الكتاب: كتاب الموطأ
المؤلف: الإمام مالك
الجزء: ١
الوفاة: ١٧٩
المجموعة: فقه المذهب المالكي
تحقيق: تصحيح وتعليق : محمد فؤاد عبد الباقي
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٦ - ١٩٨٥ م
المطبعة:
الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: صححه ورقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه : محمد فؤاد عبد الباقي

(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)
(سورة الحشر، الآية 6)
الموطأ
لإمام الأئمة وعالم المدينة
مالك بن أنس رضي الله عنه
" ما ظهر على الأرض كتاب بعد
كتاب الله، أصح من كتاب مالك "
" الإمام الشافعي "
الجزء الأول
صححه، ورقمه، وخرج أحاديثه،
وعلق عليه
محمد فؤاد عبد الباقي
دار
احياء التراث العربي
بيروت - لبنان
تعريف الكتاب 1

1406 ه‍ - 1985 م
تعريف الكتاب 2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير.
(34 / 1)
يؤتى الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا، وما يذكر إلا أولو
الألباب. (2 / 269)
هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين. (62 / 2)
محمد رسول الله، والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون
فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود. (48 / 29)
والذين ء آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر
عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم. (47 / 2)
إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين ء آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. (33 / 56)
اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم. وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت
على آل إبراهيم. إنك حميد مجيد. (خ 60 / 10)
(أما بعد) فهذا موطأ مالك، خير كتاب أخرج للناس في عهده. ثم ما خايره فخاره كتاب أخرج من بعده.
ولأمر ما قال فيه إمامنا الشافعي (محمد بن إدريس) رضي الله عنه، قولته المشهورة:
ما ظهر على الأرض كتاب بعد كتاب الله، أصح من كتاب مالك. وفى رواية:
ما وضع على الأرض كتاب هو أقرب إلى القرآن، من كتاب مالك. وفى رواية:
ما في الأرض بعد كتاب الله، أكثر صوابا من موطأ مالك. وفى رواية:
ما بعد كتاب الله، أنفع من الموطأ.
المقدمة 3

والشافعي هذا، هو الذي قال فيه الإمام أحمد بن حنبل:
كنت سمعت الموطأ من بضعة عشر رجلا من حفاظ أصحاب مالك. فأعدته على الشافعي لأني وجدته أقومهم.
ولأمر ما، قال الامام البخاري، وهو من هو: أصح الأسانيد، مالك عن نافع عن ابن عمر.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي، في شرح الترمذي:
الموطأ هو الأصل الأول واللباب. وكتاب البخاري هو الأصل الثاني في هذا الباب. وعليهما بنى الجميع،
كمسلم والترمذي.
وأول من صنف في الحديث ورتبه على الأبواب:
مالك، بالمدينة. وابن جريج، بمكة. والربيع بن صبيح، أو سعيد بن أبي عروبة، أو حماد بن سلمة، بالبصرة.
وسفيان الثوري، بالكوفة. والأوزاعي، بالشام. وهشيم، بواسط. ومعمر، باليمن. وجرير بن عبد الحميد،
بالري. وابن المبارك، بخراسان.
وقال الحافظان، ابن حجر والعراقي:
كان هؤلاء في عصر واحد. فلا يدرى أيهم سبق. وذلك في سنة بضع وأربعين ومائة.
وقد صنف الامام مالك الموطأ، وتوخى فيه القوى من أحاديث أهل الحجاز، ومزجه بأقوال الصحابة
والتابعين ومن بعدهم.
وقد وضع مالك الموطأ على نحو عشرة آلاف حديث. فلم يزل ينظر فيه، في كل سنة، ويسقط منه. حتى بقي هذا.
وقد أخرج ابن عبد البر، عن عمر بن عبد الواحد، صاحب الأوزاعي، قال: عرضنا على مالك الموطأ،
في أربعين يوما. فقال: كتاب ألفته في أربعين سنة، أخذتموه في أربعين يوما! ما أقل ما تفقهون فيه!
وقال مالك: عرضت كتابي هذا على سبعين فقيها من فقهاء المدينة، فكلهم واطأني عليه، فسميته (الموطأ)
وقال الجلال السيوطي: وما من مرسل في الموطأ إلا وله عاضد أو عواضد.
فالصواب أن الموطأ صحيح كله، لا يستثنى منه شئ اه‍.
وقد صنف ابن عبد البر كتابا في وصل ما في الموطأ من المرسل والمنقطع والمعضل. قال: ما فيه من قوله
(بلغني) ومن قوله (عن الثقة) عنده، مما لم يسنده، أحد وستون حديثا.
كلها مسندة عن غير طريق مالك، إلا أربعة لا تعرف.
أحدها: إني لا أنسى ولكن أنسى لأسن. (أخرجه في: 4 - كتاب السهو، حديث 2).
والثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته
أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر.
(أخرجه في: 19 - كتاب الاعتكاف، حديث 15).
المقدمة 4

والثالث: أن معاذ بن جبل قال: آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين وضعت رجلي في الغرز، أن
قال (أحسن خلقك للناس. يا معاذ بن جبل) (أخرجه في: 47 - كتاب حسن الخلق، حديث 1).
والرابع: إذا أنشأت بحرية، ثم تشاءمت فتلك عين غديقة (أخرجه في: 13 - كتاب الاستسقاء، حديث 5).
وهنا نقف، لننقل كلمة خاتمة المحدثين المحققين، المرحوم الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي من كتابه
(دليل السالك، إلى موطأ الامام مالك) ص 14 عند قوله:
وقد رأيت بعض متقني السنن * من حاز في كل العلوم خير فن
عزا إلى نجل الصلاح أن وصل * أربعة الاخبار. فالكل اتصل
قولي (بعض متقني السنن الخ) هو الشيخ صالح الفلاني شهرة، العمرى نسبة، المدني مهاجرا. في حواشيه
على شرح زكريا الأنصاري على ألفية العراقي، عند قوله (ولا يرد موطأ مالك الخ) فقد قال، بعد أن تعقب كلام
الحافظ العراقي، وتسليم الحافظ ابن حجر له، بكلام متين، ما نص المراد منه: وما ذكره العراقي من أن من
بلاغاته ما لا يعرف، مردود بأن ابن عبد البر ذكر أن جميع بلاغاته ومراسيله ومنقطعاته، كلها موصولة بطرق
صحاح إلا أربعة أحاديث.
وقد وصل ابن الصلاح الأربعة في تأليف مستقل، وهو عندي، وعليه خطه.
فظهر بهذا أنه لا فرق بين الموطأ والبخاري. وصح أن مالكا أول من صنف في الصحيح، كما ذكره
ابن عبد البر، وابن العربي القاضي، والسيوطي، ومغلطاي، وابن ليون، وغيرهم. فافهم اه‍. منها بلفظه، منقولا
من نسخة بخط صاحب الحواشي الشيخ صالح الفلاني المحدث الشهير المذكور.
ثم عقب على ذلك فقال:
والعجب من ابن الصلاح، رحمه الله. كيف يطلع على اتصال جميع أحاديث الموطأ، حتى أنه وصل الأربعة
التي اعترف ابن عبد البر بعدم الوقوف على طرق اتصالها. ومع هذا، لم يزل مقدما للصحيحين عليه، في الصحة.
مع أن الموطأ هو أصلهما. وقد انتهجا منهجه في سائر صنيعه، وأخرجا أحاديثه من طريقه.
وغاية أمرهما أن ما فيهما من الأحاديث أزيد مما فيه.
عرضت هذا على صديقي القاضي الفاضل الأستاذ أحمد محمد شاكر فأملى علي ما يأتي:
. ولكنه لم يذكر الأسانيد التي قال الفلاني إن ابن الصلاح وصل بها هذه الأحاديث. فلا يستطيع
أهل العلم بالحديث أن يحكموا باتصالها، إلا إذا وجدت الأسانيد، وفحصت. حتى يتبين إن كانت متصلة أو لا.
وصحيحة أو لا.
المقدمة 5

الذين رووا الموطأ عن مالك (1)
من أهل المدينة
1 - معن بن عيسى القزاز * *. 2 - عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي المدني ثم البصري * * سمع من
الامام نصف الموطأ، وقرأ هو عليه النصف الآخر. 3 - أبو مصعب أحمد بن أبي بكر بن القاسم بن الحارث الزهري * *.
4 - بكار بن عبد الله الزبيري *. 5 - مصعب بن عبد الله الزبيري * *. 6 - عتيق بن يعقوب *. 7 - مطرف
ابن عبد الله. 8 - إسماعيل بن أبي أويس عبد الله *. 9 - عبد الحميد بن أبي أويس عبد الله *. 10 - أيوب
ابن صالح، وسكن الرملة *. 11 - سعيد بن داود *. 12 - محرز المدني (قال عياض: وأظنه ابن هارون
الهديري) *. 13 - يحيى بن الإمام مالك (ذكره ابن شعبان وغيره). 14 - فاطمة بنت الامام.
15 - إسحاق بن إبراهيم الحنيني. 16 - عبد الله بن نافع. 17 - سعد بن عبد الحميد الأنصاري.
ومن أهل مكة
1 - يحيى بن قزعة. 2 - الإمام الشافعي * حفظ الموطأ بمكة، وهو ابن عشر، في تسع ليال، ثم رحل
إلى مالك فأخذه عنه.
منه أهل مصر
1 - عبد الله بن وهب * * 2 - عبد الرحمن بن القاسم * * 3 - عبد الله بن عبد الحكم * 4 - يحيى بن
عبد الله بن بكير * *، وقد ينسب إلى جده، في الديباح أنه سمع من مالك الموطأ سبع عشرة مرة. 5 - سعيد بن
كثير بن عفير الأنصاري * *، وينسب إلى جده. 6 - عبد الرحيم بن خالد *. 7 - حبيب بن أبي حبيب إبراهيم،
وقيل مرزوق، كاتب مالك *. 8 - أشهب. 9 - عبد الله بن يوسف التنيسي، وأصله دمشقي * *. 10 - ذو
النون المصري.
ومن أهل العراق وغيرهم
1 - عبد الرحمن بن مهدي البصري. 2 - سويد بن سعيد بن سهل الهروي * *. 3 - قتيبة بن سعيد
ابن جميل البلخي *، 4 - يحيى بن يحيى التميمي الحنظلي النيسابوري *. 5 - إسحاق بن عيسى الطباع البغدادي.
6 - محمد بن الحسن الشيباني، صاحب أبي حنيفة * *. 7 - سليمان بن برد بن نجيح التجيبي * *. 8 - أبو
حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي البغدادي *، وسماعه للموطأ صحيح، وخلط في غيره. 9 - محمد بن شروس
الصنعاني *. 10 - أبو قرة السكسكي موسى بن طارق *. 11 - أحمد بن منصور الحراني *. 12 - محمد بن
المبارك الصوري * *. 13 - بربر المغني، بغدادي *. 14 - إسحاق بن موسى الموصلي، مولى بنى مخزوم.

(1) ذكر الامام الزرقاني هذه الأسماء ومنها أسماء أصحاب نسخ الموطأ الأربعة عشرة، وقد أتبعنا كل اسم منها بنجمتين * *
ومنها الذين ذكرهم القاضي عياض، خلاف الأربعة عشرة، وقد أتبعنا كل اسم منها بنجمة *.
المقدمة 6

15 - يحيى بن سعيد القطان. 16 - روح بن عبادة. 17 - جويرية بن أسماء. 18 - أبو الوليد
الطيالسي هشام بن عبد الملك. 19 - أبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي. 19 - محمد بن يحيى السبئي
اليماني. 20 - الوليد بن السائب القرشي. 21 - محمد بن صدقة الفدكي. 22 - الماضي بن محمد بن مسعود
الغافقي. 23 - محمد بن النعمان بن شبل الباهلي. 24 - عبيد الله بن محمد العيشي. 25 - محمد بن معاوية
الحضرمي. 26 - محمد بن بشير المغافري الناجي. 27 - يحيى بن مضر القيسي.
ومن أهل المغرب من الأندلس
1 - زياد بن عبد الرحمن الملقب شبطون *، سمع الموطأ من مالك. 2 - يحيى بن يحيى الليثي * *. 3 و 4 - حفص
وحسان، ابنا عبد السلام *. 5 - الغاز بن قيس *. 6 - قرعوس (قرعوس) بن العباس *. 7 - سعيد
ابن عبد الحكم * 8 - سعيد بن أبي هند *. 9 - سعيد بن عبدوس *. 10 - عباس بن صالح *. 11 - عبد
الرحمن بن عبد الله *. 12 - عبد الرحمن بن هند *. 13 - شبطون بن عبد الله الأنصاري الطليطليان *.
ومن القيروان
1 - أسد بن الفرات *. 2 - خلف بن جرير بن فضالة *.
ومن تونس
1 - علي بن زياد *. 2 - عيسى بن شجرة *.
ومنه أهل الشام
1 - عبد الأعلى بن مسهر الغساني *. 2 - عبد بن حبان *، الدمشقيان. 3 - عتبة بن حماد الدمشقي،
إمام الجامع. 4 - مروان بن محمد. 5 - عمر بن عبد الواحد السلمي، دمشقيان أيضا. 6 - يحيى بن صالح
الوحاظي الحمصي. 7 - خالد بن نزار الأيلي *.
قال القاضي عياض، بعد ذكر غالبهم: فهؤلاء الذين حققنا أنهم رووا عنه الموطأ، ونص على ذلك المتكلمون
في الرجال.
وقد ذكروا أيضا: أن محمد بن عبد الله الأنصاري البصري أخذ الموطأ عنه، كتابة. وإسماعيل بن إسحاق،
أخذه عنه، مناولة.
أما أبو يوسف، فرواه عن رجل، عنه.
وقد ذكر عن المهدى والهادي أنهما سمعا منه، ورويا عنه. وأنه كتب الموطأ للمهدى.
وذكروا أيضا أن الرشيد وبنيه الأمين والمأمون والمؤتمن أخذوا عنه الموطأ.
ولا مرية أن رواة الموطأ أكثر من هؤلاء. ولكن إنما ذكرنا منهم من بلغنا، نصا، سماعه له منه.
وأخذه له عنه، أو من اتصل إسنادنا له فيه عنه.
المقدمة 7

والذي اشتهر من نسخ الموطأ، مما رويته، أو وقفت عليه، أو كان في روايات شيوخنا، أو نقل منه أصحاب
اختلاف الموطآت، نحو عشرين نسخة. وذكر بعضهم أنها ثلاثون نسخة.
وقد رأيت الموطأ رواية محمد بن حميد بن عبد الرحيم بن شروس الصنعاني عن مالك، وهو غريب، ولم يقع
لأصحاب اختلاف الموطآت. فلهذا لم يذكروا عنه شيئا.
هذا كله كلام القاضي عياض.
وقال الجلال السيوطي: وقد ذكر الخطيب، ممن روى الموطأ عن مالك، إسحاق بن موسى الموصلي، مولى
بنى مخزوم.
وقال بعض الفضلاء:
اختار أحمد بن حنبل في مسنده رواية: عبد الرحمن بن مهدي.
والبخاري رواية عبد الله بو يوسف التنيسي.
ومسلم رواية يحيى بن يحيى التميمي النيسابوري (1).
وأبو داود رواية: القعنبي.
والنسائي رواية: قتيبة بن سعيد.
قال الامام الزرقاني: هذا كله أغلبي، وإلا فقد روى كل ممن ذكر، عن غير من عينه.
وقد عقب على ذلك المرحوم الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي بقوله:
ومن هنا يعلم، بالضرورة، أن أصحاب كتب الحديث المعتبرة، كلهم عالة على مالك وأصحابه. وهو شيخ الجميع.
لان مدار الحديث اليوم على الكتب الستة، ومسند الإمام أحمد. وقد رأيت تعويل الجميع على روايات الموطأ
والسماع من أصحابه.
وقد قال الشيخ ولى الدين الدهلوي وطنا، العمرى نسبا: كتاب الموطأ أصح الكتب وأشهرها، وأقدمها
وأجمعها. وقد اتفق السواد الأعظم من الملة المرحومة على العمل به، والاجتهاد في روايته ودرايته، والاعتناء
بشرح مشكلاته ومعضلاته، والاهتمام باستنباط معانيه وتشييد مبانيه. ومن تتبع مذاهبهم، ورزق الانصاف
من نفسه، علم، لا محالة، أن الموطأ عدة مذهب مالك وأساسه. وعمدة مذهب الشافعي وأحمد ورأسه. ومصباح
مذهب أبي حنيفة وصاحبيه ونبراسه.
وهذه المذاهب بالنسبة للموطأ كالشروح للمتون، وهو منها بمنزلة الدوحة من الغصون.

(1) قال الجلال السيوطي: يحيى بن يحيى المذكور، ليس هو صاحب الرواية المشهورة الآن، بل هو يحيى بن يحيى بن بكير
ابن عبد الرحمن التميمي الحنظلي النيسابوري، أبو زكريا. مات في صفر سنة ست وعشرين ومائتين. روى عنه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وأما يحيى بن يحيى صاحب الرواية المشهورة، فهو يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس، أبو محمد الليثي الأندلسي، مات في
رجب سنة أربع وثلاثين ومائتين.
المقدمة 8

وإن الناس، وإن كانوا من فتاوى مالك في رد وتسليم، وتنكيت وتقديم، ما صفى لهم الشرب، ولا تأتي
لهم المذهب، إلا بما سعى في ترتيبه، واجتهد في تهذيبه.
وقال الشافعي لذلك: ليس أحد أمن علي في دين الله من مالك.
وعلم أيضا أن الكتب المصنفة في السنن كصحيح مسلم وسنن أبي داود، وما يتعلق بالفقه من صحيح البخاري
وجامع الترمذي - مستخرجات على الموطأ. تحوم حومه، وتروم رومه. مطمح نظرهم منها وصل ما أرسله.
ورفع ما أوقفه. واستدراك ما فاته. وذكر المتابعات والشواهد لما أسنده. وإحاطة جوانب الكلام بذكر ما
روى خلافه.
وبالجملة، فلا يمكن تحقيق الحق في هذا ولا ذاك، إلا بالإكباب. على هذا الكتاب.
اه‍ كلام الدهلوي بلفظه.
وفيه بعد هذا، إن مسند الدارمي إنها صنف لاسناد أحاديث الموطأ. وفيه كفاية لمن اكتفى. اه‍. وهو كلام
في غاية الانصاف. فلله در من لقبه بولي الله. ولم أقل هذا تعصبا لكتاب مالك، ولله الحمد. بل لاطلاعي
على الحقيقة، وتتبعي لرواياته، والوقوف على أعيان أحاديثه بأسانيدها في الكتب الستة ء وغيرها في كتب
الأحاديث، الموجودة بأيدي الناس، الآن.
ومما هو ضروري عند المحدثين، أن مشايخ أصحاب الكتب الستة ومن عاصرهم، كالإمام أحمد في مسنده،
أغلبهم تلامذة الامام مالك، الذين رووا عنه الموطأ بروايات عديدة، قل أن تخلو واحدة منها عن زيادة تنفرد بها.
ولم يتركوا شيئا من أحاديث الموطأ، بل أخرجوها في مصنفاتهم، ووصلوا كثيرا من مرسلاته ومنقطعاته
وموقوفاته. وبذلك يتضح ما نقلته هنا عن ولى الله الدهلوي.
لكن في قوله (وما يتعلق بالفقه من صحيح البخاري) نظر. لان البخاري أخرج في صحيحه كثيرا عن مالك،
مما يتعلق بغير الفقه، كالأحاديث في العقائد والسمعيات والاشراط، وشبه ذلك.
فالصواب، الاطلاق في صحيحه، كما فعله في صحيح مسلم.
اه‍. ما ذكره الامام الشنقيطي في كتابه (دليل السالك، إلى موطأ الامام مالك)
نسخ الموطأ
أما نسخ الموطأ فعدتها أربع عشرة نسخة.
ذكرها الامام عبد الحي اللكنوي، في مقدمة كتابه (التعليق الممجد. على موطأ محمد) وذكرها الامام
الشنقيطي في كتابه (دليل السالك إلى موطأ الامام مالك).
وها أنا ذاكر أسماء أصحاب تلك النسخ، وشيئا من تاريخهم. كما سرده هذان الامامان الجليلان.
المقدمة 9

النسخة الأولى
المفهومة من الموطأ عند الاطلاق في عصرنا. هي نسخة يحيى بن يحيى المصمودي.
وهو أبو محمد يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس بن شملل بن منقايا المصمودي. نسبة إلى مصمودة، قبيلة من البربر.
أخذ يحيى الموطأ، أولا، من زياد بن عبد الرحمن بن زياد اللخمي، المعروف بشبطون.
وكان زياد أول من أدخل مذهب مالك في الأندلس.
ورحل إلى مالك للاستفادة مرتين. ورجع إلى وطنه واشتغل بإفادة علوم الحديث. وطلب منه أمير قرطبة قبول
قضاء قرطبة، فامتنع. وكان متورعا زاهدا، مشارا إليه في عصره.
وارتحل يحيى إلى المدينة، فسمع الموطأ من مالك بلا واسطة. إلا ثلاثة أبواب من كتاب الاعتكاف (باب خروج
المعتكف إلى العيد - وباب قضاء الاعتكاف - وباب النكاح في الاعتكاف).
وكانت ملاقاته وسماعاته في السنة التي مات فيها مالك. يعنى سنة تسع وأربعين ومائة. وكان حاضرا في
تجهيزه وتكفينه
وأخذ الموطأ أيضا من أجل تلامذة مالك، عبد الله بن وهب. وأدرك كثيرا من أصحابه، وأخذ العلم عنهم.
ووقعت له رحلتان في وطنه:
ففي الأولى، أخذ عن مالك، وعبد الله بن وهب، وليث بن سعد المصري، وسفيان بن عيينة، وغيرهم. وفى
الثانية، أخذ العلم والفقه عن ابن القاسم صاحب المدونة. من أعيان تلامذة مالك.
قال الامام الزرقاني: كان يحيى عند مالك. فقيل هذا الفيل. فخرجوا لرؤيته ولم يخرج. فقال مالك له: لم
لم تخرج لنظر الفيل، وهو لا يكون ببلادك؟ فقال: لم أرحل لأنظر الفيل، وإنما رحلت لأشاهدك، وأتعلم من
علمك وهديك. فأعجبه ذلك، وسماه عاقل الأندلس وإليه انتهت رياسة الفقه بها. وانتشر به المذهب. وتفقه
به من لا يحصى. وعرض للقضاء فامتنع، فعلت رتبته على القضاة. وقبل قوله عند السلطان. فلا يولى قاضيا في
أقطاره إلا بمشورته واختياره. ولا يشير إلا بأصحابه فأقبل الناس عليه لبلوغ أغراضهم.
وهذا سبب اشتهار الموطأ بالمغرب من روايته دون غيره.
(قلت) ولكن يبقى معرفة سبب اشتهاره في العالم الاسلامي، والاعتماد عليه دون سواه.
وبعد ما صار جامعا بين الرواية والدراية عاد إلى أوطانه، وأقام بالأندلس، يدرس ويفتى على مذهب مالك.
وبه وبعيسى بن دينار، تلميذ مالك، انتشر مذهب مالك في بلاد المغرب.
وكانت وفاته سنة أربع وثلاثين بعد المائتين.
النسخة الثانية
نسخة ابن وهب، وهو أبو محمد عبد الله بن سلمة الفهري المصري. ولد في ذي القعدة سنة خمس وعشرين
المقدمة 10

بعد المائة. وأخذ عن أربعمائة شيخ منهم مالك، والليث بن سعد، ومحمد بن عبد الرحمن، والسفيانان، وابن
جريج وغيرهم.
وكان مجتهدا لم يقلد أحدا، كما قاله بعضهم.
والصحيح أنه كان مقلدا للامام مالك. وقد تعلم منه الاجتهاد والتفقه، ومن الليث. وكان كثير الرواية
للحديث. وقد ذكر الذهبي وغيره أنه وجد في تصانيفه مائة ألف حديث وعشرون ألفا. كلها من رواياته.
ومع هذا لم يوجد في أحاديثه منكر، فضلا عن ساقط أو موضوع.
ومن تصانيفه الكتاب المشهور بجامع ابن وهب (1) وكتاب المناسك. وكتاب المغازي. وكتاب تفسير
الموطأ، وكتاب القدر. وغير ذلك.
وقد كان صنف كتاب أهوال القيامة. فقرئ عليه يوما، فغلب عليه الخوف، فغشى عليه. وتوفى في تلك
الحالة يوم الأحد خامس شعبان سنة تسع وتسعين بعد المائة.
وقد طلب بتوليته القضاء فامتنع.
ومما تفردت به هذه النسخة، وهو أولها:
(مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن
أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله - الحديث ")
ولا يوجد هذا الحديث في الموطآت الاخر، إلا موطأ ابن القاسم.
قال الامام الشنقيطي: وتوجد الآن نسخته بمكتبة فيض الله شيخ الاسلام بالآستانة العلية. كما أخبرني به
بعض علماء الترك الأفاضل.
النسخة الثالثة
نسخة أبى عبيد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد المصري. ولد سنة اثنتين وثلاثين بعد المائة. وأخذ العلم
عن كثير من الشيوخ، منهم مالك. وهو الذي تمهر على يديه. ويروى أنه صحبه نحو عشرين سنة، أو أكثر.
وكان من أخص تلاميذه وكان زاهدا، فقيها، ورعا. وكان يختم القرآن كل يوم ختمتين. وهو أول من دون
مذهب مالك في المدونة. وعليها اعتمد فقهاء المذهب (1).
وكانت وفاته في مصر سنة إحدى وتسعين بعد المائة.
وما انفردت به نسخة من الموطأ:
(مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من عمل عملا أشرك فيه

(1) اسم الكتاب (الجامع في الحديث) وقد عثر على معظم هذا الكتاب حديثا في مدينة إدفو. وبعد من أقدم المخطوطات
العربية في جميع مكاتب ومتاحف العالم، إن لم يكن أقدمها جميعا. وهذه النسخة مكتوبة على ورق البردي الذي عرفت به مصر
منذ القدم. ويرجع تاريخ كتابتها إلى القرن الثالث الهجري (أدب مصر الاسلامية. دكتور محمد كامل حسين) ص 39.
وقد طبع أخيرا بالمعهد الفرنسي بالقاهرة. (محمد كامل حسين).
(2) صارت إليه رياسة المالكية بمصر إلى أن توفى (أدب مصر الاسلامية. دكتور محمد كامل حسين) ص 44.
المقدمة 11

معي غيري، فهو له كله. أنا أغنى الشركاء)).
قال أبو عمر، ابن عبد البر: هذا الحديث لا يوجد إلا في موطأ ابن القاسم، وابن عفير، من الموطآت.
النسخة الرابعة
نسخة أبى عبد الرحمن عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي. القعنبي نسبة إلى جده. أصله من المدينة وسكن
البصرة. ومات بمكة في شوال سنة إحدى وعشرين بعد المائتين. وكانت ولادته بعد الثلاثين والمائة.
أخذ عن مالك، والليث، وحماد، وشعبة، وغيرهم.
قال ابن معين: ما رأينا من يحدث لله، إلا وكيعا والقعنبي.
وله فضائل جمة. وكان مجاب الدعوات، وعد من الابدال. رحمه الله. ومما انفردت به نسخته:
(أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم، قال (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم. إنما أنا عبد. فقولوا: عبده ورسوله)).
النسخة الخامسة
نسخة عبد الله بن يوسف الدمشقي الأصل، التنيسي المسكن. نسبة إلى تنيس.
قال في القاموس تنيس كسكين، بلدة بجزيرة من جزائر بحر الروم، قرب دمياط. تنسب إليها الثياب الفاخرة.
وهو ثقة. وثقة البخاري وأبو حاتم. وأكثر عنه البخاري في الصحيح وغيره من كتبه. وهو أثبت الناس
في الموطأ، بعد القعنبي.
قال أبو بكر بن خزيمة: سمعت نصر بن مرزوق يقول سمعت يحيى بن معين يقول، وسألته عن رواة الموطأ عن
مالك، فقال: أثبت الناس في الموطأ عبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الله بن يوسف التنيسي، بعده، ومما
انفردت به نسخة التنيسي عن غيرها. إلا نسخة ابن وهب:
(مالك عن ابن شهاب عن حبيب، مولى عروة، عن عروة أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الاعمال
أفضل؟ قال (إيمان بالله - الحديث)) هكذا قالوا.
النسخة السادسة
نسخة معن القزاز. نسبة إلى بيع القز. وهو أبو يحيى معن بن عيسى بن دينار، المدني، الأشجعي، مولاهم.
كان يلقب ب‍ (عكاز مالك). لكثرة استناد عليه.
كان من كبار أصحاب مالك ومحققيهم، ملازما له وإنما قيل له (عكاز مالك) لان مالكا، بعد ما كبر
وأسن، كان يستند عليه، حين خروجه إلى المسجد، كثيرا.
توفى بالمدينة سنة ثمان وتسعين ومائة. في شهر شوال.
ومما انفردت به نسخته، عن غيرها من نسخ الموطأ:
المقدمة 12

(مالك عن سالم أبى النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى في الليل،
فإن فرغ من صلاته، فإن كنت يقظانة تحدث معي، وإلا اضطجع حتى يأتيه المؤذن)
النسخة السابعة
نسخة سعيد بن عفير. وهو سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم الأنصاري.
أخذ عن مالك والليث وغيرهما.
روى عنه البخاري وغيره. وصار أحد المحدثين الثقات. ويقال إن مصر لم تخرج أجمع للعلوم منه (1)
توفى في رمضان سنة ست وعشرين بعد المائتين.
ومما انفردت به نسخته عن غيرها من الموطآت، إلا موطأ محمد بن الحسن:
(مالك عن ابن شهاب، عن إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شهاب عن جده أنه قال: يا رسول الله. لقد خشيت
أن أكون قد هلكت. قال (لم)؟ قال: نهانا الله أن نحمد بما لم نفعل، وأجدني أحب أن أحمد. الحديث).
النسخة الثامنة
نسخة ابن بكير. اشتهر بنسبته لجده. وهو يحيى بن يحيى بن بكير، أبو زكريا. الموصوف بإحياء شوارد
العلوم وجمع شتاتها. المصري.
أخذ عن مالك والليث وغيرهما.
وروى عنه البخاري ومسلم، بواسطة، في صحيحيهما.
وثقه جماعة.
مات في صفر سنة إحدى وثلاثين بعد المائتين.
ومما انفردت به نسخته من الموطأ إلا نسخة محمد بن الحسن:
(مالك عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما زال جبريل يوصيني بالجار،
حتى ظننت أنه ليورثنه)).
فمتن هذا الحديث، في رواية محمد، برواية مالك عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة.
النسخة التاسعة
نسخة أبى مصعب الزهري. اشتهر بكنيته. واسمه أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب
ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري، العوفي، قاضي المدينة وأحد شيوخ أهلها.
لازم مالكا وتفقه عليه، وروى عنه موطأه.
أخرج عنه أصحاب الكتب الستة. إلا أن النسائي، روى عنه، بواسطة.
توفى، رحمه الله، في رمضان سنة اثنتين وأربعين ومائتين، عن اثنتين وتسعين سنة. وقد قالوا إن موطأه

(1) أدب مصر الاسلامية. دكتور محمد كامل حسين. ص 169.
المقدمة 13

آخر الموطآت التي عرضت على مالك. ويوجد في موطئه زيادة نحو مائة حديث على سائر الموطآت الاخر.
وكذلك موطأ أبى حذافة السهمي.
ومما انفردت به نسخته عن غيرها من الموطآت:
(مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: عن الرقاب، أيها أفضل؟
فقال (أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها)).
قال ابن عبد البر: هذا الحديث موجود في موطأ يحيى أيضا (أخرجه في: 38 - كتاب العلاقة والولاء، حديث 15)
النسخة العاشرة
نسخة مصعب الزبيري. وهو مصعب بن عبد الله الزبيري.
قال بعضهم: مما انفردت به نسخته:
(مالك عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في أصحاب الحجر:
(لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين. الحديث)).
قال ابن عبد البر: هذا الحديث موجود في موطأ يحيى بن بكير، وسليمان أيضا، أي سليمان بن برد.
وهو في موطأ محمد بن الحسن أيضا.
النسخة الحادية عشرة
نسخة محمد بن مبارك الصوري.
قال الامام الشنقيطي: ولم أقف على أن نسخته انفردت ببعض الأحاديث.
النسخة الثانية عشرة
نسخة سليمان بن برد بن نجيح التجيبي، مولاهم.
ولم أقف على أنها انفردت بشئ من الأحاديث. إلا حديث أصحاب الحجر.
ولم تنفرد به عن نسخة مصعب بن عبد الله الزبيري، ولا عن نسخة محمد بن الحسن.
النسخة الثالثة عشرة
نسخة سويد بن سعيد، أبى محمد، الهروي.
روى عنه مسلم وابن ماجة وغيرهما. وكان من الحفاظ المعتبرين.
مات سنة أربعين بعد المائتين. ومما انفردت به نسخته:
(مالك عن هشام، عن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن
الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء. حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ
الناس رؤسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم. فضلوا وأضلوا)).
المقدمة 14

رواه البخاري من طريق مالك في صحيحه. في باب كيف يقبض العلم من كتاب العلم (3 / 34)
ورواه أيضا من طريق جرير عن هشام بن عروة، إلى آخر إسناد مالك (96 - كتاب الاعتصام،
7 - باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس).
ورواه مسلم من هذه الطريق في صحيحه، في باب رفع العلم وقبضه وظهور أهل الجهل، من كتاب العلم (47 / 13).
وتوجد نسخته بمكتبة الملك الظاهر بدمشق، كما أخبرني بذلك بعض الثقات. ولم أقف عليها حين زيارتي
لها أيام الحرب.
النسخة الرابعة عشرة
نسخة محمد بن الحسن الشيباني، صاحب أبي حنيفة.
وهي مطبوعة بالهند وإيران. ولها شهرة هناك، وفى الحرمين.
ومما انفردت به نسخته حديث:
(إنما الاعمال بالنية، وإنما لكل امرئ ما نوى. الحديث)
ولذلك نسب الحفاظ هذا الحديث لموطأ مالك.
ولكن من لم تشتهر عنده رواية محمد بن الحسن، يزعم أن نسبة هذا الحديث للموطأ غلط.
ونسخته تزيد كثيرا على موطأ يحيى الليثي. لكنه شحنها بآثار ضعيفة من غير طريق مالك. يحتج بها لفقه
الحنفية، كما ذكر فيها ما وافق فقه الحنفية ظاهر أحاديث الموطأ.
وكما زادت نسخته بأحاديث، فهي خالية من عدة أحاديث ثابتة في سائر الروايات، كما قاله الزرقاني في
أول شرح الموطأ، وكما وقفت عليه أنا حين درسي له بالمسجد الحرام.
أصح الموطآت وأشهرها
قال الامام الشنقيطي:
وأشهر الموطآت ذكرا * إذ كان بالصحة منها أحرى
موطأ الامام يحيى الليثي * من كان في العزم شبيه الليث
فهو الذي شرحه النقاد * وانتفعت بدره العباد
وبلغت شروحه نحو المائة * فكلها عما حواه منبئه
قال القاضي عياض في المدارك:
لم يعتن بكتاب من كتب الحديث والعلم، اعتناء الناس بالموطأ.
المقدمة 15

شروح الموطأ
فممن شرحه: ابن عبد البر في التمهيد (1)، والاستذكار. وأبو الوليد بن الصفار، وسماه الموعب. والقاضي
محمد بن سليمان بن خليفة. وأبو بكر بن سابق الصقلي، وسماه المالك. وابن أبي صفرة. والقاضي أبو عبد الله بن
الحاج. وأبو الوليد بن العواد. وأبو محمد بن السميد البطليوسي النحوي، وسماه المقتبس. وأبو القاسم بن الحذاء
الكاتب. وأبو الحسن الإشبيلي. وابن شراحيل. وأبو عمر الطلمنكي. والقاضي أبو بكر بن العربي، وسماه القبس.
وعاصم النحوي. ويحيى بن مزين، وسماه المستقصية. ومحمد بن أبي زمنين، وسماه المعرب. وأبو الوليد الباجي،
وله ثلاثة شروح: المنتقى، والايماء والاستيفاء.
شرح غريبه
وممن ألف في شرح غريبه: البرقي. وأحمد بن عمران الأخفش. وأبو القاسم العثماني المصري. في رجاله
وممن ألف في رجاله: القاضي أبو عبد الله بن الحذاء، وأبو عبد الله مفزع. والبرقي. وأبو عمر الطلمنكي.
مسنده
وألف مسند الموطأ: قاسم بن أصبغ. وأبو القاسم الجوهري. وأبو الحسن القابسي، في كتابه الملخص.
وأبو ذر الهروي. وأبو الحسن علي بن حبيب السجلماسي. والمطرز. وأحمد بن بهزاء الفارسي. والقاضي
ابن مقرع. وابن الاعرابي. وأبو بكر أحمد بن سعيد بن موضح الإخميمي.
شواهده
وألف القاضي إسماعيل شواهد الموطأ.
اختلاف الموطآت
وألف أبو الحسن الدارقطني كتاب اختلاف الموطآت. وكذا القاضي أبو الوليد الباجي أيضا.
وألف مسند الموطأ رواية القعنبي أبو عمرو الطليطلي، وإبراهيم بن نصر السرقسطي.
ولابن جوصا جمع الموطأ من رواية ابن وهب، وابن القاسم.
ولأبي الحسن بن أبي طالب كتاب موطأ الموطأ.

(1) اسم الكتاب كاملا (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد) وهو كتاب لم يتقدم أحد إلى مثله. قال فيه الإمام ابن حزم: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله، فكيف أحسن منه؟.
المقدمة 16

ولأبي بكر بن ثابت الخطيب، كتاب أطراف الموطأ.
ولابن عبد البر، كتاب التقصي في مسند حديث الموطأ، ومرسله
ولأبي عبد الله بن عيشون الطليطلي، توجيه الموطأ.
ولحازم بن محمد بن حازم، السافر عن آثار الموطأ.
ولأبي محمد بن يربوع، كتاب في الكلام على أسانيده سماه: تاج الحلية، وسراج البغية اه‍.
عملي في الموطأ
أولا - تحقيق النص.
جمعت بين يدي من نسخ الموطأ النسخ الآتية:
1 - نسخة الموطأ المطبوعة بمطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر عام 1348 من الهجرة.
2 - النسخة المطبوعة بواسطة الناشر عبد الحميد أحمد حنفي بمصر عام 1353 من الهجرة،
3 - النسخة المطبوعة بمطبعة الحجر بخط باب اللوق بمصر في 7 رمضان عام 1280 من الهجرة.
4 - النسخة المطبوعة في المطبع الفاروقي لمحمد معظم الحسنى بالهند في 21 شوال عام 1291 من الهجرة.
5 - النسخة المطبوعة في المطبع المجتبائي الواقع في الدهلي (بالهند) عام 1307 من الهجرة.
6 - شرح الزرقاني على الموطأ المطبوع بالمطبعة الكستلية بمصر عام 1280 من الهجرة، بتصحيح نصر
أبى الوفا الهوريني.
فكنت أقارن نصوص بعضها ببعض، فما اتفق الجميع عليه، وأيقنت أنه الصواب أثبته. وما اختلف فيه
رجحت الجانب الذي به شرح الزرقاني والنسخة المطبوعة في الهند عام 1307. بعد أن أرجع إلى معاجم اللغة
وكتب الحديث والرجال. فخلصت لي من هذه النسخ جميعها، نسخة ما ألوت جهدا في أن تكون أصح ما أخرجته
المطابع العربية في العالم الاسلامي.
ثانيا - الترقيم
لما اتجهت نية جماعة المستشرقين إلى وضع (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي) واختارت لذلك، من
كتب السنة، الكتب الستة، مع مسند الدارمي وموطأ مالك - رأت أن الدلالة على موضع الحديث بذكر اسم
الكتاب أو الباب أو الحديث، من هذه الأصول الثمانية، فيه إطالة وإضاعة وقت وإسراف، يمكن تحاميه
بالإشارة إلى اسم الكتاب أو الباب أو الحديث، برقم يدل على كل منها.
لهذا عمدت إلى وضع أرقام مسلسلة لكل كتاب ولكل باب من هذه الأصول، وزادت على ذلك بترقيم
أحاديث كل كتاب في صحيح مسلم وموطأ مالك.
وعلى هذا النسق والنظام اعتمد المرحوم الدكتور ا. ى. ونسنك في وضع كتابه (مفتاح كنوز السنة)
المقدمة 17

الذي أخرجه بالانكليزية عام 1927 م ونقلته إلى العربية عام 1934 م.
لهذا رقمت كل كتاب في كتب الموطأ، وكل باب، وكل حديث من كل كتاب بأرقام مسلسلة، مطابقة لأرقام
النسخة التي اعتمد عليها في العمل، في (مفتاح كنوز السنة) و (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي)
وإني لأبتهل إلى الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بيدنا ويعيننا على اخراج باقي هذه الأصول بالصفة التي نخرج بها
الآن كتاب الموطأ. ليكون من مجموع ذلك، تيسير المنفعة بهذين المعجمين الجليلين.
تخريج الأحاديث
قد ثبت مما تقدم أن أصحاب الكتب الستة لم يغادروا حديثا من أحاديث الموطأ إلا أخرجوه في كتبهم.
لذلك كان من الضروري الإشارة، عقب كل حديث، إلى من أخرجه منهم، وإلى موضعه من كتابه.
وقد رأيت أن الحديث، إذا أخرجه الشيخان أو أحدهما أن اكتفى بالإشارة إلى ذلك، وأن لا أعبأ بما رواه
غيرهما. أما إذا لم يكن الحديث من أحاديث الصحيحين فإني أشير إلى أصحاب السنن الذين أخرجوه، ولو كان
كلهم أخرجه.
وقد أذكر، مع اسم الكتاب واسم الباب، الرقم الدال على كليهما.
وأرجو أن أكون قد يسرت السبيل، بذلك، لكل محقق باحث.
الكلمة الأخيرة
هذه كلمة موجزة جدا عن الموطأ. أما صاحب الموطأ، إمام الأئمة، وعالم المدينة، أنس بن مالك رضي الله
عنه، فالكلام عنه موكول إلى تلك اليراعة البارعة، التي مجاجتها التحقيق العلمي الجامعي الرصين، يراعة صديقي وصفيي
الدكتور محمد كامل حسين أستاذ الأدب المساعد بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به عباده المخلصين، النفع المبين. آمين
محمد فؤاد عبد الباقي
المقدمة 18

الامام مالك بن أنس وكتاب الموطأ
للأستاذ الدكتور محمد كامل حسين
أستاذ الأدب المساعد بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول
منذ أقدم عصور التاريخ والناس في لهفة إلى تتبع تاريخ عظمائهم، ومن كان له أثر قوى في حياتهم، ولا سيما
هؤلاء الذين كان لهم شأن في العقائد الدينية التي هو أقوم النواحي التي يعيش عليها المجتمع الانساني منذ وجد
الانسان، وقد ضرب المسلمون بسهم وافر في ترجمة حياة أعلام المسلمين. بحيث قل أن نجد في تاريخ أمة من الأمم
هذه الثروة الطائلة التي تركها المسلمون في فن السير والتراجم والطبقات والمناقب إلى غير ذلك. وربما كان الامام
مالك بن أنس رضي الله عنه من أكبر الشخصيات التي تحدث عنها الكتاب منذ عرف فقه مالك، ومنذ روى
كتابه (الموطأ). وربما كان كتابه (الموطأ) من أكثر الكتب التي عنى بها الناس رواية وشرحا وتعليقا.
ومع ذلك كله فلا تزال الكتابة عن مالك وعن كتابه قاصرة. فنحن في حاجة إلى بحث علمي دقيق يتحدث عن
مالك من نواحيه المختلفة: عن أسرته ومكانتها في الجاهلية والإسلام، عن حياة مالك من حيث علاقته بالمجتمع
الذي كان يعيش فيه من الناحية السياسية والمذهبية والاقتصادية، عن شيوخ مالك وأثرهم في آرائه ثم عن تلاميذ
مالك وانتشار مذهبه، وقد علمت من حسن الحظ أن أستاذنا أمين بك الخولي يبحث منذ سنين عديدة عن مالك
ابن أنس، فنحن نرجو أن يتم هذا البحث قريبا لما نعلمه من دقة أستاذنا في أبحاثه وبراعته في تخليص الحقائق
العلمية مع غزير علمه واتساع أفقه، مما يجعلنا ننتظر صدور هذا الكتاب بفارغ الصبر، مقدرين قيمته قبل صدوره،
لأنه سيشغل الفراغ الذي أشرت إليه من قبل. ذلك أن القدماء الذين كتبوا عن مالك بن أنس، أو الذين أشادوا
بمناقبه، شاء لهم تعصبهم له ولمذهبه إلى أن يذكروا أشياء لا نستطيع أن نتقبلها بسهولة. فهؤلاء الذين ذكروا،
مثلا، أن أمه حملته ثلاث سنوات يخالفون بذلك ما هو معهود مألوف بين الناس في جميع البيئات وفى كل
الأزمان. وهو يخالف ما ورد في القرآن الكريم (ووصينا الانسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته
كرها، وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (1) وكذلك ما قيل عن هيأته ولون بشرته. فكل هذه مسائل أراد القدماء
أن يسبغوا على الامام مالك صفات خاصة، ويتخذوا منها مناقب له، مع أنها ليس ذات دلائل علمية تعرفنا
بمالك وبكتابه الموطأ. وكنت أرجو أن أتحدث عن مالك في شئ من التفصيل ولكن المجال لا يسمح لي هنا.
وسأكتفي بذكر نتائج ما وصلت إليه في إيجاز شديد.
ولد مالك بن أنس سنة ثلاث وتسعين من الهجرة على أصح الأقوال، وينتهي نسبه من جهة أبيه إلى ملوك

(1) سورة الأحقاف 46 / 14.
المقدمة 19

حمير في الجاهلية. واختلف القدماء في جد أبيه أبى عامر بن عمرو. فذهب بعضهم إلى أنه صحابي شهد مع النبي جميع
الغزوات إلا بدرا (1)، وقال آخرون بل أسلم بعد وفاة الرسول (2) ونتيجة هذا الخلاف نرى خلافا آخر في شأن
جده، مالك بن أبي عامر، فقد ذهب بعضهم إلى أنه أول من وفد من هذه الأسرة من اليمن إلى الحجاز. وكان من
التابعين الذي لهم رواية عن الصحابة وأنه من الذين كتبوا المصحف الشريف في عهد عثمان (3)، أما والد الامام
فكان مقعدا يحترف صنعة النبل ولا يذكر له شئ في العلم، ولا نعرف شيئا نطمئن إليه عن أم الامام لكثرة
اختلافات القدماء عنها وعن اسمها.
بدأ مالك يطلب العلم صغيرا، فأخذ عن كثيرين من علماء المدينة، ولعل أشدهم أثرا في تكوين عقليته العلمية
التي عرف بها هو أبو بكر عبد الله بن يزيد المعروف بابن هرمز المتوفى سنة 148 ه‍ فقد روى عن مالك أنه قال:
كنت آتى ابن هرمز من بكرة فما أخرج من بيته حتى الليل (4). ولازمه مالك على هذا النحو سبع سنوات
أو ثمان (5). ويروى الطبري قال: حدثني محمد بن الحسن بن زبالة قال: سمعت مالك بن أنس يقول: كنت آتى
ابن هرمز فيأمر الجارية فتغلق الباب وترخى الستر ثم يذكر أول هذه الأمة ثم يبكى حتى تخضل لحيته (6).
فمن ذلك نتبين مدى الصلة التي كانت بين مالك وبين شيخه ابن هرمز حتى كان ابن هرمز يسر إليه أشياء لا يفصح
بها لسواه، ونحن لا نكاد نعرف شيئا عن ابن هرمز. فلم نعثر له على ترجمة في كتب الطبقات، ولا ندري إلى أي
حد أخذ عنه مالك. فلم أجد له ذكرا في رجال الموطأ، ولكن ابن جرير يذكر ابن هرمز في ثورة محمد بن عبد الله
- المعروف بالنفس الزكية - ضد أبى جعفر المنصور، فيروى قدامة بن محمد قائلا: خرج ابن هرمز ومحمد بن عجلان
مع محمد فلما حضر القتال تقلد كل واحد منهما قوسا. قال: فظننا أنهما أرادا أن يريا الناس أنهما قد صلحا لذلك (7)
ولما انتهى القتال يروى الطبري عن عبد الله بن برقي: رأيت قائدا من قواد عيسى جاء في جماعة يسأل عن منزل
ابن هرمز فأرشدناه إليه، فخرج وعليه قميص رياط، قال فأنزلوا قائدهم وحملوه على برذونه وخرجوا به يزفونه حتى
أدخلوه على عيسى فما هاجه فقال له: أيها الشيخ أما وزعك فقهك عن الخروج مع من خرج، قال: كانت فتنة
شملت الناس فشملتنا فيهم قال: اذهب راشدا (8). فمن ذلك نستطيع أن نتبين ما عرف به ابن هرمز من فقه
ومن أثر في أهل بلدته حين تقلد القوس ليتبعه الناس، ونحن لا ندري عما أسر به إلى مالك حتى نتبين أثره في
مالك، كما لا نستطيع أن نفترض أشياء لا تقوم على أساس ما دامت حياة ابن هرمز مجهولة.
ومن شيوخ مالك ابن شهاب الزهري المتوفى سنة 124 ه‍ وكان من أكبر علماء المدينة في عصره، بل يعد
من أوائل المدونين، وكان من رجال الأمويين بالشام وتولى لهم القضاء والفتيا ورحل إلى المدينة فتزاحم عليه طلاب
العلم يأخذون عنه ومنهم مالك فقد روى له في الموطأ مائة واثنين وثلاثين حديثا منها اثنان وتسعون مسندة وسائرها

(1) الديباج ص 17.
(2) ابن حجر: الإصابة ج‍ 7 ص 141.
(3) الخزرجي: التذهيب.
(4) الديباج ص 20.
(5) نفس المصدر.
(6) الطبري: تاريخ ج‍ 9 ص 229.
(7) نفس المصدر.
(8) نفس المصدر.
المقدمة 20

منقطعة ومرسلة (1)، ويقول الليث بن سعد في خطاب له إلى مالك (ثم اختلف الذين كانوا بعدهم فحضرتهم بالمدينة
وغيرها ورأسهم يومئذ ابن شهاب وربيعة بن أبي عبد الرحمن (2). وربيعة بن أبي عبد الرحمن المتوفى سنة 136 ه‍
هو أحد شيوخ مالك، وهو الذي قال فيه مالك: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة (3)، وقال سوار بن عبد
الله: ما رأيت أحدا أعلم من ربيعة (4)، كان مالك يحضر مجلس ربيعة ويحدث عنه، ويقول الليث بن سعد لمالك:
وكان من خلاف ربيعة لبعض ما قد مضى ما قد عرفت وحضرت؟ وسمعت قولك فيه حتى اضطرك ما كرهت من
ذلك إلى فراق مجلسه (5)) فخطاب الليث يدل على أن مالكا لم يكن صغيرا عندما فارق مجلس ربيعة الرأي إنما
كان في سن يستطيع بها أن ينكر على ربيعة بعض أقواله، وهذا لا يتأتى إلا من رجل بلغ من النضوج الفكري
حدا كبيرا، كما أنه يدل على أنه ظل يحضر مجلس ربيعة مدة طويلة، ومع ذلك فإننا نرى في الموطأ اثنى عشر
حديثا منها خمسة مسندة وواحد مرسل وستة من بلاغاته (6) رواها مالك عن ربيعة.
كذلك روى مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر المتوفى سنة 120 ه‍. ونافع هو الذي بعثه عمر بن عبد العزيز
إلى مصر ليعلمهم القرآن والسنة (7)، وكان يلقب بفقيه المدينة، لزمه مالك وهو غلام نصف (8) النهار وكان
مالك يقول: كنت إذا سمعت حديث نافع عن ابن عمر لا أبالي ألا أسمعه من أحد غيره (9)، وأهل الحديث
يقولون رواية مالك عن نافع عن ابن عمر سلسلة الذهب لجلالة كل واحد من هؤلاء الرواة (10)، وقد روى له
مالك في الموطأ ثمانين حديثا (11).
يذكر المؤرخون أن جعفر الصادق كان من شيوخ مالك، وجعفر أحد أئمة الشيعة، وكان من علماء
المدينة المعروفين بالعلم والدين، ويروى الشيعة عن طريقه أحاديث كثيرة لا نجدها إلا في كتب الشيعة ويكفى أن
نلقى نظرة إلى كتاب بحار الأنوار للمجلسي وكتاب دعائم الاسلام للقاضي النعمان بن محمد بن حيون المغربي لندرك
إلى أي حد تنسب إلى جعفر الصادق هذه الأحاديث الكثيرة، ولم يكتف أصحابه بنسبة هذه الأحاديث إليه،
بل نسبوا إليه كتبا عديدة في الصنعة [الكيمياء] وكتبا أخرى في الفلك والرياضة وكتاب الجفر الذي ينبئ
عن الغيب. ولكن أكثر الباحثين المحدثين يرون أن ما روى عن الصادق لا يزال في حاجة إلى إثبات وتدليل.
فجعفر الصادق عند المحدثين له شخصيتان، شخصية العالم الورع نراها في كتب أهل السنة وكتب المعتدلين من
المؤرخين. وشخصية أخرى أضفاها عليه بعض المسرفين من الشيعة. ويكفى أن نذكر أن حركة أبى الخطاب الأسدي
كانت من أشد الحركات إسرافا في إسباغ النعوت والصفات على الصادق. وتذكر كتب الشيعة أن الصادق اضطر
إلى التبرؤ منه ومن أتباعه وأحل قتله، والمعروف عن جعفر أنه لم يسهم في الحركات السياسية التي كان يقوم بها

(1) ابن عبد البر: تجريد التمهيد ص 116.
(2) ابن القيم: أعلام الموقعين ج‍ 3 ص 84.
(3) ابن خلكان ج‍ 1 ص 183.
(4) نفس المصدر.
(5) أعلام الموقعين ج‍ 3 ص 84.
(6) ابن عبد البر: تجريد التمهيد ص 34.
(7) تذكرة الحفاظ ج‍ 1 ص 94. حسن المحاضرة ج‍ 1 ص 162.
(8) الديباج ص 20.
(9) ابن خلكان ج 2 ص 151
(10) نفس المصدر.
(11) ابن عبد البر: التجريد ص 170.
المقدمة 21

الشيعة، ولم يقم بالدعوة لنفسه، بل كان يؤثر مسألة أولي الأمر من الأمويين والعباسيين، ويروى الداعي إدريس
مؤرخ طائفة الإسماعيلية في الجزء الرابع من كتابه عيون الأخبار أن أبا مسلم الخراساني أرسل إلى الصادق مع
رسول أمين يطلب منه أن يقبل أن تكون الدعوة له، فقرأ الصادق الرسالة ثم حرقها وأمر الرسول أن يبلغ
أبا مسلم ما رآه، فهذه القصة سواء أكانت صحيحة أم غير صحيحة تصور لنا رغبة الصادق عن الحكم وزهده في
الرياسة الدنيوية، فليس بغريب أن يأخذ إمام من أئمة أهل السنة شيئا من علم هذا الامام الشيعي، وإذا صح
ما رواه صاحب الديباج من أن لمالك عدة كتب في الفلك والرياضيات، فلعله أخذ ذلك عن جعفر الصادق كما أنه
أخرج له في الموطأ تسعة أحاديث منها خمسة متصلة مسندة أصلها حديث واحد وهو حديث جابر الطويل في الحج
والأربعة منقطعة (1).
هؤلاء هم أشهر العلماء الذين تتلمذ عليهم الامام، مع أنه لاقى كثيرين ممن وفدوا على الحجاز للحج
وروى عنهم، فلم يذكر عن مالك أنه رحل في طلب العلم مع أن الرحلة في ذلك الوقت كانت من أهم مقومات
العالم ولا سيما للمحدث، وربما كان ذلك لان الامام كان يعتقد كما اعتقد غيره من العلماء أن العلم هو علم المدينة،
وفى ذلك يقول الليث بن سعد: (وإني يحق على الجوف؟؟ على نفسي لاعتماد من قبلي على ما أفتيهم به، وأن الناس
تبع لأهل المدينة التي إليها كانت الهجرة، وبها نزل القرآن، وأما ما ذكرت من مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة
ونزل القرآن بها عليه بين أصحابه وما علمهم الله منه، وأن الناس صاروا تبعا لهم فيه فكما ذكرت) (2). فلهذا
لم يأبه مالك بالرحلة العلمية ما دام العلم هو علم أهل المدينة.
وفى حياة الامام مالك شاهد العالم الاسلامي تطورات خطيرة كان لها أثرها القوى في الحياة السياسية والاجتماعية
والعقلية، ففي هذه السنوات نشطت دعوة العباسيين وتطورت هذه الدعوة إلى انقلاب الحكومة، فسقطت دولة
بنى أمية، وتولى العباسيون الامر، وتتبعوا الأمويين ومن لاذ بهم قتلا وتعذيبا، وسقوط دولة وقيام أخرى
يؤدى دائما إلى لون من الاضطراب بين الناس، ويوجد فيهم شيئا من عدم الطمأنينة ومن تبلبل الأفكار، فمنهم من
يتخذ التقية فيضمر غير ما يظهر، ومنهم من يستسلم للامر الواقع ولا يأبه بمجرى الحوادث حوله، ومنهم من
يقوم مع الحكومة الجديدة ابتغاء التقرب والزلفى لدى أولي الأمر، ومنهم من يؤازر الحركات التي ترمى إلى عودة
الحكومة القديمة، هذا ما نراه في التاريخ في كل العصور وفى كل انقلاب يحدث، وهذا ما حدث في التاريخ
الاسلامي عند انتقال الحكم إلى العباسيين، على أن العباسيين لم يخشوا أمر الأمويين خشيتهم من حزب العلويين،
وكان الحجاز عامة والمدينة خاصة وكر الدعوة العلوية، وفيها كان الإمام جعفر الصادق - إمام الشيعة على اختلاف
فرقها التي عرفت بعد وفاة الصادق سنة 148 ه‍ من إسماعيلية ومباركية واثنى عشرية وغيرها - وفيها خرج محمد
ابن عبد الله المعروف بالنفس الزكية سنة 145 ه‍ وخرج معه عدد من علماء المدينة منهم ابن هرمز أحد شيوخ

(1) ابن عبد البر: التجريد ص 24.
(2) ابن القيم: أعلام الموقعين ج‍ 3 ص 82.
المقدمة 22

مالك، أما مالك نفسه فكان مضطرا إلى أن لا يسهم في هذه الثورة مساهمة إيجابية، ذلك أن المنصور العباسي
أرسله مع من أرسل إلى بنى الحسن ليدفعوا إليه محمدا وإبراهيم ابني عبد الله (1)، فلما قام محمد وإبراهيم بالثورة لم
يسع مالك أن يشترك فيها وهو الذي كان رسولا لتسلمهما بالأمس، وفى الوقت نفسه كان ينقم على المنصور جبروته
وطغيانه ولهذا كان يأتيه أهل المدينة يستفتونه في الخروج مع محمد ويقولون إن في أعناقهم بيعة لأبي جعفر فيقول:
إنما بايعتم مكرهين وليس على مكره يمين (2).
وهذه التيارات السياسية اضطرت الامام إلى أن يتحفظ، ولهذا وصف مالك بأنه كان أعظم الخلق مروءة
وأكثرهم صمتا قليل الكلام متحفظا بلسانه من أشد الناس مداراة للناس (3)، ومع ذلك كله لم ينج مالك من
نقمة العباسيين فجلدوه في أمر اختلف فيه القدماء، فمنهم من قال إنه جلد لما أفتى به في ثورة النفس الزكية، وقيل
بل لان المنصور طلبه للقضاء فرفض فاعتبر المنصور أن رفضه لون من ألوان عدم التعاون مع الحاكم فأمر بضربه،
وقيل إن المنصور أمره يأن لا يروى حديث طلاق المكره فلم يخضع للامر فعذب، ولكن يحيى بن بكير - أحد
تلاميذ مالك - قال: ما ضرب مالك إلا في تقديمه عثمان على علي رضي الله عنهما، فسعى به الطالبيون حتى
ضرب، وأنكر القدماء قوله فقيل له: خالفت أصحابه فقال: أنا أعلم من أصحابه (4). ونحن ننكر مع القدماء
رأى ابن بكير فإننا لا نعرف للطالبيين نفوذا في عهد المنصور، ولم نعرف أن تقديم عثمان على علي بن أبي طالب
رضي الله عنهما يوجب سخط العباسيين، بل من المؤكد أن العباسيين كانوا يعمدون إلى الانتقاص من فضائل
علي وتقديم غيره من الصحابة عليه، ويكفى أن نقرأ ما كتبه أبو جعفر المنصور إلى محمد النفس الزكية لندرك
إلى أي حد عمد المنصور إلى دفع فضائل علي وتفضيل غيره عليه، فقد قال: وأما ما فخرت به من علي، وسابقته
فقد حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة فأمر غيره بالصلاة، ثم أخذ الناس رجلا بعد رجل فلم يأخذوه،
وكان في الستة فتركوه كلهم دفعا له عنها، ولم يروا له حقا فيها، أما عبد الرحمن فقدم عليه عثمان، وقتل عثمان وهو
له متهم، وقاتله طلحة والزبير، وأبى سعد بيعته وأغلق دونه بابه ثم بايع معاوية بعده، ثم طلبها بكل وجه وقاتل
عليها، وتفرق عنه أصحابه، وشك فيه شيعته قبل الحكومة. الخ (5). فهذه سياسة المنصور نحو علي والعلويين
فكيف يقبل قول الطالبيين في مالك لتفضيله عثمان على علي؟ حقيقة نفهم من قول الليث بن سعد أنه ومالكا كانا
يفضلان عثمان، ولم يرو مالك عن علي، فلما سئل عن ذلك قال إنه لم يكن بالمدينة، ولكن ليس معنى ذلك أنه
امتحن بسبب رأيه هذا، ولذلك ننكر رواية يحيى بن بكير، وترجح قصة حديث طلاق المكره فهي أقرب
إلى العقل. على أن العلاقة بين مالك والعباسيين لم تلبث أن وطدت، إذ تقرب إليه العباسيون ليتخذوا منه ومن
أمثاله من العلماء سندا وعونا في توطيد حكمهم، فزاره بعض الخلفاء العباسيين، وروى المهدى العباسي عنه الموطأ،
والروايات كثيرة حول مقابلات مالك وخلفاء العباسيين، وكلها تثبت أن العباسيين عرفوا قدر هذا العالم الكبير،

(1) ابن الأثير: الكامل ج‍ 5 ص 194.
(2) الطبري: تاريخ ج‍ 9 ص 206.
(3) الديباج ص 20.
(4) الديباج ص 28.
(5) الطبري: التاريخ ج‍ 9 ص 212.
المقدمة 23

وأنهم أجزلوا له العطاء، ومنحوه سلطة تقرب من سلطة حاكم المدينة فكان يأمر بحبس من يشاء أو بضرب
من يريد. وبالرغم من ذلك فلم يكن الامام مالك من مؤيدي العباسيين فقد كان يرى أن الحكم هو حكم عمر بن
الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما وكان يرجو أن يتاح للمسلمين من يحكم بحكمهما.
ومن الناحية العقلية، كان المسلمون في جميع الأمصار قد نشطوا في الدراسات الدينية نشاطا ملحوظا، فدرسوا
القرآن الكريم من نواحيه المتعددة، تفسيره وقراءاته ومفرداته ونحوه إلى غير ذلك من ألوان الدراسات
التي هي محور الثقافة الاسلامية في كل العصور الاسلامية، وبجانب هذه الدراسات وجدت دراسة أخرى
قوامها رواية حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وتتبع آثاره وسننه، فقد خرج كثير من الصحابة والسابقين الأولين إلى
الجهاد في سبيل الله، واجتمع إليهم الناس، فكان في كل جند طائفة منهم يعلمون كتاب الله وسنة نبيه، وإذا
استفتوا في أمر لم يفسره لهم القرآن الكريم والسنة النبوية اجتهدوا فيه برأيهم، وكثيرا ما كان يستشار الخلفاء
الراشدون في مثل هذه الفتاوى فكان الخلفاء يرسلون إلى الأمصار برأيهم بعد استشارة من حضر حولهم من
الصحابة والسابقين، ومع ذلك لم يسلم الامر من اختلاف فتاوى الصحابة (1)، ثم اختلف التابعون وتابعوهم وفى
ذلك يقول الليث بن سعد لمالك (ثم اختلف الذين كانوا بعدهم [أي بعد السابقين والتابعين] فحضرتهم بالمدينة
وغيرها، ورأسهم يومئذ ابن شهاب وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وكان من خلاف ربيعة لبعض ما قد مضى ما قد
عرفت وحضرت وسمعت قولك فيه، وقول ذوي الرأي من أهل المدينة يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر وكثير
ابن فرقد وغيره كثير ممن هو أسن منه، حتى اضطرك ما كرهت من ذلك إلى فراق مجلسه، وذاكرتك أنت
وعبد العزيز بن عبد الله بعض ما نعيب على ربيعة من ذلك فكنتما من الموافقين فيما أنكرت، تكرهان منه
ما أكره (2)) وهذا الخلاف الذي ذكره الليث بن سعيد لم يكن بين فقهاء المدينة فحسب بل نراه في جميع الأمصار
التي استجابت لدعوة الاسلام، فكان مصدر ثروة عقلية لا نكاد نجد لها مثيلا في تاريخ الحضارات والأديان
لأنها خلفت تراثا عاش عليه المسلمون بل لا يزالون يعيشون عليه إلى الآن. على أن هذه الدراسات الدينية الخالصة قد
وجدت في عهد مالك بن أنس تطورا جديدا بدخول بعض عناصر أجنبية عن العرب والإسلام بفضل اعتناق
كثير من الأعاجم الدين الاسلامي، وهؤلاء كان لهم آراؤهم وتقاليدهم الدينية قبل الاسلام، ولهم عاداتهم التي
لم يعرفها العرب والمسلمون ثم بفضل حركة الترجمة التي بدأت في عصر الأمويين وآتت أكلها في عصر العباسيين،
فكثرت الأهواء والبدع، وكثرت الفرق، وكثر بينها الجدل فنجد فرق الشيعة والخوارج والقدرية والمرجئة
والمعتزلة كما ظهرت في عهد المنصور فرقة الخراسانية والراوندية والزنادقة وغيرها من فرق الغلاة على أن بيئة الحجاز
لم تتأثر بذلك كله تأثرا كبيرا واستطاعت المدينة أن تحافظ على تقاليدها التي ورثتها منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم
تكن تميل إلى الجدال في الدين بل كانت إلى الحفظ والنقل أقرب، ولهذا كان الناس يفضلون الاخذ برأي أهل

(1) ابن القيم: أعلام الموقعين ج‍ 3 ص 84.
(2) نفس المصدر.
المقدمة 24

المدينة، وقد أخذ مالك نفسه بتمييز المدينة ووافقه الليث بن سعد وتلاميذ المدرسة المالكية، وها هو ابن عبد
الحكم رئيس المدرسة المالكية بمصر يقول: إذا جاوز الحديث الحرتين ضعفت شجاعته (1)، وكان مالك بن
أنس يتجنب أصحاب الفرق وأصحاب الأهواء، وطعن في آرائهم فقد قيل إنه كان يقول إذا ذكر عنده أحد أصحاب
الأهواء: قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الامر بعده سننا الاخذ بها اتباع
لكتاب الله تعالى واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله ليس لأحد بعد هؤلاء تبديلها ولا النظر في شئ
خالفها، فمن اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه
الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا (2) على هذا النحو كان ينظر مالك إلى أصحاب الفرق المختلفة، فالدين عنده
هو الاخذ بكتاب الله الكريم وسنة الرسول صلوات الله وسلامه عليه وما قال به الخلفاء الراشدون وما رواه
الصحابة وأهل العلم والتقى من علماء المدينة وهذا هو المنهج الذي رسمه مالك لنفسه، والذي يقوم عليه كتابه
الموطأ، ونحن نرى هذا المنهج واضحا كل الوضوح في الكتاب، وأيده ما قاله ابن أبي أويس أحد تلاميذ
مالك فهو يقول: قيل لمالك: قولك في الكتاب الامر المجتمع عليه، والامر عندنا وببلدنا، وأدركت أهل العلم،
وسمعت بعض أهل العلم، فقال: أما أكثر ما في الكتاب فرأيي، فلعمري ما هو برأيي، ولكنه سماع من غير
واحد من أهل العلم والفضل والأئمة المهتدى بهم الذين أخذت عنهم وهم الذين كانوا يتقون الله تعالى، فكثر على
فقلت رأيي، وذلك رأيي إذ كان رأيهم رأى الصحابة الذين أدركوهم عليه وأدركتهم أنا على ذلك، فهذا وراثة
توارثوها قرنا عن قرن إلى زماننا، وما كان رأيا فهو رأى جماعة ممن تقدم من الأئمة، وما كان فيه الامر المجتمع
عليه فهو ما اجتمع عليه من قول أهل الفقه والعلم لم يختلفوا فيه، وما قلت الامر عندنا ما عمل به الناس
عندنا وجرت به الاحكام وعرفه الجاهل والعالم، وكذلك ما قلت فيه ببلدنا، وما قلت فيه بعض أهل العلم فهو
شئ استحسنته من قول العلماء، وأما ما لم أسمع منهم فاجتهدت ونظرت على مذهب من لقيته حتى وقع ذلك
موقع الحق أو قريبا منه حتى لا يخرج عن مذهب أهل المدينة وآرائهم، وإن لم أسمع ذلك بعينه فنسبت الرأي إلي
بعد الاجتهاد مع السنة وما مضى عليه عمل أهل العلم المقتدى بهم، والامر المعمول به عندنا منذ لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأئمة الراشدين مع من لقيت فذلك رأيهم ما خرجت إلى غيره (3)، فهذا المنهج الذي رضيه مالك لنفسه يدلنا على
أنه كان ينقل العلم رواية شأنه في ذلك شأن كل العلماء في عصره، إلا أنه دون ما رواه، وفسر ما نقله فهو راوية
من ناحية، ومجتهد من ناحية أخرى، راوية للحديث النبوي الشريف وآراء من أخذ عنهم من المجتهدين،
وما رضى به علماء أهل المدينة لأنفسهم مما أخذوه عن السلف الصالح، وهو مقيد نفسه بذلك كله لا يحيد عنه،
ويتحرج من المجادلة فيه، ولكنه مع ذلك كله مجتهد في اختيار الحديث، ناقد مدقق، احتاط أشد الاحتياط
في روايته حتى قال الشافعي: كان مالك إذا شك في الحديث طرحه كله (4). وقال ابن أبي أويس: سمعت مالكا

(1) الزواوي: مناقب مالك ص 52.
(2) الديباج ص 64.
(3) الديباج ص 25.
(4) الديباج ص 24.
المقدمة 25

يقول: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه، لقد أدركت سبعين ممن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه
الأساطين - وأشار إلى المسجد - فما أخذت عنهم شيئا، وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال لكان أمينا، إلا
أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن (1).
وبلغ به تحرجه واجتهاده معا في التدقيق في المسائل التي يسأل عنها فقد روى ابن القاسم: سمعت مالكا يقول:
إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة ما اتفق لي فيها رأى إلى الآن، وكان يقول: ربما وردت على المسألة
فأسهر فيها عامة ليلتي (2). فهذا كله يدل على أن مالكا كان يفكر ويطيل التفكير، وينظر في المسائل وينعم
فيها النظر، يخاف الله ويخشاه فيما يسأل عنه لأنه يتحدث في أمر دين الله، فقد رأيناه يقول: إن هذا العلم دين
فانظروا عمن تأخذونه) فلا غرو أن رأينا القدماء أنفسهم يثقون برواية مالك للحديث ثقة تامة، ووصفوا مالكا
بصفات الراوية الكامل، وقدموه على شيوخه أنفسهم، ويروى ابن عبد الحكم أن مالكا كان يفتى مع يحيى
ابن سعيد وربيعة ونافع وكانت له حلقة في حياة نافع أكبر من حلقة نافع (3)، فهذا اعتراف من معاصريه
أنفسهم بتفضيله على نافع مع مكانة نافع وعلو كعبه وفضله حتى لقب بفقيه المدينة، وربما كان تفضيل معاصريه
له وتسابقهم للاخذ عنه سببا في أن يتقول عليه بعض العلماء أمثال ابن إسحاق وابن أبي ذؤيب وغيرهما حسدا
له على ما بلغه من مكانة في نفوس معاصريه، وربما حقدوا عليه لان مالكا كان يخالفهم ويطعن عليهم، ومع
ذلك فإن هؤلاء العلماء الذين نقدوا مالكا لم يستطع أحدهم أن ينقد رواية من رواياته للحديث الشريف، إنما
كان أكثر النقد يدور حول أمور فقهية كان يراها مالك ولم يأخذوا هم بها، أو نقد بعض تصرفات مالك الخاصة
مثل تخلفه عن صلاة الجماعة وعدم شهود الجنائز أو عيادة المرضى مع أنه كان يزور الأمراء، وذلك كله حدث
في أواخر أيام حياته حين حلت به الشيخوخة، فهذه المسائل التي وجهت إلى الامام لا تنقص من قيمته العلمية
ولا من صحة روايته، وهي أقرب ما يكون من نقد المتنافسين بعضهم إلى بعض.
وبجانب ما امتاز به الموطأ من صحة الحديث فهو من أوائل الكتب التي دونت في الحديث، فنحن نعلم أن
عمر بن الخطاب رضوان الله عليه أراد أن يدون السنن النبوية واستشار في ذلك بعض الصحابة فوافقوه على ذلك.
ولكنه رجع عن ذلك خشية أن تلتبس السنة بكتاب الله الكريم، وأن الصحابة لم يكتبوا الحديث إنما كانوا
يؤدونه حفظا. إلا ما رواه البخاري عن أبي هريرة في كتاب العلم حيث يقول: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم أكثر حديثا عنه منى إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب. وفى عهد عمر بن عبد العزيز
كتب إلى الأمصار يعلمهم السنن والفقه وكان يكتب إلى علماء المدينة خاصة يسألهم، كما أمر أبا بكر بن محمد بن حزم
أن ينظر ما كان من حديث الرسول أو سننه أو حديث عمر فيكتبه خوفا من ذهاب الحفاظ، فكان هذا كله
ابتداء تدوين الحديث النبوي الشريف، وورد في تنوير الحوالك: وحدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار

(1) الديباج ص 21.
(2) الديباج ص 23.
(3) الديباج ص 21.
المقدمة 26

وتبويب الاخبار لما انتشر العلماء في الأمصار، وكثر الابتداع من الخوارج الروافض ومنكري الاقدار، فأول
من جمع ذلك الربيع بن صبيح وسعد بن أبي عروية وغيرهما فكانوا يصنفون كل باب على حدة، إلى أن قام كبار
أهل الطبقة الثالثة في منتصف القرن الثاني فدونوا الاحكام، فصنف الامام مالك الموطأ وتوخى فيه القوى من
حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم (1). فمالك رضي الله عنه كان من أوائل
المدونين للحديث الصحيح، العاملين على الحذر والاحتياط في قبول ما يروى، المدققين الناقدين في المتن والسند،
ولذلك قال ابن عيينة (ما رأيت أحدا أجود أخذا للعلم من مالك وما كان أشد انتقاءه للرجال والعلماء (2)) ولعل
مالكا كان أسبق علماء الحديث في وضع ما عرف بفن الحديث فإننا لا نكاد نعرف من سبقه في نقد الرواة والتشدد
في الاخذ عن الرواة والعلماء. وكذلك فعل في ما رواه في المسائل الفقهية لان الموطأ مزيح من حديث وتفسير وفقه
وتاريخ، لان العلوم لم تكن قد تحددت معالمها بعد، ولارتباط هذه العلوم بعضها ببعض وتداخلها بحيث احتاجت
هذه العلوم إلى وقت طويل تطورت فيه حتى انفصل بعضها عن بعض واتخذت معالمها المحددة التي هي عليها اليوم.
وعلى هذا النحو صنف مالك الموطأ وجمع فيه ما صح عنده من ألوان هذه العلوم المختلفة. وقد روى الطبري عن
العباس بن الوليد عن إبراهيم بن حماد قال: سمعت مالكا يقول: قال لي المهدى: يا أبا عبد الله ضع كتابا أحمل الأمة
عليه. قال: يا أمير المؤمنين، أما هذا الصقع - وأشار إلى المغرب - فقد كفيتكه، وأما الشام ففيهم الذي علمته
- يعنى الأوزاعي - وأما أهل العراق فهم أهل العراق (3)، فيفهم من ذلك أن المهدى هو الذي طلب من مالك
أن يصنف الموطأ، ولكن هناك رواية أخرى ذكرها الطبري أيضا تخالف الرواية الأولى فقد روى عن محمد بن
عمر قال: سمعت مالك بن أنس يقول: لما حج أبو جعفر المنصور دعاني فدخلت عليه فحادثته وسألني فأجبته،
فقال: إني عزمت أن آمر بكتبك هذه التي قد وضعتها - يعنى الموطأ - فتنسخ نسخا ثم أبعث إلى مصر من أمصار
المسلمين منها نسخة وآمرهم أن يعملوا بما فيها لا يتعدونه إلى غيره ويدعوا ما سوى ذلك من العلم المحدث، فإني
رأيت أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم، قال: فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا فإن الناس قد سبقت إليهم
أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا به من اختلاف
الناس وغيرهم، وأن ردهم عما قد اعتقدوه شديد فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل بلد لأنفسهم، فقال:
لعمري لو طاوعتني على ذلك لأمرت به (4) هكذا ساق ابن جرير تلك الرواية التي تناقض الأولى دون أن يرجح
إحداهما، ويغلب على ظني رفض الروايتين، ذلك أن المهدى ولى الخلافة العباسية سنة 158 ه‍ في وقت كان
مالك في نحو الخامسة والستين من عمره، أي أنه كان في أواخر سنى حياته، وأن المهدى وهو أمير روى عن
مالك الموطأ، فكيف يطلب منه أن يصنف الموطأ وهو خليفة؟ ويفهم من الرواية الثانية أن علم مالك كان منتشرا

(1) السيوطي: تنوير الحوالك ج‍ 1 ص 4.
(2) الديباج ص 21.
(3) الطبري: ذيل المذيل ص 107.
(4) الطبري: ذيل المذيل على 107.
المقدمة 27

في بلاد المغرب، فهل كان هذا العلم هو ما دون في الموطأ أم غيره، وإذا كان هو ما دون في الموطأ فهل بلغ المغرب
مدونا أو غير مدون! والنص يحدثنا عن كتب مالك التي وضعها أي أن مالكا كان وضع كتبه قبل أن يراه
المنصور، ثم هل كان المنصور في غفلة حتى يطلب من مالك أن ينسخ كتبه ليعمل بها أهل الأمصار بما فيهم
أهل العراق، ونحن نعلم أن الامام مالك كان له رأى في علماء العراق، وعلماء العراق لهم رأى في مالك، فهل كان
المنصور يضمن تأييد علماء العراق أو غير العراق من الأمصار، لعلها رغبة جاشت في نفس المنصور ولكنه أدرك أنها
بعيدة التحقيق، أما متى صنف الموطأ فتحديد ذلك لا سبيل إليه ولا سيما إذا علمنا أن مالكا وضع الموطأ على نحو من
عشرة آلاف حديث ولم يزل ينظر فيه كل سنة ويسقط منه حتى بقي ما بين أيدينا (1)، فهذا يدل على أن
تصنيفه استغرق أعواما عديدة لا نستطيع أن نحددها بالرغم مما ذكره السيوطي أن مالكا قال ألفته في أربعين
سنة (2) وقد روى الموطأ عن مالك عدد كبير من العلماء وفى ذلك يقول السيوطي: الرواة عن مالك فيهم كثرة
بحيث لا يعرف لاحد من الأئمة رواة كرواته (3) كانوا أساتذة مدرسته في الأمصار ولعل مدرسة المالكية في
مصر كانت من أنشط المراكز لنشر تعاليم مالك ورواية الموطأ، وعن المصريين انتشر المذهب في المغرب والأندلس
فهرع علماؤها إلى الاخذ عن مالك نفسه وفى ذلك يقول ابن خلدون: وأما مالك فاختص بمذهبه أهل المغرب
والأندلس لما أن رحلتهم كانت غالبا إلى الحجاز وهو منتهى سفرهم والمدينة يومئذ دار العلم ومنها خرج إلى
العراق، ولم يكن العراق في طريقهم، فاقتصروا على الاخذ عن علماء المدينة وشيخهم يومئذ وإمامهم مالك
وشيوخه من قبله وتلاميذه من بعده فرجع إليه أهل المغرب والأندلس وقلدوه دون غيره ممن لم تصل إليهم
طريقته (4)، ويذكر المؤرخون أن أول من بث تعاليم مالك بالأندلس هو عبد الملك بن حبيب، وأشهر تلاميذ
مالك من الأندلسيين هو يحيى بن يحيى الأندلسي الذي انتشرت روايته للموطأ وكادت تندثر روايات غيره من
تلاميذ مالك وهو الذي كان أثيرا عن أمويي الأندلس فلم يتول قضاء الأندلس أحد إلا بمشورته فكان جميع
قضاتها من أصحابه وتلاميذه (5)، وهذا لم يحدث لاحد من تلاميذ مالك إلا لليث بن سعد بمصر، ولكن الليث
كان صاحب مذهب خالف فيه مالكا في بعض المسائل نراها مبثوثة في رسائله إلى مالك، وربما كان استئثار
الحكومة الأموية بالأندلس بالعطف على يحيى بن يحيى من أسباب بقاء روايته وشهرتها دون غيرها من الروايات.
وأترك الآن الحديث عن مكانة الموطأ بين كتب الحديث إلى صديقي الكبير محمد فؤاد عبد الباقي الذي اتخذته
لي أبا وأستاذا فهو جدير بهذا الحديث.
الجيزة في 15 فبراير سنة 1951 محمد كامل حسين

(1) الديباج ص 25.
(2) تنوير الحوالك ج‍ 1 ص 6.
(3) تنوير الحوالك ج‍ 1 ص 10.
(4) ابن خلدون: المقدمة ص 392 (طبعة المطبعة البهية).
(5) المقري: نفح الطيب ج‍ 1 ص 328
المقدمة 28

الموطأ
لإمام الأئمة وعالم المدينة
مالك بن أنس رضي الله عنه
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه)
1 - كتاب وقوت الصلاة
(1) باب وقوت الصلاة
1 - قال: حدثني يحيى بن يحيى الليثي، عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، أن عمر بن
عبد العزيز أخر الصلاة يوما، فدخل عليه عروة بن الزبير، فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر
الصلاة يوما، وهو بالكوفة، فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري، فقال: ما هذا يا مغيرة؟
أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم صلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(كتاب وقوت الصلاة
(وقوت) جمع وقت، جمع كثرة، لأنها وأن كانت خمسة، لكن لتكررها كل يوم صارت كأنها كثيرة،
كقولهم شموس وأقمار، باعتبار ترددهما مرة بعد مرة.
1 - (قال) هو الراوي عن يحيى وهو ابنه عبيد الله الليثي، فقيه قرطبة، ومسند الأندلس.
(أخر الصلاة يوما) أي صلاة العصر. (فصلى) أي جبريل الظهر. (ثم صلى) العصر.
(ثم صلى) المغرب. (ثم صلى) العشاء. (ثم صلى) الصبح. (ثم قال) جبريل.
(بهذا أمرت) بفتح التاء على المشهور، أي هذا الذي أمرت به أن تصليه كل يوم وليلة، وروى بالضم،
أي هذا الذي أمرت بتبليغه لك.
3

ثم صلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم صلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم قال: بهذا أمرت؟ فقال عمر بن عبد العزيز: اعلم ما تحدث به يا عروة، أو إن جبريل
هو الذي أقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الصلاة؟ قال عروة: كذلك كان بشير بن أبي مسعود
الأنصاري، يحدث عن أبيه.
أخرجه البخاري في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 1 - باب مواقيت الصلاة وفضلها.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 31 - باب أوقات الصلوات الخمس، حديث
166 و 167
2 - قال عروة ولقد حدثتني عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يصلى
العصر والشمس في حجرتها، قبل أن تظهر.
أخرجه البخاري في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 1 - باب مواقيت الصلاة وفضلها.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 31 - باب أوقات الصلاة الخمس، حديث 167
3 - وحدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أنه قال: جاء رجل إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن وقت صلاة الصبح. قال: فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى

2 - (في حجرتها) في بيتها. (قبل أن تظهر) أي ترتفع، يقال ظهر فلان السطح إذا علاه، ومنه
- فما اسطاعوا أن يظهروه - أي يعلوه:
3 - (أسفر) انكشف وأضاء. (هأنذا) قال ابن مالك في شرح التسهيل: تفصل هاء التنبيه من اسم الإشارة
المجرد، بأنا وأخواتها، كثيرا. كقولك ها نحن، وقوله تعالى - ها أنتم هؤلاء تحبونهم -، وقول السائل عن وقت
الصلاة، هأنذا. (ما بين هذين وقت) يعنى هذين وما بينهما وقت.
4

إذا كان من الغد، صلى الصبح حين طلع الفجر. ثم صلى الصبح من الغد بعد أن أسفر. ثم
قال: (أين السائل عن وقت الصلاة؟) قال: هأنذا يا رسول الله! فقال: (ما بين هذين
وقت).
هذا الحديث مرسل. وقد ورد موصولا عن أنس.
أخرجه النسائي في: 7 - كتاب الأذان، 12 - باب وقت أذان الصبح.
4 - وحدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى الصبح، فينصرف النساء متلفعات
بمروطهن، ما يعرفن من الغلس.
أخرجه البخاري في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 27 - باب وقت صلاة الفجر.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 40 - باب استحباب التبكير بالصبح في أول
وقتها، حديث 232

4 - (إن كان ليصلى) - إن - هي المخففة من الثقيلة، واسمها - ضمير الشأن - محذوف، واللام في ليصلى هي اللام
الفارقة الداخلة في خبر إن فرقا بين المخففة والنافية، والكوفيون يجعلونها، أي اللام، بمعنى إلا، و - إن - نافية.
(متلفعات) في النهاية اللفاع ثوب يجلل به الجسد كله، كساء كان أو غيره، وتلفع بالثوب إذا اشتمل به،
وقال عبد الملك بن حبيب في شرح الموطأ: التلفع أن يلقى الثوب على رأسه ثم يلتف به، لا يكون الالتفاع إلا
بتغطية الرأس، وأخطأ من قال إنه مثل الاشتمال. (بمروطهن) جمع مرط، وهي أكسية من صوف أو خز
كان يؤتزر بها. وقال ابن حبيب في شرح الموطأ: المرط كساء صوف رقيق خفيف مربع كان النساء في ذلك
الزمان يأتزرن به، ويلتففن. (ما يعرفن) أهن نساء أم رجال. (من الغلس) - من - ابتدائية أو تعليلية،
والغلس ظلمة الليل يخالطها ظلام الفجر.
5

5 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، وعن بسر بن سعيد،
وعن الأعرج. كلهم يحدثونه عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من
الصبح، قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب
الشمس فقد أدرك العصر).
أخرجه البخاري في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 28 - باب من أدرك من الفجر ركعة.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 30 - باب من أدرك ركعة من الصلاة، حديث 163
6 - وحدثني عن مالك، عن نافع، مولى عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب كتب إلى
عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة. فمن حفظها وحافظ عليها، حفظ دينه. ومن ضيعها فهو لما
سواها أضيع. ثم كتب: أن صلوا الظهر، إذا كان الفئ ذراعا، إلى أن يكون ظل أحدكم

5 - قال أبو السعادات ابن الأثير: وأما تخصيص هاتين الصلاتين بالذكر دون غيرهما، مع أن هذا الحكم
ليس خاصا بهما، بل يعم جميع الصلوات، فلأنهما طرفا النهار، والمصلى إذا صلى بعض الصلاة وطلعت الشمس
أو غربت عرف خروج الوقت. فلو لم يبين صلى الله عليه وسلم هذا الحكم، ولا عرف المصلى أن صلاته تجزيه، لظن فوات
الصلاة وبطلانها بخروج الوقت، وليس كذلك آخر أوقات الصلاة. ولأنه نهى عن الصلاة عند الشروق
والغروب، فلو لم يبين لهم صحة صلاة من أدرك ركعة من هاتين الصلاتين، لظن المصلى أن صلاته فسدت بدخول
هذين الوقتين، فعرفهم ذلك ليزول هذا الوهم.
6 - (فمن حفظها) أي علم ما لا تتم إلا به من وضوئها وأوقاتها، وما تتوقف عليه صحتها وتمامها.
(وحافظ عليها) أي سارع إلى فعلها في وقتها. (من ضيعها) يريد من أخرها، ولم يرد أنه تركها.
(إذا كان الفئ ذراعا) بعد زوال الشمس وهو ميلها إلى جهة المغرب، لما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى الظهر
الهاجرة، وهي اشتداد الحر في نصف النهار. والفئ ما بعد الزوال من الظل. وسمى فيئا لرجوعه من جانب إلى جانب.
(بيضاء نقية) لم يتغير لونها ولا حرها. قال مالك في المبسوط: إنما ينظر إلى أثرها في الأرض والجدر،
ولا ينظر إلى عينها. (الشفق) الحمرة في الأفق بعد غروب الشمس. (فمن نام فلا نامت عينه) دعاء
عليه بعدم الراحة. (والنجوم بادية) أي ظاهرة. (مشتبكة) قال ابن الأثير: اشتبكت النجوم أي ظهرت
واختلط بعضها ببعض ما ظهر منها.
6

مثله. والعصر، والشمس مرتفعة، بيضاء نقية، قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة،
قبل غروب الشمس والمغرب، إذا غربت الشمس. والعشاء، إذا غاب الشفق، إلى ثلث
الليل. فمن نام فلا نامت عينه. فمن نام فلا نامت عينه. فمن نام فلا نامت عينه. والصبح،
والنجوم بادية مشتبكة.
7 - وحدثني عن مالك، عن عمه أبى سهيل عن أبيه، أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى: أن صل الظهر، إذا زاغت الشمس. والعصر، والشمس بيضاء نقية، قبل أن
يدخلها صفرة. والمغرب، إذا غربت الشمس. وأخر العشاء ما لم تنم. وصل الصبح،
والنجوم بادية مشتبكة. واقرأ فيها بسورتين طويلتين من المفصل.
8 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب كتب
إلى أبي موسى الأشعري: أن صل العصر، والشمس بيضاء نقية، قدر ما يسير الراكب ثلاثة
فراسخ. وأن صل العشاء، ما بينك وبين ثلث الليل. فإن أخرت فإلى شطر الليل،

7 - (زاغت الشمس) مالت. (نقية) لم تتغير. (قبل أن يدخلها صفرة) بيان لنقية.
(بادية مشتبكة) مختلط بعضها ببعض لكثرة ما ظهر منها. (من المفصل) أوله الحجرات إلى عبس.
8 - (إلى شطر الليل) أي نصفه.
(ولا تكن من الغافلين) عن الصلاة.
7

ولا تكن من الغافلين.
9 - وحدثني عن مالك، عن يزيد بن زياد، عن عبد الله بن رافع، مولى أم سلمة، زوج
النبي صلى الله عليه وسلم. أنه سأل أبا هريرة عن وقت الصلاة. فقال أبو هريرة: أنا أخبرك. صل الظهر،
إذا كان ظلك مثلك. والعصر، إذا كان ظلك مثليك. والمغرب، إذا غربت الشمس. والعشاء
ما بينك وبين ثلث الليل. وصل الصبح بغبش. يعنى الغلس.
10 - حدثني عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك،
أنه قال: كنا نصلى العصر، ثم يخرج الانسان إلى بنى عمرو بن عوف، فيجدهم يصلون
العصر. أخرجه البخاري في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 13 - باب وقت العصر.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 34 - باب استحباب التبكير بالعصر، حديث 194

9 - (إذا كان ظلك مثلك) أي مثل ظلك. (إذا كان ظلك مثليك) أي مثلي ظلك بغير الفئ.
(ما بينك) أي ما بين وقتك من الغروب. (بغبش) قال الخطابي: الغبش قبل الغبس وبعده الغلس وهي
كلها في آخر الليل، ويكون الغبش أول الليل.
10 - قال أبو عمر: معنى الحديث السعة في وقت العصر، وأن الصحابة حينئذ لم تكن صلاتهم في فور
واحد، لعلمهم بما أبيح لهم من سعة الوقت. وقال النووي: قال العلماء كانت منازلهم على ميلين من المدينة،
وكانوا يصلون العصر في وسط الوقت لأنهم كانوا يشتغلون بأعمالهم وحروثهم وزروعهم وحوائطهم، فإذا فرغوا
من أعمالهم تأهبوا للصلاة ثم اجتمعوا لها فتتأخر صلاتهم لهذا المعنى.
8

11 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، أنه قال: كنا نصلى
العصر، ثم يذهب الذاهب إلى قباء، فيأتيهم والشمس مرتفعة.
أخرجه البخاري في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 13 - باب وقت العصر.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 34 - باب استحباب التبكير بالعصر، حديث 193
12 - وحدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد، أنه قال:
ما أدركت الناس إلا وهم يصلون الظهر بعشي.
(2) باب وقت الجمعة
13 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عمه أبى سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه قال: كنت
أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب، يوم الجمعة، تطرح إلى جدار المسجد الغربي. فإذا غشى
الطنفسة كلها ظل الجدار، خرج عمر بن الخطاب، وصلى الجمعة. قال مالك (والد أبى سهيل):
ثم نرجع بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحاء.

11 - (قباء) على ثلاثة أميال من المدينة.
12 - (ما أدركت الناس) أي الصحابة، لأنه من كبار التابعين. (بعشي) قال في الاستذكار، قال
مالك: يريد الابراد بالظهر، وقيل أراد بعد تمكن الوقت ومضى بعضه، وأنكر صلاته أثر الزوال، وفى النهاية:
العشى ما بعد الزوال إلى الغروب، وقيل إلى الصباح.
13 - (طنفسة) بساط له خمل رقيق، وقيل بساط صغير، وقيل حصير من سعف أو دوم عرضه ذراع،
وقيل قدر عظم الذراع. (الغربي) صفة لجدار.
(الضحاء) بفتح الضاد والمد وهو اشتداد النهار، مذكر، وأما بالضم والقصر فعند طلوع الشمس مؤنث،
أي أنهم كانوا يقيلون في غير الجمعة قبل الصلاة وقت القائلة، ويوم الجمعة يشتغلون بالغسل وغيره عن ذلك،
فيقيلون، بعد صلاتها، القائلة التي يقيلونها في غير يومها قبل الصلاة، وقال في الاستذكار أي أنهم يستدركون
ما فاتهم من النوم وقت قائلة الضحاء على ما جرت به عادتهم.
9

14 - وحدثني عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني، عن ابن أبي سليط، أن عثمان
ابن عفان صلى الجمعة بالمدينة. وصلى العصر بملل. قال مالك: وذلك للتهجير وسرعة السير.
(3) باب من أدرك ركعة من الصلاة
15 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة).
أخرجه البخاري في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 29 - باب من أدرك من الصلاة ركعة.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 30 - باب من أدرك من الصلاة ركعة. حديث 161
16 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر بن الخطاب، كان يقول: إذا
فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة.
17 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، كانا يقولان:
من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة.

14 - (بملل) بوزن جمل، موضع بين مكة والمدينة على سبعة عشر ميلا من المدينة، وقال بعضهم على ثمانية
عشر ميلا، وقال ابن وضاح على اثنين وعشرين ميلا. (للتهجير) أي صلاة الجمعة وقت الهاجرة وهي انتصاف
النهار بعد الزوال.
10

18 - وحدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه، أن أبا هريرة كان يقول: من أدرك الركعة
فقد أدرك السجدة. ومن فاته قراءة أم القرآن، فقد فاته خير كثير.
(4) باب ما جاء في دلوك الشمس وغسق الليل
19 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: دلوك الشمس
ميلها.
20 - وحدثني عن مالك، عن داود بن الحصين، قال: أخبرني مخبر، أن عبد الله بن عباس
كان يقول: دلوك الشمس إذا فاء الفئ. وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته.
(5) باب جامع الوقوت
21 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

19 - (ميلها) أي وقت الزوال:
20 - (إذا جاء الفئ) وهو رجوع الظل عن المغرب إلى المشرق، وذلك من الزوال، ومنتهاه الغروب.
وهذه الآية، وهي قوله تعالى - أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر - إحدى الآيات التي جمعت
الصلوات الخمس. فدلوك الشمس إشارة للظهرين، وغسق الليل، العشاءين، وقرآن الفجر، إلى صلاة الصبح.
21 - (كأنما وتر أهله وماله) قال ابن عبد البر: معناه عند أهل الفقه واللغة أنه كالذي يصاب بأهله وماله إصابة
يطلب بها وترا، والوتر الجناية التي يطلب ثأرها، فيجتمع عليه غمان: غم المصيبة وغم مقاساة طلب الثأر. ولذا
قال وتر، ولم يقل مات.
11

(الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله).
أخرجه البخاري في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 14 - باب إثم من فاتته العصر.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 35 - باب التغليظ في تفويت صلاة العصر،
حديث 200
22 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن عمر بن الخطاب انصرف من صلاة
العصر فلقي رجلا لم يشهد العصر. فقال عمر: ما حبسك عن صلاة العصر؟ فذكر له الرجل
عذرا. فقال عمر: طففت.
قال يحيى، قال مالك: ويقال لكل شئ، وفاء وتطفيف.
23 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه كان يقول: إن المصلى ليصلى الصلاة
وما فاته وقتها. ولما فاته من وقتها أعظم، أو أفضل من أهله وماله.
قال يحيى: قال مالك: من أدرك الوقت وهو في سفر، فأخر الصلاة ساهيا أو ناسيا،
حتى قدم على أهله، أنه إن كان قدم على أهله وهو في الوقت، فليصل صلاة المقيم. وإن كان
قد قدم وقد ذهب الوقت، فليصل صلاة المسافر. لأنه إنما يقضى مثل الذي كان عليه.

22 - (ما حبسك) أي ما منعك. (عن صلاة العصر) أي مع الجماعة. (طففت) أي نقصت
نقسك حظها من الاجر لتأخرك عن صلاة الجماعة، والتطفيف لغة الزيادة على العدل، والنقصان منه.
32 - (وما فاته وقتها) لكونه صلاها فيه. (ولما فاته من وقتها) أوله أو أوسطه. (في المغرب) أي في أفق المغرب.
12

قال مالك: وهذا الامر هو الذي أدركت عليه الناس، وأهل العلم ببلدنا.
وقال مالك: الشفق الحمرة التي في المغرب. فإذا ذهبت الحمرة، فقد وجبت صلاة العشاء،
وخرجت من وقت المغرب.
24 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر أغمي عليه، فذهب عقله. فلم
يقض الصلاة.
قال مالك: وذلك فيما نرى، والله أعلم، أن الوقت قد ذهب. فأما من أفاق في الوقت،
فإنه يصلى.
(6) باب النوم عن الصلاة
25 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين قفل من خيبر، أسرى. حتى إذا كان من آخر الليل، عرس. وقال لبلال: (اكلا لنا
الصبح) ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وكلا بلال ما قدر له. ثم استند إلى راحلته، وهو
مقابل الفجر، فغلبته عيناه، فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بلال، ولا أحد من الركب،

24 - (فلم يقض الصلاة) حين أفاق.
25 - (قفل) رجع. والقفول الرجوع من السفر، ولا يقال لمن سافر مبتدئا قفل، إلا القافلة، تفاؤلا.
(أسرى) سار ليلا، يقال سرى وأسرى لغتان. (عرس) التعريس نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة،
ولا يسمى نزول أول الليل تعريسا. (اكلا) أي احفظ وأرقب. (الصبح) بحيث إذا طلع توقظنا.
(مقابل الفجر) أي مواجه الجهة التي يطلع منها.
(حتى ضربتهم الشمس) أي أصابهم شعاعها وحرها. (ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي انتبه وقام.
(أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك) أي إن الله استولى بقدرته علي، كما استولى عليك مع منزلتك، ويحتمل
أن المراد، النوم غلبني كما غلبك، ومعناه قبض نفسي الذي قبض نفسك. (اقتادوا) أي ارتحلوا.
(فبعثوا رواحلهم) أي أثاروها لتقوم. (واقتادوا شيئا) قليلا.
13

حتى ضربتهم الشمس. ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال بلال: يا رسول الله! أخذ بنفسي الذي
أخذ بنفسك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقتادوا). فبعثوا رواحلهم، واقتادوا شيئا. ثم أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا، فأقام الصلاة، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح. ثم قال، حين قضى
الصلاة: (من نسي الصلاة، فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تبارك وتعالى، يقول في كتابه
- أقم الصلاة لذكرى -).
هذا مرسل. وقد وصله مسلم عن أبي هريرة في:
5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 55 - باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، حديث 309
26 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، أنه قال: عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة،
بطريق مكة. ووكل بلالا أن يوقظهم للصلاة. فرقد بلال، ورقدوا. حتى استيقظوا وقد
طلعت عليهم الشمس. فاستيقظ القوم، وقد فزعوا. فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركبوا
حتى يخرجوا من ذلك الوادي. وقال: (إن هذا واد به شيطان) فركبوا حتى خرجوا من
ذلك الوادي. ثم أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا، وأن يتوضؤوا. وأمر بلالا أن ينادى
بالصلاة، أو يقيم. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس. ثم انصرف إليهم، وقد رأى من فزعهم.
فقال: (يا أيها الناس! إن الله قبض أرواحنا، ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا. فإذا رقد

26 - (يهدئه) قال ابن عبد البر: أهل الحديث يروون هذه اللفظة بلا همز، وأصلها عند أهل اللغة الهمز. وقال
في المطالع: هو بالهمز أي يسكنه وينومه. من هدأت الصبي إذا وضعت يدك عليه لينام، أي حركته.
14

أحدكم عن الصلاة، أو نسيها، ثم فزع إليها، فليصلها، كما كان يصليها في وقتها).
ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أبي بكر فقال: (إن الشيطان أتى بلالا وهو قائم يصلى،
فأضجعه، فلم يزل يهدئه، كما يهدأ الصبي حتى نام). ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا. فأخبر
بلال رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر. فقال أبو بكر: أشهد
أنك رسول الله.
هذا مرسل باتفاق رواة الموطأ.
(7) باب النهى عن الصلاة بالهاجرة
27 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة) وقال: (اشتكت
النار إلى ربها فقالت: يا رب! أكل بعضي بعضا. فأذن لها بنفسين في كل عام: نفس في
الشتاء، ونفس في الصيف).
هذا مرسل، ويقويه الأحاديث المتصلة التي رواها مالك وغيره من طرق كثيرة قاله أبو عمر.

27 - (بالهاجرة) هي نصف النهار عند اشتداد الحر. (فيح جهنم) أي من سعة انتشارها وتنفسها، ومنه
مكان أفيح أي متسع وهذا كناية عن شدة استعارها. وظاهره أن مثار وهج الحر في الأرض من فيحها حقيقة.
وقيل هو من مجاز التشبيه أي كأنه نار جهنم في الحر فاجتنبوا ضرره. (فأبردوا) أي أخروا إلى أن يبرد الوقت،
يقال أبرد إذا دخل في البرد، وأظهر إذا دخل في الظهيرة، ومثله في المكان أنجد وأتهم إذا دخل نجدا وتهامة.
(عن الصلاة) أي بالصلاة، و - عن - تأتي بمعنى الباء، كرميت عن القوس أي به. (بنفسين) تثنية نفس،
وهو ما يدخل في الجوف ويخرج منه من الهواء، فشبه الخارج من حرارتها وبردها إلى الدنيا بالنفس الخارج
من جوف الحيوان.
15

28 - وحدثنا مالك عن عبد لله بن يزيد، مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن، وعن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إذا اشتد الحر، فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم).
وذكر (أن النار اشتكت إلى ربها، فأذن لها في كل عام بنفسين: نفس في الشتاء ونفس
في الصيف).
أخرجه البخاري في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 9 - باب الابراد بالظهر في شدة الحر.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 32 - باب استحباب الابراد بالظهر في شدة
الحر، حديث 180 و 185
29 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا اشتد الحر، فأبردوا عن الصلاة. فإن شدة الحر من فيح جهنم).
أخرجه البخاري في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 9 - باب الابراد بالظهر في شدة الحر.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 32 - باب استحباب الابراد بالظهر في شدة
الحر، حديث 180

28 - (أبردوا) الابراد - انكسار الوهج والحر. وهو من الابراد، الدخول في البرد. وقيل معناه صلوها
في أول وقتها، من برد النهار، وهو أوله. (عن الصلاة) أي صلاة الظهر، لأنها التي يشتد الحر غالبا في أول
وقتها. (وذكر) أي النبي صلى الله عليه وسلم. فهو بالاسناد المذكور، وقد أفرده مسلم من طريق آخر عن أبي هريرة.
(فأذن بها في كل عام بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف) قال عياض: قيل معناه أنها إذا تنفست
في الصيف قوى لهب تنفسها حر الشمس، وإذا تنفست في الشتاء دفع حرها شدة البرد إلى الأرض.
16

(8) باب النهى عنه دخول المسجد بريح الثوم، وتغطية الفم
30 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (من أكل من هذه الشجرة، فلا يقرب مساجدنا. يؤذينا بريح الثوم).
وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن المجبر، أنه كان يرى سالم بن عبد الله، إذا
رأى الانسان يغطى فاه، وهو يصلى، جبذ الثوب عن فيه جبذا شديدا، حتى ينزعه عن فيه.
هذا مرسل، وقد وصله مسلم عن أبي هريرة في:
5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 17 - باب نهى من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا، حديث 71

30 - (من أكل من هذه الشجرة) يعنى الثوم. وفيه مجاز. لان المعروف لغة، أن الشجر ماله ساق.
وما لا ساق له، فنجم. وبه فسر ابن عباس - والنجم والشجر يسجدان -. (جبذ الثوب) الجبذ، لغة
في الجذب، وقيل هو مقلوب.
17

2 - كتاب الطهارة
(1) باب العمل في الوضوء
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أنه قال لعبد الله
ابن زيد بن عاصم، وهو جد عمرو بن يحيى المازني، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل
تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد بن عاصم: نعم.
فدعا بوضوء. فأفرغ على يده، فغسل يديه مرتين مرتين، ثم تمضمض، واستنثر ثلاثا.
ثم غسل وجهه ثلاثا. ثم غسل يديه مرتين مرتين، إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه،
فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما، حتى رجع إلى المكان
الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه.
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء، 38 - باب مسح الرأس كله.
ومسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 7 - باب في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، حديث 18 - و 19.

(كتاب الطهارة)
1 - (بوضوء) بفتح الواو، هو ما يتوضأ به. (فأفرغ) صب. (استنثر) فيه إطلاق الاستنثار
على الاستنشاق لأنه يستلزمه، بلا عكس، وقال النووي: الذي عليه جمهور أهل اللغة وغيرهم أن الاستنشاق غير
الاستنثار. مأخوذ من النثرة، وهي طرف الأنف. فالاستنشاق إيصال الماء إلى داخل الانف، وجذب بالنفس
إلى أقصاه. والاستنثار اخراج الماء من الانف بعد الاستنشاق. (إلى المرفقين) تثنية مرفق بكسر الميم وفتح
الفاء، وبفتح الميم وكسر الفاء، لغتان مشهورتان. وهو العظم الناتئ في آخر الذراع، سمى به لأنه يرتفق به
في الاتكاء ونحوه. وذهب جمهور العلماء إلى دخولهما في غسل اليدين. (فأقبل بهما وأدبر) قال القاضي عياض:
قيل معناه أقبل إلى جهة قفاه ورجع. وقيل المراد أدبر وأقبل، والواو لا تقتضي رتبة، قال: وهذا أولى.
(ثم غسل رجليه) أي إلى الكعبين. والكعبان هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم، من كل رجل.
18

2 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء، ثم لينثر، ومن استجمر فليوتر).
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء 26 - باب الاستجمار وترا.
ومسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 8 - باب الايتار في الاستنثار والاستجمار، حديث 20
3 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر).
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء، 25 - باب الاستنثار في الوضوء.
ومسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 8 - باب الايتار في الاستنثار والاستجمار، حديث 22
4 - قال يحيى: سمعت مالكا يقول، في الرجل يتمضمض ويستنثر من غرفة واحدة:
إنه لا بأس بذلك.
5 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه، أن عبد الرحمن بن أبي بكر قد دخل على عائشة،
زوج النبي صلى الله عليه وسلم، يوم مات سعد بن أبي وقاص، فدعا بوضوء. فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن!

2 - (لينثر) نثر الرجل وانتثر واستنثر، إذا حرك النثرة في الطهارة، وهي طرف الأنف. وقال عياض:
هو من النثر وهو الطرح. وهو هنا طرح الماء الذي تنشق منه، قبل، ليخرج ما تعلق به من قذر الانف.
(استجمر) الاستجمار هو المسح بالجمار، وهي الأحجار الصغار، ومنه سميت جمار الرمي.
(فليوتر) أي اجعلها فردا، إما واحدة أو ثلاثة أو خمسة.
3 - (فليستنثر) بأن يخرج ما في أنفه بعد الاستنشاق لما فيه من تنقية مجرى النفس.
4 - (من غرفة واحدة) في الست مرات. (أنه لا بأس بذلك) أي يجوز، وإن كان الأفضل خلافه.
5 - (فدعا بوضوء) أي بما يتوضأ به.
(أسبغ الوضوء) إسباغه هو إبلاغه مواضعه، وإيفاء كل عضو حقه. (ويل) هلكة وخيبة. وورد
مرفوعا في صحيح ابن حبان، من حديث أبي سعيد (ويل واد في جهنم). قال الحافظ: وجاز الابتداء بالنكرة
لأنه دعاء. (للأعقاب) جمع عقب، وهو مؤخر القدم.
19

أسبغ الوضوء. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ويل للأعقاب من النار).
أخرجه مسلم موصولا في: 2 - كتاب الطهارة، 9 - باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما، حديث 25.
6 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن محمد بن طحلاء، عن عثمان بن عبد الرحمن، أن
أباه حدثه، أنه سمع عمر بن الخطاب يتوضأ بالماء لما تحت إزاره.
7 - قال يحيى: سئل مالك عن رجل توضأ فنسي، فغسل وجهه قبل أن
يتمضمض، أو غسل ذراعيه قبل أن يغسل وجهه، فقال: أما الذي غسل وجهه قبل أن
يتمضمض، فليمضمض ولا يعد غسل وجهه. وأما الذي غسل ذراعيه قبل وجهه، فليغسل
وجهه ثم ليعد غسل ذراعيه، حتى يكون غسلهما بعد وجهه، إذا كان ذلك في مكانه،
أو بحضرة ذلك.
8 - قال يحيى: وسئل مالك عن رجل نسي أن يتمضمض ويستنثر حتى صلى. قال:

6 - (يتوضأ) يتطهر. (لما تحت إزاره) كناية عن موضع الاستنجاء تأدبا. أي أنه بالماء أفضل منه
بالحجر.
7 - (أو بحضرة ذلك) أي بقربه. فإن بعد، بأن جفت، أعاد المنسى وحده، فيغسل وجهه ولا يعيد غسل ذراعيه.
8 - (ليس عليه أن يعيد صلاته) لأنهما من سنن الوضوء. فما على تاركهما، ولو عمدا، إعادة.
20

ليس عليه أن يعيد صلاته. وليمضمض ويستنثر ما يستقبل، إن كان يريد أن يصلى.
(2) باب وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة
9 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه، فإن
أحدكم لا يدرى أين باتت يده).
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء، 26 - باب الاستجمار وترا.
ومسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 26 - باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها
في الاناء، حديث 87 و 88
10 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، أن عمر بن الخطاب قال: إذا نام أحدكم
مضطجعا فليتوضأ.
وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، أن تفسير هذه الآية - يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم
إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى
الكعبين - أن ذلك إذا قمتم من المضاجع، يعنى النوم.

9 - (في وضوئه) أي في الماء الذي في الاناء المعد للوضوء.
10 - (إلى المرافق) أي معها، كما بينته السنة. (وامسحوا برءوسكم) أي رؤوسكم كلها بالماء،
فزيدت الباء لتفيد ممسوحا به. (إلى الكعبين) أي معهما، كما بينته السنة.
21

11 - قال يحيى، قال مالك: الامر عندنا أنه لا يتوضأ من رعاف، ولا من دم، ولا
من قيح يسيل من الجسد، ولا يتوضأ إلا من حدث يخرج من ذكر، أو دبر، أو نوم.
وحدثني عن مالك، عن نافع، أن ابن عمر كان ينام جالسا، ثم يصلى ولا يتوضأ.
(3) باب الطهور للوضوء
12 - حدثني يحيى عن مالك، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة، من آل
بنى الأزرق، عن المغيرة بن أبي بردة، وهو من بنى عبد الدار. أنه سمع أبا هريرة يقول:
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل
من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه،
الحل ميتته).
رواه أبو داود في: 1 - كتاب الطهارة، 41 - باب الوضوء بماء البحر.
والترمذي في: 1 - كتاب الطهارة، 52 - باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور.
والنسائي في: 1 - كتاب الطهارة، 47 - باب ماء البحر.
وابن ماجة في: 1 - كتاب الطهارة، 38 - باب الوضوء بماء البحر.
13 - وحدثني عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن حميدة بنت

11 - (رعاف) خروج الدم من الانف. (دم) خرج من الجسد، ولو بحجامة وفصد.
(حدث يخرج من ذكر) وهو البول والمذي، والمنى في بعض أحواله. (أو دبر) وهو الغائط والريح،
ولو بلا صوت. (أو نوم) ثقيل.
12 - (البحر) هو الملح. (الطهور) البالغ في الطهارة. (الحل) الحلال.
13 - (فأصغى) أمال. (أنظر إليه) نظر المنكر أو المتعجب. (ليست بنجس) وصف بالمصدر
فيستوى فيه المذكر والمؤنث. (من الطوافين عليكم) أي الذين يداخلونكم ويخالطونكم. (أو
الطوافات) شك من الراوي، أو تنويع. أي ذكورها من ذكور من يطوف، وإناثها من الإناث. (لا بأس
به) أي يجوز الوضوء بما شربت منه.
22

أبى عبيدة بن فروة، عن خالتها، كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت تحت ابن أبي قتادة
الأنصاري، أنها أخبرتها: أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا. فجاءت هرة لتشرب
منه، فأصغى لها الاناء حتى شربت.
قالت كبشة: فرآني أنظر إليه. فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ قالت: فقلت، نعم.
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم
أو الطوافات).
أخرجه أبو داود في: 1 - كتاب الطهارة، 38 - باب سؤر الهرة.
والترمذي في: 1 - كتاب الطهارة، 69 - باب ما جاء في سؤر الهرة.
والنسائي في: 1 - كتاب الطهارة، 54 - باب سؤر الهرة.
وابن ماجة في: 1 - كتاب الطهارة، 32 - باب الوضوء بسؤر الهرة والرخصة في ذلك.
قال: يحيى: قال مالك: لا بأس به، إلا أن يرى على فمها نجاسة.
14 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي،
عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أن عمر بن الخطاب خرج في ركب، فيهم عمرو بن العاص،
حتى وردوا حوضا. فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض! هل ترد حوضك السباع؟

14 - (هل ترد حوضك السباع) للشرب منه، فنمتنع عنه.
(لا تخبرنا) واتركنا على اليقين الأصلي، الذي لا يزول بالشك العارض. (فإنا نرد على السباع وترد علينا)
أي أنه أمر لا بد منه. وهي طاهرة، لا ينجس الماء بشربها منه.
23

فقال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض! لا تخبرنا، فإنا نرد على السباع، وترد علينا.
15 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: إن كان الرجال
والنساء، في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتوضؤون جميعا.
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء، 43 - باب وضوء الرجل مع امرأته.
(4) باب ما لا يجب منه الوضوء
16 - حدثني يحيى عن مالك، عن محمد بن عمارة، عن محمد بن إبراهيم، عن أم ولد
لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أنها سألت أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني
امرأة أطيل ذيلي، وأمشي في المكان القذر. قالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطهره
ما بعده).
أخرجه أبو داود في: 1 - كتاب الطهارة، 137 - باب الأذى يصيب الذيل.
والترمذي في: 1 - كتاب الطهارة، 109 - باب ما جاء في الوضوء من الموطأ.
وابن ماجة في: 1 - كتاب الطهارة، 79 - باب الأرض يطهر بعضها بعضا.

15 - (إن) مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، أي إنه. (ليتوضؤون جميعا) قال الرافعي:
يريد، كل رجل مع امرأته، وأنهما كانا يأخذان من إناء واحد. وكذلك ورد في بعض الروايات. قال السيوطي:
ما تكلم على هذا الحديث أحد أحسن من الرافعي، فلقد خلط فيه جماعة. وأقول أنا: هذا ما فهمه الامام
البخاري من هذا الحديث بدليل أنه ترجم له (باب وضوء الرجل مع امرأته).
24

17 - وحدثني عن مالك، أنه رأى ربيعة بن عبد الرحمن يقلس مرارا، وهو في المسجد،
فلا ينصرف، ولا يتوضأ، حتى يصلى.
قال يحيى: وسئل مالك عن رجل قلس طعاما، هل عليه وضوء؟ فقال: ليس عليه وضوء.
وليتمضمض من ذلك، وليغسل فاه.
18 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر حنط ابنا لسعيد بن زيد، وحمله
ثم دخل المسجد، فصلى ولم يتوضأ.
قال يحيى: وسئل مالك، هل في القئ وضوء؟ قال: لا. ولكن، ليتمضمض من ذلك،
وليغسل فاه، وليس عليه وضوء.
(5) باب ترك الوضوء مما مسته النار
19 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن
عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ.
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء، 50 - باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق.
ومسلم في: 3 - كتاب الحيض، 24 - باب نسخ الوضوء مما مست النار، حديث 91.

17 - (يقلس) القلس والقلس ما خرج من الجوف ملء الفم أو دونه، وليس بقئ. فإن عاد فهو القئ.
18 - (حنط) أي طيب بالحنوط، وهو كل شئ خلط من الطيب للميت خاصة.
19 - (ثم صلى ولم يتوضأ) هذا نص في أن لا وضوء مما مست النار.
25

20 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، مولى بنى حارثة،
عن سويد بن النعمان، أنه أخبره أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عام خيبر. حتى إذا كانوا
بالصهباء، وهي من أدنى خيبر، نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى العصر. ثم دعا بالأزواد، فلم
يؤت إلا بالسويق، فأمر به فثرى. فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكلنا. ثم قام إلى المغرب
فمضمض ومضمضنا. ثم صلى ولم يتوضأ.
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء، 51 - باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ.
21 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن المنكدر، وعن صفوان بن سليم، أنهما أخبراه
عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير، أنه تعشى مع عمر
ابن الخطاب، ثم صلى ولم يتوضأ.
22 - وحدثني عن مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن أبان بن عثمان، أن عثمان
ابن عفان أكل خبزا ولحما، ثم مضمض، وغسل يديه، ومسح بهما وجهه، ثم صلى ولم يتوضأ.
وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس، كانا لا يتوضآن
مما مست النار.

20 - (الصهباء) موضع أسفل خيبر، أي طرفها مما يلي المدينة. (بالأزواد) جمع زاد، وهو
ما يؤكل في السفر. (السويق) الناعم من دقيق الحنطة والشعير. (ثرى) بل بالماء، لما لحقه من اليبس.
26

23 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سأل عبد الله بن عامر بن ربيعة،
عن الرجل يتوضأ للصلاة، ثم يصيب طعاما قد مسته النار، أيتوضأ؟ قال رأيت أبى يفعل
ذلك ولا يتوضأ.
24 - وحدثني يحيى عن مالك، عن أبي نعيم وهب بن كيسان، سمع جابر بن
عبد الله الأنصاري، يقول: رأيت أبا بكر الصديق، أكل لحما وثم صلى ولم يتوضأ.
25 - وحدثني عن مالك عن محمد بن المنكدر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعى لطعام،
فقرب إليه خبز ولحم، فأكل منه، ثم توضأ وصلى. ثم أتى بفضل ذلك الطعام، فأكل
منه ثم صلى ولم يتوضأ.
هذا حديث مرسل
وقد وصله أبو داود عن جابر في: 1 - كتاب الطهارة، 74 - باب في ترك الوضوء مما مست النار.
والترمذي في: 1 - كتاب الطهارة، 59 - باب في ترك الوضوء مما غيرت النار.
26 - وحدثني عن مالك، عن موسى بن عقبة، عن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري،
أن أنس بن مالك قدم من العراق، فدخل عليه أبو طلحة وأبي بن كعب، فقرب لهما طعاما

24 - (ثم صلى ولم يتوضأ) هؤلاء الخلفاء الأربع، الذين رويت عنهم هذه الأحاديث الأربعة، قد فعلوا
ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم. فدل على نسخ الوضوء مما مست النار. وقد قال مالك: إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان
مختلفان، وعمل أبو بكر وعمر بأحدهما، دل على أن الحق ما عملا به.
26 - قال ابن عبد البر، عند هذا الحديث: مرسلات مالك كلها صحيحة مسندة.
(أعراقية) أي أبالعراق استفدت هذا العلم، وتركت عمل أهل المدينة المتلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم؟.
27

قد مسته النار، فأكلوا منه. فقام أنس فتوضأ. فقال أبو طلحة وأبي بن كعب: ما هذا
يا أنس؟ أعراقية؟ فقال أنس: ليتني لم أفعل. وقام أبو طلحة وأبي بن كعب، فصليا ولم
يتوضئا.
(6) باب جامع الوضوء
27 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل
عن الاستطابة، فقال: (أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار؟).
هذا حديث مرسل
وصله أبو داود عن عائشة في: 1 - كتاب الطهارة، 21 - باب الاستنجاء بالحجارة.
والنسائي في: 1 - كتاب الطهارة، 40 - باب الاجتزاء في الاستطابة بالحجارة دون غيرها.
28 - وحدثني عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة. أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج إلى المقبرة، فقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين،

27 - (الاستطابة) طلب الطيب. قال أهل اللغة: الاستطابة الاستنجاء. يقال استطاب وأطاب إطابة
أيضا. لان المستنجى تطيب نفسه بإزالة الخبث عن المخرج. وهي والاستنجاء والاستجمار بمعنى واحد، إلا أن الاستجمار
لا يكون إلا بالأحجار، والآخران يكونان بالماء ويكونان بالأحجار.
28 - (المقبرة) بتثليث الباء، والكسر أقلها. موضع القبور. (دار قوم مؤمنين) نصب على
الاختصاص، أو النداء المضاف، والأول أظهر. ويصح الجر على البدل من الكاف والميم في - عليكم -.
والمراد بالدار على هذين الوجهين الأخيرين الجماعة، أو أهل الدار. وعلى الأول مثله، أو المنزل.
(وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) قال الامام النووي وغيره: للعلماء، في إتيانه بالاستثناء، مع أن الموت
لا شك فيه، أقوال، أظهرها أنه ليس للشك وإنما هو للتبرك، وامتثال أمر الله فيه. قال أبو عمر بن عبد البر:
الاستثناء قد يكون في الواجب، لا شكا. كقوله تعالى - لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله - ولا يضاف الشك
إلى الله. (قد رأيت إخواننا) في الحياة الدنيا، ويحتمل تمنى لقائهم بعد الموت. (بل أنتم أصحابي) لم
ينف بذلك أخوتهم ولكن ذكر مزيتهم الزائدة بالصحبة، واختصاصهم بها. فهؤلاء إخوة صحابة، والذين لم يأتوا
إخوة ليسوا بصحابة. (فرطهم) يريد أنه يتقدمهم إليه، ويجدونه عنده. يقال فرطت القوم، إذا تقدمتهم لترتاد
لهم الماء وتهيئ لهم الدلاء والرشاء. وافترط فلان ابنا له، أي تقدم له ابن. وقيل معناه أنا أمامكم وأنتم ورائي،
لأنه يتقدم أمته شافعا وعلى الحوض. (أرأيت) أي أخبرني. (غر) جمع أغر، ذو غرة، وهي بياض في
جبهة الفرس. (محجلة) من التحجيل، وهو بياض في ثلاثة قوائم من قوائم الفرس، وأصله من الحجال،
وهو الخلخال. (دهم) جمع أدهم، والدهمة السواد. (بهم) جمع بهيم، قيل هو الأسود أيضا، وقيل الذي
لا يخالط لونه لون سواه، سواء كان أسود أو أبيض أو أحمر، بل يكون لونه خالصا.
(بلى) حرف إيجاب، يرفع حكم النفي ويوجب نقيضه أبدا. (غرا) أصل الغرة لمعة بيضاء في جبهة
الفرس، ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر، والمراد هنا النور الكائن في وجوه أمته صلى الله عليه وسلم.
(محجلين) من التحجيل، والمراد النور أيضا.
(وأنا فرطهم) متقدمهم السابق. (لا يذادن) لا يطردن. أي لا يفعلن أحد فعلا يذاد به عن حوضي.
(البعير) يطلق على الذكر والأنثى من الإبل. بخلاف الجمل، فإنه الذكر. كالانسان والرجل.
(الضال) الذي لا رب له فيسقيه.
(هلم) يستوى فيه الجمع والمفرد والمذكر والمؤنث، ومنه - والقائلين لإخوانهم هلم إلينا - أي تعالوا (بدلوا بعدك)
قيل معناه غيروا سنتك. قال ابن عبد البر: كل من أحدث في الدين ما لا يرضاه الله فهو من المطرودين
عن الحوض. وأشدهم من خالف جماعة المسلمين، كالخوارج والروافض وأصحاب الأهواء. وكذلك الظلمة المسرفون
في الجور وطمس الحق، المعلنون بالكبائر. فكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر.
(فسحقا) بسكون الحاء وضمها، لغتان. أي بعدا. وهو منصوب على تقدير ألزمهم الله سحقا، أو سحقهم
سحقا.
28

وإنا، إن شاء الله، بكم لاحقون. وددت أنى قد رأيت إخواننا) فقالوا: يا رسول الله! ألسنا
بإخوانك؟ قال (بل أنتم أصحابي. وإخواننا الذين لم يأتوا بعد. وأنا فرطهم على الحوض)
فقالوا: يا رسول الله! كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: (أرأيت لو كان لرجل
خيل غر محجلة، في خيل دهم بهم، ألا يعرف خيله؟) قالوا: بلى، يا رسول الله! قال:
فإنهم يأتون يوم القيامة، غرا محجلين، من الوضوء. وأنا فرطهم على الحوض. فلا يذادن
رجال عن حوضي، كما يذاد البعير الضال،
29

أناديهم: ألا هلم! إلا هلم! ألا هلم! فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك. فأقول: فسحقا. فسحقا.
فسحقا).
أخرجه مسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 12 - باب استحباب الغرة والتحجيل في الوضوء، حديث 39.
29 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن حمران، مولى عثمان بن
عفان، أن عثمان بن عفان جلس على المقاعد. فجاء المؤذن فآذنه بصلاة العصر. فدعا بماء
فتوضأ. ثم قال: والله لأحدثنكم حديثا، لولا أنه في كتاب الله ما حدثتكموه. ثم قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من امرئ يتوضأ، فيحسن وضوءه، ثم يصلى الصلاة،
إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها).
قال يحيى: قال مالك: أراه يريد هذه الآية - أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل

29 - (المقاعد) هي مصاطب حول المسجد. وقيل حجارة بقرب دار عثمان يقعد عليها مع الناس. قال عياض:
ولفظها يقتضى أنها مواضع جرت العادة بالقعود فيها. (فآذنه) أعلمه. (لولا أنه في كتاب الله ما حدثتكموه)
قال في الفتح: إن النون تصحيف من بعض رواته، نشأ من زيادة مسلم والموطأ - في كتاب الله - ورواه البخاري
(لولا آية ما حدثتكموه). (الصلاة الأخرى) أي التي تليها. (أراه) أي أظن عثمان.
(يريد هذه الآية أقم الصلاة) في الصحيحين عن عروة أن الآية - إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات
والهدى - 2 / البقرة / 159 - والمعنى لولا آية تمنع من كتمان شئ من العلم ما حدثتكم به. وهذا هو الصحيح.
لان عروة، راوي الحديث، ذكره بالجزم فهو أولى. أي لان مالكا ظنه.
30

إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين -.
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء، 24 - باب الوضوء ثلاثا ثلاثا.
ومسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 4 - باب فضل الوضوء والصلاة عقبه، حديث 6.
30 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ العبد المؤمن، فتمضمض، خرجت الخطايا من فيه. وإذا
استنثر خرجت الخطايا من أنفه. فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه. حتى تخرج
من تحت أشفار عينيه. فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه. حتى تخرج من تحت أظفار
يديه. فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه. فإذا غسل رجليه
خرجت الخطايا من رجليه. حتى تخرج من تحت أظفار رجليه). قال: (ثم كان مشيه إلى
المسجد، وصلاته نافلة له).
أخرجه النسائي في: 1 - كتاب الطهارة، 85 - باب مسح الاذنين مع الرأس.
وابن ماجة في: 1 - كتاب الطهارة، 6 - باب ثواب الطهور.

30 - (خرجت الخطايا من فيه) قال عياض: ذكر خروج الخطايا استعارة لحصول المغفرة عند ذلك.
لا أن الخطايا في الحقيقة شئ يحل في الماء، أي لأنها ليست بأجسام، ولا كائنة في أجسام، فتخرج حقيقة.
(استنثر) استفعل، أخرج ماء الاستنشاق. (أشفار عينيه) قال ابن قتيبة: والعامة تجعل أشفار العين
الشعر، وهو غلط. وإنما الأشفار حروف العين التي ينبت عليها الشعر، والشعر الهدب.
(أظفار) جمع ظفر، بضمتين، على أفصح لغاته. (نافلة) أي زيادة له في الاجر، على خروج الخطايا
وغفرانها.
31

31 - وحدثني عن مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ العبد المسلم (أو المؤمن) فغسل وجهه، خرجت من وجهه
كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء). فإذا غسل يديه، خرجت
من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء). فإذا غسل رجليه
خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء). حتى يخرج نقيا من
الذنوب).
أخرجه مسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 11 - باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء، حديث 32.
32 - وحدثني عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك،
أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس وضوءا فلم يجدوه.
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء في إناء. فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الاناء يده. ثم أمر الناس
يتوضؤون منه. قال أنس: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه. فتوضأ الناس حتى توضئوا
من عند آخرهم.
أخرجه البخاري في: 4 كتاب الوضوء، 32 - باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة.
ومسلم في: 43 - كتاب الفضائل، 3 - باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، حديث 5

31 - (بطشتها) أي عملتها. والبطش الاخذ بعنف. وبطشت اليد إذا عملت فهي باطشة، وبابه ضرب.
(مشتها رجلاه) أي مشى لها بهما، أو مشت فيها. قال تعالى - كلما أضاء لهم مشوا فيه - فالضمير يرجع
إلى خطيئة، ونصب بنزع الخافض. أو هو مصدر أي مشت المشية رجلاه. (نقيا) أي نظيفا.
32 - (وحانت) قربت. (وضوءا) أي ما يتوضؤون به. (منه) أي من ذلك الاناء.
(ينبع) بضم الباء، ويجوز كسرها وفتحها. أي يخرج. (حتى توضئوا من عند آخرهم) حتى للتدريج
و - من - للبيان. أي توضأ الناس حتى توضأ الذين هم عند آخرهم. وهو كناية عن جميعهم. و - عند - بمعنى
- في -. لان - عند - وإن كانت للظرفية الخاصة، لكن المبالغة تقتضي أن تكون لمطلق الظرفية، فكأنه قال:
الذين هم في آخرهم. قال عياض: نبع الماء رواه الثقات من العدد الكثير والجم الغفير عن الكافة، متصلة
بالصحابة. وكان ذلك في مواطن اجتماع الكثير منهم في المحافل، ومجامع العساكر. ولم يرد عن أحد منهم
إنكار على راوي ذلك، فهذا النوع ملحق بالقطعي من معجزاته.
32

33 - وحدثني عن مالك، عن نعيم بن عبد الله المدني المجمر، أنه سمع أبا هريرة
يقول: من توضأ فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدا إلى الصلاة، فإنه في صلاة ما دام يعمد إلى
الصلاة. وإنه يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة، ويمحى عنه بالأخرى سيئة. فإذا سمع
أحدكم الإقامة فلا يسع. فإن أعظمكم أجرا أبعدكم دارا. قالوا: لم يا أبا هريرة؟ قال:
من أجل كثرة الخطأ.
قال ابن عبد البر: قال مالك وغيره: كان نعيم يوقف كثيرا من أحاديث أبي هريرة. ومثل هذا الحديث لا يقال من جهة الرأي
فهو مسند.
وقد ورد معناه من حديث أبي هريرة وغيره بأسانيد صحاح.
34 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب يسأل عن
الوضوء من الغائط بالماء. فقال سعيد: إنما ذلك وضوء النساء.

33 - (ما دام يعمد إلى الصلاة) أي ما دام مستمرا على ما يقصد. (فلا يسع) أي لا يسرع ولا يعجل
في مشيته، بل يمشي على هينته لئلا يخرج عن الوقار المشروع في إتيان الصلاة. (كثرة الخطى) جمع خطوة،
وفيه فضل الدار البعيدة عن المسجد.
34 - (إنما ذلك وضوء النساء) يريد أن الاستجمار بالحجارة يجزى الرجل. وإنما يكون، أي يتعين،
الاستنجاء بالماء للنساء. وهذا لا يراه مالك ولا أكثر أهل العلم.
33

35 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات).
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء، 33 - باب الماء الذي يغسل به شعر الانسان.
ومسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 27 - باب حكم ولوغ الكلب، حديث 90
36 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (استقيموا ولن تحصوا.
واعملوا، وخير أعمالكم الصلاة. ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن).
هذا مرسل. وقد قال ابن عبد البر في (التقصي) هذا يستند ويتصل من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم من
طرق صحاح.
وأقول: أخرجه ابن ماجة في: 1 - كتاب الطهارة، 4 - باب المحافظة على الوضوء.
(7) باب ما جاء في المسح بالرأس والاذنين
37 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يأخذ الماء بأصبعيه
لاذنيه.

36 - (استقيموا ولن تحصوا) أي لا تزيغوا وتميلوا عما سن لكم وفرض عليكم، وليتكم تطيقون ذلك.
أو استقيموا على الطريق الحسنى، وسددوا وقاربوا، فإنكم لن تطيقوا الإحاطة في الاعمال، ولابد للمخلوق من
تقصير وملال. (إلا مؤمن) أي كامل الايمان.
37 - قال الباجي: يحتمل أن يأخذ الماء بأصبعين من كل يد، فيمسح بهما أذنيه، نحو حديث ابن عباس،
أن باطن الاذنين يمسح بالسبابة وظاهرهما بالابهام.
34

38 - وحدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن جابر بن عبد الله الأنصاري، سئل عن.
المسح على العمامة، فقال: لا. حتى يمسح الشعر بالماء.
39 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، أن أبا عروة بن الزبير كان ينزع
العمامة، ويمسح رأسه بالماء.
40 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أنه رأى صفية بنت أبي عبيد، امرأة عبد الله
ابن عمر، تنزع خمارها، وتمسح على رأسها بالماء. ونافع يومئذ صغير.
وسئل مالك عن المسح على العمامة والخمار. فقال: لا ينبغي أن يمسح الرجل ولا المرأة
على عمامة ولا خمار، وليمسحا على رؤوسهما.
وسئل مالك عن رجل توضأ، فنسي أن يمسح على رأسه، حتى جف وضوءه؟ قال: أرى
أن يمسح برأسه. وإن كان قد صلى، أن يعيد الصلاة.
(8) باب ما جاء في المسح على الخفين
41 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عباد بن زياد، من ولد المغيرة بن

41 - (ذهب لحاجته) أي لقضاء حاجة الانسان. (تبوك) مكان بينه وبين المدينة من جهة الشام أربع عشرة
مرحلة، وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة. (الجبة) ما قطع من الثياب مشمرا. قاله في المشارق.
35

شعبة، عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب لحاجته في غزوة تبوك.
قال المغيرة: فذهبت معه بماء، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسكبت عليه الماء، فغسل وجهه. ثم
ذهب يخرج يديه من كمي جبته، فلم يستطع من ضيق كمي الجبة. فأخرجهما من تحت
الجبة. فغسل يديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الرحمن
ابن عوف يؤمهم، وقد صلى بهم ركعة، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعة التي بقيت عليهم،
ففزع الناس. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (أحسنتم).
أخرجه البخاري في: 64 - كتاب المغازي، 81 - باب حدثنا يحيى بن بكير.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 22 - باب تقديم الجماعة من يصلى بهم إذا تأخر الامام، حديث 105
42 - وحدثني عن مالك، عن نافع، وعبد الله بن دينار، أنهما أخبراه أن عبد الله بن عمر
قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص، وهو أميرها، فرآه عبد الله بن عمر يمسح على الخفين.
فأنكر ذلك عليه. فقال له سعد: سل أباك إذا قدمت عليه. فقدم عبد الله، فنسي أن يسأل
عمر عن ذلك، حتى قدم سعد. فقال: أسألت أباك؟ فقال: لا. فسأله عبد الله. فقال عمر: إذا
أدخلت رجليك في الخفين، وهما طاهرتان، فامسح عليهما. قال عبد الله: وإن جاء أحدنا من
الغائط؟ فقال عمر: نعم. وإن جاء أحدكم من الغائط.
43 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر بال في السوق. ثم توضأ، فغسل
36

وجهه، ويديه، ومسح رأسه. ثم دعى لجنازة ليصلى عليها حين دخل المسجد، فمسح على
خفيه، ثم صلى عليها.
44 - وحدثني عن مالك، عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش، أنه قال: رأيت أنس
ابن مالك أتى قبا فبال. ثم أتى بوضوء فتوضأ. فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين. ومسح
برأسه. ومسح على الخفين. ثم جاء المسجد فصلى.
قال يحيى: وسئل مالك عن رجل توضأ وضوء الصلاة، ثم لبس خفيه، ثم بال، ثم نزعهما،
ثم ردهما في رجليه. أيستأنف الوضوء؟ فقال: لينزع خفيه، وليغسل رجليه. وإنما يمسح
على الخفين، من أدخل رجليه في الخفين وهما طاهرتان بطهر الوضوء. وأما من أدخل رجليه
في الخفين وهما غير طاهرتين بطهر الوضوء، فلا يمسح على الخفين.
قال: وسئل مالك عن رجل توضأ وعليه خفاه، فسها عن المسح على الخفين، حتى جف
وضوءه وصلى. قال: ليمسح على خفيه، وليعد الصلاة، ولا يعيد الوضوء.
وسئل مالك عن رجل غسل قدميه، ثم لبس خفيه، ثم استأنف الوضوء. فقال: لينزع
خفيه، ثم ليتوضأ، وليغسل رجليه.
37

(9) باب العمل في المسح على الخفين
45 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، أنه رأى أباه يمسح على الخفين.
قال: وكان لا يزيد إذا مسح على الخفين، على أن يمسح ظهورهما. ولا يمسح بطونهما.
وحدثني عن مالك، أنه سأل ابن شهاب عن المسح على الخفين كيف هو؟ فأدخل ابن شهاب
إحدى يديه تحت الخف، والأخرى فوقه، ثم أمرهما.
قال يحيى: قال مالك: وقول ابن شهاب أحب ما سمعت، إلي في ذلك.
(10) باب ما جاء في الرعاف
46 - حدثني يحيى عن مالك عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا رعف، انصرف
فتوضأ، ثم رجع فبنى ولم يتكلم.
47 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن عباس، كان يرعف فيخرج فيغسل
الدم عنه، ثم يرجع فيبنى على ما قد صلى.
48 - وحدثني عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي، أنه رأى سعيد بن

46 - (رعف) كنصر ومنع وكرم وعنى وسمع: خرج من أنفه الدم، رعفا ورعافا. والرعاف أيضا الدم
بعينه. (فبنى) أي على ما صلى.
38

المسيب رعف وهو يصلى، فأتى حجرة أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بوضوء فتوضأ.
ثم رجع فبنى على ما قد صلى.
(11) باب العمل في الرعاف
49 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي، أنه قال: رأيت
سعيد بن المسيب يرعف، فيخرج منه الدم، حتى تختضب أصابعه من الدم الذي يخرج
من أنفه، ثم يصلى، ولا يتوضأ.
50 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن المجبر، أنه رأى سالم بن عبد الله يخرج
من أنفه الدم، حتى تختضب أصابعه، ثم يفتله، ثم يصلى ولا يتوضأ.
(12) باب العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو رعاف
51 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن المسور بن مخرمة،
أخبره، أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها. فأيقظ عمر لصلاة الصبح. فقال

50 - (يفتله) يحركه.
51 - (يثعب دما) قال ابن الأثير أي يجرى.
39

عمر: نعم. ولاحظ في الاسلام لمن ترك الصلاة. فصلى عمر، وجرحه يثعب دما.
52 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن سعيد بن المسيب قال: ما ترون فيمن
غلبه الدم من رعاف فلم ينقطع عنه؟ قال مالك: قال يحيى بن سعيد: ثم قال سعيد بن المسيب:
أرى أن يومئ برأسه إيماء.
قال يحيى: قال مالك: وذلك أحب ما سمعت، إلي في ذلك.
(13) باب الوضوء من المذي
53 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي النضر، مولى عمر بن عبيد الله، عن سليمان
ابن يسار، عن المقداد بن الأسود، أن علي بن أبي طالب أمره أن يسأل له رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الرجل، إذا دنا من أهله، فخرج منه المذي، ماذا عليه؟ قال علي: فإن عندي ابنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أستحي أن أسأله. قال المقداد: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ذلك،
فقال: (إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه بالماء وليتوضأ وضوءه للصلاة).
قال ابن عبد البر: هذا إسناد ليس بمتصل. لان سليمان بن يسار لم يسمع من المقداد ولا من علي. ثم قال:
وبين سليمان وعلي في هذا الحديث، ابن عباس.
قلت: أخرجه مسلم عن ابن عباس في: 3 - كتاب الحيض، 4 - باب المذي، حديث 19.

53 - (فلينضح) أي ليغسله. قال في النهاية: يرد النضح بمعنى الغسل والإزالة، وأصل الرشح. ويطلق
على الرش.
40

54 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب قال: إني
لأجده ينحدر منى مثل الخريزة. فإذا وجد ذلك أحدكم فليغسل ذكره، وليتوضأ وضوءه
للصلاة. يعنى المذي.
55 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن جندب، مولى عبد الله بن عياش، أنه
قال: سألت عبد الله بن عمر عن المذي، فقال: إذا وجدته، فاغسل فرجك، وتوضأ
وضوءك للصلاة.
(14) باب الرخصة في ترك الوضوء من المذي
56 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه سمعه،
ورجل يسأله، فقال: إني لأجد البلل وأنا أصلى، أفأنصرف؟ فقال له سعيد: لو سال على
فخذي ما انصرفت حتى أقضى صلاتي.
57 - وحدثني عن مالك، عن الصلت بن زييد، أنه قال: سألت سليمان بن يسار عن
البلل أجده، فقال: انضح ما تحت ثوبك بالماء، واله عنه.

54 - (الخريزة) تصغير خرزة، الجوهرة.
57 - (ما تحت ثوبك) أي إزارك، أو سروالك.
41

(15) باب الوضوء من مس الفرج
58 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم،
أنه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم، فتذاكرنا ما يكون منه
الوضوء. فقال مروان: ومن مس الذكر الوضوء. فقال عروة: ما علمت هذا. فقال مروان
ابن الحكم: أخبرتني بسرة بنت صفوان، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مس
أحدكم ذكره فليتوضأ).
أخرجه أبو داود في: 1 - كتاب الطهارة، 69 - باب الوضوء من مس الذكر.
والترمذي في: 1 - كتاب الطهارة، 61 - باب الوضوء من مس الذكر.
والنسائي في: 1 - كتاب الطهارة، 118 - باب الوضوء من مس الذكر.
وابن ماجة في: 1 - كتاب الطهارة، 63 - باب الوضوء من مس الذكر.
59 - وحدثني عن مالك، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن مصعب
ابن سعد بن أبي وقاص، أنه قال: كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص،
فاحتككت. فقال سعد: لعلك مسست ذكرك؟ قال: فقلت نعم. فقال: قم، فتوضأ.
فقمت، فتوضأت، ثم رجعت.
60 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: إذا مس أحدكم
ذكره فقد وجب عليه الوضوء.
42

61 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان يقول: من مس
ذكره فقد وجب عليه الوضوء.
62 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أنه قال: رأيت أبى،
عبد الله بن عمر، يغتسل ثم يتوضأ. فقلت له: يا أبت! أما يجزيك الغسل من الوضوء؟ قال:
بلى. ولكني أحيانا أمس ذكرى، فأتوضأ.
63 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن سالم بن عبد الله، أنه قال: كنت مع عبد الله
ابن عمر في سفر، فرأيته، بعد أن طلعت الشمس، توضأ ثم صلى. قال: فقلت له: إن هذه
لصلاة ما كنت تصليها. قال: إني بعد أن توضأت لصلاة الصبح مسست فرجى. ثم نسيت
أن أتوضأ، وعدت لصلاتي.
(16) باب الوضوء من قبلة الرجل امرأته
64 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عبد الله
ابن عمر، أنه كان يقول: قبلة الرجل امرأته، وجسها بيده، من الملامسة. فمن قبل
امرأته، أو جسها بيده، فعليه الوضوء.
43

65 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول: من قبلة الرجل
امرأته الوضوء.
66 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أنه كان يقول: من قبلة الرجل امرأته
الوضوء.
قال نافع: قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي.
(17) باب العمل في غسل الجنابة
67 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان، إذا اغتسل من الجنابة، بدأ بغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ
للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء، فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات
بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله.
أخرجه البخاري في: 5 - كتاب الغسل، 1 - باب الوضوء قبل الغسل.
ومسلم في: 3 - كتاب الحيض، 9 - باب صفة غسل الجنابة، حديث 35.
68 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين،

67 - (من الجنابة) أي بسببها. (على جلده كله) أي على بدنه.
68 - (الفرق) بفتحتين عند جميع الرواة. أما مقداره فقال سفيان بن عيينة: الفرق ثلاثة آصع. قال النووي:
وكذلك قال الجماهير. وقيل صاعان.
44

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يغتسل من إناء، هو الفرق، من الجنابة.
أخرجه البخاري في: 5 - كتاب الغسل، 2 - باب غسل الرجل مع امرأته.
ومسلم في: 3 - كتاب الحيض، 10 - باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة، حديث 41.
69 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا اغتسل من الجنابة،
بدأ فأفرغ على يده اليمنى، فغسلها. ثم غسل فرجه. ثم مضمض واستنثر. ثم غسل وجهه.
ونضح في عينيه. ثم غسل يده اليمنى، ثم اليسرى. ثم غسل رأسه. ثم اغتسل، وأفاض
عليه الماء.
70 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عائشة سئلت عن غسل المرأة من الجنابة، فقالت:
لتحفن على رأسها ثلاث حفنات من الماء، ولتضغث رأسها بيديها.
(18) باب واجب الغسل إذا التقى الختانان
71 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب

69 - (فأفرغ) أي صب الماء. (مضمض) بيمينه. (واستنثر) بشماله، بعد ما استنشق بيمينه.
(ونضح) أي رش الماء.
70 - (لتحفن) الفعل كضرب، والحفنة ملء اليدين من الماء. (ولتضغث) قال ابن الأثير:
الضغث معالجة شعر الرأس باليد عند الغسل، كأنها تخلط بعضه ببعض، ليدخل فيه الغسول والماء.
71 - (إذا مس الختان) أي موضع القطع من الذكر. (الختان) أي موضعه من فرج الأنثى، وهو مشاكلة،
لأنه إنما سمى خفاضا، لغة.
45

وعثمان بن عفان، وعائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا يقولون: إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل.
72 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر، مولى عمر بن عبيد الله، عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن بن عوف، أنه قال: سألت عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ما يوجب الغسل؟ فقالت:
هل تدرى ما مثلك يا أبا سلمة؟ مثل الفروج، يسمع الديكة تصرخ، فيصرخ معها. إذا جاوز
الختان الختان فقد وجب الغسل.
ورد متصلا عن عائشة.
أخرجه الترمذي في: 1 - كتاب الطهارة، 80 - باب ما جاء إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل.
73 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن أبا موسى
الأشعري أتى عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها: لقد شق علي اختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،
في أمر، إني لأعظم أن أستقبلك به. فقالت: ما هو؟ ما كنت سائلا عنه أمك، فسلني عنه.
فقال: الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل؟ فقالت: إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب
الغسل. فقال أبو موسى الأشعري: لا أسأل عن هذا أحدا، بعدك أبدا.
قال ابن عبد البر في كتابه (التقصي): هذا الحديث موقوف.
وقد ورد متصلا. أخرجه مسلم في: 3 - كتاب الحيض، 22 - باب نسخ (الماء من الماء) ووجوب الغسل
بالتقاء الختانين، حديث 88.

72 - (الفروج) فرخ الدجاج. (الديكة) بزنة عنبة، جمع ديك. ويجمع على ديوك. ذكر الدجاج.
73 - (الرجل يصيب أهله) يجامع حليلته. (يكسل) قال ابن الأثير: أكسل الرجل إذا جامع ثم
أدركه فتور فلم ينزل. ومعناه صار ذا كسل.
46

74 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن كعب، مولى عثمان
ابن عفان، أن محمود بن لبيد الأنصاري، سأل زيد بن ثابت، عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل
ولا ينزل؟ فقال زيد: يغتسل. فقال له محمود: إن أبي بن كعب، كان لا يرى الغسل. فقال له
زيد بن ثابت: إن أبي بن كعب نزع عن ذلك، قبل أن يموت.
75 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: إذا جاوز الختان
الختان، فقد وجب الغسل.
(19) باب وضوء الجنب إذا أراد أن ينام أو يطعم قبل أن يغتسل
76 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أنه قال:
ذكر عمر بن الخطاب، لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه يصيبه جنابة من الليل. فقال له رسول الله
(توضأ، واغسل ذكرك، ثم نم).
أخرجه البخاري في: 5 - كتاب الغسل، 27 - باب الجنب يتوضأ ثم ينام.
ومسلم في: 3 - كتاب الحيض، 6 - باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له، حديث 25.
77 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم،

74 - (نزع) أي كف وأقلع ورجع.
76 - (جنابة من الليل) أي في الليل. كقوله - من يوم الجمعة - أي فيه.
77 - (إذا أصاب أحدكم المرأة) أي جامعها. من - أصاب بغيته - أي نالها.
47

أنها كانت تقول: إذا أصاب أحدكم المرأة، ثم أراد أن ينام قبل أن يغتسل، فلا ينم حتى
يتوضأ وضوءه للصلاة.
ورد متصلا عن عائشة:
أخرجه البخاري في: 5 - كتاب الغسل، 27 - باب الجنب يتوضأ ثم ينام.
ومسلم في: 3 - كتاب الحيض، 6 - باب نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد
أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع، حديث 21 و 22
78 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر، كان إذا أراد أن ينام، أو يطعم،
وهو جنب، غسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه، ثم طعم، أو نام.
(20) باب إعادة الجنب الصلاة. وغسله إذا صلى ولم يذكر. وغسله ثوبه
79 حدثني - يحيى، عن مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم، أن عطاء بن يسار أخبره
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كبر في صلاة من الصلوات، ثم أشار إليهم بيده أن امكثوا. فذهب،
ثم رجع وعلى جلده أثر الماء.
هذا مرسل. ورواه الشيخان عن أبي هريرة.
فأخرجه البخاري في: 5 - كتاب الغسل، 17 - باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ولا يتيمم.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 29 - باب متى يقوم الناس للصلاة، حديث
157 و 158.
48

80 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن زييد بن الصلت، أنه قال:
خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف، فنظر فإذا هو قد احتلم، وصلى ولم يغتسل. فقال:
والله ما أراني إلا احتلمت وما شعرت، وصليت وما اغتسلت. قال: فاغتسل، وغسل ما رأى
في ثوبه، ونضح ما لم ير، وأذن أو أقام، ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنا.
81 - وحدثني عن مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن سليمان بن يسار، أن عمر
ابن الخطاب غدا إلى أرضه بالجرف، فوجد في ثوبه احتلاما. فقال: لقد ابتليت بالاحتلام
منذ وليت أمر الناس. فاغتسل، وغسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام، ثم صلى بعد أن
طلعت الشمس.
82 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، أن عمر بن الخطاب
صلى بالناس الصبح. ثم غدا إلى أرضه بالجرف. فوجد في ثوبه احتلاما. فقال: إنا لما أصبنا
الودك لانت العروق. فاغتسل، وغسل الاحتلام من ثوبه، وعاد لصلاته.

80 - (الجرف) بضم الجيم والراء، على ثلاثة أميال من المدينة من جانب الشام. (قد احتلم) أي
رأى في ثوبه أثر الاحتلام، وهو المنى. (ما شعرت) بفتحتين، أي ما علمت. (ونضح) أي رش.
(بعد ارتفاع الضحى متمكنا) أي في الارتفاع.
82 - (الودك) بفتحين، دسم اللحم والشحم، وهو ما يتحلب من ذلك. (وعاد لصلاته) أي أعادها
لبطلانها. وفى إعادته وحده، دون من صلى خلفه، دليل على أن لا إعادة على من صلى خلف جنب أو محدث
إذا لم يعلموا، وكان الامام ناسيا. فإن كان عالما بطلت صلاتهم.
49

83 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن
ابن حاطب، أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب، في ركب فيهم عمرو بن العاص. وأن عمر
ابن الخطاب عرس ببعض الطريق، قريبا من بعض المياه. فاحتلم عمر، وقد كاد أن يصبح،
فلم يجد مع الركب ماء. فركب، حتى جاء الماء. فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام،
حتى أسفر. فقال له عمرو بن العاص: أصبحت ومعنا ثياب، فدع ثوبك يغسل. فقال عمر
ابن الخطاب: واعجبا لك يا عمرو بن العاص! لئن كنت تجد ثيابا أفكل الناس يجد ثيابا؟
والله لو فعلتها لكانت سنة. بل أغسل ما رأيت، وأنضح ما لم أر.
قال مالك، في رجل وجد في ثوبه أثر احتلام، ولا يدرى متى كان، ولا يذكر شيئا
رأى في منامه. قال: ليغتسل من أحدث نوم نامه. فإن كان صلى بعد ذلك النوم، فليعد
ما كان صلى بعد ذلك النوم. من أجل أن الرجل ربما احتلم، ولا يرى شيئا، ويرى ولا
يحتلم. فإذا وجد في ثوبه ماء، فعليه الغسل. وذلك أن عمر أعاد ما كان صلى، لآخر نوم
نامه، ولم يعد ما كان قبله.

83 - (عرس) نزل آخر الليل للاستراحة. (ربما احتلم) رأى أنه يجامع. (ولا يرى شيئا) أي
منيا. (ويرى) المنى في ثوبه. (ولا يحتلم) لا يرى أنه يجامع.
50

(21) باب غسل المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل
84 - حدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، أن أم سليم قالت
لرسول الله صلى الله عليه وسلم: المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل، أتغتسل؟ فقال لها رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (نعم. فلتغتسل) فقالت لها عائشة: أف لك! وهل ترى ذلك المرأة؟ فقال لها
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تربت يمينك. ومن أين يكون الشبه؟).
أخرجه مسلم في: 3 - كتاب الحيض، 7 - باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المنى منها، حديث 30.
85 - حدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن
أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: جاءت أم سليم، امرأة أبى طلحة الأنصاري، إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحيى من الحق، هل على المرأة من غسل

84 - (أف لك) قال الباجي: قولها أف لك، على معنى الانكار لقولها والاغلاظ عليها، لما أخبرت به
عن النساء. وقال القاضي عياض: أف لك، أي استحقارا لك. وهي كلمة تستعمل في الاستحقار والاستقذار.
وأصل آلاف وسخ الأظفار. (تربت يمينك) قال النووي: في هذه اللفظة خلاف كثير منتشر جدا، للسلف
والخلف، من الطوائف كلها. والأصح الأقوى الذي عليه المحققون في معناها أن أصلها افتقرت. ولكن العرب
اعتادت استعمالها غير قاصدة حقيقة معناها، فيقولون: تربت يداك، وقاتله الله ما أشجعه، ولا أم له، ولا أب
له، وثكلته أمه، وويل أمه، وما أشبه هذا، عند إنكار الشئ، أو الزجر عنه، أو الذم عليه، أو استعظامه،
أو الحث عليه، أو الاعجاب به. (الشبه) بفتح الشين والباء، وبكسر الشين وسكون الباء. أي شبه
الابن لاحد أبويه أو لأقاربه.
85 - (لا يستحيي من الحق) أي لا يأمر بالحياء فيه، أو لا يمتنع من ذكره امتناع المستحيي. والمعنى أن
الحياء لا ينبغي أن يمنع من طلب الحق ومعرفته.
(إذا رأت الماء) أي المنى، بعد الاستيقاظ.
51

إذا هي احتلمت؟ فقال: (نعم. إذا رأت الماء).
أخرجه البخاري في: 3 - كتاب العلم، 50 - باب الحياء في العلم.
ومسلم في: 3 - كتاب الحيض، 7 - باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المنى منها، حديث 32.
(22) باب جامع غسل الجنابة
86 - حدثني يحيى، عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر، كان يقول: لا بأس أن
يغتسل بفضل المرأة، ما لم تكن حائضا، أو جنبا.
87 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر، كان يعرق في الثوب وهو
جنب ثم يصلى فيه.
88 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر، كان يغسل جواريه رجليه،
ويعطينه الخمرة، وهن حيض.

86 - (لا بأس) لا يجوز.
88 - (الخمرة) قال الطبري: مصلى صغير يعمل من سعف النخل، سمى بذلك لسترها الوجه والكفين
من حر الأرض وبردها. فإن كانت كبيرة سميت حصيرا. وزاد في النهاية: ولا يكون خمرة إلا في هذا المقدار،
وسميت خمرة لان خيوطها مستورة بسعفها. وقال الخطابي: هي السجادة التي يسجد عليها المصلى، سميت خمرة
لأنها تغطي الوجه. (حيض) جمع حائض.
52

وسئل مالك عن رجل له نسوة وجواري، هل يطؤهن جميعا قبل أن يغتسل؟ فقال:
لا بأس بأن يصيب الرجل جاريتيه قبل أن يغتسل. فأما النساء الحرائر، فيكره أن يصيب
الرجل المرأة الحرة في يوم الأخرى. فأما أن يصيب الجارية، ثم يصيب الأخرى وهو جنب،
فلا بأس بذلك.
وسئل مالك عن رجل جنب، وضع له ماء يغتسل به، فسها، فأدخل أصبعه فيه،
ليعرف حر الماء من برده. قال مالك: إن لم يكن أصاب أصبعه أذى، فلا أرى ذلك ينجس
عليه الماء.
(23) هذا باب في التيمم
89 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين،
أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات
الجيش، انقطع عقد لي. فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه. وأقام الناس معه. وليسوا على ماء.
وليس معهم ماء. فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟
أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالناس وليسوا على ماء. وليس معهم ماء. قالت عائشة: فجاء
أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي، قد نام. فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم

89 - (بالبيداء) الشرف الذي قدام ذي الحليفة من طريق مكة. (بذات الجيش) موضع على بريد
من المدينة، وبينها وبين العقيق سبعة أميال. (على التماسه) أي لأجل طلبه. (حبست) منعت.
(فقال ما شاء الله أن يقول) فقال حبست الناس في قلادة، وفى كل مرة تكونين عناء وبلاء على الناس.
(خاصرتي) أي الشاكلة. وخصر الانسان وسطه. (فأنزل الله تعالى آية التيمم) قال ابن العربي:
هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء. لأنا لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة. وقال ابن بطال: هي آية النساء أو
المائدة. وقال القرطبي هي آية النساء، لان آية المائدة تسمى آية الوضوء، وآية النساء لا ذكر للوضوء فيها.
وأورد الواحدي، في أسباب النزول، هذا الحديث، عند ذكر آية النساء. وقال الحافظ - في الفتح -
وخفى على الجميع ما ظهر للبخاري أنها آية المائدة، بلا تردد. لرواية عمرو بن الحارث، عن عبد الرحمن بن القاسم
عند البخاري في التفسير، إذ قال فيها: فنزلت آية - يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة - الآية. واستدل به
على أن الوضوء كان واجبا قبل نزول الآية، ولذا استعظموا نزولهم على غير ماء.
(فبعثنا البعير) أي أثرناه. (الذي كنت عليه) أي حالة السير.
53

والناس وليسوا على ماء. وليس معهم ماء. قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، فقال ما شاء الله
أن يقول. وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول
الله صلى الله عليه وسلم على فخذي. فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء. فأنزل الله تبارك وتعالى
آية التيمم. فتيمموا. فقال أسيد بن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر.
قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته.
أخرجه البخاري في: 7 - كتاب التيمم، 1 - باب قول الله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا.
ومسلم في: 3 - كتاب الحيض، 28 - باب التيمم، حديث 108.
وسئل مالك عن رجل تيمم لصلاة حضرت، ثم حضرت صلاة أخرى، أيتيمم لها أم يكفيه
تيممه ذلك؟ فقال: بل يتيمم لكل صلاة. لان عليه أن يبتغى الماء لكل صلاة. فمن ابتغى
الماء فلم يجده، فإنه يتيمم.
54

وسئل مالك عن رجل تيمم، أيؤم أصحابه وهم على وضوء؟ قال: يؤمهم غيره أحب إلي.
ولو أمهم هو لم أر بذلك بأسا.
قال يحيى، قال مالك في رجل تيمم حين لم يجد ماء، فقام وكبر، ودخل في الصلاة،
فطلع عليه انسان معه ماء؟ قال: لا يقطع صلاته، بل يتمها بالتيمم، وليتوضأ لما يستقبل
من الصلوات.
قال يحيى، قال مالك: من قام إلى الصلاة، فلم يجد ماء، فعمل بما أمره الله به من التيمم،
فقد أطاع الله. وليس الذي وجد الماء، بأطهر منه، ولا أتم صلاة. لاتهما أمرا جميعا.
فكل عمل بما أمره الله به. وإنما العمل بما أمر الله به من الوضوء، لمن وجد الماء. والتيمم،
لمن لم يجد الماء. قبل أن يدخل في الصلاة.
وقال مالك في الرجل الجنب: إنه يتيمم، ويقرأ حزبه من القرآن، ويتنفل، ما لم يجد
ماء. وإنما ذلك في المكان الذي يجوز له أن يصلى فيه بالتيمم.
55

(24) باب العمل في التيمم
90 - حدثني يحيى، عن مالك، عن نافع، أنه أقبل هو وعبد الله بن عمر، من الجرف.
حتى إذا كانا بالمربد، نزل عبد الله فتيمم صعيدا طيبا، فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين،
ثم صلى.
91 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يتيمم إلى المرفقين.
وسئل مالك كيف التيمم وأين يبلغ به؟ فقال: يضرب ضربة للوجه، وضربة لليدين،
ويمسحهما إلى المرفقين.
(25) باب تيمم الجنب
92 - حدثني يحيى، عن مالك، عن عبد الرحمن بن حرملة، أن رجلا سأل سعيد بن المسيب،
عن الرجل الجنب يتيمم ثم يدرك الماء؟ فقال سعيد: إذا أدرك الماء، فعليه الغسل لما يستقبل.
قال مالك، فيمن احتلم وهو في سفر، ولا يقدر من الماء، إلا على قدر الوضوء، وهو

90 - (بالمربد) بكسر الميم وسكون الراء وموحدة مفتوحة، على ميل أو ميلين من المدينة.
92 - (صعيدا) الصعيد وجه الأرض، كان عليه تراب أو لم يكن. وإنما سمى صعيدا لأنه نهاية ما يصعد إليه من
الأرض. (طيبا) طاهرا. (سبخة) أرض مالحة لا تكاد تنبت. وإذا وصفت الأرض قلت أرض سبخة،
بكسر الموحدة، أي ذات سباخ.
56

لا يعطش حتى يأتي الماء. قال: يغسل بذلك فرجه، وما أصابه من ذلك الأذى، ثم يتيمم
صعيدا طيبا، كما أمره الله.
وسئل مالك عن رجل جنب، أراد أن يتيمم فلم يجد ترابا إلا تراب سبخة، هل يتيمم
بالسباخ؟ وهل تكره الصلاة في السباخ؟ قال مالك: لا بأس بالصلاة في السباخ، والتيمم
منها. لان الله تبارك وتعالى قال - فتيمموا صعيدا طيبا - فكل ما كان صعيدا فهو يتيمم به.
سباخا كان أو غيره.
(26) باب ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض
93 - حدثني يحيى، عن مالك، عن زيد بن أسلم، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتشد عليها إزارها، ثم شأنك
بأعلاها).
قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا رواه بهذا اللفظ مسندا، ومعناه صحيح ثابت.
وقال الزرقاني: رواه أبو داود عن عبد الله بن سعد الأنصاري.
وقلت: أخرجه أبو داود في: 1 - كتاب الطهارة، 82 - باب في المذي.

93 - (لتشد عليها إزارها) ما تأتزر به في وسطها. (ثم شأنك) أي دونك. (بأعلاها) استمتع
به إن شئت. وجعل المئزر قطعا للذريعة.
57

94 - وحدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
كانت مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد. وإنها قد وثبت وثبة شديدة. فقال لها
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مالك؟ لعلك نفست) يعنى الحيضة. فقالت: نعم. قال: (شدي على نفسك
إزارك، ثم عودي إلى مضجعك).
قال ابن عبد البر: لم يختلف رواة الموطأ في إرسال هذا الحديث. ولا أعلم أنه روى بهذا اللفظ من حديث
عائشة البتة. ويتصل معناه من حديث أم سلمة.
قلت: حديث أم سلمة أخرجه البخاري في: 6 - كتاب الحيض، 4 - باب من سمى النفاس حيضا.
ومسلم في: 3 - كتاب الحيض، 2 - باب الاضطجاع مع الحائض في لحاف
واحد، حديث 5.
95 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، أرسل إلى عائشة،
يسألها: هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض؟ فقالت: لتشد إزارها على أسفلها، ثم يباشرها
إن شاء.
96 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن سالم بن عبد الله، وسليمان بن يسار، سئلا
عن الحائض، هل يصيبها زوجها إذا رأت الطهر قبل أن تغتسل؟ فقالا: لا. حتى تغتسل.

94 - (مضطجعة) نائمة على جنبها.
(مالك) أي شئ حدث لك حتى وثبت. (نفست) بفتح النون وكسر الفاء، أي حضت. وأما
الولادة فبضم النون. وأصله خروج الدم وهو يسمى نفسا. (مضجعك) موضع ضجوعك.
95 - (على أسفلها) أي ما بين سرتها وركبتها. (يباشرها) بالعناق ونحوه. فالمراد بالمباشرة. هنا
التقاء البشرتين، لا الجماع.
58

(27) باب طهر الحائض
97 - حدثني يحيى عن مالك، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، مولاة عائشة أم المؤمنين،
أنها قالت: كان النساء يبعثن إلى عائشة أم المؤمنين، بالدرجة فيها الكرسف، فيه الصفرة
من دم الحيضة، يسألنها عن الصلاة. فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء. تريد،
بذلك، الطهر من الحيضة.
98 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمته، عن ابنة زيد بن ثابت،
أنه بلغها، أن نساء كن يدعون بالمصابيح من جوف الليل، ينظرن إلى الطهر. فكانت
تعيب ذلك عليهن. وتقول: ما كان النساء يصنعن هذا.
99 - وسئل مالك: عن الحائض تطهر فلا تجد ماء، هل تتيمم؟ قال: نعم. لتتيمم.
فإن مثلها مثل الجنب، إذا لم يجد ماء تيمم.

97 - (بالدرجة) جمع درج. والمراد وعاء أو خرقة. وفى النهاية: هو كالسفط الصغير تضع فيه المرأة
خف متاعها وطيبها. (الكرسف) القطن. واخترن القطن لبياضه، ولأنه ينشف الرطوبة فيظهر فيه من
آثار الدم ما لا يظهر في غيره. (القصة البيضاء) ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض. قال مالك:
سألت النساء عنه فإذا هو أمر معلوم يرينه عندهن عند الطهر.
59

(28) باب جامع الحيضة
100 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت، في المرأة
الحامل ترى الدم: أنها تدع الصلاة.
101 - وحدثني عن مالك، أنه سأل ابن شهاب، عن المرأة الحامل ترى الدم؟ قال:
تكف عن الصلاة.
قال يحيى قال مالك: وذلك الامر عندنا.
102 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
أنها قالت: كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض.
أخرجه البخاري في: 6 - كتاب الحيض، 2 - باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله.
ومسلم في: 3 - كتاب الحيض، 3 - باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله، حديث 9
103 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن فاطمة بنت المنذر
ابن الزبير، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق، أنها قالت: سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم

102 - (أرجل) أمشط، والترجيل: تسريح الشعر وتنظيفه.
103 - (أرأيت) استفهام بمعنى الامر، اشتراكهما في الطلب. أي أخبرني. وحكمة العدول سلوك
الأدب. ويجب لهذه التاء، إذا لم تتصل بها الكاف، ما يجب لها مع سائر الأفعال من تذكير وتأنيث وتثنية
وجمع. (فلتقرصه) ومعناه تأخذ الماء وتغمزه بإصبعها للغسل. وقال النووي: معناه تقطعه بأطراف الأصابع
مع الماء ليتحلل. (لتنضحه) أي تغسله. قال القرطبي: المراد به الرش، لان غسل الدم استفيد من قوله
- تقرصه -، وأما النضح فهو لما شكت فيه من الثوب.
60

فقالت: أرأيت إحدانا، إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة، كيف تصنع فيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ثم لتصل فيه).
أخرجه البخاري في: 6 - كتاب الحيض، 9 - باب غسل دم المحيض.
ومسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 33 - باب نجاسة الدم وكيفية غسله، حديث 110
(29) باب المستحاضة
104 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش: يا رسول الله! إني لا أطهر، أفأدع
الصلاة؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة
فاتركي الصلاة. فإذا ذهب قدرها، فاغسلي الدم عنك وصلى).
أخرجه البخاري في: 6 - كتاب الحيض، 8 - باب الاستحاضة
ومسلم في: 3 - كتاب الحيض، 14 - باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، حديث 62.

104 - (لا أطهر) أي لا ينقطع عنى الدم. (أفأدع الصلاة) أي أتركها. (عرق) يسمى بالعاذل
(فإذا ذهب قدرها) أي قدر الحيضة على ما قدره الشرع، أو على ما تراه المرأة باجتهادها، أو على ما تقدم من
عادتها في حيضتها.
61

105 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، زوج
النبي صلى الله عليه وسلم، أن امرأة كانت تهراق الدماء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت لها أم سلمة
رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: (لتنظر إلى عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر،
قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر. فإذا خلفت ذلك فلتغتسل،
ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصلى.
أخرجه أبو داود في: 1 - كتاب الطهارة، 107 - باب في المرأة تستحاض.
والنسائي في: 3 - كتاب الحيض والاستحاضة، 3 - باب المرأة يكون لها أيام معلومة تحيضها كل شهر.
106 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة،
إنها رأت زينب بنت جحش، التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تستحاض،
فكانت تغتسل وتصلى.

105 - (تهراق الدماء) قال الفيومي في المصباح: راق الماء والدم وغيره ريقا، من باب باع، انصب.
ويتعدى بالهمزة، فيقال أراقه صاحبه، والفاعل مريق والمفعول مراق. وتبدل الهمزة هاء فيقال هراقه، والأصل
هريقه، وزان دحرجه، ولهذا تفتح الهاء من المضارع فيقال يهريقه، كما تفتح الدال من - يدحرجه -. ووافقه
المجد على ذلك. (خلفت) أي تركت أيام الحيض الذي كانت تعهده وراءها. (لتستثفر) أي تشد فرجها.
(بثوب) خرقة عريضة، بعد أن تحتشى قطنا. وتوثق طرفي الخرقة في شئ تشده على وسطها، فيمنع
بذلك سيل الدم. مأخوذ من ثفر الدابة، الذي يجعل تحت ذنبها. وقيل مأخوذ من الثفر، وهو الفرج. وإن
كان أصله للسباع، فاستعير لغيرها. (ثم لتصلى) بإثبات الياء، للاشباع.
وفيه، أن حكم المستحاضة حكم الطاهرة، في الصلاة وغيرها كصيام واعتكاف وقراءة ومس مصحف وحمله
وسجود تلاوة وسائر العبادات. وهذا أمر مجمع عليه.
106 - (زينب بيت جحش) ليست هي أم المؤمنين وإنما هي أم حبيبة. وأما أختها أم المؤمنين فلم يكن
اسمها الأصلي زينب، وإنما كان اسمها برة، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم. (كانت تستحاض) الاستحاضة دم غالب
ليس بالحيض. واستحيضت المرأة، فهي مستحاضة، مبنيا للمفعول.
62

107 - وحدثني عن مالك، عن سمى، مولى أبى بكر بن عبد الرحمن، أن القعقاع بن
حكيم، وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب، يسأله كيف تغتسل المستحاضة؟
فقال: تغتسل من طهر إلى طهر، وتتوضأ لكل صلاة، فإن غلبها الدم استثفرت.
108 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: ليس على المستحاضة
إلا أن تغتسل غسلا واحدا، ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة.
قال يحيى، قال مالك: الامر عندنا، أن المستحاضة إذا صلت، أن لزوجها أن يصيبها.
وكذلك النفساء، إذا بلغت أقصى ما يمسك النساء الدم، فإن رأت الدم بعد ذلك، فإنه
يصيبها زوجها، وإنما هي بمنزلة المستحاضة.
قال يحيى، قال مالك: الامر عندنا في المستحاضة، على حديث هشام بن عروة عن أبيه.
وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك.

107 - (من طهر إلى طهر) وقت انقطاع الحيض. وروى (من ظهر إلى ظهر) ومعناه عند ابن العربي
أنه، إذا سقط لأجل المشقة اغتسالها لكل صلاة، فلا أقل من الاغتسال مرة في كل يوم عند الظهر، في وقت
دف ء النهار، وذلك للتنظيف.
63

(30) باب ما جاء في بول الصبي
109 - حدثني يحيى، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بصبي فبال على ثوبه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء
فأتبعه إياه.
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء، 59 - باب بول الصبيان.
ومسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 31 - باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله، حديث 101
110 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد بن عبد الله بن عتبة بن مسعود،
عن أم قيس بنت محصن، أنها أتت بابن لها صغير، لم يأكل الطعام، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأجلسه في حجرة، فبال على ثوبه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء، فنضحه ولم يغسله.
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء، 59 - باب بول الصبيان.
ومسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 31 - باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله، حديث 103
(31) باب ما جاء في البول قائما وغيره
111 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: دخل أعرابي المسجد،
فكشف عن فرجه ليبول، فصاح الناس به، حتى علا الصوت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

109 - (فأتبعه إياه) إي أتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، البول الذي على الثوب، الماء، بصبه عليه.
110 - (حجره) بفتح الحاء على الأشهر، وتكسر وتضم. وهو الحضن. (فنضحه) صب الماء
عليه. والنضح لغة، يقال للرش ولصب الماء أيضا. (ولم يغسله) أي لم يعركه.
111 - (بذنوب) هو الدلو ملأى بالماء، قاله الخليل. وقال ابن فارس: الدلو العظيمة. وقال ابن السكيت: فيها ماء
قريب من المل ء. ولا يقال لها، وهي فارغة، ذنوب.
64

(اتركوه) فتركوه، فبال. ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء، فصب على ذلك
المكان.
مرسل
وصله البخاري في: 4 - كتاب الوضوء، 58 - باب صب الماء على البول في المسجد.
ومسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 30 - باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات، إذا حصلت
في المسجد، حديث 99.
112 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر يبول
قائما.
قال يحيى: وسئل مالك عن غسل الفرج من البول والغائط، هل جاء فيه أثر؟ فقال:
بلغني أن بعض من مضى كانوا يتوضؤن من الغائط. وأنا أحب أن أغسل الفرج من البول.
(32) باب ما جاء في السواك
113 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن ابن السباق، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال، في جمعة من الجمع: (يا معشر المسلمين! إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا. ومن كان

112 - (يتوضؤن من الغائط) يغسلون الدبر.
113 - (فاغتسلوا) استنانا مؤكدا.
(وعليكم بالسواك) أي ألزموه، لتأكد استحبابه.
65

عنده طيب فلا يضره أن يمس منه. وعليكم بالسواك).
وصله ابن ماجة في: 5 - كتاب إقامة الصلاة، 83 - باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة.
114 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك).
أخرجه البخاري في: 11 - كتاب الجمعة، 8 - باب السواك يوم الجمعة.
ومسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 15 - باب السواك، حديث 42.
115 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، أنه قال: لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك، مع كل وضوء.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث يدخل في المسند لاتصاله من غير ما وجه، ولما يدل عليه اللفظ.

114 - (أشق) أثقل. يقال: شققت عليه، إذا أدخلت عليه المشقة. (لأمرتهم بالسواك) أي باستعماله.
66

3 - كتاب الصلاة
(1) باب ما جاء في النداء للصلاة
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أراد
أن يتخذ خشبتين، يضرب بهما ليجتمع الناس للصلاة. فأرى عبد الله بن زيد الأنصاري، ثم
من بنى الحارث بن الخزرج، خشبتين في النوم. فقال إن هاتين لنحو مما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقيل: ألا تؤذنون للصلاة؟ فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين استيقظ، فذكر له ذلك. فأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأذان.
أخرجه أبو داود في: 2 - كتاب الصلاة، 28 - باب كيف الأذان.
والترمذي في: 2 - كتاب الصلاة، 25 - باب ما جاء في بدء الأذان.
وابن ماجة في: 3 - كتاب الأذان، 1 - باب بدء الأذان.
2 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 7 - باب ما يقول إذا سمع المنادى.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 7 - باب القول مثل قول المؤذن، حديث 10.

1 - (خشبتين) هما الناقوس، وهو خشبة طويلة، تضرب بخشبة أصغر منها، فيخرج منهما صوت.
2 - (النداء) أي الأذان. سمى به لأنه نداء إلى الصلاة، ودعاء إليها.
67

3 - وحدثني عن مالك، عن سمى، مولى أبى بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح السمان،
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم
لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه، لاستهموا. ولو يعلمون في التهجير لاستبقوا إليه. ولو
يعلمون ما في العتمة والصبح لاتوهما ولو حبوا).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 9 - باب الاستهام في الأذان.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها، حديث 129.
4 - وحدثني عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، وإسحاق
ابن عبد الله، أنهما أخبراه، أنهما سمعا أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ثوب
بالصلاة، فلا تأتوها وأنتم تسعون. وأتوها، وعليكم السكينة. فما أدركتم فصلوا.

3 - (النداء) الأذان. (الصف الأول) قال ابن عبد البر. لا أعلم خلافا أن من بكر وانتظر الصلاة،
وإن لم يصل في الصف الأول، أفضل ممن تأخر وصلى في الصف الأول. (يستهموا) يقترعوا.
(عليه) أي على ما ذكر من الامرين، ليشمل الأذان والصف. (لاستهموا) اقترعوا. ومنه قوله
تعالى - فساهم فكان من المدحضين - قال الخطابي وغيره: قيل له استهام لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام
إذا اختلفوا في شئ. فمن خرج اسمه غلب. (التهجير) أي التبكير إلى الصلوات، أي صلاة كانت.
وحمله الخليل والباجي وغيرهما على ظاهره. فقالوا: المراد الاتيان إلى صلاة الظهر في أول الوقت. لان التهجير
مشتق من الهاجرة وهي شدة الحر نصف النهار، وهو أول وقت الظهر. وإلى ذلك مال البخاري.
(لاستبقوا إليه) قال ابن أبي جمرة: المراد الاستباق معنى، لا حسا. لان المسابقة على الاقدام، حسا، تقتضي
السرعة في المشي، وهو ممنوع منه. (العتمة) العشاء. (والصبح) قال الباجي: خص هاتين
الصلاتين بذلك لان السعي إليهما أشق من غيرهما. (حبوا) أي مشيا على اليدين والركبتين. أو على مقعدته.
4 - (ثوب) قال النووي: معناه أقيمت. وسميت الإقامة تثويبا لأنها دعاء إلى الصلاة بعد الدعاء بالأذان.
من قولهم ثاب، إذا رجع. (تسعون) تمشون بسرعة. (وعليكم السكينة) ضبطه القرطبي بالنصب
على الاغراء. والنووي بالرفع على أنها جملة في موضع الحال.
(ما كان) أي مدة كونه. (يعمد) يقصد.
68

وما فاتكم فأتموا. فإن أحدكم في صلاة، ما كان يعمد إلى الصلاة).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 21 - باب لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة والوقار.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 28 - باب استحباب إتيان الصلاة بوقار
وسكينة، حديث 151 - 155.
5 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة
الأنصاري، ثم المازني، عن أبيه، أنه أخبره: أن أبا سعيد الخدري قال له: إني أراك تحب
الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك، أو باديتك، فأذنت بالصلاة، فارفع صوتك بالنداء،
فإنه (لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس، ولا شئ، إلا شهد له يوم القيامة).
قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 5 - باب رفع الصوت بالنداء.
6 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان، له ضراط، حتى لا يسمع النداء. فإذا قضى
النداء، أقبل. حتى إذا ثوب بالصلاة، أدبر. حتى إذا قضى التثويب، أقبل. حتى يخطر

5 - (والبادية) أي لأجل الغنم. لان محبها يحتاج إلى إصلاحها بالمرعى، وهو الغالب يكون في
البادية، وهي الصحراء التي لا عمارة فيها. (في غنمك أو باديتك) يحتمل أن - أو - شك من الراوي.
وأنها للتنويع. لان الغنم قد لا تكون في البادية. وقد يكون في البادية حيث لا غنم. (فأذنت بالصلاة) أي
أعلمت بوقتها. (مدى) أي غاية.
6 - (إذا نودي للصلاة) أي لأجلها. (حتى إذا ثوب بالصلاة) المراد بالتثويب، هنا، الإقامة.
(يخطر) بكسر الطاء، كما ضبطه القاضي عياض عن المتقنين. وقال: انه الوجه. ومعناه يوسوس. وأصله
من خطر البعير بذنبه، إذا حركه فضرب به فخذيه. قال: وسمعناه من أكثر الرواة بضم الطاء، ومعناه
المرور. أي يدنو منه فيمر بينه وبين قلبه، فيشغله عما هو فيه. (بين المرء ونفسه) أي قلبه.
(لما لم يكن يذكر) أي لشئ لم يكن على ذكره قبل دخوله في الصلاة. (حتى يظل الرجل) ومعناه في
الأصل اتصاف المخبر عنه بالخبر نهارا. لكنها هنا بمعنى يصير أو يبقى. (إن يدرى) بكسر همزة - إن -
النافية بمعنى - لا -.
69

بين المرء ونفسه. يقول اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر. حتى يظل الرجل
إن يدرى كم صلى).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 4 - باب فضل التأذين.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 8 - باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه، حديث 19.
7 - وحدثني عن مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي، أنه قال:
ساعتان يفتح لهما أبواب السماء، وقل داع ترد عليه دعوته: حضرة النداء للصلاة، والصف
في سبيل الله.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث موقوف عند جماعة رواة الموطأ. ومثله لا يقال بالرأي.
وروى من طرق متعددة، عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره.

7 - (يفتح لهما أبواب السماء) أي فيهما، أو من أجل فضيلتهما. (وقل داع ترد عليه دعوته) إخبار
بأن الإجابة في هذين الوقتين هي الأكثر. وأن رد الدعاء فيهما يندر، ولا يكاد يقع. وقال السيوطي: بل
- قل - هنا للنفي المحض، كما هو أحد استعمالاتها. قال ابن مالك في التسهيل وغيره: ترد - قل - للنفي المحض،
فترفع الفاعل متلوا بصفة مطابقة له. نحو قل رجل يقول ذلك. وقل رجلان يقولان ذلك. وهي من الأفعال التي
منعت التصرف. (حضرة النداء للصلاة) أي الأذان. (الصف في سبيل الله) أي في قتال الكفار،
لإعلاء كلمة الله.
(إلا ما أدركت الناس عليه) وهو شفع الأذان. لما في البخاري عن أنس قال: أمر بلال أن يشفع
الأذان، ويوتر الإقامة. (فإني لم أسمع في ذلك بحد يقام له) وما في الصحيحين عن أبي قتادة
قال صلى الله عليه وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني خرجت) فهو نهى عن القيام قبل خروجه، وتسويغ له
عند رؤيته. وهو مطلق غير مقيد بشئ من ألفاظ الإقامة.
70

وسئل مالك عن النداء يوم الجمعة، هل يكون قبل أن يحل الوقت؟ فقال: لا يكون
إلا بعد أن تزول الشمس.
وسئل مالك عن تثنية الأذان والإقامة، ومتى يجب القيام على الناس حين تقام الصلاة؟
فقال: لم يبلغني في النداء والإقامة إلا ما أدركت الناس عليه. فأما الإقامة، فإنها لا تثنى.
وذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا. وأما قيام الناس، حين تقام الصلاة، فإني لم أسمع
في ذلك بحد يقام له. إلا أنى أرى ذلك على قدر طاقة الناس. فإن منهم الثقيل والخفيف.
ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد.
وسئل مالك عن قوم حضور أرادوا أن يجمعوا المكتوبة، فأرادوا أن يقيموا ولا يؤذنوا؟
قال مالك: ذلك مجزئ عنهم. وإنما يجب النداء في مساجد الجماعات التي تجمع فيها الصلاة.
وسئل مالك عن تسليم المؤذن على الامام ودعائه إياه للصلاة، ومن أول من سلم عليه؟
فقال: لم يبلغني أن التسليم كان في الزمان الأول.
71

قال يحيى: وسئل مالك عن مؤذن أذن لقوم، ثم انتظر هل يأتيه أحد، فلم يأته أحد،
فأقام الصلاة، وصلى وحده. ثم جاء الناس بعد أن فرغ، أيعيد الصلاة معهم؟ قال: لا يعيد
الصلاة. ومن جاء بعد انصرافه، فليصل لنفسه وحده.
قال يحيى: وسئل مالك عن مؤذن أذن لقوم، ثم تنفل. فأرادوا أن يصلوا بإقامة غيره؟
فقال: لا بأس بذلك. إقامته، وإقامة غيره سواء.
قال يحيى: قال مالك: لم تزل الصبح ينادى لها قبل الفجر. فأما غيرها من الصلوات،
فإنا لم نرها ينادى لها، إلا بعد أن يحل وقتها.
8 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة
الصبح، فوجده نائما. فقال: الصلاة خير من النوم. فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح.
وحدثني يحيى عن مالك، عن عمه أبى سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه قال: ما أعرف شيئا
مما أدركت عليه الناس، إلا النداء بالصلاة.
9 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر سمع الإقامة وهو بالبقيع،
فأسرع المشي إلى المسجد. (*)
72

(2) باب النداء في السفر وعلى غير وضوء
10 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات
برد وريح. فقال: ألا صلوا في الرحال. ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن، إذا
كانت ليلة باردة، ذات مطر، يقول: (ألا صلوا في الرحال).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 18 - باب الأذان للمسافر.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 3 - باب الصلاة في الرحال في المطر، حديث 22 و 23.
11 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان لا يزيد على الإقامة في السفر
إلا في الصبح. فإنه كان ينادى فيها، ويقيم. وكان يقول: إنما الأذان للامام الذي يجتمع
الناس إليه.
12 - وحدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، أن أباه قال له: إذا كنت في سفر،
فإن شئت أن تؤذن وتقيم فعلت. وإن شئت فأقم ولا تؤذن.

10 - (ألا صلوا في الرحال) جمع رحل، وهو المنزل والمسكن. قال الرافعي: وقد سمى ما يستصحبه
الانسان في سفره من الأثاث رحلا.
11 - (لا يزيد على الإقامة في السفر) لأنه لا معنى للتأذين إلا ليجتمع الناس. والمسافر سقطت عنه الجمعة،
فكذا الجماعة.
73

قال يحيى: سمعت مالكا يقول: لا بأس أن يؤذن الرجل وهو راكب.
13 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول:
من صلى بأرض فلاة، صلى عن يمينه ملك وعن شماله ملك. فإذا أذن وأقام الصلاة أو أقام،
صلى وراءه من الملائكة أمثال الجبال.
هذا مرسل له حكم الرفع. فإن مثله لا يقال من جهة الرأي.
وقد روى موصولا ومرفوعا.
(3) باب قدر السحور من النداء
14 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن بلالا ينادى بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم).
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 17 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال.
ومسلم في: 13 - كتاب الصوم، 8 - باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر،
حديث 36 و 37 و 38.
15 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (إن بلالا ينادى بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم) قال: وكان

13 - (بأرض فلاة) بزنة حصاة. لا ماء فيها. والجمع فلا كحصى، وجمع الجمع أفلاء مثل سبب وأسباب.
14 - (ينادى) أي يؤذن. (بليل) أي فيه.
74

ابن أم مكتوم رجلا أعمى، لا ينادى حتى يقال له: أصبحت. أصبحت
قال ابن عبد البر: لم يختلف على مالك في الاسناد الأول أنه موصول.
وأما هذا فرواه يحيى وأكثر الرواة مرسلا. ووصله القعنبي، فقال عن أبيه.
أخرجه البخاري في: 10 كتاب الأذان، 11 - باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره.
ومسلم في: 13 - كتاب الصوم، 8 - باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر،
حديث 36 و 37 و 38.
(4) باب افتتاح الصلاة
16 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا افتتح الصلاة، رفع يديه حذو منكبيه. وإذا رفع رأسه من
الركوع، رفعهما كذلك أيضا. وقال (سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد) وكان لا يفعل
ذلك في السجود.
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 83 - باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 9 - باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين، حديث 21، 22

16 - (حذو) أي مقابل. (منكبيه) تثنية منكب. وهو مجمع عظم العضد والكتف.
(سمع الله لمن حمده) قال العلماء: معنى - سمع - هنا، أجاب. ومعناه أن من حمده متعرضا لثوابه استجاب
الله له وأعطاه ما تعرض له. فإنا نقول - ربنا لك الحمد - لتحصيل ذلك. (ربنا ولك الحمد) قال العلماء،
الرواية بثبوت الواو أرجح، وهي زائدة. وقيل عاطفة على محذوف، أي حمدناك. وقيل هي واو الحال. قاله
ابن كثير، وضعف ما عداه. (وكان لا يفعل ذلك) أي رفع يديه.
75

17 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، أنه
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الصلاة. كلما خفض ورفع. فلم تزل تلك صلاته حتى
لقي الله.
قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافا بين رواة الموطأ في إرسال هذا الحديث.
18 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يرفع يديه في الصلاة.
19 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أن
أبا هريرة كان يصلى لهم، فيكبر كلما خفض ورفع. فإذا انصرف، قال: والله إني لأشبهكم
بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 115 - باب إتمام التكبير في الركوع.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 10 - باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة، حديث 27
20 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر
كان يكبر في الصلاة، كلما خفض ورفع.

17 - (كلما خفض) للركوع والسجود. (ورفع) رأسه من السجود. لا من الركوع، لأنه كان
يقول سمع الله لمن حمده.
19 - (يصلى لهم) أي لأجلهم إماما. (والله إني لأشبهكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الرافعي: هذه
الكلمة مع الفعل المأتي به نازلة منزلة حكاية فعله صلى الله عليه وسلم.
76

وحدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا افتتح الصلاة، رفع يديه
حذو منكبيه. وإذا رفع رأسه من الركوع، رفعهما دون ذلك.
أخرجه أبو داود في: 2 - كتاب الصلاة، 115 - باب افتتاح الصلاة.
21 - وحدثني عن مالك، عن أبي نعيم، وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله،
أنه كان يعلمهم التكبير في الصلاة. قال: فكان يأمرنا أن نكبر كلما خفضنا ورفعنا.
22 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أنه كان يقول: إذا أدرك الرجل الركعة
فكبر تكبيرة واحدة، أجزأت عنه تلك التكبيرة.
قال مالك: وذلك إذا نوى، بتلك التكبيرة، افتتاح الصلاة.
وسئل مالك عن رجل دخل مع الامام، فنسي تكبيرة الافتتاح، وتكبيرة الركوع،
حتى صل ركعة. ثم ذكر أنه لم يكن كبر تكبيرة الافتتاح، ولا عند الركوع. وكبر
في الركعة الثانية؟ قال: يبتدئ صلاته أحب إلي. ولو سها مع الامام عن تكبيرة الافتتاح،
وكبر في الركوع الأول، رأيت ذلك مجزيا عنه، إذا نوى بها تكبيرة الافتتاح.

21 - (كلما خفضنا) أي هبطنا للركوع والسجود. (ورفعنا) من السجود.
77

قال مالك، في الذي يصلى لنفسه فنسي تكبيرة الافتتاح: إنه يستأنف صلاته.
وقال مالك، في إمام ينسى تكبيرة الافتتاح حتى يفرغ من صلاته. قال: أرى أن يعيد.
ويعيد من خلفه الصلاة. وإن كان من خلفه قد كبروا، فإنهم يعيدون.
(5) باب القراءة في المغرب والعشاء
23 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه،
أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بالطور في المغرب.
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 99 - باب الجهر في المغرب
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 35 - باب القراءة في الصبح، حديث 174.
24 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود،
عن عبد الله بن عباس، أن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ - والمرسلات عرفا -
فقالت له: يا بنى! لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة. إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقرأ بها في المغرب.
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 98 - باب القراءة في المغرب.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 35 - باب القراءة في الصبح، حديث 173.
78

25 - وحدثني عن مالك، عن أبي عبيد، مولى سليمان بن عبد الملك، عن عبادة
ابن نسي، عن قيس بن الحارث، عن أبي عبد الله الصنابحي قال: قدمت المدينة في خلافة
أبى بكر الصديق، فصليت وراءه المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن، وسورة
سورة من قصار المفصل. ثم قام في الثالثة، فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه.
فسمعته فقرأ بأم القرآن وبهذه الآية - ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك
رحمة إنك أنت الوهاب -.
26 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا صلى وحده، يقرأ في
الأربع جميعا. في كل ركعة، بأم القرآن، وسورة من القرآن. وكان يقرأ أحيانا بالسورتين
والثلاث في الركعة الواحدة من صلاة الفريضة. ويقرأ في الركعتين، من المغرب كذلك،
بأم القرآن وسورة سورة.
27 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد،، عن عدى بن ثابت الأنصاري، عن البراء

25 - (لا تزغ قلوبنا) تملها عن الحق بابتغاء تأويله الذي لا يليق بنا، كما زاغت قلوب أولئك.
(من لدنك) من عندك.
26 - (يقرأ في الأربع جميعا، في كل ركعة بأم القرآن وسورة من القرآن) هذا لم يوافقه عليه مالك ولا
الجمهور. بل كرهوا قراءة شئ بعد الفاتحة في الأخريين وثالثة المغرب. لما في الصحيحين وغيرهما عن أبي
قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم القرآن وسورتين. وفى الركعتين الآخريين بأم الكتاب..
الحديث.
79

ابن عازب، أنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، فقرأ فيها بالتين والزيتون.
أخرجه البخاري في 10 - كتاب الأذان، 100 - باب الجهر في العشاء.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 36 - باب القراءة في العشاء، حديث 175.
(6) باب العمل في القراءة
28 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه،
عن علي بن أبي طالب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسي، وعن تختم الذهب، وعن
قراءة القرآن في الركوع.
أخرجه مسلم في: 37 - كتاب اللباس والزينة، 4 - باب النهى عن لبس الرجل الثوب المزعفر، حديث 29.
29 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي،
عن أبي حازم التمار، عن البياضي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون، وقد علت
أصواتهم بالقراءة. فقال: (إن المصلى يناجي ربه، فلينظر بما يناجيه به. ولا يجهر بعضكم
على بعض، بالقرآن).
قد ورد مثل هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري.
أخرجه أبو داود في: 5 - كتاب الصلاة، 25 - باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل.

28 - (القسي) ثياب مضلعة، أي مخططة بالحرير، كانت تعمل بالقس، موضع بمصر يلي الفرما. قاله الباجي.
وقال ابن الأثير: هي ثياب من كتان مخلوط بحرير، يؤتى بها من مصر، نسبت إلى قرية على ساحل البحر
قريبا من تنيس، يقال لها القس.
29 - (ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) لان فيه أذى، ومنعا من الاقبال على الصلاة، وتفريغ السر
لها، وتأمل ما يناجي به ربه من القرآن. وإذا منع رفع الصوت بالقرآن حينئذ لأذى المصلين، فبغيره من الحديث
وغيره، أولى.
80

30 - وحدثني عن مالك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، أنه قال: قمت وراء
أبى بكر وعمر وعثمان. فكلهم كان لا يقرأ - بسم الله الرحمن الرحيم - إذا افتتح الصلاة.
أخرجه مسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 13 - باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، حديث 50.
31 - وحدثني عن مالك، عن عمه أبى سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه قال: كنا نسمع
قراءة عمر بن الخطاب، عند دار أبى جهم، بالبلاط.
32 - وحدثني عن مالك،: عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا فاته شئ من الصلاة
مع الامام، فيما جهر فيه الامام بالقراءة، أنه إذا سلم الامام، قام عبد الله بن عمر، فقرأ
لنفسه فيما يقضى، وجهر.
وحدثني عن مالك، عن يزيد بن رومان، أنه قال: كنت أصلى إلى جانب نافع بن جبير
ابن مطعم، فيغمزني، فأفتح عليه، ونحن نصلى.

31 - (بالبلاط) بزنة سحاب، موضع بالمدينة، بين المسجد والسوق. مبلط.
32 - (فيغمزني) يشير إلى.
81

(7) باب القراءة في الصبح
33 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن أبا بكر الصديق
صلى الصبح فقرأ فيها سورة البقرة، في الركعتين كلتيهما.
34 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه سمع عبد الله بن عامر
ابن ربيعة يقول: صلينا وراء عمر بن الخطاب الصبح. فقرأ فيها بسورة يوسف وسورة الحج،
قراءة بطيئة. فقلت: والله، إذا، لقد كان يقوم حين يطلع الفجر. قال: أجل.
35 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن القاسم
ابن محمد، أن الفرافصة بن عمير الحنفي قال: ما أخذت سورة يوسف إلا من قراءة عثمان بن
عفان إياها، في الصبح. من كثرة ما كان يرددها لنا.
36 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقرأ في الصبح، في السفر،
بالعشر السور الأول من المفصل. في كل ركعة، بأم القران، وسورة.

34 - (لقد كان يقوم) أي إلى الصلاة، يبتدئها.
35 - (يرددها) أي يكررها.
82

(8) باب ما جاء في أم القرآن
37 - حدثني يحيى عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، أن أبا سعيد،
مولى عامر بن كريز، أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلى: فلما فرغ
من صلاته لحقه. فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على يده وهو يريد أن يخرج من باب المسجد.
فقال: (إني لأرجو أن لا تخرج من المسجد حتى تعلم سورة، ما أنزل الله في التوراة،
ولا في الإنجيل، ولا في القرآن، مثلها). قال أبي: فجعلت أبطئ في المشي، رجاء ذلك.
ثم قلت: يا رسول الله! السورة التي وعدتني. قال: (كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟)
قال: فقرأت - الحمد لله رب العالمين - حتى أتيت على آخرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هي هذه
السورة. وهي السبع المثاني والقرآن العظيم، الذي أعطيت).
أخرج البخاري مثل هذه القصة عن أبي سعيد المعلى.
في: 65 - كتاب التفسير، 1 - باب ما جاء في فاتحة الكتاب.

37 - (حتى تعلم سورة) أي تعلم من حالها ما لم تكن تعلمه قبل ذلك. وإلا فقد كان عالما بالسورة،
وحافظا لها. (ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها) قال ابن عبد البر: يعنى في جمعها
لمعاني الخير. لان فيها الثناء على الله بالحمد الذي هو له حقيقة. لان كل خير منه. وإن حمد غيره، فإليه يعود
الحمد. وفيها التعظيم له، وأنه الرب للعالم أجمع. ومالك الدنيا والآخرة. المعبود المستعان. وفيها الدعاء إلى الهدى
ومجانبة من ضل. والدعاء باب العبادة. فهي أجمع سورة للخير. (السورة) أي علمني السورة.
(وهي السبع المثاني) المذكورة في قوله تعالى - وآتيناك سبعا من المثاني - فالمراد السبع الآي. لأنها
سبع آيات. وسميت مثاني لأنها تثنى في كل ركعة، أي تعاد. (والقرآن العظيم الذي أعطيت) مبتدأ وخبر.
أي هو الذي أعطيته.
83

38 - وحدثني عن مالك، عن أبي نعيم، وهب بن كيسان، أنه سمع جابر بن عبد الله
يقول: من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فلم يصل. إلا وراء الامام.
(9) باب القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة
39 - حدثني يحيى عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، أنه سمع أبا السائب،
مولى هشام بن زهرة، يقول: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج. هي خداج. هي خداج. غير تمام)
قال، فقلت: يا أبا هريرة! إني أحيانا أكون وراء الامام. قال فغمز ذراعي، ثم قال: اقرأ
بها في نفسك يا فارسي. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تبارك وتعالى: قسمت
الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي. ولعبدي ما سأل) قال رسول

38 - (فلم يصل) لأنه ترك ركنا من الصلاة. وفيه وجوبها في كل ركعة. (إلا وراء الامام) فقد
صلى. ففيه أنها لا تجب على المأموم.
(بأم القرآن) هي الفاتحة، لأنها أصله، أو لتقدمها عليه كأنها تؤمه. أو لاشتمالها على المعاني التي فيه من
الثناء على الله، والتعبد بالأمر والنهى، والوعد والوعيد، وذكر الذات والصفات والفعل، والمبدأ والمعاد والمعاش،
بطريق الاجمال. (فهي خداج) أي ذات خداج، أي نقصان. يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل
أوان النتاج، وإن كان تام الخلق. وأخدجته إذا ولدته ناقصا، وإن كان لتمام الولادة. وقال جماعة من أهل
اللغة: خدجت وأخدجت إذا ولدت لغير تمام. (اقرأ بها في نفسك) أي بتحريك اللسان بالتكلم، وإن لم
يسمع نفسه. (قسمت الصلاة) قال العلاء: أراد بالصلاة هنا الفاتحة، لأنها لا تصح إلا بها. كقوله
(الحج عرفة) والمراد قسمتها من جهة المعنى. لان نصفها الأول تحميد لله وتمجيد وثناء عليه وتفويض إليه. والنصف
الثاني سؤال وتضرع وافتقار. (فنصفها لي) خاصة. وهو الثلاث آيات - الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم.
مالك يوم الدين -. (ونصفها لعبدي) وهو من - اهدنا، إلى آخرها. و - إياك نعبد وإياك نستعين - بينه وبين عبده.
(مالك يوم الدين) أي الجزاء وهو يوم القيامة. (فهذه بيني وبين عبدي) الذي لله منها - إياك نعبد -
والذي للعبد منها - وإياك نستعين -. (فهؤلاء لعبدي) أي هؤلاء الآيات مختصة به، لأنها دعاؤه بالتوفيق إلى
صراط من أنعم عليه، والعصمة من صراط المغضوب عليهم والضالين. (ولعبدي ما سأل) من الهداية وما بعدها.
84

الله صلى الله عليه وسلم: (اقرؤا. يقول العبد: الحمد لله رب العالمين. يقول الله تبارك وتعالى: حمدني
عبدي. ويقول العبد: الرحمن الرحيم. يقول الله: أثنى علي عبدي. ويقول العبد: مالك
يوم الدين. يقول الله: مجدني عبدي. يقول العبد: إياك نعبد وإياك نستعين. فهذه الآية
بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. يقول العبد: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت
عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل).
أخرجه مسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 11 - باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، حديث 38.
40 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان يقرأ خلف الامام،
فيما لا يجهر فيه الامام بالقراءة.
41 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أن القاسم
ابن محمد كان يقرأ خلف الامام فيما لا يجهر فيه الامام بالقراءة.
42 - وحدثني عن مالك، عن يزيد بن رومان، أن نافع بن جبير بن مطعم، كان يقرأ
خلف الامام فيما لا يجهر فيه بالقراءة.
قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك.
85

(10) باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه
43 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل هل يقرأ
أحد خلف الامام؟ قال: إذا صلى أحدكم خلف الامام فحسبه قراءة الإمام. وإذا صلى
وحده فليقرأ.
قال: وكان عبد الله بن عمر لا يقرأ خلف الامام.
قال: يحيى: سمعت مالكا يقول: الامر عندنا أن يقرأ الرجل وراء الامام، فيما لا يجهر
فيه الامام بالقراءة، ويترك القراءة فيما يجهر فيه الامام بالقراءة.
44 - وحدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن ابن أكيمة الليثي، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة. فقال: (هل قرأ معي منكم أحد
آنفا؟) فقال رجل: نعم. أنا، يا رسول الله. قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أقول مالي أنازع
القرآن) فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة،

43 - (فحسبه) أي كافيه.
44 - (آنفا) أي قريبا.
(مالي أنازع القرآن) هو بمعنى التثريب واللوم لمن فعل ذلك. أي إذا جهرت بالقراءة، فإن قرأتم ورائي
فكأنما تنازعوني القرآن الذي أقرأ، ولكن أنصتوا. ومعنى منازعتهم له أن لا يفردوه بالقراءة ويقرؤوا معه.
من التنازع، بمعنى التجاذب.
86

حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه النسائي في: 11 - كتاب الافتتاح، 28 - باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به.
(11) باب ما جاء في التأمين خلف الامام
حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وأبى سلمة بن عبد الرحمن،
أنهما أخبراه عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمن الامام فأمنوا، فإنه من
وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه).
قال ابن شهاب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (آمين).
أخرجه البخاري في 10 - كتاب الأذان، 111 - باب جهر الامام بالتأمين.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 18 - باب التسميع والتحميد والتأمين، حديث 72.
45 - وحدثني عن مالك، عن سمى، مولى أبى بكر، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الامام - غير المغضوب عليهم ولا الضالين -
فقولوا: آمين. فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 113 - باب جهر المأموم بالتأمين.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 18 - باب التسميع والتحميد والتأمين، حديث 76.

44 - (إذا أمن الامام فأمنوا) قال الباجي: الأظهر عندنا أن معنى (أمن الامام) قال آمين. كما أن
معنى (فأمنوا) قولوا آمين. إلا أن يعدل عن هذا الظاهر بدليل.
87

46 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة في السماء. آمين. فوافقت إحداهما
الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه).
أخرجه البخاري في:، 10 - كتاب الأذان، 112 - باب فضل التأمين.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 18 - باب التسميع والتحميد والتأمين، حديث 75.
47 - وحدثني عن مالك، عن سمى، مولى أبى بكر، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الامام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم
ربنا لك الحمد. فإنه من وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 125 - باب فضل اللهم ربنا ولك الحمد.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 18 - باب التسميع والتحميد والتأمين، حديث 71.
(12) باب العمل في الجلوس في الصلاة
48 - حدثني يحيى عن مالك، عن مسلم بن أبي مريم، عن علي بن عبد الرحمن المعاوي،
أنه قال: رآني عبد الله بن عمر، وأنا أعبث بالحصباء في الصلاة. فلما انصرفت نهاني. وقال:
اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع. فقلت: وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قال:
كان إذا جلس في الصلاة، وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها. وأشار

46 - (فوافقت إحداهما الأخرى) أي وافقت كلمة تأمين أحدكم كلمة تأمين الملائكة في السماء.
48 - (بالحصباء) صغار الحصى.
(بأصبعه التي تلي الابهام) هي السبابة. قال الباجي: فيه أن معنى الإشارة دفع السهو، وقمع الشيطان الذي
يوسوس. وقيل إن الإشارة هنا معناها التوحيد.
(تربع وثنى رجليه) قال الباجي: التربع ضربان. أحدهما أن يخالف بين رجليه فيضع رجله اليمنى تحت
ركبته اليسرى: ورجله اليسرى تحت ركبته اليمنى. والثاني أن يتربع ويثنى رجليه في جانب واحد، فتكون
رجله اليسرى تحت فخذه وساقه اليمنى، ويثنى رجله اليمنى فتكون عند أليته اليمنى. ويشبه أن تكون هذه التي
عابها.
88

بإصبعه التي تلي الابهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى. وقال هكذا كان يفعل.
أخرجه مسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 21 - باب صفة الجلوس في الصلاة، حديث 116.
49 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، أنه سمع عبد الله بن عمر. وصلى إلى
جنبه رجل. فلما جلس الرجل في أربع، تربع وثنى رجليه. فلما انصرف عبد الله، عاب
ذلك عليه. فقال الرجل: فإنك تفعل ذلك. فقال عبد الله بن عمر: فإني أشتكي.
50 - وحدثني عن مالك، عن صدقة بن يسار، عن المغيرة بن حكيم، أنه رأى عبد الله
ابن عمر يرجع في سجدتين في الصلاة، على صدور قدميه. فلما انصرف ذكر له ذلك.
فقال: إنها ليست سنة الصلاة. وإنما أفعل هذا من أجل أنى أشتكي.
51 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر،
أنه أخبره أنه كان يرى عبد الله بن عمر يتربع في الصلاة إذا جلس. قال ففعلته وأنا يومئذ
حديث السن. فنهاني عبد الله. وقال: إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى، وتثنى رجلك
89

اليسرى. فقلت له: فإنك تفعل ذلك. فقال: إن رجلي لا تحملاني.
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 145 - باب سنة الجلوس في التشهد.
52 - وحدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس
في التشهد. فنصب رجله اليمنى، وثنى رجله اليسرى، وجلس على وركه الأيسر، ولم يجلس
على قدمه. ثم قال: أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر، وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك.
(13) باب التشهد في الصلاة
53 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن
ابن عبد القارئ، أنه سمع عمر بن الخطاب، وهو على المنبر، يعلم الناس التشهد. يقول:
قولوا: التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله. واشهد أن محمدا

53 - (التحيات) جمع تحية ومعناها السلام أر البقاء أو العظمة أو السلامة من الآفات والنقص، أو الملك،
ومعنى (التحيات لله) أي أنواع الثناء والتعظيم له. (الزاكيات) هي صالح الاعمال التي يزكو لصاحبها
الثواب في الآخرة. (الطيبات) أي ما طاب من القول، وحسن أن يثنى به على الله، دون ما لا يليق بصفاته
مما كان الملوك يحيون به. (الصلوات) هي الخمس، أو ما هو أعم من الفرائض والنوافل، في كل شريعة.
أو العبادات كلها. أو الدعوات. أو الرحمة.
وقيل: التحيات العبادات القولية. والطيبات الصدقات المالية. والصلوات العبادات الفعلية.
(ورحمة الله) أي إحسانه.
90

عبده ورسوله.
هذا الحديث رواه الشافعي في الرسالة، 738 بتحقيق أحمد محمد شاكر.
وقال عنه في الحاشية، وقال الزيلعي في نصب الراية (1 / 422): (وهذا إسناد صحيح) اه‍.
54 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يتشهد فيقول: بسم الله،
التحيات لله، الصلوات لله، الزاكيات لله، السلام على النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين. شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمدا رسول الله. يقول هذا
في الركعتين الأوليين. ويدعو، إذا قضى تشهده، بما بدا له. فإذا جلس في آخر صلاته،
تشهد كذلك أيضا. إلا أنه يقدم التشهد، ثم يدعو بما بدا له. فإذا قضى تشهده، وأراد
أن يسلم، قال: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
السلام عليكم. عن يمينه، ثم يرد على الامام. فإن سلم عليه أحد عن يساره، رد عليه.
55 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم، أنها كانت تقول، إذا تشهدت، التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأن محمدا عبده ورسوله. السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. السلام عليكم.
56 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم بن محمد، أنه
أخبره، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت تقول، إذا تشهدت: التحيات الطيبات الصلوات
91

الزاكيات لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله.
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. السلام
عليكم.
نقل الزرقاني عن الاستذكار: ما أورده مالك عن عمر وابنه وعائشة حكمه حكم الرفع. لان من المعلوم أنه
لا يقال بالرأي.
وحدثني عن مالك، أنه سأل ابن شهاب، ونافعا، مولى ابن عمر، عن رجل دخل مع
الامام في الصلاة. وقد سبقه الامام بركعة. أيتشهد معه في الركعتين والأربع، وإن كان
ذلك له وترا؟ فقالا: ليتشهد معه.
قال مالك: وهو الامر عندنا.
(14) باب ما يفعل من رفع رأسه قبل الامام
57 - حدثني يحيى عن مالك، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن مليح بن عبد الله السعدي،
عن أبي هريرة، أنه قال: الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الامام، فإنما ناصيته بيد شيطان.
قال مالك، فيمن سها فرفع رأسه قبل الامام في ركوع أو سجود: إن السنة في ذلك،

57 - (فإنما ناصيته بيد شيطان) قال الباجي: معناه الوعيد لمن فعل ذلك. وإخبار أن ذلك من فعل الشيطان به.
وأن انقياده له، وطاعته إياه، في المبادرة بالخفض والرفع قبل إمامه، انقياد من كانت ناصيته بيده. والناصية شعر
مقدم الرأس.
92

أن يرجع راكعا أو ساجدا، ولا ينتظر الامام. وذلك خطأ ممن فعله. لان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (إنما جعل الامام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه) وقال أبو هريرة: الذي يرفع رأسه
ويخفضه قبل الامام، إنما ناصيته بيد شيطان.
حديث (إنما جعل الامام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه) رواه أبو هريرة.
فأخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 74 - باب إقامة الصف من تمام الصلاة.
ومسلم في: 4 كتاب الصلاة، 19 - باب ائتمام المأموم بالامام، حديث 86.
(15) باب ما يفعل من سلم من ركعتين ساهيا
58 - حدثني يحيى عن مالك، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن محمد بن سيرين،
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين. فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة
أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصدق ذو اليدين؟) فقال الناس: نعم. فقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى ركعتين أخريين، ثم سلم، ثم كبر، فسجد مثل سجوده أو أطول،
ثم رفع، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع.
أخرجه البخاري في: 22 - كتاب السهو، 4 - باب من لم يتشهد في سجدتي السهو.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 19 - باب السهو في الصلاة والسجود له،
حديث 97.
93

59 - وحدثني عن مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد،
أنه قال: سمعت أبا هريرة يقول: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، فسلم في ركعتين.
فقام ذو اليدين، فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله. أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(كل ذلك لم يكن) فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول الله. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
على الناس، فقال: (أصدق ذو اليدين؟) فقالوا: نعم. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتم ما بقي من
الصلاة، ثم سجد سجدتين بعد التسليم، وهو جالس.
أخرجه مسلم في: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 19 - باب السهو في الصلاة والسجود له،
حديث 99.
60 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة،
قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركع ركعتين من إحدى صلاتي النهار، الظهر أو العصر. فسلم
من اثنتين. فقال له ذو الشمالين: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (ما قصرت الصلاة، وما نسيت) فقال ذو الشمالين: قد كان بعض ذلك يا رسول
الله. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس، فقال: (أصدق ذو اليدين؟) فقالوا: نعم. يا رسول
الله. فأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما بقي من الصلاة، ثم سلم.
قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا من أهل العلم بالحديث، المصنفين فيه، عول على الزهري في قصة ذي اليدين.
وكلهم تركوه لاضطرابه. وأنه لم يقم له إسنادا ولا متنا. وإن كان إماما عظيما في هذا الشأن. فالغلط لا يسلم منه
بشر، والكمال لله تعالى.

59 - (كل ذلك لم يكن) أي لم أنس ولم تقصر. قال أصحاب المعاني: لفظ (كل) إذا تقدم على النفي
كان نافيا لكل فرد، لا للمجموع.
60 - (من اثنتين) أي من ركعتين.
94

61 وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وعن أبي سلمة
ابن عبد الرحمن، مثل ذلك.
قال مالك: كل سهو كان نقصانا من الصلاة فإن سجوده قبل السلام. وكل سهو
كان زيادة في الصلاة، فإن سجوده بعد السلام.
(16) باب إتمام المصلى ما ذكر إذا شك في صلاته
62 حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى، أثلاثا أم أربعا؟ فليصلي ركعة.
وليسجد سجدتين وهو جالس، قبل التسليم. فإن كانت الركعة التي صلى خامسة، شفعها
بهاتين السجدتين. وإن كانت رابعة، فالسجدتان ترغيم للشيطان).
قال ابن عبد البر: هكذا روى الحديث عن مالك، جميع الرواة مرسلا.
وقد وصله مسلم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في:
5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 19 - باب السهو في الصلاة والسجود له، حديث 88.
63 - وحدثني عن مالك، عن عمر بن محمد بن زيد، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله
ابن عمر كان يقول: إذا شك أحدكم في صلاته فليتوخ الذي يظن أنه نسي من صلاته.

62 - (فليصلي) كذا بالياء، للاشباع. (ترغيم) أي إغاظة وإذلال.
63 - (فليتوخ) أي يتحرى.
95

فليصله. ثم ليسجد سجدتي السهو، وهو جالس.
64 - وحدثني عن مالك، عن عفيف بن عمرو السهمي، عن عطاء بن يسار، أنه قال:
سألت عبد الله بن عمرو بن العاص، وكعب الأحبار، عن الذي يشك في صلاته فلا يدرى كم
صلى، أثلاثا أم أربعا؟ فكلاهما قال: ليصلى ركعة أخرى. ثم ليسجد سجدتين، وهو
جالس.
وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر، كان إذا سئل عن النسيان في الصلاة،
قال: ليتوخ أحدكم الذي يظن أنه نسي من صلاته، فليصله.
(17) باب من قام بعد الاتمام أو في الركعتين
65 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن عبد الله بن بحينة، أنه
قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم قام فلم يجلس. فقام الناس معه. فلما قضى صلاته،
ونظرنا تسليمه، كبر. ثم سجد سجدتين، وهو جالس قبل التسليم. ثم سلم.
أخرجه البخاري في: 22 - كتاب السهو، 1 - باب ما جاء في السهو.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 19 - باب السهو في الصلاة والسجود له،
حديث 85.
66 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن عبد الله
96

ابن بحينة، أنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الظهر. فقام في اثنتين ولم يجلس فيهما.
فلما قضى صلاته سجد سجدتين. ثم سلم بعد ذلك.
أخرجه البخاري في: 22 - كتاب السهو، 1 - باب ما جاء في السهو.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 19 - باب السهو في الصلاة والسجود له،
حديث 87
قال مالك، فيمن سها في صلاته، فقام بعد إتمامه الأربع، فقرأ ثم ركع، فلما رفع رأسه
من ركوعه، ذكر أنه قد كان أتم: إنه يرجع، فيجلس ولا يسجد. ولو سجد إحدى
السجدتين، لم أر أن يسجد الأخرى. ثم إذا قضى صلاته، فليسجد سجدتين وهو جالس،
بعد التسليم.
(18) باب النطر في الصلاة إلى ما يشغلك عنها
67 - حدثني يحيى عن مالك، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، أن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أهدى أبو جهم بن حذيفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، خميصة شامية، لها علم.
فشهد فيها الصلاة. فلما انصرف، قال: (ردى هذه الخميصة إلى أبي جهم. فإني نظرت

67 - (خميصة) كساء رقيق مربع، ويكون من خز أو صوف. وقيل لا تسمى بذلك إلا أن تكون سوداء
مظلمة. سميت خميصة للينها ورقتها، وصغر حجمها إذا طويت. مأخوذ من الخمص، وهو ضمور البطن. وفى
التمهيد: الخميصة كساء رقيق، قد يكون بعلم، وبغير علم، وقد يكون أبيض معلما. وقد يكون أصفر وأحمر
وأسود. وهي من لباس أشراف العرب.
(فكاد يفتنني) أي يشغلني عن خشوع الصلاة. وفيه أن الفتنة لم تقع. فإن (كاد) تقتضي القرب وتمنع
الوقوع.
97

إلى علمها في الصلاة. فكاد يفتنني).
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 14 - باب إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 15 - باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام،
حديث 62.
68 - وحدثني مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خميصة
لها علم، ثم أعطاها أبا جهم. وأخذ من أبى جهم أنبجانية له. فقال: يا رسول الله. ولم؟
فقال: (إني نظرت إلى علمها في الصلاة).
قال ابن عبد البر: هذا مرسل عند جميع الرواة عن مالك.
69 - وحدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر، أن أبا طلحة الأنصاري، كان يصلى
في حائطه. فطار دبسي، فطفق يتردد يلتمس مخرجا. فأعجبه ذلك. فجعل يتبعه بصره ساعة.
ثم رجع إلى صلاته فإذا هو لا يدرى كم صلى؟ فقال: لقد أصابتني في مالي فتنة. فجاء إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر له الذي أصابه في حائطه من الفتنة. وقال: يا رسول الله. هو صدقة
لله. فضعه حيث شئت.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا أعلمه يروى من غير هذا الوجه، وهو منقطع.

68 - (أنبجانية) كساء غليظ لا علم له.
69 - (في حائطه) أي بستانه. (دبسي) قال ابن عبد البر: طائر يشبه اليمامة. وقيل هو اليمامة نفسها.
98

70 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، أن رجلا من الأنصار كان يصلى
في حائط له بالقف. واد من أودية المدينة. في زمان الثمر. والنخل قد ذللت، فهي مطوقة
بثمرها. فنظر إليها، فأعجبه ما رأى من ثمرها. ثم رجع إلى صلاته فإذا هو لا يدرى كم صلى؟
فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة. فجاء عثمان بن عفان، وهو يومئذ خليفة. فذكر له
ذلك. وقال: هو صدقة، فاجعله في سبل الخير. فباعه عثمان بن عفان بخمسين ألفا. فسمى
ذلك المال، الخمسين.

70 - (والنخل قد ذللت) أي مالت الثمرة بعراجينها، لأنها عظمت وبلغت حد النضج.
(مطوقة) أي مستديرة. فطوق كل شئ ما استدار به.
99

4 - كتاب السهو
(1) باب العمل في السهو
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف،
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم إذا قام يصلى، جاءه الشيطان، فلبس
عليه. حتى لا يدرى كم صلى؟ فإذا وجد ذلك أحدكم، فليسجد سجدتين، وهو جالس).
أخرجه البخاري في: 22 - كتاب السهو، 7 - باب السهو في الفرض والتطوع.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 19 - باب السهو في الصلاة والسجود له،
حديث 82.
2 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأنسى أو أنسى
لأسن).
قال ابن عبد البر: لا أعلم هذا الحديث روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، مسندا ولا مقطوعا، من غير هذا الوجه. وهو
أحد الأحاديث الأربعة التي في الموطأ، التي لا توجد في غيره مسندة ولا مرسلة. ومعناه صحيح في الأصول.
3 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه، أن رجلا سأل القاسم بن محمد، فقال: إني أهم
في صلاتي. فيكثر ذلك علي. فقال القاسم بن محمد: امض في صلاتك. فإنه لن يذهب
عنك، حتى تنصرف وأنت تقول: ما أتممت صلاتي.

1 - (فلبس) أي خلط.
3 - (أهم في صلاتي) أي أتوهم أنى نقصتها ركعة مثلا، مع غلبة ظني بالتمام.
100

5 - كتاب الجمعة
(1) باب العمل في غسل يوم الجمعة
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن سمى مولى أبى بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح
السمان، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة،
ثم راح في الساعة الأولى، فكأنما قرب بدنة. ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب
بقرة. ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشا أقرن. ومن راح في الساعة الرابعة،
فكأنما قرب دجاجة. ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة. فإذا خرج الامام،
حضرت الملائكة، يستمعون الذكر).
أخرجه البخاري في: 11 - كتاب الجمعة، 4 - باب فضل الجمعة.
ومسلم في: 7 - كتاب الجمعة، 1 - باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال، حديث 10.
2 - وحدثني عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، أنه كان
يقول: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، كغسل الجنابة.
3 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أنه قال: دخل رجل،

1 - (فكأنما قرب بدنة) أي تصدق بها. متقربا إلى الله تعالى.
2 - (محتلم) بالغ.
3 - (انقلبت) أي رجعت. (فما زدت على أن توضأت) أي لم أشتغل بشئ، بعد أن سمعت النداء،
إلا بالوضوء. (أيضا) مصدر آض يئيض أي عاد ورجع. أي ألم يكفك أن فاتك فضل المبادرة إلى الجمعة
حتى أضفت إليه ترك الغسل؟
101

من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، المسجد يوم الجمعة، وعمر بن الخطاب يخطب. فقال عمر: أية
ساعة هذه؟ فقال: يا أمير المؤمنين، انقلبت من السوق، فسمعت النداء، فما زدت على أن
توضأت. فقال عمر: والوضوء أيضا؟ وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل.
أخرجه البخاري في: 11 - كتاب الجمعة، 2 - باب فضل الغسل يوم الجمعة.
ومسلم في: 7 - كتاب الجمعة، حديث 3.
4 - وحدثني عن مالك، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 161 - باب وضوء الصبيان - ومتى يجب عليهم الغسل والطهور.
ومسلم في: 7 - كتاب الجمعة، 1 - باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال، حديث 5.
5 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء
أحدكم الجمعة، فليغتسل).
أخرجه البخاري في: 11 - كتاب الجمعة، 2 - باب فضل الغسل يوم الجمعة.
ومسلم في: 7 - كتاب الجمعة، حديث 1.
قال مالك: من اغتسل يوم الجمعة، أول نهاره، وهو يريد بذلك غسل الجمعة، فإن ذلك
الغسل لا يجزى عنه، حتى يغتسل لرواحه. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، في حديث ابن عمر،

5 - (لا يجزى) أي لا يكفي.
(معجلا) أي ذاهبا لها قبل الزوال. (أو مؤخرا) أي رائحا لها في الوقت المطلوب.
102

(إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل).
قال مالك: ومن اغتسل يوم الجمعة، معجلا أو مؤخرا. وهو ينوى بذلك غسل الجمعة.
فأصابه ما ينقض وضوءه. فليس عليه إلا الوضوء. وغسله ذلك مجزى عنه.
(2) باب ما جاء في الانصات يوم الجمعة والامام يخطب
6 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قلت لصاحبك أنصت، والامام يخطب يوم الجمعة، فقد لغوت).
أخرجه البخاري في: 11 - كتاب الجمعة، 36 - باب الانصات يوم الجمعة والامام يخطب.
ومسلم في: 7 - كتاب الجمعة، 3 - باب في الانصات يوم الجمعة في الخطبة، حديث 12.
7 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي، أنه أخبره:
أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب، يصلون، يوم الجمعة، حتى يخرج عمر. فإذا خرج عمر،
وجلس على المنبر، وأذن المؤذنون (قال ثعلبة) جلسنا نتحدث. فإذا سكت المؤذنون،
وقام عمر يخطب، أنصتنا، فلم يتكلم منا أحد.
قال ابن شهاب: فخروج الامام يقطع الصلاة. وكلامه يقطع الكلام.

6 - (فقد لغوت) قال الباجي: معناه المنع من الكلام. واللغو ردئ الكلام ومالا خير فيه.
103

8 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن مالك بن أبي عامر،
أن عثمان بن عفان كان يقول، في خطبته، قل ما يدع ذلك إذا خطب: إذا قام الامام يخطب
يوم الجمعة فاستمعوا وأنصتوا. فإن للمنصت، الذي لا يسمع، من الحظ، مثل ما للمنصت السامع.
فإذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف، وحاذوا بالمناكب. فإن اعتدال الصفوف من تمام
الصلاة.
ثم لا يكبر، حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف، فيخبرونه أن قد استوت،
فيكبر.
9 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر رأى رجلين يتحدثان والامام
يخطب يوم الجمعة. فحصبهما، أن اصمتا.
10 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن رجلا عطس يوم الجمعة والامام يخطب، فشمته
انسان إلى جنبه. فسأل عن ذلك سعيد بن المسيب. فنهاه عن ذلك وقال: لا تعد.
وحدثني عن مالك، أنه سأل ابن شهاب عن الكلام يوم الجمعة، إذا نزل الامام عن المنبر،
قبل أن يكبر. فقال ابن شهاب: لا بأس بذلك.

8 - (من الحظ) النصيب من الاجر. (فاعدلوا الصفوف) أي سووها.
9 - (فحصبهما) أي رماهما بالحصباء.
104

(3) باب فيمن أدرك ركعة يوم الجمعة
11 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، أنه كان يقول: من أدرك من صلاة
الجمعة ركعة، فليصل إليها أخرى. قال ابن شهاب، وهي السنة.
قال مالك: وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من
أدرك من الصلاة ركعة، فقد أدرك الصلاة.)
حديث (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فأخرجه البخاري في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 29 - باب من أدرك من الصلاة ركعة.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 30 - باب من أدرك من الصلاة ركعة فقد
أدرك الصلاة، حديث 161.
قال مالك، في الذي يصيبه زحام يوم الجمعة، فيركع ولا يقدر على أن يسجد، حتى يقوم
الامام، أو يفرغ الامام من صلاته: أنه، إن قدر على أن يسجد، إن كان قد ركع، فليسجد
إذا قام الناس. وإن لم يقدر على أن يسجد، حتى يفرغ الامام من صلاته، فإنه أحب إلى
أن يبتدئ صلاته ظهرا أربعا.
105

(4) باب ما جاء فيمن رعف يوم الجمعة
12 - قال مالك: من رعف يوم الجمعة، والامام يخطب، فخرج فلم يرجع، حتى فرغ
الامام من صلاته، فإنه يصلى أربعا.
قال مالك، في الذي يركع ركعة مع الامام يوم الجمعة، ثم يرعف فيخرج، فيأتي وقد
صلى الامام الركعتين كلتيهما: أنه يبنى بركعة أخرى ما لم يتكلم.
قال مالك: ليس على من رعف، أو أصابه أمر لابد له من الخروج، أن يستأذن الامام
يوم الجمعة، إذا أراد أن يخرج.
(5) باب ما جاء في السعي يوم الجمعة
13 - حدثني يحيى عن مالك، أنه سأل ابن شهاب عن قول الله عز وجل - يا أيها الذين
آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله - فقال ابن شهاب: كان عمر
ابن الخطاب يقرؤها - إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله -.

12 - (رعف) رعف الرجل رعفا ورعافا، من بابي نصر ومنع، أي خرج الدم من أنفه.
106

قال مالك: وإنما السعي في كتاب الله العمل والفعل. يقول الله تبارك وتعالى - وإذا تولى
سعى في الأرض -، وقال تعالى - وأما من جاءك يسعى وهو يخشى -، وقال - ثم أدبر يسعى -،
وقال - إن سعيكم لشتى -.
قال مالك: فليس السعي الذي ذكر الله في كتابه بالسعي على الاقدام، ولا الاشتداد،
وإنما عنى العمل والفعل.
(6) باب ما جاء في الامام ينزل بقرية يوم الجمعة في السفر
14 - قال مالك: إذا نزل الامام بقرية تجب فيها الجمعة، والامام مسافر. فخطب
وجمع بهم، فإن أهل تلك القرية وغيرهم يجمعون معه.
قال مالك: وإن جمع الامام وهو مسافر، بقرية لا تجب فيها الجمعة، فلا جمعة له،
ولا لأهل تلك القرية. ولا لمن جمع معهم من غيرهم. وليتمم أهل تلك القرية وغيرهم،
ممن ليس بمسافر، الصلاة.
قال مالك: ولا جمعة على مسافر.
107

(7) باب ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة
15 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر يوم الجمعة، فقال: (فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلى،
يسأل الله شيئا، إلا أعطاه إياه) وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، يقللها.
أخرجه البخاري في: 11 - كتاب الجمعة، 37 - باب الساعة التي في يوم الجمعة.
ومسلم في: 7 - كتاب الجمعة، 4 - باب في الساعة التي في يوم الجمعة، حديث 13.
16 - وحدثني عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث
التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، أنه قال: خرجت إلى الطور،
فلقيت كعب الأحبار. فجلست معه. فحدثني عن التوراة. وحدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكان فيما حدثته، أن قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت عليه الشمس، يوم
الجمعة. فيه خلق آدم. وفيه أهبط من الجنة. وفيه تيب عليه. وفيه مات. وفيه تقوم
الساعة. وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة، من حين تصبح حتى تطلع الشمس،

15 - (لا يوافقها) أي لا يصادفها، وهو أعم من أن يقصد لها، أو يتفق وقوع الدعاء فيها.
(وأشار بيده يقللها) قال الزين بن المنير: الإشارة لتقليلها، هو الترغيب فيها والحض عليها. ليسارة وقتها
وغزارة فضلها.
16 - (الطور) قال الباجي: هو، لغة، كل جبل، إلا أنه في الشرع، جبل بعينه، وهو الذي كلم فيه
موسى. وهو الذي عنى أبو هريرة. (وفيه تقوم الساعة) أي القيامة، (مصيخة) مستمعة، مصغية.
(شفقا) خوفا. (بصرة بن أبي بصرة الغفاري) المحفوظ أن الحديث لوالده. ولذا قال ابن عبد البر:
الصواب (فلقيت أبا بصرة) قال: والغلط من يزيد، لا من مالك. (لا تعمل المطي) أي لا تسير ويسافر
عليها. (إلا إلى ثلاثة مساجد) استثناء مفرغ، أي إلى موضع للصلاة فيه إلا لهذه الثلاثة. وليس المراد
أنه لا يسافر أصلا إلا لها. (لا تضن) أي لا تبخل. (فهو في صلاة) أي في حكمها.
108

شفقا من الساعة. إلا الجن والإنس وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلى، يسأل الله
شيئا، إلا أعطاه إياه) قال كعب: ذلك في كل سنة يوم. فقلت: بل في كل جمعة. فقرأ
كعب التوراة، فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو هريرة: فلقيت بصرة بن أبي بصرة
الغفاري، فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور. فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج
إليه، ما خرجت. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد:
إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا، وإلى مسجد إيلياء. أو بيت المقدس) يشك. قال
أبو هريرة: ثم لقيت عبد الله بن سلام، فحدثته بمجلسي مع كعب الأحبار، وما حدثته به
في يوم الجمعة. فقلت: قال كعب ذلك في كل سنة يوم. قال: قال عبد الله بن سلام:
كذب كعب. فقلت: ثم قرأ كعب التوراة، فقال بل هي في كل جمعة. فقال عبد الله
ابن سلام: صدق كعب. ثم قال عبد الله بن سلام: قد علمت أية ساعة هي. قال أبو هريرة:
فقلت له أخبرني بها ولا تضن علي. فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة في يوم الجمعة.
قال أبو هريرة: فقلت وكيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلى) وتلك الساعة ساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام:
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة يصلى؟) قال
109

أبو هريرة: فقلت بلى. قال: فهو ذلك.
أخرجه أبو داود في: 2 - كتاب الصلاة، 200 - باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة
والترمذي في: 4 - كتاب الجمعة، 2 - باب ما جاء في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة.
والنسائي في: 14 - كتاب الجمعة، 45 - باب الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة.
(8) باب الهيئة وتخطى الرقاب، واستقبال الامام يوم الجمعة
17 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين لجمعته، سوى ثوبي مهنته).
وصله أبو داود عن عبد الله بن سلام في: 2 - كتاب الصلاة، 212 - باب اللبس للجمعة.
وابن ماجة عنه أيضا في: 5 - كتاب أبواب إقامة الصلاة والسنة فيها، 83 - باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة.
وعن عائشة، في الباب نفسه.
وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر، كان لا يروح إلى الجمعة إلا ادهن،
وتطيب، إلا أن يكون حراما.
18 - حدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عمن حدثه، عن أبي هريرة،
أنه كان يقول: لان يصلى أحدكم بظهر الحرة، خير له من أن يقعد، حتى إذا قام الامام
يخطب، جاء يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة.

17 - (مهنته) قال ابن الأثير: أي بذلته وخدمته. والرواية بفتح الميم، وقد تكسر. قال الزمخشري:
والكسر عند الاثبات خطأ. (إلا ادهن) أي استعمل الدهن، لإزالة شعث الشعر به.
(حراما) أي محرما، بحج أو عمرة.
18 - (الحرة) أرض ذات حجارة سود، كأنها أحرقت بالنار، بظاهر المدينة.
110

قال مالك: السنة عندنا أن يستقبل الناس الامام يوم الجمعة، إذا أراد أن يخطب، من
كان منهم يلي القبلة وغيرها.
(9) باب القراءة في صلاة الجمعة، والاحتباء، ومن تركها من غير عذر
19 - حدثني يحيى عن مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيد الله بن عبد الله
ابن عتبة بن مسعود، أن الضحاك بن قيس، سأل النعمان بن بشير: ماذا كان يقرأ به رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، على إثر سورة الجمعة؟ قال: كان يقرأ - هل أتاك حديث الغاشية -.
أخرجه مسلم في: 7 - كتاب الجمعة، 16 - باب ما يقرأ في صلاة الجمعة، حديث 63
20 - وحدثني عن مالك، عن صفوان بن سليم (قال مالك: لا أدرى أعن النبي صلى الله عليه وسلم
أم لا) أنه قال: (من ترك الجمعة ثلاث مرات، من غير عذر ولا علة، طبع الله على قلبه).
قال ابن عبد البر: هذا يسند من وجوه، أحسنها حديث أبي الجعد الضمري.
وقد أخرجه أبو داود في: 2 - كتاب الصلاة، 203 - باب التشديد في ترك الجمعة.
والترمذي في: 4 - كتاب الجمعة، 7 - باب ما جاء في ترك الجمعة بغير عذر.
والنسائي في: 14 - كتاب الجمعة، 2 - باب التشديد في التخلف عن الجمعة.
وابن ماجة في: 5 - كتاب أبواب إقامة الصلاة والسنة فيها، 93 - باب فيمن ترك الجمعة من غير
عذر.

20 - (طبع الله على قلبه) أي ختم عليه وغشاه ومنعه ألطافه، فلا يصل إليه شئ من الخير. أو جعل
فيه الجهل والجفاء والقسوة. أو صير قلبه قلب منافق. والطبع، بسكون الباء، الختم. وبالتحريك، الدنس.
وأصله الوسخ يغشى السيف، ثم استعمل فيما يشبه ذلك من الآثام والقبائح.
111

21 - وحدثني عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب
خطبتين يوم الجمعة، وجلس بينهما.
قال ابن عبد البر: كذا رواه جماعة رواة الموطأ مرسلا. وهو يتصل من وجوه ثابتة من غير حديث مالك.
وصله البخاري عن ابن عمر في: 11 - كتاب الجمعة، 27 - باب الخطبة قائما.
و 30 - باب القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة
ومسلم في: 7 - كتاب الجمعة، 10 - باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة، حديث 33.
112

6 - كتاب الصلاة في رمضان
(1) باب الترغيب في الصلاة في رمضان
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة، فصلى بصلاته ناس. ثم صلى الليلة
القابلة، فكثر الناس. ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم. فلما أصبح، قال: (قد رأيت الذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم، إلا
أنى خشيت أن تفرض عليكم) وذلك في رمضان.
أخرجه مسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 25 - باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، حديث 178.
2 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يرغب في قيام رمضان، من غير أن يأمر بعزيمة.
فيقول: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه).

1 - (أن تفرض عليكم) أي صلاة الليل، فتعجزوا عنها.
2 - (من غير أن يأمر بعزيمة) قال النووي: معناه لا يأمرهم أمر إيجاب وتحتيم، بل أمر ندب وترغيب.
(إيمانا واحتسابا) قال النووي: معنى (إيمانا) تصديقا بأنه حق، معتقدا أفضليته. ومعنى (احتسابا)
أي يريد به الله وحده، طلبا لثواب الآخرة، لا لرياء ونحوه.
(والامر على ذلك) أي ترك الجماعة في صلاة التراويح.
113

قال ابن شهاب: فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والامر على ذلك. ثم كان الامر على ذلك في خلافة
أبى بكر، وصدرا من خلافة عمر بن الخطاب.
أخرجه البخاري في: 31 - كتاب صلاة التراويح، 1 - باب فضل من قام رمضان.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 25 - باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح،
حديث 174.
(2) باب ما جاء قيام رمضان
3 - حدثني مالك عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري،
أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب، في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون.
يصلى الرجل لنفسه، ويصلى الرجل فيصلى بصلاته الرهط. فقال عمر: والله إني لأراني
لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. فجمعهم على أبي بن كعب. قال: ثم خرجت
معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم. فقال عمر: نعمت البدعة هذه،

3 - (أوزاع) أي جماعات. (متفرقون) نعت لفظي للتأكيد، مثل نفخة واحدة. لان (الأوزاع)
الجماعات المتفرقة، لا واحد له من لفظه. وذكر ابن فارس والجوهري والمجد أن (الأوزاع) الجماعات. ولم
يقولوا (متفرقين). فعليه، يكون النعت للتخصيص. أراد أنهم كانوا يتنفلون في المسجد بعد صلاة العشاء متفرقين.
(الرهط) ما بين الثلاثة إلى العشرة. (فجمعهم على أبي بن كعب) أي جعله إماما لهم.
(بصلاة قارئهم) أي إمامهم.
(والتي تنامون عنها أفضل) قال ابن حجر: هذا تصريح منه بأن الصلاة في آخر الليل أفضل من أوله.
114

والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون. يعنى آخر الليل. وكان الناس يقومون أوله.
أخرجه البخاري في: 31 - كتاب صلاة التراويح، 1 - باب فضل من قام رمضان.
4 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد، أنه قال: أمر عمر
ابن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. قال: وقد كان
القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصى من طول القيام. وما كنا ننصرف إلا في
فروع الفجر.
5 - وحدثني عن مالك، عن يزيد بن رومان، أنه قال: كان الناس يقومون في زمان
عمر بن الخطاب، في رمضان، بثلاث وعشرين ركعة.
6 - وحدثني عن مالك، عن داود بن الحصين، أنه سمع الأعرج يقول: ما أدركت
الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان. قال: وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثمان
ركعات. فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة، رأى الناس أنه قد خفف.

4 - (إلا في فروع الفجر) قال عياض: أي أوائله، وأول ما يبدو ويرتفع منه.
6 - (يلعنون الكفرة في رمضان) في قنوت الوتر، اقتداء بدعائه صلى الله عليه وسلم، في القنوت، على رعل وذكوان
وبنى لحيان، الذين قتلوا أصحابه ببئر معونة.
115

7 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، قال: سمعت أبي يقول: كنا ننصرف
في رمضان، فنستعجل الخدم بالطعام، مخافة الفجر.
وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن ذكوان، أبا عمرو (وكان عبدا
لعائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فأعتقته، عن دبر منها) كان يقوم يقرأ لها في رمضان.

7 - (فنستعجل الخدم بالطعام) أي للسجور. (عن دبر) قال الفيومي: دبر الرجل عبده تدبيرا،
إذا أعتقه بعد موته. وأعتق عبده عن دبر، أي بعد دبر. (يقرأ لها القرآن) أي يصلى لها إماما.
116

7 - كتاب صلاة الليل
(1) باب ما جاء في صلاة الليل
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن محمد بن المنكدر، عن سعيد بن جبير، عن
رجل عنده رضا، أنه أخبره. أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ما من امرئ تكون له صلاة بليل، يغلبه عليها نوم، إلا كتب الله له أجر صلاته،
وكان نومه عليه صدقة).
أخرجه أبو داود في: 5 - كتاب التطوع، 20 - باب من نوى القيام فنام.
والنسائي في: 20 - كتاب قيام الليل، 61 - باب من كان له صلاة بالليل فغلبه عليها النوم.
2 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر، مولى عمر بن عبيد الله، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن،
عن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي
في قبلته. فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي. فإذا قام بسطتهما. قالت: والبيوت يومئذ
ليس فيها مصابيح.
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 22 - باب الصلاة على الفراش.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 51 - باب الاعتراض بين يدي المصلى، حديث 272.

1 - (عن رجل عنده رضا) قال في الأساس: وهذا شئ رضا، أي مرضي
2 - (غمزني) أي طعن بأصبعه في لأقبض رجلي من قبلته. (والبيوت يومئذ) قال ابن عبد البر: قولها
(يومئذ) تريد (حينئذ) إذ المصابيح إنما تتخذ في الليالي دون الأيام. وهذا مشهور في لسان العرب. يعبر باليوم
عن الحين، كما يعبر به عن النهار.
117

3 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: (إذا نعس أحدكم في صلاته، فليرقد حتى يذهب عنه النوم.
فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس، لا يدرى لعله يذهب يستغفر، فيسب نفسه).
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء، 53 - باب الوضوء من النوم.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 31 - باب أمر من نعس في صلاته، أو استعجم عليه
القرآن أو الذكر، بأن يرقد الخ، حديث 222.
4 - وحدثني عن مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
سمع امرأة من الليل تصلى. فقال: (من هذه؟) فقيل له: هذه الحولاء، بنت تويت،
لا تنام الليل. فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى عرفت الكراهية في وجهه. ثم قال:
(إن الله تبارك وتعالى لا يمل حتى تملوا. اكلفوا من العمل ما لكم به طاقة).
فال ابن عبد البر: هذا منقطع من رواية إسماعيل.
وقد وصله البخاري عن عائشة في: 2 - كتاب الايمان، 32 - باب أحب الدين إلى الله أدومه.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 30 - باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، حديث 220.

3 - (فيسب نفسه) أي يدعو عليها.
4 - (سمع امرأة من الليل تصلى) أي سمع ذكر صلاتها. (لا يمل حتى تملوا) قال ابن عبد البر: أي أن
من مل من عمل قطع عنه جزاءه. فعبر عنه بالملال، لأنه بحذائه، وجواب له. فهو لفظ خرج على مثال لفظ.
والعرب تفعل ذلك، إذا جعلوه جوابا له أو جزاء ذكروه مثل لفظه، وإن كان مخالفا له في المعنى. كقوله تعالى
(وجزاء سيئة سيئة مثلها) (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) (ومكروا ومكر الله) و (نحن
مستهزئون الله يستهزئ بهم) و (يكيدون كيدا وأكيد كيدا). وهذا بناء على أن (حتى) على بابها في انتهاء الغاية.
وجنح بعضهم إلى تأويلها، فقيل معناه: لا يمل الله إذا مللتم. وهو مستعمل في كلام العرب. يقولون لا أفعل
كذا حتى يبيض القار، وحتى يشيب الغراب. ومنه قولهم في البليغ: لا ينقطع حتى ينقطع خصومه. لأنه لو انقطع
حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية. (اكلفوا) أي خذو وتحملوا. (من العمل) أي عمل البر، من صلاة
وغيرها. (مالكم به) أي بالمداومة عليه. (طاقة) قوة. فمنطوقه الامر بالاقتصار على ما يطاق من
العبادة، ومفهومه النهى عن تكليف ما لا يطاق.
118

5 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب كان يصلى
من الليل ما شاء الله. حتى إذا كان من آخر الليل، أيقظ أهله للصلاة. يقول لهم: الصلاة،
الصلاة. ثم يتلو هذه الآية - وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك
والعاقبة للتقوى -.
6 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه، أن سعيد بن المسيب كان يقول: يكره النوم قبل
العشاء، والحديث بعدها.
هذا البلاغ حديث مرفوع رواه الشيخان عن أبي برزة.
فأخرجه البخاري في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 3 - باب ما يكره من النوم قبل العشاء.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 40 - باب استحباب التبكير بالصبح في أول
وقتها، حديث 236.
7 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه، أن عبد الله بن عمر كان يقول: صلاة الليل والنهار
مثنى مثنى. يسلم من كل ركعتين.
وصله الترمذي في: 4 - كتاب الجمعة، 65 - باب ما جاء أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى.
قال مالك: وهو الامر عندنا.

6 - (يكره النوم قبل العشاء) لما فيه من تعريضها للفوات. (والحديث بعدها) لمنعه من صلاة الليل.
119

(2) باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر
8 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يصلى من الليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة.
فإذا فرغ، اضطجع على شقه الأيمن.
أخرجه مسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 17 - باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل،
حديث 121.
9 - وحدثني عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
ابن عوف، أنه سأل عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟
فقالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان، ولا في غيره، على إحدى عشرة ركعة.
يصلى أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن. ثم يصلى أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن.
ثم يصلى ثلاثا. فقالت عائشة: فقلت: يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ فقال: (يا عائشة!
إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي).
أخرجه البخاري في: 31 - كتاب صلاة التراويح، 1 - باب فضل من قام رمضان.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 17 - باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، حديث 125.

8 - (يوتر فيها بواحدة) قال الفيومي. والوتر الفرد. ووترت الصلاة وأوترتها جعلتها وترا.
9 - (فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) أي أنهن في نهاية من كمال الحسن والطول، مستغنيات بظهور
ذلك عن السؤال عنه. (إن عيني تنامان ولا ينام قلبي) لان القلب إذا قويت حياته لا ينام إذا نام البدن،
ولا يكون ذلك إلا للأنبياء.
120

10 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين،
قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالليل ثلاث عشرة ركعة. ثم يصلى، إذا سمع النداء بالصبح،
ركعتين خفيفتين.
أخرجه مسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 17 - باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل،
حديث 123.
11 - وحدثني عن مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، مولى ابن عباس، أن
عبد الله بن عباس أخبره: أنه بات ليلة عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وهي خالته. قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله، في طولها. فنام رسول
الله صلى الله عليه وسلم. حتى إذا انتصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده. ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران. ثم
قام إلى شن معلق فتوضأ منه، فأحسن وضوءه. ثم قام يصلى.
قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع. ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها. فصلى ركعتين. ثم ركعتين.

10 - (إذا سمع النداء) أي الأذان.
11 - (الوسادة) ما يوضع عليه الرأس للنوم، (يمسح النوم عن وجهه بيده) أي يمسح بيده عينيه.
من إطلاق اسم الحال على المحل. لان المسح إنما يقع على العين، والنوم لا يمسح. أو المراد يمسح أثر النوم، من
إطلاق السبب على المسبب. (العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران) أولها (إن في خلق السماوات
والأرض) إلى آخر السورة. (شن معلق) الشن قربة خلقة من أدم. وذكر الوصف باعتبار لفظه، أو
الأدم، أو الجلد، أو السقاء أو الوعاء. (فقمت إلى جنبه) أي الأيسر.
(فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي) قال ابن عبد البر. يعنى أنه أداره فجعله عن يمينه.
(يفتلها) أي يدلكها.
121

ثم ركعتين. ثم ركعتين. ثم ركعتين ثم ركعتين. ثم أوتر. ثم اضطجع، حتى أتاه
المؤذن. فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج، فصلى الصبح.
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء، 36 - باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، حديث 182.
12 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، أن عبد الله بن قيس
ابن مخرمة أخبره، عن زيد بن خالد الجهني، أنه قال: لأرمقن الليلة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فتوسدت عتبته، أو فسطاطه. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى ركعتين، طويلتين طويلتين
طويلتين. ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما. ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما.
ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما. ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما. ثم صلى
ركعتين وهما دون اللتين قبلهما. ثم أوتر. فتلك ثلاث عشرة ركعة.
أخرجه مسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، حديث 195.

(ثم أوتر) أي بواحدة.
12 - (لأرمقن) أصله النظر إلى الشئ شزرا، نظر العداوة. واستعير هنا لمطلق النظر. وعدل عن الماضي
فلم يقل رمقت، استحضارا لتلك الحالة الماضية، ليقررها للسامع أبلغ تقرير. أي لأنظرن.
(فتوسدت عتبته) أي عتبة بابه. أي جعلتها كالوسادة، بوضع رأسي عليها. (فسطاطه) هو البيت
من الشعر.
122

(3) باب الأمر بالوتر
13 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع وعبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن
رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى.
فإذا خشي أحدكم الصبح، صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى).
أخرجه البخاري في: 14 - كتاب الوتر، 1 - باب ما جاء في الوتر.
ومسلم في: كتاب صلاة المسافرين، 20 - باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من
آخر الليل، حديث 145.
14 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز،
أن رجلا من بنى كنانة يدعى المخدجي، سمع رجلا بالشام يكنى أبا محمد، يقول: إن
الوتر واجب. فقال المخدجي: فرحت إلى عبادة بن الصامت، فاعترضت له وهو رائح إلى
المسجد. فأخبرته بالذي قال أبو محمد. فقال عبادة: كذب أبو محمد. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: (خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على العباد. فمن جاء بهن، لم يضيع منهن شيئا،
استخفافا بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة. ومن لم يأت بهن، فليس له عند الله
عهد. إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة).
أخرجه أبو داود في: 8 - كتاب الوتر، 2 - باب فيمن لم يوتر.
والنسائي في: 5 - كتاب الصلاة، 6 - باب المحافظة على الصلوات الخمس. وابن ماجة في: 5 - كتاب الإقامة، 194 - باب ما جاء في فضل الصلوات الخمس والمحافظة عليها.
123

15 - وحدثني عن مالك، عن أبي بكر بن عمر، عن سعيد بن يسار، قال: كنت أسير
مع عبد الله بن عمر بطريق مكة. قال سعيد: فلما خشيت الصبح، نزلت، فأوترت، ثم
أدركته. فقال لي عبد الله بن عمر: أين كنت؟ فقلت له: خشيت الصبح، فنزلت فأوترت.
فقال عبد الله: أليس لك في رسول الله أسوة؟ فقلت: بلى، والله! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يوتر على البعير.
أخرجه البخاري في: 14 - كتاب الوتر، 5 - باب الوتر على الدابة.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 4 - باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث
توجهت، حديث 36.
16 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: كان
أبو بكر الصديق، إذا أراد أن يأتي فراشه، أوتر. وكان عمر بن الخطاب، يوتر آخر الليل.
قال سعيد بن المسيب: فأما أنا، فإذا جئت فراشي، أوترت.
17 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن رجلا سأل عبد الله بن عمر عن الوتر، أواجب
هو؟ فقال عبد الله بن عمر: قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوتر المسلمون. فجعل الرجل يردد
عليه، وعبد الله بن عمر يقول: أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوتر المسلمون.
18 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت تقول: من
خشي أن ينام حتى يصبح، فليوتر قبل أن ينام. ومن رجا أن يستيقظ آخر الليل، فليؤخر وتره.
124

19 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أنه قال: كنت مع عبد الله بن عمر بمكة والسماء
مغيمة. فخشي عبد الله الصبح، فأوتر بواحدة. ثم انكشف الغيم، فرأى أن عليه ليلا،
فشفع بواحدة. ثم صلى بعد ذلك ركعتين ركعتين. فلما خشي الصبح أوتر بواحدة.
20 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعتين
والركعة في الوتر، حتى يأمر ببعض حاجته.
21 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أن سعد بن أبي وقاص كان يوتر بعد العتمة
بواحدة.
قال مالك، وليس على هذا، العمل عندنا. ولكن أدنى الوتر ثلاث.
22 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، أن عبد الله بن عمر كان يقول: صلاة
المغرب وتر صلاة النهار.
قال مالك: من أوتر أول الليل، ثم نام، ثم قام، فبدا له أن يصلى فليصل، مثنى مثنى.
فهو أحب ما سمعت إلي.

19 - (السماء مغيمة) غامت السماء إذا أطبق بها السحاب. وأغامت وغيمت وتغيمت، مثله.
125

(4) باب الوتر بعد الفجر
23 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري، عن سعيد
ابن جبير، أن عبد الله بن عباس رقد، ثم استيقظ. فقال لخادمه: انظر ما صنع الناس (وهو
يومئذ قد ذهب بصره) فذهب الخادم ثم رجع. فقال: قد انصرف الناس من الصبح. فقام
عبد الله بن عباس، فأوتر، ثم صلى الصبح.
24 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن عباس، وعبادة بن الصامت، والقاسم
ابن محمد، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، قد أوتروا بعد الفجر.
25 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عبد الله بن مسعود قال:
ما أبالي لو أقيمت صلاة الصبح، وأنا أوتر.
26 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: كان عبادة بن الصامت يؤم قوما
فخرج يوما إلى الصبح. فأقام المؤذن صلاة الصبح. فأسكته عبادة حتى أوتر، ثم صلى بهم
الصبح.
27 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، أنه قال: سمعت عبد الله بن عامر
ابن ربيعة يقول: إني لأوتر وأنا أسمع الإقامة، أو بعد الفجر (يشك عبد الرحمن أي ذلك قال).
126

28 - وحدثني مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، أنه سمع أباه القاسم بن محمد، يقول:
إني لأوتر بعد الفجر.
قال مالك: وإنما يوتر بعد الفجر من نام عن الوتر. ولا ينبغي لاحد أن يتعمد ذلك،
حتى يضع وتره بعد الفجر.
(5) باب ما جاء في ركعتي الفجر
29 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن حفصة، زوج
النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا سكت المؤذن عن الأذان لصلاة الصبح،
صلى ركعتين خفيفتين، قبل أن تقام الصلاة.
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 12 - باب الأذان بعد الفجر.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 14 - باب استحباب ركعتي سنة الفجر، حديث 87.
30 - وحدثني مالك، عن يحيى بن سعيد، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: إن كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليخفف ركعتي الفجر حتى إني لأقول: أقرأ بأم القرآن أم لا؟
قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث عند جماعة الرواة للموطأ.
وقد وصله البخاري في: 19 - كتاب التهجد، 28 - باب ما يقرأ في ركعتي الفجر.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 14 - باب استحباب ركعتي سنة الفجر، حديث 92 و 93.
127

31 - وحدثني عن مالك، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن،
أنه قال: سمع قوم الإقامة، فقاموا يصلون. فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أصلاتان
معا؟ أصلاتان معا؟) وذلك في صلاة الصبح، في الركعتين اللتين قبل الصبح.
قال ابن عبد البر: لم تختلف الرواة عن مالك في إرسال هذا الحديث.
32 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن عمر فاتته ركعتا الفجر، فقضاهما بعد
أن طلعت الشمس.
33 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم بن محمد، أنه صنع
مثل الذي صنع ابن عمر.

31 - (أصلاتان معا، أصلاتان معا) قال ابن عبد البر: هذا إنكار منه صلى الله عليه وسلم لذلك الفعل. فلا يجوز
لاحد أن يصلى في المسجد شيئا من النوافل إذا قامت المكتوبة.
128

8 - كتاب صلاة الجماعة
(1) باب فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 30 - باب فضل صلاة الجماعة.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 42 - باب فضل صلاة الجماعة، حديث 249.
2 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم، وحده، بخمسة وعشرين
جزءا).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 31 - باب فضل صلاة الفجر في جماعة.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 42 - باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد
في التخلف عنها، حديث 245.
3 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده! لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة
فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال، فأحرق عليهم بيوتهم. والذي

1 - (الفذ) أي المنفرد.
3 - (فيحطب) أي يجمع. (أخالف إلى رجال) أي آتيهم من خلفهم. قال الجوهري: خالف
إلى فلان أي أتاه إذا غاب عنه. والمعنى أخالف الفعل الذي أظهرت من إقامة الصلاة فأتركه وأسير إليهم.
أو أخالف ظنهم في أنى مشغول بالصلاة عن قصدي إليهم. أو معنى (أخالف) أتخلف عن الصلاة إلى قصد
المذكورين. (أو مرماتين) بكسر الميم، وقد تفتح. الواحدة مرماة. قال الخليل. هي ما بين ظلفي الشاة
من اللحم. (حسنتين) أي مليحتين.
129

نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 29 - باب وجوب صلاة الجماعة.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 42 - باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد
في التخلف عنها، حديث 246.
4 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر، مولى عمر بن عبيد الله، عن بسر بن سعيد،
أن زيد بن ثابت قال: أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم. إلا صلاة المكتوبة.
أخرجه البخاري مرفوعا في: 10 - كتاب الأذان، 81 - باب صلاة الليل.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 29 - باب استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد،
حديث 213.
(2) باب ما جاء في العتمة والصبح
5 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي، عن سعيد بن المسيب،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح. لا يستطيعونهما)
أو نحو هذا.
قال في التمهيد: هذا الحديث مرسل في الموطأ. لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا. ومعناه محفوظ من وجوه ثابتة.
130

6 - وحدثني عن مالك، عن سمى مولى أبى بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل يمشي بطريق، إذ وجد غصن شوك على
الطريق، فأخره. فشكر الله له، فغفر له). وقال: (الشهداء خمسة: المطعون،
والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله) وقال: (لو يعلم الناس ما في
النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه، لاستهموا. ولو يعلمون ما في التهجير
لاستبقوا إليه. ولو يعلمون ما في العتمة والصبح، لاتوهما ولو حبوا).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 32 - باب فضل التهجير إلى الظهر.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها، حديث 129.
وفى: 33 - كتاب الامارة، 51 - باب بيان الشهداء، حديث 164 -.
7 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، أن
عمر بن الخطاب فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح. وأن عمر بن الخطاب غدا إلى
السوق ومسكن سليمان بين السوق والمسجد النبوي. فمر على الشفاء، أم سليمان.
فقال لها: لم أر سليمان في الصبح. فقالت: إنه بات يصلى، فغلبته عيناه. فقال عمر: لان
أشهد صلاة الصبح في الجماعة، أحب إلي من أن أقوم ليلة.

6 - (فشكر الله له) أي رضى فعله وقبل منه. (المطعون) الميت بالطاعون، وهو غدة كغدة البعير
تخرج في الآباط والمراق. (المبطون) الميت بمرض البطن أو الاستسقاء أو الاسهال. (والغرق) الميت بالغرق.
(صاحب الهدم) الميت تحته. (والشهيد) الذي قتل في سبيل الله. (إلا أن يستهموا) أي يقترعوا
(التهجير) البدار إلى الصلاة أول وقتها وقبله، وانتظارها. (لاستبقوا إليه) استباقا معنويا، لا حسيا.
لاقتضائه سرعة المشي، وهو ممنوع. (العتمة) العشاء. (والصبح) أي ثواب صلاتهما في جماعة.
131

وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة
الأنصاري، أنه قال: جاء عثمان بن عفان إلى صلاة العشاء، فرأى أهل المسجد قليلا، فاضطجع
في مؤخر المسجد، ينتظر الناس أن يكثروا. فأتاه ابن أبي عمرة، فجلس إليه، فسأله من
هو؟ فأخبره. فقال: ما معك من القرآن؟ فأخبره. فقال له عثمان: من شهد العشاء فكأنما
قام نصف ليلة. ومن شهد الصبح فكأنما قام ليلة.
قد صح مرفوعا.
أخرجه مسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 46 - باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة،
حديث 260.
(3) باب إعادة الصلاة مع الامام
8 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن رجل من بنى الديل، يقال له بسر
ابن محجن، عن أبيه محجن، أنه كان في مجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن بالصلاة. فقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى. ثم رجع، ومحجن في مجلسه لم يصل معه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ما منعك أن تصلى مع الناس؟ ألست برجل مسلم؟) فقال: بلى. يا رسول الله. ولكني
قد صليت في أهلي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جئت فصل مع الناس، وإن كنت قد
صليت).
أخرجه النسائي في 10 - كتاب الإمامة، 53 - باب إعادة الصلاة مع الجماعة بعد صلاة الرجل لنفسه.

7 - (من شهد العشاء) أي صلاها في جماعة. (من شهد الصبح) أي صلاها في جماعة.
132

9 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن رجلا سأل عبد الله بن عمر، فقال: إني أصلى في
بيتي، ثم أدرك الصلاة مع الامام، أفأصلي معه؟ فقال له عبد الله بن عمر: نعم. فقال الرجل:
أيتهما أجعل صلاتي؟ فقال له ابن عمر: أو ذلك إليك؟ إنما ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء.
10 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن رجلا سأل سعيد بن المسيب، فقال:
إني أصلى في بيتي، ثم آتى المسجد، فأجد الامام يصلى. أفأصلي. معه؟ فقال سعيد: نعم. فقال
الرجل: فأيهما صلاتي؟ فقال سعيد: أو أنت تجعلهما؟ إنما ذلك إلى الله.
11 - وحدثني عن مالك، عن عفيف السهمي، عن رجل من بنى أسد، أنه سأل أبا أيوب
الأنصاري، فقال: إني أصلى في بيتي، ثم آتى المسجد، فأجد الامام يصلى، أفأصلي معه؟
فقال أبو أيوب: نعم. فصل معه. فإن من صنع ذلك فإن له سهم جمع، أو مثل سهم جمع.
12 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: من صلى المغرب
أو الصبح، ثم أدركهما مع الامام، فلا يعد لهما.
قال مالك: ولا أرى بأسا أن يصلى مع الامام من كان قد صلى في بيته. إلا صلاة المغرب
فإنه إذا أعادها، كانت شفعا.

11 - (فإن له سهم جمع) قال ابن وهب: أي يضعف له الاجر، فيكون له سهمان منه.
133

(4) باب العمل في صلاة الجماعة
13 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم بالناس، فليخفف. فإن فيهم الضعيف، والسقيم، والكبير.
وإذا صلى أحدكم لنفسه، فليطول ما شاء).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 62 - باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 37 - باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، حديث 183.
14 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أنه قال: قمت وراء عبد الله بن عمر في صلاة من
الصلوات، وليس معه أحد غيري. فخالف عبد الله بيده، فجعلني حذاءه.
15 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن رجلا كان يؤم الناس بالعقيق. فأرسل
إليه عمر بن عبد العزيز، فنهاه.
قال مالك: وإنما نهاه، لأنه كان لا يعرف أبوه.

14 - (حذاءه) أي محاذيا له عن يمينه، لأنه موقف المأموم الواحد.
15 - (العقيق) موضع معروف بالمدينة.
134

(5) باب صلاة الامام وهو جالس
16 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ركب فرسا فصرع، فجحش شقه الأيمن. فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد. وصلينا
وراءه قعودا. فلما انصرف قال: (إنما جعل الامام ليؤتم به. فإذا صلى قائما فصلوا قياما.
وإذا ركع فاركعوا. وإذا رفع فارفعوا. وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد.
وإذا صلى جالسا، فصلوا جلوسا أجمعون).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 51 - باب إنما جعل الامام ليؤتم به.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 19 - باب ائتمام المأموم بالامام، حديث 77.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 696، بتحقيق أحمد محمد شاكر
17 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شاك. فصلى جالسا. وصلى وراءه قوم قياما. فأشار إليهم
أن اجلسوا. فلما انصرف، قال: إنما جعل الامام ليؤتم به. فإذا ركع فاركعوا. وإذا رفع
فارفعوا. وإذا صلى جالسا، فصلوا جلوسا).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 51 - باب إنما جعل الامام، ليؤتم به.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 19 - باب ائتمام المأموم بالامام حديث 82.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 697، بتحقيق أحمد محمد شاكر.

16 - (فصرع) أي سقط عن الفرس. (فجحش) أي خدش. وقيل الجحش فوق الخدش، والخدش
قشر الجلد. (ليؤتم به) ليقتدى به ويتبع. ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه ولا يساويه. ولا يتقدم عليه
في موقفه، بل يراقب أحواله، ويأتي على أثره بنحو فعله. ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شئ من الأحوال.
(أجمعون) تأكيد لضمير الفاعل في قوله (فصلوا).
135

18 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في
مرضه. فأتى، فوجد أبا بكر، وهو قائم يصلى بالناس. فاستأخر أبو بكر. فأشار إليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كما أنت. فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب أبى بكر. فكان أبو بكر
يصلى بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس، وكان الناس يصلون بصلاة أبى بكر.
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 47 - باب من قام إلى جنب الامام لعلة.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 21 - باب استخلاف الامام إذا عرض له عذر من مرض وسفر
وغيرهما، حديث 97.
(6) باب فضل صلاة القائم على صلاة القاعد
19 - حدثني يحيى عن مالك، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن مولى
لعمرو بن العاص، أو لعبد الله بن عمرو بن العاص، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة أحدكم وهو قاعد، مثل نصف صلاته وهو قائم).
أخرجه مسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 16 - باب جواز النافلة قائما وقاعدا، حديث 120.
والنسائي في: 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 20 - باب فضل صلاة القائم على القاعد.
وابن ماجة في: 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 141 - باب صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم.
20 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه قال:
لما قدمنا المدينة، نالنا وباء من وعكها شديد. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس، وهم

20 - (من وعكها) قال أهل اللغة: الوعك لا يكون إلا من الحمى، دون سائر الأمراض.
(في سبحتهم) يعنى نافلتهم. وسميت النافلة بذلك لاشتمالها على التسبيح. من تسمية الكل باسم بعضه.
وخصت به دون الفريضة.
136

يصلون في سبحتهم قعودا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم).
قال ابن عبد البر: هذا الحديث منقطع، لان الزهري لم يلق ابن عمرو.
(7) باب ما جاء في صلاة القاعد في النافلة
21 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، عن المطلب
ابن أبي وداعة السهمي، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلى في سبحته قاعدا قط. حتى كان قبل وفاته بعام، فكان يصلى في سبحته قاعدا. ويقرأ
بالسورة فيرتلها، حتى تكون أطول من أطول منها.
أخرجه مسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 16 - باب جواز النافلة قائما وقاعدا، حديث 118.
22 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
أنها أخبرته: أنها لم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى صلاة الليل قاعدا قط. حتى أسن، فكان يقرأ
قاعدا. حتى إذا أراد أن يركع، قام فقرأ نحوا من ثلاثين أو أربعين آية، ثم ركع.
أخرجه البخاري في: 18 - كتاب تقصير الصلاة، 20 - باب إذا صلى قاعدا ثم صح.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 16 - باب جواز النافلة قائما وقاعدا، حديث 111.

21 - (فيرتلها) يقرؤها بتمهل وترسل، ليقع، مع ذلك، التدبر. كما أمره تعالى - ورتل القرآن ترتيلا -
22 - (حتى أسن) أي دخل في السن.
137

23 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن يزيد المدني، وعن أبي النضر، عن أبي سلمة
ابن عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى جالسا. فيقرأ
وهو جالس. فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية، قام فقرأ وهو قائم.
ثم ركع وسجد. ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك.
أخرجه البخاري في: 18 - كتاب تقصير الصلاة، 20 - باب إذا صلى قاعدا ثم صح.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 16 - باب جواز النافلة قائما وقاعدا، حديث 112.
24 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، كانا
يصليان النافلة، وهما محتبيان.
(8) باب الصلاة الوسطى
25 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي يونس
مولى عائشة أم المؤمنين، أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا. ثم قالت: إذا
بلغت هذه الآية فأذني - حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين - فلما

24 - (وهما محتبيان) قال ابن الأثير: الاحتباء أن يضم الانسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع
ظهره ويشده عليها.
25 - (فأذني) أي أعلمني. (قانتين) قيل معناه طائعين لقوله صلى الله عليه وسلم (كل قنوت في القراءة فهو
طاعة) وقيل ساكتين. لحديث زيد بن أرقم (كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت. فأمرنا بالسكوت، ونهينا
عن الكلام).
138

بلغتها آذنتها. فأملت على - حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا
لله قانتين - قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه مسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي
صلاة العصر، حديث 207.
26 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عمرو بن رافع، أنه قال: كنت أكتب
مصحفا لحفصة أم المؤمنين. فقالت: إذا بلغت هذه الآية فأذني - حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين - فلما بلغتها، آذنتها. فأملت علي - حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى وصلاة العصر، وقوموا لله قانتين -.
هذا الحديث رواه مالك موقوفا.
27 - وحدثني عن مالك، عن داود بن الحصين، عن ابن يربوع المخزومي، أنه قال:
سمعت زيد بن ثابت يقول: الصلاة الوسطى صلاة الظهر.
ورواه عنه أبو داود مرفوعا في: 2 - كتاب الصلاة، 5 - باب في وقت صلاة العصر.
28 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، كانا
يقولان: الصلاة الوسطى صلاة الصبح.
قال مالك: وقول علي وابن عباس أحب ما سمعت إلي في ذلك.
139

(9) باب الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد
29 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة،
أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى في ثوب واحد، مشتملا به، في بيت أم سلمة، واضعا طرفيه
على عاتقيه.
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 4 - باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 52 - باب الصلاة في ثوب واحد، وصفة لبسه، حديث 278.
30 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن
سائلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ثوب واحد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو لكلكم
ثوبان؟).
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 4 - باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 52 - باب الصلاة في ثوب واحد، وصفة لبسه، حديث 275.
31 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: سئل أبو هريرة
هل يصلى الرجل في ثوب واحد؟ فقال: نعم. فقيل له: هل تفعل أنت ذلك؟ فقال: نعم.
إني لأصلي في ثوب واحد، وإن ثيابي لعلى المشجب.

30 - (أو لكلكم ثوبان) استفهام إنكاري إبطالي. قال الخطابي: لفظه استخبار ومعناه الاخبار عما هم
من قلة الثياب.
31 - (المشجب) عيدان تضم رؤوسها، ويفرج بين قوائمها، توضع عليها الثياب وغيرها. وقال ابن
سيده: المشجب والشجاب خشبات ثلاث يعلق عليها الراعي دلوه وسقاءه.
140

32 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن جابر بن عبد الله كان يصلى في الثوب الواحد،
33 - وحدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أن محمد بن عمرو بن حزم،
كان يصلى في القميص الواحد.
34 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(من لم يجد ثوبين فليصلي في ثوب واحد، ملتحفا به. فإن كان الثوب قصيرا، فليتزر به).
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 6 - باب إذا كان الثوب ضيقا.
ومسلم في: 53 - كتاب الزهد والرقائق، 18 - باب حديث جابر الطويل وقصة أبى اليسر،
ضمن حديث 74.
قال مالك: أحب إلي أن يجعل، الذي يصلى في القميص الواحد، على عاتقيه ثوبا أو عمامة.
(10) باب الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار
35 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت تصلى في
الدرع والخمار.

34 - (فليصلي) بإثبات الياء للاشباع. (ملتحفا به) قال الزهري: الملتحف المتوشح. والالتحاف هو
الالتفات في الثوب على أي وجه كان. فيدخل تحته التوشح والاشتمال.
35 - (الدرع) الدرع هو القميص مذكر. بخلاف درع الحديد، فمؤنث. (والخمار) ثوب تغطي
به المرأة رأسها. وجمعه خمر ككتب.
141

36 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن زيد بن قنفذ، عن أمه، أنها سألت أم سلمة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ماذا تصلى فيه لمرأة من الثياب؟ فقالت: تصلى في الخمار والدرع السابغ
إذا غيب ظهور قدميها.
قال ابن عبد البر في الاستذكار: هو في الموطأ موقوف. ورفعه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن محمد
ابن زيد عن أمه عن أم سلمة.
وأخرجه أبو داود مرفوعا في: 2 - كتاب الصلاة، 83 - باب في كم تصلى المرأة.
37 - وحدثني عن مالك، عن الثقة عنده، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر
ابن سعيد، عن عبيد الله بن الأسود الخولاني، وكان في حجر ميمونة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن
ميمونة كانت تصلى في الدرع والخمار. ليس عليها إزار.
38 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن امرأة استفتته، فقالت:
إن المنطق يشق علي. أفأصلي في درع وخمار؟ فقال: نعم. إذا كان الدرع سابغا.

36 - (السابغ) الساتر. (إذا غيب) أي ستر.
37 - (الدرع) درع المرأة قميصها، وهو مذكر. (الخمار) ثوب تغطي به المرأة رأسها.
(الإزار) الملحفة.
38 - (المنطق) المنطق ما يشد به الوسط. قال أبو عمر: المنطق والحقو والإزار والسراويل واحد.
(سابغا) ساترا لظهور قدميها.
142

9 - كتاب قصر الصلاة في السفر
(1) باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن داود بن الحصين، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر والعصر، في سفره إلى تبوك.
قال ابن عبد البر في التقصي: اختلف على يحيى بن يحيى في إسناد هذا الحديث. فروى عنه مرسلا. وكذلك
هو عند جمهور رواة الموطأ مرسل.
وقد روى عن يحيى مسندا عن الأعرج عن أبي هريرة.
2 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، أن معاذ بن جبل أخبره، أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عام تبوك. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. قال: فأخر الصلاة يوما. ثم خرج فصلى الظهر
والعصر جميعا، ثم دخل. ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا. ثم قال: (إنكم ستأتون
غدا، إن شاء الله، عين تبوك. وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار. فمن جاءها فلا يمس
من مائها شيئا. حتى آتى) فجئناها، وقد سبقنا إليها رجلان. والعين تبض بشئ من ماء.

1 - (كان يجمع بين الظهر والعصر) جمع تقديم إن ارتحل بعد زوال الشمس. وجمع تأخير إن ارتحل
قبل الزوال.
2 - (يضحى النهار) أي يرتفع قويا. (فمن جاءها) أي قبلي. (تبض) روى بالصاد، ومعناها تبرق.
وروى بالضاد، ومعناها تقطر وتسيل.
(يوشك) يقرب ويسرع من غير بطء. (إن طالت بك حياة) أي إن أطال الله عمرك، ورأيت هذا
المكان. (جنانا) جمع جنة. أي يكثر ماؤه، ويخصب أرضه، فيكون بساتين ذات أشجار كثيرة وثمار.
143

فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل مسستما من مائها شيئا؟) فقالا: نعم. فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال لهما ما شاء الله أن يقول. ثم غرفوا بأيديهم من العين، قليلا قليلا. حتى اجتمع في شئ.
ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه وجهه ويديه. ثم أعاده فيها. فجرت العين بماء كثير. فاستقى
الناس. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك، يا معاذ، إن طالت بك حياة، أن ترى ما ههنا
قد ملئ جنانا).
أخرجه مسلم في: 43 - كتاب الفضائل، 3 - باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، حديث 10.
3 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل
به السير، يجمع بين المغرب والعشاء.
أخرجه مسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 5 - باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، حديث 42.
وهو من طريق الزهري عن سالم عن أبيه.
في البخاري في: 18 - كتاب تقصير الصلاة، 6 - باب يصلى المغرب ثلاثا في السفر.
وفى مسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 5 - باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، حديث 44.
4 - حدثني عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس، أنه
قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا. في غير خوف ولا سفر.
أخرجه مسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 6 - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، حديث 49.
قال مالك: أرى ذلك كان في مطر.

3 - (عجل) أسرع وحضر. (يجمع بين المغرب والعشاء) جمع تأخير.
4 - (أرى) أي أظن.
144

5 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان، إذا جمع الأمراء بين المغرب
والعشاء، في المطر، جمع معهم.
6 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أنه سأل سالم بن عبد الله: هل يجمع بين
الظهر والعصر في السفر؟ فقال: نعم. لا بأس بذلك. ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة؟
وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن علي بن حسين، أنه كان يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم،
إذا أراد أن يسير يومه، جمع بين الظهر والعصر. وإذا أراد أن يسير ليله، جمع المغرب
والعشاء.
قال ابن عبد البر في التقصي: هذا الحديث يتصل من رواية مالك من حديث معاذ بن جبل وابن عمر،
معناه. وهو عند جماعة من الصحابة مسندا.
(2) باب قصر الصلاة في السفر
7 - حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن رجل من آل خالد بن أسيد، أنه
سأل عبد الله بن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن،
ولا نجد صلاة السفر؟ فقال ابن عمر: يا ابن أخي، إن الله عز وجل بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم،

6 - (جمع بين الظهر والعصر) جمع تقديم إن سار بعد الزوال، وتأخير إن سار قبله.
145

ولا نعلم شيئا. فإنما نفعل، كما رأيناه يفعل.
قال ابن عبد البر في التقصي: هكذا يروى مالك هذا الحديث عن ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد.
وسائر أصحاب ابن شهاب يروونه عن ابن شهاب، عن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أمية بن
عبد الله بن خالد بن أسيد، عن ابن عمر.
وهذا هو الصواب في إسناد هذا الحديث.
ومن طريق الليث أخرجه النسائي في: 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 1 - باب.
وابن ماجة في 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 73 - باب تقصير الصلاة في السفر.
8 - وحدثني عن مالك، عن صالح بن كيسان، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، في الحضر والسفر. فأقرت صلاة
السفر. وزيد في صلاة الحضر.
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 1 - باب كيف فرضت الصلوات في الاسراء.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 1 - باب صلاة المسافرين وقصرها، حديث 1.
9 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال لسالم بن عبد الله: ما أشد ما رأيت
أباك أخر المغرب في السفر؟ فقال سالم: غربت الشمس ونحن بذات الجيش، فصلى المغرب
بالعقيق.

9 - (بذات الجيش) على بريدين من المدينة. (بالعقيق) بينها وبين ذات الجيش اثنا عشر ميلا.
146

(3) باب ما يجب فيه قصر الصلاة
10 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر، كان إذا خرج حاجا،
أو معتمرا، قصر الصلاة بذي الحليفة.
11 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، أنه ركب
إلى ريم، فقصر الصلاة. في مسيره ذلك.
قال مالك: وذلك نحو من أربعة برد.
12 - حدثني عن مالك، عن نافع، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر، ركب إلى
ذات النصب، فقصر الصلاة في مسيره ذلك.
قال مالك: وبين ذات النصب والمدينة أربعة برد.
13 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يسافر إلى خيبر فيقصر الصلاة.
وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر كان يقصر
الصلاة في مسيره، اليوم التام.

11 - (ريم) موضع متسع كالإقليم.
12 - (ذات النصب) موضع قرب المدينة.
13 - (خيبر) بينها وبين المدينة ستة وتسعون ميلا.
147

14 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أنه كان يسافر مع ابن عمر البريد، فلا يقصر
الصلاة.
15 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن عباس، كان يقصر الصلاة في مثل ما بين
مكة والطائف. وفى مثل ما بين مكة وعسفان. وفى مثل ما بين مكة وجدة.
قال مالك: وذلك أربعة برد. وذلك أحب ما تقصر إلي فيه الصلاة.
قال مالك: لا يقصر الذي يريد السفر الصلاة، حتى يخرج من بيوت القرية. ولا يتم،
حتى يدخل أول بيوت القرية، أو يقارب ذلك.
(4) باب صلاة المسافر ما لم يجمع مكثا
16 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر
كان يقول: أصلى صلاة المسافر، ما لم أجمع مكثا. وإن حبسني ذلك اثنتي عشرة ليلة.
17 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن ابن عمر أقام بمكة عشر ليال، يقصر الصلاة
إلا أن يصليها مع الامام، فيصليها بصلاته.

15 - (بين مكة والطائف) بينهما ثلاثة مراحل، أو اثنان. (بين مكة وعسفان) بينهما ثلاثة مراحل
(جدة) ساحل البحر بمكة.
16 - (مكثا) أي إقامة.
148

(5) باب صلاة الامام إذا أجمع مكثا
18 - حدثني يحيى عن مالك، عن عطاء الخراساني، أنه سمع سعيد بن المسيب قال:
من أجمع إقامة، أربع ليال، وهو مسافر، أتم الصلاة.
قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي.
وسئل مالك عن صلاة الأسير؟ فقال: مثل صلاة المقيم. إلا أن يكون مسافرا.
(6) باب صلاة المسافر إذا كان إماما أو كان وراء إمام
19 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، أن عمر
ابن الخطاب كان إذ قدم مكة، صلى بهم ركعتين. ثم يقول: يا أهل مكة أتموا صلاتكم،
فإنا قوم سفر.
وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب، مثل ذلك.
20 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يصلى وراء الامام، بمنى
أربعا. فإذا صلى لنفسه، صلى ركعتين.

19 - (سفر) جمع سافر. كركب جمع راكب.
149

21 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن صفوان، أنه قال: جاء عبد الله بن عمر
يعود عبد الله بن صفوان، فصلى لنا ركعتين. ثم انصرف. فقمنا فأتممنا.
(7) باب صلاة النافلة في السفر بالنهار والليل والصلاة على الدابة
22 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه لم يكن يصلى مع
صلاة الفريضة في السفر شيئا، قبلها ولا بعدها، إلا من جوف الليل. فإنه كان يصلى على
الأرض، وعلى راحلته، حيث توجهت.
23 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن القاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وأبا بكر
ابن عبد الرحمن، كانوا يتنفلون في السفر.
قال يحيى: وسئل مالك عن النافلة في السفر؟ فقال: لا بأس بذلك. بالليل والنهار. وقد
بلغني أن بعض أهل العلم كان يفعل ذلك.
24 - وحدثني عن مالك، قال: بلغني عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يرى ابنه
عبيد الله بن عبد الله يتنفل في السفر، فلا ينكر عليه.
25 - وحدثني عن مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبي الحباب سعيد بن يسار،
150

عن عبد الله بن عمر، أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى وهو على حمار، وهو متوجه
إلى خيبر.
أخرجه مسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 4 - باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث
توجهت به، حديث 35.
26 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يصلى على راحلته، في السفر، حيث توجهت به.
قال عبد الله بن دينار: وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك.
أخرجه البخاري في: 18 - كتاب تقصير الصلاة، 8 - باب الايماء على الدابة.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 4 - باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت
به، حديث 37.
وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، قال: رأيت أنس بن مالك في السفر، وهو يصلى
على حمار، وهو متوجه إلى غير القبلة. يركع ويسجد، إيماء، من غير أن يضع وجهه على شئ
أخرجه البخاري في: 18 - كتاب تقصير الصلاة، 10 - باب صلاة التطوع على الحمار.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 4 - باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث
توجهت به، حديث 41.
عن ابن سير بن، عن أنس. وفيه زيادة، قال (لولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله، لم أفعله).

26 - (راحلته) أي ناقته التي تصلح لان ترتحل.
151

(8) باب صلاة الضحى
27 - حدثني يحيى عن مالك، عن موسى بن ميسرة، عن أبي مرة، مولى عقيل بن أبي طالب،
أن أم هانئ، بنت أبي طالب، أخبرته، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عام الفتح، ثماني ركعات،
ملتحفا في ثوب واحد.
28 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر، مولى عمر بن عبيد الله، أن أبا مرة، مولى
عقيل بن أبي طالب، أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول: ذهبت إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره بثوب. قالت، فسلمت عليه.
فقال: (من هذه؟) فقلت: أم هانئ بنت أبي طالب. فقال: (مرحبا بأم هانئ) فلما
فرغ من غسله، قام فصلى ثماني ركعات، ملتحفا في ثوب واحد، ثم انصرف. فقلت:
يا رسول الله، زعم ابن أمي، علي، أنه قاتل رجلا أجرته، فلان بن هبيرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) قالت أم هانئ: وذلك ضحى.
هذان الحديثان أخرجهما البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 4 - باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 13 - باب استحباب صلاة الضحى، حديث 82 و 83
29 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها. وإن كان

28 - (ملتحفا) أي ملتفا. (قد أجرنا من أجرت) أمنا من أمنت.
29 - (سبحة الضحى) أي نافلته. وأصلها من التسبيح. وخصت النافلة بذلك لان التسبيح الذي في
في الفريضة نافلة، فقيل لصلاة النافلة سبحة، لأنها كالتسبيح في الفريضة. (لأسبحها) أي أتنفل بها.
152

رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليدع العمل، وهو يحب أن يعمله، خشية أن يعمل به الناس، فيفرض
عليهم.
أخرجه البخاري في: 19 - كتاب التهجد، 5 - باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من
غير إيجاب.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 13 - باب استحباب صلاة الضحى، حديث 77.
30 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عائشة، أنها كانت تصلى الضحى ثماني
ركعات. ثم تقول: لو نشر لي أبواي ما تركتهن.
(9) باب جامع سبحة الضحى
31 - حدثني يحيى عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك،
أن جدته، مليكة، دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام. فأكل منه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(قوموا فلأصلي لكم) قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود، من طول ما لبس، فنضحته
بماء. فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا. فصلى لنا
ركعتين. ثم انصرف.
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 161 - باب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل والطهور،
وحضورهم الجماعة.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد، 48 - باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير، حديث 266

30 - (لو نشر) أحيى.
31 - (من طول ما لبس) أي استعمل. ولبس كل شئ بحسبه. (فنضحته بماء) النضح هو الرش.
(فصففت) أنا واليتيم) صففت القوم فاصطفوا. وقد يستعمل لازما فيقال صففتهم فصفوا هم.
153

32 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أنه قال:
دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة، فوجدته يسبح. فقلت وراءه. فقر بنى حتى جعلني
حذاءه، عن يمينه. فلما جاء يرفأ، تأخرت. فصففنا وراءه.
(10) باب التشديد في أن يمر أحد بين يدي المصلى
33 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري،
عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم يصلى، فلا يدع أحدا يمر بين يديه،
وليدرأه ما استطاع. فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان).
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 100 - باب يرد المصلى من مر بين يديه.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 48 - باب منع المار بين يدي المصلى، حديث 258 و 259.
34 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن بسر بن سعيد،
أن زيد بن خالد الجهني أرسله إلى أبي جهيم، يسأله: ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المار
بين يدي المصلى؟ فقال أبو جهيم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم المار بين يدي المصلى، ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين، خيرا له من أن يمر بين يديه) قال أبو النضر: لا أدرى،

32 - (بالهاجرة) أي وقت الحر. (حذاءه) أي بمقابلته. (يرفأ) حاجب عمر.
(فصففنا وراءه) أي وقفنا.
33 - (فليدرأه) فليدفعه. (فإنما هو شيطان) أي فعله فعل شيطان.
154

أقال أربعين يوما، أو شهرا، أو سنة.
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 101 - باب إثم المار بين يدي المصلى.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 48 - باب منع المار بين يدي المصلى، حديث 261.
35 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن كعب الأحبار،
قال: لو يعلم المار بين يدي المصلى، ماذا عليه، لكان أن يخسف به، خيرا له من أن يمر
بين يديه.
36 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن عمر، كان يكره أن يمر بين أيدي
النساء، وهن يصلين.
37 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان لا يمر بين يدي أحد،
ولا يدع أحدا يمر بين يديه.
(11) باب الرخصة في المرور بين يدي المصلى
38 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبه بن مسعود،
عن عبد الله بن عباس، أنه قال: أقبلت راكبا على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام،

38 - (على أتان) الأنثى من الحمير. (ناهزت) قاربت. (الاحتلام) المراد به البلوغ الشرعي.
(بين يدي بعض الصف) أي قدام. (ترتع) أي تأكل ما تشاء. وقيل تسرع في المشي. وقيل ترعى.
155

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى للناس، بمنى. فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت، فأرسلت
الأتان ترتع، ودخلت في الصف. فلم ينكر ذلك علي أحد.
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 90 - باب سترة الامام سترة من خلفه.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 47 - باب سترة المصلى، حديث 254.
39 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن سعد بن أبي وقاص كان يمر بين يدي بعض
الصفوف، والصلاة قائمة.
قال مالك: وأنا أرى ذلك واسعا، إذا أقيمت الصلاة، وبعد أن يحرم الامام، ولم يجد
المرء مدخلا إلى المسجد إلا بين الصفوف.
40 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن علي بن أبي طالب قال: لا يقطع الصلاة شئ،
مما يمر بين يدي المصلى.
وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر كان يقول:
لا يقطع الصلاة شئ، مما يمر بين يدي المصلى.
156

(12) باب سترة المصلى في السفر
41 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يستتر براحلته إذا صلى.
وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، أن أباه كان يصلى في الصحراء، إلى غير سترة.
(13) باب مسح الحصباء في الصلاة
42 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي جعفر القارئ، أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر
إذا أهوى ليسجد، مسح الحصباء لموضع جبهته، مسحا خفيفا.
43 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه بلغه أن أبا ذر كان يقول: مسح
الحصباء، مسحة واحدة، وتركها، خير من حمر النعم.
روى مرفوعا عن أبي ذر، من طريق سفيان عن الزهري عن أبي الأحوص.
فأخرجه أبو داود في: 2 - كتاب الصلاة، 171 - باب في مسح الحصى في الصلاة.
والترمذي في: 2 - كتاب الصلاة، 162 - باب ما جاء في كراهية مسح الحصى في الصلاة.
والنسائي في: 13 - كتاب السهو، 7 - باب النهى عن مسح الحصى في الصلاة.
وابن ماجة في: 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 62 - باب مسح الحصى في الصلاة.

43 - (حمر النعم) هي الحمر من الإبل. وهي أحسن ألوانها.
157

(14) باب ما جاء في تسوية الصفوف
44 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عمر بن الخطاب كان يأمر بتسوية الصفوف.
فإذا جاؤوه فأخبروه أن قد استوت. كبر.
45 - وحدثني عن مالك، عن عمه أبى سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه قال: كنت مع
عثمان بن عفان، فقامت الصلاة، وأنا أكلمه في أن يفرض لي. فلم أزل أكلمه، وهو
يسوى الحصباء بنعليه، حتى جاءه رجال، قد كان وكلهم بتسوية الصفوف. فأخبروه أن
الصفوف قد استوت. فقال لي: استو في الصف. ثم كبر.
(15) باب وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة
46 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري، أنه قال:
من كلام النبوة (إذا لم تستحي فافعل ما شئت) ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة
(يضع اليمنى على اليسرى) وتعجيل الفطر. والاستيناء بالسحور.
الشطر الأول رفعه أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري.
وأخرجه البخاري في: 60 - كتاب الأنبياء، 54 - باب حدثنا أبو اليمان.

46 - (إذا لم تستحي فافعل ما شئت) قال ابن عبد البر: لفظه أمر ومعناه الخبر بأن من لم يكن له حياء
يحجزه عن محارم الله فسواء عليه فعل الصغائر وارتكاب الكبائر. (يضع اليمنى على اليسرى) هذا من
قول مالك، ليس من الحديث. (الاستيناء بالسحور) أي تأخيره.
158

47 - وحدثني عن مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد، أنه قال: كان
الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.
قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنه ينمى ذلك.
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 87 - باب وضع اليمنى على اليسرى.
(16) باب القنوت في الصبح
48 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان لا يقنت في شئ من
الصلاة.
(17) باب النهى عن الصلاة والانسان يريد حاجة
49 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عبد الله بن الأرقم كان
يؤم أصحابه. فحضرت الصلاة يوما، فذهب لحاجته، ثم رجع. فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: (إذا أراد أحدكم الغائط، فليبدأ به قبل الصلاة).
أخرجه أبو داود في: 1 - كتاب الطهارة، 43 - باب أيصلى الرجل وهو حاقن.
والترمذي في: 1 - كتاب الطهارة، 108 - باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء،
فليبدأ بالخلاء.
والنسائي في: 10 - كتاب الإمامة، 51 - باب العذر في ترك الجماعة.
وابن ماجة في: 1 - كتاب الطهارة، 114 - باب ما جاء في النهى للحاقن أن يصلى.

47 - (ينمى ذلك) أي يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
159

50 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، أن عمر بن الخطاب قال: لا يصلين أحدكم
وهو ضام بين وركيه.
(18) باب انتظار الصلاة والمشي إليها
51 - وحدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (الملائكة تصلى على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، ما لم يحدث.
اللهم اغفر له. اللهم ارحمه).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 36 - باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد، 49 - باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة، حديث 274.
قال مالك، لا أرى قوله: (ما لم يحدث) إلا الاحداث الذي ينقض الوضوء.
52 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه. لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله
إلا الصلاة).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 36 - باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد، 49 - باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة، حديث 275.
53 - وحدثني عن مالك، عن سمى مولى أبى بكر، أن أبا بكر بن عبد الرحمن كان يقول:

52 - (ما كانت الصلاة تحبسه) أي مدة دوام حبس الصلاة له. (ينقلب) يرجع.
53 - (من غدا) ذهب وقت الغدوة أول النهار. (أو راح) من الزوال.
160

من غدا أو راح إلى المسجد، لا يريد غيره، ليتعلم خيرا أو ليعلمه، ثم رجع إلى بيته، كان
كالمجاهد في سبيل الله، رجع غانما.
قال ابن عبد البر: معلوم أن هذا لا يدرك بالرأي والاجتهاد، لأنه قطع على غيب من حكم الله، وأمره في ثوابه.
وقد ورد مرفوعا عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
54 - وحدثني عن مالك، عن نعيم بن عبد الله المجمر، أنه سمع أبا هريرة يقول:
إذا صلى أحدكم، ثم جلس في مصلاه، لم تزل الملائكة تصلى عليه. اللهم اغفر له، اللهم
ارحمه. فإن قام من مصلاه، فجلس في المسجد ينتظر الصلاة، لم يزل في صلاة حتى يصلى.
55 - وحدثني عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ إسباغ
الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطأ إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلكم
الرباط. فذلكم الرباط. فذلكم الرباط).
أخرجه مسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 14 - كتاب فضل إسباغ الوضوء على المكاره حديث 41.

55 - (إسباغ الوضوء) أي إكماله وإتمامه واستيعاب أعضائه بالماء. (المكاره) جمع مكرهة بمعنى
الكره والمشقة، قال أبو عمر: هي شدة البرد، وكل حال يكره فيها المرء نفسه، على الوضوء.
(كثرة الخطأ) جمع خطوة، وهو ما بين القدمين. أو جمع خطوة بالفتح، المرة. (الرباط) قال أبو عمر:
الرباط هنا ملازمة المسجد لانتظار الصلاة. وقال صاحب العين: الرباط ملازمة الثغور، والرباط مواظبة الصلاة.
161

56 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن سعيد بن المسيب قال: يقال لا يخرج أحد من
المسجد، بعد النداء، إلا أحد يريد الرجوع إليه، إلا منافق.
قال ابن عبد البر: هذا لا يقال مثله من جهة الرأي، ولا يكون إلا توقيفا.
وقد صح مرفوعا عن أبي هريرة، برجال الصحيح.
57 - وحدثني عن مالك، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم الزرقي،
عن أبي قتادة الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع
ركعتين، قبل أن يجلس).
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 60 - باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 11 - باب استحباب تحية المسجد بركعتين،
حديث 70
58 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر، مولى عمر بن عبيد الله، عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن، أنه قال له: ألم أر صاحبك إذا دخل المسجد يجلس قبل أن يركع؟ قال
أبو النضر: يعنى بذلك عمر بن عبيد الله، ويعيب ذلك عليه، أن يجلس إذا دخل المسجد
قبل أن يركع.
قال يحيى، قال مالك: وذلك حسن وليس بواجب.
162

(19) باب وضع اليدين على ما يوضع عليه الوجه في السجود
59 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا سجد، وضع
كفيه على الذي يصنع عليه جبهته.
قال نافع: ولقد رأيته في يوم شديد البرد، وإنه ليخرج كفيه من تحت برنس له،
حتى يضعهما على الحصباء.
60 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: من وضع جبهته
بالأرض، فليضع كفيه على الذي يضع عليه جبهته. ثم إذا رفع، فليرفعهما. فإن اليدين
تسجدان كما يسجد الوجه.
(20) باب الالتفات والتصفيق عنه الحاجة في الصلاة
61 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي حازم، سلمة بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بنى عمرو بن عوف ليصلح بينهم. وحانت الصلاة. فجاء المؤذن
إلى أبي بكر الصديق. فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ قال: نعم. فصلى أبو بكر. فجاء رسول
الله صلى الله عليه وسلم، والناس في الصلاة. فتخلص حتى وقف في الصف. فصفق الناس. وكان أبو بكر
لا يلتفت في صلاته. فلما أكثر الناس من التصفيق، التفت أبو بكر، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم

61 - (أن تثبت) على إمامتك. (التصفيح) أي التصفيق. (من نابه) أي أصابه.
(فليسبح) أي فليقل سبحان الله. (وإنما التصفيح للنساء) أي هو من شأنهن في غير الصلاة. قاله
على جهة الذم له. فلا ينبغي في الصلاة فعله لرجل ولا امرأة. بل التسبيح للرجال والنساء جميعا.
163

فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك. فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله على ما أمره
به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ثم استأخر حتى استوى في الصف. وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فصلى. ثم انصرف. فقال: (يا أبا بكر، ما منعك أن تثبت إذا أمرتك) فقال أبو بكر:
ما كان لابن أبي قحافة، أن يصلى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مالي
رأيتكم أكثرتم من التصفيح؟ من نابه شئ في صلاته فليسبح. فإنه إذا سبح، التفت
إليه. وإنما التصفيح للنساء).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 48 - باب من دخل ليؤم فجاء الامام الأول، فتأخر
الآخر.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 22 - باب تقديم الجماعة من يصلى بهم إذا تأخر الامام،
حديث 102.
62 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن ابن عمر لم يكن يلتفت في صلاته.
63 - وحدثني عن مالك، عن أبي جعفر القارئ، أنه قال: كنت أصلى، وعبد الله بن
عمر ورائي، ولا أشعر. فالتفت فغمزني.
164

(21) باب ما يفعل من جاء والامام راكع
64 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أنه
قال: دخل زيد بن ثابت المسجد، فوجد الناس ركوعا. فركع. ثم دب حتى وصل الصف.
65 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يدب راكعا.
(22) باب ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
66 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه، عن عمرو
ابن سليم الزرقي، أنه قال: أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلى
عليك؟ فقال: (قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم.
وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم. إنك حميد مجيد.
أخرجه البخاري في: 60 - كتاب الأنبياء، 10 - باب حدثنا موسى بن إسماعيل.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 17 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، حديث 69.
67 - وحدثني عن مالك، عن نعيم بن عبد الله المجمر، عن محمد بن عبد الله بن زيد،

66 - (حميد) فقيل من (الحمد) بمعنى مفعول. وهو من يحمد ذاته وصفاته. (مجيد) بمعنى ماجد،
من (المجد) وهو الشرف.
67 - (والسلام كما قد علمتم) أي في التشهد. وهو (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته).
165

أنه أخبره عن أبي مسعود الأنصاري، أنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة.
فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلى عليك يا رسول الله، فكيف نصلى عليك؟ قال،
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تمنينا أنه لم يسأله. ثم قال: (قولوا اللهم صل على محمد وعلى
آل محمد، كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم،
في العالمين، إنك حميد مجيد. والسلام، كما قد علمتم).
أخرجه مسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 17 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، حديث 65.
68 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، قال: رأيت عبد الله بن عمر يقف على
قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي بكر، وعمر.
(23) باب العمل في جامع الصلاة
69 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى
قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين. وبعد المغرب ركعتين في بيته. وبعد صلاة العشاء
ركعتين. وكان لا يصلى بعد الجمعة حتى ينصرف، فيركع ركعتين.
أخرجه البخاري في: 11 - كتاب الجمعة، 39 - باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 15 - باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن،
وبيان عددهن، حديث 104 -
166

70 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (أترون قبلتي هاهنا؟ فوالله، ما يخفى على خشوعكم ولا ركوعكم. إني
لأراكم من وراء ظهري).
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 40 - باب عظة الامام الناس في إتمام الصلاة وذكر القبلة.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 24 - باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها، حديث 109.
71 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي
قباء راكبا وماشيا.
أخرجه البخاري في: 20 - كتاب الصلاة في مسجد مكة والمدينة، 4 - باب إتيان مسجد قباء ماشيا
وراكبا.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 97 - باب فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه وزيارته، حديث 517.
72 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن النعمان بن مرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (ما ترون في الشارب والسارق والزاني؟) وذلك قبل أن ينزل فيهم. قالوا: الله
ورسوله أعلم. قال: (هن فواحش. وفيهن عقوبة. وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته)
قالوا: وكيف يسرق صلاته؟ يا رسول الله. قال: (لا يتم ركوعها ولا سجودها).
قال ابن عبد البر: لم يختلف الرواة عن مالك في إرسال هذا الحديث عن النعمان بن مرة.
وهو حديث صحيح، مسند من وجوه، من حديث أبي هريرة وأبى سعيد.

70 - (قبلتي) أي مقابلتي ومواجهتي.
71 - (قباء) قال ياقوت: على ميلين على يسار قاصد مكة، وهو من عوالي المدينة. سمى باسم بئر هناك.
72 - (هن فواحش) أي ما فحش من الذنوب. كما يقال خطأ فاحش، أي شديد.
167

73 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم).
قال ابن عبد البر: هذا الحديث مرسل في الموطأ عند جميعهم، وقد أسنده نافع عن ابن عمر.
فأخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 52 - باب كراهية الصلاة في المقابر.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 29 - باب استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها
في المسجد، حديث 208.
74 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: إذا لم يستطع
المريض السجود أومأ برأسه إيماء، ولم يرفع إلى جبهته شيئا.
75 - وحدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أن عبد الله بن عمر كان إذا
جاء المسجد، وقد صلى الناس، بدأ بصلاة المكتوبة، ولم يصل قبلها شيئا.
76 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر مر على رجل وهو يصلى. فسلم
عليه. فرد الرجل كلاما. فرجع إليه عبد الله بن عمر فقال له: إذا سلم على أحدكم وهو يصلى
فلا يتكلم، وليشر بيده.
77 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: من نسي صلاة،
فلم يذكرها إلا وهو مع الامام، فإذا سلم الامام، فليصل الصلاة التي نسي. ثم ليصل بعدها
الأخرى.
168

78 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه
واسع بن حبان، أنه قال: كنت أصلى، وعبد الله بن عمر مسند ظهره إلى جدار القبلة. فلما
قضيت صلاتي انصرفت إليه من قبل شقى الأيسر. فقال عبد الله بن عمر: ما منعك أن تنصرف
عن يمينك؟ قال فقلت: رأيتك، فانصرفت إليك. قال عبد الله: فإنك قد أصبت. إن قائلا
يقول: انصرف عن يمينك. فإذا كنت تصلى، فانصرف حيث شئت. إن شئت عن يمينك،
وإن شئت عن يسارك.
79 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن رجل من المهاجرين، لم ير
به بأسا، أنه سأل عبد الله بن عمرو بن العاص: أأصلي في عطن الإبل؟ فقال عبد الله: لا.
ولكن صل في مراح الغنم.
قال ابن البر: مثل هذا من الفرق بينهما لا يدرك بالرأي.
وقد روى عن البراء مرفوعا.
أخرجه أبو داود في: 2 - كتاب الصلاة، 25 - باب النهى عن الصلاة في مبارك الإبل.
80 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: ما صلاة
يجلس في كل ركعة منها؟
ثم قال سعيد: هي المغرب، إذا فاتتك منها ركعة. وكذلك سنة الصلاة، كلها.

79 - (عطن الإبل) العطن مبرك الإبل حول الماء. (مراح الغنم) مجتمعها آخر النهار موضع مبيتها.
169

(24) باب جامع الصلاة
81 - حدثني يحيى عن مالك، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم الزرقي،
عن أبي قتادة الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى وهو حامل أمامة بنت زينب بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس. فإذا سجد، وضعها. وإذا قام، حملها.
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 106 - باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة.
ومسلم في: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 9 - باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، حديث 41.
82 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (يتعاقبون فيكم. ملائكة بالليل وملائكة بالنهار. ويجتمعون في صلاة
العصر، وصلاة الفجر. ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم
عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون).
أخرجه البخاري في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 16 - باب فضل صلاة العصر.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 37 - باب فضل صلاتي الصبح والعصر،
والمحافظة عليهما، حديث 210.
83 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مروا أبا بكر فليصل للناس) فقالت عائشة: إن أبا بكر،
يا رسول الله، إذا قام في مقامك لم يسمع الناس، من البكاء. فمر عمر. فليصلي للناس. قال

82 - (يتعاقبون) أي تأتي طائفة عقب طائفة، ثم تعود الأولى عقب الثانية.
83 - (إنكن لأنتن صواحب يوسف) جمع صاحبة. والمراد أنهن مثلهن في إظهار خلاف ما في الباطن.
والخطاب وإن كان بلفظ الجمع، فالمراد به عائشة فقط. كما أن (صواحب) جمع، والمراد زليخا فقط. ووجه
المشابهة أن زليخا استدعت النسوة، وأظهرت لهن الاكرام بالضيافة. ومرادها زيادة على ذلك. وهو أن ينظرن
إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته. وإن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها، كونه
لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه. ومرادها هي زيادة على ذلك. وهو ألا يتشاءم الناس به. وصرحت هي
بعد ذلك به.
170

(مروا أبا بكر فليصل للناس) قالت عائشة، فقلت لحفصة: قولي له، إن أبا بكر إذا قام
في مقامك لم يسمع الناس، من البكاء. فمر عمر فليصل للناس. ففعلت حفصة. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (إنكن لأنتن صواحب يوسف. مروا أبا بكر فليصل للناس) فقالت حفصة
لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرا.
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 46 - باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة.
84 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن عبيد الله بن عدي
ابن الخيار، أنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهراني الناس، إذ جاءه رجل فساره.
فلم يدر ما ساره به، حتى جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين جهر: (أليس يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله؟)
فقال الرجل: بلى. ولا شهادة له. فقال: (أليس يصلى؟) قال: بلى. ولا صلاة له. فقال صلى الله عليه وسلم:
(أولئك الذين نهاني الله عنهم).
قال ابن عبد البر: هكذا رواه سائر رواة الموطأ مرسلا. وعبيد الله لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
171

85 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (اللهم! لا تجعل قبري وثنا يعبد. اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم
مساجد).
قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث.
86 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن محمود بن الربيع الأنصاري، أن عتبان
ابن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى. وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها تكون الظلمة والمطر
والسيل. وأنا رجل ضرير البصر. فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى. فجاءه رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أين تحب أن أصلى؟) فأشار له إلى مكان من البيت. فصلى فيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 46 - باب المساجد في البيوت.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 47 - باب الرخصة في التخلف عن الجماعة
بعذر، حديث 263.
87 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عباد بن تميم، عن عمه، أنه رأى رسول
الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد، واضعا إحدى رجليه على الأخرى.
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 85 - باب الاستلقاء في المسجد ومد الرجل.
ومسلم في: 37 - كتاب اللباس والزينة، 22 - باب في إباحة الاستلقاء ووضع إحدى الرجلين
على الأخرى، حديث 75.

85 - (ضرير البصر) أي أصابني منه ضر.
172

وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب وعثمان
ابن عفان رضي الله عنهما، كانا يفعلان ذلك.
88 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن عبد الله بن مسعود، قال لإنسان:
إنك في زمان كثير فقهاؤه، قليل قراؤه، تحفظ فيه حدود القرآن، وتضيع حروفه. قليل
من يسأل. كثير من يعطى. يطيلون فيه الصلاة، ويقصرون الخطبة. يبدون أعمالهم قبل
أهوائهم. وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه، كثير قراؤه، يحفظ فيه حروف القرآن
وتضيع حدوده. كثير من يسأل، قليل من يعطى. يطيلون فيه الخطبة، ويقصرون الصلاة.
يبدون فيه أهواءهم قبل أعمالهم.
89 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: بلغني أن أول ما ينظر فيه
من عمل العبد الصلاة. فإن قبلت منه، نظر فيما بقي من عمله. وإن لم تقبل منه، لم ينظر
في شئ من عمله.
ورد في معناه حديث مرفوع عن أبي هريرة.
أخرجه أبو داود في: 2 - كتاب الصلاة، 145 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من
تطوعه.
والترمذي في: 2 - كتاب الصلاة، 188 - باب ما جاء أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة.
والنسائي في: 5 - كتاب الصلاة، 9 - باب المحاسبة على الصلاة.
وابن ماجة في: 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 202 - باب ما جاء في أول ما يحاسب به
العبد الصلاة.

88 - (فقهاؤه) المستنبطون الاحكام من القرآن. (قراؤه) الخالون من معرفة معانيه والفقه فيه.
(يبدون) يقدمون.
173

90 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
أنها قالت: كان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدوم عليه صاحبه.
أخرجه البخاري في: 81 - كتاب الرقاق، 18 - باب القصد والمداومة على العمل.
91 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، أنه قال:
كان رجلان أخوان. فهلك أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلة. فذكرت فضيلة الأول عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: (ألم يكن الآخر مسلما؟) قالوا: بلى. يا رسول الله، وكان لا بأس
به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما يدريكم ما بلغت به صلاته؟ إنما مثل الصلاة كمثل نهر غمر
عذب، بباب أحدكم. يقتحم فيه كل يوم خمس مرات. فما ترون ذلك يبقى من درنه؟
فإنكم لا تدرون ما بلغت به صلاته).
ورد معنى الشطر الأخير عن أبي هريرة مرفوعا.
أخرجه البخاري في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 6 - باب الصلوات الخمس كفارة.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 51 - باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا
وترفع به الدرجات، حديث 283.
92 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عطاء بن يسار، كان إذا مر عليه بعض من يبيع
في المسجد، دعاه فسأله ما معك؟ وما تريد؟ فإن أخبره أنه يريد أن يبيعه، قال: عليك
بسوق الدنيا. وإنما هذا سوق الآخرة.

91 - (غمر) أي كثير الماء. (من دونه) أي وسخه.
174

93 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه، أن عمر بن الخطاب بنى رحبة في ناحية المسجد،
تسمى البطيحاء. وقال: من كان يريد أن يلغط، أو ينشد شعرا، أو يرفع صوته، فليخرج
إلى هذه الرحبة.
(25) باب جامع الترغيب في الصلاة
94 - حدثني يحيى عن مالك، عن عمه أبى سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه سمع طلحة
ابن عبيد الله يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد، ثائر الرأس، يسمع دوي
صوته، ولا نفقه ما يقول. حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الاسلام. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(خمس صلوات في اليوم والليلة) قال: هل على غيرهن؟ قال: (لا. إلا أن تطوع) قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وصيام شهر رمضان) قال: هل علي غيره؟ قال: (لا. إلا أن تطوع)
قال: وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة. فقال: هل على غيرها؟ قال: (لا. إلا أن تطوع)
قال، فأدبر الرجل وهو يقول: والله! لا أزيد على هذا، ولا أنقص منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(أفلح الرجل، إن صدق).
أخرجه البخاري في: 2 - كتاب الايمان، 34 - باب الزكاة من الاسلام.
ومسلم في: 1 - كتاب الايمان، 3 - باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الاسلام، حديث 8.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 344، بتحقيق أحمد محمد شاكر.

93 - (يلغط) أي يتكلم بكلام فيه جلبة واختلاط، ولا يتبين.
94 - (ثائر) متفرق الشعر. (أفلح) أي فاز.
175

95 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم، إذا هو نام، ثلاث عقد. يضرب
مكان كل عقدة، عليك ليل طويل، فارقد. فإن استيقظ، فذكر الله، انحلت عقدة.
فإن توضأ، انحلت عقدة. فإن صلى انحلت عقده. فأصبح نشيطا، طيب النفس. وإلا،
أصبح خبيث النفس كسلان).
أخرجه البخاري في: 19 - كتاب التهجد، 12 - باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 28 - باب ما روى فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح،
حديث 207.

95 - (قافية رأس أحدكم) أي مؤخر عنقه، وقافية كل شئ مؤخره.
176

10 - كتاب العيدين
(1) باب العمل في غسل العيدين والنداء فيهما والإقامة
1 - حدثني يحيى عن مالك، أنه سمع غير واحد من علمائهم يقول: لم يكن في عيد
الفطر، ولا في الأضحى، نداء، ولا إقامة، منذ زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم.
ورد مرفوعا عن ابن عباس وجابر بن عبد الله.
أخرجه البخاري في: 13 - كتاب العيدين، 7 - باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة.
ومسلم في: 8 - كتاب صلاة العيدين، حديث 5.
قال مالك: وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا.
2 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر، قبل أن
يغدو إلى المصلى.

1 - (نداء) أي أذان. لأنه دعاء إلى الصلاة.
177

(2) باب الأمر بالصلاة قبل الخطبة في العيدين
3 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى يوم الفطر
ويوم الأضحى قبل الخطبة.
ورد مرفوعا عن ابن عمر.
أخرجه البخاري في: 13 - كتاب العيدين، 7 - باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة.
ومسلم في: 8 - كتاب صلاة العيدين، حديث 8.
4 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن أبا بكر وعمر كانا يفعلان ذلك.
ورد مرفوعا عن ابن عباس.
أخرجه البخاري في: 13 - كتاب العيدين، 8 - باب الخطبة بعد العيد.
ومسلم في: 8 - كتاب صلاة العيدين، حديث 1.
5 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبيد، مولى ابن أزهر، قال: شهدت
العيد مع عمر بن الخطاب فصلى، ثم انصرف، فخطب الناس. فقال: إن هذين يومان نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما. يوم فطركم من صيامكم. والآخر يوم تأكلون فيه من
نسككم.
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم 66 - باب صوم يوم الفطر.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 22 - باب النهى عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، حديث 138

5 - (نسككم) أي أضحيتكم.
(العالية) القرى المجتمعة حول المدينة.
178

قال أبو عبيد: ثم شهدت العيد مع عثمان بن عفان. فجاء فصلى، ثم انصرف، فخطب.
وقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان. فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر
الجمعة، فلينتظرها. ومن أحب أن يرجع، فقد أذنت له.
ورد في معناه عن أبي هريرة مرفوعا.
أخرجه أبو داود في: 2 - كتاب الصلاة، 210 - باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد. وابن ماجة في: 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 166 - باب ما جاء فيها إذا اجتمع العيدان في يوم.
قال أبو عبيد: ثم شهدت العيد مع علي بن أبي طالب (وعثمان محصور) فجاء، فصلى،
ثم انصرف، فخطب.
(3) باب الأمر بالأكل قبل الغدو في العيد
6 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان يأكل يوم عيد
الفطر قبل أن يغدو.
ورد عن أنس مرفوعا.
أخرجه البخاري في: 13 - كتاب العيدين، 4 - باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج.
7 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أنه أخبره أن الناس
كانوا يؤمرون بالأكل يوم الفطر قبل الغدو.
قال مالك: ولا أرى ذلك على الناس، في الأضحى.
179

(4) باب ما جاء في التكبير والقراءة في صلاة العيدين
8 - حدثني يحيى عن مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة بن مسعود، أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي، ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ بق والقرآن المجيد، واقتربت الساعة وانشق القمر.
أخرجه مسلم في: 8 - كتاب صلاة العيدين، 3 - باب ما يقرأ به في صلاة العيدين، حديث 14.
9 - وحدثني عن مالك، عن نافع، مولى عبد الله بن عمر، أنه قال: شهدت الأضحى
والفطر مع أبي هريرة. فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة. وفى الآخرة
خمس تكبيرات قبل القراءة.
ورد مرفوعا عن عائشة.
أخرجه أبو داود في: 2 - كتاب الصلاة، 242 - باب التكبير في العيدين.
قال مالك: وهو الامر عندنا.
قال مالك، في رجل وجد الناس قد انصرفوا من الصلاة يوم العيد: إنه لا يرى عليه صلاة
في المصلى، ولا في بيته. وإنه إن صلى في المصلى، أو في بيته لم أر بذلك بأسا. ويكبر
سبعا في الأولى قبل القراءة، وخمسا في الثانية قبل القراءة.
180

(5) باب ترك الصلاة قبل العيدين وبعدهما
10 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر لم يكن يصلى يوم الفطر
قبل الصلاة ولا بعدها.
جاء في معناه مرفوعا، عن ابن عباس.
أخرجه البخاري في: 13 - كتاب العيدين، 26 - باب الصلاة قبل العيد وبعدها.
ومسلم في: 8 - كتاب صلاة العيدين، 2 - باب ترك الصلاة قبل العيد وبعدها في المصلى، حديث 13
وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يغدو إلى المصلى، بعد أن يصلى
الصبح، قبل طلوع الشمس.
(6) باب الرخصة في الصلاة قبل العيدين وبعدهما
11 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، أن أباه القاسم كان يصلى
قبل أن يغدو إلى المصلى أربع ركعات.
12 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان يصلى يوم الفطر،
قبل الصلاة في المسجد.
181

(7) باب غدو الامام يوم العيد وانتظار الخطبة
13 - حدثني يحيى، قال مالك: مضت السنة التي لا اختلاف فيها عندنا، في وقت الفطر
والأضحى، أن الامام يخرج من منزله قدر ما يبلغ مصلاه، وقد حلت الصلاة.
قال يحيى: وسئل مالك عن رجل صلى مع الامام، هل له أن ينصرف قبل أن يسمع
الخطبة؟ فقال: لا ينصرف حتى ينصرف الامام.
182

11 - كتاب صلاة الخوف
(1) باب صلاة الخوف
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمن صلى مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم ذات الرقاع، صلاة الخوف، أن طائفة صفت معه، وصفت طائفة وجاه
العدو. فصلى بالتي معه ركعة. ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم. ثم انصرفوا. فصفوا وجاه
العدو. وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته. ثم ثبت جالسا،
وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم.
أخرجه البخاري في: 64 - كتاب المغازي، 31 - باب غزوة ذات الرقاع.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 57 - باب صلاة الخوف، حديث 310.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 509 و 677 بتحقيق أحمد محمد شاكر.
2 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات،
أن سهل بن أبي حثمة حدثه، أن صلاة الخوف، أن يقوم الامام ومعه طائفة من أصحابه.
وطائفة مواجهة العدو. فيركع الامام ركعة، ويسجد بالذين معه. ثم يقوم. فإذا استوى
قائما، ثبت وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية. ثم يسلمون، وينصرفون. والامام قائم. فيكونون

1 - (ذات الرقاع) هي غزوة معروفة.
2 - (مواجهة العدو) أي من جهته.
(وجاه) مقابل.
183

وجاه العدو. ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا، فيكبرون وراء الامام، فيركع بهم الركعة
ويسجد. ثم يسلم، فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية. ثم يسلمون.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث موقوف على سهل في الموطأ، عند جماعة الرواة عن مالك. ومثله لا يقال من
جهة الرأي. وقد روى مرفوعا مسندا.
أخرجه البخاري في: 64 - كتاب المغازي، 31 - باب غزوة ذات الرقاع.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 27 - باب صلاة الخوف، حديث 309.
3 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف
قال: يتقدم الامام وطائفة من الناس. فيصلى بهم الامام ركعة. وتكون طائفة منهم بينه
وبين العدو لم يصلوا. فإذا صلى الذين معه ركعة، استأخروا مكان الذين لم يصلوا، ولا يسلمون.
ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة. ثم ينصرف الامام، وقد صلى ركعتين. فتقوم كل
واحدة من الطائفتين. فيصلون لأنفسهم ركعة ركعة. بعد أن ينصرف الامام. فيكون
كل واحدة من الطائفتين قد صلوا ركعتين فإن كان خوفا هو أشد من ذلك، صلوا رجالا
قياما على أقدامهم. أو ركبانا مستقبلي القبلة. أو غير مستقبليها.
قال مالك: قال نافع لا أرى عبد الله بن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري في: 65 - كتاب التفسير، 2 سورة البقرة، 44 - باب فإن خفتم فرجالا أو ركبانا.
4 - وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب، أنه قال: ما صلى
184

رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر، يوم الخندق حتى غابت الشمس.
جاء في معناه عن جابر مرفوعا.
أخرجه البخاري في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 36 - باب من صلى بالناس جماعة بعد فوات الوقت.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى
هي صلاة العصر، حديث 209.
قال مالك: وحديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات، أحب ما سمعت إلي في صلاة
الخوف.
185

12 - كتاب صلاة الكسوف
(1) باب العمل في صلاة الكسوف
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
أنها قالت: خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فقام
فأطال القيام. ثم ركع فأطال الركوع. ثم قام فأطال القيام، وهو دون القيام الأول. ثم
ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول. ثم رفع فسجد. ثم فعل في الركعة الآخرة
مثل ذلك. ثم انصرف وقد تجلت الشمس. فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله. لا يخسفان لموت أحد، ولا لحياته. فإذا رأيتم
ذلك فادعوا الله. وكبروا، وتصدقوا) ثم قال: (يا أمة محمد! والله! ما من أحد أغير من الله
أن يزنى عبده أو تزني أمته. يا أمة محمد! والله. لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا،
ولبكيتم كثيرا).
أخرجه البخاري في: 16 - كتاب الكسوف، 2 - باب الصدقة في الكسوف.
ومسلم في: 10 - كتاب الكسوف وصلاته، 1 - باب صلاة الكسوف، حديث 1.
2 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عباس،
أنه قال: خسفت الشمس، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس معه. فقام قياما طويلا نحوا من
سورة البقرة. قال: ثم ركع ركوعا طويلا. ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول.

2 - (تكعكت) أي تأخرت وتقهقرت. (ويكفرن العشير) أي الزوج.
(يكفرن الاحسان) والمراد بكفر الاحسان تغطيته أو جحده.
186

ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول. ثم سجد. ثم قام قياما طويلا وهو دون
القيام الأول. ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول. ثم رفع فقام قياما طويلا
وهو دون القيام الأول. ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول. ثم سجد. ثم انصرف
وقد تجلت الشمس. فقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت
أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فاذكروا الله) قالوا: يا رسول الله! رأيناك تناولت
شيئا في مقامك هذا، ثم رأيناك تكعكعت. فقال: (إني رأيت الجنة. فتناولت منها
عنقودا. ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا. ورأيت النار، فلم أر كاليوم منظرا قط
أفظع. ورأيت أكثر أهلها النساء) قالوا: لم؟ يا رسول الله؟ قال: (لكفرهن) قيل:
أيكفرن بالله؟ قال: (ويكفرن العشير، ويكفرن الاحسان. لو أحسنت إلى إحداهن الدهر
كله، ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قط).
أخرجه البخاري في: 16 - كتاب الكسوف، 9 - باب صلاة الكسوف جماعة.
ومسلم في: 10 - كتاب صلاة الكسوف، 3 - باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف
من أمر الجنة والنار، حديث 17.
3 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن يهودية جاءت تسألها. فقالت: أعاذك الله من عذاب القبر. فسألت
عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أيعذب الناس في قبورهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عائذا بالله من

3 - (الحجر) جمع حجرة، والمراد بيوت أزواجه، وكانت لاصقة بالمسجد.
187

ذلك. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات غداة، مركبا. فخسفت الشمس. فرجع ضحى. فمر
بين ظهراني الحجر. ثم قام يصلى وقام الناس وراءه. فقام قياما طويلا. ثم ركع ركوعا طويلا.
ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول. ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع
الأول. ثم رفع فسجد. ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول. ثم ركع ركوعا طويلا وهو
دون الركوع الأول. ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول. ثم ركع ركوعا طويلا
وهو دون الركوع الأول. ثم رفع. ثم سجد ثم انصرف فقال ما شاء الله أن يقول. ثم أمرهم
أن يتعوذوا من عذاب القبر.
أخرجه البخاري في: 16 - كتاب الكسوف، 7 - باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف.
ومسلم في: 10 - كتاب صلاة الكسوف، 2 - باب ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف، حديث 8
(2) باب ما جاء في صلاة الكسوف
4 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء
بنت أبي بكر الصديق، أنها قالت: أتيت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حين خسفت الشمس.
فإذا الناس قيام يصلون. وإذا هي قائمة تصلى. فقلت: ما للناس؟ فأشارت بيدها نحو السماء.
وقالت: سبحان الله. فقلت: آية؟ فأشارت برأسها أن، نعم. قالت: فقمت حتى تجلاني
الغشي. وجعلت أصب فوق رأسي الماء. فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه. ثم قال:
(ما من شئ كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا. حتى الجنة والنار. ولقد أوحى إلى

4 - (تجلاني) غطاني.
188

أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبا من فتنة الدجال (لا أدرى أيتهما قالت أسماء) يؤتى
أحدكم فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن (لا أدرى أي ذلك قالت
أسماء) فيقول: هو محمد رسول الله. جاءنا بالبينات والهدى. فأجبنا، وآمنا، واتبعنا.
فيقال له: نم صالحا. قد علمنا إن كنت لمؤمنا. وأما المنافق أو المرتاب (لا أدرى أيتهما
قالت أسماء) فيقول: لا أدرى. سمعت الناس يقولون شيئا، فقلته).
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء، 37 - باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل
ومسلم في: 10 - كتاب صلاة الكسوف، 3 - باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف
من أمر الجنة والنار، حديث 11.
189

13 - كتاب الاستسقاء
(1) باب العمل في الاستسقاء
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، أنه سمع عباد
ابن تميم يقول: سمعت عبد الله بن زيد المازني يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى،
فاستسقى، وحول رداءه حين استقبل القبلة.
أخرجه البخاري في: 15 - كتاب الاستسقاء 4 - باب تحويل الرداء في الاستسقاء.
ومسلم في: 9 - كتاب صلاة الاستسقاء حديث 1.
وسئل مالك، عن صلاة الاستسقاء كم هي؟ فقال: ركعتان. ولكن يبدأ الامام بالصلاة
قبل الخطبة. فيصلى ركعتين. ثم يخطب قائما ويدعو. ويستقبل القبلة. ويحول رداءه حين
يستقبل القبلة. ويجهر في الركعتين بالقراءة. وإذا حول رداءه، جعل الذي على يمينه على
شماله. والذي على شماله على يمينه. ويحول الناس أرديتهم. إذا حول الامام رداءه. ويستقبلون
القبلة، وهم قعود.
(2) باب ما جاء الاستسقاء
2 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
190

كان إذا استسقى قال: (اللهم اسق عبادك وبهيمتك. وانشر رحمتك. وأحي بلدك الميت).
قال ابن عبد البر: هكذا رواه مالك، عن يحيى، عن عمرو مرسلا.
ورواه آخرون عن يحيى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مسندا. منهم الثوري عند:
أبى داود في: 3 - كتاب صلاة الاستسقاء، باب رفع اليدين في الاستسقاء.
3 - وحدثني عن مالك، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس بن مالك، أنه قال:
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله! هلكت المواشي. وتقطعت السبل.
فادع الله. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة. قال: فجاء رجل إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت. وانقطعت السبل. وهلكت المواشي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم ظهور الجبال والآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر).
قال: فانجابت عن المدينة انجياب الثوب.
أخرجه البخاري في: 15 - كتاب الاستسقاء، 6 - باب الاستسقاء في المسجد الجامع.
ومسلم في: 9 - كتاب صلاة الاستسقاء، 2 - باب الدعاء في الاستسقاء، حديث 8.
قال مالك، في رجل فاتته صلاة الاستسقاء وأدرك الخطبة، فأراد أن يصليها، في المسجد
أو في بيته، إذا رجع؟ قال مالك: هو من ذلك في سعة. إن شاء فعل، أو ترك.

3 - (هلكت المواشي) لعدم وجود ما تعيش به من الأقوات، لحبس المطر. (وتقطعت السبل) لان
الإبل ضعفت، لقلة القوت، عن السفر. (تهدمت البيوت) من كثرة المطر. (وانقطعت السبل) لتعذر
سلوك الطريق من كثرة الماء. (وهلكت المواشي) من عدم المرعى، أو لعدم ما يكنها من المطر.
(ظهور الجبال) أي على ظهورها. فنصب توسعا. (والآكام) جمع أكمة، وهو التراب المجتمع.
(وبطون الأودية) أي ما يتحصل فيه الماء لينتفع به. (ومنابت الشجر) أي ما حولها مما يصلح أن ينبت
فيه. (انجابت عن المدينة انجياب الثوب) أي خرجت عنها كما يخرج الثوب عن لابسه. وقال ابن القاسم، قال
مالك: معناه تدورت عن المدينة كما يدور جيب القميص.
191

(3) باب الاستمطار بالنجوم
4 - حدثني يحيى عن مالك، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن
مسعود، عن زيد بن خالد الجهني، أنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية. على
إثر سماء كانت من الليل. فلما انصرف، أقبل على الناس، فقال: (أتدرون ماذا قال ربكم؟)
قالوا: الله ورسوله أعلم. قال (قال: أصبح من عبادي مؤمن بي، وكافر بي. فأما من قال:
مطرنا بفضل الله ورحمته. فذلك مؤمن بي، كافر بالكوكب. وأما من قال: مطرنا بنوء
كذا وكذا. فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب).
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 156 - باب يستقبل الامام الناس إذا سلم.
ومسلم في: 1 - كتاب الايمان، 30 - باب كفر من قال مطرنا بالنوء، حديث 125.
5 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (إذا أنشأت بحرية،
ثم تشاءمت، فتلك عين غديقة).
قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا أعرفه بوجه من الوجوه، في غير الموطأ، إلا ما ذكره الشافعي في الأم.
6 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول، إذا أصبح، وقد مطر الناس:
مطرنا بنوء الفتح ثم يتلو هذه الآية - ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك
فلا مرسل له من بعده -.

4 - (الحديبية) سميت بشجرة حدباء كانت هناك. وكان تحتها بيعة الرضوان. (على إثر سماء) أي
عقب مطر. (مطرنا بنوء) أي بكوكب.
5 - (إذا أنشأت بحرية) أي إذا ظهرت سحابة من ناحية البحر. (تشاءمت) أي أخذت نحو
الشام. (غديقة) مصغر غدقة. قال تعالى (ماء غدقا) أي كثيرا. وقال مالك: معناه إذا ضربت ريح
بحرية فأنشأت سحابا ثم ضربت ريح من ناحية الشمال، فتلك علامة المطر الغزير. والعين مطر أيام لا يقلع.
6 - (مطرنا بنوء الفتح) أي فتح ربنا علينا.
192

14 - كتاب القبلة
(1) باب النهى عن استقبال القبلة، والانسان على حاجة
1 - حدثني يحيى عن مالك. عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن رافع بن إسحاق،
مولى لآل الشفاء، وكان يقال له مولى أبى طلحة، أنه سمع أبا أيوب الأنصاري، صاحب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بمصر، يقول: والله! ما أدرى كيف أصنع بهذه الكرابيس؟ وقد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ذهب أحدكم الغائط أو البول، فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها
بفرجه).
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء 11 - باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول.
ومسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 17 - باب الاستطابة، حديث 59.
2 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن رجل من الأنصار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى
أن تستقبل القبلة لغائط أو بول.
(2) باب الرخصة في استقبال القبلة لبول أو غائط
3 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه

1 - (الكراييس) المراحيض. قيل تختص بمراحيض الغرف. وأما مراحيض البيوت فيقال لها الكنف.
(إذا ذهب أحدكم الغائط أو البول) بالنصب على التوسع. (ولا يستدبرها) أي لا يجعلها مقابل ظهره.
3 - (لبنتين) تثنية (لبنة) وهي ما يصنع من الطين أو غيره للبناء قبل أن يحرق.
193

واسع بن حبان، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: إن أناسا يقولون: إذا قعدت على
حاجتك، فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس.
قال عبد الله: لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، على لبنتين، مستقبل
بيت المقدس، لحاجته. ثم قال: لعلك من الذين يصلون على أوراكهم. قال، قلت: لا أدرى، والله.
قال مالك: يعنى الذي يسجد ولا يرتفع على الأرض. يسجد وهو للاصق بالأرض.
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء 12 - باب من تبرز على لبنتين.
ومسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 17 - باب الاستطابة، حديث 61.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 812، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
(3) باب النهى عن البصاق في القبلة
4 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى
بصاقا في جدار القبلة، فحكه. ثم أقبل على الناس فقال: (إذا كان أحدكم يصلى، فلا
يبصق قبل وجهه. فإن الله تبارك وتعالى، قبل وجهه، إذا صلى).
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 33 - باب حك البزاق باليد في المسجد.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 13 - باب النهى عن البصاق في المسجد،
في الصلاة وغيرها، حديث 50.

4 - (قبل وجهه) أي قدامه.
194

5 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في خدار القبلة بصاقا، أو مخاطا، أو نخامة، فحكه.
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 33 - حك البزاق باليد في المسجد.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 13 - باب النهى عن البصاق في المسجد،
في الصلاة وغيرها، حديث 52.
(4) باب ما جاء في القبلة
6 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: بينما
الناس بقباء في صلاة الصبح، إذا جاءهم آت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة
قرآن. وقد أمر أن يستقبل الكعبة. فاستقبلوها. وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا
إلى الكعبة.
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 32 - باب ما جاء في القبلة.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 2 - باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة، حديث 13.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 365، بتحقيق أحمد محمد شاكر.

5 - (نخامة) ما يخرج من الصدر.
6 - (بقباء) بضم القاف والمد والتذكير والصرف على الأشهر. ويجوز قصره وتأنيثه ومنع الصرف.
موضع معروف ظاهر المدينة. وفيه مجاز الحذف، أي بمسجد قباء. (فاستقبلوها) بفتح الباء رواية الأكثر.
أي فتحول أهل قباء إلى جهة الكعبة. ويحتمل أن فاعل (استقبلوها) النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، وضمير
(وجوههم) له أو لأهل قباء، على الاحتمالين. وفى رواية (فاستقبلوها) بكسر الباء، أمر. ويأتي في ضمير
(وجوههم) الاحتمالان المذكوران. وعوده إلى أهل قباء أظهر.
195

7 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: صلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم المدينة، ستة عشر شهرا، نحو بيت المقدس. ثم حولت القبلة
قبل بدر بشهرين.
قال في التمهيد: أرسله في الموطأ. وقد جاء معناه مسندا من حديث البراء.
فأخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 31 - باب التوجه نحو القبلة حيث كان.
ومسلم في: 6 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 2 - باب تحويل القبلة من القدس إلى
الكعبة، حديث 12.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 366، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
8 - حدثني عن مالك، عن نافع، أن عمر بن الخطاب قال: ما بين المشرق والمغرب
قبلة. إذا توجه قبل البيت.
(5) باب ما جاء في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
9 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن رباح، وعبيد الله بن أبي الله، عن أبي
عبد الله سلمان الأغر، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا،
خير من ألف صلاة فيما سواه. إلا المسجد الحرام).
أخرجه البخاري في: 20 - كتاب الصلاة في مسجد مكة والمدينة، 1 - باب فضل الصلاة في مسجد
مكة والمدينة.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 94 - باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة، حديث 505

7 - (قبل بدر) أي قبل غزوة بدر.
8 - (قبل البيت) أي جهة الكعبة.
196

10 - وحدثني عن مالك، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة،
أو عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري، روضة من رياض
الجنة. ومنبري على حوضي).
قال ابن عبد البر: هكذا رواه رواة الموطأ على الشك.
لكن أخرجه البخاري عن أبي هريرة في: 20 - كتاب الصلاة في مسجد مكة والمدينة، 5 - باب فضل
ما بين القبر والمنبر.
وكذا مسلم في: 15 - كتاب الحج، 92 - باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة، حديث 502
11 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن
زيد المازني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري، روضة من رياض الجنة).
أخرجه البخاري في: 20 - كتاب الصلاة في مسجد مكة والمدينة، 5 - باب فضل ما بين القبر والمنبر.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 92 - باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة، حديث 501.
(6) باب ما جاء في خروج النساء إلى المساجد
12 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه عن عبد الله بن عمر، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(لا تمنعوا إماء الله مساجد الله).
أخرجه البخاري في: 11 - كتاب الجمعة، 13 - باب حدثنا عبد الله بن محمد.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 30 - باب خروج النساء إلى المساجد، حديث 136.

10 - (ما بين بيتي) أي قبري، وقيل بيت سكناه، على ظاهره. وهما متقاربان، لان قبره في بيته.
11 - (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) فيه دلالة قوية على فضل المدينة على مكة. إذ لم يثبت
في خبر عن بقعة أنها من الجنة، إلا هذه البقعة المقدسة.
12 - (إماء الله) جمع أمة.
197

13 - وحدثني عن مالك، أنه يلغه عن بسر بن سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا
شهدت إحداكن صلاة العشاء، فلا تمسن طيبا).
هذا مرسل. وقد وصله عن زينب امرأة عبد الله،
مسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 30 - باب خروج النساء إلى المساجد، حديث 142.
14 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل،
امرأة عمر بن الخطاب، أنها كانت تستأذن عمر بن الخطاب إلى المسجد. فيسكت. فتقول:
والله لأخرجن، إلا أن تمنعني. فلا يمنعها.
15 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أحدث النساء، لمنعهن المساجد،
كما منعه نساء بني إسرائيل.
قال يحيى بن سعيد، فقلت لعمرة: أو منع نساء بني إسرائيل المساجد؟ قالت: نعم.
أخرجه البخاري في: 10 - كتاب الأذان، 163 - باب انتظار الناس قيام الامام العالم.
ومسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 30 - باب خروج النساء إلى المساجد، حديث 144.

13 - (إذا شهدت إحداكن) أي أرادت. (صلاة العشاء) أي حضور صلاتها مع الجماعة بالمسجد.
15 - (ما أحدث النساء) من الطيب والتجمل وقلة التستر، وتسرع كثير منهن إلى المناكر.
198

15 - كتاب القرآن
(1) باب الأمر بالوضوء لمن مس القرآن
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، أن في الكتاب الذي
كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: (أن لا يمس القرآن الا طاهر).
قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث. وقد روى مسندا من وجه صالح. وهو
كتاب مشهور عند أهل السير. معروف عند أهل العلم، معرفة يستغنى بها، في شهرتها، عن الاسناد.
قال مالك: ولا يحمل أحد المصحف بعلاقته، ولا على وسادة، إلا وهو طاهر. ولو جاز
ذلك لحمل في خبيئته. ولم يكره ذلك، لان يكون في يدي الذي يحمله شئ يدنس به
المصحف. ولكن إنما كره ذلك، لمن يحمله وهو غير طاهر، إكراما للقرآن وتعظيما له.
قال مالك، أحسن ما سمعت في هذه الآية - لا يمسه إلا المطهرون - إنما هي بمنزلة هذه
الآية، التي في عبس وتولى، قول الله تبارك وتعالى - كلا إنها تذكرة. فمن شاء ذكره.
في صحف مكرمة. مرفوعة مطهرة. بأيدي سفرة. كرام بررة -.

1 - (بعلاقته) أي حمالته التي يحمل بها. (خبيئته) جلده الذي يخبأ فيه. (عبس) كلح
وجهه. (وتولى) أعرض. (إنها) أي السورة أو الآيات. (تذكرة) عظة للخلق.
(فمن شاء ذكره) حفظ ذلك فاتعظ به. (مكرمة) عند الله. (مرفوعة) في السماء.
(مطهرة) منزهة عن مس الشياطين. (بأيدي سفرة) كتبة ينسخونها من اللوح المحفوظ.
(كرام بررة) مطيعين لله تعالى، وهم الملائكة.
199

(2) باب الرخصة في قراءة القرآن على غير وضوء
2 - حدثني يحيى عن مالك، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن محمد بن سيرين،
أن عمر بن الخطاب، كان في قوم وهم يقرؤون القران. فذهب لحاجته، ثم رجع وهو يقرأ
القرآن. فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، أتقرأ القرآن ولست على وضوء؟ فقال له عمر:
من أفتاك بهذا؟ أمسيلمة؟
(3) باب ما جاء في تحزيب القرآن
3 - حدثني يحيى عن مالك، عن داود بن الحصين، عن الأعرج، عن عبد الرحمن بن
عبد القاري، أن عمر بن الخطاب قال: من فاته حزبه من الليل، فقرأه حين تزول الشمس،
إلى صلاة الظهر، فإنه لم يفته. أو كأنه أدركه.
أخرجه مسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 18 - باب جامع صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض، حديث 142
4 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: كنت أنا ومحمد بن يحيى بن حبان،

2 - (فقال له رجل) من بنى حنيفة كان آمن بمسيلمة، ثم تاب وأسلم.
3 - (حزبه) الحزب الورد يعتاده الشخص، من قراءة أو صلاة أو غيرهما.
(فقرأه حين تزول الشمس إلى صلاة الظهر فإنه لم يفته) قال ابن عبد البر: هذا وهم من داود. لان المحفوظ
من حديث ابن شهاب عن السائب بن يزيد، وعبيد الله بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر
(من نام عن حزبه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل).
200

جالسين. فدعا محمد رجلا. فقال: أخبرني بالذي سمعت من أبيك. فقال الرجل: أخبرني أبي
أنه أتى زيد بن ثابت، فقال له: كيف ترى في قراءة القرآن في سبع؟ فقال زيد: حسن.
ولان أقرأه في نصف، أو عشر، أحب إلي. وسلني، لم ذاك؟ قال: فإني أسألك. قال زيد:
لكي أتدبره وأقف عليه.
(4) باب ما جاء في القرآن
5 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن
عبد القاري، أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب، يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام
يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها. فكدت أن أعجل
عليه. ثم أمهلته حتى انصرف. ثم لببته بردائه، فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول
الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرسله)
ثم قال: (اقرأ يا هشام) فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هكذا
أنزلت) ثم قال لي: (اقرأ) فقرأتها. فقال: (هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على
سبعة أحرف، فاقرؤا ما تيسر منه).

5 - (فكدت أن أعجل) أي أخاصمه وأظهر بوادر غضبى عليه. (حتى انصرف) من الصلاة.
(ثم لببته بردائه) أي أخذت بمجامعه، وجعلته في عنقه، وجررته به لئلا ينفلت.
(أرسله) أي أطلقه. لأنه كان ممسوكا معه. (أحرف) جمع (حرف) مثل فلس وأفلس. قال
السيوطي: اختلف العلماء في المراد بسبعة أحرف على نحو أربعين قولا، سقتها في كتاب الاتقان. وأرجحها
عندي قول من قال: إن هذا من المتشابه الذي لا يدرى تأويله. فإن الحديث كالقرآن منه المحكم والمتشابه.
201

أخرجه البخاري في: 44 - كتاب الخصومات، 4 - باب كلام الخصوم بعضهم في بعض.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 48 - باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف، وبيان معناه،
حديث 271.
ورواه الشافعي في الرسالة. فقرة 752، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
6 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما
مثل صاحب القران، كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها، أمسكها. وإن أطلقها،
ذهبت).
أخرجه البخاري في: 66 - كتاب فضائل القرآن، 23 - باب استذكار القرآن وتعاهده.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 33 - باب الأمر بتعهد القرآن، حديث 226.
7 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
أن الحارث بن هشام، سأل رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحيانا
يأتيني في مثل صلصلة الجرس. وهو أشده علي. فيفصم عنى، وقد وعيت ما قال. وأحيانا

6 - (صاحب القرآن) الذي ألف تلاوته. (المعقلة) المشدودة بالعقال، وهو الحبل الذي يشد في ركبة
البعير. (أمسكها) أي استمر إمساكه لها. (أطلقها) من عقلها أي أرسلها. (ذهبت) أي انفلتت.
7 - (أحيانا) جمع حين، يطلق على كثير الوقت وقليله. والمراد هنا مجرد الوقت. (صلصلة) أصله صوت
وقوع الحديد بعضه على بعض، ثم أطلق على كل صوت له طنين. وقيل صوت متدارك لا يدرك من أول وهلة.
(الجرس) الجلجل الذي يعلق في رؤوس الدواب. واشتقاقه من الجرس، وهو الحس.
(فيفصم عنى) أي يقطع ويتجلي ما يغشاني. وأصل الفصم القطع، ومنه قوله تعالى - لا انفصام لها -
وقيل الفصم بالفاء القطع بلا إبانة. وبالقاف القطع بإبانة. فذكره يفصم بالفاء إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود.
(وعيت) حفظت.
(يتمثل) يتصور. (الملك) أي جبريل ف‍ (أل) عهدية.
(ليتفصد) من الفصد، وهو قطع العرق لإسالة الدم. شبه جبينه بالعرق المفصود مبالغة في الكثرة.
202

يتمثل لي الملك رجلا، فيكلمني فأعي ما يقول) قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه في
اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقا.
أخرجه البخاري في: 1 - كتاب بدء الوحي، 2 - باب حدثنا عبد الله بن يوسف.
ومسلم في: 43 - كتاب الفضائل، 23 - باب عرق النبي صلى الله عليه وسلم في البرد وحين يأتيه الوحي، حديث 87
8 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: أنزلت - عبس وتولى -
في عبد الله بن أم مكتوم. جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: يا محمد، استدنيني. وعند
النبي صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه، ويقبل على الآخر،
ويقول: (يا أبا فلان، هل ترى بما أقول بأسا؟) فيقول: لا والدماء. ما أرى بما تقول
بأسا. فأنزلت - عبس وتولى أن جاءه الأعمى -.
وصله الترمذي عن عائشة في: 44 - كتاب التفسير، 80 - باب ومن سورة عبس.
9 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في
بعض أسفاره. وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا. فسأله عمر عن شئ، فلم يجبه ثم سأله،
فلم يجبه. ثم سأله، فلم يجبه. فقال عمر: ثكلتك أمك، عمر. نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم

8 - (استدنيني) بياء بين النونين. أي أشر لي إلى موضع قريب منك أجلس فيه.
(الدماء) أي دماء الهدايا التي كانوا يذبحونها، بمنى، لآلهتهم. (بأسا) أي شدة.
9 - (في بعض أسفاره) هو سفر الحديبية. (ثكلتك) أي فقدتك. (نزرت) أي ألححت
عليه، وبالغت في السؤال. أو راجعته. أي أتيته بما يكره من سؤالك.
(فما نشبت) أي فما لبثت وما تعلقت بشئ. (ثم قرأ إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال ابن عباس وأنس
والبراء: هو فتح الحديبية ووقوع الصلح.
203

ثلاث مرأت. كل ذلك لا يجيبك. قال عمر: فحركت بعيري. حتى إذا كنت أمام الناس،
وخشيت أن ينزل في قرآن. فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي. قال، فقلت: لقد
خشيت أن يكون نزل في قرآن. قال، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه. فقال: (لقد
أنزلت علي، هذه الليلة، سورة. لهى أحب إلى مما طلعت عليه الشمس) ثم قرأ - إنا فتحنا لك
فتحا مبينا -.
أخرجه البخاري في: 64 - كتاب المغازي، 35 - باب غزوة الحديبية.
10 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي،
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج
فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم. وصيامكم مع صيامهم. وأعمالكم مع أعمالهم.
يقرؤون القرآن، ولا يجاوز حناجرهم. يمرقون من الدين، مروق السهم من الرمية. تنظر
في النصل، فلا ترى شيئا وتنظر في القدح، فلا ترى شيئا. وتنظر في الريش، فلا ترى

10 - (يخرج فيكم) أي عليكم. (قوم) هم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب يوم النهروان،
فقتلهم. فهم أصل الخوارج. (تحقرون) تستقلون. (صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم) لأنهم
كانوا يصومون النهار ويقومون الليل. (ولا يجاوز حناجرهم) جمع حنجرة، وهي آخر الحلق مما يلي الفم.
والمعنى أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها. (يمرقون) يخرجون سريعا. (الرمية) الطريدة من الصيد.
فعيلة بمعنى مفعولة. شبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد، فيدخل فيه ويخرج منه. ومن شدة
سرعة خروجه، لقوة الرامي، لا يعلق من جسد الصيد بشئ. (النصل) حديدة السهم.
(القدح) خشب السهم. أو ما بين الريش والسهم.
(وتتمارى) أي تشك. (الفوق) موضع الوتر من السهم، أي تتشكك هل علق به شئ من الدم.
والمعنى أن هؤلاء يخرجون من الاسلام بغتة كخروج السهم إذا ما رماه رام قوى الساعد، فأصاب ما رماه،
فنفذ بسرعة، بحيث لا يعلق بالسهم، ولا بشئ منه، من المرمى شئ. فإذا التمس الرامي سهمه لم يجده علق بشئ
من الدم ولا غيره.
204

شيئا. وتتمارى في الفوق).
أخرجه البخاري في: 66 - كتاب فضائل القرآن، 36 - باب من رأيا بقراءة القرآن.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة، 47 - باب ذكر الخوارج وصفاتهم، حديث 148.
11 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن عمر، مكث على سورة البقرة، ثماني
سنين يتعلمها.
(5) باب ما جاء في سجود القرآن
12 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن يزيد، مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قرأ لهم - إذا السماء انشقت - فسجد فيها. فلما
انصرف، أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها.
أخرجه البخاري في: 17 - كتاب سجود القرآن، 7 - باب سجدة - إذا السماء انشقت -.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 20 - باب سجود التلاوة، حديث 107
13 - وحدثني عن مالك، عن نافع، مولى ابن عمر، أن رجلا من أهل مصر، أخبره
205

أن عمر بن الخطاب قرأ سورة الحج. فسجد فيها سجدتين. ثم قال: إن هذه السورة فضلت
بسجدتين.
14 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر، يسجد
في سورة الحج، سجدتين.
15 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن الأعرج، أن عمر بن الخطاب، قرأ
ب‍ - النجم إذا هوى - فسجد فيها. ثم قام، فقرأ بسورة أخرى.
16 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب قرأ سجدة،
وهو على المنبر يوم الجمعة. فنزل، فسجد، وسجد الناس معه. ثم قرأها يوم الجمعة الأخرى.
فتهيأ الناس للسجود، فقال: على رسلكم. إن الله لم يكتبها علينا، إلا أن نشاء. فلم يسجد،
ومنعهم أن يسجدوا.
أخرجه البخاري في: 17 - كتاب سجود القرآن، 10 - باب من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود.
قال مالك: ليس العمل على أن ينزل الامام، إذا قرأ السجدة على المنبر، فيسجد.

16 - (قرأ سجدة) أي سورة فيها سجدة. وهي سورة النحل. (على رسلكم) أي على هينتكم.
206

قال مالك: الامر عندنا أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة. ليس في المفصل
منها شئ.
قال مالك: لا ينبغي لاحد يقرأ من سجود القرآن شيئا، بعد صلاة الصبح. ولا بعد
صلاة العصر. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن الصلاة بعد الصبح، حتى تطلع الشمس.
وعن الصلاة بعد العصر، حتى تغرب الشمس. والسجدة من الصلاة. فلا ينبغي لاحد أن
يقرأ سجدة في تينك الساعتين.
سئل مالك: عمن قرأ سجدة. وامرأة حائض تسمع، هل لها أن تسجد؟ قال مالك:
لا يسجد الرجل، ولا المرأة، إلا وهما طاهران.
وسئل عن امرأة قرأت سجدة. ورجل معها يسمع. أعليه أن يسجد معها؟ قال مالك:
ليس عليه أن يسجد معها. إنما تجب السجدة على القوم يكونون مع الرجل. فيأتمون به.
فيقرأ السجدة، فيسجدون معه. وليس على من سمع سجدة من انسان يقرؤها، ليس له بإمام،
أن يسجد تلك السجدة.
207

(6) باب ما جاء في قراءة قل هو الله أحد، وتبارك الذي بيده الملك
17 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، أنه سمع رجلا يقرأ - قل هو الله أحد - يرددها. فلما أصبح غدا إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له. وكأن الرجل يتقالها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده.
إنها لتعدل ثلث القرآن).
أخرجه البخاري في: 66 - كتاب فضائل القرآن، 13 - باب فضل - قل هو الله أحد -.
18 - وحدثني عن مالك، عن عبيد الله بن عبد الرحمن، عن عبيد بن حنين، مولى آل زيد
ابن الخطاب، أنه قال: سمعت أبا هريرة يقول: أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسمع رجلا
يقرأ - قل هو الله أحد - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجبت) فسألته: ماذا يا رسول الله؟
فقال: (الجنة) فقال أبو هريرة: فأردت أن أذهب إليه، فأبشره. ثم فرقت أن يفوتني
الغداء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فآثرت الغداء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذهبت إلى الرجل،
فوجدته قد ذهب.
أخرجه الترمذي في: 42 - كتاب ثواب القرآن، 11 - باب ما جاء في سورة الاخلاص.

17 - (يرددها) لأنه يحفظ غيرها، أو لما رجاه من فضلها وبركتها. (يتقالها) يعتقد أنها قليلة.
(إنها لتعدل ثلث القرآن) قال السيوطي، ذهب جماعة إلى أن هذا ونحوه من المتشابه الذي لا يدرى
تأويله. وإلى ذلك نحا أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. وإياه أختار. قال ابن عبد البر: السكوت في
هذه المسألة أفضل من الكلام، وأسلم.
18 - (فرقت) خفت. (الغداء) ما يؤكل بالغداة. وكان أبو هريرة يلزم النبي صلى الله عليه وسلم لشبع بطنه.
فكان يتغدى معه، ويتعشى معه.
208

19 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أنه أخبره:
أن - قل هو الله أحد - تعدل ثلث القرآن. وأن - تبارك الذي بيده الملك - تجادل عن صاحبها.
(7) باب ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى
20 - حدثني يحيى عن مالك، عن سمى مولى أبى بكر، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك
وله الحمد وهو على كل شئ قدير. في يوم مائة مرة. كانت له عدل عشر رقاب. وكتبت
له مائة حسنة. ومحيت عنه مائة سيئة. وكانت له حرزا من الشيطان، يومه ذلك حتى يمسى.
ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك).
أخرجه البخاري في: 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده.
ومسلم في: 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 10 - باب فضل التهليل والتسبيح
والدعاء، حديث 28.
21 - وحدثني عن مالك، عن سمى مولى أبى بكر، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال سبحان الله وبحمده. في يوم مائة مرة. حطت عنه خطاياه

19 - (وإن تبارك الذي بيده الملك تجادل عن صاحبها) أي كثرة قراءتها تدفع غضب الرب، يوم تأتي
كل نفس تجادل عن نفسها. فقامت مقام المجادلة عنه.
20 - (عدل) أي مثل. (حرزا) أي حصنا. (يومه) نصب على الظرفية.
21 - (سبحان الله) أي تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص. (وسبحان) اسم منصوب على أنه
واقع موقع المصدر لفعل محذوف، تقديره سبحت الله سبحانا كسبحت الله تسبيحا، ولا يستعمل غالبا إلا مضافا
وهو مضاف إلى المفعول أي سبحت الله. (وبحمده) الواو للحال. أي سبحان الله متلبسا بحمده له، من
أجل توفيقه لي للتسبيح. (مثل زبد البحر) كناية عن المبالغة في الكثرة. والزبد ما يعلو البحر عند هيجانه.
209

وإن كانت مثل زبد البحر).
أخرجه البخاري في: 80 - كتاب الدعوات، 65 - باب فضل التسبيح.
ومسلم في: 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 10 - باب فضل التهليل والتسبيح
والدعاء، حديث 28.
22 - وحدثني عن مالك، عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك، عن عطاء بن يزيد
الليثي، عن أبي هريرة، أنه قال: من سبح دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين. وكبر ثلاثا وثلاثين.
وحمد ثلاثا وثلاثين. وختم المائة ب‍ (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد،
وهو على كل شئ قدير) غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر).
أخرجه مسلم مرفوعا في: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 26 - باب استحباب الذكر بعد الصلاة
وبيان صفته، حديث 146.
23 - وحدثني عن مالك، عن عمارة بن صياد، عن سعيد بن المسيب، أنه سمعه يقول،
في الباقيات الصالحات: إنها قول العبد (الله أكبر. وسبحان الله. والحمد لله. ولا إله إلا الله.
ولا حول ولا قوة إلا بالله).

22 - (من سبح) أي قال سبحان الله. (دبر) أي عقب. (وكبر) أي قال الله أكبر.
(وحمد) أي قال الحمد لله.
23 - (الباقيات الصالحات) المذكورة في قوله تعالى - والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا - سميت
بذلك لأنه تعالى قابلها بالفانيات الزائلات، في قوله - المال والبنون زينة الحياة الدنيا -. (ولا حول) أي
لا تحول عن المعصية. (ولا قوة) على الطاعة.
قال الزرقاني: وهذا قول أكثر العلماء. وقاله ابن عمر وعطاء بن أبي رباح. لجمعها المعارف الإلهية. فالتكبير
اعتراف بالقصور في الأقوال والأفعال. والتسبيح تقديس له عما لا يليق به، وتنزيه عن النقائص. والتحميد
منبئ عن معنى الفضل والافضال من الصفات الذاتية والإضافية. والتهليل توحيد للذات، ونفى الند والضد.
والحوقلة تنبيه على التبري عن الحول والقوة إلا به.
210

24 - وحدثني عن مالك، عن زياد بن أبي زياد، أنه قال: قال أبو الدرداء: ألا أخبركم
بخير أعمالكم، وأرفعها في درجاتكم، وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من إعطاء
الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟
قالوا: بلى. قال: ذكر الله تعالى.
قال زياد بن أبي زياد: وقال أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل: ما عمل ابن آدم من عمل
أنجى له من عذاب الله، من ذكر الله.
رواه الترمذي مرفوعا في: 45 - كتاب الدعوات، 6 - باب منه.
وابن ماجة في: 33 - كتاب الأدب، 53 - باب فضل الذكر.
25 - وحدثني مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر، عن علي بن يحيى الزرقي، عن أبيه،

24 - (وأرفعها في درجاتكم) أي منازلكم في الجنة. (وأزكاها عند مليككم) أي أنماها وأطهرها
عند ربكم ومالككم. (الورق) الفضة. (عدوكم) الكفار. (فتضربوا أعناقهم ويضربوا
أعناقكم) يعنى تقتلوهم ويقتلوكم، بسيف أو غيره. (قال ذكر الله تعالى) لان سائر العبادات من الانفاق
وقتال العدو، وسائل ووسائط يتقرب بها إلى الله تعالى. والذكر هو المقصود الأسنى،، ورأسه (لا إله إلا
الله) وهي الكلمة العليا، والقطب الذي تدور عليه رحى الاسلام. والقاعدة التي بنى عليها أركانه، والشعبة
التي هي أعلى شعب الايمان. بل هي الكل، وليس غيره. - قل إنما يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد - أي
الوحي مقصور على التوحيد، لأنه القصد الأعظم من الوحي. ووقع غيره تبعا. ولذا آثرها العارفون على جميع
الأذكار لما فيها من الخواص التي لا تعرف إلا بالوجدان والذوق - ا ه‍. زرقاني.
25 - (فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه) أي شرع في رفعه. (آنفا) يعنى قبل هذا.
(يبتدرونها) أي يسارعون إلى الكلمات المذكورة. (أول) روى بالضم على البناء لأنه ظرف قطع عن
الإضافة. وبالنصب على الحال.
211

عن رفاعة بن رافع، أنه قال: كنا يوم نصلى وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم
رأسه من الركعة، وقال: (سمع الله لمن حمده) قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد. حمدا
كثيرا طيبا مباركا فيه. فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من المتكلم آنفا)؟ فقال
الرجل: أنا. يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها،
أيهم يكتبهن أول (أولا)).
أخرجه البخاري في: 10 - تاب الأذان، 126 - باب حدثنا معاذ بن فضالة.
(8) باب ما جاء في الدعاء
26 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لكل نبي دعوة يدعو بها. فأريد أن أختبئ دعوتي، شفاعة لامتي
في الآخرة).
أخرجه البخاري في: 80 - كتاب الدعوات، 1 - باب لكل نبي دعوة.
ومسلم في: 1 - كتاب الايمان، 84 - باب اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لامته، حديث 334.
27 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو

26 - (دعوة) أي مستجابة. (أختبئ) أدخر. (دعوتي) المقطوع بإجابتها.
27 - (فالق الاصباح) خلقه وابتدأه وأظهره. (سكنا) أي يسكن فيه. (حسبانا) أي حسابا.
أي بحساب معلوم.
212

فيقول: (اللهم فالق الاصباح، وجاعل الليل سكنا، والشمس والقمر حسبانا، اقض عنى
الدين، وأغنني من الفقر. وأمتعني بسمعي، وبصرى، وقوتي، في سبيلك).
قال ابن عبد البر: لم تختلف الرواة عن مالك في إسناد هذا الحديث ولا في متنه.
وهو مرسل. فمسلم بن يسار تابعي
28 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقل أحدكم إذا دعا: اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم
المسألة. فإنه لا مكره له).
أخرجه البخاري في: 80 - كتاب الدعوات، 21 - باب ليعزم المسألة فإن لا مكره له.
ومسلم في: 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 3 - باب العزم بالدعاء، ولا يقل
إن شئت، حديث 9.
29 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبيد، مولى ابن أزهر، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل. فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي).
أخرجه البخاري في: 80 - كتاب الدعوات، 22 - باب يستجاب للعبد ما لم يعجل.
ومسلم في: 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 25 - باب بيان أنه يستجاب للداعي
ما لم يعجل، حديث 90 -

28 - (ليعزم المسألة) أي يجتهد ويلح.
213

30 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبد الله الأغر، وعن أبي سلمة،
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا، تبارك وتعالى، كل ليلة إلى السماء
الدنيا. حين يبقى ثلث الليل الآخر. فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟
من يستغفرني فأغفر له؟)
أخرجه البخاري في: 97 - كتاب التوحيد، 35 - باب قول الله تعالى - يريدون أن يبدلوا كلام الله -.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 24 - باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل،
حديث 168.
31 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي،
أن عائشة أم المؤمنين قالت: كنت نائمة إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففقدته من الليل، فلمسته
بيدي. فوضعت يدي على قدميه، وهو ساجد، يقول (أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك
من عقوبتك. وبك منك. لا أحصى ثناء عليك. أنت كما أثنيت على نفسك).
قال ابن عبد البر: لم يختلف عن مالك في إرساله. وهو مسند من حديث الأعرج عن أبي هريرة عن عائشة.
فأخرجه مسلم في: 4 - كتاب الصلاة، 42 - باب ما يقال في الركوع والسجود، حديث 222.
32 - وحدثني عن مالك، عن زياد بن أبي زياد، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، أن

30 - (ينزل ربنا) اختلف فيه. فالراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، على طريق الاجمال.
منزهين لله تعالى عن الكيفية والتشبيه. ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة، والسفيانين والحمادين والليث
والأوزاعي وغيرهم. قال البيهقي: وهو أسلم. (فأستجيب له) أي أجيب دعاءه.
31 - (ففقدته) بمعنى عدمته. (برضاك من سخطك) أي بما يرضيك مما يسخطك.
(لا أحصى ثناء عليك) أي لا أبلغ الواجب في الثناء عليك. (أنت كما أثنيت على نفسك) أي
الثناء عليك هو المماثل لثنائك على نفسك. ولا قدرة لاحد عليه.
32 - أفضل الدعاء يوم عرفة) أي أعظمه ثوابا، وأقربه إجابة.
214

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة. وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي
(لا إله إلا الله وحده لا شريك له)).
أخرجه الترمذي مرفوعا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، في: 45 - كتاب الدعوات، 122 - باب في
دعاء يوم عرفة
33 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن طاوس اليماني، عن عبد الله
ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء. كما يعلمهم السورة من القرآن.
يقول (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم. وأعوذ بك من عذاب القبر. وأعوذ بك من فتنة
المسيح الدجال. وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات).
أخرجه مسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 25 - باب ما يستعاذ منه في الصلاة، حديث 134.
34 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن طاوس اليماني، عن عبد الله بن
عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل، يقول: (اللهم لك الحمد.
أنت نور السماوات والأرض. ولك الحمد. أنت قيام السماوات والأرض. ولك الحمد. أنت
رب السماوات والأرض ومن فيهن. أنت الحق. وقولك الحق. ووعدك الحق. ولقاؤك حق.

33 - (فتنة) امتحان واختبار. (فتنة المحيا) هي ما يعرض للانسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا.
والشهوات والجهالات. وأعظمها، والعياذ بالله، أمر الخاتمة عند الموت. (وفتنة الممات) هي فتنة القبر.
34 - (أنت قيام السماوات والأرض) أي أنت الذي تقوم بحفظهما، وحفظ من أحاطت به واشتملت
عليه، تؤتى كلا ما به قوامه. وتقوم كل شئ من خلقك بما تراه من تدبيرك. (أنت الحق) أي المتحقق
الوجود الثابت، بلا شك فيه. (وقولك الحق) أي مدلوله ثابت. (ووعدك الحق) لا يدخله خلف ولا شك
في وقوعه. (ولقاؤك حق) المراد به البعث بعد الموت.
(والجنة حق والنار حق) أي كل منهما موجود. (والساعة حق) أي يوم القيامة.
وإطلاق اسم (الحق) على ما ذكر من الأمور معناه أنه لا بد من كونها. وأنها مما يجب أن يصدق بها.
وتكرار لفظ (حق) مبالغة في التأكيد. (لك أسلمت) انقدت وخضعت لأمرك ونهيك.
(وإليك أنبت) رجعت إليك، مقبلا بقلبي عليك. (وبك خاصمت) أي بما أعطيتني من البرهان،
وبما لقنتني من الحجة.
215

والجنة حق. والنار حق. والساعة حق. اللهم لك أسلمت. وبك آمنت. وعليك توكلت.
وإليك أنبت. وبك خاصمت وإليك حاكمت. فاغفر لي ما قدمت وأخرت. وأسررت
وأعلنت. أنت إلهي لا إله إلا أنت).
أخرجه البخاري في: 19 - كتاب التهجد، 1 - باب التهجد بالليل.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، حديث 199.
35 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، أنه قال: جاءنا
عبد الله بن عمر في بنى معاوية، وهي قرية من قرى الأنصار. فقال: هل تدرون أين صلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجدكم هذا؟ فقلت له: نعم. وأشرت له إلى ناحية منه. فقال: هل
تدرى ما الثلاث التي دعا بهن فيه؟ فقلت: نعم. قال فأخبرني بهن. فقلت: دعا بأن لا يظهر
عليهم عدوا من غيرهم. ولا يهلكهم بالسنين. فأعطيهما. ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم.
فمنعها. قال: صدقت.
قال ابن عمر: فلن يزال الهرج إلى يوم القيامة.
جاء مرفوعا عن سعد بن أبي وقاص.
فأخرجه مسلم في: 52 - كتاب الفتن، 5 - باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، حديث 20.

35 - (دعا بأن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم) أي من غير المؤمنين، يعنى يستأصل جميعهم. (لا يهلكهم
بالسنين) أي بالمحل والجدب والجوع. (لا يجعل بأسهم بينهم) أي الحرب والفتن والاختلاف.
(الهرج) القتل.
216

36 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، أنه كان يقول: ما من داع يدعو، إلا كان
بين إحدى ثلاث: إما أن يستجاب له، وإما أن يدخر له، وإما أن يكفر عنه.
قال ابن عبد البر: مثل هذا يستحيل أن يكون رأيا واجتهادا. وإنما هو توقيف، وهو خبر محفوظ عن
النبي صلى الله عليه وسلم.
(9) باب العمل في الدعاء
37 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن دينار، قال: رآني عبد الله بن عمر، وأنا
أدعو، وأشير بإصبعين، أصبع من كل يد. فنهاني.
ورد مرفوعا عن أبي هريرة.
أخرجه الترمذي في: 45 - كتاب الدعوات، 104 - باب حدثنا محمد بن بشار.
والنسائي في: 13 - كتاب السهو، 37 - باب النهى عن الإشارة بأصبعين.
38 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سعيد بن المسيب، كان يقول: إن
الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده. وقال بيديه نحو السماء. فرفعهما.
قال ابن البر: هذا لا يدرك بالرأي. وقد جاء بسند جيد.

36 - (إما إن يدخر له) يوم القيامة. (وإما إن يكفر عنه) من الذنوب في نظير دعائه.
37 - (فنهاني) لان الواجب في الدعاء أن يكون إما باليدين وبسطهما على معنى التضرع والرغبة. وإما أن
يشير بأصبع واحدة على معنى التوحيد.
38 - (قال بيديه) أي أشار بهما.
217

39 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال، إنما أنزلت هذه
الآية - ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا - في الدعاء.
وصله البخاري عن عائشة في: 80 - كتاب الدعوات، 17 - باب الدعاء في الصلاة.
قال يحيى: وسئل مالك عن الدعاء في الصلاة المكتوبة؟ فقال: لا بأس بالدعاء فيها.
40 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو، فيقول: (اللهم
إني أسألك فعل الخيرات. وترك المنكرات. وحب المساكين. وإذا أدرت (أردت) في
الناس فتنة، فاقبضني إليك، غير مفتون).
ورد مرفوعا عن ابن عباس، ضمن حديث.
أخرجه الترمذي في: 44 - كتاب التفسير، 38 - ومن سورة ص، 2 - حدثنا سلمة بن شبيب.
41 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من داع يدعو إلى هدى،
إلا كان له مثل أجر من اتبعه. لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. وما من داع يدعو إلى
ضلالة، إلا كان عليه مثل أوزارهم. لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا).
ورد مرفوعا عن أبي هريرة.
أخرجه مسلم في: 47 - كتاب العلم، 6 - باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو
ضلالة، حديث 16.

39 - (بين ذلك) أي بين الجهر والمخافتة. (سبيلا) أي وسطا.
40 - (فعل الخيرات) أي الاقدار على فعل المأمورات، والتوفيق له. (وإذا أدرت) من الإدارة، أي
أوقعت. (غير مفتون) الفتنة، لغة، الاختبار والامتحان. وتستعمل عرفا لكشف ما يكره. 41 - (إلى هدى) أي إلى ما يهتدى به من العمل الصالح.
218

42 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن عمر، قال: اللهم اجعلني من أئمة
المتقين.
43 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن أبا الدرداء كان يقوم من جوف الليل، فيقول:
نامت العيون. وغارت النجوم، وأنت الحي القيوم.
(10) باب النهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر
44 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان. فإذا ارتفعت فارقها. ثم إذا
استوت قارنها. فإذا زالت فارقها. فإذا دنت للغروب قارنها. فإذا غربت فارقها). ونهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات.
أخرجه النسائي في: 6 - كتاب المواقيت، 31 - باب الساعات التي نهى عن الصلاة فيها.
وابن ماجة في: 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 148 - باب ما جاء في الساعات التي تكره فيها الصلاة.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 874، بتحقيق أحمد محمد شاكر.

42 - (من أئمة المتقين) قال أبو عمر: هو من قوله تعالى - واجعلنا للمتقين إماما - فإذا كان إماما في
الخير كان له أجره وأجر من اقتدى به. ومعلم الخير يستغفر له حتى الحوت في البحر.
43 - (وغارت النجوم) أي غربت. (وأنت الحي القيوم) قال ابن عباس: هو الذي لا يزول. وهذا من
قوله - قيوم السماوات والأرض - أي الدائم حكمه فيهما. وقال مجاهد: القيوم القائم على كل شئ، وهذا من
قوله تعالى - أفمن هو قائم على كل نفس بما اكتسبت - أي حافظ.
44 - (ومعها قرن الشيطان) قال الخطابي: قيل معناه مقارنة الشيطان لها عند دنوها للطلوع والغروب،
ويؤيدها قوله (فإذا ارتفعت فارقها) وما بعده.
219

45 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: (إذا بدا حاجب الشمس، فأخروا الصلاة حتى تبرز. وإذا غاب حاجب الشمس،
فأخروا الصلاة حتى تغيب).
أخرجه البخاري موصولا في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 30 - باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 51 - باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها، حديث 291.
46 - وحدثني عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، قال: دخلنا على أنس بن مالك بعد
الظهر. فقام يصلى العصر. فلما فرغ من صلاته، ذكرنا تعجيل الصلاة، أو ذكرها. فقال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تلك صلاة المنافقين. تلك صلاة المنافقين. تلك صلاة المنافقين.
يجلس أحدهم، حتى إذا اصفرت الشمس، وكانت بين قرني الشيطان، أو على قرن الشيطان،
قام فنقر أربعا. لا يذكر الله فيها إلا قليلا).
أخرجه مسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 34 - باب استحباب التبكير بالعصر، حديث 195
47 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(لا يتحر أحدكم فيصلى عند طلوع الشمس، ولا عند غروبها).
أخرجه البخاري في: 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 31 - باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 51 - باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها، حديث 289
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 873، بتحقيق أحمد محمد شاكر.

45 - (إذا بدا حاجب الشمس) أي ظهر طرفها الأعلى من قرصها. سمى بذلك لأنه أول ما يبدو منها،
يصير كحاجب الانسان. (حتى تبرز) أي تصير بارزة ظاهرة، ومراده ترتفع.
46 - (بين قرني الشيطان) أي جانبي رأسه. (فنقر أربعا) أي أسرع الحركة فيها كنقر الطائر.
220

48 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن الأعرج، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح
حتى تطلع الشمس.
أخرجه مسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 51 - باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها، حديث 285
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 872، بتحقيق أحمد محمد شاكر، وقال: رواه البخاري. وليس بصحيح.
49 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب
كان يقول: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها. فإن الشيطان يطلع قرناه
مع طلوع الشمس. ويغربان مع غروبها.
وكان يضرب الناس على تلك الصلاة.
هكذا رواه موقوفا. وقد رفعه ابنه عبد الله.
أخرجه البخاري ضمن حديث، في: 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 51 - باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها، حديث 290
50 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، أنه رأى عمر بن
الخطاب يضرب المنكدر في الصلاة بعد العصر.

49 - (لا تحروا) بحذف إحدى التائين تخفيفا. وأصله لا تتحروا. أي لا تقصدوا.
221

16 - كتاب الجنائز
(1) باب غسل الميت
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل
في قميص.
قال ابن عبد البر: أرسله رواة الموطأ. إلا سعيد بن عفير، فقال: عن عائشة.
2 - وحدثني عن مالك، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن محمد بن سيرين، عن
أم عطية الأنصارية، قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته، فقال: (اغسلنها
ثلاثا، أو خمسا أو أكثر من ذلك. إن رأيتن ذلك، بماء وسدر. واجعلن في الآخرة كافورا.
أو شيئا من كافور. فإذا فرغتن فآذنني) قالت: فلما فرغنا آذناه. فأعطانا حقوه. فقال:
(أشعرنها إياه) تعنى بحقوه، إزاره.
أخرجه البخاري في: 23 - كتاب الجنائز، 7 - باب غسل الميت ووضوئه.
ومسلم في: 11 - كتاب الجنائز، 12 - باب غسل الميت، حديث 36.

2 - (بماء وسدر) قال الفيومي في المصباح: السدرة شجر النبق، والجمع سدر، ثم يجمع على سدرات.
قال ابن السراج: ويقولون سدر ويريدون الأقل لقلة استعمالهم التاء في هذا الباب. وإذا أطلق السدر في الغسل
فالمراد الورق المطحون. قال الحجة في التفسير: السدر نوعان، أحدهما ينبت في الأرياف فينتفع بورقه في الغسل،
وثمرته طيبة. والآخر ينبت في البر، ولا ينتفع بورقه في الغسل، وثمرته عفصة اه‍.
(وكافورا) طيب معروف، يكون من شجر بجبال الهند والصين، يظل خلقا كثيرا. وتألفه النمور. وخشبه
أبيض هش. ويوجد في أجوافه الكافور. وهو أنواع. ولونه أحمر. وإنما يبيض بالتصعيد. اه‍ زرقاني.
(فآذنني) أي أعلمنني. (حقوه) قال النووي: أصل الحقو معقد الإزار. وسمى به الإزار مجازا، لأنه
يشد فيه. (أشعرنها إياه) أي اجعلنه شعارها، أي الثوب الذي يلي جسدها، تبركا.
222

3 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر
الصديق، حين توفى. ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين. فقالت: إني صائمة.
وإن هذا يوم شديد البرد، فهل علي من غسل؟ فقالوا: لا.
4 - وحدثني عن مالك، أنه سمع أهل العلم يقولون: إذا ماتت المرأة، وليس معها
نساء يغسلنها، ولا من ذوي المحرم أحد يلي ذلك منها، ولا زوج يلي ذلك منها، يممت
فمسح بوجهها وكفيها من الصعيد.
قال مالك: وإذا هلك الرجل، وليس معه أحد، إلا نساء، يممنه أيضا.
قال مالك: وليس لغسل الميت عندنا شئ موصوف وليس لذلك صفة معلومة. ولكن
يغسل فيطهر.
(2) باب ما جاء في كفن الميت
5 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة.
أخرجه البخاري في: 23 - كتاب الجنائز، 19 - باب الثياب البيض للكفن.
ومسلم في: 11 - كتاب الجنائز، 13 - باب كفن الميت، حديث 45.

4 - (من ذوي المحرم) كأخ وعم.
5 - (سحولية) قال ابن الاعرابي: هي ثياب بيض نقية، لا تكون إلا من القطن، وقال آخرون: هي
منسوبة إلى (سحول) مدينة باليمن يحمل منها هذه الثياب.
223

6 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: بلغني أن أبا بكر الصديق قال
لعائشة، وهو مريض: في كم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: في ثلاثة أثواب، بيض
سحولية. فقال أبو بكر: خذوا هذا الثوب (لثوب عليه، قد أصابه مشق أو زعفران)
فاغسلوه. ثم كفنوني فيه. مع ثوبين آخرين. فقالت عائشة: وما هذا؟ فقال أبو بكر:
الحي أحوج إلى الجديد من الميت. وإنما هذا للمهلة.
أخرجه البخاري في: 23 - كتاب الجنائز، 94 - باب موت يوم الاثنين.
7 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن عبد الله
ابن عمرو بن العاص، أنه قال: الميت يقمص، ويؤزر، ويلف في الثوب الثالث. فإن لم يكن
إلا ثوب واحد، كفن فيه.

6 - (مشق) المغرة، وهي الطين الأحمر. (للمهلة) روى بكسر الميم وضمها وفتحها. وهي الصديد
والقيح الذي يذوب فيسيل من الجسد، ومنه قيل للنحاس الذائب مهل.
7 - (يقمص) أي يلبس القميص (ويؤزر) أي يجعل له إزار، وهو ما يشد به الوسط.
224

(3) باب المشي أمام الجنازة
8 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر،
كانوا يمشون أمام الجنازة. والخلفاء هلم جرا. وعبد الله بن عمر.
قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث في الموطأ، مرسل عند رواته.
وقد أخرجه، موصولا عن ابن عمر
أبو داود في: 20 - كتاب الجنائز، 44 - باب المشي أمام الجنازة.
والترمذي في: 8 - كتاب الجنائز، 26 - باب ما جاء في المشي أمام الجنازة.
والنسائي في: 21 - كتاب الجنائز، 56 - باب مكان الماشي من الجنازة.
وابن ماجة في: 6 - كتاب الجنائز، 16 - باب ما جاء في المشي أمام الجنازة.
9 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن المنكدر، عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير، أنه
أخبره أنه رأى عمر بن الخطاب يقدم الناس أمام الجنازة، في جنازة زينب بنت جحش.
10 - وحدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، قال: ما رأيت أبى قط في جنازة،
إلا أمامها.
قال: ثم يأتي البقيع فيجلس، حتى يمروا عليه.

8 - (هلم جرا) أي ممتدا إلى هذا الوقت الذي نحن فيه، مأخوذ من أجررت الدين إذا تركته باقيا على
المديون. أو من أجررته الرمح إذا طعنته وتركت فيه الرمح يجره.
9 - (يقدم الناس) أي يتقدمهم.
10 - (البقيع) مقبرة المدينة.
225

11 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أنه قال: المشي خلف الجنازة من خطأ السنة.
(4) باب النهى عن أن تتبع الجنازة بنار
12 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أسماء بنت أبي بكر، أنها
قالت لأهلها: أجمروا ثيابي إذا مت. ثم حنطوني. ولا تذروا على كفني حناطا. ولا تتبعوني
بنار.
13 - وحدثني عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، أنه نهى
أن يتبع، بعد موته، بنار.
قال يحيى: سمعت مالكا يكره ذلك.
(5) باب التكبير على الجنائز
14 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي للناس، في اليوم الذي مات فيه. وخرج بهم إلى المصلى.

11 - (من خطأ السنة) أي من مخالفتها.
12 - (أجمروا) أي بخروا (حنطوني) قال الباجي: الحنوط ما يجعل في جسد الميت وكفنه من طيب
مسك وعنبر وكافور. وكل ماله ريح، لا لون.
14 - (النجاشي) لقب لكل من ملك الحبشة. واسمه أصحمة بن أبحر، أسلم على عهده، صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إليه.
(فصف بهم) لازم، والباء بمعنى مع، أي صف معهم. أو متعد، والباء زائدة للتوكيد، أي صفهم
226

فصف بهم. وكبر أربع تكبيرات.
أخرجه البخاري في: 23 - كتاب الجنائز، 4 - باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه.
ومسلم في: 11 - كتاب الجنائز، 22 - باب في التكبير على الجنازة، حديث 62.
15 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أنه أخبره:
أن مسكينة مرضت، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المساكين
ويسأل عنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ماتت فآذنوني بها) فخرج بجنازتها ليلا، فكرهوا
أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بالذي كان من شأنها. فقال:
(ألم آمركم أن تؤذنوني بها)؟ فقالوا: يا رسول الله. كرهنا أن نخرجك ليلا، ونوقظك.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى صف بالناس على قبرها. وكبر أربع تكبيرات.
قال ابن عبد البر: لم يختلف على مالك، في الموطأ، في إرسال هذا الحديث.
وقد جاء معناه موصولا عن أبي هريرة.
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 72 - باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان.
ومسلم في: 11 - كتاب الجنائز، 23 - باب الصلاة على القبر، حديث 71.
16 - وحدثني عن مالك، أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يدرك بعض التكبير على
الجنازة، ويفوته بعضه؟ فقال: يقضى ما فاته من ذلك.

15 - (فآذنوني) أي أعلموني.
227

(6) باب ما يقول المصلى على الجنازة
17 - حدثني يحيى عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، أنه سأل
أبا هريرة، كيف تصلى على الجنازة؟ فقال أبو هريرة: أنا، لعمر الله، أخبرك. أتبعها من
أهلها. فإذا وضعت كبرت. وحمدت الله. وصليت على نبيه. ثم أقول: اللهم إنه عبدك،
وابن عبدك، وابن أمتك. كان يشهد أن لا إله إلا أنت. وأن محمدا عبدك ورسولك. وأنت
أعلم به. اللهم إن كان محسنا، فزد في إحسانه. وإن كان مسيئا، فتجاوز عن سيئاته. اللهم
لا تحرمنا أجره. ولا تفتنا بعده.
18 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: سمعت سعيد بن المسيب
يقول: صليت وراء أبي هريرة على صبي لم يعمل خطيئة قط. فسمعته يقول: اللهم أعذه من
عذاب القبر. 19 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان لا يقرأ في الصلاة على
الجنازة.

17 - (أتبعها) أي أسير معها.
228

(7) باب الصلاة على الجنائز بعد الصبح إلى الاسفار وبعد العصر إلى الاصفرار
20 - وحدثني يحيى عن مالك، عن محمد بن أبي حرملة، مولى عبد الرحمن بن أبي سفيان
ابن حويطب، أن زينب بنت أبي سلمة توفيت، وطارق أمير المدينة. فأتى بجنازتها بعد صلاة
الصبح. فوضعت بالبقيع. قال: وكان طارق يغلس بالصبح.
قال ابن أبي حرملة: فسمعت عبد الله بن عمر يقول لأهلها: إما أن تصلوا على جنازتكم
الآن، وإما أن تتركوها حتى ترتفع الشمس.
21 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر قال: يصلى على الجنازة بعد
العصر، وبعد الصبح، إذا صليتا لوقتهما.
(8) باب الصلاة على الجنائز في المسجد
22 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي النضر، مولى عمر بن عبيد الله، عن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم، أنها أمرت أن يمر عليها بسعد بن أبي وقاص في المسجد، حين مات، لتدعو له.
فأنكر ذلك الناس عليها. فقالت عائشة: ما أسرع الناس! ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل

20 - (يغلس بالصبح) أي يصليها وقت الغلس في أول وقتها. والغلس ظلمة آخر الليل إذا اختلطت
بضوء الصباح.
22 - (ما أسرع الناس) قال مالك: أي ما أسرع ما نسوا السنة. وقال ابن وهب: أي ما أسرعهم
إلى الطعن والعيب.
229

ابن بيضاء إلا في المسجد.
قال ابن عبد البر: هكذا هو في الموطأ عند جمهور الرواة منقطعا.
ورواه مسلم موصولا في: 11 - كتاب الجنائز، 34 - باب الصلاة على الجنازة في المسجد، حديث 99.
23 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: صلى على عمر بن الخطاب
في المسجد.
(9) باب جامع الصلاة على الجنائز
24 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر، وأبا هريرة
كانوا يصلون على الجنائز بالمدينة. الرجل والنساء. فيجعلون الرجل مما يلي الامام. والنساء
مما يلي القبلة.
25 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر، كان إذا صلى على الجنائز يسلم،
حتى يسمع من يليه.
26 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يصلى الرجل
على الجنازة إلا وهو طاهر.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: لم أر أحدا من أهل العلم يكره أن يصلى على ولد الزنا
وأمه.
230

(10) باب ما جاء في دفن الميت
27 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى يوم الاثنين، ودفن
يوم الثلاثاء. وصلى الناس عليه أفذاذا. لا يؤمهم أحد. فقال ناس: يدفن عند المنبر. وقال
آخرون: يدفن بالبقيع. فجاء أبو بكر الصديق، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفى فيه) فحفر له فيه. فلما كان عند غسله، أرادوا
نزع قميصه. فسمعوا صوتا يقول: لا تنزعوا القميص. فلم ينزع القميص. وغسل، وهو
عليه صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا أعلمه يروى على هذا النسق بوجه من الوجوه، غير بلاغ مالك هذا.
ولكنه صحيح من وجوه مختلفة، وأحاديث شتى. جمعها مالك.
28 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، إنه قال: كان بالمدينة
رجلان. أحدهما يلحد، والآخر لا يلحد. فقالوا: أيهما جاء أول، عمل عمله. فجاء الذي يلحد،
فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه ابن ماجة عن ابن عباس في: 6 - كتاب الجنائز، 40 - باب ما جاء في الشق.
29 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت تقول: ما صدقت
بموت النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعت وقع الكرازين.
قال ابن عبد البر: لا أحفظه عن أم سلمة متصلا، وإنما هو عن عائشة.

27 - (أفذاذا) أي أفرادا. والفذ الواحد.
28 - (يلحد) أي يشق في جانب القبر.
29 - (الكرازين) الكرزين الفأس.
231

30 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: رأيت
ثلاثة أقمار سقطن في حجري (حجرتي) فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق.
قالت: فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتها. قال لها أبو بكر: هذا أحد أقمارك،
وهو خيرها.
31 - وحدثني عن مالك، عن غير واحد ممن يثق به، أن سعد بن أبي وقاص، وسعيد
ابن زيد بن عمرو بن نفيل، توفيا بالعقيق. وحملا إلى المدينة. ودفنا بها.
32 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، إنه قال: ما أحب أن أدفن
بالبقيع. لان أدفن بغيره أحب إلي من أن أدفن به. إنما هو أحد رجلين. إما ظالم، فلا أحب
أن أدفن معه. وإما صالح، فلا أحب أن تنبش لي عظامه.
(11) باب الوقوف للجنائز والجلوس على المقابر
33 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ،
عن نافع بن جبير بن مطعم، عن مسعود بن الحكم، عن علي بن أبي طالب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يقوم في الجنائز. ثم جلس، بعد.
أخرجه مسلم في: 11 - كتاب الجنائز، 25 - باب نسخ القيام للجنازة، حديث 82.

31 - (بالعقيق) موضع بقرب المدينة.
232

34 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن علي بن أبي طالب كان يتوسد القبور،
ويضطجع عليها.
قال مالك: وإنما نهى عن القعود على القبور، فيما نرى، للمذاهب.
35 - وحدثني عن مالك، عن أبي بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف، أنه سمع أبا أمامة
ابن سهل بن حنيف يقول: كنا نشهد الجنائز، فما يجلس آخر الناس حتى يؤذنوا.
(12) باب النهى عن البكاء على الميت
36 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، عن عتيك بن
الحارث، وهو جد عبد الله بن عبد الله بن جابر، أبو أمه، أنه أخبره: أن جابر بن عتيك أخبره:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت، فوجده قد غلب عليه. فصاح به. فلم يجبه.
فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: (غلبنا عليك، يا أبا الربيع) فصاح النسوة، وبكين.
فجعل جابر يسكتهن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعهن. فإذا وجب، فلا تبكين باكية)
قالوا: يا رسول الله. وما الوجوب؟ قال: (إذا مات) فقالت ابنته: والله إن كنت لأرجو
أن تكون شهيدا، فإنك كنت قد قضيت جهازك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أوقع
أجره على قدر نيته. وما تعدون الشهادة)؟ قالوا: القتل في سبيل الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

34 - (للمذاهب) المذهب هو الموضع الذي يتغوط فيه.
36 - (قد غلب عليه) أي غلبه الألم حتى منعه إجابة النبي صلى الله عليه وسلم. (فاسترجع) أي قال: إنا لله وإنا
إليه راجعون. (فإذا وجب) أي فإذا مات. (قضيت جهازك) أي أتممت ما تحتاج إليه في سفرك للغزو.
(إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته) أي على مقدار العمل الذي نواه كما نواه. فالنية بمعنى المنوي.
(المطعون) الميت بالطاعون. (والغرق) الذي يموت غريقا في الماء. (صاحب الجنب) قال في
المنجد. الجناب أو ذات الجنب هو التهاب غلاف الرئة، فيحدث منه سعال وحمى ونخس في الجنب يزداد عند
التنفس. (المبطون) قال ابن الأثير: هو الذي يموت بمرض بطنه، كالاستسقاء ونحوه.
(والمرأة تموت بجمع) هي الميتة في النفاس. وولدها في بطنها، لم تلده وقد تم خلقه.
233

(الشهداء سبعة، سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات
الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة
تموت بجمع، شهيد).
أخرجه أبو داود في: 20 - كتاب الجنائز، 10 - باب فضل من مات في الطاعون.
والنسائي في: 21 - كتاب الجنائز، 14 - باب النهى عن البكاء على الميت.
37 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرة بنت عبد الرحمن،
أنها أخبرته: أنها سمعت عائشة أم المؤمنين تقول (وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول:
إن الميت ليعذب ببكاء الحي). فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن. أما إنه لم
يكذب. ولكنه نسي، أو أخطأ. إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودية يبكي عليها أهلها.
فقال: (إنكم لتبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها).
أخرجه البخاري في: 23 - كتاب الجنائز، 33 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه).
ومسلم في: 11 - كتاب الجنائز، 9 - باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، حديث 25.
234

(13) باب الحسبة في المصيبة
38 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يموت لاحد من المسلمين ثلاثة من الولد، فتمسه النار، إلا
تحلة القسم).
أخرجه البخاري في: 23 - كتاب الجنائز، 6 - باب فضل من مات له ولد فاحتسبه.
ومسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 47 - باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه،
حديث 150.
39 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن أبي النضر السلمي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يموت لاحد من المسلمين ثلاثة من الولد
فيحتسبهم، إلا كانوا له جنة من النار) فقالت امرأة، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله.
أو اثنان؟ قال (أو اثنان).
أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري في: 3 - كتاب العلم، 36 - باب هل يجعل للنساء يوم على
حدة في العلم؟
ومسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 47 - باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، حديث 152.

38 - (إلا تحلة القسم) أي ما ينحل به القسم وهو اليمين. يقال فعلته تحلة القسم أي قدر ما حللت به
يميني. والمراد به، قوله تعالى - وإن منكم إلا واردها - قال الخطابي. معناه لا يدخل النار ليعاقب بها، ولكنه
يدخلها مجتازا، ولا يكون ذلك الجواز إلا قدر ما تنحل به اليمين. وهو الجواز على الصراط.
39 - (فيحتسبهم) أي يصير راضيا بقضاء الله، راجيا فضله. (جنة) أي وقاية.
235

40 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن أبي الحباب سعيد بن يسار، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما يزال المؤمن يصاب في ولده وحامته، حتى يلقى الله وليست
له خطيئة).
(14) باب جامع الحسبة في المصيبة
41 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليعز المسلمين في مصائبهم، المصيبة بي).
42 - وحدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أصابته مصيبة فقال، كما أمر الله: إنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم أجرني في مصيبتي، وأعقبني خيرا منها، إلا فعل الله ذلك به) قالت أم سلمة: فلما
توفى أبو سلمة، قلت ذلك. ثم قلت: ومن خير من أبى سلمة؟ فأعقبها الله رسوله صلى الله عليه وسلم،
فتزوجها.
أخرجه مسلم في: 11 - كتاب الجنائز، 2 - باب ما يقال عند المصيبة، حديث 4

40 - (وحامته) أي قرابته وخاصته.
41 - (ليعز) التعزية هي الحمل على الصبر والتسلي. قال تعالى - وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم
مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون -.
42 - (أجرني) أي أعطني أجرى وجزاء صبري وهمي. (أعقبني) أي أخلف لي.
236

43 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، أنه قال: هلكت
امرأة لي. فأتاني محمد بن كعب القرظي، يعزيني بها. فقال: إنه كان في بني إسرائيل رجل
فقيه عالم عابد مجتهد. وكانت له امرأة. وكان بها معجبا ولها محبا. فماتت. فوجد عليها
وجدا شديدا. ولقى عليها أسفا، حتى خلا في بيت، وغلق على نفسه، واحتجب من الناس.
فلم يكن يدخل عليه أحد. وإن امرأة سمعت به، فجاءته. فقالت: إن لي إليه حاجة أستفتيه
فيها. ليس يجزيني فيها إلا مشافهته. فذهب الناس، ولزمت بابه. وقالت: مالي منه بد.
فقال له قائل: إن ههنا امرأة أرادت أن تستفتيك، وقالت: إن أردت إلا مشافهته. وقد
ذهب الناس، وهي لا تفارق الباب. فقال: ائذنوا لها. فدخلت عليه. فقالت: إني جئتك
أستفتيك في أمر. قال: وما هو؟ قالت: إني استعرت من جارة لي حليا. فكنت ألبسه
وأعيره زمانا. ثم إنهم أرسلوا إلي فيه، أفأؤديه إليهم؟ فقال: نعم. والله. فقالت: إنه قد مكث
عندي زمانا. فقال: ذلك أحق لردك إياه إليهم، حين أعاروكيه زمانا. فقالت: أي. يرحمك
الله. أفتأسف على ما أعارك الله، ثم أخذه منك وهو أحق به منك؟ فأبصر ما كان فيه،
ونفعه الله بقولها.

43 - (فوجد عليها وجدا) أي حزن عليها حزنا. (يجزيني) يغنيني. (أي) نداء للقريب.
237

(15) باب ما جاء في الاختفاء
44 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن، عن أمه عمرة بنت
عبد الرحمن، أنه سمعها تقول: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المختفي والمختفية. يعنى نباش القبور.
قال ابن عبد البر. روى عن عائشة مسندا.
45 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول: كسر عظم
المسلم ميتا، ككسره وهو حي. تعنى، في الاثم.
روى عن عائشة مرفوعا.
أخرجه أبو داود في: 20 - كتاب الجنائز، 58 - باب في الحفار يجد العظم، هل يتنكب ذلك المكان؟
وابن ماجة في: 6 - كتاب الجنائز، 63 - باب في النهى عن كسر عظام الميت.
(16) باب جامع الجنائز
46 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، أن
عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل أن يموت، وهو مستند
إلى صدرها، وأصنعت إليه، يقول: (اللهم اغفر لي، وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى).
أخرجه البخاري في: 64 - كتاب المغازي، 83 - باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.
ومسلم في: 44 - كتاب فضائل الصحابة، 13 - باب في فضل عائشة رضى الله تعالى عنها،
حديث 85.

46 - (الرفيق الأعلى) معنى كونهم رفيقا تعاونهم على الطاعة، وارتفاق بعضهم ببعض. والمراد بالرفيق
هؤلاء المذكورون في الآية - ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا - 4 / 69.
238

وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي يموت
حتى يخير) قالت، فسمعته يقول (اللهم الرفيق الأعلى) فعرفت أنه ذاهب.
وصله البخاري في: 64 - كتاب المغازي، 83 - باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.
ومسلم في: 44 - كتاب فضائل الصحابة، 13 - باب في فضل عائشة رضى الله تعالى عنها، حديث 87.
47 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(إن أحدكم إذا مات، عرض عليه مقعده بالغداة والعشي. إن كان من أهل الجنة، فمن أهل
الجنة. وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار. يقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى
يوم القيامة).
أخرجه البخاري في: 23 - كتاب الجنائز، 90 - باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي.
ومسلم في: 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 17 - باب عرض مقعد الميت من الجنة أو
النار عليه، حديث 65.
48 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال (كل ابن آدم تأكله الأرض، إلا عجب الذنب. منه خلق، وفيه يركب).
أخرجه مسلم في: 52 - كتاب الفتن، 27 - باب ما بين النفختين، حديث 142

48 - (عجب الذنب) قال ابن الأثير: العجب العظم الذي في أسفل الصلب عند العجز، وهو العسيب
من الدواب.
وقال الزرقاني: هو العصعص، أسفل العظم الهابط من الصلب، فإنه قاعدة البدن كقاعدة الجدار.
239

49 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري،
أنه أخبره أن أباه، كعب بن مالك، كان يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إنما نسمة المؤمن
طير يعلق في شجر الجنة، يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه).
أخرجه النسائي في: 21 - كتاب الجنائز، 117 - باب أرواح المؤمنين.
وابن ماجة في: 37 - كتاب الزهد، 32 - باب ذكر القبر والبلى.
50 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله، تبارك وتعالى: إذا أحب عبدي لقائي، أحببت لقاءه. وإذا كره
لقائي، كرهت لقاءه).
أخرجه البخاري في: 97 - كتاب التوحيد، 35 - باب قول الله تعالى - يريدون أن يبدلوا كلام الله -.
51 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال رجل لم يعمل حسنة قط، لأهله: إذا مات فحرقوه. ثم أذروا نصفه في
البر، ونصفه في البحر. فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين.
فلما مات الرجل، فعلوا ما أمرهم به. فأمر الله البر فجمع ما فيه. وأمر البحر فجمع ما فيه.
ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك، يا رب. وأنت أعلم. قال: فغفر له).
أخرجه البخاري في: 97 - كتاب التوحيد، 35 - باب قول الله تعالى - يريدون أن يبدلوا كلام الله -.
ومسلم في: 49 - كتاب التوبة، 4 - باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، حديث 24.

49 - (نسمة المؤمن) أي روحه. (يعلق) أي يأكل ويرعى. (لئن قدر الله عليه) من القدر
وهو القضاء. لا من القدرة والاستطاعة. كقوله - فظن أن لن نقدر عليه - أو بمعنى ضيق كقوله تعالى - ومن
قدر عليه رزقه -.
240

52 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل مولود يولد على الفطرة. فأبواه يهودانه أو ينصرانه. كما تناتج الإبل،
من بهيمة جمعاء. هل تحس فيها من جدعاء؟) قالوا: يا رسول الله. أرأيت الذي يموت وهو صغير؟
قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين).
أخرجه البخاري في: 82 - كتاب القدر، 3 - باب الله أعلم بما كانوا عاملين.
ومسلم في: 46 - كتاب القدر، 6 - باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، حديث 24.
53 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه).
أخرجه البخاري في: 92 - كتاب الفتن، 22 - باب لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور.
ومسلم في: 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر
الرجل الخ، حديث 53.
54 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي، عن معبد بن كعب
ابن مالك، عن أبي قتادة بن ربعي، أنه كان يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة،
فقال: (مستريح ومستراح منه) قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ قال:

52 - (كل مولود يولد على الفطرة) الفطر الابتداء والاختراع. والفطرة الحالة منه. كالجلسة والركبة،
والمعنى أنه يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيئ لقبول الدين. فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها
إلى غيرها. وإنما يعدل عنه من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد. (كما تناتج) أي تولد. (جمعاء)
نعت لبهيمة، أي لم يذهب من بدنها شئ. سميت بذلك لاجتماع أعضائها. (جدعاء) أي مقطوعة الانف،
أو الاذن، أو الأطراف.
54 - (مستريح ومستراح منه) قال ابن الأثير: يقال أراح الرجل واستراح إذا رجعت إليه نفسه بعد
الاعياء. والواو بمعنى (أو) فهي للتنويع. أي لا يخلو ابن آدم من هذين المعنيين، فلا يختص بصاحب الجنازة.
(نصب الدنيا) تعبها ومشقتها. (يستريح منه العباد) من ظلمه لهم. (والبلاد) بما يفعله
فيها من المعاصي. (الشجر) لقلعه إياها غصبا، أو غصب ثمرها. (والدواب) لاستعماله لها فوق
طاقتها، وتقصيره في علفها وسقيها.
241

(العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها، إلى رحمة الله. والعبد الفاجر يستريح منه
العباد والبلاد، والشجر والدواب).
أخرجه البخاري في: 81 - كتاب الرقاق، 42 - باب سكرات الموت.
ومسلم في: 11 - كتاب الجنائز، 21 - باب ما جاء في مستريح ومستراح منه حديث 61.
وحدثني عن مالك، عن أبي النضر، مولى عمر بن عبيد الله، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،
لما مات عثمان بن مظعون، ومر بجنازته: (ذهبت ولم تلبس منها بشئ).
وصله ابن عبد البر، عن عائشة.
55 - وحدثني مالك، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، أنها قالت: سمعت عائشة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فلبس ثيابه، ثم خرج. قالت:
فأمرت جاريتي بريرة فتبعه. فتبعته. حتى جاء البقيع، فوقف في أدناه، ما شاء الله أن يقف.
ثم انصرف. فسبقته بريرة فأخبرتني. فلم أذكر له شيئا حتى أصبح. ثم ذكرت ذلك له،
فقال: (إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم).
أخرجه النسائي في: 21 - كتاب الجنائز، 103 - باب الأمر بالاستغفار للمؤمنين.
242

56 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن أبا هريرة قال: أسرعوا بجنائزكم. فإنما هو
خير تقدمونه إليه، أو شر تضعونه عن رقابكم.
قال ابن عبد البر: هكذا رواه جمهور الرواة موقوفا.
وروى مرفوعا.
أخرجه البخاري في: 23 - كتاب الجنائز، 52 - باب السرعة بالجنازة.
ومسلم في: 11 - كتاب الجنائز، 16 - باب الاسراع بالجنازة، حديث 50.
243

بسم الله الرحمن الرحيم
17 - كتاب الزكاة
(1) باب ما تجب فيه الزكاة
1 - حدثني عن مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أنه قال: سمعت أبا سعيد
الخدري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمس ذود صدقة. وليس فيما دون
خمس أواق صدقة. وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة).
أخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 32 - باب زكاة الورق.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة، حديث 1.
2 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري،
ثم المازني، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس فيما دون خمسة

1 - (فيما دون) بمعنى أقل من. (خمس ذود) قال أهل اللغة، الذود من الثلاثة إلى العشرة،
لا واحد له من لفظه. إنما يقال للواحد بعير. وأصله ذاد يذود إذا دفع شيئا. فكأن من كان عنده، دفع عن
نفسه معرة الفقر وشدة الفاقة والحاجة. (أواق) جمع أوقية. وهي أربعون درهما، باتفاق، من الفضة
الخالصة. سواء كان مضروبا أو غير مضروب. (أوسق) جمع وسق. وهو ستون صاعا، باتفاق.
2 - (أواقي) بتشديد الياء وتخفيفها. جمع أوقية. ويقال (أواق) بحذف الياء، كما في الرواية الأولى.
(من الورق) بفتح الواو وكسرها. وبكسر الراء وسكونها. أي الفضة مطلقا. أو المضروبة دراهم.
والمراد هنا الفضة مضروبها وغيره.
244

أوسق من التمر صدقة. وليس فيما دون خمس أواقي من الورق صدقة. وليس فيما دون خمس
ذود من الإبل صدقة).
أخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 42 - باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة.
3 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله على دمشق
في الصدقة: إنما الصدقة في الحرث، والعين، والماشية.
قال مالك: ولا تكون الصدقة إلا في ثلاثة أشياء: في الحرث، والعين، والماشية.
(2) باب الزكاة في العين من الذهب والورق
4 - حدثني يحيى عن مالك، عن محمد بن عقبة مولى الزبير، أنه سأل القاسم بن محمد
عن مكاتب له قاطعه بمال عظيم. هل عليه فيه زكاة؟ فقال القاسم: إن أبا بكر الصديق
لم يكن يأخذ من مال، زكاة. حتى يحول عليه الحول.
قال القاسم بن محمد: وكان أبو بكر إذا أعطى الناس أعطياتهم. يسأل الرجل، هل عندك

3 - (في الصدقة) الزكاة. (في الحرث) وهو كل مالا ينمو ويزكو إلا بالحرث. (والعين)
الذهب والفضة. (والماشية) الإبل والبقر والغنم.
4 - (عن مكاتب له قاطعه بمال عظيم) قال أبو عمر. معنى مقاطعة المكاتب أخذ مال معجل منه، دون
ما كوتب عليه، ليعجل عتقه. (أعطياتهم) جمع عطايا، جمع عطية.
245

من مال وجبت عليك فيه الزكاة؟ فإذا قال: نعم. أخذ من عطائه زكاة ذلك المال. وإن
قال: لا أسلم إليه عطاءه ولم يأخذ منه شيئا.
5 - وحدثني عن مالك، عن عمر بن حسين، عن عائشة بنت قدامة، عن أبيها، أنه قال:
كنت، إذا جئت عثمان بن عفان أقبض عطائي، سألني: هل عندك من مال وجبت عليك
فيه الزكاة؟ قال، فإن قلت: نعم. أخذ من عطائي زكاة ذلك المال. وإن قلت: لا. دفع
إلي عطائي.
6 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا تجب في مال
زكاة حتى يحول عليه الحول.
رواه مالك موقوفا. وقال الدارقطني: والصحيح وقفه كما في الموطأ.
7 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أنه قال: أول من أخذ من الأعطية الزكاة،
معاوية بن أبي سفيان.
قال مالك: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا، أن الزكاة تجب في عشرين دينارا عينا.
كما تجب في مائتي درهم.
قال مالك: ليس في عشرين دينارا، ناقصة بينة النقصان، زكاة. فإن زادت حتى تبلغ
بزيادتها عشرين دينارا، وازنة، ففيها الزكاة. وليس فيما دون عشرين دينارا عينا، الزكاة.

(وجبت عليك فيه الزكاة) بأن كان نصابا مر عليه الحول.
7 - (عندنا) أي بالمدينة.
(فإن كانت تجوز بجواز الوازنة رأيت فيها الزكاة) معناه أنها وازنة في ميزان، وفى آخر ناقصة. فإذا
نقصت في جميع الموازين، فلا زكاة.
246

وليس في مائتي درهم ناقصة بينة النقصان، زكاة. فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها مائتي درهم
وافية، ففيها الزكاة. فإن كانت تجوز بجواز الوازنة، رأيت فيها الزكاة. دنانير كانت
أو دراهم.
قال مالك، في رجل، كانت عنده ستون ومائة درهم وازنة، وصرف الدراهم ببلده
ثمانية دراهم بدينار: أنها لا تجب فيها الزكاة. وإنما تجب الزكاة في عشرين دينارا عينا.
أو مائتي درهم.
قال مالك، في رجل كانت له خمسة دنانير من فائدة، أو غيرها فتجر فيها، فلم يأت
الحول حتى بلغت ما تجب فيه الزكاة: إنه يزكيها. وإن لم تتم إلا قبل أن يحول عليها
الحول بيوم واحد، أو بعد ما يحول عليها الحول بيوم واحد. ثم لا زكاة فيها حتى يحول
عليها الحول، من يوم زكيت.
وقال مالك، في رجل كانت له عشرة دنانير فتجر فيها فحال عليها الحول، وقد بلغت
عشرين دينارا: أنه يزكيها مكانها. ولا ينتظر بها أن يحول عليها الحول، من يوم بلغت
ما تجب فيه الزكاة. لان الحول قد حال عليها، وهي عنده عشرون. ثم لا زكاة فيها
حتى يحول عليها الحول، من يوم زكيت.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا في إجارة العبيد وخراجهم، وكراء المساكين،
وكتابة المكاتب: أنه لا تجب في شئ من ذلك، الزكاة. قل ذلك أو كثر. حتى يحول
عليه الحول. من يوم يقبضه صاحبه.
247

وقال مالك، في الذهب والورق يكون بين الشركاء: إن من بلغت حصته منهم عشرين
دينارا عينا. أو مائتي درهم. فعليه فيها الزكاة. ومن نقصت حصته عما تجب فيه الزكاة،
فلا زكاة عليه وإن بلغت حصصهم جميعا، ما تجب فيه الزكاة، وكان بعضهم في ذلك
أفضل نصيبا من بعض، أخذ من كل انسان منهم بقدر حصته إذا كان في حصة كل انسان
منهم ما تجب فيه الزكاة. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس فيما دون خمس أواق من
الورق صدقة).
قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك.
قال مالك: وإذا كانت لرجل ذهب أو ورق متفرقة بأيدي أناس شتى، فإنه ينبغي له
أن يحصيها جميعا. ثم يخرج ما وجب عليه من زكاتها كلها.
قال مالك: ومن أفاد ذهبا أو ورقا، إنه لا زكاة عليه فيها حتى يحول عليها الحول. من
يوم أفادها.
(3) باب الزكاة في المعادن
8 - حدثني يحيى عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن غير واحد، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية. وهي من ناحية الفرع. فتلك المعادن

8 - (معادن القبلية) قال ابن الأثير: المعادن المواضع التي تستخرج منها جواهر الأرض كالذهب والفضة
والنحاس وغير ذلك. واحدها معدن. والعدن الإقامة. والمعدن مركز كل شئ. والقبلية منسوبة إلى قبل،
وهي ناحية من ساحل البحر، بينها وبين المدينة خمسة أيام. وقيل هي من ناحية الفرع، وهو موضع بين نخلة والمدينة.
(عينا) أي ذهبا. (مكانه) أي عند أخذه من المعدن واجتماعه عند العامل. ويحتمل، أن يريد،
عند تصفيته واقتسامه.
248

لا يؤخذ منها، إلى اليوم، إلا الزكاة.
مرسل عند جميع الرواة.
ووصله أبو داود في: 19 - كتاب الخراج والامارة والفئ، 36 - باب في إقطاع الأرضين.
قال مالك: أرى، والله أعلم، أن لا يؤخذ من المعادن مما يخرج منها شئ، حتى يبلغ
ما يخرج منها قدر عشرين دينارا عينا، أو مائتي درهم. فإذا بلغ ذلك، ففيه الزكاة مكانه.
وما زاد على ذلك، أخذ بحساب ذلك، ما دام في المعدن نيل. فإذا انقطع عرقه، ثم جاء بعد
ذلك نيل، فهو مثل الأول يبتدأ فيه الزكاة. كما ابتدئت في الأول.
قال مالك: والمعدن بمنزلة الزرع. يؤخذ منه مثل ما يؤخذ من الزرع. يؤخذ منه إذا
خرج من المعدن من يومه ذلك. ولا ينتظر به الحول. كما يؤخذ من الزرع. إذا حصد،
العشر. ولا ينتظر أن يحول عليه الحول.
(4) باب زكاة الركاز
9 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وعن أبي سلمة
ابن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (في الركاز الخمس).
أخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 66 - باب في الركاز الخمس.

9 - (في الركاز) الركاز عند أهل الحجاز كنوز الجاهلية، المدفونة في الأرض. وعند أهل العراق المعادن.
والقولان تحتملهما اللغة. لان كلام منهما مركوز في الأرض، أي ثابت. والحديث إنما جاء في التفسير الأول. وهو
الكنز الجاهلي. وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة أخذه.
(دفن) أي شئ مدفون. كذبح بمعنى مذبوح. (يطلب بمال) أي ينفق على اخراجه.
249

قال مالك: الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا. والذي سمعت أهل العلم يقولون: إن
الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية. ما لم يطلب بمال، ولم يتكلف فيه نفقة،
ولا كبير عمل، ولا مؤونة. فأما ما طلب بمال، وتكلف فيه كبير عمل، فأصيب مرة،
وأخطئ مرة، فليس بركاز.
(5) باب ما لا زكاة فيه من الحلي والتبر والعنبر
10 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، أن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلى بنات أخيها يتامى في حجرها. لهن الحلي. فلا تخرج من حليهن الزكاة.
11 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يحلى بناته وجواريه
الذهب. ثم لا يخرج من حليهن الزكاة.
قال مالك: من كان عنده تبر، أو حلى من ذهب أو فضة. لا ينتفع به للبس. فإن عليه
فيه الزكاة في كل عام. يوزن فيؤخذ ربع عشره. إلا أن ينقص من وزن عشرين دينارا
عينا، أو مائتي درهم. فإن نقص من ذلك، فليس فيه زكاة وإنما تكون فيه الزكاة إذا
كان إنما يمسكه لغير اللبس. فأما التبر والحلي المكسور، الذي يريد أهله إصلاحه ولبسه.

11 - (عشرين دينارا عينا) أي ذهبا خالصا.
250

فإنما هو بمنزلة المتاع الذي يكون عند أهله. فليس على أهله فيه زكاة.
قال مالك: ليس في اللؤلؤ، ولا في المسك ولا العنبر، زكاة.
(6) باب زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيها
12 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال: اتجروا في أموال
اليتامى، لا تأكلها الزكاة.
13 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، أنه قال: كانت عائشة
تليني، وأخا لي، يتيمين في حجرها. فكانت تخرج من أموالنا الزكاة.
14 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تعطى أموال اليتامى
الذين في حجرها، من يتجر لهم فيها.
15 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه اشترى لبنى أخيه، يتامى في حجره،
مالا. فبيع ذلك المال، بعد، بمال كثير.
قال مالك: لا بأس بالتجارة في أموال اليتامى لهم، إذا كان الولي مأذونا. فلا أرى عليه
ضمانا.

13 - (تليني) أي تتولى أمري.
251

(7) باب زكاة الميراث
16 - حدثني يحيى عن مالك، أنه قال: إن الرجل إذا هلك، ولم يؤد زكاة ماله،
إني أرى أن يؤخذ ذلك من ثلث ماله. ولا يجاوز بها الثلث. وتبدى على الوصايا. وأراها
بمنزلة الدين عليه. فلذلك رأيت أن تبدى على الوصايا.
قال: وذلك إذا أوصى بها الميت. قال: فإن لم يوص بذلك الميت ففعل ذلك أهله.
فذلك حسن. وإن لم يفعل ذلك أهله. لم يلزمهم ذلك.
قال: والسنة عندنا التي لا اختلاف فيها، أنه لا يجب على وارث زكاة، في مال ورثه في
دين، ولا عرض، ولا دار، ولا عبد، ولا وليدة. حتى يحول، على ثمن ما باع من ذلك،
أو اقتضى، الحول، من يوم باعه وقبضه.
وقال مالك: السنة عندنا أنه لا تجب على وارث، في مال ورثه، الزكاة. حتى يحول
عليه الحول.

16 - (إذا هلك) أي مات. (وليدة) أي أمة.
252

(8) باب الزكاة في الدين
17 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، أن عثمان بن عفان
كان يقول: هذا شهر زكاتكم. فمن كان عليه دين فليؤد دينه. حتى تحصل أموالكم.
فتؤدون منه الزكاة.
18 - وحدثني عن مالك، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، أن عمر بن عبد العزيز،
كتب في مال قبضه بعض الولاة ظلما، يأمر برده إلى أهله، ويؤخذ زكاته لما مضى من
السنين. ثم عقب بعد ذلك بكتاب، أن لا يؤخذ منه إلا زكاة واحدة. فإنه كان ضمارا.
19 - وحدثني عن مالك، عن يزيد بن خصيفة، أنه سأل سليمان بن يسار، عن رجل
له مال وعليه دين مثله. أعليه زكاة؟ فقال: لا.
قال مالك: الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا في الدين، أن صاحبه لا يزكيه حتى يقبضه.
وإن أقام عند الذي هو عليه سنين ذوات عدد، ثم قبضه صاحبه، لم تجب عليه إلا زكاة
واحدة. فإن قبض منه شيئا، لا تجب فيه الزكاة. فإنه إن كان له مال، سوى الذي قبض،
تجب فيه الزكاة، فإنه يزكى مع ما قبض من دينه ذلك.

18 - (ضمارا) أي غائبا عن ربه لا يقدر على أخذه، أولا يعرف موضعه ولا يرجوه. وقال ابن عبد البر:
وقيل الضمار الذي لا يدرى صاحبه أيخرج أم لا. وهو أصح.
(فإن لم يكن له ناض) قال ابن الأثير. ناض المال هو ما كان ذهبا أو فضة، عينا وورقا. وقد نض
المال ينض إذا تحول نقدا، بعد أن كان متاعا. (من الناض) الذهب والفضة. (حتى يكون عنده)
أي من الناض.
253

قال: وإن لم يكن له ناض غير الذي اقتضى من دينه، وكان الذي اقتضى من دينه
لا تجب فيه الزكاة، فلا زكاة عليه فيه، ولكن ليحفظ عدد ما اقتضى. فإن اقتضى بعد
ذلك عدد ما تتم به الزكاة، مع ما قبض قبل ذلك، فعليه فيه الزكاة.
قال: فإن كان قد استهلك ما اقتضى أولا، أو لم يستهلكه، فالزكاة واجبة عليه مع
ما اقتضى من دينه. فإذا بلغ ما اقتضى عشرين دينارا عينا، أو مائتي درهم، فعليه فيه الزكاة.
ثم ما اقتضى بعد ذلك من قليل أو كثير، فعليه الزكاة بحسب ذلك.
قال مالك: والدليل على الدين بغيب أعواما، ثم يقتضى فلا يكون فيه إلا زكاة واحدة،
أن العروض تكون عند الرجل للتجارة أعواما. ثم يبيعها. فليس عليه في أثمانها إلا زكاة
واحدة. وذلك أنه ليس على صاحب الدين أو العروض، أن يخرج زكاة ذلك الدين
أو العروض، من مال سواه. وإنما يخرج زكاة كل شئ منه. ولا يخرج الزكاة من شئ،
عن شئ غيره.
قال مالك: الامر عندنا في الرجل يكون عليه دين، وعنده من العروض ما فيه وفاء لما
عليه من الدين، ويكون عنده من الناض سوى ذلك ما تجب فيه الزكاة. فإنه يزكى
ما بيده من ناض تجب فيه الزكاة. وإن لم يكن عنده من العروض والنقد إلا وفاء دينه،
فلا زكاة عليه. حتى يكون عنده من الناض فضل عن دينه، ما تجب فيه الزكاة. فعليه
أن يزكيه.
254

(9) باب زكاة العروض
20 - حدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن زريق بن حيان، وكان زريق على جواز
مصر، في زمان الوليد، وسليمان، وعمر بن عبد العزيز، فذكر: أن عمر بن عبد العزيز
كتب إليه: أن انظر من مر بك من المسلمين. فخذ مما ظهر من أموالهم. مما يديرون من
التجارات، من كل أربعين دينارا، دينارا، فما نقص، فبحساب ذلك. حتى يبلغ عشرين
دينارا. فإن نقصت ثلث دينار، فدعها ولا تأخذ منها شيئا.
ومن مر بك من أهل الذمة فخذ مما يديرون من التجارات، من كل عشرين دينارا، دينارا.
فما نقص، فبحساب ذلك، حتى يبلغ عشرة دنانير. فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ
منها شيئا. واكتب لهم، بما تأخذ منهم، كتابا إلى مثله من الحول.
قال مالك: الامر عندنا فيما يدار من العروض للتجارات، أن الرجل إذا صدق ماله، ثم
اشترى به عرضا، بزا أو رقيقا أو ما أشبه ذلك، ثم باعه قبل أن يحول عليه الحول، فإنه
لا يؤدى من ذلك المال زكاة، حتى يحول عليه الحول من يوم صدقه. وأنه إن لم يبع ذلك
العرض سنين، لم يجب عليه في شئ من ذلك العرض زكاة، وإن طال زمانه. فإذا باعه،
فليس فيه إلا زكاة واحدة.
قال مالك: الامر عندنا في الرجل يشترى بالذهب أو الورق، حنطة أو تمرا أو غيرهما
للتجارة. ثم يمسكها حتى يحول عليها الحول. ثم يبيعها: أن عليه فيها الزكاة حين يبيعها،

20 - (صدق ماله) أي دفع صدقته، أي زكاه. (بزا) نوع من الثياب أو الثياب خاصة من أمتعة البيت.
أو أمتعة التاجر من الثياب. (صدقه) أي أدى زكاته.
255

إذا بلغ ثمنها ما تجب فيه الزكاة. وليس ذلك مثل الحصاد يحصده الرجل من أرضه، ولا مثل
الجداد.
قال مالك: وما كان من مال عند رجل يديره للتجارة، ولا ينض لصاحبه منه شئ
تجب عليه فيه الزكاة، فإنه يجعل له شهرا من السنة يقوم فيه ما كان عنده من عرض
للتجارة. ويحصى فيه ما كان عنده من نقد أو عين. فإذا بلغ ذلك كله ما تجب فيه الزكاة
فإنه يزكيه.
وقال مالك: ومن تجر من المسلمين، ومن لم يتجر سواء. ليس عليهم إلا صدقة واحدة
في كل عام. تجروا فيه أو لم يتجروا.
(10) باب ما جاء في الكنز
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن دينار، أنه قال: سمعت عبد الله بن عمر
وهو يسأل عن الكنز ما هو؟ فقال: هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة.
22 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة،

(الجداد) قطع الثمار من أصولها، كالنخل. (ينض) يحصل.
21 - (الكنز) قال ابن جرير: هو كل شئ جمع بعضه على بعض في بطن الأرض أو ظهرها.
(المال الذي لا تؤدى منه الزكاة) فما أديت منه فليس بكنز.
22 - (مثل) أي صور. (شجاعا) هو الحية الذكر. وقيل الذي يقوم على ذنبه ويواثب الفارس
والراجل، وربما بلغت وجه الفارس. تكون في الصحارى. (أقرع) برأسه بياض. وكلما كثر سمه
ابيض رأسه. وفى الفتح: الأقرع الذي تقرع رأسه أي تمعط لكثرة سمه. (له زبيبتان) هما الزبدتان
اللتان في الشدقين. وقيل هما النكتتان السوداوان فوق عينيه. وهي علامة الحية الذكر المؤذى. وقيل نقطتان
يكتنفان فاه.
256

أنه كان يقول: من كان عنده مال لم يؤد زكاته، مثل له، يوم القيامة، شجاعا أقرع،
له زبيبتان. يطلبه حتى يمكنه. يقول أنا كنزك.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث موقوف في الموطأ.
وقد أخرجه، موصولا، البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 3 - باب إثم مانع الزكاة.
(11) باب صدقة الماشية
23 - حدثني يحيى عن مالك، أنه قرأ كتاب عمر بن الخطاب في الصدقة. قال:
فوجدت فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الصدقة
في أربع وعشرين من الإبل، فدونها الغنم، في كل خمس شاة.
وفيما فوق ذلك، إلى خمس وثلاثين، ابنة مخاض.

23 - (ابنة مخاض) أتى عليها حول ودخلت في الثاني، وحملت أمها. والمخاض الحامل. أي دخل
وقت حملها وإن لم تحمل.
(ابن لبون) وهو ما دخل في الثالثة فصارت أمه لبونا بوضع الحمل.
(ذكر) وصفه به. وإن كان (ابن) لا يكون إلا ذكرا، زيادة في البيان. لان بعض الحيوان يطلق
على ذكره وأنثاه لفظ (ابن) كابن عرس وابن آوى. فرفع هذا الاحتمال. أو أريد مجرد التأكيد، لاختلاف
اللفظ. كقوله - غرابيب سود -. (حقة) من الإبل ما دخل في السنة الرابعة إلى آخرها. وسمى بذلك لأنه
استحق الركوب والتحميل. ويجمع على حقاق وحقائق. (طروقة) أي مطروقة. فعولة بمعنى مفعولة.
أي يعلو الفحل مثلها في سنها. أي مركوبة للفحل. (وفيما فوق ذلك) وهو إحدى وستون.
(جذعة) وهي التي دخلت في الخامسة، سميت بذلك لأنها جذعت مقدم أسنانها، أي أسقطته (وفيما فوق
ذلك) وهو ست وسبعون. (وفيما فوق ذلك) وهو إحدى وتسعون. (فما زاد على ذلك من الإبل ففي
كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة) فواجب مائة وثلاثين، بنتا لبون وحقة، وواجب مائة وأربعين، بنت
لبون وحقتان. وهكذا. (وفى سائمة الغنم) أي راعيتها.
(تيس) هو فحل الغنم، أو مخصوص بالمعز. لأنه لا منفعة فيه لدر ولا نسل. وإنما يؤخذ في الزكاة ما فيه
منفعة للنسل. (ولا هرمة) كبيرة سقطت أسنانها. (ولا ذات عوار) أي معيبة. ويدخل في المعيب
المريض والصغير سنا بالنسبة إلى سن أكبر منه. (وما كان من خليطين) بمعنى مخالط. كنديم وجليس بمعنى
منادم ومجالس. (الرقة) الفضة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة. قيل أصلها الورق، فحذفت الواو وعوضت
الهاء. نحو العدة والوعد.
257

فإن لم تكن ابنة مخاض، فابن لبون ذكر.
وفيما فوق ذلك، إلى خمس وأربعين، بنت لبون.
وفيما فوق ذلك، إلى ستين، حقة طروقة الفحل.
وفيما فوق ذلك، إلى خمس وسبعين، جذعة.
وفيما فوق ذلك، إلى تسعين، ابنتا لبون.
وفيما فوق ذلك، إلى عشرين ومائة، حقتان، طروقتا الفحل.
فما زاد على ذلك من الإبل، ففي كل أربعين، بنت لبون.
وفى كل خمسين حقة.
وفى سائمة الغنم، إذا بلغت أربعين، إلى عشرين ومائة، شاة.
وفيما فوق ذلك، إلى مائتين، شاتان.
وفيما فوق ذلك، إلى ثلاثمائة، ثلاث شياه.
258

فما زاد على ذلك، ففي كل مائة، شاة.
ولا يخرج في الصدقة تيس، ولا هرمة، ولا ذات عوار، إلا ما شاء المصدق.
ولا يجمع بين مفترق. ولا يفرق بين مجتمع. خشية الصدقة.
وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية.
وفى الرقة، إذا بلغت خمس أواق، ربع العشر.
أخرجه أبو داود في: 9 - كتاب الزكاة، 5 - باب زكاة السائمة.
والترمذي في: 5 - كتاب الزكاة، 4 - باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم.
وحسنه.
(12) باب ما جاء في صدقة البقر
24 - حدثني يحيى عن مالك، عن حميد بن قيس المكي، عن طاوس اليماني، أن معاذ
ابن جبل الأنصاري أخذ من ثلاثين بقرة، تبيعا. ومن أربعين بقرة، مسنة. وأتى بما دون
ذلك، فأبى أن يأخذ منه شيئا. وقال: لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئا، حتى ألقاه
فأسأله. فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم معاذ بن جبل.

24 - (تبيعا) وهو ما دخل في الثانية. سمى تبيعا لأنه فطم عن أمه، فهو يتبعها. (مسنة) دخلت
في الثالثة، وقيل في الرابعة.
(صدقت) أي أخرج صدقتها. (المصدق) أي الساعي. (العراب) منسوبة إلى العرب.
(البخت) الجمال الطوال الأعناق. واحدها بختي. (الجواميس) جمع جاموس، نوع من البقر. كأنه
مشتق من جمس الودك إذا جمد. لأنه ليس فيه قوة البقر في استعماله في الحرث والزرع والدياسة.
(النصاب) هو لغة، الأصل. واستعمل في عرف الفقهاء في أقل ما تجب فيه الزكاة. فكأنه أصل لما تجب
فيه. (يصدقها) يعطى صدقتها. (قد صدقت) أي صدقها مالكها البائع أو الواهب أو المورث.
259

قال يحيى، قال مالك: أحسن ما سمعت فيمن كانت له غنم على راعيين مفترقين، أو على
رعاء مفترقين، في بلدان شتى. أن ذلك يجمع كله على صاحبه، فيؤدى منه صدقته. ومثل
ذلك، الرجل يكون له الذهب أو الورق متفرقة، في أيدي ناس شتى، إنه ينبغي له أن
يجمعها، فيخرج منها ما وجب عليه في ذلك من زكاتها.
وقال يحيى، قال مالك، في الرجل يكون له الضأن والمعز: أنها تجمع عليه في الصدقة.
فإن كان فيها ما تجب فيه الصدقة، صدقت. وقال: إنما هي غنم كلها. وفى كتاب عمر
ابن الخطاب: (وفى سائمة الغنم، إذا بلغت أربعين شاة، شاة).
قال مالك: فإن كانت الضأن هي أكثر من المعز، ولم يجب على ربها إلا شاة واحدة،
أخذ المصدق تلك الشاة التي وجبت على رب المال من الضأن. وإن كانت المعز أكثر من
الضأن، أخذ منها. فإن استوى الضأن والمعز، أخذ الشاة من أيتهما شاء.
قال يحيى، قال مالك: وكذلك الإبل العراب والبخت، يجمعان على ربهما في الصدقة.
وقال: إنما هي إبل كلها. فإن كانت العراب هي أكثر من البخت، ولم يجب على ربها
إلا بعير واحد، فليأخذ من العراب صدقتها. فإن كانت البخت أكثر، فليأخذ منها. فإن
استوت، فليأخذ من أيتهما شاء.
قال مالك: وكذلك البقر والجواميس، تجمع في الصدقة على ربها.
260

وقال: إنما هي بقر كلها. فإن كانت البقر هي أكثر من الجواميس، ولا تجب على ربها
إلا بقرة واحدة، فليأخذ من البقر صدقتهما. وإن كانت الجواميس أكثر، فليأخذ منها.
فإن استوت، فليأخذ من أيتهما شاء. فإذا وجبت في ذلك الصدقة، صدق الصنفان جميعا.
قال يحيى، قال مالك: من أفاد ماشية من إبل أو بقر أو غنم فلا صدقة عليه فيها، حتى
يحول عليها الحول من يوم أفادها. إلا أن يكون له قبلها نصاب ماشية. والنصاب ما تجب
فيه الصدقة، إما خمس ذود من الإبل، وإما ثلاثون بقرة، وإما أربعون شاة. فإذا كان
للرجل خمس ذود من الإبل، أو ثلاثون بقرة أو أربعون شاة، ثم أفاد إليها إبلا أو بقرا
أو غنما، باشتراء أو هبة أو ميراث، فإنه يصدقها مع ماشيته حين يصدقها. وإن لم يحل على
الفائدة الحول. وإن كان ما أفاد من الماشية إلى ماشيته، قد صدقت قبل أن يشتريها بيوم
واحد، أو قبل أن يرثها بيوم واحد، فإنه يصدقها مع ماشيته حين يصدق ماشيته.
قال يحيى، قال مالك: وإنما مثل ذلك، مثل الورق. يزكيها الرجل ثم يشترى بها من
رجل آخر عرضا، وقد وجبت عليه في عرضه ذلك، إذا باعه، الصدقة، فيخرج الرجل
الآخر صدقتها هذا اليوم. ويكون الآخر قد صدقها من الغد.
قال مالك، في رجل كانت له غنم لا تجب فيها الصدقة، فاشترى إليها غنما كثيرة تجب
في دونها الصدقة، أو ورثها، أنه لا تجب عليه في الغنم كلها الصدقة، حتى يحول عليها
الحول من يوم أفادها، باشتراء أو ميراث. وذلك أن كل ما كان عند الرجل من ماشية لا تجب
261

فيها الصدقة، من إبل أو بقر أو غنم، فليس يعد ذلك نصاب مال، حتى يكون في كل صنف
منها ما تجب فيه الصدقة. فذلك النصاب الذي يصدق معه ما أفاد إليه صاحبه، من قليل
أو كثير من الماشية.
قال مالك: ولو كانت لرجل إبل أو بقر أو غنم، تجب في كل صنف منها الصدقة، ثم
أفاد إليها بعيرا أو بقرة أو شاة، صدقها مع ماشيته حين يصدقها.
قال يحيى، قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلي في هذا.
قال مالك، في الفريضة تجب على الرجل، فلا توجد عنده: أنها إن كانت ابنة مخاض،
فلم توجد، أخذ مكانها ابن لبون ذكر. وإن كانت بنت لبون، أو حقة، أو جذعة، ولم
يكن عنده، كان على رب الإبل أن يبتاعها له حتى يأتيه بها. ولا أحب أن يعطيه قيمتها.
وقال مالك، في الإبل النواضح، والبقر السواني، وبقر الحرث: إني أرى أن يؤخذ من
ذلك كله، إذا وجبت فيه الصدقة.

(الإبل النواضح) جمع ناضح وهو الذي يحمل الماء من نهر أو بئر ليسقى الزرع. سميت بذلك لأنها تنضح
العطش، أي تبله بالماء الذي تحمله. هذا أصله. ثم استعمل في كل بعير وإن لم يحمل الماء.
(البقر السواني) التي يسنى عليها، أي يستقى من البئر.
262

(13) باب صدقة الخلطاء
25 - قال يحيى، قال مالك، في الخليطين إذا كان الراعي واحدا، والفحل واحدا،
والمراح واحدا، والدلو واحدا: فالرجلان خليطان. وإن عرف كل واحد منهما ماله من
مال صاحبه.
قال: والذي لا يعرف ماله من مال صاحبه ليس بخليط. إنما هو شريك.
قال مالك: ولا تجب الصدقة على الخليطين حتى يكون لكل واحد منهما ما تجب فيه
الصدقة. وتفسير ذلك، أنه إذا كان لاحد الخليطين أربعون شاة فصاعدا، وللآخر أقل من
أربعين شاة، كانت الصدقة على الذي له الأربعون شاة. ولم تكن على الذي له أقل من ذلك،
صدقة. فإن كان لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة جمعا في الصدقة. ووجبت الصدقة
عليها جميعا. فإن كان لأحدهما ألف شاة، أو أقل من ذلك، مما تجب فيه الصدقة. وللآخر
أربعون شاة أو أكثر، فهما خليطان. يترادان الفضل بينهما بالسوية. على قدر عدد أموالهما،
على الألف بحصتها. وعلى الأربعين بحصتها.
قال مالك: الخليطان في الإبل بمنزلة الخليطين في الغنم. يجتمعان في الصدقة جميعا، إذا
كان لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس فيما

25 - (الفحل) ذكر الماشية. (المراح) مجتمع الماشية للمبيت أو للقائلة. (الدلو) آلة الاستقاء.
وقيل كناية عن المياه. (الفضل) أي الزائد.
263

دون خمس ذود من الإبل صدقة). وقال عمر بن الخطاب: في سائمة الغنم إذا بلغت أربعين
شاة، شاة.
وقال يحيى، قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك.
قال مالك: وقال عمر بن الخطاب: لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة.
أنه إنما يعنى بذلك أصحاب المواشي.
قال مالك: وتفسير قوله (لا يجمع بين مفترق) أن يكون النفر الثلاثة الذين يكون لكل
واحد منهم أربعون شاة، قد وجبت على كل واحد منهم في غنمه الصدقة فإذا أظلهم المصدق
جمعوها، لئلا يكون عليهم فيها إلا شاة واحدة. فنهوا عن ذلك. وتفسير قوله (ولا يفرق
بين مجتمع) أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة، فيكون عليهما فيها
ثلاث شياه. فإذا أظلهما المصدق، فرقا غنمهما. فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة
واحدة. فنهى عن ذلك. فقيل: لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع. خشية الصدقة.
قال مالك: فهذا الذي سمعت في ذلك.

(أظلهم) أي أشرف عليهم. (المصدق) آخذ الصدقة، وهو الساعي.
264

(14) باب ما جاء فيما يعتد به من السخل في الصدقة
26 - حدثني يحيى عن مالك، عن ثور بن زيد الديلي، عن ابن لعبد الله بن سفيان الثقفي،
عن جده سفيان بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب بعثه مصدقا. فكان يعد على الناس بالسخل.
فقالوا: أتعد علينا بالسخل، ولا تأخذ منه شيئا! فلما قدم على عمر بن الخطاب ذكر له
ذلك. فقال عمر: نعم تعد عليهم بالسخلة، يحملها الراعي، ولا تأخذها! ولا تأخذ الأكولة
ولا الربى ولا الماخض ولا فحل الغنم. وتأخذ الجذعة والثنية! وذلك عدل بين غذاء الغنم
وخياره.
قال مالك: والسخلة الصغيرة حين تنتج. والربى التي قد وضعت، فهي تربى ولدها.
والماخض هي الحامل. والأكولة هي شاة اللحم التي تسمن لتؤكل.
وقال مالك، في الرجل تكون له الغنم لا تجب فيها الصدقة، فتوالد قبل أن يأتيها
المصدق بيوم واحد، فتبلغ ما تجب فيه الصدقة بولادتها.
قال مالك: إذا بلغت الغنم بأولادها ما تجب فيه الصدقة، فعليه فيها الصدقة. وذلك
أن ولادة الغنم منها. وذلك مخالف لما أفيد منها، باشتراء أو هبة أو ميراث. ومثل ذلك،
العرض. لا يبلغ ثمنه ما تجب فيه الصدقة. ثم يبيعه صاحبه فيبلغ بربحه ما تجب فيه الصدقة.

26 - (السخلة) تطلق على الذكر والأنثى من أولاد الضأن والمعز ساعة تولد. والجمع سخال. وتجمع
أيضا على سخل. مثل تمرة وتمر. (الأكولة) السمينة. (الربى) الشاة التي وضعت حديثا. وقيل
التي تحبس في البيت للبنها. وهي فعلى، وجمعها رباب وزان غراب. (غذاء) جمع غذى أي سخال.
(فيصدق) أي يزكى. (غذاء الغنم) أي سخالها. جمع غذى.
265

فيصدق ربحه مع رأس المال. ولو كان ربحه فائدة أو ميراثا، لم تجب فيه الصدقة، حتى
يحول عليه الحول، من يوم أفاده أو ورثه.
قال مالك: فغذاء الغنم منها، كما ربح المال منه. غير أن ذلك يختلف في وجه آخر. أنه
إذا كان للرجل من الذهب أو الورق ما تجب فيه الزكاة، ثم أفاد إليه مالا، ترك ماله الذي
أفاد، فلم يزكه مع ماله الأول حين يزكيه، حتى يحول على الفائدة الحول، من يوم أفادها.
ولو كانت لرجل غنم، أو بقر، أو إبل، تجب في كل صنف منها الصدقة. ثم أفاد إليها بعيرا،
أو بقرة، أو شاة، صدقها مع صنف ما أفاد من ذلك حين يصدقه، إذا كان عنده من ذلك
الصنف الذي أفاد، نصاب ماشية.
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.
(15) باب العمل في صدقة عامين إذا اجتمعا
27 - قال يحيى، قال مالك: الامر عندنا في الرجل تجب عليه الصدقة. وإبله مائة
بعير. فلا يأتيه الساعي حتى تجب عليه صدقة أخرى. فيأتيه المصدق وقد هلكت إبله
إلا خمس ذود.
قال مالك. يأخذ المصدق من الخمس ذود، الصدقتين اللتين وجبتا على رب المال. شاتين:

27 - (المصدق) الساعي، أي آخذ الصدقة. (يصدق ماله) أي يزكيه.
266

في كل عام شاة. لان الصدقة إنما تجب على رب المال يوم يصدق ماله. فإن هلكت ماشيته
أو نمت، فإنما يصدق المصدق زكاة ما يجد يوم يصدق. وإن تظاهرت على رب المال
صدقات غير واحدة، فليس عليه أن يصدق إلا ما وجد المصدق عنده. فإن هلكت ماشيته
أو وجبت عليه فيها صدقات، فلم يؤخذ منه شئ حتى هلكت ماشيته كلها، أو صارت
إلى ما لا تجب فيه الصدقة، فإنه لا صدقة عليه ولا ضمان فيما هلك. أو مضى من السنين.
(16) باب النهى عن التضييق على الناس في الصدقة
28 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن
القاسم بن محمد، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: مر على عمر بن الخطاب بغنم من
الصدقة. فرأى فيها شاة حافلا ذات ضرع عظيم. فقال عمر: ما هذه الشاة؟ فقالوا: شاة من
الصدقة. فقال عمر: ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون. لا تفتنوا الناس. لا تأخذوا حزرات
المسلمين. نكبوا عن الطعام.
وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، إنه قال: أخبرني
رجلان من أشجع، أن محمد بن مسلمة الأنصاري كان يأتيهم مصدقا. فيقول لرب المال:
أخرج إلي صدقة مالك. فلا يقود إليه شاة فيها وفاء من حقه إلا قبلها.

28 - (حافلا) مجتمعا لبنها. يقال حفلت الشاة تركت حلبها حتى اجتمع اللبن في ضرعها. فهي محفلة.
(حزرات المسلمين) خيار أموالهم. جمع حزرة. يطلق على الذكر والأنثى. (نكبوا عن الطعام) أي
ذوات الدر. قال موسى بن طارق: قلت لمالك: ما معناه؟ قال: لا يأخذ المصدق لبونا. (فيها وفاء) أي
عدل. قال ابن عبد البر: الوفاء العدل في الوزن وغيره.
267

قال مالك: السنة عندنا، والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا، أنه لا يضيق على المسلمين
في زكاتهم. وأن يقبل منهم ما دفعوا من أموالهم.
(17) باب أخذ الصدقة ومن يجوز له أخذها
29 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (لا تحل الصدقة لغنى. إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله. أو لعامل عليها. أو لغارم.
أو لرجل اشتراها بماله. أو لرجل له جار مسكين، فتصدق على المسكين، فأهدى المسكين
للغنى).
مرسل.
وقد وصله أبو داود في: 9 - كتاب الزكاة، 25 - باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غنى.
وابن ماجة في: 8 - كتاب الزكاة، 27 - باب من تحل له الصدقة.
قال مالك: الامر عندنا في قسم الصدقات، أن ذلك لا يكون إلا على وجه الاجتهاد من
الوالي. فأي الأصناف كانت فيه الحاجة والعدد، أوثر ذلك الصنف، بقدر ما يرى الوالي.
وعسى أن ينتقل ذلك إلى الصنف الآخر بعد عام أو عامين أو أعوام. فيؤثر أهل الحاجة
والعدد، حيثما كان ذلك. وعلى هذا أدركت من أرضى من أهل العلم.
قال مالك: وليس للعامل على الصدقات فريضة مسماة، إلا على قدر ما يرى الامام.

29 - (لا تحل الصدقة لغنى) لقوله تعالى - إنما الصدقات للفقراء والمساكين -. (لغاز في سبيل الله)
لقوله تعالى - وفى سبيل الله -. (أو لعامل عليها) لقوله تعالى - والعاملين عليها -. (أو لغارم) أي مدين.
قال تعالى - والغارمين -.
268

(18) باب ما جاء في أخذ الصدقات والتشديد فيها
30 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن أبا بكر الصديق قال: لو منعوني عقالا
لجاهدتهم عليه.
هذا البلاغ أخرجه الشيخان من طريق الزهري.
فأخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 1 - باب وجود الزكاة.
ومسلم في: 1 - كتاب الايمان، 8 - باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا (لا إله إلا الله محمد
رسول الله)، حديث 32.
31 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، أنه قال: شرب عمر بن الخطاب لبنا
فأعجبه. فسأل الذي سقاه، من أين هذا اللبن؟ فأخبره أنه ورد على ماء، قد سماه. فإذا نعم
من نعم الصدقة. وهم يسقون. فحلبوا لي من ألبانها، فجعلته في سقائي، فهو هذا. فأدخل
عمر بن الخطاب يده فاستقاءه.
قال مالك: الامر عندنا أن كل من منع فريضة من فرائض الله عز وجل، فلم يستطع
المسلمون أخذها، كان حقا عليهم جهاده حتى يأخذوها منه.

30 - (لو منعوني عقالا) روى عن مالك أن العقال هو القلوص. وقال محمد بن عيسى: هو واحد
(العقل) التي يعقل بها الإبل. لان الذي يعطى البعير في الزكاة يلزمه أن يعطى معه عقاله. أي لو أعطوني
البعير ومنعوني ما يعقل به لجاهدتهم. 31 - (في سقائي) أي وعائي.
269

32 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عاملا لعمر بن عبد العزيز، كتب إليه يذكر:
أن رجلا منع زكاة ماله. فكتب إليه عمر: أن دعه ولا تأخذ منه زكاة مع المسلمين.
قال، فبلغ ذلك، الرجل. فاشتد عليه. وأدى بعد ذلك زكاة ماله. فكتب عامل عمر إليه
يذكر له ذلك. فكتب إليه عمر: أن خذها منه.
(19) باب زكاة ما يخرص من تمار النخيل والأعناب
33 - حدثني يحيى عن مالك، عن الثقة عنده، عن
سليمان بن يسار، وعن بسر بن سعيد،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت السماء والعيون، والبعل، العشر. وفيما سقى بالنضح
نصف العشر).
أخرجه البخاري موصولا عن ابن عمر في: 24 - كتاب الزكاة، 55 - باب العشر فيما سقى من ماء السماء.
وأخرج مسلم، بمعناه، عن جابر بن عبد الله في: 12 - كتاب الزكاة، 1 - باب ما فيه العشر أو نصف
العشر، حديث 7.
34 - وحدثني عن مالك، عن زياد بن سعد، عن ابن شهاب، أنه قال: لا يؤخذ في صدقة

32 - (فاشتد) أي عظم.
33 - (فيما سقت السماء) أي المطر. (والعيون) الجارية على وجه الأرض التي لا يتكلف في رفع
مائها لآلة ولا لحمل. (والبعل) هو ما شرب بعروقه من الأرض. ولم يحتج إلى سقى سماء ولا آلة.
(بالنضح) أي بالرش والصب بماء يستخرج من الآبار والأنهار بآلة.
34 - (الجعرور) وزان عصفور. نوع ردى من التمر. إذا جف صار حشفا. (مصران الفارة)
ضرب من ردئ التمر. جمع مصير. كرغيف ورغفان. وجمع الجمع مصارين. (عذق) جنس من النخل.
(ابن حبيق) سمى به الدقل من التمر، لرداءته. (البردي) من أجود التمر. (لا يخرص) قال ابن
الأثير. خرص النخلة والكرمة يخرصها خرصا، إذا حزر ما عليها من الرطب تمرا، ومن العنب زبيبا. فهو
من الخرص الظن. لان الحزر إنما هو تقدير بظن. والاسم الخرص.
(الجداد) الجداد بالفتح والكسر صرام النخل. وهو قطع ثمرتها. يقال جد الثمرة يجدها جدا.
(جائحة) الجائحة هي الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها.
270

النخل الجعرور، ولا مصران الفارة، ولا عذق ابن حبيق. قال: وهو يعد على صاحب المال
ولا يؤخذ منه في الصدقة.
قال مالك: وإنما مثل ذلك، الغنم. تعد على صاحبها بسخالها. والسخل لا يؤخذ منه في
الصدقة. وقد يكون في الأموال ثمار لا تؤخذ الصدقة منها. من ذلك البردي وما أشبهه.
لا يؤخذ من أدناه، كما لا يؤخذ من خياره.
قال: وإنما تؤخذ الصدقة من أوساط المال.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا أنه لا يخرص من الثمار إلا النخيل والأعناب.
فإن ذلك يخرص حين يبدو صلاحه، ويحل بيعه. وذلك أن ثمر النخيل والأعناب يؤكل
رطبا وعنبا. فيخرص على أهله للتوسعة على الناس. ولئلا يكون على أحد في ذلك ضيق.
فيخرص ذلك عليهم. ثم يخلى بينهم وبينه يأكلونه كيف شاؤوا. ثم يؤدون منه الزكاة
على ما خرص عليهم.
قال مالك: فأما ما لا يؤكل رطبا، وإنما يؤكل بعد حصاده من الحبوب كلها، فإنه
لا يخرص. وإنما على أهلها فيها، إذا حصدوها ودقوها وطيبوها، وخلصت حبا، فإنما على
أهلها فيها الأمانة. يؤدون زكاتها. إذا بلغ ذلك ما تجب فيه الزكاة. وهذا الامر، الذي
لا اختلاف فيه عندنا.
271

قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا أن النخل يخرص على أهلها. وثمرها في رؤوسها.
إذا طاب وحل بيعه. ويؤخذ منه صدقته تمرا عند الجداد. فإن أصابت الثمرة جائحة، بعد
أن تخرص على أهلها، وقبل أن تجذ، فأحاطت الجائحة بالثمر كله، فليس عليهم صدقة.
فإن بقي من الثمر شئ، يبلغ خمسة أوسق فصاعدا، بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، أخذ منهم زكاته.
وليس عليهم فيما أصابت الجائحة زكاة. وكذلك العمل في الكرم أيضا. وإذا كان لرجل
قطع أموال متفرقة، أو اشتراك في أموال متفرقة، لا يبلغ مال كل شريك أو قطعه ما تجب
فيه الزكاة، وكانت إذا جمع بعض ذلك إلى بعض، يبلغ ما تجب فيه الزكاة، فإنه يجمعها
ويؤدى زكاتها.
(20) باب زكاة الحبوب والزيتون
35 - حدثني يحيى عن مالك، أنه سأل ابن شهاب عن الزيتون؟ فقال: فيه العشر.
قال مالك: وإنما يؤخذ من الزيتون العشر، بعد أن يعصر ويبلغ زيتونه خمسة أوسق.
فما لم يبلغ زيتونه خمسة أوسق، فلا زكاة فيه. والزيتون بمنزلة النخيل. ما كان منه
سقته السماء والعيون، أو كان بعلا، ففيه العشر. وما كان يسقى بالنضح، ففيه نصف
العشر، ولا يخرص شئ من الزيتون في شجره.

35 - (السلت) ضرب من الشعير لا قشر له، يكون في الغور والحجاز، قاله الجوهري. وقال الأزهري: حب
بين الحنطة والشعير ولا قشر له كقشر الشعير. فهو كالحنطة في ملاسته، وكالشعير في طبعه وبرودته.
(والأرز) وزان قفل. (الجلبان) حب من القطاني. (الجلجلان) السمسم في قشره قبل أن
يحصد. (أكمامه) جمع - كم. وعاء الطلع، وغطاء النور.
272

والسنة عندنا في الحبوب التي يدخرها الناس ويأكلونها، أنه يؤخذ مما سقته السماء من ذلك،
وما سقته العيون، وما كان بعلا، العشر وما سقى بالنضح نصف العشر. إذا بلغ ذلك خمسة
أوسق بالصاع الأول صاع النبي صلى الله عليه وسلم. وما زاد على خمسة أوسق ففيه الزكاة بحساب ذلك.
قال مالك: والحبوب التي فيها الزكاة: الحنطة والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز
والعدس والجلبان واللوبياء والجلجلان وما أشبه ذلك من الحبوب التي تصير طعاما. فالزكاة
تؤخذ منها بعد أن تحصد وتصير حبا.
قال: والناس مصدقون في ذلك. ويقبل منهم في ذلك ما دفعوا.
وسئل مالك: متى يخرج من الزيتون العشر أو نصفه، أقبل النفقة أم بعدها؟ فقال:
لا ينظر إلى النفقة ولكن يسأل عنه أهله، كما يسأل أهل الطعام عن الطعام. ويصدقون
بما قالوا. فمن رفع من زيتونه خمسة أوسق فصاعدا، أخذ من زيته العشر بعد أن يعصر.
ومن لم يرفع من زيتونه خمسة أوسق لم تجب عليه في زيته الزكاة.
قال مالك: ومن باع زرعه، وقد صلح ويبس في أكمامه، فعليه زكاته. وليس على
الذي اشتراه زكاة. ولا يصلح بيع الزرع، حتى ييبس في أكمامه، ويستغنى عن الماء.
قال مالك في قول الله تعالى - وآتوا حقه يوم حصاده -: أن ذلك، الزكاة. وقد سمعت
من يقول ذلك.
273

قال مالك: ومن باع أصل حائطه، أو أرضه، وفى ذلك زرع أو ثمر لم يبد صلاحه،
فزكاة ذلك على المبتاع. وإن كان قد طاب وحل بيعه، فزكاة ذلك على البائع. إلا أن
يشترطها على المبتاع.
(21) باب ما لا زكاة فيه من الثمار
36 - قال مالك: إن الرجل إذا كان له ما يجد منه أربعة أوسق من التمر، وما يقطف
منه أربعة أوسق من الزبيب، وما يحصد منه أربعة أوسق من الحنطة، وما يحصد منه
أربعة أوسق من القطنية، إنه لا يجمع عليه بعض ذلك إلى بعض. وإنه ليس عليه في شئ
من ذلك زكاة. حتى يكون في الصنف الواحد من التمر، أو في الزبيب، أو في الحنطة،
أو في القطنية، ما يبلغ الصنف الواحد منه خمسة أوسق، بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. كما قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة).
وإن كان في الصنف الواحد من تلك الأصناف ما يبلغ خمسة أوسق، ففيه الزكاة. فإن
لم يبلغ خمسة أوسق فلا زكاة فيه. وتفسير ذلك أن يجذ الرجل من التمر خمسة أوسق.
وإن اختلفت أسماؤه وألوانه، فإن يجمع بعضه إلى بعض، ثم يؤخذ من ذلك الزكاة. فإن
لم يبلغ ذلك، فلا زكاة فيه وكذلك الحنطة كلها. السمراء والبيضاء والشعير والسلت،
كل ذلك صنف واحد. فإذا حصد الرجل من ذلك كله خمسة أوسق، جمع عليه بعض

(حائطه) بستانه. (المبتاع). المشترى.
36 - (ما يجد) يقطع ويصرم.
274

ذلك إلى بعض، ووجبت فيه الزكاة. فإن لم يبلغ ذلك، فلا زكاة فيه. وكذلك الزبيب
كله. أسوده وأحمره. فإذا قطف الرجل منه خمسة أوسق، وجبت فيه الزكاة. فإن لم
يبلغ ذلك، فلا زكاة فيه. وكذلك القطنية هي صنف واحد. مثل الحنطة والتمر والزبيب
وإن اختلفت أسماؤها وألوانها. والقطنية: الحمص والعدس واللوبياء والجلبان. وكل ما ثبت
معرفته عند الناس أنه قطنية. فإذا حصد الرجل من ذلك خمسة أوسق بالصاع الأول،
صاع النبي صلى الله عليه وسلم. وإن كان من أصناف القطنية كلها، ليس من صنف واحد من القطنية.
فإنه يجمع ذلك بعضه إلى بعض، وعليه فيه الزكاة.
قال مالك: وقد فرق عمر بن الخطاب بين القطنية والحنطة، فيما أخذ من النبط. ورأي
أن القطنية كلها صنف واحد. فأخذ منها العشر، وأخذ من الحنطة والزبيب نصف العشر.
قال مالك: فإن قال قائل: كيف يجمع القطنية بعضها إلى بعض في الزكاة حتى تكون
صدقتها واحدة، والرجل يأخذ منها اثنين بواحد يدا بيد، ولا يؤخذ من الحنطة اثنان
بواحد يدا بيد؟ قيل له: فإن الذهب والورق يجمعان في الصدقة. وقد يؤخذ بالدينار
أضعافه في العدد من الورق يدا بيد.
قال مالك، في النخيل يكون بين الرجلين، فيجذان منها ثمانية أوسق من التمر: إنه
لا صدقة عليها فيها. وإنه إن كان لأحدهما منها ما يجذ منه خمسة أوسق، وللآخر ما يجذ
أربعة أوسق، أو أقل من ذلك، في أرض واحدة، كانت الصدقة على صاحب الخمسة الأوسق
وليس على الذي جذ أربعة أوسق أو أقل منها، صدقة. وكذلك العمل في الشركاء كلهم.

(النبط) النصارى التجار.
275

في كل زرع من الحبوب كلها يحصد، أو النخل يجد، أو الكرم يقطف، فإنه إذا كان
كل رجل منهم يجد من التمر، أو يقطف من الزبيب، خمسة أوسق. أو يحصد من الحنطة
خمسة أوسق، فعليه فيه الزكاة، ومن كان حقه أقل من خمسة أوسق، فلا صدقة عليه.
وإنما تجب الصدقة على من بلغ جداده أو قطافه أو حصاده خمسة أوسق.
قال مالك: السنة عندنا، أن كل ما أخرجت زكاته من هذه الأصناف كلها، الحنطة
والتمر والزبيب والحبوب كلها. ثم أمسكه صاحبه بعد أن أدى صدقته سنين. ثم باعه،
أنه ليس عليه في ثمنه زكاة، حتى يحول على ثمنه الحول من يوم باعه. إذا كان أصل تلك
الأصناف من فائدة أو غيرها. وأنه لم يكن للتجارة. وإنما ذلك بمنزلة الطعام والحبوب
والعروض. يقيدها الرجل ثم يمسكها سنين. ثم يبيعها بذهب أو ورق، فلا يكون عليه
في ثمنها زكاة حتى يحول عليها الحول من يوم باعها. فإن كان أصل تلك العروض للتجارة
فعلى صاحبها فيها الزكاة حين يبيعها، إذا كان قد حبسها سنة، من يوم زكى المال الذي
ابتاعها به.
(22) باب ما لا زكاة فيه من الفواكه والقضب والبقول
قال مالك: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا، والذي سمعت من أهل العلم، أنه ليس
في شئ من الفواكه كلها صدقة. الرمان، والفرسك، والتين، وما أشبه ذلك وما لم يشبهه.
إذا كان من الفواكه.

(الفرسك) الخوخ. أو ضرب منه أحمر. أو ما ينفلق عن نواه.
276

قال: ولا في القضب ولا في البقول كلها صدقة. ولا في أثمانها إذا بيعت صدقة، حتى
يحول على أثمانها الحول من يوم بيعها، ويقبض صاحبها ثمنها.
(23) باب ما جاء في صدقة الرقيق والخيل والعسل
37 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عراك
ابن مالك، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه
صدقة).
أخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 46 - باب ليس على المسلم في عبد صدقة.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة، 2 - باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه، حديث 8.
38 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، أنه أهل الشام قالوا
لأبي عبيدة بن الجراح: خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة. فأبى. ثم كتب إلى عمر بن الخطاب.
فأبى عمر. ثم كلموه أيضا، فكتب إلى عمر. فكتب إليه عمر: إن أحبوا فخذها منهم.
وارددها عليهم. وارزق رقيقهم.
قال مالك: معنى قوله، رحمه الله (وارددها عليهم) يقول: على فقرائهم.
39 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، أنه قال: جاء

(القضب) نبات يشبه البرسيم، للدواب يعلف.
277

كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي وهو بمنى: أن لا يأخذ من العسل ولا من الخيل
صدقة.
40 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، أنه قال: سألت سعيد بن المسيب
عن صدقة البراذين؟ فقال: وهل في الخيل من صدقة؟
(24) باب جزية أهل الكتاب والمجوس
41 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ
الجزية من مجوس البحرين.
انظر البخاري في: 57 - كتاب الجزية، 1 - باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب.
وأن عمر بن الخطاب أخذها من مجوس فارس وأن عثمان بن عفان أخذها من البربر.
انظر الترمذي في: 19 - كتاب السير، 31 - باب جاء في أخذ الجزية من المجوس.
42 - وحدثني عن مالك، عن جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب
ذكر المجوس، فقال: ما أدرى كيف أصنع في أمرهم. فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد
لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (سنوا بهم أهل الكتاب).

40 - (البراذين) جمع برذون. التركي من الخيل. يقع على الذكر والأنثى.
41 - (البحرين) موضع بين البصرة وعمان، وهو من بلاد نجد. (البربر) قوم من أهل المغرب
كالاعراب في القسوة والغلظة. وجمع البرابرة.
278

43 - وحدثني عن مالك عن نافع، عن أسلم مولى عمر بن الخطاب، أن عمر بن الخطاب
ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير. وعلى أهل الورق أربعين درهما. مع ذلك أرزاق
المسلمين وضيافة ثلاثة أيام.
44 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أنه قال لعمر بن الخطاب: إن
في الظهر ناقة عمياء. فقال عمر: ادفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها. قال، فقلت: وهي عمياء؟
فقال عمر: يقطرونها بالإبل. قال فقلت: كيف تأكل من الأرض؟ قال فقال عمر: أمن
نعم الجزية هي أم من نعم الصدقة؟ فقلت: بل من نعم الجزية. فقال عمر أردتم، والله،
أكلها. فقلت: إن عليها وسم الجزية. فأمر بها عمر فنحرت. وكان عنده صحاف تسع.
فلا تكون فاكهة ولا طريفة إلا جعل منها في تلك الصحاف. فبعث بها إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
ويكون الذي يبعث به إلى حفصة ابنته، من آخر ذلك. فإن كان فيه نقصان، كان في حظ
حفصة. قال: فجعل في تلك الصحاف من لحم تلك الجزور. فبعث به إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وأمر بما بقي من لحم تك الجزور، فصنع. فدعا عليه المهاجرين والأنصار.
قال مالك: لا أرى أن تؤخذ النعم من أهل الجزية إلا في جزيتهم.
45 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله: أن يضعوا

43 - (أهل الذهب) كمصر والشام. (أهل الورق) كالعراق.
44 - (صحاف) جمع صحفة، قصعة مستديرة. (طريفة) تصغير طرفة، بزنة غرفة، ما يستطرف أي يستملح.
45 -
279

الجزية عمن أسلم من أهل الجزية حين يسلمون.
قال مالك: مضت السنة أن لا جزية على نساء أهل الكتاب، ولا على صبيانهم. وأن الجزية
لا تؤخذ إلا من الرجال الذين قد بلغوا الحلم. وليس على أهل الذمة، ولا على المجوس في نخيلهم،
ولا كرومهم، ولا زروعهم، ولا مواشيهم صدقة. لان الصدقة إنما وضعت على المسلمين
تطهيرا لهم وردا على فقرائهم. ووضعت الجزية على أهل الكتاب صغارا لهم. فهم، ما كانوا
ببلدهم الذين صالحوا عليه، ليس عليهم شئ سوى الجزية. في شئ من أموالهم. إلا أن
يتجروا في بلاد المسلمين ويختلفوا فيها. فيؤخذ منهم العشر فيما يديرون من التجارات.
وذلك أنهم، إنما وضعت عليهم الجزية، وصالحوا عليها، على أن يقروا ببلادهم، ويقاتل
عنهم عدوهم. فمن خرج منهم من بلاده إلى غيرها يتجر إليها، فعليه العشر. من تجر منهم
من أهل مصر إلى الشام، ومن أهل الشام إلى العراق، ومن أهل العراق إلى المدينة، أو اليمن،
أو ما أشبه هذا من البلاد، فعليه العشر. ولا صدقة على أهل الكتاب، ولا المجوس في شئ
من أموالهم ولا من مواشيهم ولا ثمارهم ولا زروعهم. مضت بذلك السنة. ويقرون على
دينهم. ويكونون على ما كانوا عليه. وإن اختلفوا في العام الواحد مرارا في بلاد المسلمين،
فعليهم كلما اختلفوا العشر. لان ذلك ليس مما صالحوا عليه، ولا مما شرط لهم. وهذا الذي
أدركت عليه أهل العلم ببلدنا.

(صغارا) أي إذلالا.
280

(25) باب عشور أهل الذمة
46 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، أن عمر
ابن الخطاب كان يأخذ من النبط، من الحنطة والزيت، نصف العشر. يريد بذلك أن يكثر
الحمل إلى المدينة. ويأخذ من القطنية العشر.
47 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، أنه قال: كنت غلاما
عاملا مع عبد الله بن عتبة بن مسعود، على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب. فكنا
نأخذ من النبط العشر.
48 - وحدثني عن مالك، أنه سأل ابن شهاب: على أي وجه كان يأخذ عمر بن الخطاب
من النبط العشر؟ فقال ابن شهاب: كان ذلك يؤخذ منهم في الجاهلية. فألزمهم ذلك عمر.

46 - (الحمل) أي المحمول.
281

(26) باب اشتراء الصدقة والعود فيها
49 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أنه قال: سمعت عمر
ابن الخطاب وهو يقول: حملت على فرس عتيق في سبيل الله. وكان الوجل الذي هو عنده
قد أضاعه. فأردت أن أشتريه منه. وظننت أنه بائعه برخص. فسألت عن ذلك رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لا تشتره، وإن أعطاكه بدرهم واحد. فإن العائد في صدقته، كالكلب
يعود في قيئه).
أخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 59 - باب هل يشترى صدقته.
ومسلم في: 24 - كتاب الهبات، 1 - باب كراهة شراء الانسان ما تصدق به ممن تصدق عليه، حديث 1.
50 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب حمل على
فرس في سبيل الله. فأراد أن يبتاعه، فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لا تبتعه ولا تعد
في صدقتك).
أخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 59 - باب هل يشترى صدقته.
ومسلم في: 24 - كتاب الهبات، 1 - باب كراهة شراء الانسان ما تصدق به ممن تصدق عليه، حديث 3
قال يحيى: سئل مالك عن رجل تصدق بصدقة، فوجدها مع غير الذي تصدق بها عليه
تباع، أيشتريها؟ فقال: تركها أحب إلي.

49 - (حملت على فرس) أي تصدقت بفرس على رجل ووهبته له ليقاتل عليه. (عتيق) أي كريم
سابق، والجمع عتاق، والعتيق الفائق من كل شئ.
50 - (حمل على فرس) أي جعله حمولة لرجل مجاهد ليس له حمولة.
282

(27) باب من تجب عليه زكاة الفطر
51 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يخرج زكاة الفطر
عن غلمانه الذين بوادي القرى وبخيبر.
وحدثني عن مالك، أن أحسن ما سمعت فيما يجب على الرجل من زكاة الفطر، أن الرجل
يؤدى ذلك عن كل من يضمن نفقته. ولابد له من أن ينفق عليه. والرجل يؤدى عن
مكاتبه. ومدبره، ورقيقه. كلهم غائبهم وشاهدهم. من كان منهم مسلما. ومن كان منهم
لتجارة أو لغير تجارة. ومن لم يكن منهم مسلما، فلا زكاة عليه فيه.
قال مالك، في العبد الآبق: إن سيده، إن علم مكانه، أو لم يعلم، وكانت غيبته قريبة،
وهو يرجو حياته ورجعته، فإني أرى أن يزكى عنه. وإن كان إباقه قد طال، ويئس منه،
فلا أرى أن يزكى عنه.
قال مالك: تجب زكاة الفطر على أهل البادية. كما تجب على أهل القرى. وذلك أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس. على كل حر أو عبد. ذكر
أو أنثى. من المسلمين.

51 - (بوادي القرى) موضع بقرب المدينة. (مكاتبه) قال الأزهري: الكتاب والمكاتبة أن
يكاتب الرجل عبده أو أمته على مال منجم، ويكتب العبد عليه أنه يعتق إذا أدى النجوم، فالعبد مكاتب
ومكاتب، لأنه كاتب سيده. فالفعل منهما. (المدبر) دبر الرجل عبده تدبيرا إذا أعتقه بعد موته.
283

(28) باب مكيلة زكاة الفطر
52 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل حر أو عبد،
ذكر أو أنثى من المسلمين.
أخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 70 - باب فرض صدقة الفطر.
ومسلم في 12 - كتاب الزكاة، 4 - باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، حديث 12.
53 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح
العامري، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام، أو صاعا
من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط، أو صاعا من زبيب وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 73 - باب صدقة الفطر صاع من طعام.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة، 4 - باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، حديث 17.
54 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان لا يخرج في زكاة الفطر
إلا التمر. إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرا.
أخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 77 - باب صدقة الفطر على الحر والمملوك.
قال مالك: والكفارات كلها، وزكاة الفطر، وزكاة العشور، كل ذلك بالمد الأصغر
مد النبي صلى الله عليه وسلم. إلا الظهار. فإن الكفارة فيه بمد هشام، وهو المد الأعظم.

53 - (صاعا من طعام) أي حنطة. فإنه اسم خاض له. (أقط) لبن فيه زبدة.
54 - (زكاة العشور) الحبوب التي فيها العشر أو نصفه.
284

(29) باب وقت إرسال زكاة الفطر
55 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر
إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر، بيومين أو ثلاثة.
وحدثني عن مالك، أنه رأى أهل العلم يستحبون أن يخرجوا زكاة الفطر، إذا طلع
الفجر من يوم الفطر، قبل أن يغدوا إلى المصلى.
رواه البخاري مرفوعا عن ابن عمر في: 24 - كتاب الزكاة، 76 - باب الصدقة قبل العيد.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة، 5 - باب الأمر باخراج زكاة الفطر قبل الصلاة، حديث 22 و 23.
قال مالك: وذلك واسع إن شاء الله، أن تؤدى قبل الغدو، من يوم الفطر وبعده.
(30) باب من لا تجب عليه زكاة الفطر
56 - حدثني يحيى عن مالك: ليس على الرجل في عبيد عبيده، ولا في أجيره، ولا في
رقيق امرأته، زكاة. إلا من كان منهم يخدمه، ولابد له منه. فتجب عليه. وليس عليه
زكاة في أحد من رقيقه الكافر، ما لم يسلم. لتجارة كانوا، أو لغير تجارة.
285

بسم الله الرحمن الرحيم
18 - كتاب الصيام
(1) باب ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر
رمضان، فقال: (لا تصوموا حتى تروا الهلال. ولا تفطروا حتى تروه. فإن غم عليكم
فاقدروا له).
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 11 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا رأيتم الهلال فصوموا).
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام - 2 باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، حديث 3.
2 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (الشهر تسع وعشرون. فلا تصوموا حتى تروا الهلال. ولا تفطروا حتى تروه. فإن
غم عليكم فاقدروا له).
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 11 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا رأيتم الهلال فصوموا)
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام 2 - باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، حديث 9.

1 - (فإن غم عليكم) أي حال بينكم وبين الهلال غيم في صومكم أو فطركم. (فاقدروا له) معناه
قدروا له تمام العدد ثلاثين يوما. يقال قدرت الشئ. وأقدرته، وقدرته بمعنى التقدير. أي انظروا في أول الشهر
واحسبوا ثلاثين يوما.
286

3 - وحدثني عن مالك، عن ثور بن زيد الديلي، عن عبد الله بن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر رمضان، فقال: (لا تصوموا حتى تروا الهلال. ولا تفطروا حتى تروه. فإن غم
عليكم فأكملوا العدد (العدة) ثلاثين).
هذا منقطع
وقد وصله أبو داود في: 14 - كتاب الصوم، 7 - باب من قال (فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين).
والترمذي في، 6 - كتاب الصوم، 5 - باب ما جاء إن الصوم لرؤية الهلال والافطار له.
والنسائي في: 22 - كتاب الصيام، 13 - باب ذكر الاختلاف على منصور، في حديث ربعي فيه.
4 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن الهلال رؤى في زمان عثمان بن عفان بعشي. فلم
يفطر عثمان حتى أمسى، وغابت الشمس.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول، في الذي يرى هلال رمضان وحده: أنه يصوم لا ينبغي
له أن يفطر، وهو يعلم أن ذلك اليوم من رمضان.
قال: ومن رأى هلال شوال وحده، فإنه لا يفطر. لان الناس يتهمون على أن يفطر
منهم من ليس مأمونا. ويقول أولئك، إذا ظهر عليهم: قد رأينا الهلال. ومن رأى هلال
شوال نهارا فلا يفطر. ويتم صيام يومه ذلك. فإنما هو هلال الليلة التي تأتي.
قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: إذا صام الناس يوم الفطر، وهو يظنون أنه من رمضان،
فجاءهم ثبت أن هلال رمضان قد رؤى قبل أن يصوموا بيوم، وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون،
فإنهم يفطرون في ذلك اليوم. أية ساعة جاءهم الخبر. غير أنهم لا يصلون صلاة العيد، إن

4 - (بعشي) ما بعد الزوال إلى آخر النهار. (ثبت) الثبت بالتحريك الحجة والبينة. ابن الأثير.
ورجل ثبت إذا كان عدلا ضابطا.
287

كان ذلك جاءهم بعد زوال الشمس.
(2) باب من أجمع الصيام قبل الفجر
5 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: لا يصوم
إلا من أجمع الصيام قبل الفجر.
وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عائشة وحفصة، زوجي النبي صلى الله عليه وسلم، بمثل ذلك.
أخرجه أبو داود في: 14 - كتاب الصوم، 71 - باب النية في الصوم.
والترمذي في: 6 - كتاب الصوم، 33 - باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل.
والنسائي في: 22 - كتاب الصيام، 68 - باب اختلاف الناقلين لخبر حفصة في ذلك.
(3) باب ما جاء في تعجيل الفطر
6 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الناس بخير، ما عجلوا الفطر).
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 45 - باب تعجيل الافطار.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 9 - باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، حديث 48.

5 - (أجمع الصيام) عزم عليه وقصد له.
288

7 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي، عن سعيد بن المسيب،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر).
قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرساله.
8 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، أن عمر بن الخطاب
وعثمان بن عفان كانا يصليان المغرب، حين ينظران إلى الليل الأسود، قبل أن يفطرا.
ثم يفطران بعد الصلاة. وذلك في رمضان.
(4) باب ما جاء في صيام الذي يصبح جنبا في رمضان
9 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري، عن أبي يونس مولى عائشة، عن عائشة، أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو واقف على الباب،
وأنا أسمع: يا رسول الله. إني أصبح جنبا وأنا أريد الصيام. فقال صلى الله عليه وسلم: (وأنا أصبح جنبا
وأنا أريد الصيام. فأغتسل وأصوم) فقال له الرجل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنك لست مثلنا. قد
غفر الله لك ما نقدم من ذنبك وما تأخر. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (والله. إني لأرجو
أن أكون أخشاكم لله. وأعلمكم بما أتقى).
أخرجه مسلم في: 13 - كتاب الصيام، 13 - باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، حديث 79.
10 - وحدثني عن مالك، عن عبد ربه بن سعيد، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث
289

ابن هشام، عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم، أنهما قالتا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح
جنبا من جماع، غير احتلام، في رمضان. ثم يصوم.
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 25 - باب اغتسال الصائم.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 13 - باب صحة صوم من طلع الفجر وهو جنب، حديث 78.
11 - وحدثني عن مالك عن سمى، مولى أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام،
أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يقول: كنت أنا وأبى عند مروان
ابن الحكم. وهو أمير المدينة. فذكر له أن أبا هريرة يقول: من أصبح جنبا أفطر ذلك
اليوم. فقال مروان: أقسمت عليك يا عبد الرحمن. لتذهبن إلى أمي المؤمنين، عائشة وأم سلمة.
فلتسألنهما عن ذلك. فذهب عبد الرحمن وذهبت معه. حتى دخلنا على عائشة. فسلم عليها،
ثم قال: يا أم المؤمنين. إنا كنا عند مروان بن الحكم. فذكر له أن أبا هريرة يقول:
من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم. قالت عائشة: ليس كما قال أبو هريرة. يا عبد الرحمن.
أترغب عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ فقال عبد الرحمن: لا. والله. قالت عائشة: فأشهد
على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح جنبا من جماع، غير احتلام، ثم يصوم ذلك اليوم.
قال: ثم خرجنا، حتى دخلنا على أم سلمة. فسألها عن ذلك. فقالت مثل ما قالت عائشة.
قال: فخرجنا حتى جئنا مروان بن الحكم. فذكر له عبد الرحمن ما قالتا. فقال مروان:
أقسمت عليك يا أبا محمد. لتركبن دابتي، فإنها بالباب. فلتذهبن إلى أبي هريرة. فإنه
بأرضه بالعقيق، فلتخبرنه ذلك. فركب عبد الرحمن، وركبت معه، حتى أتينا أبا هريرة.
فتحدث معه عبد الرحمن ساعة. ثم ذكر له ذلك. فقال له أبو هريرة: لا علم لي بذاك.
290

إنما أخبرنيه مخبر.
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 22 - باب الصائم يصبح جنبا.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 13 - باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، حديث 75
12 - وحدثني عن مالك، عن سمى مولى أبى بكر، عن أبي بكر بن عبد الرحمن،
عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم، أنهما قالتا: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصبح جنبا من
جماع، غير احتلام، ثم يصوم.
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 22 - باب الصائم يصبح جنبا.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 13 - باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، حديث 78.
(5) باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم
13 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رجلا قبل
امرأته وهو صائم، في رمضان. فوجد من ذلك وجدا شديدا. فأرسل امرأته تسأل له عن
ذلك. فدخلت على أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم. فذكرت ذلك لها. فأخبرتها أم سلمة: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم. فرجعت فأخبرت زوجها بذلك. فزاده ذلك شرا. وقال:
لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم. الله يحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء. ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة.
فوجدت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما لهذه المرأة؟) فأخبرته أم سلمة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرتيها أنى أفعل ذلك؟) فقالت: قد أخبرتها. فذهبت إلى
زوجها فأخبرته. فزاده ذلك شرا. وقال: لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم. الله يحل لرسوله صلى الله عليه وسلم
291

ما شاء. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: (والله. إني لاتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده).
هذا مرسل عند جميع الرواة. وقد رواه الشافعي في الرسالة، رقم 1109 بتحقيق أحمد محمد شاكر.
14 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين (رض)،
أنها قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبل بعض أزواجه وهو صائم. ثم ضحكت.
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 24 - باب القبلة للصائم.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 12 - باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم
تحرك شهوته، حديث 62.
15 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل،
امرأة عمر بن الخطاب، كانت تقبل رأس عمر بن الخطاب وهو صائم. فلا ينهاها.
16 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر، مولى عمر بن عبيد الله، أن عائشة بنت طلحة
أخبرته: أنها كانت عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. فدخل عليها زوجها هنالك. وهو عبد الله
ابن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. وهو صائم. فقالت له عائشة: ما يمنعك أن تدنو
من أهلك فتقبلها وتلاعبها؟ فقال: أقبلها وأنا صائم؟ قالت: نعم.
17 - وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم، أن أبا هريرة وسعد بن أبي وقاص، كانا
يرخصان في القبلة للصائم.
292

(6) باب ما جاء في التشديد في القبلة للصائم
18 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت إذا ذكرت
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، تقول: وأيكم أملك لنفسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
بلاغ مالك هذا، وصله البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 23 - باب المباشرة للصائم.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 12 - باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك
شهوته، حديث 65.
قال يحيى، قال مالك، قال هشام بن عروة، قال عروة بن الزبير: لم أر القبلة للصائم
تدعو إلى خير.
19 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن عبد الله بن عباس
سئل عن القبلة للصائم؟ فأرخص فيها للشيخ. وكرهها للشاب.
20 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان ينهى عن القبلة والمباشرة
للصائم.
293

(7) باب ما جاء في الصيام في السفر
21 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود،
عن عبد الله بن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان. فصام
حتى بلغ الكديد. ثم أفطر، فأفطر الناس. وكانوا يأخذون بالأحدث، فالأحدث من أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 34 - باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 15 - باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، حديث 88
22 - وحدثني عن مالك، عن سمى مولى أبى بكر بن عبد الرحمن، عن أبي بكر بن
عبد الرحمن، عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في سفره،
عام الفتح، بالفطر. وقال: (تقووا لعدوكم) وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو بكر: قال الذي حدثني: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج يصب الماء على
رأسه من العطش أو من الحر. ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله. إن طائفة من الناس
قد صاموا حين صمت. قال: فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكديد، دعا بقدح فشرب،
فأفطر الناس.
أخرجه مسلم عن جابر في: 13 - كتاب الصيام، 15 - باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر،
حديث 90.

21 - (الكديد) موضع بينه وبين المدينة سبع مراحل أو نحوها، وبينه وبين مكة ثلاثة أو مرحلتان.
22 - (بالعرج) قرية جامعة على نحو ثلاث مراحل من المدينة.
294

23 - وحدثني عن مالك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، أنه قال: سافرنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان. فلم يعب الصائم على المفطر. ولا المفطر على الصائم.
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 37 - باب لم يعب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم بعضا في
الافطار.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 15 - باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، حديث 99.
24 - وحدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن حمزة بن عمرو
الأسلمي، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله. إني رجل أصوم. أفأصوم في السفر؟ فقال
له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شئت فصم. وإن شئت فأفطر).
أخرجه البخاري عن عائشة في: 30 - كتاب الصوم، 33 - باب الصوم في السفر والافطار.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 17 - باب التخيير في الصوم والفطر في السفر، حديث 104.
25 - وحدثني عن مالك عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان لا يصوم في السفر.
26 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان يسافر في رمضان.
ونسافر معه. فيصوم عروة، ونفطر نحن. فلا يأمرنا بالصيام.
295

(8) باب ما يفعل من قوم من سفر أو أراده في رمضان
27 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب كان، إذا كان في سفر
في رمضان، فعلم أنه داخل المدينة من أول يومه، دخل وهو صائم.
قال يحيى، قال مالك: من كان في سفر، فعلم أنه داخل على أهله من أول يومه، وطلع
له الفجر قبل أن يدخل. دخل وهو صائم.
قال مالك: وإذا أراد أن يخرج في رمضان، فطلع له الفجر وهو بأرضه، قبل أن يخرج.
فإنه يصوم ذلك اليوم.
قال مالك، في الرجل يقدم من سفره وهو مفطر، وامرأته مفطرة، حين طهرت من
حيضها في رمضان: أن لزوجها أن يصيبها إن شاء.
(9) باب كفارة من أفطر في رمضان
28 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، أن رجلا أفطر في رمضان. فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفر، بعتق رقبة، أو
صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا. فقال: لا أجد. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعرق تمر. فقال: (خذ هذا فتصدق به) فقال: يا رسول الله. ما أحد أحوج منى. فضحك

28 - (بعرق) هو المكتل. وسمى المكتل عرقا لأنه يضفر عرقة عرقة، والعرق جمع عرقة، كعلق
وعلقة. والعرقة الضفيرة من الخوص.
296

رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه. ثم قال: (كله).
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 30 - باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شئ، فتصدق
عليه، فليكفر.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 14 - باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، حديث 81.
29 - وحدثني عن مالك، عن عطاء بن عبد الله الخراساني، عن سعيد بن المسيب، أنه
قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب نحره، وينتف شعره، ويقول: هلك الأبعد.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما ذاك؟) فقال: أصبت أهلي، وأنا صائم في رمضان. فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تستطيع أن تعتق رقبة؟) فقال: لا. فقال (هل تستطيع أن تهدى
بدنة؟) قال: لا. قال: (فاجلس). فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر. فقال: (خذ هذا
فتصدق به) فقال: ما أحد أحوج منى. فقال: (كله، وصم يوما مكان ما أصبت).
قال مالك، قال عطاء، فسألت سعيد بن المسيب: كم في ذلك العرق من التمر؟ فقال:
ما بين خمسة عشر صاعا إلى عشرين.
قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث عند جماعة رواة الموطأ مرسلا.
وهو متصل بمعناه في وجوه صحاح.
إلا قوله (أن تهدى بدنة) فغير محفوظ.
قال مالك: سمعت أهل العلم يقولون: ليس على من أفطر يوما في قضاء رمضان بإصابة
أهله نهارا أو غير ذلك، الكفارة التي تذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيمن أصاب أهله نهارا
في رمضان. وإنما عليه قضاء ذلك اليوم.
قال مالك: وهذا أحب ما سمعت فيه إلي.

29 - (الأبعد) يعنى نفسه.
297

(10) باب ما جاء في حجامة الصائم
30 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يحتجم وهو صائم.
قال: ثم ترك ذلك بعد. فكان إذا صام، لم يحتجم، حتى يفطر.
31 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أن سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر،
كانا يحتجمان وهما صائمان.
32 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان يحتجم وهو صائم،
ثم لا يفطر.
قال: وما رأيته احتجم قط إلا وهو صائم.
قال مالك: لا تكره الحجامة للصائم، إلا خشية من أن يضعف. ولولا ذلك لم تكره.
ولو أن رجلا احتجم في رمضان. ثم سلم من أن يفطر. لم أر عليه شيئا. ولم آمره بالقضاء،
لذلك اليوم الذي احتجم فيه. لان الحجامة إنما تكره للصائم، لموضع التغرير بالصيام.
فمن احتجم وسلم من أن يفطر، حتى يمسى. فلا أرى عليه شيئا. وليس عليه قضاء ذلك اليوم.
298

(11) باب صيام يوم عاشوراء
33 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
أنها قالت: كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه
في الجاهلية. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، صامه، وأمر بصيامه. فلما فرض رمضان،
كان هو الفريضة. وترك يوم عاشوراء. فمن شاء صامه، ومن شاء تركه.
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 69 - باب صيام يوم عاشوراء.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 19 - باب صوم عاشوراء،، حديث 113.
34 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أنه سمع
معاوية بن أبي سفيان، يوم عاشوراء، عام حج، وهو على المنبر، يقول: يا أهل المدينة! أين
علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لهذا اليوم: (هذا يوم عاشوراء. ولم يكتب
عليكم صيامه. وأنا صائم. فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر).
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 69 - باب صيام يوم عاشوراء.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 19 - باب صوم يوم عاشوراء، حديث 126.
35 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب، أرسل إلى الحارث بن هشام:
أن غدا يوم عاشوراء. فصم وأمر أهلك أن يصوموا.
299

(12) باب صيام يوم الفطر والأضحى والدهر
36 - حدثني يحيى عن مالك، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن الأعرج، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم الأضحى.
أخرجه مسلم في: 13 - كتاب الصيام، 22 - باب النهى عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، حديث 139.
37 - وحدثني عن مالك، أنه سمع أهل العلم يقولون: لا بأس بصيام الدهر. إذا أفطر
الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها. وهي أيام منى، ويوم الأضحى، ويوم الفطر،
فيما بلغنا.
قال: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك.
(13) باب النهى عنه الوصال في الصيام
38 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
عن الوصال. فقالوا: يا رسول الله. فإنك تواصل؟ فقال: (إني لست كهيئتكم. إني أطعم
وأسقى).
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 20 - باب بركة السحور من غير إيجاب.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 11 - باب النهى عن الوصال في الصوم، حديث 56.

37 - (أيام منى) ثلاثة، بعد يوم النحر.
38 - (نهى عن الوصال) الوصال في الصوم هو أن لا يفطر يومين أو أياما.
300

39 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والوصال. إياكم والوصال). قالوا: فإنك تواصل؟ يا رسول الله.
قال: (إني لست كهيئتكم. إني أبيت يطعمني ربى ويسقيني).
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 49 - باب التنكيل لمن أكثر الوصال.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 11 - باب النهى عن الوصال في الصوم، حديث 58.
(14) باب صيام الذي يقتل خطأ أو يتظاهر
40 - حدثني يحيى، وسمعت مالكا يقول: أحسن ما سمعت فيمن ووجب عليه صيام
شهرين متتابعين، في قتل خطأ أو تظاهر، فعرض له مرض يغلبه ويقطع عليه صيامه، أنه،
إن صح من مرضه وقوى على الصيام، فليس له أن يؤخر ذلك. وهو يبنى على ما قد مضى
من صيامه.
وكذلك المرأة التي يجب عليها الصيام في قتل النفس خطا. إذا حاضت بين ظهري صيامها
أنها، إذا طهرت، لا تؤخر الصيام. وهي تبنى على ما قد صامت.
وليس لاحد وجب عليه صيام شهرين متتابعين في كتاب الله، أن يفطر إلا من علة:
مرض، أو حيضة. وليس له أن يسافر فيفطر.
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.

40 - (أو تظاهر) ظاهر من امرأته ظهارا. مثل قاتل قتالا، وتظهر. إذا قال لها أنت علي كظهر أمي. قيل
إنما خص ذلك بذكر الظهر لان الظهر من الدابة موضع الركوب. والمرأة مركوبة، وقت الغشيان. فركوب
الأم مستعار من ركوب الدابة. ثم شبه ركوب الزوجة بركوب الأم الذي هو ممتنع. وهو استعارة لطيفة. فكأنه
قال ركوبك للنكاح حرام علي اه‍. مصباح.
301

(15) باب ما يفعل المريض في صيامه
41 - قال يحيى: سمعت مالكا يقول: الامر الذي سمعت من أهل العلم، أن المريض
إذا أصابه المرض الذي يشق عليه الصيام معه، ويتعبه، ويبلغ ذلك منه، فإن له أن يفطر.
وكذلك المريض الذي اشتد عليه القيام في الصلاة، وبلغ منه، وما الله أعلم بعذر ذلك من
العبد، ومن ذلك ما لا تبلغ صفته. فإذا بلغ ذلك، صلى وهو جالس. ودين الله يسر.
وقد أرخص الله للمسافر، في الفطر في السفر. وهو أقوى على الصيام من المريض.
قال الله تعالى في كتابه - فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر - فأرخص
الله للمسافر، في الفطر في السفر. وهو أقوى على الصوم من المريض.
فهذا أحب ما سمعت إلي. وهو الامر المجتمع عليه.
(16) باب النذر في الصيام والصيام عنه الميت
42 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن رجل نذر
صيام شهر. هل له أن يتطوع؟ فقال سعيد: ليبدأ بالنذر قبل أن يتطوع.
قال مالك: وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك.
قال مالك: من مات وعليه نذر من رقبة يعتقها، أو صيام، أو صدقة، أو بدنة، فأوصى

42 - (أو بدنة) البدنة: البعير، ذكرا كان أو أنثى، يهديها.
(يبدي) يقدم.
302

بأن يوفى ذلك عنه من ماله، فإن الصدقة والبدنة في ثلثه. وهو يبدي على ما سواه من الوصايا
إلا ما كان مثله. وذلك أنه ليس الواجب عليه من النذور وغيرها، كهيئة ما يتطوع به مما
ليس بواجب. وإنما يجعل ذلك في ثلثه خاصة. دون رأس ماله. لأنه لو جاز له ذلك في رأس
ماله لاخر المتوفى مثل ذلك من الأمور الواجبة عليه، حتى إذا حضرته الوفاة، وصار المال
لورثته، سمى مثل هذه الأشياء التي لم يكن يتقاضاها منه متقاض. فلو كان ذلك جائزا له،
أخر هذه الأشياء. حتى إذا كان عند موته سماها وعسى أن يحيط بجميع ماله. فليس ذلك له.
43 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يسأل: هل يصوم أحد
عن أحد أو يصلى أحد عن أحد؟ فيقول: لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد.
(17) باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات
44 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أخيه خالد بن أسلم، أن عمر بن
الخطاب أفطر ذات يوم في رمضان. في يوم ذي غيم. ورأي أنه قد أمسى وغابت الشمس
فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين. طلعت الشمس. فقال عمر: الخطب يسير. وقد اجتهدنا.
قال مالك: يريد بقوله (الخطب يسير) القضاء، فيما نرى، والله أعلم. وخفة مؤونته
ويسارته. يقول: نصوم يوما مكانه.
303

45 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: يصوم قضاء رمضان
متتابعا، من أفطره من مرض أو في سفر.
46 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أن عبد الله بن عباس، وأبا هريرة اختلفا
في قضاء رمضان. فقال أحدهما: يفرق بينه. وقال الآخر: لا يفرق بينه. لا أدرى أيهما
قال: يفرق بينه.
47 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: من استقاء
وهو صائم، فعليه القضاء. ومن ذرعه القئ، فليس عليه القضاء.
48 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب يسأل عن
قضاء رمضان. فقال سعيد: أحب إلي أن لا يفرق قضاء رمضان. وأن يواتر.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: فيمن فرق قضاء رمضان فليس عليه إعادة وذلك
مجزئ عنه. وأحب ذلك إلي أن يتابعه.
قال مالك: من أكل أو شرب في رمضان، ساهيا أو ناسيا، أو ما كان من صيام واجب
عليه، أن عليه قضاء يوم مكانه

47 - (استقاء) تكلف القئ. (ذرعه) غلبه وسبقه.
48 - (يواتر) أي يتابعه. يقال تواترت الخيل إذا جاءت يتبع بعضها بعضا.
304

49 - وحدثني عن مالك، عن حميد بن قيس المكي، أنه أخبره، قال: كنت مع مجاهد
وهو يطوف بالبيت. فجاءه انسان فسأله عن صيام أيام الكفارة أمتتابعات أم يقطعها؟
قال حميد: فقلت له: نعم يقطعها إن شاء. قال مجاهد: لا يقطعها فإنها في قراءة أبي بن كعب
ثلاثة أيام متتابعات.
قال مالك: وأحب إلى أن يكون، ما سمى الله في القرآن، يصام متتابعا.
وسئل مالك، عن المرأة تصبح صائمة في رمضان، فتدفع دفعة من دم عبيط في غير أوان
حيضها. ثم تنتظر حتى تمسى أن ترى مثل ذلك. فلا ترى شيئا. ثم تصبح يوما آخر فتدفع
دفعة أخرى وهي دون الأولى. ثم ينقطع ذلك عنها قبل حيضتها بأيام. فسئل مالك:
كيف تصنع في صيامها وصلاتها؟ قال مالك: ذلك الدم من الحيضة. فإذا رأته فلتفطر.
ولتقض ما أفطرت. فإذا ذهب عنها الدم فلتغتسل. وتصوم.
وسئل عمن أسلم في آخر يوم من رمضان: هل عليه قضاء رمضان كله أو يجب عليه قضاء
اليوم الذي أسلم فيه؟ فقال: ليس عليه قضاء ما مضى. وإنما يستأنف الصيام فيما يستقبل.
وأحب إلى أن يقضى اليوم الذي أسلم فيه.

49 - (فتدفع دفعة) بضم الدال اسم لما يدفع بحرة. وبالفتح المرة الواحدة. (عبيط) أي طري
خالص لا خلط فيه.
305

(18) باب قضاء التطوع
50 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، أن عائشة وحفصة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم
أصبحتا صائمتين متطوعتين فأهدى لهما طعام. فأفطرتا عليه. فدخل عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت عائشة، فقالت حفصة وبدرتني بالكلام، وكانت بنت أبيها: يا رسول الله. إني
أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين. فأهدى إلينا طعام فأفطرنا عليه. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (اقضيا مكانه يوما آخر).
قال ابن عبد البر: لا يصح عن مالك إلا المرسل.
وقد وصله أبو داود في: 14 - كتاب الصوم، 73 - باب من رأى عليه القضاء.
والترمذي في: 6 - كتاب الصوم، 63 - باب ما جاء في إيجاب القضاء.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: من أكل أو شرب ساهيا أو ناسيا في صيام تطوع
فليس عليه قضاء. وليتم يومه الذي أكل فيه أو شرب وهو متطوع. ولا يفطره. وليس
على من أصابه أمر، يقطع صيامه وهو متطوع، قضاء. إذا كان إنما أفطر من عذر، غير متعمد
للفطر. ولا أرى عليه قضاء صلاة نافلة. إذا هو قطعها من حدث لا يستطيع حبسه، مما يحتاج
فيه إلى الوضوء. قال مالك: ولا ينبغي أن يدخل الرجل في شئ من الأعمال الصالحة: الصلاة
والصيام، والحج، وما أشبه هذا من الأعمال الصالحة التي يتطوع بها الناس. فيقطعه حتى
يتمه على سنته: إذا كبر لم ينصرف حتى يصلى ركعتين. وإذا صام لم يفطر حتى يتم صوم
يومه. وإذا أهل لم يرجع حتى يتم حجه. وإذا دخل في الطواف لم يقطعه حتى يتم سبوعه.

50 - (بدرتني) أي سبقتني. (بنت أبيها) أي في المسارعة في الخير.
306

ولا ينبغي أن يترك شيئا من هذا إذا دخل فيه حتى يقضيه. إلا من أمر يعرض له. مما يعرض
للناس. من الأسقام التي يعذرون بها. والأمور التي يعذرون بها. وذلك أن الله تبارك وتعالى
يقول في كتابه - وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من
الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل - فعليه إتمام الصيام. كما قال الله. وقال الله تعالى - وأتموا
الحج والعمرة لله - فلو أن رجلا أهل بالحج تطوعا. وقد قضى الفريضة. لم يكن له أن يترك
الحج بعد أن دخل فيه. ويرجع حلالا من الطريق. وكل أحد دخل في نافلة، فعليه إتمامها
إذا دخل فيها. كما يتم الفريضة. وهذا أحسن ما سمعت.
(19) باب فدية من أفطر في رمضان من علة
51 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن أنس بن مالك كبر حتى كان لا يقدر على
الصيام. فكان يفتدى.
قال مالك: ولا أرى ذلك واجبا. وأحب إلى أن يفعله إذا كان قويا عليه. فمن فدى،
فإنما يطعم، مكان كل يوم، مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم

(الخيط الأبيض) بياض النهار. (الخيط الأسود) سواد الليل. (أهل) أي أحرم.
51 - (كبر) أي أسن. (يفتدى) يطعم عن كل يوم مسكينا.
307

52 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن عمر سئل عن المراة الحامل، إذا خافت
على ولدها واشتد عليها الصيام؟ قال: تفطر، وتطعم، مكان كل يوم، مسكينا. مدا من
حنطة بمد النبي صلى الله عليه وسلم.
قال مالك: وأهل العلم يرون عليها القضاء كما قال الله عز وجل - فمن كان منكم
مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر - ويرون ذلك مرضا من الأمراض مع الخوف على ولدها.
53 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، أنه كان يقول: من
كان عليه قضاء رمضان فلم يقضه، وهو قوى على صيامه، حتى جاء رمضان آخر. فإنه يطعم،
مكان كل يوم: مسكينا. مدا من حنطة. وعليه مع ذلك القضاء.
وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن سعيد بن جبير مثل ذلك.
(20) باب جامع قضاء الصيام
54 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه
سمع عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: إن كان ليكون علي الصيام من رمضان. فما أستطيع
أصومه حتى يأتي شعبان.
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 40 - باب متى يقضى قضاء رمضان.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 26 - باب قضاء رمضان في شعبان، حديث 151.
308

(21) باب صيام اليوم الذي يشك فيه
55 - حدثني يحيى عن مالك، انه سمع أهل العلم ينهون ان يصام اليوم الذي يشك فيه
من شعبان. إذا نوى به صيام رمضان. ويرون أن على من صامه، على غير رؤية، ثم جاء الثبت
أنه من رمضان، أن عليه قضاءه. ولا يرون، بصيامه تطوعا، بأسا.
قال مالك: وهذا الامر عندنا. والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا.
(22) باب جامع الصيام
56 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن أبي سلمة
ابن عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، انها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى
نقول لا يفطر. ويفطر حتى نقول لا يصوم. وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر
قط إلا رمضان. وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان.
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 52 - باب صوم شعبان.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 34 - باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان، حديث 175.

55 - (ثم جاء الثبت) رجل ثبت متثبت في أموره. وثبت في الحرب فهو ثبيت مثال قرب فهو قريب.
والاسم ثبت. ومنه قيل للحجة ثبت. ورجل ثبت إذا كان عدلا ضابطا. والجمع أثبات مثل سبب وأسباب.
309

57 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال (الصيام جنة. فإذا كان أحدكم صائما، فلا يرفث. ولا يجهل. فإن أمروا قاتله
أو شاتمه، فليقل: إني صائم. إني صائم).
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 2 - باب فضل الصوم
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 30 - باب فضل الصيام، حديث 163.
58 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده. لخلوف فم الصائم أطيب عنده الله من ريح المسك. إنما
يذر شهوته وطعامه وشرابه من أجلى. فالصيام لي وانا أجزى به. كل حسنة بعشر أمثالها
إلى سبعمائة ضعف. إلا الصيام فهو لي. وأنا أجزى به).
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 2 - باب فضل الصوم.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 30 - باب فضل الصيام، حديث 163.
59 - وحدثني عن مالك، عن عمه أبى سهيل بن مالك، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنه

57 - (جنة) أي وقاية وسترة. قيل من المعاصي لأنه يكسر الشهوة ويضعفها. ولذا قيل إنه لجام المتقين
وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين. وقيل: جنة من النار. وبه جزم ابن عبد البر لأنه إمساك عن الشهوات،
والنار محفوفة بها. (لا يرفث) أي لا يفحش ويتكلم بالكلام القبيح. ويطلق أيضا على الجماع ومقدماته.
وعلى ذكره مع النساء. (ولا يجهل) أي لا يفعل فعل الجهال. كصياح وسفه وسخرية. ونحو ذلك.
(قاتله) قال عياض: قاتله دافعه ونازعه. ويكون بمعنى شاتمه ولاعنه.
58 - (لخلوف) تغير رائحة الفم. (يذر) يترك.
59 - (وصفدت) غلت.
310

قال: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة. وغلقت أبواب النار. وصفدت الشياطين.
كذا وقع هنا موقوفا.
وقد أخرجه، موصولا، البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 5 - باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 1 - باب فضل شهر رمضان، حديث 1.
60 - وحدثني عن مالك، أنه سمع أهل العلم لا يكرهون السواك للصائم في رمضان.
في ساعة من ساعات النهار. لا في أوله ولا في آخره. ولم أسمع أحدا من أهل العلم يكره
ذلك ولا ينهى عنه.
قال يحيى: وسمعت مالكا يقول، في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان، إنه لم ير
أحدا من أهل العلم والفقه يصومها. ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف. وإن أهل العلم
يكرهون ذلك. ويخافون بدعته. وأن يلحق، برمضان ما ليس منه، أهل الجهالة والجفاء
لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم. ورأوهم يعملون ذلك.
وقال يحيى: سمعت مالكا يقول: لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه. ومن يقتدى به.
ينهى عن صيام يوم الجمعة. وصيامه حسن. وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه. وأراه
كان يتحراه.
311

بسم الله الرحمن الرحيم
19 - كتاب الاعتكاف
(1) باب ذكر الاعتكاف
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عمرة بنت
عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا اعتكف
يدنى إلى رأسه فأرجله. وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الانسان.
أخرجه البخاري في: 33 - كتاب الاعتكاف، 3 - باب لا يدخل البيت إلا لحاجة
ومسلم في: 3 - كتاب الحيض، 3 - باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله، حديث 6.
2 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن عائشة كانت
إذا اعتكفت، لا تسأل عن المريض. إلا وهي تمشى. لا تقف.
قال مالك: لا يأتي المعتكف حاجته. ولا يخرج لها. ولا يعين أحدا. إلا أن يخرج
لحاجة الانسان. ولو كان خارجا لحاجة أحد، لكان أحق ما يخرج إليه عيادة المريض،
والصلاة على الجنائز واتباعها.
قال مالك: لا يكون المعتكف معتكفا، حتى يجتنب ما يجتنب المعتكف. من عيادة

1 - (فأرجله) أمشط شعره وأنظفه وأحسنه. فهو من مجاز الحذف. لان الترجيل للشعر، لا للرأس.
(لحاجة الانسان) أي البول والغائط.
312

المريض. والصلاة على الجنائز. ودخول البيت، إلا لحاجة الانسان.
3 - وحدثني عن مالك، أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يعتكف. هل يدخل لحاجته
تحت سقف؟ فقال: نعم. لا بأس بذلك.
قال مالك: الامر عندنا الذي لا اختلاف فيه. أنه لا يكره الاعتكاف في كل مسجد
يجمع فيه. ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها.، إلا كراهية أن يخرج
المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه، إلى الجمعة أو يدعها. فإن كان مسجدا لا يجمع
فيه الجمعة، ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه، فإني لا أرى بأسا بالاعتكاف
فيه. لان الله تبارك وتعالى قال - وأنتم عاكفون في المساجد - فعم الله المساجد كلها.
ولم يخص شيئا منها.
قال مالك: فمن هنالك جاز له ان يعتكف في المساجد، التي لا يجمع فيها الجمعة. إذا
كان لا يجب عليه أن يخرج منه إلى المسجد الذي تجمع فيه الجمعة.
قال مالك: ولا يبيت المعتكف إلا في المسجد الذي اعتكف فيه إلا أن يكون خباؤه
في رحبة من رحاب المسجد.
ولم أسمع أن المعتكف يضرب بناء يبيت فيه. إلا في المسجد. أو في رحبة من رحاب
المسجد.
ومما يدل على أنه لا يبيت إلا في المسجد، قول عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف

3 - (يجمع فيه) أي يصلى فيه الجمعة. (خباؤه) أي خيمته. (رحبة من رحاب المسجد) أي صحنه
(ولا في المنار) المنار العلم الذي يهتدى به. أطلقه على المنارة التي يؤذن عليها، بجامع الاهتداء.
313

لا يدخل البيت إلا لحاجة الانسان.
ولا يعتكف فوق ظهر المسجد. ولا في المنار. يعنى الصومعة.
وقال مالك: يدخل المعتكف المكان الذي يريد أن يعتكف فيه، قبل غروب الشمس
من الليلة التي يريد أن يعتكف فيها. حتى يستقبل باعتكافه أول الليلة التي يريد أن يعتكف
فيها. والمعتكف مشتغل باعتكافه. لا يعرض لغيره مما يشتغل به من التجارات، أو غيرها
ولا بأس بان يأمر المعتكف ببعض حاجته بضيعته، ومصلحة أهله، وان يأمر ببيع ماله.
أو بشئ لا يشغله في نفسه، فلا بأس بذلك إذا كان خفيفا، أن يأمر بذلك من يكفيه
إياه.
قال مالك: لم أسمع أحدا من أهل العلم يذكر في الاعتكاف شرطا، وإنما الاعتكاف
عمل من الاعمال. مثل الصلاة والصيام والحج. وما أشبه ذلك من الاعمال. ما كان من ذلك
فريضة أو نافلة. فمن دخل في شئ من ذلك فإنما يعمل بما مضى من السنة. وليس له أن
يحدث في ذلك غير ما مضى عليه المسلمون. لا من شرط يشترطه ولا يبتدعه. وقد اعتكف
رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعرف المسلمون سنة الاعتكاف.
قال مالك: والاعتكاف والجوار سواء. والاعتكاف للقروي والبدوي سواء.
314

(2) باب ما لا يجوز الاعتكاف إلا به
4 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن القاسم بن محمد، ونافعا مولى عبد الله بن عمر،
قالا: لا اعتكاف إلا بصيام. بقول الله تبارك وتعالى في كتابه - وكلوا واشربوا حتى يتبين
لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن
وأنتم عاكفون في المساجد - فإنما ذكر الله الاعتكاف مع الصيام.
قال مالك: وعلى ذلك، الامر عندنا. أنه لا اعتكاف إلا بصيام.
(3) باب خروج المعتكف للعبد
5 - حدثني يحيى عن زياد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا مالك، عن سمى مولى أبى بكر
ابن عبد الرحمن، أن أبا بكر بن عبد الرحمن اعتكف. فكان يذهب لحاجته تحت سقيفة.
في حجرة مغلقة. في دار خالد بن الوليد. ثم لا يرجع حتى يشهد العيد مع المسلمين.
6 - حدثني يحيى عن زياد عن مالك، أنه رأى بعض أهل العلم، إذا اعتكفوا العشر
الأواخر من رمضان، لا يرجعون إلى أهاليهم، حتى يشهدوا الفطر مع الناس.

4 - (بقول) أي بسبب قول. (الخيط الأبيض) بياض الصبح. (الخيط الأسود) سواد
الليل. (من الفجر) بيان للخيط الأبيض. (ولا تباشروهن) ولا تجامعوهن. (وأنتم عاكفون)
معتكفون،
315

قال زياد، قال مالك: وبلغني ذلك عن أهل الفضل الذين مضوا. وهذا أحب ما سمعت
إلى في ذلك.
(4) باب قضاء الاعتكاف
7 - حدثني زياد عن مالك، عن ابن شهاب، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف. فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه. وجد
أخبية: خباء عائشة. وخباء حفصة. وخباء زينب. فلما رآها، سأل عنها. فقيل له: هذا خباء
عائشة، وحفصة، وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البر تقولون بهن؟) ثم انصرف، فلم
يعتكف. حتى اعتكف عشرا من شوال.
أخرجه البخاري في: 33 - كتاب الاعتكاف، 7 - باب الأخبية في المسجد.
ومسلم في: 14 - كتاب الاعتكاف، 2 - باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه، حديث 6.
وسئل مالك: عن رجل دخل المسجد لعكوف في العشر الأواخر من رمضان. فأقام يوما
أو يومين. ثم مرض. فخرج من المسجد. أيجب عليه أن يعتكف ما بقي من العشر، إذا صح.
أم لا يجب ذلك عليه. وفى أي شهر يعتكف. إن وجب عليه ذلك؟ فقال مالك: يقضى

7 - (أخبية) جمع خباء. خيمة من وبر أو صوف، على عمودين أو ثلاثة. (البر) بهمزة استفهام
ممدودة. والنصب مفعول مقدم لقوله تقولون. (تقولون) أي تظنون. والقول يطلق على الظن. قال الأعشى.
أما الرحيل فدون بعد غد * فمتى تقول الدار تجمعنا؟
(بهن) أي متلبسا بهن.
316

ما وجب عليه من عكوف. إذا صح في رمضان أو غيره. وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أراد العكوف في رمضان. ثم رجع فلم يعتكف. حتى إذا ذهب رمضان، اعتكف عشرا
من شوال.
هو الحديث الذي أسنده أولا صحيحا.
فمن هنا ونحوه يعلم أنه يطلق البلاغ على الصحيح.
ولذا قال الأئمة: بلاغات مالك صحيحة.
والمتطوع في الاعتكاف في رمضان، والذي عليه الاعتكاف، أمرهما واحد. فيما يحل
لهما، ويحرم عليهما. ولم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اعتكافه إلا تطوعا.
قال مالك، في المرأة: إنها إذا اعتكفت، ثم حاضت في اعتكافها، إنها ترجع إلى بيتها.
فإذا طهرت رجعت إلى المسجد. أية ساعة طهرت. ثم تبنى على ما مضى من اعتكافها. ومثل
ذلك، المراة. يجب عليها صيام شهرين متتابعين. فتحيض، ثم تطهر. فتبنى على ما مضى
من صيامها. ولا تؤخر ذلك.
8 - وحدثني زياد عن مالك، عن ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذهب لحاجة
الانسان في البيوت.
أرسله هنا. وقدمه موصولا أول، الكتاب.
قال مالك: لا يخرج المعتكف مع جنازة أبويه، ولا مع غيرها.

8 - (نكاح الملك) أي العقد. (المسيس) الجماع. (تنكح) تخطب ويعقد عليها. (أهله)
حليلته، من زوجة وأمة. (يمس امرأته) مس التذاذ. لا كتفلية أو ترجيل أو غسل رأس أو نحو ذلك
بلا لذة. (ينكحا) يعقدا.
317

(5) باب النكاح في الاعتكاف
قال مالك: لا بأس بنكاح المعتكف نكاح الملك. ما لم يكن المسيس. والمرأة
المعتكفة أيضا، تنكح نكاح الخطبة. ما لم يكن المسيس. ويحرم على المعتكف من
أهله بالليل، ما يحرم عليه منهن بالنهار.
قال يحيى، قال زياد، قال مالك: ولا يحل لرجل أن يمس امرأته وهو معتكف. ولا
يتلذذ منها بقبلة ولا غيرها. ولم أسمع أحدا يكره للمعتكف ولا للمعتكفة ان ينكحا
في اعتكافهما. ما لم يكن المسيس. فيكره ولا يكره للصائم أن ينكح في صيامه. وفرق
بين نكاح المعتكف، ونكاح المحرم. أن المحرم يأكل، ويشرب، ويعود المريض،
ويشهد الجنائز، ولا يتطيب. والمعتكف والمعتكفة، يدهنان، ويتطيبان، ويأخذ كل
واحد منهما من شعره، ولا يشهدان الجنائز، ولا يصليان عليها، ولا يعودان المريض
فأمرهما في النكاح مختلف. وذلك، الماضي من السنة، في نكاح المحرم والمعتكف
والصائم.
318

(6) باب ما جاء في ليلة القدر
9 - حدثني زياد عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث
التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعتكف العشر الوسط من رمضان. فاعتكف عاما. حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين.
وهي الليلة التي يخرج فيها من صبحها من اعتكافه. قال: (من اعتكف معي فليعتكف
العشر الأواخر. وقد رأيت هذه الليلة. ثم أنسيتها. وقد رأيتني أسجد من صبحها في ماء
وطين. فالتمسوها في العشر الأواخر. والتمسوها في كل وتر).
قال أبو سعيد: فأمطرت السماء تلك الليلة. وكان المسجد على عريش. فوكف المسجد.
قال أبو سعيد: فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء
والطين. من صبح ليلة إحدى وعشرين.
أخرجه البخاري في: 33 - كتاب الاعتكاف، 1 - باب الاعتكاف في العشر الأواخر.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 40 - باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها، حديث 213.
10 - وحدثني زياد عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان).

9 - (الوسط) جمع وسطى. (وقد رأيت هذه الليلة) مفعول به، لا ظرف. أي رأيت ليلة القدر.
(على عريش) أي على العريش. وإلا فالعريش هو السقف. أي إنه كان مظللا بالخوص والجريد ولم يكن
محكم البناء بحيث يكن من المطر. (فوكف المطر) أي سال ماء المطر من سقفه.
10 - (تحروا) أي اطلبوا بالجد والاجتهاد.
319

أخرجه، موصولا عن عائشة، البخاري في: 32 - كتاب ليلة القدر، 3 - باب تحرى ليلة القدر في الوتر من
العشر الأواخر.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 40 - باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها، حديث 219.
11 - وحدثني زياد عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر).
أخرجه مسلم في: 13 - كتاب الصيام، 40 - باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها، حديث 206.
12 - وحدثني زياد عن مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، أن عبد الله بن
أنيس الجهني، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله. إني رجل شاسع الدار. فمرني ليلة أنزل
لها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انزل ليلة ثلاث وعشرين من رمضان).
قال ابن عبد البر: هذا منقطع.
وقد وصله مسلم في: 13 - كتاب الصيام، 40 - باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها، حديث 218.
13 - وحدثني زياد عن مالك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، أنه قال: خرج
علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان. فقال: (إني أريت هذه الليلة في رمضان. حتى تلاحى
رجلان. فرفعت. فالتمسوها في التاسعة. والسابعة. والخامسة).
قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في سنده ومتنه. وإنما الحديث لأنس عن عبادة بن الصامت.
أخرجه البخاري في: 32 - كتاب فضل ليلة القدر، 4 - باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحى الناس.

12 - (شاسع الدار) أي بعيدها.
13 - (تلاحى) تنازع وتخاصم وتشاتم. (فرفعت) أي رفع بيانها أو علم تعيينها من قلبي فنسيته
للاشتغال بالمتخاصمين.
320

14 - وحدثني زياد عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رجالا من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام. في السبع الأواخر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أرى
رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر. فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر).
أخرجه البخاري في: 32 - كتاب فضل ليلة القدر، 2 - باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 40 - باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها، حديث 205.
15 - وحدثني زياد عن مالك، أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أرى أعمار الناس قبله. أو ما شاء الله من ذلك. فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا
من العمل، مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر، خير من ألف شهر.
16 - وحدثني زياد عن مالك، أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: من شهد
العشاء من ليلة القدر، فقد أخذ بحظه منها.

14 - (تواطأت) أي توافقت.
15 - قال ابن عبد البر: هذا أحد الأحاديث الأربعة التي لا توجد في غير الموطأ. لا مسندا ولا مرسلا.
والثاني (إني لانسى أو أنسى لأسن) والثالث (إذا نشأت بحرية) وتقدما. والرابع (قوله لمعاذ: حسن خلقك للناس)
قال: وليس منها حديث منكر، ولا ما يدفعه أصل.
16 - قال ابن عبد البر: قول ابن المسيب لا يكون رأيا، ولا يؤخذ إلا توفيقا. ومراسيله أصح المراسيل.
321

بسم الله الرحمن الرحيم
20 - كتاب الحج
(1) باب الغسل للاهلال
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن أسماء بنت عميس،
أنها ولدت محمد بن أبي بكر بالبيداء. فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال:
(مرها فلتغتسل، ثم لتهل).
وصله مسلم في: 15 - كتاب الحج، 16 - باب إحرام النفساء واستحباب اغتسالها للاحرام، حديث 109.
2 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن أسماء بنت
عميس ولدت محمد بن أبي بكر بذي الحليفة. فأمرها أبو بكر أن تغتسل، ثم تهل.
3 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يغتسل لاحرامه قبل أن
يحرم، ولدخوله مكة، ولوقوفه عشية عرفة.

1 - (البيداء) قال عياض: بيداء المدينة هي الشرف الذي أمام ذي الحليفة، في طريق مكة. التي روى
إحرام النبي صلى الله عليه وسلم منها. وهي أقرب إلى مكة من ذي الحليفة. (ثم لتهلل) أي تحرم وتلبي.
322

(2) باب غسل المحرم
4 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن
أبيه، أن عبد الله بن عباس، والمسور بن مخرمة، اختلفا بالأبواء. فقال عبد الله: يغسل
المحرم رأسه. وقال المسور بن مخرمة: لا يغسل المحرم رأسه. قال فأرسلني عبد الله بن
عباس إلى أبي أيوب الأنصاري. فوجدته يغتسل بين القرنين. وهو يستر بثوب. فسلمت
عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله بن حنين. أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك:
كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم؟ قال، فوضع أبو أيوب يده على الثوب،
فطأطأه حتى بدا لي رأسه، ثم قال لإنسان يصب عليه: اصبب. فصب على رأسه. ثم حرك
رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.
أخرجه البخاري في: 28 - كتاب جزاء الصيد، 14 - باب الاغتسال للمحرم.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 13 - باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه، حديث 91.
5 - وحدثني مالك عن حميد بن قيس، عن عطاء بن أبي رباح، أن عمر بن الخطاب قال
ليعلي بن منية، وهو يصب على عمر بن الخطاب ماء، وهو يغتسل: اصبب على رأسي. فقال
يعلى: أتريد أن تجعلها بي؟ إن أمرتني صببت. فقال له عمر بن الخطاب: اصبب. فلن يزيده
الماء إلا شعثا.

4 - (بالأبواء) جبل قرب مكة. وعنده بلدة تنسب إليه. (القرنين) تثنية قرن. وهما الخشبتان
القائمتان على رأس البئر وشبههما من البناء، ويمد بينهما خشبة يجر عليها الحبل المستقى به. ويعلق عليها البكرة.
(فطأطأه) أي خفض الثوب وأزاله عن رأسه.
5 - (أتريد أن تجعلها بي) أي تجعلني أفتيك، وتنحى الفتيا عن نفسك، إن كان في هذا شئ.
323

6 - وحدثني مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا دنا من مكة بات بذي طوى،
بين الثنيتين حتى يصبح. ثم يصلى الصبح. ثم يدخل من الثنية التي بأعلى مكة. ولا يدخل
إذا خرج حاجا أو معتمرا، حتى يغتسل، قبل أن يدخل مكة، إذا دنا من مكة بذي طوى.
ويأمر من معه فيغتسلون قبل أن يدخلوا.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 38 - باب الاغتسال عند دخول مكة.
7 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم
إلا من الاحتلام.
قال مالك: سمعت أهل العلم يقولون لا بأس أن يغسل الرجل المحرم رأسه بالغسول،
بعد أن يرمى جمرة العقبة. وقبل أن يحلق رأسه. وذلك أنه إذا رمى جمرة العقبة، فقد حل له
قتل القمل، وحلق الشعر، وإلقاء التفث، ولبس الثياب.
(3) باب ما ينهى عنه من لبس الثياب في الاحرام
8 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم:

6 - (بذي طوى) واد بقرب مكة، يعرف اليوم ببئر الزاهد.
7 - (الغسول) بوزن صبور هو كالغسل:، ما يغسل به الرأس من سدر وخطمي ونحوهما. (التفث) الوسخ.
8 - (القمص) جمع قميص. (ولا السراويلات) جمع سروال، فارسي معرب. (ولا البرانس) جمع برنس
قلنسوة طويلة. أو كل ثوب رأسه منه. دراعة كان أو جبة. (ولا الخفاف) جمع خف. (من الكعبين)
هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم. (ولا الورس) نبت أصفر طيب الريح يصبغ به.
324

ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا
السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف. إلا أحد لا يجد نعلين، فليلبس خفين، وليقطعهما
أسفل من الكعبين. ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 21 - باب مالا يلبس المحرم من الثياب.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 1 - باب ما يباح للمحرم وما لا يباح، حديث 1.
قال يحيى: سئل مالك عما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ومن لم يجد إزارا فليلبس
سراويل). فقال: لم أسمع بهذا. ولا أرى أن يلبس المحرم سراويل. لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى
عن لبس السراويلات، فيما نهى عنه من لبس الثياب التي لا ينبغي للمحرم أن يلبسها. ولم
يستثن فيها، كما استثنى في الخفين.
(4) باب لبس الثياب المصبغة في الاحرام
9 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بزعفران أو ورس. وقال: (من لم يجد نعلين
فليلبس خفين. وليقطعهما أسفل من الكعبين).
أخرجه البخاري في: 77 - كتاب اللباس، 37 - باب النعال السبتية وغيرها.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 1 - باب ما يباح للمحرم وما لا يباح، حديث 3.

9 - (أو ورس) نبت أصفر مثل نبات السمسم، طيب الريح، يصبغ به. بين الحمرة والصفرة. أشهر طيب
في بلاد اليمن.
325

10 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أنه سمع أسلم مولى عمر بن الخطاب يحدث عبد الله
ابن عمر: أن عمر بن الخطاب رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم. فقال عمر:
ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين. إنما هو مدر. فقال عمر:
إنكم أيها الرهط أئمة يقتدى بكم الناس. فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب، لقال:
إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الاحرام. فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا
من هذه الثياب المصبغة.
11 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر،
أنها كانت تلبس الثياب المعصفرات المشبعات وهي محرمة، ليس فيها زعفران.
قال يحيى: سئل مالك عن ثوب مسه طيب، ثم ذهب منه ريح الطيب، هل يحرم فيه؟
فقال: نعم. ما لم يكن فيه صباغ: زعفران أو ورس.
(12) باب لبس المحرم المنطقة
12 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يكره لبس المنطقة
للمحرم.

10 - (إنما هو مدر) المدر: الطين المتماسك.
11 - (المعصفرات المشبعات) التي لا ينفض صبغها.
12 - (المنطقة) ما يشد به الوسط.
326

13 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول،
في المنطقة يلبسها المحرم تحت ثيابه: أنه لا بأس بذلك، إذا جعل طرفيها جميعا سيورا.
يعقد بعضها إلى بعض.
قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك.
(6) باب تخمير المحرم وجهه
13 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، أنه قال:
أخبرني الفرافصة بن عمير الحنفي: أنه رأى عثمان بن عفان بالعرج، يغطى وجهه وهو محرم.
13 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: ما فوق الذقن من
الرأس، فلا يخمره المحرم.
14 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كفن ابنه، واقد بن عبد الله.
ومات بالجحفة محرما. وخمر رأسه ووجهه. وقال: لولا أنا حرم لطيبناه.
قال مالك: وإنما يعمل الرجل ما دام حيا. فإذا مات فقد انقضى العمل.

13 - (بالعرج) قرية على ثلاث مراحل من المدينة. (فلا يخمره) أي لا يغطيه.
14 - (حرم) محرمون.
327

15 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا تنتقب المرأة
المحرمة. ولا تلبس القفازين. 16 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، أنها قالت:
كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات. ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق.
(7) باب ما جاء في الطيب في الحج
17 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل أن يحرم. ولحله قبل
أن يطوف بالبيت.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 18 - باب الطيب عند الاحرام.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 7 - باب الطيب للمحرم عند الاحرام، حديث 33.
18 - وحدثني عن مالك، عن حميد بن قيس، عن عطاء بن أبي رباح، أن أعرابيا جاء
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحنين. وعلى الاعرابي قميص. وبه أثر صفرة. فقال: يا رسول الله
إني أهللت بعمرة. فكيف تأمرني أن أصنع؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انزع قميصك.

15 - (لا تنتقب) لا تلبس النقاب. وهو الخمار الذي تشده المرأة على الانف أو تحت المحاجر.
(القفازين) شئ يعمل لليدين يحشى بقطن تلبسهما المرأة للبرد. أو ما تلبسه المرأة في يديها فتغطى أصابعها
وكفيها عند معاناة الشئ.
328

واغسل هذه الصفرة عنك. وافعل في عمرتك ما تفعل في حجك).
وصله البخاري في: 25 - كتاب الحج، 17 - باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 1 - باب ما يباح للمحرم وما لا يباح، حديث 6.
19 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن أسلم مولى عمر بن الخطاب، أن عمر بن الخطاب
وجد ريح طيب وهو بالشجرة. فقال: ممن ريح هذا الطيب؟ فقال معاوية بن أبي سفيان:
منى يا أمير المؤمنين. فقال: منك؟ لعمر الله. فقال معاوية: إن أم حبيبة طيبتني يا أمير المؤمنين.
فقال عمر: عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه.
20 - وحدثني عن مالك، عن الصلت بن زبيد، عن غير واحد من أهله، أن عمر بن
الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة. وإلى جنبه كثير بن الصلت. فقال عمر: ممن ريح.
هذا الطيب؟ فقال كثير: منى يا أمير المؤمنين. لبدت رأسي وأردت أن لا أحلق. فقال عمر:
فاذهب إلى شربة. فأدلك رأسك حتى تنقيه. ففعل كثير بن الصلت.
قال مالك: الشربة حفير تكون عند أصل النخلة.
21 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، وعبد الله بن أبي بكر، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، أن الوليد بن عبد الملك سأل سالم بن عبد الله، وخارجة بن زيد بن ثابت،
بعد أن رمى الجمرة وحلق رأسه، وقبل أن يفيض، عن الطيب. فنهاه سالم وأرخص له
خارجة بن زيد بن ثابت.

19 - (وهو بالشجرة) سمرة بذي الحليفة على ستة أميال من المدينة.
329

قال مالك: لا بأس أن يدهن الرجل بدهن ليس فيه طيب قبل أن يحرم. وقبل أن
يفيض من منى بعد رمى الجمرة.
قال يحيى: سئل مالك: عن طعام فيه زعفران، هل يأكله المحرم؟ فقال: أما ما تمسه
النار من ذلك فلا بأس به أن يأكله المحرم. وأما ما لم تمسه النار من ذلك فلا يأكله
المحرم.
(8) باب مواقيت الاهلال
22 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(يهل أهل المدينة من ذي الحليفة. ويهل أهل الشام من الجحفة. ويهل أهل نجد من قرن)
قال عبد الله بن عمر وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ويهل أهل اليمن من يلملم).
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 8 - باب ميقات أهل المدينة.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 2 - باب مواقيت الحج والعمرة، حديث 13.
23 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة. وأهل الشام من الجحفة. وأهل نجد
من قرن.

22 - (من ذي الحليفة) قرية خربة بينها وبين مكة مائتا ميل. (من الجحفة) قرية خربة بينها وبين
مكة خمس مراحل أو ستة. (من قرن) جبل بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان. (يلملم) مكان
على مرحلتين من مكة. بينهما ثلاثون ميلا.
330

24 - قال عبد الله بن عمر: أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخبرت
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ويهل أهل اليمن من يلملم).
أخرجهما البخاري في: 96 - كتاب الاعتصام، 16 - باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 2 - باب مواقيت الحج والعمرة، حديث 15.
25 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر أهل من الفرع.
26 - وحدثني عن مالك، عن الثقة عنده، أن عبد الله بن عمر أهل من إيلياء.
27 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل من الجعرانة بعمرة.
أخرجه أبو داود في: 11 - كتاب الحج، 80 - باب المهلة بالعمرة تحيض فيدركها الحج فتنقض عمرتها.
والترمذي في: 7 - كتاب الحج، 92 - باب ما جاء في العمرة من الجعرانة.
والنسائي في: 24 - كتاب مناسك الحج، 104 - باب دخول مكة ليلا.
(9) باب العمل في الاهلال
28 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم
(لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك. والملك لا شريك لك).

25 - (الفرع) موضع بناحية المدينة.
26 - (إيلياء) بيت المقدس.
27 - (الجعرانة) موضع قريب من مكة.
28 - (تلبية) مصدر لبى. أي قال: لبيك.
331

قال: وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: لبيك لبيك. لبيك وسعديك. والخير بيديك
لبيك. والرغباء إليك والعمل.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 26 - باب التلبية.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 3 - باب التلبية وصفتها ووقتها، حديث 19.
29 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يصلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين. فإذا استوت به راحلته أهل.
أخرجه البخاري موصولا في: 25 - كتاب الحج، 2 - باب قوله تعالى: - يأتوك رجالا وعلى كل ضامر
يأتين من كل فج عميق.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 5 - باب الاهلال من حيث تنبعث الراحلة، حديث 29.
30 - وحدثني عن مالك، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله، أنه سمع أباه
يقول: بيداؤكم التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها. ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا
من عند المسجد. يعنى مسجد ذي الحليفة.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 20 - باب الاهلال عند مسجد ذي الحليفة.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 4 - باب أمر أهل المدينة بالاحرام من عند مسجد ذي الحليفة،
حديث 23.

(لبيك) لفظ مثنى عند سيبويه ومن تبعه. وهذه التثنية ليست حقيقية. بل للتكثير أو للمبالغة. ومعناه
إجابة بعد إجابة لازمة. (وسعديك) مثنى كلبيك. ومعناه ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة. وإسعاد
بعد إسعاد.
29 - (أهل) أي رفع صوته بالتلبية.
332

31 - وحدثني عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج، أنه
قال، لعبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن. رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها.
قال: وما هن يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين. ورأيتك تلبس
النعال السبتية. ورأيتك تصبغ بالصفرة. ورأيتك، إذا كنت بمكة، أهل الناس إذا
رأوا الهلال، ولم تهلل أنت حتى يكون يوم التروية. فقال عبد الله بن عمر: أما الأركان،
فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس إلا اليمانيين. وأما النعال السبتية، فإني رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يلبس النعل التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها. وأما الصفرة،
فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها. فأنا أحب أن أصبغ بها. وأما الاهلال، فإني لم أر
رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته.
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء، 30 - باب غسل الرجلين في النعلين، ولا يمسح على النعلين.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 5 - باب الاهلال من حيث تنبعث الراحلة، حديث 25.
32 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يصلى في مسجد ذي الحليفة.
ثم يخرج فيركب. فإذا استوت به راحلته، أحرم.
33 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الملك بن مروان أهل من عند مسجد
ذي الحليفة، حين استوت به راحلته. وأن أبان بن عثمان، أشار عليه بذلك.

31 - (السبتية) أي التي لا شعر فيها. مشتق من السبت وهو الحلق. أو لأنها سبتت بالدباغ، أي لانت،
(يوم التروية) ثامن ذي الحجة، لان الناس كانوا يروون فيه من الماء، أي يحملونه من مكة إلى عرفات
ليستعملوه شربا وغيره. (تنبعث به راحلته) أي تستوى قائمة إلى طريقه.
333

(10) باب رفع الصوت بالاهلال
34 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم،
عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام، عن خلاد بن السائب الأنصاري، عن أبيه،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل. فأمرني أن آمر أصحابي، أو من معي، أن يرفعوا
أصواتهم بالتلبية أو بالاهلال) يريد أحدهما.
أخرجه أبو داود في: 11 - كتاب الحج، 26 - باب كيف التلبية.
والترمذي في 7 - كتاب الحج، 15 - باب ما جاء في رفع الصوت بالتلبية.
والنسائي في: 24 - كتاب مناسك الحج، 55 - باب رفع الصوت بالاهلال.
وابن ماجة في: 25 - كتاب المناسك، 16 - باب رفع الصوت بالتلبية.
35 - وحدثني عن مالك، أنه سمع أهل العلم يقولون: ليس على النساء رفع الصوت
بالتلبية. لتسمع المرأة نفسها.
قال مالك: لا يرفع المحرم صوته بالاهلال في المساجد الجماعات. ليسمع نفسه ومن يليه.
إلا في المسجد الحرام ومسجد منى، فإنه يرفع صوته فيهما.
قال مالك: سمعت بعض أهل العلم يستحب التلبية دبر كل صلاة، وعلى كل شرف
من الأرض.

35 - (على كل شرف) مكان مرتفع.
334

(11) باب إفراد الحج
36 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن، عن عروة بن الزبير،
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع. فمنا من
أهل بعمرة. ومنا من أهل بحجة وعمرة. ومنا من أهل بالحج. وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج.
فأما من أهل بعمرة، فحل. وأما من أهل بحج، أو جمع الحج والعمرة، فلم يحلوا. حتى كان
يوم النحر.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 34 - باب التمتع والاقران والافراد بالحج.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 17 - باب بيان وجوه الاحرام، حديث 118.
37 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.
أخرجه مسلم في: 15 - كتاب الحج، 17 - باب بيان وجوه الاحرام، حديث 122.
38 - وحدثني عن مالك، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن، عن عروة بن الزبير،
عن عائشة أم المؤمنين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.
انظر الحديث رقم 36.
39 - وحدثني عن مالك، أنه سمع أهل العلم يقولون: من أهل بحج مفرد، ثم بدا له
أن يهل بعده بعمره، فليس له ذلك.
قال مالك، وذلك الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا.
335

(12) باب القران في الحج
40 - حدثني يحيى عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن المقداد بن
الأسود دخل على علي بن أبي طالب بالسقيا. وهو ينجع بكرات له دقيقا وخبطا. فقال:
هذا عثمان بن عفان ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة. فخرج علي بن أبي طالب وعلى يديه
أثر الدقيق والخبط. فما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه، حتى دخل على عثمان بن عفان.
فقال: أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟ فقال عثمان: ذلك رأيي. فخرج علي مغضبا،
وهو يقول: لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا.
قال مالك: الامر عندنا، أن من قرن الحج والعمرة، لم يأخذ من شعره شيئا، ولم يحلل
من شئ، حتى ينحر هديا. إن كان معه. ويحل بمنى يوم النحر.
41 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن عبد الرحمن، عن سليمان بن يسار، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، عام حجة الوداع، خرج إلى الحج. فمن أصحابه من أهل بحج. ومنهم من جمع الحج
والعمرة. ومنهم من أهل بعمرة. فأما من أهل بحج، أو جمع الحج والعمرة، فلم يحلل.
وأما من كان أهل بعمرة، فحلوا.
أرسله سليمان. وقد مر بالحديث رقم 36 أن أبا الأسود وصله عن عروة عن عائشة.

40 - (بالسقيا) قرية جامعة بطريق مكة. (ينجع) أي يسقى. (بكرات) جمع بكرة. ولد
الناقة، أو الفتى منها. (خبطا) ورق ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق أو غيره ويوخف بالماء
ويسقى للإبل.
336

42 - وحدثني عن مالك، أنه سمع بعض أهل العلم يقولون: من أهل بعمرة، ثم بدا
له أن يهل بحج معها، فذلك له. ما لم يطف بالبيت، وبين الصفا والمروة. وقد صنع ذلك
ابن عمر حين قال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم التفت
إلى أصحابه فقال: ما أمرهما إلا واحد. أشهدكم أنى أوجبت الحج مع العمرة.
أخرجه البخاري في: 27 - كتاب المحصر، 1 - باب إذا أحصر المعتمر.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 26 - باب جواز التحلل بالاحصار وجواز القرآن، حديث 180.
قال مالك: وقد أهل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع بالعمرة. ثم قال لهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (من كان معه هدى، فليهلل بالحج مع العمرة. ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا).
أخرجه البخاري عن عائشة في: 25 - كتاب الحج، 31 - باب كيف تهل الحائض والنفساء.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 17 - باب بيان وجوب الاحرام، حديث 111.
(13) باب قطع التلبية
43 - حدثني يحيى عن مالك، عن محمد بن أبي بكر الثقفي، أنه سأل أنس بن مالك،
وهما غاديان من منى إلى عرفة: كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: كان يهل المهل منا، فلا ينكر عليه. ويكبر المكبر، فلا ينكر عليه.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 86 - باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 16 - باب التلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات في
يوم عرفة، حديث 274.
337

44 - وحدثني عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن علي بن أبي طالب كان يلبى
في الحج. حتى إذا زاغت الشمس من يوم عرفة قطع التلبية.
قال يحيى، قال مالك: وذلك الامر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا.
45 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم، أنها كانت نترك التلبية إذا رجعت إلى الموقف.
46 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقطع التلبية في الحج إذا
انتهى إلى الحرم. حتى يطوف بالبيت. وبين الصفا والمروة. ثم يلبى حتى يغدو من منى إلى
عرفة. فإذا غدا ترك التلبية. وكان يترك التلبية في العمرة، إذا دخل الحرم.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 38 - باب الاغتسال عند دخول مكة.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 38 - باب استحباب المبيت بذي طوى، حديث 227.
47 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أنه كان يقول: كان عبد الله بن عمر لا يلبى
وهو يطوف بالبيت.
48 - وحدثني عن مالك، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة أم المؤمنين،
أنها كانت تنزل من عرفة بنمرة. ثم تحولت إلى الأراك.

48 - (بنمرة) موضع، قيل من عرفات، وقيل بقربها خارج عنها. (الأراك) موضع بعرفة من
ناحية الشام.
338

قالت: وكانت عائشة تهل ما كانت في منزلها. ومن كان معها. فإذا ركبت، فتوجهت
إلى الموقف. تركت الاهلال.
قالت: وكانت عائشة تعتمر بعد الحج من مكة في ذي الحجة. ثم تركت ذلك فكانت
تخرج قبل هلال المحرم. حتى تأتي الجحفة فتقيم بها حتى ترى الهلال. فإذا رأت الهلال،
أهلت بعمرة.
48 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن عمر بن عبد العزيز غدا يوم عرفة
من منى. فسمع التكبير عاليا. فبعث الحرس يصيحون في الناس، أيها الناس. إنها التلبية.
(14) باب إهلال أهل مكة ومن بها من غيرهم
49 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب،
قال: يا أهل مكة. ما شأن الناس يأتون شعثا وأنتم مدهنون؟ أهلوا، إذا رأيتم الهلال.
50 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، أن عبد الله بن الزبير أقام بمكة تسع
سنين. يهل بالحج لهلال ذي الحجة. وعروة بن الزبير معه يفعل ذلك.
قال يحيى، قال مالك: وإنما يهل أهل مكة وغيرهم بالحج إذا كانوا بها. ومن كان مقيما

(الحرس) جمع حارس. أي الأعوان.
49 - (شعثا) مغبرين، متلبدين. لعدم التعاهد بالدهن ونحوه.
339

بمكة من غير أهلها من جوف مكة لا يخرج من الحرم.
قال يحيى، قال مالك: ومن أهل من مكة بالحج، فليؤخر الطواف بالبيت. والسعي
بين الصفا والمروة. حتى يرجع من منى. وكذلك صنع عبد الله بن عمر.
وسئل مالك عمن أهل بالحج من أهل المدينة أو غيرهم من مكة، لهلال ذي الحجة،
كيف يصنع بالطواف؟ قال: أما الطواف الواجب، فليؤخره. وهو الذي يصل بينه وبين
السعي بين الصفاء والمروة. وليطف ما بدا له. وليصل ركعتين، كلما طاف سبعا. وقد فعل
ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أهلوا بالحج فأخروا الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا
والمروة، حتى رجعوا من منى. وفعل ذلك عبد الله بن عمر. فكان يهل لهلال ذي الحجة،
بالحج من مكة. ويؤخر الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، حتى يرجع من منى.
وسئل مالك: عن رجل من أهل مكة. هل يهل من جوف مكة بعمرة؟ قال: بل
يخرج إلى الحل فيحرم منه.
(15) باب مالا يوجب الاحرام منه تقليد الهدى
51 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد، عن عمرة بنت
عبد الرحمن، أنها أخبرته: أن زياد بن أبي سفيان، كتب إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن
عبد الله بن عباس قال: من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج، حتى ينحر الهدى.
وقد بعثت بهدى. فاكتبي إلي بأمرك. أو مري صاحب الهدى. قالت عمرة، قالت عائشة:
340

ليس كما قال ابن عباس. أنا فتلت قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي. ثم قلدها رسول الله
صلى الله عليه وسلم بيده. ثم بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي. فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ أحله الله
له، حتى نحر الهدى.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 109 - باب من قلد القلائد بيده.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 64 - باب استحباب بعث الهدى إلى الحرم، حديث 369.
52 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: سألت عمرة بنت عبد الرحمن
عن الذي يبعث بهديه ويقيم، هل يحرم عليه شئ؟ فأخبرتني أنها سمعت عائشة تقول:
لا يحرم إلا من أهل ولبى.
53 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي،
عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير، أنه رأى رجلا متجردا بالعراق. فسأل الناس عنه. فقالوا:
إنه أمر بهديه أن يقلد، فلذلك تجرد. قال ربيعة: فلقيت عبد الله بن الزبير، فذكرت له ذلك.
فقال: بدعة. ورب الكعبة.
وسئل مالك عمن خرج بهدى لنفسه، فأشعره وقلده بذي الحليفة، ولم يحرم هو حتى
جاء الجحفة. قال: لا أحب ذلك. ولم يصب من فعله. ولا ينبغي له أن يقلد الهدى، ولا
يشعره إلا عند الاهلال. إلا رجل لا يريد الحج، فيبعث به ويقيم في أهله.
وسئل مالك: هل يخرج بالهدى غير محرم؟ فقال: نعم. لا بأس بذلك.
وسئل أيضا: عما اختلف فيه الناس من الاحرام لتقليد الهدى، ممن لا يريد الحج
341

ولا العمرة فقال: الامر عندنا الذي نأخذ به في ذلك، قول عائشة أم المؤمنين: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعث بهديه ثم أقام. فلم يحرم عليه شئ مما أحله الله له، حتى نحر هديه.
(16) باب ما تفعل الحائض في الحج
54 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: المرأة الحائض
التي تهل بالحج أو العمرة، إنها تهل بحجها أو عمرتها إذا أرادت. ولكن لا تطوف بالبيت،
ولا بين الصفا والمروة، وهي تشهد المناسك كلها مع الناس. غير أنها لا تطوف بالبيت.
ولا بين الصفا والمروة. ولا تقرب المسجد حتى تطهر.
(17) باب العمرة في أشهر الحج
55 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثا: عام الحديبية،
وعام القضية، وعام الجعرانة.
56 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر
إلا ثلاثا: إحداهن في شوال. واثنتين في ذي القعدة.
342

57 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي، أن رجلا سأل سعيد
ابن المسيب فقال: أعتمر قبل أن أحج؟ فقال سعيد: نعم. قد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج.
أخرجه البخاري موصولا عن ابن عمر في: 26 - كتاب العمرة، 2 - باب من اعتمر قبل الحج.
58 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن أبي سلمة
استأذن عمر بن الخطاب أن يعتمر في شوال، فأذن له. فاعتمر ثم قفل إلى أهله، ولم يحج.
(18) باب قطع التلبية في العمرة
59 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان يقطع التلبية
في العمرة، إذا دخل الحرم.
قال مالك، فيمن أحرم من التنعيم: إنه يقطع التلبية حين يرى البيت.
قال يحيى: سئل مالك عن الرجل يعتمر من بعض المواقيت، وهو من أهل المدينة،
أو غيرهم. متى يقطع التلبية؟ قال: أما المهل من المواقيت فإنه يقطع التلبية إذا انتهى إلى الحرم.
قال: وبلغني أن عبد الله بن عمر كان يصنع ذلك.

57 - (أعتمر) بتقدير همزة الاستفهام.
343

(19) باب ما جاء في التمتع
60 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل
ابن عبد المطلب، أنه حدثه: أنه سمع سعد بن أبي وقاص، والضحاك بن قيس، عام حج
معاوية بن أبي سفيان، وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج. فقال الضحاك بن قيس:
لا يفعل ذلك إلا من جهل أمر الله عز وجل. فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي. فقال
الضحاك: فإن عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك. فقال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصنعناها معه.
نهى عمر عن التمتع، أخرجه البخاري عن أبي موسى في: 25 - كتاب الحج، 125 - باب الذبح قبل الحلق.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 22 - باب نسخ التحلل من الاحرام والامر بالتمام، حديث 154.
61 - وحدثني عن مالك، عن صدقة بن يسار، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: والله لان
أعتمر قبل الحج وأهدى، أحب إلى من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة.
62 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول:
من اعتمر في أشهر الحج في شوال، أو ذي القعدة، أو في ذي الحجة، قبل الحج. ثم أقام
بمكة حتى يدركه الحج، فهو متمتع، إن حج. وعليه ما استيسر من الهدى. فإن لم يجد
فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع.
قال مالك: وذلك إذا أقام حتى الحج، ثم حج من عامه.
344

قال مالك، في رجل من أهل مكة، انقطع إلى غيرها، وسكن سواها، ثم قدم معتمرا
في أشهر الحج، ثم أقام بمكة حتى أنشأ الحج منها: إنه متمتع يجب عليه الهدى. أو الصيام
إن لم يجد هديا. وأنه لا يكون مثل أهل مكة.
وسئل مالك، عن رجل من غير أهل مكة، دخل مكة بعمرة في أشهر الحج. وهو يريد
الإقامة بمكة حتى ينشئ الحج. أمتمتع هو؟ فقال: نعم. هو متمتع. وليس هو مثل أهل
مكة. وإن أراد الإقامة. وذلك، أنه دخل مكة، وليس هو من أهلها وإنما الهدى أو الصيام
على من لم يكن من أهل مكة. وأن هذا الرجل يريد الإقامة. ولا يدرى ما يبدو له بعد ذلك.
وليس هو من أهل مكة.
63 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: من
اعتمر في شوال، أو ذي القعدة، أو في ذي الحجة، ثم أقام بمكة حتى يدركه الحج، فهو
متمتع. إن حج. وما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.
(20) باب ما لا يجب فيه التمتع
64 - قال مالك: من اعتمر في شوال، أو ذي القعدة، أو ذي الحجة، ثم رجع
إلى أهله ثم حج من عامه ذلك. فليس عليه هدى. إنما الهدى على من اعتمر في أشهر الحج.
ثم أقام حتى الحج. ثم حج. وكل من انقطع إلى مكة من أهل الآفاق وسكنها، ثم اعتمر
345

في أشهر الحج. ثم أنشأ الحج منها، فليس بمتمتع. وليس عليه هدى ولا صيام وهو بمنزلة
أهل مكة، إذا كان من ساكنيها.
سئل مالك عن رجل من أهل مكة، خرج إلى الرباط أو إلى سفر من الاسفار، ثم رجع
إلى مكة. وهو يريد الإقامة بها. كان له أهل بمكة أولا أهل له بها. فدخلها بعمرة في
أشهر الحج، ثم أنشأ الحج، وكانت عمرته التي دخل بها من ميقات النبي صلى الله عليه وسلم أو دونه، أمتمتع
من كان على تلك الحالة؟ فقال مالك: ليس عليه ما على المتمتع من الهدى أو الصيام. وذلك
أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه - ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام -.
(21) باب جامع ما جاء في العمرة
65 - حدثني يحيى عن مالك، عن سمى مولى أبى بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح
السمان، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما.
والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).
أخرجه البخاري في: 26 - كتاب العمرة، 1 - باب وجوب العمرة وفضلها.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 79 - باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، حديث 437.
66 - وحدثني عن مالك، عن سمى مولى أبى بكر بن عبد الرحمن، أنه سمع أبا بكر
ابن عبد الرحمن يقول: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني قد كنت تجهزت للحج.

66 - (اعترض لي) أي عاقني عائق منعني.
346

فاعترض لي. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعتمري في رمضان. فإن عمرة فيه كحجة).
أخرجه أبو داود في: 11 - كتاب الحج، 79 - باب العمرة.
والترمذي في: 7 - كتاب الحج، 95 - باب ما جاء في عمرة رمضان.
والنسائي في: 24 - كتاب الصيام، 6 - باب الرخصة في أن يقال، لشهر رمضان، رمضان.
وابن ماجة في: 25 - كتاب الحج (المناسك)، 45 - باب العمرة في رمضان.
67 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب قال: افصلوا
بين حجكم وعمرتكم. فإن ذلك أتم لحج أحدكم. وأتم لعمرته. أن يعتمر في غير أشهر
الحج.
68 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عثمان بن عفان كان إذا اعتمر، ربما لم يحطط
عن راحلته حتى يرجع.
قال مالك: العمرة سنة. ولا نعلم أحد من المسلمين أرخص في تركها.
قال مالك: ولا أرى لاحد أن يعتمر في السنة مرارا.
قال مالك، في المعتمر يقع بأهله: إن عليه في ذلك الهدى. وعمرة أخرى يبتدئ بها بعد
إتمامه التي أفسد. ويحرم من حيث أحرم بعمرته التي أفسد. إلا أن يكون أحرم من مكان
أبعد من ميقاته. فليس عليه أن يحرم إلا من ميقاته.
قال مالك: ومن دخل مكة بعمرة. فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وهو جنب.
أو على غير وضوء. ثم وقع بأهله. ثم ذكر. قال: يغتسل أو يتوضأ. ثم يعود فيطوف بالبيت،

67 - (افصلوا) أي فرقوا.
347

وبين الصفا والمروة. ويعتمر عمرة أخرى، ويهدى. وعلى المرأة، إذا أصابها زوجها وهي
محرمة، مثل ذلك.
قال مالك: فأما العمرة من التنعيم فإنه من شاء أن يخرج من الحرم ثم يحرم، فإن ذلك
مجزئ عنه إن شاء الله. ولكن الفضل أن يهل من الميقات الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو
ما هو أبعد من التنعيم.
(22) باب نكاح المحرم
69 - حدثني يحيى عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سليمان بن يسار، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع، ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث. ورسول
الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، قبل أن يخرج.
70 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن نبيه بن وهب، أخي بنى عبد الدار، أن عمر
ابن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان. وأبان يومئذ أمير الحاج. وهما محرمان. إني قد أردت
أن أنكح طلحة بن عمر، بنت شيبة بن جبير. وأردت أن تحضر. فأنكر ذلك عليه أبان،
وقال: سمعت عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح المحرم، ولا ينكح،

70 - (أنكح) أي أزوج. (لا ينكح المحرم) أي لا يعقد لنفسه. (ولا ينكح) أي لا يعقد
لغيره بولاية، ولا بوكالة.
348

ولا يخطب). أخرجه مسلم في: 16 - كتاب النكاح، 4 - باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته، حديث 41.
71 - وحدثني عن مالك، عن داود بن الحصين، أن أبا غطفان بن طريف المري، أخبره
أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم. فرد عمر بن الخطاب نكاحه.
72 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا ينكح المحرم
ولا يخطب على نفسه، ولا على غيره.
73 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله، وسليمان
ابن يسار، سئلوا عن نكاح المحرم؟ فقالوا: لا ينكح المحرم، ولا ينكح.
قال مالك، في الرجل المحرم: إنه يراجع امرأته إن شاء. إذا كانت في عدة منه.
(23) باب حجامة المحرم
74 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، فوق رأسه، وهو يومئذ بلحيي جمل. مكان بطريق مكة.
وصله البخاري في: 28 - كتاب جزاء الصيد، 11 - باب الحجامة للمحرم،
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 11 - باب جواز الحجامة للمحرم، حديث 88.

74 - (بلحيي جمل) مكان بطريق مكة. وهو إلى المدينة أقرب. وقيل عقبة. وقيل ماء.
349

75 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: لا يحتجم
المحرم إلا مما لا بد له منه.
قال مالك: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة.
(24) باب ما يجوز للمحرم أكله منه الصيد
76 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي النضر، مولى عمر بن عبيد الله التيمي، عن نافع،
مولى أبي قتادة الأنصاري، عن أبي قتادة، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى إذا كانوا ببعض
طريق مكة. تخلف مع أصحاب له محرمين. وهو غير محرم. فرأى حمارا وحشيا. فاستوى
على فرسه. فسأل أصحاب أن يناولوه سوطه. فأبوا عليه. فسألهم رمحه. فأبوا. فأخذه. ثم
شد على الحمار فقتله. فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبى بعضهم. فلما أدركوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم، سألوه عن ذلك. فقال: (إنما هي طعمة أطعمكموها الله).
أخرجه البخاري في: 56 - كتاب الجهاد، 88 - باب ما قيل في الرماح.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 8 - باب تحريم الصيد للمحرم، حديث 57.
77 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن الزبير بن العوام كان
يتزود صفيف الظباء، وهو محرم.
قال مالك: والصفيف القديد.

76 - (طعمة) أي طعام.
77 - (صفيف) في القاموس: الصفيف كأمير. ما صف في الشمس ليجف، وعلى الجمر لينشوي.
350

78 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، أن عطاء بن يسار أخبره عن أبي قتادة،
في الحمار الوحشي، مثل حديث أبي النضر. إلا أن في حديث زيد بن أسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (هل معكم من لحمه شئ).
أخرجه البخاري في: 72 - كتاب الذبائح والصيد، 10 - باب ما جاء في الصيد.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 8 - باب تحريم الصيد للمحرم، حديث 58.
79 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، أنه قال: أخبرني محمد بن
إبراهيم بن الحارث التيمي، عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله، عن عمير بن سلمة الضمري،
عن البهزي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة، وهو محرم. حتى إذا كان بالروحاء. إذا
حمار وحشي عقير. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: (دعوه. فإنه يوشك أن يأتي
صاحبه) فجاء البهزي، وهو صاحبه، إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله. شأنكم بهذا الحمار.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر. فقسمه بين الرفاق. ثم مضى، حتى إذا كان بالإثابة، بين
الرويثة والعرج، إذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم. فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن
يقف عنده. لا يريبه أحد من الناس، حتى يجاوزه.
أخرجه النسائي في: 24 - كتاب مناسك الحج، 78 - باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد.
80 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة: أنه أقبل من البحرين. حتى إذا كان بالربذة، وجد ركبا من أهل العراق محرمين.

79 - (بالروحاء) موضع بن مكة والمدينة. (عقير) معقور. (الرفاق) قال الجوهري: جمع
رفقة، القوم المترافقون في السفر. (بالإثابة) موضع أو بئر. (الرويثة) موضع. (العرج) موضع
بين الحرمين. (حاقف) أي واقف منحن. رأسه بين يديه إلى رجليه. وقيل الحاقف الذي لجأ إلى حقف،
وهو ما انعطف من الرمل. (لا يريبه) أي لا يمسه ولا يحركه ولا يهيجه.
80 - (من البحرين) تثنية بحر، موضع بين البصرة وعمان. (بالربذة) قرب المدينة.
351

فسألوه عن لحم صيد وجدوه عند أهل الربذة. فأمرهم بأكله. قال: ثم إني شككت
فيما أمرتهم به. فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب. فقال عمر: ماذا أمرتهم
به؟ فقال: أمرتهم بأكله. فقال عمر بن الخطاب: لو أمرتهم بغير ذلك لفعلت بك. يتواعده.
81 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أنه سمع أبا هريرة
يحدث عبد الله بن عمر: أنه مر به قوم محرمون بالربذة. فاستفتوه في لحم صيد، وجدوا
ناسا أحلة يأكلونه. فأفتاهم بأكله. قال: ثم قدمت المدينة على عمر بن الخطاب، فسألته
عن ذلك. فقال: بم أفتيتهم؟ قال فقلت: أفتيتهم بأكله. قال فقال عمر: لو أفتيتهم بغير
ذلك، لأوجعتك.
82 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن كعب الأحبار أقبل
من الشام في ركب. حتى إذا كانوا ببعض الطريق، وجدوا لحم صيد. فأفتاهم كعب بأكله.
قال فلما قدموا على عمر بن الخطاب بالمدينة. ذكروا ذلك له. فقال: من أفتاكم بهذا؟ قالوا:
كعب. قال: فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا. ثم لما كانوا ببعض طريق مكة، مرت
بهم رجل من جراد. فأفتاهم كعب أن يأخذوه، فيأكلوه. فلما قدموا على عمر بن الخطاب
ذكروا له ذلك. فقال: ما حملك على أن تفتيهم بهذا؟ قال، هو من صيد البحر. قال: وما يدريك؟
قال: يا أمير المؤمنين. والذي نفسي بيده. إن هي إلا نثرة حوت ينثره في كل عام مرتين.

81 - (أحلة) جمع حلال. من أهل الربذة. (لأوجعتك) بالضرب أو التقريع.
82 - (رجل) أي قطيع. (إن هي إلا نثرة حوت) النثرة العطسة. وفى الصحاح وغيره: النثرة
للبهائم كالعطسة لنا. أي ما هي إلا عطسة حوت. (ينثره) أي يرميه متفرقا.
352

وسئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق: هل يبتاعه المحرم؟ فقال: أما ما كان
من ذلك يعترض به الحاج، ومن أجلهم صيد، فإني أكرهه. وأنهى عنه. فأما أن يكون
عند رجل لم يرد به المحرمين، فوجده محرم، فابتاعه. فلا بأس به.
قال مالك فيمن أحرم وعنده صيد قد صاده، أو ابتاعه: فليس عليه أن يرسله. ولا بأس
أن يجعله عند أهله.
قال مالك: في صيد الحيتان في البحر والأنهار والبرك وما أشبه ذلك، إنه حلال. للمحرم
أن يصطاده.
(25) باب ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد
83 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود،
عن عبد الله بن عباس، عن الصعب بن جثامة الليثي، أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا،
وهو بالأبواء، أو بودان. فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهي
قال: (إنا لم نرده عليك، إلا أنا حرم).
أخرجه البخاري في: 28 - كتاب جزاء الصيد، 6 - باب إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيا حيا.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 8 - باب تحريم الصيد للمحرم، حديث 50.

82 - (يبتاعه) أي يشتريه. (يعترض) يقصد.
83 - (بالأبواء) جبل بينه وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا. سمى بذلك لتبوئ السيول
به. لا لما فيه من الوباء. (بودان) موضع قرب الجحفة، أو قرية جامعة أقرب إلى الجحفة من الأبواء. بينهما
ثمانية أميال. (حرم) جمع حرام. والحرام المحرم. أي محرمون.
353

84 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الرحمن بن عامر بن ربيعة،
قال: رأيت عثمان بن عفان بالعرج. وهو محرم، في يوم صائف. قد غطى وجهه بقطيفة
أرجوان. ثم أتى بلحم صيد. فقال لأصحابه: كلوا. فقالوا: أو لا تأكل أنت؟ فقال: إني
لست كهيئتكم. إنما صيد من أجلى.
85 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين، أنها
قالت له: يا ابن أختي. إنما هي عشر ليال. فإن تخلج في نفسك شئ فدعه. تعنى أكل لحم
الصيد.
قال مالك: في الرجل المحرم يصاد من أجله صيد، فيصنع له ذلك الصيد، فيأكل منه.
وهو يعلم، أنه من أجله صيد. فان عليه جزاء ذلك الصيد كله.
وسئل مالك: عن الرجل يضطر إلى أكل الميتة وهو محرم. أيصيد الصيد فيأكله؟
أم يأكل الميتة؟ فقال: بل يأكل الميتة. وذلك أن الله تبارك وتعالى لم يرخص للمحرم
في أكل الصيد، ولا في أخذه، في حال من الأحوال. وقد أرخص في الميتة على حال الضرورة.
قال مالك: وأما ما قتل المحرم أو ذبح من الصيد، فلا يحل أكله لحلال ولا لمحرم.
لأنه ليس بذكي. كان خطأ أو عمدا. فأكله لا يحل. وقد سمعت ذلك من غير واحد.
والذي يقتل الصيد ثم يأكله، إنما عليه كفارة واحدة. مثل من قتله ولم يأكل منه.

84 - (بالعرج) منزل بطريق مكة. (قطيفة) كساء له خمل. (أرجوان) صوف أحمر.
85 - (تخلج) دخل. (بذكي) أي مذكى.
354

(26) باب أمر الصيد في الحرم
86 - قال مالك: كل شئ صيد في الحرم، أو أرسل عليه كلب في الحرم، فقتل ذلك
الصيد في الحل. فإنه لا يحل أكله. وعلى من فعل ذلك، جزاء الصيد. فأما الذي يرسل
كلبه على الصيد في الحل. فيطلبه حتى يصيده في الحرم. فإنه لا يؤكل، وليس عليه في ذلك
جزاء. إلا أن يكون أرسله عليه، وهو قريب من الحرم. فإن أرسله قريبا من الحرم،
فعليه جزاؤه.
(27) باب الحكم في الصيد
87 - قال مالك: قال الله تبارك وتعالى - يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم
ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ
الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره (5 - سورة المائدة، 95).
قال مالك: فالذي يصيد الصيد وهو حلال. ثم يقتله وهو محرم. بمنزلة الذي يبتاعه
وهو محرم. ثم يقتله. وقد نهى الله عن قتله. فعليه جزاؤه.
والامر عندنا أن من أصاب الصيد وهو محرم حكم عليه.

87 - (حرم) محرمون. (بالغ الكعبة) أي واصلا إليها. بأن يذبح ويتصدق به. (أو عدل
ذلك صياما) أي أو ما ساواه من الصيام. فيصوم، عن طعام كل مسكين، يوما (وبال أمره) أي ثقله، وجزاء معصيته.
355

قال يحيى، قال مالك: أحسن ما سمعت في الذي يقتل الصيد فيحكم عليه فيه، أن يقوم
الصيد الذي أصاب، فينظركم ثمنه من الطعام، فيطعم كل مسكين مدا. أو يصوم مكان
كل مد يوما. وينظر كم عدة المساكين. فإن كانوا عشرة، صام عشرة أيام. وإن كانوا
عشرين مسكينا. صام عشرين يوما. عددهم ما كانوا، وإن كانوا أكثر من ستين مسكينا.
قال مالك: سمعت أنه يحكم على من قتل الصيد في الحرم وهو حلال، بمثل ما يحكم
به على المحرم الذي يقتل الصيد في الحرم وهو محرم.
(28) باب ما يقتل المحرم من الدواب
88 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(خمس من الدواب، ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب،
والفأرة، والكلب العقور).
أخرجه البخاري في: 28 - كتاب جزاء الصيد، 7 - باب ما يقتل المحرم من الدواب.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 9 - باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم،
حديث 76.
89 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (خمس من الدواب. من قتلهن وهو محرم فلا جناح عليه: العقرب، والفأرة، والغراب

88 - (جناح) أي إثم. (العقور) بمعنى عاقر. أي جارح.
356

والحدأة، والكلب العقور).
أخرجه البخاري في: 59 - كتاب بدء الخلق، 16 - باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 9 - باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل
والحرم، حديث 79.
90 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(خمس فواسق. يقتلن في الحرم: الفأرة، والعقرب، والغراب، والحدأة، والكلب العقور).
وصله مسلم في: 15 - كتاب الحج، 9 - باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم،
حديث 68.
91 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أن عمر بن الخطاب أمر بقتل الحيات في الحرم.
قال مالك: في الكلب العقور الذي أمر بقتله في الحرم. إن كل ما عقر الناس، وعدا
عليهم، وأخافهم، مثل الأسد والنمر والفهد والذئب. فهو الكلب العقور. وأما ما كان
من السباع، لا يعدو. مثل الضبع، والثعلب، والهر، وما أشبههن من السباع. فلا يقتلهن
المحرم. فإن قتله فداه. واما ما ضر من الطير، فإن المحرم لا يقتله. إلا ما سمى النبي صلى الله عليه وسلم
الغراب والحدأة. وإن قتل المحرم شيئا من الطير سواهما، فداه.
(29) باب ما يجوز للمحرم أن يفعله
92 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث
التيمي، عن ربيعة بن أبي عبد الله بن الهدير، أنه رأى عمر بن الخطاب يقرد بعيرا له في طين
بالسقيا. وهو محرم.

92 - (يقرد بعيرا) أي يزيل عنه القراد ويلقيه. (بالسقيا) قرية جامعة بين مكة والمدينة.
357

قال مالك وأنا أكرهه.
93 - وحدثني عن مالك، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه أنها قالت: سمعت عائشة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسأل عن المحرم. أيحك جسده؟ فقالت: نعم فليحككه وليشدد.
ولو ربطت يداي، ولم أجد إلا رجلي لحككت.
94 - وحدثني عن مالك، عن أيوب بن موسى، أن عبد الله بن عمر نظر في المرآة
لشكو كان بعينيه، وهو محرم.
95 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يكره أن ينزع المحرم
حلمة أو قرادا عن بعيره.
قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك.
96 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم، أنه سأل سعيد بن المسيب
عن ظفر له انكسر وهو محرم. فقال سعيد: اقطعه.
وسئل مالك، عن الرجل يشتكى أذنه. أيقطر في أذنه من البان الذي لم يطيب، وهو

94 - (لشكو) أي لوجع.
95 - (حلمة) الصغيرة من القردان أو الضخمة. قاموس. (قرادا) ما يتعلق بالبعير ونحوه، وهو
كالقمل للانسان، والجمع قردان بوزن غربان.
96 - (البان) شجر. ولحب ثمره دهن طيب.
358

محرم؟ فقال: لا أرى بذلك بأسا. ولو جعله في فيه، لم أر بذلك بأسا.
قال مالك: ولا بأس أن يبط المحرم خراجه، ويفقأ دمله، ويقطع عرقه، إذا احتاج
إلى ذلك.
(30) باب الحج عمن يحج عنه
97 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن
عباس، قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه.
فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق
الآخر. فقالت: يا رسول الله. إن فريضة الله في الحج أدركت أبى شيخا كبيرا. لا يستطيع
أن يثبت على الراحلة. أفأحج عنه؟ قال: (نعم). وذلك في حجة الوداع.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 1 - باب وجوب الحج وفضله.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 71 - باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوها، أو للموت،
حديث 407.

(يبط) يشق. (خراجه) الخراج بزنة غراب. بثرة. الواحدة خراجة.
97 - (خثعم) قبيلة مشهورة.
359

(31) باب ما جاء فيمن أحصر بعدو
98 - حدثني يحيى عن مالك، قال: من حبس بعدو، فحال بينه وبين البيت، فإنه يحل
من كل شئ. وينحر هديه. ويحلق رأسه حيث حبس. وليس عليه قضاء.
وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية. فنحروا
الهدى. وحلقوا رؤوسهم. وحلوا من كل شئ قبل أن يطوفوا بالبيت. وقبل أن يصل
إليه الهدى. ثم لم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه، ولا ممن كان معه، أن
يقضوا شيئا، ولا يعودوا لشئ.
99 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه قال، حين خرج إلى مكة
معتمرا في الفتنة: إن صددت عن البيت، صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأهل بعمرة،
من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بعمرة، عام الحديبية.
ثم إن عبد الله نظر في أمره فقال: ما أمرهما إلا واحد. ثم التفت إلى أصحابه فقال: ما
أمرهما إلا واحد. أشهدكم أنى قد أوجبت الحج مع العمرة.
ثم نفذ حتى جاء البيت. فطاف طوافا واحدا. ورأي ذلك مجزيا عنه. وأهدى.
أخرجه البخاري في: 64 - كتاب المغازي، 35 - باب غزوة الحديبية.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 26 - باب جواز التحلل بالاحصار وجواز القران، حديث 180.
قال مالك: فهذا الامر عندنا. فيمن أحصر بعدو. كما أحصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فأما

99 - (فأهل) أي ابن عمر (ما أمرهما) أي الحج والعمرة. (نفذ) مضى ولم يصد. (مجزيا) كافيا.
360

من أحصر بغير عدو. فإنه لا يحل دون البيت.
(32) باب ما جاء فيمن أحصر بغير عدو
100 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن
عمر، أنه قال: المحصر بمرض لا يحل. حتى يطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة.
فإذا اضطر إلى لبس شئ من الثياب التي لابد له منها، أو الدواء، صنع ذلك وافتدى.
101 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
أنها كانت تقول: المحرم لا يحله إلا البيت.
102 - وحدثني عن مالك، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن رجل من أهل
البصرة، كان قديما، أنه قال: خرجت إلى مكة. حتى إذا كنت ببعض الطريق. كسرت
فخذي. فأرسلت إلى مكة. وبها عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، والناس. فلم يرخص
لي أحد أن أحل. فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر. حتى أحللت بعمرة.
103 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر،
أنه قال: من حبس دون البيت بمرض، فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت، وبين الصفا
والمروة.
361

وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، أن سعيد بن حزابة
المخزومي، صرع ببعض طريق مكة، وهو محرم. فسأل: من يلي على الماء الذي كان عليه؟
فوجد عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، ومروان بن الحكم. فذكر لهم الذي عرض له.
فكلهم أمره أن يتداوى بما لابد له منه. ويفتدى. فإذا صح اعتمر، فحل من إحرامه.
ثم عليه حج قابل، ويهدى ما استيسر من الهدى.
قال مالك: وعلى هذا، الامر عندنا. فيمن أحصر بغير عدو. وقد أمر عمر بن الخطاب،
أبا أيوب الأنصاري، وهبار بن الأسود، حين فاتهما الحج، وأتيا يوم النحر: أن يحلا بعمرة،
ثم يرجعا حلالا. ثم يحجان عاما قابلا، ويهديان. فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة
إذا رجع إلى أهله.
قال مالك: وكل من حبس عن الحج بعد ما يحرم، إما بمرض أو بغيره. أو بخطأ من العدد.
أو خفى عليه الهلال. فهو محصر. عليه ما على المحصر.
قال يحيى: سئل مالك عمن أهل من أهل مكة بالحج. ثم أصابه كسر، أو بطن متحرق.
أو امرأة تطلق. قال: من أصابه هذا منهم فهو محصر. يكون عليه مثل ما على أهل الآفاق،
إذا هم أحصروا.
قال مالك: في رجل قدم معتمرا في أشهر الحج. حتى إذا قضى عمرته أهل بالحج من مكة.
ثم كسر أو أصابه أمر لا يقدر على أن يحضر مع الناس الموقف. قال مالك: أرى أن يقيم.
حتى إذا برأ خرج إلى الحل. ثم يرجع إلى مكة فيطوف بالبيت. ويسعى بين الصفا والمروة.
ثم يحل. ثم عليه حج قابل والهدى.
362

قال مالك: فيمن أهل بالحج من مكة. ثم طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة. ثم مرض
فلم يستطع أن يحضر مع الناس الموقف.
قال مالك: إذا فاته الحج. فإن استطاع خرج إلى الحل، فدخل بعمرة، فطاف بالبيت،
وسعى بين الصفا والمروة. لان الطواف الأول لم يكن نواه للعمرة. فلذلك يعمل بهذا.
وعليه حج قابل والهدى. فإن كان من غير أهل مكة. فأصابه مرض حال بينه وبين الحج،
فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة. حل بعمرة وطاف بالبيت طوافا آخر. وسعى بين
الصفا والمروة. لان طوافه الأول، وسعيه، إنما كان نواه للحج. وعليه حج قابل
والهدى.
(33) باب ما جاء في بناء الكعبة
104 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن
محمد بن أبي بكر الصديق، أخبر عبد الله بن عمر، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألم ترى
أن قومك حين بنوا الكعبة، اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟) قالت فقلت: يا رسول الله.
أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت)
قال فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أرى رسول

104 - (قواعد إبراهيم) جمع قاعدة. وهي الأساس. (حدثان) قرب عهد. (ما أرى) أي
ما أظن.
363

الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين، اللذين يليان الحجر، إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم.
أخرجه البخاري في: 65 - كتاب التفسير، 2 سورة البقرة 10، - باب قوله تعالى وإذ يرفع إبراهيم القواعد
من البيت.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 69 - باب نقض الكعبة وبنائها، حديث 399.
105 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عائشة أم المؤمنين
قالت: ما أبالي: أصليت في الحجر أم في البيت.
106 - وحدثني عن مالك، أنه سمع ابن شهاب يقول: سمعت بعض علمائنا يقول: ما حجر
الحجر، فطاف الناس من ورائه، إلا إرادة أن يستوعب الناس الطواف بالبيت كله.
(34) باب الرمل في الطواف
107 - حدثني يحيى عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله،
أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل، من الحجر الأسود حتى انتهى إليه، ثلاثة أطواف.
أخرجه مسلم في: 15 - كتاب الحج، 39 - باب استحباب الرمل في الطواف، حديث 235.
قال مالك: وذلك الامر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا.

106 - (ما حجر) أي منع.
107 - (رمل) رملت رملا من باب طلب، ورملانا أيضا، هرولت.
364

108 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يرمل من الحجر الأسود،
إلى الحجر الأسود، ثلاثة أطواف. ويمشى أربعة أطواف.
109 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، أن أباه كان إذا طاف بالبيت، يسعى
الأشواط الثلاثة. يقول:
اللهم لا إله إلا أنتا * وأنت تحيى بعد ما أمتا
يخفض صوته بذلك.
110 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه رأى عبد الله بن الزبير
أحرم بعمرة من التنعيم.
قال: ثم رأيته يسعى، حول البيت، الأشواط الثلاثة.
111 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا أحرم من مكة،
لم يطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، حتى يرجع من منى. وكان لا يرمل إذا طاف
حول البيت، إذا أحرم من مكة.

110 - (التنعيم) هو المعروف الآن بمساجد عائشة. زرقاني.
365

(35) باب الاستلام في الطواف
112 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا قضى طوافه
بالبيت، وركع الركعتين وأراد أن يخرج إلى الصفا والمروة، استلم الركن الأسود قبل
أن يخرج.
أخرجه مسلم في الحديث الطويل، في صفة الحجة النبوية، عن جابر في: 15 - كتاب الحج، 19 - باب
حجة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث 147.
113 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعبد الرحمن بن عوف: (كيف صنعت. يا أبا محمد في استلام الركن؟) فقال عبد الرحمن:
استلمت. وتركت. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصبت).
هذا مرسل. وقد وصله ابن عبد البر من طريق سفيان الثوري عن هشام عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف،
114 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، أن أباه كان إذا طاف بالبيت، يستلم
الأركان كلها. وكان لا يدع اليماني، إلا أن يغلب عليه.

113 - (استلمت) أي حين قدرت. (وتركت) أي حين عجزت.
366

(36) باب تقبيل الركن الأسود في الاستلام
115 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب
قال، وهو يطوف بالبيت، للركن الأسود: إنما أنت حجر. ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قبلك، ما قبلتك. ثم قبله.
أخرجه البخاري موصولا في: 25 - كتاب الحج، 50 - باب ما ذكر في الحج الأسود.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 41 - باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف، حديث 248.
قال مالك: سمعت بعض أهل العلم يستحب، إذا رفع الذي يطوف بالبيت، يده عن
الركن اليماني، أن يضعها على فيه.
(37) باب ركعتا الطواف
116 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان لا يجمع بين
السبعين. لا يصلى بينهما. ولكنه كان يصلى بعد كل سبع ركعتين. فربما صلى عند المقام
أو عند غيره.
وسئل مالك عن الطواف، إن كان أخف على الرجل أن يتطوع به، فيقرن بين الأسبوعين
أو أكثر، ثم يركع ما عليه من ركوع تلك السبوع؟ قال: لا ينبغي ذلك. وإنما السنة أن
يتبع كل سبع ركعتين.

116 - (سبع) أي سبع طوفات. (السبوع) لغة قليلة في الأسبوع. وقال ابن التين. وهو جمع
سبع كبرد وبرود. وفى حاشية الصحاح كضرب وضروب.
367

قال مالك، في الرجل يدخل في الطواف فيسهو حتى يطوف ثمانية أو تسعة أطواف.
قال: يقطع، إذا علم أنه قد زاد. ثم يصلى ركعتين. ولا يعتد بالذي كان زاد. ولا ينبغي له
أن يبنى على التسعة، حتى يصلى سبعين جميعا. لان السنة في الطواف، أن يتبع كل سبع
ركعتين.
قال مالك: ومن شك في طوافه، بعد ما يركع ركعتي الطواف، فليعد. فليتمم طوافه
على اليقين. ثم ليعد الركعتين. لأنه لا صلاة لطواف، إلا إكمال السبع.
ومن أصابه شئ بنقض وضوئه، وهو يطوف بالبيت، أو يسعى بين الصفا والمروة،
أو بين ذلك. فإنه من أصابه ذلك، وقد طاف بعض الطواف، أوكله. ولم يركع ركعتي
الطواف، فإنه يتوضأ. ويستأنف الطواف والركعتين. وأما السعي بين الصفا والمروة.
فإنه لا يقطع ذلك عليه، ما أصابه من انتقاض وضوئه. ولا يدخل السعي، إلا وهو طاهر
بوضوء.
(38) باب الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف
117 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف،
أن عبد الرحمن بن عبد القاري أخبره: أنه طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح.
فلما قضى عمر طوافه، نظر فلم ير الشمس طلعت. فركب حتى أناخ بذي طوى. فصلى ركعتين.

117 - (أناخ) برك راحلته
368

118 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزبير المكي، أنه قال: رأيت عبد الله بن عباس
يطوف بعد صلاة العصر، ثم يدخل حجرته، فلا أدرى ما يصنع.
119 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزبير المكي، أنه قال: لقد رأيت البيت يخلو
بعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر. ما يطوف به أحد.
قال مالك: ومن طاف بالبيت بعض أسبوعه. ثم أقيمت صلاة الصبح، أو صلاة العصر.
فإنه يصلى مع الامام. ثم يبنى على ما طاف، حتى يكمل سبعا. ثم لا يصلى حتى تطلع الشمس،
أو تغرب.
قال: وإن أخرهما حتى يصلى المغرب، فلا بأس بذلك.
قال مالك: ولا بأس أن يطوف الرجل طوافا واحدا، بعد الصبح وبعد العصر. لا يزيد
على سبع واحد. ويؤخر الركعتين حتى تطلع الشمس. كما صنع عمر بن الخطاب. ويؤخرهما
بعد العصر، حتى تغرب الشمس. فإذا غربت الشمس، صلاهما إن شاء. وإن شاء أخرهما،
حتى يصلى المغرب. لا بأس بذلك.
(39) باب وداع البيت
120 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب
قال: لا يصدرن أحد من الحاج، حتى يطوف بالبيت. فإن آخر النسك الطواف بالبيت.

120 - (لا يصدرن) أي لا ينصرفن
369

قال مالك، في قول عمر بن الخطاب: فإن آخر النسك الطواف بالبيت: إن ذلك، فيما
نرى، والله أعلم، لقول الله تبارك وتعالى - ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب -
وقال - ثم محلها إلى البيت العتيق - فمحل الشعائر كلها، وانقضاؤها، إلى البيت العتيق.
121 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن عمر بن الخطاب رد رجلا من مر
الظهران، لم يكن ودع البيت حتى ودع.
122 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: من أفاض فقد
قضى الله حجه. فإنه، إن لم يكن حبسه شئ، فهو حقيق أن يكون آخر عهده الطواف
بالبيت. وإن حبسه شئ، أو عرض له فقد قضى الله حجه.
قال مالك: ولو أن رجلا جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت، حتى صدر. لم
أر عليه شيئا. إلا أن يكون قريبا. فيرجع فيطوف بالبيت. ثم ينصرف إذا كان قد أفاض.
(40) باب جامع الطواف
123 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن

(نرى) أي نظن. (شعائر الله) جمع شعيرة أو شعارة. وهو أعلام الحج وأفعاله. وسميت البدن شعائر
لاشعارها في سنامها بما يعرف به أنها هدى (فإنها) أي فإن تعظيمها. (محلها) أي مكان حل نحرها.
121 - (مر الظهران) اسم واد بقرب مكة.
122 - (حتى صدر) أي رجع.
123 - (إني أشتكي) أي أتوجع. وهو مفعول شكوت. أي أنى مريضة.
370

عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت:
شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى أشتكي. فقال: (طوفى من وراء الناس وأنت راكبة)
قالت: فطفت راكبة بعيري. ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلى، إلى جانب البيت. وهو يقرأ
بالطور وكتاب مسطور.
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 78 - باب إدخال البعير في المسجد للعلة.
124 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزبير المكي، أن أبا ماعز الأسلمي، عبد الله
ابن سفيان، أخبره: أنه كان جالسا مع عبد الله بن عمر. فجاءته امرأته تستفتيه. فقالت: إني
أقبلت أريد أن أطوف بالبيت. حتى إذا كنت بباب المسجد، هرقت الدماء. فرجعت
حتى ذهب ذلك عنى. ثم أقبلت، حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء. فرجعت
حتى ذهب ذلك عنى. ثم أقبلت، حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء. فقال
عبد الله بن عمر: إنما ذلك ركضة من الشيطان. فاغتسلي ثم استثفري بثوب. ثم طوفى.
125 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن سعد بن أبي وقاص، كان إذا دخل مكة مراهقا
خرج إلى عرفة. قبل أن يطوف بالبيت. وبين الصفا والمروة. ثم يطوف بعد أن يرجع.
قال مالك: وذلك واسع إن شاء الله.

124 - (هرقت) أي صببت. (ركضة) أي دفعة وحركة. (استثفري بثوب) أي شدي
فرجك بخرقة عريضة بعد أن تحشى قطنا. وتوثقي طرفي الخرقة في شئ تشديه على وسطك فيمنع بذلك سيل
الدماء. مأخوذ من ثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها. 125 - (مراهقا) يعنى ضاق عليه الوقت. حتى يخاف فوت الوقوف بعرفة.
371

وسئل مالك: هل يقف الرجل في الطواف بالبيت الواجب عليه، يتحدث مع الرجل؟
فقال: لا أحب ذلك له.
قال مالك: لا يطوف أحد بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، إلا وهو طاهر.
(41) باب البدء بالصفا في السعي
126 - حدثني يحيى عن مالك، عن جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله،
أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، حين خرج من المسجد، وهو يريد الصفا، وهو
يقول: (نبدأ بما بدأ الله به) فبدأ بالصفا.
أخرجه مسلم في الحديث الطويل، في صفة الحجة النبوية، عن جابر في: 15 - كتاب الحج، 19 - باب
حجة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث 147.
127 - وحدثني عن مالك، عن جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان، إذا وقف على الصفا، يكبر ثلاثا. ويقول: (لا إله إلا الله وحده.
لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير) يصنع ذلك ثلاث مرات. ويدعو.
ويصنع على المروة مثل ذلك.
أخرجه مسلم في الحديث الطويل، في صفة الحجة النبوية، عن جابر. في: 15 - كتاب الحج، 19 - باب
حجة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث 147.
128 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أنه سمع عبد الله بن عمر، وهو على الصفا يدعو
372

يقول: اللهم إنك قلت - ادعوني أستجب لكم - وإنك لا تخلف الميعاد. وإني أسألك،
كما هديتني للاسلام، أن لا تنزعه منى. حتى تتوفاني وأنا مسلم.
(42) باب جامع السعي
129 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: قلت لعائشة
أم المؤمنين، وأنا يومئذ حديث السن: أرأيت قول الله تبارك وتعالى - إن الصفا والمروة
من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما - فما على الرجل شئ
أن لا يطوف بهما. فقالت عائشة: كلا. لو كان كما تقول، لكانت فلا جناح عليه أن
لا يطوف بهما. إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار. كانوا يهلون لمناة. وكانت مناة حذو
قديد. وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة. فلما جاء الاسلام. سألوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فأنزل الله تبارك وتعالى - إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت
أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما -.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 79 - باب وجوب الصفا والمروة، وجعل من شعائر الله.
ومسلم في 15 - كتاب الحج، 43 - باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج
إلا به، حديث 259 و 260 و 261.

129 - (أرأيت قول الله) أي أخبريني عن مفهوم قوله. (إن الصفا والمروة) جبلي السعي اللذين يسعى
من أحدهما إلى الآخر. والصفا في الأصل جمع صفاة وهي الصخرة والحجر الأملس. والمروة في الأصل حجر أبيض
براق. (من شعائر الله) أي المعالم التي ندب الله إليها، وأمر بالقيام عليها. قاله الأزهري. وقال الجوهري:
الشعائر أعمال الحج، وكل ما جعل علما لطاعة الله. (يهلون) أي يحجون قبل أن يسلموا. (لمناة) هي
صنم كانت في الجاهلية. قال ابن الكلبي: كانت صخرة نصبها عمرو بن لحى لهذيل، فكانوا يعبدونها.
(حذو) أي مقابل. (قديد) قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه. (يتحرجون) يتحرزون.
373

130 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، أن سودة بنت عبد الله بن عمر.
كانت عند عروة بن الزبير. فخرجت تطوف بين الصفا والمروة، في حج أو عمرة، ماشية.
وكانت امرأة ثقيلة. فجاءت حين انصرف الناس من العشاء. فلم تقض طوافها، حتى نودي
بالأولى من الصبح. فقضت طوافها، فيما بينها وبينه.
وكان عروة، إذا رآهم يطوفون على الدواب، ينهاهم أشد النهى. فيعتلون بالمرض
حياء منه. فيقول لنا، فيما بيننا وبينه: لقد خاب هؤلاء وخسروا.
قال مالك: من نسي السعي بين الصفا والمروة، في عمرة. فلم يذكر حتى يستبعد من
مكة: أنه يرجع فيسعى. وإن كان قد أصاب النساء. فليرجع، فليسع بين الصفا والمروة.
حتى يتم ما بقي عليه من تلك العمرة. ثم عليه عمرة أخرى، والهدى.
وسئل مالك، عن الرجل يلقاه الرجل بين الصفا والمروة، فيقف معه يحدثه؟ فقال:
لا أحب له ذلك.
قال مالك: ومن نسي من طوافه شيئا، أو شك فيه، فلم يذكر إلا وهو يسعى بين الصفا
والمروة. فإنه يقطع سعيه. ثم يتم طوافه بالبيت، على ما يستيقن. ويركع ركعتي الطواف.
ثم يبتدئ سعيه بين الصفا والمروة.
131 - وحدثني عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا نزل من الصفا والمروة، مشى. حتى إذا انصبت قدماه في بطن

130 - (فيما بينها وبينه) أي بين الأولى والانصراف من العشاء. أو فيما بين العشاء وبين البدء بالأولى.
(فيعتلون) أي يتمسكون.
131 - (انصبت قدماه) أي انحدرت. قال عياض، من قولهم صب الماء وانصب.
374

الوادي، سعى حتى يخرج منه
أخرجه مسلم في الحديث الطويل، في صفة الحجة النبوية، عن جابر. في: 15 - كتاب الحج، 19 - باب
حجة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث 147.
قال مالك، في رجل جهل فبدأ بالسعي بين الصفا والمروة، قبل أن يطوف بالبيت.
قال: ليرجع. فليطف بالبيت. ثم ليسع بين الصفا والمروة. وإن جهل ذلك حتى يخرج
من مكة ويستبعد. فإنه يرجع إلى مكة، فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة.
وإن كان أصاب النساء رجع، فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة. حتى يتم ما بقي
عليه من تلك العمرة. ثم عليه عمرة أخرى. والهدى.
(43) باب صيام يوم عرفة
132 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي النضر، مولى عمر بن عبيد الله، عن عمير،
مولى عبد الله بن عباس، عن أم الفضل بنت الحارث، أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة، في صيام
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم. وقال بعضهم: ليس بصائم. فأرسلت إليه بقدح
لبن، وهو واقف على بعيره، فشرب.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 88 - باب الوقوف على الدابة بعرفة.
ومسلم في: 13 - كتاب الصيام، 18 - باب استحباب الفطر للحاج بعرفات يوم عرفة، حديث 110.
133 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، أن عائشة أم
المؤمنين كانت تصوم يوم عرفة.

132 - (تماروا) أي اختلفوا.
375

قال القاسم: ولقد رأيتها عشية عرفة، يدفع الامام ثم تقف حتى يبيض ما بينها وبين
الناس من الأرض، ثم تدعو بشراب فتفطر.
(44) باب ما جاء في صيام أيام منى
134 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن سليمان
ابن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام منى.
لم يختلف على مالك في إرساله. قاله أبو عمر.
135 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة
أيام منى، يطوف. يقول: إنما هي أيام أكل وشرب وذكر الله.
هذا مرسل عند جميع الرواة عن مالك.
136 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن الأعرج، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم الأضحى.
أخرجه مسلم في: 13 - كتاب الصيام، 22 - باب النهى عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، حديث 139.
وقد مر هذا الحديث بسنده ومتنه في:
18 - كتاب الصيام، 12 - باب صيام يوم الفطر والأضحى والدهر، حديث 36.
137 - وحدثني عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن الهادي، عن أبي مرة مولى أم هانئ

137 - (أيام التشريق) سميت بذلك لان الذبح فيها يجب بعد شروق الشمس. وقيل لأنهم كانوا يشرقون فيها
لحوم الأضاحي إذا قددت.
376

أخت عقيل بن أبي طالب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه أخبره: أنه دخل على أبيه
عمرو بن العاص فوجده يأكل. قال فدعاني. قال فقلت له: إني صائم. فقال: هذه الأيام
التي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهن، وأمرنا بفطرهن.
قال مالك: هي أيام التشريق.
أخرجه أبو داود في: 14 - كتاب الصوم، 50 - باب صيام أيام التشريق.
(45) باب ما يجوز منه الهدى
138 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو
ابن حزم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى جملا، كان لأبي جهل بن هشام، في حج أو عمرة.
هذا مرسل. ويستند من حديث ابن عباس.
أخرجه أبو داود في: 11 - كتاب الحج، 12 - باب في الهدى.
139 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة. فقال: (اركبها) فقال: يا رسول الله. إنها بدنة. فقال:
(اركبها. ويلك) في الثانية أو الثالثة.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 103 - باب ركوب البدن.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 65 - باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها، حديث 371.

139 - (بدنة) البدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة. وكثر استعمالها فيما كان هديا. (إنها بدنة) أي هدى.
(ويلك) هي كلمة تدعم بها العرب كلامها ولا تقصد معناها. كقولهم (لا أم لك). ويقال (ويلك) لمن
وقع في هلكة يستحقها. و (ويح) لمن وقع في هلكة لا يستحقها.
377

140 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، أنه كان يرى عبد الله بن عمر يهدى
في الحج بدنتين بدنتين، وفى العمرة بدنة بدنة. قال: ورأيته في العمرة ينحر بدنة. وهي
قائمة في دار خالد بن أسيد. وكان فيها منزله. قال: ولقد رأيته طعن في لبة بدنته، حتى
خرجت الحربة من تحت كتفها.
141 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن عمر بن عبد العزيز أهدى جملا،
في حج أو عمرة.
142 - وحدثني عن مالك، عن أبي جعفر القارئ، أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة
المخزومي أهدى بدنتين. إحداهما بختية.
143 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: إذا نتجت الناقة،
فليحمل ولدها حتى ينحر معها. فإن لم يوجد له محمل، حمل على أمه حتى ينحر معها.
144 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، أن أباه قال: إذا اضطررت إلى بدنتك
فاركبها ركوبا غير فادح وإذا اضطررت إلى لبنها. فاشرب بعد ما يروى فصيلها. فإذا نحرتها
فانحر فصيلها معها.

140 - (اللبة) بوزن الحبة، المنحر.
142 - (بختية) أنثى بختي. قال في المشارق. إبل غلاظ لها سنامان. وفى النهاية. جمال طوال الأعناق.
143 - (نتجت) أي وضعت.
144 - (فادح) أي ثقيل، صعب عليها.
378

(46) باب العمل في الهدى حين يساق
145 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان إذا أهدى هديا
من المدينة، قلده وأشعره بذي الحليفة. يقلده قبل أن يشعره. وذلك في مكان واحد.
وهو موجه للقبلة. يقلده بنعلين. ويشعره من الشق الأيسر. ثم يساق معه حتى يوقف به
مع الناس بعرفة. ثم يدفع به معهم إذا دفعوا فإذا منى غداة النحر، نحره قبل أن يحلق
أو يقصر. وكان هو ينحر هدية بيده. يصفهن قياما، ويوجههن إلى القبلة. ثم يأكل ويطعم.
146 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا طعن في سنام هديه،
وهو يشعره، قال: بسم الله. والله أكبر.
وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: الهدى ما قلد وأشعر،
ووقف به بعرفة.
وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يجلل بدنه القباطي، والأنماط،
والحلل. ثم يبعث بها إلى الكعبة، فيكسوها إياها.
وحدثني عن مالك، أنه سأل عبد الله بن دينار: ما كان عبد الله بن عمر يصنع بجلال
بدنه، حين كسيت الكعبة هذه الكسوة؟ قال: كان يتصدق بها.

145 - (قلده) بأن يعلق في عنقه نعلين. (وأشعره) أشعر الهدى إذا طعن في سنامه الأيمن حتى
يسيل منه دم، ليعلم أنه هدى.
146 - (بجلل) أي يكسوها الجلال. والجلال جمع جل، ما يجعل على ظهر البعير. (القباطي) جمع
القبطي، ثوب رقيق من كتان يعمل بمصر. نسبة إلى القبط على غير قياس. فرق بين الانسان والثوب.
(والحلل) جمع حلة. وهي لا تكون إلا ثوبين من جنس واحد.
379

147 - وحدثني مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: في الضحايا والبدن،
الثني فما فوقه.
وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان لا يشق جلال بدنه، ولا يجللها
حتى يغدو من منى إلى عرفة.
وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان يقول لبنيه: يا بنى لا يهدين
أحدكم من البدن شيئا يستحيى أن يهديه لكريمه. فإن الله أكرم الكرماء. وأحق من
اختير له.
(47) باب العمل في الهدى إذا عطب أو ضل
148 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن صاحب هدى
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله. كيف أصنع بما عطب من الهدى؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
(كل بدنة عطبت من الهدى فانحرها. ثم ألق قلادتها في دمها. ثم خل بينها وبين الناس
يأكلونها).
وصله أبو داود عن ناجية في: 11 - كتاب الحج، 18 - باب في الهدى إذا عطب قبل أن يبلغ.
والترمذي في: 7 - كتاب الحج، 71 - باب ما جاء إذا عطب الهدى ما يصنع.
وابن ماجة في: 25 - كتاب الحج، 101 - باب في الهدى إذا عطب.

147 - (الثني) هو الذي يلقى ثنيته. ويكون ذلك في الظلف والحافر، في السنة الثالثة. وفى الخف، في السنة السادسة.
148 - (عطب) أي هلك. قال في المشارق والنهاية: وقد يعبر بالعطب عن آفة تعتريه تمنعه عن السير،
ويخاف عليه الهلاك.
380

149 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: من ساق
بدنة تطوعا، فعطبت، فنحرها، ثم خلى بينها وبين الناس يأكلونها، فليس عليه شئ. وإن
أكل منها، أو أمر من يأكل منها، غرمها.
وحدثني عن مالك، عن ثور بن زيد الدبلي، عن عبد الله بن عباس، مثل ذلك.
150 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أنه قال: من أهدى بدنة، جزاء أو نذرا.
أو هدى تمتع، فأصيبت في الطريق، فعليه البدل.
وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: من أهدى بدنة. ثم ضلت
أو ماتت. فإنها، إن كانت نذرا، أبدلها. وإن كانت تطوعا، فإن شاء أبدلها وإن شاء
تركها.
وحدثني عن مالك، أنه سمع أهل العلم يقولون: لا يأكل صاحب الهدى من الجزاء
والنسك.
(48) باب هدى المحرم إذا أصاب أهله
151 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب
وأبا هريرة سئلوا: عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج؟ فقالوا: ينفذان. يمضيان لوجههما

149 - (غرمها) دفع بدلها هديا كاملا.
151 - (أصاب أهله) أي جامع.
381

حتى يقضيا حجهما. ثم عليهما حج قابل والهدى. قال وقال علي بن أبي طالب: وإذا أهلا بالحج
من عام قابل، تفرقا حتى يقضيا حجهما.
152 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول:
ما ترون في رجل وقع بامرأته وهو محرم؟ فلم يقل له القوم شيئا. فقال سعيد: إن رجلا وقع
بامرأته وهو محرم، فبعث إلى المدينة يسأل عن ذلك. فقال بعض الناس: يفرق بينهما إلى
عام قابل. فقال سعيد بن المسيب: لينفذا لوجههما. فليتما حجهما الذي أفسداه. فإذا فرغا
رجعا. فإن أدركهما حج قابل، فعليهما الحج والهدى. ويهلان من حيث أهلا بحجهما الذي
أفسداه. ويتفرقان حتى يقضيا حجهما.
قال مالك: يهديان جميعا، بدنة بدنة.
قال مالك، في رجل وقع بامرأته في الحج، ما بينه وبين أن يدفع من عرفة ويرمى الجمرة:
إنه يجب عليه الهدى، وحج قابل. قال: فإن كانت إصابته أهله بعد رمى الجمرة. فإنما عليه
أن يعتمر ويهدى. وليس عليه حج قابل.
قال مالك: والذي يفسد الحج أو العمرة. حتى يجب عليه، في ذلك، الهدى في الحج أو
العمرة، التقاء الختانين. وإن لم يكن ماء دافق.
قال: ويوجب ذلك أيضا الماء الدافق، إذا كان من مباشرة. فأما رجل ذكر شيئا،
حتى خرج منه ماء دافق، فلا أرى عليه شيئا. ولو أن رجلا قبل امرأته، ولم يكن من

152 - (وقع بامرأته) جامعها. (التقاء الختانين) ختان الرجل وخفاض المرأة. فهو تغليب.
(ماء دافق) ذو اندقاق من الرجل والمرأة في رحمها.
382

ذلك ماء دافق، لم يكن عليه في القبلة إلا الهدى. وليس على المرأة التي يصيبها زوجها،
وهي محرمة مرارا، في الحج أو العمرة، وهي له في ذلك مطاوعة. إلا الهدى وحج قابل.
إن أصابها في الحج. وإن كان أصابها في العمرة، فإنما عليها قضاء العمرة التي أفسدت، والهدى.
(49) باب هدى من فاته الحج
153 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: أخبرني سليمان بن يسار،
أن أبا أيوب الأنصاري خرج حاجا. حتى إذا كان بالنازية من طريق مكة. أضل رواحله.
وإنه قدم على عمر بن الخطاب يوم النحر. فذكر ذلك له. فقال عمر: اصنع كما يصنع المعتمر.
ثم قد حللت. فإذا أدركك الحج قابلا فاحجج، واهد ما استيسر من الهدى.
154 - وحدثني مالك عن نافع، عن سليمان بن يسار، أن هبار بن الأسود، جاء يوم
النحر، وعمر بن الخطاب ينحر هديه. فقال: يا أمير المؤمنين. أخطأنا العدة. كنا نرى أن
هذا اليوم يوم عرفة. فقال عمر: اذهب إلى مكة، فطف أنت ومن معك. وانحروا هديا
إن كان معكم. ثم احلقوا أو قصروا وارجعوا. فإذا كان عام قابل فحجوا وأهدوا. فمن لم
يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.

153 - (النازية) قال في المشارق: عين ثرة، على طريق الآخذ من مكة إلى المدينة قرب الصفراء. وهي
إلى المدينة أقرب.
154 - (ويقرن) قرن بين الحج والعمرة يقرن قرانا أي جمع بينهما.
383

قال مالك: ومن قرن الحج والعمرة. ثم فاته الحج فعليه أن يحج قابلا. ويقرن بين الحج
والعمرة. ويهدى هديين: هديا لقرانه الحج مع العمرة، وهديا لما فاته من الحج.
(50) باب من أصاب أهله قبل أن يفيض
155 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن عطاء بن أبي رباح، عن
عبد الله بن عباس، أنه سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى، قبل أن يفيض. فأمره أن ينحر
بدنة.
156 - وحدثني عن مالك، عن ثور بن زيد الديلي، عن عكرمة مولى ابن عباس، قال
لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس، أنه قال: الذي يصيب أهله قبل أن يفيض، يعتمر
ويهدى.
157 - وحدثني عن مالك، أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول في ذلك، مثل قول
عكرمة عن ابن عباس.
قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك.

155 - (يفيض) يطوف طواف الإفاضة
384

وسئل مالك: عن رجل نسي الإفاضة حتى خرج من مكة ورجع إلى بلاده؟ فقال: أرى،
إن لم يكن أصاب النساء، فليرجع، فليفض. وإن كان أصاب النساء. فليرجع، فليفض،
ثم ليعتمر وليهد. ولا ينبغي له أن يشترى هديه من مكة وينحره بها. ولكن، إن لم يكن
ساقه معه من حيث اعتمر، فليشتره بمكة. ثم ليخرجه إلى الحل. فليسقه منه إلى مكة.
ثم ينحره بها.
(51) باب ما استيسر من الهدى
158 - وحدثني يحيى عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب،
كان يقول: ما استيسر من الهدى، شاة.
159 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عبد الله بن عباس كان يقول: ما استيسر
من الهدى، شاة.
قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك. لان الله تبارك وتعالى يقول في كتابه
- يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل
من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل

159 - (حرم) محرمون وداخل الحرم. (النعم) لفظه يشمل الشاة. (ذوا عدل) رجلان
صالحان. (بالغ الكعبة) أي واصلا إليه. بأن يذبح فيه ويتصدق به. (أو عدل ذلك صياما) أي أو
ما ساواه من الصوم. فيصوم، عن طعام كل مسكين، يوما.
385

ذلك صياما - فمما يحكم به في الهدى، شاة. وقد سماها الله هديا. وذلك الذي لا اختلاف فيه
عندنا. وكيف يشك أحد في ذلك؟ وكل شئ لا يبلغ أن يحكم فيه ببعير أو بقرة. فالحكم
فيه، شاة. وما لا يبلغ أن يحكم فيه بشاة. فهو كفارة من صيام، أو إطعام مساكين.
160 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: ما استيسر من
الهدى بدنة أو بقرة.
161 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، أن مولاة لعمرة بنت عبد الرحمن
يقال لها رقية، أخبرته: أنها خرجت مع عمرة بنت عبد الرحمن إلى مكة. قالت فدخلت
عمرة مكة يوم التروية. وأنا معها. فطافت بالبيت، وبين الصفا والمروة. ثم دخلت صفة
المسجد. فقالت: أمعك مقصان؟ فقلت: لا فقالت: فالتمسية لي. فالتمسته، حتى جئت به.
فأخذت من قرون رأسها. فلما كان يوم النحر، ذبحت شاة.
(52) باب جامع الهدى
162 - حدثني يحيى عن مالك، عن صدقة بن يسار المكي، أن رجلا من أهل اليمن،
جاء إلى عبد الله بن عمر، وقد ضفر رأسه. فقال: يا أبا عبد الرحمن. إني قدمت بعمرة مفردة.

161 - (يوم التروية) ثامن الحجة. (صفة المسجد) مؤخر المسجد. وقيل سقائف المسجد.
(مقصان) قال الجوهري: المقص المقراض. وهما مقصان. (فالتمسية) أي فاطلبيه. (قرون) ضفائر.
162 - (ما تطاير) ارتفع.
386

فقال له عبد الله بن عمر: لو كنت معك، أو سألتني، لأمرتك أن تقرن. فقال اليماني:
قد كان ذلك. فقال عبد الله بن عمر: خذ ما تطاير من رأسك، واهد. فقالت امرأة من أهل
العراق: ما هديه. يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: هديه. فقالت له: مما هديه؟ فقال عبد الله بن عمر:
لو لم أجد إلا أن أذبح شاة، لكان أحب إلى من أن أصوم.
163 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: المرأة المحرمة،
إذا حلت لم تمتشط، حتى تأخذ من قرون رأسها. وإن كان لها هدى، لم تأخذ من شعرها
شيئا، حتى تنحر هديها.
164 - وحدثني عن مالك، أنه سمع بعض أهل العلم يقول: لا يشترك الرجل وامرأته
في بدنة واحدة. ليهد كل واحد بدنة، بدنة.
وسئل مالك: عمن بعث معه بهدى ينحره في حج، وهو مهل بعمرة هل ينحره إذا حل،
أم يؤخره حتى ينحره في الحج. ويحل هو من عمرته؟ فقال: بل يؤخره حتى ينحره في الحج.
ويحل هو من عمرته.
قال مالك: والذي يحكم عليه بالهدى في قتل الصيد، أو يجب عليه هدى في غير ذلك.
فإن هديه لا يكون إلا بمكة. كما قال الله تبارك وتعالى - هديا بالغ الكعبة - وأما ما عدل
به الهدى من الصيام أو الصدقة، فإن ذلك يكون بغير مكة. حيث أحب صاحبه أن
يفعله، فعله.
387

165 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن يعقوب بن خالد المخزومي، عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر، أنه أخبره: أنه كان مع عبد الله بن جعفر. فخرج معه من
المدينة. فمروا على حسين بن علي، وهو مريض بالسقيا. فأقام عليه عبد الله بن جعفر. حتى
إذا خاف الفوات خرج. وبعث إلى علي بن أبي طالب، وأسماء بنت عميس، وهما بالمدينة،
فقدما عليه. ثم إن حسينا أشار إلى رأسه. فأمر علي برأسه فحلق. ثم نسك عنه بالسقيا.
فنحر عنه بعيرا.
قال يحيى بن سعيد: وكان حسين خرج مع عثمان بن عفان، في سفره ذلك، إلى مكة.
(53) باب الوقوف بعرفة والمزدلفة
166 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (عرفة كلها
موقف. وارتفعوا عن بطن عرنة. والمزدلفة كلها موقف. وارتفعوا عن بطن محسر).
ورد موصولا عن جابر.
أخرجه مسلم في: 15 - كتاب الحج، 20 - باب ما جاء أن عرفة كلها موقف، حديث 149.
167 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن عبد الله بن الزبير، أنه كان يقول:
اعلموا أن عرفة كلها موقف. إلا بطن عرنة. وأن المزدلفة كلها موقف. إلا بطن محسر.

165 - (السقيا) قرية جامعة من عمل الفرع. بينها وبين الفرع، مما يلي الجحفة، سبعة عشر ميلا.
166 - (عرنة) موضع بين منى وعرفات. وهي ما بين العلمين الكبيرين جهة عرفة، والعلمين الكبيرين
جهة منى. (المزدلفة) المكان المعروف. سميت بذلك لأنه يتقرب فيها. من (زلف) إذا تقرب. وقيل
لمجئ الناس إليها في زلف من الليل. أي ساعات. (محسر) بين منى ومزدلفة.
388

قال مالك: قال الله تبارك وتعالى - فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج - قال: فالرفث
إصابة النساء، والله أعلم. قال الله تبارك وتعالى - أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم -
قال: والفسوق الذبح للأنصاب، والله أعلم. قال الله تبارك وتعالى - أو فسقا أهل لغير الله به -
قال: والجدال في الحج، أن قريشا كانت تقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة بقزح. وكانت
العرب وغيرهم يقفون بعرفة. فكانوا يتجادلون. يقول هؤلاء نحن أصوب، ويقول هؤلاء
نحن أصوب. فقال الله تعالى - ولكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الامر
وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم - فهذا الجدال. فيما نرى، والله أعلم. وقد سمعت
ذلك من أهل العلم.
(54) باب وقوف الرجل وهو غير طاهر، ووقوفه على دابة
168 - سئل مالك: هل يقف الرجل بعرفة، أو بالمزدلفة، أو يرمى الجمار، أو يسعى
بين الصفا والمروة، وهو غير طاهر؟ فقال: كل أمر تصنعه الحائض من أمر الحج، فالرجل
يصنعه وهو غير طاهر. ثم لا يكون عليه شئ في ذلك. والفضل أن يكون الرجل في ذلك
كله طاهرا. ولا ينبغي له أن يتعمد ذلك.
وسئل مالك: عن الوقوف بعرفة للراكب. أينزل أم يقف راكبا؟ فقال: بل يقف
راكبا. إلا أن يكون به، أو بدابته، علة. فالله أعذر بالعذر.

167 - (الأنصاب) جمع نصب. حجارة تنصب وتعبد. (قزح) جبل بالمزدلفة. (منسكا) شريعة.
(ناسكوه) عاملون به. (وادع إلى ربك) إلى دينه. (لعلى هدى) دين.
389

(55) باب وقوف من فاته الحج بعرفة
169 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: من لم يقف
بعرفة، من ليلة المزدلفة، قبل أن يطلع الفجر، فقد فاته الحج. ومن وقف بعرفة، من
ليلة المزدلفة، من قبل أن يطلع الفجر، فقد أدرك الحج.
170 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: من أدركه الفجر
من ليلة المزدلفة. ولم يقف بعرفة. فقد فاته الحج. ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة.
قبل أن يطلع الفجر. فقد أدرك الحج.
قال مالك، في العبد يعتق في الموقف بعرفة: فإن ذلك لا يجزى عنه من حجة الاسلام.
إلا أن يكون لم يحرم، فيحرم بعد أن يعتق. ثم يقف بعرفة من تلك الليلة. قبل أن يطلع
الفجر. فإن فعل ذلك أجزأ عنه. وإن لم يحرم حتى طلع الفجر، كان بمنزلة من فاته الحج.
إذا لم يدرك الوقوف بعرفة. قبل طلوع الفجر من ليلة المزدلفة. ويكون على العبد حجة
الاسلام يقضيها.

169 - (ليلة المزدلفة) هي ليلة العيد.
390

(56) باب تقديم النساء والصبيان
171 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن سالم وعبيد الله، ابني عبد الله بن عمر،
أن أباهما عبد الله بن عمر كان يقدم أهله وصبيانه من المزدلفة إلى منى. حتى يصلوا الصبح
بمنى. ويرموا قبل أن يأتي الناس.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 98 - باب من قدم ضعفة أهله بليل
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 49 - باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن،
حديث 304.
172 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عطاء بن أبي رباح، أن مولاة
لأسماء بنت أبي بكر أخبرته. قالت: جئنا مع أسماء ابنة أبى بكر، منى، بغلس. قالت فقلت
لها: لقد جئنا منى بغلس. فقالت: قد كنا نصنع ذلك مع من هو خير منك.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 98 - باب من قدم ضعفة أهله بليل.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 49 - باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن،
حديث 297.
173 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن طلحة بن عبيد الله كان يقدم نساءه وصبيانه
من المزدلفة إلى منى.
174 - وحدثني عن مالك، أنه سمع بعض أهل العلم يكره رمى الجمرة. حتى يطلع
الفجر من يوم النحر. ومن رمى فقد حل له النحر.

172 - (بغلس) ظلمة آخر الليل.
391

175 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، أخبرته: أنها
كانت ترى أسماء بنت أبي بكر بالمزدلفة. تأمر الذي يصلى لها ولأصحابها الصبح. يصلى
لهم الصبح حين يطلع الفجر. ثم تركب فتسير إلى منى. ولا تقف.
(57) باب السير في الدفعة
176 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: سئل أسامة
ابن زيد، وأنا جالس معه، كيف كان يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، حين دفع؟ قال:
كان يسير العنق. فإذا وجد فجوة نص.
قال مالك: قال هشام: والنص فوق العنق.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 92 - باب السير إذا دفع من عرفة.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 47 - باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، حديث 283 و 284
177 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يحرك راحلته في بطن
محسر، قدر رمية بحجر.

176 - (دفع) أي انصرف منها إلى المزدلفة. سمى دفعا، لازدحامهم إذا انصرفوا. فيدفع بعضهم بعضا.
(العنق) سير بين الابطاء والاسراع. قال في المشارق: وهو سير سهل في سرعة. وانتصب على المصدر
المؤكد من لفظ الفعل. (فجوة) أي مكانا متسعا. (نص) أي أسرع. قال أبو عبيد. النص تحريك
الدابة حتى تستخرج به أقصى ما عندها. وأصله غاية الشئ. يقال نصصت الشئ، رفعته.
392

(58) باب ما جاء في النحر في الحج
178 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، بمنى (هذا المنحر
وكل منى منحر) وقال في العمرة (هذا المنحر) يعنى المروة (وكل فجاج مكة وطرقها
منحر).
أخرجه، عن جابر، أبو داود في: 11 - كتاب الحج، 64 - باب الصلاة بجمع
وابن ماجة في: 25 - كتاب المناسك (الحج)، 73 - باب الذبح.
179 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، قال: أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن،
أنها سمعت عائشة أم المؤمنين تقول: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس ليال بقين من
ذي القعدة. ولا نرى إلا أنه الحج. فلما دنونا من مكة، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن
معه هدى، إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، أن يحل. قالت عائشة: فدخل علينا،
يوم النحر، بلحم بقر. فقلت: ما هذا؟ فقالوا: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه.
قال يحيى بن سعيد: فذكرت هذا الحديث للقاسم بن محمد. فقال: أتتك، والله،
بالحديث على وجهه.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 115 - باب ذبح الرجل البقر عن نسائه، من غير أمرهن.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 17 - باب وجوب الاحرام، حديث 125.

178 - (المنحر) الذي نحرت فيه. (كل منى منحر) يجوز النحر فيه. (فجاج مكة) جمع
فج وهو الطريق الواسع. (وطرقها منحر) يريد كل ما قارب بيوت مكة من فجاجها وطرقها منحر. وما
تباعد من البيوت فليس بمنحر.
179 - (نرى) أي نظن. (يحل) أي يصير حلالا. بأن يتمتع. وهذا فسخ الحج إلى العمرة. (أتتك بالحديث على وجهه) أي ساقته لك سياقا تاما لم تختصر منه شيئا.
393

180 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، عن حفصة أم المؤمنين،
أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما شأن الناس حلوا، ولم تحلل أنت من عمرتك؟ فقال: (إني
لبدت رأسي، وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر).
أخرجه البخاري في: كتاب الحج، 34 - باب التمتع والاقران والافراد بالحج.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 25 - باب القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاج المفرد،
حديث 176.
(59) باب العمل في النحر
181 - حدثني يحيى عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بعض هديه. ونحر غيره بعضه.
أخرجه، عن جابر، مسلم في: 15 - كتاب الحج، 19 - باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث 147.
182 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر قال: من نذر بدنة، فإنه
يقلدها نعلين، ويشعرها. ثم ينحرها عند البيت. أو بمنى يوم النحر. ليس لها محل دون ذلك.
ومن نذر جزورا من الإبل أو البقر، فلينحرها حيث شاء.

180 - (لبدت رأسي) التلبيد هو جعل شئ فيه، من نحو صمغ، ليجتمع الشعر ولا يدخل فيه قمل.
وقلدت هديي) علقت شيئا في عنقه ليعلم.
182 - (يقلدها نعلين) يجعلهما في عنقها علامة. (ويشعرها) إشعار البدن هو أن يشق أحد جنبي.
سنام البدنة حتى يسيل دمها. ويجعل ذلك لها علامة تعرف بها أنها هدى. (جزورا) الجزور البعير. ذكرا
كان أو أنثى.
394

183 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، أن أباه كان ينحر بدنه قياما.
قال مالك: لا يجوز لاحد أن يحلق رأسه، حتى ينحر هديه. ولا ينبغي لاحد أن ينحر
قبل الفجر، يوم النحر. وإنما العمل كله يوم النحر، الذبح، ولبس الثياب، وإلقاء التفث،
والحلاق. لا يكون شئ من ذلك، يفعل قبل يوم النحر.
(60) باب الحلاق
184 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (اللهم ارحم المحلقين) قالوا: والمقصرين. يا رسول الله. قال (اللهم ارحم المحلقين)
قالوا: والمقصرين. يا رسول الله. قال (والمقصرين).
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 127 - باب الحلق والتقصير عند الاحلال.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 55 - باب تفضيل الحلق على التقصير، حديث 317.
185 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، أنه كان يدخل مكة
ليلا وهو معتمر. فيطوف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ويؤخر الحلاق حتى يصبح.
قال: ولكنه لا يعود إلى البيت، فيطوف به حتى يحلق رأسه.

183 - (التفث) هو ما يفعله المحرم بالحج إذا حل كقص الشارب والأظفار ونتف الإبط وحلق العانة.
(الحلاق) مصدر حلق
184 - (قالوا والمقصرين) أي قل: وارحم المقصرين.
185 - (لا يقرب البيت) أي لا يطوف. (ذلك واسع) أي جائز. (حتى يبلغ الهدى محله) أي حيث
يحل ذبحه.
395

قال: وربما دخل المسجد فأوتر فيه. ولا يقرب البيت.
قال مالك: التفث حلاق الشعر، ولبس الثياب، يتبع ذلك.
قال يحيى: سئل مالك عن رجل نسي الحلاق بمنى في الحج. هل له رخصة في أن يحلق
بمكة؟ قال: ذلك واسع. والحلاق بمنى أحب إلى.
قال مالك: الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا. أن أحدا لا يحلق رأسه، ولا يأخذ من
شعره، حتى ينحر هديا. إن كان معه. ولا يحل من شئ حرم عليه، حتى يحل بمنى يوم
النحر. وذلك أن الله تبارك وتعالى قال - ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله -.
(61) باب التقصير
186 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا أفطر من رمضان،
وهو يريد الحج، لم يأخذ من رأسه ولا من لحيته شيئا، حتى يحج.
قال مالك: ليس ذلك على الناس.
187 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر، كان، إذا حلق في حج أو عمرة،
أخذ من لحيته وشاربه.
396

188 - وحدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أن رجلا أتى القاسم بن محمد.
فقال: إني أفضت. وأفضت معي بأهلي. ثم عدلت إلى شعب. فذهبت لأدنو من أهلي،
فقالت: إني لم أقصر من شعري بعد. فأخذت من شعرها بأسناني. ثم وقعت بها. فضحك
القاسم وقال: مرها فلتأخذ من شعرها بالجلمين.
قال مالك: أستحب في مثل هذا أن يهرق دما. وذلك أن عبد الله بن عباس قال: من
نسي من نسكه شيئا فليهرق دما.
189 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه لقي رجلا من أهله يقال
له المجبر. قد أفاض ولم يحلق ولم يقصر. جهل ذلك. فأمره عبد الله أن يرجع، فيحلق
أو يقصر، ثم يرجع إلى البيت فيفيض.
190 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن سالم بن عبد الله كان إذا أراد أن يحرم،
دعا بالجلمين فقص شاربه. وأخذ من لحيته. قبل أن يركب. وقبل أن يهل محرما.

188 - (أفضت) طفت طواف الإفاضة. (ثم عدلت إلى شعب) الشعب الطريق في الجبل. أو
ما انفرج بين الجبلين. (لأدنو من أهلي) أي أجامعها. (ثم وقعت بها) جامعتها. (بالجلمين)
تثنية جلم. وهو المقراض.
397

(62) باب التلبيد
191 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب
قال: من ضفر رأسه فليحلق. ولا تشبهوا بالتلبيد.
192 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن
الخطاب قال: من عقص رأسه، أو ضفر أو لبد. فقد وجب عليه الحلاق.
(63) باب الصلاة في البيت وقصر الصلاة وتعجيل الخطبة بعرفة
193 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
دخل الكعبة، هو وأسامة بن زيد وبلال بن رباح وعثمان بن طلحة الحجبي. فأغلقها عليه
ومكث فيها.
قال عبد الله: فسألت بلالا حين خرج، ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: جعل عمودا
عن يمينه، وعمودين عن يساره، وثلاثة أعمدة وراءه. وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة.
ثم صلى.

191 - (ضفر رأسه) جعله ضفائر. كل ضفيرة على حدة.
192 - (من عقص رأسه) لوى شعره وأدخل أطرافه في أصوله.
193 - (الحجبي) نسبة إلى حجابة الكعبة.
398

أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 96 - باب الصلاة بين السواري في غير جماعة.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 68 - باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره، والصلاة
بها، حديث 388.
194 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أنه قال: كتب
عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف. أن لا تخالف عبد الله بن عمر في شئ من أمر
الحج. قال: فلما كان يوم عرفة. جاءه عبد الله بن عمر. حين زالت الشمس، وأنا معه،
فصاح به عند سرادقه: أين هذا؟ فخرج عليه الحجاج. وعليه ملحفة معصفرة. فقال مالك؟
يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: الرواح. إن كنت تريد السنة. فقال: أهذه الساعة؟ قال: نعم.
قال: فأنظرني حتى أفيض على ماء، ثم أخرج. فنزل عبد الله. حتى خرج الحجاج. فسار
بيني وبين أبى. فقلت له: إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم، فاقصر الخطبة وعجل
الصلاة. قال فجعل ينظر إلى عبد الله بن عمر. كيما يسمع ذلك منه. فلما رأى ذلك، عبد الله،
قال: صدق سالم.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 87 - باب التهجير بالرواح يوم عرفة.

194 - (عند سرادقه) قال ابن الأثير: هو كل ما أحاط بشئ من حائط أو مضرب أو خباء.
(ملحفة) ملاءة يلتحف بها. (معصفرة) مصبوغة بالعصفر. (الرواح) أي عجل. أو رح.
أو على الاغراء. (فأنظرني) أي أخرني. (أفيض علي ماء) أي أغتسل. (تصيب) توافق.
399

(64) باب الصلاة بمنى يوم التروية. والجمعة بمنى وعرفة
195 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يصلى الظهر والعصر
والمغرب والعشاء والصبح بمنى. ثم يغدو، إذا طلعت الشمس، إلى عرفة.
قال مالك: والامر الذي لا اختلاف فيه عندنا، أن الامام لا يجهر بالقرآن في الظهر يوم
عرفة. وأنه يخطب الناس يوم عرفة. وأن الصلاة يوم عرفة إنما هي ظهر. وإن وافقت
الجمعة. فإنما هي ظهر. ولكنها قصرت من أجل السفر.
قال مالك، في إمام الحاج إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة، أو يوم النحر، أو بعض أيام
التشريق: إنه لا يجمع في شئ من تلك الأيام.
(65) باب صلاة المزدلفة
196 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله
ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 96 - باب من جمع بينهما ولم يتطوع
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 47 - باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، حديث 286.
197 - وحدثني عن مالك، عن موسى بن عقبة، عن كريب مولى ابن عباس، عن

195 - (أيام التشريق) هي الأيام التي بعد يوم النحر. (لا يجمع) لا يصلى الجمعة.
196 - (جميعا) أي جمع بينهما جمع تأخير.
197 -
400

أسامة بن زيد، أنه سمعه يقول: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة. حتى إذا كان بالشعب نزل
فبال فتوضأ، فلم يسبغ الوضوء. فقلت له: الصلاة. يا رسول الله. فقال (الصلاة أمامك)
فركب. فلما جاء المزدلفة، نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء. ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب.
ثم أناخ كل انسان بعيره في منزله. ثم أقيمت العشاء فصلاها. ولم يصل بينهما شيئا.
أخرجه البخاري في: 4 - كتاب الوضوء، 6 - باب إسباغ الوضوء.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 47 - باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، حديث 276.
198 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عدى بن ثابت الأنصاري، أن
عبد الله بن يزيد الخطمي أخبره: أن أبا أيوب الأنصاري أخبره، أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في حجة الوداع، المغرب والعشاء، بالمزدلفة جميعا.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 96 - باب من جمع بينهما ولم يتطوع.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 47 - باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، حديث 285.
199 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يصلى المغرب والعشاء،
بالمزدلفة جميعا.

197 - (دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة) أي رجع من وقوف عرفة بعرفات. لان عرفة اسم لليوم.
وعرفات بلفظ الجمع اسم للموضع. (بالشعب) اللام للعهد. والمراد الذي دون المزدلفة. (ولم يصل بينهما شيئا) أي لم يتنفل.
401

(66) باب صلاة منى
200 - قال مالك: في أهل مكة. إنهم يصلون بمنى إذا حجوا ركعتين ركعتين. حتى
ينصرفوا إلى مكة.
201 - وحدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلى الصلاة الرباعية بمنى ركعتين. وأن أبا بكر صلاها بمنى ركعتين وأن عمر بن الخطاب
صلاها بمنى ركعتين. وأن عثمان صلاها بمنى ركعتين، شطر إمارته. ثم أتمها بعد.
هذا مرسل. وقد روى موصولا عن ابن عمر.
أخرجه البخاري في: 18 - كتاب تقصير الصلاة، 2 - باب الصلاة بمنى.
ومسلم في: 6 - كتاب صلاة المسافرين، 2 - باب قصر الصلاة بمنى، حديث 17.
202 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب
لما قدم مكة، صلى بهم ركعتين. ثم انصرف فقال: يا أهل مكة. أتموا صلاتكم. فإنا
قوم سفر. ثم صلى عمر بن الخطاب ركعتين بمنى، ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئا.
203 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب صلى للناس

201 - (شطر إمارته) أي نصف خلافته.
202 - (سفر) جمع سافر. كركب وراكب.
203 - (كيف صلاتهم بعرفة) هي الصلاة الرباعية. (في إقامتهم) أي أيام الرمي. (ما أقاموا)
أي مدة إقامتهم.
402

بمكة ركعتين. فلما انصرف قال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم. فإنا قوم سفر. ثم صلى
عمر ركعتين بمنى، ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئا.
سئل مالك: عن أهل مكة كيف صلاتهم بعرفة؟ أركعتان أم أربع؟ وكيف بأمير
الحاج إن كان من أهل مكة؟ أيصلى الظهر والعصر بعرفة أربع ركعات أو ركعتين؟
وكيف صلاة أهل مكة في إقامتهم؟ فقال مالك: يصلى أهل مكة بعرفة ومنى، ما أقاموا بهما،
ركعتين ركعتين. يقصرون الصلاة. حتى يرجعوا إلى مكة. قال: وأمير الحاج أيضا. إذا
كان من أهل مكة قصر الصلاة بعرفة، وأيام منى. وإن كان أحد ساكنا بمنى، مقيما
بها، فإن ذلك يتم الصلاة بمنى. وإن كان أحد ساكنا بعرفة، مقيما بها، فإن ذلك يتم الصلاة
بها أيضا.
(67) باب صلاة المقيم بمكة ومنى
204 - حدثني يحيى عن مالك، أنه قال: من قدم مكة لهلال ذي الحجة. فأهل بالحج
فإنه يتم الصلاة. حتى يخرج من مكة لمنى، فيقصر. وذلك أنه قد أجمع على مقام، أكثر
من أربع ليال.
403

(68) باب تكبير أيام التشريق
205 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب خرج
الغد من يوم النحر حين ارتفع النهار شيئا. فكبر، فكبر الناس بتكبيره. ثم خرج الثانية
من يومه ذلك بعد ارتفاع النهار. فكبر، فكبر الناس بتكبيره. ثم خرج الثالثة حين زاغت
الشمس فكبر فكبر الناس بتكبيره. حتى يتصل التكبير ويبلغ البيت. فيعلم أن عمر
قد خرج يرمى.
قال مالك: الامر عندنا، أن التكبير في أيام التشريق دبر الصلوات. وأول ذلك
تكبير الامام والناس معه. دبر صلاة الظهر من يوم النحر. وآخر ذلك تكبير الامام
والناس معه. دبر صلاة الصبح من آخر أيام التشريق. ثم يقطع التكبير.
قال مالك: والتكبير في أيام التشريق على الرجال والنساء. من كان في جماعة أو وحده.
بمنى أو بالآفاق. كلها واجب. وإنما يأتم الناس في ذلك بإمام الحاج. وبالناس بمنى. لأنهم
إذا رجعوا وانقضى الاحرام ائتموا بهم. حتى يكونوا مثلهم في الحل. فأما من لم يكن حاجا،
فإنه لا يأتم بهم إلا في تكبير أيام التشريق.
قال مالك: الأيام المعدودات أيام التشريق.

205 - (زاغت) زالت. (دبر الصلوات) أي عقبها.
404

(69) باب صلاة المعرس والمحصب
206 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة. فصلى بها.
قال نافع: وكان عبد الله ابن عمر يفعل ذلك.
أخرجه مسلم في: 15 - كتاب الحج، 77 - باب التعريس بذي الحليفة والصلاة بها، حديث 430.
قال مالك: لا ينبغي لاحد أن يجاوز المعرس إذا قفل، حتى يصلى فيه. وإن مر به في غير
وقت صلاة، فليقم حتى تحل الصلاة. ثم صلى ما بدا له. لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
عرس به وأن عبد الله بن عمر أناخ به.
207 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يصلى الظهر والعصر،
والمغرب والعشاء بالمحصب. ثم يدخل مكة من الليل فيطوف بالبيت.

206 - (أناخ) أي برك راحلته. (المعرس) موضع النزول. (قفل) أي رجع من الحج.
(ثم صلى ما بدا له) يعنى أي شئ تيسر له. (عرس به) نزل به ليستريح.
207 - (بالمحصب) اسم لمكان متسع بين مكة ومنى. وهو أقرب إلى منى. ويقال له الأبطح والبطحاء
وخيف بنى كنانة والخيف. وإلى منى يضاف.
405

(70) باب البيتوتة بمكة ليالي منى
208 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أنه قال: زعموا أن عمر بن الخطاب كان
يبعث رجالا يدخلون الناس من وراء العقبة.
209 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب قال:
لا يبيتن أحد من الحاج ليالي منى من وراء العقبة.
210 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال، في البيتوتة
بمكة ليالي منى: لا يبيتن أحد إلا بمنى.
(71) باب رمي الجمار
211 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب كان يقف عند الجمرتين
الأوليين وقوفا طويلا. حتى يمل القائم.

211 - (رمى الجمار) جمع جمرة. وهي اسم لمجتمع الحصى. سميت بذلك لاجتماع الناس بها. يقال تجمر
بنو فلان إذا اجتمعوا. وقيل إن العرب تسمى الحصى الصغار جمارا. فسميت بذلك تسمية للشئ بلازمه.
وقال الشهاب القرافي: الجمار اسم للحصى، لا للمكان. والجمرة اسم للحصاة. وأنما سمى الموضع جمرة باسم
ما جاوره. وهو اجتماع الحصى فيه. (عند الجمرتين الأوليين) إحداهما الأولى التي تلى مسجد منى. والثانية الوسطى.
406

212 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقف عند الجمرتين
الأوليين وقوفا طويلا. يكبر الله، ويسبحه ويحمده، ويدعو الله. ولا يقف عند جمرة العقبة.
213 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يكبر عند رمى الجمرة،
كلما رمى بحصاة.
214 - وحدثني عن مالك، أنه سمع بعض أهل العلم يقول: الحصى التي يرمى بها الجمار
مثل حصى الخذف.
قال مالك: وأكبر من ذلك قليلا أعجب إلي.
وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: من غربت له الشمس
من أوسط أيام التشريق وهو بمنى، فلا ينفرن، حتى يرمى الجمار من الغد.
215 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، أن الناس كانوا،
إذا رموا الجمار، مشوا ذاهبين وراجعين. وأول من ركب، معاوية بن أبي سفيان.
216 - وحدثني عن مالك، أنه سأل عبد الرحمن بن القاسم: من أين كان القاسم يرمى
جمرة العقبة؟ فقال: من حيث تيسر.

214 - (حصى الحذف) أصله الرمي بطرفي الابهام والسبابة. ثم أطلق هنا على الحصى الصغار، مجازا.
(من غربت له الشمس) أي عليه.
407

قال يحيى: سئل مالك، هل يرمى عن الصبي والمريض؟ فقال: نعم. ويتحرى المريض
حين يرمى عنه فيكبر وهو في منزله ويهريق دما. فإن صح المريض في أيام التشريق رمى
الذي رمى عنه. وأهدى وجوبا.
قال مالك: لا أرى على الذي يرمى الجمار، أو يسعى بين الصفا والمروة، وهو غير متوض،
إعادة. ولكن لا يتعمد ذلك.
217 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا ترمى الجمار
في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس.
(72) باب الرخصة في رمى الجمار
218 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه، أن أبا البداح
ابن عاصم بن عدي، أخبره عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة.
خارجين عن منى. يرمون يوم النحر. ثم يرمون الغد. ومن بعد الغد ليومين. ثم يرمون
يوم النفر.
أخرجه أبو داود في: 11 - كتاب المناسك (الحج)، 77 - باب في رمى الجمار.
والترمذي في: 7 - كتاب الحج، 108 - باب ما جاء في الرخصة للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما.
والنسائي في: 24 - كتاب الحج، 225 - باب رمى الرعاة.
وابن ماجة في: 25 - كتاب المناسك (الحج)، 67 - باب تأخير رمى الجمار من عذر.

218 - (لرعاء الإبل) جمع راع. (البيتوتة) مصدر بات. (يوم النفر) الانصراف من منى.
408

219 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عطاء بن أبي رباح، أنه سمعه
يذكر، أنه أرخص للرعاء أن يرموا بالليل. يقول: في الزمان الأول.
قال مالك: تفسير الحديث الذي أرخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في تأخير رمى
الجمار، فيما نرى، والله أعلم، أنهم يرمون يوم النحر. فإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر
رموا من الغد. وذلك يوم النفر الأول. فيرمون لليوم الذي مضى. ثم يرمون ليومهم ذلك.
لأنه لا يقضى أحد شيئا حتى يجب عليه. فإذا وجب عليه ومضى كان القضاء بعد ذلك. فإن
بدا لهم النفر فقد فرغوا وإن أقاموا إلى الغد، رموا مع الناس يوم النفر الآخر، ونفروا.
220 - وحدثني عن مالك، عن أبي بكر بن نافع، عن أبيه، أن ابنة أخ لصفية بنت أبي عبيد. نفست بالمزدلفة. فتخلفت هي وصفية حتى أتتا منى، بعد أن غربت الشمس.
من يوم النحر. فأمرهما عبد الله بن عمر أن ترميا الجمرة. حين أتتا ولم ير عليهما شيئا.
قال يحيى: سئل مالك عمن نسي جمرة من الجمار في بعض أيام منى حتى يمسى؟ قال: ليرم
أي ساعة ذكر من ليل أو نهار. كما يصلى الصلاة إذا نسيها ثم ذكرها ليلا أو نهارا. فإن
كان ذلك بعد ما صدر وهو بمكة، أو بعد ما يخرج منها، فعليه الهدى.

219 - (في الزمان الأول) أي زمن الصحابة.
220 - (نفست) نفست أي ولدت. ونفست أي حاضت.
409

(73) باب الإفاضة
221 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع وعبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن
عمر بن الخطاب خطب الناس بعرفة، وعلمهم أمر الحج. وقال لهم فيما قال: إذا جئتم منى،
فمن رمى الجمرة، فقد حل له ما حرم على الحاج. إلا النساء والطيب. لا يمس أحد نساء ولا
طيبا، حتى يطوف بالبيت.
222 - وحدثني عن مالك، عن نافع، وعيد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن عمر
ابن الخطاب قال: من رمى الجمرة، ثم حلق أو قصر، ونحر هديا، إن كان معه، فقد حل له
ما حرم عليه. إلا النساء والطيب، حتى يطوف بالبيت.
(74) باب دخول الحائض مكة
223 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة
أم المؤمنين، أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع. فأهللنا بعمرة. ثم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان معه هدى فليهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل
منهما جميعا). قالت: فقدمت مكة وأنا حائض. فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة.

223 - (فأهللنا بعمرة) أي أدخلناها على الحج بعد أن أهللنا به ابتداء.
410

فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال (انقضى رأسك، وامتشطي، وأهلي بالحج ودعى
العمرة) قالت: ففعلت. فلما قضينا الحج، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر
الصديق، إلى التنعيم، فاعتمرت. فقال (هذ مكان عمرتك) فطاف الذين أهلوا بالعمرة
بالبيت، بين الصفا والمروة. ثم حلوا منها. ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى،
لحجهم. وأما الذين كانوا أهلوا بالحج، أو جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافا واحدا.
وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، بمثل ذلك.
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 31 - باب كيف تهل الحائض والنفساء.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 17 - باب بيان وجوه الاحرام، حديث 111.
224 - حدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت:
قدمت مكة وأنا حائض. فلم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة. فشكوت ذلك إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت، ولا بين الصفا والمروة
حتى تطهري).
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 81 - باب تقضى الحائض المناسك كلها، إلا الطواف بالبيت.
قال مالك، في المرأة التي تهل بالعمرة، ثم تدخل مكة موافية للحج وهي حائض،

(انقضى رأسك) أي حلى ضفر شعره. (وامتشطي) أي سرحيه بالمشط. (إلى التنعيم) مكان
خارج مكة على أربعة أميال منها إلى جهة المدينة. وروى الفاكهي عن عبيد بن عمير: إنما سمى التنعيم،
لان الجبل الذي عن يمين الداخل يقال له ناعم. والذي على اليسار يقال له منعم، والوادي نعمان.
(مكان) بالرفع خبر، وبالنصب على الظرفية. قال عياض: والرفع أوجه عندي إذ لم يرد به الظرف، إنما
أراد عوض عمرتك. (ثم حلوا) بالحلق أو التقصير.
224 - (موافية للحج) أي مطلة عليه ومشرفة. يقال: أوفى على ثنية كذا أي شارفها وأطل عليها.
411

لا تستطيع الطواف، بالبيت: إنما إذا خشيت الفوات، أهلت بالحج وأهدت. وكانت
مثل من قرن الحج والعمرة. وأجزأ عنها طواف واحد. والمرأة الحائض إذا كانت قد طافت
بالبيت، وصلت، فإنها تسعى بين الصفا والمروة. وتقف بعرفة والمزدلفة. وترمى الجمار.
غير أنها لا تفيض، حتى تطهر من حيضتها.
(75) باب إفاضة الحائض
225 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة
أم المؤمنين، أن صفية بنت حيى حاضت. فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال (أحابستنا هي؟)
فقيل: إنها قد أفاضت. فقال (فلا. إذا).
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 145 - باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت.
226 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه، عن عمرة
بنت عبد الرحمن، عن عائشة أم المؤمنين، أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله. إن
صفية بنت حيى قد حاضت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعلها تحبسنا. ألم تكن طافت معكن
بالبيت؟) قلن: بلى. قال (فاخرجن).

225 - (أحابستنا) أي أمانعتنا. (أفاضت) أي طافت طواف الإفاضة. (فلا) أي فلا حبس علينا.
226 - (لعلها تحبسنا) أي تمنعنا عن الخروج من مكة إلى المدينة حتى تطهر وتطوف. قال الكرماني: لعل
هنا ليس للترجي، بل للاستفهام أو للظن وما شاكله.
412

أخرجه البخاري في: 6 - كتاب الحيض، 27 - باب المرأة تحيض بعد الإفاضة.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 67 - باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض،
حديث 385.
227 - وحدثني عن مالك، عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن، عن عمرة بنت
عبد الرحمن، أن عائشة أم المؤمنين كانت إذا حجت، ومعها نساء تخاف أن يحضن، قدمتهن
يوم النحر فأفضن. فإن حضن بعد ذلك لم تنتظرهن. فتنفر بهن، وهن حيض، إذا كن
قد أفضن.
228 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر صفية بنت حيى. فقيل له: قد حاضت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(لعلها حابستنا) فقالوا: يا رسول الله. إنها قد طافت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلا. إذا).
أخرجه أبو داود في: 11 - كتاب المناسك (الحج)، 84 - باب الحائض تخرج بعد الإفاضة.
قال مالك: قال هشام، قال عروة، قالت عائشة. ونحن نذكر ذلك. فلم يقدم الناس نساءهم
إن كان ذلك لا ينفعهن. ولو كان الذي يقولون، لأصبح بمنى أكثر من ستة آلاف امرأة
حائض، كلهن قد أفاضت.
229 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، أن أبا سلمة بن عبد الرحمن
أخبره: أن أم سليم بنت ملحان استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاضت، أو ولدت بعد ما أفاضت
يوم النحر. فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت.
قال ابن عبد البر: لا أعرفه عن أم سليم إلا من هذا الوجه.
وتعقبه الزرقاني فقال: إن سلم أن فيه انقطاعا، لان أبا سلمة لم يسمع أم سليم، فله شواهد.
413

قال مالك: والمرأة تحيض بمنى تقيم حتى تطوف بالبيت. لابد لها من ذلك. وإن
كانت قد أفاضت، فحاضت بعد الإفاضة، فلتنصرف إلى بلدها. فإنه قد بلغنا في ذلك رخصة
من رسول الله صلى الله عليه وسلم للحائض.
قال: وإن حاضت المرأة بمنى، قبل أن تفيض، فإن كربها، يحبس عليها، أكثر مما
يحبس النساء الدم.
(76) باب فدية ما أصيب من الطير والوحش
230 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزبير، أن عمر بن الخطاب قضى في الضبع
بكبش. وفي الغزال بعنز. وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة.
231 - وحدثني عن مالك، عن عبد الملك بن قرير، عن محمد بن سيرين، أن رجلا
جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين. نستبق إلى ثغرة ثنية.

229 - (فإن كربها) أي استمر بها.
230 - (الضبع) هي أنثى. وقيل يقع على الذكر والأنثى. وربما قيل في الأنثى ضبعة، والذكر
ضبعان، والجمع ضباعين. ويجمع الضبع على ضباع. والضبع على أضبع. (بكبش) هو فحل الضأن.
والأنثى نعجة. (بعنز) الأنثى من المعز. (بعناق) أنثى المعز قبل كمال الحول. (اليربوع) دويبة
نحو الفأرة. لكن ذنبه وأذناه أطول منها. ورجلاه أطول من يديه، عكس الزرافة، والجمع يرابيع.
(بجفرة) الجفر من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر.
231 - (نستبق) نرمى. (إلى ثغرة ثنية) الثغرة الناحية من الأرض، والطريق السهلة. والثنية
الطريق الضيق بين الجبلين.
414

فأصبنا ظبيا ونحن محرمان. فماذا ترى؟ فقال عمر، لرجل إلى جنبه: نعال حتى أحكم أنا
وأنت. قال فحكما عليه بعنز. فولى الرجل وهو يقول: هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن
يحكم في ظبي، حتى دعا رجلا يحكم معه. فسمع عمر قول الرجل، فدعاه فسأله: هل تقرأ
سورة المائدة؟ قال: لا. قال: فهل تعرف هذا الرجل الذي حكم معي؟ فقال: لا. فقال:
لو أخبرتني أنك تقرأ سورة المائدة لأوجعتك ضربا. ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول
في كتابه - يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة - وهذا عبد الرحمن بن عوف.
232 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، أن أباه كان يقول: في البقرة من
الوحش بقرة. وفى الشاة من الظباء شاة.
233 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه كان
يقول: في حمام مكة، إذا قتل، شاة.
وقال مالك، في الرجل من أهل مكة، يحرم بالحج أو العمرة، وفي بيته فراخ من حمام
مكة، فيغلق عليها فتموت. فقال: أرى بأن يفدى ذلك، عن كل فرخ بشاة.
234 - قال مالك: لم أزل أسمع أن في النعامة، إذا قتلها المحرم، بدنة.
قال مالك: أرى أن في بيضة النعامة عشر ثمن البدنة. كما يكون، في جنين الحرة، غرة،

234 - (الغرة) عبد أو أمة.
415

عبد أو وليدة. وقيمة الغرة خمسون دينارا. وذلك عشر دية أمه. وكل شئ من النسور
أو العقبان أو البزاة أو الرخم، فإنه صيد يودي كما يودي الصيد. إذا قتله المحرم. وكل
شئ فدى، ففي صغاره مثل ما يكون في كباره. وإنما مثل ذلك، مثل دية الحر الصغير
والكبير. فهما، بمنزلة واحدة، سواء.
(77) باب فدية من أصاب شيئا من الجراد وهو محرم
235 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب،
فقال: يا أمير المؤمنين. إني أصبت جرادات بسوطي وأنا محرم. فقال له عمر: أطعم قبضة
من طعام.
236 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فسأله
عن جرادات قتلها وهو محرم. فقال عمر لكعب: تعال حتى نحكم. فقال كعب: درهم.
فقال عمر لكعب: إنك لتجد الدراهم. لتمرة خير من جرادة.

(وليدة) أي أمة. (النسور) جمع نسر. وهو طائر حاد البصر ومن أشد الطيور وأرفعها طيرانا وأقواها
جناحا. تخافه كل الجوارح. وهو أعظم من العقاب. له منقار منعقف في طرفه. وله أظفار. لكنه لا يقوى
على جمعها وحمل فريسته بها، كما يفعل العقاب بمخالبه. (والعقبان) جمع عقاب، طائر من الجوارح، يطلق
على الذكر والأنثى. قوى المخالب وله منقار أعقف. (والبزاة) جمع باز. ضرب من الصقورة.
(الرخم) الواحدة رخمة: طائر من الجوارح الكبيرة الجثة، الوحشية الطباع.
416

(78) باب فدية من حلق قبل أن ينحر
237 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن عبد الرحمن
ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرما. فآذاه القمل في رأسه،
فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه. وقال (صم ثلاثة أيام. أو أطعم ستة مساكين،
مدين مدين لكل انسان. أو انسك بشاة. أي ذلك فعلت أجزأ عنك).
الصواب عبد الكريم بن مالك الجزري، عن مجاهد، عن عبد الرحمن.
وكذلك أخرجه البخاري في: 27 - كتاب المحصر، 6 - باب قول الله تعالى - أو صدقة -.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 10 - باب جواز حلق الرأس للمحرم، حديث 82.
238 - حدثني عن مالك، عن حميد بن قيس، عن مجاهد أبى الحجاج، عن ابن أبي ليلى،
عن كعب بن عجرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له (لعلك آذاك هوامك؟) فقلت: نعم. يا رسول
الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين، أو
انسك بشاة).
أخرجه البخاري في: 27 - كتاب المحصر، 5 - باب قول الله تعالى - فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه -
239 - وحدثني عن مالك، عن عطاء بن عبد الله الخراساني، أنه قال: حدثني شيخ

237 - (أو انسك بشاة) أي تقرب بشاة تذبحها.
238 - (هو أمك) جمع هامة. وهي الدابة.
والمراد بها هنا القمل. لأنها تطلق على ما يدب من الحيوان، وإن لم
يقتل، كالقمل والحشرات.
417

بسوق البرم بالكوفة، عن كعب بن عجرة، أنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنفخ
تحت قدر لأصحابي. وقد امتلأ رأسي ولحيتي قملا. فأخذ بجبهتي، ثم قال (احلق هذا الشعر.
وصم ثلاثة أيام. أو أطعم ستة مساكين) وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أنه ليس عندي
ما أنسك به.
أخرجه البخاري موصولا في: 64 - كتاب المغازي، 35 - باب غزوة الحديبية.
ومسلم في: كتاب الحج، 10 - باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، حديث 80.
قال مالك، في فدية الأذى: إن الامر فيه، أن أحدا لا يفتدى حتى يفعل ما يوجب عليه
الفدية. وإن الكفارة إنما تكون بعد وجوبها على صاحبها. وأنه يضع فديته حيث ما شاء.
النسك، أو الصيام، أو الصدقة. بمكة أو بغيرها من البلاد.
قال مالك: لا يصلح للمحرم أن ينتف من شعره شيئا، ولا يحلقه، ولا يقصره، حتى
يحل. إلا أن يصيبه أذى في رأسه. فعليه فدية. كما أمره الله تعالى. ولا يصلح له أن يقلم
أظفاره، ولا يقتل قملة، ولا يطرحها من رأسه إلى الأرض، ولا من جلده ولا من ثوبه.
فإن طرحها المحرم من جلده أو من ثوبه، فليطعم حفنة من طعام.
قال مالك: من نتف شعرا من أنفه، أو من إبطه، أو اطلى جسده بنورة، أو يحلق عن شجة
في رأسه لضرورة، أو يحلق قفاه لموضع المحاجم وهو محرم، ناسيا أو جاهلا: إن من فعل
شيئا من ذلك، فعليه الفدية في ذلك كله. ولا ينبغي له أن يحلق موضع المحاجم. ومن
جهل فحلق رأسه قبل أن يرمى الجمرة، افتدى.

239 - (البرم) جمع برمة. وهي القدر من الحجر. (بنورة) النورة حجر الكلس. ثم غلبت
على أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره، وتستعمل لإزالة الشعر.
418

(79) باب ما يفعل من نسي من نسكه شيئا
240 - حدثني يحيى عن مالك، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن سعيد بن جبير،
عن عبد الله بن عباس، قال: من نسي من نسكه شيئا، أو تركه، فليهرق دما.
قال أيوب: لا أدرى، قال: ترك، أو نسي.
قال مالك: ما كان من ذلك هديا، فلا يكون إلا بمكة. وما كان من ذلك نسكا،
فهو يكون حيث أحب صاحب النسك.
(80) باب جامع الفدية
241 - قال مالك، فيمن أراد أن يلبس شيئا من الثياب التي لا ينبغي له أن يلبسها
وهو محرم، أو يقصر شعرة، أو يمس طيبا من غير ضرورة، ليسارة مؤنة الفدية عليه.
قال: لا ينبغي لاحد أن يفعل ذلك وإنما أرخص فيه للضرورة وعلى من فعل ذلك، الفدية.
وسئل مالك: عن الفدية من الصيام، أو الصدقة، أو النسك، أصاحبه بالخيار في ذلك؟
وما النسك؟ وكم الطعام؟ وبأي مد هو؟ وكم الصيام؟ وهل يؤخر شيئا من ذلك أم يفعله
في فوره ذلك؟ قال مالك: كل شئ في كتاب الله في الكفارات، كذا أو كذا، فصاحبه مخير
في ذلك. أي شئ أحب أن يفعل ذلك، فعل. قال: وأما النسك فشاة وأما الصيام فثلاثة
أيام. وأما الطعام فيطعم ستة مساكين. لكل مسكين مدان. بالمد الأول، مد النبي صلى الله عليه وسلم.
قال مالك: وسمعت بعض أهل العلم يقول: إذا رمى المحرم شيئا، فأصاب شيئا من الصيد
419

لم يرده، فقتله: إن عليه أن يفديه. وكذلك الحلال يرمى في الحرم شيئا، فيصيب صيدا
لم يرده، فيقتله: إن عليه أن يفديه. لان العمد والخطأ في ذلك بمنزلة، سواء.
قال مالك، في القوم يصيبون الصيد جميعا وهم محرمون. أو في الحرم. قال: أرى أن
على كل انسان منهم جزاءه. إن حكم عليهم بالهدى، فعلى كل انسان منهم هدى. وإن
حكم عليهم بالصيام، كان على كل انسان منهم الصيام. ومثل ذلك، القوم يقتلون الرجل
خطأ. فتكون كفارة ذلك، عتق رقبة على كل انسان منهم. أو صيام شهرين متتابعين
على كل انسان منهم.
قال مالك: من رمى صيدا، أو صاده بعد رميه الجمرة، وحلاق رأسه، غير أنه لم يفض:
إن عليه جزاء ذلك الصيد. لان الله تبارك وتعالى قال - وإذا حللتم فاصطادوا - ومن لم يفض،
فقد بقي عليه مس الطيب والنساء.
قال مالك: ليس على المحرم فيما قطع من الشجر في الحرم شئ. ولم يبلغنا أن أحدا
حكم عليه فيه بشئ. وبئس ما صنع.
قال مالك، في الذي يجهل، أو ينسى صيام ثلاثة أيام في الحج، أو يمرض فيها فلا يصومها
حتى يقدم بلده. قال: ليهد إن وجد هديا وإلا فليصم ثلاثة أيام في أهله، وسبعة بعد ذلك.
420

(81) باب جامع الحج
242 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عيسى بن طلحة، عن عبد الله
ابن عمرو بن العاص، أنه قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس بمنى. والناس يسألونه فجاءه
رجل فقال له: يا رسول الله. لم أشعر، فحلقت قبل أن أنحر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (انحر،
ولا حرج) ثم جاءه آخر فقال: يا رسول الله. لم أشعر، فنحرت قبل أن أرمى. قال (ارم،
ولا حرج) قال: فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ، قدم ولا أخر، إلا قال (افعل، ولا حرج)
أخرجه البخاري في: 25 - كتاب الحج، 131 - باب الفتيا على الدابة عند الجمرة.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 57 - باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي، حديث 327.
243 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان،
إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة، يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات. ثم
يقول (لا إله إلا الله وحده، لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير.
آيبون تائبون عابدون ساجدون. لربنا حامدون. صدق الله وعده. ونصر عبده. وهزم
الأحزاب وحده.
أخرجه البخاري في: 26 - كتاب العمرة، 12 - باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 76 - باب ما يقول إذا قفل من سفر، حديث، 428.

242 - (لم اشعر) أي لم أفطن.
243 - (إذا قفل) أي رجع. (شرف) مكان عال.
421

244 - وحدثني عن مالك، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب مولى عبد الله بن عباس
عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة وهي في محفتها. فقيل لها: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأخذت بضبعي صبي كان معها. فقالت: ألهذا حج؟ يا رسول الله. قال (نعم. ولك أجر).
أخرجه مسلم في: 15 - كتاب الحج، 72 - باب صحة حج الصبي وأجر من حج به، حديث 409.
245 - وحدثني عن مالك، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما رؤى الشيطان يوما، هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ،
منه في يوم عرفة. وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام،
إلا ما أرى يوم بدر) قيل: وما رأى، يوم بدر، يا رسول الله؟ قال: (أما إنه قد رأى جبريل
يزع الملائكة).
هذا مرسل. وقد وصله الحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء.
246 - وحدثني عن مالك، عن زياد بن أبي زياد، مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة،
عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة.

244 - (في محفتها) بكسر الميم، كما جزم به الجوهري وغيره. وحكى في المشارق الكسر والفتح بلا
ترجيح. شبه الهودج، إلا أنه لا قبة عليها. (بضبعي) هما باطنا الساعد. أو العضدان.
245 - (يوما) أي في يوم. (أصغر) أي أذل. (أدحر) أي أبعد عن الخير. (أغيظ)
أي أشد غيظا، وهو أشد الحنق. (يزع الملائكة) يصف الملائكة للقتال، ويمنعهم أن يخرج بعضهم عن
بعض في الصف. أي يعبيهم للقتال. والمعبى يسمى وازعا. ومنه قوله تعالى: - وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون - أي يحبس أولهم على آخرهم.
422

وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له).
قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرساله. ولا أحفظ بهذا الاسناد مسندا من وجه يحتج به.
وأحاديث الفضائل لا يحتاج إلى محتج به. وقد جاء مسندا من حديث علي وابن عمرو.
247 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
دخل مكة، عام الفتح، وعلى رأسه المغفر. فلما نزعه جاءه رجل فقال له: يا رسول الله.
ابن خطل متعلق بأستار الكعبة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقتلوه).
أخرجه البخاري في: 28 - كتاب جزاء الصيد، 18 - باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 84 - باب جواز دخول مكة بغير إحرام، حديث 450.
قال مالك: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يومئذ، محرما. والله أعلم.
248 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة. حتى إذا كان
بقديد جاءه خبر من المدينة. فرجع فدخل مكة بغير إحرام.
وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب بمثل ذلك.
249 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي، عن محمد بن عمران

247 - (المغفر) هو ما يجعل من فضل درع الحديد على الرأس، مثل القلنسوة. قاله في المحكم. وقال في
التمهيد: ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها، من حديد كان أو غيره.
248 - (بقديد) قرية جامعة. وبين قديد والكديد ستة عشر ميلا. الكديد أقرب إلى مكة. وسميت
قديدا لتقدد السيول بها، وهي لخزاعة. عن المشارق.
423

الأنصاري، عن أبيه، أنه قال: عدل إلى عبد الله بن عمر، وأنا نازل تحت سرحة بطريق
مكة. فقال: ما أنزلك تحت هذه السرحة؟ فقلت: أردت ظلها. فقال: هل غير ذلك؟
فقلت: لا ما أنزلني إلا ذلك. فقال عبد الله بن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كنت بين
الأخشبين من منى، ونفخ بيده نحو المشرق، فإن هناك واديا يقال له السرر. به شجرة
سر تحتها سبعون نبيا).
أخرجه النسائي في: 24 - كتاب الحج، 189 - باب ما ذكر في منى.
250 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن ابن أبي مليكة،
أن عمر بن الخطاب مر بامرأة مجذومة، وهي تطوف بالبيت. فقال لها: يا أمة الله. لا تؤذى
الناس. لو جلست في بيتك. فجلست. فمر بها رجل بعد ذلك. فقال لها: إن الذي كان قد
نهاك، قد مات، فأخرجي. فقالت: ما كنت لأطيعه حيا، وأعصيه ميتا.
251 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول: ما بين الركن
والباب، الملتزم.
252 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، أنه سمعه

249 - (سرحة) شجرة طويلة لها شعب. (الأخشبين) هما الجبلان اللذان تحت العقبة بمنى، فوق
المسجد. ويقال إن الأخاشب اسم لجبال مكة ومنى خاصة. (سر تحتها سبعون نبيا) أي ولدوا تحتها،
فقطع سرهم. وهو ما تقطعه القابلة من سرة الصبي.
250 - (مجذومة) أصابها داء الجذام. يقطع اللحم ويسقطه. (لو جلست في بيتك) كان خيرا لك.
أو (لو) للتمني. فلا جواب لها.
424

يذكر: أن رجلا مر على أبي ذر، بالربذة. وأن أبا ذر سأله: أين تريد؟ فقال: أردت الحج.
فقال: هل نزعك غيره؟ فقال: لا. قال: فأتنف العمل. قال الرجل: فخرجت حتى قدمت
مكة فمكثت ما شاء الله. ثم إذا أنا بالناس منقصفين على رجل. فضاغطت عليه الناس.
فإذا أنا بالشيخ الذي وجدت بالربذة. يعنى أبا ذر. قال فلما رآني، عرفني. فقال: هو
الذي حدثتك.
253 - وحدثني عن مالك، أنه سأل ابن شهاب، عن الاستثناء في الحج. فقال: أو
يصنع ذلك أحد؟ وأنكر ذلك.
سئل مالك: هل يحتش الرجل لدابته من الحرم؟ فقال: لا
(82) باب حج المرأة بغير ذي محرم
254 - قال مالك، في الصرورة من النساء التي لم تحج قط: إنها، إن لم يكن لها

252 - (الزبدة) موضع خارج المدينة. بينها وبين المدينة ثلاث مراحل. وهي قريب من ذات عرق.
(هل نزعك) أي أخرجك. قال تعالى - ونزع يده - أي أخرجها. (فأتنف العمل) أي استقبله.
(فمكثت) أي أقمت. (منقصفين) أي مزدحمين. حتى كأن بعضهم يقصف بعضا. بدارا إليه.
(فضاغطت) أي زاحمت وضايقت.
253 - (الاستثناء في الحج) هو أن يشترط أن يتحلل حيث أصابه مانع (يحتش) حششته حشا،
من باب قتل، قطعته بعد جفافه، واحتش افتعل، منه.
254 - (الصرورة من النساء التي لم تحج قط) تفسير للصرورة، لصرها النفقة وإمساكها. ويسمى من
من لم يتزوج، صرورة أيضا. لأنه صر الماء في ظهره وتبتل على مذهب الرهبانية.
425

ذو محرم يخرج معها، أو كان لها، فلم يستطع أن يخرج معها: أنها لا تترك فريضة الله عليها
في الحج. لتخرج في جماعة النساء.
(83) باب صيام التمتع
255 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة
أم المؤمنين، أنها كانت تقول: الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج لمن لم يجد هديا. ما بين
أن يهل بالحج، إلى يوم عرفة. فإن لم يصم، صام أيام منى.
وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، أنه كان
يقول في ذلك، مثل قول عائشة رضى الله تعالى عنها.
هذا آخر كتاب الحج. وهو نهاية الجزء الأول من الموطأ.
وسنقفي من بعده، إن شاء الله تعالى، بالجزء الثاني.
وأوله: 21 - كتاب الجهاد.
ونحمده سبحانه وتعالى على ما أولى. ونسأله العصمة من الزلل. فيما نأتنف من عمل
آمين.
426