدم اشتراط التعجيل ليس بقوى لان
الحاجة إلى اشتراط التعجيل للمقاصة به لا لصحة عقد الصرف فعقد الصرف صحيح بدراهم
في ذمته وأوان المقاصة بعد عقد الصرف فهب أن شرط التعجيل يثبت مقدما على المقاصة فإنما
يكون ذلك بعد عقد الصرف أو معه وبدل الصرف لا يجوز أن يكون قصاصا بدين يجب بعده
فان (قيل) يجعل شرط التعجيل مقدما على عقد الصرف لأنه لا يمكن تحصيل مقصودهما وهو
المقاصة الا به (قلنا) إنما يقدم على العقد بطريق الاجبار ما هو من شرائط العقد ووجوب
الاجر ليس من شرائط عقد الصرف بدليل أنه لو نقد العشرة في المجلس كان العقد صحيحا
ثم لا يشتغل بالاحتيال لبقاء العقد صحيحا (ألا ترى) انه لو باعه عشرة وثوبا بعشرة وثوب
وافترقا قبل القبض بطل العقد في الدراهم ولو صرفنا الجنس إلى خلاف الجنس لم يبطل ولكن
قيل يحتال للتصحيح في الابتداء ولا يحتال للبقاء على الصحة والدليل عليه أن الأجرة إذا كانت
بقرة بعينها فصارف بها دينارا وافترقا قبل قبض البقرة لم يصح ولو كان اشتراط التعجيل معتبرا
في ابقاء العقد صحيحا لاستوى فيه العين والدين وأما مسألة الكفيل فبالكفالة كما وجب
للطالب على الكفيل وجب للكفيل على الأصيل ولكنه مؤجل إلى أدائه والمصارفة بالدين
المؤجل صحيح وقد بينا ههنا ان الاجر لا يجب بنفس العقد عينا كان أو دينا فيبطل عقد
الصرف بالافتراق قبل قبض الدراهم وان مات قبل أن يوفيه العمل وقد حمله بعض الطريق
أو لم يحمله فإنه يرد عليه من الدراهم بقدر ما لم يوفه من العمل وفي قوله الأول لأنه صار
مستوفيا للأجر بطريق المقاصة فبقدر ما ينفسخ العقد فيه يلزمه رده وفي قوله الاخر
الصرف باطل فعليه رد دينار وان شرط في الاجل مدة معلومة فذلك صحيح واعتبار
الاجل من حين يجب الاجر لان الاجل يؤخر المطالبة ولا يتحقق ذلك قبل الوجوب
وإن كان الاجر شيئا له حمل ومؤنة فلم يشترط له مكان الايفاء في قياس قول أبي حنيفة
رحمه الله العقد فاسد وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله هو جائز وهو نظير اختلافهم
في المسلم فيه وقد بيناه في البيوع فان قيل أليس أن الاجر بمنزلة الثمن في البيع ولو كان الثمن
113

شيئا له حمل ومؤنة لا يشترط فيه بيان مكان الايفاء فكيف يشترط ذلك في الاجر عند أبي
يوسف رحمه الله (قلنا) في الثمن إن لم يكن مؤجلا فالايفاء يجب بنفس العقد ويتعين موضع
العقد لايفائه لأنه مكان وجوب التسليم وإن كان مؤجلا ففيه روايتان عن أبي حنيفة رحمه
الله إحداهما انه لا بد من بيان مكان الايفاء كما في السلم لان وجوب التسليم الآن عند حلول الأجل
ولا يدرى في أي مكان يكون عند ذلك فلا يصح العقد الا ببيان مكان الايفاء وفي
الرواية الأخرى يجوز لان البيع في الأصل يوجب تسليم الثمن بنفسه وباعتبار هذا المعنى يتعين
موضع العقد للتسليم لان في ذلك امكان وجوب التسليم وإنما تأخر بعارض شرط الاجل لان
شرط الاجل معتبر في تأخير المطالبة لا في نفى الوجوب فبقي مكان العقد متعينا للتسليم بمقتضى
العقد فاما السلم فلا يوجب تسليم المسلم فيه عقيب العقد بحال وإنما يوجب ذلك عند سقوط الاجل
فلا يتعين مكان العقد فيه للتسليم والإجارة نظير السلم لان مطلق العقد لا يوجب تسليم الاجر
عليه عقيبه بحال فلا يتعين موضع العقد لايفائه ولا بد من بيان مكان الايفاء لان بدون بيان
المكان تتمكن فيه جهالة تفضي إلى المنازعة فاما عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله فالعقد صحيح هنا
كما في السلم إلا أن هناك عندهما يتعين موضع العقد للتسليم لان وجوب التسليم فيه بنفس
العقد وهنا في إجارة الأرض والدار تعين موضع الأرض والدار للايفاء لان وجوب الاجر
هنا باستيفاء المنفعة لا بنفس العقد والاستيفاء يكون عند الدار فيجب تسلم الاجر في ذلك
الموضع وفي الحمولة حيث ما وجب له ذلك وفي العمل بيده حيث يوفيه العمل فان طالبه به
في بلد آخر لم يكلف حمله إليه ولكن يستوثق له منه حتى يوفيه في موضعه لأنه يطالب بإيفاء
ما لزمه ولم يلزمه الحمل إلى مكان آخر ولكن يستوثق منه مراعاة لجانب الطالب وله أن يأخذه
في الدراهم والدنانير حيث شاء لأنه صار دينا في ذمته وليس له حمل ومؤنة فيطالبه بالايفاء
حيثما لقيه والله أعلم
(باب السمسار)
(قال رحمه الله ذكر حديث قيس بن أبي غرزة الكناني قال كنا نبتاع الأوساق بالمدينة
ونسمى أنفسنا السماسرة فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو أحسن
من اسمنا قال صلى الله عليه وسلم يا معشر التجار ان البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه
114

بالصدقة والسمسار اسم لمن يعلم للغير بالأجر بيعا وشراء ومقصوده من ايراد الحديث بيان
جواز ذلك ولهذا بين في الباب طريق الجواز ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سماهم
بما هو أحسن مما كانوا يسمون به أنفسهم وهو الأليق بكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحسن معاملته مع الناس وإنما كان اسم التجار أحسن) لان ذلك يطلق في العبادات قال الله
تعالى هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم وفيه دليل على أن التاجر يندب له إلى أن
يستكثر من الصدقة لما أشار صلوات الله عليه في قوله ان البيع يحضره اللغو والحلف معناه
أنه قد يبالغ في وصف سلعته حتى يتكلم بما هو لغو وقد يجازف في الحلف لترويج سلعته فيندب
إلى الصدقة ليمحو أثر ذلك ذلك كما قال الله تعالى ان الحسنات يذهبن السيئات وقال صلى الله
عليه وسلم أتبع السيئة الحسنة تمحها وإذا دفع الرجل إلى سمسار ألف درهم وقال اشتر بها
زطيا لي بأجر عشرة دراهم فهذا فاسد لأنه استأجره لعمل مجهول فالشراء قد يتم بكلمة واحدة
وقد لا يتم بعشر كلمات ثم استأجره على عمل لا يقدر على اقامته بنفسه فان الشراء لا يتم ما لم
يساعده البائع على البيع وكذلك أن سمى له عدد الثياب أو استأجره لبيع طعام أو شراء
طعام وجعل أجره على ذلك من النقود أو غيرها فهذا كله فاسد وكذلك لو شرط له على كل
ثوب يشتريه درهما أو على كر من حنطة يبيعه درهما فهو فاسد لما بينا وان استأجره يوما إلى
الليل بأجر معلوم ليبيع له أو ليشتري له فهذا جائز لأن العقد يتناول منافعه هنا وهو معلوم
ببيان المدة والأجير قادر على ايفاء المعقود عليه (ألا ترى) انه لو سلم إليه نفسه في جميع اليوم
استوجب الاجر وإن لم يتفق له بيع أو شراء بخلاف الأول فالمعقود عليه هناك البيع والشراء
حتى لا يجب الاجر بتسليم النفس إذا لم يعمل به ثم فيما كان من ذلك فاسدا إذا اشترى وباع
فله أجر مثله ولا يجاوز به ما سمى له لأنه استوفي المعقود عليه بحكم إجارة فاسدة وقال أبو
يوسف ومحمد رحمهما الله ان شاء أمره بالبيع والشراء ولم يشترط له أجرا فيكون وكيلا معينا
له ثم يعوضه بعد الفراغ من العمل مثل الاجر وأبو حنيفة رحمه الله في هذا لا يخالفهما فان
التعويض في هبة الأعيان مندوب إليه عند الكل فكذلك في هبة المنافع وقد أحسن إليه
بالإعانة وإنما جزاء الاحسان الاحسان وان قال بع المتاع ولك الدرهم أو اشتر لي هذا
المتاع ولك الدرهم ففعل فله أجر مثله ولا يجاوز به ما سمى لأنه استأجره للعمل الذي سماه
بدرهم فان جواب الامر بحرف الواو كجواب الشرط بحرف الفاء ولو قال إن بعت هذا
115

المتاع لي فلك درهم كان استئجارا فكذلك إذا قال بعه ولك درهم ثم قد استوفى المعقود عليه
بحكم إجارة فاسدة فيلزمه أجر مثله والله أعلم بالصواب
(باب الكفالة بالأجر)
(قال رحمه الله ولا تجوز الكفالة والحوالة في جميع الإجارات بالأجرة في عاجلها وآجلها
لان الأجرة وإن لم تجب بنفس العقد فالسبب الموجب قد وجدوا لكفالة بعد وجود السبب
صحيحة كالكفالة بالدرك وهذا لان المقصود به التوثق وكما يحتاج إلى التوثق فيما هو واجب
فكذلك فيما هو يعرض الوجوب ثم الكفالة بدين سيجب صحيحة كالكفالة بما يدور له على
فلان والرهن بالأجر صحيح لان موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء واستيفاء الاجر قبل
الوجوب صحيح فالرهن به كذلك وإذا ثبت جواز الرهن به ثبت جواز الكفالة بطريق
الأولى ثم يجب على الكفيل نحو ما على المكفول عنه إن لم يشترط خلافه في تعجيل أو
تأخير لان الكفالة للضم فتنضم به ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل فيما هو ثابت فيه بصفقته
ثم الكفيل يلتزم المطالبة التي هي على الأصيل ولهذا لا تصح الكفالة الا بمضمون يطالب به
الأصيل وليس للكفيل أن يأخذ المستأجر بالأجر حتى يؤديه ولكنه ان ألزمه به صاحبه
فله أن يلزم المكفول عنه حتى يفكه ويؤديه عنه لان ما استوجب الكفيل على الأصيل
مؤخر إلى وقت أدائه فإنه بالكفالة أقرض ذمته من الأصيل فيجب له مثل ما التزمه في ذمة
الأصيل وبالأداء يصير مقرضا ماله منه حين أسقط دين الطالب عنه فيرجع عليه بمثله والحاصل
أنه يعامل الأصيل بحسب ما يعامل ان طولب طالب وان لوزم لازم وان حبس حبس وان أدى
رجع وان عجل الكفيل الاجر من عنده قبل الوقت الذي يتمكن صاحبه من مطالبة المستأجر
لم يرجع به الكفيل على المستأجر حتى يجئ ذلك الوقت لان الكفيل متبرع للأداء قبل
حلول الأجل وتبرعه لا يسقط حق الأصيل في الاجل الذي كان ثابتا له وكما أن الطالب
لا يتمكن من الرجوع على الأصيل قبل حلول الأجل فكذلك الكفيل وان اختلفا في
مقدار الاجر فالقول قول المستأجر مع يمينه لأنه منكر للزيادة فان أقر الكفيل بفضل على
ذلك لزمه من عنده ولم يرجع به عليه لان اقراره حجة عليه دون الأصيل وان أقاموا البينة
فالبينة بينة الأجير لاثباته الزيادة وله الخيار في استيفاء ما أثبته بين أن يطالب به الكفيل أو
116

الأصيل وان استأجر دارا بثوب بعينه وكفل به رجل فهو جائز لان تسليم العين مستحق
على المستأجر بسبب العقد عند استيفاء العمل فإنما التزم الكفيل تسليما مستحقا على الأصيل
وهو مما تجري فيه النيابة والكفالة بمثله صحيحة عندنا بمنزلة الكفالة بالنفس فان استكمل
السكنى وهلك الثوب عند صاحبه برئ الكفيل لان الكفيل التزم تسليم الثوب وقد برئ
الأصيل عن تسليم الثوب بالهلاك فيبرأ الكفيل كما لو مات المكفول بنفسه بخلاف الكفالة
بالعين المغصوبة فهناك الغاصب لا يبرأ عن تسليم الثوب بالهلاك ولهذا يلزمه قيمته والقيمة
تقوم مقام العين وهنا المستأجر برئ عن تسليم الثوب حتى لا تلزمه قيمته ولكن انفسخ
العقد بهلاك الثوب قبل التسليم فيلزمه أجر الدار لأنه استوفى المنفعة بحكم عقد فاسد
والكفيل ما التزم من أجر مثل الدار شيئا فلهذا برئ من الكفالة وان استأجر الدار
بخدمة عبد شهرا وكفل رجل بالخدمة لم يجز لأنه التزم مالا يقدر على ايفائه فخدمة عبد
بعينه لا يمكن ايفاؤها من محل آخر وان كفل بنفس العبد فإنه يؤخذ به لان تسليم نفس العبد
بالعقد يستحق على المؤاجر وهو مما تجرى فيه النيابة فتصح الكفالة به ويطالب الكفيل
بتسليمه فإذا مضى الشهر وأقر المكفول له انه كان حقه قبل خدمة الشهر الماضي برئ الكفيل
من ذلك لان المطالبة بتسليم العبد تسقط عن الأصيل بمضي الشهر وفوات المعقود عليه فبرئ
الكفيل وله أجر مثل الدار على المستأجر لان منفعة الدار بقيت مستوفاة وقد انفسخ العقد
بفوات ما يقابلها قبل الاستيفاء فيجب رد المستوفى ورد المنفعة برد أجر المثل ولا شئ على
الكفيل من ذلك وإذا استأجر محملا أو زاملة إلى مكة وكفل بها رجل بالحمولة فهو جائز
لأنه كفل بما هو مضمون في ذمة الأصيل وتجرى النيابة في ايفائه لان الحمولة إذا لم تكن
معينة فالكفيل يقدر على ايفائه كما يقدر الأصيل فلهذا يؤخذ الكفيل بالحمولة كما يؤخذ
المؤاجر فكذلك إذا استأجر منه إبلا بغير أعيانها يحمل عليها متاعا مسمى إلى بلد معلوم وكفل
له رجل بالحمولة جاز للمعنى الذي ذكرنا ولو استأجر إبلا بأعيانها وكفل رجل بالحمولة لم تجز
الكفالة لان الكفيل لا يقدر على ايفاء المكفول به من مال نفسه فان غير ما عين لا يقوم مقام
المعين في الايفاء فهو بمنزلة ما لو كفل بمال بشرط أن يؤدى ذلك من مال نفسه الأصيل
وذلك باطل ولو استأجر دارا ليسكنها أو أرضا ليزرعها أو رجلا ليخدمه وكفل له رجل
بالوفاء بذلك كله فهو باطل لان الكفيل عاجز عن ايفاء ما التزم بماله ونفسه وبنفس الكفالة
117

لا تثبت له الولاية على مال الأصيل ليوفى ما التزم منه وكل شئ أبطلنا فيه الكفالة من هذا
فالإجارة جائزة نافذة إذا لم تكن الكفالة شرطا في الإجارة لأنهما عقدان مختلفان ففساد أحدهما
لا يوجب فساد الاخر وان كانت الكفالة شرطا في الإجارة فعقد الإجارة نظير البيع في أنه
يبطل بالشرط الفاسد وان عجل له الاجر وكفل له الكفيل فالاجر إن لم يوفه الخدمة
والسكنى والزراعة فهذا جائز لأنه كفل بدين مضاف إلى سبب وجوبه وان أسلم ثوبا إلى
خياط ليخيطه له بأجر مسمى واخذ منه كفيلا بالخياطة فهو جائز لأنه كفل بمضمون تجرى
فيه النيابة فان المستحق على الخياط العمل في ذمته ان شاء أقامه بنفسه وان شاء أقامه بنائبه
فتمكن الكفيل من ايفاء هذا العمل أيضا فلهذا كان لصاحب الثوب أن يطالب أيهما شاء
فان خاطه الكفيل رجع على المكفول عنه بأجر مثل ذلك العمل بالغا ما بلغ لأنه أوفى عنه
ما التزم بأمره فيرجع عليه بمثله وبمثل الخياطة أجر المثل وإن كان صاحب الثوب اشترط على
الخياط أن يخيطه بيده فهذا شرط مفيد معتبر لتفاوت الناس في عمل الخياطة وإذا ثبت أن
المستحق عليه إقامة العمل بيده لم تصح الكفالة له به لان الكفيل عاجز عن ايفائه بنفسه
وبالكفالة لا تثبت له الولاية على يد الأصيل ليوفى ما التزمه بيده فلهذا يطلب الكفالة
وكذلك سائر الأعمال والله أعلم
(باب إجارة الظئر)
(قال رحمه الله الاستئجار للضئورة جائز لقوله تعالى فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن
والمراد بعد الطلاق وقال الله تعالى وان تعاسرتم فسترضع له أخرى يعنى باجر وبعث رسول
الله صلى الله عليه وسلم والناس يتعاملونه فأقرهم عليه وكانوا عليه في الجاهلية وقد استؤجر
لارضاع رسول الله صلى الله عليه وسلم حليمة وبالناس إليه حاجة لان الصغار لا يتربون الا بلبن
الآدمية والأم قد تعجز عن الارضاع لمرض أو موت أو تأبى الارضاع فلا طريق إلى
تحصيل المقصود سوى استئجار الظئر جوز ذلك للحاجة وزعم بعض المتأخرين رحمهم الله
أن المعقود عليه المنفعة وهو القيام بخدمة الصبي وما يحتاج إليه وأما اللبن تبع فيه لان
اللبن عين والعين لا تستحق بعقد الإجارة كلبن الانعام والأصح أن العقد يرد على اللبن
لأنه هو المقصود وما سوى ذلك من القيام بمصالحه تبع والمعقود عليه هو منفعة الثدي
118

فمنفعة كل عضو على حسب ما يليق به وهكذا ذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله فإنه قال
استحقاق لبن الآدمية بعقد الإجارة دليل على أنه لا يجوز بيعه وجواز بيع لبن الانعام دليل
على أنه لا يجوز استحقاقه بعقد الإجارة وقد ذكر في الكتاب انها لو ربت الصغير بلبن
الانعام لا يستحق الاجر وقد قامت بمصالحه فلو كان اللبن تبعا ولم يكن الاجر بمقابلته
لاستوجبت الاجر ثم بدأ الباب بحديث زيد بن علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا ترضع لكم الحمقاء فان اللبن يفسد وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فان اللبن
في حكم جزء من عينها لأنه يتولد منها فتؤثر فيه حماقتها ويظهر أثر في ذلك الرضيع لما للغذاء
من الأثر ونظيره ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا ترضع لكم سيئة الخلق وإذا
استأجر ظئرا ترضع صبيا له سنتين حتى تفطمه باجر معلوم فهو جائز لان استأجرها بعمل
معلوم ببدل معلوم وطعامها وكسوتها على نفسها لأنها شرطت عليهم الاجر المسمى بمقابلة عملها
ففيما سوى ذلك حالها بعد العقد كما قبل العقد وترضعه في بيتها ان شاءت وليس عليها أن
ترضعه في بيت أبيه لأنها بالعقد التزمت فعل الارضاع وما التزمت المقام في بيتهم وهي تقدر
على ايفاء ما التزمت في بيت نفسها فان اشترطت كسوتها كل سنة ثلاثة أثواب زطية
واشترطت عند الفطام دراهم مسماة وقطيفة ومسحا وفراشا فذلك جائز استحسانا عند أبي
حنيفة رحمه الله في هذا الموضع خاصة دون سائر الإجارات وفي قول أبى يوسف ومحمد
والشافعي رحمهم الله لا يجوز وهو القياس وكذلك أن اشترطت عليهم طعاما فهو على هذا
الخلاف * وجه القياس ان هذا عقد إجارة فلا يصح الا باعلام الأجرة كما في سائر الإجارات
والطعام مجهول الجنس والمقدار والصفة والكسوة كذلك وهذه الجهالة تمنع صحة التسمية
كما في سائر الإجارات لأنها تفضى إلى المنازعة فكذلك هنا وهذا قياس يشده الأثر وهو
قوله صلى الله عليه وسلم من استأجر أجيرا فليعلمه أجره فان أقامت العمل فلها أجر مثلها
لأنها وفت المعقود عليه بحكم عقد فاسد إلا أن يسموا لها ثيابا معلومة الجنس والطول
والعرض والرقعة ويضربوا لذلك أجلا ويسموا لها كل يوم كيلا من الدقيق معلوما فحينئذ يجوز
كما في سائر الإجارات والبيوع وأبو حنيفة رحمه الله استدل بقوله تعالى وعلى المولود له رزقهن
وكسوتهن بالمعروف يعنى أجرا على الارضاع بعد الطلاق (ألا ترى) أنه قال وعلى الوارث
مثل ذلك وذلك أجر الرضاع لا نفقة النكاح ولان الناس تعارفوا بهذا العقد بهذه الصفة وليس
119

في عينه نص يبطله وفي النزوع عن هذه العادة حرج لأنهم لا يعدون الظئر من أهل بيتهم
فالظاهر أنهم يستنكفون عن تقدير طعامها وكسوتها كما يستنكفون عن تقدير طعام
الزوجات وكسوتهن ثم إنما لم يجوز هذا في سائر الإجارات لتمكن المنازعة في الثاني وذلك
لا يوجد هنا لأنهم لا يمنعون الظئر كفايتها من الطعام لان منفعة ذلك ترجع إلى ولدهم وربما
يكفلونها أن تأكل فوق الشبع ليكثر لبنها وكذلك لا يمنعونها كفايتها من الكسوة لكون
ولدهم في حجرها ثم أحد العوضين في هذا العقد يتوسع فيه مالا يتوسع في سائر العقود حتى
أن اللبن الذي هو عين حقيقة يستحق بهذه الإجارة دون غيرها فكذلك يتوسع في العوض
الآخر في هذا العقد ما لا يتوسع في غيره وإذا جاز العقد عنده كان لها الوسط من المتاع والثياب
المسماة لأنها لا تستحق ذلك بمطلق التسمية في عقد المعاوضة فينصرف إلى الوسط كما في
الصداق إذا سمى لها عبدا أو ثوبا هرويا وهذا لان في تعيين الوسط نظرا من الجانبين ولو
اشترطوا عليها أن ترضع الصبي في منزلهم فهو جائز كما في سائر الإجارات إذا شرط المستأجر على
الأجير إقامة العمل في بيته وهذا لأنهم ينتفعون بهذا الشرط فإنها تتعاهد الصبي في بيتهم
ما لا تتعاهده في بيت نفسها وربما لا يحتمل قلبهما غيبة الولد عنهما والشرط المفيد في العقد معتبر
فإن كان لها زوج فاجرت نفسها للظئرة بغير إذنه فللزوج أن يبطل عقد الإجارة قيل هذا إذا
كان الزوج مما يشينه أن تكون زوجته ظئرا فلدفع الضرر عن نفسه يكون له أن يفسخ
العقد فاما إذا كان ممن لا يشينه ذلك لا يكون له أن يفسخ والأصح أن له ذلك في الوجهين
لأنها ان كانت ترضعه في بيت أبويه فللزوج أن يمنعها من الخروج من منزله وان كانت
ترضعه في بيت نفسها فللزوج أن يمنعها من ادخال صبي الغير منزله ولأنها في الارضاع والسهر
بالليل تتعب نفسها وذلك ينقص من جمالها وجمالها حق الزوج فكان له أن يمنعها من الاضرار
به في حقه كما يمنعها من التطوعات وهذا إذا كان زوجها معروفا فإن كان مجهولا لا تعرف
أنها امرأته الا بقولها فليس له أن ينقض الإجارة لأن العقد قد لزمها وقولها غير مقبول
في حق من استأجرها ولأنه تتمكن تهمة المراضعة مع هذا الرجل بان يقر له بالنكاح ليفسخ
الإجارة وهو نظير المنكوحة إذا كانت مجهولة الحال فأقرت بالرق على نفسها فإنها لا تصدق
في ابطال النكاح فان هلك الصبي بعد سنة فلها أجر ما مضى ولها مما اشترطت من الكسوة
والدراهم عند الفطام بحساب ذلك لأنها أوفت المعقود عليه في المدة الماضية فتقرر حقها فيما
120

يقابل ذلك من البدل ثم تتحقق فوات المقصود فيما بقي فلا يجب ما يخصه من البدل ولو ضاع
الصبي من يدها أو وقع فمات أو سرق من حلى الصبي أن من ثيابه شئ لم تضمن الظئر شيئا
لأنها بمنزلة الأجير الخاص فان العقد ورد على منافعها في المدة (ألا ترى) أنه ليس لها أن تشغل
نفسها في المدة عن رضاع الصبي ولا أن تؤاجر نفسها من غيرهم لمثل ذلك العمل والأجير
الخاص أمين فيما في يده بخلاف الأجير المشترك على قول من يضمنه وليس عليها من عمل
أبوى الصبي شئ ان كلفوها عجنا أو طبخا أو خبزا لأنها التزمت بالعقد الظؤرة وهذه
الاعمال لا تتصل بالظؤرة فلا يلزمها إلا أن تتطوع به فأما عمل الصبي وغسل ثيابه وما يصلحه
مما يعالج به الصبيان من الدهن والريحان فهو على الظئر لان هذا من عمل الظؤرة وإن كان الصبي
يأكل الطعام فليس على الظئر أن تشترى له الطعام لأنها التزمت تربيته بلبنها دون الطعام ولكن
ذلك كله على أهله وعليها أن تهيئه له لان ذلك من عمل الظؤرة فقد جعل الدهن والريحان
عليها بخلاف الطعام وهذا بناء على عادة أهل الكوفة والمرجع في ذلك إلى العرف في كل
موضع وهو أصل كبير في الإجارة فان ما يكون من التوابع غير مشروط في العقد يعتبر فيه
العرف في كل بلدة حتى قال في استئجار اللبان إن الزنبيل والملبن علي صاحب اللبن بناء على
عرفهم والسلك والإبرة على الخياط باعتبار العرف والدقيق على صاحب الثوب دون الحائك
فإن كان عرف أهل البلدة بخلاف ذلك فهو على ما يتعارفون وحتى التراب على الحفار في
القبر باعتبار العرف واخراج الخبز من التنور على الخباز وغرف المرقة في القصاع على
الطباخ إذا استأجر لطبخ عرس وان استؤجر لطبخ قدر خاص فليس ذلك عليه لانعدام
العرف فيه وادخال الحمل المنزل على الحمال إذا حمله على ظهره وليس عليه أن يصعد به على
السطح أو الغرفة للعرف وإذا استأجر دابة ليحمل عليها حملا إلى منزله فانزال الحمل عن ظهر
الدابة على المكارى وفي ادخاله المنزل يعتبر العرف والأكاف على صاحب الدابة وفي الجواليف
والحبل يعتبر العرف وكذلك في السرج واللجام يعتبر العرف فهو الأصل أما التوابع التي
لا تشترط عند العقد يعتبر العرف فيها وبه يفصل عند المنازعة وإذا أراد أهل الصبي أن يخرجوا
الظئر قبل الاجل فليس لهم ذلك الا من عذر لأن العقد لازم من الجانبين إلا أن الإجارة
تنفسخ بالعذر عندنا على ما نبينه في بابه ثم العذر لهم في ذلك أن لا يأخذ الصبي من لبنها فيفوت
به ما هو المقصود ولا عذر أبين من ذلك وكذلك إذا تقايأ لبنها لان ذلك يضر بالصبي عادة
121

فالحاجة إلى دفع الضرر عنه عذر في فسخ الإجارة وكذلك إذا حبلت لان لبنها يفسد بذلك
ويضر بالصبي فإذا خافوا على الصبي من ذلك كان لهم عذر وكذلك أن كانت سارقة فإنهم
يخافون على متاعهم ان كانت في بيتهم وعلى متاع الصبي وحليته إذا كان معها وكذلك أن كانت
فاجرة بينة فجورها فيخافون على أنفسهم فهذا عذر لأنها تشتغل بالفجور وبسببه ينقص
من قيامها بمصالح الصبي وربما تحمل من الفجور فيفسد ذلك لبنها وهذا بخلاف ما إذا كانت
كافرة لان كفرها في اعتقادها ولا يضر ذلك بالصبي ولا يبعد أن يقال عيب الفجور في هذا
فوق عيب الكفر (ألا ترى) انه قد كان في بعض نساء الرسل كافرة كامرأة نوح ولوط عليهما
السلام وما بغت امرأة نبي قي هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك إذا أرادوا
سفرا فتأبى أن تخرج معهم فهذا عذر لأنه لا يتعذر الخروج للسفر عند الحاجة لما عليهم من
ذلك من الضرر ولا تجبر هي على الخروج معهم لأنها ما التزمت تحمل ضرر السفر ولا يمكنهم
ترك الصبي عندها لان غيبتهم عن الولد توحشهم فلدفع الضرر يكون لهم أن يفسخوا الإجارة
وليس للظئر أن تخرج من عندهم الا من عذر وعذرها من مرض يصيبها لا تستطيع معه
الرضاع لأنها تتضرر بذلك وربما يصيبها انضمام تعب الرضاع إلى المرض ولهم أن يخروجها إذا
مرضت لأنها تعجز بالمرض عما هو مقصودهم وهو الارضاع فربما يقل بسببه لبنها أو يفسد
وكذلك أن لم يكن زوجها سلم الإجارة فله أن يخرجها لما بينا وكذلك أن لم تكن معروفة
بالظئورة فلها أن تفسخ لأنهار بما لا تعرف عند ابتداء العقد ما تبتلي به من المقاساة والسهر فإذا
جربت ذلك تضررت ولأنها تغيرت من هذا العمل على ما قيل تجوع الحرة ولا تأكل بسدييها وما
كانت تعرف ما يلحقها من الذل إذا لم تكن معروفة بذلك فإذا عملت كان لها أن تفسخ العقد
وإن كان أهل الصبي يؤذونها بألسنتهم كفوا لان ذلك ظلم منهم والكف عن الظلم واجب وان
ساؤوا أخلاقهم معها كفوا عنها لان سوء الخلق مذموم فإذا لم يكفوا عنها كان لها أن تخرج
لأنها تتضرر بالصبر على الأذى وسوء الخلق ولو كان زوجها قد سلم الإجارة فأرادوا منعه
من غشيانها مخافة الحبل وأن يضر ذلك بالصبي فلهم أن يمنعوه ذلك في منزلهم لان المنزل لهم
فلا يكون له أن يدخله الا بإذنهم وان لقيها في منزله فله أن يغشاها لان ذلك مستحق له
بالنكاح وبتسليم الإجارة لا يسقط حقه عما كان مستحقا له فلا تستطيع الظئر أن تمنع نفسها
ولا يسع أهل الصبي أن يمنعوها عن ذلك ولا يسع الظئر أن تطعم أحدا من طعامهم بغير أمرهم
122

لأنها في ذلك كغيرها من الأجنبيات فان زارها أحد من ولدها فلهم أن يمنعوه من الكينونة
عندها لان المنزل لهم ولهم أن يمنعوها من الزيارة إذا كانت تضر بالصبي دفعا للضرر عنه لأنها
قد التزمت ما يرجع إلى اصلاح الصبي ودفع الضرر عنه وما كان من ذلك لا يضر بالصبي فليس
لهم منعها لأنها حرمة مالكة أمر نفسها فيما وراء ما التزمت لهم ويجوز للأمة التاجرة أن تؤاجر
نفسها ظئرا كما أن لها أن تؤاجر نفسها لعمل آخر لان رأس مالها بتجارتها منافعها وكذلك
المكاتبة وكذلك العبد التاجر أو المكاتب يؤاجر أمته ظئرا أو يستأجر ظئرا لصبي له لان الإجارة
من عقود التجارات ولان التدبير فيما يرجع إلى اصلاح كسبه إليه فكما يشتري لصبي له طعاما
فكذلك يستأجر له الظئر لترضعه وكما يبيع أمته فكذلك له أن يؤاجرها فان رد في الرق بعد
الاستئجار انتقضت الإجارة فإن كان هو أجر أمته لم تنتقض الإجارة في قول أبى يوسف رحمه
الله وقال محمد تنتقض وجه قول محمد رحمه الله ان المنافع بالإجارة استحقت على المكاتب وبعجزه
بطل حقه وصار الحق في المنافع للمولى فتبطل الإجارة كما لو مات وهذا لان المكاتب صار
بمنزلة الحر في ملك التصرف والكسب حتى يختص هو بالتصرف دون المولى فعجره يكون
ناقلا الحق منه إلى المولى بمنزلة موت الحر وبهذا الطريق يبطل استئجاره وبه فارق العبد المأذون
فان الكسب كان مملوكا للمولى وكان متمكنا من التصرف فيه فالحجر عليه لا يكون ناقلا
الحق إلى مولاه (ألا ترى) أن استئجاره لا يبطل فكذلك اجارته وهذا بخلاف ما إذا أعتق
المكاتب لان بالعتق يتقرر حقه في ملك الكسب والتصرف * والدليل على الفرق أن المكاتب
إذا استبرأ أمته ثم عتق فليس عليه استبراء جديد ولو عجز كان على المولى فيها استبراء جديد
وان المكاتب لو اشترى قريب نفسه من والد أو ولد امتنع بيعه ولو اشترى قريب المولى لا يمتنع
عليه بيعه وأنه يجوز دفع الزكاة إلى المكاتب وإن كان مولاه غنيا فعرفنا أن الكسب له ما دام مكاتبا
فبالعجز ينتقل إلى مولاه والدليل عليه أنه لو مات عاجزا بطلت الإجارة فكذلك إذا عجز
وأبو يوسف رحمه الله يقول بعجزه انقلب حق الملك حقيقة الملك فلا تبطل الإجارة كما إذا
عتق * وتقريره أن الكسب دائر بين المكاتب والمولى لكل واحد منهما فيه حق الملك لا
حقيقة الملك وهذا لو اشترى المكاتب امرأة مولاه أو امرأة نفسه لا يفسد النكاح ولو تزوج
المولى أمة من كسب مكاتبه لم يجز كما لو تزوج المكاتب أمة من كسبه فعرفنا أن لكل واحد
منهما حق الملك وجانب المولى في حقيقة الملك يترجح على جانب المكاتب لأنه أهل لذلك
123

والمكاتب ليس بأهل ولو أدى مكاتب المكاتب البدل كان الولاء لمولى الأولى ولو أعتق
المولى من يكاتب على المكاتب من أقربائه نفذ عتقه فيه ولا ينفذ عتق المكاتب فعرفنا أن في
حقيقة الملك يترجح جانب المولى ثم إذا تحقق الملك للمكاتب بالعتق لا تبطل الإجارة فإذا
تحقق للمولى بالعجز أولى وهذا لأنه لم يتبدل من استحق عليه المنفعة بعقد الإجارة بخلاف
ما إذا مات الحر وقد قبل الاستئجار على الخلاف أيضا والأصح ان أبا يوسف رحمه الله يفرق
بينهما فيقول استئجار المكاتب كان لحاجته دون حاجة مولاه وقد سقطت حاجته بعجزه فاما
إجار ته كانت لتحصيل الأجرة وفيه حق للمولى كما للمكاتب فبعجزه لا ينعدم مالا جله
لزمت الإجارة ثم يسلم ان المكاتب منفرد بالتصرف لان المولى حجر على نفسه من التصرف
في كسبه ولكن بطلان الإجارة باعتبار انتقال الملك دون تبدل المنصرف (ألا ترى) ان العبد
المأذون المديون يتصرف في كسبه دون المولى ثم بالحجر وسقوط الدين يتبدل المتصرف ولا
تبطل به الإجارة لانعدام انتقال الملك وكذلك لا يبطل الاستئجار هناك لأنها وقعت لحاجة
المولى فهو أحق بكسبه إذا قضى الدين من موضع آخر فيما يرجع إلى اصلاح ملكه يكون
من حاجته والصحيح أنه إذا مات المكاتب عاجزا فالإجارة لا تنفسخ عند أبي يوسف رحمه
الله كما لو عجز في حياته فأما فصل الاستبراء فذلك ينبنى على ملك اليد والتصرف دون حقيقة
الملك (ألا ترى) ان المبيعة إذا حاضت قبل القبض فليس للمشترى أن يجتزئ بتلك الحيضة ونحن
نسلم أن ملك اليد والتصرف للمكاتب وكذلك امتناع البيع ينبنى على ملك اليد والتصرف
للمكاتب فان المكاتب لما كان بملك الكتابة في كسبه يتكاتب عليه قريبه ولما كان لا يملك
العتق في كسبه لا يعتق عليه قريبه فاما المولى لا يملك الكتابة في كسبه ولا العتق فلهذا لا يتكاتب
قريب المولى إذا اشتراه المكاتب وكذلك حل الصدقة ينبنى على انعدام ملك اليد والتصرف
(ألا ترى) أن ابن السبيل يحل له أخذ الصدقة والمولى وإن كان غنيا فلا يدله في كسب المكاتب
فهذا جاز صرف الزكاة إلى مكاتب الغنى فاما بطلان الإجارة ينبنى على انتقال ملك العين
من المؤاجر إلى غيره كما قررنا فان مات أب الصبي الحر لم تنتقض إجارة الظئر لأنها وقعت
لحاجة الصبي والأب فيه كالنائب عنه ولهذا يؤدى الاجر من مال الصبي إذا كان له مال
وأجر الظئر بعد موت الأب في ميراث الصبي لأنه ماله ولو كان له في حياة أبيه مال
كان للأب أن يؤدى أجر الظئر منه فكذلك يؤدى معنى ميراثه بعده ولو استأجورها أن
124

ترضع صبيين لهم كل شهر بكذا فمات أحدهما رفع عنهم نصف الاجر لان جميع الاجر بمقابلة
ارضاع الصبيين فيتوزع عليهما نصفين لان التفاوت يقل في عمل الارضاع أو ينعدم وقد
بطل العقد في حق الميت منهما فلهذا يرفع عنهم نصف الاجر ولو استأجروا ظئرين يرضعان
صبيا واحدا فذلك جائز ويتوزع الاجر بينهما على لبنهما فإن كان لبنهما واحدا فالاجر بينهما
نصفان وإن كان متفاوتا فبحسب ذلك وبهذا تبين أن المعقود عليه اللبن وأن البدل بمقابلته
فان ماتت إحداهما بطل العقد في حقها لفوات المعقود عليه وللأخرى حصتها من الاجر
ولا يجوز بيع لبن بني آدم على وجه من الوجوه عندنا ولا يضمن متلفه أيضا وقال الشافعي
رحمه الله يجوز بيعه ويضمن متلفه لان هذا لبن طاهر أو مشروب طاهر كلبن الانعام ولأنه
غذاء للعالم فيجوز بيعه كسائر الأغذية وبهذا يتبين أنه مال متقوم فان المالية والتقوم بكون
العين منتفعا به شرعا وعرفا والدليل عليه أنه عين يجوز استحقاقه بعقد الإجارة فيجوز بيعه
ويكون مالا متقوما كالصبغ في عمل الصباغة والحبر في الوراقة والحرض والصابون في غسيل
الثياب بل أولى لأن العين للبيع أقبل منه للإجارة (وحجتنا) في ذلك أن لبن الآدمية ليس بمال
متقوم فلا يجوز بيعه ولا يضمن متلفه كالبزاق والمخاط والعرق وبيان الوصف أن المال اسم
لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به مما هو غيرنا فاما الادمي خلق مالكا للمال وبين كونه مالا وبين
كونه مالكا للمال منافاة واليه أشار الله تعالى في قوله وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا
ثم لأجزاء الادمي من الحكم ما لعينه (ألا ترى) أن شعر الآدمي لا ينتفع به اكراما للآدمي
بخلاف سائر الحيوانات وأن غائط الآدمي يدفن وما ينفصل من سائر الحيوانات ينتفع به
واللبن جزء متولد من عين الآدمي (ألا ترى) أن الحرمة تثبت باعتباره وهي حرمة الرضاع
كما تثبت حرمة المصاهرة بالماء الذي هو أصل الآدمي والمتولد من الأصل يكون بصفة
الأصل فإذا لم يكن الآدمي مالا في الأصل فكذلك ما يتولد منه من اللبن بمنزلة الولد (ألا ترى)
أن ولد الأضحية يثبت فيه الحكم تبعا وأن لبن الأضحية إذا حلبت يتصدق به ولهذا روى
عن أبي يوسف رحمه الله قال يجوز بيع لبن الأمة دون لبن الحرة اعتبار اللبن بالولد ولكن هذا
ليس بقوى لأن جواز بيع الولد بصفة الرق فاما الآدمي بدون هذا الوصف لا يكون محلا
للبيع ولا رق في اللبن لان الرق فيما تحله الحياة فإنه عبارة عن الضعف ولا حياة في اللبن
والدليل عليه أن الصحابة رضوان الله عليهم في المغرور لم يوجبوا قيمة اللبن فلو كان اللبن مالا
125

متقوما كان ذلك للمستحق وكان له القيمة للاتلاف في يد المغرور ولا يدخل على شئ
مما ذكرنا المنافع فإنها تقبل العقد من الحر لان المنافع لا تتولد من العين ولكنها أعراض تحدث
في العين شيئا فشيئا فكانت غير الادمي ثم نحن نجعل اللبن كالمنفعة إلا أن عندنا المنفعة لا
تضمن بالاتلاف وتستحق بالإجارة دون البيع فكذلك لبن الادمي وبهذا تبين أن اللبن
ليس بمال متقوم مقصود لأنه عين والعين الذي هو مال مقصود لا يستحق بالإجارة كلبن
الانعام بخلاف الصبغ فصاحب الثوب هناك لا يستحق بالإجارة عين الصبغ بل ما يحدث
في الثوب من اللون وكذلك الخبز وكذلك الحرض والصابون المستحق لصاحب الثوب إزالة
الدرن والوسخ عن الثوب حتى أن القصار بأي شئ أزال ذلك استحق الاجر وهنا المستحق
بالإجارة عين اللبن حتى لو ربت الصبي بلبن الانعام لا تستحق الاجر ولا نسلم أن اللبن غذاء
على الاطلاق وإنما هو غذاء في تربية الصبيان لأجل الضرورة فهم لا يتربون الا بلبن الجنس
عادة كالميتة تكون غذاء عند الضرورة ولا يدل على أنها مال متقوم وهذا نظير النكاح فان
البضع يتملك بالعقد للحاجة إلى اقتضاء الشهوة وإقامة النسل ولا يحصل ذلك الا بالجنس ثم
ذلك لا يدل على أنه مال متقوم مع أن الغذاء ما في الثدي من اللبن وذلك لا يحتمل البيع
بالاتفاق فاما ما يحلب القوارير قل ما يحصل به غذاء الصبي وفي تجويز ذلك فساد لأنه يؤجر به
الصبيان فتثبت به حرمة الرضاع بينهم وبين من كان اللبن منها ولا يعلم ذلك فان قيل سائر
اجزاء الادمي متقوم حتى يضمن باتلاف فكذلك هذا الجزء قلنا قد بينا أن الادمي في
الأصل ليس بمال متقوم ولا نقول يضمن بالاتلاف اجزاء الادمي بل يجب الضمان
بالنقصان المتمكن في الأصل حتى لو اندملت الجراحة بالبرء ونبتت السن بعد القلع لا يجب شئ
لأنه لا نقصان في الأصل فكذلك الاتلاف في اللبن لا يتمكن نقصان في الأصل ولهذا لا يجب
الضمان فان قيل لا كذلك فالمستوفى بالوطئ في حكم جزء لم يضمن بالاتلاف عند الشبهة وإن لم
يتمكن نقصان في الأصل قلنا المستوفي بالوطئ في حكم النفس من وجه ولهذا لا يعجل البدل
في اسقاط الواجب باتلافه واللبن ليس نظيره (ألا ترى) أنه لا يضمن بالاتلاف بعد البدل ومثله
لا يضمن إذا لم يكن متقوما وقد بينا أنه ليس بمال متقوم ولا بأس بان يستعط الرجل بلبن
المرأة ويشربه للدواء لأنه موضع الحاجة والضرورة ولو أصاب ثوبا لم ينجسه لان الادمي طاهر
في الأصل فما تولد منه يكون طاهرا الا ما قام الدليل الشرعي على نجاسته (ألا ترى) أن عرقه
126

وبزاقه يكون طاهرا ولان المنفصل من اجزاء الحي إنما يتنجس باعتبار الموت ولا حياة في
اللبن ولا يحله الموت ولان المستحيل من الغذاء إلى فساد ونتن رائحة يكون نجسا واللبن
ليس بهذه الصفة فلهذا كان طاهرا وان أجرت الظئر نفسها من قوم آخرين ترضع لهم صبيا
ولا يعلم أهلها الأولون بذلك فأرضعت حتى فرغت فإنها قد أثمت وهذه جناية منها لان
منافعها صارت مستحقة للأولين فإنها بمنزلة الأجير الخاص فصرف تلك المنافع إلى الآخرين
يكون جناية منها ولها الاجر كاملا على الفريقين لأنها حصلت مقصود الفريقين ولا تتصدق
بشئ منه لان ما اخذت من كل فريق إنما أخذته عوضا عن ملكها فان منافعها مملوكة لها
ولا بأس بأن يستأجر المسلم الظئر الكافرة أو التي قد ولدت من الفجور لان خبث الكفر
في اعتقادها دون لبنها والأنبياء عليهم السلام والرسل صلوات الله عليهم فيهم من أرضع
بلبن الكوافر وكذلك فجورها لا يؤثر في لبنها فان استأجرها ترضع صبيا له في بيتها فدفعته
إلى خادمها فأرضعته حتى انقضى الاجل ولم ترضعه بنفسها فلها أجرها لأنها التزمت فعل
الارضاع فلا يتعين عليها مباشرته بنفسها فسواء أقامت بنفسها أو بخادمها فقد حصل مقصود
أهل الصبي وكذلك لو أرضعته حولا ثم يبس لبنها فأرضعت خادمها حولا آخر فلها الاجر
كاملا وكذلك لو كانت ترضعه هي وخادمها فلها الاجر تاما ولا شئ لخادمها لان المنافع لا تتقوم
الا بالتسمية ففيما زاد على المشروط لا تسمية في حقها ولا في حق خادمها ولو يبس لبنها فاستأجرت
له ظئرا كان عليه الاجر المشروط ولها الاجر كاملا استحسانا وفي القياس لا أجر لها لأنها
بمنزلة أجير الخاص وليس للأجير الخاص أن يستأجر غيره لإقامة العمل وفي الاستحسان لها
الاجر لان المقصود تربية الصبي بلبن الجنس وقد حصل ولان مدة الرضاع تطول فلما
استأجروها مع علمهم انها قد تمرض أو يبس لبنها في بعض المدة فقد رضوا منها بالاستئجار
لتحصيل مقصودهم وتتصدق بالفضل لان هذا ربح حصل لا على ضمانها ونهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وإذا استأجر امرأته على ارضاع ولده منها فلا أجر لها عندنا
وقال الشافعي رحمه الله لها الاجر لأنه استأجرها لعمل غير مستحق عليها بالنكاح حتى لا
تطالب به ولا تجبر عليه إذا امتنعت فيصح الاستئجار كالخياطة وغيرها من الاعمال والنفقة
مستحقة لها بالنكاح لا بمقابلة الارضاع بدليل انها وان أبت الارضاع كان لها النفقة فهو
نظير نفقة الا رقاب لا تكون مانعة من صحة الاستئجار على الارضاع (وحجتنا) في ذلك قوله
127

تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين معناه ليرضعن فهو أمر بصيغة الخبر
والامر يفيد الوجوب فظاهره يقتضى أن يكون الارضاع واجبا عليها شرعا والاستئجار
على مثل هذا العمل لا يجوز واليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله مثل الذين يغزون من
أمتي ويأخذون الاجر كمثل أم موسى عليه السلام كانت ترضع ولدها وتأخذ الاجر من
فرعون ثم قال الله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف والمراد النفقة ففي هذا
العطف إشارة إلى أن النفقة لها بمقابلة الارضاع وقد دل عليه قوله تعالى وعلى الوارث مثل
ذلك والمراد ما يكون بمقابلة الارضاع فإذا استوجب عوضا بمقابلة الارضاع لا يستوجب
عوضا آخر بالشرط والمعنى فيه أن هذا العمل مستحق عليها دينا وإن لم يكن مستحقا عليها دينا
فإنها تطالب به فتوى ولا تجبر عليه كرها والاستئجار على مثله لا يجوز كالاستئجار على كنس
البيت والتقبيل واللمس وما أشبه ذلك وهذا لان بعقد النكاح يثبت الاتحاد بينهما فيما هو
المقصود من النكاح والولد مقصود بالنكاح فكانت هي في الارضاع عاملة لنفسها معنى فلا
تستوجب الاجر على الزوج بالشرط كما في التقبيل واللمس والمجامعة وهكذا نقول في سائر
أعمال البيت من الطبخ والخبز والغسل وما يرجع منفعته إليهما فهو لا يستوجب عليه الاجر بالشرط
وما يكون لتجارة الزوج فهو ليس بمستحق عليها دينا ولا يرجع منفعته إليها وكذلك لو استأجرها
بعد الطلاق الرجعي لان النكاح باق بينهما ببقاء العدة فمعنى الاتحاد قائم فاما بعد انقضاء العدة
الاستئجار صحيح لأنها صارت أجنبية منه وارضاع الولد على الأب كنفقته بعد الفطام وكذلك
في العدة من طلاق بائن لو استأجرها جاز عندنا وعند الحسن بن زياد رحمه الله لا يجوز لأنها في
نفقته فكانت هذه الحال كما قبل الطلاق ولكنا نقول معنى الاتحاد الذي كان بالنكاح قد زال
بالطلاق البائن والارضاع بعد هذا لا يكون مستحقا عليها دينا بمنزلة سائر أعمال البيت فيجوز
استئجارها عليه وذكر ابن رستم عن محمد رحمهما الله أنه كان للرضيع مال استأجرها في حال قيام
النكاح بمال الرضيع يجوز لان نفقتها ليس في مال الرضيع فيجوز أن يستوجب الاجر في ماله
بمقابلة الارضاع بالشرط بخلاف مال الزوج فان نفقتها عليه وهو إنما التزم نفقتها لهذه الاعمال فلا
تستوجب عليه عوضا آخر وكذلك إذا استأجر خادمها لذلك لان منفعة خادمها ملكها وبدلها
كمنفعة نفسها وان استأجر مكاتبها كان لها الاجر لان المكاتبة كالحرة في منافعها ومكاسبها
يوضحه أنه كما تجب على الزوج نفقتها تجب نفقة خادمها ولا تجب عليه نفقة مكاتبتها ولو
128

استأجرها ترضع صبيا له من غيرها جاز وعليه الاجر لان هذا العمل غير مستحق عليها دينا
حتى لا تؤمر به فتوى وهو ليس من مقاصد النكاح القائم بينهما بخلاف ولده منها ولو استأجر
أمه أو ابنته أو أخته ترضع صبيا له كان جائزا وعليه الاجر وكذلك لكل ذات رحم محرم منه
لان الارضاع غير مستحق على واحدة دينا حتى لا تؤمر به فتوى فيجوز استئجارها عليه
فان استأجرها ثم أبت بعد ذلك وقد ألفها الصبي لا يأخذ الا منها فإن كانت معروفة بذلك
لم يكن لها أن تترك الإجارة الا من عذر وان كانت لا تعرف بذلك فلها أن تأبى وقد بينا هذا
في الأجنبيات أنها إذا لم تعرف بذلك العمل فإنما تأبى لدفع الضرر عن نفسها فيكون ذلك
عذرا لها فكذلك في المحارم ولو استأجر ظئرا لترضع له صبيا في بيتها فجعلت تؤجر لبن الغنم
وتغدوه بكل ما يصلحه حتى استكمل الحولين ولها لبن أوليس لها لبن فلا أجر لها لان البدل
بمقابلة الارضاع وهي لم ترضعه الا بما سقته لبن الغنم ولان مقصودهم عمل مصلح للصبي وما
أنت به مفسد فالادمي لا يتربى تربية صالحة الا بلبن الجنس وان جحدت ذلك وقالت
قد أرضعته فالقول قولها مع يمينها لأن الظاهر شاهد لها فصلاح الولد دليل على أنها أرضعته
لبن الأدمية وان أقام أهل الصبي البينة على ما ادعوا فلا أجر لها لان الثابت بالبينة كالثابت
باقرار الخصم وان أقاموا جميعا البينة أخذت بينتها لأنها تثبت الاجر دينا في ذمة من استأجرها
ويثبت ايفاء العمل المشروط والمثبت من البينتين يترجح على الباقي وإذا التقط الرجل لقيطا
فاستأجر له ظئرا فهو جائز لأنه هو الذي يقوم باصلاحه واستئجار الظئر من اصلاحه وعليه
الاجر لأنه التزمه بالعقد وهو متطوع في ذلك لأنه لا ولاية له عليه في إلزام الدين في ذمة
اللقيط وكل يتيم ليس له أم لترضعه فعلى أوليائه كل ذي رحم محرم ان يستأجروا له ظئرا
على قدر مواريثهم لان أجر الظئر كالنفقة بعد الفطام والنفقة عليهم بقدر الميراث كما قال الله
تعالى وعلى الوارث مثل ذلك وفي قوله وليس له أم ترضعه إشارة إلى أن الارضاع عليها
إذا كانت حية ولها لبن دون سائر الأقارب لأنها مؤسرة في حكم الارضاع وسائر القرابات
بمنزلة المعسر في ذلك فكان عليها دونهم بخلاف النفقة فإن كان لاولى له فاجرة الظئر على
بيت المال بمنزلة نفقته بعد الفطام والله أعلم
(باب إجارة الدور والبيوت)
(قال رحمه الله وإذا استأجر الرجل من الرجل دارا سنة بكذا ولم يسم الذي يريدها
129

له فهو جائز) لان المقصود معلوم بالعرف فإنما يستأجر الدار للسكنى ويبنى لذلك (ألا ترى)
انها تسمى مسكنا والمعلوم بالعرف كالمشروط بالنص وله أن يسكنها ويسكنها من شاء لان
السكنى لا تتفاوت فيها الناس ولان سكناه لا تكون الا بعياله وأولاده ومن يعلوهم من
قريب أو أجنبي وكثرة المساكن في الدار لا تضر بها بل تزيد في عمارتها لان خراب المسكن
بان لا يسكنه أحد وله أن يضع فيها ما بدا له من الثياب والمتاع والحيوان لان سكناه لا تتم
الا بذلك فان ذلك معلوم بالعرف ويعمل فيها ما بدا له من الاعمال يعنى الوضوء وغسل الثياب
وكسر الحطب ونحو ذلك لان سكناه لا تخلو عن هذه الاعمال عادة فهي من توابع السكنى
والمعتاد منه لا يضر بالبناء ما خلا الرحا ان ينصب فيه أو الحداد أو القصار فان هذا يضر
بالبناء فليس له أن يفعله الا برضاء صاحب البيت ويشترط عليه في الإجارة والمراد رحى الماء
أو رحى الثور فاما رحا اليد فلا يمنع من أن ينصبه فيه لان هذا لا يضر بالبناء وهو من توابع
السكنى في العادة والحاصل أن كل عمل يفسد البناء أو يوهنه فذلك لا يصير مستحقا للمستأجر
بمطلق العقد إلا أن يشترطه وما لا يفسد البناء فهو مستحق له بمطلق العقد لان السكنى التي
لا توهن البناء بمنزلة صفة السلامة في المبيع فيستحقه بمطلق العقد وما يوهن البناء بمنزلة صفة
الجودة أو الكتبة أو الخبز في المبيع فلا يصير مستحقا الا بالشرط وعلى هذا كسر الحطب القدر
المعتاد منه لا يوهن البناء فان زاد على ذلك وكان بحيث يوهن البناء فليس له أن يفعله الا برضاء
صاحب الدار وان استأجرها للسكنى كل شهر بكذا فله أن يربط فيه دابته وبعيره وشاته
وهذا إذا كان في الدار موضع معد لذلك وهو المربط فإن لم يكن فليس له اتخاذ المربط في
ديارنا لان المنازل ببخارى تضيق عن سكنى الناس فكيف تتسع لادخال الدواب فيها وإنما هذا
الجواب بناء على عرفهم في الكوفة لما في المنازل بها من السعة وله أن يسكنها من أحب لأنه
قد يأتيه ضيف فيسكن معه أياما وقد يحتاج إلى أن يسكنها صديقا له بأجر أو بغير أجر وقد بينا
أن ذلك لا يضر بالبناء فلا يمنع منه فان أجرها بأكثر مما استأجرها به تصدق بالفضل إلا أن
يكون أصلح منها بناء أو زاد فيها شيئا فحينئذ يطيب له الفضل وعلى قول الشافعي رحمه الله يطيب
له الفضل على كل حال بناء على أصله أن المنافع كالأعيان الموجودة حكما فتصير مملوكة له بالعقد
مسلمة إليه بتسليم الدار فكان بمنزلة من اشترى شيئا وقبضه ثم باعه وربح فيه فالربح يطيب له
لأنه ربح على ملك حلال له ولكنا نقول المنافع لم تدخل في ضمانه وان قبض الدار بدليل أنها
130

لو انهدمت لم يلزمه الاجر فلهذا ربح حصل لا على ضمانه ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن ربح ما لم يضمن ثم المنافع في حكم الاعتياض إنما يأخذ حكم المالية والتقوم بالتسمية بدليل ان
المستعير لا يؤاجر وهو مال للمنفعة فان المعير يقول له ملكتك منفعتها وجعلت لك منفعتها
ولو أضاف الإعارة إلى ما بعد الموت يثبت ملك المنفعة للموصى له فكذلك إذا أوجبها له في
حياته ومع ذلك لا يؤاجر لأنه ليس بمقابلتها تسمية فكذلك هنا وفيما زاد على المسمى في العقد
الأول لا تسمية بمقابلة المنفعة في قصده فلا يكون له أن يستفضل وبهذا تبين أنها ليست كالعين
فان من يملك العين بالهبة يجوز له أخذ العوض بالبيع إلا أن يكون زاد فيه شيئا فحينئذ يجعل
الفضل بمقابلة تلك الزيادة فلا يظهر الفضل الخالي عن المقابلة وكذلك إذا أجره بجنس آخر
لان الفضل عند اختلاف الجنس لا يظهر الا بالتقوم والعقد لأي وجوب ذلك فاما عند اتحاد
الجنس يعود إليه ما غرم فيه بعينه ويتيقن بالفضل فعليه أن يتصدق به لأنه حصل له بكسب
خبيث بمنزلة المستعير إذا أجر فعليه أن يتصدق بالأجر وإن كان استأجرها كل شهر فلكل
واحد منهما أن ينقض الإجارة عند رأس الشهر لان كلمة كل متى أضيفت إلى مالا يعلم منتهاه
تتناول الأدنى فإنما لزم العقد في شهر واحد فإذا تم كان لكل واحد منهما أن ينقض الإجارة
فان سكنها من الشهر الثاني يوما أو يومين لم يكن لكل واحد منهما أن يترك الإجارة إلى تمام
الشهر الا من عذر لان التراضي منهما بالعقد في الشهر الثاني يتم إذا سكنها يوما أو يومين فيلزم
العقد فيه بتراضيهما كما لزم في الشهر الأول وفي ظاهر الرواية الخيار لكل واحد منهما في الليلة
الأولى من الشهر الداخل ويومها لان ذلك رأس الشهر وبعض المتأخرين رحمهم يقول
الخيار لكل واحد منهما حين يهل الهلال حتى إذا مضى ساعة فالعقد يلزمها وهذا هو القياس
ولكنه فيه نوع حرج فلدفع الحرج قال الخيار لكل واحد منهما في اليوم الأول من الشهر
وإذا استأجرها كل شهر بكذا ولم يسم أول الشهر فهو من الوقت الذي استأجرها عندنا وقال
الشافعي رحمه الله لا يصح الاستئجار إلا أن يتصل ابتداء المدة بالعقد ولا يتصل الا بالشرط لأنه
إذا أطلق ذكر الشهر فليس بعض الشهور لتعيينه للعقد بأولى من بعض وجهالة المدة مفسدة
لعقد الإجارة وهذا لأنه نكر الشهر والشهر المتصل بالعقد معين فلا يتعين باسم النكرة (ألا ترى)
انه لو قال لله على أن أصوم شهرا لا يتعين الشهر الذي يعقب نذره ما لم يعينه ولكنا نقول
الأوقات كلها في حكم الإجارة سواء وفي مثله يتعين الزمان الذي يعقب السبب كما في الآجال
131

والايمان إذا حلف لا يكلم فلانا شهرا وهذا لان التأخير عن السبب الموجب لا يكون الا
بمؤخر والمؤخر ينعدم فيما تستوى فيه الأوقات بخلاف الصوم فإنه يختص الشروع فيه ببعض
الأوقات حتى أن الليل لا يصلح لذلك وكذلك يوم العيدين وأيام التشريق * يوضحه أن
الشروع في الصوم لا يكون الا بعزيمة منه وربما لا يقترن ذلك بالسبب فأما دخول المنفعة
في العقد لا يستدعى معنى من جهته سوي العقد فما يحدث بعد العقد يكون داخلا في العقد
الا ان يمنع منه مانع ثم إن كان العقد في اليوم الأول من الشهر فله شهر بالهلال تم أو نقص
وإن كان ذلك اليوم في بعض الشهر فله ثلاثون يوما لان الأهلة أصل في الشهور قال الله
تعالى يسألونك عن الأهلة والأيام تدل على الأهلة واليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله
صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فان غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوما وإنما يصار إلى البدل
إذا تعذر اعتبار الأصل فإن كان استأجرها شهرا حين أهل الهلال فاعتبار الأصل هنا ممكن
فكان له أن يسكنها إلى أن يهل الهلال من الشهر الداخل وإذا كان في بعض الشهر فقد تعذر
اعتباره بالأهلة فيعتبر بالأيام ثلاثين يوما وان استأجرها أكثر من شهر فالمذهب عندنا أنه إذا
استأجرها مدة معلومة صح الاستئجار طالت أو قصرت وفي قول الشافعي رحمه الله لا يجوز
الاستئجار أكثر من سنة واحدة وفي قول آخر يجوز إلى ثلاثين سنة ولا يجوز أكثر من ذلك
وفي قول آخر يجوز أبدا وجه قوله الأول أن جواز الاستئجار للحاجة والحاجة في بعض
الأشياء لا تتم الا بسنة كما في الأراضي ونحوها وفيما وراء ذلك لا حاجة وعلى القول الثاني يقول
العادة أن الانسان قل ما يسكن بالإجارة أكثر من ثلاثين سنة فإنه يتخذ المسكن ملكا إذا
كان قصده الزيادة على ذلك وعلى القول الآخر يقول المنافع كالأعيان القائمة فالعقد على العين
يجوز من غير التوقيت فكذلك العقد على المنفعة * وحجتنا في ذلك أن اعلام المعقود عليه لا بد منه
والمنفعة لا تصير معلومة الا ببيان المدة فإنها تحدث شيئا فشيئا فكانت المدة للمنفعة فالكيل
والوزن فيما هو مقدر فكما لا يصير المقدار هناك معلوما الا بذكر الكيل والوزن لا يصير المقدار
هنا معلوما الا بذكر المدة وبعد اعلام المدة العقد جائز قل المعقود عليه أو كثر وقد دل على
جواز الاستئجار أكثر من سنة قوله تعالى على أن تأجرني ثماني حجج فان أتممت عشرا
فمن عندك ولان كل مدة تصلح أجلا للبيع فإنها تصلح مشروطة في عقد الإجارة كالسنة
وما دونها والمعنى فيه وهو أن الشرط الاعلام فيها على وجه لا يبقى بينهما منازعة فان استأجرها
132

سنة مستقبلة وذلك حين يهل الهلال تعتبر سنة بالأهلة اثنى عشرا شهرا وإن كان ذلك في
بعض الشهر يعتبر سنة بالأيام ثلاثمائة وستين يوما في قول أبي حنيفة رحمه الله وهو رواية عن أبي
يوسف رحمه الله وعند محمد يعتبر شهرا بالأيام واحدى عشر شهرا بالأهلة وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله ووجه هذا القول أن الأهلة أصل والأيام بدل ففي الشهر الواحد تقدر
الأهلة وفي احدى عشر شهرا اعتبار ما هو أصل ممكن فلا معنى للمصير إلى البدل وجه قول
أبي حنيفة رحمه الله أن ابتداء المدة معتبر بالأيام بالاتفاق فكذلك جميع المدة لان ثبوت
الكل بتسمية واحدة وهذا لأنه ما لم يتم الشهر الأول لا يدخل الشهر الثاني فإذا كان ابتداء
الشهر الأول في بعض فتمامه في بعض الشهر الداخل أيضا وإنما يدخل الشهر الثاني في بعض
الشهر فيجب اعتباره بالأيام وكذلك في كل شهر وقد ذكر في كتاب الطلاق في باب العدة
أنها تعتبر بالأيام فعلى قول أبي حنيفة واحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمهما الله لا حاجة إلى
الفرق وهو قول محمد وهو احدى الروايتين عن أبي يوسف رحمهما الله الفرق بين الأصلين أن
الإجارة عقود متفرقة فإذا أهل الهلال يتجدد العقد عند ذلك فيجعل ذلك كأنهما جددا
العقد في هذه الحالة فلهذا تعتبر أحد عشر شهرا بالهلال ولا يوجد مثل ذلك في العدة لان
الكل في حكم شئ واحد فتعبر كلها بالأيام ثم قال إذا استأجرها سنة أولها هذا اليوم وهو
رابع عشرة مضين من الشهر فإنه يسكنها بقية هذا الشهر واحدى عشر شهرا بالأهلة وستة
عشر يوما من الشهر الباقي وهذا غلط والصحيح ما ذكر في بعض الروايات استأجرها لأربع
عشرة بقين من الشهر لأنه إذا كان الماضي من الشهر الأول أربع عشرة فقد سكنها بعد العقد
ستة عشرة يوما في ذلك الشهر فلا يسكنها في آخر المدة الا أربعة عشر يوما لتمام ثلاثين يوما
وقد قال يسكنها ستة عشر يوما فعرفنا أن الصحيح لأربع عشرة بقين من الشهر وإذا استأجر
بيتا في علو دار ومنزلا على ظلة على ظهر طريق فهو جائز لأنه مسكن معد للانتفاع به من حيث
السكنى ولو استأجر بيتا على أن يقعد فيه قصارا فأراد أن يقعد فيه حدادا فله ذلك أن كانت
مضرتهما واحدة أو كانت مضرة الحداد أقل وان كانت أكثر مضرة لم يكن له ذلك وكذلك
الرحى لان التقييد إذا كان مفيدا يعتبر وإن كان غير مفيد لا يعتبر والفائدة في حق صاحب
الدار بأن مالا يوهن بناءه ولا يفسده فلا تكون مضرته مثل المشروط أو أقل منه فقد علمنا
أنه لا ضرر فيه على صاحب الدار والمنفعة صارت مملوكة للمستأجر وللإنسان أن يتصرف في
133

ملك نفسه على وجه لا يضر بغيره كيف شاء وإن كان أكثر مضرة فهو يريد أن يلحق به
ضررا لم يرض به صاحب الدار فيمنع من ذلك والمسلم والذمي والحربي المستأمن والحر والمملوك
التاجر والمكاتب كلهم سواء في الإجارة لأنها من عقود التجارة وهم في ذلك سواء وان استأجر
الذمي دارا سنة بالكوفة بكذا درهما من مسلم فان اتخذ فيها مصلى لنفسه دون الجماعة لم يكن
لرب الدار أن يمنعه من ذلك لأنه استحق سكناها وهذا من توابع السكنى وان أراد أن يتخذ
فيها مصلى للعامة ويضرب فيها بالناقوس فلرب الدار أن يمنعه من ذلك وليس ذلك من قبل
أنه يملك الدار ولكن على سبيل النهى عن المنكر فإنهم يمنعون من أحداث الكنائس في
أمصار المسلمين فلكل مسلم أن يمنعه من ذلك كما يمنعه رب الدار وهذا لقوله صلى الله عليه
وسلم لا خصاء في الاسلام ولا كنيسة والمراد نفي احداث الكنائس في أمصار المسلمين وفي
الخصاء تأويلان (أحدهما) خصاء بني آدم فذلك منهى عنه وهو من جملة ما يأمر به الشيطان قال
الله تعالى ولآمرنهم فلا يغيرن خلق الله والامتناع من صحبة النساء على قصد التبتل والترهب
والحاصل أنهم لا يمنعون من السكنى في أمصار المسلمين فيجوز بيع الدور واجارتها منهم للسكنى
إلا أن يكثروا على وجه نقل بسببه جماعات المسلمين فيحنئذ يؤمرون بأن يسكنوا ناحية من
المصر غير الموضع الذي يسكنه المسلمون على وجه يأمنون اللصوص ولا يظهر الخلل في جماعات
المسلمين ويمنعون من أحداث البيع والكنائس في أمصار المسلمين فإذا أراد أن يتخذ مصلى
العامة فهذا منه احداث الكنيسة وكذلك يمنعون من إظهار بيع الخمور في أمصار المسلمين
لان ذلك يرجع إلى الاستخفاف بالمسلمين وما أعطيناهم الذمة على أن يظهروا ذلك فكان
الاظهار فسقا منهم في التعاطي فلكل مسلم أن يمنعهم من ذلك صاحب الدار وغيره فيه سواء
وكذلك يمنعون من إظهار شرط الخمر وضرب المعازف والخروج سكارى في أمصار المسلمين
لما فيه من الاستخفاف بالمسلمين أيضا ولو كان هذا في دار بالسواد أو بالجبل كان للمستأجر أن
يصنع فيها ما شاء وكان أبو القاسم الصفار رحمه الله يقول هذا الجواب في سواد الكوفة فان
عامة من يسكنها من اليهود والروافض لعنهم الله فأما في ديارنا يمنعون من احداث ذلك في
السواد كما يمنعون في المصر لان عامة من يسكن القرى في ديارنا مسلمون وفيها الجماعة
والدرس ومجلس الوعظ كما في الأمصار فاما وجه ظاهر الرواية أن الأمصار موضع إعلام الدين
نحو إقامة الجماعات وإقامة الحدود وتنفيذ الاحكام في احداث البيع في الأمصار معنى المقابلة
134

للمسلمين فاما القرى فليست بمواضع اعلام الدين فلا يمنعون من احداث ذلك في القرى (قال)
رضي الله عنه والقول الأول عندي أصح فان المنع من ذلك في الأمصار لا يفتتن به بعض
جهال المسلمين (ألا ترى) أنهم إذا لم يظهروا لم يمنعوا من أن يضعوا من ذلك بينهم ما شاؤوا
وخوف الفتنة في إظهار ذلك في القرى أكثر فان الجهل على أهل القرى أغلب واليه أشار النبي
صلى الله عليه وسلم في قوله أهل القبور هم أهل الكفور والدليل على أن المعنى ما قلنا قوله صلى الله
عليه وسلم انا برئ من كل مسلم مع مشرك لا نراء ناراهما وقوله صلى الله عليه وسلم لا تستضيئوا
بنار المشركين ولو كان المستأجر مسلما فظهر منه فسق في الدار أو دعارة أو كان يجمع فيها على
الشرب منعه رب الدار من ذلك كله لا لملكه الدار بل على سبيل النهى عن المنكر فإنه فرض
على كل مسلم صاحب الدار وغيره فيه سواء وليس لرب الدار أن يخرجه من الدار من أجل
ذلك مسلما كان أو ذميا لان عقد الإجارة لازم لا يفسخ الا بعذر والعذر ضرر يزول بفسخ
الإجارة وهذا ليس من تلك الجملة فلا تفسخ الإجارة لأجله أرأيت لو كان باعه الدار كان
يفسخ البيع لما ظهر منه لا سبيل له إلى ذلك فكذلك الإجارة وإذا سقط حائط من الدار
فأراد المستأجر ترك الإجارة نظر في ذلك فإن كان لا يضر بالسكنى فليس له أن يخرج لان
المستحق بالعقد منفعة السكنى ولم يتغير بما حدث فهو كما لو استأجر عبدا للخدمة فأعور
العبد وذلك لا بنقص من خدمته وإن كان يضر ذلك بالسكنى فله أن يخرج لتمكن الخلل في
مقصوده والعيب الحادث في المعقود عليه للسكنى بمنزلة العبد المستأجر للخدمة إذا مرض
وهذا لما تقدم أن يقبض الدار لا تدخل المنفعة في ضمان المستأجر فحدوث المغير بعد قبض
الدار وقبله سواء إلا أن ينتبه صاحب الدار قبل فسخ المستأجر العقد فحينئذ لا يكون للمستأجر
أن يفسخ لزوال العيب وارتفاع المغير كالعبد إذا برأ وإنما يكون له حق الفسخ بحضرة رب
الدار فإن كان غائبا فليس له أن يفسخ لان هذا بمنزلة الرد بالعيب فلا يكون الا بمحضر
من الاجر لما فيه من إلزام حكم الرد الاخر فيستوى في ذلك ما قبل القبض وما بعده كما في
رد المبيع بالعيب ولو خرج في حال غيبة رب الدار فالاجر واجب عليه كما لو سكن لأن العقد
حق وهو متمكن من استيفاء المنفعة مع التغير فلزمه الاجر وكذلك أن سكن مع حضرة رب
الدار لان التغير في وصف المعقود عليه فإذا رضي به لا يحط شئ من الاجر كالمشترى إذا
رضى بالعيب وان سقطت الدار كلها فله أن يخرج شاهدا كان صاحب الدار أو غائبا وفيه
135

طريقان لمشايخنا رحمهم الله (أحدهما أن العقد انفسخ بسقوط جميع البناء لفوات المعقود عليه
وهو منفعة السكنى فإنه بالبناء كان مسكننا بخلاف الأول فهناك دخل المعقود عليه تغير (ألا
ترى) أن استئجار الحراب للسكنى لا يجوز ابتداء فكذلك لا يبقى العقد وإذا انفسخ العقد سقط
الاجر سواء كان رب الدار شاهدا أو غائبا لان اشتراط حضوره للفسخ قصد الا للانفساخ
حكما (وطريق) آخر وهو الأصح أن العقد لا ينفسخ بالانهدام وقد نص عليه كتاب الصلح
(قال) ولو صالح على سكنى دار فانهدمت الدار لا يبطل الصلح وروى هشام عن محمد رحمهما الله
قال لو استأجر بيتا فانهدم فبناه المؤاجر وأراد المستأجر أن يسكنه في بقية المدة فليس للمؤجر
منعه من ذلك فهذا دليل على أن العقد لم ينفسخ ولان أصل الموضع مسكن بعد انهدام البناء
يتأتى فيه السكنى بنصب الفسطاط والخيمة فيبقى العقد لهذا ولكن لا أجر على المستأجر لانعدام
تمكنه من الانتفاع على الوجه الذي قصده بالاستئجار فان التمكن من الانتفاع شرط
لوجوب الاجر (ألا ترى) أنه لو منعه غاصب من السكنى لا يجب عليه الاجر فكذلك إذا
انهدم البناء بخلاف ما إذا سقط حائط منها فالتمكن من الانتفاع هناك على الوجه الذي قصده
بالعقد قائم فيلزمه الاجر ما لم يفسخ العقد بمحضر من رب الدار وإذا أستأجر دارا سنة فلم
يسلمها إليه حتى مضى الشهر وقد طلب التسليم أو لم يطلب ثم تحاكما لم يكن للمستأجر أن يمتنع
من القبض في باقي السنة عندنا ولا للمؤاجر أن يمنعه من ذلك وقال الشافعي رحمه الله للمستأجر
حق فسخ العقد فيما بقي وهو بناء على الأصل الذي بينا أن عنده المنافع في حكم الأعيان القائمة
فإذا فات بعض ما تناوله العقد قبل القبض يجبر فيما بقي لاتحاد الصفقة فإنها إذا تفرقت عليه قبل
القبض تخير فيما بقي لاتحاد الصفقة فإنها تفرقت عليه قبل التمام وذلك مثبت حق الفسخ كما لو
اشترى شيئين فهلك أحدهما قبل القبض * يوضحه أن الانسان قد يستأجر دارا وحانوتا سنة
ومقصوده من ذلك شهرا واحدا كالحاج بمكة في أيام الموسم فإذا منعه في المدة التي كانت
مقصودة له لو قلنا يلزمه التسليم بعد ذلك تضرر به فلدفع الضرر أثبتنا له حق الفسخ وعندنا
عقد الإجارة في حكم عقود متفرقة حتى يتجدد انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة على ما بينا
فلا يتمكن تفرق الصفقة مع تفرق العقود وفوات المعقود عليه في عقد لا يؤثر في عقد آخر
بخلاف البيع * يوضحه أن لو استأجر دارين وقبضهما فانهدمت إحداهما لا يتخير في الاخر
والمنافع بقبض الدار لم تدخل في ضمانه فقد تفرقت الصفقة عليه قبل التمام لان تمام الصفقة
136

بدخول المعقود عليه في ضمانه ومع ذلك لا يثبت له حق الفسخ فكذلك إذا كان الانهدام قبل
القبض وان سلمها إليه الا بيتا كان مشغولا بمتاع المؤاجر رفع منه من الاجر بحساب ذلك
لان الاجر إنما يجب باستيفاء المنفعة فإنما يلزم بقدر ما استوفى وكذلك لو سلمها إليه كلها ثم إن
تزع منها بيتا لأنه زال تمكنه من استيفاء منفعة السكنى في البيت حين انتزع منه فكأنه لم
يسلمه إليه في الابتداء (ألا ترى) أنه لو انتزع الكل منه لم يجب عليه الاجر فالجزء معتبر
بالكل ولو غصب الدار من المستأجر الأجنبي سقط عنه الاجر في مدة الغصب لزوال تمكن
المستأجر من استيفاء المعقود عليه ويجوز استئجار الدار بالموصوف من المكيل والموزون
شرط له أجلا أو لم يشترطه وهذا لان الأجرة بمنزلة الثمن في البيع فان الإجارة نوع بيع فما
يصلح بدلا في البيع يصلح في الإجارة والمكيل والموزون يصلح بدلا في البيع موصوفا حالا
كان أو مؤجلا والثياب لا تصلح موصوفة الا مؤجله والحيوان لا يصلح إلا أن يكون معينا
فكذلك في الإجارة وهذا على الطريق الذي يقول المنفعة مال وإن كان دون العين ظاهر
لان الحيوان لا يثبت دينا في الذمة بدلا عوضا عما هو مال وعلى الطريق الذي يقول ليس بمال
فالحيوان إنما يثبت في الذمة بدلا عما ليس بمال في العقود المبينة على التوسع في البدل وهو ما لم
يشرع في الأصل لتحصيل المال فأما الإجارة مبينة على الاستقصاء في البدل مشروعة
لتحصيل المال كالبيع والحيوان بغير عينه يكون مجهول مقدار المالية فلهذا لا يثبت في الإجارة
وان استأجر دارا بعبد بعينه فأعتقه رب الدار قبل أن يتقابضا لم يجز عتقه لما بينا أن الأجرة
إذا كانت عينا لا تملك بنفس العقد وعتق الانسان فيما لا يملك باطل فإن كان المستأجر
دفع إليه العبد ولم يقبض الدار حتى أعتقه رب الدار فعتقه جائز لان الأجرة تملك بالتعجيل
فان قبض الدار وتمت السكنى فلا شئ ء عليه وان انفسخ العقد باستحقاق الدار أو موت
أحدهما أو غرق الدار أو انعدم التمكن من الانتفاع بالهدم فعلى المعتق قيمة العبد لأن العقد
لما انفسخ وجب عليه رد العبد وقد تعذر رد العبد لنفوذ العتق فيه فيلزمه قيمته وهذا لان
عتقه لا يبطل بما حدث لان المستأجر سلط عليه وملكه إياه بالسليم إليه حال قيام العقد فنفذ عتقه
والعتق بعد ما نفذ لا يمكن نقضه ولو لم يقبض العبد حتى سكن الدار شهرا ثم أعتقا جميعا
العبد وهو في يد المستأجر فإنه يجوز عتق رب الدار بقدر أجر الشهر ويجوز عتق المستأجر
فيما بقي منه لان رب الدار ملك منه حصة ما استوفى المستأجر من المنفعة فكان العبد مشتركا
137

بينهما فإذا أعتقاه عتق وتنتقض الإجارة فيما بقي لان جوازها باعتبار مالية العبد وقد فات
بالعقد فهو كما لو مات العبد قبل التسليم إلا أن في الموت على المستأجر أجر مثل الدار بقدر
ما سكن لأن العقد انتقض بهلاك المعقود عليه قبل التسليم فبقيت المنفعة في تلك المدة
مستوفاة بعقد فاسد فعليه رد بدلها وهو أجر المثل وفيما أعتقاه لا يلزمه ذلك لان رب الدار
صار قابضا لما يخص المستوفى من المنفعة من العبد ولو استكمل السكنى ثم مات العبد قبل أن
يدفعه إليه أو استحق كان عليه أجر مثلها لأنه استوفي المنفعة بحكم عقد فاسد ولو كان المستأجر
دفع العبد ولم يسكن الدار حتى أعتقه فعتقه باطل لان العبد خرج من ملكه بالتسليم
إلى رب الدار فإنما أعتق مالا يملكه ولو استأجر دارا سنة فسكنها ثم استحقت فالاجر للمؤاجر
دون المستحق عندنا لأنه تبين انه كان غاصبا وقد بينا في كتاب الغصب أن الغاصب إذا
أجر المغصوب فالاجر له لأنه وجب بعقده وهو الذي ضمن تسليم المعقود وعليه أن يتصدق
به لأنه حصل له بكسب خبيث وفي قياس قول أبى يوسف الأول لا يتصدق لأنه كان يقول
العقار يضمن بالغصب ومن مذهبه أن من استربح على ضمانه لا يلزمه التصدق به كما في
المودع إذا تصرف في الوديعة ولو انهدمت من السكنى ضمن الساكن لأنه متلف والعقار
يضمن بالاتلاف ويرجع به على المؤاجر لأنه مغرور من جهته بعقد معاوضة وقد كان ضمن
سلامة المعقود عليه عن عيب الاستحقاق فإذا لم يسلم رجع كما يغرم بسببه ولو أجر داره
من رجل فامي سنة بدراهم معلومة ثم استقرض رجل من رب الدار شهرين فأمر الفامي
أن يعطيه ذلك فكان الرجل يشترى به من الفامي الدقيق والزيت وغيره حتى استوفى
أجر الشهرين فهو جائز لان رب الدار أقامه مقام نفسه وهو بنفسه لو عامل الفامي بذلك
يجوز وليس للفامي على المستقرض شئ لأنه قائم مقام رب الدار فتسليمه إليه كتسليمه إلى
رب الدار ولكنه قرض لرب الدار على المستقرض بمنزلة ما لو قبض بنفسه ثم أقرضه منه
وكذلك لو أخذ دينارا فيما أخذ وقد بينا اختلافهم في المصارفة في الاجر مع رب البيت
فكذلك مع من قام مقامه وهو المستقرض ولو كان للفامي على الرجل دينار أو أجر البيت
عشرة دراهم في كل شهر فمضي شهران ثم أمر رب الدار الفامي أن يدفع أجر الشهرين إلى
المستقرض وقاصه بالدينار الذي له عليه وأخذ بالفضل شيئا فهو جائز بمنزلة ما لو فعله رب
البيت فان أجر الشهرين قد وجب والمقاصة بالدينار بعد وجوبها تجوز بالتراضي وليس هذا
138

تصرف فيما بين رب البيت والمستقرض ولكنه صرف فيما بين المستقرض والفامي حتى يرجع
رب البيت على المستقرض بالدراهم بمنزلة ما لو كان اشترى به من الفامي شيئا ولو كان رب
البيت أقرض الدراهم على أن يرد عليه دينارا بعشرة دراهم لم يجز لان القرض مضمون بالمثل
وشرط شئ آخر مكانه باطل وان أحاله على هذا الوجه بالدراهم فقاصه بالدينار فإنما للمقرض على
المستقرض عشرون درهما لان ما جرى بينهما من الشرط كان صرفا بالنسيئة وهو باطل ولو
كان أقرضه أجر الشهرين قبل أن يسكن شيئا وأمره أن يعجله وطابت نفس الفامي بذلك
وأعطاه به دقيقا أو زيتا أو دينار بعشرة دراهم منها ثم مات رب البيت قبل السكنى أو انهدم
البيت أو استحق لم يرجع الفامي على المستقرض بشئ لما بينا أنه قائم مقام رب البيت فيما قبضه
منه ولكنه يرجع على رب البيت بالدراهم ورب البيت على المستقرض بالدراهم وقال أبو يوسف
رحمه الله أخيرا في حصة البيت هكذا فاما في حصة الدينار فإنه يرجع بالدينار بعينه على الذي
كان عليه الأصل لان المصارفة كانت قبل وجوب الاجر وقد بطلت بالافتراق قبل التقابض
فيرجع عليه بالدينار كما كان في ذمته فان قيل كيف يستقيم هذا وقد وجب الاجر على الفامي
بشرط التعجيل فإنه قال وأمره أن يعجله قلنا شرط التعجيل إنما يعتبر إذا كان مذكورا في العقد
وقوله وأمره أن يعجله على سبيل الالتماس لا على سبيل الشرط (ألا ترى) أنه كان قال وطابت
نفس الفامي بذلك ولا يجوز استئجار السكنى بالسكنى والخدمة بالخدمة ويجوز استئجار السكنى
بالخدمة والركوب عندنا وقال الشافعي رحمه الله يجوز على كل حال اتفقت جنس المنفعة أو
اختلفت بناء على أصله أن المنافع كالأعيان القائمة ومبادلة العين بالعين من جنسه أو من خلاف
جنسه صحيح عند المساواة على كل حال وعند التفاوت في غير الأموال الربوية والمنافع ليست
بمال الربا فيجوز مبادلة بعضها بالبعض وان جاز الاعتياض عن كل واحد منهما بالدراهم جاز
معاوضة على كل واحد منهما بالاخر كما إذا اختلف جنس المنفعة ولنا فيه طريقان (أحدهما) منقول
عن محمد رحمه الله قال مبادلة السكنى بالسكنى كبيع القوهي بالقوهي نسأ ومعنى هذا أن المعقود
عليه ما يحدث من المنفعة وذلك غير موجود في الحال فإذا اتحد الجنس كان هذا مبادلة الشئ
بجنسه يحرم نسيئة وبالجنس يحرم النسأ عندنا بخلاف ما إذا اختلف الجنس فان قيل النسأ ما
يكون عن شرط في العقد والأجل عنا غير مشروط كيف والمنافع في حكم الأعيان دون الديون
لأنها لو كانت في حكم الدين لم يجز مع اختلاف الجنس فالدين بالدين حرام وان اختلف الجنس
139

قلنا لما كان المعقود عليه مما يحدث في المدة لا يتصور حدوثه جملة بل يكون شيئا فشيئا فهذا
بمنزلة اشتراط الاجل أو أبلغ منه فان المطالبة بالتسليم تتأخر بالأجل فكذلك المطالبة بتسليم
جميع المعقود عليه لا تثبت في الحال بل تتأخر إلى حدوث المنفعة وهذا أبلغ من ذلك لان
بالأجل لا يتأخر انعقاد العقد وهنا يتأخر انعقاد العقد في حق المعقود عليه ولكن ليس بدين
على الحقيقة لان الدين ما يثبت في الذمة والمنافع لا تثبت في الذمة والمحرم الدين بالدين
فلكون المنفعة ليست بدين جوزنا العقد عند اختلاف الجنس وللجنسية أفسدنا العقد عند
اتفاق الجنس والطريق الاخر ان جواز عقد الإجارة للحاجة فإنما يجوز على وجه ترتفع به
الحاجة وفي مبادلة المنفعة بجنسها لا يتحقق ذلك لأنه كان متمكنا من السكنى قبل العقد ولا
يحصل له بالعقد الا ما كان متمكنا منه باعتبار ملكه فاما عند اختلاف جنس المنفعة الحاجة
متحققة وبالعقد يحصل له ما لم يكن حاصلا قبله فصاحب السكنى قد تكون حاجته إلى خدمة
العبد أو ركوب الدابة ثم إن عند اتحاد الجنس إذا استوفى أحدهما المنفعة فعليه أجر المثل في
ظاهر الرواية وذكر الكرخي عن أبي يوسف رحمهما الله انه لا شئ عليه لان تقوم المنفعة
بالتسمية والمسمى بمقابلة المستوفى من المنفعة والمنفعة ليست بمال متقوم في نفسها وجه ظاهر
الرواية أنه استوفي المنفعة بحكم عقد فاسد فعليه أجر المثل كما لو استأجر دارا ولم يسم الاجر
وسكنها وهذا لان الفاسد من العقد معتبر بالجائز فكما أن المنفعة تتقوم بالعقد الجائز فكذلك
بالعقد الفاسد وإذا أجر داره من رجل شهرا بثوب بعينه فسكنها لم يكن له أن يبيع الثوب
من المستأجر ولا من غيره قبل القبض لان الأجرة إذا كانت ثوبا بعينه فهو كالمبيع وبيع
المبيع قبل القبض لا يجوز من البائع ولا من غيره قال (ألا ترى) انه لو هلك كان على المستأجر أجر
مثلها وهذا إشارة إلى بقاء الغرر والمكيل في الملك المطلق للتصرف وكذلك كل شئ بعينه من
العروض والحيوان أو الموزون وتبر الذهب والفضة وفي هذا إشارة إلى أن التبر يتعين بالتعيين
وقد بينا اختلاف الروايات في كتاب الشركة وإن كان الاجر شيئا من المكيل والموزون بغير
عينه موصوفا كان له أن يبيعه من المستأجر قبل أن يقبضه منه لان المكيل والموزون يثبت في
الذمة ثمنا والاستبدال بالثمن قبل القبض جائز فكذلك بالأجر فان ابتاع به منه شيئا بعينه جاز
ان قبضه في المجلس أو لم يقبضه لأنهما افترقا عن عين بدين وان ابتاع منه شيئا بغير عينه فلا يفارقه
حتى يقبض منه فان فارقه قبل أن يقبضه انتقض البيع لأنهما افترقا عن دين بدين وهو الحكم
140

في ثمن البيع وليس له أن يبيعه من غيره فان بيع الدين من غير من عليه الدين لا يجوز إلا على
قول مالك رحمه الله وهو يقول كما يجوز بيعه ممن عليه فكذلك من غيره ولكنا نقول إذا باعه
منه يصير قابضا له بذمته وإذا باعه من غيره فهو لا يقدر على تسليمه ما لم يستوف ولا يدري متى
يستوفى فإنما يبيع مالا يقدر على تسليمه وقد شرط للتسليم أجلا مجهولا وهو إلى أن يخرج
وذلك مبطل للبيع ولو استأجر بيتا بثوب فاجره بدراهم أكثر من قيمة الثوب طاب له
الفضل لان عند اختلاف الجنس لا يظهر الفضل الا بالتقويم والعقد لا يوجب ذلك وكذلك كل
ما اختلف الجنس فيه حتى لو استأجره بعشرة دراهم وأجره بدينارين طاب له الفضل أيضا لأنه
لا يظهر الفضل بين الدنانير والدراهم الا بالتقويم (ألا ترى) أن مبادلة عشرة دراهم بدينارين تجوز
في عقد واحد ولا يظهر بينهما الفضل الخالي عن المقابلة ففي عقدين أولى وإذا كان أجر الدار
عشرة دراهم أو قفيز حنطة موصوفة وأشهد المؤاجر أنه قبض من المستأجر عشرة دراهم
أو قفيز حنطة ثم ادعي أن الدراهم نبهرجة وان الطعام معيب فالقول قوله لأنه منكر استيفاء حقه
فان ما في الذمة يعرف بالصفة ويختلف باختلاف الصفة ولا مناقضة في كلامه فاسم الدراهم
يتناول النبهرجة واسم الحنطة يتناول المعيب وإن كان حين أشهد قال قد قبضت من أجر
الدار عشرة دراهم أو قفيز حنطة لم يصدق بعد ذلك على ادعاء العيب والزيف وكذلك لو قال
استوفيت أجر الدار ثم قال وجدته زيوفا لم يصدق بينة ولا غيرها لأنه قد سبق من الاقرار
بقبض الجياد فان أجر الدار من الجياد فيكون هو مناقضا في قوله وجدته زيوفا والمناقض
لا قول له ولا تقبل بينته ولو كان الاجر ثوبا بعينه فقبضه ثم جاء يرده بعيب فقال المستأجر
ليس هذا ثوبي فالقول قول المستأجر لأنهما تصادقا على أنه قبض المعقود عليه فإنه كان شيئا بعينه
ثم ادعي الآخر لنفسه حق الرد والمستأجر منكر لذلك فالقول قوله فان أقام رب الدار البينة
على العيب رده سواء كان العيب يسيرا أو فاحشا على قياس المبيع ثم ينفسخ العقد برده لفوات
القبض المستحق بالعقد فيأخذ منه قيمة السكنى وهو أجر مثل الدار لأن العقد لما فسد لزمه
رد المستوفى من السكنى ورد السكن برد أجر المثل وإن كان حدث به عيب لم يستطع رده
رجع بحصة العيب من أجر مثل الدار لان الرجوع بحصة العيب عند تعذر الرد يكون من
البدل كما في البيع وإذا خرج المستأجر من الدار وفيها تراب ورماد من كناسة فعلى
المستأجر اخراجه لأنه اجتمع بفعله وهو الذي شغل ملك الغير به فعليه تفريغه إذا خرج من
141

الدار ولكن ما أشبه ذلك مما هو ظاهر على وجه الأرض فاما البالوعة وما أشبهها فليس على
المستأجر تنظيفها استحسانا وفي القياس هذا كالأول لأنه اجتمع بفعل المستأجر وللاستحسان
وجهان (أحدهما) العرف فان الناس لم يتعارفوا تكليف المستأجر تنظيف البالوعة إذا خرج من
المنزل وقد بينا ان العرف معتبر في الإجارة (والثاني) ان البالوعة مطوية فتحتاج للتنظيف إلى
الحفر وذلك تصرف من المستأجر فيما لا يملكه فلا يلزمه ذلك فاما ما كان ظاهرا فهو لا يحتاج
في التفريغ إلى نقض بناء وحفر فعليه اخراج ذلك وان اختلفا في التراب الظاهر فالقول قول
المستأجر انه استأجرها وهو فيها لان رب الدار يدعى لنفسه حقا قبله وهو تفريغ ذلك
الموضع ويدعى احداث شغل ملكه والمستأجر منكر فالقول قوله فاما مسيل ماء الحمام ظاهرا
كان أو مسقفا فعلى المستأجر كنسه إذا امتلأ هو المتعارف بين الناس ولأنه ظاهر على وجه
الأرض وإنما يسقف لكيلا يتأذى الناس برائحته ولأنه لا يملا ليترك بل ليفرغ إذا امتلأ وكان
التفريغ على من ملاه بخلاف البالوعة فقضاء الحاجة في بئر البالوعة لا يكون لقصد النقل
والتفريغ بل يترك ذلك عادة فلهذا لا يجب على المستأجر ولو اشترط رب الدار على المستأجر
حين أجره اخراج ما أحدثه فيها من تراب أو سرجين كان جائزا لان ذلك عليه بدون الشرط
فالشرط لا يزيده الا وكادة وإذا استأجر فامي من رجل بيتا فباع فيه زمانا ثم خرج منه واختلفا
فيما فيه من الأواني والرفوف والتحاتح التي قد بنى عليه البناء فقال المستأجر أنا أحدثتها وقال
رب البيت كانت فيه حين أجرته فالقول قول المستأجر لأن الظاهر شاهد له فهو الذي يتخذ
ذلك عادة لحاجته إليه فرب البيت مستغن عن ذلك فإنه يبنى البيت ليؤاجره ممن يستأجره منه
ثم كل عامل يتخذ فيه ما يكون من أداة عمله وعند المنازعة القول قول من يشهد له الظاهر
ولأن هذه الأشياء موضوعة في البيت وفي الموضع القول قول المستأجر كسائر الأمتعة
وكذلك الطحان إذا خرج من البيت فأراد أن يأخذ من متاع الرحا وما تحتها من بنائها وخشبها
التي فيها واسطواناتها فذلك كله للطحان لأنه من أداء عمله وكذلك القصاب والقلاء والحداد
وما أشبه من الأوعية والأداة التي تكون للصناع ولو استأجر أرضا ليطبخ فيها الاجر
والفخار ثم اختلفا في الأتون التي يطبخ فيها الاجر ففي القياس القول قول رب الأرض لأنه
بناء كسائر الأبنية وفي البناء القول قول رب الأرض لأنه تبع لأرضه وفي الاستحسان القول
قول المستأجر قال لأني رأيت المستأجر هو الذي يبنى وإنما يبنى الحكم على ما يعرف عند المنازعة
142

ثم هذا البناء لحاجة المستأجر ليس لحاجة رب الأرض بخلاف سائر الأبنية (ألا ترى) ان كل
عامل من هذا الجنس يبنى الأتون على الوجه الذي يتخذه أهل صنعته ولو اختلفا في بناء
سوى ما ذكرنا أو في باب أو خشبة أدخلت السقف فالقول قول رب الدار أنه أجرها وهي
كذلك وكذلك الآجر المفروش والغلق والميزاب فالظاهر أن رب الدار هو الذي يتخذ ذلك
لان الساكن به يتمكن من السكنى في الدار وعلى رب الدار تمكين المستأجر من الانتفاع فهو
الذي يحدث ما به ليتم تمكنه من الانتفاع به وما كان في الدار من لبن موضوع أو آجر أو جص
أو جذع أو باب موضوع فهو للمستأجر لأنه بمنزلة المتاع الموضوع غير مركب في البناء ولا هو
تبع للأرض والبناء فان أقاما البينة ففي كل شئ جعلنا القول فيه قول المستأجر فالبينة بينة رب
الدار لأنها مثبتة لحقه ولو كان في الدار بئر ماء مطوية أو بالوعة محفورة فقال المستأجر أنا أحدثتها
وأنا أقلعها فالقول قول رب الدار لان هذا من توابع البناء ومما لا يتأتى بدون السكنى ولأنه
يحتاج في قلعها إلى نقض البناء والمستأجر لا يملك ذلك الا بحجة وهي البينة وكذلك الخص
والسترة والخشب المبنى في البناء والدرج فالمراد من الدرج ما يكون مبنيا منه فاما ما يكون
موضوعا فيه كالسلم فالقول قول المستأجر لأنه لا يحتاج في رفعه إلى قلع البناء وهو موضوع
كالأمتعة (قال) وكذلك التنور وكذلك الأتون التي يطبخ فيها الاجر ان القول قول المستأجر
وفي التنور القول قول رب الدار ولا فرق بينهما الا بالعرف ثم التنور من توابع البناء في الدار
فيحتاج إليه كل ساكن فاما الأتون فإنما يحتاج إليه من يطبخ الآجر دون من يعمل في الأرض
عملا آخر فالظاهر هناك أن المستأجر هو الذي بناه والظاهر هنا ان رب الدار هو الذي يبنى
التنور ولو كان في الدار كوارت نحل أو حمامات فذلك كله للمستأجر كالمتاع الموضوع ولو أقر
رب الدار ان المستأجر خصصها أو فرشها بالأجر أو ركب فيها بابا أو غلقا كان للمستأجر أن يقلع
من ذلك مالا يضر قلعه بالدار لأنه عين ملكه فاما ما يضر بها فليس له أن يقلعه دفعا للضرر
عن رب الدار (ألا ترى) ان رب الدار لو فعل ذلك غصبا لم يكن لمالك ذلك العين أن يقلعه فإذا
فعله المالك أولى ولكن قيمة ذلك على رب الدار يوم يختصمون لان ذلك العين احتبس عنده
فيغرم قيمته كما لو انصبغ ثوب انسان بصبغ الغير فأراد صاحب الثوب أن يأخذه وإنما اعتبر
قيمته عند الخصومة لأنه عند ذلك تملكه على صاحبه ولو انهدم بيت من الدار فاختلفا في
نقضه فإن كان يعرف انه من بيت انهدم فهو لرب الدار لأنهما لو اختلفا قبل الانهدام كان القول
143

قول رب الدار فكذلك بعده وإن لم يعرف ذلك وقال المستأجر هو لي فالقول فيه قوله لأنه
موضوع كسائر الأمتعة ولو كان رب الدار أمره بالبناء في الدار على أن يحبسه له من الاجر
فاتفقا على البناء واختلف في مقدار النفقة فالقول قول رب الدار والبينة بينة المستأجر لان
حاصل اختلافهما فيما صار المستأجر موفيا من الاجر فهو يدعي الزيادة فالبينة بينته ورب الدار
ينكرها فالقول قوله وكذلك لو قال رب الدار لم تبن أو بنيت بغير إذني لان المستأجر يدعى
عليه الامر وبه يصير موفيا الاجر عند البناء فالقول قول رب الدار لانكاره ولو كان على باب
منها مصراعان فسقط أحدهما وقال المستأجر هما لي أو قال هذا الساقط لي ويعرف أنه أخ
المغلق فالقول قول رب الدار لأن الظاهر شاهد له أما في المغلق غير مشكل والساقط إذا
كان أخ المغلق فهما كشئ واحد في معنى الانتفاع حتى لا ينتفع بأحدهما دون الآخر
والبينة بينة المستأجر لأنه هو المحتاج إلى اقامتها وكذلك لو كان فيها بيت مصور بجذوع مصورة
فسقط جذع منها فكان في البيت مطروحا فقال رب الدار هو من سقف هذا البيت وقال
المستأجر بل هو لي ويعرف أن تصاويره موافق لتصاوير البيت فالقول في ذلك قول رب
الدار لشهادة الظاهر له وهو نظيره ما لو اختلفا الزوجان في متاع البيت فما يصلح للرجال يجعل
القول قول الزوج وما يصلح للنساء فهو للمرأة لشهادة الظاهر لها ثم موافقة التصاوير وكون
موضع ذلك الجذع من السقف ظاهرا دليل فوق اليد وإذا جعل القول قول ذي اليد لشهادة
الظاهر له فهذا أولى وعمارة الدار وتطينها واصلاح الميزاب وما وهي من بنائها على رب الدار
لان به يتمكن المستأجر من سكنى الدار وكذلك كل سترة يضر تركها بالسكنى لان المستأجر
بمطلق العقد استحق المعقود عليه بصفة السلامة فان أبى أن يفعل فللمستأجر أن يخرج منها
لوجود العيب المعقود عليه إلا أن يكون استأجرها وهي كذلك وقد رآها فحينئذ هو راضي
بالعيب فلا يردها لأجله واصلاح بئر الماء والبالوعة والمخرج على رب الدار وإن كان امتلأ من
فعل المستأجر لما بينا أنه يحتاج في ذلك إلى هدم البناء ولكن لا يجبر رب الدار على ذلك ولا
المستأجر وان شاء المستأجر أن يصلح ذلك فعل ولا يحتسب له من الاجر وان شاء خرج
إذا أبى رب الدار أن يفعله لان الانسان لا يجبر على اصلاح ملكه ولكن العيب في عقود
المعاوضات يثبت للعاقد حق الفسخ فيما يعتمد لزومه تمام الرضاء ولو استأجر من رجل نصف
أرض غير مقصود أو نصف عبد أو نصف دابة فالعقد فاسد عند أبي حنيفة رحمه الله
144

والشيوع فيما يحتمل القسمة وما لا يحتمل القسمة سواء عنده في افساد الإجارة وعند أبي يوسف
ومحمد والشافعي رحمهم الله جائز ويتهايآن فيه وحجتهم في ذلك أن هذا معاوضة مال بمال
فتلزم في المشاع كالبيع وهذا لان موجب الإجارة ملك المنفعة وللجزء الشائع منفعة (ألا ترى)
انه لو أجر من شريكه يجوز العقد لهذا المعنى ولو أجر من رجلين تجوز العقود وكل واحد
من المستأجرين يملك منفعة النصف شائعا والدليل عليه أنه لو أعار نصف داره من انسان
جاز ذلك وتأثير الشيوع في المنع من عقد التبرع أكثر منه في المنع من المعاوضة كما في الهبة
مع البيع فإذا جاز تمليك منفعة نصف الدار بطريق التبرع فبطريق المعاوضة أولى وأبو حنيفة
رحمه الله يقول التزم بعقد المعاوضة تسليم مالا يقدر على تسليمه فلا يجوز كما لو باع الآبق
أو أجره * وبيان ذلك أن عقد الإجارة يرد على المنفعة وتسليم المنفعة يكون باستيفاء المستأجر
ولا يتحقق استيفاء المنفعة من النصف شائعا إنما يتحقق من جزء معين فإنهما ان تهايأ على
المكان فإنما يسكن كل واحد منهما ناحية بعينها وان تهايأ على الزمان فإنما يسكن كل واحد منهما
جميع الدار في بعض المدة فعرفنا أن استيفاء المنفعة في الجزء الشائع لا يتحقق فكان بإضافة
العقد إلى جزء شائع ملتزما تسليم مالا يقدر على تسليمه ويحكى عن أبي طاهر الدباس رحمه
الله انه كان يقول إذا أجر أحد الشريكين نصيبه من أجنبي يصح عند أبي حنيفة رحمه الله
وإذا أجر المالك نصف أرضه لا يصح وكان يفرق فيقول يحتاجان إلى المهاياة فاما أن يعود
إلى يد الأجير جميع المستأجر في بعض المدة فإذا تهايأ على الزمان أو بعض المستأجر في جميع
المدة إذا تهايأ على المكان وعود المستأجر إلى يد الأجير يمنع استيفاء المنفعة بحكم الإجارة كما
لو اعاره المستأجر من الأجير أو أجره منه فاستحقاق ذلك بسبب يقترن بالعقد يبطل الإجارة
فاما إذا أجر أحدهما نصيبه من أجنبي فالمهاياة تكون بين المستأجر والشريك فلا يعود
المستأجر إلى يد الأجير وإنما يعود إلى يد أجنبي وذلك جائز في الإجارة كما لو أعاره المستأجر
أو أجره من أجنبي والأصح أنه لا فرق بينهما عنده والعقد فاسد لما بينا ولان استيفاء
المعقود عليه لا يتأدى الا بالمهاياة والمهاياة عقد آخر ليس من حقوق عقد الإجارة فبدونه
لا تثبت القدرة على قبض المعقود عليه وذلك مانع من جواز العقد فان استوفى المنفعة مع الفساد
استوجب أجر المثل لأنه استوفى المعقود عليه بحكم عقد فاسد وهذا لان العجز عن التسليم
يفسد العقد ولا يمنع انعقاده كما في بيع الآبق فإذا استوفى فقد تحقق الاستيفاء بعد انعقاد
145

العقد وهذا بخلاف البيع لان التسليم هناك بالتخلية يتم وذلك في الجزء الشائع يتم فأما إذا
أجره من شريكه فقد روى عن أبي حنيفة رحمه الله انه لا يجوز ذلك وجعله كالرهن في هذه
الرواية لان استيفاء المنفعة التي يناولها العقد لا يتأتى الا بغيرها وهو منفعة نصيبه وذلك مفسد
لعقد الإجارة كمن استأجر أحد زوجي المقراض لمنفعة قرض الثياب لا يجوز لان استيفاء
المعقود عليه مما يتناوله العقد لا يمكن الا بما لم يتناوله العقد وفي ظاهر الرواية يجوز لان استيفاء
المعقود عليه على الوجه الذي استحقه بالعقد يتأتى هنا فإنه يسكن جميع الدار فيصير مستوفيا
منفعة نصيبه بملكه ومنفعة المستأجر بحكم الإجارة بخلاف ما إذا أجره من غير شريكه فهناك
بتعذر الاستيفاء على الوجه الذي أوجبه العقد وهو نظير بيع الآبق ممن هو في يده يجوز
بكون التسليم مقدورا عليه بيده ومن غير من في يده لا يجوز لعجزه عن التسليم وهذا بخلاف
الرهن فبالشيوع هناك ينعدم المعقود عليه لان المعقود عليه هو الحبس المستدام ولا تصور
لذلك في الشائع وفي هذا الشريك والأجنبي سواء فاما هنا بالشيوع لا ينعدم المعقود عليه
وهو المنفعة إنما ينعدم التسليم وذلك لا يوجد في حق الشريك وبه فارق الهبة أيضا فالشيوع فيما
يحتمل القسمة يمنع تمام القبض الذي به يقع الملك والهبة من الشريك ومن غيره في ذلك سواء
وأما إذا أجر من رجلين فتسليم المعقود عليه كما أوجبه العقد مقدور عليه للمؤاجر ثم المهاياة بعد
ذلك تكون بين المستأجرين بحكم ملكيهما وهو نظير الراهن من رجلين فهو جائز لوجود
المعقود عليه باعتبار ما أوجبه الراهن لهما فان مات أحد المستأجرين حتى بطل العقد في نصيبه
فقد ذكر الطحاوي عن خالد بن صبيح عن أبي حنيفة رحمهم الله أنه يفسد العقد في النصف
الآخر لان الإجارة يتجدد انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة فكان هذا في معنى شيوع
تقترن بالعقد وفي ظاهر الرواية يبقى العقد في حق الآخر لان تجدد الانعقاد في حق المعقود
عليه فاما أصل العقد منعقد لازم في الحال وباعتبار هذا المعنى الشيوع طارئ والطارئ من
الشيوع ليس نظير المقارن كما في الهبة إذا وهب له جميع الدار وسلمها ثم رجع في نصفها وهذا
بخلاف الإعارة لأنه لا يتحقق بها استحقاق التسليم والمؤثر العجز عن التسليم فإنما يؤثر في العقد
الذي يتعلق به استحقاق التسليم رجل تكارى دارا من رجل على أن جعل أجرها أن يكسوه
ثلاثة أثواب فهذا فاسد لان المسمى مجهول الجنس والصفة والثياب بمطلق التسمية لا تصلح
عوضا في البيع فلا تصلح أجرة وعليه أجر مثلها فيما سكن لأنه استوفى المنفعة بحكم عقد فاسد
146

ولو تكارى منزلا كل شهر بدرهم فخلى بيته وبين المنزل ولم يفتح له الباب فجاء رأس الشهر
وطلب الاجر فقال المستأجر لم يفتحه ولم أنزله فإن كان يقدر على فتحه فالكراء واجب عليه
لتمكنه من استيفاء المعقود فإنه في الامتناع بعد التمكن قاصد إلى الاضرار بالأخير فيرد عليه
قصده وإن كان لا يقدر على فتحه فلا أجر له عليه لأنه ما تمكن من الاستيفاء وعلى المؤاجر
أن يمكنه من استيفاء المعقود فلا يستوجب الاجر بدونه إذا لم يستوف ولو تكارى منزلا في
دار وفي الدار سكان فخلي بينه وبين المنزل فلما جاء رأس الشهر طلب الاجر فقال ما سكنته حال
بيني وبين المنزل فيه فلان الساكن والساكن مقر بذلك أو جاحد فإنه بحكم الحال فإن كان
المستأجر فيه في الحال فالاجر عليه وإن كان الغاصب فيه فلا أجر عليه والقول فيه قوله لان
الاختلاف وقع بينهما فيما مضى والحال معلوم فيرد المجهول إلى المعلوم ويحكم فيه الحال
كالمستأجر مع رب الرحا إذا اختلفا في انقطاع الماء في المدة بحكم الحال فيه وإن لم يكن في المنزل
ساكن في الحال فالمستأجر ضامن الاجر لأنه متمكن من استيفاء المنفعة في الحال فذلك دليل
على أنه كان متمكنا فيما مضى فيلزمه الاجر والمانع لا يثبت بمجرد قوله من غير حجة ولو
تكارى بيتا ولم يسم ما يعمل فيه فهو جائز لان المعقود عليه معلوم بالعرف وهو السكنى في
البيت وذلك لا يتفاوت فلا حاجة إلى تسميته وليس له أن يعمل فيه القصارة ونظائرها لان
ذلك يضر بالبناء وقد بينا أنه لا يستحقه بمطلق العقد فان عملها فانهدم البيت فهو ضامن لما
انهدم من عمله لأنه متلف متعدي ولا أجر عليه فيما ضمن لان الاجر والضمان لا يجتمعان
فإنه يتملك المضمون بالضمان مستندا إلى وقت وجوب الضمان فلا يجب عليه الاجر فيما استوفى
من منفعة ملك نفسه وان سلم فعليه الاجر استحسانا وفي القياس لا أجر عليه لأنه غاصب فيما
صنع ولهذا كان ضامنا ولا أجر على الغاصب في المنفعة * وجه الاستحسان أنه استوفى المعقود
عليه وزيادة وإنما كان ضامنا باعتبار تلك الزيادة فإذا سلم سقط اعتبار تلك الزيادة حكما فيلزمه
الاجر باستيفاء المعقود عليه وإذا انهدم فقد وجب اعتبار تلك الزيادة لايجاب الضمان عليه فلهذا
لا يلزمه الاجر وان قال المستأجر استأجرته منك لأعمل فيه القصارة وقال رب البيت
أكريتك لغير ذلك فالقول قول رب البيت لأنه هو الموجب ولو أنكر الايجاب والاذن
أصلا كان القول قوله إذا أقر بشئ دون شئ ولان المستأجر يدعى زيادة فيما استحقه بالعقد
فعليه أن يثبت ذلك بالبينة ورب الدار منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه وان سكنه وأسكن
147

فيه معه غيره فانهدم من سكنى غيره لم يضمن لأنه غير متعدي فيما صنع وكثرة الساكنين
في الدار لا توهن البناء ولكنها تزيد في عمارة الدار وإذا طلب رب البيت أجر ما سكن فقال
الساكن أسكنتنيه بغير أجر فالقول قوله والبينة بينة رب الدار لأنه يدعى الاجر في ذمة الساكن
فعليه اثباته بالبينة والساكن منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه وهذا بخلاف العين إذا قال بعته
منك وقال الآخر وهبته لي وقد هلك في يده لأن العين متقوم في نفسه ولا تسقط قيمته الا
بالايجاب بطريق التبرع ولم يوجد فاما المنفعة لا تتقوم الا بشرط البدل ولم يثبت ذلك وان
قال الساكن الدار لي أو قال هي دار فلان وكلني بالقيام عليها فالقول قول الساكن لان اليد له
والبينة بينة الطالب لأنه يثبت ملكه والساكن خصم له لظهورها في يده فلا تندفع الخصومة
عنه بمجرد قوله هي دار فلان ولان الطالب يدعى عليه فعلا وهو استيفاؤها منه بحكم الإجارة
وان قال الساكن وهبتها لي لم يصدق على الهبة لأنه أقر بالملك له وادعى تمليكها عليه ولا أجر
عليه لأنه في حق الآخر منكر والبينة بينته ان أقامها لأنه يثبت سبب الملك لنفسه هنا وهو
الهبة فان أقر بأصل الكراء وادعى الهبة فدعواه باطل والكراء لازم لإقراره له بالسبب
الموجب له إلا أن يقيم البينة على ما ادعى من الهبة رجل تكارى من رجلين منزلا بعشرة
دراهم كل سنة فخرج الرجل منه وعمد أهله فأكروا من المنزل بيتا وأنزلوا انسانا بغير أجر
فانهدم المنزل الذي سكنوه فلا ضمان على الآخر لان أكثر ما فيه أنه غاصب والعقار لا
يضمن بالغصب ولا ضمان على المستأجر الثاني إلا أن ينهدم من عمله فحينئذ يكون متلفا وإذا
انهدم من عمله وضمنه رجع به على الذي أجره لأنه صار مغرورا من جهته بعقد ضمان باشره
رجل تكارى منزلا كل شهر بدرهم ثم طلق امرأته وذهب من المصرف فلا كراء على المرأة لأنها
لم تستأجر ولم تلتزم شيئا من الاجر والكراء على الزوج لتمكنه من الاستيفاء بمن أقامه مقام
نفسه في السكنى في المنزل ولا تخرج من المنزل حتى يهل الهلال لان ا لعقد في الشهر الواحد
لزم بهذا اللفظ فلا ينفرد أحدهما بالفسخ فان تكارى على أن ينزله وحده لا ينزله غيره وتزوج
امرأة أو امرأتين فله ان ينزلها معه وليس الشرط بشئ لأنه غير مفيد فكل ما كان السكان
في الدار أكثر كان ذلك أعمر لها وان حفر المستأجر في الدار بئرا للماء أو الوضوء فعطب فيها
انسان أو دابة فان حفر باذن رب الدار فلا ضمان عليه وان حفر بغير إذنه فهو ضامن لان المسبب
إنما يضمن إذا كان متعديا في السبب وهو في الحفر بغير إذنه متعدي فاما في الحفر باذنه لا يكون
148

متعديا ولكن يجعل فعله كفعل رب الدار وان تكارى دارا كل شهر بعشرة على أن يعمرها
ويعطى أجر حارسها ونوابها فهذا فاسد لان ما يعمر به الدار على رب الدار والثانية كذلك عليه
فهي الجباية بمنزلة الخراج فهي مجهولة فقد شرط لنفسه شيئا مجهولا مع العشرة وضمن المجهول
إلى المعلوم يجعل الكل مجهولا فاما أجر الحارس فهو على الساكن لأنه هو المنتفع بعمله وإذا
سكن الدار فعليه أجر مثلها بالغا ما بلغ لأنه استوفى المنفعة بعقد فاسد ورب الدار ما رضي بالمسمى
حين ضمن إليه شيئا آخر لنفسه فلهذا لزمه أجر المثل بالغا ما بلغ والاشهاد على المرتهن والمستأجر
والمستعير في الحائط الوهي باطل لان الاشهاد إنما يصح على من يتمكن من هدم الحائط فإنه
يطالبه بتفريغ ما اشتغل من الهواء بالحائط المائل وهؤلاء لا يتمكنون من التفريغ بالهدم
فلا تتوجه عليهم المطالبة. رجل تكارى منزلا في دار وفي الدار سكان غيره فادخل دابة في الدار
وأوقفها على بابه فضربت إنسانا فمات أو هدمت حائطا أو دخل ضيف له على دابة فوطئ
انسانا من السكان فلا ضمان على الساكن ولا على الضيف لأنه غير متعدي في ادخال الدابة
وايقافها في الدار فان للساكن أن يربط دابته فيها إلا أن يكون هو على الدابة حين أوطأت
انسانا فحينئذ يضمن لأنه مباشر للاتلاف وان تكاراها سنة وقبضها لم يكن لرب الدار أن يربط
فيها دابته من غير رضي الساكن لان الساكن فيما يرجع إلى الانتفاع كالمالك والمالك كالأجنبي
فان فعل فهو ضامن لما أصابت لكونه متعديا في التسبب ولو تكارى دارا يسكنها شهرا بخدمة
عبد شهرا فإن كان العبد بغير عينه فالإجارة فاسدة لجهالة أحد العوضين وإن كان بعينه فالإجارة
جائزة لاختلاف جنس المنفعة فان مات العبد قبل أن يخدم وسكن الدار فعليه أجر مثل الدار
لان بموت العبد فات المعقود عليه من الخدمة قبل الاستيفاء فيفسد العقد في حق السكنى وبقيت
السكنى مستوفاة بعقد فاسد وكان على المستوفى أجر المثل رجل تكارى دارا سنة بمائة درهم
على أن لا يسكنها ولا ينزل فيها فالإجارة فاسدة لأنه نفى موجب العقد بالشرط ومثل هذا
الشرط لا يلائم العقد فان سكنها فعليه أجر مثلها ولا ينقص مما سمى لان المستأجر التزم المسمى
بدون أن يسكنها فالتزامه لها فإذا سكن أظهر ورب الدار إنما رضى بالمسمى إذا لم يسكنها فعند
السكنى لا يكون راضيا بها فلهذا أعطاه أجر مثلها بالغا فان تكاراها على أن يسكنها فلم
يسكنها ولكنه جعل فيها حيوانا وقال رب الدار ردها على (قال) هذا يخربها فليس له ذلك حتى
تنقضي المدة لان ما فعل من السكنى (ألا ترى) انه لو سكنها كان له أن يجعل فيها من الحبوب مع
149

نفسه ما يحتاج إليه فهذا مما صار مستحقا بعقد الإجارة فلا يمنعه رب الدار منه ولا يفسخ العقد
لأجله وإذا أنزل المستأجر زوج ابنته معه في الدار فلما انقضت المدة طالبه بالأجر فليس له ولا
لرب الدار أن يأخذ الزوج بشئ من ذلك لأن العقد لم يجز بينه وبين رب الدار والمستأجر
أسكنه من غير أن شرط عليه أجرا ولو أسكنه ملكه لم يطالبه بالأجر فكذلك إذا أسكنه دارا
يكتريها فان تكارى منزلا في دار فيها سكان فأمره صاحب المنزل أن يكنس البئر التي في الدار
ففعل وطرح ترابها في الدار فعطب بذلك انسان فلا ضمان عليه لان فعله بأمر رب الدار كفعل
رب الدار بنفسه وكذلك أن فعله بغير أمر رب الدار لان هذا من توابع السكنى فان
الساكن مرتفق بالبئر ولا يتأتى له الا بالكنس فلم يكن متعديا فيما صنع فلهذا لا يضمن
إلا أن يخرج التراب إلى الطريق فحينئذ هو متعد في القاء التراب في الطريق فكان ضامنا. رجل
تكارى دارا سنة على أنه فيها بالخيار ثلاثة أيام فهو جائز عندنا وفي أحد قول الشافعي رحمه الله
لا يجوز بناء على الأصل الذي بينا أن جواز الإجارة بطريق أن المنافع جعلت كالأعيان القائمة
وإنما يكون ذلك إذا اتصل ابتداء المدة بالعقد وباشتراط الخيار ينعدم ذلك لان ابتداء المدة
من حين سقط الخيار وان جعل ابتداء المدة من وقت العقد فشرط الخيار فيه غير ممكن أيضا
لان الخيار مشروط للفسخ فلا بد من أن يتلف شئ من المعقود عليه في مدة الخيار وذلك
مانع من الفسخ ثم شرط الخيار في البيع ثابت بالنص بخلاف القياس والإجارة ليست في معناه
فلا يجوز شرط الخيار فيها ولهذا لم يجز شرط الخيار في النكاح فكذلك في الإجارة والجامع
بينهما أنه عقد معاوضة يقصد به استيفاء المنفعة * وحجتنا في ذلك أن هذا عقد معاوضة مال
بمال فيجوز شرط الخيار فيه كالبيع وتأثيره أنه لما كان المقصود المال وقد يقع نفيه قبل أن
يروى المرء النظر فيه فهو محتاج إلى شرط الخيار فيه ليدفع الغبن عن نفسه والإجارة في هذا
كالبيع (ألا ترى) أنه في الرد بالعيب يجعل كالبيع فكذلك في الرد بخيار الشرط وانه يحتمل
الفسخ بالإقالة كالبيع ويعتمد لزومه تمام الرضا بخلاف النكاح ثم إن كان ابتداء المدة من وقت
العقد فالمنفعة لا تدخل في ضمان المستأجر الا بالاستيفاء وما يتلف قبل ذلك يتلف على ضمانه
فلا يمنعه من الفسخ وان اشتغل بالاستيفاء سقط خياره عندنا والحقيقة أن ابتداء المدة من
حين يتم رضاه بالعقد وذلك عند اشتغاله باستيفاء المنفعة أو عند مضي مدة الخيار فان سكنها
في المدة فقد تم رضاه باشتغاله بالتصرف فيسقط خياره والله أعلم وإن كان شرط لنفسه الخيار
150

ثلاثة أيام فان رضيها أخذها بمائة درهم وإن لم يرضها أخذها بخمسين فالإجارة فاسدة لجهالة
الأجرة وان سكنها فعليه أجر مثلها ولا ضمان عليه فيما انهدم منها اعتبارا للعقد الفاسد بالجائز
وإذا أجر الوصي دار اليتيم مدة طويلة جازت الإجازة لأنه قائم مقامه لو كان بالغا في كل عقد
نظرا له إلا أن ينتقص من أجر مثلها مالا يتغابن الناس فيه فلا يجوز اعتبارا للإجارة بالبيع
وهذا لأنه مأمور بقربان ماله بالأحسن وبما يكون أصلح له قال الله تعالى قل اصلاح لهم خير
ويجوز لوكيل الكبير أن يؤاجرها بما قبل وكثر في قول أبي حنيفة رحمه الله ولا يجوز في
قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله الا بما يتغابن الناس في مثله وهو نظير البيع في ذلك. رجل
تزوج امرأة وهي في منزل بكراء فمكث معها سنة فيه ثم طلب صاحب المنزل الكراء وقد
أخبرت المرأة الزوج أن المنزل معها بكراء أو لم تخبره فالأجرة على المرأة دون الرجل لأنها
هي التي باشرت سبب وجوب الاجر وهو العقد فإن كان قال لهالك على مع نفقتك أجر
المنزل كذا وكذا وضمنه لرب المنزل فهو عليه لأنه ضمن دينا واجبا لرب المنزل وان أشهد لها به
ولم يضمنه لرب المنزل ثم لم يعطها فله ذلك لان الاجر عليها لا لها فلا يكون هو ضامنا لها
ذلك بل هذا بمنزلة الهبة منه فإن شاء أعطى وان شاء لم يعط وإذا تكارى دارا لم يرها فله
الخيار إذا رآها لان الإجارة كالبيع يعتمد تمام الرضا فكما لا يتم الرضا في البيع قبل الرؤية
فكذلك في الإجارة ورؤية المعقود عليه وهو المنفعة لا تتأتى ولكن يصير ذلك معلوما برؤية
الدار فان منفعة السكنى تختلف باختلاف الدار في الضيق والسعة ولهذا لو كان رآها قبل ذلك
فلا خيار له فيها إلا أن يكون انهدم منها شئ يضر بالسكنى فحينئذ يتخير للتغير وإذا استأجر
دارا سنة كل شهر بمائة درهم لم يكن لواحد منهما أن يفسخ الإجارة قبل كمال السنة لان الصفقة
واحدة باتحاد العاقدين فبالتفصيل في ذكر البدل لا تتفرق الصفقة ولكن هذا التفصيل
وجوده كعدمه فيكون العقد لازما في جميع السنة لا يفسخ أحدهما الا بعذر وان قال
المستأجر استأجرتها شهرا فالقول قوله لأنه ينكر الإجارة فيما زاد على الشهر ولو أنكر أصل
العقد كان القول قوله مع يمينه فكذلك إذا أنكر الزيادة والبينة بينة المؤاجر لأنها تثبت
الزيادة وان استأجرها شهرا بدرهم فسكنها شهرين فعليه كراء الشهر الأول ولا كراء عليه
في الشهر الثاني لأنه غاصب في السكنى والمنافع لا تتقوم الا بالعقد وعند ابن أبي ليلى رحمة الله عليه
أجر مثلها في الشهر الثاني وقد بينا نظيره في العارية فان انهدمت من سكناه فقال إنما انهدمت في
151

الشهر الأول فالقول قوله لانكاره وجوب الضمان والبينة بينة رب الدار لأنه يثبت السبب
الموجب للضمان عليه وكذلك أن زاد على الشهر يوما أو يومين لأنه غاصب فيما زاد فيستوى
فيه قليل المدة وكثيرها وإذا أجر البيت من رجل وسلم إليه المفتاح فلما انقضت المدة قال
المستأجر لم أقدر على فتحه ولم أسكنه فالقول قول صاحب البيت والبينة بينته أيضا أما جعل
القول قوله لشهادة الظاهر له فالمفتاح ما اتخذ الا لفتح الباب والظاهر أنه من وصل إليه المفتاح
يتمكن من فتح الباب إما بنفسه أو بمن يعينه وأما ترجيح بينته فلانه يثبت الاجر في ذمة
المستأجر باثباته السبب الموجب وهو التمكن من استيفاء المنفعة بعد العقد والمستأجر ينفى
ذلك وإذا تكارى دارا شهرا فأقام معه صاحب الدار فيها إلى آخر الشهر فقال المستأجر لا أعطيك
الاجر لأنك لم تحل بيني وبين الدار (قال) عليه من الاجر بحساب ما كان في يده لأنه استوفي
بعض المعقود عليه وهو منفعة المنزل الذي في يده فليلزمه الاجر بقدره اعتبار للجزء بالكل
رجلان استأجرا حانوتا يعملان فيه بأنفسهما فعمد أحدهما فاستأجر خيرا فأقعده في الحانوت
وأبى الاخر أن يدعه (قال) له ان يقعد في نصيبه من شاء ما لم يدخل على شريكه في نصفه ضررا
بينا لان لكل واحد منهما ملك منفعة النصف فله أن يتصرف فيما يملكه كيف شاء الا انه إذا
أدخل ضررا على شريكه فحينئذ يمنع من ذلك لان تصرفه متعد إلى نصيب شريكه وفيه
ضرر عليه وكذلك أن كان أحدهما أكثر متاعا من الاخر وان أراد أحدهما أن يبنى وسط
الحانوت حائطا لم يكن له ذلك لان البناء تصرف في العين فان ما يملك مالك الرقبة وهما يملكان
المنفعة دون الرقبة فان تكارى بيتا ودكانا على بابه كل شهر بدرهم والدكان في طريق المسلمين
فحيل بينه وبين أن يترفق بالدكان فالكراء جائز في الدار ويرفع عنه بحساب الدكان لأنه
أضاف العقد فيهما إلى محله وهو عين منتفع به (ألا ترى) أنه لو لم يتعرض له انسان حتى استوفى
منفعتهما سنة كان عليه الاجر كاملا فأحيل بينه وبين الترفق بالدكان يرفع عنه بحسابه من
الاجر كما كانا بيتين فغصب أحدهما غاصب. رجلان استأجرا منزلا واشترطا فيما بينهما أن
ينزل أحدهما في أقصاه والاخر في مقدمه ولم يشترطا ذلك في أصل الإجارة فالإجارة جائزة
ولصاحب الأقصى أن ينزل في مقدمه مع صاحبه لان المواضعة التي بينهما بعدما ملك المنفعة
بالإجارة بمنزلة المهاياة والمهايأة لا تكون واجبة فلا يكون أحدهما أحق بالانتفاع بالمقدم من
الاخر وإذا تكارى دارا لينزلها بنفسه وأهله فلم ينزلها ولكن انزل فيها دواب وبقرا
152

فانهدمت من عملهم فلا ضمان عليه لان هذا ليس بخلاف منه فان ما فعل من توابع
السكنى وعليه الاجر وقيل هذا إذا كان منزلا تدخل الدواب مثل ذلك المنزل عادة
فإن كان بخلاف ذلك فهو غاصب ضامن لما ينهدم بعمله وإذا مات أحد المكاريين انتقضت
الإجارة عندنا وقال الشافعي رحمه الله لا تنتقض بموتهما ولا بموت أحدهما الا في خصلة
واحد وهي إذا شرط على الخياط أنه يخيط بنفسه فمات الخياط وعلى بناء أصله أن المنافع
جعلت كالأعيان القائمة ثم العقد على العين لا يبطل بموت أحد المتعاقدين فكذلك العقد على
المنفعة وهذا لأنه لما جعل كالعين فقد تم الاستحقاق في الكل فبموت الأجير لا يتغير ذلك
لان وارثه يخلفه فيما كان مستحقا له وقاس بالأرض المستأجرة إذا زرعها المستأجر ثم مات فان
الإجارة لا تنتقض بالاتفاق بل يخلفه وارثه في تربية الزرع فيها إلى وقت الادراك ولان هذا
عقد معاوضة يقصد به استيفاء المنفعة فلا يبطل بموت العاقد إلا أن يتضمن هذا المعقود عليه
كالنكاح فان زوج أمنته ثم مات المولي لا يبطل العقد وبموت أحد الزوجين يرتفع العقد لتضمنه
فوات المعقود عليه ولهذا تبطل الإجارة بموت الخياط إذا شرط عليه العمل بيده لفوات
المعقود عليه وتبطل الكتابة بموت المكاتب عنده لفوات المعقود عليه ولا تبطل بموت المولى
بالاتفاق ولنا طريقان (أحدهما) في موت الأجير فنقول المستحق بالعقد المنافع التي تحدث
على ملك الأجير وقد فات ذلك بموته فتبطل الإجارة لفوات المعقود عليه وبيان ذلك أن
رقبة الدار تنتقل إلى الوارث والمنفعة تحدث على ملك صاحب الرقبة (ألا ترى) أنه لو باع
الدار برضاء المستأجر بطلت الإجارة لانتقال الملك فيها إلى غيره * توضيحه أنه فيما يحدث فيها
من المنفعة بعد الموت هو مضيف للعقد إلى ملك الغير وليس له ولاية إلزام العقد في ملك
الغير وهذا لان الإجارة تتجدد في ملك المعقود عليه بحسب ما يحدث من المنفعة فان (قيل)
فعلى هذا ينبغي أن تعمل الإجارة فيها من المورث (قلنا) إنما لا تعمل اجارته لأنه لم يتوقف
على حقه عند العقد فما كان يعلم عند ذلك أن العقد مضاف إلى محل حقه وهذا
بخلاف النكاح لان ملك النكاح في حكم ملك العين فلا يثبت للوارث بملك رقبة
الأمة حق فيما هو حق الزوج كما لو باعها المولى لا يبطل النكاح والطريق الاخر
في موت المستأجر وهو أنه لو بقي العقد بعد موته إنما يبقى على أن يخلفه الوارث والمنفعة
المجردة لا تورث (ألا ترى) ان المستعير إذا مات لا يخلفه وارثه في المنفعة وقد بينا أن
153

المستعير مالك للمنفعة وفي حكم التوريث لا فرق بين الملك ببدل وبغير بدل كالعين ولهذا لو
مات الموصى له بالخدمة تبطل الوصية لان المنفعة لا تورث والدليل عليه لو أوصى برقبة عبده
لإنسان وبخدمته لاخر فرد الموصي له بالخدمة الوصية كانت الخدمة لصاحب الرقبة دون
ورثة الموصي لان المنفعة المجردة لا تورث وهذا لان الوارثة خلافة فلا يتصور ذلك الا فيما
يبقى ليكون ملك المورث في الوقت الأول ويخلفه الوارث فيه في الوقت الثاني والمنفعة الموجودة
في حياة المستأجر لا تبقي والتي لا تحدث لا تبقى لتورث والتي تحدث بعد موته لم تكون مملوكة
له ليخلفه الوارث فيها فالملك لا يسبق الوجود وإذا ثبت انتفاء الإرث تعين بطلان العقد فيه
كعقد النكاح يرتفع بموت الزوج لان وارثه لا يخلفه فيه وفصل الأرض المزروعة والسفينة
إذا كانت في لجة البحر فمات صاحب السفينة في القياس تبطل الإجارة فيهما ولكن في
الاستحسان لا تبطل للحاجة إلى فدع الضرر فان مثل هذه الحاجة لا تعتبر لاثبات عقد الإجارة
ابتداء حتى لو مضت والزرع بقل بعقد بينهما عقدت الإجارة إلى وقت الادراك لدفع الضرر
فلان يجوز ابقاء العقد لدفع هذا الضرر أولى والمستحسن من القياس لا يورد نقضا على القياس
إذا عرفنا هذا فنقول رجلان أجرا دارا ثم مات أحدهما فالعقد ينتقض في حصته فان رضي
الوارث وهو كبير أن تكون حصته على الإجارة ورضى به المستأجر فهو جائز لان هذا عقد
بينهما في حصته بالتراضي وذلك جائز وإن كان مشاعا لأنه يؤاجر من شريكه ففي نصيب
الحي منهما العقد باق لما بينا أن الشيوع الطارئ لا يرفع الإجارة لا زفر رحمه الله فإنه سوى بين
الشيوع الطارئ والمقارن فقال بموت أحدهما تبطل الإجارة فيهما وكذلك لو مات أحد
المستأجرين فبطلان العقد في نصيب الآخر بيننا وبين زفر رحمه الله على الخلاف وقد بينا رواية
فيه عن أبي حنيفة رحمه الله كقول زفر رحمه الله فان تكاري دارا سنة على أن يجعل له الاجر
فسكن الدار شهرا فقال رب المنزل عجل لي الاجر كما شرطت عليك فأبى أن يعطيه فأراد
أن يخرجه قبل السنة (قال) يأخذه بالأجر حتى يجعله وليس له أن يخرج حتى تمضى السنة لأن العقد
لازم كالبيع والمشترى إذا امتنع من ايفاء الثمن فالبائع يطالبه به ولا يتمكن من فسخ
البيع لأجله فكذلك في الإجارة بعد شرط التعجيل يطالبه بالأجرة ولا يتمكن من فسخ الإجارة
لأجله وإذا بنى المستأجر في الدار يخبز فيه باذن رب الدار أو بغير إذنه فاحترق بيت بعض
الجيران من تنوره أو بعض بيوت الدار فلا ضمان عليه لأنه غير متعدي في هذا التسبب فان
154

اتخاذ التنور من توابع السكنى وللساكن أن يضعه في موضعه بغير إذن رب الدار ففعله
في ذلك كفعل رب الدار فان تكاري منزلا شهرا بدرهم فسكنه أياما ثم خرج وتركه
ولم يخبر رب المنزل حتى مضي الشهر فان خرج من غير عذر فعليه أجر بحساب ما سكن وان
خرج من غير عذر فعليه أجر الشهر كله لان بخروجه بغير عذر لا تنفسخ الإجارة فبقي تمكنه
من استيفاء المنفعة مع قيام العقد وان خرج بعذر فقد انفسخت الإجارة فلا أجر عليه الا لما مضى
وهذا على رواية هذا الكتاب أن عند العذر ينفرد أحدهما بالفسخ من غير قضاء القاضي
لان هذا في المعنى امتناع من الالتزام على ما بينا أن عقد الإجارة في حكم المتجدد في كل ساعة
فاما على رواية الزيادات لا ينفسخ الا بقضاء القاضي بمنزلة الرد بالعيب بعد القبض فعلى تلك
الرواية عليه الاجر إذا خرج ما لم يقض القاضي بالفسخ إلا أن يساعده رب الدار على ذلك
بان يسكن الدار بنفسه. رجل وكل رجلا أن يؤاجر منزله فاجره من ابن الموكل أو أبيه أو
عبده أو مكاتبه فلما مضت الإجارة وطالبهم الوكيل بالأجر أبوا أن يعطوه فالاجر واجب
عليهم الا عند الموكل فإنه لا أجر عليه لان عقد الوكيل مع هؤلاء كعقد الموكل بنفسه وهو
يستوجب الاجر لو عقد معهم بنفسه الا في عبده خاصة فان المولى لا يستوجب على عبده
دينا فكذلك إذا عقد وكيله وإن كان المولى هو المستأجر ورب الدار عبده فلا أجر عليه
أيضا إذا لم يكن على العبد دين لان كسبه لمولاه وإن كان عليه دين فعلى المولى الاجر لان
كسبه الآن لغرمائه وحقهم فيه مقدم على حق المولى فالمولى فيه كأجنبي آخر ما لم يسقط
الدين وإن كان المستأجر ابن الوكيل أو أباه ففي قول أبي حنيفة رحمه الله لا يجوز الإجارة
وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله الإجارة جائزة والوكيل يطالب بالأجر وهذا نظير
الوكيل بالبيع يبيع ممن لا تجوز شهادته له وقد بيناه في البيوع وأن أجره الوكيل من أجنبي
إجارة فاسدة فلا ضمان عليه لان الوكيل يضمن بالخلاف لا بفساد العقد فليس كل واحد كأبي حنيفة
رحمه الله يعرف الأسباب المفسدة للعقد وعلى المستأجر أجر مثل الدار لان الوكيل فيما
باشره قائم مقام الموكل فكأن الموكل باشر العقد الفاسد بنفسه والوكيل هو الذي يستوفي
لأنه وجب بعقده. رجل دفع داره إلى رجل يسكنها ويرمها ولا أجر لها فأجرها من رجل
فانهدمت الدار من سكنى الآجر (قال) يضمن رب الدار المستأجر ويرجع المستأجر بذلك
على الذي آجره لان رب الدار أعارها من المدفوع إليه وليس للمستعير أن يؤاجر فكان
155

المستأجر غاصبا لها ضامنا لما انهدمت من سكناه ويرجع به على الذي آجره لأنه مغرور من
جهته بمباشرة عقد الضمان ولا يكون لرب الدار أن يضمن المؤاجر الا في قول أبى يوسف
الأول وهو قول محمد رحمهما الله بناء على غصب العقار. رجل وكل رجلا بأن يؤاجر منزلا
له فوهبه الوكيل لرجل أو أعاره إياه فسكنه سنين ثم جاء صاحبه فلا أجر له على الوكيل ولا
على الساكن لان كل واحد منهما غاصب فالوكيل في الهبة والإعارة مخالف ولكن المنفعة لا
تتقوم على الغاصب من غير عقد. رجل استأجر منزلا والمنزل مقفل فقال له رب المنزل خذ
المفتاح وافتحه واسكنه ففتح الرجل المنزل وأعطى أجر الحداد لفتح القفل نصف درهم فليس
له أن يرجع بما أعطى الحداد على رب المنزل لأنه هو الذي التزمه بعقد الإجارة ولم يكن فيه
مأمورا من جهة رب المنزل وان انكسر القفل من معالجه الحداد فالحداد ضامن لقيمته لأنه
بمنزلة الأجير المشترك فيكون ضامنا لما جنت يده ولا يضمن المستأجر القفل إذا عالجه بما
يعالج مثله لان صاحب القفل قد أذن له في فتحه وليس له عوض بمقابلة عمله في فتح القفل
وكذلك أن عالجه الحداد علاجا خفيفا فانكسر يريد به إذا كان يعلم أن الانكسار لم يكن بفعله
وهذا لان الأجير المشترك لا يضمن بما يتلف لا بعمله والله أعلم
(باب إجارة الحمامات)
(قال رحمه الله ذكر عن عمارة بن عقبة قال قدمت إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه
وسألني عن مالي فأخبرته أن لي غلمانا حجامين لهم غلة وحماما له غله فكره لي غلة الحجامين
وغلة الحمام وقد تقدم الكلام في كسب الحجام فاما غلة الحمام فقد كرهه بعض العلماء رحمهم الله
أخذا بظاهر الحديث) قالوا الحمام بيت الشيطان فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم شر بيت
تكشف فيه العورات وتصب فيه الغسالات والنجاسات ومنهم من فصل بين حمام الرجال
وحمام النساء فقالوا يكره اتخاذ حمام النساء لأنهن منعن من الخروج وأمرن بالقرار في البيوت
واجتماعهم قل ما يخلو عن فتنة وقد روى أن نساء دخلن على عائشة رضي الله عنها فقالت أنتن
من اللاتي يدخلن الحمام وأمرت بإخراجهن والصحيح عندنا أنه لا بأس باتخاذ الحمام للرجال
والنساء جميعا للحاجة إلى ذلك خصوصا في ديارنا والحاجة في حق النساء أظهر لأن المرأة
تحتاج إلى الاغتسال من الحيض والنفاس والجنابة ولا تتمكن من ذلك الا في الأنهار
156

والحياض كما يتمكن منه الرجل ولان المطلوب به معنى الزينة بإزالة الدرن وحاجة النساء فيما
يرجع إلى الزينة أكثر وقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حمام الجحفة
وتأويل ما روي من كراهة الدخول إذا كان مكشوف العورة فأما بعد الستر فلا بأس
بدخول الحمام ولا كراهة في غلة الحمام كما لا كراهة في غلة الدور والحوانيت وإذا استأجر
الرجل حماما مدة معلومة بأجر معلوم فهو جائز لأنه عين منتفع به على وجه مباح شرعا
فإن كان حماما للرجال وحماما للنساء وقد جددهما جميعا فسمى في كتاب الإجارة حماما فهو
فاسد في القياس لأنه إنما استأجر حماما واحدا فان النكرة في موضع الاثبات تخص ولا
يدرى أيهما استأجروهما يتفاوتان في المقصود فتتمكن المنازعة بسبب هذه الجهالة ولكني
أدعى القياس وأجيز له الحمامين جميعا لعرف اللسان فإنه يقال حمام فلان وهما حمامان والمعروف
بالعرف كالمشروط بالنص وعمارة الحمام في صاروجه وحوضه ومسيل مائه واصلاح قدره على
رب الحمام لان المنفعة المقصودة بالحمام لا تتم الا بهذه الأشياء وعلى المؤاجر أن يمكن المستأجر
من الانتفاع بما أجره على الوجه الذي هو مقصوده ولان المرجع في هذا إلى العرف وفى
العرف صاحب الحمام هو الذي يحصل هذه الاعمال فان اشترط المرمة على المستأجر فسدت
الإجارة لان المرمة على الآجر فهذا شرط مخالف لمقتضي العقد ثم المشروط على المستأجر
من ذلك أجره وهو مجهول المقدار والجنس والصفة وجهالة الأجرة تفسد الإجارة ولو
اشترط عليه رب الحمام عشرة دراهم في كل شهر لمرمته مع الأجرة واذن له أن ينفقها عليه
فهو جائز لأنه معلوم المقدار وقد جعله نائبا عن نفسه في انفاقه على ملكه فبهذا يستدل أبو
يوسف ومحمد رحمه الله على أبي حنيفة رحمه الله في مسألة كتاب البيوع إذا قال لمدينه أسلم
مالي عليك فان هناك لم يبين له من يشترى منه ما يرم به الحمام ومن يستأجره لذلك ومع هذا
جوز التوكيل وكذلك ذكر بعد هذا في إجارة الدواب لو أمره بانفاق بعض الأجرة على
الدابة على علفها جاز ذلك وهما سواء حتى زعم بعض مشايخنا رحمهم الله أن الجواب قولهما
وفي القياس قول أبي حنيفة رحمه الله لا يجوز ذلك والأصح أنه قول الكل وإنما استحسن هنا
أبو حنيفة رحمه الله للتيسير فالمستأجر للحمام يلحقه الحرج باستطلاع رأى صاحب الحمام عند
كل مرة والمستأجر للدابة كذلك ثم قد عين له المحل الذي أمره بصرف الدين إليه فنزل
ذلك منزله تعيين من يعامله كما لو أمر المدين بأن ينفق على عياله من الدين الذي له عليه بخلاف
157

مسألة السلم فان قال المستأجر قد أنفقتها عليه لم يصدق الا ببينته لان الاجر دين في ذمته
والمدين إذا ادعى قضاء الدين لا يقبل ذلك منه الا بحجة ويستحلف رب الحمام على عمله لأنه
لو أقربه لزمه فإذا أنكر يستحلف لرجاء نكوله ولكن الاستحلاف على فعل الغير يكون
على العلم وكذلك لو أشترط عليه انه أمين في هذه النفقة وأن القول قوله فيها لم يكن القول
قوله لان المدين ضامن ما في ذمته واشترط كون الضامن أمينا مخالفا لحكم الشرع فكان
باطلا ولو جعلا بينهما رجلا يقبضها ونفقتها على الحمام فقال المستأجر دفعتها إليه وكذبه رب
الحمام فان أقر العدل بقبضها برئ المستأجر لأنه وكيل رب الحمام في القبض فيصح منه الاقرار
بالقبض ويجعل كاقرار الموكل بذلك فان رب الحمام حين سلطه على القبض فقد سلطه على
الاخبار به ثم العدل أمين فيما يصل إليه فيكون القول قوله فيما يدعى من ضياع أو نفقة مع يمينه
كالمودع وإن كان العدل كفيلا بالأجر كان مثل المستأجر غير مؤتمن ولا يصدق لان
الكفيل ضامن لما التزمه في ذمته كالأصيل وليس لرب الحمام أن يمنعه بئر الماء ومسيل ماء
الحمام أو موضع سرقينه وإن لم يشترط لان هذا من مرافقه ومجامعه ولا يتم الانتفاع الا به
فكان بيعا والبيع يصير مذكورا بذكر الأصل فهو بمنزلة مدخل الحمام وفنائه يدخل في العقد
من غير شرط ولو اختلفا في قدر الحمام فهي لرب الحمام لأنها مركبة في بنائه ولان الظاهر
فيها يشهد لرب الحمام فان اتخاذ القدر واصلاحه عليه ولو أراد رب الحمام أن يقعد مع المستأجر
أمينا يقبض عليه يوما بيوم لم يكن له ذلك لان المستأجر صار أحق بالانتفاع بتلك النفقة فليس لأحد
أن يقعد معه في ذلك الموضع بغير إذنه لأنه ليس لرب الحمام من غلة الحمام شئ إنما
له أجر مسمى في ذمة المستأجر فأما في الغلة فهو وأجنبي آخر سواء ولو انقضت مدة الإجارة
وفي الحمام سرقين كثيرا وادعاه كل واحد منهما فهو للمستأجر لأنه منقول كسائر الأمتعة
ولان الظاهر فيه يشهد للمستأجر لان ذلك عليه دون رب الحمام ويؤمر بنقله لان موضعه
مملوك لرب الحمام ولم يبق للمستأجر فيه حق فعليه أن يفرغ ملك الغير عن متاعه وكذلك
في الرماد إذا كان منتفعا به فقال كل واحد منهما هو لي وأنا أنتفع به فالقول قول المستأجر
فان أنكر المستأجر أن يكون الرماد من عمله فالقول قوله لان رب الحمام يدعي لنفسه قبله
حقا وهو نقل ذلك الرماد ويفرغ ذلك الموضع منه فعليه أن يبينه بالبينة والقول قول المستأجر
مع يمينه ولو اشترط عليه في الإجارة نقل الرماد والسرقين والغسالة لم يفسد ذلك الإجارة
158

لان ذلك مستحق عليه بمطلق العقد سواء كان مسيل الماء ظاهرا أو مسقفا بخلاف البالوعة
والكرياس وقد بينا الفرق وإذا كان عليه بدون الشرط فلا يزيد بالشرط الا وكادة وان
اشترط شيئا من ذلك على رب الحمام في الإجارة فسدت الإجارة لأنه شرط مفيد لاحد
المتعاقدين ولا ينقضه العقد وذلك مفسد للبيع فكذلك الإجارة ولو قال رب الحمام للمستأجر
قد تركت لك أجر شهرين لمرمة الحمام فهذا لا يفسد الإجارة لأنه وكله بان ينفق ذلك القدر
من دينه على حمامه فان قال قد أنفقتها لم يصدق الا ببينة وهو نظير ما بينا من العشرة في كل شهر
وإذا استأجر حمامين شهورا مسماة كل شهر بكذا فانهدم أحدهما قبل قبضهما فله أن يترك الباقي
وان انهدم بعد قبضهما فالباقي له لازم بحصته من الاجر لان تمام الصفقة بقبض الحمام على
ما بينا ان العين المنتفع بها تقام مقام المنفعة في إضافة العقد إليه فكذلك في اتمام الصفقة في قبضه
وتفريق الصفقة قبل التمام يثبت الخيار للعاقد وبعد التمام لا يثبت كما لو اشترى عبدين فهلك
أحدهما قبل القبض أو استحق كان له الخيار في الباقي بخلاف ما بعد القبض ولو استأجر بيتين
فانهدم أحدهما بعد القبض فلا خيار له في الباقي بخلاف ما قبل القبض ولو شرط عليه رب الحمام
كل شهر عشرة طلاآت فالإجارة فاسدة لان النورة التي اشترط مجهولة لا يعرف مقدارها
ولا مقدار ثمنها في كل وقت وضم المجهول إلى المعلوم يوجب جهالة الكل ولو استأجر حماما
وعبدا وقبضهما فمات العبد لزمه الحمام بحصته لان المقصود هو الانتفاع بالحمام وبموت العبد
لا يتمكن فيه نقصان وقد بينا أن تفرق الصفقة بعد التمام لا يثبت للعاقد حق الفسخ وان انهدم
الحمام وإنما استأجر العبد ليقوم على الحمام في عمله فله أن يترك العبد ان شاء لان استئجار العبد
لم يكن مقصودا لعينه وإنما كان لعمل الحمام وقد تعذر بانهدام الحمام فيكون ذلك عذرا
له في فسخ الإجارة في العبد كما استأجر الرحا مع الثور ليطحن به فانهدم الرحا فإنه يكون له
الخيار في الثور لما قلنا بخلاف ما إذا أستأجر حمامين فانهدم أحدهما بعد القبض لان الانتفاع
بكل واحد منهما مقصودا ومنفعة أحدهما بعد القبض لان الانتفاع بكل واحد منهما
إذ منفعة أحدهما غير متصلة بمنفعة الآخر وإذا استأجر حماما واحدا فانهدم منه بيت قبل
القبض أو بعده فله أن يتركه لان منفعة بعض بيوت الحمام متصل بالبعض وبعد ما انهدم
بعض البيوت لا يتمكن من الانتفاع بالباقي من الوجه الذي كان متمكنا من قبل ولو أن
رجلا دخل الحمام باجر وأعطى ثيابه لصاحب الحمام يحفظها له فضاعت لم يكن عليه ضمانها هكذا
159

روى عن شريح رحمه الله وهذا لان صاحب الحمام في الثياب أمين كالمودع فان ما يأخذه ليس باجر
على حفظ الثياب ولكنه غلة الحمام وإنما حبس لجمع الغلة لا لحفظ ثياب الناس فلا يكون
ضامنا فاما الثيابي وهو الذي يحفظ ثياب الناس باجر فهو بمنزلة الأجير المشترك في
الحفظ فلا ضمان عليه فيما سرق عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يضمن وإن لبس انسان
ثوب الغير بمرأى العين منه فلم يمنعه لان ظنه صاحب الثوب فهو ضامن بالاتفاق ولأنه
مضيع تارك للحفظ ولا معتبر بظنه ولو دخل الحمام بدانق على أن ينوره صاحب الحمام فهو
فاسد في القياس لجهالة قدر ما شرط عليه في النورة لان ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس
ولكنه ترك القياس فيه لأنه عمل الناس وكذلك لو أعطاه فلسا على أن يدخل الحمام فيغتسل
فهو فاسد في القياس لجهالة مقدار مكثه ومقدار ما يصب من الماء ولكنه استحسن وجوزه
لأنه عمل الناس وقد استحسنوه وقد قال صلى الله عليه وسلم ما رآه المسلمون حسنا فهو عند
الله حسن ولان في اشتراط أعلام مقدار ذلك حرجا والحرج مدفوع شرعا. رجل استأجر
حماما سنة بغير قدر واستأجر القدر من غيره فانكسرت القدر ولم يعمل في الحمام شهرا
فلصاحب الحمام أجرة لأنه سلم الحمام إليه كما التزمه بعقد الإجارة والمستأجر متمكن من
الانتفاع بأن يستأجر قدرا آخر فعليه الاجر لرب الحمام بخلاف ما إذا كانت القدر لرب الحمام
فانكسرت فان هناك المستأجر لا يتمكن من الانتفاع كما استحقه بعقد الإجارة ما لم يصلح
رب الحمام قدره ولا أجر لصاحب القدر من يوم انكسرت لزوال تمكنه من الانتفاع
بالقدر ولا ضمان عليه في ذلك سواء انكسرت من عمله أو من غير عمله المعتاد ولأنه أمين
في القدر مسلط على الاستعمال من جهة صاحب القدر والله أعلم
(باب إجارة الراعي)
(قال رحمه الله وإذا استأجر راعيا يرعى له غنما معلوما مدة معلومة فهو جائز لان المعقود
عليه معلوم مقدور التسليم ثم الراعي قد يكون أجير واحد وقد يكون مشتركا فان شرط
عليه رب الغنم أن لا يرعي غنمه مع غنم غيره فهو جائز) لأنه يجعله بهذا الشرط أجير واحد
وتبين أن المعقود عليه منافعه في المدة والشرط الذي يبين المعقود عليه لا يزيد العقد الا
وكادة فان مات منها شاة لم يضمنها لأنه أمين فيما في يده من الغنم ولا ينقص من أجره بحسابها
160

لان المعقود عليه منافعه وبهلاك بعض الغنم لا يتمكن النقصان من منافعه ولا في تسليمها وليس
له أن يرعى معها شيئا لان منافعه صارت مستحقة للأول فلا يملك ايجاب الحق فيها لغيره
لان ذلك تصرف منه في ملك الغير ولو ضرب منها شاة ففقأ عينها كان ضامنا لأنه لم يأذن
له صاحبها بضربها فهو كما لو قتلها بضربته ولو سقاها من نهر فغرقت شاة منها لم يضمن لأنه
مأذون في سقيها وما تلف بالعمل المأذون فيه لا يضمن أجير الواحد كما في الدق وكذلك
لو عطبت منها شاة في المرعى أو أكلها سبع وهو مصدق فيما هلك مع يمينه لأنه أمين فيما
في يده والقول قول الأمين مع اليمين ولو هلك من الغنم نصفها أو أكثر كان له الاجر تاما
ما دام يرعاها لان استحقاق الاجر بتسليم نفسه لذلك العمل ولهذا لو كان الراعي مشتركا
يرعى لمن شاء على قول أبي حنيفة رحمه الله وهو ضامن لما يهلك بفعله من سباق أو سقى أو
غير ذلك لان الأجير المشترك ضامن لما جنت يده وإن لم يخالف في إقامة العمل ظاهرا كما
في القصار إذا دق الثوب فتخرق وما هلك من غير فعله بموت أو سرقة من غير تضييع أو
أكل سباع فلا ضمان عليه وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله هو ضامن بجميع ذلك
الا الموت لأنه لا يمكن الاحتراز عنه ولكنه لا يصدق على ما يدعيه من الموت الا ببينة تقام
له على ذلك لان على أصلهما القبض في حق الأجير المشترك يوجبه ضمان العين عليه فدعواه
الموت بعد ذلك بمنزلة دعوى الرد من حيث أنه يدعى ما يسقط الضمان به عن نفسه فلا يصدق
في ذلك الا بحجة كالغاصب ولو شرط عليه في الإجارة ضمان ما هلك من فعله لم يفسد ذلك
الإجارة لان ذلك عليه من غير شرط فلا يزيده الشرط الا وكادة وان شرط عليه ضمان
ما مات فالإجارة فاسدة لان هذا الشرط مخالف لحكم الشرع ولأنه يلتزم بهذا الشرط
ما ليس في وسعه وهو الحفظ عن الموت واشتراط ما ليس في وسع العاقد في العقد مفسد للعقد
وان شرط عليه الضمان فيما سرق من غير عمله أو يأكله السبع فعند أبي حنيفة رحمه الله يفسد
العقد لأنه شرط مخالف لحكم الشرع وعندهما لان ذلك عليه من غير شرط وإذا كان الراعي
أجير واحد فاشتراط هذا عليه مفسد للعقد لأنه لا ضمان عليه بدون الخلاف واشتراط الضمان
على الأمين باطل وببطلان الشرط يبطل عقد الإجارة وإذا أتى الراعي المشترى بالغنم إلى
أهلها فأكل السبع منها شاة وهي في موضعها فلا ضمان عليه لأنه بتسليمها إلى أهلها يخرج من
عهدتها ولان عليه عمل الرعي وقد انتهى ذلك حين أتى بها إلى أهلها فلا ضمان عليه فيما يعطب
161

بعد ذلك وله أن يبعث الغنم مع غلامه وأجيره وولده بعد أن يكون كبيرا في عياله سواء كان
مشتركا أو خاصا لان يد هؤلاء في الحفظ والرعي كيده وكذلك في الرد وهذا بالعرف فان
الراعي يلتزم حفظ الغنم على الوجه الذي يحفظ غنم نفسه وذلك بيده تارة وبيد من في عياله
تارة وإذا استأجر راعيا شهرا ليرعى له غنما فأراد الراعي أن يرعى لغيره بأجر فلرب الغنم أن يمنعه
من ذلك لأنه بدأ بذكر المدة وذكر المدة لتقدير المنفعة فيه فتبين أن المعقود عليه منافعه فيكون
أجيرا له خاصا فإن لم يعلم رب الغنم بما فعله حتى رعى لغيره فله الاجر على الثاني ويطيب له ذلك
ولا ينقص من أجر الأول شئ لأنه قد حصل مقصود الأول بكماله وتحمل زيادة مشقة في
الرعي لغيره فما يأخذ من الثاني عوض عمله فيكون طيبا له وقد تقدم نظيره في الظئر ولو كان
يبطل من الشهر يوما أو يومين لا يرعاها حوسب بذلك من أجره سواء كان بعذر أو بغير
عذر ولو سأل راعيا أن يرعى غنمه هذه بدراهم في الشهر أو قال شهرا فهو جائز وهو مشترك
له أن يرعى لغيره لأنه لما بدأ بذكر العمل بين مقدار عمله ببيان محله وهو الغنم عرفنا أن المعقود
عليه العمل دون منافعه فيكون مشتركا سواء رعى لغيره أو لم يرع وان شرط عليه أن لا يرعى
معها شيئا غيرها كان جائزا وكان بمنزلة الباب الأول في أنه أجير واحد لأنا إنما جعلناه مشتركا
استدلا لا بالبداية بذكر العمل وسقط اعتبار هذا الاستدلال إذا صرح بخلافه بالشرط ولو دفع
إليه غنمه يرعاها على أن أجره ألبانها وأصوافها فهو فاسد لأنه مجهول واعلام الاجر لا بد منه
لصحة الإجارة وان اشترط عليه جبنا معلوما وسمنا لنفسه وما بقي بعد ذلك للراعي فهو كله
فاسد والراعي ضامن لما أصاب من ذلك لأنه يتناول ملك الغير فان الزيادة المنفصلة تملك
بملك الأصل وله أجر مثله لأنه أقام العمل بعقد فاسد ولو أن راعيا مشتركا خلط غنما
للناس بعضا ببعض ولم يعرف ذلك أهلها فالقول فيه قول الراعي مع يمينه لأنها في يده والقول
في تعيين المقبوض قول القابض أمينا كان أو ضمينا كالمودع مع الغاصب فان قال لا أعرفها
فهو ضامن لقيمة الغنم كلها لأهلها لان الخلط على وجه يتعذر معه التمييز استهلاك فان كل
واحد منهم لا يقدر على الوصول إلى عين ملكه وبمثل هذا الخلط يكون الراعي ضامنا وتكون
الغنم له بالضمان والقول قوله في قيمتها يوم خلطها لأن الضمان عليه فالقول في مقداره قوله
مع يمينه كالغاصب وإن كان الراعي مشتركا يرعى في الجبال فاشترط عليه صاحب الغنم أن يأتيه
162

بسمة ما يموت منها والا فهو ضامن فهذا الشرط غير معتبر لأنها قد تموت في موضع لا يمكنه
أن يأتي بسمتها وقد يفتعل فيما يأتي من السمة بأن يأكل بعض الغنم ثم يأتي بسمته ويقول
قد مات فان السمة لا تختلف بالذبح والموت فعرفنا أن هذا الشرط غير مفيد ثم على قول أبي حنيفة
رحمه الله القول قوله وإن لم يأت بالسمة لأنه أمين في العين عنده وعندهما هو ضامن
وان أتى بالسمة إلا أن يقيم البينة على الموت ولا يسع المصدق أن يصدق غنما مع الراعي حتى
يحضر صاحبها لان المصدق يأخذ الزكاة والزكاة تجب على المالك ويتأدى بأدائه ونيته والراعي
في ذلك ليس بنائب عنه فان أخذ المصدق الزكاة من الراعي فلا ضمان على الراعي في ذلك
لان الراعي لا يتمكن من أن يمنع المصدق من ذلك فهو في حقه بمنزلة الموت وان خاف
الراعي على شاة منها فذبحها فهو ضامن لقيمتها يوم ذبحها لان صاحبها لم يأمره بذبحها بل منعه
من ذلك وان اختلفا في عدة ما سلمه إلى الراعي فالقول قول الراعي لانكاره قبض الزيادة
والبينة بينة صاحب الغنم لاثباته الزيادة ببينته ثم يكون ضامنا للفضل بجحوده وليس للراعي
أن يسقى من ألبان الغنم ولا يأكل ولا يبيع ولا يقرض لأنه مأمور بالرعي وهذا ليس من
عمل الرعي فهو فيه كسائر الأجانب فيكون ضامنا ان فعل شيئا من ذلك ولو أن رب الغنم
باع نصف غنمه فإن كان استأجر الراعي شهرا على أن يرعى له لم يحطه من الاجر شئ لان
المعقود عليه منافعه وإنما يستوجب الاجر بتسليم نفسه في المدة ولو أراد رب الغنم أن يزيد
في الغنم ما يطيق الراعي كان له ذلك لأنه مالك لمنافعه في المدة فهو بمنزلة عبده في ذلك يستعمله
في ذلك العمل بقدر طاقته وان استأجر شهرا يدعى له هذه الغنم بأعيانها لم يكن له أن يزيد
فيها بالقياس لان التعيين إذا كان مفيدا يجب اعتباره والتعيين في حق الراعي مفيد لان
المشقة عليه تختلف باختلاف عدد الغنم فهو ما التزم الا رعى ما عينه عند العقد فلا يكون لرب
الغنم أن يكلفه شيئا آخر كما لا يكون له أن يكلفه عملا آخر ولكنه استحسن فقال له أن يكلفه
من ذلك بقدر طاقته لان المعقود عليه منافعه فإنه بدأ بذكر المدة وتعيينه الأغنام لبيان ما قصد من
تملك منافعه بالإجارة لا لقصر حكم العقد عليه فإذا بقيت منافعه بعد هذا التعيين مستحقة لرب
الغنم كان له أن يكلفه في ذلك بقدر طاقته ولكن لا يكلف عملا آخر لأنه تبين مقصوده عند
العقد وهو الرعي فما ليس من عمل الرعي لا يكون داخلا في حكم العقد ثم قال أرأيت لو ولدت
الغنم أما كان عليه أن يرعى أولادها معها والقياس والاستحسان فيهما لان الولد بعد الانفصال
163

كشاة أخرى ولكن من عادته الاستشهاد بالأوضح ولو لم يستأجره شهرا ولكنه
دفع إليه غنما مسماة على أن يرعى له كل شهر بدرهم لم يكن له أن يزيد فيها شاة لان المعقود عليه
هنا عمل الرعي وإنما التزم إقامة الكل في المحل الذي عينه فليس له أن يكلفه فوق ذلك وان باع
منها طائفة فإنه ينقصه من الاجر بحساب ذلك لان المعقود عليه لما كان هو العمل فإنما يستوجب
الاجر بقدر ما يقيم من العمل كالخياط والقصار وإذا ولدت الغنم لم يكن له عليه أن يرعى أولادها
معها لان الولد بعد الانفصال في عمل الرعي كشاة أخرى فإن كان اشترط عليه حين دفع
الغنم إليه أن يولدها ويرعى أولادها معها فهو فاسد في القياس لان المعقود عليه هو العمل
فلا بد من اعلامه واعلامه ببيان محله وهنا محل العمل مجهول لأنه لا يدري ما تلد منها وكم تلد
وجهالة المعقود عليه مفسدة للعقد ولكنه استحسن ذلك فأجازه لأنه عمل الناس ولأن هذه
الجهالة لا تفضي إلى المنازعة بينهما والجهالة بعينها لا تفسد العقد فكل جهالة لا تفضي إلى المنازعة
فهي لا تؤثر في العقد والإبل والبقر والخيل والحمير والبغال في جميع ما ذكرنا كالغنم وليس للراعي
ان ينزى على شئ منها بغير أمر ربها لان ذلك ليس من عمل الراعي فهو فيه كالأجنبي ضامن
لما يعطب منها ان فعله ولو لم يفعله الراعي ولكن الفحل الذي فيها نزى على بعضها فعطب فلا
ضمان على الرعي في ذلك لان صاحب الغنم قد رضي بذلك حين خلط الفحل بالإناث من
غنمه والراعي لا يمكنه المنع من ذلك فلا ضمان عليه في ذلك ولو ندت واحدة منهما فخاف الراعي
ان باع ماند منها أن يضيع ما بقي فهو في سعة في ترك ماند منها لأنه ابتلى ببليتين فيختار أهونهما ولأنه
لو باع ماند منها كان مضيعا لما بقي ولا يعلم أنه هل يقدر على أخذ ما ندأ ولا يقدر وليس له أن
يضيع ما في يده فلهذا كان في سعة من ذلك ولا ضمان عليه فيما ند في قول أبي حنيفة رحمه الله لأنه
ضاع بغير فعله وهو في ترك اتباعه مقبل على حفظ ما بقي وليس بمضيع لما ند وهو ضامن في قول
أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لأنه تلف بما يمكن التحرز عنه في الجملة وان استأجر من يجئ
بتلك الواحدة فهو متطوع في ذلك كغيره من الناس لان صاحبها لم يأمره بالاستئجار وكذلك
ان تفرقت فرقا فلم يقدر على اتباعها كلها فأقبل على فرقة منها وترك ما سواها فهو في سعة من
ذلك لأنه اقبال على حفظ ما هو متمكن من حفظه فهذا وما تقدم سواء فإن كان الراعي
أجيرا مشتركا فرعاها في بلد فعطبت فقال صاحبها إنما اشترطت عليك أن ترعاها في موضع غير
ذلك وقال الراعي بل شرطت على هذا الموضع فالقول قول رب السائمة لان الاذن يستفاد
164

من جهته ولو أنكره أصلا كان القول قوله مع يمينه والبينة بينة الراعي لأنه يثبت الاذن في
هذا الموضع ببينته ثم لا يضمن في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قولهما هو ضامن إلا أن يقيم
البينة على الموت وإن كان أجيرا خاصا لم يضمن في قولهم جميعا إلا أن يخالف ولا أجر للراعي
إذا خالف بعد أن تعطب الغنم لأنه غاصب ضامن وبالضمان يتملك المضمون من وقت وجوب
الضمان فيتبين أنه في الرعي كان عاملا لنفسه فلا يستوجب الاجر على غيره فان سلمت الغنم
استحسنت أن أجعل له الاجر لحصول مقصود رب الغنم وهو الرعي مع سلامة أغنامه وهو
بتعيين ذلك المكان ما قصد الا هذا فإذا حصل له هذا بعينه في مكان وجب عليه الاجر والله أعلم
(باب إجارة المتاع)
(قال رحمه الله وإذا استأجر ثوبا ليلبسه يوما إلى الليل بأجر مسمى فهو جائز لأنه عين
منتفع به بطريق مباح وليس له أن يلبسه غيره) لان المعقود عليه لبسه بنفسه وهذا لان
التعيين متى أفاد اعتبر وهذا تعيين مفيد لان الناس يتفاوتون في لبس الثياب فلبس الدباغ
والقصار لا يكون كلبس العطار بخلاف سكنى الدار فالناس لا يتفاوتون في ذلك فان أعطاه غيره
فلبسه ذلك اليوم ضمنه ان أصابه شئ لأنه غاصب في الباسه غيره وإن لم يصبه شئ فلا
أجر له لان المعقود عليه ما يصير مستوفى بلبسه فما يكون مستوفي بلبس غيره لا يكون
معقودا عليه واستيفاء غير المعقود عليه لا يوجب البدل (ألا ترى) أنه لو استأجر ثوبا بعينه ثم
غصب منه ثوبا آخر ولبسه لم يلزمه الاجر فكذلك إذا ألبس ذلك الثوب غيره لان تعيين اللابس
كتعيين الملبوس (فان قيل) هو قد يتمكن من استيفاء المعقود عليه وذلك يكفي لوجوب الاجر
عليه كما لو وضعه في بيته ولم يلبسه (قلنا) تمكنه من الاستيفاء باعتبار يده وإذا وضعه في بيته
فيده عليه معتبرة ولذا لو هلك لم يضمن فاما إذا ألبسه غيره فيده عليه معتبرة حكما (ألا ترى)
أنه ضامن وان هلك من غير اللبس وان يد اللابس عليه يد معتبرة حتى يكون لصاحبه أن
يضمن غير اللابس ولا يكون الا بطريق تفويت يده حكما فلهذا لا يلزمه الاجر وان سلم
وان استأجره ليلبس يوما إلى الليل ولم يسم من يلبسه فالعقد فاسد لجهالة المعقود عليه فان
اللبس يختلف باختلاف اللابس وباختلاف الملبوس فكما أن ترك التعيين في الملبوس عند
العقد يفسد العقد فكذلك ترك تعيين اللابس (وهذه جهالة) تفضى إلى المنازعة لان صاحب
165

الثوب يطالبه بالباس أرفق الناس في اللبس وصيانة الملبوس وهو يأبى أن يلبس الا أخشن
الناس في ذلك ويحتج كل واحد منهما بمطلق التسمية ولا نصح التسمية مع فساد العقد وان
اختصما فيه قبل اللبس فسدت الإجارة وان لبسه هو وأعطاه غيره فلبسه إلى الليل فهو
جائز وعليه الاجر استحسانا وفي القياس عليه أجر المثل وكذلك لو استأجر دابة للركوب
ولم يبين من يركبها أو للعمل ولم يسم ما يعمل عليها فعمل عليها إلى الليل فعليه المسمى استحسانا
وفي القياس عليه أجر المثل لأنه استوفي المنفعة بحكم عقد فاسد ووجوب المسمى باعتبار صحة
التسمية ولا تصح التسمية مع فساد العقد * وجه الاستحسان أن المفسد وهو الجهالة التي تفضى
إلى المنازعة قد زال وبانعدام العلة المفسدة ينعدم الفساد وهذا لان الجهالة في المعقود عليه وعقد
الإجارة في حق المعقود عليه كالمضاف فإنما يتجدد انعقادها عند الاستيفاء ولا جهالة عند
ذلك ووجوب الاجر عند ذلك أيضا فلهذا أوجبنا المسمى وجعلنا التعيين في الانتهاء كالتعيين
في الابتداء ولا ضمان عليه ان ضاع منه لأنه غير مخالف سواء لبس بنفسه أو ألبس غيره
بخلاف الأول فقد عين هناك لبسه عند العقد فيصير مخالفا بالباس غيره وإذا استأجر قميصا
ليلبسه يوما إلى الليل فوضعه في منزله حتى جاء الليل فعليه الاجر كاملا لان صاحبه مكنه
من استيفاء المعقود عليه بتسليم الثوب إليه وما زاد على ذلك ليس في وسعه وليس له أن يلبسه
بعد ذلك لأن العقد انتهى بمضي المدة والاذن في اللبس كان بحكم العقد فلا يبقى بعد انتهاء
العقد وان ارتدى به يوما إلى الليل كان عليه الاجر كاملا لان هذا لبس ولكنه غير تام فان
المقصود بالقميص ستر البدن به وبهذا الطريق يحصل بعض الستر وان اتزر به إلى الليل
فهو ضامن ان تخرق لان الاتزار بالقميص غير معتاد وبمطلق التسمية إنما يتمكن من اللبس
المعتاد فكان غاصبا إذا اتزر به ضامنا ان تخرق بخلاف ما إذا ارتدى به فان ذلك معتاد في
بعض الأوقات * توضيحه ان الاتزار مفسد للقميص فما أتى به أضر بالثوب مما يتناوله العقد
والاتزار غير مفسد بل ضرره كضرر اللبس أو نده وان سلم فعليه الاجر استحسانا وفي القياس
لا أجر عليه لأنه مخالف ضامن والضمان والأجر لا يجتمعان كما لو ألبسه غيره * وجه الاستحسان
أنه يتمكن من استيفاء المعقود عليه باعتبار يده وإنما كان ضامنا بزيادة ضرر مفسد للثوب
فيبقى الاجر عليه لتمكنه من استيفاء المعقود عليه بخلاف ما إذا تخرق فهناك لما تقرر عليه
الضمان ملك الثوب من حين ضمنه ولا يجب الاجر عليه في ملك نفسه وإذا سلم فهو لم يملك
166

الثوب فيلزمه الاجر لتمكنه من الاستيفاء وإذا استأجرت المرأة درعا لتلبسه ثلاثة أيام فلها
أن تلبسه بالنهار وفي أول الليل وآخره ما يلبس الناس لان مطلق التسمية ينصرف إلى المعتاد
في لبس الثوب الصيانة بالنهار ومن أول الليل إلى وقت النوم ومن آخر الليل أيضا فقد
يبكرون خصوصا عند طول الليالي وان لبست الليل كله فهي ضامنة لأنها خالفت فان
ثوب الصيانة لا ينام فيه عادة وهو مفسد للثوب فتكون ضامنة ان تخرق بالليل وان تخرق
من لبسها في غير الليل فلا ضمان عليها لان الخلاف قد ارتفع بمجئ النهار وإنما كانت ضامنة
بالخلاف لا بالامساك فان لها أن تمسك الثوب إلى انتهاء المدة والأمين إذا ضمن بالخلاف
عاد أمينا بترك الخلاف كالمودع إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق فان تخرق من لبسها بالليل فهي
ضامنة وليس عليها أجر في تلك الساعة التي تخرق فيها الثوب وعليها الاجر فيما كان قبل ذلك
وبعده لأنها مستوفية للمعقود عليه وان سلم ولم يتخرق فعليها الاجر كله لاستيفاء جميع المعقود
عليه وهذا لأن الضمان لا ينافي العقد ابتداء وبقاء وإذا بقي العقد تحقق منها استيفاء المعقود
عليه فعليها الاجر الا في الساعة التي ضمنت بالتخرق لأنها في تلك الساعة غاصبة عاملة لنفسها
ولهذا تقرر عليها الضمان وإن كان الدرع ليس بدرع الصيانة إنما هو درع بذلة ينام في مثله
فلا ضمان عليه ان نامت فيه وعليها الاجر لان بمطلق العقد يستحق ما هو المعتاد والنوم في
مثله معتاد فلا تكون به مخالفة وان كانت استأجرته لمخرج تخرج فيه يوما بدرهم فلبسته في
بيتها فعليها الاجر لأنها استوفت المعقود عليه ولبسها في بيتها ولبسها إذا خرجت سواء وربما
يكون لبسها في بيتها أخف وكذلك لو لم تلبس ولم تخرج لأنها تمكنت من استيفاء المعقود
عليه ولو ضاع الدرع منها ذلك اليوم ثم وجدته بعد ذلك فلا أجر عليها إذا صدقها رب الثوب
لأنها لم تكن متمكنة من اللبس بعد ما ضاع الدرع منها وان لبسته في اليوم الثاني ضمنته
لانتهاء العقد بمضي المدة وان كذبها رب الدرع فإن كان الثوب في يدها حين اختلفا فالقول
قول رب الدرع لان تمكنها من اللبس في الحال دليل على أنها كانت متمكنة منه فيما مضي
ولان تسليمه الثوب إليها تمكين لها من لبسه وذلك أمر ظاهر وما تدعيه من الضياع عارض
غير ظاهر فعليها أن تبينه بالبينة والقول قول رب الدرع لانكاره مع يمينه على علمه لأنه يحلف
على الضياع من يد غيره ولا طريق له الا معرفة حقيقة ذلك فيحلف على علمه وان سرق
منها أو تخرق من لبسها فلا ضمان عليها وكذلك لو أصابه أقرض فأر وحرق نار أو لحس
167

سوس والحاصل أن المستأجر في العين أمين لان يده كيد المالك فإنه يتقرر حق المالك في الاجر
باعتبار يده ولهذا لو أصابه به عهده رجع به على الاخر فكان أمينا فيه كالمودع بخلاف الأجير
المشترك على قول من يضمنه فإنه في الحفظ عامل لنفسه فإنه يتمكن به ما تقرر حقه في الاجر
فكان ضامنا ولو أمرت خادمها أو ابنتها فلبسته فتخرق كانت ضامنة كما لو ألبست أجنبية أخرى
ولا أجر عليها وان سلم الثوب بعد أن صدقها رب الثوب وان كذبها فالقول قول رب الثوب
مع يمينه على علمه وان أجرته ممن تلبسه بفضل أو نقصان فهي ضامنة للخلاف والأجر لها بالضمان
وعليها التصدق به إلا عند أبي يوسف رحمه الله وقد بيناه ولو لبسه خادمها أو ابنتها بغير
أمرها فلا ضمان عليه بمنزلة ما لو غصبه انسان والأجر عليها ولا ضمان عليها لأنها لم تخالف
ولم تخرق من لبس الخادم كان الضمان في عنق الخادم لأنها غاصبة وضمان الغصب يجب دينا
في عنق المملوك ولو استأجر قبة لينصبها في بيته ويبيت فيها شهرا فهو جائز لان القبة من
المساكن فان قيل لا يمكن استيفاء المعقود عليه الا بما لم يتناوله العقد وهو الأرض التي ينصب
فيها القبة وذلك يمنع الإجارة كما لو استأجر أحد زوجي المقراض لقرض الثياب قلنا المعتبر كون
العين منتفعا به وأن يتمكن المستأجر من استيفاء المعقود عليه وذلك موجود فالانسان لا يعدم
الأرض لينصب فيها القبة ولان المقصود بالقبة الاستظلال ودفع أذى الحر والبرد والمطر
وذلك بالمعقود عليه دون الأرض وإن لم يسم البيوت التي ينصبها فيها فالعقد جائز أيضا لان ذلك
لا يختلف باختلاف البيوت وترك تعيين غير مفيد لا يفسد العقد وان سمى بيتا فنصبها من غيره
فهو جائز وعليه الاجر لان هذا تعيين غير مفيد فالضرر لا يختلف باختلاف البيوت فان نصبها
في الشمس أو المطر كان عليها في ذلك ضرر فهو ضامن لما أصابها من ذلك لأنه مخالف فالشمس
تحرقها والمطر يفسدها وإنما رضى صاحبها بنصبها في البيت ليأمن من ذلك وإذا وجب عليه
الضمان بطل الاجر لان الاجر والضمان لا يجتمعان ولأنه تملكها بالضمان من حين ضمن وان
سلمت القبة كان عليه الاجر استحسانا لأنه استوفى المعقود عليه حين استظل بالقبة وإنما كان
ضامنا باعتبار زيادة الضرر فإذا سلمت سقط اعتبار تلك الزيادة فيلزمه الاجر باستيفاء المعقود
عليه ولو شرط أن ينصبها في داره فنصبها في دار في قبيلة أخرى في ذلك المصرف فعليه الاجر ولا
ضمان عليه لان هذا تعيين غير مفيد وليس له أن يخرجها من المصر لان فيه إلزام مؤنة على
صاحبها وهو مؤنة الرد وهو لم يلتزم ذلك فان أخرجها إلى السواد فنصبها فسلمت أو انكسرت
168

فلا أجر عليه لأنه غاصب حين أخرجها من المصر (ألا ترى) انه لو وجب الاجر كان مؤنة
الرد على صاحب القبة وهو غير ملتزم لذلك فجعلناه غاصبا ضامنا لتكون مؤنة الرد عليه فلهذا
لا أجر عليه وإذا استأجر رحا يطحن عليه فحمله فذهب به إلى منزلة فلما فرغ منه فمؤنة الرد
على صاحب الرحا ولو كانت ذلك عارية كانت مؤنة الرد على المستعير لان الرد فسخ لعمل النقل
فإنما تجب المؤنة على من حصل له منفعة النقل ومنفعة النقل في العارية للمستعير فمؤنة الرد عليه وفي
الإجارة على رب الرحا لان بالنقل يتمكن المستأجر من استيفاء المعقود عليه وبه يجب الاجر
لرب الرحا فهذا كانت مؤنة الرد عليه وإذا استأجر منه عيدان حجلة أو كسوتها مدة معلومة جاز
لأنه عين منتفع به * والحاصل ان كل عين منتفع به معتاد الاستئجار فيه صحيح وعلى هذا استئجار
البسط والوسائد والصناديق والسرر والقدور والقصاع ولو استأجر منه قدورا بغير عينها لم
يجز لان المعقود عليه مجهول فان القدور مختلفة في الصغر والكبر والانتفاع بها بحسبها فان جاءه
بقدر فقبله على الكراء الأول فهو جائز والأجر له لازم اما لان التعيين في الانتهاء كالتعيين في
الابتداء أو لان الإجارة تنعقد بالتعاطي كالبيع وكذلك لو استأجر منه ستورا يعلقها على بابه وقتا
معلوما ولو كفل كفيل بشئ من هذه الأمتعة الاجر عن المستأجر فالكفالة باطلة لأن العين
أمانة في يد المستأجر والكفالة بالأمانات لا نصح والإجارة جائزة لان الكفالة لم تكن
مشروطة فيه وان أعطاه بالأجر كفيلا فهو جائز لأنه مضمون في ذمة المستأجر وعلى هذا لو
استأجر ميزانا ليزن به والسنجات والقبان والمكاييل فهذا كله متعارف جائز وان استأجر سرجا
ليركبه شهرا فأعطاه غيره فركبه فهو ضامن لان هذا مما يختلف فيه الناس فمن يحسن الركوب على
السرج لا يضر به ركوبه ومن لا يحسن الركوب عليه يضر به ركوبه وإذا اعتبر التعيين كان ضامنا
بالخلاف ولا أجر عليه وإذا استأجر إكافا ينقل عليه حنطته شهرا فهو جائز وحنطته وحنطة
غيره سواء والجوالق كذلك لان هنا تعيين غير مفيد وكذلك استئجار المحمل إلى مكة
وكذلك الرجل يستأجر ليركب عليه فهو جائز وليس له أن يحمل غيره عليه فان فعل فهو
ضامن ان أصابه شئ للتفاوت بين الناس في الاضرار بالرجل عند الركوب عليه وكذلك الفسطاط
يستأجره ليخرج به إلى مكة فان أسرج في الخيمة أو الفسطاط أو القبة أو علق فيه القنديل فلا
ضمان عليه لان ذلك معتاد وقد بينا أنه يستحق بمطلق العقد الاستعمال المعتاد وان اتخذ فيه
مطبخا فهو ضامن لأنه غير معتاد إلا أن يكون ذلك معدا لذلك العمل وذكر عن الحسن
169

رحمه الله قال لا بأس بأن يستأجر الرجل حلي الذهب بالذهب وحلي الفضة بالفضة وبه
نأخذ فان البدل بمقابلة منفعة الحلي دون العين ولا ربا بين المنفعة وبين الذهب والفضة ثم
الحلي عين منتفع به واستئجاره معتاد فيجوز وإذا شرطت أن تلبسه فألبست غيرها ضمنت ولا
أجر عليها كما في الثياب لان الضرر على الحلي عند اللبس يختلف باختلاف اللابس وان قال رب
الحلي أنت لبستيه وقد هلك الحلي فقد أبرأها من الضمان والضمان واجب له فقوله مقبول
في اسقاطه ويكون له عليها الاجر لأن الظاهر شاهد لرب الحلي وقد أقرت هي أن الحلي كان
عندها وذلك يوجب الاجر عليها ولو استأجرته يوما إلى الليل فان بدا لها فحبسته فلم ترده
عشرة أيام فالإجارة عشرة أيام فالإجارة على هذا الشرط فاسدة في القياس لجهالة المعقود عليه
أو لتعلق العقد بالخطر فيما بعد اليوم وهو أن يبدو لها وتعليق الإجارة بالخطر لا يجوز ولكني
أستحسن وأجيزها وأجعل عليها الاجر كل يوم بحسابه لان هذا الشرط متعارف محتاج
إليه فإنها إذا خرجت إلى وليمة أو عرس لا تدري كم تبقى هناك فتحتاج إلى هذا الشرط لدفع
الضرر والضمان عن نفسها ثم قد بينا أن وجوب الاجر عليها عند الاستعمال والخطر قبل
ذلك فيزول ذلك عند استعمالها فلهذا يلزمها الاجر لكل يوم تحبسه فيه والله أعلم
(باب إجارة الدواب)
(قال رحمه الله وإذا استأجر دابة ليركبها إلى مكان معلوم بأجر مسمى فهو جائز وليس
له أن يحمل عليها غيره) لان هذا تعيين مفيد فالناس يتفاوتون في ركوب الدابة وليس ذلك
من قبل الثقل والخفة بل من قبل العلم والجهل فالثقيل الذي يحسن ركوب الدابة يروضها
ركوبه والخفيف الذي لا يحسن ركوبها يعقرها ركوبه فان حمل عليها غيره فهو ضامن ولا
أجر عليه لأنه غاصب غير مستوف للمعقود عليه على ما قررنا في الثوب وان ركب وحمل معه
آخر فسلمت فعليه الكراء كله لأنه استوفى المعقود عليه بكماله وزاد فإذا سلمت سقط اعتبار
الزيادة فعليه كمال الاجر لاستيفاء المعقود عليه وان عطبت بعد بلوغها المكان من ذلك الوقت
فعليه الاجر كله لاستيفاء المعقود عليه فان ركوبه لا يختلف بان يردف معه غيره أو لا يردف
ووجوب الاجر باعتبار ركوبه وعليه ضمان نصف القيمة لأنه خالف حين أردف وشغل
نصف الدابة بغيره فبحسب ذلك يكون ضامنا وهذا إذا كانت الدابة تطيق اثنين فإن كان
170

يعلم أنها لا تطيق ذلك فهو ضامن لجميع قيمتها لأنه متلف لها وأما إذا كانت تطيق فالتلف
حصل بركوبه وهو مأذون فيه وبركوب غيره وهو غير مأذون فيه فيتوزع الضمان على ذلك
نصفين وسواء كان الرجل الاخر أثقل منه أو أخف (قال) لأنه لا يوزن لرجل في القبان
في هذا أرأيت لو كان يوزن أيوزن قبل الطعام أو بعده أو قبل الخلا أو بعده والمعنى ما بينا
أن الضرر على الدابة ليس من ثقل الراكب وخفته فلهذا يوزع الضمان نصفين (فان قيل) حين
تقرر عليه ضمان نصف القيمة فقد ملك نصف الدابة من حين ضمن فينبغي أن لا يلزمه نصف
الاجر (قلنا) هو بهذا الضمان لا يملك شيئا مما يشغله بركوب نفسه وجميع المسمى بمقابلة ذلك
وإنما يضمن ما شغله بركوب الغير ولا أجر بمقابلة ذلك ليسقط عنه وإذا استأجرها إلى الجبانة
أو الجنازة أو ليشيع عليها رجلا أو يتلقاه فهو فاسد إلا أن يسمى موضعا معلوما لان المعقود
عليه منفعة الركوب وذلك تتفاوت بحسب المسافة فإذا سمى موضعا معلوما صار مقدار المعقود
عليه به معلوما والا فهو مجهول لا يصير معلوما ما ذكره من التشييع أو التلقي وان تكاراها من
بلد إلى الكوفة ليركبها فله أن يبلغ عليها منزله بالكوفة استحسانا وفي القياس ليس له ذلك
لأنه لما دخل انتهي العقد لوجود الغاية فليس له أن يركبها بعد ذلك بدون اذن صاحبها ولكنه
استحسن للعرف فالظاهر أنه يتبلغ المستأجر على الدابة التي تكارها في الطريق إلى منزله ولا
يتكارى لذلك دابة أخرى والمعلوم بالعرف كالمشروط بالنص (ألا ترى) أن الورام المعتاد في
بعض الأشياء يسمى بالعرف فكذلك هذه الزيادة ورام الطريق في الإجارة فيستحق بالعرف
وكذلك لو استأجرها ليحمل متاعا فان حط المتاع في ناحية من الكوفة وقال هذا منزلي
فإذا هو أخطأ فأراد أن يحمله ثانية إلى منزله فليس له ذلك لان المستحق بالعرف قد انتهى
حين حط رحله وقال هذا منزلي فبعد ذلك هو مدعى في قوله قد أخطأت فلا يقبل قوله
ولان الورام كان مستحقا له لكيلا يحتاج إلى حط رحله ونقله إلى دابة أخرى وقد زال ذلك
المعنى حين حط رحله وكذلك لو تكارى حمارا من الكوفة يركبه إلى الحيرة ذاهبا وجائيا فله
أن يبلغ عليه إلى أهله بالكوفة إذا رجع كما لو تكارى من الكوفة إلى الحيرة فأما إذا تكاري
دابة بالكوفة من موضع كانت فيه الدابة إلى الكناسة ذاهبا وجائيا فأراد أن يبتلغ في رجعته
إلى أهله لم يكن له ذلك وإنما له أن يرجع إلى الموضع الذي تكارى عند الدابة لان الاستحسان
في الفصل الأول كان للعرف ولا عرف فيما تكاراها في المصر من موضع إلى موضع فيؤخذ
171

فيه بالقياس وربما يكون من ذلك الموضع إلى منزله من المسافة مثل ما سمى أو أكثر ولا
يستحق على سبيل الورام مثل المسمى في العقد أو فوقه فيقال له كما اكتريت من هذا الموضع
إلى الموضع الذي سميت فاكتر الدابة من هذا الموضع إلى منزلك وان استأجرها إلى مكان
معلوم ولم يسم ما يحمل عليها فان اختصموا رددت الإجارة لجهالة المعقود عليه وان حمل عليها
أو ركبها إلى ذلك المكان فعليه المسمى استحسانا لان التعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء
وقد قررنا هذا في الثوب وكذلك لو استأجر عبدا ولم يسم ما استأجره له وإذا سمى ما يحمل
على الدابة فحمل عليها غير ذلك فهذه المسألة على أربعة أوجه وقد بيناها في كتاب العارية
فالإجارة في ذلك كله قياس العارية إلا أن في كل موضع ذكرنا هناك أنه لا يصير ضامنا
فالاجر واجب عليه هنا وفي كل موضع ذكرنا هناك أنه يكون ضمان فلا أجر عليه هنا لأنه
غاصب غير مستوف للمعقود عليه فان المقصود عليه يختلف باختلاف المحمول وان اختلفا فقال
رب الدابة أكريتك من الكوفة إلى القصر بعشرة دراهم وقال المستأجرين إلى بغداد بعشرة
دراهم ولم يركبها تحالفا وترادا لان الإجارة في احتمال الفسخ قبل استيفاء المنفعة كالبيع
فالنص الوارد بالتحالف في البيع يكون واردا في الإجارة وان أقام البينة ففي قول أبي حنيفة
الأول رحمه لله يقضى بالكوفة إلى بغداد بخمسة عشر درهما وهو قول زفر رحمه الله ثم رجع
وقال إلى بغداد بعشرة دراهم وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله * وجه قوله الأول أن
رب الدابة أثبت ببينته العقد من الكوفة إلى القصر بعشرة دراهم فوجب القضاء بذلك
ببينته والمستأجر ببينته أثبت العقد من القصر إلى بغداد بخمسة دراهم فوجب قبول بينته
على ذلك فإذا عملنا بالبينتين كانت له من الكوفة إلى بغداد بخمسة عشر درهما * وجه قوله
الاخر أنهما اتفقا على مقدار الاجر وإنما اختلفا في مقدار المعقود عليه فالمستأجر يثبت
الزيادة في ذلك فكانت بينته أولى بالقبول كما لو أقام المستأجر البينة أنه زاده عقبه الأجير في
الكراء إلى مكة وان تكارى دابة بسرج ليركب عليها فحمل عليها إكافا فركبها فهو ضامن
بقدر ما زاد وفي الجامع الصغير قال هو ضامن جميع قيمتها في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي
قولهما يضمن بقدر ما زاد * وجه قولهما أن الحمار يركب تارة بسرج وتارة بإكاف والتفاوت بينهما
من حيث الثقل والخفة ما كان في كل واحد منهما عادة وفي مثله الضمان بقدر الزيادة كما لو
استأجرها ليحمل عليها عشرة مخاتيم حنطة فحمل عليها أحد عشر مختوما وأبو حنيفة رحمه الله
172

يقول الاختلاف هنا في الجنس من حيث أن الاكاف يأخذ من ظهر الحمار الموضع الذي
لا يأخذه السرج فهو نظير ما لو استأجر دابة ليحمل عليها حنطة فحمل عليها تبنا أو حطبا * توضيحه
أن التفاوت ليس من حيث الثقل والخفة ولكن لان الحمار الذي لا يألف الاكاف يضره
الركوب بإكاف وربما يجرحه ذلك فيكون مخالفا في الكل كما لو حمل عليها مثل وزن الحنطة
حديدا وكذلك لو نزغ عن الحمار سرجه وأسرجه بسرج برذون لا تسرج بمثله الحمير فهو
بمنزلة الاكاف وان أسرجه بسرج مثله أو أخف لم يضمن لان التعيين إذا لم يكن مفيدا فلا
يعتبر وكذلك أن استأجره بإكاف فأوكفه بإكاف مثله أو أسرجه مكان الاكاف لان
السرج أخف على الحمار من الاكاف فلا يكون خلافا منه ولو تكارى حمارا عريانا فأسرجه
ثم ركبه فهو ضامن له لأنه حمل عليه السرج بغير إذن صاحبه فكان مخالفا في ذلك قال مشايخنا
رحمهم الله وهذا على أوجه فان استأجره من بلد إلى بلد لم يضمن إذا أسرجه لان الحمار لا يركب
من بلد إلى بلد عادة الا بسرج أو إكاف والثابت بالعرف كالثابت بالشرط وان استأجره
ليركبه في المصر فإن كان من ذوي الهيئات فكذلك الجواب لان مثله لا يركب في المصر
عريانا وإن كان من العوام الذين يركبون الحمار في المصر عريانا فحينئذ يكون ضمانا إذا أسرجه
بغير شرط وإذا استأجر دابة ليركبها إلى مكان معلوم فجاوز بها ذلك المكان ثم رجع فعطبت
الدابة فلا ضمان عليه في قول أبي حنيفة الأول رحمه الله ثم رجع فقال هو ضامن ما لم
يدفعها إلى صاحبها وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله * وجه قوله الأول أنه كان أمينا
فيها فإذا ضمن بالخلاف ثم عاد إلى الوفاق عاد أمينا كالمودع * وجه قوله الآخر أنه بعد ما صار
ضامنا بالخلاف لا يبرأ الا بالرد على المالك أو على من قامت يده مقام يد المالك ويد المستأجر
يد نفسه لأنه يمسكها لمنفعة نفسه كالمستعير فلا تكون يده قائمة مقام يد المالك فلا تبرأ عن
الضمان وان عاد إلى ذلك المكان لأنه ينتفع بها لنفسه في ذلك المكان بخلاف المودع فهناك يده
قائمة مقام يد المالك وقد طعن عيسى رحمه الله في هذا فقال يد المستأجر كيد المالك بدليل أنه يرجع
بما يلحقه من الضمان على المالك كالمودع بخلاف المستعير وبدليل أن مؤنة الرد على المالك في الإجارة
دون العارية ولكنا نقول رجوعه بالضمان للغرور المتمكن بسبب عقد المعاوضة وذلك لا يدل على
أن يده ليست بيد نفسه كالمشترى يرجع بضمن الغرور فكذلك مؤنة الرد عليه لما له من المنفعة
في النقل فأما يد المستأجر يد نفسه والاشكال على هذا الكلام ما تقدم أن المرأة إذا استأجرت
173

ثوب صيانة لتلبسه أياما فلبسته بالليل كانت ضامنه ثم إذا جاء النهار برئت من الضمان ويدها
يد نفسها ولكنا نقول هناك الضمان عليها باللبس لا بالامساك لان لها حق الامساك ليلا ونهارا
واللبس الذي لم يتناوله بالعقد لم يبق إذا جاء النهار وهنا الضمان على المستأجر بالامساك في غير
المكان المشروط (ألا ترى) أنه لو جاوز بها ذلك المكان ولم يركبها كان ضامنا ولو حبسها في
المصر أياما ولم يركبها كان ضامنا والامساك لا ينعدم وان عاد إلى ذلك المكان ما دام يمسكها
لمنفعة نفسه ثم الكلام في التفصيل بينما إذا استأجرها ذاهبا وجائيا أو ذاهبا لا جائيا قد تقدم
في العارية فهو مثله في الإجارة ولو لم يجاوز المكان ولكنه ضربها في السير أو كبحها باللجام
فعطبت فهو ضامن إلا أن يأذن له صاحبها في ذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو
يوسف ومحمد رحمهما الله يستحسن أن لا يضمنه إذا لم يتعد في ذلك وضرب كما يضرب
الناس الحمار في موضعه لأنه بمطلق العقد يستفيد الاذن فيما هو معتاد والضرب والكبح باللجام
في السير معتاد وربما لا تنقاد الدابة الا به فيكون الاذن فيه ثابتا بالعرف ولو أذن فيه نصا
لم يضمن المستأجر به فكذلك إذا كان متعارفا والقياس ما قاله أبو حنيفة رحمه الله لأنه ضربها
بغير إذن مالكها وذلك تعد موجب للضمان وبيان أن المستحق له بالعقد سير الدابة لا صفة
الجودة فيه وهو لا يحتاج إلى الضرب والكبح في أصل تسيير الدابة وإنما يستخرج بذلك منها
* نهاية السير والجودة في ذلك وثبوت الاذن بمقتضى العقد فيفتقر على المستحق بالعقد *
توضيحه أنه وان أبيح له الضرب فإنما أبيح لمنفعة نفسه فان حق المالك في الآخر يتقرر بدونه
ومثله يقيد بشرط السلامة كتعزير الزوج زوجته ورمى الرجل إلى الصيد ومشيه في الطريق
مباح شرعا ثم يتقيد بشرط السلامة بخلاف ما إذا أذن له المالك فيها نصا فان بعد الاذن
فعله كفعل المالك وان استأجرها ليحمل عليها متاعا سماه إلى موضع معلوم فأجرها بمثل ذلك
بأكثر مما استأجرها لم يطب له الفضل إلا أن يزيد معها حبلا أو جوالق أو لجاما فحينئذ يجعل
زيادة الاجر بإزاء ما زاد ولو علفها لم يطلب له الفضل له لان العلف ليس بعين ينتفع به
المستأجر لنعجل الزيادة بمقابلته وان استأجرها بغير لجام فألجمها أو بلجام فنزعه وأبد له بلجام
آخر مثله فلا ضمان عليه لان اللجام لا يضر بالدابة وإنما ينفعها من حيث أن السير يخف به
عليها فلم يكن هذا خلافا من المستأجر الا إذا ألجمها بلجام لا يلجم مثلها به فحينئذ يكون مخالفا
ضامنا وإذا استأجر دابة لحمولة فساق رب الدابة فعثرت فسقطت الحمولة وفسدت وصاحب
174

المتاع يمشي مع رب الدابة أوليس معه فالمكارى ضامن لان المكارى أجير المشترك والتلف
حصل بجناية يده وكذلك لو انقطع حبله فسقط الحمل فهذا من جناية يده لأنه لما شده بحبل
لا يحتمله كان هو المسقط للحمل ولو مطرت السماء ففسد الحمل أو اصابته الشمس ففسد
أو سرق من ظهر الدابة فلا ضمان عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله وهو ضامن في قول من
يضمن الأجير لان التلف حصل لا بفعله على وجه يمكن التحرز عنه وروى بشر عن أبي يوسف
رحمهما الله قال إذا كان صاحب الحمل معه فسرق لم يضمن المكارى لان الحمل في يد صاحبه
والأجير المشترك إنما يصير ضامنا عندهما باعتبار يده فما دام المتاع في يد صاحبه لم يضمن
الأجير إذا تلف بغير فعله فان حمل عليها عبدا صغيرا فساق به رب الدابة فعثرت وعطب العبد
فلا ضمان عليه لان هذا جناية ولا يشبه هذا المتاع ومعنى هذا الكلام ان ما يجب من الضمان
باتلاف النفوس ضمان الجناية وضمان الجناية ليس من جنس ضمان العقد (ألا ترى) أنه يجب
على العاقلة مؤجلا ووجوب الضمان على الأجير المشترك فيما جنت يده باعتبار العقد فلا يلزمه
ما ليس من جنس ضمان العقد فاما ضمان المتاع من جنس ضمان العقد حتى يكون عليه حالا
دون العاقلة وبيان هذا الكلام ان على أحد الطريقين يقيد العقل بصفة السلامة بمقتضى عقد
المعاوضة وعلى الطريق الآخر العمل مضمون عليه لأنه يقابله بدل مضمون فعرفنا أن الضمان
على الطريقين باعتبار العقد وكذلك لو حمل عليها صاحب المتاع متاعه وركبها فساقها رب الدابة
فعثرت فعطب الرجل وأفسد المتاع لم يضمن رب الدابة شيئا أما لأنه لا يضمن نفس صاحب
المتاع لان ذلك ضمان الجناية ولا يضمن المتاع لان متاعه في يده معناه أن العمل فيه يصير
مسلما بنفسه فيخرج من ضمان رب الدابة وإذا تكارى من رجل دابة شهرا بعشرة دراهم
على أنه متى ما بدا له من ليل أو نهار حاجة ركبها لا يمنعه منها فإن كان مسمى بالكوفة ناحية من
نواحيها فهو جائز وإن لم يكن سمى مكانا فالإجارة فاسدة لان المعقود عليه لا يصير معلوما
ببيان المدة إذا لم يكن الركوب مستغرقا بجميع المدة وإنما يصير معلوما ببيان المكان فما لم يبين
ذلك لا يجوز وان تكاراها يوما يقضى حوائجه في المصر فهو جائز لان الركوب هنا مستدام في
المدة المذكورة ولان نواحي المصر في حكم مكان واحد ولهذا جاز عقد السلم إذا شرط الايفاء
في المصر وإن لم يبين موضعا منه فإذا كان نواحي المصر كمكان واحد كان له أن يركب إلى أي
نواحي المصر شاء والى الجنازة ونحوها لان المقابر من فناء المصر وليس له أن يسافر عليها لأنه
175

استأجرها للركوب في المصر وان تكاراها إلى واسط يعلفها ذاهبا وجائيا فركبها حتى أتى واسط
فلما رجع حمل عليها رجلا معه فعطبت فعليه أجر مثلها في الذهاب لان الاستئجار بعلفها فاسد
لجهالة الاجر وقد استوفى منفعتها بعقد فاسد فعليه أجر مثلها في الذهاب ونصف أجر مثلها في
الرجوع لأنه استوفي في الرجوع منفعة نصفها وهو ما شغلها بركوب نفسه فلذلك يلزمه نصف
أجر المثل وقد ذكر قبل هذا في الإجارة الصحيحة أنه إذا ركبها وأردف فعليه جميع المسمى
ومن أصحابنا رحمه الله من يقول لان في الإجارة الصحيحة يجب الاجر بمجرد التمكن وفي
الفاسد لا يجب الاجر الا باستيفاء المنفعة ولهذا يلزمه بقدر ما استوفى (قال) رضي الله عنه
وهذا ليس بقوى عندي في الموضعين جميعا فبالتمكن من الاستيفاء يجب أجر المثل وفي العقد
الصحيح لا يعتبر التمكن فيما شغله بركوب غيره ولكن الصحيح أنه لا فرق في الحقيقة إنما
يجب أجر المثل بحسب ما استوفى من المنفعة فيتضاعف أجر مثلها إذا أردف فإذا أوجبنا عليه
نصف أجر مثلها فقد أوجبنا من أجر المثل جميع ما يخص ركوبه وكذلك عند صحة العقد فان
جميع المسمى هناك بمقابلة ركوبه فهو نظير نصف أجر المثل هنا ثم يكون ضامنا نصف قيمة
الدابة وان حمل عليها متاعا معه فهو ضامن بقدر ما زاد لأنه مخالف له في ذلك ويحسب ما علفها
به لأنه علفها باذن صاحبها فيستوجب الرجوع به عليه ويكون قصاصا بما استوجب عليه
صاحبها من الأجرة وان تكارى دابة عشرة أيام كل يوم بدرهم فحبسها ولم يركبها حتى ردها يوم
العاشر قال يسع صاحبها أن يأخذ الكراء وإن كان يعلم أنه لم يركبها لأنه أتى بما يستحقها بما
هو المستحق عليه بالعقد وهو تسليم الدابة إليه وتمكينها من ركوبها في المدة فيطيب له الاجر
كالمرأة إذا سلمت نفسها إلى زوجها طاب لها جميع الصداق وان كانت تعلم أن زوجها لم
يطأها وان تكاراها يوما واحدا فلا أجر عليه فيما حبسها بعد ذلك وان أنفق عليها فهو متطوع
في ذلك إلا أن يكون بأمر صاحبها ولو تكارى دابة لعروس تزف عليها إلى بيت زوجها
فحبس الدابة حتى أصبح ثم ردها ولا يركب فلا كراء عليه لأنه لم يوجد تسليم المعقود عليه
فالمعقود عليه خطوات الدابة في الطريق لنقل العروس وذلك لا يوجد عند حبس الدابة في
البيت وان حملوا عليها غير العروس فان تكاراها العروس بعينها فهو ضامن ولا كراء عليه
لأنه غاصب مخالف وان تكاراها لعروس بغير عينها فلا ضمان عليه وعليه الكراء استحسانا
لان المستحق بالعقد قد استوفى والتعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء وان تكاراها على
176

أن يركب مع فلان يشيعه فحبسها من غدوة إلى انتصاف النهار ثم بدا للرجل أن لا يخرج
فرد الدابة عند الظهر فإن كان حبسها قدر ما يحبس الناس فلا ضمان عليه وان حبسها أكثر
من ذلك فهو ضامن لامساكه إياها في غير المكان المشروط إلا أن قدر ما يحبس الناس صار
مستثنا له بالعرف ولا أجر عليه في الوجهين لأنه لم يستوف المعقود عليه فالمعقود عليه خطوات
الدابة في الطريق ولا يوجد ذلك إذا حبسها في المصرف ولان صاحب الدابة متمكن من أن تسير
الدابة معه إلى الطريق وان ركبها بعد الحبس فلا أجر عليه أيضا لأنه صار ضامنا بالخلاف
فيكون كالغاصب لا يلزمه الاجر إذا عطبت لاستناد ملكه فيها إلى وقت وجوب الضمان عليه
وان تكارى دابة بغير عينها إلى حلوان فنتجت في الطريق وضعفت من حمل الرجل لأجل
الولادة فعلى المكارى أن يأتي بدابة أخرى تحمله ومتاعه لأنه التزم بالعقد العمل في ذمته
فعليه الوفاء بما التزم (ألا ترى) أن هذه الدابة لو هلكت كان عليه أن يأتي بأخرى فكذلك إذا
ضعفت إلا أن يكون الكراء وقع على هذه بعينها فحينئذ المعقود عليه منافعها ولا يتأنى استيفاء
ذلك من دابة أخرى بل يكون عذرا في فسخ الإجارة وان تكارى ثلاث دواب ثم إن رب
الدواب أجر دابة من غيره وأعار أخرى ووهب أخرى أو باع فوجد المستكرى الدواب في
أيديهم فإن كان باع من عذر فبيعه جائز وانتقصت الإجارة على رواية هذا الكتاب وقد بيناه
وان باع من غير عذر فالبيع مردود والمستكرى أحق بالدواب لتقدم عقده وثبوت استحقاق
المنافع له واليد في العين بذلك العقد إلا أن ما وجده في يد المستعير فلا خصومة بينهما حتى
يحضر رب الدواب لان يد المستعير ليس بيد الخصومة وما وجده في يد الموهوب له فهو
خصم فيها لأنه يدعى ملك عينها فيكون خصما لمن يدعي حقا فيها وأما الإجارة فالمستأجر أحق
بها حتى يستوفي الإجارة وهذا جواب مبهم فإنه لم يبين أي المستأجرين أحق بها فمن
أصحابنا رحمهم الله من يقول مراده الأول والثاني يكون خصما له لان الأول يدعى ما يزعم
الثاني أنه له فيكون خصما له في ملكه ولكن الأصح أن المستأجر الثاني لا يكون خصما
للأول حتى يحضر رب الدابة بمنزلة المستعير لأنه لا يدعى ملك عينها لنفسه ولو تكارى
غلاما ودابة إلى البصرة بعشرة دراهم ذاهبا وجائيا وقد شرط لهم درهما إلى الكوفة فأبق
الغلام ونفقت الدابة فعليه من الاجر بحساب ما أصاب من خدمة الغلام وركوب الدابة
لأنه استوفى المعقود عليه بذلك القدر ثم انعدم تمكنه من استيفاء ما بقي بالهلال والإباق وقد
177

كان أمينا فيهما ولا ضمان عليه وان استأجر الدابة وحدها وقال المكارى استأجر غلاما عنى
كي نتبعك ونتبع الدابة وأجره على وأعطاه نفقة ينفق على الدابة ففعل المستأجر وسرقت
النفقة من الغلام فان أقام المستأجر البينة أنه استأجر الغلام وأقر الغلام بالقبض لزم المكارى
النفعة ضاعت أولم تضع وإلا فلا شئ عليه لأنه في استئجار الغلام وكيل صاحب الدابة
وقد أثبته بالبينة فيجعل كأن صاحب الدابة استأجره بنفسه ثم الغلام وكيل المكارى في قبض
النفقة منه فاقراره بالقبض كاقرار صاحب الدابة ولو تكاراها إلى بغداد بعشرة دراهم وأعطاه
الاجر فلما بلغ بغداد رد عليه بعض الدراهم وقال هي زيوف أو أستوقة فالقول قول رب
الدابة في ذلك أن لم يكن أقر بشئ لأنه ينكر استيفاء حقه وان أقر بقبض الدراهم فالقول
قوله فيما يزعم أنه زيوف لان الزيوف من جنس الدراهم فلا يصير به مناقضا ولا يقبل قوله
فيما يزعم أنه أستوق لأنه مناقض في كلامه فالستوق ليس من جنس الدراهم وإن كان أقر
باستيفاء الأجرة أو باستيفاء حقه أو باستيفاء الجياد فلا قول له بعد ذلك فيما يدعى لكونه
مناقضا وإذا مات المكارى في الطريق فاستأجر المستكرى رجلا يقوم على الدابة فالاجر
عليه وهو متطوع في ذلك فهو كما لو أنفق على الدابة وان نفقت الدابة في الطريق فعليه
من الكراء بقدر ما ساروا والقول في ذلك قوله لأنهما تصادقا على أنه لم يستوف جميع المعقود
عليه وإنما اختلفا في مقدار ما استوفى أو في مقدار ما لزمه من الاجر فرب الدابة يدعى
الزيادة والمستكري منكر لذلك وان تكارى دابتين إحديهما إلى بغداد والأخرى إلى حلوان
فإن كانت التي إلى بغداد بعينها والتي إلى حلوان بعينها جاز العقد لان المعقود عليه معلوم وان
كانت بغير عينها لم يجز لجهالة في المعقود عليه على وجه يفضي إلى المنازعة وعليه فيما ركب
أجر مثله ولا ضمان عليه اعتبار للعقد الفاسد بالجائز وان تكاري بغلا إلى بغداد فأراد
المكارى أن يحمل متاعا له أو لغيره بكراء مع متاع فللمستكري أن يمنعه من ذلك لان
بالعقد استحق منافعه وقام هو في ذلك مقام المالك والمالك مقام الأجنبي فان حمله وبلغ الدابة
بغداد لم يكن للمستكرى أن يحبس عنه شيئا من الاجر لذلك لأنه حصل مقصوده بكماله
واستوفى ما استحقه بالعقد فإذا اختلف المؤجران في مقدار الكراء فالقول قول المستأجر لأنهما
يدعيان عليه الزيادة وبعد استيفاء المنفعة عقد الإجارة لا يحتمل الفسخ فكان القول قول
المنكر للزيادة وان أقام المؤاجر ان البينة فلكل واحد منهما نصف ما شهد به شهوده لان
178

كل واحد منهما يثبت حق نفسه وحق صاحبه وبينة كل واحد منهما على اثبات حقه أولى
بالقبول ولان كل واحد منهما مكذب ببينة صاحبه فلا تكون تلك البينة حجة في نصيبه
وان تكاراها على أنه بالخيار ساعة من نهار فركبها على ذلك فعطبت فعليه الاجر ولا ضمان
عليه لان ركوبه إياها في مدة خياره دليل الرضا منه بسقوط الخيار فإنه مستوف للمعقود
عليه متلف فلزمه الاجر بقدر ما استوفى ولا ضمان عليه كما لو لم يكن في العقد خياله وإن كان
الخيار لصاحب الدابة فالمستكرى ضامن لها ولا أجر عليه لأنه غاصب في ركوبها قبل أن
يتم رضى صاحبها به فإذا شرط الخيار يعدم تمام الرضاء. ولو تكارى حمارا يطحن عليه فأوثقه
في الرحا وساقه الأجير فتعسف عليه الأجير حتى عطب من عمله فالأجير ضامن لأنه متلف له
بالتعسف في سيره ولم يكن مأمورا بذلك من جهة المستأجر ليتنقل فعله إليه فلهذا لا شئ على
المستأجر منه وان استأجر ثورا يطحن عليه كل يوم عشرة أقفزة فوجده لا يطحن الا خمسة
أقفزة فالمستأجر بالخيار لأنه يغير عليه شرط عقده فإذا شاء أبطل الإجارة عليه فما بقي عليه
وفيما عمل من الطحن بحساب ما عمل من الأيام ولا يحط عنه من ذلك شيئا لان المعقود عليه
منفعة الثور في المدة وقد استوفى ذلك واشتراط عشرة أقفزة في كل يوم ليس لايراد العقد على
العمل بل لبيان جلادة الثور في عمل الطحن فلهذا لا ينتقص عنه شئ من الاجر فيما عمل من
الأيام. ولو تكارى دابة إلى بغداد فوجدها لا تبصر بالليل أو جموحا أو عثورا أو تعض فإن كان
ت الدابة بعينها فله الخيار لتغيير شرط العقد عليه وعليه من الاجر بحساب ما سار لأنه
استوفي المعقود عليه بقدره وان كانت بغير عينها فله أن يبلغه إلى بغداد على دابة غيرها لأنه
التزم العمل في ذمته وهذا إذا قامت البينة على عيب هذه الدابة لان دعوى المستأجر العيب
غير مقبولة الا بحجة ولو تكاري بعيرا ليعمل عليه عملا على النصف (قال) كان أبو حنيفة رحمه
الله يقول إذا كان ينقل الحمل على البعير فالاجر كله لصاحب البعير لأنه بدل منفعة بعيره
والمدفوع إليه نائب عنه في الاكراء وللذي يعمل عليه أجر مثله على صاحب البعير لأنه ابتغى
عن منافعه عوضا وقد سلمت منافعه لصاحب البعير ولم يسلم له العوض بمقابلته فعليه أجر المثل
له وإن كان الرجل يحمل عليه المتاع ليبيعه فما اكتسب عليه من شئ فهو له لأنه عامل لنفسه
فيما اكتسب بالبيع والشراء وعليه أجر مثل البعير لان صاحب البعير ابتغى عن منافع بعيره
عوضا ولم يسلم له ذلك. رجل تكارى غلاما ليذهب له بكتاب إلى بغداد فقال الغلام قد
179

ذهبت بالكتاب وقال الذي أرسل إليه الكتاب لم يأتني به فعلى الغلام البينة على ما يدعى لأنه
يدعى ابقاء المعقود عليه وان أقام البينة أنه قد دفع الكتاب إليه كان الثابت بالبينة كالثابت
باقرار الخصم وله الاجر على المرسل دون من حمل الكتاب إليه وان قال المرسل إليه أعطيته
أجرة عشرة دراهم فعليه البينة على ذلك كما لو كان المرسل هو الذي يدعى ايفاء الاجر وان
أقام الغلام البينة أنه قد أتى بغداد بالكتاب فلم يجد الرجل فله الاجر لأنه أتى بما استحق
عليه وهو قطع المسافة إلى بغداد مع الكتاب كما أمر به ثم إن كان استأجره ليذهب بالكتاب
ويأتي بالجواب فله أجر حصة الذهاب دون الرجوع لأنه في الرجوع غير ممتثل أمره ولا عامل
له حين لم يكن الجواب معه وإذا عاد بالكتاب حين لم يجد الرجل فلا أجر له في قول أبي حنيفة
وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله له ما يخص الذهاب من الاجر لأنه في الذهاب
عامل له كما أمر به فتقرر حقه في الاجر بقدره كما لو ترك الكتاب هناك عند أهل من
أرسل إليه وهذا بخلاف ما إذا استأجره ليحمل طعاما إلى بغداد فحمله ثم عاد به لان
استحقاق الاجر هناك بنقل الطعام من كان إلى مكان وقد نقص ذلك حين عاد بالطعام فلم
يبق تسليم شئ من المعقود عليه وهنا الاجر له بقطع المسافة إذ ليس للكتاب حمل ومؤنة
فلا يصير بالرجوع ناقصا عمله سواء عاد بالكتاب أو لم يعد وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما
الله يقولان شئ من مقصوده الامر لم يحصل بعمله فلا يستوجب الاجر عليه كما لو ذهب من
جانب آخر وبيان ذلك أن مقصود الامر أن يصل الكتاب إلى المرسل إليه ويصل الجواب
إليه وحين عاد بالكتاب صار الحال كما قبل ذهابه من حيث أن شيئا من مقصود الامر غير
حاصل فاما ذا ترك الكتاب هناك فبعض مقصوده حاصل لان المكتوب إليه إذا حضر وقف
على ما في الكتاب ويبعث بالجواب على يد غيره فلحصول بعض المقصود هناك ألزمناه حصة
الذهاب من الاجر. رجل تكارى دابة إلى مكان معلوم ولم يقل أركبها بسرج ولا إكاف فجاء
بها المكاري عريانة فركبها بسرج أو إكاف فعطبت (قال) إن كان يركب في ذلك الطريق مثل
تلك الدابة بإكاف أو بسرج فلا ضمان عليه ان كانت لا تركب الا بسرج فركب بإكاف فهو
ضامن لأنه بمطلق العقد يستحق استيفاء المعقود عليه على الوجه المتعارف فإذا خالف ذلك صار
ضامنا. ولو تكارى من الفرات إلى جعفي (وجعفي) قبيلتان بالكوفة ولم يسم أي القبيلتين هي أو
إلى الكناسة ولم يسم أي الكناستين أو إلى بحيله ولم يسم أيهما هي الظاهرة أو الباطنة فعليه
180

أجر مثلها لان المعقود عليه مجهول فكان العقد فاسدا واستيفاء المنفعة بحكم العقد الفاسد يوجب
أجر المثل ومثله بحارا إذا تكاراها إلى السهلة ولم يبين أي السهلتين هي سهلة قوت أو سهلة
أمير أو تكاراها إلى حسون ولم يبن أي القريتين ولو تكارى عبدا مأذون أو غير مأذون بنصف
ما يكتسبه على هذه الدابة فالإجارة فاسدة لجهالة الاجر ولأنه جعل الاجر بعض ما يحصل
بعمله فالإجارة فاسدة وله أجر مثله فيما عمل له إن كان مأذونا أو استأجره من مولاه وإن كان
غير مأذون ولم يستأجره من مولاه فان عطب الغلام كان ضامنا لقيمته لأنه غاصب له
حين استعمله بغير إذن مولاه ولا أجر عليه لأنه ملكه بالضمان من حين وجب عليه الضمان
وان سلم فعليه الاجر استحسانا وفي القياس لا أجر عليه لأنه غاصب له ضامن * وجه الاستحسان
ان العقد الذي باشره العبد بتمحض منفعة إذا سلم من العمل لأنه ان اعتبر وجب الاجر وإن لم
يعتبر لم يجب شئ والعبد المحجور عليه غير ممنوع عما يتمحض منفعة قبول الهبة والصدقة ولان
عقد اكتساب محض إذا سلم من العمل فهو كالاحتطاب والاصطياد إذا باشره العبد بغير إذن
مولاه وهذا لان الحجر لدفع الضرر عن المولى وفيما لا ضرر عليه لا حجر وان تكاراها
إلى بغداد على إن بلغه إليها فله رضاه فبلغه إليها فقال رضائي عشرون درهما فله أجر مثلها لجهالة
الاجر عند العقد واستيفاء المنفعة بعقد فاسد إلا أن يكون أجر المثل أكثر من عشرين
درهما فلا يزاد عليه لأنه رضي بهذا المقدار وأبرأه عن الزيادة وان تكارها بمثل ما يكارى به
أصحابه أو بمثل ما يتكارى به الناس فعليه أجر مثلها لان المسمى مجهول فالناس يتفاوتون في
ذلك فمن بين مسامح ومستقصي. وان تكارى دابة من الكوفة إلى مكان معلوم من فارس
بدراهم أو دنانير فعليه نقد الكوفة ووزنها لان السبب الموجب للأجر هو العقد وان تأخر
الوجوب إلى استيفاء المعقود عليه والعقد كان بالكوفة فينصرف مطلق التسمية إلى وزن
الكوفة ونقدها وهذا لان عمل العرف في تقييد مطلق التسمية والتسمية عند العقد لا عند
استيفاء المنفعة فلهذا يعتبر مكان العقد فيه وان تكاراها إلى فارس ولم يسم مكانا معلوما منها
فالعقد فاسد لجهالة المعقود عليه فقد سمى ولاية مشتملة على الأمصار والقرى فإذا لم يبين
موضعا منها فالمنازعة تتمكن بينهما من حيث أن المكارى يطالبه بالركوب إلى أدنى ذلك
الموضع وهو يريد الركوب إلى أقصى تلك الولاية ويحتج كل واحد منهما بمطلق التسمية
ومثله في ديارنا إذا تكارى دابة إلى فرغانة أو إلى سعد وان تكارى إلى الري ولم يسم
181

مدينتها ولا رستاقا بعينه فالعقد فاسد أيضا وروى هشام عن محمد رحمهما الله أن العقد جائز
وجعل الري اسما للمدينة خاصة بمنزلة ما لو تكاراها إلى سمرقند أو أوزجند ولكن في ظاهر
الرواية قال اسم الري يتناول المدينة ونواحيها فإذا لم يبين المقصد يمكن جهالة فيه تفضي إلى
المنازعة فان ركبها إلى أدنى الري فله أجر مثلها لا يزاد على ما سمى لان المكارى رضي بالمسمى
إلى أدنى الري فان ركبها إلى أقصى الري فله أجر مثلها لا ينتقص ما سمى لان المستكرى قد
التزم المسمى إلى أقصى الري فلا ينتقص عنه ويزاد عليه إذا كان أجر المثل أكثر من ذلك
لان المكارى إذا رضى بالمسمى إلى أدنى الري فلا يصير راضيا إلى أقصى الري ومثله في
ديارنا إذا استأجرها إلى بخارى فهو اسم للبلدة بنواحيها فأول حدود بخارى كرمينية وآخره
فربر وبينهما مسافة بعيدة فالتخريج فيه كتخريج مسألة الري وان تكاراها من الكوفة إلى
بغداد وعلى أنه أدخله بغداد في يومين فله عشرة والا فله درهم فهذا من الجنس الذي تقدم
بيانه أن عند أبي حنيفة رحمه الله التسمية الأولى صحيحة والثانية فاسدة وعندهما تصح
التسميتان وقد بينا ذلك في الخياط. رجل تكاري دابة من رجل بالكوفة من الغداة إلى
العشى (قال) يردها عند زوال الشمس لان ما بعد الزوال عشى قيل في تفسير قوله تعالى أن
سبحوا بكرة وعشيا قبل الزوال وبعد الزوال وكذلك في قوله تعالى ولا تطرد الذين يدعون
ربهم بالغداة والعشي أن الغداد قبل الزوال والعشي ما بعده وفي الحديث أن النبي صلى
الله عليه وسلم صلى أحد صلاتي العشاء إما الظهر أو العصر إذا ثبت هذا فنقول جعل
العشي غاية والغاية لا تدخل في الإجارة فان ركبها بعد الزوال ضمنها لأن العقد انتهى بزوال
الشمس فهو غاصب في الركوب بعد ذلك وان تكاراها يوما ركبها من طلوع الفجر الثاني
إلى غروب الشمس لان اليوم اسم لهذا الوقت (ألا ترى) أن الصوم يقدر باليوم شرعا وكان
من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وكذلك القياس فيما إذا استأجر أجيرا يوما إلا أن الأجير
ما لم يفرغ من الصلاة لا يشتغل بالعمل عادة فتركنا القياس فيه لهذا ولا يوجد هذا المعنى في
استئجار الدابة وان تكاراها ليلة ركبها عند غروب الشمس فيردها عند طلوع الفجر فان
بغروب الشمس يدخل الليل بدليل حكم الفطر ولم يذكر إذا تكاراها نهارا وبعض مشايخنا
رحمهم الله يقول إنما يركبها من طلوع الشمس إلى غروب الشمس فان النهار اسم الوقت من
طلوع الشمس " قال صلى الله عليه وسلم صلاة النهار عجما " فلا يدخل في ذلك الفجر ولا المغرب
182

وإنما سمى نهارا لجريان الشمس فيه كالنهر يسمى نهرا لجريان الماء فيه ولكن هذا إذا كان
من أهل اللغة يعرف الفرق بين اليوم والنهار فان العوام لا يعرفون ذلك ويستعملون اللفظين
استعمالا واحدا فالجواب في النهار كالجواب في اليوم وان تكاراها بدرهم يذهب عليها إلى
حاجته لم يجز العقد إلا أن يبين المكان لان المعقود عليه لا يصير معلوما الا بذكر المكان ولا
ضمان على المستأجر في الدابة إذا هلكت وهي في يده على إجارة فاسدة لان الفاسد من العقد
معتبر بالجائز ولأنه في الوجهين مستعمل للدابة بإذن المالك وان استحقت الدابة من يد المستأجر
وقد هلكت عنده فضمن قيمتها رجع على الذي أجرها منه لأنه مغرور من جهته بمباشرة
عقد الضمان فيرجع عليه بما يلحقه من الضمان بسببه ولا يملكها المستأجر بضمان القيمة لان
الملك في المضمون يقع لمن يتقرر عليه الضمان وهو الاجر ولا أجر للمستحق على أحد لان
وجوب الاجر بعقد باشره الاجر فيكون الاجر له خاصة وان تكاري دابة يطحن عليها
كل شهر بعشرة دراهم ولم يسم كم يطحن عليها كل يوم فالإجارة جائزة لان المعقود عليه منفعة
الدابة في المدة وذلك معلوم ولا يضمن ان عطبت من العمل إلا أن يكون شيئا فاحشا لان
المستحق بمطلق العقد استيفاء المعقود عليه على الوجه المتعارف فإذا جاوز ذلك كان مخالفا
ضامنا وان تكاراها إلى بغداد وركبها وخالف المكان الذي استأجرها إليه (قال) الكراء لازم
له في مسيره قبل الخلاف لأنه استوفي المعقود عليه في ذلك القدر كما أوجبه العقد وهو ضامن
للدابة فيما خالف ولا أجر عليه بعد ما صار ضامنا لها وان تكاراها ليحمل عليها انسانا فحمل
امرأة يقيلها برحل أو بسرج فعطبت الدابة فلا ضمان عليه ولا على المرأة لأنه مستوفي للمعقود
عليه فالمسمى في العقد انسان وهي انسان وان كانت ثقيلة إلا أن يكون أن مثل تلك الدابة
لا يطيق حملها فحينئذ يكون اتلافا موجبا للضمان وقد تطرف في العبارة حيث وضع هذه
المسألة في النساء دون الرجال لان النقل بهذه الصفة في الرجال مذموم وفي النساء محمود
وان تكارى يوما إلى الليل بدرهم فأراه الدابة على أريها وقال اركبها إذا شئت فلما جاء الليل
تنازعا في الكراء والركوب فإن كانت الدابة دفعت إلى المستأجر فعليه الاجر لان الاجر سلم
المعقود عليه فيتمكن المستأجر من الاستيفاء وان كأن لم يدفعها فلا اجر عليه لأنه لم يسلم
المعقود عليه إليه وعلى رب الدابة البينة أنه قد ركبها لأنه يدعى استيفاء المعقود عليه ووجوب
الاجر فعليه أن يثبت ذلك بالبينة وان تكاراها إلى الحيرة في حاجة له فقال دونك الدابة
183

فأركبها فلما كان في قدر ما يرجع من الحيرة فقال لم أركبها ولم أنطلق إلى الحيرة (قال) إذا حبسها
في قدر ما يذهب إلى الحيرة ويرجع فلا أجر عليه إذا لم يذهب لما بينا أن المعقود عليه خطوات
الدابة في طريق الحيرة ولا يتصور وجود ذلك إذا كانت الدابة على أريها في البيت وان
دفعها إليه وقال لم أذهب بها ان علم أنه توجه إلى الحيرة فقال رجعت ولم أذهب لم يصدق
لأنه لما علم توجهه إلى الحيرة ومضي من الزمان بعد ذلك مقدار ما يذهب من ويجئ فالظاهر
أنه قد أتى الحيرة فهو في قوله رجعت يدعى خلاف ما يشهد به الظاهر وان ردها من ساعة
فلا أجر عليه لأن الظاهر شاهد له فان قيل كيف يستحق رب الدابة الاجر بالظاهر والظاهر
حجة لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق قلنا استحقاقه بالعقد عند تمكن المستأجر من استيفاء
المعقود عليه فإنما يثبت بالظاهر لأنه يتمكن وذلك لا يكون استحقاقا بالظاهر ولأنه بهذا الظاهر
يدفع قول المستأجر انى رجعت قبل أن أتى الحيرة ولو تكارى دابة من رجل إلى بغداد
على أن يعطيه الاجر إذا رجع من بغداد فمات المستأجر ببغداد فالاجر إلى بغداد دين في
ماله لأنه استوفى المعقود عليه في ذلك القدر ثم انتقضت الإجارة بموته وسقط الاجل
أيضا فكان أجر ذلك المقدار دينا في تركته كسائر الديون والله أعلم
(تم الجزء الخامس عشر من كتاب المبسوط)
ويليه السادس عشر أوله باب انتقاض الإجارة)
184