الكتاب: بدائع الصنائع
المؤلف: أبو بكر الكاشاني
الجزء: ٤
الوفاة: ٥٨٧
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٩ - ١٩٨٩ م
المطبعة:
الناشر: المكتبة الحبيبية - باكستان
ردمك:
ملاحظات:

الجزء الرابع من
كتاب بدائع الصنائع
في
ترتيب الشرائع
تأليف
الامام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي
الملقب بملك العلماء المتوفى سنة هج‍ 587 رية
(الطبعة الأولى)
1409 ه‍ 1989 م‍
الناشر
المكتبة الحبيبية
كانسي رود حاجي غيبي چوك كوئته
باكستان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
{كتاب الرضاع}
قد ذكرنا في كتاب النكاح ان المحرمات نكاحا على التأبيد أنواع ثلاثة محرمات بالقرابة ومحرمات بالصهرية
ومحرمات بالرضاع وقد بينا المحرمات بالقرابة والصهرية في كتاب النكاح وهذا الكتاب وضع لبيان المحرمات
بالرضاع والكلام في هذا الكتاب يقع في ثلاثة مواضع أحدها في بيان المحرمات بالرضاع والثاني في بيان صفة
الرضاع المحرم والثالث في بيان ما يثبت به الرضاع
(فصل) أما الأول فالأصل ان كل من يحرم بسبب القرابة من الفرق السبع الذين ذكرهم الله عز وجل في
كتابه الكريم نصا أو دلالة على ما ذكرنا في كتاب النكاح يحرم بسبب الرضاعة الا ان الحرمة في جانب المرضعة
متفق عليها وفي جانب زوج المرضعة مختلف فيها أما تفسير الحرمة في جانب المرضعة فهو ان المرضعة تحرم على
المرضع لأنها صارت أما له بالرضاع فتحرم عليه لقوله عز وجل وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم معطوفا على قوله تعالى
حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم فسمى سبحانه وتعالى المرضعة أم المرضع وحرمها عليه وكذا بناتها يحرمن عليه
سواء كن من صاحب اللبن أو من غير صاحب اللبن من تقدم منهن ومن تأخر لأنهن أخواته من الرضاعة وقد قال
الله عز وجل وأخواتكم من الرضاعة أثبت تعالى الاخوة بين بنات المرضعة وبين المرضع والحرمة بينهما
مطلقا من غير فصل بين أخت وأخت وكذا بنات بناتها وبنات أبنائها وان سفلن لأنهن بنات أخ المرضع
وأخته من الرضاعة وهن يحرمن من النسب كذا من الرضاعة ولو أرضعت امرأة صغيرين من أولاد الأجانب
صارا أخوين لكونهما من أولاد المرضعة فلا يجوز المناكحة بينهما إذا كان أحدهما أنثى والأصل في ذلك
ان كل اثنين اجتمعا على ثدي واحد صارا أخوين أو أختين أو أخا وأختا من الرضاعة فلا يجوز لأحدهما ان
2

يتزوج بالآخر ولا بولده كما في النسب وأمهات المرضعة يحرمن على المرضع لأنهن جداته من قبل أمه من
الرضاعة وآباء المرضعة أجداد المرضع من الرضاعة فيحرم عليهم كما في النسب وأخوات المرضعة يحرمن على
المرضع لأنهن خالاته من الرضاعة وأخواتها أخوال المرضع فيحرم عليهم كما في النسب فاما بنات اخوة المرضعة
وأخواتها فلا يحرمن على المرضع لأنهن بنات أخواله وخالاته من الرضاعة وانهن لا يحرمن من النسب فكذا من
الرضاعة وتحرم المرضعة على أبناء المرضع وأبناء أبنائه وان سفلوا كما في النسب هذا تفسير الحرمة في جانب المرضعة
والأصل في هذه الجملة قول النبي صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فيجب العمل بعمومه
الا ما خص بدليل واما الحرمة في جانب زوج المرضعة التي نزل لها منه لبن فثبتت عند عامة العلماء وعامة الصحابة
رضي الله عنهم وروى عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال لا تثبت وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء بن يسار
وبشر المريسي ومالك وهي المسألة الملقبة عند الفقهاء بلبن الفحل انه هل يحرم أو لا وتفسير تحريم لبن الفحل ان المرضعة
تحرم على زوج المرضعة لأنها بنته من الرضاع وكذا على أبنائه الذين من غير المرضعة لأنهم أخوتها لأب من الرضاعة
وكذا على أبناء أبنائه وأبناء بناته من غير المرضعة لأنهم أبناء اخوة المرضعة وأخواتها لأب من الرضاعة وعلى هذا
إذا كان لرجل امرأتان فحملتا منه وأرضعت كل واحدة منهما صغيرا أجنبيا فقد صارا أخوين لأب من الرضاعة
فإن كان أحدهما أنثى فلا يجوز النكاح بينهما لان الزوج أخوها لأبيها من الرضاعة وإن كانا أنثيين لا يجوز
لرجل ان يجمع بينهما لأنهما أختان لأب من الرضاعة وتحرم على آباء زوج المرضعة لأنهم أجدادها من قبل الأب
من الرضاعة وكذا على اخوته لأنهم أعمامها من الرضاعة وأخواته عمات المرضع فيحرمن عليه واما أولاد اخوته
وأخواته فلا تحرم المناكحة بينهم لأنهم أولاد الأعمام والعمات ويجوز النكاح بينهم في النسب فيجوز في الرضاع
هذا تفسير لبن الفحل احتج من قال إنه لا يحرم بان الله عز وجل بين الحرمة في جانب المرضعة ولم يبين في جانب الزوج
بقوله تعالى وأمهاتكم من اللاتي أرضعنكم ولو كانت الحرمة ثابتة في جانبه لبينها كما بين في النسب بقوله عز وجل حرمت
عليكم أمهاتكم وبناتكم ولان المحرم هو الارضاع وانه وجد منها لا منه فصارت بنتا لها لا له والدليل عليه انه لو نزل
للزوج لبن فارتضعت منه صغيرة لم تحرم عليه فإذا لم تثبت الحرمة بلبنه فكيف تثبت بلبن غيره ولنا الحديث المشهور
وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وروى أن عائشة رضي الله عنها قالت جاء
عمى من الرضاعة فاستأذن على فأبيت ان آذن له حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال
صلى الله عليه وسلم إنما هو عمك فاذني له فقلت يا رسول الله إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم انه عمك فليلج عليك قالت عائشة رضي الله عنها وكان ذلك بعد ان ضرب علينا الحجاب أي بعد أمر
الله عز وجل النساء بالحجاب عن الأجانب وقيل كان الداخل عليك أفلح أخا أبي القعيس وكانت امرأة أبي القعيس
أرضعتها وعن عمرة أن عائشة رضي الله عنها أخبرتها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها وانها سمعت صوت
رجل يستأذن في بيت حفصة قالت عائشة فقلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك فقال أراه فلانا لعم حفصة
من الرضاعة فقلت يا رسول الله لو كان فلانا حيا لعمي من الرضاعة أكان يدخل على فقال نعم ان الرضاعة تحرم ما تحرم
الولادة وعن علي رضي الله عنه أنه قال لا تنكح من أرضعته امرأة أبيك ولا امرأة أخيك ولا امرأة ابنك وعن ابن
عباس رضي الله عنهما انه سئل عن رجل له امرأتان أو جارية وامرأة فأرضعت هذه غلاما وهذه جارية هل يصلح
للغلام أن يتزوج الجارية فقال رضي الله عنه لا اللقاح واحد بين الحكم وأشار إلى المعنى وهو اتحاد اللقاح ولان المحرم
هو اللبن وسبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة جميعا فيجب أن يكون الرضاع منهما جميعا كما كان الولد لهما جميعا وأما قولهم إن
الله تعالى بين الحرمة في جانب المرضعة لا في جانب زوجها فنقول إن لم بينها نصا فقد بينها دلالة وهذا لان البيان
من الله تعالى بطريقين بيان إحاطة وبيان كفاية فبين في النسب بيان إحاطة وبين في الرضاع بيان كفاية تسليطا
3

للمجتهدين على الاجتهاد والاستدلال بالنصوص عليه على غيره وهو ان الحرمة في جانب المرضعة لمكان اللبن
وسبب حصول اللبن ونزوله هو ماؤهما جميعا فكان الرضاع منهما جميعا وهذا لان اللبن إنما يوجب الحرمة لأجل
الجزئية والبعضية لأنه ينبت اللحم وينشر العظم على ما نطق به الحديث ولما كان سبب حصول اللبن ونزوله ماءهما
جميعا وبارتضاع اللبن تثبت الجزئية بواسطة نبات اللحم يقام سبب الجزئية مقام حقيقة الجزئية في باب الحرمات
احتياطا والسبب يقام مقام المسبب خصوصا في باب الحرمات أيضا ألا ترى ان المرأة تحرم على جدها كما تحرم على
أبيها وان لم يكن تحريمها على جدها منصوصا عليه في الكتاب العزيز لكن لما كان مبينا بيان كفاية وهو ان البنت
وان حدثت من ماء الأب حقيقة دون ماء الجد لكن الجد سبب ماء الأب أقيم السبب مقام المسبب في حق الحرمة
احتياطا كذا ههنا والدليل عليه انه لما لم يذكر البنات من الرضاعة نصا لم يذكر بنات الاخوة والأخوات من
الرضاعة نصا وإنما ذكر الأخوات ثم ذكر لبنات الاخوة والأخوات دلالة حتى حرمن بالاجماع كذا ههنا على أنه
ان لم يبين بوحي متلو فقد بين بوحي غير متلو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب وقد خرج الجواب عن قولهم إن الارضاع وجد منها لما ذكرنا انه وجد منهما لان سبب حصول اللبن ماؤهما
جميعا فكان الارضاع منهما جميعا واما الزوج إذا انزل له لبن فارتضعت به صغيرة فذاك لا يسمي رضاعا عرفا وعادة
ومعنى الرضاع أيضا لا يحصل به وهو اكتفاء الصغير به في الغذاء لأنه لا يغنيه من جوع فصار كلبن الشاة والله عز
وجل أعلم ثم إنما تثبت الحرمة من جانب الزوج إذا كان لها زوج فاما إذا لم يكن لها زوج بان ولدت من الزنا
فنزل لها لبن فأرضعت به صبيا فالرضاع يكون منها خاصة لا من الزاني لان نسبه يثبت منها لا من الزاني والأصل ان
كل من يثبت منه النسب يثبت منه الرضاع ومن لا يثبت منه النسب لا يثبت منه الرضاع وكذا البكر إذا نزل لها
لبن وهي لم تتزوج قط فالرضاع يكون منها خاصة والله الموفق وكذا كل من يحرم بسبب المصاهرة من الفرق الأربع
الذين وصفناهم في كتاب النكاح يحرم بسبب الرضاع فيحرم على الرجل أم زوجته وبنتها من زوج آخر من الرضاع
كما في النسب الا ان الام تحرم بنفس العقد على البنت إذا كان صحيحا والبنت لا تحرم الا بالدخول بالأم كما في النسب
وكذا جدات زوجته من أبيها وأمها وان علون أو بنات بناتها وبنت أبنائها وان سفلن من الرضاع كما في النسب
وكذا تحرم حليلة ابن الرضاع وابن ابن الرضاع وان سفل على أب الرضاع أب أبيه وان علا كما في النسب وتحرم
منكوحة أب الرضاع وأب أبيه وان علا على ابن الرضاع وابن ابنه وان سفل كما في النسب وكذا يحرم بالوطئ أم
الموطوءة وبنتها من الرضا على الواطئ وكذا جداتها وبنات بناتها كما في النسب وتحرم الموطوءة على أب الواطئ
وابنه من الرضاع وكذا على أجداده وان علوا وعلى أبناء أبنائه وان سفلوا كما في النسب سواء كان الوطئ حلالا بأن كان
بملك اليمين أو الوطئ بنكاح فاسد أو شبهة نكاح أو كان بزنا عندنا وعند الشافعي الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة
فلا يوجب حرمة الرضاع والمسألة قد مرت في كتاب النكاح ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع
ما يحرم من النسب مجرى على عمومه الا في مسئلتين إحداهما انه لا يجوز للرجل ان يتزوج بأخت ابنه من النسب
لامه وهو أن يكون لابنه أخت لامه من النسب من زوج اخر كان لها ويجوز له ان يتزوج أخت ابنه من الرضاع
وهو أن يكون لابنه من الرضاع أخت من النسب لم ترضعها امرأته لان المانع من الجواز في النسب كون أم الأخت
موطوءة الزوج لان أمها إذا كانت موطوءة كانت هي بنت الموطوءة وانها حرام وهذا لم يوجد في الرضاع ولو وجد
لا يجوز كما لا يجوز في النسب والثانية انه لا يجوز للرجل ان يتزوج أم أخته من النسب لأبيه وهو أن يكون له أخت
من أبيه من النسب لا من أمه لا يجوز له ان يتزوج أم هذه الأخت ويجوز له أن يتزوج أم أخته من الرضاع وهو أن يكون
له أخت من الرضاعة فيتزوج أمها من النسب لان لمانع في النسب كون المتزوجة موطوءة أبيه وهذا لم يوجد
في الرضاع حتى لو وجد لا يجوز كما في النسب ويجوز للرجل ان يتزوج أخت أخيه لأبيه من النسب وصورته
4

منكوحة أبيه إذا ولدت ابنا ولها بنت من زوج آخر فهي أخت أخيه لأبيه فيجوز له أن يتزوجها وكذا يجوز للرجل
أن يتزوج أخت أخته من الرضاع وهذا ظاهر ويجوز لزوج المرضعة أن يتزوج أم المرضع من النسب لان المرضع
ابنه ويجوز للانسان أن يتزوج أم ابنه من النسب وكذا أب المرضع من النسب يجوز له أن يتزوج المرضعة لأنها
أم ابنه من الرضاع فهي كأم ابنه من النسب وكذا يجوز له أن يتزوج بمحارم أبي الصبي من الرضاعة أو النسب كما
يجوز له أن يتزوج بأمه والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما صفة الرضاع المحرم فالرضاع المحرم ما يكون في حال الصغر فاما ما يكون في حال الكبر فلا يحرم عند عامة
العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم الا ما روى عن عائشة رضي الله عنها انه يحرم في الصغر والكبر جميعا واحتجت
بظاهر قوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة من غير فصل بين حال الصغر والكبر وروى أن
أبا حذيفة تبنى سالما وكان يدخل على امرأته سهلة بنت سهيل فلما نزلت آية الحجاب أتت سهلة إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقالت يا رسول الله قد كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل على وليس لنا الا بيت واحد فماذا ترى في
شأنه فقال لها رسول الله صلى الله عليه سلم أرضعيه عشر رضعات ثم يدخل عليك وكان سالم كبيرا فدل ان الرضاع
في حال الصغر والكبر محرم وقد عملت عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى
روى عنها انها كانت إذا أرادت أن يدخل عليها أحد من الرجال أمرت أختها أم كلثوم بنت أبي بكر رضي الله عنها
وبنات أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ان يرضعنه فدل عملها بالحديث بعد موت النبي صلى الله
عليه وسلم على أنه غير منسوخ ولنا ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوما على عائشة رضي الله عنها
فوجد عندها رجلا فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من هذا الرجل فقالت عائشة هذا عمى من الرضاعة
فقال رسول الله صلى الله عليه سلم انظرن ما أخواتكم من الرضاعة إنما الرضاعة من المجاعة أشار صلى الله عليه وسلم
إلى أن الرضاع في الصغر هو المحرم إذ هو الذي يدفع الجوع فاما جوع الكبير فلا يندفع بالرضاع وروى عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال الرضاع ما أنبت اللحم وأنشر العظم وذلك هو رضاع الصغير دون الكبير لان ارضاعه لا
ينبت اللحم ولا ينشر العظم وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الرضاع ما فتق الأمعاء ورضاع الصغير هو الذي
يفتق الأمعاء لا رضاع الكبير لان أمعاء الصغير تكون ضيقة لا يفتقها الا اللبن لكونه من ألطف الأغذية كما وصفه
الله تعالى في كتابه الكريم بقوله عز وجل لبنا خالصا سائغا للشاربين فاما أمعاء الكبير فمنفتقة لا تحتاج إلى الفتق
باللبن وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا رضاع بعد فصال وروى أن رجلا من أهل البادية ولدت امرأته
ولدا فمات ولدها فورم ثدي المرأة فجعل الرجل يمصه ويمجه فدخلت جرعة منه حلقه فسأل عنه أبا موسى الأشعري
رضي الله عنه قال قد حرمت عليك ثم جاء إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فسأله فقال هل سألت أحد فقال نعم
سألت أبا موسى الأشعري فقال حرمت عليك فجاء ابن مسعود أبا موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال له أما
علمت أنه إنما يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم فقال أبو موسى لا تسألوني عن شئ ما دام هذا الحبر بين أظهركم وعن
عبد الله بن عمر أن رجلا جاء إلى عمر رضي الله عنه فقال كانت لي وليدة أطؤها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها
فدخلت عليها فقالت دونك مقدور الله أرضعتها فقال عمر رضي الله عنه واقعها فهي جاريتك فإنما الرضاعة عند
الصغر وبهذا تبين ان ليس المراد من الآية الكريمة رضاع الكبير لان النبي صلى الله عليه وسلم فسر الرضاع المحرم
بكونه دافعا للجوع منبتا للحم منشرا للعظم فاتقا للأمعاء وهذا وصف رضاع الصغير لا الكبير فصارت السنة مبينة
لما في الكتاب أصله أما حديث سالم فالجواب عن التعلق به من وجهين أحدهما يحتمل انه كان مخصوصا بذلك
يدل عليه ما روى أن سائر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أبين أن يدخل عليهن بالرضاع في حال الكبر
أحد من الرجال وقلن ما نرى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل الا رخصة في سالم وحده
5

فهذا يدل على أن سالما كان مخصوصا بذلك وما كان خصوصية بعض الناس لمعنى لا نعقله لا يحتمل القياس
ولا نترك به الأصل المقرر في الشرع والثاني ان رضاع الكبير كان محرما ثم صار منسوخا بما روينا من الاخبار
وأما عمل عائشة رضي الله عنها فقد روى عنها ما يدل على رجوعها فإنه روى عنها انها قالت لا يحرم من الرضاع
الا ما أنبت اللحم والدم وروى أنها كانت تأمر بنت أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم ان ترضع
الصبيان حتى يدخلوا عليها إذا صاروا رجالا على أن عملها معارض بعمل سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
فإنهن كن لا يرين أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحد من الرجال والمعارض لا يكون حجة وإذا ثبت ان رضاع
الكبير لا يحرم ورضاع الصغير محرم فلا بد من بيان الحد الفاصل بين الصغير والكبير في حكم الرضاع وهو بيان
مدة الرضاع المحرم وقد اختلف فيه قال أبو حنيفة ثلاثون شهرا ولا يحرم بعد ذلك سواء فطم أو لم يفطم وقال
أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى حولان لا يحرم بعد ذلك فطم أو لم يفطم وهو قول الشافعي وقال زفر ثلاثة أحوال
وقال بعضهم خمس عشرة سنة وقال بعضهم أربعون سنة احتج أبو يوسف ومحمد بقوله والوالدات يرضعن
أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة جعل الله تعالى الحولين الكاملين تمام مدة الرضاع
وليس وراء التمام شئ وبقوله تعالى وفصاله في عامين وقوله عز وجل وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وأقل مدة
الحمل ستة أشهر فبقي مدة الفصال حولين وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا رضاع بعد الحولين
وهذا نص في الباب ولأبي حنيفة قوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة أثبت الحرمة
بالرضاع مطلقا عن التعرض لزمان الارضاع الا انه قام الدليل على أن زمان ما يعد الثلاثين شهرا ليس بمراد
فيعمل باطلاقه فيما وراءه وقوله تعالى فان أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور والاستدلال به من وجهين
أحدهما انه أثبت لهما إرادة الفصال بعد الحولين لان الفاء للتعقيب فيقتضى بقاء الرضاع بعد الحولين ليتحقق
الفصال بعدهما والثاني انه أثبت لهما إرادة الفصال مطلقا عن الوقت ولا يكون الفصال الا عن الرضاع فدل على بقاء
حكم الرضاع في مطلق الوقت إلى أن يقوم الدليل على التقييد وقوله تعالى وان أردتم ان تسترضعوا أولادكم
أثبت لهما إرادة الاسترضاع مطلقا عن الوقت فمن ادعى التقييد بالحولين فعليه الدليل ولان الارضاع إنما
يوجب الحرمة لكونه منبتا للحم منشرا للعظم على ما نطق به الحديث ومن المحال عادة أن يكون منبتا للحم إلى الحولين
ثم لا ينبت بعد الحولين بساعة لطيفة لان الله تعالى ما أجرى العادة بتغير الغذاء الا بعد مدة معتبرة ولأن المرأة
قد تلد في البرد الشديد والحر الشديد فإذا تم على الصبي سنتان لا يجوز ان تؤمر المرأة بفطامه
لأنه يخاف منه الهلاك على الولد إذ لو لم يعود بغيره من الطعام فلابد وان تؤمر بالرضاع ومحال أن تؤمر
بالرضاع ويحرم عليها الرضاع في وقت واحد فدل ان الرضاع بعد الحولين يكون رضاعا الا أن أبا حنيفة استحسن
في تقديره مدة ابقاء حكم الرضاع بعد الحولين بستة أشهر لأنه أقل مدة تغير الولد فان الولد يبقى في بطن أمه ستة أشهر
يتغذى بغذائها ثم ينفصل فيصير أصلا في الغذاء وزفر اعتبر بعد الحولين سنة كاملة فقال لما ثبت حكم الرضاع في
ابتداء السنة الثالثة لما قاله أبو حنيفة يثبت في بقيتها كالسنة الأولى والثانية وأما الآية الأولى ففيها ان الحولين
مدة الرضاع في حق من أراد تمام الرضاعة وهذا لا ينفي أن يكون الزائد على الحولين مدة الرضاع في حق من
لم يرد أن يتم الرضاعة مع ما أن ذكر الشئ بالتمام لا ليمنع من احتمال الزيادة عليه ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم
من أدرك عرفة فقد تم حجه وهذا لا يمنع زيادة الفرض عليه فان طواف الزيارة من فروض الحج على أن في الآية
الكريمة ان الحولين تمام مدة الرضاع لكنها تمام مدة الرضاع في حق الحرمة أو في حق وجوب أجر الرضاع على
الأب فالنص لا يتعرض له وعندهما تمام مدة الرضاع في حق وجوب الاجر على الأب حتى أن الام المطلقة إذا
طلبت الاجر بعد الحولين ولا ترضع بلا أجر لم يجبر الأب على أجر الرضاع فيما زاد على الحولين أو تحمل الآية على هذا
6

توفيقا بين الدلائل لان دلائل الله عز وجل لا تتناقض وأما الآية الثانية فالفصال في عامين لا ينفي الفصال في أكثر
من عامين كما لا ينفيه في أقل من عامين عن تراض منهما وتشاور فكان هذا استدلالا بالسكوت كقوله عز وجل
فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا الآية أنه لا يمنع جواز الكتابة إذا لم يعلم فيهم خيرا وأما الآية الثالثة فتحتمل ما ذكرتم
ان المراد من الحمل هو الحمل بالبطن والفصال هو الفطام فيقتضى أن تكون مدة الرضاع سنتين ومدة الحمل ستة أشهر كما
روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وتحتمل أن يكون المراد من الحمل الحمل باليد والحجر فيقتضى أن يكون
الثلاثون مدة الحمل والفصال جميعا لأنه يحمل باليد والحجر في هذه المدة غالبا لا أن يكون بعض هذه مدة الحمل
وبعضها مدة الفصال لان إضافة السنتين إلى الوقت لا تقتضي قسمة الوقت عليهما بل تقتضي أن يكون جميع
ذلك الوقت مدة لكل واحد منهما كقول القائل صومك وزكاتك في شهر رمضان هذا لا يقتضى قسمة الشهر عليهما
بل يقتضى كون الشهر كله وقتا لكل واحد منهما فيقتضى أن يكون ثلاثون شهرا مدة الرضاع كما هو مذهب
أبي حنيفة فلا يكون حجة مع الاحتمال على أنه ان وقع التعارض بين الآيات ظاهرا لكن ما تلونا حاظر وما تلوتم مبيح
والعمل بالحاظر أولى احتياطا وأما الحديث فالمشهور لا رضاع بعد فصال ونحن نقول بموجبه فجائز أن يكون أصل
الحديث هذا وأن من ذكر الحولين حمله على المعنى عنده ولو ثبت هذا اللفظ فيحتمل أن يكون معناه الارضاع
على الأب بعد الحولين أي في حق وجوب الاجر عليه على ما ذكرنا من تأويل الآية أو يحمل على هذا عملا
بالدلائل كلها والله الموفق ثم الرضاع يحرم في المدة على اختلافهم فيها سواء فطم في المدة أو لم يفطم هذا جواب ظاهر
الرواية عن أصحابنا حتى لو فصل الرضيع في مدة الرضاع ثم سقى بعد ذلك في المدة كان ذلك رضاعا محرما ولا يعتبر
الفطام وإنما يعتبر الوقت فيحرم عند أبي حنيفة ما كان في السنتين ونصف وعندهما ما كان في السنتين لان الرضاع
في وقته عرف محرما في الشرع لما ذكرنا من الدلائل من غير فصل بين ما إذا أفطم أو لم يفطم وروى الحسن عن أبي
حنيفة أنه قال إذا فطم في السنتين حتى استغنى بالفطام ثم ارتضع بعد ذلك في السنتين أو الثلاثين شهرا لم يكن ذلك رضاعا
لأنه لا رضاع بعد الفطام وان هي فطمته فأكل أكلا ضعيفا لا يستغنى به عن الرضاع ثم عاد فأرضع كما يرضع أولا في
الثلاثين شهرا فهو رضاع محرم كما يحرم رضاع الصغير الذي لم يفطم ويحتمل أن تكون رواية الحسن تفسيرا لظاهر
قول أصحابنا وهو ان الرضاع في المدة بعد الفطام إنما يكون رضاعا محرما إذا لم يكن الفطام تاما بأن كان لا يستغنى بالطعام
عن الرضاع فان استغنى لا يحرم بالاجماع ويحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم لا رضاع بعد الفصال على الفصال
المتعارف المعتاد وهو الفصال التام المغنى عن الرضاع ويستوى في الرضاع المحرم قليله وكثيره عند عامة العلماء وعامة
الصحابة رضي الله عنهم وروى عن عبد الله بن الزبير وعائشة رضي الله عنهما ان قليل الرضاع لا يحرم وبه أخذ
الشافعي فقال لا يحرم الا خمس رضعات متفرقات واحتج بما روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كان فيما نزل
عشر رضعات يحرم ثم صرن إلى خمس فتوفى النبي صلى الله عليه وسلم وهو فيما يقرأ وروى عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال لا تحرم المصة والمصتان ولا الاملاجة والاملاجتان ولان الحرمة بالرضاع لكونه منبتا للحم منشرا
للعظم وهذا المعني لا يحصل بالقليل منه فلا يكون القليل محرما ولنا قوله عز وجل وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم
وأخواتكم من الرضاعة مطلقا عن القدر وروى عن علي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم
أنهم قالوا قليل الرضاع وكثيره سواء وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال الرضعة الواحدة تحرم وروى أنه
لما بلغه أن عبد الله بن الزبير يقول لا تحرم الرضعة والرضعتان فقال قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير وتلي قوله تعالى
وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وروى أنه لما بلغه أن عائشة رضي الله عنها تقول لا تحرم المصة والمصتان فقال حكم الله
تعالى أولى وخير من حكمها وأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد قيل إنه لم يثبت عنها وهو الظاهر فإنه روى أنها
قالت توفى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مما يتلى في القرآن فما إلى نسخه ولا نسخ بعد وفاة لنبي صلى الله عليه وسلم ولا
7

يحتمل أن يقال ضاع شئ من القرآن ولهذا ذكر الطحاوي في اختلاف العلماء ان هذا حديث منكر وانه من صيارفة
الحديث ولئن ثبت فيحتمل أنه كان في رضاع الكبير فسخ العدد بنسخ رضاع الكبير وأما حديث المصة
والمصتين فقد ذكر الطحاوي أن في اسناده اضطرابا لان مداره على عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها وروى
أنه سئل عروة عن الرضاعة فقال ما كان في الحولين وإن كان قطرة واحدة محرم والراوي إذا عمل بخلاف ما روى
أوجب ذلك وهنا في ثبوت عنده لعمل به على أنه ان ثبت فيحتمل ان الحرمة لم تثبت لعدم
القدر المحرم ويحتمل أنها لم تثبت لأنه لا يعلم أن اللبن وصل إلى جوف الصبي أم لا وما لم يصل لا يحرم فلا يثبت لعدم
القدر المحترم ولا تثبت الحرمة بهذا الحديث بالاحتمال ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما إذا عقى الصبي فقد حرم
حين سئل عن الرضعة الواحدة هل تجرم لان العقى اسم لما يخرج من بطن الصبي حين يولد أسود لزج إذا وصل
اللبن إلى جوفه يقال هل عقيتم صبيكم أي هل سقيتموه عسلا ليسقط عنه عقيه إنما ذكر ذلك ليعلم أن اللبن قد صار
في جوفه لأنه لا يعقي من ذلك اللبن حتى يصير في جوفه ويحتمل أنه كان ذلك في ارضاع الكبير حين كان محرما
ثم نسخ وأما قوله إن الرضاع إنما يحرم لكونه منبتا للحم منشرا للعظم فنقول القليل ينبت وينشر بقدره فوجب
أن يحرم بأصله وقدره على أن هذه الأحاديث ان ثبتت فهي مبيحة وما تلونا محرم والمحرم يقضى على المبيح احتياطا
لان الجرعة الكثيرة عنده لا تحرم ومعلوم ان الجرعة الواحدة الكثيرة في اثبات اللحم وانشار العظم فوق خمس
رضعات صغار فدل أنه لا مدار على هذا وكذا يستوى فيه لبن الحية والميتة بأن حلب لبنها بعد موتها في قدح فأوجر
به صبي يحرم عندنا وقال الشافعي لبن الميتة لا يحرم ولا خلاف في أنه إذا جلب لبنها في حياتها في أنا فأوجر
به الصبي بعد موتها الصبي أنه يثبت به الحرمة (وجه) قوله إن حكم الرضاع هو الحرمة والمرأة بالموت خرجت من أن
تكون محلا لهذا الحكم ولهذا لم تثبت حرمة المصاهرة بوطئها عند كم فصار لبنها كلبن البهائم ولو ارتضع صغيران
من لبن بهيمة لا تثبت حرمة الرضاع بينهما كذا هذا وإذا لم تثبت الحرمة في حقها لا تثبت في حق غيرها لان المرضعة
أصل في هذا الحكم فأولا يثبت في حقها فكيف يتعدى إلى غيرها فإذا لم يثبت في حقها فكيف يتعدى إلى غيرها بخلاف
ما إذا جلب حال حياتها ثم أوجر الصبي بعد وفاتها لأنها كانت محلا قابلا للحكم وقت انفصال اللبن منها فلا يبطل بموتها
بعد ذلك وههنا بخلافه ولان اللبن قد ينجس بموتها لتنجس وعائه وهو الثدي فأشبه البول والدم ولنا الحديث المشهور
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب واسم الرضاع لا يقف على الارتضاع من
الثدي فان العرب تقول يتيم راضع وإن كان يرضع بلبن الشاة والبقر ولا على فعل الارتضاع منها بدليل انه لو ارتضع
الصبي منها وهي نائمة يسمى ذلك رضاعا حتى يحرم ويقال أيضا أرضع هذا الصبي بلبن هذه الميتة كما يقال أرضع بلبن
الحية وقوله صلى الله عليه وسلم الرضاع من المجاعة وقوله الرضاع ما انبت اللحم وأنشر العظم وقوله صلى الله عليه وسلم
الرضاع ما فتق الأمعاء ولبن الميتة يدفع الجوع وينبت اللحم وينشر العظم ويفتق الأمعاء فيوجب الحرية ولان اللبن
كان محرما في حال الحياة والعارض هو الموت واللبن لا يموت كالبيضة كذا روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال اللبن
لا يموت ولان الموت يحل محل الحياة ولا حياة في اللبن الا ترى انها لم تتألم بأخذه في حال حياتها والحيوان يتألم بأخذ
ما فيه حياة من لحمه وسائر أعضائه وإذا لم يكن فيه حياة كان حاله بعد موت المرأة كحالة قبل موتها وقبل موتها محرم
كذا بعده وأما قوله المرأة بالموت خرجت من أن تكون محلا للمحرمة وهي الأصل في هذه الحرمة فنقول الحرمة
في حال الحياة ما ثبتت باعتبار الأصالة والتبعية بل باعتبار انبات اللحم وانشار العظم وقد بقي هذا المعنى بعد الموت
فتبقى الحرمة بخلاف حرمة مصاهرة لأنها تثبت لدفع فساد قطيعة الرحم أو باعتبار الجزئية والبعضية لكون الوطئ
سببا لحصول الولد ولك واحد من المعنيين لا يتقدر بعد الموت لذلك افترقا وقوله اللبن ينجس بالموت ممنوع وهذا
شئ بناه على أصله فأما على أصل أصحابنا فاللبن لا ينجس بالموت بل هو طاهر بعد الموت وان تنجس الوعاء
8

الأصلي له ونجاسة الظرف إنما توجب نجاسة المظروف إذا لم يكن الظرف معدنا للمظروف وموضعا له في الأصل
فاما إذا كان في الأصل موضعه ومظانه فنجاسته لا توجب نجاسة المظروف ألا ترى ان الدم الذي يجرى بين اللحم
والجلد في المذكاة لا ينجس اللحم لما كان في معدنه ومظانه فكذلك اللبن والدليل عليه انه لو حلب لبنها في حال حياتها
في وعاء نجس فأوجر به الصبي يحرم ولا فرق بين الوعاءين إذ النجس في الحالين ما يجاور اللبن لا عينه ثم نجاسة الوعاء
الذي ليس بمعدن اللبن لما لم يمنع وقوع التحريم فما هو معدن له أولى ويستوى في تحريم الرضاع الارتضاع
من الثدي والاسعاط والايجار لان المؤثر في التحريم هو حصول الغذاء باللبن وانبات اللحم وانشار العظم
وسد المجاعة لان يتحقق الجزئية وذلك يحصل بالاسعاط والايجار لان السعوط يصل إلى الدماغ والى الحلق
فيغذى ويسد الجوع والوجور يصل إلى الجوف فيغذى وأما الأقطار في الاذن فلا يحرم لأنه لا يعلم
وصوله إلى الدماغ لضيق الخرق في الاذن وكذلك الأقطار في الإحليل لأنه لا يصل إلى الجوف فضلا عن
الوصول إلى المعدة وكذلك الأقطار في العين والقبل لما قلنا وكذلك الأقطار في الجائفة وفي الآمة لان الجائفة
تصل إلى الجوف لا إلى المعدة والآمة إن كان يصل إلى المعدة لكن ما يصل إليها من الجراجة لا يحصل به الغذاء
فلا تثبت به الحرمة والحقنة لا تحرم بان حقن الصبي باللبن في الرواية المشهورة وروى عن محمد انها تحرم وجه
هذه الرواية انها وصلت إلى الجوف حتى أوجبت فساد الصوم فصار كما لو وصل من الفم وجه ظاهر الرواية أن
المعتبر في هذه الحرمة هو معنى التغذي والحقنة لا تصل إلى موضع الغذاء لان موضع الغذاء هو المعدة والحقنة
لا تصل إليها فلا يحصل بها نبات اللحم ونشور العظم واندفاع الجوع فلا توجب الحرمة ولو جعل اللبن مخيضا أو رائبا
أو شيرازا أو جبنا أو أقطا أو مصلا فتناوله الصبي لا يثبت له الحرمة لان اسم الرضاع لا يقع عليه وكذا لا ينبت اللحم
ولا ينشر العظم ولا يكتفي به الصبي في الاغتذاء فلا يحرم ولو اختلط اللبن بغيره فهذا على وجوه اما ان اختلط بالطعام
أو بالدواء أو بالماء أو بلبن البهائم أو بلبن امرأة أخرى فان اختلط بالطعام فان مسته النار حتى نضج لم يحرم في قولهم
جميعا لأنه تغير عن طبعه بالطبخ وان لم تمسه النار فإن كان الغالب هو الطعام لم تثبت الحرمة لان الطعام إذا غلب سلب
قوة اللبن وأزال معناه وهو التغذى فلا يثبت به الحرمة وإن كان اللبن غالبا للطعام وهو طعام يستبين لا يثبت به الحرمة
في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يثبت وجه قولهما ان اعتبار الغالب والحاق المغلوب بالعدم أصل في
الشرع فيجب اعتباره ما أمكن كما إذا اختلط بالماء أو بلبن شاة ولأبي حنيفة ان الطعام وإن كان أقل من اللبن فإنه
يسلب قوة اللبن لأنه يرق ويضعف بحيث يظهر ذلك في حس البصر فلا تقع الكفاية به في تغذية الصبي فكان اللبن
مغلوبا معنى وإن كان غالبا صورة وان اختلط بالدواء أو بالدهن أو بالنبيذ يعتبر فيه الغالب فإن كان اللبن غالبا يحرم لأن هذه
الأشياء لا تحل بصفة اللبن وصيرورته غذاء بل بقدر ذلك لأنها إنما تخلط باللبن ليوصل اللبن إلى ما كان لا يصل
إليه بنفسه لاختصاصها بقوة التنفيذ ثم اللبن بانفراده يحرم فمع هذه الأشياء أولى وإن كان الدواء هو الغالب لا تثبت
به الحرمة لان اللبن إذا صار مغلوبا صار مستهلكا فلا يقع به التغذى فلا تثبت به الحرمة وكذا إذا اختلط بالماء
يعتبر فيه الغالب أيضا فإن كان اللبن غالبا يثبت به الحرمة وإن كان الماء غالبا لا يثبت به وهذا عندنا وعند الشافعي
إذا قطر من الثدي مقدار خمس رضعات في حب ماء فسقى منه الصبي تثبت به الحرمة وجه قوله أن اللبن وصل إلى
جوف الصبي بقدره في وقته فتثبت الحرمة كما إذا كان اللبن غالبا ولا شك في وقت الرضاع والدليل على أن
القدر المحرم من اللبن وصل إلى جوف الصبي ان اللبن وإن كان مغلوبا فهو موجود شائع في أجزاء الماء وإن كان
لا يرى فيوجب الحرمة ولنا ان الشرع علق الحرمة في باب الرضاع بمعنى التغذي على ما نطقت به الأحاديث
واللبن المغلوب بالماء لا يغذى الصبي لزوال قوته ألا ترى انه لا يقع الاكتفاء به في تغذية الصبي فلم يكن محرما وقد
9

خرج الجواب عما ذكره المخالف وذكر الجصاص ان جواب الكتاب ينبغي أن يكون قولهما فاما على قول أبي
حنيفة ينبغي ان لا يحرم وإن كان اللبن غالبا وقاس الماء على الطعام وجمع بينهما من حيث إن اختلاطه بالماء يسلب
قوته وإن كان الماء قليلا كاختلاطه بالطعام القليل وفى ظاهر الرواية أطلق الجواب ولم يذكر الخلاف ولو اختلط
بلبن البهائم كلبن الشاة وغيره يعتبر فيه الغالب أيضا لما ذكرنا ولو اختلط لبن امرأة أخرى فالحكم أخرى فالحكم للغالب
منهما في قول أبى يوسف وروى عن أبي حنيفة كذلك وعند محمد يثبت الحرمة منهما جميعا وهو قول زفر وجه
قول محمد ان اللبنين من جنس واحد والجنس لا يغلب فلا يكون خلط الجنس بالجنس استهلاكا فلا
يصير القليل مستهلكا في الكثير فيغذى الصبي كل واحد منهما بقدره بانبات اللحم وانشار العظم أو سد الجوع لان
أحدهما لا يسلب قوة الاخر والدليل على أن خلط الجنس بالجنس لا يكون استهلاكا له ان من غصب من آخر
زيتا فخلطه بزيت آخر اشتركا فيه في قولهم جميعا ولو خلطه بشيرج وبدهن آخر من غير جنسه يعتبر الغالب فإن كان
الغالب هو المغصوب كان لصاحبه أن يأخذه ويعطيه قسط ما اختلط بزيته وإن كان الغالب غير المغصوب صار
المغصوب مستهلكا فيه ولم يكن له أن يشاركه فيه ولكن الغاصب يغرم له مثل ما غصبه فدل ذلك على اختلاف حكم
الجنس الواحد والجنسين وأبو يوسف اعتبر هذا النوع من الاختلاط باختلاط اللبن بالماء وهناك الحكم للغالب
كذا ههنا ولمحمد ان يفرق بين الفصلين فان اختلاط اللبن بما هو من جنسه لا يوجب الاخلال بمعنى التغذي من كل
واحد منهما بقدره لان أحدهما لا يسلب قوة الآخر وليس كذلك اختلاط اللبن بالماء واللبن مغلوب لأن الماء
يسلب قوة اللبن أو يخل فلا يحصل التغذي أو يختل والله عز وجل أعلم ولو طلق الرجل امرأته ولها لبن من ولد
كانت ولدته منه فانقضت عدتها وتزوجت بزوج آخر وهي كذلك فأرضعت صبيا عند الثاني ينظر ان أرضعت
قبل ان تحمل من الثاني فالرضاع من الأول بالاجماع لان اللبن نزل من الأول فلا يرتفع حكمه بارتفاع النكاح كما لا
يرتفع بالموت وكما لو حلب منها لبن ثم ماتت لا يبطل حكم الرضاع من لبنها كذا هذا وان أرضعت بعدما
وضعت من الثاني فالرضاع من الثاني بالاجماع لان اللبن منه ظاهرا وان أرضعت بعد ما حملت من الثاني قبل أن تضع
فالرضاع من الأول إلى أن تضع في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ان علم أن هذا اللبن من الثاني بان ازداد لبنها
فالرضاع من الثاني وان لم يعلم فالرضاع من الأول وروى الحسن بن زياد عنه أنها إذا حلبت فاللبن للثاني وقال محمد وزفر
الرضاع منهما جميعا إلى أن تلد فإذا ولدت فهو من الثاني وجه قول محمد أن اللبن الأول باقي والحمل سبب لحدوث زيادة
لبن فيجتمع لبنان في ثدي واحد فتثبت الحرمة بهما كما قال في اختلاط أحد اللبنين بالآخر بخلاف ما إذا وضعت
لان اللبن الأول ينقطع بالوضع ظاهرا وغالبا فكان اللبن من الثاني فكان الرضاع منه وجه قول أبي يوسف أن الحامل
قد ينزل لها لبن فلما ازداد لبنها عند الحمل من الثاني دل أن الزيادة من الحمل الثاني إذ لو لم يكن لكان لا يزداد بل ينقص إذ
العادة أن اللبن ينقص بمضي الزمان ولا يزداد فكانت الزيادة دليلا على أنها من الحمل الثاني لا من الأول وجه رواية
الحسن عنه ان العادة ان بالحمل ينقطع اللبن الأول ويحدث عنده لبن آخر فكان الموجود عند الحمل الثاني من الحمل
الثاني لا من الأول فكان الرضاع منه لا من الأول ولأبي حنيفة أن نزول اللبن من الأول ثبت بيقين وهو ولادة
أخرى لا الحمل لان الحامل قد ينزل لها لبن بسبب الحمل وقد لا ينزل حتى تضع والثابت بيقين لا يزول بالشك وأما قول
أبي يوسف لما ازداد اللبن دل على حدوث اللبن من الثاني فممنوع أن زيادة اللبن تدل على حدوث اللبن من الحمل فان
لزيادة اللبن أسبابا من زيادة الغذاء وجودته وصحة البدن واعتدال الطبيعة وغير ذلك فلا يدل الحمل على حدوث الزيادة
بالشك فلا ينقطع الحكم عن الأول بالشك وقد خرج الجواب عما قاله محمد والله الموفق للصواب ويستوى في تحريم
الرضاع الرضاع المقارن للنكاح والطارئ عليه لان دلائل التحريم لا توجب الفصل بينهما وبيان هذا الأصل في
10

مسائل إذا تزوج صغيرة فأرضعتها أمه من النسب أو من الرضاع حرمت عليه لأنها صارت أختا له من الرضاع فتحرم
عليه كما في النسب وكذا إذا أرضعتها أخته أو بنته من النسب أو من الرضاع لأنها صارت بنت أخته أو بنت بنته
من الرضاعة وأنها تحرم من الرضاع كما تحرم من النسب ولو تزوج صغيرتين رضيعتين فجاءت امرأة أجنبية فأرضعتهما
معا أو على التعاقب حرمتا عليه لأنهما صارتا أختين من الرضاعة فيحرم الجمع بينهما في حالة البقاء كما يحرم في حالة الابتداء
كما في النسب ويجوز ان يتزوج إحداهما أيتهما شاء لان المحرم هو الجمع كما في النسب فان كن ثلاثا فأرضعتهن جميعا معا
حرمن عليه لأنهن صرن أخوات من الرضاعة فيحرم الجمع بينهن وله أن يتزوج واحدة منهن أيتهن شاء لما قلنا وان
أرضعتهن على التعاقب واحدة بعد واحدة حرمت عليه الأولتان وكانت الثالثة زوجته لأنها لما أرضعت الأولى ثم
الثانية صارتا أختين فبانتا منه فإذا أرضعت الثالثة فقد صارت أختا لهما لكنهما أجنبيتين فلم يتحقق الجمع فلا تبين
منه وكذا إذا أرضعت البنتين معا ثم الثالثة حرمتا والثالثة حرمتا والثالثة امرأته لما قلنا ولو أرضعت الأولى ثم الثنتين معا حرمن
جميعا لان الأولى لم تحرم كذا الارضاع لعدم الجمع فإذا أرضعت الاخرتين معاصرن أخوات في حالة واحدة فيفسد
نكاحهن ولو كن أربع صبيات فأرضعتهن على التعاقب واحدة بعد واحدة حرمن جميعا لأنها لما أرضعت الثانية فقد
صارت أختا للأولى فحصل الجمع بين الأختين من الرضاعة فبانتا ولما أرضعت الرابعة فقد صارت أختا للثالثة فحصل
الجمع فبانتا وحكم المهر والرجوع في هذه المسائل نذكره في المسألة التي تليها وهي ما إذا تزوج صغيرة وكبيرة فأرضعت
الكبيرة الصغيرة أما حكم النكاح فقد حرمتا عليه لان الصغيرة صارت بنتا لها والجمع بين الام والبنت من الرضاع نكاحا
حرام كما يحرم من النسب ثم إن كان ذلك بعدما دخل بالكبيرة لا يجوز له أن يتزوج واحدة منهما أبدا كما في النسب
وإن كان قبل أن يدخل بالكبيرة جاز له أن يتزوج الصغيرة لأنها ربيبته من الرضاع لم يدخل فلا يحرم عليه نكاحها
كما في النسب لا يجوز له أن يتزوج الكبيرة أبدا لأنها أم منكوحته من الرضاع فتحرم بمجرد نكاح البنت دخل بها أو لم
يدخل بها كما في النسب وأما حكم المهر فاما الكبيرة فإن كان قد دخل بها فلها جميع مهرها سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمد
لان المهر قد تأكد بالدخول فلا يحتمل السقوط بعد ذلك فلها مهرها ولها السكنى ولا نفقة لها لان السكنى حق الله
تعالى فلا تسقط بفعلها والنفقة تجب حقا لها بطريقة الصلة وبالارضاع خرجت عن استحقاق الصلة فإن كان لم يدخل
بها سقط مهرها فلا مهر لها ولا سكنى ولا نفقة سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمد لان الأصل أن الفرقة الحاصلة قبل
الدخول توجب سقوط كل المهر لان المبدل يعود سليما إلى المرأة وسلامة المبدل لا حد المتعاقدين يوجب سلامة
البدل للآخر لئلا يجتمع المبدل والبدل في ملك واحد في عقد المبادلة كان ينبغي ان لا يجب على الزوج شئ سواء كانت
الفرقة بغير طلاق أو بطلاق الا أن الشرع أوجب عليه في الطلاق قبل الدخول مالا مقدرا بنصف المهر المسمى ابتداء
بطريق المتعة صلة لها تطييبا لقلبها لما لحقها من وحشة الفراق بفوات نعمة الزوجية عنها من غير رضاها فإذا أرضعت
فقد رضيت بارتفاع النكاح فلا تستحق شيئا وأما الصغيرة فلها نصف المهر على الزوج عند عامة العلماء وقال مالك
لا شئ لها وجه قوله إن الفرقة جاءت من قبلها لوجود علة الفرقة منها وهي ارتضاعها لأنه بذلك يحصل اللبن في جوفها
فينبت اللحم وينشر العظم فتحصل الجزئية اللتي هي المعنى المؤثر في الحرمة وإنما الموجود من المرضعة التمكين من
ارتضاعها بالقامها ثديها فكانت محصلة للشرط والحكم للعلة لا للشرط فلا يجب على الزوج للصغيرة شئ ولا يجب
على الزوج للمرضعة شئ أيضا ولنا ما ذكرنا ان الفرقة من أيهما كانت توجب سقوط كل المهر لما ذكرنا وإنما يجب
نصف المهر مقدرا بالمسمى ابتداء صلة للمرأة نظرا لها ولم يوجد من الصغيرة ما يوجب خروجها عن استحقاق النظر لان
فعلها لا يوصف بالخطر وليست هي من أهل الرضا لنجعل فعلها دلالة الرضا بارتفاع النكاح فلا تحرم نصف الصداق
بخلاف الكبير ة لان اقدامها على الارضاع دلالة الرضا بارتفاع النكاح وهي من أهل الرضا وارضاعها جناية فلا
تستحق النظر بايجاب نصف المهر لها ابتداء إذ الجاني لا يستحق النظر على جنايته بل يستحق الزجر وذلك بالحرمان
11

لئلا يفعل مثله في المستقبل فلا يجب لها شئ سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمد لان فعلها جناية في الحالين ويرجع الزوج
بما أدى على الكبيرة إن كانت تعمدت الفساد وإن كانت لم تتعمد لم يرجع عليها كذا ذكر المشايخ وهذا قول أبي حنيفة
وأبي يوسف وروى عن محمد أن له أن يرجع عليها سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمد وهو قول زفر وبشر المريسي
والشافعي وجه قولهم أن هذا ضمان الاتلاف وأنه لا يختلف بالعمد والخطأ والدليل على أن هذا ضمان الاتلاف ان
الفرقة حصلت من قبلها بارضاعها ولهذا لم تستحق المهر أصلا ورأسا سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمد وإذا كان
حصول الفرقة من قبلها بارضاعها صارت بالارضاع مؤكدة نصف المهر على الزوج لأنه كان محتملا للسقوط بردتها
أو تمكينها من ابن الزوج أو تقبيلها إذا كبرت فهي بالارضاع أكدت نصف المهر بحيث لا يحتمل السقوط فصارت
متلفة عليه ماله فتضمن وجه قول محمد أنها وان تعمدت الفساد فهي صاحبة شرط في ثبوت الفرقة لأن علة الفرقة هي
الارتضاع للصغيرة لما بينا والحكم يضاف إلى العلة لا إلى الشرط على أن ارضاعها إن كان سبب الفرقة فهو سبب محض
لأنه طرأ عليه فعل اختياري وهو ارتضاع الصغيرة والسبب إذا اعترض عليه فعل اختياري يكون سببا محضا والسبب
المحض لا حكم له وإن كان صاحب السبب متعمدا في مباشرة السبب كفتح باب الإصطبل والقفص حتى خرجت
الدابة وضلت أو طار الطير وضاع ولأن الضمان لو وجب عليها اما ان يحب باتلاف ملك النكاح أو باتلاف
الصداق أو بتأكيد نصفه على الزوج لا وجه لان ملك النكاح غير مضمون بالاتلاف على أصلنا ولا وجه
للثاني لأنها ما أتلفت الصدق بل أسقطت نصفه والنصف الباقي بقي واجبا بالنكاح السابق ولا وجه للثالث لان
التأكيد لا يماثل التفويت فلا يكون اعتداء بالمثل ولأبي حنيفة وأبي يوسف أن الكبيرة وإن كانت محصلة شرط
الفرقة وعلة الفرقة من الصغيرة كما ذكره محمد لكن الأصل ان الشرط مع العلة إذا اشتركا في الحظر والإباحة أي في
سبب المؤاخذة وعدمه فإضافة الحكم إلى العلة أولى من اضافته إلى الشرط فاما إذا كان الشرط محظورا والعلة غير
موصوفة بالحظر فإضافة الحكم إلى الشرط أولى من اضافته إلى العلة كما في حق البئر على قارعة الطريق فالكبيرة إذا لم
تكن تعمدت الفساد فقد استوى الشرط والعلة في عدم الحظر فكانت الفرقة مضافة إلى العلة وهي ارتضاعها وإن كان
ت تعمدت الفساد كان الشرط محظورا وهو ارضاع الكبيرة والعلة غير موصوفة بالحظر وهي ارتضاع الصغيرة
فكان إضافة الحكم إلى الشرط أولى وإذا أضيفت الفرقة إلى الكبيرة عند تعمدها الفساد ووجب نصف المهر
للصغيرة على الزوج ابتداء ملازما للفرقة صارت الفرقة الحاصلة منها كأنها علة لوجوبه لا انه بقي النصف بعد الفرقة
واجبا بالنكاح السابق لان ذلك قول بتخصيص العلة لأنه قول ببقاء نصف المهر على وجود العلة المسقطة لكله وانه
باطل فصارت الكبيرة متلفة هذا القدر من المال على الزوج إذ الأداء مبنى على الوجوب فيثبت له حق الرجوع
عليها ولهذا المعنى وجب الضمان على شهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا بالاجماع بخلاف ما إذا لم تتعمد الفساد
لان عند عدم التعمد لا تكون الفرقة مضافة إلى فعل الكبيرة فلم يوجد منها علة وجوب نصف المهر على الزوج فلا
يرجع عليها وأما مسألة فتح باب الإصطبل والقفص فكما يلزمهما يلزم محمدا لان عنده يضمن الفاتح وان اعترض على
الفتح فعل الاختياري فقد خرج الجواب عن الباقي فافهم ثم تعمد الفساد يثبت بثلاثة أشياء بعلمها بنكاح الصغيرة
وعلمها بفساد النكاح بارضاعها وعدم الضرورة وهي ضرورة خوف الهلاك على الصغيرة لو لم ترضعها والقول قولها في أنها
لم تتعمد الفساد مع يمينها لان الزوج بدعوى تعمد الفساد يدعى عليها الضمان وهي تنكر فكان القول قولها وعلى
هذا حكم المهر والرجوع في المسائل المتقدمة من الاتفاق والاختلاف ولو تزوج كبيرة وصغيرتين فأرضعتهما الكبيرة
فان أرضعتهما معا حرمن عليه لأنهما جميعا صارتا بنتين للمرضعة فصار جامعا بينهن نكاح فحرمن عليه ولا يجوز له
أن يتزوج الكبيرة أبدا سواء كان دخل بها أو لم يدخل بها لأنها أم منكوحته فتحرم بنفس العقد على البنت ولا يجوز له
أن يجمع بين الصغيرتين نكاحا أبدا لأنهما صارتا أختين من الرضاع ويجوز أن يتزوج بإحداهما إن كان لم يدخل
12

بالكبيرة لأنها ربيبته من الرضاع فلا تحرم بمجرد العقد على الام كما في النسب وإن كان قد دخل بها لا يجوز كما
في النسب وان أرضعتهما على التعاقب واحدة بعد أخرى فقد حرمت الكبيرة مع الصغيرة الأولى لأنها لما أرضعت
الأولى صارت بنتا لها فحصل الجمع بين الام والبنت فبانتا منه وأما الصغيرة الثانية فإنما أرضعتها بعدما بانت
الكبيرة فلم يصر جامعا لكنها ربيبته من الرضاع فإن كان قد دخل بأمها تحرم عليه والا فلا ولا يجوز نكاح
الكبيرة بعد ذلك ولا الجمع بين الصغيرتين لما ذكرنا ولو تزوج كبيرة وثلاث صبيات فأرضعتهن على التعاقب
واحدة بعد أخرى حرمن عليه جميعا لأنها لما أرضعت الأولى صارت بنتا لها فحصل الجمع بين الام والبنت
فحرمتا عليه ولما أرضعت الثانية فقد أرضعتها والكبيرة والصغيرة الأولى مبانتان فلا يحرم بسبب الجمع لعدم الجمع
ولكن ينظر إن كان قد دخل بالكبيرة تحرم عليه للحال لأنها ربيبته وقد دخل بأمها وإن كان لم يدخل بأمها لا تحرم عليه
للحال حتى ترضع الثالثة فإذا ارتضعت الثالثة حرمتا عليه لأنهما صارتا أختين والحكم في تزوج الكبيرة بعد ذلك
والجمع بين صغيرتين وتزوج احدى الصغائر ما ذكرنا ولو تزوج صغيرتين وكبيرتين فعمدت الكبيرتان إلى
احدى الصغيرتين فأرضعتها إحداهما بعد أخرى ثم أرضعتا الصغيرة الثانية واحدة بعد أخرى بانت الكبيرتان
والصغيرة الأولى والصغيرة الثانية امرأته لأنهما لما أرضعتا الصغيرة الأولى صارت كل واحدة من الكبيرتين
أم امرأته وصارت الصغيرة بنت امرأته فصار جامعا بينهن فحرمن عليه فلما أرضعتا الثانية فقد أرضعتاها
بعد ثبوت البينونة فلم يصر جامعا فلا تحرم هذه الصغيرة بسبب الجمع ولكنها ابنة منكوحة كانت له فإن كان
لم يدخل بها لا تحرم عليه وإن كان قد دخل بها تحرم ولا يجوز له نكاح واحدة من الكبيرتين بعد ذلك بحال والامر في جواز
نكاح الصغيرة الأولى على التفصيل الذي مر ولو كانت احدى الكبيرتين أرضعت الصغيرتين واحدة بعد
الأخرى ثم أرضعت الكبيرة الأخرى الصغيرتين واحدة بعد الأخرى ينظر إن كانت الكبيرة الأخيرة
بدأت بالتي بدأت بها الكبيرة الأولى بانت الكبيرتان والصغيرة الأولى والصغيرة الأخرى امرأته وإن كانت بدأت
بالتي لم تبدأ بها الأولى حرمن عليه جميعا وإنما كان كذلك لان الكبيرة الأولى لما أرضعت الصغيرة الأولى فقد
صارت بنتها فحصل الجمع بين الام والبنت فحرمتا عليه فلما أرضعت الأخرى أرضعتها وهي أجنبية فلم يتحقق
الجمع لكن صارت الأخرى ربيبته فإن كان لم يدخل بأمها لا تحرم وإن كان قد دخل بها تحرم فلما جاءت الكبيرة
الأخيرة فأرضعت الصغيرة الأولى فقد صارت أم منكوحته فحرمت عليه فلما أرضعت الصغيرة الأخرى
فقد أرضعتها وهي أجنبية فصارت ربيبته فلا تحرم إذا كان لم يدخل بأمها وإن كان قد دخل بأمها تحرم وإذا كانت
الكبيرة الأخيرة بدأت بالتي لم تبدأ بها الكبيرة الأولى فقد صارت بنتا لها فصار جامعها مع أمها فرحمتا عليه كما حرمت
الكبيرة الأولى مع الصغيرة الأولى فحرمن جميعا ولو كان تحته صغيرة وكبيرة فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة بانتا لأنهما
صارتا أختين وكذا إذا أرضعت أخت الكبيرة الصغيرة لأنها صارت بنت أخت امرأته والجمع بين المرأة وبين
بنت أختها لا يجوز في الرضاع كما لا يجوز في النسب ولو أرضعتها عمة الكبيرة أو خالتها لم تبن لأنها صارت بنت عمة
امرأته أو بنت خالتها ويجوز للانسان أن يجمع بين امرأة وبين بنت عمتها أو بنت خالتها في النسب فكذا في الرضاع
ولو طلق رجل امرأته ثلاثا ثم أرضعت المطلقة قبل انقضاء عدتها امرأة له صغيرة بانت الصغيرة لأنها صارت بنتا له فحصل
الجمع في حال العدة والجمع في حال قيام العدة كالجمع في حال قيام النكاح ولو زوج ابنه وهو صغير امرأة لها لبن فارتدت
وبانت من الصبي ثم أسلمت فتزوجها رجل فحبلت منه ثم أرضعت بلبنها ذلك الصبي الذي كان زوجها حرمت
على زوجها الثاني كذا روى بشر بن الوليد عن محمد لان ذلك الصبي صار ابنا لزوجها فصارت هي منكوحة ابنه
من الرضاع فحرمت عليه ولو زوج رجل أم ولده مملوكا له صغيرا فأرضعته بلبن السيد حرمت على زوجها وعلى
مولاها لان الزوج صار ابنا لزوجها فصارت هي موطوءة أبيه فتحرم عليه ولا يجوز للمولى أن يطأها بملك اليمين لأنها
13

منكوحة ابنه ولو تزوج صغيرة فطلقها ثم تزوج كبيرة لها لبن فأرضعتها حرمت عليه لأنها صارت أم منكوحة
كانت له فتحرم بنكاح البنت والله عز وجل أعلم.
{فصل} وأما بيان ما يثبت به الرضاع أي يظهر فالرضاع يظهر بأحد أمرين أحدهما الاقرار والثاني
البينة أما الاقرار فهو أن يقول لامرأة تزوجها هي أختي من الرضاع أو أمي من الرضاع أو بنتي من الرضاع ويثبت
على ذلك ويصبر عليه فيفرق بينهما لأنه أقر ببطلان ما يملك ابطاله للحال فيصدق فيه على نفسه وإذا صدق لا يحل له
وطؤها والاستمتاع بها فلا يكون نفي ابقاء النكاح فائدة فيفرق بينهما سواء صدقته أو كذبته لان الحرمة ثابتة في زعمه
ثم إن كان قبل الدخول بها فلها نصف المهر ان كذبته لان الزوج مصدق على نفسه لا عليها بابطال حقها في المهر وإن كان
بعد الدخول بها فلها كمال المهر والنفقة والسكنى لأنه غير مصدق بابطال حقها فان أقر بذلك ثم قال أوهمت أو
أخطأت أو غلطت أو نسيت أو كذبت فهما على النكاح ولا يفرق بينهما عندنا وقال مالك والشافعي يفرق بينهما ولا
يصدق على الخطأ وغيره وجه قولهما انه أقر بسبب الفرقة فلا يملك الرجوع كما لو أقر باطلاق ثم رجع قال لامرأته
كنت طلقتك ثلاثا ثم قال أوهمت والدليل عليه انه لو قال لامته هذه امرأتي أو أمي أو أختي أو ابنتي ثم قال أوهمت
انه لا يصدق وتعتق كذا ههنا ولنا ان الاقرار اخبار فقوله هذه أختي اخبار منه انها لم تكن زوجته قط لكونها محرمة
عليه على التأبيد فإذا قال أوهمت صار كأنه قال ما تزوجتها ثم قال تزوجتها وصدقته المرأة ولو قال ذلك يقران على
النكاح كذا هذا بخلاف الطلاق لان قوله كنت طلقتك ثلاثا اقرار منه بانشاء الطلاق الثلاث من جهته ولا
يتحقق انشاء الطلاق الا بعد صحة النكاح فإذا أقر ثم رجع عنه لم يصدق وبخلاف قوله لامته هذه أمي أو ابنتي لان
ذلك لا يقتضى نفى الملك في الأصل ألا ترى انها لو كانت أمه أو ابنته حقيقة جاز دخولها في ملكه حتى يقع العتق عليها
من جهته فتضمن هذا اللفظ منه انشاء العتق عليها فإذا قال أوهمت لا يصدق كما لو قال هذه حرة ثم قال أوهمت
وكذلك إذا أقر الزوج بهذا قبل النكاح فقال هذه أختي من الرضاع أو أمي أو بنتي وأصر على ذلك وداوم عليه لا يجوز
له أن يتزوجها ولو تزوجها يفرق بينهما ولو قال أوهمت أو غلطت جاز له ان يتزوجها عندنا لما قلنا ولو جحد الاقرار
فشهد شاهدان على اقراره فرق بينهما وكذلك إذا أقر بالنسب فقال هذه أمي من النسب أو بنتي أو أختي وليس
لها نسب معروف وانها تصلح بنتا له أو أما له فإنه يسئل مرة أخرى فان أصر على ذلك وثبت عليه يفرق بينهما لظهور
النسب باقراره مع اصراره عليه وان قال أوهمت أو أخطأت أو غلطت يصدق ولا يفرق بينهما عندنا لما قلنا وإن كان
لها نسب معروف أو لا تصلح أما أو بنتا له لا يفرق بينهما وان دام على ذلك لأنه كاذب في اقراره بيقين والله أعلم
وأما البينة فهي ان يشهد على الرضاع رجلان أو رجل أو امرأتان ولا يقبل على الرضاع أقل من ذلك ولا شهادة
النساء بانفرادهن وهذا عندنا وقال الشافعي يقبل فيه شهادة أربع نسوة وجه قوله إن الشهادة على الرضاع شهادة
على عورة إذ لا يمكن تحمل الشهادة الا بعد النظر إلى الثدي وانه عورة فيقبل شهادة النساء على الانفراد كالولادة
ولنا ما روى محمد عن عكرمة بن خالد المخزومي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لا يقبل على الرضاع أقل من شاهدين
وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم يظهر النكير من أحد فيكون اجماعا ولان هذا باب مما يطلع عليه الرجال فلا يقبل فيه
شهادة النساء على الانفراد كالمال وإنما قلنا ذلك لان الرضاع مما يطلع عليه الرجال أما ثدي الأمة فلانه يجوز للأجانب
النظر إليه وأما ثدي الحرة فيجوز لمحارمها النظر إليه فثبت ان هذه الشهادة مما يطلع عليه الرجال فلا يقبل فيه شهادة النساء
على الانفراد لان قبول شهادتهن بانفرادهن في أصول الشرع للضرورة وهي ضرورة عدم اطلاع الرجال على المشهود
به فإذا جاز الاطلاع عليه في الجملة لم تتحقق الضرورة بخلاف الولادة فإنه لا يجوز لاحد فيها من الرجال الاطلاع عليها
فدعت الضرورة إلى القبول وإذا شهدت امرأة على الرضاع فالأفضل للزوج ان يفارقها لما روى عن محمد ان عقبة
ابن الحرث قال تزوجت بنت أبي اهاب فجاءت امرأة سوداء فقالت انى أرضعتكما فذكرت ذلك لرسول الله صلى
14

الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم فارقها فقلت امرأة سوداء وانها كيت وكيت فقال صلى الله عليه وسلم
كيف وقد قيل وفي بعض الروايات قال عقبة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله وسلم فأعرض ثم ذكر ته
فأعرض حتى قال في الثالثة أو الرابعة فدعها إذا وقوله فارقها أو فدعها إذا ندب إلى الأفضل والأولى ألا ترى انه صلى
الله عليه وسلم لم يفرق بينهما بل أعرض ولو كان التفريق واجبا لما اعرض فدل قوله صلى الله عليه وسلم فارقها على بقاء
النكاح وروى أن رجلا تزوج امرأة فجاءت امرأة فزعمت أنها أرضعتهما فسأل الرجل عليا رضي الله عنه فقال هي
امرأتك ليس أحد يحرمها عليك فان تنزهت فهو أفضل وسأل ابن عباس رضي الله عنهما فقال له مثل ذلك ولأنه يحتمل
أن تكون صادقة في شهادتها فكان الاحتياط هو المفارقة فإذا فارقها فالأفضل له أن يعطيها نصف المهر إن كان قبل
الدخول بها لاحتمال صحة النكاح لاحتمال كذبها في الشهادة والأفضل لها ان لا تأخذ شيئا منه لاحتمال فساد النكاح
لاحتمال صدقها في الشهادة وإن كان بعد الدخول فالأفضل للزوج ان يعطيها كمال المهر والنفقة والسكنى لاحتمال
جواز النكاح والأفضل لها ان تأخذ الأقل من مهر مثلها ومن المسمى ولا تأخذ النفقة والسكنى لاحتمال الفساد
وان لم يطلقها فهو في سعة من المقام معها لان النكاح قائم في الحكم وكذا إذا شهدت امرأتان أو رجل وامرأة أو
رجلان غير عدلين أو رجل وامرأتان غير عدل لما قلنا وإذا شهد رجلان أو رجل وامرأتان وفرق بينهما فإن كان
قبل الدخول بها فلا شئ لها لأنه تبين ان النكاح كان فاسدا وإن كان بعد الدخول بها يجب لها الأقل من المسمى
ومن مهر المثل ولا تجب النفقة والسكنى في سائر الأنكحة الفاسدة والله عز وجل أعلم.
{كتاب النفقة}
النفقة أنواع أربعة نفقة الزوجات ونفقة الأقارب ونفقة الرقيق ونفقة البهائم والجمادات أما نفقة الزوجات فالكلام
فيها يقع في مواضع في بيان وجوبها وفي بيان سبب الوجوب وفي بيان الشرائط الوجوب وفي بيان مقدار الواجب
منها وفي بيان كيفية وجوبها وبيان سبب الوجوب وفي بيان ما يسقطها بعد وجوبها وصيرورتها دينا في الذمة أما
وجوبها فقد دل عليه الكتاب والسنة والاجماع والمعقول أما الكتاب العزيز فقوله عز وجل أسكنوهن من حيث
سكنتم من وجد كم أي على قدر ما يجده أحدكم من السعة والمقدرة والامر بالا سكان أمر بالاتفاق لأنها لا تصل إلى
النفقة الا بالخروج والاكتساب وفي حرف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا
عليهن من وجدكم وهو نص وقوله عز وجل ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن أي لا تضاروهن في الانفاق عليهن
فتضيقوا عليهن النفقة فيخرجن أو لا تضاروهن في المسكن فتدخلوا عليهن من غير استئذان فتضيقوا عليهن المسكن
فيخرجن وقوله عز وجل وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن وقوله عز وجل وعلى المولود له رزقهن
وكسوتهن بالمعروف وقوله عز وجل لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله وقوله عز وجل
ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف قيل هو المهر والنفقة وأما السنة فما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
اتقوا الله في السناء فإنهن عندكم عوار لا يملكن لأنفسهن شيئا وإنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة
الله لكم عليهن حق ان لا يوطئن فرشكم أحدا ولا يأذن في بيوتكم لاحد تكرهونه فان خفتم نشوزهن فعظوهن
واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم كسوتهن ورزقهن بالمعروف ثم قال ثلاثا الا هل
بلغت ويحتمل أن يكون هذا الحديث تفسيرا لما أجمل الحق في قوله ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف فكان
الحديث مبينا لما في الكتاب أصله وروى أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ماحق المرأة
على الزوج فقال صلى الله عليه وسلم يطعمها إذا أطعم ويكسوها إذا كسى وان لا يهجرها الا في المبيت ولا يضربها
ولا يقبح وقال النبي صلى الله عليه وسلم لهند امرأة أبي سفيان خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك
15

بالمعروف ولو لم تكن النفقة واجبة لم يحتمل أن يأذن لها بالاخذ من غير اذنه وأما الاجماع فلان الأمة أجمعت على
هذا وأما المعقول فهو ان المرأة محبوسة بحبس النكاح حقا للزوج ممنوعة عن الاكتساب بحقه فكان نفع
حبسها عائدا إليه فكانت كفايتها عليه كقوله صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان ولأنها إذا كانت محبوسة
بحبسه ممنوعة عن الخروج للكسب بحقه فلو لم يكن كفايتها عليه لهلكت ولهذا جعل للقاضي رزق في بيت مال
المسلمين لحقهم لأنه محبوس لجهتهم ممنوع عن الكسب فجعلت نفقته في مالهم وهو بيت المال كذا هنا
{فصل} وأما سبب وجوب هذه النفقة فقد اختلف العلماء فيه قال أصحابنا سبب وجوبها استحقاق
الحبس الثابت بالنكاح للزوج عليها وقال الشافعي السبب هو الزوجية وهو كونها زوجة له وربما قالوا ملك
النكاح للزوجة عليها وربما قالوا القوامية واحتج بقوله تعالى الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على
بعض وبما انفقوا من أموالهم أوجب النفقة عليهم لكونهم قوامين والقوامية تثبت بالنكاح فكان سبب وجوب
النفقة النكاح لان الاتفاق على المملوك من باب اصلاح الملك واستبقائه فكان سبب وجوبه الملك كنفقة المماليك
ولنا ان حق الحبس الثابت للزوج عليها بسبب النكاح مؤثر في استحقاق النفقة لها عليه لما بينا فاما الملك فلا أثر
له لأنه قد قوبل بعوض مرة وهو المهر فلا يقابل بعوض آخر إذ العوض الواحد لا يقابل بعوضين ولا حجة له في الآية
لان فيها اثبات القوامية بسبب النفقة لا ايجاب النفقة بسبب القوامية وعلى هذا الأصل يبنى انه لا نفقة على مسلم
في نكاح فاسد لانعدام سبب الوجوب وهو حق الحبس الثابت للزوج عليها بسبب النكاح لان حق الحبس
لا يثبت في النكاح الفاسد وكذا النكاح الفاسد ليس بنكاح حقيقة وكذا في عدة منه ان ثبت حق الحبس
لأنه لم يثبت بسبب النكاح لانعدامه وإنما يثبت لتحصين الماء ولان حال العدة لا يكون أقوى من حال النكاح
فلما لم تجب في النكاح فلان لا تجب العدة أولى وتجب في العدة من نكاح صحيح لوجود سبب الوجوب وهو
استحقاق الحبس للزوج عليها بسبب النكاح لان النكاح قائم من وجه فتستحق النفقة كما كانت تستحقها
قبل الفرقة بل أولى لان حق الحبس بعد الفرقة تأكد بحق الشرع وتأكد السبب يوجب تأكد الحكم فلما
وجبت قبل الفرقة فبعدها أولى سواء كانت العدة عن فرقة بطلان أو عن فرقة بغير طلاق وسواء كانت الفرقة
بغير طلاق من قبل الزوج أو من قبل المرأة الا إذا كانت من قبلها بسبب محظور استحسانا أو شرح هذه الجملة
ان الفرقة إذا كانت من قبل الزوج بطلاق فلها النفقة والسكنى سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا وسواء كانت
حاملا أو حائلا بعد إن كانت مدخولا بها عندنا لقيام حق حبس النكاح وعند الشافعي إن كانت مطلقة طلاقا رجعيا
أو بائنا وهي حامل فكذلك فاما المبتوتة إذا كانت حاملا فلها السكنى ولا نفقة لها لزوال النكاح بالإبانة وكان ينبغي
أن لا يكون لها السكنى الا انه ترك القياس في السكنى بالنص وعند ابن أبي ليلى لا نفقة للمبتوتة ولا سكنى لها والمسألة
ذكرت في كتاب الطلاق وفي بيان أحكام العدة وسواء كان الطلاق ببدل أو بغير بدل وهو الخلع والطلاق على مال
لما قلنا ولو خالعها على أن يبرأ من النفقة والسكنى يبرأ من النفقة ولا يبرأ من السكنى لكنه يبرأ عن مؤنة السكنى لان
النفقة حقها على الخلوص وكذا مؤنة السكنى فتملك الابراء عن حقها فاما السكنى ففيها حق الله عز وجل فلا تملك
المعتدة اسقاطه ولو أبرأته عن النفقة من غير قطع لا يصلح الابراء لان الابراء اسقاط الواجب فيستدعى تقدم الوجوب
والنفقة تجب شيئا فشيئا على حسب مرور الزمان فكان الابراء اسقاطا قبل الوجوب فلم يصح بخلاف ما إذا اختلعت
نفسها على نفقتها لما ذكرناه في الخلع ولأنها جعلت الابراء عن النفقة عوضا عن نفسها في العقد ولا يصح ذلك الا بعد
سابقة الوجوب فيثبت الوجوب مقتضى الخلع باصطلاحهما كما لو اصطلحا على النفقة انها تجب وتصير دينا في الذمة
كذا هذا وكذلك الفرقة بغير طلاق إذا كانت من قبله فلها النفقة والسكنى سواء كانت بسبب مباح كخيار البلوغ
أو بسبب محظور كالردة ووطئ أمها أو ابنتها أو تقبيلهما بشهوة بعد أن يكون بعد الدخول بها لقيام السبب وهو حق
16

الحبس للزوج عليها بسبب النكاح وإذا كانت من قبل المرأة فإن كانت بسبب مباح كخيار الادراك وخيار العتق
وخيار عدم الكفاءة فكذلك لها النفقة والسكنى وإن كانت بسبب محظور بان ارتدت أو طاوعت ابن زوجها أو أباه
أو لمسته بشهوة فلا نفقة لها استحسانا ولها السكنى وإن كانت مستكرهة والقياس أن يكون لها النفقة والسكنى في
ذلك كله وجه القياس ان حق الحبس قائم وتستحق النفقة كما إذا كانت الفرقة من قبلها بسبب مباح وكما إذا كانت
الفرقة من قبل الزوج بسبب مباح أو محظور وللاستحسان وجهان أحدهما ان حق الحبس قد بطل بردتها
الا ترى انها تحبس بعد الردة جبرا لها على الاسلام لثبوت بقاء حق النكاح فلم تجب النفقة بخلاف ما إذا كانت الفرقة
بسبب مباح لان هناك حبس النكاح قائم فبقيت النفقة وكذا إذا كانت من قبل الزوج بسبب هو معصية لأنها
لا تحبس بردة الزوج فيبقى حبس النكاح فتبقى العدة لكن هذا يشكل بما إذا طاوعت ابن زوجها أو قبلته بشهوة انها
لا تستحق النفقة وان بقي حبس النكاح ما دامت العدة قائمة ولا اشكال في الحقيقة لان هناك عدم الاستحقاق
لانعدام شرط من شرائط الاستحقاق وهو ان لا يكون الفرقة من قبلها خاصة بفعل هو محظور مع قيام السبب وهو
حبس النكاح فاندفع الاشكال بحمد الله تعالى والثاني ان حبس النكاح إنما أوجب النفقة عليه صلة لها فإذا
وقعت الفرقة بفعلها الذي هو معصية لم تستحق الصلة إذ الجاني لا يستحق الصلة بل يستحق الزجر وذلك في
الحرمان في الاستحقاق كمن قتل مورثه بغير حق انه يحرم الميراث لما قلنا كذا هذا بخلاف ما إذا كانت مستكرهة
على الوطئ لان فعلها ليس بجناية فلا يوجب حرمان الصلة وكذا إذا كانت الفرقة بسبب مباح وبخلاف الزوج
لان النفقة حقها قبل الزوج فلا يؤثر فعله الذي هو معصية في اسقاط حق الغير فهو الفرق بين الفصلين وإنما لم تحرم
السكنى بفعلها الذي هو معصية لما قلنا إن في السكنى حق الله تعالى فلا يحتمل السقوط بفعل العبد ولو ارتدت في
النكاح حتى حرمت النفقة ثم أسلمت في العدة لا تستحق النفقة ولو ارتدت في العدة ثم أسلمت وهي في العدة تعود
النفقة ووجه الفرق ان النفقة في الفصل الثاني بقيت واجبة بعد الفرقة قبل الردة لبقاء سبب الوجوب وهو حبس
النكاح وقت وجوب العدة ثم امتنع وجوبها من بعد تعارض الردة فإذا عادت إلى الاسلام فقد زال العارض فتعود
النفقة وأما في الفصل الأول فالنفقة لم تبق واجبة وقت وجوب العدة لبطلان سبب وجوبها بالردة في حق حبس
النكاح لان الردة أوجبت بطلان ذلك الحبس فلا يعود من غير تجديد النكاح فلا تعود النفقة بدونه والأصل في هذا
ان كل امرأة لم تبطل نفقتها بالفرقة ثم بطلت قي العدة لعارض منها ثم زال العارض في العدة تعود نفقتها وكل من بطلت
نفقتها بالفرقة لا تعود النفقة في العدة وان زال سبب الفرقة في العدة بخلاف ما إذا نشزت ثم عادت انها تستحق النفقة
لان النشوز لم يوجب بطلان حق الحبس الثابت بالنكاح وإنما فوت التسليم المستحق بالعقد فإذا عادت فقد سلمت
نفسها فاستحقت النفقة ولو طاوعت ابن زوجها أو أباه في العدة أو لمسته بشهوة فإن كانت معتدة من طلاق وهو رجعي
فلا نفقة لها لان الفرقة ما وقعت بالطلاق وإنما وقعت بسبب وجد منها وهو محظور وإن كان الطلاق بائنا أو كانت
معتدة عن فرقة بغير طلاق فلها النفقة والسكنى بخلاف ما إذا ارتدت في العدة انه لا نفقة لها إلى أن تعود إلى الاسلام
وهي في العدة لان حبس النكاح يفوت بالردة ولا يفوت بالمطاوعة والمس ولو ارتدت في العدة ولحقت بدار الحرب
ثم عادت وأسلمت أو سبيت وأعتقت أو لم تعتق فلا نفقة لها لأن العدة قد بطلت باللحاق بدار الحرب لان الردة مع
اللحاق بمنزلة الموت ولو طلق امرأته وهي أمة طلاقا بائنا وقد كان المولى بوأها مع زوجها بيتا حتى وجبت النفقة ثم أخرجها
المولى لخدمته حتى سقطت النفقة ثم أراد ان يعيدها إلى الزوج ويأخذ النفقة كان له ذلك وان لم يكن بوأها المولى بيتا حتى
طلقها الزوج ثم أراد ان يبوئها مع الزوج في العدة لتجب النفقة فإنها لا تجب وجه الفرق ان النفقة كانت واجبة في
الفصل الأول لوجود سبب الوجوب وهو الاحتباس وشرطه وهو التسليم الا انه لما أخرجها إلى خدمته فقد فوت
على الزوج الاحتباس الثابت حقا له والتسليم فامتنع وجوب النفقة حقا له فإذا أعادها إلى الزوج عاد حقه فيعود حق
17

المولى في النفقة فاما في الفصل الثاني فالنفقة ما كانت واجبة في العدة لانعدام سبب الوجوب أو شرط الوجوب وهو
التسليم فهو بالبينونة يريد الزام الزوج النفقة ابتداء في العدة فلا يملك ذلك والأصل في ذلك ان كل امرأة كانت لها
النفقة يوم الطلاق ثم صارت إلى حال لا نفقة لها فيها فلها ان تعود وتأخذ النفقة وكل امرأة لا نفقة لها يوم الطلاق فليس
لها نفقة أبدا الا الناشزة وتفسير ذلك والوجه فيه ما ذكرنا ويستوى في نفقة المعتدة عدة الأقراء وعدة الأشهر وعدة
الحمل لاستواء الكل في سبب الاستحقاق فينفق عليها ما دامت في العدة وان تطاولت المدة لعذر الحبل أو لعذر آخر
ويكون القول في ذلك قولها لان ذلك أمر يعرف من قبلها حتى لو ادعت انها حامل أنفق عليها إلى سنتين منذ طلقها لان
الولد يبقى في البطن إلى سنتين فان مضت سنتان ولم تضع فقالت كنت أتوهم اني حامل ولم أحض إلى هذه الغاية وطلبت
النفقة لعذر امتداد الطهر وقال الزوج انك ادعيت الحمل فإنما تجب على النفقة لعلة الحمل وأكثر مدة الحمل سنتان
وقد مضى ذلك فلا نفقة على فان القاضي لا يلتفت إلى قوله ويلزمه النفقة إلى أن تنقضي عدتها بالأقراء وتدخل في عدة
الإياس لان أحد العذرين ان بطل وهو عذر الحمل فقد بقي الاخر وهو عذر امتداد الطهر إذ الممتد طهرها من ذوات
الأقراء وهي مصدقة في ذلك فإن لم تحض حتى دخلت في حد الإياس أنفق عليها ثلاثة أشهر فان حاضت في الأشهر
الثلاثة واستقبلت العدة بالحيض فلها النفقة لأنها معتدة وكذلك لو كانت صغيرة يجامع مثلها فطلقها بعد ما دخل بها
انفق عليها ثلاثة أشهر فان حاضت في الأشهر الثلاثة واستقبلت عدة الأقراء انفق عليها حتى تنقضي عدتها لما قلنا وان
طالبته امرأة بالنفقة وقدمته إلى القاضي فقال الرجل للقاضي قد كنت طلقتها منذ سنة وقد انقضت عدتها في هذه المدة
وجحدت المرأة الطلاق فان القاضي لا يقبل قول الزوج انه طلقها منذ سنة ولكن يقع الطلاق عليها منذ أقر به عند
القاضي لأنه يصدق في حق نفسه لا في ابطال حق الغير فان أقام شاهدين على أنه طلقها منذ سنة والقاضي لا يعرفهما
أمره القاضي بالنفقة وفرض لها عليه النفقة لان الفرقة منذ سنة لم تظهر بعد فان أقام بينة عادلة أو أقرت هي انها قد
حاضت ثلاث حيض في هذه السنة فلا نفقة لها على الزوج وإن كانت أخذت منه شيئا ترده عليه لظهور ثبوت الفرقة
منذ سنة وانقضاء العدة وان قالت لم أحض في هذه السنة فالقول قولها ولها النفقة لان القول في انقضاء العدة قولها
فان قال الزوج قد أخبرتني ان عدتها قد انقضت لم يقبل قوله في ابطال نفقتها لأنه غير مصدق عليها في ابطال حقها ولو
طلق امرأته ثلاثا أو بائنا فامتدت عدتها إلى سنتين ثم ولدت لأكثر من سنتين وقد كان الزوج أعطاها النفقة إلى وقت
الولادة فإنه يحكم بانقضاء عدتها قبل الولادة لستة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد ويسترد نفقة ستة أشهر
قبل الولادة وعند أبي يوسف لا يسترد شيئا من النفقة وكذلك إذا أطلق امرأته في حال المرض فامتد مرضه
إلى سنتين وامتدت عدتها إلى سنتين ثم ولدت المرأة بعد الموت بشهر وقد كان أعطاها النفقة إلى وقت الوفاة فإنها
لا ترث ويسترد منها نفقة ستة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف ترث ولا يسترد شيئا من النفقة وقد مرت
المسئلتان في كتاب الطلاق ولا نفقة في الفرقة قبل الدخول باي سبب كانت لارتفاع النكاح من كل وجه فينعدم
السبب وهو الحبس الثابت بالنكاح وأم الولد إذا أعتقها مولاها ووجبت عليها العدة لا نفقة لها وإن كانت محبوسة
ممنوعة عن الخروج لان هذا الحبس لم يثبت بسبب النكاح وإنما يثبت لتحصين الماء فأشبهت المعتدة من النكاح
الفاسد ولان نفقتها قبل العتق إنما وجبت بملك اليمين لا بالاحتباس وقد زال بالاعتاق ونفقة الزوجة إنما وجبت
بالاحتباس وأنه قائم
(فصل) وأما شرط وجوب هذه النفقة فلوجوبها شرطان أحدهما يعم النوعين جميعا أعني نفقة النكاح ونفقة العدة
والثاني يخص أحدهما وهو نفقة العدة أما الأول فتسليم المرأة نفسها إلى الزوج وقت وجوب التسليم ونعني بالتسليم
التخلية وهي أن تخلى بين نفسها وبين زوجها برفع المانع من وطئها أو الاستمتاع بها حقيقة إذا كان المانع من قبلها أو
من قبل غير الزوج فإن لم يوجد التسليم على هذا التفسير وقت وجوب التسليم فلا نفقة لها وعلى هذا تخرج مسائل إذا
18

تزوج بالغة حرة صحيحة سليمة ونقلها إلى بيته فلها النفقة لوجود سبب الوجوب وشرطه وكذلك إذا لم ينقلها وهي بحيث
لا تمنع نفسها وطلبت النفقة ولم يطالبها بالنقلة فلها النفقة لأنه وجد سبب الوجوب وهو استحقاق الحبس وشرطه
وهو التسليم على التفسير الذي ذكرنا فالزوج بترك النقلة ترك حق نفسه مع امكان الاستيفاء فلا يبطل حقها في النفقة
فان طالبها بالنقلة فامتنعت فإن كان امتناعها بحق بان امتنعت لاستيفاء مهرها العاجل فلها النفقة لأنه لا يجب عليها
التسليم قبل استيفاء العاجل من مهرها فلم يوجد منها الامتناع من التسليم وقت وجوب التسليم وعلى هذا قالوا لو
طالبها بالنقلة بعدما أوفاها المهر إلى دار مغصوبة فامتنعت فلها النفقة لان امتناعها بحق فلم يجب عليها التسليم فلم تمتنع
من التسليم حال وجوب التسليم ولو كانت ساكنة منزلها فمنعته من الدخول عليها لا على سبيل النشوز فان قالت حولني
إلى منزلك أو اكتر لي منزلا أنزله فانى احتاج إلى منزلي هذا آخذ كراءه فلها النفقة لان امتناعها عن التسليم في بيتها
لغرض التحويل إلى منزله أو الكراء امتناع بحق فلم يوجد منها الامتناع من التسليم وقت وجوب التسليم وإن كان
بغير حق بأن كان الزوج قد أوفاها مهرها أو كان مؤجلا فلا نفقة لها لانعدام التسليم حال وجوب التسليم فلم
يوجد شرط الوجوب فلا تجب ولهذا لم تجب النفقة للناشزة وهذه ناشزة ولو منعت نفسها عن زوجها بعدما دخل بها
برضاها لاستيفاء مهرها فلها النفقة عند أبي حنيفة لأنه منع بحق عنده وعندهما لا نفقة لها لكونه منعا بغير حق عندهما
ولو منعت نفسها عن زوجها بعدما دخل بها على كره منها فلها النفقة محقة في المنع وإن كانت صغيرة يجامع مثلها فهي
كالبالغة في النفقة لان المعنى الموجب للنفقة يجمعهما وإن كانت لا يجامع مثلها فلا نفقة لها عندنا وعند الشافعي لها
النفقة بناء على أن سبب الوجوب عنده النكاح وشرطه عدم النشوز وقد وجد أو شرط الوجوب عندنا تسليم النفس
ولا يتحقق التسليم في الصغيرة التي لا يجامع مثلها لا منها ولا من غيرها لقيام المانع في نفسها من الوطئ والاستمتاع
لعدم قبول المحل لذلك فانعدم شرط الوجوب فلا يجب وقال أبو يوسف إذا كانت الصغيرة تخدم الزوج وينتفع
الزوج بها بالخدمة فسلمت نفسها إليه فان شاء ردها وان شاء أمسكها فان أمسكها فلها النفقة وان ردها فلا نفقة لها
لأنها إذا لم تحتمل الوطئ لم يوجد التسليم الذي أوجبه العقد فكان له أن يمتنع من القبول فان أمسكها فلها النفقة لأنه
حصل له منها نوع منفعة وضرب من الاستمتاع وقد رضى بالتسليم القاصر وان ردها فلا نفقة لها حتى يجئ حال
يقدر فيها على جماعها لانعدام التسليم الذي أوجبه العقد وعدم رضاه بالتسليم القاصر وإن كان الزوج صغيرا والمرأة
كبيرة فلها النفقة لوجود التسليم منها على التفسير الذي ذكرنا وإنما عجز الزوج عن القبض وأنه ليس بشرط لوجوب
النفقة وكذلك لو كان الزوج مجبوبا أو عنينا أو محبوسا في دين أو مريضا لا يقدر على الجماع أو خارجا للحج فلها النفقة لما
قلنا ولو كانت المرأة مريضة قبل النقلة مرضا يمنع من الجماع فنقلت وهي مريضة فلها النفقة بعد النقلة وقبلها أيضا
فإذا طلبت النفقة فلم ينقلها وهي لا تمتنع من النقلة لو طالبها الزوج وإن كانت تمتنع فلا نفقة لها كالصحيحة
كذا ذكر في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف أنه لا نفقة لها قبل النقلة فإذا نقلت وهي مريضة فله أن يردها وجه
رواية أبى يوسف أنه لم يوجد التسليم إذ هو تخلية وتمكين ولا يتحقق ذلك مع المانع وهو تبوؤ المحل فلا تستحق النفقة
كالصغيرة التي لا تحتمل الوطئ وإذا سلمت نفسها وهي مريضة له ان يردها لان التسليم الذي أوجبه العقد وهو التسليم
الممكن من الوطئ لما لم يوجد كان له أن لا يقبل التسليم إلى لم يوجبه العقد وهكذا قال أبو يوسف في الصغيرة التي لم
يجامع مثلها أن له ان يردها لما قلنا وجه ظاهر الرواية أن التسليم في حق التمكين من الوطئ ان لم يوجد فقد وجد في حق
التمكين من الاستمتاع وهذا يكفي لوجوب النفقة كما في الحائض والنفساء والصائمة صوم رمضان وإذا امتنعت فلم
يوجد منها التسليم رأسا فلا تستحق النفقة وقال أبو يوسف إذا كانت المريضة تؤنسه وينتفع بها في غير الجماع
فان شاء ردها وان شاء أمسكها فان أمسكها فلها النفقة وان ردها فلا نفقة لها لما ذكرنا في الصغيرة وان نقلت وهي صحيحة
ثم مرضت في بيت الزوج مرضا لا تستطيع معه الجماع لم تبطل نفقتها بلا خلاف لان التسليم المطلق وهو التسليم
19

الممكن من الوطئ والاستمتاع قد حصل بالانتقال لأنها كانت صحيحة كذا الانتقال ثم قصر التسليم لعارض يحتمل
الزوال فأشبه الحيض أو نقول التسليم المستحق بالعقد في حق المريضة التي لا تحتمل الجماع قبل الانتقال وبعده هو
التسليم في حق الاستمتاع لا في حق الوطئ كما في حق الحائض وكذا إذا نقلها ثم ذهب عقلها فصارت معتوهة مغلوبة
أو كبرت فطعنت في السن حتى لا يستطيع زوجها جماعها أو أصابها بلاء فلها النفقة لما قلنا ولو حبست في دين ذكر في
الجامع الكبير أن لا نفقة لها ولم يفصل بين ما إذا كان الحبس قبل الانتقال أو بعده وبين ما إذا كانت قادرة على
التخلية أولا لان حبس النكاح قد بطل باعراض حبس الدين لان صاحب الدين أحق بحبسها بالدين وفات
التسليم أيضا بمعنى من قبلها وهو مطلها فصارت كالناشزة وذكر الكرخي أنها إذا كانت محبوسة في دين من قبل النقلة
فإن كانت تقدر على أن تخلى بينه وبين نفسها فلها النفقة وإن كانت في موضع لا تقدر على التخلية فلا نفقة
لها وهذا تفسير ما أجمله محمد في الجامع لأنها إذا كانت تقدر على أن توصله إليها فالظاهر منها عدم المنع لو طالبها الزوج
وهذا تفسير التسليم فإن لم يطالبها فالتقصير جاء من قبله فلا يسقط حقها وإن كانت لا تقدر على التحلية فالتسليم
فات بمعنى من قبلها وهو مماطلتها فلا تستوجب النفقة ولو حبست بعد النقلة لم تبطل نفقتها لما قلنا في المريضة وذكر
القدوري أن ما ذكره الكرخي في الحبس محمول على على ما إذا كانت محبوسة لا تقدر على قضائه فاما إذا كانت
قادرة على القضاء فلم تقض فلا نفقة لها وهذا صحيح لأنها إذا لم تقض مع القدرة على القضاء صارت كأنها حبست
نفسها فتصير بمعنى الناشزة ولو فرض القاضي لها النفقة ثم أخذها رجل كارهة فهرب بها شهرا أو غصبها غاصب
لم يكن لها نفقة في المدة التي منعها لفوات التسليم لا لمعنى من جهة الزوج وروى عن أبي يوسف أن لها النفقة لان الفوات
ما جاء من قبلها والرتقاء والقرناء لهما النفقة بعد النقلة وقبلها إذا طلبتا ولم يظهر منهما الامتناع في ظاهر الرواية وروى عن
أبي يوسف أن لهما النفقة بعد الانتقال فاما قبل الانتقال فلا نفقة لهما وجه رواية أبى يوسف أن التسليم الذي أوجبه
العقد لم يوجد في حقهما قبل الانتقال وبعده الا أنه لما قبلهما مع العلم بالعيب فقد رضى بالتسليم القاصر كما قال في المريضة
الا أن ههنا قال لا يجوز له أن يردهما وقال في الصغيرة التي ينتقع بها في الخدمة والمريضة التي يستأنس بها أن له أن يردهما
وجه ظاهر الرواية ان العقد انعقد في حقهما موجبا تسليم مثلهما وهو التمكين من الاستمتاع دون الوطئ وهذا النوع
من التسليم يكفي لاستحقاق النفقة كتسليم الحائض والنفساء والمحرمة والصائمة مع ما ان التسليم المطلق يتصور منهما
بواسطة إزالة المانع من الرتق والقرن بالعلاج فيمكن الانتفاع بهما وطأ ولو حجت المرأة حجة فريضة فإن كان
ذلك قبل النقلة فان حجت بلا محرم ولا زوج فهي ناشرة وان حجت مع محرم لها دون الزوج فلا نفقة لها في قولهم
جميعا لأنها امتنعت من التسليم بعد وجوب التسليم فصارت كالناشزة وإن كانت انتقلت إلى منزل الزوج ثم حجت
مع محرم لها دون الزوج فقد قال أبو يوسف لها النفقة وقال محمد لا نفقة لها وجه قول محمد ان التسليم قد فات
بأمر من قبلها وهو خروجها فلا تستحق النفقة كالناشزة ولأبي يوسف ان التسليم المطلق قد حصل بالانتقال
إلى منزل الزوج ثم فات بعارض أداء فرض وهذا لا يبطل النفقة كما لو انتقلت إلى منزل زوجها ثم لزمها صوم
رمضان أو نقول حصل التسليم المطلق بالانتقال ثم فات لعذر فلا تسقط النفقة كالمريضة ثم إذا وجبت لها
النفقة على أصل أبى يوسف يفرض لها القاضي نفقة الإقامة لا نفقة السفر لان الزوج لا يلزمه الا نفقة الحضر
فأما زيادة المؤنة التي تحتاج إليها المرأة في السفر من الكراء ونحو ذلك فهي عليها لا عليه لأنها لأداء الفرض والفرض
عليها فكانت تلك المؤنة عليها لا عليه كما لو مرضت في الحضر كانت المداواة عليها لا على الزوج فان جاورت
بمكة أو أقامت بها بعد أداء الحج إقامة لا تحتاج إليها سقطت نفقتها لأنها غير معذورة في ذلك فصارت كالناشزة
فان طلبت نفقة ثلاثة أشهر قدر الذهاب والمجئ لم يكن على الزوج ذلك ولكن يعطيها نفقة شهر واحد فإذا
عادت أخذت ما بقي لان الواجب عليه لها نفقة الإقامة لا نفقة السفر ونفقة الإقامة تفرض لها كل شهر فشهر
20

وهذه الجملة لا تتفرع على أصل محمد هذا إذا لم يخرج الزوج معها إلى الحج فأما إذا خرج فلها النفقة بلا خلاف
لوجود التسليم المطلق لامكان الانتفاع بها وطأ واستمتاعا في الطريق فصارت كالمقيمة في منزله ولو آلى منها أو ظاهر
منها فلها النفقة لان حق الحبس قائم والتسليم موجود ولتمكنه من وطئها والاستمتاع بها بغير واسطة في الايلاء
وبواسطة تقديم الكفارة في الظهار فوجد سبب وجوب النفقة وشرط وجوبها فتجب ولو تزوج أخت
امرأته أو عمتها أو خالتها ولم يعلم بذلك حتى دخل بها فرق بينهما ووجب عليه أن يعتزلها مدة عدة أختها فلا مرأته
النفقة لو جود سبب الوجوب وشرطه وهو التسليم الا انه امتنع الانتفاع بها بعارض يزول فأشبه الحيض والنفاس
وصوم رمضان ولا نفقة لأختها وان وجبت عليها العدة لأنها معتدة من نكاح فاسد وعلى هذا الأصل يخرج
ما إذا تزوج حر أو عبد أو أمة أو قنة أو مدبرة أو أم ولد انه ان بوأها المولى تجب النفقة والا فلا لان سبب الوجوب
وهو حق الحبس وشرطه وهو التسليم لا يتحقق بدون التبوئة لان التبوئة لان هوان يخلى المولى بنيها وبين زوجها
في منزل زوجها لا يستخدمها فإذا كانت مشغولة بخدمة المولى لم تكن محبوسة عند الزوج ولا مسلمة إليه ولا
يجبر المولى على التبوئة لان خدمتها حق المولى فلا يجبر الانسان على ايفاء حق نفسه لغيره فان بوأها المولى ثم
بدا له أن يستخدمها فله ذلك لما ذكرنا ان خدمتها حق المولى لان منافع سائر الأعضاء بقيت على ملكه وإنما
أعارها للزوج بالتبوئة وللمعير أن يسترد عاريته ولا نفقة على الزوج مدة الاستخدام لفوات التسليم فيها من
جهة المولى ولو بوأها مولاها بيت الزوج فكانت تجئ في أوقات إلى مولاها فتخدمه من غير أن يستخدمها قالوا
لا تسقط نفقتها لان الاسترداد إنما يحصل بالاستخدام ولم يوجد ولان هذا القدر من الخدمة لا يقدح في التسليم
كالحرة إذا خرجت إلى منزل أبيها وإن كانت مكاتبة تزوجت بإذن المولى حتى جاز العقد فلها النفقة ولا يشترط
التبوئة لان خدمتها ليست حق المولى إذ لا حق للمولى في منافعها ألا ترى انه ليس للمولى أن يستخدمها فكانت
في منافعها كالحرية فيجبر المولى على التسليم ويجب على الزوج النفقة والعبد إذا تزوج بإذن المولى حرة أو أمة فهو
في وجوب النفقة كالحر لاستوائهما في سبب الوجوب وهو حق الحبس وشرطه وهو التسليم ولهذا استويا
في وجوب المهر الا ان الفرق بينهما ان النفقة إذا صارت مفروضة على العبد تتعلق برقبته وكسبه يباع فيها
الا ان يفديه المولى فيسقط حق الغريم كسائر الديون ويبدأ بها قبل الغلة لمولاه فإن كان المولى ضرب عليه ضريبة
فان نفقة امرأته تقدم على ضريبة مولاه لأنها بالفرض صارت دينا في رقبته حيت يباع بها فأشبه سائر الديون
بخلاف الغلة فإنها لا تحب للمولى على عبده دين في الحقيقة فان مات العبد قبل البيع بطلت النفقة ولا يؤخذ
المولى بشئ لفوات محل التعليق فيبطل التعليق كالعبد المرهون إذا هلك يبطل الدين الذي تعلق به وكذلك
إذا قتل العبد في ظاهر الرواية وذكر الكرخي انه إذا قتل كانت النفقة في قيمته وجه ما ذكره الكرخي ان القيمة
قامت مقام العبد لأنها بد له فتقوم مقامه كأنه هو كما في سائر الديون وجه ظاهر الرواية ان القيمة إنما تقام مقام القربة
في الديون المطلقة لا فيما يجرى مجرى الصلات النفقة تجرى مجرى الصلات على أصل أصحابنا لما نذكر إن شاء الله
تعالى فتسقط بالموت قبل القبض كسائر الصلات ولهذا لو كان الزوج حرا فقتل خطأ سقت عندنا ولا تقام
الدية مقامه فكذا إذا كان عبدا وكذلك المدبر وأم الولد لما قلنا غير أن هؤلاء لا يباعون لان ديونهم تتعلق باكسابهم
لا برقابهم لتعذر استيفائها من رقابهم لان الاستيفاء بالبيع ورقابهم لا تحتمل البيع وأما المكاتب فعندنا يعلق
الدين بقربته وكسبه كالقن لتصور الاستيفاء من رقيته لاحتمال العجز لأنه إذا عجز يعود قنا فيسعى فيها ما دام
مكاتبا فإذا قضى بعجزه وصار قنا يباع فيها الا ان يفديه المولى كما في الكتابة وأما المعتق البعض فهو عند أبي
حنيفة بمنزلة المكاتب الا انه لا يتصور فيه العجز والبيع في الدين فيسعى في نفقتها وعندهما هو حر عليه دين ولا
يجب على العبد نفقة ولده سواء كمن من امرأة حرة أو أمة لأنه إن كان من حرة يكون حرا فلا يجب على العبد نفقة
21

الحر وتكون على الام نفقته إن كانت غنية وإن كانت محتاجة فعلى من يرث الولد من القرابة وإن كان من أمة
فيكون عبدا لمولاها فلا يلزم غيره نفقته وكذلك الحر إذا تزوج أمة فولدت له أولادا فنفقة الأولاد على مولى الأمة
لأنهم مماليكه والعبد والحر في ذلك سواء وكذلك المدبرة وأم الولد في هذا كالأمة القنة لما قلنا وإن كان مولى
الأمة في هذه المسائل فقيرا والزوج أب الولد غنيا لا يؤمر الأب بالنفقة على ولده بل اما ان يبيعه مولاه أو ينفق
عليه إن كان من أمة قنة وإن كان من مدبرة أو أم ولد ينفق الأب عليه ثم يرجع على المولى إذا أيسر لتعذر الجبر على
البيع ههنا لعدم قبول المحل فأما إذا كانت مكاتبة فنفقة أولادها لا تجب على زوجها وإنما تجب على الام المكاتبة
سواء كان الأب حرا أو عبدا لان ولد المكاتبة ملك المولى رقبة وهو حق المكاتبة كسبا ألا ترى انها تستعين
باكسابه في رقبتها وعتقها وإذا كانت اكسابه حقا لها كانت نفقته عليها لان نفقة الانسان تتبع كسبه قال النبي
صلى الله عليه وسلم ان أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وان زوج ابنته من عبده فلها النفقة على العبد لان البنت
يجب لها على أبيها دين فيجوز أن يجب على عبد أبيها وان زوج أمته من عبده فنفقتهما جميعا على المولى لأنهما جميعا ملك
المولى والله عز وجل أعلم والكتابية في استحقاق النفقة على زوجها المسلم كالمسلمة لاستوائهما في سبب
الاستحقاق وشرطه والذمي في وجوب النفقة عليه لزوجته التي ليست من محارمه كالمسلم لاستوائهما في سبب
الوجوب وشرطه ولان ما ذكرنا من دلائل الوجوب لا يوجب الفصل بين المسلم والذمي في النفقة ولقول النبي صلى الله
عليه وسلم وإذا قبلوا عقد الذمة فأعلمهم ان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وعلى المسلم نفقة زوجته فهكذا على
الذمي وأما إذا كانت من محارمه فقد قال أبو حنيفة انها إذا طلبت النفقة فان القاضي يقضى بالنفقة لها وعند أبي يوسف
ومحمد وزفر والشافعي لا يقضى بناء على أن هذا النكاح فاسد عندهم وأما عند أبي حنيفة فقد ذكر بعض مشايخنا انه صحيح
عندهم حتى قال إنهما يقران عليه ولا يعترض عليهما قبل ان يترافعا أو يسلم أحدهما وذكر الكرخي ان هذا النكاح
فاسد بالاجماع وإنما أوجب أبو حنيفة النفقة مع فساد هذا النكاح لأنهما يقران عليه مع فساده عنده فان أبا حنيفة
قال إني أفرض عليه النفقة لكل امرأة أقرت على نكاحها جائزا كان النكاح عندي أو باطلا ووجهه انه لما أقره على
نكاحها فقد الحق هذا النكاح بالنكاح الصحيح في حق وجوب النفقة وقد يلحق النكاح الفاسد بالصحيح في
بعض الأحكام من النسب والعدة وغير ذلك ويستوى في استحقاق هذه النفقة المعسرة والموسرة فتستحق الزوجة
النفقة على زوجها وإن كانت موسرة لاستوائهما في سبب الاستحقاق وشرطه ولأن هذه النفقة لها شبه بالاعواض
فيستوى فيها الفقير والغنى كنفقة القاضي والمضارب بخلاف نفقة المحارم انها لا تجب للغنى لأنها تجب صلة محضة
لمكان الحاجة فلا تجب عند عدم الحاجة وتجب هذه النفقة من غير قضاء القاضي لكنها لا تصير دينا في الذمة الا بقضاء
أو رضا على ما نذكر إن شاء الله تعالى بخلاف نفقة ذوي الأرحام فإنها لا تجب من غير قضاء القاضي ونفقة الوالدين
والمولودين تجب من غير قضاء القاضي والفرق بين هذه الجملة يذكر في نفقة الأقارب إن شاء الله تعالى ولا نفقة للناشزة
لفوات التسليم بمعنى من جهتها وهو النشوز والنشوز في النكاح ان تمنع نفسها من الزوج بغير حق خارجة من منزله بان
خرجت بغير اذنه وغابت أو سافرت فاما إذا كانت في منزله ومنعت نفسها في رواية فلها النفقة لأنها محبوسة لحقه منتفع
بها ظاهرا وغالبا فكان معنى التسليم حاصلا والنشوز في العدة ان تخرج من بيت العدة مراغمة لزوجها أو تخرج لمعنى
من قبلها وقد روى أن فاطمة بنت قيس كانت تبذو على احمائها فنقلها النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت ابن أم مكتوم
ولم يجعل لها نفقة ولا سكنى لان الاخراج كان بمعنى من قبلها فصارت كأنها خرجت بنفسها مراغمة لزوجها وأما الثاني
وهو الشرط الذي يخص نفقة العدة فهو ان لا يكون وجوب العدة بفرقة حاصلة من قبلها بسبب محظور استحسانا
والقياس انه ليس بشرط وقد مر وجه القياس والاستحسان فيما تقدم وكل امرأة لها النفقة فلها الكسوة لقوله تعالى
وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف وغير ذلك من النصوص التي ذكرناها فيما تقدم ولان سبب وجوبهما
22

لا يختلف وكذا شرط الوجوب ويجبان على الموسر والمعسر لان دليل الوجوب لا يفصل والله أعلم وكل امرأة لها
النفقة لها السكنى لقوله عز وجل أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه أسكنوهن
من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم ولأنهما استويا في سبب الوجوب وشرطه وهو ما ذكرنا فيستويان في
الوجوب ويستوى في وجوبهما أصل الموسر والمعسر لان دلائل الوجوب لا توجب الفصل وإنما
يختلفان في مقدار الواجب منهما وسنبينه إن شاء الله تعالى في موضعه ولو أراد الزوج ان يسكنها مع ضرتها أو مع
احمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربه فأبت ذلك عليه ان يسكنها في منزل مفرد لأنهن ربما يؤذينها
ويضررن بها في المساكنة واباؤها دليل الأذى والضرر ولأنه يحتاج إلى أن يجامعها ويعاشرها في أي وقت يتفق
ولا يمكنه ذلك إذا كان معهما ثالث حتى لو كان في الدار بيوت ففرغ لها بيتا وجعل لبيتها غلقا على حدة قالوا إنها ليس
لها ان تطالبه ببيت آخر ولو كانت في منزل الزوج وليس معها أحد يساكنها فشكت إلى القاضي ان الزوج يضربها
ويؤذيها سأل القاضي جيرانها فان أخبروا بما قالت وهم قوم صالحون فالقاضي يؤدبه ويأمره بان يحسن إليها ويأمر
جيرانه ان يتفصحوا عنها وان لم يكن الجيران قوما صالحين أمره القاضي ان يحولها إلى جيران صالحين فان أخبروا
القاضي بخلاف ما قالت أقرها هناك ولم يحولها وللزوج ان يمنع أباها وأمها وولدها من غيره ومحارمها من الدخول عليها
لان المنزل منزله فكان له ان يمنع من شاء وليس له ان يمنعهم من النظر إليها وكلامها خارج المنزل لان ذلك ليس بحق
له الا أن يكون في ذلك فتنة بان يخاف عليها الفساد فله ان يمنعهم من ذلك أيضا
(فصل) وأما بيان مقدار الواجب منها فالكلام في هذا الفصل في موضعين أحدهما في بيان ما تقدر به هذه النفقة
والثاني في بيان من تقدر به اما الأول فقد اختلف العلماء فيه قال أصحابنا هذه النفقة غير مقدرة بنفسها بكفايتها وقال
الشافعي مقدرة بنفسها على الموسر مدان وعلى المتوسط مد ونصف وعلى المعسر نصف مد واحتج بظاهر قوله تعالى
لينفق ذو سعة من سعته أي قدر سعته فدل انها مقدرة ولأنه اطعام واجب فيجب أن يكون مقدرا كالاطعام في
الكفارات ولأنها وجبت بدلا لأنها تجب بمقابلة الملك عندي ومقابلة الحبس عندكم فكانت مقدرة كالثمن في البيع
والمهر في النكاح ولنا قوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف مطلقا عن التقدير فمن قدر فقد خالف النص
ولأنه أوجبها باسم الرزق ورزق الانسان كفايته في العرف والعادة كرزق القاضي والمضارب وروى أن هند امرأة
أبي سفيان قالت يا رسول الله ان أبا سفيان رجل شحيح وانه لا يعطيني ما يكفيني وولدي فقال صلى الله عليه وسلم
خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف نص عليه أفضل الصلاة والسلام على الكفاية فدل ان نفقة
الزوجة مقدرة بالكفاية ولأنها وجبت بكونها محبوسة بحق الزوج ممنوعة عن الكسب لحقه فكان وجوبها بطريق
الكفاية كنفقة القاضي والمضارب وأما الآية فهي حجة عليه لان فيها أمر الذي عنده السعة بالانفاق على قدر السعة
مطلقا عن التقدير بالوزن فكان التقدير به تقييد المطلق فلا يجوز الا بدليل وقوله إنه اطعام واجب يبطل بنفقة الأقارب
فإنه اطعام واجب وهي غير مقدرة بنفسها بل بالكفاية والتقدير بالوزن في الكفارات ليس لكونها نفقة واجبة بل
لكونها عبادة محضة لوجوبها على وجه الصدقة كالزكاة فكانت مقدرة بنفسها كالزكاة ووجوب هذه النفقة ليس
على وجه الصدقة بل على وجه الكفاية فتتقدر بكفايتها كنفقة الأقارب وأما قوله إنها وجبت بدلا ممنوع ولسنا
نقول إنها تجب مقابلة الحبس بل تجب جزاء على الحبس ولا يجوز أن تكون واجبة بمقابلة ملك النكاح لما ذكرنا وإذا
كان وجوبها على سبل الكفاية فيجب على الزوج من النفقة قدر ما يكفيها من الطعام والإدام والدهن لان الخبز
لا يؤكل عادة الا مأدوما والدهن لابد منه للنساء ولا تقدر نفقتها بالدراهم والدنانير على أي سعر كانت لان فيه اضرارا
بأحد الزوجين إذ السعر قد يغلو وقد يرخص بل تقدر لها على حسب اختلاف الأسعار غلاء ورخصا رعاية للجانبين
ويجب عليه من الكسوة في كل سنة مرتين صيفية وشتوية لأنها كما تحتاج إلى الطعام والشراب تحتاج إلى اللباس
23

لستر العورة ولدفع الحر والبرد ويختلف ذلك باليسار والاعسار والشتاء والصيف على ما نذكر إن شاء الله تعالى وذكر
في كتاب النكاح ان المعسر يفرض عليه خمسة دراهم في الشهر والموسر عشرة وذلك محمول على اعتبار قرار السعر في
الوقت ولو جاء الزوج بطعام يحتاج إلى الطبخ والخبز فأبت المرأة الطبخ والخبز يعنى بان تطبخ وتخبز لما روى أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قسم الاعمال بين على وفاطمة رضي الله عنهما فجعل أعمال الخارج على علي وأعمال الداخل
على فاطمة رضي الله عنهما لكنها لا تجبر على ذلك ان أبت ويؤمر الزوج ان يأتي لها بطعام مهيأ ولو استأجرها للطبخ
والخبز لم يجز ولا يحوز لها أخذ الأجرة على ذلك لأنها لو أخذت الأجرة لاخدتها على عمل واجب عليها في الفتوى
فكان في معنى الرشوة فلا يحل لها الاخذ وذكر الفقيه أبو الليث ان هذا إذا كان بها علة لا تقدر على الطبخ والخبز
أو كانت من بنات الاشراف فاما إذا كانت تقدر على ذلك وهي ممن تخدم بنفسها تجبر على ذلك وإن كان لها خادم يجب
لخادمها أيضا النفقة والكسوة إذا كانت متفرغة لشغلها ولخدمتها لا شعل لها غيرها لان أمور البيت لا تقوم بها وحدها
فتحتاج إلى خادم ولا يجب عليه لأكثر من خادم واحد في قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يجب
لخادمين ولا يجب أكثر من ذلك وروى عنه رواية أخرى ان المرأة إذا كانت يجل مقدارها عن خدمة خادم
واحد وتحتاج إلى أكثر من ذلك تجب؟ لأكثر من ذلك بالمعروف وبه أخذ الطحاوي وجه ظاهر قول
أبى يوسف ان خدمة امرأة لا تقوم بخادم واحد بل تقع الحاجة إلى خادمين يكون أحدهما معينا للآخر
وجه قولهما ان الزوج لو قام بخدمتها لنفسه لا يلزمه نفقة خادم أصلا وخادم واحد يقوم مقامه
فلا يلزمه غيره لأنه إذا قام مقامه صار كأنه خدم بنفسه ولان الخادم الواحد لابد منه والزيادة على ذلك ليس له حد معلوم
يقدر به فلا يكون اعتبار الخادمين أولى من الثلاثة والأربعة فيقدر بالأقل وهو الواحد هذا إذا كان الزوج موسرا
فاما إذا كان معسرا فقد روى الحسن عن أبي حنيفة انه ليس عليه نفقة خادم وإن كان لها خادم وقال محمد إن كان لها
خادم فعليه نفقته والا فلا وجه قول محمد انه لما كان لها خادم علم أنها لا ترضى بالخدمة بنفسها فكان على الزوج نفقة
خادمها وان لم يكن ها خادم دل انها راضية بالخدمة لنفسها فلا يجبر على اتخاذ خادم لم يكن وجه رواية الحسن ان الواجب
على الزوج المعسر من النفقة أدنى الكفاية وقد تكفى المرأة بخدمة نفسها فلا يلزمه نفقة الخادم وإن كان لها خادم وأما
الثاني وهو بيان من يقدر به هذه النفقة فقد اختلف فيه أيضا ذكر الكرخي ان قدر النفقة والكسوة يعتبر بحال الزوج
في يساره واعساره لا بحالها وهو قول الشافعي أيضا وذكر الخصاص انه يعتبر بحالهما جميعا حتى لو كان موسرين فعليه
نفقة اليسار وإن كانا معسرين فعليه نفقة الاعسار وكذلك إذا كان الزوج معسرا والمرأة موسرة ولا خلاف في هذه
الجملة فاما إذا كان الزوج موسرا والمرأة معسرة فعليه نفقة اليسار على ما ذكره الكرخي وعلى قول الخصاف عليه أدنى
من نفقة الموسرات وأوسع من نفقة المعسرين حتى لو كان الزوج مفرطا في اليسار يأكل خبز الحوارى ولحم الحمل
والدجاج والمرأة مفرطة في الفقر تأكل في بيتها خبر الشعير لا يجب عليه أن يطعمها ما يأكله ولا يطعمها ما كانت تأكل
في بيت أهلها أيصا ولكن يطعمها خبز الحنطة ولحم الشاة وكذلك الكسوة على هذا الاعتبار وجه قول الخصاف
ان في اعتبار حالتهما في تقدير النفقة والكسوة نظرا من الجانبين فكان أولى من اعتبار حال أحدهما والصحيح
ما ذكره الكرخي لقوله تعالى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا الا
ما آتاها وهذا نص في الباب وإذا عرف هذا فنقول إذا كان الزوج معسرا ينفق عليها أدنى ما يكفيها من الطعام
والإدام والدهن بالمعروف ومن الكسوة أدنى ما يكفيها من الصيفية والشتوية وإن كان متوسطا ينفق عليها أوسع
من ذلك بالمعروف ومن الكسوة أرفع من ذلك بالمعروف وإن كان غنيا ينفق عليها أوسع من ذلك كله بالمعروف
ومن الكسوة أرفع من ذلك كله بالمعروف وإنما كانت النفقة والكسوة بالمعروف لان دفع الضرر عن الزوجين
واجب وذلك في ايجاب الوسط من الكفاية وهو تفسير المعروف فيكفيها من الكسوة في الصيف قميص وخمار
24

وملحفة وسراويل في عرف ديارنا على قدر حاله من الخشن واللين والوسط والخشن إذا كان من الفقراء واللين
إذا كان من الأغنياء والوسط إذا كان من الأوساط وذلك كله من القطن أو الكتان على حسب عادات البلدان
الا الخمار فإنه يفرض على الغنى خمار حرير وفي الشتاء يزاد على ذلك حشويا وفروة بحسب اختلاف البلاد في الحر
والبرد وأما نفقة الخادم فقد قيل إن الزوج الموسر يلزمه نفقة الخادم كما يلزم المعسر نفقة امرأته وهو أدنى الكفاية وكذا
الكسوة ولو اختلفا فقالت المرأة انه موسر وعليه نفقة الموسرين وقال الزوج اني معسر وعلى نفقة المعسرين والقاضي
لا يعلم بحاله ذكر في كتاب النكاح ان القول قول الزوج مع يمينه وكذا ذكر القاضي والخصاف وذكر محمد في الزيادات
ان القول قول المرأة مع يمينها وأصل هذا انه متى وقع الاختلاف بين الطالب وبين المطلوب في يسار المطلوب واعساره
في سائر الديون فالمشايخ اختلفوا فيه منهم من جعل القول قول المطلوب مطلقا ومنهم من جعل القول قول الطالب مطلقا
ومنهم من حكم فيه رأى المطلوب ومحمد فصل بين الامرين فجعل القول قول الطالب في البعض وقول المطلوب في
البعض وذكر في الفصل أصلا يوجب أن يكون القول في النفقة قول المرأة وكذا فصل الخصاف لكنه ذكر أصلا
يقتضى أن يكون القول في النفقة قول الزوج وبيان الأصلين وذكر الحجج يأتي في كتاب الحبس إن شاء الله تعالى فان
أقامت المرأة البينة على يساره قبلت بينتها وان أقاما جميعا البينة فالبينة بينتها لأنها مثبتة وبينة الزوج لا تثبت شيئا ولو
فرض القاضي لها نفقة شهر وهو معسر ثم أيسر قبل تمام الشهر يزيدها في الفرض لان النفقة تختلف باختلاف اليسار
والاعسار وكذلك لو فرض لها فريضة للوقت والسعر رخيص ثم غلا فلم يكفها ما فرض لها فإنه يزيدها في الفرض
لان الواجب كفاية الوقت وذلك يختلف باختلاف السعر ولو فرض لها نفقة شهر فدفعها الزوج إليها ثم ضاعت قبل
تمام الشهر فليس عليه نفقة أخرى حتى يمضى الشهر وكذا إذا كساها لزوج فضاعت الكسوة قبل تمام المدة فلا
كسوة لها عليه حتى تمضى المدة التي أخذت لها الكسوة بخلاف نفقة الأقارب فان هناك يجبر على نفقة أخرى
وكسوة أخرى لتمام المدة التي أخذ لها الكسوة إذا حلف انها ضاعت ووجه الفرق ان تلك النفقة تجب للحاجة ألا
ترى انها لا تجب الا للمحتاج وقد تحققت الحاجة إلى نفقة أخرى وكسوة أخرى ووجوب هذه النفقة ليس معلولا
بالحاجة بدليل انها تجب للموسرة الا ان لها شبها بالاعواض وقد جعلت عوضا عن الاحتباس في جميع الشهر فلا يلزمه
عوض آخر في هذه المدة ولو فرض القاضي لها نفقة أو كسوة فمضى الوقت الذي أخذت له وقد بقيت تلك النفقة أو
الكسوة بان أكلت من مال آخر أو لبست ثوبا آخر فلها عليه نفقة أخرى وكسوة أخرى بخلاف نفقة الأقارب
والفرق ما ذكرنا ان نفقة الأقارب تجب بعلة الحاجة صلة محضة ولا حاجة عند بقاء النفقة والكسوة ونفقة الزوجات
لا تجب لمكان الحاجة وإنما تجب جزاء على الاحتباس لكن لها شبهة العوضية عن الاحتباس وقد جعلت عوضا
في هذه المدة وهي محتبسة بعد مضى هذه المدة بحبس آخر فلا بد لها من عوض آخر ولو نفدت نفقتها قبل مضى المدة التي
لها أخذت أو تخرق الثوب فلا نفقة لها على الزوج ولا كسوة حتى تمضى المدة بخلاف نفقة الأقارب وكسوتهم والفرق
نحو ما ذكرنا والله أعلم.
(فصل) وأما بيان كيفية وجوب هذه النفقة فقد اختلف العلماء في كيفية وجوبها قال أصحابنا انها تجب على وجه
لا يصير دينا في ذمة الزوج الا بقضاء القاضي أو بتراضي الزوجين فإن لم يوجد أحد هذين تسقط بمضي الزمان وقال
الشافعي انها تصير دينا في الذمة من غير قضاء القاضي ولا رضاه وتسقط بمضي الزمان فيقع الكلام في هذا الفصل في
مواضع في بيان ان الفرض من القاضي أو التراضي هل هو شرط صيرورة هذه النفقة دينا في ذمة الزوج أم لا وفي
بيان شرط جواز فرضها من القاضي على الزوج إذا كان شرطا وفي بيان حكم صيرورتها دينا في ذمة الزوج أما الأول
فهو على الاختلاف الذي ذكرنا احتج الشافعي بقوله عز وجل وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف وعلى
كلمة ايجاب فقد أخبر سبحانه وتعالى عن وجوب النفقة والكسوة مطلقا عن الزمان وقوله عز وجل لينفق ذو سعة
25

من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله أمر تعالى بالانفاق مطلقا عن الوقت ولان النفقة قد وجبت والأصل
ان ما وجب على الانسان لا يسقط الا بالايصال أو بالابراء كسائر الواجبات ولأنها وجبت عوضا لوجوبها بمقابلة المتعة
فبقيت في الذمة من غير قضاء كالمهر والدليل عليه ان الزوج يجبر على تسليم النفقة ويحبس عليها والصلة لا تحتمل
الحبس والجبر ولنا ان هذه النفقة تجرى مجرى الصلة وإن كانت تشبه الاعواض لكنها ليست بعوض حقيقة لأنها
لو كانت عوضا حقيقة فاما إن كانت عوضا عن نفس المتعة وهي الاستمتاع واما إن كانت عوضا عن ملك المتعة وهي
الاختصاص بها لا سبيل إلى الأول لان الزوج ملك متعتها بالعقد فكان هو بالاستمتاع متصرفا في ملك نفسه
باستيفاء منافع مملوكة له ومن تصرف في ملك نفسه لا يلزمه عوض لغيره ولا وجه للثاني لان ملك المتعة قد قوبل بعوض
مرة فلا يقابل بعوض آخر فخلت النفقة عن معوض فلا يكون عوضا حقيقة بل كانت صله ولذلك سماها الله تعالى رزقا
بقوله عز وجل وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف والرزق اسم للصلة كرزق القاضي والصلات لا تملك
بأنفسها بل بقرينة تنضم إليها وهي القبض كما في الهبة أو قضاء القاضي لان القاضي له ولاية الالزام في الجملة أو التراضي
لأن ولاية الانسان على نفسه أقوى من ولاية القاضي عليه بخلاف المهر لأنه أوجب بمقابلة ملك المتعة فكان عوضا
مطلقا فلا يسقط بمضي الزمان كسائر الديون المطلقة ولا حجة له في الآيتين لان فيهما وجوب النفقة لابقاؤها واجبة
لأنهما لا يتعرضان للوقت فلو ثبت البقاء إنما يثبت باستصحاب الحال وانه لا يصلح لالزام الخصم وأما قوله إن الأصل
فيما وجب على إنسان لا يسقط الا بالايصال أو الابراء فنقول هذا حكم الواجب مطلقا لا حكم الواجب على طريق
الصلة بل حكمه انه يسقط بمضي الزمان كنفقة الأقارب وأجرة المسكن وقد خرج الجواب عن قوله إنها
وجبت عوضا وأما الجبر والحبس فالصلة تحتمل ذلك في الجملة فإنه يجبر على نفقة الأقارب ويحبس بها وإن كانت
صلة وكذا من أوصى بان يوهب عبده من فلان بعد موته فمات الموصى فامتنع الوارث من تنفيذ الهبة في العبد
يجبر عليه ويحبس بأنه وإن كانت الهبة صلة فدل ان الجبر والحبس لا ينفيان معنى الصلة وعلى هذا يخرج ما إذا
استدانت على الزوج قبل الفرض أو التراضي فأنفقت انها لا ترجع بذلك على الزوج بل تكون متطوعة في الانفاق
سواء كان الزوج غائبا أو حاضرا لأنها لم تصر دينا في ذمة الزوج لعدم شرط صيرورتها دينا في ذمته فكانت الاستدانة
الزام الدين الزوج بغير أمره وأمر من له ولاية الامر فلم يصح وكذا إذا أنفقت من مال نفسها لما قلنا وكذا لو
أبرأت زوجها من النفقة قبل فرض القاضي والتراضي لا يصح الابراء لأنه ابراء عما ليس بواجب والابراء اسقاط
واسقاط ما ليس بواجب ممتنع وكذا لو صالحت زوجها على نفقة وذلك لا يكفيها ثم طلبت من القاضي ما يكفيها فان
القاضي يفرض لها ما يكفيها لأنها حطت ما ليس بواجب والحط قبل الوجوب باطل كالابراء والله أعلم وأما
الثاني فلوجوب الفرض على القاضي وجوازه منه شرطان أحدهما طلب المرأة الفرض منه لأنه إنما يفرض النفقة
على الزوج حقا لها فلابد من الطلب من صاحب الحق والثاني حضرة الزوج حتى لو كان الزوج غائبا فطلبت المرأة من
القاضي أن يفرض لها عليه نفقة لم يفرض وإن كان القاضي عالما بالزوجية وهذا قول أبي حنيفة الآخر وهو قول
شريح وقد كان أبو حنيفة أولا يقول وهو قول إبراهيم النخعي ان هذا ليس بشرط ويفرض القاضي النفقة على الغائب
وحجة هذا القول ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لهند امرأة أبي سفيان خذي من مال أبي سفيان
ما يكفيك وولدك بالمعروف وذلك من النبي صلى الله عليه وسلم كان فرضا للنفقة على أبي سفيان وكان غائبا وحجة
القول الأخير ان الفرض من القاضي على الغائب قضاء عليه وقد صح من أصلنا ان القضاء على الغائب لا يجوز الا أن يكون
عنه خصم حاضر ولم يوجد وأما الحديث فلا حجة له فيه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال لهند على
سبيل الفتوى لا على طريق القضاء بدليل انه لم يقدر لها ما تأخذه من مال أبي سفيان وفرض النفقة من القاضي
تقديرها فإذا لم تقدر لم تكن فرضا فلم تكن قضاء تحقيقه ان من يجوز القضاء على الغائب فإنما يجوزه إذا كان غائبا
26

غيبة سفر فاما إذا كان في المصر فإنه لا يجوز بالاجماع لأنه لا يعد غائبا وأبو سفيان لم يكن مسافرا فدل ان ذلك كان
إعانة لا قضاء فإن لم يكن القاضي عالما بالزوجية فسألت القاضي أن يسمع بينتها بالزوجية ويفرض على الغائب قال
أبو يوسف يسمعها ولا يفرض وقال زفر يسمع ويفرض لها وتستدين عليه فإذا حضر الزوج وأنكر يأمرها
بإعادة البينة في وجهه فان فعلت نفذ القرض وصحت الاستدانة وان لم يفعل لم ينفذ ولم يصح وجه قول زفر ان القاضي
إنما يسمع هذه البنية لاثبات النكاح على الغائب ليقال إن الغيبة تمنع من ذلك بل ليتوصل بها إلى الفرض ويجوز
سماع البينة في حق حكم دون حكم كشهادة رجل وامرأتين على السرقة وانها تقبل في حق المال ولا تقبل في حق
القطع كذا هنا تقبل هذه البينة في حق صحة الفرض لا في اثبات النكاح فإذا حضر وأنكر استعاد منها البينة فان
أعادت نفذ الفرض وصحت الاستدانة عليه والا فلا والصحيح قول أبى يوسف لان البينة على أصل أصحابنا لا تسمع
الا على خصم حاضر ولا خصم فلا تسمع وما ذكره زفر ان بينتها تقبل في حق صحة الفرض غير سديد لان صحة الفرض
مبنية على ثبوت الزوجية فإذا لم يكن إلى اثبات الزوجية بالبينة سبيل لعدم الخصم لم يصح فلا سبيل إلى القبول في حق
صحة الفرض ضرورة هذا إذا كان الزوج غائبا ولم يكن له مال حاضر فاما إذا كان له مال حاضر فإن كان المال في
يدها وهو من جنس النفقة فلها ان تنفق على نفسها منه بغير أمر القاضي لحديث أبي سفيان فلو طلبت المرأة من القاضي
فرض النفقة فذلك المال وعلم القاضي بالزوجية وبالمال فرض لها النفقة لان لها أن تأخذه فتنفق على نفسها
من غير فرض القاضي في هذه الصورة قضاء بل كان إعانة لها على استيفاء حقها وإن كان
في يد مودعة أو مضاربه أو كان له دين على غيره فإن كان صاحب اليد مقرا بالوديعة والزوجية أو كان من عليه الدين
مقرا بالدين والزوجية أو كان القاضي عالما بذلك فرض لها في ذلك المال نفقتها في قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر
لا يفرض وجه قوله إنه هذه قضاء على الغائب من غير أن يكون عنه حاضرا إذا المودع ليس بخصم عن الزوج
وكذا المديون فلا يجوز ولنا ان صاحب اليد وهو المودع إذا أقر بالوديعة والزوجية أو أقر المديون بالدين والزوجية
فقد أقر ان لها حق الاخذ والاستيفاء لان للزوجة أن تمديد ها إلى ما لزوجها فتأخذ كفايتها منه لحديث امرأة
أبي سفيان فلم يكن القاضي فرض لها النفقة في ذلك المال قضاء بل كان إعانة لها على أخذ حقها وله على احياء زوجته
فكان له ذلك وان جحد أحد الامرين ولا اعلم للقاضي به لم يسمع البينة ولم يفرض لان سماع البينة والفرض يكون
قضاء على الغائب من غير خصم حاضر لأنه ان أنكر الزوجية لا يمكنها إقامة البينة على الزوجية لان المودع ليس
بخصم عنه في الزوجية وان أنكر الوديعة أو الدين لا يمكنها إقامة البينة على الوديعة والذين لأنها ليست بخصم عن زوجها
في اثبات حقوقه فكان سماع البينة على ذلك قضاء على الغائب من غير أن يكون عنه خصم حاضر وذلك غير جائز عندنا
هذا إذا كان الوديعة والدين من جنس النفقة بأن كانت دراهم أو دنانير أو اطعاما أو ثيابا من جنس كسوتها فاما إذا
كان من جنس آخر فليس لها أن تتناول شيئا من ذلك وان طلبت من القاضي فرض النفقة فيه فإن كان عقارا لا
يفرض القاضي النفقة فيه بالا جماع لأنه لا يمكن ايجاب النفقة فيه الا بالبيع ولا يباع العقار على الغائب في النفقة بالاتفاق
وإن كان منقولا من العروض فقد ذكر القاضي في شرحه مختصرا الطحاوي الخلاف فيه فقال القاضي لا يبيع
العروض عليه في قول أبي حنيفة وعندهما له ان يبيعها عليه وهي مسألة الحجر على الحر العاقل البالغ وذكر القدوري
المسألة على الاتفاق فقال القاضي إنما يبيع على أصلهما على الحاضر الممتنع عن قضاء الدين لكونه ظالما في الامتناع
دفعا لظلمه الغائب لا يعلم امتناعه فلا يعلم ظلمه فلا يباع عليه وإذا فرض القاضي لها النفقة في شئ من ذلك وأخذ
منها كفيلا فهو حسن لاحتمال أن يحضر الزوج فيقيم البينة على طلاقها أو على ايفاء حقها في النفقة عاجلا فينبغي أن
يستوثق فيما يعطيها بالكفالة ثم إذا رجع الزوج ينظر إن كان لم يجعل لها النفقة فقد مضى الامر وإن كان قد عجل
وأقام البينة على ذلك أو لم يقم له بينة واستحلفها فنكلت فهو بالخيار ان شاء أخذ من المرأة وان شاء أخذ من الكفيل
27

ولو أقرت المرأة انها كانت قد تعجلت النفقة من الزوج فان الزوج يأخذ منها ولا يأخذ من الكفيل لان الاقرار
حجة قاصرة فيظهر في حقها لا في حق الكفيل ولو طلبت الزوجة من الحاكم أن يدفع مهرها ونفقتها من الوديعة والدين
لم يفعل ذلك وإن كان عالما بهما لان القضاء بالنفقة في الوديعة والدين كان نظرا للغائب لما في الانفاق من احياء
زوجته بدفع الهلاك عنها والظاهر أنه يرضى بذلك وهذا المعنى لا يوجد في المهر والدين ولو كان الحاكم فرض لها
على الزوج النفقة قبل غيبته فطلبت من الحاكم أن يقضى لها بنفقة ماضية في الوديعة والدين قضى لها بذلك لأنه لما
جاز القضاء بالنفقة في الوديعة والدين يستوى فيه الماضي والمستقبل لان طريق الجواز لا يختلف وكذلك إذا كان
للغائب مال حاضر وهو من جنس النفقة وله أولاد صغار فقراء وكبار ذكور زمني فقراء أو إناث فقيرات ووالدان
فقيران فإن كان المال في أيديهم فلهم ان ينفقوا منه على أنفسهم وان طلبوا من القاضي فرض النفقة منه فرض لان
الفرض منه يكون إعانة لا قضاء إن كان المال في يد مودعه أو كان دينا على إنسان فرض القاضي نفقتهم منه وكذلك
إذا أقر المودع والمديون بالوديعة والدين والنسب أو علم القاضي بذلك لان نفقة الوالدين والمولدين تجب بطريق
الاحياء لان الانسان يرضى باحياء كله وجزئه من ماله ولهذا كان لأحدهما أن يمد يده إلى مال الآخر عند الحاجة
ويأخذه من غير قضاء ولا رضا وقد تحققت الحاجة ههنا فكان للقاضي أن يفرض من طريق الإعانة لصاحب
الحق وان جحدهما أو أحدهما ولا علم للقاضي به لم يفرض لما ذكرنا في الزوجة ولا يفرض لغيرهما ولا من ذوي
الرحم المحرم نفقتهم في مال الغائب لان نفقتهم من طريق الصلة المحضة إذ ليس لهم حق في مال الغائب أصلا ألا ترى
انه ليس لأحد أن يمد يده إلى مال صاحبه فيأخذه وان مست حاجته من غير قضاء القاضي فكان الفرض قضاء
على الغائب من غير خصم حاضر فلا يجوز وان لم يكن المال من جنس النفقة فليس لهم أن يبيعوا بأنفسهم وليس
للقاضي ان يبيع على الغائب في النفقة على هؤلاء العقار بالاجماع والحكم في العروض ما بينا من الانفاق أو الاختلاف
وفي بيع الأب العروض خلاف نذكره في نفقة المحارم وأما يسار الزوج فليس بشرط لوجوب الفرض حتى لو
كان معسر أو طلبت المرأة الفرض من القاضي فرض عليه إذا كان حاضرا وتستدين عليه فتنفق على نفسها لان
الاعسار لا يمنع وجوب هذه النفقة فلا يمنع الفرض وإذا طلبت المرأة من القاضي فرض النفقة على زوجها الحاضر
فإن كان قبل النقلة وهي بحيث لا تمتنع من التسليم لو طالبها بالتسليم أو كان امتناعها بحق فرض القاضي لها إعانة لها على
الوصول إلى حقها الواجب لوجود سبب الوجوب وشرطه وإن كان بعد ما حولها إلى منزله فزعمت أنه ليس ينفق
عليها أو شكت التضييق في النفقة فلا ينبغي له انه يجعل بالفرض ولكنه يأمره بالنفقة والتوسيع فيها لان ذلك من
باب الامساك بالمعروف وانه مأمور به ويتأتى في الفرض ويتولى الزوج الانفاق بنفسه قبل الفرض إلى أن
يظهر ظلمه بالترك والتضييق في النفقة فحينئذ يفرض عليه نفقة كل شهر ويأمره أن يدفع النفقة إليها لتنفق هي بنفسها
على نفسها ولو قالت أيها القاضي انه يريد أن يغيب فخذ لي منه كفيلا بالنفقة لا يجبره القاضي على اعطاء الكفيل لان
نفقة المستقبل غير واجبة للحال فلا يجبر على الكفيل بما ليس بواجب يحققه انه لا يجبر على التكفيل بدين واجب
فكيف بغير الواجب والى هذا أشار أبو حنيفة فقال لا أوجب عليه كفيلا بنفقة لم تجب لها بعد وقال أبو
يوسف أستحسن أن آخذ لها منه كفيلا بنفقة أشهر لأنا نعلم بالعادة ان هذا القدر يجب في السفر لان السفر يمتد
إلى شهر غالبا والجواب ان نفقة الشهر لا تجب قبل الشهر فكان تكفيلا بما ليس بواجب فلا يجبر عليه ولكن لو
أعطاها كفيلا جاز لان الكفالة بما ينوب على فلان جائزة وأما الثالث وهو بيان حكم صيرورة هذه النفقة دينا
في ذمة الزوج فنقول إذا فرض القاضي لها كل شهر أو تراضيا على ذلك ثم منعها الزوج قبل ذلك أشهر غائبا
كان أو حاضرا فلها ان تطالبه بنفقة ما مضى لأنها لما صارت دينا بالفرض أو التراضي صارت في استحقاق المطالبة
بها كسائر الديون بخلاف نفقة الأقارب إذا مضت المدة ولم تؤخذ انها تسقط لأنها لا تصير دينا رأسا لان وجوبها
28

للكفاية وقد حصلت الكفاية فيما مضى فلا يبقى الواجب كما لو استغنى بماله فاما وجوب هذه النفقة فليس للكفاية
وإن كانت مقدرة بالكفاية ألا ترى انها تجب مع الاستغناء بأن كانت موسرة وليس في مضي الزمان الا الاستغناء
فلا يمنع بقاء الواجب ولو أنفقت من مالها بعد الفرض أو التراضي لها انه ترجع على الزوج لان النفقة صارت دينا
عليه وكذلك إذا استدانت على الزوج لما قلنا سواء كانت استدانتها باذن القاضي أو بغير اذنه غير أنها إن كانت
بغير اذن القاضي كانت المطالبة عليها خاصة ولم يكن للغريم ان يطالب الزوج بما استدانت وإن كانت باذن القاضي
لها ان تحيل الغريم على الزوج فيطالبه بالدين وهو فائدة اذن القاضي بالاستدانة ولو فرض الحاكم النفقة على الزوج
فامتنع من دفعها وهو موسر وطلبت المرأة حبسه لها ان تحبسه لان النفقة لما صارت دينا عليه بالقضاء صارت
كسائر الديون الا انه لا ينبغي ان يحبسه في أول مرة تقدم إليه بل يؤخر الحبس إلى مجلسين أو ثلاثة يعظه في كل مجلس
يقدم إليه فإن لم يدفع حبسه حينئذ كما في سائر الديون لما نذكر في كتاب الحبس إن شاء الله تعالى وإذا حبس لأجل
النفقة فما كان من جنس النفقة سلمه القاضي إليها بغير رضاه بالاجماع وما كان من خلاف الجنس لا يبيع عليه شيئا
من ذلك ولكن يأمره أن يبيع بنفسه وكذا في سائر الديون في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يبيع عليه وهي
مسألة الحجر على الحر العاقل البالغ نذكرها في كتاب الحجر إن شاء الله تعالى فان ادعى الزوج انه قد أعطاها
النفقة وأنكرت فالقول قولها مع يمينها لان الزوج يدعى قضاء دين عليه وهي منكرة فيكون القول قولها مع يمينها
كما في سائر الديون ولو أعطاها الزوج مالا فاختلفا فقال الزوج هو من المهر وقالت هي هو من النفقة فالقول قول
الزوج الا ان تقيم المرأة البينة لان التمليك منه فكان هو أعرف بجهة التمليك كما لو بعث إليها شيئا فقالت هو هدية وقال
هو من المهر ان القول فيه قوله الا في الطعام الذي يؤكل لما قلنا كذا هذا ولو كان للزوج عليها دين فاحتسبت عن
نفقتها جاز لكن برضا الزوج لان التقاص إنما يقع بين الدينين المتماثلين ألا ترى انه لا يقع بين الجيد والردئ ودين
الزوج أقوى بدليل انه لا يسقط بالموت ودين النفقة يسقط بالموت فأشبه الجيد بالردئ فلابد من المقاصة بخلاف
غيرها من الديون والله أعلم.
(فصل) وأما بيان ما يسقطها بعد وجوبها وصيرورتها دينا في ذمة الزوج فالمسقط لها بعد الوجوب قيل
صيرورتها دينا في الذمة واحد وهو مضى الزمان من غير قرض القاضي والتراضي وأما المسقط لها بعد صيرورتها دينا
في الذمة فأمور منها الابراء عن النفقة الماضية لأنها لما صارت دينا في ذمته كان الابراء اسقاط لدين واجب فيصح
كما في سائر الديون ولو أبرأته عما يستقبل من النفقة المفروضة لم يصح الابراء لأنها تجب شيئا فشيئا على حسب
حدوث الزمان فكان الابراء منها اسقاط الواجب قبل الوجوب وقبل وجود سبب الوجوب أيضا وهو حق الحبس
لأنه لا يتجدد بتجدد الزمان فلم يصح وكذا يصح هبة النفقة الماضية لان هبة الدين يكون ابراء عنه فيكون اسقاط
دين واجب فيصح ولا تصح هبة ما يستقبل لما قلنا ومنها موت أحد الزوجين حتى لو مات الرجل قبل اعطاء
النفقة لم يكن للمرأة أن تأخذها من ماله ولو ماتت المرأة لم يكن لورثتها أن يأخذوا لما ذكرنا انه تجرى مجرى الصلة
والصلة تبطل بالموت قبل القبض كالهبة فإن كان الزوج أسلفها نفقتها وكسوتها ثم مات قبل مضى ذلك الوقت لم
ترجع ورثته عليها بشئ في قول أبي حنيفة وأبى يوسف سواء كان قائما أو مستهلكا وكذلك لو ماتت هي لم يرجع
الزوج في تركتها عندهما وقال محمد لها حصة ما مضى من النفقة والكسوة ويجب رد الباقي إن كان قائما وإن كان
هالكا فلا شئ بالاجماع وروى ابن رستم عن محمد انها إن كانت قبضت نفقة شهر فما دونه لم يرجع عليها
بشئ وإن كان المفروض أكثر من ذلك يرفع عنها نفقة شهر وردت ما بقي وجه هذه الرواية ان الشهر فما دونه
في حكم القليل فصار كنفقة الحال وما زاد عليه في حكم الكثير فيثبت به الرجوع كالدين وجه ظاهر قول محمد ان هذه
النفقة تشبه الاعواض فتسلم لها بقدر ما سلم للزوج من المعوض كالإجارة إذا عجل المستأجر الأجرة ثم مات أحدهما
29

قبل تمام المدة وجه قوله إن هذه صلة اتصل بها القبض فلا يثبت فيها الرجوع بعد الموت كسائر الصلات المقبوضة
وأما قوله إنها تشبه الاعواض فنعم لكن بوصفها لا بأصلها بل هي صلة بأصلها ألا ترى انها تسقط بالموت قبل القبض
بلا خلاف بين أصحابنا لاعتبار معنى الصلة فيراعى فيها المعنيان جميعا فراعينا معنى الأصل بعد القبض فقلنا إنها
لا تبطل بالموت بعد القبض فلا يثبت فيها الرجوع اعتبارا للأصل وراعينا معنى الوصف قبل القبض فقلنا إنها تبطل
بالموت قبل القبض كالصلات وراعينا معنى الوصف بعد القبض فقلنا لا يثبت فيها الرجوع كالاعواض اعتبار
الأصل والوصف جميعا على ما هو الأصل في العمل بالشبهين عند الامكان والله الموفق
(فصل) وأما نفقة الأقارب فالكلام فيها أيضا يقع في الموضع التي ذكرنا في نفقة الزوجات وهي بيان وجوب هذه
النفقة وسبب وجوبها وشرط الوجوب ومقدار الواجب وكيفية الوجوب وما يسقطها بعد الوجوب أما الأول وهو
بيان الوجوب فلا يمكن الوصول إليه الا بعد بمعرفة أنواع القرابات فنقول وبالله التوفيق القرابة في الأصل نوعان قرابة
الولادة وقرابة غير الولادة وقرابة غير الولاد نوعان أيضا قرابة محرمة للنكاح كالاخوة والعمومة والخؤولة وقرابة غير
محرمة للنكاح كقرابة بنى الأعمام والأخوال والخالات ولا خلاف في وجوب النفقة في قرابة الولاد وأما نفقة
الوالدين فلقوله عز وجل وقضى ربك أن لا تعبدوا الا إياه وبالوالدين احسانا أي أمر ربك وقضى أن لا تبعدوا الا
إياه وأمر سبحانه وتعالى ووصى بالوالدين احسانا والانفاق عليهما حال فقرهما من أحسن الاحسان وقوله عز وجل
ووصينا الانسان بوالديه حسنا وقوله تعالى أن اشكر لي ولوالديك والشكر للوالدين هو المكافأة لهما أمر سبحانه
وتعالى الولد أن يكافئ لهما ويجازى بعض ما كان منهما إليه من التربية والبر والعطف عليه والوقاية من كل شر
ومكروه وذلك عند عجزهما عن القيام بأمر أنفسهما والحوائج لهما وادرار النفقة عليهما حال عجزهما وحاجتهما من باب
شكر النعمة فكان واجبا وقوله عز وجل وصاحبهما في الدنيا معروفا وهذا في الوالدين الكافرين فالمسلمان
أولى والانفاق عليهما عند الحاجة من أعرف المعروف وقوله عز وجل ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وانه كناية
عن كلام فيه ضرب ايذاء ومعلوم أن معنى التأذى بترك الانفاق عليهما عند عجزهما وقدرة الولد أكثر فكان النهى
عن التأفيف نهيا عن ترك الانفاق دلالة كما كان نهيا عن الشتم والضرب دلالة ورى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه
أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبوه فقال يا رسول الله ان لي مالا وان لي أبا وله ومال وان أبى
يريد أن يأخذ مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك أضاف مال الابن إلى الأب بلام التمليك
وظاهره يقتضى أن يكون للأب في مال ابنه حقيقة الملك فإن لم تثبت الحقيقة فلا أقل من أن يثبت له حق التمليك عند
الحاجة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وان ولده من كسبه فكلوا
من كسب أولادكم إذا احتجتم إليه بالمعروف والحديث حجة أوله وآخره أما بآخره فظاهر لأنه صلى الله عليه وسلم
أطلق للأب الاكل من كسب ولده إذا احتاج إليه مطلقا عن شرط الاذن والعوض فوجب القول به وأما بأوله فلان
معنى قوله وان ولده من كسبه أي كسب ولده من كسبه لأنه جعل كسب الرجل أطيب المأكول والمأكول كسبه
لا نفسه وإذا كان كسب ولده كسبه كانت نفقته فيه لان نفقة الانسان في كسبه ولان ولده لما كان من كسبه كان كسب
ولده ككسبه وكسب كسب الانسان كسب ككسب عبده المأذون فكانت نفقته فيه وأما نفقة الولد فلقوله تعالى
والوالدات يرضعن أولادهن إلى قوله وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن أي رزق الوالدات المرضعات فإن كان
المراد من الوالدات المرضعات المطلقات المنقضيات العدة ففيها ايجاب نفقة الرضاع على المولود له وهو الأب لأجل
الولد كما في قوله تعالى فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وإن كان المراد منهن المنكوحات أو المطلقات المعتدات
فإنما ذكر النفقة والكسوة في حال الرضاع وإن كانت المرأة تستوجب ذلك من غير ولد لأنها تحتاج إلى فضل اطعام
وفضل كسوة لمكان الرضاع ألا ترى أن لها أن تفطر لأجل الرضاع إذا كانت صائمة لزيادة حاجتها إلى الطعام بسبب
30

الولد ولان الانفاق عند الحاجة من باب احياء المنفق عليه والولد جزء الوالد واحياء نفسه واجب كذا احياء جزئه
واعتبار هذا المعنى يوجب النفقة من الجانبين ولأن هذه القرابة مفترضة الوصل محرمة القطع بالاجماع والانفاق من باب
الصلة فكان واجبا وتركه مع القدرة للمنفق وتحقق حاجة المنفق عليه يؤدى إلى القطع فكان حراما واختلف في
وجوبها في القرابة للنكاح سوى قرابة الولادة قال أصحابنا تجب وقال مالك والشافعي لا تجب غير أن مالكا
يقول لا نفقة الا على الأب للابن والابن للأب حتى قال لا نفقة على الجد لابن الابن ولا على ابن الابن للجد وقال
الشافعي تجب على الوالدين والمولودين والكلام في هذه المسألة بناء على أن هذه القرابة مفترضة الوصل محرمة القطع
عندنا خلافا لهما وعلى هذا ينبنى العتق عند الملك ووجوب القطع بالسرقة وهي من مسائل نذكرها هناك إن شاء الله
تعالى ثم الكلام في المسألة على سبيل الابتداء احتج الشافعي فقال إنا الله تعالى أوجب النفقة على الأب لا غير بقوله
تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف فمن كان مثل حاله في القرب يلحق به والا فلا ولا يقال إن الله تعالى قال
وعلى الوارث مثل ذلك لان ابن عباس رضي الله عنه صرف قوله ذلك ترك المضارة لا إلى النفقة والكسوة فكان
معناه لا يضار الوارث باليتيم كما لا تضار الوالدة والمولود بولدهما ولنا قوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك وروى عن
عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما وجماعة من التابعين أنه معطوف على النفقة والكسوة لا غير لا على
ترك المضارة معناه على الوارث مثل ما على المولود من النفقة والكسوة ومصداق هذا التأويل أنه لو جعل عطفا
على هذا لكان عطف الاسم على الاسم وانه شائع ولو عطف على ترك المضارة لكان عطف الاسم على الفعل
فكان الأول أولى ولأنه لو جعل عطفا على قوله لا تضار لكان من حق الكلام أن يقول والوارث مثل ذلك وجماعة
من أهل التأويل عطفوا على الكل من النفقة والكسوة وترك المضاربة لان الكلام كله معطوف بعضه على بعض
بحرف الواو وانه حرف جمع فيصير الكل مذكورا في حالة واحدة فينصرف قوله ذلك إلى الكل أي على الوارث
مثل ذلك من النفقة والكسوة وانه لا يضارها ولا تضاره في النفقة وغيرها وبه تبين رجحان هذين التأويلين على
تأويل ابن عباس رضي الله عنهما على أن ما قاله ابن عباس ومن تابعه لا ينفى وجوب النفقة على الوارث بل يوجب
لان قوله تعالى لا تضار والدة بولدها نهى سبحانه وتعالى عن المضارة مطلقا في النفقة وغيرها فإذا كان معنى اضرار
الوالد الوالدة بولدها بترك الانفاق عليها أو بانتزاع الولد منها وقد أمر الوارث بقوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك أنه
لا يضارها فإنما يرجع ذلك إلى مثل ما لزم الأب وذلك يقتضى أن يجب على الوارث أن يسترضع الوالدة بأجرة مثلها
ولا يخرج الولد من يدها إلى يد غيرها اضرارا بها وإذا ثبت هذا فظاهر الآية يقتضى وجوب النفقة والكسوة على كل
وارث أو على مطلق الوارث الا من خص أو قيد بدليل وأما القرابة التي ليست بمحرمة للنكاح فلا نفقة فيها عند عامة
العلماء خلافا لابن أبي ليلى واحتج بظاهر قوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك من غير فصل بين وارث ووارث وانا نقول
المراد من الوارث الأقارب الذي له رحم محرم لا مطلق الوارث عرفنا ذلك بقراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
وعلى الوراث ذي الرحم المحرم مثل ذلك ولان وجوبها في القرآن العظيم معلولا بكونها صلة صيانة لها عن
القطعية فيختص وجوبها بقرابة يجب وصلها ويحرم قطعها ولم توجد فلا تجب ولهذا لا يثبت العتق عند الملك ولا يحرم
النكاح ولا يمنع وجوب القطع بالسرقة والله الموفق
(فصل) وأما سبب وجوب هذه النفقة اما نفقة الولادة فسبب وجوبها هو الولادة لان به تثبت الجزئية
والبعضية والانفاق على المحتاج احياء له ويجب على الانسان احياء كله وجزئه وان شئت قلت سبب نفقة الأقارب
في الولادة وغيرها من الرحم المحرم هو القربة المحرمة للقطع لأنه إذا حرم قطعها يحرم كل سبب مفض إلى القطع وترك
الانفاق من ذي الرحم المحرم مع قدرته وحاجة المنفق عليه تفضى إلى قطع الرحم فيحرم الترك وإذا حرم الترك وجب
الفعل ضرورة وإذا عرف هذا فنقول الحال في القرابة الموجبة للنفقة لا يخلو اما إن كانت حال الانفراد واما إن كانت حال
31

الاجتماع فإن كانت حال الانفراد بان لم يكن هناك ممن تجب عليه النفقة الا واحدا تجب كل النفقة عليه عند استجماع
شرائط الوجوب لوجود سبب وجوب كل النفقة عليه وهو الولاد والرحم المحرم وشرطه من غير مزاحم وإن كانت
حال الاجتماع فالأصل أنه متى اجتمع الأقرب والأبعد فالنفقة على الأقرب الولاد وغيرها من الرحم المحرم
فان استويا في القرب ففي قرابة الولاد يطلب الترجيح من وجه آخر وتكون النفقة على من وجد في حقه نوع
رجحان فلا تنقسم النفقة عليهما على قدر الميراث وإن كان كل واحد منهما وارثا وان لم يوجد الترجيح فالنفقة عليهما
على قدر ميراثهما وأما في غيرها من الرحم المحرم فإن كان الوارث أحدهما والآخر محجوبا فالنفقة على الوارث ويرجح
بكونه وارثا وإن كان كل واحد منهما وارثا فالنفقة عليهما على قدر الميراث وإنما كان كذلك لان النفقة في قرابة الولاد
تجب بحق الولادة لا بحق الورثة قال الله تعالى وعلى المولد له رزقهن وكسوتهن بالمعروف علق سبحانه وتعالى وجوبها
باسم الولادة وفي غيرها من الرحم وتجب بحق الوراثة لقوله عز وجل وعلى الوراث مثل ذلك علق سبحانه وتعالى
الاستحقاق بالإرث فتجب بقدر الميراث ولهذا قال أصحابنا ان من أوصى لورثة فلان وله بنون وبنات فالوصية
بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ولو أوصى لولد فلإن كان الذكر والأنثى فيه سواء فدل به ما ذكرنا وبيان هذا
الأصل إذا كان له ابن وابن ابن فالنفقة على الابن لأنه أقرب ولو كان الابن معسرا وابن الابن موسرا فالنفقة على
الابن أيضا إذا لم يكن زمنا لأنه هو الأقرب ولا سبيل إلى ايجاب النفقة على الابعد مع قيام الأقرب الا ان القاضي يأمر
ابن الابن بأنه يؤدى عنه على أن يرجع عليه إذا أيسر فيصير الابعد نائبا عن الأقرب في الأداء ولو أدى بغير أمر القاضي
لم يرجع ولو كان له أب وجد فالنفقة على الأب لا على الجد لان الأب أقرب ولو كان الأب معسرا والجد موسرا فنفقته
على الأب أيضا إذا لم يكن زمنا لكن يؤمر الجد بان ينفق ثم يرجع على الأب إذا أيسر ولو كان له أب وابن ابن فنفقته على
الأب لأنه أقرب الا انه إذا كان الأب معسرا غير زمن وابن الابن موسرا فإنه يؤدى عن الأب بأمر القاضي ثم يرجع
عليه إذا أيسر ولو كان له أب وابن فنفقته على الابن لا على الأب وان استويا في القرب والوراثة ويرجح الابن
بالايجاب عليه لكونه كسب الأب فيكون له حقا في كسبه وكون ماله مضافا إليه شرعا لقوله صلى الله عليه وسلم أنت
ومالك لأبيك ولا يشارك الولد في نفقة والده أحد لما قلنا وكذا في نفقة والدته لعدم المشاركة في السبب وهو الولادة
والاختصاص بالسبب يوجب الاختصاص بالحكم وكذا لا يشارك الانسان أحد في نفقة جده وجدته عند عدم
الأب والام لان الجد يقوم مقام الأب عند عدمه والجدة تقوم مقام الام عند عدمها ولو كان له ابنان فنفقته عليهما على
السواء وكذا إذا كان له ابن وبنت ولا يفضل الذكر على الأنثى في النفقة لاستوائهما في سبب الوجوب وهو الولاد
ولو كان له بنت وأخت فالنفقة على البنت لان الولاد لها وهذا يدل على أن النفقة لا تعتبر بالميراث لان الأخت ترث
مع البنت ولا نفقة عليها مع البنت ولا تجب على بالابن نفقة منكوحة أبيه لأنها أجنبية عنه الا أن يكون الأب محتاجا
إلى من يخدمه فحينئذ يجب عليه نفقة امرأته لأنه يؤمر بخدمة الأب بنفسه أو بالأجير ولو كان للصغير أبوان فنفقته
على الأب لا على الام بالاجماع وان استويا في القرب والولاد ولا يشارك الأب في نفقة ولده أحد لان الله تعالى
خص الأب بتسميته بكونه مولودا له وأضاف الولد إليه بلام الملك وخصه بايجاب نفقة الولد الصغير عليه بقوله وعلى
المولود له رزقهن أي رزق الوالدات المرضعات سمى الام والدة الأب مولودا له وقال عز وجل فان أرضعن لكم
فآتوهن أجورهن خص سبحانه وتعالى الأب بايتاء أجر الرضاع بعد الطلاق وكذا أوجب في الآيتين كل نفقة
الرضاع على الأب لولده الصغير وليس وراء الكل شئ ولا يقال إن الله عز وجل قال وعلى المولد له رزقهن ثم قال
وعلى الوارث مثل ذلك والام وراثة فيقتضى ان تشارك في النفقة كسائر الورثة من ذوي الرحم المحرم وكمن قال
أوصيت لفلان من مالي بألف درهم وأوصيت لفلان مثل ذلك ولم تخرج الوصيتان من الثلث أنهما يشتركان فيه
كذا هذا لأنا نقول لما جعل الله عز وجل كل النفقة على الأب بقوله وعلى المولود رزقهن تعذر ايجابها على الام
32

حال قيام الأب فيحمل على حال عدمه ليكون عملا بالنص من كل وجه في حال الحالين ولم يوجد مثل هذا في سائر ذوي
الرحم المحرم وفي باب الوصية لا يمكن العمل بكل واحدة من الوصيتين في حالين وقد ضاق المحل عن قبولهما في حالة
واحدة فلزم القول بالشركة ضرورة ولو كان الأب معسرا غير عاجز عن الكسب والام موسرة فالنفقة على الأب
لكن تؤمر الام بالنفقة ثم ترجع بها على الأب إذا أيسر لأنها تصير دينا في ذمته إذا أنفقت بأمر القاضي ولو كان للصغير
أب وأم أم فالنفقة على الأب والحضانة على الجدة لان الام لما لم تشارك الأب في نفقة ولده الصغير مع قربها فالجدة
مع بعدها أولى هذا إذا كان الولد صغيرا فقيرا وله أبوان موسران فاما إذا كان كبيران وهو ذكر فقير عاجز عن الكسب
فقد ذكر في كتاب النكاح ان نفقته أيضا على الأب خاصة وذكر الخصاف انه على الأب والام أثلاثا ثلثا ها على
الأب وثلثها على الام وجه ما ذكره الخصاف ان الأب إنما خص بايجاب النفقة عليه لابنه الصغير لاختصاصه
بالولاية وقد زالت ولايته بالبلوغ فيزول الاختصاص فتجب عليهما على قدر ميراثهما رواية كتاب النكاح
ان تخصيص الأب بالايجاب حال الصغر لاختصاصه بتسميته بكونه مودا له وهذا ثابت بعد الكبر فيختص بنفقته
كالصغير واعتبار الولاية والإرث في هذه النفقة غير سديد لأنها تجب مع اختلاف الدين ولا ولاية ولا ارث عند
اختلاف ولا يشارك الجد أحد في نفقة ولد ولده عند عدم ولده لأنه يقوم مقام ولده عند عدمه ولا يشارك الزوج
في نفقة زوجته أحد لأنه لا يشاركه أحد في سبب وجوبها وهو حق الثابت بالنكاح حتى لو كان لها زوج
معسر وابن موسر من غير هذا الزوج أو أب موسر أو أخ موسر فنفقتها على الزوج أو أب موسر أو أخ موسر فنفقتها على الزوج لا على الأب والابن والأخ لكن
يؤمر الأب أو الابن أو الأخ بان ينفق عليها ثم يرجع على الزوج إذا أيسر ولو كان له جد وابن ابن فالنفقة عليهما على
قدر ميراثهما لأنهما في القربة والوراثة سواء ولا ترجيح لأحدهما على الآخر من وجه آخر فكانت النفقة عليهما
على قدر الميراث السدس على الجد والباقي على ابن الابن كالميراث ولو كان له أم وجد كانت النفقة عليهما أثلاثا الثلث
على الام والثلثان على الجد على قدر ميراثهما وكذلك إذا كان له أم وأخ لأب وأم أو لأب أو ابن أخ لأب وأم أو لأب
أو عم لام وأب أو لأب كانت النفقة عليهما أثلاثا ثلثها على الام والثلثان على الأخ وابن الأخ والعم وكذلك إذا كان له
أخ لأب وأم وأخت لأب وأم كانت النفقة عليهما أثلاثا على قدر ميراثهما ولو كان له أخ لأب وأم أخ لام فالنفقة
عليهما أسداسا سدسها على الأخ لأب وأم وخمسة أسداسها على الأخ لأب وأم ولو كان له جد وجدة كانت النفقة عليهما
أسداسا على قدر الميراث ولو كان له عم وعمة فالنفقة على العمم لأنهما استويا في القرابة المحرمة للقطع والعم هو الوارث
فيرجع بكون وارثا وكذلك لو كان له عم وخال لما قلنا ولو كان له عمة وخالة أو خال فالنفقة عليهما أثلاثا ثلثاها على العمة
والثلث على الخال أو الخالة ولو كن له خال وابن عم فالنفقة على الخال لا على ابن العم لأنهما ما استويا في سبب
الوجوب وهو الرحم المرحم للقطع إذا الخال هو ذو الرحم المحرم واستحقاق الميراث للترجيح والترجيح يكون بعد
الاستواء في ركن العلة ولم يوجد ولو كان له عمة خالة وابن عم فعلى الخالة الثلث وعلى العمة الثلثان لاستوائهما في
سبب استحقاق الإرث فيكون النفقة بينهما على قدر الميراث ولا شئ على ابن العم لانعدام سبب الاستحقاق في
حقه وهو القرابة المحرمة القطع ولو كان له ثلاث أخوات متفرقات وابن عم فالنفقة على الأخوات على خمسة أسهم
ثلاثة أسهم على الأخت لأب وأم وسهم على الأخت لأب على قدر الميراث ولا يعتد بابن
العم في النفقة لانعدام سبب الاستحقاق في حقه فيلحق بالعدم كأنه ليس له الا الأخوات وميراثه لهن على خمسة
أسهم كذا النفقة عليهن ولو كان له ثلاثة اخوة متفرقين فالنفقة على الأخ للأب والام وعلى الأخ للام على قدر
الميراث أسداسها لان الأخ لا يرث معهما فيلحق معهما بالعدم ولو كان له عم وعمة خالة فالنفقة على العم لان العم مساو
لهما في الاستحقاق وهو الرحم المحرم وفضلهما بكونه وارثا إذا الميراث له لا لهما فكانت النفقة عليه لا عليهما
وإن كان العم معسرا فالنفقة عليهما لأنه يجعل كالميت والأصل في هذا ان كل من كان يجوز جميع الميراث
33

وهو معسر يجعل كالميت وإذا جعل كالميت كانت النفقة على الباقين على قدر مواريثهم وكل من كان يحوز بعض
الميراث لا يجعل كالميت فكانت النفقة على قدر مواريث من يرث معه بيان هذا الأصل رجل معسر عاجز عن
الكسب وله ابن معسر عاجز عن الكسب أو هو صغير وله ثلاثة اخوة متفرقين فنفقة الأب على أخيه لأبيه وأمه وعلى
أخيه لامه أسداسا سدس النفقة على الأخ لام وخمسة أسداسها على الأخ لأب وأم ونفقة الولد على الأخ لأب وأم
خاصة لان الأب يحوز جميع الميراث فيجعل كالميت فيكون نفقة الأب على الأخوين على قدر ميراثهما منه وميراثهما
من الأب هذا فأما الابن فوارثه العم لأب وأم لا العم لأب ولا العم لام فكانت نفقته على عمه لأب وأم ولو كان للرجل
ثلاث أخوات متفرقات كانت نفقته عليهن أخماسا ثلاثة أخماسها على الأخت لأب وأم وخمس على الأخت
لأب وخمس على الأخت لام على قدر مواريثهن ونفقة الابن علي عمته لأب وأم لأنها هي الوارثة منه لا غير ولو كان
مكان الابن بنت والمسألة بحالها فنفقة الأب في الاخوة المتفرقين على أخيه لأبيه وأمه وفي الأخوات المتفرقات على
أخته لأبيه وأمه لان البنت لا تحوز جميع الميراث فلا حاجة إلى أن تجعل كالميتة فكان الوارث معها الأخ للأب والام
لا غير والأخت لأب وأم لا غير لان الأخ والأخت لام لا يرثان مع الولد والأخ لأب لا يرث مع الأخ لأب وأم
والأخت لأب لا ترث مع البنت والأخت لأب وأم لان الأخوات مع البنات عصبة وفي العصبات تقدم الأقرب
فالأقرب فكانت النفقة عليهما وكذلك نفقة البنت على العم لأب وأم أو على العمة لأب وأم لأنهما وارثاها بخلاف
الفصل الأول لان هناك لا يمكن الايجاب للنفقة على الاخوة والأخوات الا يجعل الابن كالميت لأنه يحوز جميع
الميراث فمست الحاجة إلى أن يجعل ميتا حكما ولو كان الابن ميتا كان ميراث الأب للأخ وأم وللأخ لأب وأم وللأخ لام أسداسا
وللأخوات أخماسا فكذلك النفقة وعلى هذا الأصل مسائل
(فصل) وأما شرائط وجوب هذه النفقة فأنواع بعضها يرجع إلى المنفق عليه خاصة وبعضا يرجع إلى المنفق خاصة
وبعضها يرجع إليهما وبعضها يرجع إلى غيرهما أما الذي يرجع إلى المنفق عليه خاصة فأنواع ثلاثة أحدها اعساره فلا
تجب لموسر على غيره نفقة في قرابة الولاد وغيرها من الرحم لان وجوبها معلول بحاجة المنفق عليه فلا تجب لغير
المحتاج ولأنه إذا كان غنيا لا يكون هو بايجاب النفقة له على غيره أولى من الايجاب لغيره عليه فيقع التعارض فيمتنع
الوجوب بل إذا كان مستغنى بماله كان ايجاب النفقة في ماله أولى من ايجابها في مال غيره بخلاف نفقة الزوجات انها تجب
للزوجة الموسرة لان وجوب تلك النفقة لا يتبع الحاجة بل لها شبه بالاعواض فيستوى فيها المعسرة والموسرة كثمن
البيع والمهر واختلف في حد المعسر الذي يستحق النفقة قيل هو الذي يحل له أخذ الصدقة ولا تجب عليه الزكاة وقيل
هو المحتاج ولو كان له منزل وخادم هل يستحق النفقة على قريبه الموسر فيه اختلاف الرواية رواية لا يستحق حتى لو كان
أختا لا يؤمر الأخ بالانفاق عليها وكذلك إذا كانت بنتا له أو أما وفي رواية يستحق وجه الرواية الأولى ان النفقة لا تجب
لغير المحتاج وهؤلاء غير محتاجين لأنه يمكن الاكتفاء بالأدنى بان يبيع بعض المنزل أو كله ويكترى منزلا فيسكن بالكراء
أو يبيع الخادم وجه الرواية الأخرى أن بيع المنزل لا يقع الا نادرا وكذا لا يمكن لكل أحد السكنى بالكراء أو بالمنزل
المشترك وهذا هو الصواب أن لا يؤمر أحد ببيع الدار بل يؤمر القريب بالاتفاق عليه ألا ترى انه تحل الصدقة
لهؤلاء ولا يؤمرون ببيع المنزل ثم الولد الصغير إذا كان له مال حتى كانت نفقته في ماله لا على الأب وإن كان الأب
موسرا فإن كان المال حاضرا في يد الأب أنفق منه عليه وينبغي أن يشهد على ذلك إذ لو لم يشهد فمن الجائز أن ينكر
الصبي إذا بلغ فيقول للأب انك أنفقت من مال نفسك لا من مالي فيصدقه القاضي لأن الظاهر أن الرجل الموسر ينفق
على ولده من مال نفسه وإن كان لولده مال فكان الظاهر شاهدا للولد فيبطل حق الأب وإن كان المال غائبا ينفق من
مال نفسه بأمر القاضي إياه بالانفاق ليرجع أو يشهد على أنه ينفق من مال نفسه ليرجع به في مال ولده ليمكنه الرجوع
لما ذكرنا ان الظاهر أن الانسان يتبرع بالانفاق من مال نفسه على ولده فإذا كره القاضي بالانفاق من ماله ليرجع أو أشهد
34

على أنه ينفق ليرجع فقد بطل الظاهر وتبين انه إنما أتفق من ماله على طريق القرض وهو يملك اقراض ماله من الصبي
فيمكنه الرجوع وهذا في القضاء فأما فيما بينه وبين الله تعالى فيسعه أن يرجع من غير أمر القاضي والاشهاد بعد أن
نوى بقلبه أنه ينفق ليرجع لأنه إذا نوى صار ذلك دينا على الصغير وهو يملك اثبات الدين عليه لأنه يملك اقراض ماله
منه والله عز وجل عالم بنيته فجاز له الرجوع فيما بينه وبين الله تعالى والله أعلم والثاني عجزه عن الكسب بأن كان به زمانة
أو قعد أو فلج أو عمى أو جنون أو كان مقطوع اليدين أو أشلهما أو مقطوع الرجلين أو مفقوء العينين أو غير ذلك من
العوارض التي تمنع الانسان من الاكتساب حتى لو كان صحيحا مكتسبا لا يقضى له بالنفقة على غيره وإن كان
معسرا الا للأب خاصة والجد عند عدمه فإنه يقضى بنفقة الأب وإن كان قادرا على الكسب بعد أن كان معسرا
على ولده الموسر وكذا نفقة الجد على ولد ولده إذا كان موسرا وإنما كان كذلك لان المنفق عليه إذا كان قادرا
على الكسب كان مستغنى بكسبه فكان غناه بكسبه كغناه بماله فلا تجب نفقته على غيره الا الولد لان الشرع
نهى الولد عن الحاق أدنى الأذى بالوالدين وهو التأليف بقوله عز وجل ولا تقل لهما أف ومعنى الأذى في الزام
الأب الكسب مع غنى الولد أكثر فكان أولى بالنهي ولم يوجد ذلك في الابن ولهذا لا يحبس الرجل بدين
ابنه ويحبس بدين أبيه ولان الشرع أضاف مال الابن إلى الأب بلام الملك فكان ماله كماله وكذا هو كسب كسبه
فكان ككسبه فكانت نفقته فيه والثالث ان الطلب والخصومة بين يدي القاضي في احدى نوعي النفقة وهي نفقة غير
الولاد فلا تجب بدونه لأنها لا تجب بدون قضاء القاضي والقضاء لا بد له من الطلب والخصومة وأما الذي يرجع إلى
المنفق خاصة فيساره في قرابة غير الولاد من الرحم المحرم فلا يجب على غير الموسر في هذه القرابة نفقة وإن كان قادرا
على الكسب لان وجوب هذه النفقة من طريق الصلة والصلات تجب على الأغنياء لا على الفقراء وإذا كان
يسار المنفق شرط وجوب النفقة عليه في قرابة ذي الرحم فلابد من معرفة حد اليسار الذي يتعلق به وجوب هذه
النفقة روى عن أبي يوسف فيه انه اعتبر نصاب الزكاة قال ابن سماعة قال في نوادره سمعت أبا يوسف قال لا أجبر
على نفقة ذي الرحم المحرم من لم يكن معه تجب فيه الزكاة ولو كان معه مائتا درهم الا درهما وليس له عيال وله أخت
محتاجة لم أجبره على نفقتها وإن كان يعمل بيده ويكتسب في الشهر خمسين درهما وروى هشام عن محمد أنه قال
إذا كان له نفقة شهر وعنده فضل عن نفقة شهر له ولعياله أجبره على نفقة ذي الرحم المحرم قال محمد وأما من لا شئ له
وهو يكتسب كل يوم درهما يكتفى منه بأربعة دوانيق فإنه لنفسه ولعياله ما يتسع به وينفق فضله على من
يجبر على نفقته وجه رواية هشام عن محمد ان من كان عنده كفاية شهر فما زاد عليها فهو غنى عنه في الحال والشهر
يتسع للاكتساب فكان عليه صرف الزيادة إلى أقاربه وجه قول أبى يوسف ان نفقة ذي الرحم صلة والصلات
إنما تجب على الأغنياء كالصدقة وحد الغنا في الشريعة ما تجب فيه الزكاة وما قاله محمد أوفق وهو انه إذا كان له كسب
دائم وهو غير محتاج إلى جميعه فما زاد على كفايته يجب صرفه إلى أقاربه كفضل ماله إذا كان له مال ولا يعتبر النصاب
لان النصاب إنما يعتبر في وجوب حقوق الله تعالى المالية والنفقة حق العبد فلا معنى للاعتبار بالنصاب فيها وإنما
يعتبر فيها امكان الأداء ولو طلب الفقير العاجز عن الكسب من ذي الرحم المحرم منه نفقة فقال أنا فقير وادعى
هو انه غنى فالقول قول المطلوب لان الأصل هو الفقر والغنا عارض فكان الظاهر شاهد له فمحمد يحتاج إلى الفرق
بينه وبين نفقة الزوجات والفرق له ان الاقدام على النكاح دليل القدرة فبطلت شهادة الظاهر وأما قرابة
الولاد فينظر إن كان المنفق هو الأب فلا يشترط يساره لوجوب النفقة عليه بل قدرته على الكسب كافية حتى تجب
عليه النفقة على أولاده الصغار والكبار الذكور الزمني الفقراء والإناث الفقيرات وان كن صحيحات وإن كان
معسرا بعد أن كان قادرا على الكسب لان الانفاق عليهم عند حاجتهم عن الكسب احياؤهم واحياؤهم احياء
نفسه لقيام الجزئية والعصبية واحياء نفسه واجب ولو كان لهم جد موسر لم يفرض النفقة على الجد ولكن يؤمر
35

الجد بالانفاق عليهم عند حاجتهم ثم يرجع به على ابنه لان النفقة لا تجب على الجد مع وجود الأب إذا كان الأب قادرا
على الكسب ألا ترى انه لا يجب عليه نفقة ابنه فنفقة أولاده أولى وان لم يكن الأب قادرا على الكسب بأن كان زمنا
قضى بنفقتهم على الجد لان عليه نفقة أبيهم فكذا نفقتهم وروى عن أبي يوسف أنه قال في صغير له والد محتاج وهو
زمن فرضت نفقته على قرابته من قبل أبيه دون قرابته من قبل أمه كل من أجبرته على نفقة الأب أجبرته على نفقة
الغلام إذا كان زمنا لان الأب إذا كان زمنا كانت نفقته على قرابته فكذا نفقة ولده لأنه جزؤه قال فإن لم يكن له
قرابة من قبل أبيه قضيت بنفقته على أبيه وأمرت الحال أن ينفق عليه ويكون ذلك دينا على الأب ووجه
الفرق بين قرابة الأب وقرابة الام ان قرابة الأب تجب عليهم نفقة الأب إذا كان زمنا فكذا نفقة ولده الصغير
فاما قرابة الام فلا يجب عليهم نفقة الأب ولا نفقة الولد لان الأب لا يشاركه أحد في نفقة ولده وإن كان المنفق هو
الابن وهو معسر مكتسب ينظر في كسبه فإن كان فيه فضل عن قوته يجبر على الانفاق على الأب من الفضل لأنه
قادر على احيائه من غير خلل يرجع إليه وإن كان لا يفضل من كسبه شئ يؤمر فيما بينه وبين الله عز وجل ان يواسي
أباه إذ لا يحسن أن يترك أباه ضائعا جائعا يتكفف الناس وله كسب وهل يجبر على أن ينفق عليه وتفرض عليه
النفقة إذا طلب الأب الفرض أو يدخل عليه في النفقة إذا طلب الأب ذلك قال عامة الفقهاء انه لا يجبر على ذلك وقال
بعضهم يجبر عليه واحتجوا بما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال لو أصاب الناس السنة لادخلت على أهل كل بيت
مثلهم فان الناس لم يهلكوا على أنصاف بطونهم وقال النبي صلى الله عليه وسلم طعام الواحد يكفي الاثنين وجه قول
العامة ان الجبر على الانفاق والاشراك في نفقة الولد المعسر يؤدى إلى اعجازه عن الكسب لان الكسب لا يقوم الا
بكمال القوة وكمال القوة بكمال الغذاء فلو جعلناه نصفين لم يقدر على الكسب وفيه خوف هلاكهما جميعا وذكر في
الكتاب أرأيت لو كان الابن يأكل من طعام رجل غنى يعطيه كل يوم رغيفا أو رغيفين أيؤمر الابن ان يعطى
أحدهما أباه قال لا يؤمر به ولو قال الأب للقاضي ان ابني هذا يقدر على أن يكتسب ما يفضل عن كسبه مما ينفق على
لكنه يدع الكسب عمدا يقصد بذلك عقوقي ينظر القاضي في ذلك فإن كان الأب صادقا في مقالته أمر الابن بان
يكتسب فينفق على أبيه وان لم يكن صادقا بان علم أنه غير قادر على اكتساب زيادة تركه هذا إذا كان الولد واحدا
فإن كان له أولاد صغار وزوجة ولا يفضل من كسبه شئ ينفق على أبيه فطلب الأب من القاضي أن يدخله في
النفقة على عياله يدخله القاضي ههنا لان ادخال الواحد على الجماعة لا يخل بطعامهم خللا بينا بخلاف ادخال الواحد على
الواحد هذا إذا لم يكن الأب عاجزا عن الكسب فاما إذا كان عاجزا عنه بأن كان زمنا يشارك الابن في قوته ويدخل
عليه فيأكل معه وان لم يكن له عيال لأنه ليس في المشاركة خوف الهلاك وفي ترك المشاركة خوف هلاك الأب
فتجب المشاركة وكذلك الام إذا كانت فقيرة تدخل على ابنها فتأكل معه لكن لا يفرض لهما عليه نفقة على حدة والله
عز وجل أعلم وأما الذي يرجع إليهما جميعا فنوعان أحدهما اتحاد الدين في غير قرابة الولاد من الرحم المحرم فلا تجرى
النفقة بين المسلم والكافر في هذه القرابة فاما في قرابة الولاد فاتحاد الدين فيها ليس بشرط فيجب على المسلم نفقة
آبائه وأمهاته من أهل الذمة ويجب على الذمي نفقة أولاده الصغار الذين أعطى لهم حكم الاسلام باسلام أمهم ونفقة
أولاده الكبار المسلمين الذين هم من أهل استحقاق النفقة على ما نذكره ووجه الفرق من وجهين أحدهما ان
وجوب هذه النفقة على طريق الصلة ولا تجب صلة رحم غير الوالدين عند اختلاف الدين وتجب صلة رحم الوالدين
مع اختلاف الدين بدليل انه يجوز للمسلم ان يبتدئ بقتل أخيه الحربي ولا يجوز له أن يبتدئ بقتل أبيه الحربي وقد
قال سبحانه في الوالدين الكافر وصاحبهما في الدنيا معروفا ولم يرد مثله في غير الوالدين والثاني ان وجوب النفقة في
قرابة الولاد بحق الولادة لما ذكرنا ان الولادة توجب الجزئية والبعضية بين الوالد والولد وذا لا يختلف باختلاف
الدين فلا يختلف الحكم المتعلق به والوجوب في غيرها من الرحم المحرم بحق الوراثة ولا وراثة عند اختلاف الدين
36

فلا نفقة ولو كان للمسلم ابنان أحدهما مسلم والاخر ذمي فنفقته عليهما على السواء لما ذكرنا ان نفقة الولادة لا
تختلف باختلاف الدين والثاني اتحاد الدار في غير قرابة الولادة من الرحم فلا تجرى النفقة بين الذمي الذي في
دار الاسلام وبين الحربي في دار الحرب لاختلاف الدارين ولا بين الذمي والحربي المستأمن في دار الاسلام
لان الحربي وإن كان مستأمنا في دار الاسلام فهو من أهل الحرب وإنما دخل دار الاسلام لحوائج يقضيها ثم يعود
ألا ترى ان الامام يمكنه من الرجوع إلى دار الحرب ولا يمكنه من إطالة الإقامة في دار الاسلام فاختلف الداران
وكذا لا نفقة بين المسلم المتوطن في دار الاسلام وبين الحربي الذي أسلم في دار الحرب ولم يهاجر الينا لاختلاف
الدارين وهذا ليس بشرط في قرابة الولاد والفرق بينهما من وجهين أحدهما ان وجوب هذه النفقة في هذه القرابة
بطريق الصلة ولا تجب هذه الصلة عند اختلاف الدارين وتجب في قرابة الولاد والثاني ان الوجوب ههنا بحق
الوراثة ولا وراثة عن اختلاف الدارين والوجوب هناك بحق الولادة وانه لا يختلف وأما الذي يرجع إلى غيرهما
فقضاء القاضي في أحد نوعي النفقة وهي نفقة غير الولاد من الرحم المحرم فلا تجب هذه النفقة من غير قضاء القاضي
ولا يشترط ذلك في نفقة الولاد حتى تجب من غير قضاء كما تجب نفقة الزوجات ووجه الفرق ان نفقة الولاد تجب
بطريق الاحياء لما فيها من دفع الهلاك لتحقق معنى الجزئية والبعضية بين المنفق والمنفق عليه ويجب على الانسان
احياء نفسه بدفع الهلاك عن نفسه ولا يقف وجوبه على قضاء القاضي فاما نفقة سائر ذي الرحم المحرم فليس وجوبها
من طريق الاحياء لانعدام معنى الجزئية وإنما تجب صلة محضة فجاز ان يقف وجوبها على قضاء القاضي وبخلاف
نفقة الزوجات لان لها شبها بالاعواض فمن حيث هي صلة لم تصر دينا من غير قضاء ورضا ومن حيث هي عوض
تجب من غير قضاء عملا بالشبهين وعلى هذا يخرج ما إذا كان الرجل غائبا وله مال حاضر ان القاضي لا يأمر أحدا بالنفقة
من ماله الا الأبوين الفقيرين وأولاده الفقراء الصغار الذكور والإناث والكبار الذكور الفقراء العجزة عن الكسب
والإناث الفقيرات والزوجة لأنه لا حق لا حد في ماله الا لهؤلاء ألا ترى انه ليس لغيرهم أن يمد يده إلى ماله فيأخذه
وإن كان فقيرا محتاجا ولهم ذلك فكان الامر من القاضي بالانفاق من ماله لغيرهم قضاء على الغائب من غير خصم حاضر
ولا يكون لهم قضاء بل يكون إعانة ثم إن كان المال حاضرا عند هؤلاء وكان النسب معروفا أو علم القاضي بذلك أمرهم
بالنفقة منه لان نفقتهم واجبة من غير قضاء القاضي فكان الامر من القاضي بالانفاق إعانة لا قضاء وان لم يعلم بالنسب
فطلب بعضهم ان يثبت ذلك عند القاضي بالبينة لا تسمع منه البينة لأنه يكون قضاء على الغائب من غير أن يكون عنه
خصم حاضر وكذلك إن كان ماله وديعة عند انسان وهو مقر بها أمرهم القاضي بالانفاق منها وكذا إذا كان له دين
على إنسان وهو مقر به لما قلنا ولو دفع صاحب اليد أو المديون إليهم بغير اذن القاضي يضمن وإذا وقع باذنه لا يضمن
واستوثق القاضي منهم كفيلا ان شاء وكذا لا يأمر الجد وولد الولد حال وجود الأب والولد لأنهما حال وجودهما
بمنزلة ذوي الأرحام ويأمرهما حال عدمهما لان الجد يقوم مقام الأب حال عدمه وولد الولد يقوم مقام الولد حال
عدمه وإن كان صاحب اليد أو المديون منكرا فأرادوا أن يقيموا البينة لم يلتفت القاضي إلى ذلك لما ذكرنا فان أنفق
الأب من مال ابنه ثم حضر الابن فقال للأب كنت موسرا وقال الأب كنت معسرا ينظر إلى حال الأب وقت
الخصومة فإن كان معسرا فالقول قوله وإن كان موسرا فالقول قول الابن لأن الظاهر استمرار حال اليسار والاعسار
والتغير خلاف الظاهر فيحكم الحال وصار هذا كالاجر مع المستأجر إذا اختلفا في جريان الماء وانقطاعه انه يحكم
الحال لما قلنا كذا هذا فان أقاما البينة فالبينة بينة الابن لأنها تثبت أمر زائدا وهو الغنا هذا إذا كان المال من جنس النفقة
من الدراهم والدنانير والطعام والكسوة فإن كان من غير جنسها فالقاضي لا يبيع على الغائب العقار لأجل القضاء
بالانفاق وكذا الأب الا إذا كان الولد صغيرا فليبع العقار وأما العروض فهل يبيعها القاضي فالامر فيه على
ما ذكرنا من الانفاق والاختلاف وهل يبيعها الأب قال أبو حنيفة يبيع مقدار ما يحتاج إليه لا الزيادة على ذلك وهو
37

استحسان وقال أبو يوسف ومحمد لا يبيع ولا خلاف ان الام لا تبيع مال ولدها الصغير والكبير وكذا الأولاد
لا يبيعون مال الأبوين (وجه) قولهما وهو القياس أنه لا ولاية للأب على الولد الكبير فكان هو وغيره من الأقارب
سواء ولهذا يبيع العقار وكذا العروض ولأبي حنيفة أن في بيع العروض نظرا للولد الغائب لان العروض مما
يخاف عليه الهلاك فكان بيعها من باب الحفظ والأب يملك النظر بحفظ ماله وغير ذلك بخلاف العقار فإنه
محفوظ بنفسه فلا حاجة إلى حفظه بالبيع فيبقى بيعه تصرفا على الولد الكبير فلا يملكه ولان الشرع أضاف مال الولد
إلى الوالد وسماه كسبا له فإن لم يظهر ذلك في حقيقة الملك فلا أقل من أن يظهر في ولاية بيع عرضه عند الحاجة
(فصل) وأما بيان مقدار الواجب من هذه النفقة فنفقة الأقارب مقدرة بالكفاية بلا خلاف لأنها تجب للحاجة
فتقدر بقدر الحاجة وكل من وجبت عليه نفقة غيره يجب عليه له المأكل والمشرب والملبس والسكنى والرضاع إن كان
رضيعا لان وجوبها للكفاية والكفاية تتعلق بهذه الأشياء فإن كان للمنفق عليه خادم يحتاج إلى خدمته تفرض له
أيضا لان ذلك من جملة الكفاية
(فصل) وأما بيان كيفية وجوبها فهذه النفقة تجب على وجه لا تصير دينا في الذمة أصلا سواء فرضها القاضي أو لا
بخلاف نفقة الزوجات فإنها تصير دينا في الذمة بفرض القاضي أو بالتراضي حتى لو فرض القاضي للقريب نفقة شهر
فمضى الشهر ولم يأخذ ليس له أن يطالبه بها بل تسقط وفى نفقة الزوجات للمرأة ولاية المطالبة بما مضى من النفقة في
مدة الفرض وقد ذكرنا وجه الفرق بينهما في نفقة الزوجات فيقع الفرق بين النفقتين في أشياء منها ما وصفناه آنفا ان
نفقة المرأة تصير دينا بالقضاء أو بالرضا ونفقة الأقارب لا تصير دينا أصلا ورأسا ومنها ان نفقة الأقارب أو كسوتهم
لا تجب لغير المعسر ونفقة الزوجات أو كسوتهن تجب للعسرة والموسرة ومنها ان نفقة الأقارب أو كسوتهم إذا
هلكت قبل مضى مدة الفرض تجب نفقة أخرى وكسوة أخرى وفي نفقة الزوجات لا تجب ومنها ان نفقة الأقارب
أو كسوتهم إذا تعيبت بعد مضى المدة لا تجب أخرى وفي نفقة الزوجات تجب وقد مر الفرق بين هذه الجملة في فصل
نفقة الزوجات ومنها أنه إذا عجل نفقة مدة في الأقارب فمات المنفق عليه قبل تمام المدة لا يسترد شيئا منها بلا خلاف
وفي نفقة الزوجات محمد ويحبس في نفقة الأقارب كما يحبس في نفقة الزوجات أما غير الأب فلا شك فيه وأما
الأب فيحبس في نفقة الولد أيضا ولا يحبس في سائر ديونه لان ايذاء الأب حرام في الأصل وفي الحبس ايذاؤه الا ان
في النفقة ضرورة وهي ضرورة دفع الهلاك عن الولد إذ لو لم ينفق عليه لهلك فكان هو بالامتناع من الانفاق عليه كالقاصد
اهلاكه فدفع قصده بالحبس ويحمل هذا القدر من الأذى لهذه الضرورة وهذا المعنى لم يوجد في سائر الديون ولان
ههنا ضرورة أخرى وهي ضرورة استدراك هذا الحق أعني النفقة لأنها تسقط بمضي الزمان فتقع الحاجة إلى
الاستدراك بالحبس لان الحبس يحمله على الأداء فيحصل الاستدراك ولو لم يحبس يفوت حقه رأسا فشرع
الحبس في حقه لضرورة استدراك الحق صيانة له عن الفوات وهذا المعنى لا يوجد في سائر الديون لأنها تفوت
بمضي الزمان فلا ضرورة إلى الاستدراك بالحبس ولهذا قال أصحابنا ان الممتنع من النفقة يضرب ولا يحبس بخلاف
الممتنع من سائر الحقوق لأنه لا يمكن استدراك هذا الحق بالحبس لأنه يفوت بمضي الزمان فيستدرك بالضرب
بخلاف سائر الحقوق وكذلك الجد أب الأب وان علا لأنه يقوم مقام الأب عند عدمه
(فصل) وأما بيان المسقط لها بعد الوجوب فالمسقط لها بعد الوجوب هو مضى الزمان من غير قبض ولا
استدانة حتى لو فرض القاضي نفقة شهر للقريب فلم يقبض ولا استدان عليه حتى مضت المدة سقطت النفقة لما
ذكرنا ان هذه النفقة تجب صلة محضة فلا يتأكد وجوبها الا بالقبض أو ما يقوم مقامه والله أعلم
(فصل) وأما نفقة الرقيق فالكلام في هذا الفصل في مواضع في بيان وجوب هذه النفقة وفي بيان سبب
وجوبها وفي بيان شرط الوجوب وفي بيان مقدار الواجب وفي بيان كيفية الوجوب أما الأول فوجوبها ثابت
38

بالكتاب والسنة والاجماع والمعقول أما الكتاب فقوله عز وجل أو ما ملكت أيمانكم معطوفا على قوله وبالوالدين
احسانا أمر بالاحسان إلى المماليك ومطلق الامر يحمل على الوجوب والانفاق عليهم احسان بهم فكان واجبا
ويحتمل أن يكون أمرا بالاحسان إلى المماليك أمرا بتوسيع النفقة عليهم لان المرء لا يترك أصل النفقة على مملوكه
اشفاقا على ملكه وقد يقتر في الانفاق عليه لكونه مملوكا في يده فامر الله عز وجل السادات بتوسيع النفقة على
مماليكهم شكرا لما أنعم عليهم حيث جعل من هو من جوهرهم وأمثالهم في الخلقة خدما وخولا أذلاء تحت أيديهم
يستخدمونهم ويستعملونهم في حوائجهم وأما السنة فما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوصى
بالمملوك خيرا ويقول أطعموهم مما تأكلون وأكسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم ما لا يطيقون فان الله تعالى يقول
لا يكلف الله نفسا الا وسعها وعن أنس رضي الله عنه قال كان آخر وصية رسول الله صلى الله وسلم حين
حضرته الوفاة الصلاة وما ملكت أيمانكم وجعل صلى الله عليه وسلم يغرغر بها في صدره وما يقبض بها لسانه وعليه
اجماع الأمة أن نفقة المملوك واجبة وأما المعقول فهو عبد مملوك لا يقدر على شئ فلو لم تجعل نفقته على مولاه لهلك
(فصل) وأما سبب وجوبها فالملك لأنه يوجب الاختصاص بالمملوك انتفاعا وتصرفا وهو نفس الملك فإذا
كانت منفعته للمالك كانت مؤنته عليه إذ الخراج بالضمان وعلى هذا يبنى أنه لا يجب على العبد نفقة ولده لعدم الملك
لان أمه إن كانت حرة فهو حرة وإن كانت مملوكة فهو ملك مولاها فكانت نفقته على المولى ولان العبد لا مال له بل
هو وما في يده لمولاه والمولى أجنبي عن هذا الولد فكيف تجب النفقة في مال الغير لملك الغير وكذا لا يجب على الحر
نفقة ولده المملوك بأن تزوج حر أمة غيره فولدت ولدا لأنه ملك غيره فلا تجب عليه نفقة مملوك غيره ولو أعتق عبده
بطلت النفقة لبطلان سبب الوجوب وهو الملك ثم إن كان بالغا صحيحا فنفقته في كسبه وإن كان صغيرا أو زمنا قالوا إن
نفقته في بيت المال لأنه واحد من المسلمين حر عاجز لا يعرف له قريب وبيت المال مال المسلمين فكانت نفقته
فيه وكذا اللقيط إذا لم يكن معه مال فنفقته في بيت المال لما قلنا وقالوا في الصغير في يد رجل قال لرجل هذا عبدك
أودعتنيه فجحد قال محمد أستحلفه بالله عز وجل ما أودعته فان حلف قضيت بنفقته على الذي هو في يده لأنه أقر
برقه ثم أقر به لغيره وقد رد الغير اقراره فبقي في يده واليد دليل الملك فيلزمه نفقته قال محمد ولو كان كبيرا لم أستحلف
المدعى عليه لأنه إذا كان كبيرا كان في يد نفسه وكان دعواه هدرا فيقف الامر على دعوى الكبير فكل من ادعى عليه
أنه عبده وصدقه فعليه نفقته ولو كان العبد بين شريكين فنفقته عليهما على قدر ملكيهما وكذلك لو كان في أيديهما كل
واحد منهما يدعى أنه له ولا بينة لهما فنفقته عليهما وقالوا في الجارية المشتركة بين اثنين أتت بولد فادعاه الموليان ان
نفقة هذا الولد عليهما وعلى الولد إذا كبر كل واحد منهما لان كل واحد منهما أب كامل في حقه والله أعلم
(فصل) وأما شرط وجوبها فهو أن يكون الرقيق مملوك المنافع والمكاسب للمولى فإن لم يكن فلا تجب عليه
نفقته فيجب على الانسان نفقة عبده القن والمدبر وأم الولد لان أكسابهم ملك المولى ولا تجب عليه نفقة مكاتبه لأنه
غير مملوك المكاسب لمولاه ألا ترى أنه أحق بكسبه من مولاه فكان في مكاسبه كالحر فكانت نفقته في كسبه كالحر
وكذا معتق البعض لأنه بمنزلة المكاتب عند أبي حنيفة وعندهما حر عليه دين والعبد الموصى برقبته لانسان وبخدمته
لاخر نفقته على صاحب الخدمة لا على صاحب الرقبة لان منفعته لصاحب الخدمة ونفقة عبد الرهن على الراهن
لان ملك الذات والمنفعة له ونفقة عبد الوديقة على المودع لما قلنا ونفقة عبد العارية على المستعير لان ملك المنفعة في زمن
العارية له إذ الإعارة تمليك المنفعة ونفقة عبد الغصب قبل الرد على الغاصب لان منافعه تحدث على ملكه على بعض
طرق أصحابنا حتى لو لم تكن مضمونة على الغاصب فكانت نفقته عليه ولان رد المغصوب على الغاصب ومؤنة الرد
عليه لكونها من ضرورات الرد والنقفة من ضرورات الرد لأنه لا يمكنه الا باستبقائه ولا يبقى عادة الا بالنفقة فكانت
النفقة مؤنات الرد لكونها من ضروراته فكانت على الغاصب والله أعلم
39

(فصل) وأما مقدار الواجب فمقدار الكفاية لان وجوبها للكفاية فتقدر بقدر الكفاية كنفقة الأقارب
(فصل) وأما كيفية وجوبها فإنها تجب على وجه يجبر عليها عند الطلب والخصومة في الجملة بيان ذلك أن المملوك
إذا خاصم مولاه في النفقة عند القاضي فان القاضي يأمره بالنفقة عليه فان أبى ينظر القاضي فكل من يصلح للإجارة
يؤاجره وينفق عليه من أجرته أو يبيعه إن كان محلا للبيع كاقن رأى البيع أصلح ولا يجبر على الانفاق وان لم يصلح
للإجارة بأن كان صغيرا أو جارية ولا محلا للبيع كالمدبر وأم الولد يجبره على الانفاق لأنه لا يمكن بيعه ولا اجارته وتركه
جائعا تضييع إلى آدمي فيجبر المولى على الانفاق والله عز وجل أعلم (وأما) نفقة البهائم فلا يجبر عليها في ظاهر الرواية
ولكنه يفتى فيما بينه وبين الله تعالى أن ينفق عليها وروى عن أبي يوسف أنه يجبر عليها لان في تركه جائعا تعذيب
الحيوان بلا فائدة وتضييع المال ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك كله ولأنه سفه لخلوه عن العاقبة
الحميدة والسفه حرام عقلا وجه ظاهر الرواية أن الجبر على الحق يكون عند الطلب والخصومة من صاحب الحق ولا
خصم فلا يجبر ولكن تجب فيما بينه وبين الله تعالى لما قاله أبو يوسف وكما نفقة الجمادات كالدور والعقار فلا يجبر عليها
لما قلنا ولا يفتى أيضا بالوجوب الا أنه إذا كان هناك تضييع المال فيكره له ذلك والله عز وجل أعلم
(كتاب الحضانة)
الكلام في هذا الكتاب في مواضع في تفسير الحضانة وفي بيان من له الحضانة وفي بيان مدد الحضانة وفي بيان مكان
الحضانة أما الأول فالحضانة في اللغة تستعمل في معنيين كأحدهما جعل الشئ في ناحية يقال حضن الرجل الشئ
أي اعتزله فجعله في ناحية منه والثاني لاضم إلى الجنب يقال حضنته واحتضنته إذا ضممته إلى جنبك والحضن الجنب
فحضانة الام ولدها هي ضمها إياه إلى جنبها واعتزالها إياه من أبيه ليكون عندها فتقوم بحفظه وامساكه وغسل ثيابه ولا
تجبر الام على ارضاعه الا أن لا يوجد من ترضعه فتجبر عليه وهذا قول عامة العلماء وقال مالك إن كانت شريفة لم تجبر
وإن كانت دنية تجبر والصحيح قول العامة لقوله عز وجل لا تضار والدة بولدها قيل في بعض وجوه التأويل أي لا
تضار بالزام الارضاع مع كراهتها وقوله عز وجل في المطلقات فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن جعل تعالى أجر
الرضاع على الأب لا على الام مع وجودها فدل ان الرضاع ليس على الام وقوله عز وجل وعلى المولود رزقهن
وكسوتهن بالمعروف أي رزق الوالدات المرضعات قان أريد به المطلقات ففيه أنه لا ارضاع على الام حيث أوجب
بدل الارضاع على الأب مع وجود الام وان أريد به المنكوحات كان المراد منه والله عز وجل أعلم ايجاب زيادة النفقة
على الأب للام المرضعة لأجل الولد والا فالنفقة تستحقها المنكوحة من غير ولد ولا ن الارضاع انفاق على الولد ونفقة
الولد يختص بها الوالد لا يشاركه فيها كنفقته بعد الاستغناء فكما لا تجب عليها نفقته بعد الاستغناء لا تجب عليها
قبله وهو ارضاعه وهذا في الحكم وأما في الفتوى فتفتي بأنها ترضعه لقوله تعالى لا تضار والدة بولدها قيل في بعض
تأويلات الآية أي لا تضار بولدها بان ترميه على الزوج بعد ما عرفها وألفها ولا ترضعه فيتضرر الولد ومتى
تضرر الولد تضرر الوالد لأنه يتألم قلبه بذلك وقد قال الله تعالى ولا مولود له بولده أي لا يضار المولود بسبب
الاضرار بولده كذا قيل في بعض وجوه التأويل ولان النكاح عقد سكن وازدواج وذلك لا يحصل الا باجماعهما على
مصالح النكاح ومنها ارضاع الولد فيفتى به ولكنها ان أبت لا تجبر عليه لما قلنا الا إذا كان لا يوجد من يرضعه فحينئذ
تجبر على ارضاعه إذ لو لم تجبر عليه لهلك الولد ولو التمس الأب لولده مرضعا فأرادت الام أن ترضعه بنفسها فهي أولى
لأنها أشفق عليه ولان في انتزاع الولد منها اضرارا بها وانه منهى عنه لقوله عز وجل لا تضار والدة بولدها قيل في بعض
الأقاويل أي لا يضارها زوجها بانتزاع الولد منها وهي تريد امساكه وارضاعه فان أرادت أن تأخذ على ذلك أجرا في
صلب النكاح لم يجز لها ذلك لان الارضاع وان لم يكن مستحقا عليها في الحكم فهو مستحق في الفتوى ولا يجوز أخذ
40

الاجر على أمر مستحق لأنه يكون رشوة ولأنها قد استحقت نفقة النكاح وأجرة الرضاع بمنزلة النفقة
فلا تستحق نفقتين ولان أجر الرضاع يجب لحفظ الصبي وغسله وهو من نظافة البيت ومنفعة البيت تحصل للزوجين
فلا يجوز لها أن تأخذ عوضا عن منفعة تحصل لها حتى لو استأجرها على ارضاع ولده من غيرها جاز لان ذلك غير واجب
عليها فلا يكون أخذ الأجرة على فعل واجب عليها وكذا ليس في حفظه منفعة تعود إليها لأنه لا يجب عليها أن تسكنه
معها وكذلك إذا كانت معتدة من طلاق رجعي لا يحل لها أن تأخذ الأجرة كما لا يجوز في صلب النكاح لان النكاح
بعد الطلاق الرجعي قائم من كل وجه وأما المبتونة ففيها روايتان في رواية لا يجوز لها أن تأخذ الأجرة لأنها مستحقة
للنفقة والسكنى في حال قيام العدة فلا يحل لها الأجرة كما لا يحل للزوجة وفي رواية يجوز لان النكاح قد زال بالإبانة
فصارت كالأجنبية وأما إذا انقضت عدتها فالتمست أجرة الرضاع وقال الأب أنا أجد من يرضعه بغير اجر أو بأقل
من ذلك فذلك له لقوله تعالى فان تعاسرتم فسترضع له أخرى ولان في الزام الأب بما تلتمسه الام اضرار بالأب وقد
قال الله سبحانه وتعالى ولا مولود له بولده أي لا يضار الأب بالتزام الزيادة على ما تلتمسه الأجنبية كذا ذكر في بعض
التأويلات ولكن ترضعه عند الام ولا يفرق بينهما لما فيه من الحاق الضرر بالأم والله أعلم
(فصل) وأما بيان من له الحضانة فالحضانة تكون للنساء في وقت وتكون لرجال في وقت والأصل فيها النساء
لأنهن أشفق وأرفق وأهدى إلى تربية الصغار ثم تصرف إلى الرجال لأنهم على الحماية والصيانة وإقامة مصالح الصغار
أقدر ولكل واحد منهما شرط فلا بد من بيان شرط الحضانتين ووقتهما أما التي للنساء فمن شرائطها أن تكون المرأة
ذات رحم محرم من الصغار فلا حضانة لبنات العم وبنات الخال وبنات العمة وبنات الخالة لان مبنى الحضانة على
الشفقة والرحم المحرم هي المختصة بالنفقة ثم يتقدم فيها الأقرب فالأقرب فأحق النساء من ذوات الرحم المحرم بالحضانة
الام لأنه لا أقرب منها ثم أم الام ثم أم الأب لان الجدتين وان استويتا في القرب لكن إحداهما من قبل الام أولى
وهذه الولاية مستفادة من قبل الام فكل من يدلى بقرابة الام كان أولى لأنها تكون أشفق ثم الأخوات فأم الأب أولى
من الأخت لان لها ولادا فكانت أدخل في الولادة وكذا هي أشفق وأولى الأخوات الأخت لأب وأم ثم الأخت
لام ثم الأخت لأب لان الأخت لأب وأم تدلى بقرابتين فترجح على الأخت لام بقرابة الأب وترجح الأخت لام
لأنها تدلى بقرابة الام فكانت أولى من الأخت لأب واختلفت الرواية عن أبي حنيفة في الأخت لأب مع الخالة
أيتهما أولى روى عنه في كتاب النكاح أن الخالة أولى وهو قول محمد وزفر وروى عنه في كتاب الطلاق أن الأخت
لأب أولى وجه الرواية الأولى ما روى أن بنت حمزة لما رأت عليا رضي الله عنه تمسكت به وقالت ابن عمى فأخذها
فاختصم فيها على وجعفر وزيد بن حارثة رضي الله عنهم فقال رضي الله عنه بنت عمى وقال جعفر بنت عمى وخالتها
عندي وقال زيد بن حارثة رضي الله عنه بنت أخي آخيت بيني وبين حمزة يا رسول الله فقضى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بها لخالتها وقال صلى الله عليه وسلم الخالة والدة فقد سمى الخالة والدة فكانت أولى وجه الرواية
الأخرى أن الأخت لأب بنت الأب والخالة بنت الجد فكانت الأخت أقرب فكانت أولى وبنت الأخت
لأب وأم أولى من الخالة لأنها من ولد الأبوين وكذا بنت الأخت لام لأنها من ولد الام والخالة ولد الجد وكذا بنت
الأخت لأب أولى من الخالة على الرواية الأخيرة لأنها من ولد الأب والخالة ولد الجد فكانت أولى وأما على الرواية
الأولى فلا شك أن الخالة تتقدم على أمها وهي الأخت لأب فلان تتقدم على بنتها وهي أبعد من أمها
أولى وبنات الأخت أولى من بنات الأخ لان الأخ لاحق له في الحضانة والأخت لها حق فيها فكان ولد
الأخت أولى والخالات أولى من بنات الأخ لان بنت الأخ تدلى بقرابة الذكر والخالة تدلى بقرابة الام فكانت
الخالة أولى وبنات الأخ أولى من العمات وإن كانت كل واحدة منهما أعني بنت الأخ والعمة تدلى بذكر لكن
بنت الأخ أقرب لأنها ولد الأب والعمة ولد الجد فكانت بنت الأخ أقرب فكان أولى ثم الخالات أولى من
41

العمات وان تساوين في القرب لان الخالات يدلين بقرابة الام فكن أشفق وأولى الخالات الخالة لأب وأم
لأنهما تدلى بقرابتين ثم الخالة لام لادلائها بقرابة الام ثم الخالة لأب ثم العمات وذكر الحسن بن زياد في كتاب الطلاق
أن أم الأب أولى من الخالة في قول أبي يوسف وقال زفر الخالة أولى وجه قول زفر قول النبي صلى الله عليه وسلم الخالة
والدة وجه قول أبى يوسف ان أم الأب لها ولاد والولاية في الأصل مستفادة بالولاد أولى العمات العمة لأب وأم
لأنها تدلى بقرابتين ثم العمة لام لاتصالها بجهة الام ثم العمة لأب وأما بنات العم والخال والعمة والخالة فلا حق لهن في
الحضانة لعدم الرحم المحرم والله أعلم ومنها أن لا تكون ذات زوج أجنبي من الصغير فإن كانت فلا حق له في الحضانة
وأصله ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان
ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء ويزعم أبوه أن ينزعه مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنت أحق به منه ما لم تنكحي وروى عن سعيد بن المسيب أنه قال طلق عمر رضي الله عنه أم ابنه عاصم رضي الله عنه
فلقيها ومعها الصبي فنازعها وارتفعا إلى أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقضى أبو بكر رضي الله عنه بعاصم بن عمر رضي الله عنهما
لامه ما لم يشب أو تتزوج وقال إن ريحها وفراشها خير له حتى يشيب أو تتزوج وذلك بمحضر من الصحابة
رضي الله عنهم ولان الصغير يلحقه الجفاء والمذلة من قبل الأب لأنه يبغضه لغيرته وينظر إليه نظر المغشى عليه من
الموت ويقتر عليه النفقة فيتضرر به حتى لو تزوجت بذى رحم محرم من الصبي لا يسقط حقها في الحضانة كالجدة إذا
تزوجت بجد الصبي أو الام تزوجت بعم الصبي أنه لا يلحقه الجفاء منهما لوجود المانع من ذلك وهو القرابة الباعثة على
الشفقة ولو مات عنها زوجها أو أبانها عاد حقها في الحضانة لان المانع قد زال فيزول المنع ويعود حقها وتكون هي أولى
ممن هي أبعد منها كما كانت ومنها عدم ردتها حتى لو ارتدت عن الاسلام بطل حقها في الحضانة لان المرتدة تحبس
فيتضرر به الصبي ولو تابت وأسلمت يعود حقها لزوال المانع وسئل محمد عن النساء إذا اجتمعن ولهن أزواج قال
يضعه القاضي حيث شاء لأنه لا حق لهن فصار كمن لا قرابة له ومنها أن تكون حرة فلا حق للأمة وأم الولد في حضانة
الولد الحر لان الحضانة ضرب من الولاية وهما ليستا من أهل فاما إذا أعتقتا فهما في الحضانة كالحرة لأنهما
استفادتا الولاية بالعتق وأهل الذمة في هذه الحضانة بمنزلة أهل الاسلام لان هذا الحق إنما يثبت نظرا للصغير وأنه
لا يختلف بالاسلام والكفر وكذا اتحاد الدين ليس بشرط لثبوت هذا الحق حتى لو كانت الحاضنة كتابية والولد
مسلم كانت في الحضانة كالمسلمة كذا ذكر في الأصل لما قلنا وكان أبو بكر أحمد بن علي الرازي يقول إنها أحق بالصغير
والصغيرة حتى يعقلا فإذا عقلا سقط حقها لأنها تعود هما أخلاق الكفرة وفيه ضرر عليهما والله عز وجل الموفق
(فصل) وأما وقت الحضانة التي من قبل النساء فالأم والجدتان أحق بالغلام حتى يستغنى عنهن فيأكل وحده
ويشرب وحده ويلبس وحده كذا ذكر في ظاهر الرواية وذكر أبو داود بن رشيد عن محمد ويتوضأ وحده يريد به
الاستنجاء أي ويستنجى وحده ولم يقدر في ذلك تقديرا وذكر الخصاف سبع سنين أو ثمان سنين أو نحو ذلك وأما
الجارية فهي أحق بها حتى تحيض كذا ذكر في ظاهر الرواية وحكى هشام عن محمد حتى تبلغ أو تشتهى وإنما اختلف
حكم الغلام والجارية لان القياس ان تتوقت الحضانة بالبلوغ في الغلام والجارية جميعا لأنها ضرب ولاية ولأنها ثبتت
للام فلا تنتهى الا بالبلوغ كولاية الأب في المال الا انا تركنا القياس في الغلام باجماع الصحابة رضي الله عنهم لما روينا
أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قضى بعاصم بن عمر لامه ما لم يشب عاصم أو تتزوج أمه وكان ذلك بمحضر من
الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فتركنا القياس في الغلام باجماع الصحابة رضي الله عنهم فبقي
الحكم في الجارية على أصل القياس ولان الغلام إذا استغنى يحتاج إلى التأديب والتخلق بأخلاق الرجال وتحصيل
أنواع الفضائل واكتساب أسباب العلوم والأب على ذلك أقوم وأقدر مع ما أنه لو ترك في يدها لتخلق بأخلاق
النساء وتعود بشمائلهن وفيه ضرر وهذا المعنى لا يوجد في الجارية فتترك في يد الام بل تمس الحاجة إلى الترك في يدها إلى
42

وقت البلوغ لحاجتها إلى تعلم آداب النساء والتخلق بأخلاقهن وخدمة البيت ولا يحصل ذلك الا وأن تكون عند
الام ثم بعدما حاضت أو بلغت عند الام حد الشهوة تقع الحاجة إلى حمايتها وصيانتها وحفظها عمن يطمع فيها لكونها
لحما على وضم فلا بد ممن يذب عنها والرجال ذلك أقدر وأما غير هؤلاء من ذوات الرحم المحرم من الأخوات
والخالات والعمات إذا كان الصغير عندهن فالحكم في الجارية كالحكم في الغلام وهو انها تترك في أيديهن إلى أن
تأكل وحدها وتشرب وحدها وتلبس وحدها ثم تسلم إلى الأب وإنما كان كذلك لأنها وإن كانت تحتاج بعد
الاستغناء إلى تعلم آداب النساء لكن في تأديبها استخدامها وولاية الاستخدام غير ثابتة لغير الأمهات من الأخوات
والخالات والعمات فتسليمها إلى الأب احترازا عن الوقوع في المعصية وأما التي للرجال فأما وقتها فما بعد الاستغناء
في الغلام إلى وقت البلوغ وبعد الحيض في الجارية إذا كانت عند الام أو الجدتين وإن كانا عند غيرهن فما بعد
الاستعناء فيهما جميعا إلى وقت البلوغ لما ذكرنا من المعنى وإنما توقت هذا الحق إلى وقت بلوغ الصغير والصغيرة لأن ولاية
الرجال على الصغار والصغائر تزول بالبلوغ كولاية المال غير أن الغلام إذا كان غير مأمون عليه فللأب أن يضمه
إلى نفسه ولا يخلى سبيله كيلا يكتسب شيئا عليه وليس عليه نفقته الا أن يتطوع فاما إذا بلغ عاقلا واجتمع رأيه
واستغنى عن الأب وهو مأمون عليه فلا حق للأب في امساكه كما ليس له أن يمنع من ماله فيخلى سبيله فيذهب
حيث شاء والجارية إن كانت ثيابا وهي غير مأمونة على نفسها لا يخلى سبيلها وإن كانت مأمونة على
نفسها فلا حق له فيها ويخلى سبيلها وتترك حيث أحبت وإن كانت بكرا لا يخلى سبيلها وإن كانت مأمونة على نفسها
لأنها مطمع لكل طامع ولم تختبر الرجال فلا يؤمن عليها الخداع وأما شرطها فمن شرائطها العصوبة فلا تثبت الا للعصبة
من الرجال ويتقدم الأقرب فالأقرب الأب ثم الجد أبوه وان علا ثم الأخ لأب وأم ثم الا خ لأب ثم ابن الأخ لأب
وأم ثم ابن الأخ لأب ثم العم لأب وأم ثم العم لأب ثم ابن العم لأب وأم ثم ابن العم لأب إن كان الصبي غلاما وإن كان
جارية فلا تسلم إليه لأنه ليس بمحرم منها لأنه يجوز له نكاحها فلا يؤتمن عليها وأما الغلام فإنه عصبة أحق به ممن هو
أبعد منه ثم عم الأب لأب وأم ثم عم الأب لأب ثم عم الجد لأب وأم ثم عم الجد لأب ولو كان لها ثلاثة أخو كلهم على
درجة واحدة بأن كانوا كله لأب وأم أو لأب أو ثلاثة أعمام كلهم على درجة واحدة فأفضلهم صلاحا وورعا أولى
فإن كانوا في ذلك سواء فأكبرهم سنا أولى بالحضانة فإن لم يكن للجارية من عصباتها غير ابن العم اختار لها القاضي أفضل
المواضع لان الولاية في هذه الحالة إليه فيراعى الأصلح فان رآه أصلح ضمها إليه والا فيضعها عند امرأة مسلمة أمينة
وكل ذكر من قبل النساء فلا حق له في الولد مثل الأخ والخال وأبو الأم لانعدام العصوبة وقال محمد إن كان للجارية
ابن عم وخال وكلاهما لا بأس به في دينه جعلها القاضي عند الخال لأنه محرم وابن العم ليس بمحرم فكان المحرم أولى
والأخ من الأب أحق من الخال لأنه عصبة وهو أيضا أقرب لأنه من أولاد الأب والخال من أولاد الجد وذكر الحسن
ابن زياد أن الصبي إذا لم يكن له قرابة من قبل النساء فالعم أولى به من الخال وأبو الأم لأنه عصبته والأخ لأب أولى من العم
وكذلك ابن الأخ لأنه أقرب فإن لم تكن له قرابة أشفق من جهة أبيه من الرجال والنساء فان الام والنساء فان الام أولى من الخال والأخ
لام لان لها ولاد أو هي أشفق ممن لا ولاد له من ذوي الأرحام ومنها إذا كان الصغير جارية أن تكون عصبتها ممن يؤتمن
عليها فإن كان لا يؤتمن لفسقه ولخيانته لم يكن له فيها حق لان في كفالته لها ضرر عليها وهذه ولاية نظر فلا تثبت مع
الضرر حتى لو كانت الاخوة والأعمام غير مأمونين على نفسها ومالها لا تسلم إليهم وينظر القاضي امرأة من المسلمين ثقة
عدلة أمينة فيسلمها إليها إلى أن تبلغ فتترك حيث شاءت وإن كانت بكرا ومنها اتحاد الدين فلا حق للعصبة في الصبي
الا أن يكون على دينه كذا وذكر محمد وقال هذا قول أبي حنيفة وقياسه لان هذا الحق لا يثبت الا للعصبة
واختلاف الدين يمنع التعصيب وقد قالوا في الأخوين إذا كان أحدهما مسلما والآخر يهوديا والصبي يهودي أن
اليهودي أولى به لأنه عصبة لا المسلم والله عز وجل الموفق ولا خيار للغلام ولا جارية إذا اختلف الأبوان فيهما قبل
43

البلوغ عندنا وقال الشافعي يخير الغلام إذا عقل التخيير واحتج بما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة
أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت زوجي بريد أن ينتزع ابنه منى وانه قد نفعني وسقاني من بئر أبى عتبة فقال
استهما عليه فقال الرجل من يشاقني في ابن فقال النبي صلى الله عليه وسلم للغلام اختر أيهما شئت فاختار أمه فأعطاها
إياه ولان في هذا نظر للصغير لأنه يحتاج الاشفق ولنا مار وينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للام أنت حق به
ما لم تنكحي ولم يخير ولان تخيير الصبي ليس بحكمة لأنه لغلبة هواه يميل إلى اللذة الحاضرة من الفراغ والكسل والهرب
من الكتاب وتعلم آداب النفس ومعا لم الدين فيختار شر الأبوين وهو الذي يهمله ولا يؤدبه وأما حديث أبي هريرة
رضي الله عنه فالمراد منه التخيير في حق البالغ لأنها قالت نفعني وسقاني من بئر أبى عتبة ومعنى قولها نفعني أي كسب
على والبالغ وهو الذي يقدر على الكسب وقد قيل إن بئر أبى عتبة بالمدينة لا يمكن الصغير الاستقاء منه فدل على أن المراد
منه التخيير في حق البالغ ونحن به نقول إن الصبي إذا بلغ نخير والدليل عليه ما روى عن عمارة بن ربيعة المخزومي أنه قال
غزا أبى نحو البحرين فقتل فجاء عمى ليذهب بي فخاصمته أمي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعي أخ لي
صغير فخيرني علي رضي الله عنه ثلاثا فاخترت أمي فأبى عمى ان يرضى فوكزه علي رضي الله عنه بيده وضربه بدرته وقال
لو بلغ هذا الصبي أيضا خير فهذا يدل على أن التخيير لا يكون الا بعد البلوغ
(فصل) وأما بيان مكان الحضانة مكان الزوجين إذا كانت الزوجة بينهما قائمة حتى لو أراد
الزوج أن يخرج من البلد وأراد أن يأخذ ولده الصغير ممن له الحضانة من النساء ليس له ذلك حتى يستغنى عنها لما ذكرنا
انها أحق بالحضانة منه فلا يملك انتزاعه من يدها لما فيه من ابطال حقها فضلا عن الاخراج من البلد وان أرادت المرأة
أن تخرج من المصر الذي هي فيه إلى غيره فللزوج أن يمنعها من الخروج سواء كان معها ولدا ولم يكن لان عليها المقام
في بيت زوجها وكذلك إذا كانت معتدة لا يجوز لها الخروج مع الولد وبدونه ولا يجوز للزوج اخراجها لقوله
عز وجل تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا أن يأتين بفاحشة مبينة وأما إذا كانت منقضية العدة فأرادت أن
تخرج بولدها من البلد الذي هي فيه إلى بلد فهذا على أقسام ان أرادت أن تخرج إلى بلدها وقد وقع النكاح فيه فلها ذلك
مثل ان تزوج كوفية بالكوفة ثم نقلها إلى الشام فولدت أولادا ثم وقعت الفرقة بينهما وانقضت العدة فأرادت ان
تنقل أولادها إلى الكوفة فلها ذلك لان المانع هو ضرر التفريق بينه وبين ولده وقد رضى به لوجود دليل الرضا وهو
التزوج بها في بلدها لان من تزوج امرأة في بلدها فالظاهر أنه يقيم فيه والولد من ثمرات النكاح فكان راضيا
بحضانة الولد في ذلك البلد فكان راضيا بالتفريق الا ان النكاح ما دام قائما يلزمها اتباع الزوج فإذا زال فقد زال
المانع وان وقع النكاح في غير بلدها بان لم يكن لها ان تنتقل بولدها إلى بلدها بان تزوج امرأة كوفية بالشام فوقعت
الفرقة فأرادت أن تنقل ولدها إلى الكوفة لم يكن لها ذلك لأنه إذا لم يقع النكاح في بلدها لم توجد دلالة الرضا بالمقام في
في بلدها فلم يكن راضيا بحضانة الولد فيه فلم يكن راضيا بضرر التفريق ولو أرادت أن تنقل الولد إلى بلد ليس ذلك ببلدها
ولكن وقع النكاح فيه كما إذ تزوج كوفية بالشام فنقلها إلى البصرة فوقعت الفرقة بينهما فأرادت أن تنقل بأولادها
إلى الشام ليس لها ذلك كذا ذكر في الأصل لان ذلك البلد الذي وقع فيه النكاح ليس ببلدها ولا بلد الزوج بل
هو دار غربة لها كالبلد الذي فيه الزوج فلم يكن النكاح فيه دليل الرضا بالمقام فيه فلم يكن راضيا بحضانة الولد الذي
هو من ثمرات النكاح فيه فلم يكن راضيا بضرر التفريق فاعتبر في الأصل شرطين أحدهما أن يكون البلد الذي تريد
ان تنقل إليه الولد بلدها والثاني وقوع النكاح فيه فما لم يوجد لا يثبت لها ولاية لا نقل وروى عن أبي يوسف ان
لها ذلك واعتبر مكان العقد فقط ولايه أشار محمد في الجامع الصغير فقال وإنما أنظر في هذا إلى عقدة النكاح أين
وقعت وهكذا اعتبر الطحاوي والخصاف اتباعا لقول محمد في الجامع وهذا غير سديد لان محمدا وان أجمل المسألة في
الجامع فقد فصلها في الأصل على الوجه الذي وصفنا والمجمل يحمل على المفسر وقد يكون المفسر بيانا للمجمل كالنص
44

المجمل من الكتاب والسنة إذا لحق به التفسير انه يصير مفسرا من الأصل كذا هذا والله عز وجل الموفق هذا إذا
كانت المسافة بين البلدين بعيدة فإن كانت قريبة بحيث يقدر الأب أن يزور ولده ويعود إلى منزله قبل الليل
فلها ذلك لأنه لا يلحق الأب كبير ضرر بالنقل بمنزلة النقل إلى أطراف البلد وأما أهل السواد فالحكم في السواد كالحكم
في المصر في جميع الفصول الا في فصل واحد بيانه ان النكاح إذا وقع في الرستاق فأرادت المرأة أن تنقل الصبي
إلى قريتها فإن كان أصل النكاح وقع فيها فلها ذلك كما في المصر لما قلنا وإن كان وقع في غيرها فليس لها نقله إلى
قريتها ولا إلى القرية التي وقع فيها النكاح إذا كانت بعيدة لما ذكرنا في المصر وإن كانت قريبة على التفسير الذي
ذكرنا فلها كما في المصر وإن كان الأب متوطنا في المصر فأرادت نقل الولد إلى القرية فإن كان تزوجها فيها وفى
قريتها فلها ذلك وإن كانت بعيدة عن المصر لما ذكرنا في المصر وان لم تكن تلك قريتها فإن كانت قريته ووقع فيها
أصل النكاح فلها ذلك كما في المصر وإن كان لم يقع النكاح فيها فليس لها ذلك وإن كانت قريبة من المصر بخلاف
المصرين لان أخلاق أهل السواد لا تكون مثل أخلاق أهل المصر أجفى فيتخلق الصبي بأخلاقهم
فيتضرر به ولم يوجد من الأب دليل الرضا بهذا الضرر إذا لم يقع أصل النكاح في القرية والله عز وجل أعلم وليس
للمرأة أن تنقل ولدها إلى دار الحرب وإن كان قد تزوجها هناك وكانت حربية بعد أن يكون زوجها مسلما أو ذميا
لان في ذلك اضرار بالصبي لأنه يتخلق بأخلاق الكفرة فيتضرر به وإن كان كلاهما حر بيين فلها ذلك لان الصبي
تبع لهما وهما من أهل دار الحرب والله عز وجل أعلم وهو الموفق
(كتاب الاعتاق)
الكلام في هذا الكتاب في الأصل في مواضع في بيان أنواع الاعتاق وفي بيان ركن الاعتاق وفي بيان شرائط
الركن وفي بيان صفة الاعتاق وفي بيان حكم الاعتاق وفي بيان وقت ثبوت حكمه وفي بيان ما يظهر به الاعتاق
أما الأول فالاعتاق في القسمة الأولى ينقسم إلى أربعة أقسام واجب ومندوب إليه ومباح ومحظور أما الواجب
فالاعتاق في كفارة القتل والظهار واليمين والافطار الا انه في باب القتل والظهار والافطار واجب على التعيين عند
القدرة عليه وفي اليمين واجب على التخيير قال الله تعالى في كفارة القتل واظهار فتحرير رقبة وفي كفارة اليمين
أو تحرير رقبة وانه أمر بصيغة المصدر كقوله عز وجل فضرب الرقاب وقوله عز وجل والوالدات يرضعن
أولادهن وقوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ونحو ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة الافطار
أعتق رقبة وأما المندوب إليه فهو الاعتاق لوجه الله تعالى من غير ايجاب لان الشرع ندب إلى ذلك لما روى عن ابن
عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أيما مؤمن أعتق مؤمنا في الدنيا أعتق الله تعالى بكل
عضو منه عضوا منه من النار وعن واثلة بن الأسقع قال أتينا رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب
فقال صلى الله عليه وسلم أعتقوا عنه يعتق الله تعالى بكل عضو منه عضوا منه من النار وعن أبي نجيح السلمي قال
كنا مع رسول الله عليه وسلم بالطائف فسمعته يقول من رمى بسهم في سبيل الله فله درجة في الجنة ومن
شاب شبيبة في الاسلام كانت له نورا يوم القيامة وأيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما كان به وقاء كل عظم من
عظام محرره من النار وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كان بها وقاء كل عظم محررتها من النار وعن
البراء بن عازب قال جاء اعرابي إلى النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال صلى الله
عليه وسلم أعتق النسمة وفك الرقبة فقال أوليسا واحدا فقال صلى الله عليه وسلم لاعتق النسمة ان تنفرد بعتقها وفك
الرقبة ان تعين في افكاكها وفي بعض الروايات ان تعين في فثمنها وأما المباح فهو الاعتاق من غير نية لوجود معنى
الإباحة فيه وفيه تخيير العاقل بين تحصيل الفعل وتركه شرعا وأما المحظور فهو أن يقول لعبده أنت حر لوجه الشيطان
45

ويقع العتق لوجود ركن الاعتاق وشرطه وقوله لوجه الشيطان لبيان الغرض ونقسمه أيضا أقساما أخذ نذكرها في
مواضعها إن شاء الله تعالى
(فصل) وأما ركن الاعتاق فهو الذي جعل دلالة على العتق في الجملة أو ما يقوم مقام اللفظ فيحتاج فيه إلى
بيان الألفاظ التي يثبت بها العتق في الجملة اما مع النية أو بدون النية والى بيان مالا يثبت به العتق من الألفاظ رأسا
أما الأول فالألفاظ التي يثبت بها العتق في الجملة فتنقسم ثلاثة أقسام صريح وملحق بالصريح وكناية وأما الصريح فهو
اللفظ المشتق من العتق أو الحرية أو الولاء نحو قوله أعتقتك أو حررتك أو أنت عتيق أو معتق أو أنت مولاي لان
لا صريح في اللغة اسم لما هو ظاهر المعنى مكشوف المراد عند السامع وهذه الألفاظ بهذه الصفة أما لفظ العتق والحرية
فلا شك فيه لأنه لا يستعمل الا في العتق فكان ظاهر المراد عند السامع فكان صريحا فلا يفتقر إلى النية كصريح
الطلاق إذ النية لتعيين المحتمل وأما لفظ الولاء فالمولى وإن كان من الألفاظ المشتركة في الأصل لوقوعه على مسميات
مختلفة الحدود والحقائق بمنزلة اسم العين والقرء وغيرهما فإنه يقع على الناصر قال الله تعالى ذلك بان الله مولى الذين آمنوا
وان الكافرين لا مولى لهم ويقع على ابن العم قال الله تبارك وتعالى خبرا عن نبيه زكريا عليه الصلاة والسلام وانى
خفت المولى من ورائي ويقع على المعتق والمعتق لكن ههنا لا يحمل معنى الناصر لان المولى لا يستنصر بعبده ولا ابن
العم إذا كان العبد معروف النست ولا المعتق إذا العبد لا يعتق مولاه فتعين المعتق مرادا به واللفظ المشترك يتعين بعض
الوجوه الذي يحتمل مراده بدليل معين فكان صريحا في العتق فلا يحتاج إلى النية كقوله أنت حر أو عتيق وكذا إذا
ذكره هذه الألفاظ بصيغة النداء بان قال يا حر يا عتيق يا معتق لأنه ناداه بما هو صريح في الدلالة على العتق لكون اللفظ
موضوعا للعتق والحرية ولا يعتبر المعنى بالموضوعات فيثبت العتق من غير نية كقوله أنت حر أو عتيق أو معتق وذكر
محمد انه لو كان اسم العبد حرا وعرف بذلك الاسم فقال له يا حر لا يعتق لأنه ذا كان مسمى بذلك الا سم معروفا به لندائه يحمل على الاسم لا على الصفة فلا يعتق وكذا إذا قال له مولاي يعتق عليه عند أصحابنا الثلاثة وقال زفر
لا يعتق من غير نية وجه قوله يا مولاي يحتمل التعظيم ويحتمل العتق فلا يحتمل على التحقيق الا بالنية كقوله
يا سيدي ويا مالكي ولنا ان النداء للعبد باسم المولى لا يراد به التعظيم للعبد وأكرمه عادة وإنما يراد به الاعتاق فيحمل
عليه كان قال أنت مولاي ولو قال ذلك يعتق عليه كذا هذا بخلاف قوله يا سيدي ويا مالكي لان هذا قد يذكر على
وجه التعظيم والاكرام فلا يثبت به العتق من غير قرينة وعلل محمد لهذا فقال لأنا إنما أعتقناه في قوله يا مولاي لأجل
الولاء لأجل الملك ومعناه ما ذكرنا والله عز وجل أعلم ولو قال في شئ من هذه الألفاظ من قوله أعتقتك أو نحوه
عنيت به الخبر كذبا لا يصدق في القضاء لعدوله عن الظاهر لأنه يستعمل في إنشاء العتق في عرف اللغة والشرع كما
يستعمل في الاخبار فان العرب قبل ورود الشرع كانوا يعتقون عبيدهم بهذه الصيغة وفي الحمل على الخبر حمل على
الكذب وظاهر حال العاقل بخلافه فلا يصدق في القضاء كما لو قال لامرأته طلقتك نوى به الاخبار كذبا لا يصدق
في القضاء ويصدق به فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه نوى ما يحتمله كلامه لأنه يحتمل الاخبار وإن كان ارادته الخبر
خلاف الظاهر ولو قال عنيت به انه كان خبرا فإن كان مؤكدا لا يصدق أصلا كذب محض وإن كان انشاء
لا يصدق قضاء لأن الظاهر إرادة الانشاء من هذه الألفاظ فلا يصدق في العدول عن الظاهر ويصدق
ديانة اللفظ يحتمل عن الماضي ولو قال أنت حر من عمل كذا أو أنت حر اليوم من هذا العمل
عتق في القضاء لان العتق بالنسبة إلى الاعمال والأزمان لا يتجزأ لاستحالة ان يعتق اليوم ويسترق غدا أو
يعتق في عمل ويرق في عمل فكان الاعتاق في عمل دون عمل وفي زمان دون زمان اعتاقا من الاعمال كلها وفي
الأزمان بأسرها فإذا نوى بعض الاعمال والأزمان فقد نوى خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي وكذا إذا قال أنت
مولاي وقال عنيت به الموالاة في الدين لا يصدق في القضايا لأنه خلاف الظاهر إذ هو يستعمل لولاء العتق ظاهرا
46

ويصدق ديانة لان اللفظ يحتمل ما نوى ولو قال ما أنت الا حر عتق لان قوله ما أنت الا حر آكد من قوله أنت حر
لأنه اثبات بعد النفي كقولنا لا إله إلا الله ولو قال أنت حر لوجه الله تعالى عتق لان اللام في قوله لوجه الله تعالى لام
الغرض فقد نجز الحرية وبين ان غرضه من التحرير وجه الله عز وجل وكذا لو قال لعبده أنت حر لوجه الشيطان
عتق ذكره محمد في الأصل لأنه أعتقه بقوله أنت حر وبين غرضه الفاسد من الاعتاق فلا يقدح في العتق ولو دعى عبده
سالما فقال يا سالم فأجابه مرزوق فقال أنت حر ولا نية له عتق الذي أجابه لان قوله أنت حر خطاب والمتكلم أولى
بصرف الخطاب إليه من الساكت ولو قال عنيت سالما عتقا في القضاء أما مرزوق فلان الإشارة مصروفة إليه لما
بينا فلا يصدق في أنه ما عناه وأما سالم فباقراره وأما فيما بينه وبين الله تعالى فإنما يعتق الذي عناه خاصة لان الله تعالى
يطلع على سره ولو قال يا سالم أنت حر فإذا هو عبد آخر له أو لغيره عتق سالم لأنه لا مخاطب ههنا الا سالم فيصرف قوله
أنت حر إليه والله عز وجل أعلم وأما الذي هو ملحق بالصريح فهو أن يقول لعبده وهبت لك نفسك أو وهبت لك نفسك أو وهبت نفسك
منك أو بعت نفسك منك ويعتق سواء قبل أو لم يقبل نوى أو لم ينو لان الايجاب من الواهب أو البائع إزالة الملك من
الموهوب أو المبيع وإنما الحاجة إلى القبول من الموهوب له والمشترى لثبوت الملك لهما وههنا لا يثبت للعبد في نفسه
لأنه لا يصلح مملوكا لنفسه فتبقى الهبة والبيع إزالة الملك عن الرقيق لا إلى أحد وهذا معنى الاعتاق ولهذا لا يفتقر إلى
القبول فلا يحتاج إلى النية أيضا لان اللفظ صريح في الدلالة على زوال الملك عن الموهوب والمبيع والاعتاق إزالة الملك
وقد قال أبو حنيفة إذا قال لعبده وهبت لك نفسك وقال أردت وهبت له عتقه أي لا أعتقه لم يصدق في القضاء لان
الهبة وضعت لإزالة الملك عن الموهوب وهبة العتق استبقاء الملك على الموهوب فقد عدل عن ظاهر الكلام فلا
يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه نوى ما يحتمله كلامه وروى عن أبي يوسف فيمن
قال لعبده أنت مولى فلان أو عتيق فلان انه يعتق في القضاء لأنه أخبر انه معتق فلان ولا يكون معتق فلان الا وأن يكون
مملوكا لفلان فاعتقه فان أعتقك فلان فليس بشئ لان قوله أعتقك فان أعتقك فلان فليس بشئ لان قوله أعتقك فلان يحتمل انه أراد أن فلانا أنشأ العتق
فيك ولا يكون ذلك الا بعد الملك ويحتمل انه أراد به أنه قال لك للحال أنت حر ولا ملك له فيه فلا يعتق بالشك والله عز
وجل أعلم ومن هذا القبيل إذا اشترى أباه أو أمه أو ابنه عتق عليه نوى أو لم ينو عند عامة العلماء لان شراءه جعل اعتاقا
شرعا حتى تتأدى به الكفارة إذا اشترى أباه ناويا عن الكفارة في قول أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر والشافعي وعند
مالك لا يعتق الا باعتاق مبتدأ والأصل ان كل من يملك ذا رحم محرم منه بالشراء أو بقبول الهبة والصدقة أو الوصية
أو بالإرث يعتق عليه وقال مالك لا يعتق ما لم يعتقه وقال الشافعي لا يعتق بالملك الا من له ولاد فاما من لا ولاد له فلا
يعتق الا باعتاق مبتدأ أما مالك فإنه احتج بما روى أبو داود في سننه باسناده عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال لن يجزى ولد والدة الا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه حقق صلى الله عليه وسلم الاعتاق عقيب الشراء
ولو كان الشراء نفسه اعتاقا لم يتحقق الاعتاق عقيبه لان اعتاق المعتق لا يتصور فدل ان شراء القريب ليس باعتاق
ولأن الشراء اثبات الملك الاعتاق إزالة الملك وبينهما منافاة فكيف يكون اللفظ الواحد اثباتا وإزالة ولنا ما روى عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء رجل إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى دخلت السوق فوجدت أخي يباع فاشتريته وأنا أريد أعتقه فقال له
صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى قد أعتقه والحديثان حجة على مالك والشافعي ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في
حديث أبي هريرة فتعتقه أي تعتقه بالشراء يحمل على هذا عملا بالأحاديث كلها صيانة لها عن التناقض واما قوله الشراء
اثبات الملك والاعتاق إزالة الملك فنعم ولكن الممتنع اثبات حكم وضده بلفظ واحد في زمان واحد وأما في زمانين فلا
لان علل الشرع في الحقيقة دلائل واعلام على المحكومات الشرعية فيجوز أن يكون لفظ الشراء السابق علما على ثبوت
الملك في الزمان الأول وذلك اللفظ بعينه علما على ثبوت العتق في الزمان الثاني إذ لا تنافى عند اختلاف الزمان وأما
47

الكلام الشافعي فمبنى على أن القرابة المحرمة للنكاح فيما سوى الولاد وهي قرابة الاخوة والعمومة والخؤولة حرام
القطع عندنا وعنده لا يحرم قطعها وعلى هذا يبنى وجوب القطع بالسرقة ووجوب النفقة في هذه القربة انه لا يقطع
ويجب النفقة عندنا خلافا له ولا خلاف في أن القرابة الولاد حرام القطع ولا خلاف أيضا في أن القرابة التي لا تحرم
النكاح كقرابة بين الأعمام غير محرمة القطع فالشافعي يلحق هذه القرابة بقرابة بنى الأعمام ونحن نلحقها بقرابة
الولاد وجه قوله إن العتق إنما يثبت بالقرابة لكون العتق صلة وكون القرابة مستدعية للصلة والاحسان إلى القريب
والعتق من أعلى الصلات فلا يثبت الا بأعلى على القرابات وهي قرابة بنى الأعمام ولهذا الحق بها في كثير من الأحكام وهي
جريان القصاص في نفس والطرف وقبول الشهادة والحبس بالدين وجواز الاستئجار ونكاح الحليلة وعدم
التكاتب ولنا ان قرابة الولاد إنما أوجبت العتق عند الملك لكونها محرمة القطع وابقاء الملك في القريب يفضى إلى قطع
الرحم لان الملك نفسه من باب الذل والهوان فيورث وحشة وانها توجب التباعد بين القريبين وهو تفسير قطعية الرحم
وشرع السبب المفضى إلى القطع مع تحريم القطع متناقض فلا يبقى الملك دفعا للتناقض فلا يبقى الرق ضرورة لأنه لم
يشرع بقاؤه في المسلم والذمي الا لأجل الملك المحترم للمالك المعصوم وإذا زال الرق ثبت العتق ضرورة والقرابة المحترمة
للنكاح محرمة القطع لان النصوص المقتضية لحرمة قطع الرحم عامة أو مطلقة قال الله تبارك وتعالى واتقوا الله الذي
تساءلون به والأرحام معناه واتقوا الله الذي تساءلون به فلا تعصوه واتقوا الأرحام فلا تقطعوها ويحتمل أن يكون
معناه واتقوا الله وصلوا الأرحام وقد روى في الاخبار عن رسول الله صلى الله وسلم أنه قال صلوا الأرحام فإنه
أبقى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة والامر بالوصل يكون نهيا عن القطع لأنه ضده والامر بلا فعل نهى عن ضده
وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الرحم شجنة من الله تعالى معلقة بالعرش تقول يا رب هذا مقام العائذ بك قطعت
ولم أوصل فيقول الله تبارك وتعالى أما يكفيك انى شققت لك اسما من اسمي أنا الرحمن وأنت الرحم فمن وصلك وصلته
ومن قطعك بتته ومثل هذا الوعيد لا يكون الا بارتكاب المحرم فدل ان قطع الرحم حرام والرحم هو القرابة سميت
القرابة رحما اما باعتبار ان الرحم مشتق من الرحمة كما جاء في الحديث والقرابة سبب الرحم والشفقة على القريب طبعا
واما باعتبار العضو المخصوص من النساء المسمى بالرحم محل السبب الذي يتعلق به وجود القرابات فكان كل قرابة
أو مطلق القرابة محرمة القطع بظاهر النصوص الا ما خص أو قيد دليل ثم نخرج الأحكام أما جريان القصاص فلا
يفضى إلى قطع الرحم لان القصاص جزاء الفعل وجزاء الفعل يضاف إلى الفاعل فكان الأخ القاتل أو القاطع هو قاطع
الرحم فكأنه قتل نفسه أو فقطع طرفه باختياره وكذا الحبس بالدين لأنه جزاء المطل الذي هو جناية فكان مضافا إليه
وأما الإجارة فهي عقد معاوضة وهو تمليك المنفعة بالمال وانه حصل باختيارة فلا يفضى إلى القطع الا انه لا يجوز
استئجار الأب ابنه في الخدمة التي يحتاج إليها الأب لا لأنه يفضى إلى قطعية الرحم بل لا ن ذلك يستحق على الابن
شرعا فلا يجوز ان يستحق الا جر في مقابلته فلا يدخل في العقد ولو استأجر الابن أباه يصح ولكن يفسخ احتراما
للأب ونحن نسلم ان للأب زيادة احترام شرعا يظهر في حق هذا وفي حق القصاص والحبس ولا كلام فيه وأما
نكاح الحليلة فإنه وإن كان فيه نوع من الغضاضة لكن هذا النوع من الغضاضة غير معتبر في تحريم القطع فلان الجمع بين
الأختين حرم للصيانة عن قطيعة الرحم ثم يجوز نكاح الأخت بعد طلاق أختها وانقضاء عدتها وإن كان لا يخلو عن
نوع غضاضة وأما التكاتب فعند أبي يوسف ومحمد يتكاتب الأخ كما في قرابة الولاد وعن أبي حنيفة فيه روايتان ثم
نقول عدم تكاتيب الأخ لا يفضى إلى قطعية الرحم لان ملكه لا يصلح للتكاتب لأنه من باب الصلة والتبرع وملك
المكاتب ملك ضروري لا يظهر في حق التبرع والعتق فإذا لم يكاتب عليه لم يقدر الأخ على إزالة الذل عنه وهو الملك
فلا يفضى إلى الغضاضة بخلاف الولد لان ملك المكاتب وإن كان ضروريا لم يشرع الا في حق حرية نفسه لكن
48

حرية أبيه وابنه في معنى حرية نفسه لان المرء يسعى لحرية أولاده وآبائه مثل ما يسعى لحرية نفسه فهو الفرق والله
عز وجل أعلم وسواء كان المالك لذي الرحم المحرم بالغا أو صبيا عاقلا أو مجنونا يعتق عليه إذا ملكه لعموم قوله صلى الله
عليه وسلم من ملك ذا رحم منه فهو حر ولأنه علق الحكم هو الحرية بالملك فيقتضى ان كل من كان من أهل الملك
كان من أهل هذا الحكم والصبي والمجنون من أهل الملك فكانا من أهل هذا الحكم فان قيل إن الصبي العاقل إذا
اشترى أباه يعتق عليه وشراء القريب اعتاقا عند أصحابنا حتى تتأدى به الكفارة والصبي وإن كان عاقلا فليس من
أهل الاعتاق فينبغي ان لا يعتق أو لا يكون الشراء اعتاقا قيل إن كون شراء الأب اعتاقا عرفناه بالنص وهو ما رويناه
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه والنص قابل للتخصيص والتقييد وقد قام الدليل على أن الصبي ليس بمراد لأنه
ليس من أهل الاعتاق فلا يكون الشراء من الصبي وإن كان عاقلا اعتاقا بل يكون تمليكا فقط فيعتق عليه بالملك شرعا
لقول النبي صلى الله عليه وسلم من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر لا بالاعتاق ولو ملك حليلة ابنه أو منكوحة أبيه أو أمه
من الرضاع لا يعتق عليه وكذا إذا ملك ابن العم أو العمة أو ابنتها أو ابن الخال أو الخالة أو بنتهما لا يعتق لان شرط العتق
ملك ذي رحم محرم فلا بد من وجودهما أعني الرحم المحرم ففي الأول وجد المحرم بلا رحم وفي الثاني وجد الرحم بلا
محرم فلا يثبت العتق وأهل الاسلام وأهل الذمة في ذلك سواء لاستوائهم في حرمة قطع الرحم وأهلية الاعتاق
وأهلية الملك ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم من ملك ذا رحم فهو حر وولاء المعتق لمن عتق عليه لان العتق ان وقع
بالشراء فالشراء اعتاق وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق وان وقع بالملك شرعا فالملك للمعتق عليه فكان
الولاء له ولو اشترى أمة وهي حبلى من أبيه والأمة لغير الأب جاز الشراء وعتق ما في بطنها ولا تعتق الأمة ولا يجوز بيعها
قبل ان تضع وله ان بيعها إذا وضعت أما جواز الشراء فلا شك فيه لان شراء الأخ جائز كشراء الأب وسائر ذوي
الرحم المحرم وأما عتق الحمل فلانه أخوه وقد ملكه فيعتق عليه ولا تعتق الام عليه لأنها أجنبية عنه لعدم القرابة بينهما
يحققه انه لو ملكها أبوه لا تعتق عليه فابنه أولى وأما عدم جواز بيعها ما دام الحمل قائما فلان في بطنها ولد حرا ولان بيع
الحامل بدون الحمل لا يجوز ألا ترى انه لو باعها واستثنى الحمل يفسد البيع فإذا كان الولد حرا والحر لا يكون محلا للبيع
يصير كأنه استثنى الولد وإذا وضعت جاز بيعها لان المانع قد زال وإذا ملك شقصا من ذي رحم محرم منه عتق عليه قدر
ما ملك في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد وزفر يعتق كله كما لو أعتق شقصا من عبد له أجنبي لان العتق يتجزأ
عنده وعندهم لا يتجزأ ولو ملك رجلان ذا رحم محرم من أحدهما حتى عتق عليه فهذا لا يخلو اما ان ملكاه بسبب
لهما فيه صنيع واما ان ملكاه بسبب لا صنيع لهما فيه فان ملكاه بسبب لهما فيه صنع بان ملكاه بالشراء
أو بقبول الهبة أو الصدقة أو الوصية لا يضمن من عتق عليه لشريكه شيئا موسرا كانت أو معسرا في قول
أبي حنيفة ولكن يسعى له العبد في نصيبه وعند أبي يوسف ومحمد يضمن الذي عتق عليه نصيبه إن كان موسرا
وعلى هذا الخلاف إذا باع رجل نصف عبده من ذي رحم محرم من عبده أو وهبه له حتى عتق عليه لا يضمن المشترى
نصيب البائع عند أبي حنيفة موسرا كان القريب أو معسرا ولكن يسعى العبد في نصف قيمته للبائع وعندهما يضمن
إن كان موسرا وإن كان معسرا يسعى العبد ولو قال الرجل لعبد ليس بقريب له ان ملكته فهو حر ثم اشتراه
الحالف وغيره صفقة واحدة ذكر الجصاص أنه على هذا الخلاف أنه لا ضمان عليه وفي قول أبي حنيفة وعندهما يضمن
وذكر الكرخي أنى لا أعرف الرواية في هذه المسألة واجمعوا على أن العبد إذا كان بين اثنين فباع أحدهما نصيبه من
قريب العبد حتى عتق عليه أن المشترى يضمن نصيب الشريك الساكت إن كان موسرا ولا يضمن البائع شيئا
والكلام في هذه المسائل بناء على أن الاعتاق يتجزأ عند أبي حنيفة وعندهما لا يتجزأ ووجه البناء على هذا الأصل
ان الاعتاق لما لم يكن متجزئا عندهما وشراء القريب اعتاق فكان شراء نصيبه اعتاقا لنصيبه واعتاق نصيبه اعتاق
لنصيب صاحبه فيعتق كله كالعبد المشترك بين اثنين أعتقه أحدهما وهو موسر ولما كان متجزئا عنده كان شراء نصيبه
49

اعتاقا لنصيبه خاصة فلم يكن افسادا لنصيب شريكه ولان تمليكا لنصيبه أيضا لان ذلك ثبت لضرورة تكيل الاعتاق
لضرورة عدم التجزئة فإذا كان متجزئا عنده فلا ضرورة إلى التكميل فلا حاجة إلى التمليك والدليل عليه أنه لا ضمان إذا
كان معسرا وضمان الاتلاف والتمليك لا يسقط بالاعسار وكان ينبغي أن لا يجب الضمان على الشريك المعتق الا انا عرفنا
وجوب الضمان ثمة مخالفا للأصول بالنص نظرا للشريك الساكت وهو مستحق للنظر إذ لم يوجد منه الرضا بمباشرة
الاعتاق من الشريك ولا بمباشرة شرطه وههنا وجد لان كل واحد من المشتريين راض بشراء صاحبه وكيف لا
يكون راضيا به وأن شراء كل واحد منهما شرط لصحة شراء صاحبه حتى لو أوجب البائع لهما فقيل أحدهما دون
صاحبه لم يصح وكذا البائع نصف عبده من ذي رحم محرم راض بشرائه ومن رضى بالضرر لا ينظر له فلم تكن هذه
المواضع نظير المنصوص عليه فبقي الحكم على الأصل بخلاف البعد المشترك بين اثنين باع أحدهما نصيبه من ذي
رحم محرم منه لان هناك لم يوجد دليل الرضا من الشريك الساكت بشراء القريب أصلا حتى يوجب سقوط حقه في
الضمان فكان في معنى المنصوص عليه فيلحق به ثم وجه الكلام لأبي حنيفة على طريق الابتداء أنه وان سلم أن شراء
نصيبه اعتاق لنصيبه شريكه لكن هذا افساد مرضى به من جهة الشريك لأنه رضى بشراء نفسه
واثبات الملك له في نصيبه ولا يمكنه ذلك بدون شراء صاحبه لان الخلاف فيما إذا أوجب البائع البيع لهما صفقة
واحدة فلا بد وأن يكون القبول موافقا للايجاب إذا البائع ما رضى الا به ألا ترى أنه لو قال بعت منكما فقبل أحدهما ولم
يقبل الآخر لم يصح البيع فكان الرضا بشراء نفسه رضا بشراء صاحبه فكان شراء القريب افساد النصيب الشريك
برضا الشريك فلا يوجب الضمان كما إذا كان العبد مشتركا بين اثنين فقال أحدهما لصاحبه أعتق نصيبك أو رضيت
باعتاق نصيبك فاعتق لا يضمن كذا هذا فان قيل هذه النكتة لا تتمشى في الهبة فان أحدهما إذا قبل الهبة دون الاخر
يثبت له الملك فلم يكن الرضا بقبول الهبة في نصيبه رضا بقبول صاحبه فلم يكن هذا افسادا مرضيا به من جهة الشريك
وكذا لا تتمشى فيما إذا لم يعلم الشريك الا جنبي أن شريكه قريب العبد لأنه إذا لم يعلم به لم يعلم كون شراء الشريك اعتاقا
لنصيبه فلا يعلم كونه افساد النصيب شريكه فلا يثبت رضاه بالافساد لان الرضا بالشئ بدون العلم محال فالجواب أن
هذا من باب عكس العلة لأنه أراه الحكم مع عدم العلة وهذا تفسير العكس والعكس ليس بشرط في العلل الشرعية لجواز
أن يكون لحكم واحد شرعي علل فنحن نفينا وجوب الضمان في بعض الصور بما ذكرنا ونبقيه في غيره بعلة أخرى ثم
نقول أما فصل الهبة فنقول كل واحد منهما وان لم يكن قبوله شرط صحة قبول الآخر حتى ينفرد كل واحد منهما بالقبول
لكنهما إذا قبلا جميعا كان قبولهما بمنزلة شئ واحد لأنه جواب ايجاب واحد مثاله إذا قرأ المصلى آية واحدة قصيرة
أو طويلة على الاختلاف يتعلق به الجواز ولو قرأ عشر آيات أو أكثر يتعلق الجواز بالكل ويجعل الكل كاية واحدة
كذا هذا وأما فصل العلم فتخريجه على جواب ظاهر الرواية وهو أن عند أبي حنيفة لا يجب الضمان سواء علم أو لم يعلم
وعندهما يجب أو لم يعلم نص عليه في الجامع الصغير اما على أصلهما فظاهر لأن الضمان عندهما يجب مع العلم الجهل
أولى وأما على أصل أبي حنيفة فلا سقوط ضمان الاتلاف عند الاذن والرضا به لا يقف على العلم فان من قال لرجل
كل هذا الطعام والآذن لا يعلم أنه طعام نفسه فأكله الرجل لا يستحق الضمان عليه وان لم يعلم به وهذا لان حقيقة العلم
ليست بشرط في بناء الأحكام عليها بل المعتبر هو سبب حصول العلم والطريق الموصل إليه ويقام ذلك مقام حقيقة
العلم كما يقام سبب القدرة مقام حقيقة القدرة وطريق حصول العلم ههنا في يده وهو السؤال والفحص عن حقيقة الحال
فإذا لم يفعل فقد قصر فلا يستحق الضمان وروى بشر عن أبي يوسف أنه فصل بين العلم والجهل فقال إن كان الأجنبي
يعرف ذلك فان العبد يعتق ويسعى للأجنبي في قول أبى حنفية وأبى يوسف وإن كان لا يعلم فهو بالخيار ان شاء نقض
البيع وان شاء تم عليه وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف ووجه هذه الرواية ان الشراء مع شركة الأب عيب فكان
بمنزلة سائر العيوب أنه ان علم به المشترى يلزمه البيع كما في سائر العيوب وان لم يعلم به لم يلزمه مع العيب وإذا لم يلزمه العقد
50

في حق أحد الشريكين لم يلزم في حق الآخر فلا يعتق العبد ويثبت للمشترى حق الفسخ وذكر في الجامع الصغير لو
اشترى رجل نصف عبد ثم اشترى أب العبد النصف الباقي وهو موسر فالمشترى بالخيار بمنزلة عبد بين اثنين أعتقه
أحدهما فالمشترى بالخيار لأنه لم يوجد من المشترى الا جنبي ما هو دليل الرضا في سقوط الضمان عن الأب فلا يسقط
وروى عن أبي يوسف أنه قال لو أن عبدا اشترى نفسه هو وأجنبي من مولاه فالبيع باطل في حصته الأجنبي لأنه
اجتمع العتق والبيع في عقد واحد في زمان واحد لان بيع نفس العبد منه اعتاق على مال فلا يصح البيع بخلاف
الرجلين اشتريا ابن أحدهما أنه يصح وان اجتمع الشراء والعتق في عقد واحد لان شراء القريب تملك في الزمان الأول
واعتاق في الزمان الثاني وأنه جائز لما بينا وروى عن أبي يوسف أنه قال إذا قال إن ملكت من هذا العبد شيئا فهو حر ثم
اشتراه الحالف وأبوه صفقة واحدة عتق على الأب وهذا على أصله لان العتق عنده لا يتجزأ وقد اجتمع للعتق سببان
القرابة واليمين الا أن القرابة سابقة على اليمين فإذا ملكاه صار كان عتق الأب أسبق فيعتق النصيبان عليه ولهذا قال في
رجل قال إن اشتريت فلانا أو بعضه فهو حر فادعى رجل آخر أن انه ثم اشترياه عتق عليهما ونصف ولائه للذي
أعتقه وهو ابن الذي ادعاه لان النسب ههنا لم يسبق اليمين فيعتق نصيب كل واحد منهما عليه وولاؤه بينهما لأنه عتق
عليهما والولاء للمعتق وان ملك اثنان ذا رحم محرم من أحدهما سبب لا صنع لهما فيه بان ورثا عبدا وهو قريب
أحدهما حتى عتق عليه لا يضمن نصيب شريكه موسرا كان أو معسرا ولكن يسعى العبد في نصف قيمته لشريكه في
قولهم جميعا لان العتق ههنا ثبت بالملك شرعا من غير اعتاق من جهة أحد من العباد إذ لا صنع لاحد من العباد في الإرث
ووجوب الضمان على المرء يعتمد شرعا صنعا من جهته ولم يوجد من القريب فلا يضمن والله الموفق ومن هذا القبيل
ألفاظ النسب وذكرها لا يخلو اما أن يكون على وجه الصفة واما أن يكون على سبيل الفداء فان ذكرها على طريق
الصفة بان قال لمملوكه هذا ابني فهو لا يخلو اما إن كان يصلح ابنا له بأن كان يولد مثله لمثله واما إن كان لا يصلح ولا يخلو اما
إن كان مجهول النسب أو معروف النسب من الغير فإن كان يصلح ابنا له هل فإن كان مجهول النسب يثبت النسب والعتق
بالاجماع وإن كان معروف النسب من الغير لا يثبت النسب بلا شك ولكن يثبت العتق عندنا وعند الشافعي لا يثبت
العتق والأصل عنده أن العتق بناء على النسب فان ثبت النسب ثبت العتق والا فلا وإن كان لا يصلح ابنا له فلا يثبت
النسب بلا شك وهل يعتق قال أبو حنيفة يعتق سواء كان مجهول النسب أو معروف النسب وقال أبو يوسف ومحمد
لا يعتق والأصل عندهما أن التعتق مبنى على تصور النسب واحتمال ثبوته فان تصور ثبوته ثبت العتق والا فلا والأصل
عند أبي حنيفة ان ثبوت العتق لا يقف على ثبوت النسب ولا على تصور ثبوته وكذلك لو قال لمملوكته هذه بنتي فهو
على هذا التفصيل والاتفاق والاختلاف الذي ذكرنا في الابن وجه قولهم أن العتق لو ثبت لا يخلو اما ان ثبت
ابتداء أو بناء على ثبوت النسب لا وجه للأول لأنه لم يوجد الاعتاق ابتداء ولا سبيل للثاني أما عند الشافعي
فلان النسب لم يثبت في المسئلتين جميعا فلا يثبت العتق بناء عليه وأما عندهما فلان في المسألة الثانية لا يتصور ثبوت
النسب فلا يثبت العتق وفي المسألة الأولى يتصور ثبوت النسب منه حقيقة بالزنا والاشتهار من غيره بناء على
النسب الظاهر فيعتق ولأبي حنيفة أن كلام العاقل المتدين يحمل على الصحة والسداد ما أمكن لاعتبار عقله
ودينه دلالة وأمكن تصحيح هذا الكلام من وجهين الكناية والمجاز أما الكناية فلو جود طريق الكناية في اللغة
وهو الملازمة بين الشيئين أو المجاورة بينهما غالبا على وجه يكن بينهما تعلق الوجود به أو عنده أو تعلق البقاء وتكون
الكناية كالتابع للمكنى والكنى هو المقصود فيترك اسم الأصل صريحا ويكنى عنه باسم الملازم إياه التابع له كما في
قوله عز وجل أو جاء أحد منكم من الغائط والغائط اسم للمكان الخالي المطمئن من الأرض كنى به عن الحدث لملازمة
بين هذا المكان وبين الحدث غالبا وعادة إذ العادة ان الحدث يوجد في مثل هذا المكان تسترا عن الناس وكذا
الاستنجاء والاستجمار كناية عن تطهير موضع الحدث إذ الاستنجاء طلب النجو والاستجمار طلب الجمار
51

وكذا العرب تقول ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم من أي نطأ المطر إذا المطر نزل من السماء ونحو ذلك من مواضع
الاستعمال والبنوة في الملك ملازمة للحرية فجاز ان يكنى بقوله هذا ابني عن قوله هذا معتقي وذكر الصريح والكناية
في الكلام سواء لو صرح فقال هذا معتقي عتق فكذا إذا كنى به وأما المجاز فلان من طرقه المشابهة بين الذاتين وفي
المعنى الملازم المشهور في محل الحقيقة فيطلق اسم المستعار عنه على المستعار له لاظهار المعنى الذي هو ظاهر في المستعار
عنه خفى في المستعار له كما في الأسد مع الشجاع والحمار مع البليد ونحو ذلك وقد وجد هذا الطريق هنا من وجهين
أحدهما ان الابن في اللغة اسم للمخلوق من ماء الذكي والأنثى وفيه معنى ظاهر لازم وهو كونه منعما عليه من جهة الأب
بالاحياء لاكتساب سبب وجوده وبقائه بالتربية والمعتق منعم عليه من جهة المعتق إذ الاعتاق انعام على المعتق وقال
الله عز وجل وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه قيل في التفسير أنعم الله تعالى عليه بالاسلام وأنعمت عليه
بالاعتاق فكان بينهما مشابهة في هذا المعنى أنه معنى لازم مشهور فيجوز اطلاق اسم الابن علي المعتق مجاز الاظهار
نعمة العتق كاطلاق اسم الأسد على الشجاع والحمار على البليد والثاني ان بين معتق الرجل وبين ابنه الداخل في
ملكه مشابهة في معنى الحرية وهو معنى لازم للابن الداخل في ملكه بحيث لا ينفك عنه وانه مشهور فيه فوجد طريق
الاستعارة فصحت الاستعارة وقد خرج الجواب عن قولهم إن العتق اما ان ثبت ابتداء أو بناء على النسب لأنا نقول
ابتداء لكن بأحد الطريقين وهو الكناية أو المجاز على ما بينا ولا يلزم على أبي حنيفة ما إذا قال لامرأته هذا بنتي ومثله
لا يلد مثلها انه لا تقع الفرقة بينهم لان اقراره بكونها بنتا له نفى النكاح لأجل النسب وههنا لم يثبت النسب فلا ينتفى
النكاح فاما ثبوت العتق فليس يقف على ثبوت والدليل على الفرقة بين المسئلتين انه لو قال لزوجته وهي
معروفة النسب من الغير هذه بنتي لم تقع الفرقة ولو قال لامته هذه بنتي وهي معروفة النسب تعتق وما افترقا الا لما قلنا
وكذا لو قال لزوجته هذه بنتي وهي تصلح بنتا له ثم قال أوهمت أو أخطأت لا تقع الفرقة ولو قال لامته هذه بنتي وهي
تصلح بنتا له ثم قال أوهمت أو أخطأت يقع العتق فدل على التفريق بينهما وكذلك لو قال هذا أبى فإن كان يصلح أبا له
وليس للقائل أب معروف يثبت النسب والعتق بلا خلاف وإن كان يصلح أبا له ولكن للقائل أب معروف لا يثبت
النسب ويعتق عندنا خلافا للشافعي وإن كان لا يصلح أبا له يثبت النسب بلا شك ولكن يعتق عند أبي حنيفة
وعندهما لا يعتق وكذا لو قال هذه أمي فالكلام فيه كالكلام في الأب وأما الكلام في الحرية بأن كان المملوك أمة
ففي كل موضع يثبت النسب تثبت الحرية والا فلا ولو قال لعبده هذه بنتي أو قال لامته هذا ابني اختلف المشايخ فيه
قال بعضهم يعتق وقال بعضهم لا يعتق ولو قال لمملوكه هذا عمى أو خالي يعتق بلا خلاف بين أصحابنا ولو قال هذا أخي
أو أختي ذكر في الأصل انه لا يعتق بخلاف قوله هذا ابني أو أبى أو عمى أو خالي وروى الحسن عن أبي حنيفة
انه يعتق كما في قوله عمى أو خالي وجه هذه الرواية ان هذا وصف مملوكه بصفة من يعتق عليه إذا ملكه فيعتق عليه كما
إذا قال هذا أعمى أو خالي وجه رواية الأصل ان قوله هذا أخي يحتمل تحقيق العتق ويحتمل الاكرام والتخفي به لأنه
يستعمل في ذلك عرفا وشرعا قال الله تعال فإن لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم فلا يحمل على العتق من غير
نية بخلاف اسم الخال والعم فإنه لا يستعمل في الاكرام عرفا وعادة فلا يقال هذا خالي أو عمى على إرادة الكرام فكان
ذكره للتحقيق وبخلاف قوله هذا بنى أو هذا أبى لأنه لا يستعمل في الاكرام عرفا وشرعا وقد منع الشرع من ذلك
قال الله تعالى وما جعل أدعياءكم أبناءكم وقال سبحانه وتعالى أدعو هم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم
فاخوانك في الدين ومواليكم روى أنهم كانوا يسمون زيد بن حارثة زيد بن محمد فنزل قوله تعالى ما كان محمد أبا أحد من
رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين فكفوا عن ذلك وان لم يكن مستعملا في الاكرام يحمل على التحقيق وأما
النداء فهو أن يقول يا ابني يا أبى يا ابنتي يا أمي يا خالي يا عمى أو يا أختي أو يا أخي على رواية الحسن لا يعتق في هذه الفصول
لان الغرض بذكر اسم النداء هو استحضار المنادى لا تحقيق معنى الاسم فيه الا إذا كان الاسم موضوعا له على ما بينا
52

فاحتمل انه أراد به النداء على طريق الاكرام دون تحقيق العتق فلا يحتمل من غير نية ولو قال لعبده يا ابن
أو لامته يا ابنة لا يعتق لعدم الإضافة إلى نفسه ولو قال يا بنى أو يا بينة يعتق لوجود الإضافة وأما الكناية فنحو قوله
لا سبيل لي عليك أو لا ملك لي عليك أو خليت سبيلك أو خرجت من ملكي فان نوى العتق يعتق والا فلا لان كل
واحدة من هذه الألفاظ يحتمل العتق ويحتمل غيره فان قوله لا سبيل لي عليك يحتمل سبيلا للوم والعقوبة أي ليس لي
عليك سبيل اللوم والعقوبة لوفائك بالخدمة والطاعة ويحتمل لا سبيل لي عليك لأني كاتبتك فزالت يدي عنك
ويحتمل لا سبيل لي عليك لأني أعتقك فلا يحمل على العتق الا بالنية ويصدق إذا قال عنيت به غير العتق الا إذا قال
لا سبيل لي عليك الا سبيل الولاء فإنه يعتق في القضاء ولا يصدق انه أراد به غير العتق لأنه نفى كل سبيل وأثبت سبيل
الولاء واطلاق الولاء يراد به ولاء العتق وذلك لا يكون الا بعد العتق ولو قال الا سبيل الموالاة دين في القضاء لان
مطلق الموالاة يراد بها في الدين أو يستعمل في ولاء الدين وولاء العتق فأي ذلك نوى يصدق في القضاء وقوله
لا ملك لي عليك يحتمل ملك اليد أي كاتبتك فزالت يدي عنك ويحتمل لا ملك لي عليك لأني يعتك ويحتمل لا ملك لي
عليك لأني أعتقك فتقف على النية وقوله خليت سبيلك يحتمل سبيل الاستخدام أي لا أستخدمك ويحتمل
أعتقك ولو قال له أمرك بيدك أو قال له اختر وقف على النية لأنه يحتمل العتق وغيره فكان كناية ولو قال له أمر عتقك
بيدك أو جعلت عتقك في يدك أو قال له اختر العتق أو خيرتك في عتقك أوفي العتق لا يحتاج فيه إلى النية لأنه صريح
ولكن لا بد من اختيار العبد العتق وقف على المجلس لأنه تمليك وقوله خرجت عن ملكي يحتمل ملك التصرف
فيكون بمعنى كاتبتك ويحتمل أعتقك ولو قال لمملوكه نسبك حر أو أصلك حر فإن كان يعلم أنه سبى لا يعتق وان لم يكن
سبى يعتق لان الأصل ان حرية الأبوين تقضى حرية الولد لان المتولد من الحرين يكون حرا الا ان حرية المسبى
بطلت بالسبي فبقي الحكم في غير المسبى على الأصل ولو قال لعبده أنت لله تعالى لم يعتق في قول أبي حنيفة وقال أبو
يوسف ان نوى العتق يعتق وجه قوله الله تعالى يحتمل أن يكون بيان جهة القربة للاعتاق المحذوف فإذا نوى
العتق يعتق كما لو قال أنت حر لله ولأبي حنيفة ان الاعتاق اثبات صفة للمملوك لم تكن ثابتة قبل الاعتاق لأنه اثبات
العتق ولم يوجد لان كونه لله تعالى كان ثابت قبل الاعتاق فلم يكن ذلك اعتاق فت يعتق ولو قال له أنت عبد الله لم يعتق بلا
خلاف أما على قول أبي حنيفة فظاهر لما ذكرنا ان الاعتاق انشاء العتق فيقتضى ان لا يكن ثابتا قبله وكونه عبد الله
صفة ثابتة له قبل هذه المقالة وأما على قول أبى يوسف فلان قوله عبد الله لا يحتمل أن يكون جهة القربة للاعتاق وقوله لله
تعالى يحتمل ذلك وروى عن أبي يوسف أنه قال إذا قال لعبده قد جعلتك لله تعالى في صحته أو مرضه وقال لم أنو العتق
ولم يقل شيئا حتى مات قبل ان يبين لا يعتق وان نوى العتق عتق وكذلك إذا قال هذا في مرضه فمات قبل ان يبين فهو
عبد أيضا لأنه يحتمل انه أراد بهذا اللفظ النذر ويحتمل انه أراد به العتق فلا يعتق الا بالنية ولا يلزم الورثة بعد الموت
الصدقة لان النذر يسقط بالموت عندنا وروى عن أبي يوسف أنه قال إذا قال لامته أطلقتك يريد به العتق تعتق لان
الاطلاق إزالة اليد والمرء يزيل يده عن عبده بالعتق وبغير العتق بالكتابة فإذا نوى به العتق عتق كما لو قال
لها خليت سبيلك ولو قال لها طلقتك يريد به العتق لا تعتق عندنا لما نذكر ولو قال فرجك على حرام
يريد به العتق لم تعتق لان حرمة الفرج مع الرق يجتمعان كما لو اشترى أخته من الرضاعة أو جارية قد وطئ
أمها أو بنتها أو جارية مجوسية انه لا تعتق وروى عن أبي يوسف أنه قال إذا قال لعبده أن ت ح ر أو قال
لزوجته أن ت ط ا ل ق فتهجي ذلك هجاء ان نوى العتق أو الطلاق وقع لأنه يفهم من هذه
الحروف عند انفرادها ما يفهم عند التركيب والتأليف الا انها ليست بصريحة في الدلالة على المعنى لأنها عند انفرادها
لم توضع للمعنى فصارت بمنزلة الكناية فتقف على النية واما ما يقوم مقام اللفظ في الدلالة على العتق فالكتابة المستبينة
لأنها في الدلالة المراد بمنزلة اللفظ الا أن فيها ضرب استتار وابهام لان الانسان يكتب ذلك لإرادة العتق وقد
53

يكتب لتجويد الخط فالتحقيق بسائر الكنايات فافتقر إلى النية والكلام في هذا كالكلام في الطلاق وقد ذكرناه في
الطلاق وكذا الإشارة من الأخرس إذا كانت معلمة مفهومة المراد لأنها في الدلالة على المراد في حقه كالعبارة في
الطلاق والأصل في قيام الإشارة مقام العبارة قوله خطابا لمريم عليها السلام فقولي انى نذرت للرحمن صوما أي
صمتا وامساكا وذلك على الإشارة لا على القول منها وقد سماها الله تعالى قولا فدل أنها تعمل عمل القول وأما الألفاظ
التي يقع بها العتق أصلا نوى أو لم ينو فنحو أن يقول لعبده قم أو اقعد أو اسقني ونوى به العتق لأن هذه الألفاظ لا تحمل
العتق فلا تصح فيها نية العتق وكذا لو قال لا سلطان لي عليك لان السلطنة عبارة عن نفاذ المشية على وجه القهر
فانتفاؤها لا يقتضى انتفاء الرق كالمكاتب فلا يقتضى العتق بخلاف قوله لا سبيل لي عليك لأنه نفى السبل كلها ولا
ينتفى السبيل عليها مع قيام الرق ألا ترى أن للمولى على مكاتبة سبيل المطالبة ببدل الكتابة وكذا السلطان يحتمل
الحجة أيضا فقوله لا سلطان لي عليك أي لا حجة لي عليك وانتفاء حجته على عبده لا يوجب حريته وكذا لو قال لعبده
اذهب حيث شئت أو توجه حيث شئت من بلاد الله تعالى يريد به العتق أو قال له أنت طالق أو طلقتك أو أنت بائن
أو ابنتك أو قال لامته أنت طالق أو طلقتك أو أنت بائن أو ابنتك أنت على حرام أو حرمتك أو أنت خليفة أو برية
أو بتة أو اذهبي أو أخرجي أو اعزبي أو تقنعي أو استبرئي أو اختاري ونوى العتق فاختارت وغير ذلك مما ذكرنا في
الطلاق وهذا عندنا وعند الشافعي يقع العتق بها إذا نوى ولقب المسألة أن صريح الطلاق وكناية لا يقع بها العتاق
عندنا خلافا له وجه قوله أن قوله لمملوكته أنت طالق أو طلقتك اثبات الاطلاق أو إزالة القيد وانه نوعان كامل وذلك
بزوال الملك والرق وهو تفسير العتق وناقص ذلك بزوال اليد لا غير كما في المكاتب والمأذون فإذا نوى به العتق فقد
نوى أحد النوعين فنوعين فنوى ما يحتمله كلامه فصحت نيته ولهذا إذا قال لزوجته أنت حرة ونوى به الطلاق طلقت كذا
هذا ولنا أن هذه الألفاظ المضافة إلى المملوك عبارات عن زوال يد المالك عنه أما قوله أنت طالق فلان الطلاق عبارة
عن رفع القيد والقيد عبارة عن المنع عن العمل لا عن الملك والمانع يد المالك فرع المانع يكون بزوال يد المالك
عن المملوك لا يقتضى العتق كالمكاتب وكذا قوله اذهب حيث شئت أو توجه إلى أين شئت لأنه عبارة عن رفع
اليد عنه وانه لا ينفى الرق كالمكاتب وبه تبين أن القيد ليس بمتنوع بل هو نوع واحد وزواله عن المملوك لا يقتضى
زوال الملك كالمكاتب وكذا قوله أنت بائن أو ابنتك لأنه ينبئ عن الفصل والتبعيد وكذا التحريم يجامع الرق
كالأخت من الرضاعة والأمة المجوسية ونحو ذلك بخلاف قوله لامرأته أنت حرة لان التحريم تخليص والقيد
ثبوت فينا فيه ولان ملك اليمين لا يثبت بلفظ النكاح وما لا يملك بلفظ النكاح لا يزول الملك عنه بلفظ الطلاق كسائر
الأعيان وهذا لان الطلاق رفع ما يثبت بالنكاح فإذا لم يثبت ملك اليمين بلفظ النكاح لا يتصور رفعه بلفظ الطلاق
بخلاف قوله لامرأته أنت حرة ونوى به الطلاق لان ملك المتعة لا يختص ثبوته بلفظ النكاح فإنه كما يثبت بغير
النكاح يثبت بغيره من الشراء وغيره فلا يختص زواله بلفظ الطلاق ألا ترى أنه يزول بردة المرأة وكذا بشرائها بان
اشترى الزوج امرأته فجاز أن يزول بلفظ التحرير ولو قال لعبده رأسك رأس حر أو بدنك بدن حر أو فرجك فرج
حر لم يعتق لان هذا تشبيه لكن بحذف حرف التشبيه وانه جائز من باب المبالغة قال الله تعالى وهي تمر مر السحاب
أي كمر السحاب وقال الشاعر
وعيناك عيناه وجيدك جيدها * سوى أن عظم الساق منك دقيق
فتشبيه الشئ بالشئ لا يقتضى المشاركة بنيهما في جميع الصفات وهذا معنى قولهم كلام التشبيه لا عموم له قال الله عز
وجل كأنهن الياقوت والمرجان وقال تعالى كأنهن بيض مكنون فلا يعتق ولو نون فقال رأسك رأس حر وبدنك
بدن حر وفرجك فرج حر فهو لان هذا ليس بتشبيه بل هو وصف وقد وصف جملة أو ما يعبر به عن جملة بالحرية
فيعتق لو قال ما أنت الا مثل الحر لم يعتق في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى كذا ذكر في الأصل
54

لان هذا تشبيه بحرف التشبيه والتشبيه لا يقتضى المشاركة في جميع الصفات بخلاف قوله ما أنت الا حر لان ذاك
ليس بتشبيه بل هو تحرير لأنه نفى وأثبت والنفي ما زاده الا تأكيدا كقول القائل لغيره ما أنت الا فقيه وروى عن أبي
يوسف أنه قال إذا قال كل مالي حر وله عبيد لم يعتقوا لأنه جمع بين العبد وغيرهم من الأموال ووصف الكل بالحرية
بقوله كل مالي حر ومعلوم أن غير العبيد من الأموال لا يحتمل الوصف بالحرية التي هي العتق فينصرف الوصف بالحرية
إلى الحرية التي يحتملها الكل وهي أن تكون جميع أمواله خالصة صافية له لا حق لا حد فيها فلا تعتق عبيده والله عز
وجل الموفق
(فصل) وأما شرائط الركن فأنواع بعضها يرجع إلى المعتق خاصة وبعضها يرجع
إلى المعتق خاصة وبعضها يرجع إليهما جميعا وبعضها يرجع إلى نفس الركن أما الذي يرجع إلى المعتق خاصة فمنها أن يكون عاقلا حقيقة أو تقديرا حتى
لا يصح الاعتاق من الصبي الذي لا يعقل والمجنون كما لا يصح الطلاق منها وأما المجنون الذي يجن في حال ويفيق
في حال فما يوجد منه في حال افاقته فهو فيه بمنزلة سائر العقلاء وما يوجد منه في حال جنونه فهو بمنزلة المجنون المطبق اعتبار
الحقيقة وأما السكران فاعتاقه كطلاقه وقد مر ذلك في كتاب الطلاق ومنها أن لا يكون معتوها ولا مدهوشا ولا
مبرسما ولا مغمى عليه ولا نائما حتى لا يصح الاعتاق من هؤلاء كمالا يصح الطلاق منهم لما ذكرنا في الطلاق ومنها أن
يكون بالغا فلا يصح الاعتاق من الصبي وإن كان عاقلا كمالا يصح الطلاق منه ولو قال رجل أعتقت عبدي وأنا
صبي أو قال وأنا نائم كان القول قوله والأصل فيه انه إذا أضاف الاعتاق إلى حال معلوم الكون وهو ليس من أهل
الاعتاق فيها يصدق بان قال أعتقته وأنا صبي أو وأنا نائم أو مجنون وقد علم جنونه أو وأنا حربي في دار الحرب على
أصل أبي حنيفة ومحمد وقد علم ذلك منه لأنه إذا أضاف الاعتاق إلى زمان لا يتصور منه الاعتاق علم أن أراد به صيغة
الاعتاق لا حقيقة الاعتاق فلم يصر معترفا بالاعتاق ولو قال أعتقته وأنا مجنون ولم يعلم له جنون لا يصدق لأنه إذا أضافه
إلى حالة لا يتيقن وجودها فالظاهر أنه أراد الرجوع عما أقر به فلا يقبل منه ولو قال أعتقته قبل أن أخلق أو قبل أن
يخلق لا يعتق لان زمان ما قبل انخلاقه وانخلاق العبد معلوم فقد أضاف الاعتاق إلى زمان معلوم الكون ولا
يتصور منه فيه الاعتاق فلا يعتق وأما كونه طائعا فليس بشرط عندنا خلافا للشافعي والمسألة مرت في كتاب
الطلاق وكونه جادا ليس بشرط بالاجماع حتى يصح اعتاق الهازل وكذا كونه عامدا حتى يصح اعتاق الخاطئ لما
ذكرنا في الطلاق وكذا التكلم باللسان ليس بشرط فيصح الاعتاق بالكتابة المستبينة والإشارة المفهومة وكذا
الخلو عن شرط الخيار ليس بشرط في الاعتاق بعوض وبغير عوض إذا كان الخيار للمولى حتى يقع العتق ويبطل
الشرط أما إذا كان بغير عوض فظاهر لان ثبوت الخيار لفائدة الفسخ والاعتاق بغير العوض لا يحتمل الفسخ
وكذا إن كان بعوض لان العوض من جانب المولى هو العتق وانه لا يقبل لا الفسخ فلا معنى للخيار فيه وإن كان الخيار
للعبد فخلوه عن خياره شرط صحته حتى لورد العبد العقد في مدة الخيار فينفسخ العقد ولا يعتق لان العوض في جانبه
هو المال فكان محتملا للفسخ فيصح شرط الخيار فيه كما في الطلاق على مال وقد ذكرناه في كتاب الطلاق وعلى هذا
الصلح من دم العمد بشرط الخيار وان الخيار إن كان مشروطا للمولى يبطل الخيار ويصح الصلح لان الخيار
لثبوت الفسخ والذي من جانب المولى وهو العفو لا يحتمل الفسخ وإن كان الخيار للقاتل جاز لان ما هو العوض من
جانبه وهو المال قابل للفسخ ثم إذا جاز الخيار وفسخ القاتل العقد هل يبطل العفو فالقياس أن يبطل لأنه تعلق بشرط
المال ولم يسلم المال وفي الاستحسان لا يبطل ويلزم القاتل الدية كذا روى عن محمة أما صحة العفو وسقوط القصاص
فلان عفو الولي يصير شبهة والقصاص يسقط بالشبهات وأما وجوب الدية فلان الولي لم يرض باسقاطه بغير عوض
ولا عوض الا الدية إذ هي قيمة النفس ثم فرق بين الاعتاق على مال وبين الكتابة فإنه يجوز فيها شرط الخيار للمولى
لأنها عقد معاوضة يلحقها الفسخ فيجوز شرط الخيار في طرفيها كالبيع بخلاف الاعتاق على مال والله عز وجل
55

الموفق وكذا اسلام المعتق ليس بشرط فيصح الا عتاق من الكافر الا ان اعتاق المرتد لا ينفذ في الحال في قول أبي حنيفة
بل هو موقوف وعند هما نافذ واعتاق المرتد نافذ بلا خلاف والمسألة نذكرها في كتاب السير إن شاء الله تعالى
وكذا صحة المعتق فيصح الاعتاق من المريض مرض الموت لان دليل الجواز لا يوجب الفصل الا ان الاعتاق من
المريض يعبر من الثلث لأنه يكون وصية ومنها النية في أحد نوعي الاعتاق وهو الكناية دون الصريح ويستوى
في صريح الاعتاق وكناياته أن يكون ذلك بمباشرة المولى بنفسه على طريق الأصالة أو بغيره على طريق النيابة عن
المولى باذنه وأمره وذلك أنواع ثلاثة تفويض وتوكيل ورسالة فالتفويض هو التخيير والامر باليد صريحا وكناية
على ما بينا والامر بالاعتاق كقوله أعتق نفسك وقوله أنت حر ان شئت والتوكيل هو ان يأمر غيره بالاعتاق بأن يقول
لغيره أعتق عبدي فلانا من غير التقييد بالمشية والرسالة معروفة وقد فسرناها في كتاب الطلاق والحكم في هذه
الفصول في العتاق كالحكم فيها في الطلاق وقد استوفينا الكلام فيها في كتاب الطلاق بتوفيق الله عز وجل ومنها
عدم الشك في الاعتاق وهو شرط الحكم بثبوت العتق فإن كان شاكا فيه لا يحكم بثبوته لما ذكرنا في الطلاق وأما الذي
يرجع إلى المعتق خاصة فنوعان أحدهما الإضافة فمنها أن يكون المضاف إليه العتق موجودا بيقين فإن لم يكن لم تصح
الإضافة بان قال لجارية مملوكة له حمل هذه الجارية مملوكة له حمل هذه الجارية حر أو ما في بطن هذه الجارية حر فان ولدت لأقل من ستة أشهر
من وقت التكلم عتق وان ولدت لستة أشهر فصاعدا لم يعتق لأنها إذا ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت اليمين
تيقنا بوجوده في ذلك الوقت لأن المرأة لا تلد لأقل من ستة أشهر فان ولدت واحدا لأقل منها بيوم ثم ولدت آخر
لأكثر منها بيوم عتاق جميعا لان الأول عتق لكونه في البطن يوم الكلام فإذا أعتق الأول عتق الثاني لأنهما توأمان واما
إذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا من وقت التكلم فلا نستيقن بوجوده وقت التكلم لاحتمال حدوثه بعد ذلك فوقع
الشك في ثبوت الحرية فلا تثبت مع الشك ومنها الإضافة إلى بدن المعتق أو إلى جزء جامع منه وهو الذي يعبر به عن
جميع البدن أو إلى جزء شائع عندنا خلافا للشافعي حتى لو أضاف إلى جزء معين لا يعبر به عن جميع البدن لا يصح
عندنا وعنده يصح كما في الطلاق غير أنه إذا أضاف العتق إلى جزء شائع منه لا يعتق كله عند أبي حنيفة وإنما يعتق
قدر ما أضاف إليه لا غير وعند أبي يوسف ومحمد يعتق كله وفي الطلاق تطلق كلها بلا خلاف بناء على أن العتق
يتجزأ عند أبي حنيفة وعندهما لا يتجزأ والطلاق لا يتجزأ بالاجماع فأبو حنيفة يحتاج إلى الفرق بين الطلاق والعتاق
ووجه الفرق له ان ملك النكاح لا يراد به الا الوطئ والاستمتاع وذلك لا يتحقق في التبعض دون البعض فلا يكون
اثبات حكم الطلاق في البعض دون البعض مفيد فلزم القول بالتكامل فاما ملك اليمين فلم يوضع للاستمتاع والوطئ
فإنه يثبت مع حرمة الوطئ والاستمتاع كالأمة المجوسية والمحرمة بالرضاع والمصاهرة وإنما وضع للاسترباح أو
الاستخدام وذلك يتحقق مع قيام الملك في البعض دون البعض فكان ثبوت العتق في العض دون البعض
مفيدا فهو الفرق فلا ضرورة إلى التكامل واما كون المضاف إليه العتق معلوما فليس بشرط لصحة الإضافة
عند عامة العلماء فيصح اضافته إلى المجهول بان قال لعبديه أحد كما حر أو قال هذا حر أو هذا أو قال ذلك لامتيه وقال
نفاة القياس شرط حتى لا تصح الإضافة المجهول عندهم والكلام في العتاق على نحو الكلام في الطلاق وقد ذكرناه
في كتاب الطلاق وسواء كانت الجهالة مقارنة أو طارئة بان عتق واحدا من عبيده عينا ثم نسي المعتق لما ذكرنا في
كتاب الطلاق ومنها قبول العبد في الاعتاق على مال فما لم يقبل لا يعتق ومنها المجلس وهو مجلس الاعتاق إن كان
العبد حاضرا ومجلس العلم إن كان غائبا لما نذكر في موضعه إن شاء الله تعالى وأما الذي يرجع إليهما جميعا فهو الملك إذ
المالك والمملوك من الأسماء الإضافية والعلاقة التي تدور عليها الإضافة من الجانبين هي الملك فكون المعتق مملوك
المعتق رقبة وقت ثبوت العتق شرط ثبوته فيحتاج في هذا الفصل إلى بيان كون المعتق مملوك المعتق رقبة وقت
ثبوت العتق شرط ثبوته والى بيان انه هل يشترط أن يكون مملوكه وقت الاعتاق وهو التكلم بالعتق أم لا والى بيان من
56

يدخل تحت مطلق اسم المملوك في الاعتاق المضاف إليه ومن لا يدخل أما الأول فالدليل على اعتبار هذا الشرط
قول النبي صلى الله عليه وسلم لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم ولان زوال ملك المحل شرط ثبوت العتق فيه ولابد للزوال
من سابقة الثبوت وعلى هذا يخرج اعتاق عبد الغير بغير اذنه إذ لا ينفذ لعدم الملك ولكن يتوقف على إجازة المالك
عندنا وعند الشافعي لا يتوقف وهي مسألة تصرفات الفضولي وموضعها كتاب البيوع وكذا العبد المأذون لا يملك
الاعتاق وكذا المكاتب لانعدام ملك الرقبة وكذا لو اشترى العقد المأذون أو المكاتب ذا رحم منه لا ينعتق عليه لما
قلنا ولو اشترى العبد المأذون ذا رحم محرم من مولاه فإن لم يكن عليه دين مستغرق لرقبته عتق عليه لأنه إذا لم يكن
عليه دين فقد ملكه المولى فيعتق عليه كما لو اشتراه بنفسه وإن كان عليه دين مستغرق لرقبته لا يعتق عند أبي حنيفة
وعند أبي يوسف ومحمد يعتق بناء على أن المولى لا يملك كسب عبده المأذون المديون عنده وعندهما يملك وهي من
مسائل المأذون ولو اشترى المكاتب ابنه من مولاه أو ذا رحم محرم من مولاه لم يعتق في قولهم جميعا لان المولى لم يملكه
لأنه من كسب المكاتب والمولى لا يملك اكساب مكاتبه فلا يعتق ولو اشتريت المكاتبة ابنها من سيدها عتق لان
اعتاق المولى نفذ في المكاتبة وولدها فيعتق من طريق الحكم لأجل النسب ويجوز اعتاق المولى المكاتب والمولى المكاتب والعبد
المأذون والمشترى قبل القبض والمرهون والمستأجر لقيام ملك القربة وكذا العبد الموصى برقبته لانسان وبخدمته
لآخر إذا أعتقه الموصى له بالرقبة لما قلنا وعلى هذا الأصل يخرج قول أبى يوسف في الحربي إذا أعتق عبدا حربيا له
في دار الحرب انه يعتق لقيام الملك وأما عند أبي حنيفة ومحمد فلا يعتق ولا خلاف في أنه إذا أعتقه وخلى سبيله
يعتق منهم من قال لا خلاف في العتق انه يعتق وإنما الخلاف في الولاء انه هل يثبت منه أم لا ذكر الطحاوي عن أبي
حنيفة ان للعبد ان يوالي من شاء ولا يكون ولاؤه للمعتق والصحيح ان الخالف ثابت في العتق فإنهم قالوا في الحربي
إذا دخل الينا ومعه مماليك فقال هم مدبرون انه لا يقبل قوله وان قال هم أولادي أو هن أمهات أولادي قبل قوله فهذا
يدل على أن التدبير لا يثبت في دار الحرب ورواية الطحاوي عن أبي حنيفة محمولة على ما إذا خرج إلى دار الاسلام
وإذا خرج إلى دار الاسلام فلا ولاء له عليه عندهما لأنه لم يعتق باعتاقه وإنما عتق بخروجه إلى دار الاسلام
وعند أبي يوسف عتق باعتاق مولاه له وجه قول أبى يوسف في مسألة العتق انه أعتق ملك نفسه فيعتق كما لو باعه
وكما لو كان في دار الاسلام فاعتق عبدا له حربيا أو مسلما أو ذميا كالمسلم إذا أعتق عبده المسلم في دار الحرب ولا شك
انه أعتق ملك نفسه لان أموال أهل الحرب املاكهم حقيقة الا ترى انهم يرثون ويورث عنهم ولو كانت جارية
يصح من الحربي استيلاؤها الا انه ملك غير معصوم ولهما ان اعتاق الحربي عبده الحربي في دار الحرب بدون
التخلية لا يفيد معنى العتق لان العتق عبارة عن قوة حكمية تثبت للمحل يدفع بها يد الاستيلاء والتملك عن نفسه
وهذا لا يحصل بهذا الاعتاق بدون التخلية لان يده عليه تكون قائمة حقيقة وملك أهل الحرب في دار الحرب في
ديانتهم بناء على القهر الحسى والغلبة الحقيقة حتى أن العبد إذا قهر مولاه فاستولى عليه ملكه وإذا لم توجد التخلية كان
تحت يده وقهره حقيقة فلا يظهر معنى العتق هذا معنى قول المشايخ معتق بلسانه مسترق بيده بخلاف ما إذا أعتق في
دار الاسلام لان يد الاستيلاء والتملك تنقطع بثبوت العتق في دار الاسلام فيظهر معنى العتق وهو القوة الدافعة
يد الاستيلاء وبخلاف المسلم إذا أعتق عبده المسلم في دار الحرب لان المسلم لا يدين الملك لا بالاستيلاء والغلبة
الحقيقة ولو كان عبده حربيا فاعتقه المسلم في دار الحرب يعتق من غير تخلية استحسانا والقياس أن لا يعتق عندهما
كالحربي إذا أعتق عبده الحربي في دار الحرب ومنهم من جعل المسألة على الاختلاف وعلى هذا لا خلاف إذا
ملك الحربي في دار الحرب ذا رحم محرم منه انه لا يعتق عند أبي حنيفة محمد وعند أبي يوسف يعتق لان ملك القريب
يوجب العتق فكان الخلاف فيه كالخلاف في الاعتاق وأما الثاني فالاعتاق لا يخلو إما أن يكون تنجيز وإما أن
يكون تعليقا بشرط وإما أن يكون إضافة إلى وقت فإن كان تنجيزا يشترط قيام الملك وقت وجوده لان التنجيز اثبات
57

العتق للحال ولا عتق بدون الملك وإن كان تعليقا فالتعليق في الأصل نوعان تعاليق محض ليس فيه معنى المعاوضة وتعليق
فيه معنى المعاوضة فيكون تعليقا من وجه ومعاوضة من وجه والتعليق المحض نوعان أيضا تعليق بما سوى الملك
وسببه من الشروط وتعليق وتعليق بالملك أو سبب الملك وكل واحد منهما على ضربين تعليق صورة ومعنى وتعليق معنى
لا صورة فيقع الكلام في الحاصل في موضعين أحدهما في بيان أنواع التعليق ما يشترط لصحته قيام الملك وقت
وجوده وما لا يشترط والثاني في بيان ما يظهر به وجود الشرط أما الأول فالتعليق المحض بما سوى الملك وسببه
من الشروط فنحو التعليق بدخول الدار وكلام زيد وقدوم عمرو ونحو ذلك بأن يقول لعبده ان دخلت الدار فأنت
حر أو ان كلمت فلانا أو إذا قدم فلان ونحو ذلك فإنه تعليق صورة ومعنى لوجود حرف التعليق والجزاء وهذا النوع
من التعليق لا يصح الا في الملك حتى لو قال لعبد لا يملكه ان دخلت الدار فأنت حر ثم اشتراه فدخل الدار لا يعتق لان
تعليق بالشرط ليس الا اثبات العتق عند وجود الشرط لا محالة ولا عتق بدون الملك ولا يوجد الملك عند وجود
الشرط الا إذا كان موجودا عند التعليق لأن الظاهر بقاؤه إلى وقت الشرط وإذا لم يكن موجودا وقت التعليق كان
الظاهر عدمه عند وجود الشرط فلا يثبت العتق عند وجوده لا محالة ولان اليمين بغير الله عز وجل شرط وجزاء
والجزاء ما يكون غالب الوجود عند وجود الشرط أو متيقن الوجود عند وجوده لتحصيل معنى اليمين وهو التقوى على
الامتناع أو على التحصيل فإذا كان الملك ثابتا وقت التعليق كان الجزء غالب الوجود عند وجود الشرط لأن الظاهر
بقاء الملك إلى وقت الشرط فيحصل معنى اليمين وكذا أضاف اليمين إلى الملك أو سببه كان الجزاء متيقن
الوجود عند وجود الشرط فيحصل معنى اليمين فتنعقد اليمين إذا وجد التعليق في الملك حتى صلح فالعبد على ملكه في
جميع الأحكام قبل وجود الشرط وإذا وجد الشرط وهو في ملكه يعتق وان لم يكن في ملكه تنحل اليمين لا إلى جزاء
حتى لو قال لعبده ان دخلت الدار فأنت حر فباعه قبل دخول الدار فدخل الدار وهو ليس في ملكه يبطل اليمين ولو لم
يدخل حتى اشتراه ثانيا فدخل الدار عتق لان اليمين لا يبطل بزوال الملك لان في بقائها فائدة لاحتمال العود بالشراء
وغيره من أسباب الملك الا أنه لم ينزل الجزاء عند الشرط لعدم الملك فإذا أعاد الملك واليمين قائم عتق على ما ذكرنا في
الطلاق ولو قال لعبده ان بعتك فأنت حر فباعه بيعا صحيحا لا يعتق لعدم الملك له فيه عند الشرط ولو باعه بيعا فاسدا
وهو في يده حنث لو جود الملك له فيه ولو كان التعليق في الملك بشرطين يراعى قيام الملك عند وجود الشرط الأخير
عندنا خلافا لزفر حتى لو قال لعبده ان دخلت هذين الدارين فأنت حر فباعه قبل الدخول فدخل احدى الدارين
ثم اشتراه فدخل الدار الأخرى يعتق عندنا وزفر لا يعتق والمسألة مرت في كتاب الطلاق ولو قال لعبده ان
دخلت الدار فأنت حر ان كلمت فلانا يعتبر قيام الملك عندنا الدخول أيضا لأنه جعل الدخول شرط انعقاد اليمين
واليمين بالعتاق لا تنعقد في الملك أو مضافة إلى الملك أو بسببه كأنه قال له عند الدخول ان كلمت فلانا فأنت حر ولو
قال لعبده أنت حر ان شئت أو أجبت أو رضيت أو هويت أو قال لامته ان كنت تحبيني أو تبغضيني أو إذا حضت
فأنت حرة فالجواب في الطلاق وقد ذكرنا هذه المسائل وأخوتها في كتاب الطلاق ولو قال أنت حر
ان لم يشأ فلان فان قال فلان شئت في مجلس علمه لا يعتق لعدم شرطه وان قال لا أشاء يعتق لكن لا بقول لا أشاء
لان له أن يشاء في المجلس بل لبطلان المجلس لا يعتق باعراضه واشتغاله بشئ آخر بقوله لا أشاء ألا ترى أنه إذا قال إن لم
يشأ فلان اليوم فأنت حر فقال فلان شئت لا يعتق ولو قال لا أشاء لا يعتق لان له أن يشاء بعهد ذلك ما دامت المدة
باقية الا إذا مضى اليوم ولم يشأ فحينئذ يعتق ولو علق بمشيئة نفسه فقال أنت حران شئت أنا فما لم توجد المشيئة منه في
عمره لا يعتق ولا يقتصر على المجلس لان هذا ليس تفريق إذ العتاق بيده ولو قال أنت حر ان لم تشأ فان قال شئت
لا يعتق لعدم الشرط وان قال لا أشاء لا يعتق لان العدم لا يتحقق بقوله لا أشاء إذ له أن يشاء بعد ذلك إلى أن يموت
بخلاف الفصل الأول لان هناك اقتصر على المجلس فإذا قال لا أشاء فقد أعرض عن المجلس وههنا لا يقتصر على
58

المجلس فله أن يشاء بعد ذلك حتى يموت فإذا مات فقد تحقق العدم فيعتق قبل موته بلا فصل ويعتبر من ثلث المال
كوقوع العتق في المرض إذ الموت لا يخلو عن مقدمة مرض ولو قال أنت حر غدا ان شئت فالمشيئة في الغد فان شاء
في الحال لا يعتق ما لم يشأ في الغد ولو قال أنت حر ان شئت غذا فالمشيئة إليه في الحال فإذا شاء في الحال عتق غدا لان
في الفصل الأول علق الاعتاق المضاف إلى الغد بالمشيئة في الغد وفي الفصل الثاني أضاف الاعتاق
المعلق بالمشيئة إلى الغد فيقتضى تقدم المشيئة على الغد وروى عن أبي حنيفة أنه قال المشيئة في الغد في الفصلين جميعا
وقال زفر المشيئة إليه للحال في الفصلين جميعا ومن هذا القبيل قول الرجل لبعده ان أديت إلى ألفا فأنت حر لأنه تعليق
صورة ومعنى لوجود الشرط والجزاء فيصح في الملك ويتعلق العتق بوجود الشرط وهو الأداء إليه في ملكه فإذا جاء
بألف وهو في ملكه وخلى بينه وبين الألف شاء المولى أو أبى وهو تفسير الجبر على القبول الا أن القاضي يجبره على
القبض بالحبس كذا فسره محمد فقال إن العبد إذا أحضر المال بحيث يتمكن المولى من القبض عتق وهذا استحسان
والقياس أن لا يعتق ما لم يقبض أو يقبل وهو قول زفر (وجه) القياس انه علق التعتق بشرط الأداء إليه ولا يتحقق
الأداء إليه الا بالقبض ولم يوجد فلا يعتق كما لو قال إن أديت إلى عبدا فأنت حر فجاء بعبد ردئ وخلى بينه وبينه
لا يعتق ولو قبل يعتق وكذا إذا قال أديت إلى كرا من حنطة رديئة ولو قبل يعتق
وكذا إذ قال إن أديت إلى ثوبا أو دابة فأتى بثوب مطلق أو دابة مطلقة لا يعتق بدون القبول وكذا إذا قال إن أديت
إلى ألفا أحج بها أو حججت بها لا يعتق بتسليم الألف ما لم يقبل وكذا إذا قال إن أديت إلى هذا الدين من الخمر لا يعتق
بالتخلية بدون القبول (وجه) الاستحسان ان أداء المال إلى الانسان عبارة عن تسلميه إليه قال الله تبارك وتعالى
أن الله يأمركم أ ن تؤدوا الأمانات إلى أهلها أي تسلموا وقال سبحانه وتعالى خبرا عن نبيه موسى عليه الصلاة
والسلام ان أدوا إلى عباد الله أي سلموا وتسليم الشئ عبارة عن جعله سالما خالصا لا ينازعه فيه أحد وهذا يحصل
بالتخلية ولهذا كانت التخلية تسليما في الكتابة وكذا في المعاوضات المطلقة فلا يحتاج فيه إلى القبض كما لا يحتاج
إليه في الكتابة ولا معاوضات المطلقة مع ما أن التخلية تتضمن القبض لأنها تفيد التمكن من التصرف وهو تفسير
القبض لا الجعل في البراجم كما في سائر المواضع وأما المسائل فهناك لم يوجد الشرط أما مسألة العبد فلانه وان ذكر
العبد مطلقا فإنما أراد به المقيد وهو العبد المرغوب فيه لا ما ينطلق عليه اسم العبد ذلك بدلالة حاله فلا يعتق بأداء
الردئ فإذا قبل يعتق لأنه إذا قبل تبين أنه ما أراد به المقيد بل المطلق وعلم أن له فيه غرضا آخر في الجملة فلا تعتبر الدلالة
مع الصريح بخلافه حتى لو أتى بعبد جيد أو وسط وخلى يعتق وهو الجواب في مسألة الكر وأما مسألة الثوب فثم
لا يعتق ما لم يقبل ولا يعتق بأداء الوسط لان الثايب أجناس مختلفة وأنواع متفاوتة واسم الثوب يقع على كل ذلك
على الانفراد من الديباج والخز والكتاب والكرباس والصوف وكل جنس تحته أنواع فكان الوسط مجهولا جهالة
متفاحشة ولا يقع على أدنى الوسط من هذه الأجناس كما لا يقع على أدنى الردئ لان قيمة أدنى الوسط وهو
الكرباس وهو ثوب تستر به العورة مما لا يرغب فيه بمقابلة إزالة الملك عن عبد قيمته ألف ومتى بقي مجهولا لا تنقطع
المنازعة فلا يتحقق التسليم والتخلية حتى لو قال إن أديت إلى ثوبا هرويا فأنت حر يقع على الوسط وإذا جاء به يجبر على
القبول وكذا الجواب عن مسألة الدابة لان الدواب أجناس مختلفة تحتها أنواع متفاوة واسم الدابة على كل
ذلك على الانفراد حتى لو قال إن أديت إلى فرسا فأنت حر فقد قالوا إنه يقع عليلا وسط ويجبر على القبول وأما
مسألة الحج ففيها تفصيل ان قال إن أديت إلى ألفا فحججت بها فتى بالألف لا يعتق لأنه علق
العتق بشرطين فلا يعتق بوجود أحدهما ولو قال إن أديت إلى ألفا أحج بها يعتق إذا خلى ويكون وقوله أحج بها لبيان
الغرض ترغيبا للعقد في الأداء حيث يصير كسبه مصروفا إلى طاعة الله تعالى لا على سبيل الشرط ومسألة الخمر لا
رواية فيها ولكن ذكر في الكتابة انه إذا كاتب عبده على دن من خمر أو على كذا عدد من الخنازير على أنه متى أتى
59

بها فهو حر فقبل يكون كتابة فاسدة فلو جاء بها المكاتب وخلى بينه وبينها يعتق لوجود الشرط ويلزمه قيمة نفسه
فيجوز ان يقاس عليه ويقال يعتق ههنا بالتخلية أيضا وقال بعض المشايخ ان العتق في هذا الفصل ثبت من طريق
المعاوضة لا بوجود الشرط حقيقة كما في الكتابة والصحيح انه ثبت بوجود الشرط حقيقة كما سائر التعليقات
بشروطها لا بطريق المعاوضة والمسائل تدل عليها فإنه ذكر عن بشر بن الوليد أنه قال سمعت أبا يوسف قال في رجل
قال لعبده إذا أديت إلى ألفا فأنت حر أو متى أديت أو ان أديت فان أبا حنيفة قال ليس هذا بمكاتب وللمولى أن يبيعه
وكذا قال أبو يوسف ومحمد فان أدى قبل ان يبيعه فان أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا قالوا يجبر المولى على قبوله ويعتق
استحسانا فان مات المولى قبل ان يؤدى الألف فالعبد رقيق يورث مع اكسابه بخلاف الكتابة ولو مات العبد
قبل الأداء وترك مالا فماله كله للمولى ولا يؤدى عنه فيعتق بخلاف المكاتب وان بقي بعد الأداء في يده مال مما
اكتسبه فهو للمولى بخلاف المكاتب لان المكاتب في يد نفسه ولا سبيل للمولى على اكسابه مع بقاء الكتابة
فبعد الحرية أولى وقالوا إن المولى لو باعه قبل الأداء صح كما في قوله لعبده ان دخلت الدار فأنت حر بخلاف
المكاتب فإنه لا يجوز بيعه من غير رضا المكاتب وإذا رضى تنفسخ المكاتبة ولو قال لعبدين له ان أديتما إلى ألفا
فأنتما حران فان أدى أحدهما حصته لم يعتق أحدهما لأنه علق العتق بأداء الألف ولم يوجد وكذا إذا أدى أحدهما
الألف كلها من عنده لأنه جعل شرط عتقهما أداءهما جميعا الألف ولم يوجد الألف فلا يعتقان كما إذا قال لهما ان
دخلتما هاتين الدارين فأنتما حران فدخل أحدهما لا يعتق ما لم يدخل الآخر وان أدى أحدهما الألف كلها وقال
خمسمائة من عندي وخمسمائة أخرى بعث بها صاحبي ليؤديها إليك عتقا لوجود الشرط وهو أداء الألف منهما
حصة أحدهما بطريق الأصالة وحصة الآخر بطريق النيابة لان هذا باب ترى فيه النيابة فقام أداؤه مقام أداء
صاحبه ولو أدى عنهما رجل آخر لم يعتقا لعدم الشرط وهو أداؤهما وأما إذا أدى الأجنبي الألف وقال أؤديها إليك
على أنهما حران فقبلها المولى على ذلك عتقا لان هذا بمنزلة التعليق بشرط آخر مع الأجنبي كأنه قال له ان أديت إلى ألفا
فعبدي حر ويرد المال إلى المولى لان المولى لا يستحق المال بعتق عبده قبل الغير ولان منفعة هذا العتق تحصل له فلا
يجوز ان يستحق بذلك على الغير مالا بخلاف ما إذا قال لآخر طلق امرأتك على ألفي هذه ودفع إليه فطلق ان الألف
تكون للمطلق لان الزوج لم يحصل بالطلاق منفعة إذ هو اسقاط حق والأجنبي صار متبرعا عنها بذلك فأشبه ما إذا
قضى عنها دينا بخلاف العتق لأنه حصلت للمولى منفعة وهو الولاء فلا يجوز أن يستحق بدلا على الغير ولو أداها
الأجنبي وقال هما أمراني أن أؤديها عنهما فقبلها المولى عتقا لوجود الشرط لأنه يجوز أن يكون الرجل رسولا عنهما
فأداء الرسول أداء المرسل فان أدى العبد من مال اكتسبه قبل القبول عتق لوجود الشرط ويرجع المولى عليه
بمثله لان المولى ما اذن له بالأداء من هذا الكسب لان الاذن ثبت بمقتضى القبول والكسب كان قبل القبول فصار
بمنزلة المغصوب بان غصب ألفا من رجل وأدى ولم يجز المغصوب منه أداءه فان العبد يعتق لوجود الشرط وللغاصب
أن يسترد المغصوب وللمولى ان يرجع على العبد بمثلها وان أدى من مال اكتسبه بعد القبول صح الأداء وعتق العبد
ولا يرجع المولى على العبد بمثله بعد العتق استحسانا والقياس ان يرجع لأنه أدى مال المولى فيرجع عليه كما لو اكتسبه
قبل القبول بخلاف المكاتب لأنه أدى من مال نفسه لان اكتسابه ملكه الا انهم استحسنوا فقالوا إنه لا يرجع لأنه
أدى بإذن المولى فكان اقدامه على هذا القبول اذنا له بالتجارة دلالة لأنه لا يتوصل إلى أداء الألف الا بالتجارة فيصير
مأذونا في التجارة فقد حصل الأداء من كسب هو مأذون في الأداء منه من جهة المولى فلا يستحق الرجوع عليه
أو نقول الكسب الحاصل بعد القبول ليس على حكم ملك المولى في القدر الذي يؤدى ككسب المكاتب فصار
من هذا الوجه كالمكاتب ولو كانت هذه أمة فولدت ثم أدت لم يعتق ولدها بخلاف المكاتبة إذا ولدت ثم أدت
فعتقت انه يعتق ولدها ولو قال العبد للمولى حط عنى مائة فحط عنه فادى تسعمائة لم يعتق لان الشرط لم يوجد بخلاف
60

الكتابة فان العتق فيها يثبت بطريق المعاوضة والحط يلتحق بأصل العفو في المعاوضات كالبيع وكذا لو أدى
مكان الدارهم دنانير لا يعتق وان قبل لعدم الشرط ولو قال لعبده ان خدمتني سنة فأنت حر فخدمه أقل من سنة
لم يعتق حتى يكمل خدمته وكذا ان صالحه من الخدمة على دراهم أو من الدراهم التي جعل عليه على دنانير وكذا إذا
قال أخدم أولادي سنة وأنت حر فمات بعضهم قبل تمام السنة لم يعتق وهذا كله دليل على أن العتق ثبت بوجود
الشرط حقيقة فلا يختلف الحكم فيه بالرضا وعدمه واسقاط بعض الشرط كما في سائر الأزمان ألا يرى أنه إذا قال له
ان دخلت هاتين الدارين فأنت حر فدخل إحداهما وقال المولى أسقط عنك دخول الأخرى لا يسقط كذا
هذا ولو أبرأ المولى العبد من الألف لم يعتق لعدم الشرط وهو الأداء ولو أبرأ المكاتب عن بدل الكتابة يعتق وذكر
محمد في الزيادات انه إذا قال إن أديت لي ألفا في كيس أبيض فأنت حر فاداها في كيس أسود لا يعتق وفي الكتابة
يعتق وهذا نص على أن العتق ههنا بوجود الشرط لا من طريق المعاوضة بخلاف الكتابة وان باع هذا العبد
ثم اشتراه وأدى إليه يجبر على القبول عند أبي يوسف وقال محمد في الزيادات لا يجبر على قبولها عتق وذكر
القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه لا يجبر على القبول ولم يذكر الخلاف وعلى هذا إذا رده عليه بعيب أو خيار
وجه قول أبى يوسف ظاهر مطرد على الأصل لأنه عتق تعلق بالشرط والجزاء لا يتقيد بالملك القائم فكان حكمه في
الملك الثاني كحكمه في الملك الأول كما في قوله إن دخلت الدار فأنت حر فباعه ثم اشتراه فدخل وأما الوجه لمحمد فهو ان
دلالة الحال دلت على التقييد بالملك القائم ظاهرا لان غرضه من التعليق بالأداء تحريضه على الكسب ليصل إليه المال
وذلك في المال القائم وأكد ذلك بوجود العتق المرغب له في الكسب مع احتمال ان المراد منه مطلق الملك فإذا أتى
بالمال بعد ما باعه واشتراه فلم يقبل لا يعتق لتقيده بالملك القائم ظاهرا بدلالة الحال وإذا قبل يعتق لأنه تبين ان المراد منه
المطلق ولو قال لامته إذا أديت إلى ألف كل شهر مائة فأنت حرة فقبلت ذلك فليس هذا بكتابة وله ان يبيعها ما لم تؤد
وان كسرت شهرا لم تؤد إليه ثم أدت إليه في غير ذلك الشهر لم تعتق كذا ذكر في رواية أبى حفص وهشام وذكر
في رواية أخرى وقال هذه مكاتبة وليس له أن يبيعها وان كسرت شهرا واحدا ثم أدت في غير ذلك الشهر كان جائزا
وجه هذه الرواية انه أدخل فيه الأجل انه كتابة وجه رواية أبى حفص ان هذا تعليق العتق بشرط في وقت
وهذا لا يدل على أنه كتابة كما لو قال لها ان دخلت دار فلان اليوم أو دار فلان غدا فأنت حرة لا يكون ذلك كتابة
وان أدخل الأجل فيه والدليل على أن الصحيح هذه الرواية انه إذا قال لها إذا أديت إلى ألفا في هذا الشهر فأنت
حرة فلم تؤدها في ذلك الشهر وأدتها في غيره لم تعتق ولو كان ذلك كتابة لما بطل ذلك الا بحكم الحاكم أو بتراضيهما
فدل ان هذا ليس بكتابة بل هو تعليق بشرط لكن بوقت دون وقت ثم التعليق بالأداء هل يقتصر على المجلس فان
قال متى أديت أو متى ما أديت أو ان ما أديت فلا شك ان هذا كله لا يقتصر على المجلس لان في هذه الألفاظ معنى
الوقت وان قال إن أديت إلى ذكر في الأصل انه يقتصر على المجلس وظاهر ما رواه بشر عن أبي يوسف يدل انه
لا يقتصر على المجلس فإنه قال في رواية عن أبي يوسف أنه قال في رجل قال لعبده ان أديت إلى ألفا فأنت حر أو متى
أديت أو ان أديت فقد سوى بين هذه الكلمات ثم فكلمة إذا أو متى لا يقتصر على المجلس فكذا في كلمة ان وكذا
ذكر بشر ما يدل عليه فإنه قال عطفا على روايته عن أبي يوسف ان المولى إذا باعه ثم اشتراه فأدى المال عتق ويبعد ان
ينفذ البيع والشراء وأداء المال في مجلس واحد وهذا يدل على أن العتق لا يقتصر على المجلس في الألفاظ كلها والوجه
فيه ظاهر لأنه عتق معلق بالشرط فلا يقف على المجلس كالتعليق بسائر الشروط من قوله إن دخلت الدار فأنت حر
وغير ذلك وجه رواية الأصل ان العتق المعلق بالأداء معلق باختيار العبد فصار كأنه قال أنت حر ان شئت
ولو قال إن شئت يقتصر على المجلس ولو قال إذا شئت أو متى شئت لا يقتصر على المجلس كذا ههنا وسواء أدى
الألف جملة واحدة أو على التفاريق خمسة وعشرة وعشرين انه يجبر على القبول حتى إذا تم الألف يعتق لأنه علق
61

العتق بأداء الألف مطلقا وقد أدى وروى ابن رستم عن محمد فيمن قال لعبده في مرضه إذا أديت إلى ألف فأنت حر
وقيمة العبد ألف فأداها من مال اكتسبه بعد القول فإنه يعتق من جميع المال استحسن أبو حنيفة ذلك وقال زفر
يعتق من الثلث وهو القياس ووجهه أن الكسب حصل على ملك المولى لأنه كسب عبده فإذا أسقط حقه عن الرقبة
كان متبرعا فيعتبر من الثلث كما لو أعتقه ابتداء بخلاف الكتابة لان المولى لا يملك اكساب العبد المكاتب
فكان كسبه عوضا عن الرقبة فيعتق من جميع المال وجه الاستحسان أن القدر الذي يؤدى من الكسب الحاصل
بعد القول ليس على ملك المولى ككسب المكاتب لان المولى أطعمه العتق بأدائه إليه فصار تعليق العتق به سببا داعيا
إلى تحصيله فصار كسبه من هذا الوجه بمنزلة كسب المكاتب ولو قال له أد إلى ألف وأنت حر فما لم يؤد لا يعتق لأنه أتى
بجواب الامر لان جواب الامر بالواو فيقتضى وجوب ما تعلق بالامر وهو الأداء ولو قال أد إلى ألفا فأنت حر فلا
رواية في هذا وقيل هذا والأول سواء لا يعتق الا بأداء المال إليه لان جواب الامر قد يكون بحرف الفاء ولو قال أد إلى
ألفا أنت حر يعتق للحال أدى أو لم يؤد لأنه لم يوجد ما يوجب تعلق العتق بالأداء حيث لم يأت بحرف الجواب والله
عز وجل أعلم ومن هذا القبيل إذا قال لامته ان ولدت ولدا فهو حر أو قال إذا ولدت ولدا فهو حر ويعتبر لصحة قيام
الملك في الأمة وقت التعليق كما في قوله إن ولدت فأنت حرة لان الملك إذا كان ثابتا في الأمة وقت التصرف
فالظاهر بقاؤه إلى وقت الولادة فلا حاجة إلى إضافة الولادة إلى الملك فيصح فإذا صح التعليق فكل ولد تلده في
ملكه يعتق وان ولدت في غير ملكه لا يعتق وتبطل اليمين بان ولدت بعدما مات المولى أو بعدما باعها ولو ضرب
ضارب بطنها فألقت جنينا ميتا كان فيه ما في جنين الأمة لان الحرية تحصل بعد الولادة والضرب حصل قبل الولادة
فكان عبدا فلا يجب ضمان الحر ولو قال إذا حملت بولد فهو حر كان فيهما في جنين الحرة لان الحرية تحصل منها للحمل
فالضرب صادفه وهو حر الا أنا لا نحكم به ما لم تلد لأنا لا نعلم بوجوده فإذا ألقت فقد علمنا بوجوده وقت الضرب فان
قيل الحرية لا تثبت الا بعد حدوث الحياة فيه ولا نعلم ذلك فكيف يحكم بحريته فالجواب أنه لما حكم الشرع بالأرش
على الضارب فقد صار محكوما بحدوث الحياة فيه لان الأرش لا يجب الا باتلاف الحي ولو باعها المولى فولدت عند
المشترى قبل مضى ستة أشهر كان الولد حرا والبيع باطل لأنا تيقنا أنه باعها والحمل موجود والحرية ثابتة فيه وحرية
الحمل تمنع جواز بيع الام لما مر وان ولدته لستة شهر فصاعدا لم يعتق لأنا لم نتيقن بحصول الولد يوم البيع فلا يجوز
فسخ البيع واثبات الحرية ولو قال لامته إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة فولدت غلاما وجارية فهذا لا يخلو
من أوجه اما ان علم أيهما ولد أولا بان اتفق المولى على أنهما يعلمان ذلك واما ان لم يعلم بان اتفقا على أنهما
لا يعلمان واما ان اختلفا في ذلك فان علم أيهما ولد أولا فإن كان الغلام هو الأول فهو رقيق لان المعلق بولادته عتق
الام وهي إنما تعتق بعد الولادة فكان انفصال الولد على حكم الرق فلا يؤثر فيه عتق الام وتعتق الام بوجود الشرط
وتعتق الجارية بعتقها وإن كانت الجارية هي الأولى لم يعتق واحد منهم لعدم شرط العتق وان لم يعلم فالغلام رقيق على
كل حال لأنه لا حال له في الحرية أصلا سواء كان متقدما في الولادة أو متأخرا لأنه إن كان أولا فذاك شرط عتق
أمه لا شرط عتقه وعتق أمه لا يؤثر فيه لما بينا وإن كانت الجارية أولا فولادتها لم تجعل شرط العتق في حق أحد فلم
يكن للغلام حال في الحرية رأسا فكان رقيقا على كل حال وأما الجارية والام فيعتق من كل واحدة منهما نصفها
وتسعى في نصف قيمتها لان كل واحدة منهما تعتق في حال وترق في حال لان الغلام إن كان أولا عتقت الام والجارية
أما الام فلوجود شرط العتق فيها وأما الجارية فلعتق الام لان الام إذا عتقت عتقت الجارية بعتق الام تبعا لها فعتقتا
جميعا وإن كانت الجارية أولا لا يعتقان لأنه لم يوجد شرط العتق في الام وإذا لم تعتق الام لا تعتق الجارية لان عتقها
بعتقها فإذا هما يعتقان في حال ويرقان في حال فيتنصف العتق فيهما فيعتق من كل واحدة منهما نصفها على الأصل
المعهود لأصحابنا في اعتبار الأحوال عند اشتباهها والعمل بالدليلين بقدر الامكان وروى عن محمد أنه يستحلف
62

المولى على علمه بالله تعالى ما يعلم الغلام ولد أولا فان نكل عن اليمين عتقت الام وابنتها وكان الغلام عبدا وان حلف
كانوا جميعا أرقاء وكذلك إذا لم يخاصم المولى حتى مات وخوصم وارثه بعده فأقر أنه لا يدرى وحلف بالله تعالى ما يعلم
الغلام ولد أولا رقوا ووجه هذه الرواية أن الأحوال إنما تعتبر عند تعذر البيان والبيان ههنا ممكن بالرجوع إلى قول
الحالف فلا تعتبر الأحوال والجواب انه لا سبيل إلى البيان باليمين ههنا لان الخصمين متفقان على أنهما لا يعلمان
الأول منهما فلا يجوز للقاضي أن يكلف المولى الحلف على أنه لا يعلم الأول منهما مع تصادقهما على ذلك وان اختلفا
فالقول قول المولى ان الجارية هي الأولى لأنه ينكر العتق ولو قال لامته إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة وإن كان
ت جارية فهي حرة فولدت غلاما وجارية فان علم أن الغلام كان أولا عتقت الام والجارية لا غير أما الام فلوجود
الشرط وأما الجارية فلعتق الام وأما رق الغلام فلانفصاله على حكم الرق فلا يؤثر فيه عتق الام وان علم أن الجارية
كانت هي الأولى عتقت هي لا غير لان المعلق بولادتها عتقها لا غير وعتقها لا يؤثر في غيرها وان لم يعلم أيهما أول
فالجارية حرة على كل حال والغلام عبد على كل حال ويعتق نصف الام وتسعى في نصف قيمتها أما حرية الجارية
على كل حال فلانه لا حال لها في الرق لان الغلام إن كان أولا عتقت الجارية لان أمها تعتق فتعتق هي بعتق الام وإن كان
ت الجارية أولا فقد عتقت لوجود شرط العتق في حقها فكانت حرة على كل حال وأما رق الغلام على كل حال
فلانه ليس له حال في الحرية سواء ولد أولا أو آخرا وأما الام فإنما يعتق نصفها لأنها تعتق في حال وترق في حال لان
الغلام إن كان هو الأول تعتق الام والجارية أيضا بعتق الام وإن كانت الجارية أولا تعتق الجارية لا غير لان المعلق
به عتقها لا غير وعتقها لا يتعدى إلى عتق الام فإذا تعتق الام في حال ولا تعتق في حال فيعتق نصفها اعتبارا للأحوال
وان اختلفا فالقول قول المولى لما بينا ولو قال لها إن كان أول ولد تلدينه غلاما فهو حر وإن كان جارية فأنت حرة
فولدت غلاما وجارية فان علم أن الغلام ولد أولا عتق هو لا غير وان علم أن الجارية ولدت أولا عتقت الام والغلام
لا غير وان لم يعلم أيهما ولد أولا فالغلام حر على كل حال لأنه لا حال له في الرق سواء كان أولا أو آخرا والجارية رقيقة
على كل حال لأنه لا حال لها في الحرية تقدمت في الولادة أو تأخرت لان الغلام إن كان هو الأول لا يعتق الا هو وإن كان
ت الجارية هي الأولى لا تعتق الا الام والغلام فلم يكن للجارية حال في الحرية فبقيت رقيقة والام يعتق منها
نصفها وتسعى في نصف قيمتها لان الجارية إن كانت هي الأولى تعتق الام كلها وإن كان الغلام هو الأول لا يعتق شئ
منها فتعتق في حال ولا تعتق في حال فيعتق نصفها وتسعى في النصف اعتبارا للحالين وعملا بهما بقدر الامكان وان
اختلفا فالقول قول المولى لما ذكرنا هذا إذا ولدت غلاما وجارية فاما إذا ولدت غلامين وجاريتين والمسألة بحالها فان
علم أولهم أنه ابن يعتق هو لا غير لان المعلق عتقه لا غير يعتق هو لا غير عند وجود الشرط وان علم أنه جارية فهي رقيقة
ومن سواها أحرار لأنه جعل ولادتها أولا شرط حرية الام فإذا وجد الشرط عتقت الام ويعتق كل من ولد بعد ذلك
بعتق الام تبعا لها وان لم يعلم من كان أولهم يعتق من الغلامين كل واحد منهما ثلاثة أرباعه ويسعى في ربع قيمته
ويعتق من الام نصفها وتسعى في نصف قيمتها ويعتق من البنتين من كل واحدة منهما ربعها وتسعى في ثلاثة أرباع
قيمتها وإنما كان كذلك أما الغلامان فلان أول من ولدت إن كان غلاما عتق الغلام كله لوجود الشرط وإن كان
جارية عتق الغلامان لان الام تعتق ويعتق كل من ولد بعد ذلك وهم الغلامان والجارية الأخرى وقد تيقنا بحرية
أحد الغلامين وشككنا في الآخر وله حالتان يعتق في حال ولا يعتق في حال فيجعل ذلك نصفين فيعتق غلام
واحد ونصف من الآخر ولا يعلم أيهما عتق كله وأيهما عتق نصفه فاستويا في ذلك وليس أحدهما في ذلك بأولى
من الاخر فيعتق من كل واحد منهما ثلاثة أرباعه ويسعى في ربع قيمته وأما الام فإنها تعتق في حال ولا تعتق
في حال لان أول ما ولدت إن كان غلاما لا تعتق أصلا وإن كان جارية تعتق فتعتق في حال وترق في حال فيعتق
نصفها وتسعى في نصفها وأما الجاريتان فإحداهما أمة بلا شك لان أول ما ولدت إن كان غلاما فهما رقيقان
63

وإن كانت جارية فان الأولى لا تعتق وتعتق الأخرى بعتق الام فإذا في حالة لهما حرية واحدة وفي حالة
لا شئ لهما فيثبت لهما نصف ذلك وليست إحداهما بأولى من الأخرى فيصير ذلك بينهما نصفين وهو ربع الكل
فيعتق من كل واحدة منهما ربعها وتسعى في ثلاثة أرباع قيمتها والله عز وجل أعلم ولو قال لامته ان ولدت غلاما ثم
جارية فأنت حرة وان ولدت جارية ثم غلاما فالغلام حر فولدت غلاما وجارية فإن كان الغلام أولا عتقت الام
لوجود شرط عتقها والغلام والجارية رقيقان لانفصالهما على حكم الرق وعتق الام لا يؤثر فيهما وإن كانت الجارية أولا
عتق الغلام لوجود الشرط والام والجارية رقيقتان لان عتق الغلام لا يؤثر فيهما وان لم يعلم أيهما أولا واتفقا على أنهما
لا يعلمان ذلك فالجارية رقيقة لأنه لا حال لها في الحرية لأنها ترق في جميع الأحوال وأما الغلام والام فإنه يعتق من كل
واحد منهما نصفه ويسعى في نصف قيمته لان كل واحد منهما يعتق في حال ويرق في حال فيعتق نصفه ويسعى في
نصف قيمته وإذا اختلفا فالقول قول المولى مع يمينه على علمه هذا إذا ولدت غلاما وجارية فاما إذا ولد غلامين
وجاريتين والمسألة بحالها فان ولدت غلامين ثم جاريتين عتقت الام لوجود الشرط وعتقت الجارية الثانية بعتقها وبقى
الغلامان والجارية الأولى أرقاء وان ولدت غلاما ثم جاريتين ثم غلاما عتقت الام لوجود الشرط والجارية الثانية
والغلام الثاني بعتق الام وان ولد غلاما ثم جارية ثم غلاما ثم جارية عتقت الام لوجود الشرط والغلام الثاني والجارية
الثانية بعتق الام وان ولدت جاريتين ثم غلامين عتق الغلام الأول لوجود الشرط والغلام الثاني والجارية الثانية
بعتق الام وان ولدت جاريتين ثم غلامين عتق الغلام الأول لوجود الشرط وبقى من سواه رقيقا وكذلك إذا ولدت
جارية ثم غلامين ثم جارية عتق الغلام الأول لا غير لوجود شرط العتق في حقه لا غير وكذلك إذا ولدت جارية ثم
غلاما ثم جارية ثم غلاما عتق الغلام الأول لا غير لما قلنا وان لم يعلم بان اتفقوا على أنهم لا يعلمون أيهم الأول يعتق من
الأولاد من كل واحد ربعه لان أحد الغلامين مع احدى الجاريتين رقيقان على كل حال لأنه ليس لهما حال في
الحرية والجارية الأخرى والغلام الآخر يعتق كل واحد منهما في حال ويرق في حال فيعتق من كل واحد نصفه
فما أصاب الجارية يكون بينها وبين الجارية الأخرى نصفين إذ ليست إحداهما بأولى من الأخرى فيعتق من كل
واحدة ربعها وكذلك ما أصاب الغلام يكن بينه وبين الغلام الاخر نصفين لما قلنا وأما الام فيعتق منها نصفها لأنه
أن سبق ولادة الغلام فتعتق لوجود الشرط وان سبقت ولادة الجارية لا تعتق فيعتق نصفها وتسعى في نصف قيمتها
وان اختلفوا فالقول قول المولى مع يمينه على علمه لما قلنا ولو قال لها ان ولدت ما في بطنك فهو حر فان جاءت به لأقل
من ستة أشهر من يوم حلف عتق ما في بطنها وان جاءت به لستة أشهر فصاعدا لا يعتق لأنها إذا جاءت به لأقل من
ستة أشهر تيقنا بكونه موجودا وقت التعليق لان الولد لا يولد لأقل من ستة أشهر فتيقنا بكونه داخلا تحت الايجاب
وإذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا لم نتيقن بوجوده بل يحتمل ان لا يكون موجودا ثم وجد بعد فلا يدخل تحت
الايجاب مع الشك وكذا إذا قال لها ما في بطنك حر الا انه ههنا يعتق من يوم حلف وفي الفصل الأول يوم تلد لان
هناك شرط الولادة ولم تشترط ههنا ولو قال لها إذا حملت فأنت حرة فولدت لأقل من سنتين أو لسنتين من وقت
الكلام لا تعتق وان ولدت لأكثر من سنتين تعتق لان يمينه يقع على حمل يحدث بعد اليمين فإذا ولدت لأقل من
سنتين أو لسنتين يحتمل انها كانت حبلى من وقت الكلام لا تعتق وان ولدت لأكثر من سنتين أو لسنتين يحتمل انها
كانت حبلى وقت اليمين ويحتمل انه حدث الحمل بعد اليمين فيقع الشك في شرط ثبوت الحرية فلا تثبت الحرية مع
الشك فاما إذا ولدتا لأكثر من سنتين فقد تيقنا ان الحمل حصل بعد اليمين لان الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين
فقد وجد شرط العتق وهو الحمل بعد اليمين فيعتق فان قيل أليس ان من أصلكم ان الوطئ إذا كان مباحا تقدر مدة
الحبل بستة أشهر فهلا قدرتم ههنا كذلك فالجواب ان هذا من أصلنا فيما لم يكن فيه اثبات رجعة أو اعتاق بالشك ولو
جعلنا مدة الحمل ههنا ستة أشهر لكان فيه اثبات العتق بالشك وهذا لا يجوز ثم إن ولدت بعد المقالة لأكثر من سنتين
64

حتى عتقت وقد كان وطئها قبل الولادة فان وطئها قبل الولادة لأقل من ستة أشهر فعليه العقر وان وطئها قبل الولادة
لستة أشهر فصاعدا الا عقر عليه لأنها إذا ولدت لأقل من ستة أشهر منذ وطئها علم أنه وطئها وهي حامل لان الحمل
لا يكون أقل من ستة أشهر فإذا وضعت لأقل من ستة أشهر بعد الوطئ علم أن العلوق حصل قبل هذا الوطئ فيجب
عليه العقر لأنه علم أنه وطئها بعد ثبوت الحرية فإذا ولدت لستة أشهر فصاعدا من وقت الوطئ يحتمل ان الحمل حصل
بذلك الوطئ فلا يجب العقر لان الوطئ لم يصادف الحرية ويحتمل انه حصل بوطئ قبله فيجب العقر فيقع الشك في
وجوب العقر فلا يجب مع الشك وينبغي في الورع والتنزه إذا قال لها هذه المقالة ثم وطئها ان يعتزلها حتى يعلم أحامل
أم لا فان حاضت وطئها بعد ما طهرت من حيضها لجواز انها قد حملت بذلك الوطئ فعتقت فإذا وطئها بعد ذلك كان
وطئ الحرة فيكون حرا ما فيعتزلها صيانة لنفسه عن الحرام فإذا حاضت تبين ان الحمل لم يوجد إذا الحامل لا تحيض ولهذا
تستبرأ الجارية المشتراة بحيضة لدلالتها على فراغ الرحم ولو باع هذه الجارية قبل ان تلد ثم ولدت في يد المشترى ينظر
ان ولدت لأقل من سنتين أو لسنتين بعد اليمين يصح البيع لجواز ان الولد حدث بعد اليمين فلا يبطل البيع بالشك وان
ولدت لأقل من سنتين بعد اليمين ينظر إن كان ذلك لأقل من ستة أشهر قبل البيع لا يجوز البيع لأنه حدث الولد قبل
البيع فعتقت هي ولدها وبيع الحر لا يجوز وإن كان ذلك لستة أشهر فصاعدا من وقت البيع فإنها تعتق لان من
الجائز ان الولد حدث بعد البيع والبيع قد صح ف لا يفسخ بالشك ولو قال لها إن كان حملك غلاما فأنت حرة وإن كان
جارية فهي حرة فكان حملها غلاما وجارية لم يعتق أجد منهم لان الحمل اسم لجميع ما في الرحم قال الله تعالى وأولات
الأحمال أجلهن يضعن حملهن والمراد منه جميع ما في البطن حتى لا تنقضي العدة الا بوضع جميع ما في الرحم وليس
كل الحمل الغلام وحده ولا الجارية وحدها بل بعضه غلام وبضعه جارية فصار كأنه قال إن كان كل حملك غلاما
فأنت حرة وإن كان كل حملك جارية فهي حرة فولدت غلاما وجارية فلا يعتق أحدهم وكذلك لو قال إن كان ما في
بطنك لان هذا عبارة عن جميع ما في بطنها ولو قال إن كان في بطنك عتق الغلام والجارية لان قوله إن كان في بطنك
غلام ليس عبارة عن جميع ما في البطن بل يقتضى وجوده وقد وجد غلام ووجد أيضا جارية فعتقا ولو قال لها ان
كنت حبلى فأنت حرة فولدت لأقل من ستة أشهر فهي حر ة وولدها وان ولدت لستة أشهر أو أكثر لم يعتق لان أقل
مدة الحمل ستة أشهر فإذا أتت لأقل من ستة أشهر علم أن الحمل كان موجودا وقت اليمين فعتق الام لوجود شرط
عتقها وهو كونها حاملا وقت اليمين ويعتق الحمل بعتقها تبعا لها وإذا أتت لستة أشهر أو أكثر يحتمل أن يكون بحمل
حادث بعد اليمين فلا يعتق ويحتمل أن يكون بحمل موجود وقت اليمين فيعتق فوقع الشك في العتق فلا يعتق مع الشك
ومن هذا القبيل التدبير والاستيلاد لان كل واحد منهما تعليق العتق بشرط الموت الا ان التدبير تعليق بالشرط
قولا والاستيلاد تعليق بالشرط فعلا لكن الشرط فيهما يدخل وعلى الحكم لا على السبب ولكل واحد منهما كتاب
مفرد وأما التعليق المحض بما سوى الملك وسببه معنى لا صورة فنحو أن يقول لامته كل ولد تلد ينه فهو حر وهذا ليس
بتعليق من حيث الصورة لانعدام حرف التعليق وهو ان إذا ونحو ذلك لا كلمة كل ليست كلمة تعليق بل هي كلمة
الإحاطة بما دخلت عليه لكنه تعليق من حيث المعنى لوجود معنى التعليق فيه لأنه أوقع العتق على موصوف بصفة
وهو الولد الذي تلده فيتوقف وقوع العتق على اتصافه بتلك الصفة كما يتوقف على وجود الشرط المعلق به صريحا
في قوله إن ولدت ولدا أو أن دخلت الدار ونحو ذلك فكان معنى التعليق موجودا فيه فلا يصح الا إذا كانت الأمة
في ملكه وقت التعليق حتى لو قال لامه لا يملكها كل ولد تلدينه فهو حر لا يصح حتى لو اشتراها فولدت منه ولدا لا يعتق
الولد لعدم الملك وقت التعليق وعدم الإضافة الملك وسببه ويصح إذا كانت الأمة في ملكه وقت التعليق وقيام
أملك في الأمة يكفي لصحة ولا ولا يشترط إضافة الولادة إلى الملك للصحة بأن يقول كل ولد تلدينه أنت في ملكي فهو حر لما بينا فيما تقدم ثم إن ولدت في ملكه يعتق الولد لوجود الشرط في الملك وان ولدت في غير ملكه
65

لا يعتق لعدم الملك وتبطل اليمين لوجود الشرط كما إذا قال لعبده ان دخلت الدار فأنت حر فباعه فدخل الدار يبطل
اليمين حتى لو اشتراه ثانيا فيدخل الدار لا يعتق كذا هذا وعلى هذا إذا قال لعبد يملكه أو لا يملكه كل ولد يولد لك فهو
حر فولد له ولد من أمة فإن كانت الأمة ملك الحالف يوم حلف عتق الولد والا فلا وينظر في ذلك إلى ملك الأمة لا إلى
ملك العبد لان الولد في الرق والحرية يتبع الام لا الأب فإذا كانت الأمة على ملكه وقت التكلم فالظاهر بقاء الملك
فيها إلى وقت الولادة وملك الام سبب ثبوت ملك الولد فصار كأنه قال كل ولد يولد كل من أمة لي فهو حر فإذا لم تكن
الأمة مملوكة له في الحال فالظاهر بقاؤه على العدم لا يوجد ملك الولد وقت الولادة ظاهرا فلم يوجد التعليق في الملك
ولا الإضافة إلى الملك فلا يصح هذا إذا ولد الولد من أمة مملوكة للحالف من نكاح فاما إذا ولد منها من سفاح بان زنى
الغلام بها فولدت منه هل يعتق أم لا فقد اختلف المشايخ فيه وهي من مسائل الجامع ولو قال لامته أول ولد تلدينه فهو
حر أو ان ولدت ولدا فهو حر فولدت ولدا ميتا ثم ولدت حيا لا شك في أنه لا يعتق الولد الميت وإن كان الولد
الميت ولدا حقيقة وهل يعتق الولد الحي قال أبو حنيفة يعتق وقال أبو يوسف ومحمد لا يعتق وحاصل الكلام يرجع
إلى كيفية الشرط ان الشرط ولادة ولد مطلق أو ولادة ولد حي فعندهما الشرط ولادة ولد مطلق فإذا ولدت ولدا
ميتا فقد وجد الشرط فينحل اليمين فلا يتصور نزول الجزاء بعد ذلك وعند أبي حنيفة الشرط ولادة ولد حي فلم
يتحقق الشرط بولادة ولد ميت فيبقى اليمين فينزل الجزاء عند وجود الشرط وهو ولادة ولد حي وجه قولهما ان
الحالف جعل الشرط ولادة مطلق لأنه أطلق اسم الولد ولم يقيده بصفة الحياة والموت والولد الميت ولد حقيقة
حتى تصير المرأة به نفساء وتنقضي به العدة وتصير الجارية أم ولد له ولهذا لو كان المعلق عتق عبد آخر أو طلاق امرأة
نزل عند ولادة ولد ميت وكذا إذا قال لها ان ولدت ولدا فهو حر وعبدي فلان فولدت ولدا ميتا عتق بعده ولو لم تكن
هذه الولادة شرطا لما عتق فإذا ولدت ولدا ميتا فقد وجد الشرط لكن المحل غير قابل للجزاء فينحل اليمين لا إلى
جزاء وتبطل كما إذا قال لعبده ان دخلت الدار فأنت حر فباعه قبل الدخول ثم دخل تنحل اليمين لكن لا إلى جزاء
حتى لو اشتراه ودخل لا يعتق وان أمكن تقييد التعليق بالملك كأنه قال إن دخلت الدار وأنت في ملكي مع ذلك لم يتقيد
به كذا ههنا ولأبي حنيفة ان الايجاب أضيف إلى محل قابل للحرية إذ العاقل الذي يقصد ايجاب الحرية فيما لا يحتمل
الحرية لأنه سفه والقابل للحرية هو الولد الحي فيتقيد به كأنه قال أول ولد ولدتيه حيا فهو حر كما إذا قال لآخر ان
ضربتك فعبدي حر انه يتقيد بحال الحياة للمضروب حتى لو ضربه بعد موته لا يحنث لعدم قبول المحل للضرب كذا
ههنا ولا فرق سوى ان ههنا تقيد لنزول الجزاء وهناك تقيد لتحقق الشرط بخلاف ما إذا علق بالولادة عتق عبد
آخر أو طلاق امرأته لان هناك المحل المضاف إليه الايجاب قابل للعتاق والطلاق فلا ضرورة إلى التقييد بحياة الولد
كما إذا قال لها ان ولدت ولدا فأنت حرة أو قال ولد تلدينه فأنت حرة فولدت ميتا عتقت وههنا بخلافه وهو
الجواب عن قوله إذا ولدت ولدا فهو حر وعبدي فلان ان ولادة الولد الميت تصلح شرطا في عتق عبد آخر لكون
المحل قابلا للتعليق ولا تصلح شرطا في عتق الولد لعدم قبول المحل ويجوز أن يعلق بشرط واحد جزآن ثم ينزل عند
وجود أحدهما دون الآخر لمانع كمن قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق وفلانة معك فقالت حضت فكذبها
يقع الطلاق عليها ولا يقع على الأخرى وإن كان الشرط واحدا كذا هذا وأما التعليق بدخول الدار فإنما لم يتقيد
بالملك لان التقييد للتصحيح والايجاب هناك صحيح بدون الملك لقبول المحل العتق عند وجود الشرط ألا ترى انه
يقف على إجازة المالك والباطل لا يقف على الإجازة وإنما الملك شرط النفاذ أما ههنا فلا وجه لتصحيح الايجاب
في الميت رأسا لعدم احتمال المحل إذ لا سبيل إلى اعتاق الميت بوجه فدعت الضرورة إلى التقييد بصفة الحياة وذكر
محمد في الأصل إذا قال أول عبد يدخل على فهو حر فادخل عليه عبد ميت ثم حي عتق الحي ولم يذكر خلافا فمن أصحابنا
من قال هذا قول أبي حنيفة خاصة لان ما أضيف إليه الايجاب وهو العبد لا يحتمل الوجوب الا بصفة الحياة فصار
66

كأنه قال أول عبد يدخل على حيا فهو حر كما في الولادة فأما على قولهما فلا يعتق لان الحالف أطلق اسم العبد فيجرى
على اطلاقه ولا يقيد بحياة العبد كما في الولادة ومنهم من قال هذا قولهم جميعا قال القدوري وهو الصحيح لأنه علق
العتق باسم العبد والعبد اسم للمرقوق وقد بطل الرق بالموت فلم يوجد الشرط بادخاله عليه فيعتق الثاني لوجود الشرط في
حقه بخلاف الولد لان الولد اسم للمولود والميت مولود حقيقة فان قيل الرق لا يبطل بالموت بدليل انه يجب على المولى
كفن عبده الميت فالجواب ان وجوب الكفن لا يدل على الملك ألا ترى ان من مات ولم يترك شيئا فكفنه على
أقاربه وان لم يكن هناك ملك وإذا زال ملكه عن الميت صار الثاني أول عبد من عبيده ادخل عليه فوجد الشرط فيعتق
ومن هذا القبيل قول الرجل كل مملوك لي فهو حر ويقع على ما في ملكه في الحال حتى لو لم يكن يملك شيئا يوم الحلف
كان اليمين لغوا حتى لو ملكه في المستقبل لا يعتق لان هذا الكلام لا يستعمل الا للحال فلا يعتق به عتق ما ليس بمملوك
له في الحال وكذا إذا علق بشرط قدم الشرط أو أخر بان قال إن دخلت هذه الدار فكل مملوك لي حر أو قال إذا دخلت
أو إذا ما دخلت أو متى ما دخلت أو قال كل مملوك لي حر ان دخلت الدار فهذا كله على ما في ملكه يوم
حلف وكذا إذا قال كل مملوك أملكه ولا نية له لان صيغة أفعل وإن كانت تستعمل للحال والاستقبال لكن عند
الاطلاق يراد به الحال عرفا وشرعا ولغة أما العرف فان من قال فلان يأكل أو يفعل كذا يريد به الحال أو يقول الرجل
أنا أملك ألف درهم يريد به الحال وأما الشرع فان من قال أشهد أن لا إله إلا الله يكون مؤمنا ولو قال أشهد أن لفلان
على فلان كذا يكون شاهدا ولو قال أقر ان لفلان على كذا صح اقراره وأما اللغة فان هذه الصيغة موضوعة للحال
على طريق الأصالة لأنه ليس للحال صيغة أخرى وللاستقبال السين وسوف فكانت الحال أصلا فيها والاستقبال
دخيلا فعند الاطلاق يصرف إلى الحال ولو قال عنيت به ما استقبل ملكه عتق ما في ملكه للحال وما استحدث الملك فيه
لما ذكرنا ان ظاهر هذه الصيغة للحال فإذا قال أردت به الاستقبال فقد أراد صرف الكلام عن ظاهره فلا يصدق فيه
ويصدق في قوله أردت ما يحدث ملكي فيه في المستقبل فيعتق عليه باقراره كما إذا قال زينب طالق وله امرأة معروفة
بهذا الاسم ثم قال لي امرأة أخرى بهذا الاسم عنيتها طلقت المعروفة بظاهر هذا اللفظ والمجهولة باعترافه كذا ههنا
وكذا لو قال كل مملوك أملكه الساعة فهو حر ان هذا يقع على ما في ملكه وقت الحلف ولا يعتق ما يستفيده بعد ذلك
الا أن يكون نوى ذلك فيلزمه ما نوى لان المراد من الساعة المذكورة هي الساعة المعروفة عند الناس وهي الحال لا
الساعة الزمانية التي يذكرها المنجمون فيتناول هذا الكلام من كان في ملكه وقت التكلم لا من يستفيده بعده فان
قال أردت به من أستفيده في هذه الساعة الزمانية يصدق فيه لان اللفظ يحتمله وفيه تشديد على نفسه ولكن لا
يصدق في صرفه اللفظ عمن يكون في ملكه للحال سواء أطلق أو علق بشرط قدم الشرط أو أخر بان قال إن دخلت
الدار فكل مملوك أملكه حر أو قال كل مملوك أملكه حر ان دخلت الدار فهذا والأول سواء في أن اليمين إنما يتعلق
بما في ملكه يوم حلف لأنه علق التعلق بشرط فيتناول ما في ملكه لا ما يستفيده كما إذا قال كل عبد يدخل الدار فهو حر
فان قال أردت به ما استحدث ملكه عتق ما في ملكه إذا وجد الشرط باليمين وما يستحدث باقراره لأنه لا يصدق في
صرف الكلام عن ظاهره ويصدق في التشديد على نفسه فإن لم يكن في ملكه يوم حلف مملوك فاليمين لغو لأنها تتناول
الحال فإذا لم يكن له مملوك للحال لا تنعقد اليمين لانعدام المحلوف عليه بخلاف قوله إن كلمت فلانا أو ان دخلت الدار
فكل مملوك اشتريه فهو حر وكل امرأة أتزوجها فهي طالق لان قوله أشتري أو أتزوج لا يحتمل الحال فاقتضى
ملكا مستأنفا وقد جعل الكلام أو الدخول شرطا لانعقاد اليمين فيمن يشترى أو يتزوج فيعتبر ذلك بعد اليمين ولو
قال كل مملوك أملكه اليوم فهو حر ولا نية له وله مملوك فاستفاد في يومه ذلك مملوك آخر عتق ما في ملكه وما استفاد
ملكه في اليوم لو قال هذا الشهر أو هذه السنة لأنه لما وقت باليوم أو الشهر أو السنة فلا بد وأن يكون التوقيت مقيدا
ولو لم يتناول الا ما في ملكه يوم الحلف لم يكن مقيدا فان قال عنيت به أحد الصنفين دون الآخر لم يدين في القضاء لأنه
67

نوى تخصيص العموم وانه خلاف الظاهر فلا يصدق في الفضاء ويصدق فيما بينه وبين الله عز وجل لان الله مطلع على
نيته ولو قال كل مملوك أملكه غدا فهو حر ولا نية له ذكر محمد في الجامع أنه يعتق من ملكه في غد ومن كان في ملكه قبله
وهو قوله في الاملاء أيضا وهو احدى روايتي أبى سماعة عنه وقال أبو يوسف لا يعتق الا من استفاد ملكه في غد ولا
يعتق من جاء غد وهو في ملكه وهو احدى روايتي ابن سماعة عن محمد وجه قول محمد انه أوجب العتق لكل من يضاف
إليه الملك في غد فيتناول الذي ملكه في غد والذي ملكه قبل الغد كأنه قال في الغد كل مملوك أملكه اليوم فهو حر فيتناول
الكل وجه قول أبى يوسف ان قوله أملك إن كان للحال عند الاطلاق ولكنه لما أضاف العتق إلى زمان في المستقبل
انصرف إلى الاستقبال بهذه القرينة كما ينصرف إليه بقرينة السين فلا يتناول الحال وعلى هذا الخلاف إذا قال
كل مملوك أملكه رأس شهر كذا فهو حر ورأس شهر الليلة التي يهل فيها الهلال ومن الغد إلى الليل وكان القياس
أن يكون رأس الشهر أول ساعة منه لان رأس كل شهر ما رأس عليه وهو أوله الا انهم جعلوه اسما لما ذكرنا للعرف
والعادة فإنه يقال في العرف والعادة لأول يوم من الشهر هذا رأس الشهر وروى ابن سماعة عن أبي يوسف فيمن قال
كل مملوك أملكه يوم الجمعة فهو حر قال ليس هذا على ما في ملكه إنما هو على ما يملكه يوم الجمعة فهذا على أصل أبى
يوسف صحيح لأنه أضاف العتق إلى زمان مستقبل فان قال كل مملوك لي حر يوم الجمعة فهذا على من في ملكه يعتقون
يوم الجمعة ليس هو على ما يستقبل لأنه عقد يمينه على من في ملكه في الحال وجعل عتقهم موقتا بالجمعة فلا يدخل فيه
الاستقبال فاما إذا قال كل مملوك أملكه إذا جاء غد فهو حر فهذا على ما في ملكه في قولهم لأنه جعل مجئ الغد شرطا
لثبوت العتق لا غير فيعتق من في ملكه لكن عند مجئ غد والله عز وجل أعلم ومن القبيل الاعتاق المضاف إلى
المجهول عند بعض مشايخنا لأنه تعليق معنى لا صورة ولا يثبت العتق في أحدهما قبل الاختيار وإنما ثبت عند
الاختيار في أحدهما عينا وهو الذي يختار العتق فيه مقصورا على الحال كأنه علق عتق أحدهما بشرط اختيار العتق
فيه كالتعليق بسائر الشروط ومن دخول الدار وغير ذلك الا انه ثمة الشرط يدخل على السبب والحكم جميعا وههنا جميعا
يدخل على الحكم لا على السبب كالتدبير والبيع بشرط الخيار كذا قال بعض مشايخنا في كيفية الاعتاق المضاف
إلى المجهول وبعضهم نسب هذا القول لأبي يوسف ويقال إنه قول أبي حنيفة أيضا وقال بعضهم هو تنجيز العتق في
غير العتق للحال واختيار العتق في أحدهما بيان وتعيين لمن وقع عليه العتق بالكلام السابق من حين وجوده
وبعضهم نسب هذا القول إلى محمد والحاصل ان الخلاف في كيفية هذا التصرف على الوجه الذي وصفنا غير
منصوص عليه من أصحابنا لكنه مدلول عليه ومشار إليه أما الدلالة فإنه ظهر الاختلاف بين أبى يوسف ومحمد في
الطلاق فيمن قال لامرأتيه إحداكما طالق ان العدة تعتبر من وقت الاختيار في قول أبى يوسف والعدة إنما تجب من
وقت وقوع الطلاق فيدل على أن الطلاق لم يكن واقعا وإنما يقع عند الاختيار مقصورا عليه وفى قول محمد تعتبر من
وقت الكلام السابق وهذا يدل على أن الطلاق قد وقع من حين وجوده وإنما الاختيار بيان وتعيين لمن وقع عليها
الطلاق وأما الإشارة فإنه روى عن أبي يوسف أنه قال إذا أعتق أحد عبده تعلق العتق بذمته ويقال له أعتق وهذا
إشارة إلى أن العتق غير نازل في المحل إذ لو كان نازلا لما كان معلقا بالذمة ومعنى قوله يقال له أعتق أي اختر العتق
لاجماعنا على أنه لا يكلف بانشاء الاعتاق وذكر محمد في الزيادات يقال له بين وهذا إشارة إلى الوقوع في غير المعين
لان البيان للموجود لا للمعدوم والى هذا ذهب الكرخي والقدوري وحققا الاختلاف بين أبى يوسف ومحمد الا ان
القدوري حكى عن الكرخي انه كان يفرق بين العتاق والطلاق فيجعل الاختيار بيانا في الطلاق بالاجماع من قبل
ان العتاق يحتمل الثبوت في الذمة والطلاق لا يحتمل قال وكان غيره من أصحابنا يسوى بينهما لان الطلاق أيضا يحتمل
الثبوت في الذمة في الجملة ألا ترى ان الفرقة واجبة على العنين وإنما يقوم القاضي مقامه في التفريق وهو الصحيح انهما
يستويان لان تعلق العتق بالذمة ليس معناه الا انعقاد سبب الوقوع من غير وقوع وهو معنى حق الحرية دون
68

الحقيقة وهما في هذا المعنى مستويان وجه القول الأول ان قوله أحدكما حر تنجيز الحرية في أحدهما وليس
بتعليق حقيقة لانعدام حرف التعليق الا انه تنجيز في غير المعين بالاختيار ووجه القول الثاني ان العتق اما
يثبت باختيار العتق واما ان يثبت بالكلام السابق والثاني لا سبيل إليه لان اختيار العتق لم يعرف اعتاقا في
الشرع الا ترى انه لو قال لعبده اخترت عتقك لا يعتق فلابد وان يثبت بالكلام السابق فلا يخلو اما ان يثبت حال
وجوده في أحدهما غير عين ويتعين باختياره واما ان يثبت عند وجود الاختيار في أحدهما عينا وهو تفسير التعليق
بشرط الاختيار لا وجه للأول لأنه ربما يختار غير الحر فيلزم القول بانتقال الحرية من الحر إلى الرقيق أو انتقال الرق من
الرقيق إلى الحر أو استرقاق الحر والأول محال والثاني غير مشروع فتعين الثاني ضرورة وهي ان يثبت العتق
عند وجود الاختيار بالكلام السابق مقصورا على حال الاختيار وهو تفسير التعليق ثم القائلون بالبيان اختلفوا في
كيفية البيان منهم من قال البيان اظهار محض ومنهم من قال هو اظهار من وجه وانشاء من وجه واستدلوا لما ذكر
محمد في الزيادات في موضع يقال له بين وفي موضع يقال له أعتق وزعموا أن المسائل تتخرج عليه وهذا غير سديد
لان القول الواحد لا يكون اظهار أو انشاء إذ الانشاء اثبات أمر لم يكن والاظهار إبداء أمر قد كان وبينهما تناف
وثمرة هذا الاختلاف تظهر في الأحكام وانها في الظاهر متعارضة بعضها يدل على صحة القول الأول وبعضها
يدل على صحة القول الثاني ونحن نشير إلى ذلك إذا انتهينا إلى بيان حكم الاعتاق وبيان وقت ثبوت حكمه فاما
ترجيح أحد القولين على الآخر وتخرج المسائل عليه فمذكوران في الخلافيات وأما التعليق بالملك أو بسببه
صورة ومعنى فنحو أن يقول لعبد لا يملكه ان ملكتك فأنت حر أو ان اشتريتك فأنت حر وانه صحيح عندنا حتى لو
ملكه أو اشتراه يعتق وان لم يكن الملك موجودا وقت التعليق وقال الشافعي لا يصح ولا يعتق وقال بشر المريسي
يصح التعليق بالملك ولا يصح بسبب الملك وهو الشراء أما الكلام مع الشافعي فعلى نحو ما ذكرنا في كتاب الطلاق
وأما مع بشر فوجه قوله إن اليمين بالطلاق والعتاق لا يصح الا في الملك أو مضافا إلى الملك ولم توجد الإضافة إلى الملك
لأن الشراء قد يفيد الملك للمشترى وقد لا يفيد كالشراء بشرط الخيار وشراء الوكيل فلم توجد الإضافة إلى الملك فلا
يصح بخلاف قوله إن ملكتك ولنا ان مطلق الشراء ينصرف إلى الشراء المتعارف وهو الشراء لنفسه ومن غير
شرط الخيار وانه من أسباب الملك فكان ذكره ذكرا للملك والإضافة إليه إضافة إلى الملك كأنه قال إن
ملكتك فأنت حر ولأنه لما علق العتق بالشراء ولابد من الملك عند الشراء لثبوت العتق كان هذا تعليق العتق بالشراء
الموجب للملك كأنه قال إن اشتريتك شراء موجبا للملك فأنت حر فإذا اشتراه شراء موجبا للملك فقد وجد الشرط
فيعتق ولو قال إن تسريت جارية فهي حرة فاشترى جارية فتسراها لا تعتق عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر تعتق ولو
تسرى جارية كانت في ملكه يوم حلف عتقت بالاجماع وجه قول زفر انه وجدت الإضافة إلى الملك لان التسري
لا يصح بدون الملك فكانت الإضافة إلى التسري إضافة إلى الملك فيصح التعليق ولنا انه لم يوجد الملك وقت التعليق ولا
الإضافة إلى الملك والكلام فيه ولا إلى سبب الملك لان التسري ليس من أسباب الملك ألا ترى انه يتحقق في غير الملك
كالجارية المغصوبة واليمين بالعتاق والطلاق لا يصح الا في الملك أو مضافا إلى الملك أو سببه ولم يوجد شئ من ذلك وأما
قوله إن التسري لا صحة له بدون الملك فهذا مسلم ان الملك شرط صحة التسري وجوازه لكن الحالف جعل وجوده شرط
العتق والتسري نفسه بوجد من غير ملك فلم يكن التعليق به تعليقا بسبب الملك فلم يصح ثم اختلف في تفسير التسري قال
أبو حنيفة ومحمد هو ان يطأها ويحصنها ويمنعها من الخروج والبروز سواء طلب منها الولد أو لم يطلب وقال أبو يوسف
طلب الولد مع التحصين شرط وجه قوله إن الانسان يطأ جاريته ويحصنها ولا يقال لها سرية وإنما يقال ذلك إذا
كان يطلب منها الولد أو تكون أم ولده هذا هو العرف والعادة ولهما انه ليس في لفظ التسري ما يدل على طلب الولد لأنه
لا يخلو اما أن يكون مأخوذا من السرو وهو الشرف فتسمى الجارية سرية بمعنى انه أسرى الجواري أي أشرفهن واما
69

أن يكون مأخوذا من السرو وهو الجماع قال الله تعالى ولكن تواعدوهن سرا قيل جماعا وليس في أحدهما ما ينبى عن
طلب الولد ولو وطئ جارية كانت في ملكه يوم الحلف فعلقت منه لم تعتق لعدم التسري لأنه لم يوجد منه الا الوطئ
والوطئ وحده لا يكون تسريا بلا خلاف فلم يوجد شرط العتق فلا تعتق ولو قال لامرأة حرة ان ملكتك فأنت حرة
أو قال لها ان اشتريتك فأنت حرة فارتدت عن الاسلام ولحقت بدار الحرب ثم سبيت فاشتراها الحالف ذكر محمد
في الجامع أن على قياس قول أبى حنفية لا تعتق وعند أبي يوسف ومحمد تعتق يعنى به قياس قوله في المكاتب والعبد
المأذون إذا قال كل عبد أملكه فيما استقبل فهو حر أو قال كل عبد أشتريه فهو حر فيعتق ثم ملك عبدا أو اشترى عبدا
على قول أبي حنيفة لا يعتق وعلى قولهما يعتق والمسألة تأتى في موضعها ولو قال لامة لا يملكها ان اشتريتك فأنت
حرة بعد موتى فاشتراها صارت مدبرة لأنه علق تدبيرها بسبب الملك وهو الشراء لان قوله أنت حرة بعد موتى صورة
التدبير وقد علقه بالشراء فيصير عند الشراء قائلا أنت حرة بعد موتى وأما التعليق بالملك أو بسببه معنى لا صورة فهو أن يقول
الحر كل مملوك أملكه فيما يستقبل فهو حر ويتعلق العتق بملك يستفيده لأنه نص على الاستقبال وروى ابن سماعة
عن محمد في النوادر إذا قال كل جارية أشتريها إلى سنة فهي حرة فكل جارية يشتريها إلى سنة فهي حرة ساعة
يشتريها قال وان قال كل جارية أشتريها فهي حرة إلى سنة فاشترى جارية لم تعتق إلى سنة لأنه في الفصل الأول عقد
يمينه على الشراء في السنة فتعتق كل جارية يشتريها في السنة فتعتق كل جارية يشريها في السنة ساعة الشراء كأنه قال عند الشراء أنت حرة فتعتق وفي
الفصل الثاني جعل الشراء شرطا لعتق مؤقت بالسنة فكأنه قال بعد الشراء أنت حرة إلى سنة قال ولو قال كل مملوك
أشتريه فهو حر غدا عندي على كل مملوك يشتريه قبل الغد وان اشترى مملوكا غدا لا يعتق لأنه جعل الشراء
شرطا لزوال حرية مؤقتة بوجود الغد فلابد من تقدم الملك لينزل العتق الموقت به ولو قال كل مملوك أملكه إلى
ثلاثين سنة فهذا على ما يستقبل ملكه في الثلاثين سنة أولها من حين حلف بعد سكوته في قولهم جميعا ولا يكون على
ما في ملكه قبل ذلك لأنه لما أضاف العتق إلى الاستقبال تعين اللفظ للمستقبل وإذا انصرف إلى الاستقبال لا يحمل
على الحال إذ اللفظ الواحد لا ينتظم معنيين مختلفين بخلاف قوله غدا عند محمد لان ذاك ليس أصلا إلى الاستقبال بل
هو ايقاع عتق على موصوف بصفة فيتناول كل من كان على تلك الصفة وكذلك إذا قال كل مملوك أملكه ثلاثين سنة
أو في ثلاثين سنة أو قال أملكه إلى سنة أو سنة أو في سنة أو قال أملكه أبدا أو إلى أن أموت فهذا كله باب واحد
يدخل فيه ما يستقبل دون ما كان في ملكه لأنه أضاف الحرية إلى المستقبل فان قال أردت بقولي كل مملوك أملكه
سنة أن يكون ما في ملكه يوم حلف مستداما سنة دين فيما بينه وبين الله تعالى ولم يدين في القضاء لأن الظاهر أنه إنما
وقت السنة لاستفادة الملك لا لاستمرار الملك القائم فلا يصدق في العدول عن الظاهر ولو قال إن دخلت الدار فكل
مملوك أملكه يومئذ فهو حر وقال إذا قدم فلان فكل مملوك أملكه يومئذ فهو حر ولا نية له عتق ما في ملكه يوم دخل
الدار لأنه علق عتق كل عبد يكون مملوكا له يوم الدخول بالدخول لان معنى قوله يومئذ أي يوم الدخول هذا هو مقتضى
اللغة لان تقديره يوم إذا دخل الدار لأنه حذف الفعل وعوض عنه بالتنوين فيعتق كل ما كان مملوكا له يوم الدخول
فكأنه قال عند الخول كل مملوك لي فهو حر وسواء دخل الدار ليلا أو نهارا لان اليوم يذكر ويراد به الوقت المطلق
قال الله سبحانه وتعالى ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم
وبئس المصير وهذا الوعد يلحق المولى دبره ليلا ونهارا ولان غرض الحالف الامتناع من تحصيل الشرط فلا يختص
بوقت دون وقت ولو قال كل مملوك اشتريته فهو حر ان كلمت أو إذا كلمت فلانا أو إذا جاء غد ولا نية له فهذا يقع على
ما يشتريه قبل الكلام فكل مملوك اشتراه قبل الكلام ثم تكلم عتق وما اشتراه بعد الكلام لا يعتق ولو قدم الشرط
فقال إن كلمت فلانا أو إذا كلمت فلانا أو إذا جاء غد فكل مملوك اشتريته فهو حر فهذا على ما يشتريه بعد الكلام
لا قبله حتى لو كان اشترى مماليك قبل الكلام ثم كلم لا يعتق واحد منهم وما اشترى بعده يعتق ووجه الفرق ان في
70

الفصل الأول جعل الكلام شرط انحلال اليمين لان قوله كل مملوك أشتريه فهو حر يمين تامة لوجود الشرط والجزاء
فإذا قال إن كلمت فلانا فقد جعل كلام فلان غاية لانحلالها فإذا كلمه انحلت فلا يدخل ما بعد الكلام كقوله كل
مملوك لي حر ان دخلت الدار وفي الفصل الثاني جعل كلام فلان شرط انعقاد اليمنين فإذا كلمه الآن انعقدت اليمين
فيدخل فيه ما بعده لا ما قبله فيصير كأنه قال عند الكلام كل مملوك اشتريه فهو حر وذلك يتناول المستقبل ولو قال كل
مملوك أشتريه إذا دخلت الدار فهو حر أو قال قدم فلان فهذا على ما يشترى بعد الفعل الذي حلف عليه ولا يعتق
ما اشترى قبل ذلك الا ان يعينهم لأنه جعل دخول الدار شرطا لانعقاد اليمين فيصير عند دخول الدار شرط انعقاد اليمين ان قوله كل مملوك أشتريه شرط وقوله إذا دخلت
الدار شرط آخر ولا يمكن ان يجعلا شرطا واحد العدم حرف العطف ولا سبيل إلى الغاء الشرط الثاني لان الغاء تصرف
العاقل مع امكان تصحيحه خارج عن العقل ولتصحيحه وجهان أحدهما ان يجعل الشرط الثاني مع جزائه يمينا وجزاء
الشرط الأول وحينئذ لابد من ادراج حرف الفاء لان الجزاء المتعقب للشرط لا يكون بدون حرف الفاء وفيه تغيير
والثاني ان يجعل شرط الانعقاد وفيه تغيير أيضا بجعل المقدم من الشرطين مؤخرا الا ان التغيير فيه أقل لان فيه تبديل
محل الكلام لا غير وفي الأول اثبات ما ليس بثابت فكان الثاني أقل تعييرا فكان التصحيح به أولى وتسمى هذه اليمين
اليمين المعترضة لاعتراض شرط بين الشرط والجزاء ولو نوى الوجه صحت نيته لان اللفظ يحتمله ولهذا قال محمد
الا ان يعنى غير ذلك فيكون على ما عنى ولو قال المكاتب أو العبد المأذون كل عبد أملكه فهو حر فعتق ثم ملك عبدا
لا يعتق لان قوله أملك للحال لما يتناوله للحال نوع ملك الا انه غير صالح للا عتاق فتنحل اليمين لا إلى جزاء ولو قال كل
مملوك أملكه إذا أعتقت فهو حر فعتق فملك عبدا عتق لأنه علق العتق بالملك الحاصل له بعد عتقه وانه ملك صالح
للاعتاق فصحت الإضافة بخلاف الصبي إذا قال كل مملوك أملكه بعد البلوغ فهو حر ثم بلغ فملك عبدا انه لا يعتق
لان الصبي ليس من أهل الاعتاق تنجيزا وتعليقا لكونه من التصرفات الضارة المحضة فاما العبد فهو من أهله لكونه
عاقلا بالغا الا انه لا ينفذ تنجيز منه لعدم شرطه وهو الملك الصالح فإذا علق بملك يصلح شرطا له صح ولو قال لك
كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حرا وقال كل مملوك أشتريه فهو حر فعتق فملك بعد ذلك عبدا أو اشترى عبدا لا يعتق
عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يعتق وجه قولهما ان قوله إن قوله أملكه فيما استقبل يتناول كل ما يملكه إلى آخر عمره
فيعمل بعموم اللفظ كما في الحر ولان في الحمل على الاستقبال تصحيح تصرفه وفي الحمل على الحال ابطال فكان الحمل
على الاستقبال أولى ولأبي حنيفة ان للمكاتب نوع ملك ضروري ينسب إليه في حالة الرق في حالة الكتابة بمنزلة
المجاز لمقابلة الملك المطلق ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم من باع عبدا وله مال الحديث أضاف المال إليه بلام
الملك دل ان له نوع فهو مراد بهذا الايجاب دليل انه لو قال إن ملكت هذا العبد بعينه في
المستقبل فهو حر فملكه في حال الكتابة فباعه ثم اشتراه بعد ما صار حرا لا يعتق وتنحل اليمين بالشراء الأول
لان الملك المجازي مراد فخرجت الحقيقة عن الإرادة كي لا يؤدى إلى الجمع بين الحقيقة والمجاز في
لفظ واحد وقد قالوا في عبد قال الله تعالى على عتق نسمة أو اطعام مسكين لزمه ذلك وكان عليه إذا عتق
لان هذا ايجاب الاعتاق والاطعام في الذمة وذمته تحتمل الايجاب فيصح ويلزمه الخروج عنه بعد العتق ولو قال إن
اشتريت هذا العبد فهو حر أو ان اشتريت هذه الشاة فهي هدى لم يلزمه في قياس قول أبي حنيفة حتى يضيف إلى
ما بعد العتق فيقول إن اشتريته بعد العتق وقال أبو يوسف ومحمد يلزمانه لان من أصل أبي حنيفة أن العبد يضاف إليه
الشراء في الحال وإن كان بمنزلة المجاز بمقابلة الشراء بعد الحرية والمجاز مراد فلا تكون الحقيقة مرادة ومن أصلهما ان
هذا يتناول ما يستقبل من الشراء في عمره وتصحيح اليمين أيضا أولى من ابطالها وقد قالوا جميعا في مكاتب أو عبد قال إن
دخلت هذه الدار فعبدي هذا حرم ثم أعتق فدخل الدار لم يعتق العبد لان هذا الملك غير صالح للعتق ولم توجد
71

الإضافة إلى ما يصلح وقالوا في حر قال لامرأة حرة إذا ملكتك فأنت حرة أو إذا اشتريتك فأنت حرة فارتدت
ولحقت بدار الحرب ثم سبيت فاشتراها الحالف انها لا تعتق في قياس قول أبي حنيفة وعندهما تعتق بناء على أن من
أصل أبي حنيفة أنه يحمل الملك أو الشراء على ما يقبله المحل في الحال وهو ملك النكاح ههنا والشراء أيضا يصلح عبارة
عن سبب هذا الملك وهو النكاح والحرية أيضا تصلح عبارة عما يبطله وهو الطلاق وكلام أبي حنيفة في هذا الفصل
ظاهر لان اليمين تحمل على ما يسبق إلى الأوهام ولا تنصرف الأوهام إلى ارتدادها ولحوقها بدار الحرب وسبيها لان
ذلك غير مظنون بالمسلمة فكان صرف كلامه إلى ما ذكرنا أولى من صرفه إلى ما تسبق إليه الأوهام ومن أصلهما أنه
يحمل مطلق الملك على الملك الحقيقي الصالح للاعتاق وهو الذي يوجد بعد السبي ولو قال لها إذا ارتدت وسبيت
فملكتك أو اشتريتك فأنت حرة فكان ذلك عتقت في قولهم لأنه أضاف العتق إلى الملك الحقيقي فيضاف إليه والله
عز وجل أعلم ومن هذا القبيل إذا قال أول عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدا عتق لان الأول اسم لفرد سابق وقد
وجد ولو اشترى عبدين معا لم يعتق أحدهما لأنه ان وجد معنى السبق فمل يوجد معنى التفرد فان اشترى عبدين معا
ثم اشترى آخر لم يعتق الثالث لأنه ان وجد فيه معنى التفرد فقد انعدم معنى السبق وقد استشهد محمد في الكتاب لبيان
الثالث ليس بأول أنه لو قال آخر عبد اشتريته فهو حر فاشترى عبدين معا ثم اشترى آخر ثم مات المولى أنه يعتق الثالث
فدل أنه آخر وإذا كان آخرا لا يكون أولا ضرورة لاستحالة كونه ذات واحدة من المخلوقين أولا وآخرا ولو قال أول
عبد اشتريه واحد فهو حر عتق الثالث لأنه أعتق عبدا يتصف بكونه فردا سابقا في حال الشراء وقد وجد هذا
الوصف في العبد الثالث ولو قال آخر عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدا ثم لم يشتر غيره حتى مات المولى لم يعتق لان
الآخر اسم لفرد لاحق وهذا فرد سابق فكان أولا لا آخرا ولو اشترى عبدا ثم عبدا ثم مات المولى عتق الثاني لأنه
آخر عبد اشتراه واختلف في وقت ثبوت العتق فعند أبي حنيفة يعتق يوم اشتراه وعند أبي يوسف ومحمد يوم مات
وجه قولهما أنه علق العتق بصفة الآخرية وإنما يتحقق عند موته إذا لم يشتر آخرا ألا ترى أنه لو اشترى بعده عبدا
آخر حرم هو من أن يكون آخرا فيتوقف اتصافه بكونه آخر على عدم الشراء بعده ولا يتحقق ذلك الا بالموت لأبي
حنيفة أنه لما لم يشتر آخر بعده حتى مات تبين أنه كان آخرا يوم اشتراه الا أنا كنا لا نعرف ذلك لجواز أن يشترى آخر
بعده فتوقفنا في تسميته آخرا فإذا لم يشتر آخر حتى مات زال التوقف وتبين أنه كان آخرا من وقت الشراء ولو اشترى
عبدا ثم عبدين معا لم يعتق أحدهم أما الأول فلا شك فيه لأنه أول فلا يكون آخرا وأما الآخران فلان الآخر اسم لفرد
لاحق ولم يوجد معنى التفرد فلا يعتق أحدهما وأما بيان ما يظهر به وجود الشرط فالحالف لا يخلو اما أن يكون مقرا
بوجود الشرط واما أن يكون منكرا وجوده فإن كان مقرا يظهر باقراره كائنا ما كان من الشرط وإن كان منكرا فإن كان
الشرط مما لا يعرف الا من قبل المحلوف بعتقه كمشيئة ومحبة وبغضة والحيض ونحو ذلك يظهر بقوله وإذا اختلفا
كان القول قوله لأنه إذا كان أمرا لا يعرف الا من قبله كان الظاهر شاهدا له فكان القول قوله وإن كان أمرا يمكن
الوصول إليه من قبل غيره كدخول الدار وكلام زيد وقدوم عمرو ونحو ذلك إذا اختلفا لا يظهر الا ببينة تقوم عليه من
العبد ويكون القول عند عدم البينة قول المولى لان العبد يدعى عليه العتق وهو ينكر فكان القول قول المنكر مع يمينه
ولو كان الشرط ولادة الأمة بان قال لها ان ولدت فأنت حرة فقالت ولدت فكذبها المولى فشهدت امرأة على الولادة
لا تعتق عن أبي حنيفة حتى يشهد بالولادة رجلان أو رجل وامرأتان وعندهما تعتق بشهادة امرأة واحدة ثقة والمسألة
مرت في فصول العدة من كتاب الطلاق وأما الثالث وهو بيان من يدخل تحت مطلق اسم المملوك في الاعتاق
المضاف إليه ومن لا يدخل فنقول وبالله التوفيق يدخل تحته عبد الرهن والوديعة والآبق والمغصوب والمسلم
والكافر والذكر والأنثى لانعدام الخلل في الملك والإضافة ولو قال عنيت به الذكور دون الإناث لم يدين في القضاء
لأنه ادخل كلمة الإحاطة على المملوك فإذا نوى به البعض فقد نوى تخصيص العموم وانه خلاف الظاهر فلا
72

يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى ما يحتمله كلامه ويدخل فيه المدبر والمدبرة وأم الولد
وولدهما لما قلنا ألا ترى أن للمولى أن يطأ المدبرة وأم الولد مع أن حل الوطئ منفى شرعا الا بأحد نوعي الملك مطلقا
بقوله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ولا يدخل ففيه
المكاتب الا ان يعينه لأنه خرج عن يده بعقد الكتابة وصار حرا يدا فاختل الملك والإضافة فلا يدخل تحت
اطلاق اسم المملوك ولهذا لا يحل له وطؤها ولو وطئها يلزمه العقر وان عنى المكاتبين عتقوا لان الاسم يحتمل
ما عنى وفيه تشديد على نفسه فيصدق وكذا لا يدخل فيه العبد الذي أعتق بعضه لأنه حر عندهما وعنده بمنزلة
المكاتبة ويدخل عبده المأذون سواء كان عليه دين أو لم يكن لما قلنا وأما عبيد عبده المأذون إذا لم يكن عليه دين
فهل يدخلون قال أبو حنيفة وأبو يوسف لا يدخلون ألا أن ينويهم وقال محمد يدخلون من غير نية وجه قوله إنه إذا
لم يكن على العبد دين فعبد عبده ملكه بلا خلاف فيعتق ولهما أن في الإضافة إليه قصور ألا ترى أنه يقال هذا عبد
فلان وهذا عبد عبده فلا يدخل تحت مطلق الإضافة الا بالنية لأنه لما نوى فقد اعتبر الملك دون الإضافة والحاصل
أن محمدا يعتبر نفس الملك ولا خلل في نفسه وهما يعتبران معه الإضافة وفي الإضافة خلل واعتبارهما أولى لان الحالف
اعتبر الامرين جميعا بقوله كل مملوك لي فما لم يوجدا على الاطلاق لا يعتق وإن كان على عبده دين محيط برقبته وبما
في يده لم يعتق عبيده عند أبي حنيفة وان نواهم بناء على أصله ان المولى لا يملك عبد عبده المأذون المديون دينا مستفرقا
لرقبته وكسبه وقال أبو سفيان ان نواهم عتقوا لأنهم مماليكه الا انهم لا يضافون إليه عند الاطلاق فإذا نوى وفيه
تشديد على نفسه عتقوا وعند محمد يعتقون وان لم ينوهم بناء على ما ذكرنا ان محمدا لا ينظر الا إلى الملك وهما ينظران إلى
إلى الملك والإضافة جميعا ولا يدخل فيه مملوك بينه وبين أجنبي كذا قال أبو يوسف لان بعض المملوك لا يسمى
مملوكا حقيقة وان نواه عتق استحسانا لأنه نوى ما يحتمله لفظه في الجملة وفيه تشديد على نفسه فيصدق وهل يدخل
فيه الحمل إن كان أمة في ملكه يدخل ويعتق بعتقها وإن كان في ملكه الحمل دون الأمة بأن كان موصى له بالحمل
لم يعتق لأنه لا يسمى مملوكا على الاطلاق لان في وجوده خطرا ولهذا لا يجب على المولى صدقة الفطر عنه والدليل
عليه أنه لو قال إن اشتريت مملوكين فهما حران فاشترى جارية حاملا لم يعتقا لان شرط الحنث شراء مملوكين
والحمل لا يسمى مملوكا على الاطلاق وكذا لو قال لامته كل مملوك لي غيرك حر لم يعتق حملها فثبت أن اطلاق اسم
المملوك لا يتناول الحمل فلا يعتق الا إذا كان أمة في ملكه فيعتق بعتقها لأنه في حكم اجزائها وأما التعليق الذي
فيه معنى المعاوضة فهو الكتابة والاعتاق على مال أما الكتابة فلها كتاب مفرد وأما الاعتاق على مال فالكلام
فيه في مواضع في بيان ألفاظه وفي بيان ماهية الاعتاق على مال وفي بيان ما يصح تسميته فيه من البدل وما لا يصح
وفي بيان حكم الصحة التسمية وفسادها أما الأول فنحو أن يقول لعبده أنت حر على ألف درهم أو بألف درهم أو على
أن تعطيني ألفا أو على أن تؤدى إلى ألفا أو على أن تجيئني بألف أو على أن لي عليك ألفا أو على ألف تؤديها إلى وكذا
لو قال بعت نفسك منك على كذا أو وهبت لك نفسك على أن تعوضني كذا فهذا وقوله أنت حر على كذا أو أعتقك
على كذا سواء إذا قبل عتق لما ذكر فيما تقدم ان البيع إزالة ملك البائع عن المبيع والهبة إزالة ملك الواهب عن الموهوب ثم
لو كان المشترى والموهوب له ممن يصح له الملك في المبيع والموهوب يثبت الملك لهما والعبد ممن لا يصح ان يملك نفسه
لما فيه من الاستحالة فنفى البيع والهبة إزالة الملك لا إلى أحد ببدل على العبد وهذا تفسير الاعتاق على مال ولو قال أنت
حر وعليك ألف درهم يعتق من غير قبول ولا يلزمه المال عند أبي حنيفة وعندهما لا يعتق الا بالقبول فإذا قبل عتق
ولزمه المال وعلى هذا الخلاف إذا قال العبد لمولاه اعتقني ولك ألف درهم فاعتقه والمسألة ذكرت في كتاب الطلاق
وأما بيان ماهيته فالاعتاق على مال من جانب المولى تعليق وهو تعليق العتق بشرط قبول العوض فيراعى فيه من جانبه
أحكام التعليق حتى لو ابتدأ المولى فقال أنت حر على ألف درهم ثم أراد ان يرجع عنه قبل قبول العبد لا يملك الرجوع
73

عنه ولا الفسخ ولا النهى عن القبول ولا يبطل بقيامه عن المجلس قبل قبول العبد ولا يشترط حضور العبد حتى لو كان
غائبا عن المجلس يصح ويصح تعليقه بشرط واضافته إلى وقت بأن يقول له ان دخلت الدار وان كلمت فلانا فأنت حر
على ألف درهم أو يقول إن دخلت أو ان كلمت فلانا فأنت حر على ألف درهم غدا أو رأس شهر كذا ونحو ذلك ولا
يصح شرط الخيار فيه بان قال أنت حر على ألف على أنى بالخيار ثلاثة أيام ومن جانب العبد معاوضة وهو معاوضة المال
بالعتق لأنه من جانبه تمليك المال بالعوض وهذا معنى معاوضة المال فيراعى فيه من جانبه أحكام معاوضة المال كالبيع
ونحوه حتى لو ابتدأ العبد فقال اشتريت نفسي منك بكذا فله ان يرجع عنه ويبطل بقيامه عن المجلس قبل قبول المولى
وبقيام المولى أيضا ولا يقف على الغائب عن المجلس ولا يحتمل التعليق بالشرط والإضافة إلى الوقت بان اشتريت
نفسي منك بكذا إذا جاء غدا أو قال عند رأس شهر كذا ولو قال إذا جاء غد فأعتقني على كذا جاز لان هذا توكيل منه
بالاعتاق حتى يملك العبد عزله قبل وجود الشرط وبعده وقبل ان يعتق ولو لم يعزله حتى أعتقه نفذ اعتاقه ويجوز بشرط
الخيار لهما عند أبي حنيفة على ما ذكرنا في كتاب الطلاق في فصل الخلع والطلاق على مال ولا يصح الاعتاق على مال
الا في الملك لان التعليق بما سوى الملك وسببه من الشروط لا صحة له بدون الملك وكذا المعاوضة ويعتق العبد بنفس
القبول لأنه من جانبه تعليق بشرط قبول العوض وقد وجد الشرط فينزل المعلق كالتعليق بدخول الدار وغيره
ومن جانب العبد معاوضة وزوال الملك عن المعوض يتعلق بنفس قبول العوض في المعاوضات كالبيع ونحوه بخلاف
قوله إن أديت إلى ألفا فأنت حر لأنه ليس فيه معنى المعاوضة رأسا بل هو تعليق محض وقد علقه بشرط الأداء فلا يعتق
قبله والعتق ههنا تعلق بالقبول فإذا قبل عتق ولو قال المولى أعتقتك أمس بألف درهم فلم يقبل وقال العبد قبلت فالقول
قول المولى مع يمينه لأنه من جانب المولى تعليق بشرط القبول والعبد يدعى وجود الشرط والمولى ينكر فكان القول قول
المولى كما لو قال عبده ان دخلت الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم والعبد يدعى الدخول وانكر المولى كان القول قول
المولى وكذا ههنا ولو كان الاختلاف في البيع كان القول قول المشترى بان قال البائع بعتك عبدي أمس بألف درهم فلم
تقبل وقال المشترى بل قبلت فالقول قول المشترى والفرق ان البيع لا يكون بيعا الا بعد قبول المشترى فإذا قال بعتك
فقد أقر بالقبول فبقوله لم تقبل يريد الرجوع عما أقر به وابطال ذلك فلم يقبل بخلاف الاعتاق على مال لان كونه تعليقا
لا يقف على وجود القبول من العبد إنما ذاك شرط وقوع العتق فكان الاختلاط واقعا في ثبوت العتق وعدمه
فكان القول قول المولى ولو اختلف المولى والعبد في مقدار البدل فالقول قول العبد لأنه هو المستحق عليه المال فكان
القول قوله في القدر المستحق كما في سائر الديون ولأنه لو وقع الاختلاف في أصل الدين كان القول قول المنكر فكذا إذا
وقع في القدر وان أقاما بينة فالبينة بينة المولى لأنها تثبت زيادة بخلاف التعليق بالأداء إذا اختلفا في مبلغ المال ان القول
فيه قول المولى لان الاختلاف هناك وقع في شرط ثبوت العتق إذ هو تعليق محض فالعبد يدعى العتق على المولى وهو
ينكر فكان القول قوله وان أقاما البينة فالبينة بينة العبد لان الأصل هو العمل بالبينتين ما أمكن إذ هو عمل بالدليلين
وههنا أمكن الجمع بينهما لعدم التنافي لأنا نجعل كان المولى علق عتقه بكل واحد من الشرطين على حياله فأيهما وجد عتق
ثم إذا قبل العبد عتق وصار البدل المذكور دينا في ذمته إذا كان مما يحتمل الثبوت في الذمة في الجملة على ما تبين ويسعى
وهو حر في جميع أحكامه وذكر على الرازي أصلا فقال المستسعى على ضربين كل من يسعى في تخليص رقبته فهو في
حكم المكاتب عند أبي حنيفة وكل من يسعى في بدل رقبته الذي لزمه بالعتق أو في قيمة رقبته لأجل بدل شرط عليه أو
لدين ثبت في رقبته فهو بمنزلة الحر في أحكامه مثل ان يعتق الراهن عبده المرهون وهو معسر وكذلك العبد المأذون إذا
أعتق وعليه دين وكذلك أمة أعتقها سيدها على أن تتزوجه فقبلت ثم أبت فإنها تسعى في قيمتها وهي بمنزلة الحرة وكذلك
إذا قال لعبده أنت حر رقبتك فقبل ذلك فهو بمنزلة الحر وإنما كان كذلك لان السعاية في هذه الفصول لزمت بعد ثبوت
الحرية وفي الفصل الأول قبل ثبوتها وإنما يسعى ليتوسل بالسعاية إلى الحرية عند أبي حنيفة وعلى هذا لو أبرأ المولى
74

المكاتب من مال الكتابة فلم يقبل فهو حر وعليه ان يؤدى الكتابة لان الابراء يصح من غير قبول الا انه يرتد بالرد
لكن فيما يحتمل الرد والعتق لا يحتمل الرد فلم يرتد بالرد والمال يحتمل الرد فيرتد بالرد فيعتق يلزمه المال ولو قال لامته
أنت حرة على ألف درهم فقبلت ثم ولدت ثم ماتت لم يكن على الولد أن يسعى في شئ مما أعتقت عليه لأنها عتقت
بالقبول ودين الحرة لا يلزم ولدها وسواء أعتق عبده على عوض فقبل أو نصف عبده على عوض فقبل انه يصح غير أنه
إذا أعتق نصفه على عوض فقبل يعتق نصفه بالعوض ويسعى العبد في نصف قيمته عن النصف الآخر فإذا
أدى بالسعاية عتق باقيه وهو قبل الأداء بمنزلة المكاتب في جميع أحكامه الا انه لا يرد في الرق وهذا قول أبي حنيفة وعلى
قول أبى يوسف ومحمد يعتق كله ولا سعاية عليه بناء على أن العتق يتجزأ عنده فعتق البعض يوجب عتق الباقي فيجب
تخريجه إلى العتاق فيلزمه السعاية وعندهما لا يتجزأ فكان عتق البعض بعوض للكل بذلك العوض وذكر محمد
في الزيادات فيمن قال لعبده أنت حر على ألف درهم أنت حر على مائة دينار فقال العبد قد قبلت عتق وكان عليه
المالان جميعا وكذا لو قال لامرأته أنت طالق ثلاثا على مائة دينار فقالت قد قبلت
طلقت ثلاثا بالمالين جميعا وهذا قول محمد وقال أبو يوسف في مسألة الطلاق القبول على الكلام الأخير وهي طالق ثلاثا
بمائة دينار قال الكرخي وكذلك قياس قوله في العتق ووجهه انه لما أوجب العتق بعوض ثم أوجبه بعوض آخر فقد
انفسخ الايجاب الأول فتعلق القبول بالثاني كما في البيع ولمحمد ان الاعتاق والطلاق على مال تعليق من جانب المولى
والزوج وانه لا يحتمل الانفساخ فلم يتضمن الايجاب الثاني انفساخ الأول فيصح الايجابان وينصرف القبول إليهما
جميعا إذ هو يصلح جواب لهما جميعا فيلزم المالان جميعا بخلاف البيع لان ايجاب البيع يحتمل الفسخ فيتضمن الثاني
انفساخ الأول ولو باع المولى العبد من نفسه أو وهب له نفسه على عوض فله ان يبيع العوض قبل القبض لأنه مملوك
بسبب لا ينفخ بهلاكه فجاز التصرف فيه قبل قبضه كالميراث وله ان يعتقه على مال مؤجل ويكون ذلك دينا عليه
مؤجلا وله ان يشترى منه شيئا يدا بيد ولا خير فيه نسيئة لان من أصل أصحابنا أن جميع الديون يجوز التصرف فيها قبل
القبض كأثمان البياعات والعروض والغصوب الا بدل الصرف والسلم الا انه لا بد من القبض في المجلس لئلا يكون
افتراقا عن دين بدين ولو أعطاه كفيلا بالمال الذي أعتقه عليه فهو جائز لأنه صار حرا بالقبول والكفاية بدين على حر
جائزة كالكفاية بسائر الديون وولاؤه يكون للمولى لأنه عتق على ملكه والمال دين على العبد لأنه في جانبه معاوضة
والمولى أيضا لم يرض بخروجه عن ملكه الا ببدل وقد قبله العبد والله عز وجل اعلم وأما بيان ما تصح تسميته من
البدل وما لا تصح وبيان حكم التسمية وفسادها فالبدل لا يخلو اما أن يكون عين مال واما أن يكون منفعة وهي الخدمة
فإن كان عين مال فاما أن يكون بعينه بأن كان معينا مشارا إليه واما إن كان بغير عينه بأن كان مسمى غير مشار إليه
فإن كان بعينه عتق إذا قبل لأن عدم ملكه لا يمنع صحة تسميته عوضا لأنه مال معصوم متقوم معلوم ثم إن أجاز المالك
سلم عينه إلى المولى وان لم يجز فعلى العبد قيمة العين لان تسميته قد صحت ثم تعذر تسليمه لحق الغير فتجب قيمته إذ
الاعتاق على القيمة جائز كما إذا قال أعتقك على قيمة رقبتك أو على قيمة هذا الشئ فقبل يعتق وكذا عدم الملك في باب
البيع لا يمنع صحة التسليم أيضا حتى لو اشترى شيئا بعبد مملوك لغيره صح العقد الا أن هناك ان لم يجز المالك يفسخ العقد
إذ لا سبيل إلى ايقاعه على القيمة إذ البيع على القيمة بيع فاسد وههنا لا يفسخ لامكان الايقاع على القيمة إذ الاعتاق
على القيمة اعتاق صحيح فتجب قمته كما في النكاح والخلع والطلاق على مال وإن كان بغير عينه فإن كان المسمى
معلوم الجنس والنوع والصفة كالمكيل والموزون فعليه المسمى وإن كان معلوم الجنس والنوع مجهول الصفة
كالثياب الهروية والحيوان من الفرس والعبد والجارية فعليه الوسط من ذلك وإذا جاء بالقيمة يجبر المولى على القبول
لان جهالة الصفة لا تمنع صحة التسمية فيما وجب بدلا عما ليس بمال كالمهر وبدل الخلع والصلح من دم العمد وإن كان
مجهول الجنس كالثوب والدابة والدار فعليه قيمة نفسه لان الجهالة متفاحشة ففسدت التسمية والأصل فيه ان كل
75

جهالة تزيد على جهالة القيمة توجب فساد التسمية كالجهالة الزائدة على جهالة مهر المثل في باب النكاح والكلام فيه
كالكلام في المهر وقد ذكرناه على سبيل الاستقصاء في كتاب النكاح الا أن هناك إذا فسدت التسمية يجب مهر
المثل وههنا تجب قيمة العبد لان الموجب الأصلي هناك مهر المثل لأنه قيمة البضع وهو العدل والمصير إلى المسمى عند
صحة التسمية فإذا فسدت صير إلى الموجب الأصلي والموجب الأصلي ههنا قيمة العبد لان الاعتاق على مال معاوضة
من جانب العبد ومبنى المعاوضة على المعادلة وقيمة الشئ هي التي تعادله الا أن عند صحة التسمية يعدل عنها إلى المسمى
فإذا فسدت وجب العوض الأصلي وهو قيمة نفس العبد وإن كان البدل منفعة وهي خدمته بأن قال لعبده أنت حر
على أن تخدمني سنة فقبل فهو حر حين قبل ذلك والخدمة عليه يؤخذ بها لان تسمية الخدمة قد صحت فتلزمه المسمى كما
إذا أعتقه على مال عين فإذا مات المولى قبل الخدمة بطلت الخدمة لأنه قبل الخدمة للمولى وقد مات المولى لكن للورثة
أن يأخذوا العبد بقيمة نفسه وإن كان قد خدم بعض السنة فلهم أن يأخذوه بقدر ما بقي من الخدمة وهذا قول أبي حنيفة
وأبى يوسف وقال محمد يؤخذ العبد بقيمة تمام الخدمة إن كان لم يخدم وإن كان قد خدم بعض الخدمة يؤخذ
بقيمة ما بقي ما من الخدمة وكذلك إذا قال أنت حر على أن تخدمني أربع سنين فمات المولى قبل الخدمة على قولهما على العبد
قيمة نفسه وعلى قول محمد عليه قيمة خدمته أربع سنين ولو كان العبد خدمه ثم مات المولى فعلى قولهما على العبد
ثلاثة أرباع قيمة نفسه وعلى قول محمد عليه قيمة خدمته ثلاث سنين وكذلك لو مات العبد وترك ما لا يقضى لمولاه
في ماله بقيمة نفسه عندهما وعنده يقضى بقيمة الخدمة وأصل المسألة ان من باع العبد من نفسه بجارية بعينها ثم
استحقت الجارية فعلى قولهما يرجع على العبد بقيمة نفسه وعلى قول محمد يرجع بقيمة الجارية وكذلك لو لم
تستحق ولكنه وجد بها عيبا فردها فهو على هذا الاختلاف وجملة الكلام فيه ان المولى إذا قبض العوض ثم
استحق من يده فإن كان العوض بغير عينه كالمكيل والموزون الموصوفين في الذمة أو العروض والحيوان كالثوب
الهروي والفرس والعبد والجارية فعلى العبد مثله في المكيل والموزون والوسط في الفرس والحيوان لأن العقد وقع
على مال في الذمة وإنما المقبوض عوض عما في الذمة فإذا استحق المقبوض فقد انفسخ فيه القبض فبقي موجب
العقد على حاله فله أن يرجع على العبد بذلك وإن كان عينا في العقد وهو مكيل أو موزون فكذلك يرجع المولى على
العبد بمثله لما قلنا وإن كان عرضا أو حيوانا فقد قال أبو حنيفة وأبو يوسف يرجع على العبد بقيمة نفسه وقال محمد
يرجع عليه بقيمة المستحق (وجه) قول محمد ان العقد لم يفسخ باستحقاق العوض لأنه لا يحتمل الفسخ فيبقى موجبا
لتسليم العوض وقد عجز عن تسلميه فيرجع عليه بقيمته كالخلع والصلح عن دم العمد ولهما أن العقد قد انفسخ في حق
أحد العوضين وهو المستحق لأنه تبين أنه وقع على عين هي ملك المستحق ولم يجز وإذا انفسخ العقد في حقه لم يبق
موجبا على العبد تسليمه فلا يجب عليه قيمته وانفساخه في حق أحد العوضين يقتضى انفساخه في حق العوض
الآخر وهو نفس العبد الا أنه تعذر اظهاره في صورة العبد فيجب اظهاره في معناه وهو قيمته فتجب عليه إذ قيمته
قائمة مقام رد عينه كمن باع عبدا بجارية فأعتقها ومات العبد قبل التسليم انه يجب على البائع رد قيمة العبد لا رد قيمة
الجارية كذا ههنا ثم ما ذكرنا من الاختلاف في العيب إذا كان العيب فاحشا لان العيب الفاحش في هذا الباب
يوجب الرد بلا خلاف كما في باب النكاح فأما ذا كان غير فاحش فكذلك عندهما وأما عند محمد فلا يملك ردها
لأنه مبادلة المال بمال ليس بمال فأشبه النكاح والمرأة في باب النكاح لا تملك رد المهر الا في العيب الفاحش وكذا
المولى ههنا ولو قال عبد رجل لرجل اشتر لي نفسي من مولاي بألف درهم فاشتراه فالوكيل لا يخلو اما أن يبين
وقت الشراء انه يشترى نفس العبد للعبد واما ان لم يبين فان بين جاز الشراء وعتق العبد بقبول الوكيل ويجب الثمن
لأنه أتى بما وكل به فنفذ على الموكل ثم ذكر في الجامع أن المولى يطالب الوكيل ثم الوكيل يطالب العبد فقد جعل
هذا التصرف في حكم معاوضة المال بالمال كالبيع ونحوه لان حقوق العبد إنما ترجع إلى الوكيل في مثل هذه
76

المعاوضة وذكر في كتاب الوكالة أنه يطالب العبد ولا يطالب الوكيل واعتبره معاوضة المال بما ليس بمال
كالنكاح والخلع والطلاق على مال والصلح عن دم العمد وان لم يبين يصير مشتريا لنفسه لا للعبد لأنه إذا لم يبين فالبائع
رضى بالبيع لا بالاعتاق فلو قلنا إنه يصير مشتريا للعبد ويعتق لكان فيه اثبات الولاية على البائع من غير رضاه وهذا
لا يجوز وكذلك لو بين لكنه لو خالف في الثمن بان اشترى بزيادة يكون مشتريا لنفسه لما قلنا هذا إذا أمر العبد
رجلا فاما إذا أمر رجل العبد بأن يشترى نفسه من مولاه بألف درهم فاشترى فان بين وقت الشراء أنه يشترى
للآمر ولا يعتق لأنه اشترى للآمر لا لنفسه فيقع الشراء للآخر ويصير قابضا لنفسه بنفس
العقد لأنه في يد نفسه وليس للبائع أن يحبسه لاستيفاء الثمن لأنه صار مسلما إياه حيث عقد على شئ هو في يده وهو
نفسه ولو وجد الآمر به عيبا له ان يرده ولكن العبد هو الذي يتولى الرد لأنه وكيل وحقوق هذا العقد ترتجع إلى
العاقد وان لم يبين وقال لمولاه بع نفسي منى بألف درهم فباع صار مشتريا لنفسه وعتق لان بيع نفس العبد منه
اعتاق وكذا إذا بين وخالف أمره يصير مشتريا لنفسه ويعتق ولو قال لعبد واحد أنت حر على ألف درهم فقبل أن
يقبل قال له أنت حر على مائة دينار فان قال قبلت بالمالين عتق ويلزمه المالان جميعا بلا خلاف وان قال قبلت مبهما
ولم يبين فكذلك في قول محمد وكذلك ولو قال لامرأته أنت طالق ثلاثا على ألف درهم أنت طالق ثلاثا على مائة
دينار انها ان قالت قبلت بالمالين طلقت بالمالين بلا خلاف وان اجمت بأن قال قبلت طلقت ثلاثا بالمالين جميعا في
قول محمد وأما عند أبي يوسف فالقبول على الكلام الأخير في المسئلتين ووجهه ان القبول خرج عقب الايجاب
الأخير فينصرف إليه ولأنه لما أوجب بعوض ثم أوجب بعوض آخر تضمن الثاني انفساخ الأول كما في البيع فيتعلق
القبول بالثاني كما في البيع ولمحمد الفرق بين الاعتاق والطلاق على مال وبين البيع وهو ان الاعتاق والطلاق على
مال تعليق من جانب المولى والزوج وأنه لا يحتمل الانفساخ فلم يوجب الثاني رفع الأول بخلاف البيع لأنه يحتمل الرقع
والفسخ فيوجب الثاني ارتفاع الأول وهذا إذا قبل بالمالين أو قبل على الابهام فاما إذا قبل بأحد المالين بان قال قبلت
بالدراهم أو قال قبلت بالدنانير ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه لا يعتق وعلل بان للمولى أن يقول أعتقتك
بالمالين جميعا فلا يعتق بقبول أحدهما مع الشك وذكر أبو يوسف في الأمالي أنه يعتق ووجهه أن المولى أتى بايجابين
مختلفين فكان للعبد أن يقبل بأيهما شاء ولو قال أنت حر على ألف درهم أو مائة دينار فان قبل بأحد المالين عينا عتق بان
قال قبلت بالدراهم أو قال قبلت بالدنانير لأنه أعتقه بأحد المالين وان قبل بأحد المالين غير عين عتق أيضا لوجود الشرط
ويلزمه أحد المالين والبيان إليه كما إذا قال لفلان على ألف درهم أو مائة دينار يلزمه أحدهما والبيان إليه وكذا ولو قال
قبلت بالمالين لاشك أنه يعتق لان في قبول المالين قبول أحدهما فوجد شرط العتق فيعتق ويلزمه أحد المالين لأنه أعتقه
على أحد المالين فلا تلزمه الزايدة والبيان إلى أبعد يختار أيهما شاء وكذلك إذا قال قبلت ولم يبين يعتق ويلزمه أحد
المالين وخيار التعين إليه لان قوله قبلت يصلح جواب الايجاب فيصير كأنه قال قبلت بحد هما ولم يعين أو قبلت بهما
وهناك يعتق وخيار التعين إليه كذا ههنا وعلى هذا إذا قال لامرأته أنت طابق على ألف درهم أو على مائة دينار فقبلت
بأحدهما عينا أو غير عين أو قلبت بالمالين أو أبهمت لما قلنا في العتق وكذلك لو قال أنت حر على ألف درهم أو على ألفين الا
ان ههنا إذا قبل بالمالين يعتق بألف ولا يخير لان الجنس متحد والتخيير بين الأكثر والأقل في الجنس الواحد لا يفيد
لأنه لا يختار الا الا قل بخلاف الفصل الأول لان هناك اختلف الجنس فكان التخيير مفيدا هذا كله إذا أضاف
العتق إلى معين فان أضافه إلى مجهول بان قال لعبديه أحد كما حر بألف درهم لا يعتق واحد منهما ما لم يقبلا جميعا حتى لو
قبل أحدهما ولم يقبل الآخر لا يعتق لان قوله أحد كما كما يقع على القابل يقع على غير القابل فمن الجائز أنه عنى به غير
القابل ألا ترى أن له أن يقول عنيت به غير القابل فلو حكمنا بعتق القابل لكان فيه اثبات العتق بالشك وان قبلا جميعا
فان قبل كل واحد منهما بخمسمائة لا يعتق واحد منهما لأنه أعتق أحدهما بألف لا بخمسمائة وان قبل كل واحد منهما
77

بألف بان قال كل واحد منهما قبلت بألف درهم أو قال قبلت ولم يقل بألف أو قالا ما قبلنا بألف أو قالا قبلنا ولم يذكرا
الألف عتق أحدهما بألف لوجود شرط العتق وهو قبول كل واحد منهما الألف ويقال للمولى اختر العتق في أحدهما
لأنه هو الذي أجمل العتق فكان البيان إليه فأيهما اختار عتق ولزمته الألف فان مات قبل البيان يعتق من كل واحد
منهما نصفه بخمسمائة ويسعى في نصف قيمته لأنه لما مات قبل البيان وقد شاع عتق رقبة فيهما فيقسم عليهما نصفين
ولو قال أحدكما حر بألف درهم فقبلا ثم قال أحدكما حر بألف درهم أو قال أحدكما حر بغير شئ فاللفظ الثاني لغو لأنهما
لما قبلا العتق بالايجاب الأول فقد نزل العتق في أحدهما لوجود شرط النزول وهو قبولهما فالايجاب الثاني يقع جمعا
بين حر وعبد فلا يصح ولو لم يقبلا ثم قال أحدكما حر بغير شئ عتق أحدهما باللفظ الثاني بغير شئ لأنهما لما لم يقبلا
لم ينزل العتق بالايجاب الأول فصح الايجاب الثاني وهو تنجيز العتق على أحدهما غير عين فيقال للمولى اصرف اللفظ
الثاني إلى أحدهما فإذا صرفه إلى أحدهما عتق ذلك بغير شئ لان التنجيز حصل بغير بدل وأما الآخر فان قبل البدل
في المجلس يعتق والا فلا لان الايجاب الأول وقع صحيحا لحصوله بين عبدين وتعلق العتق بشرط القبول وقد وجد فيه
ضرب اشكان وهو أن شرط وجوب الحرية لأحدهما هو قبولهما ولم يوجد ههنا الا قبول أحدهما فينبغي أن لا يعتق
العبد الآخر والجواب أن الايجاب أضيف الا أحدهما ألا يرى أنه قال أحدكما حر وقد وجد القبول من أحدهما
ههنا الا انه إذا لم ينجز عتق أحدهما يتوقف عتق أحدهما على قبولهما جميعا لاحتمال أنه أراد به الآخر فإذا عينه في
التخيير علم أنه ما أراده بالايجاب الأول لان الاعتاق من المعتق لا يتصور فتعين الآخر للقبول وقد قبل فيعتق ولو قبلا
جميعا قبل البيان عتقا لان العتق لم ينزل بالايجاب الأول لأنه تعليق العتق بشرط القبول فلا ينزل قبل وجود الشرط
فيصح الايجاب الثاني فإذا قبلا جميعا فقد تيقنا بعتقهما لان أيهما أريد بالايجاب الأول عتق بالقبول وأيهما أريد
بالايجاب الثاني عتق من غير قبول لأنه ايجاب بغير بدل فكان عتق كل واحد منهما متيقنا به لكن عتق أحدهما
بالايجاب الأول وعتق الآخر بالايجاب الثاني فيعتقان ولا يقضى عليهما بشئ لان أحدهما وان عتق بالايجاب
ببدل الا انه مجهول والقضاء بايجاب المال على المجهول متعذر كرجلين قالا لرجل لك على أحدنا ألف درهم انه لا يلزمهما
بهذا الاقرار شئ لكون المقضى عليه مجهولا كذا هذا ولو لم يقبلا جميعا ولكن قبل أحدهما لا يعتق الا أحدهما
لوجود شرط عتق أحدهما وهو قبول أحدهما في هذه الصورة لما بينا من الفقه ثم إن صرف المولى اللفظ الثاني إلى غير
القابل عتق غير القابل بغير شئ وعتق القابل بألف وانصرف اللفظ الثاني إلى القابل عتق القابل بغير شئ وعتق
غير القابل باللفظ الأول بألف ان قبل في المجلس لان القابل منهما يعتق بالايجاب الأول وانه ايجاب ببدل فيعتق
ببدل وغير القابل يعتق بالايجاب الثاني وانه ايجاب بغير بدل فيعتق بغير بدل ولو قال لعبديه أحدكما حر بغير شئ ثم
قال أحدكما حر بألف درهم فالكلام الثاني لغو لان أحدهما عتق بالايجاب الأول لوجود تنجيز العتق في أحدهما
فالثاني يقع جمعا بين الحر والعبد فيبطل ولو قال أحدكما حر بألف درهم فقبل أن يقبلا قال أحدكما كما حر بمائة دينار فان
قبل كل واحد منهما العتق بأحد المالين بان قبل أحدهما بألف درهم وقبل الآخر بمائة دينار أو قبل أحدهما بالمالين ولم
يقبل الآخر أو قبل أحدهما بالمالين وقبل الآخر بمال واحد لا يعتق واحد منهما لان للمولى أن يجمع المالين على
أحدهما فيقول عنيتك بالمالين أو يقول عنيت غيرك فلا يثبت العتق مع الشك فان قبلا جميعا بالمالين بان قال كل واحد
منهما قبلت بالمالين أو قالا جميعا قد قبلنا يخير المولى فيقال له اما ان تصرف اللفظين جميعا إلى أحدهما فتجمع المالين عليه
فيعتق بالمالين ويبقى الآخر رقيقا واما ان تصرف أحد اللفظين إلى أحدهما والآخر إلى صاحبه فيعتق أحدهما
بألف درهم والآخر بمائة دينار لان الايجابين وقعا صحيحين أما الأول فلا شك فيه ولأنه أضيف إلى أحد العبدين
وكذا الثاني لان الايجاب الأول لم يتصل به القبول والعتق معلق بالقبول فالايجاب الثاني حصل مضافا إلى أحد عبدين
فيصح ومتى صح الايجاب الثاني فيحتمل أنه عنى به من عناه بالايجاب بالأول ويحتمل أنه عنى به العبد الآخر لذلك
78

خير المولى فان مات قبل البيان عتق من كل واحد ثلاثة أرباعه بنصف المالين لان أحدهما حر بيقين لأنه أراد
بالايجاب الثاني غير من أراده بالأول فكان الثابت بالكلامين عتقين بكل كلام عتق وان أراد بالثاني عين من أراده
بالأول كان الثابت بالكلامين عتق واحد فإذا عتق واحد ثابت بيقين والعتق الآخر يثبت في حال ولا يثبت في حال
فينصف فثبت عتق ونصف عتق بالمالين وليس أحدهما بكمال العتق بأولى من الاخر فينقسم عتق ونصف عتق
بينهما فيصيب كل واحد منهما ثلاثة أرباع العتق بنصف المالين ويسعى في ربع قيمته ولو قال لعبد له بعينه أنت
حر على ألف درهم فقبل ان يقبل جمع بين عبد له آخر وبينه فقال أحدكما حر بمائة دينار فقالا قبلنا يخير المولى فان شاء
صرف اللفظين إلى المعين وعتق بالمالين جميعا وان شاء صرف أحد اللفظين إلى أحدهما والآخر إلى الآخر وعتق
المعين بألف درهم وغير المعين بمائة دينار لان الايجابين صحيحان لما قلنا فيحتمل أنه أراد بالثاني المعين أيضا ويحتمل
انه أراد به غير المعين فيقال له بين فأيهما بين فالحكم للبيان فان مات قبل البيان عتق المعين كله لأنه دخل تحت الايجابين
جميعا أما الايجاب الأول فلا شك فيه لأنه خصه به فلا يشاركه فيه غيره وأما الايجاب الثاني فلان قوله أحدكما يقع
على كل واحد منهما فإذا قبل الايجابين وجد شرط عتقه فيعتق فيلزمه ألف درهم وخمسون دينارا أما الألف فلانه
لا مشاركة للثاني فيهما وأما نصف المائة الدينار فلانه في حال يلزمه مائة دينار وهي ما عناه باللفظين وفي حال لا يلزمه
منها شئ وهي ما إذا عنى باللفظ الثاني غيره فينتصف ذلك فيلزمه خمسون دينارا وأما غير المعين فإنه يعتق نصفه بنصف
المائة لأنه يعتق في حال ولا يعتق في حال لأنه ان عناه بالايجاب الثاني يعتق كله بكل المائة وان لم يعنه لا يعتق
شئ منه ولا يلزمه شئ فيعتق في حال ولم يعتق في حال فتعبر الأحوال ويعتق نصفه بنصف المائة وهو خمسون
هذا إذا عرف المعين من غير المعين فإن لم يعرف وقال كل واحد منهما أنا المعين يعتق من كل واحد منهما ثلاثة
أرباعه بنصف المالين وهو نصف الألف ونصف المائة الدينار لاستواءهما في ذلك والثابت عتق ونصف عتق
فيصيب كل واحد منهما ثلاثة أرباع العتق ويسعى في ربع قيمته ولو قال لعبديه أحد كما حر على ألف درهم والآخر
على خمسمائة فان قالا جميعا قبلنا أو قال كل واحد منهما قبلت بالمالين أو قال كل واحد منهما قبلت بأكثر المالين
عتقا جميعا فيلزم كل واحد منهما خمسمائة أما عتقهما فلان الايجابين خرجا على الصحة بخروج كل واحد منهما بين
عبدين والمراد بالايجاب الثاني ههنا غير المراد بالايجاب الأول فإذا قبلا فقد وجد شرط نزول العتق فيهما جميعا وانقطع
خيار المولى ههنا فيعتقان جميعا وعلى كل واحد منهما خمسمائة لان أحد ما عتق بألف والآخر بخمسمائة لكنا
لا ندري الذي عليه الألف والذي عليه خمسمائة الا انا تيقنا بوجوب خمسمائة على كل واحد منهما وفي الفصل
الثاني شك فيجب المتيقن ولا يجب المشكوك فيه كاثنين قالا لرجل لك على أحدنا ألف درهم وعلى الآخر
خمسمائة لا يطالب كل واحد منهما الا بخمسمائة لما قلنا فكذا هذا ولو قبل أحدهما بأقل المالين والآخر بأكثر
المالين عتق الذي قبل العتق بأكثر المالين لأنه لا يخلو اما ان عناه المولى بالايجاب بالأقل أو بالايجاب بالأكثر
فتيقنا بعتقه ثم في الأكثر قدر الأقل وزيادة فيلزمه خمسمائة كأنه قال قبلت بالمالين فيلزمه الأقل وهو خمسمائة
ويصير بعد العتق كأنه قال لك على ألف درهم أو خمسمائة ولو قال ذلك لزمه الأقل كذا ههنا ولو قبل كل واحد
منهما بأقل المالين لا يعتقان لان حجة المولى لم تنقطع لان له أن يقول لم أعتقك بهذا المال بخلاف ما إذا قبل أحدهما
بأكثر المالين لان الأقل داخل في الأكثر ولو قال أحدكما حر بألف والآخر بألفين فان قبلا بان قال كل واحد
منهما قبلت بالمالين أو قالا قبلنا عتقا لوجود شرط عتقهما وعلى كل واحد منهما ألف لأنه أعتق أحدهما بألف
والآخر بألفين فتيقنا بوجوب الألف على كل واحد منهما كرجلين قالا لرجل لك على أحدنا ألف وعلى الآخر
ألفان يلزم كل واحد منهما ألف لكون الألف تيقنا بها كذا هذا وان قبل أحدهما المالين جميعا بان قال قبلت بالمالين
أو قال قبلت بأكثر المالين بان قال قبلت بالمالين أو قال قبلت بألفين يعتق لوجود شرط العتق وهو القبول
79

أما إذا قبل بالمالين أو قال قبلت فلا شك فيه وكذا إذا قبل بأكثر المالين لوجود القبول المشروط بيقين فيعتق وقيل
هذا على قياس قولهما فاما على قياس قول أبي حنيفة ينبغي ان لا يعتق وهو القياس على مسألة الشهادة بالألف والألفين
والصحيح انه يعتق بلا خلاف وإذا أعتق لا يلزمه الألف درهم لان الواجب أحد المالين وأحدهما أقل والاخر
أكثر والجنس متحد فيتعين بالأقل للوجوب ولا يخير العبد ههنا لان التخيير بين الأقل والأكثر عند اتحاد الجنس
غير مفيد لأنه يختار الأقل لا محالة وان قبل أحدهما الألف لا يعتق لان للمولى أن يصرف العتق إلى الآخر كما إذا
قال أحدكما حر بألفين فقبل أحدهما ولو قال أحدكما حر بألف أحدكما حر بمائة دينار فان قبلا عتقا لوجود شرط
العتق ولا شئ عليهما لان المقضى عليه مجهول إذ لا يدرى الذي عليه الألف منهما والذي عليه المائة الدينار كاثنين
قالا لرجل لك على أحدنا ألف درهم وعلى الآخر مائة دينار انه لا يلزم أحدهما شئ كذا هذا وكذا هذا في الطلاق بان
قال لامرأتيه إحداكما طالق بألف والأخرى بمائة دينار فقبلتا جميعا طلقت كل واحدة منهما طلقة بائنة ولا يلزمهما
شئ لما قلنا وان قبل أحدهما العتق بألف درهم أو بمائة دينار أو قبل أحدهما العتق بأحد المالين والآخر بالمال
الآخر لا يعتق واحد منهما لان للمولى أن يقول لم أعنك بهذا المال الذي قبلت ولو قبل أحدهما بالمالين عتق ويلزمه
أي المالين اختاره لان الواجب أحدهما وهما جنسان مختلفان فكان التخيير مفيدا فيخير بخلاف الفصل
الأول فان قبل الآخر في المجلس عتقا وسقط المال عن القابل الأول لان المقتضى عليه مجهول هذا إذا كان قبل
قبل البيان من الأول فان قبل بعد البيان عتق الثاني بغير شئ وعتق الأول بالمالين لان بيانه في حق نفسه صحيح وفي
حق الآخر لم يصح ولو قال أحدكما حر بألف والآخر حر بغير شئ فان قبلا جميعا عتقا لوجود شرط عتقهما
وهو قبولهما ولا شئ عليهما لان الذي عليه البدل مجهول ولا يمكن القضاء على المجهول كرجلين قالا لرجل لك على
أحدنا ألف درهم ولا شئ على الاخر لا يجب على أحدهما شئ لجهالة من عليه الواجب كذا ههنا وان قبل أحدهما
بألف ولم يقبل الاخر يقال للمولى اصرف اللفظ الذي هو اعتاق بغير بدل إلى أحدهما فان صرفه إلى غير القابل
عتق غير القابل بغير شئ وعتق القابل بألف وان صرفه إلى القابل عتق القابل بغير شئ ويعتق الآخر بالايجاب
الذي هو يبدل إذا قبل في المجلس وكذا لو لم يقبل واحد منهما حتى صرف الايجاب الذي هو بغير بدل إلى أحدهما
يعتق هو ويعتق الآخر ان قبل البدل في المجلس والا فلا وان مات المولى قبل البيان عتق القابل كله وعليه خمسمائة
وعتق نصف الذي لم يقبل ويسعى في نصف قيمته اما عتق القابل كله فلان عتقه ثابت بيقين لأنه ان أريد بالايجاب
الأول عتق وان أريد بالايجاب الثاني عتق فكان عتقه متيقنا به وأما لزوم خمسمائة لأنه ان أعتق بالإياب الأول
يعتق بألف وان أعتق بالايجاب الثاني يعتق بغير شئ فينصب الألف فيلزمه خمسمائة وأما عتق النصف من غير
القابل ان أريد باللفظ الأول لا يعتق وان أريد باللفظ الثاني يعتق فيعتق في حال دون حال فينتصف عتقه فيعتق
نصفه ويسعى في نصف قيمته هذا إذا كان الاعتاق تنجيزا أو تعليقا بشرط فأما إذا كان أضافة إلى وقت فلا يخلو
اما ان أضافه إلى وقت واحد واما ان أضافه إلى وقتين فان أضافه إلى وقت واحد فأما ان أضافه إلى مطلق الوقت واما
ان أضافه إلى وقت موصوف بصفة وفي الوجوه كلها يشترط وجود الملك وقت الإضافة لان إضافة الاعتاق إلى وقت
اثبات العتق في ذلك الوقت لا محالة ولا ثبوت للعتق بدون الملك ولا يوجد الملك في ذلك الوقت الا إذا كان موجودا
وقت الإضافة لأنه إن كان موجودا وقت الإضافة فالظاهر أنه يبقى إلى الوقت المضاف إليه فيثبت العتق وإذا لم يكن
موجودا كان الظاهر بقاءه على العدم فلا يثبت العتق في الوقت المضاف إليه لا محالة فيكون خلاف تصرفه والأصل
اعتبار تصرف العاقل على الوجه الذي أوقعه اما الإضافة إلى وقت مطلق فنحو أن يقول لعبده أنت حر غدا أو رأس
شهر كذا فيعتق إذا جاء غد أو رأس الشهر لأنه جعل الغد أو رأس الشهر ظرفا للعتق فلابد من وقوع العتق عنده
ليكون ظرفا له وليس هذا تعليقا بشرط لانعدام أدوات التعليق وهي كلمات الشرط ولهذا لو حلف لا يحلف فقال
80

هذه المقالة لا يحنث بخلاف ما إذ قال أنت حر إذا جاء غد لان ذلك تعليق بشرط لوجود كلمة التعليق فان قيل كيف
يكون تعليقا بشرط ما في وجوده خطر ومجئ الغد كائن لا محالة قيل من مشايخنا من قال إن الغد في مجيئه
خطر لاحتمال قيام الساعة في كل ساعة قال الله سبحانه وتعالى وما أمر الساعة كلمح البصر أو هو أقرب فيصلح
مجئ الغد شرطا لكن هذا الجواب ليس بسديد لان الساعة لا تقوم الا عند وجود اشتراطها من خروج يأجوج
ومأجوج ودابة الأرض وخروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها ونحو ذلك مما دل عليه الكتاب ووردت
به الاخبار والجواب الصحيح ان يقال إن مجئ الغد وإن كان متيقن الوجود يمكن كونه شرطا لوقوع العتق
وليس بمتيقن الوجود بل له خطر الوجود والعدم لاحتمال موت العبد قبل مجئ الغد أو موت المولى أو موتهما وحينئذ
لا يكون شرطا لعدم تصور الجزاء على أن الشرط اسم لما جعل علما لنزول الجزاء سواء كان موهوم الوجود أو متيقن
الوجود وأما الإضافة إلى وقت موصوف فنحو أن يقول لعبده أنت حر قبل دخولك الدار بشهر أو قبل قدوم فلان
بشهر أو قبل موت فلان بشهر ولا شك انه لا يعتق قبل وجود الوقت الموصوف حتى لو وجد شئ من هذه الحوادث
قبل تمام الشهر لا يعتق لأنه أضاف العتق إلى الوقت الموصوف فلا يثبت فله ويشترط تمام الشهر وقت التكلم وإن كان
العبد في ملكه قبل ذلك بشهور بل بسنين لان إضافة العتق إلى وقت ايجاب العتق فيه غير ايجاب العتق في
الزمان الماضي وايجاب العتق في الزمان الماضي لا يتصور فلا يحمل كلام العاقل عليه ولا شك ان العتق ثبت عند
وجود هذه الحوادث لتمام الشهر واختلف في كيفية ثبوته فقال زفر يثبت من أول الشهر بطريق الظهور وقال
أبو يوسف ومحمد يثبت مقتصرا على حال وجود الحوادث وأبو حنيفة فرق بين القدوم والدخول وبين الموت فقال في
القدوم والدخول كما قالا وفي الموت كما قال زفر حتى لو كان المملوك أمة فولدت في وسط الشهر يعتق الولد في قول
أبي حنيفة وزفر وعندهما لا يعتق وجه قول زفر انه أوقع العتق في وقت موصوف بكونه متقدما على هذه الحوادث
بشهر فإذا وجدت بعد شهر متصلة به علم أن الشهر من أوله كان موصوفا بالتقدم عليها لا محالة فتبين ان العتق كان واقعا
في أول الشهر كما إذا قال أنت حر قبل رمضان بشهر ولا فرق سوى ان هناك يحكم بالعتق من أول هلال شعبان ولا
يتوقف على مجئ شهر رمضان وههنا لا يحكم بالعتق من أول الشهر لان ثمة رمضان يتصل بشعبان لا محالة وههنا
وجود هذه الحوادث يحتمل ان يتصل بهذا الشهر ويحتمل أن لا يتصل لجواز انها لا توجد أصلا فاما في ثبوت العتق
في المسئلتين من ابتداء الشهر فلا يختلفان ولهذا قال أبو حنيفة ثبوت العتق بطريق الظهور في الموت وجه قولهما ان
هذا في الحقيقة تعليق بهذه الحوادث لأنه أوقع العتق في شهر متصف بالتقدم على هذه الحوادث ولا يتصف
بالتقدم عليها الا باتصالها به ولا تتصل به الا بعد وجودها فكان ثبوت العتق على هذا التدريج متعلقا بوجود هذه
الحوادث فيقتصر على حال وجودها ولهذا قال أبو حنيفة هكذا في الدخول والقدوم كذا في الموت بخلاف شعبان
لان اتصاف شعبان بكونه متقدما على رمضان لا يقف على مجئ رمضان ووجه الفرق لأبي حنيفة بين الدخول
والقدوم وبين الموت ان في مسألة القدوم والدخول بعدما مضى شهر من وقت التكلم يبقى الشهر الذي أضيف إليه
العتق وهو موهوم الوجود قد يوجد وقد لا يوجد لان قدوم فلان موهوم الوجود قد يوجد وقد لا يوجد فان وجد يوجد
هذا الشهر والا فلا فلا لما ذكرنا ان هذا الشهر لا وجود له بدون الاتصاف ولا اتصاف بدون الاتصال ولا اتصال
بدون القدوم إذ الاتصال إنما يتصور بين موجودين لا بين موجود ومعدوم فصار العتق وإن كان مضافا إلى الشهر
متعلقا بوجود القدوم فكان هذا تعليقا ضرورة فيقتصر الحكم المتعلق به على حال وجود الشرط كما في سائر التعليقات
فاما في مسألة الموت فبعدما مضى شهر من زمن الكلام لم يبق ذات الشهر الذي أضيف إليه العتق موهوم الوجود بل
هو كائن لا محالة لان الموت كائن لا محالة فصار هذا الشهر متحقق الوجود بلا شك بخلاف الشهر المتقدم على الدخول
والقدوم غير أنه مجهول الذات فلا يحكم بالعتق قبل وجود الموت وإذا وجد فقد وجد المعرف للشهر بخلاف الشهر
81

المتقدم على شهر رمضان فإنه معلوم الذات لأنه كما وجد شعبان علم أنه موصوف بالتقدم على رمضان وههنا بخلافه
وبخلاف القدوم والدخول فان بعد مضى شهر من وقت الكلام بقي ذات الشهر الذي أضيف إليه العتق موهوم
الوجود فلم يكن القدوم معرفا للشهر بل كان محصلا للشهر الموصوف بهذه الصفة بحيث لولا وجوده لما وجد هذا
الشهر البتة فكان الموت مظهرا معينا للشهر فيظهر من الأصل من حين وجوده ثم اختلف مشايخنا في كيفية الظهور
على مذهب أبي حنيفة قال بعضهم هو ظهور محض فتبين ان العتق كان واقعا من أول الشهر من غير اعتبار حالة الموت
وهو ان يعتبر الوقوع أولا ثم يسرى إلى أول الشهر لان الأصل اعتبار التصرف على الوجه الذي أثبته المتصرف
والمتصرف أضاف العتق إلى أو الشهر المتقدم على الموت فيقع في أول الشهر لا في آخره فكان وقت وقوع الطلاق
أول الشهر فيظهر ان العتق وقع من ذلك الوقت كما إذا قال أن كان فلان في الدار فعبده حر فمضت مدة ثم علم أنه كان
في الدار يوم التكلم يقع العتق من وقت التكلم لا من وقت الظهور وهؤلاء قالوا لو كان مكان العتاق طلاق ثلاث
فالعدة تعتبر من أول الشهر في قول أبي حنيفة حتى لو حاضت في الشهر حيضتين ثم مات فلإن كانت الحيضتان
محسوبتين من العدة ولو كان قال أنت طالق قبل موت فلان بشهرين أو ثلاثة أشهر ثم مات فلان لتمام المدة أو كانت
المرأة رأت ثلاثة حيض في المدة تبين عند موته ان الطلاق كان واقعا وان العدة قد انقضت كما لو قال إن كان زيد في
الدار فامرأتي طالق ثم علم بعدما حاضت المرأة ثلاثة حيض انه كان في الدار يوم التكلم به تبين انها قد طلقت من ذلك
الوقت وانها منقضية العدة كذا هذا وكذلك لو قال إن كان حمل فلانة غلاما فأنت طالق فولدت غلاما يقع الطلاق
على طريق التبيين كذا هذا والذي يؤيد ما قلنا إن رجلا لو قال آخر امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة ثم أخرى
ثم ماتت طلقت الثانية على وجه التبيين المحض عند أبي حنيفة وإن كان لا يحكم بطلاقها ما لم يمت كذا ههنا وقالوا لو
خالعها في وسط الشهر ثم مات فلان لتمام الشهر فالخلع باطل ويؤمر الزوج برد بدل الخلع سواء كانت عند الموت
معتدة أو منقضية العدة أو كانت ممن لا عدة عليها بأن كانت غير مدخول بها وهؤلاء طعنوا فيما ذكر محمد في الكتاب
لتخريج قول أبي حنيفة انه ان مات فلان وهي في العدة يحكم ببطلان الخلع ويؤمر الزوج برد بدل الخلع وإن كانت
غير معتدة وقت موت فلان بأن كان بعد الخلع قبل موت فلان أسقطت سقطا أو كانت غير مدخول بها لا يبطل
الخلع ولا يؤمر الزوج برد بدل الخلع وقالوا هذا التخريج لا يستقيم على قول أبي حنيفة لان هذا ظهور محض فتبين
عند وجود الجزء الأخير ان هذا الشهر من ابتداء وجوده موصوف بالتقدم فتبين ان الطلقات الثلاث كان واقعة
من ذلك الوقت سواء كانت معتدة أو غير معتدة كما لو قال إن كان فلان في الدار فامرأته طالق ثم خالعها ثم تبين انه
كان يوم الحلف في الدار انه يتبين ان الخلع كان باطلا على الاطلاق سواء كانت معتدة أو لم تكن كذا ههنا والفقه
ان وقت الموت إذا لم يكن وقت وقوع الطلاق لا يعتبر فيه قيام الملك والعدة وعامة مشايخنا قالوا إن العتق أو الطلاق
يقع وقت الموت ثم يستند إلى أول الشهر الا انه يظهر انه كان واقعا من أول الشهر ووجهه مما لا يمكن الوصول إليه
الا بمقدمة وهي ان ما كان الدليل على وجوده قائما يجعل موجودا في حق الأحكام لان إقامة الدليل مقام المدلول
أصل في الشرع والعقل ألا ترى ان الخطاب يدور مع دليل القدرة وسببها دون حقيقة القدرة ومع دليل العلم وسببه
دون الحقيقة العلم حتى لا يعذر الجاهل بالله عز وجل لقيام الآيات الدالة على وجود الصانع ولا بالشرائع عند امكان
الوصول إلى معرفتها بدليلها ثم الدليل وان خفى بحيث يتعذر الوصول إليه يكتفى به إذا كان ممكن الحصول في الجملة إذ
الدلائل تتفاوت في نفسها في الجلاء والخفاء والمستدلون أيضا يتفاوتون في الغباوة والذكاء فالشرع أسقط اعتبار
هذا التفاوت فكانت العبرة لأصل الامكان في هذا الباب وأما ما كان الدليل في حقه منعدما فهو في حق الأحكام
ملحق بالدم وإذا عرف هذا فنقول الشهر الذي يموت فلان في آخره فان اتصف بالتقدم من وقت وجوده لكن كان
دليل اتصافه منعدما أصلا فلم يكن لهذا الاتصاف عدة ويبقى ملك النكاح إلى آخر جزء من أجزاء الشهر فيعلم
82

كونه متقدما على موته ومن ضرورة اتصاف هذا الجزء بالتقدم اتصاف جميع الأجزاء المتقدمة عليه إلى تمام الشهر
ولا يظهر ان دليل الاتصاف كان موجودا في أول الشهر إذا الدليل هو آخر جزء من أجزاء الشهر ووجود الجزء
الأخير من الشهر مقارنا لأول الشهر محال فلم يكن دليل اتصاف الشهر بكونه متقدما موجودا فلم يعتبر هذا الاتصاف
فبقي ملك النكاح إلى وقت وجود الجزء الأخير فيحكم في هذا الجزء بكونها طالق ومن ضرورة كونها طالقا في هذا
الجزء ثبوت الانطلاق من الأصل لأنها تكون طالقا بذلك الطلاق المضاف إلى أول الشهر الموصوف بالتقدم
على الموت فلا جل هذه الضرورة حكم بالطلاق من أول الشهر لكن بعد ما كان النكاح إلى هذا الوقت
قائما لعدم دليل الاتصاف بالتقدم على ما بينا ثم لما حكم بكونها طالقا وثبت الانطلاق فيما مضى من أول الشهر
ضرورة جعل كان الطلاق يقع للحال ثم بعد وقوعه يسرى إلى أول الشهر هكذا يوجب ضرورة ما بينا من الدليل
وإذا جعل هكذا يخرج عليه المسائل أما العدة فإنها تجب في آخر جزء من اجزاء حياة فلان الميت لأنها مما يحتاط في
ايجابها فوجبت للحال وجعل كان الطلاق وقع للحال وأما الخلع فإن كانت العدة باقية وقت الموت لم يصح وإن كانت
منقضية العدة صح لأنها إذا كانت باقية كان النكاح باقيا من وجه ويحكم ببقائه إلى هذه الحالة لضرورة عدم الدليل
ثم يحكم للحال بكونها طالقا بذلك الطلاق المضاف وسرى واستند إلى أول الشهر علم أنه خالعها وهي بائنة عنه فلم
يصح الخلع ويؤمر الزوج برد بدل الخلع وإذا كانت منقضية العدة وقت الموت فالنكاح الذي كان يبقى إلى آخر
جزء من أجزاء حياته لضرورة عدم الدليل لا يبقى لارتفاعه بالخلع فبقي النكاح إلى وقت الخلع ولم يظهر انه كان
مرتفعا عند الخلع فحكم بصحة الخلع ولا يؤمر الزوج برد بدل الخلع بخلاف ما إذا قال إن كان زيد في الدار لان
دليل الوقوف على كون زيد في الدار موجود حالة التكلم فانعقد الطلاق تنجيزا لو كان هو في الدار لان التعليق بالموجود
تحقق وبخلاف ما إذا قال إن كان حمل فلانة غلاما لان الولد في البطن يمكن الوقوف في الجملة على صفة الذكورة
والأنوثة فإنه ما من ساعة الا ويجوز ان يسقط الحمل فانعقد الطلاق تنجيزا ثم علمنا بعد ذلك وبخلاف ما إذا قال آخر
امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة ثم أخرى ثم مات انه يقع الطلاق على الثانية من طريق التبيين لان هناك
لما تزوج الثانية اتصفت بكونها آخر الوجود حد الاخر وهو الفرد اللاحق وهي فرد وهي لاحقة ألا ترى أنه يقول
امرأتي الأولى وامرأتي الأخيرة الا انه لا يحكم بوقوع الطلاق للحال لاحتمال انه يتزوج بثالثة فتسلب صفة الآخرية
عن الثانية فإذا مات قبل أن يتوج بثالثة تقررت صفة الآخرية للثانية من الأصل حكم بوقوع الطلاق من ذلك
الوقت وهنا دليل اتصاف الشهر بالتقدم منعدم في أول الشهر وما لا دليل عليه يلحق بالعدم هو هذا بخلاف ما إذا
قال لأمر أنه ان لم أتزوج عليك فأنت طالق ولم يتزوج حتى مات انه يقع الطلاق على امرأته مقتصر أعلى الحال لان
هناك علق الطلاق صريحا بعدم التزوج والعدم يستوعب العمر ألا ترى ان لو تزوج في العمر ومرة لا يوصف بعدم
التزوج لان الوجود قد تحقق ولعدم يقابل الوجود فلا يتحقق مع الوجود فيتم ثبوته عند الموت والمعلق بشرط ينزل
عند تحقق الشرط بتمامه فوقع مقتصرا على حال وجود الشرط وأما هذا فليس بتعليق الطلاق بشرط بل هو إضافة
الطلاق إلى وقت موصوف بصفة فيتحقق الطلاق عند تحقق الصفة بدليله على التقدير الذي ذكرنا والله عز وجل
الموفق ولو قال لامرأته أنت طالق قبل موتى بشهر أو قبل موتك بشهر فمات لتمام الشهر أو ماتت لا يقع الطلاق
عند هما وعند أبي حنيفة يقع فهما فرقا بن الطلاق والعتاق فقالا العتاق يقع الطلاق لا يقع لان عندهما هذا تصرف
تعليق الطلاق والعتاق بالشرط والمعلق بالشرط ينزل بعد وجود الشرط والزوج بعد الموت ليس من أهل ايقاع
الطلاق ولا المرأة بعد موتها محل لوقوع الطلاق عليها بخلاف العتق لأنه يقع بعد الموت كما في التدبير والله عز وجل
أعلم ولو قال لعبده أنت حر قبل موت فلان وفلان بشهر أو قبل قدوم فلان بشهر فان مات أحدهما أو قدم قبل
مضى شهر لا يعتق أبدا لأنه أضاف أعتق إلى شهر موصوف بالتقدم على موتيهما أو قدومهما ولم يوجد ولا يتصور
83

وجوده بعد ذلك لأنه لو تم الشهر بعد موت أحدهما أو قدوم أحدهما كان موصوفا بالتقدم على موت أحدهما أو
قدوم أحدهما وهو ما أضاف العتق إلى هذا الشهر بل إلى شهر موصوف بالتقدم على موتهما أو قدومهما جميعا وهذا غير
ذاك وان مضى شهر ثم مات أحدهما عتق العبد وان لم يمت الاخر بعد بخلاف ما إذا قال أنت حر قبل قدوم فلان
وفلان بشهر ثم قدم أحدهما لتمام الشهر انه لا يعتق ما لم يقدم الاخر ووجه الفرق على ما بينا فيما تقدم وهو انه إذا مات
أحدهما تحقق كون الشهر سابقا على موتهما وإذا قدم أحدهما لم يتحقق كون الأول سابقا على قدومهما وإنما يتحقق عند
وجود قدومهما جميعا فكان القياس ان لا يعتق ما لم يموتا جميعا في لحظة واحدة بعد مضى شهر فكذا في القدوم وهو قول
على الرازي لان العتق أضيف إلى شهر موصوف بالتقدم على موتهما أو قدومهما متصل بهما لأنه أضاف العتق إلى
شهر متقدم على موتهما أو قدومهما ومن ضرورة ذلك وجود موتهما أو قدومهما جميعا وعند ثبوت التراخي فيما بين
الموتين أو القدومين يكون العتق واقعا قبل موت أحدهما أو قدوم أحدهما بشهر وقبل موت الآخر أو قدوم
الآخر بشهر وانه خلاف ما أضاف فلا يقع بخلاف ما إذا قال أنت حر قبل يوم الفطر والأضحى بشهر حيث يعتق
كما أهل هلال رمضان لان وجود وقت متصف بالتقدم عليهما بشهر مستحيل والعاقل لا يقصد بكلامه المستحيل
فعلم أنه أراد به إضافة العتق إلى وقت موصوف بالتقدم على أحد اليومين بشهر وعلى الآخر بمدة غير مقدرة وفيما نحن
فيه لا استحالة فيراعى عين ما أضاف وجوب الاستحالة عن هذا ان الأصل في أحكام الشرع ان المستحيل
عادة يلحق بالمستحيل حقيقة وقدوم شخص في جزء لا يتجزء من الزمان بحيث لا يقدم أحدهما على صاحبه
مستحيل عادة وكذا موت شخصين على هذا الوجه والجواب في المستحيل حقيقة وهو مسألة الفطر والأضحى هكذا
فكذا في المستحيل عادة وكذا لو قال أنت حر قبل قدوم فلان وموت فلان بشهر فان مات أحدهما أو قدم أحدهما
قبل مضى الشهر لا يعتق أبدا لما قلنا وان مات أحدهما لتمام الشهر لا يعتق حتى يقدم الآخر وان قدم أحدهما
بعد مضى الشهر عتق ولا ينتظر موت الاخر الا انه لا يستدل لما ذكرنا ان الموت كائن لا محالة والقدوم موهوم
الوجود ولو قال أنت حر الساعة إن كان في علم الله عز وجل ان فلانا يقدم إلى شهر فهذا وقوله قبل قدوم فلان بشهر
سواء لأنه لا يراد بهذا علم الله تعالى الأزلي القائم بذاته عز وجل وإنما يراد به ظهور هذا القدوم المعلوم لنا وقد يظهر
لنا وقد لا يظهر فكان شرطا فيقتصر العتق على حالة وجود الشرط كما في سائر التعليقات بشروطها والله عز وجل أعلم
ولو قال أنت حر بعد موتى بشهر فكاتبه في نصف الشهر ثم مات لتمام الشهر فإن كان استوفى بدل الكتابة ثم مات
لتمام الشهر كان العتق حاصلا بجهة الكتابة وإن كان لم يستوف بعد بدل الكتابة عتق بالاعتاق السابق وسقط
اعتبار الكتابة عند أبي حنيفة وهذا يدل على أن العتق يثبت بطريق الاستناد عنده وقال أبو القاسم الصفار انه تبطل
الكتابة من الأصل سواء كان استوفى بدل الكتابة أو لم يستوف وهو قياس قول من يقول بثبوت العتق من طريق
الظهور المحض لأنه تبين ان العتق يثبت من أول الشهر فتبين ان الكتابة لم تصح وقد ذكرنا تصحيح ما ذكر في
الكتاب وهو العتق بطريق الاستناد فيما تقدم فلا نعيده وعندهما ان استوفي بدل الكتابة فالامر ماض لان العتق
عندهما يثبت مقتصرا على حال الموت وهو حر في هذه الحالة لوصوله إلى الحرية بسبب الكتابة عند أداء البدل
وإن كان لم يستوف بعد بدل الكتابة فإن كان العبد يخرج من الثلث عتق من جميع المال وان لم يكن له مال غيره
عتق ثلثه بالتدبير لأنه مدبر مقيد لان عتقه علق بموت موصوف بصفة قد يوجد على تلك الصفة وقد لا يوجد ويسعى
في الأقل من ثلثي قيمته ومن جميع بدل الكتابة عند أبي يوسف وعند محمد يسعى في الأقل من ثلثي بدل الكتابة ومن
ثلثي قيمته وأصل المسألة ان من دبر عبده ثم كاتبه ثم مات المولى ولا مال له غيره يعتق ثلثه مجانا بالتدبير ثم يسعى في الأقل
من ثلثي قيمته ومن جميع بدل الكتابة عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد في الأقل من ثلثي قيمته ومن ثلثي بدل
الكتابة فهذا على ذاك الا ان عند أبي حنيفة يخير بين ان يسعى في هذا وبين ان يسعى في ذاك وعندهما يسعى في الأقل
84

منها بدون التخيير ثم عند أبي حنيفة في مسألة الكتابة يعتبر صحة المالك ومرضه في أول الشهر هكذا ذكر في النوادر لأنه
يصير معتقا من ذلك الوقت وقيل هذا هو الحيلة لمن أراد أن يدبر عبده ويعتق من جميع المال وإن كان لا يخرج من
الثلث بأن يقول أنت حر قبل موتى بشهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر أو ما شاء من المدة ليعتق من ذلك الوقت
وهو فيه صحيح فيعتق من جميع المال وعندهما كيف ما كان يعتبر عتقه من الثلث لأنه يصير عندهما
معتقا بعد الموت والله عز وجل المستعان وأما الإضافة إلى وقتين فالأصل فيه ان المضاف إلى وقتين
ينزل عند أولهما والمعلق بشرطين ينزل عند آخرهما والمضاف إلى أحد الوقتين غير عين فينزل عند أحدهما
والمعلق بأحد شرطين غير عين ينزل عند أولهما ولو جمع بين فعل ووقت يعتبر فيه الفعل وينزل عند وجوده في
ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف انه ينزل عند أولهما أيهما كان وبيان هذه الجملة إذا قال لعبده أنت حر اليوم وغدا
يعتق في اليوم لأنه جعل الوقتين جميعا ظرفا للعتق فلو توقف وقوعه على أحدهما لكان الظرف واحدا لوقتين لا كلاهما
وانه ايقاع تصرف العاقل لا على الوجه الذي أوقعه ولو قال أنت حر اليوم غدا أعتق في اليوم لأنه أضاف الاعتاق
إلى يوم ثم وصف اليوم بأنه غد وانه محال ويبطل وصفه وبقيت الإضافة إلى اليوم ولو قال أنت حر غدا اليوم يعتق في
الغد لأنه أضاف العتق إلى الغد ووصف الغد باليوم وهو محال فلم يصح وصفه وبقيت اضافته العتق إلى الغد فيعتق
في الغد ولو قال أنت حر ان قدم فلان وفلان فما لم يقدما جميعا لا يعتق لأنه علق عتقه بشرطين فلا ينزل عند آخرهما
إذ لو نزل عند أولهما لبطل التعليق بهما ولكان ذلك تعليقا بأحدهما وهو علق بهما جميعا لا بأحدهما ولو قال أنت
حر اليوم أو غدا يعتق في الغد لأنه جعل أحد الوقتين ظرفا فلو أعتق في اليوم لكان الوقتان جميعا ظرفا وهذا خلاف
تصرفه ولو قال أنت حر ان قدم فلان أو غدا فان قدم فلان قبل مجئ الغد عتق وان جاء الغد قبل قدوم فلان لا يعتق
ما لم يقدم في جواب ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف ان أيهما سبق مجيؤه يعتق والأصل فيه انه ذكر
شرطا ووقتا في تصرف واحد ولا يمكن الجمع بينهما لما بين التعليق بشرط وبين الإضافة إلى وقت من التنافي فلابد
من اعتبار حدهما وترجيحه على الآخر فأبو يوسف رجح جانب الشرط لان الشرط لا يصلح ظرفا والظرف قد
يصلح شرطا فكان الرجحان لجانب الشرط فاعتبر تعليقا بأحد الشرطين فينزل عند وجود أولهما أيهما كان كما
إذا نص على ذلك ونحن رجحنا السابق منهما في اعتبار التعليق والإضافة فإن كان العفل هو السابق يعتبر التصرف
تعليقا واعتباره تعليقا يقتضى نزول العتق عند أول الشرطين كما إذا علقه بأحد شرطين نصا وإن كان الوقت هو
السابق يعتبر اضافته واعتبارها يقتضى نزول العتق عند آخر الوقتين كما إذا أضاف إلى آخر الوقتين نصا والله عز
وجل أعلم وأما الذي يرجع إلى نفس الركن فهو ما ذكرنا في الطلاق وهو أن يكون الركن عاريا عن الاستثناء رأسا
كيفما كان الاستثناء وضعيا كان أو عرفيا عند عامة العلماء والكلام في الاستثناء في العتاق وبيان أنواعه وماهية
كل نوع وشرائط صحته على نحو الكلام في باب الطلاق وقد ذكرنا ذلك كله في كتاب الطلاق ولا يختلفان الا في
شئ واحد وهو انه يتصور استثناء بعض العدد في الطلاق ولا يتصور في العتاق لان الطلاق ذو عدد فيتصور فيه
استثناء بعض العدد والعتق لا عدد له فلا يتصور فيه استثناء بعض العدد وإنما يتصور استثناء بعض الجملة الملفوظة
نحو أن يقول لعبيده أنتم أحرار الا سالما لان نص الاستثناء مع نص المستثنى منه تكلم بالباقي ولو استثنى عتق بعض
العبد يصح عند أبي حنيفة ولا يصح عند هما بناء على أن العتق يتجزأ عنده فيكون استثناء البعض من الكل فيصح
وعندهما لا يتجزأ فيكون استثناء الكل من الكل فلا يصح وذكر ابن سماعة في نوادره عن محمد فيمن قال غلاماي
حران سالم وبريع الا بريعا ان استثناءه جائز لأنه ذكر جملة ثم فصلها بقوله سالم وبريع فانصرف الاستثناء إلى الجملة
الملفوظة بها فكان استثناء البعض من الجملة الملفوظة فصح وليس كذلك ما إذا قال سالم حر وبريع الا سالما لأنه لما
ذكر كل واحد منهما بانفراده كان هذا استثناء عن كل واحد منهما فكان استثناء الكل من الكل فلا يصح ولو قال
85

أنت حر وحر ان إن شاء الله تعالى بطل الاستثناء في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد الاستثناء جائز وجه
قولهما ان هذا كلام واحد معطوف على بعض بحرف العطف فلا يقع به الفصل بين المستثنى والمستثنى منه
كما لو قال أنت حر لله إن شاء الله تعالى ولأبي حنيفة قوله لغو لثبوت الحرية باللفظ الأول فكان فاصلا
بمنزلة السكوت بخلاف قوله أنت حر لله إن شاء الله تعالى لان قوله لله تعالى ليس بلغو فلا يكون فاصلا وروى ابن
سماعة في نوادره عن محمد في رجل له خمسة من الرقيق فقال عشرة من مماليكي الا واحدا أحرار انه يعتق الخمسة جميعا
لأنه لما قال عشرة من مماليكي أحرار الا واحدا فقد استثنى الواحد من العشرة والاستثناء تكلم بالباقي فصار كأنه قال
تسعة من مماليكي أحرار وله خمسة ولو قال ذلك عتقوا جميعا كذا هذا ولو قال مماليكي العشرة أحرار الا واحدا عتق
منهم أربعة لان هذا رجل ذكر مماليكه وغلط في عددهم بقوله العشرة فيلغو هذا القول ويبقى قوله مماليكي أحرار
الا واحدا ولو قال ذلك وله خمسة مماليك يعتق أربعة منهم كذا هذا والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما صفة الاعتاق فهي ان الاعتاق هل يتجزأ أم لا وقد اختلف فيه قال أبو حنيفة يتجزأ سواء كان المعتق
موسرا أو معسرا وقال أبو يوسف ومحمد لا يتجزأ كيفما كان المعتق وقال الشافعي إن كان معسرا يتجزأ وإن كان
موسرا لا يتجزأ والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم قال بعضهم فيمن أعتق نصف عبد بينه وبين غيره
انه يعتق نصفه وبقى الباقي رقيقا يجب تخريجه إلى العتاق وهو مذهب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقال بعضهم
يعتق كله وليس للشريك الا الضمان وقال على وابن عباس رضي الله عنهما عتق ما عتق ورق ما رق هما احتجا
بالنص والمعقول والأحكام أما النص فما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من أعتق شقصا له من
عبد عتق كله ليس لله فيه شريك وهذا نص على عدم التجزي وفي رواية من أعتق شركا له في عبد فقد عتق كله
ليس لله فيه شريك وأما المعقول فهو ان العتق في العرف اسم لقوة حكمية دافعة يد الاستيلاء والرق اسم لضعف
حكمي يصير به الآدمي محلا للتملك فيعتبر الحكمي بالحقيقي وثبوت القوة الحقيقية والضعف الحقيقي في النصف شائعا
مستحيل فكذا الحكمي ولان للعتق آثارا من المالكية والولاية والشهادة والإرث ونحوها وثبوت هذه الآثار
لا يحتمل التجزي ولهذا لم يتجزأ في حال الثبوت حتى لا يضرب الامام الرق في أنصاف السبايا ويمن عليهم بالانصاف
كذا في حالة البقاء وأما الأحكام فان اعتاق النصف قد تعدى إلى النصف الباقي في الأحكام حتى امتنع جواز
التصرفات الناقلة للملك فيه من البيع والهبة والصدقة والوصية عند أصحابنا وكذا يجب تخريجه إلى عتق الكل بالضمان
أو بالسعاية حتى يجبره القاضي على ذلك وهذا من آثار عدم التجزي وكذا الاستيلاد لا يتجزأ حتى لو استولد جارية
بينه وبين شريكه وادعاه تصير كلها أو ولد له بالضمان ومعلوم ان الاستيلاد يوجب حق الحرية لا حقيقة الحرية فالحق
إذا لم يتجزأ فالحقيقة أولى وكذا لو أعتق نصف أم ولده أو أم ولد بينه وبين شريكه عتق كلها وإذا لم يكن الاعتاق متجزئا
لم يكن المحل في حق العتق متجزئا وإضافة التصرف إلى بعض ما لا يتجزأ في حقه يكون إضافة إلى الكل كالطلاق
والعفو عن القصاص والله أعلم ولأبي حنيفة النصوص والمعقول والحكم أما النص فما روى عن عن عبد الله بن عمر
رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله وسلم أنه قال من أعتق نصيبا له من مملوك كلف عتق بقيته وان لم يكن عنده
ما يعتقه فيه جاز ما صنع وروى كلف عتق ما بقي وروى وجب عليه أن يعتق ما بقي وذلك كله نص على التجزي
لان تكليف عتق الباقي لا يتصور بعد ثبوت العتق في كله وقوله صلى الله عليه وسلم جاز ما صنع إشارة إلى عتق
البعض إذ هو الذي صنعه لا غير وروى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال من أعتق شركا له في عبد وكان له ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل وأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه
العبد والا عتق ما عتق والحديث يدل على تعلق عتق الباقي بالضمان إذا كان المعتق موسرا وعلى عتق البعض إن كان
معسرا فيدل على التجزي في حالة اليسار والاعسار وروى عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
86

قال من كان له شقص في مملوك فأعتقه فعليه خلاصه من ماله إن كان له مال وان لم يكن له مال استسعى العبد في رقبته
غير مشقوق عليه وفي رواية من أعتق شقصا له من مملوك فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال وان لم يكن له مال استسعى
العبد غير مشقوق عليه وأما المعقول فهو ان الاعتاق إن كان تصرفا في الملك والمالية بالإزالة فالملك متجزئ وكذا
المالية بلا شك حتى تجرى فيه سهام الورثة ويكون مشتركا بين جماعة كثيرة من الغانمين وغيرهم وإن كان تصرفا في
الرق فالرق متجزئ أيضا لان محله متجزئ وهو العبد وإذا كان محله متجزئا كان متجزئا ضرورة وأما حكم
الاثنين إذا أعتقا عبدا مشتركا بينهما كان الولاء بينهما نصفين والولاء من أحكام العتق تجزؤه على تجزى العتق
وأما الحديث فقد قيل إنه غير مرفوع بل هو موقوف على عمر رضي الله عنه وقد روى عنه خلافه فإنه روى أنه قال
في عبد بين صبي وبالغ أعتق البالغ نصيبه قال ينتظر بلوغ الصبي فإذا بلغ الصبي ان شاء أعتق وان شاء استسعى ولئن ثبت
رفعه فتأويله من وجهين أحدهما ان معنى قوله عتق كله أي استحق عتق كله لأنه يجب تخرج الباقي إلى العتق
لا محالة فيعتق الباقي لا محالة بالاستسعاء أو بالضمان وما كان مستحق الوجود يسمى باسم الكون والوجود قال الله
تعالى انك ميت وانهم ميتون والثاني أنه يحتمل أن المراد منه عتق كله للحال ويحتمل ان المراد منه عتق كله عند
الاستسعاء والضمان فنحمله على هذا عملا بالأحاديث كلها وأما قولهما ان العتق قوة حكمية فيعتبر بالقوة الحقيقية
وثبوتها في البعض شائعا ممتنع فكذا الحكمية فنقول لم قلتم ان اعتبار الحكم بالحقيقة لازم أليس ان الملك عبارة عن
القدرة الحكمية والقوة والقدرة سواء ثم الملك يثبت في النصف شائعا وهذا لان الامر الشرعي يعرف بدليل الشرع
وهو النص والاستدلال لا بالحقائق وما ذكر من الآثار فليست من لوازم العتق ألا ترى أنه يتصور ثبوت العتق
بدونها كما في الصبي والمجنون بل هي من الثمرات وفوات الثمرة لا يخل بالذات ثم إنها من ثمرات حرية كل الشخص
لا من ثمرات حرية البعض فان الولايات والشهادات شرعت قضاء حق العاجزين شكرا لنعمة القدرة وذلك عند
كمال النعمة وهو أن ينقطع عنه حق المولى ليصل إلى إقامة حقوق الغير وقولهما لا يتجزأ ثبوته كذا زواله من مشايخنا
من منع وقال إن الامام إذا ظهر على جماعة من الكفرة وضرب الرق على أنصافهم ومن على الانصاف جاز ويكون
حكمهم حكم معتق البعض في حالة البقاء ثم سلمنا فالرق متجزئ في نفسه حالة الثبوت لكنه تكامل لتكامل سببه
وهو الاستيلاد إذ لا يتصور وروده على بعض المحل دون بعض وفي حالة البقاء وجود سبب زواله كاملا وقاصرا
فيثبت كاملا وقاصرا على حسب السبب وأما التخريج إلى الاعتاق وامتناع جواز التصرفات فليس لعدم التجزي
بل لمعنى آخر نذكره انشاء الله تعالى وأما الاستيلاد فممنوع أنه لا يتجزأ بل هو متجزئ فان الأمة المشتركة بين
اثنين إذا جازت بولد فادعياه جميعا صارت أم ولد لهما الا أنه إذا ادعى أحدهما صارت كلها أم ولد له لوجود سبب
التكامل وهو نسبة كل أم الولد إليه بواسطة الولد على ما نذكره في كتاب الاستيلاد وما من متجزئ الا وله حال
الكمال إذا وجد السبب بكمال يتكامل وإذا وجد قاصرا لا يتكامل بل يثبت بقدره وفي مسئلتنا وجد قاصرا فلم
يتكامل وكذا اعتاق أم الولد متجزئ والثابت له عتق النصف وإنما يثبت له العتق في النصف الباقي لا باعتاقه بل
لعدم الفائدة في بقاء نصيب الشريك كما في الطلاق والعفو عن القصاص على ما عرف في مسائل الخلاف والله أعلم
وإذا عرف هذا الأصل يبنى عليه مسائل عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه يعتق نصيبه لا غير عند أبي حنيفة
لان الاعتاق عنده متجزئ واعتاق البعض لا يوجب اعتاق الكل بل يعتق بقدر ما أعتق ويبقى الباقي رقيقا
وللشريك الساكت خمس خيارات ان شاء أعتق نصيبه وان شاء دبره وان شاء كاتبه وان شاء استسعاه معسرا كان
المعتق أو موسرا ويسعى وهو رقيق وان شاء ضمن المعتق قيمة نصيبه إن كان موسرا وليس له خيار الترك على حاله
لأنه لا سبيل إلى الانتفاع به مع ثوبت الحرية في جزء منه وترك المال من غير انتفاع أحد به سبب له وأنه حرام فلابد
من تخريجه إلى العتق وله الخيار في ذلك من الوجوه التي وصفنا أما خيار الاعتاق والتدبير والكتابة فلان نصيبه باق
87

على ملكه وأنه يحتمل لهذه التصرفات كما في حال الابتداء وأما خيار السعاية فلان نصيبه صار محتسبا عند العبد
لحقه لثبوت العتق له في نصفه فيصير مضمونا عليه كما إذا انصبغ ثوب انسان بصبغ غيره من غير صنع أحد فاختار
صاحب الثوب الثوب انه يجب عليه ضمان الصبغ لصيرورة الصبغ محتسبا عنده لقيامه بثوب مملوك له لا يمكنه
التمييز كذا ههنا ولان في السعاية سلامة نفسه ورقبته له وان لم تصر رقبته مملوكة له ويجوز ايجاب الضمان بمقابلة سلامة
الرقبة من غير تملك كالمكاتب وشراء العبد نفسه من مولاه ولان منفعة الاعتاق حصلت فكان عليه ضمانه لقوله
صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان ثم خيار السعاية مذهبنا وقال الشافعي لا أعرف السعاية في الشريعة والوجه لقوله إن
ضمان السعاية اما أن يكون ضمان اتلاف واما أن يكون ضمان تملك ولا اتلاف من العبد بوجه إذ لا صنع له في الاعتاق
رأسا ولا ملك يحصل للعبد في نفسه بالضمان ولان المولى لا يجب له على عبده دين لما فيه من الاستحالة وهي كون الشئ
الواحد واجبا عليه وله ولان العبد معسر والضمان في هذا الباب لا يجب على المعسر ألا ترى أنه لا يجب على المعتق
إذا كان معسرا مع وجود الاعتاق منه فالعبد أولى ولنا ما روينا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وروى محمد
ابن الحسن عن أبي يوسف عن الحجاج بن أرطاة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال من أعتق عبدا بينه وبين شريكه يقوم نصيب شريكه قيمة عدل فإن كان موسرا ضمن نصيب شريكه وإن كان
معسرا سعى العبد غير مشقوق عليه فدل ان القول بالسعاية لازم في الجملة عرفها الشافعي أو لم يعرفها وكذا ما ذكرنا من
المعاني وبه يتبين ان ضمان السعاية ليس ضمان اتلاف ولا ضمان تملك بل هو ضمان احتباس وضمان سلامة النفس
والرقبة وحصول المنفعة لان ذلك من أسباب الضمان على ما بينا وقوله لا يجب للمولى على عبده دين قلنا وقد
يجب كالمكاتب والمستسعى في حكم المكاتب عنده إلى أن يؤدى السعاية إلى الشريك الساكت إذا اختار السعاية
أو إلى المعتق إذا ضمنه الشريك الساكت لأنه يسعى لتخليص رقبته عن الرق كالمكاتب وتثبت فيه جميع أحكام
المكاتب من الإرث والشهادة والنكاح فلا يرث ولا يورث ولا يشهد ولا يتزوج الا اثنتين لا يفترقان الا في وجه
واحد وهو أن المكاتب إذا عجز يرد في الرق والمستسعى لا يرد في الرق إذا عجز لان الموجب للسعاية موجود قبل العجز
وبعده وهو ثبوت الحرية في جزء منه ولان رده في الرق ههنا لا يفيد لأنا لو رددناه إلى الرق لاحتجنا إلى أن نجبره على
السعاية عليه ثانيا فلا يفيد الرق فان قيل بدل الكتابة لا يلزم العبد الا برضاه والسعاية تلزمه من غير رضاه فأنى يستويان
فالجواب انه إنما كان كذلك لان بدل الكتابة يجب بحقيقة العقد إذ الكتابة معاوضة من وجه فافتقرت إلى
التراضي والسعاية لا تجب بعقد الكتابة حقيقة بل مكاتبة حكمية ثابتة بمقتضى اختيار السعاية فلا يقف وجوبها على
الرضا لان الرضا إنما شرط في الكتابة المبتدأة لأنه يجوز أن يرضى بها العبد ويجوز أن لا يرضى بها ويختار البقاء على
الرق فوقفت على الرضا وههنا لا سبيل إلى استبقائه على الرق شرعا إذ لا يجوز ذلك فلم يشرط رضاه للزوم السعاية ثم
اختلف أصحابنا فقال أبو حنيفة هذا الخيار يثبت للشريك الذي لم يعتق سواء كان المعتق معسرا أو موسرا وقال
أبو يوسف ومحمد لا يثبت الا إذا كان معسرا لان الاعتاق لما لم يكن متجزئا عندهما كان المعتق متلفا نصيب الشريك
فوجب عليه الضمان ووجوب الضمان يمنع وجوب السعاية فكان ينبغي أن لا يجب حال الاعسار أيضا وأن لا يكون
الواجب الا الضمان في الحالين جميعا وهو قول بشر بن غياث المريسي وهو القياس لان ضمان الاتلاف لا يختلف
بالاعسار واليسار الا أنا عرفنا وجوبها على خلاف القياس بالنص الذي روينا والنص ورد فيها في حال الاعسار
فحال اليسار يقف على أصل القياس ولما كان متجزئا عنده لم يكن الاعتاق اتلافا لنصيب الشريك حتى ويجب ضمان
الاتلاف لكن بقي نصيبه محتسبا عند العبد بحقه بحيث لا يمكن استخلاصه منه وهذا يوجب الضمان على ما بينا وهذا
المعنى لا يوجب الفصل بين حال اليسار وبين حال الاعسار فيثبت خيار السعاية في الحالين وإذا عتق بالاعتاق أو
بالسعاية أو ببدل الكتابة فالولاء بينهما لان الولاء للمعتق والاعتاق حصل منهما وأما خيار التضمين حال يسار
88

المعتق فأمر ثبت شرعا غير معقول المعنى بالأحاديث التي روينا لان الاعتاق إذا كان متجزئا عنده كان المعتق متصرفا
في ملك نفسه على طريق الاقتصار ومن تصرف في ملك نفسه لا يؤاخذ بما حدث غيره عند تصرفه لا بتصرفه
كمن أحرق دار نفسه فاحترقت دار جاره أو اسقى أرض نفسه فنزت أرض جاره أو حفر بئرا في دار نفسه فوقع فيها
انسان ونحو ذلك الا أن وجوب الضمان حالة اليسار ثبت بالنصوص تعبدا غير معقول فتبقى حالة الاعسار على أصل
القياس أو ثبت معقولا بمعنى النظر للشريك كي لا يتلف ماله بمقابلة مال في ذمة المفلس من غير صنع من المعتق في نصيب
شريكه فصلح أن يكون موجبا للضمان ومن غير أن يكون في مقابلته عوض فيكون ضمان صلة وتبرع كنفقة المحارم
وضمان الصلة والتبرع إنما يجب حالة اليسار كما في نفقة الأقارب أو وجب نظرا للعبد لأنه تبرع عليه باعتاق نصفه
فلم يتم غرضه في ايصال ثمرات العتق إلى العبد فوجب عليه الضمان تتميما لغرضه فيختص وجوبه بحالة اليسار ومن
مشايخنا من سلك طريقة أخرى لأبي حنيفة في ضمان العتق فقال هذا ضمان افساد عنده لان المعتق باعتاقه نصيبه
أفسد نصيب شريكه حيث أخرجه من أن يكون منتفعا به في حقه حتى لا يملك فيه سائر التصرفات المزيلة للملك
عقيب فعله وإنما يملك الاعتاق والسعاية والحكم متى ثبت عقيب وصف مؤثر يضاف إليها الا أنه لا يجب على المعسر
نصا بخلاف القياس ومنهم من قال هو ضمان تملك لأنه بوجوب الضمان على المعتق يصير نصيب شريكه ملكا له حتى
كان له أن يعتق نصيبه مجانا بغير عوض وان شاء استسعى العبد وهذا تفسير ضمان التملك أن يكون بمقابلة الضمان ملك
العوض وهذا كذلك ولهذا كان ضمان الغصب ضمان تملك وضمان التملك لا يستدعى وجود الاتلاف كضمان
الغصب فان قيل كيف يكون ضمان التملك والمضمون وهو نصيب الشريك لا يحتمل النقل من ملك إلى ملك قيل
يحتمل النقل إلى ملك المعتق بالضمان إن كان لا يحتمل النقل إلى ملك غيره ويجوز بيعه منه أيضا في القياس هكذا ذكر في
الأصل وقال إن باع الذي لم يعتق نصيبه من المعتق أو وهبه له على عوض أخذ منه وهذا واختياره الضمان سواء في
القياس غير أن هذا أفحشهما والبيع هو نقل الملك بعوض الا أن في الاستحسان لا يجوز بيعه من المعتق كما لا يجوز من
غيره لكن هذا لا ينفى جواز النقل لا على وجه البيع فان الشئ قد يحتمل النقل إلى إنسان بالضمان وإن كان لا يحتمله
بجهة البيع فان الخمر تنتقل إلى المسلم بالضمان بأن أتلف على ذمي خمره وإن كانت لا تنتقل إليه بالبيع على أن قبول المحل
لانتقال الملك فيه بشرط حال انعقاد السبب لا حال أداء الضمان لأنه لا يملكه من ذلك الوقت فيراعى قبول المحل في
ذلك الوقت ألا ترى أن من غصب من آخر عبدا فهلك في يده ثم أدعى الضمان أنه يملكه ومعلوم ان الهالك لا يقبل
الملك لكن لما كان قابلا وقت انعقاد السبب والملك يثبت من ذلك الوقت يعتبر قبول المحل فيه وكذا ههنا ثم إذا ضمن
الذي أعتق فالمعتق بالخيار ان شاء أعتق ما بقي وان شاء دبر وان شاء كاتب وان شاء استسعى لما ذكرنا في الشريك
الذي لم يعتق لان نصيبه انتقل إليه فقام مقامه وبأي وجه عتق من الاعتاق أو السعاية فولاء العبد كله له لأنه عتق كله
على ملكه هذا إذا كان المعتق موسرا فأما إن كان معسرا فللشريك أربع خيارات ان شاء أعتق وان شاء دبر وان
شاء كاتب وان شاء استسعى لما ذكرنا وأما على قول أبى يوسف ومحمد فيعتق كله لان الاعتاق عندهما لا يتجزأ
فكان اعتاق بعضه اعتاقا لكله ولا خيار للشريك عندهما وإنما له الضمان لا غير إن كان المعتق موسرا وإن كان
معسرا فله السعاية لا غير لما ذكرنا ان المعتق صار متلفا نصيب الشريك فكان ينبغي أن يكون الواجب هو الضمان في
حالة اليسار والاعسار الا أن وجوب السعاية حال الاعسار ثبت بخلاف القياس بالنص وأما على قول الشافعي إن كان
المعتق موسرا عتق كله وللشريك أن يضمنه لا غير كما قالا وإن كان معسرا يعتق ما أعتق ويبقى الباقي محلا لجميع
التصرفات المزيلة للملك من البيع والهبة وغير ذلك لان الاعتاق عنده لا يتجزأ في حالة اليسار وفي حالة الاعسار
يتجزأ لما ذكرنا من الدلائل لأبي حنيفة فيقتصر حكم تصرف المعتق على نصيبه فيبقى نصيبه على ما كان من مشايخنا
من قال لا خلاف بين أصحابنا في أن العتق لا يتجزأ وإنما اختلفوا في الاعتاق وهذا غير سديد لان الاعتاق لما كان
89

متجزئا عند أبي حنيفة كان العتق متجزئا ضرورة إذ هو حكم الاعتاق والحكم يثبت على وفق العلة ولما لم يكن متجزئا
عندهما لم يكن الاعتاق متجزئا أيضا لما قلنا ولان القول بهذا قول بتخصيص العلة لأنه يوجد الاعتاق في النصف
ويتأخر العتق فيه إلى وقت الضمان أو السعاية وانه قول بوجود العلة والحكم وهو تفسير تخصيص العلة وأنه باطل لنا
ان العتق وان ثبت في نصيب المعتق على طريق الاقتصار عليه لكن في الاعتاق حق الله عز وجل وحق العبد بالاجماع
وإنما اختلفوا في الرجحان فالقول بالتمليك ابطال الحقين وهذا لا يجوز وكذا فيه اضرار بالمعتق باهدار تصرفه من
حيث الثمرة للحال واضرار بالعبد من حيث الحاق الذل به في استعمال النصف الحر والضرر منفى شرعا فان قيل إن
كان في التمليك اضرار بالمعتق ففي المنع من التمليك اضرار بالشريك الساكت لما فيه من منعه من المتصرف في ملكه
فوقع التعارض فالجواب انا لا نمنعه من التمليك أصلا ورأسا فان له ان يضمن المعتق ويستسعى العبد ويكاتبه وفي
التضمين تمليكه من المعتق بالضمان وفي الاستسعاء والمكاتبة إزالة الملك إلى عوض وهو السعاية وبدل الكتابة
فكان فيما قلنا رعاية الجانبين فكان أولى فان اختار التدبير فدبر نصيبه صار نصيبه مدبرا عند أبي حنيفة لان نصيبه
باق على ملكه يحتمل التخريج إلى العتق والتدبير تخريج إلى العتق الا أنه لا يجوز له أن يتركه على حاله ليعتق بعد الموت
بل يجب عليه السعاية للحال فيؤدى فيعتق لان تدبيره اختيار منه للسعاية وله أن يعتق لان المدبر قابل للاعتاق وليس له
أن يضمن المعتق لان التضمين يقتضى تملك المضمون والمدبر لا يحتمل النقل من ملك إلى ملك لان تدبيره اختيار منه
للسعاية واختيار السعاية يسقط ولاية التضمين على ما نذكر إن شاء الله تعالى وان اختار الكتابة فكاتب نصيبه
يصير نصيبه مكاتبا عند أبي حنيفة لما ذكرنا وكانت مكاتبته اختيارا منه للسعاية حتى لا يملك تضمين المعتق بعد ذلك
ولان ملك المكاتب وهو مكاتب لا يحتمل النقل أيضا فتعذر التضمين ويملك اعتاقه لان الكتابة لا تمنع من الاعتاق
ثم معتق البعض إذا كوتب فالامر لا يخلو اما ان كاتبه على الدراهم والدنانير واما ان كاتبه على العروض واما ان كاتبه
على الحيوان فان كاتبه على الدراهم والدنانير فإن كانت المكاتبة على قدر قيمته جازت لأنه قد ثبت له اختيار السعاية
فإذا كاتبه على ذلك فقد اختار السعاية وتراضيا عليها وان كاتبه على أقل من قيمته يجوز أيضا لأنه رضى باسقاط بعض
حقه وله أن يرضى باسقاط الكل فهذا أولى وان كاتبه على أثر من قيمته فإن كانت الزيادة مما يتغابن الناس
في مثلها جازت أيضا لأنها ليست زيادة متحققة لدخولها تحت تقوم أحد المقومين وإن كانت مما لا يتغابن الناس في يطرح عنه الفضل لان مكاتبته اختيار للسعاية والسعاية من جنس الدراهم والدنانير فلا يجوز أخذ الزيادة
على القدر المستحق لأنه يكون ربا وإن كانت المكاتبة على العروض جازت بالقليل والكثير لان الثابت له عليه
وهو السعاية من جنس الدراهم والدنانير بالعروض جائز قلت العروض أو كثرت وإن كانت على الحيوان جازت
لان الحيوان يثبت دينا في الذمة عوضا عما ليس بمال ولهذا جاز ابتداء الكتابة على حيوان ويجب الوسط كذا
هذا ولو صالح الذي لم يعتق العبد أو المعتق على مال فهذا لا يخلو عن الاقسام التي ذكرناها في الكتابة فإن كان الصلح
على الدراهم والدنانير على نصف قيمته لاشك أنه جائز وكذا إذا كان على أقل من نصف قيمته لأنه يستحق نصف
القيمة فإذا رضى بدونه فقد أسقط بعض حقه فيجوز وكذا إن كان على أكثر من نصف قيمته مما يتغابن الناس في
مثله لما قلنا فأما إذا كان على أكثر من نصف قيمته مما لا يتغابن الناس في مثله فالفضل باطل في قولهم جميعا أما على
أصل أبى يوسف ومحمد فظاهر لان نصف القيمة قد وحب على العبد أو على المعتق والقيمة من الدارهم والدنانير
فالزيادة على القدر المستحق تكون فضل مال لا يقابله عوض في عقد المعاوضة فيكون ربا كمن كان له على آخر ألف
درهم فصالحه على ألف وخمسمائة ان الصلح يكون باطلا كذا هذا وهذا على أصلهما مطرد لان عندهما أن من أتلف
على آخر مالا مثل له أو غصب منه مالا مثل له فهلك في يده فالثابت في ذمته القيمة حتى لو صالح على أكثر من قيمته لا يجوز
عندهما فكذا ضمان العتق لأنه ضمان اتلاف عندهما وأما عند أبي حنيفة فالصلح عن المتلف أو المغصوب على
90

أضعاف قيمته جائز وههنا نقول لا يجوز فيحتاج إلى الفرق بين المسئلتين والفرق له من وجوه أحدهما ان الواجب
بالاتلاف والغصب فيما لا مثل له من جنسه في ذمة المتلف والغاصب هو المتلف لا قيمته فإذا صالح على أكثر من قيمة
المتلف والمغصوب كان ذلك عوضا عن المتلف فجاز وضمان العتق ليس بضمان اتلاف ولا ضمان غصب عنده لثبوت
المتلف والمغصوب في الذمة فكان الثابت في الذمة هو القيمة وهي دراهم ودنانير فلا يجوز الصلح على أكثر منها والثاني
ان الغاصب إنما يملك المغصوب عند اختيار الضمان لا قبله بدليل ان له أن لا يضمنه ليهلك على ملكه فيثاب على ذلك
ويخاصم الغاصب يوم القيامة فكان المغصوب قبل اختيار الضمان على ملك المغصوب منه فكان هذا صلحا عن العبد
على هذا القدر من المالين فكأنه ملكه منه به وأنه محتمل للملك فصح ومعتق البعض لا يحتمل التمليك مقصودا فكان
الصلح عن قيمته فلا يجوز لما بينا والثالث ان الضمان في باب الغصب يجب وقت الغصب لأنه هو السبب الموجب
للضمان فيثبت الملك إلى الغاصب في المغصوب في ذلك الوقت وانه في ذلك الوقت قابل للتمليك فيصح الصلح على
القليل والكثير والضمان في باب العتق يجب وقت العتاق والعبد في ذلك الوقت لا يحتمل التمليك مقصودا فالصلح
لا يقع عن العبد وإنما يقع عن قيمته فلا تجوز الزيادة من قيمته وإن كان الصلح على عرض جاز بالقليل والكثير لان
ذلك بيع العرض بالدراهم والدنانير وذلك جائز كيفما كان وان صالحه على شئ من الحيوان كالعبد والفرس
ونحوهما فان صالح العبد جاز وعليه الوسط وان صالح المعتق لم يجز لان في الفصل الأول جعل الحيوان بدلا عن
العتق وأنه ليس بمال والحيوان يثبت دينا في الذمة بدلا عما ليس بمال كالاعتاق على مال والكتابة والنكاح والصلح
عن دم العمد ولان الصلح مع العبد في معنى مكاتبته وان كاتبه على عبد مطلق أو فرس يصح ويجب الوسط كذا هذا
وأما في الفصل الثاني فإنما جعل الحيوان بدلا عن القيمة وانها مال والحيوان لا يثبت دينا في الذمة بدلا عن المال كالبيع
ونحوه ولو كان شريك المعتق في العبد صبيا أو مجنونا له أب أو جد أو وصى فوليه أو وصيه بالخيار ان شاء ضمن المعتق
وان شاء استسعى العبد وان شاء كاتبه وليس له أن يعتق أو يدبر لان التدبير اعتاق والصبي والمجنون لا يملكان
الاعتاق فلا يملكه من يلي عليهما وإنما ملك الأب والوصي الاستسعاء والتضمين لان الاستسعاء مكاتبة والأب
والوصي يملكان مكاتبة عبد الصبي والمجنون والتضمين فيه نقل الملك إلى المعتق فيشبه البيع وهما يملكان بيع مال
الصبي والمجنون وكذلك لو كان الشريك مكاتبا مأذونا عليه دين أنه يتخير بين الضمان والسعاية والمكاتبة الا أنهما
لا يملكان الاعتاق لانعدام ملك الرقبة أما ثبوت الخيار للمكاتب فلا شك فيه لأنه أخص بالتصرف فيما في يده من
المولى وأما المأذون الذي عليه دين فكذلك لان المولى لا يملك ما في يده على أصل أبي حنيفة فيكون الخيار للعبد
وعلى أصلهما إن كان يملك لكن العبد أخص بالتصرف فيما في يده من المولى فإن لم يكن عليه دين فالخيار للمولى كما في
الحرية لأنه إذا لم يكن عليه دين فهو وما في يده ملك المولى فكان الخيار للمولى فان اختار الشريك السعاية ففي الصبي
والمجنون الولاء لهما لأنهما من أهل الولاء لكونهما حرين وفي المكاتب والمأذون الولاء للمولى لكونهما رقيقين
والولاء لا يثبت الا للحر وان لم يكن للصغير والمجنون ولى ولا وصى فإن كان هناك حاكم نصب الحاكم من يختار لهما
أصلح الأمور من التضمين والاستسعاء والمكاتبة وان لم يكن هناك حاكم وقف الامر حتى يبلغ الصبي ويفيق
المجنون فيستوفيان حقوقهما من الخيارات الخمس ثم إذا اختلف حكم اليسار والاعسار في الضمان لابد من معرفتهما
فاليسار هو أن يملك المعتق قدر قيمة ما بقي من العبد قلت أو كثرت والاعسار هو أن لا يملك هذا القدر لا ما يتعلق به
حرمة الصدقة وحلها حتى لو ملك هذا القدر كان للشريك ولاية تضمينه والا فلا إلى هذا وقعت الإشارة فيما روينا
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول اله صلى الله عليه وسلم أنه قال من كان له شقص في مملوك فأعتقه
فعليه خلاصه من ماله إن كان له مال وان لم يكن له مال استسعى العبد في رقبته غير مشقوق عليه اعتبر مطلق المال
لا النصاب وأشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الواجب تخليص العبد وبهذا القدر يحصل التخليص وبدونه لا يحصل
91

ثم يسار المعتق واعساره يعتبر وقت الاعتاق حتى لو كان معسرا وقت الاعتاق لا يضمن وأن أيسر بعد ذلك لان ذلك
وقت وجوب الضمان فيعتبر ذلك الوقت كضمان الاتلاف والغصب ولو اختلفا في اليسار والاعسار فإن كان
اختلافهما حال الاعتاق فالقول قول المعتق لان الأصل هو الفقر والغنا عارض فكان الظاهر شاهدا للمعتق والبينة
بينة الآخر لأنها تثبت زيادة وإن كان الاعتاق متقدما واختلفا فقال المعتق أعتقت عام الأول وأنا معسر ثم أيسرت
فيعتبر ذلك الوقت وقال الآخر بل أعتقته عام الأول وأنت موسر فالقول قول المعتق وعلى الشريك اقامه البينة لان
حالة اعتبار اليسار والاعسار شاهد للمعتق فيحكم الحال كما إذا اختلف صاحب الرحى والطحان في انقطاع الماء
وجريانه أنه يحكم الحال كذا ههنا وقد قال أبو يوسف في عبدين بين رجلين قال أحدهما أحدكما حر وهو فقير ثم
استغنى ثم اختار أن يوقع العتق على أحدهما ضمن نصف قيمته يوم العتق وكذلك لو كان مات قبل أن يختار وقد
استغنى قبل موته ضمن ربع قيمة كل واحد منهما إنما انظر إلى حاله يوم أوقع بمنزلة من كاتب نصبيه من العبد ثم أدى
العبد فيعتق ثم إنما أنظر إلى حال مولاه يوم عتق المكاتب ولا أنظر إلى حاله يوم كاتب وهذا على أصله صحيح لان إضافة
العتق إلى المجهول تعليق لعتق عبده بشرط الاختيار كأنه علقه به نصا فيعتبر حاله يوم الاختيار لأنه يوم العتق كما لو قال
لعبد مشترك بينه وبين غيره ان دخلت الدار فأنت حر فدخل انه يضمن نصف قيمته يوم دخل الدار لا يوم اليمين لان
يوم الدخول هو يوم العتق وأما على أصل محمد فإضافة العتق إلى المجهول تنجيز وإنما الاختيار تعيين لمن وقع عليه
العتق فيعتبر صفة العتق في يساره واعساره يوم التكلم بالعتق وكذا يعتبر قيمة في العبد في الضمان السعاية يوم الاعتاق
حتى لو علمت قيمته يوم أعتق ثم ازدادت أو انتقصت أو كاتب أمة فولدت لم يلتفت إلى ذلك ويضمنه قيمته يوم
أعتقه لأنه يوم وجوب الضمان فيعتبر قيمته يومئذ كما في الغصب والاتلاف وان لم يعلما ذلك واختلفا فجملة الكلام فيه
ان العبد لا يخلو اما أن يكون قائما وقت الخصومة واما أن يكون هالكا اتفقا على حال المعتق أو اختلفا فيها والأصل في
هذه الجملة ان الحال إن كانت تشهد لأحدهما فالقول قوله لان الحال شاهد صادق أصله مسألة الطاحونة وإن كانت
لا تشهد لأحدهما فالقول قول المعتق لأنه منكر فإن كان العبد قائما وقت الخصومة واتفقا على العتق في الحال واختلفا
في قيمته بأن قال المعتق قد أعتقته اليوم وقيمته وكذا وقال شريكه نعم أعتقته اليوم الا ان قيمته أكثر من ذلك يرجع إلى
قيمته للحال ولا يعتبر التحالف والبينة لان الحال أصدق وكذا لو اختلفا في حال العتق فقال المعتق أعتقته قبل هذا
وكانت قيمته كذا وقال الآخر أعتقته اليوم وقيمته أكثر أو قال المعتق أعتقته اليوم وقيمته كذا وقال الآخر بل
أعتقته قبل ذلك وقيمته كانت أكثر رجع إلى قيمته في الحال لان الحال إذا شهدت لأحدهما فالظاهر أن قيمته
كانت كذلك وقت الاعتاق إذ الأصل دوام الحال والتغير خلاف الأصل فكان الظاهر شاهدا له فأشبه اختلاف
صاحب الطاحونة مع الطحان في انقطاع الماء وجريانه أنه يحكم الحال فيه كذا هذا وان اتفقا على أن العتق كان
متقدما على زمان الخصومة لكن قال المعتق قيمته كانت كذا وقال الشريك بل كانت أكثر فههنا لا يمكن تحكيم
الحال بالرجوع إلى قيمة العبد في الحال لأنها تزيد وتنقص في المدة ويكون القول قول المعتق لان الشريك يدعى عليه
زيادة ضمان وهو ينكر فكان القول قوله كالمتلف والغاصب وقالوا في الشفعة إذا احترق البناء واختلف الشفيع
والمشترى في قيمته وقيمة الأرض ان المرجع إلى قيمة الأرض في الحال والقول قول المشترى في البناء لان الشفيع
يريد أن يتملك عليه الأرض بالشفعة فلا يجوز أن يتملكها الا بقوله فأما المعتق فلا يريد أن يتملك على شريكه وإنما
شريكه يدعى عليه زيادة ضمان وهو ينكر وكذلك إذا كان العبد هالكا فالقول قول المعتق لما قلنا إنه منكر للزيادة
والله عز وجل أعلم فان هلك العبد قبل ان يختار الشريك الذي لم يعتق شيئا هل له أن يضمن المعتق إذا كان موسرا
اختلفت الرواية فيه عن أبي حنيفة روى محمد عنه وهو رواية الحسن واحدى روايتي أبى يوسف ان له أن يضمن
المعتق وروى أبو يوسف رواية أخرى عنه أنه لا ضمان على المعتق وجه هذه الرواية ان تضمين المعتق ثبت نصا
92

بخلاف القياس لما بينا فيما تقدم ان الشريك بالاعتاق تصرف في نصيب نفسه على وجه الاقتصار عليه لبقاء نصيب
الشريك على ملكه ويده بعد الاعتاق الا ان ولاية التضمين ثبتت شرعا بشريطة نقل ملك المضمون إلى الضمان فإذا
هلك لم يبق الملك فلا يتصور نقله فتبقى ولاية التضمين على أصل القياس وجه رواية محمد ان ولاية التضمين قد ثبتت
بالاعتاق فلا تبطل بموت العبد كما إذا مات العبد المغصوب في يد الغاصب وأما قوله ملك الشريك بهلاك العبد خرج
عن احتمال النقل فنقول الضمان يستند إلى وقت الاعتاق فيستند ملك المضمون إلى ذلك الوقت كما في باب الغصب
وهو في ذلك الوقت كان محتملا للنقل فأمكن ايجاب الضمان وإذا ضمن المعتق يرجع المعتق بما ضمنه في تركة العبد
إن كان له تركة وان لم يكن فهو دين عليه لما ذكرنا من أصل أبي حنيفة ان نصيب الشريك يبقى على ملكه وله أن
يضمن المعتق إن كان موسرا وإذا ضمنه ملك المعتق نصيبه بالسبب السابق وهو الاعتاق وكان له أن يرجع بذلك في
تركة العبد كما كان له أن يأخذ منه لو كان حيا وإن كان معسرا فله أن يرجع في تركة العبد وان لم يترك شيئا فلا شئ
للشريك لان حقه عليه وهو قد مات مفلسا هذا إذا مات العبد وأما إذا مات أحد الشريكين فان مات المعتق فلا يخلو
اما أن يكون الاعتاق منه في حال صحته واما أن يكون في حال مرضه فإن كان في حال صحته يؤخذ نصف قيمة العبد من
تركته بلا خلاف وإن كان في حال مرضه لم يضمن شيئا حتى لا يؤخذ من تركته وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو
يوسف ومحمد يستوفى الشريك من ماله قيمة نصيبه وهذا مبنى على الأصل الذي ذكرنا ان الاعتاق لا يتجزأ عندهما
وعنده يتجزأ ووجه البناء على هذا الأصل ان الاعتاق لما لم يكن متجزئا عندهما كان ضمان العتق ضمان اتلاف
وضمان الاتلاف لا يختلف بالصحة والمرض ولما كان متجزئا عنده كان المعتق متصرفا في ملك نفسه على طريق
الاقتصار ومثل هذا لا يوجب الضمان في أصول الشرع ولهذا لو كان معسرا لا يجب الضمان ولو كان اعتاقه اتلافا
أو افسادا لنصيب شريكه معنى لوجب الضمان لان ضمان الاتلاف لا يختلف باليسار والاعسار الا أنا عرفنا وجوب
الضمان بالنص وانه ورد في حال اليسار المطلق وذلك في حالة الصحة لأنها حال خلوص أمواله وفي مرض الموت
يتعلق بها حق الورثة حتى لا يصح اقراره للورثة أصلا ويصح تبرعه على الأجنبي الا من الثلث ولا تصح كفالته ولا
اعتاقه الا من الثلث فلم يكن حال المرض حال يسار مطلق ولا ملك مطلق فبقي الامر فيها على أصل القياس ولان ضمان
العتق ضمان صلة وتبرع لوجوبه من غير صنع من جهة المعتق في نصيب الشريك ألا ترى أنه لا يجب على المعسر
والصلات إذا لم تكن مقبوضة تسقط بالموت كنفقة الأقارب والزكاة وغير ذلك والى هذا أشار محمد لأبي حنيفة
أنه لو وجب الضمان على المريض ويؤخذ من تركته يكون هذا من مال الوارث والمعنى فيه ان الشرع جعل الثلث
للمريض في حال مرض موته والثلثين للورثة قال النبي صلى الله عليه وسلم انه الله تعالى تصدق عليكم بثلث
أموالكم في آخر أعماركم زيادة على أعمالكم وهكذا نقول في حالة الصحة أنه يجب صلة ثم قد ينقلب معاوضة في
حالة البقاء فإنه يثبت به الملك في المضمون في حق الاعتاق والاستسعاء كالهبة بشرط العوض انه ينعقد صلة ثم ينقلب
معاوضة وكذا الكفالة تنعقد تبرعا حتى لا تصح الا ممن هو أهل التبرع ثم تنقلب معاوضة وإنما انقلبت معاوضة لأنه
يوجب الملك في رقبة الغير مجازاة لصلته أو تحملا عن العبد لأن الضمان عليه في الحقيقة لحصول النفع له ثم له حق الرجوع
في مالية العبد بالسعاية كما في الكفالة لان الكفيل يكون متبرعا في التحمل عن المكفول عنه ثم إذا صح تحمله وملك ما في
ذمته بالأداء إلى المكفول له انقلبت معاوضة ألا ترى أن من قال في حال الصحة ما كان لك على فلان فهو على ثم
كان له على فلان في مرضه فأخذ ذلك من المريض فإنه يعتبر من جميع المال لا من الثلث ويؤخذ من تركته ولو وجد
ابتداء الكفالة في المرض يكون المؤدى معتبرا من الثلث فدل على التفرقة بين الفصلين وان مات الشريك الذي لم
يعتق ثبت الخيار لورثته فان اجتمعوا على شئ من الاعتاق أو التضمين أو الاستسعاء وغير ذلك فلهم ذلك بلا خلاف
لأنهم يخلفون الميت ويقومون مقامه وكان للمورث ذلك قبل موته فكذا لهم وان انفردوا فأراد بعضهم الاعتاق
93

وبعضهم التضمين ذكر في الأصل أن لهم ذلك وقال الحسن بن زياد انه ليس لهم ذلك الا أن يعتقوا أو يستسعوا
أو يضمنوا والظاهر أنه رواية عن أبي حنيفة لان الاعتاق عند الحسن لا يتجزأ كما لا يتجزأ عند أبي يوسف ومحمد فلا
يصح هذا التفريع على مذهبه وجه ما ذكر في الأصل ان نصيب الشريك قد بقي على ملكه عند أبي حنيفة لتجزئ
الاعتاق عنده وقد انتقل نصيبه إلى الورثة بموته فصاروا كالشركاء في الأصل في العبد أعتق أحدهم نصيبه ان للباقين
أن يختار كل واحد منهم ما يشاء كذا هذا وجه رواية الحسن ان الورثة انتقل إليهم ما كان للميت وما كان له أن يختار
الضمان في البعض والسعاية في البعض فكذا لهم ولان المستسعى بمنزلة المكاتب عند أبي حنيفة ومن كاتب عبده ثم
مات ليس لورثته أن ينفردوا بأن يختار بعضهم الاعتاق وبعضهم التضمين وبعضهم الاستسعاء بل ليس لهم الا أن
يجتمعوا على شئ واحد اما العتق واما الضمان كذا هذا ثم على رواية الحسن لو أعتق بعضهم كان اعتاقه باطلا ما لم
يجتمعوا على الاعتاق لان المستسعى كالمكاتب على أصل أبي حنيفة ولو مات المولى فأعتق بعض الورثة المكاتب
كان اعتاقه باطلا ما لم يجتمعوا عليه كذا هذا فإذا اجتمعوا على عتقه يعتق بلا خلاف والولاء يكون للميت حتى ينتقل
إلى الذكور من ورثته دون الإناث وهو فائدة كونه للميت لان من أصل أبي حنيفة ان المعتق بعضه في معنى المكاتب
والمكاتب لا ينتقل فيه بالإرث فكان ولاؤه للميت كذا هذا وإذا كان المعتق موسرا يوم أعتقه فاختار الشريك
تضمينه ثم أراد أن يرجع عن ذلك ويختار السعاية ذكر في الأصل أنه ليس له ذلك ولم يفصل بين ما إذا رضى المعتق
بالضمان أو حكم به الحاكم أو لم يرض به المعتق أو حكم به الحاكم وروى ابن سماعة عن محمد ان له ذلك ما لم يقبل المعتق منه
لتضمين أو يحكم به الحاكم فان قبل أو حكم به الحاكم فليس له ذلك من المشايخ من لم يجعل في المسألة اختلاف الرواية
وجعل ما ذكره ابن سماعة عن محمد من التفصيل تفسيرا لما ذكره في ظاهر الرواية واليه ذهب الجصاص وقال أراد بما
ذكر في الكتاب إذا قضى به القاضي أو رضى به الشريك وحكى عن الكرخي والجصاص أنهما جعلا مسألة
الغاصب وغاصب الغاصب على هذا أنه اختار المغصوب منه تضمين أحدهما ثم بدا له واختار تضمين الآخر فله
ذلك الا أن يرضى به المضمن أو يقضى به القاضي ومنهم من جعل في المسألة روايتين وجه ما ذكر في الأصل ان له خيار
التضمين وخيار السعاية والمخير بين شيئين إذا اختار أحدهما سقط حقه من الآخر فكان اختياره التضمين ابراء
للعبد عن السعاية ولهذا لو اختيار السعاية لم يكن له أن يختار الضمان وكانت نفس اختيار السعاية ابراء له عن الضمان من
غير قضاء ولا رضا كذا إذا اختار الضمان وجه رواية ابن سماعة ان اختيار الشريكين تضمين المعتق ايجاب الملك له
في المضمون بعوض وهو الضمان وذلك لا يتم الا بالرضا أو بالقضاء فما لم يوجد أحدهما لا يتم له الاختيار وكان له
الرجوع عنه إلى السعاية بخلاف ما إذا اختار الشريك السعاية أنه لا يكون له خيار التضمين بعد ذلك رضى بذلك
العبد أو لم يرض لان اختيار السعاية على العبد ليس فيه ايجاب الملك للعبد بعوض حتى يقف ذلك على رضاه فلا يقف
عليه فان أعتق أحدهما نصيب صاحبه لم يعتق منه شئ أما على أصل أبي حنيفة فظاهر لان العتق يتجزأ فيقتصر
العتق على نصيب المعتق فإذا صادف ملك غيره لم ينفذ وأما على أصلهما فالعتق وإن كان لا يتجزأ لكن لابد من ثبوت
العتق فنصيبه ثم يسرى إلى نصيب شريكه فإذا أضاف الاعتاق إلى نصيب شريكه لم يثبت العتق في نصيب
نفسه فلا يتعدى إلى نصيب الشريك وإن كان المعتق جارية حاملا لا يضمن المعتق من قيمة الولد شيئا لان الحمل
بمنزلة طرف من أطرافها والأطراف بمنزلة الأوصاف والأوصاف لا تفرد بالضمان الا بعد وجود سبب وجوب
الضمان فيها مقصودا ولان الحمل في الآدمية نقصان فكيف يلزمه بنقصان المتلف زيادة ضمان وكذلك كل
حمل يعتق أمه إذا كان المعتق مالكهما كما في الرهن وان لم يكن مالكا للولد كما في الجارية الموصى برقبتها لرجل وبحملها
لآخر فأعتق صاحب الرقبة الام يعتق الحمل ويضمن قيمته لصاحبه لان الولد انفرد عن الام في الملك فجاز أن
ينفرد بالضمان وإن كان العبد بين جماعة فاعتق أحدهما نصيبه فاختار بعض الشركاء الضمان وبعضهم السعاية
94

وبعضهم العتق فذلك لهم ولكل واحد منهم ما اختار في قول أبي حنيفة لان اعتاق نصيبه أوجب لكل واحد منهم
الخيارات ونصيب كل واحد لا يتعلق بنصيب الآخر فكان لكل واحد منهم ما اختار وعلى هذا الأصل قال أبو
حنيفة في عبد بين ثلاثة أعتق أحدهم نصيبه ثم أعتق الآخر بعده فللثالث ان يضمن المعتق الأول إن كان موسرا وان
شاء أعتق أو دبر أو كاتب أو استسعى لان نصيبه بقي على ملكه فثبت له الخيارات للتخريج إلى الاعتاق وليس له أن
يضمن المعتق الثاني وإن كان موسرا لان تضمين الأول ثبت على مخالفة القياس لما ذكرنا انه لا صنع للمعتق في
نصيب الشريك باتلاف نصيبه وإنما عرفناه بالنص نظرا للشريك وانه يحصل بتضمين الأول ولان ضمان العتق
ضمان معاوضة في الأصل فإذا أعتق الأول فقد ثبت للشريك حق نقل الملك المضمون إليه باختيار الضمان وتعلق بذلك
النقل حق الولاء والولاء لا يلحقه الفسخ فلا يملك نقل حق التضمين لا غيره فان اختار تضمين الأول فالأولى ان
يعتق وان شاء دبر وان شاء كاتب وان شاء استسعى لأنه قام مقام المضمن وليس له ان يضمن المعتق الثاني لان
الأول لم يكن له ان يضمنه فكذا من قام مقامه وأما على أصلهما فلما أعتق الأول أعتق جميع العبد فلم يصح اعتاق
الثاني وليس للثاني والثالث الا التضمين إن كان المعتق موسرا أو السعاية إن كان معسرا وعلى هذا من كان له عبد فاعتق
نصفه فعلى قول أبي حنيفة يعتق نصفه ويبقى الباقي رقيقا يجب تخريجه إلى العتاق فان شاء أعتق وان شاء دبر وان
شاء كاتب وان شاء استسعى وان أدى السعاية أو بدل الكتابة يعتق كله وليس له ان يتركه على حاله وعلى قولهما
يعتق كله سواء كان المعتق موسرا أو معسرا من غير سعاية وكذا إذا أعتق جزأ من عبده أو شقصا منه يمضى منه ما شاء
ويبقى الباقي رقيقا يخرج إلى العتاق بالخيارات التي وصفنا في قول أبي حنيفة لان الاعتاق عنده متجزئ الا ان ههنا
أضاف العتق إلى مجهول فيرجع في البيان إليه كما لو قال أحد عبيدي حر وقيل ينبغي في قياس قول أبي حنيفة في السهم
ان يعتق منه سدسه لان السهم عبارة عن السدس في عرف الشرع لما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه ان رجلا
أوصى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بسهم من ماله لرجل فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سدس ماله وعن جماعة
من أهل اللسان ان السهم عبارة عن السدس في اللغة وعندهما يعتق كله لان العتق لا يتجزأ عبد بين رجلين دبره
أحدهما صار نصبيه مدبرا ثم إن كان المدبر موسرا فللشريك ست خيارات ان شاء أعتق وان شاء دبر وان شاء
كاتب وان شاء ضمن وان شاء استسعى وان شاء تركه على حاله وإن كان معسرا فلشريكه خمس خيارات ان شاء
أعتق وان شاء دبر وان شاء كاتب وان شاء استسعى وان شاء تركه على حاله وليس له أن يضمن وهذا قول أبي حنيفة
لان التدبير عنده متجزئ كالاعتاق فيثبت له الخيارات أما خيار العتق والتدبير والمكاتبة والسعاية فلان
نصيبه بقي على ملكه في حق التخريج إلى العتاق وأما خيار التضمين فلانه بالتدبير أخرجه من أن يكون محلا للتمليك
مطلقا بالبيع والهبة والرهن ونحو ذلك فقد أتلفه في حق هذه التصرفات فكان للشريك ولاية التضمين وأما خيار الترك
على حاله فلان الحرية لم تثبت في جزء منه فجاز بقاؤه على الرق وانه مفيد لان له أن ينتفع به منفعة الاستخدام فلا يكلف
تخريجه إلى الحرية ما لم يمت المدبر فان اختار تضمين المدبر فللمدبر أن يرجع بما ضمن على العبد لان الشريك كان له أن
يستسعيه فلما ضمن شريكه قام مقامه فيما كان له فإذا أدى عتق والولاء كله للمدبر لان كله عتق على ملكه لانتقال
نصيب شريكه إليه وان اختار الاستسعاء أو العتاق كان الولاء بينهما لان نصيب كل واحد منهما عتق على ملكه
وأما إذا كان معسرا فلا حق له في الضمان لان ضمان التدبير لا يجب مع الاعسار كما لا يجب ضمان الاعتاق فبقي أربع
خيارات وأما على قول أبى يوسف ومحمد صار كله مدبرا لان التدبير على أصلهما لا يتجزأ كالاعتاق المعجل وليس
للشريك الا التضمين موسرا كان المدبر أو معسرا على الرواية المشهورة عنهما لان ضمان النقل والتمليك لا يختلف
باليسار والاعسار كالبيع ولو كان العبد بين ثلاثة رهط دبره أحدهم وهو موسرا ثم أعتقه الثاني وهو موسرا فللشريك
الثالث أن يضمن المدبر ثلث قيمته ويرجع به المدبر على العبد وليس له أن يضمن المعتق وللمدبر أن يضمن المعتق ثلث
95

قيمته مدبر أوليس له أن يضمنه ما انتقل إليه من نصيب الثالث وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف
ومحمد العبد كله مدبر للذي دبره ويضمن ثلثي قيمته لشريكه موسرا كان أو معسرا لان التدبير لما كان متجزئا
عند أبي حنيفة فلما دبره أحدهم فقد ثبت لكل واحد من الشريكين ست خيارات فلما أعتقه الثاني فقد
استوفى ما كان له فلم تبق له ولاية تضمين المدبر وللساكت أن يضمنه لأنه أتلف عليه نصيبه فكان له ولاية
التضمين وليس له أن يضمن المعتق لان ضمان المعتق ضمان معاوضة في الأصل وهو ضمان التملك وهو أن يكون
بمقابلة الضمان ملك المضمون كضمان الغاصب ولو ضمن المعتق لا يملك المعتق المضمون لان التدبير انعقد سببا
لوجوب الضمان على المدبر وانه يوجب ملك المضمون فصار ذلك النصيب مجال لا يحتمل النقل إلى غير المدبر فتعذر
تضمين المعتق ولان المدبر بالتدبير قد ثبت له حق الولاء والولاء لا يلحقه الفسخ فلا يجوز ان ينقله إلى الغير
وللمدبر ان يضمن المعتق لأنه بالاعتاق أتلف نصيبه باخراجه من أن يكون منتفعا به منفعة الاستخدام
فيضمن له قيمة نصيبه لكن مدبر الآن المتلف مدبر ويرجع به المدبر على العبد لان نصيب الساكت انتقل إليه
فقام هو مقامه وكان له أن يستسعى العبد فكذا للمدبر ولان الحرية لم يثبت في جزء منه فجاز ابقاؤه على الرق ولم يمكن
ان يجعل هذا ضمان معاوضة لان نصيبه مدبر والمدبر لا يحتمل النقل إلى ملك الغير فجعل ضمان جناية بطريق الضرورة
وان شاء المدبر أعتق نصيبه الذي دبره لان باعتاق شريكه لم يزل ملك هوان شاء استسعى العبد كما في عتق أحد
الشريكين فان اختار الضمان كان للمعتق أن يستسعى العبد لان المدبر أقامه مقام نفسه فكان له أن يستسعيه فكذا
له وليس له أن يضمن المعتق قيمة الثلث الذي انتقل إليه من الثالث لان المدبر إنما ملك ذلك الثلث عند القضاء بالضمان
مستند إلى وقت التدبير والمستند ثبوته في المحل يكون ثابتا من وجه دون وجه فلا يظهر ملكه في حق المعتق
فلا يضمن المعتق له ذلك وأما عندهما فالتدبير لما لم يكن متجزئا صار الكل مدبرا ويضمن ثلثي قيمة للشريكين
لاتلاف نصيبهما عليهم سواء كان موسرا أو معسرا لا تجب السعاية هنا بخلاف الاعتاق لان بالاعتاق يزول ملكه
فيسعى وهو حر وههنا بالتدبير لا يزول ملكه بل يصير العبد كله مدبرا له وكسب المدبر للمولى فتعذر الاستسعاء وعلى
هذا إذا شهد أحد الشريكين على الآخر بالاعتاق بأن كان العبد بين رجلين وشهد أحدهما على صاحبه انه أعتقه
وأنكر صاحبه لا تقبل شهادته على صاحبه ويجوز اقراره على نفسه ولم يجز على صاحبه ولا يعتق نصيب الشاهد ولا
يضمن لصاحبه ويسعى العبد في قيمته بينهما موسرين كانا أو معسرين في قول أبي حنيفة وعندهما إن كان المشهود
عليه موسرا فلا سعاية للشاهد على العبد وإن كان معسرا فله السعاية عليه أما عدم قبول شهادته فلا شهادة الفرد في
هذا الباب غير مقبولة ولو كانا اثنين لكان لا تقبل شهادتهما أيضا لأنهما بشهادتهما يجران المغنم إلى أنفسهما لأنهما
يثبتان به حق التضمين لأنفسهما ولا شهادة لجار المغنم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم الا انه بشهادته على
صاحبه صار مقر بفساد نصيبه باقراره على صاحبه باعتاق نصيبه فشهادته على صاحبه واقراره عليه ان لم يجز فاقراره
بفساد نصيب نفسه جائز لان الانسان يصدق باقراره على نفسه خصوصا فيما يتضرر به ولا يعتق نصيب الشريك
الشاهد لأنه لم يوجد منه الاقرار يعتق نصيبه بل بفساد نصيبه وإنما أقر بالعتق في نصيب شريكه الا ان اقراره بالعتق
في نصيب شريكه في حق شريكه لم ينفذ فينفذ اقراره بالعتق في نصيب شريكه في حقه ولا يضمن الشاهد لشريكه لأنه
لم يعتق نصيب نفسه وأما السعاية فلان فساد نصيبه بوجب التخريج إلى العتق بالسعاية ويسعى العبد لهما في قيمته
بينهما فيسعى للشاهد في نصف قيمته ويسعى للمنكر في نصف قيمته سواء كان المنكر موسرا أو معسرا في قول أبي حنيفة
لان السعاية ثبتت مع اليسار والاعسار على أصله أما حق الاستسعاء للشاهد وإن كان المشهود عليه
موسرا فلان في زعمه ان شريكه قد أعتق وان له حق التضمين أو الاستسعاء الا انه تعذر التضمين لان
اقراره لم يجز عليه في حقه فبقي له حق الاستسعاء وأما المنكر فلان في زعمه ان نصيبه على ملكه وقد تعذر
96

عليه التصرف فيه باقرار شريكه فكان له ان يستسعى وأما عندهما فإن كان المنكر موسرا فلا سعاية
للشاهد على العبد لأنه يزعم أنه عتق باعتاق شريكه وانه لا يستحق الا الضمان لان السعاية لا تثبت مع اليسار على
أصلهما وإن كان معسرا فللشاهد أن يستسعى وأما المنكر فيستسعى على كل حال بالاجماع معسرا كان أو موسرا لان
نصيبه على ملكه ولم يوجد منه الاقرار بسقوط حقه عن السعاية فان أعتق كل واحد من هما بعد ذلك نصيبه قبل
الاستسعاء جاز في قول أبي حنيفة لان نصيب المنكر على ملكه وكذلك نصيب الشاهد عنده لان الاعتاق يتجزأ
فإذا أعتقا نفذ عتقهما والولاء بينهما لان العتق منهما وكذلك ان استسعيا وأدى السعاية فالولاء لهما وأما على قولهما
فالولاء في نصيب الشاهد موقوف لان في زعم الشاهد ان جميع الولاء لشريكه لان الاعتاق لا يتجزأ على أصلهما
وشريكه يجحد ذلك فيسلم له النصف ويوقف له النصف وان شهد كل واحد منهما على صاحبه وأنكر الاخر
يحلف أولا كل واحد منهما على دعوى صاحبه لان كل واحد منهما بدعوى العتق على صاحبه يدعى وجوب
الضمان على صاحبه أو السعاية على العبد وصاحبه ينكر فيحلف كل واحد منهما لصاحبه وهذا لان فائدة
الاستحلاف النكول ليقضى به والنكول اما بذل أو اقرار والضمان مما يصح بذله والاقرار به وإذا تحالفا سعى العبد
لكل واحد منهما في نصف قيمته في قول أبي حنيفة لان في زعم كل واحد منهما أن شريكه قد أعتق وان له الضمان
أو السعاية وتعذر التضمين حيث لم يصدقه الاخر فبقي الاستسعاء ولا فرق عند أبي حنيفة بين حال اليسار والاعسار
وأما على قولهما فإن كانا موسرين فلا سعاية لواحد منهما لان كل واحد منهما يدعى الضمان على شريكه ويزعم أن
لا سعاية له مع اليسار فلم يثبت له ما أبرأ العبد عنه وإن كانا معسرين يسعى العبد لكل واحد منهما لان كل واحد منهما
يزعم أن شريكه أعتق وهو معسر فلا حق له الا السعاية وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا يسعى العبد للموسر ولم
يسع للمعسر لان الموسر يزعم أن لا ضمان على شريكه وإنما له السعاية على العبد والمعسر إنما يزعم أن الضمان على
الشريك وانه قد أبرأ العبد ثم هو عبد في قول أبي حنيفة ويسعى وهو رقيق إلى أن يؤدى ما عليه لان المستسعى في حكم
المكاتب على أصله وعندهما هو حر عليه دين حين شهد الموليان فيسعى وهو حر لان في زعم كل واحد منهما أنه حر
من جهة صاحبه ومن أقر بحرية عبد في ملكه عتق عليه عبد بين رجلين قال أحدهما ان كنت دخلت هذه الدار
أمس فأنت حر وقال الآخر ان لم تكن دخلتها أمس فأنت حر ولا يدرى أكان دخل أو لم يدخل عتق نصف العبد
بينهما ويسعى في نصف قيمته بين الموليين موسرين أو معسرين في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف إن كانا معسرين
سعى في نصف قيمته بينهما وإن كانا موسرين فلا يسعى لاحد وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا سعى للمعسر
في ربع قيمته ولا يسعى للموسر وقال محمد إن كانا موسرين لا يسعى وإن كانا معسرين يسعى لهما في جميع قيمته وجه
قول محمد ان كل واحد منهما يدعى على صاحبه انه أعتقه فصار كشهادة كل واحد منهما على صاحبه ولان من عتق
عليه نصف العبد مجانا بغير سعاية مجهول لان الحانث منهما مجهول فكان من يقضى عليه بسقوط نفس السعاية
مجهولا فلا يمكن القضاء به ولأبي حنيفة وأبى يوسف ان نصف العبد قد عتق بيقين لان أحد الشركين حانث بيقين
إذ العبد لا يخلو من أن يكون دخل الدار أو لم يدخل إذ لا واسطة بين الدخول والعدم وليس أحدهما بتعيينه للحنث أولى
من الآخر والمقضى له بالعتق يتعين فيقسم نصف العتق بينهما فإذا أعتق نصف العبد بيقين تعذر ايجاب كل السعاية عليه
فتجب نصف السعاية ثم على أصل أبي حنيفة يسعى في نصف قيمته بينهما سواء كانا موسرين أو معسرين لان ضمان
السعاية عنده لا يختلف باليسار والاعسار وعند أبي يوسف يختلف فإن كانا معسرين سعى لهما وإن كانا موسرين
لا يسعى لهما وإن كانا أحدهما موسرا والآخر معسرا يسعى للمعسر ولا يسعى للموسر وما ذكره محمد ان هذا كشهادة
كل واحد منهما على الاخر غير سديد لان ههنا تيقنا بحرية نصف العبد لما بينا وفى مسألة الشهادة لم نستيقن
بالحرية لاحتمال أن تكون الشهادتان كاذبتين وأما قوله إن الذي يقضى عليه بالعتق بغير سعاية مجهول فنعم لكن هذا
97

لا يمنع القضاء إذا كان المقضى له معلوما لان المقضى له إذا كان معلوما يمكن رفع الجهالة التي من جانب المقضى بالقسمة
والتوزيع وإذا كان مجهولا لا يمكن فان حلف رجلا ن على عبدين كل واحد منهما لأحدهما فقال أحدهما لعبده إن كان
زيد قد دخل هذه الدار اليوم فأنت حر وقال الآخر لعبده ان لم يكن زيد دخل هذه الدار اليوم فأنت حر فمضى
اليوم ولا يدرى أدخل الدار أم لم يدخل لم يعتق واحد من العبدين لان ههنا المقضى له وعليه كل واحد منهما مجهول ولا
وجه للقضاء عند تمكن الجهالة في الطرفين وفى الفصل الأول المقضى له بالعتق متيقن معلوم والقضاء في مثله جائز كمن
أعتق واحدة من جواريه العشر ثم جهلها وعلى هذا قال أبو يوسف في عبدين بين رجلين قال أحدهما لاحد العبدين
أنت حر ان لم يدخل فلأن هذه الدار اليوم وقال الآخر للعبد الآخر ان دخل فلأن هذه الدار اليوم فأنت حر فمضى
اليوم وتصادقا على أنهما لا يعلمان دخل أو لم يدخل فان هذين العبدين يعتق من كل واحد منهما ربعه ويسعى في ثلاثة
أرباع قيمته بين الموليين نصفين وقال محمد قياس قول أبي حنيفة أن يسعى كل واحد منهما في جميع قيمته بينهما نصفين
وجه قول أبى يوسف ان نصف أحد العبدين غير عين قد عتق بيقين لان فلانا لا يخلو من أن يكون دخل الدار اليوم
أو لم يكن دخل فكان نصف أحدهما حرا بيقين وليس أحدهما بذلك أولى من الآخر فيقسم نصف الحرية
بينهما فيعتق من كل واحد منهما ربعه ويسعى كل واحد منهما في ثلاثة أرباع قيمته للتخريج إلى العتق كما في المسألة
المتقدمة الا ان هناك العبد واحد فيعتق منه نصفه ويسعى في النصف الباقي وههنا عبدان فيعتق نصف أحدهما غير
عين ويقسم بين الموليين فيعتق على كل واحد منهما الربع ويسعى كل واحد منهما في الباقي وذلك ثلاثة أرباع قيمته
وجه قياس قول أبي حنيفة أن المقضى له وعليه مجهولان ولا سبيل إلى القضاء بالحرية مع جهالتهما فيسعى كل واحد
منهما في جميع قيمته بخلاف المسألة المتقدمة لان ثمة المقضى له غير مجهول ومن هذا النوع ما ذكره ابن سماعة عن أبي
يوسف في عبد بين رجلين زعم أحدهما أن صاحبه أعتقه منذ سنة وانه هو أعتقه اليوم وقال شريكه لم أعتقه وقد
أعتقت أنت اليوم فاضمن لي نصف القيمة لعتقك فلا ضمان على الذي زعم أن صاحبه أعتقه منذ سنة لان قوله أنا
أعتقته اليوم ليس باعتاق بل هو اقرار بالعتق وانه حصل بعد اقراره على شريكه بالعتق فلم يصح وكذا لو قال أنا أعتقته
أمس وأعتقه صاحبي منذ سنة وان لم يقر باعتاق نفسه لكن قامت عليه بينة انه أعتقه أمس فهو ضامن لشريكه
لظهور الاعتاق منه بالبينة فدعواه على شريكه العتق المتقدم لا يمنع ظهور الاعتاق منه بالبينة ويمنع ظهوره باقراره
والله عز وجل الموفق
(فصل) وأما بيان حكم الاعتاق وبيان وقت ثبوت حكمه فللاعتاق أحكام بعضها أصلى وبعضها من التوابع أما
الحكم الأصلي للاعتاق فهو ثبوت العتق لان الاعتاق اثبات العتق والعتق في اللغة عبارة عن القوة يقال عتق الطائر
إذا قوى فطار عن وكره وفى عرف الشرع اسم لقوة حكمية للذات يدفع بها يد الاستيلاء والتملك عن نفسه ولهذا كان
مقابله وهو الرق عبارة عن الضعف في اللغة يقال ثوب رقيق أي ضعيف وفى متعارض الشرع ويراد به الضعف الحكمي
الذي يصير به الآدمي محلا للتملك وعلى عبارة التحرير الحكم الأصلي للتحرير هو ثبوت الحرية لان التحرير هو
اثبات الحرية وهي الخلوص يقال طين حر أي خالص وأرض حرة إذا لم يكن عليها خراج وفى عرف الشرع يراد
بها الخلوص عن الملك والرق وهذا الحكم يعم جميع أنواع الاعتاق غير أنه إن كان تنجيزا ثبت هذا الحكم للحال
وإن كان تعليقا بشرط أو إضافة إلى وقت يثبت بعد موجود الشرط والوقت ويكون المحل قبل ذلك على حكم
ملك المالك في جميع الأحكام الا في التعليق بشرط الموت المطلق وهو التدبير عندنا وكذا الاستيلاد ثم هذا
الحكم قد يثبت في جميع ما أضيف إليه وقد يثبت في بعض ما أضيف إليه وجملة الكلام فيه أن الاعتاق لا يخلو
اما إن كان في الصحة واما إن كان في المرض فإن كان في الصحة عتق كله سواء كان له مال آخر أو لم يكن وسواء
كان عليه دين أو لم يكن لان حق الورثة أو الغريم لا يتعلق بالمال حالة الصحة فالاعتاق صادف خالص ملكه
98

لا حق لاحد فيه فنفذ وإن كان في المرض فإن كان له مال آخر سوى العبد والعبد كله يخرج من ثلث المال
يعتق كله لان الثلث خالص حقه لا حق للورثة فيه وإنما تعلق حقهم في الثلثين والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنه قال إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة على أعمالكم وإن كان لا يخرج
كله من ثلث المال وأجازت الورثة الزيادة فكذلك لان المانع حق الورثة فإذا أجازوا فقد زال المانع فيعتق كله وان
لم يجيزوا الزيادة يعتق منه بقدر ثلث ماله ويسعى في الباقي للورثة وان لم يكن له مال سوى العبد فان أجازت الورثة عتق
كله لما قلنا وان لم يجيزوا يعتق ثلثه ويسعى في الثلثين للورثة لما قلنا والدليل عليه أيضا ما روى في حديث أبي قلابة ان
رجلا أعتق عبدا له عند موته ولا مال له غيره فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم ثلثه واستسعاه في ثلثي قيمته فدل الحديث
على جواز الاعتاق في مرض الموت حيث أجاز النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على أن الاعتاق في مرض الموت
وصية حيث اعتبره من الثلث وعلى بطلان قول من يقول لا سعاية في الشريعة حيث استسعى العبد هذا إذا لم يكن عليه
دين فإن كان عليه دين فإن كان مستغرقا لقيمته ولا مال له سوى العبد أو له مال آخر لكن الدين مستغرق لماله فاعتق
يسعى في جميع قيمته للغريم ردا للوصية لان الدين مقدم على الوصية الا ان العتق لا يحتمل النقض فتجب السعاية
وروى عن أبي الأعرج ان رجلا أعتق عبدا له عند الموت وعليه دين فقال النبي صلى الله عليه وسلم يسعى في الدين
وهكذا روى عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما وإن كان الدين غير مستغرق لقيمة العبد بأن كان الدين ألف درهم
وقيمة العبد ألفان يسعى في نصف قيمته للغريم ردا للوصية في قدر الدين ثم نصفه الثاني عتق بطريق الوصية فان
أجازت الورثة عتق جميع نصفه الثاني وان لم تجز يعتق ثلث النصف الثاني مجانا بغير شئ وهو سدس الكل ويسعى
في ثلثي النصف فالحاصل انه يعتق سدسه مجانا بغير شئ ويسعى في خمسة أسداسه ثلاثة أسهم للغريم وسهمان
للورثة ولو كان له عبدان فأعتقهما وهو مريض فهو على التفاصيل التي ذكرنا انه إن كان له مال سواهما وهما يخرجان
من الثلث عتقا جميعا بغير شئ لما ذكرنا وان لم يخرجا من الثلث وأجازت الورثة الزيادة فكذلك لما قلنا وان لم يجيزوا
الزيادة يعتق من كل واحد منهما بقدر ثلث ماله ويسعى في الباقي للورثة وان لم يكن له مال سواهما فان أجازت الورثة
عتقا جميعا بغير شئ وان لم يجيزوا يعتق من كل واحد منهما ثلثه مجانا ويسعى في الثلثين للورثة فيجعل كل رقبة على
ثلاثة أسهم لحاجتنا إلى الثلث فيصير جملة المال وهو العبدان على ستة أسهم فيخرج منها سهام العتق وسهام السعاية
للعبدين سهمان من ستة وللورثة أربعة أسهم فاستقام الثلث والثلثان فان مات أحدهما قبل السعاية يجعل هو
مستوفيا لوصيته متلفا لما عليه من السعاية والتلف يدخل على الورثة وعلى العبد الباقي فيجمع نصيب الورثة وذلك
أربعة أسهم ونصيب العبد الحر وذلك سهم فيكون خمسة فيعتق من العبد الحي خمسة ويسعى في أربعة أخماسه
فيحصل للورثة أربعة أسهم وللحي سهم والميت قد استوفى سهما فحصل للورثة أربعة أسهم وللوصية سهمان
فاستقام الثلث والثلثان ولو كان العبيد ثلاثة ولم يكن له مال سواهم يعتق من كل واحد ثلثه ويسعى في ثلثي قيمته فيصير
كل واحد على ثلاثة أسهم فتصير العبيد على تسعة أسهم ستة أسهم للورثة وثلاثة أسهم للعبيد فان مات أحدهم قبل
السعاية صار متلفا لما عليه من السعاية مستوفيا لوصيته فيجمع نصيب الورثة وذلك ستة أسهم ونصيب العبدين
سهمان فيكون ثمانية أسهم فيجعل كل عبد على أربعة أسهم فيعتق من كل واحد ربعه ويسعى في ثلاثة أرباعه
فيحصل للورثة ستة أسهم وللعبدين سهمان والميت استوفى سهما فاسقام الثلث والثلثان فان مات اثنان يجمع
نصيب الورثة ستة وللحي سهم فيكون سبعة فيعتق من الحي سبعه ويسعى في ستة أسباع قيمته فيحصل للورثة ستة
وللحي سهم والميتان استوفيا سهمين فحصلت الوصية ثلاثة أسهم والسعاية ستة فاستقام الثلث والثلثان هذا كله
إذا لم يكن على الميت دين فإن كان عليه دين مستغرق يسعى كل واحد في قيمته للغرماء ردا للوصية لان العتق في مرض
الموت وصية ولا وصية الا بعد قضاء الدين وإن كان الدين غير مستغرق بأن كان ألفا وقيمة كل واحد منهما ألف يسعى
99

كل واحد في نصف قيمته ثم نصف كل واحد منهما وصية فان أجازت الورثة عتق النصف الباقي من كل واحد
وان لم تجز الورثة يعتق من كل واحد ثلث نصف الباقي مجانا وهو السدس يسعى في ثلثي النصف ففي الحاصل عتق
من كل واحد سدسه مجانا ويسعى في خمسة أسداسه والله عز وجل اعلم ثم المريض إذا أعتق عبده ولا مال له غيره
فامر العبد في الحال في أحكام الحرية من الشهادة وغيرها موقوف فان برأ تبين انه صار حرا من حين أعتق وان مات
فهو بمنزلة المكاتب في قول أبي حنيفة لان الاعتاق يتجزأ عنده وعندهما هو حر وعليه دين لان الاعتاق لا يتجزأ
وأما الذي هو من التوابع فنحو المالكية والولاية والشهادة والإرث وغير ذلك لكن هذه ليست من الأحكام
الأصلية للاعتاق بل هي من التوابع والثمرات تثبت في بعض أنواعه دون بعض كالاعتاق المضاف إلى الصبي
والمجنون ونحو ذلك ومن هذا القبيل الاعتاق المضاف إلى المجهول وجملة الكلام فيه ان جهالة المعتق اما إن كانت أصلية
واما إن كان طارئة فإن كانت أصلية وهي أن تكون الصيغة من الابتداء مضافة إلى أحد المذكورين غير عين
فيجهل المضاف إليه لمزاحمة صاحبه إياه في الاسم فصاحبه المزاحم لا يخلو اما أن يكون محتملا للاعتاق أو لا يكون محتملا
له والمحتمل لا يخلو من أن يكون ممن ينفذ اعتاقه فيه أو ممن لا ينفذ فإن كان محتملا للاعتاق وهو ممن ينفذ اعتاقه فيه نحو أن يقول
لعبديه أحدكما حر أو يقول هذا حر أو هذا أو يقول سالم حر أو بريع لا ينوى أحدهما بعينه فالكلام في هذا
الفصل في موضعين أحدهما في بيان كيفية هذا التصرف والثاني في بيان الأحكام المتعلقة به أما الكيفية فقد ذكرنا
الاختلاف فيها فيما تقدم وأما الكلام في الأحكام المتعلقة به في الأصل فنوعان نوع يتعلق به في حال حياة المولى ونوع
يتعلق به بعد وفاته أما الأول فنقول ولا قوة الا بالله تعالى ان للمولى ان يستخدمهما قبل الاختيار وهذا يدل على أن
العتق غير نازل في أحدهما لأنه لا سبيل إلى استخدام الحر من غير رضاه وله ان يستعملهما ويستكسبهما وتكون
الغلة والكسب للمولى وهذا أيضا يدل على ما قلنا ولو جنى عليهما قبل الاختيار فالجناية لا تخلو اما إن كانت من
المولى واما إن كانت من الأجنبي ولا تخلو اما إن كانت على النفس أو على ما دون النفس فإن كانت الجناية من المولى فإن كان
ت على ما دون النفس بان قطع يد العبدين فلا شئ عليه وهذا أيضا يدل على عدم نزول العتق حيث جعلهما في حكم
المملوكين قبل الاختيار وسواء قطعهما معا أو على التعاقب لان القطع لا يبطل الخيار ولا يكون ثابتا بخلاف القتل لما
نذكر وإن كانت جناية على النفس بان قتلهما فان قتلهما على التعاقب فالأول عبد والثاني حر لأنه لما أقدم على قتل
الأول فقد تعين الثاني للعتق فإذا قتله فقد قتل حرا فعليه الدية وتكون لورثته لان الدية تصير ميراثا للورثة ولا يكون
للمولى من ذلك شئ لأنه قاتل والقاتل لا يرث وان قتلهما معا بضربة واحدة فعليه نصف دية كل واحد منهما لورثته
لان المضمون على المولى أحدهما وهو الحر منهما وليس أحدهما بأولى من الآخر فشاعت حرية واحدة فيهما وهذا
يؤيد القول بنزول العتق في غير العين وإن كانت الجناية من الأجنبي فإن كانت فما دون النفس بان قطع انسان يد
العبدين فعليه أرش العبيد وذلك نصف قيمته كل واحد منهما لكن يكون أرشهما لمولى سواء قطعهما معا أو على
التعاقب لان القطع لا يبطل خيار المولى وهذا يوجب القول بعدم نزول العتق إذ لو نزل لكان الواجب أرش يد عبد
وحر وهو نصف قيمة عبد ونصف دية حر وإن كانت في النفس فالقاتل لا يخلو اما إن كان واحدا واما إن كان اثنين
فإن كان واحدا فان قتلهما معا فعلى القاتل نصف قيمة كل واحد منهما نصف قيمة هذا ونصف قمية ذاك ويكون
للمولى وعليه نصف دية كل واحد منهما نصف دية هذا ونصف دية ذاك وتكون لورثتهما وهذا دليل على أن
العتق نازل في غير العين إذا لو لم يكن لكان الواجب في قتلهما معا قيمة عبدين ومع ذلك لم يجب بل وجب
دية حر وقيمة عبد لان أحدهما حر وقد قتل حرا وعبدا والواجب بقتل الحر الدية وبقتل العبد القيمة والدية
للورثة والقيمة للمولى وإنما انقسم لان كل واحد منهما تجب ديته في حال وقيمته في حال لاحتمال انه حر
وعبد فينقسم ذلك على اعتبار الأحوال كما هو أصل أصحابنا وان قتلهما على التعاقب يجب على
100

القاتل قيمة الأول للمولى ودية الثاني للورثة لان قتل الأول يوجب تعين الثاني للعتق فيتعين الأول للمولى وقد قتل
حرا وعبدا خطأ وإن كان القاتل اثنين فقتل كل واحد منهما رجلا فان وقع قتل كل واحد منهما معا فعلى كل واحد من
القاتلين القيمة نصفها وايجاب القيمتين يوجب قيمة ودية على قول من يقول إن العتق غير نازل
ظاهرا لان كل واحد منهما قتل عبدا خطأ وانه يوجب القيمة وأما على قول من يقول بنزول العتق قائما لم تجب الدية
لان من تجب الدية عليه منهما مجهول إذ لا يعلم من الذي تجب عليه منهما فلا يمكن ايجاب الدية مع الشك والقيمة متيقنة
فتجب بخلاف ما إذا كان القاتل واحدا لان هناك من عليه معلوم لا جهالة فيه وإنما الجهالة فيمن له وأما انقسام
القيمتين فلان المستحق لاحد البدلين هو المولى والمستحق للحق للبدل الآخر هو الوارث وكل واحد منهم يستحق في
حال ولا يستحق في حال فوجوب القيمتين حجة أحد القولين وانقسامهما حجة القول الآخر وان وقع قتل كل واحد
منهما على التعاقب فعلى قاتل الأول القيمة للمولى وعلى قاتل الثاني الدية للورثة لان أحدهما قتل عبدا والآخر قتل
حر الآن قتل الأول أوجب تعين الثاني للحرية والأول للرق ولو كان المملوكان أمتين فولدت كل واحدة منهما ولدا أو
ولدت إحداهما ولدا فاختار المولى عتق إحداهما عتقت هي وعتق ولدها سواء كان للأخرى ولد أو لم يكن أما على
قول التخيير فظاهر لان العتق كان نازلا في غير العين منهما والبيان تعيين لمن وقع عليه فعتقت المعينة وعتق ولدها تبعا لها
وأما على قول التعليق فلان العتق ان لم ينزل فقد انعقد سبب النزول في أحدهما فيسرى إلى ولدها كالاستيلاد
والكتابة ولو ماتت الأمتان معا قبل الاختيار وقد ولدت كل واحدة منهما ولدا خير المولى فيختار عتق أي الولدين
شاء لأنهما لما ماتتا معا لم تتعين إحداهما للحرية فحدث الولدان على وصف الام فيخير المولى فيهما كما كان يخير في الام
فان مات أحد الولدين قبل الآخر مع بقاء الأمتين لا يلتفت إلى ذلك ويخير المولى لأنه لم يتعلق بموته تعيين إذ الحرية
إنما تتقين فيه بتعينها في أمه وحكم التعيين في الام قائم لان تعيينها ممكن فيخير المولى فيهما فأيهما اختار عتقها
فعتقت عتق ولدها ولو قتل الأمتين معا رجل خير المولى في الولدين لما قلنا في الموت وأيهما اختار عتقه فعتق لا يرث من
أرش أمه شيئا لأنه إنما عتق باختيار العتق فيه وذلك يتأخر عن الموت فلا يرث شيئا بل يكون الكل للمولى وهذا نص
مذهب التعليق لان العتق لو كان نازلا في إحداهما لحدوثهما على وصف الام لكان الاختيار تعيينا لمن وقع عليه
العتق فكان عتقه متقدما على موت الام فينبغي أن يرث والله عز وجل أعلم ولو وطئت الأمتان بشبهة قبل اختيار
المولى يجب عقر أمتين ويكون للمولى كالأرش وهذا يؤيد قول التعليق إذ لو كان تنجيزا لكان الواجب عقر حرة
وأمة ولكان نصف ذلك للأمتين والنصف للمولى ولما كان كسبهما له والأرش فالعقر أولى لأنهما لا يملكان
بدون ملك الأصل وقد يملك الكسب بدون ملك الأصل كالغاصب فلما كان الكسب له فالأرش والعقر أولى
ولو باعهما صفقة واحدة كان البيع فاسدا اما على قول التنجيز فظاهر لان العتق إذا نزل في غير العين منهما صار جامعا
بين حر وعبد في البيع من غير بيان حصية كل واحد منهما لأنه غير جائز بالاجماع وأما على قول التعليق فلان حق
الحرية قد ثبت وهو انعقاد سبب الحرية لأحدهما فيمنع جواز البيع كما لو جمع بين قن ومدبر في البيع ولم يبين حصة
كل واحد منهما من الثمن ولو أنه باعهما صفقة واحدة وسلمهما إلى المشترى فأعتقهما فيقال للبائع اختر العتق في
أحدهما وأيهما اختار عتقه عتق الآخر على المشترى الا ان المشترى لما قبضهما بعقد فاسد فقد ملك أحدهما ونفذ
اعتاقه فيه فإذا عين البائع أحدهما للعتق تعين الآخر للملك الفاسد فينفذ فيه اعتاق المشترى وإنما بدئ بتخيير البائع
لان التمليك منه حصل في مجهول فما لم يتعين أحدهما للحرية لا يتعين الآخر للملك الفاسد فان مات البائع قبل البيان
قامت الورثة مقامه ويقال لهم بينوا فان بينوا في أحدهما عتق الآخر على المشترى ولا يقال ينبغي أن ينقسم العتق
بموت المولى كما إذا مات قبل البيع لان شرط الانقسام ان لا يزول الملك عن أحدهما لاستحالة انقسام الحرية على
الحر والملك قد زال عن أحدهما فتعذر الانقسام وبقى الخيار فقام الوارث مقام المورث فان قيل الخيار عندكم لا يورث
101

فكيف ورثتم هذا لخيار وهذا منكم تناقض فالجواب أن هذا الخيار لا يورث عندنا بل يثبت للورثة ابتداء لا بطريق
الإرث بل لأنهم استحقوا قيمة أحد العبدين فكان لهم التعيين كما كان للبائع وهذا كما قالوا فيمن باع أحد عبديه
على أنه بالخيار وقبضهما المشترى فماتا في يده ثم مات البائع ان لورثة البائع الاختيار ابتداء لا بطريق الإرث كذا هذا
فإن لم يعتق المشترى حتى مات البائع لم ينقسم العتق فيهما حتى يفسخ القاضي البيع فإذا فسخه انقسم وعتق من كل
واحد منهما نصفه وإنما كان كذلك لما ذكرنا من فوات شرط الانقسام وهو عدم زوال الملك في أحدهما والملك قد
زال عن أحد العبدين فتعذر التقسيم والتوزيع الا ان البيع الفاسد واجب الفسخ حقا للشرع رفعا للفساد وفسخه
بفعل القاضي أو بتراضي المتعاقدين فإذا فسخ عاد إلى ملك البائع وشاع العتق فيهما وعتق من كل واحد منهما فنصفه
ولو وهبهما قبل الاختيار أو تصدق بهما أو تزوج عليهما يخير فيختار العتق في أيهما شاء وتجوز الهبة والصدقة
والامهار في الآخر لان حرية أحدهما أو حق الحرية وهو انعقاد سبب الحرية في أحدهما على الاختلاف الكيفيتين
لا يوجب بطلان هذه التصرفات الا ترى أنه لو جمع في الهبة أو في الصدقة أو في النكاح بين حر وعبد يصح في العبد
وكذا إذا جمع فيها بين مدبر وقن يصح في القن وهذا لان الجمع بن الحر والعبد في البيع إنما يوجب فساد البيع لأنه
إذا جمع بينهما فقد جعل قبول البيع في كل واحد منهما شرطا لصحة قبوله في الآخر وانه شرط فاسد وهذه التصرفات
لا تبطلها الشروط الفاسدة فان قيل إذا قبضهما الموهوب له أو المتصدق عليه أو المرأة فقد زال الملك عن أحدهما
فكيف يخير المولى فالجواب أنا لا نقول بزوال الملك عن أحدهما قبل الاختيار بل زواله موقوف على وجود الاختيار
فإذا تعين أحدهما للمعتق يزول الملك عن أحدهما وان مات المولى قبل أن يبين العتق في أحدهما
بطلت الهبة والصدقة فيهما وبطل امهارها لأنه لما مات فقد شاع العتق فيهما لوجود شرط الشياع فيعتق من كل
واحد منهما نصفه ومعتق البعض لا يحتمل التمليك من الغير ولو أسرهما أهل الحرب كان للمولى أن يختار عتق أحدهما
ويكون الآخر لأهل الحرب لان أهل الحرب لم يملكوهما بالأسر لان أحدهما حر وحق الحرية لأحدهما ثابت
وكل ذلك يمنع من التملك بالأسر ولهذا لا يملكون المكاتب والمدبر بالأسر كما يملكون الحر وإذا لم يملكا بالأسر
بقيا على ملك المولى وله خيار العتق فإذا اختار أحدهما بقي الآخر عبدا فيملكه أهل الحرب فإن لم يختر المولى حتى مات
بطل ملك أهل الحرب بينهما لأنه لما مات المولى شاعت الحرية وعتق من كل واحد منهما نصفه فتعذر التملك ولو أسر
أهل الحرب أحدهما لم يملكوه لان أحدهما حرا وثبت له حق الحرية وكل ذلك يمنع من التملك بخلاف ما إذا باع
أحدهما لان بيعه إياه اختيار منه للملك فقد باع ملكه باختياره فصح ولو اشتراهما من أهل الحرب تاجر فللمولى أن
يختار عتق أيهما شاء ويأخذ الآخر بحصته من الثمن لان الخيار كان ثابتا للمولى قبل البيع فإذا باعوا فقد ثبت
للمشترى ما كان ثابتا قبل خيار العمل فإذا اختار عتق أحدهما صح ملك أهل الحرب والمشترى منهم في الآخر
فيأخذه حصته من الثمن فان اشترى التاجر أحدهما فاختار المولى عتقه عتق وبطل الشراء لما ذكرنا أن ولاية
الاختيار قائمة للمولى فان أخذه المولى من الذي اشتراه بالثمن عتق الآخر لان أخذه إياه إعادة له إلى قديم ملكه فيتعين
الآخر للعتق كأنه أعتقه ولو قال في صحته لعبديه أحدكما حر ثم مرض الموت فاختار عتق أحدهما يعتق من
جميع المال وإن كانت قيمته أكثر من الثلث بأن كانت قيمته أكثر من الثلث بان قيمة أحدهما ألفا وقيمة الاخر ألفين فبين العتق في الذي
قيمته ألفان وهذا يدل على أن إضافة العتق إلى المجهول ايقاع وتنجيز إذ لو كان تعليقا واقتصر العتق على حالة المرض
ينبغي أن يعتبر من الثلث كما لو أنشأ العتق في المرض والله عز وجل الموفق وللعبدين حق مخاصمة المولى فلهما أن
يرفعانه إلى القاضي ويستعديا عليه وإذا استعديا عليه أعداهما القاضي وأمره بالبيان أعني اختيار أحدهما
وجبره عليه بالحبس لو امتنع أما على مذهب التنجيز فلان العتق نازل في أحد منهما غير عين وكل واحد منهما لا يجوز أن
يكون هو الحر والحرية حقه أوله فيها حق وأما على مذهب التعليق فلان الحرية ان تثبت في أحدهما فقد يثبت حق
102

الحرية أعني انعقد سبب ثبوت الحرية أصلا وهذا حقه وله فيه حق والبيان طريق استيفاء
هذا الحق فكان كل واحد منهما بسبيل من الخصومة والمطالبة بالبيان وإنما كان البيان إلى المولى لان الاجمال
منه فكان البيان إليه كما في بيان المجمل والمشترك في النصوص وكمن أقر بشئ مجهول أو باع قفيزا من صبرة كان
البيان إليه كذا هذا ثم البيان أنواع ثلاثة نص ودلالة وضرورة أما النص فنحو أن يقول المولى لأحدهما عينا
إياك عنيت أو نويت أو أردت بذلك اللفظ الذي ذكرت أو اخترت أن تكون حرا باللفظ الذي قلت أو أنت
حر بذلك اللفظ الذي قلت أو بذلك الاعتاق أو أعتقتك بالعتق السابق وغير ذلك من الألفاظ فلو قال أنت
حر أو أعتقتك بالعتق السابق فان أراد به عتقا مستأنفا عتقا جميعا هذا بالاعتاق المستأنف وذاك باللفظ السابق
لان انشاء العتق في أحدهما قبل الاختيار اختيار العتق في الآخر دلالة لما نذكر إن شاء الله تعالى وان قال عنيت
به الذي لزمني بقولي أحدكما حر يصدق في القضاء ويحمل قوله أعتقتك على اختيار العتق أي اخترت عتقك
وأما الدلالة فهي أن يخرج المولى أحدهما عن ملكه بالبيع أو بالهبة أو بالصدقة أو بانشاء العتق أو يرهن
أحدهما أو يؤاجر أو يكاتب أو يدبر أو يستولد إن كانت أمة لان الأصل ان من خير بين أمرين ففعل ما يستدل به
على اختياره أحدهما يجعل ذلك اختيارا منه دلالة ويقوم ذلك مقام النص كأنه قال اخترت والأصل فيه ما روى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لبريدة ان وطئك زوجك فلا خيار لك لما ان تمكينها زوجها من الوطئ
دليل اختيارها زوجها لا نفسها فصار هذا أصلا في الباب وهذه التصرفات كلها في أحدهما دليل اختيار العتق
في الآخر لان منهما ما ينافي اختيار العتق المبهم في المتصرف فيه وهي التصرفات المزيلة للملك ومنهما مالا ينافي اختيار
العتق المبهم في المتصرف فيه لكن اختيار العتق المبهم فيه يبطله وهو الرهن والإجارة والكتابة والتدبير والاستيلاد
والعاقل يقصد صحة تصرفاته وسلامتها عن الانتقاض والبطلان فكان اقدامه على كلا النوعين من التصرفات في
أحدهما دليل على اختياره العتق المبهم في الآخر واختياره العتق المبهم في أحدهما عينا شرط لنزول العتق فيه
بالكلام السابق وهذا التخريج على قول من يقول إن العتق غير نازل في العين فيهما فاما على قول من يقول بنزول
العتق في أحدهما غير عين فهو ان هذه التصرفات لا صحة لها بدون الملك فالاقدام عليها يكون اختيارا للملك في
المتصرف فيه فتعين الآخر فيعتق ضرورة من غير اختيار المولى نصا ودلالة كما إذا مات أحدهما قبل الاختيار وقتل
وسواء كان البيع بتا أو فيه خيار للبائع أو للمشترى أما على مذهب التنجيز فلانه لا صحة للبيع الا بالملك فكان
اقدامه على بيع أحدهما اختيارا إياه للملك فيتعين الآخر للعتق ضرورة وأما على مذهب التعليق أما خيار المشترى
فلا يمنع زوال المبيع عن ملكه بلا خلاف فينافي اختيار المبهم فيه وأما اختيار البائع فلان اختيار العتق المبهم
يبطل شرط الخيار وسواء كان البيع صحيحا أو فاسدا إذا قبض المشترى لأنه وقع مزيلا للملك فيتعين الآخر
للعتق دلالة أو ضرورة وأما إذا لم يقبض فقد ذكر في الأصل إذا باع أحدهما بيعا فاسدا وقبض المشترى عتق
الباقي ولم يذكر انه إذا لم يقبض ماذا حكمه وهكذا ذكر محمد في الاملاء إذا وهب أحدهما وأقبضه أو تصدق وأقبض
عتق الآخر عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعندنا لم يذكر حال عدم القبض وذكر الجصاص ان القبض ليس بشرط
ويتعين العتق في الآخر سواء قبض المشترى أو لم يقبض وهكذا ذكر القدوري وقال قد ظهر القول من أصحابنا انه إذا
ساوم بأحد العبدين وقع العتق في الآخر وهكذا روى ابن سماعة عن أبي يوسف أنه لو أوصى بأحدهما أو ساوم
عتق الآخر ومعلوم ان المساومة دون البيع الفاسد فالسوم لما كان بيانا فالبيع أولى وبه تبين ان ذكر القبض في
الأصل ليس على سبيل الشرط بل وقع ذكره اتفاقا أو اشعارا انه مع القبض من التصرفات المزيلة للملك ولو علق
عتق أحدهما عينا بشرط بان قال له ان دخلت الدار فأنت حر عتق الآخر أما على مذهب التنجيز فلان التعليق بما
سوى الملك وسببه لا يصح الا في الملك فكان الاقدام على تعليق عتقهم اختيار الملك فيه فيتعين الآخر للعتق ضرورة
103

كما لو أعتق في أحدهما وأما على مذهب التعليق فلان اختيار العتق المبهم فيه يبطل التعليق بالشرط فصار كما لو
دبر أحدهما وذكر ابن سماعة عن محمد أنه إذا قال لأحدهما ان دخلت الدار فأنت حر ثم قال أحدكما ثم دخل الذي
علق عتقه بدخول الدار حتى عتق عتق الاخر لان ملك المولى زال عن أحدهما لسبب من جهته فصار كما لو أعتقه ابتداء
أو باعه ولو كان المملوكان أختين فوطئ المولى أحدهما فان علقت منه عتقت الآخرى بالاجماع لأنها صارت أم ولد
له وقد ذكرنا ان الاستيلاد يكون معينا للعتق في الأخرى وان لم تعلق لا تعتق الأخرى في قول أبي حنيفة وعند أبي
يوسف ومحمد تعتق وروى ابن سماعة عن أبي يوسف أنه قال وكذلك لو قبل إحداهما بشهوة ولمس بشهوة أو
نظر إلى فرجها عن شهوة ولو استخدم إحداهما لا تعتق الأخرى في قولهم جميعا لان الاستخدام تصرف لا يختص
بالملك إذ قد يستخدم الحرة (وجه) قولهما ان الظاهر من حال العاقل المتدين الاقدام على الوطئ الحلال لا الحرام وحل
الوطئ لا يثبت الا بأحد نوعي الملك ولم يوجد ههنا ملك النكاح فتعين ملك اليمين للحل وإذا تعينت الموطوءة للملك تعينت
الأخرى للعتق ولان الوطئ لو لم يجعل بيانا فمن الجائز أن يقع اختياره على الموطوء فيتبين أنه وطئ حرة من غير نكاح
فيجعل الوطئ بيانا ضرورة التحرج عن الحرام حالا وما لا حتى لو قال إحداكما مدبرة ثم وطئ إحداهما
لا يكون بيانا بالاجماع لان التدبير لا يزيل ملك الاستمتاع فلا حاجة إلى التحرز بالبيان ولهذا جعل الوطئ بيانا في
الطلاق المبهم حتى لو قال لامرأتيه إحداكما طالق فوطئ إحداهما طلقت الأخرى كذا ههنا ولأبي حنيفة أن كون
الوطئ بيانا للعتق في غير الموطوءة يستدعى العتق ليكون العتق تعيينا للمعتقة منهما والعتق بالكلام السابق غير
نازل لما بينا من الدلائل وهكذا نقول في الطلاق المبهم أنه غير واقع في غير المعين منهما بل هو معلق بشرط الاختيار الا أن
هناك جعل الوطئ دلالة الاختيار ولم يجعل ههنا لان الوطئ في باب النكاح مستحق على الزوج شرعا لقوله عز وجل
فامساك بمعروف أو تسريح باحسان قيل في التفسير ان الامساك بالمعروف هو الوطئ والنفقة وإذا كان الوطئ
مستحقا بالنكاح عند اختيار الامساك فإذا قصد وطئ إحداهما صار مختارا لامساكها فيلزمه ايفاء المستحق شرعا
ضرورة اختيار الامساك فيصير مختارا طلاق الأخرى والوطئ في الأمة مستحق بحال فلا يكون وطئ إحداهما
اختيار للعتق في الأخرى لو صار مختارا للامساك إنما يصير ليقع وطؤه حلالا تحرجا عن الحرمة ووطؤه إياهما جميعا
حلال وباختيار إحداهما لا يظهر ان وطئ الموطوءة كان حراما لان العتق ثبت حال الاختيار مقصورا عليهما وأما
الضرورة فنحو أن يموت أحد العبدين قبل الاختيار فيعتق الآخر لأنه بالموت خرج من أن يكون محلا لاختيار العتق
المبهم فتعين الآخر ضرورة من غير تعيين المولى لا نصا ولا دلالة وهذا يدل على أن العتق غير نازل إذ لو كان نازلا لما
تعين الآخر للعتق لان التعيين للضرورة وهي ضرورة عدم المحل ولا ضرورة لان ميت كان محلا للبيان إذ البيان
تعيين لمن وقع عليه العتق بالايجاب السابق وقت وجوده وكان حيا في ذلك الوقت وهذا بخلاف ما إذا باع أحد عبديه
على أن المشترى بالخيار ثلاثة أيام فمات أحدهما ان ملك المشتري يتعين في الميت منهما ولا يتعين في الحي لان هناك
وجد المسقط للخيار في الميت قبل الموت وهو حدوث العيب فيه إذ الموت لا يخلو عن مقدمة مرض عادة فحدوث
العيب فيه يبطل خيار المشترى فيه فيتعين بالبيع فيتعين الحي للرد وههنا حدوث العيب في أحدهما لا يوجب تعيينه
للملك قبل الموت فيتعين للموت فيتعين الآخر للعتق ضرورة بخلاف ما إذا قال أحد هذين ابني أو أحد هاتين أم
ولدى فمات أحدهما لم يتعين الآخر للحرية والاستيلاد كذا روى ابن سماعة عن محمد لان قوله أحد هاتين أم ولدى
أو أحد هذين ابني ليس بانشاء بل هو اخبار عن أمر سابق والاخبار يصح في الحي والميت فيقف على بيانه وقوله
أحدكما حر أو أحد هذين حر انشاء للحرية في أحدهما والانشاء لا يصح الا في الحي فإذا مات أحدهما تعين الآخر
للحرية وكذا إذا قتل أحدهما سواء قتله المولى أو أجنبي لما قلنا غير أن القتل إن كان من المولى فلا شئ عليه وإن كان
من الأجنبي فعليه قيمة العبد المقتول للمولى فان اختار المولى عتق المقتول لا يرتفع العتق عن الحي ولكن قيمة المقتول
104

تكون لورثته لان المولى قد أقر بحريته فلا يستحق شيئا من قيمته فان قطعت يد أحدهما لا يعتق الآخر سواء كان
القطع من المولى أو من أجنبي لان القطع لا يقطع خيار المولى لبقاء محل الخيار بخلاف القتل فان قطع أجنبي يد أحدهما
ثم بين المولى العتق فان بينه في غير المجني عليه فالأرش للمولى بلا شك وان بينه في المجني عليه ذكر القدوري في شرحه
ان الأرش للمولى أيضا ولا شئ للمجني عليه من الأرش وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان الأرش
يكون للمجني عليه وهكذا ذكر القاضي فيما إذا قطع المولى ثم بين العتق أنه ان بينه في المجني عليه يجب عليه أرش
الأحرار ويكون للعبد وعلل بأنه أقر على نفسه بأنه جنى على حر وان بينه في غير المجني عليه فلا شئ على المولى ولم يذكر
القدوري هذا الفصل وإنما ذكر فصل الأجنبي وما ذكره القاضي قياس مذهب التنجيز لان البيان يكون تعيينا لمن
وقع عليه العتق فيتبين انه كان حرا وقت ورود الجناية عليه فيوجب أرش الأحرار على المولى للعبد وما ذكره
القدوري قياس مذهب التعليق لان العتق ثبت وقت الاختيار مقصورا عليه فلا يظهر لان الجناية صادفت يد حر
والله عز وجل أعلم ولو قال عبدي حر وليس له الا عبد واحد عتق لأنه تعين بالايجاب فانصرف إليه فان قال لي عبد
آخر عنيته لم يصدق في القضاء لأنه إذا لم يعرف له عبد آخر انصرف ايجابه إلى هذا العبد ظاهرا فلا يصدق في العدول
عن الظاهر الا ببينة تقوم على أن له عبدا آخر ويصدق فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه نوى ما يحتمله لفظه ولو قال أحد
عبيدي حر أو أحد عبدي حر وليس له الا عبد واحد عتق لان لفظة أحد لا تقتضي آحادا ألا ترى أن الله تعالى
موصوف بأنه أحد قال سبحانه وتعالى قل هو الله أحد ولا مثل له ولا شريك ولا أحد غيره في الأزل وروى بشر
عن أبي يوسف فيمن كان له ثلاثة أعبد فقال أحد عبيدي حر أحد عبيدي حر أحد عبيدي حر قال ذلك ثلاثا عتقوا
لان أحدهم عتق باللفظ الأول لأنه أحد عبيده وعتق الاخر باللفظ الثاني لهذا المعنى وقد بقي له عبدان فيعتق
أحدهما وعتق الثالث باللفظ الثالث وان لم يبق الا عبد واحد كما لو قال ابتداء أحد عبيدي حر وليس له الا عبد واحد
ولو قال أحدكم حر أحدكم أحدكم حر لم يعتق الا واحد لان أحدهم عتق باللفظ الأول ثم باللفظ الثاني جمع بين حر
وعبدين فقال أحدكم حر لم يصح ثم باللفظ الثالث جمع بين عبد وحرين فلم يصح ذلك أيضا لأنه يحمل على الاخبار
وهو صادق فيما أخبر ولو قال لعبده أنت حر أو مدبر يؤمر بالبيان فان قال عنيت به الحرية عتق وان قال عنيت به
التدبير صار مدبرا وهذا ظاهر فان مات قبل البيان والقول في الصحة عتق نصفه بالاعتاق البات ونصفه بالتدبير لشيوع
العتقين فيه الا أن نصفه يعتق مجانا من جميع المال لأنه يعتق بالاعتاق البات في حالة الصحة ونصفه يعتق من الثلث
لأنه يعتق بالتدبير والعتق بالتدبير يثبت من طريق الوصية فيعتبر من الثلث سواء كان التدبير في المرض أو في الصحة
ان خرج من الثلث عتق كل النصف وان لم يكن له مال غيره عتق ثلث النصف مجانا لان هذا القدر لم يتعلق به
حق الورثة ويسعى في ثلثي النصف وهو ثلث الكل ولو كانا عبدين فقال أحدكما حر أو مدبر يؤمر بالبيان
فان مات قبل البيان ولا مال له غيرهما والقول في الصحة عتق نصف كل واحد منهما للشيوع الا أن الربع من
كل واحد منهما يعتق مجانا من جميع المال لحصوله بالاعتاق البات في حالة الصحة والربع يعتق من أصوله بالتدبير
ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته على كل حال ولو قال أنتما حران أو مدبران والمسألة بحالها عتق نصف كل
واحد منهما بالاعتاق البات ونصف كل واحد منهما بالتدبير وهذا كله إذا كان القول في الصحة فإن كان في المرض
يعتبر ذلك من الثلث ولو كان لرجل ثلاثة أعبد فقال هذا حر أو هذا أو هذا عتق الثالث ويؤمر بالبيان في الأوليين ولو
قال هذا حر وهذا أو هذا عتق الأول ويؤمر بالبيان في الآخرين وكذلك هذا في الطلاق ووجه الفرق ان كلمة أو في
الفصل الأول دخلت بين الأول الثاني فأوجبت حرية أحدهما غير عين ثم الثالث عطف على الحر منهما أيهما كان
فصار كأنه قال أحدكما حر وهذا وفى الفصل الثاني أوجب الحرية للأول عينا ثم أدخل كلمة أو في الثاني والثالث
فأوجبت حرية أحدهما غير عين فعتق الأول ويؤمر بالبيان في الثاني والثالث وهذا بخلاف ما إذا قال إن كلمت هذا
105

أو هذا وهذا فعبدي حر انه ان كلم الأول وحده حنث وان كلم الثاني أو الثالث وحده لا يحنث ما لم يكلمهما جميعا ولو
قال إن كلمت هذا وهذا أو هذا فعبدي حر فان كلم الثالث وحده حنث وان كلم الأول أو الثاني وحده لا يحنث ما لم
يكلمهما جميعا لان في الفصل الأول جعل شرط الحنث كلام الأول وحده أو كلام الثاني والثالث جميعا لأنه جعل
الثالث معطوفا على الثاني بحرف العطف فقد ادخل كلمة أو بين الأول وحده وبين الثاني والثالث جميعا وأما في
الفصل الثاني فقد جعل شرط الحنث كلام الأول والثاني جميعا أو كلام الثالث وحده لأنه عطف الثاني على الأول
بحرف العطف وأدخل كلمة أو بين الأول والثاني جميعا والثالث وحده والله عز وجل أعلم ولو اختلط حر بعبد كرجل
له عبد فاختلط بحر ثم كل واحد منهما يقول أنا حر والمولى يقول أحدكما عبدي كان لكل واحد منهما أن يحلفه بالله
تعالى ما يعلم أنه حر فان حلف لأحدهما ونكل للآخر فالذي نكل له حر دون الآخر وان نكل لهما فهما حران وان
حلف لهما فقد اختلط الامر فالقاضي يقضى بالاختلاط ويعتق من كل واحد منهما نصفه بغير شئ ونصفه بنصف
القيمة وكذا لو كانوا ثلاثة يعتق من كل واحد منهم ثلثه ويسعى في ثلثي قيمته كذا ذكره الكرخي وكذلك لو كانوا
عشرة فهو على هذا الاعتبار وهذا كرجل أعتق أحد عبديه بعينه ثم نسيه فان بين فهو على ما بين فإن لم يبين وقال لا أدرى
أيهما حر لا يجبر على البيان ولكن يعتق من كل واحد منهما نصفه مجانا ونصفه بنصف القيمة كذلك ههنا وأما
النوع الثاني وهو ما يتعلق به بعد موت المولى فهو ان المولى إذا قال لعبديه أحدكما حر لا ينوى أحدهما بعينه ثم مات
قبل الاختيار عتق من كل واحد منهما نصفه لأنه وقع الياس عن البيان والاختيار إذ لا يمكنه ذلك بنفسه وهذا الخيار
لا يورث حتى يقوم الوارث فيه مقامه فيشيع العتق فيهما إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر فيعتق من كل واحد منهما
نصفه مجانا ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته وفصل الشيوع دليل نزول العتق في أحدهما إذ الثابت تشييع
والموت ليس باعتاق علم أن الكلام السابق وقع تنجيزا للعتق في أحدهما ثم فرق بين هذا الخيار وبين خيار التعيين في
باب البيع لأنه الوارث هناك يقوم مقام الموت في البيان وههنا لا ووجه الفرق ان هناك ملك المشتري أحد العبدين
مجهولا إذ كل واحد منهم محل للملك فإذا مات فالوارث ورث منه عبدا مجهولا فمتى جرى الإرث ثبت ولاية التعيين
أما ههنا فأحدهما حر أو استحق الحرية وذلك يمنع جريان الإرث في أحدهما فيمنع ولاية التعيين هذا إذا كان المزاحم
له محتملا للعتق وهو ممن ينفذ اعتاقه فيه فأما إذا كان ممن لا ينفذ اعتاقه فيه بأن جمع بين عبده وعبد غيره فقال أحدكما حر
لا يعتق عبده الا بالنية لان قوله أحدكما يحتمل كل واحد منهما لان عبد الغير قابل للعتق في نفسه ومحتمل لنفوذ
الاعتاق فيه في الجملة فلا ينصرف إلى عبد نفسه الا بالنية وإن كان المزاحم ممن لا يحتمل العتق أصلا كما إذا جمع بين
عبده وبين بهيمة أو حائط أو حجر فقال أحدكما حر أو قال عبدي حر أو هذا وهذا فان عبده يعتق في قول أبي حنيفة
نوى أو لم ينو وقال أبو يوسف ومحمد لا يعتق الا بالنية وكذا إذا جمع بن عبده وبين ميت وقد ذكرنا الكلام في هذه
الجملة في كتاب الطلاق وعلى هذا إذا جمع بين عبده وبين حر فقال أحدكما حر انه لا يعتق عبده الا بالنية لان صيغته
صيغة الخبر فيحمل على الاخبار وهو صادق في اخباره مع ما في الحمل عليه تصحيح تصرفه وانه أصل عند الامكان
فيحمل عليه الا إذا نوى فيحمل على الانشاء بقرينة النية والحر لا يحتمل انشاء الحرية فينصرف إلى العبد ولو جمع بين
عبده ومدبره فقال أحدكما حر لا يصير عبده مدبر الا بالنية ويحمل على الاخبار كما في الجمع بين الحر والعبد ولو جمع
بين عبديه ومدبره فقال اثنان منكم مدبران صار أحد عبديه مدبرا ويؤمر بالبيان لان قوله اثنان منكم يصرف
أحدهما إلى المدبر ويكون اخبارا عن تدبيره إذ الصيغة للخبر في الوضع وهو صادق في هذا الاخبار والآخر يصرف
إلى أحد العبدين فيكون انشاء للتدبير في أحدهما إذ لا يمكن حمله على الخبر لأنه يكون كذبا فيحمل على الانشاء كأنه قال
للمدبر هذا مدبر وأحد العبدين مدبر فيؤمر بالبيان كما لو قال ذلك ابتداء لعبديه أحدكما مدبر فان مات المولى قبل
البيان انقسم تدبير رقبة بين العبدين نصفين فيعتق المدبر المعروف من الثلث ويعتق نصف كل واحد من العبدين من
106

الثلث لان التدبير وصية والوصية تعتبر من الثلث سواء كان في المرض أو في الصحة وهذا كما لو جمع بين عبدين وحر
فقال اثنان منكم حران انه يصرف أحدهما إلى الاخبار عن حرية أحدهم والاخر إلى إنشاء الحرية في أحد
العبدين لا غير كأنه قال للحر ان هذا حر وأحد العبدين حر فيؤمر بالبيان فان مات قبل البيان عتق من
كل واحد منهما نصفه لشيوع العتق فيهما كذا هذا ولو كان له ثلاثة أعبد دخل عليه اثنان فقال أحدكما
حر ثم خرج أحدهما ودخل الآخر فقال أحدكما حر فالكلام في هذه المسألة في الأصل يقع في موضعين
أحدهما يتعلق في حال الحياة والثاني يتعلق بحال الموت أما الأول فما دام المولى حيا يؤمر بالبيان ثم إن بدأ بالبيان
للايجاب الأول فان عنى به الخارج عتق الخارج بالايجاب الأول وتبين ان ايجاب الثاني بين الثابت
والداخل وقع صحيحا ولوقوعه بين عبدين فيؤمر بالبيان لهذا الايجاب وان عنى بالايجاب الأول الثابت عتق
الثابت بالايجاب الأول وتبين ان الايجاب الثاني وقع لغوا لحصوله بين حر وعبد في ظاهر الرواية وروى عن أبي
يوسف أنه قال الكلام الثاني ينصرف إلى الداخل وهذا غير سديد لان على قوله إذا جمع بن حر وعبد فقال أحدكما
حر ينبغي ان ينصرف إلى العبد وليس كذلك بالاجماع وان بدأ بالبيان للايجاب الثاني فان عنى به الداخل عتق
الداخل عتق بالايجاب الثاني وبقى الايجاب الأول بين الخارج والثابت على حاله كما كان فيؤمر بالبيان كما كان
وان عنى به الثابت بالايجاب الثاني وعتق الخارج بالايجاب الأول لتعينه للعتق باعتاق الثابت وأما
الذي يتعلق بما بعد الموت فههنا حالان حال ما بعد موت العبدين وحال ما بعد موت المولى أما موت العبدين فان مات
الخارج عتق الثابت بالايجاب الأول وتبين ان الايجاب الثاني وقع باطلا وان مات الثابت عتق الخارج بالايجاب
الأول والداخل بالايجاب الثاني لان الثابت قد أعيد عليه الايجاب فعتقه يوجب تعيين كل واحد منهما للعتق وان
مات الداخل يؤمر المولى بالبيان للايجاب الأول فان عنى به الخارج عتق الخارج بالايجاب الأول وبقى الايجاب
الثاني بين الداخل والثالث فيؤمر بالبيان وان عنى به الثابت تبين ان الايجاب الثاني وقع باطلا وأما موت المولى قبل
البيان فإن كان القول منه في الصحة يعتق من الخارج نصفه ومن الثابت ثلاثة أرباعه بلا خلاف بين أصحابنا
واختلفوا في الداخل قال أبو حنيفة وأبو يوسف يعتق من الداخل نصفه وقال محمد ربعه أما في مسألة الوفاق فلان
المولى إن كان عنى بالايجاب الأول الخارج عتق كله ولم يعتق به الثابت وإن كان عنى به الثابت عتق الثابت كله ولم
يعتق به الخارج وكل واحد منهما يعتق في حال ولا يعتق في حال فيتنصف فيعتق من كل واحد منهما نصفه بالايجاب
الأول ثم الثابت بالايجاب الثاني يعتق نصفه الباقي في حال ولا يعتق في حال فيتنصف ذلك النصف فيعتق ربعه
بالايجاب الثاني وقد عتق نصفه بالايجاب الأول فيعتق ثلاثة أرباعه وأما وجه قول محمد فهو ان
الايجاب الثاني يصح في حال ولا يصح في حال لأنه إن كان المولى عنى بالايجاب الأول الخارج يصح الايجاب الثاني
لان الثابت يبقى رقيقا فيقع الايجاب الثاني جمعا بين العبدين فيصح وإن كان عنى به الثابت لا يصح لأنه يقع جمعا بين
الحر والعبد فيلغو فيصح الايجاب الثاني في حال ولم يصح في حال فلا يثبت الا نصف حرية فيقسم بين الثابت
والداخل فيصيب كل واحد منهما الربع ولهما ان الايجاب الثاني يدور بين الصحة والبطلان إذا نزل العتق
بالايجاب الأول في غير المعين منهما ولم ينزل لما ذكرنا من الدلائل فيما تقدم فكان الايجاب الثاني صحيحا في الحالين جميعا
فلما مات المولى قبل البيان أصاب الداخل من هذا الايجاب نصف حرية ثم إن كان عنى به الثابت عتق به النصف
الباقي ولا يعتق الداخل وإن كان عنى به الداخل عتق كله ولا يعتق شئ من النصف الباقي من الثابت فكل واحد
منهما يثبت في حال ولا يثبت في حال فيتنصف فيعتق من الثابت ربعه ومن الداخل نصفه والدليل على أن ما ذكره
محمد غير سديد ان الايجاب الثاني لو كان تردد بين الصحة وعدم الصحة لبطل أصلا ورأسا لان من جمع بين حر وعبد
وقال أحدكما حر يبطل أصلا ورأسا ومحمد اعتبر الايجاب الثاني حيث قال بثبوت نصف حرية بين الثابت والداخل هذا
107

إذا كان القول منه في الصحة فإن كان في المرض فإن كان له مال آخر يخرجون من الثلث أو لا يخرجون لكن ان
أجازت الورثة فكذلك الجواب وان لم يكن له مال سوى هؤلاء ولم تجز الورثة يقسم الثلث بينهم على قدر وصيتهم
لان الاعتاق في مرض الموت وصية الوصية نفاذها من الثلث فيضرب كل واحد منهم بمقدار وصيته فوصية
الخارج نصف الرقبة ووصية الثالث ثلاثة أرباع الرقبة ووصية الداخل نصف الرقبة على أصلهما فيجعل كل
واحد على أربعة أسهم لحاجتنا إلى ثلاثة الأرباع فالخارج يضرب بنصف الرقبة وذلك سهمان والثابت يضرب
بثلاثة أرباع الرقبة وذلك ثلاثة أسهم والداخل يضرب بنصف الرقبة وذلك سهمان فتجمع وصاياهم فتصير سبعة
أسهم فيجعل ثلث المال مبلغ الوصايا وذلك سبعة أسهم فيكون ثلثا المال أربعة عشر سهما ضرورة فيكون جميع
المال أحد وعشرين فصار كل عبد سبعة أسهم لان ماله ثلاثة أعبد وقد صار ماله كله أحد وعشرين سهما فيخرج
منه سهام العتق سهام السعاية فالخارج يعتق منه سهمان من سبعة ويسعى في خمسة أسهم والثابت يعتق منه ثلاثة
أسهم من سبعة ويسعى في أربعة أسهم والداخل يعتق منه سهمان من سبعة ويسعى في خمسة أسهم كالخارج وإذا
صار سهام الوصايا سبعة تصير سهام الورثة أربعة عشر ضرورة فاستقام الثلث والثلثان وهذا التخريج على قولهما
وأما على قول محمد فالخارج يضرب بسهمين والثابت بثلاثة والداخل بسهم فذلك ستة أسهم فصار ثلث المال ستة
أسهم فيكون ثلثاه مثليه وذلك اثنى عشر فيصير جمع المال ثمانية عشر فصار كل عبد ستة أسهم يخرج منها سهام
العتق وسهام السعاية فيعتق من الخارج بسهمان ويسعى في أربعة أسهم ويعتق من الثابت ثلاثة أسهم ويسعى في
ثلاثة ويعتق من الداخل سهم وأحد وسعى في خمسة أسهام فصار للورثة اثنى عشر ولأصحاب الوصايا ستة فاستقام
الثلث والثلثان والله عز وجل أعلم وأما الجهالة الطارئة بان أضاف صيغة الاعتاق إلى أحدهما بعينه ثم نسيهم فالكلام
في هذا الفصل أيضا في موضعين أحدهما في كيفية هذا التصرف والثاني في الأحكام المتعلقة به أما الأول فلا
خلاف في أن أحدهما حر قبل البيان لان الصيغة أضيفت إلى معين والمعين محل لنزول العتق فيه فكان البيان في
هذا النوع اظهار وتعيينا لمن نزل فيه العتق وأما الثاني فالأحكام المتعلقة به ضربان أيضا ضرب يتعلق به في حال حياة
المولى وضرب يتعلق به بعد موته أما الأول فنقول إذا أعتق احدى جاريتيه بعينها ثم نسيها أو أعتق احدى جواريه
العشرة بعينها ثم نسي المعتقة فإنه يمنع من وطئهن واستخدامهن حرة بيقين فكل واحدة يحتمل أن
تكون هي الحرة ووطئ الحرة من غير نكاح حرام فلو قرب واحدة منهن ربما يقرب الحرة فيمنع من ذلك صيانة
عن الحرام والأصل في هذا الباب ما روينا من حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال الا ان لكل ملك حمى وان حمى الله محارمه فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ولا يجوز أن يطأ واحدة
منهن بالتحري لما ذكرنا في كتاب الطلاق فلو أنه وطئ واحدة منهن فحكمه نذكره هنا والحيلة في أن يباح له وطؤهن
ان يعقد عليهن عقد النكاح فتحل له الحمرة منهن بالنكاح والرقيقة بملك اليمين ولو خاصم العبدان المولى إلى القاضي وطلبا
منه البيان أمره القاضي بالبيان ولو امتنع حبسه ليبين كذا ذكره الكرخي لان أحدهما حر بيقين والحرية حقه أوله
فيها حق ولك صاحب حق ان يطلب حقه وإذا امتنع من الايفاء يجبر عليه ولو ادعى كل واحد منهما انه هو الحر ولا
بينة له وجحد المولى فطلبا يمينه استحلفه القاضي لك واحد منهما بالله عز وجل ما أعتقه لان الاستحلاف لفائدة
النكول والنكول بذل أو اقرار والعتق يحتمل كل ذلك ثم إن نكل لهما عتقا لأنه بذل لهما الحرية أو أقر بها لهما وان
حلف لهما يؤمر بالبيان لان أحدهما حر بيقين وحريته لا ترتفع باليمين وما ذكرنا من رواية ابن سماعة عن محمد في
الطلاق يكون ذلك رواية في العتاق وهو انهما إذا استحلفا فحلف المولى للأول يعتق الذي لم يحلف له لأنه لما حلف
للأول والله ما أعتقه فقد أقر برقه فيتعين الاخر للحرية كما إذا قال ابتداء لأحدهما عينا هذا عبد وان لم يحلف له عتق
هو لأنه بذل لهم الحرية أو أقر وان تشاحا في اليمين حلف لهما جميعا بالله عز وجل ما أعتق واحد منهما فان حلف
108

لهما فإن كانا أمتين يحجب منهما حتى يبين لما ذكرنا ان حرية أحدهما لا ترتفع بالحلف وذكر القاضي في شرحه مختصر
الطحاوي ان المولى لا يجبر على البيان في الجهالة الطارئة إذا لم يتذكر لما فيه من استرقاق الحر لان أحدهما حر بيقين
بخلاف الجهالة الأصلية لان ثمة الحرية غير نازلة في المحل في أصح القولين فلم يكن في البيان استرقاق الحر ثم البيان
في هذه الجهالة نوعان نص ودلالة أو ضرورة أما النص فنحو أن يقول المولى لأحدهما عينا هذا الذي كنت
أعتقته ونسيت وأما الدلالة أو الضرورة فهي أن يقول أو يفعل ما يدل على البيان نحو ان يتصرف في أحدهما تصرفا
لا صحة له بدون الملك من البيع والهبة والصدقة والوصية والاعتاق والإجارة والرهن والكتابة والتدبير والاستيلاد
إذا كانتا جاريتين لأن هذه التصرفات لا صحة لها الا في الملك فكان اقدامه دليل اختياره الملك في التصرف فيه
وتعين الاخر للعتق وكذا إذا كانا أمتين فوطئ إحداهما عتقت الأخرى بلا خلاف لان إحداهما حرة بيقين فكان
وطئ إحداهما تعيينا لها للرق والأخرى للعتق وتعيين الأخرى للعتق ضرورة انتفاء المزاحم بخلاف الجهالة الأصلية
على أصل أبي حنيفة لان العتق غير نازل في إحداهما فكانت كل واحدة منهما حلال الوطئ وان كن عشرا فوطئ
إحداهن تعينت الموطوءة للرق حملا لامره على الصلاح وتعينت الباقيات لكون المعتقة فيهن دلالة أو ضرورة
فيتعين البيان نصا أو دلالة وكذا لو وطئ الثانية والثالثة إلى التاسعة فتتعين الباقية وهي العاشرة للعتق لان فعله يحمل
على الجواز ولا جواز له الا في الملك فكان الاقدام على وطئهن تعيينا لهن للرق والباقية للعتق أو تتعين الباقية ضرورة
والأحسن أن لا يطأ واحدة منهن لاحتمال أن تكون الموطوءة هي الحرة فلو أنه وطئ فحكمه ما ذكرنا ولو ماتت واحدة
منهن قبل البيان فالأحسن أن لا يطأ الباقيات قبل البيان لاحتمال أن تكون المعتقة فيهن فلو أنه وطئهن قبل البيان
جاز لان فعل المسلم العدل محمول على الجواز ما أمكن وأمكن ههنا بان يحمل على أنه قد تذكر أن المعتقة منهن هي الميتة
لان البيان في هذا النوع من الجهالة اظهار وتعيين لمن نزلت فيه الحرية من الأصل فلم تكن الحياة شرطا لمحلية البيان وكان
اقدامه على وطئهن تعيينا للميتة للعتق والباقيات للرق دلالة أو تتعين الباقيات للرق ضرورة بخلاف الجهالة الأصلية
إذا ماتت واحدة منهن أن الميتة لا تتعين للحرية لان الحرية هناك غير نازلة في إحداهن وإنما تنزل عند وجود الشرط
وهو الاختيار مقصورا عليه والمحل ليس بقابل للحرية وقت الاختيار فهو الفرق ولو كانت اثنتين فماتت واحدة منهما
لا تتعين الباقية للعتق لان الميتة لم تتعين للرق لانعدام دليل يوجب التعيين فلا تتعين الأخرى للعتق ضرورة فوقف
تعيينها للعتق على البيان نصا أو دلالة إذ الميتة لم تخرج عن كونها محلا للبيان إذ البيان في هذا النوع اظهار وتعيين بخلاف
النوع الأول في أصح القولين ولو قال المولى هذا مملوك وأشار إلى أحدهما يتعين الآخر للعتق دلالة أو ضرورة ولو
باعهما جميعا صفقة واحدة كان البيع فاسدا لأنه باع حرا وعبدا صفقة واحدة ولم يبين حصة كل واحد منهما من الثمن
وكذا لو كانوا عشرة فباعهم صفقة واحدة ويفسخ البيع في الكل ولو باعهم على الانفراد جاز البيع في التسعة ويتعين
العاشر للعتق كذا ذكر الكرخي لان بيع كل واحد منهم اختيار إياه للرق ويتعين الباقي للعتق دلالة أو يتعين ضرورة
عدم المزاحم كما لو وطئ عشرة نفر لكل واحد منهم جارية فاعتق واحد منهم جاريته ولا يعرف المعتق فالكل واحد
منهم أن يطأ جاريته وان يتصرف فيها تصرف الملاك لان الجهالة تمكنت في الجانبين جميعا المعتق والمعتق فوقع
الشك في الطرفين فلا يزال اليقين بالشك بخلاف ما إذا كانت الجواري لواحد فاعتق واحدة منهن ثم نسيها أنه يمنع
من وطئ الكل لان الجهالة هناك لم تقع الا في أحد الجانبين فلم يقع الشك الا في أحد الجانبين إذ المعتق على يقين من
حرية إحداهن وكل واحدة تحتمل أن تكون هي الحرة فيمنع من وطئهن ولو دخل الكل في ملك أحدهم صار كأن
الكل كن في ملكه فاعتق واحدة منهن ثم جهلها وأما الثاني فهو أن المولى إذا مات قبل البيان يعتق من كل واحدة
منهما نصفه مجانا بغير شئ ونصفه بالقيمة فتسعى كل واحدة منهما في نصف قيمتها للورثة لما ذكرنا في الجهالة الأصلية
والله عز وجل أعلم
109

فصل وأما بيان ما يظهر به حكمه فالمظهر له شيئان أحدهما الاقرار والثاني البينة أما الأول فلا شك ان الاقرار
من المولى باعتاق عبده يظهر به العتق لأن الظاهر أن الانسان لا يقر على نفسه كاذبا فيصدق في اقراره على نفسه
ولا يقبل على غيره لكونه شهادة على الغير وشهادة الفرد غير مقبولة ولو أقر بحرية عبد غيره ثم اشتراه عتق عليه لان
اقراره على نفسه مقبول ولا يقبل على غيره لكونه شهادة على الغير وشهادة الفرد غير مقبولة فإذا اشتراه فقد زال المانع
من تقييده في حقه فيعتق عليه وأما البينة فجملة الكلام فيها أنه لا خلاف في أنها تقبل على عتق المملوك إذا ادعى
المملوك العتق وأنكر المولى سواء كان المملوك عبدا أو جارية فاما إذا لم يدع وأنكر العتق والمولى أيضا منكر فهل
تقبل الشهادة على عتقه من غير دعواه فإن كان المملوك جارية تقبل بالاجماع وإن كان عبدا لا تقبل في قول أبي حنيفة
وعند أبي يوسف ومحمد تقبل من أصحابنا من جمل المسألة على أن عتق العبد حق العبد عند أبي حنيفة والشهادة على
حقوق العبادة لا تقبل من غير دعاويهم كالأموال وسائر حقوق العباد وعندهما هي حق الله تعالى والشهادة على حقوق
الله عز وجل مقبولة من غير دعوى أحد كالشهادة على اعتاق الانسان أمته وتطليقه امرأته والشهادة على أسباب
الحدود الخالصة لله عز وجل من الزنا والشرب والسكر الا السرقة فإنه شرط فيها الدعوى لتحقق السبب إذ لا يظهر
كون الفعل سرقة شرعا بدون الدعوى لما نذكر في كتاب السرقة فتكلم في المسألة بناء وابتداء أما البناء فوجه قولهما
ان في الاعتاق تحريم الاسترقاق وحرمة الاسترقاق حق الله تعالى قال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنا خصمهم ومن
كنت خصمه خصمته يوم القيامة وذكر من جملتها رجلا باع حرا وأكل ثمنه وكذا يتعلق به أهلية وجوب حقوق
الله عز وجل من الكفارات والزكوات والجمع والجماعات فثبت أن العتق حق الله تعالى فلا يشترط فيه الدعوى
لقبول الشهادة القائمة عليه كما في عتق الأمة وطلاق المرأة وكما في الحدود الخالصة وكذا الأحكام تدل على أن الدعوى
ليست بشرط فان الشهادة على حرية الأصل للعبد تقبل من غير دعواه وكذا الشهادة على نسب صبي صغير من رجل
وأنكر الرحل وكذا الشهادة على المولى باستيلاد جاريته وهما منكران وكذا التناقض في العتق لا يمنع صحة الدعوى
بان قال عبد لانسان اشترني فانى عبد فلان فاشتراه ثم ادعى العبد حرية الأصل تسمع دعواه ولو كانت الدعوى
فيه شرطا لكان التناقض مانعا من صحة الدعوى كما في سائر الدعاوى ولأبي حنيفة ان الاعتاق اثبات العتق والعتق
في عرف اللغة والشرع اسم لقوة حكمية تثبت للعبد تندفع بها يد الاستيلاء والتملك عنه والقوة حقه إذ هو المنتفع بها
مقصودا ألا ترى هو الذي يتضرر بانتفائها مقصود بالاسترقاق وكذا التحرير اثبات الحرية والحرية في متعارف
الشرع واللغة تنبئ عن خلوص نفس العبد له عن الرق والملك وذلك حقه لأنه هو المنتفع به دون غيره مقصودا وحق
الانسان ما ينتفع هو به دون غيره فإذا ثبت أن العتق حق العبد فالشهادة القائمة على عتق العبد لا تقبل من غير دعواه
كسائر الشهادات القائمة على سائر حقوق العباد والجامع بينهما من وجهين أحدهما ان المشهود به إذا كان حقا
للعبد كان العبد مشهودا له فإذا أنكر فقد كذب شهوده والمشهود له إذا أكذب شهوده لا تقبل شهادتهم له والثاني
ان انكار المشهود له حقه مع حاجته إلى استيفاء حقه لينتفع به يوجب تهمة في الشهادة لان المشهود به لو كان ثابتا لتبادر
إلى الدعوى ولا شهادة وأما قوله في الاعتاق تحريم الاسترقاق فنقول الاعتاق لا ينبئ عن ذلك وإنما ينبئ عن
اثبات القوة والخلوص على ما بينا وذلك حقه ثم إذا ثبت حقه بالاعتاق حرم الاسترقاق لما فيه من ابطال حقه وهذا
لا يدل على أن حرمة الاسترقاق حق الله عز وجل ألا ترى ان سائر الحقوق الثابتة للعباد يحرم ابطالها ولا يدل على أن
حرمة ابطالها حق الله تعالى على أنا ان سلمنا ان في العتق حق الله تعالى فالمقصود حاصل لأنه من حيث إنه حق الله
تعالى تقبل الشهادة عليه من غير دعوى العبد ومن حيث إنه حق العبد لا تقبل فدارت الشهادة بين القبول وعدم القبول
فلا تقبل مع الشك ولهذا لم تقبل الشهادة على القذف من غير دعوى المقذوف وإن كان حد القذف حق الله تعالى من
وجه وحق العبد من وجه كذا ههنا وأما الأحكام فاما عتق الأمة فثمة هكذا نقول إن تلك الشهادة لا تقبل على العتق
110

من حيث ذات العتق لما قلنا في العبد وإنما تقبل من حيث إن عتق الأمة حق الله تعالى على الخلوص من حيث إنه
سبب لتحريم الفرج ووسيلة إليه والشئ من حيث السبب والتوسل غير ومن حيث الذات غير كما قلنا في كفر
المحارب انه يوجب القتل من حيث إنه سبب للحراب لا من حيث ذاته بل ذات الكفر موجب لأنهما غيران كذا
هذا ألا ترى أنه ينفصل أحدهما عن الآخر فان العتق قد لا يكون وسيلة إلى تحريم الفرج وهو عتق العبد ثم متى قبلت
على العتق من حيث إنه سبب حرمة الفرج تقبل من حيث ذات العتق وكذا في طلاق المرأة من غير دعواها وليس
للعتق في محل النزاع سببية تحريم الفرج فلو قبل لقبل على ذات العتق ولا وجه إليه لما بينا فإنه قيل ما ذكرتم من العذر
في فصل الأمة والطلاق لا يصح لان الشهادة على عتق المجوسية والأخت من الرضاعة مقبولة من غير دعوى
وهذه الشهادة لا تتضمن حرمة الفروج لان الحرمة كانت ثابتة قبل ذلك وكذا الشهادة على الطلاق الرجعي
والطلاق المضاف إلى الملك يقبل من غير دعوى ولا تتضمن هذه الشهادة تحريم الفرج فالجواب أن من أصحابنا من
يمنع المسئلتين الأولتين فقالوا لا تقبل الشهادة فيهما من غير دعوى لأنها لا تتضمن تحريم الفرج ومنهم من سلم مسألة
المجوسية ومنع مسألة الأخت من الرضاعة وفرق بينهما من حيث إن وطئ الأمة المجوسية مملوك للمولى وإنما منع
من الاستيفاء لخبثها كما يمنع من الوطئ حالة الحيض ولهذا لو وطئها لا يسقط احصانه وبعد العتق لو وطئها يسقط
احصانه فالشهادة على عتقها تضمنت تحريم الفرج فقبلت من غير دعوى فأما الأخت من الرضاعة فحرام الوطئ
حقيقة حيت لو وطئها يسقط احصانه مع قيام ملك اليمين والمعتبر في الباب تحريم الفرج لا الأنوثة والشهادة على النسب
قط لا تقبل من غير دعوى وفيما ذكر من المسألة وهي ما إذا كان صغيرا فلا تقبل عند أبي حنيفة ما لم ينصب القاضي
خصما عن الصغير ليدعى النسب له بطريق النيابة شرعا نظرا للصغير العاجز عن احياء حقه بنفسه والقاضي نصب ناظرا
للمسلمين وكان ذلك شهادة على خصم وأما الاستيلاد فهو سبب لتحريم الفرج والدعاوى في الجملة لأنه يوجب
حقيقة الحرية عند الموت والحرمة لازمة للحرية حتى لا يباح لها مس المولى وغسله بسبب الحرية فكان الاستيلاد في
الحال سببا لثبوت الحرية فكان سببا لحق الله تعالى في الحال فيقام السبب مقام الحقيقة في حق التحريم احتياطا وهو
الجواب عن الطلاق الرجعي والطلاق المضاف إلى الحرية ثمة ثبت في الجملة عند وجود زوال الحل فيعتبر
السبب قائما مقام المسبب في حق الحرمة احتياطا وأما الابتداء فوجه قولهما ان عدالة الشاهد دلالة صدقه في
شهادته من حيث الظاهر فيثبت المشهود به ظاهرا والقاضي مكلف بالقضاء بالظاهر فكان ينبغي أن لا تشترط
الدعوى لقبول الشهادة أصلا ولهذا لم تشرط في عتق الأمة وطلاق المرأة وأسباب الحدود الا أنا عرفنا اشتراطها فيما
وراء العتق من حقوق العباد بالاجماع فيقتصر على مورد الا جماع (وجه) قول أبي حنيفة ان خبر من ليس بمعصوم عن
الكذب محتمل للكذب فلا يفيد العلم للقاضي بالمشهود به والأصل أن لا يجوز القضاء بما لا علم للقاضي به وبما ليس
بثابت قطعا لقوله عز وجل ولا تقف ما ليس لك به علم وانه اسم للثابت قطعا وقوله سبحانه وتعالى يا داود انا جعلناك
خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق والحق اسم للكائن الثابت ولا ثبوت مع احتمال العدم فكان ينبغي أن
لا يجوز القضاء به أصلا الا أن الشرع جاء بالجواز لحاجة العباد إلى دفع الفساد وهو المنازعة القائمة بينهما بالدعوى
والمنازعة سبب الفساد أو لدفع فساد الزنا كما في حد الزنا وعتق الأمة وطلاق المرأة أو لدفع فساد السكر في حد الشارب
والسكر فالحق المحتمل بالمتيقن أو اكتفى بظاهر الصدق مع الاحتمال دفعا للفساد فبقي الحكم فيما وراء ذلك على الأصل
وعلى هذا شاهدان شهدا على رجل أنه أعتق أحد عبديه والعبدان يدعيان العتق أو يدعيه أحدهما فان شهدا في
حال حياة المولى وصحته لا تقبل شهادتهما في قول أبي حنيفة وعندهما تقبل لان الدعوى شرط قبول الشهادة على
عتق العبد عنده والمدعى مجهول فجهالة المدعى منعته صحة الدعوى فامتنع قبول الشهادة وعندهما الدعوى ليس بشرط
فجهالة المدعى لا تكون أقل من عدم الدعوى فلا تمنع قبول الشهادة فتقبل ويجبر على البيان وان شهدا بعد وفاته على أنه
111

أعتق أحدهما حال صحته فهو على هذا الخلاف وان شهدا على ذلك وهو مريض فمات أو شهدا بعد موته على أنه
قال ذلك في المرض لا تقبل في قياس قول أبي حنيفة وفى الاستحسان تقبل ولا خلاف في أنهما إذا شهدا على أنه
طلق احدى امرأتيه تقبل ويخير فيختار طلاق إحداهما وجه قياس قول أبي حنيفة ما ذكرنا ان الدعوى شرط
والمدعى مجهول وجه الاستحسان أن المدعى ههنا معلوم لان الاعتاق في مرض الموت وصية والخصم في تنفيذ
الوصية هو الموصى فكان الميت المشهود له لوقوع الشهادة له فكان المدعى معلوما فجازت الشهادة له بخلاف حال
الصحة فان الشهادة هناك وقعت لاحد العبدين فكان المشهود له مجهولا فلم تجز الشهادة ولان المولى لما مات فقد شاع
العتق فيهما جميعا فصار كل واحد منهما خصما في حق نفسه متعينا فتقبل الشهادة بخلاف حال الحياة والصحة وكذلك
جواب أبي حنيفة في هذه المسألة في الأمتين بأن شهدا بأنه أعتق احدى أمتيه انها لا تقبل لان انعدام اشتراط
الدعوى بقبول الشهادة على عتق الأمة لكونه سببا لحرمة الفرج وهي حق الله تعالى ولا تثبت حرمة الفرج بالعتق
المبهم عند أبي حنيفة فكان الجواب في العبدين والأمتين ههنا عنده على السواء بخلاف ما إذا شهدا على أنه طلق
احدى امرأتيه انها تقبل لأنها قامت على سبب حرمة الفرج والدعوى فيها ليست بشرط ولو شهدا ان أحد هذين
الرجلين أعتق عبده فلانا لم تجز شهادتهما لان المدعى عليه مجهول ولو شهدا أنه أعتق عبدا له وسماه ونسيناه ان الشهادة
باطلة لان الشاهد إذا نسي ما تحمل لا تقبل شهادته ولو شهدا أنه أعتق عبده سالما ولا يعرفان سالما وله عبد اسمه سالم
ليس له غيره تقبل شهادتهما ولو شهدا به في البيع لا تقبل ووجه الفرق ان البيع لا يحتمل الجهالة أصلا والعتق يحتمل
ضربا من الجهالة ألا ترى أنه لا يجوز بيع أحد العبدين ويجوز اعتاق أحد العبدين ولو اختلف الشاهدان في الشرط
الذي علق به العتق لم تجز شهادتهما لأنهما شهدا بعقدين كل عقد لا يثبت الا بشهادة شاهدين ولم يوجد والأصل
فيه انه إذا اختلفت شهادة الشاهدين فإن كان ذلك في دعوى العتق لا تقبل أصلا وإن كان في دعوى المال ففيه
تفصيل ووفاق واختلاف نذكر ذلك كله في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى والله عز وجل أعلم
(كتاب التدبير)
الكلام في هذا الكتاب يقع فيما ذكرنا في كتاب العتق وهو بيان ركن التدبير وبيان شرائط الركن وبيان صفة
التدبير وبيان حكم التدبير ووقت ثبوت حكمه وبيان ما يظهر به التدبير
(فصل) أما الأول فركن التدبير هو اللفظ الدال على معنى التدبير لغة وهو اثبات العتق عن دبر ثم اثبات العتق
عن دبر نوعان مطلق ومقيد أما المطلق فهو أن يعلق الرجل عتق عبده بموته مطلقا وله ألفاظ قد تكون بصريح
اللفظ مثل أن يقول أنت مدبر أو دبرتك وقد تكون بلفظ التحرير والاعتاق نحو أن يقول أنت حر بعد موتى
أو حررتك بعد موتى أو أنت معتق أو عتيق بعد موتى أو أعتقتك بعد موتى وكذا إذا قال أنت حر عند موتى أو مع
موتى أو في موتى هو بمنزلة قوله بعد موتى لان عند كلمة حضرة فعند الموت يستدعى وجود الموت فيكون
موته بمعنى الشرط وجمع للمقارنة ومقارنة الشئ يقتضى وجودهما وفى للظرف فإذا دخل ما لا يصلح
ظرفا يجعل شرطا كما إذا قال لعبده أنت حر في دخولك الدار وقد يكون بلفظ اليمين بأن يقول إن مت فأنت حر
أو يقول إذا مت أو متى مت أو متى ما مت أو ان حدث بي حدث أو متى حدث بي لأنه علق العتق بالموت مطلقا
وكذا إذا ذكر في هذه الألفاظ مكان الموت الوفاة أو الهلاك ولو قال إن مات فلان فأنت حر لم يكن
مدبرا لأنه لم يوجد تعليق عتق عبده بموته فلم يكن هذا تدبير بل كان تعليقا بشرط مطلق كالتعليق بسائر
الشروط من دخول الدار وكلام زيد وغير ذلك وقال أبو يوسف لو قال أنت حر ان مت أو قتلت فليس بمدبر
وقال زفر هو مدبر لأنه علق عتقه بالموت وأنه علق عتقه بالموت وأنه كائن لا محالة ولأبي يوسف ان علق بأحد الامرين فلا يصير مدبرا
112

كما لو قال إن مت أو مات زيد ولو قال إن مت وفلان فأنت حر أو قال أنت حر بعد موتى وموت فلان أو قال
بعد موت فلان وموتي لم يكن مدبر الا أن يموت فلان قبله فيصير حينئذ مدبرا وإنما لا يصير مدبرا للحال لأنه يحتمل
أن يموت المولى أولا فلا يعتق لأنه علق العتق بشرطين بموته وموت فلان فلا يعتق بموته وحده ويصير العبد
ميراثا فبعد ذلك ان مات فلان ووجد الشرط الآخر فإنما وجد بعدما انتقل الملك إلى الورثة ويحتمل أن يموت
فلان فيصير مدبرا ويعتق بموت المولى فكان هذا كالتدبير المقيد ثم ينظر ان مات المولى أولا فقد صار العبد ميراثا
للورثة لما بينا وان مات فلان أولا فقد صار مدبرا لان التدبير صار مطلقا وصار العبد بحاله يعتق بموت المولى ثم استشهد
في الأصل فقال الا ترى انه لو قال أنت حر بعد كلامك فلانا وبعد موتى فكلم فلانا كان مدبرا وكذلك قوله إذا
كلمت فلانا فأنت حر بعد موتى فكلمه صار مدبرا لأنه بعد الكلام صار التدبير مطلقا فكذا هذا وقد يكون بلفظ
الوصية وهو أن يوصى لعبده بنفسه أو برقبته أو بعتقه أو يوصيه بوصية يستحق من جملتها رقبته أو بعضها نحو أن
يقول له أوصيتك بنفسك أو برقبتك أو بعتقك أو كل ما يعبر به عن جملة البدن لان الموصى يزيل ملكه بالوصية ثم إن
كان الموصى له ممن يحتمل الملك يزول الملك إليه والا فيزول لا إلى أحد والحر لا يحتمل أن يملك نفسه لما فيه من
الاستحالة فكانت الوصية له بنفسه إزالة الملك لا إلى أحد وهذا معنى الاعتاق وهذا الطريق جعل بيع نفس العبد
وهبتها له اعتاقا كذا هذا فيصير في معنى قوله أنت حر بعد موتى وكذا لو قال له أوصيت لك بثلث مالي لان رقبته من
جملة ماله فصار موصى له بثلثها ولان هذا إزالة الملك من الثلث لا إلى أحد فيكون اعتاقا وروى بشر عن أبي يوسف
فيمن أوصى لعبده بسهم من ماله أنه يعتق بعد موته ولو أوصى له بجزء من ماله لم يعتق ووجه الفرق ان السهم عبارة عن
السدس فإذا أوصى له بسدس ماله فقد دخل سدس رقبته في الوصية فاما اسم الجزء فلا يتضمن الوصية بالرقبة لا محالة
فكان الخيار فيه إلى الورثة فلهم التعيين فيما شاء والله عز وجل أعلم وأما المقيد فهو ان يعلق عتق عبده بموته موصوفا
بصفة أو بموته وشرط آخر نحو أن يقول إن مت من مرضى هذا أو في سفري هذا فأنت حر أو يقول إن قتلت فأنت
حر أو ان غرقت فأنت حر أو ان حدث بي حدث من مرضى هذا أو من سفري هذا فأنت حر ونحو ذلك مما يحتمل
أن يكون موته على تلك الصفة ويحتمل أن لا يكون وكذا إذا ذكر مع موته شرطا آخر يحتمل الوجود والعدم فهو
مدبر مقيد وحكمه يذكر في موضعه إن شاء الله تعالى وروى الحسن عن أبي حنيفة أن لو قال إذا مت ودفنت أو
غسلت أو كفنت فأنت حر فليس بمدبر يريد به في حق الأحكام المتعلقة بالتدبير في حال حياة المد بر لأنه علق العتق
بالموت وبمعنى آخر فلم يكن مدبرا مطلقا فان مات وهو في ملكه استحسنت أن يعتق من الثلث والقياس أن لا يعتق
كما لو قال إذا مت فدخلت الدار فأنت حر فمات المولى فدخل العبد الدار انه لا يعتق كذا هذا لكنه استحسن
وقال يعتق من الثلث لأنه علق العتق بالموت وبما هو من علائقه فصار كما لو علقه بموت نصفه فكان حكمه حكم المدبر
المقيد بخلاف قوله إذا مت فدخلت الدار لان دخول الدار لا تعلق له بالموت فلم يكن تعليقا بموت نصفه فلم يكن تدبيرا
أصلا بل كان يمينا مطلقا فيبطل بالموت كسائر الايمان ثم التدبير قد يكون مطلقا وقد يكون معلقا بشرط أما المطلق
فما ذكرنا أما المعلق فنحو أن يقول إن دخلت الدار أو ان كلمت فلانا أو إذا قدم زيد فأنت مدبر لان التدبير اثبات
حق الحرية وحقيقة الحرية تحتمل التعليق بالشرط فكذا في حق التدبير وذكر محمد في الأصل إذا قال
أنت حر بعد موتى ان شئت فان نوى بقوله إن شئت الساعة فشاء العبد في ساعته تلك صار مدبرا لأنه علق التدبير
بشرط وهو المشيئة وقد وجد الشرط فيصير مدبرا كما إذا قال إن دلت الدار فأنت مدبر وان غنى به مشيئته بعد الموت
فليس للعبد مشيئة حتى يموت المولى لأنه علق العتق بشرط يوجد بعد الموت فإذا وجد قبله لا يعتبر فان مات المولى
فشاء عند موته فهو حر من ثلثه كذا ذكره في الأصل وذكر الحاكم في مختصره ان المراد منه أن يعتقه الوصي أو
الوارث لان العتق ههنا لم يتعلق بالموت وإنما تعلق به وبأمر آخر بعده فيصير بمنزلة الوصية بالاعتاق فيجب أن لا يعتق
113

ما لم يعتق وكذا ذكر الجصاص أنه لا يعتق حتى يعتقه الورثة لما قلنا وروى ابن سماعة وعيسى بن أبان وأبو سليمان
عن محمد فيمن قال لرجل إذا مت فأعتق عبدي هذا ان شئت أو قال إذا مت فأمر عبدي هذا بيدك ثم مات فشاء
الرجل عتقه في المجلس أو بعد المجلس فله أن يعتقه لان هذا وصية بالاعتاق والوصايا لا يتقيد القبول فيها بالمجلس وكذا
ان قال عبدي هذا حر بعد موتى ان شئت فشاء بعد موته في المجلس أو بعد المجلس فقد وجبت الوصية لما ذكرنا ان
الوصية لا يتقيد قبولها بالمجلس ولا يعتق العبد حتى يعتقه الورثة أو الوصي أو القاضي وهذا يؤيد قول الحاكم
والجصاص لأنه لا فرق بين المسئلتين سوى أن هناك علق بمشيئة العبد وههنا علق بمشيئة الأجنبي وكذلك لو قال
لعبده أنت حر ان شئت بعد موتى فمات المولى وقال العبد من مجلسه الذي علم فيه بموت المولى أو اخذ في عمل آخر فان
ذلك لا يبطل شيئا مما جعله إليه لما ذكرنا ان هذا وصية بالاعتاق وليس بتمليك والوصية لا يقف قبولها على المجلس
وأما المضاف إلى وقت فنحو أن يقول أنت مدبر غدا أو رأس شهر كذا فإذا جاء الوقت صار مدبرا لان التدبير
اثبات حق الحرية فيحتمل الإضافة كاثبات حقيقة الحرية ولهذا احتمل التعليق بالشرط كذا الإضافة وقد
روى بشر عن أبي يوسف فيمن قال لعبد أنت حر بعد موتى بشهر فليس بمدبر ولا يعتق الا أن يعتق وروى ابن
سماعة عن محمد أنه قال القياس أن يكون باطلا ألا ترى أنه لو جنى قبل الشهر دفع بالجناية ولو لحقه دين بيع فيه ووجه
القياس ما ذكرنا انه لم أعلق العتق بمضي شهر بعد الموت فكما مات انتقل الملك فيه إلى الورثة ولم يبق الا مضى الزمان
وهو الشهر فلا يحتمل ثبوت العتق به فيبطل الا أنهم استحسنوا فجعلوه وصية بالاعتاق لان تصرف العاقل يحمل
على الصحة ما أمكن وأمكن حمله على الوصية بالاعتاق بعد مضى شهر بعد الموت فيحمل عليها ولو قال أنت حر قبل موتى
شهر فليس بمدبر لأنه ما أضاف العتق إلى الموت أصلا بل أضافة إلى زمان موصوف بأنه قبل موته بشهر من وقت
التكلم وهذا أيضا يحتمل الوجود والعدم لجواز أن يموت قبل تمام الشهر من وقت الكلام فلا يكون مدبر للحال
وإذا مضى شهر قبل موت المولى وهو في ملكه ذكر الكرخي في مختصره أنه مدبر في قول أبي حنيفة وزفر وعند أبي
يوسف ومحمد ليس بمدبر وعلل القدوري لأبي حنيفة انه لما مضى شهر صار كأنه قال عند مضى الشهر أنت حر بعد
موتى وذكر في الجامع أنه لا يكون مدبرا ويجوز بيعه ولم يذكر الخلاف وهو الصحيح وأما على قول أبي حنيفة
فلان المدبر اسم لمن علق عتقه بمطلق موت المولى وههنا ما أضاف العتق إلى الموت أصلا بل أضافه إلى أول الشهر وكذا
حكمه عند أبي حنيفة يثبت من أول الشهر بطريق الظهور أو يستند إليه الثابت بالتدبير يقتصر على حالة الموت ولا
يستند وبهذا تبين ان ما ذكره القدوري من التعليل لأبي حنيفة غير سديد وأما على قولهما فقد ذكر في النوادر ان
عندهما يصير مدبرا مطلقا ووجهه انه لما مضى الشهر ظهر ان عتقه تعلق بمطلق موت المولى فصار كأنه قال عند مضيه
أنت حر بعد موتى فصار مدبرا مطلقا وأما على ظاهر الرواية منهما فلا يصير مدبرا لأنه ما علق عتقه بالموت بل بشهر
ومتصل بالموت فيصير كأنه قال أنت حر قبل موتى بساعة ولو قال يوم أموت فأنت حر أو أنت حر يوم أموت فان
نوى به النهار دون الليل لم يكن مدبرا لأنه نوى حقيقة كلامه إذا اليوم اسم لبياض النهار لغة ويجوز أن يموت بالليل
لا بالنهار فلا يكون هذا مدبرا مطلقا وان عنى به الوقت المبهم فهو مدبر لان اليوم يذكر ويراد به الوقت المطلق قال الله
تعالى ومن يولهم يومئذ دبره ومن ولى بالليل لحقه الوعيد المذكور وروى الحسن عن أبي حنيفة فيمن قال إن مت
إلى سنة أو إلى عشر سنين فأنت حر فليس بمدبر لأنه علق عتقه بموت بضفة تحتمل الوجود والعدم فان قال إن مت
إلى مائة سنة ومثله لا يعيش إلى ذلك الوقت في الغالب فهو مدبر لان موته في تلك المدة كائن لا محالة وروى هشام
عن محمد فيمن قال أنت مدبر بعد موتى فهو مدبر الساعة لأنه أضاف التدبير إلى ما بعد الموت والتدبير بعد الموت
لا يتصور فيلغو قوله بعد موتى فيبقى قوله أنت مدبر أو يجعل قوله أنت مدبر أي أنت حر فيصير كأنه قال أنت حر بعد
موتى ولو قال أنت حر بعد موتى على ألف درهم فالقبول بعد الموت كذا ذكر في الجامع الصغير وهذا جواب ظاهر
114

الرواية وروى عن أبي يوسف ان القبول في هذا على حالة الحياة لا بعد الموت فإذا قبل في المجلس صح التدبير وصار
مدبرا ولا يلزمه المال وإذا مات عتق ولا شئ عليه (وجه) قوله إن هذا ايجاب العتق في لحال بعوض الا أن العتق
يتأخر إلى ما بعد الموت فكان القبول في المجلس كما إذا قال له ان شئت فأنت حر رأس الشهر تعتبر المشيئة في المجلس
لثبوت الحرية رأس الشهر كذا ههنا فإذا قبل في المجلس صح التدبير ولا يلزمه المال لان المدبر مملوك للمولى مطلقا
فلا يجب عليه للمولى دين وإذا مات عتق لوجود شرط العتق وهو الموت ولا يلزمه المال لأنه لم يلزمه وقت القبول فلا
يلزمه وقت العتق وجه ظاهر الرواية أضاف الايجاب إلى ما بعد الموت فيكون القبول بعد الموت إذا القبول بعد
الايجاب يكون ولان الاعتاق بعد الموت وصية بدليل اعتباره من الثلث وقبول الوصايا بعد الموت وإذا كان القبول
بعد الموت لا يعتبر قبوله في حال الحياة وإنما يعتبر بعد الموت فإذا قبل بعد الموت فهل يعتق بعد الموت بنفس القبول
أولا يعتق الا باعتاق الوارث أو الوصي أو القاضي لم يذكر هذا في الجامع الصغير ولو قال أنت مدبر على ألف فقبل فهو
مدبر والمال ساقط كذا ذكر الكرخي لأنه علق التدبير بشرط وهو قبول المال فإذا قبل صار مدبرا والمدبر على
ملك المولى فلا يجوز أن يلزمه دين لمولاه فسقط وروى بشر عن أبي يوسف في نوادره فيمن قال لعبده أنت مدبر
على ألف قال أبو حنيفة ليس له القبول الساعة وله أن يبيعه قبل أو لم يقبل فان مات وهو في ملكه فقال قد قبلت أدى
الألف وعتق وهو رواية عمرو عن محمد وقال أبو يوسف ان لم يقبل حتى مات ليس له أن يقبل وظاهر قوله أدى
الألف وعتق يقتضى ثبوت العتق من غير اعتاق الوارث أو الوصي وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي إذا قال
إذا مت فأنت حر على ألف درهم فإنما يحتاج إلى القبول بعد الموت فإذا قبل بعد الموت فلا يعتق بالقبول حتى تعتقه
الورثة أو الوصي لان العتق تأخر وقوعه عن الموت وكل عتق تأخر وقوعه عن الموت لا يثبت الا بايقاع من الوارث
أو الوصي لأنه يكون وصية بالاعتاق فلا يثبت ما لم يوجد الاعتاق كما لو قال أنت حر بعد موتى بيوم أو بشهر انه لا يعتق
ما لم يعتقه الوارث أو الوصي بعد مضى اليوم أو الشهر لما قلنا كذا ههنا ثم في الوصية بالاعتاق بملك الوارث الاعتاق
تنجيزا وتعليقا حتى لو قال له ان دخلت الدار فأنت حر فدخل يعتق كما لو نجز العتق والوصي يملك التنجيز لا التعليق حتى
لو علق بالدخول فدخل لا يعتق ولان الوارث يتصرف بحكم الخلافة عن الميت ويقوم مقامه كأنه هو والوصي يتصرف
بالامر فلا يتعدى تصرفه موضع الامر كالوكيل والوكيل بالاعتاق لا يملك التعليق ولو أعتقه الوصي أو الوارث عن
كفارة لزمته لا يسقط عنه لأنه يقع عن الميت والولاء عن الميت لا عن الوارث لان الاعتاق منه من حيث المعنى ولو
قال أنت حر على ألف درهم بعد موتى فالقبول في هذا في الحياة بلا خلاف لأنه جعل القبول في الحالين شرطا لثبوت
العتق بعد الموت فإذا قبل صار مدبرا ولا يجب المال لما قلنا فإذا مات عتق ولا شئ عليه وهذا حجة أبى يوسف في
المسائل المتقدمة والله عز وجل الموفق ولو قال كل مملوك أملكه فهو حر بعد موتى فما في ملكه صار مدبرا وما يستفيده
يعتق من الثلث بغير تدبير وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا يدخل في هذا الكلام ما يستفيده (وجه)
قوله إن المملوك للحال مراد من هذا الايجاب فلا يكون ما يستفيده مرادا لان الحال مع الاستقبال معنيان مختلفان
واللفظ الواحد لا يشتمل على معنيين مختلفين ولهذا لم يدخل المستفاد في هذا في الاعتاق البات كذا في التدبير ولهما
ان التدبير في معنى اليمين ومعنى الوصية أما معنى اليمين فظاهر لأنه تعليق العتق بالشرط فاليمين إن كان لا يصلح الا في
الملك القائم أو مضافا إلى الملك أو سببه فالوصية تتعلق بما في ملك الموصى وبما يستحدث الملك فيه فان من أوصى
بثلث ماله يدخل فيه المملوك للحال وما يستفيده إلى وقت الموت وقوله اللفظ الواحد لا يشتمل على معنيين مختلفين
قلنا قد يشتمل كالكتابة والاعتاق على مال فإنهما يشتملان على معنى اليمين والمعارضة كذا هذا والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما شرائط الركن فأنواع بعضها يعم نوعي التدبير أعني المطلق المقيد وبعضها يخص أحدهما وهو
المطلق أما الذي يعم النوعين فما ذكرنا في كتاب العتاق فلا يصح التدبير الا بعد صدور ركنه مطلقا عن الاستثناء
115

من أهله مضافا إلى محله ولا يصح الا في الملك سواء كان منجزا أو معلقا بشرط أو مضافا إلى وقت أو مضافا إلى
الملك أو سبب الملك نحو أن يقول لعبد لا يملكه ان ملكتك فأنت مدبر أو ان اشتريتك فأنت مدبر لأنه التزم اثبات
حقيقة الحرية بعد الموت واثبات حق الحرية في الحال ولا يثبت ذلك الا بعد وجود الملك في الحال لأنه إذا كان
موجودا للحال فالظاهر دوامه إلى وقت وجود الشرط والوقت وإذا لم يكن موجودا فالظاهر عدمه فلا يثبت حق
الحرية عند وجود الشرط والوقت لا عند الموت فلا يحصل ما هو الغرض من التدبير أيضا على ما يذكر في بيان حكم
التدبير إن شاء الله تعالى ومنها أن يكون التعليق بموت المولى حتى لو علق بموت غيره بأن قال إن مات فلان فأنت حر
لا يصير مدبرا أصلا وأما الذي يخص أحدهما فضربان أحدهما أن يكون التعليق بمطلق موت المولى فإن كان
بموت موصوف بصفة لا يكون تدبيرا مطلقا بل يكون مقيدا والثاني أن يكون التعليق بموته وحده حتى لو علق بموته
وشرط آخر لا يكون ذلك تدبيرا مطلقا وقد ذكرنا المسائل المتعلقة بهذين الشرطين فيما تقدم
(فصل) وأما صفة التدبير فالتدبير متجزئ في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا يتجزأ لأنه باعتبار
الحال اثبات حق الحرية فيعتبر باثبات حقيقة الحرية واثبات حقيقة الحرية يتجزأ عنده وعندهما لا يتجزأ كذا
اثبات حق الحرية باعتبار المال وهو اثبات حقيقة لحرية فكان اعتاقا فكان الخلاف فيه لازما وعلى هذا يخرج
عبد بين اثنين دبره أحدهما ان على قول أبي حنيفة صار نصيبه خاصة مدبر أو نصيب شريكه على ملكه لكون التدبير
متجزئا عنده فيقتصر على نصيبه ثم إن كان المدبر موسرا فللشريك ست خيارات أن شاء أعتق وان شاء دبر وان شاء
كاتب وان شاء ضمن وان شاء استسعى العبد وان شاء تركه على حاله أما خيار الاعتاق والتدبير والكتابة
والاستسعاء فلان نصيبه بقي على ملكه في حق التخريج إلى العتاق وأما خيار التضمين فلانه التدبير أخرجه من أن
يكون محلا للتملك مطلقا بالبيع والهبة والرهن ونحو ذلك فقد أتلفه عليه في حق هذه التصرفات فكان له ولاية
التضمين وأما خيار الترك على حاله فلان الحرية لم تثبت في جزء منه فجاز ابقاؤه على الرق وانه مفيد لان له أن ينتفع به
منفعة الكسب والخدمة فلا يكلف بالتخريج إلى الحرية ما لم يمت المدبر فان اختار الاعتاق فأعتق فللمدبر أن يرجع
على المعتق بنصف قيمته مدبرا لأنه أتلف عليه نصيبه وهو مدبر فيضمن قيمته مدبرا والولاء بينهما لان الاعتاق
منهما لان نصيب المدبر لا يحتمل الانتقال إلى المعتق لان التدبير يمنع من ذلك وللمعتق أن يرجع على العبد بما ضمن
لان منفعة الاعتاق حصلت له وان شاء المدبر أعتق نصيبه وان شاء كانت وان شاء استسعى وليس له الترك على
حاله لأنه معتق البعض فيجب تخريجه إلى العتاق هذا إذا كان المعتق موسرا فإن كان معسرا فللمدبر ثلاث خيارات
ان شاء أعتق وان شاء استسعى وان شاء كاتب وان شاء اختار التدبير فدبر نصيبه حتى صار العبد مدبرا بينهما
وساوى شريكه في التصرف ثم مات أحدهم عتق نصيب البيت بالتدبير ويكون من الثلث لان التدبير وصية
ويسعى في نصف قيمته للباقي ان شاء لأنه صار معتق البعض وان شاء أعتق وان شاء كاتب وليس له الترك على
حاله لما قلنا فان مات الشريك الاخر قبل أخذ السعاية عتق نصيبه من الثلث أيضا لما قلنا وبطلت السعاية لان
العتق حصل بموت المولى المدبر إذا أعتق بموت مولاه وقيمته تخرج من الثلث لا يجب عليه السعاية وقيل إن هذا
على قياس قول أبي حنيفة فاما على قياس قولهما فلا يبطل لان الاعتاق عندهما لا يتجزأ فقد عتق كله بموت
الأول فوجبت السعاية عليه وهو حر فكان ذلك بمنزلة ديون وجبت على الحر فلا فسقط بالموت وأما على قول
أبي حنيفة فلا يعتق نصيب الشريك ما لم يؤد السعاية إذا اختار السعاية لان الاعتاق متجز عنده فإذا مات الشريك
فهذا مدبر مات مولاه وقيمته تخرج من الثلث فيعتق من غير سعاية وان اختار الكتابة وكاتبه صحت الكتابة لان
نصيبه على ملكه فان أدى فعتق مضى الامر وان مات المولى قبل الأداء وهو يخرج من الثلث عتق وبطلت عنه
السعاية وإن كان لا يخرج من الثلث بان لم يكن له مال غيره ففيه خلاف بين أصحابنا الثلاثة يذكر فيما بعد إن شاء الله
116

تعالى وان اختار تضمين المدبر فضمنه فقد صار العبد كله للمدبر لانتقال نصيب شريكه إليه بالضمان والولاء كله للمدبر
لان كله عتق على ملكه وللمدبر أن يرجع بما ضمن على العبد فيستسعيه لان الشريك كان له أن يستسعيه فلما ضمن
المدبر قام مقامه فيما كان له فان مات المدبر عتق نصفه من ثلث المال لان نصفه قد صار مدبرا فيعتق بموته لكن من ثلث
المال لما قلنا ويسعى في النصف الآخر كاملا لورثة لان ذلك النصف كان قنا وان شاؤوا أعتقوا ذلك النصف وان
شاؤوا دبروا وان شاؤوا كاتبوا وان شاؤوا تركوه على حاله وان اختار الاستسعاء سعى العبد في نصف قيمته فإذا أدى
يعتق ذلك النصف ولا يضمن الشريك للمدبر شيئا لان العتق حصل بسبب لا صنع له فيه فلم يوجد منه سبب وجوب
الضمان وللمدبر أن يرجع على العبد فيستسعيه لان العبد صار كمعتق البعض فإذا أدى يعتق كله والولاء بينهما لان
نصيب كل واحد منهما عتق على ملكه فان مات المدبر قبل أن يأخذ السعاية بطلت السعاية وعتق ذلك النصف من
ثلث ماله لما بينا وان اختار ترك نصيبه على حاله فمات يكون نصيبه موروثا عنه فينتقل الخيار إلى الورثة في الاعتاق
التدبير والكتابة والاستسعاء والترك على حاله لان نصيبه انتقل إليهم وقد كان له هذه الخيارات وان مات المدبر
عتق ذلك النصف من الثلث ولغير المدبر أن يستسعى العبد في نصف قيمته ان شاء وان شاء أعتق وان شاء دبر وان
شاء كاتب وليس له خيار الترك لأنه صار معتق البعض فيجب تخريجه إلى العتق لا محالة والولاء بينهما لان نصيب
كل واحد منهما عتق على ملكه هذا إذا كان المدبر موسر فإن كان معسرا فللشريك الخيارات التي ذكرنا الا اختيار
التضمين واما على قولهما إذا دبر نصيبه فقد صار كله مدبر لان التدبير لا يتجزأ عندهما ويضمن المدبر لشريكه نصف
قيمته موسرا كان أو معسرا فقد فرقا بين التدبير وبين الاعتاق ان في الاعتاق لا يضمن إذا كان معسرا وإنما يسعى
العبد لان هذا ضمان اتلاف أو ضمان تملك أو ضمان حبس المال وانه لا يختلف باليسار والاعسار في أصول الشرع الا
ان السعاية في باب الاعتاق ثبتت بخلاف القياس بالنص ولان بالاعتاق قد زال العبد عن ملك المعتق وصار حرا
فيسعى وهو حر وههنا الملك قائم بعد التدبير وكسب المدبر على ملك مولاه فلا يمكن القول بالاستسعاء هذا إذا دبره
أحدهما أو دبراه على التعاقب فان دبراه معا ينظر ان قال كل واحد منهما قد دبرتك أو أنت مدبر أو نصيبي منك مدبر
أو قال إذا مت فأنت حر أو أنت حر بعد موتى وخرج الكلامان معا صار مدبرا لهما بلا خلاف لان تدبير كل واحد
منهما صادف ملك نفسه فصار العبد مدبر بينهما فإذا مات أحدهما عتق نصيبه من الثلث والا آخر بالخيار ان شاء
أعتق وان شاء كاتب وان شاء استسعى وليس له أن يتركه على حاله لأنه صار معتق البعض فإذا مات الباقي منهما قبل
أخذ السعاية بطلت السعاية وعتق إن كان يخرج من الثلث لما ذكرنا وان قالا جميعا إذا متنا فأنت حر أو أنت حر بعد
موتنا وخرج كلامهما معا لا يصير مدبرا لان كل واحد منهما علق عتقه بموته وموت صاحبه فصار كان كل واحد
منهما قال إن مت أنا وفلان فأنت حر أو أنت حر ان مت أنا وفلان الا إذا مات أحدهما فيصير نصيب الباقي منهما
مدبرا لصيرورة عتقه معلقا بموت المولى مطلقا وصار نصيب الميت ميراثا لورثته ولهم الخيارات ان شاؤوا أعتقوا وان
شاؤوا دبروا وان شاؤوا كاتبوا وان شاؤوا استسعوا وان شاؤوا ضمنوا الشريك إن كان موسرا وإذا مات الآخر عتق
نصيبه من الثلث هذا إذا دبره أحدهما أو كلاهما فان دبر أحدهما أو أعتقه الآخر فهذا في الأصل لا يخلو من أحد
وجهين اما ان خرج الكلامان على التعاقب واما ان خرجا معا فان خرجا على التعاقب فاما ان علم السابق منهما واما ان
لم يعلم فان علم فإن كان الاعتاق سابقا بان أعتقه أحدهما أولا ثم دبره الاخر فاما على قول أبي يوسف ومحمد فكما أعتقه
أحدهما فقد عتق كله لان الاعتاق عندهما لا يتجزأ وتدبير الشريك باطل لأنه صادف الحر والولاء كله للمعتق لان
كله عتق باعتاقه وعليه الضمان إن كان موسرا وعلى العبد السعاية إن كان معسرا لما ذكرنا في كتاب العتاق فصار كعبد
بين اثنين أعتقه أحدهما وسكت الآخر وقد ذكرنا فما تقدم وأما على قول أبي حنيفة إذا أعتق أحدهما فلم يعتق
الا نصيبه لتجزى العتاق عنده فلما دبره الاخر فقد صح تدبيره لأنه دبر ملك نفسه فصح وصار ميراثا للمعتق عن
117

الضمان لأنه قد ثبت له باعتاق الشريك خيارات منها التضمين منها التدبير فإذا دبره فقد استوفى حقه فبرئ المعتق عن
الضمان ولأنه إنما يثبت له ولاية التضمين بشرط نقل نصيبه إلى المعتق بالضمان وقد خرج الجواب عن احتمال النقل
بالتدبير فسقط الضمان والمدبر بالخيار ان شاء أعتق نصيبه الذي صار مدبرا وان شاء كاتبه وان شاء استسعى العبد
وليس له أن يتركه على حاله لأنه قد عتق بعضه فوجب تخريجه إلى العتق بالطرق التي بينا وإذا مات المدبر عتق نصيبه
الذي صار مدبرا من الثلث والولاء بينهما لان كله عتق باعتاقهما النصف بالاعتاق البات والنصف بالتدبير فعتق
نصيب كل واحد منهما على ملكه وإن كان التدبير سابقا بان دبره أحدهما أو لا ثم أعتق الآخر فعلى قولهما كما
دبره أحدهما صار كله مدبرا له لان التدبر عندهما يتجزأ كالاعتاق البات ويضمن المدبر نصيب شريكه قنا
سواء كان موسرا أو معسرا لما بينا وأما على قول أبي حنيفة فلم يصر كله مدبرا بل نصيبه خاصة لتجزى التدبير
عنده فصح اعتاق الشريك فعتق نصفه وللمدبر أن يرجع على المعتق بنصف قيمة العبد مدبرا إن كان المعتق موسرا
لما ذكرنا فيما تقدم وان شاء العتق نصيبه الذي هو مدبر وان شاء استسعى العبد وليس له أن يتركه على بحاله لأنه
معتق البعض وان خرج الكلامان معا لا يرجع أحدهما على صاحبه بضمان لأن الضمان إنما يجب باتلاف مال الغير
فإذا خرج الكلامان معا كان كل واحد منهما متصرفا في ملك نفسه لا متلفا ملك غيره فلا يجب عليه الضمان ومنهم
من قال هذا على قياس قول أبي حنيفة لان الاعتاق والتدبير كل واحد منهم يتجزأ عنده فصح التدبير في النصف
والاعتاق في النصف فاما على قياس قولهما ينفذ الاعتاق ويبطل التدبير لان الاعتاق والتدبير لا يتجزءان
والاعتاق أقوى فيدفع الأدنى وإن كان أحدهما سابقا لكن لا نعلم السابق منهما من اللاحق ذكر في الأصل ان
المعتق يضمن ربع قيمة العبد للمدبر ويستسعى العبد له في الربع الاخر وهذا استحسان ولم يذكر الخلاف ومنهم
من قال هذا قول أبي حنيفة فاما عندهما فالجواب فيه وفيما إذا خرج الكلامان معا سواء وجه قولهما ان كل أمرين
حادثين لا يعلم تاريخهما يحكم بوقوعهما معا في أصول الشرع كالغرقى والحرقى والهدمى ولهذا قال بعض أهل الأصول
في النص العام والخاص إذا تعارضا وجهل التاريخ انه يجعل كأنهما وردا معا ويبنى العام على الخاص على طريق البيان
ويكون المراد من النص العام ما وراء القدر المخصوص وجه قياس قول أبي حنيفة انه وقع الشك في وجوب الضمان
على المعتق لوقوع الشك في سبب وجوبه لان التدبير إن كان لاحقا كان المدبر بالتدبير جبريا للمعتق من الضمان
لما مر وإن كان سابقا يجب الصمان على المعتق فوقع الشك في الوجوب والوجوب لم يكن ثابتا فلا يثبت مع الشك
وجه الاستحسان له اعتبار الأحوال وهو ان الاعتاق إذا كان متقدما على التدبير فقد أبرأ المدبر المعتق عن الضمان
وإن كان متأخرا فالمعتق ضامن وقد سقط ضمان التدبير بالاعتاق بعده فإذا لا ضمان على المدبر في الحالين جميعا والمعتق
يضمن في حال ولا يضمن في حال والمضمون هو النصف فيتنصف فيعتق ربع القيمة ويسعى العبد للمدبر في الربع
الآخر لأنه لما تعذر التضمين فيه ووجب تخريجه إلى العتاق أخرج بالسعاية كما لو كان المعتق موسرا والله عز وجل
أعلم مدبرة بين رجلين جاءت بولد ولم يدع أحدهما فهو مدبر بينهما كأمه لان ولد المدبرة مدبر لما نذر في بيان حكم
التدبير إن شاء الله تعالى فان ادعاء أحدهما فالقياس ان لا يثبت نسبه منه وهو قول زفر واليه مال الطحاوي من أصحابنا
وفى الاستحسان يثبت وجه القياس انهما لما دبراه فقد ثبت حق الولاء لهما جميعا لأنه ولد مدبر تهما جميعا وفى
اثبات النسب من المدعي ابطال هذا الحق عليه والولاء لا يلحقه الفسخ وجه الاستحسان ان النسب قد ثبت في
نصيب المدعى لوجود سبب الثبوت وهو الوطئ في الملك وإذا ثبت في نصيبه يثبت في نصيب شريكه لان النسب
لا يتجزأ وأما قوله حق الولاء لا يحتمل الفسخ فنقول نحن يثبت النسب ولا يسقط حق الولاء لأنه لا تنافي بينهما فيثبت
النسب من الشريك المدعى ويبقى نصف الولاء للشريك الآخر وصار نصف الجارية أم ولد له نصفها مدبرة على
حلها للشريك فان قيل الاستيلاد لا يتجزأ وهذا قول بالتجزئة فالجواب ما ذكرنا في كتاب العتاق انه متجز في نفسه
118

عند أبي حنيفة كالاعتاق الا انه يتكامل في بعض المواضع لوجود سبب التكامل على أنا نقول الاستيلاد لا يتجزأ
فيما يحتمل نقل الملك فيه فما ما لا يحتمل فهو متجز وههنا لا يحتمل لما نذكر ويغرم المدعى نصف العقر لشريكه ونصف
قيمة الولد مدبر أو لا يضمن نصف قيمة الام أما وجوب نصف العقر فلانه أقر بالوطئ في ملك الغير لا قراره بوطئ
مدبرة مشتركة بينهما وانه حرام الا ان الحد لا يجب للشبهة لان نصف الجارية ملكه فيجب العقر ويعزم نصف قيمة
الولد مدبرا لأنه بالدعوة أتلف على شريكه ملكه الثابت ظاهرا لأنه حصل في محل هو ملكهما فإذا ادعاه فقد أتلف
على شريكه ملكه الثابت من حيث الظاهر باخراجه من أن يكون منتفعا به منفعة الكسب الخدمة فيضمن
نصف قيمته مدبرا لأنه اتلف على شريكه نصف المدبر ولا يعزم نصف قيمة الجارية لان نصيب الشريك قد بقي
على ملكه ولم تصر الجارية كلها أم ولد له لان استيلاد نصيب شريكه يعتمد تملك نصيبه ونصيبه لا يحتمل التملك
لكونه مدبرا بخلاف الأمة القنة بين رجلين جاءت بولد فادعاه أحدهما انه يثبت النسب ويعزم نصف عقر
الجارية لشريكه وتصير الجارية كلها أم ولد له لا يعزم من قيمة الولد شيئا لان هناك نصيب الشريك محتمل النقل
فأمكن القول بتملك نصيبه ببدل ضرورة صحة الاستيلاد والتملك يستند إلى وقت العلوق فتبين ان الولد حدث على ملكه
فلا يكون مضمونا عليه وههنا نصيب الشريك لا يحتمل النقل فيقتصر الاستيلاد على نصيب المدعى وينفرد الولد
بالضمان لانفراده بسبب وجوب الضمان فان مات المدعى أو لا عتق نصيبه بغير شئ لان نصيبه أم ولد له تسعى في
نصيبه ولا يضمن للشريك الساكت شيئا لحصول العتق من غير صنعه وهو لموت ويسعى في نصيب الآخر في قولهم
جميعا لان نصبيه مدبر فان مات الآخر قبل ان يأخذ السعاية عتق كلها ان خرجت من ثلث ماله وبطلت السعاية عنها
في قياس قول أبي حنيفة وعلى قياس قولهما لا تبطل بناء على أن الاعتاق يتجزأ عنده وعند هما لا يتجزأ وقد ذكرنا
وجه البناء فيما تقدم وان مات الذي لم يدع أو لا عتق نصيبه من الثلث لان نصيبه مدبر له ولا يسعى في نصيب الآخر
في قول أبي حنيفة لان نصيبه أم ولد له ورق أم الولد ليس بمتقوم عنده وفى قولهما يسعى لان رقه متقوم فإن لم يمت واحد
منهما حتى ولدت ولد آخر فادعاه فهو ضامن لنصف العقر لأنه أقر بوطئ مدبرة مشتركة بينهما وأيهما مات يعتق كل
الجارية لان نصيب كل واحد منهما أم ولد وأم الولد إذا أعتق بعضها عتق كلها ولا سعاية عليها وان جاءت بولد
وادعياه جميعا معا ثبت نسبه منهما جميعا وصارت الجارية أم ولدهما جميعا ويبطل التدبير إلى خلف هو خير وهو
الاستيلاد لان عتق الاستيلاد ينفذ من جميع المال فكان خيرا لها من التدبير وحكم الضمان في القن ما هو الحكم في
الجارية القنة وسنذكره في كتاب الاستيلاد إن شاء الله تعالى ولود بر عبده ثم كاتبه جازت الكتابة لما ذكرنا فان
أدى الكتابة قبل موت المولى عتق لوجود شرط العتق بسبب الكتابة وهو أداء بدل الكتابة وان لم يؤد حتى مات
المولى عتق أيضا إن كان يخرج كله من ثلث مال المولى لو جود شرط العتق بسبب التدبير وهو موت المولى وخروج
المدبر من ثلث ماله ولا سعاية عليه لان عتق المدبر وصية والوصية في الثلث نافذة فإذا خرج كله من الثلث عتق كله من
غير سعاية وان لم يكن له مال آخر سواه فله الخيار ان شاء استسعى في جميع الكتابة وان شاء سعى في ثلثي قيمته فان
اختار الكتابة سعى على النجوم وان اختار السعاية في ثلثي قيمته يسعى حالا وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف
يسعى في الأقل من جميع الكتابة ومن ثلثي القيمة وقال محمد يسعى في الأقل من ثلث الكتابة ومن ثلثي القيمة والخلاف
في هذه المسألة يقع في فصلين أحدهما في الخيار والثاني في المقدار والخلاف في الخيار بين أبي حنيفة وصاحبيه وفى
المقدار بين أبي حنيفة وأبى يوسف وبين محمد أما فصل الخيار فالخلاف فيه مبنى على أن العتق يتجزأ عند أبي حنيفة
وعند هما لا يتجزأ ووجه البناء على هذا الأصل ان العتق لما كان متجرئا عنده لم يعتق بموت المولى الا ثلث العبد
وبقى الثلثان منه رقيقا وقد توجه أي الثلثين العتق من جهتين إحداهما الكتابة بأداء بدل مؤجل والثانية التدبير
بسعاية ثلثي القيمة معجلا فيخير ان شاء مال إلى هذا وان شاء مال إلى ذاك ولما لم يكن العتق متجزئا عندهما فإذا أعتق
119

ثلثه بالموت فقد عتق كله وبطل التأجيل في بدل الكتابة فصار المالان جميعا حالا وعليه أخذ المالين اما الكتابة
واما السعاية وأحدهما أقل والآخر أكثر فلا فائدة في التخيير لأنه يختار الأقل لا محالة ولان الواجب عليه إذا كان
أحد المالين وأحدهما أكثر من الآخر أو أقل كان الأقل متيقنا به فليزمه ذلك وأما فصل المقدار فوجه قول محمد ان
بدل الكتابة كله قوبل بكل الرقبة لأن العقد قد انعقد عليه حيث قال كاتبتك على كذا وقد عتق ثلث الرقبة فيسقط
عنه ما كان بمقابلته وهو ثلث البدل فيبقى الثلثان ولان ثلث مال المولى لو كان مثل كل قيمة العبد لسقط عنه كل بدل
الكتابة فإذا كان مثل ثلث قيمته يجب ان يسقط ثلث بدل الكتابة فيبقى الثلثان فيسعى في الأقل من ثلثي الكتابة
ومن ثلثي القيمة لما قلنا ولهما ان العبد كان استحق ثلث رقبته بالتدبير السابق قبل عقد الكتابة فإنه يسلم له ذلك كائنا
ما كان فإذا كاتبه بعد ذلك فالبدل لا يقابل القدر المستحق وهو الثلث وإنما يقابل الثلثين فإذا قال كاتبتك على كذا
فقد جعل المال بمقابلة ما لا يصح المقابلة به وهو الثلث وبمقابلة ما يصح المقابلة به وهو الثلثان فيصرف كل البدل إلى
ما يصح المقابلة به وهو الثلثان كمن طلق امرأته الحرة تطليقتين ثم طلقها ثلاثا على ألف درهم لزمها كل الألف لما قلنا
وكذا إذا جمع بين من يحل نكاحها وبين من لا يحل نكاحها فتزوجهما بألف درهم وجبت الألف كلها بمقابلة نكاح
من يحل له نكاحها عند أبي حنيفة وإذا كان الامر على ما وصفنا فالثلث وان عتق عند الموت لكن لا بدل بمقابلته
وإنما البدل كله بمقابلة الثلثين فلم يسقط من البدل شئ بخلاف ما إذا خرج العبد كله من الثلث لان هناك يسلم له جميع
رقبته فلزم القول بالبراءة هذا إذا دبر عبده ثم كاتبه فان كاتبه ثم دبره ثم مات المولى فعلى قول أبي حنيفة ان شاء سعى
في ثلثي القيمة وان شاء سعى في ثلثي الكتابة وعندهما يسعى في الأقل من ثلثي الكتابة فقد اتفقوا على
المقدار ههنا حيث قالوا مقدار بدل الكتابة ثلثان وإنما كان كذلك لان هناك كاتبه والعبد لم يكن استحق شيئا من
رقبته فكان جميع البدل بمقابلة جميع الرقبة وقد عتق عند الموت بسبب التدبير ثلثه فيسقط ما كان بإزائه من البدل
فبقي الثلثان بلا خلاف وإنما اختلفوا في الخيار فعند أبي حنيفة يخير بين الثلثين من بدل الكتابة مؤجلا وبين ثلثي
القيمة معجلا وعندهما يجب عليه الأقل منهما بناء على تجزى الاعتاق وعدم تجزيه على ما بينا في الفصل الأول والله
علم عز وجل أعلم
(فصل) وأما حكم التدبير فنوعان نوع يرجع إلى حياة المدبر ونوع يرجع إلى ما بعد موته أما الذي
يرجع إلى حال حياة المدبر فهو ثبوت حق الحرية للمدبر إذا كان التدبير مطلقا وهذا عندنا وعند الشافعي
لا حكم له في حال حياة المدبر رأسا فلا يثبت حقيقة الحرية ولا حقها بل حكمه ثبوت حقيقة الحرية بعد الموت مقصور
عليه وعلى هذا يبنى بيع المدبر المطلق انه لا يجوز عندنا وعنده جائز ويجوز بيع المدبر المقيد بالاجماع احتج الشافعي
بما روى عن عطاء أنه قال دبر رجل عبده فاحتاج فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانمائة درهم وأدنى درجات
فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجواز ولان التدبير تعليق العتق بالشرط وانه لا يمنع جواز البيع كالتعليق بسائر
الشروط من دخول الدار وكلام زيد وغير ذلك أو كالتدبير المقيد ولان فيه معنى الوصية وذلك لا يمنع جواز البيع كما
إذا أوصى بعتق عبده ثم باعه ولنا ما روى عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر من ثلث المال وهذا نص في الباب وعن أبي سعيد الخدري وجابر بن
عبد الله الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المدبر ومطلق النهى يحمل على التحريم وروى
عن عمر وعثمان وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم مثل مذهبنا
وهو قول جماعة من التابعين مثل شريح ومسروق وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وأبى جعفر محمد بن علي ومحمد بن
سيرين وعمر بن عبد العزيز والشعبي والحسن البصر والزهري وسعيد بن جبير وسالم بن عبد الله وطاوس ومجاهد
وقتادة حتى قال أبو حنيفة لولا قول هؤلاء الأجلة لقلت بجواز بيع المدبر لما دل عليه من النظر ولنا لاثبات حق
120

الحرية ضرورة الاجماع ودلالة غرض المدبر أما ضرورة الاجماع فهي ان الحرية تثبت بعد الموت بالاجماع
والحرية لابد لها من سبب ولا سبب ههنا سوى الكلام السابق فلا يخلو اما أن يجعل سببا للحال واما أن يجعل سببا
بعد الشرط ولا سبيل إلى الثاني لأنه ليس من أهل مباشرة السبب فتعين أن يكون سببا عند وجوده فكان الكلام
السابق سببا في الحال لثبوت الحرية بعد الموت ولسنا نعنى ثبوت حق الحرية للمدبر الا هذا وهذا يمنع جواز البيع
لان البيع ابطال السببية إذ لا تثبت الحرية عند الموت بعد البيع وأما دلالة الغرض فهو ان غرض المدبر من التدبير
أن تسلم الحرية للمدبر عند الموت اما تقربا إلى الله عز وجل بالاعتاق لاعتاق رقبته من النار كما نطق به الحديث واما
حقا لخدمته القديمة مع بقاء منافعه على ملكه في حياته لحاجته إليها ولا طريق لتحصيل الغرضين الا بجعل التدبير سببا
في الحال لثبوت الحرية بعد الموت إذ لو ثبتت الحرية في الحال لفات غرضه في الانتفاع به ولو لم ينعقد شيئا رأسا لفات
غرضه في العتق لجواز أن يبيعه لشدة غضب أو غير ذلك فكان انعقاده سببا في الحال وتأخر الحرية إلى ما بعد الموت
طريق احراز الغرضين فثبت ذلك بدلالة الحال فيتقيد الكلام به إذ الكلام يتقيد بدلالة الغرض فان قيل هذا
مناقض لأصلكم لان التدبير تعليق العتق بالشرط ومن أصلكم ان التعليقات ليست أسبابا للحال وإنما تصير أسبابا
عند وجود شروطها وعلى هذا بنيتم تعليق الطلاق والعتاق بالملك وسببه وههنا جعلتم التدبير سببا لثبوت الحرية للحال
وهذا مناقضة في الأصل والتناقض في الأصل دليل فساد الفرع فالجواب ان هذا أصلنا فيما يمكن اعتباره سببا عند
وجود الشرط وفيما لم يرد المتكلم جعله سببا في الحال وفى التعليق بسائر الشروط وأمكن اعتباره سببا عند وجود
الشرط وههنا لا يمكن لما بينا وكذا في التعليق بسائر الشروط أراد المتكلم كونه سببا عند الشرط وههنا أراد كونه
سببا في الحال لما قلنا فتعين سببا للحال لثبوت الحرية في الثاني وأما حديث عطاء فيحتمل ان ذلك كان تدبيرا
مقيدا وقوله باع حكاية فعل فلا عموم له ويحتمل أن يكون معنى قوله باع أي آجر إذ الإجارة تسمى بيعا بلغة أهل
المدينة وهكذا روى محمد باسناده ان النبي صلى الله عليه وسلم باع خدمة مدبر ولم يبع رقبته ويحتمل أنه كان ذلك
في ابتداء الاسلام حين كان بيع الحر مشروعا على ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع رجلا بدينه يقال له
سرق ثم صار منسوخا بنسخ بيع الحر لثبوت حق الحرية في المدبر الحاقا للحق بالحقيقة في باب الحرمات وأما المدبر
المفيد فهناك لا يمكن أن يجعل الكلام سببا للحال لان الامر متردد بين ان يموت من ذلك المرض وفى ذلك السفر أو
لا يموت فكان الشرط محتمل الوجود والعدم فلم يكن التعليق سببا للحال كالتعليق بسائر الشروط وكذا لما علق العتق
بأمر يحتمل الوجود والعدم دل انه ليس غرضه من هذا الكلام التقرب إلى الله عز وجل باعتاق هذا العبد ولا قضاء
حق الخدمة القديمة إذ لو كان ذلك غرضه لعلقه بشرط كائن لا محالة وأما قوله إن في التدبير معنى الوصية فنعم لكن
هذه وصية لازمة لثبوتها في ضمن أمر لازم وهو اليمين فلا يحتمل الفسخ ولهذا لا يحتمل الرجوع بخلاف الوصية
بالاعتاق فان قيل هذا يشكل بالتدبير المقيد فإنه يتضمن معنى الوصية اللازمة ومع هذا يجوز بيعه قيل معنى الوصية
للحال متردد لتردد موته على تلك الصفة فلا يصير العبد موصى له قبل الموت بتلك الصفة وههنا بخلافه وإذا ثبت حق
الحرية للمدبر المطلق في الحال فكل تصرف فيه يبطل هذا الحق لا يجوز وما لا يبطله يجوز ولعل هذا تخريج المسائل
لا يجوز بيعه وهبته والتصدق به والوصاية به لأنه تصرف تمليك الرقبة فيبطل حق الحرية ولا يجوز رهنه لان الرهن
والارتهان من باب ايفاء الدين واستيفائه؟ عندنا فكان من باب تمليك العين وتملكها ويجوز اجارته لأنها لا تبطل هذا
الحق لأنها تصرف في المنفعة بالتمليك لا في العين والمنافع على ملك المدبر وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه باع خدمة المدبر ولم يبع رقبته وبيع خدمة المدبر بيع منفعته وهو معنى الإجارة ويجوز الاستخدام وكذا
الوطئ الاستمتاع في الأمة لأنها استيفاء المنافع ويجوز تزويجها لان التزويج تمليك المنافع وعن عبد الله بن عمر
أنه كان يطأ مدبرته ولان الاستيلاد آكد من التدبير لأنه يوجب الحرمة من جميع المال والتدبير من الثلث
121

ثم الاستيلاد لا يمنع من الإجارة والاستخدام ولا يمنع من الاستمتاع والوطئ والتزويج في الأمة فالتدبير أولى
والأجرة والمهر والعقر والكسب والغلة للمولى لأنها بدل المنافع والمنافع ملكه والأرش له لأنه بدل جزء فات على
ملكه ولا يتعلق الدين برقبته لان رقبة لا تحتمل البيع لما بينا ويتعلق بكسبه ويسعى في ديونه بالغة ما بلغت وجنايته
على المولى وهو الأقل من قيمته ومن أرش الجناية ولا يضمن المولى أكثر من قيمة واحدة وان كثرت الجنايات
لما نذكر في كتاب الجنايات إن شاء الله تعالى ويجوز اعتاقه لان ايصاله إلى حقيقة الحرية معجلا ولان المنع من البيع
ونحوه لما فيه من منعه من وصوله إلى هذا المقصود فمن المحال أن يمنع من ايصاله إليه ولهذا جاز اعتاقه أم الولد كذا
المدبر ويجوز مكاتبته لأنه يريد تعجيل الحرية إليه والمولى يملك ذلك كما يملك مكاتبة أم الولد ولد المدبرة من غير
سيدها بمنزلتها لاجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك فإنه روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال ولد المدبرة
بمنزلتها يعتق بعتقها ويرق برقها وروى أن عثمان رضي الله عنه خوصم إليه في أولاد مدبرة فقضى ان ما ولدته قبل
التدبير عبد وما ولدته بعد التدبير مدبر وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم فيكون اجماعا وهو
قول شريح ومسروق وعطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة رضي الله عنهم ولا يعرف في السلف
خلاف ذلك وإنما قال به بعض أصحاب الشافعي فلا يعتد بقوله لمخالفته الاجماع ولان حق الحرية يسرى إلى
الولد كولد أم الولد وما ولدته قبل التدبير فهو من أقضية عثمان رضي الله عنه بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ولان حق
الحرية لم يكن ثابتا في الام وقت الولادة حتى يسرى إلى الولد ولو اختلف المولى والمدبرة في ولدها فقال المولى ولدتيه
قبل التدبير فهو رقيق وقالت هي ولدته بعد التدبير فهو مدبر فالقول قول المولى مع يمينه على علمه والبينة بينة المدبرة لان
المدبرة تدعى سراية التدبير إلى الولد والمولى ينكر فكان القول قوله مع اليمين ويحلف على علمه لان الولادة ليست فعله
والبينة بينة المدبرة لان فيهما اثبات التدبير ولو كان مكان التدبير عتق فقال المولى للمعتقة ولدتيه قبل العتق وهو
رقيق وقالت بل ولدته بعد العتق وهو حر يحكم فيه الحال إن كان الولد في يدها فالقول قولها وإن كان في يد المولى
فالقول قوله لأنه إذا كان في يدها كان الظاهر شاهدا لها وإذا كان في يده كان الظاهر شاهدا له بخلاف المدبرة لأنها
في يد المولى فكذا ولدها فكان الظاهر شاهدا له على كل حال وكان القول قوله ولو قال لامة لا يملكها ان ملكتك
فأنت مدبرة وان اشتريتك فأنت مدبرة فولدت ولدا ثم اشتراهما جميعا فالأم مدبرة الولد رقيق لان الام إنما صارت
مدبرة بالشرط ولم يوجد الشرط في حق الولد وانه منفصل فلا يسرى إليه تدبير الام والله عز وجل أعلم وأما الذي
يرجع إلى ما بعد موت المدبر فمنها عتق المدبر لان عتقه كان معلقا بموت المولى والمعلق بالشرط ينزل عند وجود الشرط
ويستوى فيه المدبر المطلق والمقيد لان عتق كل واحد منهما معلق بالشرط الا أن الشرط في المقيد الموت الموصوف
بصفة فإذا وجد ذلك فقد وجد الشرط فينزل المعلق وسواء كان الموت حقيقة أو حكما بالردة بأن ارتد المولى عن
الاسلام والعياذ بالله ولحق بدار الحرب لان الردة مع اللحاق بدار الحرب تجرى مجرى الموت في زوال الاملاك
وكذا المستأمن إذا اشترى عبدا في دار الاسلام فدبره والحق بدار الحرب فاسترق الحربي عتق مدبره لان
الاسترقاق أوجب زوال ملكه عن أمواله حكما فكان بمنزلة الموت وكذا ولد المدبرة الذي ليس من مولاها لأنه تبعها
في حق الحرية فكذا في حقيقة الحرية ويستوى فيه المطلق والمقيد لان معنى التبعية لا يوجب الفصل ومنها ان عتقه
يحسب من ثلث مال المولى وهذا قول عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم وهو قول سعيد بن جبير وشريح
والحسن وابن سيرين رضي الله عنهم وروى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ان عتقه من جميع المال وهو
قول إبراهيم النخعي وحماد وجعلوه كأم الولد ولنا ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال المدبر لا يباع
ولا يوهب وهو حر من الثلث ولان التدبير وصية والوصية تعتبر من ثلث المال كسائر الوصايا وسواء كان التدبير
في المرض أو في الصحة لأنه وصية في الحالين وسواء كان التدبير مطلقا أو مقيدا لعموم الحديث الا أنه خص منه
122

المقيد في حق البيع والهبة فيعمل بعمومه في حق الاعتبار من الثلث ولان معنى الوصية توجد في النوعين وانه يقتضى
اعتباره من الثلث يعتبر ثلث المال يوم موت المولى لان في الوصايا هكذا يعتبر وإذا كان اعتبار عتقه من ثلث المال
فإن كان كله يخرج من ثلث مال المولى بأن كان له مال آخر سواه يعتق كله ولا سعاية عليه وان لم يكن له مال آخر
غيره عتق ثلثه ويسعى في الثلثين للورثة هذا إذا لم يكن على المولى دين فإن كان عليه دين يسعى في جميع قيمته في
قضاء ديون المولى لان الدين مقدم على الوصية ومنها ان ولاء المدبر للمدبر لأنه المعتق وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم الولاء لمن أعتق ولا ينتقل هذا الولاء عن المدبر وان عتق المدبر من جهة غيره كمدبرة بين اثنين جاءت بولد فادعاه
أحدهما ثبت نسبه منه وعتق عليه وغرم نصيب شريكه من الولد والولاء بينهما لان حق الحرية ثابت في الحال عندنا
وأنه يثبت حق الولاء وهو لا يحتمل الفسخ وكذا المدبر بين شريكين أعتقه أحدهما وهو موسر فضمن عتق بالضمان
ولم يتغير الولاء عن الشركة في قول أبي حنيفة لما ذكرنا فيما تقدم وعلى قول أبى يوسف ومحمد إذا أعتق أحدهما
نصيبه عتق جميعه والولاء بينهما
(فصل) وأما بيان ما يظهر به التدبير فالتدبير يظهر بما يظهر به الاعتاق البات وهو الاقرار والبينة لأنه اثبات
حق الحرية في الحال فيعتبر الحق بالحقيقة وهو اثبات حقيقة الحرية بعد الموت فيعتبر بالاثبات بالحال وذا يظهر بأحد
هذين فكذا هذا إذا عرف هذا فنقول إذا ادعى المملوك التدبير وأنكر المولى فأقام البينة قبلت بينته بلا خلاف فإن لم
يدع وأنكر التدبير مع المولى لا يقبل البينة على التدبير من غير دعوى العبد في قول أبي حنيفة وعندهما يقبل والحجج
على نحو ما ذكرنا في الاعتاق البات الا أن الشهادة على عتق الأمة تقبل من غير دعواه بالاجماع الشهادة على تدبير
الأمة على الاختلاف لان تدبير الأمة لا يوجب تحريم الفرج فلم تكن الشهادة قائمة على حق الله تعالى ولو شهدا أنه
دبر أحد عبديه بغير عينه في الصحة فالشهادة باطلة في قول أبي حنيفة لان المدعى مجهول وعندهما يقبل ولو شهدا انه
ذلك كان في المرض ويقبل عنده استحسانا والقياس أن لا يقبل وقد ذكرنا وجه القياس والاستحسان في كتاب
العتاق ولو شهدا أنه قال هذا حر وهذا مدبر بعد موتى فقد صار مدبرا لم تجز شهادتهما في قول أبي حنيفة لجهالة المدعى
ولو شهد أنه قال هذا حر بعد موتى لابل هذا كانا جميعا مدبرين ويعتقان بعد موته من ثلثه لأنه لما قال هذا حر بعد
موتى فقد صار مدبر فلما قال لا بل هذا فقد رجع عن الأول وتدارك بالثاني ورجوعه لا يصح وتداركه صحيح كما إذا
قال لإحدى امرأتيه هذه طالق لا بل هذه ولو شهدا أنه قال هذا حر البتة لا بل هذا مدبر جازت الشهادة لهما لأنه
أعتق الأول ثم رجع وتدارك بالثاني فالرجوع لا يصح ويصح التدارك فصار الأول حر والثاني مدبرا ولو شهد
أحدهما أنه دبره وشهد الآخر أنه أعتقه البتة فالشهادة باطلة لان كل واحد منهم شهد بغير ما شهد به الآخر لفظا
ومعنى أما اللفظ فلا شك فيه وما المعنى فلان الاعتاق البات اثبات العتق بعد موت المولى وهما متغايران وليس
على كل واحد منها الا شاهد واحد وكذلك لو شهدا بالتدبير واختلفا في شرطه لأنهما شهدا على شيئين مختلفين كما
في الاعتاق البات والله عز وجل أعلم وهو الموفق
(كتاب الاستيلاد)
الكلام في هذا الكتاب في مواضع في تفسير الاستيلاد لغة وعرفا وفي بيان شرطه وفي بيان صفته وفي بيان حكمه
وفي بيان ما يظهر به أما تفسيره لغة فالاستيلاد في اللغة هو طلب الولد كالاستيهاب والاستئناس انه طلب الهبة
والانس وفى العرف هو تصيير الجارية أم ولد يقال فلان استولد جاريته ان صيرها أم ولده وعلى هذا قلنا إنه يستوى
في صيرورة الجارية أم ولد الولد الحي والميت لان الميت ولد بدليل انه يتعلق به أحكام الولادة حتى تنقضي به العدة
وتصير المرأة به نفساء وكذا لو أسقطت سقطا قد استبان خلقه أو بعض خلقه وأقر به فهو بمنزلة الولد الحي الكامل
123

الخلق في تصيير الجارية أم ولد لان أحكام الولادة تتعلق بمثل هذا السقط وهو ما ذكرنا وان لم يكن استبان شئ من
خلقه فألقت مضغة أو علقة أو نطفة فادعاه المولى فإنها لا تصير أم ولد كذا روى الحسن عن أبي حنيفة لأنه ما لم يستبن
خلفه لا يسمى ولدا وصيرورة الجارية أم ولد بدون الولد محال ولأنه يحتمل أن يكون ولد ويحتمل أن يكون دما جامدا
أو لحما فلا يثبت به الاستيلاد مع الشك وهذا الذي ذكرنا قول أصحابنا وللشافعي فيه قولان في قول قال يصب عليه
الماء الحار فان ذاب فهو دم وان لم يذب فهو ولد وفى قول قال يرجع فيه إلى قول النساء والقولان فاسدان لما ذكرنا في
كتاب الطلاق ولو أقر المولى فقال لجاريته حمل هذه الجارية منى صارت أم ولد له لان الاقرار بالحمل اقرار بالولد إذ
الحمل عبارة عن الولد وروى عن أبي يوسف أنه قال إذا قال حمل هذه الجارية منى أو قال هي حبلى منى أو قال ما في
بطنها من ولد فهو منى ثم قال بعد ذلك لم تكن حاملا وإنما كان ريحا وصدقته الأمة فإنهما لا يصدقان وهي أم ولد
لأنه أقر بحملها والحمل عبارة عن الولد وذلك يثبت لها حرية الاستيلاد فإذا رجع لم يصح رجوعه ولا يلتفت إلى
تصديقها لان في الحرية حق الله تعالى فلا يحتمل السقوط باسقاط العبد ولو قال ما في بطنها منى ولم يقل من حمل
أو ولد ثم قال بعد ذلك كان ريحا وصدقته لم تصر أم ولد لان قوله ما في بطنها يحتمل الولد والريح فقد تصادقا على اللفظ
المحتمل فلم يثبت الاستيلاد ولو قال المولى إن كانت هذه الجارية حبلى فهو منى فأسقطت سقطا قد استبان خلقه
أو بعض خلقه صارت أم ولد لما بينا فان ولدت ولدا لأقل من ستة أشهر صارت أم ولد له لان الطريق إلى ثبوت
نسب الحمل منه هذا لان معنى قوله إن كانت حبلى فهو منى أي انى وطئتها فان حبلت من وطئ فهو منى فإذا أتت بعد
هذه المقابلة بولد لأقل من ستة أشهر تيقنا انها كانت حاملا حينئذ فثبت النسب والاستيلاد فان أنكر المولى
الولادة فشهدت عليها امرأة لزمه النسب لان الزوج إذا كان أقر بالحمل تقبل شهادة امرأته على الولادة على ما ذكرنا
في كتاب الطلاق فان جاءت لستة أشهر فصاعدا لم يلزمه ولم تصر الجارية أم ولد لأنا نعلم وجود هذا الحمل في ذلك
الوقت لجواز انها حملت بعد ذلك فلا يثبت النسب والاستيلاد بالشك
(فصل) وأما سبب الاستيلاد وهو صيرورة الجارية أم ولد له فقد اختلف فيه قال أصحابنا سببه هو ثبوت
نسب الولد وقال الشافعي سببه علوق الولد حرا على الاطلاق بعد اتفاقهم على أن حكم الاستيلاد في الحال هو
ثبوت حق الحرية وثبوت حقيقة الحرية بعد موت المولى والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم في جاريته مارية
القبطية لما ولدت إبراهيم ابن النبي عليه الصلاة والسلام أعتقها ولدها والمراد منه التسبيب أي ولدها سبب عتقها غير
أنهم اختلفوا في جهة التسبيب فقال أصحابنا هي ثبوت نسب الولد وقال الشافعي هي علوق الولد حرا مطلقا (وجه) قوله إن
الولد حر بلا شك وانه جزء الام وحرية الجزء تقتضي حرية الكل إذ لا يحتمل أن يكون الكل رقيقا والجزء حرا
كان ينبغي أن تعتق الام للحال الا أنه إنما لا تعتق لان الولد انفصل منها وحريته على اعتبار الانفصال لا توجب
حرية الام كما لو أعتق الجنين فقلنا بثبوت حق الحرية في الحال وتأخر الحقيقة إلى بعد الموت عملا بالشبهين ولنا ان
الوطئ والمعلق أوجب الجزئية بين المولى والجارية بواسطة الولد لاختلاط الماءين وصيرورتهما شيئا واحدا
وانخلاق الولد منه فكان الولد جزأ لهما وبعد الانفصال عنهما ان لم يبق جزأ لها على الحقيقة فقد بقي حكما لثبوت النسب
ولهذا تنسب كل الام إليه بواسطة الولد يقال أم ولده فلو بقيت حقيقة الحرية لثبتت حقيقة الحرية للحال فإذا بقيت
حكما ثبت الحق على ما عليه وضع مأخذ الحجج في ترتيب الأحكام على قدر قوتها وضعفها والى هذا المعنى أشار عمر
رضي الله عنه فقال أبعد ما اختلطت لحومكم بلحومهن ودماؤكم بدمائهن تريدون بيعهن ثم اختلف أصحابنا في كيفية
هذا السبب فقال علماؤنا الثلاثة السبب هو ثبوت النسب شرعا وقال زفر هو ثبوت النسب مطلقا سواء ثبت شرعا
أو حقيقة وبيان هذه الجملة في مسائل إذا تزوج جارية انسان فاستوها ثم ملكها صارت أم ولد له عند أصحابنا لان
سبب الاستيلاد هو ثبوت النسب وقد ثبت فتحقق السبب الا أنه توقف الحكم على وجود الملك فتعذر اثبات حكمه
124

وهو حق الحرية في غير الملك كما يتعذر اثبات الحقيقة في غيره فتأخر الحكم إلى وقت الملك وعند الشافعي لا تصير أم ولد
له وهو قول إبراهيم النخعي لان السبب عنده علوق الولد حرا على الاطلاق ولم يوجد لان الولد رقيق في حق مولاه
وإذا ملك ولده الذي استولده عتق عليه بالاجماع أما عندنا فلانه ملك ذا رحم محرم منه فيعتق وأما عنده فلانه
ملك ولدا ثابت النسب منه شرعا وكذلك إذا ثبت النسب من غير مالك الجارية بوطئ بشبهة ثم ملكها فقد صارت أم
ولد له حين ملكها عندنا لوجود السبب وعنده لا لانعدام السبب ولو ملك الولد عتق لما قلنا ولو زنى بجارية فاستولدها
بأن قال زنيت بها أو فجرت بها أو قال هو ابني من زنا أو فجور وصدقته وصدقه مولاها فولدت ثم ملكها لم تصر أم ولد
له عند أصحابنا الثلاثة وهو استحسان والقياس أن تصير أم ولد له وهو قول زفر بناء على أن السبب عنده ثبوت النسب
مطلقا وقد ثبت النسب حقيقة بدليل انه لو تملك الولد عتق عليه بلا خلاف بين أصحابنا والسبب عند أصحابنا الثلاثة هو
ثبوت نسب الولد شرعا ولم يثبت
(فصل) وأما شرطه فما هو شرط ثبوت النسب شرعا وهو الفراش ولا فراش الا بملك اليمين أو شبهه أو تأويل
الملك أو ملك النكاح أو شبهته ولا تصير الأمة فراشا في ملك اليمين بنفس الوطئ بل بالوطئ مع قرينة الدعوى عندنا
وهي من مسائل كتاب الدعوى فلا يثبت الاستيلاد بدون الدعوة ويستوى في الاستيلاد ملك القنة والمدبرة
لاستوائهما في اثبات النسب الا أن المدبرة إذا صارت أم ولد بطل التدبير لان أمية الولد أنفع لها ألا ترى ان أم
الولد لا تسعى لغريم ولا لوارث والمدبرة تسعى ويستوى في ثبات النسب ملك كل الجارية وبعضها وكذا في
الاستيلاد حي لو أن جارية بين اثنين علقت في ملكهما فجاءت بولد فادعاه أحدهما يثبت نسبه منه وصارت الجارية
كلها أم ولد له بالضمان وهو نصف قيمة الجارية ويستوى في هذا الضمان اليسار والاعسار ويغرم نصف العقر
لشريكه ولا يضمن من قيمة الولد شيئا أما ثبوت النسب فلحصول الوطئ في محل له فيه ملك لان ذلك القدر من الملك
أوجب ثبوت النسب بقدره النسب لا يتجزأ وإذا ثبت في بعضه ثبت في كله ضرورة عدم التجزي ولان النسب
ثبت بشبهة الملك فلان يثبت بحقيقة الملك أولى وأما صيرورة الجارية كلها أم ولد له فالنصف قضية للتسبب لان
نصف الجارية مملوك له والنصف الا آخر اما باعتبار ان الاستيلاد لا يتجزأ فيما يمكن نقل الملك فيه فإذا ثبت في البعض
يثبت في الكل لضرورة عدم التجزي واما باعتبار انه وجد سبب التكامل وهو انسب على كونه متجزئا في نفسه
لان سبب الاستيلاد هو ثبوت النسب والنسب لا يتجزأ والحكم على وفق العلة فثبت الاستيلاد وفى نصيبه
قضية للسبب ثم يتكامل في الباقي بسبب النسب واما باعتبار سبب آخر أوجب التكامل على ما عرف في الخلافيات
ثم لا سبيل إلى التكامل بدون ملك نصيب شريكه فيصير متملكا نصيب شريكه ضرورة صحة الاستيلاد في
ذلك النصيب ولا سبيل إلى تملك مال الغفير من غير بدل فيتملكه بالبدل وهو نصف قيمتها وإنما استوى في هذا
الضمان حالة اليسار والاعسار لأنه ضمان ملك كضمان المبيع وأما وجوب نصف العقر فلوجود الاقرار منه بوطئ
ملك الغير وانه حرام الا أن الحد لم يجب لمكان شبهة لحصول الوطئ في ملكه وملك شريكه فلا بد من وجوب العقر
ولا يدخل العقر في ضمان نصف القيمة ضمان الجزء وضمان البضع
لها حكم الاجزاء وضمان الجزء لا يدخل في مثله وأما عدم وجوب نصف قيمة الولد فلانه بملك نصيب شريكه
بالعلوق السابق فصار الولد جاريا على ملكه فلا يكون مضمونا عليه ولان الولد في حال العلوق لا قيمة له فلا يقابل
بالضمان ولأنه كان بمنزلة الأوصاف فلا يفرد بالضمان ويستوى في ثبوت النسب وصيرورة الجارية أم ولد ملك
الذات وملك اليد كالمكاتب إذا استولد جارية من اكسابه على ما نذكر في كتاب الدعوى إن شاء الله تعالى
ويستوى في دعوة النسب حالة الصحة والمرض لان النسب من الحوائج الأصلية وكذلك إذا ادعاه أحدهما
وأعتقه الآخر وخرج القول منهما معا فعتقه باطل ودعوة صاحبه أولى لان الدعوة استندت إلى حالة متقدمة وهي
125

العلوق والعتق وقع في الحال فصارت الدعوة أسبق من الاعتاق فكانت أولى وان ادعياه جميعا فهو ابنهما والجارية
أم ولد لهما تخدم لهذا يوما ولذا ك يوما ولا يضمن واحد منهما من قيمة الام لصاحبه شيئا ويضمن كل واحد منهما
نصف العقر فيكون قصاصا أما ثبوت النسب منهما فمذهبنا وعند الشافعي يثبت من أحدهما ويتعين بقول القافة
هي من مسائل كتاب الدعوى وأما صيرورة نصيب كل واحد منهما من الجارية أم ولد فلثبوت نسب ولدها منه
فصار كأنه انفرد بالدعوة وإنما لا يضمن أحدهما للآخر شيئا من قيمة الام لان نصيب كل واحد منهما لم ينتقل إلى
شريكه وإنما ضمن كل واحد منهما لصاحبه نصف العقر لوجود سبب وجوب الضمان وهو الاقرار بالوطئ في ملك
الغير فيصير أحدهما قصاصا للآخر لعدم الفائدة في الاستيفاء وكذلك لو كانت الجارية بين ثلاثة أو أربعة أو خمسة
فادعوه جميعا معا يثبت نسبه منهم وتصير الجارية أم ولد لهم في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف لا يثبت النسب من
أكثر من اثنين وعند محمد من أكثر من ثلاثة ونذكر الحجج في كتاب الدعوى إن شاء الله تعالى وإن كانت الأنصباء
مختلفة بأن كان لأحدهم السدس والآخر الربع والآخر الثلث ولآخر ما بقي يثبت نسبه منهم ويصير نصيب كل
كل واحد منهم من الجارية أم ولد له لا يتعدى إلى نصيب صاحبه حتى تكون الخدمة والكسب والغلة بينهم على قدر
أنصبائهم لان كل واحد منهم ثبت الاستيلاد منه في نصيبه فلا يجوز أن يثبت فيه استيلاد غيره ولو كانت الأمة بين
الأب والابن فجاءت بولد فادعياه جميعا معا أو كانت بين حر وعبد فادعياه أو بين حر ومكاتب أو بين مكاتب وعبد أو
بين مسلم وذمي أو بين كتابي ومجوسي أو بين عبد مسلم أو مكاتب مسلم وبين حر كافر أو بين ذمي ومرتد فحكمه يذكر
في كتاب الدعوى هذا إذا كان العلوق في ملك المدعيين فإن لم يكن بان اشترياها وهي حامل فجاءت بولد فادعاه أحدهما
أو كلاهما فهو من مسائل الدعوى نذكره هناك إن شاء الله تعالى وكذا إذا ولدت الجارية المشتركة بين اثنين ولدين
فادعى كل واحد منهم ولدا ولدتهما في بطن أو بطنين والدعوتان خرجتا معا أو على التعاقب وكذا إذا ولدت جارية
لانسان ثلاثة أولاد فادعى أحدهم وهم ولدوا في بطن واحد أو في بطون مختلفة وادعى المولى أحدهم بعينه أو بغير عينه
فحكم هذه الجملة في كتاب الدعوى وكذا دعوة الأب نسب ولد جارية ابنه مع فروعها ودعوة اللقيط مع فصولها
تذكر ثمة إن شاء الله تعالى أمة بين رجلين أقر أحدهما انها أم ولد لصاحبه وأنكر ذلك صاحبه قال أبو حنيفة يبطل
حق الشاهد في رقبتها موسرا كان المشهود عليه أو معسرا وتخدم المشهود عليه يوما ويرفع عنها يوما فان مات الشهود عليه
سعت لورثته وكانت في حال السعاية كالمكاتبة فان أدت عتقت وكان نصف ولائها للمشهود عليه والنصف لبيت
المال وهو قول أبى يوسف الآخر وقال محمد يسعى الساعة في نصف قيمتها للمشهود عليه فإذا أدت فهي حرة
لا سبيل لاحد عليها وجه قوله إن المقرقد أفسد على شريكه ملكه باقراره لأنه لما لم يصدقه الشريك انقلب اقراره على
نفسه فمن اشترى عبدا ثم أقر ان البائع كان قد أعتقه وانكر البائع انه ينقلب اقراره عليه ويجعل معتقا كذا ههنا وإذا
انقلب اقراره على نفسه صار مقرا بالاستيلاد في نصبيه ومتى ثبت في نصيبه ثبت في نصيب صاحبه لأنه لم يتجزأ
فقد أفسد نصيب صاحبه لكن لا سبيل إلى تضمينه لان شريكه قد كذبه في اقراره فكان لشريكه السعاية كما لو
أعتق المقر نصيبه هو معسر وإذا سمعت في نصيبه وعتق نصيبه يعتق الكل لعدم تجزى العتق عنده ولهما ان المقر
بهذا الاقرار يدعى الضمان على بالمنكر بسبب تملك الجارية لان الاستيلاد لا يتجزأ فيما يحتمل النقل والملك ويجب
الضمان فيه على الشريك في حالة اليسار والاعسار ودعوى الضمان توجب براءة الأمة عن السعاية فبطل حقه في
رقبتها وبقى حق المنكر في نصيبه كما كان ولان المقر لا يخلو اما إن كان صادقا في الاقرار واما إن كان فيه كاذبا فإن كان
صادقا كانت الجارية كلها أم ولد لصاحبه فيسلم له كمال الاستخدام وإن كان كاذبا كانت الجارية بينهما على
ما كان قبل الاقرار فنصف الخدمة ثابتة للمنكر بيقين واعتبار هذا المعنى يوجب ان لا سعاية عليها أيضا فاما المقر
فقد أسقط حق نفسه عن الخدمة لزعمه ان كل الخدمة لشريكه الا ان شريكه لما رد عليه بطلت خدمة اليوم وبيع
126

هذه الجارية متعذر لان الشاهد أقر أنها أم ولد وحين ما أقر كان له ملك فيما في الظاهر فينفذ اقراره في حقه وإذا مات
المشهود عليه فإنها تسعى في نصف قيمتها لورثته لان في زعم الشاهد انها عتقت بموت صاحبه لزعمه انها أم ولد صاحبه
والأمة المشتركة بين اثنين إذا أقر أحدهما على شريكه بالعتق كان له عليها السعاية وان كذبه صاحبه في الاقرار
كذلك ههنا ونصف الولاء للمشهود عليه لأنها عتقت على ملكه ووقف النصف الآخر لان المقر أقر انه للمشهود
عليه والمشهود عليه رد عليه اقراره فلا يعرف لهذا النصف مستحق معلوم فيكون لبيت المال فان جاءت بولد فقال
أحدهما هو ابن الشريك وأنكر الشريك فالجواب في الام كذلك وأما الولد فيعتق ويسعى في نصف قيمته للمشهود
عليه لان الشريك المقر أقر بحرية الولد من جهة شريكه وأحد الشريكين إذا شهد على الاخر بالعتق وأنكر الاخر
يسعى العبد للمشهود عليه وفى مسئلتنا لا يسعى للشاهد لأنه أقر انه حر الأصل وانه لا سعاية عليه ونظير هذه المسألة
ما روى بشر عن أبي يوسف في جارية بين شريكين ادعى أحدهما ان شريكه دبرها وأنكر الشريك فان أبا حنيفة قال
الشاهد بالخيار ان شاء دبر فخدمته يوما والاخر يوما وان شاء أمسك ولم يدبر فخدمته يوما والآخر يوما وان شاء
استسعاها في نصف قيمتها فسعت له يوما وخدمت الآخر يوما فإذا أدت فعتقت سعت للآخر وكان قول أبى
يوسف في ذلك أنها كأم الولد ثم رجع وقال توقف كما قال أبو حنيفة الا في تبعيض التدبير وقال محمد تسعى الساعة وجه
قول محمد على نحو ما ذكرنا في الاستيلاد وهو ان الشريك لما لم يصدقه في اقراره انقلب عليه اقراره وثبت التدبير في
نصيبه وانه يتعدى إلى نصيب المنكر لعدم تجزى التدبير عنده فقد أفسد نصيب المنكر وتعذر ايجاب الضمان عليه
للمنكر لتكذيبه إياه فتسعى الجارية له كما لو أنشأ التدبير في نصيبه ومن أصل أبي حنيفة ان التدبير يتجزأ فلا يصير
نصيبه باقراره بالتدبير على صاحبه مدبرا كما لو دبر أحد الشريكين نصيبه انه يبقى نصيب الآخر على حاله وله التدبير
والاستسعاء والترك على حاله الا ان ههنا لو اختار السعاية فإنما يستسعاها يوما ويتركها يوما لأنه يملك جميع منافعها فلا
يملك ان يستسعى الا على مقدار حقه فإذا أدت عتق نصيبه ويسعى للمنكر في نصيبه لأنه فسد نصيبه وتعذر تضمين
المقر فكان له ان يستسعى وأبو يوسف وافق أبا حنيفة الا أنه يقول إن التدبير يتجزأ فهو بدعوى التدبير على شريكه
يدعى الضمان عليه موسرا كان أو معسرا فكان مبرئا للأمة عن السعاية فلم يبق له حق الاستسعاء ولا حق الاستخدام
فيوقف نصيبه والله عز وجل أعلم وروى ابن سماعة عن أبي يوسف انه إذا شهد كل واحد منهما بالتدبير على صاحبه
أو شهد كل واحد منهما على صاحبه بالاستيلاد فلا سبيل لواحد منهما على صاحبه ولا على الأمة موسرين كانا أو
معسرين لان كل واحد منهما يدعى حق الحرية من جهته والابراء للأمة من السعاية ويدعى الضمان على شريكه وهذا
قول أبي حنيفة وأبى يوسف فأما محمد فوافق أبا حنيفة في هذا الفصل لان كل واحد من الشريكين ههنا أبرأ الأمة
من السعاية وادعى الضمان على شريكه وروى المعلى عن أبي يوسف في عبد بين شريكين قال أحدهما للاخر هذا
ابني وابنك أو ابنك وابني فقال الآخر صدقت فهو ابن المقر خاصة دون المصدق وكذلك قال محمد في الزيادات في
صبي لا يعقل في يد رجلين قال أحدهما للآخر هو ابني وابنك وصدقه صاحبه وإنما كان كذلك لأنه لما قال هو ابني
فكما قال ذلك ثبت نسبه منه لوجود الاقرار منه بالنسب في ملكه فلا يحتمل الثبوت من غيره بعد ذلك قال محمد لو قال
هذا ابنك وسكت فلم يصدقه صاحبه حتى قال هو ابني معك فهو موقوف فان قال صاحبه هو ابني دونك فهو كما قال
لأنه أقر له بالنسب ابتداء وسكت فقد استقر اقراره ووقف على التصديق فقوله بعد ذلك هو ابني يتضمن ابطال
الاقرار فلا يسمع فإذا وجد التصديق من المقر له ثبت النسب منه قال فان قال المقر له ليس بابني ولكنه ابنك أو قال
ليس بابني ولا ابنك أو قال ليس بابني وسكت فليس بابن لواحد منهما في قياس قول أبي حنيفة وقال محمد ان صدقه
فهو ابن المقر له وان كذبه فهو ابن المقر فهذا فرع اختلافهم فيمن أقر بعبد انه ابن فلان وكذبه المقر له وادعاه المولى انه لم
تصح دعوته في قول أبي حنيفة وفى قولهما تصح وجه قولهما انه لما كذبه المقر له فقد بطل اقراره كما في الاقرار بالمال
127

وإذا بطل اقراره التحق بالعدم فجاز ان يدعيه لنفسه ولأبي حنيفة انه لما أقر بالنسب لغيره فقد زعم أنه ثابت النسب
منه فتكذيبه ينفى ثبوت النسب منه في حقه لا في حق الشريك بل بقي ثابت النسب منه في حقه فإذا ادعى ولدا هو
ثابت النسب من الغير في حقه فلا تسمع دعواه ولو قال هو ابني وابنك فهو من الثاني لأنه لما قال هو ابني فقد صدقه فقد
ثبت نسبه منه فاقراره بعد ذلك بقوله وابنك لم يصح قال محمد فإن كان هذا الغلام يعقل فالمرجع إلى تصديقه لأنه إذا
كان عاقلا كان في يد نفسه فلا تقبل دعوى النسب عليه من غير تصديقه قال وإن كان الولد من أمة ولدته في ملكهما
فالجواب كالأول في النسب ان على قول أبي حنيفة لا يثبت من المقر بعد اعترافه لشريكه وعلى قولهم يثبت قال والأمة
أم ولد لمن ثبت النسب منه لان الاستيلاد يتبع النسب ومن هذا النوع ما إذا اشترى رجلان جارية فجاءت بولد
في ملكهما لستة أشهر فصاعدا وادعى أحدهما ان الولد ابنه وادعى الاخر ان الجارية بنته وخرجت الدعوتان معا
فالدعوة دعوة من يدعى الولد ودعوة مدعى الام باطلة لان مدعى الولد دعوته دعوة الاستيلاد والاستيلاد يستند
إلى وقت العلوق ومدعى الام دعوة تحرير والتحرير يثبت في الحال ولا يستند فكانت دعوة مدعى الولد سابقة
فثبت نسب الولد منه ويصير نصيبه من الجارية أم ولد له وينتقل نصيب شريكه منها إليه فكان دعوى الشريك
دعوى فيما لا يملك فلا يسمع وهل يضمن مدعى الولد بنصف قيمة الام ونصف عقرها قال محمد يضمن وذكر في
الجامع الكبير ان هذا قياس قول أبي حنيفة وهي رواية بشر بن الوليد عن أبي يوسف وروى ابن سماعة عن أبي
يوسف انه لا شئ على مدعى الولد من قيمة الام ولا من العقر ولا شئ له أيضا على مدعى الام فان أكذب مدعى الام
نفسه فله نصف قيمة الام ونصف عقرها على مدعى الولد ذكر الكرخي ان هذا القول أقيس ووجهه ان مدعى
الام أقر انها حرة الأصل فكان منكرا ضمان القيمة فلا يثبت له حق التضمين فان رجع عن دعواه وأكذب نفسه
ثبت له حق الضمان الذي اعترف به له شريكه وجه قول أبي حنيفة ومحمد واحدى الروايتين عن أبي يوسف انه لما ثبت
نسب الولد من المدعى فقد صار نصيبه من الجارية أم ولد فكذا نصيب شريكه لعدم تجزى الجارية في حق الاستيلاد
فيما يحتمل النقل فصار متلفا نصيب شريكه عليه ولا يجوز تملك مال الغير الا بعوض فيضمن لشريكه نصف قيمة
الام ويضمن له نصف عقر الجارية أيضا لان الوطئ لاقاها ونصفها مملوك للشريك فما صادف ملك غيره يجب به العقر
وأما قوله إن مدعى الام أقر أنها حرة الأصل فالجواب من وجهين أحدهما انه لما قضى بكونها أم ولد للمدعى فقد صار
مكذبا شرعا فبطل كما لو ادعى المشترى انه اشترى الدار بألف وادعى البائع البيع بألفين وأقام البائع البينة وقضى
القاضي بألفين على المدعى عليه ان الشفيع يأخذها بالألفين من المشترى وان سبق من المشترى الاقرار بالشراء بألف
لما انه كذبه شرعا كذا هذا والثاني ان اقراره بحريتها وجد بعدما حكم بزوالها عن ملكه لأنها جعلت زائلة عنه من وقت
العلوق فلم يصلح اقراره فلم يصر اقراره ابراء إياه عن الضمان كما في مسألة الشفيع ومن مسائل دعوى الولد إذا كاتب
الرجل أمته فجاءت بولد ليس له نسب معروف فادعاه المولى ثبت نسبه منه صدقته أم كذبته وسواء جاءت
بالولد لستة أشهر أو لأكثر أو لأقل فان نسب الولد يثبت على كل حال إذا ادعاه لان المكاتبة باقية على ملك المولى فكان
ولدها مملوكا له ودعوة المولى ولد أمته لا تقف صحتها على التصديق وعتق الولد لان نسبه ثبت من المولى ولا ضمان
عليه فيه لان غرض المكاتبة من الكتابة عتقها وعتق أولادها وقد حصل لها هذا الغرض فلا يضمن له شيئا ثم إن
جاءت بالولد لأكثر من ستة أشهر فعليه العقر لأنه تبين أن الوطئ حصل في حال الكتابة وان جاءت به لأقل من ستة
أشهر منذ كاتبها فلا عقر عليه لأنه علم أنه وطئها قبل الكتابة والمكاتبة بالخيار ان شاءت مضت على كتابتها وان
شاءت عجزت لان الحرية توجهت إليها من جهتين ولها في كل واحدة منهما غرض صحيح لان بالكتابة تتعجل لها
الحرية وبالاستيلاد تسقط عنها السعاية فكان التخيير مفيدا فكان لها أن تختار أيهما شاءت وان ادعى المولى ولد
جارية المكاتب له وقد علقت به في ملك المكاتب فإنه يرجع إلى تصديق المكاتب فان كذب المولى لم يثبت نسب
128

الولد ولا تصير الجارية أم ولد له وكانت الجارية وولدها مملوكين وان صدقه كان الولد ابن المولى وعليه قيمة يوم ولد وذكر
محمد في الزيادات ولم يحك خلافا وكذا ذكر في الدعاوى الا أنه قال أستحسن ذلك إذا كان الحبل في ملك المكاتب
وهذا يشير إلى أن القياس ان لا يعتق الولد وان صدقه المكاتب وهو رواية عن أبي يوسف وروى ابن سماعة في نوادره
عن أبي يوسف أن المولى يصدق بغير تصديق المكاتب وجه القياس أنه لما لم يقبل قوله بغير تصديق فكذا مع
التصديق لان المكاتب لا يملك التحرير بنفسه فلا يملك التصديق بالحرية أيضا وجه الرواية الأخرى لأبي يوسف
أن حق الرجل في مال مكاتبه أقوى من حقه في مال ولده فلما ثبت النسب في جارية الابن من غير تصديق فههنا أولى
وجه ظاهر الرواية ان حق المكاتب في كسبه أقوى من حق المولى بدليل انه لا يملك النزع من يده فكان المولى في حق
ملك التصرف في مال المكاتب بمنزلة الأجنبي فتقف صحة دعوته على تصديق المكاتب فان صدقه كان الولد ابن المولى
وعليه قيمته يوم ولد لأنه يشبه ولد المغرور لثبوت الملك في الام من وجه دون وجه لان ملك الذات في المكاتب للمولى
وملك التصرفات للمكاتب كالمغرور أنه يثبت الملك في الام ظاهرا وللمستحق حقيقة وولد المغرور حر بالقيمة قال محمد
في الزيادات إذا اشترى المكاتب أمة حاملا فادعى مولاها ولدها أو اشترى عبدا صغيرا فادعاه لم يجز دعوته الا
بالتصديق كما في المسألة الأولى الا ان هناك إذا صدقه يثبت النسب ويعتق وههنا ان صدقه المكاتب ثبت نسبه ولا
يعتق لان تلك الدعوة دعوة استيلاد لعدم العلوق في الملك فكانت دعوة تحرير والمولى لا يملك تحريره الا ترى انه لو
أعتقه لا تصح الا ان النسب يثبت وليس من ضرورة ثبوت النسب ثبوت العتق الا ترى ان من ادعى ولد أمة أجنبي
فصدقه مولاه يثبت النسب ولا يعتق في الحال كذا ههنا
(فصل) وأما صفة الاستيلاد فالاستيلاد لا يتجزأ عند أبي يوسف ومحمد كالتدبير وعند أبي حنيفة هو
متجزئ الا انه قد يتكامل عند وجود سبب التكامل وشرطه وهو المكان التكامل وقيل إنه لا يتجزأ عنده أيضا
لكن فيما يحتمل نقل الملك فيه وأما فيما لا يحتمل فهو متجزئ عنده وبيان هذا ما ذكرنا فيما تقدم في الأمة القنة بين اثنين
جاءت بولد فادعاه أحدهما ان كلها صارت أم ولد له وان ادعياه جميعا صارت أم ولد لهما جميعها ثم أم الولد الخالصة إذا
أعتق المولى نصفها عتق كلها بالاجماع وكذا إذا كانت بين اثنين فاعتق أحدهما نصيبه عتق جميعها بلا خلاف لكن
عند هما العدم تجزى الاعتاق وعنده لعدم الفائدة في بقاء حكم الاستيلاد في الباقي لا باعتاقه كما في الطلاق والعفو عن
القصاص على ما بينا في كتاب العتاق ولا ضمان على الشريك المعتق ولا سعاية عليها في قول أبي حنيفة وستأتي المسألة
في موضعها والفرق بين المدبر وأم الولد في هذا الحكم إن شاء الله تعالى ولو كانت مدبرة صار نصيب المدعى أم ولد له
ونصيب الآخر بقي مدبرا على حاله وإن كانت مكاتبة بين اثنين صار نصيب المدعى أم ولد عند أبي حنيفة وتبقى
الكتابة وعندهما يصير الكل أم ولد للمدعى وتفسخ الكتابة في النصف وهي من مسائل كتاب المكاتب
(فصل) وأما حكم الاستيلاد فنوعان أيضا كحكم التدبير أحدهما يتعلق بحال حياة المستولد والثاني يتعلق بما بعد
موته أما الأول فما ذكرنا في التدبير وهو ثبوت حق الحرية عند عامة العلماء وقال بشر بن غياث المريسي وداود بن علي
الأصفهاني امام أصحاب الظاهر لا حكم له في الحال وعلى هذا تبتنى جملة من الأحكام فلا يجوز بيع أم الولد عند
العامة وعندهما يجوز واحتجا بما روى عن جابر بن عبد الله أنه قال كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولأنها مملوكة له بدليل انه يحل له وطؤها ولا يحل الوطئ الا في الملك وكذا تصح اجارتها وكتابتها
فدل انها مملوكة له فيجوز بيعها كبيع القنة ولنا ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أم الولد لا تباع
ولا توهب وهي حرة من جميع المال وهذا نص في الباب وروى عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال في أم إبراهيم عليه السلام أعتقها ولدها فظاهره يقتضى ثبوت حقيقة الحرية للحال أو الحرية من كل وجه
الا انه تأخر ذلك إلى ما بعد الموت بالاجماع فلا أقل من انعقاد سبب الحرية أو الحرية من وجه وكل ذلك عدم
129

يمنع جواز البيع وروى أن سعيد بن المسيب سئل عن بيع أمهات الأولاد فقال إن الناس يقولون إن أول من أمر
بعتق أمهات الأولاد عمر بن الخطاب وليس كذلك لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من أعتقهن ولا يجعلن
في الثلث ولا يستسعين في دين وعن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بعتق أمهات الأولاد
وان لا يبعن في الدين ولا يعجلن في الثلث وكذا جميع التابعين على أنه لا يجوز بيع أم الولد فكان قول بشر وأصحاب
الظواهر مخالفا للاجماع فيكون باطلا ومن مشايخنا من قال عليه اجماع الصحابة أيضا لما روى عن علي رضي الله عنه
انه سئل عن بيع أمهات الأولاد فقال كان رأيي ورأي عمر أن لا يبعن ثم رأيت بيعهن فقال له عبيدة السلماني رأيك
مع الجماعة أحب إلى من رأيك وحدك وفى رواية أخرى عن علي رضي الله عنه اجتمع رأى ورأي عمر في ناس من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عتق أمهات الأولاد ثم رأيت بعد ذلك ان يبعن في الدين فقال عبيدة رأيك
ورأي عمر في الجماعة أحب إلى من رأيك في الفرقة فقول عبيدة في الجماعة إشارة إلى سبق الاجماع من الصحابة
رضي الله عنهم ثم بدا لعلي رضي الله عنه فيحمل خلافه على أنه كان لا يرى استقرار الاجماع ما لم ينقرض العصر ومنهم
من قال كانت المسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم فكان على وجابر رضي الله عنهما يريان بيع أم الولد لكن
التابعين أجمعوا على أنه لا يجوز والاجماع المتأخر يرفع الخلاف المتقدم عند أصحابنا لما عرف في أصول الفقه ولان أم
الولد تعتق عند موت السيد بالاجماع ولا سبب سوى الاستيلاد السابق فعلم أنه انعقد سببا للحال لثبوت الحرية بعد
الموت وأنه يمنع جواز البيع لما بينا في التدبير وأما حديث جابر رضي الله عنه فيحتمل أنه أراد بالبيع الإجارة لأنها تسمى
بيعا في لغة أهل المدينة ولأنها بيع في الحقيقة لكونها مبادلة شئ مرغوب بشئ مرغوب ويحتمل أنه كان في ابتداء
الاسلام حينما كان بيع الحر مشروعا ثم انتسخ بانتساخه فلا يكون حجة مع الاحتمال وأما قوله إنها مملوكة للمستولد فنعم
لكن هذا لا يمنع انعقاد سبب الحرية من غير حرية أصلا ورأسا وهذا القدر يكفي للمنع من جواز البيع لما ذكرنا في
كتاب التدبير وسواء كان المستولد مسلما أو كافرا مرتدا أو ذميا أو مستأمنا خرج إلى ديارنا ومعه أم ولده لا يجوز له
بيعها لأنها أم الولد لان أمية الولد تتبع ثبات النسب والكفر لا يمنع ثبوت النسب ولما دخل المستأمن دار الاسلام
بأمان فقد رضى بحكم الاسلام ومن حكم الاسلام أن لا يجوز بيع أم الولد وكذلك كل تصرف يوجب بطلان حق
الحرية الثابتة لها بالاستيلاد لا يجوز كالهبة والصدقة والوصية والرهن لأن هذه التصرفات توجب زوال ملك العين
فيوجب بطلان هذا الحق وما لا يوجب بطلان هذا الحق فهو جائز كالإجارة والاستخدام والاستسعاء والاستغلال
والاستمتاع والوطئ لأنها تصرف في المنفعة لا في العين والمنافع مملوكة له والأجرة والكسب والغلة والعقر والمهر
للمولى لأنها بدل المنفعة والمنافع على ملكه وكذا ملك العين قائم لان العارض وهو التدبير لم يؤثر الا في ثبوت حق الحرية
من غير حرية فكان ملك اليمين قائما وإنما الممنوع منه تصرف يبطل هذا الحق وهذه التصرفات لا تبطله وكذا
الأرش له بدل جزء هو ملكه وله أن يزوجها لان التزويج تمليك المنفعة ولا ينبغي أن يزوجه حتى يستبرئها بحيضة
لاحتمال أنها حملت منه فيكون النكاح فاسد أو يصير الزوج بالوطئ ساقيا ماءه زرع غيره فكان لتزويج تعريضا
للفساد فينبغي أن يتحرز من ذلك بالاستبراء لكن هذا الاستبراء ليس بواجب بل هو مستحب كاستبراء البائع
ولو زوجها فولدت لأقل من ستة أشهر فهو من المولى والنكاح فاسد لأنه تبين أنه زوجها وفى بطنها ولد ثابت
النسب منه وان ولدت لأكثر من ستة أشهر فهو ولد الزوج لان الزوج له فراش والولد للفراش على لسان رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولا فراش للمولى لزوال فراشه بالنكاح فان ادعاه المولى وقال هذا ابني لا يثبت نسبه
منه لسبق ثبوته من غيره وهو الزوج فلا يتصور ثبوته فلا تصح دعوته لكنه يعتق عليه لأنه في ملكه وقد أقر بحريته
فيعتق عليه وان لم يثبت نسبه منه كما إذا قال لعبده هذا ابني وهو معروف النسب من الغير ونسب ولد أم الولد يثبت
من المولى من غير دعوة عند عدم الحرية الا إذا حرمت عليه حرمة مؤبدة فجاءت بولد لستة أشهر من وقت
130

الحرمة أو زوجها فجاءت بولد لستة أشهر من وقت التزويج فلا يثبت نسبه الا بالدعوة وإنما قلنا أنه يثبت
نسب ولدها من المولى من غير دعوة عند عدم الحرمة المؤبدة والنكاح لأنها صارت فراشا بثبوت نسب ولدها
والولد المولود على الفراش يثبت نسبه من غير دعوة قال النبي صلى الله عليه وسلم الولد للفراش بخلاف الأمة القنة
أو المدبرة لأنه لا يثبت نسب ولدها وان حصنها المولى وطلب ولدها بدون الدعوة عندنا فلا تصير فراشا بدون
الدعوة ثم إنما يثبت نسب ولد أم الولد بدون الدعوة دون ولد القنة والمدبرة لأن الظاهر أن ولد أم الولد من المولى
لأنه لا يتحرز عن الاعلاق إذ التحرز لخوف فوت ماليتها وقد حصل ذلك منه فالظاهر أن لا يعزل عنها بل
يعلقها فكان الولد منه من حيث الظاهر فلا تقع الحاجة إلى الدعوة بخلاف القنة والمدبرة فان هناك الظاهر أنه لا يعلقها
بل يعزل عنها تحرزا عن اتلاف المالية فلا يعلم أنه منه إلى بدعوة فلا يثبت النسب الا بالدعوة فهو الفرق والله
عز وجل أعلم فان صارت أم الولد محرمة على المولى على التأبيد بان وطئها ابن المولى أو أبوه أو وطئ المولى أمها أو
بنتها فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر لم يثبت نسب الولد الذي أتت به بعد التحريم من غير دعوة لأن الظاهر أنه
ما وطئها بعد الحرمة فكان حرمة الوطئ كالنفي دلالة وان ادعى يثبت النسب لان الحرمة لا تزيل الملك وذكر
القدوري في شرحه مختصر الكرخي أصلا فقال إذا حرمت أم الولد بما يقطع نكاح الحرة ويزيل فراشها مثل
المسائل التي ذكرنا لا يثبت نسب ولدها من مولاها الا أن يدعيه لان فراش الزوجة أقوى من فراش أم الولد وهذه
المعاني تقطع فراش الزوجة فلان تقطع فراش أم الولد أولى وكذلك إذا زوجها فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر لأنها
صارت فراشا للزوج فيستحيل أن تصير فراشا لغيره الا أنه إذا ادعى يعتق عليه كما إذا قال لعبده وهو معروف النسب
من الغير هذا ابني وان حرمت عليه بما لا يقطع نكاح الحرة لا يزيل فراشها مثل الحيض والنفاس والاحرام والصوم
يثبت نسب ولدها منه لأنه تحريم عارض لا يغير حكم الفراش وللمولى أن ينفى ولد أم الولد من غير لعان أما النفي فلانه
يملك العزل عنها بغير رضاها فإذا أخبر عن ذلك فقد أخبر عما يملك فكان مصدقا وأما النفي من غير لعان فلان فراش أم
الولد أضعف من فراش الحرة وهذا أصل يذكر في كتاب الدعوى أن الفرش ثلاثة قوى وضعيف ووسط فالقوي
هو فراش النكاح حتى يثبت النسب فيه من غير دعوة ولا ينتفى الا باللعان والضعيف فراش الأمة حتى لا يثبت النسب
فيه من غير دعوة والوسط فراش أم الولد حتى يثبت النسب فيه من غير دعوة وينتفى من غير لعان لأنه يحتمل الانتقال
بالتزويج فيحتمل الانتفاء بالنفي بخلاف فراش الزوج ثم إنما ينتفى بالنفي إذا لم يقض به القاضي أو لم تتطاول المدة فاما إذا
قضى القاضي به أو تطاولت المدة فلا ينتفى لأنه يتأكد بقضاء القاضي فلا يحتمل النفي بعد ذلك وكذا تطول المدة من
غير ظهور النفي اقرار منه دلالة والنسب المقر به لا ينتفى بالنفي ولم يقدر أبو حنيفة لتطاول المدة تقديرا وأبو
يوسف ومحمد قدراه بمدة النفاس أربعين يوما وقد ذكرناه في كتاب اللعان وولد أم الولد من غير مولاها بمنزلة الام بان
زوج أم ولده فولدت ولد الستة أشهر فصاعدا من وقت التزويج لان الولد يتبع الام في الرق والحرية وقد ثبت حق
الحرية في الام فيسرى إلى الولد فكان حكمه حكم الام في جميع الأحكام هذا إذا استولد جارية في ملكه فإن كان
استولدها في ملك غيره بنكاح حتى يثبت نسب ولدها منه ثم ملكها ولها ولد من زوج آخر بان استولدها ثم فارقها
فزوجها المولى من آخر فجاءت بولد ثم ملكها يوما من الدهر وولدها صارت الجارية أم ولده عند أصحابنا ولا يصير
ولدها ولد أم ولد حتى يجوز بيعه في قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر إذا ملك من ولدته بعد ثبوت نسب ولدها منه فهو ولد
أم ولده يثبت فيه حكم الام وجه قوله أن الاستيلاد وإن كان ملك الغير لكنه لما ملكها فقد صارت أم ولد
عند أصحابنا وإنما صارت أم ولد بالعلوق السابق والولد حدث بعد ذلك فيحدث على وصف الام فإذا ملكه يثبت
فيه الحكم الذي يثبت في الام ولنا أن الاستيلاد في الام وهو أمية الولد شرعا إنما تثبت وقت ملك الام والولد منفصل
في ذلك الوقت والسراية لا تثبت في الولد المنفصل ويتعلق الدين بكسبها لا برقبتها لأنها لا تقبل البيع لما ذكرنا وتسعى
131

في ديونها بالغة ما بلغت لان الدين عليها لا في رقبتها وأرش جنايتها على المولى وهو الأقل من قيمتها ومن الأرش وليس
على المولى الا قدر قيمتها وان كثرت الجنايات كالمدبر ويجوز اعتاقها لما فيه من استعجال مقصود ها وهو الحرية ولو أعتق
المولى نصفها يعتق كلها وكذا إذا كانت مشتركة بين اثنين فاعتق أحدهما نصيبه عتق جميعها لما ذكرنا ولا ضمان
على المعتق ولا سعاية عليها عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد إن كان المعتق موسرا ضمن لشريكه وإن كان معسرا
سعت في نصف قيمتها للشريك الذي لم يعتق ولو مات عن أم ولد بينه وبين شريكه عتق جميعها ولا ضمان عليه بالاجماع
لأنه لا صنع له في الموت ويقع الاختلاف في السعاية عند أبي حنيفة لا سعاية عليها وعندهما عليها السعاية وعلى هذا
الخلاف الغصب والقبض في البيع الفاسد انها لا تضمن في قول أبي حنيفة وعندهما تضمن ولا خلاف في المدبرة
انها تضمن بهذه الأسباب ولقب المسألة ان أم الولد هل هي متقومة من حيث إنها مال أم غير متقومة عنده غير متقومة
من هذه الجهة وعندهما متقومة وأجمعوا على أنها متقومة من حيث إنها نفس ولا خلاف في أن المدبر متقوم من حيث إنه
مال وربما تلقب المسألة بان رق أم الولد هل له قيمة أم لا ذكر محمد في الاملاء انها تضمن في الغصب عند أبي حنيفة
كما يضمن الصبي الحر إذا غصب يعنى إذا مات عن سبب حادث بان عقره سبع أو نهشته حية أو نحو ذلك وجه
قولهما أم الولد مملوكة للمولى ولا شك ولهذا يحل له وطؤها واجارتها واستخدامها وكتابتها وملكه فيما معصوم لان
الاستيلاد له لم يوجب زوال العصمة فكانت مضمونة بالغصب والاعتاق والقبض في البيع الفاسد كالمدبر والدليل
على أن رقها متقوم ان أم ولد النصراني إذا أسلمت تخرج إلى العتاق السعاية فلولا ان ماليتها متقومة لعتقت مجانا ولم يكن
للمولى أخذ السعاية بدلا عن ماليتها وكذا يجوز للمولى أن يكاتبها الاعتياض إنما يجوز عن مال متقوم والدليل عليه
انها تضمن بالقتل بالاجماع ولأبي حنيفة قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ولدت إبراهيم عليه السلام أعتقها
ولدها فظاهر الحديث يقتضى ثبوت العتق في لحال في العتق في حق جميع الأحكام الا انه خص منه الاستمتاع والاستخدام
بالاجماع ولا اجماع في التقويم فكانت حرة في حق التقويم بظاهر الحديث وكذا سبب العتق للحال موجود وهو
ثبوت النسب الولد لان ذلك يوجب الاتحاد بين الواطئ والموطوءة يجعلهما نفسا واحدة فقضيته ثبوت العتق للحال
في جميع الأحكام الا انه يظهر في سائر الأحكام بالاجماع فيظهر في حق سقوط التقوم بخلاف المدبر لان هناك
السبب وهو التدبير أضيف إلى ما بعد الموت لان التدبير أثبات العتق عن دبر الا انه جعل سبب للحال لضرورة ذكرناها
في بيع المدبر والثابت بالضرورة يتقيد بقدر الضرورة والضرورة في حرمة البيع الا في سقوط التقوم وههنا الامر
على القلب من ذلك لان السبب يقتضى الحكم للحال والتأخر على خلاف الأصل والدليل على أنها غير متقومة من
حيث إنها مال لأنها لا تسعى لغريم ولا لوارث ولو كانت متقومة من حيث إنها مال لثبت للغريم حق فيها
وللوارث في ثلثها فيجب ان يسعى في ذلك كالمدبر والسعاية مبينة على هذا الأصل لان استسعاء العبد يكون بقيمته
ولا قيمة لام الولد فلا سعاية عليها وأما قوله إن ملك المولى فيها قائم بعد الاستيلاد والعصمة قائمة فمسلم لكن
قيام الملك والعصمة لا يقتضى التقوم كملك القصاص وملك النكاح وملك الخمر وجلد الميتة وأما أم ولد النصراني إذا
أسلمت فالجواب من وجهين أحدهما انها متقومة زعمهم واعتقادهم ونحن أمرنا بتركهم وما يدينون فإذا دانوا
تقويمها يتركون وذلك ولذلك جعلت خمورهم متقومة كذا هذا والثاني ان أم ولد النصراني إذا أسلمت تجعل مكاتبة
للضرورة إذ لا يمكن القول بعتقها لان ملك الذي محترم فلا يجوز ابطاله عليه ولا سبيل إلى ابقائها على ملكه يستمتع
بها ويستخدمها لما فيه من الاستذلال بالمسلمة ولا وجه دفع المذلة عنها بالبيع من المسلم لخروجها بالاستيلاد عن
محلية البيع فتجعل مكاتبة وضمان الكتابة ضمان شرط ولأنه لا يوقف على كون ما يقابله مالا متقوما كما في النكاح
والخلع ثم إذا سعت تسعى وهي رقيقة عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر تسعى وهي حرة وجه قوله إن الاستسعاء استذلال بها
وهذا لا يجوز ولنا ما ذكرنا ان في الحكم بعتقها ابطال ملك الذي عليه وتتعلق ديونه بذمة المفلس وملكه معصوم
132

الاستذلال في الاستمتاع والاستخدام لا في نفس الملك ألا ترى ان أمة النصراني إذا أسلمت فكاتبها المولى
لا تجبر على البيع وقد خرج الجواب عن الكتابة وإنما ضمنت بالقتل لان ضمان القتل ضمان الدم والنفس وانها متقومة
من هذه الجهة وما ذكر محمد في الاملاء عن أبي حنيفة فذلك ضمان القتل لأنه إذا لم يحفظها حتى هلكت بسبب حادث
فقد تسبب لقتلها وتجوز كتابتها كما يجوز اعتاقها لما فيه من تعجيل العتق إليها ولا تشكل الكتابة على أصل أبي حنيفة
انها معاوضة ورق أم الولد لا قيمة له فلا يجوز ان يستحق المولى عليه عوضا لان صحة المعاوضة لا تقف على كون
المعوض مالا أصلا فضلا عن كونه متقوما كما في النكاح والخلع فان مات المولى قبل ان تؤدى بدل الكتابة عتقت
ولا شئ عليها أما العتق فلأنها كانت أم ولد وقد مات مولاها وأما العتق بغير شئ فلان الكتابة قد بطلت لان الحرية
توجهت إليها من وجهين الاستيلاد والكتابة فإذا ثبت العتق بأحدهما بطل حكم الآخر وكذا يجوز اعتاقها على
مال وبيعها نفسها حتى إذا قبلت عتقت والمال دين عليها لان الاعتاق على مال من باب تعجيل الحرية وأما الذي يتعلق
بما بعد موت المولى فمنها عتقها لان عتقها كان معلقا شرعا بموت المولى لما روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما
أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل ولدت أمته منه فهي معتقة عن دبر منه وقد روينا عن ابن عباس
رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين ولدت أم إبراهيم أعتقها ولدها ومعلوم انه لا
يثبت حقيقة العتق في حال الحياة فلو لم يثبت بعد الموت لتعطل الحديث ولان سبب ثبوت العتق قد وجد وهو ثبوت
نسب الولد ولم يعلم في حال الحياة فلو لم يعلم بعد الموت لبطل السبب ويستوى فيه الموت الحقيقي والحكمي بالردة
واللحوق بدار الحرب لما ذكرنا في كتاب التدبير وكذا الحربي والمستأمن إذا اشترى جارية في دار الاسلام
واستولدها ثم يرجع إلى دار الحرب فاشترى الحربي عتقت الجارية لما ذكرنا في المدبر وكذا يعتق ولدها الذي ليس
من مولاها إذا سرت أمية الولد إليها على ما بينا لان الولد يتبع الام في الرق والحرية ومنها انها تعتق من جميع المال ولا
تسعى للوارث ولا للغريم بخلاف المدبرة لما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أم الولد لا تباع ولا توهب
وهي حرة من جميع المال وهذا نص وروينا عن سعيد بن المسيب أنه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعتق
أمهات الأولاد من غير الثلث لا يبعن في دين ولا يجعلن في الثلث وفى بعض الروايات ولا يجعلن في الثلث ولا
يستسعين في دين وفى بعضها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعتق أمهات الأولاد من غير الثلث ولا يبعن في دين
ولان سبب ثبوت حرية أم الولد هو ثبوت نسب الولد والنسب لا تجامعها السعاية كذا حرية الاستيلاد ومنها ان
ولاءها للمولى لان الاعتاق منه لما بينا
(فصل) وأما بيان ما يظهر به الاستيلاد فظهوره باقرار المولى ثم إن أقر به في حال الصحة ان هذه لجارية قد
ولدت منه فقد صارت أم ولده سواء كان معها ولد أو لم يكن لان الاقرار في حال الصحة لا تهمة فيه فيصح سواء
كان معها ولد ولم يكن ولهذا لو أعتقها في الصحة يعبر من جميع المال وإن كان الاقرار به في مرض موته فإن كان
معها ولد صارت أم ولده أيضا وتعتق من جميع المال إذا مات المولى لان كون الولد معها دليل الاستيلاد فكان
الظاهر شاهدا له فيصح اقراره ولان التسبب من الحوائج الأصلية وتصرف المريض في مرض الموت فيما يحتاج إليه
حاجة أصلية نافذ كشراء الطعام والكسوة ونحو ذلك وان لم يكن معها ولد عتقت من الثلث لأنه متهم في اقراره في حق
سائر الورثة ولم يوجد ما ينفى التهمة وهو الولد وكذا إذا لم يكن معها ولد لا تحتاج إلى التسبب فيصير قوله هذه أم ولدى
كقوله هذه حرة بعد موتى فتعتق بعد موته من الثلث
(كتاب المكاتب)
الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان جواز المكاتبة وفي بيان ركن المكاتبة وفي بيان شرائط
133

الركن وفي بيان ما يملكه المكاتب من التصرفات وما لا يملكه وفي بيان ما يملكه المولى من التصرف في المكاتب وما
لا يملكه وفي بيان صفة المكاتبة وفي بيان حكم المكاتبة وفي بيان ما تنفسخ به المكاتبة اما الأول فالقياس
أن لا تجوز المكاتبة لما فيها من ايجاب الدين للمولى على عبده وليس يجب للمولى على عبده دين وفى
الاستحسان جائز بالكتاب والسنة واجماع الأمة أما الكتاب فقوله عز وجل فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا
وأدنى درجات الامر الندب فكانت الكتابة مندوبا إليها فضلا عن الجواز وقوله عز وجل ان علمتم فيهم خيرا
أي رغبة في إقامة الفرائض وقيل وفاء لأمانة الكتابة وقيل حرفة وروى هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال في قوله عز وجل خيرا أي حرفة ولا ترسلوهم كلابا على الناس وأما السنة فما روى محمد بن الحسن باسناده
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أيما عبد كوتب على مائة أوقية
فأداها كلها الا عشر أواق فهو رقيق وقال صلى الله عليه وسلم المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وروى أن عائشة
رضي الله عنها كاتبت بريرة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليها وعليه اجماع الأمة وبه تبين ان قول
داود بن علي الأصفهاني ان الكتابة واجبة قول مخالف للاجماع وان تعلقه بظاهر الامر لا يصح لان الأمة من لدن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يتركون مماليكهم بعد موتهم ميراثا لورثتهم من غير نكير فعلم أن ليس
المراد من هذا الامر الوجوب وأما الجواب عن وجه القياس ان المولى لا يجب له على عبده دين فهذا على الاطلاق
ممنوع وإنما نسلم ذلك في العبد القن لا في المكاتب والمستسعى لان كسب القن ملك للمولى وكسب المكاتب
والمستسعى ملكهما لا حق للمولى فيه فكان المولى كالأجنبي عن كسب المكاتب فأمكن ايجاب الدين للمولى عليه
(فصل) وأما ركن المكاتبة فهو الايجاب من المولى والقبول من المكاتب أما الايجاب فهو اللفظ الدال على
المكاتبة نحو قول المولى لعبده كاتبتك على كذا سواء ذكر فيه حرف التعليق بأن يقول على أنك ان أديت إلى فأنت
حر أو لم يذكر عندنا وعند الشافعي ولا يتحقق الركن بدون حرف التعليق وهو أن يقول كاتبتك على كذا على أنك
ان أديت إلى فأنت حر بناء على أن معنى المعاوضة أصل في الكتابة ومعنى التعليق فيها ثابت عندنا والعتق عنده
الأداء يثبت من حيث المعاوضة ولا من حيث التعليق بالشرط وعنده معنى التعليق فيها أصل أيضا والعتق ثبت من
حيث التعليق فلا بد من حرف التعليق وما قلناه أولى بدليل انه لو أبرأه عن بدل الكتابة يعتق ولو كان ثبوت العتق
فيها من طريق التعليق بالشرط لما عتق لعدم الشرط وهو الأداء وكذا لو قال لعبده أنت حر على ألف تؤديها إلى
نجوما في كل شهر كذا فقبل أو قال إذا أديت لي ألف درهم كل شهر منها كذا فأنت حر فقبل أو قال جعلت عليك
ألف درهم تؤديها إلى نجوما كل نجم كذا فإذا أديت فأنت حر وان عجزت فأنت رقيق وقبل ونحو ذلك من الألفاظ
لان العبرة في العقود إلى المعاني لا للألفاظ وأما القبول فهو أن يقول العبد قبلت أو رضيت وما أشبه ذلك فإذا وجد
الايجاب والقبول فقد تم الركن ثم الحاجة إلى الركن فيمن يثبت حكم العقد فيه مقصودا لا تبعا كالولد المولود في
الكتابة والولد المشترى والوالدين على ما نذكر لان الاتباع كما لا يفرد بالشروط لا يفرد بالأركان لما فيه من قلب
الحقيقة وهو جعل التبع متبوعا وهذا لا يجوز
(فصل) وأما شرائط الركن فأنواع بعضها يرجع إلى المولى وبعضها يرجع إلى المكاتب وبعضها يرجع إلى بدل
الكتابة وبعضها يرجع إلى نفس الركن ثم بعضها شرط الانعقاد وبعضها شرط النفاذ وبعضها شرط الصحة أما
الذي يرجع إلى المولى فمنها العقل وانه شرط الانعقاد فلا تنعقد المكاتبة من الصبي الذي لا يعقل والمجنون ومنها البلوغ
وهي شرط النفاذ حتى لا تنفذ الكتابة من الصبي العاقل وإن كان حرا أو مأذونا في التجارة من قبل المولى أو الوصي
لان المكاتبة ليست بتجارة إذ التجارة مبادلة المال بالمال والمكاتبة ليست كذلك وليست من توابع التجارة ولا
من ضروراتها ولهذا لا يملكها العبد المأذون الشريك شركة العنان لما قلنا وله أن يكاتب عبده باذن أبيه أو وصيه
134

لان الأب والوصي يملكان العقد بأنفسهما فيملكان الاذن به للصبي إذا كان عاقلا ومنها الملك والولاية وهذا شرط
نفاذ لان المكاتبة فيها معنى المعاوضة والتعليق وكل واحد منهما عند الانفراد لا يصح بدون الملك والولاية فكذا
عند الاجتماع فلا تنفذ المكاتبة من الفضولي لانعدام الملك والولاية وتنفذ من الوكيل لأنه نائب الموكل فكان
تصرفه تصرف الموكل وكذا من الأب والوصي استحسانا والقياس أن لا تنفذ وجه القياس ان المكاتبة تصرف يفضى
إلى العتق وهما لا يملكان الاعتاق لا بغير بدل ولا ببدل كالاعتاق على مال وبيع نفس العبد منه وجه الاستحسان
ان المكاتبة من باب اكتساب المال ولهما ولاية اكتساب المال كالبيع والإجارة بخلاف الاعتاق على مال وبيع
نفس العبد منه لان ذلك ليس من باب الاكتساب بل هو من باب الاعتاق لان العبد يعتق بنفس القبول فيبقى المال
دينا في ذمة المفلس فان أقر الأب أو الوصي بقبض بدل الكتابة فإن كانت الكتابة معروفة ظاهرة بمحضر الشهود
يصدق ويعتق المكاتب لأنه أمين في قبض الكتابة فكان مصدقا كالوكيل بالبيع إذا باع ثم أقر بقبض الثمن وان
لم تكن معروفة لم يجز اقراره ولا يعتق العبد لان الكتابة إذا لم تكن ظاهرة كان ذلك منه اقرار بالعتق واقرار الأب
أو الوصي بعتق عبد اليتيم لا يجوز وإذا كانت الكتابة ظاهرة كان ذلك منه اقرارا باستيفاء الدين فيصح اقراره ولو
كاتب الأب أو الوصي ثم أدرك الصبي فلم يرض بالكتابة فالمكاتبة ماضية الا أنه ليس للوصي ولا للأب أن يقبض
بدل الكتابة لأنه إنما كان يملك القبض بولايته لا بمباشرة العقد لان حقوق العقد في المكاتبة يرجع إلى من عقد له
لا إلى العاقد وقد زالت ولايته بالبلوغ بخلاف الوصي إذا باع شيئا ثم أدرك اليتيم ان له أن يقبض لان حقوق البيع
وكل عقد هو مبادلة المال بالمال يرجع إلى العاقد هذا إذا كانت الورثة صغارا فإن كانوا كبارا لا يجوز للوصي أن
يكاتب ولا للأب لزوال ولايتهما بالبلوغ سواء كانوا حضورا أو غيابا لان الموجب لزوال الولاية لا يختلف وهذا
بخلاف البيع لان الوارث الكبير إذا كان غائبا ان للأب والوصي أن يبيع المنقول لان بيع المنقول من باب الحفظ
لان حفظ ثمنه أيسر من حفظ عينه ولهما ولاية الحفظ وليس في الكتابة حفظ فلا يملكانها وإن كانت الورثة
صغارا وكبارا ذكر في الأصل أنه لا يجوز ثم اختلف في هذا الاطلاق قال بعضهم معناه انه لا يجوز في نصيب الكبار
وأما في نصيب الصغار فجائز وقال بعضهم معناه انه لا يجوز في نصيب الكبار والصغار جميعا لأنه إذا لم يجز في نصيب
الكبار لم يكن في جوازه في نصيب الصغار فائدة لان لهم أن يفسخوا العقد وصار كعبد بين اثنين انه يمنع أحدهما عن
كتابة نصيبه الا برضا شريكه لأنه لو فعل بغير اذن شريكه كان لشريكه أن يفسخ فلم يكن فيه فائدة كذا هذا ولو
كان على الميت دين فكاتب الوصي عبده من تركته لم يجز كذا ذكر في الأصل ولم يفصل بين ما إذا كان الدين محيطا
بالتركة وبين ما إذا لم يكن محيطا بها منهم من أجرى المذكور في الأصل على اطلاقه وقال لا تجوز مكاتبته سواء كان
الدين محيطا بالتركة أو لم يكن أما إذا كان محيطا بالتركة فلان حق الغرماء يكون متعلقا بها والمكاتبة تتضمن ابطال
حقهم لأنها لو صحت لصارت حقوقهم منجمة مؤجلة وحقوقهم معجلة فلا يملك تأجيلها بالكتابة وإن كان غير محيط
بالتركة فكذلك لان ذلك القدر من الدين يتعلق بالتركة مطلقا وتبطل الكتابة لان ذلك القدر من الدين يتأجل
تسليمه فيتضرر به الغريم الا أن يختار استيفاءه من غيرها فيجوز لأن عدم الجواز لحق الغريم فإذا استوفى من محل
آخر فقد زال حقه فزال المانع بين الجواز وذكر القدوري ان المسألة محمولة على ما إذا كان للميت غير العبد أو غير
القدر الذي يقضى به الدين فاما إذا لم يكن الدين محيطا بالتركة يجوز له ذلك لأنه إذا كان هناك مال آخر يقضى به الدين
فحق الغرماء لا يتعلق بعين العبد لان التعليق بحاجتهم إلى استيفاء دينهم وانه يحصل بدونه ولأنه لو تعلق قليل الدين
بجملة التركة لأدى إلى الحرج لان التركة قلما تخلو عن قليل الدين ولا يجوز لاحد الوصيين أن يكاتب بغير اذن
صاحبه في قول أبي حنيفة ومحمد ويجوز في قول أبى يوسف وأصل المسألة انه هل لاحد الوصيين أن يتصرف في
مال اليتيم بغير اذن صاحبه فهو على الخلاف الذي ذكرنا وهي من مسائل كتاب الوصايا ولوصي الوصي أن يكاتب
135

لأنه قائم مقام الوصي وسواء كان المملوك محجورا أو مأذونا بالتجارة وعليه دين أو لا دين عليه لان الدين لا يوجب
زوال الملك عنه فتنفذ المكاتبة الا أنه إذا كان عليه دين محيط أو غير محيط فللغرماء أن يردوا المكاتبة لان لهم حق
الاستيفاء من رقبته وهو بالمكاتبة أراد ابطال حقهم فكان لهم أن ينقضوا كما لو باعه وعليه دين محيط أو غير محيط
ان البيع ينفذ لكن للغرماء أن ينقضوا الا إذا كان قضى المولى دينهم من مال آخر قبل أن ينقضوا فليس لهم أن ينقضوا
ومضت المكاتبة لأنها وقعت جائزة لوقوعها في الملك الا أنه كان للغرماء النقض لقيام حقهم فإذا قضى دينهم فقد زال
حقهم فبقيت جائزة ولا يرجع المولى بما قضى من الدين على المكاتب لأنه بقضاء الدين أصلح مكاتبته فكان عاملا
لنفسه وكذا لو أبى المولى أن يؤدى الدين وأداه الغلام عاجلا مضت المكاتبة لما قلنا ولا يرجع العبد على المولى بما
أدى لما قلنا فإن كان المولى أخذ البدل ثم علم الغرماء بذلك فلهم أن يأخذوا من المولى ما أخذ من بدل الكتابة لأنه
كسب العبد المديون وأنه يؤخذ من المولى والعتق واقع اما من طريق المعارضة لسلامة العوض للمولى واما من
طريق التعليق بالشرط لوجود الشرط وهو أداء بدل الكتابة والعتق بعد وقوعه لا يحتمل النقض فان بقي من دينهم
شئ كان لهم أن يضمنوا المولى قيمته لأنه أبطل حقهم في قدر قيمة العبد حيث منعهم عن بيعه بوقوع العتق ولهم أن
يبيعوا العبد ببقية دينهم لان الدين كان ثابتا في ذمته متعلقا برقبته وقد بطلت الرقبة بالحرية فبقيت الذمة فكان لهم أن
يبيعوه ولا يرجع المولى على العبد بما اخذ منه من بدل الكتابة لان المولى حين كاتبه كانت رقبته مشغولة بالدين
فكانت مكاتبته إياه مع علمه ان الغرماء أحق منه بكسبه دلالة الرضا بما أخذ منه ولو كان العبد مرهونا أو مؤاجرا
فكاتبه وقفت المكاتبة على إجازة المرتهن والمستأجر فان أجازا جاز وان فسخا هل تنفسخ بفسخهما فهو على ما نذكر
في البيوع والإجارات إن شاء الله تعالى وسواء كان المملوك قنا أو غيره حتى لو كانت مدبرة أو أم ولد جازت المكاتبة
لقيام الملك إذ التدبير والاستيلاد لا يزيلان الملك وهما من باب استعجال الحرية فان أديا وعتقا فقد مضى الامر وان
مات المولى قبل الأداء عتقا لأنهما يعتقان بموت السيد هذا إذا كانا يخرجان من الثلث فإن كانا لا يخرجان من الثلث
فأم الولد تعتق من غير اعتبار الثلث ولا تسعى وأما المدبر فله الخيار في قول أبي حنيفة ان شاء سعى في جميع الكتابة
وان شاء سعى في ثلثي القيمة إذا كان لا مال له غيره فان اختار الكتابة سعى على النجوم وان اختار السعاية في ثلثي
قيمته يسعى حالا وعند أبي يوسف ومحمد لا خيار له لكن عند أبي يوسف يسعى في الأقل من جميع الكتابة ومن
ثلثي القيمة وعند محمد يسعى في الأقل من ثلثي الكتابة ومن ثلثي القيمة وقد ذكرنا المسألة في كتاب الاستيلاد
ومنها الرضا وهو من شرائط الصحة فلا تصح المكاتبة مع الاكراه والهزل والخطأ لأنها من التصرفات التي تحتمل
الفسخ فيفسدها الكره والهزل والخطأ كالبيع ونحوه وأما حرية المكاتب فليست من شرائط جواز المكاتبة
فتصح مكاتبة المكاتب لما نذكر إن شاء الله تعالى وكذا اسلامه فتجوز مكاتبة الذمي عبده الكافر لقوله صلى الله
عليه وسلم فإذا قبلوا عقد الذمة فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وللمسلمين أن يكاتبوا عبيدهم فكذا
لأهل الذمة ولان المكاتبة مشتملة على معنى المعاوضة والتعليق وكل واحد منهما يملكه الذمي حالة الانفراد وكذا
عند الاجتماع والذمي إذا ابتاع عبدا مسلما فكاتبه فهو جائز وهذا فرع أصلنا في شراء الكافر العبد المسلم انه جائز الا
أنه يجبر على بيعه صيانة له عن الاستدلال باستخدام الكافر إياه والصيانة تحصل بالكتابة لزوال ولاية الاستخدام
بزوال يده عنه بالمكاتبة وأما مكاتبة المرتد فموقوفة في قول أبي حنيفة فان قتل أو مات على الردة أو لحق بدار الحرب
بطلت وان أسلم نفذت وعندهما هي نافذة وهي من مسائل السير والله عز وجل الموفق
(فصل) وأما الذي يرجع إلى المكاتبة فأنواع أيضا منها أن لا يكون فيه خطرا لعدم وقت المكاتبة وهو شرط
الانعقاد حتى لو كاتب ما في بطن جاريته لم ينعقد لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع فيه غرر والمكاتبة فيها معنى
البيع ومنها أن يكون عاقلا وهو من شرائط الانفاد حتى لو كاتب عبدا له مجنونا أو صغيرا لا يعقل لا تنعقد مكاتبته
136

لان القبول أحد شطرى الركن وأهلية القبول لا تثبت بدون العقل لان ما هو المقصود من هذا العقد وهو الكسب
لا يحصل منه فان كاتبه فادى البدل عنه رجل فقبله المولى لا يعتق لان العتق لا ينعقد بدون القبول ولم يوجد فكان
أداء الأجنبي أداء من غير عقد فلا يعتق وله أن يسترد ما أدى لأنه أداه بدلا عن العتق ولم يسلم العتق ولو قبل عنه الرجل
الكتابة ورضى المولى لم يجز أيضا لان الرجل قبل الكتابة من غيره من غير رضاه ولا يجوز قبول الكتابة عن غيره
بغير رضاه وهل يتوقف على إجازة العبد بعد البلوغ ذكر القدوري أنه لا يتوقف وذكر القاضي في شرحه مختصر
الطحاوي أنه يتوقف والصحيح ما ذكره القدوري لان تصرف الفضولي إنما يتوقف على الإجازة إذا كان له
مجيز وقت التصرف وههنا لا مجيز له وقت وجوده إذ الصغير ليس من أهل الإجازة فلا يتوقف بخلاف ما إذا كان
العبد كبيرا غائبا فجاء رجل وقبل الكتابة عنه ورضى المولى ان الكتابة تتوقف على إجازة العبد لأنه من أهل الإجازة
وقت قبول الفضولي عنه فكان له مجيزا وقت التصرف فتوقف فلو أدى القابل عن الصغير إلى المولى ذكر في الأصل
أنه يعتق استحسانا وجعله بمنزلة قوله إذا أديت إلى كذا فعبدي حر وقال وهذا والكبير سواء القياس أن لا يعتق
لان المكاتبة على الصغير لم تنعقد لأنه ليس من أهل القبول فيبقى الأداء بغير مكاتبة فلا يعتق وجه الاستحسان ان
المكاتبة فيها معنى المعاوضة ومعنى التعليق والمولى إن كان لا يملك الزام العبد العوض يملك تعليق عتقه بالشرط فيصح
من هذا الوجه ويتعلق العتق بوجود الشرط وكذا إذا كان العبد كبيرا غائبا فقبل الكتابة عنه فضولي وأداها إلى
المولى يعتق استحسانا وليس للقابل استرداد المؤدى والقياس أن لا يعتق وله أن يسترد لما قلنا هذا إذا أدى الكل
فان أدى البعض فله ان يسترد قياسا واستحسانا لأنه إنما أدى ليسلم العتق والعتق لا يسلم بأداء بعض بدل الكتابة
فكان له أن يسترد الا إذا بلغ العبد فأجاز قبل أن يسترد القابل فليس له ان يسترد بعد ذلك لان بالإجازة استند جواب
العقد إلى وقت وجوده والأداء حصل عن عقد جائز فلا يكون له الاسترداد فلو أن العبد عجز عن أداء الباقي ورد في
الرق فليس له أن يسترد أيضا وان رد العبد في الرق لان المكاتبة لا تنفسخ بالرد في الرق بل تنتهى في المستقبل فكان
حكم العقد قائما في القدر المؤدى فلا يكون له الاسترداد بخلاف باب البيع بأن من باع شيئا ثم تبرع انسان بأداء
الثمن ثم فسخ البيع بالرد العيب أو بوجه من الوجوه ان للمتبرع ان يسترد ما دفع لان الرفع كان بحكم العقد وقد انفسخ
ذلك العقد وكذلك لو تبرع رجل بأداء المهر عن الزوج ثم ورد الطلاق قبل الدخول انه يسترد منها النصف لان
الطلاق قبل الدخول فسخ من وجه ولو كانت الفرق من قبلها قبل الدخول بها فله أن يسترد منها كل المهر ولا يكون
المهر للزوج بل يكون للمتبرع لانفساخ النكاح هذا كله إذا أدى القابل فلو امتنع القابل عن الأداء لا يطالب بالأداء
الا إذا ضمن فحينئذ يؤخذ به بحكم الضمان فاما بلوغه فليس بشرط حتى لو كاتبه وهو يعقل البيع والشراء جازت
المكاتبة ويكون كالكبير في جميع أحكامه عندنا خلافا للشافعي لان المكاتبة اذن في التجارة واذن الصبي العاقل
بالتجارة صحيح عندنا خلافا له وهي من مسائل المأذون
(فصل) وأما الذي يرجع إلى بدل الكتابة فمنها أن يكون مالا وهو شرط الانعقاد فلا تنعقد المكاتبة على الميتة
والدم لأنهما ليسا بمال في حق أحد لا في حق المسلم ولا في حق الذمي ألا ترى ان المشترى بهما لا يملك وان قبض
ولا تنعقد عليهما الا مكاتبة حتى لا يعتق وان أدى لان التصرف الباطل لا حكم له فكان ملحقا بالعدم الا إذا كان قال
على أنك ان أديت إلى فأنت حر فادى فإنه يعتق بالشرط وإذا أعتق بالشرط لا يرجع المولى عليه بقيمته لان هذا
ليس بمكاتبة إنما هو اعتاق معلق بالشرط بمنزلة قوله إن دخلت الدار فأنت حر ومنها أن يكون متقوما وانه من شرائط
الصحة فلا تصح مكاتبة المسلم عبده المسلم أو الذمي على الخمر أو الخنزير ولا مكاتبة الذمي عبده المسلم على الخمر والخنزير
لان الخمر وإن كان مالا في حق المسلمين فهي غير متقومة في حقهم فانعقدت المكاتبة على الفساد فان أدى يعتق وعليه
قيمة نفسه لان هذا حكم المكاتبة الفاسدة على ما نذكر في بيان حكم المكاتبة أما الذمي فتجوز مكاتبته عبده الكافر على
137

خمر أو خنزير لان ذلك مال متقوم عندهم كالخل والشاة عندنا فان كاتب ذمي عبد ا له كافرا على خمر فأسلم أحدهما
فالمكاتبة ماضية وعلى العبد قيمة الخمر لان المكاتبة وقعت صحيحة لكون الخمر مالا متقوما في حقهم الا أنه إذا أسلم
أحدهما فقد تعذر التسليم أو التسلم لان المسلم منهى عن ذلك فتجب قيمتها ولا ينفسخ العقد بخلاف ما إذا اشترى الذمي
من ذمي شيئا بخمر ثم أسلم أحدهما قبل قبض الثمن الخمر ان البيع يبطل وههنا لا تبطل المكاتبة لان عقد المكاتبة مبناه على
المساهلة والمسامحة نظرا للعبيد لا لهم إلى شرف الحرية فلا ينفسخ بتعذر تسليم المسمى أو تسلمه بل يصار إلى بدله
فاما البيع فعقد مماكسة ومضايقة لا تجرى فيه من السهولة ما يجرى في المكاتبة فينفسخ عند تعذر تسليم عين المسمى
ويرتفع وإذا ارتفع لا يتصور تسليم القيمة مع ارتفاع سبب الوجوب ومنها أن يكون معلوم النوع والقدر سواء كان معلوم
الصفة أو لا وهو من شرائط الانعقاد فإن كان مجهول القدر أو مجهول النوع لم ينعقد وإن كان معلوم النوع والقدر
مجهول الصفة جازت المكاتبة والأصل ان الجهالة متى فحشت منعت جواز المكاتبة والا فلا وجهالة النوع والقدر
جهالة فاحشة وجهالة الصفة غير فاحشة فإنه روى عن عمر رضي الله عنه انه أجاز المكاتبة على الوصفاء بمحضر من
الصحابة رضي الله عنهم فيكون اجماعا على الجواز والاجماع على الجواز اجماع على سقوط اعتبار هذا النوع من
الجهالة في باب الكتابة وبيان هذا الأصل في مسائل إذا كاتب عبده على ثوب أو دابة أو حيوان أو دار لم تنعقد حتى
لا يعتق وان أدى لان الثوب والدار والحيوان مجهول النوع لاختلاف أنواع كل جنس وأشخاصه اختلافا
متفاحشا وكذا الدور تجرى مجرى الأجناس المختلفة لتفاحش التفاوت بين دار ودار في الهيئة والتقطيع وفى القيمة
باختلاف المواضع من البلد ان والمحال والسكك ولهذا منعت هذه الجهالة صحة التسمية والاعتاق على مال والنكاح
والخلع والصلح عن دم العمد فصارت هذه الأشياء لكثرة التفاوت في أنواعها وأشخاصها بمنزلة الأجناس المختلفة
فيصير كأنه كاتبه على ثوب أو دابة أو حيوان أو دار فأدى طعاما ولو كان كذلك لا يعتق وان أدى أعلى الثياب والدواب
والدور بخلاف ما إذا كاتبه على قيمة فادى القيمة انه يعتق لان التفاوت بين القيمتين لا يلحقها بجنسين فكانت
جهالة القيمة مفسدة للعقد لا مبطلة له وان كاتبه على ثوب هروى أو عبد أو جارية أو فرس جازت المكاتبة لان
الجهالة ههنا جهالة الوصف انه جيد أو ردئ أو وسط وانها لا تمنع صحة التسمية كما في النكاح والخلع والأصل ان
الحيوان يثبت دينا في الذمة في مبادلة المال بغير المال كما في النكاح ونحوه فتصح التسمية ويقع على الوسط كما في
باب الزكاة والدية والنكاح وكذا لو كاتبه على وصيف يجوز ويقع على الوسط ولو جاء العبد بقيمة الوسط في هذه
المواضع يجبر المولى على القبول كما في النكاح والخلع ونحوهم ولو كاتبه على لؤلؤة أو ياقوتة لم ينعقد لان الجهالة متفاحشة
ولو كاتبه على كر حنطة أو ما أشبه ذلك من المكيل والموزون ولم يصف يجوز وعليه الوسط من جنسه لأنه ثبت
دينا في الذمة في مبادلة المال بالمال إذا كان موصوفا ويثبت في مبادلة ما ليس بمال بمال وان لم يكن موصوفا كالنكاح
والخلع والصلح عن دم العمد والاعتاق على مال والمكاتبة معاوضة ما ليس بمال بمال في جانب المولى فتجوز
المكاتبة عليه ويجب الوسط ولو كاتبه على حكمه أو على حكم نفسه لم تنعقد لان الجهالة ههنا أفحش من جهالة النوع
والقدر لان البدل هناك مسمى ولا تسمية للبدل ههنا رأسا فكانت الجهالة أكثر والى هذا أشار في
الأصل فقال أرأيت لو حكم المولى عليه بملء ء الأرض ذهبا كان يلزمه أو حكم العبد على نفسه بفلس هل كان يعتق فلم
ينعقد العقد أصلا فلا يعتق بالحكم وان كاتب على ألف درهم إلى العطاء أو إلى الدياس أو إلى الحصاد أو نحو ذلك مما
يعرف من الأجل جاز استحسانا والقياس ان لا يجوز لان الأجل مجهول وجهالة الأجل تبطل البيع فتبطل المكاتبة
وجه الاستحسان ان الجهالة تدخل في صلب العقد لأنها لا ترجع إلى البدل وإنما دخلت في أمر زائد ثم هي غير
متفاحشة فلا توجب فساد المكاتبة وكجهالة الوصف بخلاف البيع إلى هذه الأوقات انه يفسد لان الجهالة لا توجب
فساد العقد لذلتها بل لافضائها إلى المنازعة عل ما تجرى في هذا القدر في المكاتبة لان مبناها على المسامحة
138

بخلاف البيع فان مبناه على المماكسة فيفضى إلى المنازعة ولهذا جازت الكفالة إلى هذه الأوقات ولم يجز تأجيل
الثمن إليها في البيع بخلاف المكاتبة إلى مجئ المطر وهبوب الريح لأنه ليس لذلك وقت معلوم ففحشت الجهالة فان
كاتبه إلى العطاء فاخذ العطاء فان الأجل يحل في مثل الوقت الذي كان يخرج فيه العطاء لان المراد به العرف والعادة
وقت العطاء لا عين العطاء وكذا في الحصاد والدياس ولو كاتبه على قيمته فالمكاتبة فاسدة لان القيمة تختلف بتقويم
المقومين فكان البدل مجهول القدر وانه مجهول جهالة فاحشة ولهذا منعت صحة التسمية في باب النكاح حتى عدل إلى
مهر المثل فتمنع صحة المكاتبة بل أولى لان النكاح يجوز بدون تسمية البدل ولا جواز للمكاتبة من غير تسمية البدل فلما
لم تصح تسمية القيمة هناك فلان لا تصح ههنا أولى ولان جهالة القيمة موجب للعقد الفاسد فكان ذكرها نصا على
الفساد بخلاف ما إذا كاتبه على عبد لان جهالة العبد جهالة الوصف أي جيد أو ردئ أو وسط فعند الاطلاق يقع
على الوسط والوسط معلوم عندهم ألا ترى ان أبا حنيفة جعل قيمة الوسط أربعين دينار فاما المكاتبة على القيمة
فليست بمكاتبة على بدل معلوم عند الناس عند اطلاق الاسم فصار كما لو كاتبه على ألف أو على ألفين غير أنه إذا أدى
القيمة عتق لأن العقد الفاسد له حكم في الجملة عندنا كالبيع الفاسد إذا اتصل به القبص والنكاح الفاسد إذا اتصل
به الدخول حتى يثبت الملك في البيع وتجب العدة والعقر ويثبت النسب في النكاح وكذا المكاتبة الفاسدة ولو قال
كاتبتك على دراهم فالمكاتبة باطلة ولو أدى ثلاثة دراهم لا يعتق لان البدل مجهول جهالة متفاحشة وليس للدراهم
وسط معلوم حتى يقع عليه الاسم بخلاف ما إذا قال أعتقتك على دراهم فقبل العبد عتق وتلزمه قيمة نفسه لان العتق
هناك وقع بالقبول والجهالة متفاحشة فلزمه قيمة نفسه ولو كاتبه على أن يخدمه شهرا فهو جائز استحسانا والقياس ان
لا يجوز وجه القياس ان الخدمة مجهولة لأنها مختلفة ولا يدرى في أي شئ يستخدمه وانه يستخدمه في الحضر أو في
السفر وجهالة البدل تمنع صحة الكتابة وجه الاستحسان ان الخدمة المطلقة تنصرف إلى الخدمة المعهودة فتصير
معلومة بالعادة وبحال المولى انه في أي شئ يستخدمه وبحال العبد انه لأي شئ يصلح فصار كما لو عينها نصا ولهذا
جازت الإجارة على هذا الوجه فالمكاتبة أولى لأنها أقبل للجهالة من الإجارة ولو كاتبه على أن يخدم رجلا شهرا فهو
جائز في القياس كذا ذكره في الأصل ولم يرد به قياس الأصل لان ذلك يقتضى ان لا يجوز لما ذكرنا وإنما أراد به القياس
على الاستحسان الذي ذكرنا ويجوز القياس على موضع الاستحسان إذا كان الحكم في الاستحسان معقول
المعنى كقياس الجماع ناسيا على قياس الأكل والشرب ناسيا ولان المنافع أموال في العقود وانها تصير معلومة بذكر
المدة فلا فرق بين ان يستأجر رجلا ليخدمه أو ليخدم غيره وكذلك لو كاتبه على أن يحفر بئرا قد سمى له طولها وعمقها
ومكانها أو على أن يبنى له دارا وأراه آجرها وجصها وما يبنى بها لأنه كاتبه على بدل معلوم ألا ترى ان الإجارة عليه جائزة
فالكتابة أولى ولو كاتبه على أن يخدمه ولم يذكر الوقت فالكتابة فاسدة لان البدل مجهول ومنها ان لا يكون البدل ملك
المولى وهو شرط الانعقاد حتى لو كاتبه على عين من أعيان مال المولى لم يجز لأنه يكون مكاتبة بغير بدل في الحقيقة فلا يجوز
كما إذا باع داره من إنسان بعبد هو لصاحب الدار انه لا يجوز البيع لأنه يكون بيعا بغير ثمن في الحقيقة كذا هذا وكذا
لو كاتبه على ما في يد العبد من الكسب وقت المكاتبة لان ذلك مال المولى فيكون مكاتبة على مال المولى فلم يجز وأما
كون البدل دينا فهل هو شرط جواز الكتابة بان كاتبه على شئ بعينه من عبد أو ثوب أو دار أو غير ذلك مما يتعين بالتعيين
وهو ليس من أعيان مال المولى ولا كسب العبد ولكنه ملك أجنبي وهو معين مشار إليه ذكر في كتاب المكاتب
إذا كاتب عبده عل عبد بعينه لرجل لم يجز ولم يذكر الخلاف وذكر في كتاب الشرب إذا كاتبه على أرض لرجل
جاز ولم يذكر الخلاف وذكر ابن سماعة الخلاف فقال لا يجوز عند أبي حنيفة ويجوز عند أبي يوسف وعند محمد ان أجاز
صاحبه جاز والا لم يجز واطلاق رواية كتاب المكاتب يقتضى ان لا يجوز أجاز أو لم يجز واطلاق رواية كتاب
الشرب يقتضى الجواز أجاز أو لم يجز ولأنه لما جاز عند عدم الإجازة فعند الإجازة أولى ويجوز أن يكون قول محمد
139

تفسيرا للروايتين المبهمتين فتحمل رواية كتاب المكاتب على حال عدم الإجازة ورواية كتاب الشرب على
حال الإجازة وجه رواية كتاب المكاتب انه كاتبه على مال لا يملك لأنه كاتبه على عبد هو ملك الغير فلا يجوز
وبه علل في الأصل فقال لأنه كاتبه على ما لا يملك لأنه كاتبه على ملك الغير وشرح هذا التعليل ان المكاتبة عقد وضع
لاكساب المال والعبد لا يقدر على اكساب هذا العين لا محالة لان مالك العبد قد لا يبيعه وقد يبيعه فلا يحصل
ما وضع له العقد ولأنا لو قضينا بصحة هذه المكاتبة لفسدت من حيث تصح لأنه إذا كاتبه على عبد هو ملك الغير ولم
يجز المالك فقد تعذر عليه التسليم فكان موجبها وجوب قيمة العبد فيصير كأنه كاتبه على قيمة عبد فيفسد من حيث
يصح وما كان في تصحيحه افساده فيقضى بفساده من الأصل أو يقال إذا تعذر عليه التسليم فاما ان تجب على قيمة
العبد أو قيمة نفسه وكل ذلك فاسد وجه رواية كتاب الشرب وهو المروى عن أبي يوسف أيضا ان المكاتبة في
معنى الاعتاق على مال ثم لو أعتق عبده على عبد بعينه لرجل فقبل العبد جاز وجه ما روى عن محمد عن التوقف على
الإجازة ان هذا عقد له مجيز حال وقوعه فيتوقف على الإجازة كالمبيع وكذلك كلما عينه من مال غيره من عرض أو
مكيل أو موزون لأن هذه الأشياء كلها تتعين في العقود بالتعيين فكانت كالعبد ولو قال كاتبتك على ألف
فلأن هذه جازت المكاتبة لان الدراهم لا تعين بالتعيين في عقود المعاوضات فيقع العقد على مثلها في الذمة لا على
عينها فيجوز وان أدى غيرها عتق لان المكاتبة وقعت على ما في الذمة وسواء كان البدل قليلا أو كثيرا لان دلائل
جواز المكاتبة لا يفصل بين القليل والكثير وسواء كان مؤجلا أو غير مؤجل عندنا عند الشافعي لا يجوز الا
مؤجلا وهو على قلب الاختلاف في السلم انه لا يجوز الا مؤجلا عندنا وعنده يجوز مؤجلا وغير مؤجل فالحاصل
انه لا خلاف في جواز المكاتبة على بدل مؤجل واختلف في الجواز على بدل غير مؤجل قال أصحابنا يجوز وقال الشافعي
لا يجوز الا مؤجلا منجما بنجمين فصاعدا وجه قوله إن العبد عاجز عن تسليم البدل عند العقد لأنه معسر لا مال
له والعجز عن التسليم عند العقد يمنع انعقاده بدليل انه لو طرأ على العقد يرفعه فإذا قارنه يمنعه من الانعقاد من طريق
الأولى لان المنع أسهل من الرفع وكذا مأخذ الاسم يدل على ما قلنا فان الكتابة مأخوذة من الكتاب والكتاب
يذكر بمعنى الأجل قال الله عز وجل وما أهلكنا من قرية الا ولها كتاب معلوم أي أجل لا يتقدم ولا
يتأخر فسمى هذا عقد كتابة لكون البدل فيه مؤجلا ويذكر بمعنى الكتابة معروف وهو المكتوب سمى
العقد بذلك لان البدل يكتب في الديوان والحاجة إلى الكتابة للمؤجل لا للحال فكان الأجل فيه شرطا كالمسلم
لما كان مأخوذا من التسليم كان تسليم رأس المال فيه شرطا لجواز السلم وكذا الصرف لما كان ينبئ عن نقل
البدل من يد إلى يد كان القبض فيه من الجانبين شرطا كذا هذا ولنا قوله عز وجل فكاتبوهم ان علمتم فيهم
خيرا من غير فصل بين الحال والمؤجل ولان بدل الكتابة دين يجوز الاستبدال به قبل القبض فلا يشترط فيه
التأجيل كسائر الديون بخلاف بدل الصرف والسلم أما قوله إن العبد عاجز عن تسليم البدل عند العقد فمسلم
لكن الأداء يكون بعد العقد ويحتمل حدوث القدرة بعده بأنه يكتب مالا بقبول هبة أو صدقه فيؤدى بدل
الكتابة وأما مأخذ الاسم فالكتابة تحتمل معان يقال كتب أي أوجب قال الله تعالى كتب على نفسه
الرحمة وكتب أي ثبت قال الله تعالى كتب في قلوبهم الايمان وكتب أي حكم وقضى قال الله تعالى كتب الله
لأغلبن أنا ورسلي وشئ من هذه المعاني لا ينبئ عن التأجيل ثم إذا كانت المكاتبة حالة فان أدى البدل حين
طالبه المولى بها والا يرد في الرق سواء شرط ذلك في العقد أو لم يشرط بان قاله له ان لم تؤدها إلى حالة فأنت رقيق أو لم يقل
لأنه كاتبه على بدل موصوف بصفة الحلول فلم يكن راضيا بدون تلك الصفة وكذلك إذا كانت منجمة بنجوم
معلومة فعجز عن أول نجم منها يرد إلى الرق في قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يرد حتى يتوالى عليه نجمان
احتج أبو يوسف بما ورى عن علي رضي الله عنه أنه قال المكاتب إذا توالى عليه نجمان رد في الرق فقد شرط حلول
140

نجمين للرد في الرق ولان العجز لا يتحقق الا عند حلول نجمين لجواز ان يقرضه انسان أو يحصل له مال من موضع
آخر فيؤدى فإذا اجتمع عليه مال نجمين فقد تحقق عجزه ولهما ما روى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما انه
كاتب عبدا له فعجز عن نجم واحد فرده إلى الرق والظاهر أن ذلك كان على علم من الصحابة رضي الله عنهم ولم
ينقل انه أنكر عليه أحد فيكون اجماعا ولان المولى شرط عليه في كل نجم قدرا من المال وانه شرط معتبر مفيد من
شرائط الكتابة فكان له أن يرده إلى الرق عند قواته كما لو عجز عن نجمين وأما احتجاجه بقول علي رضي الله عنه
فغير سديد لأنه احتجاج بالمسكوت لان فيه انه إذا توالى عليه نجمان يرد إلى الرق وليس فيه انه إذا كسر نجما
واحدا ماذا حكمه أو يحمل على الندب وبه نقول إن المكاتب إذا كسر نجما يندب مولاه إلى أن لا يرده إلى الرق
ما لم يتوالى عليه نجمان رفقا به ونظرا فان عجز عن نجمين على أصله أو عن نجم على أصلهما فإن كان له مال حاضر أو
غائب مرجو حضوره بان قال لي مال على إنسان أو حال يجئ في القافلة فان القاضي ينتظر فيه يومين أو ثلاثة
استحسانا لان هذا القدر من التأخير ما لا ضرر فيه على المولى وفيه رجاء وصول كل واحد منهما إلى حقه فيفعل
القاضي ذلك عند رجاء الوصول ولو اختلف المولى والمكاتب في قدر البدل أو جنسه بان قال المولى كاتبتك على
ألفين أو على الدنانير وقال العبد كاتبتني على ألف أو على الدراهم فالقول قول المكاتب في قول أبي حنيفة الآخر
سواء كان قد أدى عن بدل الكتابة شيئا أو كان لم يؤد وكأن يقول أولا يتحالفان ويترادان كالبيع لان في
المكاتبة معنى المبادلة ثم رجع وقال القول قول المكاتب لأنه المستحق عليه ومتى وقع الاختلاف في قدر المستحق أو
جنسه فالقول قول المستحق عليه في الشرع كما في سائر الديون ولان القياس يمنع التحالف لما نذكر في كتاب
البيوع إن شاء الله تعالى الا أن الشرع ورد بخلاف القياس في البيع وانه مبادلة المال بالمال مطلقا والكتابة بخلافه
فلم تكن في معنى البيع فلا يقاس عليه والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما الذي يرجع إلى نفس الركن من شرائط الصحة فخلوه عن شرط فاسد وهو الشرط المخالف لمقتضى العقد
الداخل في صلب العقد من البدل فإن لم يخالف مقتضى العقد جاز الشرط والعقد وان خالف مقتضى العقد لكنه لم يدخل
في صلبه يبطل الشرط ويبقى العقد صحيحا وإنما كان كذلك لان عقد الكتابة في جانب المعقود عليه وهو العبد بمنزلة
الاعتاق لما فيه من فك الحجر واسقاطه والاعتاق مما لا يبطله الشروط الفاسدة وفيما يرجع إلى البدل وجانب المولى بمنزلة
البيع لان المولى عقد عقدا يؤول إلى زوال ملكه عنه فكان كالبيع والبيع مما يفسده الشروط الفاسدة لنهى النبي
صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط فيجعل من الشروط الداخلة في صلب العقد كالبيع فيعمل فيه الشرط الفاسد وفيما
لا يدخل في صلب العقد من الشروط يجعل كالاعتاق فلا يؤثر فيه الشرط الفاسد عملا بالمعنيين جميعا بقدر الامكان
وعلى هذا مسائل إذا كاتب جارية على ألف درهم على أن يطأها ما دامت مكاتبة أو على أن يطأها مرة فالكتابة فاسدة
لأنه شرط فاسد لكونه مخالفا مقتضى العقد لان عقد المكاتبة يوجب حرمة الوطئ وانه دخل في صلب العقد لدخوله في
البدل حيث جعل بدل الكتابة بألف درهم ووطئها ففسدت المكاتبة ولو كاتبه على ألف درهم على أن لا تخرج من المصر
أو على أن لا يسافر فالشرط فاسد لأنه يخالف مقتضى العقد لأن العقد يقتضى انفكاك الحجر وانفتاح طريق الاطلاق
له إلى أي بلد ومكان شاء فيفسد الشرط لكن لا يفسد عقد الكتابة لأنه شرط لا يرجع إلى صلب العقد ومثله من
الشروط لا يوجب فساد العقد لما بينا من الفقه فلو أنها أدت الألف في المسألة الأولى عتقت في قول عامة العلماء وقال
بشر بن غياث المريس لا تعتق وجه قوله إن المولى جعل شرط العتق شيئين الألف ووطأها والمعلق بشرطين لا ينزل
عند وجود أحدهما كما إذا كاتبها على ألف ورطل من خمر فأدت الألف دون الخمر ولنا ان الوطئ لا يصلح عوضا
في المكاتبة فلا يتعلق العتق به فالحق ذكره بالعدم بخلاف الخمر فإنه يصلح عوضا في الجملة لكونه مالا مقدور التسليم فلم
يلحق بالعدم وتعلق العتق بأدائها ثم إذا أدت فعتقت ينظر إلى قيمتها فإن كانت قيمتها ألف درهم فلا شئ للمولى عليها
141

ولا لها على المولى لأنها مضمونة بالقيمة لكونها مقبوضة بحكم عقد فاسد المقبوض بحكم عقد فاسد مضمون لأنه يجب
عليه رده وهو عاجز عن رد عينه فيرد القيمة لقيامها مقام العين كذا ههنا وجب عليها رد نفسها وقد عجزت لنفوذ العتق فيها
فترد القيمة وهي ألف درهم وقد وصل بتمامه إلى المولى فلا يكون لأحدهما بعد ذلك على صاحبه سبيل كما لو باع رجل
من آخر عبده بألف درهم ورطل من خمر وقبض البائع الألف وسلم العبد إلى المشترى وهلك في يده لا يرجع أحدهما
على صاحبه لوصول ما يستحقه البائع على المشترى إليه فكذا ههنا وإن كانت قيمة الجارية أكثر من ألف رجع المولى
عليها بما زاد على الألف لأنها مضمونة بكمال قيمتها وما أدت إليه كمال قيمتها فيرجع عليها وصار هذا كما إذا باع عبده من
ذمي بألف ورطل من خمر وقبض الألف وسلم العبد وهلك في يد المشترى وقيمته أكثر من ألف انه يرجع بما زاد لما
قلنا كذا هذا وإن كانت قيمة المكاتبة أقل من الألف وأدت الألف وعتقت هل ترجع على المولى بما أخذ من
الزيادة على قيمتها قال أصحابنا الثلاثة ليس لها ان ترجع وقال زفر لها ان ترجع بالزيادة على المولى وجه قوله إن المولى
أخذ منها زيادة على ما يستحقه عليها فكانت الزيادة مأخوذة بغير حق فيجب ردها كما في البيع الفاسد إذا استهلك
المشترى المبيع انه كانت قيمته أكثر من الثمن يرجع البائع على المشترى بالزيادة وإن كانت قيمته أقل يرجع
المشترى على البائع بفضل الثمن كذا ههنا ولنا انها لو رجعت عليه لأدى إلى ابطال العتق لأنها عتقت بأداء الكتابة فلو لم
يسلم المؤدى للمولى لا يسلم العتق للمكاتبة والعتق سالم لها فيسلم المؤدى للمولى لان عقد المكاتبة مشتمل على المعارضة
وعلى التعليق واعتبار جانب المعاوضة يوجب لها حق الرجوع عليه بما زاد على القيمة واعتبار معنى التعليق لا يوجب لها
حق الرجوع كما لو قال لها ان أديت إلى ألفا فأنت حرة فأدت ألفا وخمسمائة وقيمتها ألف عتقت ولا ترجع عليه بشئ
فيقع الشك في ثبوت حق الرجوع فلا يثبت مع الشك وكذا لو كاتبها وهي حامل على ألف ان ما في بطنها من ولد فهو
له وليس في المكاتبة أو كاتب أمة على ألف درهم على أن كل ولد تلده فهو للسيد فالمكاتبة فاسدة لأنه شرط شرطا
مخالفا لموجب العقد لان موجبه أن يكون كل ولد تلده يكون مكاتبا تبعا لها فكان هذا شرطا فاسد أو انه داخل في صلب
العقد لأنه يرجع إلى البدل فيوجب فساد العقد وان أدت الألف عتقت لما قلنا ثم إذا أعتقت ينظر إلى قيمتها والى المؤدى
على ما ذكرنا وكذا لو كاتب عبده على ألف درهم وعلى أن يخدمه ولم يبين مقدار الخدمة فادى الألف عتق لما قلنا ثم
ينظر إلى قيمته والى الألف على ما وصفنا ولو كاتبه على ألف منجمة على أنه ان عجز عن نجم منها فمكاتبته ألفا درهم لم تجز
هذه المكاتبة لتمكن العذر في البدل لأنه لا يدرى انه يعجز أو لا يعجز ويمكن الجهالة فيه جهالة فاحشة فيفسد العقد
ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة وهذا كذلك ولو كاتبه على ألف يؤديها إلى غريم له فهو جائز
وكذا إذا كاتبه على ألف يضمنها لرجل عن سيده فالمكاتبة والضمان جائزان بخلاف البيع إذا باع عبد بألف درهم
يؤديها إلى فلان أو على أن يضمنها المشترى عن البائع لفلان ان البيع فاسد لان البيع يفسد بالشرط الفاسد وهو الشرط
المخالف لمقتضى العقد والكتابة لا تفسد بالشروط الفاسدة إذا لم تكن في صلب العقد كما لو كاتبه على ألف على أن لا يخرج
من المصر أو لا يسافر الا ان هناك شرط الضمان باطل وههنا جائز لان ضمان المكاتب عن سيده كفالته عنه بما عليه
مقيدا جائز لان ذلك واجب عليه فلأن يكون متبرعا في الضمان وضمان المكاتب عن الأجنبي إنما لا يصح لكونه متبرعا
ولم يوجد فان كاتبه على ألف درهم منجمة على أن يؤدى إليه مع كل نجم ثوبا وسمى نوعه جاز لان مكاتبته على بدل معلوم
حيث سمى نوع الثوب فصار الألف مع الثوب بدلا كاملا وكل واحد منهم معلوم ألا ترى ان كل واحد منهما لو
انفرد في العقد جاز وكذا إذا اجمع بينهما وقد قال أصحابنا انه لو ذكر مثل ذلك في البيع جاز بأن يقول بعتك هذا العبد
بألف درهم على أن تعطيني معه مائة دينار وتصير الألف والمائة دينار ثمنا لما قلنا كذا ههنا وكذلك ان قال على أن
تعطيني مع كل نجم عشرة دراهم وكذلك لو قال على أن تؤدى مع مكاتبتك ألف درهم لان الكل صار بدلا في العقد
ولو كاتبه على ألف درهم وهي قيمته على أنه إذا أدى وعتق عليه فعليه ألف أخرى جاز وكان الامر على ما قاله إذا
142

أدى الألف عتق وعليه ألف أخرى بعد العتق لأنه لو جعل الألفين جميعا بدل الكتابة لجاز ولو جعلهما جميعا بعد
العتق لجاز كذا إذا جعل البعض قبل العتق والبعض بعده اعتبار للجزء بالكل وان كاتبه على ألف درهم على نفسه
وماله يعنى على أن يكون المكاتب أحق بنفسه وماله فهو جائز وإن كان للعبد ألف أو أكثر ولا يدخل بينه وبين عبده
ربا كذا ذكر في الأصل وفرق بينه وبين البيع إذا باع عبده مع ماله بألف درهم ومال العبد ألف درهم انه لا يجوز البيع
لان الف يقابل الألف فيبقى العبد زيادة في عقد المعاوضة لا يقابلها عوض فيكون ربا ولا يتحقق الربا ههنا لان الربا
لا يجرى بين العبد وسيده هذا معنى ما أشار إليه في الأصل ثم مال العبد ما يحصل بعد العقد بتجارته أو بقبول الهبة
والصدقة لان ذلك ينسب إلى العبد ولا يدخل فيه ما كان من مال المولى في يد العبد وقت العقد لان ذلك لا ينسب إلى
العبد ولا يدخل فيه الأرش والعقر وان حصلا بعد العقد يكون للمولى لأنه لا ينسب إلى العبد بخلاف بيع الدرهم
بالدرهمين انه لا يجوز ويكون ربا لان مراد محمد في قوله إنه لا يجرى الربا بين العبد وسيده فيما ليس بمعاوضة مطلقة
والكتابة وإن كان فيها معنى المعاوضة فليست بمعاوضة مطلقة وجريان الربا يختص بالمعاوضات المطلقة بخلاف بيع
الدرهم بالدرهمين لان ذاك معاوضة مطلقة لان المولى كالأجنبي عن كسب المكاتب فهو الفرق ولو اختلفا فقال المولى
كان هذا قبل عقد المكاتبة وقال المكاتب كان ذلك بعد العقد فالقول قول المكاتب لان الشئ في يده فكان الظاهر
شاهدا له فكان القول قوله ولو قال العبد كاتبني على ألف درهم على أن أعطيها من مال فلان فكاتبه على ذلك جازت
الكتابة لان هذا شرط فاسد والشروط الفاسدة لا تبطل الكتابة إذا لم تكن داخلة في صلب العقد فلو كاتبه على
ألف درهم على أنه بالخيار أو على أن العبد بالخيار يوما أو يومين أو ثلاثة أيام جاز لان دلائل جواز الكتابة توجب
الفصل ولان الحاجة قد تدعو إلى شرط الخيار في المكاتبة كما تدعو إليه في البيع وهو الحاجة إلى التأمل ولان
الكتابة عقد قابل للفسخ ولا يعتبر فيه القبض في المجلس فجاز ان يثبت فيه خيار الشرط كالبيع فان قيل ثبوت الخيار
في البيع استحسان عندكم فلا يجوز قياس غيره عليه فالجواب ما ذكرنا ان عندنا يجوز القياس على موضع الاستحسان
بشرطه وهو أن يكون الحكم في موضع الاستحسان معقول المعنى ويكون مثل ذلك المعنى موجودا في موضع القياس
وقد وجد ههنا على ما ذكرنا ولا يجوز شرط الخيار فيه أكثر من ثلاثة أيام في قول أبي حنيفة فان أبطل خياره في الأيام
الثلاثة جاز كالبيع وان لم يبطل حتى مضت ثلاثة أيام يتمكن الفساد كما في البيع وعندهما يجوز قلت المدة أو كثرت بعد
إن كانت معلومة من شهر أو نحو ذلك كما في البيع
(فصل) وأما بيان ما يملك المكاتب من التصرفات ومالا يملكه فله ان يبيع ويشترى لأنه صار
مأذونا في التجارة والبيع والشراء من باب التجارة وله ان يبيع بقليل الثمن وكثيره وبأي جنس كان
وبالنقد وبالنسيئة في قول أبي حنيفة وعندهما لا يملك البيع الا بما يتغابن الناس في مثله وبالدراهم والدنانير
وبالنقد لا بالنسيئة كالوكيل بالبيع المطلق وهي من مسائل كتاب الوكالة وله ان يبيع ويشترى
من مولاه لان المكاتب فيما يرجع إلى مكاسبه ومنافعه كالحر فكان فيها بمنزلة الأجنبي فيجوز بيعه من مولاه
وشراؤه منه كما يجوز ذلك من الأجنبي الا انه لا يجوز له أن يبيع ما اشترى من مولاه مرابحة الا أن يبين وكذلك المولى
فيما اشترى منه لان بيع المرابحة بيع أمانة فيجب صيانته عن الخيانة وشبهة الخيانة ما أمكن وكسب المكاتب مال
المولى من وجه فيجب أن يبين حتى يرتفع الشبهة ولا يجوز له أن يبيع من مولاه درهما بدرهمين لأنه بعقد المكاتبة
صار أحق بمكاسبه فصار كالأجنبي في المعاوضة المطلقة وكذا لا يجوز ذلك للمولى لما بينا وله أن يأذن لعبده في التجارة
لان الاذن في التجارة وسيلة إلى الاكتساب والمكاتب مأذون في الاكتساب فان لحقه دين بيع فيه الا ان يؤدى
عنه المكاتب لان اذنه قد صح فصحت استدانته فيباع فيه كما في عبد الحر وله أن يحط شيئا بعد البيع لعيب ادعى
عليه أو يزيد في ثمن شئ قد اشتراه لأنه بالكتابة صار مأذونا بالتجارة وهذا من عمل التجارة وليس له أن يحط بعد
143

البيع بغير عيب ولو فعل لم يجز لأنه من باب التبرع وهو لا يملك التبرع وله أن يرد ما اشترى بالعيب إذا لم يرض به سواء
اشترى من أجنبي أو من مولاه لأنه أولى بكسبه من مولاه فصار كالعبد المأذون إذا كان عليه دين وله الشفعة فيما اشتراه
المكاتب لان املاكهما متميزة ولهذا جاز بيع أحدهما من صاحبه فصارا كالأجنبيين وله ان يأذن لعبده في التجارة
لأنه من باب الاكتساب ولا تجوز هبة المكاتب شيئا من ماله ولا اعتاقه سواء عجز بعد ذلك أو عتق وترك وفاء لان
هذا كله تبرع وكسب المكاتب لا يحتمل التبرع وحكى عن ابن أبي ليلى أنه قال عتقه وهبته موقوفان فان عتق يوما
مضى ذلك عليه وان رجع مملوكا بطل ذلك وجه قوله إن حال المكاتب موقوف بين ان يعتق وبين ان يعجز فكذا
حال عتقه وهبته والجواب ان العقد عندنا إنما يتوقف إذا كان له مجيز حال وقوعه وههنا لا مجيز لعتقه حال وقوعه فلا
يتوقف فإذا وهب هبة أو تصدق ثم عتق ردت إليه الهبة والصدقة حيث كانت لان هذا عقد لا مجيز له حال وقوعه فلا
يتوقف وسواء كان الاعتاق بغير بدل أو ببدل أما بغير بدل فلما قلنا وأما ببدل فلان الاعتاق ببدل ليس من باب
الاكتساب لان العتق فيه يثبت بنفس القبول وبقى البدل في ذمة المفلس ولا يملك التعليق كما لا يملك التنجيز كما لو
قال له ان دخلت الدار فأنت حر لا يصح وكذا إذا قال إن أديت إلى ألفا فأنت حر لا يصح لان ذلك تعليق وليس
بمكاتبة لما ذكرنا في كتاب العتاق وللمكاتب ان يكاتب عبدا من اكسابه استحسانا والقياس ان لا يجوز لأنه عقد
يفضى إلى العتق فلا يجوز كما لو أعتقه على مال وجه الاستحسان ان المكاتبة نوع اكتساب المال والمكاتب يملك
اكتساب المال وهذا ملك البيع وكذا المكاتبة بخلاف الاعتاق على مال فان ذلك ليس باكتساب المال الا ترى
ان المكتسب بعد الاعتاق لا يكون له بل يكون للعبد وإنما المكاتب له دين يتعلق بذمة المفلس فكان ذلك اعتاقا بغير
بدل من حيث المعنى وفى المكاتبة المكسب يكون للمكاتب فلم يكن اعتاقا بغير بدل فافترقا وكذا لو اشترى المكاتب
ذا رحم محرم منه لا يعتق لان شراء القريب اعتاق وهو لا يملك الاعتاق ولو اشترى ذا رحم محرم من مولاه لا يعتق على
مولاه لان هذا كسب المكاتب والمولى لو أعتق عبدا من اكسابه صريحا لا يعتق فبالشراء أولى فان أدى الاعلى أولا
عتق وثبت ولاؤه من المولى لان العتق حصل منه فإذا أدى الأسفل بعد ذلك يثبت ولاؤه من الأعلى لأنه بالعتق صار
من أهل ثبوت الولاء منه وان أدى الأسفل أولا يعتق ويثبت ولاؤه من المولى ولا يثبت من الأعلى لأنه ليس من
أهل ثبوت الولاء فان عتق بعد ذلك لا يرجع إليه الولاء لان ولاء العتاقة متى ثبت لا يحتمل الانتقال بحال وان أديا جميعا
معا ثبت ولاؤهما معا من المولى وليس للمكاتب أن يكاتب ولده ولا والده والأصل ان كل من لا يجوز له أن يبيعه
لا يجوز له أن يكاتبه الا أم ولده لان هؤلاء يعتقون بعتقه فلا يجوز أن يسبق عتقهم عتقه ولأنهم قد دخلوا في كتابة
المكاتب فلا يجوز أن يكاتبوا ثانيا بخلاف أم الولد ولا يملك التصديق الا بشئ يسير حتى لا يجوز له أن يعطى فقيرا درهما
ولا أن يكسوه ثوبا وكذا لا يجوز أن يهدى الا بشئ قليل من المأكول وله أن يدعو إلى الطعام لان ذلك عمل التجار وقد
روى أن سلمان رضي الله عنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مكاتبا فقبل ذلك منه وكذا روى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجيب دعوة المملوك ولان ذلك وسيلة إلى أداء مال الكتابة لأنه يجذب قلوب
الناس فيحملهم ذلك على الاهداء إليه فيمكن من أداء بدل الكتابة ويملك الإجارة والإعارة والايداع لان الإجارة
من التجارة ولهذا ملكها المأذون بالتجارة والإعارة والايداع من عمل التجار وضرورات التجارة ولا يجوز له أن
يقرض لان الفرض تبرع بابتدائه وقيل معنى قوله لا يجوز أي لا يطيب للمستقرض أكله لا ان لا يملكه المستقرض
حتى لو تصرف فيه نفذ تصرفه لأنه تصرف في ملكه ويكون المستقرض مضمونا عليه وهذا كما قلنا في حق الاعتاق
انه لا يجوز ومعناه انه لا يطيب له أكله لكنه يكون مضمونا عليه حتى لو كان عبدا فاعتقه نفذ اعتاقه لأنه أعتق ملك
نفسه كذا قرض المكاتب ولا تجوز وصيته لأنها تبرع ولا تجوز كفالة المكاتب بالمال ولا بالنفس بإذن المولى ولا
بغير اذنه لأنها تبرع أما الكفالة بالنفس فلأنها التزام تسليم النفس من غير عوض والكفالة بالمال التزام تسليم المال من
144

غير عوض إن كانت بغير اذن المكفول عنه وإن كانت باذنه فهي وإن كانت مبادلة في الانتهاء فهي تبرع في الابتداء
والمكاتب ليس من أهل التبرع وسواء أذن المولى فيها أو لم يأذن لان المولى لا يملك كسبه فلا يصح اذنه بالتبرع
ويجوز له أن يتوكل بالشراء وإن كان ذلك يوجب ضمانا عليه للبائع وهو الثمن لان عند بعض مشايخنا ملك المبيع يثبت
له أولا ثم ينتقل منه إلى الموكل فصار كالبيع منه وعند بعضهم إن كان لا يثبت له لكن الوكالة من ضرورات التجارة فان
أدى فعتق لزمته الكفالة لان الكفالة وقعت صحيحة في حقه لأنه أهل الا انه لا يطالب به في الحال لأنه لم يصح في حق
المولى فإذا أعتق فقد زال حق المولى فيطالب به العبد المحجور إذا كفل ثم عتق بخلاف الصبي إذا كفل ثم بلغ لان
الصبي ليس من أهل الكفالة لأنه ليس له قول صحيح في نفسه بخلاف العبد تصرف في ملكه وتجوز كفالته عن سيده
لان بدل الكتابة واجب عليه فلم يكن متبرعا بها والأداء إليه والى غيره سواء وهل يجوز له قبول الحوالة فهذا على
وجهين إن كان عليه دين لانسان وعلى صاحب الدين دين لآخر فاحاله على المكاتب فهو جائز لأنه ضمن مالا كان
واجبا عليه فلم يكن متبرعا ولا فرق بين أن يؤدى إلى هذا أو إلى غيره وإن كان لانسان على آخر دين فاحاله على المكاتب
وقبل الحوالة وليس عليه دين للذي أحال عليه لا يجوز لأنه تبرع وله أن يشارك حرا شركة عنان وليس له أن يشاركه
شركة مفاوضة لان مبنى المفاوضة على الكفالة وهو ليس من أهل الكفالة وشركة العنان غير مبنية على الكفالة بل
على الوكالة والمكاتب من أهل الوكالة ولو كاتب الرجل عبدين له مكاتبه واحدة على ألف درهم على أن كل واحد
منهما كفيل عن صاحبه فهذه المسألة على ثلاثة أوجه اما ان كاتبهما على مال وجعل كل واحد منهما كفيلا
عن صاحبه واما ان كاتبهما على مال ولم يجعل كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه ولكنه قال إن أديا عتقا وان
عجزا ردا في الرق واما ان كاتبهما على مال ولم يكف كل واحد منهما عن صاحبه ولم يقل أيضا ان أديا عتقا وان عجزا
ردا في الرق أما إذا كاتبهما على أن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فالقياس أن لا تجوز هذه الكتابة وفى
الاستحسان تجوز إذا قبلا وجه القياس ان هذه كتابة بشرط الكفالة وكفالة المكاتب عن غير المولى لا تصح ولأنه
كفالة ببدل الكتابة والكفالة ببدل الكتابة باطلة وجه الاستحسان ان هذا ليس بكفالة في الحقيقة بل هو تعليق
العتق بالأداء والمولى بملك تعليق عتقهما بأداء كل واحد منهم ولو فعل هكذا كان جائزا كذلك هذا وأما إذا كاتبهما
على ألف درهم على أنهما ان أديا عتقا وان عجزا ردا في الرق فكذلك الجواب في قول علمائنا الثلاثة وعند زفر كل واحد
منهما مكاتب على حدة فأيهما أدى حصته يعتق وجه قوله إن كل واحد منهما يلزمه كتابة نفسه خاصة فلا
يجب عليه كتابة غيره مال لم يشترطا ولم يوجد الشرط ولنا ان المولى علق عتقهما بأداء الألف فما لم يوجد لا يقع العتق كما
إذا قال لعبد ين له ان دخلتما هذه الدار فأنتما حران فدخل أحدهما لا يعتق ما لم يدخلا جميعا فكذلك ههنا لا يعتق
واحد منهما الا بأداء الألف وإذا لم يعتق واحد منهما الا بأداء الألف صار جميع الألف على كل واحد منهما فصار كما
إذا كفل كل واحد منهما عن صاحبه ونظير هذا الاختلاف ما قالوا في كتاب الطلاق والعتاق ان من قال
لامرأتين له ان شئتما فأنتما طالقان أو قال لعبد ين له ان شئتما فأنتما حران انه على قول زفر أيهما شاء يعتق وانصرف مشيئة
كل واحد منهما إلى عتق نفسه وطلاق نفسها وفى قول علمائنا الثلاثة ما لم توجد مشيئتهما جميعا في طلاقيهما جميعا أو
في عتقيهما جميعا لا يعتق واحد منهما كذلك ههنا وأما الفصل الثالث وهو ما إذا كاتبهما على ألف درهم ولم يقل ان
أديا عتقا وان عجزا ردا في الرق فأيهما أدى حصته فإنه يعتق في قولهم جميعا لأنه لم يعلق عتقهما بأدائهما جميعا فانصرف
نصيب كل واحد منهم إليه خاصة وصار كل واحد منهما مكاتبا على حدة ثم إذا كاتبهما كتابة واحدة فادى
أحدهما شيئا منه كان له أن يرجع على صاحبه بنصفه بخلاف ما إذا كان الدين على رجلين وكل واحد منهم كفيل
عن صاحبه فادى أحدهما شيئا انه لا يرجع على صاحبه ما لم يجاوز النصف فإذا جاوز النصف يرجع على صاحبه
بالزيادة وجه الفرق ان في مسئلتنا هذه لو جعلنا أداء عن نفسه أدى ذلك إلى تغيير شرط المولى لأنه يعتق ومن شرط
145

المولى عتقهما جميعا فإذا كان الامر هكذا فكان أداؤه عن نفسه وعن صاحبه حتى لا يؤدى إلى تغير شرط المولى وهذا
المعنى لم يوجد في تلك المسألة فان أداءه عن نفسه لا يؤدى إلى تغيير شرط المولى فكان أداؤه عن نفسه إلى النصف لان
نصف الدين عليه فان مات أحد المكاتبين لا يسقط شئ من الكتابة ويؤخذ من الحي جميع الكتابة وبمثله لو
أعتق أحدهما سقطت حصته ووجه الفرق بينهما ان الميت من أهل أن تكون عليه الكتابة ألا ترى ان المكاتب
إذا مات عن وفاء يؤدى كتابته وكذا لو ترك والدا تؤخذ منه الكتابة فاما المعتق فليس من أهل أن تجب عليه الكتابة
ألا ترى ان المكاتب لو كان واحدا فاعتقه المولى بطلت عنه الكتابة وكذلك ههنا تبطل حصته والمولى بالخيار ان
شاء أخذ بحصته المكاتب وان شاء أخذ المعتق بحق الكفالة فان أخذ المكاتب لا يرجع عليه لأنه أدى دين نفسه
وان أخذ المعتق وأدى رجع على المكاتب لأنه كفيله ولا يجوز للمكاتب أن يتزوج بغير اذن مولاه وكذا المكاتبة
لان المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما عبد تزوج بغير اذن مولاه فهو عاهر
ولان المولى يملك رقبة المكاتب والمكاتب يملك منافعه ومكاسبه فصار بمنزلة عبد مشترك بين اثنين انه لا ينفرد
أحدهما بالنكاح ولا يزوج ابنه وابنته لأن جواز الانكاح يعتمد الولاية ولا ولاية له إذ هو عبد ولا يزوج عبده لما
قلنا ويزوج أمته ومكاتبه لان تزويجهما من باب الاكتساب وعقد الكتابة عقد اكتساب المال بخلاف
تزويج العبد لأنه يتعلق المهر برقبته فلم يكن اكتسابا ويجوز اقراره بالدين واستيفاؤه لان ذلك من ضرورات
التجارة والمكاتبة اذن بالتجارة فكان هو اذنا بما هو من ضرورات التجارة ولا تجوز وصية المكاتب في ماله وان
ترك وفاء أما إذا لم يترك وفاء فلا شك فيه لأنه مات عبدا فلا تجوز وصيته وأما إذا ترك وفاء فلانا وان حكمنا بعتقه
فإنما حكمنا به قبيل الموت بلا فصل وتلك الساعة لطيفة لا تتسع للفظ الوصية ولو أوصى ثم أدى الكتابة في حال
حياته وعتق فان وصيته على ثلاثة أوجه في وجه لا تجوز بالاجماع وفى وجه تجوز بالاجماع وفى وجه اختلفوا فيه
فاما الوجه الذي تجوز بالاجماع فهو أن يقول إذا عتقت فثلث مالي وصية فادى فعتق ثم مات صحت وصيته بالاجماع
لأنه أضاف الوصية إلى حال الحرية والحر من أهل الوصية وأما الوجه الذي لا تجوز بالاجماع وهو ان يوصى بعين
ماله لرجل فأدى فعتق ثم مات لا يجوز لأنه ما أضاف الوصية إلى حال الحرية وإنما أوصى بعين ماله فيتعلق بملكه
في ذلك الوقت وهو ملك المكاتب وملك المكاتب لا يحتمل التبرع فلا يجوز الا إذا أجاز تلك الوصية بعد العتق
فتجوز لان الوصية مما بجوز الإجازة بدليل ان رجلا لو قال لورثته أجزت لكم أن تعطوا ثلث مالي فلانا كان ذلك
منه وصية وأما الوجه الذي اختلفوا فيه فهو ما إذا أوصى بثلث ماله ثم أدى وعتق ثم مات قال أبو حنيفة لا تجوز
الوصية الا أن يحددها بعد العتق لأنها تعلقت بملك المكاتب وملكه لا يحتمل المعروف وقال أبو يوسف ومحمد تجوز
وهذا نظير ما ذكرنا في كتاب العتاق انه إذا قال العبد أو المكاتب كل مملوك أملكه إذا أعتقت فهو حر فاعتق ثم ملك
مملوكا يعتق بالاجماع ولو لم يقل إذا أعتقت لا يعتق بالاجماع ولو قال كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر فعتق وملك
مملوكا لا يعتق في قول أبي حنيفة وعندهما يعتق والحجج على نحو ما ذكرنا في العتاق ويجوز للمكاتب قبول الصدقات
لقوله تعالى في آية الصدقات وفى الرقاب قيل في التفسير ما أداها المكاتبون ويحل للمولى أن يأخذ ذلك من قضاء من
المكاتبة ويحل له تناوله بعد العجز وإن كان المولى غنيا لأن العين تختلف باختلاف أسباب الملك حكما وإن كانت
عينا واحدة حقيقة والأصل فيه ما روى أن بريرة رضي الله عنها كانت يتصدق عليها وكانت تهدى ذلك إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وكان يأكل منه ويقول هو لها صدقة ولنا هدية وكذلك الفقير إذا مات وترك مالا جمعه من
الصدقات ووارثه غنى يحل له أكله لما قلنا ولو أوصى المكاتب إلى رجل أي جعله وصيا ثم مات فان مات من غير وفاء
بطل ايصاؤه لأنه مات عبد والعبد ليس من أهل الايصاء وان مات بعدما أدى بدل الكتابة جاز الايصاء وتكون
وصيته كوصيته لحر لان الولاية إنما تنقل إليه عند الموت وعند الموت كان حرا فتنتقل الولاية إليه فصار كوصي الحر
146

وان مات عن وفاء ولم يؤد في حال حياته فان وصيه يكون وصيا على أولاده الذين دخلوا في كتابته دون الأولاد
الأحرار الذين ولدوا من امرأة حرة يكون أضعف الأوصياء كوصي الام فيكون له ولاية الحفظ ولا يكون له ولاية
البيع والشراء على رواية الزيادات وعلى رواية كتاب القسمة جعل كوصي الأب حيث أجاز قسمته في العقارات
والقسمة تمنع البيع والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما بيان ما يملك المولى من التصرف في المكاتب وما لا يملكه فيشتمل عليه حكم المكاتبة نذكره في
فصل الحكم إن شاء الله تعالى
(فصل) وأما صفة المكاتبة فنوعان أحدهما انها عقد لازم من جانب المولى إذا كان صحيحا حتى لا يملك فسخه
من غير رضا المكاتب إذا لم يحل نجم أو نجمان على الخلاف غير لازم في جانب المكاتب حتى ينفرد بفسخه من غير
رضا المولى لأنه عقد شرع نظرا للعبيد وتمام نظرهم ان لا يلزم في حقهم ويجوز رد المكاتب إلى الرق وفسخ الكتابة
دون قضاء القاضي عند عامة العلماء وقال ابن أبي ليلى لا يجوز رده الا عند القاضي لأن العقد قد صح فلا ينفسخ الا
بقضاء القاضي ولنا روى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما انه أجاز ذلك ولم ينقل عن غيره خلافه واليه أشار في
الأصل فقال بلغنا ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما ولان المكاتب قد ثبت له الخيار في عقد الكتابة لان له ان يعجز
نفسه ومن له الخيار في العقد إذا فسخ العقد يصح فسخه دون القاضي كالبيع بشرط الخيار وغيره فاما الفاسد منه فغير
لازم من الجانبين حتى ينفرد كل واحد منهما بالفسخ من غير رضا الآخر لأن العقد الفاسد واجب النقض
والفسخ حق للشرع رفعا للفساد كالبيع الفاسد وغيره والثاني انها متجزئة في قول أبي حنيفة وعندهما غير
متجزئه لأنها عقد يفضى إلى العتق والعتق متجزئ عنده وعندهما لا يتجزأ كذا المكاتبة وعلى هذا يخرج ما إذا
كاتب رجل نصف عبده انه جازت الكتابة في النصف وصار نصفه مكاتبا عند أبي حنيفة لان الكتابة متجزئة
عنده فصحت في ذلك النصف لا غير وصار في النصف الآخر مأذونا بالتجارة لان الكتابة تقتضي وجوب أداء
بدل الكتابة ولا يمكنه الأداء الا بالاذن والاذن لا يتجزأ فصار الاذن في قدر الكتابة اذنا في الكل فصار
مأذونا في الكل ونصفه مكاتب فان أدى عتق نصفه وصار النصف الآخر مستسعى فان شاء أعتق وان شاء
استسعى غير مشقوق عليه بمنزلة رجل عتق نصف عبده فان اكتسب العبد مالا قبل الأداء فنصفه له ونصفه
للمولى في قول أبي حنيفة لان نصفه مكاتب ونصفه رقيق في قولهما والكسب كله لمكاتب لأنه كله صار مكاتبا
وما اكتسب بعد الأداء فكله للمكاتب بالاجماع وليس للمولى فيه شئ اما على قولهما فلا يشكل لأنه حر عليه دين
وأما على أصل أبي حنيفة فلان المستسعى كالمكاتب وكسب المكاتب له وإذا كاتب نصف عبده ثم أراد أن يحول بينه
وبين الكسب لم يكن له ذلك لأنه لما كاتب نصفه فقد اذن له بالاكتساب لأنه لا يتوصل إلى أداء بدل الكتابة الا
بالكسب فلا يملك الحجر عليه الا بعد فسخ الكتابة ولا يفسخ الا برضاه بخلاف العبد المأذون كله انه يملك حجره
ومنعه من الاكتساب لأنه إنما صار مأذونا بالقول فيصير محجورا عليه بحجره والاذن ههنا لا يثبت بالقبول بل مقتضى
الكتابة فلا يصير محجورا عليه الا بفسخ الكتابة فان أراد ان يخرج من المصر فله منعه بالقياس ولكن استحسن ان
لا يمنعه وكذلك إذا أراد ان يستخدمه يوما أو يستسعيه يوما ويخلى عنه يوما للكسب له ذلك في القياس ولكن
استحسن ان لا يتعرض له في شئ حتى يؤدى أو يعجز كذا ذكر في الأصل وجه القياس ان نصفه رقيق لم تزل
يده عنه فله أن يمنعه من الخروج من المصر لأجل النصف فيقول له إن كان نصفك مكاتبا فالنصف الآخر غير
مكاتب فلي المنع فكان له أن يمسكه ويستخدمه يوما كالعبد المشترك وجه الاستحسان انه بعقد الكتابة صار مأذونا
بالاكتساب وذلك بالخروج إلى الأمصار فلا يجوز له منعه وان يحول بينه وبين الاكتساب بالاستخدام ولا يمكنه
أن يخرج بالنصف دون النصف أو يستخدم النصف دون النصف فاما ان يجعل النصف الذي هو مكاتب تبعا
147

للنصف الذي ليس بمكاتب أو يجعل النصف الذي هو غير مكاتب تبعا للنصف الذي هو مكاتب وهذا الثاني أولى
لان الحرية والرق إذا اجتمعا غلبت الحرية الرق وفى الكتابة شعبة من العتق لأنها تعقد للعتق في المستقبل وهي سبب
من أسبابه وإذا كاتب نصف عبده ثم أراد ان يبيع الباقي فان باعه من غير العبد لا يجوز لان حق الحرية تعلق بالرقبة
فلا يجوز بيعه من غيره كما لو أعتق نصفه أو دبر نصفه ثم باعه انه لا يجوز كذا هذا ولان المكاتب له أن يكتب ويخرج
من المصر بغير اذن المولى فصار كأنه باعه بشرط ان لا يسلم إلى المشترى ولو فعل هكذا كان البيع فاسدا كذلك هذا
ولو باع نصف نفسه من العبد لا يجوز لان بيع العبد من نفسه بيع في الحقيقة بل هو اعتاق بمال بدليل ان الولاء يثبت
منه بدليل انه لو باع نفس المدبر من المدبر يجوز ولو كان بيعا لما جاز وإذا أعتق نصفه فالعبد بالخيار ان شاء أدى الكتابة
وعتق وان شاء عجز ويسعى في نصف قيمته لأنه يوجه إليها وجها عتق في ذلك النصف عتق بأداء الكتابة وعتق
بالسعاية فله ان يميل إلى أي الوجهين شاء عبد بين رجلين كاتبه أحدهما فالامر لا يخلو اما أن كاتب نصفه أو كله وكل
ذلك لا يخلو اما أن يكون باذن شريكه أو بغير اذنه وإذا أذن فلا يخلو اما ان أذن له بقبض بدل الكتابة أو لم يأذن
فان كاتب نصفه بغير اذن شريكه صار نصيبه مكاتبا لكن لشريكه ان ينقض الكتابة لأنه يتضرر به في الحال
وفى ثاني الحال لأنه لا يجوز بيعه في الحال لان نصفه مكاتب وفى الثاني يصير مستسعى فكان له حق الفسخ
والكتابة تحتمل الفسخ ولا يصح فسخه الا بقضاء القاضي لان الشريك الذي كاتب تصرف في ملك نفسه فلا
يفسخ تصرفه الا بقضاء القاضي أو برضا العبد فإن لم يعلم به الشريك حتى أدى عتق نصفه لان الكتابة نفذت في
نصيبه فإذا وجد شرط العتق عتق ثم الذي لم يكاتب له ان يرجع على الشريك فيقبض منه نصف ما أخذ لان ما أخذه
كان كسب عبد بينهما فكان له ان يشاركه في المأخوذ ثم الذي كاتب له أن يرجع على العبد بما قبض شريكه منه لأنه
كاتبه على بدل ولم يسلم له الا نصفه فكان له أن يرجع عليه إلى تمام البدل وما يكون من الكسب في يد العبد له نصفه
بالكتابة ونصفه لشريكه الذي لم يكاتب هذا في الكسب الذي اكتسبه قبل الأداء وأما ما اكتسبه بعد الأداء فهو
له خاصة لأنه بعد الأداء يصير مستسعى والمستسعى أحق بمنافعه ومكاسبه من السيد فان اختلف العبد والمولى فقال
العبد هذا كسب اكتسبته بعد الأداء وقال المولى بل اكتسبته قبل الأداء فالقول قول العبد لان الكسب شئ
حادث فيحال حدوثه إلى أقرب الأوقات وصار الحكم بعد كعبد بين اثنين أعتقه أحدهما فإن كان موسرا فللشريك
ثلاث اختيارات وإن كان معسرا فخياران هذا إذا كان بغير اذن الشريك فإذا كان باذنه فإن كان لم يأذن له بقبض
الكتابة فهذا والأول سواء الا في فصلين أحدهما انه لا يكون له حق الفسخ ههنا لوجود الرضا والثاني انه ليس له ان
يضمنه نصف قيمة العبد بعدما عتق لأنه رضى بالعتاق حيث أذن له في الكتابة وإن كان أذن له بقبض بدل الكتابة
فهذا والأول سواء الا في ثلاثة فصول اثنان قد ذكرناهما والثالث أن ما قبض ليس له أن يشاركه هذا إذا كاتب
النصف فاما إذا كاتب الكل فهذا والأول سواء الا في فصل واحد وهو انه إذا أخذ الشريك منه نصف ما قبض
من الكتابة لا يرجع ذلك على المكاتب هذا إذا كان بغير اذن الشريك فاما إذا كان باذنه وأجاز قبل أن يؤدى صار
مكاتبا بينهما فلا يعتق جميعه الا بأداء الألف إليهما معا فإذا أدى إليهما معا عتق وان أدى إلى أحدهما أولا لا يعتق
لان المكاتبة وقعت بصيغة واحدة هذا إذا لم يأذن له بقبض الكتابة فان أذن له بقبض الكتابة فان أدى إليهما
عتق كله وان أدى جميعه إلى الذي كاتب عتق كله والألف بينهما وان أدى كله إلى الشريك لا يعتق حتى يصل نصفه
إلى شريكه وهذا كله قول أبي حنيفة وأما على قولهما فان كتابة النصف وكتابة الجميع سواء لان الكتابة عندهما
لا تتجزأ فإن لم يجز صاحبه حتى أدى عتق كله ويأخذ الشريك منه نصف ما قبض ولا يرجع هو على العبد بما
قبض منه شريكه ونصف الكسب الفاضل للمكاتب ونصفه للذي لم يكاتب والولاء كله للذي كاتبه ويضمن
حصة شريكه إن كان موسرا ويسعى العبد إن كان معسرا وان أجاز شريكه صار مكاتبا بينهما فان أدى إليهما معا
148

عتق والولاء بينهما وجميع الكسب للمكاتب وان أدى إلى أحدهما لا يعتق حتى يصل نصفه إلى الآخر الا إذا
أذن لشريكه بقبض الكتابة فان أدى كله إلى المأمور عتق وان أدى كله إلى الآمر لا يعتق حتى يصل نصفه إلى
المأمور ولو كان عبد بين رجلين كاتب كل واحد منهما نصيبه على الانفراد بان كاتب أحدهما نصيبه على ألف درهم
ثم كاتب الآخر نصيبه على مائة دينار صار نصيب كل واحد منهما مكاتبا له فإذا أدى إليهما معا عتق وان أدى إلى
أحدهما عتق نصيبه ولا يشاركه الآخر فيما قبض لأنه لما كاتب صار راضيا بكتابته وللمكاتب ان يقضى غريما
دون غريم ونصيب الآخر مكاتب على حاله فإذا أدى نصيب الآخر عتق والولاء بينهما وان لم يؤد نصيب الآخر
ولكنه عجز صار كعبد بين اثنين أعتقه أحدهما والجواب فيه معروف وكذلك لو كاتب كل واحد جميع العبد صار
نصيب كل واحد منهما مكاتبا له بالبدل الذي سمى فما لم يوجد جميع المسمى لا يعتق والحكم فيه ما ذكرنا ان لو
كاتب كل واحد منهما نصيبه وهذا قول أبي حنيفة وأما على قولهما فكتابة البعض وكتابة الكل سواء فان
أدى إليهما عتق والولاء بينهما وان أدى إلى أحدهما أولا عتق كله من المؤدى إليه وثبت الولاء منه ويضمن إن كان
موسرا ويسعى العبد إن كان معسرا الا أن على قول محمد يضمن أو يسعى العبد في نصف القيمة أو في كتابة الآخر في
الأقل منهما وقال أبو يوسف بطلت كتابة الآخر وإنما يضمن العبد أو يسعى في نصف قيمته لا غير ولو كان عبد
بين اثنين فكاتباه جميعا مكاتبة واحدة فأدى إلى أحدهما حصته لم يعتق حصته منه ما لم يؤد جميع الكتابة إليهما لأنهما
جعلا شرط عتقه أداء جميع المكاتبة فلا يعتق الا بوجود الشرط بخلاف ما إذا كان لكل واحد منهما عبد
فكاتباهما جميعا مكاتبة واحدة ان كل واحد منهما يكون مكاتبا على حدة حتى لو أدى حصته يعتق لان ههنا
لو جعل كل نصف مكاتبا على حدة لأدى إلى تغيير شرطهما لان شرطهما ان يعتق بأداء الكل فلا
يعتق أحدهما الا بأداء جميع الكتابة حتى لا يؤدى إلى تغيير الشرط وهذا المعنى لم يوجد هناك لان عتق
أحدهما لا يؤثر في الآخر فكان الشرط فيه لغوا مكاتب بين رجلين أعتقه أحدهما قال أبو حنيفة لا ضمان عليه
في ذلك لشريكه موسرا كان أو معسرا لان نصيب الآخر مكاتب على حاله لكون العتق متجزئا عنده فان أدى
عتق والولاء بينهما لوجود الاعتاق منهما وان عجز صار كعبد بين اثنين أعتقه أحدهما والحكم فيه ما ذكرنا في كتاب
العتاق وعلى قولهما عتق كله لان الاعتاق لا يتجزأ عندهما والولاء له الا ان على قول أبى يوسف صار حكمه حكم
عبد بين اثنين أعتقه أحدهما وعلى قول محمد إن كان المعتق موسرا ينظر إلى قدر نصيب شريكه والى باقي الكتابة فأيهما
كان أقل ضمن ذلك وإن كان معسرا سعى العبد في الأقل فإن لم يعتقه أحدهما ولكن دبره صار نصبيه مدبرا ويكون
مكاتبا على حاله لان التدبير لا ينافي الكتابة فان أدى الكل عتق والولاء يثبت منهما وان عجز صار كعبد بين اثنين دبره
أحدهما صار نصيبه مدبرا ولشريكه خمس خيارات إن كان موسرا وإن كان معسرا فأربع خيارات وهذا قول أبي حنيفة
وفى قولهما صار كله مدبرا لان التدبير لا يتجزأ فبطلت الكتابة ويضمن لشريكه نصف القيمة موسرا
كان أو معسرا في قول أبى يوسف وعلى قياس قول محمد وجب ان يضمن الأقل من نصف القيمة ومن جميع ما بقي
من الكتابة ولو لم يدبره ولكن كاتب جارية فجاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت نسب الولد منه وصار نصيبه أم ولد له
أما ثبوت النسب فلا خلاف فيه لان المولى إذا ادعى ولد مكاتبته ثبت النسب لان فيه تأويل الملك ثم المكاتبة بالخيار
ان شاءت مضت على الكتابة وان شاءت عجزت نفسها لأنه قد ثبت لها حق الحرية من وجهين فلها ان تختار أيهما
شاءت ولا تصير كلها أم ولد لان الاستيلاد عندنا يتجزأ فيما لا يمكن نقل الملك فيه فان مضت على الكتابة أخذت
منه عقرها واستعانت به على أداء بدل الكتابة وان عجزت نفسها وردت إلى الرق فإنها تصير أم ولد للمستولد لان
المعنى المانع من نقل الملك فيها قد زال ويضمن للشريك نصف قيمتها مكاتبة ونصف عقرها ولا يغرم من قيمة الولد
شيئا وهذا قول أبي حنيفة وعلى قولهما صارت الجارية كلها أم ولد لان الاستيلاد لا يتجزأ وبطلت الكتابة
149

فيعزم للشريك نصف القيمة ونصف العقر موسرا كان أو معسرا وعلى قول محمد وجب ان يضمن الأقل من نصف
العقر ومن كتابة شريكه عبد كافر بين مسلم وذمي كاتب الذمي نصيبه باذن شريكه على خمر جازت الكتابة في قول
أبي حنيفة ولا تجوز في يقول أبى يوسف ومحمد ولا شركة للمسلم فيما أخذ النصراني منه من الخمر بناء على أن الكتابة
متجزئة عند أبي حنيفة كالعتق فلما كاتب الذمي نصيبه على خمر باذن شريكه وقعت المكاتبة على نصيب نفسه
خاصة والذمي إذا كاتب نصيبه على خمر جاز كما لو باع نصيبه بخمر وأما عندهما فالكتابة فاسدة لان من أصلهما ان
العقد انعقد لهما حيث كانت باذن شريكه فلما بطل نصيب المسلم بطل نصيب الذمي لأنها كتابة واحدة فإذا بطل
بعضها بطل كلها ولا شركة للمسلم فيما أخذ النصراني من الخمر لان المسلم ممنوع من قبض الخمر وان كاتباه جميعا
على خمر مكاتبة واحدة لم يجز في نصيب واحد منهما أما في نصيب المسلم فلا يشكل وأما في نصيب الذمي فلان المكاتبة
واحدة فإذا بطل بعضها بطل الكل ولو أدى إليهم أعتق وعليه قيمته للمسلم وللذمي نصف الخمر وإنما عتق بالأداء
إليهما لان الكتابة فاسدة وهذا حكم الكتابة الفاسدة انه إذا أدى يعتق كما إذا كاتب المسلم عبده على خمر فادى الا
انه لا يسعى في نصف قيمته للمسلم ولا يسعى في نصيب الذمي لان الذمي قد سلم له شرطه لان الخمر مال متقوم في حق
المسلم فيسعى في نصف قيمته له والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما حكم المكاتبة ويندرج فيها بيان ما يملكه المولى من التصرف في المكاتب وما لا يملكه
فنقول وبالله التوفيق المكاتبة أنواع ثلاثة صحيحة وفاسدة وباطلة اما الصحيحة فلها أحكام بعضها يتعلق
بما قبل أداء بدل الكتابة وبعضها يتعلق بأداء بدل الكتابة اما الأول فزوال يد المولى عن المكاتب وصيرورة
المكاتب أحق بمنافعه ومكاسبه وصيرورة المولى كالأجنبي عنها وثبوت حق المطالبة للمولى ببدل الكتابة
وثبوت حق الحرية للمكاتب لان ما هو المقصود من هذا العقد لا من الجانبين لا يحصل بدونها وهل تزول رقبة
المكاتب عن ملك المولى بالكتابة اختلف المشايخ فيه قال عامتهم لا تزول وقال بعضهم تزول عن ملك المولى
ولا يملكها العبد بمنزلة البيع بشرط الخيار للمشترى على أصل أبي حنيفة ان المبيع يزول عن ملك البائع ولا
يدخل في ملك المشتري وهذا غير سديد لان الملك صفة إضافية فيستحيل وجوده بدون المضاف إليه كسائر
الأوصاف الإضافية من الأبوة والبنوة والاخوة والشركة ونحوها فلا يتصور وجود مملوك لا مالك له وهكذا نقول
في باب البيع لان البيع في الحقيقة ملك البائع أو ملك المشتري الا انا لا نعلم ذلك في الحال لأنا لا نعلم أن العقد يجاز أو
يفسخ فيتوقف في علمنا بجهلنا بعاقبة الامر وعند الإجازة أو الفسخ يتبين انه كان ثابتا للمشترى أو لبائع من وقت البيع
حتى يظهر في حق الرواية هذا معنى قول أبي حنيفة في تلك المسألة وبيان هذه الجملة في مسائل إذا كاتب عبده كتابة
صحيحة صار مأذونا في التجارة لأنه وجب عليه أداء بدل الكتابة ولا يتمكن من الأداء الا بالكسب والتجارة كسب
وليس له ان يمنعه من الكسب ولا من السفر ولو شرط عليه ان لا يسافر كان الشرط باطلا والكتابة صحيحة لما مر
وليس له أن يأخذ الكسب من يده لان كسبه له ولا يجوز له اجارته ورهنه لان الإجارة تمليك المنفعة ومنافع المكاتب
له والرهن اثبات ملك اليد للمرتهن وملك اليد للمكاتب ولا يجوز استخدامه واستغلاله لان ذلك تصرف في المنفعة
والمنافع له ويجوز اعتاقه ابتداء بلا خلاف لأن جوازه يعتمد ملك الرقبة وانه قائم سواء كان المولى صحيحا أو مريضا غير أنه
إن كان صحيحا يعتق مجانا وإن كان مريضا والعبد يخرج من الثلث فكذلك وكذلك إذا كان لا يخرج من الثلث
لكن أجازت الورثة وان لم تجز الورثة فله الخيار في قول أبي حنيفة ان شاء سعى في ثلثي القيمة حالا وان شاء سعى في
ثلثي الكتابة مؤجلا وعند أبي يوسف ومحمد لا خيار له ويسعى في الأقل لان الكتابة سبقت الاعتاق والاعتاق في
المرض بمنزلة التدبير ولو دبره كان حكمه هذا على ما ذكرنا في كتاب التدبير كذا إذا أعتقه في المرض ويجوز له اعتاقه
عن الكفارة عندنا خلافا للشافعي والمسألة تذكر في كتاب الكفارات ولو أعتق الولد المولود أو المشترى في
150

الكتابة جاز ولا يسقط شئ من بدل الكتابة والقياس ان لا يجوز اعتاقه وهو قول زفر وجه القياس ان في اعتاقه
الولد ابطال حق المكاتب لأنه يملك كسب ولده المولود والمشترى وبالاعتاق يبطل واليه أشار في الأصل فقال لان
للمكاتب ان يستخدمهم وجه الاستحسان ان المكاتب إنما يسعى في حرية نفسه وأولاده وقد نال هذا المقصود
وإنما لا يسقط من بدل الكتابة شئ لان البدل كله على المكاتب فلا يسقط شئ منه بعتق الولد ولو أعتق أم ولد
المكاتبة لم يجز لان المكاتب لو عتق كانت هي أم ولد على حالها لأنها لم تصر مكاتبة بكتابته فلا تعتق بعتق المكاتب
ولا يجوز له بيع المكاتب بغير رضاه بلا خلاف لان فيه ابطال حق المكاتب من غير رضاه وهو حق الحرية فلا يجوز
بيعه كالمدبر وأم الولد وان رضى به المكاتب جاز ويكون ذلك فسخا للكتابة لان امتناع الجواز كان لحق المكاتب
فإذا رضى فقد زال المانع وذكر ابن سماعة عن محمد ان المولى والمكاتب إذا اجتمعا في البيع قال البيع لا يجوز
والصحيح جواب ظاهر الرواية لأنه لما باعه المولى رضاه فقد تراضيا على الفسخ فيكون إقالة والكتابة تحتمل الإقالة
وما روى عن عائشة رضي الله عنها انها اشترت بريرة وكانت مكاتبة فمحمول على أن ذلك كان رضاها وعلى هذا
الهبة والصدقة والوصية ولو كاتب جارية لا يحل له وطؤها والاستمتاع بها لان ذلك انتفاع بها والمولى كالأجنبي في
منافعها ولو وطئها غرم العقر لها تستعين به على أداء بدل الكتابة لأنه بدل منفعة مملوكة لها ولو وطئها فعلقت منه
ثبت نسب الولد إذا ادعاه لان النسب يثبت بشبهة الملك وتأويل الملك فلا يثبت بحقيقته أولى صدقته المكاتبة
أو كذبته لما مر ثم إن جاءت بولد لا كثر من ستة أشهر فعليه العقر وان جاءت به لأقل من ستة أشهر فلا عقر عليه
والمكاتبة بالخيار ان شاءت مضت على كتابتها فادت وعتقت وأخذ ت العقر إذا كان العلوق في حال الكتابة
وان شاءت عجزت نفسها وصارت أم ولد وسقط العقر لما ذكرنا في كتاب الاستيلاد ولو جنى المولى على المكاتب
غرم الأرش ليستعين به على الكتابة ولو استهلك شيئا من كسبه فهو دين عليه لأنه أحق بكسبه من المولى فكان في
مكاسبه كالحر وكذا ما استهلك المكاتب من مال المولى لما قلنا ولو اشترى المكاتب امرأته لا ينفسخ النكاح وكذا
إذا اشترت المكاتبة زوجها لان الثابت للمكاتب حق الملك لا حقيقة الملك وحق الملك يمنع ابتداء النكاح ولا يمنع
البقاء كالعدة انها تمنع من إنشاء النكاح وإذا طرأ ت على النكاح لا تبطله ولهذا قال أصحابنا ان المولى إذا زوج ابنته من
مكاتبة لا يبطل النكاح بموت الأب لان البنت لا تملك المكاتب حقيقة الملك بل يثبت لها حق الملك فيمنع ذلك من
الابتداء ولا يمنع من البقاء فكذا هذا ولو سرق منه يجب القطع على السارق لان المكاتب أحق بمنافعه ومكاسبه
فكان له حق الخصومة فيه كالحر فيقطع بخصومته ولو جنى المكاتب على إنسان خطأ فإنه يسعى في الأقل من قيمته
ومن أرش الجناية لان رقبته مملوكة للمولى الا أنه تعذر الدفع من غير اختيار بسبب الكتابة فصار كالعبد القن إذا جنى
جناية ثم أعتقه المولى من غير علمه بالجناية والحكم هناك ما ذكرنا فكذا ههنا فينظر إن كان أرش الجناية أقل من
قيمته فعليه أرش الجناية لان المجني عليه لا يستحق أكثر من ذلك فإذا دفع ذلك فقد سقط حقه وإن كانت قيمته
أقل من أرش الجناية فعليه قيمته لان حكم الجناية تعليق بالرقبة لكون الرقبة ملك المولى وهي لا تحتمل أكثر من قيمتها
فلا يلزمه أكثر من ذلك وكذلك لو جنى جنايات خطأ قبل أن يحكم عليه بالجناية الأولى لا يجب عليه الا قيمة واحدة
وان كثرت جناياته في قول أصحابنا الثلاثة وعند زفر يجب عليه في كل جناية الأقل من أرشها ومن قيمته وهذا
فرع اختلافهم في أن جناياته تتعلق بالرقبة أو بذمته فعندنا تتعلق برقبته والرقبة لا تتسع لأكثر من قيمة واحدة وعنده
تتعلق بذمته والذمة متسعة والصحيح قولنا لما ذكرنا ان رقبته مملوكة للمولى فإنها مقدور الدفع في الجملة بان يعجز فيدفع
الا انه تعذر الدفع بالمنع السابق وهو الكتابة من غير اختيار فصار كما لو جنى جنايات ثم أعتقه المولى من غير علمه بها
وهناك لا يلزمه الا قيمة واحدة كذلك ههنا هذا إذا جنى ثانيا قبل ان يحكم عليه الحاكم بالأولى فاما إذا حكم الحاكم
بالأولى ثم جنى ثانيا فإنه يلزمه قيمة أخرى بالجناية الثانية لأنها لما حكم الحاكم فقد انتقلت الجناية من رقبته إلى ذمته
151

فحصلت الجناية الثانية والرقبة فارغة من جنايته متعلقة بها فصار بمنزلة الجناية المبتدأة فرق بين هذا وبين ما إذا حفر
المكاتب بئرا على قارعة الطريق فوقع فيها انسان ووجب عليه أن يسعى في قيمته يوم حفر ثم وقع فيها آخر انه لا يلزمه
أكثر من قيمة واحدة سواء حكم الحاكم بالأولى أم لم يحكم ووجه الفرق ان هناك الجناية واحدة وهي حفر البئر فالضمان
الذي يلزمه إنما يلزمه بسبب واحد فوقوع الثاني وإن كان بعد حكم الحاكم لكن بسبب سابق على حكمه فصار كأنه
قتلهما دفعة واحدة فلا يلزمه الا قيمة واحدة فاما ههنا فقد تعددت الجناية والثانية حصلت بعد فراغ رقبته عن الأولى
وانتقالها إلى ذمته فيتعدد السبب فيتعدد الحكم ولو سقط حائط مائل اشهد عليه على إنسان فقتله فعليه ان يسعى في
قيمته لان المكاتب يملك النقض فيصح الاشهاد عليه كما في الحر ويجب عليه قيمة نفسه كما لو قتل آخر خطأ
وكذلك إذا وجد في دار المكاتب قتيل فعليه ان يسعى في قيمته إذا كانت قيمته أكثر من الدية فينتقص منها عشرة
دراهم فان جنى جنايات ثم عجز قبل ان يقضى بها دفعه مولاه بها أو فداه وان قضى عليه بالسعاية ثم عجز فهي دين في رقبته
يباع فيه لأنه إذا لم يقض عليه لم تصر القيمة دينا في رقبته فهو عبد قن جنى جناية انه يخاطب مولاه بالدفع أو الفداء وإذا
قضى عليه بالقيمة صار ذلك دينا في رقبته فإذا عجز صار حكمه حكم عبد لحقه الدين انه يباع أو يقضى السيد دينه هذا
كانت جنايته عمدا بان قتل رجلا عمدا قتل به لأنه لو كان حر لقتل به فالمكاتب أولى هذا إذا جنى المكاتب على غيره
فاما إذا جنى غيره عليه فإن كان خطأ فالأرش له وأرشه أرش العبد اما كون الأرض له فلان اجزاءه ملحقة بالمنافع وهو
أحق بمنافعه وأما كون أرشه أرش العبد فلانه عبد ما بقي عليه درهم بالحديث فكانت الجناية عليه جناية على العبد فكان
أرشها أرش العبيد وإن كان عمدا فالمسألة على ثلاثة أوجه في وجه يجب القصاص في قولهم وفى وجه لا يجب القصاص
وفي وجه اختلفوا فيه أما الأول فهو أن يقتله رجل عمدا ولم يترك وفاء فللمولى أن يقتل القاتل لأنه لم يترك وفاء فقد
مات عاجزا فمات عبدا والعبد إذا قتل عمدا يجب القصاص على قاتله إن كان عبدا بالاجماع وإن كان حر عندنا
كذلك ههنا وأما الوجه الثاني فهو أن يقتل عمدا ويترك وفاء ويترك ورثة أحرارا سوى المولى فلا يجب القصاص
لاشتباه ولى القصاص لاختلاف الصحابة رضي الله عنهم في أنه يموت حرا أو عبدا على ما نذكر إن شاء الله تعالى
فمن قال مات حرا قال ولاية الاستيفاء للورثة ومن قال مات عبدا قال الولاية للمولى فاشتبه المولى فلم يجب القصاص
فان قيل قياس هذه النكتة انه إذا اجتمع المولى والورثة ينبغي أن يجب القصاص لارتفاع الاشتباه عند الاجتماع
كالعبد الموصى برقبته لانسان وبخدمته لآخر إذا قتل ان لهما أن يجتمعا فيقتلا وكذا العبد المرهون إذا قتل فاجتمع
الراهن والمرتهن على القصاص ان لهما أن يستوفياه كذلك ههنا فالجواب ان المانع هو اشتباه المولى وهذا الاشتباه
لا يزول بالاجتماع لان الولاية لأحدهما وهو المولى أو الوارث وهذا النوع من الاشتباه لا يزول اجتماعهما بخلاف
مسألة الوصية لان هناك لا اشتباه فان الولاية لصاحب الرقبة لان الملك له وإنما لصاحب الخدمة فيها حق فإذا
اجتمعا في الاستيفاء فقد رضى باسقاط حقه ويقول لصاحب الخدمة حقي قوى لشبهة الملك فصار بمنزلة عبد بين
اثنين قتل فاجتمع الوليان على الاستيفاء بخلاف مسألة الرهن فان المستحق للقصاص هناك هو الراهن إذ الملك
له الا أن للمرتهن فيه حقا فإذا رضى بالاستيفاء فقد رضى بسقوط حقه وهنا بخلافه على ما بيناه وأما الوجه الثالث
فهو أن يقتل عمدا ويترك وفاء ولا وارث له سوى المولى فعلى قول أبي حنيفة وأبى يوسف يجب القصاص للمولى
لأنه لا اشتباه ههنا لان القصاص يكون للمولى كيفما كان سواء مات حرا أو عبدا وقال محمد لا يجب لان المولى ان
لم يشتبه فسبب ثبوت الولاية قد اشتبه لأنه ان مات حرا فالولاية تثبت بالإرث وان مات عبدا فالولاية تثبت بالملك
والجواب عن هذا من وجهين أحدهما ان السبب لم يشتبه لان المسبب واحد وهو الملك والولاء أثر من آثار الملك
والثاني ان سلمنا ان السبب قد اشبته لكن لا اشتباه في الحكم وهو الولاية لأنها ثابته بيقين فتثبت بأي سبب كان فان
قتل ابن المكاتب أو عبده عمدا فلا قود عليه لان المكاتب وهو أبو المقتول أو مولى العبد لو عتق كان القصاص له ولو
152

عجز كان القصاص للمولى فاشتبه الولي وبهذا علل في الأصل فقال لأني لا أدرى انه للمولى أو للمكاتب ومعناه
ما ذكرنا وان اجتمعا على ذلك لم يقتص أيضا لان الولاية لأحدهما وهو غير معلوم فان عفوا فعفوهما باطل والقيمة
واجبة للمكاتب اما بطلان العفو فأما عفو المولى فلانه لا يملك كسب المكاتب فلا يصح عفوه وأما عفو المكاتب فلان
القيمة قد وجبت على القاتل فكان ابراء المكاتب تبرعا منه وأنه لا يملك التبرع فان قتل مولى مكاتبه عمدا أو خطأ فلا
قصاص عليه في العمد بلا شك لان رقبته مملوكة له فيصير شبهة سواء ترك وفاء أو لم يترك لا يجب القصاص لما قلنا
غير أنه ان ترك وفاء فعلى المولى قيمته يقضى بها كتابته وكذلك لو قتل ابنه لان القصاص قد سقط بالشبهة فتجب
الدية فسقط عنه قدر ماله من الكتابة لان الأصل ان كال ديتين التقيا من جنس واحد في الذمة وليس في اسقاطه
ابطال العقد ولا استحق قبضه في المجلس فإنه يصير أحدهما بالاخر قصاصا وما بقي يكون لوارثه لا للمولى لأنه
قاتله فلا يرثه وإنما يصير ذلك قصاصا إذا حل أجل الدية لان القيمة وجبت عليه بالقتل مؤجلة ولو قتل عبد المكاتبة
رجلا خطأ يقال للمكاتب ادفعه أو افده بالدية لان العبد من تجارته وكسبه فكان التدبير إليه كعبد المأذون جنى جناية
خطأ انه يخير المأذون بين الدفع والفداء فالمكاتب أولى بخلاف نفس المكاتب إذا جنى انه يلزمه الأقل من قيمته
ومن أرش الجناية لان نفس المكاتب لا تحتمل النقل بخلاف كسبه وإذا لم تحتمل النقل فتعذر الدفع من غير اختيار
فصار كما لو أعتق نفس العبد الجاني من غير علمه بالجنابة وثمة يلزمه الأقل من قيمته ومن أرش الجناية كذا ههنا ويؤخذ
المكاتب بأسباب الحدود الخالصة ونحوها كالزنا والسرقة والشرب والسكر والقذف لا القن لأنه مأخوذ بها فالمكاتب
أولى ولا يقطع في سرقته من مولاه لأنه عبده وكذا لا يقطع في سرفته من ابن مولاه ولا من امرأة مولاه ولا من كل
ذي رحم محرم من مولاه لان واحدا من هؤلاء لو سرق حق المولى لا يقطع فكذا مكاتبه وكذا لو سرق واحد من
هؤلاء من المكاتب لا يقطع لان واحدا منهم لو سرق من المولى لا يقطع فكذا إذا سرق من المكاتب ولو سرق منه
أجنبي يقطع بخصومته لان المكاتب أحق بمكاسبه ومنافعه فكان له حق الخصومة كالحر فيقطع بخصومته ويصح
من المولى وغيره نسب ولد أمته المكاتبة إذا لم يكن له نسب معروف صدقته المكاتبة أو كذبته جاءت به لأقل من ستة
أشهر أو لأكثر لما ذكرنا فيما تقدم انه ادعى نسب ولد جارية مملوكة له رقبة فكان ولدها مملوكا له أيضا ونسب ولد الجارية
المملوكة يثبت بالدعوة من غير حاجة إلى التصديق ثم الأمة بالخيار ان شاءت عجزت نفسها وان شاءت مضت على
الكتابة فان مضت على الكتابة فلها العقر إن كان العلوق في حال الكتابة بان جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت
الكتابة لأنها أحق بمنافعها ومكاسبها والمولى كالأجنبي عنها والعقر بدل منافع بضعها فيكون لها وان عجزت نفسها
وصارت أم ولد له سقط العقر هذا إذا استولد مكاتبته فان دبر مكاتبته فكذلك هو بالخيار ان شاء نقض الكتابة وان
شاء مضى عليها لتوجه العتق إليه من جهتين فكان له الخيار فان مات مولاه وهو لا يخرج من الثلث فقد ذكرنا
الاختلاف فيما تقدم ولو ادعى نسب ولد جارية المكاتب وليس له نسب معروف وقد علقت به في ملك المكاتب
صحت دعوته لما قلنا ويحتاج فيه إلى تصديق المكاتب استحسانا وقد ذكرنا هذا في كتاب الاستيلاد ولا يحبس
المكاتب ببدل الكتابة لأنه دين قاصر حتى لا تجوز الكفالة عند عامة العلماء خلافا لابن أبي ليلى هو يقول بأنه دين
فتصح الكفالة كسائر الديون ولنا أن حكم الكفالة ثبوت حق المطالبة للكفيل بمثل ما في ذمة الأصيل وهذا
لا يتحقق ههنا لان الثابت في ذمة الأصيل دين يحبس به ودين لا يحبس به فلو جوزنا الكفالة به لم يكن الثابت بها حق
المطالبة بمثل ما في ذمة المكفول عنه فلا يتحقق حكم الكفالة بخلاف سائر الديون وأما الذي يتعلق بأداء بدل الكتابة
فهو عتق المكاتب ولا يعتق الا بأداء جميع بدل الكتابة عند عامة العلماء وهو قول زيد بن ثابت رضي الله عنه وقال
على رضى الله تعالى عنه يعتق بقدر ما أدى ويبقى الباقي رقيقا وقال ابن مسعود رضي الله عنه إذا أعطى مقدار قيمته عتق
ثم يصير بمنزلة الغريم قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إذا كاتب العبد مولاه فهو غريم من الغرماء وهذا يدل على
153

أن مذهبه ان المكاتب يعتق بنفس الكتابة وقد روى محمد بن الحسن عن شريح مثل ذلك وجه قول علي كرم الله وجهه
ان المكاتبة عقد معاوضة فإذا أدى العبد بعض بدل الكتابة إلى المولى فقد ملك المولى ذلك القدر فلو لم يملك من نفسه
ذلك القدر لاجتمع للمولى ملك البدل والمبدل وهذا لا يجوز وجه قول ابن مسعود رضي الله عنه ان قيمة العبد مالية فلو
عتق بأداء ما هو أقل من قيمته لتضرر به المولى وإذا أدى قدر قيمته فلا ضرر على المولى وجه قول ابن عباس رضي الله عنه
ما انه لو لم يعتق بنفس العقد لوجب للمولى على عبده دين ولا يجب للمولى على عبده دين ولان الكتابة اعتاق على
مال ومن أعتق عبده على مال وقبل العبد عتق والمال دين عليه كذلك ههنا وجه قول زيد بن ثابت رضي الله عنه قول
النبي صلى الله عليه وسلم المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وهذا نص في الباب ولان المولى علق عتقه بأداء جميع بدل
الكتابة فلا يعتق ما لم يؤد جميعه كما لو قال لعبده إذا أديت إلى ألفا فأنت حر انه لا يعتق ما لم يؤد جميع الألف كذا ههنا
ثم العتق كما يثبت بأداء بدل الكتابة يثبت بأداء العوض عن بدل الكتابة لان عوض الشئ يقوم مقامه ويسد
مسده كأنه هو كما في البيع وغيره على أن بدل الكتابة دين في ذمة العبد وقضاء الديون يكون بأعواضها لا بأعيانها وكذا
يثبت بالابراء لما نذكر ثم إذا أدى بدل الكتابة وعتق يعتق ولده المولود في الكتابة بان ولد للمكاتب ولد من أمة
اشتراها لأنه صار مكاتبا تبعا للأب فيثبت فيه حكم الأصل الا ان للمولى أن يطالب الأب دون الولد لأنه لم يدخل في
العقد مقصودا بل تبعا فلا يملك مطالبة التبع حال قيام المتبوع وكما يعتق المكاتب الأداء من كسبه يعتق بالأداء من
كسب ولده لان كسب الولد كسبه فإذا أدى يعتق هو وولده وكذا ولده المشترك في الكتابة وولد ولده وان سفل
والوالدون وان علوا إذا اشتراهم المكاتب يدخلون في الكتابة كالولد المولود سواء لا فرق بينهم الا في فصل واحد
وهو أنه إذا مات المكاتب من غير مال يقال للولد المشترى وللوالدين اما أن تؤدوا الكتابة حالا والا رددناكم في الرق
بخلاف الولد المولود في الكتابة لما نذكر وأما ما سوى الوالدين والمولودين من ذوي الرحم المحرم كالأخ والعم والخال
ونحوهم فهل يدخلون في الكتابة قال أبو حنيفة لا يدخلون وقال أبو يوسف ومحمد يدخلون ويسعون على النجوم
بمنزلة الوالدين والمولودين والأصل عندهما ان كل من إذا ملكه الحر يعتق عليه فإذا ملكه المكاتب يتكاتب عليه
ويقوم مقامه وجه قولهما ان المكاتبة عقد يفضى إلى العتق فيعتبر بحقيقة العتق والحكم في الحقيقة هذا فكذا في
كسب الكسب المفضى إليه ولهذا اعتبر بحقيقة العتق في الوالدين والمولودين كذا ههنا ولأبي حنيفة ان الأصل أن
لا يثبت التكاتب رأسا لان ملك المكاتب ملك ضروري لكونه مملوكا ما بقي عليه ردهم فلا يظهر في حق التبرع
والعتق وإنما يظهر في حق حرية نفسه الا ان حرية ولده وأبويه في معنى حرية نفسه لمكان الحرية ولم يوجد في سائر
ذوي الرحم فبقي الامر فيهم على الأصل وبدل القياس من وجه آخر يقتضى أن لا يدخل الولد لأنه كسبه وحق
الحرية لا يسرى للاكتساب ككسب أم الولد والمدبر وإنما استحسنا الولاد بحكم الحرية ولم يوجد والولد المنفصل
قبل العقد لا يدخل في الكتابة ويكون للمولى ولو اختلفا فقال المولى ولد قبل العقد وقالت المكاتبة بعد العقد ينظر
إن كان الولد في يد المولى فالقول قوله إنه انفصل قبل العقد وإن كان في يد الأمة فالقول قولها ويحكم فيه الحال كمن استأجر
عبدا ومضت مدة الإجارة ثم اختلفا فادعى المستأجر الإباق والمؤاجر ينكر انه ينظر إن كان في الحال آبقا فالقول قول
المستأجر وان لم يكن في الحال آبقا فالقول قول المؤاجر وكذلك هذا في الطاحونة إذا اختلفا في انقطاع الماء وجريانه
فإن كان في الحال منقطعا فالقول قول المستأجر وإن كان جاريا فالقول قول المؤاجر ولو تصادقا في الإباق والانقطاع
واختلفا في مدة الإباق والانقطاع فالقول قول المستأجر لأنه منكر وجوب الزيادة وسواء كان الأداء في حال حياة
العاقدين أو بعد موتهما حتى لو مات المولى فادى المكاتب إلى ورثته عتق لأن العقد لا ينفسخ بموت المولى بلا خلاف
وكذا لو مات المكاتب عن وفاء يؤدى بدل الكتابة إلى المولى ويحكم بعتقه عندنا وعند الشافعي لا يعتق ويسلم البدل
للمولى بناء على أن عقد الكتابة لا ينفسخ بموت المكاتبة عندنا كما لا ينفسخ بموت المولى وعنده ينفسخ بموت
154

المكاتب وقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في المكاتب إذا مات عن وفاء انه يموت حرا أو عبدا قال علي رضي الله عنه
وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه يموت حرا فيؤدى بدل كتابته ويحكم بحريته وبه أخذ أصحابنا وعن زيد بن
ثابت رضي الله عنه انه يموت عبدا والمال كله للمولى وبه أخذ الشافعي وجه قول الشافعي انه لو عتق لا يخلو اما أن يعتق
قبل موته واما أن يعتق بعد موته لا سبيل إلى الأول لان العتق معلق بأداء البدل والأداء لم يوجد قبل الموت ولا سبيل
إلى الثاني لان محل العتق قد فات لان محله الرق وقد فات بالموت واثبات الشئ في غير محله محال فامتنع القول بالعتق
ولا يقال إنه يعتق مستندا إلى آخر جزء من أجزاء حياته وهو قابل للعتق في ذلك الوقت لان الأصل فيما يثبت مستندا
انه يثبت للحال ثم يستند ألا ترى ان من باع مال الغير توقف على إجازة المالك عندكم فان هلك المال ثم أجاز المالك
لا تلحقه الإجازة لان الحكم يثبت عند الإجازة مستندا فيراعى قيام محل الحكم للحال والمحل ههنا لا يحتمل العتق للحال
فلا يستند ولنا ما روى عن قتادة أنه قال قلت لسعيد بن المسيب ان شريحا قال في المكاتب إذا مات عن وفاء وعليه
دين بدئ بدين الكتابة ثم بالدين فقال سعيد أخطأ شريح وإن كان قاضيا فان زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول إن
المكاتب إذا مات عن وفاء وعليه دين بدئ بالدين ثم بالكتابة فاختلاف الصحابة رضي الله عنهم في الترتيب والميل
على اتفاقهم على بقاء عقد الكتابة بعد الموت فرواية قتادة تشير إلى اجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما قلنا ومثله
لا يكذب فلا يعتد بخلاف الشافعي لان المعتق في الحقيقة معلق بسلامة البدل للمولى اما صورة ومعنى بالاستيفاء
واما معنى الصورة بأخذ العوض أو الابراء لا بصورة الأداء من المكاتب لان العتق يثبت من غير أداء أصلا بأخذ
المولى وبالابراء وقد سلم البدل للمولى اما صورة ومعنى بالاستيفاء واما معنى لا صورة بالابراء أما طريق الاستيفاء
فلان هذا عقد معاوضة بين المولى والمكاتب وحكمه في جانب المولى ملك البدل وسلامته وفى جانب المكاتب
سلامة رقبته بالحرية وسلامة أولاده واكسابه حال سلامة البدل للمولى وفى الحال زوال يد المولى عنه وصيرورته
أحق بمنافعه ومكاسبه وقد ثبت الملك في المبدل للمولى في ذمة العبد للحال حتى لو تبرع عنه انسان بالداء وقبل المولى
صح ولو أبرأه جاز الابراء ويعتق ولو أحال المكاتب على غريم له عليه دين من اكسابه وقبل المولى صح وعتق وإذا
ثبت الملك للمولى في البدل كان ينبغي أن يزول المبدل من ملكه وهو رقبة المكاتب وتسلم له رقبته تحقيقا للمساواة
في عقد المعاوضة إذ المعاوضة في الحقيقة بين البدل والقربة كما في سائر المعاوضات من البيع والإجارة كما في الخلع
والاعتاق على مال الا أن الزوال لو ثبت ههنا للحال بقي الدين في ذمة المفلس ويتكامل في الأداء فيتضرر به المولى
فيمتنع الناس عن الكتابة فشرع هذا العقد على خلاف موجب المعاوضات في ثبوت السلامة وزوال المبدل عن
المولى الا بسلامة البدل له على الكمال نظرا للموالي وترغيبا لهم في عقد الكتابة ونظرا للعبيد ليتوصلوا إلى العتق فإذا
جاء آخر حياته وعجز عن الكسب انتقل الدين من ذمته إلى أكسابه كما في الحر الا أن الكسب قد لا يسلم له اما بالهلاك
أو بأخذ الورثة فإذا أدى ذلك إلى المولى فقد وجد الشرط وهو سلامة البدل للمولى فيسلم المبدل للمكاتب وهو
رقبته له وأما الابراء فهو انه لما بلغ آخر حياته يسقط عنه المطالبة بأداء البدل لعجزه عن الأداء بنفسه وانتقل إلى المال
خلفا عن المطالبة عنه فيطالب به وصيه أو وارثه أو وصى القاضي فإذا أدى النائب سقطت المطالبة عن النائب في آخر
حياته فيبرأ عن بدل الكتابة وتسقط عنه المطالبة في ذلك الوقت فيعتق في ذلك الوقت وقد خرج الجواب عما
ذكره الشافعي لما ذكرنا ان الشرط ليس هو من صورة الأداء بل سلامة البدل صورة ومعنى بالاستيفاء أو معنى
بالابراء وقد حصل ومن أصحابنا من قال إن العتق يثبت بعد الأداء مقصورا عليه ويبقى حيا تقديرا لاحراز شرف
الحرية كما يبقى المولى حيا بعد الموت تقديرا لاحراز شرف الكتابة ويثبت العتق فيه وهو مثبت حقيقة ويقدر حيا
على اختلاف طريق أصحابنا في ذلك على ما عرف في الخلافيات ولو مات المكاتب وترك وفاء وأولادا أحرارا بأن
ولدوا من امرأة حرة يؤدى بدل كتابته وما فضل يكون ميراثا بين أولاده الأحرار لان المكاتب يعتق في آخر جزء
155

من حياته ثم يموت فيموت حر فيرث منه أولاده الأحرار وكذلك أولاده الذين ولدوا في الكتابة لأنهم صاروا
مكاتبين تبعا له فإذا عتق هو في آخر حياته يعتقون هم أيضا تبعا له فإذا مات هو فقد مات حرا وهم أحرار فيرثونه وكذا
أولاده الذين اشتراهم في الكتابة ووالداه لما قلنا وكذا ولده الذي كوتب معه كتابة واحدة لأنه عتق معه في آخر
حياته فيرثه وأما ولده الذي كاتبه كتابة على حدة لا يرثه لأنه لا يعتق بعتقه فيموت حرا وولده مكاتب والمكاتب
لا يرث الحر ولو مات وترك وفاء وعليه دين أجنبي ودين المولى غير الكتابة وله وصايا من تدبيره وغير ذلك وترك
ولدا حرا أو ولدا ولد له في الكتابة من أمته يبدأ بدين الأجانب ثم بدين المولى ثم بالكتابة والباقي ميراث بين
سائر أولاده وبطلت وصاياه أما بطلان وصاياه فلوجهين أحدهما يخص التدبير والثاني يعم سائر الوصايا أما الأول
فلان المدبر يعتق بموت السيد والمكاتب ليس من أهل الاعتاق وأما الثاني فلانه إذا أدى عنه بعد الموت فإنه
يحكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته وذلك زمان لطيف لا يسع الوصية ثم انتقل الملك إلى الوارث والملك
للموصى له يثبت بعقد الوصية الذي هو فعله فإذا لم يتسع الوقت له لا يمكن اثباته بخلاف الميراث لان الملك ينتقل إلى
الورثة من غير صنع العبد وإذا بطلت الوصايا بقيت الديون وأما ترتيب الديون فيبدأ بدين الأجنبي لان الأصل
في الديون المتعلقة بالتركة انه يبدأ بالأقوى فالأقوى كما في دين الصحة مع دين المرض ودين الأجنبي أقوى من دين
المولى لأنه يبطل بالرق دين المولى ولا يبطل دين الأجنبي بل يباع فيه فيبدأ بدين الأجنبي ثم ينظر في بقية التركة
فإن كان فيها وقاء بدين المولى وبالكتابة بدئ بدين المولى ثم بالكتابة لان دين المولى أقوى من دين الكتابة
بدليل انه تصح الكفالة به ولا تصح بدين الكتابة وكذا المكاتب يملك اسقاط دين المكاتبة عن نفسه قصدا
بأن يعجز نفسه ولا يملك اسقاط دين المولى قصدا بل يسقط ضرورة بسقوط الكتابة فكان دين المولى
أقوى فيقدم على دين الكتابة وان لم يكن في التركة وفاء بالديون جميعا بدئ بدين الكتابة لأنه لو بدئ بقضاء
دين المولى لبطل القضاء لأنه إذا قضى ذلك فقد صار عاجزا فيكون قد مات عاجز فتبطل الكتابة فلم يصح
القضاء لأنه بالعجز صار قنا ولا يجب للمولى على عبده القن دين وليس في البداءة بقضاء دين الكتابة ابطال القضاء
فيكون أولى فيبدأ بالكتابة حتى يعتق ويكون دين المولى في ذمته فربها يستوفى منه إذا ظهر له مال وما فضل عن
هذه الديون فهو ميراث لأولاده الأحرار من امرأة حرة ولأولاده المولودين في الكتابة لأنهم عتقوا بعتقه في آخر
جزء من أجزاء حياته فيرثون كالحر الأصل ولو مات وترك وفاء وعليه دين وجناية ومكاتبة ومهر وأولاد أحرار
من امرأة حرة وأولاد ولدوا في الكتابة من أمته وأولاد اشتراهم يبدأ بالدين ثم بالجناية ثم بالكتابة ثم يكون الباقي
ميراثا لجميعهم لان الدين أقوى من الكتابة لما بينا ثم ينظر إلى ما بقي من المال فان كن فيه وفاء بالكتابة فإنه يبدأ
بالجناية لأنه إذا كان به وفاء بالجنابة صار كان المكاتب قن فيقضى عليه بالجنابة ومتى قضى عليه بالجنابة يصير عاجزا
إذا لم يكن في الباقي وفاء وان لم يكن في المال وفاء بالكتابة وكان فيه وفاء بالخيار أو لم يكن فقد مات المكاتب عبدا
وبطلت الجناية لأنه لا حق لصاحب الجناية في مال العبد وإنما كان حقه في الرقبة وقد فاتت الرقبة وهذا إذا كان
القاضي لم يقض بالجناية في حال حياته فإن كان القاضي قضى عليه بالجنابة صار حكمه حكم سائر الديون وأما المهر فإن كان
تزوج نكاحا صحيحا بإذن المولى فحكمه حكم سائر الديون وإن كان النكاح بغير اذن المولى لا يجب للمرأة شئ ما لم
يقضى سائر الديون والجناية والكتابة فان فضل شئ يصرف إلى المهر لان في النكاح الفاسد إنما يتبع بالمهر بعد
العتاق لأنه يصح في حق المولى فإذا زال حق المولى فحينئذ يؤاخذ به فان أديت كتابته وحكم بحريته وحرية أولاده
صار الباقي ميراثا لأولاده كلهم لأنهم عتقوا بعتقه وكذلك إن كان الابن مكاتبا معه لأنهم عتقوا في زمان واحد وان
كاتب الابن مكاتبة على حدة لا يرث منه لأنه لا يعتق بعتقه ولا يستند عتقه في حقه فلا يرث منه وان مات المكاتب
من غير وفاء وترك ولدا مولودا في الكتابة بأن ولدت أمته التي اشتراها بأن كان المكاتب تزوج أمة انسان باذن
156

مولاه فولدت منه ثم اشتراها المكاتب وولدها أو المكاتبة ولدت من غير مولاها فإنه يسعى في الكتابة على نجوم أبيه
لا يبطل الأجل لأنه إذا مات لا عن وفاء فقد مات عاجزا فقام الولد مقامه كأنه حي ولو كان حيا حقيقة لكان يسعى
على نجومه فكذا ولد بخلاف ما إذا مات عن وفاء لأنه مات قادرا فيؤدى بدل الكتابة للحال ولا يؤخر إلى أجله
بل يبطل الأجل لان موت من عليه الدين يبطل الأجل في الأصل كما في سائر الديون وليس ههنا أحد يقوم مقامه
حتى يجعل كأنه حي وإذا أدى السعاية عتق أبوه وهو وأما ولده المشترى في الكتابة فإنه لا يسعى على نجومه بل يقال
له اما أن تؤدى السعاية حالا أو ترد إلى الرق ولا يقال ذلك للمولد في الكتابة بل يسعى على نجوم أبيه ولا يرد إلى
الرق الا إذا أخل بنجم أو بنجمين على الاختلاف وإنما كان ذلك لان دخول الولد في الكتابة بطريق التبعية
وتبعية الولد المولود في الكتابة أشد من تبعية المشترى في الكتابة لان تبعيته باعتبار الجزئية والجزئية في الولد
المولود في الكتابة حصلت في العقد فكان بمنزلة المكاتب نفسه والحكم في المكاتب على ما ذكرنا فكذا فيه ولا
كذلك الولد المشترى لان جزئته ما حصلت في العقد فانحطت درجته عنه فلا بد من اظهار ذلك في الحكم ترتيبا
للأحكام على مراتب الحجج في القوة والضعف وذكر القاضي في شرح الكافي الخلاف في المسألة وجعل ما ذكرنا
قول أبي حنيفة وأما على قولهما فالولد المشترى الولد المولود سواء وجه قولهما ان التكاتب على الولد المولود
لمكان التبعية وهي موجودة في المشترى وجواب أبي حنيفة عن هذا ان معنى التبعية في المولد أقوى منه في المشترى
فلا يصح القياس ولو مات من غير وفاء وترك الديون التي ذكرنا فالخيار في ذلك إلى الولد يبدأ باي ذلك شاء لان
المكاتب إذا لم يترك وفاء صار التدبير إلى الولد لأنه يقضى من كسبه فيبدأ باي ذلك شاء فان أخل بنجم أو بنجمين
على الاختلاف يرد في الرق ولو كان بعض أولاده غائبا وبعضهم حاضرا فعجز الحاضر لا يرد في الرق حتى يحضر
الغائب لجواز أن الغائب يحضر فيؤدى ولو مات المكاتب ولم يترك وفاء لكنه ترك أم ولد فإن لم يكن معها ولد بيعت
في المكاتبة وإن كان معها ولد استسعت فيها على الأجل الذي كان للمكاتب صغيرا كان ولدها أم كبيرا بناء على
أن المكاتب إذا اشترى أم ولد وليس معها ولد فإنها لا تدخل في مكاتبته وكان له أن يبيعها عند أبي حنيفة وكذا
الموالاة عندهما تدخل في مكاتبته فكذلك بعد موته تكون بمنزلته لما دخلت في الكتابة وإذا كان معها فإنها
تتبع ولدها في الكتابة عند أبي حنيفة ولا يجوز بيعها فكذا بعد الموت إذا كان معها ولد ولدته في الكتابة يصير
كأنه قائم لان الابن قام مقامه ولى قولهما لا فرق بين وجود الولد وعدمه وجه قولهما انها إنما تسعى لان عتاق
الاستيلاد بمنزلة عتاق النسب فلا يبطل بموت الولد فكان حالها بعد موت الولد وقبله واحدا ولأبي حنيفة انه
لا وراثة بينه وبينها وإنما دلت في كتابته لكتابة ولد ها تبعا فإذا مات الولد بطلت كتابتها لأنه كتابة الولد
بطلت بموته فيبطل ما كان تبعا له والله عز وجل أعلم ولو ولدت المكاتبة ولد واشترت ولدا ثم ماتت سعيا في
الكتابة على النجوم والذي يلي الأداء المولود في الكتابة وهذا بناء على أن المولود في الكتابة يقوم مقام المكاتب
والولد المشترى لا يقوم مقامه على الاتفاق أو على الاختلاف الا انه يسعى تبعا للولد المولود في الكتابة فلا تجب
عليه السعاية ألا ترى ان محمدا ذكر في الأصل فان قلت فلا يجب على الاخر شئ من السعاية قال لأنها لو لم تدع غيره
بيع الا أن يؤدى الكتابة عاجلا وإنما قلنا الذي يلي الأداء هو الولد المولود في الكتابة لما ذكرنا ان الولد
المشترى لا يقوم مقام المكاتب على الاتفاق أو على أصل أبي حنيفة والمكاتبة ولو كاتب حية لكانت تملك كسب
ولدها المشترى فكذا الذي يقوم مقامها وان سعى المشترى فادى الكتابة لم يرجع على أخيه بشئ لأنه أدى
الكتابة من كسب الام لان كسب أم الولد المشترى للام فإذا أدى الكتابة من كسبه فقد أدى كتابة الام
وكسبه لها فلا يرجع ولما ذكرنا ان الولد المولود قائم مقامها ولو كانت الام باقية فادى الولد المشترى فعتقت الام لم
يرجع عليه بشئ كذا هذا وكذا الولد المولود في الكتابة لو سعى وأدى لم يرجع على المشترى بشئ من هذا المعنى وقال
157

بعضهم هذا إذا أدى المولود في الكتابة من مال تركته الام فاما إذا أدى من كسب اكتسبه بنفسه فإنه يرجع بنصفه
على المشترى ولم يذكر في الأصل حكم المولود في الكتابة وإنما ذكر حكم المشترى انه إذا أدى لا يرجع ولو اكتسب
هذا الابن المشترى كسبا كان لأخيه أن يأخذه ويستعين به في كتابته لما ذكرنا ان الولد المولود قائم مقام الام وهي
لو كانت قائمة لكانت تملك أخذ كسب المشترى وكذا من يقوم مقامها وكذا إذا أراد أن يسلمه في عمل ليأخذ كسبه
فيستعين به في مكاتبته كان له ذلك وكذلك لو أمرة القاضي أن يؤاجر نفسه أو أمر أخاه أن يؤاجره ويستعين باجره على
أداء الكتابة كان ذلك جائزا لأنه بمنزلتها وما اكتسب الولد المولود في الكتابة بعد موت أمه قبل الأداء فهو له خاصة
لأنه داخل في كتابة الام وقائم مقامها فما اكتسبه يكون له وما يكتسب أخوه حسب من التركة فتقضى منه المكاتبة
والباقي منه ميراث بينهما والفرق بينهما ان الولد المولود في الكتابة قام مقامها فكان حكمها كحكمه وكسب المكاتبة
لها كذا كسب ولدها وأما الولد المشترى فلم يقم مقامها غير أنه كسبها بجميع ما اكتسبه فيصير كأنها ماتت عن مال ولو
ماتت عن مال تؤدى منه كتابتها والباقي ميراثا بينهما وكذا هذا وقيل هذا كله قول أبي حنيفة فاما على قولهما فالولد ان
يقومان مقامها ولا يملك كل واحد منهما كسب صاحبه لان كل واحد منهما لو كان منفردا لقام مقام المكاتبة ويسعى
على النجوم عندهما فكذا إذا اجتمعا لم يكن أحدهما بأولى من الآخر والله عز وجل الموفق وأما الفاسد وهي التي
فاتها شئ من شرائط الصحة وهي ما ذكرنا فيما تقدم فلا يثبت بها شئ من الأحكام المتعلقة بما قبل الأداء لان
الكتابة الفاسدة لا توجب زوال شئ مما كان للمالك عنه إلى المكاتب فكان الحال بعد العقد كالحال قبله وأما
الحكم المتعلق بالأداء وهو العتق فالفاسد فيه كالصحيح حتى لو أدى يعتق لان الفاسد من العقد عند اتصال القبض
كالصحيح على أصل أصحابنا ونفس المكاتب في قبضته الا ان في الكتابة الفاسدة إذا أدى يلزمه قيمة نفسه وفى
الكتابة الصحيحة يلزمه المسمى لما عرف ان الأصل أن يكون الشئ مضمونا بالمثل والقيمة هي المثل لأنها مقدار ماليته
وإنما المصير إلى المسمى عند صحة التسمية تحرزا عن الفساد لجهالة القيمة فإذا فسدت فلا معنى للتحرز فوجب الرجوع
إلى الأصل وهو القيمة كما في البيع ونحوه وكذا في الكتابة الفاسدة للمولى ان يفسخ الكتابة بغير رضا العبد ويرده
إلى الرق وليس له أن يفسخ في الصحيحة الا برضا العبد وللعبد أن يفسخ في الصحيح والفاسد جميعا بغير رضا المولى
لما ذكرنا ان الفاسدة غير لازمة في حقهما جميعا والصحيحة لازمة في حق المولى غير لازمة في حق العبد ثم إذا أدى في
الكتابة الفاسدة ينظر إلى المسمى والى قيمة العبد أيهما أكثر على ما ذكرنا الكلام فيه فيما تقدم وسواء كان الأداء في
حياة المولى أو بعد موته إلى ورثته استحسانا والقياس ان لا يعتق بالأداء إلى الورثة وجه القياس أن العتق في الكتابة
الفاسدة يقع من طريق التعليق بالشرط لان في الكتابة معنى المعاوضة ومعنى اليمين فإذا فسدت بطل معنى المعاوضة
فبقي معنى اليمين واليمين تبطل بموت الحالف ولان الكتابة الفاسدة لا توجب زوال ملك المولى وإذا بقي ملكه فإذا
مات قبل الأداء انتفل إلى ورثته فلا يعتق بالأداء وجه الاستحسان انها مع كونها فاسدة فيها معنى المعاوضة والعتق
فيها يثبت من طريق المعاوضة لا من طريق التعليق بالشرط بدليل أنه يجب فيها القيمة ولو كان العتق فيها بمحض اليمين
لكان لا يجب فيها شئ لان القيمة لم تدخل تحت اليمين وكذا الولد المنفصل ومعلوم أن الولد المنفصل عند الشرط
لا يدخل تحت اليمين فثبت أن فساد الكتابة لا يوجب زوال معنى المعاوضة عنها فثبت العتق فيها من طريق
المعاوضة وأما قوله إن ملك المولى لا يزول في الكتابة الفاسدة فنعم لكن قبل قبض البدل فاما بعد القبض فإنه يزول
ذلك عند الأداء ولو كاتب أمته كتابة فاسدة فولدت ولدا ثم أدت عتقت وعتق ولدها معها لما ذكرنا ان الكتابة
الفاسدة تعمل عمل الصحيح عند اتصال القبض به والأولاد يدخلون في الكتابة الصحيحة كذا في الفاسدة فان
ماتت الام قبل أن تؤدى لم يكن عمل ولدها أن يسعى لان الولد قائم مقام الام ثم الام لا تجبر على السعاية كذلك الولد
لكنه إذا سعى فيما على أمه يعتق استحسانا والقياس أن لا يعتق وهو على ما ذكرنا فيما إذا مات المولى فادت المال إلى
158

ورثته تعتق استحسانا والقياس أن لا تعتق وأما الباطلة وهي التي فاتها شرط من شرائط الانعقاد فلا يثبت بها شئ من
الأحكام لان التصرف الباطل لا وجود له الا من حيث الصورة كالبيع الباطل لا وجود له الا من حيث الصورة كالبيع الباطل ونحوه فلا يعتق بالأداء الا إذا نص
على التعليق بان قال إن أديت إلى ألفا فأنت حر فادى يعتق لكن بالمكاتبة بل بالتعليق بالشرط ولا يلزمه شئ كما في
التعليق بسائر الشروط
(فصل) وأما بيان ما تنفسخ به الكتابة فإنها تنفسخ بالإقالة لأنها من التصرفات المحتملة للفسخ لكون المعاوضة
فيها أصلا فتجوز اقالتها كسائر المعاوضات وكذا تنفسخ بفسخ العبد من غير رضا المولى بأن يقول فسخت
المكاتبة أو كسرتها سواء كانت فاسدة أو صحيحة لما ذكرنا انها وإن كانت صحيحة فإنها غير لازمة في جانب
العبد نظرا له فيملك الفسخ من غير رضا المولى والمولى لا يملك الفسخ من غير رضا المكاتب لأنها عقد لازم في
جانبه وهل تنفسخ بالموت أما بموت المولى فلا تنفسخ بالاجماع لأنه إن كان له كسب فيؤدى إلى ورثة المولى وان لم
يكن في يده كسب فيكتسب ويؤدى فيعتق فكان في بقاء العقد فائدة فيبقى وان عجز عن الكسب يزول إلى
الرق كما لو كان المولى حيا وإذا مات المولى فادى المكاتب مكاتبته أو بقية منها إلى ورثته عتق فولاؤه يكون لعصبة
المولى لان الولاء لا يورث من المعتق بعد موته لما نذكر في كتاب الولاء إن شاء الله تعالى وان عجز بعد موت
المولى فرد إلى الرق ثم كاتبه الورثة كتابة أخرى فادى إليهم وعتق هو فولاؤه للورثة على قدر موراثتهم لأنه عتق
باعتاقهم فكان ماله ميراثا بينهم إذ الولاء يورث به إن كان لا يورث نفسه واما بموت المكاتب فينظر ان مات عن وفاء
لا ينفسخ عندنا خلافا للشافعي وان مات لا عن وفاء ينفسخ بالاجماع لأنه مات عاجزا فلا فائدة في بقاء العقد فينفسخ
ضرورة ولا ينفسخ بردة المولى بان كاتب مسلم عبده ثم ارتد للمولى لأنها لا تبطل بموت المولى حقيقة فبموته حكما أولى ان
لا ينفسخ ولهذا لا تبطل سائر عقوده بالردة كذا المكاتبة فان أقر بقبض بدل الكتابة وهو مرتد ثم أسلم جاز اقراره
في قولهم وان قتل أو مات على الردة لم يجز في قول أبي حنيفة إذا لم يعلم ذلك الا بقوله بناء على أن تصرفات المرتد نافذة
عنده بل هي موقوفة وان علم ذلك بشهادة الشهود جاز قبضه وكذا يجوز للمرتد أخذ الدين بشاهدة الشهود في كل
ما وليه من التصرفات كذا ذكر في الأصل لان ردته بمنزلة عزل الوكيل فيملك قبض الديون التي وجبت بعقده
كالوكيل المعزول في باب البيع انه يملك قبض الثمن بعد العزل وذكر في موضع آخر ولا يجوز قبض المرتدة لأنه إنما
يملك لكونه من حقوق هذا العقد وحقوق هذا العقد وهو المكاتبة لا يتعلق بالعاقد فلا يملك القبض بخلاف البيع وأما على
أصلهما فاقراره بالقبض جائز لان تصرفاته نافذة عندهما فإن لم يقبض شيئا حتى لحق بدار الحرب فجعل القاضي ماله
ميراثا بين ورثته فاخذوا الكتابة ثم رجع مسلما فولاء العبد له لان ردته مع لحوقه بدار الحرب بمنزلة موته ولو دفع إلى
الورثة بعد موته كان الولاء له كذلك هذا ويأخذ من الورثة ما قبضوه منه ان وجد بعينه كما في سائر أملاكه التي
وجدها مع الورثة بأعيانها لان الوارث إنما قبض بتسليط المورث فصار بمنزلة الوكيل والله عز وجل أعلم
(كتاب الولاء)
الولاء نوعان ولاء عتاقة وولاء موالاة أما ولاء العتاقة فلا خلاف في ثبوته شرعا عرفنا ذلك بالسنة واجماع الأمة
والمعقول أما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق وهذا نص روى أن رجلا اشترى عبدا فأعتقه
فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى اشتريت هذا فأعتقته فقال صلى الله عليه وسلم هو
أخوك ومولاك فان شكرك فهو خير له وشر لك وإن كفرك فهو خير لك وشر له وان مات ولم يترك وارثا كنت
أنت عصبته والاستدلال به من وجهين أحدهما انه جعله عصبة إذا لم يترك وراثا آخر والثاني انه صلى الله عليه
وسلم جعل المعتق مولى المعتق بقوله صلى الله عليه وسلم هو أخوك ومولاك ولا يكون مولاه الا وأن يكون ولاؤه له
159

ونظير هذا الاستدلال استدلالنا بقوله عز وجل والله خلقكم وما تعملون على تقدير تسليم إرادة المعمول من قوله
سبحانه وتعالى وما تعملون في اثبات خلق الافعال من الله تبارك وتعالى أخبر سبحانه انه خلقهم وخلق معمولهم ولا
معمول بدون العمل فيدل على كون المعمول مخلوق الله عز وجل وقوله الله عليه وسلم ان شكرك فهو خير له لان
المعتق لما أنعم الله عليه بالاعتاق فقد وجب عليه الشكر فإذا شكره فقد أدى ما وجب عليه فكان خيرا له وقوله صلى
الله عليه وسلم وشر لك لأنه قد وصل إليه شئ من العوض فأوجب ذلك نقصانا في الثواب لأنه يصير كأنه أعتقه على
عوض فكان ثوابه أقل ممن أعتق ولم يصل إليه على اعتاقه عوض دنيوي أصلا ورأسا وقوله صلى الله عليه وسلم
وان كفرك فهو خير لك لان اعتاقه إذا خلى عن عوض دنيوي يتكامل ثوابه في الآخرة وقوله صلى الله عليه وسلم
وشر له لان شكر النعمة واجب عقلا وشرعا فإذا لم يشكره فقد ترك الواجب فكان شرا له وروى أن معتق بنت
حمزة رضي الله عنه مات وترك بنتا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف ماله لابنته والنصف لابنة حمزة وروى
عن عمر رضي الله عنه وعلى وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبى مسعود الأنصاري وأسامة
ابن زيد رضي الله عنهم انهم قالوا الولاء للكبر فاتفاق هؤلاء النجباء من الصحابة رضي الله عنهم على لفظ واحد
بدليل سماعهم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما ان هذا حكم لا يدرك بالقياس فالظاهر قول السماع وسيأتي
تفسير هذا الحديث في أثناء المسائل إن شاء الله تعالى وأما الاجماع فان الأمة أجمعت على ثبوت هذا الولاء واما
المعقول فمن وجوه أحدها ان الاعتاق انعام إذ المعتق أنعم على المعتق بايصاله إلى شرف الحرية ولهذا سمى المولى الأسفل
مولى النعمة في عرف الشرع وكذا سماه الله تعالى انعاما فقال عز وجل في زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه قيل في التفسير أنعم الله عليه بالاسلام وأنعمت عليه بالاعتاق فجعل كسبه
عند استغنائه عنه لمولاه شكرا لانعامه السابق ولهذا لا يرث المعتق من المعتق والثاني ان المعتق في نصرة المعتق حال
حياته ولهذا كان عقله عليه وعليه ان ينصره بدفع الظلم عنه وبكفه عن الظلم على غيره فإذا جنى فقد قصر في أحد نوعي
النصرة وهو كفه عن الظلم على غيره فجعل عقله عليه ضمانا للتقصير فإذا مات جعل ولاؤه لمعتقه جزاء للنصرة السابقة
والثالث ان الاعتاق كالايلاد من حيث المعنى لان كل واحد منهما احياء معنى فان المعتق سبب لحياة المعتق
باكتساب سبب الأهلية والمالكية والولاية التي يمتاز بها الآدمي عن البهائم كما أن الأب سبب حياة الولد
باكتساب سبب وجوده عادة وهو الايلاد ثم الايلاد سبب لثبوت النسب فالاعتاق يكون سببا لثبوت الولاء
كالايلاد وهذا معنى قول النبي صلى الله وعليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب والله عز وجل أعلم فبعد هذا يقع
الكلام في مواضع في بيان سبب ثبوته وفي بيان شرائط الثبوت وفي بيان صفة الثابت وكيفيته وفي بيان قدره وفي بيان
حكمه وفي بيان ما يظهر له أما سبب ثبوته فالعتق سواء كان العتق حاصلا بصنعه وهو الاعتاق أو ما يجرى مجرى
الاعتاق شرعا كشراء القريب وقبول الهبة والصدقة والوصية أو بغير صنعه بان ورث قريبه وسواء أعتقه لوجه
الله أو لوجه الشيطان وسواء أعتقه تطوعا أو عن واجب عليه كالاعتاق عن كفارة القتل والظهار والافطار والايلاء
واليمين والنذر وسواء كان العتاق بغير بدل أو ببدل وهو الاعتاق على مال وسواء كان منجزا أو معلقا بشرط أو
مضافا وقت وسواء كان صريحا أو يجرى مجرى الصريح أو كناية أو يجرى مجرى الكناية وكذا العتق
الحاصل بالتدبير والاستيلاد ويستوى فيه صريح التدبير والاعتاق والاستيلاد والكتابة والأصل فيه قول
النبي صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق من غير فصل وعلى هذا إذا أمر المولى غيره بالاعتاق في حال حياته أو بعد
وفاته ان الولاء للآمر لان العتق يقع عنه ولو قال لآخر أعتق عبدك عنى على ألف درهم فأعتق فالولاء للآمر
لان العتق يقع عنه استحسانا والقياس أن يكون الولاء للمأمور لان العتق يقع عن المأمور وهو قول زفر وجه
القياس انه أمر باعتاق عبد الغير عن نفسه وهذا لا يصح لان العتق لا يقع بدون الملك ولا ملك للآمر بل
160

للمأمور فكان العتق عنه ولنا ان الامر بالفعل أمر بما لا وجود للفعل بدونه كالأمر بصعود السطح يكون
أمرا بنصب السلم والامر بالصلاة يكون أمرا بالطهارة ونحو ذلك ولا وجود للعتق عن الآمر بدون ثبوت الملك
فكان أمر المالك باعتاق عبده عنه بالبدل المذكور أمر بتمليكه منه بذلك البدل ثم باعتاقه عنه تصحيحا لتصرفه
كأنه صرح بذلك فقال بعه منى وأعتقه عنى ففعل ولو قال أعتق عبدك عنى ولم يذكر البدل فاعتق فالولاء
للمأمور في قول أبي حنيفة ومحمد لان العتق عنه وعند أبي يوسف هذا والأول سواء وجه قوله على نحو ما
ذكرنا في المسألة الأولى ولهما الفرق بين المسئلتين وهو انه في المسألة الأولى أمكن اثبات الملك للآمر
بالبدل المذكور بمقتضى الامر بالاعتاق لان الملك في البيع الصحيح لا يقف على القبض بل يثبت بنفس
العقد فصار المأمور بائعا عبده منه بالبدل المذكور ثم معتقا عنه بأمره وتوكيله وأما في المسألة الثانية
فلا يمكن اثبات الملك بالتمليك الثابت بطريق الاقتضاء لان التمليك من غير عوض يكون هبة والملك في باب الهبة
لا يثبت بدون القبض فإذا أعتق فقد أعتق ملك نفسه لا ملك الامر فيقع عن نفسه فكان الولاية له فهو الفرق ولو قال
أعتق عبدك ولم يقل شئ آخر فأعتق فالولاء للمأمور لان العتق عنه لأنه عتق عن نفسه لان عن الآمر لعدم الطلب
من الآمر بالاعتاق عنه ولو قال أعتق عبدك على ألف درهم ولم يقل عنى فأعتق توقف على قبول العبد إذا كان من
أهل القبول فان قبل في مجلس علمه يعتق ويلزمه المال والا فلا لأنه لم يطلب اعتاق العبد لنفسه وإنما طلب اعتاق العبد
للعبد وهو فضولي فيه فإذا عتق المالك توقف اعتاقه على إجازة العبد كما إذا قال لغيره بع عبدك هذا من فلان على ألف
درهم فباعه أنه يتوقف على إجازة فلان كذا هذا وسواء كان المعتق ذكرا أو أنثى لوجود السبب منهما ولعموم قوله
صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق وقال صلى الله عليه وسلم ليس للنساء من الولاء الا ما أعتقن الحديث والمستثنى
من المنفى مثبت ظاهرا وسواء كان المعتق والمعتق مسلمين أو كافرين أو كان أحدهما مسلما والآخر كافرا لوجود
السبب ولعموم الحديث حتى لو أعتق مسلم ذميا أو ذمي مسلما فولاء المعتق منهم للمعتق لما قلنا الا أنه لا يرثه لانعدام
شرط الإرث وهو اتحاد الملة قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يتوارث أهل ملتين بشئ وقال صلى الله عليه وسلم
لا يرث المؤمن الكافر ولا الكافر المؤمن ويجوز أن يكون الولاء ثابتا لانسان ولا يرث به لانعدام شرط الإرث به على
ما نذكر حتى لو أسلم الذمي منهما قبل موت المعتق ثم مات المعتق يرث به لتحقق الشرط وكذا لو كان للذمي الذي هو
معتق العبد المسلم عصبة من المسلمين بأن كان له عم مسلم أو ابن عم مسلم فإنه يرث الولاء لان الذمي يجعل بمنزلة الميت
وان لم يكن له عصبة من المسلمين يرد إلى بيت المال ولو كان عبد مسلم بين مسلم وذمي فأعتقاه ثم مات العبد فنصف
ولائه للمسلم لان المسلم يرث المسلم والنصف الآخر لأقرب عصبة الذمي من المسلمين إن كان له عصبة مسلم وان لم
يكن يرد إلى بيت المال ولو أعتق حربي عبده الحربي في دار الحرب لم يصر بذلك مولاه حتى لو خرجا إلى دار الاسلام
مسلمين لا ولاء له وهذا قول أبي حنيفة ومحمد لأنه لا يعتق عندهما لأنه لا يعتق بكلام الاعتاق وإنما يعتق بالتخلية
والعتق الثابت بالتخلية لا يوجب الولاء وعند أبي يوسف يصير مولاه ويكون له ولاؤه لان اعتاقه بالقول قد صح في
دار الحرب وكذلك لو دبره في دار الحرب فهو على هذا الاختلاف ولا خلاف في أن استيلاده جائز وتصير الجارية
أم ولد له لا يجوز بيعها لما ذكرنا فيما تقدم ان مبنى الاستيلاد على ثبوت النسب والنسب يثبت في دار الحرب ولو أعتق
مسلم عبدا له مسلما أو ذميا في دار الحرب فولاؤه له لان اعتاقه جائز بالاجماع وان أعتق عبدا له حربيا في دار الحرب
لا يصير مولاه عند أبي حنيفة لأنه لا يعتق بالقول وإنما يعتق بالتخلية وعند أبي يوسف يصير مولاه لثبوت العتق
بالقول وقول محمد فيه مضطرب حتى لو أسلم العبد في دار الحرب وخرجا مسلمين إلى دار الاسلام فلا ولاء لمعتق
على المعتق وللمعتق أن يوالي من شاء عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف يرث المعتق من المعتق وله ولاؤه إذا خرجا
مسلمين وان سبى العبد المعتق كان مملوكا للذي سباه في قولهم جميعا ولا يخلو اما أن يكون مملوكا أو حرا فإن كان مملوكا
161

كان محلا للاستيلاد والتملك وكذا إن كان حرا لان الحربي الحر محل للاستيلاد والتملك وعلى هذا يخرج ما إذا
دخل رجل من أهل الحرب دار الاسلام بأمان فان اشترى عبد فأعتقه ثم رجع إلى دار الحرب فسبي فاشتراه عبده
المعتق فأعتقه ان كل واحد منهما يكون مولى صاحبه حتى أن أيهما مات ولم يترك عصبة من النسب ورثه صاحبه
لوجود سبب الإرث من كل واحد منهما وهو الاعتاق وشرطه وكذا الذمي إذا أعتق عبدا له ذميا فأسلم العبد ثم
هرب الذمي المعتق ناقضا للعهد إلى دار الحرب فسبي وأسلم فاشتراه العبد الذي كان أعتقه فأعتقه فكل واحد منهما
مولى صاحبه لما قلنا وكذلك المرأة إذا أعتقت عبدا لها ثم ارتدت المرأة ولحقت بدار الحرب ثم سبيت فاشتراها الذي
كانت المرأة أعتقته فأعتقها كان الرجل مولى المرأة والمرأة مولاة الرجل لوجود الاعتاق من كل واحد منهما ثم العتق كما
هو سبب ثبوت الولاء للمعتق فهو سبب وجوب العقل عليه حيت لو جنى المعتق كان عقله على المعتق لما ذكرنا ان عليه
حفظه فإذا جنى فقد قصر في الحفظ وأما شرط ثبوته فلثبوت الولاية شرائط بعضها يعم ولاء العتاقة وولاء ولد
العتاقة وبعضها يخص ولاء ولد العتاقة فأما الذي يعمهما جميعا فهو أن لا يكون للعبد المعتق أو لولده عصبة من جهة
النسب فإن كان لا يرثه المعتق لأنه يرثه من طريق التعصيب وفى العصبات يعتبر الأقوى فالأقوى ولا شك ان
العصبة من جهة النسب أقوى فكان أولى وهذا لان الولاء وإن كان لحمة كلحمة النسب كما نطق به الحديث لكنه
لا يكون مثل حقيقة النسب فكان اعتبار حقيقة النسب أولى فإن لم يكن له عصبة من جهة النسب وله أصحاب
الفرائض أو ذوو الأرحام فحكمه يذكر في موضعين إن شاء الله تعالى وأما الذي يخص ولد العتاقة فمنها أن تكون
الام معتقة فإن كانت مملوكة فلا ولاء لاحد عليه ما دام مملوكا سواء كان الأب حرا أو مملوكا لان الولد يتبع الام في
الرق والحرية فكان مملوكا لمولى أمه فلا يتصور الولاء ومنها أن لا تكون الام حرة أصلية فإن كانت فلا ولاء
لاحد على ولدها وإن كان الأب معتقا لما ذكرنا ان الولد يتبع الام في الرق والحرية ولا ولاء لاحد على أمه فلا ولاء
على ولدها فإن كانت الام معتقة والأب معتا فالولد يتبع الأب في الولاء ويكون ولاؤه لمولى الأب لا لمولى الام
لان الولاء كالنسب والأصل في النسب هو الأب ومنها أن لا يكون الأب عربيا فإن كان الأب عربيا والام مولاة
لقوم فالولد تابع للأب ولا ولاء عليه لان الولاء أثر من آثار الرق ولا رق على عربي ولو كان الأب نبطيا وهو حر
مسلم لم يعتق وله ولاء موالاة أو لم يكن فالولد يتبع الام في ولاء العتاقة عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يكون
تبعا للأب كما في العربي (وجه) قول أبى يوسف ان النسب يشبه النسب والنسب إلى الآباء وإن كان أضعف ألا
ترى ان الام لو كانت من العرب والأب من الموالي فالولد يكون تابعا لقوم الأب ولهما ان ولاء الام لمواليها لأجل
النصرة فيثبت للولد هذه النصرة ولا نصرة له من جهة الأب لان من سوى العرب لا يتناصرون بالقبائل فصار كمعتقة
تزوجت عبدا فيكون ولاء أولادها لمواليها ومنها أن لا يكون للأب مولى عربي فإن كان لا ولاية لاحد عليه لان
حكمه حكم العربي لقول النبي صلى الله عليه وسلم ان مولى القوم منهم ومنها أن لا يكون الولد معتقا فإن كان لا يكون
ولاؤه لموالي الأب ولا لموالي الام بل يكون لمن أعتقه لأنه إذا أعتق صار له ولاء نفسه لقوله صلى الله عليه وسلم الولاء
لمن أعتق فلا يكون تبعا لغيره في الولاء وبيان هذا الأصل يذكر في بيان صفة الولاء وأما صفته فله صفات منها ان
الإرث به عند وجود سبب ثبوته وشرطه من طريق التعصيب ومعنى هذا الكلام ان المعتق إنما يرث بالولاء مال
المعتق بطريق العصوبة ويكون المعتق آخر عصابات المعتق مقدما على ذوي الأرحام وعلى أصحابنا الفرائض في
استحقاق ما فضل من سهامهم حتى أنه لو لم يكن للمعتق وارث أصلا أو كان له ذو الرحم كان الولاء للمعتق وإن كان له
أصحاب الفرائض فإنه يعطى فرائضهم أولا فان فضل شئ يعطى المعتق والا فلا شئ له ولا يرد الفاضل على أصحاب
الفرائض وإن كانوا ممن يحتمل الرد عليه وهذا قول عامة العلماء وهو قول على وابن عباس وزيد رضي الله عنهم وروى
عن عمر وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنه لا يرث بطريق التعصيب وهو مؤخر عن أصحاب الفرائض في
162

استحقاق الفاضل وعن ذوي الأرحام أيضا واحتجوا بظاهر قوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض
فظاهره يقتضى أن يكون ذو الرحم أولى من المعتق (وجه) قول الأولين ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه جعل ولاء مولى بنت حمزة رضي الله عنه بينها وبين بنت معتقها نصفين فقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
بنت حمزة رضي الله عنه مقام العصبات حيث جعل النصف الآخر لها ولم يأمر برده على بنت المعتق ولو كان الامر
كما زعموا لأمر صلى الله عليه وسلم بالرد كما في سائر المواريث إذا لم يكن هناك عصبة وقال صلى الله عليه وسلم
ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت فلأولى رجل ذكر وأولى رجل ذكر ههنا هو المولى وروى فلا ولى عصبة
ذكر وهو المولى ههنا وأما الآية الكريمة فقال بعضهم في تأويلها أي ذوو الأرحام من العصبة بعضهم أولى ببعض
أي الأقرب من ذوي الأرحام من العصبات بعضهم أولى ببعض من الابعد كالابن مع ابن الابن والأخ لأب
وأم مع الأخ لأب ونحو ذلك وإذا عرف هذا الأصل فبيانه في مسائل إذا مات المعتق وترك أما ومولى فللأم الثلث
والباقي للمولى عند الأولين لأنه عصبة وعند الآخرين الثلث للام بالفرض والباقي ردا عليها أيضا وان ترك بنتا
ومولى فللبنت فرضها وهو النصف والباقي للمولى عند الأولين لأنه عصبة وعند الآخرين النصف للبنت بالفرض
والباقي ردا عليها ولو ترك ثلاث أخوات متفرقات وأما وترك مولاه فللأخت للأب والام النصف وللأخت
للأب السدس تكملة الثلثين وللأخت للأم السدس وللأم السدس فقد استغرقت سهامهم الميراث فلم يبق شئ
للمولى وان ترك امرأة ومولى فللمرأة فرضها وهو الربع والباقي للمولى بلا خلاف وكذا إذا كان المعتق أمة فتركت
زوجها ومولى فللزوج فرضه وهو النصف والباقي للمولى أما على قول الأولين فلان المولى عصبة فكان الباقي له
وأما على قول الآخرين فلانه لا سبيل إلى الرد إذ لا يرد على الزوج والزوجة فان ترك المعتق عمة وخالة ومولاه
فالمال للمولى في قول الأولين لأنه آخر العصبات يقدم على ذوي الأرحام وفى قول الآخرين للعمة الثلثان وللخالة
الثلث لتقدم ذوي الأرحام عليه وقس على هذا نظائره وعلى هذا يخرج ما إذا اشترت المرأة عبدا فأعتقته ثم مات العبد
المعتق وترك ابنته فللابنة النصف وما بقي فمولاته لأنها عصبة وهذا قول الأولين وأما على قول الآخرين فالباقي
يرد عليها بالقرابة وإذا اشترت أباها فعتق ثم مات الأب وليس له عصبة فلابنته النصف بالنسب وما بقي فلابنته أيضا
بحق الولاء بالرد لأنها عصبة الأب في الولاء وعلى قول الآخرين ما بقي يرد عليها بالقرابة فإن كان الأب أعتق عبدا
قبل أن يموت ثم مات الأب ثم مات العبد المعتق ولم يترك عصبة فإنها ترثه لأنه معتق معتقها فكان ولاؤه لها لقول
النبي صلى الله عليه وسلم ليس للنساء من الولاء الا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن الحديث والاستثناء من النفي اثبات
ظاهرا فان اشترت أختان لأب وأم أباهما ثم مات الأب ولم يترك عصبة وترك ابنتيه هاتين فللابنتين الثلثان بالنسب
وما بقي فلهما أيضا بلا خلاف ولكن عند الأولين بطريق العصوبة لأنهما عصبة وعند الآخرين بطريق الرد
وان اشترت إحداهما أباهما ثم مات الأب ولم يترك عصبة وترك ابنتيه هاتين فللابنتين الثلثان بالنسب وللتي
اشترت الأب الثلث والباقي خاصة بالولاء في قول الأولين لأنها عصبة وفى قول الآخرين الباقي يرد عليهما نصفين
فان اشترتا أباهما ثم إن إحداهما والأب اشتريا أخا لهما من الأب ثم مات الأب فان المال بين الابنتين وبين الابن
للذكر مثل حظ الأنثيين لأنه مات حرا عن ابن حر وعن ابنتين حرتين فكان الميراث لهم بالقرابة فلا عبرة للولاء في
ذلك فان مات الابن بعد ذلك فلأختيه الثلثان بالنسب والثلث الباقي نصفه للتي اشترته مع الأب خاصة لان لها نصف
ولاء الأخ لأنه عتق بشرائها وشراء الأب فكان ولاؤه بينها وما بقي فبينهما نصفان لأنهما مشتركتان في ولاء
الأب فصار حصة الأب بينهما نصفين وهو سدس جميع المال وتخرج المسألة من اثنتي عشر للأختين الثلثان لكل
واحدة منهما أربعة أسهم ونصف ثلث الباقي وذلك سهمان للتي اشترته مع الأب بالولاء ونصف الثلث بينها نصفان
بولاء الأب لكل واحدة منهما سهم فصار للتي اشترته سبعة أسهم وللأخرى خمسة أسهم وهذا على قياس قول على
163

وابن عباس وزيد رضي الله عنهم وأما على قياس قول عمر وابن مسعود رضي الله عنهما إذا مات الابن بعد موت
الأب فلأختيه الثلثان بالنسب كما قالوا والثلث الباقي يرد عليهما فان اشترت إحداهما الأب واشترت الأخرى
والأب أخا لهما ثم مات الأب فالمال بين الابن والابنتين للذكر مثل حظ الأنثيين لما قلنا فان مات الأخ بعد ذلك
فللأختين الثلثان بالنسب ونصف الثلث الباقي للتي اشترت الأخ مع الأب وما بقي فهو للتي اشترت الأب خاصة فيصير
المال بينهما نصفين وهذا على قول على وابن عباس وزين رضي الله عنهم وأما على قول عمر وابن مسعود رضي الله عنه
ما فالثلث الباقي يرد عليهما والله عز وجل الموفق ومنها انه لا يورث من المعتق بعد موته ولا يكون سبيله سبيل
الميراث وإنما يستحقه عصبة المعتق بنفسها وهم الذكور من عصبته لا الإناث ولا الذكور من أصحاب الفرائض
والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث أي لا يورث من
المعتق لاجماعنا على أنه يورث من المعتق ولان الولاء لما كان سببه النسب ثم النسب لا يورث نفسه وإن كان يورث
به فكذا الولاء وروينا عن النجباء السبعة رضي الله عنهم أنهم قالوا بلفظ واحد الولاء للكبر فالظاهر هو
السماع فإن لم يكن فقد ظهرت الفتوى بينهم ولم يظهر لهم فيها مخالف فيكون اجماعا ومعين قولهم الولاء للكبر أي
للأقرب وهو أقرب العصبة إلى المعتق يقال فلان أكبر قومه إذا كان أقربهم إلى الأصل الذي ينسبون إليه وإنما
شرطنا الذكورة في هذه العصوبة لان الأصل في العصبة هم الذكور إذ العصبة عبارة عن الشدة والقوة قال الله تبارك
وتعالى خبرا عن بنى يعقوب عليهم الصلاة والسلام وإذ قالوا ليوسف واخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة أي
جماعة أقوياء أشداء قادرون على النفع والدفع وهذا قول عامة العلماء وعن إبراهيم النخعي وشريح ان الولاء يجرى
مجرى المال فيورث من المعتق كما يورث سائر أمواله الا أنه إنما يرث منه الرجال لا النساء بالنص وهو قول النبي صلى
الله عليه وسلم ليس للنساء الا ما أعتقن الخبر وكان شريح يقول من أحرز شيئا في حياته فهو لورثته بعد موته واحتجا
بما روى عن الصحابة رضي الله عنهم انهم قالوا من أحرز المال أحرز الولاء فقد أنزلوه منزلة المال فدل على أن حكمه
حكم المال والجواب ان معنى قولهم من أحرز المال أحرز الولاء أي من أحرز المال من عصبة المعتق يوم موت المعتق
أحرز الولاء أيضا بدليل ان المرأة تحرز المال ولا تحرز الولاء بالاجماع فعلم أن المراد منع العصبات وبه نقول
ولان في الحمل على ما قلنا عملا بالدلائل بقدر الامكان فهو أولى ثم بيان هذا في الأصل في مسائل في رجل أعتق عبدا
له ثم مات المعتق وترك ابنين ثم مات أحد الابنين وترك ابنا ثم مات العبد المعتق فولاؤه لابن المعتق لصلبه لا لابن
ابنه لأنه الأكبر إذ هو أقرب عصبات المعتق بنفسها والأصل انه يعتبر كون المستحق عصبة يوم موت المعتق لا يوم
موت المعتق ويعتبر له الكبر من حيث القرب لا من حيث السن ألا ترى ان الابن قد يكون أكبر سنا من عمه الذي
هو ابن المعتق وهذا على قول عامة العلماء وأما على قول إبراهيم وشريح فالمال بين ابن المعتق وبين ابن ابنه نصفين
لأنه يجرى مجرى الميراث عندهما فكما مات المعتق فقد ورثاه جميعا فانتقل الولاء إليهما ثم إذا مات أحدهما انتقل
نصيبه إلى ولده كما في ميراث المال فان مات الابن الباقي وترك ابنا ثم مات المعتق فالولاء بين ابن هذا الميت وبين
ابن الميت الأول نصفين بلا خلاف أما على قول عامة العلماء فلاستوائهما في العصوبة وأما على قول إبراهيم
النخعي وشريح فلانتقال نصيب كل واحد منهما إلى ولده ولو كان الأول حين مات ترك ابنين ثم مات الباقي وترك
ابنا واحدا ثم مات المعتق فالولاء بين ابن هذا وابني الأول يكون ثلاثا عندنا لاستواء الكل في العصوبة وعندهما
الولاء بينهما نصفين النصف لابن هذا والنصف الآخر بين ابني الأول نصفين لأنهما يجعلان لكل ولد واحد حصة
أبيه فان مات المعتق وترك ثلاثة بنين فمات البنون وترك أحدهم ابنا واحدا وترك الآخر خمسة بنين وترك
الثالث عشرة بنين ثم مات العبد المعتق وترك مالا فماله بين أولاد البنين بالسوية على عدد الرؤس في قول
عامة العلماء لاستوائهم في العصوبة والقرب من المعتق وعلى قول إبراهيم وشريح المال بينهم أثلاثا ثلث لابن
164

الابن الواحد والثلث الآخر بين الخمسة بنى الابن والثلث الاخر بين العشرة بنى الابن فتصح فريضتهم من ثلاثين
سهما لابن الابن الواحد عشرة وعشرة بين بنى الابن الآخر على خمسة وعشرة بين بنى الابن الآخر وهو
الثالث على عشرة ولو أعتق رجل هو وابنه عبدا ثم مات الرجل وترك ابنين أحدهما شريكه في الاعتاق ثم مات
العبد المعتق فنصف الولاء لابنه الذي هو شريك أبيه خاصة لأنه شريكه في الاعتاق والنصف الباقي بينهما نصفان
لان ذلك حصة أبيه فيكون بينهما بالسوية فيصير الولاء بينهما على أربعة أسهم ثلاثة أرباعه للابن الذي كان شريك
أبيه والربع للآخر فان مات شريك أبيه قبل العبد وترك ابنا ثم مات العبد المعتق فلابن الابن نصف الولاء الذي
كان لأبيه خاصة والنصف الآخر للابن وحده لأنه الكبر من عصبة الأب فكان أحق بنصبيه من الولاء فيصير
نصف الولاء للعم ونصفه لابن أخيه فان مات العم وترك ابنين ثم مات العبد المعتق فنصف الولاء لابن شريك أبيه
خاصة والنصف الآخر بينه وبين ابني عمه أثلاثا لكل واحد منهم الثلث فيصير لابن شريك أبيه الثلثان ويصير
لابني عمه الثلث لكل واحد منهما السدس فان مات المعتق وترك ابنا وأبا ثم مات العبد المعتق فالولاء للابن وابن
الابن وان سفل لا للأب في قول أبي حنيفة ومحمد وعامة الفقهاء وعند أبي يوسف سدسا الولاء للأب والباقي للابن
وهو قول إبراهيم النخعي وشريح وهذا على أصلهما صحيح لأنهما ينزلان الولاء منزلة الميراث والحكم في الميراث هذا
وإنما المشكل قول أبى يوسف لأنه لا يحل ما يتركه المعتق بعد موته محل الإرث بل يجعله العصبة المعتق بنفسها والأب
لا عصوبة له مع الابن بل هو صاحب فريضة كما في ميراث المال فكان الابن هو عصبة فكان الولاء له فان مات
المعتق وترك أبا وثلاثة اخوة متفرقين أخا لأب وأم وأخا لأب وأخا لأم ثم مات العبد العتق فالولاء للأب خاصة
لأنه العصبة فان مات الأب ثم مات العبد المعتق فالولاء للأخ من الأب والام لأنه أقرب العصبات إلى المعتق
فان مات الأخ من الأب والام وترك ابنا فان الولاء يرجع إلى الأخ لأب لأنه الكبر فان مات الأخ من الأب وترك
ابنا فان الولاء يرجع إلى ابن الأخ للأب والام لأنه أقرب فان مات ابن الأخ من الأب والام وترك ابنا فان
الولاء يرجع إلى ابن الأخ من الأب لأنه أقرب فان مات ابن الأخ من الأب وترك ابنا فان الولاء يرجع إلى ابن
ابن الأخ من الأب والام لأنه أقرب ولا يرث الأخ من الام ولا أحد من ذوي الأرحام شيئا من الولاء لما بينا فيما تقدم
ولو مات المعتق وترك جده أبا أبيه وأخاه لأبيه وأمه أو لأبيه فالولاء للجد لا للأخ في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف
ومحمد الولاء بين الجد والأخ نصفين بناء على أنه لا ميراث للأخ مع الجد عنده وعندهما يورثان الأخ مع الجد بالتعصيب
فان مات المعتق وترك ابنا وبنتا ثم مات العبد المعتق فالولاء للابن لا للبنت لان الابن هو العصبة بنفسه لا البنت
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم ليس للنساء من الولاء الا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن ولم
يوجد ههنا المستثنى فبقي استحقاقها الولاء على أصل النفي وجملة الكلام فيه ان النساء لا يرثن بالولاء الا ما أعتقن أو أعتق
من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن أو دبرن أو دبر من دبرن وأولادهم وأولاد أولادهم وان سلفوا إذا كانوا من امرأة
معتقة أو ما جر معتقهن من الولاء إليهن وبيان هذه الجملة امرأة أعتقت عبدا لها ثم مات العبد ولا وارث له فولاؤه
للمرأة لقوله صلى الله عليه وسلم خاصة في النساء ليس للنساء من الولاء الا ما أعتقن وهذا معتقها ولعموم قوله صلى
الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق ومن تعم الذكر والأنثى فلو أن معتقها أعتق عبدا له ثم مات العبد الأسفل ولم
يترك وارثا فولاؤه لمولاه الذي أعتقه ولا يرث مولاه منه شيئا لأنه معتق مولاه وليس بمعتقها حقيقة بل معتق معتقها
فكان اثبات الولاء للمعتق حقيقة أولى فان مات العبد الاعلى ولم يترك عصبة ثم مات العبد الأسفل فولاؤه للمرأة
المعتقة لأنه معتق معتقها فيدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم أو أعتق من أعتقن ولو ترك العبد الاعلى عصبة فماله
لعصبته لما ذكرنا ان شرط الإرث بالولاء ان لا يكون للمعتق عصبة من النسب وكذلك لو أن المعتق الثاني أعتق
ثالثا والثالث أعتق رابعا فميراثهم كلهم إذا ماتوا لها إذا لم يخلف من مات منهم مولى أقرب إليه منها ولا عصبة ولو كاتبت
165

المرأة عبدا لها فادى فعتق ثم مات العبد المكاتب فولاؤه لها لقول النبي صلى الله عليه وسلم أو كاتبن وكذا لو كان العبد
المكاتب كاتب عبدا له من اكسابه فادى الأسفل أولا فعتق كان ولاؤه لها لان الاعلى ليس من أهل الولاء لأنه
عبد مملوك بعد وكذا إذا أديا جميعا معا فعتقا فولاؤهما لها لقوله صلى الله عليه وسلم أو كاتب من كاتبن وكذا إذا دبرت
امرأة عبدا لها فماتت ثم مات العبد كان ولاؤها منها حتى يكون لذكور من عصبتها وكذا إذا ماتت المرأة حتى عتق
المدبر بموتها فدبر عبدا له فولاؤه يكون لعصبتها وكذا ولاء أولادها وولاء أولاد أولادهم الذين ولدوا من امرأة معتقة
يكون لها لان ولاءهم يثبت لآبائهم وولاء آبائهم لها كذا ولاء أولادهم امرأة زوجت عبدها بمولاة قوم فولدت ولدا
فولاء الولد يكون لمولى أمه ولا يكون للمرأة منه شئ وهذا مما لا يشك فيه لان أبا الولد ليس بمعتق بل هو عبد مملوك
ولا يتصور ولاء العتافة بدون العتق فلو أعتقت المرأة عبدها جر العبد المعتق ولاء الولد إلى مولاته حتى لو مات الولد
ولا وارث له كان ماله لأبيه فإن لم يكن له أب فإن كان مات فولاؤه للمرأة التي أعتقت أباه هذا تفسير جر موالي النساء
الولاء إليهن والله عز وجل أعلم امرأة أعتقت عبدا لها ثم ماتت ثم مات العبد المعتق فولاء معتقها لولدها الذكور إن كانوا
من عصبتها وعقله عليهم أيضا بلا خلاف وإن كانوا من غير عصبتها فولاء معتقها لولدها الذكور الذين هم من غير
عصبتها وعقله على سائر عصبتها دون ولدها فان انقرض ولدها وخلفوا عصبة لهم ليسوا من قوم المرأة المعتقة ولها
عصبة كان لعصبتها دون عصبة ابنها لان الولاء للكبر وانه لا يورث وكذلك ما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال
يرجع الولاء إلى عصبتها إذا انقطع ولدها الذكور وهو قول عامة العلماء وإذا لم يكن لها عصبة من نسب وكان لها
موالي اعتقوها فالولاء لمواليها وكان شريح يجعل الولاء بعد بنيها لعصبة البنين دون عصبتها لأنه يجعل الولاء ميراثا
كالمال وبيان هذه الجملة امرأة أعتقت عبدا ثم ماتت وتركت ابنها وأخا لها ثم مات العبد المعتق فماله لابنها لا لأخيها
بلا خلاف فان مات ابنها وترك اخاله وأباه فان الولاء للخال دون الأب لان الخال أخ المعتقة وهو عصبتها والأب
لا قرابة بينه وبين المعتقة وعلى قول شريح الولاء الذي للأخ ينبغي أن يكون للأب لا للخال لان الأب عصبة
الابن وكذلك إذا مات الابن وترك أخا لأب أو عما أو جدا من قبل أبيه أو ترك ابني عم أو ترك موالي أبيه
فهذا كله سواء والولاء يرجع إلى عصبة الام الأقرب منهم فالأقرب إن كان لها بنو عم يرجع إليهم وان لم يكن
وكان لها موالي أعتقوها يرجع الولاء إليهم وفى قول شريح لا يرجع الولاء ويمضى على جهته وعن الشعبي وابن أبي
ليلى ان الولاء للذكور من ولدها والعقل عليهم أيضا دون سائر عصبة المعتقة وقالا كما يرثونه كذلك يعقلون عنه
لان الخراج بالضمان الصحيح قول العامة لما ان عليا والزبير رضي الله عنهما اختصما إلى عمر رضي الله عنه في ولاء
مولى صفية بنت عبد المطلب فقال الزبير هي أمي فانا ارثها ولى ولاؤها وقال على هي عمتي وأنا عصبتها وأنا أعقل عنها
فلي ولاؤها فقضى عمر رضي الله عنه بالولاء للزبير وبالعتق على علي رضي الله عنه والمعنى فيه ان استحقاق الميراث
بالعصوبة والابن في ذلك مقدم على الأخ وابن العم وأما العقل فبالتناصر ألا ترى ان أهل الديوان يتعاقلون بالتناصر
ولا ميراث بينهم ولا عصوبة والتناصر لها ولمولاها بقوم أبيها لا بابنها كذلك كان العقل عليهم واعتبار العقل
بالميراث غير سديد لان العقل ليس يتبع الميراث لا محالة الا ترى ان الرجل يرثه ولده الذكور والإناث وأخواته ولو جنى
جناية لها عقل كان عقلها على عصبته دون ولده وأخواته ولو أعتق أمة له ثم غرقا جميعا ولا يدرى أيهما مات أولا
لم يرث المولى منها وكان ميراثه لعصبة المولى ان لم يكن لها وراث واصل المسألة ان الغرقى والهدمى لا يرث بعضهم
بعضا عندنا وهو قول عامة الصحابة رضي الله عنهم لان كل أمرين حادثين لا يعرف تاريخهما يجعل كأنهما وقعا معا
والمسألة تعرف في كتاب الفرائض ومنها انه لازم حتى لا يقدر المعتق على ابطاله حتى لو أعتق عبده سائبة بان
أعتقه وشرط أن يكون سائبة لا ولاية له عليه كان شرطه باطلا وولاؤه له عند عامة العلماء وقال مالك ولاؤه لجميع
المسلمين والصحيح قول العامة لقوله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق وكذا لا يملك نقله إلى غيره حتى لا يجوز بيعه
166

وهبته والتصدق به والوصية وهذا قول عامة العلماء وقال بعضهم يملك نقله بالبيع وغيره واحتجوا بما روى أن أسماء
رضي الله عنها أعتقت عبدا فوهبت الولاء لابن مسعود رضي الله عنهما ولنا قوله صلى الله عليه وسلم الولاء لحمة كلحمة
النسب لا يباع ولا يوهب ولان محل هذه التصرفات المال والولاء ليس بمال فلا يجوز بيعه كالنسب واما ما روى عن
أسماء رضي الله عنها فيحتمل أن يكون معناه وهبت له ما استحقت بالولاء وهو المال فرواه الراوي ولاء لكونه مستحقا
بالولاء أو يحمل على هذا توفيقا بين الدلائل وكذا إذا باع عبدا أو شرط على المشترى أن يكون ولاؤه له فالشرط باطل
ويكون ولاؤه للمشترى إذا أعتق عبده وشرط أن يكون ولاؤه لجماعة المسلمين لم يصح ويكون ولاؤه له لما روى أن
عائشة رضي الله عنها لما اشترت بريرة شرط عليها أن يكون ولاؤها لمواليها فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال
في خطبته ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل وإن كان
مائة شرط وهل يحتمل الولاء التحول من محل إلى محل ينظر فيه ان ثبت بايقاع العتق فيه لا يتحول ابدا لقوله صلى الله
عليه وسلم الولاء لمن أعتق الزم الولاء المعتق وان ثبت بحصول العتق لغيره تبعا يتحول إذا قام دليل التحول وبيان هذه
الجملة عند تزوج أمة لقوم فولدت منه ولد فأعتقها مولاها وولدها أو كانت حبلى به حين أعتقها أو أعتقها فولدت بعد
العتق لأقل من ستة أشهر أو كانت معتدة من طلاق أو موت فولدت لتمام سنتين من يوم الموت أو الطلاق وقد أعتق
الأب رجل آخر كان ولاء الولد للذي أعتقه مع أمه ولا يتحول إلى مولى أبيه وان أعتق أبوه بعد ذلك لأنه لما اعتقهما
فقد ثبت ولاء الولد بايقاع العتق فيه فلا يحتمل التحول وكذا إذا أعتقها وهي حبلى لما قلنا وكذا إذا أعتقها ثم جاءت
بولد لأقل من ستة أشهر من وقت الاعتاق لأنا تيقنا بكونه في البطن وقت الاعتاق لان الولد لا يولد لأقل من ستة أشهر
فيثبت ولاؤه بالاعتاق فلا يتحول ولو جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا يتحول ولاؤه إلى موالي الأب لأنا لم نعلم يقينا
انه كان في البطن وقت اعتاق الام فيجعل كأنها حبلت بعد العتق فيكون حرا تبعا للام ويثبت له الولاء من موالي أمه
على جهة التبعية وولاء الولد إذا ثبت لموالي الام على وجه التبعية يتحول إلى موالي الأب إذا أعتق الأب لما نذكر إن شاء الله
عز وجل وإذا كانت الام معتدة من طلاق أو موت فان نسب الولد يثبت إلى سنتين لان الوطئ كان حراما
فيجعل مدة الحمل سنتين ويحكم بكون الولد في البطن يوم الاعتاق فإذا حكمنا بوجوده يوم الاعتاق يثبت الولاء بالاعتاق
فلا يتحول إلى غيره إذا كانت المعتقة تحت مملوك فولدت عتق الولد بعتقها لان الولد يتبع الام في الرق والحرية فان
أعتق أبوه جر ولاء الولد إلى مولاه هكذا روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال إذا كانت الحرة تحت مملوك
فولدت عتق الولد بعتقها فإذا أعتق أبوه جر الولاء وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه أنه أبصر فتية لعساء أعجبه ظرفهم
وأمهم مولاة لرافع بن خديج رضي الله عنه وأبوهم عبد لبعض الحرقة من جهينة أو لبعض أشجع فاشترى الزبير أباهم
فاعتقه ثم قال انتسبوا إلى وقال رافع بل هم موالي فاختصما إلى عثمان رضي الله عنه في ولاء الولد فقضى بولائهم للزبير يعنى
ان الأب جر ولاء ولده إلى مولاهم وهو الزبير حين أعتقه الزبير وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينقل
انه أنكر عليه أحد فيكون اجماعا ولان الأصل في الولاء هو الأب لان الولاء لحمة كلحمة النسب والأب هو الأصل في
النسب حتى ينسب الولد إلى الأب ولا ينسب إلى الام الا عند تعذر النسبة إلى الأب وكذا في اعتبار الولاء وإنما يعتبر
جانب الام عند تعذر الاعتبار من جانب الأب بان لم يكن من أهل الولاء ولا تعذر ههنا فيعتبر جانبه ولان الإرث بالولاء
من طريق العصوبة والتعصيب من قبل الأب أقوى فكان أولى ولو مات الأب عبدا ولم يعتق كان ولاء ولده
لموالي الام ابدا لتعذر اعتبار جانب الأب وأما الجد فهل يجر ولاء الحافد بأن كان للأب الذي هو عبد ابن عبد وهو
جد الصبي فاعتق الجد والأب عبد على حاله قال عامة العلماء لا يجر ولا يكون مسلما باسلام الجد وولاء أولاد ابنه
العبد لموالي الام لا لموالي الجد وقال الشعبي يجر ويكون مسلما باسلام الجد وجه قوله إن الجد يقوم مقام الأب في
الولاية فان الأب إذا كان عبدا تتحول الولاية إلى الجد فكذا يقوم مقامه في جر الولاء والاسلام ولنا أن الأب
167

فاصل بين الابن والجد فلا يكون الابن تابعا له في الولاء والاسلام ولان الجد لو جر الولاء لكان لا يثبت الولاء
لموالي الام رأسا إذ لا شك ان أصله يكون حرا اما من الجد أي لأبيه أو من قبله من الأجداد إلى آدم صلى الله عليه
وسلم فلما ثبت الولاء لموالي الام في الجملة ثبت ان الجد لا يجر وكذا لا يصير مسلما باسلام الجد لأنه لو صار مسلما
باسلامه لصار مسلما باسلام جد الجد ولكان الناس كلهم مسلمين باسلام آدم صلى الله عليه وسلم وينبغي أن
لا يجوز استرقاق أحد والمعلوم بخلافه فثبت أن القول بجعل الولد تابعا للجد في الولاء باطل وأما بيان قدره فالولاء
يثبت بقدر العتق لان سبب ثبوته العتق والحكم يتقدر بقدر السبب وبيانه في العبد المشترك بين اثنين أعتق
أحدهما نصيبه وهو موسر أو معسر وقد ذكرنا الاختلاف فيه في كتاب العتاق بناء على تجزى العتق وعدم تجزيه
والله أعلم أما بيان حكم الوء فله أحكام منها الميراث وهو أن يرث المعتق مال المعتق لما ذكرنا من الأدلة ويرث مال
أولاده عن وجود شرط الإرث وهو ما ذكرنا منها تحمل العقل للتقصير في النصرة والحفظ ومنها ولاية الانكاح
لأنه آخر العصبات ثم إذا ورث المعتق مال المعتق فإن كان العتق معلوما يدفع إليه وان لم يعلم توقف والولاء كما إذا
اشترى رجل عبدا ثم إن المشترى أقر ان البائع كان قد أعتقه قبل أن يبيعه فهو حر وولاؤه موقوف إذا جحد
البائع ذلك فان صدقه بعد ذلك لزمه الولاء وعليه أن يرد الثمن على المشترى وكذا ان صدقه ورثته بعد موته أما حرية
العبد فان اعتاق البائع ان لم يثبت في حق البائع باقرار المشترى لتكذيب البائع إياه فقد ثبت في حقه لأنه في اقراره
على نفسه مصدق ان لم يصدق على غيره فيثبت اعتاق البائع حقه فيثبت حرية العبد في حقه لكن ليس له أن
يرجع بالثمن على البائع لان اقراره بالاعتاق لم ينفذ في حقه لتكذيبه إياه فلم يثبت عتق العبد في حقه وأما كون الولاء
موقوفا فلانه لا يمكن اثباته للمشترى لأنه لم يوجد منه الاقرار باعتاق العبد عن نفسه ولا يمكن اثباته للبائع لان
اقراره المشترى لم ينفذ عليه فلم يكن العتق معلوما فبقي ولاء العبد موقوفا على تصديق البائع وورثته فان صدقه
البائع لزمه الولاء لوجود الاعتاق منه باقراره ولزمه رد الثمن إلى المشترى لأنه تبين أنه باع حر وكذا إذا مات البائع
فصدقه ورثة المشترى لان ورثته قاموا مقام الميت فصار تصديقهم كتصديق الميت هذا إذا أقر المشترى
باعتاق البائع فإنه أقر بتدبيره وانكر البائع فمات البائع عتق العبد لان اقرار المشترى بالتدبير من البائع اقرار منه باعتاقه
العبد بعد موته فإذا مات نفذ اقراره في حقه ان لم ينفذ في حق البائع لما قلنا فيحكم بحرية العبد على المشترى وولاؤه يكون
موقوفا لما قلنا الا إذا صدقه ورثة البائع بعد موته فيلزم الولاء البائع استحسانا والقياس ان لا يلزمه في هذا وفى الوجه
الأول أيضا وجه القياس أن ولاء الميت لم يثبت فالورثة بالتصديق يريدون اثبات ولاء لم يثبت فلا يملكون ذلك كما
لا يملكون اثبات النسب وجه الاستحسان ان تصديقهم اقرار منهم بما يملكون انشاء سببه في الحال لأنهم يملكون
اعتاق العبد للحال فكان اقرار على أنفسهم بثبوت الولاء لهم في الحقيقة فيصح اقرارهم في حق أنفسهم بثبوت الولاء
وكذلك أمة بين رجلين شهد كل واحد منهما أنها أم ولد من صاحبه وصاحبه ينكر فإذا مات أحدهما عتقت
الجارية وولاؤها موقوف أما العتق فلان كل واحد منهما أقر على صاحبه بعتقها عند موت صاحبه فيصح اقرار
كل واحد منهما في حق نفسه ويكون ولاؤها موقوفا لان كل واحد منهما نفى الولاء عن نفسه والحقه بصاحبه فانتفى
عن نفسه ولم يلحق بصاحبه فبقي موقوفا وكذلك عبد بين رجلين قال كل واحد منهما لصاحبه انك قد أعتقت هذا
العبد وجحد الاخر فالعبد حر وولاؤه موقوف حتى لو مات وترك مالا لم يرثه واحد منهما ويوقف في بيت المال
إلى أن يصدق أحدهما صاحبه لما قلنا وعلى هذا مسائل ثم كل ولاء موقوف فميراثه يوقف في بيت المال وجناية العبد
على نفسه لا يعقل عنه بيت المال وإنما يوقف ميراثه ببيت المال لان ولاءه موقوف لا يعرف لمن هو فكان ميراثه
موقوفا أيضا لأنه يثبت به فيوقف في بيت المال كاللقطة وأما جنايته فإنما لا تتحمل عنه ببيت المال لان له عاقلة غير
بيت المال وهو نفسه فلا يجوز حمل عقله على بيت المال ويصير هو عاقلة نفسه في هذه الحالة لجهالة مولاه بخلاف
168

الميراث فإنه لا يمكن اثباته لغير مستحقه ولا يستحق الا أحدهما وهو غير معلوم فيوضع في بيت المال ضرورة وهذا
بخلاف اللقيط انه يرثه بيت المال ويعتق عنه أيضا لان ههنا ولاؤه كان ثابتا من إنسان الا انه لا يعرف وإنما يجعل
العقل على بيت المال إذا لم يكن له ولاء ثابت الا ان ميراثه يوضع في بيت المال لأنه مال ضائع ولا يثبت ولاء اللقيط من
أحد فكان عقله على بيت المال كما أن ميراثه لبيت المال والله عز وجل أعلم وأما بيان ما يظهر به الولاء فالولاء يظهر
بالبينة مرة وبالاقرار أخرى أما البينة فنحو ان يدعى رجل انه وارثه بولاء العتاقة فيشهد له شاهدان ان هذا الحي أعتق
هذا الحي أو أعتق هذا الميت وهو يملكه وهو وارثه ولا يعلمون له وارثا غيره جازت الشهادة لأنهم شهدوا شهادة
مفسرة لا جهالة فيها فقبلت ولو شهدا ان الميت مولاه وانه وارثه لا وارث له غيره لم تجز الشهادة حيت يفسر الولاء لان
الولاء يختلف قد يكون ولاء عتاقة وقد يكون ولاء موالاة وأحكامها تختلف فما لم يفسر كان مجهولا فلا يقبل الشهادة
عليه وكذلك لو شهدوا ان الميت مولاه مولى العتاقة أيضا لم يجز لان مولى العتاقة نوعان أعلى وأسفل واسم المولى
يستعمل في كل واحد منهما على السواء فلا تقبل الشهادة الا بالبيان والتفسير ولو ادعى رجلان ولاءه بالعتق وأقام كل
واحد منهما بينة جعل ميراثه بينهما لأنهما استويا في سبب الاستحقاق وهو الدعوى والحجة فيستويان في
الاستحقاق ولو وقتا وقتا فالسابق وقتا أولى لأنه أثبت العتق في وقت لا ينازعه فيه صاحبه وكان الثاني مستحقا عليه
ولو كان هذا في ولاء المولاة كان صاحب الوقت الآخر أولى لان ولاء الموالاة يحتمل النقض والفسخ
فكان عقد الثاني نقضا للأول الا ان يشهد شهود صاحب الوقت الأول أنه كان قد عقل عنه لأنه حينئذ
لا يحتمل النقض فأشبه ولاء العتاقة وان أقام رجل البينة انه أعتقه وهو يملكه لا يعلمون له وارثا سواه فقضى
له القاضي بميراثه وولائه ثم أقام آخر البينة على مثل ذلك لم يقبل الا ان يشهدوا انه اشترى من الأول قبل ان
يعتقه ثم أعتقه وهو يملكه فيبطل قضاء الأول لان الأصل أن القاضي إذا اقضي بقضية فإنه لا يسمع ما ينافيها الا إذا
تبين ان القضاء الأول كان باطلا وإذا لم يشهدوا انه اشتراه من الأول قبل ان يعتقه ثم يتبين بطلان القضاء الأول
فلا تقبل البينة من الثاني الا إذا قامت على الشراء من الأول قبل ان يعتقه فيقبل ويقضى للثاني ويبطل قضاؤه
للأول لأنه تبين بهذه الشهادة ان الأول أعتق ما لا يملك فتبين انه وقع باطلا وصح الثاني وأما الاقرار فنحو ان يقر
رجل انه مولى لفلان مولى عتاقة من فوق أو تحت وصدقه الآخر وهو مولاه يرثه ويعقل عنه قومه لان الولاء سبب
يتوارث به فيصح الاقرار به كالنسب والنكاح فإن كان له أولاد كبار فأنكروا ذلك وقالوا أبونا مولى العتاقة
لفلان آخر فالأب مصدق نفسه وأولاده مصدقون على أنفسهم لأنه لا ولاية للأب على الأولاد الكبار
فلا ينفذ اقراره عليه ويصح اقرارهم على أنفسهم لان لهم ولاية على أنفسهم وإن كان الأولاد صغارا كان الأب
مصدقا لأنه له ولاية على أولاده الصغار ألا ترى انه لو عقد مع إنسان عقد الولاء تبعه أولاده الصغار وان كذبته
الام ونفت ولاءه لم يلتفت إلى قولها ويؤخذ بقول الأب لان الأب إذا كان حيا كانت الولاية له والولاء يشبه
النسب والنسب إلى الآباء وكذلك ان قالت هم ولدى من غيرك لم تصدق لأنهم في يد الأب دون الام فلا تصدق الام
أنهم لغيره فان قالت ولدته بعد عتقي بخمسة أشهر فهو مولى الموالي وقال الزوج ولدتيه بعد عتقك بستة أشهر فالقول
قول الزوج لان الولد ظهر في حال يكون ولاؤه لمولى الأب والمرأة تدعى انها ولدت في حال يكون ولاؤه لمولى الام فكان
الحال شاهدا للزوج فلا يقبل قولها الا بينة ونظير هذا الزوج والمرأة إذا اختلفا فقال أحدهما كان النكاح قبل
ستة أشهر والولد من الزوج وقال الآخر كان النكاح منذ أربعة أشهر فالقول قول الذي يدعى ان النكاح قبل ستة
أشهر لان الولد ظهر في حال اثبات النسب من الزوج وهو حال قيام النكاح ويصح الاقرار بولاء العتاقة في الصحة
والمرض لأنه سبب التوارث فيستوى فيه الصحة والمرض كالنسب والنكاح ولو قال أعتقني فلان أو فلان وادعاه
كل واحد منهما على صاحبه فهذا الاقرار باطل لأنه اقرار بمجهول فان أقر بعد ذلك لأحدهما أو لغيره انه مولاه
169

جاز لان اقراره الأول وقع باطلا لجهالة المقر له والولاء لا يثبت من المجهول كالنسب فبطل والتحق بالعدم فبعد ذلك له
ان يقر لمن شاء والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما ولاء الموالاة فالكلام فيه في مواضع في بيان ثبوته شرعا وفي بيان سبب الثبوت وفي بيان شرائط
الثبوت وفي بيان صفة السبب وفي بيان حكمه وفي بيان صفة الحكم وفي بيان ما يظهر به أما الأول فقد اختلف في
ثبوت هذا الولاء قال أصحابنا انه ثابت ويقع به التوارث وهو قول عمر وعلى وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم وهو
قول إبراهيم النخعي وقال زيد بن ثابت رضي الله عنه انه يورث به ويوضع في بيت المال وبه أخذ مالك والشافعي وجه
قولهما ان في عقد الولاء ابطال حق جماعة المسلمين لأنه إذا لم يكن للعاقد وارث كان ورثته جماعة المسلمين ألا ترى
انهم يعقلون عنه فقاموا مقام الورثة المعينين وكما لا يقدر على ابطال حقهم لا يقدر على ابطال حق من قام مقامهم ولهذا
قالا إذا أوصى بجميع ماله لانسان ولا وارث له لم يصح لأنه إذا لم يكن له وارث معين كان وارثه جماعة المسلمين فلا
يملك ابطال حفهم كذا هذا والصحيح قولنا بالكتاب والسنة والمعقول أما الكتابة الكريم فقوله عز وجل
والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم والمراد من النصيب الميراث لأنه سبحانه وتعالى أضاف النصيب إليهم
فيدل على حق لهم مقدر في التركة وهو الميراث لأنه هذا معطوف على قوله ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالد ان
الأقربون لكن عند عدم ذوي الأرحام عرفناه بقوله عز وجل وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله
وأما السنة فما روى عن تميم الداري رضي الله عنه أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن أسلم على يدي
رجل ووالاه فقال صلى الله عليه وسلم هو أحق الناس به محياه ومما ته أي حال حياته وحال موته أراد به صلى الله عليه
وسلم محياه في العقل ومما ته في الميراث وأما المعقول فهو ان بيت المال إنما يرث بولاء الايمان فقط لأنه بيت مال
المؤمنين قال الله عز وجل والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض وللمولى هذا الولاء وولاء المعاقدة فكان أولى
من عامة المؤمنين ألا ترى ان مولى العتاقة أولى من بيت المال للتساوي في ولاء الايمان والترجيح لولاء العتق كذا
هذا الا أن مولى الموالاة يتأخر عن سائر الأقارب ومولى العتاقة يتقدم على ذوي الأرحام لان الولاء بالرحم فوق
الولاء بالعقد فيختلف عن ذوي الأرحام وولاء العتاقة بما تقدم من النعمة بالاعتاق الذي هو احياء وايلاد معنى الحق
بالتعصيب من حيث المعنى ولذلك قال صلى الله عليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب وأما قولهما ان جماعة
المسلمين ورثته فلا يقدر على ابطال حقهم بالعقد فنقول إنما يصيرون ورثته إذا مات قبل المعاقدة فاما بعد المعاقدة فلا
والدليل على بطلان هذا الكلام انه تصح وصيته بالثلث ولو كان كذلك لما صحت لكونها وصية للوارث وأما سبب
ثبوته فالعقد وهو الايجاب والقبول وهو أن يقول الذي أسلم على يد انسان له أو لغيره أنت مولاي ترثني إذا مت
وتعقل عنى إذا جنبت فيقول قبلت سواء قال ذلك للذي أسلم على يديه أولا آخر بعد ان ذكر الإرث والعقل في
العقد ولو أسلم على يد رجل ولم يواله ووالى غيره فهو مولى للذي والاه عند عامة العلماء وعند عطاء هو مولى للذي
أسلم على يده والصحيح قول العامة لقوله عز وجل والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم جعل الولاء للعاقد
وكذا لم ينقل ان الصحابة أثبتوا الولاء بنفس الاسلام وكل الناس كانوا يسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم والصحابة والتابعين وكان لا يقول أحد لمن أسلم على يد أحد انه ليس له أن يوالي غير الذي أسلم على يده فثبت
أن نفس الاسلام على يد رجل ليس سببا لثبوت الولاء له بل السبب هو العقد فما لم يوجد لا يثبت الإرث والعقل
وأما شرائط العقد فمنها عقل العاقد إذ لا صحة بايجاب والقول بدون العقل وأما البلوغ فهو شرط الانعقاد في جانب
الايجاب فلا ينعقد الايجاب من الصبي وإن كان عاقلا حتى لو أسلم الصبي العاقل على يد رجل والاه لم يجز وان أذن
أبوه الكافر بذلك لان هذا عقد وعقود الصبي العاقل إنما يقف على اذن وليه ولا ولاية للأب الكافر على ولده المسلم
فكان اذنه والعدم بمنزلة واحدة ولهذا لا تجوز سائر عقوده باذنه كالبيع ونحوه كذا عقد الموالاة وأما من جانب
170

القبول فهو شرط النفاذ حتى لو والى بالغ صبيا فقبل الصبي ينعقد موقوفا على إجازة أبيه أو وصيه فان أجاز جاز لان
هذا نوع عقد فكان قبول الصبي فيه بمنزلة قبوله في سائر العقود فيجوز بإذن وليه ووصيه كسائر العقود وللأب
والوصي أن يقبلا عنه كما في البيع ونحوه وكذلك لو والى رجل عبدا فقبل العبد وقف على إجازة المولى فإذا أجاز
جاز الا ان في العبد إذا أجاز المولى فالولاء من المولى وفى الصبي إذا أجاز الأب والوصي فيكون الولاء من الصبي
وإنما كان كذلك لان العبد لا يملك شيئا فوقع قبوله لمولاه ألا ترى انه لو اشترى شيئا كان المشترى لمولاه فاما الصبي
فهو من أهل الملك ألا ترى انه لو اشترى شيئا كان المشترى له ولو والى رجل مكاتبا جاز وكان مولى لمولى المكاتب
لان قبول المكاتب صحيح ألا ترى انه يملك الشراء فجاز قبوله الا ان الولاء يكون للمولى لان المكاتب ليس من أهل
الولاء ألا ترى انه لو كاتب عبدا فادى وعتق كان الولاء للمولى بخلاف الصبي فإنه من أهل الولاء ألا يرى أن الأب
لو كاتب عبد ابنه الصغير فادى فعتق ثبت الولاء من الابن وأما الاسلام فليس بشرط لصحة هذا العقد فيصح فتجوز
موالاة الذمي الذمي والذي المسلم والمسلم الذمي لان الموالاة بمنزلة الوصية بالمال ولو أوصى ذمي لذمي أو لمسلم أو
مسلم لذمي بالمال جازت الوصية كذا الموالاة وكذا الذمي إذا والى ذميا ثم أسلم الأسفل جاز لما قلنا وكذا الذكورة
ليست بشرط فتجوز موالاة الرجل امرأة والمرأة رجلا وكذا دار الاسلام حتى لو أسلم حربي فوالي مسلما في دار
الاسلام أو في دار الحرب فهو مولاه لان الموالاة عقد من العقود فلا يختلف بالذكورة والأنوثة وبدار الاسلام وبدار
الحرب والله عز وجل أعلم ومنها أن لا يكون للعاقد وارث وهو أن لا يكون له من أقاربه من يرثه فإن كان لم يصح العقد
لان القرابة أقوى من العقد ولقوله عز وجل وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وإن كان له زوج
أو زوجة يصح العقد وتعطى نصيبها والباقي للمولى ومنها أن لا يكون من العرب حتى لو والى عربي رجلا من غير قبيلته
لم يكن مولاه ولكن ينسب إلى عشيرته وهم يعقلون عنه لأن جواز الموالاة للتناصر والعرب يتناصرون بالقبائل وإنما
تجوز موالاة العجم لأنهم ليس لهم قبيلة فيتناصرون بها فتجوز موالاتهم لأجل التناصر وأما الذي هو من العرب فله
قبيلة ينصرونه والنصرة بالقبيلة أقوى فلا يصير مولى ولهذا لم يثبت عليه ولاء العتاقة وكذا ولاء الموالاة ولأنه لما لم
يثبت عليه ولاء العتاقة مع أنه أقوى فولاء الموالاة أولى وكذا لو والت امرأة من العرب رجلا من غير قبيلتها لما بينا
ومنها أن لا يكون من موالي العرب لان مولاهم منهم لقوله صلى الله عليه وسلم وان مولى القوم منهم ومنها أن لا يكون
معتق أحد فإن كان لا يصح منه عقد الموالاة لان ولاء العتاقة أقوى من ولاء الموالاة لأنه لا يلحقه الفسخ وولاء
الموالاة يلحقه الفسخ فلا يجوز رفع الأقوى بالأضعف ومنها أن لا يكون قد عقل عنه بيت المال لأنه لما عقل عنه بيت
المال فقد صار ولاؤه لجماعة المسلمين فلا يجوز تحويله إلى واحد منهم بعينه فإن كان قد عقل عنه لم يجز أبدا لأنه سواء
كان عاقد غيره فعقل عنه أو عقل عنه بيت المال حتى لو مات فان ميراثه لمن عاقده أو ولا فعقل عنه أو لبيت المال لأنه لما
عاقد غيره فعقل عنه فقد تأكد عقده ولزم وخرج عن احتمال النقض والفسخ لما يذكر فلا يصح معاقدته غيره وكذا
إذا عقل عن الذي يواليه وإن كان عاقد غيره ولم يعقل عنه جاز عقده مع آخر لان مجرد العقد بدون العقل غير لازم فكان
اقدامه على الثاني فسخا للأول وأما صفة العقد فهو أنه عقد جائز غير لازم حتى لو والى رجلا كان له أن يتحول عنه
بولائه إلى غيره لأنه عقد لا يملك به شئ فلم يكن لازما كالوكالة والشركة لأنه بمنزلة الوصية بالمال والوصية غير لازمة
فكذا عقد الموالاة الا إذا عقل عنه لأنه إذا عقل عنه فقد تأكد العقل بقضاء القاضي وفى التحول به إلى غيره فسخ
قضائه فلا يملك فسخ القضاء وكذا له أن يفسخه صريحا قبل أن يعقل عنه لان كل عقد غير لازم لكل واحد من
العاقدين فسخه كسائر العقود التي هي غير لازمة ولان كل عقد يجوز لاحد العاقدين فسخه يجوز للآخر كسائر العقود
القابلة للفسخ وهاهنا يجوز لاحد العاقدين فسخه وهو القابل فكذا الآخر الا انه ليس له أن يفسخه الا بحضرة
الآخر أي بعلمه لأنه تعلق به حق الآخر فلا يملك اسقاطه مقصورا من غير علمه كعزل الوكيل مقصورا من غير عمله
171

الا أن يوالي الأسفل آخر فيكون ذلك نقضا دلالة وان لم يحضر صاحبه أو انتقاضا ضرورة لأنه لا يملك موالاة غيره
الا بانفساخ الأول فينفسخ الأول دلالة وضرورة وقد يثبت الشئ دلالة أو ضرورة وإن كان لا يثبت قصدا كمن وكل
رجلا ببيع عبده ثم عزله والوكيل غائب لم يعلم به لم يصح عزله ولو باع العبد أو أعتقه انعزل الوكيل علم أو لم يعلم كذا هذا
والله الموفق وأما حكم العقد فالعقل في حال الحياة والإرث بعد الموت وهو أن المولى الاعلى يعقل عنه في حال حياته
ويرثه بعد موته فيرث الاعلى من الأسفل عندنا لما ذكرنا من الدلائل فيما تقدم ويرث الأسفل من الأعلى أيضا إذا
شرطا ذلك في المعاقدة بخلاف ولاء العتاقة ان هناك يرث الاعلى من الأسفل ولا يرث الأسفل من الأعلى لان سبب
الإرث هناك وجد من الأعلى لا من الأسفل وهو العتق والسبب ههنا العقد وقد شرط فيه التوارث من الجانبين
فيعتبر ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم وكما يثبت حكم الولاء في الرجال يثبت في أولادهم الصغار
تبعا لهم حتى لو والى انسانا وله أولاد صغار صاروا موالي للذي والاه الأب وكذا إذا والى انسانا ثم ولد له أولاد دخلوا
في ولاء الأب بطريق التبعية ولان للأب ولاية على ولده الصغير فينفذ عقده عليه ولا يصير أولاده الكبار موالي
بموالاة الأب لانقطاع التبعية والولاية بالبلوغ حتى لو والى الأب انسانا وله ابن كبير فوالي رجلا آخر فولاؤه
له لا لمولى أبيه ولو كبر بعض أولاده الصغار فأراد التحول عنه إلى غيره فإن كان المولى قد عقل عنه أو عن أبيه أو عن
أحد اخوته لم يكن له أن يتحول وان لم يكن عقل عن أحد منهم كان له ذلك أما جواز التحول عند عدم العقل فلانه لو كان
كبيرا وقت عقد الأب لجاز له التحول وكذا إذا كبر في العقد لان المانع من السراية في الحالين واحد وهو عدم التبعية
والولاية وأما عدم الجواز عند العقل فلما ذكرنا من اتصال فضاء القاضي به وفى التحول فسخه وهذا لا يجوز فيلزم
ضرورة ولو عاقدت امرأة عقد الولاء ولها أولاد صغار لا يصيرون موالي للذي والته أمهم ولا تشبه الام في هذا الباب
الأب لأنه ليس للمرأة ولاية على أولادها الصغار ألا ترى انها لا تشترى لهم ولا تبيع عليهم وللأب أن يفعل ذلك
وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي الخلاف في المسألة فقال يثبت حكم ولائها في أولادها الصغار في قول أبي حنيفة
وعندهما لا يثبت ولو والى رجل رجلا ثم ولد من امرأة قد والت رجلا فولاء الولد لمولى الأب لأنه اجتمع
ولا آن ولاء الأب وولاء الام فترجح جانب الأب لان للأب ولاية عليهم ولا ولاية للام ألا ترى ان للأب أن يعقد
على ولده عقد البيع والنكاح وليس للام ذلك فكذا عقد الولاء وكذا لو والت وهي حبلى ولا يشبه هذا ولاء العتاقة
لان في ولاء العتاقة إذا أعتقها وهي حبلى يثبت الولاء بالعتق والعتق يثبت في الولد كما يثبت في الام فكان للولد ولاء
نفسه لكونه أصلا في العتق فاما ولاء الموالاة فبالعقد وعقدها لا يجوز على ما في بطنها فلم يصر الولد أصلا في الولاء
فكان تبعا للأب في الولاء كما في المسألة الأولى وكذلك لو كان لهما أولاد صغار فوالت الام انسانا ثم والى الأب
آخر فولاء الأولاد لموالي الأب لما قلنا ذمية أسلمت فوالت رجلا ولها ولد صغير من ذمي لم يكن ولاء ولدها لمولاها
في قول أبى يوسف ومحمد وقى قياس قول أبي حنيفة يكون ولاء ولدها لمولاها بمنزلة العتاقة وجه قولهما ان الام
لا ولاية لها على الولد بدليل انه لا يجوز لها ان تعقد على ولده عقد البيع والنكاح فكذلك عقد الولاء ولأبي
حنيفة ان الذمي لا ولاية له على ولده المسلم فتعذر اثبات الولاء من الأب والولاء إذا تعذر اثباته من جهة الأب
يثبت من جهة الام كما إذا كان الأب عبدا وكما في ولاء العتاقة إذا كان الأب عبدا ولو قدم حربي الينا بأمان فاسلم
ووالى رجلا ثم سبى ابنه فاعتق لم يجز ولاء الأب وان سبى أبوه فأعتق جر ولاء ابنه إلى مولاه لان الابن يتبع الأب
في الولاء لما ذكرنا فاما الأب فلا يتبع الابن لأنه لا ينسب إليه وإنما ينسب الابن إلى أبيه فإن كان ابن الابن أسلم
ووالى رجلا لم يجر الجد ولاءه وذكر في الأصل وقال لان الجد لا يجر الولاء الا ان يجر ولاء ابنه فيجر بجره ولاء ابنه
ولاءه قال الحاكم الشهيد وجه هذه المسألة أن يكون الأسفل مواليا والأوسط حربيا والجد معتقا فلا يجر ولاء
الأسفل الا ان يسلم الأوسط ويوالي فيجر الجد ولاءه وولاء الأسفل بجر ولائه ولو أسلم حربي أو ذمي على يدي
172

رجل ووالاه ثم أسلم ابنه الكبير على يدي رجل آخر ووالاه كان كل واحد منهما مولى للذي والاه ولا يجر
بعضهم إلى بعض وليس هذا كالعتاق انه إذا أعتق أبوه جر ولاء الولد إلى نفسه لان ههنا ولاء كل واحد منهما
ثبت بالعقد وعقد كل واحد منهما يجوز على نفسه ولا يجوز على غيره وهناك ولاء الولد ثبت بالعقد وولاء الأب ثبت
بالعتق وولاء العتق أقوى من ولاء الموالاة فيستتبع الأقوى الأضعف وههنا بخلافه لان ولاء كل واحد منهما
ليس أقوى من ولاء صاحبه لثبوت كل واحد منهما بالعقد فهو الفرق
(فصل) وأما صفة الحكم فهو ان الولاء الثابت بهذا العقد لا يحتمل التمليك بالبيع والهبة والصدقة والوصية لأنه ليس
بمال فلا يكون محلا للبيع كالنسب وولاء العتاقة ولقوله صلى الله عليه وسلم الولاء لا يباع ولا يوهب حتى لو باع رجل
ولاء موالاة أو عتاقة بعبد وقبضه ثم أعتقه كان اعتاقه باطلا لأنه قبضه بغير بدل إذ الولاء ليس بمال فلم يملكه فلم يصح
اعتاقه كما لو اشترى عبد بميتة أو دم أو بحر وقبضه ثم أعتقه ولو باع المولى الأسفل ولاءه من آخر أو وهبه لا يكون
بيعا أيضا ولا هبة لما قلنا لكنه يكون نقضا لولاء الأول وموالاة لهذا الثاني لان الولاء لا يعتاض منه فبطل العوض
وبقى قوله الولاء لك فيكون موالاة بينه وبين الثاني كما لو سلم الشفعة بمال صح التسليم لكن لا يجب المال
(فصل) وأما بيان ما يظهر به فإنه يظهر بما ظهر به ولاء العتاقة وهو الشهادة المفسرة أو الاقرار سواء كان الاقرار
في الصحة أو المرض لأنه غير متهم في اقراره إذا لم يكن له وارث معلوم فيصح اقراره كما تصح وصيته بجميع ماله إذا لم
يكن له وارث معلوم ولو مات رجل فاخذ رجل ماله وادعى انه وارث وليس للقاضي أن يمنع منه إذا لم يخاصمه أحد لان
القاضي لا يدرى البيت المال أو لغيره وهو يدعى انه له ولا مانع عنه فلا يتعرض له فان خاصمه أحد سأله القاضي البينة
لأنه لا يد له وكان مدعيا فعليه البينة
(كتاب الإجارة)
الكلام في هذا الكتاب يقع في سبع مواضع في بيان جواز الإجارة وفي بيان ركن الإجارة ومعناها وفي بيان شرائط
الركن وفي بيان صفة الإجارة وفي بيان حكم الإجارة وفي بيان حكم اختلاف العاقدين في عقد الإجارة وفي بيان
ما ينتهى به عقد الإجارة أما الأول فالإجارة جائزة عند عامة العلماء وقال أبو بكر الأصم انها لا تجوز والقياس ما قاله
لان الإجارة بيع المنفعة والمنافع للحال معدومة والمعدوم لا يحتمل البيع فلا يجوز إضافة البيع إلى ما يؤخذ في المستقبل
كإضافة البيع إلى أعيان تؤخذ في المستقبل فإذا لا سبيل إلى تجويزها لا باعتبار الحال ولا باعتبار المال فلا جواز لها
رأسا لكنا استحسنا الجواز بالكتاب العزيز والسنة والاجماع أما الكتاب العزيز فقوله عز وجل خبرا عن أب
المرأتين اللتين سقى لهما موسى عليه الصلاة والسلام قال إني أريد أن أنكحك احدى ابنتي هاتين على أن تأجرني
ثماني حجج أي على أن تكون أجيرا إلى أو على أن تجعل عوضي من إنكاحي ابنتي إياك رعى غنمي ثماني حجج يقال
آجره الله تعالى أي عوضه وأثابه وقوله عز وجل خبرا عن تينك المرأتين قالت إحداهما يا أبت استأجره ان خير
من استأجرت القوى الأمين وما قص الله علينا من شرائع من قبلنا من غير نسخ يصير شريعة لنا مبتدأة ويلزمنا على
أنه شريعتنا لا على أنه شريعة من قبلنا لما عرف في أصول الفقه وقوله عز وجل فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في
الأرض وابتغوا من فضل الله والإجارة ابتغاء الفضل وقوله عز وجل ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم
وقد قيل نزلت الآية في حج المكارى فإنه روى أن رجلا جاء إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال إنا قوم نكرى ونزعم
أن ليس لنا حج فقال ألستم تحرمون وتقفون وترمون فقال نعم فقال رضي الله عنه أنتم حجاج ثم قال سأل رجل رسول
الله صلى الله عليه وسلم عما سألتني فلم يجبه حتى أنزل الله عز وجل ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم حجاج وقوله عز وجل في استئجار الظئر وان أردتم ان تسترضعوا أولادكم فلا
173

جناح عليكم نفى سبحانه وتعالى الجناح عمن يسترضع ولده والمراد منه الاسترضاع بالأجرة دليله قوله تعالى إذا سلمتم
ما آتيتم بالمعروف قيل أي الاجر الذي قبلتم وقوله فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وهذا نص وهو في المطلقات
وأما السنة فما روى محمد في الأصل عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال لا يستام الرجل على سوم أخيه ولا ينكح على خطبته ولا تناجشوا ولا تبيعوا بالقاء الحجر ومن استأجر
أجير فليعلمه أجره وهذا منه صلى الله عليه وسلم تعليم شرط جواز الإجارة وهو اعلام الاجر فيدل على الجواز وروى
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه أمر صلى الله عليه وسلم بالمبادرة إلى اعطاء
أجر الأجير قبل فراغه من العمل من غير فصل فيدل على جواز الإجارة وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل
استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت استأجر رسول اله صلى الله عليه
وسلم وأبو بكر رضي الله عنه رجلا من بنى الدئل هاديا خريتا وهو على دين كفار قريش فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه
غار ثور بعد ثلاث فأتاهما فارتحلا وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل الدئلي فأخذ بهم طريق الساحل وأدنى
ما يستدل بفعل النبي صلى الله عليه وسلم الجواز وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رافع بن خديج وهو
في حائط فأعجبه فقال لمن هذا الحائط فقال لي يا رسول الله استأجرته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستأجره
بشئ منه خص صلى الله عليه وسلم النهى باستئجاره ببعض الخارج منه ولو لم تكن الإجارة جائزة أصلا لعم النهى
إذ النهى عن المنكر واجب وكذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يؤاجرون ويستأجرون فلم
ينكر عليهم فكان ذلك تقريرا منه والتقرير أحد وجوه السنة واما الاجماع فان الأمة أجمعت على ذلك قبل وجود
الأصم حيث يعقدون عقد الإجارة من زمن الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا هذا من غير نكير فلا يعبا بخلافه إذ هو
خلاف الاجماع وبه تبين ان القياس متروك لان الله تعالى إنما شرع العقود لحوائج العباد وحاجتهم إلى الإجارة
ماستهم لان كل واحد لا يكون له دارا مملوكة يسكنها أو أرض مملوكة يزرعها أو دابة مملوكة يركبها وقد لا يمكنه تملكها
بالشراء لعدم الثمن ولا بالهبة والإعارة لان نفس كل واحد لا تسمح بذلك فيحتاج إلى الإجارة فجوزت بخلاف القياس
لحاجة الناس كالسلم ونحوه تحقيقه ان الشرع شرع لكل حاجة عقدا يختص بها فشرع لتمليك العين بعوض عقدا
وهو البيع وشرع لتمليكها بغير عوض عقدا وهو الهبة وشرع لتمليك المنفعة بغير عوض عقدا وهو الإعارة فلو لم يشرع
الإجارة مع امتساس الحاجة إليها لم يجد العبد لدفع هذه الحاجة سبيلا وهذا خلاف موضوع الشرع
(فصل) وأما ركن الإجارة ومعناها اما ركنها فالايجاب والقبول وذلك بلفظ دال عليها وهو لفظ الإجارة
والاستئجار والاكتراء والاكراء فإذا وجد ذلك فقد تم الركن والكلام في صيغة الايجاب والقبول وصفتهما في
الإجارة كالكلام فيهما في البيع وقد ذكرنا ذلك في كتاب البيوع وأما معنى الإجارة فالإجارة بيع المنفعة لغة ولهذا
سماها أهل المدينة بيعا وأرادوا به بيع المنفعة وهذا سمى البدل في هذا العقد أجرة وسمى الله بدل الرضاع أجر بقوله
فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن والأجرة بدل المنفعة لغة ولهذا سمى المهر في باب النكاح اجر بقوله عز وجل
فانكحوهن باذن أهلهن وآتوهن أجورهن أي مهروهن لان المهر بدل المنفعة البضع وسواء أضيف إلى الدور
والمنازل والبيوت والحوانيت والحمامات والفساطيط وعبيد الخدمة والدواب والثياب والحلي والأواني والظروف
ونحو ذلك أو إلى الصناع من القصار والخياط والصباغ والصائغ والنجار والبناء ونحوهم والأجير قد يكون خاصا
وهو الذي يعمل لواحد وهو المسمى بأجير الوحد وقد يكون مشتركا وهو الذي يعمل لعامة الناس وهو المسمى بالأجير
المشترك وذكر بعض المشايخ ان الإجارة نوعان إجارة على المنافع وإجارة على الاعمال وفسر النوعين بما ذكرنا وجعل
المعقود عليه في أحد النوعين المنفعة وفى الآخر العمل وهي في الحقيقة نوع واحد لأنها بيع المنفعة فكان المعقود عليه
174

المنفعة في النوعين جميعا الا ان المنفعة تختلف باختلاف محل المنفعة فيختلف استيفاؤها باستيفاء منافع المنازل بالسكنى
والأراضي بالزراعة والثياب والحلل وعبيد الخدمة بالخدمة والدواب بالركوب والحمل والأواني والظروف
بالاستعمال والصناع بالعمل من الخياطة والقصارة ونحوهما وقد يقام فيه تسليم النفس مقام الاستيفاء كما في أجير
الوحد حتى لو سلم نفسه في المدة ولم يعلم يستحق الاجر وإذا عرف ان الإجارة بيع المنفعة فنخرج عليه بعض المسائل
فنقول لا تجوز إجارة الشجرة والكرم للثمر لان الثمر عين الإجارة بيع المنفعة لا بيع العين ولا تجوز إجارة الشاة للبنها
أو سمنها أو صوفها أو ولدها لأن هذه أعيان فلا تستحق بعقد الأجرة وكذا إجارة الشاة لترضع جديا أو صبيا
لما قلنا ولا تجوز اجرة ماء في نهر أو بئر أو قناة أو عين لأن الماء عين فان استأجر القناة والعين والبئر مع الماء لم يجز أيضا
لان المقصود منه الماء وهو عين ولا يجوز استئجار الآجام التي فيها الماء للسمك وغيره من القصب والصيد لان كل
ذلك عين فان استأجرها مع الماء فهو أفسد وأخبث لان استئجارها بدون الماء فاسد فكان مع الماء أفسد ولا تجوز
إجارة المراعى لان الكلأ عين فلا تحتمل الإجارة ولا تجوز إجارة الدراهم والدنانير ولا تبرهما وكذا تبر النحاس
والرصاص ولا استئجار المكيلات والموزونات ولأنه لا يمكن الانتفاع بها الا بعد استهلاك أعيانها والداخل
تحت الإجارة المنفعة لا العين حتى لو استأجر الدراهم والدنانير ليعبر بها ميزانا أو حنطة ليعبر بها مكيالا أو زيتا ليعبر به
أرطالا أو أمنانا أو وقتا معلوما ذكر في الأصل انه يجوز لان ذلك نوع انتفاع بها مع بقاء عينها فأشبه استئجار سنجات
الميزان وذكر الكرخي انه لا يجوز الفقد شرط آخر وهو كون المنفعة مقصودة والانتفاع بهذا الأشياء من هذه
الجهة غير مقصود عادة ولا يجوز استئجار الفحل للضراب لان المقصود منه النسل وذلك بانزال الماء وهو عين وقد
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه نهى عن عسب الفحل أي كرائه لان العسب في اللغة وإن كان اسما
للضراب لكن لا يمكن حمله عليه لان ذلك ليس بمنهى لما في النهى عنه من قطع النسل فكان المراد منه كراء عسب الفحل
الا انه حذف الكراء وأقام العسب مقامه كما في قوله عز وجل واسأل القرية ونحو ذلك ولو استأجر كلبا معلما ليصيد به
أو بازيا لم يجز لأنه استئجار على العين وهو الصيد وجنس هذه المسائل تخرج على الأصل فان قيل أليس ان استئجار
الظئر جائز وانه استئجار على العين وهي اللبن بدليل انها لو أرضعته بلبن شاة لم تستحق الأجرة فالجواب انه روى عن
محمد ان العقد يقع على خدمة الصبي واللبن يدخل على طريق التبع فكان ذلك استئجارا على المنفعة أيضا
واستفاؤها بالقيام بخدمة الصبي من غسله وغسل ثيابه والباسها إياه وطبخ طعامه ونحو ذلك واللبن يدخل فيه تبعا
كالصبغ في استئجار الصباغ وإذا أرضعته بلبن الشاة فلم تأت بما دخل تحت العقد فلا تستحق الأجرة كالصباغ
إذا صبغ الثوب لونا آخر غير ما وقع عليه العقد انه لا يستحق الاجر وذا لا يدل على أن المعقود عليه ليس هو المنفعة
كذا ههنا ومن مشايخنا من قال إن العقود عليه هناك العين وهي اللبن مقصودا والخدمة تبع لان المقصود تربية الصبي
ولا يتربى الا باللبن فاجرى اللبن مجرى المنافع ولهذا لا يجوز بيعه وعلى هذا يخرج استئجار الأقطع والأشل
للخياط بنفسه والقصارة والكتابة وكل عمل لا يقوم الا باليدين واستئجار الأخرس لتعليم الشعر والأدب والأعمى
لنقط المصاحف انه غير جائز لان الإجارة بيع المنفعة والمنفعة لا تحدث عادة الا عند سلامة الآلات
والأسباب وكذا استئجار الأرض السبخة النزة للزراعة وهي لا تصلح لها لان منفعة الزراعة لا يتصور حدوثها
منها عادة فلا تقع الإجارة ببيع المنفعة فلم تجز وعلى هذا يخرج استئجار المصحف انه لا يجوز لان منفعة المصحف
النظر فيه والقراءة منه والنظر في مصحف الغير والقراءة منه مباح والإجارة بيع المنفعة والمباح لا يكون محلا للبيع
كالأعيان المباحة من الحطب والحشيش وكذا استئجار كتب ليقرأ فيها شعرا أو فقها لان منافع الدفاتر النظر فيها
والنظر في دفتر الغير مباح من غير أجر فصار كما لو استأجر ظل حائط خارج داره ليقعد فيه ولو استأجر شيئا من الكتب
ليقرأ فقرأ لا أجر عليه لانعدام عقد المعاوضة وعلى هذا أيضا يخرج إجارة الآجام للسمك والقصب وإجارة المراعى
175

للكلأ وسائر الأعيان المباحة انها غير جائزة لما بينا والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما شرائط الركن فأنواع بعضها شرط الانعقاد وبعضها شرط النفاذ وبعضها شرط الصحة
وبعضها شرط اللزوم أما شرط الانعقاد فثلاثة أنواع نوع يرجع إلى العاقد ونوع يرجع إلى نفس العقد ونوع يرجع
إلى مكان العقد أما الذي يرجع إلى العاقد فالعقل وهو أن يكون العاقد عاقلا حتى لا تنعقد الأجرة من المجنون والصبي
الذي لا يعقل كما لا ينعقد البيع منهما وأما البلوغ فليس من شرائط الانعقاد ولا من شرائط النفاذ عندنا حتى أن
الصبي العاقل لو أجر ماله أو نفسه فإن كان مأذونا ينفذ وإن كان محجورا يقف لي إجازة الولي عدنا خلافا للشافعي
وهي من مسائل المأذون ولو أجر الصبي المحجور نفسه وعمل وسلم من العمل يستحق الاجر ويكون الاجر له أما
استحقاق الاجر فلأن عدم النفاذ كان نظرا له والنظر بعد الفراغ من العمل سليما في النفاذ فيستحق الأجرة ولا يهدر
سعيه فيتضرر به وكان أولى اذن له بذلك دلالة بمنزلة قبول الهبة من الغير وما كون الأجرة المسماة له فلأنها بدل منافع
وهي حقه وكذا حرية العاقد ليست بشرط لانعقاد هذا لعقد ولا لنفاذه عندنا فينفذ عقد المملوك إن كان مأذونا
ويقف على إجازة مولاه إن كان محجورا وعند الشافعي لا يقف بل يبطل وإذا سلم من العمل في إجارة نفسه أو إجارة
مال المولى وجب الاجر المسمى لما ذكرنا في الصبي الا ان الاجر هنا يكون لمولى لان العبد ملك المولى والاجر كسبه
وكسب المملوك لمالك ولو هلك الصبي أو العبد في يد المستأجر في المدة ضمن لأنه صار غاصبا حيث استعملهما من
غير اذن المولى ولا يجب الاجر لان الاجر مع الضمان لا يجتمعان ولو قتل العبد أو الصبي خطأ فعلى عاقلته الدية أو القيمة
وعليه الاجر في ماله لان ايجاب الأجرة ههنا لا يؤدى إلى الجمع لاختلاف من عليه الواجب وللمكاتب ان يؤاجر
ويستأجر لأنه في مكاسبه كالحر واما كون العاقد طائعا جادا عامدا فليس بشرط لانعقاد هذا العقد ولا لنفاده عندنا
لكنه من شرائط الصحة كما في بيع العين واسلامه ليس بشرط أصلا فتجوز الإجارة والاستئجار من المسلم
والذمي الحرب المستأمن لان هذا من عقود المعاوضات فيملكه المسلم والكافر جميعا كالبياعات غير أن الذمي ان
استأجر دارا من مسلم في المصر فأراد أن يتخذها مصلى للعامة ويضرب فيها بالناقوس له ذلك ولرب الدار وعامة
المسلمين أن يمنعوه من ذلك على طريق الحسبة لما فيه من احداث شعائر لهم وفيه تهاون بالمسلمين واستخفاف بهم
كما يمنع من احداث ذلك في دار نفسه في أمصار المسلمين ولهذا يمنعون من احداث الكنائس في أمصار المسلمين
قال النبي صلى اله عليه وسلم لا خصاء في الاسلام ولا كنيسة أي لا يجوز اخصاء الانسان ولا احداث الكنيسة
في دار الاسلام في الأمصار ولا يمنع أن يصلى فيها بنفسه من غير جماعة لأنه ليس فيه ما ذكرناه من المعنى ألا ترى انه
لو فعل ذلك في دار نفسه لا يمنع منه ولو كانت الدار بالسواد ذكر في الأصل انه لا يمنع من ذلك لكن قيل إن أبا حنيفة
إنما أجاز ذلك في زمانه لان أكثر أهل السواد في زمانه كانوا أهل الذمة من المجوس فكان لا يؤدى ذلك إلى الإهانة
والاستخفاف بالمسلمين وأما اليوم فالحمد لله عز وجل فقد صار السواد كالمصر فكان الحكم فيه كالحكم في المصر
وهذا إذا لم يشرط ذلك في العقد فأما إذا شرط بأن استأجر ذمي دارا من مسلم في مصر من أمصار المسلمين ليتخذها
مصلى للعامة لم تجز الإجارة لأنه استئجار على المعصية وكذا لو استأجر ذمي من ذمي ليفعل ذلك لما قلنا ولا بأس
باستئجار ظئر كافرة والتي ولدت من فجور لان الكفر والفجور لا يؤثران في اللبن لان لبنهما لا يضر بالصبي ويكره
استئجار الحمقاء لقوله صلى الله عليه وسلم لا ترضع لكم الحمقاء فان اللبن يفسد والظاهر أن المراد منه غير الام لان الولادة
أبلغ من الرضاع نهى وعلل بالافساد لان حمقها لمرض بها عادة ولبن المريضة يضر بالصبي ويحتمل ان النهى عن ذلك
لئلا يتعود الصبي بعادة الحمقى لان الصبي يتعود بعادة ظئره والله أعلم وأما الذي يرجع إلى نفسه العقد ومكانه فما ذكرنا
في كتاب البيوع وأما شرط النفاذ فأنواع منها خلو العاقد عن الردة إذا كان ذكرا في قول أبي حنيفة وعند أبي
يوسف ومحمد ليس بشرط بناء على أن تصرفات المرتد موقوفة عند أبي حنيفة وعندهما نافذة وتصرفات المرتدة نافذة
176

في قولهم جميعا وهي من مسائل كتاب السير ومنها الملك والولاية فلا تنفذ إجارة الفضولي لعدم الملك والولاية لكنه
ينعقد موقوفا على إجازة المالك عندنا خلافا للشافعي كالبيع والمسألة ذكرناها في كتاب البيوع ثم الإجازة إنما تلحق
الإجارة الموقوفة بشرائط ذكرناها في البيوع منها قيام المعقود عليه وعلى هذا يخرج ما إذا أجر الفضولي فأجاز المالك
العقد انه لو أجاز قبل استيفاء المنفعة جازت وكانت الأجرة للمالك لان المعقود عليه ما فات ألا ترى انه لو عقد عليه
ابتداء بأمره جاز فإذا كان محلا لانشاء العقد عليه كان محلا للإجازة إذ الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة وان أجاز
بعد استيفاء المنفعة لم تجز اجازته وكانت الأجرة للعاقد لان المنافع المعقود عليها قد انعدمت ألا ترى أنها قد خرجت
عن احتمال انشاء العقد عليها فلا تلحقها الإجازة وقد قالوا فيمن غصب عبدا فأجره سنة للخدمة وفى رجل آخر غصب
غلاما أو دارا فأقام البينة رجل انه له فقال المالك قد أجزت ما أجرت ان مدة الإجارة إن كانت قد انقضت فللغاصب
الاجر لما ذكرنا ان المعقود عليه قد انعدم والإجازة لا تلحق المعدوم وإن كان في بعض المدة فالاجر الماضي والباقي
لرب الغلام في قول أبى يوسف وقال محمد أجر ما مضى للغاصب وأجر ما بقي للمالك فأبو يوسف نظر إلى المدة فقال إذا
بقي بعض المدة لم يبطل العقد فيبقى محلا للإجازة ومحمد نظر إلى المعقود عليه فقال كل جزء من اجزاء المنفعة معقود عليه
بحياله كأنه عقد عليه عقد متبدأ بالمنافع في الزمان الماضي وانعدمت فانعدم شرط لحوق الإجازة العقد فلا تلحقه
الإجازة وقد خرج الجواب عما ذكره أبو يوسف وقد قال محمد فيمن غصب أرضا فأجرها للزراعة فأجاز صاحب
الأرض الإجارة ان أجرة ما مضى للغاصب وأجرة ما بقي للمالك وهو عليه ما ذكرنا من الاختلاف قال فان أعطاها
مزارعة فأجازها صاحب الأرض جازت وإن كان الزرع قد سنبل ما لم يسمن ولا شئ للغاصب من الزرع لان
المزارعة بمنزلة شئ واحد لا يفرد بعضها من بعض فكان إجازة العقد قبل الاستيفاء بمنزلة ابتداء العقد وأما إذا سمن
الزرع فقد انقضى عمل المزراعة فلا يلحق العقد الإجازة وأما الاستئجار من الفضولي فهو كشرائه فإنه أضاف
العقد إلى نفسه كان المستأجر له لأن العقد وجد نفاذا على العاقد فينفذ عليه وان أضاف العقد إلى من استأجر له ينظر
ان وقعت الإضافة إليه في الايجاب والقبول جميعا يتوقف على اجازته وان وقعت الإضافة إليه في أحدهما دون
الآخر لا يتوقف بل ينفذ على العاقد لما ذكرنا في البيوع بخلاف الوكيل بالاستئجار انه يقع استئجاره للموكل وان
أضاف العقد إلى نفسه والفرق على نحو ما ذكرنا في كتاب البيوع وعلى هذا تخرج إجارة الوكيل انها نافذة ولوجود
الولاية بإنابة المالك إياه مناب نفسه فينفذ كما لو فعله الموكل بنفسه وله أن يؤاجر من ابن الموكل وأبيه لان للموكل ذلك
لاختلاف ملكيهما كذا للوكيل وله أن يؤاجر من مكاتبه لان للمولى أن يؤجر منه لأنه لا يملك ما في يده فكذا
لوكيله وأما العبد المأذون فإن لم يكن عليه دين فلا يملك أن يؤاجر منه لان المولى لا يجوز له ذلك لان كسبه ملكه
فكذا الوكيل وإن كان عليه دين فله ذلك أما عند أبي حنيفة فلان المولى لا يملك ما في يده وكان بمنزلة المكاتب
فيجوز لوكيله أن يؤاجر منه وأما على قولهما فكسبه وإن كان ملكه المولى لكن تعلق به حق الغير فجعل المالك
كالأجنبي ولا يجوز له أن يؤاجر من أبيه وابنه وكل من لا تقبل شهادته له في قول أبي حنيفة وعندهما تجوز بأجر مثله
كما في بيع العين وهو من مسائل كتاب الوكالة وله أن يؤاجر بمثل أجر الدار وبأقل عند أبي حنيفة وعندهما ليس له
أو يؤاجر بالأقل وهو على الاختلاف في البيع ولو آجر إجارة فاسدة نفذت ولان مطلق العقد يتناول الصحيح
والفاسد كما في البيع ولا ضمان عليه لأنه لم يصر مخالفا وعلى المستأجر أجر المثل إذا انتفع لأنه استوفى المنافع بالعقد
الفاسد ولو لم يؤاجر الموكل الدار لكنه وهبها من رجل أو أعارها إياه فسكنها سنين ثم جاء صاحبها فلا أجر له على
الوكيل ولا على الساكن لان المنافع على أصل أصحابنا لا تضمن الا بالعقد الصحيح أو الفاسد ولم يوجد ههنا وكذلك
الإجارة من الأب والوصي والقاضي وأمينه نافذة لوجود الإنابة من الشرع فللأب أن يؤاجر ابنه الصغير في عمل
من الاعمال لان ولايته على الصغير كولايته على نفسه لان شفقته عليه كشفقته على نفسه وله ان يؤاجر نفسه
177

فكذا ابنه ولان فيها نظرا للصغير من وجهين أحدهما ان المنافع في الأصل ليست بمال خصوصا منافع الحر
وبالإجارة تصير مالا وجعل ما ليس بمال مالا من باب النظر والثاني ان ايجارة في الصنائع من باب التهذيب والتأديب
والرياضة وفيه نظر للصبي فيملكه الأب وكذا وصى الأب لأنه مرضى الأب والجد أب الأب لقيامة مقام الأب
عند عدمه وصيه لأنه مرضيه والقاضي لأنه نصب ناظرا وأمينه لأنه مرضيه ولا تجوز إجارة غير الأب ووصيه
والجد ووصيه من سائر ذوي الرحم المحرم إذا كان له أحد ممن ذكرنا لان من سواهم لا ولاية له على الصغير ألا ترى
أنه لا يملك التصرف في ماله ففي نفسه أولى الا إذا كان في حجره فتجوز اجارته إياه في قولهم إنه إذا كان في حجره كان
له عليه ضرب من الولاية لأنه يربيه ويؤدبه واستعماله في الصنائع نوع من التأديب فيملكه من حيث إنه تأديب
فإن كان في حجر ذي رحم محرم منه فأجره ذو رحم محرم آخر هو أقرب إليه من الذي هو في حجره بأن كان الصبي في
حجر عمه وله أم فأجرته قال أبو يوسف تجوز اجارتها إياه وقال محمد لا تجوز (وجه) قول محمد ان هؤلاء لا ولاية لهم
على الصبي أصلا ومقصودا وإنما يملكون الإجارة ضمنا لولاية التربية وانها تثبت لمن كان في حجره فإذا لم يكن في حجره
كان بمنزلة الأجانب ولأبي يوسف ان ذا الرحم إنما يلي عليه هذا النوع من الولاية بسبب الرحم فمن كان أقرب إليه
في الرحم كان أولى كالأب مع الجد وللذي في حجره ان يقبض الأجرة من حقوق العقد وهو العاقد
فكان ولاية القبض له وليس له أن ينفقها عليه لان الأجرة ماله والانفاق عليه تصرف في ماله وليس له ولاية التصرف في
المال وكذا إذا وهب له هبة فله ان يقبضها وليس له ان ينفقها لان قبض الهبة منفعة محض للصغير ألا ترى ان الصغير
يملك قبضها بنفسه وأما الانفاق فهو من باب الولاية فلا يملكه من لا يملك التصرف في ماله ولو بلغ الصبي في هذا كله
قبل انقضاء مدة الإجارة فله الخيار ان شاء أمضى الإجارة وان شاء فسخ لان في استيفاء العقد اضرارا به لأنه بعد
البلوغ تلحقه الانفة من خدمة الناس والى هذا أشار أبو حنيفة فقال أرأيت لو تفقه فولى القضاء أكنت أتركه
يخدم الناس وقد أجره أبوه هذا قبيح ولان المنافع تحدث شيئا فشيئا والعقد ينعقد على حسب حدوث المنافع فإذا
بلغ فيصير كان الأب عقد ما يحدث من المنافع بعد البلوغ ابتداء فكان له خيار الفسخ والإجارة كما إذا عقد ابتداء
بعد البلوغ وكذا الأب والجد ووصيهما والقاضي ووصيه في إجارة عبد الصغير وعقاره لان لهم ولاية التصرف
في ماله بالبيع كذا بالإجارة ولو بلغ قبل انتهاء المدة فلا خيار له بخلاف إجارة النفس وقد ذكرنا الفرق بينهما في
كتاب البيوع وليس للأب ومن يملك إجارة مال الصبي ونفسه وماله ان يؤجره بأقل من أجر المثل قدر ما لا يتغابن
الناس في مثله عادة ولو فعل لا ينفذ لأنه ضرر في حقه وهذه ولاية نظر فلا تثبت مع الضرر وليس لغير هؤلاء ممن هو
في حجره ان يؤاجر عبده أو داره لان ذلك تصرف في المال فلا يملكه الا من يملك التصرف في المال كبيع المال
وقال ابن سماعة عن محمد أستحسن ان يؤاجروا عبده لأنهم يملكون إجارة نفسه فاجرة ماله أولى وكذا أستحسن
ان ينفقوا عليه ما لابد منه لان في تأخير ذلك ضررا عليه وكذلك أحد الوصيين يملك ان يؤاجر اليتيم في قول أبي حنيفة
ولا يؤاجر عبده وقال محمد يؤاجر عبده والصحيح قول أبي حنيفة لان لكل واحد من الوصيين التصرف فيما يخاف
الضرر بتأخيره وفى ترك إجارة الصبي ضرر منه بترك تأديبه ولا ضرر في ترك إجارة العبد ولا تجوز إجارة الوصي
نفسه منه للصبي وهذا على أصل محمد لا يشكل لان الوصي لا يملك بيع ماله من الصبي أصلا فلا يملك إجارة
نفسه منه أما على أصل أبي حنيفة فيحتاج إلى الفرق بين البيع والإجارة حيث يملك البيع ولا يملك الإجارة
ووجه الفرق انه إنما يملك بيع ماله منه إذا كان فيه نظر للصغير ولا نظر للصغير في إجارة نفسه منه لان فيها جعل
ما ليس بمال مالا فلم يجز للوصي ان يعمل في مال الصبي مضاربة والفرق بين الإجارة والمضاربة ان الوصي بعقد
المضاربة لا يوجب حقا في مال المضاربة وإنما يوجب حقا في الربح وانه قد يكون وقد لا يكون فلا يلحقه تهمة بخلاف
الإجارة لأنها توجب حقا في مال الصبي لا محالة وهو متهم فيه لما بينا (وأما) استئجار الصغير لنفسه فينبغي ان
178

يجوز على قول أبي حنيفة إذا كان بأجرة لا يتغابن في مثلها لأنه يملك بيع ماله من نفسه إذا كان فيه نظر له وفى استئجاره
إياه لنفسه نظرا له لما فيه من جعل ما ليس بمال مالا ويجوز للأب ان يؤاجر نفسه للصغير أو يستأجر الصغير
لنفسه لان بيع مال الأب من الصغير وشراء ماله لنفسه لا يتقيد بشرط النظر بدليل انه لو باع ماله منه بمثل
قيمته أو اشترى مال الصغير لنفسه بمثل قيمته يجوز فكذا الإجارة ومنها تسليم المستأجر في إجارة في إجارة المنزل ونحوها
إذا كان العقد مطلقا عن شرط التعجيل بان لم يشرط تعجيل الأجرة في العقد ولم يوجد التعجيل أيضا من غير شرط
عندنا خلافا للشافعي بناء على أن الحكم في الإجارة المطلقة لا يثبت بنفس العقد عندنا لأن العقد في حق الحكم ينعقد
على حسب حدوث المنفعة فكان العقد في حق الحكم مضافا إلى حين حدوث المنفعة فيثبت حكمه عند ذلك وعنده
تجعل منافع المدة موجودة في الحال تقديرا كأنها عين قائمة فيثبت الحكم بنفس العقد كما في بيع العين وهذا أصل
نذكره في بيان حكم الإجارة وكيفية انعقادها في حق الحكم إن شاء الله تعالى ونعني بالتسليم التخلية والتمكين من
الانتفاع يرفع الموانع في إجارة المنازل ونحوها وعبيد الخدمة أجير الوحد حتى لو أنقضت المدة من غير تسليم المستأجر
على التفسير الذي ذكرنا لا يستحق شيئا من الاجر لان المستأجر لم يملك من المعقود عليه شيئا فلا يملك هو أيضا شيئا
من الاجر لأنه معاوضة مطلقة ولو مضى بعد العقد مدة ثم سلم فلا أجر له فيما مضى لعدم التسليم فيه ولو أجر المنزل
فارغا وسلم المفتاح إلى المستأجر فلم يفتح الباب حتى مضت المدة لزمه كل الاجر لوجود التسليم وهو التمكين من
الانتفاع برفع الموانع في جميع المدة فحدثت المنافع في ملك المستأجر فهلكت على ملكه فلا يسقط عنه الاجر كالبائع
إذا سلم المبيع إلى المشترى بالتخلية فهلك في يد البائع كان الهلاك على المشترى لأنه هلك على ملكه كذا هذا وان لم يسلم
المفتاح إليه لكنه أذن له بفتح الباب فأقل مر وافتح الباب فإن كان يقدر على فتح الباب بالمعالجة لزمه الكراء لوجود
التسليم وان لم يقدر لا يلزمه لان التسليم لم يوجد ولو استأجر دارا ليسكنها شهرا أو عبدا يستخدمه شهرا أو دابة ليركبها
إلى الكوفة فسكن واستخدم في بعض الوقت وركب في بعض المسافة ثم حدث بها مانع يمنع من الانتفاع من غرق أو
مرض أو إباق أو غصب أو كان زرعا فقطع شربه أو رحى فانقطع ماؤه لا تلزمه أجرة تلك المدة لان المعقود عليه المنفعة
في تلك المدة لأنها تحدث شيئا فشيئا فلا تصير منافع المدة مسلمة بتسليم محل المنفعة لأنها معدومة المعدوم لا يحتمل
التسليم وإنما يسلمها على حسب وجودها شيئا فشيئا فإذا اعترض منع فقد تعذر تسليم المعقود عليه قبل القبض فلا
يجب البدل كما لو تعذر تسليم المبيع قبل القبض بالهلاك والله عز وجل أعلم ومنها أن يكون العقد مطلقا عن شرط
الخيار فإن كان فيه خيار لا ينفذ في مدة الخيار لان الخيار يمنع انعقاد العقد في حق الحكم ما دام الخيار قائما لحاجة من له
الخيار إلى دفع العين عن نفسه كما في بيع العين وهذا لان شرط الخيار وإن كان شرطا مخالفا لمقتضى العقد والقياس
يأباه لما مر لكن تركنا اعتبار القياس لحاجة الناس ولهذا جاز في بيع العين كذا في الإجارة والله عز وجل الموفق وأما
شرطا الصحة فلصحة هذا العقد شرائط بعضها يرجع إلى العاقد وبعضها يرجع إلى المعقود عليه وبعضها يرجع إلى
محل المعقود عليه وبعضها يرجع إلى ما يقابل المعقود عليه وهو الأجرة وبعضها يرجع إلى نفس العقد أعني الركن أما
الذي يرجع إلى العاقد فرضا المتعاقدين لقوله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون
تجارة عن تراض منكم والإجارة تجارة لان التجارة تبادل المال بالمال والإجارة كذلك ولهذا يملكها المأذون وانه
لا يملك ما ليس بتجارة فثبت ان الإجارة تجارة فدخلت تحت النص وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل مال
امرئ مسلم الا بطيبة من نفسه فلا يصح مع الكراهة والهزل والخطأ لأن هذه العوارض تنافي الرضا فتمنع صحة
الإجارة ولهذا منعت صحة البيع وأما اسلام العاقد فليس بشرط فيصح من المسلم والكافر والحربي المستأمن كما يصح
البيع منهم وكذا الحرية فيصح من المملوك المأذون وينفذ من المحجور وينعقد ويتوقف على ما بينا والله عز وجل
أعلم وأما الذي يرجع إلى المعقود عليه فضروب منها أن يكون المعقود عليه وهو المنفعة معلوما علما يمنع من المنازعة فان
179

كان مجهولا ينظر إن كانت تلك الجهالة مفضية إلى المنازعة تمنع صحة العقد والا فلا لان الجهالة المفضية إلى المنازعة تمنع
من التسليم والتسلم فلا يحصل المقصود من العقد فكان العقد عبثا لخلوه عن العاقبة الحميدة وإذا لم تكن مفضية إلى
المنازعة يوجد التسليم والتسلم فيحصل المقصود ثم العمل بالمعقود عليه وهو المنفعة يكون ببيان أشياء منها بيان محل
المنفعة حتى لو قال أجرتك احدى هاتين الدارين أو أحد هذين العبدين أو قال استأجرت أحد هذين الصانعين لم
يصح العقد لان المعقود عليه مجهول لجهالة محله جهالة مفضية إلى المنازعة فتمنع صحة العقد وعلى هذا قال أبو حنيفة إذا باع
نصيبا له من دار غير مسمى ولا يعرفه المشترى انه لا يجوز لجهالة النصيب وقال أبو يوسف ومحمد يجوز إذا علم به بعد
ذلك وإن كان عرفه المشترى وقت العقد أو عرفه في المجلس جاز سواء كان البائع يعرفه أو لا يعرفه بعد ان صدق
المشترى فما قال وجواب أبي حنيفة مبنى على أصلين أحدهما أن بيع النصيب لا يجوز عنده وهو قول محمد وعند
أبى يوسف جائز والثاني ان إجارة المشاع غير جائزة عنده وإن كان المستأجر معلوما من نصف أو ثلث أو غير ذلك
فالمجهول أولى وعندهما إجارة المشاع جائزة وإنما فرق محمد بين الإجارة والبيع حيث جوز إجارة النصيب ولم يجوز بيع
النصيب لان الأجرة لا تجب بنفس العقد على أصل أصحابنا وإنما تجب عند استيفاء المعقود عليه وهو المنفعة
والنصيب عند الاستيفاء معلوم بخلاف البيع فان البدل فيه يجب بنفس العقد وعند العقد النصيب مجهول وعلى هذا
يخرج قول أبي حنيفة ما إذا استأجر من عقار مائة ذراع أو استأجر من أرض جريبا أو جريبين انه لا يجوز كما
لا يجوز البيع لان اسم الذراع عند يقع على القدر الذي يحله الذراع من البقعة المعينة وذلك للحال مجهول وكذا إجارة
المشاع لا تجوز عنده وإن كان معلوما فالمجهول أولى وعندهما الذراع كالسهم وتجوز إجارة السهم كذا إجارة الذراع
وقد ذكرنا المسألة في كتاب البيوع وعلى هذا تخرج إجارة المشاع من غير الشريك عند أبي حنيفة انها لا تجوز لان
المعقود عليه مجهول لجهالة محله إذ الشائع اسم لجزء من الجملة غير عين من الثلث والربع ونحوهما وانه غير معلوم فأشبه
إجارة عبد من عبدين وعندهما جائز كبيع الشائع وبه أخذ الشافعي وتخرج المسألة على أصل آخر هو أولى بالتخريج
عليه ونذكر الدلائل هناك إن شاء الله تعالى وان استأجر طريقا من دار ليمر فيها وقتا معلوما لم يجز في قياس قول أبي حنيفة
لان البقعة المستأجرة غير معلومة من بقية الدار فكان إجارة المشاع فلا يجوز عنده وعندهما يجوز ولو استأجر
ظهر بيت ليبيت عليه شهرا أو ليضع متاعه عليه اختلف المشايخ فيه لاختلاف نسخ الأصل ذكر في بعضها أنه
لا يجوز وفى بعضها انه يجوز وهو الصحيح لان المعقود عليه معلوم وذكر في الأصل إذا استأجر علو منزل ليبنى عليه
لا يجوز في قياس قول أبي حنيفة لان البناء على يختلف في الخفة والثقل والثقيل منه يضربا لعلو والضرر لا يدخل
في العقد لان الأجير لا يرضى به فكان مستثنى من العقد دلالة ولا ضابط له فصار محل المعقود عليه مجهولا بخلاف
ما إذا استأجر أرضا ليبنى عليها انه يجوز لان الأرض لا تتأثر لثقل البناء وخفته ويجوز في قياس قول أبى يوسف ومحمد
لان البناء المذكور ينصرف إلى المتعارف والجواب ما ذكرنا انه ليس لذلك حد معلوم وعلى هذا يخرج ما إذا استأجر
شربا من نهر أو مسيل ماء في ارض انه لا يجوز لان قدر ما يشغل الماء من النهر والأرض غير معلوم ولو استأجر نهرا
ليسوق منه الماء إلى أرض له فيسقيها لم يجز وذكر في الأصل إذا استأجر نهرا يابسا يجرى فيه الماء إلى أرضه أو رحى
لا يجوز في قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد وقال أرأيت لو استأجر ميزابا ليسيل فيه ماء المطر على سطح المؤاجر ألم
يكن هذا فاسدا وذكر هشام عن محمد فيمن استأجر موضعا معلوما من أرض مؤقتا بوقت معلوم يسيل فيه ماءه انه
يجوز فصار عن محمد روايتان وجه هذه الرواية ان المانع جهالة البقعة وقد زالت الجهالة بالتعيين وجه الرواية
المشهورة وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ان مقدار ما يسيل من الماء في النهر والمسيل مختلف والكثير منه مضر
بالنهر والسطح والمضر منه مستثنى من العقد دلالة غير المضر غير مضبوط فصار محل المعقود عليه مجهولا ولو استأجر
ميزابا ليركبه في داره كل شهر بشئ مسمى جاز لان الميزاب المركب في داره لا تختلف منفعته بكثرة ما يسيل فيه وقلته
180

فكان محل المعقود عليه معلوما ولو استأجر بالوعة ليصب فيها وضوءا لم يجز لان مقدار ما يصب فيها من الماء مجهول
والضرر يختلف فيه بقلته وكثرته فكان محل المعقود عليه مجهولا وعلى هذا يخرج أيضا ما إذا استأجر حائطا ليضع
عليه جذوعا أو يبنى عليه سترة أو يضع فيه ميزابا انه لا يجوز لان وضع الجذع وبناء السترة يختلف باختلاف الثقل
والخفة والثقيل منه يضر بالحائط والضرر مستثنى من العقد دلالة وليس لذلك المضر حد معلوم فيصير محل المعقود عليه
مجهولا وكذلك لو استأجر من الحائط موضع كوة ليدخل عليه الضوء أو موضعا من الحائط ليتد فيه وتدا لم يجز لما
قلنا فان قيل أليس انه لو استأجر دابة بغير عينها يجوز وإن كان المعقود عليه مجهولا لجهالة محله فالجواب ان هذه الجهالة
لا تفضى إلى المنازعة لحاجة الناس إلى سقوط اعتبارها لان المسافر لو استأجر دابة بعينها فربما تمنت الدابة في
الطريق فتبطل الإجارة بموتها ولا يمكنه المطالبة بدابة أخرى فيبقى في الطريق فيقضى بغير حمولة فيتضرر به فدعت
الضرورة إلى الجواز واسقاط اعتبار هذه الجهالة لحالة الناس فلا تكون الجهالة مفضية إلى المنازعة كجهالة المدة وقدر
الماء الذي يستعمل في الحمام وقال هشام سألت محمدا عن الاطلاء بالنورة بأن قال أطليك بدانق ولا يعلم بما يطليه
من غلظه ونحافته قال هو جائز لان مقدار البدن معلوم بالعادة والتفاوت فيه يسير لا يفضى إلى المنازعة ولان الناس
يتعاملون ذلك من غير نكير فسقط اعتبار هذه الجهالة بتعامل الناس ومنها بيان المدة في إجارة الدور والمنازل
والبيوت والحوانيت وفى استئجار الظئر لان المعقود عليه لا يصير معلوم القدر بدونه فترك بيانه يفضى إلى المنازعة
وسواء قصرت المدة أو طالت من يوم أو شهر أو سنة أو أكثر من ذلك بعد أن كانت معلومة وهو أظهر أقوال الشافعي
وفى بعضها انه لا يجوز أكثر من سنة وفى بعضها انه لا يجوز أكثر من ثلاثين سنة والقولان لا معنى لهما لان المانع
إن كان هو الجهالة فلا جهالة وإن كان عدم الحاجة فالحاجة قد تدعو إلى ذلك وسوء عين اليوم أو الشهر أو السنة أو لم
يعين ويتعين الزمان الذي يعقب العقد لثبوت حكمه وقال الشافعي لا يصح العقد ما لم يعين الوقت الذي يلي العقد
نصا (وجه) قوله إن قوله يوما أو شهرا أو سنة مجهول لأنه اسم لوقت منكرو جهالة الوقت توجب جهالة المعقود عليه
وليس في نفس العقد ما يوجب تعيين بعض الأوقات دون بعض فيبقى مجهولا فلابد من التعيين ولنا ان التعيين قد
يكون نصا وقد يكون دلالة وقد وجد ههنا دلالة التعيين من وجهين أحدهما ان الانسان إنما يعقد عقد الإجارة
للحاجة والحاجة عقيب العقد قائمة والثاني ان العاقد يقصد بعقده الصحة ولا صحة لهذا العقد الا بالصرف في الشهر
الذي يعقب لعقد فيتعين بخلاف ما إذا قال الله على أن أصوم شهرا أو أعتكف شهرا ان له أن يصوم ويعتكف أي
شهر أحب ولا يتعين الشهر الذي يلي النذر لان تعين الوقت ليس بشرط لصحة النذر فوجب المنذور به في شهر
منكر فله أن يعين أي شهر شاء ولو آجر داره شهر أو شهورا معلومة فان وقع العقد في غرة الشهر يقع على الأهلة بلا
خلاف حتى لو نقص الشهر يوما كان عليه كمال الأجرة لان الشهر اسم للهلال وان وقع بعدما مضى بعض الشهر ففي
إجارة الشهر يقع على ثلاثين يوما بالاجماع لتعذر اعتبار الأهلة فتعتبر بالأيام وأما في إجارة الشهر ففيها روايتان عن
أبي حنيفة في رواية اعتبر الشهور كلها بالأيام وفى رواية اعتبر تكميل هذا الشهر بالأيام من الشهر الأخير والباقي
بالأهلة وهكذا ذكر في الأصل فقال إذا استأجر سنة أولها هذا اليوم وهذا اليوم لأربعة عشر من الشهر فإنه يسكن
بقية هذا الشهر وأحد عشر شهرا بالأهلة وستة عشر يوما من الشهر الأخير وهذا غلط وقع من الكاتب والصحيح
أن يقال وأربعة عشر يوما لان ستة عشر يوما قد سكن فلم يبق لتمام الشهر بالأيام الا أربعة عشر يوما وهكذا ذكر في
بعض النسخ وإنما يسكن ستة عشر يوما إذا كان سكن أربعة عشر يوما وهو قول أبى يوسف ومحمد ووجهه ما ذكرنا
في كتاب الطلاق لان اسم الشهور للاهلة إذ الشهر اسم للهلال لغة الا أنه لا يمكن اعتبار الأهلة في الشهر الأول فاعتبر
فيه الأيام ويمكن فيما بعده فيعمل بالأصل ولان كل جزء من أجزاء المنفعة معقود عليه لأنه يتجدد ويحدث شيئا
فشيئا فيصير عند تمام الشهر الأول كأنه عقد الإجارة ابتداء فيعتبر بالأهلة بخلاف العدة انه يعتبر فيها الأيام على احدى
181

الروايتين لان كل جزء من اجزاء العدة ليس بعدة ولأن العدة فيها حق الله تعالى فاعتبر فيها زيادة العدد احتياط
والإجارة حق العبد فلا يدخله الاحتياط وجه الرواية الأخرى ان الشهر الأول يكمل بالأيام بلا خلاف وإنما
يكمل بالأيام من الشهر الثاني فإذا كمل بالأيام من الشهر الثاني يصير أول الشهر الثاني بالأيام فيكمل من الشهر الثالث
وهكذا إلى آخر الشهور ولو قال أجرتك هذه الدار سنة كل شهر بدرهم جاز بالاجماع لان المدة معلومة والأجرة
معلومة فلا يجوز ولا يملك أحدهما الفسخ قبل تمام السنة من غير عذر ولو لم يذكر السنة فقال أجرتك هذه الدار كل
شهر بدرهم جاز في شهر واحد عند أبي حنيفة وهو الشهر الذي يعقب العقد كما في بيع العين بأن قال بعت منك هذه
الصبرة كل قفيز بدرهم انه لا يصح الا في قفيز واحد عنده لان جملة الشهور مجهولة فأما الشهر الأول فمعلوم وهو
الذي يعقب العقد وذكر القدوري ان الصحيح من قول أبى يوسف ومحمد انه لا يجوز أيضا وفرقا بين الإجارة
وبيع العين من حيث إن كل شهر لا نهاية له فلا يكون المعقود عليه معلوما بخلاف الصبرة لأنه يمكن معرفة الجملة
بالكيل وعامة مشايخنا قالوا تجوز هذه الإجارة على قولهما كل شهر بدرهم كما في بيع الصبرة كل قفيز بدرهم وفى بيع
المذروع كل ذراع بدرهم وعند أبي حنيفة لا يجوز البيع في المذروع في الكيل لا في ذراع واحد ولا في الباقي وفى
المكيل والموزون في واحد ولا يجوز في الباقي في الحال الا إذا علم المشترى جملته في المجلس لان بيع قفيز من
صبرة جائز لان الجهالة تفضى إلى المنازعة لعدم التفاوت بين قفيز وقفيز فأما بيع ذراع من ثوب فلا يجوز لتفاوت في
أجزاء الثوب فيفضى إلى المنازعة وقال الشافعي هذه الإجارة فاسدة واعتبر ها ببيع كل ثوب من هذه الأثواب
بدرهم وهذا الاعتبار غير سديد لان الثياب تختلف في أنفسها اختلافا فاحشا ولا يمكن تعيين واحد منها لاختلافها
فأما المشهور فإنها لا تخلف فيتعين واحد منها للإجارة عند أبي حنيفة وهو الشهر الأول لما بينا وإذا جاز في الشهر الأول
لا غير عند أبي حنيفة فلكل واحد منهما أن يترك الإجارة عند تمام الشهر الأول فإذا دخل الشهر الثاني ولم يترك
أحدهما انعقدت الإجارة في الشهر الثاني لأنه إذا مضى الشهر الأول ولم يترك أحدهما فقد تراضيا على انعقاد العقد في الشهر الثاني فصارا كأنهما جددا العقد وكذا هذا عند مضى كل شهر بخلاف ما إذا أجر شهرا وسكت ولم يقل
كل شهر لان هناك لم يسبق منه شئ يبنى عليه العقد في الشهر ثم اختلف مشايخنا في وقت الفسخ وكيفيته قال
بعضهم إذا أهل الهلال يقول أحدهما على الفور فسخت الإجارة فإذا قال ذلك لا ينعقد في الشهر الثاني وان سكتا
عنه انعقدت وقال بعضهم يفسخ أحدهما الإجارة في الحال فإذا جاء رأس الشهر عمل ذلك الفسخ السابق وقال
بعضهم يفسخ أحدهما ليلة الهلال أو يومها وان سكتا حتى غربت الشمس من اليوم الأول انعقدت الإجارة في
الشهر الثاني وهذا أصح الأقاويل ومعنى الفسخ ههنا وهو المنع انعقاد الإجارة في الشهر الثاني لأنه رفع العقد الموجود
من الأصل ولو استأجر دلوا وبكرة ليسقى غنمه ولم يذكر المدة لم يجز لان قدر الزمان الذي يسقى فيه الغنم غير معلوم
فكان قدر المعقود عليه مجهولا وان بين المدة جاز لأنه صار معلوما بيان المدة والله عز وجل أعلم وأما بيان ما يستأجر
له في هذا النوع من الإجارة أعني إجارة المنازل ونحوها فليس بشرط حتى لو استأجر شيئا من ذلك ولم يسم ما يعمل
فيه جاز وله أن يسكن فيه نفسه ومع غيره وله أنى يسكن فيه غيره بالإجارة والإعارة وله أن يضع فيه متاعا وغيره غيره أنه
لا يجعل فيه حدادا ولا قصارا ولا طحانا ولا ما يضر بالبناء ويوهنه وإنما كان كذلك لان الإجارة تشرعت
للانتفاع والدور والمنازل والبيوت ونحوها معدة للانتفاع بها بالسكنى ومنافع العقار المعدة للسكنى متقاربة لان الناس
لا يتفاوتون في السكنى فكانت معلومة من غير تسمية وكذا المنفعة لا تتفاوت بكثرة السكان وقلتهم الا تفاوتا يسيرا
وانه ملحق بالعدم ووضع المتاع من توابع السكنى وذكر في الأصل ان له أن يربط في الدار دابته وبعيره وشاته لان
ذلك من توابع السكنى وقيل إن هذا الجواب على عادة أهل الكوفة والجواب فيه يختلف باختلاف العادة فإن كان
في موضع جرت العادة بذلك فله ذلك والا فلا وإنما لم يكن له أن يقعد فيه من يضر بالبناء ويوهنه من القصار والحداد
182

والطحان لان ذلك اتلاف العين وانه لم يدخل تحت العقد إذ الإجارة بيع المنفعة لا بيع العين ولان مطلق العقد
ينصرف إلى المعتاد والظاهر أن الحانوت الذي يكون في صف البزازين انه لا يؤاجر لعمل الحداد والقصار والطحان
فلا ينصرف مطلق العقد إليه إذ المطلق محمول على العادة فلا يدخل غيره في العقد الا بالتسمية أو بالرضا حتى لو آجر
حانوتا في صف الحدادين من حداد يدخل عمل الحدادة فيه من غير تسمية للعادة وإنما كان له أن يؤاجر من غيره
ويعير لأنه ملك المنفعة فكان له أن يؤاجر من غيره بعوض وبغير عوض وأما في إجارة الأرض فلابد فيها من بيان
ما تستأجر له من الزراعة والغرس والبناء وغير ذلك فإن لم يبين كانت الإجارة فاسدة الا إذا جعل له ان ينتفع بها بما
شاء وكذا إذا استأجرها للزراعة فلابد من بيان ما يزرع فيها أو يجعل له أن يزرع فيها ما شاء والا فلا يجوز العقد
لان منافع الأرض تختلف باختلاف البناء والغرس والزراعة وكذا المزروع يختلف منه ما يفسد الأرض ومنه
ما يصلحها فكان المعقود عليه مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة فلا بد من البيان بخلاف السكنى فإنها لا تختلف وأما
في إجارة الدواب فلابد فيها من بيان أحد الشيئين المدة أو المكان فإن لم يبين أحدهما فسدت لان ترك البيان يفضى
إلى المنازعة وعلى هذا يخرج ما إذا أستأجر دابة يشيع عليها رجلا أو يتلقاه ان الإجارة فاسدة الا أن يسمى موضعا
معلوما لما قلنا وكذا إذا استأجرها إلى الجبانة لان الجبانة تختلف أولها وأوسطها وآخرها لأنها موضع واسع تتباعد
أطرافها وجوانبها بخلاف ما إذا استأجر دابة إلى الكوفة انه يصح العقد وإن كان أطرافها وجوانبها متباعدة لان
المكان هناك معلوم بالعادة وهو منزله الذي بالكوفة لان الانسان إذا استأجر إلى بلده فإنما يستأجر إلى بيته ألا ترى
انه ما جرت العادة بين المكاريين بطرح الحمولات على أول جزء من البلد فصار منزله بالكوفة مذكورا دلالة والمذكور
دلالة كالمذكور نصا ولا عادة في الجبانة على موضع بعينه حتى يحمل العقد عليه حتى لو كان في الجبانة موضع لا يركب
الا إليه يصح العقد وينصرف إليه كما يصح إلى الكوفة ولو تكاراها بدرهم يذهب عليها إلى حاجة له لم يجز ما لم يبين المكان
لان الحوائج تختلف منها ما ينقضى بالركوب إلى موضع ومنها ما لا ينقضى الا بقطع مسافة بعيدة فكانت المنافع مجهولة
فتفسد الإجارة وذكر في الأصل إذا تكارى دابة من الفرات إلى جعفى وجعفى قبيلتان بالكوفة ولم يسم إحداهما
أو إلى الكناسة وفيها كناستان ولم يسم إحداهما أو إلى بجيلة وبها بجيلتان الظاهرة والباطنة ولم يسم إحداهما ان
الإجارة فاسدة لان المكان مجهول ولا بد فيها من بيان ما يستأجر له في الحمل والركوب لأنهما منفعتان مختلفتان وبعد
بيان ذلك لابد من بيان ما يحمل عليها ومن يركبها لان الحمل يتفاوت بتفاوت المحمول والناس يتفاوتون في الركوب
فترك البيان يقضى إلى المنازعة وذكر في الأصل إذا استأجر بعيرين من الكوفة إلى مكة فحمل على أحدهما محملا
فيه رجلان وما يصلح لهما من الوطاء والدثر وقد رأى الرجلين ولم ير الوطاء والدثر وأحدهما زاملة يحمل عليها كذا
كذا محتوما من السويق والدقيق وما يصلحهما من الزيت والخل والمعاليق ولم يبين ذلك واشترط عليه ما يكتفي به
من الماء ولم يبين ذلك فهذا كله فاسد بالقياس ولكن قال أبو حنيفة أستحسن ذلك وجه القياس انه شرط عملا
مجهولا لأنه قدر الكسوة والدثار يختلف باختلاف الناس فصارت المنافع مجهولة وجه الاستحسان ان الناس يفعلون
ذلك من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا فكان ذلك اسقاطا منهم اعتبار هذه الجهالة فلا يفضى إلى
المنازعة وان اشترط المستأجر أن يحمل عليه من هدايا مكة من صالح ما يحمل الناس فهو جائز لان قدر الهدايا يعلم بالعادة
وهذا مما يفعله الناس في سائر الأعصار من غير نكير وان بين وزن المعاليق ووصف ذلك والهدايا أحب الينا لأنه
يجوز قياسا واستحسانا وذلك يكون أبعد من الخصومة لذلك قال أحب الينا ولكل محل قربتين من ماء واداوتين من
أعظم ما يكون لان هذا كله يصير معلوما بالعادة وذكره أفضل وكذا الخيمة والقبة وذكره أفضل لما قلنا وفى استئجار
العبد للخدمة والثوب للبس والقدر للطبخ لابد من بيان المدة لما قلنا والقياس أن يشترط بيان نوع الخدمة في استئجار
العبد للخدمة لان الخدمة تختلف فكانت مجهولة وفى الاستحسان لا يشترط وينصرف إلى المتعارف وليس له أن
183

يسافر به فلابد من بيان ما يلبس وما يطبخ في القدر لان اللبس يختلف باختلاف اللابس والقدر يختلف باختلاف
المطبوخ فلابد من البيان ليصير المعقود عليه معلوما فان اختصما حين وقعت الإجارة في هذه الأشياء قبل أن يزرع أو
يبنى أو يغرس أو قبل أن يحمل على الدابة أو يركبها أو قبل أن يلبس الثوب أو يطبخ في القدر فان القاضي يفسخ
الإجارة لأن العقد وقع فاسدا ورفع الفساد واجب حقا للشرع فان زرع الأرض وحمل الدابة ولبس الثوب
وطبخ في القدر فمضت المدة فله ما سمى استحسانا والقياس أن يكون له أجر المثل لأنه استوفى المنفعة بعقد
فاسد واستيفاء المنفعة بعقد فاسد يوجب أجر المثل لا المسمى وجه الاستحسان ان المفسد جهالة المعقود عليه والمعقود
عليه قد تعين بالزراعة واللبس والطبخ فزالت الجهالة فقد استوفى المعقود عليه في عقد صحيح فيجب كمال
المسمى كما لو كان متعينا في الابتداء ولو فسخ القاضي الإجارة ثم زرع أو حمل أو لبس أو غير ذلك لا يجب شئ لان
القاضي لما نقض فقد بطل العقد فصار مستعملا مال الغير من غير عقد فصار غاصبا والمنافع على أصلنا لا تتقوم
الا بالعقد الصحيح أو الفاسد ولم يوجد ومنها بان العمل في استئجار الصناع والعمال لان جهالة العمل في الاستئجار
على الاعمال جهالة مفضية إلى المنازعة فيفسد العقد حتى لو استأجر عاملا ولم يسم له العمل من القصارة والخياطة
والرعي ونحو ذلك لم يجز العقد وكذا بيان المعمول فيه في الأجير المشترك اما بالإشارة والتعيين أو ببيان الجنس والنوع
والقدر والصفة في ثوب القصارة والخياطة وبيان الجنس والقدر في إجارة الراعي من الخيل والإبل أو البقر أو الغنم
وعددها لان العمل يختلف باختلاف المعمول وعلى هذا يخرج ما إذا استأجر حفارا ليحفر له بئرا انه لابد من بيان
مكان الحفر وعمق البئر وعرضها لان عمل الحفر يختلف باختلاف عمق المحفور وعرضه ومكان الحفر من الصلابة
والرخاوة فيحتاج إلى البيان ليصير المعقود عليه معلوما وهل يشترط فيه بيان المدة اما في استئجار الراعي المشترك
فيشترط لان قدر المعقود عليه لا يصير معلوما بدونه وأما في استئجار القصار المشترك والخياط المشترك فلا يشترط
حتى لو دفع إلى خياط أو قصار أثوابا معلومة ليخيطها أو ليقصرها جاز من غير بيان المدة لان المعقود عليه يصير معلوما
بدونه وأما في الأجير الخاص فلا يشترط بيان جنس المعمول فيه ونوعه وقدره وصفته وإنما يشترط بيان المدة فقط
وبيان المدة في استئجار الظئر شرط جوازه بمنزلة استئجار العبد للخدمة لان المعقود عليه هو الخدمة فما جاز فيه جاز في
الظئر وما لم يجز فيه لم يجز فيها الا ان أبا حنيفة استحسن في الظئر ان تستأجر بطعامها وكسوتها لما نذكره في موضعه إن شاء الله
تعالى ولو استأجر انسانا ليبيع له ويشترى ولم يبين المدة لم يجز لجهالة قدر منفعة البيع والشراء ولو بين المدة بان
استأجره شهرا لبيع له ويشترى جاز لان قدر المنفعة صار معلوما ببيان المدة وما روى عن بعض الصحابة رضوان الله
عليهم قال كنا نبيع في أسواق المدينة نسمى أنفسنا السماسرة فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمانا بأحسن
الأسماء فقال صلى الله عليه وسلم يا معشر التجار ان بيعكم هذا يحضره اللغو والكذب فشوبوه بالصدقة والسمسار هو
الذي يبيع أو يشترى لغيره بالأجرة فهو محمول على ما إذا كانت المدة معلومة وكذا إذا قال بع لي هذا الثوب ولك درهم
وبين المدة وان لم يبين فباع واشترى فله أجر مثل عمله لأنه استوفى منفعته بعقد فاسد قال الفضل بن غائم سمعت أبا
يوسف قال لا بأس أن يستأجر القاضي رجلا مشاهرة على أن يضرب الحدود بين يديه وإن كان غير مشاهرة فالإجارة
فاسدة لأنها إذا كانت مشاهرة كان المعقود عليه معلوما ببيان المدة ويستحق الأجرة فيها بتسليم النفس عمل أو لم
يعمل وإذا لم يذكر الوقت بقي المعقود عليه مجهولا لان قدر الحدود التي سماها غير معلوم وكذا محل الإقامة مجهول وذكر
محمد في السير الكبير إذا استأجر الامام رجلا ليقتل المرتدين والأسارى لم يجز عند أصحابنا وان استأجره لقطع اليد جاز
ولا فرق بينهما عندي والإجارة جائزة فيهما هكذا ذكر محمد وأراد بقوله أصحابنا أبا يوسف وأبا حنيفة وعلى هذا
الخلاف إذا استأجر رجل رجلا لاستيفاء القصاص في النفس وجه قوله إنه استأجره لعمل معلوم وهو القتل ومحله
معلوم وهو العنق إذ لا يباح له العدول عنه فيجوز كما لو استأجره لقطع اليد وذبح الشاة ولهما أن محله من العنق ليس بمعلوم
184

بخلاف القطع فان محله من اليد معلوم وهو المفصل وكذا محل الذبح الحلقوم والودجان وذلك معلوم وقال ابن رستم عن
محمد في رجل قال لرجل اقتل هذا الذئب أو هذا الأسد ولك درهم وهما صيد ليسا للمستأجر فقتله فان له أجر مثله
لا أجاوز به درهما لان الأسد والذئب إذا لم يكونا في يده فيحتاج في قتلهما إلى المعالجة فكان العمل مجهولا وإنما وجب
عليه أجر المثل لأنه استوفى المنفعة بعقد فاسد ويكون الصيد للمستأجر لان قتل الصيد سبب لتملكه وعمل الأجير
يقع للمستأجر فصار كأنه قتله بنفسه وعلى هذا يخرج ما إذا قال لرجل استأجرتك لتخيط هذا الثوب اليوم أو لتقصر
هذا الثوب اليوم أو لتخبز قفيز الدقيق اليوم أو قال استأجرتك هذا اليوم لتخيط هذا الثوب أو لتقصر أو لتخبز قدم اليوم
أو أخره ان الإجارة فاسدة في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد جائزة وعلى هذا الخلاف إذا استأجر الدابة
إلى الكوفة أياما مسماة فالإجارة فاسدة عنده وعندهما جائزة وجه قولهما ان المعقود عليه هو العمل لأنه هو المقصود
والعمل معلوم فاما ذكر المدة فهو التعجيل فلم تكن المدة معقودا عليها فذكرها لا يمنع جواز العقد وإذا وقعت الإجارة
على العمل فان فرغ منه قبل تمام المدة أي اليوم فله كمال الاجر وان لم يفرغ منه في اليوم فعليه أن يعمله في الغد كما إذا
دفع إلى خياط ثوبا ليقطعه ويخيطه قميصا على أن يفرغ منه في يومه هذا أو اكترى من رجل إبلا إلى مكة على أن
يدخله إلى عشرين ليلة كل بعير بعشرة دنانير مثلا ولم يزد على هذا ان الإجارة جائزة ثم إن وفى بالشرط أخذ المسمى وان
لم يف به فله أجر مثله لا يزاد على ما شرطه ولأبي حنيفة ان المعقود عليه مجهول لأنه ذكر أمرين كل واحد منهما يجوز
أن يكون معقودا عليه أعني العمل والمدة أما العمل فظاهر وكذا ذكر المدة بدليل انه لو استأجره يوما للخبازة من غير
بيان قدر ما يخبز جاز وكان الجواب باعتبار انه جعل المعقود عليه المنفعة والمنفعة مقدرة بالوقت ولا يمكن الجمع بينهما في
كون كل واحد منهما معقودا عليه لان حكمهما مختلف لأن العقد على بالمدة يقتضى وجوب الاجر من غير عمل لأنه
يكون أجيرا خالصا والعقد على العمل يقتضى وجوب الاجر بالعمل لأنه يصير أجيرا مشتركا فكان المعقود عليه
أحدهما وليس أحدهما بأولى من الآخر فكان مجهولا وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد بخلاف تلك المسألة
لان قوله على أن يفرغ منه في يومى هذا ليس جعل الوقت معقودا عليه بل هو بيان صفة العمل بدليل انه لو لم يعمل في
اليوم وعمل في الغد يستحق أجر المثل ولو قال أجرتك هذه الدار شهرا بخمسة دراهم أو هذه الأخرى شهرا بعشرة
دراهم أو كان هذا القول في حانوتين أو عبدين أن مسافتين مختلفتين بان قال أجرتك هذه الدابة إلى واسط بكذا أو إلى
مكة بكذا فذلك جائز عند أصحابنا الثلاثة استحسانا وعند زفر والشافعي لا يجوز قياسا وعلى هذا إذا خيره بين ثلاثة
أشياء وان ذكر أربعة لم يجز وعلى هذا أنواع الخياطة والصبغ انه ان ذكر ثلاثة جاز عندنا ولا يجوز ما زاد عليها كما في
بيع العين وجه القياس انه أضاف العقد إلى أحد المذكورين وهو مجهول فلا يصح ولهذا لم يصح إذا أضيف إلى أحد
الأشياء الأربعة ولنا أنه خيره بين عقد معلومين في محلين متقومين ببدلين كما لو قال إن رددت الآبق من
موضع كذا فلك كذا وان رددته من موضع كذا فلك كذا وكما لو قال إن خيطت هذا الثوب فبدرهم وان خيطت هذا
الآخر فبدرهم وعملهما سواء وكما لو قال إن سرت على هذه الدابة إلى موضع كذا فبدرهم وان سرت إلى موضع كذا
فبدرهم والمسافة سواء وأما قولهما ان العقد أضيف إلى أحد المذكورين من غير عين فنعم لكن فوض خيار التعيين إلى
المستأجر ومثل هذه الجهالة لا تفضى إلى المنازعة كجهالة قفيز من الصبرة ولهذا أجاز البيع فالإجارة أولى لأنها أوسع
من البيع ألا ترى انها تقبل من الخطر ما لا يقبله البيع ولهذا جوزوا هذه الإجارة من غير شرط الخيار ولم يجوزوا البيع
الا بشرط الخيار وكذلك إذا دفع إلى خياط ثوبا فقال له ان خطته فارسيا فلك درهم وان خطته روميا فلك درهمان أو
قال لصباغ صبغت هذا الثوب بعصفر فلك درهم ن وان صيغته بزعفران فلك درهمان فذلك جائز لأنه خيره بين
ايفاء منفعتين معلومتين فلا جهالة ولان الاجر على أصل أصحابنا لا يجب الا بالعمل وحين يأخذ في أحد العملين تعين
ذلك الاجر وهذا عند أصحابنا الثلاثة فاما عند زفر فالإجارة فاسدة لان المعقود عليه مجهول والجواب ما ذكرناه ولو
185

قال أجرتك هذه الدار شهرا على أنك ان قعدت فيها حدادا فاجرها عشرة وان بعت فيها الخز فخمسة فالإجارة جائزة
في قول أبي حنيفة الأخير وقال أبو يوسف ومحمد الإجارة فاسدة وجه قولهما ان الاجر لا يجب بالسكنى وإنما يجب
بالتسليم وهو التخلية وحالة التخلية لا يدرى ما يسكن فكان البدل عنده مجهولا بخلاف الرومي والفارسي لان البدل
هناك يجب بابتداء العمل ولا بد وان يبتدئ بأحد العملين وعند ذلك يتعين البدل ويصير معلوما عند وجوده ولأبي
حنيفة انه خير بين منفعتين معلومتين فيجوز كما في خياطة الرومية والفارسية هذا لان السكنى وعمل الحدادة
مختلفتان والعقد على واحد منهما صحيح على الانفراد فكذا على الجمع وقولهما بان الاجر ههنا يجب بالتسليم من غير
عمل مسلم لكن العمل يوجد ظاهرا وغالبا لان الانتفاع عند التمكين من الانتفاع هو الغالب فلا يجب الاحتراز عنه
على أن بالتخلية وهو التمكن من الانتفاع يجب أقل الاجرين لان الزيادة تجب بزيادة الضرر ولم توجد زيادة الضرر
وأقل الاجرين معلوم فلا يؤدى إلى الجهالة وهذا جواب امام الهدى الشيخ أبى منصور الماتريدي وعلى
هذا الخلاف كل ما كان اجره يجب بالتسليم ولا يعلم الواجب به وقت التسليم فهو باطل عندهما وعند أبي حنيفة
العقد جائز وأي التعيين استوفى وجب أجر ذلك كما سمى وان أمسك الدار ولم يسكن فيها حتى مضت المدة فعليه
أقل المسميين لما ذكرنا ان الزيادة انا تجب باستيفاء منفعة زائدة ولم يوجد ذلك فلا يجب بالتسليم وهو التخلية الا أقل
الاجرين وعلى هذا الخلاف إذا استأجر دابة إلى الحيرة على أنه ان حمل عليها شعيرا فبنصف درهم وان حمل عليها
حنطة فبدرهم فهو جائز على قول أبي حنيفة الاخر وعلى قولهما لا يجوز وكذلك ان استأجر دابة إلى الحيرة بدرهم والى
القادسية بدرهمين فهو جائز عنده على قولهما ينبغي ان لا يجوز لما ذكرنا ولو استأجر دابة من بغداد إلى القصر بخمسة
والى الكوفة بعشرة قال محمد لو كانت المسافة إلى القصر النصف من الطريق إلى الكوفة فالإجارة جائزة وإن كانت
أقل أو أكثر فهي فاسدة على أصلهما لان المسافة إذا كانت النصف فحال ما يسير يصير البدل معلوما لأنه ان
سار إلى القصر أو إلى الكوفة فالأجرة إلى القصر خمسة فاما إذا كانت المسافة إلى القصر أقل من النصف أو أكثر
فالأجرة حال ما يسير مجهولة لأنه ان سار إلى القصر فالأجرة خمسة وان سار إلى الكوفة فالأجرة إلى القصر بحصته
من المسافة وجهالة الأجرة عند وجود سبب وجوبها تفسد العقد عندهما فاما على قول أبي حنيفة فالعقد جائز
لأنه سمى منفعتين معلومتين لأنه كل واحدة منهما بدل معلوم ولو أعطى خياطا ثوبا فقال إن خطته اليوم فلك درهم وان
خطته غدا فلك نصف درهم قال أبو حنيفة الشرط الأول صحيح والثاني فاسد حتى لو خاطه اليوم فله درهم وان
خاطه غدا له أجر مثله على هذا نذكر تفسيره قال أبو يوسف ومحمد الشرطان جائزان وقال زفر الشرطان باطلان
وبه أخذ الشافعي فنتكلم مع زفر والشافعي في اليوم الأول لأنهما خالفا أصحابنا الثلاثة فيه والوجه لهما أن المعقود
عليه مجهول ولنا انه سمى في اليوم الأول عملا معلوما وبدلا معلوما وفساد الشرط الثاني لا يؤثر في الشرط الأول
كمن عقد إجارة صحيحة وإجارة فاسدة وأما اليوم الثاني فوجه قول أبى يوسف ومحمد على نحو ما ذكرنا في اليوم
الأول انه سمى في اليوم الثاني عملا معلوما وبدلا معلوما كما في الأول فلا معنى لفساد العقد فيه كما لا يفسد في اليوم
الأول ولأبي حنيفة انه اجتمع في اليوم الثاني بدلان متفاوتان في القدر لان البدل المذكور في اليوم الأول جعل
مشروطا في اليوم الثاني بدليل أنه لو لم يذكر لليوم الثاني بدلا آخر وعلم في اليوم الثاني يستحق المسمى في الأول فلو لم
يجعل المذكور من البدل في اليوم الأول مشروطا في الثاني لما استحق المسمى وإذا اجتمع بدلان في اليوم الثاني صار
كأنه قال في اليوم الثاني فلك درهم أو نصف درهم فكان الاجر مجهولا فوجب فساد العقد فإذا خاطه في اليوم الثاني فله
أجر مثله لا يزاد على درهم ولا ينقص من نصف درهم هكذا ذكر في الأصل وفى الجامع الصغير وذكر محمد في الاملاء
وهو احدى وروايتي ابن سماعة في نوادره عن أبي يوسف واحدى روايتي ابن سماعة في نوادره عن محمد وروى ابن
سماعة في نوادره عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في رواية أخرى ان له في اليوم الثاني اجر مثله لا يزاد على نصف درهم
186

وذكر القدوري ان هذه الرواية هي الصحيحة ووجهها ان الواجب في الإجارة الفاسدة اجر المثل لا يزاد على المسمى
والمسمى في اليوم الثاني نصف درهم لا درهم إنما الدرهم مسمى في اليوم الأول وذلك عقد آخر فلا يعتبر فيه وجه رواية
الأصل انه اجتمع في الغد تسميتان لان التسمية الأولى عند مجئ الغد قائمة لما ذكرنا فيعمل بهما فتعتبر الأولى لمنع
الزيادة والثانية لمنع النقصان فان خطاب نصفه في اليوم الأول نصفه في الغد فله نصف المسمى لأجل خياطته
في اليوم الأول أجر المثل لأجل خياطته في الغد لا يزاد على درهم ولا ينقص عن نصف درهم فان خاطه في اليوم
الثالث فقد روى ابن سماعة عن محمد عن أبي حنيفة أن له أجر مثله لا تجاوز به نصف درهم لان صاحب الثوب لم يرض
بتأخيره إلى الغد بأكثر من النصف فبتأخيره إلى اليوم الثالث أولى فان قال إن خطته اليوم فلك درهم وان خطته غدا
فلا أجر لك ذكر محمد في املائه أنه ان خاطه في اليوم الأول فله درهم وان خاطه في اليوم الثاني فله أجر مثله لا يزاد
على درهم لان اسقاطه في اليوم الثاني لا ينفى وجوبه في اليوم الأول ونفى التسمية في اليوم الثاني لا ينفى أصل العقد فكان
في اليوم الثاني عقد لا تسمية فيه ويجب اجر المثل ولو قال إن خطته أنت فاجرك درهم وان خاطه تلميذك فاجرك
نصف درهم فهذا والخياطة الرومية والفارسية سواء ولو استأجر دارا شهرا بعشرة دراهم على أنه ان سكنها يوما ثم خرج
فعليه عشرة دراهم فهو فاسد لان المعقود عليه مجهول وهو سكنى شهرا ويوم الله عز وجل أعلم ومنها أن يكون
مقدور الاستيفاء حقيقة وشرعا لأن العقد لا يقع وسيلة إلى المعقود بدونه فلا يجوز استئجار الآبق لأنه لا يقدر
على استيفاء منفعته حقيقة لكونه معجوز التسليم حقيقة ولهذا لم يجز بيعه ولا تجوز إجارة المغصوب من غير الغاصب
كما لا يجوز بيعه من غيره لما فلنا وعلى هذا يخرج إجارة المشاع من غير الشريك انها غير جائزة عند أبي حنيفة وزفر
وقال أبو يوسف ومحمد الشافعي انها جائزة وجه قولهم إن الإجارة أحد نوعي البيع فيعتبر بالنوع الآخر وهو بيع
العين وانه جائز في المشاع وكذا هذا فلو امتنع تعذر استيفاء منفعة بسبب الشياع والمشاع مقدور الانتفاع
بالمهايأة ولهذا جاز بيعه وكذا يجوز من الشريك أو من الشركاء في صفقة واحدة فكذا من الأجنبي والدليل عليه أن
الشيوع الطارئ لا يفسد الإجارة فكذا المقارن لان الطارئ في باب الإجارة مقارن لان المعقود عليه المنفعة وانها
تحدث شيئا فشيئا فكان كل جزء يحدث معقودا عليه مبتدأ ولأبي حنيفة ان منفعة المشاع غير مقدور الاستيفاء
لان استيفاءها بتسليم المشاع والمشاع غير مقدور بنفسه لأنه اسم لسهم غير معنى وغير المعين لا بتصور تسليمه بنفسه
حقيقة وإنما يتصور تسليمه بتسليم الباقي وذلك غير معقود عليه فلا يتصور تسليمه شرعا وأما قولهما انه يمكن استيفاء
منفعة المشاع بالتهايئ فنقول لا يمكن على الوجه الذي يقتضيه العقد وهو الانتفاع بالنصف في كل المدة لان التهايؤ
بالزمن انتفاع بالكل في نصف المدة وذا ليس بمقتضى العقد والتهايؤ بالمكان انتفاع برفع المستأجر في كل المدة
لان نصف هذا النصف له بالملك ونصفه على طريق البدل عما في يد صاحبه وانه ليس بمقتضى العقد أيضا فإذا
لا يمكن تسليم المعقود عليه على الوجه الذي يقتضيه العقد أصلا ورأسا فلا يكون المعقود عليه مقدور الاستيفاء
حقيقة وشرعا ولان تجويز هذا القعد بالمهايأة يؤدى إلى الدور لأنه لا مهايأة الا بعد ثبوت الملك ولا ملك الا بعد وجود
العقد ولا عقد الا بعد وجود شرطه وهو القدرة على التسليم فيتعلق كل واحد بصاحبه فلا يتصور وجوده بخلاف
البيع لان كون المبيع مقدور الانتفاع ليس بشرط لجواز البيع فان بيع المهر والجحش والأرض السبخة جائز وان لم
يكن منتفعا بها ولهذا يدخل الشرب والطريق في الإجارة من غير تسمية ولا يدخلان في البيع الا بالتسمية لان كون
المستأجر منتفعا به بنفسه شرط صحة الإجارة ولا يمكن الانتفاع بدون الشرب والطريق بخلاف البيع وأما الإجارة
من الشريك فعن أبي حنيفة فيه روايتان ولئن سلمنا على الرواية المشهورة فلان المعقود عليه هناك مقدور
الاستيفاء بدون المهاياة لان منفعة كل الدار تحدث على ملك المستأجر لكن بسببين مختلفين بعضها بسبب
الملك وبعضها بسبب الإجارة وكذا الشيوع الطارئ فيه روايتان عن أبي حنيفة في رواية تفسد الإجارة كالمقارن
187

وفى رواية لا تفسد وهي الرواية المشهورة عنه ووجهها أن عدم الشيوع عنده شرط جواز هذا العقد
وليس كل ما يشترط لابتداء العقد يشترط لبقائه كالخلو عن العدة فان العدة تمنع ابتداء العقد ولا تمنع البقاء كذا هذا
وسواء كانت الدار كلها لرجل فأجر نصفها من رجل أو كانت بين اثنين فاجر أحدهما نصيبه من رجل كذا ذكر
الكرخي في جامعه نصا عن أبي حنيفة أن الإجارة لا تجوز في الوجهين جميعا ذكرنا أبو طاهر الدباس أن إجارة المشاع إنما
لا تجوز عند أبي حنيفة إذا أجر الرجل بعض ملكه فاما إذا أجر أحد الشريكين نصيبه فالعقد جائز بلا خلاف لان
في الصورة الأولى تقع المهايأة بين المستأجر وبين المؤاجر فتكون الدار في يد المستأجر مدة وفى يدا المؤاجر مدة ولا يجوز
أن يستحق المؤاجر الاجر مع كون الدار في يده والمهايأة في الصورة الثانية إنما تقع بين المستأجر وبين غير المؤاجر وهذا
لا يمنع استحقاق الاجر لجواز أن تكون الدار في يد غير المستأجر وأجرتها عليه كما لو أعارها ثم أجرها والصحيح
ما ذكره الكرخي لان ما ذكرنا من المانع يعم الوجهين جميعا وسواء كان المستأجر محتملا للقسمة أولا لان المانع من
الجواز لا يوجب الفصل بينهما بخلاف الهبة فان المانع ثمة خص المحتمل للقسمة وهو ما ذكرنا في كتاب الهبة ولو آجر
مشاعا يحتمل القسمة فقسم وسلم جاز لان المانع قد زال كما لو باع الجذع في السقف ثم نزع وسلم وكما لو وهب مشاعا
يحتمل القسمة ثم قسم وسلم فان اختصما قبل القسمة فأبطل الحاكم الإجارة ثم الإجارة ثم قسم وسلم بعد ذلك لم يجر العقد لأن العقد
انفسخ من الأصل بابطال الحاكم فلا يحتمل الجواز الا بالاستئناف وبجوز إجارة الاثنين من واحد لان المنافع تدخل
في يد المستأجر جملة واحدة من غير شيوع ويستوفيها من غير مهايأة ولو مات أحد المؤاجرين حتى أنقضت الإجارة في
حصته لا تنقض في حصة الحي وان صارت مشاعة وهو المسمى بالشيوع الطارئ لما ذكرنا وكذا يجوز رهن الاثنين
من واحد وهبة الاثنين من واحد لعدم الشيوع عند القبض وكذا تجوز إجارة الواحد من الاثنين لان المنافع تخرج من
ملك الآجر جملة واحدة من غير شياع ثم ثبت الشياع لضرورة تفرق ملكيهما في المنفعة وانه يوجب قسمة المنفعة بالتهايئ
فينعدم الشيوع ولو مات أحد المستأجرين حتى انتقضت الإجارة في حصته بقيت في حصته الحي كما كانت ويجوز
رهن الواحد من اثنين أيضا لان الرهن شرع وثيقة بالدين فجميع الرهن يكون وثيقة لكل واحد من المرتهنين ألا ترى
انه لو قضى الراهن دين أحدهما لم يكن له أن يأخذ بعض الرهن وأما هبة الواحد من اثنين فإنما لا تجوز عند أبي حنيفة
لان الملك في باب الهبة يقع بالقبض والشيوع ثابت عند القبض وانه يمنع من القبض فيمنع من وقوع الملك على ما نذكر
في كتاب الهبة وان استأجر أرضا فيها زرع للاجر أو شجر أو قصب أو كرم أو ما يمنع من الزراعة لم تجز لأنها مشغولة
بمال المؤاجر فلا يتحقق تسلميه فلا يكون المعقود عليه مقدور الاستيفاء شرعا فلم تجز كما لو اشترى جذعا في سقف
وكذا لو استأجر ارضاها فيها رطبة فالأجرة فاسدة لأنه لا يمكن تسليمها الا بضرر وهو قلع الرطبة فلا يجبر على الاضرار
بنفسه فلم تكن المنفعة مقدورة الاستيفاء شرعا فلم تجز كما لو اشترى جزعا في سقف فان قلع رب الأرض الرطبة فقال
للمستأجر اقبض الأرض فقبضها فهو جائز لان المانع قد زال فصار كشراء الجذع في السقف إذا نزعه البائع وسلمه إلى
المشترى فان اختصما قبل ذلك فأبطل الحاكم الإجارة ثم قلع الرطبة بعد ذلك لم يصح العقد لأن العقد قد بطل بابطال
الحاكم فلا يحتمل العود فان مضى من مدة الإجارة يوم أو يومان قبل أن يختصما ثم قلع الرطبة فالمستأجر بالخيار ان شاء
قبضها على تلك الإجارة وطرح عنه ما لم يقبض وان شاء لم يقبض فرقا بين هذا أو بين الدار إذا سلمها المؤاجر في بعض
المدة ان المستأجر لا يكون له خيار الترك ووجه الفرق أن المقصود من إجارة الأرض الزراعة والزراعة لا تمكن في
جميع الأوقات بل في بعض الأوقات دون بعض وتختلف بالتقديم والتأخير فالمدة المذكورة فيها يقف بعضها على
بعض ويكون الكل كمدة واحدة فإذا مضى بعضها فقد تغير عليه صفة العقد لاختلاف المعقود فكان له الخيار بخلاف
إجارة الدار لان المقصود منها السكنى وسكنى كل يوم لا تعلق له بيوم آخر فلا يقف بعض المدة فيها على بعض فلا
يوجب خللا في المقصود من الباقي فلا يثبت الخار ولو اشترى أطراف رطبة ثم استأجر الأرض لتبقية ذلك لم تجز
188

الإجارة لان أصل الرطبة ملك المؤاجر فكانت الأرض مشغولة بملك المؤاجر واستئجار بقعة مشغولة بمال المؤاجر
لم تصح لان كونها مشغولة بملكه يمنع التسليم فيمنع استيفاء المعقود عليه كاستئجار أرض فيها زرع المؤاجر ولو
اشترى الرطبة بأصلها ليقلعها ثم استأجر الأرض مدة معلومة لتبقيتها جاز لان الأرض ههنا مشغولة بمال المستأجر وذا
لا يمنع الإجارة كما لو استأجر ما هو في يده وكذلك إذا اشترى شجرة فيها ثمر بثمرها على أن يقلعها ثم استأجر
الأرض فبقاءها فيها جاز لما قلنا قال محمد وان استعمار الأرض في ذلك كله فهو جائز لان المالك بالإعارة أباح الانتفاع بملكه
فيجوز وعلى هذا يخرج ما ذكرنا أيضا من استئجار الفحل للانزاء واستئجار الكلب المعلم والبازي المعلم للاصطياد
انه لا يجوز لان المنفعة المطلوبة منه غير مقدورة الاستيفاء إذ لا يمكن اجبار الفحل على الضراب والانزال ولا اجبار
الكلب والبازي على الصيد فلم تكن المنفعة التي هي معقود عليها مقدورة الاستيفاء في حق المستأجر فلم تجز وعلى هذا
يخرج استئجار الانسان للبيع والشراء انه لا يجوز لان البيع والشراء لا يتم بواحد بل بالبائع والمشترى فلا يقدر الأجير
على ايفاء المنفعة بنفسه فلا يقدر المستأجر على الاستيفاء فصار كما لو استأجر رجلا ليحمل خشبه بنفسه وهو
لا يقدر على حمله بنفسه ولو ضرب لذلك مدة بأن أستأجر شهرا ليبيع له ويشترى جاز لما مر وعلى هذا يخرج
الاستئجار على تعليم القرآن والصنائع انه لا يجوز لان الأجير لا يقدر على ايفاء العمل بنفسه فلا يقدر المستأجر على
الاستيفاء وان شئت أفردت لجنس هذه المسائل شرطا فقلت ومنها أن يكون العمل المستأجر له مقدور الاستيفاء
من العامل بنفسه ولا يحتاج فيه إلى غيره وخرجت المسائل عليه والأول أقرب إلى الصناعة فافهم وعلى هذا يخرج
الاستئجار على المعاصي انه لا يصح لأنه استئجار على منفعة غير مقدورة الاستيفاء شرعا كاستئجار الانسان للعب
واللهو وكاستئجار المغنية والنائحة للغناء والنوح بخلاف الاستئجار لكتابة الغناء والنوح انه جائز لان الممنوع
عنه نفس الغناء النوح لا كتابتهما وكذا لو استأجر رجلا ليقتل له رجلا أو ليسجنه أو ليضربه ظلما وكذا كل إجارة
وقعت لمظلمة لأنه استئجار لفعل المعصية فلا يكون المعقود عليه مقدور الاستيفاء شرعا فإن كان ذلك بحق بان
استأجر انسانا لقطع عضو جاز لأنه مقدور الاستيفاء لان محله معلوم فيمكنه ان يضع السكين عليه فيقطعه وان
استأجره لقصاص في النفس لم يجز عند أبي حنيفة وأبى يوسف وتجوز عند محمد هو يقول استيفاء القصاص
بطريق مشروع هو حز الرقبة والرقبة معلومة فكان المعقود عليه مقدور الاستيفاء فأشبه الاستئجار لذبح الشاة
وقطع اليد وهما يقولان ان القتل بضرب العنق يقع على سبيل التجافي عن المضروب فربما يصيب العنق وربما
يعدل عنه إلى غيره فان أصاب كان مشروعا وان عدل كان محظورا لأنه يكون مثلة وانها غير مشروعة بخلاف الاستئجار
على تشقيق الحطب لأنه وإن كان ذلك يقع على سبيل التجافي فكله مباح وههنا بخلافه فلم يكن هذا النوع من
المنفعة مقدور الاستيفاء وليس كذلك القطع والذبح لان القطع يقع بوضع السكين على موضع معلوم من اليد وهو
المفصل وامراره عليه وكذلك الذبح فهو الفرق ولو استأجر ذمي من مسلم بيعة ليصلى فيها لم يجز لأنه استئجار
لفعل المعصية وكذا لو استأجر ذمي من ذمي لما قلنا ولو استأجر الذمي دارا من ملسم أراد أن يصلى فيها من غير
جماعة أو يتخذها مصلى للعامة فقد ذكرنا حكمه فيما تقدم ولو استأجر ذمي مسلما ليخدمه ذكر في الأصل انه
يجوز وأكره للمسلم خدمة الذمي أما الكراهة فلان الاستخدام استذلال فكان إجارة المسلم
نفسه منه اذلالا لنفسه وليس للمسلم ان يذل نفسه خصوصا بخدمة الكافر وأما الجواز فلانه
عقد معاوضة فيجوز كالبيع وقال أبو حنيفة اكره ان يستأجر الرجل امرأة حرة يستخدمها ويخلو
بها وكذلك الأمة وهو قول أبى يوسف ومحمد أما الخلوة فلان الخلوة بالمرأة الأجنبية معصية وأما الاستخدام
فلانه لا يؤمن معه الاطلاع عليها والوقوع في المعصية ويجوز الاستئجار لنقل الميتات والجيف والنجاسات
لان فيه رفع أذيتها عن الناس فلو لم تجز لتضرر بها الناس وقال ابن رستم عن محمد أنه قال لا بأس بأجرة الكناس
189

أرأيت لو استأجره ليخرج له حمارا ميتا أما يجوز ذلك ويجوز الاستئجار على نقل الميت الكافر إلى المقبرة لأنه
جيفة فيدفع أذيتها عن الناس كسائر الأنجاس وأما الاستئجار على نقله من بلد إلى بلد فقد قال محمد ابتلينا بمسألة
ميت مات من المشركين فاستأجروا له من يحمله إلى موضع فيدفنه في غير الموضع الذي مات فيه أراد بذلك إذا
استأجروا له من ينقله من بلد إلى بلد فقال أبو يوسف لا أجر له وقلت أنا إن كان الحمال الذي حمله يعلم أنه جيفة فلا
أجر له وان لم يعلم فله الاجر وجه قول محمد ان الأجير إذا علم أنه جيفة فقد نقل ما لا يجوز له نقله فلا يستحق الاجر وإذا
لم يعلم فقد غروه بالتسمية والغرور يوجب الضمان ولأبي يوسف ان الأصل أن لا يجوز نقل الجيفة وإنما رخص في
نقلها للضرورة وهي ضرورة رفع أذيتها ولا ضرورة في النقل من بلد إلى بلد فبقي على أصل الحرمة كنقل الميتة من بلد
إلى بدل ومن استأجر حملا يحمل له الخمر فله الاجر في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا أجر له كذا ذكر في
الأصل وذكر في الجامع الصغير أنه يطيب له الاجر في قول أبي حنيفة وعندهما يكره لهما أن هذه إجارة على المعصية
لان حمل الخمر معصية لكونه إعانة على المعصية وقد قال الله عز وجل ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ولهذا لعن الله تعالى
عشرة منهم حاملها والمحمول إليه ولأبي حنيفة ان نفس الحمل ليس بمعصية بدليل ان حملها للاراقة أو التخليل مباح وكذا
ليس بسبب للمعصية وهو الشرب لان ذلك يحصل بفعل فاعل مختار وليس الحمل من ضرورات الشرب فكانت
سببا محضا فلا حكم له كعصر العنب وقطفه والحديث محمول على الحمل بنية الشرب وبه نقول إن ذلك معصية ويكره
أكل أجرته ولا تجوز إجارة الإماء للزنا لأنها إجارة على المعصية وقيل فيه نزل قوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء
ان أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا وروى عن رسول الله صلى الله وعليه وسلم انه نهى عن مهر البغي وهو أجر
الزانية على الزنا وتجوز الإجارة للحجامة وأخذ الأجرة عليها لان الحجامة أمر مباح وما ورد من النهى عن كسب الحجام
في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من السحت عسب التيس وكسب الحجام فهو محمول على
الكراهة لدناءة الفعل والدليل عليه ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال ذلك أتاه رجل من الأنصار فقال إن
لي حجاما وناضحا فأعلف ناضحي من كسبه قال صلى الله عليه وسلم نعم وروى أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى
الحجام دينارا ولا يجوز استئجار الرجل أباه ليخدمه لأنه مأمور بتعظيم أبيه وفى الاستخدام استخفاف به فكان
حراما فكان هذا استئجارا على المعصية وسواء كان الأب حرا أو عبدا استأجره ابنه من مولاه ليخدمه لأنه لا يجوز
استئجار الأب حرا كان أو عبدا وسواء كان الأب مسلما أو ذميا لان تعظيم الأب واجب وان اختلف الدين قال
الله تعالى وصاحبهما في الدنيا معروفا وهذا في الأبوين الكافرين لأنه معطوف على قوله عز وجل وان جاهداك على
أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمها وان شئت أفردت لجنس هذه المسائل شرطا وخرجتها عليه فقلت ومنها
أن تكون المنفعة مباحة الاستيفاء فإن كانت محظورة الاستيفاء لم تجز الإجارة لكن في هذا شبهة التداخل في
الشروط والصناعة تمنع من ذلك وعلى هذا يخرج ما إذا استأجر رجلا على العمل في شئ هو فيه شريكه نحو ما إذا كان
بين اثنين طعام فاستأجر أحدهما صاحبه على أن يحمل نصيبه إلى مكان معلوم والطعام غير مقسوم فحمل الطعام كله أو
استأجر غلام صاحبه أو دابة صاحبه على ذلك أنه لا تجوز هذه الإجارة عند أصحابنا وإذا حمل لا اجر له وعند الشافعي
هذه الإجارة جائزة وله الاجر إذا حمل وجه قوله إن الاجر تابع نصف منفعة الحمل الشائعة من شريكه لان الإجارة
بيع المنفعة فتصح في الشائع كبيع العين وهذا لان عمله وهو الحمل وان صادف محلا مشتركا وهو لا يستحق الأجرة
بالعمل في نصيب نفسه فيستحقها بالعمل فنصيب شريكه ولنا انه اجر ما لا يقدر على ايفائه لتعذر تسليم الشائع بنفسه
فلم يكن المقدور عليه مقدور والاستيفاء وإنما لا يجب الاجر أصلا لأنه لا يتصور استيفاء المعقود عليه إذ لا يتصور حمل
نصف الطعام تبايعا ووجوب أجر المثل يقف على استيفاء المعقود عليه ولم يوجد فلا يجب بخلاف ما إذا استأجر من
رجل بيتا له ليضع فيه طعاما مشتركا بينهما أو سفينة أو جوالقا ان الإجارة جائزة لان التسليم ثمة يتحقق بدون الوضع
190

بدليل انه لو سلم السفينة والبيت والجوالق ولم يضع وجب الاجر وههنا لا يتحقق بدون العمل وهو الحمل والمشاع غير مقدور الحمل بنفسه وذكر ابن سماعة عن محمد في طعام بين رجلين ولأحدهما سفينة وأراد أن يخرجا الطعام من بلدهما
إلى بلد آخر فاستأجر أحدهما نصف السفينة من صاحبه أو أرادا أن يطحنا الطعام فاستأجر أحدهما نصف الرحى
الذي لشريكه أو استأجر انصاف جوالقه ليحمل عليه الطعام إلى مكة فهو جائز هذا على قول من يجيز إجارة المشاع
والأصل فيه أن كل موضع لا يستحق فيه الأجرة الا بالعمل لا تجوز الإجارة فيه على العمل في الحمل مشتركة وما
يستحق فيه الأجرة من غير عمل تجوز الإجارة فيه لوضع العين المشتركة في المستأجر وفقه هذا الأصل ما ذكرنا ان
ما لا تجب الأجرة فيه الا بالعمل فلابد من امكان ايفاء العمل ولا تمكين من العين المشتركة فلا يكون المعقود عليه
مقدور التسليم فلا يكون مقدور الاستيفاء فلم تجز الإجارة وما لا يقف وجوب الأجرة فيه على العمل كان المعقود عليه
مقدور التسليم والاستيفاء بدونه فتجوز الإجارة وعلى هذا يخرج ما إذا استأجر رجلا على أن يحمل له طعاما بعينه
إلى مكان مخصوص بقفيز منه أو استأجر غلامه أو دابته على ذلك أنه لا يصح لأنه لو صح لبطل من يحث صح لان
الأجير يصير شريكا بأول جزء من العمل وهو الحمل فكان عمله بعد ذلك لا يجوز لما بينا وإذا
حمل فله أجر مثله لأنه استوفى المنافع بعقد فاسد فيجب أجر المثل ولا يتجاوز به قفيزا لان الواجب في الإجارة
الفاسدة الأقل من المسمى ومن أجر المثل لما نذكر في بيان حكم الإجارة الفاسدة إن شاء الله تعالى ومنها أن لا يكون
العمل المستأجر له فرضا ولا واجبا على الأجير قبل الإجارة فإن كان فرضا أو واجبا عليه قبل الإجارة لم تصح الإجارة
لان من أتى بعمل يستحق عليه لا يستحق الأجرة كمن قضى دينا عليه ولهذا قلنا إن الثواب على العبادات والقرب
والطاعات افضال من الله سبحانه غير مستحق عليه لان وجوبها على العبد بحق العبودية لان خدمة المولى على
العبد مستحقة ولحق الشكر للنعم السابقة لان شكر النعمة واجب عقلا وشرعا ومن قضى حقا مستحقا عليه لغيره
لا يستحق قبله الاجر كمن قضى دينا عليه في الشاهد وعلى هذا يخرج الاستئجار على الصوم الصلاة والحج انه
لا يصح لأنها من فروض الأعيان ولا يصح الاستئجار على تعليم العلم لأنه فرض عين ولا على تعليم القرآن عندنا
وقال الشافعي الإجارة على تعليم القرآن جائزة لأنه استئجار لعمل معلوم ببدل معلوم فيجوز ولنا انه استئجار لعمل
مفروض فلا يجوز كالاستئجار للصوم والصلاة ولأنه غير مقدور الاستيفاء في حق الأجير لتعلقه بالمتعلم فأشبه
الاستئجار لحمل خشبة لا يقدر على حملها بنفسه وقد ورى أن أبي بن كعب رضي الله عنه أقرأ رجلا فأعطاه قوسا
فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم أتحب أن يقوسك الله بقوس من نار قال لا فقال صلى
الله عليه وسلم فرده ولا على الجهاد لأنه فرض عين عند عموم النفير وفرض كفاية في غير تلك الحال وإذا شهد
الوقعة فتعين عليه فيقع عن نفسه وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مثل من يغزوا في أمتي ويأخذ الجعل
عليه كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ عليه اجرا ولا على الأذان والإقامة والإمامة لأنها واجبة وقد روى عن
عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه قال آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصلى بالقوم صلاة أضعفهم
وان اتخذ مؤذنا لا يأخذ على الاذان اجرا ولان الاستئجار على الأذان والإقامة والإمامة وتعليم القرآن والعلم
سبب لتنفير الناس عن الصلاة بالجماعة وعن تعليم القرآن والعمل لان ثقل الاجر يمنعهم عن ذلك والى هذا أشار الرب
جل شأنه في قوله عز وجل أم تسألهم اجرا فهم من مغرم مثقلون فيؤدى إلى الرغبة عن هذه الطاعات وهذا لا يجوز
وقال تعالى وما تسألهم عليه من أجر أي على ما تبلغ إليهم أجرا وهو كان صلى الله عليه وسلم يبلغ بنفسه وبغيره بقوله
صلى الله عليه وسلم الا فليبلغ الشاهد الغائب فكان كل معلم مبلغا فإذا لم يجز له أخذ الأجر على ما يبلغ بنفسه لما قلنا
فكذا لمن يبلغ بأمره لان ذلك تبليغ منه معنى ويجوز الاستئجار على تعليم اللغة والأدب لأنه ليس بفرض
ولا واجب وكذا يجوز الاستئجار على بناء المساجد والرباطات والقناطر لما قلنا ولا يجوز الاستئجار على غسل
191

الميت ذكره في الفتاوى لأنه واجب ويجوز على حقر القبور وأما على حمل الجنازة فذكر في بعض الفتاوى انه جائز
على الاطلاق وفى بعضها انه إن كان يوجد غيرهم يجوز وإن كان لا يوجد غيرهم لا يجوز لان الحمل عليهم واجب وعلى
هذا يخرج ما إذا استأجر الرجل ابنه وهو حر بالغ ليخدمه انه لا يجوز لان خدمة الأب الحر واجبة على الابن الحر
فإن كان الولد عبدا والأب حر فاستأجر ابنه من مولاه جاز لأنه إذا كان عبدا لا يجب عليه خدمة الأب وكذلك
إن كان الابن مكاتبا لأنه لا يلزمه خدمة أبيه فكان كالأجنبي ولو استأجر امرأته لتخدمه كل شهر بأجر مسمى لم يجز
لان خدمة البيت عليها فيما بينها وبين الله تعالى لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم الاعمال بين على وفاطمة
رضي الله عنهما فجعل ما كان داخل البيت على فاطمة رضي الله عنها وما كان خارج البيت على علي رضي الله عنه فكان
هذا استئجارا على عمل واجب فلم يجز ولأنها تنتفع بخدمة البيت والاستئجار على عمل ينتفع به الأجير غير جائز ولا
يجوز استئجار الزوجة على رضاع ولده منها لان ذلك استئجار على خدمة الولد وإنما اللبن يدخل فيه تبعا على ما ذكرنا
فكان الاستئجار على امر عليها فيما بينها وبين الله تعالى ولان الزوجة مستحقة للنفقة على زوجها وأجرة الرضاع
تجرى مجرى النفقة فلا تستحق نفقتين على زوجها حتى لو كان للولد مال فاستأجرها لارضاع ولدها منه من مال
الولد جاز كذا روى ابن رستم عن محمد لأنه لا نفقة لها على الولد فلا يكون فيه استحقاق نفقتين ولو استأجر لولده
من ذوات الرحم المحرم اللاتي لهن حضانته جاز لأنه ليس عليهن خدمة البيت ولا نفقة لهن على ابن الولد ويجوز
استئجار الزوجة لترضع ولده من غيرها لأنه ليس عليها خدمة ولد غيرها ولو استأجر على ارضاع ولده خادم أمه فخادمها
بمنزلتها فما جاز فيها جاز في خادمها وما لم يجز فيها لم يجز في خادمها لأنها هي المستحقة لمنفعة خادمها فصار كنفقتها
وكذا مدبرتها لأنها تملك منافها فان استأجر مكاتبتها جاز لأنها لا تملك منافع المكاتبة فكانت كالأجنبية ولو
استأجرت المرأة زوجها ليخدمها في البيت باجر مسمى فهو جائز لان خدمة البيت غير واجبة على الزوج فكان
هذا استئجارا على أمر غير واجب على الأجير وكذا لو استأجرته لرعى غنمها لان رعى الغنم لا يجب على الزوج
وان شئت عبرت عن هذا الشرط فقلت ومنها ان لا ينتفع الأجير بعمله فإن كان ينتفع به لم يجز لأنه حينئذ
يكون عاملا لنفسه فلا يستحق الاجر ولهذا قلنا إن الثواب على الطاعات من طريق الافضال لا الاستحقاق
لان العبد فيما يعمله من القربات الطاعات عامل لنفسه قال سبحانه وتعالى من عمل صالحا فلنفسه ومن عمل لنفسه
لا يستحق الاجر على غيره وعلى هذه العبارة أيضا يخرج الاستئجار على الطاعات فرضا كانت أو واجبة أو تطوعا
لان الثوب موعود للمطيع على الطاعة فينتفع الأجير بعمله فلا يستحق الاجر وعلى هذا يخرج ما إذا
استأجر رجلا ليطحن له قفيزا من حنطة بربع من دقيقها أو ليعصر له قفيزا من سمسم بجزء معلوم من دهنه انه
لا يجوز لان الأجير ينتفع بعلمه من الطحن والعصر فيكون عاملا لنفسه وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم انه نهى عن قفيز الطحان ولو دفع إلى حائك غزلا لينسجه بالنصف فالإجارة فاسدة لان الحائك ينتفع بعمله
وهو الحياكة وكذا هو في معنى قفيز الطحان فكان الاستئجار عليه منهيا وإذا حاكه فللحائك أجر مثل عمله
لاستيفائه المنفعة بأجرة فاسدة وبعض مشايخنا ببلخ جوز هذه الإجارة وهو محمد بن سلمة ونصر بن يحيى ومنها
أن تكون المنفعة مقصودة يعتاد استيفاؤها بعقد الإجارة ويجرى بها التعامل بين الناس لأنه عقد شرع بخلاف
القياس لحاجة الناس ولا حاجة فيما لا تعامل فيه للناس فلا يجوز استئجار الأشجار لتجفيف الثياب عليها
والاستظلال بها لأن هذه منفعة غير مقصودة من الشجر ولو اشترى ثمرة شجرة ثم استأجر الشجرة لتبقية ذلك
فيه لم يجز لأنه لا يقصد من الشجر هذا النوع من المنفعة وهو تبقية الثمر عليها فلم تكن منفعة مقصودة عادة وكذا
لو استأجر الأرض التي فيها ذلك الشجر يصير مستأجرا باستئجار الأرض ولا يجوز استئجار الشجر وقال أبو
يوسف إذا استأجر ثيابا ليبسطها ببيت ليزين بها ولا يجلس عليها فالإجارة فاسدة لان بسط الثياب من غير استعمال
192

ليس منفعة مقصودة عادة وقال عمرو عن محمد في رجل استأجر دابة ليجنبها يتزين بها فلا أجر عليه لان قود الدابة
للتزين ليس بمنفعة مقصودة ولا يجوز استئجار الدراهم والدنانير ليزين الحانوت ولا استئجار المسك والعود وغيرهما
من المشمومات للشم لأنه ليس بمنفعة مقصودة الا ترى انه لا يعتاد استيفاؤها بعقد الإجارة والله عز وجل الموفق وأما
الذي يرجع إلى محل المعقود عليه فهو أن يكون مقبوض المؤاجر إذا كان منقولا فإن لم يكن في قبضه فلا تصح
اجارته لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض والإجارة نوع بيع فتدخل تحت النهى ولان فيه غرر
انفساخ العقد لاحتمال هلاك المبيع قبل القبض فينفسخ البيع فلا تصح الإجارة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن بيع فيه غرر وان لم يكن منقولا فهو على الاختلاف المعروف في بيع العين انها تجوز عند أبي حنيفة وأبى
ويوسف ولا تجوز عند محمد وقيل في الإجارة لا تجوز بالاجماع وأما الذي يرجع إلى ما يقابل المعقود عليه وهو الأجرة
والأجرة في الإجارات معتبرة بالثمن في البياعات لان كل واحد من العقدين معاوضة المال بالمال فما يصلح ثمنا في
البياعات يصلح اجرة في الإجارات ومالا فلا وهو أن تكون الأجرة مالا متقوما معلوما وغير ذلك مما ذكرناه في كتاب
البيوع والأصل في شرط العلم بالأجرة قول النبي صلى الله عليه وسلم من استأجر أجيرا فليعلمه أجره والعلم بالأجرة
لا يحصل الا بالإشارة والتعيين أو بالبيان وجملة الكلام فيه أن الاجر لا يخلو اما إن كان شيئا بعينه واما إن كان بغير
عينه فإن كان بعينه فإنه يصير معلوما بالإشارة ولا يحتاج فيه إلى ذكر الجنس والصفة والنوع والقدر سواء كان مما
يتعين بالتعيين أو مما لا يتعين كالدراهم وبالدنانير ويكون تعيينها كناية عن ذكر الجنس والصفة والنوع والقدر على
أصل أصحابنا لان المشار إليه إذا كان مما له حمل ومؤنة يحتاج إلى بيان مكان الايفاء عند أبي حنيفة وإن كان بغير عينه
فإن كان مما يثبت دينا في الذمة في المعاوضات المطلقة كالدراهم والدنانير والمكيلات والموزونات والمعدودات
المتقاربة والثياب لا يصير معلوما الا ببيان الجنس والنوع من ذلك الجنس والصفة والقدر الا أن في الدراهم والدنانير
إذا لم يكن في البلد الا نقد واحد لا يحتاج فيها إلى ذكر النوع والوزن ويكتفى بذكر الجنس ويقع على نقد البلد ووزن
البلد وإن كان في البلد نقود مختلفة يقع على النقد الغالب وإن كان فيه نقود غالبة لابد من البيان فإن لم يبن فسد العقد
ولابد من بيان مكان الايفاء فيما له حمل ومؤنة في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا يشترط ذلك ويتعين
مكان العقد للايفاء وقد ذكرنا المسألة في كتاب البيوع وهل يشترط الأجل ففي المكيلات والموزونات
والعدديات المتقاربة لا يشترط لأن هذه الأشياء كما تثبت دينا في الذمة مؤجلا بطريق السلم تثبت دينا في الذمة
مطلقا لا بطريق السلم بل بطريق الفرض فكان لثبوتها أجلان فان ذكر الأجل جاز وثبت الاجر كالسلم وان لم
يذكر جاز كالفرض وأما في الثياب فلابد من الأجل لأنها لا تثبت دينا في الذمة الا مؤجلا فكان لثبوتها أجل واحد
وهو السلم فلابد فيها من الأجل كالسلم وإن كان مما لا يثبت دينا في الذمة في عقود المعاوضات المطلقات كالحيوان
فإنه لا يصير معلوما بذكر الجنس والنوع والصفة والقدر ألا ترى أنه لا يصلح ثمنا في البياعات فلا يصلح أجرة في
الإجارات وحكم التصرف في الأجرة قبل القبض إذا وجبت في الذمة حكم التصرف في الثمن قبل القبض إذا كان
دينا وقد بينا ذلك في كتاب البيوع وإذا لم يجب بأن لم يشترط فيها التعجيل فحكم التصرف فيها نذكره في بيان حكم
الإجارة إن شاء الله عز وجل وما كان منها عينا مشارا إليها فحكمه حكم الثمن إذا كان عينا حتى لو كان منقولا لا يجوز
التصرف فيه قبل القبض وإن كان عقارا فعلى الاختلاف المعروف في كتاب البيوع انه يجوز عند أبي حنيفة وأبى
يوسف وعند محمد لا يجوز وهي من مسائل البيوع ولو استأجر عبدا بأجر معلوم وبطعامه أو استأجر دابة بأجر
معلوم وبعلفها لم يجز لان الطعام أو العلف يصير أجرة وهو مجهول فكانت الأجرة مجهولة القياس في استئجار الظئر
بطعامها وكسوتها انه لا يجوز وهو قول أبى يوسف ومحمد لجهالة الأجرة وهي الطعام والكسوة الا أن أبا حنيفة
استحسن الجواز بالنص وهو قوله عز وجل وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف من غير فصل بين ما إذا كانت
193

الوالدة منكوحة أو مطلقة وقوله عز وجل وعلى الوارث مثل ذلك أي الرزق والكسوة وذلك يكون بعد موت
المولود وقوله تعالى وان أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف نفى الله سبحانه
وتعالى الجناح عن الاسترضاع مطلقا وقولهما الأجرة مجهولة مسلم لكن الجهالة لا تمنع صحة العقد لعينها بل لافضائها
إلى المنازعة وجهالة الأجرة في هذا الباب لا تفضى إلى المنازعة لان العادة جرت بالمسامحة مع الاظار والتوسيع
عليهن شفقة على الأولاد فأشبهت جهالة القفيز من الصبرة ولو استأجر دارا بأجرة معلومة وشرط الاجر تطيين
الدار ومرمتها أو تعليق باب عليها أو ادخال جذع في سقفها على المستأجر فالإجارة فاسدة لان المشروط يصير أجرة
وهو مجهول فتصير الأجرة مجهولة وكذا إذا آجر أرضا وشرط كرى نهرها أو حفر بئرها أو ضرب مسناة عليها لان
ذلك كله على المؤاجر فإذا شرط على المستأجر فقد جعله اجرة وهو مجهول فصارت الأجرة مجهولة ومنها أن
لا تكون الأجرة منفعة هي من جنس المعقود عليه كإجارة السكنى والخدمة بالخدمة والركوب
بالركوب والزراعة بالزراعة حتى لا يجوز شئ من ذلك عندنا وعند الشافعي ليس بشرط وتجوز هذه الإجارة وإن كان
ت الأجرة من خلاف الجنس جاز كإجارة السكنى بالخدمة والخدمة بالركوب ونحو ذلك الكلام فيه فرع
في كيفية انعقاد هذا العقد فعندنا ينعقد شيئا فشيئا على حسب حدوث المنفعة فلم تكن كل واحدة من المنفعتين معينة
بل هي معدومة وقت العقد فيتأخر قبض أحد المستأجرين فيتحقق بالنساء والجنس بانفراده يحرم النساء عندنا
كاسلام الهروي في الهروي والى هذا أشار محمد فيما حكى ان ابن سماعة كتب يسأله عن هذه المسألة أنه كتب إليه في
الجواب انك أطلت الفكرة فأصابتك الحيرة وجالست الجبائي فكانت منك زلة أما علمت أن بيع السكنى بالسكنى
كبيع الهروي بالهروي بخلاف ما إذا اختلف جنس المنفعة لان الربا لا يتحقق في جنسين وعند الشافعي منافع
المدة تجعل موجودة وقت العقد كأنها أعيان قائمة فلا يتحقق معنى النسبة ولو تحقق فالجنس بانفراده لا يحرم النساء
عنده وتعليل من علل في هذه المسألة ان هذا في معنى بيع الدين بالدين لان المنفعتين معدومتان وقت العقد فكان بيع
الكالئ بالكالئ غير سديد لان الدين اسم لموجود في الذمة أخر بالأجل المضروب بتغيير مقتضى مطلق العقد فأما
ما لا وجود له وتأخر وجوده إلى وقت فلا يسمى دينا وحقيقة الفقه في المسألة ما ذكره الشيخ أبو منصور الماتريدي
هي ان الإجارة عقد شرع بخلاف القياس لحاجة الناس ولا حاجة تقع عند اتحاد الجنس فبقي على أصل القياس
والحاجة تتحقق عند اختلاف الجنس فيجوز ويستوى في ذلك العبد والأمة حتى لو استأجر عبدا يخدمه شهرا
بخدمة أمة كان فاسدا لاتحاد جنس المنفعة ثم في إجارة الخدمة بالخدمة إذا خدم أحدهما ولم يخدم الآخر روى
عن أبي يوسف انه لا أجرة عليه وذكر الكرخي وقال الظاهر أن له أجر المثل وجه رواية أبى يوسف انه لما قابل
المنفعة بجنسها ولم تصح هذه المقابلة فقد جعل بإزاء المنفعة ما لا قيمة له فكان راضيا ببذل المنفعة بلا بدل وجه ما ذكره
الكرخي انه استوفى المنافع بعقد فاسد والمنافع تتقوم بالعقد الصحيح والفاسد بما نذكر تحقيقه انها تقوم بالعقد الفاسد
الذي لم يذكر فيه بدل رأسا بأن استأجر ولم يسم عوضا أصلا فإذا سمى العوض وهو المنفعة أولى وقالوا في عبد
مشترك تهايأ الشريكان فيه فخدم أحدهما يوما ولم يخدم الآخر انه لا أجر له لان هذا ليس بمبادلة بل هو افراز ويجوز
استئجار العبدين لعملين مختلفين كالخياطة والصياغة لان الجنس قد اختلف وذكر الكرخي في الجامع إذا كان
عبد بين اثنين أجر أحدهما نصيبه من صاحبه يخيط معه شهرا على أن يصوغ نصيبه معه في الشهر الداخل ان هذا
لا يجوز في العبد الواحد وان اختلف العمل وإنما يجوز في العملين المختلفين إذا كانا في عبدين لان هذا مهايأة منهما
لأنهما فعلا ما يستحق عليهما من غير إجارة والمهايأة من شرط جوازها أن تقع على المنافع المطلقة فاما أن يعين أحد
الشريكين على الآخر المنفعة فلا يجوز والله عز وجل أعلم وأما الذي يرجع إلى ركن العقد فخلوه عن شرط لا يقتضيه
العقد ولا يلائمه حتى لو أجره داره على أن يسكنها شهرا ثم يسلمها إلى المستأجر أو أرضا على أن يزرعها ثم يسلمها
194

إلى المستأجر أو دابة على أن يركبها شهرا أو ثوبا على أن يلبسه شهرا ثم يسلمه إلى المستأجر فالإجارة فاسدة لان هذا
شرط لا يقتضيه العقد وانه شرط لا يلائم العقد وزيادة منفعة مشروطة في العقد لا يقابلها عوض في معاوضة المال
بالمال يكون ربا أو فيها شبهة الربا وكل ذلك مفسد للعقد وعلى هذا يخرج أيضا شرط تطيين الدار واصلاح
ميزابها وما وهي منها واصلاح بئر الماء والبالوعة والمخرج وكرى الأنهار وفي إجارة الأرض وطعام العبد وعلف
الدابة في إجارة العبد والدابة ونحو ذلك لان ذلك كله شرط يخالف مقتضى العقد ولا يلائمه وفيه منفعة لاحد
العاقدين وذكر في الأصل إذا استأجر دارا مدة معلومة بأجرة مسماة على أن لا يسكنها فالإجارة فاسدة ولا أجرة
على المستأجر إذا لم يسكنها وان سكنها فعليه أجر مثلها لا ينقص ما سمى أما فساد العقد فظاهر لان شرطه أن
لا يسكن نفى موجب العقد وهو الانتفاع بالمعقود عليه وانه شرط يخالف مقتضى العقد ولا يلائم العقد فكان
شرطا فاسدا وأما عدم وجوب الاجر رأسا أن لم يسكن ووجوب أجر المثل ان سكن فظاهر أيضا لان أجر المثل
في الإجارات الفاسدة إنما يجب باستيفاء المعقود عليه لا بنفس التسليم وهو التخلية كما في النكاح الفاسد لان
التخلية هي التمكين ولا يتحقق مع الفساد لوجود المنع من الانتفاع به شرعا فأشبه المنع الحسى من العباد وهو الغصب
بخلاف الإجارة الصحيحة لأنه لا منع هناك فتحقق التسليم فلئن لم ينتفع به المستأجر فقد أسقط حق نفسه في المنفعة
فلا يسقط حق الاجر في الأجرة وإذا سكن فقد استوفى المعقود عليه بعقد فاسد وانه يوجب أجر المثل وأما
قوله لا ينتقص من المسمى ففيه اشكال لأنه قد صح من مذهب أصحابنا الثلاثة ان الواجب في الإجارة الفاسدة
بعد استيفاء المعقود عليه الأقل من المسمى ومن أجر المثل إذا كان الاجر مسمى وقد قال في هذه المسألة انه
لا ينقص من المسمى من المشايخ من قال المسألة مؤولة تأويلها انه لا ينقص من المسمى إذا كان أجر المثل
والمسمى واحد أو منهم من أجرى الرواية على الظاهر فقال إن العاقدين لم يجعلا المسمى بمقابلة المنافع حيث شرط
المستأجر أن لا يسكن ولا بمقابلة التسليم لما ذكرنا انه لا يتحقق مع فساد العقد فإذا سكن فقد استوفى منافع ليس
في مقابلتها بدل فيجب أجر المثل بالغا ما بلغ كما إذا لم يذكر في العقد تسمية أصلا الا أنه قال لا ينقص من المسمى لان
المستأجر رضى بالمسمى بدون الانتفاع فعند الانتفاع أولى ولو آجر ه داره أو أرضه أو عبده أو دابته وشرط تسليم
المستأجر جاز لان التسليم المستأجر من مقتضيات العقد ألا ترى انه يثبت بدون الشرط فكان هذا شرطا مقررا
مقتضى العقد لا مخالفا له فصار كما لو أجره على أن يملك المستأجر منفعة المستأجر ولو آجر بشرط تعجيل الأجرة أو
شرط على المستأجر أن يعطيه بالأجرة رهنا أو كفيلا جاز إذا كان الرهن معلوما والكفيل حاضرا لان هذا شرط يلائم
العقد وإن كان لا يقتضيه كما ذكرنا في البيوع فيجوز كما في بيع العين وأما شرط للزوم فنوعان نوع هو شرط
انعقاد العقد لازما من الأصل ونوع هو شرط بقائه على اللزوم أما الأولى فأنواع منها أن يكون العقد صحيحا لأن العقد
الفاسد غير لازم بل هو مستحق النقض والفسخ رفعا للفساد حقا للشرع فضلا عن الجواز ومنها أن لا يكون بالمستأجر
عيب في وقت العقد وقت القبض يخل بالانتفاع به فإن كان لم يلزم العقد حتى قالوا في العبد المستأجر للخدمة إذا ظهر
انه سارق له أن يفسخ الإجارة لان السلامة مشروط دلالة فتكون كالمشروط نصا كما في بيع العين ومنها أن يكون
المستأجر مرئي المستأجر حتى لو استأجر دارا لم يرها ثم رآها فلم يرض بها انه يردها لان الإجارة بيع المنفعة فيثبت
فيها خيار الرؤية كما في بيع العين فان رضى بها بطل خياره كما في بيع العين وأما الثاني فنوعان أحدهما سلامة
المستأجر عن حدوث عيب به يخل بالانتفاع به فان حدث به عيب يخل بالانتفاع به لم يبق العقد لازما حتى لو استأجر
عبدا يخدمه أو دابة يركبها أو دارا يسكنها فمرض العبد أو عرجت الدابة أو انهدم بعض بناء الدار فالمستأجر بالخيار ان
شاء مضى على الإجارة وان شاء فسخ بخلاف البيع إذا حدث بالمبيع عيب بعد القبض انه ليس للمشترى أن يرده
لان الإجارة بيع المنفعة المنافع تحدث شيئا فشيئا فكان كل جزء من أجزاء المنافع معقودا مبتدأ فإذا حدث العيب
195

بالمستأجر كان هذا عيبا حدث بعد العقد قبل القبض وهذا يوجب الخيار في بيع العين كذا في الإجارة فلا فرق
بينهما من حيث المعنى وإذا ثبت الخيار للمستأجر فإن لم يفسخ ومضى على ذلك إلى تمام المدة فعليه كمال الأجرة لأنه
رضى بالمعقود عليه مع العيب فيلزمه جميع البدل كما في بيع العين إذا اطلع المشترى على عيب فرضى به وان زال العيب
قبل أن يفسخ بان صح العبد وزال العرج عن الدابة وبنى المؤاجر ما سقط من الدار بطل خيار المستأجر لان
الموجب للخيار قد زال والعقد قائم فيزول الخيار هذا إذا كان العيب مما يضر بالانتفاع بالمستأجر فإن كان لا يضر
بالانتفاع به بقي العقد لازما ولا خيار للمستأجر كالعبد المستأجر إذا ذهبت احدى عينيه وذلك لا يضر بالخدمة أو
سقط شعره أو سقط من الدار المستأجرة حائط لا ينتقع به في سكناها لأن العقد ورد على المنفعة لا على العين إذا
الإجارة بيع المنفعة لا بيع العين ولا نقصان في المنفعة بل في العين والعين غير معقود عليها في باب الإجارة وتغير عين
المعقود عليه لا يوجب الخيار بخلاف ما إذا كان العيب الحادث مما يضر بالانتفاع لأنه إذا كان يضر بالانتفاع
فالنقصان يرجع إلى المعقود عليه فأوجب الخيار فله أن يفسخ ثم إنما يلي الفسخ إذا كان المؤاجر حاضرا فإن كان غائبا
فحدث بالمستأجر ما يوجب حق الفسخ فليس للمستأجر أن يفسخ لان فسخ العقد لا يجوز الا بحضور العاقدين أو
من يقوم مقامها وقال هشام عن محمد في رجل استأجر أرضا سنة يزرعها شيئا ذكره فزرعها فأصاب الزرع آفة من برد
أو غيره فذهب به وتأخر وقت زراعة ذلك النوع فلا يقدر أن يزرع قال إن أراد أي يزرع شيئا غيره مما ضرره على
الأرض أقل من ضرره أو مثل ضرره فله ذلك والا فسخت عليه الإجارة وألزمته اجر ما مضى لأنه إذا عجز عن زراعة
ذلك النوع كان استيفاء الإجارة اضرار به قال وإذا نقص الماء عن الرحى حتى يطحن أقل من نصف طحنه
فذلك عيب لأنه لا يقدر على استيفاء العقد الا بضرر وهو نقصان الانتفاع ولو انهدمت الدار كلها أو انقطع الماء عن
الرحى أو انقطع الشرب عن الأرض فقد اختلفت إشارة الروايات فيه ذكر في بعضها ما يدل على أن العقد ينفسخ فإنه
ذكر في إجارة الأصل إذا سقطت الدار كلها فله أن يخرج كان صاحب الدار شاهدا أو غائبا فهذا دليل الانفساخ
حيث جوز للمستأجر الخروج من الدار مع غيبة المؤاجر ولو لم تنفسخ توقف جواز الفسخ على حضوره والوجه فيه
أن المنفعة المطلوبة من الدار قد بطلت بالسقوط إذ المطلوب منها الانتفاع بالسكنى وقد بطل ذلك فقد هلك المعقود عليه
فينفسخ العقد وذكر في بعضها ما يدل على أن العقد لا ينفسخ لكن يثبت حق الفسخ فإنه ذكر في كتاب الصلح إذا
صالح على سكنى فانهدمت لم ينفسخ الصلح وروى هشام عن محمد فيمن استأجر بيتا وقبضه ثم انهدم فبناه الآجر
فقال المستأجر بعد ما بناه لا حاجة لي فيه قال محمد ليس للمستأجر ذلك وكذلك لو قال المستأجر آخذه وأبى الآجر
ليس للآجر ذلك وهذا يجرى مجرى النص على أن الإجارة لم تنفسخ ووجهه أن الدار بعد الانهدام بقيت منتفعا بها
منفعة السكنى في الجملة بان يضرب فيها خيمة فلم يفت المعقود عليه رأسا فلا ينفسخ العقد على أنه ان فات كله لكن فات
على وجه يتصور عوده وهذا يكفي لبقاء العقد كمن اشترى عبدا فابق قبل القبض والأصل فيه أن العقد المنعقد بيقين
يبقى لتوهم الفائدة لان الثبت بيقين لا يزال بالشك كما أن غير الثابت بيقين لا يثبت بالشك وذكر القدوري وقال
الصحيح ان العقد ينفسخ لما ذكرنا أن المنفعة المطلوبة من الدار قد بطلت وضرب الخيمة في الدار ليس بمنفعة مطلوبة
من الدار عادة فلا يعتبر بقاؤه لبقاء العقد وقال فيما ذكره محمد في البيت إذا بناه المؤاجر انه لما بناه تبين أن العقد لم
ينفسخ حقيقة وان حكم بفسخه ظاهرا فيجبر على التسليم والقبض وليس يمنع الحكم بانفساخ عقد في الظاهر مع
التوقف في الحقيقة كمن اشترى شاة فماتت في يد البائع فدبغ جلدها انه يحكم ببقاء العقد بعد الحكم بانفساخه ظاهرا
بموت الشاة كذا ههنا وإذا بقي العقد يجبر على التسليم والتسلم وقبل البناء لا يعلم أن العقد لم ينفسخ حقيقة فيجب العمل
بالظاهر وذكر محمد في السفينة إذا نقضت وصارت ألواحا ثم بناها المؤاجر انه لا يجبر على تسليمها إلى المستأجر فقد فرق
بين السفينة وبين البيت ووجه الفرق أن العقد في السفينة قد انفسخ حقيقة لان الأصل فيها الصناعة وهي التركيب
196

والألواح تابعة للصناعة بدليل ان من غصب خشبة فعملها سفينة ملكها فكان تركيب الألواح بمنزلة اتخاذ سفينة
أخرى فلم يجبر على تسليمها إلى المستأجر بخلاف الدار لان عرصة الدار ليست بتابعة للبناء بل العرصة فيها أصل
فإذا بناها فقد بنى تلك الدار بعينها فيجبر على التسليم وقال محمد فيمن استأجر رحى ماء سنة فانقطع الماء بعد ستة
أشهر فامسك الرحى حتى مضت المدة فعليه أجر للستة أشهر الماضية ولا شئ عليه لما بقي لان منفعة الرحى قد بطلت
فانفسخ العقد قال فإن كان البيت ينتفع به لغير الطحن فعليه من الاجر بحصته لأنه بقي شئ من المعقود عليه له حصة
في العقد فإذا استوفى لزمه حصته فان سلم المؤاجر الدار الا بيتا منها ثم منعه رب الدار أو غيره بعد ذلك من البيت فلا
أجر على المستأجر في البيت لأنه استوفى بعض المعقود عليه دون بعض فلا يكون عليه حصة ما لم يستوف وللمستأجر
أن يمتنع من قبول الدار بغير البيت وأن يفسخ الإجارة إذا حدث ذلك بعد قبضه لان الصفقة تفرقت في المعقود عليه
وهو المنافع وتفرق الصفقة يوجب الخيار ولو استأجر دارا أشهرا مسماة فلم تسلم إليه الدار حتى مضى بعض المدة ثم أراد
أن يتسلم الدار فيما بقي من المدة فله ذلك وليس للمستأجر أن يأبى ذلك وذلك لو كان المستأجر طلبها من المؤاجر فمنعه
إياها ثم أراد أن يسلمها فذلك له وليس للمستأجر أن يمتنع لان الخيار إنما يثبت بحدث تفرق الصفقة بعد حصولها
مجتمعة والصفقة ههنا حينما وقعت وقعت متفرقة لان المنافع تحدث شيئا فشيئا فكان كل جزء من المنافع كالمعقود
عليه عقدا مبتدأ فكان أول جزء من المنفعة مملوكا بعقد والثاني مملوكا بعقد آخر وما ملك بعقدين فتعذر التسليم في
أحدهما لا يؤثر في الاخر فان استأجر دارين فسقطت إحداهما أو منعه مانع من إحداهما أو حدث في إحداهما
عيب فله أن يتركهما جميعا لأن العقد وقع عليهما صفقة واحدة وقد تفرقت عليه فيثبت له الخيار والله عز وجل أعلم
والثاني عدم حدوث عذر بأحد العاقدين أو بالمستأجر فان حدث بأحدهما بالمستأجر عذر لا يبقى العقد لازما
وله أن يفسخ وهذا عند أصحابنا وعند الشافعي هذا ليس بشرط بقاء العقد لازما ولقب المسألة ان الإجارة تفسخ
بالاعذار عندنا خلافا له (وجه) قوله إن الإجارة أحد نوعي البيع فيكون لازما كالنوع الآخر وهو بيع الأعيان
والجامع بينهما ان العقد انعقد باتفاقهما فلا ينفسخ الا باتفاقهما ولنا ان الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر لأنه لو لزم العقد
عند تحقق العذر للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد لما نذكر في تفصيل الأعذار الموجبة للفسخ فكان الفسخ في
الحقيقة امتناعا من التزام الضرر وله ولاية ذلك وقد خرج الجواب عن قوله إن هذا بيع لأنا نقول نعم لكنه عجز عن
المضي في موجبه الا بضرر يلحقه لم يلتزمه بالعقد فكان محتملا للفسخ في هذه الحالة كما في بيع العين إذا اطلع المشترى
على عيب بالمبيع وكما لو حدث عيب بالمستأجر وكذا عن قوله العقد انعقد باتفاقهما فلا ينفسخ الا باتفاقهما ان هذا
هكذا إذا لم يعجز عن المضي على موجب العقد الا بضرر غير مستحق بالعقد وقد عجز ههنا فلا يشترط التراضي على
الفسخ كما في بيع العين وحدوث العيب بالمستأجر ثم إنكار الفسخ عند تحقق العذر خروج عن العقل والشرع لأنه
يقتضى ان من اشتكى ضرسه فاستأجر رجلا ليقلعها فسكن الوجع يجبر على القلع ومن وقعت في يده أكلة فاستأجر
رجلا ليقطعها فسكن الوجع ثم رأت يده يجبر على القطع وهذا قبيح عقلا وشرعا وإذا ثبت ان الإجارة تفسخ بالاعذار
فلابد من بيان الاعذار المثبتة للفسخ على التفصيل فنقول وبالله التوفيق ان العذر قد يكون في جانب المستأجر وقد
يكون في جانب المؤاجر وقد يكون في جانب المستأجر أما الذي في جانب المستأجر فنحو أن يفلس فيقوم من
السوق أو يريد سفرا أو ينتقل من الحرفة إلى الزراعة أو من الزراعة إلى التجارة أو ينتقل من حرفة إلى حرفة لان
المفلس لا ينتفع بالحانوت فكان في ابقاء العقد من غير استيفاء المنفعة اضرار به ضررا لم يلتزمه العقد فلا يجبر على عمله
وإذا عزم على السفر ففي ترك السفر مع العزم عليه ضرر به وفى ابقاء العقد مع خروجه إلى السفر ضرر به أيضا لما فيه
من لزوم الأجرة من غير استيفاء المنفعة والانتقال من عمل لا يكون الا للاعراض عن الأول ورغبة عنه فان منعناه
عن الانتقال أضررنا به وان أبقينا العقد بعد الانتقال لألزمناه الأجرة من غير استيفاء المنفعة وفيه ضرر به ولو أراد
197

أن ينتقل من حانوت إلى حانوت ليعمل ذلك العمل بعينه في الثاني لما ان الثاني أرخص وأوسع عليه لم يكن ذلك عذرا
لأنه يمكنه استيفاء المنفعة من الأول من غير ضرر وإنما بطلت زيادة المنفعة وقد رضى بالقدر الموجود منها في الأول وعلى
هذا إذا استأجر رجلا لما لا يصل إلى الانتفاع به من غير ضرر يدخل في ملكه أو بدنه ثم بدا له أن يفسخ الإجارة
بأن استأجر رجلا ليقصر له ثيابا أو ليقطعها أو يخيطها أو يهدم دارا له أو يقطع شجرا له أو ليقلع ضرسه أو ليحجم
أو ليفصد أو ليزرع أرضا أو يحدث في ملكه شيئا من بناء أو تجارة أو حفر ثم بدا له أن لا يفعل فله أن يفسخ الإجارة
ولا يجبر على شئ من ذلك لان القصارة والقطع نقصان عاجل في المال بالغسل والقطع وفيه ضرر وهدم الدار وقطع
الشجر اتلاف المال والزراعة اتلاف البذر وفى البناء اتلاف الآلة وقلع الضرس والحجامة والفصد اتلاف جزء من
البدن وفيه ضرر به الا أنه استأجره لها لمصلحة تأملها تربو على المضرة فإذا بدا له علم أنه لا مصلحة فيه فبقي الفعل ضررا
في نفسه فكان له الامتناع من الضرر بالفسخ إذ الانسان لا يجبر على الاضرار بنفسه وكذلك لو استأجر إبلا إلى مكة
ثم بدا للمستأجر أن لا يخرج فله ذلك ولا يجبر على السفر لأنه لما بدا له علم أن السفر ضرر فلا يجبر على تحمل الضرر
وكذا كل من استأجر دابة ليسافر ثم قعد عن السفر فله ذلك لما قلنا وقد قالوا إن الجمال إذا قال للحاكم ان هذا لا يريد
أن يترك السفر وإنما يريد أن يفسخ الإجارة قال له الحاكم انتظره فان خرج ثم قفل الجمال معه فإذا فعلت ذلك فلك
الاجر فان قال صاحب الدار للحاكم ان هذا لا يريد سفرا وإنما يقول ذلك ليفسخ الإجارة استحلفه الحاكم بالله عز وجل
انه يريد السفر الذي عزم عليه لأنه يدعى سبب الفسخ وهو إرادة السفر ولا يمكنه إقامة البينة عليه فلا يقبل قوله
الا مع يمينه وقالوا لو خرج من المصر فراسخ ثم رجع فقال صاحب الدار إنما أظهر الخروج لفسخ الإجارة وقد عاد
استحلفه الحاكم بالله عز وجل لقد خرج قاصدا إلى الموضع الذي ذكر لان المؤاجر يدعى ان الفسخ وقع بغير عذر
وهو عزم السفر إلى موضع معلوم ولا يمكنه إقامة البينة عليه لان عزم المستأجر لا يعلم الا من جهته فكان القول قوله
مع يمينه وأما الجمال إذا بدا له من الخروج فليس له أن يفسخ الإجارة ولان خروج الجمال مع الجمال ليس بمستحق
بالعقد فان له أن يبعث غيره مع الجمال فلا يكون قعوده عذرا بخلاف خروج المستأجر لان غرضه يتعلق بخروجه بنفسه
فكان قعوده عذرا ولو استأجر رجلا ليحفر له بئرا فحفر بعضها فوجدها صلبة أو خرج حجرا أو وجدها رخوة
بحيث يخاف التلف كان عذرا لأنه يعجز عن المضي في موجب العقد الا بضرر لم يلتزمه وقال هشام عن أبي يوسف
في امرأة ولدت يوم النحر قبل أن تطوف فأبى الجمال أن يقيم قال هذا عذر لأنه لا يمكنها الخروج من غير طواف
ولا سبيل إلى الزام الجمال للإقامة مدة النفاس لأنه يتضرر به إذ هي مدة ما جرت العادة بإقامة القافلة قدرها فيجعل عذرا
في فسخ الإجارة وإن كانت قد ولدت قبل ذلك وقد بقي من مدة نفاسها كمدة الحيض أو أقل أجبر الجمال على المقام
معها لأن هذه المدة قد جرت العادة بمقام الحاج فيها بعد الفراغ من الحج وأما الذي هو في جانب المؤاجر فنحو أن
يلحقه دين فادح لا يجد قضاءه الا من ثمن المستأجر من الإبل والعقار ونحو ذلك إذا كان الدين ثبت قبل عقد الإجارة
بالبينة أو بالاقرار أو ثبت بالبينة بعد عقد الإجارة ولو ثبت بعد عقد الإجارة بالاقرار فكذلك عند أبي حنيفة وأما
عندهما فالدين الثابت بالاقرار بعد عقد الإجارة لا تفسخ به الإجارة لأنه متهم في هذا الاقرار ولأبي حنيفة ان
الظاهر أن الانسان لا يقر بالدين على نفسه كاذبا وهذا العذر من جانب المؤاجر بناء على أن بيع المؤاجر لا ينفذ عندنا
من غير إجازة المستأجر خلافا للشافعي على ما نذكره وإذا لم يجز البيع مع عقد الإجارة جعل الدين عذرا في فسخ الإجارة
لان ابقاء الإجارة مع لحوق الدين الفادح العاجل اضرار بالمؤاجر لأنه يحبس به ولا يجوز الجبر على تحمل ضرر غير
مستحق بالعقد فان قيل كيف يحبسه القاضي وهو غير قادر على قضاء الدين بالمؤاجر لتعلق حق المستأجر به فينبغي
أن لا يحبسه القاضي فالجواب ان القاضي لا يصدقه انه لا مال له سوى المؤاجر فيحبسه إلى أن يظهر حاله وفى الحبس
ضرر على أنه ان لم يكن له مال آخر غير المؤاجر لكن حق المستأجر إنما تعلق بالمنفعة لا بالعين وقضاء الدين يكون من
198

بدل العين وهو الثمن فيحبس حتى يبيع وكذلك لو اشترى شيئا فاجره ثم اطلع على عيب به له أن يفسخ الإجارة
ويرده بالعيب على بائعه وان رضى المستأجر بالعيب ويجعل حق الرد بالعيب عذرا له في فسخ الإجارة لأنه لا يقدر
على استيفائها الا بضرر وهو التزام المبيع المعيب ولو أراد المؤاجر السفر أو النقلة عن البلد وقد أجر عقارا له فليس ذلك
بعذر لان استيفاء منفعة العقار مع غيبته لا ضرر عليه فيه قال أبو يوسف ان مرض المؤاجر أو أصاب إبله داء فله أن
يفسخ إذا كانت بعينها أما إذا أصاب الإبل داء فلان استعمال الدابة مع ما بها من الداء اجحاف بها وفيه ضرر بصاحبها
والضرر لا يستحق بالعقد فيثبت له حق الفسخ وكذا المستأجر لان المنافع تنقص بمرض الإبل فصار ذلك عيبا
فيها وأما مرض الجمال فظاهر رواية الأصل يقتضى أن لا يكون عذرا لان أثر المرض في المنع من الخروج وخروج
الجمال بنفسه مع الجمال غير مستحق بالعقد وأما وجه رواية أبى يوسف وهو الفرق بين مرض الجمال وبين قعوده ان
الجمال يقوم على جماله بنفسه فإذا مرض لا يقوم غيره مقامه الا بضرر وليس كذلك إذا بدا له من الخروج لأنه يقدر
على الخروج فإذا ترك ذلك باختياره كان عليه أن يقيم غيره مقامه ولو أجر صانع من الصناع أو عامل من العمال نفسه
لعمل أو صناعة ثم قال بدا لي أن أترك هذا العمل وانتقل منه إلى غيره قال محمد إن كان ذلك من عمله بأن كان حجاما
فقال قد أنفت من عملي وأريد تركه لم يكن له ذلك ويقال أوف العمل ثم انتقل إلى ما شئت من العمل لأن العقد قد
لزمه ولا عار عليه فيه لأنه من أهل تلك الحرفة فهو بقوله أريد أن أتركه يريد أن يدفع عنه في الحال ويقدر على ذلك بعد
انقضاء العمل وإن كان ذلك العمل ليس من عمله وصنعته بل أسلم نفسه فيها وذلك مما يعاب به أو كانت امرأة
أجرت نفسها ظئرا وهي ممن تعاب بذلك فلأهلها أن يخرجوها وكذلك ان أبت هي أن ترضعه لان من لا يكون من
أهل الصنائع الدنيئة إذا دخل فيها يلحقه العار فإذا أراد الترك فهو لا يقدر على ايفاء المنافع الا بضرر وكذلك الظئر إذا
لم تكن ممن يرضع مثلها فلأهلها الفسخ لأنهم يعيرون بذلك وفى المثل السائر تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها فإن لم يمكن
إيفاء العقد الضرر فلا يقدر على تسليم المنفعة الا بضرر بخلاف ما إذا زوجت نفسها من غير كف ء انه لا يثبت لها
حق الفسخ ويثبت للأولياء لان النكاح لا يفسخ بالعذر فقد لزمها العقد والإجارة تنفسخ بالعذر وان وقعت لازمة
ولو انهدم منزل المؤاجر ولم يكن له منزل آخر سوى المنزل المؤاجر فأراد أن ينقض الإجارة ويسكنها ليس له ذلك
لأنه يمكنه أن يستأجر منزلا آخر أو يشترى فلا ضرورة إلى فسخ الإجارة وكذا إذا أراد التحول من هذا المصر
لأنه يمكنه أن يترك المنزل في الإجارة ويخرج بخلاف المستأجر إذا أراد أن يخرج لما ذكرنا ولو اشترى المستأجر
منزلا فأراد التحول إليه لم يكن ذلك عذرا لأنه يمكنه أن يؤاجر دار نفسه فشراؤه دارا أخرى أو وجود دار أخرى
لا يوجب عذرا في الدار المستأجرة والله عز وجل أعلم وأما الذي هو في جانب المستأجر فمنها عتق العبد المستأجر فإنه
عذر في فسخ الإجارة حتى لو أجر رجل عبده سنة لما مضت ستة أشهر أعتقه فهو بالخيار ان شاء مضى على الإجارة
وان شاء فسخ أما العتق فلا شك في نفاذه لصدور الاعتاق من الأهل في المحل المملوك المرقوق والعارض وهو حق
المستأجر لا يؤثر الا في المنع من التسليم ونفاذ العتق لا يقف على امكان التسليم بدليل ان اعتاق الآبق نافذ وأما الخيار
فلأن العقد على المنافع ينعقد شيئا فشيئا على حسب حدوثها فيصير بعد الحرية كأنه عقد عليه ابتداء فكان له خيار
الإجارة والفسخ فان فسخ بطل العقد فيما بقي وسقط عن المستأجر الاجر فيما يبقى وكان أجر ما مضى للمولى لأنها بدل
منفعة استوفيت على ملك المولى بعقده وان أجاز مضى على الإجارة فالأجرة فيما يستقبل إلى تمام السنة تكون
للعبد لأنها بدل منفعة استوفيت بعد الحرية فكانت له كما لو أجر نفسه من إنسان بغير اذن مولاه فاعتقه المولى في المدة
فلا خيار له بخلاف العبد المأذون إذا أجر نفسه بعد الحرية فان اختار الإجارة لم يكن له أن ينقضها بعد ذلك لأنه باختيار
الإجارة أبطل حق الفسخ فلا يحتمل العود وقبض الأجرة كلها للمولى وليس للعبد أن يقبض الأجرة الا بوكالة من
المولى لان العاقد هو المولى وحقوق العقد ترجع إلى العاقد هذا ان لم يكن المستأجر عجل الأجرة ولا شرط المولى عليه
199

التعجيل فإن كان عجل أو شرط عليه التعجيل فاعتق العبد واختار المضي على الإجارة فالأجرة كلها للمولى لأنه
ملكها بالتعجيل أو باشتراط التعجيل وان اختار الفسخ يرد النصف إلى المستأجر لان الأجرة بمقابلة المنفعة ولم يسلم
له الا منفعة نصف المدة وسواء كان المولى أجره بنفسه أو أذن للعبد أن يؤاجر نفسه سنة فاجر ثم أعتقه المولى في
نصف المدة لان عقده بإذن المولى كعقد المولى بنفسه الا ان قبض الأجرة ثم أعتقه المولى في المدة لان إجارة المحجور
وقعت فاسدة وخيار الامضاء وفى العقد الفاسد لا يثبت شرعا فبطل العقد بنفس الاعتاق بخلاف المأذون ومنها بلوغ
الصبي المستأجر آجره أبوه أو وصى أبيه أو جده أو وصى جده أو القاضي أو أمينه فبلغ في المدة فهو عذر ان شاء أمضى
الإجارة وان شاء فسخ لان في ابقاء العقد بعد البلوغ ضرر بالصبي لما بينا فيما تقدم فيعجز عن المضي في موجب العقد
الا بضرر لم يلتزمه فكان عذرا ولو أجر واحد من هؤلاء شيئا من ماله فبلغ قبل تمام المدة لا خيار له والفرق بين إجارة
النفس والمال ذكره في كتاب البيوع ان إجارة ماله تصرف نظر في حقه فلا يملك ابطاله بالبلوغ فاما إجارة النفس
فهو في وضعها اضرار وإنما يملكها الولي أو الوصي من حيث هي تأديب وقد انقطعت ولاية التأديب بالبلوغ فاما غلاء
أجر المثلى فليس بعذر تنفسخ به الإجارة الا في إجارة الوقف حتى لو آجر دارا هي ملكه ثم غلا أجر مثل الدار ليس له
أن يفسخ العقد الا في الوقف فإنه يفسخ نظرا للوقف ويجدد العقد في المستقبل على أجرة معلومة وفيما مضى يجب
المسمى بقدره وقيل هذا إذا ازداد أجر مثل الدور فاما إذا جاء واحد وزاد في الأجرة تعنتا على المستأجر الأول فلا
يعتبر ذلك ثم إنما تفسخ هذه الإجارة إذا أمكن الفسخ فاما إذا لم يمكن فلا تفسخ بأن كان في الأرض زرع لم يستحصد
لان في القلع ضرر بالمستأجر فلا تفسخ بل تترك إلى أن يستحصد الزرع بأجر المثل فإلى وقت الزيادة يجب المسمى
بقدره وبعد الزيادة إلى أن يستحصد يجب أجر المثل هذا إذا غلا أجر مثل الوقف فاما إذا رخص فان الإجارة
لا تفسخ لان المستأجر رضى بذلك القدر وزيادة ولان الفسخ في الوقف عند الغلاء لمعنى النظر للوقف وفى هذا
ضرر فلا تفسخ وأما العذر في استئجار الظئر فنحو أن لا يأخذ الصبي من لبنها لأنه لم يحصل بعض ما دخل تحت العقد
أو بقي من لبنها لان الصبي يتضرر به أو تحبل الظئر لان لبن الحامل يضر بالصبي أو تكون سارقة لأنهم يخافون على
متاعهم أو تكون فاجرة بينة الفجور لأنها تتشاغل بالفجور عن حفظ الصبي أو أرادوا أن يسافروا بصبيهم وأبت
الظئر أن تخرج معهم لان في الزامهم ترك المسافرة اضرارا بهم وفى ابقاء العقد بعد السفر اضرار أيضا أو تمرض
الظئر لان الصبي يتضرر بلبن المريضة والمرأة تتضرر بالارضاع في المرض أيضا فيثبت حق الفسخ من الجانبين فإن كان
وا يؤذونها بألسنتهم أمروا أن يكفوا عنها فإن لم يكفوا كان لها أن تخرج لان الأذية محظورة فعليهم تركها فإن لم
يتركوها كان في ابقاء العقد ضر غير ملتزم بالعقد فكان عذرا وللزوج أن يخرجها من الرضاع ان لم تكن الإجارة برضاه
وقيل هو على التفصيل إن كان ممن يشينه أن ترضع زوجته فله الفسخ لأنه يغير بذلك فيتضرر به وإن كان ممن لا يشينه
ذلك لم يكن له أن يفسخ لان المملوك له بالنكاح منافع بضعها لا منافع ثديها فكانت هي بالإجارة متصرفة في حقها
وقيل له الفسخ في الوجهين لأنها ان أرضعت الصبي في بيتهم فلزوج أن يمنعها من الخروج من منزله وان أرضعت في
بيته فله أن يمنعها من ادخال الصبي إلى بيته ثم إذا اعترض شئ من هذه الاعذار التي وصفناها فالإجارة تنفسخ بنفسها
أو تحتاج إلى الفسخ قال بعض مشايخنا تنفسخ بنفسها وقال بعضهم لا تنفسخ والصواب انه ينظر إلى العذر إن كان
يوجب العجز عن المضي في موجب العقد شرعا بأن كان المضي فيه حراما فالإجارة تنتقض بنفسها كما في الإجارة على
قلع الضرس إذا اشتكت ثم سكنت وعلى قطع اليد المتأكلة إذا برأت ونحو ذلك وإن كان العذر بحيث لا يوجب
العجز عن ذلك لكنه يتضمن نوع ضرر لم يوجبه العقد لا ينفسخ الا بالفسخ وهل يحتاج فيه إلى فسخ القاضي أو
التراضي ذكر في الأصل وفى الجامع الصغير أنه لا يحتاج إليه بل للعاقد فسخها وذكر في الزيادات انها لا تفسخ الا
بفسخ القاضي أو التراضي وجه ما ذكر في الزيادات ان هذا خيار ثبت بعد تمام العقد فأشبه الرد بالعيب بعد القبض
200

وجه المذكور في الأصل والجامع الصغير أن المنافع في الإجارة لا تملك جملة واحدة بل شيئا فشيئا فكان اعتراض العذر
فيها بمنزلة عيب حدث قبل القبض والعيب الحادث قبل القبض في باب البيع يوجب للعاقد حق الفسخ ولا يقف
ذلك على القضاء والرضا كذا هذا ومن مشايخنا من فصل فيه تفصيلا فقال إن كان العذر ظاهرا لا حاجة إلى
القضاء وإن كان خفيا كالدين يشترط القضاء ليظهر العذر فيه ويزول الاشتباه وهذا حسن وينبغي أن يبيع
المستأجر ثم يفسخ الإجارة
(فصل) وأما صفة الإجارة فالإجارة عقد لازم إذا وقعت صحيحة عرية عن خيار الشرط والعيب الرؤية
عند عامة العلماء فلا تفسخ من غير عذر وقال شريح انها غير لازمة تفسخ بلا عذر لأنها إباحة المنفعة فأشبهت الإعارة
ولنا انها تمليك المنفعة بعوض فأشبهت البيع وقال سبحانه وتعالى أوفوا بالعقود الفسخ ليس من الايفاء بالعقد
وقال عمر ورضي الله عنه البيع صفقة أو خيار جعل البيع نوعين نوعا لا خيار فيه ونوعا فيه خيار والا جارة بيع فيجب
أن تكون نوعين نوعا ليس فيه خيار الفسخ ونوعا فيه خيار الفسخ ولأنها معاوضة عقدت مطلقة فلا ينفرد أحد العاقدين
فيها بالفسخ الا عند العجز عن المضي في موجب العقد من غير تحمل ضرر كالبيع
(فصل) وأما حكم الإجارة فالإجارة لا تخلو اما إن كانت صحيحة واما إن كانت فاسدة واما إن كانت باطلة
أما الصحيحة فلها أحكام بعضها أصلى وبعضها من التوابع أما الحكم الأصلي فالكلام فيه في ثلاث فمواضع في بيان
أصل الحكم وفي بيان وقت ثبوته وفي بيان كيفية ثبوته أما الأول فهو ثبوت الملك في المنفعة للمستأجر وثبوت الملك
في الأجرة المسماة للآجر لأنها عقد معاوضة إذ هي بيع المنفعة والبيع عقد معاوضة فيقتضى ثبوت الملك في العوضين
وأما وقت ثبوته فالعقد لا يخلو اما إن كان عقد مطلقا عن شرط تعجيل الأجرة واما ان شرط فيه تعجيل الأجرة
أو تأجيلها فان عقد مطلقا فالحكم يثبت في العوضين في وقت واحد فيثبت الملك للمؤاجر في الأجرة وقت ثبوت
الملك للمستأجر في المنفعة وهذا قول أصحابنا وقال الشافعي حكم الإجارة المطلقة هو ثبوت الملك في العوضين عقيب
العقد بلا فصل وأما كيفية ثبوت حكم العقد فعندنا يثبت شيئا فشيئا على حسب حدوث محله وهو المنفعة لأنها
تحدث شيئا فشيئا وعنده تجعل المدة موجودة تقديرا كأنها أعيان قائمة ويثبت الحكم فيها في الحال وعلى هذا يبنى ان
الأجرة لا تملك بنفس العقد المطلق عندنا وعنده تملك (وجه) قوله إن الإجارة عقد معاوضة وقد وجدت مطلقة
والمعاوضة المطلقة تقتضي ثبوت الملك في العوضين عقيب العقد كالبيع الا أن الملك لابد له من محل يثبت فيه منافع
المدة معلومة في الحال حقيقة فتجعل موجودة حكما تصحيحا للعقد وقد يجعل المعدوم حقيقة موجودا تقديرا عند
تحقق الحاجة والضرورة ولنا ان المعاوضة المطلقة إذا لم يثبت الملك فيها في أحد العوضين لا يثبت في العوض الآخر
إذ لو ثبت لا يكون معاوضة حقيقة لأنه لا يقابله عوض ولا المساواة في العقود المطلقة مطلوب العاقدين ولا مساواة
إذ لم يثبت الملك في أحد العوضين والملك لم يثبت في أحد العوضين وهو منافع المدة لأنها معلومة حقيقة فلا تثبت في
الأجرة في الحال تحقيقا للمعاوضة المطلقة في أي وقت تثبت فقد كان أبو حنيفة أولا يقول إن الأجرة لا تجب الا
بعد مضى المدة مثل استئجار الأرض سنة أو عشر سنين وهو قول زفر ثم رجع هنا فقال تجب يوما فيوما وفى الإجارة
على المسافة مثل ان استأجر بعيرا إلى مكة ذاهبا وجائيا كان قوله الأول انه لا يلزمه تسليم الاجر حتى يعود وهو
قول زفر ثم رجع وقال يسلم حالا فحالا وذكر الكرخي انه يسلم أجرة كل مرحلة إذا انتهى إليها وهو قول أبى يوسف
ومحمد وجه قول أبي حنيفة الأول ان منافع المدة أو المسافة من حيث إنها معقد عليها شئ واحد فما لم يستوفها كلها
لا يجب شئ من بدلها كمن استأجر خياطا يخيط ثوبا فحاط بعضه انه لا يستحق الأجرة حتى يفرغ منه وكذا
القصار والصباغ (وجه) وقوله الثاني وهو المشهور انه ملك البدل وهو المنفعة وانها تحدث شيئا فشيئا على حسب
حدوث الزمان فيملكها شيئا فشيئا على حسب حدوثها فكذا ما يقابلها فكان ينبغي أن يجب عليه تسليم الأجرة
201

ساعة فساعة الا أن ذلك متعذر فاستحسن فقال يوما فيوما مرحلة فمرحلة لأنه لا يعذر فيه وروى عن أبي يوسف
فيمن أستأجر بعيرا إلى مكلة انه إذا بلغ ثلث الطريق أو نصفه أعطى من الاجر بحسابه استحسانا وذكر الكرخي
ان هذا قول أبى يوسف الأخير ووجهه ان السير إلى ثلث الطريق أو نصفه منفعة مقصودة في الجملة فإذا وجد ذلك
القدر يلزمه تسليم بدله وعلى هذا يخرج ما إذا أبرأ المؤاجر المستأجر من الاجر أو وجهه له أو تصدق به عليه ان ذلك
لا يجوز في قول أبى يوسف الأخير عينا كان الاجر أو دينا وقال محمد إن كان دينا جاز وجه قول أبى يوسف ظاهر
خارج على الأصل وهو ان الأجرة لم يملكها المؤاجر في العقد المطلق عن شرط التعجيل والابراء عما ليس بمملوك
المبرئ لا يصح بخلاف الدين المؤجل لأنه مملوك وإنما التأجيل لتأخير المطالبة فيصح الابراء عنه وهبة غير المملوك
لا تصح وجه قول محمد ان الابراء لا يصح الا بالقبول فإذا قبل المستأجر فقد قصدا صحة تصرفهما ولا صحة الا بالملك
فيثبت الملك مقتضى التصرف تصحيحا له كما في قول الرجل لغيره أعتق عبدك عنى على ألف درهم فقال أعتقت
والابراء اسقاط واسقاط الحق بعد وجود سبب الوجوب جائز كالعفو عن القصاص بعد الجرح قبل الموت
وسبب الوجوب ههنا موجود وهو انعقد المنعقد والجواب انه إن كان يعنى بالانعقاد في حق الحكم فيه غير منعقد في
حق الحكم بلا خلاف بين أصحابنا وإن كان يعنى شيئا آخر فهو غير معقول ولو أبرأه عن بعض الأجرة أو وهب منه
جاز في قولهم جميعا أما على أصل محمد فظاهر لأنه يجوز ذلك عنده في الملك فكذا في البعض وأما على أصل أبى
يوسف فلان ذلك حط بعض الأجرة فيلحق الحط بأصل العقد فيصير كما لو وجد في حال العقد بمنزلة هبة بعض
الثمن في البيع وحط الكل لا يمكن الحاقه بأصل العقد ولا سبيل إلى تصحيحه للحال لعدم الملك وأما إذا كانت
الأجرة عينا من الأعيان فوهبها المؤاجر للمستأجر قبل استيفاء المنافع فقد قال أبو يوسف ان ذلك لا يكون نقضا
للإجارة وقال محمد ان قبل المستأجر الهبة بطلت الإجارة وان ردها لم تبطل أما أبو يوسف فقد مر على الأصل ان
الهبة لم تصح لعدم الملك فالتحقت بالعدم كأنها لم توجد رأسا بخلاف المشترى إذا وهب المبيع من بائعه قبل القبض
وقبله البائع ان ذلك يكون نقضا للبيع لان الهبة هناك قد صحت لصدورها من المالك فثبت الملك للبائع فانفسخ
البيع وأما محمد فأن يقول الأجرة إذا كانت عينا كانت في حكم المبيع لان ما يقابلها هو في حكم الأعيان والمشترى
إذا وهب المبيع قبل القبض من البائع فقبله البائع يبطل البيع كذا هذا وإذا رد المستأجر الهبة لا تبطل الإجارة لان
الهبة لا تتم الا بالقبول فإذا رد بطلت والتحقت بالعدم وعلى هذا إذا صارف المؤاجر المستأجر بالأجرة فأخذ بها
دينار بأن كانت الأجرة دراهم ان العقد باطل عند أبي يوسف في قوله الأخير وكان قوله الأول انه جائز وهو قول محمد
فأبو يوسف مر على الأصل فقال الأجرة لم تجب بعقد الإجارة وما وجب بعقد الصرف لم يوجد فيه التقابض في
المجلس فيبطل العقد فيه كمن باع دينارا بعشرة فلم يتقابضا ولأنه يشترى الدينار بدراهم في ذمته ثم يجعلها قصاصا
بالأجرة ولا أجرة له فيبقى ثمن الصرف في ذمته فإذا افترقا قبل القبض بطل الصرف ومحمد يقول إذا لم يجز الصرف الا
ببدل واجب ولا وجوب الا بشرط التعجيل ثبت الشرط مقتضى اقدامهما على الصرف ولو شرطا تعجيل الأجرة ثم
تصارفا جاز كذا هذا ولو اشترى المؤاجر من المستأجر عينا من الأعيان بالأجرة جاز في قولهم لأن العقد على
الأعيان والهبة جائزان فالرهن والكفالة أولى وأما على أصل أبى يوسف فأما الكفالة فلأن جوازها لا يستدعى
قيام الدين للحال بدليل انه لو كفل بما يذوب له على فلان جازت وكذلك الكفالة بالدرك جائزة وكذلك الرهن
بدين لم يجب جائز كالرهن بالثمن في البيع المشروط فيه الخيار ولان الكفالة والرهن شرعا للتوثق ولا توثق ملائم للاجر
هذا إذا وقع العقد مطلقا عن شرط تعجيل الأجرة فاما إذا شرط في تعجيلها ملكت بالشرط ووجب تعجيلها
فالحاصل ان الأجرة لا تملك عندنا الا بأحد معان ثلاثة أحدها شرط التعجيل في نفس العقد والثاني التعجيل من غير
شرط والثالث استيفاء المعقود عليه اما ملكها بشرط التعجيل فلان ثبوت الملك في العوضين في زمان واحد لتحقيق
202

معنى المعاوضة المطلقة وتحقيق المساواة التي هي مطلوب العاقدين ومعنى المعاوضة والمساواة لا يتحقق الا في ثبوت
الملك فيهما في زمان واحد فإذا شرط التعجيل فلم توجد المعاوضة المطلقة بل المقيدة بشرط التعجيل فيجب اعتبار
شرطهما لقوله صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم فيثبت الملك في العوض قبل ثبوته في المعوض ولهذا صح
التعجيل في ثمن المبيع وإن كان اطلاق العقد يقتضى الحلول كذا هذا وللمؤجر حبس ما وقع عليه العقد حتى يستوفى
الأجرة كما ذكره الكرخي في جامعه لان المنافع في باب الإجارة كالمبيع في باب البيع والأجرة في الإجارات كالثمن
في البياعات وللبائع حبس المبيع إلى أن يستوفى الثمن فكذا للمؤاجر حبس المنافع إلى أن يستوفى الأجرة المعجلة
فان قيل لا فائدة في هذا الحبس لان الإجارة إذا وقعت على مدة فإذا حبس المستأجر مدة بطلت الإجارة في تلك
المدة ولا شئ فيها من الأجرة فلم يكن الحبس مفيدا فالجواب ان الحبس مفيد لأنه يحبس ويطالب بالأجرة فان عجل
والا فسخ العقد فكان في الحبس فائدة على أن هذا لا يلزم في الإجارة على المسافة بأن أجر دابة مسافة معلومة لأن العقد
ههنا لا يبطل بالحبس وكذا هذا ويبطل بيع ما يتسارع إليه الفساد كالسمك الطري ونحوه إذ للبائع حبسه حتى
يستوفى الثمن وإن كان يؤدى إلى ابطال البيع بهلاك المبيع قبل القبض وان وقع الشرط في عقد الإجارة على أن
لا يسلم المستأجر الاجر الا بعد انقضاء مدة الإجارة فهو جائز وأما على قول أبي حنيفة الأول فظاهر لان الأجرة
لا تجب الا في آخر المدة فإذا شرط كان هذا شرطا مقررا مقتضى العقد فكان جائزا وأما على قوله الآخر فالأجرة
وإن كانت تجب شيئا فشيئا فقد شرط تأجيل الأجرة والأجرة كالثمن فتحتمل التأجيل كالثمن أما إذا عجل الأجرة
من غير شرط فلانه لما عجل الأجرة فقد غير مقتضى مطلق العقد وله هذه الولاية لان التأخير ثبت حقا له فيملك ابطاله
بالتعجيل كما لو كان عليه دين مؤجل فعجله ولأن العقد سبب استحقاق الأجرة فالاستحقاق وان لم يثبت فقد انعقد
سببه وتعجيل الحكم قبل الوجوب بعد وجود سبب الوجوب جائز كتعجيل الكفارة بعد الجرح قبل الموت وأما
إذا استوفى المعقود عليه فلانه يملك المعوض فيملك المؤاجر العوض في مقابلته تحقيقا للمعاوضة المطلقة وتسوية بين
العاقدين في حكم العقد المطلق وعلى هذا الأصل تبنى الإجارة المضافة إلى زمان في المستقبل بان قال أجرتك هذه الدار
غدا أو رأس شهر كذا أو قال أجرتك هذه الدار سنة أولها غرة شهر رمضان انها جائزة في قول أصحابنا وعند الشافعي
لا تجوز وجه البناء ان الأجرة بيع المنفعة وطريق جوازها عنده أن يجعل منافع المدة موجودة تقديرا عقيب العقد
تصحيحا له إذ لا بد وأن يكون محل حكم العقد موجودا ليمكن اثبات حكمه فيه فجعلت المنافع موجدة حكما كأنها
أعيان قائمة بنفسها وإضافة البيع إلى عين ستوجد لا تصح كما في بيع الأعيان حقيقة وأما عندنا فالعقد ينعقد شيئا
فشيئا على حسب حدوث المعقود عليه شيئا فشيئا وهو المنفعة فكان العقد مضافا إلى حين وجود المنفعة من طريق
الدلالة فالتنصيص على الإضافة يكون مقررا مقتضى العقد الا أنا جوزنا الإضافة في الإجارة دون البيع للضرورة
لان المنفعة حال وجودها لا يمكن انشاء العقد عليها فدعت الضرورة إلى الإضافة ولا ضرورة في بيع العين لامكان
ايقاع العقد عليها بعد وجودها لكونها محتملة للبقاء فلا ضرورة إلى الإضافة وطريقنا أولى لان جعل المعدوم موجودا
تقدير للمحال وتقدير المحال محال ولا إحالة في الإضافة إلى زمان في المستقبل فان كثيرا من التصرفات تصح
مضافة إلى المستقبل كالطلاق والعتاق ونحوهما فكان الصحيح ما قلنا وأما الأحكام التي هي من التوابع فكثيرة
بعضها يرجع إلى الآجر والمستأجر مما عليهما ولهما وبعضها يرجع إلى صفة المستأجر والمستأجر فيه أما الأول فجملة
الكلام فيه ان عقد الإجارة لا يخلو اما ان شرط فيه تعجيل البدل أو تأجيله واما إن كان مطلقا عن شرط التعجيل
والتأجيل فان شرط فيه تعجيل البدل فعلى المستأجر تعجيلها والابتداء بتسليمها سواء كان ما وقع عليه الإجارة شيئا
ينتفع بعينه كالدار والدابة وعبد الخدمة أو كان صانعا أو عاملا ينتفع بصنعته أو عمله كالخياط والقصار والصياغ
والإسكاف لأنهما لما شرطا تعجيل البدل لزم اعتبار شرطهما لقوله صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم وملك
203

الآجر البدل حتى تجوز له هبته والتصديق به والابراء عنه والشراء والرهن والكفالة وكل تصرف يملك البائع في الثمن
في باب البيع وللمؤاجر أن يمتنع عن تسليم المستأجر في الأشياء المنتفع بأعيانها حتى يستوفى الأجرة وكذا للأجير
الوحد أن يمتنع عن تسليم النفس وللأجير المشترك أن يمتنع عن ايفاء العمل قبل استيفاء الأجرة في الإجارة
كالثمن في البياعات وللبيائع حبس المبيع إلى أن يستوفى الثمن إذا لم يكن مؤجلا كذا ههنا وان شرط فيه تأجيل
الأجرة يبتدأ بتسليم المستأجر وايفاء العمل وإنما يجب تسليم البدل عند انقضاء الأجل لان الأصل في الشروط
اعتبارها للحديث الذي روينا وإن كان العقد مطلقا عن شرط التعجيل والتأجيل يبتدأ بتسليم ما وقع عليه العقد في نوعي
الإجارة فيجب على المؤاجر تسليم المستأجر وعلى الأجير تسليم النفس أو ايفاء العمل أولا عندنا خلافا للشافعي لان
الأجرة لا تجب عندنا بالعقد المطلق وعنده تجب والمسألة قد مرت غير أن في النوع الأول وهو الإجارة على الأشياء
المنتفع بأعيانها إذا سلم المستأجر لا يجب على المستأجر تسليم البدل كله للحال بل على حسب استيفاء المنفعة شيئا
فشيئا حقيقة أو تقديرا بالتمكن من الاستيفاء في قول أبي حنيفة الآخر وللمؤاجر أن يطلبه بالأجرة بمقدار ذلك يوما
فيوما في الإجارة على العقار ونحوه ومرحلة مرحلة في الإجارة على المسافة ولكن يخير المكارى على الحمل إلى
المكان المشروط إذ لو لم يخير لتضرر المستأجر وفى قوله الأول وهو قول أبى يوسف ومحمد لا يجب تسليم شئ من
البدل الا عند انتهاء المدة أو قطع المسافة كلها في الإجارة على قطع المسافة وقد ذكرنا وجه القولين فيما تقدم وأما في
النوع الآخر وهو استئجار الصناع والعمل فلا يجب تسليم شئ من البدل الا عند انتهاء المدة أو قطع المسافة بعد
الفراغ من العمل بلا خلاف حتى قالوا في الحمال ما لم يحط المتاع من رأسه لا يجب الاجر لان الحط من تمام العمل
وهكذا قال أبو يوسف في الحمال يطلب الأجرة بعد ما بلغ المنزل قبل أن يضعه انه ليس له ذلك لان الوضع من تمام
العمل والفرق ان كل جزء من العمل في هذا النوع غير مقصود لأنه لا ينتفع ببعضه دون بعض فكان الكل
كشئ واحد فما لم يوجد لا يقابله البدل بلا خلاف بخلاف النوع الأول على قول أبي حنيفة الآخر لان كل جزء
من السكنى وقطع المسافة مقصود فيقابل بالأجرة ثم في النوع الآخر إذا أراد الأجير حبس العين بعد الفراغ من
العمل لاستيفاء الأجرة هل له ذلك ينظر إن كان لعمله أثر ظاهر في العين كالخياط والقصار والصباغ والإسكاف
له ذلك لان ذلك الأثر هو المعقود عليه وهو صيرورة الثوب مخيطا مقصورا وإنما العمل يحصل ذلك الأثر عادة
والبدل يقابل ذلك الأثر فكان كالمبيع فكان له أن يحبسه لاستيفاء الأجرة كالمبيع قبل القبض انه يحبس لاستيفاء
الثمن إذا لم يكن الثمن مؤجلا ولو هلك قبل التسليم تسقط الأجرة لأنه مبيع هلك قبل القبض وهل يجب الضمان فعند
أبي حنيفة لا يجب وعندهما يجب لأنه يجب قبل الحبس عندهما فبعد الحبس أولى والمسألة تأتى في موضعها إن شاء الله
تعالى وان لم يكن لعمله أثر ظاهر في العين كالحمال والملاح والمكاري ليس له أن يحبس العين لان ما لا أثر له في العين
فالبدل إنما يقابل نفس العمل الا أن العمل كله كشئ واحد إذ لا ينتفع ببعضه دون بعض فكما فرغ حصل في يد
المستأجر فلا يملك حبسه عنه بعد طلبه كاليد المودعة ولهذا لا يجوز حبس الوديعة بالدين ولو حبسه فهلك
قبل التسليم لا تسقط الأجرة لما ذكرنا انه كما وقع في العمل حصل مسلما إلى المستأجر لحصوله في يده فتقررت عليه
الأجرة فلا تحتمل السقوط بالهلاك ويضمن لاند حبسه بغير حق فصار غاصبا بالحبس ونص محمد على الغصب
فقال فان حبس الحمال المتاع في يده فهو غاصب ووجهه ما ذكرنا ان العين كنت أمانة في يده فإذا حبسها بدينه فقد
صار غاصبا كما لو حبس المودع الوديعة بالدين هذا الذي ذكرنا ان العمل لا يصير مسلما إلى المستأجر الا بعد الفراغ
منه حتى لا يملك الأجير المطالبة بالأجرة قبل الفراغ إذا كان المعمول فيه في يد الأجير فإن كان في يد المستأجر فقدر
ما أوقعه من العمل فيه يصير مسلما إلى المستأجر قبل الفراغ منه حتى يملك المطالبة بقدره من المدة بان استأجر رجلا
ليبنى له بناء في ملكه أو فيما في يده بان استأجره ليبنى له بناء في داره أو يعمل له ساباطا أو جناحا أو يحفر له بئرا أو قناة
204

أو نهر ا أو ما أشبه ذلك في ملكه أو فيما في يده فعمل بعضه فله أن يطالبه بقدره من الأجرة لكنه يجبر على الباقي حتى لو
انهدم البناء أو انهارت البئر أو وقع فيما الماء التراب وسواها مع الأرض أو سقط الساباط فله أجر ما علمه بحصته لأنه
إذا كان في ملك المستأجر أو في يده فكما عمل شيئا حصل في يده قبل هلاكه وصار مسلما إليه فلا يسقط بدله بالهلاك
ولو كان غير ذلك في غير ملكه ويده ليس له أن يطلب شيئا من الأجرة قبل الفراغ من عمله وتسليمه إليه حتى لو هلك
قبل التسليم لا يجب شئ من الأجرة لأنه إذا لم يكن في ملكه ولا في يده توقف وجوب الأجرة فيه على الفراغ والتمام
وقال الحسن بن زياد إذا أراه موضعا من الصحراء يحفر فيه بئرا فهو بمنزلة ما هو في ملكه ويده وقال في آخر الكلام
وهذا قياس قول أبي حنيفة وقال محمد لا يكون قابضا الا بالتخلية وان أراه الموضع وهو الصحيح لان ذلك الموضع
بالتعيين لم يصر في يده فلا يصير عمل الأجير فيه مسلما له وإن كان ذلك في غير ملك المستأجر ويده فعمل الأجير
بعضه والمستأجر قريب من العامل فخلى الأجير بينه وبينه فقال المستأجر لا أقبضه منك حتى يفرغ فله ذلك لان قدر
ما عمل لم يصر مسلما إذا لم يكن في ملك المستأجر ولا في يده لأنه لا ينتفع ببعض عمله دون بعض فكان للمستأجر أن
يمتنع من التسليم حتى يتمه ولو استأجر لبانا ليضرب له لبنا في ملكه أو فيما في يده لا يستحق الأجرة حتى يجف اللبن
وينصبه في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد حتى يجف أو ينصبه ويشرجه ولا خلاف في أنه إذا ضربه ولم يقمه
انه لا يستحق الأجرة لأنه ما لم يقبله من مكانه فهو أرض فلا يتناوله اسم اللبن والخلاف بينهم يرجع إلى أنه هل يصير
قابضا له بالإقامة أو لا يصير الا بالتشريج فعلى قول أبي حنيفة يصير قابضا له بنفس الإقامة لان نفس الإقامة من تمام
هذا العمل فيصير اللبن مسلما إليه بها وعلى قولهما لا يصير قابضا ما لم يشرج لان تمام العمل به حتى لو هلك قبل النصب
في قول أبي حنيفة وقبل التشريج في قولهما فلا أجر له لأنه هلك قبل تمام العمل على اختلاف الأصلين ولو هلك بعده
فله الاجر لان العمل قد تم فصار مسلما إليه لكونه في ملكه أو في يده فهلاكه بعد ذلك لا يسقط البدل وجه قولهما
ان الامن عن الفساد يقع بالتشريج ولهذا جرت العادة بين الناس ان اللبان هو الذي يشرج ليؤمن عليه الفساد فكان
ذلك من تمام العمل كاخراج الخبز من التنور ولأبي حنيفة ان المستأجر له ضرب اللبن ولما جف ونصبه وجد
ما ينطلق عليه اسم اللبن وهو في يده أو في ملكه فصار قابضا له فاما التشريج فعمل زائد لم يلزمه العامل بمنزلة النقل من
مكان إلى مكان فلا يلزمه ذلك وإن كان ذلك في غير ملكه ويده لم يستحق الأجرة حتى يسلمه وهو أن يخلى الأجير
بين اللبن وبين المستأجر لكن ذلك بعد ما نصبه عند أبي حنيفة وعندهما بعد ما شرجه وروى ابن سماعة عن محمد في
رجل استأجر خبازا ليخبز له قفيزا من دقيق بدرهم فخبز فاحترق الخبز في التنور قبل أن يخرجه أو ألزقه في التنور ثم أخذه
ليخرجه فوقع من يده في التنور فاحترق فلا أجرة له لأنه هلك قبل تمام العمل لان علم الخبز لا يتم الا بالاخراج من
التنور فلم يكن قبل الاخراج خبز فصار كهلاك اللبن قبل أن يتمه قال ولو أخرجه من التنور ووضعه وهو يخبز في
منزل المستأجر فاحترق من غير جنايته فله الاجر ولا ضمان عليه في قول أبي حنيفة أما استحقاق الاجر فلانه فرغ
من العمل باخراج الخبز من التنور حصل مسلما إلى المستأجر لكونه في ملك المستأجر لكونه في ملك المستأجر وأما عدم وجوب الضمان
فلان الهلاك من غير صنع الأجير المشترك لا يتعلق به الضمان عنده وأما على قول من يضمن الأجير المشترك فإنه
ضامن له دقيقا مثل الدقيق الذي دفعه إليه ولا أجر له وان شاء ضمنه قيمة الخبز مخبوزا وأعطاه الاجر لان قبض
الأجير قبض مضمون عندهما فلا يبرأ عن الضمان بوضعه في منزل مالكه وإنما يبرأ بالتسليم كالغاصب إذا وجب
الضمان عليه عندهما فصاحب الدقيق بالخيار ان شاء ضمنه دقيقا وأسقط الاجر لأنه لم يسلم إليه المعل وان شاء ضمنه
خبزا فصار العمل مسلما إليه فوجب الاجر عليه قال ولا أضمنه القصب ولا الملح لان ذلك صار مستهلكا قبل
وجوب الضمان عليه وحين وجب الضمان عليه لا قيمة له لان القصب صار رمادا والملح صار ماء وكذلك الخياط
الذي يخيط له في منزله قميصا فان خاط له بعضه لم يكن له أجرته لان هذا العمل لا ينتفع ببعضه دون بعضه فلا تلزمه الأجرة
205

الا بتمامه فإذا فرغ منه ثم هلك فله الأجرة في قول أبي حنيفة لان العلم حصل مسلما إليه لحصوله في ملكه وأما على
قولهما فالعين مضمونة فلا يبرأ عن ضمانها الا بتسليمها إلى مالكها فان هلك الثوب فان شاء ضمنه قيمته صحيحا ولا
أجر له وان شاء ضمنه قيمته مخيطا وله الاجر لما بينا ولو استأجر حمالا ليحمل له دنا من السوق إلى منزله فحمله حتى إذا
بلغ باب درب الذي استأجره كسره انسان فلا ضمان على الحامل في قول أبي حنيفة وله الاجر وهو على ما ذكرنا ان
العمل إذا لم يكن له أثر ظاهر في العين كما وقع يحصل مسلما إلى المستأجر وذكر ابن سماعة عن محمد في رجل دفع ثوبا إلى
خياط يخيطه بدرهم فمضى فخاطه ثم جاء رجل ففتقه قبل أن يقبضه رب الثوب فلا أجر للخياط لان المنافع هلكت
قبل التسليم فسقط بدلها قال ولا أجبر الخياط على أن يعيد العمل لأنه لما فرغ من العمل فقد انتهى العقد فلا يلزمه
العمل ثانيا وإن كان الخياط هو الذي فتق الثوب عليه أن يعيده لأنه لما فتقه فقد فسخ المنافع التي عملها فكأنه لم يعمل
رأسا وإذا فتقه الأجنبي فقد أتلف المنافع بدليل انه يجب عليه الضمان وقالوا في الملاح إذا حمل الطعام إلى موضع فرد
السفينة انسان فلا أجر لملاح وليس له أن يعيد السفينة فإن كان الملاح هو الذي ردها ألزمه إعادة الحمل إلى الموضع
الذي شرط عليه لما قلنا وإن كان الموضع الذي رجعت إليه السفينة لا يقدر رب الطعام على قبضه فعلى الملاح أن
يسلمه في موضع يقدر رب الطعام على قبضه ويكون له أجر مثله فيما سار في هذا المسير لأنا لو جوزنا للملاح تسليمه في
مكان لا ينتفع به لتلف المال على صاحبه ولو كلفناه حمله بالاجر إلى أقرب لمواضع التي يمكن القبض فيه فقدرا عينا
الحقين قالوا ولو اكترى بغلا إلى موضع بركبه فلما سار إلى بعضه الطريق جمح به فرده إلى موضعه الذي خرج منه
فعليه الكراء بقدر ما سار لأنه استوفى ذلك القدر من المنافع فلا يسقط عنه الضمان وقال في الجامع الصغير عن أبي
حنيفة في رجل استأجر رجلا يذهب إلى البصرة فيجئ بعياله فذهب فوجد فلانا قد مات فجاء بمن بقي قال له من
الاجر بحسبه وعن أبي حنيفة في رجل استأجر رجلا يذهب بكتابه إلى البصرة إلى فلان ويجئ بجوابه فذهب
فوجد فلانا قد مات فرد الكتاب فلا أجر له وهو قول أبى يوسف وقال محمد له الاجر في الذهاب أما في المسألة الأولى
فلان مقصوده حمل العيال فإذا حمل بعضهم دون بعض كان له من الاجر بحساب ما حمل واما في الثانية فوجه قول
محمد ان الاجر مقابل بقطع المسافة لا بحمل الكتاب لأنه لا حمل له ولا مؤنة وقطع المسافة في الذهاب وقع على الوجه
المأمور به فيستحق صحته من الاجر وفى العود لم يقع على الوجه المأمور به فلا يجب به شئ ولهما أن المقصود من
حمل الكتاب ايصاله إلى فلان ولم يوجد فلا يجب شئ على أن المقصود وإن كان نقل الكتاب لكنه إذا رده فقد
نقص تلك المنافع فبطل الاجر كما لو استأجره ليحمل طعاما إلى البصرة إلى فلان فحمله فوجده قد مات فرده انه لا أجر
له لما قلنا كذا هذا وللمستأجر في إجارة الدار وغيرها من العقار أن ينتفع بها كيف شاء بالسكنى ووضع المتاع وان
يسكن بنفسه وبغيره وأن يسكن غيره بالإجارة والإعارة الا أنه ليس له أن يجعل فيها حدادا ولا قصارا ونحو ذلك مما
يوهن البناء بناء فيما تقدم ولو أجرها المستأجر بالأكثر من الأجرة الأولى فإن كانت الثانية من خلاف جنس الأولى
طابت له الزيادة وإن كانت من جنس الأولى لا تطيب له حتى يزيد في الدار زيادة من بناء أو حفر أو تطيين أو تجصيص
فإن لم يزد فيه شيئا فلا خير في الفضل ويتصدق به لكن تجوز الإجارة أما جواز الإجارة فلا شك فيه لان الزيادة في
عقد لا يعتبر فيه المساواة بين البدل والمبدل لا تمنع صحة العقد وههنا وكذلك فيصح القعد وأما التصدق بالفضل إذا
كانت الأجرة الثانية من جنس الأولى فلان الفضل ربح ما لم يضمن لان المنافع لا تدخل في ضمان المستأجر بدليل
انه لو هلك المستأجر فصار بحيث لا يمكن الانتفاع به كان الهلاك على المؤاجر وكذا لو غصبه غاصب فكانت
الزيادة ربح ما لم يضمن ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فإن كان هناك زيادة كان الربح في مقابلة الزيادة
فيخرج من أن يكون ربحا ولو كنس البيت فلا يعتبر ذلك لأنه ليس بزيادة فلا تطيب به زيادة والاجر وكذا في إجارة
الدابة إذا ازاد في الدابة جوالق أو لجاما أو ما أشبه ذلك يطيب له الفضل لما بينا فان علفها لا يطيب له لان الأجرة لا يصير
206

شئ منها مقابلا بالعلف فلا يطيب له الفضل ولو استأجر دابة ليركبها ليس له أن يركب غيره وان فعل ضمن وكذا إذا
استأجر ثوبا ليلبسه ليس له أن يلبسه غيره وان فعل ضمن لان الناس متفاوتون في الركوب والبس فان أعطاه غيره
فلبسه ذلك اليوم ضمنه ان أصابه شئ لأنه غاصب في الباسه غيره وان لم يصيبه شئ فلا أجر له لان المعقود عليه ما يصير
مستوقيا بلبسه غيره لا يكون معقودا عليه واستيفاء غير المعقود عليه لا يوجب اليد الا يرى أنه
لو استأجر ثوبا بعينه ثم غصب منه ثوبا آخر فلبسه لم يلزمه الاجر فكذلك إذا ألبس ذلك الثوب غيره لان تعيين
اللابس كتعيين الملبوس فان قيل هو قد تمكن من استيفاء المعقود عليه وذلك لا يكفي لوجوب الاجر عليه كما لو
وضعه في بيته ولم يلبسه قلنا تمكنه من الاستيفاء باعتبار يده فإذا وضعه في بيته فيده عليه معتبرة ولهذا لو هلك لم يضمن
فاما إذا ألبسه غيره فيده عليه معتبرة حكما ألا ترى انه ضامن وان هلك من غير اللبس فان يد اللابس عليه معتبرة حتى
يكون لصاحبه أن يضمن غير اللابس ولا يكون الا بطريق تفويت يده حكما فلهذا لا يلزمه الأجرة وان سلم وإن كان
استأجر ليلبس يوما إلى الليل ولم يسم من يلبسه فالعقد فاسد لجهالة المعقود عليه فان اللبس يختلف باختلاف اللابس
وباختلاف الملبوس وكما أن ترك التعيين في الملبوس عند العقد يفسد العقد فكذلك ترك تعيين اللابس وهذه جهالة
تفضى إلى المنازعة لان صاحب الثوب يطالبه بالباس أرفع الناس في اللبس وصيانة الملبوس وهو يأبى أن يلبس الا
أحسن الناس في ذلك ويحتج كل واحد منهما بمطلق التسمية ولا تصح التسمية مع فساد العقد وان اختصما فيه قبل
اللبس فسدت الإجارة وان لبسه هو أعطاه غيره فلبسه إلى الليل فهو جائز وعليه الاجر استحسنا والقياس عليه
أجر المثل وكذلك لو استأجر دابة للركوب ولم يبين من يركبها أو للعمل ولم يسم من يعمل عليها فعمل عليها إلى الليل فعليه
المسمى استحسانا وفى القياس عليه أجر المثل لأنه استوفى المنفعة بحكم عقد فاسد ووجوب المسمى باعتبار صحة التسمية
ولا تصح التسمية مع فساد العقد وجه الاستحسان أن المفسد وهو الجهالة التي تفضى إلى المنازعة قد زال وبانعدام
العلة المفسدة ينعدم الفساد وهذا لان الجهالة في المعقود عليه وعقد الإجارة في حق المقعود عليه كالمضاف وإنما يتجدد
انعقادها عند الاستيفاء ولا جهالة عند ذلك ووجوب الاجر عند ذلك أيضا فلهذا أو جبنا المسمى وجعلنا التعيين في
الانتهاء كالتعيين في الابتداء ولا ضمان عليه ان ضاع منه لأنه غير مخالف سواء لبس بنفسه أو ألبس غيره بخلاف
الأول فقد عين هناك لبسه عند العقد فيصير مخالفا بالباس غيره وإذا استأجر قميصا ليلبسه يوما إلى الليل فوضعه في
منزله حتى جاء الليل فعليه الاجر كاملا لان صاحبه مكنه من استيفاء المعقود عليه بتسليم الثوب إليه وما زاد على ذلك
ليس في وسعه وليس له أن يلبسه بعد ذلك لأن العقد انتهى بمضي المدة والا ذن في اللبس كان بحكم العقد ولو استأجر
دابة ليركبها وثوبا ليلبسه لا يجوز له أن يؤاجر غيره للركوب واللبس لما قلنا ولو باع المؤاجر الدار المستأجرة بعد
ما أجرها من غير عذر ذكر في الأصل أن البيع لا يجوز وذكر في بعض المواضع أن البيع موقوف وذكر في بعضها
أن البيع باطل والتوفيق ممكن لان في معنى قوله لا يجوز أي لا ينفذ وهذا لا يمنع التوقف وقوله باطل أي ليس له حكم
ظاهر للحال وهو تفسير التوقف والصحيح انه جائز في حق البائع والمشترى موقوف في حق المستأجر حتى إذا
انقضت المدة يلزم المشترى البيع وليس له أن يمتنع من الاخذ وليس للبائع أن يأخذ المبيع من يد المستأجر من غير
إجازة البيع فان أجاز جاز وان أبى فللمشتري أن يفسخ البيع ومتى فسخ لا يعود جائز أبعد انقضاء مدة الإجارة وهل
يملك المستأجر فسخ هذا البيع ذكر في ظاهر الرواية انه لا يملك الفسخ حتى لو فسخ لا ينفسخ حتى إذا مضت مدة
الإجارة كان للمشترى أن يأخذ الدار وروى الطحاوي عن أبي حنيفة ومحمد أن له أن ينقض البيع وإذا نقضه لا يعود
جائزا وروى عن أبي يوسف أنه ليس للمستأجر نفض البيع والإجارة كالعيب فإن كان المشترى عالما بها وقت
الشراء وقعت الإجارة لازمة وان لم يكن عالما بها وقت الشراء فهو بالخيار ان شاء نقض البيع لأجل العيب وهو الإجارة
وان شاء أمضاه وهذا كله مذهب أصحابنا وقال الشافعي البيع نافذ من غير إجازة المستأجر وجه قوله إن البيع صادف
207

محله لان الرقبة ملك المؤاجر وإنما حق المستأجر في المنفعة ومحل البيع العين ولا حق المستأجر فيها ولنا ان البائع
غير قادر على تسلميه لتعلق حتى المستأجر به وحق الانسان يجب صيانته عن الابطال ما أمكن وأمكن ههنا بالتوقف
في حقه فقلنا بالجواز في حق المشترى وبالتوقف في حق المستأجر صيانة للحقين ومراعاة للجانبين وعلى هذا إذا
أجر داره ثم أقر بها لانسان ان اقراره ينفذ في حق نفسه ولا ينفذ في حتى المستأجر بل يتوقف إلى أن تمضى مدة
الإجارة فإذا مضت نفذ الاقرار في حقه أيضا فيقضى بالدار للمقر له هذا بخلاف ما إذا أجر داره من إنسان ثم أجر من
غيره ان الإجارة الثانية موقوفة على إجازة المستأجر الأول فان أجازها جازت وان أبطلها بطلت وههنا
ليس للمستأجر أن يبطل البيع ووجه الفرق ان عقد الإجارة يقع على المنفعة إذ هو تمليك المنفعة والمنافع مالك
المستأجر الأول فتجوز بإجازته وتبطل بابطاله فاما الاقرار فإنما يقع على العين والعين ملك المؤاجر لكن للمستأجر
فيها حق فإذا زال حقه بتقدير المستأجر الأول إذا أجاز الإجارة الثانية حتى نفذت كانت الأجرة له لا لصاحب الدار
وفى البيع يكون الثمن لصاحب الملك ووجه الفرق على نحو ما ذكرنا لان الإجارة وردت على المنفعة وانها ملك
المستأجر الأول فإذا أجاز كان بدلها له فاما الثمن فإنه بدل العين والعين ملك المؤاجر فكان بدلها له وبالإجارة
لا ينفسخ عقد المستأجر الأول ما لم تمض مدة الإجارة الثانية فإذا مضت فإن كانت مدتهما واحدة تنقضي المدتان
جميعا وإن كانت مدة الثانية أقل فللأول أن يسكن حتى تتم المدة وكذلك لو رهنها المؤاجر قبل انقضاء مدة
الإجارة ان العقد جائز فيما بينه وبين المرتهن موقوف في حق المستأجر لتعلق حقه بالمستأجر وله أن يحبس حتى
تنقضي مدته وعلى هذا بيع المرهون من الراهن انه جائز بين البائع والمشترى موقوف في حق المرتهن وله ان يحبسه
حتى يستوفى ماله فإذا افتكها الراهن يجب عليه تسليم الدار إلى المشترى كما في الإجارة الا ان ههنا إذا أجاز المرتهن
البيع حتى جاء وسلم الدار إلى المشترى فالثمن يكون رهنا عند المرتهن قائما مقام الدار لان حق حبس العين كان
ثابتا له ما دامت في يده وبدل العين قائم مقام العين فثبت له حق حبسه وفرق القدوري بين الرهن والإجارة فقال في
الرهن للمرتهن ان يبطل البيع وليس للمستأجر ذلك لان حق المستأجر في المنفعة لا في العين فكان الفسخ منه
تصرفا في محل حق الغير فلا يملكه وأما حق المرتهن فتعلق بغير المرهون الا ترى انه يصير به مستوفيا للدين فكان
الفسخ منه تصرفا في محل حقه فيملكه والله عز وجل اعلم وللأجير ان يعمل بنفسه واجرائه إذا لم يشترط عليه في العقد
ان يعمل بيده لأن العقد وقع على العمل والانسان قد يعمل بنفسه وقد يعمل بغيره ولان عمل أجرائه يقع له فيصير كأنه
عمل بنفسه الا إذا شرط عليه عمله بنفسه لأن العقد وقع على عمل من شخص معين والتعيين مفيد لان العمال متفاوتون
في العمل فيتعين فلا يجوز تسليمها من شخص آخر من غير رضا المستأجر كمن استأجر جملا بعينه للحمل لا يجبر على
أخذ غيره ولو استأجر على الحمل ولم يعين حملا كان للمكارى ان يسلم إليه أي جمل شاء كذا ههنا وتطيين الدار
واصلاح ميزابها وما وهي من بنائها على رب الدار دون المستأجر لان الدار ملكه واصلاح الملك على المالك لكن
لا يجبر على ذلك لان المالك لا يجبر على اصلاح ملكه وللمستأجر ان يخرج ان لم يعمل المؤاجر ذلك لأنه عيب بالمعقود
عليه والمالك لا يجبر على إزالة العيب من ملكه لكن للمستأجر ان لا يرضى بالعيب حتى لو كان استأجر وهي كذلك ورآها
فلا خيار له لأنه رضى بالمبيع المعيب واصلاح دلو الماء والبالوعة والمخرج على رب الدار ولا يجبر على ذلك وإن كان امتلأ
من فعل المستأجر لما قلنا وقالوا في المستأجر إذا انقضت مدة الإجارة وفى الدار تراب من كنسه فعليه ان يرفعه لأنه
حدث بفعله فصار كتراب وضعه فيها وان امتلأ خلاها ومجراها من فعله فالقياس أن يكون عليه نقله لأنه حدث
بفعله فيلزمه نقله كالكناسة والرماد الا انهم استحسنوا وجعلوا نقل ذلك على صاحب الدار للعرف والعادة إذ العادة
بين الناس ان ما كان مغيبا في الأرض فنقله على صاحب الدار فحملوا ذلك على العادة فان أصلح المستأجر شيئا من ذلك
208

لم يحتسب له بما أنفع لأنه أصلح ملك غيره بغير أمره ولا ولاية عليه فكان متبرعا وقبض المستأجر على المؤاجر حتى
لو استأجر دابة ليركبها في حوائجه في المصر وقتا معلوما فمضى الوقت فليس عليه تسليمها إلى صاحبها بأن يمضى بها إليه
وعلى الذي أجرها ان يقبض من منزل المستأجر لان المستأجر وان انتفع بالمستأجر لكن هذه المنفعة إنما حصلت
له بعوض حصل للمؤجر فبقيت العين أمانة في يده كالوديعة ولهذا لا يلزمه نفقتها فلم يكن عليه ردها كالوديعة حتى
ولو أمسكها أياما فهلكت في يده لم يضمن شيئا سواء طلب منه المؤاجر أم لم يطلب لأنه لم يلزمه الرد إلى بيته بعد الطلب فلم
يكن متعديا في الامساك فلا يضمن كالمودع إذا امتنع عن رد الوديعة إلى بيت المودع حتى هلكت وهذا بخلاف
المستعار ان رده على المستعير لان نفعه له على الخلوص فكان رده عليه لقوله صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان
ولهذا كانت نفقته عليه فكذا مؤنة الرد فإن كان استأجرها من موضع مسمى في المصر ذاهبا وجائيا فان على
المستأجر ان يأتي بها إلى ذلك الموضع الذي قبضها فيه لا لان الرد واجب عليه بل لأجل المسافة التي تناولها العقد
لان عقد الإجارة لا ينتهى الا برده إلى ذلك الموضع فان حملها إلى منزله فامسكها حتى عطبت ضمن قيمتها لأنه تعدى في
حملها إلى غير موضع العقد فان قال المستأجر اركبها من هذا الموضع إلى موضع كذا وارجع إلى منزلي فليس على
المستأجر ردها إلى منزل المؤاجر لأنه لما عاد إلى منزله فقد انقضت مدة الإجارة فبقيت أمانة في يده ولم يتبرع المالك
بالانتفاع بها فلا يلزم ردها كالوديعة وليس للظئر ان تأخذ صبيا آخر فترضعه مع الأول فان أخذت صبيا آخر
فأرضعته مع الأول فقد أساءت واثمت إن كانت قد أضرت بالصبي ولها الاجر على الأول والاخر (أما) الاثم
فلانه قد استحق عليها كمال الرضاع ولما أرضعت صبيين فقد أضرت بأحدهما لنقصان اللبن (وأما)
استحقاق الأجرة فلان الداخل تحت العقد الارضاع مطلقا وقد وجد وللمسترضع ان يستأجر ظئرا آخر لقوله
عز وجل وان أردتم ان تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف نفى الجناح عن المسترضع
مطلقا فان أرضعته الأخرى فلها الاجرى أيضا فان استأجرت الظئر ظئر أخرى فأرضعته أو دفعت الصبي
إلى جاريتها فأرضعته فلها الاجر استحسانا والقياس أن لا يكون لها الاجر وجه القياس ان العقد وقع على عملها فلا
تستحق الاجر بعمل غيرها كمن استأجر أجيرا ليعمل بنفسه فامر غيره فعمل لم يستحق الأجرة فكذا هذا وجه
الاستحسان ان ارضاعها قد يكون بنفسها وقد يكون بغيرها لان الانسان تارة يعمل بنفسه وتارة بغيره ولان الثانية لما
عملت بأمر الأولى وقع عملها للأولى فصار كأنها عملت بنفسها هذا إذا أطلق فاما إذا قيد ذلك بنفسها ليس لها
تسترضع أخرى لأن العقد أوجب الارضاع بنفسها فان استأجرت أخرى فأرضعته لا تستحق الاجر كما
قلنا في الإجارة على الاعمال وليس للمسترضع ان يحبس الظئر في منزله إذا لم يشترط ذلك عليها ولها ان
تأخذ الصبي إلى منزلها لان المكان لم يدخل تحت العقد وليس على الظئر طعام الصبي ودواؤه الآن ذلك لم يدخل
في العقد وما ذكره في الأصل ان على الظئر ما يعالج به الصبيان من الريحان والدهن فذلك محمول على العادة وقد
قالوا في توابع العقود التي لا ذكر لها في العقود انها تحمل على عادة كل بلد حتى قالوا فيمن استأجر رجلا يضرب
له لبنا ان الزنبيل والملبن علي صاحب اللبن وهذا على عادتهم وقالوا فيمن استأجر على حفر قبر ان حثى التراب عليه
إن كان أهل تلك البلاد يتعاملون به وتشريج اللبن علي اللبان واخراج الخبز من التنور على الخباز لان ذلك من تمام
العمل وقالوا في الخياط ان السلوك عليه لان عادتهم جرت بذلك وقالوا في الدقيق الذي يصلح به الحائك الثوب
انه على صاحب الثوب فإن كان أهل بلد تعاملوا بخلاف ذلك فهو على ما يتعاملون وقالوا في الطباخ إذا استأجر في
عرس ان اخراج المرق عليه ولو طبخ قدرا خاصة ففرغ منها فله الاجر وليس عليه من اخراج المرق شئ وهو مبنى
على العادة يختلف باختلاف العادة وقالوا فيمن تكارى دابة يحمل عليها حنطة إلى منزله فلما انتهى إليه أراد صاحب
الحنطة ان يحمل المكارى ذلك فيدخله منزله وأبى المكارى قالوا قال أبو حنيفة عليه ما يفعله الناس ويتعاملون عليه
209

وان أراد ان يصعد بها إلى السطح والغرفة فليس عليه ذلك الا أن يكون اشترطه ولو كان حمالا على ظهره فعليه
ادخال ذلك وليس عليه ان يصعد به إلى علو البيت الا ان يشترطه وإذا تكارى دابة فالاكاف على صاحب الدابة
فاما الحبال والجوالق فعلى ما تعارفه أهل الصنعة وكذلك اللجام وأما السرج فعلى رب الدابة الا أن تكون سنة البلد
بخلاف ذلك فيكون على سنتهم وعلى هذا مسائل ولو التقط رجل لقيطا فاستأجر له ظئرا فالأجرة عليه وهو متطوع
في ذلك أما لزوم الأجرة إياه فلانه التزم ذلك فيلزمه وأما كونه متطوعا فيه فلانه لا ولاية له على اللقيط فلا يملك ايجاب
الدين في ذمته ورضاعه على بيت المال لان ميراثه لبيت المال وأما الثاني وهو الذي يرجع إلى صفة المستأجر
والمستأجر فيه فالكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان صفة المستأجر والمستأجر فيه والثاني في بيان ما يغير تلك
الصفة أما الأول فنقول وبالله التوفيق لا خلاف في أن المستأجر أمانة في يد المستأجر كالدار والدابة وعبد الخدمة
ونحو ذلك حتى لو هلك في يده بغير صنعه لا ضمان عليه لان قبض الإجارة قبض مأذون فيه فلا يكون مضمونا كقبض
الوديعة والعارية وسواء كانت الإجارة صحيحة أو فاسدة لما قلنا وأما المستأجر فيه كثوب القصارة والصباغة والخياطة
والمتاع المحمول في السفينة أو على الدابة أو على الجمال ونحو ذلك فالأجير لا يخلو اما إن كان مشتركا أو خاصا وهو المسمى
أجير الوحد فإن كان مشتركا فهو أمانة في يده في قول أبي حنيفة وزفر والحسن بن زياد وهو أحد قولي الشافعي وقال
أبو يوسف ومحمد هو مضمون عليه الا حرق غالب أو غرق غالب أو لصوص مكابرين ولو احترق بيت الأجير
المشترك بسراج يضمن الأجير كذا روى عن محمد لان هذا ليس بحريق غالب وهو الذي يقدر على استدراكه لو علم
به لأنه لو علم به لأطفأه فلم يكن موضع العذر وهو استحسان ثم إن هلك قبل العمل يضمن قيمته غير معمول ولا أجر له
وان هلك بعد العمل فصاحبه بالخيار ان شاء ضمنه قيمته معمولا وأعطاه الاجر بحسابه وان شاء ضمنه قيمته غير
معمول ولا أجر له واحتجا بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال على اليد ما أخذت حتى ترده وقد عجز
عن رد عينه بالهلاك فيجب رد قيمته قائما مقامه وروى أن عمر رضي الله عنه كان يضمن الأجير المشترك احتياطا
لأموال الناس وهو المعنى في المسألة وهو ان هؤلاء الاجراء الذين يسلم المال إليهم من غير شهود تخاف الخيانة منهم فلو
علموا انهم لا يضمنون لهلكت أموال الناس لأنهم لا يعجزون عن دعوى الهلاك وهذا المعنى لا يوجد في الحرق
الغالب والغرق والغالب والسرق الغالب ولأبي حنيفة ان الأصل ان لا يجب الضمان الا على المتعدى لقوله عز وجل
ولا عدوان الا على الظالمين ولم يوجد التعدي من الأجير لأنه مأذون في القبض والهلاك ليس من صنعه فلا يجب
الضمان عليه ولهذا لا يجب الضمان على المودع والحديث لا يتناول الإجارة لان الرد في باب الإجارة لا يجب على
المستأجر فكان المراد منه الإعارة والغصب وفعل عمر رضي الله عنه يحتمل انه كان في بعض الاجراء وهو المتهم بالخيانة
وبه نقول ثم عندهما إنما يجب الضمان على الأجير إذا هلك في يده لأن العين إنما تدخل في الضمان عندهما بالقبض
كالعين المغصوبة فما لم يوجد القبض لا يجب الضمان حتى لو كان صاحب المتاع معه راكبا في السفينة أو راكبا على الدابة
التي عليها الحمل فعطب الحمل من غير صنع الأجير لا ضمان عليه لان المتاع في يد صاحبه وكذلك إذا كان صاحب المتاع
والمكاري راكبين على الدابة أو سائقين أو قائدين لان المتاع في أيديهما فلم ينفرد الأجير باليد فلا يلزمه ضمان اليد
وروى بشر عن أبي يوسف انه ان سرق المتاع من رأس الحمال وصاحب المتاع يمشى معه لا ضمان عليه لان المتاع
لم يصر في يده حيث لم يخل صاحب المتاع بينه وبين المتاع وقالوا في الطعام إذا كان في سفينتين وصاحبه في إحداهما
وهما مقرونتان أو غير مقرونتين الا ان سيرهما جميعا وحبسهما جميعا فلا ضمان على الملاح فيما هلك من يده لأنه هلك في
يد صاحبه وكذلك القطار إذا كان عليه حمولة ورب الحمولة على بعير فلا ضمان على الجمال لان المتاع في يد صاحبه لأنه
هو الحافظ له وروى ابن سماعة عن أبي يوسف في رجل استأجر حمالا ليحمل عليه زقا من سمن فحمله صاحب الزق
والحمال جميعا ليضعاه على رأس الحمال فانخرق الزق وذهب ما فيه قال أبو يوسف لا يضمن الحمال لأنه لم يسلم إلى
210

الحمال بل هو في يده قال وان حمله إلى بيت صاحبه ثم أنزله الحمال من رأسه وصاحب الزق فوقع من أيديهما فالحمال
ضامن وهو قول محمد الأول ثم رجع وقال لا ضمان عليه لأبي يوسف ان المحمول داخل في ضمان الحمالة بثبوت يده
عليه فلا يبرأ الا بالتسليم إلى صاحبه فإذا أخطئا جميعا فيد الحمال لم تزل فلا يزول الضمان ولمحمد ان الشئ قد وصل إلى
صاحبه بانزاله فخرج من أن يكون مضمونا كما لو حملاه ابتداء إلى رأس الحمال فهلك وروى هشام عن محمد فيمن دفع
إلى رجل مصحفا يعمل فيه ودفع الغلاف معه أو دفع سيفا إلى صيقل يصقله باجر ودفع الجفن معه فضاعا قال محمد
يضمن المصحف والغلاف والسيف والجفن لان المصحف لا يستغنى عن الغلاف والسيف لا يستغنى عن الجفن
فصارا كشئ واحد قال فان أعطاه مصحفا يعمل له غلافا أو سكينا يعمل له نصالا فضاع المصحف أو ضاع السكين لم
يضمن لأنه لم يستأجره على أن يعمل فيهما بل في غيرهما ولو اختلف الأجير وصاحب الثوب فقال الأجير رددت
وأنكر صاحبه فالقول قول الأجير في قول أبي حنيفة لأنه أمين عنده في القبض والقول قول الأمين مع اليمين ولكن
لا يصدق في دعوى الاجر وعندهما القول قول صاحب الثوب لان الثوب قد دخل في ضمانه عندهما فلا يصدق
على الرد الا ببينة وإن كان الأجير خاصا فما في يده يكون أمانة في قولهم جميعا حتى لو هلك في يده بغير صنعه لا يضمن أما
على أصل أبي حنيفة فلانه لم يوجد منه صنع يصلح سببا لوجوب الضمان لان القبض حصل بإذن المالك وأما على
أصلهما فلان وجوب الضمان في الأجير المشترك ثبت استحسانا صيانة لأموال الناس ولا حاجة إلى ذلك في الأجير
الخاص لان الغالب انه يسلم نفسه ولا يتسلم المال فلا يمكنه الخيانة والله عز وجل أعلم وأما الثاني وهو بيان ما يغيره من
صفة الأمانة إلى الضمان فالمغير له أشياء منها ترك الحفظ لان الأجير لما قبض المستأجر فيه فقد التزم حفظه وترك الحفظ
الملتزم سبب لوجوب الضمان كالمودع إذا ترك حفظ الوديعة حتى ضاعت على ما نذكره في كتاب الوديعة إن شاء الله
تعالى ومنها الاتلاف والافساد إذا كان الأجير متعديا فيه بان تعمد ذلك أو عنف في الدق سواء كان مشتركا أو خاصا
وان لم يكن متعديا في الافساد بأن أفسد الثوب خطأ بعمله من غير قصده فإن كان الأجير خاصا لم يضمن بالاجماع وإن كان
مشتركا كالقصار إذا دق الثوب فتخرق أو ألقاه في النورة فاحترق أو الملاح غرقت السفينة من عمله ونحو ذلك فإنه
يضمن في قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر لا يضمن وهو أحد قولي الشافعي وجه قول زفر ان الفساد حصل بعمل مأذون
فيه فلا يجب الضمان كالأجير الخاص والمعين والدليل على أنه حصل بعمل مأذون فيه انه حصل بالدق والدق مأذون
فيه ولئن لم يكن مأذونا فيه لكن لا يمكنه التحرز عن هذا النوع من الفساد لأنه ليس في وسعه الدق المصلح فأشبه
الحجام والبزاغ ولئن كان ذلك في وسعه لكنه لا يمكنه تحصيله الا بحرج والحرج منفى فكان ملحقا بما ليس في الوسع
ولنا ان المأذون فيه الدق المصلح لا المفسد لان العاقل لا يرضى بافساد ماله ولا يلتزم الأجرة بمقابلة ذلك فيتقيد
الامر بالمصلح دلالة وقوله لا يمكنه التحرز عن الفساد ممنوع بل في وسعه ذلك بالاجتهاد في ذلك وهو بذل المجهود
في النظر في آلة الدق ومحله وارسال المدقة على المحل على قدر ما يحتمله مع الحذاقة في العمل والمهارة في الصنعة وعند
مراعاة هذه الشرائط لا يحصل الفساد فلما حصل دل انه قصر كما نقول في الاجتهاد في أمور الدين
الا أن الخطأ في حقوق العباد ليس بعذر حتى يؤاخذ الخاطئ بالضمان وقوله لا يمكنه التحرز عن الفساد
الا بحرج مسلم لكن الحرج إنما يؤثر في حقوق الله عز وجل بالاسقاط لا في حقوق العباد وبهذا فارق الحجام
والبزاغ لان السلامة والسراية هناك مبينة على قوة الطبيعة وضعفها ولا يوقف على ذلك بالاجتهاد فلم يكن في وسعه
الاحتراز عن السراية فلا يتقيد العقد بشرط السلامة وأما الأجير الخاص فهناك وان وقع عمله افسادا حقيقة الا
أن عمله يلتحق بالعدم شرعا لأنه لا يستحق الأجرة بعمله بل بتسليم نفسه إليه في المدة فكأنه لم يعمل وعلى هذا
الخلاف الحمال إذا زلقت رجله في الطريق أو عثر فسقط وفسد حمله ولو زحمه الناس حتى فسد لم يضمن بالاجماع
لأنه لا يمكنه حفظ نفسه عن ذلك فكان بمعنى الحرق الغالب والغرق الغالب ولو كان الحمال هو الذي زاحم الناس
211

حتى انكسر يضمن عند أصحابنا الثلاثة وكذلك الراعي المشترك إذا ساق الدواب على السرعة فازدحمن على القنطرة
أو على الشط فدفع بعضها بعضا فسقط في الماء فعطب فعلى هذا الخلاف ولو تلفت دابة بسوقه أو ضربه إياها فان ساق
سوقا معتادا أو ضرب ضربا معتادا فعطبت فهو على الاختلاف وان ساق أو ضرب سوقا وضربا بخلاف العادة
يضمن بلا خلاف لان ذلك اتلاف على طريق التعدي ثم إذا تخرق الثوب من عمل الأجير حتى ضمن لا يستحق الأجرة
لأنه ما أوفى المنفعة بل المضرة لان ايفاء المنفعة بالعمل المصلح دون المفسد وفى الحمال إذا وجب ضمان المتاع
المحمول فصاحبه بالخيار ان شاء ضمنه قيمته في الموضع الذي سلمه إليه وان شاء في الموضع الذي فسد أو هلك وأعطاه
الاجر إلى ذلك الموضع وروى عن أبي حنيفة انه لا خيار له بل يضمنه قيمته محمولا في الموضع الذي فسد أو هلك أما
التخيير على أصل أبى يوسف ومحمد فظاهر لأنه وجد جهتا الضمان القبض والاتلاف فكان له أن يضمنه بالقبض يوم
القبض وله ان يضمنه بالاتلاف يوم الاتلاف أما على أصل أبي حنيفة ففيه اشكال لان عنده الضمان يجب بالاتلاف
لا بالقبض فكان لوجوب الضمان سبب واحد وهو الاتلاف فيجب أن تعتبر قيمة يوم الاتلاف ولا خيار له فيما يروى
عنه والجواب عنه من وجهين أحدهما أنه وجد ههنا سببان لوجوب الضمان أحدهما الاتلاف والثاني العقد لان
الأجير بالعقد السابق التزم الوفاء بالمعقود عليه وذلك بالعمل المصلح وقد خالف والخلاف في أسباب وجوب الضمان
فثبت له الخيار ان شاء ضمنه بالعقد وان شاء بالاتلاف والثاني انه لما لم يوجد منه ايفاء المنفعة في القدر التالف فقد تفرقت
عليه الصفقة في المنافع فيثبت له الخيار ان شاء رضى بتفريقها وان شاء فسخ العقد ولا يكون ذلك الا بالتخيير ولو كان
المستأجر على حمله عبيدا صغارا أو كبارا فلا ضمان على المكارى فيما عطب من سوقه ولا قوده ولا يضمن بنو آدم من
وجه الإجارة ولا يشبه هذا المتاع لان ضمان بني آدم ضمان جناية وضمان الجناية لا يجب بالعقد دلت هذه المسألة على أن
ما يضمنه الأجير المشترك يضمنه بالعقد لا بالافساد والاتلاف لان ذلك يستوى فيه المتاع والآدمي وان وجوب
الضمان فيه بالخلاف لا بالاتلاف وذكر بشر في نوادره عن أبي يوسف في القصار إذا استعان بصاحب الثوب ليدق
معه فتخرق ولا يدرى من أي الدق تخرق ودق كان صحيحا قبل أن يدقاه قال على القصار نصف القيمة وقال ابن سماعة
عن محمد ان الضمان كله على القصار حتى يعلم أنه تخرق من دق صاحبه أو ممن دقهما فمحمد مر على أصلهما ان الثوب
دخل في ضمان القصار بالقبض بيقين فلا يخرج عن ضمانه الا بيقين مثله وهو أن يعلم أن التخرق حصل بفعل غيره
ولأبي يوسف ان الفساد احتمل أن يكون من فعل القصار واحتمل انه من فعل صاحب الثوب فيجب الضمان على
القصار في حال ولا يجب ن حال فلزم اعتبار الأحوال فيه فيجب نصف القيمة وقالوا في تلميذ الأجير المشترك إذا
وطئ ثوبا من القصارة فخرقه يضمن لان وطئ الثوب غير مأذون فيه ولو وقع من يد سراج فاحرق ثوبا من القصارة
فالضمان على الأستاذ ولا ضمان على التلميذ لان الذهاب والمجئ بالسراج عمل مأذون فيه فينتقل عمله إلى الأستاذ
كأنه فعله بنفسه فيجب الضمان عليه ولو دق الغلام فانقلب الكودين من غير يده فحرق ثوبا من القصارة فالضمان
على الأستاذ لان هذا من علم القصارة فكان مضافا إلى الأستاذ فإن كان ثوبا وديعة عند الأستاذ فالضمان على الغلام
لان عمله إنما يضاف إلى الأستاذ فيما يملك تسليطه عليه واستعماله فيه وهو إنما يملك ذلك في ثياب القصارة لا في
ثوب الوديعة فبقي مضافا إليه فيجب عليه الضمان كالأجنبي وكذلك لو وقع من يده سراج على ثوب لوديعة فاحرقه
فالضمان على الغلام لما قلنا وذكر في الأصل لو أن رجلا دعى قوما إلى منزله فمشوا على بساطه فتخرق لم يضمنوا كذلك
لو جلسوا على وسادة لأنه مأذون في المشي على البساط والجلوس على الوسادة فالمتولد منه لا يكون مضمونا ولو وطؤا
آنية من الأواني ضمنوا لان هذا مما لا يؤذن في وطئه فكذلك إذا وطؤا ثوبا لا يبسط مثله ولو قلبوا اناء بأيديهم
فانكسر لم يضمنوا لان ذلك عمل مأذون فيه ولو كان رجل منهم مقلدا سيفا فخرق السيف الوسادة لم يضمن لأنه
مأذون في الجلوس على هذه الصفة ولو جفف القصار ثوبا على حبل في الطريق فمرت عليه حمولة فخرقته فلا ضمان
212

على القصار والضمان على سائق الحمولة لان الجناية من السائق لان المشي في الطريق مقيد بالسلامة فكان التلف
مضافا إليه فكان الضمان عليه ولو تكارى رجل دابة ليركبها فضربها فعطبت أو كبحها باللجام فعطبها ذلك فإنه
ضامن الا أن يأذن له صاحب الدابة في ذلك عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد نستحسن ان لا نضمنه إذا لم يتعد في
الضرب المعتاد والكبح المعتاد وجه قولهما ان ضرب الدابة وكبحها معتاد متعارف والمعتاد كالمشروط ولو شرط ذلك
لا يضمن كذا هذا ولأبي حنيفة كان كل واحد منهما من الضرب والكبح مأذون فيه لأن العقد لا يوجب الاذن
بذلك لامكان استيفاء المنافع بدونه فصار كما لو كان ذلك من أجنبي على أنا ان سلمنا أنه مأذون فيه لكنه مقيد
بشرط السلامة لأنه يفعله لمنفعة نفسه مع كونه مخيرا فيه فأشبه ضربه لزوجته ودعوى العرف في غير الدابة المملوكة ممنوعة
على أن كونهم مأذونا فيه لا يمنع وجوب الضمان إذا كان شرط السلامة على ما ذكرنا والله عز وجل أعلم ومنها الخلاف
وهو سبب لوجوب الضمان إذا وقع غصبا لأن الغصب سبب لوجوب الضمان وجملة الكلام فيه أن الخلاف قد يكون
في الجنس وقد يكون في القدر وقد يكون في الصفة وقد يكون في المكان وقد يكون في الزمان والخلاف من هذه الوجوه
قد يكون في استئجار الدواب وقد يكون في استئجار الصناع كالحائك والصباغ والخياط خلا المكان اما استئجار
الدواب فالمعتبر في الخلاف فيه في الجنس والقدر والصفة في استئجار الدواب ضرر الدابة فإن كان الخلاف فيه
في الجنس ينظر إن كان ضرر الدابة فيه بالخفة والثقل يعتبر الخلاف فيه من جهة الخفة والثقل فإن كان الضرر في
الثاني أكثر يضمن كل القيمة إذا عطبت الدابة لأنه يصير غاصبا لكلها وإن كان الضرر في الثاني مثل الضرر في الأول
أو أقل لا يضمن عندنا لان الاذن بالشئ اذن بما هو مثله أو دونه فكان مأذونا بالانتفاع به من هذه الجهة دلالة
فلا يضمن وإن كان ضرر الدابة فيه لا من حيث الخفة والثقل بل من وجه آخر لا يعتبر فيه الخلاف من حيث الخفة
والثقل وإنما يعتبر من ذلك الوجه لان ضرر الدابة من ذلك الوجه وإن كان الخلاف في القدر والضرر فيه من حيث
الخفة والثقل يعتبر الخلاف في ذلك القدر ويجب الضمان بقدره لأن الغصب يتحقق بذلك القدر وإن كان الضرر فيه
من جهة أخرى تعتبر تلك الجهة في الضمان لا الخفة والثقل وإن كان الخلاف في الصفة وضرر الدابة ينشأ منها يعتبر
الخلاف فيها وبين الضمان عليها وبيان هذه الجملة في مسائل إذا استجار دابة ليحمل عليها عشرة مخاتيم شعير فحمل
عليها عشرة مخاتيم حنطة فعطبت يضمن قيمتها لان الحنطة أثقل من الشعير وليس من جنسه فلم يكن مأذونا فيه أصلا
فصار غاصبا كل الدابة متعديا عليها فيضمن كل قيمتها ولا أجر عليه لان الاجر مع الضمان لا يجتمعان لان وجوب
الضمان لصيرورته غاصبا ولا أجرة على الغاصب على أصلنا ولان المضمونات تملك على أصل أصحابنا وذا يمنع وجوب الأجرة
عليه ولو استأجرها ليحمل عليها حنطة فحمل عليها مكيلا آخر ثقله كثقل الحنطة وضرره كضررها فعطبت
لا يضمن وكذلك من استأجر أرضا ليزرع فيها نوعا سماه فزرع غيره وهما متساويان في الضرر بالأرض وكذلك
ان استأجرها ليحمل عليها قفيزا من حنطة فحمل عليها قفيزا من شعير وكذا إذا استأجر أرضا ليزرع فيها نوعا آخر
ضرره أقل من ضرر المسمى وهذا كله استحسان وهو قول أصحابنا الثلاثة والقياس أن يضمن وهو قول زفر لان
الخلاف قد تحقق فتحقق الغصب ولنا أن الخلاف إلى مثله أو إلى ما هو دونه في الضرر لا يكون خلافا معنى لان
الثاني إذا كان مثله في الضرر كان الرضا بالأول رضا بالثاني وإذا كان دونه في الضرر فإذا رضى الأول كان بالثاني
أرضى فصار كما لو استأجرها ليحمل عليها حنطة نفسه فحمل عليها حنطة غيره وهما متساويان في الكيل أو ليحمل
عليها عشرة فحمل عليها تسعة انه لا يصير مخالفا كذا هذا ولو استأجرها ليحمل عليها عشرة أقفزة حنطة فحمل عليها
أحد عشرة فان سلمت فعليه ما سمى من الأجرة ولا ضمان عليه وان عطبت ضمن جزأ من أحد عشر جزأ من قيمة
الدابة وهو قول عامة العلماء وقال زفر وابن أبي ليلى يضمن قيمة كل الدابة لان التلف حصل بالزيادة فكانت الزيادة
علة التلف ولنا أن تلف الدابة حصل بالثقل والثقل بعضه مأذون فيه وبعضه غير مأذون فيه فيقسم التلف أحد عشر
213

جزأ فيضمن بقدر ذلك ونظير هذا ما قال أصحابنا في حائط بين شريكن أثلاثا مال إلى الطريق فاشهد على أحدهما
دون الآخر فسقط الحائط على رجل فقتله الذي أشهد عليه قدر نصيبه لأنه مات من ثقل الحائط
أثلاث كذا هذا وعلى الاجر لأنه استوفى المعقود عليه وهو حمل عشرة مخاتيم وخالف في الزيادة وانها استوفيت
من غير عقد فلا أجر لها وكذا لو استأجر سفينة ليطرح فيها عشرة أو اكرار فطرح فيها أحد عشر فغرقت السفينة انه
يجب الضمان بقدر الزيادة عند عامة العلماء وعند زفر وان أبى ليلى يضمن قيمة كل السفينة لان التلف الحصل بقدر
الزيادة فهي علة تلف الا ترى انه لو لم يزد لما حصل التلف والجواب أن هذا ممنوع بل التلف حصل بالكل ألا ترى
ان الكر الزائد لو أنفرد لما حصل به التلف فثبت أن التلف حصل بالكل والبعض مأذون وغير مأذون
فيه فما هلك بما هو مأذون فيه لا ضمان عليه فيه وما هلك بما هو غير مأذون فيه ففيه الضمان وصار كمسألة الحائط ولو
استأجر دابة ليحمل عليها مائة رطل من قطن فحمل عليها مثل وزنه حديد أو أقل من وزنه فعطبت الدابة
لا يضمن قيمتها لان ضرر الدابة ههنا ليس للثقل بل للانبساط والاجتماع لان القطن ينبسط على ظهر الدابة والحديد
يجتمع في موضع واحد فيكون أنكى لظهر الدابة وأعقر لها فلم يكن مأذونا فيه فصار غاصبا فيضمن ولا أجرة عليه لما
قلنا وكذلك إذا استأجر ليحملها حنطة فحمل عليها حطبا أو خشبا أو حديدا أو حجارة أو نحو ذلك مما
يكون أنكى لظهر الدابة أو أعقر له حتى عطبت يضمن كل القيمة ولا أجر عليه لما قلنا ولو استأجرها ليركبها فحمل عليها
أو استأجرها ليحمل عليها فركبها حتى فطبت ضمن لان الجنس قد اختلف وقد يكون الضرر في أحدهما أكثر ولو
استأجرها ليركبها فاركبها من هو مثله في الثقل أو أخف منه ضمن لان الخلاف ههنا ليس من جهة الخفة والثقل بل من
حيث الحرق والعمل فان خفيف البدن إذا لم يحسن الركوب يضر بالدابة والثقيل الذي يحسن الركوب لا يضربها فإذا
عطبت علم أن التلف حصل من حرقه بالركوب فضمن ولا أجر عليه لما قلنا ولو استأجر دابة ليركبها بنفسه فاركب
معه غيره فعطبت فهو ضامن لنصف قيمتها ولا يعتبر الثقل ههنا لان تلف الدابة ليس من ثقل الراكب بل من قلة
معرفته الركوب فصار تلفها بركوبها بمنزلة تلفها بجراحتها وركوب أحدهما مأذون فيه وركوب الاخر غير مأذون فيه
فيضمن نصف قيمتها وصار كحائط بين شريكين أثلاثا أشهد على أحدهما فوقعت منه آجرة فقتلت رجلا فعلى
الذي أشهد عليه نصف ديته وإن كان نصيبه من الحائط أقل من النصف لان التلف ما حصل بالثقل بل بالجرح
والجراحة اليسيرة كالكثيرة في حكم الضمان كمن جرح انسانا جراحة وجرحه آخر جراحتين فمات من ذلك كان
الضمان عليها نصفين كذا ههنا وعليه والأجرة لأنه استوفى المعقود عليه وزيادة على ذلك وهو اركاب الغير غير أن
الزيادة استوفيت من غير عقد فلا يجب بها الاجر هذا إذا كانت الدابة تطيق اثنين فإن كانت لا تطيقهما فعليه جميع
قيمتها لأنه أتلفها باركاب غيره ولو استأجر حمارا باكاف فنزعه منه وأسرجه فعطب فلا ضمان عليه لان ضرر السرج
أقل من ضرر الاكاف لأنه يأخذ من ظهر الدابة أقل مما يأخذ اتكاف ولو استأجر حمارا بسرج فنزع منه السرج
وأو كفه فعطب بذكر في الأصل أنه يضمن قدر ما زاد الاكاف على السرج ولم يذكر الاختلاف وذكر في الجامع
الصغير أنه يضمن كل القيمة في قول أبي حنيفة وفى قولهما يضمن بحساب الزيادة وجه قولهما ان الاكاف والسرج
كل واحد منهما يركب به عادة وإنما يختلفان بالثقل والخفة لان الاكاف أثقل فيضمن قدر الثقل كما لو استأجره
بسرج فنزعه وأسرجه بسرج آخر أثقل من الأول فعتب أنه يضمن بقدر الزيادة كذا هذا ولأبي حنيفة أن الاكاف لا يخالف السرج في الثقل وإنما يخالفه من وجه آخر وهو أنه يأخذ من ظهر الدابة أكثر مما يأخذ السرج ولان الدابة
التي لم تألف الاكاف يضربها الاكاف والخلاف إذا لم يكن للثقل يجب به جميع الضمان كما إذا حمل مكان القطن الحديد
ونحو ذلك بخلاف ما إذا بدل السرج سرج أثقل منه والاكاف باكاف أثقل منه لان التفاوت هناك من ناحية الثقل
فيضمن بقدر الزيادة كما في الزيادة على المقدرات من جنسها على ما مر ولو استأجر حمارا عاريا فاسرجه ثم ركب
214

فعطب كان ضامنا لان السرج أثقل على الدابة وقيل هذا إذا استأجر ليركبه في المصر وهو من غرض الناس
ممن يركب في المصر بغير سرج فاما إذا استأجره ليركبه خارج المصر أو هو من ذوي الهيئات لا يضمن لان الحمار
لا يركب من بلد إلى بلد بغير سرج ولا اكاف وكذا ذو الهيئة فكان الاسراج مأذونا فيه دلالة فلا يضمن وان استأجر
حمارا بسرج فاسرجه بغيره فإن كان سرجا يسرج بمثله الحمر فلا ضمان عليه وإن كان لا يسرج بمثله الحمر فهو ضامن لان
الثاني إذا كان مما يسرج به الحمر لا يتفاوتان في الضرر فكان الاذن بأحدهما اذنا بالاخر دلالة وإذا كان مما لا يسرج
بمثله الحمر بأن كان سرجا كبيرا كسروج البراذين كان ضرره أكثر فكان اتلافا للدابة فيضمن وكذلك ان لم يكن عليه
لجام فالجمه فلا ضمان عليه إذا كان مثله يلجم بمثل ذلك اللجام وكذلك ان أبدله لان الحمار لا يتلف بأصل اللجام فإذا
كان الحمار قد يلجم بمثله أو أبدله بمثله لم يوجد منه الاتلاف ولا الخلاف فلا يضمن وأما الخلاف في المكان فنحو أن
يستأجر دابة للركوب أو للحمل إلى مكان معلوم فجاوز ذلك المكان وحكمه أنه كما جاوز المكان المعلوم دخل المستأجر
في ضمانه حتى لو عطب قبل العود إلى المكان المأذون فيه يضمن كل القيمة ولو عاد إلى المكان المأذون فيه هل يبرأ عن
الضمان كان أبو حنيفة أولا يقول يبرأ كالمودع إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق وهو قول زفر وعيسى بن أبان من أصحابنا ثم
رجع وقال لا يبرأ مها إلى صاحبها سليمة وكذلك العارية بخلاف الوديعة وجه قوله الأول ان الشئ أمانة في
يده ألا ترى انه لو هلك في يده قبل الخلاف لا ضمان عليه فكانت يده يد المالك فالهلاك في يده كالهلاك في يد المالك
فأشبه الوديعة ولهذا لو هلك في يده ثم استحق بعد الهلاك وضمنه المستحق يرجع على المؤاجر
كالمودع سواء بخلاف المستعير فإنه لا يرجع (وجه) قوله الآخر ان يد المستأجر يد نفسه لأنه قبض الشئ لمنفعة
نفسه فكانت يده يد نفسه لا يد المؤاجر وكذا يد المستعير لما قلنا وإذا كانت يده يد نفسه فإذا ضمن بالتعدي لا يبرأ من
ضمانه الا برده إلى صاحبه لأنه لا تكون الإعادة إلى المكان المأذون فيه رد إلى يد نائب المالك فلا يبرأ من الضمان
بخلاف الوديعة لان يد المودع يد المالك لا يد نفسه ألا ترى انه لا ينتفع بالوديعة فكان العود إلى الوفاق رد إلى
يد نائب المالك فكان ردا إلى المالك معنى فهو الفرق وأما الرجوع على المؤاجر بالضمان فليس ذلك لكون يده يد
المؤاجر بل لأنه صار مغرورا من جهته كالمشترى إذا استحق المبيع من يده انه يرجع على البائع بسبب الغرور
كذا هذا ولو استأجرها ليركبها إلى مكان عينه فركبها إلى مكان آخر يضمن إذا هلكت وإن كان الثاني أقرب من
الأول لأنه صار مخالفا لاختلاف الطرق إلى الأماكن فكان بمنزلة اختلاف الجنس ولا أجرة عليه لما قلنا ولو ركبها
إلى ذلك المكان الذي عينه لكن من طريق آخر ينظر إن كان الناس يسلكون ذلك الطريق لا يضمن لأنه لم يصر
مخالفا وإن كانوا لا يسلكونه يضمن إذا هلكت لصيرورته مخالفا غاصبا بسلوكه وان لم تهلك وبلغ الموضع المعلوم
ثم رجع وسلم الدابة إلى صاحبها فعليه الاجر ولو استأجرها ليركبها أو ليحمل عليها إلى مكان معلوم فذهب بها ولم يركبها
ولم يحمل عليها شيئا فعليه الاجر لأنه سلم المنافع إليه بتسليم محلها إلى المكان المعلوم فصار كما استأجر دارا ليسكنها
فسلم المفتاح إليه فلم يسكن حتى مضت المدة انه يجب الأجرة لم قلنا كذا هذا ولو أمسك الدابة في الموضع الذي
استأجرها ولم يذهب بها إلى الموضع الذي استأجرها إليه فان أمسكها على قدر ما يمسك الناس إلى أن يرتحل فهلك فلا
ضمان عليه لان حبس الدابة ذلك القدر مستثنى عادة فكان مأذونا فيه دلالة وان حبس مقدار ما لا يحبس الناس مثله
يومين أو ثلاثة فعطب يضمن لأنه خالف في المكان بالامساك الخارج عن العادة فصار غاصبا فيضمن إذا هلك ولا
أجرة عليه لما قلنا وان لم تهلك فأمسكها في بيته فلا أجر عليه لما مر ان الأجرة بمقابلة تسليم الدابة في جميع الطريق ولم
يوجد بخلاف ما إذا استأجرها عشرة أيام ليركبها فحبسها ولم يركبها حتى ردها يوم العاشر ان عليه الأجرة ويسع
لصاحبها أن يأخذ الكراء وإن كان يعلم أنه لم يركبها لان استحقاق الأجرة في الإجارات على الوقت بالتسليم في
الوقت وقد وجد فتجب الأجرة كما في إجارة الدار ونحوها بخلاف الإجارة على المسافة فان الاستحقاق هناك بالتسليم
215

في جميع الطريق ولم يوجد فلا يجب وأما الخلاف في الزمان فنحو أن يستأجر دابة ليركبها أو يحمل عليها مدة معلومة
فانتفع بها زيادة على المدة فعطبت في يده ضمن لأنه صار غاصبا بالانتفاع بها فيما وراء المدة المذكورة وأما استئجار
الصناع من الحائك والخياط والصباغ ونحوهم فالخلاف إن كان في الجنس بأن دفع ثوبا إلى صباغ ليصبغه لونا فصبغه
لونا آخر فصاحب الثوب بالخيار ان شاء ضمنه قيمة ثوب أبيض وسلم الثوب للأجير وان شاء أخذ الثوب وأعطاه
ما زاد الصبغ فيه إن كان الصبغ مما يزيد أما خيار التضمين فلفوات غرضه لان الاغراض تختلف باختلاف
الألوان فله أن يضمنه قيمة ثوب أبيض لتفويته عليه منفعة مقصوده فصار متلفا الثوب عليه فكان له أن يضمنه وان
شاء أخذ الثوب لأن الضمان وجب حقا له فله أن يسقط حقه ولا أجر له لأنه لم يأت بما وقع عليه العقد رأسا حيث
لم يوف العمل المأذون فيه أصلا فلا يستحق الاجر كالغاصب إذا صبغ الثوب المغصوب ويعطيه ما زاد الصبغ فيه
إن كان الصبغ مما يزيد كالحمرة والصفرة ونحوهما لأنه عين مال قائم بالثوب فلا سبيل إلى أخذه مجانا بلا عوض
فيأخذه ويعطيه ما زاد الصبغ فيه رعاية للحقين ونظرا من الجانبين كالغاصب وإن كان الصبغ مما لا يزيد كالسواد
على أصل أبي حنيفة فاختار أخذ الثوب لا يعطيه شيئا بل يضمنه نقصان الثوب في قول أبي حنيفة بناء على أن السواد
لا قيمة له عنده فلا يزيد بل ينقص وعندهما له قيمة فكان حكمه حكم سائر الألوان ولو استأجر أرضا ليزرعها
حنطة فزرعها رطبة ضمن ما نقصها لان الرطبة مع الزرع جنسان مختلفا إذ الرطبة ليست لها نهاية معلومة بخلاف
الزرع وكذا الرطبة تضر بالأرض ما لا يضرها الزرع فصار بالاشتغال بزراعة الرطبة غاصبا إياها بل متلفا
ولا أجر له لان الاجر مع الضمان لا يجتمعان وقال هشام عن محمد في رجل أمر انسانا أن ينقش في فضة اسمه فنقش
اسم غيره انه يضمن الخاتم لأنه قوت الغرض المطلوب من الخاتم وهو الختم به فصار كالمتلف إياه قال وإذا أمر رجلا
أن يحمر له بيتا فحضره قال محمد أعطيه ما زادت الحضرة فيه ولا أجرة له لأنه لم يعمل ما استأجره عليه رأسا فلا
يستحق الأجرة ولكن يستحق قيمة الصبغ الذي زاد في البيت لما مر ولو دفع إلى خياط ثوبا ليخيطه قميصا
بدرهم فخاطه قباء شاء ضمنه قيمة الثوب وان شاء أخذ القباء وأعطاه أجر مثله لا يجاوز به ما سمى لان القباء
والقميص مختلفان في الانتفاع فصار مفوتا منفعة مقصودة فصار متلفا الثوب عليه فله أن يضمنه وله أن يأخذه
ويعطيه أجر مثله لما قلنا وإذا كان الخلاف في الصفة نحو ان دفع إلى صباغ ثوبا ليصبغه بصبغ مسمى فصبغه
بصبغ آخر لكنه من جنس ذلك اللون فصاحب الثوب أن يضمنه قيمته أبيض ويسلم إليه الثوب وان شاء أخذ
الثوب وأعطاه أجر مثله لا يجاوز به ما سمى أما ثبوت الخيار فلما ذكرنا من الخلاف في الجنس وإنما وجب
الاجر ههنا لان الخلاف في الصفة لا يخرج العمل من أن يكون معقودا عليه فقد أتى بأصل المعقود عليه الا أنه لم
يأت بوصفه فمن حيث إنه لم يأت بوصفه المأذون فيه لم يجب المسمى ومن حيث إنه أتى بالأصل وجب أجر المثل
ولا يجاوز به المسمى لان هذا شان أجر المثل لما نذكر إن شاء الله تعالى وروى هشام عن محمد فيمن دفع إلى
رجل شبها ليضرب له طشتا موصوفا معروفا فضرب له كوزا قال إن شاء ضمنه مثل شبهه ويصير الكوز للعامل
وان شاء اخذه أعطاه أجر مثل عمله لا يجاوز به ما سمى لأن العقد وقع على الضرب والصناعة صفة فقد فعل
المعقود عليه بأصله وخالف في وصفه فيثبت للمستعمل الخيار وعلى هذا إذا دفع إلى حائك عزلا ليحوك له ثوبا
صفيقا فحاك له ثوبا رقيقا أو شرط عليه أن يحوك له ثوبا رقيقا فحاكه صفيقا ان صاحب الغزل بالخيار ان شاء ضمنه
غزله وان شاء أخذ الثوب وأعطاه مثل أجر عمله لا يجاوز ما سمى وذكر في الأصل إذا دفع خفه إلى خفاف لينعله
فانعله بنعل لا ينعل بمثله الخفاف فصاحب الخف بالخيار ان شاء ضمنه خفه وان شاء أخذه وأعطاه أجر مثله في
علمه وقيمة النعل لا يجاوز به ما سمى وإن كان ينعل بمثله الخفاف فهو جائز وان لم يكن جيدا وأما ثبوت الخيار إذا
أنلعه بما لا ينعل بمثله الخفاف فلانه لم يأت بالمأمور به رأسا بل أتى بالمأمور به ابتداء فصار كالغاصب إذا أنعل الخف
216

المغصوب فكان للمالك أن يضمنه كالغاصب وله أن يأخذ الخف لأن ولاية التضمين تثبت لحق لمالك فإذا
رضى بالاخذ كان له ذلك وإذا أخذ أعطاه اجر مثله لأنه مأذون في العمل وقد اتى بأصل العمل وإنما خالف في
الصفة فله ان يختاره ويعطيه اجر المثل ولا يعطيه المسمى لان ذلك بمقابلة عمل موصوف ولم يأت بالصفة ويعطيه
ما زاد النعل لأنه عين مال قائم للخفاف فصار بمنزلة الصبغ في الثوب وإنما جعل الاختيار في هذه المسائل إلى
صاحب الخف والثوب لأنه صاحب متبوع والنعل والصبغ تبع فكان اثبات الخيار لصاحب الأصل أولى
وإن كان يفعل بمثله الخفاف فهو جائز وان لم يكن جيدا لان الاذن يتناول أدنى ما يقع عليه الاسم وقد وجد ولو
شرط عليه جيدا فانعله بغير جيد فان شاء ضمنه قيمة الخف وان شاء اخذ الخف وأعطاه اجر مثل عمله وقيمة ما زاد
فيه ولا يجاوز به ما سمى لان الردئ من جنس الجيد ويثبت الخيار لفوات الوصف المشروط وإن كان الخلاف
في القدر نحو ما ذكر محمد في الأصل في رجل دفع غزلا إلى حائك ينسجه له سبعا في أربع فخالف بالزيادة أو بالنقصان
فان خالف بالزيادة على الأصل المذكور فان الرجل بالخيار ان شاء ضمنه مثل غزله وسلم الثوب وان شاء أخذ الثوب
وأعطاه الاجر المسمى أما ثبوت الخيار فلانه لم يحصل له غرضه لان الزيادة في قدر الذراع توجب نقصانا في الصفة
وهي الصفاقة فيفوت غرضه فيثبت له الخيار وان شاء ضمنه مثل غزله لتعديه عليه بتفويت منفعة مقصودة وان شاء
أخذه وأعطاه الاجر الذي سماه لأنه أتى بأصل العمل الذي هو معقود عليه وإنما خالف في الصفة والخلاف في صفة
العمل لا يخرج العمل من أن يكون معقودا عليه كمن اشترى شيئا فوجده معيبا حتى كان له أن يأخذه مع العيب وإن كان
الخلاف في النقصان ففيه روايتان ذكر في الأصل ان له أن يأخذه ويعطيه من الاجر بحسابه وذكر في رواية
أخرى ان عليه أجر المثل وجه هذه الرواية انه لما نقص في القدر فقد فوت الغرض المطلوب من الثوب فصار كأنه عمل
بحكم إجارة فاسدة ليس فيها أجر مسمى وجه رواية الأصل ان العقد وقع على عمل مقدر ولم يأت بالمقدر فصار كما لو عقد
على نقل كر من طعام إلى موضع كذا بدرهم فنقل بعضه انه يستحق من الاجر بحسابه فكذا ههنا وان أوفاه الوصف
وهو الصفاقة والذراع وزاد فيه فقد روى هشام عن محمد أن صاحب الثوب بالخيار ان شاء ضمنه مثل غزله وصار
الثوب للصانع وان شاء أخذ الثوب وأعطاه المسمى ولا يزيد للذراع الزائد شيئا أما ثبوت الخيار فلتغير الصفة إذ
الانسان قد يحتاج إلى الثوب القصير ولا يحتاج إلى الطويل فيثبت له الخيار ولأنه إذا زاد في طوله فقد استكثر من
الغزل فان أخذه فلا أجر له في الزيادة لأنه مقطوع فيها حيث عملها بغير اذن صاحب الثوب فكان متبرعا فلا يستحق
الاجر عليها وذكر في الأصل إذا أعطى صباغا ثوبا ليصبغه بعصفر ربع الهاشمي بدرهم فصبغه بقفيز عصفر وأقر
رب الثوب بذلك فان رب الثوب بالخيار ان شاء ضمنه قيمة ثوبه وان شاء أخذ الثوب وأعطاه ما زاد العصفر فيه مع
الاجر وذكر القدوري ان مشايخنا ذكروا تفصيلا فقالوا إن هذا على وجهين إن كان صبغه أولا بربع الهاشمي ثم
صبغه بثلاثة أرباع القفيز فصاحب الثوب بالخيار ان شاء ضمنه قيمة ثوبه وان شاء أخذه وأعطاه الاجر المسمى
وما زاد لثلاثة أرباع القفيز في الثوب لأنه لما أفرده بالصبغ المأذون فيه أولا وهو ربع الهاشمي فقد أوفاه المعقود عليه
وصار متعديا بالصبغ الثاني كأنه غصب ثوبا مصبوغا بالربع ثم صبغه بثلاثة أرباع فيثبت له الخيار ان شاء أخذ
الثوب وأعطاه المسمى لأنه سلم له الصبغ المعقود عليه فيلزمه المسمى ويعطيه ما زاد الصبغ الثاني فيه لأنه عين مال قائمة
للصباغ في الثوب وان شاء ضمنه قيمة الثوب مصبوغا بربع القفيز ووجب له الاجر لان الصبغ في حكم المقبوض
من وجه لحصوله في ثوبه لكن يكمل القبض فيه لأنه لم يصل إلى يده فكان مقبوضا من وجه دون وجه فكان له فسخ
القبض لتغير الصفة المقصودة وله أن يضمنه ويضمن الاجر وإن كان صبغه ابتداء بقفيز فله ما زاد الصبغ ولا أجر له
لأنه لم يوف بالعمل المأذون فيه فلم يعمل المعقود عليه فيصير كأنه غصب ثوبا وصبغه بعصفر وروى ابن سماعة عن محمد
خلاف ذلك وهو ان له أن يأخذ الثوب ويغرم الاجر وما زاد العصفر فيه مجتمعا كان أو متفرقا لان الصبغ لا يتشرب
217

في الثوب دفعة واحدة بل شيئا فشيئا فيستوى فيه الاجتماع والافتراق وأما الإجارة الفاسدة وهي التي فاتها شرط من
شروط الصحة فحكمها الأصلي هو ثبوت الملك للمؤاجر في أجر المثل لا في المسمى بمقابلة استيفاء المنافع المملوكة ملكا
فاسدا لان المؤاجر لم يرض باستيفاء المنافع الا ببدل ولا وجه إلى ايجاب المسمى لفساد التسمية فيجب أجر المثل ولان
الموجب الأصل في عقود المعاوضات هو القيمة لان مبناها على المعادلة والقيمة هي العدل الا انها مجهولة لأنها تعرف
بالحزر والظن وتختلف باختلاف المقومين فيعدل منها إلى المسمى عند صحة التسمية فإذا فسدت وجب المصير إلى
الموجب الأصلي وهو أجر المثل ههنا لأنه قيمة المنافع المستوفاة الا انه لا يزاد على المسمى في عقد فيه تسمية عند أصحابنا
الثلاثة وعند زفر يزاد ويجب بالغا ما بلغ بناء على أن المنافع عند أصحابنا الثلاثة غير متقومة شرعا بأنفسها وإنما تتقوم بالعقد
بتقويم العاقدين والعاقدان ما قوماها الا بالقدر المسمى فلو وجبت الزيادة على المسمى لوجبت بلا عقد وانها لا تتقوم
بلا عقد بخلاف البيع الفاسد فان المبيع بيعا فاسدا مضمون بقيمته بالغا ما بلغ لأن الضمان هناك بمقابلة العين
والأعيان متقومة بأنفسها فوجب كل قيمتها وفى قول زفر وبه أخذ الشافعي هي متقومة بأنفسها بمنزلة الأعيان فكانت
مضمونة بجميع قيمتها كالأعيان هذا إذا كان في العقد تسمية فاما إذا لم يكن فيه تسمية فإنه يجب أجر المثل بالغا ما بلغ
بالاجماع لأنه إذا لم يكن فيه تسمية الاجر لا يرضى باستيفاء المنافع من غير بدل كان ذلك تمليكا بالقيمة التي هي
الموجب الأصلي دلالة فكان تقويما للمنافع باجر المثل إذ هو قيمة المنافع في الحقيقة ولا يثبت في هذه الإجارة شئ من
الأحكام التي هي من التوابع الا ما يتعلق بصفة المستأجر له فيه وهي كونه أمانة في يد المستأجر له فيه وهي كونه أمانة في يد المستأجر حتى لو هلك لا يضمن
المستأجر لحصول الهلاك في قبض مأذن فيه من قبل المؤاجر وأما الإجارة الباطلة وهي التي فاتها شرط من شرائط
الانعقاد فلا حكم لها رأسا لان ما لا ينعقد فوجوده في حق الحكم وعدمه بمنزلة واحدة وهو تفسير الباطل من
التصرفات الشرعية كالبيع ونحوه والله أعلم
(فصل) وأما حكم اختلاف العاقدين في عقد الإجارة فان اختلفا في مقدار البدل أو المبدل والإجارة وقعت
صحيحة ينظر إن كان اختلافهما قبل استيفاء المنافع تحالفا لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلف المتبايعان تحالفا
وترادا والإجارة نوع بيع فيتناولها الحديث والرواية الأخرى وهي قوله والسلعة قائمة بعينها يتناول بعض أنواع
الإجارة وهو ما إذا باع عينا بمنفعة واختلقا فيها وإذا ثبت التحالف في نوع بالحديث ثبت في الأنواع كلها بنتيجة الاجماع
لان أحدا لا يفصل بينهما ولان التحالف قبل استيفاء المنفعة موافق الأصول لان اليمين في أصول الشرع على
المنكر وكل واحد منهما منكر من وجه ومدع من وجه لان المؤاجر يدعى على المستأجر زيادة الأجرة والمستأجر
منكر والمستأجر يدعى على المؤاجر وجوب تسليم المستأجر بما يدعى من الأجرة والمؤاجر ينكر فكان كل واحد
منهما منكرا من وجه واليمين وظيفة المنكر في أصول الشرع ولهذا جرى التحالف قبل القبض فبيع العين والتحالف
ههنا قبل القبض لأنهما اختلفا قبل استيفاء المنفعة ثم إن كان الاختلاف في قدر البدل يبدأ بيمين المستأجر لأنه منكر
وجوب الأجرة الزائدة وإن كان في قدر المبدل يبدأ بيمين المؤاجر لأنه منكر وجوب تسليم زيادة المنفعة وإذا تحالفا
تفسخ الإجارة وأيهما نكل لزمه دعوى صاحبه لان النكول بذل أو اقرار والبدل والمبدل كل واحد منهما يحتمل
البذل والاقرار وأيهما أقام البينة يقضى ببينته لان الدعوى لا تقابل الحجة وان أقاما جميعا البيتة فإن كان الاختلاف
في البدل فبينة المؤاجر أولى لأنها تثبت زيادة الأجرة وإن كان الاختلاف في المبدل فبينة المستأجر أولى لأنها تثبت
زيادة المنفعة فان ادعى المؤاجر فضلا فيما يستحقه من الاجر وادعى المستأجر فضلا فيما يستحق من المنفعة بان قال
المؤاجر أجرتك هذه الدابة إلى القصر بعشرة وقال المستأجر إلى الكوفة بخمسة أو قال المؤاجر أجرتك شهرا بعشرة
وقال المستأجر شهرين بخمسة فالامر في التحالف والنكول وإقامة أحدهما البينة على ما ذكرنا ولو أقاما جميعا البينة
قبلت بينة كل واحد منهما على الفعل الذي يستحقه بعقد الإجارة فيكون إلى الكوفة بعشرة وشهرين بعشرة لان
218

بينة كل واحد منهما تثبت زيادة لان بينة المؤاجر تثبت زيادة الاجر وبينة المستأجر تثبت زيادة المنفعة فتقبل كل
واحدة منهما على الزيادة التي تثبتها وإن كان اختلافهما بعد ما استوفى المستأجر بعض المنفعة بان سكن الدار المستأجرة
بعض المدة أو ركب الدابة المستأجرة بعض المسافة ثم اختلفوا فالقول قول المستأجر فيما مضى مع يمينه ويتحالفان
وتفسخ الإجارة فيما بقي لأن العقد على المنافع ساعة فساعة على حسب حدوثها شيئا فشيئا فكان كل جزء من أجزاء
المنفعة معقودا عليه مبتدأ فكان ما بقي من المدة والمسافة منفردا بالعقد فيتحالفان فيه بخلاف ما إذا هلك بعض المبيع
على قول أبي حنيفة انه لا يثبت التحالف عنده لان البيع ورد على جملة واحدة وهي العين القائمة للحال وكل جزء من
المبيع ليس معقود عليه مبتدأ إنما الجملة معقود عليها بعقد واحد فإذا تعذر الفسخ في قدر الهالك يسقط في الباقي وإن كان
اختلافهما بعد مضى وقت الإجارة أو بعد بلوغ المسافة التي استأجر إليها لا يتحالفان فيه والقول قول المستأجر
في مقدار البدل مع يمينه ولا يمين على المؤاجر لان التحالف يثبت الفسخ والمنافع المنعدمة لا تحتمل فسخ العقد فلا
يثبت التحالف وهذا على أصل أبي حنيفة وأبى يوسف ظاهر لان قيام المبيع في باب البيع شرط جريان التحالف
في المبيع الهالك والمنافع ههنا هالكة فلا يثبت فيها التحالف وأما محمد فيحتاج إلى الفرق بين المبيع الهالك وبين المنافع
الهالكة ووجه الفرق له أن المنافع غير متقومة بأنفسها على أصلنا وإنما تتقوم بالعقد فإذا فسخت الإجارة بالتحالف
تبقى المنافع مستوفاة من غير عقد فلا تتقوم فلا يثبت التحالف بخلاف الأعيان فإنها متقومة بأنفسها فإذا فسخ البيع
بالتحالف يبقى العقد متقوما بنفسه في يد المشترى فيجب عليه قيمته وإنما كان القول قول المستأجر لأنه المستحق عليه
والخلاف متى وقع في الاستحقاق كان القول قول المستحق والله عز وجل أعلم وإن كان الاختلاف في جنس
الاجر بان قال المستأجر استأجرت هذه الدابة إلى موضع كذا بعشرة دراهم وقال الآخر بدينار فالحكم في التحالف
والنكول وإقامة أحدهما البينة ما وصفنا فان أقاما البينة فالبينة بينة المؤاجر لأنها تثبت الأجرة حقا له وبينة المستأجر
لا تثبت الأجرة حقا له فكانت بينة المؤاجر أولى بالقبول ولو اختلفا فقال المؤاجر أجرتك هذه الدابة إلى القصر بدينار
وقال المستأجر إلى الكوفة بعشرة دراهم وأقاما البينة فهي إلى الكوفة بدينار وخمسة دراهم لان الاختلاف إلى القصر
وقع في البدل فكانت بينة المؤاجر أولى لما قلنا وتثبت الإجارة إلى القصر بدينار ثم المستأجر يدعى من القصر إلى
الكوفة بخمسة لان القصر نصف الطريق والمؤاجر يجحد هذه الإجارة فالبينة المثبتة للإجارة أولى من النافية وقد
روى ابن سماعة عن أبي يوسف في رجل استأجر من رجل دارا سنة فاختلفا فأقام المستأجر البينة انه استأجر احدى
عشر شهرا منها بدرهم وشهرا بتسعة وأقام البينة رب الدار انه أجرها بعشرة قال فانى آخذ ببينة رب الدار لأنه يدعى
فضل أجرة في أحد عشر شهرا وقد أقام على ذلك بينة فتقبل بينته فاما الشهر الثاني عشر فقد أقر المستأجر للمؤاجر فيه
بفضل الأجرة فيما ادعى فان صدقه على ذلك والا سقط الفضل بتكذيبه ولو اختلف الخياط ورب الثوب فقال رب
الثوب أمرتك ان تقطعه قباء وقال الخياط أمرتني أن أقطعه قميصا فالقول قول رب الثوب مع يمينه عندنا والخياط
ضامن قيمة الثوب وان شاء رب الثوب أخذ الثوب وأعطاه أجر مثله وقال أبن أبي ليلى القول قول الخياط مع يمينه
واختلف قول الشافعي فقال في موضع مثل قولهما وقال في موضع يتحالفان فإذا حلفا سقط الضمان عن الخياط وسقط
الاجر وجه قول ابن أبي ليلى ان صاحب الثوب أقر بالاذن بالقطع غير أنه يدعى زيادة صفة توجب الضمان وتسقط
الاجر والخياط ينكر فكان القول قوله ولنا ان الاذن مستفاد من قبل صاحب الثوب فكان القول في صفة الاذن
قوله ولهذا لو وقع الخلاف في أصل الاذن بالقطع فقال صاحب الثوب لم آذن بالقطع كان القول قوله وكذا إذا قال لم
آذن بقطعه قميصا وقد خرج الجواب عن قول ابن أبي ليلى لان المأذون فيه قطع القباء لا مطلق القطع ولا معنى لاحد
قولي الشافعي لان التحالف وضع للفسخ ولا يمكن الفسخ ههنا فلا يثبت التحالف لان صاحبه يدعى على الخياط
الغصب والخياط يدعى الاجر وذلك مما لا يثبت فيه التحالف وإن كان له تضمين الخياط قيمة الثوب لان صاحب
219

الثوب لما حلف على دعوى الخياط فقد صار الخياط بقطعه الثواب لا على الصفة المأذون فيها متصرفا في ملك غيره
بغير اذنه فصار متلفا الثوب عليه فيضمن قيمته وان شاء رب الثوب أخذ الثوب أعطاه أجر مثله أما اختيار أخذ
الثوب فلانه أتى بأصل العقود عليه مع تغير الصفة فكان لصاحب الثوب الرضا به واعطاؤه أجر المثل لا المسمى لأنه لم
يأت بالمأمور به على الوصف الذي أمر به وطريقة أخرى لبعض مشايخنا أن منفعة القباء والقميص متقاربة لأنه يمكن أن ينتفع بالقباء انتفاع القميص بان يسد وسطه وازراره وإنما يفوت بعض الاغراض فقد وجد المعقود عليه مع
العيب فيستحق الأجرة حتى قالوا لو قطعه سراويل لم تجب له الأجرة لاختلاف منفعة القباء والسراويل فلم يأت
المعقود عليه رأسا قال القدوري والرواية بخلاف هذا فان هشاما روى أن محمدا قال في رجل دفع إلى رجل شبها
ليضرب له طشتا موصوفا فضربه كوزا ان صاحبه بالخيار ان شاء ضمنه مثل شبهه والكوز للعامل وان شاء أخذه
وأعطاه أجر مثله لا يجاوز ما سمى ففي السراويل يجب أن يكون كذلك ووجهه ما مر ان العقد وقع على الضرب
والصناعة صفة له فقد واقف في أصل المعقود عليه وخالف في الصفة فيثبت للمستعمل الخيار وروى ابن سماعة وبشر
عن أبي ويوسف في رجل أمر رجلا ان ينزع له ضرسا متا كلا فنزع ضرسا متأكلا فقال الامر أمرتك بغير هذا بهذا
الاجر وقال المأمور أمرتني بالذي نزعت فان أبا حنيفة قال في ذلك القول قول الامر مع يمينه لما بينا ان الامر يستفاد من
قبله خاصة فكان القول في المأمور به قوله وذكر في الأصل في رجل دفع إلى صباغ ثوبا ليصبغه أحمر فصبغه أحمر على ما
وصف له بالعصفر ثم اختلفا في الاجر فقال الصباغ عملته بدرهم وقال رب الثوب بدانقين فان قامت لهما بينة أخذت
بينة الصباغ وان لم يقم لهما بينة فانى أنظر إلى ما زاد العصفر في قيمة الثوب فإن كان درهما أو أكثر أعطيته درهما بعد ان
يحلف الصباغ ما صبغته بدانقين وإن كان ما زاد في الثوب من العصفر أقل من دانقين بعد ان يحلف
صاحب الثوب ما صبغته الا بدانقين اما إذا قامت لهما بينة فلان بينة الصباغ تثبت زيادة الأجرة فكانت أولى بالقبول
واما إذا لم تقم لهما بينة فلان ما زاد العصفر في قيمة الثوب إذا كان درهما أو أكثر كان الظاهر شاهدا للصباغ الا انه
لا يزاد على درهم لأنه رضى بسقوط الزيادة وإذا كان ما زاد العصفر دانقين كان الظاهر شاهدا لرب الثوب الا انه
لا ينقص من دانقين لأنه رضى بذلك وإن كان يزيد في الثوب نصف درهم قال أعطيت الصباغ ذلك بعد ان يحلف ما
صبغته بدانقين لما ذكرنا ان الدعوى إذا سقطت للتعارض يحكم الصبغ فوجب قيمة الصبغ وهذا بخلاف القصار مع
رب الثوب إذا اختلفا في مقدار الأجرة ولا بينة لما ان القول قول رب الثوب مع يمينه لأنه ليس في الثوب عين مال
قائم للقصار فلم يوجد ما يصلح حكما فيرجع إلى قول صاحب الثوب لان القصار يدعى عليه زيادة ضمان وهو ينكر
فكان القول قوله مع يمينه وكذلك كل صبغ له قيمة فإن كان الصبغ أسود فالقول قول رب الثوب مع يمينه على أصل
أبي حنيفة السواد نقصان عنده وكذلك كل صبغ ينقص الثوب لأنه تعذر القضاء بالدعوى للتعارض ولا سبيل
إلى الرجوع إلى قيمة الصبغ لأنه لا قيمة له فيرجع إلى قول المستحق عليه ولو اختلف الصباغ ورب الثوب فقال رب
الثوب أمرتك بالعصفر وقال الصباغ بالزعفران فالقول قول رب الثوب في قولهم جميعا لان الامر يستفاد من قبله ومن
هذا النوع ما إذا أمر المستعمل الصانع بالزيادة من عنده ثم اختلفا فقال في الأصل في رجل دفع غزلا إلى حائك ينسجه
ثوبا وأمره ان يزيد في الغزل رطلا من عنده مثل غزله على أن يعطيه ثمن الغزل وأجرة الثوب دراهم مسماة فاختلفا بعد
الفراغ من الثوب فقال الحائك قد زدت وقال رب الثوب لم تزد فالقول قول رب الغزل مع يمينه على عمله لان الصانع
يدعى على صاحب الثوب الضمان وهو ينكر فكان القول قول المنكر مع يمينه على عمله لأنه يمين على فعل الغير فان
حلف برئ وان نكل عن اليمين لزمه مثل الغزل لان النكول حجة يقضى بها في هذا الباب فان أقام الصانع بينة قبلت
بينته ولو اتفقا ان غزل المستعمل كان منا وقال الصانع قد زدت فيه رطلا فوزن الثوب فوجد زائد على ما دفع إليه زيادة
لم يعلم أن مثلها يكون من الدقيق وادعى رب الثوب ان الزيادة من الدقيق فالقول قول الصانع لان رب الثوب يدعى
220

خلاف الظاهر وإن كان الثوب مستهلكا قبل أن يعلم وزنه ولم يقرأ المستعمل ان فيه مال قال الصانع فالقول قول رب
الثوب لان الصانع يدعى عليه الضمان ولا ظاهر ههنا يشهد له فلم يقبل قوله وقال هشام عن محمد في رجل دفع إلى صائغ
عشرة دراهم فضة وقال زد عليها درهمين قرضا على فصغه قلبا وأجرك درهم فصاغه وجاء به محشوا فاختلفا فقال الصائغ
قد زدت عليه درهمين وقال رب القلب لم تزد شيئا قال محمد يتحالفان ثم الصائغ بالخيار ان شاء دفع القلب وأخذ منه
أجرة خمسة دوانيق وان شاء دفع عليه عشرة دراهم فضة وأخذ القلب أما التحالف فلان الصائغ يدعى على صاحب
القلب القرض وهو ينكر فيستحلف وصاحب القلب يدعى على الصائغ استحقاق القلب بغير شئ وهو ينكر
فيستحلف وإذا بطل دعوى الصائغ في القلب على الوزن عشرة وإنما بذلك صاحب القلب للصائغ درهما لصياغته
اثنى عشر درهما فإذا لم تثبت الزيادة تلزم للعشرة خمس دوانيق وإنما كان للصائغ أن يحبس القلب ويعطى صاحب
القلب مثل فضته لان عنده ان الزيادة ثابته وان يتقرر ببطلان حقه عليها من غير عوض القرض فلا يجوز استحقاقها
من غير رضاه ولا ضرر على صاحب القلب لأنه وصل إليه مثل حقه وقال ابن سماعة عن محمد في رجل دفع إلى نداف
ثوبا وقطنا يندف عليه وأمره أن يزيد من عنده ما رأى ثم إن صاحب الثوب أتاه وقد ندف على الثوب عشرين استارا
من قطن فاختلفا فقال صاحب الثوب دفعت إليك خمسة عشر استارا من قطن وأمرتك أن تزيد عليه عشرة وتنقص
ان رأيت فلم تزد الا خمسة أساتير وقال النداف دفعت إلى عشرة وأمرتني أن أزيد عشرة فزدتها فالقول قول النداف
وعلى صاحب الثوب أن دفع إليه عشرة أساتير من قطن كما ادعى لان صاحب الثوب لا يدعى على النداف مخالفة
ما أمره به وإنما يدعى انه دفع إليه خمسة عشر استارا فكان القول قول النداف في مقداره فتبقى العشرة زيادة فيضمنها
صاحب الثوب وإن كان صاحب الثوب قال دفعت إليك خمسة عشر وأمرتك أن تزيد عليه خمسة عشر وقال
النداف دفعت إلى عشرة وأمرتني أن أزيد عليه عشرة فزدت عليه عشرة فصاحب الثوب في هذا بالخيار ان شاء
صدقه ودفع إليه عشرة أساتير وأخذ قيمة ثوبه وان شاء قيمة ثوبه مثل عشرة أساتير قطن وكان الثوب للنداف لان
النداف يزعم أنه فعل ما أمره به وصاحب الثوب يدعى الخلاف فكان القول قوله فيما أمر به والقول قول النداف في
مقدار ما قبض وقال بشر عن أبي يوسف في رجل أعطى رجلا ثوبا ليقطعه قباء محشو أو دفع إليه البطانة والقطن
فقطعه وخاطه وحشاه واتفقا على العمل والاجر فان الثوب ثوب رب الثوب والقطن قطنه غير أن رب الثوب ان قال إن
البطانة ليست بطانتي فالقول في ذلك قول الخياط مع يمينه البتة ان هذا بطانته ويلزم رب الثوب ويسع رب الثوب
أن يأخذ البطانة فيلبسها لان البطانة أمانة في يد الخياط فكان القول قوله فيها ثم إن كانت بطانة صاحب الثوب حل
له لبسها وإن كانت غيرها فقد رضى الخياط بدفعها إليه بدل بطانته فحل له لبسها وروى بشر وابن سماعة عن أبي
يوسف فيمن أعطى حمالا متاعا ليحمله من موضع بأجر معلوم فحمله ثم اختلفا فقال رب المتاع ليس هذا متاعي وقال
الحمال هو متاعك فالقول قول الحمال مع يمينه ولا ضمان عليه ولا يلزم الآمر الاجر الا أن يصدفه ويأخذه لان المتاع
أمانة في يد الحمال فكان القول قوله ولا يلزم صاحب المتاع لأنه لم يعترف باستيفاء المنافع فان صدقه فقد رجع عن قوله
فوجب عليه الاجر قال والنوع الواحد والنوعان في هذا سواء الا أنه في النوع الواحد أفحش وأقبح يريد بهذا لو حمله
طعاما أو زيتا وقال الأجير هذا طعامك بعينه هو قال رب الطعام كان طعامي أجود من هذا فان هذا يفحش أن يكون
القول فيه قول رب الطعام ويبطل الاجر ويحسن أن يكون القول قول الحمال ويأخذ الأجر إن كان قد حمله فاما إذا
كانا نوعين مختلفين بأن جاء بشعير وقال رب الطعام كان طعامي حنطة فلا أجر للحمال حتى يصدقه ويأخذه
وإنما قال يقبح في الجنس الواحد لان عند اتحاد الجنس يملك صاحب الطعام أن يأخذ الشعير عوضا عن طعامه لان
الحمال قد بذل له ذلك فإذا أخذ العوض سلمت له المنفعة فأما في النوعين فلا يسعه أن يأخذ النوع الآخر الا بالتراضي
بالبيع فما لم يصدقه لا يستحق عليه الاجر ولو اختلف الصانع والمستأجر في أصل الاجر كالنساج والقصار والخفاف
221

والصباغ فقال رب الثوب والخف عملته لي بغير شرط وقال الصانع لابل عملته بأجرة درهم أو اختلف رب الدار مع
المستأجر فقال رب الدار أجرتها منك بدرهم وقال الساكن بل سكنتها عارية فالقول قول صاحب الثوب والخف
وساكن الدار في قول أبي حنيفة مع يمينه ولا أجر عليه وقال أبو يوسف إن كان الرجل حرا ثقة فعليه الاجر والا فلا
وقال محمد إن كان الرجل انتصب للعمل فالقول قوله وان لم يكن انتصب للعمل فالقول قول صاحبه وعلى هذا
الخلاف إذا اتفقا على أنهما لم يشترطا الاجر لكن الصانع قال إني إنما عملت بالاجر وقال رب الثوب ما شرطت لك
شيئا فلا يستحق شيئا (وجه) قولهما اعتبار العرف والعادة فان انتصابه للعمل وفتحه الدكان لذلك دليل على أنه
لا يعمل الا بالأجرة وكذا إذا كان حريفه فكان العقد موجودا دلالة كالثابت نصا ولأبي حنيفة
ان المنافع على أصلنا لا تتقوم الا بالعقد ولم يوجد أما إذا اتفقا على أنهما لم يشترطا الاجر فظاهر وكذا إذا اختلفا في
الشرط لأن العقد لا يثبت مع الاختلاف للتعارض فلا تجب الأجرة ثم إن كان في المصنوع عين قائمة للصانع
كالصبغ الذي يزيد والنعل يغرم رب الثوب والخف للصانع ما زاد الصبغ والنعل فيه لا يجاوز به درهما والا فلا
والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما بيان ما ينتهى به عقد الإجارة فعقد الإجارة ينتهى بأشياء منها الإقالة لأنه معاوضة المال بالمال
فكان محتملا للإقالة كالبيع ومنها موت من وقع له الإجارة الا لعذر عندنا وعند الشافعي لا تبطل بالموت كبيع
العين والكلام فيه على أصل ذكرناه في كيفية انعقاد هذا العقد وهو ان الإجارة عندنا تنعقدنا ساعة فساعة على
حسب حدوث المنافع شيئا فشيئا وإذا كان كذلك فما يحدث من المنافع في يد الوارث لم يملكها المورث لعدمها والملك
صفة الموجود لا المعذور فلا يملكها الوراث إذ الوارث إنما يملك ما كان على ملك المورث فما لم يملكه يستحيل
وراثته بخلاف بين العين لأن العين ملكه قائم بنفسه ملكه المورث إلى وقت الموت فجاز أن ينتقل منه إلى الوارث لان
المنافع لا تملك الا بالعقد وما يحدث منها في يد الا ارث لم يعقد عليه رأسا لأنها كانت معدومة حال حياة المورث والوراث
لم يعقد عليها فلا يثبت الملك فيها للوارث وعند الشافعي منافع المدة تجعل موجودة لحال كأنها أعيان قائمة فأشبه بيع
العين والبيع لا يبطل بموت أحد المتبايعين كذا الإجارة وعلى هذا يخرج ما إذا أجر رجلا ن دارا من رجل ثم مات
أحد المؤاجرين ان الإجارة تبطل في نصيبه عندنا وتبقى في نصيب الحي على حالها لان هذا شيوع طارئ وانه
لا يؤثر في العقد في الرواية المشهورة لما بينا فيما تقدم وكذلك لو استأجر رجلان من رجل دارا فمات أحد المستأجرين
فان رضى الوراث بالبقاء على العقد ورضى العاقد أيضا جاز ويكون ذلك بمنزلة عقد مبتدأ ولو مات الوكيل بالعقد
لا تبطل الإجارة لأن العقد لم يقع له وإنما هو عاقد وكذا لو مات الأب أو الوصي لما قلنا وكذا لو مات أبو الصبي في
استئجار الظئر لا تنقض الإجارة لان الإجارة وقعت للصبي والظئر وهما قائمان ولو مات الظئر انتقضت
الإجارة وكذا لو مات الصبي لان كلها واحد منهما معقود له والأصل ان الإجارة تبطل بموت المعقود له ولا تبطل بموت
العاقد وإنما كان كذلك لان استيفاء العقد بعد موت من وقع له العقد يوجب تغيير موجب العقد لان من وقع له إن كان
هو المؤاجر فالعقد يقتضى استيفاء المنافع من ملكه ولو بقيناه بعد موته لاستوفيت المنافع من ملك غيره وهذا
خلاف مقتضى العقد وإن كان هو المستأجر فالعقد يقتضى استحقاق الأجرة من ماله ولو بقينا العقد بعد موته
لاستحقت الأجرة من مال غيره وهذا خلاف موجب العقد بخلاف ما إذا مات من لم يقع العقد له كالوكيل ونحوه
لأن العقد منه لا يقع مقتضيا استحقاق المنافع ولا استحقاق الأجرة من ملكه فابقاء العقد بعد موته لا يوجب تغير
موجب العقد وكذلك الولي في الوقف إذا عقد ثم مات لا تنتقض الإجارة لأن العقد لم يقع له فموته لا يغير حكمه ولو
استأجر دابة إلى مكة فمات المؤاجر في بعض المفازة فله ان يركبها أو يحمل عليها إلى مكة أو إلى أقرب الأماكن من
المصر لان الحكم ببطلان الإجارة وههنا يؤدى إلى الضرر بالمستأجر لما فيه من تعريض ماله ونفسه إلى التلف فجعل
222

ذلك عذرا في بقاء الإجارة وهذا معنى قولهم إن الإجارة كما تفسخ بالعذر تبقى بالعذر وقالوا فيمن اكترى إبلا إلى مكة
ذاهبا وجائيا فمات الجمال في بعض الطريق فللمستأجر أن يركبها إلى مكة أو يحمل عليها وعليه المسمى لان الحكم
بانفساخ الإجارة في الطريق إلحاق الضرر بالمستأجر لأنه لا يجد ما يحمله ويحمل قماشه وإلحاق الضرر بالورثة إذا
كانوا غيبا لان المنافع تفوت من غير عوض فكان في استيفاء العقد نظر من الجانبين فإذا وصل إلى مكة رفع الامر إلى
الحاكم لأنه لا ضرر عليه في فسخ الإجارة عند ذلك لأنه يقدر على أن يستأجر من جمال آخر ثم ينظر الحاكم في الأصلح
فان رأى بيع الجمال وحفظ الثمن للورثة أصلح فعل ذلك وان رأى امضاء الإجارة إلى الكوفة أصلح فعل ذلك لأنه
نصب ناظرا محتاطا وقد يكون أحد الامرين أحوط فيختار ذلك قالوا والأفضل إذا كان المستأجر ثقة ان يمضى
القاضي الإجارة والأفضل إذا كان غير ثقة ان يفسخها فان فسخها وقد كان المستأجر عجل الأجرة سمع القاضي بينته
عليها وقضاه من ثمنها لان الإجارة إذا انفسخت فللمستأجر امساك العين حتى يستوفى جميع الأجرة وقام القاضي
مقام الغائب فنصب له خصما وسمع عليه البينة ولو مات أحد ممن وقع له عقد الإجارة قبل انقضاء المدة وفى الأرض
المستأجرة زرع لم يستحصد يترك ذلك في الأرض إلى أن يستحصد ويكون على المستأجر أو على ورثته ما سمى
من الاجر لان في الحكم بالانفساخ وقلع الزرع ضررا بالمستأجر وفى الابقاء من غير عوض ضررا بالوراث ويمكن
توفير الحقين من غير ضرر بابقاء الزرع إلى أن يستحصد بالاجر فيجب القول به وإنما وجب المسمى استحسانا
والقياس ان يجب اجر المثل لأن العقد انفسخ حقيقة بالموت وإنما بقيناه حكما فأشبه شبهة العقد واستيفاء المنافع
بشبهة العقد توجب اجر المثل كما لو استوفاها بعد انقضاء المدة وجه الاستحسان التسمية تناولت هذه المدة فإذا
مست الضرورة إلى الترك بعوض كان ايجاب العوض المسمى أولى لوقوع التراضي بخلا ف الترك بعد انقضاء
المدة لان التسمية لم تتناول ما بعد انقضاء المدة فتعذر ايجاب المسمى فوجب اجر المثل ومنها هلاك المستأجر
والمستأجر فيه لوقوع اليأس عن استيفاء المعقود عليه بعد هلاكه فلم يكن في بقاء العقد فائدة حتى لو كان المستأجر
عبدا أو ثوبا أو حليا أو ظرفا ودابة معينة فهلك أو هلك الثوب المستأجر فيه للخياطة وللقصارة بطلت الإجارة لما قلنا
وإن كانت الإجارة على دواب بغير أعيانها فسلم إليه دواب فقبضها فماتت لا تبطل الإجارة وعلى المؤاجر ان يأتيه بغير
ذلك لأنه هلك ما لم يقع عليه العقد لان الدابة إذا لم تكن معينة فالعقد يقع على منافع في الذمة وإنما تسلم العين ليقيم منافعها
مقام ما في ذمته فإذا هلك بقي ما في الذمة بحاله فكان عليه ان يعنين غيرها وقد ذكرنا اختلاف إشارة الروايات في الدار
إذا انهدم كلها أو انقطع الماء عن الرحى أو الشرب من الأرض ان الإجارة تنفسخ أو يثبت حق الفسخ فيما تقدم وعلى
هذا أيضا يخرج موت الظئر ان الإجارة تبطل به لأنها مستأجرة ومنها انقضاء المدة الا لعذر لان الثابت إلى غاية
ينتهى عند وجود الغاية فتنفسخ الإجارة بانتهاء المدة الا إذا كان ثمة عذر بان انقضت المدة وفى الأرض زرع لم
يستحصد فإنه يترك إلى أن يستحصد بأجر المثل بخلاف ما إذا انقضت المدة وفى الأرض رطبة أو غرس انه يؤمر
بالقلع لان في ترك الزرع إلى أن يدرك مراعاة الحقين والنظر من الجانبين لان لقطعه غاية معلومة فأما الرطبة فليس
لقطعها غاية معلومة فلو لم تقطع لتعطلت الأرض على صاحبها فيتضرر به وبخلاف الغاصب إذا زرع الأرض
المغصوبة انه يؤمر بالقلع ولا يترك إلى وقت الحصاد بالاجر لان الترك في الإجارة لدفع الضرر عن المستأجر نظر له وهو
مستحق للنظر لأنه زرع بإذن المالك فاما الغاصب فظالم متعدي في الزرع فلا يستحق النظر بالترك مع ما انه هو
الذي أضر بنفسه حيث زرع أراضي غيره بغير حق فكان مضافا إليه ومنها عجز المكاتب بعد ما استأجر شيئا انه
يوجب بطلان الإجارة بلا خلاف لان الأجرة استحقت من كسب المكاتب وبالعجز يبطل كسبه فتبطل
الإجارة إذ لا سبيل الا ايجابها من مال المولى فان عجز بعد ما استأجر فالإجارة باقية في قول أبى يوسف وقال محمد
تبطل والكلام فيه راجع إلى أصل نذكره في كتاب الهبة في كيفية ملك المولى كسب المكاتب عند عجزه ان عند أبي
223

يوسف كسب المكاتب موقوف ملكه في الحقيقة على عجزه أو عتقه فان عجز ملكه لمولى من الأصل وان عتق
ملكه المكاتب من الأصل وعند محمد هو ملك المكاتب ثم إذا عجز انتقل إلى المولى كما ينتقل الملك من
الميت إلى ورثته بالموت ووجه البناء على هذا الأصل ان عند أبي يوسف لما وقع الملك
للمولى في الكسب من حين وجوده صار كان الإجارة وجدت من المولى
فلا تنتقض بعجز المكاتب ولما كان الملك للمولى فيه من طريق الانتقال
من المكاتب عند عجزه على أصل محمد صار بمنزلة انتقال الملك من الميت
إلى وارثه عند عجزه وذلك يوجب انتقضاض الإجارة كذا هذا
وأصل هذه المسألة في المكاتب إذا وهبت له هبة ثم
عجز ان للواهب أن يرجع في قول أبى يوسف
وعند محمد لا يرجع وسنذكره في كتاب
الهبة والله عز وجل
أعلم
(تم الجزء الرابع ويليه الجزء الخامس أوله كتاب الاستصناع)
224