الكتاب: بدائع الصنائع
المؤلف: أبو بكر الكاشاني
الجزء: ٦
الوفاة: ٥٨٧
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٩ - ١٩٨٩ م
المطبعة:
الناشر: المكتبة الحبيبية - باكستان
ردمك:
ملاحظات:

الجزء السادس من
كتاب بدائع الصنائع
في
ترتيب الشرائع
تأليف
الامام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي
الملقب بملك العلماء المتوفى سنة هج‍ 587 رية
(الطبعة الأولى)
1409 ه‍ 1989 م‍
الناشر
المكتبة الحبيبية
كانسي رود حاجي غيبي چوك كوئته
باكستان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب الكفالة)
الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان ركن الكفالة وفي بيان شرائط الركن وفي بيان حكم الكفالة وفي
بيان ما يخرج به الكفيل عن الكفالة وفي بيان الرجوع بعد الخروج انه هل يرجع أم لا (أما) الركن فهو
الايجاب والقبول الايجاب من الكفيل والقبول من الطالب وهذا عند أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبى يوسف الآخر
وفي قوله الأول الركن هو الايجاب فحسب (فأما) القبول فليس بركن وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله لما روى
أن النبي عليه الصلاة والسلام أتى بجنازة رجل من الأنصار فقال هل على صاحبكم دين فقيل نعم درهمان أو ديناران
فامتنع من الصلاة عليها فقال سيدنا على أو أبو قتادة رضي الله عنهما هما على يا رسول الله فصلى عليها ولم ينقل قبول
الطالب ولان الكفالة ضم لغة والتزام المطالبة بما على الأصيل شرعا لا تمليك ألا يرى أنه يحتمل الجهالة والتعليق
بالشرط والتمليك لا يحتمل ذلك ومعنى الضم والالتزام يتم بايجاب الكفيل فأشبه النذر والدليل عليه أن المريض
إذا قال عند موته لو رثته اضمنوا عني ما علي من الدين لغرمائي وهم غيب فضمنوا ذلك فهو جائز ويلزمهم وأي فرق بين
المريض والصحيح ولهما أن الكفالة ليست بالتزام محض بل فيها معنى التمليك لما نذكر والتمليك لا يتم الا بالايجاب
والقبول كالبيع والجواب عن مسألة المريض نذكره من بعد إن شاء الله تعالى فإذا عرفت أن ركن الكفالة الايجاب
والقبول فالايجاب من الكفيل أن يقول أنا كفيل أو ضمين أو زعيم أو غريم أو قبيل أو حميل أو لك على أو لك قبلي
أو لك عندي (أما) لفظ الكفالة والضمان فصريحان وكذلك الزعامة بمعنى الكفالة والغرامة بمعنى الضمان قال
النبي عليه الصلاة والسلام الزعيم غارم أي الكفيل ضامن وكذلك القبالة بمعنى الكفالة أيضا يقال قبلت به أقبل
قبالة وتقبلت به أي كفلت قال الله تعالى أو يأتي بالله والملائكة قبيلا أي كفيلا يكفلوني بما يقول الحميل بمعنى
2

المحمول فعيل بمعنى المفعول كالقتيل بمعنى المقتول وانه ينبئ عن تحمل الضمان وقوله على كلمة ايجاب وكذا قوله إلى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا فإلى وعلى وقوله قبلي ينبئ عن القبالة وهي
الكفالة على ما ذكرنا وقوله عندي وإن كانت مطلقة للوديعة لكنه بقرينة الدين يكون كفالة لان قوله عندي يحتمل
اليد ويحتمل الذمة لأنها كلمة قرب وحضرة وذلك يوجد فيها جميعا فعند الاطلاق يحمل على اليد لأنه أدنى وعند
قرينة الدين يحمل على الذمة أي في ذمتي لان الدين لا يحتمله الا الذمة (وأما) القبول من الطالب فهو أن يقول
قبلت أو رضيت أو هويت أو ما يدل على هذا المعنى ثم ركن الكفالة في الأصل لا يخلو عن أربعة أقسام اما أن يكون
مطلقا أو مقيدا بوصف أو معلقا بشرط أو مضافا إلى وقت فإن كان مطلقا فلا شك في جوازه إذا استجمع شرائط
الجواز وهي ما نذكر إن شاء الله تعالى غير أنه إن كان الدين على الأصيل حالا كانت الكفالة حالة وإن كان الدين
عليه مؤجلا كانت الكفالة مؤجلة لان الكفالة بمضمون على الأصيل فتتقيد بصفة المضمون (وأما) المقيد فلا
يخلو اما إن كان مقيدا بوصف التأجيل أو بوصف الحلول فإن كانت الكفالة مؤجلة فإن كان التأجيل إلى وقت
معلوم بأن كفل إلى شهر أو سنة جاز ثم إن كان الدين على الأصيل موجلا إلى أجل مثله يتأجل إليه في حق الكفيل
أيضا وان سمى الكفيل أجلا أزيد من ذلك أو أنقص جاز لان المطالة حق الطالب فله أن يتبرع على كل واحد
منهما بتأخير حقه وإن كان الدين عليه حالا جاز التأجيل إلى الأجل المذكور ويكون ذلك تأجيلا في حقهما جميعا في
ظاهر الرواية وروى ابن سماعة عن محمد أنه يكون تأجيلا في حق الكفيل خاصة (وجه) هذه الرواية ان الطالب
خص الكفيل بالتأجيل فيخص به كما إذا كفل حالا أو مطلقا ثم أخر عنه بعد الكفالة (وجه) ظاهر الرواية ان
التأجيل في نفس العقد يجعل الأجل صفة للدين والدين واحد وهو على الأصيل فيصير مؤجلا عليه ضرورة بخلاف
ما إذا كان بعد تمام العقد لان التأجيل المتأخر عن العقد يؤخر المطالبة وقد خص به الكفيل فلا يتعدى إلى الأصيل
ولو كان الدين على الأصيل مؤجلا إلى سنة فكفل به مؤجلا إلى سنة أو مطلقا ثم مات الأصيل قبل تمام السنة يحل
الدين في ماله وهو على الكفيل إلى أجله وكذا لو مات الكفيل دون الأصيل يحل الدين في مال الكفيل وهو على
الأصيل إلى أجله لان المبطل للأجل وجد في حق أحدهما دون الآخر وإن كان التأجيل إلى وقت مجهول فإن كان
يشبه آجال الناس كالحصاد والدياس والنيروز ونحوه فكفل إلى هذه الأوقات جاز عند أصحابنا وعند الشافعي رحمه الله
لا يجوز (وجه) قوله إن هذا عقد إلى أجل مجهول فلا يصح كالبيع (ولنا) أن هذا ليس بجهالة فاحشة فتحملها
الكفالة وهذا لان الجهالة لا تمنع من جواز العقد لعينها بل لا فضائها إلى المنازعة بالتقديم والتأخير وجهالة التقديم
والتأخير لا تفضى إلى المنازعة في باب الكفالة لأنه يسامح في أخذ العقد مالا يسامح في غيره لامكان استيفاء الحق
من جهة الأصيل بخلاف البيع ولان الكفالة جوازها بالعرف والكفالة إلى هذه الآجال متعارفة ولو كانت
الكفالة حالة فاخر إلى هذه الأوقات جاز أيضا ما ذكرنا وإن كان لا يشبه آجال الناس كمجئ المطر وهبوب الريح
فالاجل باطل والكفالة صحيحة لأن هذه جهالة فاحشة فلا تتحملها الكفالة فلم يصح التأجيل فبطل وبقيت
الكفالة صحيحة وكذا لو كان على رجل دين فأجله الطالب إلى هذه الأوقات جاز وإن كان ثمن مبيع ولا يوجب
ذلك فساد البيع لان تأجيل الدين ابتداء بمنزلة التأخير في الكفالة وذا لا يؤثر في البيع فكذا هذا هذا إذا كانت
الكفالة مؤجلة فأما إذا كانت حالة فان شرط الطالب الحلول على الكفيل جاز سواء كان الدين على الأصيل حالا
أو مؤجلا لما ذكرنا أن المطالبة حق المكفول له فيملك التصرف فيه بالتعجيل والتأجيل ولو كفل حالا ثم أجله
الطالب بعد ذلك يتأخر في حق الكفيل إذا قبل التأخير دون الأصل بخلاف ما إذا كان التأجيل في العقد لما ذكرنا
من الفرق ولو كان الدين على الأصل حالا فأخره الطالب إلى مدة وقبله المطلوب جاز التأخير ويكون تأخيرا في حق
الكفيل هذا إذا كانت الكفالة مقيدة بوصف فأما إذا كانت معلقة بشرط فإن كان المذكور شرطا سببا لظهور
3

الحق أو لوجوبه أو وسيلة إلى الأداء في الجملة جاز بان قال إن استحق المبيع فأنا كفيل لان استحقاق المبيع
سبب لظهور الحق وكذا إذا قال إذا قدم زيد فأنا كفيل لان قدومه وسيلة إلى الأداء في الجملة لجواز أن يكون
مكفولا عنه أو يكون مضاربة فإن لم يكن سببا لظهور الحق ولا لوجوبه ولا وسيلة إلى الأداء في الجملة لا يجوز بأن
قال إذا جاء المطر أو هبت الريح أو ان دخل زيد الدار فأنا كفيل لان الكفالة فيها معنى التمليك لما ذكرنا والأصل أن
لا يجوز تعليقها بالشرط الا شرطا الحق به تعلق بالظهور أو التوسل إليه في الجملة فيكون ملائما للعقد فيجوز ولان الكفالة
جوازها بالعرف والعرف في مثل هذا الشرط دون غيره ولو قال إن قتلك فلان أوان شجك فلان أو ان غصبك
فلان أو ان بايعت فلانا فانا ضامن لذلك جاز لأن هذه الأفعال سبب لوجوب الضمان ولو قال إن غصبك فلان
ضيعتك فانا ضامن لم يجز عند أبي حنيفة وأبى يوسف وجاز عند محمد بناء على أن غصب العقار لا يتحقق عند أبي
حنيفة وعند محمد يتحقق ولو قال من قتلك من الناس أو من غصبك من الناس أو من شجك من الناس أو من بايعك
من الناس لم يجز لا من قبل التعليق بالشرط بل لان المضمون عنه مجهول وجهالة المضمون عنه تمنع صحة الكفالة ولو قال
ضمنت لك ما على فلان ان توى جاز لان هذا شرط ملائم للعقد لأنه مؤكد لمعنى التوسل إلى ما هو المقصود وكذا لو قال إن
خرج من المصر ولم يعطك فانا ضامن لما ذكرنا ولو شرط في الكفالة بالنفس تسليم المكفول به في وقت بعينه جاز لان
هذا تأجيل الكفالة بالنفس إلى وقت معلوم فيصح كالكفالة بالمال وكذا سائر أنواع الكفالات في التعليق بالشرط
والتأجيل والإضافة إلى الوقت سواء لان الكل في معنى الكفالة على السواء ولو قال كفلت لك مالك على فلان
حالا على أنك متى طلبته فلي اجل شهر جاز وإذا طلبته منه فله أجل شهر ثم إذا مضى الشهر فله أن يأخذه متى شاء ولو
شرط ذلك بعد تمام الكفالة بالمال حالا لم يجز وله أن يطالبه متى شاء والفرق ان الموجود ههنا كفالتان أحدهما حالة
مطلقة والثانية مؤجلة إلى شهر معلقة بشرط الطلب فإذا وجد الشرط ثبت التأجيل إلى شهر فإذا مضى الشهر انتهى
حكم التأجيل فيأخذه بالكفالة الحالة هذا معنى قوله في الكتاب يأخذه متى شاء بالطلب الأول بخلاف ما إذا كان
التأجيل بالشرط بعد تمام العقد لان ذلك تعليق التأجيل بالشرط لا تعليق العقد المؤجل بالشرط والتأجيل نفسه
لا يحتمل التعليق بالشرط فبطل ألا ترى أنه إذا كفل إلى قدوم زيد جاز ولو كفل مطلقا ثم أخر إلى قدوم زيد لم يجز لما
ذكرنا كذا هذا ولو كفل بنفس المطلوب على أنه ان لم يواف به غدا فعليه ما عليه وهو الألف فمضى الوقت ولم يواف به
فالمال لازم للكفيل لان هنا كفالتان بالنفس وبالمال الا أنه كفل بالنفس مطلقا وعلق الكفالة بالمال بشرط عدم
الموافاة بالنفس فكل ذلك جائز (أما) الكفالة بالنفس فلا شك فيها وكذا الكفالة بالمال لان هذا شرط ملائم للعقد
محقق لما شرع له وهو الوصول إلى الحق من جهة الكفيل عند تعذر الوصول إليه من قبل الأصيل فإذا لم يوجد الشرط
لزمه المال وإذا أداه لا يبرأ عن الكفالة بالنفس لجواز ان يدعى عليه مالا آخر فيلزمه تسليم نفسه وكذا إذا قال فعليه
ما عليه وعليه الف ولم يسم لان جهالة قدر المكفول به لا تمنع صحة الكفالة ويلزمه جميع الألف لأنه أضاف الكفالة
إلى ما عليه والألف عليه وكذا لو كفل لا مرأة بصداقها ان لم يواف الزوج وصداقها وصيف فالوصيف لازم
للكفيل لان الكفالة بالوصيف كفالة بمضمون على الأصيل وهو الزوج لان الحيوان يثبت دينا في الذمة بدلا عما
ليس بمال فيلزم الكفيل ولو كفل بنفس رجل وقال أن لم أوافك به غدا فعلى ألف درهم ولم يقل الألف التي عليه أو
الألف التي ادعيت المطلوب ينكر فالمال لازم للكفيل عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وعند محمد رحمه الله
لا يلزم (وجه) قول محمد ان هذا ايجاب المال معلقا بالخطر ابتداء لأنه لم توجد الإضافة إلى الواجب ووجوب المال
ابتداء لا يتعلق بالخطر فاما الكفالة بمال ثابت فتتعلق بالخطر ولم يوجد (وجه) قولهما ان مطلق الألف ينصرف إلى
الألف المعهودة وهي الألف المضمونة مع ما ان في الصرف إلى ابتداء الايجاب فساد العقد وفى الصرف إلى ما عليه
صحته فالصرف إلى ما فيه صحة العقد أولى ولو كفل بنفسه على أن يوافي به إذا ادعى به فإن لم يفعل فعليه الألف التي عليه
4

جاز لأنه كفل بالنفس مطلقا وعلق الكفالة بالمال بشرط عدم الموافاة بالنفس عند طلب الموافاة وهذا شرط ملائم
للعقد لما ذكر نا فإذا طلب منه المكفول له تسليم النفس فان سلم مكانه برئ لأنه أتى بما التزم وان لم يسلم فعليه المال
لتحقق الشرط وهو عدم الموافاة بالنفس عند الطلب ولو قال ائتني به عشية أو غدوة وقال الكفيل أنا آتيك به بعد غد
فإن لم يأت به في الوقت الذي طلب المكفول له فعليه المال لوجود شرط اللزوم وان أخر المطالبة إلى ما بعد غد كما قاله
الكفيل فأتى به فهو برئ من المال لأنه بالتأخير أبطل الطلب الأول فلم يبق التسليم واجبا عليه وصار كأنه طلب منه
من الابتداء التسليم بعد غدو قد وجد وبرئ من المال ولو كفل بالمال وقال إن وافيتك به غدا فانا برئ فوافاه من الغد
يبرأ من المال في رواية وفى رواية لا يبرأ (وجه) الرواية الأخيرة ان قوله إن وافيتك به غدا فانا برئ تعليق البراءة
عن المال بشرط الموافاة بالنفس والبراءة لا تحتمل التعليق بالشرط لان فيها معنى التمليك والتمليكات لا يصح تعليقها
بالشرط (وجه) الرواية الأولى ان هذا ليس بتعليق البراءة بشرط الموافاة بل هو جعل الموافاة غاية للكفالة بالمال
والشرط قد يذكر بمعنى الغاية لمناسبة بينهما والأول أشبه ولو شرط في الكفالة بالنفس ان يسلمه إليه في مجلس
القاضي جاز لان هذا شرط مفيد ويكون التسليم في المصر أو في مكان يقدر على احضاره مجلس القاضي تسليما إلى
القاضي لما نذكر إن شاء الله تعالى ولو شرط أن يسلمه إليه في مصر معين يصح التقييد بالمصر بالاجماع الا أنه لا يصح
التعيين عند أبي حنيفة وعند هما يصح على ما نذكر إن شاء الله تعالى ولو شرط ان يدفعه إليه عند الأمير لا يتقيد به حتى
لو دفعه إليه عند القاضي أو عزل الأمير وولى غيره فدفعه إليه عند الثاني جاز لان التقييد غير مفيد ولو كفل بنفسه فإن لم
يواف به فعليه ما يدعيه الطالب فان ادعى الطالب ألفا فإن لم يكن عليه بينة لا يلزم الكفيل لأنه لا يلزم بنفس الدعوى
شئ فقد أضاف الالتزام إلى ما ليس بسبب اللزوم وكذا إذا أقربها المطلوب لان اقراره حجة عليه لا على غيره فلا
يصدق على الكفيل ولو قامت البينة عليها أو أقر بها الكفيل فعليه الألف لان البينة سبب لظهور الحق وكذا
اقرار الانسان على نفسه صحيح فيؤاخذ به ولو كفل بنفسه على أنه ان لم يواف به إلى شهر فعليه ما عليه فمات الكفيل
قبل الشهر وعليه دين ثم مضى الشهر قبل أن يدفع ورثة الكفيل المكفول به إلى الطالب فالمال لازم للكفيل
ويضرب الطالب مع الغرماء أما لزوم المال فلان الحكم بعد الشرط يثبت مضافا إلى السبب السابق وهو عند مباشرة
السبب صحيح ولهذا لو كفل وهو صحيح ثم مرض تعتبر الكفالة من جميع المال لامن الثلث (أما) الضرب مع
الغرماء فلاستواء الدينين وكذا لو مات المكفول به ثم مات الكفيل لأنه إذا مات فقد عجز الكفيل عن تسليم
نفسه فوجد شرط لزوم المال بالسبب السابق هذا إذا كانت الكفالة معلقة بالشرط فاما إذا كانت مضافة إلى
وقت بان ضمن ما أدان له على فلان أو ما قضى له عليه أو ما داين فلانا أو ما أقرضه أو ما استهلك من ماله أو ما غصبه أو
ثمن ما بايعه صحت هذه الكفالة لأنها أضيفت إلى سبب الضمان وان لم يكن الضمان ثابتا في الحال والكفالة إن كان
فيها معنى التمليك فليست بتمليك محض فجاز أن تحمل الإضافة ولو قال كلما بايعت فلانا فثمنه على أو ما بايعت أو الذي
بايعت يؤاخذ الكفيل بجميع ما بايعه ولو قال إن بايعت أو إذا بايعت أو متى بايعت يؤاخذ بثمن أول المبايعة ولا يؤاخذ
بثمن ما بايعة بعدها لان كلمة كل لعموم الافعال وكذا كلمة ما والذي للعموم وقد دخلت على المبايعة فيقتضى تكرار
المبايعة ولم يوجد مثل هذه الدلالة في قوله إن بايعت ونظائره والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما شرائط الكفالة فأنواع بعضها يرجع إلى الكفيل وبعضها يرجع إلى الأصيل وبعضها يرجع إلى
المكفول له وبعضها يرجع إلى المكفول به ثم منها ما هو شرط الانعقاد ومنها ما هو شرط النفاذ (أما) الذي يرجع
إلى الكفيل فأنواع (منها) العقل ومنها البلوغ وانهما من شرائط الانعقاد لهذا التصرف فلا تنعقد كفالة الصبي
والمجنون لأنها عقد تبرع فلا تنعقد ممن ليس من أهل التبرع الا أن الأب أو الوصي لو استدان دينا في نفقة اليتيم وأمر
اليتيم أن يضمن المال عنه جاز ولو أمره أن يكفل عنه النفس لم يجزلان ضمان الدين قد لزمه من غير شرط فالشرط
5

لا يزيده الا تأكيد أفلم يكن متبرعا فاما ضمان النفس وهو تسليم نفس الأب أو الوصي فلم يكن عليه فكان متبرعا فيه فلم يجز
(ومنها) الحرية وهي شرط نفاذ هذا التصرف فلا تجوز كفالة العبد محجورا كان أو مأذونا له في التجارة لأنها تبرع
والعبد لا يملكه بدون اذن مولاه ولكنها تنعقد حتى يؤاخذ به بعد العتاق لان امتناع النفاذ ما كان لانعدام الأهلية بل
لحق المولى وقد زال بخلاف الصبي لأنها غير منعقدة منه لعدم الأهلية فلا تحتمل النفاذ بالبلوغ ولو أذن له المولى
بالكفالة فإن كان عليه دين لم يجزلان اذنه بالتبرع لم يصح وان لم يكن عليه دين جازت كفالته وتباع رقبته في الكفالة
بالدين الا ان يفديه المولى ولا تجوز كفالة المكاتب من الأجنبي لان المكاتب عبد ما بقي عليه درهم على لسان صاحب
الشرع عليه الصلاة والسلام وسواء أذن له المولى أو لم يأذن لان اذن المولى يصح في حقه وصح في حق القن
ولكنه ينعقد حتى يطالب به بعد العتاق ولو كفل المكاتب أو المأذون عن المولى جاز لأنهما يملكان التبرع عليه
وأما صحة بدن الكفيل فليس بشرط لصحة الكفالة فتصح كفالة فتصح كفالة المريض لكن من الثلث لأنها تبرع (وأما) الذي
يرجع إلى الأصيل فنوعان أحدهما أن يكون قادرا على تسليم المكفول به اما بنفسه واما بنائبه عند أبي حنيفة فلا تصح
الكفالة بالدين عن ميت مفلس عنده وعند أبي يوسف ومحمد تصح (وجه) قولهما ان الموت لا ينافي بقاء الدين
لأنه مال حكى فلا يفتقر بقاؤه إلى القدرة ولهذا بقي إذا مات مليا حتى تصح الكفالة به وكذا بقيت الكفالة بعد موته
مفلسا وإذا مات عن كفيل تصح الكفالة عنه بالدين فكذا يصح الابراء عنه والتبرع (وجه) قول أبي حنيفة
ان الدين عبارة عن الفعل والميت عاجز عن الفعل فكانت هذه كفالة بدين ساقط فلا تصح كما كفل على إنسان
بدين ولا دين عليه وإذا مات مليا فهو قادر بنائبه وكذا إذا مات عن كفيل لأنه قائم مقامه في قضاء دينه (وأما)
الابراء والتبرع فهما في الحقيقة ابراء عن المؤاخذة بسبب المماطلة في قضاء الدين والتبرع بتخليص الميت عن
المؤاخذة بسبب التقصير بواسطة ارضاء الخصم بهبة هذا القدر منه فاما أن يكون ابراء عن الدين وتبرعا بقضائه حقيقة
فلا على ما عرف في الخلافيات والثاني أن يكون معلوما بان كفل ما على فلان فاما إذا قال على أحد من الناس أو بعين
أو بنفس أو بفعل فلا يجوز لان المضمون عليه مجهول ولان الكفالة جوازها بالعرف والكفالة على هذا الوجه
غير معروفة فاما حرية الأصيل وعقله وبلوغه فليست بشرط لجواز الكفالة لان الكفالة بمضمون ما على الأصل
مقدور الاستيفاء من الكفيل وقد وجه أما العبد فلان الدين واجب عليه ويطالب به في الجملة فأشبه الكفالة
بالدين المؤجل وأما الصبي والمجنون فلان الدين في ذمتهما والولي مطالب به في الحال ويطالبان أيضا في الجملة وهو
ما بعد البلوغ والا فاقة فتجوز الكفالة عن العبد وإن كان محجورا وعن الصبي والمجنون الان الكفيل لا يملك
الرجوع عليهم بما أدى وإن كانت الكفالة باذنهم لما نذكر في موضعه إن شاء الله تعالى وكذا لا يشترط حضرته
فتجوز الكفالة عن غائب أو محبوس لان الحاجة إلى الكفالة في الغالب في مثل هذه الأحوال فكانت الكفالة
فيهما أجوز ما يكون (وأما) الذي يرجع إلى المكفول له فأنواع (منها) أن يكون معلوما حتى أنه إذا كفل لاحد من
الناس لا تجوز لان المكفول له إذا كان مجهولا لا يحصل ما شرع له الكفالة وهو التوثق (ومنها) أن يكون في مجلس
العقد وانه شرط الانعقاد عند أبي حنيفة ومحمد إذا لم يقبل عنه حاضر في المجلس حتى أن من كفل لغائب عن المجلس فبلغه
الخبر فأجاز لا تجوز عند هما إذا لم يقبل عنه حاضر وعن أبي يوسف روايتان وظاهر اطلاق محمد في الأصل انها جائزة
على قوله الآخر يدل على أن المجلس عنده ليس بشرط أصلا لا شرط النفاذ ولا شرط الانعقاد لان محمدا ربما؟ يطلق
الجواز على النافذ فأما الموقوف فنسميه باطلا الا أن يجيز وهذا الاطلاق صحيح لان الجائز هو النافذ في اللغة يقال
جاز السهم إذا نفذ (وجه) قول أبى يوسف الآخر ما ذكرنا في صدر الكتاب ان معنى هذا العقد لغة وشرعا وهو
الضم والالتزام يتم بايجاب الكفيل فكان ايجابه كل العقد والدليل عليه مسألة المريض (وجه) قولهما ما ذكرنا ان
فيه معنى التمليك أيضا والتمليك لا يقوم الا بالايجاب والقبول فكان الايجاب وحده شطر العقد فلا يقف على عائب
6

عن المجلس كالبيع مع ما انا نعمل بالشبهين جميعا فنقول لشبه الالتزام يحتمل الجهالة والتعليق بالشرط والإضافة إلى
الوقت ولشبه التمليك لا يقف على غائب عن المجلس اعتبار للشبهين بقدر الامكان (وأما) مسألة المريض فقد قال
بعض مشايخنا ان جواز الضمان هناك بطريق الايصاء بالقضاء عنه بعد موته لا بطريق الكفالة ويكون قوله اضمنوا
عن ايصاء منه إليهم بالقضاء عنه حتى لو مات ولم يترك شيئا لا يلزم الورثة شئ فعلى هذا لا يلزم وبعضهم أجازوه على
سبيل الكفالة ووجهه ما أشار إليه أبو حنيفة عليه الرحمة في الأصل وقال هو بمنزلة المعبر عن غرمائه وشرح هذه
الإشارة والله عز وجل أعلم أن المريض مرض الموت يتعلق الدين بماله ويصير بمنزلة الأجنبي عنه حتى لا ينفذ منه
التصرف المبطل لحق الغريم ولو قال أجنبي للورثة اضمنوا الغرماء فلان عنه فقالوا ضمنا يكتفى به فكذا المريض
والله عز وجل أعلم (ومنها) وهو تفريع على مذهبهما أن يكون عاقلا فلا يصح قبول المجنون والصبي الذي لا يعقل
لأنهما ليسا من أهل القبول ولا يجوز قبول وليهما عنهما لان القبول يعتبر ممن وقع له الايجاب ومن وقع له الايجاب ليس
من أهل القبول ومن قبل لم يقع الايجاب له فلا يعتبر قبوله (وأما) حرية المكفول له فليست بشرط لان العبد من أهل
القبول (وأما) الذي يرجع إلى المكفول به فنوعان أحدهما أن يكون المكفول به مضمونا على الأصيل سواء كان
دينا أو عينا أو نفسا أو فعلا ليس بدين ولا عين ولا نفس عند أصحابنا الا أنه يشترط في الكفالة بالعين أن تكون
مضمونة بنفسها وجملة الكلام فيه أن المكفول به أربعة أنواع عين ودين ونفس وفعل ليس بدين ولا عين ولا
نفس أما العين فنوعان عين هي أمانة وعين هي مضمونة أما العين التي هي أمانة فلا تصح الكفالة بها سواء كانت أمانة
غير واجبة التسليم كالودائع ومال الشركات والمضاربات أو كانت أمانة واجبة التسليم كالعارية والمستأجر في اليد
الأجير لأنه أضاف الكفالة إلى عينها وعينها ليست بمضمونة ولو كفل بتسليم المستعار والمستأجر عن المستعير
والمستأجر جاز لأنهما مضمونا التسليم عليهما فالكفالة أضيفت إلى مضمون على الأصيل وهو فعل التسليم فحصت
(وأما) العين المضمونة فنوعان مضمون بنفسه كالمغصوب والمقبوض بالبيع الفاسد والمقبوض على سوم الشراء
ومضمون بغيره كالمبيع قبل القبض والرهن فتصح الكفالة بالنوع الأول لأنه كفالة بمضمون بنفسه ألا ترى انه
يجب رد عينه حال قيامه ورد مثله أو قيمته حال هلاكه فيصير مضمونا على الكفيل على هذا الوجه أيضا ولا تصح
بالنوع الثاني لأن المبيع قبل القبض مضمون بالثمن لا بنفسه ألا ترى أنه إذا هلك في يد البائع لا يجب عليه شئ ولكن
يسقط الثمن عن المشترى وكذا الرهن غير مضمون بنفسه بل بالدين ألا يرى أنه إذا هلك لا يجب على المرتهن
شئ ولكن يسقط الدين عن الراهن بقدره (وأما) الفعل فهو فعل التسليم في الجملة فتجوز الكفالة بتسليم المبيع
والرهن لأن المبيع مضمون التسليم على البائع والرهن مضمون التسليم على المرتهن في الجملة بعد قضاء الدين فكان
المكفول به مضمونا على الأصيل وهو فعل التسليم فصحت الكفالة به لكنه إذا هلك لا شئ على الكفيل لأنه لم
يبق مضمونا على الأصيل فلا يبقى على الكفيل ولو استأجر دابة للحمل فكفل رجل بالحمل فإن كانت الدابة بعينها لم
تجز الكفالة بالحمل وإن كانت بغير عينها جازت لان في الوجه الأول الواجب على الآجر فعل تسليم الدابة دون الحمل
فلم تكن الكفالة بالحمل كفالة بمضمون على الأصيل فلم تجز وفي الوجه الثاني الواجب عليه فعل الحمل دون تسليم الدابة
فكانت الكفالة بالحمل كفالة بفعل هو مضمون على الأصيل فجازت وعلى هذا إذا كفل بنفس من عليه الحق جاز
عند أصحابنا لان الكفالة بالنفس كفالة بالفعل وهو تسليم النفس وفعل التسليم مضمون على الأصيل فقد كفل
بمضمون على الأصيل فجاز وكذا إذا كفل برأسه أو بوجهه أو برقبته أو بروحه أو بنصفه والأصل فيه أنه إذا
أضاف الكفالة إلى جزء جامع كالرأس والوجه والرقبة ونحوها جازت لأن هذه الاجزاء يعبر بها عن جملة البدن
فكان ذكرها ذكرا للبدن كما في باب الطلاق والعتاق وكذا إذا أضاف إلى جزء شائع كالنصف والثلث ونحوهما
جازت لان حكم الكفالة بالنفس وجوب تسليم النفس بثبوت ولاية المطالبة والنفس في حق وجوب التسليم لا
7

تتجزأ وذكر بعض ما لا يتجزأ شرعا ذكر لكله كما في الطلاق والعتاق وإذا أضافها إلى اليد أو الرجل ونحوهما من
الاجزاء المعينة لا تجوز لأن هذه الأعضاء لا يعبر بها عن جميع البدن وهي في حكم الكفالة متجزئة فلا يكون ذكرها
ذكرا لجميع البدن كما في الطلاق والعتاق ولو قال في الكفالة بالنفس هو على جاز لان هذا صريح في التزام تسليم
النفس وكذا إذا قال أنا ضامن لوجهه لان الوجه جزء جامع ولو قال انا ضامن لمعرفته لا تصح لان المعرفة لا تحتمل أن
تكون مضمونة على الأصيل ولو قال للطالب أنا ضامن لك لم يصح لان المضمون غير معلوم أصلا ثم ما ذكرنا من
الكفالة بالنفس والعين والفعل انها صحيحة وما ذكرنا من التفريعات عليها مذهب أصحابنا وقال الشافعي رحمه الله انها
غير صحيحة (وجه) قوله إن الكفالة أضيفت إلى غير محلها فلا تصح ودلالة ذلك ان الكفالة التزام الدين فكان
محلها الدين فلم توجد والتصرف المضاف إلى غير محله باطل ولان القدرة على تسليم المكفول به شرط جواز الكفالة
والقدرة على الاعتاق لا تتحقق (ولنا) قوله عز وجل ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم أخبر الله عز شأنه عن الكفالة
بالعين عن الأمم السالفة ولم يغير والحكيم إذا حكى عن منكر غيره ولان هذا حكم لم يعرف له مخالف من عصر الصحابة
والتابعين إلى زمن الشافعي رحمه الله فكان الانكار خروجا عن الاجماع فكان باطلا ولما ذكرنا ان هذه الكفالة
أضيفت إلى مضمون على الأصيل مقدور الاستيفاء من الكفيل فتصح أصله الكفالة بالدين وقوله الكفالة التزام
الدين ممنوع بل هي التزام المطالبة بمضمون على الأصيل وقد يكون ذلك دينا وقد يكون عينا والعين مقدورة التسليم في
حق الأصيل كالدين عبد مقر بالرق في يد رجل فأخذ منه المولى كفيلا بنفسه فأبق فهو باطل لأنه كفل بما ليس
بمضمون وكذا لو كفل بعد إباقه لما قلنا وكذا لو ادعى رجل على إنسان انه عبده وأنكر المدعى عليه زعم أنه حر
وكفل رجل بنفسه حتى لو أقام البينة على أنه عبده فمات المدعى عليه لا شئ على الأصيل لما ذكرنا ولو كان المدعى في
يد ثالث فقال أنا ضامن لك قيمة هذا ان استحقيته صحت الكفالة حتى لو أقام البينة على أنه عبده فمات المدعى عليه
فالكفيل ضامن كل قيمته لان بإقامة البينة تبين انه كفل بمضمون صبي في يد رجل يدعى انه ابنه وادعى رجل آخر
انه عبده فضمن له انسان فأقام المدعى البينة وقد مات الصبي فالكفيل ضمان لما ذكرنا أنه لما قامت البينة تبين انه
كفيل بمضمون وعن محمد فيمن ادعى على إنسان انه غصبه عبدا فقبل أن يقيم البينة قال رجل أنا ضامن بالعبد الذي
يدعى فهو ضامن حتى يأتي بالعبد فيقيم البينة عليه لأنه كفل بمضمون على الأصيل وهو احضاره مجلس القاضي فان
هلك واستحقه بينة فهو ضامن لقيمته لأنه تبين انه كفل بمضمون بعين مضمون بنفسه ولو ادعى انه غصبه ألف درهم
واستهلكها أو عبدا ومات في يده فقال رجل خله فأنا ضامن المال أو لقيمة العبد فهو ضامن يأخذه به من ساعته
ولا يقف على إقامة البينة لان بقوله أنا ضامن لقيمة العبد أقر بكون القيمة واجبة على الأصيل فقد كفل بمضمون على
الأصيل فلا يقف على البينة بخلاف الفصل الأول لان هناك ما عرف وجوب القيمة باقراره بل بإقامة البينة فتوقف
عليها والنوع الثاني أن يكون المكفول به مقدور الاستيفاء على الكفيل ليكون العقد مفيدا فلا تجوز الكفالة
بالحدود والقصاص لتعذر الاستيفاء من الكفيل فلا تفيد الكفالة فائدتها وههنا شرط ثالث لكنه يخص الدين
وهو أن يكون لازما فلا تصح الكفالة عن المكاتب لمولاه ببدل الكتابة لأنه ليس بدين لازم لان المكاتب يملك
اسقاط الدين عن نفسه بالتعجيز لا بالكسب بمضمون وتجوز الكفالة بنفس من عليه القصاص في
النفس وما دونها وبحد القذف والسرقة إذا بذلها المطلوب فأعطاه بها كفيلا بلا خلاف بين أصحابنا وهو الصحيح
لأنه كفالة بمضمون على الأصيل مقدور الاستيفاء من الكفيل فتصح كالكفالة بتسليم نفس من عليه الدين وإنما
الخلاف انه إذ امتنع من اعطاء الكفيل عند الطلب هل يجبره القاضي عليه قال أبو حنيفة لا يجبره وقال أبو يوسف
ومحمد يجبره (وجه) قولهما ان نفس من عليه القصاص والحد مضمون التسليم عليه عند الطلب كنفس من عليه
الدين ثم تصح الكفالة بنفس من عليه الدين ويجبر عليها عند الطلب فكذا هذا ولأبي حنيفة ان الكفالة شرعت
8

وثيقة ولحدود مبناها على الدرء فلا يناسبها التوثيق بالجبر على الكفالة ولا يلزمه الحبس في الحدود والقصاص قبل
يزكيه الشهود والحبس توثيق لان الحبس للتهمة لا للتوثيق لان شهادة شاهدين أو شاهد واحد لا تخلو عن ايراث
تهمة فكان الحبس لا جل التهمة دون التوثيق ويجوز الجبر على اعطاء الكفيل في التعزير لأنه لا يحتال لدرئه لكونه
حق العبد (وأما) الدين فتصح الكفالة به بلا خلاف لأنه مضمونه على الأصيل مقدور الاستيفاء من الكفيل
والنوع الثاني أن يكون المكفول به مقدور الاستيفاء من الكفيل ليكون العقد مفيدا فلا تجوز الكفالة بالحدود
والقصاص لتعذر الاستيفاء من الكفيل فلا تفيد الكفالة فائدتها وههنا شرط ثالث لكنه يخص الدين وهو أن
يكون لازما فلا تصح الكفالة عن المكاتب لمولاه ببدل الكتابة لأنه ليس بدين لازم لان المكاتب يملك اسقاط
الدين عن نفسه التعجيز لا بالكسب فلو أجزنا الكفالة ببدل الكتابة لكان لا يخلو (أما) أن يملك الكفيل اسقاطه
عن نفسه كما يملك الأصيل (وأما) ان لا يملك فان ملك لا تفيد الكفالة وان لم يملك لم يكن هذا التزام ما على الأصيل
فلا يتحقق التصرف كفالة ولأنا لو أجزنا هذه الكفالة لكان الدين على الكفيل ألزم منه على الأصيل لان المكاتب
إذا مات عاجزا بطل عنه الدين ولو مات الكفيل عاجزا مفلسا لم يبطل عنه الدين فكان الحق على الكفيل ألزم منه
على الأصيل وهذا خلاف ما توجبه الأصول ولان الكفالة جوازها بالعرف فلا تجوز فيما لا عرف فيه ولا عرف في
الكفالة ببدل الكتابة وكذا لا تجوز الكفالة عن المكاتب لمولاه بسائر الديون سوى دين الكتابة لان غيره من
الديون إنما وجب للمولى عليه بمشيئته ألا ترى أنه لولا لزوم الكتابة عليه لما وجب عليه دين آخر فكان دين
الكتابة أصلا لوجوب دين آخر عليه فلما لم تجز الكفالة بالأصل فلان لا تجوز بالفرع أولى وأخرى ولا تجوز
الكفالة ببدل السعاية عند أبي حنيفة وعند هما تجوز بناء على أن المستسعى بمنزلة المكاتب عنده وعندهما بمنزلة حر
عليه دين وكون المكفول به معلوم الذات في أنواع الكفالات أو معلوم القدر في الدين ليس بشرط حتى لو كفل
بأحد شيئين غير عين بأن كفل بنفس رجل أو بما عليه وهو ألف جاز وعليه أحدهما أيهما شاء لأن هذه جهالة
مقدورة الدفع بالبيان فلا تمنع جواز الكفالة وكذا إذا كفل بنفس رجل أو بما عليه أو بنفس رجل آخر أو بما عليه
جاز ويبرأ بدفع واحد منهما إلى الطالب ولو كفل عن رجل بما لفلان عليه أو بما يدركه في هذا البيع جاز لان
جهالة قدر المكفول به لا تمنع صحة الكفالة قال الله تعالى جل شأنه ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم أجاز الله تعالى عز
شأنه الكفالة بحمل البعير مع أن الحمل يحتمل الزيادة والنقصان والله عز وجل أعلم ولو ضمن رجل بالعهدة فضمانه باطل
عند أبي حنيفة وعند هما صحيح (وجه) قولهما ان ضمان العهدة في متعارف الناس ضمان الدرك وهو ضمان الثمن عند
استحقاق المبيع وذلك جائز بلا خلاف بين أصحابنا ولا بي حنيفة رحمه الله أن العهدة تحتمل الدرك وتحتمل الصحيفة
وهو الصك وأحدهما وهو الصك غير مضمون على الأصيل فدارت الكفالة بالعهدة بين أن تكون بمضمون وغير
مضمون فلا تصح مع الشك فلم يكن عدم الصحة عنده لجهالة المكفول به بل لوقوع الشك في وجود شرط الجواز وهو
كونه مضمونا على الأصيل وضمان الدرك هو ضمان الثمن عند استحقاق المبيع وإذا استحق المبيع يخاصم المشترى
البائع أو لا فإذا اقضي عليه بالثمن يكون قضاء على الكفيل وله أن يأخذ من أيهما شاء وليس له أن يخاصم الكفيل أولا
في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف أنه قال الكفيل يكون خصما هذا إذا كان المبيع ما سوى العبد فإن كان
عبدا فظهر انه حر بالبينة فللمشتري أن يخاصم أيهما شاء بالاجماع ولو انفسخ البيع بينهما بما سوى الاستحقاق بالرد
بالعيب أو بخيار الشرط أو بخيار الرؤية لا يؤاخذ به الكفيل لان ذلك ليس من الدرك ولو أخذ المشترى رهنا بالدرك
لا يصح بخلاف الكفالة بالدرك والفرق عرف في موضعه ولو بنى المشترى في الدار بناء ثم استحقت الدار ونقض
عليه البناء فللمشتري أن يرجع على بائعه بالثمن وبقيمة بنائه مبنيا إذا سلم النقض إلى البائع وان لم يسلم لا يرجع عليه الا
بالثمن خاصة في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف أنه يرجع عليه بالثمن وبقيمة البناء التالف ولو سلم النقض
9

إلى البائع وقضى عليه بالثمن وقيمة البناء مبنيا له ان يأخذ أيهما شاء بالثمن ويأخذ البائع بقيمة البناء في ظاهر الرواية
وذكر الطحاوي أنه يأخذ أيهما شاء بهما جميعا ان شاء أخذ هما من البائع وان شاء أخذ هما من الكفيل بالدرك ثم يرجع
الكفيل على البائع إن كانت الكفالة بأمره جعل الطحاوي قيمة البناء بمنزلة الثمن وهو غير سديد لان المفهوم من
الدرك ضمان المشترى في متعارف الناس فلا تكون قيمة البناء داخلة تحت الكفالة بالدرك وكذلك لو كان المبيع
جارية فاستولدها المشترى ثم استحقها رجل وأخذ منه قيمة الجارية وقيمة الولد والعقر فان المشترى يأخذ الثمن من
أيهما شاء ولا يؤاخذ الكفيل بقيمة الولد وللمشتري أن يأخذ قيمة الولد من البائع خاصة لأنه لم يدخل تحت الكفالة
بالدرك والله عز وجل أعلم ولو كفل بماله على فلا فقامت البينة عليه بألف ضمنها الكفيل لأنه تبين انه كفل
بمضمون على الأصيل وان لم تقم البينة فالقول قول الكفيل مع يمينه في مقدار ما يقربه أما القول قوله في المقر به لأنه
مال لزم بالتزامه فيصدق في القدر الملتزم كما إذا أقر على نفسه بمال مجهول وأما اليمين فلانه منكر الزيادة والقول قول
المنكر مع يمينه في الشرع ولو أقر المكفول عنه بأكثر مما أقربه لم يصدقه على كفيله لان اقرار الانسان حجة في حق
نفسه لا في حق غيره لأنه مقر في حق نفسه مدع في حق غيره ولا يظهر صدق المدعى الا بحجة
(فصل) واما بيان حكم الكفالة فنقول وبالله التوفيق للكفالة حكمان أحدهما ثبوت ولاية مطالبة الكفيل بما
على الأصيل عند عامة مشايخنا ويطرد هذا الحكم في سائر أنواع الكفالات لان الكل في احتمال هذا الحكم على
السواء وإنما يختلف محل الحكم من العين والدين والفعل فيطالب الكفيل بالدين بدين واجب على الأصيل لا عليه
فالدين على واحد والمطالب به اثنان غير أن الكفيل إن كان واحدا يطالب بكل الدين وإن كان به كفيلان
والدين ألف يطالب كل واحد منهما بخمسمائة إذا لم يكفل كل واحد منهما عن صاحبه لأنهما استويا في الكفالة
والمكفول به يحتمل الانقسام فينقسم عليهما في حق المطالبة كما في الشراء ويطالب الكفيل بالنفس باحضار
المكفول بنفسه ان لم يكن غائبا وإن كان غائبا يؤخذ الكفيل إلى مدة يمكنه احضاره فيها فإن لم يحضر في المدة ولم يظهر
عجزه للقاضي حبسه إلى أن يظهر عجزه له فإذا علم القاضي ذلك بشهادة الشهود أو غيرها أطلقه وأنظره إلى حال القدرة على
احضاره لأنه بمنزلة المفلس لكن لا يحول بين الطالب والكفيل بل يلازمه من الطالب ولا يحول الطالب أيضا بينه
وبين أشغاله ولا يمنعه من الكسب وغيره ويطالب الكفيل بالعين بتسليم عينها إن كانت قائمة ومثلها أو قيمتها إن كانت
هالكة ويطالب الكفيل بتسليم العين وبالفعل بهما وقال بعض مشايخنا ان حكم الكفالة بالدين وجوب
أصل الدين على الكفيل والمطالبة مرتب عليه فيطالب الكفيل بدين واجب عليه لا على الأصيل كما يطالب
الأصيل بدين عليه لا على الكفيل فيتعدد الدين حسب تعدد المطالبة وبه أخذ شيخه الإمام الشافعي رحمه الله وزعم
أن هذا يمنع من صحة الكفالة بالأعيان المضمونة والنفس والفعل لان هذا الحكم لا يتحقق في الكفالة بغير الدين وهذا
غير سديد لان الكفالات أنواع لكل نوع حكم على حدة فانعدام حكم نوع منها لا يدل على انعدام حكم نوع آخر
فأما براءة الأصيل فليس حكم الكفالة عند عامة العلماء والطالب بالخيار ان شاء طالب الأصيل وان شاء طالب
الكفيل الا إذا كانت الكفالة بشرط براءة الأصيل لأنها حوالة معنى أو كانت مقيدة بما عليه من الدين لأنها في
معنى الحوالة أيضا وقال ابن أبي ليلى ان الكفالة توجب براءة الأصيل والصحيح قول العامة لان الكفالة تنبئ
عن الضم وهو ضم ذمة إلى ذمة في حق المطالبة بما على الأصيل أو في حق أصل الدين والبراءة تنافى الضم ولان الكفالة
لو كانت مبرئة لكانت حوالة وهما متغايران لان تغاير الأسامي دليل تغاير المعاني في الأصل وأيهما اختار مطالبته لا
يبرأ الاخر بل يملك مطالبته فرق بين هذا وبين غاصب الغاصب ان للمالك أن يضمن أيهما شاء فإذا اختار تضمين
أحدهما لا يملك اختيار تضمين الآخر (ووجه) الفرق ان المضمونات تملك عند اختيار الضمان فإذا اختار تضمين
أحدهما فقد هلك المضمون فلا يملك الرجوع عنه وهذا المعنى هنا معدوم لان اختيار الطالب مطالبة أحدهما بالمضمون
10

لا يتضمن ملك المضمون فهو الفرق وكذا فرقوا بين هذا وبين العبد المشترك بنى اثنين أعتقه أحدهما وهو موسر
حتى يثبت للشريك الساكت اختيار تضمين المعتق واستسعاء العبد فاختيار أحدهما يبطل اختيار الاخر لأنه لما
اختار الضمان صار نصيبه منقولا إلى المعتق عند اختياره لان المضمونات تملك عند اختيار الضمان فلو اختار الاستسعاء
يسعى وهو رقيق وإنما يعتق كله بأداء السعاية وبينهما تناف ولا تناف ههنا لا الطالب لا يملك المضمون باختيار
المطالبة فيملك مطالبة الآخر والثاني ثبوت ولاية مطالبة الكفيل الأصيل إذا كانت الكفالة بأمره في الأنواع
كلها ثم إذا كانت الكفالة بالنفس فطالب الكفيل بتسليم نفسه إلى الطالب إذا طالبه وإن كانت بالعين المضمونة
يطالب بتسليم عينها إذا كانت قائمة وتسليم مثلها أو قيمتها إذا كانت هالكة إذا طولب به وإن كانت بفعل التسليم والحمل
يطالب بهما وإن كانت بدين يطالبه بالخلاص إذا طولب فكما طولب الكفيل طالب هم المكفول عنه بالخلاص
وان حبس فله ان يحبس المكفول عنه لأنه هو الذي أوقعه في هذه العهدة فكان عليه تخليصه منها وإن كانت
الكفالة بغير أمره فليس للكفيل حق ملازمة الأصيل إذا لوزم ولا حق الحبس إذا حبس وليس له أن يطالب بالمال
قبل أن يؤدى هو وإن كانت الكفالة بأمره لأن ولاية المطالبة إنما تثبت بحكم القرض والتمليك على ما نذكره وكل ذلك
يقف على الأداء ولم يوجد بخلاف الوكيل بالشراء ان له ولاية مطالبة الموكل بالثمن بعد الشراء قبل أن يؤدى هو من مال
نفسه لان هناك الثمن يقابل المبيع والملك في المبيع كما وقع وقع للموكل فكان المثن عليه فكان له أن يطالبه به وهنا
المطالبة بسبب القرض أو التمليك ولم يوجد هنا وإذا أدى كان له أن يرجع عليه إذا كانت الكفالة بأمره لان الكفالة
بالامر في حق المطلوب استقراض وهو طلب القرض من الكفيل والكفيل بأداء المال مقرض من المطلوب
ونائب عنه في الأداء إلى الطلب وفى حق الطالب تمليك ما في ذمة المطلوب من الكفيل بما أخذ منه من المال والمقرض
يرجع على المستقرض بما أقرضه والمشترى يملك الشراء بالبيع لا غير هذا
(فصل) وأما بيان ما يخرج به الكفيل عن الكفالة فنقول وبالله التوفيق اما الكفيل بالمال فإنما يخرج عن
الكفالة بأحد أمرين أحدهما أداء المال إلى الطالب أو ما هو في معنى الأداء سواء كان الأداء من الكفيل أومن
الأصيل لان حق المطالبة للتوسل إلى الأداء فإذا وجد فقد حصل المقصود فينتهي حكم العقد وكذا إذا وهب الطالب
المال من الكفيل أو من الأصيل لان الهبة بمنزلة الأداء لما ذكرنا وكذا إذا تصدق به على الكفيل أو على الأصيل
لان الصدقة تمليك كالهبة فكان هو وأداء المال سواء كالهبة والثاني الابراء وما هو معناه فإذا أبرأ الطالب الكفيل
أو الأصيل خرج عن الكفالة غير أنه إذا أبرأ الكفيل لا يبرأ الأصيل وإذا أبرأ الأصيل يبرأ الكفيل لان الدين على
الأصيل لا على الكفيل إنما عليه حق المطالبة فكان ابراء الأصيل اسقاط الدين عن ذمته فإذا سقط الدين عن
ذمته يسقط حق المطالبة ضرورة لان المطالبة بالدين ولا دين محال فاما ابراء الكفيل فابراؤه عن المطالبة لا عن الدين
إذ لادين عليه وليس من ضرورة اسقاط حق المطالبة عن الكفيل سقوط أصل الدين عن الأصيل لكن يخرج
الكفيل عن الكفالة لان حكم الكفالة حق المطالبة عن الكفيل فإذا سقط تنتهى الا ان ابراء الأصيل يرتد بالرد وكذا
الهبة منه أو التصدق عليه وابراء الكفيل لا يرتد بالرد والهبة منه والتصدق عليه والفرق بين هذه الجملة يعرف
في موضعه ان أشاء الله تعالى وإذا ارتدت هذه التصرفات برد الأصيل عاد الدين إلى ذمته وهل تعود المطالبة بالدين
إلى الكفيل اختلف المشايخ فيه ولو أبرأ الأصيل أو وهب منه بعد موته فرد ورثته يرتد عند أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله وعند محمد رحمه الله لا يرتد (وجه) قوله إن هذا بمنزلة ما لو أبرأه حال حياته ثم مات قبل الرد وهنا لا يرتد برد
الورثة فكذا هذا ولهما ان أبراءه بعد موته ابراء لورثته لأنهم يطالبون بدينه من ماله بعد موته وابراء الورثة يرتد بردهم
بخلاف حال الحياة لأنهم لا يطالبون بدينه بوجه فاقتصر حكم الابراء عليه فلا يرتد برد الورثة وكذا لو قال الطالب
للكفيل برئت إلى من المال لان هذا اقرار بالقبض والاستيفاء لأنه جعل نفسه غاية لبراءته والبراءة التي هي غايتها
11

نفسه هي براءة القبض والاستيفاء وبرئا جمعيا لان استيفاء الدين يوجب براءتهما جميعا فيرجع الكفيل على الأصيل
إذا كانت الكفالة بأمره لما ذكرنا ولو قال برئت من المال ولم يقل إلى فكذلك عند أبي يوسف وهذا وقوله برئت
إلى سواء عنده وعند محمد يبرأ الكفيل دون الأصيل وهذا وقوله أبرأتك سواء عنده (وجه) قول محمد ان البراءة عن
المال قد تكون بالأداء وقد تكون بالابراء فلا تحمل على الأداء الا بدليل زائد وقد وجد ذلك في الفصل الأول هو
قوله إلى لان ذلك ينبئ عن معنى الأداء لما ذكرنا ولم يوجد هنا فتحمل على الابراء لان البراءة حكم الابراء في الأصل
(وجه) قول أبى يوسف أن البراءة المضافة إلى المال تستعمل في الأداء عرفا وعادة فتحمل عليه ولا يجوز تعليق البراءة
من الكفالة بشرط لان البراءة فيها معنى التمليك والتمليك لا يحتمل العليق بالشرط ولو أحال الكفيل الطالب بمال
الكفالة على رجل وقبله الطالب فالمحتال عليه يخرج عن الكفالة عند أصحابنا الثلاثة وكذا إذا أحاله المطلوب بمال
الكفالة على رجل وقبله لان الحوالة مبرئة عن الدين والمطالبة جميعا عند عامة مشايخنا وعند بعضهم مبرئة عن المطالبة
وابراء الكفيل والأصيل مخرج عن الكفالة لما ذكرنا وعند زفر لا يخرج الكفيل عن الكفالة بالحوالة لان الحوالة
عنده ليست بمبرئة أصلا لما يأتي في كتاب الحوالة إن شاء الله تعالى وكذلك الكفيل يخرج عن الكفالة بالصلح كما
يخرج بالحوالة بان يصالح الكفيل الطالب على بعض المدعى لان الصلح على جنس المدعى اسقاط بعض الحق فكان
فيه معنى الابراء وعلى خلاف الجنس معاوضة فكان في معنى الابراء وكل ذلك يخرج عن الكفالة غير أن في حالين
يبرأ الكفيل والأصيل جميعا وفي حال يبرأ الكفيل دون الأصيل (أما) الحالتان اللتان برى ء فيهما الكفيل والأصيل
جميعا إحداهما أن يقول الكفيل للطالب صالحتك من الألف على خمسمائة على أنى والمكفول منه برئان من
الخمسمائة الباقية ويكون الطالب في الخمسمائة التي وقع عليها الصلح بالخيار ان شاء أخذ ها من الكفيل ثم الكفيل يرفع
بها على الأصيل وان شاء أخذها من الأصيل والثانية أن يقول صالحتك على خمسمائة مطلقا عن شرط البراءة أصلا
لما ذكر نا قبل هذا ان الابراء المضاف إلى المال المجرد عن شرط البراءة المضافة إلى الكفيل ابراء عن الدين والدين
واحد فإذا سقط عن الأصيل سقطت المطالبة عن الكفيل (وأما) الحوالة التي يبرأ الكفيل فيها دون الأصيل فهي
أن يقول الكفيل للطالب صالحتك على أنى برئ من الخمسمائة وقد بينا الفرق من قبل والطالب
بالخيار ان شاء أخذ
جميع دينه من الأصيل وان شاء أخذ من الكفيل خمسمائة ومن الأصيل خمسمائة ثم يرجع الكفيل على الأصيل
بما أدى إن كان الصلح بأمره (وأما) الكفيل بالنفس فيخرج عن الكفالة بثلاثة أشياء إحداها تسليم النفس إلى
الطالب وهو التخلية بينه وبين المكفول بنفسه في موضوع يقدر على احضاره مجلس القاضي لا ن التسليم في مثل هذا
الموضع محصل للمقصود من العقد وهو امكان استيفاء الحق بالمرافعة إلى القاضي فإذا حصل المقصود ينتهى حكمه
فيخرج عن الكفالة ولو سلمه في صحراء أو برية لا يخرج لأنه لم يحصل المقصود ولو سلم في السوق أو في المصر يخرج
سواء أطلق الكفالة أو قيدها بالتسليم في مجلس القاضي أما إذا أطلق فظاهر لأنه يتقيد بمكان يقدر على احضاره مجلس
القاضي بدلالة الغرض وكذا إذا قيد لان التسليم في هذه الأمكنة تسليم في مجلس القاضي بواسطة ولو شرط أن يسلمه
في مصر معنى فسلمه في مصر آخر يخرج عن الكفالة عند أبي حنيفة وعندهما لا يخرج عنها الا أن يسلمه في المصر
المشروط (وجه) وقولهما التقييد بالمصر مفيد لجواز أن يكون للطالب بينة يقدر على اقامتها فيه دون غيره فكان
التعيين مفيدا فيتقيد به (وجه) قول أبي حنيفة رحمه الله ما ذكرنا ان المقصود من تسليم النفس هو الوصول إلى الحق
بالمرافعة إلى القاضي وهذا الغرض ممكن الاستيفاء من كل قاض فلا يصح التعيين ولو سلمه في السواد ولا قاضى فيه
لا يخرج عن الكفالة لا ن التسليم في مثل هذا المكان لا يصلح وسيلة إلى المقصود فكان وجوده وعدمه بمنزلة واحدة
ولو شرط أن يدفعه إليه عند الأمير فدفعه إليه عند القاضي يخرج عن الكفالة وكذا إذا عزل الأمير وولى غيره فدفعه
إليه عند الثاني لا ن التسليم عند كل من ولى ذلك محصل للمقصود فلم يكن التقييد مفيدا فلا يتقيد ولو كفل جماعة بنفس
12

رجل كفالة واحدة فأحضره أحدهم برؤا جميعا وإن كانت الكفالة متفرقة لم يبرأ الباقون (ووجه) الفرق أن
الداخل تحت الكفالة الواحدة فعل واحد وهو الاحضار وقد حصل ذلك بواحد والداخل تحت الكفالات
المتفرقة أفعال متفرقة فلا يحصل باحضار واحد الابراء به فيبرأ هو دون الباقين وليس هذا كما إذا كفل جماعة بمال
واحد كفالة واحدة أو متفرقة فأدى أحدهم برئ الباقون لان الدين يسقط عن الأصيل بأداء المال فلا يبقى على
الكفيل لما مر والله سبحانه وتعالى أعلم ولو كفل بنفس رجل فإن لم يواف به غدا فعليه ما عليه وهو كذا فلقي الرجل
الطالب فخاصمه الطالب ولازمه فالمال على الكفيل وان لازمه إلى آخر اليوم لأنه لم يوجد من الكفيل الموافاة به ولو
قال الرجل للطالب قد دفعت نفسي إليك عن كفالة فلان يبرأ الكفيل من المال سواء كانت الكفالة بالنفس
بأمره أولا لأنه أقام نفسه مقام الكفيل في التسليم عنه فيصح التسليم كمن تبرع بقضاء دين غيره ان هناك لا يجبر على
القبول وهنا يجبر عليه والفرق انعدام الجبران على القبول في باب المال للتحرز عن لحوق المنة المطلوبة من جهة المتبرع
لان نفسه ربما لا تطاوعه بتحمل المنة فيتضرر به وهذا المعنى هنا معدوم لان تسليم نفسه واجب عليه ولا منة في
أداء الواجب سواء كانت الكفالة بالنفس بأمره أو بغير أمره لان نفسه مضمون التسليم في الحالين، والثاني الابراء
إذا أبرأ الطالب الكفيل من الكفالة بالنفس خرج عن الكفالة لان حكم الكفالة بالنفس حق المطالبة بتسليم النفس
وقد أسقط المطالبة عنه بالابراء فينتهي الحق ضرورة ولا يكون هذا الابراء للأصيل لأنه أسقط المطالبة عنه دون
الأصيل ولو أبرأ الأصيل برئا جميعا لان الكفالة بمضمون على الأصيل وقد بطل الضمان بالابراء فينتهي حكم
الكفالة والثالث موت المكفول بنفسه لان الكفالة بمضمون على الأصيل وقد سقط الضمان عنه فيسقط عن
الكفيل والله عز وجل أعلم (وأما) الكفيل بالأعيان المضمونة بنفسها والافعال المضمونة تخرج عن الكفالة بأحد
أمرين أحدهما تسليم العين المضمونة بنفسها إن كانت قائمة وتسليم مثلها أو قيمتها إن كانت هالكة ويحصل الفعل
المضمون وهو التسليم والحمل والثاني الابراء فلا يخرج بموت الغاصب والبائع والمكاري لان نفس هؤلاء غير
مكفول بها حتى يسقط بموتهم والله تعالى أعلم
(فصل) وأما رجوع الكفيل فجملة الكلام في الرجوع في موضعين أحدهما في شرائط ولاية الرجوع
والثاني في بيان ما يرجع به (أما) الشرط فأنواع (منها أن تكون الكفالة بأمر الكفول عنه لا ن معنى الاستقراض
لا يتحقق بدونه ولو كفل بغير أمره لا يرجع عليه عند عامة العلماء وقال مالك رحمه الله يرجع والصحيح قول العامة
لان الكفالة بغير أمره تبرع بقضاء دين الغير فلا يحتمل الرجوع (ومنها) أن يكون باذن صحيح وهو اذن من يجوز
اقراره على نفسه بالدين حتى أنه لو كفل عن الصبي المحجور باذنه فأدى لا يرجع لان اذنه بالكفالة لم يصح لأنه من
المكفول عنه استقراض واستقراض الصبي لا يتعلق به الضمان (وأما) العبد المحجور فاذنه بالكفالة صحيح في حق
نفسه حتى يرجع عليه بعد العتاق لكن لا يصح في حق المولى فلا يؤاخذ به في الحال والله عز وجل أعلم (ومنها) إضافة
الضمان إليه بأن يقول اضمن عنى ولو قال اضمن كذا ولم يضف إلى نفسه لا يرجع لأنه إذا لم يضف إليه فالكفالة لم تقع
اقراضا إياه فلا يرجع عليه (ومنها) أداء المال إلى الطالب أو ما هو في معنى الأداء إليه فلا يمكن الرجوع قبل الأداء لان
معنى الاقراض والتمليك لا يتحقق الا بأداء المال فلا يملك الرجوع قبله (ومنها) أن لا يكون للأصيل على الكفيل
دين مثله فاما إذا كان فلا يرجع لأنه إذا أدى الدين التقى الدينان قصاصا إذ لو ثبت للكفيل حق الرجوع على
الأصيل لثبت للأصيل أن يرجع عليه أيضا فلا يفيد فيسقطان جميعا ولو وهب صاحب الدين المال للكفيل يرجع
على الأصيل لان الهبة في معنى الأداء لأنه لما وهب منه فقد ملك ما في ذمة الأصيل فيرجع عليه كما إذا ملكه بالأداء
وإذا وهب الدين من الأصيل برئ الكفيل لان هذا وأداء المال سواء لأنه لما وهبه منه فقد ملك ما في ذمته كما إذا
أدى ومتى برئ الأصيل برئ الكفيل لان براءة الأصيل توجب براءة الكفيل ولو مات الطالب فورثه الكفيل
13

يرجع على الأصيل ولو ورثه الأصيل يبرأ الكفيل لان الإرث من أسباب الملك فيملكه الأصيل ومتى ملكه
برئ فيبرأ الكفيل كما إذا أدى ولو أبرأ الطالب الكفيل لا يرجع على الأصيل لان الابراء اسقاط وهو في حق
الكفيل اسقاط المطالبة لا غير ولهذا لا توجب براءة الكفيل براءة الأصيل فلم يكن فيه معنى تمليك الدين أصلا فلا
يرجع ولو أبرأ الكفيل المكفول عنه مما ضمنه بأمره قبل أدائه أو وهبه منه جاز حتى لو أداه الكفيل بعد ذلك
لا يرجع عليه لان سبب وجوب الحق له على الأصيل وهو العقد باذنه موجود والابراء عن الحق بعد وجود سبب
الوجوب قبل الوجوب جائز كالابراء عن الأجرة قبل مضى مدة الإجارة ولو لم يؤد الكفيل ما كفل به حتى عجل
الأصيل لما كفل عنه ودفع إلى الكفيل ينظران دفعه إليه على وجه القضاء يجوز لأن ولاية الرجوع على الأصيل
ان لم تكن ثابتة له في الحال لكنها ثبتت بعد الأداء فأشبه الدين المؤجل إذا عجله المطلوب قبل حل الأجل انه يقبل منه
ويكون قضاء كذا هذا وبرئ الأصيل من دين الكفيل ولكن لا يبرأ عن دين المكفول له وله أن يطالب أيهما شاء
فان أخذ من الأصيل كان له أن يرجع على الكفيل بما أدى لأنه تبين انه لم يكن قضاء وإن كان الكفيل تصرف في
ذلك المعجل وربح هل يطيب له الربح ينظر إن كان الدين دراهم أو دنانير يطيب بالاجماع لأنهما لا يتعينان في عقود
المعاوضات فحصل التمليك باذن صاحبها فيطيب له الربح وإن كان الدين مكيلا أو موزونا مما يتعين في العقد يطيب له
الربح أيضا عند أبي يوسف ومحمد عن أبي حنيفة رحمه الله ثلاث روايات ذكر في كتاب البيوع انه يطيب له الربح
ولم يذكر الخلاف وفي رواية قال يتصدق وفي رواية قال أحب إلى أن يرد الربح على المكفول عنه هذا إذا دفعه إليه على
وجه القضاء فاما إذا دفعه على وجه الرسالة ليؤدي الدين مما دفعه إليه لا على وجه القضاء فتصرف فيه الوكيل وربح
لا يطيب له الربح سواء كان الدين دراهم أو دنانير أو غيرهما من المكيلات والموزونات عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي
يوسف يطيب وهو كاختلافهم في المودع والغاصب إذا تصرف في الوديعة والمغصوب وربح فيهما انه لا يطيب له
الربح عند هما وعند أبي يوسف يطيب والمسألة تأتى في موضعها إن شاء الله تعالى ولو قال الطالب للكفيل برئت إلى
من المال يرجع على الأصيل بالاجماع لان هذا اقرار بالقبض والاستيفاء لما نذكر وفى قوله برئت من المال اختلاف
نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى ولو كفل رجلان لرجل عن رجل بأمره بألف درهم حتى يثبت للطالب ولاية مطالبة
كل واحد منهما بخمسمائة فأدى أحدهما شيئا من مال الكفالة فأراد أن يرجع على صاحبه فهذا لا يخلوا اما ان كفل كل
واحد منهما عن صاحبه بما عليه وقت العقد أو بعده أو كفل واحد منهما عن صاحبه بما عليه دون الآخر أولم يكفل
واحد منهما عن صاحبه أصلا فإن لم يكفل واحد منهما عن صاحبه أصلا لا يرجع على صاحبه بشئ مما أدى لأنه
أدى عن نفسه لا عن صاحبه أصلا لأنه لم يكفل عنه ولكنه يرجع على الأصيل لأنه كفيل عنه بأمره وان كفل
واحد منهما عن صاحبه بما عليه ولم يكفل عنه صاحبه بما عليه فالقول قول الكفيل فيما أدى انه من كفالة صاحبه إليه أو
من كفالة نفسه لأنه لزمه المطالبة بالمال من وجهين أحدهما من جهة كفالة نفسه عن الأصيل والثاني من جهة الكفالة
عن صاحبه وليس أحد الوجهين أولى من الاخر فكان له ولاية الأداء عن أيهما شاء فإذا قال أديته عن كفالة صاحبي
يصدق ويرجع على لأنه كفل عنه بأمره سواء أدى المال إلى الطالب ثم قال ذلك أو قال ابتداء انى أؤدي عن كفالة
صاحبي وكذا إذا قال أديته عن كفالة الأصيل فقبل منه ويرجع عليه لأنه كفل عنه بأمره سواء قال ذلك بعد أداء
المال إلى الطالب أو عنده ابتداء وان كفل كل واحد منهما عن صاحبه بما عليه فما أدى كل واحد مهما يكون عن
نفسه إلى خمسمائة ولا يقبل قوله فيه انه أدى عن شريكه لا عن نفسه بل يكون عن نفسه إلى هذا القدر فلا
يرجع على شريكه وكذا إذا قال ابتداء انى أؤدي عن شريكي لا عن نفسي لا يقبل منه ويكون عن نفسه
إلى هذا القدر ولا يرجع على شريكه ما لم يزد المؤدى على خمسمائة لان المؤدى إلى خمسمائة له معارض والزيادة
لا معارض لها فإذا زاد على خمسمائة يرجع بالزيادة ان شاء على شريكه وان شاء على الأصيل وكذا لو اشترى
14

رجلان عبدا بألف درهم وكفل كل واحد منهما عن صاحبه بحصته من الثمن فما أدى أحدهما يقع عن نفسه ولا
يرجع على شريكه حتى يزيد على النصف لما ذكرنا وكذلك المتفاوضان إذا افترقا وعليهما دين فلصاحب الدين
أن يطالب كل واحد منهما وأيهما أدى شيئا لا يرجع على شريكه حتى يزيد المؤدى على النصف لما ذكرنا هذا إذا
كفلا كفالة واحدة ولم يكفل كل واحد منهما عن صاحبه بجميع المال فأما إذا كفل كل واحد منهما كفالة متفرقة
بجميع المال عن المطلوب ثم كفل كل واحد منهما عن صاحبه بما عليه فما أدى أحدهما شيئا يرجع بكل المؤدى على
الأصيل ان شاء وان شاء يرجع بنصفه على شريكه لان حق المطالبة بجميع المال لزم كل واحد منهما من وجهين
الكفالة عن نفسه الكفالة عن صاحبه على السواء فيقع المؤدى نصفه عن نفسه ونصفه عن صاحبه لتساويهما
في الكفالتين بالمؤدى وإذا وقع نصف المؤدى عن صاحبه فيرجع عليه ليساويه في الأداء كما ساواه في الكفالة
بالمؤدى بخلاف الفصل الأول لان هناك كل واحد منهما أصيل في نصف المال بالكفالة عن نفسه كفيل عن
صاحبه بالكفالة عنه فيكون مؤديا عن نفسه إلى النصف وههنا بخلافه لما مر.
(فصل) وأما بيان ما يرجع به الكفيل فنقول وبالله التوفيق ان الكفيل يرجع بما كفل لا بما أداه حتى لو كفل
عن رجل بدراهم صحاح جياد فأعطاه مكسرة أو زيوفا وتجوز به المطالبة يرجع عليه بالصحاح الجياد لأنه بالأداء ملك
ما في ذمة الأصيل فيرجع بالمؤدى وهو الصحاح الجياد وليس هذا كالمأمور بأداء الدين له ان يرجع بالمؤدى
لا بالدين لأنه بالأداء مالك الدين بل أقرض المؤدى من الآمر فيرجع عليه بما أقرضه وكذلك لو أعطى بالدراهم دنانير
أو شيئا من المكيل أو الموزون فإنه يرجع عليه بما كفل لا بما أدى لما ذكرنا بخلاف ما إذا صالح من الألف على
خمسمائة انه يرجع بالخمسمائة لا بالألف لأنه بأداء الخمسمائة ما ملك ما في ذمة الأصيل وهو الألف لأنه لا يمكن ايقاع
الصلح تمليكا ههنا لان يؤدى إلى الربا فيقع اسقاطا لبعض الحق والساقط لا يحتمل الرجوع به وعن محمد فيمن كفل
بخمسة دنانير فصالح الطالب الكفيل على ثلاثة ولم يقل أصالحك على أن تبرئني فالصلح واقع عن الأصيل والكفيل
جميعا وبرئا جميعا ويرجع الكفيل على الأصيل بثلاثة دنانير ولو قال أصالحك على ثلاثة على أن تبرئني فهذا براءة
عن الكفيل خاصة ويرجع الطالب على المطلوب بدينارين لان في الفصل الأول ايقاع الصلح على ثلاثة دنانير
تصرف في نفس الحق باسقاط بعضه فكان الصلح واقعا عنهما جميعا فيبران جميعا ويرجع الكفيل على الأصيل بثلاثة
دنانير لأنه ملك هذا القدر بالأداء فيرجع به عليه (وأما) في الفصل الثاني فإضافة الصلح إلى ثلاثة مقرونا بشرط
الا براء المضاف إلى الكفيل ابراء للكفيل عن المطالبة بدينارين وابراء الكفيل لا يوجب ابراء الأصيل فيبرأ
الكفيل ويبقى الديناران على الأصيل فيأخذه الطالب منهما وبالله التوفيق
* (كتاب الحوالة) *
الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان ركن الحوالة وفي بيان شرائط الركن وفي بيان حكم الحوالة وفي بيان ما يخرج به المحال عليه عن الحوالة وفي بيان الرجوع بعد الخروج انه هل يرجع أم لا (أما) ركن الحوالة فهو
الايجاب والقبول الايجاب من المحيل القبول من المحال عليه والمحال، جميعا فالايجاب أن يقول المحيل للطالب أحلتك
على فلان هكذا والقبول من المحال عليه والمحال أن يقول كل واحد منهما قبلت أو رضيت أو نحو ذلك مما يدل على
القبول والرضا وهذا عند أصحابنا وقال الشافعي رحمه الله أن لم يكن للمحيل على المحال عليه دين فكذلك فأما إذا
كان له عليه دين فيتم بايجاب المحيل وقبول المحتال (وجه) قوله إن المحيل في هذه الصورة مستوف حق نفسه بيد
الطالب فلا يقف على قبول من عليه الحق كما إذا وكله بالقبض وليس هو كالمحال لان الحوالة تصرف عليه بنقل حقه
من ذمة إلى ذمة مع اختلاف الذمم فلا يصح من غير رضا صاحب الحق (ولنا) ان الحوالة تصرف على المحال
15

عليه بنقل الحق إلى ذمته فلا يتم الا بقبوله ورضاه بخلاف التوكيل بقبض الدين لأنه ليس تصرفا عليه بنقل الواجب
إليه ابتداء بل هو تصرف بأداء الواجب فلا يشترط قبوله ورضاه ولان الناس في اقتضاء الديون والمطالبة بها على
التفاوت بعضهم أسهل مطالبة واقتضاء وبعضهم أصعب فلا بد من قبوله ليكون لزوم ضرر الصعوبة مضافا إلى التزامه
(فصل) وأما الشرائط فأنواع بعضها يرجع إلى المحيل وبعضها يرجع إلى المحال وبعضها يرجع إلى المحال وبعضها يرجع إلى المحال عليه
وبعضها يرجع إلى المحال به (أما) الذي يرجع إلى المحيل فأنواع (منها) أن يكون عاقلا فلا تصح حوالة المجنون
والصبي الذي لا يعقل لان العقل من شرائط أهلية التصرفات كلها (ومنها) أن يكون بالغا وهو شرط النفاذ دون
الانعقاد فتنعقد حوالة الصبي العاقل موقوفا نفاذه على إجازة وليه لان الحوالة ابراء بحالها وفيها معنى المعاوضة بمالها
خصوصا إذا كانت مقيدة فتنعقد من الصبي كالبيع ونحوه فأما حرية المحيل فليست بشرط لصحة الحوالة حتى تصح
حوالة العبد مأذونا كان في التجارة أو محجورا لأنها ليست بتبرع بالتزام شئ كالكفالة فيملكها العبد غير أنه إن كان
مأذونا في التجارة رجع عليه المحال عليه للحال إذا أدى ولم يكن للعبد عبه دين مثله ويتعلق برقبته وإن كان محجورا
يرجع عليه بعد العتق وكذا الصحة ليست بشرط لصحة الحوالة لأنها من قبل المحيل ليست بتبرع فتصح من المريض
(ومنها) رضا المحيل حتى لو كان مكرها على الحوالة لا تصح لان الحوالة ابراء فيها معنى التمليك فتفسد بالاكراه
كسائر التمليكات (وأما) الذي يرجع إلى المحال فأنواع (منها) العقل لما ذكرنا ولان قبوله ركن وغير العاقل لا يكون
من أهل القبول (وأما) البلوغ وانه شرط النفاذ لا شرط الانعقاد فينعقد احتياله موقوفا على إجازة وليه إن كان الثاني
أملا من الأول وكذا الوصي إذا احتال بمال اليتيم لا تصح الا بهذه الشريطة لأنه منهى عن قربان ماله الاعلى
وجه الأحسن للآية الشريفة فيه ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن (ومنها) الرضا على لو احتال مكرها لا تصح
لما ذكرنا (ومنها) مجلس الحوالة وهو شرط الانعقاد عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف شرط النفاذ حتى أن
المحتال لو كان غائبا عن المجلس فبلغه الخبر فأجاز لا ينفذ عندهما وعند أبي يوسف ينفذ والصحيح قولهما لان قبوله من
أحد الأركان الثلاثة فكان كلامهما بدون شرط العقد فلا يقف على غائب عن المجلس كما في البيع (وأما) الذي
يرجع إلى المحال عليه فأنواع أيضا (منها) العقل فلا يصح من المجنون والصبي الذي لا يعقل قبول الحوالة أصلا لما
ذكرنا (ومنها) البلوغ وانه شرط الانعقاد أيضا فلا يصح من الصبي قبول الحوالة أصلا لما ذكرنا وإن كان عاقلا
سواء كان محجورا عليه أو مأذونا في التجارة وسواء كانت الحوالة بغير أمر المحيل أو بأمره (أما) إذا كانت بغير
أمره فظاهر لأنه لا يملك الرجوع على المحيل فكان تبرعا بابتدائه وانتهائه وكذلك إذا كانت بأمره لأنه تبرع بابتدائه
فلا يملكه الصبي محجورا كان أو مأذونا في التجارة كالكفالة وان قبل عنه وليه لا يصح أيضا لأنه من التصرفات
الضارة فلا يملكه الولي (ومنها) الرضا حتى لو أكره على قبول الحوالة لا يصح (ومنها) المجلس وانه شرط الانعقاد
عند هما لما ذكرنا في جانب المحيل (وأما) الذي يرجع إلى المحال به فنوعان أحدهما أن يكون دينا فلا تصح الحوالة
بالأعيان القائمة لأنها نقل ما في الذمة ولم يوجد والثاني أن يكون لازما فلا تصح الحوالة بدين غير لازم كبدل الكتابة وما
يجرى مجراه لان ذلك دين تسمية لا حقيقة إذ المولى لا يجب له على عبده دين والأصل ان كل دين لا تصح الكفالة
به لا تصح الحوالة به (وأما) وجوب الدين على المحال عليه للمحيل قبل الحوالة فليس بشرط لصحة الحوالة حتى
تصح الحوالة سواء كان للمحيل على المحال عليه دين أولم يكن وسواء كانت الحوالة مطلقة أو مقيدة والجملة فيه ان الحوالة
نوعان مطلقة ومقيدة فالمطلقة أن يحيل بالدين على فلان ولا يقيده بالدين الذي عليه والمقيدة أن يقيده بذلك والحوالة
بكل واحدة من النوعين جائزة لقوله عليه الصلاة والسلام من أحيل على ملي فليتبع من غير فصل الا أن الحوالة
المطلقة تخالف الحوالة المقيدة في أحكام (منها) أنه إذا أطلق الحوالة ولم يكن له على المحال عليه دين فان المحال يطلب
المحال عليه بدين الحوالة لا غير وإن كان له عليه دين فان المحال عليه يطالب بدينين دين الحوالة ودين المحيل فيطالبه
16

المحال بدين الحوالة ويطالبه المحيل بالدين الذي له عليه ولا ينقطع حق المطالبة للمحيل بدينه بسبب الحوالة لان الحوالة
لم تتقيد بالدين الذي للمحال عليه لأنها وجدت مطلقة عن هذه الشريطة فيتعلق دين الحوالة بنعته ودين المحيل بقي على
حاله وإذا قيدها بالدين الذي عليه ينقطع حق مطالبة المحيل لأنه قيد الحوالة بهذا الدين فيتقيد به ويكون ذلك الدين
بمنزلة الرهن عنده وان لم يكن رهنا على الحقيقة (ومنها) أنه لو ظهرت براءة المحال عليه من الدين الذي قيدت به
الحوالة بأن كان الدين ثمن مبيع فاستحق المبيع تبطل الحوالة ولو سقط عنه الدين لمعنى عارض بان هلك المبيع عند
البائع قبل التسليم بعد الحوالة حتى سقط الثمن عنه لا تبطل الحوالة عنه لكن إذا أدى الدين بعد سقوط الثمن يرجع بما
أدى على المحيل لأنه قضى دينه بأمره ولو ظهر ذلك في الحوالة المطلقة لا يبطل لأنه لما قيد الحوالة به فقد تعلق الدين
به فإذا اظهر انه لادين فقد ظهر انه لا حوالة لان الحوالة بالدين وقد تبين انه لادين فتبين انه لا حولة ضرورة وهذا
لا يوجد في الحوالة المطلقة لان تعلق الدين به يوجب تقييد الحوالة ولم يوجد فلا يتعلق به الدين فيتعلق الذمة فلا يظهر
ان الحوالة كانت باطلة وكذلك لو قيد الحوالة بألف وديعة عند رجل فهلكت الألف عند المودع بطلت الحوالة ولو
كانت الألف على المحال عليه مضمونة لا تبطل الحوالة بالهلاك لأنه يجب عليه مثلها (ومنها) انه إذا مات المحيل في
الحوالة المقيدة قبل أن يؤدى المحال عليه الدين إلى المحال وعلى المحيل ديون سوى دين المحال وليس له مال سوى
هذا الدين لا يكون المحال أحق به من بين سائر الغرماء عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر يكون أحق به من بين سائر
الغرماء كالرهن (ولنا) الفرق بين الحوالة والرهن وهوان المرتهن اختص بغرم الرهن من بين سائر الغرماء ألا ترى
انه لو هلك يسقط دينه خاصة ولما اختص بغرمه اختص بغنمه لان الخراج بالضمان فأما المحال في الحوالة المقيدة فلم
يختص بغرم ذلك المال ألا ترى انه لو ترى لا يسقط دينه على المحيل والتوى على المحيل دونه فلما لم يختص بغرمه لم يختص
بغنمه أيضا بل يكون هو وغرماء المحيل أسوة في ذلك وإذا أراد المحيل أن يأخذ المحال عليه ببقية دينه فليس له ذلك
لان المال الذي قيدت به الحوالة استحق من المحال عليه فبطلت الحوالة ولو كانت الحوالة مطلقة والمسألة بحالها يؤخذ
من المحال عليه جميع الدين الذي عليه ويقسم بين غرماء المحيل ولا يدخل المحال في ذلك وإنما يؤخذ من المحال عليه
لان الحوالة لم تتعلق به فذلك ملك المحيل ولا يشاركهم المحال في ذلك لان حقه ثبت على المحال عليه ولا يعود إلى المحيل
ولكن القاضي يأخذ من غرماء المحيل كفيلا لأنه ثبت الرجوع إليهم لاحد رجلين (اما) المحال إذا نوى ما على
الآخر وأما المحال عليه إذ أدى الدين فالقاضي نصب ناظر الأمور المسلمين فيحتاط في ذلك بأخذ الكفيل
(فصل) واما بيان حكم الحوالة فنقول وبالله التوفيق الحوالة لها أحكام (منها) براءة المحيل وهذا عند أصحابنا
الثلاثة وقال زفر الحوالة لا توجب براءة المحيل والحق في ذمته بعد الحوالة على ما كان عليه قبلها كالكفالة سواء
(وجه) قوله إن الحوالة شرعت وثيقة للدين كالكفالة وليس من الوثيقة براءة الأول بل الوثيقة في مطالبة الثاني
مع بقاء الدين على حاله في ذمة الأول من غير تغيير كما في الكفالة سواء (ولنا) أن الحوالة مشتقة من التحويل وهو
النقل فكان معنى الانتقال لازما فيها والشئ إذا انتقال إلى موضع لا يبقى في المحل الأول ضرورة ومعنى الوثيقة يحصل
بسهولة الوصول من حيث الملاءة والانصاف ولو كفل بشرط براءة الأصيل جاز وتكون حوالة لأنه أتى بمعنى الحوالة
واختلف مشايخنا المتأخرون في كيفية النقل مع إنفاقهم على ثبوت أصله موجبا للحوالة قال بعضهم انها نقل المطالبة
والدين جميعا وقال بعضهم انها نقل المطالبة فحسب فأما أصل الدين فباق في ذمه المحيل (وجه) قول الأولين دلالة
الاجماع والمعقول (أما) دلالة الاجماع فلا نا أجمعنا على أنه لو أبرأ المحال عليه من الدين أو وهب الدين منه صحت
البراءة والهبة ولو أبرأ المحيل من الدين أو وهب الدين منه لا يصح ولولا أن الدين انتقل إلى ذمة المحال عليه وفرغت ذمة
المحيل عن الدين لما صح الأول لان الابراء عن الدين وهبة الدين ولا دين محال الصح الثاني لان الابراء عن دين ثابت
وهبته منه صحيح وان تأخرت المطالبة كالابراء عن الدين المؤجل (وأما) المعقول فلان الحوالة توجب النقل لأنها
17

مشتقة من التحويل وهو النقل فيقتضى نقل ما أضيف إليه وقد أضيف إلى الذين لا إلى المطالبة لأنه إذا قال أحلت
بالدين أو أحلت فلانا بدينه فيوجب انتقال الدين إلى المحال عليه الا أنه إذا انتقل أصل الدين إليه تنتقل المطالبة لأنها
تابعة (وجه) قوله الآخرين دلالة الاجماع والمعقول (أما) دلالة الاجماع فان المحيل إذا قضى دين الطالب
بعد الحوالة قبل أن يؤدى المحال عليه لا يكون متطوعا ويجبر على القبول ولو لم يكن عليه دين لكان متطوعا فينبغي أن
لا يجبر على القبول كما إذا تطوع أجنبي بقضاء دين انسان على غيره وكذلك المحال لو أبرأ المحال عليه عن دين الحوالة
لا يرتد برده ولو وهبه منه يرتد برده كما إذا أبرأ الطالب الكفيل أو وهب منه ولو أنتقل الدين إلى ذمة المحال عليه لما
اختلف حكم الابراء والهبة ولا ارتدا جميعا بالرد كما لو أبرأ الأصيل أو وهب منه وكذلك المحال لو أبرأ المحال عليه عن
دين الحوالة لا يرجع على المحيل وإن كانت الحوالة بأمره كما في الكفالة ولو وهب الدين منه له أن يرجع عليه إذا لم
يكن للمحيل عليه دين كما في الكفالة ولو كان له عليه دين يلتقيان قصاصا كالكفالة سواء فدلت هذه الأحكام على
التسوية بين الحوالة والكفالة ثم إن الدين في باب الكفالة ثابت في ذمة الأصيل فكذا في الحوالة (وأما) المعقول
فهو أن الحوالة شرعت وثيقة للدين بمنزلة الكفالة وليس من الوثيقة ابراء الأول بل الوثيقة في نقل المطالبة مع قيام أصل
الدين في ذمة المحيل (ومنها) ثبوت ولاية المطالبة للمحال على المحال عليه بدين في ذمته أو في ذمة المحيل على حسب
ما ذكرنا من اختلاف المشايخ فيه لان الحوالة أوجبت النقل إلى ذمة المحال عليه بدين في ذمته اما نقل الدين والمطالبة
جميعا واما نقل المطالبة لا غير وذلك يوجب حق المطالبة للمحال على الحال عليه (ومنها) ثبوت حق الملازمة للمحال
عليه على المحيل إذا لازمه المحال فكلما لازمه المحال فله أن يلازم المحيل ليتخلص عن ملازمة المحال وإذا حبسه له أن
يحبسه إذا كانت الحوالة بأمر المحيل ولم يكن على المحال عليه دين مثله للمحيل لأنه هو الذي أوقعه في هذه العهدة فعليه
تخليصه منها وإن كانت الحوالة بغير أمره أو كانت بأمره ولكن للمحيل على المحال عليه دين مثله والحوالة مقيدة
لم يكن للمحال عليه أن يلازم المجيل إذا لوزم ولا أن يحبسه إذا حبس لان الحوالة إذا كانت بغير أمر المحيل كان
المحال عليه متبرعا وإن كان للمحيل عليه دين مثله وقيد الحوالة به فلو لازمه المحال عليه لكان للمحيل أن يلازمه أيضا
فلا يفيد والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما بيان ما يخرج به المحال عليه من الحوالة فنقول وبالله التوفيق انه يخرج من الحوالة بانتهاء حكم
الحوالة وحكم الحوالة ينتهى بأشياء (منها) فسخ الحوالة لان فيها معنى معاوضة المال بالمال فكانت محتملة للفسخ
ومتى فسخ تعود المطالبة إلى المحيل (ومنها) التوى عند علمائنا وعند الشافعي رحمه الله حكم الحوالة لا ينتهى
بالتوى ولا تعود المطالبة إلى المحيل واحتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من أحيل على ملئ
فليتبع ولم يفصل عليه الصلاة والسلام ولان الحوالة مبرئة بلا خلاف وقد عقدت مطلقة عن شريطة السلامة فتفيد
البراءة مطلقا (ولنا) ما روى عن سيد نا عثمان رضى الله أنه قال ففي المحال عليه إذا مات مفلسا عاد الدين إلى ذمة المحيل
وقال لا توى على مال امرئ مسلم وعن شريح مثل ذلك ذكره محمد في الأصل ولم ينقل عن أحد من الصحابة خلافه
فكان اجماعا ولان الدين كان ثابتا في ذمة المحيل قبل الحوالة والأصل أن الدين لا يسقط الا بالقضاء قال النبي عليه
الصلاة والسلام الدين مقضى الا أنه الحق الابراء بالقضاء في السقوط والحوالة ليست بقضاء ولا ابراء فبقي الدين
في ذمته على ما كان قبل الحوالة الا أن بالحوالة انتقلت المطالبة إلى المحال عليه لكن إلى غاية التوى لان حياة الدين
بالمطالبة فإذا توى لم تبق وسيلة إلى الاحياء فعادت إلى محلها الأصلي ولا حجة له في الحديث لأنه عليه الصلاة والسلام
علق الحكم بشريطة الملاءة وقد ذهبت بالافلاس ثم التوى عند أبي حنيفة رحمه الله بشيئين لا ثالث لهما أحدهما
أن يموت المحال عليه مفلسا والثاني ان يجحد الحوالة ويحلف ولا بينة للمحال وقد قال أبو يوسف ومحمد بهما
وبثالث وهو أن يفلس المحال عليه حياته ويقضى القاضي بافلاسه بناء على أن القاضي يقضى الافلاس حال
18

حياته عند هما وعنده لا يقضى به (ومنها) أداء المحال عليه المال إلى المحال فإذا أدى المال خرج عن الحوالة إذ لا فائدة
في بقائها بعد انتهاء حكمها (ومنها) أن يهب المحال المال للمحال عليه ويقبله (ومنها) أن يتصدق به عليه ويقبله
لان الهبة والصدقة في معنى الابراء (ومنها) أن يموت المحال فيرثه المحال عليه (ومنها) أن يبرئه من المال والله
عز وجل أعلم
(فصل) وأما بيان الرجوع فجملة الكلام في الرجوع في موضعين في بيان شرائط الرجوع وفي بيان
ما يرجع به أما شرائطه فأنواع (منها) أن تكون الحوالة بأمر المحيل فإن كانت بغير أمره لا يرجع بان قال رجل للطالب
ان لك على فلان كذا وكذا من الدين فاحتل بها على فرضى بذلك الطالب جازت الحوالة الا أنه إذا أدى لا يرجع على
المحيل لان الحوالة إذا كانت بأمر المحيل صار المحال مملكا الدين من المحال عليه بما أدى إليه من المال فكان له أن يرجع
بذلك على المحيل وإن كانت بغير أمره لا يوجد معنى التمليك فلا تثبت ولاية الرجوع (ومنها) أداء مال الحوالة أوما
هو في معنى الأداء كالهبة والصدقة إذا قبل المحال عليه وكذا إذا ورثه المحال عليه لان الإرث من أسباب الملك فإذا
ورثه فقد ملكه فكان له حق الرجوع ولو أبرأ المحال المحال عليه من الدين لا يرجع على المحيل لان الابراء اسقاط حقه
فلا يعتبر فيه جانب التمليك الا عند اشتغاله بالرد فإذا لم يوجد بقي اسقاطا محضا فلم يملك المحال عليه شيئا فلا يرجع (ومنها)
أن لا يكون للمحيل على المحال عليه دين مثله فإن كان لا يرجع لان الدينين التقيا قصاصا لأنه لو رجع على المحيل
لرجع المحيل عليه أيضا فلا يفيد فيتقاصا الدينين فبطل حق الرجوع (وأما) بيان ما يرجع به فنقول وبالله التوفيق
ان المحال عليه يرجع بالمحال بن لا بالمؤدى حتى لو كان الدين المحال به دراهم فنقد المحال عليه دنانير عن الدراهم أو كان الدين
دنانير فنقده دراهم عن الدنانير فتصار فأجاز ويراعى فيه شرائط الصرف حتى لو افترقا بل القبض أو شرطا فيه الأجل
والخيار يبطل الصرف ويعود الدين إلى حاله وإذا صحت المصارفة فالمحال عليه يرجع على المحيل بمال الحوالة لا بالمؤدى
لان الرجوع بحكم الملك وأنه يملك دين الحوالة لا المؤدى بخلاف المأمور بقضاء الدين لما ذكرنا في كتاب الكفالة
وكذا إذا باعه بالدراهم أو الدنانير عرضا يرجع بمال الحوالة لما ذكرنا وكذا إذا أعطاه زيوفا مكان الجياد وتجوز بها
المحال رجع على المحيل بالجياد لما قلنا ولو صالح المحال المحال عليه فان صالحه على جنس حقه وأبرأه عن الباقي يرجع على
المحيل بالقدر المؤدى لأنه ملك ذلك القدر من الدين فيرجع به وان صالح على خلاف جنس حقه بان صالحه من الدراهم
على دنانير أو على مال آخر يرجع على المحيل بكل الدين لان الصلح على خلاف جنس الحق معاوضة والمؤدى يصلح
عوضا على كل الدين ولو قبض المحال مال الحوالة ثم اختلفا فقال المحيل لم يكن لك على شئ وإنما أنت وكيلي في القبض
والمقبوض لي وقال المحال لا بل أحلتني بألف كانت لي عليك فالقول قول المحيل مع يمينه لان المحال يدعى عليه دينا
وهو ينكر والقول قول المنكر عند عدم البينة مع يمينه والله عز وجل أعلم
* (كتاب الوكالة) *
الكلام في هذا الكتاب في مواضع في بيان معنى التوكيل لغة وشرعا وفي بيان ركن التوكيل وفي بيان شرائط
الركن وفي حكم التوكيل وفي بيان ما يخرج به الوكيل عن الوكالة أما الأول فالتوكيل اثبات الوكالة والوكالة في اللغة
تذكر ويراد بها الحفظ قال الله عز وجل وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل أي الحافظ وقال تبارك وتعالى لا إله إلا هو
فاتخذوه وكيلا قال الفراء أي حفيظا وتذكر ويراد بها الاعتماد وتعويض الامر قال الله تعالى وعلى الله فليتوكل
المتوكلون وقال الله تعالى عز وجل خبرا عن سيدنا هو عليه الصلاة والسلام اني توكلت على الله ربى وربكم أي
اعتمدت على الله وفوضت أمري إليه وفى الشريعة يستعمل في هذين المعنيين أيضا على تقرير الوضع اللغوي وهو
تفويض التصرف والحفظ إلى الوكيل وهذا قال أصحابنا ان من قال لآخر وكلتك في كذا أنه يكون وكيلا في الحفظ
19

لأنه أدى ما يحتمله اللفظ فيحمل عليه
(فصل) وأما بيان ركن التوكيل فهو الايجاب والقبول فالايجاب من الموكل أن يقول وكلتك بكذا أو افعل كذا
أو اذنت لك أن تفعل كذا ونحوه والقبول من الوكيل أن يقول قبلت وما يجرى مجراه فما لم يوجد الايجاب والقبول
لا يتم العقد ولهذا لو وكل انسانا بقبض دينه فأبى أن يقبل ثم ذهب الوكيل فقبضه لم يبرأ الغريم لان تمام العقد
بالايجاب والقبول وكل واحد منهما يرتد بالرد قبل وجود الآخر كما في البيع ونحوه ثم ركن التوكيل قد يكون مطلقا وقد
يكون معلقا بالشرط نحو أن يقول إن قدم زيد فأنت وكيلي في بيع هذا العبد وقد يكون مضافا إلى وقت بأن يقول
وكلتك في بيع هذا العبد غدا ويصير وكيلا في الغد فما بعده ولا يكون وكيلا قبل الغد لان التوكيل اطلاق التصرف
والاطلاقات مما يحتمل التعليق بالشرط والإضافة إلى الوقت كالطلاق والعتاق واذن العبد في التجارة والتمليكات
كالبيع والهبة والصدقة والابراء عن الديون التقييدات كعزل الوكيل والحجر على العبد المأذون والرجعة والطلاق
الرجعي لا يحتمل ذلك
(فصل) وأما الشرائط فأنواع بعضها يرجع إلى الموكل وبعضها يرجع إلى الوكيل وبعضها يرجع إلى الموكل به
أما الذي يرجع إلى الموكل فهو أن يكون ممن يملك فعل ما وكل به بنفسه لان التوكيل تفويض ما يملكه من التصرف
إلى غيره فمالا يملكه بنفسه كيف يحتمل التفويض إلى غيره فلا يصح التوكيل من المجنون والصبي الذي لا يعقل
أصلا لان العقل من شرائط الأهلية ألا ترى أنهما لا يملكان التصرف بأنفسهما وكذا من الصبي العاقل بمالا يملكه
بنفسه كالطلاق والعتاق والهبة والصدقة ونحوها من التصرفات الضارة المحضة ويصح بالتصرفات النافذة كقبول
الهبة والصدقة من غير اذن المولى لأنه مما يملكه بنفسه بدون اذن وليه فيلك تفويضه إلى غيره بالتوكيل وأما
التصرفات الدائرة بين الضرر والنفع كالبيع والإجارة فإن كان مأذونا له في التجارة يصح منه التوكيل بها لأنه يملكها بنفسه
وإن كان محجورا ينعقد موقوفا على إجازة وليه وعلى اذن وليه بالتجارة أيضا كما إذا فعل بنفسه لان في انعقاده فائدة
لوجود المجيز للحال وهو الولي ولا يصح من العبد المحجور وأما التوكيل من المرتد فموقوف ان أسلم ينفذ وان قتل أو مات على
الردة أو لحق بدار الحرب يبطل عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد هو نافذ بناء على أن تصرفات المرتد
موقوفة عنه لوقوف املاكه وعند هما نافذة لثبوت املاكه ويجوز التوكيل من المرتدة بالاجماع لان تصرف فاتها نافذة
بلا خلاف وأما ما الذي يرجع إلى الوكيل فهو أن يكون عاقلا فلا تصح وكالة المجنون والصبي الذي لا يعقل لما قلنا وأما
البلوغ والحرية فليسا بشرط لصحة الوكالة فتصح وكالة الصبي العاقل والعبد مأذونين كانا أو محجورين
وهذا عند أصحابنا وقال الشافعي رحمه الله وكالة الصبي غير صحيحة لأنه غير مكلف ولا تصح وكالة المجنون (ولنا)
ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب أم سلمة قالت إن أوليائي غيب يا رسول الله فقال صلى الله
عليه وسلم ليس فيهم من يكرهني ثم قال لعمرو بن أم سلمة قم فزوج أمك منى فزوجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان صبيا والاعتبار بالمجنون غير سديد لان العقل شرط أهلية التصرفات الشرعية وقد انعدم هناك ووجد هنا
فتصح وكالته كالبالغ الا أن حقوق العقد من البيع ونحوه ترجع إلى الوكيل إذا كان بالغا وإذا كان صبيا
ترجع إلى الموكل لما نذكر في موضعه إن شاء الله تعالى وكذا ردة الوكيل لا تمنع صحة الوكالة فتجوز وكالة المرتد بان وكل
مسلم مرتدا لان وقوف تصرفات المرتد لوقوف ملكه والوكيل يتصرف في ملك الموكل وانه نافذ التصرفات وكذا
لو كان مسلما وقت التوكيل فهل هو شرط لصحة الوكالة لا خلاف في أن العلم بالتوكيل في الجملة شرط اما علم الوكيل واما علم
من يعامله حتى أنه لو وكل رجلا ببيع عبده فباعه الوكيل من رجل قبل علمه وعلم الرجل بالتوكيل لا يجوز بيعه حتى
20

يجيزه الموكل أو الوكيل بعد علمه بالوكالة لان حكم الآمر لا يلزم الابعد العلم بالمأمور به أو القدرة على اكتساب سبب
العلم بالمأمور به كما في أوامر الشرع (وأما) علم الوكيل على التعيين بالتوكيل فهل هو شرط ذكر في الزيادات انه شرط
وذكر في الوكالة انه ليس بشرط فإنه قال إذا قال الموكل لرجل اذهب بعبدي هذا إلى فلان فيبيعه فلان منك فذهب
الرجل بالعبد إليه وأخبره أن صاحب العبد أمره ببيعه منه فاشتراه منه صح شراؤه وان لم يخبره بذلك فالبيع جائز كذا
ذكر محمد في كتاب الوكالة وجعل علم المشترى بالتوكيل كعلم البائع الوكيل وذكر في الزيادات انه لا يجوز البيع وصورة
المسألة في الصبي المأذون وذكر في المأذون الكبير ما يدل على جواز البيع فإنه قال إذا قال المولى لقوم بايعوا عبدي
فانى قد أذنت له في التجارة فبايعوه جاز وان لم يعلم العبد بإذن المولى لهم بالمبايعة وليس التوكيل كالوصاية فان من
أوصى إلى رجل غائب أي جعله وصيا بعد موته ثم مات الموصى ثم إن الوصي باع شيئا من تركة الميت قبل علمه بالوصاية
والموت فان بيعه جائزا استحسانا ويكون ذلك قبولا منه للوصاية حتى لا يملك اخراج نفسه منها والقياس أن لا يجوز
والفرق أن الوصي خلف عن الموصى قائم مقامه كالوارث يقوم مقام المورث ولو باع الوارث تركة الميت بعد موته
وهو لا يعلم موته جاز بيعه فكذا الوصي بخلاف التوكيل لأنه أمر من الموكل وحكم الامر لا يلزم الابعد العلم أو سببه
على ما مر فإذا ثبت أن العلم بالتوكيل شرط فإن كان التوكيل بحضرة الموكل أو كتب الموكل بدلك كتابا إليه فبلغه وعلم
ما فيه أو أرسل إليه رسولا فبلغ الرسالة أو أخبره بالتوكيل رجلان أو رجل واحد عدل صار وكيلا بالاجماع وان أخبره
بذلك رجل واحد غير عدل فان صدقه صار وكيلا أيضا وان لم يصدقه يبغي أن يكون على الاختلاف في العدل عند
أبي حنيفة لا يكون وكيلا وعند أبي يوسف ومحمد يكون كيلا كما في العزل على ما نذكره في موضعه إن شاء الله
تعالى (وأما) الذي يرجع إلى الموكل فإنه يرجع إلى الموكل به فإنه يرجع إلى بيان ما يجوز التوكيل به ومالا يجوز
والجملة فيه ان التوكيل لا يخلو اما أن يكون بحقوق الله عز وجل وهي الحدود واما أن يكون بحقوق العباد والتوكيل
بحقوق الله عز وجل نوعان أحدهما بالاثبات والثاني بالاستيفاء أما التوكيل باثبات الحدود فإن كان حدا لا يحتاج
فيه إلى الخصومة كحد الزنا وشر الخمر فلا يتقدر التوكيل فيه بالاثبات لأنه بثبت عند القاضي بالبينة أو الاقرار
من غير خصومة وإن كان مما يحتاج فيه إلى الخصومة كحد السرقة وحد القذف فيجوز التوكيل باثباته عند أبي
حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يجوز ولا تقبل البينة فيهما الامن الموكل وكذلك الوكيل باثبات القصاص على
هذا الخلاف (وجه) قول أبى يوسف انه كما يجوز التوكيل فيه بالاستيفاء فكذا بالاثبات لان الاثبات وسيلة
إلى الاستيفاء ولهما الفرق بين الاثبات والاستيفاء وهو ان امتناع التوكيل في الاستيفاء لمكان الشبهة وهي منعدمة
في التوكيل بالاثبات (وأما) التوكيل باستيفاء حد القذف والسرقة فإن كان المقذوف والمسروق منه حاضرا وقت
الاستيفاء جاز لأن ولاية الاستيفاء إلى الامام وانه لا يقدر على أن يتولى الاستيفاء بنفسه على كل حال وإن كان
غائبا اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يجوز لأن عدم الجواز لاحتمال العفو والصلح وانه لا يحتملهما وقال بعضهم
لا يجوز لأنه إن كان لا يحتمل العفو والصلح فيحتمل الاقرار والتصديق وهذا عندنا وقال الشافعي رحمه الله يجوز
التوكيل باستيفاء حد القذف كيف ما كان (وجه) قوله إن هذا حقه فكان بسبيل من استيفائه بنفسه وبنائبه
كما في سائر الحقوق (ولنا) الفرق على قول بعض المشايخ وهو ما ذكرنا انه يحتمل أنه لو كان حاضر الصدق
الرامي فيما رماه أو يترك الخصومة فلا يجوز استيفاء الحد مع الشبهة والشبهة لا تمنع من استيفاء سائرا لحقوق ويجوز
التوكيل بالتعزير اثباتا واستيفاء بالاتفاق وللوكيل أن يستوفى سواء كان الموكل غائبا أو حاضرا لأنه حق العبد
ولا يسقط بالشبهات بخلاف الحدود والاختصاص ولهذا ثبت بشهادة رجل وامرأتين فأشبه سائر الحقوق
بخلاف الحدو القصاص (وأما) التوكيل باستيفاء القصاص فإن كان الموكل وهو المولى حاضر أجاز لأنه قد
لا يقدر على الاستيفاء بنفسه فيحتاج إلى التوكيل وإن كان عائبا لا يجوز لان احتمال العفو قائم لجواز أنه لو كان حاضرا
21

لعفى فلا يجوز استيفاء القصاص مع قيام الشبهة وهذا المعنى منعدم حالة الحضرة وعند الشافعي رحمه الله يجوز وإن كان
غائبا والكلام في الطرفين على نحو ما ذكرنا في حد القذف (وأما) التوكيل بحقوق العباد فنقول وبالله التوفيق
حقوق العباد على نوعين نوع لا يجوز استيفاؤه مع الشبهة كالقصاص وقد مر حكم التوكيل باثباته وباستيفائه
ونوع بجوز استيفاؤه وأخذه مع الشبهة كالديون والاعتاق وسائر الحقوق سوى القصاص فنقول لا خلاف
انه يجوز التوكيل بالخصومة في اثبات الدين والعين وسائر الحقوق برضا الخصم حتى يلزم الخصم جواب التوكيل
والأصل فيه ما روى عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما ان سيدنا عليا رضي الله عنه كان لا يحضر الخصومة وكان
يقول إن لها لحما يحضرها الشياطين فجعل الخصومة إلى عقيل رضي الله عنه فلما كبر ورق حولها إلى وكان على يقول ما
قضى لوكيلي فلي وما قضى على وكيلي فعلى ومعلوم أن سيدنا عليا رضي الله عنه لم يكن ممن لا يرضى أحد بتوكيله فكان
توكيله برضا الخصم فدل على الجواز برضا الخصم واختلف في جوازه بغير رضا الخصم قال أبو حنيفة عليه الرحمة
لا يجوز من غير عذر المرض والسفر وقال أبو يوسف ومحمد يجوز في الأحوال كلها وهو قول الشافعي رحمه الله
وذكر الجصاص انه لا فصل في ظاهر الرواية بين الرجل والمرأة والبكر والثيب لكن المتأخرين من أصحابنا
استحسنوا في المرأة إذا كانت محذرة غير بريزة فجوزوا توكيلها وهذا استحسان في موضعه وقال ابن أبي ليلى لا
يجوز الا توكيل البكر وهذا غير سديد لما يذكر (وجه) قولهم إن التوكيل بالخصومة صادف حق الموكل فلا يقف
على رضا الخصم كالتوكيل باستيفاء الدين ودلالة ذلك ان الدعوى حق المدعى والانكار حق المدعى عليه فقد
صادف التوكيل من المدعى والمدعى عليه حق نفسه فلا يقف على رضا خصمه كما لو كان خاصمه بنفسه ولا بي حنيفة
رحمه الله أن الحق هو الدعوى الصادقة والانكار الصادق ودعوى المدعى خبر يحتمل الصدق والكذب والسهو
والغلط وكذا انكار المدعى عليه فلا يزداد الاحتمال في خبره بمعارضة خبر المدعى فلم يكن كل ذلك حقا فكان الأصل
أن لا يلزم به جواب الا أن الشرع الزم الجواب لضرورة فصل الخصومات وقطع المنازعات المؤدية إلى الفساد
واحياء الحقوق الميتة وحق الضرورة يصير مقضيا بجواب الموكل فلا تلزم الخصومة عن جواب الوكيل من غير
ضرورة مع ما ان الناس في الخصومات على التفاوت بعضهم أشد خصومة من الآخر فربما يكون الوكيل الحن
بحجته فيعجز من يخاصمه عن احياء حقه فيتضرر به فيشرط رضا الخصم ليكون لزوم الضرر مضافا إلى التزامه وإذا
كان الموكل مريضا أو مسافرا فهو عاجز عن الدعوى وعن الجواب بنفسه فلو لم يملك النقل إلى غيره بالتوكيل لضاعت
الحقوق وهلكت وهذا لا يجوز وكذلك إذا كانت المرأة مخدرة مستورة لأنها تستحيي عن الحضور لمحافل الرجال
وعن الجواب بعد الخصومة بكرا كانت أو ثيبا فيضيع حقها (وأما) في مسألتنا فلا ضرورة ولو وكل بالخصومة
واستثنى الاقرار وتزكية الشهود في عقد التوكيل بكلام منفصل جاز ويصير وكيلا بالانكار سواء كان التوكيل من
الطالب أو من المطلوب في ظاهر الرواية وروى عن محمد أنه إذا وكل الطالب واستثنى الاقرار يجوز وان وكل
المطلوب لا يجوز والصحيح جواب ظاهر الرواية لان استثناء الاقرار في عقد التوكيل إنما جاز لحاجة الموكل إليه
لان الوكيل بالخصومة يملك الاقرار على موكله عند أصحابنا الثلاثة ولو أطلق التوكيل من غير استثناء لتضرر به الموكل
وهذا المعنى لا يوجب الفصل بين التوكيل من الطالب والمطلوب لان كل واحد منهما يحتاج إلى التوكيل بالخصومة
هذا إذا وكل الخصومة واستثنى الاقرار في العقد فاما إذا وكل مطلقا ثم استثنى الاقرار في كلام منفصل يصح عند أبي
يوسف وعند محمد لا يصح (وأما) التوكيل بالاقرار فذكر في الأصل انه يجمز وذكر الطحاوي انه لا يجوز
ويجوز التوكيل بالخصومة من المضارب والشريك شركة العنان والمفاوضة والعبد المأذون والمكاتب لأنهم يملكون
الخصومة بأنفسهم فيملكون تفويضها إلى غيرهم بالتوكيل ويجوز من الذمي كما يجوز من المسلم لان حقوقهم
مصونة مرعية عن الضياع كحقوقنا ويجوز التوكيل بقبض الدين لان الموكل قد لا يقدر على الاستيفاء بنفسه فيحتاج
22

إلى التفويض إلى غيره كالوكيل بالبيع والشراء وسائر التصرفات الا أن التوكيل بقبض رأس مال السلم وبدل الصرف
إنما يجوز في المجلس لان الموكل إنما يملك القبض فيه لا في غيره وإذا قبض الدين من الغريم برئ الغريم لان القبض
الصحيح يوجب البراءة وتجوز الوكالة بقضاء الدين لأنه يملك القضاء بنفسه وقد لا يتهيأ له القضاء بنفسه فيحتاج إلى
التفويض إلى غيره سواء كان الموكل حرا أو عبدا مأذونا أو مكاتبا لأنهما يملكان القضاء بأنفسها فيملكان التفويض
إلى غيرهما أيضا ويجوز بطلب الشفعة وبالرد بالعيب وبالقسمة لأن هذه حقوق يتولاها المرء بنفسه فيملك توليتها
غيره ويجوز بالنكاح والخلع والصلح عن دم العمد والكتابة والاعتاق على مال والصلح على إنكار لأنه يملك هذه
التصرفات بنفسه فيملك تفويضها إلى غيره وتجوز الهبة والصدقة والإعارة والايداع والرهن والاستعارة
والاستيهاب والارتهان لما قلنا ويجوز بالشركة والمضاربة لما قلنا ويجوز بالاقراض والاستقراض الا أن في
التوكيل بالاستقراض لا يملك الموكل ما استقرضه الوكيل الا إذا بلغ على وجه الرسالة بأن يقول أرسلني فلان
إليك ليستقرض كذا ويجوز التوكيل بالصلح وبالابراء ويجوز بالطلاق والعتاق والإجارة والاستئجار لما قلنا
ويجوز بالسلم والصرف لأنه يملكهما بنفسه فيملك تفويضهما إلى غيره الا أن قبض البدل في المجلس شرط بقاء العقد
على الحصة والعبرة لبقاء العاقدين وافتراقهما لان حقوق العقد راجعة إليهما لما نذكر فإذا تقابض الوكيلان في المجلس
فقد وجد القبض المستحق قبل الافتراق فيبقى العقد على الصحة بخلاف الرسولين إذا تقابضا في المجلس ثم افترقا انه
يبطل العقد لان حقوق العقد لا ترجع إلى الرسول فلا يقع قبضهما عن المستحق بالعقد فإذا افترقا فقد حصل الافتراق
لاعن قبض فيبطل العقد بخلاف الوكيلين على ما مر ولا تعتبر مفارقة الموكل لان الحقوق لا ترجع إليه بل هو أجنبي عنها
فبقاؤه وافتراقه بمنزلة واحدة ويجوز التوكيل بالبيع والشراء لأنهما مما يملك الموكل مباشرتهما بنفسه فيملك التفويض
إلى غيره الا أن لجواز التوكيل بالشراء شرط وهو الخلو عن الجهالة الكثيرة في أحد نوعي الوكالة دون النوع الآخر
وبيان ذلك ان التوكيل بالشراء نوعان عام وخاص فالعام أن يقول له اشتر لي ما شئت أو ما رأيت أو أي ثوب شئت
أو أي دار شئت أو ما تيسر لك من الثياب ومن الدواب ويصح مع الجهالة الفاحشة من غير بيان النوع والصفة والثمن
لأنه فوض الرأي إليه فيصح مع الجهالة الفاحشة كالبضاعة والمضاربة والخاص أن يقول اشتر لي ثوبا أو حيوانا
أو دابة أو جوهرا أو عبدا أو جارية أو فرسا أو بغلا أو حمارا أو شاة والأصل فيه ان الجهالة إن كانت كثيرة تمنع صحة
التوكيل وإن كانت قليلة لا تمنع وهذا استحسان والقياس أن يمنع قليلها وكثيرها ولا يجوز الابعد بيان النوع والصفة
ومقدار المثمن لان البيع والشراء لا يصحان مع الجهالة اليسيرة فلا يصح التوكيل بهما أيضا (وجه) الاستحسان ما روى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع دينارا إلى حكيم بن حزام ليشترى له به أضحية ولو كانت الجهالة القليلة مانعة من صحة
التوكيل بالشراء لما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لان جهالة الصفة لا ترتفع بذكر الأضحية وبقدر الثمن ولان الجهالة
القليلة في باب الوكالة لا تفضى إلى المنازعة لان مبنى التوكيل على الفسحة والمسامحة فالظاهر أنه لا تجوز المنازعة فيه
عند قلة الجهالة بخلاف البيع لان مبناه على المضايقة والمماكسة لكونه معاوضة المال بالمال فالجهالة فيه وان قلت
تقضى إلى المنازعة فتوجب فساد العقد فهو الفرق وإذا ثبت ان الجهالة القليلة غير مانعة ففي كل موضوع قلت الجهالة صح
التوكيل بالشراء والا فلا فينظر إن كان اسم ما وقع التوكيل بشرائه مما يقع على أنواع مختلفة لا يجوز التوكيل به الابعد بيان
النوع وذلك نحو أن يقول اشتر لي ثوبا لان اسم الثوب يقع على أنواع مختلفة من ثوب الإبريسم والقطن والكتان
وغيرهما فكانت الجهالة كثيرة فمنعت صحة التوكيل فلا يصح وان سمى الثمن لا ن الجهالة بعد بيان الثمن متفاحشة فلا
تقل الا بذكر النوع بأن يقول اشتر لي ثوبا هرويا فان سكت عنه كثرت الجهالة فلم يصح التوكيل وكذا إذا قال
اشتر لي حيوانا أو قال اشتر لي دابة أو أرضا أو مملوكا أو جوهرا أو حبوبا لان كل واحد منها اسم جس يدخل تحته
أنواع مختلفة فلا بد من ذكر النوع بأن يقول ثوبا هرويا فإذا سكت عنه كثرت الجهالة فلم يصح التوكيل. وكذا إذا قال
23

اشتر لي دارا لا يصح لان بين الدار والدار تفاوتا فاحشا فان عين الدار يجوز وان لم يعين ولكنه بين الثمن جاز أيضا
ويقع على دور المصر الذي وقع فيه الوكيل لان الجهالة تقل بعد بيان الثمن وروى عن أبي يوسف انه لا يصح التوكيل
بعد بيان الثمن حق يعين مصرا من الأمصار ولو قال اشتر لي دار في موضوع كذا أو حبة لؤلؤ أو فص ياقوت أحمر
ولم يسم الثمن لا يجوز لان التفاوت متفاحش والصفة لا تصير معلومة بحال الموكل فلا بد من بيان الثمن وإن كان اسم ما
وقع التوكيل بشرائه لا يقع الا على نوع واحد يكتفى فيه بذكر أحد أمرين اما الصفة بأن قال اشتر لي عبدا تركيا أو
مقدار الثمن بأن قال اشتر لي عبدا بألف درهم لان الجهالة نقل بذكر أحدهما وبحال الموكل لان الصفة تصير معلومة
بذكر الثمن وان لم يذكرها وإذا ذكر الصفة يصير الثمن معلوما بحال الآمر فما يشتريه أمثاله عادة حتى أنه لو خرج المشترى
عن عادة أمثاله لا يلزم الموكل كذا روى عن أبي يوسف فيمن قال اشتر لي خادما من جنس كذا ان ذلك يقع على ما
يتعامله الناس من ذلك الجنس فإن كان الثمن كثير الا يتعامل الناس به لم يجز على الآمر وكذا البدوي إذا قال اشتر لي
خادما حبشيا فهو على ما يعتاده أهل البادية وهذا كله اعتبار حال الموكل فإن لم يذكر أحد ما أصلا فالوكالة باطلة لان
الجهالة فحشت بترك ذكر هما جميعا فمنعت صحة الوكالة ولو قال اشتر لي حمارا أو بغلا أو فرسا أو بعيرا ولم يذكر له صفة ولا
ثمنا قالوا إنه يجوز لان النوع صار معلوما بذكر الحمار والبغل والفرس والبعير والصفة تصير معلومة بحال الموكل وكذا
الثمن فينظر ان اشترى حمارا بمثل قيمته أو بأقل أو بأكثر قدر ما يتغابن الناس في مثله جاز على الموكل إذا كان الحمار مما
يشترى مثله الموكل وإن كان مما لا يشترى مثله الموكل لا يجوز على الموكل ويلزم الوكيل وان اشتراه بمثل قيمته
نحو أن يكون الموكل مكار يا فاشترى الوكيل حمارا مصريا يصلح للركوب لان مثله يشترى الحمار للعمل والحمل
لا للركوب ولو قال اشتر لي شاة أو بقرة ولم يذكر صفة ولا ثمنا لا يجوز لان الشاة والبقرة لا تصير معلومة الصفة بحال
الموكل ولا بد وأن يكون أحدهما معلوما لما بينا ولو قال اشتر لي حنطة لا يصح التوكيل ما لم يذكر أحد شيئين اما قدر
الثمن واما قدر المثمن وهو المكيل لان الجهالة لا تقل الا بذكر أحدهما وعلى هذا جميع المقدرات من المكيلات
والموزونات ولو وكله ليشترى له طيلسانا لا يصح الابعد بيان الثمن والنوع لان الجهالة لا تقل الابعد بيان أحدهما
والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما بيان حكم التوكيل فنقول وبالله التوفيق حكم التوكيل صيرورة المضاف إليه وكيلا لان التوكيل
اثبات الوكالة وللوكالة أحكام (منها) ثبوت ولاية التصرف الذي تناوله التوكيل فيحتاج إلى بيان ما يملكه الوكيل
من التصرف بموجب التوكيل بعد صحته ومالا يملكه فنقول وبالله التوفيق الوكيل بالخصومة يملك الاقرار على موكله في
الجملة عند أصحابنا الثلاثة وقال زفر والشافعي رحمهما الله لا يملك والأب والوصي وأمين القاضي لا يملك الاقرار على
الصغير بالاجماع (وجه) قولهما ان الوكيل بالخصومة وكيل بالمنازعة والاقرار مسالمة فلا يتناوله التوكيل بالخصومة
فلا يملكه الوكيل (ولنا) ان التوكيل بالخصومة وكيل بالجواب الذي هو حق عند الله عز وجل وقد يكون ذلك
انكارا وقد يكون اقرارا فإذا أقر على موكله دل ان الحق هو الاقرار فينفذ على الموكل كما إذا أقر على موكله وصدقه
الموكل ثم اختلف أصحابنا الثلاثة فيما بينهم قال أبو حنيفة ومحمد يصح اقراره في مجلس القاضي لا في غيره وقال أبو
يوسف يصح فيه وفي غيره (وجه) قوله إن التوكيل تفويض ما يملكه الموكل إلى غيره واقرار الموكل لا تقف صحته
على مجلس القاضي فكذا اقرار الوكيل ولهما انه فوض الامر إليه لكن في مجلس القاضي لان التوكيل بالخصومة
أو بجواب الخصومة وكل ذلك يختص بمجلس القاضي ألا ترى ان الجواب لا يلزم في غير مجلس القاضي وكذا
الخصومة لا تندفع باليمين في غير مجلس القاضي فتتقيد بمجلس القاضي ألا أنه إذا أقر في غير مجلس القاضي يخرج عن
الوكالة وينعزل لأنه لو بقي وكيلا لبقي وكيلا بالاقرار عينا لان الانكار لا يسمع منه للتناقض والاقرار عينا غير موكل
به والوكيل بالخصومة في مال إذا اقضي القاضي به يملك قبضه عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر لا يملك (وجه) قوله إن
24

المطلوب من الوكيل بالخصومة الاهتداء ومن الوكيل بالقبض الأمانة وليس كل من يهتدى إلى شئ يؤتمن عليه فلا
يكون التوكيل بالخصومة توكيلا بالقبض (ولنا) أنه لما وكله بالخصومة في مال فقد ائتمنه على قبضه لان الخصومة فيه
لا تنتهى الا بالقبض فكان التوكيل بها توكيلا بالقبض والوكيل بتقاضي الدين يملك القبض في ظاهر الرواية لان حق
التقاضي لا ينقطع الا بالقبض فكان التوكيل به توكيلا بالقبض ولان التقاضي والاقتضاء والاستيفاء واحد الا ان
المتأخرين من أصحابنا قالوا إنه لا يملك في عرف ديارنا لان الناس في زماننا لا يرضون بقبض المتقاضي كالوكلاء على
أبواب القضاة لتهمة الخيانة في أموال الناس والوكيل بقبض الدين يملك الخصومة في اثبات الدين إذا أنكر الغريم عند
أبي حنيفة وعندهما لا يملك وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة أيضا فيملك إقامة البينة وكذا لو أقام المدعى عليه
البينة ان صاحب الدين استوفى منه أو أبراه عنه قبلت بينته عنده وعندهما لا تقبل ولا يملك وأجمعوا في الوكيل
بقبض العين إذا أنكر من في يده أنه لا يملك الخصومة حتى لا يملك إقامة البينة ولو أقام المدعى عليه البينة انه اشترها من
الذي وكله بالقبض لا تسمع منه بينته في اثبات الشراء ولكنها تسمع لدفع خصومة الوكيل في الحال إلى أن يحضر
الموكل وقالوا في الوكيل بطلب الشفعة وبالرد بالعيب وبالقسمة انه يملك الخصومة (وجه) قولهما أن التوكيل
بقبض الدين توكيل باستيفاء عن الحق فلا يتعدى إلى الخصومة كالتوكيل بقبض العين لأبي حنيفة أن التوكيل
بقبض الدين توكيل بالمبادلة والحقوق في مبادلة المال بالمال تتعلق بالعاقد كما في البيع والإجارة ودلالة ذلك أن استيفاء
عين الدين لا يتصور لان الدين اما أن يكون عبارة عن الفعل وهو فعل تسليم المال واما أن يكون عبارة عن مال حكمي
في الذمة وكل ذلك لا يتصور استيفاؤه ولكن استيفاء الدين عبارة عن نوع مبادلة وهو مبادلة المأخوذ العين بما في ذمة
الغريم وتمليكه بهذا القدر المأخوذ من المال فأشبه البيع والخصومة في حقوق مبادلة المال بالمال فيملكه الوكيل
بخلاف الوكيل بقبض الثمن لا ن ذلك توكيل باستيفاء عين الحق لا بالمبادلة لان عينه مقدور الاستيفاء فلا يملك
الخصومة فيها الا بأمر جديد فهو الفرق بين الفصلين فإذا لم يملك الخصومة لا تسمع بينة المدعى عليه على الشراء من
الموكل بالقبض لأنها بينة قامت لا على خصم ولكنها تسمع في دفع قبض الوكيل ونجوز أن تكون البينة مسموعة
من وجه دون وجه كمن وكل انسانا بنقل زوجته إلى حيث هو فطالبها الوكيل بالانتقال فأقامت البينة على أن زوجها
طلقها ثلاثا تسمع هذه البينة في اندفاع حق الوكيل في النقل ولا تسمع في اثبات الحرمة كذا هذا و كذلك الوكيل
بأخذ الدار بالشفعة وكيل بالمبادلة لان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء وكذا الرد بالعيب والقسمة فيها معنى المبادلة فكانت
الخصومة فيها من حقوقها فيملكها الوكيل كالوكيل بالبيع والوكيل بالقبض إذا أراد أن يوكل غيره هذا على وجهين
(اما) إن كانت الوكالة عامة بأن قال له وقت التوكيل بالقبض اصنع ما شئت أو ما صنعت من شئ فهو جائز على أو
نحو ذلك (وأما) إن كانت خاصة بان لم يقل ذلك عند التوكيل بالقبض فإن كانت عامة بملك أن يوكل غيره بالقبض
لان الأصل فيما يخرج مخرج العموم اجراؤه على عمومه وإن كانت خاصة فليس له أن يوكل غيره بالقبض لان الوكيل
يتصرف بتفويض الموكل فيملك قدر ما فوض إليه فان فعل ذلك وقبض الوكيل الثاني لم يبرأ الغريم من الدين لان
توكيله بالقبض إذا لم يصح فقبضه وقبض الأجنبي سواء فان وصل إلى يد الوكيل الأول برئ الغريم لأنه وصل إلى
يدمن هو نائب الموكل في القبض وان هلك في يده قبل أن يصل إلى الوكيل الأول ضمن القابض للغريم لان قبضه
بجهة استيفاء الدين والقبض بجهة استيفاء الدين قبض بجهة المبادلة على ما مر والمقبوض بجهة المبادلة مضمون على
القابض كالمقبوض على سوم الشراء وكان له أن يرجع بما ضمن على الوكيل الأول لأنه صار مغرورا من جهته بتوكيله
بالقبض فيرجع عليه إذ كل غار ضامن للمغرور بما لحقه من العهدة فيرجع عليه بضمان الكفالة ولا يبرأ الغريم من الدين
لما قلنا إن توكيله بالقبض لم يصح فكان للطالب أن يأخذ الغريم بدينه وإذا أخذ منه رجع الغريم على الوكيل الثاني لما
قلنا ويرجع الوكيل الثاني على الأول بحكم الغرور لما قلنا إن الوكيل بقبض الدين للموكل على أسنان معين أو في بلد
25

معين لا يملك ان يعتدى إلى غيره لان المتصرف بحكم الآمر لا يملك التعدي عن موضع الامر وليس للوكيل بقبض
الدين أن يأخذ عوضا عن الدين وهو أن يأخذ عينا مكانه لأن هذه معاوضة مقصودة وانها لا تدخل تحت التوكيل
بقبض الدين وهذا لما بينا ان قبض الدين حقيقة لا يتصور لما ذكرنا فلا يتصور التوكيل بقبضه حقيقة الا أن التوكيل
بقبض الدين جعل توكيلا بالمعاوضة ضرورة تصحيح التصرف ودفع الحاجة المعلقة بالتوكيل بقبض الدين وحق
الضرورة يصير مقضيا بثبوتها ضمنا للعقد فبقيت المعاوضة المقصودة خارجة عن العقد أصلا فلا يملكها الوكيل ولو
كان لرجل على رجل دين فجاء انسان إلى الغريم وقال إن الطالب أمرني أن أقبضه منك فان صدقه الغريم وأراد
أن يدفع إليه لا يمنع منه وان أبى أن يدفع إليه يجبر على الدفع في الدين وفي العين لا يجبر عليه والفرق أن التصديق في
الدين اقرار على نفسه فكان مجبورا على التسليم وفي العين اقرار على غيره فلا يصح الا بتصديق ذلك الغير وان لم يصدقه
لم يجبر على الدفع فان دفعه إليه ثم جاء الطالب فان صدقه مضى الامر وان كذبه وأنكر أن يكون وكله بذلك فهذا على
وجوه ثلاثة اما ان صدقه ودفعه إليه واما ان كذبه ومع ذلك دفع إليه واما ان لم يصدقه ولم يكذبه ودفع إليه فان صدقه
في الوكالة ولم يضمنه فجاء الطالب يقال له ادفع الدين إلى الطالب ولا حق لك على الوكيل لأنه لما صدقه في الوكالة فقد
أقر بوكالته واقراره صحيح في حق نفسه فكأنه يقول إن الوكيل كان محقا في القبض وان الطالب ظالم فيما يقبض منى
وان ظلم على مبطل فلا أظلم عليم محق وان صدقه وضمنه ما دفع إليه ثم حضر الطالب فأخذ منه يرجع هو على القابض
لان الغريم وان أقران القابض محق في القبض بتصديقه إياه في الوكالة فعنده ان الطالب مبطل فيه ظالم فيما يقبض منه
فإذا ضمنه فقد أضاف الضمان إلى ما يقبضه الطالب عنه بغير حق وإضافة الضمان إلى المقبوض المضمون صحيح كما إذا
قال ما غصبك فلان فعلى وان كذبه في الوكالة ومع ذلك دفع إليه له أن يضمن الوكيل لان عنده انه مبطل في القبض
وإنما دفعه إليه على رجاء ان يجوزه الطالب وكذا إذا لم يصدق ولم يكذب لأنه لم يوجد منه الاقرار بكونه محقا في القبض
فيملك الرجوع عليه الوكيل بقبض الدين إذا قبضه فوجده معيبا فما كان للموكل رده فله رده وأخذ بدله لأنه قائم مقام
الموكل فهو يملك قبض حقه أصلا ووصفا فكذا الوكيل ولو وكل رجلا يقبض دين له على رجل وغاب الطالب
فادعى الغريم انه قد أوفاه الطالب لا يحتاج الوكيل إلى إقامة البينة ولا إلى احضار الطالب ليحلفه لكن يقال للغريم
ادفع الدين إلى الوكيل ثم اتبع الطالب وحلفه ان أردت يمينه فان حلف والا رجعت عليه لأنه مقر بالدين والدين
مقضى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحكم بسقوطه بدعوى الايفاء مع الاحتمال بل يجبر على التسليم
إلى الوكيل وكذلك الوكيل بطلب الشفعة إذا ادعى المشترى أن الشفيع قد سلم للشفعة يؤمر بتسليم الدار إلى الوكيل
ثم يقال له اتبع الشفيع وحلفه ان أردت يمينه لان المشترى مقر بثبوت حق الشفعة لان تسليم الشفعة بعد ثبوتها يكون
فلا يبطل الحق الثابت بدعوى التسليم مع الاحتمال فيؤمر بتسليم المشترى إلى الوكيل وهذا بخلاف الوكيل بالرد
بالعيب إذا ادعى البائع أن المشترى قد رضى بالعيب انه لا يكون للوكيل حق الرد حتى يحضر الموكل فيحلف بالله تعالى
ما رضى بهذا العيب لان البائع بقوله رضى المشترى بالعيب لم يقر بثبوت حق الرد بالعيب إذ ليس كل عيب موجبا
للرد ألا ترى انه لو اشتراه وهو عالم بعيبه ليس له حق الرد مع وجود العيب فيتوقف على حضور الموكل ويمينه فان أراد
الغريم أن يحلف الوكيل بالله عز وجل ما يعلم أن الطالب قد استوفى الدين لم يكن له أن يحلفه عند أبي حنيفة وأبى يوسف
وقال زفر يحلفه على علمه فان أبى أن يحلف خرج عن الوكالة ولم يبرأ الغريم وكان الطالب على حجته (وجه) قول
زفر أن هذا أمر لو أقر به الوكيل للزمه وسقط حقه من القبض فإذا أنكر يستحلف لجواز انه ينكل عن اليمين فيسقط
حقه (ولنا) قول النبي عليه الصلاة والسلام واليمين على المدعى عليه والغريم ما ادعى على الوكيل شيئا وإنما ادعى
على الموكل فكانت اليمين عليه واليمين مما لا تجرى فيه النيابة فلا بثبت للغريم ولاية استحلاف الوكيل وهذا بخلاف
ما إذا مات الطالب فادعى الغريم انه قد كان استوفاه حال حياته وأنكر الوارث ان له أن يستحلف الوراث على علمه
26

بالله تعالى ما يعلم أن الطالب استوفى الدين لان هناك الوارث مدعى عليه لان الغريم يدعى عليه بطلان حقه في
الاستيفاء الذمي هو حقه فلم يكن استحلافه بطريق النيابة عن المورث الا أنه يستحلف على علمه لأنه يستحلف
على فعل غيره وكل من يستحلف على فعل باشره غيره يستحلف على العلم لا البت لأنه لاعلم له به انه فعل ذلك أولم يفعل
فان أقام الغريم البينة على الايفاء سمعت بينته عند أبي حنيفة وعندهما لا تسمع وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة
بناء على أن الوكيل بقبض الدين هل يكون وكيلا بالخصومة فيه عنده يكون وعندهما لا يكون لما تقدم وكذلك على
هذا الاختلاف إذا أقام الغريم البينة انه أعطى الطالب بالدراهم الدنانير أو باعه بها عرضا فبينته مسموعة عنده
وعند هما غير مسموعة لان ايفاء الدين بطريقي المبادلة والمقاصة ويستوى فيهما الجنس وخلاف الجنس فكان
الخلاف في الكل ثابتا (وأما) الوكيل بالبيع فالتوكيل بالبيع لا يخلو اما أن يكون مطلقا واما أن يكون مقيدا فإن كان
مقيدا يراعى فيه القيد بالاجماع حتى أنه إذا خالف قيده لا ينفذ على الموكل ولكن يتوقف على اجازته الا أن يكون
خلافه إلى خير لما مران الوكيل يتصرف بولاية مستفادة من قبل الموكل فيلي من التصرف قدر ما ولاه وإن كان
الخلاف إلى خير فإنما نفذ لأنه إن كان خلافا صورة فهو وفاق معنى لأنه آمر به دلالة فكان متصرفا بتولية الموكل
فنفذ بيان هذه الجملة إذا قال بع عبدي هذا بألف درهم فباعه بأقل من الألف لا ينفذ وكذا إذا باعه بغير الدراهم لا ينفذ
وإن كانت قيمته أكثر من ألف درهم لأنه خلاف إلى شر لان أغراض الناس تختلف باختلاف الأجناس فكان في
معنى الخلاف إلى شروان باعه بأكثر من ألف درهم نفذ لأنه خلاف إلى خير فلم يكن خلافا أصلا وكذلك على هذا
لو وكله بالبيع بألف درهم حالة فباعه بألف نسيئة لم ينفذ بل يتوقف لما قلنا وان وكله بان يبيعه بألف درهم نسيئة فباعه
بألف حالة نفذ لما قلنا وان وكله بأن يبيع ويشترط الخيار للآمر فباعه ولم يشترط الخيار لم يجز بل يتوقف ولو باع
وشرط الخيار للآمر ليس له أن يجيز لأنه لو ملك الإجازة بنفسه لم يكن للتقييد فائدة هذا إذا كان التوكيل البيع مقيدا
فأما إذا كان مطلقا فيراعى فيه الاطلاق عند أبي حنيفة فيملك البيع بالقليل والكثير وعند هما لا يملك البيع
الا بما يتغابن الناس في مثله وروى الحسن عن أبي حنيفة مثل قولهما (وجه) قولهما أن مطلق البيع ينصرف
إلى البيع المتعارف والبيع بغبن فاحش ليس بمتعارف فلا ينصرف إليه كالتوكيل بالشراء ولا بي حنيفة أن
الأصل في اللفظ المطلق أن يجرى على اطلاقه ولا يجوز تقييده الا بدليل والعرف متعارض فان البيع بغبن فاحش
لغرض التوصل بثمنه إلى شراء ما هو أربح منه متعارف أيضا فلا يجوز تقييد المطلق مع التعارض مع ما أن البيع بغبن
فاحش ان لم يكن متعارفا فعلا فهو متعارف ذكر أو تسمية لان كل واحد منهما يسمى بيعا أو هو مبادلة شئ مرغوب
بشئ مرغوب لغة وقد وجد ومطلق الكلام ينصرف إلى المتعارف ذكرا وتسمية من غير اعتبار الفعل ألا ترى أن
من حلف لا يأكل لحما فاكل لحم الآدمي أو لحم الخنزير يحنث وان لم يكن أكله متعارفا لكونه متعارفا اطلاقا
وتسمية كذا هذا (وأما) التوكيل بالشراء فالجواب عنه من وجهين أحدهما أن جوازه ثبت على خلاف
القياس لكونه أمرا بالتصرف في مال غيره وذكر الثمن فيه تبع ألا ترى انه يصح بدون ذكر الثمن الا انه جوز باعتبار
الحاجة إذ كل أحد لا يتهيأ له أن يشترى بنفسه فيحتاج إلى من يوكل به غيره والحاجة إلى التوكيل بالشراء بثمن جرى
التعارف بشراء مثله بمثله فينصرف الامر بمطلق الشراء إليه البتة الثاني المشترى متهم بهذا الاحتمال انه يشترى
لنفسه فلما تبين فيه الغبن أظهر الشراء للموكل ومثل هذه التهمة في البيع منعدمة فهو الفرق وكذلك يملك البيع
بغير الأثمان المطلقة عنده وعندهما لا يملك وهو قول الشافعي رحمه الله ويملك البيع بالنقد والنسيئة عنده وعندهما
لا يملك الا بالنقد والحجج من الطرفين على نحو ما ذكرنا في البيع بغبن فاحش ولو باع الوكيل، بعض ما وكل ببيعه فهو على
وجهين اما إن كان ذلك مما لا ضرر في تبعيضه كالمكيل والموزون بأن كان وكيلا بيع عبدين فباع أحدهما جاز
بالاجماع وإن كان في تبعيضة ضرر بان وكله بيع عبد فباع نصفه جاز عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما لا يجوز الا بإجازة
27

الموكل أو ببيع النصف الباقي ولو كان وكيلا بالشراء فاشترى نصفه لم يلزم الآمر اجماعا الا أنه يشترى الباقي ويجيزه
الموكل (وجه) قولهما الجمع بين الشراء والبيع بجامع وهو العرف والعادة ووجوب دفع الضرر الحاصل بالشركة
في الأعيان ولا بي حنيفة الفرق بين البيع والشراء على ما مر ألا يرى أن عنده لو باع الكل بهذا القدر من الثمن يجوز
فلان يجوز بيع البعض به أولى لأنه نفع موكله حيث أمسك البعض على ملكه وبهذا فارق الشراء لان الوكيل
بالشراء إذا اشترى النصف بثمن الكل لا يجوز والوكيل بالبيع يملك ابراء المشترى عن الثمن وله أن يؤخره عنه وله أن
يأخذ به عوضا وله أن يصالح على شئ ويحتال به على إنسان وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا يملك شيئا
من ذلك (وجه) قولهما أن الوكيل بالابراء وأخواته تصرف في ملك الموكل من غير اذنه فلا ينفذ عليه كما لو فعلها أجنبي
(وجه) قوله أنه تصرف في حق نفسه بالابراء لان قبض الثمن حقه فكان الابراء عن الثمن ابراء عن قبضه تصحيحا
لتصرفه بقدر الامكان ولو اسقط حق القبض لسقط الدين ضرورة لأنه لو بقي لبقي دينا لا يحتمل القبض أصلا وهذا
مما لا نظير له في أصول الشرع ولان دينا لا يحتمل القبض، والاستيفاء بوجه لا يفيد فيسقط ضرورة يضمن الثمن
للموكل لأنه وان تصرف في حق نفسه لكنه تعدى إلى ملك غيره بالاتلاف فيجب عليه الضمان وكذا إذا أخذ بالثمن
عوضا عن المشترى لأنه ملك منه القبض الذي هو حقه فيصح ومتى ملك ذلك فيملك رقبة الدين ضرورة بما أخذه من
العوض ويضمن لما ذكرنا وكذا إذا صالحه على شئ لان الصلح مبادلة وكذا إذا أحاله المشترى بالثمن على إنسان
وقبل الوكيل الحوالة لأنه بقبول الحوالة تصرف في حق نفسه بالابراء عنه لان الحوالة مبرئة وذلك يوجب سقوط الدين
عن المحيل فيه لما ذكرنا ويضمن لما قلنا وكذلك تأخير الدين من الوكيل تأخير حق المطالبة والقبض وأنه صادف حق
نفسه فيصح لكنه تعدى إلى الموكل بثبوت الحيلولة بينه وبين ملكه فيضمن وليس للوكيل بالبيع أن يوكل غيره
لان مبنى الوكالة على الخصوص لان الوكيل يتصرف بولاية مستفادة من قبل الموكل فيملك قدر ما أفاده ولا يثبت
العموم الا بلفظ يدل عليه وهو قوله اعمل فيه برأيك وغير ذلك مما يدل على العموم فان وكل غيره بالبيع فباع الثاني
بحضرة الأول جاز وان باع بغير حضرته لا يجوز الا أن يجيزه الأول أو الموكل وكذا إذا باعه فضولي فبلغ الوكيل أو الموكل
فأجاز يجوز هذا عند أصحابنا الثلاثة وقال زفر لا يجوز بيع الوكيل الثاني سواء كان بحضرة الوكيل الأول أولم يكن
بحضرته وقال ابن أبي ليلى يجوز كيف ما كان والصحيح قول أصحابنا الثلاثة لان عبارة الوكيل ليست مقصود الموكل
بل المقصود رأيه فإذا باع الثاني بحضرته فقد حصل التصرف برأيه فنفذ وإذا باعه لا بحضرته أو باع فضولي فقد خلا
التصرف عن رأيه فلا ينفذ ولكنه ينعقد موقوفا على إجازة الوكيل أو الموكل لصدور التصرف من أهله في محله وليس
للوكيل بالبيع أن يبيع من نفسه لان الحقوق تتعلق بالعاقد فيؤدى إلى أن يكون الشخص الواحد في زمان واحد مسلما
ومتسلما مطالبا ومطالبا وهذا محال وكذا لا يبيع من نفسه وان أمره الموكل بذلك لما قلنا ولأنه متهم في ذلك وليس له
أن يبيع من أبيه وجده ولده وولد ولده الكبار وزوجته عند أبي حنيفة وعند هما يجوز ذلك بمثل القيمة واجمعوا
على أنه لا يجوز أن يبيع من عبده ومكاتبه (وجه) قولهما ان البيع من هؤلاء ومن الأجنبي سواء لان كل واحد
منهما يملكه أجنبي من صاحبه ثم لا يملك البيع من نفسه ولأبي حنيفة أن البيع من هؤلاء بيع من نفسه من حيث
المعنى لاتصال منفعة ملك كل واحد منهما بصاحبه ثم لا يملك البيع من نفسه فلا يملكه من هؤلاء بخلاف الأجنبي
ولهذا لا يملك البيع من عبده ومكاتبه لان البيع من عبده بيع من نفسه لأنه لا ملك له وكذا المكاتب لأنه عبد ما بقي
عليه درهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا هذا يحققه أن اتصال منافع الاملاك بينهما تورث التهمة لهذا
لم تقبل شهادة أحدهما لصاحبه بخلاف الأجنبي ولو عمم التوكيل فقال اصنع ما شئت أو بع من هؤلاء أو أجاز ما صنعه
الوكيل جاز بيعه بالاتفاق ولا يجوز أن بيع من نفسه أو من ولده الصغير أو من بعده إذا لم يكن عليه دين يحال الوكيل
بالبيع مطلقا يملك البيع الصحيح والفاسد لان اسم البيع يقع على كل واحد من النوعين إذ هو مبادلة شئ مرغوب
28

بشئ مرغوب وقد وجد بخلاف الوكيل بالنكاح مطلقا أنه لا يملك النكاح الفاسد لان المقصود من النكاح الحل
والنكاح الفاسد لا يفيد الحل والمقصود من البيع والملك وأنه يثبت بالبيع الفاسد وأما الوكيل بالبيع الفاسد فهل يملك
البيع الصحيح قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله يملك وقال محمد لا يملك وبه أخذ الشافعي رحمه الله (وجه)
قول محمد أن البيع الفاسد بيع لا يفيد الحكم بنفسه والصحيح يفيد الحكم بنفسه فكانا مختلفين فلا يكون التوكيل
بأحدهما توكيلا بالآخر فإذا باع بيعا صحيحا صار مخالفا (ولهما) ان هذا ليس بخلاف حقيقة لان البيع الصحيح خير
وكل موكل بشئ موكل بما هو خير منه دلالة والثابت دلالة كالثابت نصا فكان آتيا بما وكل به فلا يكون مخالفا (وأما)
الوكيل بالشراء فالتوكيل بالشراء لا يخلو اما إن كان مطلقا أو كان مقيدا فإن كان مقيدا يراعى فيه القيد اجماعا لما ذكرنا
سواء كان القيد راجعا إلى المشترى أو إلى الثمن حتى أنه إذا خالف يلزم الشراء الا إذا كان خلافا إلى خير فيلزم الموكل
مثال الأول إذا قال اشتر لي جارية أطؤها أو أستخدمها أو اتخذها أم ولد فاشترى جارية مجوسية أو أخته من الرضاع
أو مرتدة أو ذات زوج لا ينفذ على الموكل وينفذ على الوكيل وكذلك إذا قال اشتر لي جارية تخدمني فاشترى
جارية مقطوعة اليدين أو الرجلين أو عمياء لان الأصل في كل مقيد اعتبار القيد فيه الا قيدا لا يفيد اعتباره واعتبار هذا
النوع من القيد مفيد وكذلك إذا قال اشتر لي جارية تركية فاشترى جارية حبشية لا يلزم الموكل ويلزم الوكيل لما
ذكرنا ومثال الثاني إذا قال له اشتر لي جارية بألف درهم فاشترى جارية بأكثر من الألف تلزم الوكيل دون الموكل لأنه
خالف أمر الموكل فيصير مشتريا لنفسه ولو قال اشتر لي جارية بألف درهم أو بمائة دينار فاشترى جارية بما سوى
الدراهم والدنانير لا تلزم الموكل اجماعا لان الجنس مختلف فيكون مخالفا ولو قال اشتر لي هذه الجارية بمائة دينار فاشتراها
بألف درهم قيمتها مائه دينار ذكر الكرخي أن المشهور من قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد أنه لا يلزم الموكل لان
الدراهم والدنانير جنسان مختلفان حقيقة فكان التقييد بأحدهما مفيدا وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يلزم الموكل
كأنه اعتبرهما جنسا واحدا في الوكالة كما اعتبرا جنسا واحدا في الشفعة وهو أن الشفيع إذا أخبر ان الدار بيعت بدنانير
فسلم الشفعة ثم ظهر أنها بيعت بدراهم وقيمتها مثل الدنانير صح التسليم كذا ههنا فان اشترى جارية بألف درهم فإن كان
مثلها يشترى بألف أو بأكثر من ألف أو بأقل من ألف مقدار ما يتغابن الناس فيه لزم الموكل وإن كان النقصان مقدار
مالا يتغابن الناس فيه لزم الوكيل لان شراء الوكيل المعروف المعروف وان اشترى جارية بثمانمائة درهم ومثلها يشترى
بألف لزم الموكل لان الخلاف إلى خير لا يكون خلافا معنى وكذا إذا وكله بأن يشترى له جارية بألف نسيئة فاشترى
جارية بألف حالة لزم الوكيل لأنه خالف قيد الموكل ولو أمره أن يشترى بألف حالة فاشترى بألف نسيئة لزم الموكل
لأنه وان خالف صورة فقد وافق معنى والعبرة للمعنى لا للصورة ولو وكله أن يشترى ويشترط الخيار للموكل فاشترى
بغير خيار لزم الوكيل والأصل أن الوكيل بالشراء إذا خالف يكون مشتريا لنفسه والوكيل بالبيع إذا خالف يتوقف على
إجازة الموكل والفرق بينهما قد ذكرناه فيما تقدم أن الوكيل بالشراء متهم لأنه يملك الشراء لنفسه فأمكن تنفيذه عليه حتى
إنه لو كان صبيا محجورا أو عبدا محجورا لا ينفذ عليه بل يتوقف على إجازة الموكل لأنهما لا يملكان الشراء لا نفسهما
فلا يمكن التنفيذ عليهما فتوقف وكذا إذا كان الوكيل مرتدا أو كان وكيلا بشراء عبد بعينه فاشترى نصفه لعدم امكان
التنفيذ عليه فاحتمل التوقف ومعنى التهمة لا يتعذر من الوكيل بالبيع فاحتمل التوقف على الإجازة ولو وكله بشراء عبد
فاشتراه بعين من أعيان مال الموكل توقف على الإجازة لأنه لما اشتراه بعين من أعيان ماله فقد باع العين والبيع يقف على
إجازة الموكل هذا إذا كان التوكيل بالشراء مقيدا فاما إذا كان مطلقا فإنه يراعى فيه الاطلاق ما امكان الا إذا قام دليل
التقييد من عرف أو غيره فيتقيد به وعلى هذا إذا وكل رجلا بشراء جارية وسمى نوعها وثمنها حتى صحت الوكالة
فاشترى جارية مقطوعة اليد والرجل من خلاف أو عوراء لزم الموكل وكذا إذ اشترى جارية مقطوعة اليدين
أو الرجلين أو عمياء عند أبي حنيفة وعند هما يلزم الوكيل (وجه) قولهما أن الجارية تشترى للاستخدام عرفا وعادة
29

وغرض الاستخدام لا يحصل عند فوات جنس المنفعة فيتقيد بالسلامة عن هذه الصفة بدلالة العرف ولهذا قلنا
لا يجوز تحريرها عن الكفارة وإن كان نص التحرير مطلقا عن شرط السلامة لثبوتها دلالة كذا هذا (وجه) قول
أبي حنيفة ان اسم الجارية باطلاقها يقع على هذه الجارية كما يقع على سليمة الأطراف فلا يجوز تقييد المطلق الا بدليل
وقد وجه (وأما) في باب الكفارة فلان الامر تعلق بتحرير رقبة والرقبة اسم لذات مركب من هذه الاجزاء فإذا فات
ما يقوم به جنس من منافع الذات انتقض الذات فلا يتناوله مطلق اسم الرقبة فاما اسم الجارية فلا يدل على هذه الذات
باعتبار الاجزاء فلا يقدح نقصانها في اسم الجارية بخلاف اسم الرقبة حتى أن التوكيل لو كان بشراء رقبة لا يجوز كما
لا يجوز في الكفارة كذا قالوا ولو وكله أن يشترى له جارية وكالة صحيحة ولم يسم ثمنا فاشترى الوكيل جارية ان اشترى
بمثل القيمة أو بأقل من القيمة أو بزيادة بتغابن في مثلها جاز على الموكل وان اشترى بزيادة لا يتغابن الناس في مثلها يلزم
الوكيل لان الزيادة القليلة مما لا يمكن التحرز عنها فلو منعت النفاذ على الموكل لضاق الامر على الوكلاء ولا امتنعوا عن
قبول الوكالات وبالناس حاجة إليها فمست الحاجة إلى تحملها ولا ضرورة في الكثير لامكان التحرز عنه والفاصل
بين القليل والكثير إن كانت زيادة تدخل تحت تقويم المقومين فهي قليلة ومالا تدخل تحت تقويمهم فيه كثيرة
لان ما يدخل تحت تقويم المقومين لا يتحقق كونه زيادة ومالا يدخل كانت زيادته متحققة وقدر محمد الزيادة القليلة التي
يتغابن في مثلها في الجامع بنصف العشر فقال إن كانت نصف العشر أو أقل فهي مما يتغابن في مثلها وإن كانت أكثر من
نصف العشر فهي مما لا يتغابن في مثلها وقال الجصاص ما ذكره محمد لم يخرج مخرج التقدير في الأشياء كلها لان ذلك
يختلف باختلاف السلع منها ما يعد أقل من ذلك غبنا فيه ومنها مالا يعد أكثر من ذلك غبنا فيه وقدر نصر بن يحيى القليل
بالده ينم وفي الحيوان بالده يازده وفي العقار بالده دوازده والله تعالى أعلم الوكيل بشراء عبد بعينه إذا اشترى نصفه فالشراء
موقوف ان اشترى باقيه قبل الخصومة لزم الموكل عند أصحابنا الثلاثة لأنه امتثل أمر الوكيل وعند زفر يلزم الوكيل ولو
خاصم الموكل الوكيل إلى القاضي قبل أن يشترى الوكيل الباقي والزم القاضي الوكيل ثم إن الوكيل اشترى الباقي بعد ذلك
يلزم الوكيل اجماعا لأنه خالف وكذلك هذا في كل ما في تبعيضه ضرر وفي تشقيصه عيب كالعبد والأمة والدابة والثوب
وما أشبه ذلك وهذا بخلاف ما إذا وكله ببيع عبده فباع نصفه أو جزأ منه معلوما أنه يجوز عند أبي حنيفة سواء باع الباقي
منه أولا والفرق له على نحو ما ذكرنا في التوكيل بالبيع مطلقا ولو أعتقه بعد ما اشترى نصفه قبل أن يشترى الباقي قال
أبو يوسف ان أعتقه الموكل جاز وان أعتقه الوكيل لم يجز وقال محمد على القلب من ذلك (وجه) قول محمدان الوكيل
قد خالف فيما وكل به فلم يكن مشتر يا للموكل فيكف ينفذ منه اعتاقه وهو في الظاهر مشتر لنفسه فينفذ اعتاقه ولأبي
يوسف ان اعتاق الموكل صادف عقدا موقوفا نفاذه على اجازته فكان الاعتاق اجازه منه كما إذا صرح بالإجازة
واعتق الوكيل لم يصادف عقدا موقوفا على اجازته لان الوكيل بشراء شئ بعينه لا يملك الشراء لنفسه فلم يحتمل
التوقف على اجازته فبطل وإن كان وكله بشراء شئ ليس في تبعيضه ضرر ولا في تشقيصه عيب فاشترى نصفه يلزم
الموكل ولا يقف لزومه على شراء الباقي نحوان وكله بشراء كر حنطة بمائة درهم فاشترى نصف الكر بخمسين وكذا لو
وكله بشراء عبدين بألف درهم فاشترى أحدهما بخمسمائة لزم الموكل اجماعا وكذا لو وكله بشراء جماعة من العبيد فاشترى
واحدا منها والله أعلم الوكيل بشراء عشرة أرطال لحم بدرهم إذا اشترى عشرين رطلا بدرهم من لحم يباع مثله عشرة أرطال
بدرهم لزم الموكل منه عشرة أرطال بنصف درهم عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يلزمه العشرون بدرهم ولو
اشترى عشرة أرطال ونصف رطل بدرهم يلزم الموكل استحسانا (وجه) قول أبى يوسف ان هذا خلاف صورة
لا معنى لأنه خلاف إلى خير وذا لا يمنع النفاذ على الموكل كما إذا اشترى عشرة أرطال ونصف بدرهم انه يلزم الموكل كذا
هذا (وجه) قولهما ان الوكيل يتصرف بحكم الآمر فلا يتعدى تصرفه موضع الامر وقد أمره بشاء عشره أرطال
فلا يلزمه الزيادة على ذلك بخلاف ما إذا اشترى عشرة أرطال ونصف رطل بدرهم لان الزيادة القليلة لا تتحقق زيادة
30

لدخولها بين الوزنين ولو وكله بشراء بعد بمائة فاشترى بها عبدين كل واحد منهما يساوى مائه روى عن أبي حنيفة
رحمه الله أنه لا يلزم الموكل واحد منهما وقال أبو حنيفة إذا وكل رجلا بشراء عبدين بأعيانهما بألف درهم وقيمتهما سواء
فاشترى أحدهما بستمائة درهم لا يلزم الموكل الا أن يشترى الثاني ببقية الألف وقال أبو يوسف ومحمد إذا كانت الزيادة
مما يتغابن الناس في مثلها يلزمه وهذا لا يتحقق خلافا والله عز وجل أعلم الوكيل بشراء شئ بعينه لا يملك أن يشتريه
لنفسه وإذا اشترى يقع الشراء للموكل لان شراء لنفسه عزل لنفسه عن الوكالة وهو لا يملك ذلك الا بمحضر من الموكل
كمالا يملك الموكل عزله الا بمحضر منه على ما نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى (وأما) الوكيل بشراء شئ بغير عينه إذا
اشترى يكون مشتريا لنفسه الا أن ينويه للموكل وجملة الكلام فيه انه إذا قال اشتريته لنفسي وصدقه الموكل فالمشترى
له وإذا قال الموكل اشتريته لي وصدقه الوكيل فالمشترى للموكل لان الوكيل بشراء شئ بغير عينه يملك الشراء لنفسه كما
يملك للموكل فاحتمل شراؤه لنفسه واحتمل شراؤه لموكله فيحكم فيه التصديق فيحمل على أحد الوجهين بتصادقهما
ولو اختلفا فقال الوكيل اشتريته لنفسي وقال الموكل بل اشتريته لي يحكم فيه الثمن فان أدى الوكيل الثمن من دراهم نفسه
فالمشترى له وان أداه من دراهم موكله فالمشترى لموكله لأن الظاهر نقدا لثمن من مال من يشترى له فكان الظاهر
شاهدا للثمن فكان صادقا في حكمه (وأما) إذا لم تحضره النية وقت الشراء واتفقا عليه يحكم فيه الثمن أيضا عند أبي
يوسف وعند محمد يكون الشراء للوكيل (وجه) قول محمدان الأصل أن يكون الانسان متصرفا لنفسه لا لغيره فكان
الظاهر شاهدا للوكيل فكان المشترى له (وجه) قول أبى يوسف ان أمور المسلمين محمولة على الصلاح والسداد
ما أمكن وذلك في تحكيم الثمن على ما مر والله تعالى أعلم الوكيل بالشراء لا يملك الشراء من نفسه لان الحقوق في باب الشراء
ترجع إلى الوكيل فيؤدى إلى الإحالة وهو أن يكون الشخص الواحد في زمان واحد مسلما ومتسلما مطالبا ومطالبا
ولأنه متهم في الشراء من نفسه ولو أمره الموكل بذلك لا يصح لما ذكرناه وكذلك لو اشترى من ولده الصغير لان ذلك شراء
من نفسه وكذلك لو اشترى من عبده الذي لادين عليه أو مكاتبه وكذا الوكيل بالشراء لا يملك الشراء من أبيه وجده
وولده وولد ولده وزوجته وكل من لا تقبل شهادته له عند أبي حنيفة وعند هما يجوز إذا اشترى بمثل القيمة أو بأقل أو
بزيادة يتغابن في مثلها وأجمعوا على أنه لا يملك الشراء من عبده الذي لا دين عليه ومكاتبه وقد مرت المسألة بحججها
من قبل ولو كانت الوكالة عامة بان قال له اعمل ما شئت أو قال له بع من هؤلاء أو أجاز ما صنعه الوكيل جاز لان المانع من
الجواز التهمة وقد زالت بالامر والإجازة ولو دفع إليه دراهم ووكله أن يشترى له بها طعاما فهو على الحنطة والدقيق لا
على الفاكهة واللحم الخبز لان الطعام في الحقيقة وإن كان اسما لما يطعم لكنه ينصرف إلى الحنطة والدقيق بقرينة
الشراء في العرف وهذا سمى السوق الذي تباع فيه الحنطة والدقيق سوق الطعام دون غيره الا إذا كان المدفوع إليه
قليلا كالدراهم ونحوه أو كان هناك وليمة فينصرف إلى الخبز وقيل يحكم الثمن إن كان قليلا ينصرف إلى الخبز وإن كان كثيرا
ينصرف إليهما ولو قال اشتر لي بدرهم لحما ينصرف إلى اللحم الذي يباع في السوق ويشترى الناس منه في الأغلب من
لحم الضأن والمعز والبقر والإبل إن جرت العادة بشرائه ولا ينصرى إلى المشوي والمطبوخ الا إذا كان مسافرا ونزل
خانا ودفع إلى إنسان در هما ليشترى به لحما ولا إلى لحم الطير والوحش والسمك ولا إلى شاة حية ولا إلى مذبوحة غير
مسلوخة لانعدام جريان العادة باشترائه وان اشترى مسلوخا جاز على الموكل لان المسلوخ بياع في الأسواق في العادة
ولا إلى البطن والكرش والكبد والرأس والكراع لأنها ليست بلحم ولا يشترى مقصودا أيضا بل تبعا للحم فلا
ينصرف مطلق التوكيل إليه بخلاف ما إذا حلف لا يأكل لحما فاكل هذه الأشياء انه يحنث لان مبنى الايمان على
العرف ذكرا وتسمية ومبنى الوكالة على العرف عادة وفعلا ألا ترى ان حكم الحنث يلزم بأكل القديد ولو اشترى
الوكيل القديد لا يلزم الموكل لانعدام العادة ببيع القديد في الأسواق في الغالب ولا إلى شحم البطن والالية لأنهما ليسا
بلحم ولو وكله بشراء الية لا يملك أن يشترى لحما لأنهما مختلفان اسما ومقصودا ولو وكله أن يشترى سمكا بدرهم فهو
31

فهو على الطري الكبار دون المالح والصغار لان العادة شراء الطري الكبار منه دون المالح ودون الصغار ولو وكله
بشراء الرأس فهو على النئ دون المطبوخ والمشوي وهو على رأس الغنم دون البقر والإبل الا في موضع جرت العادة
بذلك والمذكور من الخلاف في الجامع الصغير يرجع إلى اختلاف العصر والزمان دون الحقيقة ودون رأس العصفور
والسمك والجراد لانعدام العادة ولو وكله بشراء دهن فله أن يشترى أي دهن شاء وكذا إذا وكله بشراء فاكهة له أن
يشترى أي فاكهة تباع في السوق عادة ولو وكله بشراء البيض فهو على بيض الدجاج وإن كانت اليمين المنعقدة عليه
تقع عليه بيض الطيور كلها لما ذكرنا ولو وكله أن يشترى لبنا فهو على ما يباع في عادة البلد في السوق من الغنم والبقر والإبل
وكذا إذا وكله بشراء السمن فان استويا فهو عليهما جميعا بمخلاف ما إذا حلف لا يذوق لبنا ان ذلك يقع على لبن الغنم
والبقر والإبل لما ذكرنا من العرف والله تعالى أعلم الوكيل بشراء الكبش لا يملك شراء النعجة حتى لو اشترى لا يلزم
الموكل لان الكبش اسم للذكر والنعجة اسم للأنثى وكذا لو وكله بشراء عناق فاشترى جديا أو شراء فرس أو برذون
فاشترى رمكة لا يجوز على الموكل والبقر يقع على الذكر والأنثى وكذا البقرة في رواية الجامع قال الله تعالى ان الله
يأمر كم أن تذبحوا بقرة قيل إنها كانت ذكرا وقال سبحانه وتعالى لا ذلول تثير الأرض وإثارة الأرض عمل الثيران
وذكر القدوري رحمه الله انها تقع على الأنثى والصحيح رواية الجامع لما ذكرنا والدجاج يقع على الذكر والأنثى
والدجاجة على الأنثى والبعير على الذكور الناقة على الأنثى والبختي ضرب خاص من الإبل والنجيبة ضرب معروف
بسرعة السير وهي كالحمارة في عرف بلادنا ولا يقع اسم البقر على الجاموس وإن كان من جنس البقر حتى يتم به نصاب
الزكاة لبعده عن أوهامهم لقلته فيهم والله تعالى أعلم الوكيل بالشراء إذا أمر غيره فاشترى ان فعله بحضرة الأول أو بإجازته
أو بإجازة الموكل جاز على الموكل وإلا فلا الا إذا كانت الوكالة عامة على ما مر والله عز وجل أعلم
(فصل) الوكيلان هل ينفرد أحدهما بالتصرف فيما وكلابه أما الوكيلان بالبيع فلا يملك أحدهما التصرف بدون
صاحبه ولو فعل لم يجز حتى يجيز صاحبه أو الموكل لان البيع مما يحتاج فيه إلى الرأي والموكل إنما رضى برأيهما لا برأي
أحدهما واجتماعهما على ذلك ممكن فلم يمتثل أمر الموكل فلا ينفذ عليه وكذا الوكيلان بالشراء سواء كان الثمن مسمى
أو لم يكن وسواء كان الوكيل الآخر غائبا أو حاضرا لما ذكرنا في البيع الا ان في الشراء إذا اشترى أحدهما بدون
صاحبه ينفذ على المشترى ولا يقف على الإجازة وفي البيع يقف على الإجازة وقد مر الفرق وكذلك
الوكيلان بالنكاح والطلاق على مال والعتق على مال والخلع والكتابة وكل عقد فيه بدل هو مال لان كل ذلك
مما يحتاج إلى الرأي ولم يرض برأي أحدهما بانفراده وكذا ما خرج مخرج التمليك بان فال لرجلين جعلت أمر امرأتي
بيدكما أو قال لهما طلقا امر أتى ان شئتما لا ينفرد أحدهما بالتطليق لأنه جعل أمر اليد تمليكا ألا ترى انه يقف على
المجلس والتمليكات هي التي تختص بالمجلس والتمليك على هذا الوجه مشروط بالمشيئة كأنه قال طلقا امر أتى ان شئتما
وهناك لا يملك أحدهما التطليق دون صاحبه لان المعلق بشرطين لا ينزل الا عند وجودهما فكذا هذا وكذا
الوكيلان بقبض الدين لا يملك أحدهما ان يقبض دون صاحبه لان قبض الدين مما يحتاج إلى الرأي والأمانة وقد
فوض الرأي إليهما جميعا لا إلى أحدهما ورضى بأمانتهما جميعا لا بأمانة أحدهما فان قبض أحدهما لم يبرئه الغريم حتى
يصل ما قبضه إلى صاحبه فيقع في أيديهما جميعا أو يصل إلى الموكل لأنه لما وصل المقبوض إلى صاحبه أو إلى الموكل
فقد حصل المقصود بالقبض فصار كأنهما قبضاه جميعا ابتداء (وأما) الوكيلان بالطلاق على غير مال والعتق على غير
مال والوكيلان بتسليم الهبة ورد الوديعة وقضاء الدين فينفرد أحدهما بالتصرف فيما وكلابه لأن هذه التصرفات مما
لا تحتاج إلى الرأي فكان إضافة التوكيل إليهما تفويضا للتصرف إلى كل واحد منهما بانفراده (وأما) الوكيلان
بالخصومة فكل واحد منهما يتصرف بانفراده عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر لا ينفرد (وجه) قوله إن الخصومة مما
يحتاج إلى الرأي ولم يرض برأي أحدهما فلا يملكها أحدهما دون صاحبه (وجه) قول أصحابنا الثلاثة ان الغرض من
32

الخصومة اعلام القاضي بما يملكه المخاصم واستماعه واجتماع الوكيلين على ذلك يخل بالأعلام والاستماع لان ازدحام
الكلام يخل بالفهم فكان إضافة التوكيل إليهما تفويضا للخصومة إلى كل واحد منهما فأيهما خاصم كان تمثيلا الا انه
لا يملك أحدهما القبض دون صاحبه وإن كان الوكيل بالخصومة يملك القبض عندنا لان اجتماعهما على القبض ممكن
فلا يكون راضيا بقبض أحدهما بانفراده (وأما) المضار بان فلا يملك أحدهما التصرف بدون اذن صاحبه إجماعا وفى
الوصيين خلاف بين أصحابنا نذكره في كتاب الوصية والله تعالى أعلم الوكيل هل يملك الحقوق جملة الكلام فيه ان
الموكل به نوعان نوع لا حقوق له الا ما أمر به الموكل كالوكيل بتقاضي الدين والتوكيل بالملازمة ونحوه ونوع له حقوق
كالبيع والشراء والنكاح والخلع ونحوه (اما) التوكيل بالبيع والشراء فحقوقها ترجع إلى الوكيل فيسلم المبيع ويقبضه
ويقبض الثمن ويطالب به ويخاصم في العيب وقت الاستحقاق والأصل ان كل عقد لا يحتاج فيه إلى إضافة إلى
الموكل ويكتفى فيه بالإضافة إلى نفسه فحقوقه راجعة إلى العاقد كالبياعات والأشربة والإجارات والصلح الذي هو
في معنى البيع فحقوق هذه العقود ترجع للوكيل وعليه ويكون الوكيل في هذه الحقوق كالمالك والمالك كالا جنبي
حتى لا يملك الموكل مطالبة المشترى من الوكيل بالثمن ولو طالبه فأبى لا يجبر على تسلم الثمن إليه ولو أمره الوكيل بقبض
الثمن ملك المطالبة وأيهما طالب المشترى بالثمن يجبر على التسليم إليه ولو نهاه الوكيل عن قبض الثمن صح نهيه ولو نهى
الموكل الوكيل عن قبض الثمن لا يعمل نهيه غيران المشترى إذا نقد الثمن إلى الموكل يبرأ عن الثمن استحسانا وكذا
الوكيل هو المطالب بتسليم المبيع إذا نقد المشترى الثمن ولا يطالب به الموكل وإذا استحق المبيع في يد المشترى يرجع
بالثمن على الوكيل إن كان نقد الثمن إليه وإن كان نقده إلى الموكل يرجع الثمن عليه وكذا إذا وجد المشترى بالمبيع عيبا له
أن يخاصم الوكيل وإذا أثبت العيب عليه ورده عليه بقضاء القاضي أخذ الثمن من الوكيل إن كان نقده الثمن وإن كان
نقده إلى الموكل أخذه منه وكذا الوكيل بالشراء هو المطالب بالثمن دون الموكل وهو الذي يقبض المبيع دون الموكل
وإذا استحق المبيع في يده فهو الذي يتولى الرجوع بالثمن على بائعه دون الموكل ولو وجد بالمبيع عيبا إن كان المبيع في
يده ولم يسلمه إلى الموكل بعد فله أن يرده على بائعه بالعيب وإن كان قد سلمه إلى موكله ليس له أن يرده عليه الا برضا موكله
وكذلك هذا في الإجارة والاستئجار وأخواتهما وكل عقد يحتاج فيه إلى اضافته إلى الموكل فحقوقه ترجع إلى الموكل
كالنكاح والطلاق على مال والعتاق على مال والخلع الصلح عن دم العمد والكتابة والصلح عن انكار المدعى عليه
ونحوه فحقوق هذه العقود تكون للموكل وعليه والوكيل فيها يكون سفيرا ومعبرا محضا حتى أن وكيل الزوج في النكاح
لا يطالب بالمهر وإنما يطالب به الزوج الا إذا ضمن المهر فحينئذ يطالب به لكن بحكم الضمان ووكيل المرأة في النكاح
لا يملك قبض المهر وكذا الوكيل بالكتابة والخلع لا يملك قبض بدل الكتابة والخلع إن كان وكيل الزوج وإن كان
وكيل المرأة لا يطالب ببدل الخلع الا بالضمان وكذا الوكيل بالصلح عن دم العمد وهذا الذي ذكرنا ان حقوق العقد في
البيع والشراء وأخواتهما ترجع إلى الوكيل مذهب علمائنا وقال الشافعي رحمه الله لا يرجع شئ من الحقوق إلى
الوكيل وإنما يرجع إلى الموكل (وجه) قوله إن الوكيل متصرف بطريق النيابة عن الموكل وتصرف النائب تصرف
المنوب عنه ألا ترى ان حكم تصرفه يقع للموكل فكذا حقوقه لان الحقوق تابعة للحكم والحكم هو المتبوع فإذا كان
الأصل له فكذا التابع (ولنا) ان الوكيل هو العاقد حقيقة فكانت حقوق العقد راجعة إليه كما إذا تولى الموكل بنفسه
ولا شك ان الوكيل هو العاقد حقيقة لان عقد كلامه القائم بذات حقيقة ويستحيل أن يكون الانسان فاعلا بفعل الغير
حقيقة وهذه حقيقة مقررة بالشريعة قال الله عز وجل وأن ليس للانسان الا ما سعى وقال الله عز شأنه لها ما كسبت
وعليها ما اكتسبت وكان ينبغي أن يكون أصل الحكم له أيضا لان السبب وجد منه حقيقة وشرعا الا ان الشرع أثبت
أصل الحكم للموكل لان الوكيل إنما فعله له بأمره وانابته وفعل المأمور مضاف إلى الآمر فتعارض الشبهان فوجب
اعتبار هما بقدر الامكان فعملنا بشبه الآمر والإنابة بايجاب أصل الحكم للموكل ونسبة الحقيقة المقررة بالشريعة
33

باثبات توابع الحكم للوكيل توفيرا على الشبهين خطهما من الحكم ولا يمكن الحكم بالعكس وهو اثبات أصل الحكم
للوكيل واثبات التوابع للموكل لان الأصل في نفاذ تصرف الوكيل هو الولاية لأنها علة نفاذه إذ لا ملك له والموكل
أصل في الولاية والوكيل تابع له لأنه لا يتصرف بولاية نفسه لعدم الملك بل بولاية مستفادة من قبل الموكل فكان اثبات
أصل الحكم للموكل واثبات التوابع للوكيل وضع الشئ في موضعه وهو حدا الحكمة وعكسه وضع الشئ في غير
موضعه وهو حد السفه بخلاف انكاح وأخواته لان الوكيل هناك ليس بنائب عن الموكل بل هو سفير ومعبر بمنزلة
الرسول ألا ترى انه لا يضيف العقد إلى نفسه بل إلى موكله فانعدمت النيابة فبقي سفيرا محضا فاعتبر العقد موجودا من
الموكل من كل وجه فترجع الحقوق إليه ثم نقول إنما تلزمه العهدة وترجع الحقوق إليه إذا كان من أهل العهدة (فاما)
إذا لم يكن بأن كان صبيا محجورا ينفذ بيعه وشراؤه وتكون العهدة على الموكل لا عليه لان ذلك من باب التبرع والصبي
ليس من أهل التبرع لكونه من التصرفات الضارة المحضة فيقع محضا لحصول التجربة والممارسة له في التصرفات الضارة المحضة فيقع محضا لحصول التجربة والممارسة له في التصرفات
ولا خيار للمشترى من الوكيل المحجور سواء علم أنه محجور أولم يعلم في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف انه إن كان عالما
فلا خيار له فاما إذا كان جاهلا فله الخياران شاء فسخ العقد وان شاء أمضاه (وجه) قوله إن الرضا شرط جواز التجارة
وقد اختل الرضا لأنه لما أقدم على العقد على أن تكون العهدة على العاقد فإذا تبين انها ليست عليه اختل رضاه فثبت
له الخيار كما إذا ظهر به عيب (وجه) ظاهر الرواية ان الجهل بالحجر ليس بعذر لأنه يمكنه الوصول إليه خصوصا في حق
الصبي لان الأصل فيه هو الحجر والاذن بعارض الرشد فكان سبب الوصل إلى العلم قائما فاجهل به لتقصير من
جهته فلا يعذر ويعتبر عالما ولو علم بالحجر حقيقة لما ثبت له الخيار كذا هذا والله تعالى أعلم الوكيل بالهبة والصدقة
والإعارة والايداع والرهن والقرض إذا فعل ما أمر به وقبض لا يملك المطالبة برد شئ من ذلك إلى يده ولا ان يقبض
الوديعة والعارية والرهن ولا القرض ممن عليه لان الحكم في هذه العقود يقف على القبض ولا صنع للوكيل في القبض
بل هو صنع القابض في محل مملوك للمولى فكانت حقوق العقد راجعة إليه وكان الوكيل سفيرا عنه بمنزلة الرسول
بخلاف الوكيل بالبيع أخواته لان الحكم فيها للعقد لا للقبض وهو العاقد حقيقة وشرعا على ما قر رنا فكانت الحقوق
عائدة إليه وكذا في التوكيل بالاستعارة الارتهان والاستيهاب الحكم والحقوق ترجع إلى الموكل وكذا في التوكيل
بالشركة والمضاربة لما قلنا وللوكيل أن يوكل غيره في الحقوق لأنه أصل في الحقوق والمالك أجنبي عنها فملك توكيل غيره
فيها (ومنها) ان المقبوض في يد الوكيل بجهة التوكيل بالبيع والشراء وقبض الدين العين وقضاء الدين أمانة بمنزلة الوديعة
لان يده يد نيابة عن الموكل بمنزلة يد المودع فيضمن بما يضمن في الودائع ويبرأ بما يبرأ فيها ويكون القول قوله في دفع
الضمان عن نفسه ولو دفع إليه مالا وقال اقضه فلانا عن ديني فقال الوكيل قد قضيت صاحب الدين فادفعه إلى
وكذبه صاحب الدين فالقول قول الوكيل في براءة نفسه عن الضمان والقول قول الطالب في أنه لم يقبضه حتى لا يسقط دينه عن الموكل لان الوكيل أمين فيصدق في دفع الضمان عن نفسه ولا يصدق على الغريم في ابطال حقه وتجب اليمين
على أحدهما لا عليهما لأنه لا بد للموكل من تصديق أحدهما وتكذيب الآخر فيحلف المكذب منهما دون
المصدق فان صدق الوكيل في الدفع يحلف الطالب بالله عز وجل ما قبضه فان حلف لم يظهر قبضه ولم يسقط دينه
وان نكل ظهر قبضه وسقط دينه عن الموكل وان صدق الطالب انه لم يقبضه وكذب الوكيل يحلف بالله تعالى لقد
دفعه إليه فان حلف برئ وان نكل لزمه ما دفع إليه وكذلك لو أودع ماله رجلا وأمره أن يدفع الوديعة إلى فلان فقال
المودع دفعت وكذبه فلان فهو على التفصيل الذي ذكرنا ولو دفع المودع الوديعة إلى رجل وادعى انه قد دفعها إليه بأمر
صاحب الوديعة وأنكر صاحب الوديعة الامر فالقول قوله مع يمينه انه لم يأمره بذلك لان المودع يدعى عليه الامر
وهو ينكر والقبول قول المنكر مع يمينه ولو كان المال مضمونا على رجل كالمغصوب في يد الغاصب أو الدين على الغريم
فأمر الطالب أو المغصوب منه أن يدفعه إلى فلان فقال المأمور قد دفعت إليه وقال فلان ما قبضت فالقول قول
34

فلان انه لم يقبض ولا يصدق الوكيل على الدفع الا ببينة أو بتصديق الموكل لأن الضمان قد وجب عليه وهو يدعى
الدفع إلى فلان يريد ابراء نفسه عن الضمان الواجب فلا يصدق الا ببينة أو بتصديق الموكل فان صدقه الوكيل يبرأ
أيضا لأنه إذا صدقه فقد أبرأه عن الضمان ولكنهما لا يصدقان على القابض ويكون القول قوله إنه لم يقبضه مع يمنيه
لان قولهما حجه في حق أنفسهما لا في ابطال حق الغير مع يمين الطالب لأنه منكر للقبض والقول قول المنكر مع يمينه ولو
كذبه الموكل في الدفع وطلب الوكيل يمينه فإنه يحلف على العلم بالله تعالى ما يعلم أنه دفع فان حلف أخذ منه الضمان وان
نكل سقط الضمان عنه ولو أن الوكيل المدفوع إليه المال قضى الدين من مال نفسه وأمسك ما دفع إليه الموكل جاز لأنه
لو لم يدفع إليه الدراهم أصلا وقضى الوكيل من مال نفسه جاز على الموكل لان الوكيل بقضاء الدين في الحقيقة وكيل
بشراء الدين من الطالب والوكيل بالشراء إذا نقد الثمن من مال نفسه جاز فهذا أولى ولو لم يدفع إليه شيئا ولكنه أمره
بقضاء دينه فقال الوكيل قضيته وكذبه الطالب والموكل فأقام الوكيل البينة انه قد قضى صاحب الدين قبلت بينته
وبرئ الموكل من الدين ويرجع الوكيل على الموكل بما قضى عنه لان الثابت بالبينة كالثابت حسا ومشاهدة وقد
ثبت قضاء الدين بالبينة فله ان يرجع وللم تكن له بينة وكذبه الطالب والموكل فالقول قولهما مع اليمين لان الوكيل
بدعوى القبض يريد ايجاب الضمان على الطالب لأنه يريد اسقاط الدين عن الموكل وذلك بطريق المقاصة وهو أن
يصير المقبوض مضمونا على القابض الطالب دينا عليه وله على الموكل دين مثله فيلتقيان قصاصا والطالب منكر
وكذا الموكل منكر لوجوب الضمان عليه فكان القول قولهما مع اليمين أو يقال إن الوكيل بقوله قضيت يدعى على
الطالب بيع دينه من الغريم وعلى المشترى الشراء منه وهما منكران فكان القول قولهما مع اليمين ويحلف الموكل على
العلم لأنه يحلف على فعل غيره وهو قبض الطالب وان صدقه الموكل في القضاء وكذبه الطالب يصدق على الموكل دون
الطالب حتى يرجع على الموكل بما قضى ويغرم ألفا أخرى للطالب لان الموكل صدقه في دعوى القضاء عنه بأمره
وهو مصدق على نفسه في تصديقه فثبت القضاء في حقه فكان القول قوله مع يمينه هكذا ذكر القدوري رحمه الله وذكر
في الجامع أن الوكيل لا يرجع على الموكل وان صدقه الموكل لان حق الرجوع يعتمد وجود القضاء ولم يوجد لان
الطالب منكر الا انا نقول انكار الطالب يمنع وجود القضاء في حقه لأنه منكر مالا يمنع وجوده في حق الموكل لأنه مقر
واقرار كل مقر حجة في حقه فكان الأول أشبه ولو دفع إلى إنسان مالا ليقضى دينه فقضاه الموكل بنفسه ثم قضاه الوكيل
فإن كان الوكيل لم يعلم بما فعله الموكل فلا ضمان على الوكيل ويرجع الموكل على الطالب بما قبض من الوكيل وان علم
بان الموكل قد قضاه بنفسه فهو ضامن لان الموكل لما قبضا بنفسه فقد عزل الوكيل الا ان عزل الوكيل لا يصح الابعد
علمه به فإذا علم بفعل الموكل فقد علم لا لعزل فصار متعديا في الدفع فيلزمه الضمان وإذا لم يعلم فلم يوجد منه التعدي فلا ضمان
عليه وليس هذا كالوكيل يدفع الزكاة إذا أدى الموكل بنفسه ثم أدى الوكيل انه يضمن الوكيل علم بأداء الموكل أولم
يعلم عند أبي حنيفة رحمه الله لان الوكيل بأداء الزكاة مأمور بأداء الزكاة وأداء الزكاة هو اسقاط الفرض بتمليك المال
من الفقير ولم يوجد ذلك من الوكيل لحصوله من الموكل فبقي الدفع من الوكيل تعديا محضا فكان مضمونا عليه فاما
قضاء الدين فعبارة عن أداء مال مضمون على القابض على ما ذكرنا والمدفوع إلى الطالب مقبوض عنه والمقبوض
بجهة الضمان مضمون كالمقبوض على سوم الشراء لكونه مقبوضا بجهة القضاء والمقبوض بجهة القضاء مضمون على
القابض ويقال إن قضاء الدين عبارة عن نوع معاوضة وهو نوع شراء الدين بالمال والمقبوض من الوكيل مقبوض
بجهة الشراء والمقبوض بجهة الشراء مضمون على المشترى بخلاف ما إذ ادعه على علمه بدفع الموكل لان هناك لم يوجد
القبض بجهة الضمان لانعدام القبض بجهة القضاء فبقي تعديا فيجب عليه ضمان التعدي والقول قول الوكيل في أنه لم يعلم
بدفع الموكل لان القول الأمين في دفع الضمان عن نفسه لكن مع اليمين وعلى هذا إذا مات الموكل ولم يعلم الوكيل
بموته حتى قضى الدين لا ضمان عليه وإذا كان عالما بموته ضمن لما قلنا والله عز وجل أعلم الوكيل ببيع العبد إذا قال بعت
35

وقبضت الثمن وهلك هذا على وجهين (اما) إن كان الموكل سلم العبد إلى الوكيل أو كان لم يسلم إليه فإن لم يكن سلم العبد
إليه فقال الوكيل بعته من هذا الرجل وقبضت منه الثمن وهلك الثمن في يدي أو قال دفعته إلى الموكل فهذا لا يخلو اما ان
صدقه في ذلك أو كذبه فان كذبه بالبيع أو صدقه بالبيع وكذبه في قبض الثمن أو صدقه فيهما وكذبه في الهلاك فان
صدقه في ذلك كله يهلك الثمن من مال الموكل ولا شئ على الوكيل لأنه يهلك أمانة في يده وان كذبه في ذلك كله بان
كذبه بالبيع أو صدقه بالبيع وكذبه في قبض الثمن فان الوكيل يصدق في البيع ولا يصدق في قبض الثمن في حق
الموكل لان اقرار الوكيل في حق نفسه جائز عليه المشترى بالخيار ان شاء نقد الثمن ثانيا إلى الموكل وأخذ منه المبيع وان
شاء فسخ البيع وله أن يرجع الحالين جميعا على الوكيل بما نقده كذا ولو أقر الوكيل بالبيع وزعم أن الموكل قبض
من المشترى الثمن وأنكر الموكل ذلك فان الوكيل يصدق في البيع ولا يصدق في اقراره على الموكل بالقبض لما ذكرنا
ويجبر المشترى على ما ذكرنا الا ان هناك لا يرجع على الوكيل بشئ لأنه لم يوجد منه الاقرار بقبض الثمن وان صدقه
الموكل في البيع وقبض الثمن وكذبه في الهلاك أو الدفع إليه فالقول قول الوكيل في دعوى الهلاك أو الدفع إليه مع
يمينه لأنه أمين ويجبر الموكل على تسليم العبد إلى المشترى لأنه ثبت البيع وقبض الثمن بتصديقه إياه ولا يؤمر المشترى
بنقد الثمن ثانيا إلى الموكل لأنه ثبت وصول الثمن إلى يد وكيله بتصديقه ووصول الثمن إلى يد وكيله كوصوله إلى يده هذا
إذا لم يكن العبد مسلما إلى الوكيل فأما إذا كان مسلما إليه فقال الوكيل بعته من هذا الرجل وقبضت منه الثمن فهلك
عندي أو قال دفعته إلى الموكل أو قال قبض الموكل الثمن من المشترى فان الوكيل يصدق في ذلك كله ويسلم العبد إلى
المشترى ويبرأ المشترى من الثمن ولا يمين عليه (اما) إذا صدقه الموكل في ذلك كله فلا يشكل وكذا إذا كذبه في البيع
أو صدقه فيه وكذبه في قبض الثمن لان الوكيل أقر ببراءة المشترى عن الثمن فلا يحلف ويحلف الوكيل فان حلف
على ما يدعيه برئ من الثمن وان نكل عن اليمين لزمه ضمان الثمن للموكل فان استحق العبد بعد ذلك من يد المشترى فإنه
يرجع بالثمن على الوكيل إذا أقر بقبض الثمن منه والوكيل لا يرجع على الموكل بما ضمن من الثمن للمشترى لان
الموكل لم يصدقه على قبض الثمن فاقرار الوكيل في حقه جائز ولا يجوز في حق الرجوع على الموكل وله أن يحلف
الموكل على العلم بقبض الوكيل فان نكل رجع عليه بما ضمن ولو أقر الموكل بقبض الوكيل الثمن لكنه كذبه في
الهلاك أو الدفع إليه فان الوكيل يرجع بما ضمن عليه لان يد وكيله كيده ولو كان الوكيل لم يقر بقبض الثمن بنفسه
ولكنه أقران الموكل قبضه من المشترى لا يرجع المشترى على الوكيل لأنه لم يقبض منه الثمن ولا يرجع على الموكل
أيضا لان اقرارهما على الموكل لا يجوز ولو لم يستحق المبيع ولكنه وجدبه عيبا كان له أن يخاصم الوكيل فإذا رد
عليه بقضاء القاضي رجع عليه بالثمن أن أقر بقبض الثمن منه وللوكيل أن يرجع على الموكل بما ضمن إذا أقر الموكل
بقبض الوكيل الثمن ويكون المبيع للموكل وان لم يقر الموكل بقبض الوكيل الثمن لا يرجع الوكيل بما ضمن على
الموكل وله أن يحلف الموكل على العلم بقبضه فان نكل رجع عليه وان حلف لا يرجع ولكنه يبيع العبد فيستوفى
ما ضمن من ثمن العبد فإن كان فيه فضل رده على الموكل وإن كان فيه نقصان فلا يرجع بالنقصان على أحد ولو كان
الوكيل لم يقر بقبض الثمن بنفسه ولكنه أقر بقبض الموكل لا يرجع المشترى بالثمن على الوكيل لأنه لم يدفعه إليه ولا
يرجع على الموكل أيضا لأنهما لا يصدقان عليه بالقبض وعلى الموكل اليمين على البتات فان نكل رجع عليه والمبيع
له وان حلف لا يرجع عليه بشئ ولكن المبيع يباع عليه وذكر الطحاوي في الفصل الأول ان الوكيل يبيعه في قولهما
وفي قول أبي حنيفة رحمه الله لا يبيعه وجعل هذا كبيع مال المديون المفلس ولكن الوكيل لو باعه يجوز بيعه لأنه لما
رد عليه فسخا عادت الوكالة فإذا بيع العبد يستوفى المشترى الثمن منه ان أقر الوكيل بقبض الموكل ولم يقر بقبض
نفسه وان أقر بقبض المثن وضمن المشترى يأخذ من الثمن مقدار ما غرم فإن كان فيه فضل رده على الموكل وإن كان
فيه نقصان لا يرجع على أحد (ومنها) ان الوكيل بقضاء الدين إذ لم يدفع الموكل إليه مالا ليقضى دينه منه فقضاه من
36

مال نفسه يرجع بما قبض على الموكل لان الآمر بقضاء الدين من مال غيره استقراض منه والمقرض يرجع على
المستقرض بما أقرضه وكذلك الوكيل بالشراء من غير دفع الثمن إلى الوكيل توكيل بقضاء الدين وهو الثمن والوكيل
بقضاء الدين إذا قضى من مال نفسه يرجع على الموكل فكذا الوكيل بالشراء وله أن يحبس المبيع لاستيفاء الثمن من
الموكل عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر ليس له حبسه (وجه) قوله إن المبيع أمانة في يد الوكيل ألا ترى انه لو هلك في يده
فالهلاك على الموكل حتى لا يسقط الثمن عنه وليس للأمين حبس الأمانة بعد طلب أهلها قال الله تعالى ان الله يأمركم
أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فصار كالوديعة (ولنا) انه عاقد وجب الثمن له على من وقع له حكم البيع ضمانا للمبيع فكان
له حق حبس المبيع لاستيفاء الثمن كالبائع مع المشترى وإذا طلب منه الموكل فحبسه حتى هلك كان مضمونا عليه بلا
خلاف بين أصحابنا لكنهم اختلفوا في كيفية الضمان قال أبو حنيفة ومحمد يكون مضمونا ضمان البيع وقال أبو يوسف
يكون مضمونا ضمان الرهن وقال زفر يكون مضمونا ضمان الغصب (وجه) قول زفر ما ذكرنا ان المبيع أمانة في يده
والأمين لا يملك حبس الأمانة عن صاحبها فإذا حبسها فقد صار غاصبا والمغصوب مضمون بقدره من المثل أو بالقيمة
بالغا ما بلغ (وجه) قول أبي يوسف ان هذا عين محبوسة بدين يسقط بهلاكها فكانت مضمونة بالأقل من قيمتها ومن
الدين كالرهن (وجه) قولهما ان هذه عين محبوسة بدين هو ثمن فكانت مضمونة ضمان البيع كالمبيع في يد البائع
وكذلك الوكيل بالبيع إذا باع وسلم وقبض الثمن ثم استحق المبيع في يد المشترى فإنه يرجع بالثمن على الوكيل فيأخذ
عينه إن كان قائما ومثله أو قيمته إن كان هالكا والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما بيان ما يخرج به الوكيل عن الوكالة فنقول وبالله التوفيق الوكيل يخرج عن الوكالة بأشياء (منها) عزل
الموكل إياه ونهيه لان الوكالة عقد غير لازم فكان محتملا للفسخ بالعزل والنهى ولصحة العزل شرطان أحدهما علم الوكيل
به لان العزل فسخ للعقد فلا يلزم حكمه لابعد العلم به كالفسخ فإذا عزله وهو حاضرا نعزل وكذا لو كان عائبا فكتب إليه
كتاب العزل فبلغه الكتاب وعلم بما فيه انعزل لان الكتاب من من الغائب كالخطاب من الحاضر وكذلك لو أرسل إليه
رسولا فبلغ الرسالة وقال إن فلانا أرسلني إليك ويقول إني عزلتك عن الوكالة فإنه ينعزل كائنا ما كان الرسول عدلا
كان أو غير عدل حرا كان أو عبدا صغيرا كان أو كبيرا بعد أن بلغ الرسالة على الوجه الذي ذكرنا لان الرسول قائم مقام
المرسل معبر وسفير عنه فتصح سفارته بعد أن صحت عبارته على أي صفة كان وان لم يكتب كتابا ولا أرسل رسولا
ولكن أخبره بالعزل رجلان عدلان كانا أو غير عدلين أو رجل واحد عدل ينعزل في قولهم جميعا سواء صدقه الوكيل
أولم يصدقه إذا ظهر صدق الخبر لان خبر الواحد مقبول في المعاملات فإن لم يكن عدلا فخبر العدلين أو العدل أولى
وان أخبره واحد غير عدل فان صدقه ينعزل بالاجماع وان كذبه لا ينعزل وان ظهر صدق الخبر في قول أبي حنيفة
وعندهما ينعزل إذا ظهر صدق الخبر وان كذبه (وجه) قولهما ان الاخبار عن العزل من باب المعاملات فلا يشترط
فيه العدد ولا العدالة كما في الاخبار في سائر المعاملات (وجه) قول أبي حنيفة ان الاخبار عن العزل له شبه الشهادة
لان فيه التزام حكم المخبر به وهو العزل وهو لزوم الامتناع من التصرف ولزوم العهدة فيما يتصرف فيه بعد العزل فأشبه
الشهادة فيجب اعتبار أحد شروطها وهو العدالة أو العدد وعلى هذا الاختلاف الشفيع إذا أخبره بالبيع واحد غير
عدل فلم يصدقه ولم يطلب الشفعة حتى ظهر عنده صدق الخبر فهو على شفعته عند أبي حنيفة وعند هما بطلت شفعته
وعلى هذا الاختلاف إذا جنى العبد جناية في بني آدم ثم أخبره واحد غير عدل مولاه ان عبده قد جنى فلم يصدقه حتى
أعتقه لا يصير المولى مختارا للفداء عند أبي حنيفة وعندهما يصير مختارا للفداء وعلى هذا الاختلاف العبد المأذون
إذا بلغه حجر المولى من غير عدل فلم يصدقه لا يصير محجورا عنده وعند هما يصير محجورا وان عزله الموكل واشهد على
عزله وهو عائب ولم يخبره بالعزل أحد لا ينعزل ويكون تصرفه قبل العلم بعد العزل كتصرفه قبل العزل في جميع الأحكام
التي بيناها وعن أبي يوسف في الموكل إذا عزل الوكيل ولم يعلم به فباع الوكيل وقبض الثمن فهلك الثمن في يد الوكيل ومات
37

العبد قبل التسليم إلى المشترى كان للمشترى ان يرجع بالثمن على الوكيل ويرجع الوكيل على الموكل كما قبل العزل سواء
لان العزل لم يصح لانعدام شرط صحته وهو العلم والثاني أن لا يتعلق بالوكالة حق الغير فاما إذا تعلق بها حق الغير فلا
يصح العزل بغير رضا صاحب الحق لان في العزل ابطال حقه من غير رضاه ولا سبيل إليه وهو كمن رهن ماله عند رجل
بدين له عليه أو وضعه على يدي عدل وجعل المرتهن أو العدل مسلطا على بيعه وقبض ثمنه عند حل الأجل فعزل
الراهن المسلط على البيع لا يصح به عزله لما ذكرنا وكذلك إذا وكل المدعى عليه وكيلا بالخصومة مع المدعى بالتماس
المدعى فعزله المدعى عليه بغير حضرة المدعى لا ينعزل لما ذكرنا واختلف المشايخ فيمن وكل رجلا بطلاق امرأته ان
غاب ثم عزله الزوج من غير حضرة المرأة ثم غاب قال بعضهم لا يصح عزله لأنه تعلق بهذه الوكالة حق المرأة فأشبه
الوكيل بالخصومة وقال بعضهم يصح عزله لأنه غير مجبور على الطلاق ولا على التوكيل به وإنما فعله باختياره فيملك
عزله كما في سائر الوكالات ولو وكل وكالة غير جائز الرجوع يعنى بالفارسية وكيلي دمار كست هل يملك عزله اختلف
المشايخ قال بعضهم إن كان ذلك في الطلاق والعتاق لا يملك لأنه لما وكله وكالة ثابتة غير جائز الرجوع عنها فقد ألحق
حكم هذا التوكيل بالامر ثم لو جعل امر امرأته إلى رجل يطلقها متى شاء أمر أمر عبده إلى رجل يعتقه متى شاء لا يملك
الرجوع عنه وكذا إذا قال لرجل طلق امرأتي ان شئت أو أعتق عبدي ان شئت لا يملك عزله كذا هذا وإن كان في
البيع والشراء والإجارة والنكاح ونحوه يملك عزله وقال بعضهم انه يملك العزل في الكل لان الوكالة ليست بلازمة
بل هي إباحة وللمبيح حق المنع عن المباح ولو قال وقت التوكيل كلما عزلتك فأنت وكيلي وكالة مستقبلة فعزله ينعزل
ولكنه يصير وكيلا ثانيا وكالة مستقبلة كما شرط لان تعليق الوكالة بالشرط جائز ولو قال الموكل للوكيل كنت وكلتك
وقلت لك كلما عزلتك فأنت وكيلي فيه وقد عزلتك عن ذلك كله لا يصير وكيلا بعد ذلك الا بتوكيل جديد لان من علق
التوكيل بشرط ثم عزله عن الوكالة قبل وجود الشرط ينعزل الوكيل ولا يصير وكيلا بعد ذلك بوجود الشرط وقال
بعضهم في التوكيل المعلق لا يملك العزل قبل وجود الشرط ويكون الوكيل على وكالته بعد العزل وكالة مستقبلة والأول
أصح لأنه لما ملكا العزل في المرسل ففي المعلق أولى (ومنها) موت الموكل لان التوكيل بأمر الموكل وقد بطلت أهلية
الآمر بالموت فتبطل الوكالة علم الوكيل بموته أم لا (ومنها) جنونه جنونا مطبقا لان الجنون المطبق مبطل لأهلية
الآمر واختلف أبو يوسف ومحمد في حد الجنون المطبق فحده أبو يوسف بما يستوعب الشهر ومحمد بما يستوعب
الحول (وجه) قول محمد ان المستوعب للحول هو المسقط للعبادات كلها فكان التقدير به أولى (وجه) قول أبى يوسف
ان هذا القدر أدنى ما يسقط به عبادة الصوم فكان التقدير به أولى (ومنها) لحاقه بدار الحرب مرتدا عند أبي حنيفة
وعند هما لا يخرج به الوكيل عن الوكالة بناء على أن تصرفات المرتد موقوفة عنده فكانت وكالة الوكيل موقوفة أيضا فان
أسلم الموكل نفذت وان قتل على الردة أو لحق بدار الحرب بطلت وعند هما تصرفاته نافذة فكذا الوكالة وإن كان
الموكل امرأة فارتدت فالوكيل على وكالته حتى تموت أو تلحق بدار الحرب اجماعا لان ردة المرأة لا تمنع نفاذ تصرفها لأنها
لا تؤثر فيما رتب عليه النفاذ وهو الملك (ومنها) عجز الموكل والحجر عليه بأن وكل المكاتب رجلا فعجز الموكل وكذا
إذا وكل المأذون انسانا فحجر عليه لأنه بالعجز والحجر عليه بطلت أهلية آمره بالتصرف في المال فيبطل الامر فتبطل
الوكالة (ومنها) موت الوكيل لان الموت مبطل لأهلية التصرف (ومنها) جنونه المطبق لما ذكرنا وان لحق بدار
الحرب مرتدا لم يجزله التصرف الا ان يعود مسلما لان أمره قبل الحكم بلحاقه بدار الحرب كان موقوفا فان عاد مسلما
زال التوقف وصار كأنه لم يرتد أصلا وان حكم بلحاقه بدار الحرب ثم عاد مسلما هل تعود الوكالة قال أبو يوسف لاتعود
وقال محمد تعود (وجه) قوله إن نفس الردة لا تنافى الوكالة ألا ترى انها لا تبطل قبل لحاقه بدار الحرب الا انه لم يجز
تصرفه في دار الحرب لتعذر التنفيذ لاختلاف الدارين فإذا عاد زال المانع فيجوز ونظيره من وكل رجلا ببيع عبد
بالكوفة فلم يبعه فيها حتى خرج إلى البصرة لا يملك بيعه بالبصرة ثم إذا عاد إلى الكوفة ملك بيعه فيها كذا هذا (وجه)
38

قول أب يوسف ان الوكالة عقد حكم ببطلانه بلحاقه بدار الحرب فلا يحتمل العود كالنكاح (وأما) الموكل إذا ارتد
ولحق بدار الحرب ثم عاد مسلما لا تعدو الوكالة في ظاهر الرواية وروى عن محمد أنها تعود ووجهه أن بطلان الوكالة
لبطلان ملك الموكل فإذا عاد مسلما عاد ملكه الأول فيعود بحقوقه (وجه) ظاهر الرواية ان لحوقه بدار الحرب بمنزلة
الموت ولو مات لا يحتمل العود فكذا إذا لحق دار الحرب (ومنها) أن يتصرف الموكل بنفسه فيما وكل به قبل تصرف
الوكيل نحو ما إذا وكله ببيع عبده فباعه الموكل أو أعتقه أو دبره أو كاتبه أو وهبه وكذا إذا استحق أو كان حر الأصل
لان الوكيل عجز عن التصرف لزوال ملك الموكل فينتهي حكم الوكالة كما إذا هلك العبد ولو باعه الموكل بنفسه ثم رد عليه
بعيب بقضاء هل تعود الوكالة كما إذا هلك العبد قال أبو يوسف لا تعود وقال محمد تعود لان العائد بالفسخ عين الملك
الأول فيعود بحقوقه (وجه) قول أبى يوسف ان تصرف الموكل نفسه يتضمن عزل الوكيل لأنه أعجزه عن التصرف
فيما وكله به والوكيل بعدما انعزل لا يعود وكيلا الا بتجديد التوكيل ولو وكله أن يهب عبده فوهبه الموكل بنفسه ثم رجع
في هبته لا تعود الوكالة حتى لا يملك الوكيل أن يهبه فمحمد يحتاج إلى الفرق بين البيع وبين الهبة (ووجه) الفرق له
لم يتضح وكذلك لو وكله بشراء شئ ثم اشتراه بنفسه وكذا إذا وكله بتزويج امرأة فتزوجها لأنه عجز عن تزويجها
منه فبطلت الوكالة وكذا إذا وكله بعتق عبده أو بالتدبير أو بالكتابة أو الهبة ففعل بنفسه لما قلنا وكذا إذا وكله بخلع
امرأته ثم خلعها لان المختلعة لا تحتمل الخلع وكذا إذا وكله بطلاق امرأته فطلقها بنفسه ثلاثا أو واحدة وانقضت
عدتها لأنها لا تحتمل الطلاق بعد الثلاث وانقضاء العدة حتى لو طلقها الزوج واحدة والعدة باقيه فالوكالة قائمة لأنها
تحتمل الطلاق في العدة ولو وكله بالكتابة فكاتبه ثم عجز لم يكن له أن يكاتبه مرة ثانية وكذا لو وكله أن يزوجه
امرأة فزوجه وابانها لم يكن للوكيل ان يزوجه مرة أخرى لان الامر بالفعل لا يقتضى التكرار فإذا فعل مرة حصل
الامتثال فانتهى حكم الآمر كما في الأوامر الشرعية بخلاف ما لو وكله ببيع عبده فباعه الوكيل ثم رد عليه بقضاء قاض
ان له ان يبيعه ثانيا لان الرد بقضاء القاضي يوجب ارتفاع العقد من الأصل ويجعله كان لم يكن فلم يكن هذا تكررا حتى لو
رده عليه بغير قضاء قاض لم يجزله أن يبيعه لان هذا بيع جديد وقد انتهت الوكالة بالأول فلا يملك الثاني الا بتجديد
التوكيل (ومنها) هلاك العبد الذي وكل بيعه أو باعتاقه أو بهبته أو بتدبيره أو بكتابته أو نحو ذلك لان التصرف في
المحل لا يتصور بعد هلاكه والوكالة بالتصرف فيما لا يحتمل التصرف محال فبطل ثم هذه الأشياء التي ذكرنا له أن
يخرج بها الوكيل من الوكالة سوى العزل والنهى لا يفترق الحال فيها بين ما إذا علم الوكيل أو لم يعلم في حق الخروج عن
الوكالة لكن تقع المفارقة فيما بين البعض والبعض من وجه آخر وهو ان الموكل إذا باع العبد الموكل ببيعه بنفسه ولم يعلم
به الوكيل فباعه الوكيل وقبض الثمن فهلك الثمن في يده ومات العبد قبل التسليم إلى المشترى ورجع المشترى على الوكيل
بالثمن رجع الوكيل على الموكل وكذا لو دبره أو أعتقه أو استحق أو كان حر الأصل وفيما إذا مات الموكل أو جن أو هلك
العبد الذي وكل ببيعه ونحوه لا يرجع الوكيل والفرق أن الوكيل هناك وان صار معزولا بتصرف الموكل لكنه صار
مغرورا من جهته بترك اعلامه إياه فصار كفيلا له بما يلحقه من الضمان فيرجع عليه بضمان الكفالة إذ ضمان الغرور في
الحقيقة ضمان الكفالة ومعنى الغرور لا يتقدر في الموت وهلاك العبد والجنون أخواتها فهو الفرق ولو وكله بقبض
دين له على رجل ثم إن الموكل وهب المال للذي عليه الدين والوكيل لا يعلم بذلك فقبض الوكيل المال فهلك في يده كان
لدافع الدين أن يأخذ به الموكل ولا ضمان على الوكيل لان يد الوكيل يد نيابة عن الموكل لأنه قبضه بأمره وقبض النائب
كقبض المنوب عنه فكأنه قبضه بنفسه بعد ما وهبه منه ولو كان كذلك لرجع عليه فكذا هذا والله عز وجل أعلم
* (كتاب الصلح) *
الكلام في كتاب الصلح يقع في مواضع في بيان أنواع الصلح وفي بيان شرعية كل نوع وفي بيان ركن الصلح وفى
39

بيان شرائط الركن وفي بيان حكم الصلح وفي بيان ما يبطل به عقد الصلح بعد وجوده وفي بيان حكمه إذا بطل أولم
يصح من الأصل (أما) الأول فنقول وبالله التوفيق الصلح في الأصل أنواع ثلاثة صلح عن اقرار المدعى عليه
وصلح عن إنكاره وصلح عن سكوته من غير اقرار ولا انكار وكل نوع من ذلك لا يخلو اما أن يكون بين المدعى
والمدعى عليه وإما أن يكون بين المدعى والأجنبي المتوسط فإن كان بين المدعى والمدعى عليه فكل واحد من الأنواع
الثلاثة مشروع عند أصحابنا وقال ابن أبي ليلى المشروع هو الصلح عن اقرار وسكوت لا غيرهما وقال الشافعي رحمه الله المشروع هو الصلح عن اقرارا لا غير (وجه) قول الشافعي رحمه الله ان جواز الصلح يستدعى حقا ثابتا ولم
يوجد في موضع الانكار والسكوت اما في الانكار فلان الحق لو ثبت فإنما يثبت بالدعوى وقد عارضها الانكار فلا
يثبت الحق عند التعارض فاما في السكوت فلان الساكت ينزل منكرا حكما حتى تسمع عليه البينة فكان انكاره
معارضا لدعوى المدعى فلم يثبت الحق ولو بذل المال لبذله لفع خصومة باطلة فكان في معنى الرشوة (ولنا) ظاهر
قوله تعالى والصلح خير وصف الله تعالى عز شأنه جنس الصلح بالخيرية ومعلوم ان الباطل لا يوصف بالخيرية فكان
كل صلح مشروعا بظاهر هذا النص الا ما خص بدليل وعن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال ردوا الخصوم حتى
يصطلحوا فان فصل القضاء يورث بينهم الضغائن أمر رضي الله عنه برد الخصوم إلى الصلح مطلقا وكان ذلك
بمحضر من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ولم ينكر عليه أحد فيكون اجماعا من الصحابة فيكون حجة قاطعة ولان
الصلح شرع للحاجة إلى قطع الخصومة والمنازعة والحاجة إلى قطعها في التحقيق عند الانكار إذا لا قرار مسالمة
ومساعدة فكان أولى بالجواز لهذا قال أبو حنيفة رحمه الله أجوز ما يكون الصلح على الانكار وقال الشيخ أبو
منصور الماتريدي السمرقندي رحمه الله ما صنع الشيطان من ايقاع العداوة والبغضاء في بني آدم ما صنع الشافعي
رحمه الله في إنكاره الصلح على الانكار وقوله إن الحق ليس بثابت قلنا هذا على الاطلاق ممنوع بل الحق ثابت في
زعم المدعى وحق الخصومة واليمين ثابتان له شرعا فكان هذا صلحا عن حق ثابت فكان مشروعا
(فصل) وأما ركن الصلح فالايجاب والقبول وهو أن يقول المدعى عليه صالحتك من كذا على كذا أو من
دعواك كذا على كذا ويقول الآخر قبلت أو رضيت أو ما يدل على قبوله ورضاه فإذا وجد الايجاب والقبول فقد تم
عقد الصلح.
(فصل) وأما شرائط الركن فأنواع بعضها يرجع إلى المصالح وبعضها يرجع إلى المصالح عليه وبعضها يرجع إلى
المصالح عنه (أما) الذي يرجع إلى المصالح فأنواع (منها) أن يكون عاقلا وهذا شرط عام في جميع التصرفات كلها
فلا يصح صلح المجنون والصبي الذي لا يعقل لانعدام أهلية التصرف بانعدام العقل (فاما) البلوغ فليس
بشرط حتى يصح صلح الصبي في الجملة وهو الصبي المأذون إذا كان له فيه نفع أولا يكون له فيه ضرر ظاهر بيان ذلك
إذا وجب للصبي المأذون على إنسان دين فصالحة على بعض حقه فإن لم يكن له عليه بينه جاز الصلح لان عند انعدام
البينة لا حق له الا الخصومة والحلف والمال أنفع لها منهما وإن كان له عليه بينة لا يجوز الصلح لان الحط تبرع وهو لا
يملك التبرعات ولو أخر الدين جاز سواء كانت له بينة أو الا فرقا بينه وبين الصلح لان تأخير الدين من أعمال التجارة
والصبي المأذون في التجارات كالبالغ ألا ترى أنه يملك التأجيل في نفس العقد بان يبيع بأجل فيملكه متأخرا عن العقد
أيضا بخلاف الحط لأنه ليس من التجارة بل هو تبرع فلا يملكه الا أنه يملك حط بعض الثمن لا جل العيب لان حط
بعض الثمن للعيب قد يكون أنفع من أخذ المبيع المعيب فكان ذلك من باب التجارة فيملكه ولو صالح الصبي المأذون من
المسلم فيه على رأس المال جاز لان الصلح من المسلم فيه على رأس المال إقالة للعقد والإقالة من باب التجارة وكذلك لو
اشترى سلعة وظهر بها عيب فصالح البائع على أن قبلها جاز لان الثمن أنفع من المبيع المعيب عادة ولو صالحه البائع
فحط عنه بعض الثمن لا شك فيه أنه يجوز لان الحط من البائع تبرع منه على الصبي فيصح ولو ادعى انسان
40

عليه دينا فاقر به فصالحه على أن حط عنه البعض جاز لان اقرار الصبي المأذون بالدين صحيح فكان الصلح تبرعا
على الصبي بحط بعض الحق الواجب عليه والصبي من أهل أن يتبرع عليه فيصح وكذلك حرية المصالح ليست
بشرط لصحة الصلح حتى يصح صلح العبد المأذون إذا كان له فيه منعة أو كان من التجارة الا أنه لا يملك الصلح على
حط بعض الحق إذا كان له عليه بينة ويملك التأجير كيف ما كان ويملك حط بعض الثمن لا جل العيب لما قلنا ولو
صالحه البائع على حط بعض الثمن جاز لما ذكرنا في الصبي المأذون وكذلك لو ادعى على إنسان دينا وهو مأذون فأقربه
ثم صالحه على أن حط بعضه جاز لان اقرار العبد المأذون بالدين صحيح فكان الحط من المدعى تبرعا على العبد ببعض
الدين فيصح ولو حجر عليه المولى ثم ادعى انسان عليه دينا فأقر به وهو محجور ثم صالحه عنه على مال ضمنه باقراره فإن لم
يكن في يده مال لا ينفذ الصلح لان اقرار المحجور لا ينفذ إذا لم يكن في يده مال وإذا لم ينفذ لم ينفذ الصح فلا يطالب به
للحال ولكن يطالب به بعد العتق لان اقراره من نفسه صحيح لصدوره من أهله الا أنه إذا لم يظهر في حق المولى للحال
لمانع وهو حق المولى فإذا عتق زال المانع فيظهر حينئذ وأما إذا كان في يده مال فيجوز اقراره عند أبي حنيفة وعندهما
لا يجوز (وجه) قولهما ان هذا اقرار المحجور لبطلان الاذن بالحجر واقرار المحجور غير صحيح (وجه) قول
أبي حنيفة ان اقرار المحجور إذا كان في يده مال صحيح لان العبد المحجور من أهل الاقرار وإنما المانع من ظهوره
حق المولى فإذا كانت يده ثابتة على هذا المال منع ظهور حق المولى لأنه يحتمل أنه يكون صادقا في اقراره فيمنع ظهور
حق المولى فيه ويحتمل أن يكون كاذبا فلا يظهر فلا تبطل يده الثابتة عليه بالشك بخلاف ماذا لم يكن في يده مال لان يد
المولى ثابتة حقيقة والاقرار في نفسه محتمل فلا يوجب بطلان يده الثابتة حقيقة مع الشك والاحتمال وكذلك
المكاتب نظير العبد المأذون في جميع ما ذكرنا لأنه بعدما بقي عليه درهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فان
عجز المكاتب فادعى رجل عليه دينا فاصطلحا على أن يأخذ بعضه ويؤخر بعضه فإن لم يكن له عليه بينة لا يجوز لأنه
لما عجز فقد صار محجورا عن التصرف فلا يصح صلحه وإن كانت له عليه بينة جاز لأنه وان عجز فالخصم في ديونه هو
فيملك التصرف فيها لحط البعض بالصلح (ومنها) أن لا يكون المصالح بالصلح على الصغير مضرابه مضرة ظاهرة
حتى أن من ادعى على صبي دينا فصالح أب الوصي من دعواه على مال الصبي الصغير فإن كان للمدعى بينة وما أعطى
من المال مثل الحق المدعى أو زيادة يتغابن في مثلها فالصلح جائز لان الصلح في هذه الصورة لمعنى المعاوضة لامكان
الوصول إلى كل الحق بالبينة والأب يملك المعاوضة من مال الصغير بالغبن اليسير وان لم تكن له بينة لا يجوز لان عند
انعدام البينة يقع الصلح تبرعا بمال الصغير وانه ضرر محض فلا يملكه الأب ولو صالح من مال نفسه جاز لأنه ما أضر
بالصغير بل نفعه حيث قطع الخصومة عنه ولو ادعى أب الصغير على إنسان دينا للصغير فصالح على أن حط بعضه
واخذ الباقي فإن كان له عليه بينة لا يجوز لان الحط منه تبرع من ماله وهو لا يملك ذلك وان صالحه على مثل قيمة ذلك
الشئ أو نقص منه شيئا يسيرا جاز لان الصلح في هذه الصورة بمعنى البيع وهو يملك البيع فيملك الصلح وهل يملك
الأب الحط من دين وجب للصغير والابراء عنه هذا لا يخلو من أحد وجهين (اما) إن كان ولى ذلك العقد بنفسه
(واما) ان لم يكن وليه فإن لم يكن وليه لا يجوز بالاجماع لان الحط والابراء من باب التبرع والأب لا يملك التبرع لكونه
مضرة محضة وإن كان وليه بنفسه يجوز عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يجوز وهذا على اختلافهم في
الوكيل بالبيع إذا أبرأ المشترى عن الثمن أو حط بعضه وقد ذكرناه في كتاب الوكالة ولا يجوز صلح أحد على حمل أبا كان
المصالح أو غيره وان خرج حيا بعد ذلك وورث وجازت الوصايا لأنه لو صح عليه لكان لا يخلو ما أن يصح على اعتبار
الحال واما أن يصح على اعتبار الانفصال لا سبيل إلى الأول لان الصلح عليه من باب تنفيذ الولاية وهو للحال
لا يوصف بكونه موليا عليه ولا سبيل إلى الثاني لان الصلح لا يحتمل الإضافة إلى الوقف ويملك الأب استيفاء
القصاص في النفس وما دونها ولا يملك الوصي استيفاء القصاص في النفس والفرق ان استيفاء القصاص تصرف
41

على نفس الصغير بالاحياء وتحصيل التشفي قال الله تعالى عز شأنه ولكم في القصاص حياة وكذا منفعة التشفي راجعة إلى
نفسه وللأب ولاية على نفس الصغير ولا ولاية للوصي عليها ولهذا ملك انكاحه دون الوصي الا أنه يملك القصاص
فيها دون النفس لان ما دون النفس يسلك به مسلك الأموال لشبهة الأموال ألا ترى ان القصاص لا يجرى بين طرف
الحر والعبد ولا بين طرف الذكر والأنثى مع جريان القصاص بينهم في الأنفس ويستوفى القصاص فيما دون النفس
في الحر كما يستوفى في سائر الحقوق المالية فيه ولا يستوفى القصاص في النفس فيه ويقضى بالنكول في الأطراف كما
يقضى به في الأموال عند أبي حنيفة ولا يقضى به في الأنفس وله ولاية التصرف في الحال والمال فيلي التصرف فيما
دون النفس ويملك الأب الصلح عن القصاص في النفس وما دونه لأنه لما ملك الاستيفاء فلان يملك الصلح أولى لأنه
أنفع من الاستيفاء وكذا الوصي يملك الصلح عن القصاص فيما دون النفس لأنه يملك الاستيفاء فيما دون النفس
فكذا الصلح عنه لأنه أنفع وهل يملك الصلح عن القصاص في النفس ذكر في كتاب الصلح انه لا يملك وذكر في
الجامع الصغير أنه يملك وكذا روى القدوري رحمه الله فعلى رواية الجامع يحتاج إلى الفرق بين الاستيفاء وبين الصلح
(ووجه) الفرق بينهما ظاهر لما ذكرنا أن القصاص تصرف في النفس بتحصيل الحياة والتشفي ولا ولاية له على
نفسه فلا يملك الاستيفاء فأما الصلح فتصرف في المال وله ولاية التصرف في المال وانه فرق واضح (وجه) رواية
الصلح أن الصلح اعتياض عن القصاص فإذا لم يملك القصاص فكيف يملك الاعتياض عنه ولو صالح الأب أو
الوصي على أقل من الدية في الخطأ وشبه العمد لا يجوز لان الحط تبرع وهما لا يملكان التبرع بمال اليتيم والحط القليل
والكثير سواء بخلاف الغبن اليسير في البيع انهما يملكانه والفرق أن الحط نقصان متحقق لان الدية مقدرة بمقدار
معلوم فالنقصان عنه متحقق وان قل والنقصان في البيع غير متحقق لان العوض فيه غير مقدر لاختلافه بتقويم
المقومين فإذا لم يتقدر العوض لا يتحقق النقصان (ومنها) أن يكون المصالح عن الصغير ممن يملك التصرف في ماله
كالأب والجد والوصي لان الصلح تصرف في المال فيختص بمن يملك التصرف فيه (ومنها) أن لا يكون مرتدا عند
أبي حنيفة وعند هما صلحه نافذ بناء على أن تصرفات المرتد موقوفة عنده وعند هما نافذة لكن عند محمد نفاذ تصرف
المريض وعند أبي يوسف نفاذ تصرف من عليه القصاص في النفس والمسألة تعرف في موضوعها إن شاء الله تعالى
وأما المرتدة فصلحها جائز بلا خلاف لان حكمها حكم الحربية الا انها إذا التحقت بدار الحرب وقضى القاضي بذلك
بطل بعضه دون بعض كصلح الحربية لثبوت أحكام أهل الحرب في حقها بالتحاقها بدار الحرب
(فصل) وأما الشرائط التي ترجع إلى المصالح عليه فأنواع (منها) أن يكون مالا فلا يصح الصلح على الخمر
والميتة والدم وصيد الاحرام والحرم وكل ما ليس بمال لان في الصلح معنى المعاوضة فمالا يصلح عوضا في البياعات
لا يصلح بدل الصلح وكذا ذا صالح على بعد فإذا هو حر لا يصح الصلح لأنه تبين أن الصلح لم يصادق محله وسواء
كان المال عينا أو دينا أو منفعة ليست بعين ولا دين لان العوض في المعاوضات المطلقة قد يكون عينا وقد يكون دينا
وقد يكون منفعة الا انه يشترط القبض في بعض الاعواض في بعض الأحوال دون بعض وجملة الكلام فيه أن
المدعى لا يخلو من أحد وجوه (اما) أن يكون عينا وهو ما يحتمل التعيين مطلقا جنسا ونوعا وقدر أو صفة واستحقاقا
كالعروض من الثياب والعقار من الأرضين والدور والحيوان من العبيد والدواب والمكيل من الحنطة والشعير
والموزون من الصفر والحديد (واما) أن يكون دينار وهو مالا يحتمل التعيين من الدراهم والدنانير والمكيل الموصوف
في الذمة والموزون الموصوف سوى الدراهم والدنانير والثياب الموصوفة والحيوان الموصوف (واما) أن يكون
منفعة (واما) أن يكون حقا ليس بعين ولا دين ولا منفعة وبدل الصلح لا يخلو من أن يكون عينا أو دينا أو منفعة والصلح
لا يخلو من أن يكوع عن اقرار المدعى عليه أو عن إنكاره أو عن سكوته فإن كان المدعى عينا فصالح منها عن اقرار
يجوز سواء كان بدل الصلح عينا أو دينا بعد أن كان معلوم القدر الصفة الا الحيوان والا الثياب الا بجميع شرائط
42

السلم لان هذا الصلح من الجانبين جميعا في معنى البيع فكان بدل الصلح في معنى الثمن وهذه الأشياء تصلح ثمنا في
البياعات عينا كانت أو دينا لا الحيوان لأنه يثبت دينا في الذمة بدلا عما هو مال أصلا والثياب لا تثبت دينا في الذمة
الا بشرائط السلم من بيان القدر والوصف والأجل والمكيل والموزون يثبتان في الذمة مطلقا في المعاوضة المطلقة
من غير أجل ولا يشترط قبضه في المجلس لأنه ليس بصرف ولا في ترك قبضه افتراق عن دين بدين بل هو افتراق عن
عين بعين أو عين بدين وكل ذلك جائز وإن كان دينا فإن كان دراهم أو دنانير فصالح منها لا يخلو من أحد وجهين (اما)
ان أصلح منها على خلاف جنسها أو على جنسها فان صالح منها على خلاف جنسها فان صالح منها على عين جاز لان
الصلح عليها في معنى بيع الدين بالعين وانه جائز ولا يشترط القبض وان صالح منها على دين سواه لا يجوز لأنه بائع
ما ليس عنده لا الدراهم والدنانير أثمان أبدا وما وقع عليه الصلح مبيع فالصلح في هذه الصورة يقع بيع ما ليس عند
البائع وانه منهى عنه وان صالح منها على جنسها فان صالح من دراهم على دراهم فهذا لا يخلو من ثلاثة أوجه (اما) ان
صالح على مثل حقه (واما) ان صالح على أقل من حقه (واما) وان صالح على أكثر من حقه فان صالح على مثل
حقه قدر أو وصفا بان صالح من ألف جياد على ألف جياد فلا شك في جوازه ولا يشترط القبض لان هذا استيفاء
عين حقه أصلا ووصفا ولو صالح على أقل من حقه قدر أو وصفا بان صالح من الألف الجياد على خمسمائة نبهرجة يجوز
أيضا ويحمل على استيفاء بعض عين الحق أصلا والابراء عن الباقي أصلا وصفا لان أمور المسلمين محمولة على
الصلاح والسداد ما أمكن ولو حمل على المعاوضة يؤدى إلى الربا لأنه يصير بائعا ألفا بخمسمائة وانه ربا فيحمل على
استيفاء بعض الحق والابراء عن الباقي ولا يشترط القبض ويجوز مؤجلا لأن جوازه ليس بطريق المعاوضة ليكون
صرفا وكذلك ان صالح على أقل من حقه وصفا لا قدرا بأن صالح عن الف جياد على الف نبهرجة أو صالح على أقل
من حقه قدرا لا وصفا بأن صالح من ألف جياد على خمسمائة جيدة يجوز ويحمل على استيفاء البعض والحط
ولا براء والتجوز بدون الحق أصلا ووصفا يجوز من غير قبض ومؤجلا ولو صالح على أكثر من حقه قدرا ووصفا
بأن صالح من الف بنهرجة على الف وخمسمائة جياد أو صالح على أكثر من حقه قدر الا وصفا بان صالح من الف جياد
على الف وخمسمائة نبهرجة لا يجوز لأنه ربا لأنه يحمله على المعاوضة هنا لتعذر حمله على استيفاء البعض واسقاط الباقي
وان صالح على أكثر من حقه وصفا لا قدرا بأن صالح من ألف نبهرجة على ألف جياد جاز ويشترط الحلول أو
التقابض حتى لو كان الصلح مؤجلا ان لم يقبض في المجلس يبطل لأنه صرف (واما) إذا صالح على أكثر من حقه
وصفا وأقل منه قدرا بأن صالح من الف نبهرجة على خمسمائة جياد لا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبى يوسف
الآخر وكأن يقول أولا يجوز ثم رجع (وجه) قوله الأول ان هذا حط بعض حقه وهو خمسمائة نبهرجة فيبقى عليه
خمسمائة نبهرجة الا أنه أحسن في القضاء بخمسمائة جيدة فلا يمنع عنه حتى أنه لو امتنع لا يكون عليه الا خمسمائة نبهرجة
(وجه) ظاهر الرواية ان الصلح من الألف النبهرجة على الخمسمائة الجيدة اعتياض عن صفة الجودة وهذا لا يجوز لان
الجودة في الأموال الربوية لا قيمة لها عند مقابلتها بجنسها لقوله عليه الصلاة السلام جيدها ورديئها سواء فلا يصح
الاعتياض عنها لسقوط قيمتها شرعا والساقط شرعا والعدم الأصلي سواء ولان الصلح على هذا الوجه لا يخلو ما أن
يجعل استيفاء ليعن الحق ويجعل معاوضة لا سبيل إلى الأول لان حقه في الردئ لا في الجيد فيحمل على المعاوضة
فيصير بائعا الف نبهرجة بخمسمائة جيدة فيكون ربا وكذلك حكم الدنانير والصلح منها على دنانير كحكم الدراهم في جميع
ما ذكرنا ولو صالح من دراهم على دنانير أو من دنانير على دراهم جاز ويشترط القبض في المجلس لأنه صرف ولو ادعى
ألف درهم ومائة دينار فصالحه على مائه درهم إلى شهر جاز وطريق جوازه بان يجعل خطا لا معاوضة لأنه لو جعل
معاوضة لبطل لأنه يصير بعض المائة عوضا عن الدنانير والبعض عوضا عن الدراهم فيصير بائعا تسعمائة بخمسين
فيكون ربا وأمور المسلمين محمولة على الصلاح والسداد ما أمكن وأمكن أن يجعل حطا للدنانير أصلا وبعض الدراهم
43

وذلك تسعمائة وتأجيل البعض وذلك مائة إلى شهر وكذلك لو كان عليه ألف درهم وكر فصالحه على مائة جاز وطريق
جوازه أن يجعل حطا واسقاطا للكر لا معاوضة لان استبدال المسلم فيه لا يجوز ولو كان المالان عليه لرجلين لأحدهما
دراهم الآخر دنانير فصالحه على مائة درهم جاز وطريقة جوازه أن يعتبر معاوضة في حق أحدهما وحطا واسقاطا في
حق الآخر وذلك أن يقسم بدل الصلح على قدر قيمة دينيهما من الدراهم والدنانير فالقدر الذي أصاب الدنانير يكون
عوضا عنها فيكون صرفا فيراعى فيه شرائط الصرف فيشترط القبض في المجلس والقدر الذي أصاب الدراهم لا يجوز
أن يجعل عوضا لأنه يؤدى إلى الربا فيجعل الصلح في حقه استيفاء لبعض الحق وابراء عن الباقي والأصل أن الصلح متى وقع على أقل من جنس حقه من الدراهم والدنانير يعتبر استيفاء لبعض الحق وابراء عن الباقي ومتى وقع على
أكثر من جنس حقه منها أو وقع على جنس آخر من الدين والعين يعتبر معاوضة لأنه لا يكمن حمله على استيفاء عين
الحق والابراء عن الباقي لان استيفاء عين الحق من جنسه يكون ولم يوجد فيعتبر معاوضة فما جازت به المعاوضات
يجوز هذا وما فسدت به تلك يفسد به هذا وقد ذكرنا بعض مسائل هذا الأصل وعلى هذا إذا صالح من ألف حالة
على ألف مؤجلة جاز ويعتبر حطا للحلول وتأجيلا للدين وتجوزا بدون من حقه لا معاوضة ولو صالح من ألف حالة على
خمسمائة قد ذكرنا أنه يجوز ويعتبر استيفاء ولبعض حقه وابراء عن الباقي وأما إذا صالح على خمسمائة أن يعطيها إياه فهذا
لا يخلو من أحد وجهين (اما) ان وقت لأداء الخمسمائة وقتا (واما) ان لم يؤقت فإن لم يؤقت فالصلح جائز ويكون حطا
للخمسمائة لان هذا الشرط لا يفيد شيئا لم يكن من قبل ألا ترى انه لو لم يذكر للزمه الاعطاء فكان ذكره والسكوت عنه
بمنزلة واحدة وكذلك الحط على هذا بان قال للغريم حططت عنك خمسمائة على أن تعطيني خمسمائة لما بينا وان وقت بان
قال صالحتك على خمسمائة على أن تعطنيها اليوم أو على أن تعجلها اليوم فاما ان اقتصر على هذا القدر ولم ينص على شرط
العدم واما ان نص عليه فقال فإن لم تعطني اليوم أوان لم تعجل اليوم أو على أن تعجلها اليوم فالألف عليك فان نص عليه
فان أعطا وعجلت في اليوم فالصلح ماض وبرئ عن خمسمائة وان لم يعطه حتى مضى اليوم فالألف عليه بلا خلاف
وكذلك الحط على هذا (وأما) إذا اقتصر عليه ولم ينص على شرط العدم فان أعطاه في اليوم برئ عن خمسمائة
بالاجماع وأما إذا لم يعطه حتى مضى اليوم بطل الصلح والألف عليه عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف الصلح
ماض وعليه خمسمائة فقط (وجه) قوله إن شرط التعجيل ما أفاده شيئا لم يكن من قبل لان التعجيل كان واجبا عليه
بحكم العقد فكان ذكره والسكوت عنه بمنزلة واحدة ولو سكت عنه لكان الامر على ما وصفنا فكذا هذا بخلاف ما إذا
قال فان نفعل فكذا لان التنصيص على عدم الشرط نفى للمشروط عند عدمه كان مفيدا (وجه) قولهما أن
شرط التعجيل في هذه الصورة شرط انفساخ العقد عند عدمه بدلالة حال تصرف العاقل لان العاقل يقصد بتصرفه
الإفادة دون اللغو واللعب والعبث ولو حمل المذكور على ظاهر شرط التعجيل للغالان التعجيل ثابت بدونه فيجعل
ذكر شرط التعجيل ظاهرا شرطا لانفساخ العقد عند عدم التعجيل فصار كأنه نص على هذا الشرط فقال فإن لم تعجل
فلا صلح بيننا ولو كان كذلك لكان الامر على ما نص عليه فكذا هذا وتبين بهذا أن هذا تعليق الفسخ بالشرط
لا تعليق العقد كما إذ باع بألف على أن ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فإن لم ينقده فلا بيع بينهما وذلك جائز لدخول الشرط
على الفسخ لا على العقد فكذا هذا وكذلك لو أخذ منه كفيلا وشرط على الكفيل أنه ان لم يوفه خمسمائة إلى رأس
الشهر فعليه كل المال وهو الألف فهو جائز والألف لازمة للكفيل ان لم يوفه لأنه جعل عدم ايفاء الخمسمائة إلى رأس
الشهر شرطا للكفالة بألف فإذا وجد الشرط ثبت المشروط ولو ضمن الكفيل الألف ثم قال حططت
عنك خمسمائة على أن توفيني رأس الشهر خمسمائة فإن لم تفعل فالألف عليك فهذا أوثق من الباب الأول لان هذا
هنا علق الحط بشرط التعجيل وهو ابقاء الخمسمائة رأس الشهر وجعل عدم هذا الشرط شرطا لانفساخ الحط وفى
الباب الأول جعل عدم التعجيل شرطا للعقد وهو الكفالة بالألف والفسخ للشرط أقبل من العقد لذلك كان الثاني
44

أوثق من الأول وكذلك لو جعل المال نجوما بكفيل أو بغير كفيل وشرط أنه ان لم يوفه كل نجم عند محله فالمال حال
عليه فهو جائز على ما شرط لأنه جعل الاخلال بنجم شرطا لحلول كل المال عليه وأنه صحيح ولو كان له عليه ألف فقال
أد إلى من الألف خمسمائة غدا على أنك برئ من الباقي فان أدى إليه خمسمائة غدا يبرأ من الباقي اجماعا وان لم يؤد فعليه
الألف عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف ليس عليه الا خمسمائة وقد مرت المسألة ولو قال إن أديت إلى
خمسمائة فأنت برئ من الباقي أو قال متى أديت فادى إليه خمسمائة لا يبرئ عن الخمسمائة الباقية حتى يبرئه وكذلك إذا
قال لمكاتبه ذلك فادى خمسمائة لا يبرأ عن الباقي حتى يبرئه لان هذا تعليق البراءة بالشرط وانه باطل بخلاف ما إذا
كان بلفظ الصلح أو الحط أو الامر لان ذلك ليس تعليق بالبراءة بالشرط على ما مر ولو قال لمكاتبه ان أديت إلى
خمسمائة فأنت حر فادى خمسمائة عتق لان هذا تعليق العتق بالشرط وذلك في حق المكاتب صحيح ولو كان له على إنسان
ألف مؤجلة فصالح منها فهذا لا يخلو من أحد وجهين اما ان صالح منها على أقل من حقه أو على تمام حقه وكل ذلك لا يخلو
من أن يشترط التعجيل أولم يشترط فان صالح على أقل من حقه قدرا أو وصفا أو قدرا ووصفا ولم يشترط التعجيل لما وقع
عليه الصلح جاز ويكون حطا وتجوز بدون حقه وله ان يأخذ الباقي بعد حل الأجل وان شرط التعجيل فالصلح باطل
وعليه رد ما قبض والرجوع برأس ماله بعد حل الأجل لان فيه معاوضة الأجل وهو التعجيل بالخط وهذا لا يجوز
لان الأجل ليس بمال وان أصلح على تمام حقه جاز وان شرط التعجيل فان صالح من ألف مؤجلة على
الف معجلة لكن بشرط القبض قبل الافتراق عن المجلس وكذلك حكم الدنانير على هذا ولو كان الواجب عليه
قيمه المستهلك فإن كان المستهلك من ذوات القيمة فصالح فان صالح على الدراهم والدنانير حالة أو مؤجلة جاز الصلح
لان الواجب في ذمته قبل المتلف صورة ومعنى كذا الاستهلاك تحقيقا للماثلة المعلقة ثم يملكه بأداء الضمان فإذا
صالح كان هذا الصلح على عين حقه فيجوز على أي وصف كان وان صالح على غير الدراهم والدنانير إن كان عينا
جاز ولا يشترط القبض وإن كان دينا موصوفا يجوز أيضا لكن القبض في الجلس شرط ولو كان الواجب عليه مثل
المستهلك فإن كان من ذوات الأمثال كالمكيل والموزن والذي ليس في تبعيضه ضرر فحكم الصلح فيه كحكم الصلح
في كر الحنطة فنقول وبالله التوفيق إذا كان المدعى دينا سوى الدراهم والدنانير فإن كان مكيلا بأن كان كر حنطة مثلا
فصالح منه لا يخلو من أحد وجهين (اما) ان صاح على جنسه أو على خلاف جنسه فان صالح على جنسه لا يخلو من
ثلاثة أوجه (اما) ان صالح على مثل حقه (وأما) على أقل منه (واما) ان صالح على أكثر منه فان صالح على مثل حقه
قدرا ووصفا جاز ولا يشترط القبض لأنه استوفى عين حقه وان صالح على أقل من حقه قدر أو وصفا جاز ويكون
حطا لا معاوضة لما ذكرنا في الدراهم ولا يشترط القبض ويكون مؤجلا وان صالح على أقل من حقه وصفا لا قدرا
جاز أيضا ويكون استيفاء لعين حقه أصلا وابراء له عن الصفة فلا يشترط للقبض ويجوز حتى لا يبطل بالتأجيل أو
تركه ويعتبر رضا بدون حقه ولو صالح على أكثر من حقه قدرا ووصفا أو قدرا لا وصفا لا يجوز لأنه ربا وان صالح
على أكثر منه وصفا لا قدرا بان صالح من كر ردئ على كر جيد جاز ويعتبر معاوضة احتراز عن الافتراق عن دين
بدين ولو صالح منه على كر مؤجل جاز لأنه حط حقه في الحلول ورضى بدون حقه كما في الدراهم والدنانير هذا إذا كان
أكثر الدين حالا فإن كان مؤجلا فصالح على بعض حقه أو على تمام حقه فهو على التفصيل الذي ذكر نا في الصلح من
الألف المؤجلة من غير تفاوت هذا إذا صالح من الكر على جنسه فان صالح على خلاف جنس حقه فإن كان الكر
الذي عليه سلما لا يجوز بحال لان الصلح على خلاف جنس المسلم فيه يكون معاوضة وفيه استبدال المسلم فيه قبل
قبضه الا أن يكون الصلح منه على رأس المال يجوز لان الصلح من المسلم فيه على رأس المال يكون إقالة للسلم وفسخا
له وذلك جائز وان لم يكن سلما فصالح على خلاف جنس حقه فإن كان ذلك من الدراهم والدنانير جاز ويشترط القبض
وإن كان معينا مشار إليه لأنها لا تتعين بالتعيين فكان ترك قبضه افتراقا عن دين بدين وإن كان لك من المكيلات
45

وهو عين جاز ولا يشترط القبض وإن كان موصوفا في الذمة جاز أيضا فرق بين هذا وبين ما إذا كان عليه دراهم أو دنانير
فصالح منهما على مكيل أو موزون موصوف في الذمة انه لا يجوز لان ذلك مبيع ألا ترى انه قوبل بالأثمان والمبيع
ما يقابل بالثمن وهذا لا يقابل بالثمن فلا يكون مبيعا الا انه لا بد من القبض في المجلس احترازا من الافتراق عن دين
بدين وإن كان من العروض والحيوان فإن كان عينا جاز وإن كان دينا يجوز في الثياب الموصوفة إذا أتى بشرائط السلم
لكن القبض في المجلس شرط احترازا عن الافتراق عن دين بدين ولا يجوز في الحيوان الموصوف بحال لأنه لا يثبت
دينا في الذمة بدلا عما هو مال وكذلك إذا كان المدعى موزونا دينا موصوفا في الذمة فصالح منه على جنسه أو على
خلاف جنسه إلى آخر ما ذكرنا في المكيل الموصوف هذا إذا كان المدعى مكيلا أو موزونا دينا موصوفا في الذمة فإن كان
ثوب السلم فصالح منه فهذا لا يخلو من أحد وجهين (اما) ان صالح منه على جنسه واما ان صالح منه على خلاف
جنسه فان صالح على جنسه فهو على ثلاثة أوجه (اما) ان صالح على مثل حقه أو أكثر منه أو أقل فان صالح على مثل
حقه قدرا ووصفا فان صالح من ثوب هروى جيد على ثوب هروى جيد جاز ولا يشترط القبض لأنه استوفى عين
حقه وكذلك ان صالح على أقل من حقه قدرا ووصفا أو وصفا لا قدرا يجوز ويكون هذا استيفاء لبعض عين حقه
وحطا للباقي وابراء عنه أصلا ووصفا والابراء عن المسلم فيه صحيح لان قبضه ليس بواجب وان صالح على أقل من
حقه قدرا لا وصفا بان صالح من ثوب ردئ على نصف ثوب جيد جاز بخلاف الدراهم والدنانير والمكيل والموزون
الموصوفين بان صالح من ألف نبهرجة على خمسمائة جياد أو صالح من كر ردئ على نصف كر جيد أو صالح من من
حديد ردئ على نصف من جيد انه لا يجوز الفرق ان المانع من الجواز هو الاعتياض عن الجودة هنا جائز لان الجودة
في غير أموال الربوية عند مقابلتها بجنسها لها قيمة بخلاف الأموال الربوية وهذا الان الأصل أن تكون الجودة
متقومة في الأموال كلها لأنها صفة مرغوبة يبذل العوض في مقابلتها الا ان الشرع أسقط اعتبارها في الأموال الربوية
تعبدا بقوله جيدها ورديئها سواء فبقيت متقومة في غيرها على الأصل فيصح الاعتياض عنها وان صالح على أكثر من
حقه قدرا ووصفا بان صالح من ثوب هروى جيد على ثوبين هرويين جيدين يجوز لكن يشترط القبض لان
جوازه بطريق المعاوضة والجنس بانفراده يحرم النساء فلا بد من القبض لئلا يؤدي إلى الربا وكذلك ان صالح على
أكثر من حقه قدرا لا وصفا بان صالح عن ثوب هروى جيد على ثوبين هرويين رديئين جاز والقبض شرط لما
ذكرنا ولو صالح على أكثر من حقه وصفا لا قدرا بأن صالح من ثوب ردئ على ثوب جيد جاز لأنه معاوضة إذ لا يمكن
حمله على استيفاء عين الحق لان الزيادة غير مستحقة له فيحمل على المعاوضة ويشترط القبض لئلا يودى إلى الربا
وان صالح على خلاف جنس حقه كائنا ما كان لا يجوز دينا كان أو عينا لان فيه استبدال المسلم فيه قبل القبض وانه
لا يجوز الا على رأس مال السلم لان الصلح عليه يكون إقالة وفسخا لا استبدالا وإن كان المدعى حيوانا موصوفا في
الذمة في قتل الخطأ أو شبه العمد فصالح فنقول الجملة فيه ان هذا في الأصل لا يخلو من وجهين (اما) ان صالح على ما هو
مفروض في باب الدية في الجملة (واما) ان صالح على ما ليس بمفروض في الباب أصلا وكل ذلك لا يخلوا ما ان صاح
قبل تعيين القاضي نوعا من الأنواع المفروضة أو بعد تعيينه نوعا منها فان صالح على المفروض قبل تعيين القاضي بان
صالح على عشرة آلاف درهم أو على ألف دينار أو على مائة من الإبل أو على مائة بقرة أو على ألفي شاة أو على مائتي حلة
جاز الصلح وهو في الحقيقة تعيين منها للواجب من أحد الأنواع المفروضة بمنزلة تعيين القاضي فيجوز ويكون
استيفاء ليعن حقه الواجب عند اختياره ذلك فعلا برضا القاتل وكذا إذا صالح على أقل من المفروض يكون استيفاء
لبعض عين الحق وابراء عن الباقي وان صالح على أكثر من المفروض لا يجوز لأنه ربا ولو صالح بعد ما عين القاضي نوعا
منها فان صالح على جنس حقه المعنى جاز إذا كان مثله أو أقل منه وإن كان أكثر لا يحوز لأنه ربا وان صالح على خلاف
الجنس المعين فإن كان من جنس المفروض في الجملة بان عين القاضي مائة من الإبل فصالح على مائة من البقر أو أكثر
46

جاز وتكون معاوضة لان الإبل تعينت واجبة بتعيين القاضي فلم يبق غيره واجبا فكانت البقر بدلا عن الواجب
في الذمة فكانت معاوضة ولابد من القبض احترازا عن الافتراق عن دين بدين وكذلك إذا كان من خلاف
جنس المفروض بأن صالح على مكيل أو موزون سوى الدراهم والدنانير جاز ويكون معاوضة ويشترط التقابض
لما قلنا ولو صالح على قيمة الإبل أو أكثر مما يتغابن الناس فيه جاز لان قيمة الإبل دراهم ودنانير وانها ليست
من جنس الإبل فكان الصلح عليها معاوضة فيجوز قل أو كثر ولا يشترط القبض وكذلك إذا صالح من الإبل على
دراهم في الذمة وافترقا من غير قبض جاز وإن كان هذا افتراقا عن دين بدين لان هذا المعنى ليس بمعاوضة بل هو استيفاء
عين حقه لان الحيوان الواجب في المذمة وإن كان دينا لكنه ليس بدين لازم الا ترى ان من عليه إذا جاء بقيمته يجبر
من له على القبول بخلاف سائر الديون فلا يكون افتراقا عن دين بدين حقيقة هذا إذا قضى القاضي عليه بالإبل فان
قضى عليه بالدراهم والدنانير فصالح من مكيل أو موزون سوى الدراهم والدنانير أو بقر ليس عنده لا يجوز لان ما يقابل
هذه الأشياء دراهم أو دنانير وانها أثمان فتتعين هذه مبيعة وبيع المبيع الذي ليس بمعين لا يجوز الا بطريق السلم هذا
إذا صالح على المفروض في باب الدية فاما إذا صالح على ما ليس بمفروض أصلا كالمكيل والموزون سوى الدراهم
والدنانير ونحو ذلك مما لا يدخل له في الفرض قبل تعيين القاضي جاز وإن كانت قيمته أكثر من المفروض لكن
القبض في المجلس شرط لأنه معاوضة فيجوز ولابد من القبض لما قلنا وإن كان بعد تعيين القاضي فهو على ما ذكرنا من
التفصيل وكذلك حكم الصلح عن إنكار المدعى عليه وسكوته بحكم الصلح عن اقراره في جميع ما وصفنا هذا الذي
ذكرنا إذا كان بدل الصلح مالا عينا أو دينا فاما إذا كان منفعة بأن صالح على خدمة عبد بعينه أو ركوب دابة بعينها أو
على زراعة أرض أو سكنى دار وقتا معلوما جاز الصلح ويكون في معنى الإجارة سواء كان الصلح عن اقرار المدعى
عليه أو عن إنكاره أو عن سكوته لان الإجارة تمليك المنفعة بعوض وقد وجد اما في موضع الاقرار فظاهر لان بدل
الصلح عوض عن المدعى وكذا في موضع الانكار في جانب المدعى وفي جانب المدعى عليه هو عوض عن الخصومة
واليمين وكذا في السكوت لان الساكت منكر حكما سواء كان المدعى عينا أو دينا لكن تمليك المنفعة قد يكون بالعين وقد
يكون بالدين كما في سائر الإجارات وإن كان المدعى منفعة فإن كانت المنفعتان من جنسين مختلفين كما إذا صالح من
سكنى دار على خدمة عبد يجوز بالاجماع وإن كانتا من جنس واحد لا يجوز عندنا وأصل المسألة في كتاب الإجارات
وإذا اعتبر الصلح على المنافع إجارة يصح بما تصح به الإجارات ويفسد بما تفسد به ولصاحب العبد أن يعتقه لان صحة الاعتاق يقف على قيام ملك الرقبة وانه قائم فأشبه اعتاق المستأجر والمرهون وليس له أن يبيعه لأن جواز البيع
بعد ملك اليد ولم يوجد فلا يجوز بيعه كالعبد المستأجر والمرهون وله أن يؤاجره من غيره لان منفعته صارت مملوكة
له بالصلح فان شاء استوفاه بنفسه وان شاء ملكها من غيره كالعبد المستأجر وله أن يؤاجره من المدعى عليه في مدة
الصلح عند أبي يوسف ولا يبطل الصلح كما لو آخره من غيره وعند محمد لا يجوز ويبطل الصلح كما لو آجره من المؤاجر
في مدة الإجارة وانه لا يجوز بالاجماع وتبطل الإجارة الأولى ولا يجب على المستأجر شئ من الأجرة كذا هذا وله
أن يسافر به وذكر في الإجارة ان من استأجر عبدا للخدمة لم يكن له أن يسافر به للتفاوت بين خدمتي السفر والحضر
والفرق ان المسافرة بالعبد المستأجر للخدمة الحاق الضرر بالآجر لان مؤنة الرد في باب الإجارة عليه وربما يلزمه برده
مؤنة يزيد على الأجرة فيتضرر به فلم يملك المسافرة به دفعا للضرر عنه وهذا المعنى ههنا منعدم لان مؤنة الرد لا تلزم
صاحب العبد فأشبه العبد الموصى بخدمته والعبد المرهون وهما يملكان المسافرة به كذا هذا ولو ادعى على رجل دارا في
يده فأنكر المدعى عليه فصالحه على أن يسكن المدعى عليه الذي في يده الدار سنة ثم يدفعها إلى المدعى جاز لان المدعى
متصرف في ملك نفسه ببدل المنفعة للمدعى عليه في زعمه سنة والمدعى عليه متصرف في ملك نفسه باستيفاء المنفعة
لنفسه في المدة المشروطة فكان كل واحد منهما متصرفا في ملك نفسه في زعمه فيجوز ومنها أن يكون متقوما فلا يصح
47

الصلح على الخمر والخنزير من المسلم لأنه ليس بمال متقوم في حقه وكذا إذا صالح على دن من خل فإذا هو خمر لم يصح
لأنه تبين انه لم يصادف محله ومنها أن يكون مملوكا للمصالح حتى أنه إذا صالح على مال ثم استحق من يد المدعى لم يصح
الصلح لأنه تبين انه ليس مملوكا للمصالح فتبين ان الصلح لم يصح ومنها أن يكون معلوما لان جهالة البدل تؤدى
إلى المنازعة فتوجب فساد العقد الا إذا كان شيئا لا يفتقر إلى القبض والتسليم كما إذا ادعى رجلان كل واحد منهما على
صاحبه حقا ثم تصالحا على أن جعل كل واحد منهما ما ادعاه على صاحبه صلحا مما ادعاه عليه صاحبه يصح الصلح
وإن كان مجهولا لان جهالة البدل لا تمنع جواز العقد لعينها بل لا فضائها إلى المنازعة المانعة من التسليم والتسلم فإذا كان
مالا يستغنى عن التسليم والتسلم لا يفضى إلى المنازعة فلا يمنع الجواز الا أن الصلح من القصاص في النفس وما دونه
تتحمل الجهالة القليلة في البدل كما تتحمل في المهر في باب النكاح والخلع والاعتاق على مال والكتابة لما علم ولو صالح
على مسيل أو شرب من نهر لا حق له في رقبته أو على أن يحمل كذا وكذا جذعا على هذا الحائط وعلى أن يسيل ميزابه
في داره أياما ما معلومة لا يجوز لان ما وقع عليه الصلح في هذه المواضع مفتقر إلى القبض والتسليم فلم تكن جهالته محتملة
لهذا لا يجوز بيعها فلا يصح الصلح عليها والأصل ان كل ما يجوز بيعه وشراؤه يجوز الصلح عليه ومالا فلا
(فصل) وأما الذي يرجع إلى المصالح عنه فأنواع أحدها أن يكون حق العبد لا حق الله عز وجل سواء كان مالا
عينا أو دينا أو حقا ليس بمال عين ولا دين حتى لا يصح الصلح من حد الزنا والسرقة وشرب الخمر بأن أخذ زانيا أو
سارقا من غيره أو شارب خمر فصالحه على مال أن لا يرفعه إلى ولى الامر لأنه حق الله تعالى جل شأنه ولا يجوز الصلح
من حقوق الله تعالى عز شأنه لا ن المصالح بالصلح متصرف في حق نفسه اما باستيفاء كل حقه أو باستيفاء البعض
واسقاط الباقي أو بالمعاوضة وكل ذلك لا يجوز في غير حقه وكذا إذا صالح من حد القذف بأن قذف رجلا فصالحه
على مال على أن يعفو عنه لأنه وإن كان للعبد فيه حق فالمغلب فيه حق الله تعالى والمغلوب ملحق بالعدم شرعا فكان في
حكم الحقوق المتمحضة حقا الله تعالى عز وجل وانها لا تحتمل الصلح كذا هذا وكذلك لو صالح شاهدا يريد أن يشهد
عليه على مال على أن لا يشهد عليه فهو باطل لان الشاهد في إقامة الشهادة محتسب حقا لله تعالى عز شأنه قال الله
سبحانه وتعالى وأقيموا الشهادة لله والصلح عن حقوق الله عز وجل باطل ويجب عليه ردما أخذ لأنه أخذه بغير
حق ولو علم القاضي به أبطل شهادته لأنه فسق الا أن يحدث توبة فتقبل ويجوز الصلح عن التعزير لأنه حق العبد
وكذا يصح عن القصاص في النفس وما دونه لان القصاص من حق العبد سواء كان البدل عينا أو دينا الا إذا كان
دينا يشترط القبض في المجلس احترازا عن الافتراق عن دين بدين وسواء كان معلوما أو مجهولا جهالة غير متفاحشة
حتى لو صالح من القصاص على عبد أو ثوب هروى جاز لان الجهالة قلت ببيان النوع لا ن مطلق العبد يقع على
عبد وسط ومطلق الثوب الهروي يقع على الوسط منه فتقل الجهالة فيصح الصلح وله الخياران شاء أعطى الوسط
من ذلك وان شاء أعطى قيمته كما في النكاح فاما إذا صالح على ثوب أو دابة أو دار لا يجوز لان الثياب والدواب
أجناس تحتها أنواع مختلفة وجهالة النوع متفاحشة فتمنع الجواز وكذا جهالة الدور لاختلاف الأماكن
ملحقة بجهالة الثوب والدابة فتمنع الجواز كما في باب النكاح والأصل ان كل جهالة بمنع صحة التسمية في باب
النكاح تمنع صحة الصلح من القصاص ومالا فلا لان ما وقع عليه الصلح والمهر كل واحد منهما يجب بدلا عما
ليس بمال والجهالة لا تمنع من الصحة لعينها الا ترى ان الشرع ورد بمهر المثل في باب النكاح مع أنه مجهول القدر
وإنما يمنع منهالا فضائها إلى المنازعة ومبنى النكاح والصلح من القصاص على المسامحة كالانسان يسامح بنفسه
مالا يسامح بماله عادة فلا يكون القليل من الجهالة مفضيا إلى المنازعة فلا يمنع من الجواز بخلاف باب البيع لان
مبناه على المماكسة والمضايقة لكونه معاوضة مال بمال والانسان يضايق بماله مالا يضايق بنفسه فهو الفرق
والله عز وجل الموفق وإذا لم يصح الصلح لتفاحش جهالة البدل يسقط القصاص وتجب الدية وفي النكاح
48

يجب مهر المثل الا أن بينهما فرقا من وجه فإنه لو صالح عن القصاص على خمر أو خنزير لا يصح ولا يجب شئ آخر
ولو تزوج امرأة على خمر أو خنزير لا تصح التسمية ويجب مهر المثل (وجه) الفرق ان الخمر إذا لم تصلح بدل الصلح
بطلت تسميته وجعل لفظة الصلح كناية عن العفو وذلك جائز لان العفو الفضل وفي الصلح معنى الفضل
فأمكن جعله كناية عنه وبعد العفو لا يجب شئ آخر فأما لفظ النكاح فلا يحتمل العفو ولو احتمله فالعفو عن حق
الغير لا يصح فيبقى النكاح من غير تسمية فيجب مهر المثل كما إذا سكت عن المهر أصلا فهو الفرق وسواء كان البدل
قدر الدية أو أقل أكثر لقوله تعالى فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان قوله عز وجل فمن عفى
له أي أعطى له كذا روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وقوله عز شأنه فاتباع بالمعروف أي فليتبع مصدر
بمعنى الامر فقد أمر الله تبارك وتعالى الولي بالاتباع بالمعروف إذا أعطى له شئ واسم الشئ يتناول القليل والكثير
فدلت الآية على جواز الصلح من القصاص على القليل والكثير وهذا بخلاف القتل الخطأ وشبه العمد انه إذا صالح
على أكثر من الدية لا يجوز والفرق ان بدل الصلح في باب الخطأ وشبه العمد عوض عن الدية وانها مقدرة بمقدار معلوم
لا تزيد عليه فالزيادة على المقدر تكون ربا فاما بدل الصلح عن القصاص فعوض عن القصاص والقصاص ليس من
جنس المال حتى يكون البدل عنه زيادة على المال المقدر فلا يتحقق الربا فهو الفرق وأما كون المصالح عنه معلوما فليس
بشرط لجواز الصلح حتى أن من ادعى على آخر حقا في عين فأقر به المدعى عليه أو أنكر فصالح على مال معلوم جاز لان
الصلح كما يصح بطريق المعاوضة يصح بطريق الاسقاط ولا يمكن تصحيحه هنا بطريق المعاوضة لجهالة أحد
البدلين فيصحح بطريق الاسقاط فلا يؤدى إلى المنازعة المانعة من التسليم والتسلم والقبض لان الساقط لا يحتمل
ذلك وقد مران الجهالة فيما لا يحتمل التسليم والقبض لا تمنع جواز الصلح والثاني أن يكون حق المصالح والثالث أن يكون
حقا ثابتا له في المحل فمالا يكون حقا له أولا يكون حقا ثابتا له في المحل لا يجوز الصلح عنه حتى لو أن امرأة طلقها
زوجها ادعت عليه صبيا في يده انه ابنه منها وجحد الرجل فصالحت عن النسب على شئ فالصلح باطل لان النسب
حق الصبي لا حقها فلا تملك الاعتياض عن حق غيرها ولان الصلح اما اسقاط أو معاوضة والنسب لا يحتملهما ولو
صالح الشفيع من الشفعة التي وجبت له على شئ على أن يسلم الدار للمشترى فالصلح باطل لأنه لا حق للشفيع في المحل
إنما الثابت له حق التمليك وهو ليس لمعنى في المحل بل هو عبارة عن الولاية وانها صفة الوالي فلا يحتمل الصلح عنه
بخلاف الصلح عن القصاص لان هناك المحل يصير مملوكا في حق الاستيفاء فكان الحق ثابتا في المحل فملك الاعتياض
عنه بالصلح؟ فهو الفرق وكذلك الكفيل بالنفس إذا صالح على مال على أن يبرئه من الكفالة فالصلح باطل لان الثابت
للطالب قبل الكفيل بالنفس حق المطالبة بتسليم نفس المكفول بنفسه وذلك عبارة عن ولاية المطالبة وانها صفة
الوالي فلا يجوز الصلح عنها فأشبه الشفعة وهل تبطل الكفالة فيه روايتان في رواية لا تبطل لأنه ما رضى بسقوط
حقه الا بعوض ولم يسلم له فلا يسقط حقه وفي رواية يسقط لان الا براء لا تقف صحته على العوض فيصح وان لم
يسلم العوض فإذا صح انه اسقاط فالساقط لا يحتمل العود وعلى هذا إذا كان لرجل ظلة على طريق أو كتيف
شارعه أو ميزابه فخاصمه رجلا وأراد أن يطرحه فصالحه على مال فهذا لا يخلو من وجهين اما أن يكون الطريق نافذا
واما أن لا يكون نافذا فإذا كان نافذا فخاصمه رجل من المسلمين وأراد طرحه فصالحه على مال فالصلح باطل لان رقبة
الطريق النافذ لا تكون ملكا لاحد من المسلمين وإنما لهم حق المرور وانه ليس بحق ثابت في رقبة الطريق بل هو عيارة
عن ولاية المرور وانه صفة المار فلا يجوز الصلح عنه مع ما انه لا فائدة في هذا الصلح لأنه ان سقط حق هذا الواحد
بالصلح فللباقين حق القلع وكذا لو صالح الثاني مع هذا المتقدم إليه على مال يأخذ من المتقدم إليه الطرح فالصلح باطل
لان الطرح واجب عليه فاخذ المال عليه يكون رشوة هذا إذا كان الطريق نافذا فأما إذا لم يكن نافذا فصالحه رجل
من أهل الطريق على ما للترك فالصلح جائز لان رقبة الطريق هنا مملوكة لأهل مكة فكان لكل واحد منهم فيها
49

ملكا فجاز الصلح عنه وكذا اسقاط حق كل واحد منهم بالصلح مفيد لاحتمال تحصيل رضا الباقين ولا يحتمل ذلك
في الوجه الأول لأنهم لا يحصون وكذا لو صالح الثاني مع واحد منهم على مال للترك جاز ويطيب له المال لان رقبة
الطريق مملوكة لهم على الشركة فكان لكل واحد منهم فيها نصيب فكان الصلح اعتياضا عن ملكه فصح فاما في
طريق المسلمين فلا ملك لاحد فيها ولا حق ثابت في المحل فلم يكن الصلح اعتياضا عن ملك ولا حق ثابت في المحل
فبطل وذكر الجصاص أن جواز الصلح في طريق غير نافذ محمول على ما إذا بنى على الطريق فاما إذا شرع إلى الهواء
فلا يجوز لأنه اعتياض عن الهواء ولو ادعى على رجل مالا وأنكر المدعى عليه ولا بينة للمدعى فطلب منه اليمين
فصالح عن اليمين على أن لا يستحلفه جاز الصلح وبرئ من اليمين وكذا إذا قال المدعى عليه صالحتك من اليمين التي
وجبت لك على أو قال افتديت منك يمينك بكذا وكذا صح الصلح لان هذا صلح عن حق ثابت للمدعى لان اليمين
حق المدعى قبل مدعى عليه قال عليه الصلاة والسلام في قصة الحضرمي والكندي ألك بينة قال لا قال إذا لك يمينه
جعل اليمين حق المدعى فكان هذا صلحا عن حق ثابت شرعا للمدعى وكذا الملك في المدعى ثابت في زعمه فكان
الصلح عن حق ثابت في حقه وفي حق المدعى عليه وهو بدل المال لا سقاط الخصومة والافتداء عن اليمين ولو قال
المدعى عليه اشتريت منك اليمين على كذا وقال المدعى بعت منك اليمين على كذا لا يصح فقد خالف الصلح البيع حيث
جاز بلفظ الصلح والافتداء ولم يجز بلفظ البيع والشراء لو ادعى على رجل انه عبده فأنكر فصالحه على مائة درهم جاز
لان هذا صلح عن حق ثابت في حق المدعى لان الرق ثابت في حق المدعى لان الرق ثابت في حقه فكان الصلح في حقه اعتاقا على مال فيصح الا أن
الولاء لا يكون له لانكار المدعى عليه الرق فان أقام المدعى بعد ذلك بينة لا تقبل الا في حق اثبات الولاء وكذلك لو
صالحه على حيوان في الذمة إلى أجل كان جائزا لان الرق ثابت في حق المدعى فكان بدل الصلح بدل عن العتق في حقه فأشبه بدل الكتابة فيجوز على حيوان في الذمة ولو ادعى رجل على امرأة نكاحا فجحدته فصالحته على مال
بذلته حتى يترك الدعوى جاز لان النكاح حق ثابت في حق المدعى فكان الصلح على حق ثابت فكان في معنى
الخلع إذ هو أخذ المال بالبضع وقد وجد فكان جائزا وفى حقها بدل مال لاسقاط الخصومة وانه جائز أيضا للنص
ولو ادعت امرأة على رجل نكاحا فجحد الرجل فصالحها على مال بذله لها لا يجوز لأنه لا يخلو اما أن يكون النكاح
ثابتا أو لم يكن ثابتا فإن لم يكن ثابتا كان دفع المال إليها من الرجل في معنى الرشوة وإن كان ثابتا لا تثبت الفرقة بهذا الصلح
لان العوض في الفرقة تعطيه المرأة لا الزوج فلا يكون المال الذي تأخذه المرأة عوضا عن شئ فلا يجوز ولو ادعى على أن
سان مائة درهم فأنكر المدعى عليه فتصالحا على أنه ان حلف المدعى عليه فهو برئ فالصلح باطل والمدعى على دعواه
حتى لو أقام بينة أخذه بها لان قوله على أنه ان حلف المدعى عليه فهو برئ تعليق البراءة بالشرط وانه باطل لان في
الابراء معنى التمليك والأصل في التمليك ان لا يحتمل التعليق بالشرط وان كلم تكن له بينه وأراد استحلافه فهو على
وجهين إن كان ذلك الحلف عند غير القاضي فله أن يستحلفه عند القاضي مرة أخرى لان تلك اليمين غير معتبرة لأنها
غير واجبة ولا تنقطع بها خصومة فلم يكن معتدا بها وإن كان عند القاضي لم يستحلفه ثانيا لان الحلف عند القاضي
معتد به فقد استوفى المدعى حقه مرة فلا يجب الايفاء ثانيا ولو تصالحا على أن يحلف المدعى عليه فإذا حلف فالمال
واجب على المدعى عليه فهو باطل لان هذا تعليق وجوب المال بالشرط وانه باطل لكونه قمارا ولو أودع انسانا وديعة
ثم طلبها منه فقال المودع هلكت أو قال رددتها وكذبه المودع وقال استهلكتها فتصالحا على شئ فالصلح باطل عند أبي
يوسف وعند محمد صحيح (وجه) قول محمد ان هذا صلح وقع عن دعوى صحيحة ويمين متوجهة فيصح كما في
سائر المواضع (وجه) قول أبى يوسف ان المدعى مناقض في هذه الدعوى لان المودع أمين المالك وقول الأمين
قول المؤتمن من فكان اخباره بالرد والهلاك اقرارا من المودع فكان مناقضا في دعوى الاستهلاك والتناقض يمنع صحة
الدعوى الا أنه يستحلف لكن لا لدفع الدعوى لأنها مندفعة لبطلانها بل للتهمة وإذا لم تصح الدعوى لا يصح
50

الصلح ولو ادعى المودع الاستهلاك ولم يقل المودع انها هلكت أو رددتها فتصالحا على شئ جاز لان دعوى
الاستهلاك صحيحة واليمين متوجهة عليه فصلح الصلح ولو طلب المودع الوديعة فجحدها المودع وقال لم تودعني شيئا
ثم قال هلكت أو رددتها وقال المودع بل استهلكتها فتصالحا جاز لان الملك يدعى عليه ضمان الغصب بالجحود إذ
هو سبب لوجوب الضمان وكل جواب عرفته في الوديعة فهو الجواب في العارية المضاربة لان كل ذلك أمانه ولو
اشترى من رجل عبدا فطعن فيه بعيب وخاصمه فيه ثم صالحه على شئ أو حط من ثمنه شيئا فإن كان العبد مما يجوز رده
على البائع وله المطالبة بأرش العيب دون الرد فالصلح جائز لان الصلح عن العيب صلح عن حق ثبات في المحل وهو
صفة سلامة المبيع عن عيب وانها من قبيل الأموال فكان عن العيب معاوضة مال بمال فصح وكذا الصلح عن
الأرش معاوضة مال بمال لاشك فيه وإذا صار المبيع بحال لا يملك رده على البائع ولا المطالبة بأرشه بأن باع العبد
فالصلح باطل لان حق الدعوى والخصومة فيهما قبل البيع قد بطل البيع فلا يجوز الصلح ولو صالح من العيب ثم
زال العيب بأن كان بياضا في عين العبد فانجلى بطل الصلح ويرد ما أخذ لان المعوض وهي صفة السلامة قد عادت
فيعود العوض فبطل الصلح ولو طعن المشترى بعيب فصالحه البائع على أن يبريه من ذلك العيب ومن كل عيب فهو
جائز لان الابراء عن العيب ابراء عن صفة السلامة اسقاط لها وهي مستحقة على البائع فيصح الصلح عنها والابراء
عن كل عيب وإن كان ابراء عن المجهول لكن جهالة المصالح عنه لا تمنع صحة الصلح فلا تمنع صحة الابراء للفقه الذي مر
قبل هذا ان الجهالة لعينها غير مانعة بل لا فضائها إلى المنازعة المانعة من التسليم والقبض والذي وقع الصلح والابراء عنه
لا يفتقر إلى التسليم القبض فلا تضره الجهالة وكذلك لو لم يطعن المشترى بعيب فصالحه البائع من كل عيب على شئ
فالصلح جائز لأنه وان لم يطعن بعيب فله حق الخصومة فيصالحه لا بطال هذا الحق ولو خاصمه في ضرب من العيوب
نحو الشجاج والقروح فصالحه على ذلك ثم ظهر عيب غيره كان له ان يخاصمه فيه لان الصلح وقع عن نوع خاص
فكان له حق الخصومة في غيره ولو اشترى شيئا من امرأة فظهر به عيب فصالحته على أن تتزوجه فهو جائز وهذا
اقرار منها بالعيب فإن كان يبلغ أرش العيب عشرة دراهم فهو مهرها وإن كان أقل من ذلك يكمل لها عشرة دراهم لان أرش
العيب لما صار مهرها والنكاح معاوضة البضع بالمهر فإذا نكحت نفسها، فقد أقرت بالعيب وكذلك لو اشترى شيئا
بأرش عيب كان اقرار بالعيب لأن الشراء معاوضة فالاقدام عليه يكون اقرار بالعيب بخلاف الصلح حيث لا يكون
اقرار بالعيب لان الصلح مرة يصح معاوضة ومرة يصح اسقاطا فلا يصح دليلا على الاقرار بالشك والاحتمال ولو
اشترى ثوبين كل واحد بعشرة فقبضهما ثم وجد بأحدهما عيبا فصالح على أن يرده بالعيب على أن يزيده في ثمن الآخر
درهما فالرد جائز وزيادة الدرهم باطل عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يجوز شئ من ذلك (وجه) قوله إن
الرد بالعيب فسخ والفسخ بيع جديد بمنزلة الإقالة والبيع تبطله الشروط الفاسدة (وجه) قولهما ان هذا تعليق
الزيادة في الثمن بالشرط وانه باطل لان الزيادة تلحق بأصل العقد واصل الثمن لا يحتمل التعليق بالشرط لأنه في معنى
القمار فكذا الزيادة عليه فاما الرد ففسخ العقد وانه يحتمل الشرط فجائز ولو ادعى على امرأة نكاحا فجحدت
فصالحها على مائة درهم على أن تقر له بالنكاح فأقرت فهو جائز وتجعل المائة من الزوج زيادة في مهرها لان اقرارها
بالنكاح محمول على الصحة ولو ادعى على إنسان ألفا وأنكر المدعى فصالحه على مائة درهم على أن يقر له بالألف
فهو باطل لان المدعى لا يخلو اما أن يكون صادقا في دعواه الألف واما أن يكون كاذبا فيها فإن كان صادقا فيها فالألف
واجبة على المدعى عليه ويكون أخذ العوض عليه في معنى الرشوة وانه حرام وإن كان كاذبا في دعواه فاقر أر المدعى عليه
بالألف التزام المال ابتداء وهذا لا يجوز ولو قال لامرأة أعطيتك مائة درهم على أن تكوني امرأتي ففعلت ذلك فهو جائز
إذا كان بمحضر من الشهود ويجعل كناية عن إنشاء النكاح وكذا لو قال تزوجتك أمس على ألف درهم فجحدت
فقال أزيدك مائة على أن تقري لي بالنكاح فأقرت جاز ولها ألف ومائة ويحمل اقرارها على الصحة والله عز وجل
51

أعلم هذا الذي ذكرنا إذا كان الصلح بين المدعى والمدعى عليه (وأما) إذا كان بين المدعى والأجنبي المتوسط أو
المتبرع فلا يخلو اما إن كان ذلك بأمر المدعى عليه أو بغير أمره فإن كان بأمره يصح لأنه وكيل عنه والصلح مما يحتمل
التوكيل به وإن كان بغير أمره فهو صلح الفضولي وانه على خمسة أوجه أحدها أن يضيف الضمان إلى نفسه بأن يقول
للمدعى صالحتك أو أصالحك من دعواك هذه على فلان على ألف درهم على أنى ضامن لك الألف أو على أن على
الألف والثاني أن يضيف المال إلى نفسه بأن يقول على الفي هذه أو على عبدي هذا والثالث ان يعين البدل وإن كان
لا ينسبه إلى نفسه بأن يقول على هذه الألف أو على هذا العبد والرابع أن يسلم البدل وان لم يعين ولم ينسب بأن قال
صالحتك على ألف وسلمها إليه والخامس ان لا يفعل شيئا من ذلك بأن يقول صالحتك على ألف درهم أو على عبد
وسط ولم يزد عليه ففي الوجوه الا ربعة يصح الصلح لقوله تعالى إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم وهذا
خاص في صلح المتوسط وقوله عز شأنه والصلح خير وهذا عام في جميع أنواع الصلح لدخول الألف واللام على
الصلح وانهما لاستغراق الجنس ولأنه بالصلح في هذه الوجوه متصرف على نفسه بالتبرع بالسقط الدين على الغير
بالقضاء من مال نفسه إن كان الصلح عن اقرار وإن كان عن إنكار باسقاط الخصومة فيصح تبرعه كما إذا تبرع بقضاء
دين غيره من مال نفسه ابتداء ومتى صح صلحه يجب عليه تسليم البدل في الوجوه الثلاثة وليس له أن يرجع على المدعى
عليه لان التبرع بقضاء الدين لا يطلق الرجوع على ما نذكره في فصل الحكم إن شاء الله تعالى (وأما) في الوجه
الخامس فموقوف على إجازة المدعى عليه لان عند انعدام الضمان والنسبة وتعيين البدل والتمكين لا يمكن حمله على
التبرع بقضاء دين غيره من مال نفسه فلا يكون متصرفا على نفسه بل على المدعى عليه فيقف على اجازته فان أجاز نفذ
ويجب البدل عليه دون المصالح لان الإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة ولو كان وكيلا من الابتداء لنفذ تصرفه على
موكله فكذلك إذ التحق التوكيل بالإجازة وان رده بطل لان التصرف على الانسان لا يصح من غير اذنه واجازته ثم
إنما يصح صلح الفضولي إذا كان حرا بالغا فلا يصح صلح العبد المأذون والصبي لأنهما ليسا من أهل التبرع وكذا
الخلع من الأجنبي على هذه الفصول التي ذكرنا بأن كان باذن الزوج أو المرأة يصير وكيلا ويجب المال على المرأة دون
الوكيل وإن كان بغير اذنهما فهو على الفصول التي ذكرنا في الصلح وكذلك الزيادة في الثمن من الأجنبي على هذا
التفصيل إن كان باذن المشترى يكون وكيلا ويجب على المشترى وإن كان بغير اذنه فعلى ما ذكرنا من الفصول
وكذلك العفو والصلح عن دم العمد من الأجنبي على هذه الفصول ثم لا يخلو اما ان صالح على المفروض أو على
غير المفروض بمقدار المفروض أو بأكثر منه قبل تعيين القاضي أو بعده على ما تقدم والأصل فيه أنه يجوز من صلح
الأجنبي ما يجوز من صلح القاتل ومالا فلا وبيان ذلك أنه إذا صالح الفضولي على خمسة عشر ألفا أو على ألفي دينار
وضمن قبل تعيين القاضي الواجب على العاقلة جاز الصلح على عشر آلاف درهم وعلى ألف دينار وتبطل الزيادة
لما ذكرنا ان الفضولي بالصلح في مثل هذا الموضع متبرع بقضاء دين على المتبرع عليه وليس عليه الا هذا القدر فلا
يصح تبرعه عليه بالزيادة كمن كان له على آخر ألف درهم دين فقضى عنه الفين بغير أمره له أن يسترد الزيادة هذا إذا صاح
على المفروض فان صالح على جنس آخر جاز لان المانع من الجواز هو الربا ولا يجرى في مختلفي الجنس وكذلك لو
صالح على مائتي بعير بعينها أو بغير عينها جاز صلحه على المائة لما أن القاتل لو فعل ذلك بنفسه لما جاز الاعلى المائة فكذا
الفضولي لما ذكرنا ثم إن كانت بغير أعيانها فالواجب عليه مائة من الإبل على الأسنان الواجبة في باب الدية لان
مطلق الإبل في هذا الباب ينصرف إلى الواجب وإن كانت بأعيانها فالواجب مائة منها والخيار إلى الطالب لان الرضا
بالكل يكون رضا بالبعض فإن كان في أسنان الإبل نقصان عن أسنان الإبل الواجبة في باب الدية فللطالب أن يرد
الصلح لان صلح الطالب على الزيادة على المفروض محمول على أن غرضه انه لو ظهر نقصان في السن لا يجبر بزيادة
العدد فإذا لم تحصل له الزيادة لم يحصل غرضه فاختل رضاه بالنقصان فأوجب حق النقص ولو صالح على مائة على
52

أسنان الدية وضمنها فهو جائز ولا خيار للطالب لان الصلح على مائة على أسنان الدية استيفاء عين الحق وإن كان
القاضي عين الواجب فقضى عليه بالدراهم فصالح المتوسط على الفي دينار جاز ولا بد من القبض في المجلس كما لو فعله
القاتل بنفسه لأنه صرف فيراعى له شرائطه والله تعالى أعلم
(فصل) (وأما) بيان حكم الصلح فنقول وبالله التوفيق ان للصلح أحكاما بعضها أصلى لا ينفصل عنه جنس
الصلح المشروع وبعضها دخيل يدخل في بعض أنواع الصلح دون البعض أما الأصل فهو انقطاع الخصومة
والمنازعة بين المتداعيين شرعا حتى لا تسمع دعواهما بعد ذلك وهذا حكم لازم جنس الصلح فأما الدخيل فأنواع
منها حق الشفعة للشفيع وجملته ان المدعى لو كان دارا وبدل الصلح سوى الدار من الدراهم والدنانير وغير هما فإن كان
الصلح عن اقرار المدعى عليه يثبت للشفيع فيها حق الشفعة لأنه في معنى البيع من الجانبين فيجب حق الشفعة وإن كان
الصلح عن إنكار لا يثبت لأنه ليس في معنى البيع من جانب المدعى عليه بل هو بذل المال لدفع الخصومة
واليمين لكن للشفيع أن يقوم مقام المدعى فيدلى بحجته على المدعى عليه فإن كانت للمدعى بينة أقامها الشفيع عليه
وأخذ الدار بالشفعة لان بإقامة البينة تبين له أن الصلح كان في معنى البيع وكذلك ان لم تكن له بينة فحلف المدعى عليه
فنكل وإن كان بدل الصلح دارا والصلح عن اقرار المدعى عليه يثبت للشفيع حق الشفعة في الدارين جميعا لما مر
ان الصلح هنا في معنى البيع من الجانبين فصار كأنهما تبايعا دارا بدار فيأخذ شفيع كل دار الدار المشفوعة بقيمة الدار
الأخرى وان تصالحا على أن يأخذ المدعى الدار المدعاة ويعطى المدعى عليه دارا أخرى فإن كان الصلح عن إنكار
وجبت فيهما الشفعة بقيمة كل واحدة منهما لان هذا الصلح في معنى البيع من الجانبين وإن كان الصلح عن اقرار لا
يصح لان الدارين جميعا ملك المدعى لاستحالة أن يكون ملكه بدلا عن ملكه وإذا لم يصح الصلح لا تجب الشفعة
ولو صالح عن الدار على منافع لا تثبت الشفعة وإن كان الصلح عن اقرار لان المنفعة ليست بعين مال فلا يجوز أخذ
الشفعة بها وإن كان الصلح عن إنكار يثبت للشفيع حق الشفعة في الدار التي هي بدل الصلح ولا يثبت في الدار المدعاة
لان الاخذ بالشفعة يستدعى كون المأخوذ مبيعا في حق من يأخذ منه لان الصلح عن إنكار في جانب المدعى معاوضة
فكان بدل الصلح بمعنى البيع في حقه إذا كان عينا فكان للشفيع حق الاخذ منه بالشفعة وفي جانب المدعى عليه
ليس بمعاوضة بل هو اسقاط الخصومة ودفع اليمين عن نفسه فلم يكن للدار المدعاة حكم المبيع في حقه فلم يكن للشفيع
أن يأخذها بالشفعة الا أن يدلى بحجة المدعى فيقيم البينة أو يحلف المدعى عليه فينكل على ما ذكرنا ومنها حق الرد
بالعيب وانه يثبت من الجانبين جميعا إن كان الصلح عن اقرار لأنه بمنزلة البيع وإن كان عن إنكار يثبت في جانب
المدعى ولا يثبت في جانب المدعى عليه لان هذا بمنزلة البيع في حقه لا في حق المدعى عليه والعيب على المدعى عليه
في دعواه فان أقام البينة أخذ حصة العيب وان لم يثبت للمدعى عليه حق الرد بالعيب لم يرجع في شئ وكذا لو استحق
عليه الدار وقد بني فيها بناء فنقض لا يرجع على المدعي بقيمة البناء وكذا لو كان المدعى جارية فاستولدها لم يكن مغرورا
ولا يرجع بقيمة الولد لأن ما أخذه المدعى ليس بدل المدعى في حقه الا أنه إذا استحقت الدار المدعاة يرجع على المدعى
بما أدى إليه لان المؤدى بدل الخصومة في حقه وقد تبين أنه لا خصومة له فيه فكان له حق الرجوع بالمؤدى ولو
وجد ببدل الصلح عيبا فلم يقدر على رده للهلاك أو للزيادة أو للنقصان في يد المدعى فإن كان الصلح عن اقرار يرجع على
المدعي عليه بحصة العيب في المدعى وإن كان عن إنكار يرجع بحصة العيب على المدعى عليه في دعواه فان أقام البينة
أخذ صحة العيب وكذا إذا حلفه فنكل وان حلف فلا شئ عليه ومنها الرد بخيار الرؤية في نوع الصلح وفرق
الطحاوي بينهما والحق الرد في الصلح عن إنكار ببدل الصلح عن القصاص وبالمهر وبدل الخلع والرد بخيار الرؤية
غير ثابت في تلك العقود فكذا ههنا وفي كتاب الصلح أثبت حق الرد في النوعين جميعا من غير فصل هو الصحيح
لان الخيار ثبت للمدعى فيستدعى كونه معاوضة عن حقه وقد وجد وكذلك الأحكام تشهد بصحة هذا
53

على ما نذكر ومنها أنه لا يجوز التصرف في بدل الصلح قبل القبض إذا كان منقولا في نوعي الصلح فلا يجوز للمدعى بيعه
وهبته ونحو ذلك وإن كان عقارا يجوز عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد لا يجوز ويجوز ذلك في الصلح عن
القصاص للمصالح أن يبيعه ويبرئ عنه قبل القبض وكذلك المهر والخلع والفرق ان المانع من الجواز في سائر الواضع
التحرز عن انفساخ العقد على تقدير الهلاك ولم يوجد هنا لان الصلح عن القصاص بمالا يحتمل الانفساخ فلا حاجة
إلى الصيانة بالمنع كالموروث وبذا تبين ان الحاق العقد بالعقود التي هي مبادلة مال بغير مال على ما ذكره الطحاوي غير
سديد ولو صالح عن القصاص على عين فهلكت قبل التسليم فعليه قيمتها لان الصلح لم ينفسخ فبقي وجوب التسلم
وهو عاجز عن تسليم العين للمصلح فيجب تسليم القيمة (ومنها) ان الوكيل بالصلح إذا صالح ببدل الصلح يلزمه أو
يلزم المدعى عليه فهذا في الأصل لا يخلو من وجهين إما أن يكون الصلح في معنى المعاوضة وإما أن يكون في معنى
استيفاء عين الحق فإن كان في معنى المعاوضة يلزمه دون المدعى عليه لأنه يكون جار يا مجرى البيع وحقوق البيع
راجعة إلى الوكيل وإن كان في معنى استيفاء عين الحق فهذا على وجهين أيضا اما ان ضمن بدل الصلح واما ان لم يضمن
فإن لم يضمن لا يلزمه لأنه يكون سفيرا بمنزلة الرسول فلا ترجع إليه الحقوق وان ضمن لزمه بحكم الكفالة لا بحكم العقد
(وأما) الفضولي فان نفذ صلحه فالبدل عليه ولا يرجع به على المدعى عليه لأنه متبرع وان وقف صلحه فان رده المدعى
عليه بطل ولا شئ على واحد منهما وان أجازه جاز والبدل عليه دون الفضولي
(فصل) وأما بيان ما يبطل به الصلح بعد وجوده فنقول وبالله التوفيق ما يبطل به الصلح أشياء (منها) الإقالة
فيما سوى القصاص لان ما سوى القصاص لا يخلو عن معنى معاوضة المال بالمال فكان محتملا للفسخ كالبيع ونحوه
(فاما) في القصاص فالصلح فيه اسقاط محض لأنه عفو والعفو اسقاط فلا يحتمل الفسخ كالطلاق ونحوه (ومنها) لحاق
المرتد بدار الحرب أو موته على الردة عند أبي حنيفة بناء على أن تصرفات المرتد موقوفة عنده على الاسلام أو اللحوق
بدار الحرب والموت فان أسلم نفذ وان لحق بدار الحرب وقضى القاضي به أو قتل أو مات على الردة تبطل وعندهما
نافذة والمرتدة إذا لحقت بدار الحرب يبطل من صلحها ما يبطل من صلح الحربية لان حكمها حكم الحربية والمسألة
تعرف في موضعها إن شاء الله تعالى (ومنها) الرد بخيار العيب والرؤية لأنه يفسخ العقد لما علم (ومنها) الاستحقاق وأنه
ليس ابطالا حقيقة بل هو بيان ان الصلح لم يصح أصلا لا أنه بطل بعد الصحة الا أنه ابطال من حيث الظاهر لنفاذ
الصلح ظاهرا فيجوز الحاقه بهذا القسم لكنه ليس بابطال حقيقة فكان الحاقه باقسام الشرائط على ما ذكرنا أولى
وأقرب إلى الصناعة والفقه فكان أولى (ومنها) هلاك أحد المتعاقدين في الصلح على المنافع قبل انقضاء المدة لأنه بمعنى
الإجازة وأنها تبطل بموت أحد المتعاقدين وأما هلاك ما وقع الصلح على منفعته هل يوجب بطلان الصلح فلا يخلو اما
إن كان حيوانا كالعبد والدابة أو غير حيوان كالدار والبيت فإن كان حيوانا لا يخلو اما ان هلك بنفسه أو باستهلاك فان
هلك بنفسه يبطل الصلح اجماعا وان هلك باستهلاك فلا يخلو من ثلاثة أوجه اما ان استهلكه أجنبي واما ان استهلكه
المدعى عليه واما ان استهلكه المدعى فان استهلكه أجنبي بطل الصلح عند محمد وقال أبو يوسف لا يبطل ولكنه للمدعى
الخياران شاء نقض الصلح وان شاء اشترى له بقيمته عبدا يخدمه إلى المدة المضروبة (وجه) قول محمدان الصلح على
المنفعة بمنزلة الإجارة لان الإجارة تمليك المنفعة بعوض وقد وجد ولهذا ملك إجارة العبد من غيره بمنزلة المستأجر في باب
الإجارة والإجارة تبطل بهلاك المستأجر سواء هلك بنفسه أو باستهلاك كذا هذا (وجه) قول أبى يوسف ان هذا
صلح فيه معنى الإجارة وكما أن معنى المعاوضة لازم في الإجارة فمعنى استيفاء عين الحق أصل في الصلح فيجب
اعتبارهما جميعا ما أمكن ومعلوم انه لا يمكن استيفاء الحق من المنفعة لأنها ليست من جنس المدعى فيجب تحقيق معنى
الاستيفاء من محل المنفعة وهو الرقبة ولا يمكن ذلك الابعد ثبوت الملك له فيها فتجعل كأنها ملكه في حق استيفاء حقه
منها وبعد القتل ان تعذر الاستيفاء من عينها يمكن من بدلها فكان له أن يستوفى من البدل بان يشترى له عبدا فيخدمه إلى
54

المدة المشروطة وله حق النقض أيضا لتعذر محل الاستيفاء وان استهلكه المدعى عليه بان قتله أو كان عبدا فاعتقه يبطل
الصلح أيضا وقيل هذا قول محمد فاما على أصل أبى يوسف فلا يبطل وتلزمه القيمة ليشترى له بها عبدا آخر يخدمه
إلى المدة المشروطة كما إذا قتله أجنبي وكالراهن إذا قتل العبد المرهون أو أعتقه وهذا لان رقبة العبد وإن كانت مملوكة
للمدعى عليه لكنها مشغولة بحق الغير وهو المدعى لتعلق حقه بها فتجب رعايتهما جميعا بتنفيذ العتق ويضمن
القيمة كما في الرهن وكذا لو استهلكه المدعى بطل الصلح عند محمد وعند أبي يوسف لا يبطل وتؤخذ من المدعى
قيمة العبد ويشترى عبدا آخر يخدمه وهل يثبت الخيار للمدعى في نقض الصلح على مذهبه فيه نظر هذا
إذا كان الصلح على منافع الحيوان فاما إذا كان على سكنى بيت فهلك بنفسه بان انهدم أو باستهلاك بان هدمه غيره
لا يبطل الصلح ولكن لصاحب السكنى وهو المدعى الخيار ان شاء بناه صاحب البيت بيتا آخر يسكنه إلى المدة
المضروبة وان شاء نقض الصلح ولا يتعذر هنا خلاف محمد لان إجارة العبد تبطل بموته بالاجماع وإجارة الدار لا تبطل
بانهدامها ولصاحب الدار أن يبنيها مرة أخرى في بعض إشارات الروايات عن أصحابنا على ما مر في الإجارات ولو
تصالحا عن إنكار المدعى عليه على مال ثم أقر المدعى عليه بعد الصلح لا ينفسخ الصلح لان الاقرار مبين ان الصلح
وقع معاوضة من الجانبين فكان مقرا للصلح لا مبطلا له ولو أقام المدعى البينة بعد الصلح لا تسمع بينته الا إذا ظهر ببدل
الصلح عيب وأنكر المدعى عليه فأقام البينة ليرده بالعيب فتسمع بينته وتبين ان للصلح الماضي حكم الصلح عن اقرار
المدعى عليه فكل حكم ثبت في ذلك ثبت في هذا
(فصل) وأما بيان حكم الصلح إذا بطل بعد صحته أو لم يصح أصلا فهو أن يرجع المدعى إلى أصل دعواه إن كان
الصلح عن إنكار وإن كان عن اقرار فيرجع على المدعى عليه بالمدعى لا غيره الا ان في الصلح عن قصاص إذا لم يصح
كان له أن يرجع على القاتل بالدية دون القصاص الا ان يصير مغرورا من جهة المدعى عليه فيرجع عليه بضمان الغرور
أيضا وبيان هذه الجملة انهما إذا تقابلا الصلح فيما سوى القصاص أو رد البدل بالعيب وخيار الرؤية يرجع المدعى
بالمدعى إن كان عن اقرار وإن كان عن إنكار يرجع إلى دعواه لان الإقالة والرد بالعيب وخيار الرؤية فسخ للعقد وإذا
فسخ جعل كان لم يكن فعاد الامر على ما كان من قبل وكذا إذا استحق لان بالاستحقاق ظهر أنه لم يصح لفوات
شرط الصحة فكأنه لم يوجد أصلا فكان وجوده وعدمه بمنزلة واحدة الا أن في الصلح عن القصاص لا يستوفى مع الشبهة
فسقط لكن إلى بدل وهو الدية فاما المال وما سوى القصاص من الحقوق والحدود فيما يمكن استيفاؤه مع الشبهة فأمكن
الرجوع بالمدعى ولا يرجع بشئ آخر الا إذا صار مغرورا من جهة المدعى عليه بأن كان بدل الصلح جارية فقبضها
واستولدها ثم جاء مستحق فاستحقها وأخذها وأخذ عقرها وقيمة ولدها وقت الخصومة فإنه يرجع على المدعى عليه
بالمدعى وبما ضمن من قيمه الولد إن كان الصلح عن اقرار لأنه صار مغرورا من جهته وإن كان الصلح عن إنكار يرجع
إلى دعواه لا غير فان أقام البينة على صحة دعواه أو حلف المدعى عليه فنكل حينئذ يرجع بما ادعى وبقيمة الولد لأنه
تبين أنه كان مغرورا فيرجع عليه بضمان الغرور ولا يرجع بالعقر في نوعي الصلح لان العقر بدل لمنفعة المستوفى فكان
عليه العقر وإن كان الصلح عن القصاص في النفس أوما دونها فصالح على جارية فاستولدها ثم استحقت فإنه يرجع
على المدعى عليه بقيمة الجارية وبما ضمن من قيمة الدان كان الصلح عن اقرار ولا يرجع بالعقر لما ذكرنا وإن كان
الصلح عن إنكار يرجع إلى دعواه لا غير فان أقام البينة أو حلف المدعى عليه فنكل يرجع بقيمة الجارية وبما ضمن
من قيمة الولد لما قلنا وان حلف لا يرجع بشئ أو صالح المتوسط على عبد معين فاستحق العبد أو وجد به عيبا فرده
حتى بطل الصلح لا سبيل للمدعى على المتوسط ولكنه يرجع بالمدعى إن كان الصلح عن اقرار وإن كان عن إنكار
يرجع إلى دعواه لان المتوسط بهذا الصلح لا يضمن سوى تسليم العبد المعين ولو صالح على دراهم مسماة وضمنها
55

ودفعها إليه ثم استحقت أو وجدها زيوفا له ان يرجع على المصالح المتوسط لأنه بالضمان التزم تسليم الجارية وسلامة
المضمون ولو استحقت الدار المدعاة بعد الصلح عن اقرار أو عن إنكار كان للمدعى عليه أن يرجع بما دفع (أما) في
موضع الاقرار فلا شك فيه لان المأخوذ عوض في حقهما جميعا (وأما) في موضع الانكار فلان المأخوذ عوض في
حق المدعى عن المدعى عليه وقد فات بالاستحقاق فيجب عليه رد عوضه هذا إذا استحق كل الدار فأما إذا استحق
بعضها فإن كان ادعى جميع الدار يرجع بحصة ما استحق لفوات بعض ما هو عوض عن المستحق وإن كان ادعى فيها
حقا لم يرجع بشئ لجواز أن يكون المدعى ما وراء المستحق وإذا بطل الصلح على المنافع بموت أحد المتعاقدين وغير
ذلك في أثناء المدة فإن كان الصلح عن اقرار رجع بالمدعى بقدر ما لم يستوف من المنفعة وإن كان عن إنكار رجع إلى
الدعوى في قدر ما لم يستوف من المنفعة ولو صالح عن القصاص على دن من خمر فإذا هو خل أو على عبد فإذا هو حر فهو
على الاختلاف الذي عرف في باب النكاح الا ان فيما يجب مهر المثل هناك تجب الدية هنا وفيما تجب القيمة لرجل مثله
هناك يجب ذاك هنا ولا يشبه هذا ما إذا صالح عن القصاص على خمر وهو يعلم بأنه خمر أنه لا يجب شئ وههنا يجب شئ
لان هناك صار مغرورا من جهة المدعى عليه بتسمية العبد والخل وكل من غر غيره في شئ يكون ملتزما ما يحلقه من
العهدة فيه فإذا اظهر الامر بخلافه كان له حق الرجوع عليه بحكم الكفالة والضمان ومعنى الغرور لا يتقدر عند علمه
بحال المسمى فتبقى لفظة الصلح كناية عن العفو وأنه مسقط للحق أصلا فهو الفرق بين الامرين والله عز وجل أعلم
* (كتاب الشركة) *
الشركة في الأصل نوعان شركة الاملاك وشركة العقود وشركة الاملاك نوعان نوع يثبت بفعل الشريكين
ونوع يثبت بغير فعلهما (أما) الذي يثبت بفعلهما فنحو أن يشتريا شيئا أو يوهب لهما أو يوصى لهما أو يتصدق
عليهما فيقبلا فيصير المشترى والموهوب والموصى به المتصدق به مشتركا بينهما شركة ملك (وأما) الذي يثبت بغير
فعلهما فالميراث بان ورثا شيئا فيكون الموروث مشتركا بينهما شركة ملك (وأما) شركة العقود فالكلام فيها يقع في
مواضع في بيان أنواعها وكيفية كل نوع منها وركنه وفي بيان شرائط ركنه وفي بيان حكم الشركة وفي بيان صفة عقد
الشركة وفي بيان ما يبطل العقد أما الأول فشركة العقود أنواع ثلاثة شركة بالأموال وشركة بالأعمال وتسمى شركة
الأبدان وشركة الصانع وشركة بالتقبل وشركة بالوجوه (أما) الأول وهو الشركة بالأموال فهو أن يشترك اثنان في رأس
مال فيقولان اشتركنا فيه على أن نشتري ونبيع معا أو شتى أو أطلقا على أن ما رزق الله عز وجل من ربح فهو بيننا
على شرط كذا أو يقول أحدهما ذلك ويقول الآخر نعم ولو ذكرا الشراء دون البيع فان ذكر اما يدل على شركة
العقود بان قالا ما اشترينا فهو بيننا أو ما اشترى أحدنا من تجارة فهو بيننا يكون شركة لأنهما لما جعلا ما اشتراه كل
واحد بينهما علم أنهما أرادا به الشركة لا الوكالة لان الوكيل لا يوكل موكله عادة وإذا لم يكن وكالة لا نقف صحته على ما تقف
عليه صحة الوكالة وهو التخصيص بيان الجنس أو النوع أو قدر الثمن بل يصح من غير بيان شئ من ذلك ان لم يذكرا
الشراء ولا البيع ولا ما يدل على شركة العقود بان قال رجل لغيره ما اشتريت من شئ فبيني وبينك أو قال فبيننا وقال
الآخر نعم فان أرادا بذلك أن يكونا بمعنى شريكي التجارة كان شركة حتى تصح من غير بيان جنس المشترى ونوعه
وقدر الثمن كما إذا نصا على الشراء والبيع وان أرادا به أن يكون المشترى بينهما خاصة بعينه ولا يكونا فيه كشريكي
التجارة بل يكون المشترى بينهما بعينه كما إذا أورثا أو وهب لهما كان وكالة لا شركة فان وجد شرط صحة الوكالة جازت
الوكالة وإلا فلا وهو بيان جنس المشترى وبيان نوعه أو مقدار الثمن في الوكالة الخاصة وهي أن لا يفوض الموكل الرأي
إلى الوكيل بأن يقول ما اشتريت لي من عبد تركي أو جارية رومية فهو جائز أو ما اشتريت لي من عبد أو جارية بألف درهم
فهو جائز أو بيان الوقت أو قدر الثمن أو جنس المشترى في الوكالة العامة بأن يقول ما اشتريت لي من شئ اليوم
56

أو شهر كذا أو سنة كذا فهو جائز أو قال ما اشتريت لي من شئ بألف درهم فهو جائز أو ما اشتريت لي من البز والخز
فهو جائز وإنما كان كذلك لان مطلق هذا اللفظ يحتمل الشركة ويحتمل الوكالة فلا بد من النية فان نويا به الشركة كان
شركة في عموم التجارات لان الأصل في الشركة العموم لان المقصود منها تحصيل الربح وهذا المقصود لا يحصل الا
بتكرار التجارة مرة بعد أخرى ولا يشترط لها بيان شئ مما ذكرنا لا ن ذلك ليس بشرط لصحة الشركة وان نويا به
الوكالة كان وكالة ويقف صحتها على شرائطها من الخاصة أو العامة لا مبنى الوكالة على الخصوص لان المقصود منها
تملك العين لا تحصيل الربح منها فلا بد فيها من التخصيص ببيان ما ذكرنا الا أنه يكتفى في الوكالة العامة ببيان أحد
الأشياء التي وصفنا لأنه لما عممها بتقويض الرأي فيها إلى الوكيل فقد شبهها بالشركة فكان في احتمال الجهالة الفاحشة
كالشركة لكنها وكالة والخصوص أصل في الوكالة فلا بد فيها من ضرب تخصيص فان أتى بشئ مما ذكرنا جازت وإلا
بطلت قال بشر سمعت أبا يوسف يقول في رجل قال لرجل ما اشتريت اليوم من شئ فبيني وبينك نصفين فقال
الرجل نعم فان أبا حنيفة رحمه الله قال هذا جائز وكذلك قال أبو يوسف وكذا وان وقت مالا ولم يوقت يوما وكذا
ان وقت صنفا من الثياب وسمى عددا أو لم يسم ثمنا ولا يوما وان قال ما اشتريت من شئ فهو بيني وبينك ولم يسم شيئا
مما ذكرنا فان أبا حنيفة رحمه الله قال لا يجوز وكذلك قال أبو يوسف لما ذكرنا انه لما لم يذكر البيع ولا ما يدل على شركة
العقود علم أنها وكالة فلا تصح الا بضرب من التخصيص على ما بينا وذكر محمد في الأصل في رجلين اشتركا بغير مال على
أن ما اشتريا اليوم فهو بينهما خصا صنفا من الأصناف أو عما ولم يخصا فهو جائز وكذلك ان لم يوقتا للشركة وقتا كان
هذا جائزا لأنهما لما جعلا ما يشتريه كل واحد بينهما دل على أنها شركة وليست بوكالة لان الوكالة لا تكون من الجانبين
عادة وإذا كان شركة فالشركة لا تحتاج إلى التخصيص قال وان أشهد أحدهما أن ما يشتريه لنفسه بغير محضر من
صاحبه فكلما اشتر يا شيئا فهو بينهما لان الشركة لما صحت كان كل واحد منهما وكيل الآخر فيما يشتريه فهو بالاشهاد
انه يشترى لنفسه يريد اخراج نفسه من الوكالة بغير محضر من الموكل فلا يملك ذلك (وأما) الشركة بالأعمال فهو أن
يشتركا على عمل من الخياطة أو القصارة أو غيرهما فيقولا اشتركنا على أن نعمل فيه على أن ما رزق الله عز وجل من
أجرة فيه بيننا على شرط كذا (وأما) الشركة بالوجوه فهو أن يشتركا وليس لهما مال لكن لهما وجاهة عند الناس
فيقولا اشتركنا على أن نشتري بالنسيئة ونبيع بالنقد على أن ما رزق الله سبحانه وتعالى من ربح فهو بيننا على شرط
كذا وسمى هذا النوع شركة الوجوه لأنه لا يباع بالنسيئة الا الوجيه من الناس عادة ويحتمل انه سمى بذلك لان كل
واحد منهما يواجه صاحبه ينظر ان من بيعهما بالنسيئة ويدخل في كل واحد من الأنواع الثلاثة العنان والمفاوضة
ويفصل بينهما بشرائط تختص بالمفاوضة نذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى
(فصل) وأما بيان جواز هذه الأنواع الثلاثة فقد قال أصحابنا انها جائزة عنانا كانت أو مفاوضة وقال الشافعي
رحمه الله شركة الاعمال والوجوه لا جواز لها أصلا ورأسا (وأما) شركة الأموال فتجوز فيها العنان ولا تجوز فيها
المفاوضة وقال مالك رحمه الله لا أعرف المفاوضة وقيل في اشتقاق العنان انه مأخوذ من العن وهو الاعراض يقال
عن لي أي اعترض وظهر قال امرؤا القيس
فعن لنا شرب كأن نعاجه * عذارى دوار في ملاء مدبل
سمى هذا النوع مثل الشركة عنا نا لأنه يقع على حسب ما يعن لهما في كل التجارات أو في بعضها دون بعض وعند
تساوى المالين أو تفاضلهما وقيل هو مأخوذ من عنان الفرس أن يكون بإحدى يديه ويده الأخرى مطلقة يفعل بها
ما يشاء فسمى هذا النوع من الشركة له عنانا لأنه لا يكون الا في بعض الأموال ويتصرف كل واحد منهما في الباقي
كيف يشاء أو لان كل واحد منهما جعل عنان التصرف في المال المشترك لصاحبه وكان أهل الجاهلية يتعاطون
هذا الشركة قال النابغة.
57

وشاركنا قريشا في بقاها * وفى احسابها شرك العنان
(وأما) المفاوضة فقد قيل إنها المساواة في اللغة قال القائل وهو العبدي
يهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت * فان تولت فبالأشرار تنقاد
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم * ولا سراة إذا جهالهم سادوا
سمى هذا النوع من الشركة مفاوضة لاعتبار المساواة فيه في رأس المال والربح والتصرف وغير ذلك على ما نذكر وقيل
هي من التفويض لان كل واحد منهما يفوض التصرف إلى صاحبه على كل حال (وأما) الكلام في شركة الاعمال
الوجوه (فوجه) قول الشافعي رحمه الله ان الشركة تنبئ عن الاختلاط وهذا شرط الخلط الجواز الشركة ولا يقع
الاختلاط الا في الأموال وكذا ما وضع له الشركة لا يتحقق في هذين النوعين لأنها وضعت لاستنماء المال بالتجارة
لان نماء المال بالتجارة والناس في الاهتداء إلى التجارة مختلفون بعضهم أهدى من البعض فشرعت الشركة لتحصيل
غرض الاستنماء ولا بد من أصل يستنمى ولم يوجد في هذين النوعين فلا يحصل ما وضع له الشركة فلا يجوز (ولنا)
ان الناس يتعاملون بهذين النوعين في سائر الأعصار من غير إنكار عليهم من أحد وقال عليه الصلاة السلام لا تجتمع
أمتي على ضلالة ولأنهما يشتملان على الوكالة والوكالة جائزة والمشتمل على الجائز جائز وقوله إن الشركة شرعت
لاستنماء المال فيستدعى أصلا يستنمى فنقول الشركة بالأموال شرعت لتنمية المال وأما الشركة بالأعمال أو بالوجوه
فما شرعت لتنمية المال بل لتحصيل أصل المال والحاجة إلى تحصيل أصل المال فوق الحاجة إلى تنميته فلما شرعت
لتحصيل الوصف فلان تشرع لتحصيل الأصل أولى (وأما) الكلام في الشركة بالأموال فأما العنان فجائز باجماع
فقهاء الأمصار ولتعامل الناس ذلك في كل عصر من غير نكير وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ولما روى
أن أسامة بن شريك جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتعرفني فقال عليه الصلاة والسلام وكيف
لا أعرفك وكنت شريكي ونعم الشريك لا تدارى ولا تمارى وأدنى ما يستدل بفعله عليه الصلاة والسلام الجواز
وكذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتعاملون بهذه الشركة فقررهم على ذلك حيث لم ينههم ولم ينكر عليهم
والتقرير أحد وجوه السنة ولأن هذه العقود شرعت لمصالح العباد وحاجتهم إلى استنماء المال متحققة وهذا النوع
طريق صالح للاستنماء فكان مشروعا ولأنه يشتمل على الوكالة والوكالة جائزة اجماعا (وأما) المفاوضة (فأما)
قول مالك رحمه الله لا أعرف ما المفاوضة فان عنى به لا أعرف معناها في اللغة فقد بينا معناها في اللغة انها عبارة عن
المساواة وان عنى به لا أعرف جوازها فقد عرفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الجواز بقوله عليه الصلاة والسلام
تفاوضوا فإنه أعظم للبركة وانها مشتملة على أمرين جائزين وهما الوكالة والكفالة لان كل واحد منهما جائزة حال
الانفراد وكذا حالة الاجتماع كالعنان ولأنها طريق استنماء المال أو تحصيله والحاجة إلى ذلك متحققة فكانت
جائزة كالعنان (وأما) الكلام مع الشافعي رحمه الله فوجه قوله أن المفاوضة تتضمن الكفالة عندكم والكفالة التي
تتضمنها المفاوضة كفالة بمجهول وانها غير صحيحة حالة الانفراد فكذا التي تتضمنها المفاوضة ودليلنا على الجواز
ما ذكرنا مع مالك رحمه الله (وأما) قوله المكفول له مجهول نعم لكن هذا النوع من الجهالة في عقد الشركة
عفو وان لم يكن عفوا حالة الانفراد كما في شركة العنان فإنها تشتمل على الوكالة العامة وإن كان لا يصح هذا التوكيل حالة
الانفراد وكذا المضاربة تتضمن وكالة عامة وانها صحيحة وإن كانت الوكالة العامة لا تصح من غير بيان حالة الانفراد
فكذا هذا وكان المعنى في ذلك الوكالة لا تثبت في هذا العقد مقصودا بل ضمنا للشركة وقد يثبت الشئ ضمنا وإن كان
لا يثبت قصدا ويشترط للثابت مقصود اما لا يشترط للثابت ضمنا وتبعا كعزل الوكيل ونحو ذلك
(فصل) وأما بيان شرائط جواز هذه الأنواع فلجوازها شرائط بعضها يعم الأنواع كلها وبعضها يخص البعض
دون البعض (أما) الشرائط العامة فأنواع (منها) أهلية الوكالة لان الوكالة لازمة في الكل وهي أن يصير كل واحد
58

منهما وكيل صاحبه في التصرف بالشراء والبيع وتقبل الاعمال لان كل واحد منهما أذن لصاحبه بالشراء والبيع
وتقبل الاعمال مقتضى عقد الشركة والوكيل هو المتصرف عن اذن فيشترط فيها أهلية الوكالة لما علم في
كتاب الوكالة (ومنها) أن يكون الربح معلوم القدر فإن كان مجهولا تفسد الشركة لان الربح هو المعقود عليه
وجهالته توجب فساد العقد كما في البيع والإجارة (ومنها) أن يكون الربح جزأ شائعا في الجملة لا معينا فان عينا
عشرة أو مائة أو نحو ذلك كانت الشركة فاسدة لأن العقد يقتضى تحقق الشركة في الربح والتعيين يقطع الشركة
لجواز أن لا يحصل من الربح الا القدر المعين لأحدهما فلا يتحقق الشركة في الربح (وأما) الذي يخص البعض دون
البعض فيختلف (أما) الشركة بالأموال فلها شروط (منها) أن يكون رأس المال من الأثمان المطلقة وهي التي لا تتعين
بالتعيين في المفاوضات على كل حال وهي الدراهم والدنانير عنانا كانت الشركة أو مفاوضة عند عامة العلماء فلا تصح
الشركة في العروض وقال ملك رحمه الله هذا ليس بشرط وتصح الشركة في العروض والصحيح قول العامة
لان معنى الوكالة من لوازم الشركة والوكالة التي يتضمنها الشركة لا تصح في العروض وتصح في الدراهم والدنانير فان من
قال لغيره بع عرضك على أن يكون ثمنه بيننا لا يجوز وإذا لم تجز الوكالة التي في من ضرورات الشركة لم تجز الشركة ولو
قال له اشتر بألف درهم من مالك على أن يكون ما اشتريته بيننا جاز ولان الشركة في العروض تؤدى إلى جهالة الربح
عند القسمة لان رأس المال يكون قيمة العروض لا عينها والقيمة مجهولة لأنها تعرف بالحرز والظن فيصير الربح مجهولا
فيؤدى إلى المنازعة عند القسمة وهذا المعنى لا يوجد في الدراهم والدنانير لان رأس المال من الدراهم والدنانير عند
القسمة عينها فلا يؤدى إلى جهالة الربح ولا النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ربح ما لم يضمن والشركة في
العروض تؤدى إلى ربح ما لم يضمن لان العروض غير مضمونة بالهلاك فان من اشترى شيئا بعرض بعينه فهلك
العرض قبل التسليم لا يضمن شيئا آخر لان العروض تتعين بالتعيين فيبطل البيع فإذا لم تكن مضمونة فالشركة فيها
تؤدى إلى ربح ما لم يضمن وانه منهى بخلاف الدراهم والدنانير فإنها مضمونة بالهلاك لأنها لا تتعين بالتعيين فالشركة
فيها لا تؤدى إلى ربح ما لم يضمن بل يكون ربح ما ضمن والحيلة في جواز الشركة في العروض وكل ما يتعين بالتعيين أن
يبيع كل واحد منهما نصف ماله بنصف مال صاحبه حتى يصير مال كل واحد منهما نصفين وتحصل شركة ملك بينهما
ثم يعقدان بعد ذلك عقد الشركة فتجوز بلا خلاف ولو كان من أحدهما دراهم ومن الآخر عروض فالحيلة في
جوازه أن يبيع صاحب العروض نصف عرضه بنصف دراهم صاحبه ويتقابضا ويخلطا جميعا حتى تصير الدراهم
بينهما والعروض بينهما ثم يعقدان عليهما عقد الشركة فيجوز وأما التبر فهل يصلح رأس مال الشركة ذكر في كتاب
الشركة وجعله كالعروض وفي كتاب الصرف جعله كالأثمان المطلقة لأنه قال فيه إذا اشترى به فهلك لا ينفسخ
العقد والامر فيه موكول إلى تعامل الناس فإن كانوا يتعاملون به فحكمه حكم الأثمان المطلقة فتجوز الشركة بها وإن كان
وا لا يتعاملون بها فحكمها حكم العروض ولا تجوز فيها الشركة (وأما) الفلوس فإن كانت كاسدة فلا تجوز الشركة
ولا المضاربة بها لأنها عروض وإن كانت نافقة فكذلك في الرواية المشهورة عن أبي حنيفة وأبى يوسف وعند
محمد تجوز والكلام فيها مبنى على أصل وهو الفلوس الرائجة ليست أثمانا على كل حال عند أبي حنيفة وأبى يوسف
لأنها تتعين بالتعيين في الجملة وتصير مبيعا باصلاح العاقدين حتى جاز بيع الفلس بالفلسين بأعيانها عند هما فاما إذا لم تكن
أثمانا مطلقة لاحتمالها التعيين بالتعيين في الجملة في عقود المعاوضات لم تصلح رأس مال الشركة كسائر العروض وعند
محمد الثمنية لا زمة للفلوس النافقة فكانت من الأثمان المطلقة وهذا أبى جواز بيع الواحد منها باثنين فتصلح رأس
مال الشركة كسائر الأثمان المطلقة من الدراهم والدنانير وروى عن أبي يوسف انه تجوز الشركة بالفلوس ولا تجوز
المضاربة ووجهه ان المانع من جواز المضاربة جهالة الربح عند القسمة على تقدير الكساد لأنه لابد من تعيين رأس
المال عند القسمة فإذا كسدت صار رأس المال قيمة والقيمة مجهولة لأنها تعرف بالحزر والظن وهذا المعنى لا يوجد
59

في الشركة لأنهما عند الكساد يأخذان رأس المال عددا لا قيمة فكان الربح معلوما (وأما) الشركة بالمكيلات
والموزونات التي ليست بأثمان مطلقة والعدديات المتقاربة التي لا تتفاوت فلا تجوز قبل الخلط في قولهم جميعا لأنها
إنما تتعين بالتعيين إذا كانت عينا فكانت كالعروض ولان الوكالة التي تتضمنها الشركة فيها لا تصح قبل الخلط ألا
يرى أنه لو قال آخر قبل الخلط بع حنطتك على أن يكون ثمنا بيننا لم يجز وسواء كانت الشركة من جنسين أو من جنس
واحد وأما بعد الخلط فإن كانت الشركة في جنسين مختلفين لا تجوز في قولهم جميعا لان الحنطة إذا خلطت بالشعير
خرجت من أن تكون ثمنا بد ليل ان مستهلكها يضمن قيمتها لا مثلها وإن كانت من جنس واحد فكذلك عند أبي
يوسف لا تصح وإنما تصير شركة ملك وعند محمد تصح الشركة فيها بعد الخلط وفائدة الاختلاف تظهر فيما إذا
كان المكيل نصفين وشرطا الربح أثلاثا فخلطاه واشتريا به فعلى قول أبى يوسف الربح بينهما على قدر المالين نصفين
وعلى قول محمد على ما شرطا فقول أبى يوسف مطرد على الأصل الذي ذكرنا ان المكيلات والموزونات والمعدودات
المتقاربة ليست أثمانا على كل حال بل تكون تارة ثمنا وتارة مبيعا لأنها تتعين بالتعيين في الجملة فكانت كالفلوس (ووجه) التخريج لمحمد ان معنى الوكالة التي تتضمنها الشركة ثابت بعد الخلط فأشبهت الدراهم والدنانير بخلاف
ما قبل الخلط لان الوكالة التي من مقتضيات الشركة لا يصح فيها قبل الخلط والحيلة في جواز الشركة بالمكيلات
وسائر الموزونات العدديات المتقاربة على قول أبى يوسف أن يخلطا حتى تصوير شركة ملك بينهما ثم يعقد أعليها عقد
الشركة فيجوز عنده أيضا (ومنها) أن يكون رأس مال الشركة عينا حاضر الا دينا ولا مالا غائبا فإن كان لا تجوز عنانا
كانت أو مفاوضة لان المقصود من الشركة الربح وذلك بواسطة التصرف ولا يمكن في الدين ولا المال الغائب فلا
يحصل المقصود وإنما يشترط الحضور عند الشراء لا عند العقد لان عقد الشركة يتم بالشراء فيعتبر الحضور عنده حتى
لو دفع إلى رجل ألف درهم فقال له اخرج مثلها واشتر بهما وبع فما ربحت يكون بيننا فأقام المأمور البينة انه فعل ذلك
جاز وان لم يكن المال حاضرا من الجانبين عند العقد لما كان حاضرا عند الشراء وهل يشترط خلط المالين وهو خلط
الدراهم بالدنانير أو الدنانير بالدراهم قال أصحابنا الثلاثة لا يشترط وقال زفر يشترط وبه أخذ الشافعي رحمه الله وعلى
هذا الأصل يبنى ما إذا كان المالان من جنسين بأن كان لاحد هما دراهم والآخر دنانير ان الشركة جائز عندنا
خلافا لهما وكذلك إذا كانا من جنس واحد لكن بصفتين مختلفتين كالصحاح مع المكسرة أو كانت دراهم أحدهما
بيضاء والآخر سوداء وعلة ذلك في شركة العنان فهو على هذا الخلاف وروى عن زفر ان الخلط شرط في المفاوضة
لا في العنان ولكن الطحاوي ذكر انه شرط فيهما عند زفر (وجه) قوله إن الشركة تنبئ عن الاختلاط والاختلاط
لا يتحقق مع تميز المالين فلا يتحقق معنى الشركة ولان من أحكام الشركة ان الهلاك يكون من المالين وما هلك قبل
الخلط من أحد المالين يهلك من مال صاحبه خاصة وهذا ليس من مقتضى الشركة (ولنا) ان الشركة تشتمل على
الوكالة فما جاز التوكيل به جازت الشركة فيه والتوكيل جائز المالين قبل الخلط كذا الشركة (وأما) قوله الشركة
تنبئ عن الاختلاط فمسلم لكن على اختلاط رأسي المال أو على اختلاط الربح فهذا مما لا يتعرض له لفظ الشركة
فيجوز أن يكون تسميته شركة لاختلاط الربح لا لاختلاط رأس المال واختلاط الربح يوجد وان اشترى كل
واحد منهما بمال نفسه على حدة لان الزيادة وهي الربح تحدث على الشركة (وأما) ما هلك من أحد المالين قبل
الخلط فإنما كان من نصيب صاحبه خاصة لان الشركة لا تتم الا بالشراء فما هلك قبله هلك قبل تمام الشركة فلا تعتبر
حتى لو هلك بعد الشراء بأحدهما كان الهالك من المالين جميعا لأنه هلك بعد تمام العقد (وأما) تسليم رأس مال كل
واحد منهما إلى صاحبه وهو التخلية بين ماله وبين صاحبه فليس بشرط في العنان والمفاوضة جميعا وانه شرط لصحة
المضاربة والفرق بينهما يذكر في كتاب المضاربة (ومنها) ما هو مختص بالمفاوضة وهو أن يكون لكل من الشريكين
أهلية الكفالة بأن يكونا حرين عاقلين لان من أحكام المفاوضة ان كل ما يلزم لأحدهما من حقوق ما يتجران فيه يلزم
60

الآخر ويكون كل واحد منهما فيما وجب على صاحبه بمنزلة الكفيل عنه لما نذكر فلا بد من أهلية الكفالة وشرائط
أهلية الكفالة تطلب من كتاب الكفالة (ومنها) المساواة في رأس المال قدرا وهي شرط صحة المفاوضة بلا خلاف
حتى لو كان المالان متفاضلين قدرا لم تكن مفاوضة لان المفاوضة تنبئ عن المساواة فلا بد من اعتبار المساواة فيها
ما أمكن وكذا قيمة في الرواية المشهورة حتى لو كان أحدهما صحاحا والآخر مسكرة أو كان أحدهما ألفا بيضاء الآخر
ألفا سوداء وبينهما فضل قيمة في الصرف لم تجز المفاوضة في الرواية المشهورة لان زيادة القيمة بمنزلة زيادة الوزن فلا
تثبت المساواة التي هي من مقتضى العقد وروى إسماعيل بن حماد عن أبي يوسف ان احدى الألفين إذا كانت
أفضل من الأخرى جاز وكانت مفاوضة لان الجودة في أموال الربا لا قيمة لها شرعا عند مقابلتها بجنسها فسقط اعتبار
الجودة فصار كأنهما على صفة واحدة وهل تشترط المجانسة في رأس المال بأن يكون كل واحد منهما دراهم أو يكون كل
واحد منهما دنانير فعلى الرواية المشهورة لا تشترط حتى لو كان أحدهما دراهم والآخر دنانير جازت المفاوضة في الرواية
المشهورة بعدان استويا في القيمة ولا خلاف في أنهما إذا لم يستويا في القيمة لم تكن مفاوضة وروى عن أبي حنيفة
عليه الرحمة انه لا تكون مفاوضة وان استويا في القيمة (وجه) هذه الرواية ان عند اختلاف الجنس لا تعرف المساواة
بينهما في القيمة لان القيمة تعرف بالحزر والظن وتختلف باختلاف المقومين فلا تعرف بالمساواة والصحيح هو
الرواية المشهورة لأنها من جنس الأثمان فكانت المجانسة ثابتة في الثمنية (ومنها) أن لا يكون لا حد المتفاوضين
ما تصح فيه الشركة ولا يدخل في الشركة فإن كان لم تكن مفاوضة لان ذلك يمنع المساواة وان تفاضلا في الأموال التي
لا تصح فيها الشركة كالعروض والعقار والدين جازت المفاوضة وكذا المال الغائب لان مالا تنعقد عليه الشركة
كان وجوده والعدم بمنزلة وكان التفاضل فيه كالتفاضل في الأزواج والأولاد (ومنها) المساواة في الربح في المفاوضة
فان شرطا التفاضل في الربح لم تكن مفاوضة لعدم المساواة (ومنها) العموم في المفاوضة وهو أن يكون في جميع
التجارات ولا يختص أحدهما بتجارة دون شريكه لما في الاختصاص من ابطال معنى المفاوضة وهو المساواة وعلى
هذا يخرج قول أبي حنيفة ومحمد عليهما الرحمة انه لا تجوز المفاوضة بين المسلم وبين الذمي لان الذمي يختص بتجارة
لا يجوز ذلك للمسلم وهي التجارة في الخمر والخنزير فلم يستويا في التجارة فلا يتحقق معنى المفاوضة وعند أبي يوسف
يجوز لاستوائهما في أهلية الوكالة والكفالة وتجوز مفاوضة الذميين لاستوائهما في التجارة (وأما) مفاوضة المسلم
والمرتد ذكر الكرخي انها غير جائزة وكذا روى عيسى بن أبان عن أبي حنيفة رحمه الله لان تصرفات المرتد متوقفة عنده
لوقوف أملاكه فلا يساوى المسلم في التصرف فلا تجوز كما لا تجوز بين المسلم والذمي وذكر محمد في الأصل وقال
قياس قول أبى يوسف انه يجوز يعنى قياس قوله في الذمي ولأبي يوسف انه يفرق بينهما من حيث إن ملك المرتد
ناقص لكونه على شرف الزوال ألا ترى ان قاضيا لو قضى ببطلان تصرفه وزوال ملكه ينفذ قضاؤه وإذا كان ناقص
الملك والتصرف نزل منزلة المكاتب بخلاف الذمي ولو فاوض مسلم مرتدة ذكر الكرخي انها لا تجوز وقال القدوري
رحمه الله وهو ظاهر على أصل أبي حنيفة ومحمد لان الكفر عند هما يمنع انعقاد المفاوضة بين المسلم والكافر (وأما)
أبو يوسف فالكفر عنده غير مانع وإنما المانع نقصان الملك والتصرف وهذا لا يوجد في المرأة وأما مفاوضة المرتدين
أو شركتهما شركة العنان فذلك موقوف عند أبي حنيفة على ما أصله في عقود المرتد انها موقوفة فان أسلما جاز عقدهما
وان قتلا على ردتهما أو ماتا أو لحقا بدار الحرب بطل (وأما) على قولهما فشركة العنان جائزة لان عقود هما نافذة
(وأما) مفاوضتهما فقد ذكر القدوري رحمه الله وقال ينبغي أن لا يجوز أما عند أبي يوسف فلان نقصان الملك يمنع
المفاوضة كالمكاتب وملكهما ناقص لما ذكرنا فصارا كالمكاتبين (وأما) عند محمد فلان المرتد عنده بمنزلة المريض
مرض الموت كفالة المريض مرض الموت لا تصح الا من الثلث والمفاوضة تقتضي جواز الكفالة على الاطلاق
وان شارك مسلم مسلما ثم ارتد أحدهما فان قتل أو مات أو لحق بدار الحرب بطلت الشركة وان رجع قبل ذلك فهما
61

على الشركة لأنه إذا قتل أو مات أو لحق بدار الحرب زالت أملاكه عند أبي حنيفة من حين ارتد فكأنه مات فبطلت
شركته وان أسلم فقد زال التوقف وجعل كان الردة لم تكن ولهذا قال أبو حنيفة ان المرتد منهما إذا أقر ثم قتل لم يلزم
اقراره شريكه لان الملك يحكم بزواله من وقت الردة فقد أقر بعد بطلان الشركة (وأما) على قولهما فاقراره جائز على
شريكه وكذا بيعه وشراؤه لان الشركة عندهما إنما بطلت بالقتل أو باللحاق فكانت باقية قبل ذلك فنفذ تصرفه واقراره
ويكره للمسلم ان يشارك الذمي لأنه يباشر عقود الا تجوز في الاسلام فيحصل كسبه من محظور فيكره ولهذا كره
توكيل المسلم الذمي ولو شاركه شركة عنان جاز كما لو وكله (ومنها) لفظ المفاوضة في شركة المفاوضة كذا روى
الحسن عن أبي حنيفة انه لا تصح شركة المفاوضة الا بلفظ المفاوضة وهو قول أبى يوسف ومحمد لان للمفاوضة شرائط
لا يجمعها الا لفظ المفاوضة أو عبارة أخرى تقوم مقامها والعوام قلما يقفون على ذلك وهذه العقود في الأعم الأغلب
تجرى بينهم فإن كان العاقد ممن يقدر على استيفاء شرائطها بلفظ آخر يصح وان لم يذكر لفظها لان العبرة في العقود
لمعانيها لا عين الألفاظ وفي كل موضع فقد شرط من الشروط بالمفاوضة كانت الشركة عنانا لان المفاوضة تضمنت
العنان وزيادة فبطلان المفاوضة لا يوجب بطلان العنان ولان فقد شرط في عقد إنما يوجب بطلانه إذا كان العقد
ما يقف صحته عليه ولا يقف صحة العنان على هذه الشرائط ففقد انها لا يوجب بطلانه (وأما) شركة العنان فلا يراعى لها
شرائط المفاوضة فلا يشترط فيها أهلية الكفالة حتى تصح ممن لا تصح كفالته من الصبي المأذون والعبد المأذون
والمكاتب والا المساواة بين رأس المال فيجوز مع تفاضل الشريكين في رأس المال ومع أن يكون لأحدهما مال آخر
يجوز عقد الشركة عليه سوى رأس ماله الذي شاركه صاحبه فيه ولا أن يكون في عموم التجارات بل يجوز عاما وهو ان
يشتركا في عموم التجارات وخاصا وهو أن يشتركا في شئ خاص كالبز والخز والرقيق والثياب ونحو ذلك لان اعتبار
هذه الشرائط في المفاوضات لدلالة اللفظ عليها وهو معنى المساواة ولم يوجد في العنان ولا لفظة المفاوضة لان اعتبارها
في المفاوضة لدلالتها على شرائط مختصة بالمفاوضة ولم يشترط في العنان فلا حاجة إلى لفظ المفاوضة ولا إلى لفظة العنان
أيضا لان كل أحد يقدر على لفظ يودى معناه بخلاف المفاوضة ولا المساواة في الربح فيجوز متفاضلا ومتساويا لما قلنا
والأصل ان الربح إنما يستحق عندنا اما بالمال واما بالعمل واما بالضمان أما ثبوت الاستحقاق بالمال فظاهر لان الرج
نماء رأس المال فيكون لمالكه وهذا استحق رب المال الربح في المضاربة واما بالعمل فان المضارب يتسحق الربح بعمله
فكذا الشريك وأما بالضمان فان المال إذا صار مضمونا على المضارب يستحق جميع الربح ويكون ذلك بمقابلة الضمان
خراجا بضمان بقول النبي عليه الصلاة والسلام الخراج بالضمان فإذا كان ضمانه عليه كان خراجه له والدليل عليه ان
صانعا تقبل عملا بأجر ثم لم يعمل بنفسه ولكن قبله لغيره بأقل من ذلك طاب له الفضل ولا سبب لاستحقاق الفضل
الا الضمان فثبت ان كل واحد منهما سبب صالح لاستحقاق الربح فإن لم يوجد شئ من ذلك لا يستحق بدليل ان من
قال لغيره تصرف في ملك على أن لي بعض ربحه لم يجز ولا يستحق شيئا من الربح لأنه لا مال ولا عمل ولا ضمان إذا
عرف هذا فنقول إذا شرطا الربح على قدر المالين متساويا أو متفاضلا فلا شك انه يجوز ويكون الربح بينهما على الشرط
سواء شرطا العمل عليهما أو على أحدهما والوضيعة على قدر المالين متساويا ومتفاضلا لان الوضيعة اسم لجزء هالك
من المال فيتقدر بقدر المال وإن كان المالان متساويين فشرطا لا حدهما فضلا على ربح ينظر ان شرط العمل عليهما
جميعا جاز والربح بينهما على الشرط في قول أصحابنا الثلاثة وعند زفر لا يجوز أن يشترط لأحدهما أكثر من ربح مال
وبه أخذ الشافعي رحمه الله ولا خلاف في شركة الملك ان الزيادة فيها تكون على قدر المال حتى لو شرط الشريكان في
ملك ما شية لأحدهما فضلا من أولادها وألبانها لم تجز بالاجماع والكلام بيننا وبين زفر بناء على أصل وهو ان الربح
عنده لا يستحق الا بالمال لأنه نماء الملك فيكون على قدر المال كالأولاد والألبان (وأما) عندنا فالربح تارة يستحق
بالمال وتارة بالعمل وتارة بالضمان على ما بينا وسواء عملا جميعا أو عمل أحدهما دون الآخر فالربح بينهما يكون على
62

الشرط لان استحقاق الربح في الشركة بالأعمال بشرط العمل لا بوجود العمل بدليل ان المضارب إذا استعان برب
المال استحق الربح وان يوجد منه العمل لوجود شرط العمل عليه والوضيعة على قدر المالين لما قلنا وان شرطا
العمل على أحدهما فان شرطاه على الذي شرطا له فضل الربح جاز والربح بينهما على الشرط فيستحق ربح رأس ماله
بماله والفضل بعمله وان شرطاه على أقلهما ربحا لم يجز لان الذي شرطا له الزيادة ليس له في الزيادة مال ولا عمل ولا
ضمان وقد بينا ان الربح لا يستحق الا بأحد هذه الأشياء الثلاثة وإن كان المالان متفاضلين وشرطا التساوي في الربح
فهو على هذا الخلاف ان ذلك جائز عند أصحابنا الثلاثة إذا شرطا العمل عليهما وكان زيادة الربح لا حدهما على قدر رأس
ماله بعمله وانه جائز وعلى قول زفر لا يجوز ولا بدأن يكون قدر الربح على قدر رأس المالين عنده وان شرطا العمل
على أحدهما فان شرطاه على الذي رأس ماله أقل جاز ويستحق قدر ربح ماله بماله والفضل بعمله وان شرطاه على
صاحب الأكثر لم يجزلان زيادة الربح في حق صاحب الأقل لا يقابلها مال ولا عمل ولا ضمان (وأما) العلم بمقدار رأس
المال وقت العقد فليس بشرط لجواز الشركة بالأموال عندنا وعند الشافعي رحمه الله شرط (وجه) قوله إن جهالة قدر
رأس المال تؤدى إلى جهالة الربح والعلم بمقدار الربح شرط جواز هذا العقد فكان العلم بمقدار رأس المال شرطا (ولنا)
ان الجهالة لا تمنع جواز العقد لعينها بل لا فضائها إلى المنازعة وجهالة رأس المال وقت العقد لا تفضى إلى المنازعة لأنه يعلم
مقداره ظاهر أو غالبا لان الدراهم والدنانير توزنان وقت الشراء فيعلم مقدار ها فلا يؤدى إلى جهالة مقدار الربح وقت
القسمة (وأما) الشركة بالاعمال فاما المفاوضة منها (فمن) شرائطها أهلية الكفالة (ومنها) التساوي في الاجر (ومنها)
مراعاة لفظ المفاوضة لما ذكرنا في الشركة بالأموال اما العنان منها فلا يشترط لها شئ من ذلك وإنما تشترط أهلية التوكيل
فقط كذا روى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمها الله أنه قال ما تجوز فيه الوكالة تجوز فيه الشركة ومالا تجوز فيه الوكالة
لا تجوز فيه الشركة وعلى هذا تخرج الشركة بالاعمال في المباحات من الصيد والحطب والحشيش في البراري وما يكون
في الجبال من الثمار وما يكون في الأرض من المعادن وما أشبه ذلك بان اشتركا على أن يصيد أو يحتطبا أو يحتشا أو
يستقيا الماء ويبيعانه على أن ما أصاب من ذلك فهو بينهما ان الشركة فاسدة لان الوكالة لا تنعقد على هذا الوجه ألا
ترى انه لو وكل رجلا ليعمل له شيئا من ذلك لا تصح الوكالة كذا الشركة فان تشاركا فأخذ كل واحد منهما شيئا من
ذلك منفردا كان المأخوذ ملكا له لان سبب ثبوت الملك في المباحات الاخذ والاستيلاء وكل واحد منهما انفرد
بالاخذ والاستيلاء فينفرد بالملك وان أخذاه جميعا معا كان المأخوذ بينهما نصفين لاستوائهما في سبب الاستحقاق
فيستويان في الاستحقاق فان أخذ كل واحد منهما على الانفراد ثم خلطاه وباعاه فإن كان مما يكال أو يوزن يقسم
الثمن بينهما على قدر الكيل والوزن وإن كان مما لا يكال ولا يوزن قسم التمن بينهما بالقيمة يضرب كل واحد منهما
بقيمة الذي له لان المكيل والموزون من الأشياء المتماثلة فتمكن قسمة الثمن بينهما على قدر الكيل والوزن فاما غير
المكيل والموزون من الأشياء المتفاوتة فلا يمكن قسمة الثمن على عينها فيقسم على قيمتها وان لم يعلم الكيل والوزن
والقيمة يصدق كل واحد منها فيما يدعيه إلى النصف من ذلك مع اليمين على دعوى صاحبه لان الشئ في أيديهما
واليد دليل الملك من حيث الظاهر والتساوي في دليل الملك يوجب التساوي في الملك فان ادعى أكثر من النصف
لا يقبل قوله الا ببينة فان عمل أحدهما وأعانه الآخر في عمله بالجمع والربط فذلك كله للعامل ولا شئ للمعين لوجود
السبب من العامل دون المعين وللمعنى أجر مثله لا يجاوز به قدر المسمى له من النصف والثلث ونحو ذلك في قول أبى
يوسف وقال محمد له أجر مثله بالغا ما بلغ (اما) وجوب أجر المثل للمعين فلأنه استوفى منفعته بعقد فاسد وانه يوجب
أجر المثل ثم قال أبو يوسف لا يجاوز به قيمة ما سمى وقاسه على سائر الإجارات الفاسدة لأنه لا يزاد على المسمى
هناك كذا هذا هنا والجامع بينهما انه رضى بأنه لا يكون له زيادة على المسمى فلا يستحق وصار كمن قال لرجل بع هذا
الثوب على أن لك نصف ثمنه فباعه كان له أجر المثل لا يجاوز به نصف الثمن كذا هذا وفرق محمد بين هذا وبين سائر
63

الإجارات الفاسدة بان المسمى هناك قدر معلوم من الأجرة فكان الرضا به اسقاطا لما زاد عليه والمسمى هنا ليس
بمعلوم بل هو معدوم لأنه ما سمى الا نصف الحطب أو ثلثه والرضا بغير المعلوم لا يتحقق فلم تكن هذه التسمية مسقطة
الزيادة على المسمى من أجر مثله وعلى هذا الاختلاف المضاربة الفاسدة إذا ربح المضارب فيها ان له أجر مثله
لا يتجاوز به المسمى من الربح في قول أبى يوسف وان لم يكن له ربح فلا شئ له وعند محمد له أجر مثله بالغا ما بلغ ربح أولم
يرجع وستأتي المسألة في كتاب المضاربة ولو أن رجلا أجلس في دكانه رجلا يطرح عليه العمل بالنصف فالقياس
ان لا تجوز هذا الشركة لأنها شركة العروض لان من أحدهما العمل ومن الآخر الحانوت والحانوت من العروض
وشركة العروض غير جائزة وفي الاستحسان جائزة لأن هذه شركة الاعمال لأنها شركة التقبل وتقبل العمل من
صاحب الحانوت عمل وشركة الاعمال جائزة بلا خلاف بين أصحابنا لا ن مبناها على الوكالة والوكالة على هذا الوجه
جائزة بان يوكل خياط أو قصار وكيلا يتقبل له عمل الخياطة والقصارة وكذا يجوز لكل صانع يعمل بأجر أن يوكل
وكيلا يتقبل العمل فإن كان لهما كلب فأرسلاه جميعا كان ما أصاب بينهما لاستوائهما في سبب الاستحقاق ولو كان
الكلب لأحدهما وكان في يده فأرسلاه جميعا فما أصاب الكلب فهو لصاحبه خاصة لان ارسال الأجنبي لا عبرة به مع
ارسال المالك فكان ملحقا بالعدم كان الملك أرسله وحده وإن كان لك واحد منها كلب فأرسل كل واحد منهما
كلبه فأصابا صيدا واحدا كان بينهما نصفين لأنهما تساويا في سبب الاستحقاق وان أصاب كلب كل واحد منهما
صيدا على حدة كان له خاصة لأنه ملكه بفعله فاختص به ولى هذا يخرج ما إذا اشترك رجلان ولا حدهما بغل
وللآخر بعير على أن يؤاجرا ذلك فما رزق الله تعالى من شئ فهو بينهما فأجراهما بأجر معلوم في عمل معلوم وحمل
معلوم ان هذه الشركة فاسدة ويقسم الاجر بينهما على مثل أجر البغل ومثل أجر البعير اما فساد الشركة فلان الوكالة
على هذا الوجه لا تصح ألا ترى ان من قال لآخر أجر بعيرك على أن تكون الأجرة بيننا لا تصح الوكالة كذا الشركة
ولان الشركة لا تصح في أعيان الحيوان فكذا في منافعها وأما قسمة الاجر بينهما على مثل أجر البغل ومثل أجر
البعير فلان الشركة إذا فسدت فالإجارة صحيحة لأنها وقعت على منافع معلومة ببدل معلوم ومن حكم الأجرة أن تقسم
على قيمة المنافع كما يقسم الثمن على قيمة المبيعين المختلفين وان لم يؤاجر البغل والبعير ولكنهما تقبلا حمولة معلومة ببدل
معلوم فحملا الحمولة على ذلك فالاجر بينهما نصفين لأن هذه شركة العمل لان الحمل صار مضمونا عليهما بالعقد بمنزلة
عمل الخياطة والقصارة فكان البدل بينهما على قدر الضمان وقد تساويا في الضمان فيتساويا في الأجرة ولا عبرة بزيادة
حمل البعير على البغل كما لا عبرة بكثرة عمل أحد الشريكين في شركة الصنائع لان البدل يقابل الضمان والبغل والبعير
هنا آلة ايفاء العمل ولو آجر البعير بعينه كانت أجرته لصاحبه لا لصاحب البغل وكذا إذا آجر البغل بعينه كانت
الأجرة لصاحب البغل لا لصاحب البعير لأن العقد وقع على منافع البعير والبغل باذن مالكهما فكانت الأجرة له فإن كان
الآجر أعانه على المحمولة والنقل إن كان للذي أعانه أجر مثله لأنه استوفى منفعة شريكه بعقد فاسد ثم عند أبي
يوسف لا يجاوز به نصف الاجر الذي آجر به في قول أبى يوسف وقال محمد له أجر مثله بالغا ما بلغ على ما ذكرنا في
شركة الاحتطاب قصاران لأحدهما أداة القصارة وللآخر بيت اشتركا على أن يعملا بأداة هذا في بيت هذا على أن
التكسب بينهما نصفإن كان ذلك جاز أو كذلك الصاغة والخياطون والصباغون لان الاجر هنا بدل عن العمل لاعن
الآلة وقد صار العمل مضمونا عليهما فكان بدله لهما وكان أحدهما معينا للآخر بنصف الآلة والآخر معينا له
بنصف الدكان وهو نظير المسألة المتقدمة وهي ان يتقبلا حمولة ويحملاها على دابتهما ولو اشتركا ولا حدهما دابة
وللآخر اكاف وجوالقان على أن يؤاجر الدابة على أن أجرهما بينهما نصفين كانت الشركة فاسدة وأجر الدابة
لصاحبها وللآخر معه أجر مثله في قولهم جميعا اما فساد الشركة فلما ذكرنا ان الوكالة على هذا الوجه لا تصح كذا الشركة
واما الاجر فلانه بدل منافع الدابة فكانت لصاحبها وقد استوفى منافع آلة الاخر بعقد فاسد فكان عليه أجر مثلها
64

ولو دفع دابة إلى رجل ليؤاجرها على أن الاجر بينهما كان ذلك فاسدا والاجر لصاحب الدابة وللاجر أجر مثله
وكذلك السفينة والبيت لان الوكالة على هذا الوجه لا تصح فلا تصح الشركة والاجر لصاحب الدابة لان العاقد عقد
على ملك غيره بأمره وللرجل أجر مثله لان صاحب الدابة استوفى منافعها بعقد فاسد ولو كان دفع إليه الدابة ليبيع
عليها الطعام على أن الربح بينهما نصفإن كان فاسدا والربح لصاحب المتاع ولصاحب الدابة أجر مثلها وكذا البيت
لان الكسب حصل بعمله وقد استوفى منفعة الدابة بعقد فاسد فكان عليه أجرها ولا يشترط لصحة هذه الشركة
اتفاق العمل ويجوز ان اتفقت اعمالها أو اختلفت كالخياط مع القصار ونحو ذلك وهذا قول أصحابنا وقال زفر لا تجوز
هذه الشركة الا عند اتفاق الصنعة كالقصارين والخياطين بناء على أن الشركة تجوز بالمالين المختلفين عندنا كذا
بالعملين المختلفين وعنده لا تجوز بالمالين المختلفين فكذا بالعملين المختلفين والصحيح قولنا لا استحقاق الاجر في
هذه الشركة بضمان العمل والعمل مضمون عليهما اتفق العملان أو اختلفا والله عز وجل أعلم (وأما) الشركة بالوجوه
فشرط المفاوضة منها أن يكونا من أهل الكفالة (ومنها) أن يكون الثمن بمشترك على كل واحد منهما
نصفه وأن يكون المشترى بينهما نصفين وأن يكون الربح بينهما نصفين (ومنها) أن يتلفظا بلفظ المفاوضة لما فصلنا فيما
تقدم بتمامه (وأما) شركة العنان منها فلا يشترط لها أهلية الكفالة والا المساواة بينهما في ملك المشتري حتى لو اشتركا
بوجوههما على أن يكون ما اشتريا أو أحدهما بينهما نصفين أو أثلاثا أو أرباعا وكيف ما شرطا على التساوي والتفاضل
كان جائز أو ضمان ثمن المشترى بينهما على قدر ملكيهما في المشترى والربح بينهما على قدر الضمان فان شرطا لأحدهما
فضل ربح على حصته من الضمان فالشرط باطل ويكون الربح بينهما على قدر ضمانهما ثمن المشترى لان الربح في هذه
الشركة إنما يستحق بالضمان فيتقدر بقدر الضمان فإذا شرط لأحدهما أكثر من حصته من الضمان ونصيبه من الملك
فهو شرط ملك من غير ربح ولا ضمان فلا يجوز فان قيل الربح كما يستحق بالملك والضمان يستحق بالعمل فجاز أن
يستحق زيادة الربح بزيادة العمل كالمضارب والشريك شركة العنان فالجواب ان هذا مسلم إذا كان العمل في مال
معلوم كما في المضاربة وشركة العنان ولم يوجد هنا فلا يستحق كمن قال لآخر ادفع إليك ألفا مضاربة على أن تعمل فيها
بالنصف ولم يعين الألف انه لا تجوز المضاربة لأنه لم يشترط العمل في مال معين
(فصل) وأما حكم الشركة فاما شركة الاملاك فحكمها في النوعين جميعا واحد وهو ان كل واحد من الشريكين
كأنه أجنبي في نصيب صاحبه لا يجوز له التصرف فيه بغير اذنه لأن المطلق للتصرف الملك أو الولاية ولا لكل واحد
منهما في نصيب صاحبه ولاية بالوكالة أو القربة ولم يوجد شئ من ذلك وسواء كانت الشركة في العين أو الدين لما قلنا
ولو كان بين رجلين دين على رجل من ثمن عبد باعاه اما بألف درهم أو ألف بينهما أقرضاه إياه أو استهلك الرجل عليهما
شيئا قيمته ألف درهم أو ورثا دينا لرجل واحد عليه فقبض أحدهما نصيبه أو بعض نصيبه فللآخر أن يشاركه
فيأخذ منه نصف ما قبضه والأصل في هذا ان الدين المشترك الثابت للشريكين بسبب واحد إذا قبض أحدهما شيئا
منه فللآخر أن يشاركه في المقبوض لان المقبوض مقبوض من النصيبين إذ لو جعل لأحدهما لكان ذلك قسمة
الدين قبل القبض وانه غير جائز لان معنى القسمة وهو التمييز لا يتحقق فيما في الذمة فلا يتصور فيه القسمة ولهذا لم تصح
قسمة العين من غير تمييز كصبرة من طعام بين شريكين قال أحدهما لصاحبه خذ منها لك هذا الجانب ولى هذا الجانب
لا يجوز لانعدام التمييز فإذا لم يصح في العين من غير تمييز ففي الدين أولى ولان القسمة فيها معنى التمليك لان ما من
جزأين الا وأحدهما ملكه والآخر ملك صاحبه فكان نصيب كل واحد منهما بعد القسمة بعض ملكه وبعضه
عوضا عن ملكه فكان قسمة الدين تمليك الدين من غير من عليه الدين وانه غير جائز فجعل المقبوض من النصيبين جميعا
لئلا يؤدى إلى ما قلنا وكان له أن يأخذ نصف ما قبضه صاحبه بعينه ليس للقابض أن يمنعه عنه بأن يقول أنا أعطيك
مثل نصف الدين لان نصف المقبوض مقبوض عن نصيبه فكان عين حقه فلا يملك القابض منعه وسواء كان
65

المقبوض مثل حقه أو أجود أو أرد أما اما إذا كان أجود من حقه فلان الجودة لا عبرة بها في الجنس الواحد ألا ترى ان
من عليه الردئ إذا أعطى الجيد يجبر صاحب الدين على القبول فكان قبضه قبضا لعين الحق وإن كان أردأ فقبض
الردئ عن الجيد جائز لأنه من جنس حقه وما قبض الشريك ومن شريكه يكون قدر ذلك للقابض دينا على الغريم
ويكون ما على الغريم بينهما على قدر ذلك من الدين حتى لو كان الدين ألف درهم بينهما فقبض أحدهما خمسمائة فجاء
الشريك فأخذ نصفها كان للقابض ما بقي له على الغريم وذلك مائتان وخمسون وتكون الشركة باقية في الدين كما
كانت لأنه لما أخذ شريكه نصف المقبوض انتقض قبضه في نصف ما قبض وبقى الباقي من دينه على حاله فان
أخرجه القابض عن يده بان وهبه وباعه أو قضى دينا عليه أو استهلكه بوجه من الوجوه فلشريكه أن يضمنه نصف
ما قبض لأنه أتلف عليه ما قبضه من نصيبه فكان له أن يضمنه فإن لم يقبض أحد الشريكين شيئا ولكن أبرأ الغريم
من حصته جازت البراءة ولا يضمن لشريكه شيئا لأنه لم يقبض شيئا من الدين بل أتلف حصته لاغير فلا يضمن
فان أبرأه أحدهما عن مائة درهم ثم خرج من الدين شئ اقتسماه بينهما على قدر مال كل واحد منهما على الغريم فيكون
المقبوض بينهما على تسعة أسهم لان أحدهما لما أبرأ الغريم من مائة درهم بقي له من الدين أربعمائة ولشريكه
خمسمائة فيضر بان في قدر المقبوض بتسعة أسهم وكذلك إذ كانت البراءة بعد القبض قبل أن يقتسما لان القسمة
تقع على قدر حقهما فان اقتسما المقبوض نصفين ثم أبرأ أحدهما الغريم من مائة درهم فالقسمة ماضية ولا ينقض ابراؤه
بعد القسمة شيئا مما اقتسماه لأنهما اقتسما وملكهما سواء فزوال المساواة بعد ذلك لا يقدح في القسمة ولو لم يقبض
أحدهما شيئا ولكن اشترى بنصيبه ثوبا من الغريم فللشريك أن يضمنه نصف ثمن الثواب ولا سبيل له على الثوب
لأنه إنما اشترى الثوب بثمن في ذمة الغريم لا بماله في ذمة الغريم لأنه كما اشترى وجب ثمن الثوب في ذمته وله في ذمة
الغريم مثله فصار ما في ذمته قصاصا بدينه فصار كأنه قبض نصف الدين فلا يكون له على الثوب سبيل فان اجتمعا
جميعا على الشركة في الثوب فهو جائز لأنه قد وجب عليه نصف ثمنه فإذا سلم له نصفه بذلك ورضى شريكة به صار كأنه
باع نصف الثوب منه فإن لم يشتر بحصته شيئا ولكن صالحه من حقه على ثوب وقبضه ثم طالبه شريكه بما قبض فان
القابض بالخيار ان شاء سلم إليه نصف الثوب وان شاء أعطاه مثل نصف حقه من الدين والخيار في ذلك إلى القابض
لان الصلح لم يوجب شيئا على المصالح لأنه عقد تبرع بمنزلة الهبة والابراء بخلاف الشراء الا أنه قبض ثوبا عن الدين
المشترك فكان له أن يسلم نصفه إلى الشريك وله أن يقول أنا أعطيك نصف حقك من الدين لأنه لاحق لك فيما زاد
على ذلك وللشريك في هذه الوجوه كلها أن يسلم للشريك ما قبضه ويرجع بدينه على الغريم لان من حجته أن يقول ديني
قد ثبت عليك بعقد المداينة فتسليمك إلى غيري لا يسقط مالي في ذمتك فان سلم للشريك ما قبض ثم توى
الذي على الغريم فله أن يرجع على الشريك ويكون الحكم في هذه الوجوه كلها كالحكم فيما إذا لم يسم الا وجها واحدا
وهو أنه إذا أراد أن يأخذ من يد صاحبه بعدما قبض من الدراهم بعينها لم يكن له ذلك ولصاحبه أن يمنعه عنها ويعطيه
مثلها لان المقبوض في الأصل كان عن حق مشترك وإنما مسلم به الشريك المقبوض للقابض ليسلم هل ما في ذمة الغريم
فإذا لم يسلم بقي حقه في المقبوض كما كان الا أنه ليس له في هذا الوجه ان يرجع إلى عين تلك الدراهم لأنه اسقط حقه عن
عينها بالتسليم حيث أجاز تملك القابض لها فسقط حقه عن عينها وإنما تجدد له ضمان آخر بتواء مال فثبت ذلك في ذمة
القابض كسائر الديون فان أخر أحدهما نصيبه لم يجز تأخيره في قول أبي حنيفة رحمه الله ويجوز عند أبي يوسف
ومحمد ولا خلاف في أنه لا يجوز تأخيره في نصيب شريكه لأنه لم يملكه ولا تولى هذا العقد فيه وأما في نصيب شريكه
فهو على الخلاف (وجه) قولهما ان نصيبه ملكه فيملك التصرف فيه ولهذا ملك التصرف فيه اسقاطا بالابراء
فالتأخير أولى لأنه دونه ولأبي حنيفة رحمه الله ان تأخير نصيبه قسمة الدين قبل القبض وانها غير جائزة والدليل على
أن التأخبر قسمة الدين انه وجد أثر القسمة وهو انفراد كل واحد من الشريكين بنصيبه على وجه لا يكون للآخر فيه
66

حق وقسمة الدين قبل القبض لا تجوز لأنه لا يحتمل معنى القسمة وهو التمييز إذ هو اسم للفعل أو لما حكمي في الذمة
بخلاف الابراء فإنه ليس فيه أثر القسمة ومعناها بل هو اتلاف لنصيبه فان قيل قسمة الدين تصرف في الدين والتأخير
ليس تصرفا في الدين بل في المطالبة بالاسقاط فالجواب ان التأخير تصرف في الدين والمطالبة جميعا لأنه يوجوب تغيير
الدين عما كان عليه لان الدين قبله كان على صفة لو قبض أحدهما نصيبه كان للآخر ان يشاركه فيه وبعد التأخير
لا يبقى له حق المشاركة ما دام الأجل قائما ثم فرع على قولهما فقال إذا قبض الشريك الذي لم يؤخر نصيبه لم يكن للذي
أخر ان يشركه فيما قبض حتى يحل دينه فان حل دينه فله أن يشركه إن كان قائما وإن كان مستهلكا ضمنه صاحبه لان
الأجل يمنع ثبوت المطالبة فلا يكون له حق في المقبوض فإذا حل صار كأنه لم يزل حالا فتثبت له الشركة فإن لم يقبض
الآخر شيئا حتى حل دين الذي أخر عاد الأمر إلى ما كان فما قبض أحدهما من شئ يشركه الآخر فيه لان الدين لما
حل فقد سقط الأجل فصار كما كان قبل التأجيل ولو كان الدين بين شريكين على امرأة فتزوجها أحدهما على نصيبه
من الدين فقد روى بشر عن أبي يوسف ان لشريكه أن يرجع عليه بنصف حقه من ذلك وروى بشر عنه أيضا انه
لا يرجع وهو رواية محمد عن أبي يوسف (وجه) الرواية الأولى ان النكاح أوجب المهر في ذمته وله في ذمتها مثله
فصار قصاصا بدينه فصار كأنه قبض نصف الدين فكان له أن يرجع بنصف حقه كما لو اشترى منها ثوبا بنصيبه من
الدين (وجه) الرواية الأخرى أن من شرط وجوب المان عليه لشريكه أن يسلم له ما يحتمل المشاركة ولم يوجد
فلا يضمن لشريكه كما لو أبرأها عن نصيبه ولو استأجر أحد الشريكين الغريم بنصيبه فان شريكه يرجع عليه في قولهم
جميعا لان الأجرة في مقابلتها بدل مضمون بالعقد فأشبه البيع وكذا الذي سلم له وهو المنفعة قابل للشركة فكان له أن
يضمنه وروى بشر عن أبي يوسف ان أحد الطالبين إذا شج المطلوب موضحة عمدا فصالحه على حصته لا يلزمه
شئ لشريكه لأنه لم يسلم له ما تمكن المشاركة فيه لان الصلح عن جناية عمد ليس في مقابلته بدل مضمون فلم يسم ما تصح
المشاركة فيه فلا يلزمه شئ واما إذا استهلك أحد الطالبين على المطلوب مالا فصارت قيمته قصاصا بدينه أو اقترض
منه شيئا بقدر نصيبه من الدين فلشريكه أن يرجع عليه لان قدر القرض وقيمة المستهلك صار قصاصا بدينه
والاقتصاص استيفاء الدين من حيث المعنى فصار كأنه استوفى حقه ولو كان وجب للمطلوب على أحد الطالبين دين
بسبب قبل أن يجب لهما عليه الدين فصار ما عليه قصاصا بمالا حد الطالبين فلا ضمان على الذي سقط عنه الدين
لشريكه لأنه ما استوفى الدين بل قضى دينا كان عليه إذ الأصل في الدينين إذا التقيا قصاصا أن يصير الأول مقتضيا
بالثاني لأنه كان واجب القضاء قبل الثاني وإذا لم يكن مستوفيا للدين لم يكن له المشاركة إذا المشاركة تثبت في القدر
المستوفى وذكر ابن سماعة في نوادره عن محمد لوان أحد الغريمين اللذين لهما المال قتل عبد المطلوب فوجب عليه
القصاص فصالحه المطلوب على خمسمائة درهم كان ذلك جائزا وبرئ من حصة القاتل من الدين وكان لشريك القاتل
أن يشركه فيأخذ منه نصف الخمسمائة وكذلك لو تزوج المرأة الغريمة على خمسمائة مرسلة أو استأجر الغريم بخمسمائة
مرسلة فرق بين هذا وبين ما إذا صالح على نفس الدين أو تزوج به (ووجه) الفرق ان العقد هنا وهو الصلح والنكاح
وقع على ما في الذمة وانه يوجب المقاصة فكان استيفاء الدين معنى بمنزلة الاستيفاء حقيقة بخلاف الصلح على نفس
الدين التزوج به فان العقد هناك ما وقع على ما في الذمة مطلقا الا ترى ان العقد هنا أضيف إلى نفس الدين فلم تقع
المقاصة ولم يسلم له أيضا ما يحتمل الاشتراك فيه فلا يرجع وذكر علي بن الجعد عن أبي يوسف انه لو مات المطلوب
وأحد الشريكين وارثه وترك مالا ليس فيه وفاء اشتركا بالحصص لان الدين يمنع انتقال الملك إلى الورثة لقوله تعالى
من بعد وصية يوصى بها أو دين رتب الميراث على الدين فلم ينتقل الملك إلى الوارث فلا يسقط دينه وكان دين الوارث
والأجنبي سواء ولو أعطى المطلوب لأحدهما رهنا بحصته فهلك الرهن عنده فلشريكه أن يضمنه لان قبض الرهن
قبض استيفاء وبهلاك الرهن يصير مستوفيا للدين حكما فكان كالاستيفاء حقيقة ولو غصب أحد الشريكين من
67

المطلوب عبدا فمات عنده فلشريكه أن يضمنه لأنه صار ضامنا لقيمة العبد من وقت الغصب فهلك المغصوب من
ذلك الوقت بطريق الظهور والاستناد ولو ذهبت احدى عيني العبد بآفة سماوية في ضمان الغاصب فرده لم يرجع
شريكه عليه بشئ لأنه لم يسلم له ما يمكن المشاركة فيه لأنه لم يملك المضمون فلا يضمن لشريكه شيئا بخلاف نفس العبد
لأنه ملكها بالضمان فسلم له ما يمكن المشاركة فيه فيضمن لشريكه وكذلك العبد المرهون إذا ذهبت احدى عينيه بآفة
سماوية وكذا لو اشترى أحد الشريكين من الغريم عبدا بيعا فاسدا وقبضه فمات في يده أو باعه أو أعتقه انه يضمن
لشريكه كما يضمن في الغصب ولو ذهبت عينه بآفة سماوية فرده لم يضمن لشريكه شيئا ويجب ذلك عليه من حصته
من الدين خاصة والله عز وجل أعلم (وأما) شركة العقود فجملة الكلام فيها انها لا تخلو من أن تكون فاسدة أو صحيحة
أما الصحيحة فأما الشركة بالأموال فنبين أحكام العنان منها والمفاوضة وما يجوز لاحد شريكي العنان والمفاوضة ان
يعمله في مال الشركة ومالا يجوز أما العنان فلا حد شريكي العنان أن يبيع مال الشركة لأنهما بعقد الشركة اذن كل
واحد لصاحبه ببيع مال الشركة ولان الشركة تتضمن الوكالة فيصير كل واحد منهما وكيل صاحبه بالبيع ولان
غرضهما من الشركة الربح وذلك بالتجارة وما التجارة الا البيع والشراء فكان اقدامهما على العقد اذنا من كل واحد
منهما لصحابه بالبيع والشراء دلالة وله أن يبيع مال الشركة بالنقد والنسيئة لان الاذن بالبيع مقتضى الشركة وجد
مطلقا ولان الشركة تنعقد على عادة التجار ومن عادتهم البيع نقد أو نسيئة وله أن يبيع بقليل الثمن وكثيره لما قلنا الا بمالا
يتغابن الناس في مثله لان المقصود من العقد وهو الاسترباح لا يحصل به فكان مستثنى من العقد دلالة وذكر القاضي
في شرحه مختصر الطحاوي وجعله على الاختلاف في الوكالة بالبيع مطلقا انه يجوز عند أبي حنيفة وعند هما لا يجوز
ولو باع أحدهما وأجل الآخر لم يجز تأجيله في نصيب شريكه بالاجماع وهل يجوز في نصيب نفسه فهو على الخلاف
الذي ذكرنا في الدين المشترك إذا أخر أحدهما نصيبه هذا إذا عقد أحدهما وأجل الآخر فاما إذا عقد أحدهما ثم أجل
العاقد فلا خلاف في أنه يجوز تأجيله في نصيب نفسه لأنه مالك وعاقد وأما في نصيب شريكه فيجوز تأجيله في قول
أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يجوز والكلام فيه بناء على مسألة الوكيل بالبيع انه يملك تأخير الثمن والابراء
عنه عند هما وعنده لا يملك (ووجه) النباء ظاهر لان العاقد في نصيب الشريك وكيل عنه وهي من مسائل كتاب
الوكالة الا أن هناك إذا أخر يضمن من ماله للموكل عند هما وهنا لا يضمن الشريك العاقد لان الشريك العاقد يملك
أن يقايل البيع ثم يبيعه بنسيئة وإذا لم يقايل وأخر الدين جاز والوكيل بالبيع لا يملك أن يقايل ويبيع بالنسيئة فإذا أخر
يضمن وله يشترى بالنقد والنسيئة لما قلنا في البيع وهذا إذا كان في يده مال ناض للشركة وهو الدراهم والدنانير
فاشترى بالدراهم والدنانير شيئا نسيئة وكان عنده شئ من المكيل والموزون فاشترى بذلك الجنس شيئا نسيئة فاما إذا
لم يكن في يده دراهم ولا دنانير فاشترى بدراهم أو دنانير شيئا كان المشترى له خاصة دون شريكه لأنا لو جعلنا شراءه على
الشركة لصار مستدينا على مال الشركة والشريك لا يملك الاستدانة على مال الشركة من غير أن يؤذن له بذلك
كالمضارب لأنه يصير مال الشركة أكثر مما رضى الشريك بالمشاركة فيه فلا يجوز من غير رضاه وكذلك لو كان عنده
عروض فاشترى بالدراهم والدنانير نسيئة لان العروض لا تصلح رأس مال الشركة فكان الشراء بالأثمان استدانة
بخلاف ما إذا اشترى بها وفي يده مثلها لان ذلك ليس باستدانة وحكى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة انه إذا كان في يد
أحد الشريكين دنانير فاشترى بدراهم جاز وقال زفر لا يجوز بناء على أن زفر يعتبر المجانسة في رأس مال الشركة حقيقة
حتى أبى انعقاد الشركة في الدراهم مع الدنانير لاختلاف الجنس حقيقة فيصير كأنه اشترى بجنس ما في يده صورة
بالدراهم وعنده عروض ونحن نعتبر المجانسة معنى وهو الثمنية وقد تجانسا في الثمنية فصار كأنه اشترى بجنس ما في يده
صورة ومعنى وله أن يبضع مال الشركة لان الشركة تنعقد على عادة التجار والابضاع من عاداتهم ولان له أن يستأجر
من يعمل في البضاعة بعوض فالا بضاع أولى لان استعمال البضع في البضاعة بغير عوض وله أن يودع لان
68

الايداع من عادة التجار ومن ضرورات التجارة أيضا لأنه لا بد للتاجر منه لأنه يحتاج إلى ذلك عند اعتراض أحوال
تقع عادة لان له أن يستحفظ المودع بأجر فبغير أجر أولى وليس له أن يشارك الا أن يؤذن له بذلك لان الشئ
لا يستتبع مثله فان شارك رجلا شركة عنان فما اشتراه الشريك فنصفه له ونصفه للشريكين لأنه إن كان لا يملك
الشركة في حق الشريك يملك التوكيل وعقد الشركة يتضمن التوكيل فكان نصف ما اشتراه بينهما وان اشترى
الشريك الذي لم يشارك فما اشتراه يكون بينه وبين شريكه نصفين ولا شئ للأجنبي فيه لأنه لم يوكله فبقي ما اشتراه على
حكم الشركة وقال الحسن بن زياد إذا شارك أحد شريكي العنان رجلا شركة مفاوضة بغير محضر من شريكه لم تكن
مفاوضة وكانت شركة عنان لان المفاوضة تقتضي فسخ شركة العنان لان المفاوض يجب أن يكون شريكه في كل المال
وذلك لا يصح في حق شريكه فكان ذلك فسخا للشركة وهو لا يملك الفسخ مع غيبته وإن كان بمحضر من صاحبه
صحت المفاوضة وذلك ابطال لشركة العنان لأنه يملك فسخ الشركة مع حضور صاحبه وليس له أن يخلط مال الشركة
بمال له خاصة لان الخلط ايجاب حق في المال فلا يجوز الا في القدر الذي رضى به رب المال وهل له أن يدفع مال الشركة
مضاربة ذكر محمد في الأصل عن أبي حنيفة انه له ذلك وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه ليس له ذلك (وجه)
رواية الحسن ان المضاربة توع شركة لان رب المال مع المضارب يشتركان في الربح وهو لا يملك الشركة باطلاق العقد
فلا يملك المضاربة (وجه) ظاهر الرواية انه يملك أن يستأجر أجيرا يعمل في مال الشركة فلان يملك الدفع مضاربة
أولى لان الأجير يستحق الاجر سواء حصل في الشركة ربح أولم يحصل والمضارب لا يستحق شيئا بعمله الا إذا
كان في المضاربة ربح فلما ملك الاستئجار فلان يملك الدفع مضاربة أولى والاستدلال بالشركة غير سديد لان
الشركة فوق المضاربة لأنها توجب الشركة في الأصل والفرع والمضاربة توجب الشركة في الفرع لا في الأصل
والشئ يستتبع ما هو دونه ولا يستتبع ما هو فوقه أو مثله ولهذا لا يملك المضارب أن يدفع المال مضاربة بمطلق العقد
لان المضاربة مثل المضاربة ويملك التوكيل لأنه دون المضاربة والوكيل لا يملك أن يوكل غيره باطلاق الوكالة لان
الوكالة مثل الوكالة وله أن يعمل في مال الشركة كل ما للمضارب أن يعمله في مال المضاربة وسنذكره في كتاب
المضاربة إن شاء الله تعالى لان تصرف الشريك أقوى من تصرف المضارب وأعم منه فما كان للمضارب أن يعمل
فالشريك أولى وله أن يأخذ مالا مضاربة ويكون ربحه له خاصة لان المضارب يستحق الربح بعمله فيختص به كما
لو آجر نفسه وله أن يوكل بالبيع والشراء استحسانا والقياس أن لا يجوز لان شريكه رضى برأيه ولم يرض برأي غيره
(وجه) الاستحسان ان الشركة تنعقد على عادة التجار والتوكيل بالبيع والشراء من عاداتهم ولأنه من ضرورات
التجارة لان التاجر لا يمكنه مباشرة جميع التصرفات بنفسه فيحتاج إلى التوكيل فكان التوكيل من ضرورات
التجارة بخلاف الوكيل بالشراء لأنه لا يملك أن يوكل غير لأنه لا يملك جميع التصرفات بل لا يملك الا الشراء فيمكنه
مباشرته نفسه فلا ضرورة إلى أن يوكل غيره ولان الشركة أعم من الوكالة والوكالة أخص منها والشئ يستتبع دونه
ولا يستتع مثله وبخلاف ما إذا كانا شريكين في خادم أو ثوب خاصة انه ليس لأحدهما أن يوكل رجلا ببيعه وان
وكل لم يجز في حصة صاحبه لان ذلك شركة ملك وكل واحد من الشريكين في شركة الاملاك أجنبي عن صاحبه
محجور عن التصرف في نصيبه لانعدام المطلق للتصرف وهو الملك والولاية على ما بينا فيما تقدم وله أن يوكل وكيلا
ويدفع إليه مالا ويأمره أن ينفق على شئ من تجارتهما والمال من الشركة لما قلنا إن الشريك يملك التوكيل فكان تصرفه
كتصرف الموكل فان أخرج الشريك الآخر الوكيل يخرج من الوكالة إن كان في بيع أو شراء أو إجارة لان كل واحد
منهما لما ملك التوكيل على صاحبه ملك العزل عليه ولان الموكل وكيل لشريكه فإذا وكل كان لموكل أن يعزل وكيله
وإن كان وكيلا في تقاضى ما داينه فليس للآخر اخراجه لأنه لا يملك ان يوكل شريكه فلا يملك أن يعزل وكيله عنه وله
أن يستأجر أجيرا لشئ من تجارتهما لان الإجارة من التجارة حتى يملكها المأذون في التجارة وهو من عادات التجار
69

أيضا ومن ضرورات التجارة أيضا لان التاجر لا يجد بدا منه ولان المنافع عند ايراد العقد عليها تجرى مجرى الأعيان
فكان الاستئجار بمنزلة الشراء وهو يملك الشراء فيملك الاستئجار والاجر يكون على المستأجر يطالب به دون
شريكه لأنه العاقد لا شريكه وحقوق العقد ترجع إلى العاقد ويرجع على شريكه بنصف الأجرة لأنه وكيله في العقد
وله أن يرهن متاعا من الشركة بدين وجب بعقده وهو الشراء وان يرتهن بما باعه لان الرهن ايفاء الدين والارتهان
استيفاؤه وانه يملك الايفاء والاستيفاء فيملك الرهن والارتهان وذكر محمد في كتاب الرهن إذا رهن أحدهما متاعا من
الشركة بدين عليها لم يجز وكان ضامنا للرهن ولو ارتهن بدين لهما أداناه وقبض لم يجز على شريكه وذلك محمول على ما
إذا رهن أحدهما بدين عليهما وجب بعقدهما لان الرهن ايفاء وكل واحد منهما لا يملك أن يوفى دين الآخر من مال الا
بأمره فلا يملك الرهن والارتهان واستيفاء أحدهما لا يملك استيفاء أحدهما لا يملك استيفاء ثمن ما عقد شريكه لنفسه فلا يملك ارتهانه فان هلك
في يده وقيمته والدين سواء ذهب بحصته لأنه قبض الرهن بعقد فاسد والرهن الفاسد يكون مضمونا كالصحيح
فكان مستوفيا حصته من الدين لأنه كان يملك استيفاء حصته من الدين قبل الارتهان وان وليه غيره فإذا ارتهنه
بجميع ذلك صار مستوفيا لجميع الدين فيصير مستوفيا حصته صورة فذهب الرهن بحصته وشريكه بالخيار ان شاء
رجع بحصته على المطلوب ويرجع المطلوب بنصف قيمة الرهن على المرتهن وان شاء ضمن شريكه حصته من الدين
لان قبض الرهن قبض استيفاء الدين فإذا هلك في يده تقرر استيفاء كل الدين ومن استوفى كل الدين المشترك بغير
اذن شريكه كان لشريكه أن يرجع على الغريم بحصته ويرجع الغريم على القابض بما قبضه لأنه إنما سلم إليه ليملك ما في
ذمته بما سلم ولم يملك فكان له أن يرجع كذا هنا للمطلوب أن يرجع بنصف قيمة الرهن على المرتهن وان شاء الشريك
رجع عليه بنصف دينه لما ذكرنا ان أحد الشريكين إذا استوفى الدين المشترك كله كان للشريك الآخر أن يرجع عليه
بنصيبه وطريق ذلك ان نصف المقبوض وقع للقابض ولشريكه أن يشاركه فيه ومتى شاركه فيه فللقابض أن
يرجع على المطلوب بذلك ثم يشاركه في ذلك أيضا هكذا يستوفى هو ويشاركه الآخر إلى أن يستوفيا الدين طعن
عيسى بن أبان في هذه المسألة وقال يجب أن لا يضمن الشريك نصيب شريكه لان محمدا قال لو قال رجل لرجل أعطني
ورهنا بدين فلان الذي عليك فان أجازه وجاز وان لم يجز فلا ضمان على فأعطاه وهلك الرهن في يده لم يضمن
وهذا الطعن في غير موضعه لان ذلك الرجل جعل الرهن في يد العدل لأنه لما أخذ رهنا لغيره
وشرط أن لا ضمان عليه فقد
صار عدلا وهلاك الرهن في يد العدل لا يوجب الضمان لان قبضه ليس بقبض استيفاء وههنا إنما قبضه للاستيفاء
والرهن المقبوض للاستيفاء مضمون فلم يصح الطعن وله أن يحتال لان الحوالة من أعمال التجارة لان التاجر يحتاج
إليها لاختلاف الناس في الملاءة والافلاس وكون بعضهم أملا من بعض وفي العادة يختار الاملأ فالاملأ فكانت
الحوالة وسيلة إلى الاستيفاء فكانت في معنى الرهن في التوثق للاستيفاء ولان الاحتيال تمليك ما في الذمة بمثله
فيجوز كالصرف وحقوق عقد تولاه أحدهما ترجع إلى العاقد حتى لو باع أحدهما لم يكن للآخر أن يقبض شيئا من
الثمن وكذلك كل دين لزم انسانا بعقد وليه أحدهما ليس للآخر قبضه وللمديون أن يمتنع من دفعه إليه كالمشترى
من الوكيل بالبيع له أن يمتنع عن دفع الثمن إلى الموكل لان القبض من حقوق العقد وحقوق العقد تعود إلى العاقد لان
المديون لم يلتزم الحقوق للمالك وإنما التزما العاقد فلا يلزمه ما لم يلتزمه الا بتوكيل العاقد فان دفع إلى الشريك من غير
توكيل برئ من حصته ولم يبرأ من حصة الداين وهذا استحسان والقياس أن لا يبرأ الدافع (وجه) القياس ان
حقوق العقد لا تتعلق بالقابض بل هو أجنبي عنها وإنما تتعلق بالعاقد فكان الدافع إلى القابض بغير حق فلا يبرأ (وجه)
الاستحسان أنه لا فائدة في نقض هذا القبض إذ لو نقضناه لاحتجنا إلى اعادته لان المديون يلزمه دفعه إلى العاقد
والعاقد يرد حصة الشريك إليه فلا يفيد القبض ثم الإعادة في الحال وهذا على القياس والاستحسان في الوكيل
بالبيع إذا دفع المشترى الثمن إلى الموكل من غير اذن الوكيل لا يطالب الشريك بتسليم المبيع لما قلنا وليس
70

لأحدهما ان يخاصم فيما أدانه الآخر أو باعه والخصومة للذي باع وعليه ليس على الذي لم يل من ذلك شئ فلا يسمع
عليه بينة فيه ولا يستحلف وهو الأجنبي في هذا سواء لان الخصومة من حقوق العقد وحقوق العقد تتعلق بالعاقد
ولو اشترى أحدهما شيئا لا يطالب الآخر بالثمن وليس للشريك قبض المبيع لما قلنا وللعاقد أن يوكل وكيلا بقبض
الثمن والمبيع فيما اشترى وباع لما ذكرنا فيما تقدم ولا حدهما ان يقايل فيما باعه الآخر لان الإقالة فيها معنى الشراء وأنه
يملك الشراء على الشركة فيملك الإقالة وما باعه أحدهما أو اشترى فظهر عيب لا يرد الاخر بالعيب ولا يرد عليه لان
الرد بالعيب من حقوق العقد وانها ترجع إلى العاقد والرجوع بالثمن عند استحقاق المبيع على البائع لأنه العاقد فان أقر
أحدهما بعيبه في متاع جاز اقراره على وعلى صاحبه قال الكرخي وهذا قياس قول أبي حنيفة وزفر وأبى يوسف رحمهم
الله وفرق بين هذا وبين الوكيل إذا أقر بالعيب فرد القاضي المبيع عليه أنه لا ينفذ اقراره على الموكل حتى يثبت بالبينة
لان موجب الاقرار بالعيب ثبوت حق الرد عليه ولاحد الشريكين أن يقايل فيما باعه الآخر لان الإقالة فيها معنى
الشراء وأنه يملك الشراء إلى أن يسترد المبيع ويقبل العقد والوكيل لا يملك ذلك فان باع أحدهما متاعا من الشركة فرد
عليه فقبله بغير قضاء القاضي جاز عليهما لان قبول المبيع بالتراضي من غير قضاء بمنزلة شراء مبتدأ بالتعاطي وكل واحد
منهما يملك أن يشترى ما باعه على الشركة وكذا القبول من غير قضاء القاضي بمنزلة الإقالة وإقالة أحدهما تنفذ على
الآخر وكذا لو حط من ثمنه لأجل العيب فهو جائز لان العيب يوجب الرد ومن الجائز أن يكون الصلح
والحط أنفع من الرد فكان له ذلك وان حط من غير علة أو أمر يخاف منه جاز في حصته ولم يجز في حصة صاحبه لان
الحط من غير عيب تبرع والانسان يملك التبرع من مال نفسه لامن مال غيره وكذلك لو وهب لان الهبة تبرع
ولكل واحد منهما أن يبيع ما اشتراه وما اشترى صاحبه مرابحة على ما اشترياه لان كل واحد منهما وكيل صاحبه
بالشراء والبيع والوكيل بالبيع يملك مرابحة وهل لأحدهما أن يسافر بالمال من غير رضا صاحبه ذكر الكرخي
أنه ليس له ذلك والصحيح من قول أبى يوسف ومحمد ان له ذلك وكذا المضارب والمبضع والمودع لهم أن يسافروا
وروى عن أبي حنيفة رحمه الله انه ليس للشريك والمضارب أن يسافر وهو قول أبى يوسف وروى عن أبي
يوسف ان له المسافرة إلى موضع لا يبيت عن منزله وروى عنه يسافر أيضا بمالا حمل له ولا مؤنة ولا يسافر بماله حمل
ومؤنة (وجه) ظاهر قول أبى يوسف ان السفر له خطر فلا يجوز في ملك الغير الا باذنه (وجه) الرواية التي فرق
فيها بين القريب والبعيد انه إذا كان قريبا بحيث لا يبيت عن منزله كان في حكم المصر (وجه) الرواية التي فرق فيها
بين ماله حمل ومؤنة وما ليس له حمل ومؤنة ان ماله حمل إذا احتاج شريكه إلى رده يلزمه مؤنة الرد فيتضرر به ولا مؤنة
تلزمه فيما لا حمل له (وجه) قول أبي حنيفة ومحمد ان الاذن بالتصرف يثبت مقتضى الشركة وانها صدرت مطلقة
عن المكان والمطلق يجرى على اطلاقه الا لدليل وهذا جاز للمودع أن يسافر على أنه في معنى المودع لأنه مؤتمن في مال
الشركة كالمودع في مال الوديعة مع ما ان الشريك يملك أمرا زائدا لا يملكه المودع وهو التصرف فلما ملك المودع السفر
فلان يملكه الشريك أولى وقول أبى يوسف ان المسافرة بالمال مخاطرة به مسلم إذا كان الطريق مخوفا (فاما) إذا
كان أمنا فلا خطر فيه بل هو مباح لان الله سبحانه وتعالى أمر بالابتغاء في الأرض من فضل الله ورفع الجناح عنه
بقوله تعالى عز شأنه فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله وقال عز شأنه ليس عليكم جناح
أن تبتغوا فضلا من ربكم مطلقا من غير فصل وما ذكر من لزوم مؤنة الرد فيما له حمل ومؤنة فلا يعد ذلك غرامة في عادة
التجار لان كل مؤنة تلزم تلحق برأس المال هذا إذا لم يقل كل واحد منهما لصاحبه اعمل في ذلك برأيك فاما إذا قال ذلك
فإنه يجوز لكل واحد منهما المسافرة والمضاربة والمشاركة وخلط مال الشركة بمال له خاصة والرهن والارتهان مطلقا
لأنه فوض الرأي إليه في التصرف الذي اشتملت عليه الشركة مطلقا وإذا سافر أحدهما بالمال وقد أذن له بالسفر أو قيل
له اعمل برأيك أو عند اطلاق الشركة على الرواية الصحيحة عن أبي حنيفة ومحمد فهل أن ينفق من جملة المال على نفسه في
71

كرائه ونفقته وطعامه وإدامه من رأس المال روى ذلك الحسن عن أبي حنيفة وقال محمد وهذا استحسان والقياس
أن لا يكون له ذلك لان الانفاق من مال الغير لا يجوز الا باذنه نصا (وجه) الاستحسان العرف والعادة لا عادة التجار
الانفاق من مال الشركة والمعروف كالمشروط ولأن الظاهر هو التراضي بذلك لأن الظاهر أن الانسان لا يسافر
بمال الشركة ويلتزم النفقة من مال نفسه لربح يحتمل أن يكون ويحتمل أن لا يكون ويحتمل أن لا يكون لأنه التزام ضرر للحال لنفع يحتمل أن
يكون ويحتمل أن لا يكون فكان اقدامهما على عقد الشركة دليلا على التراضي بالنفقة من مال الشركة ولان كل واحد
منهما في مال صاحبه كالمضارب لان ما يحصل من الربح فهو فرع جميع المال وهو يتسحق نصف الربح شائعا
كالمضارب فتكون النفقة من جميع المال كالمضارب إذا سافر بمال نفسه وبمال المضاربة كانت نفقته في جميع
ذلك كذا هذا وقال محمد فان ربحت حسبت النفقة من الربح وان لم يربح كانت النفقة من رأس المال لان النفقة جزء
تالف من المال فإن كان هناك ربح فهو منه والا فهو من الأصل كالمضارب وما اشتراه أجدهما بغير مال الشركة لا يلزم
صاحبه لما ذكرنا انه يصير مستدينا على مال الشركة وصاحبه لم يأذن له بالاستدانة وليس لأحدهما أن يهب ولا أن
يقرض على شريكه لان كل واحد منهما تبرع (أما) الهبة فلا شك فيها (وأما) القرض فلانه لا عوض له في الحال
فكان تبرعا في الحال وهو لا يملك التبرع على شريكه وسواء قال اعمل برأيك أولم يقل الا ان ينص عليه بعينه لان
قوله اعمل برأيك تفويض الرأي إليه فيما هو من التجارة وهذا ليس من التجارة ولو استقرض مالا لزمهما جميعا لأنه
تملك مال بالعقد فكان كالصرف فيثبت في حقه وحق شريكه ولأنه إن كان الاستقراض استعارة في الحال فهو يملك
الاستعارة وإن كان تملكا يملكه أيضا وليس له أن يكاتب عبدا من تجارتهما ولا أن يعتق على مال لان الشركة تنعقد
على التجارة والكتابة والاعتاق ليس من التجارة ألا ترى انه لا يملكهما المأذون في التجارة وسواء قال اعمل برأيك
أولا لما قلنا وليس له أن يزوج عبدا من تجارتهما في قولهم جميعا لأنه ليس من التجارة وهو ضرر محض فلا يملكه الا
باذن نصا وكذلك تزويج الأمة في قول أبي حنيفة ومحمد لأنه ليس من التجارة ويجوز عند أبي يوسف والمسألة
تقدمت في كتاب النكاح ولو أقر بدين لم يجز على صاحبه لان الاقرار حجة قاصرة فلا يصدق في ايجاب الحق على
شريكه بخلاف المفاوضة لان الجواز في المفاوضة بحكم الكفالة لا بالاقرار وهذه الشركة لا تتضمن الكفالة ولو أقر
بجارية في يده من تجارتهما انها لرجل لم يجز اقراره في نصيب شريكه وجاز في نصيبه لما ذكرنا ان اقرار الانسان ينفذ على
نفسه لا على غيره لأنه في حق غيره شهادة وسواء كان قال له اعمل برأيك أولا لان هذا القول يفيد العموم فيما تتضمنه
الشركة والشركة لم تتضمن الاقرار وما ضاع من مال الشريك في يد أحدهما فلا ضمان عليه في نصيب شريكه فيقبل
قول كل واحد من الشريكين على صاحبه في ضياع المال مع يمينه لأنه أمين والله عز وجل أعلم وأما المفاوضة فجميع
ما ذكرنا انه يجوز لا حد شريكي العنان أن يفعله وهو جائز على شريكه إذا فعله فيجوز لا حد شريكي المفاوضة أن يفعله
وإذا فعله فهو جائز على شريكه لان المفاوضة أعم من العنان فلما جاز لشريك العنان فجوزه للمفاوض أولى وكذا كل ما
كان شرطا لصحة شركة العنان فهو شرط لصحة شركة المفاوضة لأنها لما كانت أعم من العنان فهو يقتضى شروط
العنان وزيادة وكذا ما فسدت به شركة العنان تفسد به شركة المعاوضة لان المفاوضة يفسدها مالا يفسد العنان
لاختصاصها بشرائط لم تشترط في العنان وقد بينا ذلك فيما تقدم والآن نبين الأحكام المختصة بالمفاوضة التي تجوز
للمفاوض ولا تجوز للشريك شركة العنان فنقول وبالله التوفيق يجوز اقرار أحد شريكي المفاوضة بالدين عليه
وعلى شريكه ويطالب المقر له أيهما شاء لان كل واحد مهما كفيل عن الآخر فيلزم المقر باقراره ويلزم شريكه
بكفالته وكذلك وما وجب على كل واحد منهما من دين التجارة كثمن المشترى في البيع الصحيح وقيمته في البيع
الفاسد وأجرة المستأجر أو ما هو في معنى التجارة كالمغصوب والخلاف في الودائع والعواري والإجارات
والاستهلاكات وصاحب الدين بالخير ان شاء أخذ هذا بدينه وان شاء أخذ شريكه بحق الكفالة أما دين التجارة
72

فلانه دين لزمه بسبب الشركة لان البيع الصحيح اشتمل عليه عقد الشركة لأنه تجارة وكل واحد منهما كفيل عن
صاحبه فيما يلزمه بسبب الشركة ولهذا قالوا إن البينة تسمع في ذلك على الشريك الذي لم يعقد لان الدين لزمه كما لزم
شريكه لأنه كفيل عن شريكه والبينة بالدين تسمع على الكفيل كما تسمع على المكفول عنه وكذا البيع الفاسد
بدليل ان الامر بالبيع يتناول الصحيح والفاسد وكذا الأجرة لان الإجارة تجارة (وأما) الغصب فلان ضمانه
في معنى ضمان التجارة لان تقرر الضمان فيه يفيد ملك المضمون فكان في معنى ضمان البيع والخلاف في الودائع
والعواري والإجارات في معنى الغصب لأنه من باب التعدي على مال الغير بغير اذن مالكه فكان في معنى الغصب
فكان ضمانه ضمان الغصب (وأما) أروش الجنايات والمهر والنفقة وبدل الخلع والصلح عن القصاص فلا يؤاخذ به
شريكه لأنه ليس بضمان التجارة والا في معنى ضمان التجارة أيضا لانعدام معنى معاوضة المال بالمال رأسا وروى
عن أبي يوسف ان ضمان الغصب والاستهلاك لا يلزم الا فاعله لأنه ضمان جناية فأشبه ضمان الجناية علي بني آدم
والجواب ما ذكرنا ان ضمان الغصب وضمان الاتلاف في غير بني آدم ضمان معاوضة لأنه ضمان يملك به المضمون
عوضا عنه بخلاف ضمان الجناية علي بني آدم لأنه لا يملك به المضمون فلم يوجد فيه معنى المعاوضة أصلا ولو كفل
أحدهما عن إنسان فان كفل عنه بمال يلزم شريكه عند أبي حنيفة وعندهما لا يلزم وان كفل بنفس لا يؤخذ بذلك
شريكه في قولهم جميعا (وجه) قولهما ان الكفالة تبرع فلا تلزم صاحبه كالهبة والصدقة والكفالة بالنفس
والدليل على أنها تبرع اختصاص جوازها باهل التبرع حتى لا تجوز من الصبي والمكاتب والعبد المأذون وكذا
تعتبر من الثلث إذا كان في حال المرض والشركة لا تنعقد على التبرع ولا بي حنيفة رضي الله عنه ان الكفالة تقع
تبرعا بابتدائها ثم تصير معاوضة بانتهائها لوجود التمليك والتملك حتى يرجع الكفيل على المكفول عنه بما كفل إذا
كانت الكفالة بأمر المكفول عنه فقلنا لا تصح من الصبي والمأذون والمكاتب ويعتبر من الثلث عملا بالابتداء
ويلزم شريكه عملا بالانتهاء وحقوق عقد تولاه أحدهما ترجع إليهما جميعا حتى لو باع أحدهما شيئا من مال الشركة
يطالب غير البائع منهما بتسليم المبيع كما يطالب البائع ويطالب غير البائع منهما المشترى بتسليم الثمن ويجب عليه تسليمه
كالبائع ولو اشترى أحدهما شيئا يطالب الآخر بالثمن كما يطالب المشترى وله الرجوع بالثمن عند الاستحقاق كالمشترى ولو باع
أحدهما سلعة من شركتهما فوجد المشترى بها عيبا فله أن يردها على أيهما شاء ولو أنكر العيب فله أن يحلف البائع
على البتات وشريكه على العلم ولو أقر أحدهما نفذ اقراره على نفسه وشريكه ولو باعا سلعة وشركتهما ثم وجد المشترى
بها عيبا فله أن يحلف كل واحد منهما على النصف الذي باعه على البتات وعلى النصف الذي باعه شريكه على العلم
بيمين واحدة على العلم في قول محمد رحمه الله وقال أبو يوسف يحلف كل واحد منهما على البتات فيما باع ويسقط
عن كل واحد منهما اليمين على العلم وهما جميعا في خراج التجارة وضمانها سواء ففعل أحدهما فيها كفعلهما وقول أحدهما
كقولهما وهما في الحقيقة شخصان وفي أحكام التجارة كشخص واحد ولأحدهما أن يكاتب عبد التجارة أو يأذن
له بالتجارة لان تصرف كل واحد منهما فيما يعود نفعه إلى مال الشركة عام كتصرف الأب في مال الصغير كذا روى عن
محمد أنه قال كلما يجوز أن يفعله الانسان فيما لا يملكه فالمفاوض فيه أجوز أمرا ومعناه أن الأب يملك كتابة عبد ابنه
الصغير واذنه بالتجارة مع أنه لا ملك له فيه رأسا فلان يملك المفاوض أولى ولا يجوز له أن يعتق شيئا من عبيد التجارة
على مال لأنه في معنى التبرع لأنه يعتق بمجرد القول ويبقى البدل في ذمة المفلس قد يسلم له وقد لا يسلم فكان في معنى
التبرع ولهذا لا يملكه الأب في مال ابنه ولا يجوز له تزويج العبد لأنه ضرر محض لان المهر والنفقة يتعلقان برقبته وتنقص
به قيمته ويكون ولده لغيره فكان التزويج ضررا محضا فلا يملكه في ملك غيره ويجوز له أن يزوج الأمة لان تزويج الأمة
نفع محض لأنه يستحق المهر والولد ويسقط عنه نفقتها وتصرف المفاوض نافذ في كل ما يعود نفعه إلى مال الشركة سواء
73

كان من باب التجارة أو لا بخلاف الشريك شركة العنان فان نفاذ تصرفه يختص بالتجارة على أصل أبي حنيفة ومحمد
وتزويج الأمة ليس من التجارة لان التجارة معاوضة المال بالمال ولم يوجد فلا ينفذ وعند أبي يوسف ينفذ كتصرف
المفاوض لوجود النفع ويجوز له أن يدفع المال مضاربة لما ذكرنا في الشريك شركة عنان انه يجوز أن يستأجر من يعمل
في مال الشركة بمال يستحقه الأجير بيقين فالدفع مضاربة أولى لان المضارب لا يستحق الربح منها بيقين لجواز أن
يحصل وأن لا يحصل ويجوز له أن يشارك شركة عنان في قول أبى يوسف ومحمد لان شركة العنان أخص من شركة
المفاوضة فكانت دونها فجاز أن تتضمنها المفاوضة كما تتضمن العنان المضاربة لأنها دونها فتتبعها ولان الأب يملك
ذلك في مال ابنه فيملك المفاوض على شريكه من طريق الأولى وروى الحسن عن أبي حنيفة انه لا يجوز له ذلك
لأنه يوجب للشريك الثالث حقا في مال شريكه وذلك لا يجوز الا باذنه هذا إذا شارك رجلا شركة عنان فأما إذا
فاوض جاز عليه وعلى شريكه ذكره محمد في الأصل وقال أبو يوسف لا يجوز وكذا في رواية الحسن عن أبي حنيفة
(وجه) قول محمد أن عقد المفاوضة عام فيصير تصرف كل واحد منهما كتصرف الآخر ولأبي يوسف أن المفاوضة
مثل المفاوضة والشئ لا يستتبع مثله ويجوز له أن يرهن ويرتهن على شريكه لان الرهن هو ايفاء والارتهان استيفاء
وكل واحد منهما يملك الايفاء والاستيفاء فيما عقده صاحبه ويجوز لكل واحد منهما أن يقتضى ما أداناه أو أدانه
صاحبه أو ما وجب لهما من غصب على رجل أو كفالة لان كل واحد منهما كفيل الآخر فيملك أن يستوفى حقوقه
بالوكالة وما وجب على أحدهما فلصاحب الدين أن يأخذ كل واحد منهما لان كل واحد منهما كفيل عن الآخر
وكل واحد منهما خصم عن صاحبه يطالب بما على صاحبه ويقام عليه البينة ويستحلف على علمه فيما هو من ضمان
التجارة لان الكفيل خصن فيما يدعى على المكفول عنه ويستحلف على علمه لأنه يمين على فعل الغير وما اشتراه
أحدهما من طعام لأهله أو كسوة أو ما لا بد له منه فذلك جائز وهو له خاصة دون صاحبه والقياس أن يكون المشترى
مشتركا بينهما لان هذا مما يصح الاشتراك فيه كسائر الأعيان لكنهم استحسنوا أن يكون له خاصة للضرورة لان ذلك مما لا بد منه فكان مستثنى من المفاوضة فاختص به
المشترى لكن للبائع أن يطالب بالثمن أيهما شاء وان وقع
المشترى للذي اشتراه خاصة لان هذا مما يجوز فيه الاشتراك وكل واحد منهما كفيل عن الآخر ببدل ما يجوز فيه
الاشتراك الا أنهم قالوا إن الشريك يرجع على شريكه بنصف ثمن ذلك لأنه قبضي دينا عليه من ماله لا على وجه التبرع
لأنه التزم ذلك فيرجع عليه وليس له أن يشترى جارية للوطئ أو للخدمة بغير اذن الشريك لان الجارية مما يصح فيه
الاشتراك ولا ضرورة تدعو إلى الانفراد بملكه فصارت كسائر الأعيان بخلاف الطعام والكسوة فان ثمة ضرورة
فأخرجا عن عموم الشركة للضرورة لا ضرورة في الجارية فبقيت داخلة تحت العموم فان اشترى ليس له أن يطأها
ولا لشريكه لأنها دخلت في الشركة فكانت بينهما فهذه جارية مشتركة بين اثنين فلا يكون لأحدهما أن يطأها فان
اشترى أحدهما جارية ليطأها باذن شريكه فهي له خاصة ولم يذكر في كتاب الشركة ان الشريك يرجع عليه بشئ أولا
يرجع وذكر في الجامع الصغير الخلاف فقال عند أبي حنيفة لا يرجع عليه بشئ من الثمن وعند هما يرجع عليه بنصف
الثمن (وجه) قولهما ان الحاجة إلى الوطئ متحققة فتلحق بالحاجة إلى الطعام والكسوة فإذا اشتراها لنفسه خاصة وقعت
له خاصة وصارت مستثناة عن عقد الشركة فقد نقد ما ليس بمشترك من مال الشركة فيرجع عليه شريكه بالنصف
ولأبي حنيفة ان الأصل في كل ما يحتمل الشركة إذا اشتراه أحد الشريكين أن يقع المشترى مشتركا بينهما من غير اذن
جديد من الشريك بالشراء الا فيما فيه ضرورة وهو مالا بدله منه من الطعام والكسوة ولا ضرورة في الوطئ فوقع المشترى
على الشركة بالاذن الثابت بأصل العقد من غير الحاجة إلى اذن آخر فلم يكن الاذن الجديد من الشريك لو قوع المشترى
على الشركة لان وقع على الشركة بدونه فكان للتمليك كأنه قال اشتر جارية بيننا وقد ملكتك نصيبي منهما فكانت
الهبة متعلقة بالشراء فإذا اشترى وقبض صحت الهبة كما لو قال أن قبضت مالي على فلان فقد وهبته لك فقبضه يملكه
74

كذا هذا وإذا كان كذلك فقد نقد ثمن الواقع على الشركة من مال الشركة فلا يرجع على شريكه بشئ فان اشترى
جارية للوطئ باذن شريكه فاستولدها ثم استحقت فعلى الواطئ العقر يأخذ المستحق بالعقر أيهما شاء (أما وجوب
العقر فلا شك فيه لان وطئ ملك الغير في دار الاسلام لا يخلو عن أحد الغرامتين اما الحدو اما العقر وقد تعذر ايجاب
الحد لمكان الشبهة وهي صورة البيع فيجب العقر وأما ولاية الاخذ من أيهما شاء فلان هذا ضمان وجب بسبب الشراء
والضمان الواجب بسبب الشراء يلزم كل واحد منهما كالثمن لأن الشراء من التجارة فكان هذا ضمان التجارة بخلاف
المهر في النكاح الصحيح والفاسد لأنه مال وجب بسبب النكاح والنكاح ليس من التجارة فلا يدخل في الشركة
ولو أقال أحدهما في بيع ما باعه الآخر جازت الإقالة عليهما لما ذكرنا ان الإقالة في معنى الشراء وهو يملك الشراء على
الشركة فيملك الإقالة ولان الشريك شريكة العنان يملك الإقالة فالمفاوض أولى وإذا مات أحد المتفاوضين أو تقر قالم
يكن للذي لم يل المداينة أن يقبض الدين لان الشركة بطلت بموت أحدهما لأنها وكالة والوكالة تبطل بموت الموكل
لبطلان أمره بموته وتبطل بموت الوكيل لتعذر تصرفه فتبطل الشركة فلا يجوز لأحدهما أن يقبض نصيب الآخر
إذا لم يكن هو الذي تولى العقد ويجوز قبضه في نصيب نفسه لأنه موكل فيه وقبض الوكيل جائز استحسانا (وأما)
الذي ولى المداينة فله أن يقبض الجميع لأنه ملك ذلك بعقد المداينة لكونه من حقوق العقد فلا يبطل بانفساخ الشركة
بموت الشريك كمالا يبطل بالعزل ولو آجر أحدهما نفسه في الحياطة أو عمل من الاعمال فالاجر بينهما نصفان وان
آجر نفسه للخدمة فالاجر له خاصة لان في الفصل الأول آجر نفسه في عمل يملك أن يتقبل على نفسه وعلى صاحبه فإذا
عمل فقد أو في ما عليهما فكانت الأجرة بينهما وفي الثاني لا يملك التقبل على صاحبه بل على نفسه خاصة فكانت
الأجرة له خاصة وقال أبو حنيفة إذا قضى أحدهما دينا كان عليه قبل المفاوضة فهو جائز لأنه إذا قضى فقد صار
المقضى دينا على القاضي أولا ثم يصير قصاصا بماله على القاضي فكان هذا تمليكا بعوض فتناوله عقد الشركة فملكه فجاز
القضاء وليس لصاحبه سبيل على الذي قبض الدين لما ذكرنا ان قبضه قبض مضمون لأنه قبض ما للشريك أن
يملكه إياه ويرجع شريكه عليه بحصته منه لأنه قضى دين نفسه من مال غيره ولا تنتقض المفاوضة وان ازداد مال أحد
الشريكين لان الواجب دين وزيادة مال أحد الشريكين إذا كانت دينا لا توجب بطلان المفاوضة كما لا تمنع انعقادها
لما مران الدين لا يصلح رأس مال الشركة فإذا استرجع ذلك بطلت المفاوضة لأنه ازداد له مال صالح للشركة على مال
شريكه ولو رهن أمة من مال المفاوضة بخمسمائة وقيمتها الف فماتت في يد المرتهن ذهبت بخمسمائة ولا يضمن ما بقي لان
الزيادة أمانة في يد المرتهن فكان مودعا في قدر الأمانة من الرهن وللمودع والمفاوض أن يودع وكذلك وصى أيتام
رهن أمة لهم بأربعمائة عليه وقيمتها الف فماتت في يد المرتهن ذهبت بأربعمائة وذلك يكون دينا للورثة على الوصي
وهو أمين في الفضل وكذلك الأب يرهن أمة ابن له صغير بدين عليه لان الأب وأوصى يملكان الايداع والزيادة
على قدر الدين من الرهن أمانة فكانت وديعة قال الحسن بن زياد قال أبو حنيفة رحمه الله لو أقرض أحد المتفاوضين
مالا فأعطاه رجلا ثم أخذ به سفتجة كان ذلك جائزا عليهما ولا يضمن توى المال أولم يتو وفي قياس قول أبى يوسف
ان الذي أقرض وأخذ السفتجة يضمن حصة شريكه من ذلك وهذا فرع اختلافهم في الكفالة ان الكفيل في حكم
المقرض فإذا جازت الكفالة عند أبي حنيفة جاز القرض وعند أبي ويوسف لا تجوز الكفالة لما فيها من معنى التبرع
فكذلك القرض وقالوا في أحد المتفاوضين إذا استأجرا بلا إلى مكة ليحج ويحمل عليها متاع بيته فللمؤاجر أن
يطالب أيهما شاء بالاجر لان المعقود عليه وهو المنفعة مما يجوز دخوله في الشركة ألا ترى لو أبدله من حمل متاعه
فحمل عليها متاع الشركة جاز وإذا دخل في الشركة كان البدل عليهما فيطالب به شريكه بحكم الكفالة وان وقع ذلك له
خاصة كما لو اشترى طعاما لنفسه ان المشترى يقع له ويطالب الشريك بالثمن كذا هذا ولو آجر أحدهما عبدا له ورثه لم
يكن لشريكه أن يقبض الإجارة لأنها بدل مال لم يدخل في الشركة فلا يملك قبضه كالدين الذي وجب له بالميراث والله
75

عز وجل أعلم (وأما) الشركة بالاعمال فأما العنان منها فلكل واحد منهما أن يتقبل العمل ومتى تقبل يجب عليه وعلى
شريكه لان كل واحد منهما بعقد الشركة أذن لصاحبه بتقبل العمل عليه فصار وكيله فيه كأنه تقبل العمل بنفسه
ولصاحب العمل أن يطالب بالعمل أيهما شاء لوجوبه على كل واحد منهما ولكل واحد منهما أن يطالب صاحب
العمل بكل الأجرة لا قد لزمه كل العمل فكان له المطالبة بكل الأجرة وإلى أيهما دفع صاحب العمل برئ لأنه دفع
إلى من أمر بالدفع إليه وعلى أيهما وجب ضمان العمل وهو جناية يده كان لصاحب العمل أن يطالب الاخر به
استحسانا كذا روى بشر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رضي الله عنهم أنه قال إذا جنت يد أحدهما فالضمان عليهما
جميعا يأخذ صاحب العمل أيهما شاء بجميع ذلك والقياس أن لا يكون له ذلك (وجه) القياس ظاهر لأن هذه شركة
عنان لا شركة مفاوضة وحكم الشرع في شركة العنان أن ما يلزم كل واحد منهما بعقده لا يطالب به الآخر (وجه)
الاستحسان ان هذه شركة ضمان في حق وجوب العمل لان العمل الذي يتقبله أحدهما يجب على الآخر حتى
يستحق الاجر به فإذا كانت هذه الشركة مقتضية وجوب العمل على كل واحد منهما كانت مقتضية وجوب ضمان
العمل فكانت في معنى المفاوضة في حق وجوب الضمان وان لم تكن مفاوضة حقيقة حتى قالوا في الدين إذا أقر أحدهما
بثمن صابون أو اشنان أو غيرهما انه لا يصدق على صاحبه إذا كان المبيع مستهلكا الا باقراره أو بالبينة كذا إذا أقر
أحدهما باجر أجير أو حانوت بعد مضى هذه الإجارة وإن كان المبيع لم يستهلك ومدة الإجارة لم تمض لزمهما جميعا باقراره
وان جحده شريكه كما في شركة العنان فدل انه ليس لها حكم المفاوضة من جميع الوجوه بل من الوجه الذي بينا خاصة
وقال أبو يوسف إذا دعى على أحدهما ثوبا عند هما فأقر به أحدهما وجحد الآخر جاز الاقرار على الآخر ويدفع
الثوب ويأخذ الأجرة قال وهذا استحسان وليس بقياس لأنهما ليسا بمتفاوضين حتى يصدق كل واحد منهما على
صاحبه بل هما شريكان شركة عنان فلا ينفذ اقراره على صاحبه فيما في يد صاحبه كشريكي العنان في المال إذا أقر
أحدهما بثبوت من شركتهما وجحد الآخر انه لا ينقذ اقراره على صاحبه في نصيبه كذا هذا وقد روى ابن سماعة عن
محمد انه أخذ بالقياس في هذه المسألة وقال ينفذ اقراره في النصف الذي في يده ولا ينفذ في النصف الذي في يد الشريك
(ووجهه) ما ذكرنا أن الشئ في أيديهما والشركة شركة عنان وأحد شريكي العنان إذا أقر بثوب في أيديهما لا ينفذ على
صاحبه وإنما استحسنا والحقناها بالمفاوضة فيحق وجوب العمل والمطالبة بالأجرة في حق وجوب ضمان العمل
فبقي الامر فيما وراء ذلك على أصل القياس (وجه) الاستحسان لأبي يوسف انه لما ظهر حكم المفاوضة في هذه الشركة
في حق ضمان العمل وهو وجوبه حتى لزم كل واحد منهما كل العمل وجب له المطالبة بكل الأجرة وعليه بكل العمل
ولزمه ضمان ما حدث على شريكه يظهر في محل العمل أيضا فينفذ اقراره بحمل العمل على صاحبه وان عمل أحدهما
دون الآخر بان مرض أو سافر أو بطل فالاجر بينهما على ما شرطا لان الاجر في هذه الشركة إنما يستحق بضمان
العمل لا بالعمل لان العمل قد يكون منه وقد يكون من غيره كالقصار والخياط إذا استعان برجل على القصارة والخياطة
انه يستحق الاجر وان لم يعمل لوجود ضمان العمل منه وههنا شرط العلم عليهما فإذا عمل أحدهما يصير الشريك القابل
عاملا لنفسه في النصف ولشريكه في النصف الآخر ويجوز شرط التفاضل في الكسب إذا شرط التفاضل في
الضمان بان شرطا لأحدهما ثلثي الكسب وهو الاجر وللآخر الثلث وشرطا العمل عليهما كذلك سواء عمل
الذي شرط له الفضل أولم يعمل بعد أن شرطا العمل عليهما لان استحقاق الأجرة في هذه الشركة بالضمان لا بالعمل
بدليل انه لو عمل أحدهما استحق الآخر الاجر وإذا كان استحقاق أصل الاجر بأصل ضمان لا بالعمل كان
استحقاق زيادة الاجر بزيادة الضمان لا بزيادة العمل وحكى عن الكرخي انه علل في هذه المسألة فقال المنافع لا تتقوم
الا بالعقد والشريك قد قومها بمقدار ما شرط لنفسه فلا يستحق الزيادة عليه وهذا يشير إلى أن الاستحقاق بالعمل
ورد عليه الجصاص وقال وهذا لا يصح بدليل انه لو شرط فضل الاجر لاقلهما عملا بان شرطا ثلثا الأجرة له جاز فدل
76

أن استحقاق فضل الأجرة بفضل الضمان لا بفضل العمل ولو شرطا التفاضل في الأجرة فجعلاها أثلاثا ولم ينسبا
العمل إلى نصفين فهو جائر لأنهما لما شرطا التفاضل في الكسب ولا يصح ذلك الا بشرط التفاضل في العمل كان ذلك
اشتراطا للتفاضل في العمل تصحيحا لتصرفهما عند امكان التصحيح ولو شرطا الكسب أثلاثا وشرطا العمل
نصفين لم يجزلان فضل الأجرة لا يقابلها مال ولا عمل ولا ضمان والربح لا يستحق الا بأحد هذه الأشياء (وأما)
الوضيعة فلا تكون بينهما الاعلى قدر الضمان حتى لو شرطا أن ما يتقبلانه فثلثاه على أحدهما بعينه وثلثه على الآخر
والوضيعة بينهما نصفإن كانت الوضيعة باطلة والقبالة بينهما على ما شرطا على كل واحد منهما لان الربح إذا انقسم على
قدر الضمان كانت الوضيعة على قدر الضمان أيضا لأنه لا يجوز اشتراط زيادة الضمان في الوضيعة في موضع يجوز
اشتراط زيادة الربح فيه لأحدهما وهو الشركة بالأموال حتى لا تكون الوضيعة فيها الا بقدر المال ففي موضوع لا يجوز
اشتراط زيادة الربح فيه لأحدهما فلان لا يجوز أن تكون الوضيعة فيه الاعلى قدر الضمان أولى (وأما) المفاوضة منهما
فما لزم أحدهما بسبب هذه الشركة يلزم صاحبه ويطالب به من ثمن صابون أو أشنان أو أجر أجير أو حانوت ويجوز
اقرار أحد الشريكين عليه وعلى شريكه بالدين وللمقر له أن يطالب به أيهما شاء لان كل واحد منهما كفيل عن صاحبه
فيلزم المقر باقراره والشريك بكفالته ولو ادعى على أحدهما بثبوت في أيديهما فأقر به أحدهما وجحد صاحبه يصدق
على صاحبه وينفذ اقراره عليه (وأما) الشركة بالوجوه فالعنان منها والمفاوضة في جميع ما يجب لهما وما يجب عليهما
وما يجوز فيه فعل أحدهما على شريكه ومالا يجوز بمنزلة شريك العنان والمفاوضة في الأموال (وأما) الشركة الفاسدة
وهي التي فاتها شرط من شرائط الصحة فلا تفيد شيئا مما ذكرنا لان لاحد الشريكين أن يعمله بالشركة الصحيحة
والربح فيها على قدر المالين لأنه لا يجوز أن يكون الاستحقاق فيها بالشرط لان الشرط لم يصح فألحق بالعدم فبقي
الاستحقاق بالمال فيقدر بقدر المال ولا أجر لأحدهما على صاحبه عندنا وقال الشافعي له أجره فيما عمل لصاحبه وهذا
غير سديد الا أنه استحق الربح بعمله فلا يستحق الاجر والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما صفة عقد الشركة فهي انها عقد جائز غير لازم حتى ينفرد كل واحد منهما بالفسخ الا أن من شرط
جواز الفسخ أن يكون بحضرة صاحبه أي بعلمه حتى لو فسخ بمحضر من صاحبه جاز الفسخ وكذا لو كان صاحبه غائبا
وعلم بالفسخ وإن كان غائبا ولم يبلغه الفسخ لم يجز الفسخ ولم ينفسخ العقد لان الفسخ من غير علم صاحبه اضرار بصاحبه
ولهذا لم يصح عزل الوكيل من غير علمه مع ما أن الشركة تتضمن الوكالة وعلم الوكيل بالعزل شرط جواز العزل فكذا
في الوكالة التي تضمنته الشركة وعلى هذا الأصل قال الحسن بن زياد إذا شارك أحد شريكي العنان رجلا شركة
مفاوضة انه إن كان بغير محضر من شريكه لم تكن مفاوضة وإن كان بمحضر منه صحت المفاوضة لان المفاوضة مع غيره
تتضمن فسخ العنان وهولا يملك الفسخ عند غيبته ويملك عند حضرته وهل يشترط أن يكون مال الشركة عينا وقت
الشركة لصحة الفسخ وهي أن يكون دراهم أو دنانير ذكر الطحاوي انه شرط حتى لو كان مال الشركة عروضا وقت
الفسخ لا يصح الفسخ ولا تنفسخ الشركة ولا رواية عن أصحابنا في الشركة وفي المضاربة رواية وهي ان رب المال إذا
نهى المضارب عن التصرف فإنه ينظر إن كان مال المضاربة وقت النهى دراهم أو دنانير صح النهى لكن له أن يصرف
الدراهم إلى الدنانير والدنانير إلى الدراهم لأنهما في الثمنية جنس واحد فكأنه لم يشتر بها شيئا وليس له أن يشترى بها
عروضا وإن كان رأس المال وقت النهى عروضا فلا يصح نهيه لأنه يحتاج إلى بيعها ليظهر الربح فكان الفسخ
ابطالا لحقه في التصرف فجعل الطحاوي الشركة بمنزلة المضاربة وبعض مشايخنا فرق بين الشركة والمضاربة فقال
يجوز فسخ الشركة وإن كان رأس المال عروضا ولا يجوز فسخ المضاربة لان مال الشركة في يد الشريكين جميعا
ولهما جميعا ولاية التصرف فيملك كل واحد منهما نهى صاحبه عينا كان المال أو عروضا فاما مال المضاربة ففي يد
المضارب ولاية التصرف له لا لرب المال فلا يملك رب المال نهيه بعد ما صار المال عروضا
77

(فصل) وأبيان ما يبطل به عقد الشركة فما يبطل به نوعان (أحدهما) يعم الشركات كلها (والثاني) يخص
البعض دون البعض اما الذي يعم الكل فأنواع (منها) الفسخ من أحد الشريكين لأنه عقد جائز غير لازم فكان محتملا
للفسخ فإذا فسخه أحدهما عند وجود شرط الفسخ ينفسخ (ومنها) موت أحدهما أيهما مات انفسخت الشركة
لبطلان الملك وأهلية التصرف بالموت سواء علم بموت صاحبه أولم يعلم لان كل واحد منهما وكيل صاحب وموت
الموكل يكون عزلا للوكيل علم به أولم يعلم لأنه عزل حكمي فلا يقف على العلم (ومنها) ردة أحدهما مع اللحاق بدار الحرب
بمنزلة الموت (ومنها) جنونه جنونا مطبقا لان به يخرج الوكيل عن الوكالة وجميع ما يخرج به الوكيل عن الوكالة يبطل به
عقد الشركة لان الشركة تتضمن الوكالة على نحو ما فصلنا في كتاب الوكالة (وأما) الذي يخص البعض دون البعض
فأنواع (منها) هلاك المالين أو أحدهما قبل الشراء في الشركة بالأموال سواء كان المالان من جنسين أو من جنس
واحد قبل الخلط لان الدراهم والدنانير يتعينات في الشركات فإذا هلكت فقد هلك ما تعلق العقد بعينه قبل انبرام
العقد وحصول المعقود به فيبطل العقد بخلاف ما إذا اشترى شيئا بدراهم معينة ثم هلكت الدراهم قبل القبض ان العقد
لا يبطل لان الدراهم والدنانير لا يتعينان في المعاوضات ويتعينان في الشركات ثم إنما لم تتعين الدراهم والدنانير في
المعاوضات وتتعين في الشركات لأنهما جعلا ثمنين شرعا فلو تعيينا في المعاوضات لانقلبا مثمنين إذ المثمن اسم لعين
يقابلها عوض فلو تعينت الدراهم والدنانير في المعاوضات لكان عينا يقابلها عوض فكان مثمنا فلا يكون ثمنا وفيه
تغيير حكم الشرع فلم يتعين وليس في تعينها في باب الشركة تغيير حكم الشرع لأنها لا يقابلها عند انعقاد الشركة
عليهما عوض ولهذا يتعينان في الهبات والوصايا بخلاف المضاربة والوكالة المفردة عن الشركة أنهما
لا يتعينان في هذين العقدين وان لم يكن التعيين فيهما تغييرا لحكم الشرع وهو جعلهما مثمنين لما لا عوض للحال
يقابلهما لان كل واحد من العقدين وضع وسيلة إلى الشركة والوسيلة إلى الشئ حكمه حكم ذلك الشئ فجعل حكمهما
في حق المنع من تعين الدراهم والدنانير حكم الشراء فلم يتعينا بالعقد والإشارة بل يتعينان بالقبض كما
في الشراء بخلاف الشركة فإنها وان وقعت وسيلة إلى الشراء لكن لا بدمع هذا من سبب يوجب تعين رأس المال
لما مر ولا يمكن جعل القبض معينا لرأس المال لأنه لا وجه إلى ايجاب القبض فيما ليتعين رأس المال لان العمل فيهما
مشروط من الشريكين وكون العمل مشروطا من رب المال يوجب أن يكون رأس المال في يده ليمكنه العمل
وكون عمل الآخر مشروطا يوجب التسليم إليه ليتمكن من العمل فلا يجب التسليم للتعارض ولا بد من سبب يوجب
تعيين ما تعلق به العقد وليس وراء القبض الا العقد فإذا لم يمكن ايجاب القبض جعل العقد موجبا تعينهما وإن كان
وسيلة إلى الشراء لكن هذه الضرورة أوجبت استدراكه بحكم غير حكم ما جعل هو وسيلة له (فاما) في الوكالة
المفردة والمضاربة فعمل رب المال ليس بمشروط بل لو شرط ذلك في المضاربة لأوجب فسادها فأمكن جعل
القبض سببا للتعيين فلا حاجة إلى جعل العقد سببا فلم يوجب العقد التعيين الحاقا له بالشراء ثم إذا هلك أحد المالين قبل
الشراء هلك من مال صاحبه لان الهالك مال ملكه أحدهما بيقين وانه أمانة في يد صاحبه فيهلك على صاحبه خاصة
بخلاف ما إذا كان رأس المالين من جنس واحد وخطا ثم هلك انه يهلك مشتركا لأنا لا نتيقن ان الهالك مال أحدهما
والله عز وجل الموفق (ومنها) فوات المساواة بين رأسي المال في شركة المفاضة بالمال بعد وجودها في
ابتداء العقد لان وجود المساواة بين المالين في ابتداء العقد كما هو شرط انعقاد هذا العقد على الصحة فبقاؤها
شرط بقائها منعقدة لأنها مفاوضة في الحالين فلا بد من معناها في الحالين وعلى هذا يخرج ما إذا تفاوضا
المال مستوى ثم ورث أحدهما مالا تصح فيه الشركة من الدراهم والدنانير وصار ذلك في يده انه تبطل
المفاوضة لبطلان المساواة التي هي معنى العقد وان ورث عروضا لا تبطل وكذا لو ورث ديونا لا تبطل ما لم يقبض
الديون لأنها قبل القبض لا تصلح رأس مال الشركة وكذا لو ازداد أحد المالين على الآخر قبل الشراء بأن كان
78

أحدهما دراهم والآخر دنانير فان زادت قيمة أحدهما قبل الشراء بطلت المفاوضة لما قلنا لان عقد الشركة يقف تمامه
على الشراء فكان الموجود قبل الشراء كالموجود وقت العقد كالبيع لما كان تمامه بالقبض كان هلاك المبيع قبل
القبض كهلاكه وقت العقد والزيادة وقت العقد تمنع من الانعقاد فإذا طرأ عليه يبطله قال محمد وكذلك لو اشترى
بأحد المالين ثم ازداد الآخر لان الشركة لا تتم ما لم يشتر بالمال فصار كان الزيادة كانت وقت العقد فان زاد المال
المشترى في قيمته كانت المفاوضة بحالها لان تلك الزيادة تحدث على ملكها لأنها ربح في المال المشترى فلا يفضل
أحدهما على الآخر قال محمد رحمه الله القياس إذا اشترى بأحد المالين قبل صاحبه انه تنتقض المفاوضة لان الألف
التي لم يشتر بها بقيت على ملك صاحبها وقد ملك صاحبها نصف ما اشتراه الاخر فصار ماله أكثر فينبغي أن تبطل
المفاوضة الا انهم استحسنوا وقالوا لا تبطل لان الذي اشترى وجب له على شريكه نصف الثمن دينا فلم ينفضل المال
فلا تبطل المفاوضة والله عز وجل أعلم
* (كتاب المضاربة) *
يحتاج في هذا الكتاب إلى معرفة جواز هذا العقد وإلى معرفة ركنه والى معرفة شرائط الركن وإلى معرفة حكمه والى
معرفة صفة العقد والى معرفة ما يبطل به ومعرفة حكمه إذا بطل وإلى بيان حكم اختلاف رب المال والمضارب (اما)
الأول فالقياس انه لا يجوز لأنه استئجار بأجر مجهول بل بأجر معدوم ولعمل مجهول لكنا تركنا القياس بالكتاب
العزيز والسنة والاجماع (اما) الكتاب الكريم فقوله عز شأنه وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله
والمضارب يضرب في الأرض يبتغى من فضل الله عز وجل وقوله سبحانه وتعالى فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا في
الأرض وابتغوا من فضل الله وقوله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم (وأما) السنة فما روى عن ابن
عباس رضي الله عنهما أنه قال كان سيدنا العباس بن عبد المطلب إذا دفع المال مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك
به بحرا ولا ينزل به واديا ولا يشترى به دابة ذات كبدرطبة فان فعل ذلك ضمن فبلغ شرطه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأجاز شرطه وكذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتعاقدون المضاربة فلم ينكر عليهم وذلك تقرير
لهم على ذلك والتقرير أحد وجوه السنة (وأما) الاجماع فإنه روى عن جماعة من الصحابة رضى الله تعالى عنهم انهم
دفعوا مال اليتيم مضاربة منهم سيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا على وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبيد الله
ابن عمر وسيدتنا عائشة رضى الله تعالى عنهم ولم ينقل انه أنكر عليهم من أقرانهم أحدو مثله يكون اجماعا وروى أن
عبد الله وعبيد الله ابني سيدنا عمر قدما العراق وأبو موسى الأشعري أمير بها فقال لهما لو كان عندي فضل
لأكرمتكما ولكن عندي مال لبيت المال أدفعه إليكما فابتاعا به متاعا واحملاه إلى المدينة وبيعاه وادفعا ثمنه إلى أمير
المؤمنين فلما قدما المدينة قال لهما سيدنا عمر رضي الله عنه هذا مال المسلمين فاجعلا ربحه لهم فسكت عبد الله وقال
عبيد الله ليس لك ذلك لو هلك منا لضمنا فقال بعض الصحابة يا أمير المؤمنين اجعلهما كالمضاربين في المال لهما
النصف ولبيت المال النصف فرضى به سيدنا عمر رضي الله عنه وعلى هذا تعامل الناس من لدن رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى يومنا هذا في سائر الأعصار من غير إنكار من أحدو اجماع أهل كل عصر حجة فترك به القياس ونوع من
القياس يدل على الجواز أيضا وهو ان الناس يحتاجون إلى عقد المضاربة لان الانسان قد يكون له مال لكنه لا يهتدى
إلى التجارة وقد يهتدى إلى التجارة لكنه لا مال له فكان في شرع هذا العقد دفع الحاجتين والله تعالى ما شرع العقود
الا لمصالح العباد ودفع حوائجهم
(فصل) وأما ركن العقد فالايجاب والقبول وذلك بألفاظ تدل عليهما فالايجاب هو لفظ المضاربة المقارضة
والمعاملة ما يؤدى معاني هذه الألفاظ بأن يقول رب المال خذ هذا المال مضاربة على أن ما رزق الله عز وجل
79

أو أطعم الله تعالى منه من ربح فهو بيننا على كذا من نصف أو ربع أو ثلث أو غير ذلك من الاجزاء المعلومة وكذا إذا
قال مقارضة أو معاملة ويقول المضارب أخذت أو رضيت أو قبلت ونحو ذلك فيتم الركن بينهما اما لفظ المضاربة
فصريح مأخوذ من الضرب في الأرض وهو السير فيها سمى هذا العقد مضاربة لان المضارب يسير في الأرض
ويسعى فيها لابتغاء الفضل وكذا لفظ المقارضة صريح في عرف أهل المدينة لأنهم يسمون المضاربة مقارضة كما
يسمون الإجارة بيعا ولان المقارضة مأخوذة من القرض وهو القطع سميت المضاربة مقارضة لما ان رب المال يقطع
يده عن رأس المال ويجعله في يد المضارب والمعاملة لفظ يشتمل على البيع والشراء وهذا معنى هذا العقد ولو قال خذ
هذا الال واعمل به على أن ما رزق الله عز وجل من شئ فهو بيننا على كذا ولم يزد على هذا فهو جائز لأنه أتى بلفظ
يؤدى معنى هذا العقد والعبرة في العقود لمعانيها لا لصور الألفاظ حتى ينعقد البيع بلفظ التمليك بلا خلاف وينعقد
النكاح بلفظ البيع والهبة والتملك عندنا وذكر في الأصل لو قال خذ هذه الألف فابتع بها متاعا فما كان من فضل
فلك النصف ولم يزد على هذا فقبل هذا كان مضاربة استحسانا والقياس ان لا يكون مضاربة (وجه) القياس انه ذكر
الشراء ولم يذكر البيع ولا يتحقق معنى المضاربة الا بالشراء والبيع (وجه) الاستحسان انه ذكر الفضل ولا يحصل
الفضل الا بالشراء والبيع فكان ذكر الابتياع ذكرا للبيع وهذا معنى المضاربة ولو قال خذ هذه الألف بالنصف ولم
يزد عليه كان مضاربة استحسانا والقياس أن لا يكون لأنه لم يذكر الشراء والبيع فلا يتحقق معنى المضاربة (وجه)
الاستحسان انه لما ذكر الاخذ والاخذ ليس عملا يستحق به العوض وإنما يستحق بالعمل في المأخوذ وهو الشراء
والبيع فتضمن ذكره الشراء والبيع وقال خذ هذا المال فاشتر به هو يا بالنصف أو رقيقا بالنصف ولم يد على
هذا شيئا فاشترى كما أمر فهذا فاسد وللمشتري أجر مثل عمله فيما اشترى وليس له أن يبيع ما اشترى الا بأمر رب
المال لأنه ذكر الشراء ولم يذكر البيع ولا ذكر ما يوجب ذكر البيع ليحمل على المضاربة فحمل على الاستئجار على
الشراء بأجر مجهول وذلك فاسد فإذا اشترى كما أمره فالمستأجر استوفى منافعه بعقد فاسد فاستحق اجر مثل عمله
وليس له أن يبيع ما اشترى من غير اذن الآمر لأنه أمره بالشراء لا بالبيع فكان المشترى له فلا يجوز بيعه من غير
اذنه فان باع منه شيئا لا ينفذ بيعه من غير إجازة رب المال ويضمن قيمته ان لم يقدر على عينه لأنه صار متلفا مال الغير
بغير اذنه وان أجاز رب المال البيع والمتاع قائم جاز والثمن لرب المال لأن عدم الجواز لحقه فإذا أجاز فقد زال المانع
وكذلك لو كان لا يدرى حاله انه قائم أو هالك فأجاز لان الأصل هو بقاء المبيع حتى يعلم هلاكه وإنما شرط قيام المبيع
لأنه شرط صحة الإجازة لما عرف ان مالا يكون محلالا نشاء العقد عليه لا يكون محلا لإجازة العقد فيه وان علم أنه هلك
فالإجازة باطلة لما ذكرناه وروى بشر عن أبي يوسف في رجل دفع إلى رجل ألف درهم ليشترى بها ويبيع فما ربح فهو
بينهما فهذه مضاربة ولا ضمان على المدفوع إليه المال ما لم يخالف لأنه لم ذكر الشراء والبيع فقد أتى بمعنى المضاربة
وكذلك لو شرط عليه ان الوضيعة على وعليك فهذه مضاربة والربح بينهما والوضيعة على رب المال لان شرط
الوضيعة على المضارب شرط فاسد فيبطل الشرط وتبقى المشاربة وروى عن علي بن الجعد عن أبي يوسف لوان
رجلا دفع إلى رجل ألف درهم ولم يقل مضاربة ولا بضاعة ولا قرضا ولا شركة وأقل ما ربحت فهو بيننا فهذه
مضاربة لان الربح لا يصحل الا بالشراء والبيع فكان ذكر البرح ذكرا للشراء والبيع وهذا معنى المضاربة ولو قال
خذ هذه الألف على أن لك نصف الربح أو ثلثه ولم يزد على هذا فالمضاربة جائزة قياسا واستحسانا وللمضارب
ما شرط وما بقي فلرب المال والأصل في جنس هذه المسائل ان رب المال إنما يستحق الربح لأنه نماء ماله لا بالشرط فلا
يفتقر استحقاقه إلى الشرط بدليل انه إذا فسد الشرط كان جميع الربح له والمضارب لا يستحق الا بالشرط لأنه إنما
يستحق بمقابلة عمله والعمل لا يتقوم الا بالعقد إذا عرف هذه فنقول في هذه المسألة إذا سمى للمضارب جزأ معلوما من
الربح فقد وجد في حقه ما يفتقر إلى استحقاقه الربح فيستحقه والباقي يستحقه رب المال بماله ولو قال خذ هذا المال
80

مضاربة على أن لي نصف الربح ولم يزد على هذا فالقياس أن تكون المضاربة فاسدة وهو قول الشافعي رحمه الله
ولكنها جائزة استحسانا ويكون للمضارب النصف (وجه) القياس ان رب المال لم يجعل للمضارب شيئا معلوما من
الربح وإنما سمى لنفسه النصف فقط وتسميته لنفسه لغو لعدم الحاجة إليها فكان ذكره والسكوت عنه بمنزلة واحدة
وإنما الحاجة إلى التسمية في حق المضاربة ولم يوجد فلا تصح المضاربة (وجه) الاستحسان ان المضاربة تقتضي
الشركة في الربح فكان تسمية أحد النصفين لنفسه تسمية الباقي للمضارب كأنه قال خذ هذا المال مضاربة على أن
لك النصف كما في ميراث الأبوين في قوله سبحانه وتعالى فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث لما كان ميراث
الميت لأبويه وقد جعل الله تعالى عز وجل للام منه الثلث كان ذلك جعل الباقي للأب كذا هذا ولو قال على أن لي
نصف الربح ولك ثلثه ولم يزد على هذا فالثلث للمضارب والباقي لرب المال لما ذكرنا ان استحقاق المضارب الربح
بالشرط واستحقاق رب المال لكونه من نماء ماله فإذا سلم المشروط للمضارب بالشرط يسلم المسكوت عنه وهو
الباقي لرب المال لكونه من نماء ماله ولو قال رب المال على أن ما رزق الله عز وجل فهو بيننا جاز ذلك وكان الربح بينهما
نصفين لان البين كلمة قسمة والقسمة تقتضي المساواة إذا لم يبين فيها مقدار معلوم قال الله تعالى عز شأنه ونبئهم أن الماء
قسمة بينهم وقد فهم منها التساوي في الشرب قال الله سبحانه وتعالى هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم هذا
إذا شرط جزء من الربح في عقد المضاربة لأحدهما اما المضارب واما رب المال وسكت عن الاخر فاما إذا شرط
لهما ولغيرهما بان شرط فيه الثلث للمضارب والثلث لرب المال والثلث لثالث سواهما فإن كان الثالث أجنبيا أو كان
ابن المضارب وشرط عليه العمل جاز وكان الربح بينهم أثلاثا وان لم يشرط عليه العمل لم يجز وما شرط له يكون لرب
المال لان الربح لا يستحق في المضاربة من غير عمل ولا مال وصار المشروط له كالمسكوت عنه وإن كان الثالث عبد
المضارب فإن كان عليه دين فكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله ان شرط عمله لان المضارب لا يملك كسب عبده
فكان كالأجنبي وان لم يشترط عمله فما شرطه فهو لرب المال لما ذكرنا في الأجنبي وعند أبي يوسف ومحمد المشروط
له يكون للمضارب لان المولى يملك كسبه عندهما كما يملك لو لم يكن عليه دين وإن كان الثالث عبد رب المال فهو على
هذا التفصيل أيضا انه إن كان عليه دين فان شرط عمله فهو كالا جنبي عند أبي حنيفة لان المولى لا يملك اكسابه وان لم
يشترط عمله فما شرط له فهو لرب المال لما قلنا وعندهما ما شرط له فهو مشروط لمولاه عمل أولم يعمل لان المولى يملك
كسب عبده كان عليه دين أولا فإن لم يكن على العبدين ففي عبد المضارب الثلثان للمضارب والثلث لرب المال لأنه
إذا لم كن عليه دين فالملك يثبت للمولى فكان المشروط له مشروط طا للمولى وصار كأنه شرط للمضارب الثلثين وفي عبد
رب المال الثلث للمضارب والثلثان لرب المال لان المشروط له يكون مشروطا لمولاه إذا لم يكن عليه دين فصار كأن
رب المال شرط لنفسه الثلثين وعلى هذا قالوا لو شرط ثلث الربح للمضارب والثلث لقضاء دين المضارب والثلث
لرب المال ان الثلثين للمضارب والثلث لرب المال وكذا لو شرط ثلث الربح للمضارب والثلث لرب المال والثلث
لقضاء دين رب المال ان الثلثين لرب المال والثلث للمضارب لان المشروط لقضاء دين كل واحد منهما مشروط له
(فصل) وأما شرائط الركن فبعضها يرجع إلى العاقدين وهما رب المال والمضارب وبعضها يرجع إلى رأس
المال وبعضها يرجع إلى الربح (اما) الذي يرجع إلى العاقدين وهما رب المال والمضارب فأهلية التوكيل والوكالة لان
المضارب يتصرف بأمر رب المال وهذا معنى التوكيل وقد ذكر شرائط أهلية التوكيل والوكالة في كتاب الوكالة ولا
يشترط اسلامهما فتصح المضاربة بين أهل الذمة وبين المسلم والذمي والحربي المستأمن حتى لو دخل حربي دار
الاسلام بأمان فدفع ماله إلى مسلم مضاربة أو دفع إليه مسلم ماله مضاربة فهو جائز لان المستأمن في دارنا بمنزلة الذمي
والمضاربة مع الذمي مضاربة جائزة فكذلك مع الحربي المستأمن فإن كان المضارب هو المسلم فدخل دار الحرب
بأمان فعمل بالمال فهو جائز لأنه دخل دار رب المال فلم يوجد بينهما اختلاف الدارين فصار كأنهما في دار واحدة وان
81

كان المضارب هو الحربي فرجع إلى داره الحربي فإن كان بغير اذن رب المال بطلت المضاربة وإن كان باذنه فذلك جائز
ويكون على المضاربة ويكون الربح بينهما على ما شرطا ان رجع إلى دار الاسلام مسلما أو معاهدا أو بأمان استحسانا
والقياس ان تبطل المضاربة (وجه) القياس انه لما عاد إلى دار الحرب بطل أمانه وعاد إلى حكم الحرب كما كان فبطل أمر
رب المال عند اختلاف الدارين فإذا تصرف فيه فقد تعدى بالتصرف فملك ما تصرف فيه (وجه) الاستحسان انه
لما خرج بأمر رب المال صار كأن رب المال دخل معه ولو دخل رب المال معه إلى دار الحرب لم تبطل المضاربة فكذا
إذا دخل بأمره بخلاف ما إذا دخل بغير أمره لأنه لما لم يأذن له بالدخول انقطع حكم رب المال عنه فصار تصرفه لنفسه
فملك الامر به وقد قالوا في المسلم إذا دخل دار الحرب بأمان فدفع إليه حربي مالا مضاربة مائة درهم انه على قياس قول
أبي حنيفة ومحمد جائز فان اشترى المضارب على هذا وربح أو وضع فالوضيعة على رب المال والربح على ما اشترط
ويستوفى المضارب مائة درهم والباقي لرب المال وان لم يكن في المال ربح الا مائة فهي كلها للمضارب وإن كان أقل
من مائة فذلك للمضارب أيضا ولا شئ للمضارب على رب المال لان رب المال لم يشترط المائة الامن الربح فاما على
قول أبى يوسف فالمضاربة فاسدة وللمضارب أجر مثله وهذا فرع اختلافهم في جواز الربا في دار الحرب لما علم
(وأما) الذي يرجع إلى رأس المال فأنواع (منها) أن يكون رأس المال من الدراهم أو الدنانير عند عامة العلماء فلا تجوز
المضاربة بالعروض وعند مالك رحمه الله هذا ليس بشرط وتجوز المضاربة بالعروض والصحيح قول العامة لما ذكرنا
في كتاب الشركة ان ربح ما يتعين بالتعيين ربح ما لم يضمن لان العروض تتعين عند الشراء بها والمعين غير مضمون حتى
لو هلكت قبل التسليم لا شئ على المضارب فالربح عليها يكون ربح ما لم يضمن ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن ربح ما لم يضمن ومالا يتعين يكون مضمونا عند الشراء به حتى لو هلكت العين قبل التسليم فعلى المشترى به ضمانه
فكان الربح على ما في الذمة فيكون ربح المضمون ولان المضاربة بالعروض تؤدى إلى جهالة الربح وقت القسمة لان
قيمة العروض تعرف بالحرز والظن وتختلف باختلاف المقومين والجهالة تقضى إلى المنازعة والمنازعة تفضى إلى الفساد
وهذا لا يجوز وقد قالوا إنه لو دفع إليه عروضا فقال له بعها واعمل بثمنها مضاربة فباعها بدراهم أو دنانير وتصرف فيها جاز
لأنه لم يضف المضاربة إلى العروض وإنما أضافها إلى الثمن والثمن تصح به المضاربة فان باعها بمكيل أو موزون جاز البيع
عند أبي حنيفة بناء على أصله في الوكيل بالبيع مطلقا أنه يبيع بالأثمان وغيرها الا أن المضاربة فاسدة لأنها صارت
مضافة إلى مالا تصح المضاربة به وهو الحنطة والشعير وأما على أصلهما فالبيع لا يجوز لان الوكيل بالبيع مطلقا لا يملك
البيع بغير الأثمان ولا تفسد المضاربة لأنها لم تصرف مضافة إلى مالا يصلح به رأس مال المضاربة (وأما) تبر الذهب
والفضة فقد جعله في هذا الكتاب بمنزلة العروض وجعله في كتاب الصرف بمنزلة الدراهم والدنانير والامر فيه
موكول إلى التعامل فإن كان الناس يتعاملون به فهو بمنزلة الدراهم والدنانير فتجوز المضاربة به وإن كانوا لا يتعاملون به
فهو كالعروض فلا تجوز المضاربة به (وأما) الزيوف والنبهرجة فتجوز المضاربة بها ذكره محمد رحمه الله لأنها
تتعين بالعقد كالجياد (وأما) الستوقة فإن كانت لا تروج فهي كالعروض وإن كانت تروج فهي كالفلوس وذكر
ابن سماعة عن أبي يوسف في الدراهم التجارية لا يجوز المضاربة بها لأنها كسدت عندهم وصارت سلعة قال ولو
أجزت المضاربة بها أجزتها بمكة بالطعام لأنهم يتبايعون بالحنطة كما يتبايع غير هم بالفلوس (وأما) الفلوس فقد ذكرنا
الكلام فيها في كتاب الشركة فالحاصل أن في جواز المضاربة بها روايتين عن أبي حنيفة ذكر محمد في المضاربة
الكبيرة في الجامع الصغير وقال لا تجوز المضاربة الا بالدراهم والدنانير عند أبي حنيفة وروى الحسن عنه أنها تجوز
والصحيح من مذهب أبي يوسف أنها لا تجوز وعند محمد تجوز بناء على أن الفلوس لا تتعين بالتعيين عنده فكانت أثمانا
كالدراهم والدنانير وعند أبي حنيفة وأبى يوسف تتعين فكانت كالعروض (ومنها) أن يكون معلوما فإن كان مجهولا
لا تصح المضاربة لان جهالة رأس المال تؤدى إلى جهالة الربح وكون الربح معلوما شرط صحة المضاربة (ومنها)
82

أن يكون رأس المال عينا لا دينا فإن كان دينا فالمضاربة فاسدة وعلى هذا يخرج ما إذا كان لرب المال على رجل
دين فقال له اعمل بديني الذي في ذمتك مضاربة بالنصف أن المضاربة فاسدة بلا خلاف فان اشترى هذا المضارب
وباع له ربحه وعليه وضيعته والدين في ذمته بحال عند أبي حنيفة وعند هما ما اشترى وباع لرب المال له ربحه وعليه
وضيعته بناء على أن من وكل رجلا يشترى له بالدين الذي في ذمته لم يصح عند أبي حنيفة حتى لو اشترى لا يبرأ عما
في ذمته عنه وإذا لم يصح الامر بالشراء بما في الذمة لم يصح إضافة المضاربة إلى ما في الذمة وعند هما يصح التوكيل
ولكن لا تصح المضاربة لأن الشراء يقع للموكل فتصير المضاربة بعد ذلك مضاربة بالعروض لأنه يصير في التقدير
كأنه وكله بشراء العروض ثم دفعه إليه مضاربة فتصير مضاربة بالعروض فلا تصح ولو قال لرجل اقبض مالي على
فلان من الدين واعمل به مضاربة جاز لان المضاربة هنا أضيفت إلى المقبوض فكان رأس المال عينا لا دينا لو
أضاف المضاربة؟ إلى عين هي أمانة في يد المضارب من الدراهم والدنانير بان قال للمودع أو المستبضع اعمل بما في يدك
مضاربة بالنصف جاز ذلك بلا خلاف وان أضافها إلى مضمونة في يده كالدراهم والدنانير المغصوبة فقال للغاصب
اعمل بما في يدك مضاربة بالنصف جاز ذلك عند أبي يوسف والحسن بن زياد وقال زفر لا يجوز (وجه) قوله أن المضاربة
تقتضي كون المال أمانة في يد المضارب والمغصوب مغصوب في يده فلا يتحقق التصرف للمضاربة فلا يصح ولأبي
يوسف أن ما في يده مضمون إلى أن يأخذ في العمل فإذا أخذ في العمل وهو الشراء تصير أمانة في يده فيتحقق معنى
المضاربة فتصح وسواء كان رأس المال مفروزا أو مشاعا بان دفع مالا إلى رجل بعضه مضاربة وبعضه غير مضاربة
مشاعا في المال فالمضاربة جائزة لان الإشاعة لا تمنع من التصرف في المال فان المضارب يتمكن من التصرف في المشاع
وكذا الشركة لا تمنع المضاربة فان المضارب إذا ربح يصير شريكا في المال ويجوز تصرفه بعد ذلك على المضاربة فإذا
لم يمنع البقاء لا يمنع الابتداء وعلى هذا يخرج ما إذا دفع إلى رجل ألف ردهم فقال نصفها عليك قرض ونصفها مضاربة
ان ذلك جائز أما جواز المضاربة فلما قلنا وأما جواز القرض في المشاع وإن كان القرض تبرعا والشياع يمنع صحة التبرع
كالهبة فلان القرض ليس بتبرع مطلق لأنه وإن كان في الحال تبرعا لأنه لا يقابله عوض للحال فهو تمليك المال بعوض
في الثاني الا ترى ان الواجب فيه رد المثل لأرد العين فلم يكن تبرعا من كل وجه فلا يعمل فيه الشيوع بخلاف الهبة فإنها
تبرع محض فعمل الشيوع فيها وإذا جاز القرض والمضاربة كان نصف الربح للمضارب لأنه ربح ملكه وهو
القرض ووضيعته عليه والنصف الآخر بينه وبين رب المال على ما شرطا لأنه ربح مستفاد بمال المضاربة ووضيعته
على رب المال ولا تجوز قسمة أحدهما دون صاحبه لأنه مال مشترك بينهما فلا ينفرد أحد الشريكين بقسمته
قالوا ولو كان قال له خذ هذه الألف على أن نصفها قرض عليك على أن تعمل بالنصف الآخر مضاربة على أن الربح
لي فهذا مكروه لأنه شرط لنفسه منفعة في مقابلة القرض وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قرض جر نفعا
فان عمل على هذا فربح أو وضع فالربح بينهما نصفان وكذا الوضيعة (أما) الربح فلان المضارب ملك نصف المال
بالقرض فكان نصف الربح له والنصف الآخر بضاعة في يده فكان ربحه لرب المال (وأما) الوضيعة فلأنها
جزء هالك من المال والمال مشترك فكانت الوضيعة على قدره ولو قال خذ هذه الألف على أن نصفها مضاربة بالنصف
ونصفها هبة فقبضها المضارب على ذلك غير مقسوم فالهبة فاسدة لأنها هبة المشاع فيما يحتمل القسمة فان عمل في المال
فربح كان نصف الربح للمضارب حصة الهبة ونصف الربح بينهما على ما شرطا والوضيعة عليهما أما نصف الربح
للمضارب حصة الهبة فلانه يثبت الملك له فيه إذا قبض بعقد فاسد فكان ربحه له وأما النصف الآخر فإنما يكون ربحه
بينهما على الشرط لأنه استفيد بمال المضاربة مضاربة صحيحة (وأما) كون الوضيعة عليهما فلأنها جزء هالك من
المال والمال مشترك فان هلك المال في يد المضارب قبل أن يعمل أو بعدما عمل فهو ضامن لنصف المال وهو الهبة لأنه
مقبوض بعقد فاسد فكان مضمونا عليه كالمقبوض بيع فاسد ولو كان دفع نصف المال بضاعة ونصفه مضاربة
83

فقبضه المضارب على ذلك فهو جائز والمال على ما سميا من المضاربة والبضاعة والوضيعة على رب المال ونصف الربح
لرب المال ونصفه على ما شرطا لان الإشاعة لا تمنع من العمل في المال مضاربة وبضاعة وجازت المضاربة والبضاعة
وإنما كانت الوضيعة على رب المال لأنه لا ضمان على المبضع والمضارب في البضاعة والمضاربة وحصة البضاعة
من البرح لرب المال خاصة لان المبضع لا يستحق الربح وحصة المضاربة بينهما على ما شرطا لأنه ربح حصل من
مال المضاربة والمضاربة قد صحت فيكون بينهما على الشرط ولو دفع إليه على أن نصفها وديعة في يد المضارب ونصفها
مضاربة بالنصف فذلك جائز والمال في يد المضارب على ما سميا لان كل واحد منهما أعنى الوديعة والمضاربة أمانة فلا
يتنافيان فكان نصف المال في يد المضارب وديعة ونصفه مضاربة الا أن التصرف لا يجوز الابعد القسمة لان كل جزء
من المال بعضه مضاربة وبعضه وديعة والتصرف في الوديعة لا يجوز فان قسم المضارب المال نصفين ثم عمل بأحد
النصفين على المضاربة فربح أو وضع فالوضيعة عليه وعلى رب المال نصفان ونصف الربح للمضارب ونصفه على
ما شرطا لان قسمة المضارب المال لم تصح لان المالك لم يأذن له فيها فإذا أفرز بعضه فقد تصرف في مال الوديعة ومال
المضاربة فما كان في حصة الوديعة فهو غصب فيكون ربحه للغاصب وما كان في حصة المضاربة فهو على الشرط ومن
هذا الجنس ما إذا دفع إلى رجل متاعا فباع نصفه من المدفوع إليه بخمسماية ثم أمره أن يبيع النصف الباقي ويعمل بالثمن
كله مضاربة على أن ما رزق الله تعالى من شئ فهو بيننا بنصفان فباع المضارب نصف المتاع بخمسمائة ثم عمل بها
وبالخمسمائة التي عليه فربح في ذلك أو وضع فالوضيعة عليهما نصفان والربح بينهما نصفان في قياس قول أبي حنيفة رحمه
الله لان من مذهبه أن من كان له على رجل دين فأمره أن يشترى له بذلك الدين شيئا لا يصح والمشترى يكون للمأمور
لا للآمر ويكون الدين على المأمور حالة وإذا كان كذلك فههنا أمر ان يعمل بالدين ونصف ثمن المباع فما ربح
في حصة الدين فهو للمدفوع إليه لأنه تصرف في ملك نفسه فيكون ربحه له وما ربح في نصيب الدافع فهو للدافع
والوضيعة عليهما لان المال مشترك بينهما فكان الهالك بينهما (وأما) في قياس قول أبى يوسف ومحمد فمقدار ما ربح
في الخمسمائة التي أمره أن يبيع نصف المتاع بها فهو بينهما نصفان على ما شرطا وما ربح في النصف الذي عليه من الدين
يكون لرب المال لان من أصلهما أن الامر بالشراء بالدين يصح وتكون المضاربة فاسدة لأنه إذا اشترى صار عروضا
والمضاربة بالعروض لا تصح فصارت المضاربة هنا جائزة في النصف فاسدة في النصف فالربح في الصحيحة يكون
بينهما على الشرط وفي الفاسدة يكون لرب المال ولو شرط الدافع لنفسه الثلث وللمضارب الثلثين والمسألة بحالها
فان في قول أبي حنيفة ثلثا الربح للمضارب على ما اشترطا نصف الربح من نصيب المضارب خاصة والسدس من نصيب
الدافع كأنه قال له اعمل في نصيبك على أن الربح لك واعمل في نصيبي على أن لك ثلث الربح من نصيبي (وأما) على
قياس قولهما فقد دفع إليه نصفه مضاربة جائزة ونصفه مضاربة فاسدة فما ربح في النصف الذي كان دينا فهو لرب المال
لأنه مضاربة فاسدة وما ربح في النصف الذي هو ثمن المتاع فالربح بينهما على ما شرطا فصار لرب المال ثلثا الربح
وللمضارب الثلث وإن كان شرط لرب المال ثلثي الربح وللمضارب الثلث فالربح بينهما نصفان في قول أبي حنيفة لان
رب المال شرط النصف من نصيب نفسه والزيادة من نصيب المضارب وشرط الزيادة من غير عمل ولا رأس مال
باطل فيكون الربح على قدر المال وفي قياس قولهما نصف الربح لرب المال خاصة لان المضاربة فيه فاسدة وللمضارب
ثلث ربح النصف الآخر (ومنها) تسليم رأس المال إلى المضارب لأنه أمانة فلا يصح الا بالتسليم وهو التخلية كالوديعة
ولا يصح مع بقاء يد الدافع على المال لعدم التسليم مع بقاء يده حتى لو شرط بقاء يد المالك على المال فسدت المضاربة لما
قلنا فرق بين هذا وبين الشركة فإنها تصح مع بقاء يدرب المال على ماله والفرق أن المضاربة انعقدت على رأس مال
من أحد الجانبين وعلى العمل من الجانب الآخر ولا يتحقق العمل الا بعد خروجه من يدرب المال فكان هذا شرطا
موافقا مقتضى العقد بخلاف الشركة لأنها انعقدت على العمل من الجانبين فشرط زوال يدرب المال عن العمل يناقض
84

مقتضى العقد وكذا لو شرط في المضاربة عمل رب المال فسدت المضاربة سواء عمل رب المال معه أولم يعلم لان
شرط عمله معه شرط بقاء يده على المال وأنه شرط فاسد ولو سلم رأس المال إلى رب المال ولم يشرط عمله ثم استعان به
على العمل أو دفع إليه المال بضاعة جاز لان الاستعانة لا توجب خروج المال عن يده وسواء كان المالك عاقدا
أو غير عاقد لابد من زوال يدرب المال عن ماله لتصح المضاربة حتى أن الأب أو الوصي إذا دفع مال الصغير مضاربة
وشرط عمل الصغير لم تصح المضاربة لان يد الصغير باقية لبقاء ملكه فتمنع التسليم وكذلك أحد شريكي المفاوضة
أو العنان إذا دفع مالا مضاربة وشرط عمل شريكه مع المضارب لان لشريكه فيه ملكا فيمنع الستليم (فاما) العاقد
إذا لم يكن مالكا للمال فشرط أن يتصرف في المال مع المضارب فإن كان ممن يجوز أن يأخذ مال المالك مضاربة لم تفسد
المضاربة كالأب والوصي إذا دفعا مال الصغير مضاربة وشرطا أن يعملا مع المضارب بجزء من الربح لأنهما لو أخذا
مال الصغير مضاربة بأنفسهما جاز فكذا إذا شرطا عملهما مع المضارب وصار كالأجنبي وإن كان العقد ممن لا يجوز
أن يأخذ مال المالك مضاربة فشرط عمله فسد العقد كالمأذون إذا دفع مالا مضاربة وشرط عمله مع المضارب لان
المأذون وان لم يكن مالكا رقبة المال فيد التصرف ثابتة له عليه فينزل منزلة المالك فيما يرجع إلى التصرف فكان قيام
يده مانعا من التسليم والقبض فيمنع صحة المضاربة وان شرط المأذون عمل مولاه مع المضارب ولا دين عليه فالمضاربة
فاسدة لان المولى هو المالك للمال حقيقة فإذا حصل المال في يده فقد وجديد المالك فيمنع التسليم وإن كان عليه دين
فالمضاربة جائزة في قول أبي حنيفة رحمه الله لان المولى لا يملك هذا المال فصار كالأجنبي (وأما) المكاتب
إذا شرط عمل مولاه لم تفسد المضاربة لان المولى لا يملك اكساب مكاتبه وهو فيها كالا جنبي ولو دفع إلى إنسان
مالا مضاربة وأمره أن يعمل برأيه ودفعه المضارب الأول إلى آخر مضاربة على أن يعمل المضارب معه أو يعمل
معه رب المال فالمضاربة فاسدة لان اليد للمضارب والملك للمولى وكل ذلك يمنع من التسليم وقد قالوا في المضارب
إذا دفع المال إلى رب المال مضاربة بالثلث فالمضاربة الثانية فاسدة والمضاربة الأولى على حالها جائزة والربح بين
رب المال وبين المضارب على ما شرطا في المضاربة الأولى ولا أجر لرب المال (أما) فساد المضاربة الثانية فلان يد
رب المال يد ملك ويد الملك مع يد المضارب لا يجتمعان فلا تصح المضاربة الثانية وبقيت المضاربة الأولى على
حالها ولم يذكر القدوري رحمه الله في شرحه مختصر الكرخي خلافا وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أن
هذا مذهب أصحابنا الثلاثة وعند زفر رحمه الله تنفسخ المضاربة الأولى بدفع المال إلى رب المال والرد عليه (وجه)
قوله أن زوال يدرب المال شرط صحة المضاربة فكانت إعادة يده إليه مفسدة لها (ولنا) أن رب المال يصير معينا
للمضارب والإعانة لا توجب اخراج المال عن يده فيبقى العقد الأول ولا أجر لرب المال لأنه عمل في ملك نفسه فلا
يستحق الاجر (وأما) الذي يرجع إلى الربح فأنواع (منها) اعلام مقدار الربح لان المعقود عليه هو الربح وجهالة
المعقود عليه توجب فساد العقد ولو دفع إليه ألف درهم عن أنهما يشتركان في الربح ولم يبين مقدار الربح جاز ذلك والربح
بينهما نصفان لان الشركة تقتضي المساواة قال الله تعالى عز شأنه وهم شركاء في الثلث ولو قال على أن للمضارب شركا
في الربح جاز في قول أبى يوسف والربح بينهما نصفان وقال محمد المضاربة فاسدة (وجه) قول محمد أن الشركة هي
النصيب قال الله تعالى أم لهم شرك في السماوات أي نصيب وقال تعالى ومالهم فيهما من شرك أي نصيب فقد جعل
له نصيبا من الربح والنصيب مجهول فصار الربح مجهولا (وجه) قول أبى يوسف أن الشرك بمعنى الشركة يقال شركته
في هذا الامر أشركه شركة وشركا قال القائل
وشاركنا قريشا في بقاها * وفى أحسابها شرك العنان
ويذكر بمعنى النصيب أيضا لكن في الحمل على الشركة تصحيح للعقد فيحمل عليها (ومنها) أن يكون المشروط
لكل واحد منهما من المضارب ورب المال من الربح جزأ شائعا نصفا أو ثلثا أو ربعا فان شرطا عددا مقدرا بان
85

شرطا أن يكون لأحدهما مائة درهم من الربح أو أقل أو أكثر والباقي للآخر لا يجوز والمضاربة فاسدة لان المضاربة
نوع من الشركة وهي الشركة في الربح وهذا شرط يوجب قطع الشركة في الربح لجواز أن لا يربح المضارب الا هذا
القدر المذكور فيكون ذلك لا حدهما دون الآخر فلا تتحقق الشركة فلا يكون التصرف مضاربة وكذلك ان شرطا
أن يكون لأحدهما النصف أو الثلث ومائة درهم أو قالا الا مائة درهم فإنه لا يجوز كما ذكرنا أنه شرط يقطع الشركة
في الربح لأنه إذا شرطا لا حدهما للنصف ومائة فمن الجائز أن يكون الربح مائتين فيكن كل الربح للمشروط له وإذا شرط له
النصف الا مائة فمن الجائز أن يكون نصف الربح مائة فلا يكون له شئ من الربح ولو شرطا في العقد أن تكون الوضيعة
عليهما بطل الشرط والمضاربة صحيحة والأصل في الشرط الفاسد إذا دخل في هذا العقد أنه ينظر إن كان لا يؤدي
إلى جهالة الربح يوجب فساد العقد لان الربح هو المعقود عليه وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد وإن كان لا يؤدي
إلى جهالة الربح يبطل الشرط وتصح المضاربة وشرط الوضيعة عليهما شرط فاسد لان الوضيعة جزء هالك من المال
فلا يكون الاعلى رب المال لا انه يؤدى إلى جهالة الربح فلا يؤثر في العقد فلا يفسد به العقد ولان هذا عقد تقف صحته
على القبض فلا يفسده الشرط الزائد الذي لا يرجع إلى المعقود عليه كالهبة والرهن ولأنها وكالة والشرط الفاسد
لا يعمل في الوكالة وذكر محمد في المضاربة إذا قال رب المال للمضارب لك ثلث الربح وعشرة دراهم في كل شهر
ما عملت في المضاربة صحت المضاربة من الثلث وبطل الشرط وذكر في الزارعة إذا دفع إليه أرضه بثلث الخارج
وجعل له عشرة دراهم في كل شهر فالمزارعة باطلة من أصحابنا من قال في المسألة روايتان رواية كتاب المزارعة
تقتضي فساد المضاربة لان المشروط للمضارب من المشاهرة معقود عليه وهو قطع عنه الشركة وهذا يفسد المضاربة
وفي رواية كتاب المضاربة يقتضى أن تصح المضاربة لأنه عقد على ربح معلوم ثم الحق به شرطا فاسدا فيبطل الشرط
وتصح المضاربة والصحيح هو الفرق بين المسئلتين لان معنى الإجازة في المزارعة أظهر منه في المضاربة بدليل أنها
لا تصح الا بمدة معلومة والمضاربة لا تفتقر صحتها إلى ذكر المدة فالشرط الفاسد جاز أن يؤثر في المزارعة ولا يؤثر في
المضاربة وعلى هذا الأصل قال محمد فيمن دفع ألفا مضاربة على أن الربح بينهما نصفين على أن يدفع إليه رب المال أرضه
ليزرعها سنة أو دارا ليسكنها سنة فالشرط باطل والمضاربة صحيحة لأنه الحق بها شرطا فاسدا لا تقتضيه فبطل الشرط
ولو كان المضارب هو الذي شرط عليه أن يدفع أرضه ليزرعها رب المال سنة أو يدفع داره إلى رب المال ليسكنها
سنة فسدت المضاربة لأنه جعل نصف الربح عوضا عن عمله وعن أجرة الدار والأرض فصارت حصة العمل
مجهولة بالعقد فلم يصح العقد وروى المعلى عن أبي يوسف في رجل دفع مالا إلى رجل مضاربة على أن يبيع في دار
رب المال أو على أن يبيع في دار المضارب كان جائزا ولو شرطا أن يسكن المضارب دار رب المال أو رب المال دار
المضارب فهذا لا يجوز لأنه إذا شرط البيع في أحد الدارين فإنما خص البيع بمكان دون مكان ولم يعقد علين منافع
الدار وإذا شرط للمضارب السكنى فقد جعل تلك المنفعة أجرة له وأطلق أبو يوسف أنه لا يجوز ولم يذكر انه لا يجوز
الشرط أولا تجوز المضاربة وذكر القدوري رحمه الله أنه ينبغي أن يكون الفساد في الشروط لا في المضاربة ولو شرط جميع
الربح للمضارب فهو قرض عند أصحابنا وعند الشافعي رحمه الله هي مضاربة فاسدة وله أجرة مثل ما إذا عمل (وجه)
قوله أن المضاربة عقد شركة في الربح فشرط قطع الشركة فيها يكون شرطا فاسدا (ولنا) أنه إذا لم يكن تصحيحها مضاربة
تصحح قرضا لأنه أتى بمعنى القرض والعبرة في العقود لمعانيها وعلى هذا إذ شرط جميع الربح لرب المال فهو ابضاع
عندنا لوجود معنى الابضاع
(فصل) وأما بيان حكم المضاربة فالمضاربة لا تخلو اما أن تكون صحيحة أو فاسدة ولكل واحد منهما أحكام
أما أحكام الصحيحة فكثيرة بعضها يرجع إلى حال المضارب في عقد المضاربة وبعضها يرجع إلى عمل المضارب
ما لكل واحد منهما أن يعمله وما ليس له أن يعمله وبعضه يرجع إلى ما يستحقه المضارب بالعمل وما يستحقه رب
86

المال بالمال (أما) الذي يرجع إلى حال المضارب في عقد المضاربة فهو أن رأس المال قبل أن يشترى المضارب
به شيئا أمانة في يده بمنزلة الوديعة لأنه قبضه بإذن المالك لا على وجه البدل والوثيقة فإذا اشترى به شيئا صار بمنزلة الوكيل
بالشراء والبيع لأنه تصرف في مال الغير بأمره وهو معنى الوكيل فيكون شراؤه على العروف وهو أن يكون بمثل قيمته
أو بما يتغابن الناس في مثله كالوكيل بالشراء وبيعه على الاختلاف المعروف في الوكيل بالبيع المطلق ولو اشترى
شراء فاسدا يملك إذا قبض لا يكون مخالفا ويكون الشراء على المضاربة وكذا إذا باع شيئا من مال المضاربة بيعا فاسدا
لا يصير مخالفا ولا يضمن لان المضاربة توكيل والوكيل بالشراء والبيع مطلقا يملك الصحيح والفاسد فلا يصير مخالفا
فإذا ظهر في المال ربح صار شريكا فيه بقدر حصته من الربح لأنه ملك جزأ من المال المشروط بعمله والباقي لرب المال
لأنه نماء ماله فإذا فسدت بوجه من الوجوه صار بمنزلة الأجير لرب المال فإذا خالف شرط رب المال صار بمنزلة
الغاصب ويصير المال مضمونا عليه ويكون ربح المال كله بعد ما صار مضمونا عليه له لان الربح بالضمان لكنه
لا يطيب له في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وعند أبي يوسف رحمه الله يطيب له وهو على اختلافهم في الغاصب
والمودع إذا تصرفا في المغصوب والوديعة وربحا ولو أزاد رب المال أن يجعل المال مضمونا على المضارب فالحيلة
في ذلك أن يقرض المال من المضارب ويشهد عليه ويسلمه إليه ثم يأخذ منه مضاربة بالنصف أو بالثلث ثم يدفعه
إلى المستقرض فيستعين به في العمل حتى لو هلك في يده كان القرض عليه وإذ لم يهلك وربح يكون الربح بينهما على
الشرط وحيلة أخرى أن يقرض رب المال جميع المال من المضارب الا درهما واحدا ويسلمه إليه ويشهد على
ذلك ثم إنهما يشتركان في ذلك شركة عنان على أن يكون رأس مال المقرض درهما ورأس مال المستقرض جميع
ما استقرض على أن يعملا جميعا وشرطا أن يكون الربح بينهما ثم بعد ذلك يعمل المستقرض خاصة في المال فان هلك
المال في يده كان القرض على حاله ولو ربح كان الربح بينهما على الشرط (وأما) الذي يرجع إلى عمل المضارب مما له
أن يعمله بالعقد وما ليس له أن يعمل به فجملة الكلام فيه أن المضاربة نوعان مطلقة ومقيدة فالمطلقة أن يدفع المال
مضاربة من غير تعيين العمل والمكان والزمان وصفة العمل ومن يعامله والمقيدة أن يعين شيئا من ذلك وتصرف
المضارب في كل واحد من النوعين ينقسم أربعة أقسام قسم منه للمضارب أن يعمله من غير الحاجة إلى التنصيص
عليه ولا إلى قول اعمل برأيك فيه وقسم منه ما ليس له أن يعمل ولو قيل له اعمل فيه برأيك الا بالتنصيص عليه وقسم
منه ماله أن يعمله إذا قيل له اعمل فيه برأيك وان لم ينص عليه وقسم منه ما ليس له أن يعمله رأسا وان نص عليه (وأما)
القسم الذي للمضارب أن يعمله من غير التنصيص عليه ولا قول اعمل برأيك كالمضاربة المطلقة عن الشرط والقيد
وهي ما إذا قال له خذ هذا المال واعمل به على أن ما رزق الله من ربح فهو بيننا على كذا أو قال خذ هذا المال مضاربة
على كذا فله أن يشترى به ويبيع لأنه أمره بعمل هو سبب حصول الربح وهو الشراء والبيع وكذا المقصود من عقد
المضاربة هو الربح والربح لا يحصل الا بالشراء والبيع الا أن شراءه يقع على المعروف وهو أن يكون بمثل قيمة المشترى
أو بأقل من ذلك ما يتغابن الناس في مثله لأنه وكيل وشراء الوكيل يقع على المعروف فان اشترى بمالا يتغابن الناس
في مثله كان مشتريا لنفسه لا على المضاربة بمنزلة الوكيل بالشراء (وأما) بيعه فعلى الاختلاف بين أبي حنيفة
وصاحبيه رضى الله تعالى عنهم في التوكيل بمطلق البيع أنه يملك البيع نقدا ونسيئة ولا بما لا يتغابن الناس في مثله
وهي من مسائل كتاب الوكالة وله أن يشترى ما بدا له من سائر أنواع التجارات في سائر الأمكنة مع سائر الناس لا طلاق
العقد وله أن يدفع المال بضاعة لان الابضاع من عادة التجار ولا المقصود من هذا العقد هو الربح والابضاع
طريق إلى ذلك ولأنه يملك الاستئجار فالا بضاع أولى لان الاستئجار استعمال في المال بعض والابضاع
استعمال فيه بغير عوض فكان أولى وله أن يودع لان الايداع من عادة التجار ومن ضرورات التجارة وله أن
87

يستأجر من يعمل في المال لأنه من عادة التجار وضرورات التجارة أيضا لان الانسان قد لا يتمكن من جميع الاعمال
بنفسه فيحتاج إلى الأجير وله أن يستأجر البيوت ليجعل المال فيها لأنه لا يقدر على حفظ المال الا به وله أن يستأجر
السفن والدواب للحمل لان الحمل من مكان إلى مكان طريق يحصل الربح ولا يمكنه النقل بنفسه وله أن يوكل بالشراء
والبيع لان التوكيل من عادة التجار ولأنه طريق الوصول إلى المقصود وهو الربح فكان بسبيل منه كالشريك ولان
المضاربة أعم من الوكالة ويجوز أن يستفاد بالشئ ما هو دونه بخلاف الوكالة المفردة أن الوكيل لا يملك أن يوكل غيره
بمطلق الوكالة الا إذا قيل له اعمل برأيك لان المقصود من ذلك ليس هو التجارة وحصول الربح بل ادخال المبيع
في ملكه وكذا الوكالة الثانية مثل الأولى والشئ لا يستتبع مثله وكل ما للمضارب أن يعمل بنفسه فله أن يوكل
فيه غيره وكل مالا يكون له أن يفعله بنفسه لا يجوز فيه وكالته على رب المال لأنه لما لم يملك أن يعمل بنفسه فبوكيله
أولى وله أن يرهن بدين عليه في المضاربة من مال المضاربة وأن يرتهن بدين له منها على رجل لان الرهن بالدين
والارتهان من باب الايفاء والاستيفاء وهو يملك ذلك فيملك الرهن والارتهان وليس له أن يرهن بعد نهى
رب المال عن العمل ولا بعد موته لان المضاربة تبطل بالنهي والموت الا في تصرف ينضر به رأس المال والرهن
ليس تصرفا ينضر به رأس المال فلا يملكه المضارب ولو باع شيئا وأخر الثمن جاز لان التأخير للثمن عادة التجار وأما
على أصل أبي حنيفة عليه الرحمة فلان الوكيل بالبيع يملك تأخير الثمن فالمضارب أولى لان تصرفه أعم من تصرف
الوكيل الا أن الوكيل بالبيع إذا أخر الثمن يضمن عندهما والمضارب لا يضمن لان المضارب يملك أن يستقبل
ثم يبيع نسيئة فيملك التأخير ابتداء فلم يضمن فأما الوكيل فلا يملك الإقالة ثم البيع بالنسيئة فإذا أخر ضمن (وأما)
عند أبي يوسف فإنما جاز تأخير المضارب دون الوكيل هذا المعنى أيضا وهو أن المضارب يملك أن يشترى السلعة أو
يستقيل فيها ثم يبيعها نساء فيملك تأخير ثمنها والوكيل لا يملك ذلك وله أن يحتال بالثمن على رجل موسرا كان المحتال
عليه أو معسر الان الحوالة من عادة التجار لان الوصول إلى الدين قد يكون أيسر من ذمة المحال عليه منه من ذمة المحيل
بخلاف الوصي إذا احتال بمال اليتيم ان ذلك إن كان أصلح جاز وإلا فلا لان تصرف الوصي في مال اليتيم مبنى على
النظر وتصرف المضارب مبنى على عادة التجار قال محمد وله أن يستأجر أرضا بيضاء ويشترى ببعض المال طعاما
فيزرعه فيها وكذلك له أن يقلبها ليغرس فيها نخلا أو شجرا أو رطبا فذلك كله جائز والربح على ما شرطا لان الاستئجار
من التجارة لأنه طريق حصول الربح وكذا هو من عادة التجار فيملكه المضارب وللمضارب أن لا يسافر بالمال
لان المقصود من هذا العقد استنماء المال وهذا المقصود بالسفر أو فرو لأن العقد صدر مطلقا عن المكان فيجرى على
اطلاقه ولان مأخذ الاسم دليل عليه لان المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض وهو السير قال الله تبارك وتعالى
وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ولأنه طلب الفضل وقد قال الله تعالى عز شأنه وابتغوا من
فضل الله وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبي يوسف في رواية محمد عنه وفي رواية أصحاب الاملاء عنه ليس له
أن يسافر وروى عنه انه فرق بين الذي يثبت في وطنه وبين الذي لا يثبت وبين ماله حمل ومؤنة وبين مالا حمل
له ولا مؤنة في الشركة فالمضارب على ذلك وقد ذكرنا وجه كل واحد من ذلك في كتاب الشركة وقد قال أبو يوسف
عن أبي حنيفة رحمه الله انه إذا دفع إليه المال بالكوفة وهما من أهليها فان أبا حنيفة قال ليس له أن يسافر بالمال ولو كان
الدفع في مصر آخر غير الكوفة فللمضارب أن يخرج به حيث شاء وقد ذكرنا وجه الرواية المشهورة في كتاب الشركة
(وأما) وجه رواية أبى يوسف عنه فهو ان المسافرة بالمال مخاطرة به فلا يجوز الا باذن رب المال نصا أو دلالة فإذا
دفع المال إليه في بلدهما فلم يأذن له بالسفر نصا ولأدلة لم يكن له أن يسافر وإذا دفع إليه في غير بلدهما فقد وجد دلالة
الاذن بالرجوع إلى الوطن لان العادة ان الانسان لا يأخذ المال مضاربة ويترك بلده فكان دفع المال في غير بلدهما
رضا بالرجوع إلى الوطن فكان اذنا دلالة وله أن يأذن لعبيد المضاربة بالتجارة في ظاهر الرواية لان الاذن بالتجارة
88

من التجارة ومن عادة التجار أيضا وروى ابن رستم عن محمد انه لا يملك ذلك باطلاق المضاربة لأنه الاذن بالتجارة
أعم من المضاربة فلا يستتبع ما هو فوقه وله أن يبيعهم إذا لحقهم دين سواء كان المولى حاضرا أو غائبا لان البيع في الدين
من التجارة فلا يقف على حضور المولى ولو جنى عبد المضاربة بأن قتل انسانا خطأ وقيمته مثل مال المضارب بأن
كان رأس المال ألف درهم فاشترى بها عبدا قيمته الف فقتل انسانا خطأ لا يخاطب المضارب بالدفع أو الفداء لان
الدفع أو الفداء ليس من التجارة ولا ملك أيضا للمضارب في رقبته لانعدام الفعل والتدبير في جنايته إلى رب المال
لان رقبته خالص ملكه ولا ملك للمضارب فيها بخلاف عبد المأذون إذا جنى انه يخاطب المأذون بالدفع أو
الفداء مع غيبة المولى لان العبد المأذون في التصرف كالحر لأنه يتصرف لنفسه كالحر بدليل انه لا يرجع بالعهدة على
المولى ولو كان متصرفا للمولى لرجع بالعهدة عليه فلما لم يرجع دل انه يتصرف لنفسه وإنما يظهر حق المولى في كسبه عند
فراغه عن حاجته فإذا تعلقت الجناية برقبته صارت مشغولة فلا يظهر حق المولى فيخاطب بالدفع كالحر (فأما)
المضارب فإنه وكيل رب المال في التصرف حتى يرجع بالعهدة عليه والوكيل بالشراء لا يخاطب بحكم الجناية فهو الفرق
بين المسئلتين فان اختار رب المال الدفع واختار المضارب الفداء فله ذلك لأنه بالفداء يستبقى مال المضاربة وله فيه فائدة
في الجملة لتوهم الربح ولو دفع رب المال أو فدى خرج العبد من المضاربة (أما) إذا دفع فلا شك فيه لان بالدفع زال
ملكه لا إلى بدل فصار كأنه هلك وإذا فدى فقد لزمه ضمان ليس من مقتضيات المضاربة ولان اختيار الفداء دليل
رغبته في عين العبد فلا يحصل المقصود من العقد وهو الربح لان ذلك بالبيع ولو كان قيمة العبد ألفين فجنى جناية خطأ
لا يخاطب المضارب بالدفع أو الفداء إذا كان رب المال غائبا لما قلنا وليس لأصحاب الجناية على المضارب ولا على
الغلام سبيل الا أن لهم أن يستوثقوا من الغلام بكفيل إلى أن يقدم المولى وكذا لا يخاطب المولى بالدفع أو الفداء إذا كان
المضارب غائبا وليس لأحدهما أن يفدى حتى يحضرا جميعا فان فدى كان متطوعا بالفداء فإذا حضرا دفعا أو فديا فان
دفعا فليس لهما شئ وان فديا كان الفداء عليهما أرباعا وخرج العبد من المضاربة وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال
أبو يوسف حضور المضارب ليس بشرط ويخاطب المولى بحكم الجناية (وجه) قوله إن نصيب المضارب لم يتعين في
الربح لعدم تعيين رأس المال لان التعيين بالقسمة ولم توجد فبقي المال على حكم ملك رب المال فكان هو المخاطب بحكم
الجناية فلا يشترط حضور المضارب (ولهما) انه إذا كان في المضاربة فضل كان للمضارب ملك في العبد ولهذا لو أعتقه
نفذ اعتاقه في نصيبه وإذا كان له نصيب في العبد كان فداء نصيبه عليه فلا بد من حضوره (وأما) قوله إن حقه لم يتعين
في الربح لعدم تعيين رأس المال فممنوع بل تعين ضرورة لزوم الفداء في نصيبه ولا يلزم الا بتعيين حقه ولا يتعين حقه الا
بتعيين رأس المال ولا يتعين رأس المال الا بالقسمة فثبتت القسمة ضرورة فان اختار أحدهما الدفع والاخر الفداء
فلهما ذلك لان كل واحد منهما مالك لنصيبه فصار كالعبد المشترك غير أن في العبد المشترك إذا حضر أحد الشريكين
وغاب الآخر يخاطب الآخر بحكم الجناية من الدفع أو الفداء وههنا لا يخاطب واحد منهما ما لم يحضرا جميعا لان
تصرف أحدهما يتضمن قسمة لان المال لا يبقى على المضاربة بعد الدفع أو الفداء والقسمة لا تصح الا بحضرتهما
والدفع أو الفداء من أحد الشريكين لا يتضمن قسمة ولا حكما في حق الشريك الآخر فلا يقف على حضوره وهذا
بخلاف العبد المرهون إذا كانت قيمته أكثر من الدين فجنى جناية خطأ انه يخاطب الراهن والمرتهن بحكم الجناية فان
اختار أحدهما الدفع والآخر الفداء لم يكن لهما ذلك ويلزمهما أن يجتمعا على أحد الامرين لان الملك هناك واحد
فاختلاف اختيار هما يوجب تبعيض موجب الجناية في حق مالك واحد وهذا لا يجوز كالعبد الذي ليس برهن وهنا
مالك العبد اثنان فلو اختلف اختيارهما لا يوجب ذلك تبعيض موجب الجناية في حق مالك واحد وقد قالوا إذا غاب
أحدهما وادعيت الجناية على العبد لم تسمع البينة حتى يحضر الان كل واحد منهما له حق العبد فكان التدبير في الجناية
إليهما فلا يجوز سماع البينة على أحدهما مع غيبة الآخر وإنما أخذ بالعبد كفيل لأنه يؤمن عليه أن يغيب فيسقط
89

حق ولى الجناية لان حقه تعلق برقبته فكان له أن يستوثق حقه بكفيل وحقوق العقد في الشراء والبيع ترجع إلى
المضارب لا إلى رب المال لان المضارب هو العاقد فهو الذي يطالب بتسليم المبيع ويطالب بتسليم الثمن يقبض المبيع
والثمن ويرد بالعيب ويرد عليه ويخاصم ويخاصم لما قلنا ولو اشترى المضارب عبدا معيبا قد علم رب المال بعيبه ولم
يعلم به المضارب فللمضارب أن يرده ولو كان علم بالعيب ولم يعلم به رب المال لم يكن للمضارب أن يرده لان حقوق العقد
تتعلق بالمضارب لا برب المال فيعتبر علم المضارب لاعلم رب المال ولو اشترى عبد فظهر به عيب فقال رب المال
بعد الشراء رضيت بهذا العبد بطل الرد لان الملك لرب المال فإذا رضى به فقد أبطل حق نفسه ولو أن رب المال
دفع إليه ألف درهم مضاربة على أن يشترى بها عبد فلان بعينه ثم يبيعه فاشتراه المضارب ولم يره فليس له أن يرده بخيار
الرؤية ولا بخيار العيب لان أمره بالشراء بعد العلم رضا منه بذلك العيب فكأنه قال بعد الشراء قد رضيت بخلاف
ما إذا أمره بشراء عبد غير معين لأنه لا يعلم أنه يشترى العبد المعيب لا محالة حتى يكون علمه دلالة الرضا به وهل له
أن يأخذ بالشفعة في دار اشتراها أجنبي إلى جنب دار المضارب أو باع رب المال دارا لنفسه والمضارب شفيعها بدار
أخرى من المضاربة ففيه تفصيل نذكره إن شاء الله تعالى ولو دفع المال إلى رجلين مضاربة فليس لأحدهما أن
يبيع ويشترى بغير اذن صاحبه ولا يعمل أحدهما شيئا مما للمضارب الواحد أن يعمله سواء قال لهما اعملا
برأيكما أولم يقل لأنه رضى برأيهما ولم يرض برأي أحدهما فصار كالوكيلين وإذا أذن له الشريك في شئ من ذلك جاز
في قولهم جميعا لأنه لما أذن له فقعد اجتمع رأيهما فصار كأنهما عقدا جميعا (وأما) القسم الذي ليس للمضارب أن
يعمله الا بالتنصيص عليه في المضاربة المطلقة فليس له أن يستدين على مال المضاربة ولو استدان لم يجز على رب
المال ويكون دينا على المضارب في ماله لان الاستدانة اثبات زيادة في رأس المال من غير رضا رب المال بل فيه
اثبات زيادة ضمان على رب المال من غير رضاه لان ثمن المشترى برأس المال في باب المضاربة مضمون على رب
المال بدليل أن المضارب لو اشترى برأس المال ثم هلك المشترى قبل التسليم فان المضارب يرجع إلى رب المال
بمثله فلو جوزنا الاستدانة على المضاربة لألزمناه زيادة ضمان لم يرض به وهذا لا يجوز ثم الاستدانة هي أن يشترى
المضارب شيئا بثمن دين ليس في يده من جنسه حتى أنه لو لم يكن في يده شئ من رأس المال من الدراهم والدنانير بأن
كان اشترى برأس المال سلعة ثم اشترى شيئا بالدراهم أو الدنانير لم يجز على المضاربة وكان المشترى له عليه ثمنه من ماله
لأنه اشترى بثمن ليس في يده من جنسه فكان مستدينا على المضاربة فلم تجز على رب المال وجاز عليه لأن الشراء
وجد نفاذا عليه كالوكيل بالشراء إذا خالف وسواء كان اشترى بثمن حال أو مؤجل لأنه لما اشترى بما ليس في يده من
جنسه صار مستدينا على المضاربة وهو لا يملك ذلك ولو كان ما في يد المضارب من العبد أو العرض يساوى رأس
المال أو أكثر فاشترى شيئا للمضاربة بالدراهم والدنانير ليبيع العرض ويؤدى ثمنه منها لم يجز سواء كان الثمن
حالا أو مؤجلا لما ذكرنا انه استدانة ولو باع ما في يده من العرض بالدراهم والدنانير وحصل ذلك في يده قبل حل
الأجل لم ينتفع بذلك لأنه لما خالف في حالة الشراء لزمه الثمن وصارت السلعة له لأنه لم يملك الشراء للمضاربة فوقع العقد
له فلا يصير بعد ذلك للمضاربة وكذا إذا قبض المضارب مال المضاربة ليس له أن يشترى بأكثر من رأس المال
الذي في يده لان الزيادة تكون دينا وليس في يده من مال المضاربة ما يؤديه حتى لو اشترى سلعة بألفي درهم ومال
المضاربة الف كانت حصة الألف من السلعة المشتراة للمضاربة وحصة ما زاد على الألف للمضارب خاصة له ربح
ذلك وعليه وضيعته والزيادة دين عليه في ماله لأنه يملك الشراء بالألف ولا يملك الشراء بما زاد عليها للمضاربة ويملك
الشراء لنفسه فوقع له وكذا إذا قبض المضارب رأس المال وهو قائم في يده فليس له أن يشترى للمضاربة بغير الدراهم
والدنانير من المكيل والموزون والمعدود والثوب الموصوف المؤجل إذا لم يكن في يده شئ من ذلك لأن الشراء بغير
المال يكون استدانة على المال ولو كان في يده من مال المضاربة مكيل أو موزون فاشترى ثوبا أو عبدا بمكيل أو
90

موزون موصوف في الذمة كان المشترى للمضارب لان في يده من جنسه فلم يكن استدانة ولو كان في يده دراهم
فاشترى سلعة بدراهم نسيئة لم يكن استدانة لان في يده من جنسه ولو كان في يده دراهم فاشترى بدنانير أو كان في يده
دنانير فاشترى بدراهم فالقياس أن لا يجوز على رب المال وهو قول زفر وفى الاستحسان يجوز (وجه) القياس ان
الدراهم والدنانير جنسان مختلفان حقيقة فقد اشترى بما ليس في يده من جنسه فيكون استدانة كما لو اشترى بالعروض
(وجه) الاستحسان ان الدراهم والدنانير عند التجار كجنس واحد لأنهما أثمان الأشياء بهما تقدر النفقات وأروش
الجنايات وقيمة المتلفات ولا يتعذر نقل كل واحد منهما إلى الآخر فكانا بمنزلة شئ واحد فكان مشتريا بثمن في يده
من جنسه وكذلك لو اشترى بثمن هو من جنس رأس المال لكنه يخالفه في الصفة بان اشترى بدراهم بيض ورأس
المال دراهم سود أو اشترى بصحاح ورأس المال غلة أو اشترى بدراهم سود ورأس المال دراهم بيض أو اشترى
بدراهم غلة ورأس المال صحاح فذلك جائز على المضاربة وقال زفر لا يجوز شئ من ذلك على المضاربة ويكون
استدانة ويجعل اختلاف الصفة كاختلاف الجنس وقال محمد ان اشترى بما صفته انقص من صفة رأس المال
جاز وهذا يشير إلى أنه لو اشترى بما صفته أزيد من صفة رأس المال انه لا يجوز على المضاربة (ووجهه) انه إذا اشترى
بما صفته أنقص من صفة رأس المال كان في يده ذلك القدر الذي اشترى به ذلك القدر وزيادة فجاز وإذا اشترى بما
صفته أكمل لم يكن في يده القدر الذي اشترى به فلا يجوز على المضارب والصحيح قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله لأنه لما جاز عند اختلاف الجنس فلان يجوز عند اختلاف الصفة أولى لان تفاوت الصفة دون تفاوت
الجنس ولو كان رأس المال ألف درهم فاشترى سلعة بألف أو بدنانير أو بفلوس قيمة ذلك الف لا يملك أن يشترى
بعد ذلك على الف المضاربة شيئا بألف أخرى أو غير ذلك لان مال المضاربة كان مستحقا بالثمن الأول فلو اشترى
بعد ذلك لصار مستدينا على مال المضاربة فلا يملك ذلك فان اشترى عليها أولا عبدا بخمسمائة لا يملك بعد ذلك
أن يشترى الا بقدر خمسمائة لان الخمسمائة خرجت من المضاربة وكذلك كل دين يلحق رأس المال لان
ذلك صار مستحقا من رأس المال فيخرج القدر المستحق من المضاربة فإذا اشترى بأكثر مما بقي صار مستدينا
على مال المضاربة فلا يصح ولو باع المضارب واشترى وتصرف في مال المضاربة فحصل في يده صنوف من
الأموال من المكيل والموزون والمعدود وغير ذلك من سائر الأموال ولم يكن في يده دراهم ولا دنانير ولا فلوس فليس
له أن يشترى متاعا بثمن ليس في يده مثله من جنسه وصفته وقدره بان اشترى عبدا بكر حنطة موصوفة فان اشترى بكر
حنطة وسط وفى يده الوسط أو بكر حنطة جيدة وفي يده جاز وإن كان في يده أجود مما اشترى به أو أدون لم يكن
للمضاربة وكان للمضارب لأنه إذا لم يكن في يده مثل الثمن صار مستدينا على المضاربة فلا يجوز وليس اختلاف
الصفة هنا كاختلاف الصفة في الدراهم لان اختلاف الجنس هناك بين الدراهم والدنانير لا يمنع الجواز فاختلاف
الصفة أولى لأنه دونه واختلاف الجنس هنا يمنع الجواز فكذا اختلاف الصفة ثم في جميع ما ذكرنا أنه لا يجوز من
المضارب الاستدانة على رب المال يستوى فيه ما إذا قال رب المال اعمل برأيك أولم يقل لان قوله اعمل برأيك
تفويض إليه فيما هو من المضاربة والاستدانة لم تدخل في عقد المضاربة فلا يملكها المضارب الا باذن رب المال بها
نصا ثم كمالا يجوز للمضارب الاستدانة على مال المضاربة لا يجوز له الاستدانة على اصلاح مال المضاربة حتى لو
اشترى المضارب بجميع مال المضاربة ثيابا ثم استأجر على حملها أو على قصارتها أو نقلها كان متطوعا في ذلك كله لأنه
إذا لم يبق في يده شئ من رأس المال صار بالاستئجار مستدينا على المضاربة فلم يجز عليها فصار عاقدا لنفسه متطوعا في
مال الغير كما لو حمل متاعا لغيره أو قصر ثيابا لغيره بغير أمره وقال محمد وكذلك إذا صبغها سودا من ماله فنقصها ذلك لان
الاستدانة لا تجوز ولا يصير شريكا بالسواد لأنه لم يوجب في العين زيادة بل أوجب نقصانا فيها ولا يضمن بفعله
سواء قال له اعمل برأيك أولم يقل لأنه مأذون فيه بعقد المضاربة بدليل أنه لو كان في يده فضل فصبغ الثياب به سودا
91

فنقصها ذلك لم يضمن وكذلك إذا صبغها بمال نفسه ولو صبغ المتاع بعصفر أو زعفران أو صبغ يزيد فيها وليس في
يده من مال المضاربة شئ فإن كان لم يقل اعمل برأيك فهو ضامن ورب المال بالخيار ان شاء ضمنه قيمة متاعه يوم
صبغه وسلم إليه المتاع وان شاء ترك المتاع حتى يباع فيتصرف فيه رب المال بقيمته أبيض وتصرف المضارب بما زاد
الصبغ فيه لان الصبغ عين مال قائم فما أصاب المتاع فهو مال المضاربة وما زاد الصبغ فللمضارب خاصة لان الصبغ
استدانة على المال وذلك لا يجوز فصار الصبغ من غير المضاربة والمضارب إذا خلط مال نفسه بمال المضاربة ولم يقل
له اعمل برأيك يضمن وصار كأجنبي خلط المال ولو صبغ الثياب أجنبي كان للمالك الخياران شاء ضمنه قيمتها
وان شاء تركها على الشركة وتضاربا ثمنها على الشركة كذا هذا وإن كان قال له اعمل برأيك فلا ضمان عليه لأنه إذا قال
ذلك فله أن يخلط مال نفسه بمال المضاربة والصبغ على ملكه فلا يضمن بخلطه وصار المتاع بينهما فإذا بيع المتاع قسم
الثمن على قيمة الثوب أبيض فما أصاب ذلك كان في المضاربة وما أصاب الصبغ كان للمضارب وإذا أذن للمضارب
أن يستدين على مال المضاربة جاز له الاستدانة وما يستدينه يكون شركة بينهما شركه وجوه وكان المشترى بينهما
نصفين لأنه لا يمكن أن يجعل المشترى بالدين مضاربة لان المضاربة لا تجوز الا في مال عين فتجعل شركة وجوه
ويكون المشترى بينهما نصفين لان مطلق الشركة يقتضى التساوي وسواء كان الربح بينهما في المضاربة نصفين أو
أثلاثا لأن هذه شركة على حدة فلا يبنى على حكم المضاربة وقد بينا في كتاب الشركة أنه لا يجوز التفاضل في الربح
في شركة الوجوه الا بشرط التفاضل في الضمان فان شرطا التفاضل في الضمان كان الربح كذلك وان أطلقا كان
المشترى نصفين لا يجوز فيه التفاضل في الربح وإذا صارت هذه شركة وجوه صار الثمن دينا عليهما من غير مضاربة
فلا يملك المضارب أن يرهن به مال المضاربة الا باذن رب المال فان أذن له أن يرهن بجميع الثمن فقد أعاره نصف الرهن
ليرهن بدينه وان هلك صار مضمونا عليه وليس له أن يقرض مال المضاربة لان القرض تبرع في الحال إذ لا يقابله
عوض للحال وإنما يصير مبادلة في الثاني ومال الغير لا يحتمل التبرع وكذلك الهبة والصدقة لان كل واحد منهما
تبرع ولا يأخذ سفتجة لان أخذها استدانة وهو لا يملك الاستدانة وكذا لا يعطى سفتجة لان اعطاء السفتجة
اقراض وهو لا يملك الاقراض الا بالتنصيص عليه هكذا قال محمد عن أبي حنيفة أنه قال ليس له أن يقرض ولا أن
يأخذ سفتجة حتى يأمره بذلك بعينه فيقول له خذ السفاتج وأقرض ان أحببت فاما إذا قال له اعمل في ذلك برأيك فإنما
هذا على البيع والشراء والشركة والمضاربة وخلط المال وهذا قول أبى يوسف وقولنا لما ذكرنا ان قوله اعمل في ذلك
برأيك تفويض الرأي إليه في المضاربة والتبرع ليس من عمل المضاربة وكذا الاستدانة بل هي عند الاذن شركة
وجوه وهي عقد آخر وراء المضاربة وهو إنما فوض إليه الرأي في المفاوضة خاصة لا في عقد آخر لا تعلق له بها فلا يدخل
في ذلك وليس أن يشترى بمالا يتغابن الناس في مثله وان قال له اعمل برأيك ولو اشترى يصير مخالفا لان المضاربة
توكيل بالشراء والتوكيل بالشراء مطلقا ينصرف إلى المتعارف وهو أن يكون بمثل القيمة أو بما يتغابن الناس في مثله ولأن الشراء
بمالا يتغابن في مثله محاباة والمحاباة تبرع والتبرع لا يدخل في عقد المضاربة وليس له ان يعتق على مال لأنه إزالة
الملك عن الرقبة بدين في ذمة المفلس فكان في معنى التبرع ولأنه ليس بتجارة إذا التجارة مبادلة المال بالمال وهذا مبادلة
العتق بالمال وليس له أن يكاتب لان الكتابة ليست بتجارة لانعدام مبادلة المال بالمال لهذا لا يملكه المأذون له في
التجارة وليس له ان يعتق عبدا من المضاربة إذا لم يكن في نفس العبد فضل عن رأس المال فان أعتق لم ينفذ لأن العقد
السابق لا يفيده ولأنه لا يملك الاعتاق على مال وفيه معنى المبادلة فالاعتاق بغير مال أولى ولا ملك للمضارب في العبد مما
لا ينفذ اعتاقه وسواء كان في يد المضارب مال آخر سوى العبد أولم يكن لان العبد إذا كان بقدر رأس المال لا فضل
فيه لم يتعين للمضارب فيه حق لأنه مشغول برأس المال بدليل أنه لو هلك ذلك المال يصير العبد رأس المال وإن كان
في نفس العبد المعتق فضل عن رأس المال جاز اعتاقه في قدر حصته من الربح لأنه إذا كان قيمته أكثر من رأس
92

المال فقد تعين للمضارب فيه ملك فينفذ اعتاقه فيقدر نصيبه كعبد بين شريكين أعتقه أحدهما وكذلك ان كاتب
عبدا من المضاربة أو أعتقه على مال ولم يكن فيه فضل أنه لم يجز وإن كان فيه فضل كان كعبد بين شريكين أعتقه أحدهما
على مال فإذا قبل العبد عتق عليه نصيبه وكان رب المال بالخيار ولرب المال فسخ الكتابة قبل الأداء
لأنه لا يتضرر به في الحال وفى الثاني أما في الحال فلا يمتنع عليه بيع نصيبه وهبته ما دام شئ منه فكذا هذا (وأما) الثاني
فلانه لو أدى وعتق نفسه يفسد الباقي على رب المال فأكد دفع هذا الضرر بالفسخ لان الكتابة قابلة
للفسخ فله أن يفسخ كأحد الشريكين إذا باع حصته من بيت معين من دار مشتركة بينهما كان لشريكه
نقض بيعه وان باع ملك نفسه لما أن الشريك يتضرر بنفاذ هذا البيع فإنه متى أراد أن يقسم الدار يحتاج إلى قسمين
قسمة البيت مع المشترى وقسمة بقية الدار مع الشريك الأول ويتضرر فكان له نقض البيع دفعا للضرر عنه فكذا
هذا بخلاف ما إذا دبر المضارب نصيبه أو أعتق انه ينفذ وإن كان يتضرر به رب المال لان الضرر إنما يدفع إذا أمكن
وهناك لا يمكن لان التدبير والاعتاق تصرفان لا يحتملان الفسخ بخلاف الكتابة فان أدى الكتابة قبل الفسخ
عتق لوجود شرط العتق وهو الأداء الا أن لرب المال أن يأخذ ما أداه المكاتب قدر حصته من المؤدى لأنه كسب
عبد مشترك بينهما وكذلك إذا كان رأس المال ألف درهم فاشترى بها المضارب عبدين قيمة كل واحد منهما ألف
فاعتق أحدهما انه لا يجوز اعتاقه عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر يجوز اعتاقه في نصيبه منها لان رأس المال ليس الا
الألف فما زاد على ذلك يكون ربحا ويكون للمضارب فيه نصيب فينفذ اعتاقه في نصيبه (ولنا) انه لم يتعين للمضارب
ملك في أحد العبدين لان كل واحد منهما يجوز أن يكون رأس المال والآخر ربحا فليس أحدهما بأن يجعل رأس
المال والآخر ربحا أولى من القلب فيجعل كل واحد منهما كان ليس معه غيره ولان حق المضارب لا يتعين في
الربح قبل تعين رأس المال ورأس المال لم يتعين الا بتعيين ملك المضارب في الربح وكذلك لو كان في يد المضارب
عشرون عبدا قيمة كل واحد منهم ألف درهم ورأس المال ألف درهم انه لا يجوز عتقه في واحد منهم لأنه لا يتعين
للمضارب في واحد منهم ملك لان كل واحد منهم يصلح أن يكون هو رأس المال فإذا لم يملك شيئا منهم لا ينفذ اعتاقه
من مشايخنا من قال هذا على أصل أبي حنيفة ان العبيد والجواري لا يقسمون قسمة واحدة بل كل شخص يقسم
على حدة لان العبيد والجواري بمنزلة أجناس مختلفة من سائر الأموال ولا يتعين للمضارب ملك في الأجناس المختلفة
من العروض ونحوها فأما على أصل أبى يوسف ومحمد انهم يقسمون قسمة واحدة بمنزلة الدواب فظهر الربح فينفذ
اعتاقه في قدر نصيبه من الربح وقال بعض مشايخنا ان هذا بالاتفاق لان عندهما إنما يقسم القاضي قسمة واحدة إذا
رأى القاضي ذلك فاما قبل ذلك فلا بل العبيد بمنزلة الأجناس المختلفة لهذا لا يصح التوكيل بشراء عبد بدون بيان الثمن
بالاتفاق كالتوكيل بشراء ثوب لهذا لو كانت العبيد للخدمة بين اثنين لا تجب على أحدهما صدقة الفطر بسببهم في عامة
الروايات والأصل ان مال المضاربة إذا كان من جنس واحد وفيه فضل عن رأس المال انه يضم بعضه إلى بعض
يتعين نصيب المضارب فيما زاد على رأس المال وإذا كان من جنسين مختلفين كل واحد منهما مثل رأس المال
لا يضم أحدهما إلى الآخر فلا يتعين للمضارب في أحدهما ملك لاشتغال كل واحد منهما برأس المال وقد قالوا في
هذه المسألة ان رب المال لو أعتق العبيد نفذ اعتاقه في جميعهم لأنه إذا لم يتعين للمضارب في واحد منهم ملك نفذ على
رب المال فإذا أعتقهم بلفظة واحدة عتقوا ويضمن حصة المضارب فيهم سواء كان موسرا أو معسرا (أما) الضمان
فلان المضارب وان لم يملك شيئا من العبيد فقد كان له حق ان يتملك وقد أفسده عليه رب المال فيضمن وإنما استوى
فيه اليسار والاعسار لأنه أعتق الكل مباشرة ونفذ اعتاقه في الكل فصار متلفا المال عليه بخلاف ضمان العتق لأنه
يعتق نصيب المعتق ابتداء ثم يسرى إلى نصيب الشريك على أصل أبى يوسف ومحمد لذلك اختلف فيه اليسار
والاعسار وكذلك لو اشترى المضارب عبدا من مال المضاربة فادعى انه ابنه انه ان لم يكن فيه فضل لم تجز دعوته وان
93

كان فيه فضل جازت دعوته وعتق لأن هذه دعوة تحرير وانها مبينة على الملك فإذا لم يكن فيه فضل فازدادت قيمة
رأس المال بعد ذلك فظهر فيه فضل جازت دعوته وعتق عليه وكان كعبد بين اثنين عتق على أحدهما نصيبه بغير فعله
بان ورث نصيبه وإنما كان كذلك لأنه لما ادعى النسب ولا ملك له في الحال كانت دعوته موقوفة على الملك فإذا
ازدادت قيمته فقد ملك جزأ منه فنفذت دعوته فيه كمن ادعى النسب في ملك غيره ثم ملك انه تنفذ دعوته بخلاف
ما إذا أعتقه ثم ازدادت قيمته انه لا ينفذ اعتاقه لان انشاء الاعتاق في ملك الغير لا يتوقف كمن أعتق ملك غيره ثم ملكه
ولا ضمان على المضارب في ذلك لان العبد عتق من غير صنعه لأنه عتق بزيادة القيمة والعبد المشترك إذا أعتق على أحد
الشريكين بغير فعله لا يضمن للشريك شيئا ولو اشترى أمة قيمتها ألف ورأس المال ألف فولدت ولدا يساوى
ألفا فادعى الولد لا يكون ولده ولا تكون الام أم ولد له لأنه ليس لأحدهما فضل على رأس المال هكذا ذكر الكرخي
وذكر القدوري رحمه الله ان هذا محمول على أنها علقت قبل أن يشتريها فاما إذا كان العلوق بعد الشراء فحكم المسألة
يتغير لان المضارب يغرم العقر مائة فإذا استوفا هارب المال منه جعل المستوفى من رأس المال فينتقض رأس المال
وصار تسعمائة فيتعين للمضارب ملك فيهما جميعا فنفذت دعوته ويثبت النسب وإذا ثبت النسب ضمن المضارب
من قيمة الام سبعمائة حتى يستوفى رب المال تمام رأس ماله ثم يغرم خمسين درهما وهو تمام ما بقي من الام فظهر ان
الولد ربح بينهما فيعتق نصف الولد من المضاربة ويسعى في النصف لرب المال قال عيسى بن أبان ان هذا الجواب
هو الصحيح وذكر محمد في الأصل مسألة أخرى طعن فيها عيسى وهو ما إذا اشترى جارية بألف درهم تساوى
ألفا فولدت ولدا يساوى ألفا فادعاه المضارب لم يثبت نسبه ويغرم العقر فان زادت قيمة الولد حتى صارت ألفين
يثبت النسب من المضارب لأنه ملك بعضه لظهور الربح في الولد بزيادة قيمته فيعتق ربعه عليه ولا ضمان عليه لأنه
عتق بزيادة القيمة ولا صنع له فيها ويسعى العبد في ثلاثة أرباع قيمته لرب المال والجارية على حالها لم تصر أم ولد
للمضارب ما لم يستوف رب المال العقر والسعاية لان المضارب لا يظهر له الربح في الجارية حتى يصل إلى رب المال
شئ من المال فلا يملك شيئا منها ولا صحة للاستيلاد بدون الملك ولو لم تزد قيمة الولد ولكن زادت قيمة الام فصارت
ألفين فان الجارية أم ولد له لظهور الربح فيها بزيادة قيمتها وعلى المضارب ثلاثة أرباع قيمتها لرب المال وان لم يكن
له صنع فيها لان ضمانها ضمان تملك لهذا استوى فيه اليسار والاعسار فيستوى أن يكون بفعله أو من طريق الحكم
ولا يثبت نسب الولد من المضارب لأنه لم يملك من الولد شيئا ما لم يأخذ رب المال شيئا من رأس ماله ولو زادت قيمتهما
جميعا فصارت قيمة كل واحد منهما ألف درهم يثبت نسب الولد وتصير الجارية أم ولد له لأنه ملك بعض كل واحد
منهما لأنه ظهر الفضل في كل واحد منهما بزيادة قيمته ويضمن المضارب لرب المال تمام قيمة الجارية ألفي درهم
وعقر مائة درهم فظهر ان رب المال استوفى رأس ماله واستوفى من الربح ألفا ومائة وللمضارب أن يستوفى من ربح الولد
مقدار ألف ومائة فعتق الولد منه بذلك المقدار وبقى من الولد مقدار تسعمائة ربح بينهما لان لكل واحد منهما
أربعمائة وخمسون فما أصاب المضارب عتق وما أصاب رب المال سعى فيه الولد قال عيسى هذا الجواب خطأ
والصحيح أن يقال يضمن المضارب من الام ثلاثة أرباع قيمتها ونصف العقر وبقى الولد ربحا بينهما يسعى في
نصف قيمته لرب المال ويسقط عنه النصف بحصة المضارب قال القدوري رحمه الله هذا الذي ذكره عيسى
هو جواب محمد في المسألة التي قدمناها إذا لم تزد قيمة كل واحد منهما وعلى قياس ما قال محمد في المسألة الزيادة تجب أن
يقول إذا لم تزد قيمتها ينبغي أن يغرم المضارب ألفا ومائة ثم يستوفى المضارب من الولد مائة وبقى تسعمائة بينهما فمن
أصحابنا من قال القياس ما أجاب به في المسألة التي لم تزد القيمة فيها ووجهه ان المضارب لا يغرم بعد ما غرم تمام
رأس ماله الا نصف ما بقي من الام لان نصف ما بقي من الام ربح بينهما فلا يجوز أن يغرم الكل والذي أجاب به في
مسألة الزيادة هو الاستحسان لان في غرم تمام قيمة الجارية كثير العتق والعتق والرق إذا اجتمعا غلبت الحرية
94

الرق ومن أصحابنا من قال إنما افترقت المسئلتان لو صفهما لان سبب العتق في مسألة الزيادة زيادة قيمة الولد وفى
المسألة الأخرى سبب العتق قبض رب المال العقر فلما شارك رب المال المضارب في سبب عتقه أن يجتمع ربحه
في الجارية (وأما) في المسألة الأخرى لما كان عتقه بسبب الزيادة صرف نصيب رب المال إلى الجارية لان
المضارب قد ملكها وقد قيل أيضا ان في تلك المسألة إنما قصد تكثير العتق وفي المسألة الأخرى إذا لم تزد القيمة
لا يتبين تكثير العتق لان الفضل فيما بينهما مقدار نصف العشر فلا يتبين بذلك المقدار تكثير العتق وقد قالوا في
المضارب إذا اشترى جارية بألف فولدت ولدا يساوى ألفا فادعاه رب المال ثبت النسب وعتق الولد وصارت
الجارية أم ولد له وانتقضت المضاربة ولا ضمان عليه لان دعوته صادفت ملكه فثبت النسب واستندت الدعوة إلى
وقت العلوق ولا قيمة للولد في ذلك الوقت ولا فضل في المال فلا تجب عليه القيمة ولا العقر لأنه وطئ ملك نفسه
وليس له أن يزوج عبدا ولا أمة من مال المضاربة في قول أبي حنيفة ومحمد عليهما الرحمة وعند أبي يوسف رحمه الله
يزوج الأمة ولا يزوج العبد وقد ذكرنا المسألة في موضع آخر وروى ابن رستم عن محمد انه ليس له أن يزوج أمة
من المضاربة لأنه لا يملك أن يشترى شيئا من مال المضاربة لنفسه فلا يملك أن يعقد على جارية المضاربة لنفسه فان
تزوج باذن رب المال فهو جائز إذا لم يكن في المال ربح وقد خرجت من المضاربة أما الجواز فلانه إذا لم يكن في المال
ربح لم يكن للمضارب فيها ملك وإنما له حق التصرف وانه لا يمنع النكاح كالعبد المأذون (وأما) خروج الأمة عن
المضاربة فلان العادة ان من تزوج أمة حصنها ومنعها من الخروج والبروز والمضاربة تقتضي العرض على البيع
وابرازها للمشترى وكان اتفاقهما في التزويج اخراجا إياها عن المضاربة ويحسب مقدار قيمتها من رأس المال لأنه لما
أخرجها من المضاربة صار كأنه استرد ذلك القدر من رأس المال وقد قال الحسن بن زياد عن أبي حنيفة ان المضارب ن
لا يملك أن يزوج أمة من المضاربة لعبد من المضاربة لان تصرف المضارب يختص بالتجارة والتزويج ليس من
التجارة وذكر القدوري رحمه الله وقال ينبغي أن يكون هذا قولهم لان عند أبي يوسف إن كان يملك تزويج الأمة
لا يملك تزويج العبد ولو أخذ المضارب نخلا أو شجرا أو رطبة معاملة على أن ينفق من المال لم يجز على رب المال وإن كان
قال له رب المال حين دفع إليه اعمل فيه برأيك لان الاخذ منه معاملة عقد على منافع نفسه ومنافع نفس المضارب
لا تدخل تحت عقد المضاربة فصار كما لو آجر نفسه للخدمة ولا يعتبر ما شرط من الانفاق لان ذلك ليس بمعقود عليه بل
هو تابع للعمل كالخيط في إجارة الخياط والصبغ في الصباغة وكذا لا يعتبر قوله اعمل برأيك لما ذكرنا ان ذلك يفيد
تفويض الرأي إليه في المضاربة والمضاربة تصرف في المال وهذا عقد على منافع نفسه ومنافع نفس المضارب لا يجوز
أن يستحق بدلها رب المال ولو أخذ أرضا مزارعة على أن يزرعها فما خرج من ذلك كان نصفين فاشترى طعاما
ببعض الزارعة فزرعه قال محمد هذا يجوز ان قال له اعمل برأيك وان لم يكن قال له اعمل برأيك لم يجز لأنه يوجب حقا
لرب الأرض في مال رب المال فيصير كأنه شاركه بمال المضاربة وانه لا يملك الاشراك باطلاق العقد ما لم يقل اعمل
برأيك فإذا قال ملك كذا هذا وقال الحسن بن زياد ان الأرض والبذر والبقر إذا كان من قبل رب الأرض والعمل
على المضارب لم يكن ذلك على المضاربة بل يكون للمضارب خاصة لما ذكرنا انه عقد على منافع نفسه فكان له بدل منافع
نفسه فلا يستحقه رب المال وكذلك إذا شرط البقر على المضارب لأن العقد وقع على منفعته وإنما البقر آلة العمل
والآلة تبع ما لم يقع عليها العقد ولو دفع المضارب أيضا بغير بذر مزارعة جازت سواء قال اعمل برأيك أولم يقل لأنه
لم يوجب شركة في مال رب المال إنما آجر أرضه والإجارة داخلة تحت عقد المضاربة والله عز وجل أعلم (وأما)
القسم الذي للمضارب أن يعمله إذا قيل له اعمل برأيك وان لم ينص عليه فالمضاربة والشركة والخلط فله أن يدفع مال
المضاربة مضاربة إلى غيره وان يشارك غيره في مال المضاربة شركة عنان وأن يخلط مال المضاربة بمال نفسه إذا قال
له رب المال اعمل برأيك وليس له أن يعمل شيئا من ذلك إذا لم يقل له ذلك أما المضاربة فلان المضاربة مثل المضاربة
95

والشئ لا يستتبع مثله فلا يستفاد بمطلق عقد المضاربة مثله ولهذا لا يملك الوكيل التوكيل بمطلق العقد كذا هذا (وأما)
الشركة فهي أولى أن لا يملكها بمطلق العقد لأنها أعم من المضاربة والشئ لا يستتبع مثله فما فوقه أولى (وأما) الخلط
فلانه يوجب في مال رب المال حقا لغيره فلا يجوز الا باذنه وان لم يقل له ذلك فدفع المضارب مال المضاربة مضاربة
إلى غيره فنقول لا يخلو من وجوه اما إن كانت المضاربتان صحيحتين واما إن كانتا فاسدتين واما إن كانت إحداهما
صحيحة والأخرى فاسدة فإن كانتا صحيحتين فان المال لا يكون مضمونا على المضارب الأول بمجرد الدفع إلى الثاني
حتى لو هلك المال في يد الثاني قبل أن يعمل يهلك أمانة وهذا قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر يصير مضمونا بنفس
الدفع عمل الثاني أولم يعمل وإذا هلك قبل العمل يضمن وهو رواية عن أبي يوسف أيضا (وجه) قول زفر ان رب المال
إذا لم يقل للمضارب اعمل برأيك لم يملك دفع المال مضاربة إلى غيره فإذا دفع صار بالدفع مخالفا فصار ضامنا كالمودع إذا
أودع (ولنا) ان مجرد الدفع ايداع منه وهو يملك ايداع مال المضاربة فلا يضمن بالدفع وروى الحسن عن أبي
حنيفة رحمه الله انه لا ضمان على الأول حتى يعمل به الثاني ويربح فإذا عمل به وربح كان ضامنا حين ربح وان عمل في
المال فلم يربح حتى ضاع من يده فلا ضمان عليه وروى محمد عن أبي يوسف أنه لا ضمان عليه حتى يعمل الثاني فإذا
عمل ضمن ربح الثاني أولم يربح وهكذا روى ابن سماعة والفضل بن غانم عن أبي يوسف وهو قول محمد رحمه الله
وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان هذا ظاهر الرواية عن أبي حنيفة (وجه) قولهما انه لما عمل فقد تصرف
في المال بغير اذن المالك فيتعين به الضمان سواء ربح أو لم يربح ولأبي حنيفة لا سبيل إلى التضمين بالدفع لأنه ايداع
وابضاع ولا بالعمل لأنه ما لم يربح فهو في حكم المبضع والمبضع لا يضمن بالعمل ولا يجوز أن يضمن بالشرط لأنه مجرد
قول ومجرد القول في ملك الغير لا يتعلق به ضمان لكنه إذا ربح فقد ثبت له شركة في المال ثبات المضارب الأول
فصار الأول مخالفا فيضمن كما لو خلط مال المضاربة بغيره أو شارك به وإذا وجب الضمان بالعمل والربح أو بنفس
العمل على اختلافهم في ذلك فرب المال بالخيار ان شاء ضمن الأول وان شاء ضمن الثاني أما على أصل أبى يوسف
ومحمد في المودع إذا أودع فظاهر لوجود سبب وجوب الضمان من كل واحد منهما لان الأول تعدى بالدفع والثاني
تعدى بالقبض فصار عندهما كالمودع إذا أودع وأما على أصل أبي حنيفة في مسألة الوديعة فيحتاج إلى الفرق لأن الضمان
عنده على المودع الأول لا على الثاني وفي مسألة المضاربة أثبت له خيار تضمين الثاني لان المضارب الثاني
يعمل في المال لمنفعة نفسه وهي الربح فكان عاملا لنفسه فجاز أن يضمن والمودع الثاني لم يقبض لمنفعة نفسه بل لمنفعة
الأول لحفظ الوديعة فلم يضمن فان ضمن المضارب الأول لا يرجع بما ضمن على الثاني وصحت المضاربة بين الأول
والثاني والربح على ما شرطا لأنه لما تقرر الضمان على الأول فقد ملك المضمون وصار كأنه دفع مال نفسه مضاربة إلى
الثاني فكان الربح على ما شرطا لان الشرط قد صح وان ضمن الثاني رجع بما ضمن على الأول وصار حاصل الضمان
على الأول لان الأول غره بالعقد فصار مغرورا من جهته فكان له أن يرجع عليه بما ضمن كمودع الغاصب وهو ضمان
كفالة في الحقيقة لان الأول التزام له سلامة المقبوض عن الضمان ولم يسلم له بخلاف الرهن وهو ما إذا غصب رجل
شيئا فرهنه فهلك في يد المرتهن فاختار المالك تضمين المرتهن انه يرجع على الراهن بما ضمن ولا يصح عقد الرهن
(ووجه) الفرق ان قبض المرهون شرط صحة الرهن ولما ضمن المرتهن تبين ان قبضه لم يصح فتبين ان الرهن لم يصح
إذا لا صحة له بدون القبض فاما في المضاربة فيضمن الثاني ابطال القبض بعد وجوده لان المضاربة عقد جائز
فكان لبقائه حكم الابتداء كأنه ابتدأ العقد بعد أداء الضمان فكان التضمين ابطال القبض بعد وجوده وذلك لا يبطل
المضاربة ألا ترى ان المضارب لو باع المال من رب المال لا تبطل المضاربة وان بطل قبضه ولو رد المرتهن الرهن
على الراهن يبطل الرهن لذلك افترقا وذكر ابن سماعة عن محمد انه يطيب الربح للأسفل ولا يطيب للأعلى على
قياس قول أبي حنيفة عليه الرحمة لان استحقاق الأسفل بعمله ولا خطر في عمله فيطيب له الربح فاما الا على
96

فإنما يستحق الربح برأس المال والملك في رأس المال إنما حصل له بالضمان فلا يخلو عن نوع خبث فلا يطيب له وإن كانت
ا فاسد تين فلا ضمان على واحد منهما لان الأول أجير في مال المضاربة والثاني أجير الأول فصار كمن استأجر
رجلا يعمل في ماله فاستأجر الأجير رجلا وإن كانت إحداهما صحيحة والأخرى فاسدة فإن كانت الأولى صحيحة
والأخرى فاسدة فكذلك لا ضمان على واحد منهما وان عمل المضارب الثاني في المال لان المضارب الثاني أجير
الأول والأجير لا يستحق شيئا من الربح فلم يثبت له شركة في رأس المال فلا يجب الضمان على الأول ولا على الثاني
لأنه لا ضمان على الأجير وله أجير مثل عمله على المضارب الأول وللمضارب الأول ما شرط له من الربح لوقوع
المضاربة صحيحة وإن كانت الأولى فاسدة والثاني صحيحة فكذلك لان الأول أجير في مال المضاربة فلا حق له في
الربح فلم ينفذ شرطه فيه فلا يلزمه الضمان إذا الضمان إنما يجب باثبات الشركة ويكون الربح كله لرب المال لأنه ربح
حصل في مضاربة فاسدة وللمضارب الأول أجر مثله لان عمل الثاني وقع له فكأنه عمل بنفسه وللثاني على الأول
مثل ما شرط له من الربح لأنه عمل مضاربة صحيحة وقد سمى له أشياء فهو مستحق للغير فيضمن هذا إذا لم يقل له رب
المال اعمل برأيك فاما إذا قال له اعمل برأيك فله أن يدفع مال المضاربة مضاربة إلى غيره لأنه قوض الرأي إليه وقد
رأى أن يدفعه مضاربة فكان له ذلك ثم إذا عمل الثاني وربح كيف يقسم الربح فنقول جملة الكلام فيه ان رب المال
لا يخلوا ما إن كان أطلق الربح في عقد المضاربة ولم يضفه إلى المضارب بان قال على أن ما رزق الله تعالى من الربح فهو بيننا
نصفان أو قال ما أطعم الله تعالى من ربح فهو بيننا نصفان واما ان أضافه إلى المضارب بان قال على أن ما رزقك الله تعالى
من الربح أو ما أطعمك الله عز وجل من ربح أو على أن ما ربحت من شئ أو ما أصبت من ربح فان أطلق الربح ولم يضفه
إلى المضارب ثم دفع المضارب الأول المال إلى غير مضاربة بالثلث فربح الثاني فثلث جميع الربح للثاني لان شرط
الأول للثاني قد صح لأنه يملك نصف الربح فكان ثلث جميع الربح بعض ما يستحقه الأول فجاز شرطه للثاني فكان
ثلث جميع الربح للثاني ونصفه لرب المال لان الأول لا يملك من نصيب رب المال شيئا فانصرف شرطه إلى نصيبه
لا إلى نصيب رب المال فبقي نصيب رب المال على حاله وهو النصف وسدس الربح للمضارب الأول لأنه لم يجعله
للثاني فبقي له بالعقد الأول ويطيب له ذلك لان عمل المضارب الثاني وقع له فكأنه عمل بنفس كمن استأجر انسانا على
خياطة ثوب بدرهم فاستأجر الأجير من خاطه بنصف درهم طاب له الفضل لان عمل أجيره وقع له فكأنه عمل بنفسه
كذا هذا ولو دفع إلى الثاني مضاربة بالنصف فنصف الربح للثاني ونصفه لرب المال ولا شئ للمضارب الأول لأنه
جعل جميع ما يستحقه وهو نصف الربح للثاني وصح جعله لأنه مالك للنصف والنصف لرب المال بالعقد الأول
وصار كمن استأجر رجلا على خياطة ثوب بدرهم فاستأجر الأجير من خاطه بدرهم ولو دفعه إليه مضاربة بالثلثين
فنصف الربح لرب المال ونصفه للمضارب الثاني ويرجع الثاني على الأول بمثل سدس الربح الذي شرطه له لان
شرط الزيادة ان لم ينفذ في حق رب المال لما لم يرض لنفسه بأقل من نصف الربح فقد صح فيما بين الأول والثاني لان
الأول غر الثاني بتسمية الزيادة والغرور في العقود من أسباب وجوب الضمان وهو في الحقيقة ضمان الكفالة وهو ان
الأول صار ملتزما سلامة هذا القدر للثاني ولم يسلم له فيغرم للثاني مثل سدس الربح ولا يصير بذلك مخالفا لان شرطه لم
ينفذ في حق رب المال فالتحق بالعدم في حقه فلا يضمن وصار كمن استأجر رجلا لخياطة ثوب بدرهم فاستأجر
الأجير من يخيطه بدرهم ونصف انه يضمن زيادة الأجرة كذا هذا ولو أضافه إلى المضارب فدفعه الأول مضاربة إلى
غيره بالثلث أو بالنصف أو بالثلثين فجميع ما شرط للثاني من الربح يسلم له وما شرط للمضارب الأول من الربح يكون
بينه وبين رب المال نصفين بخلاف الفصل الأول (ووجه) الفرق ان هنا شرط رب المال لنفسه نصف ما رزق الله
تعالى للمضارب أو نصف ما ربح المضارب فإذا دفع إلى الثاني مضاربة بالثلث كان الذي رزق الله عز وجل المضارب
الأول الثلثين فكان الثلث للثاني والثلثان بين المضارب الأول نصفين لكل واحد منهما الثلث
97

وإذا دفع مضاربة بالنصف كان ما رزقه الله تعالى للمضارب الأول النصف فكان النصف للثاني والنصف بينهما
نصفين وإذا دفعه مضاربة بالثلثين كان الذي رزقه الله تعالى الثلث والثلثان للثاني والثلث بينهما لكل واحد منهما
السدس في الفصل الأول رب المال إنما شرط لنفسه نصف جميع ما رزق الله تعالى ونصف جميع الربح وذلك
ينصرف إلى كل الربح وكذا له أن يخلط مال المضاربة بمال نفسه لأنه فوض الرأي إليه وقد رأى الخلط وإذا ربح
قسم الربح على المالين فربح ماله يكون له خاصة وربح مال المضاربة يكون بينهما على الشرط وكذا له أن يشارك غيره
شركة عنان لما قلنا ويقسم الربح بينهما على الشرط لان الشرط قد صح وإذا قسم الربح بينهما يكون مال المضاربة مع
حصة المضارب من الربح فيستوفى منها رب المال رأس ماله وما فضل يكون بينهما على الشرط (وأما) القسم الذي
ليس للمضارب أو يعمله أصلا ورأسا فشراء مالا يملك بالقبض ومالا يجوز بيعه فيه إذا قبضه (اما) الأول فنحو
شراء الميتة والدم والخمر والخنزير وأم الولد والمكاتب والمدبر لان المضاربة تتضمن الاذن بالتصرف الذي يحصل به
الربح والربح لا يحصل الا بالشراء والبيع فمالا يملك بالشراء لا يحصل فيه الربح وما يملك بالشراء لكن لا يقدر على بيعه
لا يحصل فيه الربح أيضا فلا يدخل تحت الاذن فان اشترى شيئا من ذلك كان مشتريا لنفسه لا للمضاربة فان دفع فيه
شيئا من مال المضاربة يضمن وان اشترى ثوبا أو عبدا أو عرضا من العروض بشئ مما ذكرنا سوى الميتة والدم فالشراء
على المضاربة لأن المبيع هنا مما يملك بالقبض ويجوز بيعه فكان هذا شراء فاسدا والاذن بالشراء المستفاد بعقد
على المضاربة يتناول الصحيح والفاسد (وأما) إذا كان الثمن ميتة أو دما فما اشترى به لا يكون على المضاربة لان الميتة
والدم لا تملك بالقبض أصلا (وأما) الثاني فنحو أن يشترى ذا رحم محرم من رب المال فلا يكون المشترى للمضاربة
بل يكون مشتريا لنفسه لأنه لو وقع شراؤه للمضاربة لعتق على رب المال فلا يقدر على بيعه بعد ذلك ولا يحصل
المقصود من الاذن فلا يدخل تحت الاذن ولو اشترى ذا رحم محرم من نفسه فإن لم يكن في المال ربح فالشراء على
المضاربة لأنه لا ملك له فيه فيقدر على بيعه فيحصل المقصود وإن كان في المال ربح لم يكن الشراء على المضاربة لأنه إذا
كان في المضاربة ربح يملك قدر نصيبه من الربح فيعتق ذلك القدر عليه فلا يقدر على بيعه؟ ولا على بيع الباقي لأنه معتق
البعض ومالا يقدر على بيعه لا يكون للمضاربة لما قلنا (وأما) المضاربة المفيدة فحكمها حكم المضاربة المطلقة في جميع
ما وصفنا لا تفارقها الا في قدر القيد والأصل فيه ان القيد إن كان مفيدا يثبت لان الأصل في الشروط اعتبارها ما أمكن
وإذا كان القيد مفيدا كان يمكن الاعتبار فيعتبر لقول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام المسلمون عند شروطهم فيتقيد
بالمذكور ويبقى مطلقا فيما وراءه على الأصل المعهود في المطلق إذا قيد ببعض المذكور انه يبقى مطلقا فيما وراءه كالعام
إذا خص منه بعضه انه يبقى عاما فيما وراءه وان لم يكن مفيدا لا يثبت بل يبقى مطلقا لان مالا فائدة فيه يلغو ويلحق
بالعدم إذا عرفنا هذا فنقول إذا دفع رجل إلى رجل مالا مضاربة على أن يعمل به في الكوفة فليس له أن يعمل في غير
الكوفة لان قوله على أن من ألفاظ الشرط وانه شرط مفيد لان الأماكن تختلف بالرخص والغلاء وكذا في السفر
خطر فيعتبر وحقيقة الفقه في ذلك ان الاذن كان عدما وإنما يحدث بالعقد فيبقى فيما وراء ما تناوله العقد على أصل العدم
وكذا لا يعطيها بضاعة لمن يخرج بها من الكوفة لأنه إذا لم يملك الاخراج بنفسه فلان لا يملك الامر بذلك أولى وان
أخرجها من الكوفة فان اشترى بها وباع ضمن لأنه تصرف لا على الوجه المأذون فصار فيه مخالفا فيضمن وكان
المشترى لنفسه له ربحه وعليه وضيعته لكن لا يطيب له الربح عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يطيب وان لم
يشتر بها شيئا حتى ردها إلى الكوفة برئ من الضمان ورجع المال مضاربة على حاله لأنه عاد إلى الوفاق قبل تقرر
الخلاف فيبرأ عن الضمان كالمودع إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق ولو لم يرده حتى هلك قبل التصرف لا ضمان عليه لأنه لما لم
يتصرف لم يتقرر الخلاف فلا يضمن ولو اشترى ببعضه ورد بعضه فما اشتراه فهو له وما رد رجع على المضاربة لأنه تقرر
الخلاف في القدر المشترى وزال عن القدر المردود ولو دفع إليه على أن يعمل في سوق الكوفة فعمل في الكوفة في غير
98

سوقها فهو جائز على المضاربة استحسانا والقياس ان لا يجوز (وجه) القياس انه شرط عليه العمل في مكان معين فلا
يجوز في غيره كما لو شرط ذلك في بلد معين (وجه) الاستحسان ان التقييد بسوق الكوفة غير مفيد لان البلد الواحد
بمنزلة بقعة واحدة فلا فائدة في التعليق بهذا الشرط فيلغو الشرط ولو قال له اعمل به في سوق الكوفة أو لا تعمل به الا في
سوق الكوفة فعمل في غير سوق الكوفة يضمن لان قوله لا تعمل الا في سوق الكوفة حجر له فلا يجوز تصرف بعد
الحجر وفي الفصل الأول ما حجر عليه بل شرط عليه ان يكوع عمله في السوق والشرط غير مفيد فلغا ولو قال له خذ هذا
المال تعمل به في الكوفة لم يجزله العلم في غيرها لان في كلمة ظرف فقد جعل الكوفة ظرفا للتصرف الذي أذن له فيه
فلو جاز في غيرها لم تكن الكوفة ظرفا لتصرفه وكذلك إذا قال له فاعمل به في الكوفة لما قلنا ولان الفاء من حروف
التعليق فتوجب تعلق ما قبلها بما بعدها وإنما يتعلق إذا لم يجز التصرف في غيرها وكذلك إذا قال خذ هذا المال بالتصرف
بالكوفة لان الباء حرف الصاق فتقتضي التصاق الصفة بالموصوف وهذا يمنع جواز التصرف في غيرها ولو قال خذ هذا
المال مضاربة واعمل به في الكوفة فله أن يعمله بالكوفة وحيث ما بدا له لان قوله خذ هذا المال مضاربة اذن له في
التصرف مطلقا وقوله واعمل به في الكوفة اذن له بالعمل في الكوفة فكان له أن يعمل في أي موضع شاء كمن قال لغيره
أعتق عبدا من عبيدي ثم قال له أعتق عبدي سالما ان له أن يعتق أي عبد شاء ولا يتقيد التوكيل باعتاق سالم كذا هذا
إذا لمضاربة توكيل بالشراء والبيع ولو قال خذ هذا المال مضاربة إلى سنة جازت المضاربة عندنا وقال الشافعي رحمه
الله المضاربة فاسدة (وجه) قوله أنه إذا وقت للمضاربة وقتا فيحتمل انه لا يحوز كونها في الوقت فلا يفيد العقد فائدة
(ولنا) ان المضاربة توكيل والتوكيل يحتمل التخصيص بوقت دون وقت وذكر الطحاوي وقال لم يجز عند أصحابنا
توقيت المضاربة وقياس قولهم في الوكالة انها لا تختص بالوقت لأنهم قالوا لو وكل رجلا ببيع عبده اليوم فباعه غدا جاز
كالوكالة المطلقة وما قاله ليس بسديد لأنهم قالوا في الوكيل إذا قيل له بعد اليوم ولا تبعه غدا جاز ذلك ولم يكن له أن يبيعه
غدا وكذا إذا قيل له على أن تبيعه اليوم دون غد ولو قال خذ هذا المال مضاربة بالنصف على أن تشترى به الطعام أو قال
فاشتر به الطعام أو قال تشترى به الطعام أو قال خذ هذا المال مضاربة بالنصف في الطعام فذلك كله سواء وليس له أن
يشترى سوى الطعام بالاجماع لما ذكرنا على أن ان للشرط والأصل في الشرط المذكور في الكلام اعتباره والفاء لتعليق
ما قبلها بما بعدها وقوله يشترى به الطعام تفسير التصرف المأذون به وقوله في الطعام ففي كلمة ظرف فإذا دخلت على
مالا يصلح ظرفا تصير بمعنى الشرط وكل ذلك يقتضى التقييد بالشرط المذكور وانه شرط مفيد لان بعض أنواع التجارة
يكون أقرب إلى المقصود من بعض وكذا الناس مختلفون في ذلك فقد يهتدى الانسان إلى بعض التجارة دون بعض
فكان الشرط مفيدا فيتقيد به ولا يملك أن يشترى غير الطعام والطعام هو الحنطة ودقيقها إذ لا يراد به كل ما يتطعم بل
البعض دون البعض والامر يختلف باختلاف عادة البلدان فاسم الطعام في عرفهم لا ينطلق الاعلى الحنطة ودقيقها
وكذلك لو ذكر جنسا آخر بان قال له خذ هذا المال مضاربة بالنصف على أن تشترى به الدقيق أو
الخبز أو البر أو غير ذلك
ليس له أن يعمل من غير ذلك الجنس بلا خلاف لكن له ان يشترى ذلك الجنس في المصر وغيره وان يبضع فيه وان
يعمل فيه جميع ما يعمله المضارب في المضاربة المطلقة لما ذكرنا ان اللفظ المطلق إذا قيد ببعض الأشياء يبقى على
اطلاقه فيا وراءه وقال ابن سماعة سمعت محمدا قال في رجل دفع إلى رجل مالا مضاربة فقال له ان اشتريت به الحنطة
فلك من الربح النصف ولى النصف وان اشتريت به الدقيق فلك الثلث ولى الثلثان فقال هذا جائز وله أن يشترى أي
ذلك شاء على ما سمى له رب المال لأنه خيره بين عملين مختلفين فيجوز كما لو خير الخياط بين الخياطة الرومية والفارسية
ولو دفع إليه على أنه ان عمل في المصر فله ثلث الربح وان سافر فله النصف جاز والربح بينهما على ما شرطا ان عمل في المصر
فله الثلث وان سافر فله النصف ولو اشترى في المصر وباع في السفر أو اشترى في السفر وباع في المصر فقد روى
عن محمد أنه قال المضاربة في هذا على الشراء فان اشترى في المصر فما ربح في ذلك المتاع فهو على ما شرط في المصر سواء
99

باعه في المصر أو في غيره لان المضارب إنما يستحق الربح بالعمل والعمل يحصل بالشراء فإذا اشترى في المصر تعين أحد
العملين فلا يتغير بالسفر وان عمل ببعض المال في السفر وبالبعض في الحضر فربح كل واحد من المالين على ما شرط
ولو قال له على أن تشترى من فلان وتبيع منه جاز عندنا وهو على فلان خاصة ليس له أن يشترى ويبيع من غيره وقال
الشافعي رحمه الله المضاربة فاسدة لان في تعيين الشخص تضييق طريق الوصول إلى المقصود من التصرف وهو
الربح وتغيير مقتضى العقد لان مقتضى القعد التصرف مع من شاء (ولنا) ان هذا شرط مفيد لاختلاف الناس في الثقة
والأمانة لأن الشراء من بعض الناس قد يكون أربح لكونه أسهل في البيع وقد يكون أو ثق على المال فكان التقييد
مفيدا كالتقييد بنوع دون نوع وقوله التعيين بغير مقتضى العقد قلنا ليس كذلك بل هو مباشرة العقد مفيدا من
الابتداء وانه قيد مفيد فوجب اعتباره ولو قال على أن تشترى بها من أهل الكوفة وتبيع فاشترى وباع من رجال
بالكوفة من غير أهلها فهو جائز لان هذا الشرط لا يفيد الا ترك السفر كأنه قال على أن يشترى من غير الصيارفة ما بداله
من الصرف لان التقييد بالصيارفة لا يفيد الا تخصيص البلد أو النوع فإذا حصل ذلك من صير في أو غيره فهو سواء ولو
دفع إليه مالا مضاربة ثم قال له بعد ذلك اشتر به البز وبع فله أن يشترى البز وغيره لأنه أذن بالشراء مطلقا ثم أمره بشراء
البز فكان له أن يشترى ما شاء وهذا كقوله خذ هذا المال مضاربة واعمل به الكوفة الا ان هناك القيد مقارن
وههنا متراخى وقد ذكرناه وذكر القدوري رحمه الله ان هذا محمول على أنه نهاه بعد الشراء والحكم في التقييد
الطارئ على مطلق العقد انه إن كان ذلك قبل الشراء يعمل وإن كان بعد ما اشترى به لا يعمل إلى أن يبيعه بمال عين
فيعمل التقييد عند ذلك حتى لا يجوز أن يشترى الا ما قال ولو دفع إليه مالا مضاربة على أن يبيع ويشترى بالنقد
فليس له أن يشترى ويبيع الا بالنقد لان هذا التقييد مفيد فيتقيد بالمذكور ولو قال له بع بنسيئة ولا تبع بالنقد فباع
بالنقد جاز لان النقد انفع من النسيئة فلم يكن التقييد بها مفيدا فلا يثبت القيد وصار كما لو قال للوكيل بع بعشرة فباع
بأكثر منها جاز كذا هذا (وأما) الذي يرجع إلى عمل رب المال مما له أن يعمله وما ليس له أن يعمله فقد قال أصحابنا
إذا باع رب المال مال المضاربة بمثل قيمته أو أكثر جاز بيعه وإذا باع بأقل من قيمته لم يجز الا ان يجيزه المضارب سواء
باع بأقل من قيمته مما لا يتغابن الناس فيه أو مما يتغابن الناس فيه لأن جواز بيع رب المال من طريق الإعانة
للمضارب وليس من الإعانة ادخال النقص عليه بل هو استهلاك فلا يتحمل قل أو كثر وعلى هذا لو كان المضارب
اثنين فباع أحدهما باذن رب المال لم يجز أن يبيعه الا بمثل القيمة أو أكثر الا أن يجيزه المضارب الآخر لان أحد
المضاربين لا ينفرد بالتصرف بنفس العقد بل باذن رب المال وهو لا يملك التصرف بنفسه إذا كان فيه غبن فلا يملك
الامر به وإذا اشترى المضارب بمال المضاربة متاعا وفيه فضل أو لا فضل فيه فأراد رب المال بيع ذلك فأبى المضارب
وأراد امساكه حتى يجد ربحا فان المضارب يجبر على بيعه الا أن يشاء أن يدفعه إلى رب المال لان منع المالك عن تنفيذ
ارادته في ملكه لحق يحتمل الثبوت والعدم وهو الربح لا سبيل إليه ولكن يقال له ان أردت الامساك فرد عليه ماله
وإن كان فيه ربح يقال له ادفع إليه رأس المال وحصته من الربح ويسلم المتاع إليك ولو أخذ رجل مالا ليعمل الأجل
ابنه مضاربة فإن كان الابن صغيرا لا يعقل البيع فالمضاربة للأب ولا شئ للابن من الربح لان الربح في باب
المضاربة يستحق بالمال أو بالعمل وليس للابن واحد منهما فإن كان الابن يقدر على العمل فالمضاربة للابن والربح
له ان عمل فان عمل الأب بأمر الابن فهو متطوع وان عمل بغير أمره صار بمنزلة الغاصب لأنه ليس له أن يعمل فيه بغير
اذنه فصار كالأجنبي وقد قالوا في المضارب إذا اشترى جارية فليس لرب المال أن يطأها سواء كان فيه ربح أولم يكن
اما إذا كان فيه ربح فلا شك فيه لان للمضارب فيه ملكا ولا يجوز وطئ الجارية المشتركة وان لم يكن فيها ربح
فللمضارب فيها حق يشبه الملك بدليل أن رب المال لا يملك منعه من التصرف ولو مات كان للمضارب أن يبيعها
100

فصارت كالجارية المشتركة ويجوز شراء رب المال من المضارب وشراء المضارب من رب المال وان لم يكن في المضاربة
ربح في قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر رحمه الله لا يجوز الشراء بينهما في مال المضاربة (وجه) قول زفر ان هذا بيع
ماله بماله وشراء ماله بماله إذ المالان جميعا لرب المال وهذا لا يجوز كالوكيل مع الموكل (ولنا) أن لرب المال في مال المضاربة
ملك رقبة لا ملك تصرف وملكه في حق التصرف كملك الأجنبي وللمضارب فيه ملك التصرف لا الرقبة فكان في
حق ملك الرقبة كملك الأجنبي حتى لا يملك رب المال منعه عن التصرف فكان مال المضاربة في حق كل واحد منهما
كال الأجنبي لذلك جاز الشراء بينهما ولو اشترى المضارب دارا ورب المال شفيعها بدار أخرى بجنبها فله أن يأخذ
بالشفعة لان المشترى وإن كان له في الحقيقة لكنه في الحكم كأنه ليس له بدليل انه لا يملك انتزاعه من يد المضارب
ولهذا جاز شراؤه من المضارب ولو باع المضارب دار أمن المضاربة ورب المال شفيعها فلا شفعة له سواء كان في الدار
المبيعة ربح وقت البيع أو لم يكن اما إذا لم يكن فيها ربح فلان المضارب وكيله بالبيع والوكيل بيع الدار إذا باع لا يكون
للموكل الاخذ بالشفعة وإن كان فيها ربح فاما حصة رب المال فكذلك هو وكيل بيعها وأما حصة المضارب فلانا لو
أو جبنا فيها الشفعة لتفرقت الصفقة على المشترى ولان الربح تابع لرأس المال فإذا لم تجب الشفعة في المتبوع لا تجب في
التابع ولو باع رب المال دارا لنفسه والمضارب شفيعها بدار أخرى من المضاربة فإن كان في يده من مال المضاربة
وفاء بثمن الدار لم تجب الشفعة لأنه لو أخذ بالشفعة لوقع لرب المال والشفعة لا تجب لبائع الدار وان لم يكن في يده وفاء
فإن لم يكن في الدار ربح فلا شفعة لأنه أخذها لرب المال وإن كان فيه ربح فللمضارب أن يأخذها لنفسه بالشفعة لان
له نصيبا في ذلك فجاز أن يأخذها لنفسه ولو أن أجنبيا اشترى دارا إلى جانب دار المضاربة فإن كان في يد المضارب
وفاء بالثمن فله أن يأخذها بالشفعة للمضاربة وان سلم الشفعة بطلت وليس لرب المال أن يأخذها لنفسه لان الشفعة
وجبت للمضاربة وملك التصرف في المضاربة للمضارب فإذا سلم جاز بتسليمه على نفسه وعلى رب المال وان لم يكن
في يده وفاء فإن كان في الدار ربح فالشفعة للمضارب ولرب المال جميعا فان سلم أحدهما فللآخر أن يأخذها جميعا
لنفسه بالشفعة كدار بين اثنين وجبت الشفعة لهما وان لم يكن في الدار ربح فالشفعة لرب المال خاصة لأنه لا نصيب
للمضارب فيه قال أبو يوسف إذا استأجر الرجل أجيرا كل شهر بعشرة دراهم ليشترى له ويبيع ثم دفع المستأجر
إلى الأجير دراهم مضاربة فالمضاربة فاسدة والربح كله للدافع ولا شئ للأجير سوى الأجرة وقال محمد المضاربة
جائزة ولا شئ للأجير في الوقت الذي يكون مشغولا بعمل المضاربة (وجه) قول محمد انه لما دفع إليه المضاربة
فقد اتفقا على ترك الإجارة ونقضها فما دام يعمل بالمضاربة فلا أجر له ولان الإجارة شركة لهذا لا تقبل التوقيت ولو
شاركه بعدما استأجره جازت الشركة فكذا المضاربة ولا بي يوسف انه لما استأجره فقد ملك عمله فإذا دفع إليه
مضاربة فقد شرط للمضارب ربحا بعمل قد ملكه رب المال وهذا لا يجوز ولان المضارب يعمل لنفسه فلا يجوز
أن يستوجب الربح والاجر ولا يجوز أن ينقض الإجارة بالمضاربة لان الإجارة أقوى من المضاربة لأنها لازمة
والمضاربة ليست بلازمة والشئ لا ينتقض بما هو أضعف منه وما ذكر محمد أن المضاربة شركة فالجواب ان الشريك
يستحق الربح بالمال والمضارب بالعمل ورب المال قد ملك العمل فلا يجوز أن يستحق المضارب الربح ولان الشريك
يعمل لنفسه فكأنه امتنع من عمل الإجارة فيسقط عنه الأجرة بحصته والمضارب يعمل لرب المال فبقي عمله على
الإجارة ولو اشترى المضارب بمال المضاربة وهو ألف عبدا قيمته ألف فقتل عمدا فلرب المال القصاص لان
العبد ملكه على الخصوص لاحق للمضارب فيه وإن كانت قيمته ألفين لم يكن فيه قصاص وان اجتمعا لان ملك كل
واحد منهما لم يتعين أما رب المال؟ فلان رأس المال ليس هو العبد وإنما هو الدراهم ولو أراد أن يعين رأس ماله في العبد
كان للمضارب أن يمنعه عن ذلك حتى يبيع ويدفع إليه من الثمن وإذا لم يتعين ملك رب المال لم يتعين ملك المضارب
قبل استيفاء رأس المال وإذا لم يتعين ملكهما في العبد لم يجب القصاص لو أحد منهما وان اجتمعا وتؤخذ قيمة العبد
101

من القاتل في ماله في ثلاث سنين لان القصاص سقط في القتل العمد لمانع مع وجود السبب فتجب الدية في ماله
ويكون المأخوذ على المضاربة يشترى به المضارب ويبيع لأنه بدل مال المضاربة فيكون على المضاربة كالثمن وذكر
محمد في النوادر إذا كان في يد المضارب عبد ان قيمة كل واحد منهما ألف فقتل رجل أحد العبدين عمدا لم يكن لرب
المال عليه قصاص لان ملك رب المال لم يتعين في العبد المقتول على ما بينا وعلى القاتل قيمته في ماله ويكون في المضاربة
لما قلنا والأصل ان في موضع وجب بالقتل القصاص خرج العبد عن المضاربة وفي كل موضع وجب بالقتل
مال فالمال على المضاربة لان القصاص إذا استوفى فقد هلك مال المضاربة وهلاك مال المضاربة يوجب بطلان
المضاربة والقيمة بدل مال المضاربة فكانت على المضاربة كالثمن وقال محمد وإذا اشترى المضارب ببعض مال
المضاربة عبدا يساوى ألفا فقتله رجل عمدا فلا قصاص فيه لا لرب المال ولا للمضارب ولا لهما إذ اجتمعا أما رب المال
فلانه لو استوفى القصاص لا يصير مستوفيا لرأس المال بالقصاص لان القصاص ليس بماله ولهذا لو عفا المريض عن
القصاص كان من جميع المال وإذا لم يصربه مستوفيا رأس ماله يستوفى رأس المال من بقية المال وإذا استوفى تبين أن
العبد كان ربحا فتبين أنه انفرد باستيفاء القصاص عن عبد مشترك (وأما) المضارب فلانه لم يتعين له فيه ملك ولا
يجوز لهما الاجتماع على الاستيفاء لهذا المعنى وهو أن حق كل واحد منهما غير متعين واختلف أصحابنا في القتل العمد
إذا ادعى على عبد المضاربة انه هل يشترط حضور الولي لسماع البينة قال أبو حنيفة ومحمد عليهما الرحمة يشترط وقال
أبو يوسف رحمه الله لا يشترط (وجه) قوله إن العبد في باب القصاص مبقى على أصل الحرية بدليل أنه لو أقر به يجوز
اقراره وان كذبه الولي فلا يقف سماع البينة عليه على حضور المولى كالحر (ولهما) ان هذه البينة يتعلق بها استحقاق
رقبة العبد فلا تسمع مع غيبة المولى كالبينة القائمة على استحقاق الملك والبينة القائمة على جناية الخطأ وقد قالوا جميعا لو
أقر العبد بقتل عمدا فكذبه المولى والمضارب لزمه القصاص لان الاقرار بالقصاص مما لا يملكه المولى من عبده
وهو مما يملك فيملكه العبد كالطلاق فإن كان الدم بين شريكين وقد أقربه العبد فعفا أحدهما فلا شئ للآخر لان
موجب الجناية انقلب مالا واقرار العبد غير مقبول في حق المال فصار كان أقر بجناية الخطأ فإن كان رب المال صدقه
في اقراره وكذبه المضارب قيل لرب المال ادفع نصف نصيبك أو افده وإن كان المضارب صدقه وكذبه رب المال
قيل للمضارب ادفع نصيبك أو أفده وصار كأحد الشريكين إذا أقر في العبد بجناية وكذبه الاخر (وأما) وجوب
القصاص على عبد المضاربة وان لم يجب بقتله القصاص لأن عدم الوجوب بقتله لكون مستحق الدم غير متعين فإذا
كان هو القاتل فالمستحق للقصاص هو ولى القتيل وانه متعين وتجوز المرابحة بين رب المال والمضارب وهو ان يشترى
رب المال من مضاربه فيبيعه مرابحة أو يشترى المضارب من رب المال فيبيعه مرابحة لكن يبيعه على أقل الثمنين الا
إذا بين الامر علن وجهه فيبيعه كيف شاء وإنما كان كذلك لأن جواز شراء رب المال من المضارب والمضارب من
رب المال ثبت معدولا به عن القياس لما ذكرنا ان رب المال اشترى مال نفسه بمال نفسه والمضارب يبيع مال رب
المال من رب المال إذ المالان ماله والقياس يأبى ذلك الا انا استحسنا الجواز لتعلق حق المضارب بالمال وهو ملك
التصرف فجعل ذلك بيعا في حقهما لا في حق غيرهما بل جعل في حق غير هما ملحقا بالعدم ولان المرابحة بيع يجريه البائع
من غير بينة واستخلاف فتجب صيانته عن الجناية وعن شبه الجناية ما أمكن وقد تمكنت التهمة في البيع بينهما
الجواز ان رب المال باعه من المضارب بأكثر من قيمته ورضى به المضارب لان الجود بمال الغير أمر سهل فكان تهمة
الجناية ثابتة والتهمة في هذا الباب ملحقة بالحقيقة فلا يبيع مرابحة الاعلى أقل الثمنين بيان ذلك في مسائل إذا دفع إلى
رجل ألف درهم مضاربة فاشترى رب المال عبدا لخمسمائة فباعه من المضارب بألف فان المضارب يبيعه مرابحة على
خمسمائة لأنها أقل الثمنين الا إذا بين الامر على وجهه فيبيعه كيف شاء لان المانع هو التهمة وقد زالت ولو اشترى
المضارب عبدا بألف من المضاربة فباعه من رب المال بألف ومائتين باعه رب المال مرابحة بألف ومائة إن كانت
102

المضاربة بالنصف لان الربح ينقسم بين رب المال والمضارب ولا شبهة في حصة المضارب لأنه لاحق فيه لرب
المال فصار كان رب المال اشترى ذلك من أجنبي وتمكنت الشبهة في حصة رب المال لأنه ماله بعينه فكأنه
اشترى من نفسه فتسقط حصته من الربح الا إذا بين الامر على وجهه فيبيعه كيف شاء ولو اشترى رب المال سلعة
بألف درهم تساوى ألفا وخمسمائة فباعها من المضارب بألف وخمسمائة فان المضارب يبيعها مرابحة بألف ومائتين
وخمسين الا إذا بين الامر على وجهه لما ذكرنا قال ابن سماعة في نوادره عن محمد سمعت أبا يوسف يقول في مسألة
المضاربة وهو آخر ما قال إذا اشترى رب المال عبدا بألف فباعه من المضارب بمائة ورأس المال الف في يد المضارب
فان المضارب يبيعه على مائة وكذا لو اشترى المضارب بألف فباعه من رب المال بمائة باعه رب المال بمائة يبيعه أبدا
على أقل الثمنين لأنه لا تهمة في الأقل وإنما التهمة في الزيادة فيثبت مالا تهمة فيه ويسقط ما فيه تهمة ولو اشتراه
رب المال بخمسمائة فباعه من المضارب بألف ومائة فإنه يبيعه مرابحة على خمسمائة وخمسين لان المائة الزيادة على
الألف ربح فنصفها للمضارب وما اشتراه المضارب من رب المال لنفسه لا تهمة فيه فيضم حصته من الربح إلى
القدر الذي اشترى رب المال به ويسقط خمسمائة لأنها نصيب رب المال ويسقط خمسون لأنها حق رب المال
من الربح فيبيعه مرابحة على خمسمائة وخمسين ولو اشتراه المضارب بستمائة باعه مراحبة بخمسمائة لأنه لا فضل في
ثمنه عن رأس المال فيسقط كل الربح ويباع على أقل الثمنين والأصل أن المضارب لا يحتسب شيئا من حصة نفسه
حتى يكون ما نقد أكثر من الف فيجب من حصته نصف ما زاد على الألف لأنه إذا لم يزد على الف بأن اشترى
بمثل رأس المال أو بأقل منه وله في المال ربح لم يتعين له في المشترى حق لكونه مشغولا برأس المال فلا يظهر له الربح
كأنه اشترى ولاربح في يده وعلى هذا القياس تجرى المسائل فمتى كان شراء المضارب بأقل الثمنين فإن كان
للمضارب حصة ضمها إلى أقل الثمنين وإذا اشترى رب المال من المضارب يبيعه على أقل الثمنين ويضم إليه
حصة المضارب ولو كان رب المال اشتراه بخمسمائة ثم باعه من المضارب بألفين فان المضارب يبيعه بألف خمسمائة رأس
المال وخمسمائة حصة المضارب من الألفين لان نصيب رب المال من الثمن الف وخمسمائة فتسقط الزيادة فيها على رأس
المال وهو الف ويبقى من نصيب رب المال خمسمائة ونصيب المضارب خمسمائة ورب المال فيها كالا جنبي فيبيعه
مرابحة على ألف ولو كان المضارب اشتراه بألف ثم باعه من رب المال بألفين باعه رب المال بألف وخمسمائة لان
الألف رأس مال رب المال وخمسمائة نصيب المضارب ورب المال فيها كالأجنبي وخمسمائة نصيب رب المال فيجب
اسقاطها قال ابن سماعه وروى عن أبي يوسف أنه قال وهو قوله الآخران رب المال إذا اشترى عبدا بعشر آلاف
ثم باعه من المضارب بمائة باعه المضارب مرابحة على مائة وكذلك لو اشترى المضارب بعشرة آلاف فباعه من رب
المال بمائة باعه رب المال مرابحة على مائة لان البيع على أقل الثمنين لا تهمة فيه ولأنه اشتراه بأقل الثمنين فلا يجوز أن يزيد
على الثمن الذي اشتراه فان قيل كيف يجوز للمضارب الحط على قول أبى يوسف فالجواب انه إنما لا يجوز له حطه
عند أبي يوسف ومحمد لحق رب المال فإذا باعه من رب المال وحط فقد رضى رب المال بذلك فجاز (وأما) على قول
أبى يوسف الأول الذي أشار إليه ابن سماعة فهو ان الحط لا يجوز لأنه قال إذا كان رأس المال ألفا فربح فيه ألفا ثم
اشترى بألفين جارية ثم باعها من رب المال بألف وخمسمائة فان رب المال يبيعها مراحبة على الف وسبعمائة وخمسين
لان المضارب حط من الثمن خمسمائة نصفها من نصيبه ونصفها من مال المضاربة وهو يملك الحط في حق نصيبه ولا
يملك ذلك في مال المضاربة في قول أبى يوسف ومحمد فلم يصح حط نصيب رب المال فلذلك باع مرابحة على ألف
وسبعمائة وخمسين فينبغي على هذا القول إذا باع مرابحة أن يقول قام على بكذا ولا يقول اشتريته بكذا لان
الزيادة لحقت بالثمن حكما والشراء ينصرف إلى ما وقع العقد به والصحيح وقوله الأخير لما ذكرنا أن عدم جواز الحط
في مال المضاربة لحق رب المال فإذا اشترى هو فقد رضى بذلك فكأنه أذن للمضارب أن يبيعه بنقصان لا جنبي
103

وذكر محمد في كتاب المضاربة لو اشترى رب المال عبدا بألف فباعه من المضارب بألفين الف رأس المال والف ربح
فان المضارب يبيعه مرابحة على الف وخمسمائة يسقط من ذلك ربح رب المال ويبيع على رأس المال وربح المضارب
لما بينا ولو كان رب المال اشترى العبد بخمسمائة والعبد يساوى الفين فباعه من المضارب بألفين فان المضارب يبيعه
مرابحة على الف لان رأس المال خمسمائة ونصيب المضارب من المال خمسمائة وما سوى ذلك ربح رب المال فلا يثبت
حكمه على ما بينا فيما تقدم الا أن يبين الامر على وجهه فيبيعه كيف شاء لان المانع من البيع بجميع الثمن التهمة فإذا بين
فقد زالت التهمة فيجوز البيع ولو اشتراه رب المال بألف وقيمته الف فباعه من المضارب بألفين الف مضاربة والف
ربح فان المضارب يبيعه مرابحة على الألف لأنه لما اشترى ما قيمته الف ذهب ربحه فلم يبق له في المال حصة وصار
كأنه مال رب المال فباعه على رأس ماله ولو كان رب المال اشتراه بخمسمائة والمسألة بحالها فان المضارب يبيعه مرابحة
على خمسمائة لأنه لم يبق للمضارب حصة فصار اشراء مال رب المال بعضه ببعض فيبيعه على رأس المال الأول
ولو كان رب المال اشتراه بألفين وقيمته الف فباعه من المضارب بألفين فان المضارب يبيعه بألف ولا يبيعه على أكثر من
ذلك لان قيمته الف فليس فيه ربح للمضارب يبيعه عليه ولان رب المال لما باعه بألفين ما يساوى ألفا وهما متهمان
في حق الغير في العقد فصار كأنه أخذ ألفا لا على طريق البيع وباعه العبد بألف فلا يبيعه بأكثر من ذلك ولو كان العبد
يساوى ألفا وخمسمائة والمسألة بحالها وقد اشتراه بألف وأراد المضارب ان يبيعه مرابحة باعه مرابحة على الف ومائتين
وخمسين لان في العبد ربحا للمضارب ونصيبه من الربح هو مع رب المال فيه كالأجنبي فيبيعه على أقل الثمنين مع حصة
المضارب من الربح وذكر محمد في الأصل إذا اشترى المضارب عبدا بألف درهم مضاربة فباعه من رب المال بألفين
ثم إن رب المال باعه من أجنبي مساومة بثلاثة آلاف درهم ثم اشتراه المضارب من الأجنبي بألفي درهم فأراد أن يبيعه
مرابحة لم يجزله ذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله الا ان يبين الامر على وجهه وفي قول أبى يوسف ومحمد يبيعه
مرابحة على الفين وهذه فريعة مسألة أخرى مذكورة في البيوع وهي ما إذا اشترى شيئا فربح فيه ثم ملكه بشراء
آخر فأراد أن يبيعه مرابحة فان عند أبي حنيفة يسقط الربح ويعتبر ما مضى من القعود وفي مسئلتنا قد ربح فيه رب المال
الفي درهم لان المضارب لما اشتراه بألف وباعه من رب المال بألفين فنصف ذلك الربح لرب المال وهو خمسمائة فلما
باعه رب المال بثلاثة آلاف فقد ربح فيه ألفا وخمسمائة لأنه قام عليه بألف وخمسمائة مقدار رأس المال ونصيب
المضارب من الربح إذا ضم إلى ذلك فقد ربح الفين فإذا اشتراه المضارب بألفين وجب ان يطرح الألفين من رأس المال
فلا يبقى شئ ولهذا لم يجز البيع مرابحة الا بعد ان يبين وأما على قولهما فإنما يعتبر العقد الأخير خاصة فالربح في العقد
الأول لا يحط عن الثاني فيبيعه مرابحة على جميع الألفين ولو اشترى المضارب عبدا بألف فباعه من رب المال
بألف وخمسمائة ثم باعه رب المال من أجنبي بألف وستمائة ثم إن المضارب اشتراه من الأجنبي بألفي درهم فأراد أن يبيعه
مرابحة باعه على الف وأربعمائة على قول أبي حنيفة لان رب المال قد ربح فيه ستمائة الا ترى ان المضارب لما
اشتراه بألف باعه من رب المال بألف وخمسمائة فنصيب رب المال من الربح مائتان وخمسون وكان رب المال اشترى
بألف ومائتين وخمسين رأس المال وحصة المضارب فلما باعه بألف وستمائة فقد ربح ثلاثمائة وخمسين وقد كان ربح
مائتين وخمسين بربح المضارب فوجب أن يحط ذلك المضارب من الثمن فيبقى الف وأربعمائة ولو اشترى المضارب
عبدا بألف فولاه رب المال ثم إن رب المال باعه من أجنبي بألف وخمسمائة ثم إن المضارب اشتراه من الأجنبي
مرابحة بألفين ثم إن رب المال لما حط من الأجنبي ثلاثمائة فان الأجنبي يحط من المضارب أربعمائة لان رب المال
لما حط من الأجنبي ثلاثمائة استند ذلك الحط إلى العقد فكان ذلك المقدار لم يكن فيطرح من رأس المال وتطرح
حصته من الربح وقد كان الأجنبي ربح مثل ثلث الثمن فيطرح مع الثلثمائة ثلثها فيصيرا لحط عن المضارب أربعمائة
فان أراد المضارب أن يبيع هذا العبد مرابحة باعه على الف ومائتين لان رب المال ربح أربعمائة ألا ترى أنه لو باعه من
104

الأجنبي فربح خمسمائة ثم حط عنه ثلاثمائة وهذا لحط من رأس المال والربح جميعا مائتين من رأس المال ومائة من الربح
فلما سقط من الربح مائة يبقى الربح أربعمائة فلما اشتراه المضارب بألفين ثم حط عنه أربعمائة صار شراؤه بألف
وستمائة فيطرح عنه مقدار ما ربح فيه رب المال وهو أربعمائة فيبيعه على ما بقي وتجوز المرابحة بين المضاربين كما
تجوز بين المضارب ورب المال قال محمد في أصل إذا دفع الرجل إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف ودفع إلى
رجل آخر ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى أحد المضاربين عبدا بخمسمائة من المضاربة فباعه من المضارب
الآخر بألف فأراد الثاني أن يبيعه مرابحة باعه على خمسمائة وهو أقل الثمنين لان مال المضاربين لرجل واحد فصار
بيع أحدهما من الآخر في حق الأجانب كبيع الانسان ملكه بماله فيبيعه مرابحة على أقل الثمنين ولو باعه الأول
من الثاني بألفين الف من المضاربة والف من مال نفسه فان الثاني يبيعه مرابحة على الف ومائتين وخمسين لان الثاني
اشترى نصفه لنفسه وقد كان الأول اشترى ذلك النصف بمائتين وخمسين فيبيعه الثاني مرابحة على الف لأنه
لا نصيب لو أحد منهما في شراء صاحبه فصارا كالأجنبيين فاما النصف الذي اشترى الثاني بألف المضاربة فقد
كان الأول اشتراه بمائتين وخمسين وهو مال واحد فيبيعه على أقل الثمنين ولو كان الأول اشتراه بألف المضاربة فباعه
من الثاني بألفين للمضاربة الف رأس المال والف ربح فان الثاني يبيعه مرابحة بألف وخمسمائة لأنه يبيعه على أقل
الثمنين وعلى حصته من الربح وأقل الثمنين الف وحصة المضارب خمسمائة ولو كان الأول اشتراه بخمسمائة والمسألة
بحالها باعه الثاني على الف لان أقل الثمنين خمسمائة وحصة المضارب خمسمائة فيبيعه مرابحة على أقل الثمنين وحصة
من الربح والربح في المضاربة بينهما على الشرط والوضيعة على رب المال والقول قول المضارب في دعوى الهلاك لان
المال أمانة في يده (وأما) الذي يستحقه المضارب بالعمل فالذي يستحقه بعمله في ماله المضاربة شيئان أحدهما
النفقة والكلام في النفقة في مواضع في وجوبها وفي شرط الوجوب وفيما فيه النفقة وفي تفسير النفقة وفي قدرها وفيما
تحتسب النفقة منه (أما) الوجوب فلان الربح في باب المضاربة يحتمل الوجود والعدم والعاقل لا يسافر بمال غيره
لفائدة تحمل الوجود والعدم مع تعجيل النفقة من مال نفسه فلو لم تجعل نفقته من مال المضاربة لامتنع الناس من قبول
المضاربات مع مساس الحاجة إليها فكان اقدامهما على هذا العقد والحال ما وصفنا اذنا من رب المال للمضارب بالانفاق
من مال المضاربة كان مأذونا في الاتفاق دلالة فصار كما لو أذن له به نصا ولأنه يسافر لا جل المال لا على سبيل التبرع
ولا ببدل واجب له لا محالة فتكون نفقته في المال بخلاف المبضع لا يسافر بمال الغير على وجه التبرع وبخلاف
الأجير لأنه يعمل ببدل لازم في ذمة المستأجر لا محالة فلا يستحق النفقة وهكذا وروى ابن سماعة عن محمد في
الشريك إذا سافر بالمال أنه ينفق من المال كالمضارب (وأما) شرط الوجوب فخروج المضارب بالمال من
المصر الذي أخذ المال منه مضاربة سواء كان المصر مصره أولم يكن فما دام يعمل به في ذلك المصر فان نفقته في مال نفسه
لا في مال المضاربة وان أنفق شيئا منه ضمن لان دلالة والاذن لا تثبت في المصر وكذا اقامته في الحضر لا تكون لأجل
المال لأنه كان مقيما قبل ذلك فلا يستحق النفقة ما لم يخرج من ذلك المصر سواء كان خروجه بالمال مدة سفر أو أقل من
ذلك حتى لو خرج من المصر يوما أو يومين فله أن ينفق من مال المضاربة كذا ذكر محمد عن نفسه وعن أبي يوسف من
مكان المضاربة لوجود الخروج من المصر لا نفسه أو
كان له في ذلك المصر أهل سقطت نفقته حين دخل لأنه يصير مقيما بدخوله فيه لا لأجل المال وان لم يكن ذلك مصره
ولا له فيه أهل لكنه أقام فيه للبيع والشراء لا تسقط نفقته ما أقام فيه وان نوى الإقامة خمسة عشر يوما فصاعدا ما لم
يتخذ ذلك المصر الذي هو فيه دار إقامة لأنه إذا لم يتخذ دار إقامة كانت اقامته فيه لأجل المال وان اتخذه وطنا كانت
اقامته للوطن لا للمال فصار كالوطن الأصلي فنقول الحاصل انه لا تبطل نفقة المضاربة بعد المسافرة بالمال الا
بالإقامة في مصره أو في مصر يتخذه دار إقامة لما قلنا ولو خرج من المصر الذي دخله للبيع والشراء بينة العود إلى المصر
105

الذي أخذ المال فيه مضاربة فان نفقته من مال المضاربة حتى يدخله فإذا دخله فإن كان ذلك مصره أو كان له فيه أهل
سقطت نفقته والا فلا حتى لو أخذ المضارب مالا بالكوفة وهو من أهل البصرة وكان قد قدم الكوفة مسافرا فلا
نفقة له في المال ما دام بالكوفة لما قلنا فإذا خرج منها مسافرا فله النفقة حتى يأتي البصرة لان خروجه لا جل المال
ولا ينفق من المال ما دام بالبصرة لان البصرة وطن أصلى له فكان اقامته فيها لا جل الوطن لا لأجل المال فإذا خرج
من البصرة له أن ينفق من المال حتى يأتي الكوفة لان خروجه من البصرة لأجل المال وله أن ينفق أيضا ما أقام
بالكوفة حتى يعود إلى البصرة لان وطنه بالكوفة كان وطن إقامة وانه يبطل بالسفر فإذا عاد إليها وليس له وطن فكان
اقامته فيا لأجل المال فكان نفقته فيه وكل من كان مع المضارب ممن يعينه على العمل فنفقته من مال المضاربة حرا
كان أو عبدا أو أجيرا يخدمه أو يخدم دابته لان نفقتهم كنفقة نفسه لأنه لا يتهيأ له السفر الا بهم الا أن يكون معه عبيد
لرب المال بعثهم ليعاونوه فلا نفقة لهم في مال المضاربة ونفقتهم على رب المال خاصة لان إعانة عبد رب المال كإعانة
رب المال بنفسه ورب المال لو أعان المضارب بنفسه في العمل لم تكن نفقته في مال المضاربة كذا عبيده فأما عبد
المضارب فهو كالمضارب والمضارب إذا عمل بنفسه في المال انفق عليه منه كذا بعده (وأما) ما فيه النفقة فالنفقة في
مال المضاربة وله أن ينفق من مال نفسه ماله ان ينفق من مال المضاربة على نفسه ويكون دينا في المضاربة حتى كان له
أن يرجع فيها لان الانفاق من المال وتدبيره إليه فكان له أن ينفق من ماله ويرجع به على مال المضاربة كالوصي إذا اتفق
على الصغير من مال نفسه أن له أن يرجع بما انفق على مال الصغير لما قلنا كذا هذا اله ان يرجع بما أنفق في مال المضاربة
لكن بشرط بقاء المال حتى لو هلك المال لم يرجع على رب المال بشئ كذا ذكر محمد في المضاربة لان نفقه المضارب
من مال المضاربة فإذا هلك هلك بما فيه كالدين يسقط بهلاك الرهن والزكاة تسقط بهلاك النصاب وحكم الجناية
يسقط بهلاك العبد الجاني (وأما) تفسير النفقة التي في مال المضاربة فالكسوة والطعام والإدام والشراب وأجر الأجير
وفراش ينام عليه وعلف دابته التي يركبها في سفره ويتصرف عليها في حوائجه وغسل ثيابه ودهن السراج والحطب
ونحو ذلك ولا خلاف بين أصحابنا في هذه الجملة لان المضارب لا بدله منها فكان الاذن ثابتا من رب المال دلالة (وأما)
ثمن الدواء والحجامة والفصد والتنور والادهان وما يرجع إلى التداوي وصلاح البدن ففي ماله خاصة لا في مال المضاربة
وذكر الكرخي رحمه الله في مختصره في الدهن خلاف محمد انه في مال المضاربة عنده وذكر في الحجامة والاطلاء
بالنورة والخضاب قول الحسن بن زياد أنه قال على قياس قول أبي حنيفة يكون في مال المضاربة والصحيح أنه يكون
في ماله خاصة لان وجوب النفقة للمضارب في المال لدلالة الاذن الثابت عادة وهذه الأشياء غير معتادة
هذا إذا قضى القاضي بالنفقة يقضى بالطعام والكسوة ولا يقضى بهذه الأشياء (وأما) الفاكهة فالمعتاد منها يجرى مجرى
الطعام والإدام وقال بشرفي نوادره سألت أبا يوسف عن اللحم فقال يأكل كما كان يأكل لأنه من المأكول المعتاد
(وأما) قدر النفقة فهو أن يكون بالمعروف عند التجار من غير اسراف فان جاوز ذلك ضمن الفضل لان الاذن ثابت
بالعادة فيعتبر القدر المعتاد وسواء سافر برأس المال أو بمتاع عن المضاربة لان سفره في الحالين لأجل المال وكذا لو
سافر فلم يتفق له شراء متاع من حيث قصد وعاد بالمال فنفقته ما دام مسافرا في مال المضاربة لان عمل التجارة على هذا
وهو ان يتفق الشراء في وقت ودون وقت ومكان وسواء سافر بمال المضاربة وحده أو بماله ومال المضاربة
ومال المضاربة لرجل أو رجلين فله النفقة غير أنه ان سافر بماله ومال المضاربة أو بمالين لرجلين كانت النفقة من
المالين بالحصص لان السفر لأجل المالين فتكون النفقة فيهما وإن كان أخذ المالين مضاربة لرجل والآخر بضاعة
لرجل آخر فنفقته في مال المضاربة لان سفر لأجله لا لأجل البضاعة لأنه متبرع بالعمل بها الا أن يتبرع بعمل
البضاعة فينفق من مال نفسه لأنه بدل العمل في المضاربة وليس على رب البضاعة شئ الا أن يكون أذن له في النفقة
منها لأنه تبرع بأخذ البضاعة فلا يستحق النفقة كالمودع ولو خلط مال المضاربة بماله وقد أذن له في ذلك فالنفقة
106

بالحصص لان سفر لأجل المالين (وأما) ما تحتسب النفقة منه فالنفقة تحتسب من الربح أو لا إن كان في المال ربح فإن لم
يكن فهي من رأس المال لان النفقة جزء هالك من المال والأصل ان لهلاك ينصرف إلى الربح ولأنا لو جعلناها من
رأس المال خاصة أو في نصيب رب المال من الربح لازداد نصيب المضارب في الربح على نصيب رب المال فإذا رجع
المضارب إلى مصره فما فضل عنده من الكسوة والطعام رده إلى المضاربة لان الاذن له بالنفقة كان لأجل السفر فإذا
انقطع السفر لم يبق الاذن فيجب ردما بقي إلى المضاربة وروى المعلى عن أبي يوسف إذا كان مع الرجل ألف درهم
مضاربة فاشترى عبدا بألفين فانفق عليه فهو متطوع في النفقة لأنه لم يبق في يده شئ من رأس المال فالنفقة تكون
استدانة على المال وهو لا يملك ذلك فصار كالأجنبي إذا أنفق على عبد غيره الا أن يكون القاضي أمره بذلك فان رفعه إلى
القاضي فأمره القاضي بالنفقة عليه فما أنفق فهو عليهما على قدر رأس المال قال أبو يوسف رحمه الله وهذه قسمة من
القاضي بين المضارب وبين رب المال إذا قضى بالنفقة وإنما صارت النفقة دينا بأمر القاضي لان له ولاية على الغائب في
حفظ ماله وهذا من باب الحفظ فيملك الامر بالاستدانة عليه وإنما صار قضاء القاضي بالنفقة قسمة لوجود معنى القسمة
وهو التعيين لان القاضي لما ألزم المضارب النفقة لأجل نصيبه فقد عين نصيبه ولا يتحقق تعيين نصيب المضارب الا
بعد تعيين رأس المال وهذا معنى القسمة ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى بها جارية قيمتها ألفان فالنفقة
على المضارب وعلى رب المال في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد النفقة على رب المال كذا حقق القدوري رحمه
الله الاختلاف (وجه) قول محمد ان المضارب لم يتعين له ملك لان رأس المال غير متعين فكانت الجارية على حكم رب
المال فكانت نفقتها عليه ويحتسب بها في رأس ماله في رواية عنه وفي رواية أخرى عنه يقال لرب المال انفق ان
شئت (ولهما) ان نصيب المضارب من العقد على ملكه بدليل ان اعتاقه ينفذ منه فلا يجوز الزام رب المال الانفاق على
ملك غيره فإذا قضى على كل واحد منهما بنفقة نصيبه فقد تعين الربح ورأس المال فيكون قسمة لوجود معنى القسمة
وعلى هذا الخلاف العبد الآبق من المضاربة إذا جاء به رجل وقيمته ألفان وليس في يده من المضاربة غير العبد أن
الجعل عليهما في قول أبي حنيفة وأبى يوسف لان العبد على ملكهما وعد محمد الجعل على رب المال يحسب في رأس
ماله إذ هو زيادة في رأس المال فإذا بيع استوفى رب المال رأس ماله والجعل وما بقي يكون بينهما على ما اشترطا من الربح
قال بشر عن أبي يوسف ان الجعل لا يحتسب به في مال المضاربة ويحتسب به فيما بين المضارب ورب المال فإن كان
هناك ربح فالجعل منه والا فهو وضيعة من رأس المال وإنما لم يلحق الجعل برأس المال في باب المرابحة لان الذي يلحق
رأس المال في المرابحة ما جرت عادة التجار بالحاقه به وما جرت عادتهم بالحاق الجعل ولأنه نادر غير معتاد فلا يلحق
بالعادة ما ليس بمعتاد وإنما احتسب به فيما بين المضارب ورب المال لأنه غرم لزم لأجل المال ويجوز أن يحتسب بالشئ
فيما بين المضارب ورب المال ولا يلحق برأس المال في المضاربة كنفة المضارب على نفسه والثاني ما يستحقه
المضارب بعمله في المضاربة الصحيحة هو الربح المسمى إن كان في المضاربة ربح وإنما يظهر الربح بالقسمة وشرط
جواز القسمة قبض رأس المال فلا تصح قسمة الربح قبل قبض رأس المال حتى لو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة
بالنصف فربح ألفا فاقتسما الربح ورأس المال في يد المضارب لم يقبضه رب المال فهلكت الألف التي في يد المضارب
بعد قسمتهما الربح فان القسمة الأولى لم تصح وما قبض رب المال فهو محسوب عليه من رأس ماله وما قبضه المضارب
دين عليه يرده إلى رب المال حتى يستوفى رب المال رأس ماله ولا تصح قسمة الربح حتى يستوفى رب المال رأس المال
والأصل في اعتبار هذا الشرط ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال مثل المؤمن مثل التاجر لا يسلم له
ربحه حتى يسلم له رأس ماله كذلك المؤمن لا تسلم له نوافله حتى تسلم له عزائمه فدل الحديث على أن قسمة الربح قبل
قبض رأس المال لا تصح ولان الربح زيادة والزيادة على الشئ لا تكون الابعد سلامة الأصل ولان المال إذا بقي
في يد المضارب فحكم المضاربة بحالها فلو صححنا قسمة الربح لثبتت قسمة الفرع قبل الأصل فهذا لا يجوز وإذا لم تصح
107

القسمة فإذا هلك ما في يد المضارب صار الذي اقتسماه هو رأس المال فوجب على المضارب أن يرد منه تمام رأس المال
فان قبض رب المال ألف درهم رأس ماله أولا ثم اقتسما الربح ثم رد الألف التي قبضها بعينها إلى يد المضارب على أن
يعمل بها بالنصف فهذه مضاربة مستقبلة فان هلكت في يده لم تنقض القسمة الأولى لان رب المال لما استوفى
رأس المال فقد انتهت المضاربة وصحت القسمة فإذا رد المال فهذا عقد آخر فهلاك المال فيه لا يبطل القسمة في
غيره ولو كان الربح في المضاربة الأولى ألفين واقتسما الربح فأخذ رب المال ألفا والمضارب ألفا ثم هلك ما في يد
المضارب فان القسمة باطلة وما قبضه رب المال محسوب من رأس المال ورد المضارب نصف الألف الذي قبض
لأنه لما هلك ما في يد المضارب من رأس المال قبل صحة القسمة صار ما قبضه رب المال رأس ماله وإذا صار ذلك رأس
المال تعين الربح فيما قبضه المضارب بالقسمة فيكون بينهما على الشرط فيجب عليه أن يرد نصفه وكذلك إن كان قد
هلك ما قبضه المضارب من الربح يجب عليه أن يرد نصفه لأنه تبين انه قبض نصيب رب المال من الربح لنفسه فصار
ذلك مضمونا عليه ولو هلك ما قبض رب المال لم يتعين بهلاكه شئ لان ما هلك بعد القبض يهلك في ضمان القابض
فبقاؤه وهلاكه سواء قالوا ولو اقتسما الربح ثم اختلفا فقال المضارب قد كنت دفعت إليك رأس المال قبل القسمة
وقال رب المال لم أقبض رأس المال قبل ذلك فالقول قول رب المال ويد المضارب ما قبضه لنفسه تمام رأس المال
يحتسب على رأس رب المال بما قبض من رأس ماله ويتم له رأس المال بما يرده المضارب فان بقي شئ بعد ذلك مما
قبضه المضارب كان بينهما نصفين وإنما كان كذلك لان المضارب يدعى انها رأس المال ورب المال ينكر ذلك
والمضارب وإن كان أمينا لكن القول قول الأمين في اسقاط الضمان عن نفسه لا في التسليم إلى غيره ولان المضارب
يدعى خلوص ما بقي من المال والربح ورب المال يجحد ذلك فلا يقبل قول المضارب في الاستحقاق فان أقاما البينة
فالبينة بينة المضارب لأنها تثبت ايفاء رأس المال ولا يقال الظاهر شاهد للمضارب فيما ادعاه من ايفاء رأس المال إذ
الربح لا يكون الابعد الايفاء إذ هو شرط صحة قسمة الربح لأنا نقول قد جرت عادة التجار بالقسمة مع بقاء رأس
المال في يده المضارب فلم يكن الظاهر شاهدا للمضارب وذكر ابن سماعة في نوادره عن أبي يوسف في رجل دفع إلى
رجل ألف درهم مضاربة صحيحة ثم جعل رب المال يأخذ الخمسين والعشرين لنفقته والمضارب يعمل بالنفقة
ويتربح فيما يشترى ويبيع ثم احتسبا فإنهما يحتسبان برأس المال ألف درهم يوم يحتسبان والربح بينهما نصفان ولا
يكون ما أخذ رب المال من النفقة نقصانا من رأس المال ولكنهما يحتسبا رأس المال ألفا من جميع المال وما بقي من
ذلك فهو بينها نصفان لأنا لو جعلنا المقبوض من رأس المال بطلت المضاربة لان استرجاع رب المال رأس ماله
يوجب بطلان المضاربة وهما لم يقصدا ابطالها فيجعل رأس المال فيما بقي لئلا يبطل هذا إذا كان في المضاربة ربح
فإن لم يكن فيها ربح فلا شئ للمضارب لان الشرط قد صح فلا يستحق الا ما شرط وهو الربح ولم يوجد (وأما)
الذي يستحقه رب المال فالربح المسمى إذا كان في المال ربح وان لم يكن فلا شئ له على المضارب هذا كله حكم
المضاربة الصحيحة (وأما) حكم المضاربة الفاسدة فليس للمضارب أن يعمل شيئا مما ذكرنا ان له أن يعمل في
المضاربة الصحيحة ولا يثبت بها شئ مما ذكرنا عن أحكام المضاربة الصحيحة ولا يستحق النفقة ولا الربح المسمى
وإنما له أجر مثل عمله سواء كان في الضاربة ربح أولم يكن لان المضاربة الفاسدة والأجير
لا يستحق النفقة ولا المسمى في الإجارة الفاسدة وإنما يستحق أجر المثل والربح كله يكون لرب المال لان الربح
نماء ملكه وإنما يستحق المضارب شطرا منه بالشرط ولم يصح الشرط فكان كله يكون لرب المال والخسران عليه
والقول قول المضارب في دعوى الهلاك والضياع والهلاك في المضاربة الفاسدة مع يمينه هكذا ذكر في ظاهر الرواية
وجعل المال في يده أمانة كما في المضاربة الصحيحة وذكر الطحاوي فيه اختلافا وقال لا ضمان عليه في قول أبي حنيفة
وعندهما يضمن كما في الأجير المشترك إذا هلك المال في يده
108

(فصل) وأما صفة هذا العقد فهو انه عقد غير لازم ولكل واحد منهما أعنى رب المال والمضارب الفسخ لكن
عند وجود شرطه وهو علم صاحبه لما ذكرنا في كتاب الشركة ويشترط أيضا أن يكون رأس المال عينا وقت الفسخ
دراهم أو دنانير حتى لو نهى رب المال المضارب عن التصرف ورأس المال عروض وقت النهى لم يصح نهيه وله أن
يبيعها لأنه يحتاج إلى بيعها بالدراهم والدنانير ليظهر الربح فكان النهى والفسخ ابطالا لحقه في التصرف فلا يملك ذلك
وإن كان رأس المال دراهم أو دنانير وقت الفسخ والنهى صح الفسخ والنهى لكن له أن يصرف الدراهم إلى الدنانير
والدنانير إلى الدراهم لان ذلك لا يعد بيعا لاتحادهما في الثمنية
(فصل) وأما حكم اختلاف المضارب ورب المال فان اختلفا في العموم والخصوص فالقول قول من يدعى
العموم بان ادعى أحدهما المضاربة في عموم التجارات أو في عموم الأمكنة أو مع عموم من اشخاص وادعى الاخر
نوعا دون نوع ومكانا دون مكان وشخصا دون شخص لان قوله من يدعى العموم موافق للمقصود بالعقد إذ المقصود
من العقد هو الربح وهذا المقصود في العموم أوفر وكذلك لو اختلفا في الاطلاق والتقييد فالقول قول من يدعى
الاطلاق حتى لو قال رب المال أذنت لك أن تتجر في الحنطة دون ما سواها وقال المضارب ما سميت لي تجارة بعينها
فالقول قول المضارب مع يمينه لان الاطلاق أقرب إلى المقصود بالعقد على ما بينا وقال الحسن بن زياد ان القول قول
رب المال في الفصلين جميعا وقيل إنه قول زفر (ووجهه) ان الاذن يستفاد من رب المال فكان القول في ذلك قوله
فان قامت لهما بينة فالبينة بينة مدعى العموم في دعوى العموم والخصوص لأنها تثبت زيادة وفي دعوى التقييد
والا طلاق البينة بينة مدعى التقييد لأنها تثبت زيادة فيه وبينة الاطلاق ساكتة ولو اتفقا على الخصوص لكنهما
اختلفا في ذلك الخاص فقال رب المال دفعت المال إليك مضاربة في البز وقال المضارب في الطعام فالقول قول رب
المال في قولهم جميعا لأنه لا يمكن الترجيح هنا بالمقصود من العقد لاستوائهما في ذلك فترجح بالاذن وانه يستفاد من رب
المال فان أقاما البينة فالبينة بينة المضارب لان بينته مثبتة وبينة رب المال نافية لأنه لا يحتاج إلى الاثبات والمضارب
يحتاج إلى الاثبات لدفع الضمان عن نفسه فالبينة المثبتة للزيادة أولى وقد قالوا في البينتين إذا تعارضتا في صفة الاذن وقد
وقتتا ان الوقت الأخير أولى لان الشرط الثاني ينقض الأول فكان الرجوع إليه أولى وان اختلفا في قدر رأس المال
والربح فقال رب المال كان رأس مالي ألفين وشرطت لك ثلث الربح وقال المضارب رأس المال ألف وشرطت لي
نصف الربح فإن كان في يد المضارب ألف درهم يقر انها مال المضاربة فالقول قول المضارب في أن رأس المال ألف
والقول قول رب المال انه شرط ثلث الربح وهذا قول أبي حنيفة الآخر وهو قول أبى يوسف ومحمد وكان قوله الأول
ان القول قول رب المال في الامرين جميعا وهو قول زفر (وجه) قوله الأول ان الربح يستفاد من أصل المال وقد
اتفقا على أن جملة المال مضاربة وادعى المضارب استحقاقا فيها ورب المال ينكر ذلك فكان القول قوله بخلاف
ما إذا قال المضارب بعض هذه الألفين خلطته بها أو بضاعة في يدي لأنهما ما اتفقا على أن الجميع مال المضاربة ومن
كان في يده شئ فالقول قوله (وجه) قوله الآخران القول في مقدار رأس المال قول المضارب لأنهما اختلفا في مقدار
المقبوض فكان القول قول القابض ألا ترى انه لو أنكر القبض أصلا وقال لم أقبض منك شيئا كان القول قوله فكذا
إذا أنكر البعض دون البعض وإنما كان القول قول رب المال في مقدار الربح لان شرطا الربح يستفاد من قبله
فكان القول في مقدار المشروط قوله ألا ترى انه لو أنكر الشرط رأسا فقال لم أشرط لك ربحا وإنما دفعت إليك بضاعة
كان القول قوله فكذا إذا أقر بالبعض دون البعض وإذا كان القول قول المضارب في قدر رأس المال في قوله الأخير
فالقول قول رب المال في مقدار الربح في قولهم يجعل رأس المال ألف درهم ويجعل للمضارب ثلث الألف الأخرى
فلا يقبل قول رب المال في زيادة رأس المال ولا يقبل قول المضارب في زيادة شرط الربح وعلى قوله الأول يأخذ
رب المال الألفين جميعا وإن كان في يده ثلاثة آلاف درهم والمسألة بحالها أخذ رب المال ألف درهم على قوله الأخير
109

واقتسما ما بقي من المال أثلاثا وعلى قوله الأول يأخذ وب المال ألفي درهم ويأخذ ثلثي الألف الأخرى لما بينا وإن كان في
يد المضارب قدر ما ذكر انه قبض من رأس المال أو أقل ولم يكن في يده أكثر مما أقر فالقول قول المضارب عندهم جميعا
لأنه لا سبيل إلى قبول قول رب المال في ايجاب الضمان على المضارب فان جاء المضارب بثلاثة آلاف فقال ألف
رأس المال وألف ربح وألف وديعة لآخر أو مضاربة لآخر أو بضاعة لآخر أو شركة لآخر أو على ألف دين
فالقول في الوديعة والشركة والبضاعة والدين قول المضارب في الأقاويل كلها لان من في يده شئ فالظاهر أنه له الا أن
يعترف به لغيره ولم يعترف لرب المال بهذه الألف فكان القول قوله فيها وكل من جعلنا القول قوله في هذا الباب فهو مع
يمينه ومن أقام منهما بينة على ما يدعى من فضل فالبينة بينة كل واحد منهما تثبت زيادة فبينة رب المال تثبت زيادة في
رأس المال وبينة المضارب تثبت زيادة في الربح وقال محمد رحمه الله إذا قال رب المال شرطت لك ثلث الربح وزيادة
عشرة دراهم وقال المضارب بل شرطت لي الثلث فالقول قول المضارب لأنهما اتفقا على شرط الثلث وادعى رب المال
زيادة لا منفعة له فيها الافساد العقد فلا يقبل قوله وان قامت لهما بين فالبينة بينة رب المال لأنها تثبت زيادة شرط ولو قال
رب المال شرطت لك الثلث الا عشرة وقال المضارب بل شرطت لي الثلث فالقول قول رب المال لأنه أقر له ببعض
الثلث والمضارب يدعى تمام الثلث فلا يقبل قوله في زيادة شرطا لربح وفي هذا نوع اشكال وهو ان المضارب يدعى صحة
العقد ورب المال يدعى فساده فينبغي أن يكون القول قول المضارب والجواب ان دعوى رب المال وان تعلق به فساد
العقد لكنه منكر لزيادة يدعيها المضارب فيعتبر انكاره لأنه مفيد في الجملة ولو قال رب المال شرطت لك نصف الربح
وقال المضارب شرطت لي مائة درهم أو لم تشترط لي شيئا ولى أجر المثل فالقول قول رب المال لان المضارب يدعى
أجرا واجبا في ذمة رب المال ورب المال ينكر ذلك فيكون القول قوله فان أقام رب المال البينة على شرط النصف وأقام
المضارب البينة على أنه لم يشترط له شيئا فالبينة بينة رب المال لأنها مثبتة للشرط وبينة المضارب نافية والمثبتة أولى ولو
أقام المضارب البينة انه شرط له مائة درهم فبينته أولى لان البينتين استويا في اثبات الشرط وبينة المضارب أو جبت
حكما زائدا وهو ايجاب الاجر على رب المال فكانت أولى وذكر الكرخي رحمه الله انهم جعلوا حكم المزارعة في هذا
الباب حكم المضاربة الا في هذا الفصل خاصة وهو انه إذا أقام رب الأرض والبذر البينة على أنه شرطا للعامل نصف
الخارج وقال العامل شرطت لي مائة قفيز فالبينة بينة الدافع وفي المضاربة البينة بينة المضارب والفرق بينهما ان المزارعة
عقد لازم في جانب العامل بدليل ان من لا بذر له من جهته لو امتنع من العمل يجبر عليه فرجحنا بينة من يدعى الصحة
والمضاربة ليست بلا زمة فان المضارب لو امتنع من العمل لا يجبر عليه فلم يقع الترجيح بالتصحيح فرجحنا بايجاب
الضمان وهو الاجر ولو قال رب المال دفعت إليك بضاعة وقال المضارب مضاربة بالنصف أو مائة درهم فالقول قول
رب المال لان المضارب يستفيد الربح بشرطه وهو منكر فكان القول قوله إنه لم يشترط ولان المضارب يدعى استحقاقا
في مال الغير فالقول قول صاحب المال ولو قال المضارب أقرضتني المال والربح لي وقال رب المال دفعت إليك مضاربة
أو بضاعة فالقول قول رب المال لان المضارب يدعى عليه التمليك وهو منكر فان أقاما البينة فالبينة بينة المضارب لأنها
تثبت التمليك ولأنه لا تنافى بين البينتين لجواز أن يكون أعطاه بضاعة أو مضاربة ثم أقرضه ولو قال المضارب دفعت
إلى مضاربة وقال رب المال أقرضتك فالقول قول المضارب لأنهما اتفقا على أن الاخذ كان باذن رب المال ورب
المال يدعى على المضارب الضمان وهو ينكر فكان القول قوله فان قامت لهما بينة فالبينة وبين رب المال لأنها تثبت
أصل الضمان ولو جحد المضارب المضاربة أصلا ورب المال يدعى دفع المال إليه مضاربة فالقول قول المضارب
لان رب المال يدعى عليه قبض ماله وهو ينكر فكان القبول قوله ولو جحد ثم أقر فقد قال ابن سماعة في نوادره سمعت
أبا يوسف قال في رجل دفع إلى رجل مالا مضاربة ثم طلبه منه فقال لم تدفع إلى شيئا ثم قال بلى استغفر الله العظيم قد
دفعت إلى ألف درهم مضاربة فهو ضامن للمال لأنه أمين والأمين إذا جحد الأمانة ضمن كالمودع وهذا لان عقد
110

المضاربة ليس بعقد لازم بل هو عقد جائز محتمل للفسخ فكان جحوده فسخا له أو رفعا له وإذا ارتفع العقد صار المال
مضمونا عليه كالوديعة فان اشترى بها مع الجحود كان مشتر يا لنفسه لأنه ضامن للمال فلا يبقى حكم المضاربة لان من
حكم المضارب أن يكون المال أمانة في يده فإذا صار ضمينا لم يبق أمينا فان أقر بعد الجحود لا يرتفع الضمان لأن العقد
قد ارتفع بالجحود فلا يعود الا بسبب جديد فان اشترى بها بعد الاقرار فالقياس أن يكون ما اشتراه لنفسه لأنه قد
ضمن المال بجحوده فلا يبرأ منه بفعله وفي الاستحسان يكون ما اشتراه على المضاربة ويبرأ من الضمان لان الامر
بالشراء لم يرتفع بالجحود بل هو قائم مع الجحود لأن الضمان لا ينافي الامر بالشراء بدليل ان من غصب من آخر شيئا
فأمر المغصوب منه الغاصب ببيع المغصوب أو بالشراء به صح الامر وإن كان المغصوب مضمونا على الغاصب
وإذا بقي الامر بعد الجحود فإذا اشترى بموجب الامر وقع الشراء للآمر ولن يقع الشراء له الا بعد انتفاء الضمان
وصار كالغاصب إذا باع المغصوب بأمر المالك وسلم انه يبرأ من الضمان كذا هذا وقوله المال صار مضمونا عليه فلا
يبرأ من الضمان بفعله قلنا العين المضمونة يجوز أن يبرأ الضامن منها بفعله كالمغصوب منه إذا أمر الغاصب أن يجعل
المغصوب في موضع كذا أو يسلمه إلى فلان انه يبرأ بذلك من الضمان وكذلك رجل دفع إلى رجل ألف درهم فأمره
أن يشترى بها عبدا فجحده الألف ثم أقربها ثم اشترى جاز الشراء ويكون للآمر وبرئ الجاحد من الضمان ولو
اشترى بها عبدا ثم أقر لم يبر أعن الضمان وكان الشراء له لما ذكرنا في المضارب ولو دفع إليه ألفا وأمره أن يشترى بها
عبدا بعينه ثم جحد الألف ثم اشترى بها العبد ثم أقر بالألف فان العبد للآمر لان الوكيل بشراء العبد بعينه لا يملك أن
يشتريه لنفسه فتعين أن يكون الشراء للآمر فصار كأنه أقر ثم اشترى بخلاف المضارب لأنه يملك أن يشترى لنفسه
فلا يحمل على الشراء لرب المال الا أن يقر بالمال قبل الشراء وقال أبو يوسف في المأمور ببيع العبد إذا جحده إياه
فادعاه لنفسه ثم أقر له به ان البيع جائز هو برئ من ضمانه وكذلك لو دفع إليه عبدا فأمره أن يهبه لفلان فجحده وادعاه
لنفسه ثم أقر له به فباعه ان البيع جائز وهو برئ من ضمانه وكذلك ان أمره بعتقه فجحده وادعاه لنفسه ثم أقر له به فاعتقه
جاز عتقه لما ذكرنا ان الامر بعد الجحود قائم فإذا جحد ثم أقر فقد تصرف بأمر رب المال فيبرأ من الضمان ولو باع
العبد أو وهبه أو أعتقه ثم أقر بذلك بعد البيع قال ابن سماعة ينبغي في قياس ما إذا دفع إليه ألفا وأمره أن يشترى بها عبدا
بعينه انه يجوز ويلزم الآمر لأنه لا يملك ان يبيع العبد لنفسه وقال هشام سمعت محمدا قال في رجل دفع إلى رجل
ألف درهم مضاربة فجاء بألف وخمسمائة فقال هذه الألف رأس المال وهذه الخمسمائة ربح وسكت ثم قال على دين فيه
لفلان كذا كذا قال محمد القول قول المضارب وقال الحسن بن زياد إذا أقر المضارب انه عمل بالمال وان في يده
عشرة آلاف وعلى فيها دين الف أو الفان فقال ذلك في كلام متصل كان القول قوله مع يمينه يدفع الدين منه سمى
صاحبه أو لم يسمه وان سكت سكتة ثم أقر بذلك وسمى صاحبه أو لم يسمه لم يصدق قال وهذا قياس قول أبي حنيفة
وهذا الذي ذكر الحسن يخالف ما قال محمد (ووجهه) انه إذا قال في يدي عشرة آلاف وسكت فقد أقر بالربح
فإذا قال على دين الف فقد رجع عما أقر به لان الربح لا يكون الابعد قضاء الدين والاقرار إذا صح لا يحتمل الرجوع
عنه بخلاف ما إذا قال ذلك متصلا لان الاقرار لم يستقر بعد وكان بمنزلة الاستثناء (وجه) قول محمدان أقر بالدين
في حال يملك الاقرار به فينفذ اقراره كما إذا قال هذا ربح وعلى دين وقوله إن قوله على دين بعد ما سكت يكون رجوعا
عما أقر به من الربح ممنوع فإنه يجوز انه ربح ثم لزمه الدين ألا ترى ان الرجل يقول قد ربحت ولزمني دين وهو يملك
الاقرار بالدين فإذا أقر به صح ولو جاء المضارب بألفين فقال الف رأس المال وألف ربح ثم قال ما أربح الا خمسمائة ثم
هلك المال كله في يد المضارب فان المضارب يضمن الخمسمائة التي جحد ها ولا ضمان عليه في باقي المال لان الربح
أمانة في يده فإذا جحده فقد صار غاصبا بالجحود فيضمن إذا هلك ولو قال المضارب لرب المال قد دفعت إليك رأس
مالك والذي بقي في يدي ربح ثم رجع فقال لم أدفعه إليك ولكن هلك فإنه يضمن ما ادعى دفعه إلى رب المال لأنه صار
111

جاحدا بدعوى الدفع فيضمن بالجحود وكذلك لو اختلفا في الربح ثم رجع فقال لم أدفعه إليك ولكنه هلك فإنه يضمن
ما ادعى دفعه إلى رب المال لما بينا ولو اختلفا في الربح فقال رب المال شرطت لك الثلث وقال المضارب شرطت إلى
النصف ثم هلك المال في يد المضارب قال محمد يضمن المضارب السدس من الربح يؤديه إلى رب المال من ماله خاصة
ولا ضمان عليه فيما سوى ذلك لا ناقد بينا أن القول في شرط الربح قول رب المال وإذا كان كذلك فنصيب المضارب
الثلث وقد ادعى النصف ومن ادعى أمانة في يده ضمنها لذلك يضمن سدس الربح والله عز وجل الموفق
(فصل) وأما بيان يبطل به عقد المضاربة فعقد المضاربة يبطل بالفسخ وبالنهي عن التصرف لكن عند وجود
شرط الفسخ والنهى وهو علم صاحبه بالفسخ والنهى وأن يكون رأس المال عينا وقت الفسخ والنهى فإن كان متاعا لم يصح
وله أن يبيعه بالدراهم والدنانير حتى ينض كما ذكرنا فيما تقدم وإن كان عينا صح لكن له صرف الدراهم إلى الدنانير والدنانير
إلى الدراهم بالبيع لما ذكرنا أن ذلك لا يعد بيعا لتجانسهما في معنى الثمنية وتبطل بموت أحدهما لان المضاربة تشتمل
على الوكالة والوكالة تبطل بموت الموكل والوكيل وسواء علم المضارب بموت رب المال أولم يعلم لأنه عزل حكمي فلا
يقف على العلم كما في الوكالة الا أن رأس المال إذا صار متاعا فللوكيل أن يبيع حتى يصير ناضالما بينا وتبطل بجنون
أحدهما إذا كان مطبقا لأنه يبطل أهلية الامر للآمر وأهلية التصرف للمأمور وكل ما تبطل به الوكالة تبطل به المضاربة
وقد تقدم في كتاب الوكالة تفصيله ولو ارتد رب المال فباع المضارب واشترى بالمال بعد الردة فذلك كله موقوف في
قول أبي حنيفة عليه الرحمة ان رجع إلى الاسلام بعد ذلك نفذ كله والتحقت ردته بالعدم في جميع أحكام المضاربة
وصار كأنه لم يرتد أصلا وكذلك ان لحق بدار الحرب ثم عاد مسلما قبل أن يحكم بلحاقه بدار الحرب على الرواية
التي يشترط حكم الحاكم بلحاقه للحكم بموته وصيرورة أمواله ميراثا لورثته فان مات أو قتل على الردة أو لحق بدار
الحرب وقضى القاضي بلحاقه بطلت المضاربة من يوم ارتد على أصل أبي حنيفة عليه الرحمة أن ملك المرتد
موقوف ان مات أو قتل أو لحق فحكم باللحوق يزول ملكه من وقت الردة إلى ورثته ويصير كأنه مات في ذلك
الوقت فيبطل تصرف المضارب بأمره لبطلان أهلية الامر ويصير كأنه تصرف في ملك الورثة فإن كان رأس المال
يومئذ قائما في يده لم يتصرف فيه ثم اشترى بعد ذلك فالمشترى وربحه يكون له لأنه زال ملك رب المال عن المال
فينعزل المضارب عن المضاربة فصار متصرفا في ملك الورثة بغير أمرهم وإن كان صار رأس المال متاعا فبيع المضارب
فيه وشراؤه جائز حتى ينض رأس المال لما ذكرنا في هذه الحالة لا ينعزل بالعزل والنهى ولا بموت رب المال فكذلك
ردته فان حصل في يد المضارب دنانير ورأس المال دراهم أو حصل في يده دراهم ورأس المال دنانير فالقياس أن
لا يجوز له التصرف لان الذي حصل في يده من جنس رأس المال معنى لاتحاد هما في الثمنية فيصير كان عين المال
قائم في يده الا انهم استحسنوا فقالوا إن باعه بجنس رأس المال جاز لان على المضارب ان يرد مثل رأس المال فكان
له ان يبيع ما في يده كالعروض وأما على أصل أبى يوسف ومحمد فالردة لا تقدح في ملك المرتد فيجوز تصرف المضارب
بعد ردة رب المال كما يجوز تصرف رب المال بنفسه عند هما فان مات رب المال أو قتل كان موته كموت المسلم في بطلان
عقد المضاربة وكذلك ان لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه لان ذلك بمنزلة الموت بدليل ان ماله يصير ميراثا لورثته
فبطل أمره في المال فإن لم يرتد رب المال ولكن المضارب ارتد فالمضاربة على حالها في قولهم جميعا لان وقوف تصرف
رب المال نفسه لو قوف ملكه ولا ملك للمضارب فيما يتصرف فيه بل الملك لرب المال ولم توجد منه الردة فبقيت
المضاربة الا انه لا عهدة على المضارب وإنما العهدة على رب المال في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله لان العهدة تلزم
بسبب المال فتكون على رب المال وصار كما لو وكل صبيا محجورا أو عبدا محجورا فاما على قولهما فالعهدة عليه لان
تصرفه كتصرف المسلم وان مات المضارب أو قتل على الردة بطلت المضاربة لان موته في الردة كموته قبل الردة وكذا
إذا لحق بدار الحرب وقضى بلحوقه لان ردته مع اللحاق والحكم به بمنزلة موته في بطلان تصرفه فان لحق المضارب
112

بدار الحرب بعد ردته فباع واشترى هناك ثم رجع مسلما فجميع ما اشترى وباع في دار الحرب يكون له ولا ضمان عليه
في شئ من ذلك لأنه لما لحق بدار الحرب صار كالحربي إذا استولى على مال انسان ولحق بدار الحرب انه يملكه فكذا
المرتد وأما ارتداد المرأة وعدم ارتداد ها سواء في قولهم جميعا سواء كان المال لها أو كانت مضاربة لان ردتها لا تؤثر
في ملكها الا ان تموت فتبطل المضاربة كما لو ماتت قبل الردة أو لحقت بدار الحرب وحكم بلحاقها لما ذكرنا ان ذلك
بمنزلة الموت وتبطل بهلاك مال المضاربة في يد المضارب قبل إن يشترى به شيئا في قول أصحابنا لأنه تعين لعقد
المضاربة بالقبض فيبطل العقد بهلاكه كالوديعة وكذلك لو استهلكه المضارب أو أنفقه أو دفعه إلى غيره فاستهلكه
لما قلنا حتى لا يملك ان يشترى به شيئا للمضاربة فان أخذ مثله من الذي استهلكه كان له ان يشترى به على المضاربة
كذا روى الحسن عن أبي حنيفة لأنه أخذ عوض رأس المال فكان أخذ عوضه بمنزلة اخذ ثمن فيكون على المضاربة
وروى ابن رستم عن محمد انه لو أقرضها المضارب رجلا فان رجع إليه الدراهم بعينها رجعت على المضاربة لأنه وان
تعدى يضمن لكن زال التعدي فيزول الضمان المتعلق به وان أخذ مثلها لم يرجع في المضاربة لان المضان قد استقر
بهلاك العين وحكم المضاربة مع الضمان لا يجتمعان ولهذا يخالف ما رواه الحسن ين زياد عن أبي حنيفة في
الاستهلاك هذا إذا هلك مال المضاربة قبل إن يشترى المضارب شيئا فان هلك بعد الشراء بأن كان مال المضاربة
ألفا فاشترى بها جارية ولم ينقد الثمن البائع حتى هلكت الألف فقد قال أصحابنا الجارية على المضاربة ويرجع على
رب المال بالألف فيسلمها إلى البائع وكذلك ان هلكت الثانية التي قبض يرجع بمثلها على رب المال وكذلك
سبيل الثالثة والرابعة وما بعد ذلك ابدا حتى يسلم إلى البائع ويكون ما دفعه أولا رب المال وما غرم كله من رأس المال
وإنما كان كذلك لان المضارب متصرف لرب المال فيرجع بما لحقه من الضمان بتصرفه له كالوكيل غير أن الفرق
بين الوكيل والمضارب أو الوكيل إذا هلك الثمن في يده فرجع بمثله إلى الموكل ثم هلك الثاني لم يرجع على الموكل والمضارب
يرجع في كل مرة ووجه الفرق ان الوكالة فقد انتهت بشراء الوكيل لان المقصود من الوكالة بالشراء استفادة ملك المبيع
لا الربح فإذا اشترى فقد حصل المقصود فانتهى عقد الوكالة بانتهائه ووجب على الوكيل الثمن للبائع فإذا هلك في
يده قبل إن ينقده البائع وجب للوكيل على الموكل مثل ما وجب للبائع عليه فإذا قبضه مرة فقد استوفى حقه فلا يجب له
عليه شئ آخر فاما المضاربة فإنها لا تنتهى بالشراء لان المقصود منها الربح ولا يحصل الا بالبيع والشراء مرة بعد
أخرى فإذا بقي العقد فكان له ان يرجع ثبانا وثالثا ما غرم رب المال مع الأول يصير كله رأس المال لأنه غرم لرب
المال بسبب المضاربة فيكون كله من مال المضاربة ولان المقصود من هذا العقد هو الربح فلو لم يصر ما غرم رب
المال من رأس المال ويهلك مجانا يتضرر به رب المال لأنه يخسر ويربح المضارب وهذا لا يجوز ولو قبض
المضارب الألف الأولى فتصرف فيها حتى صارت ألفين ثم اشترى بها جارية قيمتها ألفان فهلكت الألفان قبل إن
ينقد ها البائع فإنه يرجع على رب المال بألف وخمسمائة ويغرم المضارب من ماله خمسمائة وهي حصته من الربح فيكون
ربع الجارية للمضارب خاصة وثلاثة أو باعها على المضاربة ورأس المال في هذه الثلاثة الا رباع ألفان وخمسمائة
وإنما كان كذلك لأنه لما اشترى الجارية بألفين فقد اشتراها أرباعا ربعها للمضارب وثلاثة أرباعها لرب المال
لأنه اشتراها بعدما ظهر ملك المضارب في الربح لأنه اشتراها بألفين ورأس المال ألف فحصة رب المال من الربح
خمسمائة وحصة المضارب خمسمائة فما اشتراه لرب المال رجع عليه وما اشتراه لنفسه فضمانه عليه وإنما خرج ربع
الجارية من المضاربة لان القاضي لما ألزمه ضمان حصته من الربح فقد عينه ولا يتعين الا بالقيمة فخرج الربح من
المضاربة وبقى الباقي على ما كان عليه وقد لزم رب المال ألف وخمسمائة بسبب المضاربة فصار ذلك زيادة في رأس
المال فصار رأس المال ألفين وخمسمائة فان بيعت هذا الجارية بأربعة آلاف منها للمضارب ألف لان ذلك حصته
من الربح فكان ملكه وبقى ثلاثة آلاف على المضاربة لرب المال منها ألفان وخمسمائة رأس ماله يبقى ربح خمسمائة
113

فيكون بينهما نصفين على الشرط ولو كانت الجارية تساوى ألفين والشراء بألف وهي مال المضاربة فضاعت غرمها
رب المال كلها لأن الشراء إذا وقع بألف فقد وقع بثمن كله رأس المال وإنما يظهر الربح في الثاني فيكون الضمان على رب
المال بخلاف الفصل الأول فان هناك الشراء وقع بألفين فظهر ربح المضارب وهلك ربع الجارية فيغرم حصة ذلك
الربع من الثمن وروى محمد في المضارب إذا اشترى جارية بألفي درهم الف ربح وقيمتها ألف فضاعت الألفان
قبل إن ينقدها البائع أنه على أن على المضارب الربع وهو خمسمائة وعلى رب المال ألف وخمسمائة وهذا على ما بينا قال
محمد ولو اشترى جارية تساوى ألفين بأمة تساوى ألفا وقبض التي اشتراها ولم يدفع أمته حتى ماتتا جميعا في يده فإنه يغرم
قيمة التي اشترى وهي ألف يرجع بذلك على رب المال لان المضمون عليه قيمة الجارية التي اشتراها ولا فضل في ذلك
عن رأس المال وهذا إنما يجوز وهوان يشترى المضارب جارية قيمتها ألف بألفين إذا كان رب المال قال له اشتر بالقليل
والكثير والا فشراء المضارب على هذا الوجه لا يصح في قولهم جميعا وذكر ابن سماعه عن محمد في موضع آخر في
نوادره في رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى المضارب وباع حتى صار المال ثلاثة آلاف
فاشترى بثلاثة آلاف ثلاثة أعبد قيمة كل واحد ألف ولم ينقد المال حتى ضاع قال يغرم ذلك كله على رب المال
ويكون رأس المال أربعة آلاف لان المضارب لم يتعين له ملك في واحد من العبيد لان كل واحد منهم يجوز أن يكون
رأس المال لهذا لا ينفذ عتقه فيهم فيرجع بجميع ثمنهم وقد علل محمد لهذا فقال من قبل إن المضارب لم يكن يجوز عتقه في
شئ من العبيد وهذا يخالف ما ذكره الكرخي فإنه قال إن محمدا يعتبر المضمون على المضارب الذي يغرمه دون ما
وجب عليه من الثمن ومعنى هذا الكلام ان المضارب إذا قبض ولم ينقد الثمن حتى هلك كان المعتبر ما يجب عليه
ضمانه فإن كان ما يضمنه زائد أعلى رأس المال كان على المضارب حصة ذلك وإلا فلا وهذا بخلاف الأول لأنا
إذا اعتبرنا الضمان فقد ضمن أكثر من رأس المال فاما ان يجعل عن محمد روايتان أو يكون الشرط فيما صار
مضمونا على المضارب ان يتعين حقه فيه وهنا وان ضمن فإنه لم يتعين حقه فيه وأما تعليله بعدم نفاذا لعتق فلا يطرد
لأنه لو اشترى بالألفين جارية تساوى ألفا يضمن وان لم ينفذ عتقه فيه الا أن يكون جعل نفوذ العتق في الجارية المشتراة
بألفين وقيمتها ألفان عليه لوجوب الضمان عليه فما لا ينفذ عتقه فيه يكون عكس العلة فلا يلزمه طرده في جميع
المواضع وقال محمد إذا اشترى المضارب عبدا بألف درهم وهي مال المضاربة ففقد المال فقال رب المال اشتريته
على المضاربة ثم ضاع المال وقال المضارب اشتريته بعد ما ضاع وانا أرى ان المال عندي فإذا قد ضاع قبل ذلك
فالقول قول المضارب لان الأصل في كل من يشترى شيئا انه يعتبر مشتريا لنفسه ولان الحال يشهد به أيضا وهو
هلاك المال فكان الظاهر شاهدا للمضارب فكان القول قوله وذكر محمد في المضاربة الكبيرة إذا اختلفا وقال
رب المال ضاع قبل إن تشترى الجارية وإنما اشتريتها لنفسك وقال المضارب ضاع المال بعدما اشتريتها وأنا أريد أن
آخذك بالثمن ولا أعلم متى ضاع فالقول قول رب المال مع يمينه على المضارب البينة انه اشترى والمال عنده إنما ضاع
بعد الشراء لان رب المال ينفى الضمان عن نفسه والمضارب يدعى عليه الضمان ليرجع عليه بالثمن لأنه يدعى وقوع العقد
له ورب المال ينكر ذلك فكان القول قوله ولان الحال وهو الهلاك شهد لرب المال فان أقاما البينة فالبينة بينة المضارب
لأنها تثبت الضمان فكانت أولى وإذا انفسخت المضاربة ومال المضاربة ديون على الناس وامتنع عن التقاضي
والقبض فإن كان في المال ربح أجبر على التقاضي والقبض وان لم يكن فيه ربح لم يجبر عليهما وقيل له أحل رب المال
بالمال على الغرماء لأنه إذا كان هناك ربح كان له فيه نصيب فيكون عمله عمل الأجير والأجير مجبور على العمل فيما التزم
وان لم يكن هناك ربح لم تسلم له منفعة فكان عمله عمل الوكلاء فلا يجبر على اتمام العمل كمالا يجبر الوكيل على قبض الثمن
غير أنه يؤمر المضارب أو الوكيل ان يحيل رب المال على الذي عليه الدين حتى يمكنه قبضه لان حقوق العقد راجعة إلى
العاقد فلا بثبت ولاية القبض للآمر الا بالحوالة من العاقد فيلزمه ان يحيله بالمال حتى لا يتوى حقه ولو ضمن العاقد
114

لرب المال هذا الدين الذي عليه لم يجز ضمانه لان العاقد قد جعله أمينا فلا يملك ان يجعل نفسه ضمينا فيما جعله العاقد
أمينا ولو مات المضارب ولم يوجد مال المضاربة فيما خلف فإنه يعود دينا فيما خلف المضارب وكذا المودع
والمستعير والمستبضع وكل من كان المال في يده أمانة إذا مات قبل البيان ولا تعرف الأمانة بعينها فإنه يكون عليه دينا
في تركته لأنه صار بالتجهيل مستهلكا للوديعة ولا تصدق ورثته على الهلاك والتسليم إلى رب المال ولو عين الميت
المال في حال حياته أو علم ذلك يكون ذلك أمانة في يد وصيه أو في يد وارثه كما كان في يده ويصدقون على الهلاك
والدفع إلى صاحبه كما يصدق الميت في حال حياته والله عز وجل أعلم
* (كتاب الهبة) *
الكلام في هذا الكتاب في الأصل في ثلاثة مواضع في بيان ركن الهبة وفي بيان شرائط الركن وفي بيان حكم
الهبة أما ركن الهبة فهو الايجاب من الواهب فاما القبول من الموهوب له فليس بركن استحسانا والقياس أن يكون
ركنا وهو قول زفر وفي قول قال القبض أيضا ركن وفائدة هذا الاختلاف تظهر فيمن حلف لا يهب هذا الشئ
لفلان فوهبه منه فلم يقبل إنه يحنث استحسانا وعند زفر لا يحنث ما لم يقبل وفي قول ما لم يقبل ويقبض وأجمعوا على أنه
إذا حلف لا يبيع هذا الشئ لفلان فباعه فلم يقبل إنه لا يحنث وعلى هذا الخلاف إذا قال رجل لآخر وهبت هذا
الشئ منك فلم يقبل فقال المقر له لا بل قبلت فالقول قول المقر عندنا وعنده القول قول المقر له وأجمعوا على أنه لو قال بعت
هذا الشئ منك فلم تقبل فقال المقر له لا بل قبلت وان القبول قول المقر له (وجه) القياس ان الهبة تصرف شرعي والتصرف
الشرعي وجوده شرعا باعتباره وهو انعقاده في حق الحكم والحكم لا يثبت بنفس الايجاب فلا يكون نفس الايجاب
هبة شرعا لهذا أمكن الايجاب بدون القبول تبعا كذا هذا (وجه) الاستحسان ان الهبة في اللغة عبارة عن مجرد ايجاب
المالك من غير شريطة القبول وإنما القبول والقبض لثبوت حكمها لا لوجودها في نفسها فإذا أوجب فقد أتى بالهبة
فترتب عليها الأحكام والدليل على أن وقوع التصرف هبة لا يقف على القبول ما روى عن النبي عليه الصلاة
والسلام أنه قال لا تجوز الهبة الا مقبوضة محوزة أطلق اسم الهبة بدون القبض والحيازة وروى أن الصعب بن
جثامة أهدى إلى النبي عليه الصلاة والسلام حمار وحش وهو بالابواء وفى رواية بودان فرده النبي عليه الصلاة
والسلام وقال لولا انا حرام والا لقبلنا فقد أطلق الراوي اسم الاهداء بدون القبول والاهداء من ألفاظ الهبة وروى أن
سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه دعى سيدتنا عائشة رضي الله عنها في مرض موته فقال لها انى كنت نحلتك
جداد عشرين وسقا من مالي بالعالية وانك لم تكوني قبضتيه ولا حرزتيه وإنما هو اليوم مال الوارث أطلق الصديق
رضي الله عنه اسم النحلى بدون القبض والنحلى من ألفاظ الهبة فثبت ان الهبة في اللغة عبارة عن نفس ايجاب الملك
والأصل ان معنى التصرف الشرعي هو ما دل عليه اللفظ لغة بخلاف البيع فإنه اسم الايجاب مع القبول فلا يطلق اسم
البيع لغة وشريعة على أحدهما دون الآخر فما لم يوجد الا يتسم التصرف بسمة البيع ولان المقصود من الهبة هو
اكتساب المدح والثناء باظهار الجود والسخاء وهذا يحصل بدون القبول بخلاف البيع وكذا الغرض ومن الحلف
هو منع النفس عن مباشرة المحلوف عليه وذلك هو الايجاب لأنه فعل الواهب فيقدر على منع نفسه عنه (فأما) القبول
والقبض ففعل الموهوب له فلا يكون مقدورا الواهب والملك محكوم شرعي ثبت جبرا من الله تعالى شاء العبد أو أبى فلا
يتصور منع النفس عنه أيضا بخلاف البيع فإنه وان منع نفسه عن فعله وهو الايجاب الا أن الايجاب هناك لا يصير
تبعا بدون القبول فشرط القبول ليصير تبعا فالايجاب هو أن يقول الواهب وهبت هذا الشئ لك أو ملكته منك أو
جعلته لك أو هو لك أو أعطيته أو نحلته أو أهديته إليك أو أطعمتك هذا الطعام أو حملتك على هذه الدابة ونوى به
الهبة (أما) قوله وهبت لك فصريح في الباب وقوله ملكتك يجرى مجرى الصريح أيضا لان تمليك العين للحال من
115

غير عوض هو تفسير الهبة وكذا قوله جعلت هذا الشئ لك وقوله هو لك لان اللام المضاف إلى من هو أهل للملك
للتمليك فكان تمليك العين في الحال نمن غير عوض وهو معنى الهبة وكذا قوله أعطيتك لان العطية المضافة إلى العين
في عرف الناس هو تمليكها للحال من غير عوض وهذا معنى الهبة وكذا يستعمل الاعطاء استعمال الهبة يقال أعطاك
الله كذا ووهبك بمعنى والنحلة هي العطية يقال فلان نحل ولده نحلي أي أعطاه عطية والهبة بمعنى العطية وقوله أطعمتك
هذا الطعام في معنى أعطيتك وقوله حملتك على هذه الدابة فإنه يحتمل الهبة ويحتمل العارية فإنه روى أن سيدنا عمر بن
الخطاب رضي الله عنهما حمل رجلا على دابة ثم رآها تباع في السوق فأراد أن يشتريها فسال رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم لا ترجع في صدقتك فاحتمل تمليك العين واحتمل تمليك المنافع فلا بد من النية
للتعيين ولو قال منحتك هذا الشئ أو قال هذا الشئ لك منحة فهذا لا يخلو اما أن يكون ذلك الشئ مما يمكن الانتفاع
به من غير استهلاك واما أن يكون مما لا يمكن الانتفاع به الا باستهلاكه فإن كان مما يمكن الانتفاع به من غير استهلاك
كالدار والثوب الدابة والأرض بان قال هذه الدار لك منحة أو هذا الثوب أو هذه الدابة أو هذه الأرض فهو عارية
لان المنحة في الأصل عبارة عن هبة المنفعة أو ماله حكم المنفعة وقد أضيف إلى ما يمكن الانتفاع به من غير استهلاكه
من السكنى واللبس والركوب والزراعة لان منفعة الأرض زراعتها فكان هذا تمليك المنفعة من غير عوض وهو تفسير
الا عارة وكذا إذا قال لأرض بيضاء هذه الأرض لك طعمة كان عارية لان عين الأرض مما لا يطعم وإنما يطعم
ما يخرج منها فكان طعمة الأرض زراعتها فكان ذلك حينئذ إعارة ولصاحبها أن يأخذها إذا لم يكن فيها زرع وإن كان
فيها زرع فالقياس أن يكون له ولاية القلع كالبناء والغرس وفي الاستحسان يترك إلى وقت الحصاد باجر المثل
وسنذكر وجهيها في كتاب العارية ولو منحه شاة حلوبا أو ناقة حلوبا أو بقره حلوبا وقال هذه الشاة لك منحة أو هذه
الناقة أو هذه البقرة كان عارية وجاز له الانتفاع بلبنها لان اللبن وإن كان عينا حقيقة فهو معدود من المنافع عرفا وعادة
فأعطى له حكم المنفعة كأنه أباح له شرب اللبن فيجوز له الانتفاع بلبنها وكذلك لو منحه جديا أو عناقا كان له عارية
لان الجدي بعرض أن يصير فحلا والعناق حلوبا وان عنى بالمنحة الهبة في هذه المواضع على فهو ما عنى لأنه نوى
ما يحتمله لفظ وفيه تشديد على نفسه وإن كان مما لا يمكن الانتفاع به الا بالاستهلاك كالمأكول والمشروب والدراهم
والدنانير بأن قال هذا الطعام لك منحة أو هذا اللبن أو هذه الدراهم والدنانير كان هبة لان المنحة المضافة إلى مالا يمكن
الانتفاع به الا بالاستهلاك لا يمكن حملها على هبة المنفعة فيحمل على هبة العين وهي تمليكها وتمليك العين للحال من غير
عوض هو تغييرا لهبة هذا إذا كان الايجاب مطلقا عن القرينة فأما إذا كان مقرونا بقرينة فالقرينة لا تخلو (اما) إن كان
وقتا (واما) إن كان شرطا (واما) إن كان منفعة فإن كان وقتا بأن قال أعمرتك هذه الدار أو صرح فقال
جعلت هذه الدار لك عمري أو قال جعلتها لك عمرك أو قال هي لك عمرك أو حياتك فإذا مت أنت فهي رد على أو قال
جعلتها لك عمري أو حياتي فإذا مت أنا فهي رد على ورثتي فهذا كله هبة وهي للمعمر له في حياته ولو رثته بعد وفاته
والتوقيت باطل والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها
فان من أعمر شيئا فإنه لمن أعمره وروى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل أعمر عمري
له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا يرجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث وعن جابر قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم من أعمر عمري حياته فيه له ولعقبه يرثها من يرثه بعده فدلت هذه النصوص على جواز الهبة
وبطلان التوقيت لان قوله جعلت هذه الدار لك أو هي لك تمليك العين للحال مطلقا ثم قوله عمري توقيت التمليك وانه
تغيير لمقتضى العقد وكذا تمليك الأعيان لا يحتمل التوقيت نصا كالبيع فكان التوقيت تصرفا مخالفا لمقتضى العقد
والشرع فبطل وبقى العقد صحيحا وإن كانت القرينة شرطا نظر إلى الشرط المقرون فإن كان مما يمنع وقوع التصرف
تمليكا للحال يمنع صحة الهبة والا فيبطل الشرط وتصح الهبة وعلى هذا يخرج ما إذا قال أرقبتك هذه الدار أو صرح فقال
116

جعلت هذه الدار لك رقبى أو قال هذه الدار لك رقبى ودفعها إليه فهي عارية في يده في يده له أن يأخذها منه متى شاء وهذا
قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف هذا هبة وقوله رقبى باطل احتج بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أجاز العمرى والرقبى ولان قوله داري لك تمليك العين لا تمليك المنفعة ولما قال رقبى فقد علقه بالشرط وانه لا يحتمل
التعليق فبطل الشرط وبقى العقد صحيحا ولهذا لو قال داري لك عمري انه تصح الهبة ويبطل شرط المعمر كذا هذا
واحتجا بما روى الشعبي عن شريح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز العمرى وأبطل الرقبى ومثلهما لا يكذب
ولان قوله داري لك رقبى تعليق التمليك بالخطر لان معنى الرقبى أنه يقول إن مت أنا قبلك فهي لك وان مت أنت قبلي
فهي لي سمى الرقبى من الرقوب والارتقاب والترقب وهو الانتظار لان كل واحد منهما ينتظر موت صاحبه قبل موته
وذلك غير معلوم فكانت الرقبى تعليق التمليك بأمر له خطر الوجود والعدم والتمليكات مما لا تحتمل التعليق بالخطر
فلم تصح هبة وصحت عارية لأنه دفع إليه وأطلق له الانتفاع به وهذا معنى العارية وهذا بخلاف العمرى لان هناك
وقع التصرف تمليكا للحال فهو بقوله عمري وقت التمليك انه لا يحتمل التوقيت فبطل وبقى العقد على الصحة ولا حجة
له في الحديث لان الرقبى تحتمل أن تكون من المراقبة وهي الانتظار ويحتمل أن تكون من الا رقاب وهو هبة الرقبة
فان أريد بها الأول كان حجة له وان أريد بها الثاني لا يكون حجة لان ذلك جائز فلا يكون حجة مع الاحتمال أو يحمل على
الثاني توفيقا بين الحديثين صيانة لكلام من يستحيل عليه التناقض عنه وبهذا تبين أن لا اختلاف بينهم في الحقيقة
إن كان الرقبى والارقاب مستعملان في اللغة في هبة الرقبة وينبغي أن ينوى فان عنى به هبة الرقبة يجوز بلا خلاف
وان عنى به مراقبة الموت لا يجوز بلا خلاف ولو قال لرجلين داري لأطولكما حياة فهو باطل لأنه لا يدرى أيهما
أطول حياة فكان هذا تعليق التمليك بالخطر فبطل ولو قال داري لك حبيس فهذا عارية عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي
يوسف هو هبة وقوله حبيس باطل بمنزلة الرقبى (وجه) قوله أن قوله داري لك تمليك وقوله حبيس نفى الملك فلم
يصح النفي وبقى التمليك على حاله (وجه) قولهما أن قوله حبيس خرج تفسيرا لقوله لك فصار كأنه ابتدأ بالحبيس
فقال داري حبيس لك ولو قال ذلك كان عارية بالاجماع كذا هذا ولو قال داري رقبى لك كان عارية اجماعا ذكره
القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ولو وهب جارية على أن يبيعها أو على أن يتخذها أم ولد أو على أن يبيعها لفلان
أو على أن يردها عليه بعد شهر جازت الهبة وبطل الشرط لأن هذه الشروط مما لم تمنع وقوع التصرف تمليكا للحال
وهي شروط تخالف مقتضى العقد فتبطل ويبقى العقد على الصحة بخلاف شروط الرقبى على ما بينا وبخلاف البيع
فإنه تبطله هذه الشروط لان القياس أن لا يكون قران الشرط الفاسد لعقد ما مفسرا له لان ذكره في العقد لم يصح فيلحق
بالعدم ويبقى العقد صحيحا الا أن الفساد في البيع للنهي الوارد فيه ولا نهى في الهبة فيبقى الحكم فيه على الأصل ولان
دلائل شرعية الهبة عامة مطلقة من نحو قوله تعالى فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا وهذا يجرى مجرى
الترغيب في أكل المهر وقوله عليه الصلاة والسلام تهادوا تحابوا وهذا ندب إلى التهادي والهدية هبة وروينا عن
الصديق رضي الله عنه أنه قال لسيدتنا عائشة رضى الله عنا انى كنت نحلتك كذا وكذا وعن سيدنا عمر رضي الله عنه
أنه قال من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه أراد به الثواب فهو على
هبته يرجع فيها ان لم يرض عنها ونحوه من الدلائل المقتضية لشرعية الهبة من غير فصل بين ما قرن بها شرط فاسد أولم
يقرن وعلى هذا يخرج ما إذا وهب جارية واستثنى ما في بطنها أو وهب حيوانا واستثنى نما في بطنه أن الهبة جائزة في
الام والولد جميعا والاستثناء باطل والكل للموهوب له وجملة الكلام في العقود التي فيها استثناء الحمل أنها أقسام ثلاثة
قسم منها يبطل ويبطل الاستثناء جميعا وقسم منها يصح ويبطل الاستثناء وقسم منها يصح ويصح الاستثناء (أما)
الأول فهو البيع والإجارة والكتابة والرهن لان الاستثناء لما في البطن بمنزلة شرط فاسد وهذه العقود تبطل
بالشروط الفاسدة (وأما) القسم الثاني فالهبة والصدقة والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد لأن هذه العقود
117

لا تبطل بالشروط الفاسدة فيصح العقد ويبطل الاستثناء ويدخل الام والولد جميعا في العقد لان الشرط الفاسد
وهو الاستثناء فيها إذا لم يصح التحق بالعدم فصار كأنه لم يستثن وكذا العتق بان أعتق جارية واستثنى ما في بطنها انه
يصح العتق ولا يصح الاستثناء حتى يعتق الام والولد جميعا لما قلنا (وأما) القسم الثالث فالوصية به أوصى لرجل
بجارية واستثنى ما في بطنها لأنه لما جعل الجارية وصية له واستثنى ما في بطنها فقد أبقى ما في بطنها ميراثا لورثته والميراث
يجرى فيما في البطن وهذا بخلاف ما إذا أوصى بجارية لرجل واستثنى خدمتها وغلتها لورثته انه تصح الوصية ويبطل
الاستثناء لان الغلة والخدمة لا يجرى فيهما الميراث بانفرادهما بدون الأصل ألا ترى انه لو أوصى بخدمتها وغلتها
لانسان ومات الموصى ثم مات الموصى له بعد القبول لا تصير الغلة والخدمة ميراثا لورثة الموصى له بل تعود إلى ورثة
الموصى وبمثله لو أوصى بما في بطن جاريته لانسان والمسألة بحالها فان الولد يصير ميراثا لورثة الموصى له وما افترقا الا
لما ذكرنا والله عز وجل أعلم وإن كانت القرينة ومنفعة بان قال داري لك سكنى أو عمري سكنى أو صدقة سكنى أو هبة
سكنى أو سكنى هبة أو هي لك عمري عارية ودفعها إليه فهذا كله عارية لأنه لما ذكر السكنى في قوله داري لك سكنى أو
عمري سكنى أو صدقة سكنى دل على أنه أراد تمليك المنافع لان قوله هذا لك ظاهر وإن كان لتمليك العين لكنه يحتمل
تمليك المنفعة لان الإضافة إلى المستعير والمستأجر منفعة عرفا وشرعا وقوله سكنى موضوع للمنفعة لا تستعمل الا لها
فكان محكما فجعل تفسيرا للمحتمل وبيانا انه أراد به تمليك المنفعة وتمليك المنفعة بغير عوض هو تفسير العارية وكذا
قول سكنى بعد ذكر الهبة يكون تفسيرا للهبة لان قوله هبة يحتمل هبة العين ويحتمل هبة المنافع فإذا قال سكنى فقد عين
هبة المنافع فكان بيانا لمراد المتكلم انه أراد هبة المنافع وهبة المنفعة تمليكها من غير عوض وهو معنى العارية وإذ قال
سكنى هبة فمعناها أن سكنى الدار هبة لك فكان هبة المنفعة وهو تفسير العارية ولو قال هي لك عمري تسكنها أو هبة
تسكنها أو صدقة تسكنها ودفعها إليه فهو هبة لأنه ما فسر الهبة بالسكنى لأنه لم يجعله نعتا فيكون بيانا للمحتمل بل وهب
الدار منه ثم شاوره فيما يعمل بملكه والمشورة في ملك الغير باطلة فتعلقت الهبة بالعين وقوله تسكنها بمنزلة قوله لتسكنها كما
إذا قال وهبتها لك لتؤاجرها ولو قال هي لك تسكنها كانت هبة أيضا لان الإضافة بحرف اللام إلى من هو أهل الملك
للتمليك وقوله تسكنها مشورة على ما بينا
(فصل) وأما الشرائط فأنواع بعضها يرجع إلى نفس الركن وبعضها يرجع إلى الواهب وبعضها يرجع إلى
الموهوب وبعضها يرجع إلى الموهوب له (أما) الأول فهو أن لا يكون معلقا بماله خطر الوجود والعدم من دخول
زيد وقدوم خالد والرقبى ونحو ذلك ولا مضافا إلى وقت بأن يقول وهبت هذا الشئ منك غدا أو رأس شهر كذا لان
الهبة تمليك العين للحال وانه لا يحتمل التعليق بالخطر والإضافة إلى الوقت كالبيع (وأما) ما يجرع إلى الواهب فهو أن يكون
ممن يملك التبرع لان الهبة تبرع فلا يملكها من لا يملك التبرع فلا تجوز هبة الصبي والمجنون لأنهما لا يملكان التبرع
لكونه ضررا محضا لا يقابله نفع دنيوي فلا يملكها الصبي والمجنون كالطلاق والعتاق وكذا والأب لا يملك هبة مال
الصغير من غير شرط العوض بلا خلاف لان المتبرع بمال الصغير قربان ماله لا على وجه الأحسن ولأنه لا يقابله نفع
دنيوي وقد قال الله تعالى عز شأنه ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن ولأنه إذا لم يقابله عوض دنيوي كان التبرع
ضررا محضا وترك المرحمة في حق الصغير فلا يدخل تحت ولاية الولي لقوله عليه الصلاة والسلام لا ضرر ولا ضرار
في الاسلام وقوله عليه الصلاة والسلام من لا يرحم صغير نا فليس منا ولهذا لم يملك طلاق امرأته واعتاق عبده وسائر
التصرفات الضارة المحضة وان شرط الأب العوض لا يجوز عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه
الله يجوز وعلى هذا هبة المكاتب والمأذون انه لا يجوز عند هما سواء كان بعوض أو بغير عوض وعنده يجوز بشرط
العوض والأصل عندهما أن كل من لا يملك التبرع لا يملك الهبة لا بعوض ولا بغير عوض والأصل عنده أن كل
من يملك البيع يملك الهبة بعوض (وجه) قول محمد ان الهبة تمليك فإذا شرط فيها العوض كانت تمليكا بعوض وهذا
118

تفسير البيع وإنما اختلفت العبارة وباختلافها بعد اتفاق المعنى كلفظ البيع مع لفظ التمليك (ولهما) أن الهبة بشرط
العوض تقع تبرعا ابتداء ثم تصير بيعا في الانتهاء بدليل انها تفيد الملك قبل القبض ولو وقعت بيعا من حين وجودها لما
توقف الملك فيه على القبض لان البيع يفيد الملك بنفسه دل انها وقعت تبرعا ابتداء وهؤلاء لا يملكون التبرع فلم
تصح الهبة حين وجودها فلا يتصور أن تصير بيعا بعد ذلك (وأما) ما يرجع إلى الموهوب فأنواع (منها) أن
يكون موجودا وقت الهبة فلا تجوز هبة ما ليس بموجد وقت العقد بان وهب ما يثمر نخله العام وما تلد أغنامه السنة ونحو
ذلك بخلاف الوصية والفرق أن الهبة تمليك للحال وتمليك مضاف إلى ما بعد الموت
والإضافة لا تمنع جوازها وكذلك لو وهب ما في بطن هذه الجارية أو ما في بطن هذه الشاة أو ما في ضرعها لا يجوز وان
سلطه على القبض عند الولادة والحلب لأنه لاوجه لتصحيحه للحال لاحتمال الوجود والعدم لان انتفاخ البطن قد
يكون للحمل وقد يكون لداء في البطن وغيره وكذا انتفاخ الضرع قد يكون باللبن وقد يكون بغيره فكان له خطر
الوجود والعدم ولا سبيل لتصحيحه بالإضافة إلى ما بعد زمان الحدوث لان التمليك بالهبة مما لا يحتمل الإضافة
إلى الوقت فبطل وهذا لا يجوز بيعه بخلاف ما إذا وهب الدين من غير من عليه الدين وسلطه على القبض انه يصح
استحسانا لأنه أمكن تصحيحه للحال لكون الموهوب موجودا مملوكا للحال مقدور القبض بطريقه على ما سنذكره إن شاء الله
تعالى وكذلك لو وهب زبدا في لبن أو دهنا في سمسم أو دقيقا في حنطة لا يجوز وان سلطه على قبضه عند
حدوثه لأنه معدوم للحال فلم يوجد محمل حكم العقد للحال فلم ينعقد ولا سبيل إلى الإضافة إلى وقت الحدوث فبطل أصلا
بخلاف ما إذا وهب صوفا على ظهر الغنم وجزه وسلمه انه يجوز لان الموهوب موجود مملوك للحال الا أنه لم ينفذ للحال
لمانع وهو كون الموهوب مشغولا بما ليس بموهوب فإذا جزه فقد زال المانع لزوال الشغل فينفذ عند وجود القبض كما
لو وهب شقصا مشاعا ثم قسمه وسلمه (ومنها) أن يكون مالا متقوما فلا تجوز هبة ما ليس بمال أصلا كالحر والميتة
والدم وصيد الحرم والاحرام والخنزير وغير ذلك على ما ذكرنا في البيوع ولا هبة ما ليس بمال مطلق كأم الولد
والمدبر المطلق والمكاتب لكونهم أحرارا من وجه ولهذا لم يجز بيع هؤلاء ولا هبة ما ليس بمتقوم كالخمر ولهذا لم يجز
بيعها. (ومنها) أن يكون مملوكا في نفسه فلا تجوز هبة المباحات لان الهبة تمليك وتمليك ما ليس بمملوك محال (ومنها)
أن يكون مملوكا للواهب فلا تجوز هبة مال الغير بغير اذنه لاستحالة تمليك ما ليس بمملوك وان شئت رددت هذا
الشرط إلى الواهب وكل ذلك صحيح لان المالك والمملوك من الأسماء الإضافية والعلقة التي تدور عليها الإضافة هي
الملك فيجوز رد هذا الشرط إلى الموهوب ويجوز رده إلى الواهب في صناعة الترتيب فافهم وسواء كان المملوك عينا
أو دينا فتجوز هبة الدين لمن عليه الدين قياسا واستحسانا (وأما) هبة الدين لغير من عليه الدين فجائز أيضا إذا أذن له
بالقبض وقبضه استحسانا والقياس ان لا يجوز وان أذن له بالقبض (وجه) القياس ان القبض شرط جواز الهبة وما في
الذمة لا يحتمل القبض بخلاف ما إذا وهب لمن عليه لان الدين في ذمته وذمته في قبضه فكان الدين في قبضه بواسطة
قبض الذمة (وجه) الاستحسان ان ما في الذمة مقدور التسليم والقبض ألا ترى ان المديون يجبر على تسليمه الا
أن قبضه بقبض العين فإذا قبض العين قام قبضها مقام قبض عين ما في الذمة الا أنه لابد من الاذن بالقبض صريحا
ولا يكتفى فيه بالقبض بحضرة الواهب بخلاف هبة العين لما نذكره في موضعه (ومنها) أن يكون محوز أفلا تجوز
هبة المشاع فيما يقسم وتجوز فيما لا يقسم كالعبد والحمام والدن ونحوها وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله ليس بشرط
وتجوز هبة المشاع فيما يقسم وفيما لا يقسم عنده واحتج بظاهر قوله عز وجل فنصف ما فرضتم الا أن يعفون أوجب
سبحانه وتعالى نصف المفروض في الطلاق قبل الدخول الا أن يوجد الحط من الزوجات عن النصف من غير
فصل بين العين والدين والمشاع والمقسوم فيدل على جواز هبة المشاع في الجملة وبما روى أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم انه لما شدد في الغلول في الغنيمة في بعض الغزوات فقام عليه الصلاة والسلام إلى سنام بعير وأخذ منه
119

وبرة ثم قال أما انى لا يحل لي من غنيمتكم ولو بمثل هذه الوبرة الا الخمس والخمس مردود فيكم ردوا الخيط
والمخيط فان الغلول عار وشنار على صاحبه إلى يوم القيامة فجاء اعرابي بكبة من شعر فقال أخذتها لأصلح بها
بردعة بعيري رسول الله فقال أما نصيبي فهو لك وسأسلمك الباقي وهذا هبة المشاع فيما يقسم وروى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل على أبى أيوب الأنصاري رضي الله عنه فنظر إلى موضع المسجد فوجده بين
أسعد بن زرارة وبين رجلين من قومه فاستباع أسعد نصيبهما ليهب الكل من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبيا
ذلك فوهب أسعد نصيبه من النبي عليه الصلاة والسلام فوهبا أيضا نصيبهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد قبل النبي عليه الصلاة والسلام الهبة نصيب أسعد وقبل في نصيب الرجلين أيضا ولو لم يكن جائزا لما قبل لان
أدنى حال فعل النبي عليه الصلاة والسلام الجواز ولان الشياع لا يمنع حكم هذا التصرف ولا شرطه لان حكم الهبة الملك
والشياع لا يمنع الملك ألا ترى انه يجوز بيع المشاع وكذا هبة المشاع فيما لا يقسم وشرطه هو القبض والشيوع لا يمنع
القبض لأنه يحصل قابضا للنصف المشاع بتخلية الكل ولهذا جازت هبة المشاع فيما لا يقسم وإن كان القبض فيها
شرطا لثبوت الملك كذا هذا (ولنا) اجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روى أن سيدنا أبا بكر رضي الله عنه قال
في مرض موته لسيدتنا عائشة رضي الله عنها ان أحب الناس إلى غنى أنت وأعزهم على فقرا أنت وانى كنت نحلتك
جداد عشرين وسقا من مالي بالعالية وانك لم تكوني قبضتيه ولا جذيتيه وإنما هو اليوم مال الوارث اعتبر سيدنا الصديق
رضي الله عنه القبض والقيمة في الهبة لثبوت الملك لان الحيازة في اللغة جمع الشئ المفرق في حيز وهذا معنى القسمة لان
الأنصباء الشائعة قبل القسمة كانت متفرقة والقسمة تجمع كل نصيب في حيز وروى عن سيدنا عمر رضي الله عنه
قال ما بال أحدكم ينحل ولده نحلا لا يحوزها ولا يقسمها ويقول إن مت فهو له وان مات رجعت إلى وأيم الله لا ينحل
أحدكم ولده نحلي لا يحوزها ولا يقسمها فيموت الا جعلتها ميراثا لورثته والمراد من الحيازة القبض هنا لأنه ذكرها
بمقابلة القسمة حتى لا يؤدى إلى التكرار أخرج الهبة من أن تكون موجبة للملك بدون القبض والقسمة وروى
عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال من وهب ثلث كذا أو ربع كذا لا يحوز ما لم يقاسم وكل ذلك بمحضر من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقل انه أنكر عليهم منكر فيكون اجماعا ولان القبض شرط جواز هذا العقد والشيوع
يمنع من القبض لان معنى القبض هو التمكن من التصرف في المقبوض والتصرف في النصف الشائع وحده لا يتصور
فان سكنى نصف الدار شائعا ولبس نصف الثوب شائعا محال ولا يتمكن من التصرف فيه بالتصرف في الكل لأن العقد
لم يتناول الكل وهكذا نقول في المشاع الذي لا يقسم ان معنى القبض هناك لم يوجد لما قلنا الا ان هناك ضرورة
لأنه يحتاج إلى هبة بعضه ولا حكم للهبة بدون القبض والشياع مانع من القبض الممكن للتصرف ولا سبيل إلى إزالة
المانع بالقسمة لعدم احتمال القسمة فسمت الضرورة إلى الجواز وإقامة صورة التخلية مقام القبض الممكن من التصرف
ولا ضرورة هنا لان المحل محتمل للقسمة فيمكن إزالة المانع من القبض الممكن بالقسمة أو نقول الصحابة رضي الله عنهم
شرطوا القبض المطلق والمطلق ينصرف إلى الكامل وقبض المشاع قبض قاصر لوجوده من حيث الصورة؟
دون المعنى على ما بينا الا انه اكتفى بالصورة في المشاع الذي لا يحتمل القسمة للضرورة التي ذكرنا ولا ضرورة هنا
فلزم اعتبار الكمال في القبض ولا يوجد في المشاع ولان الهبة عقد تبرع فلو صحت في مشاع يحتمل القسمة لصار عقد
ضمان لان الموهوب له يملك مطالبة الواهب بالقسمة فيلزمه ضمان القسمة فيؤدى إلى تغيير المشروع ولهذا توقف
الملك في الهبة على القبض لما أنه لو ملكه بنفس العقد لثبتت له ولاية المطالبة بالتسليم فيؤدى إلى ايجاب الضمان في عقد
التبرع وفيه تغيير المشروع كذا هذا بخلاف مشاع لا يحتمل القسمة لان هناك لا يتصور ايجاب الضمان على المتبرع
لأن الضمان ضمان القسمة والمحل لا يحتمل القسمة فهو الفرق (وأما) الآية فلا حجة له فيها لان المراد من المفروض
الدين لا العين ألا ترى أنه قال الا أن يعفون والعفو اسقاط واسقاط الأعيان لا يعقل وكذا الغالب في المهر أن يكون
120

دينا وهبة الدين ممن عليه الدين جائز لأنه اسقاط الدين عنه وانه جائز في المشاع (وأما) حديث الكبة فيحتمل ان
النبي عليه الصلاة والسلام وهب نصيبه منه واستوهب البقية من أصحاب الحقوق فوهبوا وسلموا الكل جملة وفي
الحديث ما يدل عليه فإنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأسلمك الباقي وما كان هو عليه الصلاة والسلام
ليخلف في وعده وهبة المشاع على هذا السبيل جائزة عندنا على أن ذلك كان هبة مشاع لا ينقسم من حيث المعنى لان
كبة واحدة لو قسمت على الجم الغفير لا يصيب كلا منهم الا نزر حقير لا ينتفع به فكان في معنى مشاع لا ينقسم (وأما)
حديث أسعد بن زرارة فحكاية حال يحتمل أنه وهب نصيبه وشريكاه وهبا نصيبهما منه وسموا الكل جملة وهذا
جائز عندنا ويحتمل ان الانصباء كانت مقسومة مفرزة ويجوز أن يقال في مثل هذا بينهم إذا كانت الجملة متصلة
بعضها ببعض كقرية بين جماعة انها تضاف إليهم وإن كانت أنصباؤهم مقسومة واحتمل بخلافه فلا يكون حجة مع
الاحتمال لان حكاية الحال لا عموم له ولو قسم ما وهب وأفرزه ثم سلمه إلى الموهوب له جاز لان هبة المشاع عندنا
منعقد موقوف نفاذه على القسمة والقبض بعد القسمة هو الصحيح إذ الشيوع لا يمنع ركن العقد ولا حكمه وهو الملك
ولا سائر الشرائط الا القبض الممكن من التصرف فإذا قسم وقبض فقد زال المانع من النفاذ فينفذ وحديث الصديق
رضي الله عنه لا يدل عليه فإنه قال لسيدتنا عائشة رضي الله عنها انى كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي وكان
ذلك هبة المشاع فيما ينقسم لان النحل من ألفاظ ولو لم ينعقد لما فعله الصديق رضي الله عنه لأنه ما كان ليعقد عقدا
باطلا فدل قول الصديق رضي الله عنه على انعقاد العقد في نفسه وتوقف حكمه على القسمة والقبض وهو عين مذهبنا
والله عز وجل أعلم وكذلك لو وهب نصف داره من رجل ولم يسلم إليه ثم وهب منه النصف الآخر وسلم إليه جملة
جاز لما قلنا ولو وهب منه نصف الدار وسلم إليه بنحلية الكل ثم وهب منه النصف الآخر وسلم لم تجز الهبة لان كل
واحد منهما هبة المشاع وهبة المشاع فيما يقسم لا تنفذ الا بالقسمة والتسليم ويستوى فيه الجواب في هبة المشاع بين أن
يكون من أجنبي أو من شريكه كل ذلك يجوز لقول جماعة من الصحابة رضي الله عنهم لا تجوز الهبة الا مقبوضة محوزة
من غير فصل ولان المانع هو الشياع عند القبض وقد وجد وعلى هذا الخلاف صدقة المشاع فيما ينقسم أنه لا يجوز عندنا
خلافا للشافعي رحمه الله (وجه) قوله إن الشياع لا يمنع حكم التصرف وهو الملك ولا شرطه وهو القبض ولا يمنع
جوازه كالمفروض (ولنا) ان القبض شرط جواز الصدقة ومعنى القبض لا يتحقق في الشائع أو لا يتكامل فيه لما بينا
في الهبة ولان التصديق تبرع كالهبة وتصحيحه في المشاع يصيرها عقد ضمان فيتغير المشروع على ما بينا في الهبة ولو
وهب شيئا ينقسم من رجلين كالدار والدراهم والدنانير ونحوها وقبضاه لم يجز عند أبي حنيفة وجاز عند أبي يوسف
ومحمد وأجمعوا على أنه لو وهب رجلان من واحد شيئا ينقسم وقبضه أنه يجوز فأبو حنيفة يعتبر الشيوع عند
القبض وهما يعتبر انه عند العقد والقبض جميعا فلم يجوز أبو حنيفة هبة الواحد من اثنين لوجود الشياع وقت القبض
وهما جوازها لأنه لم يوجد الشياع في الحالين بل وجد أحدهما دون الآخر وجوز واهبة الاثنين من واحد (أما)
أبو حنيفة رحمه الله فلعدم الشيوع في وقت القبض (وأما) هما فلانعدامه في الحالين لأنه وجد عند العقد ولم يوجد
عند القبض ومدار الخلاف بينهم على حرف وهو ان هبة الدار من رجلين تمليك كل الدار جملة أو تمليك من أحدهما
والنصف من الآخر فعند أبي حنيفة تمليك النصف من أحدهما والنصف من الآخر فيكون هبة المشاع فيما ينقسم
كأنه أفرد تمليك كل نصف من كل واحد منهما بعقد على حدة وعند هما هي تمليك الكل منهما لا تمليك النصف من هذا
والنصف من ذلك فلا يكون تمليك الشائع فيجوز (وجه) قولهما ان العمل بموجب الصيغة هو الأصل وذلك فيما
قلنا لان قوله وهبت هذه الدار كلها هبة كل الدار جملة منهما لا هبة النصف من أحدهما والنصف من الآخر لان ذلك
توزيع وتفريق واللفظ لا يدل عليه ولا يجوز العدول عن موجب اللفظ لغة الا لضرورة الصحة وفي العدول عن
ظاهر الصيغة ههنا فساد العقد بسبب الشيوع فوجب العمل بظاهر الصيغة وهو تمليك الكل منهما وموجب التمليك
121

منها ثبوت الملك لهما في الكل وإنما يثبت الملك لكل واحد منهما في النصف عند الانقسام ضرورة المزاحمة
واستوائهما في الاستحقاق إذ ليس كل واحد منهما أولى من الآخر لدخول كل واحد منهما في العقد على السواء
كالأخوين في الميراث عند الاستواء في الدرجة ان الميراث يكون بينهما نصفين وإن كان سبب الاستحقاق في حق
كل واحد منهما على الكمال حتى لو انفرد أحدهما يستحق كل المال وإذا جاءت المزاحمة مع المساواة في الاستحقاق
يثبت عند انقسام الميراث في النصف وكذا الشفيعان يثبت لكل واحد منهما أخذ نصف الدار بالشفعة لضرورة
المزاحمة والاستواء في الاستحقاق وإن كان السبب في حق كل واحد منهما صالحا لاثبات حق الشفعة في الكل حتى
لو سلم أحدهما يكون الكل للآخر وعلى هذا مسائل فلم يكن الانقسام على التناصف موجب الصيغة بل لتضايق
المحل لهذا جاز الرهن من رجلين فكان ذلك رهنا من كل واحد منهما على الكمال إذ لو كان رهن النصف من هذا
والنصف من ذلك لما جاز لأنه يكون رهن المشاع لهذا لو قضى الراهن دين أحدهما كان للآخر حبس الكل دل ان
ذلك رهن الكل من كل واحد منهما كذا هذا (وجه) قول أبي حنيفة رحمه الله ان هذا تمليك مضاف إلى الشائع فلا
يجوز كما إذا ملك نصف الدار من أحدهما والنصف من الآخر بعقد على حدة والدليل على أن هذا تمليك مضاف إلى
الشائع ان قوله وهبت هذه الدار منكما اما أن يكون تمليك كل الدار من كل واحد منهما واما أن يكون تمليك النصف من
أحدهما والنصف من الآخر لا سبيل إلى الأول لان الدار الواحدة يستحيل أن تكون مملوكة لكل واحد منهما على
الكمال والمحال لا يكون موجب العقد فتعين الثاني وهو أن يكون تمليك النصف من أحدهما والنصف من الآخر لهذا
لم يملك كل واحد منهما التصرف في كل الدار بل في نصفها ولو كان كل الدار مملوكا لكل واحد منهما لملك وكذا كل واحد
منهما يملك مطالبة صاحبه بالتهايئ أو بالقسمة وهذا آية ثبوت الملك له في النصف وإذا كان هذا تمليك الدار لهما على
التناصف كان تمليكا مضافا إلى الشائع كأنه أفرد لكل واحد منهما العقد في النصف والشيوع يؤثر في القبض
الممكن من التصرف على ما مر وقد خرج الجواب عن قولهما ان موجب الصيغة ثبوت الملك في كل الدار لكل واحد
منهما على الكمال لما ذكرنا ان هذا محال والمحال لا يكون موجب العقد ولا العاقد بعقده يقصد أمرا محالا أيضا فكان
موجب العقد التمليك منهما على التناصف لان هذا تمليك الدار منهما فكان عملا بموجب الصيغة من غير إحالة فكان
أولى بخلاف الرهن فان الدار الواحدة تصلح مرهونة عند كل واحد منهما لان الرهن هو الحبس واجتماعهما على
الحبس متصور بأن يحبساه معا أو يضعاه جميعا على يدي عدل فتكون الدار محبوسة كلها عند كل واحد منهما وهذا
مما لا يمكن تحقيقه في الملك فهو الفرق وعند أبي حنيفة رحمه الله إذا وهب من رجلين فقسم ذلك وسلم إلى كل واحد منهما
جاز لان المانع هو الشيوع عند القبض وقد زال هذا إذا وهب من رجلين شيئا مما يقسم فإن كان مما لا يقسم جاز
بالاجماع لما ذكرنا فيما تقدم ثم على أصلهما إذا قال لرجلين وهبت لكما هذه الدار لهذا نصفها ولهذا نصفها جاز لان قوله
لهذا نصفها ولهذا نصفها خرج تفسيرا للحكم الثابت بالعقد إذ لا يمكن جعله تفسير النفس العقد لأن العقد وقع تمليك الدار
جملة منهما على ما بينا فجعل تفسيرا لحكمه فلا يوجب ذلك إشاعة في العقد ولو قال وهبت لك نصفها ولهذا نصفها لم يجز
لان الشيوع دخل على نفس العقد فمنع الجواز ولو قال وهبت لكما هذه الدار ثلثها هذه وثلثاها لهذا لم يجز عند أبي يوسف
وجاز عند محمد (وجه) قول محمد ان العقد متى جاز لاثنين يستوى فيه التساوي والتفاضل كعقد البيع (وجه) قول أبى
يوسف ان الجواز عند التساوي بطريق التفسير للحكم الثابت بالعقد وذلك لا يوجب شيوعا في العقد ولما فضل أحد
النصيبين عن الآخر تعذر جعله تفسيرا لان مطلق العقد لا يحتمل التفاضل فكان تفضيل أحد النصيبين في معنى
افراد العقد لكل واحد منهما فكان هبة المشاع والشيوع يؤثر في الهبة ولا يؤثر في البيع ولو رهن من رجلين
لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه أو نصفه لهذا ونصفه لذلك على التفاضل والتناصف لا يجوز بالاجماع بخلاف ما إذا
أبهم بان قال وهبت منكما أنه يجوز ولو وهب من فقيرين شيئا ينقسم فالهبة من فقيرين بمنزلة التصدق عليهما لان
122

الهبة من الفقير صدقة لأنه يبتغى بها وجه الله تعالى وسنذكر حكمها إن شاء الله تعالى وعلى هذا يخرج هبة الشجر دون
الثمر والثمر دون الشجر والأرض دون الزرع والزرع دون الأرض انها غير جائزة لان الموهوب متصل بما ليس
بموهوب اتصال جزء بجزء فكان كهبة المشاع ولو فضل وسلم جاز كما في هبة المشاع ولو تصدق بعشرة دراهم على رجلين
فإن كانا غنيين لم يجز عند أبي حنيفة ويجوز عند هما لا التصدق على الغنى ميتة في الحقيقة والهبة من اثنين لا تجوز
وعند هما جائزة وإن كانا فقيرين فعند هما تجوز كما تجوز في الهبة من رجلين وعن أبي حنيفة رحمه الله فيه روايتان في كتاب
الهبة لا يجوز وفى الجامع الصغير يجوز (وجه) رواية كتاب الهبة ان الشياع كما يمنع جواز الهبة يمنع جواز الصدقة على
ما ذكرنا فيما تقدم وهنا يتحقق الشيوع في القبض (وجه) رواية الجامع وهي الصحيحة ان معنى الشيوع في القبض
لا يتحقق الصدقة على فقيرين لان المتصدق يتقرب الصدقة إلى الله عز وجل ثم الفقير يقبض من الله تعالى قال الله
تبارك وتعالى ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وقال عليه الصلاة والسلام الصدقة
تقع في يد الرحمن قبل أن تقع في يد الفقير والله تعالى واحد لا شريك له فلا يتحقق معنى الشيوع كما لو تصدق على فقير
واحد ثم وكل بقبضها وكيلين بخلاف التصدق على غنيين لان الصدقة على الغنى يبتغى بها وجه الغنى فكانت هدية لا
صدقة قال عليه الصلاة والسلام الصدقة يبتغى بها وجه الله تعالى والدار الآخرة والهدية يبتغى بها وجه الرسول
وقضاء الحاجة والهدية هبة فيتحقق معنى الشيوع في القبض وأنه مانع من الجواز عنده (ومنها) القبض وهو أن
يكون الموهوب مقبوضا وان شئت رددت هذا الشرط إلى الموهوب له لان القابض والمقبوض من الأسماء الإضافية
والعلقة التي تدور عليها الإضافة من الجانبين هي القبض فيصح رده إلى كل واحد منهما في صناعة الترتيب فتأمل
والكلام في هذا الشرط في موضعين في بيان أصل القبض انه شرط أم لا وفي بيان شرائط صحة القبض (أما) الأول
فقد اختلف فيه بقال عامة العلماء شرط والموهوب قبل القبض على ملك الواهب يتصرف فيه كيف شاء وقال مالك
رحمه الله ليس بشرط ويملكه الموهوب له من غير قبض (وجه) قوله إن هذا عقد تبرع بتمليك العين فيفيد الملك
قبل القبض كالوصية (ولنا) اجماع الصحابة رضي الله عنهم وهو ما روينا ان سيدنا أبا بكر وسيدنا عمر رضي الله
عنهما اعتبر القسمة والقبض لجواز النحلى بحضرة الصحابة ولم ينقل أنه أنكر عليهما منكر فيكون اجماعا وروى عن
سيدنا أبى بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا على وابن عباس رضى الله تعالى عنهم انهم قالوا لا تجوز الهبة الا
مقبوضة محوزة ولم يرد عن غيرهم خلافه ولأنها عقد تبرع فلو صحت بدون القبض لثبت للموهوب له ولاية مطالبة الواهب
بالتسليم فتصير عقد ضمان وهذا تغيير المشروع بخلاف الوصية لأنه ليس في ايجاب الملك فيها قبل القبض تغييرها
عن موضعها إذ لا مطالبة قبل المتبرع وهو الموصى لأنه ميت وكذلك القبض شرط جواز الصدقة لا يملك قبل القبض
عند عامة العلماء وقال ابن أبي ليلى وغيره من أهل الكوفة ليس بشرط وتجوز الصدقة إذا أعلمت وان لم تقبض ولا
تجوز الهبة ولا النحلى الا مقبوضة واحتجوا بما روى عن سيدنا عمر وسيدنا علي رضي الله عنهما قالا إذا علمت
الصدقة جازت من غير شرط القبض (ولنا) ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال خبرا عن الله سبحانه
وتعالى يا ابن آدم تقول مالي مالي وليس لك من مالك الا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت اعتبر
الله سبحانه وتعالى الامضاء في الصدقة والامضاء هو التسليم دل أنه شرط وروى عن سيدنا أبى بكر وسيدنا عمر
وابن عباس ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم انهم قالوا لا تتم الصدقة الا بالقبض ولان التصدق عقد تبرع فلا يفيد
الحكم بنفسه كالهبة وما روى عن سيدنا عمر وسيدنا علي رضي الله عنهما محمول على صدقة الأب على ابنه
الصغير وبه نقول لا حاجة هناك إلى القبض حملناه على هذا توفيقا بين الدلائل صيانة لها عن التناقض
(والثاني) شرائط صحة القبص فأنواع (منها) أن يكون القبض بإذن المالك لان الاذن بالقبض شرط
لصحة القبض في باب البيع حتى لو قبض المشترى من غير اذن البائع قبل نقد الثمن كان للبائع حق الاسترداد
123

فلأن يكون في الهبة أولى لان البيع يصح بدون القبض والهبة لا صحة لها بدون القبض فلما كان الاذن بالقبض
شرطا لصحته فيما لا يتوقف صحته على القبض فلأن يكون شرطا فيما يتوقف صحته على القبض أولى ولان القبض
في باب الهبة يشبه الركن وان لم يكن ركنا على الحقيقة فيشبه القبول في باب البيع ولا يجوز القبول من غير اذن البائع
ورضاه فلا يجوز القبض من غير اذن الواهب أيضا والاذن نوعان صريح ودلالة أما الصريح فنحو أن يقول اقبض
أو أذنت لك بالقبض أو رضيت وما يجرى هذا المجرى فيجوز قبضه سواء قبضه بحضرة الواهب أو بغير حضرته
استحسانا والقياس أن لا يجوز قبضة بعد الافتراق عن المجلس وهو قول زفر رحمه الله لان القبض عنده ركن بمنزلة
القبول على أحد قوليه فلا يصح بعد الافتراق عن المجلس كما لا يصح القبول عنده بعد الافتراق وإن كان باذن الواهب
كالقبول في باب البيع (وجه) الاستحسان ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل إليه ست بدنات
فجعلن يزدلفن إليه فقام عليه الصلاة والسلام فنحرهن بيده الشريفة وقال من شاء فليقطع وانصرف فقد أذن لهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالقبض بعد الافتراق حيث أذن لهم بالقطع فدل على جواز القبض واعتباره بعد الافتراق ولان
الاذن بقبض الواهب صريحا بمنزلة اذن البائع بقبض المبيع وذلك يعمل بعد الافتراق كذا هذه (وأما) الدلالة
فهي ان يقبض الموهوب له العين في المجلس ولا ينهاه الواهب فيجوز قبضه استحسانا والقياس أن لا يجوز كما لا يجوز
بعد الافتراق وهو قول زفر وقد ذكرنا القياس والاستحسان الزيادات ولو قبض المشترى المبيع بيعا جائزا بحضرة
البائع قبل نقد الثمن قبضة قياسا واستحسانا حتى كان له أن يسترد وفي البيع الفاسد اختلاف روايتي الكرخي
والطحاوي رحمهما الله ذكرناهما في البيوع (وجه) القياس ان القبض ركن في الهبة كالقبول فيها فلا يجوز من غير
اذن كالقبول من باب البيع (وجه) الاستحسان ان الاذن بالقبض وجد من طريق الدلالة لان الاقدام على
ايجاب الهبة اذن بالقبض لأنه دليل قصد التمليك ولا ثبوت للملك الا بالقبض فكان الاقدام على الايجاب اذنا بالقبض
دلالة والثابت دلالة كالثابت نصا بخلاف ما بعد الافتراق لان الاقدام دلالة الاذن بالقبض في المجلس لا بعد
الافتراق ولان للقبض في باب الهبة شبها بالركن فيشبه القبول في باب البيع وايجاب البيع يكون اذنا بالقبول في المجلس
لا بعد الافتراق فكذا ايجاب الهيبة يكون اذنا بالقبض لا بعد الافتراق ولو وهب شيئا متصلا بغيره مما لا تقع عليه
الهبة كالثمر المعلق على الشجر دون الشجر أو الشجر دون الأرض أو حلية السيف دون السيف أو القفيز من الصبرة
أو الصوف على ظهر الغنم وغير ذلك مما لا جواز للهبة فيه الا بالفصل والقبض ففصل وقبض فان قبض بغير اذن
الواهب لم يجز القبض سواء كان الفصل والقبض بحضرة الواهب أو بغير حضرته ولان الجواز في المنفصل عند حضرة
الواهب للاذن الثابت دلالة الايجاب ولم يوجد ههنا لان الايجاب لم يقع صحيحا حين وجوده فلا يصح الاستدلال
على الاذن بالقبض وان قبض باذنه يجوز استحسانا والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر بناء على أن العقد إذا وقع فاسدا
من حين وجوده لا يحتمل الجواز عنده بحال لاستحالة انقلاب الفاسد جائزا وعندنا يحتمل الجواز باسقاط المفسد
مقصورا على الحال أو من حين وجود العقد بطريق البيان على اختلاف الطريقين اللذين ذكرناهما في كتاب البيع
وكذلك إذا وهب دينا له على إنسان لآخر انه ان قبض الموهوب له باذن الواهب صريحا جاز قبضه استحسانا
والقياس أن لا يجوز وقد ذكرنا وجه القياس والاستحسان فيما تقدم وان قبضه بحضرته ولم ينهه عن ذلك لا يجوز قياسا
واستحسانا فرق بين العين والدين (وجه) الفرق ان الجواز في هبة العين عند عدم التصريح بالاذن لكون الايجاب
فيها دلالة الاذن بالقبض لكون دلالة قصده تمليك ما هو ملكه من الموهوب له وايجاب الهبة في الدين لغير من عليه
الدين لا تصح دلالة الاذن بقبضه لان دلالته بواسطة دلالة قصد التمليك وتمليك الدين من غير من عليه الدين لا يتحقق
الا بالتصريح باذن بالقبض لأنه إذا أذن له بالقبض صريحا قام قبضه مقام قبض الواهب فيصير بقبض العين قابضا
للواهب أولا يصير المقبوض ملكا له أولا ثم يصير قابضا لنفسه من الواهب فيصير الواهب على هذا التقدير الذي
124

ذكرنا واهبا ملك نفسه والموهوب له قابضا ملك الواهب فصحت الهبة والقبض وإذا لم يصرح بالاذن بالقبض بقي
المقبوض من المال العين على ملك من عليه فلم تصح الهبة فيه فلا يجوز قبض الموهوب له فهو الفرق بين الفصلين ومنها أن
لا يكون الموهوب مشغولا بما ليس بموهوب لان معنى القبض وهو التمكن من التصرف في المقبوض لا يتحقق مع
الشغل وعلى هذا يخرج ما إذا وهب دارا فيها متاع الواهب وسلم الدار إليه أو سلم الدار مع ما فيها من المتاع فإنه لا يجوز
لان الفراغ شرط صحة التسليم والقبض ولم يوجد قيل الحيلة في صحة التسليم ان يودع الواهب المتاع عند الموهوب له
أولا ويخلى بينه وبين المتاع ثم يسلم الدار إليه فيجوز الهبة فيها لأنها مشغولة بمتاع هو في يد الموهوب له وفي هذه الحيلة
اشكال وهو أن يد المودع يد المودع معنى فكانت يده قائمة على المتاع فتمنع صحة التسليم ولو أخرج المتاع من الدار ثم
سلم فارغا جاز وينظر إلى حال القبض لا إلى حال العقد لان المانع من النفاذ قد زال فينفذ كما في هبة المشاع ولو وهب
ما فيها من المتاع دون الدار وخلى بينه وبين المتاع جازت الهبة لان المتاع لا يكون مشغولا بالدار والدار تكون مشغولة
بالمتاع لهذا افترقا فيصح تسليم المتاع ولا يصح تسليم الدار ولو جمع في الهبة بين المتاع وبين الدار الذي فيها فوهبهما جميعا
صفقة واحدة وخلى بينه وبينهما جازت الهبة فيهما جميعا لان التسليم قد صح فيهما جميعا فان فرق بينهما في الهبة بأن
وهب أحدهما ثم وهب الآخر فهذا لا يخلو اما ان جمع بينهما في التسليم واما ان فرق فان جمع جازت الهبة فيهما جميعا
وان فرق بأن وهب أحدهما وسلم ثم وهب الآخر وسلم نظر في ذلك وروعي فيه الترتيب ان قدم هبة الدار فالهبة في
الدار لم تجز لأنها مشغولة بالمتاع فلم يصح تسليم الدار وجازت في المتاع لأنه غير مشغول بالدار فيصح تسليمه ولو قدم
هبة المتاع جازت الهبة فيهما جميعا أما في المتاع فلانه غير مشغول بالدار فيصح تسليمه واما في الدار فلأنها وقت التسليم
كانت مشغولة بمتاع هو ملك الموهوب فلا يمنع صحة القبض وعلى هذا الأصل أيضا يخرج ما إذا وهب جارية واستثنى
ما في بطنها أو حيوانا واستثنى ما في بطنه أنه لا يجوز لأنه لو جاز لكان ذلك هبة ما هو مشغول بغيره وانها غير جائزة لأنه
لا جواز لها بدون القبض وكون الموهوب مشغولا بغيره يمنع صحة القبض ولو أعتق ما في بطن جاريته ثم وهب الام
يجوز وذكر في العتاق أنه لو دبر ما في بطن جازيته لا يجوز منهم من قال في المسألة روايتان (وجه) رواية عدم
الجواز ان الموهوب مشغول بما ليس بموهوب فأشبه هبة دار فيها متاع الواهب (وجه) رواية الجواز وفي رواية
الكرخي ان حرية الجنين تجعله مستثنى من العقد لان حكم العقد لم يثبت فيه مع تناوله إياه ظاهر أو هذا معنى الاستثناء
ولو استثناه لفظا جازت الهبة في الام فكذا إذا كان مستثنى في المعنى ومنهم من قال في المسألة رواية واحدة وفرق بين
الاعتاق والتدبير (ووجه) الفرق ان المدبر مال المولى فإذا وهب الام فقد وهب ما هو مشغول بمال الواهب فلم يجز
كهبة دار فيها متاع الواهب وأما الحر فليس بمال فصار كما لو وهب دارا فيها حر جالس وذا لا يمنع جواز الهبة كذا هذا
ومنها أن لا يكون الموهوب متصلا بما ليس بموهوب اتصال الاجزاء لان قبض الموهوب وحده لا يتصور وغير ليس
بموهوب فكان هذا في معنى المشاع وعلى هذا يخرج ما إذا وهب أرضا فيها زرع دون الزرع أو شجرا عليها ثمر دون
الثمر أو وهب الزرع دون الأرض أو الثمر دون الشجر وخلى بينه وبين الموهوب له أنه لا يجوز لان الموهوب متصل
بما ليس بموهوب اتصال جزء بجزء فمنع صحة القبض ولو جذا الثمر وحصد الزرع ثم سلمه فارغا جاز لان المانع من النفاذ
وهو ثبوت الملك قد زال ولو جمع بينهما في الهبة فوهبهما جميعا وسلم متفرقا جاز ولو فرق بينهما في الهبة فوهب كل
واحد منهما بعقد على حدة بأن وهب الأرض ثم الزرع أو الزرع ثم الأرض فان جمع بينهما في التسليم جازت الهبة
فيهما جميعا وان فرق لا تجوز الهبة فيهما جميعا قدم أو آخر سواء بخلاف الفصل الأول لان المانع من صحة القبض هنا
الاتصال وانه لا يختلف والمانع هناك الشغل وانه يختلف نظير هذا ما إذا وهب نصف الدار مشاعا من رجل ولم يسلم
إليه حتى وهب النصف الباقي منه وسلم الكل انه يجوز ولو وهب النصف وسلم ثم وهب الباقي وسلم لا يجوز كذا هذا
وعلى هذا يخرج ما إذا وهب صوفا على ظهر غنم انه لا يجوز لان الموهوب متصل بما ليس بموهوب وهذا يمنع صحة
125

القبض ولو جزه وسلمه جاز لزوال المانع والله عز وجل أعلم وعلى هذا إذا وهب دابة وعليها حمل بدون الحمل لا تجوز
ولو رفع الحمل عنها وسلمها فارغا جاز لما قلنا بخلاف هبة ما في بطن جاريته أو ما في بطن غنمه أو ما في ضرعها أو هبة
سمن في لبن أو دهن في سمسم أو زيت في زيتون أو دقيق في حنطة أنه يبطل وان سلطه على قبضه عند الولاة أو عند
استخراج ذلك لان الموهوب هناك ليس محل العقد لكونه معدوما لهذا لم يجز بيعها فلا تجوز هبتها وهنا بخلافه على ما
تقدم ومنها أهلية القبض وهي العقل فلا يجوز قبض المجنون والصبي الذي لا يعقل وأما البلوغ فليس بشرط لصحة
القبض استحسانا فيجوز قبض الصبي العاقل ما وهب له والقياس أن يكون شرطا ولا يجوز قبض الصبي وإن كان
عاقلا (وجه) القياس ان القبض من باب الولاية ولا ولاية له على نفسه فلا يجوز قبضه في الهبة كما لا يجوز في البيع
(وجه) الاستحسان ان قبض الهبة من التصرفات النافعة المحضة فيملكه الصبي العاقل كما يملك وليه ومن هو في
عياله وكذا الصبية إذا عقلت جاز قبضها لما قلنا وكذلك الحرية ليست بشرط فيجوز قبض العبد المحجور عليه
إذا وهب له هبة ولا يجوز قبض المولى عنه سواء كان على العبد دين أو لا فالقبض إلى العبد والملك للمولى في المقبوض
لان القبض من حقوق العقد والعقد وقع للعبد فكان القبض إليه ولان الأصل في بني آدم الحرية والرق لعارض
فكان الأصل فيهم اطلاق التصرف لهم والانحجار لعارض الرق عن التصرف يتضمن الضرر بالمولى ولم يوجد فبقي
فيه على أصل الحرية والمقبوض كسب العبد وكسب العبد القن للمولى وكذلك المكاتب إذا وهب له هبة فالقبض
إليه ولا يجوز قبض المولى عنه لما قلنا في القن فإذا قبض المكاتب فهو أحق به فلا يملكه المولى لان الهبة كسبه
والمكاتب أحق باكتسابه ومنها الولاية في أحد نوعي القبض وجملة الكلام فيه أن القبض نوعان قبض بطريق
الأصالة وقبض بطريق النيابة (أما) القبض بطريق الأصالة فهو ان يقبض بنفسه لنفسه وشرط جوازه العقل فقط
على ما بينا (وأما) القبض بطريق النيابة فالنيابة في القبض نوعان نوع يرجع إلى القابض ونوع يرجع إلى نفس
القبض أما الأول الذي يرجع إلى القابض فهو القبض للصبي وشرط جوازه الولاية بالحجر والعيلة عند عدم الولاية
فيقبض للصبي وليه أو من كان الصبي في حجره وعياله عند عدم الولي فيقبض له أبوه ثم وصى أبيه بعده ثم جده أبو أبيه
بعد أبيه ووصيه ثم وصى جده بعده سواء كان الصبي في عيال هؤلاء أولم يكن فيجوز قبضهم على هذا الترتيب حال
حضرتهم لان لهؤلاء ولاية عليهم فيجوز قبضهم له وإذا غاب أحدهم غيبة منقطعة جاز قبض الذي يتلوه في الولاية لان
التأخير إلى قدوم الغائب تفويت المنفعة على الصغير فتنتقل الولاية إلى من يتلوه وإن كان دونه كما في ولاية الانكاح ولا
يجوز قبض غير هؤلاء الأربعة مع وجود واحد منهم سواء كان الصبي في عيال القابض أو لم يكن وسواء كان ذا رحم
محرم منه كالأخ والعم والام ونحوهم أو أجنبيا لأنه ليس لغير هؤلاء ولاية التصرف في مال الصبي فقيام ولاية التصرف
لهم تمنع ثبوت حق القبض لغير هم فإن لم يكن أحد من هؤلاء الأربعة جاز قبض من كان الصبي في حجره وعياله استحسانا
والقياس ان لا يجوز لعدم الولاية ولا يجوز قبض من لم يكن في عياله أجنبيا كان أو ذا رحم محرم منه قياسا واستحسانا
وإنما كان كذلك لان الذي في عياله له عليه ضرب ولاية ألا ترى انه يؤدبه ويسلمه في الصنائع التي للصبي فيها منفعة
وللصبي في قبض الهبة منفعة محضة فقيام هذا القدر من الولاية يكفي لتصرف فيه منفعه محضة للصبي (وأما) من
ليس في عياله فلا ولاية له عليه أصلا فلا يجوز قبضه له كالا جنبي والقبض للصبية إذا عقلت ولها زوج قد دخل بها
زوجها أيضا استحسانا لأنها في عياله لكن هذا إذا لم يكن أحد من هؤلاء فأما عند وجود واحد منهم فلا يجوز قبض
الزوج كذا ذكره الحاكم الجليل في مختصره (وأما) الثاني الذي يرجع إلى نفس القبض فهو ان القبض الموجود في
الهبة ينوب عن قبض الهبة سواء كان الموجود وقت العقد مثل قبض الهبة أو أقوى منه لأنه إذا كان مثله أمكن تحقيق
التناوب إذ المتماثلان غير أن ينوب كل واحد منهما مقام صاحبه ويسد مسده فتثبت المناوبة مقتضى المماثلة وإذا كان
أقوى منه يوجد فيه المستحق وزيادة وبيان هذا في مسائل إذا كان الموهوب في يد الموهوب له وديعة أو عارية
126

فوهب منه جازت الهبة وصار قابضا نفس العقد ووقع العقد والقبض معا ولا يحتاج إلى تجديد القبض بعد العقد
استحسانا والقياس أن لا يصير قابضا ما لم يجدد القبض وهو ان يخلى بين نفسه وبين الموهوب بعد العقد (وجه)
القياس ان يد المودع إن كانت يده صورة فهي يد المودع معنى فكان المال في يده فصار كأنه وهب له ما في يده فلا بد من
القبض بالتخلية (وجه) الاستحسان ان القبضين متماثلان لان كل واحد منهما قبض غير مضمون إذ الهبة عقد
تبرع وكذا عقد الوديعة والعارية فتماثل القبضان فيتناوبان ضرورة بخلاف بيع الوديعة والعارية من المودع
والمستعير لان قبضهما لا ينوب عن قبض البيع لأنه قبض أمانة وقبض البيع قبض ضمان فلم يتماثل القبضان بل
الموجود أدنى من المستحق فلم يتناوبا ولو كان الموهوب في يده مغصوبا أو مقبوضا بيع فاسد أو مقبوضا على سوم
الشراء فكذا ينوب ذلك عن قبض الهبة لوجود المستحق بالعقد وهو أصل القبض وزيادة ضمان ولو كان الموهوب
مرهونا في يده ذكر في الجامع أنه يصير قابضا وينوب قبض الرهن عن قبض الهبة لان قبض الهبة قبض أمانة
وقبض الرهن في حق العين قبض أمانة أيضا فيتماثلان فناب أحدهما عن الآخر ولئن كان قبض الرهن قبض ضمان
فقبض الضمان أقوى من قبض الأمانة والأقوى ينوب عن الأدنى لوجود الأدنى فيه وزيادة وإذا صحت الهبة بالقبض
بطل الرهن ويرجع المرتهن بدينه على الراهن وذكر الكرخي انه لا يصير قابضا حتى يجدد القبض بعد عقد الهبة لان
قبض الرهن وإن كان قبض ضمان لكن هذا ضمان لا تصح البراءة منه فلا يحتمل الابراء بالهبة ليصير قبض أمانة
فيتجانس القبضان فيبقى قبض ضمان فاختلف القبضان فلا يتناوبان بخلاف المغصوب والمقبوض على سوم
الشراء لان ذلك الضمان مما تصح البراءة عنه فيبرأ عنه بالهبة ويبقى قبض بغير ضمان فتماثل القبضان فيتناوبان ولو كان
مبيعا قبل القبض فوهب من البائع جاز ولكن لا يكون هبة بل يكون إقالة حتى لا تصح بدون قبول البائع ولو باعه
من البائع قبل القبض لا يجعل إقالة بل يبطل أصلا ورأسا والفرق بينهما ما ذكرنا في كتاب البيوع ولو نحل ابنه
الصغير شيئا جاز ويصير قابضا له مع العقد كما إذا باع ماله منه حتى لو هلك عقيب البيع يهلك من مالا الابن لصيرورته
قابضا للصغير مع العقد وينبغي للرجل أن يعدل بين أولاده في النحلى لقوله سبحانه وتعالى ان الله يأمر بالعدل
والاحسان (وأما) كيفية العدل بينهم فقد قال أبو يوسف العدل في ذلك أن يسوى بينهم في العطية ولا يفضل
الذكر على الأنثى وقال محمد العدل بينهم أن يعطيهم على سبيل الترتيب في المواريث للذكر مثل حظ الأنثيين كذا
ذكر القاضي الاختلاف بينهما في شرح مختصر الطحاوي وذكر محمد في الموطأ ينبغي للرجل أن يسوى بين ولده
في النحلى ولا يفضل بعضهم على بعض وظاهر هذا يقتضى أن يكون قوله مع قول أبى يوسف وهو الصحيح لما
روى أن بشيرا أبا النعمان أتى بالنعمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال
له رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ولدك نحلته مثل هذا فقال لا فقال النبي عليه الصلاة والسلام فارجعه وهذا
إشارة إلى العدل بين الأولاد في النحلة وهو التسوية بينهم ولان في التسوية تأليف القلوب والتفضيل يورث الوحشة
بينهم فكانت التسوية أولى ولو بعضا وحرم بعضا جاز من طريق الحكم لأنه تصرف في خالص ملكه لاحق
لاحد فيه الا انه لا يكون عدلا سواء كان المحروم فقيها نقيا أو جاهلا فاسقا على قول المتقدمين من مشايخنا وأما على
قول المتأخرين منهم لا بأس ان يعطى المتأدبين والمتفقهين دون الفسقة الفجرة
(فصل) وأما حكم الهبة فالكلام فيه في ثلاث مواضع في بيان أصل الحكم وفي بيان صفته وفي بيان
ما يرفع الحكم أما أصل الحكم فهو ثبوت الملك للموهوب له في الموهوب من غير عوض لان الهبة تمليك العين من
غير عوض فكان حكمها ملك الموهوب من غير عوض وأما صفته فقد اختلف فيها قال أصحابنا هي ثبوت ملك غير
لازم في الأصل وللواهب ان يرجع في هبته وإنما يثبت اللزوم يمتنع الرجوع بأسباب عارضه وقال الشافعي رحمه
الله الثابت بالهبة ملك لازم في الأصل لا يثبت الرجوع الا في هبة الولد خاصة وهي هبة الولد لولده فنقول يقع
127

الكلام في هذا الفصل في مواضع في بيان ثبوت حق الرجوع في الهبة وفي بيان شرائط صحه الرجوع بعد ثبوت
الحق وفي بيان العوارض المانعة من الرجوع وفي بيان ماهية الرجوع وحكمه شرعا أما ثبوت حق الرجوع فحق
الرجوع في الهبة ثابت عندنا خلافا للشافعي رحمه الله احتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا
يحل لواهب ان يرجع في هبته الا فيما يهب الوالد لولده وهذا نص في مسألة هبة الأجنبي والوالد وروى عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال العائد في هبته كالعائد في قيئه والعود في القئ حرام كذا في الهبة ولان الأصل في العقود هو
اللزوم والامتناع بعارض خلل في المقصود ولم يوجد لان المقصود من الهبة اكتساب الصيت باظهار الجود والسخاء
لا طلب العوض فمن طلب منهما العوض فقد طلب من العقد ما لم يوضع له فلا يعتبر طلبه أصلا (ولنا) الكتاب والسنة
واجماع الصحابة رضي الله عنهم أما الكتاب العزيز فقوله تعالى وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها
والتحية وإن كانت تستعمل في معان من السلام والثناء والهدية بالمال (قال القائل) * تحيتهم بيض بيض الولاء بدينهم *
لكن الثالث تفسير مراد بقرينة من نفس الآية الكريمة وهي قوله تعالى أوردوها لان الرد إنما يتحقق في
الأعيان لا في الاعراض لأنه عبارة عن إعادة الشئ وذا لا يتصور في الاعراض والمشترك يتعين أحد وجوهه بالدليل
وأما السنة فما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الواهب أحق بهبته ما لم يثبت
منها أي يعوض جعل عليه الصلاة والسلام الواهب أحق بهبته ما لم يصل إليه العوض وهذا نص في الباب وأما
إجماع الصحابة فإنه روى عن سيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا على وعبد الله بن سيدنا عمر وأبى الدرداء
وفضالة بن عبيد وغيرهم رضي الله عنهم انهم قالوا مثل مذهبنا ولم يرد عن غيرهم خلافه فيكون إجماعا ولان العوض المالي
قد يكون مقصودا من هبة الأجانب فان الأسنان قد يهب من الأجنبي احسانا إليه وانعاما عليه وقد يهب له طمعا في
المكافأة والمجازاة عرفا وعادة فالموهوب له مندوب إلى ذلك شرعا قال الله تبارك وتعالى هل جزاء الاحسان الا
الاحسان وقال عليه الصلاة والسلام من اصطنع إليكم معروفا فكافؤه فإن لم تجد واما تكافؤنه فادعوا له حتى يعلم
انكم قد كافأتموه وقال عليه الصلاة والسلام تهادوا تحابوا والتهادى تفاعل من الهدية فيقتضى الفعل من اثنين وقد
لا يحصل هذا المقصود من الأجنبي وفوات المقصود من عقد محتمل للفسخ يمنع لزومه كالبيع لأنه يعدم الرضا
والرضا في هذا الباب كما هو شرط الصحة فهو شرط اللزوم كما في البيع إذا وجد المشترى بالمبيع عيبا لم يلزمه العقد لعدم
الرضا عند عدم حصول المقصود وهو السلامة كذا هذا وأما الحديث الأول فله تأويلان أحدهما انه محمول
على الرجوع بغير قضاء ولا رضاء وذلك لا يجوز عندنا الا فيما وهب الوالد لولده فإنه يحل له أخذه من غير رضا الولد
ولا قضاء القاضي إذا احتاج إليه للاتفاق على نفسه الثاني انه محمول على نفى الحل من حيث المروءة والخلف لامن
حيث الحكم لان نفى الحل يحتمل ذلك قال الله تعالى عز وجل في رسولنا عليه الصلاة والسلام لا يحل لك النساء من بعد
ولا أن تبدل بهن من أزواج قيل في بعض التأويلات لا يحل لك من حيث المروءة والخلف ان تتزوج عليهن بعدما
اخترن إياك والدار الآخرة على الدنيا وما فيها من الزينة لامن حيث الحكم إذ كان يحل له التزوج بغير هن وهذا
تأويل الحديث والآخر أن المراد منه التشبيه من حيث ظاهر القبح مروءة وطبيعة لا شريعة الا ترى أنه قال عليه
الصلاة والسلام في رواية أخرى العائد في هبته كالكلب يقئ ثم يعود في قيئه وفعل الكلب لا يوصف بالحرمة
الشرعية لكنه يوصف بالقبح الطبيعي كذا هذا وقوله فيما يهبه الوالد لولده محمول على أخذ مال ابنه عند الحاجة إليه
لكنه سماه رجوعا لتصوره بصورة الرجوع مجازا وان لم يكن رجوعا حقيقة على ما نذكره في تلك المسألة إن شاء الله
تعالى وأما شرائط الرجوع بعد ثبوت الحق حتى لا يصح بدون القضاء والرضا لان الرجوع فسخ العقد بعد تمامه
وفسخ العقد بعد تمامه يصح بدون القضاء والرضا كالرد بالعيب في البيع بعد القبض وأما العوارض المانعة من
الرجوع فأنواع منها هلاك الموهوب لأنه لا سبيل إلى الرجوع في الهالك ولا سبيل إلى الرجوع في قيمته لأنها ليست
128

بموهوبة لانعدام ورود العقد عليها ومنها خروج الموهوب من مالك الواهب باي سبب كان من البيع
والهبة والموت ونحوها لان الملك يختلف بهذه الأشياء أما بالبيع والهبة ونحوهما فظاهر وكذا بالموت لان الثابت
للوارث غير ما كان ثابتا للمورث حقيقة لان الملك عرض يتجدد في كل زمان الا انه مع تجدده حقيقة جعل متجددا
تقديرا في حق المحل حتى يرد الوارث بالعيب ويرد عليه فيجب العمل بالحقيقة في حق المالك فاختلف الملكان
واختلاف الملكين بمنزلة اختلاف العينين ثم لو وهب عينا لم يكن له ان يرجع في عين أخرى فكذا إذا أوجبه ملكا
لم يكن له ان يفسخ ملكا آخر بخلاف ما إذا وهب لعبد رجل هبة فقبضها العبدان للواهب ان يرجع فيها لان الملك هناك
لم يختلف لان الهبة انعقدت موجبة للملك للمولى ابتداء فلم يختلف الملك وكذا المكاتب إذا وهب له هبة وقبضها
فللواهب ان يرجع لما قلنا وكذلك أعتق المكاتب لان الملك الذي أوجبه بالهبة قد استقر بالعتق فكأنه وهب
له بعد العتق فان عجز المكاتب ورد في الرق فللواهب ان يرجع عند أبي يوسف وعند محمد ليس له ان يرجع وهذا بناء
على أن المكاتب إذا عجز عن أداء بدل الكتابة فالمولى يملك اكسابه بحكم الملك الأول أو يملكها ملكا مبتدأ فعند أبو
يوسف يملكها بحكم الملك الأول فلم يختلف الملك فكان له ان يرجع وعند محمد يملكها ملكا مبتدأ فاختلف الملك فمنع
الرجوع (وجه) قول محمدان ملك الكسب للمولى قد بطل بالكتابة لان المكاتب صار أحق باكسابه بالكتابة
فبطل ملك المولى بالكسب والباطل لا يحتمل العود فكان هذا ملكا مبتدأ فيمنع الرجوع كملك الوارث (وجه) قول
أبى يوسف ان سبب ثبوت ملك الكسب هو ملك الرقبة وملك الرقبة قائم بعد الكتابة الا انه امتنع ظهور ملك الكسب
للمولى لضرورة التوصل إلى المقصود من الكتابة في جانب المكاتب وهو شرف الحرية بأداء بدل الكتابة فإذا عجز
زالت الضرورة وظهر ملك الكسب تبعا لملك الرقبة فلم يكن هذا ملكا مبتدأ ومنها موت الواهب لان الوارث لم يوجب
الملك للموهوب له فكيف يرجع في ملك لم يوجبه ومنها الزيادة في الموهوب زيادة متصله فنقول جملة الكلام
في زيادة الهبة انها لا تخلو إما إن كانت متصلة بالأصل وإما إن كانت منفصلة عنه فإن كانت متصلة بالأصل فإنها تمنع
الرجوع سواء كانت الزيادة بفعل الموهوب له أولا بفعله وسواء كانت متولدة أو غير متولدة نحو ما إذا كان الموهوب
جارية هزيلة فسمنت أو دارا فبنى فيها أو أرضا فغرس فيها غرسا أو نصب دولابا وغير ذلك ما يستقى به وهو مثبت
في الأرض مبنى عليها على وجه يدخل في بيع الأرض من غير تسمية قليلا كان أو كثيرا أو كان الموهوب ثوبا
فصبغه بعصفر أو زعفران أو قطعة قميصا وخاطه أو جبة وحشاه أو قباء لأنه لا سبيل إلى الرجوع في الأصل مع
الزيادة لان الزيادة ليست بموهوبة إذ لم يرد عليها العقد فلا يجوز ان يرد عليها الفسخ ولا سبيل إلى الرجوع في
الأصل بدون الزيادة لأنه غير ممكن فامتنع الرجوع أصلا وان صبغ الثوب بصبغ لا يزيد فيه أو ينقصه فله ان يرجع
لان المانع من الرجوع هو الزيادة فإذا لم يزده الصبغ في القيمة التحقت الزيادة بالعدم وإن كانت الزيادة منفصلة فإنها
لا تمنع الرجوع سواء كانت متولدة من الأصل كالولد واللبن والتمر أو غير متولدة كالأرش والعقر والكسب والغلة
لأن هذه الزوائد لم يرد عليها العقد فلا يرد عليها الفسخ وإنما ورد على الأصل ويمكن فسخ العقد في الأصل دون الزيادة
بخلاف المتصلة وبخلاف ولد المبيع انه يمنع الرد بالغيب لان المانع هناك هو الربا لأنه يبقى الولد بعد رد الام بكل
الثمن مبيعا مقصودا لا يقابله عوض وهذا تفسير الربا ومعنى الربا لا يتصور في الهبة لان جريان الربا يختص بالمعاوضات
فجاز ان يبقى الولد موهوبا مقصودا بلا عوض بخلاف المبيع وكذا الزيادة في سعر لا تمنع الرجوع لأنه تعلق لها
بالموهوب وإنما هي رغبة يحدثها الله تعالى في القلوب فلا تمنع الرجوع ولهذا لم تعتبر هذه الزيادة في أصول الشرع فلا
تغير ضمان الرهن ولا الغصب ولا تمنع الرد بالعيب وأما نقصان الموهوب فلا يمنع الرجوع لان ذلك رجوع في بعض
الموهوب وله ان يرجع في بعض الموهوب مع بقائه بكماله فكذا إذا نقص ولا يضمن الموهوب له النقصان لان قبض
الهبة ليس بقبض مضمون ومنها العوض لما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الواهب أحق بهبته
129

ما لم يثب منها أي ما لم يعوض ولان التعويض دليل على أن مقصود الواهب وهو الوصول إلى العوض فإذا وصل فقد
حصل مقصوده فيمنع الرجوع وسواء قل العوض أو كثر لما روينا من الحديث من غير فصل فنقول العوض نوعان
متأخر عن العقد ومشروط في العقد أما العوض المتأخر عن العقد فالكلام فيه يقع في موضعين أحدهما في بيان
شرط جواز هذا التعويض وصيرورة الثاني عوضا والثاني في بيان ماهية هذا التعويض أما الأول فله
شرائط ثلاثة الأول مقابلة العوض بالهبة وهو أن يكون التعويض بلفظ يدل على المقابلة نحو أن يقول هذا عوض
من هبتك أو بدل عن هبتك أو مكان هبتك أو نحلتك هذا عن هبتك أو تصدقت بهذا بدلا عن هبتك أو كافأتك أو
جازيتك أو أتيتك وما يجرى هذا المجرى لان العوض اسم لما يقابل المعوض فلابد من لفظ يدل على المقابلة حتى
لو وهب لانسان شيئا وقبضه الموهوب له ثم إن الموهوب له أيضا وهب شيئا للواهب ولم يقل هذا عوض من هبتك
ونحو ذلك ما ذكرنا لم يكن عوضا بل كان هبة مبتدأة ولكل واحد منهما حق الرجوع لأنه لم يجعل الباقي
مقابلا بالأول لانعدام ما يدل على المقابلة فكانت هبة مبتدأة فيثبت فيها الرجوع والثاني أن لا يكون العوض في
العقد مملوكا بذلك العقد حتى لو عوض الموهوب له الواهب بالموهوب لا يصح ولا يكون عوضا وان عوضه ببعض
الموهوب عن باقيه فإن كان الموهوب على حاله التي وقع عليها العقد لم يكن عوضا لان التعويض ببعض الموهوب
لا يكون مقصود الواهب عادة إذ لو كان ذلك مقصوده لا مسكه ولم يهبه فلم يحصل مقصوده بتعويض بعض ما دخل
تحت العقد فلا يبطل حق الرجوع وإن كان الموهوب تغير عن حاله تغيرا يمنع الرجوع فان بعض الموهوب يكون
عوضا عن الباقي لأنه بالتغير صار بمنزلة عين أخرى فصلح عوضا هذا إذا وهب شيئا واحدا أو شيئين في عقد واحد فاما
إذا وهب شيئين في عقدين فعوض أحدهما عن الآخر فقد اختلف فيه قال أبو حنيفة عليه الرحمة يكون عوضا وقال أبو
يوسف لا يكون عوضا (وجه) قول أبى يوسف ان حق الرجوع ثابت في غير ما عوض لأنه موهوب وحق الرجوع
في الهبة ثابت شرعا فإذا عوض يقع عن الحق المستحق شرعا فلا يقع موقع العوض بخلاف ما إذا تغير الموهوب فجعل
بعضه عوضا عن الباقي انه يجوز وكان مكانا عوضا لان حق الرجوع قد بطل بالتغير فجاز أن يقع موقع العوض (وجه)
قولهما انهما ملكا بعقدين متباينين فجاز أن يجعل أحدهما عوضا عن الآخر وهذا لأنه يجوز أن يكون مقصود الواهب
من هبته الثانية عود الهبة الأولى لان الانسان قد يهب شيئا ثم يبدو له الرجوع فصار الموهوب بأحد العقدين بمنزلة عين
أخرى بخلاف ما إذا عوض بعض الموهوب عن الباقي هو على حاله التي وقع عليها العقد لان بعض الموهوب لا يكون
مقصود الواهب فان الانسان لا يهب شيئا ليسلم له بعضه عوضا عن باقيه وقوله حق الرجوع ثابت شرعا نعم لكن
الرجوع في الهبة ليس بواجب فلا يمتنع وقوعه عن جهة أخرى كما لو باعه منه ولو وهب له شيئا وتصدق عليه بشئ
فعوضه الصدقة من الهبة كانت عوضا بالاجماع على اختلاف الأصلين (اما) على أصل أبي حنيفة ومحمد رحمها الله
فلا يشكل لأنهما لو ملكا بعقدين متفقين لجاز أن يكون أحدهما عوضا عن الآخر فعند اختلاف العقدين أولى
(وأما) على أصل أبى يوسف رحمه الله فلان الصدقة لا يثبت فيها حق الرجوع فوقعت موقع العوض والثالث
سلامة العوض للواهب فإن لم يسلم بان استحق من يده لم يكن عوضا وله أن يرجع في الهبة لان بالاستحقاق تبين ان
التعويض لم يصح فكأنه لم يعوض أصلا فله أن يرجع إن كان الموهوب قائما بعينه لم يهلك ولم يزدد خيرا ولم يحدث فيه
ما يمنع الرجوع فإن كان قد هلك أو استهلكه الموهوب له لم يضمنه كما لو هلك أو استهلكه قبل التعويض وكذا إذا ازداد
خيرا لم يضمن كما قبل التعويض وان استحق بعض العوض وبقى البعض فالباقي عوض عن كل الموهوب وان شاء
رد ما بقي من العوض ويرجع في كل الموهوب إن كان قائما في يده ولم يحدث فيه ما يمنع الرجوع وهذا قول أصحابنا
الثلاثة وقال زفر يرجع في الهبة بقدر المستحق من العوض (وجه) قوله إن معنى المعاوضة ثبت من الجانبين جميعا
فكما أن الثاني عوض عن الأول فالأول يصير عوضا عن الثاني ثم لو استحق بعض الهبة الأولى كان للموهوب له أن
130

يرجع في بعض العوض فكذا إذا استحق بعض العوض كان للواهب أن يرجع في بعض الهبة تحقيقا للمعاوضة
(ولنا) ان الباقي يصلح عوضا عن كل الهبة ألا ترى انه لو لم يعوضه الا به في الابتداء كان عوضا مانعا عن الرجوع
فكذا في الانتهاء بل أو لي لان البقاء أسهل الا ان للواهب أن يرده ويرجع في الهبة لان الموهوب له غره حيث
عوضه لا سقاط الرجوع بشئ لم يسلم له فيثبت له الخيار (وأما) سلامة المعوض وهو الموهوب للموهوب له فشرطه
لزوم التعويض حتى لو استحق الموهوب كان له أن يرجع فيما عوض لأنه إنما عوض ليسقط حق الرجوع في الهبة
فإذا استحق الموهوب تبين ان حق الرجوع لم يكن ثابتا فصار كمن صالح عن دين ثم تبين انه لا دين عليه وكذلك لو
استحق نصف الموهوب فللموهوب له أن يرجع في نصف العوض إن كان الموهوب مما يحتمل القسمة لأنه إنما
جعل عوضا عن حق الرجوع في جميع الهبة فإذا لم يسلم له بعضه يرجع في العوض بقدره سواء زاد العوض أو نقص
في السعر أو زاد في البدن أو نقص في البدن كان له أن يأخذ نصفه ونصف النقصان كذا وروى عن محمد في الاملاء
وإنما لم تمنع الزياد عن الرجوع في العوض لأنه تبين له انه قبضه بغير حق فصار كالمقبوض بعقد افسد فيثبت الفسخ
في الزوائد وان قال الموهوب له أرد ما بقي من الهبة وأرجع في العوض كله لم يكن له ذلك لان العوض لم يكن مشروطا في
العقد بل هر متأخر عنه والعوض المتأخر ليس بعوض عن العين حقيقة بل هولا سقاط الرجوع وقد حصل له
سقوط الرجوع فيما بقي من الهبة فلم يكن له أن يرجع في العوض فإن كان العوض مستهلكا ضمن قابض العوض
بقدر ما وجب الرجوع للموهوب له فيه من العوض وان استحق كل الهبة والعوض مستهلك يضمن كل قيمة
العوض كذا ذكر في الأصل من غير خلاف وهو احدى روايتي بشر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله
وروى بشر رواية أخرى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة انه لا يضمن شيئا وهو قول أبى يوسف (وجه) رواية
الأصل ان القبض في العوض ما وقع مجانا وإنما وقع مبطلا حق الرجوع في الأول فإن لم يسلم المقصود منه بقي القبض
مضمونا فكما يرجع بعينه لو كان قائما يرجع بقيمته إذا هلك (وجه) الرواية الأخرى ان العوض المتأخر عن العقد
في حكم الهبة المبتدأة حتى يشترط فيه شرائط الهبة من القبض والحيازة والموهوب غير مضمون بالهلاك هذا إذا كان
الموهوب أو العوض شيئا لا يحتمل القسمة فاستحق بعضه (فاما) إذا كان مما يحتمل القسمة فاستحق بعض أحدهما
بطل العوض إن كان هو المستحق وكذا تبطل الهبة إن كانت هي المستحقة فإذا بطل العوض رجع في الهبة وإذا
بطلت الهبة يرجع في العوض لان بالاستحقاق تبين ان الهبة أو التعويض وقع في مشاع يحتمل القسمة وذلك باطل
الثاني بيان ماهيته فالتعويض المتأخر عن الهبة هبة مبتدأة بلا خلاف من أصحابنا يصح بما تصح به الهبة ويبطل بما
تبطل به الهبة لا يخالفها الا في اسقاط الرجوع على معنى انه يثبت حق الرجوع في الأولى ولا يثبت في الثانية (فاما)
فيما وراء ذلك فهو في حكم هبة مبتدأة لأنه تبرع بتمليك العين للحال وهذا معنى الهبة الا انه تبرع به ليسقط حق الرجوع
عن نفسه في الهبة الأولى فكانت هبة مبتدأة مسقطة لحق الرجوع في الهبة الأولى ولو وجد الموهوب له بالموهوب عيبا
فاحشا لم يكن له أن يرده ويرجع في العوض وكذلك الواهب إذا وجد بالعوض عيبا لم يكن له أن يرد العوض ويرجع
في الهبة لان الرد بالعيب من خواص المعاوضات والعوض إذا لم يكن مشروطا في العقد لم يكن عوضا على الحقيقة بل
كان هبة مبتدأة ولا يظهر معنى العوض فيه الا في اسقاط الرجوع خاصة فإذا قبض الواهب العوض فليس لكل
واحد منهما أن يرجع على صاحبه فيما ملكه (اما) الواهب فلانه قد سلم له العوض عن الهبة وانه يمنع الرجوع (وأما)
الموهوب له فلانه قد سلم له ما هو في معنى العوض في حقه وهو سقوط حق الرجوع فيمنعه من الرجوع لقوله عليه
الصلاة والسلام الواهب أحق بهبته ما لم يثبت منها وسواء عوضه الموهوب له أو أجنبي بأمر الموهوب له أو بغير أمره
لم يكن للواهب أن يرجع في هبته ولا للمعوض أن يرجع في العوض على الواهب ولا على الموهوب له (أما) الواهب
فإنما لم يرجع في هبته لان الأجنبي إنما عوض بأمر الموهوب له قام تعويضه مقام تعويضه بنفسه ولو عوض بنفسه
131

لم يرجع فكذا إذا عوض الأجنبي بأمره وان عوض بغير أمره فقد تبرع باسقاط الحق عنه والتبرع باسقاط الحق
عن الغير جائز كما لو تبرع بمخالعة امرأة من زوجها (وأما) المعوض فإنه لا يرجع على الواهب لان مقصوده من
التعويض سلامة الموهوب للموهوب له واسقاط حق التبرع قد سلم له ذلك وإنما لم يرجع على الموهوب له (اما)
إذا كان بغير أمره فلانه تبرع باسقاط الحق عنه فلا يملك أن يجعل ذلك مضمونا عليه (وأما) إذا عوض بأمره لا يرجع
عليه أيضا الا إذا قال له عوض عنى على أنى ضامن لأنه إذا أمره بالتعويض ولم يضمن له فقد أمره بما ليس بواجب
عليه بل هو متبرع به فلم يوجب ذلك الضمان على الآمر الا بشرط الضمان وعلى هذا قالوا فيمن قال لغيره أطعم عن كفارة
يميني أو أد زكاتي ففعل لا يرجع بذلك على الآمر الا أن يقول له على أنى ضامن لأنه أمره بما ليس بمضمون عليه
بخلاف ما إذا أمره غيره بقضاء الدين فقضاه انه يرجع على الآمر وان لم يقل على أنى ضامن نصا لان قضاء الدين
مضمون على الآمر فإذا أمره به فقد ضمن له ولو عوض الموهوب له الواهب عن نصف الهبة كان عوضا عن نصفها
وكان للواهب أن يرجع في النصف الآخر ولا يرجع فيما عوض عنه لان حق الرجوع في الهبة مما يتجزأ ألا
ترى انه لو رجع في نصف الهبة ابتداء دون النصف جاز فجاز أن يثبت حق الرجوع في النصف بدون النصف
بخلاف العفو عن القصاص والطلاق لان ذلك مما لا يتجزأ فكان اسقاط الحق عن البعض اسقاطا عن الكل
(وأما) العوض المشروط في العقد فان قال وهبت لك هذا الشئ على أن تعوضني هذا الثوب فقد اختلف في ماهية
هذا العقد قال أصحابنا الثلاثة رضي الله عنهم ان عقده عقد هبة وجوزه جواز بيع وربما عبروا انه هبة ابتداء بيع انتهاء
حتى لا يجوز في المشاع الذي ينقسم ولا يثبت الملك في كل واحد منهما قبل البض ولكل واحد منهما أن يرجع في
سلعته ما لم يقبضا وكذا إذا قبض أحدهما ولم يقبض الاخر فلكل واحد منهما أن يرجع القابض وغير القابض فيه
سواء حتى يتقابضا جميعا ولو تقابضا كان ذلك بمنزلة البيع ويرد كل واحد منهما بالعيب وعدم الرؤية ويرجع في
الاستحقاق وتجب الشفعة إذا كان غير منقول وقال زفر رحمه الله عقده عقد يبع وجوازه جواز بيع ابتداء وانتهاء
وتثبت فيه أحكام البيع فلا يبطل بالشيوع ويفيد الملك بنفسه من غير شريطة القبض ولا يملكان الرجوع (وجه)
قوله إن معنى البيع موجود في هذا العقد لان البيع تمليك العين بعوض وقد وجد الا انه اختلف العبارة واختلافها
لا يوجب اختلاف الحكم كلفظ البيع مع لفظ التمليك (ولنا) انه وجد في هذا العقد لفظ الهبة ومعنى البيع فيعطى شبه
العقدين فيعتبر فيه القبض والحيازة عملا بشبه الهبة ويثبت فيه حق الرد بالعيب وعدم الرؤية في حق الشفعة عملا
بشبه البيع عملا بالدليلين بقدر الامكان والله عز وجل أعلم (ومنها) ما هو في معنى العوض وهو ثلاثة أنواع الأول
صلة الرحم المحرم فلا رجوع في الهبة لذي رحم محرم من الواهب وهذا عندنا وقال الشافعي رحمه الله يرجع الوالد
فيما يهب لولده احتج بما روينا عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لا يحل لواهب أن يرجع في هبته الا الوالد فيما
يهب لولده وهذا نص في الباب (ولنا) ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الواهب أحق بهبته ما لم يثب
منها أي لم يعوض وصلة الرحم عوض معنى لان التواصل سبب التناصر والتعاون في الدنيا فيكون وسيلة إلى استيفاء
النصرة وسبب الثواب في الدار الآخرة فكان أقوى من المال وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
اتقوا الله وصلوا الأرحام فإنه أبقى لكم في الدنيا وخير لكم في الدار الآخرة فدخل تحت النص وروى عن سيدنا
عمر رضي الله عنه أنه قال من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها وهذا نص في الباب والحديث
محمول على النهى عن شراء الموهوب لكنه سماه رجوعا مجازا لتصوره بصورة الرجوع كما روى أن سيدنا عمر رضي الله عنه
تصدق بفرس له على رجل ثم وجده يباع في السوق فأراد أن يشتريه فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
ذلك فقال لا تعد في صدقتك وسيدنا عمر رضي الله عنه قصد الشراء لا العود في الصدقة لكن سماه عودا لتصوره
بصورة العود وهو نهى ندب لان الموهوب له يستحى فيسامحه في ثمنه فيصير كالراجع في بعضه والرجوع مكروه وهذا
132

المعنى لا يوجد في هبة الوالد لولده لان الولد لا يستحى عن المضايقة في الثمن لاستيفاء الثمن لمباسطة بينهما عادة فلم يكره
الشراء حملناه على هذا توفيقا بين الدليلين صيانة لهما عن التناقض ولو وهب لذي رحم محرم فله أن يرجع لقصور معنى
الصلة في هذه القرابة فلا يكون في معنى العوض وكذا إذا وهب لذي محرم لا رحم له لانعدام معنى الصلة أصلا
ولو وهب لعبد ذي رحم ومولاه أجنبيا (فاما) إن كان المولى ذا رحم محرم من الواهب والعبد أجنبيا (واما)
إن كان المولى والعبد جميعا ذوي رحم من الواهب فإن كان العبد ذا رحم محرم من الواهب والمولى أجنبيا فله أن
يرجع بلا خف بين أصحابنا لان حكم العقد يقع للمولى وإنما الواقع للعبد صورة العقد بلا حكم وانه لا يفيد معنى
العلة فانعدم معنى العوض أصلا وإن كان المولى ذا رحم محرم من الواهب والعبد أجنبيا اختلفوا فيه قال أبو حنيفة
رضي الله عنه يرجع وقال أبو يوسف ومحمد رحمها الله لا يرجع (وجه) قولهما أن بطلان حق الرجوع بحصول
الصلة لأنها في معنى العوض على ما بينا ومعنى الصلة إنما يتحقق لوقوع الحكم للقريب والحكم وقع للمولى فصار
كأن الواهب أوجب الهبة له ابتداء وانه يمنع الرجوع كذا هذا (وجه) قول أبي حنيفة رحمه الله أن الملك
لم يثبت للمولى بالهبة لأنها وقعت للعبد ألا ترى أن القبض إليه لا إلى المولى وإنما ثبت ضرورة تعدد الاثبات
للعبد فأقيم مقامه وإذا ثبت الملك له بالهبة لم يحصل معنى الصلة بالعقد فلا يمنع الرجوع مع ما أن الملك يثبت له بالهبة
لكن الهبة وقعت للمولى من وجه وللعبد من وجه لان الايجاب أضيف إلى العبد الملك وقع للمولى إذا لم يكن دين
فلم يتكامل معنى الصلة في الهبة فصارت كالهبة لذي رحم محرم فإن كانا جميعا ذا رحم محرم من الواهب فقد ذكر
الكرخي عن محمدان قياس قول أبي حنيفة أن يرجع لان قرابة العبد لا تؤثر في اسقاط الرجوع لان الملك لم يقع
له وقرابة المولى أيضا لا تؤثر فيه لان الايجاب لم يقع له وحق الرجوع هو الأصل في الهبة والامتناع معارض المسقط
ولم يوجد فلا يسقط وذكر الفقيه أبو جعفر الهند وانى انه ليس له أن يرجع في هذه المسألة في قولهم لان الهبة اما أن
يعتبر فيها حال العبد أو حال المولى وأيهما كان فرحمة كاملة والصلة الكاملة تمنع الرجوع والجواب انه لا يعتبر
ههنا حال العبد وحده ولا حال المولى وحده بل يعتبر حالهما جميعا واعتبار حالهما لا يمنع الرجوع والله عز وجل أعلم
وعلى هذا التفريع إذا وهب لمكاتب شيئا وهو ذو رحم محرم من الواهب أو مولاه ذو رحم محرم من الواهب انه ان
أدى المكاتب فعتق يعتبر حاله في القرابة وعدمها إن كان أجنبيا يرجع وإن كان قريبا لا يرجع لأنه لما أدى فعتق استقر
ملكه فصار كأنه الهبة وقعت له وهو حر ولو كان كذلك يرجع إن كان أجنبيا وان ان قريبا لا يرجع كذا هذا وان
عجز ورد في الرق فقياس قول أبي حنيفة رحمه الله انه يعتبر حال المولى في القرابة وعدمها إن كان أجنبيا فللواهب أن
يرجع وإن كان قريبا فليس له أن يرجع بناء على أن الهبة عنده أو جبت ملكا موقوفا على المكاتب وعلى مولاه على
معنى انه ان أدى فعتق تبين ان الملك وقع له من حين وجوده وان عجز ورد في الرق يظهر انه وقع للمولى من وقت وجوده
كأن الهبة وقعت له من الابتداء وعلى قول محمد لا يرجع في الأحوال كلها لان عنده كسب المكاتب يكون للمكاتب
من غير توقف ثم ينتقل إلى المولى بالعجز كأنه وهب لحي فمات وانتقل الموهوب إلى ورثته الثاني الزوجية فلا يرجع
كل وحد من الزوجين فيما وهبه لصاحبه لان صلة الزوجية تجرى مجرى صلة القرابة الكاملة بدليل انه يتعلق بها
التوارث في جميع الأحوال فلا يد خلها حجب الحرمان والقرابة الكاملة مانعة من الرجوع فكذا ما يجرى مجراها
الثالث التوارث فلا رجوع في الهبة من الفقير بعد قبضها لان الهبة من الفقير صدقة لأنه يطلب بها الثواب كالصدقة
ولا رجوع في الصدقة على الفقير بعد قبضها لحصول الثواب الذي هو في معنى العوض بوعد الله تعالى وان لم يكن
عوضا في الحقيقة إذا العبد لا يستحق على مولاه عوضا ولو تصدق على غنى فالقياس أن يكون له حق الرجوع لان
التصدق على الغنى يطلب منه العوض عادة فكان هبة في الحقيقة فيوجب الرجوع الا انهم استحسنوا وقالوا ليس له
ان يرجع لان الثواب قد يطلب بالصدقة على الأغنياء ألا ترى أن من له نصاب تجب فيه الزكاة وله عيال لا يكفيه ما في
133

يده ففي الصدقة عليه ثواب وإذا كان الثواب مطلوبا من ذلك في الجملة فإذا أتى بلفظة الصدقة دل أنه أراد به الثوب
وانه يمنع الرجوع لما بينا (وأما) الشيوع فنقول لا يمنع الرجوع في الهبة فللواهب أن يرجع في نصف الهبد مشاعا
وإن كان محتملا للقسمة بان وهب دارا فباع الموهوب له نصفها مشاعا كان للواهب أن يرجع في الباقي وكذا لو لم يبع
نصفها وهي قائمة في يد الموهوب له فله أن يرجع في بعضها دون البعض بخلاف الهبة المستقبلة انها لا تجوز في المشاع
الذي يحتمل القسمة لان القبض شرط جواز العقد والشياع يخل في القبض الممكن من التصرف والرجوع فسخ
والقبض ليس بشرط لجواز الفسخ فلا يكون الشيوع مانعا من الرجوع (وأما) بيان ماهية الرجوع وحكمه شرعا
فنقول وبالله التوفيق لا خلاف في أن الرجوع في الهبة بقضاء القاضي فسخ واختلف في الرجوع فيها بالتراضي
فمسائل أصحابنا تدل على أنه فسخ أيضا كالرجوع بالقضاء فإنهم قالوا يصح الرجوع في المشاع الذي يحتمل القسمة
ولو كان هبة مبتدأة لم يصح مع الشياع وكذا لا تقف صحته على القبض ولو كانت هبة مبتدأة لوقف صحته على القبض
وكذا لو وهب لانسان شيئا ووهبه الموهوب له لآخر ثم رجع الثاني في هبته كان للأول أن يرجع ولو كان هبة مبتدأة
لم يكن له حق الرجوع فهذه المسائل تدل على أن الرجوع بغير قضاء فسخ وقال زفر انه هبة مبتدأة (وجه) قوله إن
ملك الموهوب عاد إلى الواهب بتراضيهما فأشبه الرد بالعيب فيعتبر عقدا جديدا في حق ثالث كالرد بالعيب بعد القبض
والدليل على أنه هبة مبتدأة ما ذكر محمد في كتاب الهبة ان الموهوب له إذا رد الهبة في مرض موته انها تكون من الثلث
وهذا حكم الهبة المبتدأة (ولنا) ان الواهب بالفسخ يستوفى حق نفسه واستيفاء الحق لا يتوقف على قضاء القاضي
والدليل على أنه مستوف حق نفسه بالفسخ ان الهبة عنقد جائز موجب حق الفسخ فكان بالفسخ مستوفيا ثابتا له فلا
يقف على القضاء بخلاف الرد بالعيب بعد القبض بغير قضاء القاضي انه يعتبر بيعا جديدا في حق ثالث لأنه لاحق
للمشترى في الفسخ وإنما حقه في صفة السلامة فإذا لم يسلم اختل رضاه فيثبت حق الفسخ ضرورة فتوقف لزوم
موجب الفسخ في حق ثالث على قضاء القاضي (وأما) ما ذكر محمد فمن أصحابنا من التزم وقال هذا يدل على أن الرجوع
بغير قضاء هبة مبتدأة وما ذكرنا من المسائل يدل على أنه فسخ فكان في المسألة روايتان (ومنهم) من قال هذا لا يدل
على اختلاف الروايتين لأنه إنما اعتبر الرد من الثلث لكون المريض متهما في الرد في حق ورثته فكان فسخا فيما بين الواهب والموهوب له هبة مبتدأة في حق الورثة وهذا ليس بممتنع أن يكون للعقد الواحد حكمان مختلفان كالإقالة فإنها
فسخ في حق العاقدين بيع جديد في حق غيرهما وإذا انفسخ العقد بالرجوع عاد الموهوب إلى قديم ملك الواهب
ويملكه الواهب وان لم يقبضه لان القبض إنما يعتبر في انتقال الملك لا في عود قديم الملك كالفسخ في باب البيع
والموهوب بعد الرجوع يكون أمانة في يد الموهوب له حتى لو هلك في يده لا يضمن لان قبض الهبة قبض غير مضمون
فإذ انفسخ عندها بقي القبض على ما كان قبل ذلك أمانة غير موجب للضمان فلا يصير مضمونا عليه الا بالتعدي
كسائر الأمانات ولو لم يتراضيا على الرجوع ولا قضى القاضي به ولكن الموهوب له وهب الموهوب للواهب
وقبله الواهب الأول لا يملكه حتى يقبضه وإذا قبضه كان بمنزلة الرجوع بالتراضي أو بقضاء القاضي وليس للموهوب
له أن يرجع فيه وكذا الصدقة (أما) وقوف الملك فيه على القبض فلان الموجود لفظ الهبة لا لفظ الفسخ وملك
الواهب لا يزول الا بالقبض بخلاف ما إذ تراضيا على الرجوع ان الواهب يملكه بدون القبض لان انفاقهما على
الرجوع اتفاق على الفسخ ولا يشترط للفسخ ما يشترط للعقد ثم إذا قبضه الواهب قام ذلك مقام الرجوع لان
الرجوع مستحق فتقع الهبة عن الرجوع المستحق ولا تقع موقع الهبة المبتدأة فلا يصح الرجوع فيها
(فصل) وأما بيان ما يرفع عقد الهبة فالذي يرفعه هو الفسخ اما بالإقالة أو الرجوع بقضاء القاضي أو التراضي
على ما بينا وإذا انفسخ العقد يعود الموهوب إلى قديم ملك الواهب نفس الفسخ من غير الحاجة إلى القبض لما ذكرنا
فيما تقدم
134

* (كتاب الرهن) *
الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان ركن عقد الرهن وفي بيان شرائط الركن وفي بيان حكم الرهن وفي
بيان ما يخرج به الرهن عن كونه مرهونا وما يبطل به الركن ومالا يبطل وفي بيان حكم اختلاف الراهن والمرتهن
والعدل أما ركن عقد الرهن فهو الايجاب والقبول وهو أن يقول الراهن رهنتك هذا الشئ بمالك علني من الدين أو
يقول هذا الشئ رهن بدينك وما يجرى هذا المجرى ويقول المرتهن ارتهنت أو قبلت أو رضيت وما يجرى مجراه
فأما لفظ الرهن فليس بشرط حتى لو اشترى شيئا بدراهم ودفع إلى البائع ثوبا وقال له امسك هذا الثوب حتى أعطيك
الثمن فالثوب رهن لأنه أتى بمعنى العقد والعبرة في باب العقود للمعاني
(فصل) وأما الشرائط فأنواع بعضها يرجع إلى نفس الرهن وبعضها يرجع إلى الراهن والمرتهن وبعضها يرجع إلى
المرهون وبعضها يرجع إلى المرهون به (أما) الذي يرجع إلى نفس الرهن فهو أن لا يكون معلقا بشرط ولا مضافا إلى
وقت لان في الرهن والارتهان معنى الايفاء والاستيفاء فيشبه البيع وانه لا يحتمل التعليق بشرط والإضافة إلى وقت
كذا هذا (وأما) الذي يرجع إلى الراهن والمرتهن فعقلهما حتى لا يجوز الرهن والارتهان من المجنون والصبي الذي
لا يعقل (فأما) البلوغ فليس بشرط وكذا الحرية حتى يجوز من الصبي المأذون والعبد المأذون لان ذلك من
توابع التجارة فيملكه من يملك التجارة ولان الرهن والارتهان من باب ايفاء الدين واستيفائه وهما يملكان ذلك وكذا
السفر ليس بشرط لجواز الرهن فيجوز الرهن في السفر والحضر جميعا لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
استقرض بالمدينة من يهودي طعاما ورهنه به درعه وكان ذلك رهنا في الحضر ولان ما شرع له الرهن وهو الحاجة إلى
توثيق الدين يوجد في الحالين وهو الرهن عن تواء الحق بالجحود والانكار وتذكره عند السهو والنسيان والتنصيص
على السفر في كتاب الله تعالى عز وجل ليس لتخصيص الجواز بل هو اخراج الكلام مخرج العادة كقوله تعالى
فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا (وأما) الذي يرجع إلى المرهون فأنواع (منها) أن يكون محلا قابلا للبيع وهو أن
يكون موجودا وقت العقد مالا مطلقا متقوما مملوكا معلوم ما مقدور التسليم ونحو ذلك فلا يجوز رهن ما ليس بموجود عند
العقد ولا رهن ما يحتمل الوجود والعدم كما إذا رهن ما يثمر نخيله العام أو ما تلد أغنامه السنة أو ما في بطن هذه الجارية ونحو
ذلك ولا رهن الميتة والدم لانعدام ماليتهما ولا رهن صيد الحرم والاحرام لأنه ميتة ولا رهن الحر لأنه ليس بمال
أصلا ولا رهب أم الولد والمدبر المطلق والكاتب لأنهم أحرار من وجه فلا يكونون أموالا مطلقة ولا رهن بالخمر
والخنزير من المسلم سواء كان العاقد ان مسلمين أو أحدهما مسلم لانعدام مالية الخمر والخنزير في حق المسلم وهذا
لان الرهن ايفاء الدين والارتهان استيفاؤه ولا يجوز للمسلم ايفاء الدين من الخمر واستيفاؤه الا أن الراهن إذا كان
ذميا كانت الخمر مضمونة على المسلم المرتهن لان الرهن إذا لم يصح كانت الخمر بمنزلة المغصوب في يد المسلم وخمر الذمي
مضمون على المسلم بالغصب وإذا كان الراهن مسلما والمرتهن ذميا لا تكون مضمونة على أحد (وأما) في حق
أهل الذمة فيجوز رهن الخمر والخنزير وارتها نهما منهم لان ذلك مال متقوم في حقهم بمنزلة الخل والشاة عندنا ولا رهن
المباحات من الصيد والحطب والحشيش ونحوها لأنها ليست بمملوكة في أنفسها (فأما) كونه مملوكا للراهن فليس
بشرط لجواز الرهن حتى يجوز رهن مال الغير بغير اذنه بولاية شرعية كالأب والوصي يرهن مال الصبي بدينه وبدين
نفسه لان الرهن لا يخلو (اما) ان يجرى مجرى الايداع (واما) ان يجرى مجرى المبادلة والأب يلي كل واحد
منهما في مال الصغير فإنه يبيع مال الصغير بدين نفسه ويودع مال الصغير فان هلك الرهن في يد المرتهن قبل أن يفتكه
الأب هلك بالأقل من قيمته ومما رهن به لان الرهن وقع صحيحا وهذا حكم الرهن الصحيح وضمن الأب قدر
ما سقط من الدين بهلاك الرهن لأنه قضى دين نفسه بمال ولده فيضمن فلو أدرك الولد والرهن قائم عند المرتهن فليس
135

له أن يسترده قبل قضاء القاضي لما ذكرنا أن الرهن وقع صحيحا لوقوعه عن ولاية شرعية فلا يملك الولد نقضه ولكن
يؤمر الأب بقضاء الدين ورد الرهن على ولده لزوال ولايته بالبلوغ ولو قضى الولد دين أبيه وافتك الرهن لم يكن متبرعا
ويرجع بجميع ما قضى على أبيه لأنه مضطر إلى قضاء الدين إذا لا يمكنه الوصول إلى ملكه الا بقضاء الدين كله فكان
مضطرا فيه فلم يكن متبرعا بل يكون مأمورا بالقضاء من قبل الأب دلالة فكان له أن يرجع عليه بما قضى كما لو استعار
من إنسان عبده ليرهنه بدين نفسه فرهن ثم إن المعير قضى دين المستعير وافتك الرهن انه يرجع بجميع ما قضى على المستعير
لما قلنا كذا هذا وكذلك حكم الوصي في جميع ما ذكرنا حكم الأب وإنما يفترقان في فصل آخر وهو انه يجوز للأب
أن يرتهن مال الصغير بدين ثبت على الصغير وإذا هلك يهلك بالأقل من قيمته ومن الدين وإذا أدرك الولد ليس له أن
يسترده إذا كان الأب يشهد على الارتهان وإن كان يشهد على ذلك لم يصدق عليه بعد الادراك الا بتصديق الولد
ويجوز له أن يرهن ماله عند ولده الصغير بدين للصغير عليه ويحبسه لأجل الولد وإذا هلك بعد ذلك فيهلك بالأقل من
قيمته ومن الدين إذا كان أشهد عليه قبل الهلاك وإن كان لم يشهد عليه قبل الهلاك لم يصدق الا أن يصدقه الولد بعد
الادراك والوصي لو فعل هذا من اليتيم لا يجوز رهنه ولا ارتهانه أما على أصل محمد فلا يشكل لأنه لا يرى بيع مال
اليتيم من نفسه ولا شراء ماله لنفسه أصلا فكذلك الرهن وعلى قولهما إن كان يجوز البيع والشراء لكن إذا كان خيرا
لليتيم ولا خير له في الرهن لأنه يهلك أبدا بالأقل من قيمته ومن الدين فلم يكن فيه خير لليتيم فلم يجز وكذلك يجوز رهن
مال الغير بإذنه كما لو استعار من إنسان شيئا ليرهنه بدين على المستعير لما ذكرنا ان الرهن ايفاء الدين وقضاؤه والانسان
بتسبيل من أن يقضى دين نفسه بمال غيره باذنه ثم إذ أذن المالك بالرهن فاذنه بالرهن لا يخلو اما إن كان مطلقا واما كان
مقيدا فإن كان مطلقا فاللمستعير أن يرهنه بالقليل والكثير وبأي جنس شاء وفي أي مكان كان ومن أي انسان
أراد ولان العمل باطلاق اللفظ أصل وإن كان مقيدا بان سمى قدرا أو جنسا أو مكانا أو انسانا يتقيد به حتى لو
اذن له أن يرهنه بعشرة لم يجزله أن يرهنه بأكثر منهما ولا بأقل لان المتصرف باذن يتقيد تصرفه بقدر الاذن والاذن لم
بتناول الزيادة فلم يكن له أن يرهن بالأكثر ولا بالأقل أيضا لان المرهون مضمون والمالك إنما جعله مضمونا بالقدر وقد
يكون له في ذلك غرض صحيح فكان التقييد به مفيدا وكذلك لو أذن له أن يرهنه بجنس لم يجزله أن يرهنه بجنس آخر لان
قضاء الدين من بعض الأجناس قد يكون أيسر من بعض فكان التقييد بالجنس مفيدا وكذا إذا أذن له أن له يرهنه بالكوفة
لم يجزله أن يرهنه بالبصرة لان التقييد بمكان دون مكان مفيد فيتقيد بالمكان المذكور وكذا إذا أذن له ان يرهنه من
انسان بعينه لم يجزله أن يرهنه من غيره لان الناس متفاوتون في المعاملات فكان التعيين مفيدا فان خالف في شئ مما
ذكرنا فهو ضامن لقيمته إذا هلك لأنه تصرف في ملك الغير بغير اذنه فصار غاصبا وللمالك أن يأخذ الرهن من يد المرتهن
لان الرهن لم يصح فبقي المرهون في يده بمنزلة المغصوب فكان له أن يأخذه منه وليس لهذا المستعيران ينتفع بالمرهون
لا قبل الرهن ولا بعد الانفكاك فان فعل ضمن لأنه لم يأذن له الا بالرهن فان انتفع به قبل أن يرهنه ثم رهنه بمثل قيمته
برئ من الضمان حين رهن ذكره في الأصل لأنه لما انتفع به فقد خالف ثم لما رهنه فقد عاد إلى الوفاق فيبرأ عن الضمان
كالمودع إذا عاد إلى الوفاق بعد ما خالف في الوديعة بخلاف ما إذا استعار العين لينتفع بها فخالف ثم عاد إلى الوفاق انه
لا يبرأ عن الضمان لان المستعير للانتفاع ليست يده يد المالك بل يد نفسه حيث تعدو المنفعة إليه فلم تكن بالعود إلى
الوفاق رادا للمال إلى يد المالك فلا يبرأ عن الضمان (فأما) المستعير للرهن فيده قبل الرهن يد المالك فإذا عاد إلى الوفاق
فقد رد المال إلى يد المالك فيبرأ عن الضمان وإذا قبض المستعير العارية فهلك في يده قبل أن يرهنه فلا ضمان عليه لأنه
هلك في قبض العارية لا في قبض الرهن وقبض العارية قبض أمانة لأقبض ضمان وكذلك إذا هلك في يده بعده
مالفكه؟ من يد المرتهن لأنه بالافتكاك من يد المرتهن عاد عارية فكان الهلاك في قبض العارية ولو وكل الراهن يعنى
المستعير بقبض الرهن من المرتهن أحدا فقبضه فهلك في يد القابض فإن كان القابض في عياله لم يضمن لان يده كيده
136

والمالك رضى بيده وان لم يكن في عياله ضمن لان يده ليست كيده فلم يكن المالك راضيا بيده وان هلك في يد المرتهن
وقدرهن على الوجه الذي أذن فيه ضمن الراهن للمعير قدر ما سقط عنه من الدين بهلاك الرهن لأنه قضى دين نفسه
من مال الغير بإذنه بالرهن إذا لرهن قضاء الدين ويتعذر القضاء عند الهلاك وكذلك لو دخله عيب فسقط بعض الدين
ضمن الراهن ذلك القدر لأنه قضى ذلك القدر من دينه بمال الغير فيضمن ذلك القدر فكان المستعير بمنزلة رجل عنده
وديعة لانسان فقضى دين نفسه بمال الوديعة باذن صاحبها فما قضى يكون مضمونا عليه وما لم يقبض يكون أمانة في يده
فان عجز الراهن عن الافتكاك فافتكه المالك لا يكون متبرعا ويرجع بجميع ما قضى عالي المستعير وذكر الكرخي انه
يرجع بقدر ما كان يملك الدين وبه ولا يرجع بالزيادة عليه ويكون متبرعا فيها حتى لو كان المستعير رهن بألفين وقيمة
الرهن الف فقضى المالك ألفين فإنه يرجع على المستعير بألفين وعلى ما ذكره الكرخي يرجع عليه بألف (وجه) قول
الكرخي ان المضمون على المستعير قدر الدين بدليل انه لا يضمن عند الهلاك الا قدر الدين فإذا قضى المالك الزيادة
على المقدر كان متبرعا فيها (وجه) القول الآخران المالك مضطر إلى قضاء كل الدين الذي رهن به لأنه علق ماله عند
المرتهن بحيث لا فكاك له الا بقضاء الدين فكان مضطرا في قضاء الكل فكان مأذونا فيه من قبل الراهن دلالة
كأنه وكله بقضاء دينه فقضاه المعير من مال نفسه ولو كان كذلك لرجع عليه بما قضى كذا هذا وليس للمرتهن أن يمتنع
من قبض الدين من المعير ويجبر على القبض ويسلم الرهن إليه لان له ولاية قضاء الدين لتخاص ملكه وإزالة العلق عنه
فلا يكون للمرتهن ولاية الامتناع من القبض والتسليم فان اختلف الراهن والمعير وقد هلك الرهن فقال المعير هلك في
يد المرتهن وقال المستعير هلك قبل أن أرهنه أو بعد ما افتكيته فالقول قول الراهن مع يمينه لأن الضمان إنما وجب على
المستعير لكونه قاضيا دين نفسه من مال الغير بإذنه وهو ينكر القضاء فكان القول قول المنكر ولا يجوز رهن المجهول
ولا معجوز التسليم ونحو ذلك مما لا يجوز بيعه والأصل فيه ان كل مالا يجوز بيعه لا يجوز رهنه وقد ذكر نا جملة ذلك
في كتاب البيوع (ومنها) أن يكون مقبوض المرتهن أو من يقوم مقامه والكلام في القبض في مواضع في بيان انه شرط
جواز الرهن وفي بيان شرائط صحته وفي تفسير القبض وماهيته وفي بيان أنواعه (اما) الأول فقد اختلف العلماء فيه قال
عامة العلماء انه شرط وقياس قول زفر رحمه الله في الهبة أن يكون ركنا كالقبول حتى أن من حلف لا يرهن فلانا شيئا
فرهنه ولم يقبضه يحنث عندنا وعنده لا يحنث كما في الهبة والصحيح قولنا لقول الله تبارك وتعالى فرهان مقبوضة ولو
كان القبض ركنا لصار مذكورا بذكر الرهن فلم يكن لقوله تعالى عز شأنه مقبوضة معنى فدل ذكر القبض مقرونا بذكر
الرهن على أنه شرط وليس بركن وقال مالك رحمه الله ليس بركن ولا شرط والصحيح قول العامة لقوله تبارك وتعالى
فرهان مقبوضة وصف سبحانه وتعالى الرهن بكونه مقبوضا فيقتضى أن يكون القبض فيه شرطا صيانة لخبره تعالى عن
الخلف ولأنه عقد تبرع للحال فالا يفيد الحكم بنفسه كسائر التبرعات ولو تعاقدا على أن يكون الرهن في يد صاحبه لا يجوز
الرهن حتى لو هلك في يده لا يسقط الدين ولو أراد المرتهن أن يقبضه من يده ليحبسه رهنا ليس له ذلك لان هذا شرط
فاسد أدخلاه في الرهن فلم يصح الرهن ولو تعاقدا على أن يكون في يد العدل وقبضه العدل جاز ويكون قبضه كقبض
المرتهن وهذا قول العامة وقال ابن أبي ليلى لا يصح الرهن الا بقبض المرتهن والصحيح قول العامة لقوله تبارك وتعالى
فرهان مقبوضة من غير فصل بين قبض المرتهن والعدل ولان قبض العدل برضا المرتهن قبض المرتهن معنى ولو قبضه
العدل ثم تراضيا على أن يكون الرهن في يد على آخر ووضعاه في يده جاز لأنه جاز وضعه في يد الأول لتراضيهما فيجوز
وضعه في يد الثاني بتراضهما وكذا إذا قبضه العدل ثم تراضيا على أن يكون في يد المرتهن ووضعاه في يده لأنه جاز وضعه
في يده في الابتداء فكذا في الانتهاء كذا إذا قبضه المرتهن أو العدل ثم تراضيا على أن يكون في يد الراهن ووضعه في
يده جاز لان القبض الصحيح للعقد قد وجد وقد خرج الرهن من يده فبعد ذلك يده ويد الأجنبي سواء ولو رهن رهنا
وسلط عدلا على بيعه عند المحل فلم يقبض حتى حل الأجل فالرهن باطل لان صحته بالقبض والبيع صحيح لان صحة
137

التوكيل لا تقف صحته على القبض فصح البيع وان لم يصح الرهن وكذلك لو رهن مشاعا وسلطه على بيعه فالرهن باطل
والوكالة صحيحة لما ذكرنا ولو جعل عدلا في الامساك وعدلا في البيع جاز لان كل واحد منهما أمر مقصود فيصح
افراده بالتوكيل (وأما) بيان شرائط صحته فأنواع (منها) أن يكون باذن الراهن لما ذكرنا في الهبة ان الاذن بالقبض شرط
صحته فيما له صحة بدون القبض وهو البيع فلأن يكون شرطا فيما لا صحة له بدون القبض أولى ولان القبض في هذا الباب
يشبه الركن كما في الهبة فيشبه القبول وذا لا يجوز من غير رضا الراهن كذا هذا ثم نقول الاذن نوعان نص وما يجرى
مجرى النص دلالة فالأول نحو أن يقول أذنت له بالقبض أو رضيت به أو اقبض وما يجرى هذا المجرى فيجوز قبضه
سواء قبض في المجلس أو بعد الافتراق استحسانا وقياس قول زفر في الهبة ان لا يجوز بعد الافتراق والثاني نحو أن
يقبض المرتهن بحضرة الراهن فيسكت ولا ينهاه فيصح قبضه استحسانا وقياس قول زفر في الهبة أن لا يصح كما
لا يصح بعد الافتراق لان القبض عنده ركن بمنزلة القبول فلا يجوز من غير اذن كالقبول وصار كالبيع الصحيح بل
أولى لان القبض ليس بشرط لصحته وانه شرط لصحة الرهن (وجه) الاستحسان انه وجدا لاذن ههنا دلالة
الاقدام على ايجاب الرهن لان ذلك دلالة القصد إلى ايجاب حكمه ولا ثبوت لحكمه الا بالقبض ولا صحة للقبض بدون
الاذن فكان الاقدام على الايجاب دلالة الاذن بالقبض والاقدام دلالة الاذن بالقبض في المجلس لا بعد الافتراق فلم
يوجد الاذن هناك نصا ودلالة بخلاف البيع لان البيع الصحيح بدون القبض فلم يكن الاقدام على ايجابه دليل
القبض فلا يكون دليل الاذن فهو الفرق ولو رهن شيئا متصلا بما لم يقع عليه الرهن كالثمن المعلق على الشجر ونحوه مما
لا يجوز الرهن فيه الا بالفصل والقبض ففصل وقبض فان قبض بغير اذن الراهن لم يجز قبضه سواء كان الفصل
والقبض في المجلس أو في غيره لان الايجاب ههنا لم يقع صحيحا فلا يستدل به على الاذن بالقبض وان قبض باذنه
فالقياس أن لا يجوز وهو قول زفر وفي الاستحسان جائز بناء على أصل ذكرناه في الهبة والله الموفق (ومنها) الحيازة
عندنا فلا يصح قبض المشاع وعند الشافعي رحمه الله ليس بشرط وقبض المشاع صحيح (وجه) قوله إن الشياع
لا يقدح في حكم الرهن ولا في شرطه فلا يمنع جواز الرهن ودلالة ذلك ان حكم الرهن عنده كون المرتهن أحق ببيع
المرهون واستيفاء الدين من بدله على ما نذكر والشيوع لا يمنع جواز البيع وشرطه هو القبض وانه ممكن في النصف
الشائع بتخلية الكل (ولنا) ان قبض النصف الشائع وحده لا يتصور والنصف الآخر ليس بمرهون فلا يصح قبضه
وسواء كان مشاعا يحتمل القسمة أولا يحتملها لان الشيوع يمنع تحقق قبض الشائع في النوعين جميعا بخلاف الهبة فان
الشيوع فيها لا يمنع الجواز فيما لا يحتمل القسمة لان المانع هناك ضمان القسمة على ما ذكر نافى كتاب الهبة وانه
بخص المقسوم وسواء رهن من أجنبي أو من شريكه على ما نذكر إن شاء الله تعالى وسواء كان مقارنا للعقد أو طرأ عليه
في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف ان الشيوع الطارئ على العقد لا يمنع بقاء العقد على الصحة صورته إذا
رهن شيئا وسلط المرتهن أو العدل على بيعه كيف شاء مجتمعا أو متفرقا فباع نصفه شائعا أو استحق بعض الرهن
شائعا (وجه) رواية أبى يوسف ان حال البقاء لا يقاس على حال الابتداء لان البقاء أسهل من حكم الابتداء لهذا فرق
الشرع بين الطارئ والمقارن في كثير من الأحكام كالعدة الطارئة والإباق الطارئ ونحو ذلك فكون الحيازة شرطا
في ابتداء العقد لا يدل على كونها شرط البقاء على الصحة (وجه) ظاهر الرواية ان المانع في المقارن كون الشيوع مانعا
عن تحقق القبض في النصف الشائع وهذا المعنى موجود في الطارئ فيمنع البقاء على الصحة ولو رهن رجلان رجلا
عبدا بدين له عليهما رهنا واحدا جاز وكان كله رهنا بكل الدين حتى أن للمرتهن أن يمسكه حتى يستوفى كل الدين وإذا
قضى أحدهما دينه لم يكن له أن يأخذ نصيبه من الرهن لان كل واحد منهما رهن كل العبد بما عليه من الدين لا نصفه
وإن كإن كان المملوك منه لكل واحد منهما النصف لما ذكرنا أن كون المرهون مملوك الراهن ليس بشرط لصحة الرهن
فإنه يجوز رهن مال الغير بإذنه لما بينا واقدامهما على رهنه صفقة واحدة دلالة الاذن من كل واحد منهما فصار كل العبد
138

رهنا بكل الدين ولا استحالة في ذلك لان الرهن حبس وليس يمتنع أن يكون العبد الواحد محبوسا بكل الدين فلم يكن
هذا رهن الشائع فجاز وليس لأحدهما أن يأخذ نصيبه من العبد إذا قضى ما عليه من الدين لان كله مرهون بكل الدين
فما بقي شئ من الدين بقي استحقاق الحبس وكذلك إذا رهن رجل رجلين بدين لهما عليه وهما شريكان فيه أولا شركة
بينهما جاز وإذا قضى الراهن دين أحدهما لم يكن له أن يقبض شيئا من الرهن لأنه رهن كل العبد بدين كل واحد منهما
وكل العبد يصلح رهنا بدين كل واحد منهما على الكمال كأن ليس معه غيره لما ذكرنا وهذا بخلاف الهبة من رجلين على
أصل أبي حنيفة عليه الرحمة انها غير جائزة لان الهبة تمليك وتمليك شئ واحد من اثنين من كل واحد منهما على الكمال
محال والعاقل لا يقصد بتصرفه المحال فاما الرهن فحبس ولا استحالة في كون الشئ الواحد محبوسا بكل واحد من
الدينين فهو الفرق بين الفصلين غير أنه وإن كان محبوسا بكل واحد من الدينين لكنه لا يكون مضمونا الا بحصته حتى
لو هلك تنقسم قيمته على الدينين فيسقط من كل واحد منهما بقدره لان المرتهن عند هلاك الرهن يصير مستوفيا
الدين من مالية الرهن وانه لا يفي لاستيفاء الدينين وليس أحدهما بأولى من الآخر فيقسم عليهما فيسقط من كل
واحد منهما بقدره وعلى هذا يخرج حبس المبيع بان اشترى رجلان من رجل شيئا فأدى أحدهما حصته من الثمن لم
يكن له أن يقبض شيئا من المبيع وكان للبائع أن يحبس كله حتى يستوفى ما على الاخر لان كل المبيع محبوس بكل الثمن
فما بقي جزء من الثمن بقي استحقاق حبس كل المبيع ولو رهن بيتا بعينه من دار أو رهن طائفة معينة من دار جاز
لانعدام الشيوع وعلى هذا الأصل تخرج زيادة الدين على الرهن انها لا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وجملة
الكلام في الزيادات انها أنواع أربعة زيادة الرهن وهي نماؤه كالولد واللبن والثمر والصوف وكل ما هو متولد من الرهن
أو في حكم المتولد منه بأن كان بدل جزء فائت أو بدل ما هو في حكم الجزء كالأرش والعقر وزيادة الرهن على أصل الرهن
كما إذا رهن بالدين جارية ثم زاد عبدا أو غير ذلك رهنا بذلك الدين وزيادة الرهن على نماء الرهن كما إذا رهن بالدين
جارية فولدت ولدا ثم ماتت الجارية ثم زاد هنا على الولد وزيادة الدين على الرهن كما إذا رهن عبدا بألف ثم إن الراهن
استقرض من المرتهن ألفا أخرى على أن يكون العبد رهنا بالأول والزيادة جميعا (اما) زيادة الرهن فمرهونة عندنا على
معنى انه يثبت حكم الأصل فيها وهو استحقاق الحبس على طريق اللزوم وعند الشافعي رحمه الله ليست بمرهونة
أصلا والمسألة تأتى في بيان حكم الرهن إن شاء الله تعالى (أما) زيادة الرهن فجائزة استحسانا والقياس ان لا يجوز وهو
قول زفر رحمه الله وهو على اختلاف الزيادة في الثمن والمثمن وقد مرت المسألة في كتاب البيوع (واما) زيادة الرهن
على نماء الرهن بعد هلاك الأصل فهي موقوفة ان بقي الولد إلى وقت الفكاك جازت الزيادة وان هلك لم تجز لأنها إذا
هلكت تبين انها حصلت بعد سقوط الدين وقيام الدين شرط صحة الزيادة (واما) زيادة الدين على الرهن فهي على
الاختلاف الذي ذكرنا انه لا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف جائزة (وجه) قوله إن الدين في باب الرهن
كالثمن في باب البيع بدليل انه لا يصح الرهن الا بالدين كمالا يصح البيع الا بالثمن ثم هناك جازت الزيادة في الثمن
والمثمن جميعا فكذا هنا تجوز الزيادة في الرهن والدين جميعا والجامع أبين البابين ان الزيادة عندنا تلتحق بأصل العقد
كان العقد ورد علين الأصل والزيادة جميعا فيصير كأنه رهن بالدين عبدين ابتداء وذا جائز كذا هذا (وجه) قولهما ان
هذا الزيادة لو صحت لا وجبت الشيوع في الرهن وانه يمنع صحة الرهن ودلالة ذلك أنها لو صحت لصار بعض العبد
بمقابلتها فلا يخلو (اما) أن يصير ذلك البعض بمقابلة الزيادة مع بقائه مشغولا بالأول (أما) أن يفرغ من الأول ويصير
مشغولا بالزيادة لا سبيل إلى الأول لان المشغول بشئ لا يحتمل الشغل بغيره ولا سبيل إلى الثاني لأنه رهن بعض
العبد بالدين وهذا رهن المشاع فلا يجوز كما إذا رهن عبدا واحدا بدينين مختلفين لكل واحد منهما بعضه بخلاف
زيادة الرهن على أصل الرهن لان الزيادة هناك لا تؤدى إلى شيوع الرهن بل إلى شيوع الدين لان قبل الزيادة
كان العبد بمقابلة كل الدين وبعد الزيادة صار كله بمقابلة بعض الدين والعبد والزيادة بمقابلة البعض الآخر فيرجع
139

الشيوع إلى الدين لا إلى الرهن والشيوع في الدين لا يمنع صحة الرهن وفي الرهن يمنع صحته ألا ترى لو رهن عبدا
بنصف الدين جاز ولو رهن نصف العبد بالدين لم يجز لذلك افترق حكم الزيادتين ولو رهن مشاعا فقسم وسلم جاز لأن العقد
في الحقيقة وقوف على القسمة والتسليم بعد القسمة فإذا وجد فقد زال المانع من النفاذ فينفذ (ومنها) أن يكون
المرهون فارغا عما ليس بمرهون فإن كان مشغولا به بأن رهن دار فيها متاع الراهن وسلم الدار أو سلم الدار مع ما فيها
من المتاع أو رهن جوالقا دون ما فيه وسلم الجوالق أو سلمة مع ما فيه لم يجزلان معنى القبض هو التخلية الممكنة من
التصرف ولا يتحقق مع الشغل ولو أخرج المتاع من الدار ثم سلمها فارغة جاز وينظر إلى حال القبض لا إلى حال العقد
لان المانع هو الشغل وقد زال فينفذ كما في رهن المشاع ولو رهن المتاع الذي فيا دون الدار وخلى بينه وبين الدار جاز
بخلاف ما إذا رهن الدار دون المتاع لان الدار تكون مشغولة بالمتاع فاما المتاع فلا يكون مشغولا بالدار فيصح قبض
المتاع ولم يصح قبض الدار ولو رهن الدار والمتاع والذي فيها صفقة واحدة وخلى بينه وبينهما وهو خارج الدار جاز
الرهن فيهما جميعا لأنه رهن الكل وسلم الكل وصح تسليمهما جميعا ولو فرق الصفقة فيهما بأن رهن أحدهما ثم
الآخر فان جمع بنيهما في التسليم صح الرهن فيهما جميعا (أما) في المتاع فلا شك فيه لما ذكرنا ان المتاع لا يكون مشغولا
بالدار (أما) في الدار فلان المانع وهو الشغل قد زال وأن فرق بأن رهن أحدهما وسلم ثم رهن الآخر وسلم لم يجز
الرهن في الدار وجاز في المتاع سواء قدم أو أخر بخلاف الهبة فان هناك يراعى فيه الترتيب ان قدم هبة الدار لم تجز الهبة
في الدار وجازت في المتاع كما في الرهن وان قدم هبة المتاع جازت الهبة فيهما جميعا (اما) في المتاع فلانه غير مشغول بالدار
(واما) في الدار فلأنها وإن كانت مشغولة وقت القبض لكن بمتاع هو ملك الموهوب له فلم يمنع صحة القبض وهنا الدار
مشغولة بمتاع هو ملك الراهن فيمنع صحة القبض فهو الفرق ولو رهن دارا والراهن والمرتهن في جوف الدار فقال الراهن
سلمتها إليك لم يصح التسليم حتى يخرج من الدار ثم يسلم لان معنى التسليم وهو التخلية لا يتحقق مع كونه في الدار فلابد
من تسليم جديد بعد الخروج منها ولو رهن دابة عليها حمل دون الحمل لم يتم الرهن حتى يلقى الحمل عنها ثم يسلمها إلى
المرتهن ولو رهن الحمل دون الدابة ودفعها إليه كان رهنا تاما في الحمل لان الدابة مشغولة بالحمل اما الحمل فليس مشغولا
بالدابة كما في رهن الدار التي فيها المتاع بدون المتاع ورهن المتاع الذي في الدار بدون الدار ولو رهن سرجا على دابة
أو لجاما في رأسها أو رسنا في رأسها فدفع إليه الدابة مع اللجام والسرج والرسن لم يكن رهنا حتى ينزعه من رأس الدابة ثم
يسلم بخلاف ما إذا رهن متاعا في الدار لان السرج ونحوه من توابع الدابة فلم يصح رهنها بدون الدابة كما لا يصح رهن
الثمر بدون الشجر بخلاف المتاع فإنه ليس تبعا للدار ولهذا قالوا لو رهن دابة عليها سرج أو لجام دخل ذلك في
الرهن بحكم التبعية وعلى هذا يخرج ما إذ رهن جارية واستثنى ما في بطنها أو بهيمة واستثنى ما في بطنها انه لا يجوز
الاستثناء ولا العقد أما الاستثناء فلانه لو جاز لكان المرهون مشغولا بما ليس بمرهون وأما العقد فلان استثناء
ما في البطن بمنزلة الشرط الفاسد والرهن تبطله الشروط الفاسدة كالبيع بخلاف الهبة ولو أعتق ما في بطن جاريته
ثم رهن الام أو دبر ما في بطنها ثم رهن الام فالكلام فيه كالكلام في الهبة وقد مر الكلام في الهبة ومنها أن يكون
المرهون منفصلا متميزا عما ليس بمرهون فإن كان متصلا به غير متميز عنه لم يصح قبضه لان قبض المرهون وحده
غير ممكن والمتصل به غير مرهون فأشبه رهن المشاع وعلى هذا الأصل يخرج ما إذا رهن الأرض بدون البناء
أو بدون الزرع والشجر أو الزرع والشجر بدون الأرض أو الشجر بدون الثمر أو الثمر بدون الشجر انه لا يجوز
سواء سلم المرهون بتخلية الكل أو لا لان المرهون متصل بما ليس بمرهون وهذا يمنع صحة القبض ولو جد الثمر
وحصد الزرع وسلم منفصلا جاز لان المانع من النفاذ قد زال ولو جمع بينهما في عقد الرهن فرهنهما جميعا وسلم
متفرقا جاز وان فرق الصفقة بان رهن الزرع ثم الأرض أو الأرض ثم الزرع ينظر ان جمع بينهما في التسليم جاز الرهن
فيهما جميعا وان فرق لا يجوز فيهما جميعا سواء قدم أو أخر بخلاف الفصل الأول لان المانع في الفصلين مختلف
140

فالمانع من صحة القبض في هذا الفصل هو الاتصال وانه لا يختلف والمانع من صحة القبض في الفصل الأول هو الشغل
وانه يختلف مثال هذا إذا رهن نصف داره مشاعا من رجل ولم يسلم إليه حتى رهنه النصف الباقي وسلم الكل
انه يجوز ولو رهن النصف وسلم ثم رهن النصف الباقي وسلم لا يجوز كذا هذا وعلى هذا إذا رهن صوفا على
ظهر غنم بدون الغنم انه لا يجوز لان المرهون متصل بما ليس بمرهون وهذا يمنع صحة القبض ولو جزه وسلمه جاز لان
المانع قد زال وعلى هذا أيضا إذا رهن دابة عليها حمل بدون الحمل لا يجوز ولو رفع الحمل عنها وسلمها فارغة جاز لما
فلنا بخلاف ما إذا رهن ما في بطن جاريته أو ما في بطن غنمه أو ما في ضرعها أو رهن سمنا في لبن أو دهنا في سمسم أو
زيتا في زيتون أو دقيقا في حنطة انه يبطل وان سلطه على قبضه عند الولادة أو عند استخراج ذلك فقبض لأن العقد
هناك لم ينعقد أصلا لعدم المحل لكونه مضافا إلى المعدوم ولهذا لم ينعقد البيع المضاف إليها فكذا الرهن أما
هنا فالعقد منعقد موقوف نفاذه على صحة التسليم بالفصل والتمييز فإذا وجد فقد زال المانع ولو رهن الشجر بمراضعه من
الأرض جاز لان قبضه ممكن ولو رهن شجر أو فيه ثمر لم يسمه في الرهن دخل في الرهن بخلاف البيع انه لا يدخل
الثمر في بيع الشجر من غير تسمية لأنه قصد تصحيح الرهن ولا صحة له بدون القبض ولا صحة للقبض بدون دخول ما هو
متصل به فيدخل تحت العقد تصحيحا له بخلاف البيع فإنه يصح في الشجر بدون الثمر ولا ضرورة إلى ادخال الثمر
للتصحيح ولو قال رهنتك هذه الدار أو هذه الأرض أو هذا الكرم وأطلق القول ولم يخص شيئا دخل فيه كل ما
كان متصلا به من البناء والغرس لان ذلك يدخل في البيع مع أن القبض ليس من شرط صحته فلان يدخل في الرهن
أولى الا انه يدخل فيه الزرع والثمر ولا يدخل في البيع لما ذكرنا بخلاف المتاع انه لا يدخل في رهن الدار ويدخل
الثمر في رهن الشجر لان الثمر تابع للشجر والمتاع ليس بتابع للدار ولو استحق بعض المرهون بعد صحة الرهن ينظر إلى
الباقي إن كان الباقي بعد الاستحقاق مما يجوز رهنه ابتداء لا يفسد الرهن فيه وإن كان مما لا يجوز رهنه ابتداء فسد
الرهن في الكل لأنه لما استحق بعضه تبين ان العقد لم يصح في القدر المستحق وانه لم يقع الاعلى الباقي فكأنه رهن هذا
القدر ابتداء فينظر فيه إن كان محلا لابتداء الرهن يبقى الرهن فيه والا فيفسد في الكل كما لو رهن هذا القدر ابتداء الا انه
إذا بقي الرهن فيه يبقى بحصته حتى لو هلك الباقي يهلك بحصته من الدين وإن كان في قيمته وفاء بجميع الدين ولا يذهب
جميع الدين وإذ رهن الباقي ابتداء وفيه وفاء بالدين فهلك يهلك بجميع الدين وان شئت ان تجعل الحيازة شرطا مفردا
وخرجت المشاع على هذا الأصل لأنه مرهون متصل بما ليس بمرهون حقيقة فكان تخريجه على مستقيما فافهم
ومنها أهلية القبض وهي العقل لأنه يثبت به أهلية الركن وهو الايجاب والقبول فلا تثبت به أهلية الشرط أولى وأما
تفسير القبض فالقبض عبارة عن التخلي وهو التمكن من اثبات اليد وذلك بارتفاع الموانع وانه يحصل بتخلية الراهن
بين المرهون والمرتهن فإذا حصل ذلك صار الراهن مسلما والمرتهن قابضا وهذا جواب ظاهر الرواية وروى عن أبي
يوسف انه يشترط معه النقل والتحويل فما لم يوجد لا يصير قابضا وجه هذه الرواية ان القبض شرط صحة الرهن قال
الله تبارك وتعالى فرهان مقبوضة ومطلق القبض ينصرف إلى القبض الحقيقي ولا يتحقق ذلك الا بالنقل فاما التخلي
فقبض حكما لا حقيقة فلا يكتفى به وجه ظاهر الرواية ان التخلي بدون النقل والتحويل قبض في العرف والشرع أما
العرف فان القبض يرد على مالا يحتمل النقل والتحويل من الدار والعقار يقال هذه الأرض أو هذه القرية أو هذه
الولاية في يد فلان فلا يفهم منه الا التخلي وهو التمكن من التصرف وأما الشرع فان التخلي في باب البيع قبض
بالاجماع من غير نقل وتحويل دل ان التخلي بدون النقل والتحويل قبض حقيقة وشريعة فيكتفى به وأما بيان أنواع
القبض فنقول وبالله التوفيق القبض نوعان نوع بطريق الأصالة ونوع بطريق الأصالة ونوع بطريق النيابة أما القبض بطريق
الأصالة فهو ان يقبض بنفسه لنفسه وأما القبض بطريق النيابة فنوعان نوع يرجع إلى القابض ونوع يرجع إلى
نفس القبض أما الذي يرجع إلى القابض فنحو قبض الأب والوصي عن الصبي وكذا قبض العدل يقوم مقام قبض
141

المرتهن حتى لو هلك الرهن في يده كان الهلاك على المرتهن لان نفس القبض مما يحتمل النيابة ولان قبض الرهن قبض
استيفاء الدين واستيفاء الدين مما يحتمل النيابة وأما الذي يرجع إلى نفس القبض فهو ان المرهون إذا كان مقبوضا
عند العقد فهل ينوب ذلك عن قبض الرهن فالأصل فيه ما ذكرنا في كتاب البيوع والهبة ان القبضين إذا تجانسا ناب
أحدهما عن الآخر وإذا اختلفا ناب الاعلى عن الأدنى وقد بينا فقه هذا الأصل وفروعه فيما تقدم وان شئت
عددت الحيازة والفراغ والتمييز من شرائط نفس العقد فقلت ومن شرائط صحة العقد أن يكون المرهون محوزا عندنا
وبنيت المشاع عليه وان شئت قلت ومنها دوام القبض عندنا وعند الشافعي رحمه الله ليس بشرط وبنيت عليه
المشاع (ولنا) في اثبات هذا الشرط دليلان أحدهما قوله تعالى فرهان مقبوضة أخبر الله سبحانه وتعالى ان المرهون
مقبوض فيقتضى كونه مقبوضا ما دام مرهونا لان اخباره سبحانه وتعالى لا يحتمل الحلف والشيوع يمنع دوام القبض
فيمنع صحة الرهن والثاني ان الله تبارك وتعالى سماه رهنا وكذا يسمى رهنا في متعارف اللغة والشرع والرهن حبس في
اللغة قال الله تبارك وتعالى كل نفس بما كسبت رهينة أي حبيسة بكسبها فيقتضى أن يكون محبوسا ما دام مرهونا
والشياع يمنع دوام الحبس فيمنع جواز الرهن وسواء كان فيما يحتمل القسمة أو فيما لا يحتملها لان الشيوع يمنع إدامة
القبض فيهما جميعا وسواء كان الشيوع مقارنا أو طارئا في ظاهر الرواية لان كل ذلك يمنع دوام القبض وسواء كان
الرهن من أجنبي أو من شريكه لأنه لو جاز لا مسكه الشريك يوما بحكم الملك ويوما بحكم الرهن فتختلف جهة القبض
والحبس فلا يدوم القبض والحبس من حيث المعنى ويصير كأنه رهنه يوما ويوما لا وذا لا يجوز وعلى ها أيضا
يخرج رهن ما هو متصل بعين ليس بمرهون لان اتصاله بعين المرهون يمنع من إدامة القبض عليه وانه شرط جواز
الرهن ومنها أن يكون فارغا ما ليس بمرهون ومنها أن يكون منفصلا مميزا عما ليس بمرهون وخرجت على كل واحد
منهما مسائله التي ذكرنا فافهم (أما) الذي يرجع إلى المرهون به فأنواع منها أن يكون مضمونا والكلام في هذا الشرط
يقع في موضعين أحدهما في أصل اشتراط الضمان والثاني في صفة المضمون أما الأول فاصل الضمان هو كون
المرهون به مضمونا شرط جواز الرهن لان المرهون عندنا مضمون بمعنى سقوط الواجب عند هلاكه أو بمعنى
استيفاء الواجب ولسنا نعنى بالمضمون سوى أن يكون واجب التسليم على الراهن المضمون نوعان دين وعين أما
الدين فيجوز الرهن به باي سبب وجب من الاتلاف الغصب والبيع ونحوها لان الديون كلها واجبة على اختلاف
أسباب وجوبها فكان الرهن بها رهنا بمضمون فيصح وسواء كان مما يحتمل الاستبدال قبل القبض أو لا يحتلمه
كرأس مال السلم وبدل الصرف والمسلم فيه وهذا عند أصحابنا الثلاثة وقال زفر لا يجوز الرهن بهذه الديون وجه
قوله إن سقوط الدين عند هلاك الرهن بطريق الاستبدال على معنى ان عين الدين تصير بدلا عن الدين لا بطريق
الاستيفاء لان الاستيفاء لا يتحقق الا عند المجانسة والرهن مع الدين يكونان مختلفي الجنس عادة فلا يكون القول
بالسقوط بطريق الاستيفاء فتعين أن يكون بطريق الاستبدال فيختص جواز الرهن بما يحتمل الاستبدال وهذه
الديون كما لا يجوز استبدالها فلا يجوز الرهن بها (ولنا) ان السقوط بطريق الاستيفاء لما نذكر في حكم الرن إن شاء الله
تعالى واستيفاء هذه الديون ممكن وأما قوله الاستيفاء يستدعى المجانسة قلنا المجانسة قلنا ثابتة من وجه لان الاستيفاء
يقع بمالية الرهن لا بصورته والأموال كلها فيما يرجع إلى معنى المالية جنس واحد وقد يسقط اعتبار المجانسة من
حيث الصورة ويكتفى بمطلق المالية للحاجة والضرورة كما في اتلاف مالا مثل له من جنسه وقد تحققت الضرورة في باب
الرهن لحاجة الناس إلى توثيق ديونهم من جانب الاستيفاء فأمكن القول بالاستيفاء إذا جاز الرهن بهذه الديون فان هلك
الرهن في المجلس ثم الصرف والسلم لأنه صار مستوفيا عين حقه في المجلس لا مستبدلا وان لم يملك حتى افترقا بطلا
لفوات شرط البقاء على الصحة وهو القبض في المجلس وأما العين فنقول لا خلاف في أنه لا يجوز الرهن بالعين التي هي
أمانة في يد الراهن كالوديعة والعارية ومال المضاربة والبضاعة والشركة والمستأجر ونحوها فإنها ليست بمضمونة أصلا
142

وأما العين المضمونة فنوعان نوع هو مضمون بنفسه وهو الذي يجب مثله عند هلاكه إن كان له مثل وقيمته ان لم يكن له
مثل كالمغصوب في يد الغاصب والمهر في يد الزوج وبدل الخلع في يد المرأة وبدل الصلح عن دم العمد في يد العاقلة ولا
خلاف في أنه يجوز الرهن به وللمرتهن ان يحبس الرهن حتى يسترد العين فان هلك المرهون في يده قبل استرداد العين
والعين قائمة يقال للراهن سلم العين إلى المرتهن وخذ منه الأقل من قيمة الرهن ومن الدين لان المرهون عندنا مضمون
بذلك فإذا وصل إليه العين يجب عليه رد قدر المضمون إلى الراهن فان هلكت العين والرهن قائم صار الرهن بها رهنا
بقيمتها حتى وهلك الرهن بعد ذلك يهلك مضمونا بالأقل من قيمته وقيمة العين لان قيمة العين بدلها وبدل
الشئ قائم مقامه كأنه هو وأما الذي هو مضمون بغيره لا بنفسه كالمبيع في يد البائع ليس هو مضمونا بنفسه الا ترى انه لو
هلك في يده لا يضمن شيئا بل هو مضمون بغيره وهو الثمن حتى يسقط الثمن المشترى إذا هلك فهل يجوز الرهن به ذكر في
كتاب الصرف انه يجوز وله ان يحبسه حتى يقبض المبيع وان هلك في يده قبل القبض يهلك بالأقل من قيمته ومن قيمة
المبيع ولا يصير قابضا للمبيع بهلاكه وله أن يقبض المبيع إذا أوفى ثمنه وعليه أيضا ضمان الأقل بهلاك الرهن ولو هلك
المبيع قبل القبض والرهن قائم بطل البيع لان اهلاك المبيع قل القبض يوجب بطلان المبيع وعلى المشترى أن يرد
الرهن على البائع ولو هلك في يده قبل الرد هلك بضمانه وهو الأقل من قيمته ومن قيمة المبيع للبائع ولا يبطل ضمانه بهلاك
المبيع وبطلان البيع لأنه وان هلك المبيع فقد سقط الثمن بمقابلته فكان بطلانه بعوض فلا يبطل ضمانه وروى الحسين
عن أبي حنيفة انه لا يصح الرهن وبه اخذ الكرخي وجه رواية الحسن ان قبض الرهن قبض استيفاء المرهون
ولا يتحقق معنى الاستيفاء في المضمون بغيره لان المشترى لا يصير مستوفيا شيئا بهلاك الرهن إنما يسقط عنه الثمن
لاغير (وجه) ظاهر الرواية ان الاستيفاء ههنا يحصل من حيث المعنى لأن المبيع قبل القبض ان لم يكن مضمونا بالقيمة
فهو مضمون بالثمن ألا ترى انه لو هلك يسقط الثمن عن المشترى فكان سقوط الثمن عنه كالعوض عن هلاك المبيع
فيحصل مستوفيا مالية المبيع من الرهن من حيث المعنى فكان في معنى المضمون بنفسه فيصح الرهن به ولو تزوج
امرأة على دراهم بعينها أو اشترى شيئا بدراهم بعينها فأعطى بها رهنا لم يجز عند أصحابنا الثلاثة رضي الله عنهم وعند زفر
يجوز بناء على أن الدارهم والدنانير لا تتعين في عقود المعاوضات وان عينت فكان الواجب على الراهن مثلها
لا عينها فلم يكن المعين مضمونا فلم يجز الرهن به وعنده يتعين بالتعيين بمنزلة العوض فكان المعين مضمونا فجاز الرهن به
ولا يجوز الرهن بالكفالة بالنفس لان المكفول به ليس بمضمون على الكفيل الا ترى أنه لو هلك لا يجب على
الراهن شئ ولا يسقط عن المرتهن بمقابلته ولا يجوز الرهن بالشفعة لان الشفعة ليست بمضمونة على المشترى بدليل
أنه لو هلك لا يجب عليه شئ ولا يسقط عن المرتهن بشئ بمقابلته فكان رهنا بما ليس بمضمون فلم يجز ولا يجوز
الرهن بالعبد الجاني والعبد المديون لأنه لو هلك لا يجب على المولى شئ ولا يسقط عن المرتهن شئ بمقابلته فلم يكن
مضمونا أصلا فلا يصح الرهن به ولا يجوز الرهن بأجرة النائحة والمغنية بان استأجر معنية أو نائحة وأعطاهما بالأجرة
رهنا لان الإجارة لم تصح فلم تجب الأجرة فكان رهنا بما ليس بمضمون فلم يجز ولو دفع إلى رجل رهنا ليقرضه فهلك
الرهن قبل أن يقرضه يهلك مضمونا بالأقل من قيمته ومما سمى من القرض وان حصل الارتهان بما ليس بمضمون
لكنه في حكم المضمون لأنه قبض الرهن ليقرضه فكان قبض الرهن على جهة الضمان والمقبوض على جهة شئ
كالمقبوض على حقيقته في الشرع كالمقبوض على سوم الشراء (أما) صفة المضمون فنوعان (أحدهما) متفق
عليه (والثاني) مخلف فيه أما المتفق عليه هو أن يكون مضمونا في الحال فلا يصح الرهن بما يصير مضمونا في الثاني
كالرهن بالدرك بان باع شيئا وقبض الثمن وسلم البيع إلى المشترى فخاف المشترى الاستحقاق فاخذ بالثمن من
البائع رهنا قبل الدرك لا يجوز حتى لا يملك الحبس سواء وجد الدرك أو لم يوجد ولو هلك يهلك أمانة سواء وجد الدرك
أولم يوجد وكذا ارتهن بما يثبت له على الراهن في المستقبل لا يجوز بخلاف الكفالة فان الكفالة بما يصير مضمونا في
143

الثاني جائزة كما إذا كفل بما يذوب له على فلان ونحو ذلك لان الارتهان استيفاء من وجه للحال ولا شئ للحال يستوفى
واستيفاء المعدوم محال بخلاف الكفالة ولان الرهن والارتهان لما كان من باب الايفاء واستيفاء أشبه
البيع فلا يحتمل الإضافة إلى المستقبل كالبيع ولان القياس يأبى جواز هما جميعا لان كل واحد منهما يستدعى
مضمونا الا أن الجواز في الكفالة لتعامل الناس ولا تعامل في الرهن فيبقى الامر فيه على أصل القياس وبخلاف ما إذا
دفع إلى إنسان رهنا ليقرضه ان الرهن يكون مضمونا وإن كان ذلك رهنا بما ليس بمضمون في الحال لان له حكم
المضمون وان لم يكن مضمونا حقيقة لوجود القبض على جهة الضمان والمقبوض على جهة شئ بمنزلة المقبوض على
حقيقة كالمقبوض على سوم الشراء ولم يوجد هنا ولو قال لاخر ضمنت لك مالك على فلان إذا حل يجوز أخذ الكفيل
والرهن به ولو قال إذا قدم فلان فانا ضامن مالك عليه لم يجز أخذ الرهن به ويجوز أخذ الكفيل والفرق ان في
المسألة الأولى الكفالة والرهن كل واحد منهما أضيف إلى مضمون في الحال لان الدين المؤجل واجب قبل حلول الأجل
على طريق التوسع وإنما تأثير التأجيل في تأخير المطالبة بخلاف الرهن بضمان الدرك لأنه لا مضمون هنالك
للحال ولا ماله حكم المضمون بخلاف ما إذا قال إذا قدم فلان فانا ضامن مالك عليه لان ذلك تعليق الضمان بقدوم فلان
فكان عدما قبل وجود الشرط فلم توجد الإضافة إلى مضمون للحال فبطل الرهن وصحت الكفالة لأنها لا تستدعى
مضمونا في الحال بل في الجملة على ما مر وأما المختلف فيه فهو ان الشرط كونه مضمونا ظاهرا وباطنا أو كونه مضمونا من
حيث الظاهر يكفي لجواز الرهن ذكر محمد في الجامع ما يدل على أن كونه مضمونا في الظاهر كاف ولا يشترط كونه مضمونا
حقيقة فإنه قال إذا ادعى على رجل ألفا وهي قرض عليه فجحدها المدعى عليه ثم إنه صالح المدعى من ذلك على خمسمائة
وأعطاه بها رهنا يساوى خمسمائة ثم تصادقا على أن ذلك المال كان باطلا وانه لم يكن للمدعى عليه شئ ثم هلك الرهن في
يده كان على المرتهن أن يرد على الراهن خمسمائة لان الدين كان ثابتا على الراهن من حيث الظاهر ألا ترى أنهما لو اختصما
إلى القاضي قبل أن يتصادقا ان القاضي يجبر المدعى عليه على ايفاء الخمسمائة فكان فهذا رهنا بما هو مضمون ظاهرا فيصح
يدل عليه أن الرهن بجهة الضمان جائز على ما ذكرنا فلان يجوز بالضمان الثابت من حيث الظاهر أولى وروى عن أبي
يوسف انه لا يضمن شيئا لأنها لما تصدقا على أنه لم يكن عليه شئ تبين ان الرهن حصل بما ليس بمضمون أصلا فلم يصح وكذا ذكر في الجامع إذا اشترى من رجل عبدا بألف درهم وقبض العبد وأعطاه بالألف رهنا يساوى ألفا فهلك
الرهن عند المرتهن ثم قامت البينة على أن العبد حر أو استحق العبد من يده يهلك مضمونا لان الألف كانت مضمونة
على الراهن ظاهرا فقد حصل الارتهان بدين مضمون عليه من حيث الظاهر فجاز وكذا لو اشترى شاة مذبوحة
بعشرة دراهم أو اشترى دنا من خل وأعطاه بالثمن رهنا فهلك الرهن ثم علم أن الشاة ميتة والخل خمر فالرهن مضمون
لما قلنا وكذا لو قتل عبد انسان خطأ وأعطاه بقيمته رهنا ثم علم أن العبد حر كان المرهون مضمونا بالأقل من قيمته
ومن قيمة العبد لما ذكرنا وعلى قياس ما روى عن أبي يوسف ينبغي أن لا يضمن في هذه المسائل أيضا لأنه تبين ان
الارتهان حصل بما ليس بمضمون حقيقة فلم يصح ولو ادعى المستودع أو المضارب هلاك الوديعة أو المضاربة
وادعى رب المال عليهما الاستهلاك وتصالحا على مال وأخذ رب المال بالمال رهنا من المستودع فهلك عنده ثم
تصادقا على أن الوديعة هلكت عنده يضمن المرتهن عند محمد وعند أبي يوسف لا يضمن وهذا الاختلاف بناء
على اختلافهم في صحة الصلح فعند محمد لما صح الصلح كان رهنا بمضمون من حيث الظاهر فيصح وعند أبي يوسف
لما لم يصح فقد حصل الرهن بما ليس بمضمون حقيقة فلم يصح (ومنها) أن يكون محتملا للاستيفاء من الرهن فإن لم
يحتمل لم يصح الرهن به لان الارتهان استيفاء وعلى هذا يخرج الرهن بالقصاص في النفس وما دونها انه لا يجوز
لأنه لا يمكن استيفاء القصاص من الرهن ويجوز الرهن بأرش الجناية لان استيفاء من الرهن ممكن فصح الرهن به وعلى
هذا أيضا يخرج الرهن بالشفعة انه لا يصح لان حق الشفعة لا يحتمل الاستيفاء من الرهن فلم يصح الرهن به وعلى هذا
144

أيضا يخرج الرهن بالكفالة بالنفس فإنه لا يجوز لان المكفول به مما لا يحتمل الاستيفاء من الرهن
(فصل) وأما حكم الرهن فنقول وبالله التوفيق الرهن نوعان صحيح وفاسد (أما) الأول فله أحكام بعضها يتعلق
بحال قيام المرهون وبعضها يتعلق حال هلاكه (أما) الذي يتعلق بحال قيامه فعندنا ثلاثة الأول ملك حبس
المرهون على سبيل الدوام إلى وقت الفكاك أو ملك العين في حق الحبس على سبيل الدوام إلى وقت الفكاك وكون
المرتهن أحق بحبس المرهون على سبيل اللزوم إلى وقت الفكاك والعبارات متفقة المعاني في متعارف الفقهاء (والثاني)
اختصاص المرتهن ببيع المرهون اختصاصه بثمنه وهذان الحكمان أصليان للرهن عندنا (والثالث) وجوب تسليم
المرهون عند الافتكاك وقال الشافعي رحمه الله الحكم الأصلي للرهن واحد وهو كون المرتهن أحق ببيع المرهون
وأخص بثمنه من بين سائر الغرماء (فاما) حق حبس المرهون فليس بحكم لازم حتى أن المرهون إن كان شيئا يمن
الانتفاع به بدون استهلاكه كان للراهن أن يسترده من يد المرتهن فينتفع به فإذا أفرغ من الانتفاع رده إليه وإن كان
شيئا لا يمكن الانتفاع به الا باستهلاكه كالمكيل والموزون فليس للراهن أن يسترده من يده احتج بما روى عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يغلق الرهن لا يغلق الرهن لا يغلق الرهن هو لصاحبه الذي رهنه له
غنمه وعليه غرمه أخبر عليه الصلاة والسلام ان الرهن لا يغلق أي لا يحبس وعندكم يحبس فكان حجة عليكم وكذا
أضاف عليه الصلاة والسلام الرهن إلى الراهن بلام التمليك وسماه صاحبا له على لاطلاق فيقتضى أن يكون هو
المالك للرهن مطلقا رقبة وانتفاعا وحبسا ولان الرهن شرع توثيقا للدين وملك الحبس على سبيل الدوام يضاد
معنى الوثيقة لأنه يكون في يده دائما وعسى يهلك فيسقط الدين فكان توهينا للدين لا توثيقا له ولان فيما قلتم تعطيل العين
المنتفع بها في نفسها من الانتفاع لان المرتهن لا يجوز له الانتفاع بالرهن أصلا والراهن لا يملك الانتفاع به عندكم فكان
تعطيلا والتعطيل تسييب وأنه من أعمال الجاهلية وقد نفاه الله تبارك وتعالى قوله ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة (ولنا)
قوله تعالى وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة أخبر الله تعالى بكون الرهن مقبوضا واخباره سبحانه
وتعالى لا يحتمل الخلل فاقتضى أن يكون المرهون مقبوضا ما دام مرهونا ولان الرهن في اللغة عبارة عن الحبس قال الله
عز وجل كل امرئ بما كسب رهين أي حبيس فيقتضى أن يكون المرهون محبوسا ما دام مرهونا ولو لم يثبت ملك
الحبس على الدوام لم يكن محبوسا على الدوام فلم يكن مرهونا ولان الله تعالى لما سمى العين التي ورد العقد عليها رهنا
وأنه ينبئ عن الحبس لغة كان ما دل عليه اللفظ لغة حكما له شرعا لان للأسماء الشرعية دلالات على أحكامها كلفظ
الطلاق والعتاق والحوالة والكفالة ونحوها ولان الرهن شرع وثيقة بالدين فيلزم أن يكون حكمه ما يقع به التوثيق
للدين كالكفالة وإنما يحصل التوثيق إذا كان يملك حبسه على الدوام لأنه يمنعه عن الانتفاع فيحمله ذلك على قضاء
الدين في أسرع الأوقات وكذا يقع الامن عن تواء حقه بالجحود والانكار على ما عرف ولا حجة له في الحديث
لان معنى قوله عليه الصلاة والسلام لا يغلق الرهن أي لا يملك بالدين كذا قاله أهل اللغة غلق الرهن أي ملك بالدين
وهذا كان حكما جاهليا فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله عليه الصلاة والسلام هو لصاحبه الذي رهنه تفسير
لقوله لا يغلق الرهن وقوله عليه الصلاة والسلام له غنمه أي زوائده وعليه غرمه أي نفقته وكنفه وقوله إن ما شرع
له الرهن لا يحصل بما قلتم لأنه يتوى حقه بهلاك الرهن قلنا على أحد الطريقين لا يتوى بل يصير مستوفيا والاستيفاء
ليس بهلاك الدين (أما) على الطريق الآخر فالهلاك ليس بغالب بل قد يكون وقد لا يكون وإذا هلك فالهلاك ليس
يضاف إلى حكم الرهن لان حكمه ملك الحبس لا نفس الحبس وقوله فيه تسييب ممنوع فان بعقد الرهن مع التسليم يصير
الراهن موفيا دينه في حق الحبس والمرتهن يصير مستوفيا في حق الحبس والايفاء والاستيفاء من منافع الرهن وإذا
عرف حكم الرهن في حال قيامه فيخرج عليه المسائل المتعلقة به (أما) على الحكم الأول وهو ملك الحبس فالمسائل
المتعلقة بهذا الحكم بعضها يتعلق بنفس الحكم وبعضها يتعلق بكيفيته أما الذي يتعلق بنفس الحكم فنقول وبالله التوفيق
145

ليس للراهن أن ينتفع بالمرهون استخداما وركوبا ولبسا وسكنى وغير ذلك لان حق الحبس ثابت للمرتهن على
سبيل الدوام وهذا يمنع الاسترداد والانتفاع وليس له أن يبيعه من غير المرتهن بغير اذنه لما فيه من ابطال حقه من غير
رضاه ولو باعه توقف نفاذ البيع على إجازة المرتهن ان أجاز جاز لأن عدم النفاذ لمكان حقه فإذا رضى ببطلان حقه
زال المانع فنفذ وكان الثمن رهنا سواء شرط المرتهن عند الإجازة كونه رهنا أولا في جواب ظاهر الرهن وروى عن أبي
يوسف أنه لا يكون هنا الا بالشرط لان الثمن ليس بمرهون حقيقة بل المرهون هو المبيع وقد زال حقه عند بالبيع
الا أنه إذا شرط عند الإجازة أن يكون مرهونا فلم يرض بزوال حقه عنه الا ببدل وإذا لم يوجد الشرط زال حقه أصلا
(وجه) ظاهر الرواية ان الثمن بدل المرهون فيقوم مقامه وبه تبين انه ما زال حقه بالبيع لأنه زال إلى خلف والزائل إلى
خلف قائم معنى فيقام الخلف مقام الأصل وسواء قبض الثمن من المشترى أولم يقبضه لأنه يقوم مقام ما كان مقبوضا
وان رده بطل لما قلنا وليس له أن يهبه من غيره أو يتصدق به على غيره بغير اذنه لما ذكرنا ولو فعل توقف على إجازة
المرتهن ان رده بطل وله أن يعيده رهنا وان أجازه جازت الإجازة لما قلنا وبطل عقد الرهن لأنه زال عن ملكه لا إلى
خلف بخلاف البيع وليس له أن يؤاجره من أجنبي بغير اذن المرتهن لان قيام ملك الحبس له يمنع الإجازة ولان
الإجازة بعقد الانتفاع وهو لا يملك الانتفاع به بنفسه فكيف يملكه غيره ولو فعل وقف على اجازته فان رده بطل
وان أجاز جازت الإجازة لما قلنا وبطل عقد الرهن لان الإجازة إذا جازت وانها عقد لازم لا يبقى الرهن ضرورة
والأجرة للراهن لأنها بدل منفعة مملوكة له وولاية قبض الأجرة له أيضا لأنه هو العاقد ولا تكون الأجرة ورهنا لان
الأجرة بدل المنفعة والمنفعة ليست بمرهونة فلا يكون بدلها مرهونا (فاما) الثمن في باب البيع فبدل البيع
وأنه مرهون فجاز أن يكون بدله مرهونا وكذلك لو آجره من المرتهن صحت الإجارة وبطل الرهن إذا جدد
المرتهن القبض للإجارة (أما) صحة الإجارة وبطلان الرهن فلما ذكرنا (أما) الحاجة إلى تجديد القبض فلان
قبض الرهن دون قبض الإجارة فلا ينوب عنه ولو هلك في يده قبل انقضاء مدة الإجارة أو بعد انقضائها يهلك أمانة
ان لم يوجد منع من الراهن وان منعه الراهن ثم هلك بعد انقضاء مدة الإجارة ضمن كل قيمته لأنه صار غاصبا بالمنع
وليس له أن يعيره من أجبني بغير اذن المرتهن لما ذكرنا فلو أعار وسلم فللمرتهن أن يبطل الإعارة ويعيده رهنا وان أجاز
جاز ولا يبطل الرهن ولكن يبطل ضمانه وكذا إذا أعاره بإذن المرتهن بخلاف ما إذا آجره فأجاز المرتهن أو آجره باذنه
أنه يبطل الرهن لان الإجارة عقد لازم ألا ترى ان أحد العاقدين لا ينفرد بالفسخ من غير عذر فكان من ضرورة
جوازها بطلان الرهن فاما الإعارة فليست بلازمة لان للمعير ولاية الاسترداد في أي وقت شاء فجوازها لا يوجب
بطلان عقد الرهن الا أنه يبطل ضمان الرهن لما نذكر في موضعه إن شاء الله تعالى وكذا ليس للمرتهن أن ينتفع
بالمرهون حتى لو كان الرهن عبد أليس له أن يستخدمه وإن كان دابة ليس له أن يركبها وإن كان ثوبا ليس له أن يلبسه وإن كان
دارا ليس له أن يسكنها وإن كان كمان مصحفا ليس له أن يقرأ فيه لان عقد الرهن يفيد ملك الحبس لا ملك
الانتفاع فان انتفع به فهلك في حال الاستعمال يضمن كل قيمته لأنه صار غاصبا وليس له أن يبيع الرهن بغير اذن
الراهن لان الثابت له ليس الا ملك الحبس فاما ملك العين فلا يملكه المرتهن من غير اذن
الراهن ولو باع من غير اذنه وقف على اجازته فان أجازه جاز وكان الثمن رهنا وكذا إذا باع باذنه جاز كان ثمنه رهنا
سواء قبضه من المشترى أولم يقبضه ولو هلك كان الهلاك على المرتهن وهذا يشكل على الشرط الذي ذكرنا لجواز
الرهن وهو أن لا يكون المرهون دينا والثمن دينا في ذمة المشتري فكيف يصلح رهنا (والجواب) أن الدين
يصلح رهنا في حال البقاء وإن كان لا يصلح ابتداء لأنه في حالة البقاء بدل المرهون وبدل المرهون مرهون لأنه قائم
مقام المرهون كأنه هو بخلاف حالة الابتداء وان رد بطل وعاد المبيع رهنا كما كان ولو هلك في يد المشترى قبل
الإجازة لم يجز الإجازة لان قيام المعقود عليه شرط صحة الإجازة والراهن بالخيار ان شاء ضمن المرتهن وان شاء ضمن
146

المشترى لان كل واحد منهما صار غاصبا للمرتهن بالتسليم والمشترى بالقبض فان ضمن المرتهن جاز البيع والثمن
للمرتهن وكان الضمان رهنا لأنه ملكه بالضمان فتبين أنه باع ملك نفسه فجاز وكان الثمن له لأنه بدل ملكه والضمان يكون
رهنا لأنه بدل المرهون فيكون مرهونا وقيل إنما يجوز البيع بتضمين المرتهن إذا سلم الرهن إلى المشترى أولا
ثم باعه منه فأما ما إذا باعه ثم سلمه فإنه لا يجوز لان سبب ثبوت الملك هو التسليم لأنه سبب وجوب الضمان وملك
المضمون بملك الضمان والتسليم وجد بعد البيع فلا يجوز البيع كما إذا باع مال غيره بغير اذنه ثم اشتراه منه أنه لا يجوز
بيعه كذا هذا وليس في ظاهر الرواية هذا التفصيل ولو ضمن المشترى بطل البيع لان بتضمين المشترى لم يتبين أن
المرتهن باع مال نفسه والضمان يكون رهنا لأنه بدل المرهون ويرجع المشترى على البائع بالثمن لان البيع لم يصح وليس
له ان يرجع بالضمان عليه وليس له أن يهبه أو يتصدق به بغير اذن الراهن لان الهبة والتصدق تمليك العين والثابت
للمرتهن ملك الحبس لا ملك العين فلا يملكها كمالا يملك البيع فان فعل وقف على إجازة الراهن ان أجاز جاز وبطل
الرهن وان در عاد رهنا كما كان ولو هلك في يد الموهوب له أو المتصدق عليه قبل الإجازة فالراهن بالخيار ان شاء ضمن
المرتهن وان شاء ضمن الموهوب له والمتصدق عليه لما ذكرنا وأيهما ضمن لا يرجع بالضمان على صاحبه أما المرتهن
فلا شك فيه لأنه ملك المرهون بالضمان فتبين أنه وهب أو تصدق بملك نفسه (أما) الموهوب له والمتصدق
عليه فلان الرجوع بالضمان بحكم الضرر وأنه لا يتحقق في الهبة والصدقة بخلاف البيع والإجارة وليس له أن
يؤاجره من غير الراهن بغير اذنه لان الإجارة تمليك المنفعة والثابت له ملك الحبس لا ملك المنفعة فكيف يملكها من
غيره فان فعل وقف على إجازة الراهن فان أجاز جاز وبطل الرهن لما ذكرنا فيما تقدم وكانت الأجرة للراهن ولا تكون
رهنا لما مر وولاية قبضها للمرتهن لان القبض من حقوق العقد والعاقد هو المرتهن ولا يعود رهنا إذا انقضت مدة
الإجارة لأن العقد قد بطل فلا يعود الا بالاستئناف وان رد بطل وأعاده رهنا كما كان ولو أجره بغير اذن الراهن وسلمه
إلى المستأجر فهلك في يده فالراهن بالخيار ان شاء ضمن المرتهن قيمته وقت التسليم إلى المستأجر وان شاء ضمن
المستأجر لو جود سبب وجوب الضمان من كل واحد منهما وهو التسليم والقبض غير أنه ان ضمن المرتهن لا يرجع
بالضمان على المستأجر لكنه يرجع عليه بأجرة قدر المستوفى من المنافع إلى وقت الهلاك لأنه ملكه بالضمان فتبين
أنه آجر ملك نفسه فصح وكانت الأجرة له لأنها بدل منفعة مملوكة له الا انها لا تطيب له وان ضمن المستأجر
فالمستأجر يرجع بما ضمن على المرتهن لأنه صار مغرورا من جهته فيرجع عليه بضمان الغرور وهو ضمان الكفالة
ولا أجرة عليه لان الأجرة والضمان لا يجتمعان ولو سلم واسترده المرتهن عاد رهنا كما كان لأنه لما استرده فقد عاد
إلى الوفاق بعد ما خلف فأشبه المودع إذا خالف في الوديعة ثم عاد إلى الوفاق والاجر للمرتهن لكن لا يطيب له
كالغاصب إذا آخر المغصوب وليس له أن يعير الرهن من غير الراهن بغير اذنه لما ذكرنا في الإجارة فان أعاره
وسلمه إلى المستعير فللراهن أن يبطل الإعارة فان هلك في يد المستعير فالراهن بالخيار ان شاء ضمن المرتهن وان شاء
ضمن المستعير وأيهما ضمن لا يرجع على صاحبه ويكون الضمان رهنا (أما) عدم الرجوع على المرتهن فلانه
ملكه بالضمان فتبين أنه أعار ملكه (أما) المستعير فلان الرجوع بالغرر ولم يوجد بخلاف الإجارة (أما) كون
المضان رهنا فلانه بدل المرهون فيكون مرهونا وان سلم واسترده من المستعير عاد رهنا كما كان لأنه عاد إلى الوفاق
فالتحق الخلاف فيه بالعدم ولو أعاره باذن الراهن أو بغير اذنه وأجار جاز ولا يبطل الرهن لكن يبطل ضمان الرهن لما
نذكر بخلاف الإجارة فإنها تبطل الرهن وقد مر الفرق وليس له أن يرهنه بغير اذن الراهن لأنه لم يرض بحبس غيره فان
فعل فللراهن الأول أن يبطل الرهن الثاني ويعيده إلى يد المرتهن الأول لان الرهن الثاني لم يصح فلو هلك في يد المرتهن
الثاني قبل الإعادة إلى الأول فالراهن الأول بالخيار ان شاء ضمن المرتهن الأول وان شاء ضمن المرتهن الثاني فان ضمن
المرتهن الأول جاز الرهن الثاني لأنه ملكه المرتهن الأول بالضمان فتبين أنه رهن ملك نفسه ولو هلك في يد المرتهن
147

الثاني يهلك بالدين فكان ضمانه رهنا لأنه بدل المرهون وان ضمن المرتهن الثاني بطل الرهن الثاني ويكون الضمان رهنا
على المرتهن الأول لكونه بدل المرهون ويرجع المرتهن الثاني على المرتهن الأول بما ضمن وبدينه (أما)
الرجوع بالضمان فلانه صار مغرورا من جهته فيرجع عليه (أما) الرجوع بدينه فلان الرهن الثاني لم يصح فيبقى
دينه عليه كما كان وان رهن عند الثاني باذن الراهن الأول جاز الرهن الثاني وبطل الرهن الأول (أما) جواز
الرهن الثاني فلان المانع من الجواز قد زال باذن الراهن الأول فإذا أجاز الثاني بطل الأول ضرورة وصار كان
المرتهن الأول استعار مال الراهن الأول ليرهنه بدينه فرهنه وليس له أن يودعه عند أجنبي ليس في عياله لان
الراهن لم يرض الا بيده أو بيد من يده في معنى يده ويد الأجنبي الذي ليس في عياله ليست في معنى يده فان فعل وهلك
في يد المودع ضمن كل قيمته لأنه صار غاصبا بالايداع وله أن يدفعه إلى من هو في عياله كزوجته وخادمه وأجيره
الذي يتصرف في ماله لان يد هؤلاء كيده الا ترى أنه يحفظ مال نفسه بيدهم فكان الهالك في أيديهم كالهالك في يده
والأصل في هذا أن للمرتهن ان يفعل في الرهن ما يعد حفظا له وليس له أن يفعل ما يعد استعمالا له وانتفاعا به وعلى
هذا يخرج ما إذا ارتهن خاتما فجعله في خنصره فهلك ضمن كل قيمته لان التختم بالخنصر مما يتجمل به عادة
فكان استعمالا له وهو مأذون في الحفظ لا في الاستعمال ويستوى فيه اليمنى واليسرى لان الناس يختلفون في
التجمل بهذا النوع منهم من يتجمل بالتختم في اليمنى ومنهم من يتجمل به في اليسرى فكان كل ذلك
استعمالا ولو جعله في بقية الأصابع فهلك يهلك هلاك الرهن لان التختم بها غير معتاد فكان حفظا لا استعمالا
ولو لبس خاتما فوق خاتم فهلك يرجع فيه إلى العرف والعادة فإن كان اللابس ممن يتجمل بخاتمين يضمن لأنه
مستعمل له وإن كان ممن لا يتجمل به يهلك بما فيه لأنه حافظ إياه ولو رهنه سيفين فتقلد بهما يضمن ولو كانت
السيوف ثلاثة فتقلد بها لم يضمن لان التقلد بسيفين معتاد في الجملة فكان من باب الاستعمال (فأما) بالثلاثة فليس
بمعتاد فكان حفظا لا استعمالا وإن كان الرهن طيلسانا أو قباء فلبسه لبسا معتادا يضمن وان جعله على عاتقه فهلك
يهلك رهنا لان الأول استعمال والثاني حفظ وله أن يبيع ما يخاف الفساد عليه باذن القاضي لان بيع ما يخاف
عليه الفساد من باب الحفظ فله أن يبيعه لكن باذن القاضي له لان له ولاية في مال غيره في الجملة فان باع بغير
اذنه ضمن لأنه لا ولاية له عليه وإذا باع بأمر الحاكم كان ثمنه رهنا في يده لأنه بدل المرهون فيكون رهنا وله أن
يطالب الراهن بإيفاء الدين مع قيام عقد الرهن إذا لم يكن الدين مؤجلا لان الرهن شرع لتوثيق الدين وليس من
الوثيقة سقوط المطالبة بإيفاء الدين ولو طالب المرتهن الراهن بحقه فقال الراهن بعه واستوف حقك فقال المرتهن
لا أريد البيع ولكن أريد حقي فله ذلك لان الرهن وثيقة والبيع يخرج عن كونه رهنا فيبطل معنى الوثيقة
فله أن يتوثق باستيفائه إلى استيفاء الدين ولو قال الراهن للمرتهن ان جئتك بحقك إلى وقت كذا والا فهو لك بدينك
أو بيع بحقك لم يجز وهو رهن على حاله لان هذا تعليق التمليك بالشرط وأنه لا يتعلق بالشرط وليس للقاضي أن يبيع
الرهن بدين المرتهن من غير رضا الراهن لكنه يحبس الراهن حتى يبيعه بنفسه عند أبي حنيفة عليه الرحمة وعندهما
له أن يبيعه عليه وهي مسألة الحجر على الحر وقد ذكرناها في كتاب الحجر وكذلك ليس للعدل أن يبيع الرهن كما ليس
للراهن ولا للمرتهن ذلك والكلام في العدل في ثلاثة مواضع أحدها في بيان ما للعدل أن يفعله في الرهن وما ليس
له أن يفعله فيه والثاني في بيان من يصلح عدلا في الرهن ومن لا يصلح والثالث في بيان ما ينعزل به العدل يخرج
عن الوكالة ومالا ينعزل (أما) الأول فنقول وبالله التوفيق للعدل أن يمسك الرهن بيده وبيد من يحفظ ماله بيده
وليس له أن يدفعه إلى المرتهن بغير اذن الراهن ولا إلى الراهن بغير اذن المرتهن قبل سقوط الدين لان كل واحد منهما
لم يرض بيد صاحبه حيث وضعاه في يد العدل؟ ولو دفعه إلى أحدهما من غير رضا صاحبه فلصاحبه أن يسترده
ويعيده إلى يد العدل كما كان ولو هلك قبل الاسترداد ضمن العدل قيمته لأنه صار غاصبا بالدفع وليس له أن ينتفع
148

بالرهن ولا أن يتصرف فيه بالإجارة والإعارة والرهن وغير ذلك لان الثابت له بالوضع في يده هو حق الامساك
لا الانتفاع والتصرف وليس له أن يبيعه لما قلنا الا إذا كان مسلطا على بيعه في عقد الرهن أو متأخرا عنه فله أن يبيعه
لأنه صار وكيلا بالبيع الا أن التسليط إذا كان في العقد لا يملك عزله من غير رضا المرتهن وإذا كان متأخرا عن العقد
يملك لما ذكرنا وله ان يبيع الزيادة المتولدة من الرهن لكونها مرهونة تبعا للأصل وكذا له أن يبيع ما هو قائم
مقام الرهن نحو إن كان الرهن عبدا فقتله عبدا وفقأ عينه لأنه إذا قام مقامه جعل كان الأول قائم ثم إذا سلطه على
البيع مطلقا فله أن يبيعه باي جنس كان من الدراهم والدنانير وغيرهما وباي قدر كان بمثل قيمته أن بأقل منه قدر
ما يتغابن الناس فيه وبالنقد والنسيئة عند أبي حنيفة وله أن يبيع قبل حلول الأجل لان الامر البيع مطلق وإذا باع
كان الثمن رهنا عنده إلى أن يحل الأجل لان ثمن المرهون مرهون فإذا حل الأجل أو في دين المرتهن إن كان من
جنسه وان سلط على البيع عند المحل لم يكن له أن يبيعه قبله لما قلنا ولو كان الرهن بالمسلم فيه فسلطه على البيع عند
المحل فله أن يبيعه بجنس المسلم فيه وغيره عند أبي حنيفة وعندهما يبيعه بالدراهم والدنانير وبجنس المسلم فيه وهي
مسألة الوكيل بالبيع المطلق أنه يبيع باي ثمن كان عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد ليس له أن يبيع بمالا
يتغابن الناس فيه ولا بالنسيئة ولا بغير الدراهم والدنانير الا أنهما جواز ما في مسألة السلم بجنس المسلم فيه لان الامر
بالبيع لقضاء الدين من ثمنه والجنس أقرب إلى القضاء منه ولو نهاه الراهن عن البيع بالنسيئة فان نهاه عند عقد
الرهن ليس له أن يبيع بالنسيئة لان التوكيل حصل مقيدا فيلزمه مرعاة القيد متأخر إذا كان التقييد مفيدا وهذا
النوع من التقييد مفيد ولو نهاه متأخرا عن العقد لم يصح نهيه لان التقييد المتراخى ابطال من حيث الظاهر كالتخصيص
المتراخي عن النص العام عند بعض مشايخنا حتى جعلوه فسخا لا بيانا وإذا كان ابطالا لا يملكه الراهن كمالا يملك
ابطال الوكالة الثابتة عند العقد بالعزل ثم إذا باع العدل الرهن خرج عن كونه رهنا لأنه صار ملكا للمشترى وصار ثمنه
هو الرهن لأنه قام مقامه سواء كان مقبوضا أو غير مقبوض حتى لو ترى عند المشترى كان على المرتهن ويهلك بالأقل من
قدر الثمن ومن الدين ولا ينظر إلى قيمة المبيع بل ينظر إلى الثمن بعد البيع لان الرهن انتقل إلى الثمن وخرج المبيع عن
كونه رهنا فتعتبر قيمة الرهن ثم إن باعه بجنس الدين قضى دين المرتهن منه وان باعه بخلاف جنسه باع الثمن بجنس الدين
وقضى الدين منه لأنه مسلط على بيع الرهن وقضاء الدين من ثمنه وقضاء الدين من جنسه يكون ولو باع العدل الرهن
ثم استحق في يد المشترى فللمشتري أن يرجع بالثمن على العدل لان العاقد وهو حقوق العقد في باب البيع ترجع إلى
العاقد والعدل بالخيار ان شاء يسترد من المرتهن ما أوفاه من الثمن وعاد دينة على الراهن كما كان وان شاء رجع بما ضمن
على الراهن وسلم للمرتهن ما قبض (أما) ولاية استرداد الثمن من المرتهن فلان البيع قد بطل بالاستحقاق وتبين أن
قبض الثمن من المرتهن لم يصح فله أن يسترد منه وإذا استرده عاد الدين على حاله (أما) الرجوع بما ضمن على
الراهن فله أن يرجع بالعهدة عليه وإذ رجع عليه سلم للمرتهن ما قبضه لأنه صح قبضه هذا إذا سلم الثمن إلى المرتهن فإن كان
هلك في يده قبل التسليم ليس له أن يرجع الاعلى الراهن لأنه وكيل الراهن بالبيع عامل له فكان عهدة عمله عليه
في الأصل لا على غيره الا أن له أن يرجع على المرتهن إذا قبض الثمن لما ذكرنا فإذا لم يقبض وجب العمل الأصل فيرجع
على الراهن بما ضمن وبطل الرهن بالاستحقاق ويرجع المرتهن بدينه على الراهن ولو لم يستحق الرهن ولكن
المشترى وجد به عيبا كان له أن يرده على العدل لان الرد بالعيب من حقوق البيع وانها ترجع إلى العاقد والعاقد وهو العدل
فيرد عليه ويسترد منه الثمن الذي أعطاه والعدل بالخيار إن كان رده عليه بقضاء القاضي ان شاء رجع على المرتهن إن كان
سلم الثمن إليه وان أشاء رجع على الراهن أما على المرتهن فلانه إذا رد عليه بعيب بقضاء القاضي فقد انفسخ البيع فكان
له أن يرجع بالثمن وعاد دين المرتهن على الراهن وعاد الرهن المردود رهنا بالدين (أما) الرجوع على الراهن فلانه
وكله بالبيع فيرجع عليه بالعهدة وإن كان العدل لم يعط المرتهن الثمن فان رد العدل ما قبض من الثمن فلا يرجع على
149

أحد وإن كان هلك في يده وضمن في ماله يرجع بما ضمن على الراهن خاصة دون المرتهن لما ذكرنا في الاستحقاق
ويكون المردود رهنا كما كان هذا إذا كان بيع العدل بتسليط مشروط في عقد الرهن فاما إذا كان بتسليط وجد من
الراهن بعد الرهن فان العدل يرجع بما ضمن على الراهن لا على المرتهن سواء قبض المرتهن الثمن أولم يقبضه لأنه وكيل
الراهن وعهدة والوكيل فيما وكل به على موكله في الأصل لأنه عامل له فكان عهدة عمله عليه الا أن التسليط إذا كان
مشروطا في العقد يثبت له حق الرجوع على المرتهن لتعلق حقه بهذه الوكالة على ما نذكر إن شاء الله تعالى فإذا وقع
البيع لحقه جاز أن يرجع بالضمان عليه وإذا لم يكن مشروطا فيه لم يثبت التعليق فبقي حق الرجوع بالعهدة على الموكل
على حكم الأصل وللعدل أن يبيع الزوائد المتولدة من الرهن لأنها مرهونة تبعا للأصل لثبوت حكم الرهن فيها وهو
حق الحبس تبعا فله أن يبيعها كما له أن يبيع الأصل وكذا العبد المدفوع بالجناية على الرهن بان قتل الرهن أو فقأ عينه
فدفع به للعدل أن يبيعه لان الثاني قائم مقام الأول لحما ودما فصار كان الأول قائم وللعدل أو يمتنع من البيع وإذا امتنع
لا يجبر عليه إن كان التسليط على البيع بعد الرهن وإن كان في الرهن لم يكن له أن يمتنع عنه ولو امتنع يجبر عليه لان
التسليط إذا لم يكن مشروطا في الرهن لم يتعلق به حق المرتهن فكان توكيلا محضا بالبيع فأشبه التوكيل بالبيع في سائر
المواضع وإذا كان مشروطا فيه كان حق المرتهن متعلقا به فله أن يجبره على البيع لاستيفاء حقه (أما) بيان من يصلح
عدلا في الرهن ومن لا يصلح فالمولى لا يصلح عدلا في رهن عبد المأذون حتى لو رهن العبد المأذون على أن يضع على
يد مولاه لم يجز الرهن سواء كان على العبد دين أو لم يكن والعبد يصلح عدلا في رهن مولاه حتى لو رهن انسان شيئا على
أن يضع في يد عبده المأذون يصح الرهن لان قبض الرهن قبض استيفاء الدين فيصير العدل وكيلا في استيفاء الدين
والمولى لا يصلح وكيل الأجنبي في استيفاء الدين من عبده لان الوكيل من يعمل لغيره واستيفاء الدين من عبده عمل
لنفسه من وجه لما فيه من فراغ رقبة عبده عن شغل الدين والعبد يصلح وكيل الأجنبي في استيفاء الدين من مولاه
لذلك افترقا وعن أبي يوسف ان المولى يصلح عدلا في رهن مكاتبه والمكاتب يصلح عدلا في رهن مولاه لان
المكاتب حريدا فكان كل واحد منهما أجنبيا عما في يد الآخر والمكفول عنه لا يصلح عدلا في رهن الكفيل
وكذا الكفيل لا يصلح عدلا في رهن المكفول عنه لان كل واحد منهما لا يصلح وكيلا في استيفاء الدين من
صاحبه لأنه يعمل لنفسه أما المكفول عنه فبتفريغ ذمته عن الدين (أما) الكفيل فبتخليص نفسه عن
الكفالة بالدين وأحد شريكي المفاوضة لا يصلح عدلا في رهن صاحبه بدين التجارة لان يد كل واحد منهما يد صاحبه
فكان ما في يد كل واحد منهما كأنه في يد صاحبه فلم يتحقق خروج الرهن من يد الراهن وانه شرط صحة الرهن وكذا
أحد شريكي العنان في التجارة لا يصلح عدلا في رهن صاحبه بدين التجارة لما قلنا فإن كان من غير التجارة فهو جائز في
الشريكين جميعا لان كل واحد منهما أجنبي عن صاحبه في غير دين التجارة فلم تكن يده كيد صاحبه فوجد خروج
الرهن من يد الراهن ورب المال لا يصلح عدلا في رهن المضارب ولا المضارب في رهن رب المال حتى لو رهن
المضارب شيئا من مال المضاربة بدين في المضاربة على أن يضعه على يدرب المال أو رهن رب المال على أن يضعه على
يد المضارب لا يجوز الرهن لان يد المضارب يد لرب المال وعمل رب المال كعمل المضارب فلم يتحقق خروج الرهن
من يد الراهن فلم يجز الرهن والأب لا يصلح عدلا في رهنه بثمن ما اشترى للصغير بان اشترى الأب للصغير شيئا
ورهن بثمن ما اشترى له على أن يضعه على يد نفسه فالشراء جائز والرهن باطل لأنه لما شرط على أن يضعه في يد نفسه
فقد شرط على أن لا يخرج الرهن من يد الراهن وانه شرط فاسد فيفسد الرهن وهل يصلح الراهن عدلا في الرهن فإن كان
الرهن لم يقبض من يده بعد لا يصلح حتى لو شرط في عقد الرهن على أن يكون الرهن في يده فسد العقد لان قبض
المرتهن شرط صحة العقد ولا يتحقق القبض الا بخروج الرهن من يد الراهن فكان شرط كونه في يده شرطا فاسدا
فيفسد الرهن وإن كان قبضه المرتهن ثم وضعه على يده جاز بيعه لأن العقد قد صح بالقبض والبيع تصرف من الراهن
150

في ملكه فكان الأصل فيه هو النفاذ والتوقف كان لحق المرتهن فإذا رضى به فقد زال المانع فينفذ (أما) بيان ما
ينعزل به العدل ويخرج عن الوكالة ومالا ينعزل فنقول التسليط على البيع اما أن يكون في عقد الرهن واما أن يكون
متأخرا عنه فإن كان في العقد فعزل الراهن العدل لا ينعزل من غير رضا المرتهن لان الوكالة إذا كانت في العقد كانت
تابعة للعقد فكانت لازمة بالعقد فلا ينفرد الراهن بفسخها كما لا ينفرد بفسخ العقد وكذا لا ينعزل بموت الراهن ولا
بموت المرتهن لما ذكرنا ان الوكالة الثابتة في العقد من توابع العقد والعقد لا يبطل بالموت فكذا ما هو من توابعه وإن كان
التسليط متأخرا عن العقد فللراهن أن يعزله وينعزل بموت الراهن أيضا لان التسليط المتأخر عن العقد توكيل
مبتدأ فينعزل الوكيل بعزل الموكل وموته وسائر ما يخرج به الوكيل عن الوكالة وقد ذكرنا جملة ذلك في كتاب الوكالة
وهذا الذي ذكرنا جواب ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أن التسليط الطارئ على العقد والمقارن إياه سواء لأنه
يلتحق بالعقد فيصبر كالموجود عند العقد والصحيح جواب ظاهر الرواية لان التسليط لم يوجد عند العقد حقيقة
وجعل المعدوم حقيقة موجودا تقديرا لا يجوز الا بدليل ولم يوجد وتبطل الوكالة بموت العدل سواء كانت بعد العقد
أو في العقد ولا يقوم وارثه ولا وصيه مقامه لان الوكالة لا تورث ولان الراهن رضى به ولم يرض بغيره فإذا مات بطلت
الوكالة لكن لا يبطل العقد ويوضع الرهن في يد عدل آخر عن تراض منهما لأنه جاز الوضع في يد الأول في الابتداء
بتراضيهما فكذا في يد الثاني في الانتهاء فان اختلفا في ذلك نصب القاضي عدلا ووضع الرهن على يده قطعا للمنازعة
وليس للعدل الثاني أن يبيع الا أن يموت الراهن لان الراهن سلط الأول لا الثاني وعلى هذا تخرج نفقة الراهن انها
على الراهن لا على المرتهن والأصل ان ما كان من حقوق الملك فهو على الراهن لان الملك له وما كان من حقوق اليد
فهو على المرتهن لان اليد له إذا عرف هذا فنقول الرهن إذا كان رقيقا فطعامه وشرابه وكسوته على الراهن وكفنه
عليه وأجرة ظئر ولد الرهن عليه وإن كانت دابة فالعلف وأجرة الراعي عليه وإن كان بستانا فسقيه وتلقيح نخله
وجداده والقيام بمصالحه عليه سواء كان في قيمة الرهن فضل أو لم يكن لأن هذه الأشياء من حقوق الملك ومؤنات
الملك على المالك والملك للراهن فكانت المؤنة عليه والخراج على الراهن لأنه مؤنة الملك (أما) العشر ففي الخارج
يأخذه الامام ولا يبطل الرهن في الباقي بخلاف ما إذا استحق بعض الرهن شائعا انه يبطل الرهن في الباقي (ووجه)
الفرق ان الفساد في الاستحقاق لمكان الشيوع ولم يوجد ههنا لان بالاستحقاق تبين ان الرهن في القدر المستحق
لم يصح والباقي شائع والشياع يمنع صحة الرهن بخلاف العشر لان وجوبه في الخارج لا يخرجه عن ملكه بدليل أنه
يجوز بيعه ويجوز له الأداء من غيره فكان الدفع إلى الامام بمنزلة اخراج الشئ عن ملكه فلا يتحقق فيه معنى الشيوع
فهو الفرق ولو كان في الرهن نماء فأراد الراهن أن يجعل النفقة التي ذكرنا انها عليه في نماء الرهن ليس له ذلك لان زوائد
المرهون مرهونة عندنا تبعا للأصل فلا يملك الانفاق منها كمالا يملك الانفاق من الأصل والحفظ على المرتهن حتى
لو شرط الراهن للمرتهن أجرا على حفظه فحفظ لا يستحق شيئا من الاجر لان حفظ الرهن عليه فلا يستحق
الاجر باتيان ما هو واجب عليه بخلاف المودع إذا شرط للمودع اجرا على حفظ الوديعة ان له الاجر لان حفظ
الوديعة ليس بواجب عليه فجاز شرط الاجر وأجرة الحافظ عليه لأنها مؤنة الحفظ والحفظ عليه وكذا أجرة
المسكن والمأوى لما قلنا وروى عن أبي يوسف ان كراء المأوى على الراهن وجعله بمنزلة النفقة وجعل الآبق على
المرتهن بقدر الدين والفضل على ذلك على المالك حتى لو كانت قيمة الرهن والدين سواء أو قيمة الرهن أقل فالجعل كله
على المرتهن وإن كانت قيمته أكثر فبقدر الدين على المرتهن وبقدر الزيادة على الراهن لان وجوب الجعل على المرتهن
لكون المرهون مضمونا وانه مضمون بقدر الدين والفضل أمانة فانقسم الجعل عليهما على قدر الأمانة والضمان
بخلاف أجرة المسكن انها على المرتهن خاصة وإن كان قيمة الرهن فضل لان الأجرة إنما وجبت على المرتهن لكونها
مؤنة الحفظ وكل المرهون محفوظ بحفظه فكان كل المؤنة عليه فأما الجعل فإنما لزمه لكون المردود مضمونا
151

والمضمون بعضه لاكله فيتقدر بقدر الضمان والفداء من الجناية والدين الذي يلحقه الرهن بمنزلة جعل الآبق ينقسم
على المضمون الأمانة وكذلك مداواة الجروح والقروح والأمراض تنقسم عليهما على قدر الضمان والأمانة
كذا ذكر الكرخي وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أن المداواة على المرتهن من باب احياء حقه وهو الدين
وكل ما وجب على الراهن فأداه المرتهن بغير اذنه أو وجب على المرتهن فأداه المرتهن بغير اذنه فهو مقطوع لأنه قضى
دين غيره بغير أمره فان فعل بأمر القاضي يرجع على صاحبه لان القاضي له ولاية حفظ أموال الناس وصيانتها عن
الهلاك والاذن وبالانفاق على وجه يرجع على صاحبه بما أنفق طريق صيانة المالين وكذا إذا فعل أحدهما بأمر
صاحبه يرجع عليه لأنه صار وكيلا عنه بالانفاق وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله أن الراهن إن كان غائبا
فأنفق المرتهن بأمر القاضي يرجع عليه وإن كان حاضرا لم يرجع عليه وقال أبو يوسف ومحمد يرجع في الحالين جميعا
بناء على أن القاضي لا يلي على الحاضر عنده وعندهما يلي عليه وهي مسألة الحجر على الحر وستأتي في كتاب الحجر وعلى
هذا يخرج زوائد الرهن انها مرهونة عندنا وجملة الكلام في زوائد الرهن انها على ضربين زيادة غير متولدة من الأصل
ولا في حكم المتولد منه كالكسب والهبة والصدقة وزيادة متولدة من الأصل كالولد والثمر واللبن والصوف أوفى حكم
المتولد من الأصل كالأرش والعقر ولا خلاف في أن الزيادة الأولى انها ليست بمرهونة بنفسها ولا في بدل المرهون
ولا جزء منه ولا بدل جزء منه فلا يثبت فيها حكم الرهن واختلف في الزيادة الثانية قال أصحابنا رحمهم الله انها مرهونة
وقال الشافعي رحمه الله ليست مرهونة بناء على أن الحكم الأصلي للرهن عنده هو كون المرتهن أخص ببيع المرهون
وأحق بثمنه من بين سائر الغرماء؟ فقبل البيع لا حق له في الرهن حتى يسرى إلى الولد فأشبه ولد الجارية إذا جنت ثم
ولدت ان حكم الجناية لا يثبت في ولدها لما أن حكم جناية الام هو وجوب الدفع إلى المجني عليه وانه ليس بمعنى ثابت في
الام فلم يسر إلى الولد كذا هذا الدليل على أن الزيادة ليست مرهونة انها ليست بمضمونة ولو كانت مرهونة لكانت
مضمونة كالا صل وعندنا حق الحبس حكم أصلى للرهن أيضا وهذا الحق ثابت في الام فيثبت في الولد تبعا للام الا
أنها ليست بمضمونة لثبوت حكم الرهن فيها تبعا للأصل فكانت مرهونة تبعا لا أصلا كولد المبيع انه مبيع على أصل
أصحابنا رضي الله عنهم لكن تبعا لا أصلا فلا يكون له حصة من الثمن الا إذا صار مقصودا بالقبض فكذا المرهون
تبعا لا يكون له حصة من الضمان الا إذا صار مقصودا بالفكاك وإذا كانت الزيادة مرهونة عندنا كانت محبوسة مع
الأصل بكل الدين وليس للراهن أن يفتك أحدهما الا بقضاء الدين كله لان كل واحد منهما مرهون والمرهون محبوس
كله بكل جزء من أجزاء الدين لما نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى وينقسم الدين على الأصل والزيادة على تقدير
بقائها إلى وقت الفكاك على قدر قيمتهما لكن تعتبر قيمة الأصل يوم العقد وقيمة الزيادة يوم الفكاك ونبين ذلك في
موضعه وعلى هذا يخرج الزيادة على الرهن انها لما كانت جائزة على أصل أصحابنا كان للمرتهن أن يحبسهما جميعا بالدين
ولا سبيل للراهن على أحدهما ما لم يقبض جميع الدين لان كل واحد منهما مرهون ويقسم الدين بينهما على قدر قيمتهما
الا أنه تعتبر قيمة الرهن الأصلي وقت العقد وقيمة الزيادة وقت الزيادة وأيهما هلك يهلك بحصته من الدين بخلاف
زيادة الرهن والفرق بين الزيادتين يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى (وأما) الذي يتعلق بكيفية هذا الحكم فنوعان الأول
ان الثابت للمرتهن حق حبس الرهن بالدين الذي رهن به وليس له أن يمسكه بدين وجب له على الراهن قبل الرهن أو
بعده لأنه مرهون بهذا الدين لا بدين آخر فلا يملك حبسه بدين آخر لان ذلك دين لا رهن به والثاني ان المرهون
محبوس بجميع الدين الذي رهن به سواء كانت قيمة الرهن أكثر من الدين أو أقل حتى لو قضى الراهن بعض الدين
كان للمرتهن أن يحبس كل الدين حتى يستوفى ما بقي قل الباقي أو كثر لان الرهن في حق ملك الحبس مما لا يتجزأ
فما بقي شئ من الدين بقي محبوسا به كالمبيع قبل القبض لما كان محبوسا بجميع الثمن فما بقي شئ من الثمن بقي محبوسا به
كذا هذا ولان صفقة الرهن واحدة فاسترداد شئ من الرهون بقضاء بعض الدين يتضمن تفريق الصفقة من غير
152

رضا المرتهن وهذا لا يجوز وسواء كان المرهون شيئا واحدا أو أشياء ليس للراهن أن يسترد شيئا من ذلك بقضاء بعض
الدين لما قلنا وسواء سمى لكل واحد منهما شيئا من المال الذي رهن به أولم يسم في رواية الأصل وذكر في الزيادات
فيمن رهن مائة شاة بألف درهم على أن كل شاة منها بعشرة دراهم فأدى عشرة دراهم كان له أن يقبض شاة ذكر الحاكم
الشهيدان ما ذكر في الأصل قول أبى يوسف وما ذكر في الزيادات قول محمد وذكر الجصاص ان في المسألة روايتين
عن محمد (وجه) رواية الزيادة أنه لما سمى لكل واحد منهما دينا متفرقا أوجب ذلك تفريق الصفقة فصار كأنه رهن
كل واحدة منهما بعقد على حدة (وجه) رواية الأصل أن الصفقة واحدة حقيقة لأنها أضيفت إلى الكل إضافة
واحدة الا انه تفرقت التسمية وتفريق التسمية لا يوجب تفريق الصفقة كما في البيع إذا اشتملت الصفقة على أشياء
كان للبائع حق حبس كلها إلى أن يستوفى جميع الثمن وان سمى لكل واحد منهما ثمنا على حدة كذا هذا (وأما)
الحكم الثاني وهو اختصاص المرتهن ببيع المرهون له واختصاصه بثمنه فنقول وبالله التوفيق إذا بيع الرهن في
حال حياة الراهن وعلى ديون أخر فالمرتهن أحق بثمنه من بين سائر الغرماء لان بعقد الرهن ثبت له الاختصاص
بالمرهون فيثبت له الاختصاص ببدله وهو الثمن ثم إن كان الدين حالا والثمن من جنسه فقد استوفاه إن كان
في الثمن وفاء بالدين وإن كان فيه فضل رده على الراهن وإن كان أنقص من الدين يرجع المرتهن بفضل الدين على
الراهن وإن كان الدين مؤجلا حبس الثمن إلى وقت حلول الأجل لأنه المرهون فيكون مرهونا فإذا حل الأجل
فإن كان الثمن من جنس الدين صار مستوفيا دينه وإن كان من خلاف جنسه يحبسه إلى أن يستوفى دينه كله وكذلك
إذا بيع الرهن بعد وفاة الراهن وعليه ديون ولم يخلف مالا آخر سوى الرهن كان المرتهن أحق بثمنه من بين
سائر الغرماء لما ذكرنا فان فضل منه شئ يضم الفضل إلى مال الراهن ويقسم بين الغرماء بالحصص لان قدر
الفضل لم يتعلق به حق المرتهن وان نقص عن الدين يرجع المرتهن بما بقي من دينه في مال الراهن وكان بينه وبين
الغرماء بالحصص لان قدر الفضل من الدين دين لا رهن به فيستوى فيه الغرماء وكذلك لو كان على الراهن دين
آخر كان المرتهن فيه أسوة الغرماء وليس له أن يستوفيه من ثمن الرهن لان ذلك الدين لا رهن به فيتضارب فيه
الغرماء كلهم (وأما) الحكم الثالث وهو وجوب؟ تسليم المرهون عند الافتكاك فيتعلق به معرفة وقت وجوب
التسليم فنقول وقت وجوب التسليم ما بعد قضاء الدين يقضى الدين أولا ثم يسلم الرهن لان الرهن وثيقة وفى
تقديم تسليمه ابطال الوثيقة ولأنه لو سلم الرهن أولا فمن الجائز ان يموت الراهن قبل قضاء الدين فيصير المرتهن
كواحد من الغرماء فيبطل حقه فلزم تقديم قضاء الدين على تسليم الرهن الا ان المرتهن إذا طلب الدين يؤمر باحضار
الرهن أولا ويقال له أحضر الرهن إذا كان قادرا على الاحضار من غير ضرر زائد ثم يخاطب الراهن بقضاء
الدين لأنه لو خوطب بقضائه من غير احضار الرهن ومن الجائز ان الرهن قد هلك وصار المرتهن مستوفيا دينه من
الرهن فيودى إلى الاستيفاء مرتين وكذلك المشترى يؤمر بتسليم الثمن أولا إذا كان دينا ثم يؤمر البائع بتسليم المبيع
لما ذكرنا في كتاب البيوع الا ان البائع إذا طالبه بتسليم الثمن يقال له احضر المبيع لجواز ان المبيع قد هلك وسواء
كان عين الرهن قائما في يد المرتهن أو كان في يده بد له بعد إن كان البدل من خلاف جنس الدين نحو ما إذا كان المرتهن
مسلطا على بيع الرهن فباعه بخلاف جنس الدين أو قتل الرهن خطأ وقضى بالدية من خلاف جنس الدين فطالبه
المرتهن بدينه كان للراهن ان لا يدفع حتى يحضره المرتهن لان البدل قائم مقام المبدل فكان المبدل فكان المبدل قائم ولو كان
قائما كان له ان يمنع ما لم يحضره المرتهن فكذلك إذا قام البدل مقامه ولو كان الرهن على يدي عدل وجعلا للعدل ان
يضعه عند من أحب وقد وضعه عند رجل فطلب المرتهن دينه يجبر الراهن على قضاء الدين ولا يكلف المرتهن باحضار
الرهن لان قضاء الدين واجب على الراهن على سبيل التضييق الا انه رخص له التأخير إلى غاية احضار الدين عند
القدرة على الاحضار وهنا قدرة للمرتهن على احضاره لان للعدل ان يمنعه عنه ولو أخذ من يده جبرا كان غاصبا
153

وإلى هذا المعنى أشار محمد في الكتاب فقال كيف يؤمر باحضار شئ لو أخذه كان غاصبا وإذا سقط التكليف
بالاحضار زالت الرخصة فيخاطب بقضاء الدين وكذلك إذا وضعا الرهن على يد عدل فغابا العدل بالرهن ولا
يدرى أين هو لا يكلف المرتهن باحضار الرهن ويجبر الراهن على قضاء الدين لما ذكرنا ولو كان الرهن في يد المرتهن
فالتقيا في بلد آخر فطالب المرتهن الراهن بقضاء دينه فإن كان الدين مما له حمل ومؤنة يجبر الراهن على قضاء الدين ولا
يجبر المرتهن على احضار الرهن لما ذكرنا ان قضاء الدين واجب عليه على سبيل التضييق والتأخير إلى وقت الاحضار
للضرورة التي ذكرناها عند القدرة على الاحضار من غير ضرر زائد والمرتهن هنا لا يقدر على الاحضار الا بالمسافرة
بالرهن أو بنقله من مكان العقد وفيه ضرر بالمرتهن فسقط التكليف بالاحضار ولو ادعى الراهن هلاك الرهن فقال
المرتهن لم يهلك فالقول قول المرتهن مع يمينه لان الرهن كان قائما والأصل في الثابت بقاؤه فالمرتهن يستصحب حالة
القيام والراهن يدعى زوال تلك الحالة والقول قول من يدعى الأصل لأن الظاهر شاهد له ولان الراهن بدعوى
الهلاك يدعى على المرتهن استيفاء الدين وهو منكر فكان القول قوله مع يمينه ويحلف على البتات لان يحلف على
فعل نفسه وهو القبض السابق لان المرتهن لا يصير مستوفيا بالهلاك لأنه لا صنع له فيه بل بالقبض السابق وذلك
فعله بخلاف ما إذا كان الرهن عند عدل فغاب بالرهن فاختلف الراهن والمرتهن في هلاك الرهن ان هناك يحلف
المرتهن على العلم لا على البتات لان ذلك تحليف على فعل غيره وهو قبض العدل فتعذر التحليف على البتات فيحلف
على العلم كما لو ادعى الراهن انه أو في الدين وكيل المرتهن والمرتهن ينكر انه يحلف على العلم لما ذكرنا كذا هذا وإن كان
الرهن مما لا حمل له ولا مؤنة فالقياس انه يجبر على قضاء الدين وفى الاستحسان لا يجبر ما لم يحضر المرتهن الرهن لأنه
ليس في احضاره ضرر زائد وعلى هذا الأصل مسائل في الزيادات ولو اشترى شيئا ولم يقبضه ولم يسلم الثمن حتى
لقيه البائع في غيره مصره الذي وقع البيع فيه فطالبه بالثمن وأبى المشترى حتى يحضر المبيع لا يجبر المشترى على تسليم الثمن
حتى يحضر البائع المبيع سواء كان له حمل ومؤنة أولم يكن فرق بين البيع والرهن ووجه الفرق ان البيع معاوضة مطلقة
والمساواة في المعاوضات المطلقة مطلوبة عادة وشريعة ولا تتحقق المساواة من غير احضار المبيع بخلاف الرهن
لأنه ليس بمعاوضة مطلقة وإن كان فيه معنى المعاوضة فلا يلزم اعتبار المساواة بين المرهون والمرهون به وهو الدين
في هذا الحكم
(فصل) وأما الذي يتعلق بحال هلاك المرهون فالمرهون إذا هلك لا يخلو اما ان يهلك بنفسه واما أن يهلك
بالاستهلاك فان هلك بنفسه يهلك مضمونا بالدين عندنا والكلام في هذا الحكم في ثلاثة مواضع أحدها في بيان
أصل الضمان أنه ثابت أم لا والثاني في بيان شرائط الضمان والثالث في بيان قدر الضمان وكيفيته أما الأول فقد
اختلف فيه قال أصحابنا رضي الله عنهم ان المرهون يهلك مضمونا بالدين وقال الشافعي رحمه الله يهلك أمانة احتج
بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يغلق الرهن لا يغلق الرهن لا يغلق الرهن هو لصاحبه الذي رهنه
له غنمه وعليه غرمه فقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام غرم الرهن على الراهن وإنما يكون غرمه عليه إذا هلك أمانة
لان عليه قضاء دين المرتهن فاما إذا هلك مضمونا كان غرمه على المرتهن حيث سقط حقه لا على الراهن وهذا
خلاف النص ولان عقد الرهن شرع وثيقة بالدين ولو سقط الدين بهلاك المرهون لكان توهينا لا توثيقا لأنه يقع
تعريض الحق للتلف على تقدير هلاك الرهن فكان توهينا للحق لا توثيقا له (ولنا) ما روى عن النبي عليه الصلاة
والسلام أنه قال الرهن بما فيه وفى رواية الرهان بما فيها وهذا نص في الباب لا يحتمل التأويل وروى أن رجلا
رهن بدين عند رجل فرسا بحق له عليه فنفق الفرس عنده فطالبه المرتهن بحقه فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال عليه الصلاة والسلام ذهب حقك ولان المرتهن جعل مستوفيا للدين عند هلاك الرهن فلا يملك
الاستيفاء ثانيا كما إذا استوفى بالفكاك وتقرير معنى الاستيفاء في الرهن ذكرناه في مسائل الخلاف وأما الحديث
154

فيحتمل أن يكون معنى قوله عليه الصلاة والسلام لا يغلق الرهن أي لا يهلك إذا الغلق يستعمل في الهلاك كذا قال
بعض أهل اللغة وعلى هذا كان الحديث حجة عليه لأنه يذهب بالدين فلا يكون هالكا معنى وقيل معناه أي لا
يستحقه المرتهن ولا يملكه عند امتناع الراهن عن قضاء الدين وهذا كان حكما جاهليا جاء الاسلام فابطله وقوله عليه
الصلاة والسلام عليه غرمه أي نفقته وكنفه ونحن به نقول أنه وثيقة قلنا معنى التوثيق في الرهن هو التوصل إليه في
أقرب الأوقات لأنه كان للمرتهن ولاية مطالبة الراهن بقضاء الدين مق مطلق ماله وبعد الرعن حدثت له ولاية
المطالبة بالقضاء من ماله المعين وهو الرهن بواسطة البيع فازداد طريق الوصول إلى حقه فحصل معنى التوثيق
(فصل) (وأما) شرائط كونه مضمونا عند الهلاك فأنواع منها قيام الدين حتى لو سقط الدين من غير عوض
ثم هلك الرهن في يد المرتهن هلك أمانة وعلى هذا يخرج ما إذ أبرأ المرتهن الراهن عن الدين ثم هلك الرهن في يد
المرتهن أنه يهلك بغير شئ ولا ضمان على المرتهن فيه إذا لم يوجد منه منع الرهن عند طلبه استحسانا والقياس
أن يضمن وهو قول زفر ولو استوفى دينه ثم هلك الرهن في يده يهلك بالدين وعليه بدل ما استوفى وزفر سوى بين
الابراء والاستيفاء ونحن نفرق بينهما (وجه) القياس أن قبض الرهن قبض استيفاء ويتقرر ذلك الاستيفاء عند
الهلاك فيصير كأنه استوفى الدين ثم أبرأ عنه ثم هلك الرهن ولو كان كذلك يضمن كذا هذا ولان المرهون لما صار
مضمونا بالقبض يبقى الضمان ما بقي القبض وقد بقي لانعدام ما ينقضه وجه الاستحسان أن كون المرهون مضمونا
بالدين يستدعى قيام الدين لأن الضمان هو ضمان الدين وقد سقط بالابراء فاستحال أن يبقى مضمونا به وقد خرج
الجواب عن قوله إن الاستيفاء يتقرر عند الهلاك لأنا نقول نعم إذا كان الدين قائما فإذا اسقط بالابراء لا يتصور الاستيفاء
وهذا بخلاف ما إذا استوفى الدين ثم هلك الرهن في يد المرتهن لان قبض الرهن قائم والضمان متعلق به فيبقى ما بقي
القبض ما لم يوجد المسقط والاستيفاء لا يسقط الضمان بل يقرره لان المستوفى يصير مضمونا على المرتهن بخلاف
الابراء لأنه مسقط لان الابراء اسقاط فلا يبقى الضمان فهو الفرق هذا إذا لم يوجد من المرتهن منع الرهن من الراهن بعد
طلبه فان وجد ثم هلك الرهن في يده ضمن كل قيمته لأنه صار غاصبا بالمنع والمغصوب مضمون بكل القيمة وعلى هذا
يخرج ما إذا أخذت المرأة بصداقها رهنا ثم طلقها الزوج قبل الدخول ثم هلك الرهن في يدها أنه لا ضمان عليها في
نصف الصداق الذي سقط بالطلاق لأنها لم تصر مستوفية لذلك النصف عند هلاك الرهن لسقوطه بالطلاق فلم
يبق القبض مضمونا وكذلك لو أخذت بالصداق رهنا ثم ارتدت قبل الدخول بها حتى سقط الصداق ثم هلك
الرهن في يدها لا ضمان عليها لان الصداق لما سقط بالردة لم يبق القبض مضمونا فصار كما لو أبرأته عن الصداق ثم هلك
الرهن في يدها ولو لم يكن المهر مسمى حتى وجب مهر المثل فأخذت بمهر المثل رهنا ثم طلقها قبل الدخول بها حتى
وجبت عليه المتعة لم يكن له أن يحبس الرهن بالمتعة ولو هلك في يدها ولم يوجد منهما منع يهلك بغير شئ والمتعة باقية على
الزوج وهذا قول أبى يوسف وقال محمد لها حق الحبس بالمتعة ولقب المسألة أن الرهن بمهر المثل هل يكون رهنا بالمتعة
عند أبي يوسف لأن يكون وعند محمد يكون ولم يذكر قول أبي حنيفة في الأصل وذكر الكرخي رحمه الله قوله مع قول
أبى يوسف وجه قول محمد أن الرهن بالشئ رهن ببدله في الشرع لان بدل الشئ يقوم مقامه كأنه هو لهذا كان الرهن
بالمغصوب رهنا بقيمته عند هلاكه والرهن بالمسلم فيه رهنا برأس المال عند الإقالة والمتعة بدل عن نصف المهر لأنه
يجب بالسبب الذي يجب به مهر المثل وهو النكاح عند عدمه وهذا حد البدل في أصل الشيوع ولأبي يوسف أن
المتعة وجبت أصلا بنفسها لا بدلا عن مهر المثل والسبب انعقد لوجوبها ابتداء كما أن العقد لوجوب مهر المثل بالطلاق
زال في حق أحد الحكمين وبقى في حق الحكم الآخر الا أنه لا يعمل فيه الابعد الطلاق فكان الطلاق شرط عمل السبب
وهذا لا يدل على كونها بدلا كما في سائر الأسباب المعلقة بالشروط ولو أسلم في طعام وأخذ به رهنا ثم تفاسخا العقد
كان له أن يحبس الرهن برأس المال لان رأس المال بدل عن المسلم فيه فان هلك الرهن في يده يهلك بالطعام لان
155

القبض حين وجوده وقع مضمونا بالطعام وبالإقالة لم يسقط الضمان أصلا لان بدله قائم وهو رأس المال فيبقى القبض
مضمونا على ما كان بخلاف ما إذا أبرأه عن الدين ثم هلك الرهن في يد المرتهن أنه يهلك بغير شئ لأن الضمان هناك
سقط أصلا ورأسا فخرج القبض من أن يكون مضمونا ولو اشترى عبدا وتقابضا ثم تفاسخا كان للمشترى أن
يحبس المبيع حتى يستوفى الثمن لان المشترى بعد التفاسخ ينزل منزلة البائع وللبائع حق حبس المبيع حتى يستوفى الثمن
فكذا المشترى وكذلك لو أن البائع سلم المبيع وأخذ بالثمن رهنا من المشترى ثم تقايلا كان للبائع أن يحبس الرهن
حتى يقبض المبيع كما في المسلم ومنها أن يكون هلاك المرهون في قبض الرهن فإن لم يكن لا يكون مضمونا بالدين وان
بقي عقد الرهن لان المرهون إنما صار مضمونا بالقبض فإذا خرج عن قبض الرهن لم يبق مضمونا وعلى هذا يخرج
ما إذا غصب الرهن غاصب فهلك في يده أنه لا يسقط شئ من الدين لان قبض الغصب أبطل قبض الرهن وإن لم
يبطل عقد الرهن حتى كان للمرتهن أن ينقض قبض الغاصب فيرده إلى الرهن وعلى هذا يخرج ما إذا استعار المرتهن
الرهن من الراهن لينتفع به فهلك أنه إن هلك قبل أن يأخذ في الانتفاع أو بعد ما فرغ عنه يهلك بالدين وان هلك في حال
الانتفاع يهلك أمانة لان المرهون قبل إن يأخذ في الانتفاع على حكم قبض الرهن لانعدام ما ينقضه وهو قبض
الانتفاع وإذا أخذ في الانتفاع فقد نقضه لوجود قبض الإعارة وقبض الإعارة ينافي قبض الرهن لأنه قبض أمانة
وقبض الرهن قبض ضمان فإذا جاء أحدهما انتفى الآخر ثم إذا فرغ من الانتفاع فقد انتهى قبض الإعارة فعاد
قبض الرهن وكذلك إذا أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بالمرهون فهو على التفصيل ولو استعاره الراهن من
المرتهن لينتفع به فقبضه خرج عن ضمان الرهن حتى لو هلك في يده يهلك أمانة والدين على حاله لان قبضه قبض العارية
وأنه قبض أمانة فينافي قبض الضمان وكذلك لو أذن المرتهن للراهن بالانتفاع بالرهن وكذلك لو أعاره الراهن من
أجنبي بإذن المرتهن أو اعاره المرتهن باذن الراهن من أجنبي وسلمه إلى المستعير فالمرهون في هذه الوجوه كلها يخرج عن
ضمان الرهن ولا يخرج عن عقد الرهن والخروج عن الضمان لا يوجب الخروج عن العقد كزوائد الرهن ولو كان
المرهون جارية فاستعارها الراهن فولدت في يده ولدا فالولد رهن لان الأصل مرهون لقيام عقد الرهن حتى لو هلكت
الجارية قبل أن يقبض المرتهن الولد فالدين قائم والولد رهن بجميع المال لأن الضمان وان فات فالعقد قائم وفوات الضمان
لا يوجب بطلان العقد على ما مر وإذا بقي العقد في الام صار الولد مرهونا تبعا للأم فكان له أن يحبسه بجميع المال
وكذا لو ولدت هذه الابنة ولدا فإنهما رهن بجميع المال وان ما تلم يسقط شئ من الدين لان الولد ليس بمضمون الا
ترى أن الام لو كانت قائمة فهلك الولد لا يسقط شئ من الدين فكذا إذا كانت هالكة ولا يفتك الراهن واحدا منهما
حتى يؤدى المال كله لأنهما دخلا جميعا في العقد فلا يملك الراهن التفريق ولو مات الراهن والرهن قائم في يده قبل
أن يرده إلى المرتهن فالمرتهن أحق به من سائر الغرماء لقيام عقد الرهن وان بطل الضمان كما في ولد الرهن أن المرتهن
أحق به وان لم يكن فيه ضمان ولو أعار الراهن الرهن من المرتهن أو أذن له بالانتفاع به فجاء يفتك الرهن وهو ثوب وبه
خرق فاختلفا فقال الراهن حدث هذا في يدك قبل اللبس أو بعد ما لبسته ورددته إلى الرهن وقال المرتهن لا بل حدث
هذا في حال اللبس فالقول قول المرتهن لأنهما لما اتفقا على اللبس فقد اتفقا على خروجه من الضمان فالراهن يدعى
عوده إلى الضمان والمرتهن ينكر فكان القول قوله هذا إذا اتفقا على اللبس واختلفا في وقته فأما إذا اختلفا في أصل
اللبس فقال الراهن لم ألبسه ولكنه تخرق وقال المرتهن لبسته فتخرق فالقول قول الراهن لأنهما اتفقا على دخوله في
الضمان فالمرتهن بدعواه اللبس يدعى الخروج من الضمان والراهن ينكر فكان القول قوله وان أقام الراهن البينة انه
تخرق في ضمان المرتهن وأقام المرتهن البينة انه تخرق بعد خروجه من الضمان فالبينة بينة الراهن لا بينته مثبتة لأنها
تثبت الاستيفاء وبينة المرتهن تنفى الاستيفاء المثبتة أولى (ومنها) أن يكون المرهون مقصودا فلا تكون الزيادة
المتولدة من الرهن أوما هو في حكم المتولد كالولد والثمر واللبن والصوف والعقر ونحوها مضمونا الا الأرش خاصة حتى
156

لو هلك شئ من ذلك لا يسقط شئ من الدين الا الأرش فإنه إذا هلك تسقط حصته من الدين وإنما كان كذلك لان
الولد ليس بمرهون مقصود إبل تبعا للأصل كولد المبيع على أصل أصحابنا انه مبيع تبعا لا مقصودا والمرهون تبعا
لا حصة له من الضمان الا إذا صار مقصودا بالفكاك كما أن المبيع تبعا لا حصة له من الثمن الا إذا صار مقصودا بالقبض
بخلاف الأرش لأنه بدل المرهون لان كل جزء من أجزاء الرهن مرهون وبدل الشئ قائم مقامه كأنه هو فكان حكمه
حكم الأصل والأصل مضمون فكذا بدله بخلاف الولد ونحوه وبخلاف الزيادة على الرهن انها مضمونة لأنها
مرهونة مقصود الا تبعا لان الزيادة إذا صحت التحقت بأصل العقد كان العقد ورد على الزيادة والزيد عليه على ما نذكر
في موضعه إن شاء الله تعالى ولو هلك الأصل بقيت الزيادة يقسم الدين على الأصل والزيادة على قدر قيمتهما وتعتبر
قيمة الأصل وقت القبض وان شئت قلت وقت العقد وهو اختلاف عبارة والمعنى واحد لان الايجاب والقبول
لا يصير عقدا شرعا الا عند القبض وتعتبر قيمة الزيادة وقت الفكاك لان الأصل إنما صار مضمونا بالقبض فتعتبر
قيمة يوم القبض والزيادة إنما يصير لها حصة من الضمان بالفكاك فتعتبر قيمتها حينئذ الا أن هذه القسمة للحال
ليست قسمة حقيقية بل من حيث الظاهر حتى تتغير بتغير قيمة الزيادة إلى الزيادة إلى الزيادة والنقصان من حيث السعر والبدن
والقسمة الحقيقية وقت الفكاك ولا تتغير القسمة بتغير قيمة الأصل بالزيادة والنقصان في السعر أو في البدن لان
الأصل دخل في الضمان بالقبض والقبض لم يتغير فلا يتغير الضمان والولد إنما يأخذ قسطا من الضمان بالفكاك فتعتبر
قيمته يوم الفكاك وشرح هذه الجملة إذا رهن جارية قيمتها الف بألف فولدت ولدا يساوى ألفا فان الدين يقسم على
قيمة الام والولد نصفين فيكون في كل واحد منهما خمسمائة حتى لو هلكت الام سقط نصف الدين وبقى الولد رهنا
بالنصف الباقي يفتكه الراهن به ان بقي إلى وقت الافتكاك وان هلك قبل ذلك هلك بغير شئ وجعل كأن لم يكن
وعادت حصته من الدين إلى الام وتبين ان الام هلكت بجميع الدين وان لم يهلك لكن تغيرت قيمته إلى الزيادة فصار
يساوى الفين بطلت قسمة الانصاف وصارت القسمة أثلاثا ثلثا الدين في الولد والثلث في الام وتبين ان الام هلكت
بثلث الدين وبقى الولد رهنا بالثلثين فان ازدادت قيمته وصار يساوى ثلاثة آلاف بطلت قسمة الا ثلاث وصارت
القسمة أرباعا ثلاثة أرباع الدين في الولد وربع في الام وتبين ان الام هلكت بربع الدين وبقى الولد رهنا بثلاثة
أرباعه ولو تغيرت قيمته إلى النقصان فصار يساوى خمسمائة بطلت قسمة الأرباع وصارت القسمة أثلاثا ثلثا الدين
في الام والثلث في الولد وتبين ان الام هلكت بثلثي الدين وبقى الولد رهنا بالثلث هكذا على هذا الاعتبار وسواء كان
الولد واحدا أو أكثر ولدوا معا أو متفرقا يقسم الدين على الام وعلى الأولاد على قدر قيمتهم لكن تعتبر قيمة الام يوم
العقد وقيمة الأولاد يوم الفكاك لما ذكرنا وولد الولد في القسمة حكمه حكم الولد حتى لو ولدت الجارية بينتا وولدت
بنتها ولدا فهما بمنزلة الولدين حتى يقسم الدين على الجارية وعليهما على قدر قيمتهم ولا يقسم على الجارية وعلى الولد
الأصلي ثم يقسم باقيه عليه وعلى ولده لان ولد الرهن ليس بمضمون حتى يتبعه ولده فكأنهما في الحكم ولدان ولو
ولدت الجارية ولدا ثم نقصت قيمة الام في السعر أو في البدن فصارت تساوى خمسمائة أو زادت قيمتها فصارت
تساوى ألفين والولد على حاله يساوى ألفا فالدين بينهما نصفان لا يتغير عما كان وإن كانت الام على حالها وانتقصت
قيمة الولد بعيب دخله أو لسعر فصار يساوى خمسمائة صار الدين فيهما أثلاثا الثلثان في الام والثلث في الولد ولو
زادت قيمة الولد فصار يساوى الفين فثلثا الدين في الولد والثلث في الام حتى لو هلكت الا يبقى الولد رهنا بالثلثين
لما ذكرنا ان الأصل إنما دخل تحت الضمان بالقبض والقبض لم يتغير فلا تتغير القسمة والولد إنما يصير له حصة من الضمان
بالفكاك فتعتبر قيمته يوم الفكان ولو اعورت الام بعد الولادة أو كانت اعورت قبلها ذهب من الدين بعورها ربعه
وذلك مائتان وخمسون وبقى الولد رهنا بثلاثة أرباع الدين وذلك سبعمائة وخمسون وهذا الجواب فيما إذا ولدت
ثم اعورت ظاهر لان الدين قبل الاعورار كان فيهما نصفين في كل واحد منهما خمسمائة فإذا اعورت والعين من
157

الآدمي نصفه فذهب قدر ما فيها من الدين وهو نصف نصف الدين وهو ربع الكل وبقى الولد رهنا ببقية الدين
وهو ثلاثة الأرباع (فأما) إذا اعورت ثم ولدت ففيه اشكال من حيث الظاهر وهوان قبل الاعورار كإن كان
كل الدين فيها وبالاعورار ذهب النصف وبقى النصف فإذا ولدت ولدا فينبغي أن يقسم النصف الباقي من الدين
على الجارية العوراء وعلى ولدها أثلاثا الثلثان على الولد والثلث على الام (والجواب) ان ذهاب نصف الدين
بالاعورار لم يكن حتما بل على التوقف على تقدير عدم الولادة فإذا ولدت تبين انه لم يكن ذهب بالاعورار إلا ربع
الدين لان الزيادة تجعل كأنها موجودة لدى العقد فصار كأنها ولدت ثم اعورت ولو هلك الولد وقد اعورت الام قبل
الولادة أو بعدها ذهب نصف الدين بالاعورار لان الولد لما هلك التحق بالعدم وجعل كأن لم يكن وعادت حصته
إلى الام وتبين ان الام كانت رهنا بجميع الدين فإذا اعورت ذهب بالاعورار نصفه وبقى النصف الآخر ولو لم
يهلك ولكنه أعور لم يسقط باعوراره شئ من الدين لأنه لو هلك لا يسقط فإذا أعور أولى لكن تلك القسمة التي كانت
من حيث الظاهر تتغير لأنها تحتمل التغيير بتغير قيمة الولد إلى الزيادة والنقصان لما ذكرنا فيما تقدم وعلى هذا تخرج
الزيادة في الرهن انها مضمونة على أصل أصحابنا الثلاثة بأن رهن جارية ثم زاد عبدا لأن هذه زيادة مقصودة لورود
فعل الرهن عليها مقصودا فكانت مرهونة أصلا لا تبعا فكانت مضمونة ويقسم الدين على المزيد عليه والزيادة
وجملة الكلام في كيفية الانقسام ان الراهن لا يخلو (اما) ان زاد في الرهن وليس في الرهن نماء (واما) إن كان فيه نماء
فإن لم يكن فيه نماء يقسم الدين على المزيد عليه والزيادة على قدر قيمتها حتى لو كانت قيمة الجارية ألفا وقيمة العبد الف
والدين الف كان الدين فيهما نصفين في كل واحد منهما خمسمائة ولو كانت قيمة العبد الزيادة خمسمائة كان الدين
فيهما أثلاثا الثلثان في العبد والثلث في الجارية وأيهما هلك يهلك بحصته من الدين لان كل واحد منهما مرهون مقصودا
لا تبعا الا أنه تعتبر قيمة المزيد عليه يوم العقد وهو يوم قبضه وقيمة الزيادة يوم الزيادة وهو يوم قبضها ولا يعتبر تغير قيمتها
بعد ذلك لان الزيادة والنقصان كل واحد منهما إنما دخل في الضمان بالقبض فتعتبر قيمته يوم القبض والقبض لم يتغير
بتغير القيمة فلا تتغير القسمة بخلاف زيادة الرهن وهي نماؤه ان القسمة تتغير بتغير قيمتها لأنها مرهونة تبعا لا أصلا
والمرهون تبعا لا يأخذ حصة من الضمان الا بالفكاك فتعتبر قيمتها يوم الفكاك فكانت القسمة قبله محتملة للتغير ولو
نقص الرهن الأصلي في يده حتى ذهب قدره من الدين ثم زاده الراهن بعد ذلك رهنا آخر يقسم ما بقي من الدين على
قيمة الباقي وعلى قيمة الزيادة يوم قبضت نحو ما إذا رهن جارية قيمتها الف بألف فاعورت حتى ذهب نصف الدين
وبقى النصف ثم زاد الراهن عبدا قيمته الف يقسم النصف الباقي على قيمة الجارية عوراء وعلى قيمة العبد الزيادة
أثلاثا فيكون ثلثا هذا النصف وذلك ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث في العبد الزيادة والثلث وذلك مائة وستة وستون
وثلثان في الجارية فرق بين الزيادة في الرهن وزيادة الرهن وهي نماؤه بأن اعورت الجارية ثم ولدت ولدا قيمته ألف
أن الدين يقسم على قيمة الجارية يوم القبض صحيحة وعلى قيمة الولد يوم الفكاك نصفين فيكون في كل واحد منهما
خمسمائة ثم ما أصاب الام وهو النصف ذهب بالاعورار نصفه وهو مائتان وخمسون وبقى ثلاثة أرباع الدين وذلك
سبعمائة وخمسون في الام والولد ثلثا ذلك خمسمائة في الولد وثلث ذلك مائتان وخمسون في الام وفي الزيادة على الرهن
يبقى الأصل والزيادة بنصف الدين (ووجه) الفرق بين الزيادة أن حكم الرهن في هذه الزيادة وهي الزيادة على
الرهن ثبت بطريق الأصالة لا بطريق التبعية لكونها زيادة مقصودة لورود فعل العقد عليها مقصودا فيعتبر في
القسمة ما بقي من الدين وقت الزيادة ولم يبق وقت الزيادة الا النصف فيقسم ذلك النصف عليهما على قدر قيمتهما
بخلاف زيادة الرهن لأنها ليست بمرهونة مقصودا لانعدام وجود الرهن فيها مقصودا بل تبعا للأصل لكونها متولدة
منه فيثبت حكم الرهن فيها تبعا للأصل كأنها متصلة به فتصير كأنها موجودة عند العقد فكان الثابت في الولد غير ما كان
ثابتا في الام فيعتبر في القسمة قيمة الام يوم القبض وكذلك لو قضى الراهن للمرتهن من الدين خمسمائة ثم زاده في الرهن
158

عبدا قيمته ألف أن هذه الزيادة تلحق الخمسمائة الباقية فيقسم على نصفه قيمة الجارية وهي خمسمائة وعلى قمية العبد
الزيادة وبقى ألف أثلاثا ثلثاها في العبد وثلثها في الجارية حتى لو هلك العبد هلك بثلثي الخمسمائة وذلك ثلاثمائة وثلاثة
ثلاثون وثلث ولو هلكت الجارية هلكت بالثلث وذلك مائة وستة وستون وثلثان لان الزيادة زيادة على المرهون
والمرهون محبوس بالدين والمحبوس بالدين هو نصف الجارية لا كلها ولم يبق نصف الدين لصيرورته مقضيا فالزيادة
تدخل في الباقي وينقسم الباقي على قيمة نصف الجارية وعلى قيمة الزيادة أثلاثا ولو قضى خمسمائة ثم اعورت الجارية
قبل أن يزيد الرهن ثم زاد عبدا قيمته ألف درهم قسم مائتان وخمسون على نصف نصف الجارية العوراء وعلى الزيادة
على خمسة أسهم أربعة من ذلك في الزيادة وسهم في الجارية العوراء لأنه لما قضى الراهن خمسمائة فرغ نصف الجارية
شائعا من الدين وبقى النصف الباقي في نصفها شائعا وذلك خمسمائة فإذا اعورت فقد ذهب نصف ذلك النصف
بما فيه من الدين وذلك مائتان وخمسون وبقى مائتان وخمسون من الدين فيما لم يذهب من نصف الجارية فإذا هذه
الزيادة تلحق هذا القدر فيقسم هذا القدر في الأصل والزيادة أخماسا أربعة أخماسه وذلك مائتان في الزيادة وخمسه
وذلك خمسون في الأصل هذا إذا زاد وليس في الرهن نماء فأما إذا زاد وفيه نماء بأن رهن جارية قيمتها ألف بألف
فولدت ولدا يساوى ألفا ثم زاده عبدا قيمته ألف فالراهن لا يخلو اما ان زاد والام قائمة واما ان زاد بعد ما هلكت
الام فإن كانت قائمة فزاد لا يخلو اما ان جعله زيادة على الولد أو على الام أو عليهما جميعا أو أطلق الزيادة ولم يسم المزيد
عليه انه الام أو الولد فان جعله زيادة على الولد فهو رهن مع الولد خاصة ولا يدخل في حصة الام لان الأصل وقوع
تصرف العاقل على الوجه الذي أوقعه وقد جعله زيادة على الولد فيكون زيادة معه فيقسم الدين أولا على الام والولد
على قدر قيمتهما تعتبر قيمة الام يوم العقد وقيمة الولد يوم الفكاك ثم ما أصاب الولد يقسم عليه وعلى العبد الزيادة على
قدر قيمتهما وتعتبر قيمة الولد يوم الفكاك لما بينا فيما تقدم وقيمة الزيادة وقت الزيادة وهي وقت قبضها لأنها إنما جعلت
في المضان بالقبض فتعتبر قيمتها يوم القبض ولو هلك الولد بعد الزيادة بطلت الزيادة لأنه إذا هلك جعل كأن لم يكن
أصلا ورأسا فلم تتحقق الزيادة عليه لان الزيادة لابد لها من مزيد عليه فتبين ان الزيادة لم تقع رهنا وان جعله زيادة على
الام فهو على ما جعل لما ذكرنا ان الأصل اعتبار تصرف العاقل على الوجه الذي باشره ولأنه لو أطلق الزيادة لوقعت
على الام فعند التقييد والتنصيص أولى وإذا وقعت زيادة على الام جعل كأنها كانت موجودة وقت العقد فيقسم
الدين عليهما على قدر قيمتهما تعتبر قيمة الأصل يوم العقد وقيمة الزيادة يوم القبض ثم ما أصاب الام يقسم عليها
وعلى ولدها على اعتبار قيمة الام يوم العقد وقيمة الولد يوم الفكاك ولو مات الولد أو زادت قيمته أو ولدت ولدا
فالحكم في حق العبد للزيادة لا تتغير ويقسم الدين أولا على الجارية والعبد نصفين ثم ما أصاب الام يقسم
عليها وعلى ولدها فتعتبر زيادة الولد في حق الام ولا تعتبر في حق العبد سواء زاد بعد حدوث الولد أو قبله لان
الولد في حق الزيادة وجوده وعدمه بمنزلة واحدة ولو هلكت الام بعد الزيادة ذهب ما كان فيها من الدين وبقى
الولد والزيادة بما فيهما بخلاف ما إذا هلك الولد انه تبطل الزيادة لان بهلاك الام لا يتبين ان العقد لم يكن بل يتناهى
ويتقرر حكمه فهلاكه لا يوجب بطلان الزيادة بخلاف الولد لأنه إذا هلك التحق بالعدم من الأصل وجعل كان
لم يكن فتبين أن الزيادة لم تصح رهنا ولو هلك الولد بعد الزيادة ذهب بغير شئ لان الولد غير مضمون بالهلاك فإذا
هلك جعل كأن لم يكن وجعل كأن الزيادة حدثت ولا بد للجارية كذلك وان جعله زيادة على الام والولد جميعا
فالعبد زيادة على الام خاصة لا عبرة للولد في حق الزيادة ولا يدخل في حصتها وإنما يعتبر في حق الام ويدخل
في حصة الام والولد في حق الزيادة حال وجود الام كالعدم فلا تصلح الزيادة عليه في حال قيام الام فيقسم الدين
على الأصل والعبد الزيادة باعتبار قيمتهما قيمة الأصل يوم العقد وقيمة الزيادة يوم الزيادة ثم يقسم ما أصاب الام
قسمة أخرى بينها وبين ولدها على اعتبار قيمتهما يوم العقد ويوم الفكاك كذلك وان أطلق الزيادة ولم يسم الام
159

ولا الولد فالزيادة رهن مع الام خاصة لان الزيادة لابد لها من مزيد عليه وكل واحد منهما على الانفراد يصلح
مزيدا عليه الا أن الام أصل في الرهن والولد تابع فعند الاطلاق جعلها زيادة على الأصل أولى وإذا صارت
الزيادة رهنا مع الام يقسم الدين قسمين على نحو ما بينا هذا إذا كانت الام قائمة وقت الزيادة (فأما) إذا هلكت
الام ثم زاد والعبد زيادة على الولد فكانا جميعا رهنا بخمسمائة يفتك الرهن كل واحد منهما بمائتين وخمسين لان الزيادة
تستدعى مزيدا عليه والهالك خرج عن احتمال؟ ذلك فتعين الولد مزيدا عليه وقد ذهب نصف الدين بهلاك الام
وبقى النصف وذلك خمسمائة فينقسم ذلك على الزيادة والولد على قدر قيمتهما ولو هلك الولد أخذ الراهن العبد بغير
شئ ء لأنه لما هلك فقد التحق بالعدم وجعل كأنه لم يكن وعادت حصته إلى الام فتبين انها هلكت بجميع الدين
فتبين ان الزيادة حصلت بعد سقوط الدين فلم تصح ولو هلك العبد الزيادة بعد هلاك الولد في يد المرتهن هلك أمانة
الا إذا منعه بعد الطلب لأنه تبين أنه لم يكن رهنا في الحقيقة لما بينا فصار كما إذا رهن بدين ثم تصادقا على أنه لادين ثم هلك
الرهن أنه يهلك أمانة لما قلنا كذا هذا الا إذا منع بعد الطلب لأنه صار غاصبا بالمنع فيلزمه ضمان الغصب (وأما) بيان
كيفية الضمان وقدره فالرهن لا يخلوا ما أن يكون من جنس حق المرتهن أو من خلاف جنس حقه فإن كان من خلاف
جنس حقه فاما أن يكون شيئا واحد واما أن يكون أشياء فإن كان شيئا واحدا يهلك مضمونا بالأقل من قيمته ومن الدين
وتفسيره إذا رهن عبدا قيمته الف بألف فهلك ذهب الدين كله وإن كانت قيمة العبد الفين فهلك ذهب كل الدين
أيضا وفضل الرهن يهلك أمانة وإن كانت قيمته خمسمائة ذهب من الدين خمسمائة ويرجع المرتهن على الراهن بفضل
الدين وهذا قول عامة العلماء وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم مثل سيدنا عمر وعبد الله بن مسعود وهو رواه عن
سيدنا علي رضي الله عنهم ومنهم من قال إنه مضمون بقيمته بالغة ما بلغت أي على المرتهن فضل قيمة الرهن وهكذا
روى عن ابن سيدنا عمر رضي الله عنهما ومنهم من قال إنه مضمون بالدين بالغا ما بلغ أي يذهب كل الدين قلت قيمة
الدين أو كثرت وهو مذهب شريح وعن سيدنا علي رضي الله عنه رواية أخرى أنه قال يترادان الفضل يعنى إن كانت
قيمة الرهن أكثر فللراهن أن يرجع على المرتهن بفضل القيمة وإن كانت قيمته أقل فللمرتهن أن يرجع على الراهن
بفضل الدين واختلافهم على هذا الوجه حجة على الشافعي رحمه الله في قوله إن المرهون أمانة لان اختلافهم في كيفية
الضمان وقدره اتفاق منهم على كونه مضمونا فانكار الضمان أصلا يرجع إلى مخالفة الاجماع فكان باطلا ثم الرجحان في
كيفية الضمان لقول سيدنا عمر وابن مسعود رضي الله عنهما لان المرهون مضمون عندنا بطريق الاستيفاء لان قبض
الرهن قبض استيفاء ويتقرر الاستيفاء عند الهلاك فيتقرر الضمان فيه بقدر الاستيفاء فإن كانت قيمة الرهن مثل
الدين أمكن تحقيق الاستيفاء لان استيفاء الدين مثله صورة ومعنى أو معنى لا صورة وإذا كان قيمته أكثر لا يتحقق
الاستيفاء الا في قدر الدين ولا يتحقق في الزيادة لان استيفاء الأقل من الأكثر يكون ربا وإذا كانت قيمته أقل لا يمكنه
تحقيق الاستيفاء الا بقدر الدين لان استيفاء الأكثر من الأقل لا يتصور هذا إذا كان المرهون شيئا واحدا فاما إذا كان
أشياء بأن رهن عبدين أو ثوبين أو دابتين أو نحو ذلك فلا يخلو (اما) ان أطلق الرهن ولم يسم لكل واحد منهما شيئا من
الدين (واما) ان قيد وسمى لكل واحد منهما قدرا معلوما من الدين فان أطلق يقسم الدين عليهما على قدر قيمتهما
وكان كل واحد منهما مضمونا بالأقل من قيمة نفسه ومن حصته من الدين لان كل واحد منهما مرهون والمرهون
مضمون بالدين فلا بد من قسمة الدين على قيمتهما ليعرف قدر ما في كل واحد منهما من الضمان كما ينقسم الثمن عليهما في
باب البيع باعتبار قيمتهما لمعرفة مقدار الثمن لان المرهون مضمون بالدين كما أن البيع مضمون بالثمن وان قيد كان كل
واحد منهما مضمونا بالأقل من قيمته ومما سمى له لأنه لما سمى وجب اعتبار التسمية فينظر إلى القدر المسمى لكل واحد
منهما فأيهما هلك يهلك بالأقل من قيمته ومن القدر المسمى كما في باب البيع إذا سمى لكل واحد من المبيعين ثمنا أنه ينقسم
الثمن عليهما بالقدر المسمى كذا هذا هذا إذا كان المرهون من خلاف جنس الدين وهلك في يد المرتهن فاما إذا كان من
160

جنسه بأن رهن موزونا بجنسه أو مكيلا بجنسه وهلك في يد المرتهن فقد اختلف أصحابنا فيه قال أبو حنيفة يهلك
مضمونا بالدين باعتبار الوزن دون القيمة حتى لو كان وزن الرهن بمثل وزن الدين وقيمته أقل منه فهلك يذهب كل
الدين عنده وعند أبي يوسف ومحمد يضمن القيمة من خلاف الجنس على ما نذكر فمن أصل أبي حنيفة أنه يعتبر الوزن
دون القيمة في الهالك ومن أصلهما أنهما يعتبران الوزن فيما لا يتضرر به المرتهن فاما فيما يتضرر به فيضمنان القيمة من
خلاف الجنس (وأما) في الانكسار فأبو حنيفة يضمن القيمة وكذلك أبو يوسف عند الاستواء في الوزن والقيمة
ولا يريان الجعل بالدين أصلا ومحمد يجعل بالدين لكن عند الامكان بأن لا يؤدى ذلك إلى الضرر بالراهن ولا
بالمرتهن ولا يؤدى إلى الربا فان أدى إلى شئ مما ذكرنا فإنه لا يجعل بالدين أيضا وإذا كانت قيمة الرهن أكثر فأبو
يوسف يجعل النقصان الحاصل بالانكسار شائعا في قدر الأمانة والمضمون فما كان في الأمانة يذهب بغير شئ وما
كان في المضمون يضمن المرتهن قيمته ويهلك من الرهن بقدره ومحمد رحمه يصرف النقصان إلى الزيادة وإذا كثر
النقصان حتى أنتقص من الدين يخير الراهن بين أن يفتكه وبين أن يجعله بالدين ومن أصل أبي حنيفة أنه يجوز
استيفاء الزيوف من الجياد حتى لو أخذ صاحب الدين الزيوف عن الجياد ولم يعلم به حتى هلك عنده سقط دينه وكذا
عند محمد الا ان محمدا ترك أصله في الرهن وعند أبي يوسف لا يسقط بل يرد مثل ما قبض ويأخذ مثل حقه فمن أصله
أنه لا يجوز استيفاء الزيوف عن الجياد فهذه أصول هذه المسائل (وأما) تخريجها على هذه الأصول فنقول وبالله
التوفيق إذا كان الدين عشرة دراهم فرهن به قلب فضة فهلك أو انكسر في يد المرتهن فوزن القلب لا يخلو اما أن يكون
مثل وزن الدين بأن كان عشرة أو اما أن يكون أقل من وزنه بأن كان ثمانية واما أن يكون أكثر من وزنه بأن كان اثنى
عشر وكل وجه من هذه الوجوه يدخله الهلاك والانكسار فإن كان وزن القلب مثل وزن الدين عشرة فإن كانت قيمته
مثل وزنه فهلك يهلك بالدين بلا خلاف لان في وزنه وقيمته وفاء بالدين ولا ضرر فيه بأحد ولا فيه ربا فيهلك بالدين
على ما هو حكم الرهن عندنا وان انكسر وانتقص لا يجبر الراهن على الافتكاك بلا خلاف لأنه لو افتكه اما أن يفتكه
بجميع الدين واما أن يسقط شئ من الدين بمقابلة النقصان لا سبيل إلى الأول لان فيه ضررا بالراهن لفوات حقه عن
الجودة والصناعة من غير عوض ولا سبيل إلى الثاني لأنه يؤدى إلى الربا لان الدين والرهن يستويان في الوزن
والجودة لا قيمة لها شرعا عند مقابلتها بجنسها فكانت ملحقة بالعدم شرعا فيكون ايفاء عشرة بثمانية فتكون ربا فيتخيران
شاء افتكه بجميع الدين ورضى بالنقصان وان شاء ضمن المرتهن قيمته بالغة ما بلغت فكانت رهنا مكانه ويصير القلب
ملكا للمرتهن بالضمان وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف وقال محمد ان شاء افتكه بجميع الدين وان شاء جعله بالدين
ويصير ملك المرتهن بدينه (وجه) قول محمد ان ضمان القمية لا يناسب قبض الرهن لان ذلك موجب قبض هو تعدى
كقبض الغصب وقبض الرهن مأذون فيه فلا يناسب ضمان القيمة ويناسبه الجعل بالدين لأنه قبض استيفاء وفي
الجعل بالدين تقرير الاستيفاء (وجه) قولهما ان جعل الرهن بالدين حال قيامه من أعمال الجاهلية جاء الاسلام
وأبطله بقوله لا يغلق الرهن والجعل بالدين غلق الرهن فكان باطلا وبه تبين ان ملك الرهن بالدين لا يجوز أن يكون
حكم هذا التصرف وان حكمه ملك اليد والحبس لا ملك العين والرقبة (فاما) ضمان القيمة فيصلح حكما له في الجملة ألا
ترى ان محمدا يقول به عند تعذر الجعل بالدين على ما نذكر وإن كانت قيمته أقل من وزن الدين بأن كانت ثمانية فهلك
يهلك بجميع الدين عند أبي حنيفة رحمه الله لأنه يعتبر الوزن دون القيمة عند الهلاك وفي وزنه وفاء الدين وعندهما لا
يهلك بالدين ويضمن المرتهن قيمته من خلاف جنسه (وجه) قولهما أنه لو هلك بالدين (اما) ان يهلك بوزنه (واما)
أن يهلك بقيمته لا سبيل إلى الأول لان فيه ضرر بالمرتهن ولا وجه إلى الثاني لأنه يؤدى إلى الربا فيخير المرتهن بين
أن يرضى بسقوط الدين وبين أن يضمن قيمة الرهن من خلاف جنسه فيكون رهنا مكانه ولأبي حنيفة رحمه الله ان
قبض الرهن قبل استيفاء والجيد والردئ في الاستيفاء على السواء لان استيفاء الزيوف عن الجياد جائز عنده وان
161

انكسر فالراهن بالخيار ان شاء افتكه بجميع الذين وان شاء ضمن المرتهن قيمته من خلاف جنسه بالاجماع وليس له
خيار الجعل بالدين هنا بلا خلاف (أما) على أصل أبي حنيفة وأبى يوسف فلأنهما لا يريان الجعل بالدين أصلا
ومحمد رحمه الله إن كان يرى ذلك لكن عند الامكان وههنا لا يمكن لأنه لو جعل الدين باعتبار الوزن يؤدى إلى الضرر
بالمرتهن حيث يصير الرهن الذي قيمته ثمانية بعشرة ولو جعل باعتبار القيمة يؤدى إلى الربا فسمت الضرورة إلى
ضمان القيمة والله تعالى أعلم وإن كانت قيمته أكثر من وزنه بأن كانت اثنى عشر فهلك يهلك بالدين عند أبي حنيفة
اعتبارا للوزن وكذلك عند محمد لان الجودة هنا فضل فكان أمانة بمنزلة الفضل في الوزن (أما) على قول أبى يوسف
فقيل يضمن المرتهن قيمة خمسة أسداس القلب من الذهب ويرجع بدينه لان الجودة عنده مضمونة وقيل يهلك
بالدين عنده أيضا لأنه يعتبر الوزن في الهلاك لا الجودة وإنما يعتبر الجودة في الانكسار وان انكسر فالراهن بالخيار
عند أبي حنيفة ان شاء افتكه بالدين مع النقصان وان شاء ضمنه قيمته من خلاف جنسه فيكون رهنا مكانه لما ذكرنا
فيما تقدم سواء كان النقصان الحاصل بالانكسار قدر درهم بأن عادت قيمته إلى أحد عشر أو قدر درهمين بأن عادت
قيمته عشرة أو أكثر من ذلك بأن صارت قيمته ثمانية وعند أبي يوسف ان شاء افتكه بالدين وان شاء ضمن المرتهن
قيمته خمسة أسداس القلب من خلاف جنسه فتصير خمسة أسداس الرهن ملكا للمرتهن بالضمان وسدس الرهن مع
خمسة أسداس القيمة رهنا بالدين لان من أصله أن يجعل قدر النقصان الحاصل بالانكسار شائعا في قدر الأمانة
والمضمون والقدر الذي في الأمانة يذهب بغير شئ والقدر الذي في المضمون يضمن قيمته فيصير ذلك القدر من
الرهن ملكا له وعند محمد ينظر إلى النقصان إن كان قدر درهم أو درهمين لا ضمان على المرتهن ويجبر الراهن على الفكاك
وان زاد على ذلك يخير بين الفكاك وبين الجعل بالدين كما لو كانت قيمته ووزنه سواء لان من أصله أنه يصرف
النقصان الحاصل بالانكسار إلى الجودة الزائدة الا إذا كثر النقصان حتى عادت قيمته إلى ثمانية فله أن يجعله بالدين ان
شاء وان شاء افتكه وقيل إن على قوله له أن يضمنه كما قال أبو حنيفة رحمه الله لما في الجعل بالدين من اسقاط حقه عن
الجودة هذا إذا كان وزن القلب مثل وزن الدين عشرة فاما إذا كان أقل من وزنه ثمانية فإن كانت قيمته مثل وزنه
فهلك يهلك بمثل وزنه من الدين وهو ثمانية بالاجماع وان انكسر فالراهن بالخيار ان شاء افتكه بالدين وان شاء ضمن
المرتهن قيمته من خلاف جنسه فكانت رهنا والقلب للمرتهن بالضمان عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد ان شاء
افتكه بالدين وان شاء جعله بمثل وزنه من الدين لما قلنا وإن كانت قيمته أقل من وزنه سبعة فهلك يهلك بثمانية في قول أبي
حنيفة اعتبارا للوزن وعندهما يضمن قيمته من خلاف جنسه لما بينا وان انكسر ضمن القيمة بالاجماع (أما) على قول
أبي حنيفة وأبى يوسف فلأنهما لا يجيزان الجعل بالدين حال قيام الرهن أصلا ورأسا محمد إن كان يجيزه لكن بشريطة
انعدام الضرر وفي الجعل بالدين هنا ضرر بالمرتهن وإن كانت قيمته أكثر من وزنه فكانت تسعة أو كانت مثل الدين
عشرة فهلك يهلك بقدر وزنه ثمانية عند أبي حنيفة وعند هما يضمن القيمة وان انكسر ان شاء افتكه بالدين وان شاء
ضمن القيمة بالاجماع لما ذكرنا وإن كانت قيمته أكثر من الدين اثنى عشر فهلك يهلك بثمانية عند أبي حنيفة وعند أبي
يوسف يضمن خمسة أسداس قيمته وان انكسر فعند أبي حنيفة ان شاء افتكه بالدين وان شاء ضمنه جميع القيمة
وكانت قيمته رهنا والقلب ملكا للمرتهن وعند أبي يوسف يضمن خمسة أسداس قيمته ويكون سدس القلب مع
خمسة أسداس قيمته رهنا عنده بالدين وعند محمد يصرف النقصان الحاصل بالانكسار بالأمانة ان قل النقصان
بأن كان درهما أو درهمين ويجبر الراهن على الافتكاك وإن كان أكثر من ذلك يخير الراهن بين الافتكاك وبين
الجعل بالدين هذا إذا كان وزن القلب أقل من وزن الدين ثمانية فاما إذا كان أكثر من وزنه اثنا عشر فإن كانت قيمته
مثل وزنه اثنى عشر فهلك سقط الدين والزيادة على الدين تهلك أمانة بلا خلاف وان انكسر ضمن خمسة
أسداسه في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد له أن يجعل خمسة أسداسه بالدين وإن كانت قيمته أقل من وزنه
162

وأكثر من الدين بأن كانت أحد عشر فهلك سقط الدين بخمسة أسداسه والزيادة تهلك أمانة عند أبي حنيفة ولا رواية
عنهما في هذا الفصل وان انكسر ضمن خمسة أسداس القلب عند أبي حنيفة لأنه لا يعتبر الجودة ولا يرى الجعل بالدين
وعند أبي يوسف يجب أن يكون هكذا وكذلك عند محمد لتعذر التمليك بالدين لما فيه من الضرر وإن كانت قيمته مثل
مثل وزن الدين عشرة فهلك يهلك خمسة أسداس بالدين عند أبي حنيفة لأنه يعتبر الوزن وعندهما يضمن خمسة
أسداسه ويرجع بحقه وان انكسر ضمن خمسة أسداسه عند أبي حنيفة وعندهما يغرم جميع القيمة ولا يمكن الجعل
بالدين عند محمد لأنه يؤدى إلى الربا وإن كانت قيمته أقل من الدين ثمانية فهلك ذهب خمسة أسداسه بالدين في قول
أبي حنيفة وان انكسر ضمن خمسة أسداسه وعندهما يغرم القيمة في الحالين وإن كانت قيمته خمسة عشر فهلك يهلك
خمسة أسداسه بالدين في قول أبي حنيفة وان انكسر ضمن خمسة أسداسه عند أبي حنيفة ثم في كل موضع ضمن
المرتهن بعض القلب وهلك ذلك القدر بالضمان وصار شريكا فهذا شيوع طارئ فعلى جواب ظاهر الرواية يقطع
القلب فيكون الباقي مع القدر الذي غرم رهنا لان الشيوع يمنع صحة الرهن مقارنا كان أو طارئا وعلى رواية أبى يوسف
لا حاجة إلى القطع لان الشيوع الطارئ لا يمنع بقاء العقد على الصحة (وأما) الرهن الفاسد فلا حكم له حال قيام المرهون
حتى لا يثبت للمرتهن حق الحبس وللراهن أن يسترده منه فان منعه حتى هلك يضمن مثله إن كان له مثل وقيمته ان لم
يكن له مثل لأنه صار غاصبا بالمنع والمغصوب مضمون على الغاصب بالمثل أو بالقيمة وان لم يوجد المنع من المرتهن حتى
هلك الرهن في يده ذكر الكرخي رحمه الله انه يهلك أمانة لان الرهن إذا لم يصح كان القبض قبض أمانة لأنه قبض
بإذن المالك فأشبه قبض الوديعة وحكى القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه ذكر في الجامع الكبير ان كل ما هو
محل للرهن الصحيح فإذا رهنه رهنا فاسدا هلك في يد المرتهن يهلك بالأقل من قيمته ومن الدين وكل ما ليس بمحل
للرهن الصحيح لا يكون مضمونا بالرهن الفاسد كالمدبر وأم الولد وهذا يدل على أن الفساد كان لمعنى في نفس المرهون
لا يكون مضمونا بل يكون أمانة وإن كان الفساد لمعنى في غيره يكون مضمونا (ووجهه) ان المرهون مضمون بالقبض
ولا فساد في القبض الا ان من شرط كون المقبوض مضمونا أن يكون مالا مطلقا متقوما كالمقبوض بالبيع الفاسد فان
وجد الشرط يكون مضمونا وإلا فلا هذا الذي ذكرنا حكم هلاك المرهون (وأما) حكم استهلاكه فنقول المرهون
لا يخلو (اما) أن يكون من بني آدم كالعبد والأمة (واما) إن كان من غير بني آدم من سائر الا موال فإن كان من غير نبي آدم
فاستهلكه أجنبي ضمن قيمته إن كان مما لا مثل له ومثله إن كان مما له مثل كما إذا لم يكن مرهونا والمرتهن هو الخصم في
تضمينه وكان الضمان رهنا لأنه بدل المرهون ثم إن كان الضمان من جنس الدين والدين حال استوفاه بدينه وإن كان
الدين لم يحل حبسه رهنا مكانه وكذلك لو استهلكه المرتهن لأنه لو أتلف مالا مملوكا متقوما بغير اذن مالكه فيضمن مثله
أو قيمته كما لو أتلفه أجنبي وكان رهنا مكانه وان استهلكه الراهن فإن كان الدين حالا يطالب بالدين لا فائدة في
المطالبة بالضمان فيطالب بالدين وان لم يحل أخذ المرتهن منه الضمان فأمسكه إلى أن يحل الدين وإذا كان في الرهن
نماء كاللبن والولد فاستهلكه المرتهن أو الراهن أو أجنبي بأن كان الرهن شاة قيمتها عشرة بعشرة فحلبت أو ولدت فعليه
ضمانه (اما) وجوب الضمان على الأجنبي والمرتهن فظاهر لان الزيادة ملك الراهن واتلاف مال مملوك للغير بغير اذنه
يوجب الضمان (واما) وجوبه على الراهن فلان المتلف وإن كان مملوكا له لكن للمرتهن فيه حق قوى فيلحق بالملك
في حق وجوب الضمان وإذا وجب الضمان على المتلف كان الضمان مع الشاة رهنا عند المرتهن لأنه بدل المرهون
فيقوم مقامه فان هلك الضمان لا يسقط شئ من الدين لأنه بدل ما ليس بمضمون بالدين فكان حكمه حكم الأصل
والأصل لو هلك يهلك بغير شئ كذا البدل وان هلكت الشاة سقطت حصتها من الدين لأنها مرهونة مقصودة
فكانت مضمونة بالهلاك ويفتك الراهن ضمان الزيادة بقدر ها من الدين لان الزيادة تصير مقصودة بالفكاك فيصير
لها حصة من الدين هذا إذا كان الاستهلاك بغير اذن فاما إذا كان باذن بان قال الراهن للمرتهن احلب الشاة فما حلبت
163

فهو حلال لك أو قال له كل هذا الحمل فحلب وشرب وأكل حل له ذلك ولا ضمان عليه لان الزيادة ملك الراهن فيصح
اذنه بالاكل والشرب ولا يسقط شئ من دين المرتهن حتى لو جاء الرهن يفتك الشاة يفتكها بجميع الدين لان اتلاف
المرتهن باذن الراهن مضاف إلى الراهن كأنه أتلفه بنفسه ولو كان كذلك لكان لا يسقط شئ من الدين وكان عليه
ضمان المتلف كذا هذا وان لم يفتكها حتى هلك تهلك بحصتها من الدين فيقسم الدين عليها وعلى لبنها أو ولدها على قدر
قيمتها فما كان حصة الشاة يسقط وما كان حصة الزيادة يبقى ويخاطب الراهن بقضائه لان فعل المرتهن لما كان
مضافا إلى الراهن كان مضمونا عليه كأنه فعل بنفسه فيصير للزيادة حصة من الدين فينظر إلى قيمة الزيادة فإن كان فيها
خمسه كان فيها ثلث الدين وفي الشاة ثلثاه فإذا هلكت الشاة ذهب ثلثا الدين وبقى الثلث وعلى الراهن قضاؤه وكذلك
لو استهلكه أجنبي باذن الراهن والمرتهن فالجواب فيه وفي المرتهن إذا استهلكه باذن الراهن سواء وقد ذكرناه ولو
استهلكه الراهن بإذن المرتهن لا شئ عليه لأن الضمان لوجب لوجب لحق المرتهن لا لحق نفسه لأنه ملكه وقد أبطل
المرتهن حق نفسه بالاذن فلا يستحق الضمان وجعل كأن الزيادة هلكت بآفة سماوية وبقيت الشاة رهنا بجميع
الدين وإن كان المرهون من بني آدم فجنى عليه فجملة الكلام في جنايات الرهن انها ثلاثة أقسام جناية غير الرهن على
الرهن وجناية الرهن على غير الرهن وجناية الرهن على الرهن اما جناية غير الرهن على الرهن فلا يخلو اما إن كانت الجناية
في النفس واما إن كانت فيما دون النفس وكل ذلك لا يخلو اما إن كان عمدا أو خطا أو في معنى الخطأ والجاني لا يخلوا اما إن كان
حرا أو عبدا فإن كانت في النفس عمدا والجاني حر فللراهن أن يقتص إذا اجتمعا على الاقتصاص في قول أبي حنيفة
وقال محمد ليس له الاقتصاص وان اجتمعا عليه وعن أبي يوسف روايتان كذا ذكر الكرخي رحمه الله
الاختلاف وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه لا قصاص على قاتله وان اجتمع عليه الراهن والمرتهن
لم يذكر الخلاف (وجه) قول محمد ان استيفاء القصاص لابد له من ولى والولي هنا غير معلوم لان ملك العين والرقبة
للراهن وملك اليد والحبس للمرتهن فكان العبد مضافا إلى الراهن من وجه وإلى المرتهن من وجه فصار الولي
مشتبها مجهولا وجهالة الولي تمنع استيفاء القصاص كعبد المكاتب إذا قتل عمدا انه لا يقتص من قاتله وان اجتمع عليه
المولى والمكاتب لما قلنا كذا هذا بخلاف العبد المشترك بين اثنين إذا قتل عمدا ان لهما الاقتصاص إذا اجتمعا عليه
لان هناك الولاية لهما ثابتة على الشركة لثبوت الملك لكل واحد منهما في النصف من كل وجه فكان الولي معلوما
فأمكن القول بوجوب القصاص لهما على الشركة لاستوائهما في الملك (وجه) قول أبي حنيفة ان الملك للراهن من كل
وجه وإنما للمرتهن حق الحبس فقط والملك سبب لثبوت الولاية فكان الولي معلوما وكان ينبغي أن لا تتوقف ولاية
الاستيفاء على رضا المرتهن الا انه توقف لتعلق حقه به فإذا رضى فقد زال المانع بخلاف عبد المكاتب لان الملك فيه
للمولى من وجه وللمكاتب من وجه فلم يكن الملك فيه ثابتا للمولى مطلقا ولا للمكاتب مطلقا فأشبه الولي فامتنع
الاستيفاء وإذا اقتص القاتل سقط الدين لان العبد إنما كان رهنا من حيث إنه مال وقد بطلت ماليته بالقتل؟ لا إلى بدل
إذ القصاص لا يصلح بدلا عن المالية فسقط القصاص كما لو هلك بنفسه هذا إذا اجتمعا على القصاص (فاما) إذا
اختلفا لا يقتص القاتل لأنه لا سبيل إلى اثبات الاقتصاص للمرتهن لعدم ملك الرقبة ولا للراهن لان في استيفائه
ابطال حق المرتهن وهو الدين من غير رضاه وهذا لا يجوز وعلى القاتل قيمة المقتول في ماله في ثلاث سنين وكانت
القيمة رهنا ولو اختلفا فأبطل القاضي القصاص ثم قضى الراهن الدين فلا قصاص لان حق المرتهن وان بطل بالفكاك
لكن بعد ما حكم القاضي ببطلان القصاص فلا يحتمل العود وإن كانت الجناية خطأ أو شبه عمد فعلى عاقلة القاتل
قيمته في ثلاث سنين يقبضها المرتهن فتكون رهنا لان العبد وإن كان مضمونا من حيث إنه آدمي لامن حيث إنه مال
على أصل أصحابنا رحمهم الله حتى لا تزداد ديته على دية الحر ولكنه مرهون من حيث إنه مال لامن حيث إنه آدمي فجاز
أن تقوم قيمته مقامه وتكون رهنا عند المرتهن ثم إن كان الرهن مؤجلا كانت في يده إلى حل الأجل وإذا حل فان
164

كانت القيمة من جنس الدين استوفى الدين منها وان بقي فيها فضل رده على الراهن وإن كانت أقل من الدين استوفى
منها من الدين بقدرها بالفضل أي يرجع بالبقية على الراهن وإن كانت من خلاف جنس الدين حبسها في يده إلى
وقت الفكاك وإن كان الدين حالا فالحكم فيه وفيما إذا كان مؤجلا فحل سواء وقد بيناه وتعتبر قيمة العبد في ضمان
الاستهلاك يوم الاستهلاك وفي ضمان الرهن يوم القبض لان ضمان الاستهلاك يجب بالاستهلاك وضمان
الرهن يجب بالقبض فيعتبر حال وجود السبب حتى لو كان الدين ألف درهم وقيمة العبد يوم الرهن ألفا فانتقصت قيمته
فتراجعت إلى خمسمائة فقتل غرم القاتل خمسمائة وسقط من الدين خمسمائة وإذا غرم خمسمائة بالاستهلاك كانت
هذه الدراهم رهنا بمثلها من الدين ويسقط الباقي من الدين لأنه يصير مستوفيا كل الدين بها ولا يجوز استيفاء أكثر من
خمسمائة بخمسمائة لما فيه من الربا وهذا بخلاف ما إذا قتله عبد أقل قيمة منه فدفع به لان الدفع لا يؤدي إلى الربا لأنه
لا يجوز استيفاء كل الدين من هذا العبد ألا ترى انه لو باعه جاز وإن كان لا يساويه فلم يكن فيه ربا وكذلك لو قتله المرتهن
يغرم قيمته والحكم فيه وفي الأجنبي سواء وقد ذكرناه ولو قتله الراهن فهذا وما إذا كان الرهن من غير بني آدم سواء
وقد ذكرناه فيما تقدم هذا إذا كان الجاني حرا (اما) إذا كان عبدا أو أمة يخاطب مولى القاتل بالدفع أو بالفداء بقيمة
المقتول فان اختار الدفع فإن كانت قيمة المقتول مثل قيمة المدفوع أو أكثر فالمدفوع رهن بجميع الدين ويجبر الراهن
على الافتكاك بلا خلاف وإن كانت قيمته أقل من قيمة المقتول بأن كانت قيمة المقتول ألفا والدين ألف وقيمة
المدفوع مائة فهو رهن بجميع الدين أيضا ويجبر الراهن على الافتكاك بجميع الدين كما كان يجبر على افتكاك العبد
المقتول لو كان حيا بجميع الدين في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وقال محمد ان لم يكن بقيمة القاتل وفاء بقيمة المقتول
فالراهن بالخياران شاء افتكه بجميع الدين وان شاء تركه للمرتهن بدينه فمحمد مر على أصله في الجعل بالدين عند
تعذر الجبر على الافتكاك وهنا تعذر لما فيه من الضرر بالراهن ولأبي حنيفة وأبى يوسف انه لما دفع الثاني بالأول قام
مقام الأول لحما ودما والأول كان رهنا بجميع الدين وكان يجبر الراهن على الافتكاك بجميع الدين فكذا الثاني
وكذلك لو كان العبد المرتهن نقص في السعر حتى صار يساوى مائة درهم فقتله عبد يساوى مائة درهم فدفع به فهو على
الاختلاف هذا إذا كان اختار مولى القاتل الدفع فاما إذا اختار الفداء فإنه يفديه بقيمة المقتول وكانت القيمة رهنا عند
المرتهن ثم ينظر إن كانت القيمة من جنس الدين استوفى دينه منها وإن كانت من خلاف الجنس حبسها رهنا حتى
يستوفى جميع دينه ويجبر الراهن على الافتكاك عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد يخير الراهن بين الافتكاك
بجميع الدين وبين الترك للمرتهن بالدين وقد مرت المسألة هذا إذا كانت الجناية في النفس فاما إذا كانت فيما دون
النفس فإن كان الجاني حرا يجب أرشه في ماله لا على عاقلته سواء كانت الجناية خطأ أو عمدا (اما) الوجوب في ماله
فلان العاقلة لا تعقل فيما دون النفس (وأما) التسوية بين الخطا والعمد فلان القصاص لا يجرى بين الحر والعبد فيما
دون النفس فاستوى فيه العمد والخطأ في وجوب الأرش فكان الأرش رهنا مع العبد لأنه بدل جزء مرهون وإن كان
الجاني عبدا يخاطب مولاه بالدفع أو الفداء بأرش الجناية فان اختار الفداء بالأرش كان الأرش مع المجني عليه رهنا
وان اختار الدفع يكون الجاني مع المجني عليه رهنا والخصومة في ذلك كله إلى المرتهن لان حق الحبس له والجاني فوت
الحبس عن بعض أجزاء الرهن فله أن يقيم بدل الفائت فيقيمه مقامه رهنا هذا الذي ذكرنا حكم جناية غير الرهن على
الرهن (وأما) حكم جناية الرهن على غير الرهن فجنايته لا تخلو اما إن كانت علي بني آدم واما إن كانت على غير بني آدم
من سائر الا موال فإن كانت علي بني آدم فلا تخلو اما إن كانت عمدا واما إن كانت خطأ أو في معناه فإن كان عمدا
يقتص منه كما إذا لم تكن رهنا لان ملك الراهن لا يمنع وجوب القصاص الا يرى أنه لا يمنع إذا لم يكن رهنا وإذا لم يكن
الملك مانعا فحق المرتهن أولى لأنه دون الملك سواء قتل أجنبيا أو الراهن أو المرتهن لان القصاص ضمان الدم ولا حق
للمولى في دمه بل هو أجنبي عنه وكذا للمرتهن من طريق الأولى إذ الثابت له الحق والحق دون الملك فصارت جنايته
165

على الراهن والمرتهن في حق القصاص وجنايته على الأجنبي سواء وإذا قتل قصاصا سقط الدين لان هلاكه حصل
في ضمان المرتهن فسقط ديته كما إذا هلك بنفسه هذا إذا كانت جنايته عمدا (فاما) إذا كانت خطأ أو ملحقة بالخطأ فإن كانت
شبه عمد أو كانت عمدا لكن القاتل ليس من أهل وجوب القصاص عليه بأن كان صبيا أو مجنونا أو كانت
جنايته فيما دون النفس فإنه يدفع أو يفدى لأن هذه الجنايات من العبيد والإماء توجب الدفع أو الفداء ثم ينظر إن كان
العبد كله مضمونا بأن كانت قيمته مثل الدين أو دونه نحو أن تكون قيمة العبد ألفا والدين ألفا أو كان الدين ألفا وقيمة
العبد خمسمائة يخاطب المرتهن أولا بالفداء لأنه بالفداء يستبقى حق نفسه في الرهن بتطهيره عن الجناية من غير أن يسقط
حق المرتهن ولو بدئ بالراهن وخوطب بالدفع أو الفداء على ما هو حكم الشرع فربما يختار؟ الدفع فيبطل حق المرتهن
ويسقط دينه فكانت البداءة بخطاب المرتهن بالفداء أولى وإذا فداه بالأرش فقد استخلصه وا؟؟ عن الجناية؟
وصار كأنه لم يجن أصلا فيبقى رهنا كما كان ولا يرجع بشئ مما فدى على الراهن لأنه فدى ملك الغير بغير اذنه فكان
متبرعا فيه فلا يملك الرجوع كما لو فداه أجنبي ولأنه بالفداء أصلح الرهن باختياره واستبقى حق نفسه فكان عاملا
لنفسه بالفداء فلا يرجع على غيره وليس له أن يدفع لان الدفع تمليك الرقبة وهولا يملك رقبته وان أبى الراهن أن يفدى
يخاطب الراهن بالدفع أو الفداء لان الأصل في الخطاب هو الراهن لان الملك له وإنما يبدأ بالمرتهن بخطاب الفداء صيانة
لحقه فإذا أبى عاد الامر إلى الأصل فان اختار الدفع بطل الرهن وسقط الدين (اما) بطلان الرهن فلان العبد زال عن
ملكه بالدفع إلى خلف فخرج عن كونه رهنا واما سقوط الدين فلان استحقاق الزوال حصل بمعنى في ضمان المرتهن
فصار كأنه هلك في يده وكذلك ان اختار الفداء لأنه صار قاضيا بما فدى المرتهن لان الفداء على المرتهن لحصول الجناية
في ضمانه الا انه لما أبي الفداء والراهن محتاج إلى استخلاص عبده ولا يمكنه ذلك الا بالفداء فكان مضطرا في الفداء
فلم يكن متبرعا فكان له أن يرجع على المرتهن بما فدى وله على الراهن مثله فيصير قصاصا به وإذا صار قاضيا دين
المرتهن مما فدى ينظر إلى ما فدى وإلى قدر قيمة العبد وإلى الدين فإن كان الفداء مثل الدين وقيمة العبد مثل الدين أو
أكثر سقط الدين كله وإن كان الفداء أقل من الدين وقيمة العبد مثل الدين أو أكثر سقط من الدين بقدر الفداء
وحبس العبد رهنا بالباقي وإن كان الفداء قدر الدين أو أكثر وقيمة العبد أقل من الدين يسقط من الدين قدر قيمة
العبد ولا يسقط أكثر منها لأنه لو هلك العبد لا يسقط من الدين أكثر من قيمته فكذا عند الفداء وإن كان العبد بعضه
مضمونا والبعض أمانة بأن كانت قيمة العبد ألفين والدين ألفا فالفداء عليهما جميعا لان نصفه مضمون ونصفه أمانة
فكان فداء نصف المضمون منه على المرتهن وفداء نصف الأمانة على الراهن فيخاطبان جميعا بالدفع أو بالفداء والمعنى
من خطاب الدفع في جانب المرتهن الرضا بالدفع لا فعل الدفع لان فعل الدفع ليس إليه ثم إذا خوطب بذلك (اما) ان
اجتمعا على الدفع (واما) ان اجتمعا على الفداء (واما) ان اختلفا فاختار أحدهما الدفع والآخر الفداء والحال لا يخلو اما
أن يكونا حاضرين واما إن كان أحدهما غائبا فإن كان حاضرين واجتمعا على الدفع ودفعا فقد سقط دين المرتهن لان
الدفع بمنزلة الهلاك وان اجتمعا على الفداء فدى كل واحد منهما بنصف الأرش وإذا فديا طهرت رقبة العبد عن الجناية
ويكون رهنا كما كان وكان كل واحد منهما متبرعا حتى لا يرجع على صاحبه بما فدى لان كل واحد منهما أدى ما عليه
فكان مؤديا عن نفسه لاعن صاحبه وان اختلفا فأراد أحدهما الفداء والاخر الدفع فأيهما اختار الفداء فاختياره أولى
(اما) المرتهن فلانه بالفداء يستبقي حق نفسه ولا يسقط حق الراهن والراهن بالدفع يسقط حق المرتهن فكان اختيار
المرتهن أولى وأما الراهن فلانه يستبقي ملك الرقبة بالفداء والمرتهن باختيار الدفع يريد اسقاط دينه وابطال ملك
الراهن فلم يكن له في اختيار الدفع نفع بل كان سفها محضا وتعنتا باردا فلا يلتفت إليه فكان للراهن ان يفدى ثم أيهما
اختار الفداء فدى العبد بجميع الأرش ولا يملك الآخر دفعه ثم ينظر إن كان الذي اختار الدفع هو المرتهن ففدى
بجميع الأرش بقي العبد رهنا كما كان لأنه طهرت رقبته عن الجناية بالفداء فصار كأنه لم يجن ويرجع المرتهن على الراهن
166

بدينه وهل يرجع عليه بحصة الأمانة ذكر الكرخي فيه روايتين في رواية لا يرجع بل يكون متبرعا وفي رواية يرجع
وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه لا يرجع الا بدينه خاصة ولم يذكر اختلاف الرواية (وجه) الرواية الأولى
أنه التزم الفداء باختياره مع قدرته على أن لا يلتزم لأنه لو لم يلتزم لخوطب الراهن فكان متبرعا فيه فلا يملك الرجوع
(وجه) الرواية الأخرى أن المرتهن يحتاج إلى إصلاح قدر المضمون منه ولا يمكنه ذلك الا باصلاح قدر الأمانة فكان
مضطرا فلم يكن متبرعا وإن كان الذي اختار الفداء هو الراهن ففداه بجميع الأرش لا يكون متبرعا بل يكون قاضيا
بنصف الفداء دين المرتهن ثم ينظر إن كان نصف الفداء مثل كل الدين سقط الدين كله وإن كان أقل منه سقط
من الدين بقدره ورجع بالفضل على الراهن ويحبسه رهنا به هذا إذا كانا حاضرين فاما إذا كان أحدهما حاضرا
فليس له ولاية الدفع أيهما كان سواء كان المرتهن أو الراهن أما المرتهن فلا شك فيه لأنه لا ملك له في العبد أصلا
والدفع تمليك فلا يتصور بدون الملك وأما الراهن فلان الدفع إسقاط حق المرتهن وله ولاية الفداء بجميع الأرش
فإن كان الحاضر هو المرتهن ففداه بجميع الأرش لا يكون متبرعا في نصف الفداء عند أبي حنيفة وله أن يرجع على الراهن
بدينه وبنصف الفداء لكنه يحبس العبد رهنا بالدين وليس له أن يحبسه رهنا بنصف الفداء بعد قضاء الدين وعند أبي
يوسف ومحمد كان المرتهن متبرعا في نصف الفداء فلا يرجع على الراهن الا بدينه خاصة كما لو فداه بحضرة الراهن
فهما سويا بين الغيبة والحضرة وجعلاه متبرعا في الحالين جميعا وأبو حنيفة رضي الله عنه فرق بين حال الحضرة
والغيبة فجعله متبرعا في الحضرة لا في الغيبة وإن كان الحاضر هو الراهن ففداه بجميع الأرش لا يكون متبرعا في نصف
الفداء بالاجماع بل يكون قاضيا بنصف الفداء دين المرتهن كما لو فداه الراهن بحضرة المرتهن وجه قولهما أن المرتهن
فدى ملك الغير بغير إذنه فكان متبرعا كما لو فداه أجنبي ولهذا كان متبرعا في حالة الحضرة كما في الغيبة ولأبي حنيفة
رضي الله عنه أنه في حال الحضرة التزم الفداء باختياره مع امكان خطاب الراهن فكان متبرعا والخطاب لا يمكن حالة
الغيبة وهو محتاج إلى إصلاح قدر المضمون ولا يمكنه ذلك الا باصلاح قدر الأمانة فكان مضطرا فلم يكن متبرعا هذا
الذي ذكرنا حكم جناية الرهن (فاما) حكم جناية ولد الرهن بان قتل انسانا خطأ فحكمه أنه لا فداء على المرتهن ويخاطب
المولى بالدفع أو الفداء أما عدم وجوب الفداء على المرتهن فلان خطابه بفداء الرهن مع أنه ليس ملكه لحصول
الجناية من الرهن في ضمان ولم يوجد في الولد لأنه ليس بمضمون أنه لو هلك يهلك بغير شئ وأما خطاب المولى بالدفع أو
الفداء فلان الملك له فان دفعه خرج الولد عن الرهن ولم يسقط شئ من الدين أما خروجه عن الرهن فلزوال ملك
الراهن عنه فيخرج عن الرهن كما لو هلك وأما عدم سقوط شئ من الدين فلان الولد غير مضمون بالهلاك بخلاف
الام وان فدى فهو رهن مع أنه على حاله فان اختار الراهن الدفع فقال له المرتهن أنا أفدى فله ذلك لان الولد مرهون
وان لم يكن مضمونا الا ترى أن الحكم الأصلي للرهن ثابت فيه وهو حق الحبس فكان الفداء منه اصلاحا للرهن
فكان له ذلك هذا إذا جنى الرهن على أجنبي فاما إذا جنى على الراهن أو على المرتهن أما جنايته على نفس المرتهن
جناية موجبة للمال أو على ماله فهدر لان العبد ملكه والمولى لا يجب له على عبده دين بخلاف جناية العبد المغصوب
على المغصوب منه أو على ماله على أصل أبي حنيفة رحمه الله أنها معتبرة لان المضمونات تملك عند أداء الضمان من وقت
الغصب فتبين أن تلك الجناية لم تكن جناية العبد على مولاه وأما جنايته على نفس المرتهن فهدر عند أبي حنيفة وعند أبي
يوسف ومحمد معتبرة يدفع أو يفدى ان رضى به المرتهن ويبطل الدين وان قال المرتهن لا أطلب الجناية لما في
الدفع أو الفداء من سقوط حقي فله ذلك وبطلت الجناية والعبد رهن على حاله هكذا أطلق الكرخي وذكر
القاضي في شرحه مختصر الطحاوي وفصل فقال إن كان العبد كله مضمونا بالدين فهو على الاختلاف وإن كان
بعضه مضمونا وبعضه أمانة فجنايته معتبرة بالاتفاق فيقال للراهن ان شئت فادفع وان شئت فافده فان دفعه وقبل
المرتهن بطل الدين كله وصار العبد كله للراهن وان اختار الفداء فنصف الفداء على الرهن ونصفه على المرتهن فما
167

كان حصة المرتهن يبطل وما كان حصة الراهن يفدى والعبد رهن على حاله واختلافهم في جناية الرهن على
المرتهن نظير اختلافهم في جنايته عند الغصب على الغاصب أنها هدر عند أبي حنيفة وعند هما معتبرة (وجه)
قولهما أن هذه جناية وردت على غير المالك فكانت معتبرة كما إذا وردت على أجنبي وهذا لان الأصل في الجنايات
اعتبارها وسقوط الاعتبار لمكان عدم الفائدة وهنا في اعتبار هذه الجناية فائدة لان موجبها الدفع وله فيه فائدة وهو
الوصول إلى ملك العبد وإن كان فيه سقوط دينه ولأبي حنيفة أن هذه الجناية وردت على غير المالك لكنها وجدت
في ضمان المرتهن فورودها على غير المالك إن كان يقتضى أن تكون معتبرة فوجودها في ضمان المرتهن يقتضى أن لا تعتبر
لأنها توجب الفداء عليه وذلك غير ممكن لما فيه من ايجاب الضمان عليه له وأنه محال فوقع الشك والاحتمال في اعتبارها
فلا تعتبر هذا إذا جنى على نفس المرتهن فاما إذا جنى على ماله فإن كانت قيمته والدين سواء وليس في قيمته فضل
فجنايته هدر بالاجماع لأنه لا فائدة في اعتبار هذه الجناية إذ ليس حكمها وجوب الدفع إلى المرتهن ليملكه بل تعلق الدين
برقبته فلو بيع وأخذ ثمنه لسقط دينه فلم يكن في اعتبار هذه الجناية فائدة فلا تعتبر وإن كانت قيمته أكثر من الدين
فعن أبي حنيفة رحمه الله روايتان في رواية تعتبر الجناية في قدر الأمانة وفي رواية لا يثبت حكم الجناية أصلا وجه
الرواية الأولى أن المانع من الاعتبار كون العبد في ضمان المرتهن وقدر الأمانة وهو الفضل على الدين ليس في ضمانه
فأمكن اعتبار الجناية في ذلك القدر فلزم اعتبارها وجه الرواية الأخرى أن ذلك القدر وان لم يكن مضمونا فهو في حكم
المضمون لثبوت حكم الرهن فيه وهو الحبس فيمنع الاعتبار وأما جناية الرهن على ابن الراهن أو على ابن المرتهن فلا
شك انها معتبرة لان المانع من الاعتبار في حق الراهن هو كون العبد مملوكا له وفي حق المرتهن كونه في ضمانه ولم يوجد
شئ من ذلك هنا فكانت جنايته عليه وعلى الأجنبي سواء هذا الذي ذكرنا حكم جناية الرهن علي بني آدم وأما
حكم جنايته على سائر الأموال بان استهلك مالا تستغرق رقبته فحكمها وحكم جناية غير الرهن سواء وهو تعلق الدين
برقبته يباع فيه الا إذا قضى الراهن أو المرتهن دينه فإذا قضاه أحدهما فالحكم فيه والحكم فيما ذكر من الفداء من جنايته
علي بني آدم سواء وهو أنه ان قضى المرتهن الدين بقي دينه وبقى العبد رهنا على حاله لأنه بالفداء استفرغ رقبة العبد عن
الدين واستصفاها عنه فيبقى العبد رهنا بدينه كما كان لو فداه عن الجناية وان أبى المرتهن أن يقضى وقضاه الراهن بطل
دين المرتهن لما ذكرنا في الفداء من الجناية فان امتنعا عن قضاء دينه يباع العبد بالدين ويقضى دين الغريم من ثمنه لان
دين العبد مقدم على حق المرتهن ألا ترى انه مقدم على حق المولى فعلى حق المرتهن أولى لأنه دونه ثم إذا بيع العبد
وقضى دين الغريم من ثمنه فثمنه لا يخلو اما أن يكون فيه وفاء بدين الغريم واما ان لم يكن فيه وفاء به فإن كان فيه
وفاء بدينه فدينه لا يخلو اما أن يكون مثل دين المرتهن واما أن يكون أكثر منه واما أن يكون أقل منه فإن كان
مثله أو أكثر منه سقط دين المرتهن كله لان العبد زال عن ملك الراهن بسبب وجد في ضمان المرتهن فصار كأنه هلك
وما فضل من ثمن العبد يكون للراهن لأنه بدل ملكه لا حق لاحد فيه فيكون له خاصة وإن كان أقل منه سقط من دين
المرتهن بقدره وما فضل من ثمن البعد يكون رهنا عند المرتهن بما بقي لأنه لادين فيه فيبقى رهنا ثم إن كان الدين قد
حل أخذه بدينه إن كان من جنس حقه وإن كان من خلاف جنس حقه أمسكه إلى أن يستوفى حقه وإن كان الدين
لم يحل أمسكه بما بقي من دينه إلى أن يحل هذا إذا كان كل العبد مضمونا بالدين فاما إذا كان نصفه مضمونا ونصفه
أمانة لا يصرف الفاضل كله إلى المرتهن بل يصرف نصفه إلى المرتهن ونصفه إلى الراهن لان قدر الأمانة لا دين فيه
فيصرف ذلك إلى الراهن وكذلك إن كان قدر المضمون منه والأمانة على التفاضل يصرف الفضل إليهما على قدر
تفاوت المضمون والأمانة في ذلك لما قلنا وان لم يكن في ثمن العبد وفاء بدين الغريم أخذ الغريم ثمنه وما بقي من دينه يتأخر
إلى ما بعد العتاق ولا يرجع به على أحد لأنه لم يوجد سبب وجوب الضمان من أحد إنما وجد منه وحكمه تعلق الدين
برقبته واستيفاء الدين منها فإذا لم تف رقبته بالدين يتأخر ما بقي إلى ما بعد العتق وإذا أعتق وأدى الباقي لا يرجع بما أدى
168

على أحد لأنه وجب عليه بفعله فلا يرجع على غيره وكذلك حكم جناية ولد الرهن على سائر الأموال وحكم جناية الام
سواء في أنه يتعلق الدين برقبته كما في الام الا أن هنا لا يخاطب المرتهن بقضاء دين الغريم لان سبب وجوب الدين
لم يوجد في ضمان المرتهن ولا الولد ليس بمضمون بخلاف الام بل يخاطب الراهن بين ان يبيع الولد بالدين وبين
ان يستخلفه بقضاء الدين فان قضى الدين بقي الولد رهنا كما كان وان بيع بالدين لا يسقط شئ من دين المرتهن لأنه
ليس بمضمون بخلاف الام هذا الذي ذكرنا حكم جناية غير الرهن على الرهن وحكم جناية الرهن على غير الرهن فاما
حكم جناية الرهن على الرهن فنقول وبالله التوفيق جناية الرهن على الرهن نوعان جناية على الرهن نفسه وجناية على
جنسه أما جنايته على نفسه فهي والهلاك بآفة سماوية سواء ثم ينظر إن كان العبد كله مضمونا سقط من الدين بقدر
النقصان وإن كان بعضه مضمونا وبعضه أمانة سقط من الدين قدر ما انتقص من المضمون لا من الأمانة وأما
جناية الرهن على نفسه فعلى ضربين أيضا جناية بني آدم على جنسه وجناية البهيمة على جنسها وعلى غير جنسها أما
جناية بني آدم على جنسه بأن كان الرهن عبدين فجنى أحدهما على صاحبه فالعبدان لا يخلو اما إن كانا رهنا في صفقة
واحدة واما إن كانا رهنا في صفقتين فإن كانا رهنا في صفقة واحدة فجنى أحدهما على صاحبه فجنايته لا تخلو من أربعة
أقسام جناية المشغول على المشغول وجناية المشغول على الفارغ وجناية الفارغ على الفارغ وجناية الفارغ على المشغول
والكل هدر الا واحدة وهي جناية الفارغ على المشغول فإنها معتبرة ويتحول ما في المشغول من الدين إلى الفارغ
ويكون رهنا مكانه أما جناية المشغول على المشغول فلأنها لو اعتبرت اما ان تعتبر لحق المولى أعنى الراهن واما
ان تعتبر لحق المرتهن والاعتبار لحق الرهن لا سبيل إليه في الفصول كلها لان كل واحد منهما ملكه وجناية المملوك
على المملوك ساقطة الاعتبار لحق الملك لان اعتبرها في حقه لوجوب الدفع عليه أو الفداء له وإيجاب شئ على
الانسان لنفسه ممتنع ولهذا لا يجب للمولى على عبده دين ولا سبيل إلى اعتبار جناية المشغول على المشغول لحق
المرتهن لأن الاعتبار لحقه يحول ما في المجني عليه من الدين إلى الجاني والجاني مشغول بدين نفسه والمشغول بنفسه
لا يشتغل بغيره وكذلك جناية المشغول على الفارغ لما قلنا وأما جناية الفارغ على الفارغ فلانه لا دين للفارغ ليتحول
إلى الجاني فلا يفيد اعتبارها في حقه وأما جناية الفارغ على المشغول فممكن الاعتبار لحق يتحول ما فيه ما الدين إلى
الفارغ وبيان هذه الجملة في مسائل إذا كان الدين ألفين والرهن عبدين يساوى كل واحد منهما ألفا فقتل أحدهما
صاحبه أو جنبي عليه جناية فيما دون النفس مما قل أرشها أو كثر فجنايته هدر ويسقط الدين الذي كان في المجني عليه
بقدره ولا يتحول قدر ما سقط إلى الجاني لان كل واحد منهما مشغول كله بالدين وجناية المشغول على المشغول هدر
فجعل كان المجني عليه هلك بآفة سماوية ولو كان الدين ألفا فقتل أحدهما صاحبه فلا دفع ولا فداء وكان القاتل رهنا
بسبعمائة وخمسين لان في كل واحد منهما من الدين خمسمائة فكان نصف كل واحد منهما فارغا ونصفه مشغولا
فإذا قتل أحدهما صاحبه فقد جنى كل واحد من نصفي القاتل على النصف المشغول والنصف الفارغ من المجني عليه
وجناية قدر المشغول على المشغول وقدر المشغول على الفارغ وقدر الفارغ على الفارغ هدر لما بينا فيسقط ما كان فيه
شئ من الدين ولا يتحول إلى الجاني وجناية قدر الفارغ على قدر المشغول معتبرة فيتحول قدر ما كان فيه إلى الجاني
وذلك مائتان وخمسون وقد كان في الجاني خمسمائة فيبقى رهنا بسبعمائة وخمسين ولو فقأ أحدهما عين صاحبه تحول
نصف ما كان من الدين في العين إلى الباقي فيصير الباقي رهنا بستمائة وخمسة وعشرين وبقى المفقوء عينه رهنا
بمائتين وخمسين لان العبد الفاقئ جنى على نصف العبد الآخر لأن العين من الآدمي نصفه الا أن ذلك النصف
نصفه مشغول بالدين ونصفه فارغ من الدين والفاقئ جنى على النصف المشغول والفارغ جميعا والفاقئ نصفه
مشغول ونصفه فارغ الا أن جناية المشغول على قدر المشغول والفارغ وجناية الفارغ على قدر الفارغ والمشغول
فقدر جناية الفارغ على قدر المشغول معتبرة فيتحول قدر ما كان في المشغول من الدين إلى الفاقئ وذلك مائة وخمسة
169

وعشرون وقد كان في الفاقئ خمسمائة فيصير الفاقئ رهنا بستمائة وخمسة وعشرين ويبقى المفقوء عينه رهنا بمائتين
وخمسين لانعدام ورود الجناية على ذلك النصف والله عز وجل أعلم وإن كان العبدان رهنا في صفقتين فإن كان
فيهما فضل على الدين بأن كان الدين ألفا وقدر كل واحد منهما ألفا فقتل أحدهما الآخر تعتبر الجناية رهنا بخلاف
الفصل الأول لان الصفقة إذا تفرقت صارت بمنزلة ما لو رهن كل واحد منهما رجلا على حدة فجنى أحدهما
على الاخر وهناك يثبت حكم الجناية كذا ههنا بخلاف ما إذا اتحدت الصفقة وإذا اعتبرت الجناية هنا يخير
الراهن والمرتهن فان شاءا جعلا القاتل مكان المقتول فبطل ما كان في القاتل من الدين وان شاءا فديا القاتل بقيمة
المقتول ويكون رهنا مكان المقتول والقاتل رهن على حاله وان لم يكن فيهما فضل على الدين بأن كان الدين الفين
وقيمة كل واحد منهما ألفا فقتل أحدهما الآخر فان دفعاه في الجناية قام المدفوع مقام المقتول ويبطل الدين
الذي كان في القاتل وان قالا نفدي فالفداء كله على المرتهن بخلاف الفصل الأول لان هناك كل واحد منهما ليس
بمضمون كله بل بعضه وهنا كل واحد منهما مضمون كله فإذا حل الدين دفع الراهن ألفا وأخذ عبده وكانت
الألف الأخرى قصاصا بهذه الألف إذا كان مثله ولو فقأ أحدهما عين الآخر قيل لهما ادفعاه أو افدياه فان
دفعاه بطل ما كان فيه من الدين وان فدياه كان الفداء عليهما نصفين وكان الفداء رهنا مع المفقوء عينه لان الجناية
معتبرة لما ذكرنا فصار كعبد الرهن إذا جنى على عبد أجنبي فان قال المرتهن أنا لا أفدى ولكني أدع الرهن على حاله
فله ذلك وكان الفاقئ رهنا مكانه على حاله وقد ذهب نصف ما كان في المفقوء من الدين لان اعتبار الجناية إنما كان لحق
المرتهن لا لحق الراهن فإذا رضى المرتهن بهدر الجناية صار هدرا وان قال الراهن أنا أفدى وقال المرتهن لا أفدى كان
للراهن أن يفديه وهذا إذا طلب المرتهن حكم الجناية لأنه إذا طلب حكم الجناية فحكمها التخيير وان أبى الراهن الفداء
وقال المرتهن أنا أفدى والراهن حاضر أو غائب فهو على ما بينا في العبد الواحد (وأما) جناية البهيمة على جنسها فهي
هدر لما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال جرح العجماء جبار أي هدر والعجماء البهيمة والجناية إذا
هدرت سقط اعتبارها وصار الهلاك بها والهلاك بآفة سماوية سواء وكذلك جنايتها على خلاف جنسها هدر
لعموم الحديث وأما جناية بني آدم عليها فحكمها وحكم جنايته على سائر الأموال سواء قد بينا ذلك
(فصل) وأما بيان ما يخرج به المرهون عن كونه مرهونا ويبطل به عقد الرهن وما لا يخرج ولا يبطل فنقول
وبالله التوفيق يخرج المرهون عن كونه مرهونا ويبطل الرهن بالإقالة لأنها فسخ العقد ونقضه والشئ لا يبقى مع
ما ينقضه الا أنه لا يبطله بنفس الإقالة من العاقدين ما لم يرد المرتهن الرهن على الراهن بعد الإقالة حتى كان للمرتهن
حبسه بعد الإقالة لأن العقد لا ينعقد في الحكم بدون القبض فلا يتم فسخه بدون فسخه أيضا وفسخه بالرد وعلى هذا
يخرج ما إذا رهن عبدا يساوى ألفا بألف فقبضه المرتهن ثم جاء الراهن بجارية وقال للمرتهن خذ ها مكان الأولى ورد
العبد إلى لاشك ان هذا جائز لان هذا إقالة العقد في الأول وانشاء العقد في الثاني وهما يملكان ذلك الا أنه لا يخرج
الأول عن ضمان الرهن الا بالرد على الراهن حتى لو هلك في يده قبل الرد يهلك بالدين لما ذكرنا أن القبض في هذا الباب
يجرى مجرى الركن حتى لا يثبت الضمان بدونه فلا يتم الفسخ بدون نقض القبض وكذا لا يدخل الثاني في الضمان الا
برد الأول حتى لو هلك الثاني في يده قبل رد الأول يهلك أمانة لان الراهن لم يرض برهنيتهما على الجميع وإنما رضى برهن
أحدهما حيث رهن الثاني وطلب رد الأول والأول كان مضمونا بالقبض فما لم يخرج عن كونه مضمونا ببعض
القبض فيه لا يدخل الثاني في الضمان ولو هلكا جميعا في يد المرتهن فسقط الدين بهلاك العبد وهلكت الجارية بغير
شئ لأنها أمانة هلكت في يده فتهلك هلاك الأمانات ولو قبض الراهن العبد وسلم الجارية خرج عن الضمان لأنه
خرج عن كونه مرهونا وصارت الجارية مضمونة حتى لو هلكت تهلك بالدين لأنه رهنها بالدين الذي كان العبد
مرهونا به والعبد كان مضمونا بذلك الدين فكذا الجارية فإن كانت قيمة العبد خمسمائة وهو رهن بألف وقيمة
170

الجارية ألف فهلكت تهلك بالألف لأنه رهن الجارية بعقد على حدة فكانت رهنا ابتداء الا أن شرط كونه مضمونا
رد الأول لأنه لم يرض برهنهما جميعا الا أن يكون الثاني بدل الأول بل هو مقصود بنفسه في كونه رهنا فكان المضمون
قدر قيمته لا قدر قيمة الأول ولو كان العبد يساوى ألفا والجارية تساوى خمسمائة فرد العبد على الراهن وقبض
الجارية فهي رهن بالألف ولكنها ان هلكت تهلك بخمسمائة لما ذكرنا ان الثاني أصل بنفسه لكونه مرهونا بعقد
على حدة فيعتبر في الضمان قدر قيمته ولا يخرج باستيفاء الدين حتى لو هلك في يد المرتهن بعد ما استوفى دينه فعليه رد
ما استوفى ويخرج بالابراء عن الدين عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله ويبطل الرهن خلافا لزفر والمسألة مرت في
مواضع أخر من هذا الكتاب ولا يخرج بالإعارة ويخرج بالإجارة بان أجره الراهن من أجنبي بإذن المرتهن أو
المرتهن باذن الراهن أو استأجره المرتهن ويبطل الرهن وقد ذكرنا الفرق بينهما فيما تقدم ويخرج بالكتابة والهبة
والصدقة إذا فعل أحدهما باذن صاحبه ويخرج بالبيع بان باعه الراهن أو المرتهن باذن الراهن أو باعه العدل لان
ملك المرهون قد زال بالبيع ولكن لا يبطل الرهن لأنه زال إلى خلف وهو الثمن فبقي العقد عليه وكذا في كل
موضع خرج واختلف بدلا ويخرج بالاعتاق إذا كان المعتق موسرا بالانفاق وإن كان معسرا فكذلك عندنا
وعند الشافعي رحمه الله لا يخرج بناء على أن الاعتاق نافذ عندنا وعنده لا ينفذ (وجه) قوله إن هذا اعتاق تضمن
ابطال حق المرتهن ولا شك انه تضمن ابطال حقه لان حقه متعلق بالرهن ويبطل بالاعتاق وعصمة حقه تمنع من
الابطال ولهذا لا ينفذ البيع كذا الاعتاق بخلاف ما إذا كان الراهن موسرا لان هناك لم يوجد الا بطال لأنه يمكنه
الوصول إلى دينه للحال من جهة الراهن (ولنا) ان اعتاقه صادف موقوفا هو مملوكه رقبة فينفذ كاعتاقه الآبق
والمستأجر ودلالة الوصف ظاهر لان المرهون مملوك للراهن عينا ورقبة ان لم يكن مملوكا يدا وحبسا وملك الرقبة
يكفي لنفاذ الا عتاق كما في اعتاق العبد المستأجر والآبق وقوله يبطل حق المرتهن قلنا نعم لكن ضرورة بطلان ملك
الراهن وذا لا يمنع النفاذ كما في موضع الاجماع مع ما ان الثابت للراهن حقيقة الملك والثابت للمرتهن حق الحبس
ولا شك ان اعتبار الحقيقة أولى لأنها أقوى بخلاف البيع لان نفاذه يعتمد قيام ملك الرقبة واليد جميعا لان القدرة
على تسليم المبيع شرط نفاذه ولم يوجد في المرهون لأنه في يد المرتهن فإذا نفذ اعتاقه خرج العبد عن أن يكون مرهونا
لأنه صار حرا من كل وجه والحر من وجه وهو المدبر لا يصلح للرهن فالحر من كل وجه أولى ولهذا لم يصلح رهنا
في حالة الابتداء فكذا في حالة البقاء ثم ينظر إن كان الراهن موسرا والدين حال يجبر الراهن على قضائه لأنه لا معنى
لايجاب الضمان وكذلك إن كان الدين مؤجلا وقد حلال الأجل وإن كان لم يحل غرم الراهن قيمة العبد وأخذه
المرتهن رضا مكانه ولا سعاية على العبد أما وجوب الضمان على الراهن فلانه أبطل على المرتهن حقه حقا قويا هو في
معنى الملك أو هو ملكه من وجه لصيرورته مستوفيا دينه من ماليته من وجه فجاز أن يكون مضمونا بالاتلاف وأما
كونه رهنا فلانه بدل العبد وفي الحقيقة بدل ماليته فيقوم مقامه وإذا حل الأجل ينظر إن كانت القيمة من جنس
الدين يستوفى منها دينه فإن كانت قيمته أكثر من الدين رد الفضل على الراهن وإن كانت قيمته أقل من الدين
يرجع بفضل الدين على الراهن وإن كانت قيمته من خلاف جنس الدين حبسها بالدين حتى يستوفى دينه (وأما)
عدم وجوب السعاية على العبد فلانه لم يوجد منه بسبب وجوب الضمان وهو الاتلاف لان الاتلاف وجد من الراهن
لامن العبد ومؤاخذة الانسان بالضمان من غير مباشره سبب منه خلاف الأصل وكذلك لو كان الراهن موسرا
وقت الاعتاق ثم أعسر بعد ذلك لان العبرة لوقت الاعتاق لأنه وقت مباشرة سبب وجوب الضمان وإن كان معسرا
فللمرتهن أن يرجع بدينه على الراهن ان شاء وان شاء استسعى العبد في الأقل من قيمته ومن الدين ويعتبر في العبد أيضا
أقل قيمته وقت الرهن ووقت الاعتاق ويسعى في الأقل منهما ومن الدين حتى لو كان الدين الفين وقيمة العبد وقت
الرهن ألفا فازدادت قيمته في يد المرتهن حتى صارت تساوى ألفين ثم أعتقه الراهن وهو معسر سعى العبد في ألف قدر
171

قيمته وقت الرهن ولو انتقصت قيمته حتى صار يساوى خمسمائة سعى في خمسمائة قدر قيمته وقت الاعتاق (أما)
اختيار الرجوع على الراهن فلانه أبطل حقه بالاعتاق (وأما) ولاية استسعاء العبد فلان بالرهن صارت مالية هذا
العبد مملوكة للمرتهن من وجه لأنه صار مستوفيا لدينه من ماليته فإذا أعتقه الراهن فقد صارت هذه المالية محتبسة
عند العبد فوصلت إلى العبد بالاتلاف مالية مشغولة بحق المرتهن فكان للمرتهن أن يستخرجها منه ولا يمكنه ذلك
الا باستسعاء العبد فله أن يستسعيه بخلاف حالة اليسار لان الدين في الحقيقة على الراهن وإنما العبد جعل محلا
لاستيفاء الدين منه عند تعذر الاستيفاء من الراهن على ما هو موضوع الرهن في الشرع ان الراهن يؤمر بقضاء الدين
وعند التعذر يستوفى من الرهن كما قبل الاعتاق والتعذر عند اعسار الراهن لا عند يساره فيسعى في حال الاعسار لا في
حال اليسار وبخلاف العبد المشترى قبل القبض إذا أعتقه المشترى وهو مفلس لا يكون للبائع ولاية استسعاء العبد
بقدر الثمن وإن كان محبوسا قبل التسليم بالثمن كالمرهون محبوس بالدين لان العبد بنفس البيع خروج عن ملك البائع من
كل وجه فلم يوجد احتباس مالية مملوكة للبائع عند العبد وإنما للبائع مجرد حق الحبس فإذا خرج عن محلية الحبس
بالاعتاق بطل حق الحبس أصلا وبقى حقه في مطالبة المشترى بالثمن فحسب أما ههنا فبخلافه (وأما) السعاية في
الأقل من قيمته ومن الدين فلما ذكرنا ان الاستسعاء لمكان ضرورة المالية المملوكة للمرتهن من وجه محتبسة عند
العبد فتقدر السعاية بقدر الاحتباس ثم إذا سعى العبد يرجع بما سعى على الراهن لأنه قضى دين الراهن من خالص
ملكه على وجه الاضطرار لان الشرع أوجب عليه السعاية والقاضي ألزمه ومن قضى دين غيره مضطرا من مال
نفسه لا يكون متبرعا ويرجع عليه كالوارث إذا قضى دين الميت من مال نفسه انه يرجع على التركة كذا هذا فان بقي
بعد السعاية شئ من الدين رجع المرتهن بذلك على الراهن ولو نقص العبد في السعر قبل الاعتاق بأن كان الدين ألفا
وقيمة العبد وقت الرهن ألفا فنقص في السعر حتى عادت قيمة إلى خمسمائة ثم أعتقه الراهن وهو معسر سعى في قدر
قيمته وقت الاعتاق وهو خمسمائة فللمرتهن أن يرجع على الراهن بخمسمائة أخرى لأنه لم يصل إليه من حقه الا قدر
خمسمائة فله أن يرجع عليه بالباقي ولو لم ينقص العبد في السعر ولكنه قتله عبد يساوى مائة درهم فدفع مكانه فاعتقه
الراهن وهو معسر يسعى في قيمته مائة درهم ويرجع بذلك على الراهن ويرجع المرتهن على الراهن بتسعمائة لأنه لما
دفع به فقد قام مقام الأول لحما ودما فصار رهنا بجميع المال كان الأول قائم وتراجع سعره إلى مائة فاعتقه الراهن وهو
معسر ولو كان كذلك لسعى في قيمته وقت الاعتاق مائة درهم ويرجع بذلك على الراهن وكان للمرتهن أن يرجع
ببقية دينه على الراهن كذا هذا ولو كان الرهن جارية تساوى ألفا بألف فولدت ولدا يساوى ألفا فأعتقها المولى وهو
معسر سعيا في ألف لأن الضمان فيهما ألف ولو لم تلد ولكن قتلها عبد قيمته ألفان فدفع بها ثم أعتقه المولى سعى في ألف
درهم لأنه كان مضمونا بهذا القدر لقيامه مقام المقتولة لحما ودما وهي كانت مضمونة بهذا القدر كذا هذا ولو قال المولى
لعبده رهنتك عند فلان وكذبه العبد ثم أعتقه المولى وهو معسر فالقول قول المولى ولزمه السعاية عند أصحابنا الثلاثة
رضي الله عنهم وقال زفر رحمه الله القول قول العبد ولا سعاية عليه (وجه) قوله إن المولى بهذا الاقرار يريد الزام السعاية
على العبد وقوله في الزام السعاية عليه غير مقبول كما لو أقر عليه بذلك بعد الاعتاق (ولنا) انه أقر بما يملك انشاءه عليه للحال
لثبوت الولاية له عليه للحال لوجود سبب الولاية وهو الملك فيصح ولا يلتفت إلى تكذيب العبد بخلاف ما بعد
الاعتاق لأنه هناك أقر بمالا يملك للحال انشاءه لزوال ملك الولاية بالاعتاق هذا إذا أعتقه فاما إذا دبره فيجوز
تدبيره ويخرج عن كونه رهنا أما جواز التدبير فلانه يقف على قيام ملك الرقبة لجواز الاعتاق وملك الرقبة قائم بعد
الرهن (وأما) خروجه عن الرهن فلان المدبر لا يصلح رهنا لان كون المرهون مالا مطلقا شرط جواز الرهن على
ما بينا فيما تقدم والتدبير خرج من أن يكون مالا مطلقا فيخرج عن كونه رهنا ولهذا لم يصلح رهنا ابتداء فكذا في
حالة البقاء وهل يسعى للمرتهن لا خلاف في أن الراهن إذا كان معسرا يسعى (وأما) إذا كان موسرا ذكر الكرخي
172

رحمه الله انه يسعى وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه لا يسعى وسوى بين المرتهن وبين الاعتاق وهو ان
الدين إن كان حالا أخذ المرتهن جميع دينه من الراهن وإن كان مؤجلا أخذ قيمة العبد من الراهن ويكون رهنا
مكانه كما في الاعتاق (وجه) ما ذكره الكرخي ان الدين على المولى وكسب المدبر ملك المولى لأنه بالتدبير لم
يخرج عن ملك المولى فكانت سعاية مال المولى فكان صرف السعاية إلى المرتهن قضاء دين المولى من مال المولى
فيستوى فيه حال الأسعار واليسار خلاف كسب المعتق لأنه كسب الحر من كل وجه وكسب الحر من كل
وجه ملكه فكانت السعاية ملكه ولاصل أن لا يؤمر الانسان بقضاء دين غيره من مال نفسه الا عند العجز عن
القضاء بنفسه فيتقيد بحال العجز وهي حالة الاعسار (وجه) ما ذكره القاضي أن السعاية وإن كانت ملك المولى لكن
لا صنع للعبد في الكتابة بسبب وجوبها إذ لا صنع له في التدبير بل هو فعل المولى ومهما أمكن ايجاب الضمان على من
وجد منه مباشرة بسبب وجوبه كان أولى من ايجابه على من لا صنع فيه أصلا ورأسا فإذا كان المولى معسرا كان
الامكان ثابتا فلا معنى لايجاب السعاية على العبد ثم إذا سعى في حالة الاعسار يسعى في جميع الدين بالغا ما بلغ لان
السعاية مال المولى فكان الاستسعاء من المرتهن استيفاء الدين من مال المولى فكان له أن يستوفيه بتمامه سواء كان
الدين حالا أو موجلا لما قلنا وقيل إن كان الدين حالا فكذلك فاما إذا كان مؤجلا فلا يسعى الا في قدر قيمته ويكون
رهنا مكانه وهكذا ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي (ووجه) الفرق على هذا القول إن الدين إذا كان حالا
كان واجب القضاء للحال على سبيل التضييق وهذا مال المولى فيقضى منه دينه على الكمال وإذا كان مؤجلا لا يجب
قضاؤه للحال أصلا ولا يجب على سبيل التضييق الا أن الراهن بالتدبير فوت حق المرتهن فتجب إعادة حقه إليه
بعوض يقوم مقامه جبرا للفائت فيتقدر الجائز بقدر الفائت فيستسعيه بقدر قيمته ويكون رهنا مكانه ولا يرجع المدبر
بما يسعى على الراهن بخلاف المعتق فوقع الفرق بين التدبير والاعتاق في موضعين (أحدهما) ان المدبر يسعى في جميع
الدين بالغا ما بلغ ولا ينظر إلى القيمة والمعتق يسعى في الأقل من قيمته ومن الدين والثاني ان المدبر لا يرجع بما يسعى على
المولى والمعتق يرجع والفرق بينهما يرجع إلى حرف واحد وهوان سعاية المدبر ملك مولاه لكون المدبر ملكه إذ الفائت
بالتدبير ليس الا منفعة البيع فكان الاستسعاء استيفاء الدين من مال المولى فله أن يستوفيه على التمام والكمال ولا يرجع
بما يسعى على المولى لأنه قضى دين المولى من مال المولى فكيف يرجع عليه بخلاف المعتق لان سعاية ملكه على
الخصوص لأنه حر خالص الا أنه لزمته السعاية لاستخراج ملك المرتهن من وجه المحتبس عنده وهو مال فتتقدر
السعاية بقدر الاحتباس ويرجع بالسعاية على المولى إذا كان معسرا لأنه قضى دينا واجبا عليه من مال نفسه مضطرا
فيملك الرجوع في الشرع على ما بينا بخلاف المدبر والله أعلم وعلى ما ذكره الكرخي رحمه الله يقع الفرق بينهما في موضع
ثالث أيضا وهو ان المدبر يسعى مع ايسار المولى والمعتق لا يسعى مع ايساره وقد بينا وجه ذلك فيما تقدم هذا إذا أعتق أو
دبر فاما إذا استولد بأن كان الرهن جارية فحبلت عند المرتهن فادعاه الراهن فدعواه لا يخلوا ما إن كانت قبل وضع الحمل
واما إن كانت بعده فإن كانت قبل وضع الحمل صحت دعوته ويثبت نسب الولد منه وصارت الجارية أم ولد له
وخرجت عن الرهن (أما) صحة الدعوة فلان الجارية ملكه من كل وجه والملك من وجه يكفي لصحة الدعوة فالملك من
كل وجه أولى وثبوت النسب حكم صحة الدعوة وصيرورة الجارية أم ولد له حكم ثبوت النسب وخروج الجارية عن
الرهن حكم الاستيلاد وهو صيرورتها أم ولد له لان أم الوالد لا تصلح للرهن ألا ترى انها لا تصلح رهنا ابتداء فكذا
في حال البقاء ولا سعاية على الولد لأنه صار حرا قبل الولادة فلم يدخل في الرهن فلا يثبت حكم الرهن فيه (وأما) الجارية
فحكها حكم العبد المرهون إذا دبره الراهن وقد بينا ذلك كله وإن كانت الجارية وضعت الحمل ثم ادعى الراهن الولد صحت
دعوته وثبت النسب وصار حرا وصارت الجارية أم ولده وخرجت من الرهن لما ذكرنا في الفصل الأول الا أن هنا
صار الولد حرا بعد ما دخل في الرهن وصارت له حصة من الرهن فيقسم الدين عليها على قدر قيمتهما الا أن قيمة
173

الجارية تعتبر يوم الرهن وقيمة الولد تعتبر يوم الدعوة فيكون حكم الجارية في حصتها من الدين حكم المدبر في جميع
الدين وقد ذكرنا ذلك وحكم الولد في حصته من الدين حكم المعتق في جميع ما ذكرنا وقد بينا ذلك الا أن هناك ينظر إلى
ثلاثة أشياء إلى قيمة العبد وقت الرهن والى قيمته وقت الاعتاق وإلى الدين فيسعى في الأقل من الأشياء الثلاثة وهنا
ينظر فقط إلى قيمة الولد وقت الدعوة وإلى حصته من الدين فيسعى في أقلهما إذا كان الراهن معسرا ويرجع بما
سعى عليه
(فصل) (وأما) حكم اختلاف الراهن والمرتهن والعدل فنقول وبالله التوفيق إذا كان الدين ألف درهم فاختلف
الراهن والمرتهن في قدر المرهون به فقال الراهن انه رهن بخمسمائة وقال المرتهن بألف فالقول قول الراهن مع يمينه لان
المرتهن يدعى على الراهن زيادة ضمان وهو ينكر فكان القول قوله ولو أقاما البينة فالبينة بينة المرتهن لأنها تثبت زيادة
ضمان ولو قال الراهن رهنته بجميع الدين الذي لك على وهو الف والرهن يساوى ألفا وقال المرتهن ارتهنته بخمسمائة
والرهن قائم فقد روى عن أبي حنيفة ان القول قول الراهن ويتحالفان ويترادان لأنهما اختلفها في قدر ما وقع عليه
العقد وهو المرهون به فأشبه اختلاف البائع والمشترى في مقدار الثمن وهناك يتحالفان ويترادان كذا هنا فان هلك
الرهن قبل أن يتحالفا كان كما قال المرتهن لان الراهن يدعى عليه زيادة ضمان وهو ينكر وان اتفقا على أن الرهن كان
بألف واختلفا في قيمة الجارية فالقول قول المرتهن لان الراهن يدعى عليه زيادة ضمان وهو ينكر ولهذا كان القول
قول الغاصب في مقدار الضمان فكذا هذا ولو أقاما البينة فالبينة بينة الراهن لأنها تثبت زيادة ضمان وكذلك لو كان
الرهن ثوبين هلك أحدهما فاختلفا في قيمة الهالك ان القول قول المرتهن في قيمة الهالك والبينة بينة الراهن
في زيادة القيمة لما قلنا وكذلك لو اختلفا في قدر الرهن فقال المرتهن رهنتني هذين الثوبين بألف درهم وقال الراهن
رهنت أحدهما بعينه يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه لأنهما اختلفا في قدر المعقود عليه وانه يوجب
التحالف كما في باب البيع ولو أقاما البينة فالبينة بينة المرتهن هكذا ذكر في الأصل لأنها تثبت زيادة ضمان ولو قال الراهن
للمرتهن هلك الرهن في يدك وقال المرتهن قبضته منى بعد الرهن فهلك في يدك فالقول قول الراهن لأنهما أنفقا على
دخوله في الضمان والمرتهن يدعى البراءة والراهن ينكر فكان القول قوله ولو أقاما البينة فالبينة بينته أيضا لأنها تثبت
استيفاء الدين وبينة المرتهن تنفى ذلك فالمثبتة أولى ولو قال المرتهن هلك في يد الراهن قبل أن اقبضه فالقول قوله لان
الراهن يدعى دخوله في الضمان وهو ينكر ولو أقاما البينة فالبينة بينة الراهن لأنها تثبت الضمان ولو كان الرهن عبدا
فاعور فاختلفا فقال الراهن كانت القيمة يوم الرهن ألفا فذهب بالاعورار النصف خمسمائة وقال المرتهن لا بل كانت
قيمته يوم الرهن خمسمائة وإنما ازداد بعد ذلك فإنما ذهب من حقي الربع مائتان وخمسون فالقول قول الراهن لأنه
يستدل بالحال على الماضي فكان الظاهر شاهدا له وان أقاما البينة فالبينة بينته أيضا لأنها تثبت زيادة ضمان فكانت
أولى بالقبول ولو كان الدين مائة والرهن في يد عدل فباعه فاختلفا فقال الراهن باعه بمائة وقال المرتهن بخمسين ودفع إلى
وصدق العدل الراهن فالقول قول المرتهن مع يمينه لان المرهون خرج عن كونه مضمونا بنفسه بخروجه عن كونه رهنا
بالمبيع وتحول الضمان إلى الثمن فالراهن يدعى تحول زيادة ضمان وهو ينكر فكان القول قوله كما إذا اختلفا في مقدار
قيمة الرهن بعد هلاكه ولو أقاما البينة فالبينة بينة الراهن لأنها تثبت زيادة ضمان وبينة المرتهن تنفى تلك الزيادة فالمثبتة
أولى لان اتفاقهما على الرهن اتفاق منهما على الدخول في الضمان فالمرتهن بدعوى البيع يدعى خروجه عن الضمان
وتحول الضمان إلى الثمن والراهن ينكر فكان القول قوله مع يمنيه وكذلك قال أبو حنيفة رضي الله عنه إذا كان الرهن
مثل الدين في القيمة والمرتهن مسلط على بيعه بان ادعى انه باعه بمثل الثمن وهو ألف فالقول قوله وان قال بعته بتسعمائة
لم يقبل قوله فصار كأنه ضاع ولا يرجع على الراهن بالنقصان إلى أن تجئ بينته أو يصدقه لما ذكرنا انه كان مضمونا فلا
يقبل قوله في انتقال الضمان وكذلك العدل إذا قال بعت بتسعمائة ولا يعلم الا بقوله لم يكن على العدل الا تسعمائة
174

ويكون الراهن راهنا بما فيه ولا يرجع المرتهن على الراهن بالمائة الفاضلة لان قول العدل مقبول في براءة نفسه غير
مقبول في اسقاط الضمان عن بعض ما تعلق به ولا في الرجوع على الراهن وذكر في الأصل إذا كان المرتهن مسلطا
على البيع فأقام بينة انه باعه بتسعة وأقام الراهن بينه انه مات في يد المرتهن أخذ بينة المرتهن وقال أبو يوسف يؤخذ
بينه الراهن (وجه) قوله إن بينة الراهن تثبت زيادة ضمان بنفيها بينة المرتهن فكانت المثبتة أولى (وجه) رواية
الأصل ان بينة المرتهن تثبت أمرا لم يكن وهو تحول الضمان من العين إلى الثمن وبينة الراهن تقرر ضمانا كان ثابتا قبل
الموت فكانت المثبتة أولى والله تعالى أعلم
كتاب المزارعة
الكلام في هذا الكتاب في مواضع في معنى المزارعة لغة وشرعا وفي بيان شرعيتها وفي بيان ركن المزارعة وفي بيان
الشرائط المصححة للركن على قول من يجيز المزارعة والشرائط المفسدة لها وفي بيان حكم المزارعة الصحيحة وفي بيان
حكم المزارعة الفاسدة وفي بيان المعاني التي هي عذر في فسخ المزارعة وفي بيان الذي ينفسخ به عقد المزارعة بعد
وجودها وفي بيان حكم المزارعة المنفسخة (اما) الأول فالمزارعة في اللغة مفاعلة من الزرع وهو الانبات والانبات
المضاف إلى العبد مباشرة فعل أجرى الله سبحانه وتعالى العادة بحصول النبات عقيبه لا بتخليقه وايجاده وفى عرف
الشرع عبارة عن العقد على المزارعة ببعض الخارج بشرائطه الموضوعة له شرعا فان قيل المزارعة من باب المفاعلة
فيقتضى وجود الفعل من اثنين كالمقابلة والمضاربة ونحوهما وفعل الزرع يوجد من العامل دون غيره بدليل انه يسمى
هو مزارعا دون رب الأرض والبذر وخمن لاعمل من جهته فكيف يسمى هذا العقد مزارعة فالجواب عنه من
وجهين أحدهما ان المفاعلة جاز أن تستعمل فيما لا يوجد الفعل الامن واحد كالمداواة والمعالجة وإن كان الفعل لا يوجد
الامن الطبيب والمعالج وقال الله تعالى عز شأنه قاتلهم الله أنى يؤفكون ولا أحد يقصد مقاتلة الله عز شأنه فكذلك
المزارعة جاز أن تكون كذلك والثاني إن كان أصل الباب ما ذكر فقد وجد الفعل هنا من اثنين لامن المزارعة مفاعلة
من الزرع والزرع هو الانبات لغة وشرعا والانبات المتصور من العبد هو التسبيب لحصول النبات وفعل التسبيب
يوجد من كل واحد منهما الا ان التسبيب من أحدهما بالعمل ومن الآخر بالتمكين من العمل باعطاء الآلات
والأسباب التي لا يحصل العمل بدونها عادة فكان كل واحد منهما مزارعا حقيقة لو جود فعل الزرع منه بطريق
التسبيب الا انه اختص العامل بهذا الاسم في العرف ومثل هذا جائز كاسم الدابة ونحوه على ما عرف في أصول الفقه
(فصل) وأما شرعية المزارعة فقد اختلف فيها قال أبو حنيفة عليه الرحمة انها غير مشروعة وبه أخذ الشافعي رحمه
الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله انها مشروعة (وجه) قولهما ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع نخل
خيبر معاملة وأرضها مزارعة وأدنى درجات فعله عليه الصلاة والسلام الجواز وكذا هي شريعة متوارثة لتعامل
السلف والخلف ذلك من غير إنكار (وجه) قول أبي حنيفة ان عقد المزارعة استئجار ببعض الخارج وانه منهى
بالنص والمعقول (اما) النص فما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لرافع بن خديج في حائط لا تستأجره
بشئ منه وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه نهى عن قفيز الطحان والاستئجار ببعض الخارج في معناه
والمنهى غير مشروع (واما) المعقول فهو ان الاستئجار ببعض الخارج من النصف والثلث والربع ونحوه استئجار
ببدل مجهول وانه لا يجوز كما في الإجارة وبه تبين ان حديث خيبر محمول على الجزية دون المزارعة صيانة لدلائل الشرع
عن التناقض والدليل على أنه لا يمكن حمله على المزارعة انه عليه الصلاة والسلام قال فيه أقركم ما أقركم الله وهذا منه عليه
الصلاة والسلام بجهيل المدة وجهالة المدة تمنع صحة المزارعة بلا خلاف بقي ترك الانكار على التعامل وذا يحتمل أن
يكون للجواز ويحتمل أن يكون لكونه محل الاجتهاد فلا يدل على الجواز مع الاحتمال
175

(فصل) وأما ركن المزارعة فهو الايجاد والقبول وهو أن يقول صاحب الأرض للعامل دفعت إليك هذه
الأرض مزارعة بكذا ويقول العامل قبلت أو رضيت أو ما يدل على قبوله ورضاه فإذا وجدا تم العقد بينهما
(فصل) وأما الشرائط فهي في الأصل نوعان شرائط مصححة للعقد على قول من يجيز المزارعة وشرائط مفسدة
له (اما) المصححة فأنواع بعضها يرجع إلى المزارع وبعضها يرحع إلى الزرع وبعضها يرجع إلى ما عقد عليه المزارعة
وبعضها يرجع إلى الآلة للمزارعة وبعضها إلى الخارج وبعضها يرجع إلى المزروع فيه وبعضها يرجع إلى مدة
المزارعة (اما) الذي يرجع إلى المزارع فنوعان الأول أن يكون عاقلا فلا تصح مزارعة المجنون والصبي الذي لا يعقل
المزارعة دفعا واحدا لأن العقد شرط أهلية التصرفات و (أما) البلوغ فليس بشرط لجواز المزارعة حتى تجوز مزارعة
الصبي المأذون دفعا واحدا لان المزارعة استئجار ببعض الخارج والصبي المأذون يملك الإجارة لأنها تجارة فيملك
المزارعة كذلك الحرية ليست بشرط لصحة المزارعة فتصح المزارعة من العبد المأذون دفعا واحدا لما ذكرنا في
الصبي المأذون والثاني أن لا يكون مرتدا على قياس قول أبي حنيفة رحمه الله في قياس قول من أجاز المزارعة فلا تنفذ
مزارعته للحال بل هي موقوفة وعند هما هذا ليس بشرط لجواز المزارعة ومزارعة المرتد نافذة للحال بيان ذلك أنه إذا دفع
المرتد أرضا إلى رجل مزارعة بالنصف أو بالثلث أو بالربع فعمل الرجل وأخرجت الأرض زرعا ثم قتل المرتد أو
مات على الردة أو لحق بدر الحرب وقضى بلحاقه بدار الحرب فهذا على وجهين اما ان دفع الأرض والبذر جميعا
مزارعة أو دفع الأرض دون البذر فان دفعهما جميعا مزارعة فالخارج كله للمزارع ولا شئ لورثة المرتد لان مزارعته
كانت موقوفة فإذا مات أو لحق بدار الحرب تبين انه لم يصح أصلا فصار كأن العامل زرع أرضه ببذر مغصوب ومن
عصب من آخر حبا وبذر به أرضه فأخرجت كان الخارج له دون صاحب البذر وعلى العامل مثل ذلك البذر لأنه
مغصوب استهلكه وله مثله فيلزمه مثله ثم ينظر إن كانت الأرض نقصتها المزارعة فعليه ضمان النقصان لأنه أتلف
مال الغير بغير اذنه فيجب عليه الضمان ويتصدق بما وراء قدر البذر ونقصان الأرض لأنه حصل بسبب خبيث
فكان سبيله التصدق وإن كانت لم ينقضها المزارعة فلا ضمان عليه لانعدام الاتلاف وان أسلم فالخارج بينهما على
الشرط سواء أسلم قبل أن يستحصد الزرع أو بعد ما استحصد لأنه لما أسلم تبين ان المزارعة وقعت صحيحة وعند أبي
يوسف ومحمد الخارج على الشرط كيف ما كان لان تصرفات المرتد نافذة عندهما بمنزلة تصرفات المسلم فتكون
حصته له فان مات أو لحق بدار الحرب يكون لورثته وان دفع إليه الأرض دون البذر فالخارج له أيضا لأنه اما ظهر انه لما لم
تصح المزراعة صار كأنه غصب أرضا وبذرها ببذر نفسه فأخرجت ولو كان كذلك كان الخارج له كذا هذا الا انه
يأخذ من ذلك قدر بذره ونفقته وضمان النقصان إن كانت المزارعة نقصتها ويتصدق بالفضل لما ذكرنا وإن كانت
لم تنقصها فقياس قول أبي حنيفة رحمه الله على قياس قول من أجاز المزارعة أن يكون الخارج كله للعامل ولا يلزمه نقصان
الأرض ولا غيره وفي الاستحسان الخارج بين العامل وبين ورثة المرتد على الشرط (وجه) القياس ما ذكرنا انه يصير
بمنزلة الغاصب ومن غصب من آخر أرضا فزرعها ببذر نفسه ولم تنقصها الزراعة كان الخارج كله له ولا يلزمه شئ
كذا هذا (وجه) الاستحسان ان انعدام صحة تصرف المرتد بعد الموت واللحاق ليس لمكان انعدام أهليته لان الردة
لا تنافي انعدام الأهلية بل لتعلق حق ورثته بماله لوجود أمارة الاستغناء بالردة لأن الظاهر أنه لا يسلم بل يقتل أو يلحق
بدار الحرب فيستغنى عن ماله فيثبت التعلق نظرا لهم ونظرهم هنا في تصحيح التصرف لا في ابطاله ليصل إليهم شئ
فأشبه العبد المحجور إذا آجر نفسه وسلم من العمل انه لا يبطل تصرفه بل يصحح حتى تجب الأجرة لان الحكم
ببطلان تصرفه لنظر المولى ونظره ههنا في التصحيح دون الابطال كذا هذا وإذا أسلم المرتد فالخارج على الشرط
سواء أسلم قبل انقضاء المزارعة أو بعد انقضائها نقصت الزراعة الأرض أولم تنقضها كما ذكرنا في الوجه الأول
وعلى قولهما الخارج على الشرط كيف ما كان أسلم أو قتل أو لحق لان تصرفاته نافذة بمنزلة تصرفات المسلم هذا إذا
176

دفع مرتد أرضه مزارعة إلى مسلم فاما إذا دفع مسلم أرضه مزارعة إلى مرتد فهذا على وجهين أيضا اما ان دفع
الأرض والبذر جميعا أو دفع الأرض دون البذر فان دفعهما جميعا مزارعة فعمل المرتد فأخرجت الأرض زرعا
كثيرا ثم قتل المرتد أو مات أو لحق بدار الحرب فالخارج كله بين المسلم وبين ورثة المرتد على الشرط بلا خلاف لان
انعدام صحة تصرف المرتد لا لعين ردته بل لتضمنه ابطال حق الورثة لتعلق حقهم بماله على ما مر وعمل المرتد ههنا
ليس تصرفا في ماله بل على نفسه بإيفاء المانع ولا حق لو رثته في نفسه فصحت المزراعة فكان الخارج على الشرط
المذكور وان دفع الأرض دون البذر فعمل المرتد ببذره وأخرجت الأرض زرعا ففي قياس أبي حنيفة على
قياس قول من أجاز المزارعة ان الخارج كله لورثة المرتد ولا يجب نقصان الأرض لان عنده تصرفات المرتد موقوفة
غير نافذة للحال فلم تنفذ مزارعته فكان الخارج حادثا على ملكه لكونه نماء ملكه فكان لورثته وفيه اشكال وهوان
هذا الخارج من اكساب ردته وكسب الردة فئ عند أبي حنيفة فكيف يكون لورثته (والجواب) انه حين بذر
كان حق الورثة متعلقا بالبذر لما مر من قبل فالحاصل منه يحدث على ملكهم فلا يكون كسب الردة ولا يجب نقصان
الأرض لان ضمان النقصان يعتمد اتلاف مال الغير بغير اذنه ولم يوجد إذا المزارعة حصلت بإذن المالك وعند أبي
يوسف ومحمد الخارج على الشرط كما إذا كان مسلما لما ذكرنا وان أسلم فالخارج على الشرط بلا خلاف سواء أسلم
قبل أن يستحصد الزرع أو بعد ما استحصد لما ذكرنا هذا إذا كانت المزارعة بين مرتد ومسلم (فأما) إذا كانت
بين مسلمين ثم ارتدا أو ارتد أحدهما فالخارج على الشرط بلا خلاف لأنه اما كان مسلما وقت العقد صح التصرف
فاعتراض الردة بعد ذلك لا تبطله (وأما) المرتدة فتصح مزارعتها دفعا واحدا بالاجماع لان تصرفاتها نافذة بمنزلة
تصرفات المسلمة فتصح المزارعة منها دفعا واحدا بمنزلة مزارعة المسلمة
(فصل) وأما الذي يرجع إلى الزرع فنوع واحد وهو أن يكون معلوما بأن بين ما يزرع لان حال المزروع
يختلف باختلاف الزرع بالزيادة والنقصان فرب زرع يزيد في الأرض ورب زرع ينقصها وقد يقل النقصان وقد
يكثر فلا بد من البيان ليكون لزوم الضرر مضافا إلى التزامه الا إذا قال له ازرع فيها ما شئت فيحوز له أن يزرع فيها
ما شاء لأنه اما فوض الامر إليه فقد رضى بالضرر الا أنه لا يملك الغرس لان الداخل تحت العقد الزرع دون الغرس
(فصل) وأما الذي يرجع إلى المزروع فهو أن يكون قابلا لعمل الزراعة وهو أن يؤثر فيه العمل بالزيادة بمجرى العادة لان مالا يؤثر فيه العمل بالزيادة عادة لا يتحقق فيه عمل الزراعة حتى لو دفع أرضا فيها زرع قد استحصد مزارعة
لم يجز كذا قالوا لان الزرع إذا استحصد لا يؤثر فيه عمل الزراعة بالزيادة فلا يكون قابلا لعمل الزراعة
(فصل) وأما الذي يرجع إلى الخارج من الزرع فأنواع (منها) أن يكون مذكورا في العقد حتى لو سكت عنه
فسد العقد لان المزارعة استئجار والسكوت عن ذكر الأجرة يفسد الإجارة (ومنها) أن يكون لهما حتى أو شرطا
أن يكون الخارج لاحد هما يفسد العقد لان معنى الشركة لازم لهذا العقد وكل شرط يكون قاطعا للشركة يكون
مفسدا للعقد (ومنها) أن تكون حصة كل واحد من المزارعين بعض الخارج حتى أو شرطا أن يكون من غيره
لا يصح العقد لان المزراعة استئجار ببعض الخارج به تنفصل عن الإجارة المطلقة (ومنها) أن يكون ذلك البعض
من الخارج معلوم القدر من النصف والثلث والربع ونحوه لان ترك التقدير يؤدى إلى الجهالة المفضية إلى المنازعة
ولهذا شرط بيان مقدار الأجرة في الإجارات كذا هذا (ومنها) أن يكون جزأ شائعا من الجملة حتى لو شرط
لا حدهما ققزانا معلومة لا يصح العقد لان المزراعة فيها معنى الإجارة والشركة تنعقد إجارة ثم تتم شركة (أما) معنى
الا جارة فلان الا جارة تمليك المنفعة بعوض والمزارعة كذلك لان البذر إن كان من رب الأرض فالعامل يملك
منفعة نفسة من رب الأرض بعوض وهو نماء بذره وإن كان البذر من قبل العامل فرب الأرض يملك منفعة أرضه من
العامل بعوض هو نماء بذره فكانت المزارعة استئجارا اما للعامل واما للأرض لكن ببعض الخارج وأما معنى الشركة
177

فلان الخارج يكون مشتركا بينهما على الشرط المذكور وإذا ثبت ان معنى الإجارة والشركة لازم لهذا العقد فاشتراط
قدر معلوم من الخارج ينفي لزوم معنى الشركة لاحتمال ان الأرض لا تخرج زيادة على القدر المعلوم ولهذا إذا شرط في
المضاربة سهم معلوم من الربح لا يصح كذا هذا وكذا إذا ذكر جزأ شائعا وشرط معه زيادة أقفزة معلومة انه
الا يصح لما قلنا وعلى هذا إذا شرط أحدهما البذر لنفسه وأن يكون الباقي بينهما لا تصح المزارعة لجواز أن لا تخرج
لأرض الا قدر البذر فيكون كل الخارج له فلا يوجد معنى الشركة ولان هذا في الحقيقة شرط قدر البذر أن يكون له
لا عين البذر لان عينة تهلك في التراب وذا لا يصح لما ذكرنا وهذا بخلاف المضاربة لان قدر رأس المال يرفع ويقسم
الباقي على الشرط لان المضاربة تقتضي الشركة في الربح لا في غيره ودفع رأس المال لانعدام معنى الشركة في الربح
(فأما) المزارعة فتقتضى الشركة في كل الخارج واشتراط قدر معلوم من الخارج يمنع تحقق الشركة في كله فهو الفرق
بين الفصلين وكذا إذا شرطا ما على الماذيانات والسواقي لا يصح العقد لان ما على الماذيانات والسواقي معلوم
فشرطه يمنع لزوم الشركة في العقد وقد روى أنهم كانوا يشترطون في عقد المزارعة لاحد هما ما على الماذيانات والسواقي
فلما بعث النبي المكرم عليه أفضل التحية ابطله
(فصل) وأما الذي يرجع إلى المزروع فيه وهو الأرض فأنواع (منها) أن تكون صالحة للزراعة حتى لو
كانت سبخة أو نزة لا يجوز العقد لان المزارعة عقد استئجار لكن ببعض الخارج والأرض السبخة والنزة لا تجوز
اجارتها فلا تجوز مزارعتها (فأما) إذا كانت صالحة للزراعة في المدة لكن لا تمكن زراعتها وقت العقد لعارض من
انقطاع الماء وزمان الشتاء ونحوه من العوارض التي هي على شرف الزوال في المدة تجوز مزارعتها كما تجوز اجارتها
(ومنها) أن تكون معلومة فإن كانت مجهولة لا تصح المزارعة لأنها تؤدي إلى المنازعة ولو دفع الأرض مزارعة على
أن ما يزرع فيها حنطة فكذا وما يزرع فيها شعيرا فكذا يفسد العقد لان المزروع فيه مجهول لان كلمة من للتبعيض
فيقع على بعض الأرض وانه غير معلوم وكذا لو قال على أن يزرع بعضها حنطة وبعضها شعيرا لان التنصيص على
التبعيض تنصيص على التجهل واو قال على أن ما زرعت فيها حنطة فكذا وما زرعت فيها شعيرا فكذا جاز لأنه
جعل الأرض كلها ظرفا لزرع الحنطة أو لزرع الشعير فانعدم التجهيل ولو قال على أن أزرع فيها بغير كراب فكذا
ذكر في الأصل انه جائز وهذا مشكل لان المزروع فيه من الأرض مجهول فأشبه ما إذا قال ما زرع فيها حنطة فكذا
وما زرع فيها شعيرا فكذا ومنهم من اشتغل بتصحيح جواب الكتاب والفرق بين الفصلين على وجه لم يتضح
ولو قال على أنه ان زرع حنطة فكذا وان زرع شعيرا فكذا وان زرع سمسما فكذا ولم يذكر منها فهو جائز الانعدام
جهالة المزروع فيه وجهالة الزرع للحال ليس بضائر لأنه فوض الاختيار إليه فأي ذلك اختاره يتعين ذلك العقد باختياره
فعلا كما قلنا في الكفارات الثلاث ولو زرع بعضها حنطة وبعضها شعيرا جاز لأنه لو زرع الكل حنطة أو الكل
شعيرا لجاز فإذا زرع البعض حنطة والبعض شعيرا أولى (ومنها) أن تكون الأرض مسلمة إلى العامل مخلاة
وهو أن يوجد من صاحب الأرض التخلية بين الأرض وبين العامل حتى لو شرط العمل على رب الأرض لا تصح
المزارعة لانعدام التخلية فكذا إذا اشترط فيه عملهما فيمنع التخلية جميعا لما قلنا ولهذا لو شرط رب المال في عقد
المضاربة العمل مع المضارب لا تصح المضاربة لأنه شرط يمنع وجود ما هو شرط لصحة العقد وهو التخلية كذا هذا
وعلى هذا إذا دفع أرضا وبذرا وبقرا على أن يزرع العامل وعبد رب الأرض وللعامل الثلث ولرب الأرض الثلث
ولعبده الثلث فهو جائز على ما اشترط لان صاحب الأرض صار مستأجرا للعامل ببعض الخارج الذي هو نماء
ملكه فصح وشرط العمل على عبده لا يكون شرطا على نفسه لان العبد المأذون له يد نفسه على كسبه لا يد النيابة عن
مولاه فيصير بمنزلة الأجنبي فلا نمنع تحقيق التخلية فلا يمنع الصحة ويكون نصيب العبد لمولاه وإن كان البذر من
العامل لا تصح المزارعة لأنه يصير مستأجرا للأرض والبقر والعبد ببعض الخارج الذي هو نماء ملكه وذا
178

لا يصح على ما نذكر ويكون الخارج له وعليه أجر مثل الأرض والبقر والعبد لان هذا حكم المزارعة الفاسدة على
ما يذكر في موضعه وكذا لو كان شرط عمل رب الأرض مع ذلك كان له أيضا أجر مثل عمله لان هذا شرط مفسد
للعقد والله أعلم
(فصل) وأما الذي يرجع إلى ما عقد عليه المزارعة فهو أن يكون المعقود عليه في باب المزارعة مقصودا من حيث إنها
إجارة أحد أمرين اما منفعة العامل بأن كان البذر من صاحب الأرض واما منفعة الأرض بأن كان البذر من
العامل لان البذر إذا كان قبل رب الأرض يصير مستأجرا للعامل وإذا كان من قبل العامل يصير مستأجرا
للأرض وإذا اجتمعا في الاستئجار فسدت المزارعة فأما منفعة البقر فان حصلت تابعة صحت المزارعة وان جعلت
مقصودة فسدت
(فصل) وبيان هذه الجملة ببيان أنواع المزارعة فنقول وبالله التوفيق المزارعة أنواع (منها) أن تكون
الأرض والبذر والبقر ووالآلة من جانب والعمل من جانب وهذا جائز لان صاحب الأرض يصير مستأجرا للعامل
لاغير ليعمل له في أرضه ببعض الخارج الذي هو نماء ملكه وهو البذر (ومنها) أن تكون الأرض من جانب
والباقي كله من جانب وهذا أيضا جائز لان العامل يصير مستأجرا للأرض لا غير ببعض الخارج الذي هو نماء
ملكه وهو البذر (ومنها) أن تكون الأرض والبذر من جانب والبقر والآلة والعمل من جانب فهذا أيضا جائز
لان هذا استئجار للعامل غير مقصودا فأما البذر فغير مستأجر مقصود أولا يقابله شئ من الأجرة بل هي توابع
للمعقود عليه وهو منفعة العامل لأنه آلة للعمل فلا يقابله شئ من العمل كمن استأجر خياطا فخاط بإبرة نفسه جاز ولا
يقابلها شئ من الأجرة ولأنه لما كان تابعا للمعقود عليه فكان جار يا مجرى الصفة للعمل كان العقد عقدا على عمل
جيد والأوصاف لا قسط لها من العوض فأمكن أن تنعقد إجارة ثم تتم شركة بين منفعة الأرض وبين منفعة العامل
(ومنها) أن تكون الأرض والبقر من جانب والبذر والعمل من جانب وهذا لا يجوز في ظاهر الرواية وروى عن أبي
يوسف انه يجوز (وجه) قوله إنه لو كان الأرض والبذر من جانب جاز وجعلت منفعة البقر تابعة لمنفعة العامل
فكذا إذا كان الأرض والبقر من جانب يجب أن يجوز ويجعل منفعة البقر تابعة لمنفعة الأرض (وجه) ظاهر الرواية ان
العامل هنا يصير مستأجرا للأرض والبقر جميعا مقصودا ببعض الخارج لأنه لا يمكن تحقيق معنى التبعية هنا لاختلاف
جنس المنفعة لان منفعة البقر ليست من جنس منفعة الأرض فبقيت أصلا بنفسها فكان هذا استئجار البقر ببعض
الخارج أصلا ومقصودا واستئجار البقر مقصودا ببعض الخارج لا يجوز لوجهين أحدهما ما ذكرنا أن المزارعة
تنعقد إجارة ثم تتم شركة ولا يتصور انعقاد الشركة بين منفعة البقر وبين منفعة العامل بخلاف الفصل الأول لأنه
يتصور انعقاد الشركة بين منفعة الأرض ومنفعة العامل والثاني أن جواز المزارعة ثبت بالنص مخالفا للقياس لان
الأجرة معدومة وهي مع انعدامها مجهولة فيقتصر جوازها على المحل الذي ورد النص فيه وذلك فيما إذا كانت الآلة
تابعة فإذا جعلت مقصودة يرد إلى القياس (ومنها) أن يكون البذر والبقر من جانب والأرض والعمل من جانب
وهذا لا يجوز أيضا لان صاحب البقر يصير مستأجرا للأرض والعامل جميعا ببعض الخارج والجمع بينهما يمنع صحة
المزارعة (ومنها) أن يكون البذر من جانب والباقي كله من جانب وهذا لا يجوز أيضا لما وروى عن أبي يوسف
في هذين الفصلين أيضا انه يجوز لان استئجار كل واحد منهما جائز عند الانفراد فكذا عند الاجتماع (والجواب)
ما ذكرنا أن الجواز على مخالفة القياس ثبت عند الانفراد فتبقى حالة الاجتماع على أصل القياس وطريق الجواز في هذين
الفصلين بالاتفاق أن يأخذ صاحب البذر الأرض مزارعة ثم يستعير من صاحبها ليعمل له فيجوز والخارج يكون
بينهما على الشرط (ومنها) أن يشترك جماعة من أحدهم الأرض ومن الآخر البقر ومن الاخر البذر ومن الرابع
العمل وهذا لا يجوز أيضا لما مرو في عين هذا ورد الخبر بالفساد فإنه روى أن أربعة نفر اشتركوا على عهد رسول الله
179

صلى الله عليه وسلم على هذا الوجه فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم مزارعتهم وعلى قياس ما روى عن أبي
يوسف يجوز (ومنها) أن يشترط في عقد المزارعة أن يكون بعض البذر من قبل أحدهما والبعض من قبل الآخر
وهذا لا يجوز لان كل واحد منهما يصير مستأجرا صاحبه في قدر بذره فيجتمع استئجار الأرض والعمل من جانب
واحد وانه مفسد (ومنها) أن تكون الأرض من جانب والبذر والبقر من جانب دفع صاحب الأرض أرضه إليه على
أن يزرعها ببذره وبقره مع هذا الرجل الآخر على أن ما خرج من شئ فثلثه لصاحب الأرض وثلثاه لصاحب البذر
والبقر وثلثه لذلك العامل وهذا صحيح في حق صاحب الأرض والعامل الأول فاسد في حق العامل الثاني ويكون
ثلث الخارج لصاحب الأرض وثلثاه للعامل الأول وللعامل الثاني أجر مثل عمله وكان ينبغي أن تفسد المزارعة في
حق الكل لان صاحب البذر وهو العامل الأول جمع بين استئجار الأرض والعامل وقل ذكرنا أن الجمع بينهما مفسد
للعقد لكونه خلاف مورد الشرع بالمزارعة ومع ذلك حكم بصحتها في حق صاحب الأرض والعامل الأول وإنما
كان كذلك لأن العقد فيما بين صاحب الأرض والعامل الأول وقع استئجارا للأرض لاغير وانه صحيح وفيما بين
العاملين وقع استئجار الأرض والعامل جميعا وانه غير صحيح ويجوز أن يكون العقد الواحد له جهتان جهة الصحة
وجهة الفساد خصوصا في حق شخصين فيكون صحيحا في حق أحدهما فاسدا في حق الآخر ولو كان البذر في هذه
المسألة من صاحب الأرض صحت المزارعة في حق الكل والخارج بينهم على الشرط لان صاحب الأرض في هذه
الصورة يعتبر مستأجرا للعاملين جميعا والجمع بين استئجار العاملين لا يقدح في صحة العقد وإذا صح العقد كان الخارج
على الشرط
(فصل) واما الذي يرجع إلى آلة المزارعة فهو أن يكون البقر في العقد تابعا فان جعل مقصود أفي العقد تفسد المزارعة
وقد تقدم بيانه في الفصل المتقدم بما فيه كفاية
(فصل) وأما الذي يرجع إلى مدة المزارعة فهو أن تكون المدة معلومة فلا تصح المزارعة الابعد بيان المدة لأنها
استئجار ببعض الخارج ولا تصح الا جارة مع جهالة المدة وهذا هو القياس في المعاملة أن لا تصح الابعد بيان المدة لأنها
استئجار العامل بعض الخارج فكانت إجارة بمنزلة المزارعة الا انها جازت في الاستحسان لتعامل الناس ذلك من
غير بيان المدة وتقع على أول جزء يخرج من الثمرة في أول السنة لان وقت ابتداء المعاملة معلوم (فأما) وقت ابتداء
المزارعة فمتفاوت حتى أنه لو كان في موضع لا يتفاوت يجوز من غير بيان المدة وهو على أول زرع يخرج كذا ذكر محمد
ابن سلمة أن بيان المدة في ديارنا ليس بشرط كما في المعاملة
(فصل) وأما الشرائط المفسدة للمزارعة فأنواع وقد دخل بعضها في بيان الشرائط المصححة (منها) شرط كون
الخارج لاحد هما لأنه شرط يقطع الشركة التي هي من خصائص العقد (ومنها) شرط العمل على صاحب الأرض لان
ذلك يمنع التسليم وهو التخلية (ومنها) شرط البقر عليه لان فيه جعل منفعة البقر معقودا عليها مقصودة في باب المزارعة
ولا سبيل إليه (ومنها) شرط العمل والأرض جميعا من جانب واحد لان ذلك خلاف مورد الشرع الذي هو خلاف
القياس على ما مر في الفصول المتقدمة (ومنها) شرط الحمل والحفظ على المزارع بعد القسمة لأنه ليس من عمل المزارعة
(ومنها) شرط الحصاد والرفع إلى البيدر والدياس والتذرية لان الزرع لا يحتاج إليه إذ لا يتعلق به صلاحه والأصل
أن كل عمل يحتاج إليه الزرع قبل تناهيه وادراكه وجفافه مما يرجع إلى اصلاحه من السقي والحفظ وقلع الحشاوة
وحفر الأنهار وتسوية المسناة ونحوها فعلى المزارع لان ما هو المقصود من الزرع وهو النماء لا يحصل بدونه عادة
فكان من توابع المعقود عليه فكان من عمل المزارعة فيكون على المزارع وكل عمل يكون بعد تناهى الزرع وادراكه
وجفافه قبل قسمة الحب مما يحتاج إليه الخلوص الحب وتنقيته يكون بينهما على شرط الخارج لأنه ليس من عمل
المزارعة ولهذا قالوا لو دفع أرضا مزارعة وفيها زرع قد استحصد لا يجوز لانقضاء وقت عمل الزارعة إذ العمل
180

فيه بعد الادراك مما لا يفيده وكل عمل يكون بعد القسمة من الحمل إلى البيت ونحوه مما يحتاج إليه لا حراز المقسوم فعلى
كل واحد منهما في نصيبه لان ذلك مؤنة ملكه فيلزمه دون غيره وروى عن أبي يوسف انه أجاز شرط الحصاد
ورفع البيدر والدياس والتذرية على المزارع لتعامل الناس وبعض مشايخنا بما وراء النهر يفتون به أيضا وهو
اختيار نصير بن يحيى بن محمد بن سلمة من مشايخ خراسان والجذاذ في باب المعاملة لا يلزم العامل بلا خلاف (أما) في
ظاهر الرواية فلا يشكل وأما على رواية أبى يوسف فلانعدام التعامل فيه ولو باع الزرع قصيلا فاجتمعا على أن
يقصلاه كان القصل على كل واحد منهما في قدر شرط الحب لأنه بمنزلة شرط الحصاد (ومنها) شرط التبن لمن لا يكون
البذر من قبله وجملته ان هذا لا يخلو من ثلاثة أوجه اما ان شرطا أن يكون التبن واما ان سكتا عنه واما ان شرطا أن
يكون لأحدهما دون الآخر فان شرطا أن يكون بينهما لاشك أنه يجوز لأنه شرط مقرر مقتضى العقد لان الشركة في
الخارج من الزرع من معاني هذا العقد على ما مروان سكتا عنه يفسد عند أبي يوسف وعند محمد لا يفسد ويكون
لصاحب البذر منهما وذكر الطحاوي ان محمدا رجع إلى أبى يوسف (وجه) قول محمد ان ما يستحقه صاحب
البذر يستحقه ببذره لا بالشرط فكان شرط التبن والسكوت عنه بمنزلة واحدة (وجه) قول أبى يوسف ان كل
واحد منهما أعنى الحب والتبن مقصود من العقد فكان السكوت عن التبن بمنزلة السكوت عن الحب وذا مفسد بالاجماع
فكذا هذا وان شرطا أن يكون لأحدهما دون الآخر فان شرطاه لصاحب البذر جاز ويكون له لان صاحب البذر
يستحقه من غير شرط لكونه نماء ملكه فالشرط لا يزيده الا تأكيدا وان شرطاه لمن لا بذر له فسدت المزارعة لان
استحقاق صاحب البذر التبن بالبذر لا بالشرط لأنه نماء ملكه ونماء ملك الانسان ملكه فصار شرط كون التبن لمن لا
بذر من قبله بمنزلة شرط كون الحب له وذا مفسد كذا هذا (ومنها) أن يشترط صاحب الأرض على المزارع عملا
تبقى أثره ومنفعته بعد مدة المزارعة كبناء الحائط والسرقند واستحداث حفر النهر ورفع المسناة ونحو ذلك مما يبقى أثره
ومنفعته إلى ما بعد انقضاء المدة لأنه شرط لا يقتضيه العقد وأما الكراب فلا يخلو في الأصل من وجهين (اما) ان
شرطاه في العقد واما ان سكتا عنه فان سكتا عنه هل يدخل تحت عقد المزارعة حتى يجبر المزارع عليه امتنع أولا
فسنذكره في حكم المزارعة الصحيحة إن شاء الله تعالى وان شرطاه في العقد فلا يخلو أيضا من وجهين اما ان شرطاه
مطلقا عن صفة التثنية واما ان شرطاه مقيدا بها فان شرطاه مطلقا عن الصفة قال بعضهم انه يفسد العقد لان أثره يبقى إلى
ما بعد المدة وقال عامتهم لا يفسد وهو الصحيح لان الكراب بدون التثنية مما يبطل السقي على وجه لا يبقى له أثر
ومنفعة بعد المدة فلم يكن شرطه مفسدا للعقد وان شرطاه مع التثنية فسدت المزارعة لان التثنية اما أن تكون عبارة عن
الكراب مرتين مزة للزراعة ومرة بعد الحصاد ليرد الأرض على صاحبها مكروبة وهذا شرط فاسد لاشك فيه لما
ذكرنا أنه شرط عمل ليس هو من عمل المزارعة لان الكراب بعد الحصاد ليس من عمل المزارعة في هذه السنة واما أن
يكون عبارة عن فعل الكراب مرتين الزراعة انه عمل يبقى أثره ومنفعته إلى ما بعد المدة فكان مفسدا حتى أنه لو
كان في موضع لا يبقى لا يفسد كذا فقال بعض مشايخنا ولو دفع الأرض مزارعة على أنه ان زرعها بغير كراب فللمزارع
الربع وان زرعها بكراب فله الثلث وان كربها وثناها فله النصف فهو جائر على ما شرطا كذا ذكر في الأصل وهذا
مشكل في شرط الكراب مع التثنية لأنه شرط مفسد فينبغي أن يفسدها هذا الشرط وإذا عمل يكون له أجر مثل عمله
فاما شرط الكراب وعدمه فصحيح على الشرط المذكور لأنه غير مفسد وبعضهم صححوا جواب الكتاب وفرقوا
بين هذا الشرط وبين شرط التثنية بفرق لم يتضح وفرع في الأصل فقال ولو زرع بعض الأرض بكراب وبعضها
بغير كراب وبعضها بثنيان فهو جائز والشرط بينهما في كل الأرض نافذ على ما شرطا كذا ذكر في الأصل وهذا بناء
على الأول لأنه ان شرط التثنية في كل الأرض عند اختياره ذلك يصح في البعض بالطريق الأولى
(فصل) وأما بيان حكم المزارعة الصحيحة عند من يجيزها فنقول وبالله التوفيق للمزارعة الصحيحة أحكام
181

(منها) ان كل ما كان من عمل المزارعة مما يحتاج الزرع إليه لاصلاحه فعلى المزارع لأن العقد تناوله وقد بيناه (ومنها)
ان كل ما كان من باب النفقة على الزرع من السرقين وقلع الحشاوة ونحو ذلك فعليهما على قدر حقهما وكذلك الحصاد
والحمل إلى البيدر والدياس وتذريته لما ذكرنا ان ذلك ليس من عمل المزارعة حتى يختص به المزارع (ومنها) أن
يكون الخارج بينهما على الشرط المذكور لان الشرط قد صح فيلزم الوقاء به لقوله عليه الصلاة والسلام المسلمون عند
شروطهم (ومنها) انها إذا لم تخرج الأرض شيئا فلا شئ لواحد منهما لا أجر العمل ولا أجر الأرض سواء كان البذر
من قبل العامل أو من قبل من رب الأرض بخلاف المزارعة الفاسدة انه يحب فيها أجر المثل وان لم تخرج الأرض شيئا
والفرق أو الواجب في العقد الصحيح هو المسمى وهو بعض الخارج ولم يوجد الخارج فلا يجب شئ والواجب
في المزارعة الفاسدة أجر مثل العمل في في الذمة لا في الخارج فانعدام الخارج لا يمنع وجوبه في الذمة فهو الفرق (ومنها)
ان هذا العقد غير لازم في جانب صاحب البذر لازم في جانب صاحبه لو امتنع بعد ما عقد عقد المزارعة على الصحة
وقال لا أريد زراعة الأرض له ذلك سواء كان له عذر أو لم يكن ولو امتنع صاحبه ليس له ذلك الامن عذر وعقد المعاملة
لازم ليس لواحد منهما أن يمتنع الامن عذر والفرق بين هذه الجملة صاحب البذر لا يمكنه المضي في العقد الا باتلاف
ملكه وهو البذر لان البذر يهلك في التراب فلا يكون الشروع فيه ملزما في حقه إذ الانسان لا يجبر على اتلاف ملكه
ولا كذلك من ليس البذر من قبله والمعاملات لأنه ليس في لزوم المعنى إياهم اتلاف ملكهم فكان الشروع في حقهم
ملزما ولا ينفسخ الامن عذركما في سائر الإجارات وسواء كان المزارع كرب الأرض أولم يكر بها لان ما ذكرنا من
المعنى لا يوجب الفصل بينهما ولا شئ للعامل في عمل الكراب على ما نذكره في حكم المزارعة المنفسخة إن شاء الله تعالى
ومنها ولاية جبر المزارع على الكراب وعدمها وهذا على وجهين اما ان شرطا الكراب في العقد واما ان سكتا عن شرطه
فان شرطا، يجبر عليه لأنه شرط صحيح فيجب الوفاء به وان سكتا عنه ينظر إن كانت الأرض مما يخرج الزرع بدون
الكراب زرعا معتادا يقصد مثله في عرف الناس لا يجبر المزارع عليه وإن كانت مما لا يخرج أصلا أو يخرج ولكن
شيئا قليلا لا يقصد مثله بالعمل يجبر على الكراب لان مطلق عقد المزارعة يقع على الزراعة المعتادة وعلى هذا إذا
امتنع المزارع عن السقي وقال ادعها حتى تسقيها السماء فهو على قياس هذا التفصيل انه إن كان الزرع مما يكتفى بماء
السماء ويخرج زرعا معتادا بدونه لا يجبر على السقي وإن كان مع السقي أجود فإن كان مما لا يكتفى به يجبر على السقي لما
قلنا (ومنها) جواز الزيادة على الشرط المذكور من الخارج والحط عنه وعدم الجواز والأصل فيه ان كلما احتمل
انشاء العقد عليه احتمل الزيادة ومالا فلا والحط جائز في الحالين جميعا كما في الزيادة في الثمن في باب البيع إذا عرف
هذا فنقول الزيادة والحط في المزارعة على وجهين اما أن يكون من المزارع واما أن يكون من صاحب الأرض ولا يخلو
اما أن يكون البذر من قبل المزارع واما أن يكون من صاحب الأرض بعد ما استحصد الزرع أو قبل أن يستحصد
فإن كان من بعد ما استحصد والبذر من قبل العامل وكانت المزارعة على النصف مثلا فزاد المزارع صاحب الأرض
السدس في حصته وجعل له الثلثين ورضى به صاحب الأرض لا تجوز الزيادة والخارج بينهما على الشرط نصفان
وان زاد صاحب الأرض المزارع السدس في حصته وتراضيا فالزيادة جائزة لان الأول زيادة على الأجرة بعد
انتهاء عمل المزارعة باستيفاء المعقود عليه وهو المنفعة وانه لا يجوز ألا ترى انهما لو أنشأ العقد بعد الحصاد لا يجوز
فكذلك الزيادة والثاني حط من الأجرة وانه لا يستدعى قيام المعقود عليه كما في باب البيع هذا إذا كان البذر من
قبل العامل فإن كان من قبل صاحب الأرض فزاد صاحب الأرض لا يجوز وان زاد المزارع جاز لما قلنا هذا إذا
زاد أحدهما بعد ما استحصد الزرع فان زاد قبل أن يستحصد جاز أيهما كان لان الوقت يحتمل انشاء العقد فيحتمل
الزيادة أيضا بخلاف الفصل الأول
(فصل) وأما حكم المزارعة الفاسدة فأنواع (منها) انه لا يحب على المزارع شئ من أعمال المزارعة لان
182

وجوبه بالعقد ولم يصح (ومنها) ان الخارج يكون كله لصاحب البذر سواء كان رب الأرض أو المزارع لان
استحقاق صاحب البذر الخارج لكونه نماء ملكه لا بالشرط لو قوع الاستغناء بالملك عن الشرط واستحقاق
الاجر الخارج بالشرط وهو العقد فإذا لم يصح الشرط استحقه صاحب الملك ولا يلزمه التصدق بشئ لأنه نماء ملكه
(ومنها) أن البذر إذا كان من قبل صاحب الأرض كان للعامل عليه أجر المثل لان البذر إذا كان من قبل صاحب
الأرض كان هو مستأجرا للعامل فإذا فسدت الإجارة وجب أجر مثل عمله وإذا كان البذر من قبل العامل كان عليه
لرب الأرض أجر مثل أرضه لان البذر إذا كان من قبل العامل يكون هو مستأجرا للأرض فإذا فسدت الإجارة
يجب عليه أجر مثل أرضه (ومنها) ان البذر إذا كان من قبل صاحب الأرض واستحق الخارج وغرم للعامل اجر
مثل عمله فالخارج كله له طيب لأنه حاصل من ملكه وهو البذر في ملكه وهو الأرض وإذا كان من قبل العامل
واستحق الخارج وغرم لصاحب الأرض أجر مثل أرضه فالخارج كله لا يطيب له بل يأخذ من الزرع قدر بذره
وقدر أجر مثل الأرض ويطيب ذلك له لأنه سلم له بعوض ويتصدق بالفضل على ذلك لأنه وان تولد من بذره لكن
في أرض غيره بعقد فاسد فتمكنت فيه شبهة الخبث فكان سبيله التصدق (ومنها) ان أجر المثل لا يحب في المزارعة
الفاسدة ما لم يوجد استعمال الأرض لان المزارعة عقد إجارة والأجرة في الإجارة الفاسدة لا تجب الا بحقيقة
الاستعمال ولا تجب بالتخلية لانعدام التخلية فيها حقيقة إذ هي عبارة عن رفع الموانع والتمكن من الانتفاع حقيقة
وشرعا ولم يوجد بخلاف الإجارة الصحيحة على ما عرف الإجارات (ومنها) أن أجر المثل يجب في المزارعة
الفاسدة وان لم تخرج الأرض شيئا بعد ان استعملها المزارع وفى المزارعة الصحيحة إذ لم تخرج شيئا لا يجب شئ
لواحد منهما وقد مر الفرق فيما تقدم (منها) ان أجر المثل في المزارعة الفاسدة يجب مقدرا بالمسمى عند أبي يوسف وعند
محمد يجب تاما وهذا إذا كانت الأجرة وهو حصة كل واحد منهما مسماة في العقد فإن لم يكن يجب أجر المثل تاما بالاجماع
(وجه) قول محمد رحمه الله أن الأصل في الإجارة وجوب أجر المثل لأنها عقد معاوضة وهو تمليك المنفعة بعوض
ومبنى المعاوضات على المساواة بين البدلين وذلك في وجوب أجر المثل لأنه المثل الممكن في الباب إذ هو قدر قيمة
المنافع المستوفاة الا أن فيه ضرب جهالة وجهالة المعقود عليه تمنع صحة العقد فلا بد من تسمية البدل تصحيحا للعقد
فوجب المسمى على قدر قيمة المنافع أيضا فإذا لم يصح العقد لفوات شرط من شرائطه وجب المصير إلى البدل الأصلي
للمنافع وهو أجر المثل ولهذا إذا لم يسم البدل أصلا في العقد وجب أحر المثل بالغا ما بلغ (وجه) قول أبى يوسف ان
الأصل ما قاله محمد وهو وجوب أجر المثل بدلا عن المنافع قيمة لها لأنه هو المثل بالقدر الممكن لكن مقدرا بالمسمى لأنه كما
يحب اعتبار المماثلة في البدل في عقد المعاوضة بالقدر الممكن يجب اعتبار التسمية بالقدر الممكن لان اعتبار تصرف
العاقل واجب ما أمكن وأمكن ذلك بتقدير أجر المثل بالمسمى لان المستأجر ما رضى بالزيادة على المسمى والآجر
ما رضى بالنقصان عنه فكان اعتبار المسمى في تقدير أجر المثل به عملا بالدليلين ورعاية للجانبين بالقدر الممكن فكان
أولى بخلاف ما إذا لم يكن البدل مسمى في العقد لان البدل إذا لم يكن مسمى أصلا لا حاجة إلى اعتبار التسمية
فوجب اعتبار أجر المثل فهو الفرق
(فصل) وأما المعاني التي هي عذر في فسخ المزارعة فأنواع بعضها يرجع إلى صاحب الأرض وبعضها يرجع إلى
المزارع (أما) الأول الذي يرجع إلى صاحب الأرض فهو الدين الفادح الذي لا قضاء له الامن ثمن هذه الأرض تباع
في الدين ويفسخ العقد بهذا العذر إذا أمكن الفسخ بأن كان قبل الزارعة أو بعدها إذا أدرك الزرع وبلغ مبلغ الحصاد
لأنه لا يمكنه المضي في العقد الا بضرر يلحقه فلا يلزمه تحمل الضرر فيبيع القاضي بدينه أولا ثم يفسخ المزارعة
ولا تنفسخ بنفس العذر وان لم يمكن الفسخ بأن كان الزرع لم يدرك ولم يبلغ مبلغ الحصاد لا يباع في الدين ولا يفسخ
إلى أن يدرك الزرع لان في البيع ابطال حق العامل وفى الانتظار إلى وقت الادراك تأخير حق صاحب الدين
183

وفيه رعاية الجانبين فكان أولى ويطلق من الحبس إن كان محبوسا إلى غاية الا دراك لان الحبس جزاء الظلم وهو
المطل وانه غير مما طل قبل الادراك لكونه ممنوعا عن بيع الأرض شرعا والممنوع معذور فإذا أدرك الزرع يرد إلى
الحبس ثانيا ليبيع أرضه ويؤدى دينه بنفسه والا فيبيع القاضي عليه (وأما) الثاني الذي يرجع إلى المزارع فنحو
المرض لأنه معجز عن العمل والسفر لأنه يحتاج إليه وترك حرفة إلى حرفة لان من الحرف مالا يغنى من جوع
فيحتاج إلى الانتقال إلى غيره ومانع يمنعه من العمل على ما عرف في كتاب الإجارة
(فصل) وأما الذي ينفسخ به عقد المزارعة بعد وجوده فأنواع (منها) الفسخ وهو نوعان صريح ودلالة فالصريح
وأن يكون بلفظ الفسخ والإقالة لان المزارعة مشتملة على الإجارة والشركة وكل واحد منهما قابل لصريح الفسخ
والإقالة وأما الدلالة فنوعان الأول امتناع صاحب البذر عن المضي في العقد بان قال لا أريد مزارعة الأرض
ينفسخ العقد لما ذكرنا ان العقد غير لازم في حقه فكان بسبيل من الامتناع عن المضي فيه من غير عذر ويكون ذلك
فسخا منه دلالة والثاني حجر المولى على العبد المأذون بعد ما دفع الأرض والبذر مزارعة وبيان ذلك ان العبد
المأذون إذا دفع الأرض والبذر مزارعة فحجره المولى قبل المزارعة ينفسخ العقد حتى يملك منع المزارع من المزارعة
لأن العقد لم يقع لازما من جهة العبد لأنه صاحب بذر فيملك المولى منعه عن الزراعة بالحجر كما كان يملك العبد منعه
قبل الحجر ولن كان البذر من جهة المزارع لا ينفسخ العقد حتى لا يملك المولى ولا العبد منع المزارع عن المزارعة لأن العقد
لازم من قبل صاحب البذر ولهذا لا يملك العبد منعه عن الزراعة فبل الحجر فلا يملك المولى منعه بالحجر أيضا
هذا إذا دفع الأرض مزارعة فاما إذا أخذها مزارعة فإن كان البذر من قبله انفسخ العقد لأنه إذا حجر عليه فقد عجز
عن العمل وانه يوجب انفساخ العقد لفوات المعقود عليه وإن كان البذر والأرض من قبل صاحب البدر لا ينفسخ
العقد بالحجر لأنه بالحجر لم يعجز عن الغمل الا أن للمولى منعه عن العمل لما فيه من اتلاف ملكه وهو البذر فله أن
يفسخ مالا ينفسح بالحجر هذا إذا حجر على العبد المأذون قاما إذا لم يحجر عليه ولكن نهاه عن الزراعة أو فسخ العقد
بعد الزراعة أو نهي قبل ذلك الا أنه لم يحجر عليه فالنهي باطل وكذلك نهى الأب الصبي المأذون قبل عقد المزارعة
أو بعده لان النهي عن الزراعة والفسخ بعدها من باب تخصيص الاذن بالتجارة والاذن بالتجارة مما
لا يحتمل التخصيص (ومنها) انقضاء مدة المزارعة لأنها إذا انقضت فقد انتهى العقد وهو معنى الانفساخ (ومنها)
موت صاحب الأرض سواء مات قبل الزراعة أو بعدها وسواء أدرك الزرع أو هو بقل لأن العقد أفادا لحكم له
دون وارثه لأنه عاقد لنفسه والأصل أن من عقد لنفسه بطريق الأصالة فحكم تصرفه يقع له لا لغيره الا لضرورة
(ومنها) موت المزارع سواء مات قبل الزراعة أو بعدها بلغ الزرع حد الحصاد أولم يبلغ لما ذكرنا
(فصل) وأما بيان حكم المزارعة المنفسخة فنقول وبالله التوفيق لا يخلو من وجهين اما ان انفسخت قبل الزراعة
أو بعدها فان انفسخت قبل الزراعة لا شئ للعامل وان كرب الأرض وحفر الأنهار وسوى المسنيات بأي طريق
انفسخ سواء انفسخ بصريح الفسخ أو بدليله أو بانقضاء المدة أو بموت أحد المتعاقدين لان الفسخ يظهر أثره في
المستقبل بانتهاء حكمه في الماضي فلا يتبين أن العقد لم يكن صحيحا والواجب في العقد الصحيح المسمى وهو بعض
الخارج ولم يوجد فلا شئ وقيل هذا جواب الحكم فأما فيما بينه وبين الله تعلى عليه أن يرضى العامل فيما إذا امتنع عن
المضي في العقد قبل الزراعة ولا يحل له الامتناع شرعا فإنه يشبه التعزير وانه حرام وان انفسخت بعد الزراعة فإن كان
الزرع قد أدرك وبلغ الحصاد فالحصاد والخارج بينهما على الشرط وإن كان لم يدرك فكذا الجواب في
صريح الفسخ ودليله وانقضاء المدة لان الزرع بينهما على الشرط والعمل فيما بقي إلى وقت الحصاد عليهما وعلى
المزارع أجر مثل نصف الأرض لصاحب الأرض (أما) الزرع بينهما على الشرط فلما مران انفساخ العقد يظهر
أثره في المستقبل لا في الماضي فبقي الزرع بينهما على ما كان قبل الانفساخ (وأما) العمل فيما بقي إلى وقت الحصاد
184

عليهما لأنه عمل في مال مشترك لم يشترط العمل فيه على أحدهما فيكون عليهما وعلى المزارع أجر مثل نصف
الأرض لصاحب الأرض لأن العقد قد انفسخ وفى القلع ضرر بالمزارع وفى الترك بغير أجر ضرر بصاحب الأرض
فكان الترك بأجر المثل نظرا من الجانبين بخلاف ما إذا مات صاحب الأرض والزرع بقل ان العمل يكون على
المزارع خاصة لان هناك انفسخ العقد حقيقة لوجود سبب الفسخ وهو الموت الا انا بقيناه تقديرا دفعا للضرر عن
المزارع لأنه لو انفسخ لثبت لصاحب الأرض حق القلع وفيه ضرر بالمزارع فجعل هذا عذرا في بقاء العقد تقديرا فإذا
بقي العقد كان العمل على المزارع خاصة كما كان قبل الموت وهذا لا يتضح فان اتفق أحدهما من غير اذن صاحبه
ومن غير أمر القاضي فهو متطوع ولو أراد صاحب الأرض أن يأخذ الزرع بقلا لم يكن له ذلك لان فيه ضررا
بالمزارع ولو أراد المزارع أن يأخذه بقلا فصاحب الأرض بين خيارات ثلا ث ان شاء قلع الزرع فيكون بينهما
وان شاء أعطى المزارع قيمة نصيبه من الزرع وان شاء أنفق هو على الزرع من ماله ثم يرجع على المزارع بحصته
لان فيه رعاية الجانبين (وأما) في موت أحد المتعاقدين أما إذا مات رب الأرض بعد ما دفع الأرض مزارعة ثلاث
سنين ونبت الزرع وصار بقلا تترك الأرض في يدي المزارع إلى وقت الحصاد ويقسم على الشرط المذكور لان
في الترك إلى وقت الحصاد نظرا من الجانبين. وفى القلع اضرارا بأحدهما وهو المزارع ويكون العمل على المزارع
خاصة لبقاء العقد تقديرا في هذه السنة في هذا الزرع وان مات المزارع والزرع بقل فقل ورثته نحن نعمل على شرط
المزارعة وأبى ذلك صاحب الأرض فالامر إلى ورثة المزارع لان في القلع ضرا بالورثة ولا ضرر بصاحب الأرض
في الترك إلى وقت الادراك وإذا ترك لا أجر للورثة فيما يعملون لأنهم يعملون على حكم عقد أبيهم تقديرا فكأنه يعمل
أبوهم وان أراد الورثة قلع الزرع لم يجبروا على العمل لأن العقد ينفسخ حقيقة الا انا بقيناه باختيارهم نظرا لهم فان امتنعوا
عن العمل تفي الزرع مشتركا فاما أن يقسم بينهم بالحصص أو يعطيهم صاحب الأرض قدر حصتهم من الزرع البقل
أو ينفق من مال نفسه إلى وقت الحصاد ثم يرجع عليهم بحصتهم لان فيه رعاية الجانبين والله تعالى أعلم
(كتاب المعاملة)
وقد يسمى كتاب المساقاة والكلام في هذا الكتاب في المواضع التي ذكرناها في المزارعة أما معنى المعاملة لغة قهو
مفاعلة من العمل وفى عرف الشرع عبارة عن العقد على العمل ببعض الخارج مع سائر شرائط الجواز وأما شرعيتها
فقد اختلف العلماء فيها قال أبو حنيفة عليه الرحمة انها غير مشروعة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله والشافعي رحمه
الله مشروعة واحتجوا بحديث خيبر انه عليه والسلام دفع نخيلهم معاملة ولا بي حنيفة رحمه الله أن هذا
استئجار ببعض الخارج وانه منهى عنه على ما ذكرنا في كتاب المزارعة وقد مر الجواب عن الاستدلال بحديث خيبر
فلا نعيده (وأما) ركنها فهو الايجاب والقبول على نحو ما ذكرنا فيما تقدم من غير تفاوت وأما الشرائط المصححة لها
على قول من يجيزها فما ذكرنا في كتاب المزارعة (منها) أن يكون العاقدان عاقلين فلا يجوز عقد من لا يعقل فأما البلوغ
فليس بشرط وكذا الحرية على نحو ما مر في كتاب المزارعة (ومنها) أن لا يكونا مرتدين في قول أبي حنيفة على
قياس قول من أجاز المعاملة حتى لو كان أحدهما مرتدا وفقت المعاملة ثم إن كان المرتد هو الدافع فان أسلم
فالخارج بينهما على الشرط وان قتل أو مات أو لحق فالخارج كله للدافع لأنه نماء ملكه وللآخر أجر المثل إذا
عمل وعندهما الخارج بين العامل المسلم وبين ورثة الدافع على الشرط في الحالين كما إذا كانا مسلمين وإن كان
المرتد هو العامل فان أسلم فالخارج بينهما على الشرط وان قتل أو مات على الردة أو لحق فالخارج بين الدافع المسلم
وبين ورثة العامل المرتد على الشرط بالاجماع لما مر في المزارعة هذا إذا كانت المعاملة بين مسلم ومرتد فاما إذا كانت
بين مسلمين ثم ارتدا أو ارتد أحدهما فالخارج على الشرط لما مر في كتاب المزارعة ويجوز معاملة المرتدة دفعا واحدا
185

بالاجماع (ومنها) أن يكون المدفوع من الشجر الذي فيه ثمرة معاملة فيما يزيد ثمره بالعمل فإن كان المدفوع نخلا
فيه طلع أو بسرقد احمر أو اخضر الا انه لم يتناه عظمه جازت المعاملة وإن كان قد تناهى عظمه الا أنه لم يرطب فالمعاملة
فاسدة لأنه إذا تناهى عظمه لا يؤثر فيه العمل بالزيادة عادة علم يوجد العمل المشروط عليه فلا يستحق الخارج بل
يكون كله لصاحب النخل (ومنها) أن يكون الخارج لهما فلو شرطا أن يكون لأحدهما فسدت لما علم (ومنها)
أن تكون حصة كل واحد منهما من بعض الخارج مشاعا معلوم القدر لما علم (ومنها) أن يكون محل العمل وهو
الشجر معلوما وبيان هذه الجملة في كتاب المزارعة (ومنها) التسليم إلى العامل وهو التخلية حتى لو شرطا العمل عليهما
فسدت لانعدام التخلية فأما بيان المدة فليس بشرط لجواز المعاملة استحسانا ويقع على أول ثمرة تخرج في أول السنة
بخلاف المزارعة والقياس أن يكون شرطا لان ترك البيان يؤدى إلى الجهالة كما في المزارعة الا انه ترك القياس لتعامل
الناس ذلك من غير بيان المدة ولم يوجد ذلك في المزارعة حتى أنه لو وجد التعامل به في موضع يجوز من غير بيان المدة وبه
كان يفتى محمد بن سلمة على ما مر في المزارعة ولو دفع أرضا ليزرع فيها الرطاب أو دفع أرضا فيها أصول رطبة نابتة ولم
يسم المدة فإن كان شيئا ليس لابتداء نباته ولا لانتهاء جذه وقت معلوم فالمعاملة فاسدة وإن كان وقت جذه معلوما
يجوز ويقع على الجذة الأولى كما في الشجرة المثمرة
(فصل) واما الشرائط المفسدة للمعاملة فأنواع دخل بعضها في الشرائط المصححة للعقد لان ما كان وجوده
شرطا للصحة كان انعدامه شرطا للافساد (منها) شرط كون الخارج كله لأحدهما (ومنها) شرط أن يكون
لأحدهما قفزان مسماة (ومنها) شرط العمل على صاحب الأرض (ومنها) شرط الحمل والحفظ بعد القسمة
على العامل لما ذكرنا في كتاب المزارعة (ومنها) شرط الجذاذ والقطاف على العامل بلا خلاف لأنه ليس من المعاملة
في شئ ولانعدام التعامل به أيضا فكان من باب مؤنة الملك والملك مشترك بينهما فكانت مؤنته عليهما على قدر ملكيهما
(ومنها) شرط عمل تبقى منفعته بعد انقضاء مدة المعاملة نحو السرقية ونصب العرايش وغرس الأشجار وتقليب
الأرض وما أشبه ذلك لأنه لا يقتضيه العقد ولا هو من ضرورات المعقود عليه ومقاصده (ومنها) شركة العامل فيما
يعمل فيه لان العامل أجير رب الأرض واستئجار الانسان للعمل في شئ هو فيه شريك المستأجر لا يجوز حتى أن
النخل لو كان بين رجلين فدفعه أحدهما إلى صاحبه معاملة مدة معلومة على أن الخارج بينهما أثلاث ثلثاه للشريك
العامل وثلثه للشريك الساكت فالمعاملة فاسدة والخارج بينهما على قدر الملك ولا أجر للعامل على شريكه لما مر أن في
المعاملة معنى الإجارة ولا يجوز الاستئجار لعمل فيه الا جير شريك المستأجر وإذا عمل لا يستحق الاجر على شريكه
لما عرف في الإجارات ولا يشبه هذا المزارعة لان الأرض إذا كانت مشتركة بين اثنين دفعها أحدهما إلى صاحبه
مزارعة على أن يزرعها ببذره وله ثلثا الخارج لأنه تجوز المزارعة لان هناك لم يتحقق الاستئجار للعمل في شئ الأجير
فيه شريك المستأجر لانعدام الشركة في البذر وهنا تحقق لثبوت الشركة في النخل فهو الفرق ولا يتصدق واحد منهما
بشئ من الخارج لأنه خالص ماله لكونه نماء ملكه ولو شرطا أن يكون الخارج لهما على قدر ملكيهما جازت
المعاملة لان استحقاق كل واحد منهما أعنى من الشريكين لكونه نماء ملكه لا بالعمل بل العامل منهما معين
لصاحبه في العمل من غير عوض فلم يتحقق الاستئجار ولو أمر الشريك الساكت الشريك العامل أن يشترى
ما يلقح به النخل فاشتراه رجع عليه بنصف ثمنه لأنه اشترى مالا متقوما على الشركة بأمره فيرجع عليه وسواء كان
العمل في عقد المعاملة واحدا أو أكثر حتى لو دفع رجل نخله إلى رجلين معاملة بالنصف أو بالثلث جاز وسواء سوى
بينهما في الاستحقاق أو جعل لاحد هما فضلا لان كل واحد منهما أجير صاحب الأرض فكان استحقاق كل
واحد منهما بالشرط فيتقدر بقدر الشرط ولو شرط لاحد العاملين مائة درهم على رب الأرض والآخر ثلث الخارج
ولرب الأرض الثلثان جاز لان الواجب لكل واحد منهما أجرة مشروطة فيجب على حسب ما يقتضيه الشرط ولو
186

شرطا لصاحب النخل الثلث ولاحد العاملين الثلثين وللآخر أجر مائة درهم على العامل الذي شرط له الثلثان فهو
فاسد ولا يشبه هذا المزارعة ان من دفع الأرض مزارعة على أن لرب الأرض وللزارع الثلثان على أن يعمل
فلان معه بثلث الخارج ان المزارعة جائزة بين رب لأرض والمزارع فاسدة في حق الثالث لان المعاملة استئجار
العامل والأجرة تجب على المستأجر دون الأجير بمقابلة العمل والعمل للمستأجر فكانت الأجرة عليه فإذا اشترطها
على الأجير فقد استأجره ليعمل له على أن تكون الأجرة على غيره ولا سبيل إليه ففسد العقد وهذا هو الموجب للفساد
في حق الثالث في باب المزارعة لأنه صح فيما بين صاحب الأرض والمزارع لأنه جعل بمنزلة عقدين ففساد أحدهما
لا يوجب فساد الآخر وهذا مع هذا التكلف غير واضح ويتضح إن شاء الله تعالى
(فصل) وأما حكم المعاملة الصحيحة عند مجيزها فأنواع (منها) ان كل ما كان من عمل المعاملة مما يحتاج إليه
الشجر والكرم والرطاب وأصول الباذنجان من السقي واصلاح النهر والحفظ والتلقيح للنخل فعلى العامل لأنها
من توابع المعقود عليه فيتناوله العقد وكلما كان من باب النفقة على الشجر والكرم والأرض من السرقين وتقليب
الأرض التي فيها الكرم والشجر والرطاب ونصب العرايش ونحو ذلك فعليهما على قدر حقيهما لأن العقد لم يتناوله
لا مقصود أو لا ضرورة وكذلك الجذاذ والقطاف لان ذلك يكون بعد انتهاء العمل فلا يكون من حكم عقد المعاملة
(ومنها) أن يكون الخارج بينهما على الشرط لما مر (ومنها) أنه إذا لم يخرج الشجر شيئا فلا شئ لواحد منهما بخلاف
المزارعة الفاسدة لما مر من الفرق في كتاب المزارعة (ومنها) ان هذا العقد لازم من الجانبين حتى لا يملك أحدهما
الامتناع والفسخ من غير رضا صاحبه الامن عذر بخلاف المزارعة فإنها غير لازمة في جانب صاحب البذر
وقد مر الفرق (ومنها) ولاية جبر العامل على العمل الامن عذر على ما قدمناه (ومنها) جواز الزيادة على الشرط
والحط عنه وانعدام الجواز والأصل فيه ما مر في كتاب المزارعة ان كل موضع احتمل انشاء العقد احتمل
الزيادة وإلا فلا والحط جائز في الموضعين أصله بالزيادة في الثمن والمثمن فإذا دفع نخلا بالنصف معاملة فخرج
الثمر فإن لم يتناه عظمه جازت الزيادة منهما أيهما كان لان الانشاء للعقد في هذه الحالة جائز فكانت الزيادة
جائزة ولو تناهى عظم البسر جازت الزيادة من العامل لرب الأرض شيئا ولا تجوز الزيادة من رب الأرض للعامل
شيئا لأن هذه زيادة ففي الأجرة لان العامل أجير والمحل لا يحتمل الزيادة ألا ترى انه لا يحتمل الانشاء والأول
حط من الأجرة واحتمال الانشاء ليس بشرط لصحة الحط (ومنها) ان العامل لا يملك أن يدفع إلى غيره معاملة
الا إذا قال له رب الأرض اعمل فيه برأيك لان الدقع إلى غيرة اثبات الشركة في مال غيره بغير اذنه فلا يصح وإذا قال
له اعمل فيه برأيك فقد أذن له فصح وان لم يقل له اعمل برأيك فيه فدفع العامل إلى رجل آخر معاملة فعمل فيه فأخرج
فهو لصاحب النخل ولا أجر للعامل الأول ولان استحقاقه بالشرط وهو شرط العمل ولم يوجد منه العمل بنفسه
ولا بغيره أيضا لان عقده معه لم يصح فلم يكن عمله مضافا إليه وله على العامل الأول أجر مثل عمله يوم عمل لأنه
عمل له بأمره فاستحق أجر المثل ولو هلك الثمر في يد العامل الأخير من غير عمله وهو في رؤس النخل فلا ضمان على
واحد منهما لانعدام الغصب من واحد منهما وهو تفويت يد المالك ولو هلك من عمله في أمر فيه أمر
العامل الأول فالضمان لصاحب النصل على العامل الآخر فون الأول لان الخلاف قطع نسبة عمله إليه فبقي فبقي متلفا
على المالك ماله فكان الضمان عليه ولو هلك في يده من عمله في أمر لم يخالف فيه أمر العامل الأول فلصاحب النخل أن
يضمن أيهما شاء لأنه إذا لم يوجد منه بخلاف منه بخلاف بقي عمله مضافا إليه كأنه عمل لنفسه فكان له أن يضمنه وله أن يضمن
الثاني لأنه في معنى غاصب الغاصب فان اختار تضمين الأول لم يرجع على الآخر بشئ لأنه عمل بأمر الأول فلو رجع
عليه لرجع هو عليه أيضا فلا يفيد وان اختار تضمين الآخر يرحع على الأول لأنه غره في هذا العقد فيرجع عليه بضمان
الغرور وهو ضمان السلامة هذا إذا لم يقل له اعمل فيه برأيك فاما إذا قال وشرط النصف فدفعه إلى رجل آخر بثلث
187

الخارج فهو جائز لما ذكرنا وما خرج من الثمر فنصفه لرب النخل والسدس للعامل الأول لان شرط الثلث يرجع
إلى نصيبه خاصة لان العمل واجب عليه فبقي له السدس ضرورة وذكر محمد رحمه الله في الأصل انه إذا لم يقل اعمل
فيه برأيك وشرط له شيئا معلوما وشرط الأول للثاني مطل ذلك فهما فاسدان وضمان على العامل الأول
(فصل) وأما حكم المعاملة الفاسدة فأنواع ذكرناها في المزارعة منها أنه لا يجبر العامل على العمل لان الجبر على
العمل بحكم العقد ولم يصح ومنها أن الخارج كله لصاحب الأرض لان استحقاق الخارج لكونه نماء ملكه
واستحقاق العامل بالشرط ولم يصح فيكون لصاحب الملك ولا يتصدق بشئ منه لأنه حصل عن خالص ملكه
ومنها ان أجر المثل لا يحب في المعاملة الفاسدة ما لم يوجد العمل اما ذكرنا في المزارعة ومنها أن وجوب أجر المثل
فيها لا يقف على الخارج بل يجب وان لم يخرج الشجر شيئا بخلاف المعاملة الصحيحة وقد ذكرنا الفرق في كتاب
المزارعة ومنها أن أجر المثل فيها يجب مقدرا بالمسمى لا يتجاوز عنه عند أبي يوسف وعن محمد يجب تاما وهذا
الاختلاف فيما إذا كانت حصة كل واحد منهما مسماة في العقد فإن لم تكن مساة في العقد يجب أجر المثل تاما بلا
خلاف وقد مرت المسألة كتاب المزارعة
(فصل) وأما المعاني التي هي عذر في فسخها فما ذكرنا في كتاب المزارعة ومن الاعذار التي في جانب العامل أن يكون
سارقا معروفا بالسرقة فيخاف الثمر والسعف
(فصل) وأما الذي ينفسخ به عقد المعاملة فأنواع منها صريح الفسخ ومنها الإقالة ومنها انقضاء المدة ومنها
موت المتعاقدين وقد مر في كتاب المزارعة
(فصل) وأما حكم المعاملة المنفسخة فعلى نحو حكم المزارعة المنفسخة والله تعالى أعلم
* (كتاب الشرب) *
الكلام في هذا الكتاب في مواضع في بيان معنى الشرب لغة وشرعا وفي بيان أنواع المياه وفي بيان حكم كل نوع
منها أما الأول فالشرب في اللغة عبارة عن الحظ والنصيب من الماء قال الله تعالى عز شأنه قال هذه ناقة لها شرب
ولكم شرب يوم معلوم وفى الآية الكريمة دلالة على جواز قسمة الشرب بالأيام لان الله سبحانه وتعالى عز اسمه
أخبر عن نبيه سيدنا صالح عليه الصلاة والسلام قبل ذلك ولم يعقبه بالفسخ فصارت شريعة لنا مبتدأة وبها استدل
محمد رحمه الله في كتاب الشرب لجواز قسمة الشرب بالأيام وفى عرف الشرع عبارة عن حق الشرب والسقي وأما
بيان أنواع المياه فنقول المياه أربعة أنواع الأول الماء الذي يكون في الأواني والظروف والثاني الماء الذي يكون في
الآيار والحياض والعيون والثالث ماء الأنهار الصغار التي تكون لأقوام مخصوصين والرابع ماء الأنهار العظام
كجيحون وسيحون ودجلة والفرات ونحوها أما بيان حكم كل نوع منها على القسمة أما الأول فهو مملوك
لصاحبه لاحق لا حد فيه لأن الماء وإن كان مباحا في الأصل لكن المباح يملك بالاستيلاء إذا لم يكن مملوكا لغيره كما إذا
استولى على الحطب والحشيش والصيد فيجوز بيعه كما يجوز بيع هذه الأشياء وكذا السقاؤون يبيعون المياه
المحروزة في الظروف به جرت العادة في الأمصار وفى سائر الأعصار من غير نكير فلم يحل لا حد أن يأخذ منه فيشرب
من غير اذنه ولو خاف الهلاك على نفسه من العطش فسأله فمنعه فإن لم يكن عنده فصل فليس له أن يقاتله أصلا لان
هذا دفع الهلاك عن نفسه باهلاك غيره لا بقصد اهلاكه وهذا لا يجوز وإن كان عنده فضل ماء عن حاجته
فللممنوع أن يقاتله ليأخذ منه الفضل لكن بما دون السلاح كما إذا أصابته مخمصة وعند صاحبه فضل طعام فسأله فمنعه
وهو لا يجد غيره وأما الثاني الماء الذي يكون في الحياض والآبار والعيون فليس بمملوك لصاحبه بل هو مباح في
نفسه سواء كان في أرض مباحة أو مملوكة لكن له حق خاص فيه لأن الماء في الأصل خلق مباحا لقول النبي عليه
188

الصلاة والسلام الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار والشركة العامة تقتضي الإباحة الا أنه إذا جعل في إناء
وأحرزه به فقد استولى عليه وهو عليه وهو غير مملوك لاحد فيصير مملوكا للمستولي كما في سائر المباحات الغير المملوكة وإذا لم
يوجد ذلك بقي على أصل الإباحة الثابتة بالشرع فلا يحوز بيعه لان محل البيع هو المال المملوك وليس له أن يمنع
الناس من الشفة وهو الشرب بأنفسهم وسقي دوابهم منه لأنه مباح لهم وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
عن منع نبع البئر وهو فضل مائها الذي يخرج منها فلهم ان يسقوا منها لشفاههم ودوابهم فاما لزروعهم وأشجارهم
فله ان يمنع ذلك لما في الاطلاق من ابطال حقه أصلا الا إذا كان ذلك في أرض مملوكة فلصاحبها أن يمنعهم عن
الدخول في أرضه إذا لم يضطروا إليه بان وجدوا غيره لان الدخول اضرار به من غير ضرورة فله ان يدفع الضرر عن
نفسه وان لم يجدوا غيره واضطروا وخافوا الهلاك يقال له لما ان تأذن بالدخول واما ان تعطى بنفسك فإن لم يعطهم
ومنعهم من الدخول لهم ان يقاتلوه بالسلاح ليأخذوا قدر ما يندفع به الهلاك عنهم والأصل فيه ما روى أو قوما وردوا
ماء فسألوا أهله أن يدلوهم على البئر فأبوا وسألوهم أن يعطوهم دلوا فأبوا فقالوا لهم أن أعناقنا وأعناق مطايانا كادت تقطع
فأبوا فذكروا ذلك لسيدنا عمر رضي الله عنه فقال هلا وضعتم فيهم السلاح بخلاف الماء المحرز في الأواني والطعام حالة
المخمصة لأن الماء هناك مملوك لصاحبه وكذا الطعام فلابد من مراعاة حرمة الملك لحرمة القتال بالسلاح ولا
ملك هناك بل هو على الإباحة الأصلية على ما بينا فإذا منعه أحد ماله حق أخذه قاتله بالسلاح كما إذا منعه ماله المملوك
وأما الثالث الماء الذي يكون في الأنهار التي تكون لأقوام مخصوصين فيتعلق به أحكام بعضها يرجع إلى نفس الماء
وبعضها يرجع إلى الشرب وبعضها يرجع إلى النهر أما الذي يرجع إلى نفس الماء فهو انه غير مملوك لاحد لما ذكرنا
أن الماء خلق مباح الأصل بالنص وإنما يأخذ حكم الملك بالاحراز بالأواني فلا يجوز بيعه لعدم الملك ولو قال اسقني
يوما من نهرك على أن أسقيك يوما من نهر كذا لا يحوز لان هذا مبادلة الماء بالماء فيكون بيعا أو إجارة الشرب بالشرب
وكل ذلك لا يجوز ولا تجوز اجارته لان الإجارة تمليك المنفعة لا تمليك العين بمنافعها ليست بمملوكة ولو استأجر حوضا
أو بئرا ليسقى منه ماء لا يجوز لان هذا استئجار الماء وكذا لو استأجر النهر ليصيد منه السمك لان هذا استئجار
السمك وكذا لو استأجر أجمة ليحتطب لان هذا استئجار الحطب والأعيان لا تحتمل الإجارة وليس لصاحب
النهر أن يمنع من الشفة وهو شرب الناس والدواب وله أن يمنع من سقى الزرع والأشجار لان له فيه حقا خاصا وفى
اطلاق السقي ابطال حقه لان كل أحد يتبادر إليه فيسقى منه زرعه وأشجاره فيبطل حقه أصلا ولو أذن بالسقي
والنهر خاص له جاز لأنه أبطل حق نفسه وأما الذي يرحع إلى الشرب فهو أنه لا يجوز بيعه منفردا بأن باع شرب يوم
أو أكثر لأنه عبارة عن حق الشرب والسقي والحقوق لا تحتمل الافراد بالبيع والشراء ولو اشترى به دارا وعبدا
وقبضهما لزمه رد الدار والعبد لأنه مقبوض بحكم عقد فاسد فكان واجب الرد كما في سائر البياعات الفاسدة ولا شئ
على البائع بما انتفع به من الشرب ولو باع الأرض مع الشرب جاز تبعا للأرض ويجوز ان يجعل الشئ تبعا لغيره
وإن كان لا يجعله مقصودا بنفسه كاطراف الحيوان ولا يدخل الشرب في بيع الأرض الا بالتسمية صريحا أو بذكر
ما يدل عليه بأن يقول بعتها بحقوقها أو بمرافقها أوكل قليل وكثير هو لها داخل فيها وخارج عنها من حقوقها فإن لم يذكر
شيئا من ذلك لا يدخل لان اسم الأرض بصيغته وحروفه لا يدل على الشرب ولا تجوز اجارته مفردا لان الحقوق
لا تحتمل الإجارة على الانفراد كما لا تحتمل البيع وكذا لو جعله أجرة في إجارة الدار والعبد ونحو ذلك لا يجوز لان
الأجرة في باب الإجارة كالثمن في باب البيع وانه لا يصلح ثمنا في البياعات فلا يصلح أجرة في الإجارات ولو أنتفع
بالدار والعبد لزمه أحر مثله لأنه استوفى منفعة المعقود عليه عقدا فاسدا فيلزمه أجرة المثل كما في سائر الإجارات
الفاسدة ولو استأجر الأرض مع الشرب جاز تبعا الأرض كما في البيع على ما ذكرنا ولو استأجر أرضا ولم يذكر
الشرب والمسيل أصلا فالقياس أن لا يكون الشرب والمسيل كما في البيع وفى الاستحسان كانا له ويدخلا تحت
189

إجارة الأرض من غير تسمية نصا لوجودها دلالة لان الإجارة تمليك المنفعة بعوض ولا يمكن الانتفاع بالأرض بدون
الشرب فيصير الشرب مذكورا بذكر الأرض دلالة بخلاف البيع لان البيع تمليك العين والعين تحتمل الملك بدونه
ولا تجوز هبته والتصدق به لان كل واحد منهما تمليك والحقوق المفردة لا تحتمل التمليك ولا يجوز الصلح عليه بان
صالح من دعوى على شرب سواء كان دعوى المال أو الحق من القصاص في النفس وما دونه لان الصلح في معنى
البيع الا أنه يسقط القصاص ويكون الصلح كأنه على العفو لما ذكرنا في كتاب الصلح ولان صورة الصلح
أورثت شبهة والقصاص لا يستوفى مع الشبهات وتجب على القاتل والجارح الدية وأرش الجناية ولا تصح
تسميته في باب النكاح بان تزوج امرأة عليه وعلى الزوج مهر المثل لان النكاح تصرف تمليك وأنه لا يحتمل التمليك
وإذا لم تصح التسمية يجب العوض الأصلي وهو مهر المثل ولا تصح تسميته في الخلع بان اختلعت المرأة من نفسها
عليه وعليها رد المأخوذ من المهر أن تسميته في معرض التمليك ان لم يصح فهو مال لكونه مرغوبا فيه فمن حيث إنه
لم يحتمل التمليك لم يصلح بدل الخلع ومن حيث هو مال مرغوب فيه في نفسه لم يبطل ذلك أصلا فيظهر في وجوب
رد المأخوذ وهذا أصلى في باب الخلع محفوظ أنه شئ تعذر تسليم البدل المذكور وهو مال مرغوب في نفسه
يجب عليها رد المأخوذ من المهر ومورثه لان الإرث لا يقف على الملك لا محالة بل يثبت في حق المال كما يثبت
في الملك كخيار العيب ونحو ذلك ويوصى به حتى لو أوصى لرجل أن يسقى أرضه مدة معلومة من شربه جازت
الوصية وتعتبر من الثلث لان الوصية وإن كان تمليكا لكنها تمليك بعد الموت ألا ترى أن الموصى له لا يملك الموصى
به في الحال وإنما يملك بعد الموت فأشبه الميراث فإذا احتمل الإرث احتمل الوصية التي هي أخت الميراث وإذا مات
الموصى له تبطل الوصية حتى لا ميراثا لورثة الموصى له لان الشرب بعين مال بل هو حق مالي وشبه الخدمة
ثم الوصية بالخدمة تبطل بموت الموصى له ولا تصير ميراثا فكذلك الوصية بالشرب ولو أوصى أن يتصدق بالشرب
على المساكين لم يصح لأنه لما لم يحتمل التمليك بالتصدق استوى فيه الحال والإضافة إلى ما بعد الموت بالوصية ويسقى
كل واحد من الشركاء على قدر شربه ولو اختلفا في قدر الشرب ولا بينة لأحدهم تحكم الأراضي فيكون الشرب بينهم
على قدر أراضيهم ولا يعتبر عدد الرؤس بخلاف الجماعة إذا اختلفوا في طريق مشترك بينهم أنه لا تحكم فيه بقعة
الدار بل يعتبر فيه عدد الرؤس وإنما كان كذلك لاختلاف المقصود إذ المقصود من الشرب السقي والسقي يختلف
باختلاف الأراضي والمقصود من الطريق هو المروز وأنه لا يختلف باختلاف الدور ولو كان الاعلى منهم لا يشرب ما لم
يسكر النهر عن الأسفل بأن كانت أرضه ربوة لم يكن له ذلك ولكن يشرب بحصته لان في سكر النهر حتى يشرب الاعلى
منع الأسفل من الشرب وهذا لا يجوز الا إذا تراضيا على أن يسكر كل في نوبته فيجوز ولو أراد أحد الشركاء أن ينصب
على النهر المشترك رحى أودالية أوسانية نظر فيه فإن كان لا يضر بالشرب والنهر وكان موضع البناء أرض صاحبه والا
فلا لان رقبة النهر وموضع البناء ملك بين الجماعة على الشركة وحق الكل متعلق بالماء ولا سبيل إلى التصرف في الملك
المشترك والحق المشترك الا برضا الشركاء وأما الذي يرجع إلى النهر فالأصل فيه أن النهر الخاص لجماعة لا يملك
أحدهم التصرف فيه من غير رضا الباقين سواء أضربهم التصرف أولا لان رقبة النهر مملوكة لهم وحرمة التصرف في
المملوك، لا تقف على الاضرار بالمالك حتى لو أراد واحد من الشركاء أن يحفر نهرا صغيرا من النهر المشترك فيسوق
الماء إلى أرض أحياها ليس لها منه شرب ليس له ذلك الا برضاهم لان الحفر تصرف في محل مملوك على الشركة
من غير رضاهم فيمنع عنه وكذلك لو كان هذا النهر يأخذ الماء من النهر العظيم فأراد واحد أن يزيد فيها كوة من
غير رضا الشركاء ليس له ذلك وإن كان ذلك لا يضرهم لان ذلك تصرفهم في النهر باجراء زيادة ماء فيه من غير
رضاهم فيمنع عنه ولو أراد أن ينصب عليه رحى فإن كان موضع البناء مملوكا له والماء يدير الرحى على سيبه له ذلك
وإن كان موضع البناء مشتركا أو تقع الحاجة إلى تعريج الماء ثم الإعادة ليس له دلك لما فيه من الضرر بالشركاء بتأخير
190

وصول حقهم إليهم بالتعريج كما إذا حفر نهرا في أرضه وأراد أن يعرج الماء إليه ثم يعيده إلى النهر وكذلك لو أراد
أحدهم أن ينصب دالية أوسانية فهو على هذا التفصيل وليس لأحدهم أن يضع قنطرة على هذا النهر من غير رضاهم
لان القنطرة تصرف في حافتي النهر وفى هواه وكل ذلك مشترك ولو كان النهر بين شريكين له خمس كوى من النهر
الأعظم ولاحد الشريكين أرض في أعلى النهر والآخر أرض في أسفله فأراد صاحب الاعلى أن يسد شيئا من تلك
الكوي لما يدخل من الضرر في ارضه ليس له ذلك الا برضا شريكه لأنه يتضرر به شريكه فلا يجوز له دفع الضرر
عن نفسه باضرار غيره وان أراد أن يتهايئا حتى يسد في حصته ما شاء لم يكن له ذلك الا برضا الشريك لما قلنا وان
تراضيا على ذلك زمانا ثم بدا لصاحب الأسفل أن ينقض فله ذلك لان المراضاة على مالا يحتمل التمليك تكون
مهايأة وانها غير لازمة ولو كان النهر بين رجلين له كوى فأضاف رجل أجنبي إليها كوة وحفر نهرا منه إلى أرضه
برضا منهما ومضى على ذلك زمان ثم بدا لأحدهما أن ينقض فله ذلك لان العارية لا تكون لازمة وكذلك لو مات
لورثتهما أن ينقضوا ذلك لما قلنا ولو كان نهر بين جماعة يأخذ الماء من النهر الأعظم ولكل رجل نهر من هذا النهر
فمنهم من له كوتان ومنهم من له ثلاث كوى فقال صاحب الأسفل لصاحب الاعلى أنكم تأخذون أكثر من نصيبكم
لان دفعة الماء وكثرته في أول النهر ولا يأتينا ولا وهو قليل فأرادوا المهايأة أياما معلومة فليس لهم ذلك ويترك الماء
والنهر على حاله لان ملكهم ف رقبة النهر لا في نفس الملاء ولو أراد واحد منهم أن يوسع كوة نهره لم يكن له ذلك لأنه
يدخل فيها الماء زائدا على حقه فلا يملك ذلك ولو حفر في أسفل النهر جاز ولو زاد في عرضه لا يجوز لان الكوى
من حقوق النهر فيملكه بملك النهر بخلاف الزيادة في العرض ولو كان نهر يأخذ الماء من النهر الأعظم بين قوم
فخافوا أن ينبثق فأرادوا أن يحصنوه فامتنع بعضهم عن ذلك فإن كان ضررا عاما يحبر ون على أن يحصنوه بالحصص وان
لم يكن فيه ضرر عام لا يجبرون عليه لان الانتفاع متعذر عند عموم الضرر فكان الجبر على التحصيص من باب دفع
الضرر عن الجماعة فجاز وإذا لم يكن الضرر عاما يمكن الانتفاع بالنهر فكان الجبر بالتحصيص جبرا عليه لزيادة الانتفاع
بالنهر وهذا لا يجوز ولو كان نهر لرجل ملاصق لأرض رجل فاختلف صاحب الأرض والنهر في مسناة فالمسناة
لصاحب الأرض عند أبي حنيفة رحمه الله له أن يغرس فيها طينه ولكن ليس له ان يهدمها وعند أبي يوسف ومحمد
المسناة لصاحب النهر حريما لنهره وله أن نغرس فيها ويلقي طينه ويجتاز فيها وان لم يكن ملاصقا بل كان بين النهر
والأرض حائل من حائط ونحوه كانت المسناة لصاحب النهر بالاجماع وبعض مشايخنا بنوا هذا الاختلاف على أن
النهر هل له حريم أم لا بأن حفر بحل نهرا في أرض موات باذن الامام عند أبي حنيفة لا حريم له وعند هما له حريم
(ووجه) البناء عليه انه لما لم يكن للنهر حريم عند أبي حنيفة كان الظاهر شاهد الصاحب الأرض فكان القول
قوله ولما كان له حريم عندهما كان الظاهر شاهدا لصاحب النهر فيكون القول قوله وبعضهم لم يصححوا البناء وقالوا
لا خلاف ان للنهر حريما في أرض الموات لان للبئر والعين حريما فيها بالاجماع وقد روى عليه الصلاة والسلام
انه جعل لهما حريما لحاجتهما إلى الحفر لتعذر الانتفاع بها بدون الحفر لان حاجة النهر إلى الحريم كحاجة البئر والعين
بل أشد فكان جعل للبئر والعين حريما جعلا للنهر من طريق الأولى دل ان البناء على هذا الأصل غير
صحيح فكان هذا خلافا مبتدأ (وجه) قولهما انه لما كان للنهر حريم بالاتفاق كان الظاهر شاهدا لصاحب النهر
فيجب العمل بالظاهر حتى يقوم الدليل بخلافه ولهذا كان القول قول صاحب البئر والعين عند الاختلاف كذا هذا
ولأبي حنيفة ان المسناة إذا كانت مستوية بالأرض فالظاهر أنها ملك صاحب الأرض إذ لو كانت حريما للنهر
لكانت مرتفعة لكونها ملقى طينه فكان الظاهر شاهد الصاحب الأرض الا أنه لا يملك هدمها لتعلق حق صاحب
النهر بها وفى الهدم ابطاله ويجوز أن يمنع الانسان من التصرف في ملكه لتعلق حق الغير كحائط لانسان عليه جذوع
لغيره فأراد هدم الحائط يمنع منه كذا هذا ثم كرى النهر المشترك على أصحاب النهر وليس على أصحاب الشفة في الكرى
191

شئ لان هذا من حقوق الملك ولا ملك لأهل الشفة في رقبة النهر بل لهم حق شرب الماء والسقي للدواب فقط
واختلف في كيفية الكرى عليهم قال أبو حنيفة عليهم أن يكروا من أعلاه وإذا جاوزوا أرض رجل دفع عنه وكان
الكرى على من بقي وقال أبو يوسف ومحمد الكرى عليهم جميعا من أوله إلى آخره بحصص الشرب والأراضي حتى أن
النهر لو كان بين عشرة أنفس أراضيهم عليه لاخر كرى فوهة النهر إلى أن يجاوز شرب أولهم بينهم على عشرة أسهم
على كل واحد منهم العشر فإذا جاوزوا شرب الأول سقط عنه الكرى وكان على الباقين على تسعة أسهم فإذا جاوزوا
شرب الثاني سقط عنه الكرى وكان على الباقين على ثمانية أسهم هكذا وهذا عند أبي حنيفة (وأما) عندهما
فالكري بينهم على عشرة أسهم من أعلى النهر إلى أسفله (وجه) قول أبي حنيفة ان الكرى من حقوق الملك والملك
في الأعلى مشترك بين الكل من فوهة النهر إلى شرب أولهم فكانت مؤنته على الكل فأما بعده فلا ملك لصاحب
الاعلى فيه إنما له حق وهو حق تسييل الماء فيه فكانت مؤنته على صاحب الملك لا على صاحب الحق ولهذا كانت
مؤنة الكرى على أصحاب النهر ولا شئ على أهل الشفة أو الملك لأصحاب النهر ولأهل الشفة حق الشرب وسقى
دوابهم وكذا كل من كان له ميل على سطح مملوك لغيره فكانت غرامته على صاحب السطح لا عليه لما قلنا (وأما)
الأنهار العظام كسيحون ودجلة والفرات ونحوها فلا ملك لاحد فيها ولا في رقبة النهر وكذا ليس لأحد حق خاص
فيها ولا في الشرب بل هو حق لعامة المسلمين فلكل أحد أن ينتفع بهذه الأنهار بالشفة والسقي وشق النهر منها إلى
أرضه بان أحيا أرضا ميتة باذن الامام له أن يشق إليها نهرا من هذه الأنهار وليس للامام ولا لاحد منعه إذا لم يضر
بالنهر وكذا له أن ينصب عليه رحى ودالية وسانية إذا لم يضر بالنهر لأن هذه الأنهار لم تدخل تحت يد أحد فلا يثبت
الاختصاص بها لاحد فكان الناس فيها كلهم على السواء فكان كل واحد بسبيل من الانتقاع لكن بشريطة عدم
الضرر بالنهر كالانتفاع بطريق العامة وان أضر بالنهر فلكل واحد من المسلمين منعه لما بينا انه حق لعامة المسلمين
وإباحة التصرف في حقهم مشروطة بانتفاء الضرر كالتصرف في الطريق الأعظم وسئل أبو يوسف عن نهر مرو وهو
نهر عظيم أحيا رجل أرضا كانت مواتا فحفر لها نهرا فوق مرو من موضع ليس يملكه أحد فساق الماء إليها من ذلك
النهر فقال أبو يوسف إن كان يدخل على أهل وضرر في مائهم ليس له ذلك وإن كان لا يضرهم فله ذلك وليس لهم أن
يمنعوه لما قلنا وسئل أيضا إذا كان لرجل من هذا النهر كوى معروفة هل له أن يزيد فيها فقال إن زاد ملكه وذلك
لا يضر بأهل النهر فله ذلك ولو كان نهر خاص لقوم يأخذ الماء من هذا النهر فأراد واحد منهم أن يزيد كوة لم يكن له
ذلك وإن كان لا يضر بالنهر (ووجه) الفرق أن الزيادة في الفصل الأول تصرف في حق مشترك بين العامة وحرمة
التصرف في حقوق العامة لا تثبت الا بشريطة الضرر والزيادة في الفصل الثاني الثاني تصرف في ملك مشترك بأخذ زيادة
الماء في النهر والتصرف في الملك المشترك لا تقف حرمته على الضرر بالمالك هو الفرق ولو جزر ماء هذه الأنهار عن
أرض فليس لمن يليها أن يضمها إلى أرض نفسه لأنه يحتمل أن يعود ماؤها إلى مكانه ولا يحد اليه سبيلا فيحمل على
جانب آخر فيضر حتى لو أمن العود أو كان بإزائها من الجانب الآخر أرض موات لا يستضر أحد بحمل الماء عليه فله
ذلك ويملكه إذا أحياه باذن الامام أو بغير اذنه على الاختلاف المعروف ولو احتاجت هذه الأنهار إلى الكرى فعلى
السلطان كراها من بيت المال لان منفعتها لعامة المسلمين فكانت مؤنتها من بيت المال لقوله عليه الصلاة والسلام
الخراج بالضمان وكذا لو خيف منها الغرق فعلى السلطان اصلاح مسناتها من بيت المال اما قلنا والله سبحانه وتعالى أعلم
* (كتاب الأراضي) *
الكلام في موضعين في بيان أنواع الأراضي وفي بيان حكم كل نوع منها (اما) الأول فالأراضي في الأصل
نوعان أرض مملوكة وأرض مباحة غير مملوكة والمملوكة نوعان عامرة وخراب والمباحة نوعان أيضا نوع هومن
192

مرافق البلدة محتطبا لهم ومرعى لمواشيهم ونوع ليس من مرافقها وهو المسمى بالموات (أما) بيان حكم
كل نوع منها (أما) الأراضي المملوكة العامرة فليس لأحد أن يتصرف فيها من غير اذن صاحبها لان
عصمة الملك تمنع من ذلك وكذلك الأرض الخراب الذي انقطع ماؤها ومضى على ذلك سنون لان الملك
فيها قائم وان طال الزمان حتى يجوز بيعها وهبتها واجارتها وتصير ميراثا إذا مات صاحبها الا أنها إذا كانت خرابا
فلا خراج عليها إذ ليس على الخراب خراج الا إذا عطلها صاحبها مع التمكن من الاستنماء فعليه الخراج وهذا
إذا عرف صاحبها فإن لم يعرف فحكمها حكم اللقطة يعرف في كتابه إن شاء الله تعالى وأما الكلاء الذي ينبت
في أرض مملوكة فهو مباح غير مملوك الا إذا قطعه صاحب الأرض واخرج فيملكه هذا جواب ظاهر الرواية
عن أصحابنا رضي الله عنهم وقال بعض المتأخرين من مشايخنا رحمهم الله أنه إذا سقاه وقام عليه ملكه والصحيح
جواب ظاهر الرواية لان الأصل فيه هو الإباحة لقوله عليه الصلاة والسلام الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ
والنار والكلاء اسم لحشيش ينبت من غير صنع العبد والشركة العامة هي الإباحة إذا قطعه واحرزه لأنه استولى
على مال مباح غير مملوك فيملكه كالماء المحرز في الأواني والظروف وسائر المباحات التي هي غير مملوكة لاحد والنار
اسم لجو هو مضئ دائم الحركة علوا فليس لمن أوقدها أن يمنع غيره من الاصطلاء بها لان النبي عليه الصلاة والسلام
أثبت الشركة فيها فأما الجمر فليس بنار وهو مملوك لصاحبه فله حق المنع كسائر أملاكه ولو أراد أحد أن يدخل
ملكه لاحتشاش الكلأ فإذا كان يجده في موضع آخر له أن يمنع من الدخول وإن كان لا يجده فيقال لصاحب
الأرض اما أن تأذن له بالدخول واما أن تحش بنفسك فتدفعه إليه كالماء الذي في الآبار والعيون والحياض التي
في الأراضي المملوكة على ما ذكرنا في كتاب الشرب ولو دخل انسان أرضة بغير اذنه واحتش ليس لصاحبه
أن يسترده لأنه مباح سبقت يده إليه وكذا لا يجوز بيعه لان محل البيع مال مملوك وان لم يثبت على ملك أحد
ولا تجوز اجارته لان الأعيان لا تحتمل الإجارة على ما ذكرنا في كتاب الشرب والجواب في الكلأ في البيع
والإجارة والهبة والنكاح والخلع والصلح والوصية كالجواب في الشرب لان كل واحد منها غير مملوك
وقد ذكرنا ذلك كله في الشرب وكذلك المروج المملوكة في حكم الكلأ على هذا وكذلك الآجام المملوكة
في حكم السمك لان السمك أيضا مباح الأصل لقوله تعالى عز شأنه أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم
وقوله عليه الصلاة والسلام أحلت لنا ميتتان ودمان الحديث فلا يصير مملوكا الا بالاخذ والاستيلاء لما بينا
ولو حظر السمك في حظيرة فإن كان مما يمكن أخذه بغير صيد يملكه بنفس الحظر لوجود الاستيلاء واثبات
اليد عليه ولهذا لو باعه جاز وإن كان لا يمكن أخذه الا بصيد لا يملكه صاحب الحظيرة لأنه ما استولى عليه ولا يملك
المباح الا بالاستيلاء ولهذا لو باعه لا يجوز بيعه وعلى هذا سائر المباحات كالطير إذا باضت؟ أو فرخت في أرض
انسان أنه يكون مباحا ويكون للاخذ لا لصاحب الأرض سواء كان صاحب الأرض اتخذ له وكرا أم لا وقال
المتأخرون من مشايخنا رحمهم الله انه إن كان اتخذ له ملكا له يسترده من الآخذ وهذا غير سديد لقوله عليه
الصلاة والسلام لمن أخذه ولان الملك في المباح إنما يثبت بالاستيلاء عليه والآخذ هو المستولي دون صاحب
الأرض وان اتخذ له وكرا وكذلك صيد التجأ إلى ارض رجل أو دره فهو للآخذ لما قلنا ولو رد صاحب الدار
باب الدار عليه بعد الدخول يملكه ان أمكنه أخذه بغير صيد لوجود الاستيلاء منه وكذلك لو نصب شبكه فتعقل
بها صيد تعقلا لاخلاص له فهو لناصب الشبكة سواء كانت الشبكة له أو لغيره كمن أرسل بازى انسان بغير
اذنه فاخذ صيدا أو أغرى كلبا لانسان على صيد فاخذه فكان للمرسل والمغرى لا لصاحبه ولو نصب فسطاطا فجاء
صيد فتعقل به فهو للآخذ (ووجه) الفرق ان نصب الشبكة وضع لتعقل الصيد ومباشر السبب الموضوع
للشئ اكتساب (فاما) نصب الفسطاط فما وضع لذلك بل لغرض آخر فتوقف الملك فيه على الاستيلاء
193

والاخذ حقيقة ولو حفر حفيرة فوقع فيها صيد فإن كان حفرها لاجتماع الماء فيها فهو للآخذ لأنه بمنزلة الاصطياد
وإن كان حفرها للاصطياد بها فهو له بمنزلة الشبكة (واما) الآجام المملوكة في حكم القصب والحطب فليس لأحد
أن يحتطب من أجمة رجل الا باذنه لان الحطب والقصب مملوكان لصاحب الأجمة ينبتان على ملكه وان لم يوجد منه
الا بنات أصلا بخلاف الكلأ في المروج المملوكة لان منفعة الأجمة هي القصب والحطب فكان ذلك
مقصودا من ملك الأجمة فيملك بملكها (فاما) الكلاء فغير مقصود من المرج المملوك بل المقصود هو الزراعة ولو
أن بقارا رعى بقرا في أجمة مملوكة لانسان فليس له ذلك وهو ضامن لما رعى وأفسد من القصب لما ذكرنا أن منفعة
الأجمة القصب والحطب وهما مملو كان لصاحب الأجمة واتلاف مال مملوك لصاحبه يوجب الضمان بخلاف
الكلأ في المروج لأنه يثبت على الإباحة دون الملك على ما بينا والدليل على التفرقة بينهما أنه يجوز له دفع القصب
معاملة ولا يجوز دفع الكلأ معاملة والأصل المحفوظ فيه أن القصب والحطب يملكان بملك الأرض والكلأ
لا (وأما) مالا ينبت عادة الا بصنع العبد كالقتة والقصيل وما بقي من حصاد الزرع ونحو ذلك في أرض مملوكة
يكون مملوكا ولصاحب الأرض أن يمنع غيره ويجوز بيعه ونحو ذلك لان الانبات يعد اكتسابا له فيملكه ولان
الأصل أن يكون من المملوك مملوكا الا أن الإباحة في بعض الأشياء تثبت على مخالفة الأصل بالشرع والشرع ورد
بها في أشياء مخصوصة فيقتصر عليها (وأما) أرض الموات فالكلام فيها في مواضع في تفسير الأرض الموات
وفي بيان ما يملك الامام من التصرف في الموات وفي بيان ما يثبت به الملك في الموات وما يثبت به الحق فيه دون
الملك وفي بيان حكمه إذا ملك (أما) الأول فالأرض الموات هي أرض خارج البلد لم تكن ملكا لاحد ولا
حقا له خاصا فلا يكون داخل البلد موات أصلا وكذا ما كان خارج البلدة من مرافقها محتطبا بها لأهلها أو مرعى لهم
لا يكون مواتا حتى لا يملك الامام اقطاعها لان ما كان من مرافق أهل البلدة فهو حق أهل البلدة كفناء دارهم وفى
الاقطاع ابطال حقهم وكذلك أرض الملح والقار والنفط ونحوها مما لا يستغنى عنها المسلمون لا تكون أرض موات
حتى لا يجوز للامام أن يقطعها لاحد لأنها حق لعامة المسلمين في الاقطاع ابطال حقهم وهذا لا يجوز وهل يشترط
أن يكون بعيدا من العمران شرطه الطحاوي رحمه الله فإنه قال وما قرب من العامر فليس بموات وكذا روى
عن أبي يوسف رحمه الله ان أرض الموات بقعة أو وقف على أدناها من العامر رجل فنادي بأعلى صوته لم يسمعه
من العامر وفى ظاهر الرواية ليس بشرط حتى أن بحرا من البلدة جزر ماؤه أو أجمة عظيمة لم تكن ملكا لاحد
تكون أرض موات في ظاهر الرواية وعلى قياس رواية أبى يوسف وقول الطحاوي لا تكون والصحيح جواب
ظاهر الرواية لان الموات اسم لما لا ينتفع به فإذا لم يكن ملكا لاحد ولاحقا خاصا لم يكن منتفعا به كان بعيدا عن
البلدة أو قريبا منها (وأما) بيان ما يملك الامام من التصرف في الموات فالامام يملك اقطاع الموات من مصالح
المسلمين لما يرجع ذلك إلى عمارة البلاد التصرف فيما يتعلق بمصالح المسلمين للامام ككرى الأنهار العظام واصلاح
قناطرها ونحوه ولو أقطع الامام الموات انسانا فتركه ولم يعمره لا يتعرض لها لي ثلاث سنين فإذا مضى ثلاث
سنين فقد عاد مواتا كما كان وله أن يقطعه غيره لقوله عليه الصلاة والسلام ليس لمحتجر بعد ثلاث سنين حق ولان
الثلاث سنين مدة لا بلاء الاعذار فإذا أمسكها ثلاث سنين ولم معمرها دل على أنه لا يريد عمارتها بل تعطيلها
فبطل حقه وتعود إلى حالها مواتا وكان الامام أن يعطيها غيره (وأما) بيان ما يثبت به الملك في الموات ومالا
يثبت ويثبت به الحق فالملك في الموات يثبت بالاحياء باذن الامام عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد
رحمهم الله تعالى يثبت بنفس الاحياء واذن الامام ليس بشرط (وجه) قولهما قوله عليه الصلاة والسلام من
أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم فيه حق أثبت الملك للمحيي لمحي من غير شريطة اذن الامام ولأنه مباح استولى
عليه فيملكه بدون اذن الامام كما لو أخذ صيدا أوحش كلا وقوله عليه الصلاة والسلام ليس لعرق ظالم فيه
194

حق روى منونا ومضافا فالمنون هو أن تنبت عروق أشجار انسان في أرض غيره بغير اذنه فلصاحب الأرض
قلعها حشيشا ولأبي حنيفة عليه الرحمة ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس للمرء الا ما طابت به
نفس امامه فإذا لم يأذن فلم تطلب نفسه به فلا يكون له ولان الموات غنيمة فلا بد للاختصاص به من اذن الامام
كسائر الغنائم والدليل عليه أن غنيمة اسم لما أصيب من أهل الحرب بايجاف الخليل والركاب والموات كذلك
لان الأرض كلها كانت تحت أيدي أهل الحرب استولى عليها المسلمون عنوة وقهرا فكانت كلها غنائم فلا
يختص بعض المسلمين بشئ منها من غير اذن الامام كسائر الغنائم بخلاف الصيد والحطب والحشيش لأنها لم تكن
في يد أهل الحرب فجاز أن تملك بنفس الاستيلاء واثبات اليد عليها (وأما) الحديث فيحتمل أنه يصير به شرعا
ويحتمل أنه اذن جماعة باحياء الموات بذلك النظم ونحن نقول بموجبه فلا يكون حجة مع الاحتمال نظير قوله عليه
الصلاة والسلام من قتل قتيلا فله سلبه حتى لم يصح الاحتجاج به في ايجاب السلب للقاتل على ما ذكر في كتاب
السير أو يحمل ذلك على حال الاذن توفيقا بين الدلائل ويملك الذمي بالاحياء كما يملك المسلم لعموم الحديث ولو
حجر الأرض الموات لا يملكها بالاجماع لان الموات يملك بالاحياء عبارة عن وضح أحجار أو خط حولها
يريد أن يحجر غيره عن الاستيلاء عليها وشئ من ذلك ليس باحياء فلا يملكها ولكن صار أحق بها من غيره
حتى لم يكن لغيره أن يزعجه لأنه سبقت يده إليه والسبق من أسباب الترجيح في الجملة قال النبي عليه الصلاة
والسلام منى مباح من سبق وعلى هذا المسافر إذا نزل مباحة أو رباط صار أحق بها ولم يكن يحبئ بعده
أن يزعجه عنها وإذا صار أحق بها فلا يقطعها الامام غيره الا إذا عطلها المتحجر ثلاث سنين ولم يعمرها (وأما) بيان
حكم أرض الموات إذا ملكت فيختص بها حكمان أحدهما حكم الحريم والثاني الوظيفة من العشر والخراج أما
الأول فالكلام فيه في موضعين أحدهما في أصل الحريم والثاني في قدره (أما) أصله فلا خلاف في أن من
حفر بئرا في أرض الموات يكون لها حريم حتى لو أراد أحد أن يحفر في حريمه له أن يمنعه لان النبي عليه الصلاة
والسلام جعل للبئر حريما وكذلك العين لها حريم بالاجماع لأنه عليه الصلاة والسلام جعل لكل أرض حريما
(وأما) النهر فقد ذكرنا الكلام فيه (وأما) تقديره فحريم العين خمسمائة ذراع بالاجماع وبه نطقت السنة وهو قوله
عليه الصلاة والسلام للعين خمسمائة ذراع وحريم بئر العطن أربعون ذراعا بالاجماع نطقت به السنة قال النبي عليه
الصلاة والسلام وحريم بئر العطن أربعون ذراعا وأما حريم بئر الناضح فقد اختلف فيه عند أبي حنيفة رحمه الله
أربعون ذراعا وعندهما ستون ذراعا احتجا بما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال وحريم بئر الناضح
ستون ذراعا (وجه) قول أبي حنيفة ان الملك في الموات يثبت بالاحياء باذن الامام أو بغير اذنه ولم يوجد منه احياء
الحريم وكذا اذن الامام يتناول الحريم مقصودا الا أن دخول الحريم لحاجة البئر إليه وحاجة الناضح تندفع بأربعين
ذراعا من كل جانب كحاجة العطن فبقي الزيادة على ذلك على حكم الموات والحديث يحتمل أنه قال عليه الصلاة
والسلام ذلك في بئر خاص وللامام ولاية ذلك (وأما) حريم النهر فقد اختلف أبو يوسف ومحمد في تقديره
فعند أبي يوسف قدر نصف بطن النهر من كل جانب النصف من هذا الجانب والنصف من ذلك الجانب وعند
محمد قدر جميع بطن النهر من كل جانب قدر جميعه (وأما) النهر إذا حفر في أرض الموات فمنهم من ذكر الخلاف
فيه بين أبي حنيفة وصاحبيه والصحيح أن له حريما بلا خلاف لما قلنا (وأما) الثاني حكم الوظيفة فان أحياها
مسلم قال أبو يوسف إن كانت من حيز أرض العشر فهي عشرية وإن كانت من حيز أرض الخراج فهي خراجية وقال
محمد ان أحياها بماء العشر فهي عشرية وان أحياها بماء الخراج فهي خراجية وان أحياها ذمي فهي خراجية كيف
ما كان بالاجماع وهي من مسائل كتاب العشر والخراج والله تعالى عز شأنه أعلم
195

* (كتاب المفقود) *
الكلام في المفقود يقع في أربعة مواضع في تفسير المفقود وفي بيان حاله وفي بيان ما يصنع بماله وفي بيان حكم ماله
(أما) الأول فالمفقود اسم لشخص غاب عن بلده ولا يعرف خبره أنه حي أم ميت
(فصل) وأما حال المفقود فعبارة مشايخنا رحمهم الله عن حاله انه حي في حق نفسه ميت في حق غيره والشخص
الواحد لا يكون حيا وميتا حقيقة لما فيه من الاستحالة ولكن معنى هذه العبارة انه تجرى عليه أحكام الاحياء فيما كان له
فلا يورث ماله ولا تبين امرأته كأنه حي حقيقة وتجرى عليه أحكام الأموات فيما لم يكن له فلا يرث أحدا كأنه ميت
حقيقة لان الثابت باستصحاب الحال يصلح لابقاء ما كان ولا يصلح لا ثبات ما لم يكن وملكه في أحكام
أمواله ونسائه أمر قد كان واستصحبنا حال الحياة لابقائه وأما ملكه في مال غيره فأمر لم يكن فتقع الحاجة إلى الاثبات
واستصحاب الحال لا يصلح حجة لاثبات ما لم يكن وتحقيق العبارة عن حاله أن حاله غير معلوم يحتمل انه حي ويحتمل انه
ميت وهذا يمنع التوارث والبينونة لأنه إن كان حيا يرث أقاربه ولا يرثونه ولا تبين امرأته وإن كان ميتا لا يرث أقاربه
ويرثونه والإرث من الجانبين أمر لم يكن ثابتا بيقين فوقع الشك في ثبوته فلا يثبت بالشك والاحتمال وكذلك البينونة
على الأصل المعهود في الثابت بيقين لا يزول بالشك وغير الثابت بيقين لا يثبت بالشك فإذا مات واحد من أقاربه
يوقف نصيبه إلى أن يظهر حاله انه حي أم ميت لاحتمال الحياة والموت للحال حتى أن من هلك وترك ابنا مفقودا وابنتين
وابن ابن وطلبت الا بنتان الميراث فان القاضي يقضى لهما بالنصف ويوقف النصف الثاني إلى أن يظهر حاله لأنه
إن كان حيا كان له النصف والنصف للابنتين ولا شئ لابن الابن وإن كان ميتا كان للابنتين الثلثان والباقي
لابن الابن فكان استحقاق النصف للابنتين ثابتا بيقين فيدفع ذلك إليهما ويوقف النصف الآخر إلى أن يظهر حاله
فإن لم يظهر حتى مضت المدة التي يعرف فيها موته يدفع الثلثان إليهما والباقي لابن الابن وكذا لو أوصى له بشئ يوقف
وكذا إذا فقد المرتد ولا يدرى انه لحق بدار الحرب أم لا توقف تركته كالمسلم
(فصل) وأما بيان ما يصنع بماله فالذي يصنع أنواع منها أن القاضي يحفظ ماله يقيم من ينصبه للحفظ لأنه مال
لا حافظ له لعجز صاحبه عن الحفظ فيحفظ عليه القاضي نظرا له كما يحفظ مال الصبي والمجنون الذي لاولى لهما ومنها
انه يبيع من ماله ما يتسارع إليه الفساد ويحفظ ثمنه لان ذلك حفظ له معنى ولا يأخذ ماله الذي في يد مودعه ومضاربه
ليحفظه لان يدهما يد نيابة عنه في الحفظ فكان محفوظا بحفظه معنى فلا حاجة إلى حفظ القاضي ومنها انه ينفق على
زوجته من ماله إن كان عالما بالزوجية لان الانفاق عليها احياء لها فكان من باب حفظ ملك الغائب عليه عند عجزه
عن الحفظ بنفسه فيملكه كما يملك حفظ ماله ومنها انه ينفق من ماله على أولاده الصغار الذكور والإناث وعلى أولاده
الفقراء الزمني من الذكور والفقيرات من الإناث سواء كن زمني أولا وعلى والديه المحتاجين إن كان عالما بالنسب لان
نفقة أولاده إنما تجب بحكم الجزئية والبعضية احياء لهم واحياء نفسه واجب فكذا احياء جزئه وكله فكان الانفاق
عليهم من ماله احياء لهم معنى وهو عاجز عن ذلك بنفسه فيقوم به القاضي وان لم يعلم القاضي بالزوجية والنسب فأحضروا
رجلا في يده مال وديعة للمفقود أو مضاربة أو عليه دين له فاقر الرجل بذلك وبالزوجية والنسب أنفق عليهم من ذلك
المال لان للمرأة أن تأخذ نفقتها من مال زوجها إذا ظفرت به قدر ما يكفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي سفيان
خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف فإذا أقر ان هذا ماله وهذه امرأته ثبت لها حق الاخذ
وكذا في الأولاد يأخذ البعض كفايته من مال البعض عند الحاجة فإذا أقر بالنسب والمال فقد ثبت لهم حق الاخذ
وهذا قول أصحابنا الثلاثة رضي الله عنه وعند زفر رحمه الله ليس للقاضي ذلك لكونه قضاء على الغائب ونحن نقول
ليس هذا من باب القضاء على الغائب بل هو من باب النظر للغائب وللقاضي ولاية النظر للغائب لما علم على ما ذكرنا في
كتاب النفقات ولو أخذ القاضي منهم كفيلا كان حسنا لجواز ان يحضر المفقود فيقيم البينة على أنه كان طلق امرأته أو
196

كان أعطاهم النفقة معجلة هذا إذا أقر الرجل فاما إذا أنكر هما جميعا أو أقر بأحدهما دون الآخر فأقاموا البينة
على ذلك لا تسمع بينتهم لأنه يكون قضاء على الغائب وله من غير أن يكون عنه وله خصم حاضر لان المودع والمضارب
والغريم ليسوا خصماء عن الغائب في اثبات الزوجية وايجاب النفقة عليه وكذا الأولاد والوالدون والمرأة ليسوا خصماء
للغائب في اثبات ملك المال له وكل ذلك لا يجوز فان أعطوهم شيئا فهو من أنفسهم لأنهم متطوعون في ذلك ولا
ينفق من ماله على من سواهم من ذوي الأرحام لان نفقتهم ليست بعلة الجزئية والبعضية لعدمها بل بطريق الصلة والبر
بهم والاحسان الا ترى انهم ليس لهم أن يمدوا أيديهم فيأخذوا من ماله عند حاجتهم إليه بخلاف الوالدين
والمولودين فكان الانفاق من ماله قضاء على الغائب والأصل ان كل مال ثبت حق الاخذ منه للمنفق عليه من غير
قضاء القاضي له ان ينفق منه ومالا يثبت حق الاخذ منه الا بقضاء ليس للقاضي ان ينفق منه ثم القاضي إنما ينفق من
مال المفقود على ما ذكرنا إذا كان المال دراهم أو دنانير أو طعاما أو ثيابا هي من جنس كسوتها فاما إذا كان من جنس
آخر من العروض والعقار فلا ينفق لأنه لا يمكنه الانفاق الا بالبيع وليس للقاضي أن يبيع العقار والعروض على الغائب
بالاجماع لان البيع على الغائب في معنى الحجر عليه والحجر على الحر البالغ لا يجوز عند أبي حنيفة وعندهما ان جاز
على الحاضر لكن لا يجوز على الغائب لان الجواز على الحاضر لدفع الظلم بالامتناع عن قضاء الدين مع القدرة على القضاء
من ثمن العين ولم يتحقق الظلم منه حالة الغيبة لما لم يعرف منه الامتناع من الانفاق فافترق الحالان وإنما ملك بيع
ما يتسارع إليه الفساد لان ذلك وإن كان بيعا صورة فهو حفظ وامساك له معنى والقاضي يملك حفظ مال المفقود وأما
الأب فليس له أن يبيع العقار في نفقة الغائب من غير اذن القاضي بالاجماع وأما المنقول فله أن يبيعه عند أبي حنيفة من
غير أمر القاضي وعندهما لا يبيع المنقول كما لا يبيع العقار لما علم في كتاب النفقات والله تعالى أعلم
(فصل) وأما حكم ماله فهو انه إذا مضت من وقت ولادته مدة لا يعيش إليها عادة يحكم بموته ويعتق أمهات أولاده
ومدبره وتبين امرأته ويصير ماله ميراثا لورثته الاحياء وقت الحكم ولا شئ لمن مات قبل ذلك ولم يقدر لتلك المدة في
ظاهر الرواية تقديرا وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه قدرها بمائة وعشرين سنة من وقت ولادته وذكر محمد في
الأصل انه فقد رجل بصفين أو بالجمل ثم اختصم ورثته في ماله في زمن أبي حنيفة عليه الرحمة فقسم بينهم وقيل كانت
وفاة سيدنا علي رضي الله عنه في سنة أربعين ووفاة أبي حنيفة رضي الله عنه في سنة مائة وخمسين وروى عن محمد
رحمه الله انه قدرها بمائة سنة فإذا مضت المدة المقدرة يحكم بموته وتثبت جميع الأحكام المتعلقة بالمدة كما إذا قامت البينة
على موته والله سبحانه وتعالى أعلم
* (كتاب اللقيط) *
الكلام في اللقيط في مواضع في تفسير اللقيط لغة وعرفا وفي بيان حاله وفي بيان ما يتعلق به من الأحكام أما في
اللغة فهو فعيل من اللقط وهو اللقاء بمعنى المفعول وهو الملقوط وهو الملقى أو الاخذ والرفع بمعنى الملقوط وهو المأخوذ
والمرفوع عادة لما انه يؤخذ فيرفع وأما في العرف فنقول هو اسم للطفل المفقود وهو الملقى أو الطفل المأخوذ والمرفوع
عادة فكان تسميته لقيطا باسم العاقبة لأنه يلقط عادة أي يؤخذ ويرفع وتسمية الشئ باسم عاقبته أمر شائع في اللغة قال
الله تعالى جل شأنه انى أراني أعصر خمرا وقال الله تعالى جل شأنه انك ميت وانهم ميتون سمى العنب خمرا والحى
الذي يحتمل الموت ميتا باسم العاقبة كذا هذا
(فصل) وأما بيان حاله فله أحوال ثلاث لابد من التعرف عنها حاله في الحرية والرق وحاله في النسب أما حاله في
الحرية والرق فهو انه حرمن حيث الظاهر كذا روى عن سيدنا عمر وسيدنا علي رضي الله عنهما انهما حكما بكون اللقيط
حرا ولان الأصل هو الحرية في بني آدم لان الناس كلهم أولاد سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام وحواء وهما كانا
197

حرين والمتولد من الحرين يكون حرا وإنما حدث الرق في البعض شرعا بعارض الاستيلاء بسبب عارض وهو الكفر
الباعث على الحراب فيجب العمل بالأصل حتى يقوم الدليل على العارض فرتب عليه أحكام الأحرار من أهلية
الشهادة والاعتاق والتدبير والكتابة واستحقاق الحد على قاذفه وغير ذلك من الأحكام المختصة بالاحرار الا انه
لا يحد قاذف أمه لان احصان المقذوف شرط انعقاد علة توجب على القاذف ولم يعرف احصانها لانعقاد القذف عليه
لوجوب الحد على القاذف ولو ادعى الملتقط أو غيره انه عبده لا يسمع منه الا ببينة لان حريته ثابتة من حيث الظاهر فلا
يقدر على ابطال هذا الظاهر الا بدليل ولو بلغ فأقر انه عبد فلان نظر في ذلك إن كان لم يجر عليه شئ من أحكام الأحرار
بعد من قبول شهادته وضرب قاذفه الحد ونحوه صح اقراره لأنه لم تعرف حريته الا بظاهر الحال فإذا أقر بالرق
فالظاهر أنه لا يقر على نفسه بالرق كاذبا فصح اقراره الا انه لا يعتبر في ابطال ما يفعله من التصرفات من الهبة والكفالة
والا عتاق والنكاح ونحوها من التصرفات التي لا يملكها العبد حتى لا تنفسخ وهذا عندنا وقال الشافعي رحمه الله في
أحد قوليه ينفسخ (وجه) قوله إنه لما أقر بالرق فقد ظهر انه كان رقيقا وقت التصرف فلم يصح تصرفه كما إذا قامت البينة
على رقه ولنا ان هذا اقرار تضمن ابطال حق الغير لان حريته ثابتة من حيث الظاهر يصدق في حق ذلك الغير
لما عرف أن الاقرار تصرف على نفس المقر فإذا تضمن ابطال حقة حق الغير كان دعوى أو شهادة على غيره من ذلك
الوجه فيصدق على نفسه لا على غيره كمن أقر بحرية عبد انسان ثم اشتراه عتق عليه ولا يرجع الثمن على البائع لما قلنا
كذا هذا والاستدلال بالبينة غير سديد لان الشاهد غير متهم في شهادته على غيره فاما المقر في اقراره على غيره فمتهم فهو
الفرق وإن كان قد أجرى عليه شئ من ذلك لا يصح اقراره لأنه إذا أجرى عليه شئ من أحكام الأحرار فقد ظهرت
حريته عند الناس كافة فظهر انه حر الأصل فلا يملك ابطالها بالاقرار بالرق وأما حاله في الاسلام والكفر فان وجده
مسلم في مصر من أمصار المسلمين أو في قرية من قراهم يكون مسلما حتى لو مات يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر
المسلمين وان وجده ذمي في بيعة أو كنيسة أوفى قرية ليس فيها مسلم يكون ذميا تحكيما للظاهر كما إذا وجده مسلم في بيعة
أو كنيسة أوفى قرية من أهل الذمة يكون ذميا ولو وجده ذمي في مصر من أمصار المسلمين أوفى قرية من قراهم
يكون مسلما كذا ذكر في كتاب اللقيط من الأصل واعتبر المكان وروى ابن سماعة عن محمد انه اعتبر حال الواجد
من كونه مسلما أو ذميا وفى كتاب الدعوى اعتبر الاسلام إلى أيهما نسب إلى الواجد أو إلى المكان والصحيح رواية
هذا الكتاب لان الموجود في مكان هو في أيدي أهل الاسلام وتصرفهم أيديهم واللقيط الذي هو في يد المسلم
وتصرفه يكون مسلما ظاهرا والموجود في المكان الذي هو في أيدي أهل الذمة وتصرفهم في أيديهم واللقيط الذي هو
في يد الذمي وتصرفه يكون ذميا ظاهرا فكان اعتبار المكان أولى فان وجده مسلم في مصر من أمصار المسلمين فبلغ
كافرا يجبر على الاسلام ولكن لا يقتل لأنه لم يعرف اسلامه حقيقة وإنما حكم به تبعا للدار فلم تتحقق ردته فلا يقتل
أما حاله في النسب فهو انه مجهول النسب حتى لو ادعى انسان نسبة الملتقط أو عتقه تصح دعوته ويثبت النسب منه
لما علم في كتاب الدعوى وأما الأحكام المتعلقة به فأنواع منها أن التقاطه أمر مندوب إليه لما روى أن رجلا
أتى سيدنا عليا رضي الله عنه بلقيط فقال هو حر ولان أكون وليت من أمره مثل الذي وليت أنت كان أحب إلى من
كذا وكذا عد جملة من أعمال الخير فقد رغب في الالتقاط وبالغ في الترغيب فيه حيث فضله على جملة من أعمال الخير
على المبالغة في الندب إليه ولأنه نفس لا حافظ لها بل هي في مضيعة فكان التقاطها احياء لها معنى وقد قال الله تعالى
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ومنها أن الملتقط أولى بامساكه من غيره حتى لا يكون لغيره ان يأخذه منه لأنه
هو الذي أحياه بالتقاطه ومن أحيا أرضا ميتة فهي له على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه مباح الاخذ سبقت
يد الملتقط إليه والمباح مباح من سبق على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها ان نفقته من بيت المال لان ولاءه
له وقد قال عليه الصلاة والسلام الخراج بالضمان ولو كان معه مال مشدود عليه فهو له لأن الظاهر أنه ماله فيكون له
198

كثيابه التي عليه وكذا إذا وجد مشدودا على دابة فالدابة له لما قلنا وبكون النفقة من ماله لان الانفاق من بيت المال
للضرورة ولا ضرورة إذا كان له مال وليس على الملتقط ان ينفق عليه من مال نفسه لانعدام السبب الموجب للنفقة عليه
ولو أنفق عليه من مال نفسه فان فعل باذن القاضي له ان يرجع عليه وان فعل بغير اذنه لا يرجع عليه لأنه يكون متطوعا فيه
ومنها ان عقله لبيت المال لان عاقلته بيت المال فيكون عقله له لقوله عليه الصلاة والسلام الخراج بالضمان ومنها ان
ولاءه لبيت المال لما قلنا ومنها ان له ان يوالي من شاء إذا بلغ الا إذا عقل عنه بيت المال فليس له ان يوالي أحدا لأن العقد
يلزم بالعقل على ما نذكر في كتاب الديات إن شاء الله تعالى لما علم في الولاء ومنها ان وليه السلطان له الولاية في ماله
ونفسه لقوله عليه الصلاة والسلام السلطان ولى من لا ولى له وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال الله ورسوله ولى
من لا ولى له والخال وارث من لا وارث له والسلطان نائب الله ورسوله فيزوج اللقيط ويتصرف في ماله وليس
للملتقط ان يفعل شيئا من ذلك لأنه لا ولاية له عليه لانعدام سببها وهو القرابة والسلطنة الا انه يجوز له ان يقبض الهبة
له ويسلمه في صناعة ويؤاجره لان ذلك ليس من باب الولاية عليه بل من باب اصلاح حاله وايصال المنفعة المحضة إليه
من غير ضرر فأشبه اطعامه وغسل ثيابه ومنها ان نسبه من المدعى يحتمل الثبوت شرعا لأنه مجهول النسب على ما يأتي
في كتاب الدعوى حتى لوداعي الملتقط أو غيره انه ابنه تسمع دعواه من غير بينة وبينته نسبه منه والقياس ان لا تسمع
الا ببينة وجه القياس ظاهر لأنه يدعى أمرا جائز الوجود والعدم فلا بد لترجيح أحد الجانبين على الآخر من مرجح
وذلك بالبينة ولم يوجد وجه الاستحسان انه عامل أخبر بأمر محتمل الثبوت وكل من أخبر عن أمر والمخبر به محتمل
الثبوت يجب تصديقه تحسينا للظن بالمخبر هو الأصل الا إذا كان في تصديقه ضرر بالغير وههنا في التصديق واثبات
النسب نظر من الجانبين جانب اللقيط بشرف النسب والتربية والصيانة عن أسباب الهلاك وغير ذلك وجانب
المدعى بولد يستعين به على مصالحه الدينية والدنيوية وتصديق المدعى في دعوى ما ينتفع به ولا يتضرر به غيره بل
ينتفع به لا يقف على البينة وسواء كان المدعى مسلما أو ذميا أو عبدا حتى لو ادعى نسبه ذمي تصح دعوته حتى يثبت نسبه
منه لكنه يكون مسلما لأنه ادعى شيئين يتصور انفصال أحدهما عن الآخر في الجملة وهو نسب الولد وكونه كافرا
ويمكن تصديقه في أحدهما لكونه نفعا للقيط وهو كونه ابنا له ولا يمكن تصديقه في الآخر لكونه ضررا به وهو كونه
كافرا فيصدق فيما فيه منفعة فيثبت نسب الولد منه ولا يصدق فيما يضره فلا يحكم بكفره وليس من ضرورة كون الولد
منه أن يكون كافرا ألا ترى أنه يحكم باسلامه وباسلام أمه وإن كان الأب كافرا هذا إذا أقر الذمي انه ابنه ولا بينة له فان
أقام البينة على ذلك ثبت نسب الولد منه ويكون على دينه بخلاف الاقرار ووجه الفرق بين الاقرار وبين الشهادة انه
متهم في اقراره بما يتضمنه اقراره وهو كون الولد على دينه ولا تهمة في الشهادة لما مر ولو ادعى عبد انه ابنه صحت دعوته
وثبت نسبه منه لكنه يكون حرا لما ذكرنا في دعوى الذمي لأنه ادعى شيئين أحدهما نفع اللقيط والاخر مضرة وهو
الرق فيصدق فيما ينفعه لا فيما يضره على ما ذكرنا في دعوى الذمي ولو ادعاه رجلان انه ابنهما ولا بينة لهما فإن كان أحدهما
مسلما والآخر ذميا فالمسلم أولى لأنه أنفع للقيط وكذلك إذا كان أحدهما حرا والآخر عبدا فالحر أولى لأنه أنفع له
وإن كانا مسلمين حرين فان وصف أحدهما علامة في جسده فالواصف أولى به عندنا وعند الشافعي رحمه الله يرجع
إلى القائف فيؤخذ بقوله والصحيح قولنا لان الدعوتين متى تعارضتا يجب العمل بالراجح منهما وقد ترجح أحدهما
بالعلامة لأنه إذا رضى العلامة ولم يصف الآخر دل على أن يده عليه سابقة فلابد لزولها من دليل والدليل على جواز
العمل بالعلامة قوله تعالى عز شأنه خبرا عن أهل تلك المرأة ان ان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان
قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قدمن دبر قال إنه من كيد كن ان كيد كن عظيم حكى
الله تعالى عن الحكم بالعلامة عن الأمم السالفة في كتابه العزيز ولم يغير عليهم والحكيم إذا حكى عن منكر غيره فصار
الحكم بالعلامة شريعة لنا مبتدأة وكذا عند اختلاف الزوجين في متاع البيت يميز ذلك بالعلامة كذا ههنا وان لم
199

يصف أحدهما العلامة يحكم بكونه ابنا لهما ليس أحدهما بأولى من الآخر فان أقام أحدهما البينة فهو أولى به وان
أقاما جميعا البينة يحكم بكونه ابنا لهما لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر وقد روى عن سيد نا عمر رضي الله عنه في مثل
هذا أنه قال إنه ابنهما يرثهما ويرثانه وهو للثاني منهما فان ادعاه أكثر من رجلين فأقام البينة روى عن أبي حنيفة رضي الله عنه
انه تسمع من خمسة وقال أبو يوسف من اثنين ولا تسمع من أكثر من ذلك وقال محمد تسمع من ثلاثة ولا
تسمع من أكثر من ذلك هذا إذا كان المدعى رجلا فإن كانت امرأة فادعته انه ابنها فان صدقها زوجها أو شهدت لها
القابلة أو قامت البينة صحت دعوتها وإلا فلا لان فيه حمل نسب الغير على الغير وانه لا يجوز لما نذكره في كتاب
الاقرار ولو ادعاه امرأتان وأقامت إحداهما البينة فهي أولى به وان أقامتا جميعا فهو ابنهما عند أبي حنيفة وعند أبي
يوسف لا يكون لواحدة منهما وعن محمد روايتان في رواية أبى حفص يجعل ابنهما وفي رواية أبى سليمان لا يجعل
ابن واحدة منهما والله سبحانه وتعالى أعلم
* (كتاب اللقطة) *
الكلام في اللقطة في مواضع في بيان أنواعها وفي بيان أحوالها وفي بيان ما يصنع بها أما الأول فنوعان من غير الحيوان
وهو المال الساقط لا يعرف مالكه ونوع من الحيوان وهو الضالة من الإبل والبقر والغنم من البهائم الا انه يسمى
لقطة من اللقط وهو الاخذ والرفع لأنه يلقط عادة أي يؤخذ ويرفع على ما ذكرنا في كتاب اللقيط
(فصل) وأما بيان أحوالها منها في الأصل حالان حال ما قبل الاخذ وحال ما بعده أما قبل الاخذ فلها أحوال
مختلفة قد يكون مندوب الاخذ وقد يكون مباح الاخذ وقد يكون حرام الاخذ أما حالة الندب فهو أن يخاف عليها
الضيعة لو تركها فاخذها لصاحبها أفصل من تركها لأنه إذا خاف عليها الضيعة كان أخذ ها لصاحبها احياء لمال المسلم
معنى فكان مستحبا والله تعالى أعلم وأما حالة الإباحة فهو ان لا يخاف عليها الضيعة فيأخذها لصاحبها وهذا عندنا وقال
الشافعي رحمه الله إذا خاف عليها يجب أخذها وان لم يخف يستحب أخذها وزعم أن الترك عند خوف الضيعة يكون
تضييعا لها والتضييع حرام فكان الاخذ واجبا وهذا غير سديد لان الترك لا يكون تضييعا بل هو امتناع من حفظ غير
ملزم والامتناع من حفظ غير ملزم لا يكون تضييعا كالامتناع عن قبول الوديعة وأما حالة الحرمة فهو ان يأخذها لنفسه لا
لصاحبها لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يأوي الضالة الا ضال والمراد أن يضمها إلى نفسه لأجل
نفسه لا لأجل صاحبها بالرد عليه لان الضم إلى نفسه لأجل صاحبها ليس بحرام ولأنه أخذ مال الغير بغير اذنه لنفسه
فيكون بمعنى الغصب وكذا لقطة البهيمة من الإبل والبقر والغنم عندنا وقال الشافعي رحمه الله لا يجوز التقاطها
أصلا واحتج بما روى أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضالة الإبل فقال مالك ولها معها حذاؤها
وسقاؤها ترد الماء وترعى الشجر دعها حتى يلقاها ربها نهى عن التعرض لها وأمر بترك الاخذ فدل على حرمة الاخذ
(ولنا) ما روى أن رجلا وجد بعيرا بالحرة فعرفه ثم ذكره لسيدنا عمر رضى الله تعالى عنه فأمره أن يعرفه فقال الرجل
لسيدنا عمر قد شغلني عن ضيعتي فقال سيدنا عمر أرسله حيث وجدته ولان الاخذ حال خوف الضيعة احياء لمال
المسلم فيكون مستحبا وحال عدم الخوف ضرب احراز فيكون مباحا على ما ذكرنا وأما الحديث فلا حجة له فيه لان
المراد منه أن يكون صاحبه قريبا منه ألا ترى أنه قال عليه الصلاة والسلام حتى يلقاها ربها وإنما يقال ذلك إذا كان
قريبا أو كان رجاء اللقاء ثابتا ونحن به نقول ولا كلام فيه والدليل عليه انه لما سأله عن ضالة الغنم قال خذها فإنها لك أو
لأخيك أو للذئب دعاه إلى الاخذ ونبه على المعنى وهو خوف الضيعة وانه موجود في الإبل والنص الوارد فيها أولى أن
يكون واردا في الإبل وسائر البهائم دلالة الا أنه عليه الصلاة والسلام فصل بينهما في الجواب من حيث الصورة
لهجوم الذئب على الغنم إذا لم يلقها ربها عادة بعيدا كان أو قريبا وكذلك الإبل لأنها تذهب عن نفسها عادة هذا الذي
200

ذكرنا حال ما قبل الاخذ وأما حال ما بعده فلما بعد الاخذ حالان في حال هي أمانة وفى جال هي مضمونة أما حالة الأمانة
فهي أما يأخذها لصاحبها لأنه أخذها على سبيل الأمانة فكانت يده يد أمانة كيد المودع وأما حالة الضمان فهي أن
يأخذها لنفسه لان المأخوذ لنفسه مغصوب وهذا لا خلاف فيه وإنما الخلاف في شئ آخر وهو أن جهة الأمانة إنما
تعرف من جهة الضمان اما بالتصديق أو بالاشهاد عند أبي حنيفة وعند هما بالتصديق أو باليمين حتى لو هلكت فجاء
صاحبها وصدقه في الاخذ له يجب عليه الضمان بالاجماع وان لم يشهد لان جهة الأمانة قد ثبتت بتصديقه وان كذبه
في ذلك فكذا عند أبي يوسف ومحمد أشهد أولم يشهد ويكون القول قول الملتقط مع يمينه وأما عند أبي حنيفة فان
أشهد فلا ضمان عليه لأنه بالاشهاد ظهر أن الاخذ كان لصاحبه فظهر أن يده يد أمانة وان لم يشهد يجب عليه الضمان
ولو أقر الملتقط أنه أخذها لنفسه يجب عليه الضمان لأنه أقر بالغصب والمغصوب مضمون على الغاصب وجه قولهما
أن الظاهر أنه أخذه لا لنفسه لان الشرع إنما مكنه من الاخذ بهذه الجهة فكان اقدامه على الاخذ دليلا على أنه أخذ
بالوجه المشروع فكان الظاهر شاهدا له فكان القول قوله ولكن مع الحلف أن القول قول الأمين مع اليمين ولأبي
حنيفة رحمه الله وجهان أحدهما أن أخد مال الغير بغير اذنه سبب لوجوب الصمان في الأصل الا أنه إذا كان الاخذ
على سبيل الأمانة بان أخذه لصاحبه فيخرج من أن يكون سببا وذلك إنما يعرف بالاشهاد فإذا لم يشهد لم يعرف كون
الاخذ لصاحبه فبقي الاخذ سببا في حق وجوب الضمان على الأصل والثاني أن الأصل ان عمل كل انسان له
لا لغيره بقوله سبحانه وتعالى وأن ليس للانسان الا ما سعى وقوله تعالى لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت فكان
أخذه اللقطة في الأصل لنفسه لا لصاحبها وأخذ مال الغير بغير اذنه لنفسه سبب لوجوب الضمان لأنه غصب وإنما
يعرف الاخذ لصاحبها بالاشهاد فإذا لم يوجد تعين أن الاخذ لنفسه عليه الضمان ولو أخذ اللقطة ثم ردها إلى
مكانها الذي أخذها منه لا ضمان عليه في ظاهر الرواية وكذا نص عليه محمد في الموطأ وبعض مشايخنا رحمهم الله
قالوا هذا الجواب فيما إذا رفعها ولم يبرح عن ذلك المكان حتى وضعها في موضعها فاما إذا ذهب بها عن ذلك المكان ثم
ردها إلى مكانها يضمن وجواب ظاهر الرواية مطلق عن هذا التفصيل مستغن عن هذا التأويل وقال الشافعي
رحمه الله يضمن ذهب عن ذلك المكان أولم يذهب وجه قوله أنه لما أخذها من مكانها فقد التزم حفظها بمنزلة قبول
الوديعة فإذا ردها إلى مكانها فقد ضيعها بتر ك الحفظ الملتزم فأشبه الوديعة إذا ألقاها المودع على قارعة الطريق حتى
ضاعت (ولنا) أنه أخذها محتسبا متبرعا ليحفظها على صاحبها فإذا ردها إلى مكانها فقد فسخ التبرع من الأصل فصار
كأنه لم يأخذها أصلا وبه تبين أنه لم يلزم الحفظ وإنما تبرع به وقد رده بالرد إلى مكانها فارتد وجعل كان لم يكن هذا إذا
كان أخذها لصاحبها ثم ردها إلى مكانها فضاعت وصدقه صاحبها فيه أو كذبه لكن الملتقط قد كان أشهد على ذلك
فإن كان لم يشهد يجب عليه الضمان عند أبي حنيفة وعندهما لا يجب أشهد أولم يشهد ويكون القول قوله مع يمينه
أنه أخذها لصاحبها على ما ذكرنا ثم تفسير الاشهاد على اللقطة أن يقول الملتقط بمسمع من الناس انى التقطت لقطة
أو عندي لقطة فأي الناس أنشدها فدلوه على أو يقول عندي شئ فمن رأيتموه يسأل شيئا فدلوه على فإذا قال ذلك ثم
جاء صاحبها فقال الملتقط قد هلكت كان القول قوله ولا ضمان عليه بالاجماع وإن كان عنده عشر لقطات لان اسم
الشئ واللقطة منكرا إن كان يقع على شئ واحد ولقطة واحدة لغة لكن في مثل هذا الموضع يراد بها كل الجنس في
العرف والعادة لافرد من الجنس إذ المقصود من التعريف ايصال الحق إلى المستحق ومطلق الكلام ينصرف إلى
المتعارف والمعتاد فكان هذا اشهادا على الكل بدلالة العرف والعادة ولو أقر أنه كان أخذها لنفسه لا يبرأ عن الضمان
الا بالرد على المالك لأنه ظهر انه أخذها غصبا فكان الواجب عليه الرد إلى المالك لقوله عليه الصلاة والسلام على اليد
ما أخذت حتى ترده فإذا عجز عن رد العين يجب عليه بدلها كما في الغصب وكذلك إذا أخذ الضالة أرسلها إلى
مكانها الذي أخذها منه فحكمها حكم اللقطة لان هذا أحد نوعي اللقطة وقد روينا في هذا الباب عن سيد نا عمر رضى
201

الله عنه أنه قال لواجد البعير الضال أرسله حيث وجدته وهذا يدل على انتفاء وجوب الضمان
(فصل) وأما بيان ما يصنع بها فنقول وبالله التوفيق إذا أخذ اللقطة فإنه يعرفها لما روى عن رسول الله لي
الله عليه وسلم أنه قال عرفها حولا حين سئل عن اللقطة وروى؟ أن رجلا جاء إلى إلى عبد الله بن عمر رضى الله تعالى
عنهما فقال إني وجدت لقطة فما تأمرني فيها فقال عرفها سنة وروينا عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه أمر بتعريف البعير
الضال ثم نقول الكلام في التعريف في موضعين أحدهما في مدة التعريف والثاني في بيان مكان التعريف أما مدة
التعريف فيختلف قدر المدة لاختلاف قدر اللقطة إن كان شيئا له قيمة تبلغ عشرة دراهم فصاعدا يعرفه حولا وإن كان
شيئا قيمته أقل من عشرة يعرفه أياما على قدر ما يرى وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال التعريف على
خطر المال إن كان مائة ونحوها عرفها سنة وإن كان عشرة ونحوها عرفها شهرا وإن كان ثلاثة ونحوها عرفها جمعة أو قال
عشرة وإن كان درهما ونحوه عرفه ثلاثة أيام وإن كان دانقا ونحوه عرفه يوما وإن كان تمرة أو كسرة تصدق بها وإنما
تكمل مدة التعريف إذا كان مما لا يتسارع إليه الفساد فان خاف الفساد لم تكمل ويتصدق بها وأما مكان التعريف
فالأسواق وأبواب المساجد لأنها مجمع الناس وممرهم فكان التعريف فيها أسرع إلى تشهير الخبر ثم إذا عرفها فان جاء
صاحبها وقام البينة انها ملكه أخذها لقوله عليه الصلاة والسلام من وجد عين ماله فهو أحق به وان لم يقم البينة
ولكنه ذكر العلامة بان وصف عفاصها ووكاءها ووزنها وعددها يحل للملتقط أن يدفع إليه وان شاء أخذ منه كفيلا
لان الدفع بالعلامة مما قد ورد به الشرع في الجملة كما في اللقيط الا ان هناك يجبر على الدفع وهنا لا يجبر لان هناك
يجبر على الدفع بمجرد الدعوى فمع العلامة أولى وهنا لا عبرة بمجرد الدعوى بالاجماع فجاز أن لا يجبر على الدفع مع
العلامة ولكن يحل له الدفع وله أن يأخذ كفيلا لجواز مجئ آخر فيدعيها ويقيم البينة ثم إذا عرفها ولم يحضر صاحبها
مدة التعريف فهو بالخياران شاء أمسكها إلى أن يحضر صاحبها وان شاء تصدق بها على الفقراء ولو أراد أن ينتفع بها
فإن كان غنيا لا يجوز أن ينتفع بها عندنا وعند الشافعي رحمه الله إذا عرفها حولا ولم يحضر صاحبها كان له أن ينتفع بها
وإن كان غنيا وتكون قرضا عليه واحتج بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمن سأله عن اللقطة عرفها
حولا فان جاء صاحبها والا فشأنك بها وهذا اطلاق الانتفاع للملتقط من غير السؤال عن حاله أنه فقيرا وغنى بل إن
الحكم لا يختلف (ولنا) ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تحل اللقط فمن التقط شيئا فليعرفه سنة
فان جاءه صاحبها فليردها عليه وان لم يأت فليتصدق والاستدلال به من وجهين أحدهما أنه نفى الحل مطلقا وحالة الفقر
غير مرادة بالاجماع فتعين حالة الغنى والثاني أنه أمر بالتصدق ومصرف الصدقة الفقير دون الغنى وان الانتفاع بمال
المسلم بغير اذنه لا يجوز الا لضرورة ولا ضرورة إذا كان غنيا وأما الحديث فلا حجة له فيه لان قوله عليه الصلاة
والسلام فشأنك بها ارشاد إلى الاشتغال بالحفظ لان دلك كان شأنه المعهود باللقط إلى هذه الغاية أو يحمله على هذا
توفيقا بين الحديثين صيانة لهما عن التناقض وإذا تصدق بها على الفقراء فإذا جاء صاحبها كان له الخياران شاء أمضى
الصدقة وله ثوابها وان شاء ضمن الملتقط أو الفقير ان وجده لان التصدق كان موقوفا على اجازته وأيهما ضمن لم يرجع
على صاحبه كما في غاصب الغاصب وإن كان فقيرا فان شاء تصدق بها على الفقراء وان شاء أنفقها على نفسه
فإذا جاء صاحبها خيره بين الاجر وبين ان يضمنها له على ما ذكرنا وكذلك إذا كان غنيا جاز له أن يتصدق بها على
أبيه وابنه وزوجته إذا كانوا فقراء وكل جواب عرفته في لقطة الحل فهو الجواب في لقطة الحرم يصنع بها ما يصنع
بلقط الحل من التعريف وغيره وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله لقطة الحرم تعرف أبدا ولا يجوز الانتفاع بها
بحال واحتج بما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في صفة مكة ولا تحل لقطتها الا لمنشد أي لمعرف
فالمنشد المعرف والناشد الطالب وهو المالك ومعنى الحديث أنه لا تحل لقطة الحرم الا للتعريف (ولنا) ما ذكرنا
من الدلائل من غير فصل بين لقطة الحل والحرم ولا حجة له في الحديث لأنا نقول بموجبه أنه لا يحل التقاطها الا
202

للتعريف وهذا حال كل لقطة الا أنه خص عليه الصلاة والسلام لقطة الحرم بذلك لما لا يوجد صاحبها عادة فتبين
ان ذا لا يسقط التعريف وكذلك حكم الضالة في جميع ما وصفنا وتنفرد بحكم آخر وهو النفقة فان انفق عليها بأمر
القاضي يكون دينا على مالكها وان أنفق بغير اذنه يكون متطوعا فينبغي أن يرفع الامر إلى القاضي ينظر في ذلك فإن كانت
بهيمة يحتمل الانتفاع بها بطريق الإجارة أمره بان يؤاجرها وينفق عليها من أجرتها نظرا للمالك وإن كانت
مما لا يحتمل الانتفاع بها بطريق الإجارة وخشي أن لو أنفق عليها أن تستغرق النفقة قيمتها أمره ببيعها
وحفظ ثمنها مقامها في حكم الهلاك وان رأى الأصلح أن لا يبيعها بل ينفق عليها أمره بان ينفق عليها لكن نفقة
لا تزيد على قيمتها ويكون ذلك دينا على صاحبها حتى إذا حضر يأخذ منه النفقة وله أن يحبس اللقطة بالنفقة كما
يحبس المبيع بالثمن وان أبى أن يؤدى النفقة باعها القاضي ودفع إليه قدر ما أنفق والله سبحانه وتعالى أعلم
* (كتاب الإباق) *
الكلام في هذا الكتاب في مواضع في تفسير الآبق وفي بيان حاله وفي بيان ما يصنع به وفي بيان حكم ماله
(أما) الأول فالآبق اسم لرقيق يهرب من مولاه وأما حاله فحال اللقطة قبل الاخذ وبعده وقد ذكرنا تفاصيله
في كتاب اللقطة
(فصل) وأما بيان ما يصنع به فيقول وبالله التوفيق إذا أخذ الآبق لصاحبه فان شاء الآخذ أمسكه على صاحبه
حتى يجئ فيأخذه وان شاء ذهب به إلى صاحبه فرده عليه فان أمسكه فجاء انسان وادعى أنه عبده فان أقام البينة
دفعه إليه وأخذ منه كفيلا ان شاء لجواز أن يجئ آخر فيدعيه ويقيم البينة فله أن يستوثق بكفيل وان لم يكن له بينة
ولكن أقر العبد بذلك دفعه إليه أيضا لأنه ادعى شيئا لا ينازعه فيه أحد فيكون له ويأخذ منه كفيلا ان شاء لما قلنا
وما أنفق عليه فإن كان باذن القاضي يرجع به على صاحبه وإلا فلا لأنه يكون متطوعا فان طالت المدة ولم يجئ له
طالب باعه القاضي وأخذ ثمنه يحفظه على صاحبه لان ذلك حفظ له معنى فان باعه وأخذ ثمنه ثم جاء انسان وأقام
البينة أنه عبده دفع الثمن إليه وليس له أن ينقض البيع من القاضي صدر عن ولاية شرعية لأنه من باب
حفظ ماله إذ لو لم يبع لاتت النفقة على جميع قيمة فيضيع المال فكان بيعه حفظا له من حيث المعنى والقاضي
يملك مال الغائب ولهذا بيع ما يتسارع إليه الفساد ولو زعم المدعى أنه قد كان دبره أو كاتبه لم يصدق في نقض
البيع لما قلنا وينفق القاضي عليه في مدة حبسه إياه من بيت المال ثم إذا جاء صاحبه أخذه من صاحبه أو من ثمنه
ان باعه لان الانفاق عليه احياء ماله فيكون عليه وإذا جاء بالآبق له أن يمسكه بالجعل لأنه إذا جاء به فقد استحق الجعل
على مالكه فكان له حق حبسه بالجعل كما يحبس المبيع لاستيفاء الثمن ولو هلك في حال الحبس لا ضمان عليه لكن
يسقط الجعل كما لا ضمان على البائع بهلاك المبيع المحبوس بالثمن لكن يسقط الثمن عن المشترى ولا يقبل كتاب
القاضي إلى القاضي في الرقيق في قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يقبل في العبد ولا يقبل في الجارية وهذه
المسألة في كتاب القاضي في بيان شرائط قبول كتاب القاضي إلى القاضي
(فصل) وأما بيان حكم ماله فهو استحقاق الجعل عندنا استحسانا والكلام في الجعل في مواضع في بيان
أصل الاستحقاق وفي بيان سببه وفي بيان شرطه وفي بيان ما يستحق عليه وفي بيان قدر المستحق (أما) أصل
الاستحقاق فثابت عندنا استحسانا والقياس ان لا يثبت أصلا كما لا يثبت برد الضالة وقال الشافعي رحمه الله يثبت
بالشرط ولا يثبت بدونه حتى لو شرط الآخذ الجعل المالك وجب وإلا فلا (وجه) قول الشافعي رحمه الله أنه رد
مال الغير عليه محتسبا فلا يستحق الاجر كما لورد الضالة الا إذا شرط فيجب عليه بحكم الشرط لقوله عليه الصلاة والسلام
المسلمون عند شروطهم (ولنا) ما رواه محمد بن الحسن عليه الرحمة عن أبي عمر والشيباني أنه قال كنت قاعدا عند عبد الله
203

ابن مسعود فجاء رجل فقال قدم فلان بإباق من القوم فقال القوم لقد أصاب أجرا فقال عبد الله رضي الله عنه وجعلا ان
شاء من كل رأس درهما ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر فيكون اجماعا ولان جعل الآبق طريق صيانة عن الصياع لأنه
لا يتوصل إليه بالطلب عادة إذ ليس له مقام معلوم يطلب هناك فلو لم يأخذه لضاع ولا يؤخذ لصاحبه ويتحمل مؤنة
الاخذ والرد عليه مجانا عوض عادة وإذا علم أن له عليه جعلا يحمل مشقة الاخذ والرد طمعا في الجعل فتحصل
الصيانة عن الضياع فكان استحقاق الجعل طريق صيانة الآبق عن الضياع وصيانة المال عن الضياع واجب فكان
المالك شارطا للاجر عند الاخذ والرد دلالة بخلاف الضالة لان الدابة إذا ضلت فإنها ترعى في المراعى المألوفة فيمكن
الوصول إليها بالطلب عادة فلا تضيع دون الاخذ فلا حاجة إلى الصيانة بالجعل فان أخذه أحد كان في الاخذ والرد
محتسبا فلا يستحق الاجر فهو الفرق وأما سبب استحقاق الجعل فهو الاخذ لصاحبه لأنه طريق الصيانة على المالك
وهو معنى التسبب
(فصل) وأما شرائط الاستحقاق فأنواع (منها) الرد على المالك لان الصيانة تحصل عنده وهو معنى الشرط
ان توجد العلة عند وجوده حتى لو أخذه فمات أو أبق من يده قبل الرد لا يستحق الجعل ولو أخذه فأبق من يده فأخذه
غيره فرده على المالك فالجعل للثاني ولا شئ للأول لأنه لما أبق من يده فقد انفسخ ذلك السبب أو بقي ذلك سببا
محضا لانعدام شرطه وهو الرد على المالك وقد وجد السبب والشرط من الثاني فكان الأول صاحب سبب محض
والسبب المحض لا حكم له والثاني صاحب علة فيكون الجعل له ولو كان الراد واحدا والآبق اثنين فله جعلان لوجود
سبب الاستحقاق وشرطه في كل واحد منهما ولو كان الراد اثنين والآبق واحدا فلهما جعل واحد بينهما نصفان
لاشتراكهما في مباشرة السبب والشرط ولو كان الراد واحدا والآبق واحد أو المالك اثنين فعليهما جعل واحد على
قدر ملكيهما ولو جاء بالآبق فوجد المالك قد مات فله الجعل في تركته لوجود الرد على المالك من حيث المعنى بالرد
على التركة ثم إن كان عليه دين محيط بماله فهو أحق بالعبد حتى يعطى الجعل لما ذكرنا وان لم يكن له مال سوى العبد يقدم
الجعل على سائر الديون فيباع العبد ويبدأ بالجعل من ثمنه ثم يقسم الباقي بين الغرماء لأنه كان أحق بحبسه من بين
سائر الغرماء لاستيفاء الجعل فكان أحق بثمنه بقدر الجعل كالمرتهن هذا إذا جاء به أجنبي فوجد المالك قد مات
فأما إذا جاء به وارث الميت فوجد مورثه قد مات فله الجعل عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله إذا كان المالك حيا وقت
الاخذ وعند أبي يوسف لا جعل له وإن كان حيا وقت الاخذ إذا مات قبل الوصول إليه (وجه) قوله إنه فات
شرط الاستحقاق وهو الرد على المالك لأنه رد على نفسه (وجه) قولهما أن المجئ به من مسيرة ثلاثة أيام مثلا في
حال حياة المالك على قصد الرد رد على المالك فيستحق الجعل كما إذا وجده حيا ولهذا لو كان الراد أجنبيا استحق
الجعل لما قلنا كذا هذا ولو جاء به فأعتقه مولاه قبل أن يرده عليه أو باعه منه فله الجعل لما ذكرنا أن المجئ به على قصد
الرد على الملك رد عليه ويجب الجعل برد الآبق المرهون لوجود سبب الوجوب وشرطه وهو الرد على المالك الا انه
يجب على المرتهن لان منفعة الصيانة رجعت إليه ألا ترى انه لو ضاع يسقط دينه بقدر قيمته فإذا كانت المنفعة له كانت
المضرة عليه لقوله عليه الصلاة والسلام الخراج بالضمان وسواء كان الراد بالغا أو صبيا حرا أو عبدا لان الصبي من أهل
استحقاق الاجر بالعمل وكذا العبد الا أن الجعل لمولاه لأنه ليس من أهل ملك المال والله سبحانه وتعالى أعلم
(ومنها) أن لا يكون الراد على المالك في عيال المالك حتى لو كان في عياله لاجعل له سواء كان وارثا أو أجنبيا لأنه إذا
كان في عياله كان الرد منه بمنزلة رد المالك ولأنه إذا كان في عياله كان في الرد عليه عاملا لنفسه لان منفعة الرد تعود إليه
ومن عمل لنفسه لا يستحق الاجر على غيره والأصل أن الراد إذا كان في عيال المالك لاجعل له كائنا ما كان وان لم
يكن في عياله فله الجعل كائنا ما كان الا الابن يرد آبق أبيه والزوج يرد آبق زوجته انه لاجعل لهما وان لم يكونا في عيالهما
لان الابن وان لم يكن في عيال أبيه فالرد منه يجرى مجرى الخدمة لأبيه والابن لا يستحق الاجر بخدمة أبيه لأنها
204

مستحقة عليه ولهذا لو استأجر ابنه لخدمته لا يستحق الاجر بخلاف الأب مع ما أن الأولاد في العادات يحفظون
أموال الآباء لطمع الانتفاع بها بطريق الإرث فكان رادا عبد نفسه معنى إذ كان بالرد عاملا لنفسه فلا يستحق
الاجر وكذلك الزوج إذا رد عبد زوجته فقد رد عبد نفسه معنى لأنه ينتفع بمالها عادة وكذلك لا تقبل شهادة كل
واحد منهما الآخر فلا يستحق الجعل (وأما) الأب إذا رد عبد ابنه فإن كان في عياله لاجعل له لان الأجنبي الذي
في عياله لاجعل له فالقرابة أولى وان لم يكن في عياله فله الجعل لان الأب لا يستخدم طبعا وشرعا وعقلا ولهذا لو خدم
بالاجر وجب الاجر فلا يمكن حمله على الخدمة فيحمل على طلب الاجر وكذا الآباء لا يحفظون أموال الأولاد
للانتفاع بها بطريق الإرث لان موتهم يتقدم موت الأولاد عادة فلم يتحقق معنى الرد والعمل لنفسه لذلك افترق
الأمران وعلى هذا سائر ذوي الأرحام من الأخ والعم والخال وغيرهم أن الراد إن كان في عيال المالك لاجعل له لما
قلنا وان لم يكن في عياله فله الجعل وعلى هذا الوصي إذا رد عبد اليتيم لاجعل له لان اليتيم في عياله وحفظ ماله مستحق
عليه فلا يستحق الجعل على الرد وكذا عبد الوصي إذا رد عبد اليتيم لان رد عبده كرده (ومنها) أن يكون المردود
مرقوقا مطلقا كالقن والمدبر وأم الولد حتى لو كان مكاتبا لاجعل له لأنه ليس بمرقوق على الاطلاق بل هو فيما يرجع
إلى مكاسبه حر ولهذا لم يتناوله مطلق اسم المملوك في قول الرجل كل مملوك لي حرا لا بالنية بخلاف المدبر وأم الولد
ولان استحقاق الجعل معلول بالصيانة عن الضياع ولا حاجة إلى الصيانة في المكاتب لأنه لا يهرب عادة لأن العقد
في جانبه غير لازم فلو لم يقدر على بدل الكتابة يعجز نفسه بالاباء عن الكسب بخلاف المدبر وأم الولد لأنهما
يستخدمان عادة فلعلهما يكلفان مالا يطيقان فيحملهما ذلك على الهرب فتقع الحاجة إلى الصيانة بالجعل كما في القن
الا أن القرق بينهما وبين القن انه إذا جاء بالقن وقد مات المولى قبل أن يصل إليه فله الجعل وان جاء بالمدبر وأم الولد
وقد مات المولى قبل الوصول إليه لاجعل له (ووجه) الفرق ظاهر لأنهما يعتقان بموت السيد فلم يوجد رد المرقوق
أصلا فلا يستحق الجعل بخلاف القن والله سبحانه وتعالى أعلم
(فصل) وأما بيان من يستحق عليه فالمستحق عليه هو المالك إذا ابق من يده لان الجعل مؤنة الرد ومنفعة الرد
عائدة إلى المالك فكانت المؤنة عليه ليكون الخراج بالضمان ولو أبق عبد الرهن من يد المرتهن فالجعل عليه لان منفعة
الرد تعود إليه باعتبار الحبس الذي هو وسيلة إلى استيفاء الدين فإن كان في قيمة العبد فضل على الدين يجب بقدر
الدين على المرتهن والزيادة على الراهن والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما بيان قدر المستحق فينظران رده من مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا فله أربعون درهما لما روينا من
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما وان رده دون ذلك فبحسابه وان رده من أقصى المصر رضخ له على قدر
عنائه وتعبه لان الواجب بمقابلة العمل فيتقدر بقدره الا أن الزيادة على مدة السفر سقط اعتبارها بالشرع فيبقى
الواجب في المدة بمقابلة العمل فيزداد بزيادته وينقص بنقصانه هذا إذا كانت قيمة العبد أكثر من الجعل فإن كانت
مثل الجعل أو أنقص منه ينقص من قيمته درهم عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف له الجعل تاما وإن كانت
قيمة العبد درهما واحدا واحتج بما روينا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنه قال من كل رأس أربعين
درهما اعتبر الرأس دون القيمة (وجه) قولهما ان الواجب معلول بمعنى الصيانة عن الضياع لما ذكرنا ولا فائدة في
هذه الصيانة أو اعتبرنا الرأس دون القيمة لأنه إن كان يصان من وجه يضيع من وجه آخر فلا فرق بين الضياع بترك
الاخذ والامساك وبين الضياع بالجعل فلابد أن ينقص من قيمته درهم ليكون الصون بالاخذ مفيدا والحديث
محمول على ماذا كانت قيمة كل رأس أكثر من أربعين درهما توفيقا بين الدلائل بقدر الامكان والله عز وجل أعلم
205

* (الكتاب السباق) *
الكلام في هذا الكتاب في موضعين في تفسير السباق وفي بيان شرائط جوازه (أما) الأول فالسباق فعال من
السبق وهو أن يسابق الرحل صاحبه في الخيل أو الإبل ونحو ذلك فيقول إن سبقتك فكذا أوان سبقتني فكذا
ويسمى أيضا رهانا فعالا من الرهن
(فصل) وأما شرائط جوازه فأنواع (منها) أن يكون في الأنواع الأربعة الحافر والخف والنصل والقدم لا في
غيرها لما روى عليه الصلاة والسلام أنه قال لاسبق الا في خف أو حافر أو نصال الا انه زيد عليه السبق في القدم
بحديث سيدتنا عائشة رضي الله عنها ففيما وراءه بقي على أصل النفي ولأنه لعب واللعب حرام في الأصل الا أن اللعب
بهذه الأشياء صار مستثنى من التحريم شرعا لقوله عليه الصلاة والسلام كل لعب حرام الا ملاعبة الرحل امرأته
وقوسه وفرسه حرم عليه الصلاة والسلام كل لعب واستثنى الملاعبة بهذه الأشياء المخصوصة فبقيت الملاعبة بما
وراءها على أصل التحريم إذا لاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا وكذا المسابقة بالخف صارت مستثناة من الحديث
وبما روى عن سعيد بن المسيب أنه قال إن العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تسبق كلما دفعت في
سباق فدفعت يوما في إبل فسبقت فكانت على المسلمين كآبة إذ سبقت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان
الناس إذا رفعوا شيئا أو أراد وارفع شئ وضعه الله وكذا السبق بالقدم لما روت سيدتنا عائشة رضي الله عنها انها قالت
سابقت النبي عليه الصلاة والسلام فسبقته فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقلت هذا بتلك فصارت هذه الأنواع
مستثناة من التحريم فبقي ما ورائها على أصل الحرمة ولان الاستثناء يحتمل أن يكون لمعنى لا يوجد في غيرها وهو
الرياضة والاستعداد لأسباب الجهاد في الجملة فكانت لعبا صورة ورياضة وتعلم أسباب الجهاد فيكون جائزا إذا
استجمع شرائط الجواز ولئن كان لعبا لكن اللعب إذا تعلقت به عاقبة حميدة لا يكون حراما ولهذا استثنى ملاعبة
الأهل لتعلق عاقبة حميدة بها وهو انبعاث الشهوة الداعية إلى الوطئ الذي هو سبب التوالد والتناسل والسكنى وغير
دلك من العواقب الحميدة وهذا المعنى لا يوجد في غير هذه الأشياء فلم يكن في معنى المستثنى فبقي تحت المستثنى
(ومنها) أن يكون الخطر فيه من أحد الجانبين الا إذا وجد فيه محللا حتى لو كان الخطر من الجانبين جميعا ولم يدخلا فيه
محللا لا يجوز لأنه في معنى القمار نحو أن يقول أحدهما لصاحبه ان سبقتني فلك على كذا وان سبقتك فلي عليك كذا
فقبل الآخر ولو قال أحدهما لصاحبه ان سبقتني فلك على كذا وان سبقتك فلا شئ عليك فهو جائز لان الخطر إذا
كان من أحد الجانبين لا يحتمل القمار فيحمل على التحريض على استعداد أسباب الجهاد في الجملة بمال نفسه وذلك
مشروع كالتنفيل من الامام وبل أولى لان هذا يتصرف في مال نفسه بالبدل والامام بالتنفيل فيما لغيره فيه
حق في الجملة وهو الغنيمة فلما جاز ذلك فهذا بالجواز أولى وكذلك إذا كان الخطر من الجانبين ولكن أدخلا فيه محللا
بأن كانوا ثلاثة لكن الخطر من الاثنين منهم ولا خطر من الثالث بل إن سبق أخذ الخطر وان لم يسبق لا يغرم شيئا
فهذا مما لا بأس به أيضا وكذلك ما يفعله السلاطين وهو أن يقول السلطان لرجلين من سبق منكما فله كذا فهو جائز
لما بينا ان ذلك من باب التحريض على استعداد أسباب الجهاد خصوصا من السلطان فكانت ملحقة بأسباب
الجهاد ثم الامام إذا حرض واحد من الغزاة على الجهاد بأن قال من دخل هذا الحصن أولا فله من النقل كذا ونحوه
جاز كذا هذا وبل أولى اما بينا (ومنها) أن تكون المسابقة فيما يحتمل أن يسبق ويسبق من الأشياء الأربعة حتى
لو كانت فيما يعلم أنه يسبق غالبا لا يجوز لان معنى التحريض في هذه الصورة لا يتحقق فبقي الرهان التزام المال بشرط
لا منفعة فيه فيكون عبثا ولعبا والله تعالى أعلم
206

* (كتاب الوديعة) *
الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان ركن العقد وفي بيان شرائط الركن وفي بيان حكم العقد وفي بيان
حال المعقود عليه وفي بيان ما يوجب تغير حاله (أما) ركنه فهو الايجاب والقبول وهو أن يقول لغيره أودعتك هذا
الشئ أو احفظ هذا الشئ لي أوخذ هذا الشئ وديعة عندك وما يجرى مجراه ويقبله الآخر فإذا وجد ذلك فقد
تم عقد الوديعة
(فصل) وأما شرائط الركن فأنواع (منها) عقل المودع فلا يصح الايداع من المجنون والصبي الذي لا يعقل
لان العقل شرط أهلية التصرفات الشرعية (وأما) بلوغه فليس بشرط عندنا حتى يصح الايداع من الصبي المأذون
لان ذلك مما يحتاج إليه التاجر فكان من توابع التجارة فيملكه الصبي المأذون كما يملك التجارة وعند الشافعي رحمه
الله لا يملك التجارة فلا يملك توابعها على ما نذكر في كتاب المأذون وكذا حريته ليست بشرط فيملك العبد المأذون
الايداع لما قلنا في الصبي المأذون (ومنها) عقل المودع فلا يصح قبول الوديعة من المجنون والصبي الذي لا يعقل لان
حكم هذا العقد هو لزوم الحفظ ومن لا عقل له لا يكون من أهل الحفظ (وأما) بلوغه فليس بشرط حتى يصح قبول
الوديعة من الصبي المأذون لأنه من أهل الحفظ ألا ترى انه أذن له الولي ولو لم يكن من أهل الحفظ لكان الاذن له سفها
(وأما) الصبي المحجور عليه فلا يصح قبول الوديعة منه لأنه لا يحفظ المال عادة ألا ترى انه منع منه ماله ولو قبل
الوديعة فاستهلكها فإن كانت الوديعة عبدا أو أمة يضمن بالاجماع وإن كانت سواهما فان قبلها بإذن الولي فكذلك
وأن قبلها بغير اذنه لا ضمان عليه عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يضمن (وجه) قوله أن ايداعه لو صح فاستهلك
الوديعة يوجب الضمان وان لم يصح جعل كأنه لم يكن فصار الحال بعد العقد كالحال قلبه ولو استهلكها قبل العقد لوجب
عليه الضمان إذا كانت الوديعة عبدا أو أمة (وجه) قولهما أن إيداع الصبي المحجور الهلاك للمال معنى فكان فعل
الصبي اهلاك مال قائم صورة لا معنى فلا يكون مضمونا عليه ودلالة ما قلنا إنه لما وضع المال في يده فقد وضع في يدمن
لا يحفظه عادة ولا يلزمه الحفظ شرعا ولا شك انه لا يجب عليه حفظ الوديعة شرعا لان الصبي ليس من أهل وجوب
الشرائع عليه والدليل على أنه لا يحفظ الوديعة عادة انه منع عنه ماله ولو كان يحفظ المال عادة لدفع إليه قال الله تبارك وتعالى
فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم وبهذا فارق المأذون لأنه يحفظ المال عادة ألا ترى انه دفع إليه ماله ولو لم
يوجد منه الحفظ عادة لكان الدفع إليه سفها بخلاف ما إذا كانت الوديعة عبدا أو أمة لان هناك لا يجب عليه ضمان
المال أيضا وإنما يجب عليه ضمان الدم لأن الضمان الواجب بقتل العبد ضمان الآدمي لا ضمان المال والعبد من حيث إنه
آدمي قائم من كل وجه قبل الايداع وبعده فهو الفرق وكذلك حرية المودع ليست بشرط لصحة العقد حتى
يصح القبول من العبد المأذون ويترتب عليه أحكام العقد لأنه يحتاج إلى الايداع والاستيداع على ما نذكر في كتاب
المأذون (وأما) العبد المحجور فلا يصح منه القبول لأنه لا يحفظ المال عادة ولو قبلها فاستهلكها فإن كانت عبدا أو
أمة يؤمر المولى بالدفع أو الفداء وإن كانت سواهما فان قبلها بإذن وليه يضمن بالاجماع وان قبلها بغير اذن وليه
لا يؤاخذ به في الحال عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يؤاخذ به في الحال والكلام في الطرفين على حسب
ما ذكرنا في الصبي المحجور
(فصل) وأما بيان حكم العقد فحكمه لزوم الحفظ للمالك لان الايداع من جانب المالك استحفاظ ومن جانب
المودع التزام الحفظ وهو من أهل الالتزام فيلزمه لقوله عليه الصلاة والسلام المسلمون عند شروطهم والكلام في
الحفظ في موضعين أحدهما فيما يحفظ به والثاني فيما فيه يحفظ (أما) الأول فالاستحفاظ لا يخلو من أن يكون
مطلقا أو مقيدا فإن كان مطلقا فللمودع أن يحفظ بيد نفسه ومن هو في عياله وهو الذي يسكن معه ويمونه فيكفيه
207

طعامه وشرابه وكسوته كائنا من كان قريبا أو أجنبيا من ولده وامرأته وخدمه وأجيره لا الذي استأجره بالدراهم والدنانير وبيد من ليس في عياله ممن يحفظ ماله بنفسه عادة كشريكه المفاوض والعنان وعبده المأذون وعبده
المعزول عن بيته هذا عندنا وقال الشافعي رحمه الله ليس له أن يحفظ الا بيد نفسه الا أن يستعين بغيره من غير أن
يغيب عن عينه حتى لو فعل يدخل في ضمانه (وجه) قوله أن العقد تناوله دون غيره فلا يملك الايداع من غيره كما لا
يملك الايداع سائر الأجانب (ولنا) أن الملتزم بالعقد هو الحفظ والانسان لا يلتزم بحفظ مال غيره عادة الا بما يحفظ به مال
نفسه وانه يحفظ مال نفسه بيده مرة وبيد هؤلاء أخرى فله أن يحفظ الوديعة بيدهم أيضا فكان الحفظ بأيديهم داخلا
تحت العقد دلالة وكذا له ان يرد الوديعة على أيديهم حتى لو هلكت قبل الوصول إلى المالك لا ضمان عليه لان يدهم يد
المودع معنى فما دام المال في أيديهم كان محفوظا بحفظه وليس له أن يدفع الوديعة إلى غيرهم الا لعذر حتى لو دفع تدخل
في ضمانه لان المالك ما رضى بيده الا يرى أنه لا يرضى مال نفسه بيده فإذا دفع فقد صار مخالفا فتدخل الوديعة في ضمانه
الا إذا كان عن عذر بان وقع في داره حريق أو كان في السفينة فخاف الغرق فدفعه إلى غيره لان الدفع إليه في هذه الحالة
تعين طريقا للحفظ فكان الدفع بإذن المالك دلالة فلا يضمن فلو أراد السفر فليس له أن يودع لان السفر ليس بعذر ولو
أودعها عند من ليس له أن يودعه فضاعت في يد الثاني فالضمان على الأول لاعلى الثاني عند أبي حنيفة وعند أبي
يوسف ومحمد المالك بالخياران شاء ضمن الأول وان شاء ضمن الثاني فان ضمن الأول لا يرجع بالضمان على الثاني
وان ضمن الثاني يرجع به على الأول (وجه) قولهما وجد من كل واحد منهما سبب وجوب الضمان أما الأول
فلانه دفع مال الغير إلى غيره بغير اذنه وأما الثاني فلانه قبض مال الغير بغير اذنه وكل واحد منهما سبب لوجوب الضمان
فيخير المالك ان شاء ضمن الأول وان شاء ضمن الثاني كمودع الغاصب مع الغاصب غير أنه ان ضمن الأول لا يرجع
بالضمان على الثاني لأنه ملك الوديعة بادء الضمان فتبين انه أودع ماله نفسه إياه فهذا مودع هلكت الوديعة في يده فلا شئ
عليه وان ضمن الثاني يرجع بالضمان على الأول لان الأول غره بالايداع فيلزمه ضمان الغرور كأنه كفل عنه بما يلزمه من
العهدة في هذا العقد إذ ضمان الغرور ضمان كفالة لما علم (وجه) قول أبي حنيفة ان يد المودع الثاني ليست بيد مانعة بل هي
يد حفظ وصيانة الوديعة عن أسباب الهلاك فلا يصلح أن يكون سببا لوجوب الضمان لأنه من باب الاحسان إلى
المالك قال الله تعالى جل شأنه ما على المحسنين من سبيل وكان ينبغي ان لا يجب الضمان على الأول أيضا لان الايداع
منه مباشرة سبب الصيانة والحفظ له فكان محسنا فيه الا انه صار مخصوصا عن النص فبقي المودع الثاني على ظاهره
ولو أودع غيره وادعى انه فعل عن عذر لا يصدق على ذلك الا ببينة عند أبي يوسف وهو قياس قول أبي حنيفة رحمه الله
كذا ذكر الشيخ القدوري رحمه الله لان الدفع إلى غيره سبب لوجوب الضمان في الأصل فدعوى الضرورة دعوى
أمر عارض يريد به دفع الضمان عن نفسه فلا يصدق الا بحجة هذا إذا هلكت الوديعة في يد المودع الثاني فاما إذا
استهلكها فالمالك بالخياران شاء ضمن الأول وان شاء ضمن الثاني بالاجماع غير أنه ان ضمن الأول يرجع بالضمان على
الثاني وان ضمن الثاني لا يرجع بالضمان على الأول لان سبب وجوب الضمان وجد من الثاني حقيقة وهو الاستهلاك
لوقوعه اعجازا للمالك عن الانتفاع بماله على طريق القهر ولم يوجد من الأول الا الدفع إلى الثاني على طريق الاستحفاظ
دون الاعجاز الا انه ألحق ذلك بالاعجاز شرعا في حق اختيار التضمين صورة لأنه باشر سبب الاعجاز فكان الضمان في
الحقيقة على الثاني لان اقرار الضمان عليه لذلك لم يرجع الأول على الثاني ولم يرجع الثاني على الأول بخلاف مودع
الغاصب إذا هلك المغصوب في يده ان المالك يتخير بين ان يضمن الغاصب أو يضمن المودع فان ضمن الغاصب
لا يرجع بالضمان على المودع وان ضمن المودع يرجع به على الغاصب وقد تقدم الفرق وعلى هذا إذا أودع رجل من
رجلين مالا فإن كان محتملا للقسمة اقتسماه وحفظ كل واحد منهما نصفه لأنه لما أودعه من رجلين فقد استحفظهما
جميعا فلا بد وأن تكون الوديعة في حفظهما جميعا ولا تتحقق الا بالقسمة ليكون النصف في يد هذا والنصف في يد ذاك
208

والمحل محتمل للقسمة فيقتسمان نصفين ولو سلم أحدهما النصف إلى صاحبه فضاعت فمن المسلم نصف الوديعة عند
أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا يضمن القابض شيئا بالاجماع ولو كانت الوديعة مما لا يحتمل القسمة
فلكل واحد منهما ان يسلم الكل إلى صاحبه وإذا فعل فضاعت لا ضمان عليه بالاجماع وجه قولهما ان المالك لما
استحفظها فقد رضى بيد كل واحد منهما على كل الوديعة كما إذا لم تكن الوديعة محتملة للقسمة (وجه) قول أبي حنيفة
ان المالك استحفظ كل واحد منهما في بعض الوديعة لا في كلها فكان راضيا بثبوت يد كل واحد منهما على
البعض دون الكل وهذا لما ذكرنا انه لما استحفظهما جميعا فلا بدأن يكون المال في حفظهما جميعا ولا يمكن أن يكون كله
في يد كل واحد منهما للاستحالة فيقسم ليكون النصف في يد أحدهما والنصف في يد الآخر فإذا كان المحل محتملا
للقسمة لم يكن راضيا بكون الكل في يد أحدهما فإذا فعل فقد خالفه فدخل في ضمانه فإذا ضاع ضمن بخلاف ما إذا
لم يكن محتملا للقسمة لأنه إذا لم يحتمل تعذر أن يكون كله في حفظ كل واحد منهما على التوزيع في زمان واحد فكان
راضيا بكونه في يد كل واحد منهما في زمانين على التهايئ فلم يصر مخالفا بالدفع فهو الفرق وعلى هذا الخلاف الذي
ذكرنا المرتهنان والوكيلان بالشراء إذا كان المرهون والمشترى مما يحتمل القسمة فسلمه أحدهما إلى صاحبه وأما
الثاني وهو الكلام فيما فيه تحفظ الوديعة فإن كان العقد مطلقا فله ان يحفظها فيما يحفظ فيه مال نفسه من داره وحانوته
وكيسه وصندوقه ولأنه ما التزم حفظها الا فيما يحفظ فيه مال نفسه وليس له ان يحفظ في حرز غيره لان حرز غيره
في يد ذلك الغير ولا يملك الحفظ بيده فلا يملكه بما في يده أيضا الا إذا استأجر حرزا لنفسه فله ان يحفظ فيه لان
الحرز في يده فما في الحرز يكون في يده أيضا فكان حافظا بيد نفسه فملك ذلك وله ان يحفظ الحضر والسفر بان يسافر بها
عند أبي حنيفة سواء كان للوديعة حمل ومؤنة أولم يكن وعند أبي يوسف ومحمد أن كان لها حمل ومؤنة لا يملك المسافرة
بها وان لم يكن يملك وعند الشافعي رحمه الله لا يملك كيف ما كان أما الكلام مع الشافعي رحمه الله فوجه قوله إن
المسافرة بالوديعة تضييع المال لان المفازة مضيعة قال النبي عليه أفضل التحية المسافر وماله على قلب الا ما وقى
الله فكان التحويل إليها تضييعا فلا يملكه المودع (ولنا) ان الامر بالحفظ صدر مطلقا عن تعيين المكان فلا
يجوز التعيين الا بدليل قوله المفازة مضيعة قلنا ممنوع أو تقول إذا كان الطريق مخوفا أما إذا كان أمنا فلا والكلام
فيما إذا كان الطريق أمنا والحديث محمول على ابتداء الاسلام حين كانت الغلبة للكفرة وكانت الطريق
مخوفة ونحن به يقول وأما الكلام مع أصحابنا رضي الله عنهم فوجه قولهما أن في المسافرة بما له حمل ومؤنة
ضررا بالمالك لجواز ان يموت المودع في السفر فيحتاج إلى الاسترداد من موضع لا يمكنه ذلك الا بحمل ومؤنة عظيمة
فيتضرر به ولا كذلك إذا لم يكن لها حمل ومؤنة ولأبي حنيفة على نحو ما ذكرنا مع الشافعي رحمه الله ان الامر بالحفظ
لا يتعرض لمكان دون مكان ولا يجوز تقييد المطلق من غير دليل قولهما فيه ضرر قلنا هذا النوع من الضرر ليس
بغالب فلا يجب دفعه على أنه إن كان فهو الذي أضر بنفسه حيث أطلق الامر ومن لم ينظر لنفسه لا ينظر له هذا إذا كان
العقد مطلقا عن شرط في الفصلين جميعا فاما إذا شرط فيه شرطا نظر فيه إن كان شرطا يمكن اعتباره ويفيد اعتبروا لا
فلا بيان ذلك إذا أمره بالحفظ وشرط عليه ان يمسكها بيده ليلا ونهارا ولا يضعها فالشرط باطل حتى لو وضعها في بيته
أو فيما يحرز فيه ماله عادة فضاعت لا ضمان عليه لان امساك الوديعة بيده بحيث لا يضعها أصلا غير مقدور له عادة فكان
شرطا لا يمكن مراعاته فيلغو ولو امره بالحفظ ونهاه ان يدفعها إلى امرأته أو عبده أو ولده الذي هو في عياله أو من يحفظ
مال نفسه بيده عادة نظر فيه إن كان لا يجد بدا من الدفع إليه له ان يدفع لأنه إذا لم يجد بدا من الدفع إليه كان النهى عن
الدفع إليه نهيا عن الحفظ فكان سفها فلا يصح نهيه وان كال يجد بدا من الدفع إليه ليس له ان يدفع له ان يدفع يدخل في
ضمانه لأنه إذا كان منه بد في الدفع إليه أمكن اعتبار الشرط وهو مفيد لان الأيدي في الحفظ متفاوتة والأصل في
الشروط اعتبارها ما أمكن ولو قال لا تخرجها من الكوفة فحرج بها تدخل في ضمانه لأنه شرط يمكن اعتباره وهو مفيد
209

لان الحفظ في المصر أكمل من الحفظ في السفر إذا السفر موضع الخطر الا إذا خاف التلف عليها فاضطر إلى الخروج بها
فخرج لا تدخل في ضمانه لان الخروج بها في هذه الحالة طريق متعين للحفظ كما إذا وقع في داره حريق أو كان في سفينة
فخاف الغرق فدفعها إلى غيره ولو قال له احفظ الوديعة في دارك هذه فحفظها في دار له أخرى فإن كانت الداران في
الحرز سواء أو كانت الثانية أحرز لا تدخل في ضمانة لان التقييد غير مفيد وإن كانت الأولى أحرز من الثانية دخلت
في ضمانه لان التقييد به عند تفاوت الحرز مفيد وكذلك لو أمره ان يضعها في داره في هذه القرية ونهاه عن أن يضعها
في داره في قرية أخرى فهو على هذا التفصيل ولو قال له اخبأها في هذا البيت وأشار إلى بيت معين في داره فخبأها في
بيت آخر في تلك الدار لا تدخل في ضمانه لان البيتين من دار واحدة لا يختلفان في الحرز عادة بخلاف الدارين فلا
يكون التعيين مفيد حتى لو تفاوتا بأن كان الأول أحرز من الثاني تدخل في ضمانه والأصل المحفوظ في هذا الباب
ما ذكرنا أن كل شرط يمكن مراعاته ويفيد فهو معتبر وكل شرط لا يمكن مراعاته ولا يفيد فهو هدر وهذا عندنا وعند
الشافعي رحمه الله تجب مراعاة الشروط في المواضع كلها حتى أن المأمور بالحفظ في بيت معين لا يملك الحفظ في بيت آخر
من دار واحدة وجه قوله إن الأصل اعتبار تصرف العاقل على الوجه الذي أوقعه فلا يترك هذا الأصل الا لضرورة ولم
توجد وصار كالدارين والجواب نعم إذا تعلقت به عاقبة حميدة فاما إذا خرج مخرج السفه والعبث فلا لان التعيين عند
انعدام التفاوت في الحرز يجرى مجرى العبث كما إذا قال احفظ بيمينك ولا تحفظ بشمالك أو احفظ في هذه الزاوية من
البيت ولا تحفظ في الزاوية الأخرى فلا يصح التعيين لانعدام الفائدة حتى لو تفاوتا في الحرز يصح بخلاف الدارين
والأصل في الدارين اختلاف الحرز فكان التعيين مفيدا حتى لو لم يختلف فالجواب فيها كالجواب في البيتين على ما مر
(فصل) وأما بيان حال الوديعة فحالها انها في يد المودع أمانة لان المودع مؤتمن فكانت الوديعة أمانة في يده ويتعلق
بكونها أمانة أحكام منها وجوب الرد عند طلب المالك لقوله تعالى جل شأنه ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى
أهلها حتى لو حبسها بعد الطلب فضاعت ضمن هذا إذا كانت الوديعة لرجل واحد فاما إذا كانت مشاعا
لرجلين فجاء أحدهما وطلب حصته لا يجب عليه الرد بأن أودع رجلان رجلا وديعة دراهم أو دنانير أو ثيابا وغاب ثم
جاءه أحدهما وطلب بعضها وأبى المستودع ذلك لم يأمره القاضي بدفع شئ إليه ما لم يحضر الغائب عند أبي حنيفة وقال
أبو يوسف ومحمد يقسم ذلك ويدفع إليه حصته ولا يكون ذلك قسمة جائزة على الغائب بلا خلاف حتى لو هلك الباقي في
يد المودع ثم جاء الغائب له ان يشارك صاحبه في المقبوض عندهم جميعا ولو هلك المقبوض في يد القابض ثم جاء الغائب
فليس للقابض ان يشارك صاحبه في الباقي وجه قولهما ان الاخذ بأخذ حصته متصرف في ملك نفسه فكان له
ذلك من غير حضرة الغائب كما إذا كان لرجلين دين مشترك على رجل فجاء أحدهما وطلب حصته من الدين فإنه يدفع
إليه حصته لما قلنا كذا هذا (وجه) قول أبي حنيفة ان المودع لو دفع شيئا إلى الشريك الحاضر لا يخلو اما ان يدفع إليه
من النصيبين جميعا واما أن يدفع إليه من نصيبه خاصة لاوجه إلى الأول لان دفع نصيب الغائب إليه ممتنع شرعا ولا
سبيل إلى الثاني لان نصيبه شائع في كل الألف لكون الألف مشتركة بينهما ولا يتميز الا بالقسمة والقسمة على الغائب
غير جائزة ولو سلمنا ذلك حتى قالا إذا جاء الغائب وقد هلك الباقي له ان يشارك القابض في المقبوض ولو نفذت القسمة
لما شاركه فيه لتميز حقه عن حق صاحبه بالقسمة والقياس على الدين المشترك غير سديد لان الغريم يدفع نصيب أحد
الشريكين بدفع مال نفسه لا مال شريكه الغائب وهنا يدفع مال الغائب بغير اذنه فلا يستقيم القياس ولو كان في يده ألف درهم
فجاءه رجلان وادعى كل واحد منهما انه أودعه إياها فقال المودع أودعها أحد كما ولست أدرى أيكما هو فهذا في
الأصل لا يخلو من أحد وجهين اما أن اصطلح المتداعيان على أن يأخذا الألف وتكون بينهما واما أن لم يصطلحا وادعى
كل واحد منهما ان الألف له خاصة لا لصاحبه فان اصطلحا على ذلك فلهما ذلك وليس للمودع ان يمتنع عن تسليم
الألف إليهما لأنه أقران الألف لاحد هما وإذا اصطلحا على أنها تكون بينهما لا يمنعان عن ذلك وليس لهما ان يستحلفا
210

المودع بعد الصلح وان لم يصطلحا وادعى كل واحد منهما ان الألف له لا يدفع إلى أحدهما شيئا لجهالة المقر له بالوديعة
ولكل واحد منهما ان يستحلف المودع فان استحلفه كل واحد منهما فالامر لا يخلو اما أن يحلف لكل واحد منهما
واما أن ينكل لكل واحد منهما واما ان يحلف لاحد هما وينكل للآخر فان حلف لهما فقد انقطعت خصومتهما
للحال إلى وقت إقامة البينة كما في سائر الأحكام وهل يملكان الاصطلاح على أخذ الألف بينهما بعد الاستحلاف
فهو على الاختلاف المعروف بين أبي حنيفة وأبى يوسف وبين محمد على قولهما لا يملكان وعلى قول محمد يملكان وهي
مسألة الصلح بعد الحلف وقد مرت في كتاب الصلح وان نكل لهما يقضى بالألف بينهما نصفين ويضمن ألفا أخرى
بينهما فيحصل لكل واحد منهما الف كاملة لان كل واحد منهما يدعى ان كل الألف له فإذا نكل له والنكول بذل أو
اقرار فكأنه بذل لكل واحد منهما ألفا أو أقر لكل واحد منهما فيقضى عليه بينهما بألف ويضمن أيضا ألفا
أخرى تكون بينهما ليحصل لكل واحد منهما ألف كاملة ولو حلف لأحدهما ونكل للاخر قضى بالألف للذي نكل
له ولا شئ للذي حلف له لان النكول حجة من نكل له لا حجة من حلف له ومنها وجوب الأداء إلى المالك لان الله
امر بأداء الأمانات إلى أهلها مالكها حتى لو ردها إلى منزل المالك فجعلها فيه أو دفعها إلى من في عيال المالك
دخلت في ضمانه حتى لو ضاعت يضمن بخلاف العارية فان المستعير لوجاء بمتاع العارية وألقاها في دار المغير أو جاء
بالدابة فأدخلها في إصطبله كان ردا صحيحا لان ظاهر النص الذي تلونا أن لا يصح الا انها صارت مخصوصة عن
عموم الآيات فبقيت الوديعة على ظاهره ولان القياس في الموضعين ما ذكرنا من لزوم الرد إلى المالك الا انا استحسنا في
العارية للعادة الجارية فيها بردها إلى بيت المالك أو بدفعها إلى من في عياله حتى لو كانت العارية شيئا نفيسا كعقد جوهر
ونحو ذلك لا يصح الرد لانعدام جريان العادة بذلك بذلك في الأشياء النفيسة ولم تجربه العادة في مال الوديعة فتبقى على أصل
القياس ولان مبنى الايداع على الستر والاغفاء عادة فان الانسان إنما يودع مال غيره سرا عن الناس لما يتعلق به من
المصلحة فلو رده على غير المالك لا نكشف إذ السر إذا جاوز اثنين يفشو فيفوت المعنى المجعول له الايداع بخلاف
العارية لان مبناها على الا علان والاظهار لأنها شرعت لحاجة المستعير إلى استعمالها في حوائجه ولا يمكنه الاستعمال
سرا عن الناس عادة والرد إلى غير المالك لا يفوت ما شرع له العارية فهو الفرق ومنها انه إذا ضاعت في يد المودع بغير
صنعه لا يضمن لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس على المستعير غير المغل الضمان ولا على المستودع
غير المغل الضمان ولان يده يد المالك فالهلاك في يده كالهلاك في يد المالك وكذلك إذا دخلها نقص لان النقصان هلاك
بعض الوديعة وهلاك الكل لا يوجب الضمان فهلاك البعض أولى ومنها ان المودع مع المودع إذا اختلفا فقال المودع
هلكت أو قال رددتها إليك وقال المالك بل استهلكتها فالقول قول المودع لان المالك يدعى على الأمين أمرا عارضا
وهو التعدي المودع مستصحب لحال الأمانة فكان متمسكا بالأصل فكان القول قوله لكن مع اليمين لان التهمة
قائمة فيستحلف دفعا للتهمة وكذلك إذا قال المودع استهلكت من غير اذني وقال المودع بل استهلكتها أنت أو غيرك
بأمرك أن القول قول المودع لما قلنا ولو قال إنها قد ضاعت ثم قال بعد ذلك بل كنت رددتها إليك لكني أوهمت لم
يصدق وهو ضامن لأنه نفى الرد بدعوى الهلاك ونفى الهلاك بدعوى الرد فصار نافيا ما أثبته مثبتا ما نفاه وهذا تناقض
فلا تسمع منه دعوى الضياع والرد لان المناقض لاقول له ولأنه لما ادعى دعوتين وأكذب نفسه في كل واحدة
منهما فقد ذهبت أمانته فلا يقبل قوله
(فصل) وأما بيان ما يغير حال المعقود عليه من الأمانة إلى الضمان فأنواع منها ترك الحفظ لأنه بالعقد التزم حفظ
الوديعة على وجه لو ترك حفظها حتى هلكت يضمن بدلها وذلك بطريق الكفالة ولهذا لو رأى انسانا يسرق الوديعة
وهو قادر على منعه ضمن لترك الحفظ الملتزم بالعقد وهو معنى قول مشايخنا ان المودع يؤخذ بضمان العقد ومنها ترك
الحفظ للمالك بان خالفه في الوديعة بأن كانت الوديعة ثوبا فلبسه أو دابة فركبها أو عبدا فاستعمله أو أودعها من ليس في
211

عياله ولا هو ممن يحفظ ماله بيده عادة لان الملتزم بالعقد هو الحفظ للمالك فإذا حفظ لنفسه فقد ترك الحفظ للمالك
فدخلت في ضمانه وحكى عن الفقيه أبى جعفر الهندواني انه منع دخول العين في ضمانه في المناظرة حين قدم بخارى
وسئل عن هده المسألة وهذا خلاف اطلاق الكتاب فإنه قال يبرأ عن الضمان والبراءة عن الضمان بعد الدخول في
الضمان تكون وكذلك المودع مع المودع إذا اختلفا فقال المودع هلكت الوديعة أو رددتها إليك وقال المالك
استهلكتها إن كان قبل الخلاف فالقول قول المودع وإن كان بعده فالقول قول المالك ونحو ذلك مما يدل على دخول
الوديعة في ضمانه بالخلاف وان خالف في الوديعة ثم عادا لوفاق يبرأ عن الضمان عند علمائنا الثلاثة وعند زفر والشافعي
لا يبرأ عن الضمان وجه قولهما ان الوديعة لما دخلت في ضمان المودع بالخلاف فقد ارتفع العقد فلا يعود الا بالتحديد ولم
يوجد فصار كما لو جحد الوديعة ثم أقربها وكذلك المستعير والمستأجر إذا خالفا ثم عادا إلى الوفاق لا يبرآن عن الضمان
لما قلنا كذا هذا ولنا انه بعد الخلاف مودع والمودع إذا هلكت الوديعة من غير صنعه لا ضمان عليه كما قبل الخلاف
ودلالة انه بعد الخلاف مودع أن المودع من يحفظ مال غيره له بأمره وهو بعد الخلاف والاشتغال بالحفظ حافظ
مال المالك له بأمره لان الامر تناول ما بعد الخلاف قوله الوديعة دخلت في ضمان المودع فيرتفع العقد قلنا معنى الدخول
في ضمان المودع انه انعقد سبب وجوب الضمان موقوفا وجوبه على وجود شرطه وهو الهلاك في حالة الخلاف لكن
هذا لم يوجب ارتفاع العقد أليس ان من وكل انسانا ببيع عبده بألفي درهم فباعه بألف وسلمه إلى المشترى دخل العبد
في ضمانه لانعقاد سبب وجوب الضمان وهو تسليم مال الغير إلى غيره من غير اذنه ومع ذلك بقي العقد حتى لو أخذه كان له
بيعه بألفين كذا هذا على أنا ان سلمنا ان العقد انفسخ لكن في قدر ما فات من حقه وحكمه وهو الحفظ الملتزم للمالك في
زمان الخلاف لا فيما بقي في المستقبل كما إذا استحفظه باجر كل شهر بكذا وترك الحفظ في بعض الشهر ثم اشتغل به في
الباقي بقي العقد في الباقي يستحق الأجرة بقدره والجامع بينهما أن الارتفاع لضرورة فوات حكم العقد فلا يظهر الا في
قدر الفائت بخلاف الإجارة والإعارة لان الإجارة تمليك المنفعة وهي تمليك منافع مقدرة بالمكان أو الزمان فإذا بلغ
المكان المذكور فقد انتهى العقد لانتهاء حكمه فلا يعود الا بالتجديد وكذا الإعارة لأنها تمليك المنفعة عندنا الا انها تمليك
المنفعة بغير عوض والإجارة تمليك المنفعة بعوض وأما حكم عقد الوديعة فلزوم الحفظ للمالك مطلقا أو شهر أو زمان ما بعد
الخلاف داخل في المطلق والوقت فلا ينقضي بالخلاف بل يتقرر فهو الفرق ومنها جحود الوديعة في وجه المالك عند
طلبه حتى لو قامت البينة على الايداع أو نكل المودع عن اليمين أو أقر به دخلت في ضمانه لأن العقد لما ظهر بالحجة فقد
ظهر ارتفاعه بالجحود أو عنده لان المالك لما طلب منه الوديعة فقد عزله عن الحفظ والمودع لما جحد الوديعة حال
حضرة المالك فقد عزل نفسه عن الحفظ فانفسخ العقد فبقي مال الغير في يده بغير اذنه فيكون مضمونا عليه فإذا هلك تقرر
الضمان ولو جحد الوديعة ثم أقام البينة على هلاكها فهذا لا يخلو من ثلاثة أوجه اما ان أقام البينة على أنها هلكت بعد
الجحود أو قبل الجحود أو مطلقا فان أقام البينة على أنها هلكت بعد الجحود أو مطلقا لا ينتفع ببينته لأن العقد ارتفع
بالجحود أو عنده قد خلت العين في ضمانه والهلاك بعد ذلك يقرر الضمان لا ان يسقطه وان أقام البينة على أنها هلكت
قبل الجحود تسمع بينته ولا ضمان عليه لان الهلاك قبل الجحود لما ثبت بالبينة فقد ظهر انتهاء العقد قبل الجحود فلا
يرتفع بالجحود فظهر ان الوديعة هلكت من غير صنعه فلا يضمن ولو ادعى الهلاك قبل الجحود ولا بينة له وطلب
اليمين من المودع حلفه القاضي بالله تعالى ما يعلم أنها هلكت قبل جحوده لأنه الأصل في باب الاستحلاف أن الذي
يستحلف عليه لو كان أمرا لو أقر به الحالف للزمه فإذا أنكر يستحلف وهنا كذلك لان المالك لو أقر بالهلاك قبل
الجحود لقبل منه ويسقط الضمان عن المودع فإذا أنكر يستحلف لكن على العلم لأنه يستحلف على فعل غيره هذا
إذا جحد حال حضرة المالك فان جحد عند غير المالك حال غيبته قال أبو يوسف لا يضمن وقال زفر رحمة الله يضمن
في الحالين جميعا وجه قول زفر ان ما هو سبب وجوب الضمان لا يخلف بالحضرة والغيبة كسائر الأسباب وجه قول
212

أبى يوسف ان الجحود سبب للضمان من حيث إنه يرفع العقد بالعزل على ما بينا ولا يصح العزل حالة الغيبة فلا يرتفع
العقد ولان الجحود عند غير المالك حال غيبته معدود من باب الحفظ والصيانة عرفا وعادة لان مبنى الايداع على الستر
والاخفاء فكان الجحود عند غير المالك حال غيبته حفظا معنى فكيف يكون سببا لوجوب الضمان ومنها الاتلاف
حقيقة أو معنى وهو اعجاز المالك عن الانتفاع بالوديعة لان اتلاف مال الغير بغير اذنه سبب لوجوب الضمان حتى لو
طلب الوديعة فمنعها المودع مع القدرة على الدفع والتسليم إليه حتى هلكت يضمن لأنه لما حبسها عنه عجز عن الانتفاع بها
للحال فد خلت في ضمانه فإذا هلكت تقرر العجز فيجب الضمان ولو أمر غيره بالاتلاف وادعى انه كان بادن المالك
لا يصدق الا ببينة لان الاتلاف سبب لوجوب الضمان في الأصل قوله كان بإذن المالك دعوى أمر عارض
فلا تقبل الا بحجة وكذلك المودع إذا خلط الوديعة بماله خلطا لا يتميز يضمن لأنه إذا كان لا يتميز فقد عجز المالك من
الانتقاع بالوديعة فكان الخلط منه اتلافا فيضمن ويصير ملكا بالضمان وان مات كان ذلك لجميع الغرماء والمودع
أسوة الغرماء فيه ولو اختلطت بماله بنفسها من غير صنعه لا يضمن وهو شريك لصاحبها أما عدم وجوب الضمان
فلانعدام الاتلاف منه بل تلفت بنفسها لانعدام الفعل من جهته وأما كونه شريكا لصاحبها فلوجود معنى الشركة
وهو اختلاط الملكين ولو أودعه رجلان كل واحد منهما ألف درهم فخلط المودع المالين خلطا لا يتميز فلا سبيل لهما
على أخذ الدراهم ويضمن المودع لكل واحد منهما ألفا ويكون المخلوط له وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف
ومحمد هما بالخياران شاءا اقتسما المخلوط نصفين وان شاءا ضمنا المودع الفين وعلى هذا الخلاف سائر المكيلات
والموزونات إذا خلطا الجنس بالجنس خلطا لا يتميز كالحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والدهن بالدهن وجه قولهما ان
الوديعة قائمة بعينها لكن عجز المالك عن الوصول إليها بعارض الخلط فان شاءا اقتسما لاعتبار جهة القيام وان شاءا ضمنا
لاعتبار جهة العجز وجه قول أبي حنيفة رحمه الله انه لما خلطهما خلطا لا يتميز فقد عجز كل واحد منهما عن الانتفاع
بالمخلوط فكان الخلط منه اتلاف الوديعة عن كل واحد منهما فيضمن ولهذا يثبت اختيار التضمين عند هما واختيار
التضمين لا يثبت الا بوجود الاتلاف دل ان الخلط منه وقع اتلافا ولو أودعه رجل حنطة وأخر شعير فخلطهما فهو
ضامن لكل واحد منهما مثل حقه عند أبي حنيفة لان الخلط اتلاف وعندهما لهما ان يأخذ العين ويبيعاها ويقتسما
الثمن على قيمة الحنطة مخلوطا بالشعير وعلى قيمة الشعير غير مخلوط بالحنطة لان قيمة الحنطة تنقص بخلط الشعير وهو
يستحق الثمن لقيام الحق في العين وهو مستحق العين بخلاف قيمة الشعير لان قيمة الشعير تزداد بالخلط بالحنطة وتلك
الزيادة ملك الغير فلا يستحقها صاحب الشعير ولو أنفق المودع بعض الوديعة ضمن قدر ما انفق ولا يضمن الباقي لأنه لم
يوجد منه الاتلاف قدر ما أنفق ولو رد مثله فخلطه بالباقي يضمن الكل لوجود اتلاف الكل منه النصف بالاتلاف
والنصف الباقي بالخلط لكون الخلط اتلافا على ما بينا ولو أخذ بعض دراهم الوديعة لينفقها فلم ينفقها ثم ردها إلى
موضعها بعد أيام فضاعت لا ضمان عليه عندنا وعند الشافعي رحمه الله يضمن وجه قوله إنه أخذها على وجه التعدي
فيضمن كما لو انتفع بها (ولنا) ان نفس الاخذ ليس باتلاف ونية الاتلاف ليس باتلاف فلا توجب الضمان والأصل
فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله تبارك وتعالى عز شأنه عفا عن أمتي ما حدثت به
أنفسها ما لم يتكلموا أو يفعلوا ظاهر الحديث يقتضى أن يكون ما حدثت به النفس عفوا على العموم الا ما خص بدليل
وعلى هذا الخلاف إذا أودعه كيسا مسدودا فحله المستودع أو صندوقا مقفلا ففتح القفل ولم يأخذ منه شيئا حتى ضاع
أو مات المودع فإن كانت الوديعة قائمة بعينها ترد على صاحبها لان هذا عين ماله ومن وجد عين ماله فهو أحق به على
لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانت لا تعرف بعينها فهي دين في تركته يحاص الغرماء لأنه لما مات مجهلا
للوديعة فقد أتلفها معنى لخروجها من أن تكون منتفعا بها في حق المالك بالتجهيل وهو تفسير الاتلاف ولو قالت الورثة
انها هلكت أوردت على المالك لا يصدقون على ذلك لان الموت مجهلا سبب لوجوب الضمان لكونه اتلافا فكان
213

دعوى الهلاك والرد دعوى أمر عارض فلا يقبل الا بحجة ويحاص المودع الغرماء لأنه دين الاستهلاك على ما ذكرنا
فيساوي دين الصحة والله سبحانه وتعالى أعلم
* (كتاب العارية) *
الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان ركن العارية وفي بيان شرائط الركن وفي بيان حكم العقد وفي بيان
ما يملكه المستعير من التصرف في المستعار ومالا يملكه وفي بيان صفة الحكم وفي بيان حال المستعان وفي بيان
ما يوجب تغير حاله أما ركنها فهو الايجاب من المعير وأما القبول من المستعير فليس بركن عند أصحابنا الثلاثة استحسانا
والقياس أن يكون ركنا وهو قول زفر كما في الهبة حتى أن من حلف لا يعير فلانا فاعاره ولم يقبل يحنث كما إذا حلف لا يهب
فلا نا شيئا فوهبه ولم يقبل وهي مسألة كتاب الهبة والايجاب هو أن يقول أعرتك هذا الشئ أو منحتك هذا الثوب أو
هذا الدار أو أطعمتك هذا الأرض أو هذه الأرض لك طعمة أو أخدمتك هذا العبد أو هذا العبد لك خذمة أو حملتك
على هذه الدابة إذا لم ينوبه الهبة أو داري لك سكنى أو داري لك عمري سكنى أما لفظ الإعارة فصريح في بابها وأما
المنحة فهي اسم للعطية التي ينتفع الانسان بها زمانا ثم يردها على صاحبها وهو معنى العارية قال النبي عليه الصلاة
والسلام المنحة مردودة ومنحة الأرض زراعتها قال النبي عليه الصلاة والسلام ازرعها أو امنحها أخاك وكذا
الاطعام المضاف إلى الأرض هو اطعام منافعها التي تحصل منها بالزراعة من غير عوض عرفا وعادة وهو معنى العارية
وأما اخدام العبد إياه فجعل خدمته بغير عوص وهو تفسير العارية وكذا قوله داري لك سكنى أو عمري سكنى هو
جعل سكنى الدار له من غير عوض وسكنى الدار منفعتها المطلوبة منها عادة فقد أتى بمعنى الإعارة وأما قوله حملتك على
هذه الدابة فإنه يحتمل الإعارة والهبة فأي ذلك نوى فهو على ما نوى لأنه نوى ما يحتمل لفظه وعند الاطلاق ينصرف
إلى العارية لأنها أدنى فكان الحمل عليها أولى ولو قال داري لك رقبى أو حبس فهو عارية عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي
يوسف هبة وقوله رقبى أو حبس باطل وهي مسألة كتاب الهبة
(فصل) وأما الشرائط التي يصير الركن بها إعارة شرعا فأنواع منها العقل فلا تصح الإعارة من المجنون والصبي
الذي لا يعقل وأما البلوغ فليس بشرط عندنا حتى تصح الإعارة من الصبي المأذون لأنها من توابع التجارة وانه يملك
التجارة فيملك ما هومن توابعها وعن الشافعي لا يملك وهي مسألة كتاب المأذون وكذا الحرية ليست بشرط فيملكها
العبد المأذون لأنها من توابع التجارة فيملك بملك ذلك ومنها القبض من المستعير لان الإعارة عقد تبرع فلا يفيد الحكم
بنفسه بدون القبض كالهبة ومنها أن يكون المستعار مما يمكن الانتفاع بدون استهلاكه فإن لم يكن لا تصح اعارته لان
حكم العقد ثبت في المنفعة لا في العين الا إذا كانت ملحقة بالمنفعة على ما نذكره في موضعه
(فصل) وأما بيان حكم العقد فالكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان أصل الحكم والثاني في بيان صفته أما
الأول فهو ملك المنفعة للمستعير بغير عوض أوما هو ملحق بالمنفعة عرفا وعادة عندنا وعند الشافعي إباحة المنفعة حتى
يملك المستعير الإعارة عندنا في الجملة كالمستأجر يملك الإجارة وعنده لا يملكها أصلا كالمباح له الطعام لا يملك
الإباحة من غيره وجه قول الشافعي دلالة الاجماع والمعقول اما الاجماع فلجواز العقد من غير أجل ولو كان تمليك
المنفعة لما جاز من غير أجل كالإجارة وكذا المستعير لا يملك أن يؤجر العارية ولو ثبت الملك له في المنفعة لملك كالمستأجر
وأما المعقول فهو أن القياس يأبى تمليك المنفعة لان بيع المعدوم لانعدام المنفعة حالة العقد والمعدوم لا يحتمل البيع
لأنه بيع ما ليس عند الانسان وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه الا انها جعلت موجودة عند العقد في باب
الإجارة حكما للضرورة ولا ضرورة إلى الإعارة فبقيت المنافع فيها على أصل العدم (ولنا) أن المعير سلطه على تحصيل
المنافع وصرفها إلى نفسه على وجه زالت يده عنها والتسليط على هذا الوجه يكون تمليكا لا إباحة كما في الأعيان وإنما
214

صح من غير أجل لان بيان الأجل للتحرز عن الجهالة المفضية إلى المنازعة والجهالة في باب العارية لا تفضي إلى المنازعة
لأنها عقد جائز غير لازم ولهذا المعنى الا يملك الإجارة لأنها عقد لازم والإعارة عقد غير لازم فلو ملك الإجارة لكان فيه
اثبات صفة اللزوم بما ليس بلازم أو سلب صفة اللزوم عن اللازم وكل ذلك باطل وقوله المنافع منعدمة عند العقد
قلنا نعم لكن هذا لا يمنع جواز العقد كما في الإجارة وهذا لأن العقد الوارد على المنفعة عندنا عقد مضاف إلى حين وجود
المنفعة فلا ينعقد في حق الحكم الا عند وجود المنفعة شيئا فشيئا على حسب حدوثها فلم يكن بيع المعدوم ولا بيع ما ليس
عند الانسان وعلى هذا تخرج إعارة الدراهم والدنانير انها تكون قرضا لا إعارة لان الإعارة لما كانت تمليك المنفعة
أو إباحة المنفعة على اختلاف الأصلين ولا يمكن الانتفاع الا باستهلاكها ولا سبيل إلى ذلك الا بالتصرف في العين
لا في المنفعة ولا يمكن تصحيحا إعارة حقيقية فتصحح قرضا مجاز الوجود معنى الإعارة فيه حتى لو استعار حليا ليتجمل
به صح لأنه يمكن الانتفاع به من غير استهلاك بالتجمل فأمكن العمل بالحقيقة فلا ضرورة إلى الحمل على المجاز وكذا
إعارة كل مالا يمكن الانتفاع به الا باستهلاكه كالمكيلات والموزونات يكون قرضا لا إعارة لما ذكرنا ان محل حكم
الإعارة المنفعة لا بالعين الا إذا كان ملحقا بالمنفعة عرفا وعادة كما إذا منح انسانا شاة أو ناقة لينتفع بلبنها ووبرها مدة ثم
يردها على صاحبها لان ذلك معدود من المنافع عرفا وعادة فكان له حكم المنفعة وقد روى عن النبي عليه الصلاة
والسلام أنه قال هل من أحد يمنح من إبله ناقة أهل بيت لادر لهم وهذا يجرى الترغيب كمن منح منحة ورق أو
منحة لبس كان له بعدل رقبة وكذا لو منح جد يا أو عناقا كان عارية لأنه يعرض أن ينتفع بلبنه وصوفه ويتصل بهذا
الفصل بيان ما يملكه المستعير من التصرف في المستعار ومالا يملكه فنقول وبالله التوفيق جملة الكلام فيه ان عقد الإعارة
لا يخلو من أحد وجهين اما إن كان مطلقا واما إن كان مقيدا فإن كان مطلقا بان أعار دابته انسانا ولم يسم مكانا
ولا زمانا ولا الركوب ولا الحمل فله ان يستعملها في أي مكان وزمان شاء وله ان يركب أو يحمل لان الأصل في المطلق
أن يحرى على اطلاقه وقد ملكه منافع العارية مطلقا فكان له أن يستوفيها على الوجه الذي ملكها الا أنه لا يحمل
عليها ما يعلم أن مثلها لا يطيق بمثل هذا الحمل ولا يستعملها ليلا ونهارا ما لا يستعمل مثلها من الداب لذلك عادة حتى لو
فعل فعطبت يضمن لأن العقد وان خرج مخرج الاطلاق لكن المطلق يتقيد بالعرف والعادة دلالة كما يتقيد
نصا وله أن يعير العارية عندنا سواء كانت العارية مما يتفاوت في استيفاء المنفعة أو لا لأن اطلاق العقد يقتضى
ثبوت الملك للمستعير فكان هو في التمليك من غيره على الوجه الذي ملكه متصرفا في ملك نفسه الا أنه لا يملك
الإجارة لما قلنا فان آجر وسلم إلى المستأجر ضمن لأنه دفع مال الغير إليه بغير اذنه فصار غاصبا فان شاء ضمنه
وان شاء ضمن المستأجر لأنه قبض مال الغير بغير اذنه كالمشترى من الغصب الا أنه إذا ضمن المستعير لا يرجع
بالضمان على المستأجر لأنه ملكه بأداء الضمان فتبين أنه آجر ملك نفسه وان ضمن المستأجر فإن كان عالما
بكونها عارية في يده لا يرجع على المستعير وان لم يكن عالما بذلك يرجع عليه لأنه إذا لم يعلم به فقد صار مغرورا من جهة فلا يرجع
عليه وهل يملك الايداع اختلف المشايخ فيه قال مشايخ العراق يملك وهو قول بعض مشايخنا لأنه يملك الإعارة
فالايداع أولى لأنها دون الإعارة وقال بعضهم لا يملك استدلالا بمسألة مذكورة في الجامع الصغير وهو أن المستعير
إذا رد العارية على يد أجنبي ضمن ومعلوم أن الرد على يده ايداع إياه ولو ملك الايداع لما ضمن وإن كان مقيدا
فيراعى فيه القيد ما أمكن لان أصل اعتبار تصرف العاقل على الوجه الذي تصرف الا إذا لم يمكن اعتباره لعدم
الفائدة ونحو ذلك فلغا الوصف لان ذلك يجرى مجرى العبث ثم إنما يراعى القيد فيما دخل لا فيما لم يدخل
لأن المطلق إذا قيد ببعض الأوصاف يبقي مطلقا فيما وراءه فيراعى عند الاطلاق فيما وراءه بيان هذه الجملة
في مسائل إذا أعار انسانا دابة على أن يركبها المستعير بنفسه ليس له أن يعيرها من غيره وكذلك إذا أعاره ثوبا
215

على أن يلبسه بنفسه لما ذكرنا أن الأصل في المقيد اعتبار القيد فيه الا إذا تعذر اعتباره واعتبار هذا القيد ممكن لأنه
مقيد لتفاوت الناس في استعمال الدواب والثياب ركوبا ولبسا فلزم اعتبار القيد فيه فان فعل حتى هلك ضمن
لأنه خالف وان ركب بنفسه وأردف غيره فعطبت فإن كانت الدابة مما تطيق حملهما جميعا يضمن نصف قيمة
الدابة لأنه لم يخالف الا في قد النصف وإن كانت الدابة مما لا تطيق حملهما ضمن جميع قيمتها لأنه استهلكها ولو أعاره
دارا ليسكنها بنفسه فله يسكنها غيره لان المملوك بالعقد السكنى والناس لا يتفاوتون فيه عادة فلم يكن التقييد بسكناه
مفيدا فيلغو الا إذا كان الذي يسكنها إياه حدادا أو قصارا ونحوهما ممن يوهن عليه البناء فليس له أن يسكنها إياه
ولا أن يعمل بنفسه ذلك لان المعير لا يرضى به عادة والمطلق يتقيد بالعرف والعادة كما في الإجارة ولو أعاره دابة
على أن يحمل عليها عشرة مخاتيم شعير فليس له أن يحمل عليها عشرة مخاتيم حنطة لان الحنطة أثقل من الشعير
فكان اعتبار القيد مفيدا فيعتبر ولو أعارها على أن يحمل عليها عشرة مخاتيم حنطة فله أن يحمل عليها عشرة
مخاتيم شعير أو دخنا أو أرزا أو غير ذلك مما يكون مثل الحنطة أو أخف منها استحسانا والقياس أن لا يكون له ذلك
حنى انها لو عطبت لا يضمن استحسانا والقياس أن يضمن وهو قول زفر لأنه خالف وجواب الاستحسان أن
هذا وإن كان خلافا صورة فليس بخلاف معنى لان المالك يكون راضيا به دلالة فلم يكن التقييد بالحنطة مفيدا
وصار كما لو شرط عليه أن يحمل عليها عشرة مخاتيم من حنطة نفسه فحمل عليها عشرة مخاتيم من حنطة غيره
فإنه لا يكون مخالفا حتى لا يضمن كذا هذا ولو قال على أن يحمل عليها عشرة مخاتيم حنطة ليس له أن يحمل
عليها حطبا أو تبنا أو آجرا أو حديدا أو حجارة سواء كان مثلها في الوزن أو أخف لان ذلك أشق على الدابة أو أخكى
لظهرها أو أعقر ولو فعل حتى عطبت ضمن ولو قال على أن يحمل عليها مائة من قطنا فحمل عليها مثله من الحديد
وزنا فعطبت يضمن لان القطن ينبسط على ظهر الدابة فكان ضرورته أقل من الحديد لأنه يكون في موضع واحد
فكان ضرورة بالدابة أكثر والرضا بأدنى الضررين لا يكون رضابا علاهما فكان التقييد مفيدا فيلزم اعتباره
ولو قال على أن يحمل عليها عشرة مخاتيم حنطة فحمل عليها من الحنطة زيادة على المسمى في القدر فعطبت نظر في ذلك
فإن كانت الزيادة مما لا تطيق الدابة حملها يضمن جميع قيمتها لان حمل مالا تطيق الدابة اتلاف للدابة وإن كانت الدابة
مما تطيق حملها يضمن من قيمتها قدر الزيادة حتى لو قال على أن يحمل عليها عشرة مخاتيم حنطة فحمل عليها أحد عشر
مختوما فعطبت يضمن جزأ من أحد عشر جزأ من قيمتها لأنه لم يتلف منها الا هذا القدر ولو قيدها بالمكان بان قال على أن
تستعملها في مكان كذا في المصر يتقيد به وله ان يستعملها في أي وقت شاء باي شئ شاء لان التقييد لم يوجد الا
بالمكان فبقي مطلقا فيما وراءه لكنه لا يملك ان يجاوز ذلك المكان حتى لو جاوز ذلك المكان حتى لو جاوزه دخل في ضمانه ولو أعادها إلى المكان
المأذون لا يبرأ عن الضمان حتى لو هلكت من قبل التسليم إلى المالك يضمن وهذا قول أبي حنيفة عليه الرحمة الآخر
وكأن يقول أولا يبرأ عن الضمان كالمودع إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق ثم رجع ووجه بين العارية والوديعة قد
ذكرناه في كتاب الوديعة وكذلك لو قيدها بالزمان بان قال على أن يستعملها يوما يبقى مطلقا فيما وراءه لكنه يتقيد بالزمان
حتى لو مضى اليوم ولو يردها على المالك حتى هلكت يضمن لما قلنا وكذلك لو قيدها بالحمل وكذلك لو قيدها بالاستعمال
بان قال على أن يستعملها حتى لو أمسكها ولم يستعملها حتى هلكت يضمن لان الامساك منه خلاف فيوجب الضمان
ولو اختلف المعير أو المستعير في الأيام أو المكان أو فيما يحمل عليها فالقول قول المعير لان المستعير يستفيد ملك الانتفاع
من المعير فكان القول في المقدار والتعيين قوله لكن مع اليمين دفعا للتهمة
(فصل) وأما صفة الحكم فهي ان الملك الثابت للمستعير ملك غير لازم لأنه ملك لا يقابله عوض فلا يكون لازما
كالملك الثابت بالهبة فكان للمعير ان يرحع في العارية سواء أطلق العارية أو وقت لها وقتا وعلى هذا إذا استعار من آخر
أرضا ليبنى عليها أو ليغرس فيها ثم بدا للمالك ان يخرجه فله ذلك سواء كانت العارية مطلقة أو موقتة لما قلنا غير أنها ان
216

كانت مطلقة له ان يجبر المستعير على قلع الغرس ونقض البناء لان في الترك ضررا بالمعير لأنه لا نهاية له وإذا قلع ونقض
لا يضمن المعير شيئا من قيمة الغرس والبناء لأنه لو وجب عليه الضمان لوجب بسبب الغرور ولا غرور من جهته حيث
أطلق العقد ولم يوقت فيه وقتا فأخرجه قبل الوقت بل هو الذي غرر نفسه حيث حمل المطلق على الأبد وإن كانت
موقتة فأخرجه قبل الوقت لم يكن له ان يخرجه ولا يجبر على النقض والقلع والمستعير بالخياران شاء ضمن صاحب
الأرض قيمة غرسه وبنائه قائما سليما وترك ذلك عليه لأنه لما وقت للعارية وقتا ثم أخرجه قبل الوقت فقد غره فصار
كفيلا عنه فيما يلزمه من العهدة إذ ضمان الغرور كفالة فكان له أن يرجع عليه بالضمان ويملك صاحب الأرض البناء
والغرس بأداء الضمان لان هذا حكم المضمونات انها تملك بأداء الضمان وان شاء أخذ غرسه وبناء ولا شئ على
صاحب الأرض ثم إنما يثبت خيار القلع والنقض للمستعير إذا لم يكن القلع أو النقض مضرا بالأرض فإن كان مضرا بها
فالخيار للمالك لان الأرض أصل والبناء والغرس تابع لها فكان المالك صاحب أصل والمستعير صاحب تبع فكان
اثبات الخيار لصاحب الأصل أولى ان شاء أمسك الغرس والبناء بالقيمة وان شاء رضى بالقلع والنقض هذا إذا
استعار أرضا للغرس أو البناء فاما إذا استعار أرضا للزراعة فزرعها ثم أراد صاحب الأرض ان يأخذها لم يكن له
ذلك حتى يحصد الزرع بل يترك في يده إلى وقت الحصاد باجر المثل استحسانا في القياس أن يكون له ذلك كما في البناء
والغرس ووجه الفرق للاستحسان ان النظر من الجانبين ورعاية الحقين واجب عند الامكان وذلك ممكن في الزرع
لان ادراك الزرع له وقت معلوم فيمكن النظر من الجانبين جانب المستعير لاشك فيه وجانب المالك بالترك إلى وقت
الحصاد بالاجر ولا يمكن في الغرس والبناء لأنه ليس لذلك وقت معلوم فكان مراعاة صاحب الأصل أولى وقالوا في
باب الإجارة إذا نقضت المدة والزرع بقل لم يستحصد انه يترك في يد المستأجر إلى وقت الحصاد باجر المثل كما في
العارية لما قلنا بخلاف باب الغصب لان الترك للنظر والغاصب جان فلا يستحق النظر بل يجبر على القلع
(فصل) واما بيان حال المستعار فحاله انه أمانة في يد المستعير في حال الاستعمال بالاجماع فاما في غير حال الاستعمال
فكذلك عندنا وعند الشافعي رحمه الله مضمون واحتج بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان
درعا يوم حنين فقال صفوان اغصبا يا محمد فقال عليه الصلاة والسلام بل عارية مضمونة ولأن العين مضمونة الرد حال
قيامها فكانت مضمونة القيمة حال هلاكها كالمغصوب وهذا لأن العين اسم للصورة والمعنى وبالهلاك ان عجز عن
رد الصورة لم يعجز عن رد المعنى لان قيمة الشئ معناه فيجب عليه رده بمعناه كما في الغصب ولأنه قبض مال الغير
لنفسه فيكون مضمونا عليه كالمقبوض على سوم الشراء (ولنا) انه لم يوجد من المستعير سبب وجوب الضمان فلا
يجب عليه الضمان كالوديعة والإجارة وإنما قلنا ذلك لأن الضمان لا يجب على المرء بدون فعله وفعله الموجود منه ظاهرا
هو العقد والقبض وكل واحد منهما لا يصلح سببا لوجوب الضمان اما العقد فلانه عقد تبرع بالمنفعة تمليكا أو إباحة على
اختلاف الأصلين واما القبض فلوجهين أحدهما ان قبض مال الغير بغير اذنه لا يصلح سببا لوجوب الضمان
فبالاذن أولى وهذا لان قبض مال الغير بغير اذنه هو اثبات اليد على مال الغير وحفظه وصيانته عن الهلاك وهذا
احسان في حق المالك قال الله تبارك وتعالى جل شأنه هل جزاء الاحسان الا الاحسان وقال تبارك وتعالى ما على
المحسنين من سبيل دل ان قبض مال الغير بغير اذنه لا يصلح سببا لوجوب الضمان فمع الاذن أولى الثاني ان القبض
المأذون فيه لا يكون تعديا لأنه لا يفوت يد المالك ولا ضمان الاعلى المتعدى قال الله تبارك وتعالى ولا عدوان الا على
الظالمين بخلاف قبض الغصب وأما الاستدلال بضمان الرد قلنا إن وجب عليه رد العين حال قيامها لم يجب عليه رد
القيمة حال هلاكها وقوله قيمتها معناها قلنا ممنوع وهذا لان القيمة هي الدراهم والدنانير والدراهم والدنانير عين أخرى
لها صورة ومعنى غير العين الأولى فالعجز عن رد أحد العينين لم يوجب رد العين الأخرى وفى باب الغصب لا يجب عليه
ضمان القيمة بهذا الطريق بل بطريق آخر وهو اتلاف المغصوب معنى لما علم وهنا لم يوجد حتى لو وجد يجب الضمان
217

ثم نقول إنما وجب عليه ضمان الرد لأن العقد متى انتهى بانتهاء المدة أو بالطلب بقي العين في يده كالمغصوب والمغصوب
مضمون الرد حال قيامه ومضمون القيمة حال هلاكه وعندنا إذا هلكت في تلك الحالة ضمن واما قوله قبض مال الغير
لنفسه فنعم لكن قبض مال الغير لنفسه بغير اذنه لا يصلح سببا لوجوب الضمان لما ذكرنا فمع الاذن أولى والمقبوض على
سوم الشراء غير مضمون بالقبض بل بالعقد بطريق التعاطي بشرط الخيار الثابت دلالة لما علم ولا حجة له في حديث
صفوان لان الرواية قد اختلفت فقد روى أنه هرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فأمنه وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يريد حنينا فقال هل عند ك شئ من السلاح فقال عارية أو غصبا فقال عليه الصلاة والصلام
عارية فاعاره ولم يذكر فيه الضمان والحادثة حادثة واحدة مرة واحدة فلا يكون الثابت الا إحداهما فتعارضت
الروايتان فسقط الاحتجاج مع ما انه ان ثبت فيحتمل ضمان الرد وبه نقول فلا يحمل على ضمان الغير مع الاحتمال
يؤيد ما قلنا ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال العارية مؤداة
(فصل) وأما بيان ما يوجب تغير حالها فالذي يغير حال المستعار من الأمانة إلى الضمان ما هو المغير حال الوديعة
وهو الاتلاف حقيقة أو معنى بالمنع بعد الطلب أو بعد انقضاء المدة وبترك الحفظ وبالخلاف حتى لو حبس العارية
بعد انقضاء المدة أو بعد الطلب قبل انقضاء المدة يضمن لأنه واجب الرد في هاتين الحالتين لقوله عليه الصلاة
والسلام العارية مؤداة وقوله عليه الصلاة والسلام على اليد ما أخذت حتى ترده ولان حكم العقد انتهى بانقضاء المدة
أو الطلب فصارت العين في يده كالمغصوب والمغصوب مضمون الرد حال قيامه ومضمون القيمة حال هلاكه ولو
رد العارية مع عبده أو ابنه أو بعض من في عياله أو مع عبد المعير أوردها بنفسه إلى منزل المالك وجعلها فيه لا يضمن
استحسانا والقياس أن يضمن كما في الوديعة وقد ذكرنا الفرق بينهما في كتاب الوديعة وكذا إذا ترك الحفظ حتى
ضاعت وكذا إذا خالف الا أن في باب الوديعة إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق يبرأ عن الضمان عند أصحابنا الثلاثة رضي الله عنهم
وهنا لا يبرأ وقد تقدم الفرق كتاب الوديعة ولو تصرف المستعير وادعى ان المالك قد أذن له بذلك وجحد
المالك فالقول قول المالك حتى يقوم للمستعير على ذلك بينة لان التصرف منه سبب لوجوب الضمان في الأصل
فدعوى الاذن منه دعوى أمر عارض فلا تسمع الا بدليل والله سبحانه وتعالى أعلم
* (كتاب الوقف والصدقة) *
أما الوقف فالكلام فيه في مواضع في بيان جواز الوقف وكيفيته وفي بيان شرائط الجواز وفي بيان حكم الوقف الجائز
وما يتصل به (أما) الأول فنقول وبالله التوفيق لا خلاف بين العلماء في جواز الوقف في حق وجوب التصدق
بالفرع ما دام الواقف حيا حتى أن من وقف داره أو أرضه يلزمه التصدق بغلة الدار والأرض ويكون ذلك بمنزلة النذر
بالتصدق بالغلة ولا خلاف أيضا في جوازه في حق زوال ملك الرقبة إذا اتصل به قضاء القاضي أو اضافه إلى ما بعد
الموت بأن قال إذا مت فقد جعلت داري أو أرضى وقفا على كذا أو قال هو وقف في حياتي صدقة بعد وفاتي واختلفوا
في جوازه مزيلا لملك الرقبة إذا لم توجد الإضافة إلى ما بعد الموت ولا اتصل به حكم حاكم قال أبو حنيفة عليه الرحمة
لا يحوز حتى كان للواقف بيع الموقوف وهبته وإذا مات يصير ميراثا لورثته وقال أبو يوسف ومحمد وعامة العلماء رضى
الله تعالى عنهم يجوز حتى لا يباع ولا يوهب ولا يورث ثم في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة لافرق بين ما إذا وقف في حالة
الصحة وبين ما إذا وقف في حالة المرض حتى لا يجوز عنده في الحالين جميعا إذا لم توجد الإضافة ولا حكم الحاكم وروى
الطحاوي عنه انه إذا وقف في حالة المرض جاز عنده ويعتبر من الثلث ويكون بمنزلة الوصية بعد وفاته وأما عند هما
فهو جائز في الصحة والمرض وعلى هذا الخلاف إذا بنى رباطا أو خانا للمجتازين أو سقاية للمسلمين أو جعل أرضه
مقبرة لا تزول رقبة هذه الأشياء عن ملكه عند أبي حنيفة الا إذا أضافه إلى ما بعد الموت أو حكم به حاكم وعندهما
218

يزول بدون ذلك لكن عند أبي يوسف بنفس القول وعند محمد بواسطة التسليم وذلك بسكنى المجتازين في الرباط
والخان وسقاية الناس من السقاية والدفن في المقبرة وأجمعوا على أن من جعل دارة أو أرضه مسجدا يجوز وتزول الرقبة
عن ملكه لكن عزل الطريق وافرازه والاذن للناس بالصلاة فيه والصلاة شرط عند أبي حنيفة ومحمد حتى كان له أن
يرجع قبل ذلك وعند أبي يوسف تزول الرقبة عن ملكه بنفس قوله جعلته مسجدا وليس له أن يرجع عنه على ما نذكره
(وجه) قول العامة الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وعامة الصحابة رضوان الله تعالى
عليهم أجمعين فإنه روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف ووقف سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان
وسيدنا علي وغيرهم رضي الله عنهم وأكثر الصحابة وقفوا ولان الوقف ليس الا إزالة الملك عن الموقوف وجعله لله
تعالى خالصا فأشبه الاعتاق وجعل الأرض أو الدار مسجد أو الدليل عليه أنه يصح مضافا إلى ما بعد الموت فيصح
منجزا وكذا لو اتصل به قضاء القاضي يجوز وغير الجائز لا يحتمل الجواز لقضاء القاضي ولأبي حنيفة عليه الرحمة
ما روى عن عبد الله بن عباس رضى الله انهما أنه قال لما نزلت سورة النساء وفرضت فيها الفرائض قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لاحبس عن فرائض الله تعالى أي لا مال يحبس بعد موت صاحبه عن القسمة بين ورثته والوقف
حبس عن فرائض الله تعالى عز شأنه فكان منفيا شرعا وعن شريح أنه قال جاء محمد ببيع الحبيس وهذا منه رواية
عن النبي عليه الصلاة والسلام انه يجوز بيع الموقوف لان الحبيس هو الموقوف فعيل بمعنى المفعول إذا الوقف حبس
لغة فكان الموقوف محبوسا فيجوز بيعه وبه تبين ان الوقف لا يوجب زوال الرقبة عن ملك الوقف (وأما) وقف
رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما جاز لان المانع من وقوعه حبسا عن فرائض الله عز وجل ودفعه صلى الله عليه وسلم
لم يقع حبسا عن فرائض الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم انا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة (وأما) أوقاف
الصحابة رضي الله عنهم فما كان منها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل انها كانت قبل نزول سورة النساء
فلم تقع حبسا عن فرائض الله تعالى وما كان بعد وفاته عليه الصلاة والسلام فاحتمل أن ورثتهم أمضوها بالإجازة
وهذا هو الظاهر ولا كلام فيه وإنما جاز مضافا إلى ما بعد الموت لأنه لما أضافه إلى ما بعد الموت فقد أخرجه مخرج
الوصية فيجوز كسائر الوصايا لكن جوازه بطريق الوصية لا يدل على جوازه لا بطريق الوصية ألا ترى لو
أوصى بثلث ماله للفقراء جاز ولو تصدق بثلث ماله على الفقراء لا يحوز وأما إذا حكم به حاكم فإنما جاز لان حكمه
صادف محل الاجتهاد وأفضى اجتهاده إليه وقضاء القاضي في موضع الاجتهاد بما إليه اجتهاده جائز كما في
سائر المجتهدات
(فصل) وأما شرائط الجواز فأنواع بعضها يرجع إلى الواقف وبعضها يرجع إلى نفس وبعضها يرجع
الموقوف (أما) الذي يرجع إلى الواقف فأنواع (منها) العقل (ومنها) البلوغ فلا يصح الوقف من الصبي والمجنون
لان الوقف من التصرفات الضارة لكونه إزالة الملك بغير عوض والصبي والمجنون ليسا من أهل التصرفات الضارة
ولهذا لا تصح منهما الهبة والصدقة والاعتاق ونحو ذلك (ومنها) الحرية فلا يملكه العبد لأنه إزالة الملك والعبد ليس
من أهل الملك وسواء كان مأذونا أو محجورا لان هذا ليس من باب التجارة ولا من ضرورات التجارة فلا يملكه
المأذون كما لا يملك الصدقة والهبة والاعتاق (ومنها) أن يخرجه الوقف من يده ويجعل له قيما ويسلمه إليه عند أبي
حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف هذا ليس بشرط واحتج بما روى أن سيدنا عمر رضي الله عنه وقف وكان يتولى أمر
وفقه بنفسه وكان في يده وروى عن سيدنا علي رضي الله عنه انه كان يفعل كذلك ولان هذا إزالة الملك لا إلى حد فلا
يشترط فيه التسليم كالاعتاق واهما أن الوقف اخراج المال عن الملك على وجه الصدقة فلا يصح بدون التسليم كسائر
التصرفات (وأما) وقف سيد نا عمر وسيدنا علي رضي الله عنهما فاحتمل انهما أخرجاه عن أيديهما وسلماه إلى
المتولي بعد ذلك فصح كمن وهب من آخر شيئا أو تصدق أولم يسلم إليه وقت الصدقة والهبة ثم سلم صح التسليم كذا هذا
219

ثم التسليم في الوقف عندهما أن يجعل له قيما ويسلمه إليه وفى المسجد أن يصلى فيه جماعة بأذان وإقامة باذنه كذا ذكر
القاضي في شرح الطحاوي وذكر القدوري رحمه الله في شرحه إذا أذن للناس بالصلاة فيه فصلى واحد كان تسليما
ويزول ملكه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وهل يشترط أن لا يشرط الواقف لنفسه من منافع الوقف شيئا عند أبي
يوسف ليس بشرط وعند محمد شرط (وجه) قول محمد أن هذا اخراج المال إلى الله تعالى وجعله خالصا له وشرط
الانتفاع لنفسه يمنع الاخلاص فيمنع جواز الوقف كما إذا جعل أرضه أو داره مسجدا وشرط من منافع ذلك لنفسه
شيئا وكما لو أعتق عبده وشرط خدمته لنفسه ولأبي يوسف ما روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه انه وقف وشرط في
وقفه لا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف وكان يلي أمر وقفه بنفسه وعن أبي يوسف رحمه الله أن الواقف
إذا شرط لنفسه بيع الوقف وصرف ثمنه إلى ما هو أفضل منه يجوز لان شرط البيع شرط لا ينافيه الوقف ألا ترى
انه يباع باب المسجد إذا خلق وشجر الوقف إذا يبس (ومنها) أن يجعل آخره بجهة لا تنقطع أبدا عند أبي حنيفة
ومحمد فإن لم يذكر ذلك لم يصح عندهما وعند أبي يوسف ذكر هذا ليس بشرط بل يصح وان سمى جهة تنقطع ويكون
بعدها للفقراء وان لم يسمهم (وجه) قول أبى يوسف انه ثبت الوقف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن
الصحابة ولم يثبت عنهم هذا الشرط ذكر أو تسمية ولان قصد الواقف أن يكون آخره للفقراء وان لم يسمهم هو
الظاهر من حاله فكان تسمية هذا الشرط ثابتا دلالة والثابت دلالة كالثابت نصا ولهما ان التأبيد شرط جواز الوقف
لما نذكر وتسمية جهة تنقطع توقيت له معنى فيمنع الجواز (وأما) الذي يرجع إلى نفس الوقف فهو التأييد وهو أن
يكون مؤبدا حتى لو وقت لم يجز لأنه إزالة الملك لا إلى حد فلا تحتمل التوقيت كالاعتاق وجعل الدار مسجدا
* (فصل) * وأما الذي يرجع إلى الموقوف فأنواع (منها) أن يكون مما لا ينقل ولا يحول كالعقار ونحوه فلا يجوز
وقف المنقول مقصودا لما ذكرنا ان التأبيد شرط جوازه ووقف المنقول لا يتأبد لكونه على شرف الهلاك فلا يجوز
وقفه مقصودا الا إذا كان تبعا للعقار بأن وقف ضيعة ببقرها وأكرتها وهم عبيدة فيجوز كذا قاله أبو يوسف وجوازه
تبعا لغيره لا يدل على جوازه مقصودا كبيع الشرب ومسيل الماء والطريق انه لا يجوز مقصود أو يجوز تبعا للأرض
الدار وإن كان شيئا جرت العادة بوقفه كوقف المر والقدوم لحفر القبور ووقف المرجل لتسخين الماء ووقف الجنازة
وثيابها ولو وقف أشجارا قائمة فالقياس أن لا يجوز لأنه وقف المنقول وفى الاستحسان يجوز لتعامل الناس ذلك وما
رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ولا يجوز وقف الكراع والسلاح في سبيل الله تعالى عند أبي حنيفة لأنه
منقول وما جرت العادة به وعند أبي يوسف ومحمد يجوز ويجوز عندهما بيع ما هرم منهما أوصار بحال لا ينتفع به فيباع
ويرد ثمنه في مثله كأنهما تركا القياس في الكراع والسلاح بالنص وهو ما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال
أما خالد فقد احتبس أكراعا وأفراسا في سبيل الله تعالى ولا حجة لهما في الحديث لأنه ليس فيه انه وقف ذلك فاحتمل
قوله حبسه أي أمسكه للجهاد لا للتجارة (وأما) وقف الكتب فلا يجوز على أصل أبي حنيفة (وأما) على قولهما
فقد اختلف المشايخ فيه وحكى عن نصر بن يحيى أنه وقف كتبه على الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة (ومنها) أن
يكون الموقوف مقسوما عند محمد فلا يجوز وقف المشاع وعند أبي يوسف هذا ليس بشرط ويجوز مقسوما كان أو
مشاعا لان التسليم شرط الجواز عند محمد والشيوع يخل بالقبض والتسليم وعند أبي يوسف التسليم ليس بشرط أصلا
فلا يكون الخلل فيه مانعا وقد روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه انه ملك مائة سهم بخيبر فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم احبس أصلها فدل على أن الشيوع لا يمنع صحة الوقف وجواب محمد رحمه الله يحتمل انه وقف مائة سهم قبل
القسمة ويحتمل انه بعدها فلا يكون حجة مع الشك والاحتمال على أنه ان ثبت أن الوقف كان قبل القسمة فيحمل انه
وفقها شائعا ثم قسم وسلم وقد روى أنه فعل كذلك وذلك جائز كما لو وهب مشاعا ثم قسم وسلم
* (فصل) * وأما حكم الوقف الجائز وما يتصل به فالوقف إذا جاز على اختلاف العلماء في ذلك فحكمه أن يزول
220

الموقوف عن ملك الواقف ولا يدخل في ملك الموقوف عليه لكنه ينتقع بغلته بالتصدق عليه لان الوقف حبس
الأصل وتصدق بالفرع والحبس لا يوجب ملك المحبوس كالرهن والواجب أن يبدأ بصرف الفرع إلى مصالح
الوقف من عمارته واصلاح ما وهي من بنائه وسائر مؤناته التي لابد منها سواء شرط ذلك الواقف أولم يشرط لان
الوقف صدقة جارية في سبيل الله تعالى ولا تجرى ولا بهذا الطريق ولو وقف داره على سكنى ولده فالعمارة على من
له السكنى لان المنفعة له فكانت المؤنة عليه لقوله عليه الصلاة والسلام الخراج بالضمان كالعبد الموصى بخدمته ان نفقته
على الموصى له بالخدمة لما كذا هذا فان امتنع من العمارة ولم يقدر عليها بأن كان فقيرا آجرها القاضي وعمرها
بالأجرة لان استبقاء الوقف واجب ولا يبغي الا بالعمارة فإذا امتنع عن ذلك أو عجز عنه ناب القاضي منابه في استبقائه بالإجارة كالعبد والدابة إذا امتنع صاحبها عن الانفاق عليها أنفق القاضي عليها بالإجارة كذا هذا وما انهدم من بناء
الوقف وآلته صرفه الحاكم في عمارة الوقف ان احتاج إليه وان استغنى عنه أمسكه إلى وقت الحاجة إلى عمارته فيصرفه
فيها ولا يجوز أن يصرفه إلى مستحقي الوقف لان حقهم في المنفعة والغلة لافى العين بل هي حق الله تعالى على الخلوص
ولو جعل داره مسجدا فحرب جوار المسجد أو استغنى عنه لا يعود إلى ملكه ويكون مسجدا أبدا عند أبي يوسف
وعند محمد يعود إلى ملكه (وجه) قول محمد انه أزال ملكه بوجه مخصوص وهو التقرب إلى الله تعالى بمكان يصلى فيه
الناس فإذا استغنى عنه فقد فات غرضه منه فيعود إلى ملكه كما لو كفن ميتا ثم أكله سبع وبقى الكفن يعود إلى ملكه
كذا هذا ولأبي يوسف انه لما جعله مسجدا فقد حرره وجعله خالصا لله تعالى على الاطلاق وصح ذلك فلا يحتمل
العود إلى ملكه كالاعتاق بخلاف تكفين الميت لأنه ما حرر الكفن وإنما دفع حاجة الميت به وهو ستر عورته وقد
استغنى عنه فيعود ملكا له وقوله أزال ملكه بوجه وقع الاستغناء عنه قلنا ممنوع فان المجتازين يصلون فيه وكذا
احتمال عود العمارة قائم وجهة القربة قد صحت بيقين فلا تبطل باحتمال عدم حصول المقصود ولو وقف دارا أو أرضا
على مسجد معين قال بعضهم هو على الاختلاف على قول أبى يوسف يجوز وعلى قول محمد لا يجوز بناء على أن
المسجد عند أبي يوسف لا يصير ميراثا بالخراب وعند محمد يصير ميراثا وقال أبو بكر الأعمش ينبغي أن يجوز بالاتفاق
وقال أبو بكر الإسكاف ينبغي أن لا يجوز بالاتفاق
(فصل) وأما الصدقة إذا قال داري هذا في المساكين صدقة تصدق بثمنها وان تصدق بعينها جاز لان الناذر
بالنذر يتقرب إلى الله تعالى بالمنذور به ومعنى القربة يحصل بالتصدق بثمن الدار وبل أولى ولو تصدق بعين الدار جاز
لأنه أدى المنصوص عليه ولو قال داري هذه صدقة موقوفة على المساكين تصدق بالسكنى والغلة عند أبي حنيفة لان
المنذور به صدقة موقوفة والوقف حبس الأصل وتصدق بالفرع ولو قال مالي في المساكين صدقة تصدق بكل مال
تجب فيه الزكاة استحسانا والقياس أن يتصدق بالكل لان اسم المال ينطلق على الكل (وجه) الاستحسان أن
ايجاب العبد معتبر بايجاب الله تعالى ثم إنجاب الصدقة المتعلقة باسم الله من الله تعالى في قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة
ونحو ذلك نصرف إلى بعض الأموال دون الكل فكذا ايجاب العبد ولو قال ما أملكه فهو صدقة تصدق بجميع ماله
ويقال له أمسك قد ما تنفقه على نفسك وعيالك إلى أن تكتسب مالا فإذا اكتسب مالا تصدقت بمثل ما أمسكت
لنفسك لأنه أضاف الصدقة إلى المملوك وجميع ماله مملوك له فيتصدق بالجميع الا انه يقال له امسك قدر النفقة لأنه
لو تصدق بالكل على غيره لاحتاج إلى أن يتصدق غيره عليه وقد قال عليه الصلاة والسلام ابدأ بنفسك ثم بمن تعول
والله عز وجل أعلم
* (كتاب الدعوى) *
الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان ركن الدعوى وفي بيان شرائط الركن وفي بيان حد المدعى
221

والمدعى عليه وفي بيان حكم الدعوى وما يتصل به وفي بيان حجة المدعى والمدعى عليه وفي بيان علائق اليمين وفي بيان ما تندفع به الخصومة عن المدعى عليه ويخرج عن كونه خصما وفي بيان حكم تعارض الدعوتين مع تعارض
البينتين وحكم تعارض الدعوى لاغير وفي بيان حكم الملك والحق الثابت في المحل (أما) ركن الدعوى فهو قول
الرجل لي على فلان أو قبل فلان كذا أو قضيت حق فلان أو أبرأني عن حقه ونحو ذلك فإذا قال ذلك فقد تم الركن
(فصل) وأما الشرائط المصححة للدعوى فأنواع منها عقل المدعى والمدعى عليه فلا تصح دعوى المجنون
والصبي الذي لا يعقل وكذا لا تصح الدعوى عليهما حتى لا يلزم الجواب ولا تسمع البينة لأنهما مبنيان على الدعوى
الصحيحة ومنها أن يكون المدعى معلوما لتعذر الشهادة والقضاء بالمجهول والعلم بالمدعى إنما يحصل بأحد أمرين اما
الإشارة واما التسمية وجملة الكلام فيه ان المدعى لا يخلو اما أن يكون عينا واما أن يكون دينا فإن كان عينا فلا يخلو
اما إن كان محتملا للنقل أولم يكن محتملا للنقل فإن كان محتملا للنقل فلابد من احضاره لتمكن الإشارة إليه عند
الدعوى والشهادة فيصير معلوما بها الا إذا تعذر نقله كحجر الرحى ونحوه فان شاء القاضي استحضره وان شاء بعث
إليه أمينا وان لم يكن محتملا للنقل وهو العقار فلابد من بيان حده ليكون معلوما لان العقار لا يصير معلوما الا بالتحديد
ثم لا خلاف في أنه لا يكتفي فيه بذكر حد واحد وكذا بذكر حدين عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف وهل
تقع الكفاية بذكر ثلاثة حدود قال علماؤنا الثلاثة رضي الله عنهم نعم وقال زفر رضي الله عنه لاوهى مسألة كتاب
الشروط وكذا لابد من بيان موضع المحدود وبلده ليصير معلوما هذا إذا كان المدعي عينا فإن كان دينا فلا بد من بيان
جنسه ونوعه وقدره وصفته لان الدين لا يصير معلوما الا ببيان هذه الأشياء ومنها ان يذكر المدعى في دعوى العقار انه
في يد المدعى عليه لان الدعوى لا بد وأن تكون على خصم والمدعى عليه إنما يصير خصما إذا كان بيده فلابد وان يذكر
انه في يده ليصير خصما فإذا ذكر وأنكر المدعى عليه ولا بينة للمدعى فإنه يحلف من غير الحاجة إلى إقامة البينة من المدعى
على أنه في يد المدعى عليه ولو كان له بينة لا تسمع حتى يقيم البينة على أنه في يد هذا المدعى عليه ووجه الفرق ان من الجائز
أن يكون صاحب اليد غيره واصطلحا على ذلك فلو سمع القاضي بينته لكان قضاء على الغائب وهذا المعنى هنا متعذر
لأنه لا قضاء هنا أصلا لان المدعى عليه لا يخلوا ما ان يحلف واما ان ينكل فان حلف فالامر فيه ظاهر وان نكل
فكذا لان القاضي لا يقضى بشئ وإنما يأمره بأن يخرج من الدار ويخلى بينها وبين المدعى ومنها ان يذكرانه يطالبه به
لان حق الانسان إنما يجب ايفاؤه بطلبه ومنها أن يكون بلسانه عينا إذا لم يكن به عذر الا إذا رضى المدعى عليه بلسان
غيره عند أبي حنيفة وعندهما ليس بشرط حتى لو وكل المدعى بالخصومة من غير عذر ولم يرض به المدعى عليه لا تصح
دعواه عنده حتى لا يلزم الجواب ولا تسمع منه البينة وعندهما تصح حتى يلزم وتسمع لما علم في كتاب الوكالة ومنها
مجلس الحكم فلا تسمع الدعوى الا بين يدي القاضي كما لا تسمع الشهادة الا بين يديه ومنها حضرة الخصم فلا تسمع
الدعوى والبينة الاعلى خصم حاضر الا إذا التمس المدعى بذلك كتابا حكميا لقضاء به فيجيبه القاضي إليه فيكتب إلى
القاضي الذي الغائب في بلده بما سمعه من الدعوى والشهادة ليقضى عليه وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله
حضرة المدعى عليه ليست بشرط لسماع الدعوى والبينة والقضاء فيجوز القضاء على الغائب عنده وعندنا لا يجوز
وجه قول الشافعي رحمه الله انه ظهر صدق المدعى في دعواه على الغائب بالبينة فيجوز القضاء ببينته قياسا على الحاضر
ودلالة الوصف أن دعوى المدعى وإن كان خبرا يحتمل الصدق والكذب لكن يرجح جانب صدقه على جانب
الكذب في خبره بالبينة فيظهر صدقه في دعواه كما إذا كان المدعى عليه حاضرا يحققه أن المدعى لا يخلوا ما أن يكون
مقرا واما أن يكون منكرا فإن كان مقرا فكان المدعى صادقا في دعواه فلا حاجة إلى القضاء وإن كان منكرا
فظهر صدقه بالبينة فكان القضاء بالبينة قضاء بحجة مظهرة للحق فجاز (ولنا) ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال لسيدنا علي رضي الله عنه لا تقض لاحد الخصمين ما لم تسمع كلام الآخر نهاه عليه الصلاة والسلام عن القضاء
222

لاحد الخصمين قبل سماع كلام الآخر والقضاء بالحق للمدعى حال غيبة المدعى عليه قضاء لاحد الخصمين قبل سماع
كلام الآخر فكان منهيا عنه ولان القاضي مأمور بالقضاء بالحق قال الله تبارك وتعالى جل شأنه يا داود ان جعلناك
خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق وقال عليه الصلاة والسلام لعمرو بن العاص اقض بين هذين قال أقضى
وأنت حاضر بينا فقال عليه الصلاة والسلام اقض بينهما بالحق والحق اسم للكائن الثابت ولا ثبوت مع احتمال
العدم واحتمال العدم ثابت في البينة لاحتمال الكذب فلم يكن الحكم بالبينة حكما بالحق فكان ينبغي أن لا يجوز الحكم
بها أصلا الا انها جعلت حجة لضرورة فصل الخصومات والمنازعات ولم يظهر حالة الغيبة وقد خرج الجواب عن
كلامه ثم إنما لا يحوز القضاء عندنا على الغائب إذا لم يكن عنه خصم حاضر فإن كان يجوز لأنه يكون قضاء على الحاضر
حقيقة ومعنى والخصم الحاضر الوكيل والوصي والوارث ومن كان بينه وبين الغائب اتصال فيما وقع فيه الدعوى لان
الوكيل والوصي نائبان عنه بصريح النيابة والوارث نائب عنه شرعا وحضرة النائب كحضرة المنوب عنه فلا يكون
قضاء على الغائب معنى وكذا إذا كان بين الحاضر والغائب اتصال فيما وقع فيه الدعوى بأن كان ذلك سببا لثبوت
حق الغائب لان الحاضر يصير مدعى عليه فيما هو حقه ومن ضرورة ثبوت حقه ثبوت حق الغائب فكان الكل حق
الحاضر لان كل ما كان من ضرورات الشئ كان ملحقا به فيكون قضاء على الحاضر حتى أن من ادعى على آخر انه
أخوه ولم يدع ميراثا ولا نفقة لا تسمع دعواه لأنه دعوى على الغائب لأنه يريد اثبات نسبه من أب المدعى عليه وأمه
وهما غائبان وليس عنهما خصم حاضر لأنه لم توجد الإنابة ولاحق يقضى به على الوارث ليكون ثبوت النسب من
الغائب من ضروراته تبعا له فلا تسمع دعواه أصلا ولو ادعى عليه ميراثا أو نفقة عند الحاجة تسمع دعواه وتقبل بينته
لأنه دعوى حق مستحق على الحاضر وهو المال ولا يمكنه اثباته الا باثبات نسبه من الغائب فينصب خصما عن
الغائب ضرورة ثبوت الحق المستحق تبعا له ولهذا لو أقر بالنسب من غير دعوى المال لا يصح اقراره بخلاف ما لو ادعى
على رجل انه أبوه أو ابنه انه يصح من غير دعوى المال الحاضر لأنه ليس فيه حمل نسب الغير على الغير فكان دعوى على
الحاضر ألا ترى انه لو أقر به يصح اقراره بخلاف الاقرار بالاخوة وعلى هذا تخرج المسائل المخمسة وتوابعها على
ما نذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى ومنها عدم التناقض في الدعوى وهو أن لا يسبق منه ما يناقض دعواه لاستحالة
وجود الشئ مع ما يناقضه وينافيه حتى لو أقر بعين في يده لرجل فامر القاضي بدفعها إليه ثم ادعى انه كان اشتراها منه
قبل ذلك لا تسمع دعواه لان اقراره بالملك لغيره للحال يمنع الشراء منه قبل ذلك لأن الشراء يوجب الملك للمشترى فكان
مناقضا للاقرار والاقرار يناقضه فلا يصح وكذا لو لم يقر ونكل عن اليمين فقضى عليه بنكوله ثم ادعى انه كان اشتراه
منه قبل ذلك لا تسمع دعواه ولا تقبل بينته في ظاهر الرواية لان النكول بمنزلة الاقرار وروى عن أبي يوسف أنه
تسمع دعواه وتقبل بينته هذا إذا ادعى انه اشتراه منه قبل الاقرار والنكول فاما إذا ادعى انه اشتراه منه بعد ذلك
تسمع دعواه بلا خلاف لان الاقرار بالملك لفلان لا يمنع الشراء منه بعد ذلك لانعدام التناقض لاختلاف الزمان
ولو قال هذا لفلان اشتريته منه تسمع منه موصولا قال دلك أو مفصولا لأنه لم يسبق منه ما يناقض الدعوى بل سبق
منه ما يقررها لان سابقة الملك لفلان شرط تحقق الشراء منه ولو قال هذا العبد لفلان اشتريته منه موصولا فالقياس
أن لا تصح دعواه وفى الاستحسان تصح ولو قال ذلك مفصولا لا تصح قياسا واستحسانا وجه القياس أن قوله هو
لفلان اقرار منه بكونه ملكا لفلان في الحال فهذا يناقض دعوى الشراء لأن الشراء يوجب كونه ملكا للمشترى فلا يصح
كما إذا قال مفصولا وجه الاستحسان أن قوله هو لفلان اشتريته منه موصولا معناه في متعارف الناس وعاداتهم انه
كان لفلان فاشتريته منه قال الله عز وجل واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض أي إذ كنتم قليلا إذ لم يكونوا
قليلا وقت نزول الآية الشريفة فيحمل عليه تصحيحا له ولإعادة جرت في المفصول فحمل على حقيقته وهو
بحقيقته مناقضة فلا تسمع هذا إذا بين انه اشتراه قبل الاقرار فان بين انه اشتراه بعده تسمع دعواه لانعدام التناقض
223

على ما بينا وكذلك لو لم يبين وادعى الشراء مبهما بثمن معلوم تسمع لأنه لما لم يذكر الوقت يحمل على الحال تصحيحا له هذا
إذا قال هذا الشئ لفلان ولو يقل لا حق لي فيه فان قال لا حق لي فيه ثم ادعى الشراء بعد ذلك لا تسمع دعواه لان قوله
لاحق لي فيه لتأكيد البراءة الا إذا تبين أنه اشتراه بعد الاقرار فتسمع لما قلنا ولو ادعى على رجل دينا فقال المدعى عليه لم
يكن لك على شئ قط فأقام المدعى البينة وقضى القاضي بذلك ثم أقام المدعى عليه البينة أنه كان قد قضاه إياه تسمع دعواه
وتقبل بينته لجواز أنه لم يكن عليه شئ وإنما قضاه إياه لدفع الدعوى الباطلة ولو قال لم يكن لك على شئ ولا أعرفك
فأقام المدعى البينة وقضى القاضي ببينته ثم أقام المدعى عليه البينة أنه كان قضاه لا تسمع دعواه ولا تقبل بينته لان قوله
لا أعرفك يناقض دعوى القضاء لأن الظاهر أنه لا يقضى الابعد معرفته إياه فكان في دعوى القضاء مناقضا فلا
تسمع ولو ادعى على رجل أنه اشترى منه عبدا بعينه والعبد في يد البائع فأنكر البائع البيع فأقام المشترى البينة وقضى
القاضي به ثم وجد به عيبا فأراد أن يرده على البائع فأقام البائع البينة على أن المشترى كان أبرأه عن كل عيب لم تسمع دعواه
ولا تقبل بينته لان انكار البيع يناقض دعوى الابراء عن العيب لان الابراء يقتضى وجود البيع فكان مناقضا
في دعوى الابراء فلا تسمع وعلى هذا مسائل والأصل في هذا الباب أنه إذا سبق من المدعى ما يناقض دعواه
يمنع صحة الدعوى الا في النسب والعتق فان التناقض فيهما غير معتبر بان قال المجهول النسب هو ابني من الزنا ثم قال هو
ابني من النكاح تسمع دعواه وكذا مجهول النسب إذا أقر بالرق لرجل ثم ادعى انه حر الأصل تسمع دعواه حتى
تقبل بينته لان بيان النسب مبنى على أمر خفى وهو العلوق منه إذ هو مما يغلب خفاؤه على الناس فالتناقض في مثله
غير معتبر كما إذ اختلعت امرأة زوجها على مال ثم ادعت انه كان طلقها ثلاثا قبل الخلع وأقامت البينة على ذلك
تسمع دعواها وتقبل بينتها لما قلنا كذا هذا وكذا الرق والحرية ومنها أن يكون المدعى مما يحتمل للثبوت لان
دعوى ما يستحيل وجوده حقيقة أو عادة تكون دعوى كاذبة حتى لو قال لمن لا يولد مثله لمثله هذا ابني لا تسمع
دعواه لاستحالة أن يكون الأكبر سنا ابنا لمن هو أصغر سنا منه وكذا إذا قال لمعروف النسب من الغير هذا ابني
والله تعالى أعلم
(فصل) وأما بيان حد المدعى والمدعى عليه فقد اختلف عبارات المشايخ في تحديد هما قال بعضهم المدعى
من إذا ترك الخصومة لا يجبر عليها والمدعى عليه من إذا ترك الجواب يجبر عليه وقال بعضهم المدعى من يلتمس قبل
غيره لنفسه عينا أو دينا أو حقا والمدعى عليه من يدفع ذلك عن نفسه وقال بعضهم ينظر إلى المتخاصمين أيهما كان
منكرا فالآخر يكون مدعيا وقال بعضهم المدعى من يخبر عما في يد غيره لنفسه والمدعى عليه من يخبر عما في يد نفسه
لنفسه فينفصلان بذلك عن الشاهد والمقر والشاهد من يخبر عما في يد غيره لغيره والمقر من يخبر عما في يد نفسه لغيره
(فصل) وأما بيان حكم الدعوى وما يتصل به فحكمها وجوب الجواب على المدعى عليه لان قطع الخصومة
والمنازعة واجب ولا يمكن القطع الا بالجواب فكان واجبا وهل يسأله القاضي الجواب قبل طلب المدعى ذكر في
أدب القاضي انه يسأله وذكر في الزيادات أنه لا يسأله ما لم يقل المدعي أسأله عن دعوى وعلى هذا إذا تقدم الخصمان
إلى القاضي هل يسأل المدعى عن دعواه في أدب القاضي انه يسأله وفي الزيادات أنه لا يسأله ويعرف ذلك في كتاب
أدب القاضي وسيأتي وإذا وجب الجواب على المدعى عليه فاما ان أقرأ وسكت أو أنكر فان أقر يؤمر بالدفع إلى
المدعى لظهور صدق عواه وان أنكر فإن كان للمدعى بينة أقامها ولو قال لا بينة لي ثم جاء بالبينة هل تقبل روى
الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انها تقبل وعن محمد انها لا تقبل وجه قول محمد أن قوله بينة لي اقرار على نفسه
والانسان لا يتهم في اقراره على نفسه فالاتيان بالبينة بعد ذلك رجوع عما أقربه فلا يصح وجه رواية الحسن عن
حنيفة ان من الجائز أن تكون له بينة لم يعملها المدعى بان أقر المدعى عليه بين يدي هؤلاء وهو لا يعلم به ثم على بعد ذلك بها
فأمكن التوفيق فلا يكون الا بيان بالبينة بعد ذلك رجوعا فتقبل وان لم يكن له بينة وطلب يمين المدعى عليه يحلف فيما
224

يحتمل التحليف فان سكت عن الجواب يأتي حكمه إن شاء الله تعالى في الفصل الذي يليه
(فصل) وأما حجة المدعى والمدعى عليه فالبينة حجة المدعى واليمين حجة المدعى عليه لقوله عليه الصلاة
والسلام البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه جعل عليه الصلاة والسلام البينة حجة المدعى واليمين حجة المدعى
عليه والمعقول كذلك لان المدعى يدعى أمرا خفيا فيحتاج إلى اظهاره وللبينة قوة الاظهار لأنها كلام من ليس
بخصم فجعلت حجة المدعى واليمين وإن كانت مؤكدة بذكر اسم الله عز وجل لكنها كلام الخصم فلا تصلح حجة
مظهرة للحق وتصلح حجة المدعى عليه لأنه متمسك بالظاهر وهو ظاهر اليد فحاجته إلى استمرار حكم الظاهر
واليمين وإن كانت كلام الخصم فهي كاف للاستمرار فكان جعل البينة حجة المدعى وجعل اليمين حجة المدعى
عليه وضع الشئ في موضعة وهو حد الحكمة وعلى هذا يخرج القضاء بشاهد واحد ويمين من المدعى انه لا يجوز عندنا
خلافا للشافعي رحمه الله احتج لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قضى بشاهد ويمين ولان الشهادة إنما
كانت حجة المدعى لكونها مرجحة جنسية الصدق على جنسية الكذب في دعواها الرجحان فكما يقع بالشهادة يقع
باليمين فكانت اليمين في كونها حجة مثل البينة فكان ينبغي ان يكتفى بها الا انه ضم إليها الشهادة نفيا للتهمة (ولنا) الحديث
المشهور والمعقول ووجه الاستدلال به من وجهين أحدهما ان النبي عليه الصلاة والسلام أوجب اليمين على المدعى
عليه ولو جعلت حجة المدعى لا تبقى واجبة على المدعى عليه وهو خلاف النص والثاني انه عليه الصلاة والسلام جعل
كل جنس اليمين حجة المدعى عليه لأنه عليه الصلاة والسلام ذكر اليمين بلام التعريف فيقتضى استغراق كل الجنس
فلو جعلت حجة المدعى لا يكون كل جنس اليمين حجة المدعى عليه بل يكون من الايمان ما ليس بحجة له وهو يمين المدعى
وهذا خلاف النص وأما الحديث فقد طعن فيه يحيى بن معين وقال لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القضاء
بشاهد ويمين وكذا روى عن الزهري لما سئل عن اليمين مع الشاهد فقال بدعة وأول من قضى بهما معاوية رضي الله عنه
وكذا ذكر ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أنه قال كان القضاء الأول ان لا يقبل الا شاهد ان وأول من قضى
باليمين مع الشاهد عبد الملك بن مروان مع ما انه ورد مورد الآحاد ومخالفا للمشهور فلا يقبل وان ثبت انه قضى بشاهد
ويمين اما ليس فيه انه فيه قضى وقد روى عن بعض الصحابة انه قضى بشاهد ويمين في الأمان وعندنا يجوز القضاء
في بعض أحكام الأمان بشاهد واحد إذا كان عد لابان شهد انه أمن هذا الكافر تقبل شهادته حتى لا يقتل لكن
يسترق واليمين من باب ما يحتاط فيه فحمل على هذا توفيقا بين الدلائل صيانة لها عن التناقض وبهذا يتبين بطلان
مذهب الشافعي رحمه الله في رده اليمين إلى المدعى عند نكول المدعى عليه لان النبي عليه الصلاة والسلام ما جعل
اليمين حجة الا في جانب المدعى عليه فالرد إلى المدعى يكون وضع الشئ في غير موضعه وهذا حد الظلم وعلى هذا
يخرج مسألة الخارج مع ذي اليد إذا أقاما البينة أنه لا تقبل بينة ذي اليد لأنها جعلت حجة للمدعى وذو اليد ليس بمدع
بل هو مدعى عليه فلا تكون البينة حجة له فالتحقت بينته بالعدم فخلت بينة المدعى عن المعارض فيعمل بها وقد تخرج
المسألة على أصل آخر نذكره في موضعه إن شاء الله وإذا عرفت ان البينة حجة المدعى واليمين حجة المدعى عليه فلا بد من
معرفة علائقهما وعلائق البينة قد مر ذكرها في كتاب الشهادات ونذكر هنا علائق ليمين فنقول وبالله التوفيق الكلام
في اليمين في مواضع في بيان ان اليمين واحبة وفي بيان شرائط الوجوب وفي بيان الوجوب وفي بيان كيفية الوجوب
وفي بيان حكم أدائه وفي بيان حكم الامتناع عن تحصيل الواجب أما دليل الوجوب فالحديث المشهور وهو قوله عليه
الصلاة والسلام البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه وعلى كلمة ايجاب وأما شرائط الوجوب فأنواع منها الانكار
لأنها وجبت للحاجة إلى دفع التهمة وهي تهمة الكذب في الانكار فإذا كان مقرا لا حاجة لان الانسان لا يهتم في
الاقرار على نفسه ثم الانكار نوعان نص ودلالة أما النص فهو صريح الانكار وأما الدلالة فهو السكوت عن جواب
المدعى من غير آفة لان الدعوى أوجبت الجواب عليه والجواب نوعان اقرار وانكار فلابد من حمل السكوت على
225

أحدهما والحمل على الانكار أولى لان العاقل المتدين لا يسكت عن الظهار الحق المستحق لغيره مع قدرته عليه وقد
يسكت عن اظهار الحق لنفسه مع قدرته عليه فكان حمل السكوت على الانكار أولى فكان السكوت انكار ادلالة ولو لم
يسكت المدعى عليه ولم يقر ولكنه قال لا أقر ولا أنكر وأصر على ذلك اختلف المشايخ فيه قال بعضهم هذا انكار
وقال بعضهم هذا اقرار والأول أشبه لان قوله لا أنكر اخبار عن السكوت عن الجواب والسكوت انكار على ما مر
ومنها الطلب من المدعى لأنها وجبت على المدعى عليه حقا للمدعى وحق الانسان قبل غيره واجب الايفاء عند طلبه
ومنها عدم البينة الحاضرة عند أبي حنيفة وعند هما ليس بشرط حتى لو قال المدعى لي بينة حاضرة ثم أراد ان يحلف
المدعى عليه ليس له ذلك عنده وعندهما له ذلك وجه قولهما ان اليمين حجة المدعى كالبينة ولهذا لا تجب الا عند طلبه
فكان له ولاية استيفاء أيهما شاء ولأبي حنيفة ان البينة في كونها حجة المدعى كالأصل لكونها كلام غير الخصم
واليمين كالخلف عليها لكونها كلام الخصم فلهذا لو أقام البينة ثم أراد استحلاف المدعى عليه ليس له ذلك والقدرة
على الأصل تمنع المصير إلى الخلف ومنها ان لا يكون المدعى حقا لله عز وجل خالصا فلا يجوز الاستحلاف في
الحدود الخالصة حقا لله عز وجل كحد الزنا والسرقة والشرب لان الاستحلاف لأجل النكول ولا يقضى بالنكول
في الحدود الخالصة لأنه بذل عند أبي حنيفة رحمه الله وعند هما اقرار فيه شبهه العدم والحدود لا تحتمل البذل ولا
تثبت بدليل فيه شبهه لهذا لا تثبت بشهادة النساء والشهادة على الشهادة الا ان في السرقة يحلف على أخذ المال وكذا
لا يمين في اللعان لأنه جار مجرى الحد وأما حد القذف فيجرى فيه الاستحلاف ظاهر الرواية لأنه ليس من
الحدود المتمحضة حقا لله تعالى بل يشوبه حق العبد فأشبه التعزير وفى التعزير يحلف كذا هذا ويجرى
الاستحلاف في القصاص في النفس والطرف لان القصاص خالص حق العبد ومنها أن يكون المدعى محتملا
للاقرار به شرعا بأن كان لو أقر به لصح اقراره به فإن لم يكن لم يجر فيه الاستحلاف حتى أن من ادعى على رجل انه
أخوه ولم يدع في يده ميراثا فأنكر لا يحلف لأنه لو أقر له بالاخوة لم يجز اقراره لكونه اقرارا على غيره وهو أبوه ولو ادعى
انه أخوه وان في يده مالا من بركة أبيه وهو مستحق لنصفه بإرثه من أبيه فأنكر يحلف لأجل الميراث لا للاخوة
لأنه لو أقر أنه اخوه صح اقراره في حق الإرث حتى يؤمر بتسليم نصف الميراث إليه ولم يصح في حق النسب حتى
لا يقضى بأنه أخوه وعلى هذا عبد في يد رجل ادعاه رجلان فأقربه لأحدهما وسلم القاضي العبد إليه فقال الآخر
لا بينة لي وطلب من القاضي تحليف المقر لا يحلفه في عين العبد لأنه لو أقربه لكان اقراره باطلا فإذا أنكر لا يحلف الا
أن يقول الذي لم يقر له انك أتلفت على العبد بالرارك به لغيري فاضمن قيمته لي يحلف المقر بالله تعالى ما عليه رد قيمة
ذلك العبد على هذا المدعى ولا رد شئ منها لأنه لو أقر باتلافه لصح وضمن القيمة فإذا أنكر يستحلفه ولو ادعى
رجل انه زوجه ابنته الصغيرة وأنكر الأب لا يحلف عند أبي حنيفة رحمه الله لطريقين أحدهما انه لو أقر به لا يصح
اقراره به عنده فإذا أنكر لا يستحلف والثاني ان الاستحلاف لا يجرى في النكاح وعند هما مجرى لكن
عند أبي يوسف يحلف على السبب وعند محمد على الحاصل والحكم على ما نذكره في موضعه هذا إذا كانت صغيرة
عند الدعوى فإن كانت كبيرة وادعى أن أباها زوجها إياه في صغرها لا يحلف عند أبي حنيفة لما قلنا من الطريقين
وعند هما لا يحلف أيضا لاحد طريقين وهوانه لو أقر عليها في الحال لا يصح اقراره ولكن تحلف المرأة عند هما لأنها
لو أقرت لصح اقرارها وعندهما الاستحلاف يجرى فيه لكن عند أبي يوسف تحلف على السبب بالله عز وجل ما تعلم أن
أباها زوجها وهي صغيرة الا عند التعرض فتحلف على الحكم كما قال محمد ولو ادعت امرأة على رحل انه زوجها
عبده فأنكر المولى لا يحلف عند أبي حنيفة رحمه الله لطريقين أحدهما انه لو أقر عليه لا يصح اقراره والثاني انه
لا استحلاف في النكاح عنده وعندهما لا يحلف أيضا لكن لطريق واحد وهوانه لو أقر عليه لا يصح اقراره
ولو ادعى رجل على رجل انه زوجه أمته لا يحلف المولى عند أبي حنيفة وعند هما يحلف لطريق واحد وهوان
226

الاستحلاف لا يجرى في النكاح عنده وعندهما يجرى ومنها أن يكون المدعى مما يحتمل البذل عند أبي
حنيفة مع كونه محتملا للاقرار وعند هما أن يكون مما يحتمل الاقرار سواء احتمل البذل أولا وعلى هذا يخرج
اختلافهم في الأشياء السبعة انها لا يجرى فيها الاستحلاف عند أبي حنيفة وهي النكاح والرجعة والفئ الايلاء
والنسب والرق والولاء والاستيلاد أما النكاح فهو ان يدعى رجل على امرأة انها امرأته أو تدعى امرأة على رجل
انه زوجها ولا بينة للمدعى وطلب يمين المنكر وأما الرجعة فهو أن يقول الزوج للمطلقة بعد انقضاء عدتها قد كنت
راجعتك وأنكرت المرأة وعجز الزوج عن إقامة البينة فطلب يمينها وأما الفئ في الايلاء فهو أن يكون الرجل آلى من
امرأته ومضت أربعة أشهر فقال قد كنت فئت إليك بالجماع فلم تبيني فقالت لم تفئ إلى ولا بينة للزوج فطلب يمينها
وأما النسب فنحو ان يدعى على رجل انه أبوه أو ابنه فأنكر الرجل ولا بينة له وطلب يمينه وأما الرق فهو ان يدعى
على رجل انه عبده فأنكر وقال إنه حر الأصل لم يجر عليه رق أبد أولا بينة للمدعى فطلب يمينه وأما الولاء فإنه يدعى
على امرأة انه أعتق أباها وان أباها مات وولاؤه بينهما نصفان فأنكرت أن يكون أعتقه وأن يكون ولاؤه ثابتا منه ولا
بينة للمدعى فطلب يمينها على ما أنكرت من الولاء وأما الاستيلاد فهو ان تدعى أمة على مولاها فتقول أنا أم ولد
لمولاي وهذا ولدى فأنكر المولى لا يجرى الاستحلاف في هذه المواضع السبعة عند أبي حنيفة وعندهما يجرى
والدعوى من الجانبين تتصور في الفصول الستة وفى الاستيلاد لا يتصور الامن جانب واحد وهو جانب الأمة فاما
جانب المولى فلا تتصور الدعوى لأنه لو ادعى لثبت بنفس الدعوى وهذا بناء على ما ذكرنا ان النكول بذل عنه وهذه
الأشياء لا تحتمل البذل وعند هما اقرار فيه شبهة وهذه الأشياء تثبت بدليل فيه شبهة وجه قولهما ان نكول
المدعى عليه دليل كونه كاذبا في إنكاره لأنه لو كان صادقا لما امتنع من اليمين الصادقة فكان النكول اقرار دلالة الا
انه دلالة قاصرة فيها شبهة العدم وهذه الأشياء تثبت بدليل قاصر فيه شبهة العدم ألا ترى انها تثبت بالشهادة على
الشهادة وشهادة رجل وامرأتين (ولأبي حنيفة) ان النكول يحتمل الاقرار لما قلتم البذل لان العاقل الدين
كما يتحرج عن اليمين الكاذبة يتحرج عن التغيير والطعن باليمين ببذل المدعى الا ان حمله على البذل أولى لأنا لو
جعلنا اقرارا لكذبناه لما فيه من الانكار ولو جعلناه بذلا لم نكذبه لأنه يصير في التقدير كأنه قال ليس هذالك
ولكني لا أمنعك عنه ولا أنازعك فيه فيحصل المقصود من غير حاجة إلى التكذيب وإذا ثبت ان النكول بذل وهذه
الأشياء لا تحتمل البذل فلا تحتمل النكول فلا تحتمل التحليف لأنه إنما يستحلف المدعى لينكل المدعى عليه
فيقضى عليه فإذا لم يحتمل النكول لا يحتمل التحليف
(فصل) وأما بيان كيفية اليمين فالكلام فيه يتعلق بموضعين (أحدهما) في بيان صفة التحليف نفسه انه كيف يحلف
والثاني في بيان صفة المحلوف عليه انه على ماذا يحلف (أما الأول) فالامر لا يخلو اما إن كان الحالف مسلما واما ان كافرا
فإن كان مسلما فيحلفه القاضي بالله تعالى ان شاء من غير تغليظ لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف يزيد بن
ركانة أو ركانة بن عبد يزيد بالله عز وجل ما أردت بالبتة ثلاثا وان شاء غلظ لان الشرع ورد بتغليظ اليمين في الجملة قانه
روى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف ان صوريا الأعور وغلظ فقال عليه الصلاة والسلام الذي أنزل التوراة على
سيد ناموسي عليه الصلاة والسلام ان حد الزنا في كتابكم هذا وقال مشايخنا ينظر إلى حال الا حلف إن كان ممن لا يخاف
منه الاجتراء على الله تعالى باليمين الكاذبة يكتفى فيه بالله عز وجل من غير تغليظ وإن كان ممن يخاف منه دلك تغلظ لان
من العوام من لا يبالي عن الحلف بالله عز وجل كاذبا فإذا غلظ عليه اليمين يمتنع وقال بعضهم إن كان المال المدعى يسيرا
يكتفى فيه بالله عز وجل وإن كان كثيرا يغلظ وصفة التغليظ أن يقول والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن
الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ونحو ذلك مما يعد تغليظا في اليمين وإن كان الحالف كافرا فإنه يحلف بالله عز
وجل أيضا ذميا كان أو مشركا لان المشركين لا ينكرون الصانع قال الله تبارك وتعالى جل شأنه ولئن سألتهم من
227

خلق السماوات والأرض ليقولن الله فيعظمون اسم الله تعالى عز شأنه ويعتقدون حرمة الاله الا الدهرية والزناقة
وأهل الإباحة وهؤلاء أقوام لم يتجاسروا على اظهار نحلتهم في عصر من الاعصار إلى يومنا هذا ونرجو من فضل الله
عز وجل على أمة حبيبه صلى الله عليه سلم ان لا يقدرهم على اظهار ما انتحلوه إلى انقضاء الدنيا وان رأى القاضي ما
يكون تغليظا في دينه فعل لما روينا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم غلظ على ابن صوريا دل ان كل ذلك سائغ فيغلظ
على اليهودي بالله تعالى عز وجل الذي أنزل التوراة على سيد ناموسي عليه الصلاة والسلام وعلى النصراني بالله الذي
أنزل الإنجيل على سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام وعلى المجوسي بالله الذي خلق النار ولا يحلف على الإشارة
إلى مصحف معين بأن يقول بالله الذي أنزل هذا الإنجيل أو هذه التوراة لأنه قد ثبت تحريف بعضها فلا يؤمن أن تقع
الإشارة إلى المحرف فيكون التحليف به تعظيما لما ليس بكلام الله عز وجل ولا يبعث هؤلاء إلى بيوت عبادتهم من
البيعة والكنيسة وبيت النار لان فيه تعظيم هذه المواضع وكذا لا يجب تغليظ اليمين على المسلم بزمان ولامكان عندنا
وقال الشافعي رحمه الله إن كان بالمدينة يحلف عند المنير وإن كان بمكة يحلف عند الميزاب ويحلف بعد العصر
والصحيح قولنا لما روينا من الحديث المشهور وهو قوله عليه الصلاة والسلام البينة على المدعى واليمين على المدعى
عليه مطلقا عن الزمان والمكان وروى أنه اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع في دار إلى مروان بن الحكم فقضى على زيد
ابن ثابت باليمين عند المنبر فقال له زيدا حلف له مكاني فقال له مروان لا والله الا عند مقاطع الحقوق فجعل زيد يحلف ان
حقه لحق وأبى ان يحلف عند المنبر لجعل مروان يعجب من ذلك ولو كان ذلك لا زمان لما احتمل ان يأباه زيد بن ثابت
ولان تخصيص التحليف بمكان وزمان تعظيم غير اسم الله تبارك وتعالى وفيه معنى الاشراك في التعظيم والله عز وجل
أعلم (وأما) بيان صفة المحلوف عليه انه على ماذا يحلف فنقول الدعوى لا تخلو اما إن كانت مطلقة عن سبب واما إن كانت
مقيدة بسبب فإن كانت مطلقة عن سبب بان ادعى عبدا أو جارية أو أرضا وأنكر المدعى عليه فلا خلاف في أنه
يحلف على الحكم وهو ما وقع عليه الدعوى فيقال بالله ما هذا العبد أو جارية أو الأرض لفلان هذا ولا شئ منه
وإن كانت مقيدة بسبب بان ادعى انه أقرضه ألفا أو غصبه ألفا أو أودعه ألفا وأنكر المدعى عليه فقد اختلف أبو
يوسف ومحمد في أنه يحلف على السبب أو على الحكم قال أبو يوسف يحلف على السبب بالله ما استقرضت منه ألفا
أوما غصبته ألفا أوما أودعني ألفا الا ان يعرض المدعى عليه ولا يصرح فيقول قد يستقرض الانسان وقد يغصب وقد
يودع ولا يكون عليه لما انه أبرأه عن ذلك أورد الوديعة وأنا لا أبين ذلك لئلا يلزمني شئ فحينئذ يحلف على الحكم وقال
محمد يحلف على الحكم من الابتداء بالله ماله عليك هذه الألف التي ادعى (وجه) قول محمد ان التحليف على السبب
تحليف على مالا يمكنه الحلف عليه عسى لجواز انه وجد منه السبب ثم ارتفع بالا براء أو بالرد فلا يمكنه الحلف على
نفى السبب ويمكنه الحلف على نفى الحكم على كل حال فكان التحليف على الحكم أولى (وجه) قول أبى يوسف
ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف اليهود بالله وفى باب القسامة على السبب فقال عليه الصلاة والسلام
بالله ما قتلتموه ولا علمتم له قاتلا فيحب الاقتداء به ولان الداخل تحت الحلف ما هو الداخل تحت الدعوى والداخل
تحت الدعوى في هذه الصورة مقصودا هو السبب فيحلف عليه فبعد ذلك ان أمكنه الحلف على السبب حلف عليه
وان لم يمكنه وعرض فحينئذ يحلف على الحكم وعلى هذا الخلاف دعوى الشراء إذا أنكر المدعى عليه فعند أبي يوسف
يحلف على السبب بالله عز وجل ما بعته هذا الشئ الا ان يعرض الخصم والتعريض في هذا أن يقول قد يبيع الرجل
الشئ ثم يعود إليه بهبة أو فسخ أو إقالة أورد بعيب أو خيار شرط أو خيار رؤية وأنا لا أبين ذلك كي يلزمني شئ
فحينئذ يحلف على الحكم بالله تعالى ما بينكما بيع قائم أو شراء قائم بهذا السبب الذي يدعى وهكذا يحلف على قول محمد وعلى هذا دعوى الطلاق بان ادعت امرأة على زوجها انه طلقها ثلاثا أو خالعها على كذا وأنكر الزوج ذلك يحلف
على السبب عند أبي يوسف بالله عز وجل ما طلقها ثلاثا أوما خالعها الا ان يعرض الزوج فيقول الانسان قد يخالع
228

امرأته ثم تعود إليه وقد يطلقها ثلاثا ثم تعود إليه بعد زوج آخر فحينئذ يحلف بالله عز وجل ما هي حرام عليك بثلاث
تطليقات أو بالله عز وجل ما هي مطلقة منك ثلاثا أو ما هي حرام عليك بالخلع أما هي بائن منك ونحو ذلك من العبارات
وهكذا يحلف على قول محمد وعلى هذا دعوى العتاق في الأمة بان ادعت أمة على مولاها انه أعتقها وهو منكر عند أبي
يوسف يحلف المولى على السبب بالله عز وجل ما أعتقها الا ان يعرض لأنه يتصور النقض في هذا والعود إليه بان
ارتدت المرأة ولحقت بدر الحرب ثم سباها أو سباها غيره فاشتراها فحينئذ يحلف كما قاله محمد ولو كان الذي يدعى
العتق هو العقد فيحلف على السبب بلا خلاف بالله عز وجل ما أعتقه في الرق القائم للحال في ملكه لانعدام تصور
التعريض لان العبد المسلم لا يحتمل السبي بعد العتق حتى لو كان العبد لم يعرف مسلما أو كان كافرا يحلف عند محمد
على الحكم لاحتمال العود إلى الرق لان الذمي إذا نقض العهد ولحق بدار الحرب ثم سبى يسترق بخلاف المسلم فإنه
يجبر على الاسلام ويقتل ان أبى ولا يسترق وعلى هذا دعوى النكاح وهو تفريع على قولهما لان أبا حنيفة لا يرى
الاستحلاف فيه فيقول الدعوى لا تخلو اما أن تكون من الرجل أو من المرأة فإن كانت من الرجل وأنكرت المرأة
النكاح فعند أبي يوسف يحلف على السبب الا ان يعرض لاحتمال الطلاق والفرقة بسبب ما فحينئذ يحلف على الحكم
بالله عز وجل ما بينكما نكاح قائم كما هو قول محمد واما عند أبي حنيفة لو قال الزوج أنا أريد أتزوج أختها أو أربعا
سواها قان القاضي لا يمكنه من ذلك لأنه اقرار لهذه المرأة انها امرأته فيقول له ان كنت تريد ذلك فطلق هذه ثم تزوج
أختها أو أربعا سواها وإن كان دعوى النكاح من المرأة على رجل فأنكر فعند أبي يوسف يحلف على السبب الا
أن يعرض فيحلف على الحكم كما قاله محمد فاما عند أبي حنيفة لو قالت المرأة اني أريد ان أتزوج فان القاضي لا يمكنها
من ذلك لأنها قد أقرت ان لها زوجا فلا يمكنها من التزويج بزوج آخر فان قالت ما الخلاص عن هذا وقد بقيت في
عهدته أبد الدهر وليست لي بينة وهذه تسمى عهدة أبي حنيفة فإنه يقول القاضي للزوج طلقها فان أبى أجبره القاضي
عليه فان قال الزوج لو طلقتها للزمني المهر فلا أفعل ذلك يقول له القاضي قل لها ان كنت امرأتي فأنت طالق فتطلق
لو كانت امرأتك وان لم تكن فلا ولا يلزمك شئ لان المهر لا يلزم بالشك فان أبى يجبره على ذلك فإذا فعل تخلص عن
تلك العهدة لو كانت الدعوى على إجارة الدار أو عبد أو دابة أو معاملة مزارعة فعند أبي يوسف يحلف على السبب
الا إذا عرض وعند محمد يحلف على الحكم على كل حال وعند أبي حنيفة ما كان صحيحا وهو الإجارة يحلف وما
كان فاسدا وهو المعاملة والمزارعة لا يحلف أصلا لان الحلف بناء على الدعوى الصحيحة ولم تصح عنده ولو
كانت الدعوى في القتل الخطأ بان ادعى على رجل انه قتل أباه خطأ وانه وجبت الدية فأنكر المدعى عليه يحلف
على السبب عند أبي يوسف بالله ما قتلت الا إذا عرض وعند محمد على الحكم بالله ليس عليك الدية ولا على عاقلتك
وإنما يحلف على هذا الوجه لاختلاف المشايخ في الدية في فصله الخطأ انها تجب على العاقلة ابتداء أو تجب على القاتل
ثم تتحمل عنه العاقلة قان حلف برئ وان نكل يقضى عليه بالدية في ماله على ما نذكر إن شاء الله تعالى
(فصل) وأما حكم أدائه فهو انقطاع الخصومة للحال لا مطلقا بل موقتا إلى غاية احضار البينة عند عامة
العلماء وقال بعضهم حكمه انقطاع الخصومة على الاطلاق حتى لو أقام المدعى البينة بعد يمين المدعى عليه قبلت بينته
عند العامة وعند بعضهم لا تقبل لأنه لو أقام البينة لا تبقى له ولاية الاستحلاف فكذا إذا استحلف لا يبقى له ولاية
إقامة البينة والجامع أن حقه في أحدهما فلا يملك الجمع بينهما والصحيح قول العامة لان البينة هي الأصل في الحجة
لأنها كلام الأجنبي قاما اليمين فكالخلف عن البينة لأنها كلام الخصم صير إليها للضرورة فإذا جاء الأصل انتهى حكم
الخلف فكأنه لم يوجد أصلا ولو قال المدعى للمدعى عليه احلف وأنت برئ من هذا الحق الذي ادعيته أو أنت
برئ من هذا الحق ثم أقام البينة قبلت بينته لان قوله أنت برئ يحتمل البراءة للحال أي برئ عن دعواه وخصومته
للحال ويحتمل البراءة عن الحق فلا يجعل ابراء عن الحق بالشك والله سبحانه وتعالى أعلم
229

(فصل) واما حكم الامتناع عن تحصيله فالمدعى عليه إذا نكل عن اليمين فإن كان ذلك في دعوى المال يقضى
عليه بالمال عندنا لكن ينبغي للقاضي أن يقول له انى أعرض عليك اليمين ثلاث مرات قان حلفت والا
قضيت عليك لجواز أن يكون المدعى عليه ممن لا يرى القضاء بالنكول أو يكون عنده ان القاضي لا يرى القضاء
بالنكول أو لحقه حشمة القضاة ومهابة المجلس في المرة الأولى فكان الاحتياط أن يقول له ذلك فان نكل عن اليمين بعد
العرض عليه ثلاثا فان القاضي يقضى عليه عندنا وعند الشافعي رحمه الله لا يقضى بالنكول ولكن يرد اليمين إلى المدعى
فيحلف فيأخذ احتج الشافعي رحمه الله بقول النبي عليه الصلاة والسلام البينة على المدعى واليمين على المدعى
عليه جعل البينة حجة المدعى واليمين حجة المدعى عليه ولم يذكر عليه الصلاة والسلام النكول فلو كان حجة المدعى لذكره
والمعقول انه يحتمل انه نكل لكونه كذبا في الانكار فاحترز عن اليمين الكاذبة ويحتمل انه نكل مع كونه صادقا في
الانكار تورعا عن اليمين الصادقة فلا يكون حجة القضاء مع الشك والاحتمال لكن يرد اليمين إلى المدعى ليحلف فيقضى
له لأنه ترجح جنبه الصدق دعواه بيمينه وقد ورد الشرع برد اليمين إلى المدعى فإنه روى أن سيدنا عثمان رضي الله عنه
ادعى على المقداد ما لابين يدي سيدنا عمر رضي الله عنه فأنكر المقداد وتوجهت عليه اليمين فرد اليمين على سيدنا
وعثمان وسيدنا عمر جوز ذلك (ولنا) ما روى أن شريحا قضى على رجل بالنكول فقال المدعى عليه أنا أحلف فقال
شريح مضى قضائي وكان لا تخفى قضاياه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقل انه أنكر عليه منكر فيكون
اجماعا منهم على جواز القضاء بالنكول ولأنه ظهر صدق المدعى في دعواه عند نكول المدعى عليه فيقضى له كما لو أقام البينة
ودلالة الوصف ان المانع من ظهور الصدق في خبره انكاره المدعى عليه وقد عارضه النكول لأنه كان صادقا في إنكاره
لما نكل فزال المانع للتعارض فظهر صدقه في دعواه وقوله يحتمل انه نكل تورعا عن اليمين الصادقة قلنا هذا احتمال نادر
لان اليمين الصادقة مشروعة فالظاهر أن الانسان لا يرضى بفوات حقه تحرزا عن مباشرة أمر مشروع ومثل هذا
الاحتمال ساقط الاعتبار شرعا ألا يرى أن البينة حجة القضاء بالاجماع وإن كانت محتملة في الجملة لأنها خبر من ليس
بمعصوم عن الكذب لكن لما كان الظاهر هو الصدق سقط اعتبار احتمال الكذب كذا هذا وأما الحديث فنقول
البينة حجة المدعى وهذا لا ينقى أن يكون غيرها حجة وقوله لو كان حجة لذكره قلنا يحتمل أنه لم يذكره لما قلتم ويحتمل انه لم
يذكره نصا مع كونه حجة تسليطا للمجتهدين على الاجتهاد ليعرف كونه حجة بالرأي والاستنباط فلا يكون حجة مع
الاحتمال وأما رد اليمين على المدعى فليس بمشروع لما قلنا من قبل وأما حديث المقداد فلا حجة فيه لان فيه ذكر الرد
من غير نكول المدعى عليه وهو خارج عن أقاويل الكل فكان مؤولا عند الكل ثم تأويله ان المقداد رضي الله عنه
ادعى الايفاء فأنكر سيد نا عثمان رضي الله عنه فتوجهت اليمين عليه ونحن به نقول هذا إذا نكل عن اليمين في دعوى
المال فإن كان النكول في دعوى القصاص فنقول لا يخلو اما أن تكون الدعوى في القصاص في النفس واما أن تكون تكون
فيما دون النفس فإن كان في النفس فعند أبي حنيفة لا يقضى فيه لا بالقصاص ولا بالمال لكنه يحبس حتى يقر أو يحلف
أبدا وإن كان الدعوى في القصاص في الطرف فإنه يقضى بالقصاص في العمل وبالدية في الخطأ وعندهما لا يقضى
بالقصاص في النقس والطرف جميعا ولكن يقضى بالأرش والدية فيهما جميعا بناء على أن النكول بذل عند أبي حنيفة
رحمه الله والطرف يحتمل البذل والإباحة في الجملة فان من وقعت في يده آكلة والعياذ بالله تعالى فأمر غيره بقطعها يباح له
قطعها صيانة للنفس وبه تبين ان الطرف يسلك مسلك الأموال لأنه خلق وقاية للنفس كالمال فاما النفس فلا تحتمل
البذل والإباحة بحال وكذا المباح له القطع إذا قطع لا ضمان عليه والمباح له القتل إذا قبل يضمن فكان الطرف جاريا
مجرى المال بخلاف النفس فأمكن القضاء بالنكول فأمكن القضاء بالنكول في الطرف دون النفس فكان القياس ان لا يستحلف في النفس
عنده كما لا يستحلف في الأشياء السبعة لان الاستحلاف للتوسل إلى المقصود المدعى وهو احياء حقه بالقضاء
بالنكول ولا يقضى فيها بالنكول أصلا عنده فكان ينبغي ان لا يستحلف الا انه استحسن في الاستحلاف فيها لان
230

الشرع ورد به في القسامة وجعله حقا مقصودا في نفسه تعظيما لأمر الدم وتفخيما لشأنه لكون اليمين الكاذبة مهلكة
فصار بالنكول مانعا حقا مستحقا عليه مقصودا فيحبس حتى يقر أو يحلف بخلاف الأشياء السبعة فان الاستحلاف
فيها للتوسل إلى استيفاء المقصود بالنكول وانه لا يقع وسيلة إلى هذا المقصود وعند هما النكول اقرار فيه شبهة العدم
لأنه اقرار بطريق السكوت وانه محتمل والقصاص يدرأ بالشبهات وإذا سقط القصاص للشبهة يجب المال بخلاف
شهادة النساء مع الرجال والشهادة على الشهادة انها لا تقبل في باب القصاص أصلا لأن التعذر هناك من جهة من له
القصاص وهو عدم الاتيان بحجة مظهرة للحق وهي شهادة شهود أصول مذكور والتعذر هنا من جهة من عليه القصاص
وهو عدم التنصيص على الاقرار والأصل ان القصاص إذا بطل من جهة من له القصاص لا تجب الدية وإذا بطل من
جهة من عليه تجب الدية وأما في دعوى السرقة إذا حلف على المال ونكل يقضى بالمال لا بالقطع لان النكون حجة في
الأموال دون الحدود الخالصة وأما في حد القذف إذا استحلف على ظاهر الرواية فكل يقضى بالحد في ظاهر الأقاويل
لأنه بمنزلة القصاص في الطرف عند أبي حنيفة وعند هما بمنزلة التعزير وقال بعضهم هو بمنزلة سائر الحدود لا يقضى فيه
بشئ ولا يحلف لأنه حد وقيل يحلف ويقضى فيه بالتعزير دون الحد كما في السرقة يحلف ويقضى بالمال دون القطع
والله سبحانه وتعالى أعلم
(فصل) وأما بيان ما تندفع به الخصومة عن المدعى عليه ويخرج عن كونه خصما للمدعى فنقول وبالله بالتوفيق
انه يخرج عن كونه خصما للمدعى بكون يده غير يد المالك وذلك يعرف بالبينة أو بالاقرار أو بعلم القاضي نحو ما إذا ادعى
على رجل دارا أو ثوبا أو دابة فقال الذي في يده هو ملك فلان الغائب أودعنيه وجملة الكلام فيه ان المدعى لا يخلو اما
أن يدعى عليه ملكا مطلقا ولم يدع عليه فعلا أو يدعى عليه فعلا فان ادعى ملكا مطلقا ولم يدع عليه فعلا فقال الذي في
يده أودعنيها فلان الغائب أو رهنها أو آجرها أو أعارها أو غصبتها أو سرقتها أو أخذتها أو انتزعتها أو ضلت منه فوجدتها
وأقام البينة على ذلك تندفع عنه الخصومة عند عامة العلماء وقال ابن أبي ليلى تندفع عنه الخصومة أقام البينة أولم يقم
وقال ابن شبرمة لا تندفع عنه الخصومة أقام البينة أولم يقم هذا إذا لم يكن الرجل معروفا بالافتعال والاحتيال فإن كان
تندفع عنه الخصومة عند أبي حنيفة ومحمد أيضا وعند أبي يوسف لا تندفع وهي المسألة المعروفة بالمخمسة والحجج
تعرف في الجامع وكذلك لو ادعى لنفسه والفعل على غير ذي اليد بأن قال هذا ملكي غصبه منى فلان لأنه لم يدع على
ذي اليد فعلا فصار في حق ذي اليد دعوى مطلقة فكان على الخلاف الذي ذكرنا فاما إذا ادعى فعلا على ذي
اليد بان قال هذه داري أو دابتي أو ثوبي أودعتكها أو غصبتنيها أو سرقتها أو استأجرتها أو ارتهنتها منى وقال الذي في
يديه انها لفلان الغائب أودعنيها أو غصبتها منه ونحو ذلك وأقام البينة على ذلك لا تندفع عنه الخصومة ووجه الفرق
ان ذا اليد في دعوى الملك المطلق إنما يكون خصما بيده ألا ترى انه لو لم يكن المدعى في يده لم يكن خصما فإذا قام البينة على أن
اليد لغيره كان الخصم ذلك الغير وهو غائب فاما في دعوى الفعل فإنما يكون خصما بفعله لا بيده ألا ترى أن الخصومة
متوجهة عليه بدون يده وإذا كان خصما بفعله بالبينة لا يتبين أن الفعل منه لم يكن فبقي خصما ولو ادعى فعلا لم يسم فاعله
بان قال غصبت منى أو أخذت فأقام ذو اليد البينة على الايداع تندفع الخصومة لأنه ادعى الفعل على على مجهول وانه
باطل فالتحق بالعدم فبقي دعوى ملك مطلق فتندفع الخصومة لأنه ادعى الفعل على مجهول وانه باطل فالتحق بالعدم
فبقي دعوى ملك مطلق فتندفع الخصومة ولو قال سرق منى فالقياس ان تندفع الخصومة كما في الغصب والاخذ
وهو قول محمد وزفر وفى الاستحسان لا تندفع فرقا بين الغصب والاخذ وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما
الله ووجه الفرق يعرف في الجامع ولو قال المدعى هذه الدار كانت لفلان فاشتريتها منه وقال الذي في يده أودعني
فلان الذي ادعيت الشراء من جهته أو سرقتها منه أو غصبتها تندفع عنه الخصومة من غير إقامة البينة على ذلك لأنه ثبت
كون يده يد غير بتصادقهما أما المدعى عليه فظاهر وأما المدعى فبدعواه الشراء منه لأن الشراء منه لا يصح بدون
231

اليد وكذا لو أقام الذي في يديه البينة على اقرار المدعى بذلك لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو عاينا اقراره
لاندفعت الخصومة كذا هذا وكذلك إذا علم القاضي بذلك لان العلم المستفاد له في زمان القضاء فوق الاقرار لكونه
حجة متعدية إلى الناس كافة بمنزلة البينة وكون الاقرار حجة مقتصرة على المقر خاصة ثم لما اندفعت الخصومة باقرار
المدعى فبعلم القاضي أولى ولو قال الذي في يديه ابتعته من فلان الغائب لا تندفع الخصومة لأنه ادعى الملك واليد
لنفسه وهذا مقر بكونه خصما فكيف تندفع الخصومة ولو أقام المدعى البينة انه ابتاعه من عبد الله وقال الذي في يديه
أودعنيه عبد الله ذلك تندفع الخصومة من غير بينة لأنهما تصادقا على الوصول إليه من يد عبد الله فأثبتا اليد له وهو
غائب وعلى هذا الأصل مسائل كثيرة في الجامع والله تعالى أعلم
(فصل) وأما حكم تعارض الدعوتين مع تعارض البينتين فالكلام فيه يقع في موضعين أحدهما في بيان
حكم تعارض الدعوتين مع تعارض البينتين القائمتين على أصل الملك والثاني في بيان حكم تعارض البينتين
القائمتين على قدر الملك أما الأول فالأصل ان البينتين إذا تعارضتا في أصل الملك من حيث الظاهر فان أمكن ترجيح
أحدا هما على الأخرى يعمل بالراجح لان البينة حجة من حجج الشرع والراجح ملحق بالمتيقن في أحكام الشرع
وان تعذر الترجيح فان أمكن العمل بكل واحدة منهما من كل وجه وجب العمل به وان تعذر العمل بهما من كل وجه
وأمكن العمل بهما من وجه وجب العمل بهما لان العمل بالدليلين واجب بقدر الامكان وان تعذر العمل بهما أصلا
سقط اعتبارهما والتحقا بالعدم إذ لا حجة مع المعارضة كما لا حجة مع المناقضة وجملة الكلام في هذا الفصل ان الدعوى
ثلاثة أنواع دعوى الملك ودعوى اليد ودعوى الحق وزاد محمد مسائل الدعوى على دعوى الملك واليد والنسب
(أما) دعوى الملك فلا تخلو اما أن تكون من الخارج على ذي اليد واما أن تكون من الخارجين على ذي اليد (واما)
أن تكون من صاحبي اليد أحدهما على الآخر فإن كانت الدعوى من الخارج على ذي اليد دعوى الملك وأقاما
البينة فلا يخلو اما ان قامت البينتان على ملك مطلق عن الوقت واما ان قامتا على ملك مؤقت واما ان قامت
أحداهما على ملك مطلق والأخرى على ملك مؤقت وكل ذلك لا يخلو اما إن كانت بسبب واما إن كانت بغير سبب
فان قامتا على ملك مطلق عن الوقت فبينة الخارج أولى عندنا وعند الشافعي رحمه الله بينة ذي اليد أولى (وجه)
قوله إن البينتين تعارضتا من حيث الظاهر وترجحت بينة ذي اليد باليد فكان العمل بها أولى ولهذا عمل ببينته في
دعوى النكاح (ولنا) ان البينة حجة المدعى لقوله عليه الصلاة والسلام البينة على المدعى وذواليه ليس بمدع فلا
تكون البينة حجته والدليل على أنه ليس بمدع ما ذكرنا من تحديد المدعى انه اسم لمن يخبر عما في بيد غيره لنفسه والموصوف
بهذه الصفة هو الخارج لا ذو اليد لأنه يخبر عما في يد نفسه لنفسه فلم يكن مدعيا فالتحقت ببينته بالعدم فبقيت بينة
الخارج بلا معارض فوجب العمل بها ولان بينة الخارج أظهرت له سبق الملك فكان القضاء بها أولى كما إذا وقتت
البينتان نصا ووقتت بينة الخارج دلالة ودلالة الوصف انها أظهرت له سبق اليد لأنهم شهد واله بالملك المطلق ولا
تحل لهم الشهادة بالملك المطلق الا بعلمهم به ولا يحصل العلم بالملك الابعد العلم بدليل الملك ولا دليل على الملك المطلق
سوى اليد فإذا شهد والخارج فقد أثبتوا كون المال في يده وكون المال في يد ذي اليد ظاهرا ثابت للحال فكانت يد
الخارج سابقة على يده فكان ملكه سابقا ضرورة وإذا ثبت سبق الملك للخارج يقضى ببينته لأنه لما ثبت له الملك
واليد في هذه العين في زمان سابق ولم يعرف لثالث فيها يد وملك علم أنها انتقلت من يده إليه فوجب إعادة يده ورد المال
إليه حتى يقيم صاحب اليد الآخر الحجة انه بأي طريق انتقل إليه كما إذا عاين القاضي كون المال في يد انسان ويدعيه
لنفسه ثم رآه في يد غيره فإنه يأمره بالرد إليه إذا ادعاه ذلك الرجل إلى أن يبين سببا صالحا للانتقال إليه وكذا إذا أقر
المدعى عليه أن هذا المال كان في يد المدعى فإنه يؤمر بالرد إليه إلى أن يبين بالحجة طريقا صالحا للانتقال إليه كذلك
هذا وصار كما إذا ارخا نصا وتاريخ أحدهما أسبق لان هذا تاريخ من حيث المعنى بخلاف النتاج لان هناك لم يثبت
232

سبق الخارج لانعدام تصور السبق والتأخير فيه لان النتاج مما لا يحتمل التكرار فيطلب الترجيح من وجه آخر
فتترجح بينة صاحب اليد باليد وهنا بخلافه هذا إذا قامت البينتان على ملك مطلق عن الوقت من غير سبب فأما إذا
قامتا ملك موقت من غير سبب فان استوى الوقتان يقضى للخارج لأنه بطل اعتبار الوقتين للتعارض فبقي
دعوى ملك مطلق وإن كان أحدهما أسبق من الآخر يقضى للاسبق وقتا أيهما كان في قول أبي حنيفة وأبى
يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى وروى ابن سماعة عن محمد انه رجع عن هذا القول عند رجوعه من الرقة وقال لا تقبل
من صاحب اليد بينة على وقت وغيره الا في النتاج والصحيح جواب ظاهر الرواية لان بينة صاحب الوقت الأسبق
أظهرت الملك له في وقت لا ينازعه في أحد فيدفع المدعى إلى أن يثبت بالدليل سببا للانتقال عنه إلى غيره وان أقامت
إحداهما على ملك مطلق والأخرى على ملك موقت من غير سبب لا عبرة للوقت عند هما ويقضى للخارج وعند أبي
يوسف يقضى لصاحب الوقت أيهما كان وروى عن أبي حنيفة رحمه الله مثله (وجه) قول أبى يوسف أن بينة
صاحب الوقت أظهرت الملك له في وقت خاص لا يعارضها فيه بينة مدعى الملك المطلق بيقين بل تحتمل المعارضة
وعدمها لان الملك المطلق لا يتعارض للوقت فلا تثبت المعارضة بالشك ولهذا لو ادعى كل واحد من الخارجين على
ثالث وأقام كل واحد منهما البينة انه اشتراه من رحل واحد ووقتت بينة أحدهما وأطلقت الأخرى انه يقضى
لصاحب الوقت كذا هذا ولهما أن الملك احتمل السبق والتأخير لان الملك المطلق يحتمل التأخير والسبق لجواز أن
صاحب البينة المطلقة لو وقتت بينته كان وقتها أسبق فوقع الاحتمال في سبق الملك الموقت فسقط اعتبار الوقت فبقي
دعوى مطلق الملك فيقضى للخارج بخلاف الخارجين إذا ادعيا الشراء من رجل واحد لان البائع إذا كان واحدا
فقد اتفقا على تلقى الملك منه ببيعه وانه أمر حادث وقد ظهر بالتاريخ أن شراء صاحب الوقت أسبق ولا تاريخ مع
الاخر وشراؤه أمر حادث ولا نعلم تاريخه فكان صاحب التاريخ أولى هذا إذا قامت البينتان من الخارج وذي اليد
على ملك مطلق أو مؤقت من غير سبب فأما إذا كان في دعوى ذلك بسبب فإن كان السبب هو الإرث فكذلك
الجواب حتى لو قامت البينتان على ملك مطلق بسبب الإرث بأن أقام كل واحد منهما البينة على أنه ملكه مات أبوه
وتركه ميراثا له يقضى للخارج بلا خلاف بين أصحابنا رحمهم الله وكذلك ان قامتا على ملك موقت واستوى الوقتان
لأنه سقط اعتبار الوقتين للتعارض فبقي دعوى مطلق الملك وإن كان أحدهما أسبق من الآخر يقضى لأسبقهما
وقتا أيهما كان في قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد الأول وفى قول محمد الآخر يقضى للخارج لان دعوى الإرث
دعوى ملك الميت فكل واحدة من البينتين أظهرت ملك الميت لكن قام الوارث مقام الميت في ملك الميت فكان
الوارثين ادعيا ملكا مطلقا أو مؤقتا من غير سبب وهناك الجواب هكذا في الفصول كلها من الاتفاق والاختلاف الا
في فصل واحد وهو ما إذا قامت احدى البينتين على ملك مطلق والأخرى على ملك موقت فان هنا يقضى للخارج
بالاتفاق ولا عبرة للوقت كما لا عبرة له في دعوى المورثين وهذا على أصل أبي حنيفة ومحمد يطرد على أصل أبى
يوسف فيشكل وإن كان السبب هو الشراء بأن ادعى الخارج انه اشترى هذه الدار من صاحب اليد بألف درهم
ونقده الثمن وادعى صاحب اليد انه اشتراها من الخارج ونقده الثمن وأقام كل واحد منهما البينة على ذلك فان أقاما
البينة على الشراء من غير وقت ولا قبض لا تقبل البينتان في قول أبي حنيفة وأبى يوسف ولا يجب لواحد منهما على
صاحبه شئ ويترك المدعى في يد في يد ذي اليد وعند محمد يقضى بالبينتين ويؤمر بتسليم المدعى إلى الخارج (وجه) قول
محمد ان التوفيق بين الدليلين واجب بقدر الامكان وأمكن التوفيق هنا بين البينتين بتصحيح العقدين بأن يجعل كان
صاحب اليد اشتراه أولا من الخارج وقبضه ثم اشتراه الخارج من صاحب اليد ولم يقبضه حتى باعه من صاحب اليد
فيوجد العقدان على الصحة لكن بتقدير تاريخ وقبض وفى هذا التقدير بصحيح العقدين فوجب القول به ولا وجه
للقول بالعكس من ذلك بأن يجعل كأن الخارج اشترى أولا من صاحب اليد ولم يقبضه حتى باعه من صاحب اليد لان
233

في هذا التقدير افساد العقد الأخير لأنه بيع العقار المبيع قبل القبض وانه غير جائز عنده فتعين تصحيح العقدين
بالتقدير الذي قلنا وإذا صح العقد ان يبقى المشترى في يد صاحب اليد فيؤمر بالتسليم إلى الخارج (وجه) قول أبى
يوسف وأبي حنيفة ان كل مشترى يكون مقرا بكون البيع ملكا للبائع فكان دعوى الشراء من كل واحد منهما
اقرار بملك المبيع لصاحبه فكان البينتان قائمتين على اقرار كل واحد منهما بالملك لصاحبه وبين موجبي الاقرارين
تناف فتعذر العمل بالبينتين أصلا وان وقت البينتان ووقت الخارج أسبق فإذا لم يذكر واقبضا يقضى بالدار لصاحب
اليد عندهما وعند محمد يقضى للخارج لان وقت الخارج إذا كان أسبق جعل كأنه اشترى الدار أولا ولم يقبضها حتى
باعها من صاحب اليد عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد يقضى للخارج لان وقت الخارج إذا كان أسبق جعل
كأنه اشترى الدار أولا ولم يقبضها حتى باعها من صاحب اليد وبيع العقار قبل القبض لا يجوز عند محمد وإذا لم يجز
بقي على ملك الخارج وعند هما ذلك جائز فصح البيعان ولو ذكر والقبض جاز البيعان ويقضى بالدار لصاحب اليد
بالاجماع لان بيع العقار بعد القبض جائز بلا خلاف فيجور البيعان (وأما) إذا كان وقت صاحب اليد أسبق ولم
يذكروا قبضا يقضى بها للخارج لأنه إذا كان وقته يجعل سابقا في الشراء كأنه اشترى من الخارج وقبض ثم
اشترى منه الخارج ولم يقبض فيؤمر بالدفع إليه وكذلك ان ذكروا قبضا لأنه يقدر كأنه اشترى من صاحب اليد
أولا وقبض ثم اشترى الخارج منه وقبض ثم عادت إلى يد صاحب اليد بوجه آخر وإن كان السبب هو النتاج وهو
الولادة في الملك فنقول لا يخلو اما ان قامت البينتان على النتاج واما ان قامت إحداهما على النتاج والأخرى على الملك
المطلق فان قامت البينتان على النتاج فلا يخلو اما إن كانت البينتان مطلقتين عن الوقت واما ان وقتا وقتا قان لم يوقتا وقتا
يقضى لصاحب اليد لان البينة القائمة على النتاج قائمة على أولية الملك وقد استوت البينتان في اظهار الأولية فتترجح
بينة صاحب اليد باليد فيقضى ببينته وقد روى عن جابر رضي الله عنه أن رجلا ادعى بين يدي رسول الله صلى الله
عليه وسلم نتاج ناقة في يد رجل وأقام البينة عليه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك فقضى رسول الله صلى الله على وسلم
بالناقة لصاحب اليد وهذا ظاهر مذهب أصحابنا وقال عيسى بن ابان من أصحابنا انه لا يقضى لصاحب اليد بل تتهاتر
البينتان ويترك المدعى في يد صاحب اليد قضاء ترك وهذا خلاف مذهب أصحابنا فإنه نص على لفظة القضاء والترك
في يد صاحب اليد لا يكون قضاء حقيقة وكذا في الحديث الذي رويناه عن النبي عليه الصلاة والسلام انه قضى
بذلك لصاحب اليد وكذلك في دعوى النتاج من الخارجين على ثالث يقضى بينهما نصفين ولا يترك في يد صاحب
اليد دل ان ما ذكره خلاف مذهب أصحابنا ولو أقام أحدهما البينة على النتاج والآخر على الملك المطلق عن النتاج فبينة
النتاج أولى لما قلنا إنها قامت على أولية الملك لصاحبه فلا تثبت لغيره الا بالتلقي منه وأما ان وقتت البينتان فان اتفق
الوقتان فكذلك السقوط اعتبار هما للتعارض فبقي دعوى الملك المطلق وان اختلفا بحكم سن الدابة فتقضى لصاحب
الوقت الذي وافقه السن لأنه ظهر أن البينة الأخرى كاذبة بيقين هذا إذا علم منها فأما إذا أشكل سقط اعتبار التاريخ
لأنه يحتمل أن يكون سنها موافقا لهذا الوقت ويحتمل أن يكون موافقا لذلك الوقت ويحتمل أن يكون مخالفا لهما جميعا
فيسقط اعتبارهما كأنهما سكتا عن التاريخ أصلا وان خالف سنها الوقتين جميعا سقط الوقت كذا ذكره في ظاهر
الرواية لأنه ظهر بطلان التوقيت فكأنهما لم يوقتا فبقيت البينتان قائمتين على مطلق الملك من غير توقيت وذكر الحاكم
في مختصره أن في رواية أبى الليث تتهاتر البينتان قال وهو الصحيح (ووجهه) أن سن الدابة إذا خالف الوقتين فقد
تيقنا بكذب البينتين فالتحقتا بالعدم فيترك المدعى في يد صاحب اليد كما كان والجواب أن مخالفة السن الوقتين يوجب
كذب الوقتين لاكذب البينتين أصلا ورأسا وكذلك لو اختلفا في جارية فقال الخارج انها ولدت في ملكي من أمتي
هذه وقال صاحب اليد كذلك يقضى لصاحب اليد لما قلنا وكذلك لو اختلفا في الصوف والمرعزى وأقام كل واحد
منهما بينة انه له جزه في ملكه يقضى لصاحب اليد وكذلك لو اختلفا في الغزل وأقام كل واحد منهما البينة انه له عزله
234

من قطن هوله يقضى لصاحب اليد والأصل أو المنازعة إذا وقعت في سبب ملك لا يحتمل التكرار كان بمنزلة النتاج
فيقضى لصاحب اليد فإذا وقعت في سبب ملك يحتمل التكرار لا يكون في معنى النتاج ويقضى للخارج وان أشكل
الامر في الملك انه يحتمل التكرار أولا يقضى للخارج أيضا فعلى هذا إذا اختلفا في اللبن فأقام كل واحد منهما البينة
انه له حلب في يده وفى ملكه يقضى لصاحب اليد لان اللبن الواحد لا يحتمل الحلب مرتين فكان في معنى النتاج
وكذلك لو ادعى كل واحد منهما أن الشاة التي حلب منها اللبن نتجت عنده يقضى لصاحب اليد بالشاة واللبن جميعا
وكذلك لو اختلفا في جبن وأقام كل واحد منهما البينة انه له صنعه في ملكه يقضى لصاحب اليد لان اللبن الواحد
لا يحتمل أن يصنع جبنا مرتين فكان بمنزلة النتاج ولو اختلفا في الأرض والنخل وادعى كل واحد منهما انه أرضه
غرس النخل فيها يقضى بها للخارج لان هذا ليس في معنى النتاج لان النتاج سبب لملك الولد والغرس ليس بسبب
لملك الأرض وكذا الغرس مما يحتمل التكرار فلم يكن في معنى النتاج وكذلك لو اختلفا في الحبوب النابتة والقطن
الثابت ادعى كل واحد منهما انه له زرعه في أرضه فإنه يقضى بالأرض والحب والقطن للخارج وكذلك لو اختلفا في
البناء ادعى كل واحد منهما انه بنى على أرضه لما قلنا ولو اختلفا في حل مصوغ ادعى كل واحد منهما انه صاغه في
ملكه يقضى للخارج لان الصياغة تحتمل التكرار فلم تكن في معنى النتاج ولو اختلفا في ثوب خز أو شعر وأقام كل
واحد منهما البينة انه له نسجه في ملكه فان علم أن ذلك لا ينسج الا مرة واحدة يقضى لصاحب اليد لأنه بمنزلة النتاج
وان علم أنه ينسج مرتين يقضى للخارج وكذا إن كان مشكلا وكذلك لو اختلفا في سيف مطبوع وادعى كل واحد
منهما انه طبع في ملكه يرجع في هذا إلى أهل العلم بذلك ولو اختلفا في جارية وأقام كل واحد منهما البينة أن أمها أمته
وانها ولدت هذه في ملكه يقضى بالجارية وبأمها للخارج لان هذا ليس دعوى النتاج بل هو دعوى الملك المطلق
وهو ملك الام والبينة بينة الخارج في الملك المطلق فيقضى بالأم للخارج ثم يملك الولد بملك الام وكذلك لو اختلفا في
الشاة مع الصوف وأقام كل واحد منهما البينة أن هذه الشاة مملوكة له وأن هذا صوف هذه الشاة يقضى بالشاة والصوف
للخارج لما قلنا شاتان إحداهما بيضاء والأخرى سوداء وهما في يد رجل فأقام الخارج البينة على أن الشاة
البيضاء شاته ولدتها السوداء في ملكه وأقام صاحب اليد البينة على أن السوداء شاته ولدتها البيضاء في ملكه
يقضى لكل واحد منهما بالشاة التي شهدت شهوده انها ولدت في ملكه فيقضى للخارج بالبيضاء ولصاحب اليد بالسوداء لان بينة الخارج قامت على النتاج في البيضاء وبينة ذي اليد قامت فيها على ملك مطلق فبينة النتاج أولى
كذا بينة ذي اليد قامت على النتاج في السوداء وبينة الخارج فيها قامت على ملك مطلق فبينة النتاج أولى ولو اختلفا
في اللين الذي صنع منه الجبن فأقام كل واحد منهما البينة أن اللبن الذي صنع منه الجبن في ملكه فيقضى للخارج لان
البينة القائمة على ملك اللبن قائمة على ملك مطلق لا على أولية الملك فبينة الخارج أولى في دعوى الملك المطلق ولو ادعى
عبدا في يد انسان انه اشتراه من فلان وانه ولد في ملك الذي اشتراه منه وأقام ذو اليد البينة انه اشتراه من رجل آخر
وانه ولد في ملكه يقضى لصاحب اليد لان دعوى الولادة في ملك بائعه بمنزلة دعوى الولادة في ملكه لأنه تلقى الملك
من جهته وهناك يقضى له كذا هذا وكذلك لو ادعى ميراثا أو هبة أو صدقة أو وصية وانه ولد في ملك المورث
والواهب والموصى فإنه يقضى لصاحب اليد لما قلنا ولو ادعى الخارج مع ذي اليد كل واحد منهما النتاج فقضى
لصاحب اليد ثم جاء رجل وادعى النتاج وأقام البينة عليه يقضى له الا أن يعيد صاحب اليد البينة على النتاج فيكون هو
أولى لان القضاء على المدعى الأول لا يكون قضاء على المدعى الثاني فلم يكن الثاني مقضيا عليه فتسمع البينة منه فرق
بين الملك وبين العتق أن القضاء بالعتق على شخص واحد يكون قضاء على الناس كافة والقضا بالملك على شخص
واحد لا يكون قضاء على غيره وإن كانت بينة النتاج توجب الملك بصفة الأولية وانه لا يحتمل التكرار كالعتق
(ووجه) الفرق ان العتق حق الله تعالى ألا ترى ان العبد لا يقدر على ابطاله حتى لا يجوز استرقاق الحر برضاه ولو كان
235

حق العبد لقدر على ابطاله كالرق وإذا كان حق الله تعالى فالناس في اثبات حقوقه خصوم عنه بطريق النيابة لكونهم
عبيده فكان حضرة الواحد كحضرة الكل والقضاء على الواحد قضاء على الكل لاستوائهم في العبودية كالورثة
لما قاموا مقام الميت في اثبات حقوقه والدفع عنه لكونهم خلفاءه فقام الواحد منهم مقام الكل لاستوائهم في الخلافة
بخلاف الملك فإنه خالص حق العبد فالحاضر فيه لا ينتصب خصما عن الغائب الا بالإنابة حقيقة أو بثبوت النيابة عنه
شرعا واتصال بين الحاضر والغائب فيما وقع فيه الدعوى على ما عرف ولم يوجد شئ من ذلك فالقضاء على غيره يكون
قضاء على الغائب من غير أن يكون عنه خصم حاضر وهذا لا يجوز ولو شهد الشهود ان هذه الحنطة من زرع حصد
من أرض هذا الرجل لم يكن لصاحب الأرض أن يأخذها لأنه يحتمل أن يكون البذر لغيره وملك الزرع يتبع ملك
البذر لاملك الأرض ألا ترى ان الأرض المغصوبة إذا زرعها الغاصب من بذر نفسه كانت الحنطة له لو شهدوا
ان هذه الحنطة من زرع هذا أو هذا التمر من نخل هذا يقضى له لان ملك الحنطة والتمر يتبع ملك الزرع والنخل
ولو قالوا هذه الحنطة من زرع كان من أرضه لم يقض له لأنهم لو شهدوا انه حصد من أرضه لم يقض له فهذا
أولى ولو شهدوا أن هذا اللبن وهذا الصوف خلاب شاته وصوف شاته لم يقض له لجواز أن تكون الشاة له وحلابها
وصوفها لغيره بأن أوصى بذلك لغيره هذا الذي ذكرنا كله في دعوى الخارج الملك فاما دعوى الخارجين على ذي
اليد الملك فنقول لا تخلو في الأصل من أحد وجهين اما ان يدعى كل واحد منهما قدر مال يدعى الاخر واما
ان يدعى أكثر مما يدعى الآخر فان ادعى كل واحد منهما قدر ما يدعى الآخر فهو على التفصيل الذي ذكرنا
أيضا وهوان البينتين اما ان قامتا على ملك مطلق عن الوقت واما ان قامتا على ملك موقت واما ان قامت إحداهما
على ملك مطلق والأخرى على ملك موقت وكل ذلك بسبب أو بغير سبب فان قامت البينتان على ملك مطلق من
غير سبب فإنه يقضى بالمدعى بينهما نصفان عند أصحابنا وللشافعي رحمه الله قولان في قول تتهاتر البينتان ويترك
المدعى في يد صاحب اليد وفى قول يقرع بينهما فيقضى لمن خرجت له القرعة منهما وجه قول الشافعي رحمه الله
ان العمل بالبينتين متعذر لتناف بين موجبهما لاستحالة كون العين الواحدة مملوكة لاثنين على الكمال في زمان واحد
فيبطلان جميعا إذ ليس العمل بإحداهما أولى من العمل بالأخرى لاستوائهما في القوة أو ترجح إحداهما بالقرعة
لورود الشرع بالقرعة في الجملة (ولنا) ان البينة دليل من أدلة الشرع والعمل بالدليلين واجب بالقدر الممكن فان أمكن
العمل بهما من كل وجه يعمل من كل وجه وان لم يمكن العمل بهما من كل وجه يعمل بهما من وجه كما في
سائر دلائل الشرع من ظواهر الكتاب والسنن المشهورة وأخبار الآحاد والأقيسة الشرعية إذا تعارضت وهنا
ان تعذر العمل بالبينتين باظهار الملك في كل المحل أمكن العمل بهما باظهار الملك في النصف فيقضى لكل واحد منهما
بالنصف ولو قامتا على ملك موقت من غير سبب فان استوى الوقتان فكذلك الجواب لأنه إذا لم يثبت سبق
أحدهما بحكم التعارض سقط التاريخ والتحق بالعدم فبقي دعوى الملك المطلق وإن كان وقت أحدهما أسبق
من الآخر فالأسبق أولى بالاجماع ولا يجئ هنا خلاف محمد رحمه الله لان البينة من الخارج مسموعة بلا
خلاف والبينتان قامتا من الخارجين فكانتا مسموعتين ثم ترجح إحداهما بالتاريخ لأنها أثبتت الملك في وقت
لا تعارضها فيه الأخرى فيؤمر بالدفع إليه إلى أن يقوم الدليل على أنه بأي طريق انتقل إليه الملك وان أرخت
إحداهما وأطلقت الأخرى من غير سبب يقضى بينهما نصفين عند أبي حنيفة ولا عبرة للتاريخ وعند أبي يوسف
يقضى لصاحب الوقت وعند محمد يقضى لصاحب الاطلاق وجه قول محمد ان البينة القائمة على الملك المطلق
أقوى لان الملك المطلق ملكه من الأصل حكما ألا ترى انه يظهر في الزوائد وتستحق به الأولاد والاكساب وهذا
حكم ظهور الملك من الأصل ولا يستحق ذلك بالملك الموقت فكانت البينة القائمة عليه أقوى فكان القضاء بها أولى
(وجه) قول أبى يوسف رحمه الله ما ذكرنا ان البينة المؤرخة تظهر الملك في زمان لا تعارضها فيه البينة المطلقة عن التاريخ
236

بيقين بل تحتمل المعارضة وعدمها فلا تثبت المعارضة بالشك فتثبت بينة صاحب التاريخ بلا معارض فكان صاحب
التاريخ أولى وجه قول أبي حنيفة رحمه الله ما مر أيضا ان الملك الموقت يحتمل أن يكون سابقا ويحتمل أن يكون
متأخرا لاحتمال أن صاحب الاطلاق لو أرخ لكان تاريخه أقدم يثبت مع الاحتمال فسقط اعتبار التاريخ
فبقي دعوى الملك المطلق هذا إذا قامت البينتان من الخارجين على ذي اليد على الملك من غير سبب فإن كان ذلك
بسبب فنقول لا يخلو اما ان ادعيا الملك بسبب واحد من الإرث أو الشراء أو النتاج ونحوها واما ان ادعياه بسببين
فان ادعيا الملك بسبب واحد فإن كان السبب هو الإرث فإن لم توقت البينتان فهو بينهما نصفان اما ذكرنا ان الملك
الموروث هو ملك الميت بعد موته وانه وإنما الوارث يخلفه ويقوم مقامه في ملكه ألا ترى أنه يجهز من التركة ويقضى منها
ديونه ويرد الوارث بالعيب ويرد عليه فكان المورثين حضر أو ادعيا ملكا مطلقا عن الوقت وان وقتا وقتا فإن كان
وقتهما واحدا فكذلك لما مرو إن كان أحد الوقتين أسبق يقضى لم هو أسبق وقتا عند أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله وعند محمد رحمه الله يقضى بينهما نصفين ولا عبرة للتاريخ عنده في الميراث لما مر أن الموروث ملك الميت
والوارث قام مقامه فلم يكن الموت تاريخا لملك الوارث فسقط التاريخ لملكه والتحق بالعدم فبقي دعوى الملك المطلق
عن التاريخ فيستويان فيه وعن محمد انهما ان لم يؤرخا ملك الميتين فكذلك فاما إذا أرخا ملك الميتين فيقضى لأسبقهما
تاريخا ذكره في نوادر هشام وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله يقولان بل الوارث بإقامة البينة يظهر الملك للمورث
لا لنفسه فيصير كأنه حضر المورثان وأقام كل واحد منهما بينة مؤرخة وتاريخ أحدهما أسبق ولو كان كذلك لقضى
لأسبقهما وقتا لاثباته الملك في وقت لا تعارضه فيه بينة الاخر كذا هذا ولو وقتت إحداهما ولم توقت الأخرى يقضى
بينهما نصفان بالاجماع أما عند محمد فان التاريخ في باب الميراث ساقط فالتحق بالعدم وأما عند هما فيصير كان
المورثين الخارجين حضرا وادعيا ملكا فارخه أحدهما ولم يؤرخه الآخر وهناك كان المدعى بينهما نصفين فكذا هنا
لأنهما ادعيا تلقى الملك من رجلين ولا عبرة فيه بالتاريخ وإن كان السبب هو الشراء فنقول لا تخلو اما أن تكون الدار
في يد ثالث واما أن تكون في يد أحدهما وكل ذلك لا يخلو اما ان ادعيا الشراء من واحد واما ان ادعياه من اثنين فإن كانت
في يد ثالث وادعيا الشراء من واحد فإن كان صاحب اليد وأقاما البينة على الشراء منه بثمن معلوم ونقد الثمن
مطلقا عن التاريخ وذكر القبض يقضى بينهما نصفين عندنا وللشافعي فيه قول تتهاتر البينتان وفى قول
يقرع بينهما فيقضى لمن خرجت له القرعة وهي مسألة التهاتر وقد تقدمت وإذا قضى بالدار بينهما نصفين يكون لهما
الخياران شاء أخذ كل واحد منهما نصف الدار بنصف الثمن وان شاء نقض لان غرض كل واحد منهما من الشراء
الوصول إلى جميع المبيع ولم يحصل فأوجب ذلك خللا في الرضا فلذلك أثبت لهما الخيار فان اختار كل واحد منهما
أخذ نصف الدار رجع على البائع بنصف الثمن لأنه لم يحصل له الا نصف المبيع وان اختار الرد رجع كل واحد منهما
بجميع الثمن لأنه انفسخ البيع فان اختار أحدهما الرد والآخر الاخذ فإن كان ذلك بعد قضاء القاضي وتخييره إياهما
فليس له ان يأخذ الا النصف بنصف الثمن لان حكم القاضي بذلك أوجب انفساخ العقد في حق كل واحد منهما في
النصف فلا يعود الا بالتحديد كما إذا قضى القاضي بالدار المشفوعة للشفيعين ثم سلم أحدهما الشفعة لا يكون لصاحبه
الا نصف الدار فاما إذا اختار أحدهما ترك الخصومة قبل تخيير القاضي فللآخران يأخذ جميع المبيع بجميع الثمن
لان المستحق بالعقد كل البيع والامتناع بحكم المزاحمة فإذا انقطعت فقد زال المانع كأحد الشفيعين إذا سلم الشفعة قبل
قضاء القاضي بالدار المشفوعة يقضى لصاحبه بالكل وكذلك إذا ادعى كل واحد منهما الشراء من رجل آخر سوى
صاحب اليد وأقام البينة على ذلك يقضى بالدار بينهما نصفين عندنا وثبت الخيار لكل واحد منهما والكلام في توابع
الخيار على نحو ما بينا غير أن هناك الشهادة القائمة على الشراء من صاحب اليد وهو البائع تقبل من غير ذكر الملك له
والشهادة القائمة على الشراء من غير صاحب اليد لا تقبل الا بذكر الملك للبائع لأن المبيع في الفصل الأول في يد البائع
237

واليد دليل الملك فوقعت الغنية عن ذكره وفى الفصل الثاني المبيع ليس في يد البائع فدعت الحاجة إلى ذكره لصحة
البيع هذا إذا لم تؤرخ البينتان فاما إذا أرختا فان استوى التاريخان فكذلك لسقوط اعتبارهما بالتعارض فبقي
دعوى مطلق الشراء وإن كانت إحداهما أسبق تاريخا كانت أولى بالاجماع لأنها تظهر الملك في وقت لا تعارضها فيه
الأخرى فتندفع بها الأخرى ولو أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى فالمؤرخة أولى لأنها تظهر الملك في زمان
معين والأخرى لا تتعرض للوقت فتحتمل السبق والتأخير فلا تعارضها مع الشك والاحتمال ولو لم تؤرخ البينتان
ولكن ذكرت إحداهما القبض فهي أولى لأنها لما أثبتت قبض المبيع جعل كان بيع صاحب القبض أسبق
فيكون أولى وكذلك لو ذكرت إحداهما تاريخا والأخرى قبضا فبينة القبض أولى الا ان تشهد بينة التاريخ ان
شراءه قبل شراء الآخر فيقضى له ويرجع الآخر بالثمن على البائع وكذا لو أرخا تاريخا واحدا وذكرت إحداهما
القبض فبينة القبض أولى الا إذا كان وقت الآخر أسبق هذا إذا ادعيا الشراء من واحد وهو صاحب اليد أو
غيره فاما إذا ادعيا الشراء من اثنين سوى صاحب اليد مطلقا عن الوقت وأقاما البينة على ذلك يقضى بينهما
نصفين لأنهما ادعيا تلقى الملك من؟ البائعين فقاما مقامهما فصار كان البائعين الخارجين حضرا وأقاما البينة على
ملك مطلق ولو كان كذلك يقضى بينهما نصفين كذا هذا ويثبت لهما الخيار والكلام في الخيار على نحو ما ذكرنا
ولو وقتت البينتان فإن كان وقتهما واحدا فكذلك وإن كان أحدهما أسبق من الآخر فالأسبق تاريخا أولى
عند أبي حنيفة وأبى يوسف وكذا عند محمد في رواية الأصول بخلاف الميراث أنه يكون بينهما نصفان عنده ووجه
الفرق له ذكره الداري وهو أن المشترى يثبت الملك لنفسه والوارث يثبت الملك للميت عن محمد في الاملاء انه سوى
بين الميراث والشراء وقال لا عبرة بالتاريخ في الشراء أيضا الا أن يؤرخا ملك البائعين وان وقتت إحداهما ولم توقت
الأخرى يقضى بينهما نصفين ولا عبرة للتاريخ أيضا فرق بين هذا وبين ما إذا ادعيا الشراء من رجل واحد
فوقتت بينة أحدهما وأطلقت الأخرى أن بينة الوقت أولى ووجه الفرق انهما إذا ادعيا الشراء من اثنين فقد
ادعيا تلقى الملك من البائعين فتاريخ احدى البينتين لا يدل على سبق أحد الشراءين بل يجوز أن يكون شراء صاحبه
أسبق من شرائه فلا يحكم بسبق أحدهما مع الاحتمال فيقسم بينهما نصفين بخلاف ما إذا ادعيا الشراء من واحد لان
هناك اتفقا على تلقى الملك من واحد فتاريخ احدى البينتين أوجب تلقى الملك منه في زمان لا ينازعه فيه أحد فيؤمر
بالدفع إليه حتى يقوم على التلقي منه دليل آخر هذا إذا كانت الدار في يد ثالث فإن كانت في يد أحدهما فان ادعيا
الشراء من واحد فصاحب اليد أولى سواء أرخ الآخر أولم يؤرخ وسواء ذكر شهود القبض أولم يذكر لان القبض
من صاحب اليد أقوى لثبوته حسا ومشاهدة وقبض الآخر لم يثبت الا بينة تحتمل الصدق والكذب فكان
القبض المحسوس أولى فصار الحاصل ان القبض الثابت بالحس أولى من الثابت بالخبر ومن التاريخ أيضا والقبض
الثابت بالخبر أولى من التاريخ وان ادعيا الشراء من اثنين يقضى للخارج وسواء وقتت البينات أولا أو وقتت
إحداهما دون الأخرى الا إذا وقتتا وقت صاحب اليد أسبق لأنهما ادعيا تلقى الملك من البائعين فقاما مقام البائعين
فصار كان البائعين حضرا وأقاما البينة ولو كان كذلك يقضى للخارج كذا هذا بخلاف ما إذا كان البائع واحدا
لأنهما اتفقا على أن الملك لهما بالشراء من جهته ولأحدهما يد فيجعل كان شراء صاحب اليد أسبق وإن كان السبب
هن النتاج بان ادعى كل واحد من الخارجين انها دابته نتجت عنده فان أقام كل واحد منهما البينة على ملك مطلق
يقضى بينهما نصفين لاستواء الحجتين وتعذر العمل بهما باظهار الملك في كل المحل فليعمل بهما بالقدر الممكن وان أقاما
البينة على ملك موقت فان اتفق الوقتان فكذلك وان اختلفا يحكم سن الدابة ان علم وان أشكل فعند أبي حنيفة
يقضى لأسبقهما وقتا وعند هما يقضى بينهما وجه قولهما ان السن إذا أشكل يحتمل أن يكون موافقا لوقت هذا
ويحتمل أن يكون موافقا لوقت ذاك فسقط اعتبار الوقت وصار كأنهما سكتا عن الوقت أصلا وجه قول أبى
238

حنيفة رحمه الله أن وقوع الاشكال في السن يوجب سقوط اعتبار حكم السبق فبطل تحكيمه فبقي الحكم للوقت
فالأسبق أولى وهذا يشكل بالخارج مع ذي اليد وان خالف الوقتين جميعا فهو على ما ذكرنا في الخارج مع ذي اليد
وان أقام أحدهما البينة على النتاج والآخر على ملك مطلق فبينة النتاج أولى لما مر هذا إذا ادعى الخارجان الملك
من واحد أو اثنين بسببين متفقين من الميراث والشراء والنتاج فإن كان بسببين مختلفين فنقول لا يخلو اما إن كان
من اثنين واما إن كان من واحد فإن كان من اثنين يعمل بكل واحد من السببين بان ادعى أحدهما انه اشترى هذه الدابة
من فلان وادعى الاخر ان فلانا آخر وهبها له وقبضها منه قضى بينهما ادعيا تلقى الملك من البائع
والواهب فقاما مقامهما كأنهما حضرا وادعيا وأقاما البينة على ملك مرسل وكذا لو ادعى ثالث ميراثا عن أبيه فإنه
يقسم بينهم أثلاثا ولو ادعى رابع وصدقه يقسم بينهم أرباعا لما قلنا وإن كان ذلك من واحد ينظر إلى السببين فإن كان
أحدهما أقول يعمل به لان العمل بالراجح واجب وان استويا في القوة يعمل بهما بقدر الامكان على ما هو سبيل
دلائل الشرع بيان ذلك إذا أقام أحدهما البينة انه اشترى هذه الدار من فلان ونقده الثمن وقبض الدار وأقام
الآخر البينة ان فلانا ذاك وهبها له وقبضها يقضى لصاحب الشراء لأنه يفيد الحكم بنفسه والهبة لا تفيد الحكم الا
بالقبض فكان الشراء أولى (وكذلك) الشراء مع الصدقة والقبض لما قلنا وكذلك الشراء مع الرهن والقبض لأن الشراء
يفيد ملك الرقبة والرهن يفيد ملك اليد وملك الرقبة أقوى ولو اجتمعت البينتان مع القبض يقضى بينهما
نصفين لاستواء السببين (وقيل) هذا فيما لا يحتمل القسمة كالدابة والعبد ونحوهما (فأما فيما) يحتمل القسمة كالدار
ونحوها فلا يقضى لهما بشئ على أصل أبي حنيفة رحمه الله في الهبة من رجلين لحصول معنى الشيوع (وقيل) لافرق
بين ما يحتمل القسمة وبين ما لا يحتملها هنا لان هذا في معنى الشيوع الطارئ لقيام البينة على الكل وانه لا يمنع
الجواز (وكذلك) لو اجتمعت الصدقة مع القبض أو الهبة والصدقة مع القبض يقضى بينهما نصفين لاستواء
السببين لكن هذا إذا لم يكن المدعى في يد أحدهما فإن كان يقضى لصاحب اليد بالاجماع لما مر (ولو اجتمع) الرهن
والهبة أو الرهن والصدقة فالقياس أن تكون الهبة أولى (وكذا) الصدقة لان كل واحد منهما يفيد ملك الرقبة والرهن
يفيد ملك اليد والحبس وملك الرقبة أقوى وفى الاستحسان الرهن أولى لان المرهون عندنا مضمون بقدر الدين
فاما الموهوب فليس بمضمون أصلا فكان الرهن أقوى (ولو اجتمع) النكاحان بأن ادعت امرأتان وأقامت كل
واحدة منهما البينة على أنه تزوجها عليه يقضى بينهما نصفين لاستواء السببين (ولو اجتمع) النكاح مع الهبة أو الصدقة
أو الرهن فالنكاح أولى لأنه عقد يفيد الحكم بنفسه فكان أقوى ولو اجتمع الشراء والنكاح فهو بينهما نصفان عند أبي
يوسف وللمرأة نصف نصف القيمة على الزوج وعند محمد الشراء أولى وللمرأة القيمة على الزوج (وجه) قول محمد
ان الشراء أقوى من النكاح بدليل انه لا يصح البيع بدون تسمية الثمن ويصح النكاح بدون تسمية المهر وكذا
لا تصح التسمية بدون الملك في البيع وتصح في باب النكاح كما لو تزوج على جارية غيره دل ان الشراء أقوى من
النكاح (وجه) قوله أبى يوسف ان النكاح مثل الشراء فان حل واحد منهما معاوضة يفيد الحكم بنفسه هذا إذا ادعى
كل واحد منهما قدر ما يدعى الآخر فأما إذا ادعى أحدهما أكثر مما يدعى الآخر بان ادعى أحدهما كل الدار والآخر
نصفها وأقاما البينة على ذلك فإنه يقضى لمدعي الكل بثلاثة أرباع الدار ولمدعي النصف بربعها عند أبي حنيفة
وعندهما يقضى لمدعي الكل بثلثي الدار ولمدعي النصف بثلثها وإنما اختلف جوابهم لاختلافهم في طريق القسمة
فتقسم عنده بطريق المنازعة وهما قسما بطريق العدل والمضاربة (وتفسير) القسمة بطريق المنازعة ان ينظر إلى
القدر الذي وقع التنازع فيه فيجعل الجزء الذي خلا عن المنازعة سالما لمدعيه (وتفسير) القسمة على طريق العدل
والمضاربة ان تجمع السهام كلها في العين فتقسم بين الكل بالحصص فيضرب كل بسهمه كما في الميراث والديون المشتركة
المتزاحمة والوصايا فلما كانت القسمة عند أبي حنيفة على طريق المنازعة تجب مراعاة محل النزاع فهنا يدعى أحدهما
239

كل الدار والآخر لا ينازعه الا في النصف فبقي النصف الآخر خاليا عن المنازعة فيسلم لمدعي الكل لأنه يدعى
شيئا ينازعه فيه غيره ومن ادعى شيئا لا ينازعه فيه غيره يسلم له والنصف الآخر استوت فيه منازعتهما فيقضى بينهما
نصفين فكانت القسمة أرباعا ثلاثة أرباع الدار المدعي الكل وربعها لمدعي النصف ولما كانت القسمة عند هما على
طريق المضاربة يقسم الثمن على مبلغ السهام فيضرب كل واحد بسهمه فهنا أحدهما يدعى كل الدار والآخر يدعى
نصفها فيجعل أخسهما سهما فجعل نصف الدار بينهما وإذا جعل نصف الدار بينهما صار الكل سهمين فمدعي الكل
يدعى سهمين ومدعي النصف يدعى سهما واحدا فيعطى هذا سهما وذاك سهمين فكانت الدار بينهما أثلاثا
ثلثاها لمدعي الكل وثلثها لمدعي النصف والصحيح قسمة أبي حنيفة عليه الرحمة لان الحاجة إلى القسمة لضرورة
الدعوى والمنازعة ووقوع التعارض في الحجة ولا منازعة لمدعي الكل الا في النصف فلا يتحقق التعارض الا فيه
فيسلم له ما وراءه لقيام الحجة علية وخلوها عن المعارض فكان ما قاله أبو حنيفة عملا بالدليل بالقدر الممكن وانه واجب
هذا إذا كانت الدار في يد ثالث فإن كانت في أيديهما فبينة مدعي الكل أولى لأنه خارج لأنه يدعى على صاحبه النصف
الذي في يده ومدعي النصف لا يدعى شيئا هو في يد صاحبه لأنه لا يدعى الا النصف والنصف في يده فكان مدعي الكل
خارجا ومدعي النصف صاحب يد فكانت بينة الخارج أولى فيقضى له بالنصف الذي في يد صاحبه ويترك
النصف الذي في يده على حاله هذا إذا ادعى الخارجان شيئا في يد ثالث فأنكر الذي في يده فأقام البينة فإن لم يقم لهما
بينة وطلبا يمين المنكر يحلف لكل واحد منهما فان نكل لهما جميعا يقضى لهما بالنكول لان النكول حجة عندنا فان
حلف لاحد هما ونكل للآخر يقضى للذي يكل لوجود الحجة في حقه وان حلف لكل واحد منهما يترك المدعى
في يده قضاء ترك لا قضاء استحقاق حتى لو قامت لهما بينة بعد ذلك تقبل بينتهما ويقضى لهما بخلاف ما إذا أقاما البينة
وقضى بينهما نصفين ثم أقام صاحب اليد البينة على أنه ملكه انه لا تقبل بينته وكذا إذا أقام أحد المدعيين البينة على
النصف الذي استحقه صاحبه بعد ما قضى بينهما نصفين لا تسمع بينته (ووجه) الفرق ان بالترك في المدعى
عليه لم يكن كل واحد من المدعيين مقضيا عليه حقيقة فتسمع منهما البينة (فأما) صاحب اليد فقد صار مقضيا عليه
حقيقة وكذا كل واحد من المدعيين بعد ما قضى بينهما نصفين صار مقضيا عليه في النصف والبينة من المقضى عليه
غير مسموعة الا إذا ادعى التلقي من جهة المستحق أو ادعى النتاج وكذا لو ادعى بائع المقضى عليه أو بائع بائعه هكذا
وأقام البينة لا تسمع دعواه ولا تقبل بينته لان القضاء عليه قضاء على الباعة كلهم في حق بطلان الدعوى ان لم يكن
قضاء عليهم في حق ولاية الرجوع بالثمن الا إذا قضى القاضي لهذا المشترى بالرجوع على بائعه بالثمن فيرجع هذا البائع
على بائعة أيضا هكذا فرق بين هذا وبين لحرية الأصلية ان القضاء بالحرية قضاء على الناس كلهم في حق بطلان
الدعوى وثبوت ولاية الرجوع بالثمن على الباعة (ووجه) الفرق بين الملك والعتق على نحو ما ذكرنا من قبل هذا إذا
أنكر الذي في يده فان أقر به لأحدهما (فنقول) هذا لا يخلو من أحد وجهين اما إن كان قبل إقامة البينة واما إن كان
بعد إقامة البينة فان أقر قبل إقامة البينة جاز اقراره ودفع إلى المقر له لان المدعى في يده وملكه من حيث الظاهر فيملك
التصرف فيه بالاقرار وغيره وان أقر بعد إقامة البينة قبل التزكية لم يجز اقراره لأنه تضمن ابطال حق الغير وهو البينة
فكان اقرار على غيره فلا يصح في حق ذلك الغير ولكن يؤمر بالدفع إلى المقر له لان اقراره في حق نفسه صحيح وكذا
البينة قد لا تتصل بها التزكية فيؤمر بالدفع إلى المقر له في الحال فإذا زكيت البينتان يقضى بينهما نصفين لأنه تبين ان
المدعى كان بينهما نصفين فظهر ان اقراره كان ابطالا لحق الغير فلم يصح فالتحق بالعدم وان أقر بعد إقامة البينة وبعد
التزكية يقضى بينهما لما قلنا إن اقراره لم يصح فكان ملحقا بالعدم هذا كله إذا كانت الدعوى من الخارج على ذي
اليد أو من الخارجين على ذي اليد فأما إذا كانت من صاحب ليد أحدهما على الآخر بأن كان المدعى في أيديهما فان
أقام أحدهما البينة انه يقضى له بالنصف الذي في يد صاحبه والنصف الذي كان في يده ترك في يده وهو معنى قضاء الترك
240

ولو أقام كل واحد منهما البينة انه له يقضى لكل واحد منهما بالنصف الذي في يد صاحبه لان كل واحد منهما في ذلك
النصف خارج ولو لم تقم لاحد هما بينة يترك في أيديهما قضاء ترك حتى لو قامت لأحدهما بعد ذلك بينة تقبل لأنه لم
يصر مقضيا عليه حقيقة هذا إذا لم توقت البينتان فان وقتا فان اتفق الوقتان فكذلك وان اختلفا فالأسبق أولى
عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله (وأما) عند محمد فلا عبرة للوقت في بينة صاحب اليد فيكون بينهما نصفين
وان وقت إحداهما دون الأخرى يكون بينهما عند أبي حنيفة ومحمد والوقت ساقط وعند أبي يوسف هو
لصاحب الوقت وقد مرت الحجج قبل هذا والله تعالى أعلم (وأما) حكم تعارض البينتين القائمتين على قدر الملك
فالأصل فيه ان البينة المظهرة للزيادة أولى كما إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن فقال البائع بعتك هذا العبد بألفي درهم
وقال المشترى اشتريته منك بألف درهم وأقاما البينة فإنه يقضى ببينة البائع لأنها تظهر زيادة الف وكذا لو اختلفا
في قدر المبيع فقال البائع بعتك هذا العبد بألف وقال المشترى اشتريت منك هذا العبد وهذه الجارية بألف وأقاما
البينة يقضى ببينة المشترى لأنها تظهر زيادة وكذا لو اختلف الزوجان قدر المهر فقال الزوج تزوجتك على الف
وقالت المرأة على الفين وأقاما البينة يقضى ببينة المرأة لأنها تظهر فضلا ثم إنما كانت بينة الزيادة أولى لأنه لا معارض
لها في قدر الزيادة فيجب العمل بها في ذلك القدر لخلوها عن المعارض ولا يمكن الا بالعمل في الباقي فيجب العمل بها في
الباقي ضرورة وجوب العمل بها في الزيادة ولا يلزم على هذا الأصل ما إذا اختلف الشفيع والمشترى في قدر ثمن الدار
المشفوعة فقال الشفيع اشتريتها بألف وقال المشترى بألفين وأقاما البينة انه يقضى ببينة الشفيع عند أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله وإن كانت بينة المشترى تظهر الزيادة لان البينة إنما تقبل من المدعى لأنها جعلت حجة المدعى في الأصل
والمدعى هناك هو الشفيع لوجود حد المدعى فيه وهو أن يكون مخيرا في الخصومة بحيث لو تركها يترك ولا يجبر عليها فأما
المشترى فمجبور على الخصومة ألا ترى لو تركها لا يترك بل يجبر عليها فكان هو مدعى عليه والبينة حجة المدعى لا حجة
المدعى عليه في الأصل لذلك قضى ببينة الشفيع لا ببينة المشترى بخلاف ما إذا اختلف البائع والمشترى في
قدر الثمن لان هناك البائع هو المدعى لان المخير في الخصومة ان شاء خاصم وان شاء لا وفيما إذا اختلفا في قدر
المبيع المدعى هو المشترى الا ترى لو ترك الخصومة يترك وكذا في باب النكاح المدعى في الحقيقة هو المرأة لما قلنا فهو
الفرق ووجه آخر من الفرق ذكرناه في كتاب الشفعة وعلى هذا يخرج اختلاف المتبايعين في أحل الثمن في أصل
الأجل أوفى قدره وأقاما البينة أن البينة بينة المشترى لأنها تظهر الزيادة وكذا لو اختلفا في مضيه وأقاما البينة فالبينة
بينة المشترى انه لم يمض لأنها تظهر زيادة وعلى هذا يخرج اختلافهما في المسلم فيه في قدره أو جنسه أو صفته مع اتفاقهما
على رأس المال وأقاما البينة بعد تفرقهما ان البينة بينة رب السلم ويقضى بسلم واحد بالاجماع لأنهما اتفقا على أن المسلم
إليه لم يقبض الا رأس مال واحد وان اختلفا قبل التفرق فكذلك ويقضى بسلم واحد عند أبي حنيفة وأبى يوسف
وعند محمد تقبل البينتان جميعا ويقضى بسلمين (وجه) قول محمد ان كل واحد من البينتين قامت على عقد على حدة
لاختلاف البدلين فيعمل بهما جميعا ويقضى بسلمين إذ لا تنافي بينهما ولهما انهما اتفقا على عقد واحد وإنما اختلفا في
قدر المعقود عليه قدرا أو جنسا أو صفة وبينة رب السلم تظهر زيادة فكانت أقوى ولو اختلفا في رأس المال في قدره
أو جنسه أو صفته مع اتفاقهما على المسلم فيه فالبينة بينة المسلم إليه عند هما وعنده تقبل البينتان جميعا ويقضى بسلمين
والحجج على نحو ما ذكرنا هذا إذا تصادقا ان رأس المال كان دينا فان تصادقا انه عين واختلفا في المسلم فيه فإن كان رأس
المال عينا واحدة يقضى بسلم واحد كما إذا قال رب السلم أسلمت إليك هذا الثوب في كر حنطة وقال المسلم إليه في كر
شعير فالبينة بينة رب السلم لان رأس المال إذا كان عينا واحدة لا يمكن ان يجعل عقد ين فيجعل عقدا واحدا وبينة
رب السلم تظهر زيادة فكانت أولى بالقبول وإذا كان عينين بان قال رب السلم أسلمت إليك هذا الفرس في كر حنطة
وقال المسلم إليه هذا الثوب في كر شعير يقضى بسلمين بالاجماع لأنه يمكن ان يجعل عقد ين فيجعل سلمين هذا كله
241

إذا كانت الدعوى دعوى الملك فاما دعوى اليد بان تنازع رجلان في شئ يدعيه كل واحد منهما انه في يده فعلى كل
واحد منهما البينة على اليد لقوله عليه الصلاة والسلام البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه ولان الملك واليد كل
واحد منهما مقصود في نفسه فتقع الحاجة إلى اثبات كل واحد منهما بالبينة فان أقاما جميعا البينة يقضى بكونه في أيديهما
لاستوائهما في الحجة وان أقام أحدهما البينة صار صاحب يد وصار مدعى عليه وان لم تقم لأحدهما بينة فعلى كل
واحد منهما اليمين لقوله عليه الصلاة والسلام واليمين على من أنكر وكل واحد منهما ينكر دعوى صاحب اليد
فيحلف هذا كله إذا قامت البينتان على الملك أو على اليد فاما إذا قامت احدى البينتين على الملك والأخرى على اليد
فبينة الملك أولى نحو ما إذا أقام الخارج البينة على أن الدار له منذ سنتين وأقام ذو اليد البينة على أنها في يده منذ ثلاث
سنين يقضى بها للخارج لان البينة القائمة على الملك أقوى لان اليد قد تكون محقة وقد تكون مبطلة كيد الغصب
والسرقة واليد المحقة قد تكون يد ملك وقد تكون يد إعارة وإجارة فكانت محتملة فلا تصلح بينتها معارضة لبينة الملك
(واما) دعوى النسب فالكلام في النسب في الأصل في ثلاثة مواضع في بيان ما يثبت به النسب وفي بيان ما يظهر
به النسب وفي بيان صفة النسب الثابت اما ما يثبت به النسب فالكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان ما يثبت
به نسب الولد من الرجل والثاني في بيان ما يثبت به نسبه من المرأة اما الأول فنسب الولد من الرجل لا يثبت الا
بالفراش وهو ان تصير المرأة فراشا له لقوله عليه الصلاة والسلام الولد للفراش وللعاهر الحجر وقوله عليه الصلاة
والسلام الولد للفراش أي لصاحب الفراش الا انه أضمر المضاف فيه اختصارا كما في قوله عز وجل وأسأل القرية
ونحوه والمراد من الفراش هو المرأة فإنها تسمى فراش الرجل وإزاره ولحافه وفى التفسير في قوله عز شأنه وفرش مرفوعة
انها نساء أهل الجنة فسميت المرأة فراشا لما انها تفرش وتبسط بالوطئ عادة ودلالة الحديث من وجوه ثلاثة أحدها
ان النبي عليه الصلاة والسلام أخرج الكلام مخرج القسمة فجعل الولد لصاحب الفراش والحجر للزاني فاقتضى ان
لا يكون الولد لمن لا فراش له كما لا يكون الحجر لمن لا زنا منه إذ القسمة تنفى الشركة والثاني انه عليه الصلاة والسلام
جعل الولد لصاحب الفراش ونفاه عن الزاني بقوله عليه الصلاة والسلام وللعاهر الحجر لان مثل هذا الكلام
يستعمل في النقي والثالث انه جعل كل جنس الولد لصاحب الفراش فلو ثبت نسب ولد لمن ليس بصاحب الفراش
لم يكن كل جنس الولد لصاحب الفراش وهذا خلاف النص فعلى هذا إذا زنى رجل بامرأة فجاءت بولد فادعاه الزاني
لم يثبت نسبه منه لانعدام الفراش واما المرأة فيثبت نسبه منها لان الحكم في جانبها يتبع الولادة على ما نذكر إن شاء الله
تعالى وقد وجدت وكذلك لو ادعى رجل عبدا صبيا في يد رجل انه ابنه من الزنا لم يثبت منه كذبه المولى
فيه أو صدقه لما قلنا ولو هلك الولد بوجه من الوجوه عتق عليه لأنه أقر انه مخلوق من مائه وان ملك أمه لم تصر أم ولد له لان
أمومية الولد تتبع ثبات النسب ولم يثبت وكذلك لو كان هذا العبد لأب المدعى أو عمه لما ذكرنا ولو كان لابن المدعى فقال
هو ابني من الزنا يثبت نسبه منه وهو مخطئ في قوله من الزنا لأنه يصير متملكا الجارية عندنا قبيل الاستيلاد أو مقارنا
له ولا يتحقق الوطئ زنا مع ثبوت الملك ولو كان المدعى غير الأب فقال هو ابني منها ولم يقل من الزنا فان صدقه المولى
ثبت نسبه منه ويكون عبد المولى الام وان كذبه لا يثبت النسب للحال وإذا ملكه المدعى يثبت النسب ويعتق
عليه لان الاقرار بالبنوة مطلقا عن الجهة محمول على جهة مصححة للنسب وهي الفراش الا انه لم يظهر نفاذه للحال لقيام
ملك المولى فإذا ملكه زال المانع وكذلك لو قال هو ابني من نكاح فاسد أو شراء فاسد وادعى شبهة بوجه من الوجوه أو
قال أحلها لي الله ان صدقه المولى يثبت النسب وان كذبه لم يثبت النسب ما دام عبدا فإذا ملكه يثبت النسب ويعتق
عليه لأن العقد الفاسد ملحق بالصحيح في ثبات النسب وكذلك الشبهة فيه ملحقة بالحقيقة فكان هذا اقرار بالنسب
بجهة مصححة للنسب شرعا الا انه امتنع ظهوره للحال لحق المولى فإذا زال ظهر وعتق لأنه ملك ابنه وان ملك انها كانت
أم ولد له لأنه وجد سبب أمومية الولد وهو ثبوت النسب بناء على وجود سبب الثبوت وهو الاقرار بالنسب بجهة
242

مصححة له شرعا الا انها توقف على شرطها وهو الملك وقد وجد بخلاف الفصل الأول لان هناك لم يوحد سبب
أمومية الولد أصلا لانعدام سبب ثبوت النسب وهو الاقرار بجهة مصححة شرعا وعلى هذا إذا تصادق الزوجان
على أن الولد من الزنا من فلان لا يثبت النسب منه ويثبت من الزوج لان الفراش له على هذا إذا ادعى رجل صبيا
في يد امرأة فقال هو ابني من الزنا وقالت المرأة هو من النكاح لا يثبت نسبه من الرجل ولا من المرأة لان الرجل أقرانه
ابنه من الزنا والزنا لا يوجب النسب والمرأة تدعى النكاح والنكاح لا بد له من حجة وكذلك لو كان الامر على العكس
بان ادعى الرجل انه ابنه من النكاح وادعت المرأة انه من الزنا لما قلنا ولو قال الرجل بعد ذلك في الفصل الأول هو من
النكاح أو قالت المرأة بعد ذلك في الفصل الثاني هو من النكاح يثبت النسب وإن كان ذلك منهما تناقضا لان التناقض
ساقط الاعتبار شرعا في باب النسب كما هو ساقط الاعتبار شرعا في باب العتق لما ذكرنا والله سبحانه وتعالى أعلم
وأما الثاني فنسب الولد من المرأة يثبت بالولادة سواء كان بالنكاح أو بالسفاح لان اعتبار الفراش إنما عرفناه بالحديث
وهو قوله عليه الصلاة والسلام الولد للفراش أي لمالك الفراش ولا فراش للمرأة لأنها مملوكة وليست بمالكه فبقي
الحكم في جانبها متعلقا بالولادة وإذا عرفت ان سب الولد من الرجل لا يثبت الا إذا صارت المرأة فراشا له فلا بد
من معرفة ما تصير به المرأة فراشا وكيفية عمله في ذلك فنقول وبالله التوفيق المرأة تصير فراشا بأحد أمرين أحدهما
عقد النكاح والثاني ملك اليمين الا ان عقد النكاح يوجب الفراش بنفسه لكونه عقد ا موضوعا لحصول الولد شرعا
قال النبي عليه الصلاة والسلام تناكحوا توالدوا تكثروا فانى أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط وكذا الناس
يقدمون على النكاح لغرض التوالد عادة فكان النكاح سببا مفضيا إلى حصول الولد فكان سببا لثبات النسب بنفسه
ويستوى فيه النكاح الصحيح والفاسد إذا اتصل به الوطئ لان النكاح الفاسد ينعقد في حق الحكم عند بعض
مشايخنا لوجود ركن العق من أهله في محله والفاسد ما فاته شرط من شرائط الصحة وهذا لا يمنع انعقاده في حق
الحكم كالبيع الفاسد الا انه يمنع من الوطئ لغيره وهذا لا يمنع ثبات النسب كالوطئ في حالة الحيض والنفاس
وسواء كانت المنكوحة حرة أو أمة لان المقصود من فراش الزوجية لا يختلف واما ملك اليمين ففي أم الولد يوجب
الفراش بنفسه أيضا لأنه ملك يقصد به حصول الولد عادة كملك النكاح فكان مفضيا إلى حصول الولد كملك النكاح
الا انه أضعف منه لأنه لا يقصد به ذلك مثل ما يقصد بملك النكاح وكذا يحتمل النقل إلى غيره بالتزويج وينتفى بمجرد
النفي من غير لعان بخلاف ملك النكاح واما في الأمة فلا يوجب الفراش بنفسه بالاجماع حتى لا تصير الأمة فراشا
بنفس الملك بلا خلاف وهل تصير فراشا بالوطئ اختلف فيه قال أصحابنا رضى الله تعالى عنهم لا تصير فراشا الا
بقرينة الدعوة وقال الشافعي عليه الرحمة تصير فراشا بنفس الوطئ من غير دعوة وعبارة مشايخنا رحمهم الله في هذا
الباب ان الفراش ثلاثة فراش قوى وفراش ضعيف فراش وسط فالقوي فراش المنكوحة حتى يثبت النسب
من غير دعوة ولا ينتفى الا باللعان والوسط فراش الولد حتى يثبت النسب من غير دعوة وينتفى بمجرد النفي من غير
لعان والضعيف فراش الأمة حتى لا يثبت النسب فيه الا بالدعوة عندنا خلافا للشافعي (وجه) قوله إن ثبات النسب
منه لحصول الولد من مائه وهذا يحصل بالوطئ من غير دعوة لان الوطئ سبب لحصول الولد قصد منه ذلك أولا (ولنا)
ان وطئ الأمة لا يقصد به حصول الولد عادة لأنها لا تشتري للوطئ عادة بل الاستخدام والاسترباح ولو وطئت
فلا يقصد به حصول الولد عادة لان الولد لا يحصل الا بترك العزل والظاهر في الإماء هو العزل
والعزل بدون رضاهن مشروع فلا يكون وطؤها سببا لحصول الولد الا بقرينة الدعوة ولأنه لما ادعى علم بقرينة الدعوة
انه وطئها ولم يعزل عنها والوطئ من غير عزل سبب لحصول الولد فيثبت النسب حتى لو كان المولى وطئها وحصنها ولم
يعزل عنها لا يحل له النفي فيما بينه وبين الله تعالى عز شأنه بل تلزمه الدعوى والاقرار به لأنه إذا كان كذلك فالظاهر أنه
ولده فلا يحل له نفيه فيما وبين الله تعالى بلا خلاف بين أصحابنا رضى الله تعالى عنهم واختلفوا فيما إذا وطئها
243

وحصنها ولكن عزل عنها أولم يعزل عنها ولكنه لم يحصنها قال أبو حنيفة رضي الله عنه يحل له النفي وقال أبو
يوسف رحمه الله أحب إلى أن يدعو إذا كان وطئها ولم يعزل عنها وان لم يحصنها وقال محمد عليه الرحمة أحب إلى أن
يعتق ولد ها ويستمتع بأمه إلى أن يقرب موته فيعتقها وجه قول أبى يوسف انه إذا وطئها ولم يعزل عنها احتمل كون
الولد منه فلا يحل له النفي بالشك والاحتمال وجه قول أبي حنيفة انه إذا لم يحصنها احتمل كونه من غيره فلا يلزمه
الاقرار به بالشك لان غير الثابت بيقين لا يثبت بالشك كما أن الثابت بيقين لا يزول بالشك وجه قول محمد انه إذا
احتمل كونه من غيره لا يلزمه الاقرار به كما قاله أبو حنيفة رحمه الله ولما احتمل كونه منه لا يجوز له النفي أيضا كما قاله
أبو يوسف لكن يسلك فيه مسلك الاحتياط فيعتق الولد صيانة عن استرقاق الحر عسى ويستمتع بأمه لان
الاستمتاع بالأمة وأم الولد مباح ويعتقها وعند موته صيانة عن استرقاق الحرة بعد موته عسى ويستوى في فراش الملك
ملك كل المحل وبعضه وملك الذات وملك اليد في ثبوت النسب وبيان ذلك في مسائل إذا حملت الجارية في ملك
رجلين فجاءت بولد فادعاه أحدهما يثبت نسب الولد منه لان ماله من الملك أوجب النسب بقدره الا أن النسب
لا يتجزأ فمتى ثبت في البعض يتعدى إلى الكل وتصير الجارية أم ولد له وعليه نصف قيمتها لشريكه ونصف العقر
ولا يضمن قيمة الولد وهي من مسائل كتاب العتق ولو ادعياه جميعا معا فهو ابنهما والجارية أم ولد لهما وهذا عندنا وعند
الشافعي رحمه الله هو ابن أحدهما ويعين بقول القائف وجه قوله إن خلق ولد واحد من ماء فحلين مستحيل عادة
ما أجرى الله سبحانه وتعالى العادة بذلك الا في الكلاب على ما قيل فلا يكون الولد الامن أحدهما ويعرف ذلك
بقول القائف فان الشرع ورد بقبول قول القائف في النسب فإنه روى أن قائفا مر بأسامة وزيد وهما تحت قطيفة
واحدة قد غطى وجوههما وأرجلهما بادية فقال إن هذه الاقدام يشبه بعضها بعضا فسمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم ففرح بذلك حتى كادت تبرق أسارير وجهه عليه الصلاة والسلام فقد اعتبر عليه الصلاة والسلام قول القائف
حيث لم يرد عليه بل قرره باظهار الفرح (ولنا) اجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روى أنه وقعت هذا الحادثة
في زمن سيدنا عمر رضي الله عنه فكتب إلى شريح لبسا فلبس عليهما ولو بينا لبين تهما هو ابنهما يرثهما ويرثانه كان
ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينقل انه أنكر عليه منكر فيكون اجماعا لان سبب استحقاق النسب بأصل الملك قد
وجد لكل واحد منهما فيثبت بقدر الملك حصة للنسب ثم يتعدى لضرورة عدم التجزى فيثبت نسبه من كل واحد
منهما على الكمال وأما فرح النبي عليه الصلاة والسلام وترك الرد والنكر فاحتمل انه لم يكون لاعتباره قول القائف
حجة بل لوجه آخر وهوان الكفار كانوا يطعنون في يسب أسامة رضي الله عنه وكانوا يعتقدون القيافة فلما قال القائف
ذلك فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم لظهور بطلان قولهم بما هو حجة عندهم فكان فرحه في الحقيقة بزوال الطعن
بما هو دليل الزوال عندهم والمحتمل لا يصلح حجة وكذلك لو كانت الجارية بين ثلاثة أو أربعة أو خمسة فادعوه
جميعا معا فهو ابنهم جميعا ثابت نسبه منهم والجارية أم ولد لهم عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف لا يثبت من أكثر من
اثنين وقال محمد لا يثبت من أكثر من ثلاثة وجه قول أبى يوسف أن القياس يأبى ثبوت النسب من أكثر
من رجل واحد لما ذكرنا للشافعي الا انا تركنا القياس في رجلين باثر سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه فبقي حكم الزيادة
مردودا إلى أصل القياس وجه قول محمد ان الحمل الواحد يجوز أن يكون ثلاثة أولاد وكل واحد منهم يجوز أن يخلق من
ماء على حدة وقد جاء عن إبراهيم النخعي رحمه الله انه أثبت النسب من ثلاثة فاما الزيادة على الثلاثة في بطن واحد فنادر
غاية الندرة فالشرع الوارد في الاثنين يكون واردا في الثلاثة ولا بي حنيفة أن الموجب لثبات النسب لا يفصل بين
عدد الاثنين والخمسة فالفصل بين عدد وعدد يكون تحكما من غير دليل وسواء كانت الانصباء متفقة أو مختلفة بأن كان
لاحد هم السدس وللآخر الربع والآخر الثلث والآخر ما بقي فالولد ابنهم جميعا فحكم النسب لا يختلف لان سبب
ثبات النسب هو أصل الملك لا صفة المالك والله سبحانه وتعالى أعلم وأما حكم الاستيلاد فيثبت في نصيب كل
244

واحد بقدر حصته من الملك فلا يتعدى إلى نصيب غيره ولو كانت الجارية بين الأب والابن فجاءت بولد فادعياه
جميعا معا فالأب أولى عند علمائنا الثلاثة وعند زفر رحمه الله يثبت النسب منهما جميعا وجه قوله إنهما استويا في سبب
الاستحقاق وهو أصل الملك فيستويان في الاستحقاق (ولنا) ان الترجيح لجانب الأب لان نصف الجارية
ملكه حقيقة وله حق تمليك النصف الآخر وليس للابن الا ملك النصف فكان الأب أولى ويتملك نصيب الابن من
الجارية بالقيمة ضرورة ثبوت الاستيلاد في نصيبه لأنه لا يتجزأ فلا يتصور ثبوته في البعض دون البعض كما في
الجارية المشتركة بين الأجنبيين ويضمن كل واحد منها للآخر نصف العقر لان الوطئ من كل واحد منهما في قدر
نصيب شريكه حصل في غير الملك كما في الأجنبيين يضمن كل واحد منهما نصف العقر للآخر ثم يكون النصف
بالنصف قصاصا كما في الأجانب وهذا بخلاف حالة الانفراد فان أمة لرجل إذا جاءت بولد فادعاه أبوه ثبت نسبه منه
ولا عقر على عند أصحابنا الثلاثة لان هناك صار متملكا الجارية ضرورة صحة الاستيلاد سابقا عليه أو مقارنا له
لانعدام حقيقة الملك فجعل الوطئ في الملك وههنا الاستيلاد صحيح بدون التملك لقيام حقيقة الملك في النصف فلا
حاجة إلى التملك لصحة الاستيلاد وانه صحيح بدونه وإنما يثبت ضرورة ثبوت الاستيلاد في نصيبه لأنه يحتمل
التجزي على ما ذكرنا هو الفرق وكذلك الجد عند عدم الأب لأنه بمنزلة الأب عند عدمه ولو كان بين الجد والحافد
جارية فجاءت بولد فادعياه معا والأب حي يثبت النسب منهما جميعا لان الجد حال قيام الأب بمنزلة الأجنبي ولو ادعى
الولد أحد المالكين وأب المالك الآخر فالمالك أولى لان له حقيقة الملك ولأب المالك الآخر حق التملك فكان المالك
الحقيقي أولى هذا كله إذا كان الشريكان المدعيان حرين مسلمين فإن كان أحدهما حرا والآخر عبدا فالحر أولى
لان اثبات النسب منه أنفع حيث يصل هو إلى حقيقة الحرية وأمه إلى حق الحرية وكذلك لو كان أحدهما حرا
والآخر عبدا مكاتبا فالحر أولى لان الولد يصل إلى حقيقة الحرية ولو كان أحدهما مكاتبا والا آخر عبدا فالمكاتب
أولى لأنه حر يدا فكان أنفع للولد ولو كانا عبدين يثبت النسب منهما جميعا لكن هل يشترط فيه تصديق المولى فيه
روايتان ومنهم من وفق بين الروايتين فحمل شرط التصديق على ما إذا كان العقد محجورا وحمل الأخرى على ما إذا
كان مأذونا عملا بهما جميعا ولو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا فالمسلم أولى استحسانا والقياس أن يثبت نسبه
منهما وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة وزفر وجه القياس أن النسب حكم الملك وقد استويا في الملك فيستويان في
حكمه كما في سائر الأحكام المتعلقة بالملك وجه الاستحسان ان اثبات النسب من المسلم أنفع للصبي لأنه يحكم بالسلامة
تبعا له وكذلك لو كان أحدهما كتابيا والآخر مجوسيا فالقياس ان يثبت النسب منهما لاستوائهما في الملك وفى
الاستحسان الكتابي أولى لأنه أقرب إلى الاسلام من المجوسي فكان أنفع للصبي ولو كان أحدهما عبدا مسلما أو
مكاتبا مسلما والآخر حرا كافرا فالحر أولى لان هذا أنفع للصبي لأنه يمكنه ان يكتسب الاسلام بنفسه إذا عقل
ولا يمكنه اكتساب الحرية بحال ولو كان أحدهما ذميا والاخر مرتدا فهو ابن المرتد لان ولد المرتد على حكم الاسلام
ألا ترى انه إذا بلغ كافرا يجبر على الاسلام وإذا أجبر عليه فالظاهر أنه يسلم فكان هذا أنفع للصبي هذا كله إذا خرجت
دعوة الشريكين معا فاما إذا سبقت دعوة أحدهما في هذه الفصول كلها كائنا من كان فهو أولى لان النسب إذا ثبت من
انسان في زمان لا يحتمل الثبوت من غيره بعد ذلك الزمان هذا إذا حملت الجارية في ملكهما فجاءت بولد فادعاه
أحدهما أو ادعياه جميعا فاما إذا كان العلوق قبل الشراء بان اشترياها وهي حامل فجاءت بولد فادعاه أحدهما فاما
حكم نسب الولد وصيرورة الجارية أم ولد له وضمان نصف قيمة الام موسرا كان أو معسرا فلا يختلف ويختلف حكم
العقر والولد فلا يجب العقر هنا ويجب هناك لان الاقرار بالنسب هنا لا يكون اقرار بالوطئ لتيقننا بعدم العلوق في الملك
بخلاف الأول والولد يكون بمنزلة عبد بين شريكين أعتقه أحدهما لان ابتداء العلوق لم يكن في ملكه فلم يجز اسناد
الدعوى إلى حالة العلوق الا انه ادعى نسب ولد بعضه على ملكه ودعوى الملك بمنزلة انشاء الاعتاق ولو أعتق هذا
245

الولد يضمن نصيب شريكه منه إن كان موسرا ولم يضمن إن كان معسرا كذا هذا بخلاف ما إذا علقت الجارية في
ملكهما لان هناك استندت الدعوة حال العلوق فسقط الضمان وهنا لا تستند فلا بد من افراد الولد بالضمان
والولاء بينهما وان ادعياه فهو ابنهما ولا عقر فواحد منهما على صاحبه كما في الأول ولا يفترقان الا في الولاء فان ثبت هنا
لا يثبت هناك لان الدعوة ثمة دعوة الاستيلاد فيعلق الولد حرا والدعوة هنا دعوة تحرير وانه يوجب استحقاق
الولاء قال عليه الصلاة والسلام الولاء لمن أعتق ولو كانت الجارية المشتراة زوجة أحدهما فجاءت بولد لأقل من
ستة أشهر يثبت نسبه من الزوج من غير دعوة لأنها إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر فقد تيقنا أن علوق الولد كان من
النكاح وعقد النكاح يوجب الفراش بنفسه ويضمن نصف قيمة الجارية لأنها صارت أم ولد له فصار متملكا
نصيب شريكه بالقيمة ولا يضمن قيمة الولد لأنه عتق عليه من غير صنعه ولو اشترى اخوان جارية حاملا فجاءت بولد
فادعاه أحدهما يثبت نسبه منه وعليه نصف قيمة الولد لان دعوته دعوة تحرير فإذا ادعاه فقد حرره والتحرير اتلاف
نصيب شريكه فيضمن نصف قيمته ولا يعتق الولد على عمه بالقرابة لان الدعوة من أخيه اعتاق حقيقة فيضاف
العتق إليه لا إلى القرابة هذا إذا ولدت الجارية المشتركة ولدا فادعاه أحد الشريكين أو ادعياه جميعا فأما إذا ولدت
ولدين فادعى كل واحد منهما ولدا على حدة فنقول هذا في الأصل لا يخلو اما أن ولدتهما في بطن واحد واما أن
ولدتهما في بطنين مختلفين والدعوتان اما أن خرجتا جميعا معا واما أن سبقت أحدهما الأخرى فان ولدت الجارية
الولدين في بطن واحد فان خرجت الدعوتان جميعا معا ثبت نسب الولدين منهما جميعا لان دعوة أحد التوأمين دعوة
الآخر لاستحالة الفصل بينهما في النسب لعلوقهما من ماء واحد فكانت دعوة أحدهما دعوة الاخر ضرورة وان
سبق أحدهما بالدعوة ثبت نسب الولدين منه لأنه ثبت نسب المدعى ومن ضرورته ثبوت نسب الآخر وعتقا جميعا
لعلوقهما حرى الأصل وصارت الجارية أم ولد له وغرم نصف العقر ونصف قيمة الجارية والله سبحانه وتعالى أعلم
هذا إذا ولدتهما في بطن واحد فأما إذا ولدتهما في بطنين مختلفين فان خرجت الدعوتان جميعا معا ثبت نست الأكبر
من مدعى الأكبر بلا شك وصارت الجارية أم ولد له وغرم نصف قيمة الجارية ونصف العقر المدعى الأصغر وهل
يثبت نسب الولد الأصغر من مدعى الأصغر فالقياس ان لا يثبت الا بتصديق مدعى الأكبر وفى الاستحسان يثبت
وجه القياس ان الجارية صارت أم ولد لمدعى الأكبر لثبوت نسب الأكبر منه فمدعى الأصغر يدعى ولد أم ولد الغير
من ادعى ولد أم ولد الغير لا يثبت نسبه منه الا بتصديقه ولم يوجد وجه الاستحسان أن مدعى الأكبر غير مدعى
الأصغر حيث أخر الدعوة إلى دعوته فصار مدعى الأصغر بتأخير دعوة الأكبر مغرورا من جهته وولد المغرور ثابت
النسب حر بالقيمة وعلى مدعى الأصغر العقر لمدعى الأكبر لكن نصف العقر أوكله ففيه اختلاف الروايتين والتوفيق
+ بينهما ممكن لان رواية نصف العقر على مدعى الأصغر جواب حاصل ما عليه من العقر بعد القصاص وهو النصف
ورواية الكل بيان ما عليه قبله لان مدعى الأكبر قد غرم نصف العقر لمدعى الأصغر فالنصف بالنصف يلتقيان
قصاصا فلا يبقى على مدعى الأصغر بعد المقاصة الا النصف فأمكن التوفيق بين الروايتين من هذا الوجه وعلى مدعى
الأصغر قيمة الولد الأصغر لأنه ولد المغرور وولد المغرور حر بالقيمة باجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم فإذا على
مدعى الأصغر نصف العقر وكل قيمة الولد وعلى مدعى الأكبر نصف قيمة الجارية لصيرورتها أم ولد له فيصير
نصف قيمة الجارية الذي على مدعى الأكبر قصاصا بنصف العقر وقيمة الولد الذي على مدعى الأصغر ويترادان
الفضل هذا إذا خرجت الدعوتان جميعا معا فادعى أحدهما الأكبر والاخر الأصغر فاما إذا سبق أحدهما بالدعوة
فان ادعى السابق الأكبر أولا فقد ثبت نسب الأكبر منه وعتق وصارت الجارية تأم ولد له وغرم لشريكه نصف
قيمة الجارية ونصف العقر بعد ذلك إذا ادعى الآخر الأصغر فقد ادعى ولد أم ولد الغير فلابد من التصديق لثبات
النسب فان صدقه ثبت النسب ويكون على حكم أمه وان كذبه لا يثبت النسب هذا إذا ادعى السابق بالدعوة الأكبر
246

أولا فاما إذا ادعى الأصغر أولا ثبت نسب الأصغر منه وعتق وصارت الجارية أم ولد له وضمن نصف قيمتها
ونصف عقرها لشريكه الآخر والأكبر بعد رقيق بينهما لأنه ولد جارية مملوكة بينهما لم يدعه أحد فإذا ادعاه الشريك
الآخر بعد ذلك صار كعبد بين اثنين أعتقه أحدهما عتق نصيبه وثبت نسبه منه والشريك الآخر بالخياران شاء
أعتق نصيبه وان شاء ضمن المعتق قيمة نصيبه إن كان موسرا وإن كان معسرا فله خيار الاعتاق والاستسعاء لاغير
وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله وعند هما إن كان موسرا فله تضمين الموسر لا غير وإن كان معسرا فله الاستسعاء على
ما علم في كتاب العتاق ولو قال أحدهما الأكبر ابني والأصغر ابن شريكي ثبت نسب الأكبر منه وصارت الجارية
أم ولد له وضمن نصف قيمة الجارية ونصف العقر لشريكه والأصغر ولد أم ولده أقر بنسبه لشريكه فان صدقه
شريكه ثبت نسبه منه ولا يعتق وان كذبه لا يثبت النسب وكذلك لو قدم وأخر بأن قال الأصغر ابني والأكبر ابن
شريكي ثبت نسب الأصغر منه ونسب الأكبر موقوف على تصديق شريكه ولو قال أحدهما الأصغر ابني والأكبر ابن
شريكي أو قدم وأخر فقال الأكبر ابن شريكي والأصغر ابني ثبت نسب الأصغر منه وعتق وصارت الجارية أم
ولد له وعتق وضمن لشريكه نصف قيمة الجارية ونصف العقر ونسب الأكبر موقوف على تصديق شريكه فان
صدقه ثبت النسب منه ويغرم لمدعى الأصغر نصف قيمة الأكبر وان كذبه صار كعبد بين شريكين شهد أحدهما
على صاحبه بالاعتاق وكذبه صاحبه لما علم في كتاب العتاق ولو ولدت جارية في يد انسان ثلاثة أولاد فادعى
أحدهم فنقول لا يخلو اما ان ولدوا في بطن واحد واما أن ولدوا في بطون مختلفة ولا يخلو اما ان ادعى أحدهم بعينه واما
ان ادعى أحدهم بغير عينه فان ولد وافى بطن واحد فادعى أحدهم بغير عينه فقال أحد هؤلاء ابني أو عين واحدا منهم
فقال هذا ابني عتقوا وثبت نسب الكل منه لان من ضرورة ثبوت نسب أحدهم ثبوت نسب الباقين لأنهم توأم علقوا
من ماء واحد فلا يفصل بين البعض والبعض في النسب وإذا ثبت نسبهم صارت الجارية أم ولد له هذا إذا ولد وافى
بطن واحد واما إذا ولدوا في بطون مختلفة فقال الأكبر ولدى ثبت نسبه منه وصارت الجارية أم ولد له وهل يثبت
نسب الأوسط والأصغر القياس أن يثبت وهو قول زفر رحمه الله ويكون حكمهما حكم الام وفى الاستحسان
لا يثبت وجه القياس ظاهر لأنه لما ثبت نسب الأكبر فقد صارت الجارية أم ولد له فكان الأوسط والأصغر ولد
أم الولد وولد أم الولد يثبت نسبه من مولاها من غير دعوة ما لم يوجد النفي منه ولم يوجد وجه الاستحسان أن النفي فيه
وان لم يوجد نصا فقد وجد دلالة وهو الاقدام على تخصيص أحد هم بالدعوة فان ذلك دليل نفى البواقي إذ لو لم يكن
كذلك لم يكن لتخصيص البعض مع استواء الكل في استحقاق الدعوة معنى هذا إذا ادعى الأكبر فاما إذا ادعى
الا وسط فهو حر ثابت النسب منه وصارت الجارية أم ولد له والأكبر رقيق لأنه ولد على ملكه ولم يدعه أحد وهل
يثبت نسب الأصغر فهو على ما ذكرنا من القياس والاستحسان هذا إذا ادعى الأوسط فاما إذا ادعى الأصغر فهو
حر ثابت النسب والجارية أم ولد له والأكبر والأوسط رقيقان اما ذكرنا هذا إذا ادعى أحدهم بعينه فاما إذا
ادعى بغير عينه فقال أحد هؤلاء ابني فان بين فالحكم فيه ما ذكرنا وان مات قبل البيان عتقت الجارية بلا شك لأنه لما
ادعى نسب أحدهم فقد أقران الجارية أم ولد له وأم الولد تعتق بموت السيد وأما حكم الأولاد في العتق فقد ذكرنا
الاختلاف فيه بين أبي حنيفة وصاحبيه رضوان الله تعالى عليهم في كتاب العتاق عبد صغير بين اثنين أعتقه أحدهما
ثم ادعاه الآخر ثبت نسبه منه عند أبي حنيفة رضوان الله ونصف ولائه للآخر وعند هما لا يثبت نسبه بناء على أن
الاعتاق يتجزأ عنده فيبقى نصيب المدعى على ملكه فتصح دعوته فيه وعندهما لا يتجزأ ويعتق الكل فلم يبق
للمدعى فيه ملك فلم تصح دعوته وإن كان العبد كبيرا فكذلك عنده لما ذكرنا انه يبقى الملك له في نصيبه وعندهما ان
صدقه العبد ثبت النسب وإلا فلا لأنه عتق كله باعتاق البعض فلابد من تصديقه ويخرج على الأصل الذي ذكرنا
دعوة العبد المأذون ولد جارية من اكسابه انها تصح ويثبت نسب الولد منه لان ملك اليد ثابت له وانه كاف لثبات
247

النسب ولو ادعى المضارب ولد جارية المضاربة لم تصح دعوته إذا لم يكن في المضارب ربح لأنه لابد لثبات النسب
من ملك ولا ملك للمضارب أصلا لا ملك الذات ولا ملك اليد إذا لم يكن في المضاربة ربح ولو ادعى ولدا من جارية
لمولاه ليس من تجارته وادعى ان مولاها أحلها له أو زوجها لا يثبت نسبه منه الا بتصديق المولى لأنه أجنبي عن
ملك المولى لانعدام الملك له فيه أصلا فالحق بسائر الأجانب الا في الحد فان كذبه المولى ثم عتق فملك الجارية بوجه من
الوجوه نفذت دعوته لأنه أقر بجهة مصححة للنسب لكن توقف نفاذه لحق المولى وقد زال ولو تزوج المأذون حرة
أو أمة فوطئها ثبت النسب منه سواء كان النكاح بإذن المولى أولا لان النسب ثبت بالنكاح صحيحا كان أو فاسدا وعلى
هذا دعوة المكاتب ولد جارية من اكسابه صحيحة لان ملك اليد والتصرف ثابت له كالمأذون وإذا ثبت نسب
الولد منه لم يجز بيع الولد ولا بيع الجارية أما الولد فلانه مكاتب عليه ولا يجوز بيع المكاتب وأما الام
فلانه له فيها حق ملك ينقلب ذلك الحق حقيقة عند الأداء فمنع من بيعها والعبد المسلم والذمي سواء في دعوى
النسب وكذا المكاتب المسلم والذمي لان الكفر لا ينافي النسب ويستوى في دعوته الاستيلاد وجود الملك
وعدمه عند الدعوة بعد إن كان العلوق في الملك فإن كان العلوق في غير الملك كانت دعوته دعوة تحرير فيشترط قيام الملك
عند الدعوة فإن كان في ملكه يصح وإن كان في ملك غير لا يصح الا بشرط التصديق أو البينة فنقول جملة الكلام
فيه ان الدعوة نوعان دعوة الاستيلاد ودعوة تحرير فدعوة الاستيلاد هي أن يكون علوق المدعى في ملك المدعى
وهذه الدعوة تستند إلى وقت العلوق وتتضمن الاقرار بالوطئ فيتبين انه علق حرا ودعوة التحرير هو أن يكون
علوق المدعى في غير ملك المدعى وهذا الدعوة تقتصر على الحال ولا تتضمن الاقرار بالوطئ لعدم الملك وقت العلوق
وبيان هذه الجملة في مسائل إذا ولدت جارية في ملك رجل لستة أشهر فصاعدا فلم يدع الولد حتى باع الام والولد
ثم ادعى الولد صحت دعوته ويثبت النسب منه وعتق وظهر أن الجارية أم ولد له ويبطل البيع في الجارية وفى
ولدها وهذا استحسان وفى القياس ان لا تصح دعوته ولا يثبت النسب لعدم الملك وقت الدعوة وجه الاستحسان
أن قيام الملك وقت الدعوة ليس بشرط لصحة هذه الدعوة بل الشرط أن يكون علوق الولد في الملك لأن هذه
الدعوة تستند إلى وقت العلوق فإذا كان علوق الولد في ملك المدعى فقد ثبت له حق استحقاق
النسب وانه لا يحتمل البطلان كما يحتمل حقيقة النسب فلم يبطل البيع وصحت دعوته وظهران الجارية
كانت أم ولد فلم يصح بيعها وبيع ولدها فيدها وولدها ويرد الثمن ولو لم يدعه البائع حتى خرج عن ملك المشتري
بوجه من الوجوه ينظر إن كان ذلك يحتمل الفسخ يفسخ وان لم يحتمله لا يفسخ الا لضرورة فيقول بيانه
إذا كان المشترى باع الولد أو وهبه أو رهنه أو آجره أو كاتبه فادعاه البائع نقض ذلك وثبت النسب لأن هذه
التصرفات مما يحتمل الفسخ والنقض وكذلك لو كان المشترى باع الام أو كاتبها أو رهنها أو آجرها أو زوجها لما قلنا
ولو كان أعتقها أو أعتق الولد لم بصح دعوة البائع لان العتق بعد ثبوته لا يحتمل البطلان الا لضرورة لأنه يعقبه أثرا
لا يحتمل البطلان وهو الولاء وكذلك لو مات الولد أو قتل لان الميت مستغن عن النسب وكذلك لو كان المشترى
باع الولد فأعتقه المشترى أو دبره أو مات عبده لم بصح دعوة البائع لما قلنا ولو كان المشترى أعتق الام أو دبرها دون
الولد صحت دعوته في الولد ولم تصح في الام وفسخ البيع في الولد ولا يفسح في الام لان المانع من الفسخ خص الام
ولا تصير الجارية أم ولد له لان أمومية الولد ليست من لوازم ثبات النسب بل تنفصل عنه في الجملة كمن استولد جارية
الغير بالنكاح يثبت نسب الولد منه ولا تصير لا الجارية أم ولد له للحال الا أن يملكها بوجه من الوجوه وإذا فسخ البيع في
الولد يرد البائع من الثمن حصة الولد فيقسم الثمن على قد قيمتهما فتعتبر قيمة الام يوم العقد وقيمة الولد يوم الولادة لأنه
إنما صار ولدا بالولادة فتعتبر يومئذ فيسقط قدر قيمة الام ويرد قدر قيمة الولد ولو كانت قطعت يد الولد عند
المشترى وأخذ أرضها ثم ادعاه البائع ثبت نسبه وسلم الأرش للمشترى لأن هذه دعوة الاستيلاد وانها تستند إلى
248

وقت العلوق ومن شأن المستند أن يثبت للحال أولا ثم يستند فيستدعى قيام المحل للحال لاستحالة ثبوت الحكم في الهالك
واليد المقطوعة هالكة فلا يمكن تصحيح الدعوة فيها بطريق الاستناد ويسقط عن البائع من الثمن حصة الولد لأنه
سلم البدل للمشترى وهو الأرش ولو ماتت الام ثم ادعى البائع الولد صحت دعوته وثبت النسب لان محل النسب قائم
وهو الولد وأمومية الولد ليست من لوازم ثبوت النسب لما تقدم فثبت نسب الولد وان لم تصر الجارية أم ولد له وهل يرد
جميع الثمن عند أبي حنيفة نعم وعندهما لا يرد الا قدر قيمة الولد فتعتبر القيمتان ويقسم الثمن على قدر قيمتهما فما أصاب
قيمة الام يسقط وما أصاب قيمة الولد يرد لأنه ظهر أن الجارية أم ولده ومن باع أم ولده ثم هلكت عند المشترى
لا تكون مضمونة عليه عنده وعندهما تكون مضمونة عليه ولقب المسألة أن أم الولد غير متقومة من حيث إنها مال
عنده عندهما متقومة وهي من مسائل العتاق وعلى هذا إذا باعها والحمل غير ظاهر فولدت في يد المشترى لأقل من
ستة أشهر فادعاه البائع وعلى هذا إذا حملت الجارية في ملكه فباعها وهي حامل فولدت عند المشترى لأقل من ستة
أشهر فادعاه البائع هذا إذا ولدت ولدا (فأما) إذا ولدت ولدين في بطن واحد فادعى البائع فان ادعاهما ثبت نسب
الولدين منه وهذا ظاهر وكذا إذا ادعى أحدهما صحت دعوته ولزمه الولدان جميعا لما مر أن التوأمين لا يحتملان
الفصل في النسب لانخلاقهما من ماء واحد فان ولدت أحدهما لأقل من ستة والآخر لأكثر من ستة أشهر فادعى
أحدهما ثبت نسبهما ويجعل كأنهما ولدتهما جميعا عند البائع لأقل من ستة أشهر كانا جميعا في البطن وقت
البيع ولو ولدتهما عند البائع فباع أحد الولدين مع الام ثم ادعى الولد الذي عنده ثبت نسبه ونسب الولد المبيع أيضا
سواء كان المشترى ادعاه أو أعتقه لما ذكرنا أنها لا يحتملان الفصل في ثبات النسب فمن ضرورة ثبوت نسب
أحدهما ثبوت نسب الآخر وكذلك لو ولد تهما عند المشترى فأعتق أحدهما ثم ادعى البائع الآخر ثبت نسبهما جميعا
وينتقض العتق ضرورة فرقا بين الولد وبين الام انه لو كان أعتق الام فادعى البائع الولد لا ينتقض العتق في الام
وينتقض في الولد لان العتق لا يحتمل الفسخ مقصودا وإنما يحتمله للضرورة وفى الولد ضرورة عدم الاحتمال
للانفصال في النسب ولا ضرورة في الام لما ذكرنا أن أمومية الولد تنفصل عن اثبات النسب في الجملة ولو قطعت يد
أحد الولدين ثم ادعاهما البائع ثبت نسبهما وكان الأرش للمشترى لا للبائع الا أن يقيم البائع البينة على الدعوة قبل
البيع فتكون له لما ذكرنا أن ما ثبت بطريق الاستناد ثبت في الحال ثم يستند فيستدعى قيام المحل للحال واليد المقطوعة
هالكة فلا يظهر أثر الدعوة فيها ولو قتل أحدهما ثم ادعاهما البائع ثبت نسبهما وكانت قيمة المقتول لورثة المقتول
لا للمشترى فرقا بين القتل والقطع (ووجه) الفرق أن محل حكم الدعوة مقصودا هو النفس وإنما يظهر في الأطراف
تبعا للنفس وبالقطع انقطعت التبعية فلا يظهر حكم الدعوة فيها فسلم الأرش للمشترى ونفس كل واحد من التوأمين
أصل في حكم الدعوة فمتى صحت في أحدهما تصح في الآخر وإن كان مقتولا ضرورة انه لا يتصور الفصل بينهما في
النسب ومتى صحت الدعوة استندت إلى وقت العلوق لأنها دعوة الاستيلاد فتبين انهما علقا حرين فكان ينبغي أن
تجب الدية لورثة المقتول لا القيمة الا انه وجبت القيمة لان صحة هذه الدعوة بطريق الاستناد والمستند يكون ظاهرا
من وجه مقتصرا على الحال من وجه فعملنا بالشبهين فأوجبنا القيمة عملا بشبه الاقتصاد وجعلنا الواجب لورثة
المقتول عملا بشبه الظهور عملا بالدليلين بقدر الامكان وكذلك لو أعتق المشترى أحدهما ثم قبل وترك ميراثا فأخذ
ديته وميراثه بالولاء ثم ادعى البائع الولدين فإنه يقضى بالحي وأمه للبائع ويثبت نسب الولد المقتول منه ويأخذ الدية
والميراث من المشترى لما قلنا هذا إذا ولدت في يد المشترى لأقل من ستة أشهر من وقت البيع فان ولدت لستة
أشهر فصاعدا لم تصح دعوة البائع الا أن يصدقه المشترى لأنا لم نتيقن بالعلوق في الملك فلم يمكن تصحيح هذه الدعوة
دعوة استيلاد فتصحح دعوة تحرير ويشترط لصحة هذه الدعوة قيام الملك للمدعى وقت الدعوة ولم يوجد فلا تصح
الا إذا صدقه المشترى فتصح لأنه أقر بنسب عبد غيره وقد صدقه الغير في ذلك فثبت نسبه ويكون عبدا لمولاه ولو
249

ادعى المشترى نسبه بعد تصديقه البائع لم يصح لما مر أن النسب متى ثبت لانسان في زمان لا يتصور ثبوته من غيره بعد
ذلك هذا كله إذا كانت الدعوى من البائع فإن كانت من المشترى وقد ولدت لأقل من ستة أشهر صحت دعوته وثبت
النسب لأن هذه دعوة تحرير لا دعوة استيلاد لتيقننا ان العلوق لم يكن في الملك فيستدعى قيام الملك وقت الدعوة وقد
وجد فلو ادعاه البائع بعد ذلك لا تسمع دعوته لما مر أن اثبات نسب ولد واحد من اثنين على التعاقب يمتنع ولو ادعاه
البائع والمشترى معا فدعوة البائع أولى لان دعوته دعوة استيلاد لوقوع العلوق في الملك وانها تستند إلى وقت العلوق
ودعوة المشترى دعوة تحرير لوقوع العلوق في غير الملك بيقين وانها تقتصر على الحال والمستند أولى لأنه سابق في المعنى
والأسبق أولى كرجلين ادعيا تلقى الملك من واحد وتاريخ أحدهما أسبق كان الأسبق أولى كذا هذا وعلى هذا إذا
ولدت أمة رجل ولدا في ملكه لستة أشهر فصاعدا فادعاه أبوه ثبت نسبه منه سواء أدعى شبهه أولا صدقه الابن في
ذلك أو كذبه لان الاقرار بنسب الولد اقرار بوطئ الجارية والأب إذا وطئ جارية ابنه من غير نكاح يصير متملكا
إياها لحاجته إلى نسب ولد يحيا به ذكره ولا يثبت النسب الا بالملك وللأب ولاية تملك مال ابنه عند حاجة إليه ألا
ترى انه يتملك ماله عند حاجة إلى الانفاق على نفسه كذا هذا الا أن هناك يتملك تغير عوض وهنا بعوض وهو قيمة
الجارية لتفاوت بين الحاجتين إذ الحاجة هناك إلى ابقاء النفس والحاجة هنا إلى ابقاء الذكر والاسم والتملك بغير
عوض أقوى من التملك بعوض لان ما قابله عوض كان تملكا صورة لا معنى وقد دقع الشارع كل حاجة بما يناسبها
فدفع حاجة استيفاء المهجة بالتملك بغير بدل وحاجة استيفاء الذكر بالتملك ببدل رعاية للجانبين جانب الابن وجانب
الأب وتصديق الابن ليس بشرط فسواء صدقه الابن في الدعوى والاقرار أو كذبه يثبت النسب فرقا بين هذا
وبين المولى إذا ادعى ولد أمة مكاتبه انه لا يثبت نسبه منه الا بتصديق المكاتب (ووجه) الفرق ظاهر لأنه لا ولاية
للمولى على مال المكاتب فكان أجنبيا عنه فوقعت الحاجة إلى تصديقه وللأب ولاية على مال ابنه فلا يحتاج إلى
تصديقه لصحة هذه الدعوة لكن من شرط صحة هذه الدعوة كون الجارية في ملك الابن من وقت العلوق إلى وقت
الدعوة حتى لو اشتراها الابن فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر فادعاه الأب لا تصح دعوته لانعدام الملك وقت العلوق
وكذا لو باعها فجاءت بولد في يد المشترى لأقل من ستة أشهر فادعاه الأب لم تصح لانعدام الملك وقت الدعوة وكذا لو
كان العلوق في ملكه وولدت في ملكه وخرجت عن ملكه فيما بينهما لانقطاع الملك فيما بينهما ثم إنما كان قيام الملك
للابن في الجارية من وقت العلوق إلى وقت الدعوة شرطا لصحة هذه الدعوة لان الملك يثبت مستندا إلى زمان العلوق
ولا يثبت الملك الا بالتملك ولا تملك الا بولاية التملك لان تملك مال الانسان عليه كرها وتنفيذ التصرف عليه جبرا لا يكون
الا بالولاية فلابد من قيام الولاية فإذا لم تكن الجارية في ملكه من وقت العلوق إلى وقت الدعوة لم تتم الولاية فلا يستند
الملك وكذلك الأب لو كان كافرا أو عبدا فادعى لا تصح دعوته لان الكفر والرق ينفيان الولاية ولو كان كافرا
فأسلم أو عبد فأعتق فادعى نظر في ذلك ان ولدت بعد الاسلام أو الاعتاق لأقل من ستة أشهر لم تصح دعوته
لانعدام ولاية التملك وقت العلوق وان ولدت لستة فصاعدا صحت دعوته ويثبت النسب لقيام الولاية ولو كان
معتوها فأفاق صحت دعوته استحسانا والقياس أو لا تصح لان الجنون مناف للولاية بمنزلة الكفر والرق (وجه)
الاستحسان ان الجنون أمر عارض كالاغماء وكل عارض على أصل إذا زال يلتحق بالعدم من الأصل كأنه لم يكن
كما لو أغمي عليه ثم أفاق ولو كان مرتدا فادعى ولد جارية ابنه فدعوته موقوفة عند أبي حنيفة لتوقف ولايته وعندهما
صحيحة لنفاذ ولايته بناء على أن تصرفات المرتد موقوفة عنده وعند هما نافذة وإذا ثبت الولد من الأب فنقول صارت
الجارية أم ولد ولا عقر عليه عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله تعالى وعند زفر والشافعي رحمهما الله يجب عليه العقر (وجه)
قولهما أن الملك ثبت شرطا لصحة الاستيلاد والاستيلاد ايلاج منزل معلق فكان الفعل قبل الانزال خاليا عن
الملك فيوجب العقر ولهذا يوجب نصف العقر في الجارية المشتركة بين الأجنبيين إذا جاءت بولد فادعاه أحدهما لان
250

الوطئ في نصيب شريكه حصل في غير الملك فيوجب نصف العقر (ولنا) أن الايلاج المنزل المعلق من أوله إلى آخر
ايلاج واحد فكان من أوله إلى آخره استيلادا فلابد وأن يتقدمه الملك أو يقارنه على جارية مملوكة لنفسه فلا عقر
بخلاف الجارية المشتركة لان ثمة لم يكن نصيب الشريك شرطا لصحة الاستيلاد وثبات النسب لان نصف الجارية
ملكه وقيام أصل الملك يكفي لذلك وإنما يثبت حكما للثابت في نصيبه قضية للنسب ضرورة انه لا يتجزأ وحكم الشئ
لا يسبقه بل يتعقبه فوطئ المدعى صادف نصيبه ونصيب شريكه ولا ملكه له في نصيب شريكه والوطئ في غير الملك
يوجب الحد الا انه سقط للشبهة فوجب العقر وهنا التملك ثبت شرطا لثبوت النسب وصحة الاستيلاد وشرط الشئ
يكون سابقا عليه أو مقارنا له فالوطئ صادف ملك نفسه فلا يوجب العقر ولا يضمن قيمة الولد أيضا لأنه علق حرا
وإن كانت الجارية مملوكة لا ولاء عليه لان ذلك حكم الاعتاق فيستدعى تقدم الرق ولم يوجد ودعوة الجد أبى الأب
ولد جارية ابن الابن بمنزلة دعوة الأب عند انعدامه أو عند انعدام ولايته (فأما) عند قيام ولايته فلا حتى لو كان الجد
نصرانيا وحافده مثله والأب مسلم لم تصح دعوة الجد لقيام ولاية الأب وإن كان ميتا أو كان كافرا أو عبدا
تصح دعوة الجد لانقطاع ولاية الأب وكذا إذا كان الأب معتوها من وقت العلوق إلى وقت الدعوة صحت دعوة
الجد لما قلنا فان أفاق ثم ادعى الجد لم تصح دعوته لأنه لما أفاق فقد التحق العارض بالعدم من الأصل فعادت ولاية
الأب فسقطت ولاية الجد ولو كان الأب مرتدا فدعوة الجد موقوفة عند أبي حنيفة رحمه الله فان قبل على الردة أو
مات صحت دعوة الجد وان أسلم لم تصح لتوقف ولايته عنده كتوقف تصرفاته وعندهما لا تصح دعوة الجد لان
تصرفاته عندهما نافذة فكانت ولايته قائمة هذا إذا وطئ الأب جارية الابن من غير نكاح (فأما) إذا وطئها بالنكاح
ثبت النسب من غير دعوة سواء وطئها بنكاح صحيح أو فاسد لان النكاح يوجب الفراش بنفسه صحيحا إن كان أو فاسدا
ولا يتملك الجارية لأنه وطئها على ملك الابن بعقد النكاح وعند الشافعي رحمه الله لا يجوز هذا النكاح لما علم في كتاب
النكاح ويعتق الولد على أخيه بالقرابة لان النسب إنما يثبت بعقد النكاح لا بملك اليمين فبقيت الجارية على ملك الابن
وقد ملك الابن أخاه فيعتق عليه فان ملك الأب الجازية بوجه من الوجوه صارت أم ولد له لوجود سبب أمومية الولد
وهو ثبات لا نسب الا انه توقف حكمه على وجود الملك فإذا ملكها صارت أم ولد له هذا كله إذا ادعى الأب ولد
جارية ابنه فأما إذا ادعى ولد أم ولده أو مد برته بأن جاءت بولد فنفاه الابن حتى انتفى نسبه منه ثم ادعاه الأب لم يثبت
نسبه منه في ظاهر الرواية وعليه نصف العقر وروى عن أبي يوسف رحمه الله انه فرق بين ولد أم الولد وبين ولد
المدبرة فقال لا يثبت نسب ولد أم الولد ويثبت نسب ولد المدبرة من الأب وعليه قيمة الولد والعقر والولاء للابن
(وجه) هذه الرواية أن اثبات النسب لا يقف على ملك الجارية لا محالة فان نسب ولد الأمة المنكوحة يثبت من
الزوج والأمة ملك المولى (وأما) القيمة فلانه ولد ثابت النسب علق حرا فأشبه والد المغرور فيكون حرا بالقيمة
والولاء للابن لأنه استحقه بالتدبير وانه لا يحتمل الفسخ بعد الاستحقاق بخلاف ولد أم الولد لان أم الولد فراش
لمولاها فكان الولد مولودا على فراش انسان لا يثبت نسبه من غيره وان انتفى عنه بالنفي كما في
اللعان والصحيح جواب ظاهر الرواية لان النسب لا يثبت الا بالملك وأم الولد والمدبرة لا يحتملان التملك ويضمن
العقر لأنه إذا لم يتملكها فقد حصل الوطئ في غير الملك وقد سقط الحد للشبهة فيجب العقر هذا إذا لم يصدقه الابن في
الدعوى بعد ما نفاه فان صدقه ثبت النسب بالاجماع لان نسب ولد جارية الأجنبي يثبت من المدعى بتصديقه في
النسب فنسب ولد جارية الابن أولى ويعتق على الابن الان أخاه ملكه وولاؤه له لان الولاء لمن أعتق ولو ادعى
ولد مكاتبة ابنه لم يثبت نسبه منه لان النسب لا يثبت بدون الملك والمكاتبة لا تحتمل التملك فلا تصح دعوته الا إذا
عجزت فتنفذ دعوته لأنها إذا عجزت فقد عادت قنا وجعل المعارض كالعدم من الأصل فصار كما لو ادعى قبل الكتابة
والله سبحانه وتعالى أعلم
251

(فصل) وأما بيان ما يظهر به النسب فالنسب يظهر بالدعوة مرة وبالبينة أخرى أما ظهور النسب بالدعوة
فيستدعى شرائط صحة الدعوة والاقرار بالنسب وسنذكره في كتاب الاقرار الا أنه قد يظهر بنفس الدعوة وقد
لا يظهر الا بشريطة التصديق فنقول جملة الكلام فيه ان المدعي نسبه اما أن يكون في يد نفسه واما أن لا يكون فإن كان
في يد نفسه لا يثبت نسبه من المدعي الا إذا صدقه لأنه إذا كان في يد نفسه فاقراره يتضمن ابطال يده فلا تبطل الا
برضاه وان لم يكن في يد نفسه فاما أن يكون مملوكا واما ان لم يكن فإن كان مملوكا يثبت نسبه بنفس الدعوة إذا كان في
ملك المدعى وقت الدعوة وإن كان في ملك غيره عند الدعوة فإن كان علوقه في ملك المدعى ثبت نسبه بنفس الدعوة
أيضا وان لم يكن علوقه في ملكه لا يثبت نسبه الا بتصديق المالك على ما ذكرنا وان لم يكن مملوكا فاما ان لم يكن في يد
أحد لا في يد غيره ولا في يد نفسه كالصبي المنبوذ واما إن كان في يد أحد كاللقيط فإن لم يكن في يد أحد ثبت نسبه بنفس
الدعوة استحسانا والقياس أن لا يثبت (وجه) القياس انه ادعى أمرا جائز الوجود والعدم فلابد لترجيح أحد
الجانبين من مرجح ولم يوجد فلم تصح الدعوة (وجه) الاستحسان انه عاقل أخبر بما هو محتمل الثبوت وكل
عاقل أخبر بما يحتمل الثبوت يجب تصديقه تحسينا للظن به وهو الأصل الا إذا كان في تصديقه ضرر بالغير وهنا في
التصديق نظر من الجانبين جانب اللقيط بالوصول إلى شرف النسب والحضانة والتربية وجانب المدعى بولد يستعين
به على مصالحه الدينية والدنيوية وتصديق العاقل في دعوى ما ينتفع به ولا يتضرر غيره به واجب ولو ادعاه رجلان
ثبت نسبه منهما عندنا وعند الشافعي رحمه الله لا يثبت الا من أحدهما ويتعين بقبول القافة على ما ذكرنا ولو ادعاه
أكثر من رجلين فعند أبي حنيفة رحمه الله يثبت نسبه من خمسة وعند أبي يوسف رحمه الله من اثنين وعند محمد
رحمه الله من ثلاثة وقد مرت المسألة ولو ادعته امرأتان صحت دعوتهما عند أبي حنيفة وعندهما لا تصح وسنذكر
الحجج من بعد إن شاء الله تعالى هذا إذا لم يكن في يد أحد فإن كان وهو اللقيط ثبت نسبه من الملتقط بنفس الدعوة
استحسانا والقياس أن لا يثبت الا بالبينة وقد ذكرنا وجههما فيما تقدم وكذا من الخارج صدقه الملتقط في ذلك
أولا استحسانا والقياس أن لا يثبت إذا كذبه (وجه) القياس أن هذا اقرار تضمن ابطال يد الملتقط لان
يده عليه ثابتة حقيقة وشرعا حتى لو أراد غيره أن ينزعه من يده جبرا ليحفظه ليس له ذلك والاقرار إذا تضمن
ابطال الغير لا يصح وجه الاستحسان ان يد المدعى أنفع للصبي من يد الملتقط لأنه يقوم بحضانته وتربيته
ويتشرف بالنسب فكان المدعى به أولى وسواء كان المدعى مسلما أو ذميا استحسانا والقياس أن لا تصح
دعوة الذمي (ووجهه) أنا لو صححنا دعوته وأثبتنا نسب الولد منه للزمنا استتباعه في دينه وهذا يضر فلا تصح
دعوته وجه الاستحسان أنه ادعى أمرين ينفصل أحدهما عن الآخر في الجملة وهو النسب والتبعية في الدين
إذ ليس من ضرورة كون الولد منه أن يكون على دينه الا يرى أنه لو أسلمت أمه يحكم باسلامه وإن كان أبوه
كافرا فيصدق فيما ينفعه ولا يصدق فيما يضره ويكون مسلما وذكر في النوادر أن من التقط لقيطا فادعاه نصراني
فهو ابنه ثم إن كان عليه زي المسلمين فهو مسلم وإن كان عليه زي الشرك بأن يكون في رقبته صليب ونحو ذلك
فهو على دين النصارى هذا إذا أقر الذمي أنه ابنه فان أقام البينة على ذلك فإن كان الشهود من أهل الذمة
لا تقبل شهادتهم في استتباع الولد في دينه لأن هذه شهادة تضمنت ابطال يد المسلم وهو الملتقط فكانت شهادة
على المسلم فلا تقبل وإن كانوا من المسلمين تقبل ويكون الولد على دينه فرقا بين الاقرار وبين البينة وذلك أنه
متهم في اقراره ولا تهمة في الشهادة وسواء كان المدعى حرا أو عبدا لأنه ادعى شيئين أحدهما يحتمل الفصل على
الآخر وهو النسب والرق فيصدق فيما ينفعه ولا يصدق فيما يضره ولو ادعاه الخارج والملتقط معا فالملتقط أولى
لاستوائهما في الدعوة ونفع الصبي فترجح باليد فان سبقت دعوة الملتقط لا تسمع دعوة الخارج لأنه ثبت نسبه منه
فلا يتصور ثبوته من غيره بعد ذلك الا ان يقيم البينة لان الدعوة لا تعارض البينة ولو ادعاه خارجا فإن كان
252

أحدهما مسلما والآخر ذميا فالمسلم أولى لأنه يتبعه في الاسلام فكان أنفع للصبي وكذا إذا ادعته مسلمة وذمية
فالمسلمة أولى ولو شهد للذمي مسلمان وللمسلم ذميان فهو للمسلم لان الحجتين وان تعارضتا فاسلام المدعي كاف
للترجيح ولو كان أحدهما حرا والآخر عبدا فالحر أولى لأنه أنفع للقيط وإن كانا حرين مسلمين فان ذكر
أحدهما علامة في بدن اللقيط ولم يذكر الآخر فوافقت دعوته العلامة فصاحبها أولى لرجحان دعواه بالعلامة لان
الشرع ورد بالترجيح بالعلامة في الجملة قال الله تبارك وتعالى في قصة سيدنا يوسف عليه أفضل التحية وشهد
شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من
الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن ان كيد كن عظيم جعل قد القميص من خلف دليل مراودتها
إياه لما أن ذلك علامة جذبها إياه إلى نفسها والقدمن قدام علامة دفعها إياه عن نفسها وكذلك قال أصحابنا في لؤلئي ودباغ
في حانوت واحد هو في أيديهما فيه لؤلؤ واهاب فتنازعا أنه فيهما يقضى باللؤلؤ للؤلئي وبالاهاب للدباغ لأن الظاهر
يشهد باللؤلؤ للؤلئي وبالاهاب للدباغ وكذلك قالوا في الزوجين اختفا في متاع البيت أن ما يكون للرجال يجعل في يد
الزوج وما يكون للنساء يجعل في يدها ونحو ذلك من المسائل بناء على ظاهر الحال وغالب الامر كذا هذا فان ادعي
أحدهما علامات في هذا اللقيط فوافق البعض وخالف البعض ذكر الكرخي رحمه الله أنه يثبت نسبه منهما لأنه وقع
التعارض في العلامات فسقط الترجيح بها كان سكت عن ذكر العلامة رأسا وان لم يذكر أحدهما علامة أصلا
ولكن لأحدهما بينة فإنه يقضى له لان الدعوة لا تعارض البينة وان لم يكن لأحدهما بينة ثبت نسبه منهما جميعا وهذا
عندنا لاستوائهما في الدعوة وعند الشافعي رحمه الله لا يثبت نسبه الا من أحدهما ويتعين بقول القافة على
ما ذكرنا والكلام مع الشافعي رحمه الله تقدم ولو كان المدعى أكثر من رجلين فهو على الخلاف الذي ذكرناه في
الجارية المشتركة ولو قال أحد المدعين هو ابني وهو غلام فإذا هو جارية لم يصدق لأنه ظهر كذبه بيقين ولو قال أحدهما
هو ابني وقال الآخر هو ابنتي فإذا هو خنثى يحكم مباله فإن كان يبول من مبال الرجال فهو ابن مدعى البنوة وإن كان
يبول من مبال النساء فهي ابنة مدعى البنتية وإن كان يبول منهما جميعا يعتبر السبق فان استويا في السبق فهو مشكل
عند أبي حنيفة وعندهما تعتبر كثرة البول فان استويا في ذلك فهو مشكل لان هذا حكم الخنثى وينبغي أن يثبت نسبه
منهما جميعا ولو قال الملتقط هو ابني من زوجتي هذه فصدقته فهو ابنهما حرة كانت أو أمة غير أنها إن كانت حرة
كابن الابن حرا بالاجماع وإن كانت أمة كان ملكا لمولى الأمة عند أبي يوسف وعند محمد يكون حرا وجه قول
محمد أن نسبه وان ثبت من الأمة لكن في جعله تبعا لها في الرق مضرة بالصبي وفى جعله حرا منفعة له فيتبعها فيما ينفعه
ولا يتبعها فيما يضره كالذمي إذا ادعى نسب لقيط ثبت نسبه منه لكن لا يتبعه فيما يضره وهو دينه لما قلنا كذا هذا
وجه قول أبى يوسف ان الأصل أن الولد يتبع الام في الرق والحرية فكان من ضرورة ثبوت النسب منها أن يكون
رقيقا والرق وإن كان يضره فهو ضرر يلحقه ضرورة غيره فلا يعتبر ولو ادعته امرأة أنه ابنها وهي حرة أو أمة ذكر في
الأصل انها لا تصدق على ذلك حتى تقيم البينة انها ولدته وان أقامت امرأة واحدة على الولادة قبلت إذا كانت حرة
عدلة أطلق الجواب في الأصل ولم يفصل بين ما إذا كان لها زوج أم لا منهم من حمل هذا الجواب على ما إذا كان
لها زوج لأنه إذا كان لها زوج كان في تصحيح دعوتها حمل النسب على الغير فلا تصح الا بالبينة أو بتصديق الزوج
فاما إذا لم يكن لها زوج فلا يتحقق معنى التحميل فيصح من غير بينة ومنهم من حقق جواب الكتاب وأجرى
رواية الأصل على اطلاقها وفرق بين الرجل والمرأة فقال يثبت نسبه من الرجل بنفس الدعوة ولا يثبت نسبه منها الا
ببينة ووجه الفرق أن النسب في جانب الرجال يثبت بالفراش وفى جانب النساء يثبت بالولادة ولا تثبت الولادة الا
بدليل وأدنى الدلائل عليها شهادة القابلة ولو ادعته امرأتان فهو ابنهما عند أبي حنيفة وكذا إذا كن خمسا عنده
وعندهما لا يثبت نسب الولد من المرأتين أصلا وجه قولهما أن النسب في جانب النساء يثبت بالولادة وولادة ولد
253

واحد من امرأتين لا يتصور فلا يتصور ثبوت النسب منهما بخلاف الرجال لان النسب في جانبهم يثبت بالفراش
ولأبي حنيفة أن سبب ظهور النسب هو الدعوة وقد وجدت من كل واحد منهما وما قالا إن الحكم في جانبهن
متعلق بالولادة فنعم لكن في موضع أمكن وهنا لا يمكن فتعلق بالدعوة وقد ادعياه جميعا فيثبت نسبه منهما وعلى هذا
لو ادعاه رجل وامرأتان يثبت نسبه من الكل عنده وعندهما يثبت من الرجل لا غير ولو ادعاه رجلان وامرأتان كل
رجل يدعى أنه ابنه من هذه المرأة والمرأة صدقته فهو ابن الرجلين والمرأتين عند أبي حنيفة وعندهما ابن الرجلين
لا غير وأما ظهور النسب بالبينة فنقول وبالله التوفيق البينة يظهر بها النسب مرة ويتأكد ظهوره أخرى فكل نسب
يجوز ثبوته من المدعى إذا لم يحتمل الظهور بالدعوة أصلا لا بنفسها ولا بقرينة التصديق بأن كان فيه حمل النسب على
الغير ونحو ذلك يظهر بالبينة وكذا ما احتمل الظهور بالدعوة لكن بقرينة التصديق إذا انعدم التصديق وظهر أيضا
بالبينة وكل نسب يحتمل الظهور بنفس الدعوة يتأكد ظهوره بالبينة كما إذا ادعى اللقيط رجل الملتقط أو غيره وثبت
نسبه من المدعى ثم ادعاه رجل آخر وأقام البينة يقضى له لان النسب وان ظهر بنفس الدعوة لكنه غير مؤكد فاحتمل
البطلان بالبينة وكذا لو ادعاه رجلان معا ثم أقام أحدهما البينة فصاحب البينة أولى لما قلنا وإذا تعارضت البينتان في
النسب فالأصل فيه ما ذكرنا في تعارض البينتين على الملك أنه ان أمكن ترجيح أحدهما على الأخرى يعمل بالراجح
وان تعذر الترجيح يعمل بهما الا أن هناك إذا تعذر الترجيح يعمل بكل واحدة منهما من وجه بقدر الامكان وهنا
يعمل بكل واحدة منهما من كل وجه ويثبت النسب من كل واحد من المدعيين لامكان اثبات النسب لولد واحد
من اثنين على الكمال واستحالة كون الشئ الواحد مملو كالاثنين على الكمال في زمان واحد إذا عرفنا هذا فنقول جملة
الكلام فيه أن تعارض البينتين اما أن يكون بين الخارج وبين ذي اليد واما أن يكون بين الخارجين وبين ذي اليد
فإن كان بين الخارج وذي اليد فبينة ذي اليد أولى لأنهما استويا في البينة فيرجح صاحب اليد باليد وإن كان بين
الخارجين وبين ذي اليد فان أمكن ترجيح أحدهما بوجه من الوجوه من الاسلام والحرية والعلامة واليد وقوة
الفراش وغير ذلك من أسباب الترجيح يعمل بالراجح وان استويا يعمل بهما ويثبت النسب منهما وعلى هذا إذا
ادعى أحدهما أن اللقيط ابنه وادعى الآخر انه عبده يقضى للذي ادعى أنه ابنه لأنه يدعى الحرية والآخر يدعى الرق
فبينة الحرية أقوى وكذلك لو أقام أحدهما البينة انه ابنه من هذه الحرة وأقام الآخر البينة انه ابنه من هذه الأمة فهو ابن
الحر والحرة لما قلنا ولو أقام كل واحد منهما البينة انه ابنه من امرأة حرة فهو ابن الرجلين وابن المرأتين على قياس قول
أبي حنيفة رحمه الله وعندهما ابن الرجلين لا غير لما مر ولو ادعاه رجلان ووقتت بينة كل واحد منهما فان استوى
الوقتان ثبت النسب منهما لاستواء البينتين ولو كان وقت إحداهما أسبق يحكم سن الصبي فيعمل عليه لأنه حكم
عدل فان أشكل سنه فعلى قياس قول أبي حنيفة يقضى لأسبقهما وقتا وعندهما يقضى لهما وجه قولهما أنه إذا
أشكل السن سقطا اعتبار التاريخ أصلا كأنهما سكتا عنه ولأبي حنيفة رحمه الله انه إذا أشكل السن لم يصلح حكما فبقي
الحكم للتاريخ فيرجح الأسبق ولو ادعى رجل أن اللقيط ابنه وأقام البينة وادعت المرأة انه ابنها وأقامت البينة فهو
بينهما لعدم التنافي بين ثبوت نسبه منهما كما إذا ادعاه رجلان بل أولى وعلى هذا غلام قد احتلم ادعى على رجل
وامرأة انه ابنهما وأقام البينة وادعى رجل آخر وامرأته أن الغلام ابنهما وأقاما البينة ثبت نسب الغلام من الأب والام
الذي ادعاه الغلام أنه ابنهما ويبطل النسب الذي أنكره الغلام لان البينتين تعارضتا وترجحت بينة الغلام بيده إذ
هو في يد نفسه كالخارجين إذا أقاما البينة ولأحدهما يد كان صاحب اليد أولى كذا هنا وكذلك لو كان الغلام نصرانيا
فأقام بينة من المسلمين على رجل نصراني وامرأة نصرانية وادعاه مسلم ومسلمة فبينة الغلام أولى ولا تترجح بينة
المدعى المسلم لأنه لا يد له وإن كان مسلما وإن كان بينة الغلام من النصارى يقضى بالغلام للمسلم والمسلمة لان شهادة
الكافر على المسلم غير مقبولة فالتحقت بالعدم فبقي مجرد الدعوة فلا تعارض البينة ويجبر الغلام على الاسلام غلام في
254

يد انسان ادعى صاحب اليد أنه ابنه ولدته أمته هذه في ملكه وأقام البينة على ذلك وادعى خارج أن الغلام ابنه ولدته
الأمة في ملكه وأقام البينة فإن كان الغلام صغيرا لا يتكلم يقضى به لصاحب اليد لاستوائهما في البينة فيرجع صاحب
اليد باليد كما في النكاح وإن كان كبيرا يتكلم فقال أنا ابن الآخر يقضى بالأمة والغلام للخارج لان الغلام إذا كان
كبيرا يتكلم في يد نفسه فالبينة التي يدعيها الغلام أولى وكذلك لو كان الغلام ولد حرة وهما في يد رجل فأقام
صاحب اليد البينة على أنه ولد على فراشه والغلام يتكلم ويدعى ذلك وأقام الخارج البينة على ملكه يقضى بالمرأة
وبالولد للذي هما في يده لما قلنا وإن كان الذي في يده من أهل الذمة والمرأة ذمية وأقام شهودا مسلمين يقضى بالمرأة والولد
للذي هما في يده لان شهادة المسلمين حجة مطلقة ولو أقام الخارج البينة على أنه تتزوجها في وقت كذا وأقام الذي في
يده البينة على وقت دونه يقضى للخارج لأنه إذا ثبت سبق أحد النكاحين كان المتأخر منهما فاسدا فالبينة القائمة على
النكاح الصحيح أقوى فكانت أولى وعلى هذا غلام قد احتلم ادعى انه ابن فلان ولدته أمته فلانة على فراشه وذلك
الرجل يقول هو عبدي ولد أمتي التي زوجتها عبدي فلانا فولدت هذا الغلام منه والعبد حي يدعى ذلك فهو ابن العبد
لأنه تعارض الفراشان فراش النكاح وفراش الملك وفراش النكاح أقوى لأنه لا ينتفى الا باللعان وفراش الملك ينتفى
بمجرد النفي فكان فراش النكاح أقوى فكان أولى ولو ادعى الغلام انه ابن العبد من هذه الأمة فأقر العبد بذلك
وقامت عليه البينة وادعى المولى انه ابنه فهو ابن العبد لما قلنا ويعتق لأنه ادعى نسبه والاقرار بالنسب يتضمن الاقرار
بالحرية فإن لم يعمل في النسب يعمل في الحرية وكذلك لو مات الرجل وترك مالا فأقام الغلام البينة انه ابن الميت من
أمته وأقام الآخر البينة انه عبده ولدته أمته من زوجها فلان والزوج عبده أيضا والعبد حي يدعى ذلك يقضى له بالنسب
لأنه يدعى فراش النكاح وانه أقوى فإن كان العبد ميتا ثبت نسب الغلام من الحر وورث منه لان بينة الغلام خلت
عن المعارض لانعدام الدعوة من العبد فيجب العمل بها والله سبحانه وتعالى أعلم
(فصل) وأما صفة النسب الثابت فالنسب في جانب النساء إذا ثبت يلزم حتى لا يحتمل النفي أصلا لأنه
في جانبهن يثبت بالولادة ولا مرد لها (وأما) في جانب الرجال فنوعان نوع يحتمل النفي ونوع لا يحتمله أما ما يحتمل
النفي فنوعان (نوع) ينتفى بنفس النفي من غير لعان ونوع لا ينتفى بنفس النفي بل بواسطة اللعان (أما الذي)
ينتفى بنفس النفي فهو نسب ولد أم الولد لان فراش أم الولد ضعيف لأنه غير لازم حتى احتمل النقل إلى غيره
بالتزويج فاحتمل الانتفاء بنفس النفي من غير الحاجة إلى اللعان (وأما) الذي لا ينتفي بمجرد النفي فهو نسب ولد
زوجة يجرى بينهما اللعان وهو أن يكون الزوجان حرين مسلمين عاقلين بالغين غير محدودين في القذف على
ما ذكرنا في كتاب اللعان لان فراش النكاح لازم لا يحتمل النقل فكان قويا فلا يحتمل الانتفاء بنفس النفي ما لم ينضم
إليه اللعان ولهذا إذا كان العلوق بنكاح فاسد أو شبهة نكاح لا ينتفى نسب الولد بالنفي لان الانتفاء بواسطة اللعان
ولا لعان في النكاح الفاسد لانعدام الزوجية حقيقة لما علم في كتاب اللعان والله تعالى أعلم (وأما الذي) لا يحتمل
النفي فهو نسب ولد زوجة لا يجرى بينهما اللعان فإذا كان الزوجان ممن لا لعان بينهما لا ينتفى نسب الولد بالنفي
وكذا النسب بعد الاقرار به لا يحتمل النفي لأن النفي يكون انكارا بعد الاقرار فلا يسمع الا ان الاقرار نوعان نص
ودلالة لما ذكرنا في كتاب اللعان
(فصل) وأما حكم تعارض الدعوتين لا غير أما حكمه في النسب فقد مر ذكره في أثناء مسائل النسب وأما حكمه
في الملك فالكلام فيه في موضعين (أحدهما) في حكم تعارض الدعوتين في أصل الملك والثاني في قدر الملك أما الأول
فسبيل تعارض الدعوتين في أصل الملك ما هو سبيل تعارض البينتين فيه من طلب الترجيح والعمل بالراجح عند
الامكان وعند تعذر العمل بهما بقدر الامكان تصحيحا للدعوتين بالقدر الممكن وبيان ذلك في مسائل رجلان
ادعيا دابة أحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها فهي للراكب لأنه مستعمل للدابة فكانت في يده (وكذلك) إذا
255

كان لأحدهما عليه حمل وللآخر عليه كور معلق أو مخلاة معلقة فصاحب الحمل أولى لما قلنا ولو كانا جميعا راكبين
لكن أحدهما في السرج والآخر رديفه فهي لهما في ظاهر الرواية (وروي) عن أبي يوسف رحمه الله انها لراكب
السرج لقوة يده (وجه) ظاهر الرواية انهما جميعا استويا في أصل الاستعمال فكانت الدابة في أيديهما فكانت
لهما ولو كانا جميعا راكبين في السرج فهي لهما اجماعا لاستوائهما في الاستعمال ولو ادعيا عبدا صغيرا لا يعبر
عن نفسه وهو في أيديهما فهو بينهما لأنه إذا كان لا يعبر عن نفسه كان بمنزلة العروض والبهائم فتبقى اليد عليه ألا ترى أنه
لو ادعى صبيا صغيرا مجهول النسب في يده انه عبده ثم كبر الصبي فادعى الحرية فالقول قول صاحب اليد ولا تسمع
دعوى الحرية الا ببينة لأنه كان في يده وقت الدعوة فلا تزول يده عنه الا بدليل (وبمثله) لو ادعى غلاما كبيرا انه
عبده وقال الغلام أنا حر فالقول قول الغلام لأنه ادعاه في حال هو في يد نفسه فكان القول قوله ولو ادعيا عبدا
كبيرا فقال العبد انا عبد لأحدهما فهو بينهما ولا يصدق العبد في ذلك وكذا إذا كان العبد في يد رجل فاقر انه لرجل
آخر فالقول قول صاحب اليد ولا يصدق العبد في اقراره انه لغيره لان اقراره بالرق اقرار بسقوط يده عن نفسه فكان
في يد صاحب اليد فلا يسمع قوله إنه لغيره لان العبد لا قول له ولو قال كنت عبد فلان فأعتقني وأنا حر فكذلك عند
أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وروى عن أبي يوسف ان القول قول العبد ويحكم بحريته لان العبد متمسك بالأصل إذ
الحرية أصل في بني آدم فكان الظاهر شاهدا له فالصحيح جواب ظاهر الرواية لأنه لما أقر انه كان عبدا فقد أقر بزوال
حكم الأصل وثبوت العارض وهو الرق منه فصار الرق فيه هو الأصل فكان الظاهر شاهدا له ولو ادعيا ثوبا
وأحدهما لابسه والآخر متعلق بذيله فاللابس أولى لأنه مستعمل للثوب (ولو ادعيا) بساطا وأحدهما جالس
عليه والآخر متعلق به فهو بينهما ولا يكون الجالس بجلوسه والنوم عليه أولى لاستوائهما في اليد عليه (ولو ادعيا)
دارا وأحدهما ساكن فيها فهي للساكن (وكذلك) لو كان أحدهما أحدث فيها شيئا من بناء أو حفر فهي لصاحب
البناء والحفر لان سكنى الدار واحداث البناء والحفر تصرف في الدار فكانت في يده ولو لم يكن شئ من ذلك
ولكن أحدهما داخل فيها والا آخر خارج منها فهي بينهما (وكذا) إذا كانا جميعا فيها لان اليد على العقار لا تثبت
بالكون فيه وإنما تثبت بالتصرف فيه ولو وجد خياط يخيط ثوبا في دار انسان فاختلفا في الثوب فالقول لصاحب
الدار لان الثوب وإن كان في يد الخياط صورة فهو في يد صاحب الدار معنى لان الخياط وما في يده في داره والدار في يده
فما فيها يكون في يده (حمال) خرج من دار رجل وعلى عاتقه متاع فإن كان ذلك الحامل يعرف ببيع ذلك وحمله
فهو له لأن الظاهر شاهد له وإن كان يعرف بذلك فهو لصاحب الدار لأن الظاهر شاهد له (وكذلك) حمال عليه كارة
وهو في دار بزاز اختلفا في الكارة فإن كانت الكارة مما يحمل فيها فالقول قول الحمال لأن الظاهر شاهد له وإن كانت مما
لا يحمل فيها فالقول قول صاحب الدار لأن الظاهر شاهد له رجل اصطاد طائرا في دار رجل فاختلفا فيه فان اتفقا
على أنه على أصل الإباحة لم يستول عليه قط فهو للصائد سواء اصطاده من الهواء أو من الشجر أو الحائط لأنه الآخذ
دون صاحب الدار إذا الصيد لا يصير مأخوذا بكونه على حائط أو شجرة وقد قال عليه الصلاة والسلام الصيد
لمن أخذه وان اختلفا فقال صاحب الدار اصطدته قبلك أو ورثته وأنكر الصائد فإنه ينظر ان أخذه من الهواء
فهو له لأنه الآخذ إذ لا يد لاحد على الهواء وان أخذه من جداره أو شجره فهو لصاحب الدار لان الجدار
والشجر في يده وكذلك ان اختلفا في أخذه من الهواء أو من الجدار فالقول قول صاحب الدار لان الأصل ان
ما في دار انسان يكون في يده هكذا روي عن أبي يوسف مسألة للصيد على هذا الفصل ولو ادعيا وأحدهما
ساكن فيها فهي للساكن فيها وكذا لو كان احدث فيها شيئا من بناء أو حفر فهي لصاحب البناء والحفر لان
سكنى الدار واحداث البناء والحفر تصرف في الدار فكانت في يده ولو لم يكن شئ من ذلك ولكن أحدهما
داخل فيها والآخر خارج منها فهي بينهما وكذا لو كانا جميعا فيها لان اليد على العقار لا تثبت بالكون فيها وإنما
256

تثبت بالتصرف فيها ولم يوجد ولو ادعيا حائطا من دارين ولأحدهما عليه جذوع فهو له لأنه مستعمل للحائط
ولو كان لكل واحد منهما جذوع فإن كانت ثلاثة أو أكثر فهي بينهما نصفان سواء استوت جذوع كل واحد
منهما أو كانت لأحدهما أكثر بعد إن كان لكل واحد منهما ثلاثة جذوع لأنهما استويا في استعمال الحائط
فاستويا في ثبوت اليد عليه ولو أراد صاحب البيت ان يتبرع على الآخر بما زاد على الثلاثة ليس له ذلك لكن يقال
له زد أنت أيضا إلى تمام عدد خشب صاحبك ان أطاق الحائط حملها والا فليس لك الزيادة ولا النزع ولو كان
لأحدهما ثلاثة جذوع وللآخر جذع أو جذعان فالقياس أن يكون الحائط بينهما نصفين وفى الاستحسان
لا يكون (وجه) القياس ان زيادة الاستعمال بكثرة الجذوع زيادة من جنس الحجة والزيادة من جنس الحجة
لا يقع بها الترجيح ألا ترى أنه لو كان لأحدهما ثلاثة وللآخر أربعة كان الحائط بينهما نصفين وإن كان
استعمال أحدهما أكثر دل ان المعتبر أصل الاستعمال لا قدره وقد استويا فيه (ووجه) الاستحسان ان
يقال نعم لكن أصل الاستعمال لا يحصل بما دون الثلاثة لان الجدار لا يبنى له عادة وإنما يبنى لأكثر من ذلك
الا ان الأكثر مما لا نهاية له والثلاثة أقل الجمع الصحيح فقيد به فكان اما وراء موضع الجذوع لصاحب
الكثير وأما موضع الجذع الواحد فكذلك على رواية كتاب الاقرار وإنما لصاحب القليل حق وضع الجذع لا
أصل الملك وعلى رواية كتاب الدعوى له موضع لجذع من الحائط وما رواءه لصحاب الكثير (وجه) هذه
الرواية ان صاحب القليل مستعمل لذلك القدر حقيقة فكان ذلك القدر في يده فيملكه (وجه؟) رواية الاقرار ما مر
ان الاستعمال لا يحصل بالجذع والجذعين لان الحائط لا يبنى له عادة لم يكن شئ من الحائط في يده فكان كله
في يد صاحب الكثير الا انه ليس له دفع الجذوع وإن كان موضع الجذع مملوكا له لجواز أن يكون أصل الحائط
مملوكا لانسان ولآخر عليه حق الوضع بخلاف ما لو أقام البينة ان الحائط له لان له ان يدفع لان البينة حجة
مطلقة فإذا أقامها تبين ان الوضع من الأصل كان بغير حق ولاية الدفع وليس له ذلك حال عدم البينة لأنا إنما جعلنا
الحائط له الظاهر اليد والظاهر يصلح للتقرير لا للتغيير فهو الفرق ولو كان الحائط متصلا ببناء احدى الدارين اتصال
التزاق وارتباط فهو لصاحب الاتصال لأنه كالمتعلق به ولو كان لأحدهما اتصال التزاق وللآخر جذوع فصاحب
الجذوع أولى لأنه مستعمل للحائط ولا استعمال من صاحب الاتصال ولو كان لأحدهما اتصال
التزاق وارتباط وللآخر اتصال تربيع فصاحب التربيع أولى لان اتصال التربيع أقوى من اتصال الالتزاق
ولو كان لأحدهما اتصال تربيع وللآخر جذوع فالحائط لصاحب التربيع ولصاحب الجذوع حق وضع
الجذوع لكن الكلام في صورة التربيع فنقول ذكر الطحاوي رحمه الله ان التربيع هو أن يكون انصاف البان
الحائط مداخلة حائط احدى الدارين يبنى كذلك كالأزج والطاقات فكان بمعنى النتاج فكان صاحب الاتصال
أولى وذكر الكرخي رحمه الله ان تفسير التربيع أن يكون طرفا هذا الحائط المدعى مداخلين حائط احدى الدارين وهذا
التفسير منقول عن أبي يوسف رحمه الله فيصير الحاصل ان المداخلة إذا كانت من جانبي الحائط كان صاحب الاتصال
أولى بلا خلاف وإن كانت من جانب واحد فعلى قول الطحاوي رحمه الله صاحب الاتصال أولى وعلى قول الكرخي
رحمه الله صاحب الجذوع أولى وجه قول الطحاوي ما ذكرنا ان ذلك بمعنى النتاج حيث حدث من بنائه كذلك فكان
هو أولى وجه قول الكرخي ان المداخلة من الجانبين توجب الاتحاد وجعل الكل بناء واحد فسقط حكم الاستعمال
لضرورة الاتحاد فملك البعض يوجب ملك الكل ضرورة الا انه لا يجبر على الرفع بل يترك على حاله لان ذلك ليس من
ضرورات ملك الأصل بل يحتمل الانفصال عنه في الجملة الا ترى ان السقف الذي هو بين بيت العلو وبين بيت
السفل هو ملك صاحب السفل ولصاحب العلو عليه حق القرار حتى لو أراد صاحب السفل رفع السقف منع منه شرعا
كذا هذا جاز أن يكون الملك لصاحب الاتصال ولصاحب الجذوع حق وضع الجذع عليه بخلاف ما إذا أقام البينة
257

انه يجبر على الرفع وقد تقدم وجه الفرق بينهما تم فرع أبو يوسف على ما روى عنه من تفسير التربيع انه إذا اشترى دارا
ولرجل آخر دار بجنب تلك الدار وبينهما حائط وأقام الرجل البينة انه له فأراد المشترى ان يرجع على البائع بحصته من
الثمن إن كان متصلا ببناء حائط المدعى ليس له ان يرجع على البائع لأنه إذا كان متصلا ببنائه لم يتناول البيع فلم يكن مبيعا
فلا يكون للمشترى حق الرجوع وان لم يكن متصلا ببناء المدعى وهو متصل ببناء الدار المبيعة فللمشتري ان يرجع على
البائع بحصة الحائط من الثمن لأنه إذا كان متصلا بحائط الدار المبيعة تناوله البيع فكان مبيعا فيثبت الرجوع عند
الاستحقاق وإن كان متصلا بحائط الدار المبيعة وللآخر عليه جذوع لا يرجع وهذا يؤيد رواية الكرخي ان
صاحب الجذوع أولى من صاحب الاتصال إذا كان من جانب واحد ولو كان اتصال تربيع واستحق المشترى
الرجوع على البائع لا تنزع الجذوع بل تترك على حالها لما ذكرنا ولو كان لأحدهما عليه سترة أو بناء وصاحبه مقربان
السترة والبناء له فالحائط لصاحب السترة لأنه مستعمل الحائط بالسترة فكان في يده ولو لم يكن عليه سترة ولكن لأحدهما
عليه مرادي هو القصب الموضوع على رأس الجدار فهو بينهما ولا يستحق بالمرادى والبوادي شيئا لان وضع
المرادي على الحائط ليس بأمر مقصود لان الحائط لا يبنى له فكان ملحقا بالعدم فلا يتعلق به الاستحقاق ولو كان وجه
الحائط إلى أحدهما وظهره إلى الاخر وكان انصاف اللبن أو الطاقات إلى أحدهما فلا حكم لشئ من ذلك عن أبي
حنيفة رحمه الله والحائط بينهما وعندهما الحائط لمن إليه وجه البناء وانصاف اللبن والطاقات وهذا إذا جعل الوجه
وقت البناء حين ما بنى فاما إذا جعل بعد البناء بالنقش والتطين فلا عبرة بذلك اجماعا وعلى هذا الخلاف إذا ادعيا بابا
مغلقا على حائط بين دارين والغلق إلى أحدهما فالباب لهما عنده وعندهما لمن إليه الغلق ولو كان للباب غلقان من
الجانبين فهو لهما اجماعا وعلى هذا الخلاف خص بين دارين أو بين كرمين والقمط إلى أحدهما فالخص بينهما عند
أبي حنيفة رحمه الله ولا ينظر إلى القمط وعندهما الخص لمن إليه القمط وجه قولهما في هذه المسائل اعتبار العرف
والعادة فان الناس في العادات يجعلون وجه البناء وانصاف اللبن والطاقات والغلق والقمط إلى صاحب الدار فيدل
على أنه بناؤه فكان في يده ولأبي حنيفة رحمه الله ان هذا دليل اليد في الماضي لا وقت الدعوة واليد في الماضي لا تدل على
اليد وقت الدعوة والحاجة في اثبات اليد وقت الدعوة ثم في كل موضع قضى بالملك لأحدهما لكون المدعى في يده تجب
عليه اليمين لصاحبه إذا طلب فان حلف برئ وان نكل يقضى عليه بالنكول وعلى هذا إذا اختلفا في المرور في دار
ولأحدهما باب من داره إلى تلك الدار فلصاحب الدار منع صاحب الباب عن المرور فيها حتى يقيم البينة انه له في دار
طريقا ولا يستحق صاحب الباب بالباب شيئا لان فتح الباب إلى دار غيره قد يكون بحق لازم وقد يكون بغير حق
أصلا وقد يكون بحق غير لازم وهو الإباحة فلا يصلح دليلا على حق المرور في الدار مع الاحتمال وكذا لو شهد الشهود
ان صاحب الدار كان يمر فيها لم يستحق بهذه الشهادة شيئا لاحتمال أن مروره فيها كان غصبا أو إباحة ولئن دلت على أنه
كان لحق المرور لكن في الزمان الماضي لان الشهادة قامت عليه فلا يثبت بها الحق للحال ولو شهدوا ان له فيها طريقا
فان حدوا الطريق فسموا طوله وعرضه قبلت شهادتهم وكذلك إذا لم يحدوه كذا ذكر في الكتاب ومن أصحابنا رحمهم
الله من حمل المسألة على ما إذا شهدوا على اقرار صاحب الدار بالطريق لان المشهود به مجهول وجهالة المشهود به تمنع
صحة الشهادة اما جهالة المقر به فلا تمنع صحة الاقرار ومنهم من أجرى جواب الكتاب على اطلاقه لان الطريق طوله
معلوم وعرضه مقدار عرض الباب في متعارف الناس وعاداتهم فكانت هذه شهادة بمعلوم فتقبل وكذلك لو شهدوا ان
أباه مات وترك طريقا في هذه الدار فهو على ما ذكرنا وعلى هذا إذا كان لرجل ميزاب في دار رجل فاختلفا في مسيل
الماء فلصاحب الداران يمنعه عن التسييل حتى يقيم البينة ان له في هذه الدار مسيل ماء ولا يستحق صاحب الميزاب
بنفس الميزاب شيئا لما ذكرنا وذكر الفقيه أبو الليث رحمه الله ان الميزاب إذا كان قديما فله حق التسييل وذكر محمد في
كتاب الشرب في نهر في أرض رجل يسيل فيه الماء فاختلفا في ذلك فالقول قول صاحب الماء لأنه إذا كان يسيل
258

فيه الماء كان النهر مشغولا بالماء فكان النهر مستعملا به فكان في يده بخلاف الميزاب فان موضع المسألة فما إذا لم يكن
في الميزاب ماء عند الاختلاف حتى لو كان فيه ماء كان حكمه حكم النهر والله سبحانه وتعالى أعلم ولو شهدوا انهم رأوا
الماء يسيل في الميزاب فليست هذه الشهادة بشئ لان التسييل قد يكون بغير حق وكذا الشهادة ما قامت بحق كائن على
ما مر ولو شهدوا ان له حقا في الدار من حيث التسييل فان بينوا انه لماء المطر فهو لماء المطر وان بينوا انه مسيل ماء دائم
للغسل والوضوء فهو كذلك وان لم يبينوا تقبل شهادتهم أيضا ويكون القول قول صاحب الدار مع يمينه انه للغسل
والوضوء أو لماء المطر لان أصل الحق ثبت بشهادة الشهود وبقيت الصفة مجهولة فيتبين ببيان صاحب الدار لكن مع
اليمين وان لم يكن للمدعى بينة أصلا يستحلف صاحب الدار على ذلك فان حلف برئ وان نكل يقضى بالنكول كما
في باب الأموال وعلى هذا يخرج اختلاف الزوجين في متاع البيت ولا بينة لأحدهما على ما ذكرنا في كتاب النكاح
والله تعالى أعلم
(فصل) وأما حكم تعارض الدعوتين في قدر الملك فهو كاختلاف المتبايعين في قدر الثمن أو المبيع فنقول جملة
الكلام فيه ان المتبايعين إذا اختلفا فلا يخلوا ما ان اختلفا في الثمن واما ان اختلفا في المبيع فان اختلفا في الثمن فلا يخلوا اما
ان اختلفا في قدر الثمن واما ان اختلفا في جنسه واما ان اختلفا في وقته وهو الأجل فان اختلفا في قدره بان قال البائع
بعت منك هذا البعد بألفي درهم وقال المشترى اشتريت بألف فهذا لا يخلوا ما إن كانت السلعة قائمة واما إن كانت هالكة
فإن كانت قائمة فاما إن كانت قائمة على حالها لم تغيرت إلى الزيادة أو إلى النقصان فإن كانت قائمة على حالها
لم تتغير تحالفا وتراد سواء كان قبل القبض أو بعده اما قبل القبض فلان كل واحد منهما مدعى ومدعى عليه من وجه
لان البائع يدعى على المشترى زيادة ثمن وهو ينكر والمشترى يدعى على البائع تسليم المبيع إليه عند أداء الألف وهو
ينكر فيتحالفان لقوله عليه الصلاة والسلام واليمين على من أنكر وأما بعد القبض فكان ينبغي ان لا يحلف البائع
ويكون القول قول المشترى مع يمينه لان المشترى لا يدعى على البائع شيئا لسلامة المبيع له والبائع يدعى على المشترى
زيادة ثمن وهو ينكر فكان القول قوله مع يمينه الا انا عرفنا التحالف وهو الحلف من الجانبين بنص خاص وهو قوله
عليه الصلاة والسلام إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا ويبدأ بيمين المشترى في ظاهر الرواية وهو قول محمد وأبى
يوسف الآخر وفى قوله الأول يبدأ بيمين البائع ويقال إنه قول أبي حنيفة رحمه الله والصحيح جواب ظاهر الرواية
لان اليمين وظيفة المنكر والمشترى أشد انكار من البائع لأنه منكر في الحالين جميعا قبل القبض وبعده والبائع بعد
القبض ليس بمنكر لان المشترى لا يدعى عليه شيئا فكان أشد انكارا منه وقبل القبض إن كان منكرا لكن المشترى
أسبق انكار منه لأنه يطالب أولا بتسليم الثمن حتى يصير عينا وهو ينكر فكان أسبق انكارا من البائع فيبدأ بيمينه فان
نكل لزمه دعوى البائع لان النكول بذل أو اقرار وان حلف يحلف البائع ثم إذا تحالفا هل ينفسخ البيع بنفس التحالف
أو يحتاج فيه إلى فسخ القاضي اختلف المشايخ رحمهم الله فيه قال بعضهم ينفسخ بنفس التحالف لأنهما إذا تحالفا لم
يكن في بقاء العقد فائدة فينفسخ وقال بعضهم لا ينفسخ الا بفسخ القاضي عند طلبهما أو طلب أحدهما وهو الصحيح
حتى لو أراد أحدهما امضاء البيع بما يقوله صاحبه فله ذلك من غير تجديد العقد لان احتمال الفائدة ثابت لاحتمال
التصديق من أحدهما لصاحبه والعقد المنعقد قد يبقى لفائدة محتملة الوجود والعدم لأنه انعقد بيقين فلا يزول لاحتمال
عدم الفائدة على الأصل المعهود في الثابت بيقين لأنه لا يزول بالاحتمال فلا ينفسخ الا بفسخ القاضي ولد ان يفسخ
لانعدام الفائدة للحال ولان المنازعة لا تندفع الا بفسخ القاضي لأنهما لما تحالفا صار الثمن مجهولا فيتنازعان فلابد من
قطع المنازعة ولا تنقطع الا بالقضاء بالفسخ هذا إذا كانت السلعة قائمة بعينها من غير تغير فاما إذا كانت تغيرت ثم اختلفا
في قدر الثمن فلا يخلوا ما ان تغيرت إلى الزيادة واما ان تغيرت إلى النقصان فإن كان التغيير إلى الزيادة فإن كانت الزيادة
متصلة متولدة من الأصل كالسمن والجمال منعت التحالف عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وعند محمد رحمه
259

الله لا تمنع ويرد المشتري العين بناء على أن هذه الزيادة تمنع الفسخ عندهما في عقود المعاوضات فتمنع التحالف وعنده
لا تمنع الفسح فلا تمنع التحالف وإن كانت الزيادة متصلة غير متولدة من الأصل كالصبغ في الثوب والبناء والغرس في
الأرض فكذلك تمنع التحالف عندهما وعنده لا تمنع ويرد المشترى القيمة لمن هما عنده لان هذا النوع من الزيادة
بمنزلة الهلاك وهلاك السلعة يمنع التحالف عندهما وعنده لا يمنع ويرد المشترى الزيادة وإن كانت الزيادة منفصلة
متولدة من الأصل كالولد والأرض والعقر فهو على هذا الاختلاف وإن كانت الزيادة متصلة غير متولدة من الأصل
كالموهوب في المكسوب لا تمنع التحالف اجماعا فيتحالفان ويرد المشترى العين لأن هذه الزيادة لا تمنع الفسح في عقود
المعاوضات فلا تمنع التحالف وكذا هي ليست في معنى هلاك العين فلا تمنع التحالف وإذا تحالفا يرد المشترى المبيع
دون الزيادة وكانت الزيادة له لأنها حدثت على ملكه وتطيب له لعدم تمكن الحنث فيها هذا إذا تغيرت السلعة إلى الزيادة
فاما إذا تغيرت إلى النقصان في يد المشترى فنذكر حكمه إن شاء الله تعالى هذا إذا كانت السلعة قائمة فاما إذا كانت
هالكة فلا يتحالفان عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله والقول قول المشترى مع يمينه في مقدار الثمن فان حلف
لزمه ما أقر به وان نكل لزمه دعوى صاحبه وعند محمد رحمه الله يتحالفان ويرد المشترى القيمة فان اختلفا في مقدار
القيمة على قوله كان القول قول المشترى مع يمينه في مقدار القيمة ولقب المسألة ان هلاك السلعة هل يمنع التحالف
عندهما يمنع وعنده لا يمنع واحتج بقوله عليه الصلاة والسلام إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا أثبت عليه الصلاة
والسلام التحالف مطلقا عن شرط قيام السلمة ولا يقال ورد هنا نص خاص مقيد بحال قيام السلعة وهو قوله على
الصلاة والسلام إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا لان المذهب عندنا ان المطلق لا يحمل على
المقيد لما في الحمل من ضرب النصوص بعضها في بعض بل يجرى المطلق على اطلاقه والمقيد على تقييده فكان جريان
التحالف حال قيام السلعة ثابتا بنصين وحال هلاكها ثابتا بنص واحد وهو النص المطلق ولا تنافي بينهما فيجب
العمل بهما جميعا ولهما الحديث المشهور وهو قوله عليه الصلاة والسلام واليمين على من أنكر فبقي التحالف وهو
الحلف من الجانبين بعد قبض المعقود عليه لأنه عليه الصلاة والسلام أوجب جنس اليمين على جنس المنكرين فلو
وجبت يمين لا على منكر لم يكن جنس اليمين على جنس المنكر ين وهذا خلاف النص والمنكر بعد قبض المعقود
عليه هو المشترى لان البائع يدعى عليه زيادة ثمن وهو ينكر فاما الانكار من قبل البائع فلان المشترى لا يدعى عليه
شيئا فكان ينبغي ان لا يجب التحالف حال قيام السلعة أيضا الا انا عرفنا ذلك بنص خاص مقيد وهو قوله عليه الصلاة
والسلام إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا أو هذا القيد ثابت في النص الآخر أيضا دلالة لأنه
قال عليه الصلاة والسلام وترادا والتراد لا يكون الا حال قيام السلعة فبقي التحالف حال هلاك السلعة مثبتا بالخبر
المشهور ويستوى هلاك كل السلعة وبعضها في المنع من التحالف أصلا عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف هلاك
السلعة يمنع التحالف في قدر الهالك لا غير وعند محمد لا يمنع أصلا حتى لو اشترى عبدين فقبضهما ثم هلك أحدهما
ثم اختلفا في مقدار الثمن فالقول قول المشترى عند أبي حنيفة ولا يتحالفان الا ان يرضى البائع ان يأخذ القائم ولا يأخذ
من ثمن الهالك شيئا فحينئذ يتحالفان وعند أبي يوسف لا يتحالفان على الهالك والقول قول المشترى في حصة الهالك
ويتحالفان على القائم ويترادان وعند محمد يتحالفان عليهما ويرد قيمة الهالك اما محمد رحمه الله فقد مر على أصله لان
هلاك كل السلعة عنده لا يمنع التحالف فهلاك البعض أولى وكذلك لأبي يوسف لان المانع من التحالف هو
الهلاك فيتقدر المنع بقدره تقديرا للحكم بقدر العلة ولأبي حنيفة ان الحديث ينفى التحالف بعد قبض السلعة لما ذكرنا
الا انا عرفنا ذلك بنص خاص والنص ورد في حال قيام كل السلعة فبقي التحالف حال هلاك بعضها منفيا بالحديث
المشهور ولان قدر الثمن الذي يقابل القائم مجهول لا يعرف الا بالحزر والظن فلا يجوز التحالف عليه الا إذا شاء البائع
ان يأخذ الحي ولا يأخذ من ثمن الهالك شيئا فحينئذ يتحالفان لأنه رضى أن يكون الثمن كله بمقابلة القائم فيخرج الهالك
260

عن العقد كأنه ما وقع العقد عليه وإنما وقع على القيام فيتحالفان عليه وسواء كان هلاك المبيع حقيقة أو حكما بان خرج
عن ملك المشتري بسبب من الأسباب لان الهالك حكما يلحق بالهالك حقيقة وقد مر الاختلاف فيه وسواء خرج
كله أو بعضه عند أبي حنيفة وأبى يوسف فخروج البعض في المنع من التحالف بمنزلة خروج الكل عندهما لان
التحالف هنا يؤدى إلى تفريق الصفقة على البائع وهذا لا يجوز الا ان يرضى البائع ان يأخذ القائم وحصة الخارج
من الثمن بقول المشترى فحينئذ يتحالفان على القائم ويرد المشترى ما بقي في ملكه وعليه حصة الخارج بقوله وهذا عند أبي
يوسف فاما عن أبي حنيفة فلا يتحالفان في الأحوال كلها واما عند محمد فيتحالفان لان الحقيقي لا يمنع التحالف
عنده فالحكمي أولى ثم هلاك الكل بان خرج كله عن ملكه لا يمنع التحالف فهلاك البعض أولى وإذا تحالفا عنده
فان هلك كل المبيع بان خرج كله عن ملكه يرد المشترى القيمة ان لم يكن مثليا والمثل إن كان مثليا وان هلك بعضه
بان خرج البعض عن ملكه دون البعض ينظر إن كان المبيع مما في تبعيضه ضررا وفى تشقيصه عيب فالبائع بعد
التحالف بالخياران شاء أخذ الباقي وقيمة الهالك وان شاء ترك الباقي وأخذ قيمة الكل وإن كان المبيع مما لا ضرر في
تبعيضه ولا عيب في تشقيصه فللبائع ان يأخذ الباقي ومثل الفائت إن كان مثليا وقيمته ان لم يكن مثليا ولو خرجت
السعلة عن ملك المشتري ثم عادت إليه ثم اختلفا في مقدار الثمن نظر في ذلك إن كان العود فسخا بان وجدبه عيبا فرده
بقضاء القاضي يتحالفان ويرد العين لان الفسخ رفع من الأصل فجعل كأنه لم يكن وإذا لم يكن العود فسخا بأن كان ملكا
جديدا لا يتحالفان عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله لان العود إذا لم يكن فسخا لا يتيين ان الهلاك لم يكن والهلاك
يمنع التحالف عندهما وعند محمد يتحالفان ويرد المشترى القيمة لا العين وكذلك لو لم يخرج المبيع عن ملكه لكنه
صار بحال يمنع الرد بالعيب اما بالزيادة واما بالنقصان اما حكم الزيادة فقد مر تفصيل الكلام فيه واما حكم النقصان
فيخرج على هذا الأصل لان النقصان من باب الهلاك فنقول إذا انتقض المبيع في يد المشترى ثم اختلفا في مقدار الثمن
لم يتحالفا عندهما سواء كان النقصان بآفة سماوية أو بفعل المبيع أو بفعل المشترى أو بفعل الأجنبي أو بفعل البائع
لان نقصان المبيع هلاك جزء منه وهلاك الجزء من المنع من التحالف كهلاك الكل على أصل أبي حنيفة رضي الله عنه
فلا يتحالفان والقول قول المشترى الا إذا كان النقصان بآفة سماوية أو بفعل المبيع أو بفعل المشترى ورضى
البائع ان يأخذ المبيع ناقصا ولا يأخذ لأجل النقصان شيئا فحينئذ يتحالفان ويتردان وعند محمد يتحالفان ثم البائع
بعد التحالف بالخياران شاء أخذ المبيع ناقصا ولا يأخذ لأجل النقصان شيئا وان شاء ترك وأخذ القيمة وقال بعضهم
على قول محمد ان اختار أخذ العين يأخذ معها النقصان كالمقبوض بالبيع الفاسد وإن كان النقصان بفعل الأجنبي أو
بفعل البائع يتحالفان ويرد المشترى القيمة عنده وعندهما لا يتحالفان والقول المشترى مع يمينه هذا إذا اختلفا
في قدر الثمن فاما إذا اختلفا في جنسه بان قال أحدهما الثمن عين وقال الآخر هو دين فإن كان مدعى العين هو البائع بان
قال للمشترى بعت منك جاريتي بعبدك هذا وقال المشترى للبائع اشتريتها منك بألف درهم فإن كانت الجارية قائمة
تحالفا وترادا لقوله عليه الصلاة والسلام إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة تحالفا وترادا من غير فصل بين ما إذا كان
الاختلاف في قدر الثمن أو في جنسه وإن كانت هالكة عند المشترى لا يتحالفان عند أبي حنيفة وأبى يوسف والقول
قول المشترى في الثمن مع يمينه وعند محمد يتحالفان وهي مسألة هلاك السلعة وقد مرت وإن كان مدعى العين هو المشترى
بان قال اشتريت جاريتك بعبدي هذا وقال البائع بعتها منك بألف درهم أو بمائة دينار فإن كانت الجارية قائمة
يتحالفان بالنص وإن كانت هالكة يتحالفان أيضا اجماعا ويرد المشترى القيمة اما على أصل محمد فظاهر لان هلاك
السلعة عنده لا يمنع التحالف واما على أصلهما فلان وجوب اليمين على المشترى ظاهر أيضا لان البائع يدعى عليه
ثمن الجارية ألف درهم وهو ينكر واما وجوب اليمين على البائع فلان المشترى يدعى عليه الزام العين وهو ينكر فكان
كل واحد منهما مدعيا من وجه منكرا من وجه فيتحالفان ولو كان البائع يدعى عينا والبعض دينا والمشترى يدعى
261

الكل دينا بان قال البائع بعت منك جاريتي بعبدك هذا وبألف درهم وقال المشترى اشتريت جاريتك بألف درهم
فإن كان المبيع وهو الجارية قائما تحالفا بالنص وإن كان هالكا فهو على الاختلاف ولو كان الامر على العكس من ذلك
كان يدعى البعض عينا والبعض دينا والبائع يدعى الكل دينا بان قال المشترى اشتريت منك جاريتك بعبدي هذا
وبألف درهم وقيمة العبد خمسمائة وقال البائع بعتك جاريتي هذه بألف درهم فإن كانت الجارية قائمة تحالفا وترادا
بالنص وإن كانت هالكة يتحالفان أيضا اجماعا الا ان عندهما تقسم الجارية على قيمة العبد وعلى ألف درهم فما كان بإزاء
العين وهو العبد وذلك ثلث الجارية يرد المشترى القيمة وما كان بإزاء الدين وهو الألف وذلك ثلثا الجارية يرد ألف درهم
ولا يرد القيمة وإنما كان كذلك لان المشترى لو كان يدعى كل الثمن عينا كان يتحالفان ويرد المشترى القيمة على ما ذكرنا
ولو أن كل الثمن دينا لكان القول قوله ولا يتحالفان على ما مر فإذا كان يدعى بعض الثمن عينا وبعضه دينا يرد القيمة
بإزاء العين فالقول قوله بإزاء الدين اعتبارا للبعض بالكل وعند محمد يتحالفان ويرد المشترى جميع الثمن هذا إذا اختلفا
في جنس الثمن فاما إذا اختلفا في وقته وهو الأجل مع اتفاقهما على قدره وجنسه فنقول هذا لا يخلو من أربعة أوجه اما
ان اختلفا في أصل الأجل واما ان اختلفا في قدره واما ان اختلفا في مضيه واما ان اختلفا في قدره ومضيه جميعا فان
اختلفا في أصله لا يتحالفان والقول قول البائع مع يمينه لان الأجل أمر يستفاد من قبله وهو منكر لوجوده ولان الأصل
في الثمن هو الحلول والتأجيل عارض فكان القول قول من يدعى الأصل وان اختلفا في قدره فالقول قوله أيضا لما قلنا وان
اختلفا في مضيه مع اتفاقهما على أصله وقدره فالقول قول المشترى انه لم يمض لان الأجل صار حقا له بتصادقهما فكان
القول فيه قوله وان اختلفا في القدر والمضي جميعا فقال البائع الأجل شهر وقد مضى وقال المشترى شهران ولم يمضيا
فالقول قول البائع في القدر والقول قول المشترى في المضي فيجعل الأجل شهرا لم يمض لأن الظاهر يشهد للبائع في القدر
وللمشتري في المضي على ما مر هذا إذا هلك المبيع كله أو بعضه حقيقة أو حكما فاما إذا هلك العاقدان أو أحدهما
والمبيع قائم فاختلف ورثتهما أو الحي منهما وورثة الميت فإن كانت السلعة غير مقبوضة تحالفا وترادا لان للقبض شبها
بالعقد فكان قبض المعقود عليه من الوارث بمنزلة ابتداء العقد منه فيجرى بينهما التحالف الا ان الوارث يحلف
على العلم لا على البتات لأنه يحلف على فعل الغير ولا علم له به إن كانت السلعة مقبوضة فلا تحالف عندهما والقول
قول المشترى أو ورثته بعد موته وعند محمد يتحالفان والأصل ان هلاك العاقد بعد قبض المعقود عليه كهلاك
المعقود عليه وهلاك المعقود عليه يمنع التحالف عندهما فكذا هلاك العاقد وعند محمد ذلك لا يمنع من التحالف
كذا هذا والصحيح قولهما لان الخبر المشهور يمنع من التحالف لكنا عرفناه بنص خاص حال قيام العاقدين لأنه
يوجب تحالف المتبايعين والمتبايع من وجد منه فعل البيع ولم يوجد من الوارث حقيقة فبقي التحالف بعد هلاكهما أو
هلاك أحدهما منفيا بالخبر المشهور هذا إذا اختلفا في الثمن أما إذا اختلفا في المبيع فنقول لا يخلو المبيع من أن يكون
عينا أو دينا وهو المسلم فيه فإن كان عينا فاختلفا في جنسه أو في قدره بأن قال البائع بعت منك هذا العبد بألف درهم
وقال المشترى اشتريت منك هذه الجارية بألف درهم أو قال البائع بعت منك هذا العبد بألف درهم وقال المشترى
اشتريت منك هذا العبد مع هذه الجارية بألف درهم تحالفا وترادا لقوله عليه الصلاة والسلام إذا اختلف المتبايعان
تحالفا وترادا وإن كان دينا وهو المسلم فيه فاختلفا فنقول اختلافهما في الأصل لا يخلو من ثلاثة أوجه (أما) ان اختلفا
في المسلم فيه مع اتفاقهما على رأس المال (واما) ان اختلفا في رأس المال مع اتفاقهما في المسلم فيه (واما) ان اختلفا فيهما
جميعا فان اختلفا في المسلم فيه مع اتفاقهما على رأس المال (فاما) ان اختلفا في جنس المسلم فيه (واما) ان اختلفا في
قدره (وأما) ان اختلفا في صفته (واما) ان اختلفا في مكان ايفائه (واما) ان اختلفا في وقته وهو الأجل فان اختلفا
في جنسه أو قدره أو صفته تحالفا وتراد الان هذا اختلاف في المعقود عليه وانه يوجب التحالف بالنص والذي يبدأ
باليمين هو المسلم إليه في قول أبي حنيفة وهو قول أبى يوسف الأول وفى قوله الآخر وهو قول محمد هو رب السلم (وجه)
262

قولهما أن الابتداء باليمين من المشترى كما في بيع العين ورب السلم هو المشترى فكانت البداية به ولأبي حنيفة رحمه الله
أن اليمين على المنكر والمنكر هو المسلم إليه ولا انكار مع رب السلم فكان ينبغي أن لا يحلف أصلا الا أن التحليف في
جانبه ثبت بالنص وقد روى عن أبي يوسف أيضا أنه قال أيهما بدأ بالدعوى يستحلف الآخر لأنه صار مدعى عليه
وهو منكر وقال بعضهم التعيين إلى القاضي يبدأ بأيهما شاء وان شاء أقرع بينهما فيبدأ بالذي خرجت قرعته ولو
اختلفا في مكان ايفاء المسلم فيه فقال رب السلم شرطت عليك الايفاء في مكان كذا وقال المسلم إليه بل شرطت لك
الايفاء في مكان كذا فالقول قول المسلم إليه ولا يتحالفان عند أبي حنيفة وعندهما يتحالفان بناء على أن مكان
العقد لا يتعين مكان الايفاء عنده حتى كان ترك بيان مكان الايفاء مفسدا للسلم عنده فلم يدخل مكان الايفاء في العقد
بنفسه بل بالشرط والاختلاف فيما لا يدخل في العقد الا بالشرط لا يوجب التحالف كالأجل وعندهما مكان العقد
يتعين مكانا للايفاء حتى لا يفسد السلم بترك بيان مكان الايقاء عندهما فكان المكان داخلا في العقد من غير شرط
فيوجب التحالف وان اختلفا في وقت المسلم فيه وهو الأجل فنقول لا يخلوا (أما) ان اختلفا في أصل الأجل (وأما)
ان اختلفا في قدره (وأما) ان اختلفا في مضيه (واما) ان اختلفا في قدره ومضيه جميعا فان اختلفا في أصل الأجل
لم يتحالفا عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر تحالفا وترادا واحتج باطلاق قوله عليه الصلاة والسلام إذا اختلف المتبايعان
تحالفا وترادا ولان الاختلاف في أصل المسلم فيه كالاختلاف في صفته ألا ترى انه لا صحة للسلم بدون الأجل كما
لا صحة له بدون الوصف فصار الأجل وصفا للمعقود عليه شرعا فيوجب التحالف (ولنا) ان الأجل ليس بمعقود
عليه والاختلاف فيما ليس بمعقود عليه لا يوجب التحالف بخلاف الاختلاف في الصفة لان الصفة في الدين معقود
عليه كالأجل والاختلاف في الأجل يوجب التحالف فكذا في الصفة وإذا لم يتحالفا فإن كان مدعى الأجل هو رب
السلم فالقول قوله ويجوز السلم لأنه يدعى صحة العقد والمسلم إليه يدعى الفساد والقول قول مدعى الصحة ولان المسلم إليه
متعنت في إنكار الأجل لأنه ينفعه والمتعنت لا قول له وإن كان هو المسلم إليه فالقول قوله عند أبي حنيفة ويجوز السلم
استحسانا والقياس أن يكون القول قول رب السلم ويفسد السلم وهو قولهما (وجه) القياس ان الأجل أمر يستفاد
من قبل رب السلم حقا عليه شرعا وانه منكر ثبوته والقول قول المنكر في الشرع (وجه) الاستحسان ان المسلم إليه
بدعوى الأجل يدعى صحة العقد ورب المسلم بالانكار يدعى فساده فكان القول قول من يدعى الصحة لأن الظاهر شاهد
له إذ الظاهر من حال المسلم اجتناب المعصية ومباشرة العقد الفاسد معصية وإذا كان القول قوله من أصل الأجل كان
القول قوله في مقدار الأجل أيضا وقال بعضهم القول قوله إلى شهر لأنه أدنى الآجال فأما الزيادة على شهر فلا تثبت
الا بالبينة وان اختلفا في قدره لم يتحالفا عندنا خلافا لزفر والقول قول رب السلم لما ذكرنا ان الأجل أمر يستفاد من
قبله فيرجع في بيان القدر إليه وان اختلفا في مضيه فالقول قول المسلم إليه وصورته إذا قال رب السلم كان الأجل
شهرا وقد مضى وقال المسلم إليه كان شهرا ولم يمض وان أخذت السلم الساعة كان القول قول المسلم إليه لأنهما
لما تصادقا على أصل الأجل وقدره فقد صار الأجل حقا للمسلم إليه فكان القول في المضي قوله وان اختلفا في قدره
ومضيه جمعيا فالقول قول رب السلم في القدر وقول المسلم إليه في المعنى لأن الظاهر يشهد لرب السلم في القدر وللمسلم
إليه في المضي هذا إذا اختلفا في المسلم فيه مع اتفاقهما على رأس المال فأما إذا اختلفا في رأس المال مع اتفاقهما في
المسلم فيه تحالفا وترادا أيضا سواء اختلفا في جنس رأس المال أو قدره أو صفته لما قلنا في الاختلاف في المسلم فيه الا
أن الذي يبدأ باليمين ههنا هو رب السلم في قولهم جميعا لأنه المشترى وهو المنكر أيضا وان اختلفا فيهما جمعا فكذلك
تحالفا وترادا لأنهما اختلفا في المبيع والثمن والاختلاف في أحدهما يوجب التحالف ففيها أولى والقاضي يبدأ
باليمين بأيهما شاء والله سبحانه وتعالى أعلم
(فصل) وأما بيان حكم الملك والحق الثابت في المحل فنقول وبالله التوفيق حكم الملك ولاية التصرف للمالك في
263

المملوك باختياره ليس لأحد ولاية الجبر عليه الا لضرورة ولا لاحد ولاية المنع عنه وإن كان يتضرر به الا إذا تعلق به
حق الغير فيمنع عن التصرف من غير رضا صاحب الحق وغير المالك لا يكون له التصرف في ملكه من غير اذنه ورضاه
الا لضرورة وكذلك حكم الحق الثابت في المحل إذا عرف هذا فنقول للمالك أن يتصرف في ملكه أي تصرف شاء
سواء كان تصرفا يتعدى ضرره إلى غيره أو يتعدى فله أن يبنى في ملكه مرحاضا أو حماما أو رحى أو تنورا وله أن
يقعد في بنائه حدادا أو قصار أوله أن يحفر في ملكه بئرا أو بالوعة أو ديماسا وإن كان يهن من ذلك البناء ويتأذى به
جاره وليس لجاره أن يمنعه حتى لو طلب جاره تحويل ذلك لم يجبر عليه لان الملك مطلق للتصرف في الأصل والمنع منه
لعارض تعلق حق الغير فإذا لم يوجد التعلق لا يمنع الا أن الامتناع عما يؤذى الجار ديانة واجب للحديث قال عليه
الصلاة السلام المؤمن من أمن جاره بوائقه ولو فعل شيئا من ذلك حتى وهن البناء وسقط حائط الجار لا يضمن لأنه
لاصنع منه في ملك الغير وعلى هذا سفل لرجل وعليه علو لغيره انهدما لم يجبر صاحب السفل علي بناء السفل لأنه ملكه
والانسان لا يجبر على عمارة ملك نفسه ولكن يقال لصاحب العلوان شئت فابن السفل من مال نفسك وضع عليه
علوك ثم امنع صاحب السفل عن الانتفاع بالسفل حتى يرد عليك قيمة البناء مبنيا لان البناء وإن كان تصرفا في ملك
الغير لكن فيه ضرورة لأنه لا يمكنه الانتفاع بملك نفسه الا بالتصرف في ملك غيره فصار مطلقا له شرعا وله حق الرجوع
بقيمة البناء مبنيا لان البناء ملكه لحصوله باذن الشرع واطلاقه فله أن لا يمكنه من الانتفاع بملكه الا ببدل يعد له
وهو القيمة وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان في ظاهر الرواية يرجع بما انفقه وكذا ذكر الخصاف أنه يرجع
بما أنفق لأنه لما لم يقدر على الانتفاع بالعلو الا ببناء السفل ولا ضرر لصاحب السفل في بنائه بل فيه نفع صار مأذونا
بالانفاق من قبله دلالة فكان له حق الرجوع بما أنفق وهذا بخلاف البئر المشترك والد ولأب المشترك والحمام المشترك
ونحو ذلك إذا خرجت فامتنع أحدهما عن العمارة أنه يجبر الآخر على العمارة لان هناك ضرورة لأنه لا يمكن الانتفاع به
بواسطة القسمة لأنه لا يحتمل القسمة والترك لذلك تعطيل الملك وفيه ضرر بهما فكان الذي أبى العمارة متعنتا محضا
في الامتناع فيدفع تعنته بالجبر على العمارة هذا إذا انهدما بأنفسهما فأما إذا هدم صاحب السفل سفله حتى انهدم العلو
يجبر على اعادته لأنه أتلف حق صاحب العلو باتلاف محله ويمكن جبره بالإعادة فتجب عليه اعادته وعلى هذا حائط بين
دار ين انهدم ولهما عليه جذوع لم يجبر واحد منهما علي بنائه لما قلنا ولكن إذا أبى أحدهما البناء يقال للآخران
شئت فابن من مال نفسك وضع خشبك عليه وامنع صاحبك من الوضع حتى يرد عليك نصف قيمة البناء مبينا أو
نصف ما أنفقته على حسب ما ذكرنا في السفل والعلو وقيل إنما يرجع إذا لم يكن موضع الحائط عريضا ولا يمكن كل
واحد منهما أن يبنى حائطا على حدة في نصيبه بعد القسمة (فأما) إذا كان عريضا يمكن قسمته وان يبني كل واحد
منهما في نصيبه حائطا يصلح لوضع الجذوع عليه فبناه كما كان بغير اذن صاحبه لا يكون له حق الرجوع على صاحبه
بل يكون متبرعا لأنه يبنى مالك غيره بغير اذنه من غير ضرورة فكان متبرعا فلا يرجع عليه بشئ ولو أراد أحدهما قسمة
عرضة الحائط لم تقسم الا عن تراض منهما بالقسمة لان لكل واحد منهما عليه حق وضع الخشب وفى القسمة جبرا
ابطال حق الآخر من غير رضاه وهذا لا يجوز ويحتمل أن يقال هذا إذا لم يكن عريضا فإن كان يقسم قسمة جبر لأنه
لا يتضمن ابطال حق الغير ولو كانت الجذوع عليه لاحد هما فطلب أحدهما القسمة وأبى الآخر فإن كان الطالب
صاحب الجذوع يجبر الآخر على القسمة لأنه في الانتفاع متعنت وإنما الحق لصاحب الجذوع وقد رضى بسقوط
حقه وإن كان الطالب من لا جذع له لا يجبر صاحب الجذوع على القسمة لان فيه ابطال حقه في وضع الجذوع فلا
يجوز من غير رضاه ولو هدم الحائط أحدهما يجبر على اعادته لما ذكرنا انه أتلف محل حق أحدهما فيجب جبره على
الإعادة وعلى هذا سفل لرجل وعلى علو لغيره فأراد صاحب السفل أن يفتح بابا أو يثبت كوة أو يحفر طاقا أو يقد
وتدا على الحائط أو يتصرف فيه تصرفا لم يكن قبل ذلك ليس له ذلك من غير رضا صاحب العلو سواء أضر ذلك بالعلو
264

بأن أوجب وهن الحائط أو لم يضربه عند أبي حنيفة رحمه الله وعند هما له ذلك أن يضر بالعلو ولو أراد صاحب
السفل أن يحفر في سفله بئرا أو بالوعة أو سردابا فله ذلك من غير رضا صاحب العلو اجماعا وكذا ايقاد النار للطبخ أو
للخبز وصب الماء للغسل أو للوضوء بالاتفاق وعلى هذا الاختلاف لو أراد صاحب العلوان يحدث على علوه بناء
أو يضع جدو عالم يكن قبل ذلك أو يشرع فيه بابا أو كنيفا لم يكن قبله ليس له ذلك عن أبي حنيفة سواء أضر بالسفل
أولا وعندهما له أن يفعل ذلك ما لم يضر بالسفل وله ايقاد النار وصب الماء للوضوء والغسل اجماعا منهم من قال
لا خلاف بينهم في الحقيقة وقولهما تفسير قول أبي حنيفة رحمه الله ومنهم من حقق الخلاف (وجه) قولهما أن
صاحب السفل يتصرف في ملك نفسه فلا يمنع الا لحق الغير وحق الغير لا يمنع من التصرف لعينه بل لما يتضرر به
صاحب الحق ألا ترى أن الانسان لا يمنع من الاستظلال بجدار غيره ومن الاصطلاء بنار غيره لانعدام تضرر
المالك والخلاف هنا في تصرف لا يضر بصاحب العلو فلا يمنع عنه ولأبي حنيفة رحمه الله أن حرمة التصرف في ملك
الغير وحقه لا يقف على الضرر بل هو حرام سواء تضرر به أم لا ألا ترى ان نقل المرآة والمبحار من دار المالك إلى
موضع آخر حرام وإن كان لا يتضرر به المالك والدليل عليه ان يباح التصرف في ملك الغير وحقه برضاه ولو كانت
الحرمة لما يلحقه من الضرر لما أبيح لان الضرر لا ينعدم برضا المالك وصاحب الحق دل أن التصرف في ملك الغير وحقه
حرام أضر بالمالك أولا وهنا حق لصاحب العلو متعلق بالسفل فيحرم التصرف فيه الا باذنه ورضاه بخلاف ما ضربنا
من المثال وهو الاستظلال بجدار غيره والاصطلاء بنار غيره لان ذلك ليس تصرفا في ملك الغير وحقه إذ لا أثر لذلك
متصل بملك الغير وحقه وهنا بخلافه وعلى هذا إذا كان مسيل ماء في قناة فأراد صاحب القناة أن يجعله ميزابا أو كان
ميزابا فأراد أن يجعله قناة ليس له ذلك وكذلك لو أراد أن يجعل ميزابا أطول من ميزابه أو أعرض أو أراد أن يسيل
ماء سطح آخر في ذلك الميزاب لم يكن له ذلك لان صاحب الحق لا يملك التصرف زيادة على حقه وكذلك لو أراد أهل
الدار أن يبنوا حائطا ليسدوا مسيله أو أراد وأن ينقلوا الميزاب عن موضعه أو يرفعوه أو يسفلوه لم يكن لهم ذلك لان
ذلك تصرف في حق الغير بالابطال والتغيير فلا يجوز من غير رضا صاحب الحق ولو بنى أصل الدار لتسييل ميزابه على
ظهره فلهم ذلك لان مقصود صاحب الميزاب حاصل في الحالين دار لرجل فيها طريق فأراد أهل الدار أن يبنوا في
ساحة الدار ما يقطع طريقه ليس لهم ذلك لان فيه ابطال حق المرور وينبغي أن يتركوا في ساحة الدار عرض باب
الدار لان عرض الطريق مقدر بعرض باب الدار ولو أراد رجل أن يشرع إلى الطريق جناحا أو ميزابا فنقول هذا في
الأصل لا يخلو من أحد وجهين اما إن كانت السكة نافذة واما إن كانت غير نافذة فإن كانت نافذة فإنه ينظر إن كان ذلك
مما يضر بالمارين فلا يحل له أن يفعل ذلك في دينه لقوله عليه الصلاة والسلام لا ضرر ولا اضرار في الاسلام ولو فعل
ذلك فلكل واحد أن يقلع عليه ذلك وإن كان ذلك مما لا يضر بالمارين حل له الانتفاع به ما لم يتقدم إليه أحد بالرفع
والنقض فإذا تقدم إليه واحد من عرض الناس لا يحل له الانتفاع به بعد ذلك عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يحل
له الانتفاع قبل التقدم وبعده وكذلك هذا الحكم في غرس الأشجار وبناء الدكاكين والجلوس للبيع والشراء على
قارعة الطريق (وجه) قولهما ما ذكرنا أن حرمة التصرف في حق الغير ليس لعينه بل للتحرز عن الضرر ولا ضرار
بالمارة فاستوى فيه حال ما قبل التقدم وبعده ولأبي حنيفة رحمه الله ان اشراع الجناح والميزاب إلى طريق العامة
تصرف في حقهم لان هواء البقعة في حكم البقعة والبقعة حقهم فكذا هواؤها فكان الانتفاع بذلك تصرفا في حق الغير
وقد مر ان التصرف في حق الغير بغير اذنه حرام سواء أضربه أولا الا أنه حل له الانتفاع بذلك قبل التقدم لوجود
الاذن منهم دلالة وهي ترك التقدم بالنقض والتصرف في حق الانسان باذنه مباح فإذا وقعت المطالبة بصريح النقض
بطلت الدلالة فبقي الانتفاع بالمبنى تصرفا في حق مشترك بين الكل من غير اذنهم ورضاهم فلا يحل هذا إذا كانت
السكة نافذة فاما إذا كانت غير نافذة فإن كان له حق في التقديم فليس لأهل السكة حق المنع لتصرفه في حق نفسه وان لم
265

يكن له حق في التقديم فلهم منعه سواء كان لهم في ذلك مضرة أولا لما ذكرنا ان حرمة التصرف في حق الغير لا تقف على
المضرة والله سبحانه وتعالى أعلم
* (كتاب الشهادة) *
الكلام في هذا الكتاب في مواضع في بيان ركن الشهادة وفي بيان شرائط الركن وفي بيان ما يلزم الشاهد بتحمل
الشهادة وفي بيان حكم الشهادة أما ركن الشهادة فقول الشاهد أشهد بكذا وكذا وفى متعارف الناس في حقوق العباد
هو الاخبار عن كون ما في يد غيره لغيره فكل ما أخبر بأن ما في يد غيره لغيره فهو شاهد وبه ينفصل عن المقر والمدعى
والمدعى عليه على ما ذكرنا في كتاب الدعوى
(فصل) وأما الشرائط في الأصل فنوعان نوع هو شرط تحمل الشهادة ونوع هو شرط أداء الشهادة (أما) الأول
فثلاثة أحدها أن يكون عاقلا وقت التحمل فلا يصح التحمل من المجنون والصبي والذي لا يعقل لان تحمل الشهادة
عبارة عن فهم الحادثة وضبطها ولا يحصل ذلك الا بآلة الفهم والضبط وهي العقل والثاني أن يكون بصيرا وقت التحمل
عندنا فلا يصح التحمل من الأعمى وعند الشافعي رحمه الله البصر ليس بشرط لصحة التحمل ولا لصحة الأداء لان
الحاجة إلى البصر عند التحمل لحصول العلم بالمشهود به وذلك يحصل بالسماع وللأعمى سماع صحيح فيصح تحمله
الشهادة ويقدر على الأداء بعد التحمل (ولنا) أن الشرط هو السماع من الخصم لان الشهادة تقع له ولا يعرف كونه
خصما الا بالرؤية لان النغمات يشبه بعضها بعضا (وأما) البلوغ والحرية والاسلام العدالة فليست من شرائط
التحمل بل من شرائط الأداء حتى لو كان وقت التحمل صبيا عاقلا أو عبدا أو كافر أو فاسقا ثم بلغ الصبي وعتق
العبد وأسلم الكافر وتاب الفاسق فشهدوا عند القاضي تقبل شهادتهم وكذا العبد إذا تحمل الشهادة لمولاه ثم عتق
فشهد له تقبل وكذا المرأة إذا تحملت الشهادة لزوجها ثم بانت منه فشهدت له تقبل شهادتها لان تحملها الشهادة للمولى
والزوج صحيح وقد صارا من أهل الأداء بالعتق والبينونة فتقبل شهادتهما ولو شهد الفاسق فردت شهادته لتهمة
الفسق أو شهد أحد الزوجين لصاحبه فردت شهادته لتهمة الزوجية ثم شهدوا في تلك الحادثة بعد التوبة والبينونة
لا تقبل ولو شهد العبد أو الصبي العاقل أو الكافر على مسلم في حادثة فردت شهادته ثم أسلم الكافر وعتق العبد
وبلغ الصبي فشهدوا في تلك الحادثة بعينها تقبل (ووجه) الفرق ان الفاسق والزوج لهما شهادة في الجملة وقد
وردت فإذا شهدوا بعد التوبة وزوال الزوجية في تلك الحادثة فقد أعاد تلك الشهادة وهي مردودة والشهادة
المردودة لا تحتمل القبول بخلاف الكافر والعبد والصبي لأنه لا شهادة للكافر على المسلم أصلا وكذا الصبي
والعبد لا شهادة لهما أصلا فإذا أسلم الكافر وعتق العبد وبلغ الصبي فقد حدثت لهم بالاسلام والعتق والبلوغ شهادة
وهي غير المردودة فقبلت فهو الفرق الثالث أن يكون التحمل بمعاينة المشهود به بنفسه لا بغيره الا في أشياء مخصوصة
يصح التحمل فيها بالتسامع من الناس لقوله عليه الصلاة والسلام للشاهد إذا علمت مثل الشمس فاشهد والا فدع
ولا يعلم مثل الشمس الا بالمعاينة بنفسه فلا تطلق الشهادة بالتسامع الا في أشياء مخصوصة وهي النكاح والنسب
والموت فله تحمل الشهادة فيها بالتسامع من الناس وان لم يعاين بنفسه لان مبنى هذه الأشياء على الاشتهار فقامت
الشهرة فيها مقام المعاينة وكذا إذا شهد العرس والزفاف يجوز له ان يشهد بالنكاح لأنه دليل النكاح وكذا في الموت
إذا شهد جنازة رجل أو دفنه حل له ان يشهد بموته واختلفوا في تفسير التسامع فعند محمد رحمه الله هو أن يشتهر ذلك
ويستفيض وتتواتر به الاخبار عنده من غير تواطؤ لان الثابت بالتواتر والمحسوس بحس البصر والسمع سواء
فكانت الشهادة بالتسامع شهادة عن معاينة فعلى هذا إذا أخبره بذلك رجلان أو رجل وامرأتان لا يحل له
الشهادة ما لم يدخل في حد التواتر وذكر أحمد بن عمر وبن مهران الخصاف انه إذا أخبره رجلان عدلان أو رجل
266

وامرأتان ان هذا ابن فلان أو امرأة فلان يحل له الشهادة بذلك استدلا لا بحكم الحاكم وشهادته فإنه يحكم بشهادة
شاهدين من غير معاينة منه بل بخبرهما ويجوز له أن يشهد بذلك بعد العزل كذا هذا ولو أخبره رجل أو امرأة
بموت انسان حل للسامع أن يشهد بموته فعلى هذا يحتاج إلى الفرق بين الموت وبين النكاح والنسب ووجه
الفرق ان مبنى هذه الأشياء وإن كان على الاشتهار الا أن الشهرة في الموت أسرع منه في النكاح والنسب لذلك
شرط العدد في النكاح والنسب لافى الموت لكن ينبغي أن يشهد في كل ذلك على البتات والقطع دون التفصيل
والتقييد بأن يقول إني لم أعاين ذلك ولكن سمعت من فلان كذا وكذا حتى لو شهد كذلك لا تقبل وأما الولاء
فالشهادة فيه بالتسامع غير مقبولة عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو قول أبى يوسف رحمه الله الأول ثم رجع وقال
تقبل وذكر الطحاوي رحمه الله قول محمد مع أبي يوسف الآخر ووجه أن الولاء لحمة كلحمة النسب ثم الشهادة
بالتسامع في النسب مقبولة كذا في الولاء الا ترى أنا كما نشهد أن سيدنا عمر كان ابن الخطاب رضي الله عنه نشهد
أن نافعا كان مولى ابن سيدنا عمر رضي الله عنهما والصحيح جواب ظاهر الرواية لأن جواز الشهادة بالتسامع في
النسب لما أن مبنى النسب على الاشتهار فقامت الشهرة فيه مقام السماع بنفسه وليس مبنى الولاء على الاشتهار فلابد
من معاينة الاعتاق حتى لو اشتهر اشتهار نافع لا بن سيدنا عمر رضي الله عنهما حلت الشهادة بالتسامع وأما الشهادة
بالتسامع في الوقف فلم يذكره في ظاهر الرواية الا أن مشايخنا ألحقوه بالموت لان مبنى الوقف على الاشتهار أيضا
كالموت فكان ملحقا به وكذا تجوز الشهادة بالتسامع في القضاء والولاية أن هذا قاضى بلد كذا ووالى بلد كذا وان
لم يعاين المنشور لان مبنى القضاء والولاية على الشهرة فقامت الشهرة فيها مقام المعاينة ثم تحمل الشهادة كما يحصل
بمعاينة المشهود به بنفسه يحصل بمعاينة دليله بان يرى ثوبا أو دابة أو دار في يد انسان يستعمله استعمال الملاك من غير
منازع حتى لو خاصمه غيره فيه يحل له أن يشهد بالملك لصاحب اليد لان اليد المتصرفة في المال من غير منازع دليل الملك
فيه بل لا دليل بشاهد في الأموال أقوى منها وزاد أبو يوسف فقال لا تحل له الشهادة حتى يقع في قلبه أيضا أنه له
وينبغي أن يكون هذا قولهم جميعا أنه لا تجوز للرائي الشهادة بالملك لصاحب اليد حتى يراه في يده يستعمله استعمال
الملاك من غير منازع وحتى يقع في قلبه أنه له وذكر في الجامع الصغير وقال كل شئ في يد انسان سوى العبد والأمة
يسعك أن تشهد أنه له استثنى العبد والأمة فيقضى أن لا تحل له الشهادة بالملك لصاحب اليد فيهما الا إذا أقرا بأنفسهما
وإنما أراد به العبد الذي يكون له في نفسه يد بأن كان كبيرا يعبر عن نفسه وكذا الأمة لان الكبير في يد نفسه ظاهر إذا
الأصل هو الحرية في بني آدم والرق عارض فكانت يده إلى نفسه أقرب من يد غيره فلم تصلح يد غيره دليل الملك فيه
بخلاف الجمادات والبهائم لأنه لا يدلها فبقيت يد صاحب اليد دليلا على الملك ولان الحر قد يخدم كأنه عبد عادة وهذا
أمر ظاهر في متعارف الناس وعاداتهم فتعارض الظاهر أن فلم تصلح اليد دليلا فيه أما إذا كان صغير الا يعبر عن نفسه
كان حكمه حكم الثوب والبهيمة لأنه لا يكون له في نفسه يد فيلحق بالعروض والبهائم فتحل للرائي الشهادة بالملك فيه
لصاحب اليد والله سبحانه وتعالى أعلم وأما شرائط أداء الشهادة فأنواع بعضها يرجع إلى الشاهد وبعضها يرجع إلى
نفس الشهادة وبعضها يرجع إلى مكان الشهادة وبعضها يرجع إلى المشهود به أما الذي يرجع إلى الشاهد فأنواع
بعضها يعم الشهادات كلها وبعضها يخص البعض دون البعض أما الشرائط العامة فمنها العقل لان من لا يعقل لا يعرف
الشهادة فكيف يقدر على أدائها ومنها البلوغ فلا تقبل شهادة الصبي العاقل لأنه لا يقدر على الأداء الا بالتحفظ
والتحفظ بالتذكر والتذكر بالتفكر ولا يوجد من الصبي عادة ولان الشهادة فيها معنى الولاية والصبي مولى عليه ولأنه
لو كان له شهادة للزمته الإجابة عند الدعوة للآية الكريمة وهو قوله تعالى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا أي دعوا
للأداء فلا يلزمه اجماعا ومنها الحرية فلا تقبل شهادة العبد لقوله تعالى ضرب الله مثلا عبدا مملو كالا يقدر على شئ
والشهادة شئ فلا يقدر على أدائها بظاهر الآية الكريمة ولان الشهادة تجرى مجرى الولايات والتمليكات أما معني
267

الولاية فان فيه تنفيذ القول على الغير وانه من باب الولاء وأما معنى التمليك فان الحاكم يملك الحكم بالشهادة فكان
الشاهد ملكه الحكم والعبد لا ولاية له على غيره ولا يملك فلا شهادة له ولأنه لو كان له شهادة لكان يجب عليه الإجابة
إذا دعى لأدائها للآية الكريمة ولا يجب لقيام حق المولى وكذا لا تقبل شهادة المدبر والمكاتب وأم الولد لأنهم عبيد
وكذا معتق البعض عند أبي حنيفة وعندهما تقبل شهادته لأنه بمنزلة المكاتب عنده وعندهما بمنزلة حر عليه دين
ومنها بصر الشاهد عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله فلا تقبل شهادة الأعمى عندهما سواء كان بصيرا وقت التحمل أولا
وعند أبي يوسف ليس بشرط حتى تقبل شهادته إذا كان بصيرا وقت التحمل وهذا إذا كان المدعى شيئا لا يحتاج إلى
الإشارة إليه وقت الأداء فاما إذا كان شيئا يحتاج إلى الإشارة إليه وقت الأداء لا تقبل شهادته اجماعا وجه قوله أبى
يوسف أن اشتراط البصر ليس لعينه بل لحصول العلم بالمشهود به ذا يحصل إذا كان بصيرا وقت التحمل وجه
قولهما أنه لابد من معرفة المشهود له والإشارة إليه عند الشهادة فإذا كان أعمى عند الأداء لا يعرف المشهود له من
غيره فلا يقدر على أداء الشهادة ومنها النطق فلا تقبل شهادة الأخرس لان مراعاة لفظة الشهادة شرط صحة أدائها
ولا عبارة للأخرس أصلا فلا شهادة له ومنها العدالة لقبول الشهادة على الاطلاق فإنها لا تقبل على الاطلاق
دونها لقوله تعالى ممن ترضون من الشهداء والشاهد المرضى هو الشاهد العدل والكلام في العدالة في مواضع في بيان
ماهية العدالة انها ما هي في عرف الشرع وفي بيان صفة العدالة المشروطة وفي بيان انها شرط أصل القبول
وجودا أم شرط القبول على الاطلاق وجودا ووجوبا أما الأول فقد اختلف عبارات مشايخنا رحمهم الله في
ماهية العدالة المتعارفة قال بعضهم من لم يطعن عليه في بطن ولا فرج فهو عدل لان أكثر أنواع الفساد والشر يرجع
إلى هذين العضوين وقال بعضهم من لم يعرف عليه جريمة في دينه فهو عدل وقال بعضهم من غلبت حسناته
سيئاته فهو عدل وقد روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال إذا رأيتم الرجل يعتاد الصلاة في المساجد فاشهدوا
له بالايمان وروى من صلى إلى قبلتنا وأكل ذبيحتنا فاشهدوا له بالايمان وقال بعضهم من يجتنب الكبائر وأدى
الفرائض وغلبت حسناته سيئاته فهو عدل وهو اختيار أستاذ أستاذي الامام فحر الدين على البزدوي رحمه الله
تعالى واختلفت في ماهية الكبائر والصغائر قال بعضهم ما فيه حد في كتاب الله عز وجل فهو كبيرة وما لاحد فيه
فهو صغيرة وهذا ليس بسديد فان شرب الخمر وأكل الربا كبيرتان ولاحد فيهما في كتاب الله تعالى وقال بعضهم
ما يوجب الحد فهو كبيرة وما لا ويوجبه فهو صغيرة وهذا يبطل أيضا بأكل الربا فإنه كبيرة ولا يوجب الحد وكذا يبطل
أيضا بأشياء أخر هي كبائر ولا توجب الحد نحو عقوق الوالدين والفرار من الزحف ونحوها وقال بعضهم كلما جاء
مقرونا بوعيد فهو كبيرة نحو قتل النفس المحرمة وقذف المحصنات والزنا والربا وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف
وهو مروى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وقيل له ان عبد الله بن سيدنا عمر رضي الله عنهما قال الكبائر سبع
فقال هي إلى سبعين أقرب ولكن لا كبيرة مع توبة ولا صغيرة مع اصرار وروى عن الحسن عن النبي عليه الصلاة
والسلام أنه قال ما تقولون في الزنا والسرقة وشرب الخمر قالوا الله ورسوله أعلم قال عليه الصلاة والسلام هن فواحش
وفيهن عقوبة ثم قال عليه الصلاة والسلام ألا أنبئكم بأكبر الكبائر فقالوا بلى يا رسول الله فقال عليه الصلاة
والسلام الا شراك بالله وعقوق الوالدين وكان عليه الصلاة والسلام متكئا فجلس ثم قال الا وقول الزور الا وقول الزور
الا وقول الزور فإذا عرفت تفسير العدالة في عرف الشرع فلا عدالة لشارب الخمر لان شربة كبيرة فتسقط به العدالة
ومن مشايخنا من قال إذا كان الرجل صالحا في أموره تغلب حسناته سيئاته ولا يعرف بالكذب ولا بشئ من الكبائر
غير أنه يشرب الخمر أحيانا لصحة البدن والتقوى لا للتلهي يكون عدلا وعامة مشايخنا على أنه لا يكون عدلا لان شرب
الخمر كبيرة محضة وإن كان للتقوى ومن شرب النبيذ لا تسقط عدالته بنفس الشرب لان شربه للتقوى دون التلهي
حلال وأما السكر منه فإن كان وقع منه مرة وهو لا يدري أو وقع سهو الا تسقط عدالته وإن كان يعتاد السكر منه تسقط
268

عدالته لان السكر منع حرام ولا عدالة لمن يحضر مجلس الشرب ويجلس بينهم وإن كان لا يشرب لان حضوره مجلس
الفسق فسق ولا عدالة للنائح والنائحة لان فعلهما محظور وأما المغنى فإن كان يجتمع الناس عليه للفسق بصوته فلا
عدالة له وإن كان هو لا يشرب لأنه رأس الفسقة وإن كان يفعل ذلك مع نفسه لدفع الوحشة لا تسقط عدالته لان ذلك
مما لا بأس به لان السماع مما يرقق القلوب لكن لا يحل الفسق به وأما الذي يضرب شيئا من الملاهي فإنه ينظران لم
يكن مستشنعا كالقصب والدف ونحوه لا بأس به ولا تسقط عدالته وإن كان مستشنعا كالعود ونحوه سقطت عدالته
لأنه لا يحل بوجه من الوجوه والذي يلعب بالحمام فإن كان لا يطيرها لا تسقط عدالته وإن كان يطيرها تسقط عدالته
لأنه يطلع على عورات النساء ويشغله ذلك عن الصلاة والطاعات ومن يلعب بالرند فلا عدالة له وكذلك من يلعب
بالشطرنج ويعتاده فلا عدالة له وان اباحه بعض الناس لتشحيذ الخاطر وتعلم أمر الحرب لأنه حرام عندنا لكونه لعبا
قال عليه الصلاة والسلام كل لعب حرام الا ملاعبة الرجل أهل وتأديبه فرسه ورميه عن قوسه وكذلك إذا اعتاد
ذلك يشغله عن الصلاة والطاعات فإن كان يفعله أحيانا ولا يقامر به لا تسقط عدالته ولا عدالة لمن يدخل الحمام بغير
مئزر لان ستر العورة فريضة ومن ترك الصلاة بالجماعات استخفافا بها وهو انا بتركها فلا عدالة له لان الجماعة
واجبة وإن كان تركها عن تأويل بأن كان الامام غير مرضى عنده لا تسقط عدالته ولا عدالة لمن يفجر بالنساء أو يعمل
بعمل قوم لوط ولا للسارق وقاطع الطريق والمتلصص وقاذف المحصنات وقاتل النفس المحرمة وآكل الربا ونحوه
لان هؤلاء من رؤس الكبائر ولا عدالة للمخنث لان فعله وعمله كبيرة ولا عدالة لمن لم يبال من أين يكتسب
الدراهم من أي وجه كان لان من هذا حاله لا يأمن منه أن يشهد زور اطعما في المال والمعروف بالكذب لا عدالة
له ولا تقبل شهادته أبدا وان تاب لان من صار معروفا بالكذب واشتهر به لا يعرف صدقه في توبته بخلاف
الفاسق إذا تاب عن سائر أنواع الفسق تقبل شهادته وكذا من وقع في الكذب سهوا وابتلى به مرة ثم تاب لأنه قل
ما يخلو مسلم عن ذلك فلو منع القبول لا نسد باب الشهادة وأما الا قلف فتقبل شهادته إذا كان عدلا ولم يكن تركه الختان
رغبة عن السنة لعمومات الشهادة ولان اسلامه إذا كان في حال الكبر فيجوز أنه خاف على نفسه التلف فإن لم يخف
ولم يختتن تاركا للسنة لم تقبل شهادته كالفاسق والذي يرتكب المعاصي أن شهادته لا تجوز وان كنا لا نستيقن كونه
فاسقا في تلك الحال وتقبل شهادة ولد الزنا إذا كان عدلا لعمومات الشهادة لان زنا الوالدين لا يقدح في عدالته
لقوله سبحانه وتعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى وما روى عنه عليه الصلاة والسلام ولد الزنا أسوأ الثلاثة فذافى
ولد معين والله تعالى أعلم وتقبل شهادة الخصي لعمومات الشهادة وروى عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قبل
شهادة علقمة الخصي ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر من الصحابة ولان الخصاء لا يقدع في العدالة فلا يمنع قبول الشهادة
وأما شهادة صاحب الهوى إذا كان عدلا في هواه ودينه نظر في ذلك إن كان هوى يكفره لا تقبل شهادته لان شهادة
الكافر على المسلم غير مقبولة وإن كان لا يكفره فإن كان صاحب العصبية وصاحب الدعوة إلى هواه أو كان فيه مجانة
لا تقبل أيضا لان صاحب العصبية والدعوة لا يبالي من الكذب والتزوير لترويج هواه فكان فاسقا فيه وكذا إذا
كان فيه مجانة لان الماجن لا يبالي من الكذب فإن لم يكن كذلك وهو عدل في هواه تقبل لان هواه يزجره عن
الكذب الا صنف من الرافضة يسمون بالخطابية فإنهم لا شهادة لهم لان من نحلتهم انه تحل الشهادة لمن يوافقهم على
من يخالفهم وقيل من نحلتهم أن من ادعى أمر امن الأمور وحلف عليه كان صادقا في دعواه فيشدهون له فإن كان هذا
مذهبهم فلا تخلوا شهادتهم عن الكذب وكذا لا عدالة لأهل الالهام لأنهم يحكمون بالالهام فيشهدون لم يقع في
قلوبهم انه صادق في دعواه ومعلوم أن ذلك لا يخلو عن الكذب ولا عدالة لمن يظهر شتيمة الصحابة رضى الله تعالى
عنهم لان شتيمة واحد من آحاد المسلمين مسقطة للعدالة فشتيمتهم أولى ولا عدالة لصاحب المعصية لقوله عليه
الصلاة والسلام ليس منا من مات على المعصية وقال عليه الصلاة والسلام من مات على المعصية فهو كحمار نزع
269

يدينه فكانت المعصية معصية مسقطة للعدالة والأصل في هذا الفصل أن من ارتكب جريمة فإن كانت من الكبائر
سقطت عدالته الا أن يتوب فإن لم تكن من الكبائر فان أصر عليها واعتاد ذلك فكذلك لان الصغيرة بالاصرار عليها
تصير كبيرة قال عليه الصلاة والسلام لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار وان لم يصر عليها لا تسقط عدالته
إذا غلبت حسناته سيئاته وأما بيان صفة العدالة المشروطة فقد اختلف أصحابنا رحمهم الله قال أبو حنيفة رضي الله عنه
الشرط هو العدالة الظاهرة فاما العدالة الحقيقية وهي الثابتة بالسؤال عن حال الشهود بالتعديل والتزكية فليست
بشرط وقال أبو يوسف ومحمد رحمه الله انها شرط ولقب المسألة ان القضاء بظاهر العدالة جائز عنده وعندهما لا
يجوز وجملة الكلام فيه أنه لا خلاف في أنه إذا طعن الخصم في الشاهد انه لا يكتفي بظاهر العدالة بل يسأل القاضي عن
حال الشهود وكذا لا خلاف فيه أنه يسأل عن حالهم في الحدود والقصاص ولا يكتفى بالعدالة الظاهرة سواء طعن
الخصم فيهم أو لم يطعن واختلفوا فيما سوى الحدود والقصاص إذا لم يطعن الخصم قال أبو حنيفة رحمه الله لا يسأل وقالا
يسأل عن مشايخنا من قال هذا الاختلاف اختلاف زمان لا اختلاف حقيقة لان زمن أبي حنيفة رحمه الله كان من
أهل خير وصلاح لأنه زمن التابعين وقد شهد لهم النبي عليه الصلاة والسلام بالخيرية بقوله خير القرون قرني
الذي أنا فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشوا الكذب الحديث فكان الغالب في أهل زمانه الصلاح
والسداد فوقعت الغنية عن السؤال عن حالهم في السر ثم تغير الزمان وظهر الفساد في قرنهما فوقعت الحاجة إلى
السؤال عن العدالة فكان اختلاف جوابهم لاختلاف الزمان فلا يكون اختلافا حقيقة ومنهم من حقق الخلاف
(وجه) قولهما ان العدالة الظاهرة تصلح للدفع لا للاثبات لثبوتها باستصحاب الحال دون الدليل والحاجة ههنا
إلى الاثبات وهو ايجاب القضاء والظاهر لا يصلح حجة له فلا بد من إثبات العدالة بدليلها ولأبي حنيفة ظاهر قوله
عز وجل وكذلك جعلنا كم أمة وسطا أي عدلا وصف الله سبحانه وتعالى مؤمني هذه الأمة بالوساطة وهي العدالة
وقال سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه عدول بعضهم على بعض فصارت العدالة أصلا في المؤمنين وزوالها بعارض
ولان العدالة الحقيقية مما لا يمكن الوصول إليها فتعلق الحكم بالظاهر وقد ظهرت عدالتهم قبل السؤال عن حالهم فيجب
الاكتفاء به الا أن يطعن الخصم لأنه إذا طعن الخصم وهو صادق في الطعن فيقع التعارض بين الظاهرين فلابد من
الترجيح بالسؤال والسؤال في الحدود والقصاص طريق لدرئها والحدود يحتال فيها للدرء ولو طعن المشهود عليه في
حرية الشاهدين وقال إنهما رقيقان ولا قالا نحن حران فالقول قوله حتى تقوم لهما البينة على حريتهما لان الأصل في
بني آدم وإن كان هو الحرية لكونهم أولا آدم وحواء عليما الصلاة والسلام وهما حران لكن الثابت بحكم
استصحاب الحال لا يصلح للالزام على الخصم ولابد من اثباتها بالدلائل والأصل فيه أن الناس كلهم أحرارا الا في
أربعة الشهادات والحدود والقصاص والعقل هذا إذا كانا مجهولي النسب لم تعرف حريتهما ولم تكن ظاهرة مشهورة
بأن كانا من الهند أو الترك أو غيرهم ممن لا تعرف حريته أو كانا عربيين فاما إذا لم يكونا ممن يجرى عليه الرق فالقول
قولهما ولا يثبت رقهما الا بالبينة وأما بيان ان العدالة شرط قبول أصل الشهادة وجود أم شرط القول مطلقا وجوبا
ووجودا فقد اختلف فيه قال أصحابنا رحمهم الله انها شرط القبول للشهادة وجود على الاطلاق ووجوبا لاشرط
أصل القبول حتى يثبت القبول بدونه وقال الشافعي عليه الرحمة انها شرط أصل القبول لا يثبت القبول أصلا دونها
حتى أن القاضي لو تحرى الصدق في شهادة الفاسق يجوز له قبول شهادته ولا يجوز القبول من غير تحر بالاجماع وكذا
لا يجب عليه القبول بالاجماع وله أن يقبل شهادة العدل من غير تحر وإذا شهد يجب علية القبول وهذا هو الفصل
بين شهادة العدل وبين شهادة الفاسق عندنا وعند الشافعي عليه الرحمة لا يجوز للقاضي أن يقضى بشهادة الفاسق
أصلا وكذا ينعقد النكاح بشهادة الفاسقين عندنا وعنده لا ينعقد (وجه) قول الشافعي رحمه الله أن مبنى قبول
الشهادات على الصدق لا يظهر الصدق الا بالعدالة لان خبر من ليس بمعصوم عن الكذب يحتمل الصدق
270

والكذب ولا يقع الترجيح الا بالعدالة واحتج في انعقاد النكاح بقوله عليه الصلاة والسلام لا نكاح الا بولي
وشاهدي عدل (ولنا) عمومات قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم وقوله عليه الصلاة والسلام لا نكاح
الا بشهود والفاسق شاهد لقوله سبحانه وتعالى ممن ترضون من الشهداء قسم الشهود إلى مرضيين وغير مرضيين
فيدل على كون غير المرضى وهو الفاسق شاهدا ولان حضرة الشهود في باب النكاح لدفع تهمة الزنا لا للحاجة إلى
شهادتهم عند الجحود والانكار لان النكاح يشتهر بعد وقوعه فيمكن دفع الجحود والانكار بالشهادة بالتسامع
والتهمة تندفع بحضرة الفاسق فينعقد النكاح بحضرتهم وأما قوله الركن في الشهادة هو صدق الشاهد فنعم لكن الصدق
لا يقف على العدالة لا محالة فان من الفسقة من لا يبالي بارتكابه أنواع من الفسق ويستنكف عن الكذب والكلام
في فاسق تحرى القاضي الصدق في شهادته فغلب على ظنه صدقه ولو لم يكن كذلك لا يجوز القضاء بشهادته عندنا وأما
الحديث فقد روى عن بعض نقلة الحديث أنه قال لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن يثبت فلا حجة له
فيه بل هو حجة عليه لأنه ليس فيه جعل العدالة صفة للشاهد لأنه لو كان كذلك لقال لا نكاح الا بولي وشاهدين
عدلين بل هذا إضافة الشاهدين إلى العدل وهو كلمة التوحيد فكأنه قال عليه الصلاة والسلام لا نكاح الا بولي
مقابلي كلمة العدل وهي كلمة الاسلام والفاسق مسلم فينعقد النكاح بحضرته ومنها أن لا يكون محدودا في قذف
عندنا وهو شرط الأداء وعند الشافعي رحمه الله ليس بشرط واحتج بعمومات الشهادة من غير فصل لان المانع هو
الفسق بالقذف وقد زال بالتوبة (ولنا) قوله تعالى جل وعلا والذين يرمون المحصنات الآية نهى سبحانه وتعالى عن
قبول شهادة الرامي على التأبيد فيتناول زمان ما بعد التوبة وبه تبين أن المحدود في القذف مخصوص من عمومات
الشهادة عملا بالنصوص كلها صيانة لها عن التناقض وكذلك الذمي إذا قذف مسلما فحد حد القذف لا تقبل شهادته
على أهل الذمة فان أسلم جازت شهادته عليهم وعلى المسلمين وبمثله العبد المسلم إذا قذف حرا ثم حد حد القذف ثم
عتق لا تقبل شهادته أبدا وان أعتق (ووجه) الفرق أن إقامة الحد توجب بطلان شهادة كانت للقاذف قبل
الإقامة والثابت للذمي قبل إقامة الحد شهادته على أهل الذمة لا على أهل الاسلام فتبطل تلك الشهادة بإقامة الحد فإذا
أسلم فقد حدثت له بالاسلام شهادة غير مردودة وهي شهادته على أهل الاسلام لأنها لم تكن له لتبطل بالحد فتقبل هذه
الشهادة ثم من ضرورة قبول شهادته على أهل الاسلام قبول شهادته على أهل الذمة بخلاف العبد لان العبد من
أهل الشهادة وان لم تكن له شهادة مقبولة لان له عدالة الاسلام والحد أبطل ذلك على التأبيد ولو ضرب الذمي بعض
الحد فاسلم ثم ضرب الباقي تقبل شهادته لان المبطل للشهادة إقامة الحد في حالة الاسلام ولم توجد لان الحد اسم للكل
فلا يكون البعض حدا لان الحدة لا يتجزأ وهذا جواب ظاهر الرواية وذكر الفقيه أبو الليث عليه الرحمة روايتين
أخريين فقال في رواية لا تقبل شهادته وفى رواية تقبل شهادته ولو ضرب سوطا واحدا في الاسلام لان السياط
المتقدمة توقف كونها حدا على وجود السوط الأخير وقد وجد كمال الحد في حالة الاسلام وفي رواية اعتبر الأكثر ان
وجد أكثر الحد في حال الاسلام تبطل شهادته وإلا فلا لان للأكثر حكم الكل في الشرع والصحيح جواب
ظاهر الرواية لما ذكرنا أن الحد اسم للكل وعند ضرب السوط الأخير تبين أن السياط كلها كانت حدا ولم يوجد
الكل في حال الاسلام بل البعض فلا ترد به الشهادة الحادثة بالاسلام هذا إذا شهد بعد إقامة الحد وبعد التوبة فاما
إذا شهد بعد التوبة قبل إقامة الحد فتقبل شهادته بالاجماع ولو شهد بعد إقامة الحد قبل التوبة لا تقبل شهادته بالاجماع
ولو شهد قبل التوبة وقبل إقامة الحد فهي مسألة شهادة الفاسق وقد مرت وأما النكاح بحضرة المحدودين في القذف
فينعقد بالاجماع أما عند الشافعي رحمه الله فلان له شهادة أداء فكانت له شهادة سماعا وأما عندنا فلان حضرة
الشهود لدى النكاح ليست لدفع الجحود والانكار لاندفاع الحاجة بالشهادة بالتسامع بل لرفع ريبة الزنا والتهمة به وذا
يجعل بحضرة المحدودين في القذف فينعقد النكاح بحضرتهم ولا تقبل شهادتهم للنهي عن القبول والانعقاد ينفصل
271

عن القبول في الجملة وأما المحدود في الزنا والسرقة والشرب فتقبل شهادته بالاجماع إذا تاب لأنه صار عدلا والقياس
أن تقبل شهادة المحدود في القذف إذا تاب لولا النص الخاص بعدم القبول على التأييد ومنها أن لا يجر الشاهد إلى
نفسه مغنما ولا يدفع عن نفسه مغرما بشهادته لقوله عليه الصلاة والسلام لا شهادة لجار المغنم ولا لدافع المغرم ولان
شهادته إذا تضمنت معنى النفع والدفع فقد صار متهما ولا شهادة للمتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولأنه إذا جر النفع إلى نفسه بشهادته لم تقع شهادته لله تعالى عز وجل بل لنفسه فلا تقبل وعلى هذا تخرج شهادة الوالد
وان علا لولده وان سفل وعكسه أنها غير مقبولة لان الوالدين والمولودين ينتفع البعض بمال البعض عادة فيتحقق معني
جر النفع والتهمة والشهادة لنفسه فلا تقبل وذكر الخصاف رحمه الله في أدب القاضي عن النبي عليه الصلاة والسلام
أنه قال لا تقبل شهادة الوالد لولده ولا الولد لوالده ولا السيد لعبده ولا العبد لسيده ولا الزوجة لزوجها ولا الزوج
لزوجته وأما سائر القرابات كالأخ والعم والخال ونحوهم فتقبل شهادة بعضهم لبعض لان هؤلاء ليس لبعضهم تسلط
في مال البعض عرفا وعادة فالتحقوا بالأجانب وكذا تقبل شهادة الوالد من الرضاع لولده من الرضاع وشهادة الولد
من الرضاع لوالده من الرضاع لان العادة ما جرت بانتفاع هؤلاء بعضهم بمال البعض فكانوا كالأجانب ولا تقبل
شهادة المولى لعبده ولا شهادة العبد لمولاه لما قلنا وأما شهادة أحد الزوجين لصاحبه فلا تقبل عندنا وعند الشافعي
رحمه الله تقبل واحتج بعمومات الشهادة من غير تخصيص نحو قوله تعالى جل وعلا واستشهدوا شهيد ين من
رجالكم وقوله عز شأنه وأشهدوا ذوي عدل منكم وقوله عظمت كبرياؤه ممن ترضون من الشهداء من غير فصل
بين عدل وعدل ومرضى ومرضى (ولنا) ما روينا من النصوص من قوله عليه الصلاة والسلام لا شهادة لجار المغنم
ولا شهادة للمتهم وأحد الزوجين بشهادته للزوج الآخر يجر المغنم إلى نفسه لأنه ينتفع بمال صاحبه عادة فكان شاهدا
لنفسه لما روينا من حديث الخصاف رحمه الله وأما العمومات فنقول بموجبها لكن لم قلتم أن أحد الزوجين في
الشهادة لصاحبه عدل ومرضى بل هو مائل ومتهم لما قلنا لا يكون شاهدا فلا تتناوله العمومات وكذا لا تقبل
شهادة الأجير له في الحادثة التي استأجره فيها لما فيه من تهمة جر النفع إلى نفسه ولا تقبل شهادة أحد الشريكين
لصاحبه في مال الشركة ولو شهد رجلان لرجلين على الميت بدين ألف درهم ثم شهد المشهود لهما للشاهدين على
الميت بدين ألف درهم فشهادة الفريقين باطلة عند أبي حنيفة عليه الرحمة وأبى يوسف رحمه الله وعند محمد رحمه الله
جائزة وعلى هذا الخلاف لو شهدا أن الميت أوصى لهما بالثلث وشهد المشهود لهما أن الميت أوصى للشاهدين
بالثلث ولو شهدا أن الميت غصبهما دارا أو عبدا وشهد المشهود لهما للشاهدين بدين ألف درهم فشهادة الفريقين
جائزة بالاجماع لمحمد رحمه الله ان كل فريق يشهد لغيره لا لنفسه فلا يكون متهما في شهادته ولهما أن ما يأخذه كل
فريق فالفريق الآخر يشاركه فيه فكان كل فريق شاهدا لنفسه بخلاف ما إذا اختلف جنس المشهود به
لان ثمة معنى الشركة لا يتحقق ومنها أن لا يكون خصما لقوله عليه الصلاة والسلام لا تجوز شهادة خصم ولا
ظنين ولأنه إذا كان خصما فشهادته تقع لنفسه فلا تقبل وعلى هذا تخرج شهادة الوصي للميت واليتيم الذي في حجره
لأنه خصم فيه وكذا شهادة الوكيل لموكله لما قلنا ومنها أن يكون عالما بالمشهود به وقت الأداء ذاكرا له عند أبي
حنيفة رحمه الله وعندهما ليس بشرط حتى أنه له رأى اسمه وخطه وخاتمه في الكتاب لكنه لا يذكر الشهادة
لا يحل له أن يشهد ولو شهد وعلم القاضي به لا تقبل شهادته عنده وعندهما له أن يشهد ولو شهد تقبل شهادته (وجه)
قولهما إنما لما رأى اسمه وخطه وخاتمه على الصك دل أنه تحمل الشهادة وهي معلومة في الصك فيحل له أداؤها وإذا
أداها تقبل ولان النسيان أمر جبل عليه الانسان خصوصا عن طول المدة بالشئ لان طول المدة ينسى فلو شرط
تذكر الحادثة لأداء الشهادة لا نسد باب الشهادة فيؤدى إلى تضييع الحقوق وهذا لا يجوز ولأبي حنيفة رحمه الله قوله
تعالى جل شأنه ولا تقف ما ليس لك به علم وقوله عليه الصلاة والسلام لشاهد إذا علمت مثل الشمس فاشهد والا
272

فدع ولا اعتماد على الخط والختم لان الخط يشبه الخط والختم يشبه الختم ويجرى فيه الاحتيال والتزوير مع ما أن
الخط للتذكر فخط لا يذكر وجوده وعدمه بمنزلة واحدة وعلى هذا الخلاف إذا وجد القاضي في ديوانه شيئا
لا يذكره وديوانه تحت ختمه أنه لا يعمل به عنده وعندهما يعمل إذا كان تحت ختمه وعلى هذا الخلاف إذا عزل
القاضي ثم استقضى بعد ما عزل فأراد أن يعمل بشئ مما يرى في ديوانه الأول ولم يذكر ذلك ليس له ذلك عنده وعندهما
له ذلك والله تعالى أعلم (وأما) الشرائط التي ترجع إلى نفس الشهادة فأنواع منها لفظ الشهادة فلا تقبل بغيرها من
الألفاظ كلفظ الاخبار والاعلام ونحوهما وإن كان يؤدى معنى الشهادة تعبدا غير معقول المعنى ومنها أن تكون
موافقة للدعوى فيما يشترط فيه الدعوى فان خالفتها لا تقبل الا إذا وفق المدعى بين الدعوى وبين الشهادة عند
امكان التوفيق لان الشهادة إذا خالفت الدعوى فيما يشترط فيه الدعوى وتعذر التوفيق انفردت عن الدعوى
والشهادة المنفردة عن الدعوى فيما يشترط فيه الدعوى غير مقبولة وبيان ذلك في مسائل إذا ادعى ملكا بسبب
ثم أقام البينة على ملك مطلق لا تقبل وبمثله لو ادعى ملكا مطلقا ثم أقام البينة على الملك بسبب تقبل (ووجه)
الفرق ان الملك المطلق أعم من الملك بسبب لأنه يظهر من الأصل حتى تستحق به الزوائد والملك بسبب يقتصر على
وقت وجود السبب فكان الملك المطلق أعلم فصار المدعى بإقامة البينة على الملك المطلق مكذبا شهوده في بعض
ما شهدوا به والتوفيق متعذر لان الملك من الأصل ينافي الملك الحادث بسبب لاستحالة ثبوتهما معا في محل
واحد بخلاف ما إذا ادعى الملك المطلق ثم أقام البينة على الملك بسبب لان الملك بسبب أخص من الملك المطلق
على ما بينا فقد شهدوا بأقل مما ادعى فلم يصر المدعى مكذبا باشهوده بل صدقهم فيما شهدوا به وادعى زيادة شئ
لا شهادة لهم عليه وصار كما لو ادعى ألفا وخمسمائة فشهد الشهود على الف انه تقبل البينة على الألف لما قلنا كذا
هذا ولو ادعى الملك بسبب معين ثم أقام البينة على الملك بسبب آخر بان ادعى دارا في يد رجل انه ورثها من أبيه
ثم أقام البينة على الملك انه اشتراها من صاحب اليد أو وهبا له أو تصدق بها عليه وقبض أو ادعى الشراء أو الهبة أو
الصدقة ثم أقام البينة على الإرث لا تقبل بينته لان الشهادة خالفت الدعوى لاختلاف البينتين صورة ومعنى أما
الصورة فلا شك فيها وأما المعنى فلان حكم البينتين يختلف فلا يقبل الا إذا وفق بين الدعوى والشهادة فقال
كنت اشتريت منه لكنه جحدني الشراء وعجزت عن اثباته فاستوهبت منه فوهب منى وقبضت وأعاد البينة
تقبل لأنه إذا وفق فقد زالت المخالفة وظهر انه لم يكذب شهوده ويصير هذا في الحقيقة ابتداء ولهذا يجب عليه
إعادة البينة لتقع الشهادة عند الدعوى وكذا إذا وفق فقال ورثته من أبى الا انه جحد ارثي فاشتريت منه أو وهب
لي فإنها تقبل لزوال التناقض والاختلاف بين الدعوى والشهادة ولو ادعى الشراء بعد هذا وأقام البينة على
الشراء بألف درهم لا تقبل لان البدل قد اختلف واختلاف البدل يوجب اختلاف العقد فقد قامت البينة على
عقد آخر غير ما ادعاه المدعى فلا تقبل الا إذا وفق المدعى فقال اشتريت بالعبد الا انه جحدني الشراء به فاشتريته
بعد ذلك بألف درهم فتقبل لزوال المخالفة وهذا إذا كان دعوى التوفيق في مجلس آخر بان قام عن مجلس الحكم
ثم جاء وادعى التوفيق فاما إذا لم يقم عن مجلس الحكم فدعوى التوفيق غير مسموعة ولو ادعى انه لم ثم أقام البينة
على أنه لفلان وكله بالخصومة فيه تقبل بينته وبمثله لو ادعى انه لفلان وكلني بالخصومة فيه ثم أقام البينة على أن
ه له لا تقبل ووجه الفرق انه قوله أولا انه لي لا ينفى قوله إنه لفلان وكلني بالخصومة فيه لجواز أن يكون له بحق
الخصومة والمطالبة ولغيره بحق الملك فكان التوفيق ممكنا فقبلت البينة بخلاف الفصل الثاني لان قوله هو لفلان
وكلني بالخصومة فيه ينفى قوله بعد ذلك هو لي لأنه صرح بان الملك فيه لفلان انه وكيل بالخصومة فيه بقوله إن
ه لفلان وكلني بالخصومة فيه فكان قوله بعد ذلك هو لي اقرارا منه بالملك لنفسه فكان مناقضا فلا تقبل ولو ادعى
انه لفلان وكلني بالخصومة فيه ثم أقام البينة على أنه لفلان آخر وكلني بالخصومة فيه لا تقبل لان قوله أولا انه لفلان
273

وكلني بالخصومة فيه كما ينفى قوله إنه لي ينفى قوله إنه لفلان آخر وكلني بالخصومة فيه فلان تقبل الا إذا وفق فقال إن الموكل
الأول باع من الموكل الثاني ثم وكلني الثاني بالخصومة فيقبل لزوال المناقضة ولو ادعى في ذي القعدة انه اشترى منه
هذه الدار في شهر رمضان بألف ونقده الثمن ثم أقام البينة على أنه تصدق بالدار على المدعى في شعبان لا تقبل بينته
لان دعوى التصدق في شعبان تنافي الشراء في شهر رمضان لاستحالة شراء الانسان ملك نفسه والتوفيق
غير ممكن فلا تقبل وان أقام البينة على التصدق في شوال ووفق فقال جحدني الشراء ثم تصدق بها على تقبل ولو ادعى
دارا في يدي رجل انها له وأقام البينة على أنها كانت في يد المدعى بالأمس لا تقبل وعن أبي يوسف انها تقبل ويؤمر
بالرد إليه لو أقام صاحب اليد البينة على أنها كانت ملكا للمدعى تقبل بالاجماع (وجه) قول أبى يوسف رحمه الله
ان البينة لما قامت على أنها ما كانت في يده فالأصل في الثابت بقاؤه ولهذا قبلت البينة على ملك كان ولان الثابت بالبينة
كالثابت بالمعاينة ولو ثبت بالمعاينة أو بالاقرار انه كان في يده بالأمس يؤمر بالرد إليه كذا هذا (وجه) ظاهر الرواية ان
الشهادة قامت على يد كانت فلا يثبت الكون للحال الا بحكم استصحاب الحال وانه لا يصلح للالزام ولان اليد قد
تكون محقة وقد تكون مبطلة وقد تكون يد ملك وقد تكون يد أمانة فكانت محتملة والمحتمل لا يصلح حجة
بخلاف الملك والمعاينة وبخلاف الاقرار لأنه حجة بنفسه والبينة ليست بحجة بنفسها بل بقضاء القاضي ولا وجه
للقضاء بالمحتمل ولو أقام البينة انها كانت في يده بالأمس فاخذها هذا منه أو غصبها أو أودعه أو أعاره تقبل ويقضى
للخارج لأنه علم بالبينة انه تلقى اليد من جهة الخارج فيؤمر بالرد إليه وعلى هذا يخرج ما إذا ادعى دارا في يد رجل أنه
ورثها من أبيه وأقام البينة على أنها كانت لأبيه فنقول هذا لا يخلو من أربعة أوجه اما ان شهدوا ان الدار كانت
لأبيه ولم يقولوا مات وتركها ميراثها له وأمان ان قالوا إنها كانت لأبيه مات وتركها ميراثا له واما ان قالوا إنها كانت
في يد أبيه يوم الموت واما ان أثبتوا من أبيه فعلا فيها عند موته أما الوجه الأول فعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
لا تقبل الشهادة وعلى قول أبى يوسف تقبل وكذا لو شهدوا انها كانت لأبيه مات قبلها لا تقبل قالوا يجب أن يكون
هذا على قولهما أما على قول أبى يوسف على ما روى عنه في الأمالي ينبغي أن تقبل (وجه) قوله إن الملك متى
ثبت لأبيه بشهادتهم فالأصل فيما ثبت يبقى إلى أن يوجد المزيل فصار كما لو شهدوا انها كانت لأبيه يوم الموت
أيضا (وجه) قولهما ان الشهادة خالفت الدعوى لان المدعى ادعى ملكا كائنا والشهادة وقعت بملك كان
لا يملك كائن فكانت الشهادة مخالفة للدعوى فلا يقبل قوله ما ثبت يبقى قلنا نعم لكن لا حكما لدليل الثبوت لان
دليل الثبوت لا يتعرض للبقاء وإنما البقاء بحكم استحصاب الحال وانه لا يصلح حجة للاستحقاق ولو شهدوا
انها كانت لجده فعند هما لا يقضى بها ما لم يشهدوا بالميراث بأن يقولوا مات جده وتركها لأبيه ثم مات أبوه وتركها ميراثا له
وعند أبي يوسف ينظران علم أن الجد مات قبل الأب يقضى بها له وان علم أن الأب مات قبل الجد أو لم يعلم لم يقبض
بها ولو شهدوا انها لأبيه لا يقضى بها له منهم من قال هذا على الاتفاق ومنهم من قال هو على الخلاف الذي ذكرنا وهو
الصحيح فإنه روى عن أبي يوسف انها تقبل وأما الوجه الثاني وهو ما إذا شهدوا انها كانت لأبيه مات وتركها
ميراثا له فلا شك ان هذه الشهادة مقبولة لأنهم شهدوا بالملك الموروث عند الموت والترك ميراثا له وهو تفسير
الملك الموروث وأما الوجه الثالث وهو ما إذا شهدوا انها كانت في يده يوم الموت فالشهادة مقبولة لان مطلق
اليد من الأصل يحمل على يد المالك فكانت الشهادة بيد قائمة عند الموت شهادة بملك قائم عند الموت فإذا مات فقد
ترك فثبت الملك له في المتروك إذ هو تفسير الملك الموروث ولان يده إن كانت يد ملك كان الملك ثابتا للمورث عند
الموت وإن كانت يد أمانة انتقلت يد ملك إذا مات مجهلا لان التجهيل عند الموت سبب لوجوب الضمان ووجوب
الضمان سبب لثبوت الملك في المضمون عندنا وأما الوجه الرابع وهو ما إذا ثبت ليد المشهود من الأب فعلا في
العين عند الموت فهذا على وجهين اما أن يكون ذلك فعلا هو دليل اليد واما أن يكون فعلا ليس هو دليل اليد والفعل
274

الذي هو دليل اليد هو فعل لا يتصور وجوده بدون النقل في النقليات كاللبس والحمل أو فعل يوجد للنقل عادة
كالركوب في الدواب أو فعلا يوجد في الغالب من الملاك فيما لا يقبل النقل لامن غيرهم كالسكنى في الدور والفعل
الذي ليس بدليل اليد هو فعل ثبت في النقليات من غير نقل ولا يكون حصوله للنقل عادة كالجلوس على البساط
أو فعل ليس بفعل للملاك غالبا فيما لا يقبل كالنوم والجلوس في الدار وأشباه ذلك فإن كان فعلا هو دليل اليد
تقبل الشهادة القائمة على ثبوته عند موت الأب لان الشهادة القائمة على ما هو دليل اليد عند الموت قائمة على اليد
عند الموت وإن كان فعلا ليس بدليل اليد لا تقبل الشهادة لأنه لم يوجد دليل اليد التي هي دلالة الملك وعلى هذا يخرج
ما إذا أقام المدعى البينة ان أباه مات في هذه الدار انها لا تقبل لأنه لم توجد الشهادة على اليد الدالة على الملك
ولا على فعل دال على اليد ولا على فعل هو فعل الملاك غالبا لان الدار قد يموت فيها المالك وقد يموت فيها غير المالك
من الزوار والضعيف ونحوه ولو شهدوا انه مات وهو لابس هذا القميص أولا بس هذا الخاتم تقبل لان لبس
القميص والخاتم فعل لا يتصور بدون النقل فكان دليلا على اليد عن الموت أطلق محمد رحمه الله في الجامع الجواب
في الخاتم ومنهم من حمل جواب الكتاب على ما إذا كان الخاتم في خنصره أو بنصره يوم الموت وزعم أنه إذا كان
فيما سواهما من الأصابع لا تقبل الشهادة لان الاستعمال الملاك في الخاتم هذا عادة فكانت الشهادة القائمة
عليه قائمة على اليد فاما جعله فيما سواهما من الأصابع من الملاك فهو ليس بمعتاد فلا يكون ذلك استعمال الخاتم
فلا يكون دليل اليد ولهذا قالوا لو جعل المودع الخاتم في خنصره أو بنصره فضاع من يده يضمن لما انه استعمله
ولو جعله فيما سواهما الأصابع فضاع لا يضمن لما ان ذلك حفظ وليس باستعمال والصحيح اطلاق جواب
الكتاب لان فعله كيف ما كان لا يتصور بدون النقل فكان دليلا على اليد ولو شهدوا انه مات
وهو جالس على هذا البساط أنو على هذا الفراش أو نائم عليه لا تقبل لأن هذه الأفعال تتصور من غير
نقل ولا تفعل للنقل عادة فلم يكن دليل اليد فان قيل أليس انه لو تنازع اثنان في بساط أحدهما جالس
عليه والآخر متعلق به أنه يكون بينهما نصفين وهذا دليل ثبوت يديهما عليه قبل له إنما قضى به بينهما
نصفين لدعواهما انه في يديهما لا لثبوت اليد لان الجلوس عليه والتعلق به كل واحد منهما يتحقق بدون النقل ولا
يوجدان النقل غالبا على ما بينا فلا يكون دليل اليد ولو شهدوا انه مات وهو راكب على هذه الدابة تقبل ويقضى
بالدابة للوارث لان الركوب وإن كان يتهيأ بدون نقل الدابة الا انه لا يفعل عادة الا للنقل فكان دليل اليد ولو شهدوا
أنه مات وهو ساكن هذه الدار تقبل ويقضى للوارث (وروى) عن أبي يوسف انه لا تقبل ولا يقضى (ووجه) ان
فعل السكنى في الدار كما يوجد من الملاك يوجد من غيرهم فلا يصلح دليلا على اليد والصحيح جواب ظاهر الرواية
لان السكنى فعل يوجد في الغالب من الملاك من غيرهم هذا هو المعتاد فيما بين الناس فيحمل المطلق عليه ولو شهدوا
انه مات وهذا الثوب موضوع على رأسه ولم يشهدوا انه كان حاملا له لا تقبل ولا يستحق المدعى بهذا شيئا لأنه
يحتمل انه وضعه بنفسه أو وضعه غيره ويحتمل انه وقع عليه من غير صنع أحد بان هبت ريح به فالقته على رأسه فوقع
الشك في النقل منه فلا يثبت النقل منه بالشك فلا تثبت اليد بالشك ثم نقول إذا شهد الشهود انها كانت لأبيه مات وتركها
ميراثا للورثة فلا يخلوا ما ان قالوا هذا وارثه لا وارث له غيره واما ان قالوا هو وارثه لا نعلم أن له وارثا غيره واما ان قالوا هو
وارثه ولم يقولوا الا وارث له غيره ولا قالوا لا نعلم له وارثا غيره فاما الوجه الأول وهو ما إذا قالوا هو وارثه لا وارث له
غيره فإنه تقبل شهادتهم استحسانا والقياس ان لا تقبل لأنها كشهادة على مالا علم للشاهد به لاحتمال أن يكون له
وارث لا يعلمه وقد قال عليه والسلام للشاهد إذا علمت مثل الشمس فاشهد والا فدع (وجه) الاستحسان ان
قولهم لا وارث له غيره معناه في متعارف الناس وعاداتهم لا نعلم له وارثا غيره أولا وارث له غيره في علمنا ولو نص على
ذلك لقبلت شهادتهم فكذا هذا والله سبحانه أعلم (وأما) الوجه الثاني وهو ما إذا قالوا هو وارثه لا نعلم له وارثا غيره
275

تقبل شهادتهم عند عامة العلماء رضي الله عنهم وقال ابن أبي ليلى رحمه الله لاتقبل حتى يقولوا لا وارث له غيره
لأنهم لو لم يقولوا لا وارث له غيره احتمل أن يكون لا وارث غيره لا يعلمونه والصحيح قول العامة لان الشاهد إنما
تحل له الشهادة بما في علمه ونفى وارث آخر ليس في علمه فلا تحل له الشهادة به الا على اعتبار ما في علمه على ما ذكرنا
ولو قالوا لا نعلم له وارثا غيره في هذا المصر أو في أرض كذا تقبل عند أبي حنيفة وعندهما لاتقبل (وجه)
قولهما ان قولهما لا نعلم له وارثا غيره في هذا المصر لا ينفى وارثا غيره لجواز أن يكون له وارث آخر في مصر آخر ولأبي
حنيفة رحمه الله انه لو كان له وارث آخر في موضع آخر لعلموه لان وارث الانسان لا يخفى على أهل بلده عادة فكان
التخصيص والتعميم فيه سواء ثم إذا شهدوا انه وارثه لا وراث له غيره أو شهدوا انه وارثه لا نعلم له وارثا غيره أولا نعلم
له وارثا غيره في هذا المصر على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه فإنه يدفع كل التركة إليه سواء كان الوارث ممن لا يحتمل
الحجب كالابن والأب والام ونحوهم أو يحتمله كالأخ والأخت والجد ونحوهم لأنه تعين وارثا له فيدفع إليه جميع
الميراث الا إذا كان زجا أو زوجة فلا يعطى الا أكثر نصيبه فلا يعطى الزوج الا النصف ولا تعطى المرأة الا الربع
لأنهما لا يستحقان من الميراث أكثر من ذلك لأنه لا يرد عليهما وفى هذين الموضعين لا يؤخذ من الوارث كفيل
بالاجماع وأما الوجه الثالث وهو ما إذا شهدوا انه وارثه ولم يقولوا لا وارث له غيره ولا قالوا الا نعلم له وارثا غيره فإنه ينظر
إن كان ممن يحتمل الحجب لا يدفع إليه شئ لجواز أن يكون ثمة حاجب فإن كان لا يعطى وان لم يكن يعطى بالشك وإن كان
ممن لا يحتمل الحجب يدفع إليه جميع المال الا الزوج والزوجة فإنه لا يدفع إليهما الا نصيبهما وهو أكثر النصيبين
عند محمد رحمه الله للزوج النصف وللمرأة الربع وعند أبي يوسف رحمه الله أقل النصيبين للزوج الربع وللمرأة
الثمن في ظاهر الرواية عنه (وجه) قول محمد رحمه الله ان النقصان عن أكثر النصيبين باعتبار المزاحمة وفى وجود
المزاحم شك فلا يثبت النقصان بالشك ولأبي يوسف رحمه الله ان الأقل ثابت بيقين وفى الزيادة شك فلا تثبت
الزيادة بالشك وروى عنه رواية أخرى أن للزوج الربع وللمرأة ربع الثمن لجواز أن يكون له أربع نسوة
فيكون لها ربع الثمن لأنه ثابت بيقين وفى الزيادة شك وروى عنه أصحاب الاملا وللزوج الخمس والمرأة ربع
التسع أما الزوج فلان من الجائز أن يكون للمرأة أبوان وبنتان وزوج أصل المسألة من اثنى عشر للأبوين
السدسان أربعة وللبنتين الثلثان ثمانية وللزوج الربع ثلاثة فعالت بثلاثة أسهم فصارت الفريضة من خمسة
عشر وثلاثة من خمسة عشر خمسها فذلك للزوج وأما المرأة فلان من الجائز أن يكون للميت أبوان وبنتان وزوجة
أصل المرأة من أربعة وعشرين للأبوين السدسان ثمانية وللبنتين الثلثان ستة عشر وللزوجة الثمن ثلاثة فعالت بثلاثة
أسهم فصارت الفريضة سبعة وعشرين وثلاثة من سبعة وعشرين نسعها ثم من الجائز أن يكون معها ثلاثة أخرى
فيكن أربع زوجات فيكون لها ربع التسع وثلاثة على أربعة لا تستقيم فتضرب أربعة في تسعة ويكون ستة
وثلاثين سهما تسعها أربعة فلها من ذلك سهم وهو ربع التسع وهو سهم من ستة وثلاثين سهما ثم في هذا الوجه
الثالث إذا كان الوارث ممن لا يحتمل الحجب ودفع المال إليه هل يؤخذ منه كفيل قال أبو حنيفة عليه الرحمة
لا يؤخذ وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يؤخذ (وجه) قولهما أن أخذ الكفيل لصيانة الحق والحاجة مست
إلى الصيانة لاحتمال ظهور وارث آخر فيؤخذ الكفيل نظرا للوارث كما في رد الآبق واللقطة إلى صاحبها
ولأبي حنيفة رحمه الله ان حق الحاضر لحال ثابت بيقين وفى ثبوت الحق لوارث آخر شك لأنه قد يظهر وارث
آخر وقد لا يظهر فلا يجوز تعطيل الحق الثابت بيقين لحق مشكوك فيه مع ما ان المكفول له مجهول والكفالة
للمجهول غير صحيحة وإنما أخذ الكفيل بتسليم الآبق واللقطة فقد قيل إنه قولهما لما ان في المسألة روايتان فاما
عند أبي حنيفة رحمه الله فلا يؤخذ الكفيل على أنا سلمنا فتلك كفالة لمعلوم لا لمجهول لان الراد إنما يأخذ الكفيل
لنفسه كيلا يلزمه الضمان فلم تكن كفالة لمجهول وذكر أبو حنيفة رحمه الله هذه المسألة في الجامع الصغير
276

وقال هذا شئ احتاط به بعض القضاة وهو ظلم أرأيت لو لم يجد كفيلا كنت أمنعه حقه دلت تسميته أخذ
الكفيل ظلما على أن مذهبه ان ليس كل مجتهد مصيبا إذا الصواب لا يحتمل أن يكون ظلما فدلت المسألة على براءة
ساحته عن لوث الاعتزال بحمد الله ومنه وأما الذي يرجع إلى المشهود به فمنها أن تكون الشهادة بمعلوم فإن كانت
بمجهول لم تقبل لان علم القاضي بالمشهود به شرط صحة قضائه فما لم يعلم لا يمكنه القضاء به وعلى هذا يخرج
ما إذا شهد رجلان عند القاضي ان فلانا وارث هذا الميت لا وارث له غير أنه لا تقبل شهادتهما لأنهما شهدا بمجهول
لجهالة الوارث أسباب الوراثة واختلاف أحكامهما فلا بد أن يقولوا ابنه ووارثه لا يعلمون له وارثا غيره أو اخوه
لأبيه وأمة لا يعلمون له وارثا غيره وقوله لا يعلمون له وارثا غيره لئلا يتلوم القاضي لا لأنه من الشهادة عند محمد رحمه
الله لجنس هذه المسائل بابا في الزيادات يعرف ثمة إن شاء الله تعالى ومنها أن يكون المشهود به معلوما للشاهد عند أداء
الشهادة حتى لو ظن لا تحل له الشهادة وان رأى خطه وختمه وأخبره الناس بما يتذكر بنفسه وهذا عند أبي حنيفة
رضي الله عنه وعندهما ان رأى خطه وختمه له ان يشهد نحو ما تقدم من الخلاف والحجج من الجانبين وأما
الذي يخص المكان فواحد وهو مجلس القاضي لان الشهادة لا تصير حجة ملزمة الا بقضاء القاضي فتختص بمجلس
القضاء والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) الشرائط التي تخص بعض الشهادات دون البعض فأنواع أيضا (منها)
الدعوى في الشهادة القائمة على حقوق العباد من المدعى بنفسه أو نائبه لان الشهادة في هذا الباب شرعت لتحقيق قول
المدعى ولا يتحقق قوله الا بدعواه اما بنفسه واما بنائبه وأما حقوق الله تبارك وتعالى فلا يشترك فيها الدعوى
كأسباب الحرمات من الطلاق وغيره وأسباب الحدود الخالصة حقا لله تعالى الا انه شرطت الدعوى في باب
السرقة لان كون المسروق ملكا لغير السارق شرط تحقق كون الفعل سرقة شرعا ولا يظهر ذلك الا بالدعوى فشرطت
الدعوى لهذا واختلف في عتق العبد انه حق للعبد فتشترط فيه الدعوى أو حق الله تعالى فلا تشترط فيه الدعوى
مع الاتفاق على أن عتق الأمة حق لله تعالى لما علم من الخلاف في كتاب العتق والله سبحانه وتعالى أعلم (ومنها) العدد
في الشهادة بما يطلع عليه الرجال لقوله تعالى فاستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان
(وقوله) سبحانه وتعالى ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ولان الواجب على الشاهد إقامة الشهادة لله عز وجل الآية وهو قوله
تعالى وأقيموا الشهادة لله تعالى وقوله تعالى كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولا تقع الشهادة لله الا وأن تكون خالصة
صافية عن جر النفع ومعلوم ان في الشهادة منفعة للشاهد من حيث التصديق لان من صدق قوله يتلذذ به فلو قبل قول
الفرد لم تخل شهادته عن جر النفع إلى نفسه فلا يخلص لله عز وجل فشرط العدد في الشهادة ليكون كل واحد مضافا
إلى قول صاحبه فتصفو الشهادة لله عز شأنه ولأنه إذا كان فردا يخاف عليه السهو والنسيان لان الانسان
مطبوع على السهو والغفلة فشرط العدد في الشهادة ليذكر البعض البعض عند اعتراض السهو والغفلة كما قال
الله تعالى في إقامة امرأتين مقام رجل في الشهادة ان تصل إحداهما فتذكر إحداهما أخرى ثم الشرط عدد
المثني في عموم الشهادات القائمة على ما يطلع عليه الرجال الا في الشهادة بالزنا فإنه يشترط فيها عدد الأربعة
لقوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأنوا بأربعة شهداء وقوله تعالى فإن لم يأتوا بالشهداء فأولئك
عند الله هم الكاذبون ولان الشهادة في هذا الباب أحد نوعي الحجة فتعتبر بالنوع الآخر
وهو الاقرار ثم عدد الأقارير الأربعة شرط ظهور الزنا عندنا فكذا عدد الشهود الأربعة
بخلاف سائر الحدود فإنه لا يشترط العدد في الاقرار لظهورها فكذا في الشهادة ولان عدد الأربعة في الزنا ثبت
نصا بخلاف القياس لان خبر من ليس بمعصوم من الكذب لا يخلو عن احتمال الكذب وعدد الأربعة في
احتمال الكذب مثل عدد المثنى ما لم يدخل في حد التواتر لكنا عرفناه شرطا بنص خاص معدولا به عن القياس فبقي
سائر الأبواب على أصل القياس واما فيما لا يطلع عليه الرجال كالولادة والعيوب الباطنة في النساء فالعدد فيه ليس
277

بشرط عندنا فتقبل فيه شهادة امرأة واحدة والثلثان أحوط وعند مالك والشافعي رحمهما الله ان العدد فيه شرط الا
ان عند مالك رحمه الله يكتفى فيه بامرأتين وعند الشافعي رحمه الله لابد من الأربع وجه قول مالك ان شهادة الرجال
لما سقط اعتبارها في هذا الباب لمكان الضرورة وجب الاكتفاء بعددهم من النساء ووجه قول الشافعي رحمه
الله ان الشرع أقام كل امرأتين في باب الشهادة مقام رجل ثم لا يكتفي بأقل من رجلين فلا يكتفى بأقل من أربع
نسوة (ولنا) ان شرط العدد في الشهادة في الأصل ثبت تعبدا غير معقول المعنى لان خبر من ليس بمعصوم عن الكذب
لا يفيد العلم قطعا ويقينا وإنما يفيده غالب الرأي وأكثر الظن وهذا ثبت بخبر الواحد العدل ولهذا لم يشترط العدد
في رواية الاخبار الا انا عرفنا العدد فيها شرطا بالنص والنص ورد بالعدد في شهادة النساء في حالة مخصوصة وهي أن يكون
معهن رجل بقوله تعالى عز شأنه فرجل وامرأتان فبقيت حالة الانفراد عن الرجال على أصل القياس وقد روى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل شهادة القابلة على الولادة ولو شهد رجل واحد بالولادة يقبل لأنه لما قبل شهادة
امرأة واحدة فشهادة رجل واحد أولى والله سبحانه وتعالى أعلم ومنها اتفاق الشهادتين فيما يشترط فيه العدد فان
اختلفا لم تقبل لان اختلافهما يوجب اختلاف الدعوى والشهادة ولان عند اختلاف الشهادتين لم يوجد الا أحد
شطرى الشهادة ولا يكتفى به فيما يشترط فيه العدد ثم نقول الاختلاف قد يكون في جنس المشهود به وقد يكون في
قدره وقد يكون في الزمان وقد يكون في المكان وغير ذلك اما اختلافهما في الجنس فقد يكون في العقد وقد يكون في المال
اما في العقد فهو ان يشهد أحدهما بالبيع والآخر بالميراث أو بالهبة أو غير ذلك فلا تقبل لاختلاف العقدين صورة
ومعنى فقد شهد كل واحد منهما بعقد غير ما شهد به الآخر وليس على أحدهما شهادة شاهدين واما في المال فهو ان
يشهد أحدهما بمكيل والآخر بموزون فلا تقبل لأنهما جنسان مختلفان وليس على أحدهما شهادة شاهدين واما
اختلاف الشهادة في قدر المشهود به فنحو ما إذا ادعى رجل على رجل الفي درهم وأقام شاهدين شهد أحدهما بألفين
والآخر بألف لاتقبل عند أبي حنيفة رحمه الله أصلا وعندهما تقبل على الألف ولو كان المدعى يدعى ألفا وخمسمائة
فشهد أحدهما بألف وخمسمائة والآخر بألف تقبل على الألف بالاجماع وجه قولهما ان الشهادة لم تخالف الدعوى
في قدر الألف بل وافقتها بقدرها الا ان المدعى يدعى زيادة مال لا شهادة لهم عليه فيثبت قدر ما وقع الاتفاق عليه كما إذا
ادعى ألفا وخمسمائة فشهد أحدهما بذلك والآخر بألف تقبل على الألف لما قلنا كذا هذا ولأبي حنيفة رحمه الله ان
شطر الشهادة خالف الدعوى لان المدعى يدعى الفين وانه اسم وضع دلالة على عدد معلوم والاسم الموضوع دلالة
على عدد لا يقع على ما دون ذلك العدد كسائر أسماء الاعداد كالمترك لألف من الإبل والهنيدة لمائه منها ونحو ذلك فلم
تكن الألف المفردة مدعى فلم تكن الشهادة شاهدة على ما دخل تحت الدعوى فانفردت الشهادة عن الدعوى فيما
يشترط فيه الدعوى فلا تقبل بخلاف ما إذا ادعى ألفا وخمسمائة فشهد أحدهما بذلك والآخر بألف انه يقبل على الألف
لان الألف والخمسمائة اسم لعددين الا ترى انه يعطف أحدهما على الآخر فيقال الف وخمسمائة فكان كل واحد منهما
بانفراده داخلا تحت الدعوى فالشهادة القائمة عليهما تكون قائمة على كل واحد منهما مقصودا فإذا شهد أحدهما بألف
فقد شهد بأحد العددين الداخلين تحت الدعوى فكانت الشهادة موافقة للدعوى في عدد الألف فيقضى به للمدعى
لقيام الحجة عليه بخلاف الألف والألفين لأنه اسم لعدد واحد لا تصح على ما دونه بحال فلم تكن الألف المفردة داخلة
تحت الدعوى فكانت الشهادة القائمة عليها شهادة على ما لم يدخل تحت الدعوى فلا تقبل فهو الفرق بينهما ولو ادعى
ألفا فشهد أحدهما بالألف والآخر بألفين لا تقبل على الألف بالاجماع لان المدعى كذب أحد شاهديه في بعض
ما شهد به فأوجب ذلك تهمة في الباقي فلا تقبل الا إذا وفق فقال كان لي عليه ألفان الا انه كان قد قضانى ألفا ولم يعلم به
الشاهد فيقبل وكذا لو ادعى ألفا فشهد أحدهما بها والآخر بألف وخمسمائة لا تقبل لما قلنا الا إذا وفق فقال كان لي
عليه الف وخمسمائة الا انه قضائي خمسمائة ولم يعلم بها الشاهد فتقبل لأنه إذا وفق فقد زال الاختلاف المانع من القبول
278

ولو ادعى على رجل انه باع عبده بألفي درهم وهو ينكر فشهد شاهد بألفين وآخر بألف أو ادعى انه باعه بألف وخمسمائة
فشهد أحدهما بألف وخمسمائة والآخر بألف لا تقبل بالاجماع لان الشاهدين اختلفا في البدل واختلاف البدلين
يوجب اختلاف العقدين فصار كل واحد منهما شاهدا بعقد غير عقد صاحبه وليس على أحدهما شهادة شاهدين
فلا تقبل ولا يثبت العقد وكذا لو كان المشترى مدعيا والبائع مدعى عليه لما قلنا فإن كان هذا في الإجارة ينظر إن كانت
الدعوى من المؤاجر في مدة الإجارة لا تقبل لان هذا يكون دعوى العقد وليس على أحد العاقدين شهادة شاهدين
فلا تقبل كما في باب البيع وإن كانت الدعوى بعد انقضاء مدة الإجارة فهذا دعوى المال لا دعوى العقد فكان حكمه
حكم سائر الديون وقد ذكرناه على الاتفاق والاختلاف هذا إذا كانت الدعوى من المؤاجر فإن كانت من المستأجر
لاتقبل سواء كانت الدعوى في المدة أو بعد انقضائها لان هذا دعوى العقد ولو كان هذا في النكاح فإن كانت الدعوى
من المرأة فهذا دعوى المال عند أبي حنيفة عليه الرحمة حتى أنها لو ادعت على رجل انه تزوجها على الف وخمسمائة فشهد
لها شاهدان أحدهما بألف وخمسمائة والآخر بألف تقبل والنكاح جائز بألف درهم وعندهما لا تقبل ولا يجوز
النكاح لان هذا دعوى العقد ولو كانت الدعوى من الرجل والمرأة تنكر لا تقبل الاجماع لان هذا دعوى العقد ولو
كانت الدعوى في الخلع أو في الطلاق على مال أو في العتاق أو في الصلح عن دم العمد على مال فإن كانت الدعوى من
الزوج أو من المولى أو ولى القصاص تقبل لان هذا دعوى المال وإن كانت الدعوى من المرأة أو العبد أو القاتل لا تقبل
لان هذا دعوى العقد ولو كان هذا في الكتابة فإن كانت الدعوى من المكاتب لا تقبل لان هذا دعوى العقد فلا
تقبل ولا تصح الكتابة وإن كانت من المولى فلا تصح لان للمكاتب ان يعجز نفسه متى شاء (واما) اختلاف الشهادة
في الزمان ولامكان فإنه ينظر إن كان ذلك في الأقارير لا يمنع القبول وإن كان في الأفاعيل من القتل والقطع والغصب
وانشاء البيع والطلاق والعتاق والنكاح ونحوها يمنع القبول ووجه الفرق ان الاقرار مما يحتمل التكرار فيمكن
التوفيق بين الشهادتين لسماعه عن الاقرار في زمانين أو مكانين فلا يتحقق الاختلاف بين الشهادتين بخلاف القتل
والقطع وانشاء البيع وغيره من العقود والفسوخ لان هذا لا يحتمل التكرار فاختلاف الزمان والمكان فيها يوجب
اختلاف الشهادتين فيمنع القبول وبالله التوفيق ولو ادعى رجل على رجل قرض ألف درهم فشهد شاهدان أحدهما
على القرض والآخر على القرض والقضاء يقضى بشهادتهما على القرض ولا يقضى بالقضاء في ظاهر الرواية وروي
عن أبي يوسف رحمه الله انه لا يقضى بشهادتهما بالقرض أيضا لأنهما وان اجتمعا على الشهادة بالفرض لكن الذي
شهد بالقضاء فسخ شهادته بالقرض فبقي على الفرض شاهد واحد فلا يقضى بالشهادة والصحيح جواب ظاهر
الرواية لان الشهادتان اختلفا في القضاء لافى القرض بل اتفقا على القرض فيقضى به وقوله شاهد القضاء فسخ
شهادته بالقرض قلنا ممنوع بل قرر شهادته على القرض لان قضاء القرض بعد القرض يكون (وأما) الذي يرجع إلى
المكان فواحد وهو مجلس القضاء ومنها الذكورة في الشهادة بالحدود والقصاص فلا تقبل فيها شهادة النساء لما روى
عن الزهري رحمه الله أنه قال مضت السنة من لدن رسول الله صلى إليه عليه وسلم والخليفتين من بعده رضوان الله تعالى
عليهما انه لا تقبل شهادة النساء في الحدود والقصاص ولان الحدود والقصاص مبناهما على الدرء والاسقاط بالشبهات
وشهادة النساء لا تخلو عن شبهة لأنهن جبلن على السهو والغفلة ونقصان العقل والدين فيورث ذلك شبهة بخلاف
سائر الأحكام لأنها تجب مع الشبهة ولأن جواز شهادة النساء على البدل من شهادة الرجال والابدال في باب الحدود
غير مقبولة كالكفارات والوكالات واما الشهادة على الأموال فالذكورة ليست فيها بشرط والأنوثة ليست بمانعة
بالاجماع فتقبل فيها شهادة النساء مع الرجال لقول الله تبارك وتعالى في باب المداينة فاستشهدوا شهيدين من رجالكم
فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء واختلف في اشتراطها في الشهادة بالحقوق التي ليست
بمال كالنكاح والطلاق والنسب قال أصحابنا رضي الله عنهم ليست بشرط وقال الشافعي رضي الله عنه شرط (وجه)
279

قول الشافعي رحمه الله ان شهادة النساء حجة ضرورة لأنها جعلت حجة في باب الديانات عند عدم الرجال ولا
ضرورة في الحقوق التي ليست بمال لاندفاع الحاجة فيها بشهادة الرجال ولهذا لم تجعل حجة في باب الحدود والقصاص
وكذا لم تجعل حجة بانفراد هن فيمالا يطلع عليه الرجال (ولنا) قوله تبارك وتعالى واستشهدوا الا آية جعل الله سبحانه
وتعالى لرجل وامرأتين شهادة على الاطلاق لأنه سبحانه وتعالى جعلهم من الشهداء والشاهد المطلق من له شهادة
على الاطلاق فاقتضى أن يكون لهم شهادة في سائر الأحكام الا ما قيد بدليل وروى عن سيدنا عمر رضي الله عنه انه
أجاز شهادة النساء مع الرجال في النكاح والفرقة ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر من الصحابة فكان اجماعا منهم على
الجواز ولان شهادة رجل وامرأتين في اظهار المشهود به مثل شهادة رجلين لرجحان جانب الصدق فيها على
جانب الكذب بالعدالة لا انها لم تجعل حجة فيما يدرأ بالشبهات لنوع قصور وشبهة فيها لما ذكرنا وهذه الحقوق
تثبت بدليل فيه شبهة (وأما) قوله بأنها ضرورة فلا تسلم فإنها مع القدرة على شهادة الرجال في باب الأموال مقبولة
فدل انها شهادة مطلقة لا ضرورة وبه تبين ان نقصان الأنوثة يصير مجبورا بالعدد فكانت شهادة مطلقة واختلف
في اشتراطها في الشهادة على الاحصان قال علماؤنا الثلاثة رضي الله عنهم ليست بشرط وقال زفر شرط حتى
يظهر الاحصان بشهادة رجل وامرأتين عندنا وعنده لا يظهر (وجه) قول زفر رحمه الله أن الذكورة
شرط في علة العقوبات بالاجماع حتى لا يظهر بشهادة رجل وامرأتين والاحصان من جملة أو صاف العلة لأن علة
وجوب الرجم ليس هو الزنا المطلق بل الزنا لموصوف بالتغليط ولا يتغلط الا بالا حصان فكان الاحصان من
جملة العلة فلا يثبت بشهادة النساء ولهذا لو أقر بالاحصان جاز رجوعه كما أنه لو أقر بالزنا رجع وكذا الشهادة القائمة على
الاحصان من غير دعوى كالشهادة القائمة على الزنا (ولنا) قوله عز وجل فاستشهد والآية ودلالتها على نحو
ما تقدم مع الشافعي رحمه الله وأما قوله من جملة العلة الاحصان قلنا الا ممنوع بل هو شرط العلة فيصير الزنا عنده علة
والحكم يضاف إلى العلة لا إلى الشرط لما عرف في أصول الفقه وأما الرجوع عنه بعد الاقرار فلا نسلم أنه
لا يصح الرجوع في قول أبى يوسف رحمه الله ولا يصح في قول زفر رحمه الله وهذا حجة على زفر ولا رواية فيئه
عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما لله فلنا أن نمنع وعدم اشتراط الدعوى يدل على أنه حق الله سبحانه وتعالى لاعلى أن
ه تضاف إليه العقوبة الا ترى ان الدعوى ليست بشرط في عتق الأمة اجماعا ولا في عتق العبد عند أبي يوسف
ومحمد وإن كان لا تقرر تعلق عقوبة به ونحن نسلم ان الاحصان حق الله تعالى في هذا الوقت على ما عرف في
الخلافيات ومنهم اسلام الشاهد إذا كان المشهود عليه مسلما حتى لا تقبل شهادة الكافر على المسلم لان الشهادة
فيها معنى الولاية وهو تنفيذ القول على الغير ولا ولاية للكافر فلا شهادة له عليه وتقبل شهادة المسلم على الكافر لأنه
من أهل أن يثبت له الولاية على المسلم فعلى الكافر أولى (وأما) إذا كان المشهود عليه كافرا فاسلام الشاهد
هل هو شرط لقبول شهادته عليه فقد اختلف فيه قال أصحابنا رضي الله عنهم ليس بشرط حتى تقبل شهادة أهل
الذمة بعضهم على بعض سواء اتفقت مللهم أو اختلفت بعد إن كانوا عدولا ولا في دينهم وقال الشافعي رحمه الله
شرط حتى لا تقبل شهادتهم أصلا واحتج بقوله سبحانه وتعالى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا نفى
الله سبحانه وتعالى أن يكون للكافرين على المؤمنين سبيلا وفى قبول شهادة بعضهم على بعض اثبات السبيل
للكافرين على المؤمنين لأنه يجب على القاضي الفضاء بشهادتهم وانه منفى ولان العدالة شرط قبول الشهادة والفسق
مانع والكفر رأس الفسق فكان أولى بالمنع من القبول (ولنا) قول النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك الحديث فإذا
قبلوا عقد الذمة فأعلمهم أن له ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وللمسلم على المسلم شهادة فكذا للذمي على الذمي
فظاهره يقتضى أن يكنون للذمي على المسلم شهادة كالمسلم الا أن ذلك صار مخصوصا من عموم النص ولان الحاجة
مست إلى صيانة حقوق أهل الذمة ولا تحصل الصيانة الا وأن يكون لبعضهم على بعض شهادة ولا شك أن الحاجة
280

إلى صيانة حقوقهم ماسة لأنهم إنما قبلوا عقد الذمة لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا والدليل على أن الصيانة
لا تحصل الا وأن يكون لبعضهم على بعض شهادة لأن هذه المعاملات تكثر فيما بينهم والمسلمون لا يحضرون
معاقدتهم ليتحملوا حوادثهم فلو لم يكن لبعضهم على بعض شهادة لضاعت حقوقهم عندا الجحود والانكار فدعت
الحاجة إلى الصيانة بالشهادة وأما الآية الكريمة فوجوب القضاء لا يثبت بالشهادة وإنما يثبت بالتقليد السابق
والشهادة شرط الوجوب ولا حكم لا يثبت بالشرط فلا يكون في قبول شهادة بعضهم على بعض اثبات السبيل
للكافر على المؤمن سواء اتفقت مللهم أو اختلفت فتقبل شهادة النصراني على اليهودي واليهودي على المجوسي وقال
ابن أبي ليلى ان اختلفت لا تقبل وهذا غير سديد لان الكفر وان اختلفت أنواعه صورة فهو ملة واحدة حقيقة
فتقبل شهادة بعضهم على بعض كيف ما كان بعد أن يكون الشاهد من أهل دار الاسلام حتى لاتقبل شهادة المستأمن
على الذمي لأنه ليس من أهل دار الاسلام حقيقة وإن كان فيها صورة لأنه ما دخل دارنا للسكنى فيها بل ليقضى
حوائجه ثم يعود عن قريب فلم يكن من أهل دار الاسلام والذمي من أهل دار الاسلام فاختلفت الدار ان فلم تقبل
شهادة الذمي عليه بالنص الذي روينا وصار حكم المستأمن مع الذمي في الشهادة كحكم الذمي مع المسلم وشهادة
المستأمن تقبل على المستأمن أن اتفقت دارهم ومللهم وان اختلفت لا تقبل ومنها عدم التقادم في الشهادة على الحدود
كلها الاحد القذف حتى لا تقبل الشهادة عليها إذا تقادم العهد الاعلى حد القذف بخلاف الاقرار لما عرف في كتاب
الحدود والله تعالى أعلم ومنها قيام الرائحة في الشهادة على شرب الخمر إذا لم يكن سكران ولم يتحقق انه من مسيره لا يبقى
الريح من المجئ به من مثلها عادة عندهما وعند محمد ليس بشرط وهي من مسائل الحدود وتذكر هنا لك إن شاء الله
تعالى (ومنها) الأصالة في الشهادة على الحدود والقصاص حتى لا تقبل فيها الشهادة بطريق النيابة وهي الشهادة على
الشهادة عندنا كذا لا يقبل فيها كتاب القاضي إلى القاضي لأنه في معنى الشهادة على الشهادة وعند الشافعي رحمه
الله ليس بشرط حتى تقبل فيها الشهادة على الشهادة وأجمعوا على أنها ليست بشرط في الأموال والحقوق المجردة عنها
فتقبل فيها الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي الا في العبد الآبق عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف
تقبل فيه أيضا على ما نذكر في كتاب أدب القاضي (وجه) قول الشافعي رحمه الله ان الفروع يؤدون الشهادة نيابة عن
الأصول فكانت شهادتهم شهادة الأصول معنى وشهادة الا صول على الحدود والقصاص مقبولة (ولنا) ان الحدود
والقصاص مما تدرأ بالشبهات والشهادة لا تخلو عن شبهة ولهذا لاتقبل فيها شهادة النساء لتمكن الشبهة
في شهادتهن بسبب السهو والغفلة بل أولى لان الشبهة هنا تمكنت في مجلس فكان فيها زيادة ليست في شهادة
الأصول ولان الحدود لما كانت مبينة على الدرء أوجب ذلك اختصاصها بحجج مخصوصة بل ايقاف إقامتها ولهذا
شرط عدد الأربعة في الشهادة على الزنا لان اطلاع أربعة من الرجال الأحرار على غيبوبة ذكره في فرجها كما يغيب
الميل في المكحلة نادر غاية الندرة ثم نقول الكلام في الشهادة على الشهادة يقع في مواضع في صورة تحمل
الشهادة على الشهادة وفى شرائط التحمل وفى صورة أداء الشهادة على الشهادة وفى شرائط الأداء أما صورة التحمل
فلها عبارتان مختصرة ومطولة أما اللفظ المختصر فهو أن يقول شاده الأصل اشهد على شهادتي انى أشهد ان لفلان على
فلان كذا أو يقول أشهد ان لفلان على فلان كذا فاشهد على شهادتي بذلك وأما المطول فهو أن يقول
شاهد الأصل أشهد أن لفلان على فلان كذا أشهدك على شهادتي هذه وآمرك أن تشهد على شهادتي هذه
فاشهد وأما شرائط تحمل هذه الشهادات فما ذكرنا في عموم الشهادات وأما الذي يختص بها فأنواع منها الاشهاد
حتى لا يصح التحمل بنفس السماع دون الاشهاد حتى لو قال أشهد ان لفلان على فلان كذا فسمع إنسان لكن لم يقل
اشهد أنت لم يصح التحمل بخلاف سائر الشهادات انه يصح التحمل فيها معاينة الفعل وسماع الاقرار
والانشاء من غير اشهاد (ووجه) الفرق ان الفروع يشهدون نيابة عن الأصول فلا بد من الإنابة منهم وذلك
281

بالاشهاد بخلاف سائر الشهادات لان تحمل الشاهد في سائرها بطريق الإحالة بنفسه لا بغيره فيصح التحمل
فيها بطريق المعاينة ومنها الاشهاد على شهادته حتى لو قال اشهد بمثل ما شهدت أو كما شهدت أو على ما شهدت
لا يصح التحمل ما لم يقل على شهادتي لان معنى التحمل والإنابة لا يحصل الا بالاشهاد على شهادته ومنها عدد
التحمل وهو ان يتحمل من كل واحد من شاهدي الأصل اثنان حتى لو تحمل من أحدهما واحد وتحمل من الآخر
واحد لا يصح التحمل لان الشهادة حق ثابت في ذمة الشاهد والحقوق الثابتة في الذمم لا ينقلها إلى القاضي الا شاهدان
ولو تحمل اثنان من أحدهما شهادته ثم تحملا من الا آخر شهادته جاز التحمل لأنه اجتمع على التحمل من كل واحد
منهما شاهدان فاما الذكورة في تحمل هذه الشهادة فليست بشرط حتى يصح التحمل فيها من النساء (وأما) صورة أداء
هذه الشهادة فلها لفظان أيضا مختصر ومطول فالمختصر أن يقول شهد فلان عندي ان لفلان على فلان كذا وأشهدني
على شهادته بذلك فانا أشهد على شهادته بذلك وأما المطول فهو أن يقول شهد عندي فلان ان لفلان على فلان كذا
وأشهدني على شهادته بذلك وأمرني ان أشهد على شهادته بذلك وأنا أشهد الآن على شهادته بذلك ولو لم يقل
وأمرني ان أشهد على شهادته بذلك جاز لان معنى التحمل والإنابة يتأدى بقوله أشهدني على شهادته فكان قوله
أمرني بذلك من باب التأكيد وأما شرائطها فما ذكرناه كسائر الشهادات والذي يختص بهذه الشهادة أن يكون
المشهود عليه ميتا أو غائبا مسيرة سفرا ومريضا لا يستطيع يحضر مجلس القضاء لأن جواز هذه الشهادة للحاجة
والضرورة ولا تتحقق الضرورة الا في هذه المواضع وأما الذكورة فليست بشرط لأداء هذه الشهادة فتقبل فيها
شهادة النساء مع الرجال لقوله تبارك وتعالى فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء فظاهر
النص يقتضى أن يكون للنساء مع الرجال شهادة على الاطلاق من غير فصل الا ما قيد بدليل ولان قضية القياس ان
لا تشترط الذكورة والأصل في عمومات الشهادات الا ان اشتراط الذكورة في شهادة الأصول على الحدود والقصاص
ثبت بنص خاص وهو حديث الزهري رحمه الله لتمكن شبهة في شهادتين ليست في شهادة الرجال واشتراط
الأصالة في الشهادة لتمكن زيادة شبهة في شهادة الفروع ليست في شهادة الأصول وهو الشبهة في الشهادتين على
ما ذكرنا فشرط ذلك احتيالا لدرء ما يندرئ بالشبهات والأموال والحقوق مما ثبت بالشبهة فثبتت على أصل القياس
والله سبحانه وتعالى أعلم
(فصل) وأما بيان ما يلزم الشاهد بتحمل الشهادة فالذي يلزمه أداء الشهادة لله سبحانه وتعالى فيما سوى أسباب
الحدود لقوله تعالى وأقيموا الشهادة لله وقوله عز شأنه كونوا قوامين بالقسط شهداء لله الا ان في الشهادة القائمة على حقوق
العباد وأسبابها لابد من طلب المشهود له لوجوب الأداء فإذا طلب وجب عليه الأداء حتى لو امتنع بعد الطلب يأثم
لقوله تعالى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا أي دعو الأداء الشهادة لان الشهادة أمانة المشهود له في ذمة الشاهد وقال
سبحانه وتعالى وليؤد الذي أو تمن أمانته وقال تعالى جل شأنه ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وأما في
حقوق الله تبارك وتعالى وفيما سوى أسباب الحدود نحو طلاق امرأة واعتاق عبد والظهار والايلاء ونحوها من
أسباب الحرمات تلزمه الإقامة حسبة لله تبارك وتعالى عند الحاجة إلى الإقامة من غير طلب من أحد من العباد وأما
في أسباب الحدود من الزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف فهو مخير بين ان يشهد حسبة لله تعالى وبين ان يستر
لان كل واحد منهما أمر مندوب إليه قال الله تبارك وتعالى وأقيموا الشهادة لله وقال عليه الصلاة والسلام من ستر
على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة وقد ندبه الشرع إلى كل واحد منهما ان شاء اختار جهة الحسبة فأقامها الله
تعالى وان شاء اختار جهة الستر فيستر على أخية المسلم
(فصل) وأما بيان حكم الشهادة فحكمها وجوب القضاء على القاضي لان الشهادة عند استجماع شرائطها
مظهرة للحق والقاضي مأمور بالقضاء بالحق قال الله تبارك وتعالى يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس
بالحق وثبوت ما يترتب عليها من الأحكام
282

* (كتاب الرجوع عن الشهادة) *
الكلام في هذا الكتاب في الأصل في موضع واحد وهو بيان حكم الرجوع عن الشهادة فنقول وبالله التوفيق
الرجوع عن الشهادة يتعلق به حكمان أحدهما يرجع إلى مال الشاهد والثاني يرجع إلى نفسه أما الذي يرجع إلى ماله
فهو وجوب الضمان والكلام فيه في ثلاثة مواضع في بيان سبب وجوب الضمان وفي بيان شرائط الوجوب وفي بيان
مقدار الواجب اما الأول فسبب وجوب الضمان في هذا الباب إتلاف المال أو النفس بالشهادة لأن الضمان في الشرع
إنما يجب اما بالالتزام أو بالاتلاف ولم يوجد الالتزام فيتعين الاتلاف فيها سببا لوجوب الضمان فان وقعت اتلافا
انعقدت سببا لوجوب الضمان والا فلا وعلى هذا يخرج ما إذا شهدا على رجل بألف وقضى القاضي بشهادتهما ثم
رجعا انهما يضمنان الألف لأنهما لما رجعا عن شهادتهما بعد القضاء تبين ان شهادتهما وقعت سببا إلى الاتلاف
في حق المشهود عليه والتسبب إلى الاتلاف بمنزلة المباشرة في حق سببية وجوب الضمان كالاكراه
على اتلاف المال وحفر البئر على قارعة الطريق ونحوه (فان قيل) لما رجعا عن شهادتهما تبين
ان قضاء القاضي لم يصح فتبين ان المدعى أخذا المال بغير حق فلم لا يرده إلى المشهود عليه قبل له أنه
بالرجوع لم يتبين بطلان القضاء لان الشاهد غير مصدق في الرجوع في حق القاضي والمشهود له لوجهين الأول
أن الرجوع يحتمل الصدق والكذب والقضاء بالحق للمشهود به نفذ بدليل من حيث الظاهر وهو الشهادة
الصادقة عند القاضي فلا ينتقض الثابت ظاهرا بالشك والاحتمال فبقي القضاء ما ضيا على الصحة والمدعى في يد
المدعى كما كان والثاني أن الشاهد في الرجوع عن شهادته منهم في حق المشهود له لجواز أن المشهود عليه غره بمال أو
غيره ليرجع عن شهادته فيظهر كذب المدعى في دعواه فلم يصدق في الرجوع في حق المشهود له للتهمة إذ التهمة كما
تمنع قبول الشهادة تمنع صحة الرجوع عن الشهادة فلم يصح الرجع في حقه فلم ينقض القضاء ولا يترد المدعى من يده
ومعنى التهمة لا يتوهم في المشهود عليه فصح الرجوع في حقه الا أنه لا يمكن اظهار الصحة في نقض القضاء والتوصل
إلى عين المشهود به فيظهر في التوصل إلى بدله رعاية للجوانب كلها وإذا رجعا قبل القضاء لا يضمنان لان الشهادة
لا تصير حجة الا بالقضاء فلا تقع تسبيبا إلى الاتلاف بدونه وعلى هذا إذا شهدا على رجل أنه طلق امرأته فقضى
القاضي بشهادتهما ثم رجعا إن كان الطلاق بعد الدخول بأن كان الزوج مقرا بالدخول لا ضمان عليهما لانعدام
الاتلاف لان المهر يجب بنفس العقد ويتأكد بالدخول لا بشهادتهما فلم تقع شهادتهما اتلافا فلم يجب الضمان وإن كان
الطلاق قبل الدخول فقضى القاضي بنصف المهر بأن كان المهر مسمى أو بالمتعة بان لم يكن المهر مسمى ثم رجعا
ضمنا ذلك للزوج لان شهادتهما وان لم توجب على الزوج شيئا من المهر لكنها أكدت الواجب لان الواجب قبل
الدخول كان محتملا للسقوط بأن جاءت الفرقة من قبلها وبشهادتهما بالطلاق تأكد الواجب عليه على وجه
لا يحتمل السقوط بعده أصلا فصارت شهادتهما مؤكدة للواجب والمؤكد للواجب بمنزلة الواجب في الشرع
كالمحرم إذا أخذ صيدا فذبحه رجل في يده يجب الجزء على الآخذ ويرجع الآخذ بذلك على القتل لوقوع القتل
منه تأكيدا للجزاء الواجب على المحرم إذ لولا ذبحه لاحتمل السقوط بالارسال فهو بالذبح أكد الواجب عليه فنزل
المؤكد منه منزلة الواجب كذا هذا وعلى هذا إذا شهدا على رجل أنه أعتق عبدا أو أمة له وهو ينكر فقضى القاضي ثم رجعا
يضمنان قيمة العبد أو الأمة لمولاه لأنهما بشهادتهما أتلفا عليه مالية العبد أو الأمة فيضمنان ويكون ولاؤه للمولى لان
الاعتاق نفذ عليه والولاء لمن أعتق فان قيل هذا اتلاف بعوض وهو الولاء فلا يوجب الضمان قيل له الولاء
لا يصلح عوضا لأنه ليس بمال وإنما هو من أسباب الإرث فكان هذا اتلافا بغير عوض فيوجب الضمان ولو شهدا
على اقرار المولى أن هذه الأمة ولدت منه وهو منكر فقضى القاضي بذلك ثم رجعا فنقول هذا في الأصل لا يخلو من
283

أحد وجهين اما أن لم يكن معها ولد واما أنا كان معها ولد وكل ذلك لا يخلوا ما أن رجعا في حال حياة المولى وأما أن رجعا
بعد وفاته اما إذا لم يكن معها ولد ورجعا في حال حياة المولى يضمنان للمولى نقصان قيمتها فتقوم أمة قنا وتقوم أم ولد
لو جاز بيعها فيضمنان النقصان لأنهما أتلفا عليه بشهادتهما هذا القدر حال حياته فيضمنانه فإذا مات المولى عتقت
الجارية لأنها أم ولده وأم الولد تعتق بموت سيدها ويضمنان بقية قيمتها للورثة لأنهما أتلفا شهادتهما كل الجارية
لكن بعضها في حال الحياة والباقي بعد الوفاة فيضمنان كذلك وإن كان معها ولد ورجعا في حال حياة المولى فإنهما
يضمنان قيمة الولد لأنهما أتلفاه عليه ألا ترى أنه لولا شهادتهما لكان الود عبدا له فهما بشهادتهما أتلفاه عليه فعليهما
الضمان وعليهما ضمان نقصان قيمة الام أيضا لما قلنا فإذا مات المولى بعد ذلك لم يكن مع الولد شريك في الميراث فلا
يضمنان له شيئا ويرجعان على الولد بما قبض الأب منهما لان في زعم الولدان رجوعهما باطل وأن ما أخذ الأب منهما
أخذه بغير حق فصار مضمونا عليه فيؤدى من تركته إن كانت له تركة وان لم يكن له تركة فلا ضمان على الولد لامن من أقر
على مورثه بدين وليس للميت تركة لا يؤخذ من مال الوارث وإن كان معه أخ فإنهما يضمنان للأخ نصف البقية من
قيمتها لأنهما أتلفا عليه ذلك القدر ويرجعان على الولد بما أخذه الأب منهما لما قلنا ولا يرجعان بما قبض الأخ لان
الأخ ظلم عليهما في زعمهما فليس لهما أن يظلما عليه ولا ضمان للأخ ما أخذ هذا من الميراث لأنهما ما أتلفا عليه الميراث
لما نذكر ان إن شاء الله تعالى هذا إذا كان الرجوع في حال حياة المولى فاما إذا كان بعد وفاته فإن لم يكن مع الولد شريك
في الميراث فلا ضمان عليهما لان الولد يكذبهما في الرجوع وإن كان معه شريك في الميراث فإنهما يضمنان للأخ
نصف البقية من قيمتهما لما قلنا ويضمنان للأخ نصف قيمة الولد لأنهما أتلفا عليه نصف الولد ولا يضمنان له ما أخذ
هذا الولد من الميراث لما قلنا ولا يرجعان على الولد ههنا لان هذا ظلم للأخ في زعمهما فليس لهما أن يظلما الولد هذا إذا
كانت الشهادة في حال حياة المولى والرجوع عليه في حال حياته أو بعد وفاته فاما إذا كانت الشهادة بعد وفاته بأن مات
رجل وترك ابنا وعبدا وأمة وتركة فشهد شاهدان أن هذا العبد ولدته هذه الأمة من الميت وصدقهما الولد والأمة
وأنكر الابن فقضى القاضي بذلك وجعل الميراث بينهما ثم رجعا يضمنان قيمة العبد والأمة ونصف الميراث للابن
فرق بين حال الحياة وبين حال الممات فان هناك لا يضمنان الميراث ووجه الفرق أن الشهادة بالنسب حال الحياة
لا تكون شهادة بالمال والميراث لا محالة لأنه يجوز فيه التقدم والتأخر فمن الجائز أن يموت الأب أولا فيرثه الابن كما
يجوز أن يموت الابن أولا ويرثه الأب فلم تكن الشهادة بالنسب شهادة بالمال والميراث لا محالة فلا تتحق الشهادة
اتلافا للمال فلا يضمنان بخلاف الشهادة بعد الموت فإنها شهادة بالمال لا محالة فقد أتلفا عليه نصف الميراث
فيضمنان والله سبحانه وتعالى أعلم ولو شهد أنه دبر عبده فقضى القاضي بذلك ثم رجعا يضمنان للمولى نقصان التدبير
فيقوم قنا ويقوم مدبرا فيضمنان النقصان لأنهما أتلفا عليه حال حياته بشهادتهما هذا القدر فيضمنانه فإذا
مات المولى بعد ذلك عتق العبد كله إن كان يخرج من الثلث ولا سعاية عليه لأنه مدبره ويضمنان للورثة
بقية قيمته عبدا لأنهما أتلفا بشهادتهما بقية ماليته بعد موته لان التدبير اعتاق بعد الموت ولو لم يكن له مال
سوى المدبر عتق عليه مجانا لان التدبير وصية فيعتبر بسائر الوصايا ويسعى في ثلثي قيمته عبدا قنا للورثة لان الوصية
فيما زاد على الثلث لا تنفذ من غير إجازة الورثة ويضمن الشاهدان للورثة ثلث قيمته لأنهما أتلفا عليه بشهادتهما
ثلث العبد هذا إذا كانت السعاية تخرج من ثلث العبد فإن كانت لا تخرج بأن كان معسرا فإنهما يضمنان
جميع قيمته مدبرا ثم يرجعان على العبد بثلثي قيمته إذا أيسر ولو شهدا أنه قال لعبده ان دخلت الدار فأنت
حر وشهد آخران بالدخول ثم رجعوا فالضمان على شهود اليمين لان العتق ثبت بقوله أنت حر وإنما الدخول
شرط والحكم يضاف إلى العتق لا إلى الشرط فكان التلف حاصلا بشهادتهما فكان الضمان عليهما وكذلك إذا شهدا
أنه قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت طالق وشهد آخران بالدخول ثم رجعوا لما قلنا وكذلك لو شهدا على رجل
284

بالزنا وشهد آخران بالاحصان ثم رجعوا فالضمان على شهود الزنا على شهود الاحصان لان الاحصان شرط ولو
شهدا انه قتل فلانا خطأ وقضى القاضي ثم رجعا ضمنا الدية لأنهما أتلفاها عليه وتكون في مالهما لان الشهادة منهما بمنزلة
الاقرار منهما بالاتلاف والعاقلة لا تعقل الاقرار كما لو أقر صريحا ولهذا لو رجعا في حال المرض اعتبر اقرار بالدين حتى
يقدم عليه دين الصحة كما في سائر الأقارير وكذا لو شهدا انه قطع يد فلان خطأ وقضى القاضي ثم رجعا ضمنا دية اليد
لما قلنا وكذا لو شهدا عليه بالسرقة فقضى عليه بالقطع فقطعت يده ثم رجعا فقد روى أن شاهدين شهدا عند سيدنا
علي كرم الله وجهه على رجل بالسرقة فقضى عليه بالقطع فقطعت يده ثم جاء الشاهدان بآخر فقالا أو همنا أن السارق
هذا يا أمير المؤمنين فقال سيدنا علي رضي الله عنه لا أصدقكما على هذا وأغرمكما دية يد الأول ولو علمت أنكما تعمدتما
لقطعت أيديكما وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد فكان اجماعا ولو شهد انه قتل فلانا عمدا فقضى
القاضي وقتل ثم رجعا فعليهما الدية عندنا وعند الشافعي رحمه الله عليهما القصاص وعلى هذا الخلاف إذا شهدا انه
قطع يد فلان (وجه) قول الشافعي رحمه الله ان شهادتهما وقعت قتلا تسبيبا لأنها تفضى إلى وجوب القصاص وانه
يفضى إلى القتل فكانت شهادتهما تسبيبا إلى القتل والتسبيب في باب القصاص في معنى المباشرة كالاكراه على القتل
(ولنا) أن نسلم أن الشهادة وقعت تسبيبا إلى القتل لكن وجوب القصاص يتعلق بالقتل مباشرة لا تسبيبا لان ضمان
العدوان الوارد على حق العبد مقيد بالمثل شرعا ولا مماثلة بين القتل مباشرة وبين القتل تسبيبا بخلاف الاكراه على
القتل لان القاتل هو المكره مباشرة لكن بيد المكروه وهو كالآلة والفعل المستعمل الآلة لا للآلة على ما عرف على
أن ذلك وإن كان قتلا تسبيبا فهو مخصوص عن نصوص المماثلة فمن ادعى تخصيص الفرع يحتاج إلى الدليل وعلى
هذا يخرج ما إذا شهدا على ولى القتيل أنه عفا عن القتل وقضى القاضي ثم رجعا انه لا ضمان عليهما في ظاهر الرواية
لأنه لم يوجد منهما اتلاف المال ولا النفس لان شهادتهما قامت على العفو عن القصاص والقصاص ليس بمال ألا
ترى أنه لو أكره رجلا على العفو عن القصاص فعفا لا يضمن المكره ولو كان القصاص مالا يضمن لان المكره
يضمن بالاكراه على اتلاف المال وكذا من وجب له القصاص وهو مريض فعفا ثم مات في مرضه ذلك لا يعتبر من
الثلث ولو كان مالا اعتبر من الثلث كما إذا تبرع في مرضه وعن أبي يوسف رحمه الله أنهما يضمنان الدية لولي القتيل لان
شهادتهما اتلاف للنفس لان نفس القاتل تصير مملوكة لولي القتيل في حق القصاص فقد اتلفا بشهادتهما على المولى
نفسا تساوى ألف دينار أو عشرة آلاف درهم فيضمنان وهذا غير سديد لأنا لا نسلم أن نفس القاتل تصير مملوكة لولي
القتيل بل الثابت له ملك الفعل لا ملك المحل لان في المحل ما ينافي الملك لما علم في مسائل القصاص فلم تقع شهادتهما
اتلاف النفس ولا اتلاف المال فلا يضمنان ولو شهدا أن هذا الغلام ابن هذا الرجل والأب يجحده فقضى القاضي
بشهادتهما ثم رجعا لا يبطل النسب ولا ضمان على الشاهدين لانعدام اتلاف المال منهما (وأما) شرائط الوجوب
فأنواع منها أن يكون الرجوع بعد القضاء فإن كان قبله لا يجب الضمان لما ذكرنا أن الركن في وجوب الضمان بالشهادة
وقوع الشهادة اتلافا ولا تصير اتلافا الا إذا صارت حجة ولا تصير حجة الا بالقضاء فلا تصير اتلافا الا به (ومنها) مجلس
القضاء فلا عبرة بالرجوع عند غير القاضي كما لا عبرة بالشهادة عند غيره حتى لو أقام المدعى عليه البينة على رجوعهما لا تقبل
بينته كذا لا يمين عليهما إذا أنكر الرجوع الا إذا حكيا عند القاضي رجوعهما عند غيره فيعتبر رجوعهما لان ذلك بمنزلة
انشاء رجوعهما عند القاضي فكان معتبرا (ومنها) أن يكون المتلف بالشهادة عين مال حتى لو كان منفعة لا يجب الضمان
لان الأصل ان المنافع غير مضمونة بالاتلاف عندنا وعلى هذا يخرج ما إذا شهد أنه تزوج هذه المرأة بألف درهم ومهر
مثلها ألفان وهي تنكر فقضى القاضي بالنكاح بألف درهم ثم رجعا لا يضمنان للمرأة شيئا لأنهما اتلفا عليها منفعة البضع
والمنفعة ليست بعين مال حقيقة وإنما يعطى لها حكم الأموال بعارض عقد الإجارة وكذا لو ادعت امرأة على رجل
أنه طلقها على ألف درهم والزوج ينكر فشهد شاهدان فقضى ثم رجعا لم يضمنا للزوج شيئا لأنهما بشهادتهما
285

اتلفا على الزوج المنفعة لا عين المال وعلى هذا لو ادعى رجل أنه استأجر هذه الدابة من فلان بعشرة دراهم وأجر مثلها
مائة درهم والمؤجر ينكر فشهد شاهدان وقضى القاضي ثم رجعا لا يضمنان للمؤجر شيئا لأنهما بشهادتهما اتلفا المنفعة
لا عين المال (ومنها) أن يكون اتلاف المال بغير عوض فإن كان بعوض لا يجب الضمان سواء كان العوض عين مال أو
منفعة لها حكم عين المال لان الا تلاف بعوض يكون اتلافا صورة لا معنى وعلى هذا يخرج ما إذا ادعى رجل على رجل
أنه باع عبده منه بألف درهم والمشترى ينكر فشهد شاهدان بذلك وقضى القاضي ثم رجعا انه ينظر إن كانت قيمة العبد
ألفا أو أكثر فلا ضمان عليهما للمشترى لان شهادتهما وقعت اتلافا بعوض فلا يكون اتلافا معنى فلا يوجب الضمان
وإن كانت قيمته أقل من ألف يضمنان الزيادة له لوقوع الشهادة اتلافا بقدر الزيادة ولو كانت الدعوى من المشترى
والمسألة بحالها إن كانت قيمته مثل الثمن المذكور أو أقل لا ضمان على الشاهدين للبائع لما قلنا وإن كانت قيمته أكثر
من ألف يضمنان الزيادة للبائع لان شهادتهما وقعت اتلافا بغير الزيادة وعلى هذا يخرج ما إذا ادعت امرأة على
رجل أنه تزوجها على ألف درهم والرجل ينكر فشهد لها شاهدان بذلك وقضى القاضي بالنكاح بألف ثم رجعا أنه ينظر
إن كان مهر مثلها ألفا أو أكثر من ذلك لم يضمنا للزوج شيئا وان اتلفا عليه عين المال لأنهما أتلفاها بعوض له حكم عين
المال وهو البضع لأنه يعتبر مالا حال دخوله في ملك الزوج بدليل أن الأب يملك أن يزوج من ابنه امرأة ولو لم يعتبر
البضع مالا حال دخوله في ملك الزوج لما ملك لان الأب لا يملك على ابنه معاوضة مال بما ليس بمال وكذلك
المريض إذا تزوج امرأة على ألف درهم وذلك مهر مثلها لا يعتر من الثلث بل من جميع المال ولو لم يكن البضع في حكم
المال في حال الدخول في ملك الزوج لاعتبر من الثلث كالتبرع دل ان البضع يعتبر مالا في حق الزوج حال دخوله في
ملكه فكان الاتلاف بعوض هو في حكم عين المال فلا يكون اتلافا معنى وإن كان مهر مثلها أقل من ألف درهم
يضمنان الزيادة على مهر المثل للزوج لأنهما أتلفا الزيادة عليه من غير عوض أصلا وهذا بخلاف ما إذا ادعى رجل
على امرأة انه طلقها بألف درهم والمرأة تنكر فشهد شاهدان بذلك وقضى القاضي عليها بألف درهم ثم رجعا انهما
يضمنان للمرأة ألف درهم لأنهما أتلفا عليها عين المال بغير عوض أصلا لان البضع حال خروجه عن ملك الزوج
لا يعتبر ما لا بدليل أن الأب لا يملك أن يخلع من ابنته الصغيرة على مال ولو فعل وأدى من مالها يضمن ولو كان مالا
لملك لأنه يملك عليها معاوضة مال بمال وكذلك المريضة إذا اختلعت من نفسها حال مرضها على مال يعتبر من الثلث
كالوصية ولو كان له حكم المال لاعتبر من جميع المال كما في سائر معاوضات المال بالمال وإذا لم يكن له حكم المال
حال الخروج عن ملك الزوج حصلت شهادتهما اتلافا عليهما من عوض أصلا فيجب الضمان وعلى هذا يخرج
ماذا ادعى رجل أنه آجر داره من فلان شهرا بعشرة دراهم والمستأجر ينكر فشهد شاهدان بذلك وقضى القاضي
ثم رجعا فاما إن كان في أول المدة ينظر إن كان أجرة الدار مثل المسمى لا ضمان عليهما للمستأجر ولو أتلفا عليه عين
مال لكن بعوض له حكم عين المال وهو المنفعة لان المنفعة في باب الإجارة لها حكم عين المال وإن كانت أجرة مثلها
أقل من المسمى فإنهما يضمنان الزيادة لان التلف بقدر الزيادة حصل بغير عوض أصلا وإن كانت الدعوى بعد
مضى مدة الإجارة فعليهما ضمان الأجرة لأنهما أتلفا عليه من غير عوض أصلا فكان مضمونا عليهما وعلى هذا يخرج
ما إذا شهد شاهدان على القاتل أنه صالح ولى القتيل على مال والقاتل ينكر فقضى القاضي بذلك ثم رجعا انهما لا يضمنان
شيئا للقاتل لأنهما أتلفا عليه عين مال بعوض وهو النفس لان النفس تصلح أن تكون عوضا بدليل أن المريض وجب
عليه القصاص فصالح الولي على الدية جاز ولا تعتبر من الثلث بل من جميع المال ولو لم تصلح النفس عوضا لاعتبر من
الثلث دل ان هذا اتلاف بعوض فلا يوجب الضمان؟ الا إذا شهدا على الصلح بأكثر من الدية فيضمنان الزيادة على
الدية للقاتل لان تلف الزيادة حصل بغير عوض ويمكن تخرج هذه المسائل على فصل التسبب لان ما قابله عوض
لا يكون اتلافا معنى فلم يوجد سبب وجوب الضمان فلا يجب فافهم ذلك ويستوى في وجوب الضمان الرجوع
286

عن الشهادة والرجوع على الشهادة حتى لو رجعت الفروع وثبت الأصول يجب الضمان على الفروع لوجود الاتلاف
منهم لوجود الشهادة؟ منهم حقيقة ولو رجع الأصول وثبت الفروع فلا ضمان على الفروع لانعدام الرجوع منهم وهل
يجب الضمان على الأصول قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله لا يجب وقال محمد يجب (وجه) قوله أن الفروع
لا يشهدون بشهادة أنفسهم وإنما يفعلون بشهادة الأصول فإذا شهدوا فقد أظهروا شهادتهم فكأنهم حضروا بأنفسهم
وشهدوا ثم رجعوا (وجه) قولهما أن الشهادة وجدت من الفروع لامن الأصول لعدم الشهادة حقيقة فإنهم لم
يشهدوا حقيقة وإنما شهد الفروع وهم ثابتون على شهادتهم فلم يوجد الاتلاف من الأصول لعدم الشهادة
منهم حقيقة فلا يضمنون وعلى هذا إذا رجعوا جميعا فالضمان على الفروع عندهما ولا شئ على الأصول
لوجود الشهادة من الفروع حقيقة لامن الأصول وعنده المشهود عليه بالخياران شاء ضمن الفروع وان شاء
ضمن الأصول لوجود الشهادة من الفريقين ولو لم يرجع أحد من الفريقين ولكن الأصول أنكروا الاشهاد فلا
ضمان على أحد لانعدام الرجوع عن الشهادة ويستوى في وجوب ضمان الرجوع رجوع الشهود والمزكين
عند أبي حنيفة حتى أن المزكين لو زكوا الشهود فشهدوا وقضى القاضي بشهادتهم ثم رجع المزكون ضمنوا
عنده وعندهما رجوع المزكين لا يوجب الضمان وجه قولهما ان رجوع المزكين بمنزلة رجوع شهود الاحصان لان
التزكية ليست الأبناء عن الشهود كالشهادة على الصفات التي هي خصال حميدة ثم الرجوع عن الشهادة على الاحصان
لا يوجب الضمان كذا هذا ولأبي حنيفة أن التزكية في معنى الشهادة في وجوب الضمان لان الرجوع عن الشهادة
إنما يوجب الضمان لوقوعه اتلافا وإنما يصير اتلافا بالتزكية ألا ترى أنه لولا التزكية لما وجب القضاء فكانت
الشهادة عاملة بالتزكية فكانت التزكية في معنى علة العلة فكانت اتلافا بخلاف الشهادة على الاحصان لان الاحصان
شرط كون الزنا علة والحكم للعلة لا للشرط وأما بيان مقدار الواجب من الضمان فالأصل أن مقدار الواجب منه
على قدر الاتلاف لان سبب الوجوب هو الاتلاف والحكم يتقدر بقدر العلة والعبرة فيه لبقاء من بقي من الشهود بعد
رجوع من رجع منهم فان بقي منهم بعد الرجوع من يحفظ الحق كله فلا ضمان على أحد لانعدام الاتلاف أصلا من
أحد وان بقي منهم من يحفظ بعض الحق وجب على الراجعين ضمان قدر التالف بالحصص فنقول بيان هذه الجملة
إذا شهد رجلان بمال ثم رجع أحدهما عليه نصف المال لان النصف محفوظ بشهادة الباقي ولو كانت الشهود
أربعة فرجع واحد منهم لا ضمان عليه وكذا إذا رجع اثنان لان الاثنين يحفظان المال ولو رجع منهم ثلاثة
فعليهم نصف المال لان النصف عندنا بشهادة شاهد واحد ولو شهد رجل وامرأتان بمال ثم رجع الرجل غرم
نصف المال لان النصف بقي بثبات المرأتين ولو رجعت المرأتان غرمتا نصف المال بينهما نصفين لبقاء النصف
بثبات الرجل ولو رجع وامرأة فعليهما ثلاثة أرباع المال نصفه على الرجل وربعه على المرأة لان الباقي ببقاء
امرأة واحدة الربع فكان التالف بشهادة الرجل والمرأة ثلاثة الأرباع والرجل ضعف المرأة فكان عليها الربع
وعلى الرجل النصف ولو رجعوا جميعا فنصف المال على الرجل والنصف على المرأتين بينهما نصفان ولو شهد
رجلان وامرأة ثم رجعوا فالضمان على الرجلين ولا شئ على المرأة لأن المرأة الواحدة في الشهادة وجودها وعدمها
بمنزلة واحدة لان القاضي لا يقضى بشهادتها ولو شهد رجلان وامرأتان ثم رجعت المرأتان فلا ضمان عليهما لان
الحق يبقى محفوظا بالرجلين ولو رجع الرجلان يضمنان نصف المال لان المرأتين يحفظان النصف ولو رجع رجل
واجد لا شئ عليه لان رجلا وامرأتين يحفظون جميع المال ولو رجع رجل وامرأة فعليهما ربع المال بينهما أثلاثا
ثلثاه على الرجل وثلثه على المرأة لأنه بقي ثلاثة الأرباع ببقاء رجل وامرأتين فكان التالف بشهادة رجل وامرأة
الربع والرجل ضعف المرأة فكان بينهم أثلاثا ولو رجعوا جميعا فالضمان بينهم اثلاث أيضا ثلثاه على الرجلين وثلثه
على المرأتين لما ذكرنا أن الرجل ضعف المرأة فكان التالف بشهادته ضعف ما تلف بشهادتها ولو شهد رجل وعشرة
287

نسوة ثم رجعا جميعا فالضمان بينهم أسداس سدسه على الرجل وخمسة أسداسه على النسوة وهذا قول أبي حنيفة فاما
عندهما فالضمان بينهم نصفان نصفه على الرجل ونصفه على النسوة وجه قولهما أن النساء وأن كثرن فلهن شطر
الشهادة لا غير فكان التالف بشهادتهن نصف المال والنصف بشهادة الرجل فان الضمان بينهم انصافا ولأبي
حنيفة أن كل امرأتين بمنزلة رجل واحد في الشهادة فكان قسمة الضمان بينهم أسداسا ولو رجع الرجل وحده
ضمن نصف المال لان النصف محفوظ بشهادة النساء وكذا لو رجعت النسوة غرمن نصف المال لان النصف
محفوظ بشهادة الرجل هذان الفصلان يؤيد ان قولهما في الظاهر ولو رجع ثمان نسوة فلا ضمان عليهن لان الحق
بقي محفوظا برجل وامرأتين ولو رجعت امرأة بعد ذلك فعليها وعلى الثمان ربع المال لأنه بقي بثبات رجل وامرأة
ثلاثة أرباع المال فكان التالف بشهادتهن الربع ولو رجع رجل وامرأة فعليهما نصف المال أثلاثا ثلثاه على الرجل
والثلث على المرأة لان تسع نسوة يحفظن المال فكان التالف بشهادة رجل وامرأة النصف والرجل ضعف المرأة
فكان بينهما أثلاثا ولو شهد رجل وثلاث نسوة ثم رجع الرجل وامرأة فعلى الرجل نصف المال ولا شئ على
المرأة في قياس قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وفى قياس قول أبي حنيفة رضي الله عنه نصف المال يكون عليهما
أثلاثا ثلثاه على الرجل وثلثه على المرأة ولو رجعوا جميعا فالضمان بينهم أخماس عند أبي حنيفة خمساه على الرجل وثلاثة
أخماسه على النسوة لان الرجل ضعف المرأة وعندهما نصف الضمان على الرجل ونصفه على المرأة لما ذكرنا أن لهن
شطر الشهادة وان كثرن فكان التالف بشهادة كل نوع نصف المال والله سبحانه وتعالى أعلم وعلى هذا يخرج
ما إذا شهد شاهدان انه طلق امرأته ثلاثا والزوج ينكر وشهد شاهدان بالدخول فقضى القاضي بشهادتهم ثم رجعوا
فالضمان عليهم أرباع على شاهدي الطلاق الربع لان شاهدي الدخول شهدا بكل المهر لان كل المهر يتأكد
بالدخول وللمؤكد حكم الموجب على ما مرو شاهدي الطلاق شهدا بالنصف لان نصف المهر يتأكد بالطلاق
على ما ذكرنا والمؤكد للواجب في معنى الواجب فشاهد الدخول انفرد بنصف المهر والنصف الآخر اشترك فيه
الشهود كلهم فكان نصف النصف وهو الربع على شاهدي الطلاق وثلاثة الأرباع على شاهدي الدخول فما الذي
يرجع إلى نفسه فنوعان أحدهما وجوب الحد لكن في شهادة مخصوصة وهي الشهادة القائمة على الزنا وجملة الكلام
فيه ان الرجوع عن الشهادة بالزنا أما أن يكون من جميع الشهود واما أن يكون من بعضهم دون بعض فان رجعوا جميعا
يحدون حد القذف سواء رجعوا بعد القضاء أو قبل القضاء أما قبل القضاء فلان كلامهم قبل القضاء انعقد قذفا
لا شهادة الا أنه لا يقام الحد عليهم للحال لاحتمال أن يصير شهادة بقرينة القضاء فإذا رجعوا فقد زال الاحتمال فبقي
قذفا فيوجب الحد بالنص وأما بعد القضاء فلان كلامهم وان صار شهادة باتصال القضاء به فقد انقلب قذفا بالرجوع
فصاروا بالرجوع قذفة فيحدون ولو رجعوا بعد القضاء والامضاء فلا خلاف في أنهم يحدون إذا كان الحد جلد أو إن كان
رجما فكذلك عند أصحابنا الثلاثة وقال زفر رحمه الله لاحد عليهم وجه قول انهم لما رجعوا بعد الاستيفاء تبين أن
كلامهم وقع قذفا من حين وجوده فصار كما لو قذفوا صريحا ثم مات المقذوف وحد القذف لا يورث بلا خلاف
بين أصحابنا فيسقط (لنا) أن بالرجوع لا يظهر أن كلامهم كان قذفا من حين وجوده وإنما يصير قذفا وقت الرجوع
والمقذوف وقت الرجوع ميت فصار قذفا بعد الموت فيجب الحد هذا حكم الحد واما حكم الضمان فاما قبل الامضاء
لا ضمان أصلا لعدم الاتلاف أصلا وأما بعد الامضاء فإن كان الحد ربما ضمنوا الدية بلا خلاف لوقوع شهادتهم
اتلافا أو اقرارا بالاتلاف وإن كان الحد جلدا فليس عليهم أرش الجدات إذا لم يمت منها ولا الدية ان مات منهما عند أبي
حنيفة رحمه الله وعندهما يضمنون وجه قولهما أن شهادتهم وقعت اتلافا بطريق التسبيب لأنها تقضى إلى القضاء
والقضاء يفضى إلى إقامة الجلدات وانها تفضى إلى التلف فكان التلف بهذه الوسائط مضافا إلى الشهادة فكانت
اتلافا تسبيبا ولهذا لو شهدوا بالقصاص أو بالمال ثم رجعوا وجبت عليهم الدية والضمان كذا هذا ولأبي حنيفة عليه
288

الرحمة أن الأثر حصل مضافا إلى الضرب دون الشهادتين لوجهين أحدهما أن الشهود لم يشهدوا على ضرب جارح
لان الضرب الجارح غير مستحق في الجلد فلا يكون الجرح مضافا إلى شهادتهم والثاني أن الضرب مباشرة
الاتلاف والشهادة تسبيب إليه وإضافة الأثر إلى المباشرة أولى من اضافته إلى التسبيب الا انه لا ضمان على بيت المال
لان هذا ليس خطأ من القاضي ليكون عطاؤه في بيت المال لنوع تقصير منه ولا تقصير منه ولا تقصير من جهته ههنا فلا شئ على بيت
المال هذا إذا رجعوا جميعا فاما إذا رجع واحد منهم فإن كان قبل القضاء يحدون جميعا عند أصحابنا الثلاثة وعند
زفر يحد الراجع خاصة وجه قوله إن كلامهم وقع شهادة قذفا لكمال نصاب الشهادة وهو عدد الأربعة وإنما ينقلب
قذفا بالرجوع لم يوجد الامن أحدهم فينقلب كلامه قذفا خاصة بخلاف ما إذا أشهد ثلاثة بالزنا انهم يحدون لان
هناك نصاب الشهادة لم يكمل فوقع كلامهم من الابتداء قذفا (ولنا) ان كلامهم لا يصير شهادة الا بقرينة القضاء
ألا ترى انها لا تصير حجة الا به فقبله يكون قذفا لا شهادة فكان ينبغي أن يقام الحد عليهم بالنص لوجود الرمي منهم
الا انه لا يقام لاحتمال ان يصير شهادة بقرينة القضاء ولئلا يؤدى إلى سد باب الشهادة فإذا رجع أحدهم زال هذا
المعنى فبقي كلامهم قذفا فيحدون وصار كما لو كان الشهود من الابتداء ثلاثة فإنهم يحدون لوقوع كلامهم قذفا كذا
هذا وإن كان بعد القضاء قبل الامضاء فإنهم يحدون جميعا عندهما وعند محمد الراجع خاصة وجه قوله أن
كلامهم وقع شهادة لاتصال القضاء به فلا ينقلب قذفا الا بالرجوع ولم يرجع الا واحد منهم فينقلب
كلامه خاصة قذفا فلم يصح رجوعه في حق الباقين فبقي كلامهم شهادة فلا يحدون ولهما أن الامضاء
في باب الحدود من القضاء بدليل ان عمى الشهود أوردتهم قبل القضاء كما يمنع من القضاء فبعده يمنع من الامضاء
فكان رجوعه قبل الامضاء بمنزلة رجوعه قبل القضاء ولو رجع قبل القضاء يحدون جميعا بلا خلاف
بين أصحابنا الثلاثة كذا إذا رجع بعد القضاء قبل الامضاء وإن كان بعد الامضاء فإن كان الحد جلدا يحد
الراجع خاصة بالاجماع لان رجوعه صحيح في حقه خاصة لا في حق الباقين فانقلبت شهادته خاصة قذفا
فيحد خاصة وإن كان الحد رجما ومات المقذوف بحد الراجع عند أصحابنا خلافا لزفر وقد مرت المسألة هذا
حكم الحد فاما حكم الضمان فلا ضمان إذا كان رجوعه قبل القضاء أو بعده قبل الامضاء لما قلنا وأما بعد الامضاء
فإن كان الحد جلد فلا شئ على الراجع من أرش السياط ولا من الدية ان مات عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما
يجب وإن كان رجما غرم الراجع ربع الدية لان الثلاثة يحفظون ثلاثة أرباع الدية فكان التالف بشهادته الربع هذا إذا
كان شهود الزنا أربعة فأما إذا كانوا خمسة فرجع واحد منهم فان القاضي يقيم الحد على المشهود عليه بما بقي من
الشهود لان الأربعة نصاب تام يحفظون الحد على المشهود عليه وان أمضى الحد ثم رجع اثنان ضمنا ربع الدية ان
مات المرجوم لان الثلاثة قاموا بثلاثة أرباع الحق فكان التالف بشهادتهما الربع فيضمنانه وان لم يمت فليس عليهما
أرش للضرب عند أبي حنيفة وعندهما يجب وقد تقدمت المسألة والثاني وجوب التعزير في عموم الشهادات سوى
الشهادة على الزنا بأن تعمد شهادة الزور وظهر عند القاضي باقرار لان قول الزور جناية ليس فيها فيما سوى القذف حد
مقدر فتوجب التعزيز بلا خلاف بين أصحابنا وإنما اختلفوا في كيفية التعزيز قال أبو حنيفة عليه الرحمة تعزيره
تشهير فينادى عليه في سوقه أو مسجد حيه ويحذر الناس منه فيقال هذا شاهد الزور فاحذروه وقال أبو يوسف
ومحمد رحمهما الله يضم إليه ضرب أسواط هذا إذا تاب فأما إذا لم يتب وأصر على ذلك بأن قال إني شهدت بالزور وأنا
على ذلك قائم يعزر بالضرب بالاجماع احتجا بما روى عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ضرب شاهد
الزور وسخم وجهه ولان قول الزور من أكثر الكبائر وليس إليه فيما سوى القذف بالزنا حد مقدر فيحتاج إلى أبلغ
الزواجر ولأبي حنيفة رحمه الله ما روى أن شريحا كان يشهر شاهد الزور ولا يعزره وكان لا تخفى قضاياه على
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله تعالى عليهم ولم ينقل انه أنكر عليه منكر ولان الكلام فيمن أقر انه
289

شهد بزور نادما على ما فعل لا مصرا عليه والندم توبة على لسان رسول الله
صلى الله عليه وسلم والتائب لا يستوجب الضرب حتى لو كان
مصرا على ذلك يضرب وفعل سيدنا عمر رضي الله عنه
محمول عليه توفيقا بين الدلائل والله سبحانه وتعالى أعلم
(تم الجزء السادس ويليه الجزء السابع وأوله كتاب آداب القاضي)
290