الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ١٨
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٦ - ١٩٨٦ م
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء الثامن عشر من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(باب الاقرار بالعارية)
(قال رحمه الله وإذا أقر الرجل ان هذا الثوب أو هذه الدار عنده عارية بملك فلان
أو بميراثه أو بحق فلان هذا كله اقرار) لان الباء في الأصل للالصاق فقد جعل المقر به ملصقا
بملك فلان وميراثه وحقه ولم يتحقق هذا الالصاق الا بعد أن يكون مما له وكالة وقد تكون
الباء صلة كما في قوله تعالى ينبت بالدهن وان حملناه علي معنى الصلة هنا كان اقرارا أيضا لأنه
يصير تقدير كلامه انه ملك فلان أو ميراث فلان أو حق فلان وقد تكون الباء للتبعيض
أيضا عند بعضهم كما في قوله تعالى وامسحوا برؤوسكم اقتضى المسح ببعض الرأس وإذا حمل
على هذا كان اقرارا أيضا لأنه جعل المقر به بعض ملكه وميراثه وحقه وكذلك لو قال
عارية عندي من ملك فلان أو من ميراثه أو من حقه لان من في الأصل للتبعيض فذلك
اقرار يكون المقر به بعض ملكه وقد تكون من صلة كما في قوله تعالى يغفر لكم من ذنوبكم
وقوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان وإذا كانت بمعنى الصلة فهو اقرارا أيضا وقد تكون
بمعنى الباء قال الله تعالى يحفظونه من أمر الله يعنى بأمر الله فعلي هذا المعنى هذا والأول
سواء وقد تكون من للتمييز كما يقال سيف من حديد وخاتم من فضة وعلي هذا يكون اقرارا
أيضا لأنه ميز المقر به عن سائر ما في يده باقراره ان للمقر ولو قال عارية عندي لملك فلان أو
لميراثه كان اقرارا أيضا ولو قال والثوب والدابة عارية عندي لحق فلأن لا يكون اقرار لان
اللام قد تكون للتأكيد وقد تكون للوقت كما في قوله تعالى لدلوك الشمس وقوله تعالى فطلقوهن
لعلتهن وقد تكون للتمليك وقد تكون للتعليل فعلى هذه الوجوه حمل قوله لملك فلان
أو لميراث فلان اقرارا مؤكدا وأما إذا قال لحق فلان فنقول الكلام قد تكون بمعنى المجازاة
كقول الرجل لغيره أكرمتك لتكرمني وزرتك لتزورني وقد تكون لبيان الحرمة كالرجل
يريد أن يضرب عبده فنهاه الغير فيقول تركته لك أي لحرمتك وشفاعتك فهنا قوله لحق
2

فلان يحتمل معنى الشفاعة والحرمة يعنى لأجل شفاعته وحرمته إعادة صاحبه فهنا قوله منى فلما
احتمل هذا المعنى لم يجعل اقرارا له بالشك بخلاف قوله لملك فلان أو لميراثه فان ذلك لا يحتمل
معنى الحرمة والشفاعة وكذلك لو قال هذا الألف مضاربة عندي لحق فلإن لم يكن اقرارا
لأنه محتمل لمعنى الحرمة والشفاعة أي إنما رفعها صاحبها إلى مضاربه لأجل شفاعة فلان وحرمته
بخلاف ما لو أقر بالقرض لحق فلان فإنه يكون اقرارا لان القرض لا تجزئ فيه الشفاعة عادة
إنما تجزئ فيه الكفالات فاذن انتفى معنى الشفاعة في القرض فبقي اقرار لملكه بخلاف
العواري والمضاربة فإنه تجزئ فيهما الشفاعات عادة ولو قال هذه الدار عم عندي عارية لحق فلان
فهذا اقرار له بها لان العارية في الدراهم قرض فكان هذه والاقرار بالقرض سواء بخلاف الدابة
والثوب ولو قال أخذت هذا الثوب منك عارية وقال المقر له بل أخذته منى بيعا فالقول قول
الاخذ مع يمينه لأنهما تصادقا على أن الاخذ حصل بإذن المالك وذلك لا يكون سببا
لوجوب الضمان على الاخذ باعتبار عقد الضمان هو من منكر له فكان القول قوله وهذا إذا
لم يلبسه فان لبسه فهلك كان ضامنا له لان لبس ثوب الغير سبب لوجوب الضمان على اللابس
إلا أن يكون باذن من صاحبه واللابس وصاحبه منكران فان (قيل) لا كذلك فان بيع الثوب
من الغير تسليط منه على لبسه فلما أقر صاحبه بالبيع فقد ثبت الاذن في اللبس فينبغي أن لا
يضمن اللابس كما قلنا في الاخذ (قلنا) التسليط بايجاب البيع من حيث التمليك ليلبس ملك
نفسه فإذا لم يثبت الملك له لانكاره لم يثبت تسليط صاحبه إياه علي لبسه وهو في اللبس عامل
لنفسه وذلك سبب موجب الضمان عليه في ملك الغير بخلاف الاخذ فقد يكون في الاخذ
عاملا للمأخوذ منه كالمودع في أخذ الوديعة ليحفظها فلا يتقرر الضمان عليه بالاقرار بالأخذ
إذا لم ينكر صاحبه أصل الاذن ولو قال أقرضني ألف درهم فقال المقر له لا بل غصبني فالمقر
ضامن لها لأنهما تصادقا على كون المال مضمونا عليه للمقر له وان اختلفا في سببه والأسباب
مطلوبة لاحكامها لا لأعيانها فعند التصادق على الحكم لا ينظر إلى اختلاف السبب وهذا لان
قول المقر له لا بل غصبني لا يكون ردا لأصل الواجب إنما يكون ردا للسبب فيبقى اقراره
معتبرا في وجوب المال لتصديق المقر له إياه في أنه واجب وان كانت الدراهم بعينها فللمقر له
ان يأخذها لأنهما تصادقا علي ملك العين للمقر له فبعد ذلك المقر بدعوى القرض يدعي ملكها
عليه فلا يصدق الا بحجة ولو قال هذه الدراهم في يدي عارية لفلان أو من فلان أي أو من
3

قبل فلان فهذا اقرار له بها لما بينا أن العارية في الدراهم قرض فان الانتفاع بها لا يتأتى فيما هو
المقصود الا باستهلاك عينها فكانت الإعارة فيها تسليطا بشرط ضمان الرد وذلك حكم القرض
وان قال هذا الدراهم عارية بيدي علي يدي فلان فليس هذا باقرار وذكر بعد هذا أنه اقرار *
وجه هذه الرواية أن قوله على يدي فلان معناه أرسلها صاحبها إلى عارية على يدي فلان فإنما
اقراره فلانا كان رسولا فيها فلا يصير مقرا بالملك له * ووجه الرواية الأخرى انه أقر بأن
وصولها إلى يده كان من يد فلان والمتعين إنما يلزمه الرد على من أخذ منه كما يلزم الرد المكارى
الذي أخذ منه فوجب عليه بحكم هذا الاقرار ردها على فلان فلهذا كان منه اقرار لفلان
* (باب الاقرار بالدراهم عددا) *
(قال رحمه الله رجل قال لفلان على مائة درهم عددا ثم قال بعد ذلك هي وزن خمسة
أو ستة وكان الاقرار منه بالكوفة فعليه مائة درهم وزن سبعة ولا يصدق على النقصان إلا أن
بين الوزن موصولا بكلامه) لان ذكر الدراهم عبارة عن ذكر الوزن فإنه لا طريق لمعرفة
الوزن فيه الا بذكر العدد من الدراهم ومطلق ذكر الوزن ينصرف إلى المتعارف منه فإذا
كان اقراره بالكوفة فالمتعارف بها في الدراهم سبعة وكما ينصرف مطلق البيع والشراء
بالدراهم إليه فكذلك مطلق الاقرار ينصرف إليه فقوله وزن خمسة بيان معتبر لما اقتضاه
مطلق اقراره فقد بينا بيانه والتعبير يصح موصولا بالكلام ولا يصح مفصولا ومعني قولنا
وزن سبعة أن كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل وكل درهم أربعة عشير قيراطا وإذا كان الدرهم
أربعة عشر قيراطا تبني عليه أحكام الزكاة ونصاب السرقة وغيرها وأصل المسألة أن الأوزان في
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبى بكر رضي الله عنه كانت مختلفة فمنها ما كان الدرهم
عشرين قيراطا ومنها ما كان عشرة قراريط وهو الذي يسمى وزن خمسة ومنها ما كانت اثنى
عشر قيراطا وهو الذي يسمى وزن ستة فلما كان في زمن عمر رضي الله عنه طلبوا منه أن يجمع
الناس على نقد واحد فأخذ من كل نوع من الأنواع الثلاثة درهما وكان الكل اثنين وأربعين
قيراطا وأمر أن يضرب من ذلك ثلاثة دراهم متساوية فكل درهم أربعة عشر قيراطا وهو
وزن سبعة التي جمع عمر رضي الله عنه عليها الناس وبقي كذلك إلى يومنا هذا وإن كان في بلد
يتبايعون على دراهم معروفة الوزن بينهم ينقص من وزن سبعة صدق في ذلك لان تعيين
4

وزن سبعة لم يكن نص من لفظه إنما كان بالعرف الظاهر في معاملة الناس به وذلك يختلف
باختلاف البلدان والأوقات فيعتبر في كل موضع عرف ذلك الموضع كما في سائر التصرفات
سوى الاقرار وان ادعي وزن دون المتعارف كما في تلك البلدة لم يصدق الا إذا ذكره موصولا
بكلامه وإن كان في البلد نقود مختلفة فإن كان الغالب منها نقدا بعينه ينصرف مطلق الاقرار إليه
وإن لم يكن البعض غالبا على البعض ينصرف اقراره إلى الأقل لان الأقل متيقن به وعند
التعارض لا يقضى الا بقدر المتيقن وهذا لان المقر بين الأول لان الأقل متيقن به وعند
التعارض لا يقضى الا بقدر المتيقن وهذا لان المقر بين الأول لا محالة وهذا بيان التفسير حين
استوت النقود في الرواج وبيان التفسير صحيح مفصولا كان أو موصولا كبيان الزوج في
كنايات الطلاق ولو قال بالكوفة على مائة درهم بيض عددا ثم قال هي تنقص دانقا لم
يصدق لان مطلق لفظه انصرف إلى الاقرار بوزن سبعة فدعواه النقصان بمنزلة الاستثناء
لبعض ما أقر به والاستثناء لا يصح الا موصولا ولو قال على مائة درهم اسبهبديه عددا ثم
قال عنيت هذه الصغار فعليه مائة درهم وزن سبعة من الاسبهبدية لان قوله اسبهبديه يرجع
إلى بيان النوع كقوله سود يرجع إلى بيان الصفة فلا يتغير به الوزن والاسبهبديه فارسية
معربة معناه أسبه سالادية والصغار هو الذي تسميه الناس مهر تكون ستة منه بوزن درهم
ولكنه غير مصدق فيما يدعى من نقصان الوزن مفصولا على ما بينا ولو قال له على مائة درهم
من السود الخيار ثم قال هي وزن سبعة وقال الطالب هي مثاقيل فالقول قول المقر مع يمينه لما
بينا ان تسمية الدراهم بيان للوزن وقوله من السود بيان للصفة وقوله الخيار بيان العرض وبه
لا يزداد الوزن فان ادعى المقر له زيادة عليه فالقول قول المنكر مع يمينه وكذلك لو قال له
على درهم صغير فهو على وزن سبعة ووصفه بالصغر اما للأثقال أو لصغر الحجم وبه لا ينتقص
الوزن وكذلك لو قال علي درهم كبير ولو قال علي دراهم فعليه ثلاثة دراهم لأنه أقر بلفظ
الجمع وأدنى الجمع المتفق عليه ثلاثة ولا غاية لأقصاه فينصرف إلى الأدنى لأنه متيقن به وقد
بينا ان الاقرار ايجاب لا يقابله الاستيجاب فيكون بمنزلة الوصية في أنه يؤخذ بالأقل مما يلفظ
به وكذلك لو قال له على دريهمات فهو تصغير بجمع الدراهم وهذا التصغير لا ينقض الوزن
فعليه ثلاثة دراهم وكذلك لو قال له على فليس أو قفيز أو رطيل فهو وقوله فلس وقفيز ورطل
سواء ينصرف ذلك إلي التمام من ذلك وزنا وكيلا ولو قال له على مائه ردهم مثاقيل كما قال
5

وكان عليه مائة مثقال عن الدراهم لأنه نص علي وزن هو أكثر مما اقتضاه مطلق كلامه ولو
نص على وزن هو دونه قبل منه إذا كان موصولا فكذلك إذا نص على وزن هو أكثر إلا أن
في هذا لا يلحقه التهمة فيصح سواء ذكره موصولا أو مفصولا ولو قال له على ربع حنطة
فعليه ربع حنطة بربع البلد الأكبر وان قال عنيت الربع الصغير لم يصدق والربع اسم لمكيال
كالقفيز والصاع والمتعارف في المعاملات به الأكبر فينصرف مطلق الاقرار إليه على قياس
ما بينا في الوزن. ثوب في يدي رجل فقال وهبه لي فلان فقال نعم أو أجل أو بلى أو صدقت
أو قال ذلك بالفارسية فهو اقرار لان ما ذكره في موضع الجواب غير مستقل بنفسه فإنه
ليس بمفهوم المعنى وهو مما يصلح أن يكون جوابا وما تقدم من الخطاب يصير كالمعاد للجواب
قال الله تعالى فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم أي نعم قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا
وقال الله تعالى ألست بربكم قالوا بلى أي بلى أنت ربنا فهنا أيضا يصير ما قدم من عقد الهبة
معادا في الجواب فيثبت العقد باقراره والقبض موجود فيجعل صادرا عن ذلك العقد وإن لم
يكن الثوب في يد الموهوب له ولكنه في يد الواهب فادعي الموهوب له الهبة والتسليم
وجحد ذلك الواهب فان شهد الشهود بمعاينة القبض قبل بالاتفاق وكان الثابت بالبينة
كالثابت بالمعاينة وان شهدوا على اقرار الواهب بالتسليم كان أبو حنيفة رحمه الله يقول أولا
لا يقبل لان تمام الهبة يقبض بحكم والقبض فعل لا يصير موجودا بالاقرار به كاذبا فان المخبر
عنه إذا كان باطلا فبالاخبار عنه لا يصير حقا كقرية المقرين وجحود المبطلين فإذا لم يشهدوا
بهبة تامة لا تقبل الشهادة ثم رجع وقال الشهادة مقبولة وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما
الله لان ثبوت اقراره بالبينة كثبوته بالمعاينة والقبض وإن كان فعلا هو يثبت في حق المقر
باقراره كالقتل والغصب في حق المقر باقراره فهذا مثله فان أقر الواهب بالهبة والقبض ثم
أنكر التسليم بعد ذلك وأراد استحلاف الموهوب له لم يحلفه القاضي في قول أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله ويحلفه في قول أبى يوسف رحمه الله استحسانا وأصل المسألة البائع إذا أقر بقبض
الثمن ثم جحدوا أراد استحلاف المشترى لم يكن له ذلك عندهما وهو لأنه مناقض في
كلامه راجع عما أقر به من القبض والمناقض لا قول له والاستحلاف ينبنى على دعوى صحيحة
واستحسن أبو يوسف رحمه الله بما عرف من العادة الظاهرة ان البائع يقر بالثمن للاشهاد وإن لم
يكن قبضه حقيقة فالاحتياط لحقه يستحلف الخصم إذا طلب هو ذلك والله أعلم بالصواب
6

* (باب من الاقرار بألفاظ مختلفة) *
(قال رحمه الله رجل قال لفلان علي عشرة دراهم فعليه عشرة دراهم عندنا وقال زفر
رحمه الله عشرون وقال الحسن بن درج عليه مائة درهم وجه قول الحسن رحمه الله أن العشرة
في العشرة عند أهل الحساب تكون مائة فاقراره بهذا اللفظ محمول على ما هو معلوم عند
أهل الحساب) ولنا أن نقول أن حساب الضرب في الممسوحات لا في الموزونات مع أن عمل
الضرب في تكثير الاخر لا في زيادة المال وعشرة دراهم وزنا وان تكثرت اجزاؤها
لا تصير أكثر من عشرة وزفر رحمه الله يقول حرف في بمعنى حرف نون وقال الله تعالى
فأدخلي في عبادي أي مع عبادي فيحمل علي هذا تصحيحا لكلامه وكنا نقول حرف في
للظرف والدراهم لا تكون ظرفا للدراهم وجعله بمعنى مع مجاز والمجاز قد يكون بمعنى حرف
مع وقد يكون بمعنى حرف على قال الله تعالى ولأصلبنكم في جذوع النخل أي على جذوع
النخل فليس أحدهما بأولى من الاخر بقي المعتبر حقيقة كلامه فيلزم عشرة بأول كلامه وما
ذكره في آخر لغو وكذلك لو قال وعشرة دنانير إلا أن يقول عنيت هذه وهذه فحينئذ
يعمل بيانه بين انه استعمل في بمعنى مع أو بمعنى واو العطف وفيه تسديد عليه فيصح بيانه
ولو قال له علي درهم في قفيز حنطة لزمه الدرهم والقفيز باطل لأنه لا يجعل وعاء للدرهم عادة
فلا يمكن اعتبار حقيقة حرف الظرف فيه فيلغوا آخر كلامه ولان الوجوب عليه بقوله علي
وقد أقر به وبالدرهم ولم يعطف عليه القفيز؟ ليعتبر كالمقترن به حكما فلهذا لم يلزمه الا الدرهم
وكذلك لو قال على قفيز حنطة في درهم لزمه القفيز وبطل الدرهم لان الدرهم لا يكون ظرفا
للقفيز وكذلك لو قال له على فرق زيت في عشرة مخاتيم حنطة لزمه الزيت والحنطة باطلة لان
الحنطة لا تكون ظرفا للزيت ولو أقر أن عليه خمسة دراهم في ثوب يهودي ثم قال بعد ذلك
الثوب اليهودي هو الدين والخمسة دراهم أسلمها إلى فيه فهذا بيان ولكن فيه يعتبر لان
موجب أول كلامه كون الخمسة دينا عليه وبما ذكره الآن تبين أن الثوب دين عليه دون
الخمسة لان رأس المال لا يكون دينا على المسلم إليه حال قيام العقد وبيان التعبير لا يصح
مفصولا إلا أن يصدقه الطالب في ذلك فان صدقه قلنا الحق لا يدينهما فيثبت ما تصادقا
عليه وان جحد كان للمقر أن يحلفه وليه لأنه يدعى عليه عقد السلم ولو أقر به لزمه فان أنكر
استحلف عليه فان حلف كان له أن يأخذ المقر بخمسة دراهم كما أقر به ولو قال له على درهم
7

مع درهم فالأصل في جنس هذه المسائل انه متى ذكر الوصف بين الاثنين فان ألحق به
حرف الهاء يكون الوصف منصرفا إلى المذكور آخرا ولم يقرن به حرف الهاء يكون
نعتا للمذكور أولا كالرجل يقول جاءني زيد قبل عمرو يكون قبل نعتا لمجئ زيد ولو قال
جاءني زيد قبله عمرو يكون قبل نعتا لمجئ عمرو إذا عرفنا هذا فنقول إذا قال له علي ألف درهم
مع أو معه درهم فكلمة مع الضم والقران سواء جعل نعتا للمذكور أولا أو آخرا وصار
مقرا بهما لضمه أحدهما إلى الآخر في الاقرار ولو قال له على درهم قبل درهم يلزمه درهم
واحد لان قبل نعت للمذكور أولا فكأنه قال قبل درهم آخر يجب علي ولو قال قبله درهم
فعليه درهمان لأنه نعت للمذكور آخرا أي قبله درهم قد وجب علي ولو قال درهم بعد درهم
أو بعده درهم يلزمه درهمان لان بعد درهم قد وجب على أو بعده درهم قد وجب لا يفهم من
الكلام الا هذا وكذلك لو سمى أحدهما دينارا أو قفيز حنطة وفي قوله بعده درهم الاقرار
مخالف للطلاق قبل الدخول لان الطلاق بعد الطلاق هناك لا يقع والدرهم بعد الدرهم يجب
دينا وكذلك لو قال درهم لان الواو للعطف وموجب العطف الاشتراك بين المعطوف
والمعطوف عليه في الخبر فصار مقرا بها ولو قال درهم فدرهم يلزمه درهمان عندنا وقال
الشافعي رحمه الله لا يلزمه الا درهم واحد لان الفاء ليست للعطف فلا يثبت به الاشتراك
بل معنى قوله فدرهم أي فعلي ذلك الدرهم وكنا نقول ألفا للوصل والتعقيب فقد جعل الثاني
موصولا بالأول ولا يتحقق هذا الوصل الا بوجوبهما وكان هذا الوصل في معنى العطف
وكذلك التعقيب يتحقق في الوجوب بينهما ان كأن لا يتحقق في الواجب فكان معنى كلامه
أن وجوب الثاني بعد الأول في هذا عمل بحقيقة كلامه فهو أولى من الاضمار الذي ذكره
الخصم لان الاضمار في الكلام للحاجة ولا حاجة هنا ولو قال درهم درهم لزمه درهم واحد
لأنه كرر لفظه الأول والتكرار لا يوجب المغايرة إذا لم يتخللها حرف العطف بخلاف ما إذا
تخللها حرف الواو فان المعطوف غير المعطوف عليه وكذلك لو قال درهم بدرهم فعليه درهم
واحد لان حرف الباء يصحب الأعواض فكان معنى كلامه بدرهم استقرضته أو بدرهم
اشتريته منه فلا يلزمه الا درهم واحد ولو قال له على درهم على درهم لزمه درهم واحد منهم
من يذكر هذه المسألة على درهم على درهم والأصح ما قلنا أن المسألة علي درهم على درهم وقد
أعاد في بعض النسخ قوله له في الكلام الثاني فقال له علي درهم وبهذا ترتفع الشبهة ولا يلزمه
8

الا درهم واحد لأنه كرر كلامه الأول وبالتكرار لا يزداد الواجب لان الاقرار خبر والخبر
يكرر ويكون الثاني هو الأول قال الله تعالى أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ولو قال له علي
درهم ثم درهمان لزمه ثلاثة دراهم لان كلمة ثم للتعقيب مع التراخي وقد بينا ان التعقيب
في الوجوب بين المذكورين يتحقق وان كأن لا يتحقق في الواجب فصار مقرا بهما علي ان
وجوب الدرهمين عليه كان بعد وجوب الدرهم فيلزمه ثلاثة ولو قال مائة درهم لا بل مائتان
في القياس يلزمه ثلاثمائة وبه قال زفر رحمه الله وفي الاستحسان يلزمه مائة درهم * وجه القياس
ان كلمة لا بل لاستدراك الغلط بالرجوع عن الأول وإقامة الثاني مقام الأول فرجوعه عن
الاقرار بالمائة باطل واقراره بالمائتين على وجه الإقامة مقام الأول صحيح فيلزمه المالان كما لو
قال له علي مائة درهم لا بل مائة دينار أو قال لامرأته أنت طالق واحدة لا بل اثنين يقع
ثلاث تطليقات * وجه الاستحسان ان الاقرار اخبار والغلط يتمكن في الخبر والظاهر أن
مراده بذكر المال الثاني استدراك الغلط بالزيادة علي المال الأول لا ضم الثاني إلى الأول (ألا ترى)
ان الرجل يقول سنى خمسون لا بل ستون كان اخبار الستين فقط ويقول حججت حجة لا بل
حجتين كان اخبارا بحجتين فقط بخلاف ما إذا اختلف جنس المالين لان الغلط في مثل هذا
يقع في القدر عادة لا في الجنس وعند اختلاف الجنس لا يمكن أن يجعل كأنه أعاد القدر
الأول فزاد عليه لان ما أقر به أولا غير موجود في كلامه الثاني بخلاف ما إذا اتفق الجنس
(ألا ترى) انه لا يقول حججت حجة لا بل عمرتين ويقول حججت حجة لا بل حجتين وهذا
بخلاف الطلاق فإنه وإن كان بصيغة الاخبار فهو ايقاع وانشاءات وفي الانشاءات لا يقع
الغلط فلا يمكن حمل الثاني على الاستدراك حتى لو خرج الكلام هنا مخرج الاخبار وقال كنت
طلقتها أمس واحدة لا بل اثنتين كان اقرارا بالثنتين استحسانا كما في هذه المسألة وعلى هذا
لو قال له على مائتان لا بل مائة فعليه أزيد المالين وهو المائتان لأنه قصد استدراك الغلط
بالرجوع عن بعض ما أقر به أولا فلم يعمل وفي القياس يلزمه المالان وعلى هذا لو قال له على
مائة جياد لا بل زيوف أو قال له على مائة زيوف لا بل جياد في جواب الاستحسان يلزمه
أفضل المالين فقط وفي القياس يلزمه المالان لان الجنس واحد والتفاوت في الجنس بمنزلة
التفاوت في العدد وإذا أقر الرجل على نفسه بمائة درهم في موطن وأشهد شاهدين ثم أقر له
بمائة درهم في موطن آخر وأشهد شاهدين آخرين فعند أبي حنيفة رحمه الله يلزمه المالان
9

جميعا وعلي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لا يلزمه الا مال واحد وذكر في بعض نسخ
أبى سليمان ان أبا يوسف رحمه الله كأن يقول أولا بقول أبي حنيفة ثم يرجع على قول محمد
رحمهما الله * وجه قولهما ان الاقرار خبر وهو مما يتكرر ويكون الثاني هو الأول فلا يلزمه
بالتكرار مال آخر بل قصده من هذا التكرار ان يؤكد حقه بالزيادة في الشهود (ألا ترى)
ان الاقرارين لو كانا في مجلس واحد وكذلك لو كان أشهد على كل اقرار شاهدا واحدا أو
لم يشهد على واحد من الاقرارين لم يلزمه الا مال واحد وكذلك لو أراد صكا على الشهود
وأقر به عند كل فريق منهم أو أقر بالمائة وأشهد شاهدين ثم قدمه إلى القاضي فأقر به لا يلزمه
الا مال واحد وأبو حنيفة رحمه الله يقول ذكر المائة في كلامه منكر والمنكر إذا أعيد منكرا
كان الثاني غير الأول قال الله تعالى فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا فان الثاني غير الأول
حتى قال ابن عباس رضي الله عنهما لن يغلب عسر يسرين فصار هذا بمنزلة ما لو كتب لكل
واحد منهما صكا على حدة وأشهد على كل صك شاهدين وهذا لان كلام العاقل مهما أمكن
حمله على الإفادة لا يحمل التكرار والإعادة فإذا صار المال الأول مستحكما بشهادة شاهدين
فلو حملنا اقراره الثاني علي ذلك المال كان تكرارا غير مفيدا
بخلاف ما لو شهد على كل اقرار شاهدا واحدا لان بالشاهد الواحد المال لا يصير مستحكما
ففائدة اعادته استحكام المال باتمام الحجة وكذلك لو أقر به ثانيا بين يدي القاضي لان فائدة
الإعادة اسقاط مؤنة الاثبات بالبينة عن المدعى مع أن المدعى ادعى تلك المائة فادعاه معرفا
لا منكرا والمنكر إذا أعيد معرفا كان الثاني هو الأول قال الله تعالى فأرسلنا إلى فرعون
رسولا فعصى فرعون الرسول وبخلاف ما إذا أراد الصك علي الشهود لان الاقرار هنا
كان معرفا بالمال الثابت في الصك وقد ذكرنا أن المنكر إذا أعيد معرفا كان الثاني عين الأول
فأما إذا كان الاقرار في مجلس واحد في القياس على قول أبي حنيفة رحمه الله يلزمه ما لان
ولكنه استحسن فقال للمجلس أن يتبصر في جميع الكلمات المتفرقة وجعلها في حكم كلام واحد
(ألا ترى) الأقارير في الزنا في مجلس واحد بخلاف ما إذا اختلف المجلس فكذلك هنا وعلى
هذا الخلاف لو أقر بمائة في مجلس وأشهد شاهدين ثم ثمانين وأشهد شاهدين في مجلس آخر
أو بمائتين ثم بمائة عند أبي حنيفة رحمه الله يلزمه المالان وعندهما يدخل الأقل في الأكثر
فعليه أكثر المالين فقط ولو قال لفلان عندي مائة درهم بضاعة قرضا فهذا دين عليه لان
10

عنده عبارة عن القرب وهو يحتمل القرب من يده فيكون اقرارا بالأمانة ومن ذمته فيكون
اقرارا بالدين بقي لفظان أحدهما للأمانة وهو قوله بضاعة والاخر للدين خاصة وهو القرض
ومتى جمع بين لفظين أحدهما يوجب الأمانة والاخر الدين يترجح الدين لان صيرورته دينا
يعترض على كونه أمانة فان المودع إذا استهلك أو خالف واستقرض صار دينا عليه والأمانة
لا تطرأ على الدين فان ما كان دينا في ذمته لا يصير أمانة عنده بحال فإذا اجتمعا يرد على
صاحبه وان قال له علي مائة درهم فهذا اقرار بالدين لان كلمة علي خاصة للاخبار واستحقاقه
من وإنما يعلوه إذا كان دينا في ذمته لا يجد بدا من قضائه ليخرج عنه وكذلك لو قال قبل
فهو اقرار بالدين لأن هذه عبارة عن اللزوم (ألا ترى) أن الصك الذي هو حجة الدين يسمى
مالا وان الكفيل يسمى به قبيلا لأنه ضامن للمال وان قال عندي فهذا اقرار بالوديعة لأنه
لما كان محتملا كما بينا لم يثبت به الأقل وهو الوديعة وكذلك لو قال معي أو في يدي أو في بيتي أو
كيسي أو في صندوقي فهذا كله اقرار بالوديعة لأن هذه المواضع إنما تكون محتملا للعين لا
للدين فان الدين محله الذمة ولو قال له في مالي مائة درهم فهذا اقرار له ولم يبين في الكتاب
انه اقرار بمادي وكان أبو بكر الرازي رحمه الله يقول إن كان ماله محصورا فهو اقرار له بالشركة
بذلك القدر وإن لم يكن ماله محصورا فهو اقرار بالدين لأنه جعل ماله ظرفا لما أقر به فقد خلطه
بمال كان مستهلكا له فكان دينا عليه وإن لم يخلطه فقوله في مالي بيان أن محل قضاء ما أقر به
ماله وإنما يكون ماله محلا لقضاء ما هو دين في ذمته والأصح انه اقرار بالدين على كل حال سواء كان
ماله محصورا أو غير محصور لان المال المشترك لا يضاف إلى أحد الشريكين خاصة فلا يحمل قوله
في مالي الا على بيان محل القضاء ولو قال له من مالي ألف درهم أو من دراهمي هذه درهم فهذه
هبة لا تتم الا بالقبض والدفع إليه لان كلمة من للتبعيض فإنما جعل له بعض ماله كلامه وذلك
لا يكون الا بانشاء الهبة ولا يتم الا بالقبض والقسمة وان قال من مالي ألف درهم لا حق لي فيها
فهذا اقرار بالدين لأنه بين تأخير كلامه أن مراده من أوله ليس الهبة فأخبر بانتهاء حقه عنه
ولا ينتفى حقه عن الموهوب ما لم يسلم فعرفنا بآخر كلامه أن مراده من أوله الاقرار وان من
للتميز لا للتبعيض فجعل ذلك القدر مميزا من ماله باقراره لفلان لا حق لي فيه وان قال له
عندي مائة درهم وديعة قرض أو مضاربة قرض فهو قرض لما بينا أن الوديعة والمضاربة قد
تنقلب قرضا فاما القرض لا تنقلب وديعة ولا مضاربة ولو قال لفلان على أو قلبي ألف درهم
11

وديعة فهي وديعة لان آخر كلامه تفسير للأول وهو محتمل لما فسره فان قوله على أي حفظها
لا عينها لان المودع ملتزم حفظ الوديعة ومتى فسر كلامه بما يحتمل كان مقبولا منه وان قال
له عندي ألف درهم دين لان قوله عندي محتمل وقد فسره بأحد المحتملين فكان وان
قال قبلي له مائة درهم دين وديعة أو وديعة دين فهو دين لما بينا أن أحد اللفظين إذا كان للأمانة
والآخر للدين فإذا جمع بينهما في الاقرار يترجح الدين والله أعلم بالصواب
* (باب الاقرار بالزيوف) *
(قال رحمه الله رجل قال لفلان على درهم من ثمن متاع إلا أنها زيوف أو نبهرجه لم
يصدق في دعوى الزيافة وصل أو فصل في قول أبي حنيفة رحمه الله وعلى قولهما يصدق ان
وصل ولا يصدق ان فصل * وجه قولهما أن الزيوف من جنس الدراهم حتى يحصل بها
الاستيفاء في الصرف والسلم فكان آخر كلامه بيانا ولكن فيه تعبير لما اقتضاه أول الكلام
من حيث العادة) لان بياعات الناس تكون بالجياد دون الزيوف ومثل هذا البيان يكون
صحيحا إذا كان موصولا كقوله لفلان على ألف درهم وفلان خمسة * توضيحه أن قوله الا انها
زيوف استثناء للوصف وكان بمنزلة استثناء بعض المقدار بأن قال الأمانة وذلك صحيح إذا
كان موصولا فهذا مثله وأبو حنيفة رحمه الله يقول الزيافة في الدراهم عيب ومطلق العقد
لا يقتضى سلامة الثمن عن العيب فلا يصدق هو في دعوى كون الثمن المستحق بالعقد معينا
كما لو ادعى البائع أن المبيع معيب وقد كان المشترى عالما به فلم يقبل قوله في ذلك إذا أنكره
المشترى وهذا لان دعواه العيب رجوع عما أقر به لان باقراره بالعقد مطلقا يصير ملتزما
ما هو مقتضى لمطلق العقد وهو السلامة عن العيب وفي قوله كان معيبا يصير راجعا والرجوع
عن الاقرار غير صحيح موصولا كان أو مفصولا وليس هذا من باب الاستثناء لان
الصفة مما يتناوله اسم الدار مطلقا حتى يستثنى من الكلام ولكن ثبوت صفة الجودة بمقتضى
مطلق العقد بخلاف استثناء بعض المقدار لان أول كلامه يتناول القدر واستثناء الملفوظ
صح ليصير الكلام عبارة عما وراء المستثنى ولان الصفة بيع للأصل فثبوته بثبوت الأصل
فأما بعض المقدار لا يتبع النقض فيصح استثناء بعض القدر وهذا بخلاف قوله إلا أنها وزن
خمسة فان ذلك ليس ببيان للعيب بل هو في معنى استثناء بعض المقدار علي ما قدمناه ولو قال
12

له على ألف درهم من قرض إلا أنها زيوف فهو على الخلاف أيضا في ظاهر الرواية لان
المستقرض مضمون بالمثل فكان هو وثمن البيع سواء والاستقراض متعامل به بين الناس
كالبيع وذلك في الجياد عادة وذكر في غير رواية الأصول عن أبي حنيفة رحمه الله ان
هنا يصدق إذا وصل لان المستقرض إنما يصير مضمونا علي المستقرض بالقبض فهو بمنزلة
الغصب ولو أقر بألف ردهم غصب فادعى انها زيوف كان القول قوله فكذلك هنا إلا أن
هنا لا يصدق إذا فصل لما فيه من شبه البيع من حيث المعاملة بين الناس بخلاف الغصب ولو
قال له على ألف درهم زيوف فقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله هو على الخلاف أيضا لان مطلق
الاقرار بالدين ينصرف إلى الالتزام بطريق التجارة فهو ما لو بين سبب التجارة سواء ومنهم
من قال هنا يصدق إذا وصل بالاتفاق لان صفة الجودة إنما تصير مستحقة بمقتضى عقد
التجارة فإذا لم يصرح في كلامه بجهة التجارة لا تصير صفة الجودة مستحقة عليه وهذا لأنا
لو حملنا مطلق اقراره على جهة التجارة لم يصح قوله الا انها زيوف ولو حملناه علي جهة أخرى
يصح ذلك منه فحمل كلامه علي الوجه الذي يصح أولى وإذا أقر بالمال غصبا أو وديعة وقال
هو نبهرجة أو زيوف صدق وصل أم فصل لأنه ليس للغصب والوديعة موجب في الجياد
دون الزيوف ولكن الغاصب يغصب ما يجد والمودع إنما يودع غيره مما يحتاج إلى الحفظ
فلم يكن في قوله انها زيوف معتبر في أول كلامه فلهذا صح موصولا كان أو مفصولا ولو قال
في الغصب والوديعة إلا أنها ستوقة أو رصاص فان قال موصولا صدق وان قال مفصولا لم
يصدق لان الستوقة ليس من جنس الدراهم حقيقة ولهذا لا يجوز التحور بها في باب
الصرف والسلم فكان في هذا البيان تعبيرا لما اقتضاه أول كلامه من تسمية الدراهم لان
ذلك اللفظ يتناول الدراهم صورة وحقيقة وتأخير كلامه يتبين ان مراده الدراهم صورة
وحقيقة فليس في بيانه تعبير لأول كلامه ولو قال له كر حنطة من ثمن بيع أو قرض ثم قال هو
ردئ فالقول قوله في ذلك وصل أم فصل لان الرداءة في الحنطة ليست بعيب فان العيب ما يخلو
عنه أصل الفطرة السليمة والحنطة قد تكون رديئة في أصل الخلقة فهو في معنى بيان النوع
وليس لمطلق العقد مقتضي في نوع دون نوع ولهذا صح الشراء بالحنطة ما لم يبين انها جيدة
أو وسط أو رديئة فليس في بيانه هذا تعبير موجب أول كلامه فيصح موصولا كان أو
13

مفصولا وكذلك سائر الموزونات والمكيلات على هذا فالرداءة ليست بعيب في شئ من
هذا وإن كان الجيد أفضل في المالية لزيادة الرغبة فيه ولكن تلك الزيادة لا تصير مستحقة
بمطلق التسمية وكذل لو أقر بكر حنطة غصب أو وديعة ثم قال هو ردئ فالقول قوله
لأنه لما صدق في ثمن البيع ففي الغصب والوديعة أولى وكذلك لو أتى بطعام فقد أصابه الماء
وعفن فقال هذا الذي غصبته أو أودعته فالقول قوله في ذلك لما بينا انه ليس للغصب والوديعة
موجب في التسليم منه دون العيب ولكنه بحسب ما يتفق فكان بيانه مطلقا للفظه (الا ترى)
انه لو قال غصبته يوما يهوديا ثم جاء بثوب منخرق خلق فقال هو هذا كان مصدقا في ذلك
وكذلك لو قال استودعني عبدا ثم جاء بعبد معيب فقال هو هذا فالقول قوله في ذلك لان
الاختلاف متى وقع في صفة المقبوض فالقول قول القابض أمينا كان أو ضمينا وكذلك إذا
وقع الاختلاف في عينه لان القابض ينكر قبضه في شئ منه سوى ما عينه والقبض على
وجه العيب والوديعة يتحقق فيما عينه فيخرج به عن عهدة اقراره وإذا خرج به عن عهدة
اقراره كان القول في انكار قبض ما عينه في قوله ولو قال لفلان على عشرة أفلس قرض أو ثمن
بيع ثم قال هي من الفلوس الكاسدة لم يصدق في قول أبي حنيفة وصل أم فصل لان
المعاملات فيما بين الناس في الفلوس الرائجة فدعواه الجياد في الفلوس كدعوى الزيافة في
الدراهم وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله في القرض هو مصدق إذا وصل وكما لو ادعى
الزيافة في الدراهم فان الكاسدة من جنس الفلوس وبالجياد نقل رغائب الناس فيها كما نقل
بالزيافة في الدراهم فأما في البيع كان أبو يوسف رحمه الله يقول أولا لا يصدق وان وصل
لان هذا بيان يفسد البيع فان من اشترى بفلوس فكسدت قبل القبض فسد البيع واقراره
بمطلق البيع يكون اقرار الصحة فلا يصدق في دعوى الفساد موصولا كان أو مفصولا كما
لو ادعى الفساد لجياد أو أجل مجهول بخلاف الزيافة في الدراهم فليس في هذا دعوى فساد
البيع لأنه إذا كان يدعى فساد البيع فكأنه قال ليس له على فلوس وبأول كلامه صار مقرا
بوجوبها عليه وكان رجوعا وبه فارق القرض لان بدعوى الكساد هناك لا يصير مدعيا أنه
لا فلوس عليه فان بالكساد لا يبطل القرض ثم رجع أبو يوسف رحمه الله فقال يصدق في
البيع إذا وصل وعليه قيمة المبيع وهو قول محمد رحمه الله لان الكاسدة من الفلوس من
جنس الرائجة منها وإنما ينعدم صفة الثمينة ليثبت الكساد فهو ودعواه الزيافة في الدراهم
14

سواء ثم فساد البيع وسقوط الفلوس هنا كان لمعنى حكمي لا بسبب من جهة المقر فلا يصير
كلامه به رجوعا بخلاف ما إذا ادعى شرطا مفسدا لان فساد العقد هناك بالشرط الذي ذكره
وإذا صدق هنا صار الثابت باقراره كالثابت بالمعاينة ولو عايناه استوى بفلوس ثم كسدت
قبل القبض كان عليه رد المبيع إن كان قائما وان هلك في يده فعليه قيمته كذلك هنا وكذلك
الاختلاف في قوله له علي عشرة دراهم ستوقه من قرض أو ثمن بيع لان الستوقة كالفلوس
فإنه مموه من الجانبين وقوله ستوقة فارسية معربة سر طاقة الطاق الأعلى والأسفل فضة
والأوسط صفر والزيوف اسم لما زيفه بيت المال والنبهرجة التجارة ولو قال غصبته عشرة
أفلس أو قال أودعتها ثم قال من الفلوس الكاسدة كان مصدقا في ذلك وصل أم فصل لان
الكاسدة من الفلوس من جنس الفلوس حقيقة وصورة وليس للغصب والوديعة موجب في
الرائجة فلم يكن في بيانه تعبير لأول كلامه فصح منه موصولا كان أو مفصولا والله أعلم
بالصواب
* (باب ما يكون الاقرار) *
(قال رحمه الله رجل قال لآخر اقضي الألف التي عليك فقال نعم فقد أديتها) لان قوله
نعم لا يستقل بنفسه وقد أخرجه مخرج الجواب وهو صالح للجواب فيصير ما تقدم من الخطاب
كالمعاد فيه فكأنه قال نعم أعطيك الألف التي لك علي وعلى هذا الأصل يبني بعض مسائل
الباب وبعض المسائل مبينة علي انه متى ذكر في موضع الجواب كلا ما يستقل بنفسه ويكون
مفهوم المعنى يجعل مبتدئا فيه لا محالة إلا أن يذكر فيه ما هو كناية عن المال المذكور فحينئذ
لا بد من أن يحمل على الجواب وبيان ذلك إذا قال سأعطيكها أو غدا أعطيكها أو سوف
أعطيكها فان الهاء والألف كناية عن الألف المذكورة فصارت اعادته بلفظ الكناية كاعادته
بلفظ الصريح بأن يقول سأعطيك الألف التي لك على وكذلك إذا قال فاقعدها فأثر بها فانتقدها
فأقبضها أو لم يقل أقعد ولكن قال أبرها أو انتقدها أو خذها لان الهاء والألف في هذا كله
كناية عن المال المذكور فلا بد من حمل كلامه علي الجواب بخلاف ما إذا قال أثرن أو اتقد أو خذ
فلهذا لا يكون اقرارا لان هذا الكلام يستقل بنفسه وليس فيه ما هو كناية عن المال
المذكور فيحمل على الابتداء وهذا لأنه مبتدئ بالكلام حقيقة فترك هذه الحقيقة إلي أن
15

يجعل كلامه للجواب لضرورة ولا ضرورة هنا فجعلنا ابتداء ومعني قوله أثرن أي اقعد
وأرث للناس واكتسب به ولا تؤذيني بدعوى الباطل وكذلك قوله ابتعر وقوله خذ أي خذ
حذرك منى فلا أعطيك شيئا بدعوى الباطل فلهذا جعلناه ابتداء ولو قال لم تحل بعد فهذا اقرار
فان التاء في قوله لم تحل كناية عن الألف فكان كلامه جوابا وهذا اللفظ منه دعوى التأجيل
ولن يكون الاجل الا بعد وجوب أصل المال فلهذا كان مقرا بأصل المال وكذلك لو قال
غدا لان هذا غير مفهوم المعنى بنفسه فلا بد من حمله على الجواب وهذا استمهال للقضاء إلى الغد
وهذا لا يكون الا بعد وجوب المال وكذلك لو قال أرسل غدا من يزنها أو من يقبضها لان
الهاء والألف كناية عن الألف فلا بد من حمل كلامه علي الجواب ومطالبته بارسال من
يستوفى منه لا يكون الا بعد وجوب المال عليه وكذلك لو قال ليست؟ اليوم عندي لان
التاء كناية علن المال المذكور والتعلل بالعشرة لا يكون الا بعد وجوب المال فكان مقرا بها
وكذلك لو قال ليست بمهيئة اليوم بمسرة اليوم وفي بعض النسخ ليس بمسرة اليوم فهو جواب
لان التاء كناية عن الألف وكذلك لو قال أجلني فيها فطلب التأجيل لا يكون الا بعد وجوب
المال والهاء والألف كناية عن المال المذكور فكان كلامه جوابا وكذلك لو قال ما أكثر ما
يتقاضى بها وكذلك لو قال أعممتني بها أو أبرمتني بها أو أديتني فيها لان التبرم من كثرة المطالبة
لا يكون الا بعد وجوب المال فإنه لا يتحمل هذا الأذى ولا انتقاد لهذه المطالبة الا إذا كان
المال واجبا وكذلك لو قال والله لا يكون لا أفضكها ولا أزنها لك اليوم أولا يأخذها منى
اليوم الكناية المذكورة في حرف الجواب لأنه بقي القضاء والوزن والاخذ في وقت بعينه
وذلك لا يكون الا بعد وجوب أصل المال فإذا لم يكن أصل المال واجبا فالقضاء يكون منتفيا
أبدا فلا يحتاج إلى تأكد نفى القضاء باليمين لأنه في نفسه منتفى ولو قال حتى يدخل على مالي أو
حتى يقدم على غلامي فهذا اقرار لان كلامه غير مستقل بنفسه فان حتى للغاية فلا بد من
شئ آخر ليكون ما ذكر غاية له وليس ذلك لا بالمال المدعى فكأنه قال لأفضكها حتى يدخل
على مالي ولو قال اقضي المائة التي لي عليك فان غرمائي لا يدعوني فقال أحل على
بها بعضهم أو من تسبب منهم ائتني منهم أضمنها له أو احتال على بها فهذا كله اقرار بذكر
حرف الكناية في موضع الجواب ولأنه أمر بالحوالة المقيدة وذلك لا يتحقق الا بعد وجوب
الدين في ذمة المحتال عليه للمحيل أو يكون ملك له في يده له بتقيد الحوالة بها ولو قال قد
16

قضيتها فهذا اقرار بذكر حرف الكناية ولأنه ادعى القضاء وقضاء الدين لا يسبق وجوبه
فصار به مقرا بالوجوب وكذلك لو قال أبرأتني منها لان الابراء اسقاط وهو يعقب الوجوب
ولا يسبقه فدعواه الاسقاط يتضمن الاقرار بوجوب سابق وكذلك لو قال قد حسبتها لك
لان هذا في الحقيقة دعوى القضاء وكذلك لو قال قد حللتني منها فهذا بمعنى دعوى الابراء
وكذلك لو قال قد وهبتها إلى أو تصدقت بها علي فهذا دعوى التمليك منه ولا يكون ذلك
الا بعد وجوب المال في ذمته وكذلك لو قال قد أحلتك بها لان الحوالة تحويل الدين من
ذمة المحتال عليه فدعواه الحوالة يتضمن؟ الاقرار بوجوبها لا محالة وكذلك لو قال غصبتني هذا
العبد فادفعه إلى أو قال هذا العبد وديعة في يدك أو عارية فادفعه إلى أو قال هذا العبد وديعة
في يدك أو عارية فادفعه إلى فقال غدا فقد أقر له به لان ما ذكره في موضع الجواب غير
مفهوم المعنى بنفسه فلا بد من حمله على الجواب وكذلك لو قال سأعطيكها لان الهاء كناية
عن العبد فمع ذكر حرف الكناية لا بد من حمل كلامه علي الجواب ولو قال بيع منى عبدي
هذا أو استأجره منى أو قال أكريتك داري هذه أو أعرتك داري هذه فقال نعم فهذا كله
اقرار له بالملك لان نعم غير مفهوم المعنى بنفسه فيكون محمولا على الجواب ما تقدم يصير معادا
فيه. وكذلك لو قال ادفع إلى حلة عبدي هذا أو أعطني ثوب عبدي هذا فقال نعم فقد أقر له
بالثوب والعبد لان نعم غير مفهوم المعنى بنفسه فكان محمولا على الجواب فكأنه قال أعطيك
ثوب عبدك وذلك اقرار له بالملك في العبد نصا وفي الثوب دلالة لأنه أضاف الثوب إلى
العبد الذي اضافه إليه بالملكية فترك اضافته إلى مملوكة يصير بمنزلة اضافته إليه فصار بهما
وكذلك لو قال افتح باب داري هذه أو خصص داري هذه أو أسرج دابتي هذه أو الجم
بغلي هذا أو أعطني سرج بغلي هذا أو لجام بغلي هذا فقال نعم فهذا اقرار لما بينا أن نعم غير
مفهوم المعنى بنفسه فلا بد من حمله على الجواب لأنه لو لم يحمله عليه صار لغوا وكلام العاقل
محمول على الصحة ما أمكن ولا يحمل على اللغو الا إذ تعذر حمله على الصحة ولو قال لا في
جميع ذلك لم يكن اقرارا وفي بعض نسخ كتاب الاقرار قال يكون اقرارا أما إذا قال لا
أعطيكها اليوم أو قال لا أعطيكها أبدا فهذا اقرار منصوص عليه في بعض روايات كتاب
الاقرار لأنه صرح بنفي الاعطاء اما مؤبدا أو مؤقتا والكناية المذكورة في كلامه تنصرف
إلى ما سبق فكأنه قال لا أعطيك سرج بغلك أو لجام بغلك ولو صرح بهذا كان اقرارا بملك
17

العين له وأما إذا أطلق حرف لا ففي بعض النسخ قال هذا نفى لما طلبه منه وإنما طلب منه
الاعطاء فكان هذا نفيا للاعطاء فيجعل اقرارا بملك العين له كما في الفصل الأول * ووجه ما
ذكر في عامة النسخ أن لا جواب هو نفى فيكون موجبه ضد موجب جواب هو اثبات
وهو قوله نعم فإذا جعل ذلك اقرارا عرفنا ان هذا لا يكون اقرارا وهذا لأنه نفي جميع
ما سبق ذكره فكأنه قال لا أعطيك وليس البغل والسرج واللجام لك لان هذا اللفظ
صالح لنفى جميع ذلك بخلاف قوله لا أعطيكها ولو قال الآخر إنما لك على مائة درهم فهذا
اقرار بالمائة لان كلمة إنما لتقرير الحكم في المذكور ونفيه عما عداه قال الله عز وجل إنما الله اله
واحد ولو لم يذكر حرف التقرير في المائة ولكن قال لك على مائة درهم كان اقرارا فعند
ذكر حرف التقرير أولي ولو لقال ليس لك علي مائة ولكن درهم فلم يقر له بشئ لان كلمة
ليس للنفي فلا يكون موجبا للاثبات ولا يقال لما خص المائة بالنفي لأنه كان دليلا على أن
ما دونه ثابت لان تخصيص الشئ بالذكر لا يدل علي نفى ما عداه عندنا والمفهوم ليس بحجة
فلا يجعل هذا اللفظ اقرارا بشئ باعتبار المنظوم ولا باعتبار المفهوم ولو قال فعلت كذا إذا
كان لك على مائة درهم كان اقرارا بالمائة لان كلمة إذا للماضي وكلمة إذا للمستقبل ومعناه في
الوقت الذي كان لك علي مائة فقد عرف وقت فعليه بالمال الذي له عليه وذلك لا يكون الا
بعد وجوب المال فصار مقرا بوجوبها وكذلك لو قال فعلت كذا يوم أقرضتني مائة درهم
فقد عرفت الوقت الذي أخبر عن الفعل فيه بالزمان الذي أقرضه فيه مائة درهم وذلك اقرار
بالاقراض لا محالة وهو سبب لوجوب المال عليه ولو قال أقرضتك مائة درهم فقال لا أعود
لها ولا أعود بعد ذلك فهذا اقرار لوجود حرف الكناية؟ في كلامه وهو الهاء ولا يكون
العود الا بعد البدء فيضمن هذا الاقرار بابتداء اقراضه مائة درهم ثم في هذا إظهار وسوء معاملته
وقلة مسامحته مع غرمائه وذلك لا يكون الا بعد وجوب المال وكذلك لو قال أخذت منى
مائة درهم فقال لا أعود لها فهذا بيان للاخذ عند نفى العود علي من أخذ ضمان المأخوذ إلى
أن يرده قال صلى الله عليه وسلم على اليد ما أخذت حتى ترد ولو قال لم أغصبك الا هذه
المائة كان اقرارا بالمائة لان الاستثناء من النفي اثبات قال الله تعالى ما فعلوه الا قليل منهم
والاستثناء من النفي آكد ما يكون من الاثبات دليله كلمة لا إله الا الله فيكون مقرا بغصب
المائة بما هو آكد الألفاظ وغير وسوى من حروف الاستثناء بمنزلة قوله الا وكذلك
18

لو قال لا أغصبك بعد هذه المائة شيئا فهذا اقرار بالمائة لان معنى كلامه بعد غصبي منك
هذه المائة لا أغصبك شيئا فهذا إظهار للتوبة من غصب باشره ووعد من نفسه أن لا يعود إلى
مثله وكذلك لو قال لم أغصبك مع هذه المائة شيئا لان مع للضم والقران فقد نفى انضمام شئ
إلى المائة في حال غصبه إياها وذلك لا يتحقق الا بعد غصب المائة وكذلك لو قال لم أغصب
أحدا بعدك أو قبلك أو معك فهذا كله اقرار بأنه قد غصبه إياه لما بينا ولو قال أقرضتك مائة
درهم فقال ما استقرضت من أحد سواك أو من أحد غيرك أو من أحد قبلك أولا أستقرض
من أحد بعدك أو لم أستقرض من أحد معك فليس شئ من هذا كله اقرار لان معني كلامه
لا استقرضت منك ولو صرح بهذا اللفظ لم يلزمه شئ فكذلك إذا أتى بما يدل عليه هذا لان
الاستقراض طلب القرض فان أهل النحو يسمون هذه السين سين السؤال وليس كل
من طلب شيئا وجده ولا من سئل شيئا أعطى فلم يكن في كلامه ما يكون اقرارا بالسبب
الموجب وهذه من أعجب المسائل فان اقراره بفعل الغير بهذا اللفظ موجب للمال عليه بأن يقول
أقرضني مائة درهم واقراره بفعل نفسه لا يكون موجبا بأن يقول استقرضت منك ولو قال
مالك على مائة درهم أو سوى مائة درهم فهذا اقرار بالمائة لأنه استثناء من النفي وذلك دليل
الاثبات وكذلك لو قال مالك على أكثر من مائة درهم لان نفيه الزيادة علي المائة دليل على
وجوب المائة وما ثبت بالدلالة فهو كالثابت بالنص ولو قال مالك علي أكثر من مائة درهم ولا
أقل لم يكن هذا اقرار وكان ينبغي أن يجعل هذا اقرارا بالمائة لأنه نفى أن يكون الواجب عليه
أكثر من مائة أو أقل من مائة وذلك اقرار بالمائة ولكنه اعتبر الفرق الظاهر وقال في العادة نفى
القليل والكثير يكون مبالغة في النفي كمن يقول أليس لك على قليل أو كثير ولا قليل ولا كثير فهذا
لا يكون مساسا ثم في كلامه تصريح بنفي أن يكون ما دون المائة واجبا وذلك بنفي أن يكون
المائة واجبة ضرورة لان المائة إذا وجبت كان ما دونها واجبا وإنما قلنا إنه تصريح بنفي
وجوب ما دون المائة لان قوله ولا أقل عطف وحكم العطف حكم المعطوف عليه فإذا كان
المعطوف عليه نفيا للوجوب فكذلك المعطوف ولو قال لي عليك ألف درهم فقال بل تسعمائة
كان اقرارا بتسعمائة لان كلامه لا يستقل بنفسه فلا بد من حمله على الجواب معناه بل
الواجب تسعمائة وكلمة بل لاستدراك الغلط فقد استدرك غلطه في الزيادة علي هذا القدر
في دعواه وذلك لا يكون الا بعد وجوب هذا المقدار فلهذا كان مقرا بتسعمائة. رجل قال
19

لآخر أخبر فلانا أن لفلان على ألف درهم كان هذا اقرار لان قوله لفلان على ألف درهم
اقرار تام من غير أن ينضم إليه الامر بالاخبار فكذلك إذا انضم إليه الامر بالاخبار وفائدته طمأنينة
قبل صاحب الحق أنه غير جاحد لحقه بل هو يظهر لذلك عند الناس حين أمرهم بأن يخبروه
بذلك الاقرار وكذلك لو قال أعلم فلانا ان لفلان علي ألف درهم أو بشره أو قل له أو أشهد
فلانا ان لفلان علي ألف درهم هذا فهذا مثل الأول بل أظهر فان الخبر قد يكون صدقا وقد
يكون كذبا والاعلام والبشارة والاشهاد لا يكون الا بما هو صدق وكلمة الاقرار في هذا
كله قوله لفلان على ألف درهم ولو قال أخبر فلانا ان لفلان عليك ألف درهم أو أعلمه أو
أبشره أو أقول له أو اشهد فقال نعم فهذا كله اقرار لان قوله نعم ليس بمفهوم المعنى بنفسه
وهو مذكور في موضع الجواب فصار ما سبق من الخطاب معادا فيه فلهذا كان اقرارا ولو
قال وجدت كتابي أن لفلان على ألف درهم أو وجدت في ذكرى أو حسابي أو بخطى
أو قال كتبت بيدي أن لفلان على ألف درهم فهذا كله باطل لأنه حكى ما وجوده في كتابه
وما وجده مكتوبا في كتابه قد يكون غيره كاتبا له وقد يكون هو الكاتب لتجزئة الخيط
والعلم والبياض فلا يتعين جهة الاقرار في شئ من هذا الألفاظ بخلاف ما سبق لان قوله
هناك لفلان على ألف درهم كلام انشاء والتكلم به من غير أنه حكى عن غيره أو عن موضع
وجده فيه وكان اقرارا وجماعة أئمة بلخ رحمهم الله قالوا في يذكار الباعة ان ما يوجد فيه
مكتوبا بخط البياع فهو لازم عليه لأنه لا يكتب في يذكاره الا ما له علي الناس وما للناس
عليه ليكون صيانة له عن النسيان كذلك بقلمه والبناء في العادة الظاهرة واجب فعلى هذا
إذا كان قال البياع وجدت في يذكارى بخطى أو كتبت في يذكارى بيدي ان لفلان علي ألف
درهم كان هذا اقرارا ملزما إياه وان قال بيدي لفلان على صك بألف درهم فهذا اقرار لان
الصك اسم خاص لما هو وثيقة بالحق الواجب وقد عابوا على محمد رحمه الله في قوله كتبت
بيدي فقالوا الكتابة لا تكون الا باليد فأي فائدة في هذا اللفظ وكنا نقول مثل هذا يذكر
للتأكيد قال الله تعالى ولا طائر يطير بجناحيه وقال الله تعالى ولا تخطه بيمينك وهذا لان
الكتابة قد تضاف إلى الامر بها عادة وإن لم يكتب بنفسه فكان قوله بيدي بيانا يزول به
هذا الاحتمال ولو كتب لفلان على نفسه صكا بألف درهم والقول ينظرون إليه فقال لهم
اشهدوا على بهذا كان اقرارا جائزا لأنه أشهدهم على ما أظهره ببيانه فكأنه أشهدهم ببيانه
20

ولا يكون الاشهاد الا ما هو الوثيقة بالحق الواجب. رجل لآخر لا تشهد على لفلان بألف
درهم لم يكن هذا اقرارا لأنه لو قال اشهد على بألف درهم كان اقرارا وقوله لا تشهد ضد لقوله
اشهد فكان موجبه ضد موجب قوله اشهد وكال المعنى فيه أنه نهاه عن الشهادة بالزور
ومعناه انه ليس له علي شئ فلا يشهد له بالزور على بألف درهم فيكون هذا نفيا للمال على
نفسه لا اقرارا به وكذلك لو قال ما لفلان على شئ فلا يخبره ان له على ألف درهم أولا يقل له
ان له على ألف درهم لم يكن هذا اقرارا لأنه صرح به في الابتداء بالنفي وبين انه له علي انه
لا شئ له عليه فكان مراده بعد ذلك لا يخبره بما هو باطل ولا يقل له ما هو زور لا أصل
له وآخر الكلام مبنى على أوله خصوصا إذا وصله بحرف الفاء فإذا كان أوله نفيا عرفنا
ان آخره ليس باقرار ولو ابتداء فقال لا يخبر فلانا ان له علي ألف درهم أولا يقل لفلان
ان له علي ألف درهم كان هذا اقرارا لأنه لما لم يذكر النفي في الابتداء كان قوله لا يخبر
ولا يقل اسكتاما منه له فيكون اقرارا ومعناه ان وجوب المال له على سر بيني وبينك فلا
تظهره باختيارك أو قولك لفلان ثم ذكر بعد هذا في آخر الباب قوله لا يخبر بخلاف قوله
أخبروا وعلل فقال لا تخبر نفى وقوله أخبر اقرار فحصل في قوله أخبر روايتان وفي قوله لا تشهد
أي لفلان علي ألف درهم الرواية واحدة انه لا يكون اقرارا بخلاف قوله اشهد فمن أصحابنا
رحمهم الله من قال الصيح في الاخبار هكذا ان قوله لا تخبر لا يكون اقرارا كما فسره في
آخر الباب والذي وقع هنا غلط ومنهم من صحح هذه الرواية وفرق بين قوله لا تخبر ابتداء
وبين قوله لا تشهد فقال الشهادة سبب لوجوب الحق قوله لا تشهد معناه ليس له على شئ
فإياك أن يكتسب سبب الوجوب بالشهادة له على بالزور فأما الخبر ليس بسبب لوجوب
المال فلا يكون قوله لا يخبر نهيا عن اكتساب سبب الوجوب ولكنه استكتام ذلك ودليل
على وجوب المال عليه ولو قال لفلان على ألف درهم لحقه أو بحقه أو من حقه أو لميراثه أو
بميراثه أو من ميراثه أو لملكه أو بملكه أو من ملكه أو لأجله أو من اجله أو لشركته
أو بشركته أو من شركته أو لبضاعته أو ببضاعته أو من بضاعته فهذا كله اقرار لان
قوله لفلان على ألف درهم اقرار تام بالدين وهذا كله يرجع إلى تأكيد ما عليه وقد بينا فيما
تقدم ان هذا التأكيد لا ينفى أصل الاقرار وان الشفاعات لا تجئ في الديون ليحمل معنى
اللام على الشفاعة فلهذا جعلناه اقرارا بالمال وإذا قال لفلان علي ألف درهم من ثمن متاع
21

اشتريته منه ولم اقبضه فقال ذلك موصولا باقراره لم يصدق في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف
ومحمد رحمهم الله يصدق إذا كان موصولا ولا يصدق إذا كان مفصولا ثم رجع عن
حرف منه وقال إذا كان مفصولا يسأل المقر له عن المال أهو ثمن بيع أم لا فان قال من ثمن البيع
فالقول قول المقر انى لم أقبضه وان قال من جهة أخرى سوى البيع فالقول قول المقر له
وهذا في الحقيقة ليس برجوع ولكنه تفصيل فيما أجمله من الابتداء وهو قول محمد رحمه الله
وجه قولهما ان قوله لفلان على ألف درهم اقرار بوجوب المال عليه وقوله من ثمن بيع اشتريته
مه بيان لسبب الوجوب فإذا صدقه المقر له في هذا السبب ثبت السبب بتصادقهما ثم المال
بهذا السبب يكون واجبا قبل القبض وإنما يتأكد بالقبض فصار البائع مدعيا عليه تسليم
المعقود عليه وهو منكر لذلك فجعلنا القول قول المنكر في انكاره القبض وان كذبه في
السبب فهذا بيان معبر لمقتضى مطلق الكلام لان مقتضى أول الكلام أن يكون مطالبا
بالمال في الحال ولكن على احتمال أن لا يكون مطالبا به حتى يحضر المتاع فكان بيانه معبر
إلى هذا النوع من الاحتمال وبيان التغيير صحيح إذا كان موصولا ولا يكون صحيحا إذا كان
مفصولا * توضيحه ان هذا بيان يتضمن ابطال ما يجب بالكلام الأول لولا هذا البيان لان
ثمن المتاع الذي هو غير معين لا يكون واجبا قبل القبض والبيان الذي فيه معنى الابطال
صحيح إذا كان موصولا ولا يصح إذا كان مفصولا كالاستثناء وأبو حنيفة رحمه الله يقول
هذا رجوع عما أقربه والرجوع باطل موصولا كان أو مفصولا وبيان ذلك أنه أقر بوجوب
ثمن متاع بغير عينه عليه وثمن متاع يكون بغير عينه لا يكون واجبا على المشترى الا بعد
القبض لان مالا يكون بعينه فهو في حكم المستهلك إذ لا طريق للتوصل إليه فإنه ما من
متاع يحضره الا وللمشتري أن يقول المبيع غير هذا وتسليم الثمن لا يجب الا باحضار المعقود
عليه وفرقنا انه في حكم المستهلك وثمن المبيع المستهلك لا يكون واجبا الا بعد القبض فكأنه
أقر بالقبض ثم رجع عنه * توضيحه انه أقر بالمال وادعى لنفسه أجلا إلى غاية وهو احضار
المتاع ولا طريق للبائع إلى ذلك ولو ادعى أجل ذلك شهرا ونحو ذلك لم يصدق وصل أم
فصل فإذا ادعى أجلا مؤبدا أولى أن لا يكون مصدقا في ذلك وعلى هذا لو قال لفلان على
ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير لم يصدق في قول أبي حنيفة رحمه الله وصل أم فصل لأنه
رجوع فثمن الخمر والخنزير لا يكون واجبا على المسلم وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله
22

يصح إذا وصل لأنه بيان السبب وفيه معنى الابطال فيصح موصولا كالاستثناء ولان الخمر
متمول يجري فيه الشح والضنة وقد اعتاد الفسقة شراءها وأداء ثمنها فيحتمل انه بنى اقراره على
هذه العادة فكان آخر كلامه بيانا هو من محتملات كلامه ولكن فيه تعبير فيصح موصولا
كما في الفصل الأول علي قولهما ولو قال ابتعت منه شيئا بألف درهم ثم قال لم اقبضه فالقول قوله
لأنه أقر بمجرد العقد واقراره بالعقد لا يكون اقرارا بالقبض فهو في قوله لم أقبضه منكر لما
ادعاه صاحبه لا راجعا عما أقربه ولو قال لفلان على ألف درهم من ثمن هذا العبد الذي هو
في يد المقر له فان أقر الطالب وسلمه له أخذه بالمال لان ما ثبت بتصادقها كالثابت بالمعاينة وان
قال العبد عبدك لم أبعكه إنما بعتك غيره فالمال لازم له لان المقر أخبر بوجوب المال عليه عند
تسليم العبد له وقد سلم العبد له حين أقر ذو اليد انه ملكه فيلزمه المال ثم الأسباب مطلوبة
لاحكامها لا لأعيانها فلا يعتبر التكاذب في السبب بعد اتفاقهما على وجوب أصل المال فلهذا
لزمه المال ولو قال العبد عبدي ما بعته منك إنما بعتك غيره لم يكن عليه شئ لأنه إنما أقر له بالمال
بشرط ان يسلم له العبد ولم يسلم له العبد والمتعلق بالشرط معدوم قبله وقد ذكر في آخر هذا
الباب ان أبا حنيفة رحمه الله قال يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وهو قولهما وإذا
حلفا لم يلزمه المال وهو صحيح لان المقر ادعي عليه البيع في هذا العبد وهو منكر فيحلف
عليه والمقر له يدعى وجوب المال لنفسه بسبب بيع متاع قد سلمه إليه والمقر لذلك منكر
فيحلف على دعواه ولان هذا الاختلاف بينهما في المبيع والاختلاف في المبيع يوجب
التحالف كالاختلاف في الثمن فإذا تحالفا انتفت دعوى كل واحد منهما عن صاحبه فلهذا
لا يقضى عليه بشئ من المال والعبد سالم لمن هو في يده ولو قالوا لفلان عندي وديعة ألف درهم
ثم قال اقبضها فهو لها ضامن لان أول كلامه صريح باقراره بالقبض لأنه لا يصير
مودعا ولا يحصل المال عنده ما لم يقبضه فكان قوله لم أقبضها رجوعا وكذلك لو قال له على
ألف درهم قرض ثم قال لم اقبضها لم يصدق وهذا رجوع كما بينا ولو قال أقرضتني ألف درهم
أو أودعتني ألف درهم أو أسلفتني ألف درهم أو أعطيتني ألف درهم ولكني لم أقبضها
فان قال موصولا كلامه فالقول قوله لان أول كلامه اقرار بالعقد وهو القرض والسلم والسلف
والعطية فكان قوله لم أقبضها بيانا لا رجوعا وان قال ذلك مفصولا في القياس القول في ذلك
قوله أيضا لما بينا أنه اقرار بالعقد فكان هذا وقوله ابتعت من فلان بيعا سواء * توضيحه
23

انه أقر بفعل الغير فإنه أضاف الفعل بهذا الألفاظ إلى المقر له فيكون القول في انكاره
القبض الموجب للضمان عليه قوله لان فعل الغير ليس بسبب موجب للضمان عليه ولكنه
استحسن فقال لا يقبل قوله لان القرض لا يكون الا بالقبض وكذلك السلم والسلف أخذ
عاجل بآجل وكذلك الاعطاء فعل لا يتم الا بالقبض فكان كلامه اقرار بالقبض علي احتمال
أن تكون هذه الألفاظ عبارة عن العقد مجازا فقوله بيان تعبير فيصح موصولا لا مفصولا
ولو قال نقدتني ألف درهم أو دفعت إلى ألف درهم ولكن لم أقبض فكذلك لا جواب عند
محمد رحمه الله لان الدفع والاعطاء سواء كما ثبت في قوله أعطيتني فكذلك في قوله دفعت إلى
وبعدتني لأنه اخبار بفعل الغير وهذا لا يكون سببا لوجوب الضمان عليه وإذا قال موصولا لم
أقبضه كان منكر الا راجعا وقال أبو يوسف رحمه الله لا يصدق وان وصل لان النقد لا يتصور
الا بالقبض وكذلك الدفع يستدعي مدفوعا فقوله لم أقبض رجوع فلهذا لا يكون الا صحيحا
بخلاف قوله أعطيتني فان هذا اللفظ يستعار للعقد (ألا ترى) أن الهبة تسمى عطية فجلعنا
كلامه عبارة عن العقد إذا قال موصولا لم اقبضه ولا يوجد مثل ذلك في النقد والدفع والله
أعلم بالصواب
* (باب الاقرار في المرض) *
(قال رحمه الله روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال إذا أقر الرجل في مرضه بدين
لرجل غير وارث فإنه جائز وان أحاط ذلك بماله وان أقر لوارث فهو باطل) إلا أن تصدقه
الورثة وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله تعالى في الفصلين وقالوا اقرار المريض للأجنبي من جميع
المال صحيح واقراره للوارث باطل وهذا الباب لبيان اقراره للأجنبي فيقول أن الاقرار
من جنس التجارة ولهذا يصح اقرار المأذون له في التجارة بسبب المرض ولا يلحقه الحجر
عن التجارة مع الأجانب فكان اقراره للأجنبي بدين أو بعين في المرض بمنزلته في الصحة
فيكون من جميع ماله وهذا لأنه من حوائج الميت فإنه يحتاج إلى إظهار ما عليه باقراره ليفك
رقبته وحاجته مقدمة على حق ورثته ولهذا اعتبر استيلاده من جميع ماله واعتبر الجهاز
والكفن من جميع ماله لأنه من أصول حوائجه أو يقول صحة اقراره للأجنبي على قياس صحة
وصيته له فان الأصل ان كل تصرف يتمكن المرؤ من تحصيل المقصود به آنسا لا تتمكن التهمة
24

في اقراره فيكون صحيحا ومتى لم يقدر علي تحصيل مقصوده بطريق الانساء كان متهما في
الاقرار به فلا يصح اقراره في حق الغير (ألا ترى) أن الوكيل بالبيع قبل العزل إذا قال
كنت بعت كان اقراره صحيحا بخلاف ما بعد العزل والمطلق قبل انقضاء العدة إذا أقر أنه
راجعا صح اقراره بخلاف ما بعد انقضاء العدة والمولى قبل انقضاء المدة إذا قال فئت إليها كان
اقراره صحيحا بخلاف ما بعد انقضاء المدة إذا عرفنا هذا فنقول هو مالك لايجاب مقدار
الثلث للأجنبي بطريق الهبة والوصية فتنتفى التهمة عن الاقرار له في ذلك القدر وإذا صح
اقراره بين ان ذلك القدر ليس من جملة ماله فيصح اقراره في ثلث ما بقي باعتبار أنه يملك
الحق فيه بطريق الاستثناء ثم لا يزال يدور هكذا حتى يأتي علي جميع المال إلي ما لا يمكن
ضبطه فلهذا صححنا اقراره للأجنبي بجميع المال وإذا أقر المريض بدين ثم مات في مرضه ذلك
تحاص الغرماء في ماله سواء كال الاقرار منه في كلام متصل أو منفصل لان الاقرارين تجمعهما
حالة واحدة وهي حال المرض فكأنهما وجدا معا لان حق الغرماء إنما يتعلق بماله بموته ويستند
إلى أول المرض لأنه سبب الموت والحكم إذا انفرد استند إلى سببه فهنا تعلق الدينان جميعا
بماله في وقت واحد وهو عند الموت واستند إلى سبب واحد وهو المرض فاستويا فيه والدليل
عليه انه كما يصير بسبب الدين الأول محجورا عليه عن التبرع عند الاقرار الثاني يصير بسبب
الاقرار الثاني محجورا عليه عن التبرع عند الاقرار الأول لأنه لو أقر بدين أولا ثم وهب شيئا
لم تصح هبته حتى يقضى الدين وكذلك لو وهب أولا في مرضه ثم أقر بدين لم يصح هبته
حتى يقضي الدين فيتبين بهذا ان الدينين استويا في القوة وان سبب كل واحد منهما يثبت
الحجر عن التبرع عند الاقرار الاخر فيتحاصان وكذلك لو أقر بدين ثم بوديعة لأنه لما سبق
الاقرار بالدين فقد ثبت في ذمته علي أن يتعلق بتركته عند موته وما في يده تركته من
حيث الظاهر فاقراره بعد ذلك بوديعة بعينها لا يكون صحيحا في ابطال ما كان بفرض
الثبوت فهو كالثابت لتقرر سببه وتعلق الدين بالمال عند الموت لخراب الذمة وسبب الموت
هو المرض فيستند حكم الخراب إلى أول المرض ويصير كأن الدين كان متعلقا بهذه العين حين
أقر بأنه وديعة فلا يقبل اقراره في ابطال حق الغريم عنه وإذا لم يقبل اقراره بذلك صار هو
مستهلكا للوديعة بتقديم الاقرار بالدين عليها والاقرار بالوديعة المستهلكة اقرار بالدين فكأنه
أقر بدينين فيتحاصان ولو أقر بالوديعة أو لا ثم بالدين فالوديعة أولى لأنه حين أقر بها لم يكن
25

لاحد فيها حق ثابت ولا كان يعرض الثبوت فصح اقراره بالعين مطلقا وتبين أنها ليست
بتركته ثم اقراره بالدين بعد ذلك أنما يكون شاغلا لتركته لا لما لم يكن من جملة ملكه وهذا
بخلاف ما إذا وهب عينا وسلم ثم أقر بالدين لان الهبة وان نفذها في مرضه صار كالمضاف
إلي ما بعد الموت حتى تعتبر من ثلثه ولا يتبين بالهبة ان الموهوب لم يكن مملوكا له فيتعلق به
حق الغريم المقر به بعد ذلك فكان هو أولى من الموهوب له فأما اقراره بالوديعة لم يصير
كالمضاف إلى ما بعد الموت بل ثبت بنفسه كما أقر به ويتبين ان هذه العين لم تكن ملكا له
فلهذا لا يثبت حق المقر له بالعين بعد ذلك فيه ولو كان عليه دين في الصحة وأقر في مرضه
بدين أو وديعة كان دين الصحة مقدما على ما أقر به في المرض عندنا وقال ابن أبي ليلي رحمه
الله ما أقر به في الصحة والمرض من الدين فهو سواء وهو قول الشافعي رحمه الله * وحجتهما في
ذلك أن الاقرار من جنس التجارة وبسبب المرض إنما يلحقه الحجر عن التبرع لا عن التجارة
(ألا ترى) ان سائر تصرفاته من البيع والشراء صحيح في مرضه علي الوجه الذي يصح في
صحته وكذلك اقراره وهذا لان الاقرار إظهار للحق الواجب عليه وذلك من أصول حوائجه
وقد بينا ان حاجته مقدمة في ماله بخلاف التبرع فإنه ليس من حوائجه ولهذا كان معتبرا من
ثلث ماله والاقرار يكون معتبرا في جميع ماله والدليل عليه ان الاقرار خبر متمثل بين الصدق
والكذب فإنما جعل حجة ليترجح جانب الصدق باعتبار أن عقله ودينه يدعوانه إلى الصدق
ويمنعانه من الكذب وكذلك شفقته على نفسه وماله تحمله على الصدق وتمنعه من الكذب
وهذا المعنى لا تختلف بين الصحة والكذب بل يزداد معنى رجحان جانب الصدق والكذب
ولان في حال الصحة كان الامر موسعا عليه فربما يؤثر هواه على ما هو المستحق عليه فيقر
بالكذب وبالمرض يضيق الامر عليه في الخروج عن المستحق عليه فلا يؤثر هواه على صرف
المال على ما هو المستحق عليه وهو معنى ما قيل إن المرض حال النوبة والإنابة يصدق فيه
الكاذب ويبر فيه الفاجر فتنتفى تهمة الكذب عن اقراره ويكون الثابت بالاقرار في هذه
الحال كالثابت بالبينة فكان مزاحما لغرماء الصحة * وحجتنا في ذلك أن أحد الاقرارين وجد
في حال الاطلاق والاخر في حال الحجر فيقدم ما وجد في حال الاطلاق علي ما وجد في
حال الحجر وإنما قلنا ذلك لان بسبب المرض يلحقه الحجر ليتعلق حق الغرماء والورثة بماله
حتى لا يجوز تبرعه بشئ إذا كان عليه دين محيطا وبما زاد على الثلث إذا لم يكن عليه دين لتعلق
26

حق الورثة بماله ولأنا نقول بان الحجر يلحقه عن التبرع لأنه تبرع بل لأنه مبطل حق الغرماء
عن بعض ماله وكما يبطل حقهم عن بعض ماله بالتبرع فكذلك يبطل حقهم باثبات المزاحمة
للمقر له في المرض معهم فكان محجورا عن الاقرار لحقهم بخلاف سائر التجارات فإنه ليس
فيه ابطال حق الغرماء عن شئ مما يتعلق حقهم به فإنه تعلق حقهم بالمالية والتجارة لا سيما المال
فليس فيه ابطال شئ من حقهم حتى لو كان البيع بمحاباة لم تصح المحاباة في حقهم لما فيه من
ابطال حقهم عن بعض المالية ولأنا قد بينا أن حق الغرماء وإن كان يتعلق بالموت بماله يستند
حكم التعليق إلى أول المرض لأنه سبب الموت كالبيع بشرط الخيار إذا أخبر استند حكم الملك
إلى أولى البيع حتى يستحق المشترى الزوائد فيتبين بهذا أن حق الغرماء الصحة تعلق بماله
بأول المرض وصار ماله كالمرهون في حقهم فبعد ذلك اقراره في المرض غير صحيح فيما يرجع
إلى ابطال حقهم لان اقرار المقر محمول على الصدق في حقه حتى يكون حجة عليه فاما في حق
الغير هو محمول على الكذب لكونه متهما في حق الغير وهذا بخلاف السبب المعاين من غصب
أو استهلاك لأنه لا تمكن فيه التهمة فيظهر السبب في حق غرماء الصحة كما يظهر في حق
المريض فيكون ذلك بمنزلة الدين الثابت بالبينة في مرضه وقوله بأن المرض دليل على صدقه
في اقراره قلنا هذا في حق من ترجح أمر دينه علي هواه على أمر دينه فهذه الحال حال المبادرة
إلى ما كان يريده ويهواه ما كان قدم بعينه فيها فلما آيس من نفسه أثر من يهواه على ما هو
المستحق بماله وليس معتاد كندر تمييز احدى الحالين عن الأخرى فجعلنا الدليل معنى شرعيا
وهو إذا كان ممكنا من تحصل مقصوده بطريق الانساء لا تتمكن التهمة في اقراره ففي حال
الصحة كان متمكنا من تحصيل مقصوده لطريق الانساء فلا تتمكن التهمة في اقراره فاما إذا
مرض وعليه دين فهو غير متمكن من تحصيل مقصوده من الانساء لان الدين مقدم على تبرعه
فيحمله ذلك على الاقرار كاذبا لتحصيل مقصوده بهذا الطريق فلهذا لا يصدقه في حق غرماء
الصحة ولو استقرض في مرضه مالا أو اشترى شيئا وعاين الشهود قبضه ذلك فهذا يحاص
غرماء الصحة لأنه لا يتمكن التهمة فيما يثبت بمعاينة الشهود وليس فيه ابطال حق الغرماء عن
شئ بل فيه تحويل حقهم من محل إلى محل بعد له فظهر هذا السبب في حقهم وكان صاحبه
مزاحما لهم في الشركة ولو لم تكن التركة الا عين المال الذي أخذه قرضا أو بيعا فهو كذلك
لان بالقبض ثم ملكه فكان من جملة تركته عند موته يتعلق به حق جميع غرمائه والبائع إنما
27

يكون أحق بالمبيع ما لم يسلم فاما إذا سلم فقد أبطل حقه في الاختصاص كالمرتهن إذا رد الرهن
كان مساويا لسائر الغرماء فيه ولما التحق ما وجب بالسبب المعاين في المرض بالواجب في حال
الصحة حتى استوى به كان مقدما على ما أقر به في المرض بمنزلة دين الصحة وهذا لان السبب
المعاين أو الثابت بالبينة يكون أقوى من الثابت بالاقرار والحكم يثبت بحسب السبب والحقوق
تترتب بحسب القوة والضعف (ألا ترى) أن الكفن مقدم على الدين في التركة لقوة سببه
ثم الدين مقدم على الوصية والميراث فكذلك هنا ولو قضي دين هذا الذي أخذ منه في المرض
كان جائزا وهو له دون غرماء الصحة لأنه حول حق الغرماء من محل إلى محل بعدله فليس
في هذا القضاء لفظا ابطال حقهم عن شئ فكانت مباشرته في المرض والصحة سواء أرأيت
لو ردما استقرض بعينه أو فسخ البيع ورد المبيع بعيب أكان يمتنع سلامته للمردود عليه لحق
غرماء الصحة لا يمتنع ذلك فكذلك إذا رد بدله لان حكم البدل حكم المبدل ولو قضي بعض
غرماء الصحة دينه ثم مات لم يسلم المقبوض للقابض بل يكون ذلك بين الغرماء بالحصص عندنا
وعند الشافعي رحمه الله يسلم له وهو بناء على أصله أن بسبب المرض لا يلحقه الحجر عن السعي
في فكاك رقبته وقضاء الدين سعى منه في فكاك رقبته فكان فعله في المرض والصحة سواء
وهذا لأنه ناظر لنفسه فيما يصنع فإنه قضي دين من كان حاجته أظهر ومن يخاف أن لا يسامحه
بالابراء بعد موته بل يخاصمه في الاخر وتصرفه علي وجه النظر منه لنفسه يكون صحيحا
لا يرد ولنا ان حق سائر الغرماء تعلق بماله بالمرض فهو بقضاء دين بعضهم مبطل حق سائر الغرماء
عما دفعه إلى هذا وهو لا يملك ابطال حق الغرماء عن شئ مما تعلق حقهم به كما لو وهبت شيئا
بخلاف ما تقدم من قضاء الثمن وبدل القرض لأنه ليس فيه ابطال حق الغرماء عن شئ من
المالية كما قدرنا * توضيحه ان هذا إيثار منه لبعض الغرماء بعد ما تعلق حقهم جميعا بماله فهو
نظير ايثاره بعض الورثة بالهبة والوصية له بعد ما تعلق حق الورثة بماله وذلك مردود عليه
مراعاة لحق سائر الورثة فكذلك هذا ولو قرض وفي يده ألف درهم وليس في يده ألف
درهم وليس عليه دين الصحة فأقر بدين ألف درهم ثم أقر بأن الألف التي في يده وديعة
لفلان ثم أقر بدين ألف درهم ثم مات قسمت الألف بينهم أثلاثا لأنه لما قدم الاقرار بالدين
فاقراره بالوديعة بعده بمنزلة الاقرار بالدين فكأنه أقر بثلاثة ديون في مرضه فيقسم ما في يده
بينهم بالسوية ولو قال صاحب الدين الأول لا حق لي قبل الميت أو قد أبرأته من ديني كانت
28

الألف بين صاحب الوديعة وبين الغريم الاخر نصفين لان مزاحمة الثالث قد زالت
فيتحاصان فيه ولا يبطل حق الغريم الآخر بما قال الغريم الأول اما إذا أبرأه فظاهر لان
بالابراء لم يتبين انه دينه لم يكن واجبا وكذلك أن قال لا حق لي على الميت لان اقراره كان
صحيحا ملزما ما لم يرده المقر له وذلك كان مانعا من سلامة العين للمقر بالوديعة وقد تثبتت
المزاحمة للغريم الاخر معه فإذا رد المقر له الأول ورده عامل في حقه لا في ابطال حق
الغريم الأول فكان في حقه وجود هذا الرد وعدمه بمنزلة واحدة فلهذا كانت الألف بين
صاحب الوديعة والغريم الاخر نصفين. رجل قال لفلان على أبي ألف درهم وجحد ذلك
وجحد المقر عليه ثم مرض المقر ومات الجاحد والمقر وارثه وعلى المقر دين في الصحة ثم
مات وترك ألفا ورثها عن الجاحد (قال) غرماء المقر في صحته أحق بهذا الألف من غرماء
الجاحد لان أصل الاقرار من المقر لم يكن صحيحا لكونه حاصلا علي غيره ولا ولاية له
على الغير فإذا مات الجاحد والمقر وارثه الآن صح اقراره باعتبار ان تركته صارت مملوكة
للمقر إرثا ويجعل هو كالمحدود لإقراره في هذا الحال وهو في هذه الحال مريض لو أقر على
نفسه لم يكن المقر له مزاحما لغرماء الصحة فإذا أقر على مورثه أولا أن يكون المقر له مزاحما
لغرماء الصحة ولان صحة اقراره على مورثه لما كان باعتبار ما في يده من التركة صار هذا
بمنزلة الاقرار منه بالعين واقرار المريض يصح في حق غرماء الصحة فكذلك اقراره على
مورثه والدليل علي انه جعل كالمحدود للاقرار في الحال انه لو كان أقر على مورثه بعتق عبده ثم
مات المورث حتى نفذ اقراره كان معتبرا من ثلث مال المريض وجعل كأنه آنسا للاقرار بالعتق
في الحال فكذلك هنا يجعل كأنه الاقرار فلا يزاحم المقر له الغرماء في حال الصحة وإذا أقر
المريض بألف درهم بعينها انها لقطة عنده ليس له مال غيرها فإنه يصدق بثلثها فيتصدق
بالثلث في قول أبى يوسف رحمه الله وقال محمد رحمه الله إن لم تصدقه الورثة فهي ميراثه
كلها لا يتصدق بشئ منها * وجه قوله انه أقر بالملك فيها لمجهول والاقرار للمجهول باطل
كما لو أقر لواحد من الناس بعين أو دين وإذا بطل الاقرار صار كأن لم يوجد ثم اقراره
بأنها لقطة لا يتضمن الاقرار بالتصدق بها لان التصديق باللقطة ليس بلازم وللملتقط أن يمسكها
ولا يتصدق بها وان طالت المدة وإنما يرخص له في التصدق بها ان بينا حفظا على المالك لأنه
لما تعذر عليه اتصال عينها إليه يوصل ثوابها إليه بالتصدق بها وليس ذلك بمستحق عليه شرعا
29

(ألا ترى) انه لو حضر المالك بعد ما تصدق بها كان له أن يضمنه فيثبت أن اقراره باللقطة
لا يتضمن الامر بالتصدق بها لا محالة فلهذا لا يجب على الورثة التصدق بشئ منها ولأبي يوسف
رحمه الله انه أقر ان ملكه عن هذا المال مستحق والإرث عنه منتفى لقربه تعلقت به حقا
للشرع فوجب تقييد تلك القربة عند اقراره من ثلث ماله كما لو أقر بمال في يده أنه صدقه
للمساكين بزكاة واجبة عليه أو عشر أو نذر وجب تقيده من الثلث وإنما قلنا ذلك لان السبيل
في اللقطة التصدق بها عند تعذر اتصالها إلى مالكها هكذا نقل عن ابن مسعود رضي الله عنه
انه تصدق بمال في يده لغائب ثم قال هكذا يصنع باللقطة ولاية في التصدق بها في الملتقط لأنه
يخرج به عما لزمه عن عهدة الحفظ واقرار المريض معمول به فيما يرجع إلى حاجة خروجه
عما لزمه من العهدة لا طريق له إلى ذلك الا بالتصدق بها فصار اقراره كالأمر للورثة أن
يتصدقوا به دلالة وما يثبت بدلالة النص فهو كالمنصوص عليه فعليهم أو يتصدقوا به من ثلثه
* يقرره انهم لو صدقوه في ذلك كان عليهم أن يتصدقوا بها وفي مقدار الثلث المريض مستغن
عن تصديق الورثة فيما هو موجب تصرفه فإذا كان عند تصديقهم يجب التصديق به بحكم ذلك
الاقرار فكذلك عند عدم تصديقهم يجب التصديق من ثلث ماله. وإذا تزوج المريض امرأة
على ألف درهم وهي مهر مثلها كانت المرأة استوت لغرماء الصحة في مهرها لان وجوب
دينها بسبب لا تهمة فيه وهو النكاح ثم هذا السبب من حوائج المريض لان النكاح في
الأصل عقد مصلحة مشروع للحاجة وبمرضه تزداد حاجته إلى ما يتعاهده وهو غير محجور
عن التزام الدين بمباشرة ما هو من حوائجه كاستئجار الأطباء وشراء الأدوية ثم مهر المثل لا
يجب بالتسمية بل إنما يجب شرعا بصحة النكاح (ألا ترى) انه بدون التسمية يجب فلا يكون
المريض بالتسمية قاصدا إلى ابطال حق الغرماء عن شئ مما يتعلق حقهم به فلهذا صح منه
وكانت مزاحمة غرماء الصحة مقدمة علي ما أقر ما به في مرضه من دين أو وديعة لقوة سبب
حقها ولو أوفاها المهر وعليه دين في الصحة لم يسلم لها ما قبضت لأنه خصها بقضاء دينها وقد
بينا ان المريض لا يملك تخصيص بعض غرماء الصحة بقضاء الدين وهذا لان المهر بمقابلة
البضع والبضع ليس بمال متقوم يتعلق به حق الغرماء فكان هذا في حق الغرماء ابطالا لحقهم
بايثارها بقضاء دينها بخلاف بدل المستقر أو المستقرض لان ما وصل إليه بمقابلة مال يتعلق به
حق الغرماء فلم يكن في تصرفه ابطال حقه عن شئ معين فلهذا كان صحيحا والله أعلم
30

* (باب الاقرار للوارث وغيره من المريض) *
(قال رحمه الله ولا يجوز اقرار المريض لوارثه بدين أو عين عندنا وقال الشافعي رحمه
الله يجوز بناء علي أصله بأكثر من الثلث فكان قدر الثلث في حق الوارث بمنزلة ما زاد عليه
في حق الأجنبي والدليل عليه أن اقراره بالوارث صحيح فكذلك اقراره للوارث) لان في
كل واحد من الاقرارين اصرار بالوارث المعروف * وحجتنا في ذلك قول النبي صلى الله عليه
وسلم الا لا وصية للوارث ولا الاقرار بالدين إلا أن هذه الزيادة سائرة غير مشهورة وإنما
المشهور قول ابن عمر رضي الله عنه لما روينا وقول الواحد من فقهاء الصحابة رضي الله عنهم
عندنا مقدم علي القياس والمعنى فيه أنه آثر بعض ورثته بشئ من ماله بمجرد قوله فلا يصح
منه كما لو أوصي له بشئ وهذا لان محل الوصية هو الثلث فإنه خالص حق الميت قال صلى
الله عليه وسلم قال إن الله تعالى يصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة على أعمالكم
ثم لم يجز وصيته به للوارث مع أنه خالص حقه فيكون ذلك دليلا علي أنه محجور عن اتصال
المنفعة إلى الوارث واقرار المحجور لا يصح كاقرار الصبي والمجنون إلا أن هذا الحجر لحق
الورثة فإذا صدقوه نفذ كما إذا أجازوا وصيته * توضيحه أن جميع المال محل الاقرار بالدين
كما أن الثلث محل الوصية ثم لم يجز تصرفه مع الوارث بالوصية في محلها وكذلك لا يجوز مع
الوارث بالاقرار في ماله وهذا لان حق الورثة قد تعلق بماله بمرضه فيكون اقراره لبعضهم
إيثارا منه للمقر له بعد ما تعلق حقهم جميعا به فلا يصح ويجعل اقراره محمولا علي الكذب
في حقهم ولان الاقرار وإن كان اخبارا في الحقيقة فقد جعل كالايجاب من وجه حتى أن
من أقر لإنسان بجارية لا يستحقق أولادها فإذا كان كالايجاب من وجه فهو ايجاب مال
لا يقابله مال والمريض ممنوع عن ميله مع الوارث أصلا فرجحنا هذا الجانب في حق
الوارث ورجحنا جانب الاقرار في حق الأجنبي وصححناه في جميع المال وقد بينا في الباب
المتقدم أن صحة اقراره للأجنبي باعتبار وصيته له وهذا لا يوجد في حق الوارث فاما الاقرار
بالوارث فلم يلاق محلا يتعلق به حق الورثة لان حق الورثة إنما يتعلق بالمال قال صلى الله عليه
وسلم انك ان تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ولان الاقرار
بالسبب من حوائج الميت كيلا يضيع ماؤه فكان مقدما على حق ورثته (ألا ترى) أن الحجر
31

بسبب المرض وكما لا يصح اقرار المريض بادين لوارثه فكذلك اقراره باستيفاء دينه من
وارثه الا في رواية عن أبي يوسف رحمه الله فإنه فرق بينهما فقال الوارث لما عامله في الصحة
فقد استحق براءة ذمته عند اقراره باستيفاء الدين منه فلا يتغير ذلك الاستحقاق بمرضه
(الا ترى) أنه لو كان دينه على أجنبي فأقر باستيفائه في مرضه كان صحيحا في حق غرماء الصحة
وإن كان اقراره بالدين لا يصح في حق غرماء الصحة * وحجتنا في ذلك أن اقراره بالاستيفاء
في الحاصل اقرار بالدين لان الديون يقضى بأمثالها فيجب للمديون على صاحب الدين عند
القبض مثل ما كان له عليه ثم يصير قصاصا بدينه فكان هذا بمنزلة الاقرار بالدين للوارث ليس
بصحيح فكذلك اقراره بالاستيفاء منه وهذا بخلاف اقراره بالاستيفاء من الأجنبي لان المنع
هناك لحق غرماء الصحة وحق الغرماء عند المرض لا يتعلق بالدين إنما يتعلق بما يمكن استيفاء
ديونه منه والدين ليس بمال على الحقيقة ولا يمكن استيفاء ديونه منه فاقراره بالاستيفاء لم يصادف
محلا يتعلق حقهم به فاما حق الورثة يتعلق بالعين والدين جميعا لان الورثة خلافة والمنع من الاقرار
للوارث إنما كان لحق الورثة واقراره بالاستيفاء في هذا كالاقرار بالدين لأنه يصادف محلا هو
مشغول بحق الورثة وإذا أقر المريض لوارثه بدين فلم يمت المريض حتى صار الوارث
غيره بأن كان أقر لأخيه فولد له ابن أو كان ابنه كافرا أو رقيقا فأسلم أو عتق وصار هو
الوارث دون الأخ جاز اقراره له لان المانع من صحة الاقرار كونه وارثه والوراثة إنما
تثبت عند المورث فإذا لم يكن من ورثته عند الموت كان هو والأجانب سواء (ألا ترى)
انه لو تبرع عليه بهبة أو وصية جاز من ثلثه ولان الاقرار من المقر صحيح في حقه حتى
إذا لم يكن له وارث سوى المقر له جاز الاقرار وكان هو مؤاخذا بما أقر به ما لم يمت لان
بطلان اقراره بمرض الموت ولا يدرى أيموت في هذا المرض أو يبرأ فعرفنا أن اقراره
للحال صحيح إنما يبطل عند موته باعتبار صفة الوارثة في المقر له فإذا لم يوجد نفى صحيحا
وجعل خروج المقر له من أن يكون وارثا بمنزلة من لم يقر في مرضه وإن كان أقر له وهو
غير وارث ثم صار وارثا يوم موته بان أقر لأخيه وله ابن ثم مات الابن قبله حتى صار
الأخ وارثا بطل اقراره له عندنا وقال زفر رحمه الله اقراره له صحيح لان الاقرار موجب
الحق بنفسه فإنما ينظر إلى حال الاقرار وقد حصل لمن ليس بوارث فلا يبطل بصيرورته
وارثا بعد ذلك كما لو أقر له في صحته ثم مرض وكما لو أقر لأجنبية ثم تزوجها وبهذا فارق
32

الهبة والوصية لأنها مضافة إلى ما بعد الموت حقيقة أو حكما (ألا ترى) أنه لو وهب لأجنبية
ثم تزوجها ثم مات لم تصح الهبة ونظر فيه إلى وقت الموت لا إلى وقت الهبة بخلاف الاقرار
فكذلك هنا ولنا أنه ورث بسبب كان يثبت قائما وقت الاقرار فيتبين أن اقراره حصل
لوارثه وذلك باطل وهذا لان الحكم مضاف إلى سببه فإذا كان السبب قائما وقت الاقرار
تثبت صفة الوارثة للمقر له من ذلك الوقت بخلاف الأجنبية إذا تزوجها لأنها صارت وارثة
بسبب حادث بعد الاقرار والحكم لا يسبق سببه فلا يتبين أن الاقرار حين حصل كان
للوارث وبخلاف ما لو أقر في الصحة ثم حصل له مرض حادث بعد الاقرار فالحجر بسببه
لا يستند إلى وقت الاقرار؟ ثم الفرق بين الاقرار والوصية أو الهبة في حق من صار وارثا
بسبب حادث من مولاته؟ أو زوجته أن الاقرار ملزم بنفسه وتبيين أن المقر به ليس من
تركته فالوارثة الثالثة بسبب حادث بعده لا يكون مؤثرا فيه فاما الهبة والوصية كالمضاف
إلى ما بعد الموت فإذا صار من ورثته بسبب حادث كان المانع قائما وقت لزومه فلهذا لا يصح
وهو نظير اقرار المريض بالوديعة مع الهبة علي ما بينا في الباب المتقدم وإن كان يوم أقر له
وارثه بموالاة أو زوجته ويوم مات وارثه وقد خرج فيما بين ذلك من أن يكون وارثه
يثبتونه أو فسخ الموالاة فالاقرار باطل في قول أبى يوسف رحمه الله وهو دائر في قول محمد
رحمه الله * وجه قوله انه إنما ورث بسبب حادث بعد الاقرار فلا يؤثر ذلك في ابطال الاقرار
كما في الفصل المتقدم وهذا لان عقد الأول قد ارتفع ولم يرث به فكان وجوده عند الاقرار
كعدمه والعقد الثاني متجدد وهو غير الأول ولا أثر له في ابطال الاقرار وهو قياس ما لو
أقر به في مرضه ثم صح ثم مرض ومات وأبو يوسف رحمه الله يقول الاقرار حصل
للوارث وتثبت له هذه الصفة عند الموت وكان الاقرار باطلا كما لو ورث بإخوة كانت
قائمة وقت الاقرار وهذا (لا؟) إنما لا يصح ليمكن تهمة الايثار فإذا كان سبب
الوارثة موجدا وقت الاقرار كانت هذه التهمة متمكنة والعقد المتحدد قام مقام العقد الأول
في تقرر صفة الوارثة عند الموت فيجعل كأن الأول قائم له بخلاف ما إذا انعدمت صفة
الوارثة عند الاقرار لان تهمه الوارثة غير متقررة ثمة فصح الاقرار مطلقا ولو أقر لوارثه
أو لأجنبي ثم مات المقر له ثم مات المريض ووارث المقر له من ورثه المريض لم يجز ذلك
الاقرار في قول أبو يوسف الأول رحمه الله وهو جائز في قول الاخر وهو قول محمد
33

رحمه الله * وجه قوله الأول أن لاقرار حصل وسبب الوراثة بينه معين لمقر له قائم وحكمه
عند الموت فإنما يتم لمن هو وارثه فلم يجز الاقرار ليمكن تهمة لايثار ووارث المقر له حلف
عنه قائم مقامه فيما هو حكم الاقرار فإذا كان هو وارثا للمقر جمل بقاؤه عند موت المقر كبقاء
المقر له بنفسه * وجه قوله الاخر أن حياة الوارث عند موت المورث شرط ليتحقق له صفة
الوارثة وهنا المقر له لما مات قبله فقد تبين له أن الاقرار حصل لغير الوارث فيكون صحيحا
ووارث لنقر له ليس بملكه من جهة المقر إنما يملكه بسبب الوراثة بينه وبين المقر وذلك
غير مبطل للاقرار (ألا ترى) أنه لو أقر بعين لأجنبي فباعه الأجنبي من وارث المقر أو
وهبه له أو تصدق؟ به عليه كان الاقرار صحيحا فكذلك هنا وكذلك اقرار المريض بعبد
في يده انه لأجنبي فقال الأجنبي بل هو لفلان وارث المريض لم يكن لي فيه حق علي قول
أبى يوسف رحمه الله اقرار المريض باطل لان المقر له لما حوله إلى وارث المريض صار كأن
المريض أقر لوارثه ابتداء وهذا بخلاف ما إذا ملكه بسبب أنساه لان ذلك ملك آخر
يحدث للوارث بسبب متجدد غير الملك الحاصل باقرار المريض فاما هنا إنما يحصل له ذلك
الملك الثابت باقرار المريض لأنه حوله بعينه إلى وارث المريض ونفاه عن نفسه وفي قوله
الاخر يقول الاقرار صحيح لان وارث المريض لم يملكه باقرار المريض وانا يملكه باقرار
الأجنبي له بالملك واقراره له بالملك صحيح وقوله الاخر أقرب إلى القياس من قوله الأول
آخذا بالاحتياط لتمكن تهمة المواضعة بين المريض والأجنبي على أن يقر المريض له ليقر هو
لوارثه فيحصل مقصوده في الايثار بهذا الطريق ولو أقر الأجنبي أن العبد حر الأصل
وان المريض كان أعتقه في صحته عتق ولا شئ عليه في القولين جميعا أما على قوله الاخر
فغير مشكل وعلي القول الأول كذلك لان اعتاقه من جهة المريض هنا غير ممكن فإنه يعقب
الولاء وليس للمقر له فلا بد من أن يجعل كالقاتل لما قرره ثم العتق بخلاف الاقرار فهناك
يمكن تحويل الملك الثابت له بالاقرار إلى الوارث على أن يتقدم عليه فيحصل الملك له باقرار
المريض من غير أن يحصل للمقر له الأول واقراره بالتدبير والكتابة بمنزلة اقراره بالعتق من
حيث أن يجعل كالقابل لاقرار المريض ثم المستثنى للكتابة والتدبير من جهته ولا يجوز اقرار
المريض لقاتله بدين إذا مات في ذلك من جنايته لان الاقرار للقاتل بمنزلة الاقرار للوارث
فإنه عاجز عن اتصال النفع إليه بانساء التبرع لان الهبة والوصية للقابل لا تصح كما لا يصح
34

للوارث فيكون متهما في اخراج الكلام مخرج الاقرار فان (قيل) العاقل لا يؤثر قائله
على ورثته بالاقرار له كاذبا فتنتفى تهمة الكذب عن اقراره هنا (قلنا) قد بينا ان الصدق
والكذب في اقراره لا يعرف حقيقة فإنما يعتبر فيه الدليل الشرعي وهو تمكنه من تحصيل
مقصوده بانساء التبرع وعدم تمكنه من ذلك وهذا لان أحوال الناس مختلفة في هذا فقد
يؤثر الشخص قابله لمثل في قلبه إليه أو قصده إلى مجازات إساءته بالاحسان فتتمكن التهمة
باعتبار هذا المعنى ولكن الشرط أن يموت من جنايته لأنه إذا مات من غير جنايته لم يكن
قابلا له بل يكون خارجا له وعلى قول الشافعي رحمه الله الاقرار للقابل صحيح على قياس مذهبه
في الاقرار للوارث وإن لم يكن يوم أقر صاحب فراش جاز اقراره لان المريض إنما يفارق
الصحيح بكونه صاحب فراش فان الانسان قل ما يخلو عن نوع مرض عادة ولا يعطى
له حكم المريض ما لم يكن صاحب فراش فإذا صار بجنايته صاحب فراش فهو مريض وإذا لم
يصر صاحب فراش فهو صحيح والاقرار الصحيح جائز لقائله ولوارثه كما يجوز تبرعه عليه
وبهذا تبين فساد قول من يقول من مشايخنا رحمهم الله إذا كان خطا بنفسه ثلاث خطوات
أو أكثر فهو ليس بمريض في حكم التصرفات لأنه اعتبر أن يكون صاحب فراش وصاحب
الفراش قد يمشي بنفسه لجنايته وقد يتكلف بخطوات يخطوها فلا يخرج به من أن يكون مريضا
ولا يجوز اقرار المريض لعهد وارثه ولا لعبد قائله ولا لمكاتب لان كسب العبد لمولاه فإنه
يخلفه في الملك بذلك السبب بخروج العبد من أن يكون أهلا للملك فكان الاقرار للعبد
بمنزلة الاقرار لمولاه وكذلك للمولي في كسب المكاتب حق الملك وينقلب ذلك حقيقة
ملك بعجزه فيمن هذا الوجه اقراره للمكاتب بمنزلة اقراره لمولاه وفرق أبو حنيفة رحمه الله
بين هذا وبين الهبة فقال إذا وهب لعبد أخيه لم يجعل بمنزلة الهبة لأخيه في المنع من الرجوع
وهنا جعله كالاقرار للمولي في أنه باطل والفرق ان المبطل للاقرار هنا انتفاع الوارث باقرار
المريض ومنفعة المالية ويمكن تهمة الايثار له على سائر الورثة وهنا متحقق في الاقرار للعبد
والمكاتب وهناك المثبت لحق الرجوع قصده عند الهبة إلى العوض والمكافأت وعدم سلامة
هذا المقصود له وذلك قائم إذا كان القائل للهبة أجنبيا وإن كان الملك يحصل لذي لرحم المحرم
فلهذا يثبت له حق الرجوع فيه ولو أقر المريض بدين لوارثه ولأجنبي فاقراره باطل لما فيه
من منفعة الوارث فان ما يحصل للأجنبي بهذا الاقرار يشاركه الوارث فيه بخلاف ما إذا
35

أوصى لوارثه ولأجنبي فان الوصية تصح في نصب الأجنبي لان ذلك أنسا عقدا فإذا صححناه
في حق الأجنبي لم ينتفع به الوارث والاقرار اخبار بدين مشترك بينهما فإذا صححناه في نصب
الأجنبي انتفع الوارث بالمشاركة معه في ذلك فإن كان كاذبا بالشركة بينهما أو أنكر الأجنبي
الشركة وقال لي عليه خمسمائة ولم يكن بيني وبين وارثه هذا شركة لم يصح اقراره أيضا
في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وصح في قول محمد رحمه الله في نصب الأجنبي
وجه قوله أنه لمهما بالمال وادعى عليها الشركة في المقر به وقد صدقاه فيما أقر وكذباه فيما
ادعى عليهما أو أنكر الأجنبي الشركة التي ادعاها إليه فلم تثبت الشركة بقوله وإذا لم تثبت
الشركة بقي اقراره للأجنبي صحيحا لان المانع من صحة الاقرار كان منفعة الوارث وعند
انتفاع الشركة لا منفعة للوارث في صحة اقراره للأجنبي * وجه قولهما أن الاقرار وقع فاسدا
بمعنى من جهة المقر وهو قصده إلى اتصال المنع وإلى وارثه فلا ينقلب صحيحا لمعنى من جهة
المقر له لان فساده مانع من صيرورته دينا في ذمة المقر وليس للمقر له ولاية على ذمته في
إلزام شئ فلا نقدر على تصحيح اقراره لما فيه من إلزام الدين في ذمته بخلاف ما إذا أقر بعبد
في يده لهذا أو هذا فاصطلحا كان لهما أن يأخذاه لان فساد الاقرار هناك ليس بمعنى من
جهة المقر وهو عجز المجهول عن المطالبة به وقد زال ذلك باصطلاحهم وإذا كان المفسد معنى
من جهتهما ولهما ولاية على أنفسهما صح منهما إزالة المفسد بالاصطلاح وكلام محمد رحمه الله
ليس بقوى لأنه ما أقر لهما بالمال الا بصفة الشركة بينهما ولا يمكن اثباته مشتركا لما فيه من
منفعة الوارث ولا يمكن اثباته غير مشترك لان ذلك غير ما أقربه وهذا بخلاف ما لو أقر
بالمال مؤجلا لان الاجل ليس بصفة للمال وكيف يكون صفة للمال وهو حق من عليه المال
(ألا ترى) ان بعد حلول الأجل يبقى المال كما كان فأما هنا كونه مشتركا بينهما صفة لهذا
الدين فلا يمكن اثباته بدون هذه الصفة لان الدين إنما وجب بسبب وإذا وجب مشتركا
بذلك السبب لا يصير غير مشترك مع بقاء ذلك السبب ما دام دينا لان إيقاع الشركة
يكون بالقسمة وقسمة الدين لا تجوز فإذا ثبت انه لا يمكن اثباته غير مشترك كان تجاحدهما
وتصادقهما على الشركة سواء ولو استقرض المريض من وارثه مالا بمعاينة الشهود كان هو
بمنزلة الأجنبي في ذلك لأنه لا تهمة للسبب المعاين ولو أقر بمهر لامرأته يصدق فيما بينه
وبين مثلها ويحاص غرماء الصحة لأنه لا تهمة في اقراره فوجب مقدار مهر المثل بحكم صحة
36

النكاح لا باقراره (ألا ترى) ان عند المنازعة في المرض يجعل القول قولهما لها بزيادة على
مهر مثلها فالزيادة باطلة لان وجوبها باعتبار اقراره وهو متهم في حقها لأنها من ورثته ولو
أقرت المرأة في مرضها بقبض مهرها من زوجها لم يصدق لأنه أقر باستيفاء الدين من
وارثها فقد بينا بطلان اقرار المريض باستيفاء الدين من وارثه ولو باع المريض من أجنبي
شيئا ثم باعه المشترى من وارث المريض أو وهبه لو أو مات فورثه فهو جائز كله لان خروج
العين من ملك المريض كان إلى من اشتراه منه لا إلى وارثه ثم. وارثه إنما يملكه من جهة
المشترى اما بسبب متجدد أو بطريق الخلافة لوراثه فلم يمكن مانع من صحة تصرف المريض
وإذا كان دين الصحة يحيط بمال المريض وأقر أنه أقرض رجلا ألف درهم ثم قال استوفيتها
لم يصدق على ذلك لان اقراره بالاستيفاء بمنزلة اقراره بالدين في المرض وهذا بخلاف
ما إذا كان البيع في الصحة لان حق الغرماء هناك ما لم يكن متعلقا بالمنع فلا يتعلق ببدله ما دام
دينا وقد استحق المشترى براءة ذمته عند اقراره بالاستيفاء منه إذا كانت المبايعة في الصحة فلا
يبطل استحقاقه بمرض المستحق عليه وإذا كان المبيع في المرض فحق الغرماء كان متعلقا
بالمبيع فتحول إلى بدله وما استحقاق المشترى هنا براءة ذمته الا بتسليم مال يقوم مقام المبيع
في حق تعلق حق الغرماء به فلهذا لا يصدق في اقراره وكذلك لو كان عليه دين في مرضه ولم
يكن الدين في صحته فإن كان مراده دينا وجب في مرضه بسبب معاين فهو ودين الصحة سواء
وإن كان مراده دينا وجب باقراره فمعناه ان اقراره بالاستيفاء لا يكون صحيحا في براءة
المشتري ولكنه صحيح في اثبات المحاصة بين المشترى وبين الغرماء الاخر الا انه صار مقرا
له بمثل ما عليه بالمقاصة فيصير كأنه حصة بقضاء دينه وتخصيص المريض بعض غرماء بقضاء
دينه لا يصح والله أعلم بالصواب
* (باب المقتول عمدا وعليه دين) *
(قال رضي الله عنه الأصل في مسائل هذا الباب ان نفس المقتول من جملة تركته في
قضاء ديونه وتنفيذ وصاياه منه سواء كان واجبا بنفس القتل أو عند عفو بعض الشركاء عن
القصاص) لان البدل يملك بملك الأصل والحق في نفسه له فكذلك فيما يجب بدلا عن نفسه
وأصل آخر وهو أن الدين يقضى عن أيسر المالين قضاء لان حق الغريم مقدم علي حق
37

الوارث فلا يسلم الوارث شئ من التركة الا بعد الفراغ من الدين وأصل آخر ان التركة
يقسم بعد قضاء الدين وتنفذ الوصية على الورثة على ما كان يقسم عليه إن لم يكن هناك دين
أو وصية لان ضرر قضاء الدين وتنفيذ الوصية يكون على الورثة بقدر أنصابهم ويجعل
المستحق بالدين والوصية كالمتأدى من التركة والأصل في المال المشترك أن ما ينوى منه
ينوى علي الشركة وما يبقي على الشركة إذا عرفنا هذا فنقول رجل قتل عمدا وترك ألف
درهم وترك ابنين فعفى أحدهما وعلى المقتول دين ألف درهم فقد سقط القود عن القاتل
بعفو أحد الابنين لأنه لا حق للغريم في القصاص فان حقه في المال والقصاص ليس
بمال فصار عفو أحد الابنين كما لو لم يكن علي المقتول دين وانقلب نصيب الاخر مالا
وذلك خمسة آلاف درهم لأنه تعذر علي الاخر استيفاء القصاص لمعني من جهته مع بقاء
المحل فإذا قبض الخمسة آلاف ضم ذلك إلى الألف المتروكة فيكون تركته ستة آلاف يقضى
منها دين المقتول وهو ألف درهم ويقسم ما بقي بين الاثنين على اثنى عشر سهما سهم للمعافي
واحد عشر سهما للذي لم يعف لأنه لو لم يكن هنا دين كان قسمة التركة سهما هكذا فان
الخمسة آلاف كلها حق الذي لم يعف والألف المتروكة بينهما نصفان للمعافى من ذلك خمسمائة
درهم فإذا جعلت كل خمسمائة سهما صار حق الذي لم يعف أحد عشر سهما وللمعافي سهم
واحد فذلك بعد قضاء الدين فقسم ما بقي بينهما على هذا وكذلك لو كان الدين أكثر من
ذلك بأن كان الدين ثلاثة آلاف وقد أوصى لرجل بألف أيضا فإنه بعد قضاء الدين فيأخذ
الغريم كمال حقه من التركة بعد قضاء الدين ثلاثة آلاف ومقدار وصيته خارج من ثلثه فينفذ
له ثم ما بقي بين الابنين على اثنى عشر سهما لما بينا وهذا لان حق الغريم والموصى له لا يتعلق
بالقصاص لأنه ليس بمال فإذا انقلب مالا تعلق به حقهما لكونه محلا لايفاء حقهما منه ولو
كان ترك عبدا يساوي ألف درهم لا مال له غيره وعليه ألف درهم فخاصم الغريم القاضي فيباع
العبد في دينه لأنه هو المحل الصالح لقضاء الدين منه في الحال فان عفا أحد الابنين عن الدم
بعد ذلك وآخذ الاخر نصف الدية فان العافي يتبعه ويأخذ منه نصف سدسها لأنه ظهر أن
التركة ستة آلاف وان ضرر قضاء الدين يكون عليهما بحسب حقهما وقد صرف نصيب جميع
العافي من العبد إلى الدين وان ما كان عليه نصف سدس الدين بقدر نصيبه من التركة فيما زاد
علي ذلك استوى من نصيبه وكان قضاؤه واجبا علي شريكه لأنه لم يكن متبرعا في ذلك
38

القضاء إنما ألزمه القاضي بغير اختياره فلهذا رجع علي شريكه فله أن يرجع به علي شريكه
بنصف سدس خسة؟ الألف وهو أربعمائة وستة عشر وثلثان وإن لم يبع العبد وقضى الدين
حتى قبض الذي لم يعف خمسة آلاف للغريم أن يأخذ منه جميع دينه لان أيسر المالين
لقضاء الدين منه هذا فإنه من جنس الدين فان الدية من الخمسة الآلاف كان العبد سهما
وكان العبد بينهما نصفين ميراثا عن الميت والأربعة آلاف الباقية للذي لم يعف ويرجع الذي
لم يعف على العافي بثلاثة وثمانين درهما وثلث وذلك نصف سدس الدين استوفى جميع الدين
مما هو خالص حق الذي لم يعف فيرجع على صاحبه بحصة نصيبه من التركة ونصيبه من
التركة نصف سدسها فلهذا رجع عليه بنصف سدس الدين فاما أن يؤديها إليه ليسلم له
نصف العبد وأما أن يباع نصيبه من العبد فيها لان الدين متعلق بالتركة وهو غير مستحق
في ذمة الوارث فكان هو بمنزلة دين واجب في نصيبه من العبد فيه وإنما قسمنا العبد هنا
نصفين لأنه ليس من جنس الدية والأجناس المختلفة لا تقسم قسمة واحدة بل يقسم كل
جنس علي حدة بخلاف الأول فان نصف الدية مع المتروك من المال جنس واحد فلهذا ضمنا
البعض إلى البعض في القسمة. رجل قتل عمدا وله ابن وامرأة وترك عبدا يساوى الف
وعليه دين ألف درهم فعفت المرأة عن الدم سقط نصيبها وانقلب نصيب الابن مالا فيقضى
له بسبعة أثمان الدية مقدار ذلك ثمانية آلاف وسبعمائة وخمسون فإذا جاء الغريم قبض دينه
مما في يد الابن لأنه من جنس حقه والعبد بين المرأة والابن بالميراث على ثمانية أسهم
للمرأة الثمن وللابن سبعة أثمانه ثم ضرر قضاء الدين لا يكون على الابن خاصة فيكون له
أن يرجع على المرأة بمقدار حصتها من التركة وذلك جزء من ثمانية وسبعين جزءا من الألف
لان التركة في الحال تسعة آلاف وسبعمائة وخمسون وحق المرأة ثمن العبد فاجعل كل
الف على ثمانية فما قبض الذي لم يعف من الدين وهو ثمانية آلاف وسبعمائة وخمسون فإذا
جعلت على كل الف مائة يكون سبعين سهما والعبد ثمانية وسبعون سهما سهم واحد من
ذلك نصيب المرأة والباقي كله للابن فضرر قضاء الدين عليهما يكون بهذه الصفة أيضا جزء
من ثمانية وسبعون جزءا من الدين في نصيبها وقد استوفى مما هو خالص حق الابن فيرجع
عليها بذلك فاما أن يدفعه ليسلم لها ثمن العبد أو يباع ثمن العبد ولو قتل وله قتل وله ألف درهم وعليه
ألف درهم دين وترك ابنا وابنتا وامرأة فعفى الابن عن الدم فللابنة والمرأة حصتهما من
39

الدية وذلك عشرة أسهم من أربعة وعشرين سهما فالسبيل أن نصحح الفريضة أولا فنقول
للمرأة الثمن سهم من ثمانية والباقي وهو سبعة بين الابن والابنة أثلاثا فاضرب ثلاثة في
ثمانية فيكون أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة وللابنة سبعة وللابن أربعة عشر فظهر أن نصيب
المرأة والابنة من الدم عشرة من أربعة وعشرين فينقلب ذلك مالا فيعفو الابن ومقداره
بالدراهم أربعة الألف ومائة وستة وستون درهما وثلثا درهم لان جميع الدية عشرة آلاف
فإذا قسمته علي أربعة وعشرين كان كل سهم من ذلك أربعة وستة عشر وثلثين وعشر مرات
أربعمائة وستة عشر وثلثان يكون أربعة الألف ومائة وستة وستين وثلثين لان عشر مرات
أربعمائة فيكون أربعة آلاف وعشر مرات ستة عشر وثلثان يكون مائة وستة وستين وثلثين
فيضم ذلك إلى الألف المتروكة فتكون جملة التركة خمسة آلاف ومائة وستة وستين وثلثين
يقضي جميع الدين من ذلك أولا وما بقي يقسم بينهم بالحصص يضرب فيه الابنة بنصيبها
من التركة والدية وهي ثلاثة آلاف درهم ومائتا درهم وثمانية دراهم وثلث وتضرب المرأة
بألف وثلاثمائة وخمسة وسبعين درهما ويضرب الابن بنصيبه وهو خمسمائة وثلاثة وثمانين
وثلث فإنما يضرب بهذا القدر فقط وإذا أردت تصحيح الحساب بالسهام والسبيل أن تجعل
كل مائة علي اثنى عشر سهما فنصيب الابن يكون أربعة وستين ونصيب المرأة مائة وخمسة
وستين سهما ونصيب الابنة ثلاثمائة وخمسة وثمانين سهما فإذا ضممت إليه نصيب المرأة
مائة وخمسة وستين يكون خمسمائة وخمسين ثم إذا ضممت إليه نصيب الابن وهو أربعة
وستون يكون ستمائة وأربعة عشر سهما فينقسم ما بقي من التركة بعد قضاء الدين بينهم على
هذه السهام ليكون ضرر قضاء الدين على كل واحد منهم بقدر نصيبه. مريض في يديه ألف درهم
أقر أنها وديعة بعينها الرجل ثم قتل عمدا فله وليان فعفى أحدهما فإنه يقضي للاخر بنصف
الدية ويأخذ صاحب الوديعة وديعة ولا شئ للمعافى لان اقراره بالوديعة في المرض للأجنبي
صحيح ويتبين به أن الوديعة ليست من تركته بل هي للمودع يأخذها وإنما ترك الدم فقط
وقد عفى أحد الابنين فانقلب نصيب الاخر مالا والعافي مسقط لنصيب نفسه فلا شئ
له وكذلك لو لم يقر بوديعة ولكنه أقر لرجل بدين ألف درهم في مرضه وقضاها إياه قبل
أن يقتل لان اقراره بالدين في المرض للأجنبي وقضاؤه أيام صحيح إذا لم يكن عليه دين في
صحته فخرج المدفوع من أن يكون من تركته وإنما تركته عند الموت الدم فقط هذا
40

والأول سواء فان لحق الميت دين بعد ذلك فان اتبع صاحب الدين الابن الذي لم يعف فله
ذلك لان ما في يده من نصف الدية تركة الميت فيكون له أن يستوفى دينه فإذا استوفاه
بقي المقبوض سالما للغريم الأول ولا شئ للذي عفى وان اتبع الغريم الثاني الغريم الأول استرد
منه المقبوض لان دينه كان واجبا في صحته فله ذلك لان ما ظهر من دينه الآن لو كان
ظاهرا كان حقه مقدما على حق المقر له في المرض ولا ثم للمقر له في المرض شئ مما قبض
فكذلك هنا له أن ينقض قبضه وإذا نقض قبضه أخذ الألف كلها بدينه واتبع المقر له في
المرض الابن الذي لم يعف وأخذ منه ألفا لان ما في يده من نصف الدية تركة الميت ثم يتبع
الابن ألفا في الابن الذي لم يعف ويأخذ منه نصف سدس أربعة آلاف درهم لان قبض
الأول لما انتقض صار كأن الميت لم يعطه شيئا ولكنه مات وترك ألف درهم وعليه دين ألفا
درهم وجملة تركته ستة آلاف الألف المتروكة مع نصف الدية فيقضي الدين أولا من جميع
التركة ويبقى أربعة آلاف فتقسم بين الاثنين على ما كان يقسم عليه جميع التركة ان لو لم
يكن هناك دين وذلك على اثنى عشر سهما سهم منه للعافي واحد عشر للذي لم يعف بخلاف
ما إذا لم يتبع الغريم الثاني الغريم الأول لان هناك المقبوض يبقي سالما له فلا يكون محسوبا من
تركة الميت ولا شئ للعافي فصار رجوع الغريم الثاني على الغريم الأول نافعا للابن العافي مضرا
للغريم الأول في نقض قبضه كما قيل * مصائب قوم عند قوم فوائد * مريض وهب عبدا له
لرجل وقبضه وقيمته ألف درهم ولا مال له غيره ثم قتل العبد المريض عمدا وله ابنان فعفى
أحدهما للموهوب له فله الخيار بين الدفع والفداء لان الموهوب بالقبض صار مملوكا له قائما حتى
ملكه علي الواهب وفي جناية المملوك إذا وجب المال كان المالك بالخيار بين الدفع والفداء وقد
وجب المل هنا يعفو أحد الابنين ان اختار أن يفديه بنصف الدية وهو خمسة آلاف يسلم العبد
كله له لان نصف الدية مع رقبته من تركة الميت فكانت الرقبة دون الثلث فتنفذ الهبة في
جميعه ويكون نصف الدية بين الاثنين للعافي منها نصف سدسها لان العبد إنما يسلم للموهوب
له بطريق الوصية وضرر تنفيذ الوصية يكون علي جميع الورثة لحصتهم فيقسم ما بقي من التركة
بين الابنين علي ما كان يقسم عليه ان لو لم يكن هناك وصية بخلاف ما تقدم من مسألة الوديعة
والدين لان الوديعة وما قضى به الدين ليس من جملة تركته عند الموت فلا يثبت فيه حق
العافي وهنا ما ينفذ فيه الهبة لا يخرج من أن يكون من جملة التركة لان الهبة في المرض وصية
41

والوصية إنما تنفذ من التركة فيثبت؟ باعتبار حق العافي فلهذا يقسم ما بقي بعد تنفيذ الوصية
بينهما على اثنى عشر سهما وان اختار الدفع رد ثلاثة أخماس العبد يحكم بعض الهبة فيها ويدفع
خمس العبد بالجناية إلى الذي لم يعف؟ ويبقى في يده خمس هو سالم له ثم ما اجتمع في يد الابنين
وهو أربعة خماس بينهما علي اثنى عشر سهما للعافي منها خمسة أسهم والذي لم يعف سبعة فكان
ينبغي أن تنفذ الهبة في ثلث العبد لان الوصية لا تنفذ في أكثر من الثلث ولكن نفذها
في خمسي العبد هنا لضرورة الدور وبيان ذلك أن العبد في الأصل يجعل على ستة لحاجتنا
إلى ثلث ينقسم نصفين حتى يدفع النصف بالجناية إلى الذي لم يعف فتنفذ الهبة في سهمين
وهو الثلث ثم يدفع بالجناية أحدهما إلى الذي يعف فيصير في يد الورثة خمسة وإنما حقهم في
أربعة فيظهر زيادة سهم في حق الورثة وهذا دائر لأنك كلما زدت في تنفيذ الهبة يزداد المدفوع
بالجناية فلا يزال يدور كذلك والسبيل في الدور أن يقطع وطريق القطع طرح السهم الزائد
من جانب من خرج من قبله لان هذا السهم يباع بالفساد فالسبيل نفيه فيطرح من أصل
حق الورثة سهما فترجع سهام العبد فتنفذ الهبة في سهمين ثم يدفع أحدهما بالجناية فحصل
عند لورثة أربعة وقد تنفذنا الهبة في سهمين فيستقيم الثلث والثلثان وإنما قسمنا أربعة أخماس
العبد بين الابنين علي اثنى عشر سهما لان سهام العبد لما صارت على خمسة فحق كل واحد
منهما في سهمين ونصف ان لو لم يكن هناك وصية ثم الذي لم يعف أخذ سهما آخر أيضا
فيصير حقه في ثلاثة ونصف وحق الاخر في سهمين ونصف فما بقي بعد تنفيذ الهبة يقسم
علي أصل حقهما وقد انكسر بالانصاف فأضعفه ليزول الكسر فالذي كان له ثلاثة ونصف
صار حقه سبعة والذي كان له سهمين ونصف صار حقه خمسة فلهذا كانت القسمة بينهما علي
اثنى عشر سهما وطريق الدينار والدرهم في تخريج هذه المسألة أن يجعل العبد دينارا أو درهمين
ثم تنفذ الهبة في درهمين ويدفع أحدهما إلى الذي له يعف فيصير في يد الورثة دينارا ودرهما
وحاجتهم إلى أربعة دراهم فاجعل الدرهم قصاصا بمثله يبقى في يدهم دينار يعدل ثلاثة دراهم
فاقلب الفضة واجعل آخر الدراهم آخر الدنانير فتصير الدينار بمعنى ثلاثة والدرهم بمعنى واحد
ثم عد إلى الأصل فتقول كما جعلنا العبد دينارا وذلك بمعنى ثلاثة ودرهمين كل واحد فذلك
خمسة ثم نفذنا بالهبة في درهمين وذلك خمسا العبد والذي حصل للورثة دينار وبمعنى ثلاثة
ودرهم بمعنى واحد وذلك أربعة فيستقيم الثلث والثلثان وطريق الجبر والمقابلة فيه أن تنفذ
42

الهبة في شئ من العبد ثم يدفع نصفه بالجناية إلى لذي لم يعف فيحصل في يد الورثة عبد الا
نصف شئ وهو حاجتهم إلى ستين لأنا نفذنا الهبة في شئ فاجبر العبد بنصف شئ ورد
فيما يعدله نصف شئ تبين أن العبد الكامل بمعنى ستين ونصف وقد نفذنا الهبة في شئ
وشئ من ستين ونصف خمساه فتبين أن الهبة جازت في خمسي العبد وطريق الخطأين فيه
أن يجعل العبد علي ستة تنفذ الهبة في سهمين ويدفع بالجناية فيحصل في يد الورثة خمسة
وحاجتهم إلي أربعة ظهر الخطأ بزيادة سهم فعد إلى الأصل ونفذ الهبة في ثلاثة ثم تدفع
بالجناية سهم ونصف فيصير في يد الورثة أو بعفو نصف وحاجتهم إلى ستة ضعف ما نفذنا
فيه الهبة فظهر الخطأ الثاني نقصان سهم ونصف وكان الخطاء الأول بزيادة سهم فلما زدنا في
الهبة سهما ذهب ذلك الخطأ وجلب خطأ سهم ونصف فعرفنا أن كل سهم يؤثر في سهمين
ونصف فالسبيل أن يزيد في الهبة ما يذهب الخطأ ولا يجلب الينا خطأ آخر وذلك خمسا سهم
فتنفذ الهبة في سهمين وخمسين فتبقى في يد الورثة ثلاثة وثلاثة أخماس ثم يدفع بالجناية نصف
ما نفذنا فيه الهبة وهو سهم وخمس فيصير في يد الورثة أربعة وأربعة أخماس وهو ضعف ما
نفذنا فيه الهبة فيستقيم الثلث والثلثان وسهمان وخمسان من ستة يكون خمساها فيتبين أن
الهبة إنما جازت في خمسي العبد وطريق الجامع الأصغر ان يأخذ المال الأول وهو ستة ويضربه
في الخطأ الثاني وهو سهم ونصف فيصير تسعة ويأخذ المال الثاني وهو ستة ويضربه في الخطأ
الأول وهو سهم فيكون ستة ثم يجمع بينهما لا أن أحد الخطأين إلى الزيادة والاخر إلى
النقصان والطريق في مثله الجمع لا الطرح فصار خمسة عشر فهو جملة المال وبيان معرفة ما جاز
فيه الهبة أن يأخذ ما نفذها فيه الهبة أو لا وذلك سهمان فيضرب ذلك في الخطأ الثاني وهو سهم
ونصف فيكون ثلاثة ثم يضرب ما جاز فيه الهبة ثانيا وهو ثلاثة في الخطأ الأول وهو واحد
فيكون ثلاثة ثم بجمع بينهما فتكون ستة فظهر أن ما نفذنا فيه الهبة ستة من خمسة عشر وذلك
خمساها لان كل خمس ثلاثة وطريق الجامع الأكبر انه لما ظهر الخطأ الأول كان يسهم
فأضعف المال سوى النصيب والمال سوى النصيب أربعة فإذا ضعفته كان ثمانية وجملة سهام
العبد عشر تنفذ الهبة في سهمين يدفع بالجناية أحدهما فيحصل في يد الوارث تسعة وحاجته
إلى أربعة ظهر الخطأ بزيادة خمسه فاضرب المال الأول وهو ستة في الخطأ الثاني وهو خمسة
فيكون ثلثين واضرب المال الثاني وهو عشرة في الخطأ الأول وهو واحد فيكون عشرة
43

واطرح الأقل من الأكثر يبقى عشرون فهو المال ومعرفة ما نفذنا فيه الهبة أن تأخذ سهمين
وتضربهما في الخطأ الثاني وهو خمسة فيكون عشرة ثم تأخذ سهمين وهو ما نفذنا فيه الهبة
ثانيا وتضربه في الخطأ الأول وهو واحد فيكون اثنين اطرح الأقل من الأكثر يبقى ثمانية
فهو القدر الذي جاز فيه الهبة وثمانية من عشرين يكون خمسها كل خمس أربعة فتبين أن الهبة
إنما جازت في خمسي العبد علي الطرق كلها والله أعلم بالصواب
* (باب اقرار الوارث بالدين) *
(قال رحمه الله رجل مات وترك ألف درهم وأبا فقال الابن في كلام واحد موصول
لهذا على أبي ألف درهم ولهذا ألف درهم فالألف بينهما نصفان لأنه عطف الثاني علي الأول
وموجب العطف الاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الخبر ثم في آخر كلامه ما تغير
موجب أوله) لان أول كلامه تصير الألف كلها للأول لو سكت عليه وبآخر كلامه به تبين
أن الألف بينهما نصفان ومتى كان في آخر الكلام ما يغير موجب أو له يوقف أو له على
آخره كما لو ألحق به شرطا أو استثناء ثم اقرار الوارث علي مورثه إنما يصح باعتبار ما في
يده من التركة فيصير كقوله هذه العين لفلان ولفلان ولو أقر للأول وسكت ثم أقر للثاني
فالأول أحق بالألف لأنه صار مستحقا بجميع آلاف حين أقر له وسكت فاقراره للثاني
صادف محلا مستحقا لغيره لان صحة اقراره بالدين علي المورث باعتبار العين التي في يده وهو
بمنزلة ما لو أقر بعين في يده لزيد وسكت ثم أقر بها لعمرو وهذا بخلاف المريض يقر على
نفسه بدين ثم بدين لأنه يلاقى ذمته فبوجوب الدين الأول عليه لا تتغير صفة الذمة وهنا
صحة اقراره باعتبار ما في يده من التركة فاقراره للأول صادف محلا فارغا فصح ثم اقراره
للثاني صادف محلا مشغولا فلم يصح في حق الأول فان دفع الألف إلى الأول بقضاء لم
يضمن للثاني شيئا وان دفعها بغير قضاء ضمن للثاني خمسمائة لأنه بالكلام الثاني صار مقر بأن
نصف الألف حق الثاني وقد دفعه إلى الأول باختياره واقراره حجة عليه فلهذا ضمن للثاني
نصفه ولو قال في كلام موصول هذه الألف وديعة لهذا ولهذا الاخر علي أبى ألف درهم
دين كان صاحب الوديعة أحق بالألف لما قدم الاقرار بالوديعة صارت هي بعينها
مستحقة للمقر له فاقراره بالدين بعد ذلك أنما يصح في تركة الميت والوديعة من التركة في
44

شئ فقد جعل في هذا الفصل الكلام الموصول والمقطوع سواء لأنه ليس في آخر كلامه ما
يغير موجبه أوله بأن موجب أول الكلام ان الوديعة ليست من تركة الميت ولم تكن مملوكة
له فظاهر وهذا لا يتغير باقراره بالدين فلا يتوقف أول الكلام علي آخره كمن يقول
لامرأته قبل الدخول بها أنت طالق وطالق بخلاف الأول فان موجب أول الكلام هناك
استحقاق الأول جميع التركة ويتغير ذلك بآخر كلامه فيتوقف أوله على آخره * توضيح
الفرق ان الاقرار بالوديعة نفسها ليس من جنس اقراره بالدين لان موجب أحدهما
استحقاق ملك الغير وموجب الاخر استحقاق الدين في الذمة على أن يكون مستوفيا
من العين فلعدم المحاسبة لم يتحقق العطف فكان الموصول والمقطوع سواء بخلاف الأول
فالمجانسة بين الكلامين هناك ثابتة. ولو قال لفلان على أبي ألف درهم وهذه الألف وديعة
لفلان تحاصا فيه لأنه لما قدم الاقرار صارت الألف كلها مستحقة للغريم بالدين فاقراره
بالوديعة صادف محلا مشغولا فمنع ذلك الاختصاص المودع بالعين لما فيه من ابطال حق
الأول وانقلب هذا أقر بالدين لأنه أقر بوديعة مستهلكة أو بوديعة جهلها المودع عند
موته فهو والاقرار بالدين سواء وقد بينا انه لو أقر بدينين في كلام موصول تخاصما فيه ولو
قال لهذا علي أبى ألف درهم لا بل لهذا فالألف للأول لأنه استدرك غلطه بالرجوع عن
الاقرار للأول والاقرار به للثاني والرجوع عن الاقرار للأول باطل فيبقى الألف كلها له
ولا شركة للثاني معه لان الاشتراك من حكم العطف والوصل فكلمة لا بل للرجوع لا
للعطف فلا يثبت به الاشتراك بينهما فان دفعها إلى الأول بعضها لم يضمن للثاني شيئا لان
صحة اقراره بالدين على ابنه باعتبار ما في يده من التركة ولم يبقى في يده شئ حقيقة ولا
حكما فان المدفوع بقضاء القاضي لا يكون مضمونا عليه وان دفع إلى الأول بغير قضاء
القاضي ضمن للثاني مثلها لان اقراره على نفسه صحيح وقد أقر بأن الألف كلها للثاني وانه
غلط في الاقرار للأول إذا لم يكن له دين على الأب ودفعها إليه باختياره فيكون ضامنا
المدفوع بناء على زعمه. ولو قال له رجل هذه الألف التي تركها أبوك وديعة لي وقال آخر
لي على أبيك ألف درهم فقال صدقتما فعلي قول أبي حنيفة رحمه الله الألف بينهما نصفان
وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله صاحب الوديعة أولى بها * وجه قولهما ان الاقرار بالوديعة
أقوى حتى يصح في كلام موصول تقدم أو تأخر والاقرار بالدين لا تصح إذا تقدم ذكر
45

الوديعة فعند الاقتران يجعل الأقوى مقدما كدعوى الاستيلاد مع دعوة التحرير (وتقديره
من وجهين) أحدهما ان شرط صحة الاقرار بالدين السبق ولم يوجد ذلك عند الاقتران
والسبق ليس بشرط في صحة الاقرار بالوديعة فكان هو الصحيح في حال الاقتران والثاني
أن استحقاق العين بالاقرار بالوديعة يسبق لأنه يثبت استحقاق العين بنفسه فأما الاقرار بالدين
يثبت الدين في الذمة ولم يستحق به العين فكان سبق الوديعة في الموجب كسبق الاقرار بها
نصا وأبو حنيفة رحمه الله يقول ما ظهر الاقرار بالوديعة الا والدين ظاهر معه فيمنع ظهور
الدين اختصاص المودع بالوديعة لان ما يرفع الشئ إذا سبقه فإذا اقترن به لمنعه أيضا كنكاح
الحرة مع الأمة وهنا ان سبق الاقرار بالدين رفع حق اختصاص المدفوع بالوديعة فإذا
اقترن به مع ثبوت حق الاختصاص له وصار الوارث كالمستهلك الوديعة فصح الاقرار
بالدين وبالإقرار بالدين يصير مستهلكا للوديعة فيصير اقرارا بدينين فيتحاصان فيه. رجل
مات وترك ثلاثة بنين وثلاثة آلاف درهم فأخذ كل واحد نصيبه وادعى رجل علي أيهم
ثلاثة آلاف درهم فصدقه الأكبر فيها وصدقه الأوسط في الفين منها وصدقه الأصغر في ألف
منها فعلى قول أبى يوسف رحمه الله يأخذ المقر له من الأكثر جميع ما في يده ومن الأوسط
خمسة أسداس ما في يده ومن الأصغر ثلث ما في يده وعند محمد رحمه الله يأخذ من الأوسط
جميع ما في يده وباقي الجواب كقول أبى يوسف رحمه الله * وجه قول محمد رحمه الله ان المقر له
يبدأ بالأكثر لإقراره انه لا حق له في التركة وان جميع ما في يده للمقر له فهو موافق له
من كل وجه فيأخذ ما في يده وهو الألف ثم يثنى بالأوسط لأنه أقرب إلى موافقته من
الأصغر فيقول للأوسط قد أقررت لي بدين العين وما وصل إلى الألف فقد بقي من ديني
ألف بزعمك والدين مقدم على الميراث فيقضى من أيسر المالين قضاء فهات جميع ما في يدك فلا
يجد بدا من قوله نعم فيأخذ منه جميع ما في يده ثم يأتي الأصغر بقول انا أقررت ان دينك
ألف درهم ثلثه في يدي وثلثاه في يد شريكي وقد وصل إليك ذلك من جهته وزيادة فلا أعطيك
الا ما أقررت لك به وهو ثلث ما في يدي فلهذا يأخذ منه ثلث الألف * ووجه قول أبى
يوسف رحمه الله أن المعتبر المال المقر به لان المأخوذ هو المال فيقول الف من الجملة وهو
ما أقر به الأصغر اتفقت الثلاثة على كونها دينا فيبدأ المقر له باستيفاء تلك الألف من ثلاثتهم
من كل أحد منهم ثلثها ثم لم يبق له سبيل على الأصغر ويأتي الأوسط فيقول الأوسط انا قد
46

أقررت لك بألف أخرى وقد ساعدني فيه الأكبر وهو بيننا نصفان نصفه في يدي ونصفه
في يد الأكبر وهو يسلم لك من جهته فيعطيه نصف الألف فإذا استوفى منه ثلث الألف
مرة ونصف الألف مرة أخرى وذلك خمسة أسداس الألف ثم يأتي إلى الأكبر ويقول
انك قد أقررت أن الدين يحيط بالتركة ولا ميراث لك وأخذ منه جميع ما في يده بحكم
اقراره (قال) تفرقوا عليه فلقى الأصغر أولا وقدمه إلى القاضي أخذ منه جميع ما في يده لان
الدين مقدم على الميراث فيقضي من أيسر الأموال وأيسر الأموال في حقه هو ما في يد الأصغر
وهو مقر له بدين الف فيأخذ منه جميع ما في يده فان لقي الأوسط بعد ذلك أخذ منه جميع ما في
يده أيضا لأنه مقر له بدين الفين وقد وصل إليه الف واحد جميع ما في يده بحساب ما بقي
من دينه بزعمه فان لقي الأكبر بعد ذلك أخذ منه جميع ما في يده أيضا لإقراره انه قد لقي
من دينه ألف درهم وان دينه محيط بالتركة فيتوصل إلى جميع حقه بهذا الطريق فان لقي
الأكبر أول مرة أخذ منه جميع ما في يده لما قلنا فان لقي الأوسط بعده أخذ منه جميع ما في يده
أيضا لأنه مقر بأنه قد بقي من دينه الف وان لقي الأصغر بعدهما فهو علي وجهين ان أقر
الأصغر بان أخويه قد أقرا له بما ذكرنا قضى عليه بثلث الألف الذي في يده لأنه يقول
حقك في الف ثلثها في يدي كل واحد منا فما أخذت من الأول والثاني زيادة على حقك إنما
أخذته باقرارهما لك بالباطل فلا تأخذ منى الا قدر ما أقررت لك به وهو ثلث الألف وان
جحد فقال لم يقر لك أخواي الا بالألف لم يقض له عليه بشئ لأنه يقول له ما أقررنا لك الا
بألف درهم دين وقد وصل إليك ذلك القدر من التركة وزيادة فليس لك أن ترجع
على بشئ ولا يتمكن المقر له من دفع حجته هذا إلا أن يثبت بالبينة اقرارهما له بما ذكرنا فحينئذ
يكون الثابت بالبينة في حق الأصغر كالثابت باقرار الأصغر به وان لقي الأوسط أول مرة
قضى عليه بالألف كلها لما بينا فان لقي الأصغر بعده فالجواب ما ذكرنا من اقرار الأصغر وانكاره
في الأول ومراده من هذا العطف حال انكاره خاصة فإنه إذا أقر لك الأوسط بألف كما
أقررت به لم يقض له عليه بشئ لأنه يحتج عليه فيقول أقررنا لك بألف وقد وصل إليك
من التركة الف فاما عند اقراره بأن الأوسط أقر له بألفين فهذا نظير الأول ولكن في هذا
الوجه يأخذ منه الخمسمائة لأنه يقول قد استوفيت منه الألف باعتبار اقرار كان هو صادق
في نصفه كاذبا في نصفه ففي النصف وهو الخمسمائة أنت مستوفى حقك منه وفي النصف
47

الاخر أنت ظالم عليه فإنما يبقى من دينه بزعمه خمسمائة فيدفع إليه مما في يده خمسمائة ثم إذا
لقي الأكبر بعد ذلك قضي له عليه بالألف كلها لإقراره أن الدين محيط بالتركة وانه لا ميراث
له منها. رجل مات وترك ابنين وألفين فأخذ كل واحد منهما ألفا ثم ادعي رجل على أبيهما
ألف درهم وادعى آخر ألف درهم فأقرا جميعا لأحدهما وأقر أحدهما للاخر وحده فكان
الاقرار معا فالذي اتفقا عليه يأخذ من كل واحد منهما خمسمائة لأنهما متصادقان على دينه فيبدأ
به لقوة حقه فيأخذ من كل واحد منهما نصف دينه حتى يصل إليه كمال حقه كأنه ليس معه
غيره ثم يأخذ الاخر من الذي أقر له ما بقي في يده وهو خمسمائة لأنه مقر بدينه واقرار
أحد الورثة بالدين يلزمه قضاء الدين من نصيبه ولم يبق في يده من نصيبه الا خمسمائة فيدفعها
إليه ولأنه مقر أنه لا ميراث له لأنه مثل التركة فيؤمر بتسليم جميع ما في يده إليه باقراره
فان غاب الذي أقرا له وحصل الذي أقر له أحدهما فقدم المقر بحقه إلى الحاكم فقال لي علي
أب هذا ألف درهم وقد أقر لي بها وصدقه الابن وأوهم أن يجبره بما أقر به لغيره أي سمى
بذلك فان القاضي يقضى له عليه بالألف التي في يده لأنه مقر له بدين الف والدين يقضى
من أيسر الأموال قضاء وهو ما في يده فيلزمه أن يدفع كله إلى المقر له بدينه وان جاء الذي
أقر له جميعا وقدم أخاه ققضى له عليه بجميع الألف التي في يديه لأنه مقر له بدين ألف درهم
ولم يصل إليه شئ من دينه فيستوفى منه جميع ما في يده ولا يرجع واحد من الأخوين
على أخيه بشئ لان كل واحد منهما لم يتلف على أخيه شيئا وما اخذ من يده إنما اخذه
بحكم اقراره وكذلك لو كان الذي أقر له حضر أولا فقدم الذي أقر له وحده إلي القاضي
قضي له عليه بما في يده مقر له بدين ألف درهم فان جاء الاخر وقدم أخاه قضي عليه بالألف
ولا يرجع واحد من الأخوين على أخيه بشئ لان ما اخذ من كل واحد منهما إنما اخذه
بحكم اقراره وكذلك لو كان الميراث مائتي دينار أو كان الميراث شيئا مما يكال أو يوزن
والدين مثله فهذا والدراهم سواء علي ما بينا. رجل مات وترك عبدين قيمة كل واحد منهما
ألف درهم وترك ابنين واقتسما ذلك فأخذه كل واحد منهما عبد ثم أقرا جميعا ان أباهما أعتق
أحد العبدين بعينه وهو الذي في يد الأصغر منهما في صحته وأقر الأكبر ان أباه أعتق العبد
48

الذي في يده في صحته والاقرار بجميع ذلك منهما معا فهما حران أما الذي اتفقا عليه فظاهر
وأما الآخر فلان من هو في يده مالك له وقد أقر بعتقه واقرار المالك في ملكه صحيح فإذا
أعتق ضمن الأكبر للأصغر نصف قيمة العبد في يده لأنه أقر أنه ما أعطاه شيئا فان الذي
أعطاه كان حرا باتفاقهما والذي أخذ الأكبر في الظاهر مملوك لهما والأكبر بالاقرار بعتقه
صار متلفا نصيب الأصغر منه لان اقراره ليس بحجة عليه فلهذا ضمن له نصف قيمته وهذا
الضمان ليس بضمان العتق حتى يختلف باليسار والاعسار ولكنه ضمان اتلاف لأنه كان ماله
بالقسمة وقد ظهر فساد القسمة ولكن ان تعذر عليه رد عليه نصيبه لعينه باقراره بخلاف مسألة
الدين فان كل واحد من الابنين هناك أخذ ألفا كما أخذ صاحبه ثم استحق ما في يد كل
واحد منهما باقراره فلهذا لا يتبع واحد منهما صاحبه بشئ وكذلك الاقرار بالوديعة في العبدين
بأن أقر بأحدهما بعينه أنه وديعة فلان وأقر الاخر بما في يده أنه وديعة لفلان فهذا والاقرار
بالعتق سواء كما بينا والمعنى هنا أظهر لان من أقر بما في يده خاصة فهو مقر أنه أعطى صاحبه
بدلا مستحقا وقد تعذر عليه رد نصيبه مما في يده لإقراره به لغيره فيضمن له قيمته ولو كانت
التركة ألفي درهم فاقتسماها وأخذ كل واحد منهما ألفا ثم أقر أحدهما لرجل بدين خمسمائة
على أبيه وقضى القاضي به عليه ثم أقرا جميعا أن على أبيهما ألفا دينا فإنه يقضى عليهما أثلاثا لان
المقر له الأول استحق مقدار خمسمائة مما في يد المقر بدينه ويخرج ذلك القدر من أن تكون
تركة الميت تبقى ألفا وخمسمائة الف في يد الجاحد وخمسمائة في يد المقر فالدين الذي ثبت
باتفاقهما يجب عليهما قضاؤه بقدر ما في يديهما من التركة بمنزلة ما لو ترك ابنا وامرأة وأقرا بدين
الميت فعليهما قضاؤه من نصيبيهما أثمانا بقدر نصيبيهما فهنا أيضا يلزمهما قضاء الدين بحساب
ما في يديهما من التركة فتكون أثلاثا ولو كان الأول أقر بألف ودفعها بقضاء قاض ثم أقرا
جميعا بالألف الثانية قضى بالألف كلها مما في يد الجاحد لان الدين مقضى من التركة وباقي
التركة في يد الجاحد والمقر الأول لا يصير ضامنا شيئا لأنه دفع بقضاء القاصي فلا يكون
للجاحد أن يتبع أخاه بشئ منه لان الاستحقاق عليه كان بقضاء القاضي وهذه المسألة
تبين ما سبق من فصول الدين ولو كانا أقرا أولا لرجل بدين مائة درهم ثم أقر أحدهما
للآخر بدين مائة درهم فالمائة الأولى عليهما نصفين لأنهما حين أقرا به كان في يد كل واحد
منهما من التركة مثل ما في يد صاحبه فعليهما قضاء تلك المائة نصفين ثم إن أقر أحدهما بدين
49

بعد ذلك لآخر فإنما يصح فيما بقي في يده من التركة فان أخذ المتفق عليه المائة من
أحدهما رجع على أخيه بنصفها لان هذا الدين ثبت في حقهما فالمؤدى منهما لا يكون
متبرعا بل هو قاضي دين أبيه فيرجع على شريكه بحصته منه ولو بدأ أحدهما فأقر لرجل
بمائة درهم ثم أقر بعد ذلك لآخر بمائة درهم فالأول يأخذ من المقر مائة درهم مما في يده
لاقرار حمله به والمائة التي هي حق المنفق عليه في مالهما على تسعة عشر سهما لان الباقي من
التركة في يد المقر تسعمائة وفي يد الجاحد الف وقضاء الدين عليهما بقدر ما في يديهما من
التركة فإذا جعل كل مائة سهما كان على تسعة عشر سهما فان أخذ المائة من أحدهما رجع
على صاحبه بحصته منها وكذلك لو كان الاقرار منهما جميعا فالمائة التي أقر بها أحدهما عليه في
نصيبه خاصة والمائة الأخرى عليهما على تسعة عشر سهما وقضية هذه المسائل أن الوارث
إذا أقر بدين وقضاه من نصيبه لا يصير ضامنا شيئا مما قضاء لأنه باقراره قصد تفريغ
ذمة مورثه وما أتلف عليه بعد شيئا ثم دفعه بعد ذلك بقضاء القاضي لا يصيره ضامنا وإذا لم
يضمن صار ذلك القدر كأنه لم يكن أصلا فما يثبت من الدين بعد ذلك كان عليهما بقدر ما في
أيديهما من التركة والله أعلم
* (باب الاقرار بترك اليمين) *
قال رحمه الله (رجل ادعى عبدا في يد رجل ولم يكن له بينة وطلب يمينه فنكل المدعى
عليه عن اليمين فإنه يقضى بالعبد للمدعى) وقد بينا هذا في كتاب الدعوى (قال) وهذا بمنزلة
الاقرار وهو بناء على قولهما فان النكول عندهما يدل على الاقرار لان أصل حق المدعى
عليه في الجواب وحقه في الجواب هو الاقرار ليتوصل إلى حقه (ألا ترى) أن القاضي يقول
له ماذا تقول ولا يقول ماذا تفعل فإذا منعه ذلك الجواب فانكاره حق إلى الشرع وحقه
اليمين فإذا نكل يعاد إليه أصل حقه وهو والاقرار سواء وعند أبي حنيفة رحمه الله بمنزلة البدل
لان به يتوصل المدعى إلى حقه مع بقاء المدعى عليه محقا في انكاره فلا يجوز ان يجعله مبطلا
في انكاره من غير حجة وضرورة وقد بينا هذا الخلاف في مسألة الاستحلاف في النكاح
ونظائره فان أقر بعد ذلك أن العبد كان لآخر لم يصح اقراره لأنه صادف ملك الغير ولا
ضمان عليه في ذلك لأنه ما أتلف شيئا ولكنه تحرز عن اليمين ودفع إلى الأول بأمر القاضي
50

وقضاؤه لا يضمن للثاني شيئا وان أقر قبل أن يستحلف ان العبد لفلان الغائب لم تندفع عنه
الخصومة بهذه المقالة ما لم يقم البينة وهي المسألة المخمسة التي ذكرناها في كتاب الدعوى فان
استحلف المدعى عليه فأبى أن يحلف دفعه إلى المدعى فان جاء المقر له الأول كان له أن
يأخذه من المقضي له لأنه أقر له بالملك قبل نكوله للمدعى دون اتصال تصديقه بذلك
الاقرار فكان له أن يأخذه كمن أقر بعين لغائب ثم أقر بها لحاضر وسلمه إياه ثم رجع الغائب
فصدقه كان هو أولى بها ثم المدعى على حجته مع المقر له فان أقام البينة والا استحلفه علي
دعواه ولو ادعى غصب العبد علي ذي اليد فاستحلف فنكل فقضي له به ثم جاء مدع آخر به
على الغاصب الذي كان العبد في يده وطلب منه فإنه يستحلف له أيضا لأنه بدعوى الغصب
عليه يدعى ضمان القيمة في ذمته ولو أقربه لزمه فإذا أنكر استحلف له بخلاف ما إذا ادعى
عليه ملكا مطلقا لان دعوى الملك المطلق دعوى العين فلا تصح الا علي من في يده والعين
ليست في يد المقضى عليه فأما دعوى الغصب فدعوى الفعل الموجب للضمان وهو صحيح
سواء كان العبد في يده أو لم يكن وكذلك هذا في الوديعة والعارية لأنه يدعي عليه فعلا
موجبا للضمان فان المودع والمستعير بالتسلم يصير ضامنا إلى رد الملك وجميع أصناف الملك
في هذا سواء ما خلا العقار فإنه لا يضمن شيئا للثاني في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قول أبى
يوسف رحمه الله الاخر ولا يمين له عليه وفي قوله الأول وهو قول محمد رحمه الله يتوجه عليه
اليمين ويصير ضامنا إذا لم يحلف وهذا بناء على مسألة غصب العقار وهي معروفة. رجل مات
وترك ابنا وفي يده عبد فادعى رجل انه استودع العبد أباه فان الابن يستحلف له على علمه
لأنه قام مقام المورث فجحوده الوديعة كجحود المورث ولو أقر به أمر بالتسليم إليه فإذا
أنكر يستحلف عليه غير أن هذا استحلاف على فعل الغير فيكون على العلم فان أبى أن يحلف
دفع العبد إليه لأنه بالنكول صار باذلا أو مقرا فان ادعى آخر مثل ذلك لم يستحلف له
الابن لأنه لو أقر للثاني لم يلزمه شئ فكيف يستحلف عند جحوده وإنما لا يصير ضامنا شيئا لان
الوديعة لم يباشرها هو حتى يكون ملتزما حفظها بعقده ثم بالنكول لا يكون تاركا للحفظ بل هو
رجل امتنع من اليمين وأمره القاضي بتسليم ما في يده عند ذلك فلا يصير ضامنا شيئا بخلاف
ما إذا كان يدعى عليه انه أودعه إياه فان هناك لو أقر به لزمه الضمان بسبب ترك الحفظ
الذي التزمه بالعقد حين أقر وعند أبي حنيفة أنه يحلف للأول وهذا يكون على قول محمد رحمه الله
51

أيضا فإنه يصير ضامنا للثاني فأما عند أبي يوسف رحمه الله فلا يصير ضامنا للثاني وإن كان يدعى
عليه الايداع إذا كان الدفع حصل بقضاء القاضي ولا يمين عليه وكذلك ما ادعى على الأب من
غصب أو عارية فلا ضمان للثاني على الابن لما بينا وتأويل هذا إذا لم يكن في يد الابن شئ من
التركة سوى ما قضى به للأول فإن كان في يده شئ استخلف للثاني وإذا أبى اليمين صار مقرا
بالدين على أبيه للثاني في الغصب بلا شبهة وفي الوديعة والعارية بموته مجهلا وصار متملكا غاصبا
فيؤمر بقضاء الدين من التركة (قال) والرجل والمرأة والعبد والتاجر والمكاتب والصبي المأذون
في ذلك سواء وفي هذا بيان ان الصبي المأذون يستحلف في الدعوى لأن هذه اليمين حق
المدعى وفي حقوق العباد الصبي المأذون كالبالغ وهذا الا يستحلف لرجاء النكول الذي
هو قائم مقام الاقرار فكل من كان اقراره صحيحا يستحلف إذا جاء نكوله وعند أبي حنيفة
النكول بمنزلة البذل والبذل المقيد صحيح من المملوك والصبي فان أبى أن يحلف ثم قال قبل
قضاء القاضي انا أحلف يقبل ذلك منه لان النكول في نفسه محتمل فقد يكون للتورع عن
اليمين الكاذبة وقد يكون للترفع عن اليمين الصادقة فلا يوجب به ما لم يقض شيأ القاضي ويصح الرجوع عنه قبل القضاء كالشهادة فأما بعد القضاء عليه إذا قال أحلف لا يقبل ذلك
منه لان الحق قد لزمه القضاء وتعين حقه بالاقرار في نكوله بالقضاء فلا رجوع بعد ذلك
منه وإذا استمهل القاضي ثلاثة أيام أو أقل فلا بأس أن يمهله وان طلب النظرة وهو محتاج إلى
التأمل في حسابه ومعاملته مع المدعى فينبغي أن يمهله وان فعل وأمضى عليه الحكم جاز لان
سبب القضاء وهو امتناعه عن اليمين قد تقرر وقضاء القاضي بعد تقرر السبب الموجب نافذ
والله أعلم بالصواب
* (باب الاقرار في العروض بين الرجلين) *
قال رحمه الله (رجلان أقر أحدهما ببيت بعينه منها لرجل وأنكر صاحبه لم يجز
اقراره في الحال الا في رواية عن أبي يوسف رحمه الله) قال يجوز اقراره ويكون نصف البيت
للمقر له لان كل جزء من الدار مشترك بينهما فاقراره في نصف البيت لا في ملك نفسه فيكون
صحيحا وشريكه وإن كان يتصور عند القسمة بتفريق ملكه ولكن هذا الضرر لا يلحقه
بالاقرار إنما يلحقه بالقسمة مع اقرار المقر في ملكه وهو صحيح وان أدى إلى الاضرار بالغير في
52

الباقي كالراهن يقر بالمرهون لإنسان فيعتقه المقر له والاقرار منه كسائر التصرفات واعتاق
أحد الشريكين العبد صحيح وإن كان يتضرر به شريكه فكذلك هنا * وجه ظاهر الرواية
انا لو صححنا الاقرار في الحال تضرر به الشريك لأنه يحتاج إلى قسمتين قسمة البيت مع المقر
له وقسمة بقية الدار مع المقر فيتفرق عليه ملكه وهذا الضرر يلحقه من جهة المقر لان المطالبة
بالقسمة بسبب الملك الثابت بالاقرار فما يبتنى عليه من الضرر يضاف إلى أول السبب واقرار
المقر ليس بحجة في الامر بالغير ولكن المقر له لان اقراره في النصف الذي هو مملوك له
إنما لم يكن صحيحا لدفع الضرر عن شريكه وقد زال ذلك وفي النصف الآخر لم يكن صحيحا
لعدم ملكه وقد زال ذلك ومن أقر بما لا يملك ثم ملكه يؤمر بتسليمه ويصير كالمجدد
للاقرار بعد الملك وان وقع البيت في نصيب الشريك فنصيب المقر يقسم بينه وبين المقر
له ويضرب المقر له فيه بذرعان جميع البيت والمقر بذرعان نصف الدار سوى البيت وهذا
قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وعند محمد رحمه الله يضرب له بذرعان نصف
البيت والمقر بذرعان نصف الدار سوى نصف البيت حتى إذا كانت الدار مائة ذراع
والبيت عشرة أذرع فعند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله المقر له يضرب بعشرة أذرع
والمقر بخمسة وأربعين ذراعا فيكون بينهما على أحد عشر سهما سهمان للمقر له وتسعة للمقر
وعند محمد رحمه الله يضرب المقر له بخمسة أذرع والمقر بخمسة وأربعين ذراعا فيكون المقر
له عشر نصيب المقر * وجه قول محمد رحمه الله ان اقراره في نصف البيت صادف نصيب
الشريك ولم يملك ذلك حين وقع البيت بالقسمة في نصيب الشريك فلم يصح اقراره الا بقدر
ملكه وذلك نصف البيت ثم القسمة إذا وقع هذا النصف في نصيب الشريك فعوضه وقع
في نصيب المقر والمقر به إذا أحلف عوضا يثبت حق المقر له في ذلك العوض فلهذا ضرب
بنصيبه بذرعان نصف البيت والمقر بجميع حقه وهو ذرعان نصف الدار سوى البيت
بخلاف ما إذا وقع البيت في نصيب المقر لان اقراره في الكل قد صح باعتبار تعين ملكه
في جميع البيت فيأخذه المقر له * ووجه قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ان
القسمة في العقار فيها معنى المعاوضة ولهذا لا ينفرد به أحد الشريكين ولو اشتريا دارا
واقتسماها لم يكن لأحدهما ان يبيع نصيبه مرابحة فالبيت وان وقع في نصيب الاخر
فعوضه وقع في نصيب المقر وحكم العوض حكم الأصل فيما أنه لو وقع البيت في نصيبه أمر
53

بتسليم كله إلي المقر له فكذلك أن وقع عوضه في نصيبه يثبت الحق المقر له في جميعه فلهذا
ضرب بذرعان جميع البيت وهذا لان الاقرار الحاصل في غير الملك كما يصح بملكه يصح في
عوضه الذي هو قائم مقامه ولان في زعم المقر أن الشريك ظالم بجحوده حق المقر له في البيت
فيجعل الشريك مع ما أخذ في حقهما فإن لم يكن لان ضرر ظلمه لا يكون علي أحد الشريكين
دون الآخر فيبقى حق المقر له بزعم المقر في ذرعان البيت وحق المقر في ذرعان نصف الدار
سوى البيت فيضرب كل واحد منهما بجميع ذلك وكذلك لو أقر أحد الشريكين في الدار
بطريق لرجل أو بحائط معلوم أو أقر بذلك في البنيان والأرض فهو على ما ذكرنا في البيت
وعلي هذا لو أوصى أحد الشريكين في الدار ببيت منها لإنسان ثم مات فهو على ما ذكرنا
وإنما نص علي قول محمد رحمه الله في مسألة الوصية بعد هذا وجوابه في الوصية والاقرار
واحد الا في حرف واحد وهو ما إذا اقتسما فوقع البيت في نصيب الورثة للموصى له هنا
نصف البيت بخلاف مسألة الاقرار فان المقر له هناك اخذ جميع البيت لان وصية الموصى
في نصف البيت صادفت ملكه وفي نصفه صادفت نصيب شريكه. ومن أوصى بعين لا يملكها
ثم ملكها لا تصح وصيته فيها فلهذا أمر الورثة بتسليم نصف البيت إلى الموصى له وفي الاقرار
أقر بما لا يملك ثم ملكه يؤمر بتسليمه إلى المقر له فلهذا أخذ المقر له جميع البيت وفيما سوى
هذا مسألة الوصية والاقرار سواء فيما اتفقوا عليه وإذا كان حمام بين رجلين فأقر أحدهما
أن البيت الأوسط منه لرجل لم يجز ذلك لما فيه من الاضرار بشريكه بان كأن لا يقسم
في الحال فإذا انهدم الحمام يحتمل الفرصة فلو صححنا اقرار المقر تضرر به الشريك لأنه يحتاج
إلى قسمين وإذا لم يجز الاقرار هنا فللمقر له ان يضمن نصف قيمة البيت لان تصحيح
الاقرار بالقسمة هنا غير ممكن فان الحمام لا يقسم لان الجبر على القسمة لتحصيل المنفعة لكل
واحد منهما وفي قسمة الحمام تعطيل المنفعة فإذا لم يكن محتملا للقسمة بقي نصف الحمام في يد
كل واحد منهما في زعم المقر ان البيت أوسط للمقر احتبس نصفه في يده ونصفه في يد
شريكه فيكون ضامنا لما احتبس منه في يده لان ملك الغير إذا احتبس منه في يده وتعذر
عليه رده لا يكون مجانا بل يكون مضمونا عليه بقيمته ولو أقر له بنصف الحمام أو بثلثه
كان اقراره جائزا لأنه لا ضرر على شريكه في اقرار المقر بجزء شائع للمقر له لا في الحال
ولا في المال. ولو كان عدل زطي بين رجلين فأقر أحدهما بثبوت منه بعينه لرجل كان
54

نصيبه من ذلك للمقر له لان كل ثبوت مشترك بينهما فاقراره في نصيب الثبوت الذي عينه
صادف ملكه ولا ضرر فيه على شريكه فصح بخلاف الدار الواحدة لان المرافق هناك
متصلة بعضها ببعض ففي تصحيح الاقرار اضرار بالشريك وهنا بعض الثياب غير متصلة
بالبعض وليس في تصحيح الاقرار اضرار بالشريك إذ لا فرق في حقه بين أن يكون شريكه
في هذا الثوب المقر أو المقر له والرقيق والحيوان قياس على الثياب في ذلك. ولو كانت
دار بين رجلين فأقر أحدهما ببيت بعينه لرجل وأنكر شريكه وأقر بيت لآخر وأنكر
صاحبه ذلك فالدار تقسم بينهما نصفين وان وقع البيت الذي أقر به في نصيبه يسلمه إلى المقر
له وإن لم يقع في نصيبه قسم ما أصابه بينه وبين المقر له على البيت وعلى نصف ما بقي من الدار
بعد البيت لما ذكرنا في الفصل الأول من قسمة نصيبه بينه وبين المقر له على الاختلاف
الذي ذكرنا في اقرار أحدهما به ولو أن طريقا لقوم عليها باب منصوب أقر واحد منهم
بطريق فيه لرجل لم يجر اقراره على شركائه ولم يكن للمقر له أن يمر فيه حتى يقتسموها لان
مروره في نصيب المقر لا يتحقق قبل القسمة فان وقع موضع الطريق بالقسمة في نصيب
المقر جاز ذلك عليه لان الضرر قد اندفع عن شركائه وان وقع في نصيب غيره كان للمقر له
أن يقاسم المقر به نصيبه بحصة ذلك الطريق على ما بينا في البيت وقد تقدم بيان مسألة الطريق
في كتاب الدعوى وأعادها هنا للفرق بينها وبين النهر إذا كان بين قوم وأقر أحدهم
بشرب فيه لرجل لم يجر على شركائه لما قلنا فإن كانوا ثلاثة فأقر أحدهم أن عشر النهر لهذا
الرجل دخل عليه في حصته فكانت بينه وبين المقر له على مقدار نصيبه وعلى عشره ولو
قال له عشر الطريق لم يكن للمقر له أن يمر فيه لان الطريق لا تقسم بينهم وعند المرور في النهر
يتحاصون فيه بقدر شربهم فيكون ذلك قسمة بينهم في الماء قال الله تعالى ونبئهم أن الماء قسمة
بينهم وقال الله تعالى لها شرب ولكم شرب يوم معلوم فيمكن ادخال المقر مع المقر له في نصيبه
من غير أن يكون فيه ضرر على شركائه. وكذلك لو كانت عين أو ركى بين ثلاثة نفر أحدهم أقر
أن عشرها لرجل دخل المقر في حصته فان قال المقر له العشر ولى الثلث فحصته تكون مقسومة
على ذلك يضرب المقر له فيه بسهم والمقر بثلاثة وثلث فإذا أردت تصحيح السهام فالقسمة
بينهما على ثلاثة عشر سهما للمقر له ثلاثة وللمقر عشرة وان قال له العشر ولم يزد على هذا فقسمة
نصيبه بينهما على أربعة للمقر له سهم وللمقر ثلاثة ولو أن سيفا بين رجلين حليته فضة أقر أحدهما
55

أن حليته لرجل لم يجز ذلك على شريكه وضمن المقر للمقر له نصف قيمة الحلية مصوغة من
الذهب أو ما كانت لان تصحيح الاقرار بالقسمة غير ممكن وفي زعم المقر أن الحلية للمقر له
احتبس نصفها في يد كل واحد منهما فيكون هو ضامنا لما احتبس عنده من ملك المقر له وإنما
ضمن قيمته من الذهب للتحرز عن الربا وكذلك أحد الشريكين في الدار إذا أقر بجذع في سقف
منها لرجل ضمن نصف قيمة الجذع للمقر له لاحتباس هذا النصف في يده من ملك المقر له
بزعمه. وكذلك لو أقر بآجر في حائط منها أو بعود من قبة أو بلوح من باب بينه وبين آخر
لان تصحيح الاقرار في هذه المواضع بالقسمة غير ممكن فان المقر به وان وقع في نصيب المقر
لا يلزمه تسليمه لما في نزعه من الضرر ولو كانت دار لرجلين باع أحدهما نصف بيت منها
بعينه لم يجز بيعه الا في رواية عن أبي يوسف رحمه الله يقول إن بيعه صادف ملكه وتسليمه
بالتخلية ممكن فكان بيعه صحيحا * وجه ظاهر الرواية انه لو جاز بيعه لنصف البيت لتضرر به
شريكه لأنه يحتاج إلى قسمتين قسمة مع المشترى في البيت وقسمة مع الشريك في بقية الدار
فيتضرر بتفرق ملكه والبيع إذا وقع علي وجه يتضرر به البائع لم يجز فإذا وقع على وجه
يتضرر به شريكه أولى. رجل قال لآخر لك على أو علي مكاتبي فلان ألف درهم لم يلزمه شئ
في الحال لان المكاتب في حقه كالحر لا يملك الاقرار عليه بالدين فكأنه قال لك على أو على
فلان الحر ألف درهم وفي هذا لا يلزمه شئ لان حرف أو في موضع الاثبات عمله في
اثبات أحد المذكورين فلا يكون ملتزما للمال بهذا الاقرار حين جعله مترددا بينه وبين
غيره فان عتق المكاتب فقد ازداد بعدا من مولاه فيكون الاقرار باطلا وان عجز ورد في
الرق ولا دين عليه فالاقرار جائز كما لو جدده في الحال لان الحق في رقبته خلص له ولو
استأنف الاقرار فقال لك على أو على عبدي هذا ألف درهم ولا دين على العبد يصح اقراره
وتخير بين أن يلزمه لنفسه أو عبده لان كلامه الآن صار التزاما بيقين فان الدين لا يجب
علي العبد بل يكون شاغلا مالية رقبته وذلك خالص حق المولى بمنزلة ذمة نفسه ولأنه لو أقر على
عبده صح الاقرار ولو أقر على نفسه صح أيضا فإذا جعل اقراره مترددا بينهما كان صحيحا
وبه فارق حال قيام الكتابة فإنه لو أقر على مكاتبة خاصة لم يكن الاقرار صحيحا إلا أن يعجز
ولا دين عليه فحينئذ يصح الاقرار فكذلك إذا جعله مترددا بينه وبين نفسه ولو أقر على عبده
التاجر بدين والعبد يجحده وعليه دين يحيط بقيمته فاقراره باطل لان ماليته وكسبه حق
56

غرمائه فلا يملك المولى ابطال حقهم ولا اثبات مزاحم لهم بقوله كالمرهون لما صار حقا للمرتهن
لا يملك الراهن ابطال حقه واثبات مزاحم له باقراره وصحة اقرار المولى على عبده باعتبار
ماليته دون ذمته فإنه في حق الذمة مبقى على أصل الحرية فان بيع العبد لغرمائه في دينهم لم
يلزمه الدين الذي أقر به المولى وكذلك أن عتق لأنه ازداد بعدا عن مولاه لهذه الأسباب
ولو أقر أن لفلان ألف درهم عليه أو على فلان ألف درهم ثم مات فلان والمقر وارثه وترك
مالا فالاقرار يلزمه إرثا كان عليه وارثا كان في مال الميت لأنه لو جدد الاقرار في هذه الحال
كان ملتزما إياه وهذا لان موجب الاقرار بالدين يوجه المطالبة بقضائه من ماله وقد صار هو
المطالب بقضاء هذا الدين من ماله عينا لأنه إن كان مراده الاقرار علي نفسه فعليه قضاؤه
وإن كان مراده الاقرار على مورثه فعليه قضاؤه من تركته وتركة المورث حق الوارث فلهذا
حكم بصحة اقراره وجعل البينة على المقر في ذلك وإذا أقر أن لفلان علي ألف درهم ثم مات
فلان والمقر وارثه فالدين في تركة الميت بمنزلة ما لو وجد الاقرار بعد موته لان الاقرار في
حق المقر خبر ملزم غير محتمل للفسخ وان جهة الصدق منفية فيه في حق المقر وفسخه في
تعين جهة الكذب فيه وبعد ما تعينت جهة الصدق فيه لا يتصور تعيين جهة الكذب فيه
فلهذا جعلناه كمجدد الاقرار في هذه الفصول بعد ما خلص الحق له فإن كان علي الميت دين
في صحته أو في مرضه فدينه واجب في تركته من هذا لان صحة اقرار الوارث باعتبار التركة
وذلك حين يخلص حقا له وما دام علي الميت دين أقر به في صحته أو في مرضه فلا حق للوارث
في تركته فتجعل هذه الحال كحال حياة المورث لو قال له على ألف درهم لا بل علي فلان
لزم المقر المال لأنه التزمها باقراره ثم أراد الرجوع عنه والزام غيره بقوله لا بل على فلأن لان
كلمة لا بل للاستدراك بالرجوع عن الأول وإقامة الثاني مقام الأول وليس له ولاية الرجوع
ولا ولاية إلزام المقر به غيره فيلغى آخر كلامه ويبقي المال عليه باعتبار أول كلامه لأنه يخالف
ما سبق فان حرف أو للتشكيك فلا يكون مع ذكره ملتزما للمال باقراره دار بين رجلين أقر
أحدهما أنها بينهما وبين فلان وأقر الاخر انها بينه وبين هذا المقر له وبين آخر أرباعا فانا
نسمى الذي أقر له متفقا عليه والذي أقر له أحدهما محجورا والذي أقر لهما مقر وشريكه
مكذبا فنقول على قول أبى يوسف رحمه الله يأتي المتفق عليه إلى المقر فيأخذ منه ربع ما في يده
ويضمه إلى ما في يد المكذب فيقسمانه بينهما نصفين وما بقي في يد المقر يكون بينه وبين
57

المجحود نصفين فيحتاج إلى حساب ينقسم نصفين ثم ربع نصفه ينقسم نصفين وأقل ذلك ستة
عشر فيجعل سهام الدار ستة عشر في يد كل واحد منهما ثمانية ثم يأخذ المتفق عليه من المقر ربع
ما في يده سهمين فيضمه إلى ما في يد المكذب وهو ثمانية فيصير عشرة أسهم نصفين لكل
واحد منهما خمسة وما بقي في يد المقر وهو ستة بينه وبين المجحود نصفين قال وهذا قول أبى
يوسف رحمه الله الذي قاسه على قول أبي حنيفة رحمه الله فأما على قول محمد رحمه الله على
قياس قول أبي حنيفة المتفق عليه يأخذ من المقر خمس ما في يده والباقي كما قال أبو يوسف
رحمه الله. وأصل المسألة ما قال في كتاب الفرائض رجل مات وترك ابنين فأقر أحدهما بابنين
آخرين للميت وصدقه أخوه في أحدهما وكذبه في الاخر فعلى قول أبى يوسف رحمه الله
الذي قاسه على قول أبي حنيفة رحمه الله يأخذ المتفق عليه من المقر ربع ما في يده وعلى قول
محمد رحمه الله خمس ما في يده ووجه قول أبى يوسف رحمه الله ظاهر لان المتفق عليه بقول
للمقر قد أقررت بأن الدار بيننا أرباعا فلي ربع كل نصف من الدار وفي يدك النصف فأعطني
ربع ما في يدك لاقرارك لي به فإنه لا يجد بدا من قوله نعم فإذا أخذ منه ربع ما في يده ضمه
إلى ما في يد المكذب لأنه يقول له قد أقررت بأن حقنا في الدار علي السواء واقراره ملزم
في حقه وجه قول محمد رحمه الله ان المقر يقول للمتفق عليه انا قد أقررت بأن حقي في سهم
وحق المجحود في سهم وحقك في سهم ولكن السهم الذي هو حقك نصفه في يدي ونصفه في
يد شريكي وهو مقر لك بذلك وزيادة فلا يضرب بما في يدي الا بما أقررت لك به وذلك
نصف سهم فأنت تضرب بما في يدي بنصف سهم وأنا بسهم والمجحود بسهم فلهذا أخذ منه خمس
ما في يده وضمه إلى ما في يد المكذب فاقتسما نصفين لاتفاقهما على أن حقهما في الدار. سواء
وإذا تنازع الرجلان في حائط ووجه البناء إلى أحدهما فهو بينهما نصفين على قول أبي حنيفة
رحمه الله وتحكيم وجه البناء لبس وعندهما الحائط لمن إليه وجه البناء وانصاف اللبن وقد بينا
هذا في كتاب الدعوى في الحائط والحصن جميعا فاعادته هنا لفروع ذكرناها على سبيل
الاحتجاج لأبي حنيفة رحمه الله وقال قد يجعل الرجل وجه الحائط إلى الطريق فلا يكون
ذلك دليلا على أن الحائط غير مملوك له وقد يكون أحد جانبي الحائط مجصصا فلا يكون دليلا
على القضاء بالحائط لمن يكون جانبه مجصصا وكذلك قد يكون في أحد الوجهين من الحائط
روازن أو طاقات فلا يكون ذلك دليلا على ترجيح أحدهما فكذلك وجه البناء وأبو يوسف
58

ومحمد رحمهما الله يقولان في الحصن والروازن كذلك فأما إذا كان الحائط مبنيا
بطاقات فالحائط للذي إليه الطاقات عندهما لان الطاقات بمنزلة وجه البناء والظاهر أن
الذي يبنى الحائط يجعل الطاقات إلى جانب نفسه لان الجانب الذي يكون فيه الطاقات يبني
مستويا وإنما يعتبر الحائط من جانب نفسه لا من جانب جاره ولهذا جعل وجه البناء حكما
فكذلك الطاقات وقال وان كانت الروازن في البناء من الآجر فهي مثل الطاقات فهذا اللفظ
دليل علي انهما إنما لم يعتبرا الروازن الموجودة في الحائط فقد يحفر ذلك صاحب الحائط
وقد يحفر جاره ليدخل فيه الضوء فاما ما كان يعلم أنه مبنى مع الحائط من الروازن فإنه يجعل
حكما عندهما بمنزلة الطاقات ويقضي بالحائط لمن إليه استواء تلك الروازن لان الباني للحائط
يراعى الاستواء من جانب نفسه لا من جانب جاره وإن كان الباب في حائط فادعاه كل واحد
منهما وغلق الباب إلى أحدهما فالباب والحائط بينهما نصفين في قول أبي حنيفة رحمه الله
وفي قولهما الحائط بينهما نصفين والباب الذي إليه الغلق اعتبرا فيه العادة فان الذي يركب
الباب على الحائط يجعل الغلق في جانبه وأبو حنيفة اعتبر القياس أن الغلق متنازع فيه كالباب
والعادة مشتركة قد يجعل الغلق إلى جانبه وقد يجعل إلى جانب جاره فكان بينهما نصفين فإن كان
له غلقان من كل جانب واحد فهو بينهما نصفين عندهم جميعا لاستوائهما في الدعوى
والشاهد بالعلامة ولما تعارض الغلقان جعل كأنه لا غلق على الباب فيقضي به بينهما نصفين
كالحائط والله أعلم بالصواب
* (باب الاقرار بشئ بغير عينه) *
(قال رحمه الله) وإذا أقر الرجل لرجل بشاة من غنمه صح اقراره لان المقر له معلوم
ولا تأثير لجهالة المقر به بالمنع من صحة الاقرار لأنها جهالة مستدركة باجبار المقر على البيان
فإذا ادعى المقر له شاة بعينها فان ساعده المقر على ذلك أخذها وان أبى ذلك لم يأخذها الا بإقامة
البينة لان المقر بها منكر والمدعى معين والمنكر غير المعين فلا يأخذها الا بإقامة البينة عليه
أو سكوت المدعى عليه بعد استحلافه ولكنه بدعوى هذه الشاة صار كالراد لإقراره فيما
سواه فإذا حلف المدعى عليه في هذه الشاة لم يبق للمدعى خصومة بسبب ذلك الاقرار فان
ادعى المقر له شاة بغير عينها أعطاه المقر أي شاة شاء من غنمه بذلك لأنه أبهم الاقرار فكان
59

الخيار إليه وبيانه مطابق للفظه فكان مقبولا منه وان حلف المقر علي كلهن لم يقبل ذلك
ويجبر علي أن يعطيه شاة منها لان الاستحقاق بالاقرار ثم بتصديق المقر له فيما أقر به فلا
يبطل ذلك باليمين الكاذبة بخلاف الأول فان المقر له هناك صار رادا لإقراره فيما سوى
التي عينها واقراره غير موجب استحقاق تلك الشاة بعينها وإن لم يعين واحد منهما شيئا منها
وقال لا أدرى أو رجع المقر عن اقراره وجحد فهو شريكه فيها فقد جمع في السؤال بين
الفصلين وأجاب عن أحدهما وهو ما إذا قال لا أدري فهناك تكون الشركة بينهما ثابتة
لاختلاط ملك أحدهما بالاخر علي وجه يتعذر تمييزه حتى إذا كانت الغنم عشرا فله عشر
كل شاة وان ماتت شاة منها ذهبت من مالهما وان ولدت شاة منهما كان لهما جميعا على ذلك
الحساب هذا هو الحكم في المال المشترك أن الزيادة لهما والهلاك عليهما فاما إذا جحد المقر
أصلا ومنع الغنم فهو ضامن لنصيب المقر له حتى إذا هلكت شاة منها ضمن مقدار نصيب شريكه
منها وهو العشر وان مات المقر فورثته في ذلك بمنزلته لأنهم خلفاؤه في ملكه وإنما كان الشأن
للمقر لاختلاط ملكه بملك غيره وورثته في ذلك بمنزلته الا انهم يستحلفون على العلم لان يمينهم
على فعل الغير وأنواع الحيوان والرقيق والعروض في هذا مثل الغنم. ولو قال له في دراهمي
عشرة دراهم وهي مائة فللمقر له منها عشرة دراهم وزن سبعة لما بينا أن الدراهم عبارة عن
الوزن والمعيار فيه وزن سبعة فينصرف مطلق الاقرار إليه والاقرار به في ماله وفي ذمته سواء
وإن كان في الدراهم صغار نقص وكبار ومال المقر هي عشرة نقص لم يصدق لان هذا بيان فيه
تغيير موجب كلامه فلا يقبل منه مفصولا وإن كان فيها زيوف فقال هي منها صدق لأنه
ليس في هذا بيان تغيير موجب كلامه بل فيه تقريره وهذا بمنزلة الاقرار بالغصب أو الوديعة
لما عين له محلا سوى ذمته وقد بينا في الغصب والوديعة انه إذا قال هي زيوف صدق وإن كان
مفصولا ولو قال له في طعامي هذا كر حنطة ولم يبلغ الطعام كرا فهو كله له لأنه أقر
بحقه في محل عين ولكنه غلط في العبارة عند مقداره والزيادة على ذلك القدر لو لزمته إنما
تلزمه في ذمته وهو ما أقر له بشئ في ذمته ولكنه يحلف انه ما استهلك من هذا الطعام شيئا
وهذا إذا ادعاه المدعي لأنه يدعى عليه السبب الموجب للضمان في الزيادة على الموجود إلى تمام
الكرو هو لذلك منكر فيتوجه عليه اليمين ولو قال له هذه الشاة أو هذه الناقة ثم جحد
ذلك وحلف ماله منهما شئ وادعاهما الطالب فإنه يقضى له بالشاة لأنه حين ادعاهما صار مصدقا
60

له فيما أقر به وهو أحدهما بغير عينه مدعيا في الزيادة على ذلك فتم استحقاقه في المقر به ولا يبطل
ذلك باليمين الكاذبة فالأوكس متيقن به وهو الشاة فلهذا لزمه ذلك ولا يكون المقر له شريكا
في الناقة لأنه بجحوده نفى حقه عنهما ولو نفى حقه عن الناقة وحدها بأن عين الشاة كان مقبولا
منه فكذلك هنا يقبل منه نفى حق المقر له عن الناقة فلا يكون شريكا فيها ولو شهد الشهود
علي اقراره بذلك وقالوا سمى لنا إحداهما فنسيناها لم تجز شهادتهما لاقرارهما على أنفسهما
بالغفلة ولأنهما ضيعا ما تحملا من الشهادة فإنهما تحملاها على الاقرار بالعين وقد ضيعا ذلك
بالنسيان * وإذا أقر لرجل بحق دار في يده فإنه يجبر علي أن يسمى ذلك ما شاء لأنه أبهم
الاقرار بجزء له من الدار فعليه بيان ما أبهم فان أقر بالعشر وادعي المقر له أكثر من ذلك
حلفه علي الزيادة لأنه خرج عن عهدة اقراره بما بين فالقول قوله في انكار الزيادة مع يمينه
وان أبى أن يسمى سمى له الحاكم ثم وقفه على شئ من ذلك حتى إذا انتهى إلى أقل ما يقر به
له عادة استحلفه ماله فيه الا ذلك لان قدر الأقل متيقن به وذلك معلوم بالعادة وعليه ينبنى
مطلق الاقرار فيستحلفه على الزيادة إذا ادعاها الطالب ثم يقضى له بذلك القدر والأعيان
المملوكة كلها علي هذا. ولو أقر أن لفلان حقا في هذه الغنم قال هو عشر هذه الشاة فالقول
قوله مع يمينه لان بيانه مطابق لإقراره فقد يضاف المقر به إلي محله الخاص تارة وإلى العام
من جنسه تارة فيقبل بيانه وعليه اليمين ان ادعى المقر له الزيادة. ولو أقر أن لفلان حقا في
هذه الدار ثم قال هو هذا الجذع أو هذا الباب المركب أو هذا البناء بغير أرض لم يصدق
في ذلك لان بيانه مغير لموجب كلامه فان موجب اقراره ثبوت حق المقر له في رقبة الدار
وهذا البيان ينفى حقه عن رقبتها فلا يصدق في ذلك الا موصولا وحقيقة المعنى في الفرق
بين هذا وبين الغنم ان في الدار بيعا للأصل ولهذا يدخل في البيع من غير ذكر ويستحق
بالشفعة وقوام البناء بأصل الدار وقد أضاف اقراره إلى أصل الدار فلا يقبل بيانه في الصفة
والبيع بعد فأما في الغنم بعض ليس بيعا للبعض فبيانه في أصل الغنم كاقراره فلهذا قبل
منه قال أرأيت لو عنيت به الثوب أو الطعام الذي في الدار أكنت أصدقه وهذا إشارة إلى
ما قلنا إن الموضوع في الدار ليس من رقبة الدار في شئ واقراره يتناول رقبتها. ولو أقر
ان له في هذا البستان حقا ثم قال هو ثمرة هذه النخلة لم يصدق لان اقراره تناول أصل
البستان والثمرة ليست من أصله في شئ وان أقر بالنخلة بأصلها فالقول قوله لأنه أقر له بجزء
61

من الأرض فكان بيانه مطابقا لإقراره وان قال هي له بغير أرض لم يصدق لان بيانه غير
مطابق لإقراره فان حرف في حقيقة للظرف واسم البستان لأصل البقعة والأشجار فيه وصف
وتبع لان قوامها بالبقعة وإنما يتناول أصل اقراره شيئا من البقعة أو جعل البقعة لما أقر به من
الحق فإذا فسره بالنخلة من غير أرض لم يكن التفسير مطابقا للفظه. فان قيل الظرف غير
المظروف فإنما جعل البستان محل حقه فإذا فسره بالنخلة فالبستان محل حقه قلنا لا كذلك
فإنه إذا فسره بالنخلة فمحل حقه موضعها من الأرض وذلك الموضع لا يتناوله اسم البستان
فإنما يتحقق كون البستان ظرفا لحقه إذا كان المقر به جزأ منها ولو قال له في هذه الأرض
حق ثم قال حقه فيها انى أجرتها إياه سنة ليزرعها لم يصدق لأنه أقر له بالحق في رقبتها ثم فسره
بالمنفعة فلم يكن تفسيره مطابقا للفظه وكذلك لو أقر ان له في الدار حقا ثم قال سكنى شهر
فتفسيره غير مطابق للفظه وكذلك لو أقر ان له في هذه الدار ميراثا أو شراء ثابتا أو بابا أو
ملكا ثابتا ثم قال هو هذا الباب المغلق لم يصدق لأنه جعل رقبة الدار ظرفا لما أقر له به فلا بد من
أن يفسره بجزء من رقبتها * ولو قال له في دار والدي هذه وصية من والدي ثم قال له سكنى
هذا البيت سنة لم يصدق حتى يقر له بشركة في أصل الدار لأنه جعل الدار ظرفا للموصى
به والمنافع أعراض تحدث شيئا فشيئا فلا يكون تفسيره مطابقا لإقراره ما لم يقر بشئ من
أصل الدار ولو وصل المنطق في جميع ذلك كان مقبولا لان ظاهر اقراره منصرف إلى شئ
من أصل الدار على احتمال أن يكون المقر به منفعتها لان المنافع محل الأعيان فإذا بينه موصولا
قبل بيانه وإن كان مغيرا لموجب مطلق كلامه * وكذلك لو قال له فيها ميراث بسكنى شهر وفي
هذا نوع اشكال فان المنافع لا تورث عندنا فينبغي أن لا يقبل بيانه هذا موصولا وكذا يكون
بيانه من محتملات كلامه فان توريث المنفعة مجتهد فيه ولو قضى به القاضي نفذ قضاؤه فلعله
أقر له بذلك بعد ما قضى له به قاض فكان هذا بيانا من هذا الوجه وقيل هو على الخلاف
وينبغي أن يكون هذا الجواب عندهما بناء على ما تقدم وإذا قال لفلان علي ألف درهم من ثمن
خمر لم يصدق عند أبي حنيفة رحمه الله وان وصل لان ثمن الخمر لا يجب للمسلم شرعا وعندهما
يصدق وكان ذلك بيانا منه علي ظنه وكذلك هذا ولو كان في يده عشرة من الغنم فقال لفلان
فيها شرك شاة ثم ماتت الغنم كلها فقال المقر له أنت خلطت شاتي بغنمك لم يصدق علي ذلك
ولم يضمن المقر شيئا إذا حلف لان اقراره بالشركة في العين لا يضمن الاقرار بوجود السبب
62

الموجب للضمان عليه فان نصيب كل واحد من الشريكين في يد صاحبه أمانة والاختلاط
يحصل من غير خلط فدعواه الخلط دعوى السبب الموجب للضمان عليه ابتداء فلا يصدق
في ذلك الا بحجة. ولو قال في زيتي هذا لفلان رطل من زئبق وقال كل واحد منهما أنت
خلطته لم يصدق واحد منهما في دعواه الا بحجة لأنه يدعى السبب الموجب للضمان علي
شريكه ابتداء ولكنه يحلف كل واحد منهما علي دعوى صاحبه وإذا حلفا فهما شريكان في
الزيت يباع فيضرب صاحب الزئبق فيه بقيمة رطل من زيت لا بقيمة رطل من زئبق ويضرب
الآخر بقيمة ما بقي من الزيت قال لأنه قد صار زيتا كله ومعنى هذا أن الزيت هو الغالب
والزئبق يصير كالمستهلك فيه وقيمة الزئبق تنتقص بالاختلاط وهذا النقصان حصل من غير
فعل أحد فيكون على صاحب الزئبق وإنما يضرب كل واحد منهما في الثمن بقيمة ملكه كما
يتناوله العقد وعقد الكل زيت فلهذا ضرب بقيمة رطل من زيت. ولو كان لرجل خمسون
رطلا من زئبق فأقر أن فيه لرجل رطلا من بنفسج بعته وقسمت الثمن بينهما يضرب فيه صاحب
البنفسج بقيمة رطل منه وصاحب الزئبق بقيمة زئبقه لان البنفسج بالاختلاط بالزئبق تزداد
قيمته وهذه الزيادة حصلت من ملك صاحب الزئبق فلا يضرب بها مع صاحب الزئبق وإنما
يكون ضربه بقيمة ملكه وهو رطل بنفسج وان شاء صاحب الزئبق أعطى صاحبه رطلا
من البنفسج والزئبق كله له والخيار إليه دون صاحب البنفسج لان البنفسج صار مستهلكا
بالزئبق فان الزئبق هو الغالب وعند الاختلاط الأقل يصير مستهلكا بالأكثر والحكم للغالب
فيكون الخيار لمن كان حقه قائما من كل وجه في أن يتملك على صاحبه نصيبه بضمان المثل
الا ترى أن ثوب انسان لو وقع في صبغ غيره فانصبغ به كان لصاحب الثوب أن يعطى
لصاحب الصبغ قيمة الصبغ لان الثوب قائم من كل وجه والصبغ فيه مستهلك من وجه
فكان الخيار لصاحب الثوب فهذا مثله رجل في يده ثوب مصبوغ بعصفر فقال لرجل في ثوبي
هذا لك قفيز من عصفر في صبغه فصاحب الثوب بالخيار ان شاء رد عليه ما زاد قفيزا من عصفر في
ثوبه لان ملك المقر له صار وصفا لملكه فكان له أن يتملكه بضمان بدله وان أبى بيع الثوب
ويضرب به صاحب العصفر بقيمة ملكه وهو ما زاد قفيز من عصفر في ثوبه وصاحب الثوب
بقيمة ثوبه فإن كان صبغه أكثر من قفيز ضرب صاحب الثوب بالفضل مع قيمة الثوب الأبيض
لان المقر له ما استحق الا مقدار قفيز من العصفر الذي في الثوب لان استحقاقه باقراره
63

وإنما أقر له بهذا المقدار وان اختلفا فقال المقر له ليس في هذا الثوب زيادة علي قفيز من
عصفر وقال صاحب الثوب بل فيه زيادة على ذلك سأل القاضي أهل العلم بذلك من الصباغين
لأنه يحتاج إلى معرفة المحق منهما فيرجع فيه إلى من له نظر في ذلك الباب كما إذا احتاج
إلى معرفة قيمة العين سأل عنه من له نظر فيه فان اتفقوا على شئ يعرف في ذلك أخذ بقولهم
والا القول فيه قول صاحب الثوب لأنه صاحب الأصل والمقر له إنما يستحق من جهته
فيكون القول في بيان مقدار ما يستحق المقر له قول صاحب الثوب. ولو أن رجلا في يديه
عبد فقال لفلان في هذا العبد الشريك أو قال شركة فله النصف في قول أبى يوسف رحمه الله
وقال محمد رحمه الله القول المقر في بيان مقدار ما أقر به واتفقا انه لو قال فلان شريكي
في هذا العبد أو مشترك بيني وبين فلان أو هو لي ولو كان بينهما نصفين لان لفظة الشركة
تقتضي المساواة قال الله تعالى فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ثم يستوى فيه
ذكورهم وإناثهم وكذلك لفظ بين يقتضى المناصفة بين المذكورين ومطلق الإضافة إليهما
تقتضي التسوية بينهما فاما في قوله شرك أو شركة في العبد فكذلك يقول أبو يوسف رحمه
الله لان لفظ الشركة يقتضى التسوية وقال محمد رحمه الله إذا ذكر الشرك منكرا فهو عبارة عن
النصيب قال الله تعالى أم لهم شرك في السماوات وقال الله تعالى وما لهم فيهما من شرك أي
من نصيب فهذا وقوله لفلان في عبدي نصيب سواء وهناك البيان فيه إلى المقر له وإلى
نفسه فيقتضي المساواة وهنا جعله صفة للمقر به فلا يتحقق فيه اعتبار معنى المساواة فلهذا كان
هو وذكر النصيب سواء وان فصل الكلام فقال هو شريكي فيه بالعشر أو هو معي شريك
بالعشر فالقول قوله لان الاقرار بالشركة يقتضي المساواة ولكن على احتمال التفاوت فكان
بيانه مغايرا لما اقتضاه مطلق كلامه فيصح موصولا لا مفصولا وكذلك لو قال هذا
العبد لي ولفلان لي الثلثان ولفلان الثلث وإذا أقر أن لفلان وفلان معه شركا في هذا
فهو بينهم أثلاثا في قول أبى يوسف رحمه الله بمنزلة ما لو قال فلان وفلان فيه شركائي وعند
محمد رحمه الله البيان فيه إلى المقر كما في الفصل الأول وإذا قال قد أشركت فلانا في
نصف هذا العبد ففي القياس له ربعه لأنه لو قال أشركت فلانا في هذا العبد كان له نصفه
فإذا قال في نصف العبد كان له نصف ذلك النصف وهو الربع لان الاشراك يقتضى
64

التسوية بين الموجب والقابل فيما أضيف الايجاب إليه وقد أضيف هنا إلى نصف العبد
ولكنه استحسن فقال له النصف لان معنى قوله أشركت فلانا في نصف العبد أي بنصف العبد
فقد يستعار حرف في لمعنى الباء مجازا لان الباء للالصاق وفي للظرفية وبين الظرف والمظروف
نوع الصاق فأمكن أن يستعار حرف في لمعنى الباء وإنما حملناه علي هذا النوع من المجاز
لعدم امكان اعتبار الحقيقة فإنه وان جعل له ربع العبد كان شريكا في جميع العبد لا في نصفه فان
صاحب القليل مشارك لصاحب الكثير في جميع السين * وإذا قال له علي حق ثم قال عنيت
حق الاسلام لم يصدق ولا بد من أن يقر له بشئ لان كلمة على للالتزام في الذمة ومطلق
هذا اللفظ إنما يفهم منه في العادة الدين فتفسيره بحق الاسلام معتبر لمطلق لفظه فلا يقبل
منه مقصوده ثم خص نفسه بالتزام الحق الذي أقر به وحق الدين على كل واحد منهما لصاحبه
ففي تخصيصه نفسه دليل على أنه مراده من ذلك * وان قال لفلان علي عبدي هذا حق ثم قال
عنيت به الدين فالقول قوله لان كلمة على للالتزام في الذمة فإنه مشتق من العلو ومعناه علاه
ما أقر نفيا للوجوب في ذمته حتى صار مطلقا فإنه وان ادعى المقر له الشركة في الرقبة لم يصدق
الا بحجة لأنه ليس في لفظ المقر ما يوجب ذلك ولو قال له في رقبة عبدي هذا العتق أو قال
في عبدي فهذا تنصيص على الاقرار فما يوجب الشركة في الرقبة والقول في مقدارها قول
المقر وان قال لفلان حق في عبدي هذا أو في أمتي هذه فادعى الطالب حقه في الأمة فان
المقر يحلف عليه لان المدعى غير ما أقر به فإنه أقر بحقه في غير معين وهو إنما ادعاه في معين
فيصير ذلك الاقرار فيما سوى المحل الذي عينه ومدعيا في ذلك المحل فالقول قول المنكر مع
يمينه وإذا حلف لم يكن له في واحد منهما شئ لأنه خرج عن موجب اقراره بما تضمن
دعواه من رد اقراره الحق في العبد وان ادعى فيهما يجبر المقر على أن يقر في أيهما شاء
بطائفة منه لأنه صدقه فيما أقر به وادعى زيادة عليه والاستحقاق بحكم اقراره يتم بتصديقه
فالقول في مقداره قول المقر وان حلف عليهما جميعا فباليمين الكاذبة لا يبطل استحقاقه في
مقدار ما تناوله اقراره فيجبر علي بيان ذلك ويحلف علي دعوى الطالب ان ادعى زيادة على ذلك
وان أقر بحائط لرجل وقال عنيت البناء دون الأرض لم يصدق ويقضي عليه بالحائط بأرضه
لان الحائط اسم للمبنى ولا يتصور ذلك الا بالأرض فاما غير المبني يكون آجرا وخشبا ولبنا
وتدا وهو لا يكون حائطا فكان في اقراره ما يدل علي استحقاق الأرض والثابت بدلالة النص
65

كالمنصوص عليه فكان بيانه هذا مغايرا لمقتضى مطلق كلامه وكذلك لو أقر بأسطوانة في داره
وإنما أراد به المبنى من الأسطوانة بالآجر وانه لا يكون أسطوانة ما لم يكن مبنيا كالحائط فاما
إذا كانت الأسطوانة من خشب فللمقر له الخشبة دون الأرض لأنه يسمى أسطوانة قبل
البناء عليه كما يعده فليس في لفظ المقر ما يدل على استحقاق موضعه من الأرض فإن كان
يستطاع رفعها بغير ضرر أخذها المقر له وان كأن لا يؤخذ الا بضرر ضمن المقر قيمتها للطالب
بمنزلة من غصب من آخر ساجة وبنى عليها فان حق صاحب الساجة ينقطع عن الساجة ويقرر
فيه ضمان القيمة دفعا للضرر عن صاحب البناء عندنا وهي مسألة معروفة * ولو أقر له بنخلة
أو شجرة في بستانه فهي له بأصلها من الأرض لان المقر به النخل والشجر وإنما يسمى بهذا
الاسم إذا كان ثابتا في الأرض فاما إذا لم تكن ثابتة فتسمى خشبة فكان في لفظه ما يدل على
دخول موضعها من الأرض ولا خلاف في هذا في اقراره وإنما الخلاف في البيع إذا باع
نخلة أو شجرة فعلى قول أبى يوسف رحمه الله انه باعها بأصلها فله موضعها من الأرض وان
باعها ليقطعها المشترى فليس له موضعها من الأرض وان باعها مطلقا فليس له موضعها من
الأرض وروى هشام عن محمد رحمهما الله انه إذا باعها مطلقا فله موضع أصلها من الأرض وله
الموضع الذي ينتهى إليه عروقها من الأرض فمحمد رحمه الله سوى بين البيع والاقرار وقال
الايجاب من البائع كان في النخلة والشجرة ولا تكون نخلة وشجرة الا وهي ثابتة وأبو يوسف
رحمه الله يفرق بينهما فيقول البيع تمليك مبتدأ فلا يتناوله الا ما وقع التنصيص عليه والتنصيص
إنما وقع على النابت دون موضعه الذي نبت عليه وموضعه الذي نبت عليه ليس مانعا للنابت
فلا يستحقه المشترى باستحقاقه النابتة وبالبيع لا يستحق المشترى استدامته على حاله بخلاف
الاقرار فإنه اخبار عن ملك سابق للمقر له وفيه إشارة إلى استدامته ولا يكون ذلك الا
بموضعها من الأرض فاستحق موضعها من الأرض بدلالة كلامه والمدلول عليه في الاقرار
كالمنصوص عليه ولو أقر بثمرة في نخل لم تكن النخلة له لان اسم الثمرة لا يختص بحال الاتصال
بالنخل بخلاف اسم الحائط والنخلة ولان اتصال الثمار بالنخل ليس بأصل بل هو للادراك حتى
تجد بعد الادراك ويفسد إذا ترك ولهذا لا يدخل في بيع النخل من غير ذلك فكذلك لا
يدخل في الاقرار بالثمرة أما اتصال البناء بالأرض والنخل بالأرض فللقرار ولهذا دخلا في
بيع الأرض من غير ذكر فكذلك الاقرار بهما يتضمن الاقرار موضعهما من الأرض * ولو أقر
66

له بكرم في أرض كان له الكرم بأرضه كلها لان اسم الكرم بجمع الشجر والأرض عادة
ومطلق اللفظ في الاقرار ينصرف إلى المعتاد وما ثبت بدلالة النص عادة فهو كالمنصوص عليه
* وكذلك لو أقر له بالبستان كان له الشجر والأرض والنخل لان اسم البستان عند الاطلاق
يجمع الكل فاصل الاسم للأرض والأشجار والنخيل فيه بمنزلة الوصف فيكون الاسم جامعا
للكل * ولو أقر أن هذا النخيل لفلان فأراد المقر له أن يأخذ الأرض كلها لم يكن له ذلك وإنما
له النخل بأصوله من الأرض ولا يستحق الطريق ولا ما بين النخيل من الأرض لان النخيل
اسم للشجر ولكن لا يسمى نخلا الا وهو ثابت فاما بعد القلع فيسمى جذوعا فدخول موضعه
من الأرض لضرورة التنصيص علي اسم النخل في اقراره وهو لا يعد وموضع أصولها من
الأرض فلا يستحق شيئا من ذلك وكذلك ليس في لفظه ما يدل على استحقاق الطريق ولا
يدخل الطريق في البيع من غير ذكر فكذلك الاقرار * والحاصل انه بنى هذه المسائل على
معنى كلام الناس وما يطلقونه في عباراتهم في كل موضع * ولو أقر له بأصول عشرة من هذا
الكرم معروفة كان له تلك العشرة بأصولها ولا يكون له ما بين الشجر من الأرض والكرم
في هذا الموضع كالنخل لأنه ما أقر له بالكرم وإنما أقر له بأشجار معروفة منها فتدخل أصولها
لدلالة لفظه ولا يدخل ما سوى ذلك من الأرض * ولو قال بناء هذه الدار لفلان كان له
البناء دون الأرض لأنه نص في لفظه غلى البناء والأرض ليست من البناء في شئ بخلاف
الحائط فإنه اسم للبناء في موضع من الأرض وفرق بين البناء والنخل فقال النخل يخرج
من الأرض والبناء لا يخرج من الأرض ومعنى هذا الكلام أن اسم البناء يثبت بفعل العبد
وذلك فيما ارتفع من وجه الأرض لا في الأرض فلا يستحق شيئا من الأرض بذكر البناء فاما
اسم النخل فلا يحدث بفعل العباد بل بالنبات من الأرض ولا يسمى نخلا الا وهو نابت فلهذا
استحق بتسمية النخل موضعه من الأرض وكذلك لو قال له بناء هذا الحائط لم يستحق
الأرض لما قلنا وإذا أقر له بجزء من داره يصح وبيان المقدار إلى المقر لان لفظ اقراره يحتمل
الكثير والقليل فالجزء من الجزأين يكون نصفا ومن عشرة اجزاء يكون عشرا فكان بيانه
مقررا لما أقر به لا مغيرا فصح موصولا كان أو مفصولا وكذلك النصف والنصيب والحق
والطائفة البيان في ذلك كله إلى المقر ويقبل بيانه في القليل والكثير لأنه من محتملات كلامه
وليس فيه تغيير للفظ عن ظاهره فكان بمنزلة كنايات الطلاق إذا نوى الزوج بها شيئا انصرف
67

إليه ولو أقر له بسهم في داره فكذلك الجواب عندهما وعند أبي حنيفة رحمه الله له السدس وأصل
المسألة في الوصايا وهو ما إذا أوصي بسهم من ماله عند أبي حنيفة رحمه الله ينصرف السهم
إلى السدس أخذا بقول ابن مسعود رضي الله عنه واحتج بقول اياس بن معاوية رضي الله عنه
وجماعة من أهل اللغة رحمهم الله ان السهم هو السدس وعندهما السهم يتناول القليل
والكثير فان سهما من سهمين يكون النصف ومن عشرة يكون العشر فهو والجزء والنصيب
سواء وإذا أقر لرجل بنقض الحائط فله البناء دون الأرض لان النقض اسم لما يبنى به الحائط
من لبن وآجر وخشب فليس في لفظه ما يدل على استحقاق موضعه من الأرض وكذلك لو أقر
بجذع هذه النخلة فله الجذع دون الأرض والله أعلم
* (باب إضافة الاقرار إلى حال الصغر وما أشبهها) *
(قال رحمه الله) رجل أقر انه كان أقر وهو صبي لفلان بألف درهم وقال الطالب بل
أقررت بها لي بعد البلوغ فالقول قول المقر مع يمينه لأنه أضاف الاقرار إلى حال معهودة تنافى
الوجوب به فان قول الصبي هدر في الاقرار والصبا حال معهودة في كل أحد فكان هو في
المعنى منكرا للمال لا مقرا به. فان قيل هو قد ادعى تاريخا سابقا في اقراره والمقر له منكر
لذلك التاريخ فينبغي أن يكون القول قوله قلنا المصير إلى هذا الترجيح بعد ثبوت السبب
ملزما وإذا كان الاقرار في حال الصبا غير ملزم أصلا فلم يكن هو مدعيا للتاريخ بالإضافة
إليه بل يكون منكرا لأصل المال عليه كمن يقول لعبده أعتقتك قبل أن أخلق أو قبل أن
تخلق فكذلك لو قال أقررت له بها في حال نومي لان النوم حال معهودة تنافى وجوب المال
بالاقرار فيها فان أصل القصد ينعدم من النائم والقصد المعتبر ينعدم من الصبي فإذا كان
إضافة الاقرار إلى حال الصبا لا يكون اقرارا فاضافته إلى حال النوم يكون انكارا بطريق
الأولى وكذلك لو قال أقررت بها قبل أن أخلق لأنه مستحيل في نفسه فكان منكرا لا مقرا
ومثل هذا اللفظ إنما يذكر للمبالغة في الانكار عادة ولو قال أقررت له وأنا ذاهب العقل
من برسام أو لمم فإن كان يعرف أن ذلك اصابه لم يلزمه شئ لأنه أضاف الاقرار إلى حال
معهودة تنافى صحة الاقرار فيها وان كأن لا يعرف ان ذلك اصابه كان ضامنا للمال لأنه لم يضف
الاقرار إلى حال معهودة فيه فكان هو في الإضافة إلى الحال التي هي غير معهودة مدعيا لما
68

يسقط عنه بعد اقراره بها فلا يقبل قوله في ذلك وهذا لان الاقرار في الأصل ملزم فيجب
العمل بهذا الأصل ما لم يظهر المانع منه والمانع اضافته إلى حال معهود تنافى صحته فالإضافة
إلى حال غير معهودة لا يصلح مانعا بل تكون دعوى المسقط بعد ظهور السبب الملزم فلا
يقبل ذلك الا بحجة ولو قال أخذت منك ألف درهم وأنا صبي أو ذاهب العقل من مرض يعرف
انه كان أصابه فهو ضامن للمال لان الاخذ فعل موجب للضمان على الاخذ صبيا كان أو
بالغا مجنونا أو عاقلا فان الحجر بسبب الصبا والجنون عن الأقوال لا عن الأفعال لان
تحقق العقل بوجوده فلا يكون الصبا والجنون مؤثرا في حكمه وظهور الفعل باقراره فإذا
كان اقراره ملزما حين أقر به والفعل ملزوما فيه في حال الصغر تقرر السبب الموجب للضمان
عليه بخلاف ما تقدم فان قوله في حال الصغر والجنون ليس بملزم إياه ولو أقر الحر أنه كان
لفلان عليه ألف درهم وهو عبد لزمه المال لان الرق لا ينافي وجوب المال في ذمته فان للعبد
ذمة صحيحة لان صحة الذمة لكونه آدميا وبالرق لا يخرج من ذلك وكذلك لو أقر انه كان أقر
له وهو عبد بألف درهم لان اقرار العبد ملزم في حق نفسه لكونه مخاطبا وإنما لا يقبل في
حق مولاه فكان مؤاخذا به بعد العتق وكذلك الحربي يسلم ثم يقر أنه كان قد أقر لفلان
في دار الاسلام بألف درهم في دخلة دخلها بأمان أو قال دخل علينا بأمان فأقررت له وأنا في
دار الحرب وهو في دار الاسلام أو المسلم يقر أنه كان أقر به لفلان حين كان حربيا فذلك كله
ملزم إياه لأنه أضاف الاقرار إلى حال لا تنافى صحة الاقرار ووجوب المال بها فانا لو عاينا
اقراره في ذلك الوقت كان مؤاخذا به بعد الاسلام فكذلك إذا ظهر ذلك باقراره ولو أنه
كان أقر بألف درهم لفلان قبل أن يعتق وقال فلان أقررت لي بها بعدما أعتقت لزمه المال
له لأنه أضاف الاقرار إلى حال رق المقر له وذلك لا ينفى كون الاقرار ملزما فكان ملتزما
المال باقراره قاصدا إلى تحويله من المقر له إلى مولاه باسناده الاقرار إلي حال رقه من المقر
له إلى غيره ولو أقر مسلم قد كان حربيا انه أخذ في حال حرابته من فلان ألف درهم في حال
ما كان حربيا أو قطعت يده حال ما كان حربيا وقال المقر له بل فعلت ذلك بعد اسلامك فإن كان
المال قائما بعينه فعليه رده وهو غير مصدق في الإضافة إلى حال الحرب لأنه أقر أن هذه
العين في الأصل كانت مملوكة له وادعى تملكها عليه بإضافة الاخذ حال كونه حربيا فلا
يصدق فيه الا بحجة كما لو ادعى التملك عليه بشراء أو هبة ولو كان مستهلكها فهو ضامن
69

له في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله القول للمقر ولا ضمان عليه
في ذلك وكذلك لو قال لمعتقه أخذت منك ألف درهم حال ما كنت عبدا لي أو قطعت
يدك حال ما كنت عبدا لي وقال المقر له لا بل فعلت ذلك بعد ما أعتقتني فالقول قول المقر له
والمقر ضامن في قولهما وعند محمد رحمه الله القول قول المقر وجه قوله أنه أضاف الاقرار إلى
حال معهودة تنافى وجوب الضمان عليه بالأخذ والقطع في تلك الحال فيكون منكرا لا
مقرا كما لو قال لمعتقته وطئتك حال ما كنت أمة لي أو قال لمعتقه أخذت منك الغلة شهر
كذا حين كنت عبدا لي أو قال القاضي بعد ما عزل قضيت عليك بكذا في حال ما كنت
قاضيا وأخذته فدفعته إلى المقضى له فالقول قوله وان كذبه المقر له في هذه الإضافة وكذلك
لو قال المعتق قطعت يدك وأنت عبد وقال المقر له بل قطعتها بعد العتق فالقول قول المقر
للمعنى الذي بيناه وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله قالا أقر على نفسه بالفعل الموجب
للضمان عليه ثم ادعى ما يسقط الضمان فلا يصدق في ذلك كما لو قال فقأت عينك اليمنى وعيني
صحيحة ثم ذهبت وقال الآخر بل فقأتها وعينك ذاهبة كان القول قول المقر له والمقر ضامن
للأرش وبيانه هو أنه أقر بالأخذ وهو سبب موجب للضمان عليه كما قال صلى الله عليه وسلم
عليه اليد ما أخذت حتى ترد وأضاف الاقرار إلى حال رق المقر له وذلك غير مناف للضمان
عليه بسبب الاخذ والقطع في الجملة فان العبد إذا كان مديونا كان أخذ المولى كسبه سببا
لوجوب الضمان عليه وكذلك قطع يده موجب للضمان عليه وكذلك أخذه من الحربي قد
يكون موجبا للضمان عليه في الجملة إذا كان الحربي مستأمنا في دارنا فلم يكن هو في اقراره
منكرا لأصل الالتزام بل كان مدعيا لما يسقط الضمان عنه بخلاف ما استشهد به فان وطئ
المولى أمته غير موجب عليه المهر سواء كانت مديونة أو غير مديونة وكذلك قضاء القاضي
في حال ولايته غير موجب للضمان عليه بحال فإنما أضاف الاقرار في هذه المواضع إلى حال
معهودة تنافي الضمان أصلا فكان منكرا لا مقرا فلهذا لا يلزمه شئ والله أعلم بالصواب
* (باب الاقرار بالاستفهام) *
(قال رحمه الله) رجل قال لآخر أليس قد أقرضتني ألف درهم أمس فقال الطالب بلى
فجحده المقر فالمال يلزمه لان قوله أليس قد أقرضتني استفهام فيه معنى التقرير كما قال الله
70

تعالى أليس الله بكاف عبده ومعنى التقرير انك قد أقرضتني قول الطالب بلى تصديق له في
الاقرار وكذلك لو قال ألم تقرضني أمس فهذا استفهام فيه معنى
التقرير قال الله تعالى ألم يأتكم رسل منكم وكذلك لو قال الطالب أليس لي عليك ألف درهم
فقال بلى كان هذا اقرارا لان قوله أليس استفهام وقوله بلي جواب عنه فيكون معناه بلى
لك علي ألف درهم كما قال الله تعالى ألست بربكم قالوا بلى معناه بلى أنت ربنا وهذا على ما
قال أهل اللغة ان كلمة بلى جواب الابتداء بل هو نفى وقد قرن به الاستفهام وكلمة نعم جواب
الاستفهام المحض وكان المعنى فيه أن الاستفهام متى كان بحرف الاثبات فقول نعم جواب
صالح له ومتى كان بحرف النفي فجواب ما هو اثبات بعد النفي وهو كلمة بلى يقال في تبدل
الكلام لا بل كذا فلهذا كانت كلمة بلى جوابا للاستفهام بلفظ النفي وهو قوله ألست ثم ذكر
مسائل تقدم بيانها في قوله أقرضتني وأعطيتني إذ قال بعد ذلك لم أقبض وزاد هنا لو قال
أخذت منك ألف درهم فلم تتركني أذهب بها لم يصدق في ذلك وان وصل كلامه لأنه أقر
على نفسه بفعل موجب للضمان وهو الاخذ فكان هو مدعيا اسقاط الضمان عن نفسه بعدما
تقرر سببه فلا يصدق الا بحجة كالغاصب يدعى الرد وكذلك لو قال غصبت منك ألف درهم
فانتزعتها منى لم يصدق وإن كان موصولا لان دعوى الانتزاع منه دعوى اسقاط الضمان
بعد تقرر سببه بمنزلة دعوى الرد وهذا لان الوصل بالكلام إنما يكون معتبرا فيما هو بيان
فأما دعوى الفعل المسقط للضمان فليس يرجع إلى بيان أول كلامه والموصول والمفصول فيه
سواء ولو أقر قصار أن فلانا سلم إليه ثوبا يقصره ثم قال لم اقبضه فان وصله بكلامه صدق وان
قطعه لم يصدق وفي بعض النسخ قال أسلم إليه وهما سواء فان الاسلام والتسليم لغة في الفعل
الذي يكون تمامه بالقبض ولكن على احتمال أن يكون المراد به العقد دون القبض فإذا قال لم
اقبضه كان هذا بيانا معتبرا لموجب ظاهر كلامه فيصح موصولا لا مفصولا ولو قال لرجل
أعطيتني أمس ألف درهم وهل هي ألف فهذا استفهام لا يلزمه به شئ ولو لم ينقد الألف كان
اقرارا لأنه إذا لم ينقد الألف كان اخبارا بالفعل فيكون اقرار بموجبه وإذا نقد الألف فقد ضم
صيغة الاخبار للفعل بألف الاستفهام فيخرج من أن يكون اخبارا قال الله تعالى أأنت قلت
الناس اتخذوني وأمي الهين ولم يكن هذا اخبارا عن قوله ذلك لأنه لو كان هذا اخبارا لكان
تبرؤه منه بقوله سبحانك تكذيبا فعرفنا مثل هذا إذا قرن به حرف الاستفهام يخرج من أن
71

يكون اخبارا بخلاف قوله أليس قد أعطيتني وفي الحقيقة لا فرق فان ألف الاستفهام يدل على
نفى ما قرن به فإذا قرن بحرف النفي وهو ليس يدل على نفي ذلك النفي فيكون تقريرا وإذا
قرن بالفعل كان دليلا على نفى ذلك الفعل فلم يكن مقرا بالاعطاء وإذا أقر أن لفلان عليه مائة
درهم أو لا شئ عليه أو قال أو لا فالقول قوله لان أو للتخيير بين أحد المذكورين وقد
دخلت بين نفى الاقرار وإثباته فكان القول قوله لان أو للتخيير في اختيار أيهما شاء ولان
حرف أو إذا دخل بين الشيئين كان مقتضاه اثبات أحد المذكورين بغير عينه وقولنا انه
للتشكيك مجاز فان التشكيك لا يكون مقصودا ليوضع له لفظ ولكن لما كان مقتضاه أحد
المذكورين بغير عينه عبر عنه بالتشكيك مجازا فهنا لما كان عمله في اثبات أحد المذكورين اما
الاقرار وإما لانكار لم يتعين الاقرار فيه وكذلك لو قال غصبتك عشرة دراهم أو لم أغصبك
وكذلك لو قال أودعتني عشرة دراهم أو لم تودعني لم يلزمه شئ لما قلنا وكذلك لو قال علي
عشرة دراهم أو على فلان قال مقتضى كلامه أن المال على أحدهما بغير عينه فلا يكون به
ملتزما للمال عينا وما لم يكن كلامه التزاما لا يكون اقرارا وكذلك لو كان فلان ذلك عبدا أو
صبيا أو حريا أو مكاتبا لان لهؤلاء ذمة صالحة لالتزام الدين فادخاله حرف أو بين نفسه
وبينه فيه يقتضى أحدهما بغير عينه وكذلك لو قال غصبتك أنا أو فلان وكذلك لو قال لك
علي عشرة دراهم أو قال علي هذا الحائط أو الحمار لزمه المال في قول أبي حنيفة رحمه الله
ولا يلزمه في قولهما وهو نظير اختلافهم في مسألة كتاب العتاق إذا جمع بين عبده وحائط
أو بين حي وميت وقال أحد كما حر على سبيل الابتداء في هذه المسألة هما يقولان عمل
حرف أو في شيئين ضم المذكور عليه آخر إليه ونفى الالتزام على نفسه عينا وهنا إعماله في
أحدهما ممكن وهو نفيه الالتزام عن نفسه فكان عاملا في ذلك بمنزلة قوله أوليس لك على
شئ وأبو حنيفة رحمه الله يقول قوله لك على التزام تام وإنما ينعدم معنى الالتزام بالتردد
بينه وبين المذكور آخر وإنما يحصل هذا التردد إذا كان المذكور آخر محلا لالتزام المال
فإذا لم يكن محلا لذلك كان ذكره في معنى الالتزام لغوا يبقى هو ملتزما المال بأول كلامه
عينا وهو نظير ما لو قال أوصى بثلث ماله لفلان وفلان وأحدهما ميت كان الثلث كله للحي
ولو قال لفلان على عشرة دراهم أو لفلان آخر علي دينار لم يلزمه شئ لأنه ذكر حرف أو
بين شيئين أو شخصين أقر لهما فمنع ذلك تعين أحد المالين أو تعين أحد الشريكين مقرا له
72

فلا يكون هو بهذا الكلام ملتزما شيئا وكذلك قوله لك على عشرة دراهم أو لفلان
على دينار ولو قال لك على عشرة دراهم أو على عبدي فلان فإن لم يكن على العبد دين فالمال لازم
والخيار إليه ان شاء عين ذمته وان شاء عبده لأنه هو الملتزم لما في ذمته أو كسب عبده
وهو ملكه وإن كان على عبده دين يحيط بقيمته لم يلزمه شئ لان كسب عبده وماليته حق
غرمائه فكان بمنزلة ما لو ذكر غريم العبد مع نفسه في الاقرار وأدخل حرف أو بينهما فان
سقط دين العبد بسبب من الأسباب وهو عبد على حاله لم يلزمه حكم اقراره لأنه جعل عند
سقوط الدين عن العبد كالمجدد لإقراره والله أعلم بالصواب
* (باب الاقرار بقبض شئ من ملك انسان والاستثناء في الاقرار) *
(قال رحمه الله) وإذا أقر انه قبض من بيت فلان مائة درهم ثم قال هي لي أو قال هي لفلان
آخر تلزمه لصاحب البيت لان ما في بيت فلان في يده فان أصل البيت في يده ويده الثابتة
علي مكان تكون ثابتة على ما فيه (ألا ترى) أنه لو نازعه انسان في شئ من متاع بيته أو في
زوجته وهي في بيته كان القول قوله باعتبار يده ويترجح بالبينة في الزوجة فاقراره بالقبض
من بيته بمنزلة الاقرار بالقبض من يده فعليه أن يرده ما لم يثبت لنفسه حقا بالبينة ولا قول له
فيما أقر به لغيره بعد أن صار مستحقا لصاحب البيت فان زعم أنه لآخر وانه قبضه منه ضمن
له مثله لان اقراره صحيح وقبضه مال الغير موجب للضمان عليه ما لم يرده بمنزلة قوله غصبته
منه أو أخذته وقال الشافعي رحمه الله اقراره بالقبض من الغير لا يكون موجبا للضمان بخلاف
اقراره بالأخذ والغصب لان لفظ الاخذ يطلق على قبض بغير حق ولفظ القبض يطلق على
قبض بحق كقبض المبيع ونحوه وهذا ليس بصحيح فان لفظ الاخذ قد يطلق على ما يكون
بحق قال الله تعالى فخذها بقوة وقال الله تعالى فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين ومع ذلك
كان الاقرار به موجبا للضمان عليه فكذلك في لفظة القبض وكذلك لو قال قبضت من
صندوق فلان ألف درهم أو من كيس فلان أو من سقط فلان ثوبا أو من قرية فلان كر
حنطة أو من نخل فلان كر تمر أو من زرع فلان كر حنطة فهذا كله اقرار بالقبض من يده
أو جعل المقبوض جزأ من ملكه فيكون مقرا بالملك وكذلك لو قال قبضت من أرض فلان
عدل زطي فإنه يقضى بالزطي لصاحب الأرض لان ما في أرضه في يده ثم المقر بما بين يدعى
73

لنفسه يدا في أرضه ولم يعرف سبب ذلك فلا يثبت بمجرد دعواه وإذا لم يثبت ما ادعى بقي
اقراره بالقبض من يده فعليه رده وعلى هذا لو قال أخذت من دار فلا مائة درهم ثم قال
كنت فيها ساكنا أو كانت معي بإجارة لم يصدق لأنه مدع فيما ذكره من سبب ثبوت يده
في الدار فلا يصدق في ذلك الا بحجة فان جاء بالبينة أنها كانت في يده بإجارة وانه نزل أرض
فلان أبرأته من ذلك لأنه أثبت سبب ثبوت يده في المكان بالحجة ولان الثابت بالبينة كالثابت
بالمعاينة فلو علم كون الدار في يده بإجارة أو كونه نازلا في أرض وعايناه انه أخلاها متاعا كان
ذلك القول قوله في أن هذا ملكه فكذلك إذا أثبت بالبينة دارا في يد رجل فأقر انها لفلان
الا بيتا معلوما فإنه لي فهو علي ما قال لان الكلام إذا قرن به الاستثناء يصير عبارة عما وراء
المستثنى فكأنه قال هذه الدار ما سوى هذا البيت من الدار لفلان وهذا لان اسم الدار يتناول
ما فيها من البيوت والمستثنى إذا كان مما يتناوله لفظه كان استثناؤه صحيحا لان عمل الاستثناء في
اخراج ما يتناوله لولاه لكان الكلام متناولا له وكذلك لو قال الا ثلثها لي أو قال الا تسعة
أعشارها لما بينا أن الاستثناء صحيح إذا كان يبقى بعد المستثنى شئ قل ذلك أو كثر. ولو
قال الدار لفلان وهذا البيت لي كانت كلها لفلان لان قوله وهذا البيت لي دعوى وليس
باستثناء فان الواو للعطف ولا يعطف المستثنى علي المستثنى منه فصار جميع الدار مستحقا للمقر
له باقراره وكان المقر مدعيا بيتا في دار غيره فلا يصدق الا بحجة وكذلك لو قال الدار
لفلان ولكن هذا البيت لي أو قال الدار لفلان وبناؤها لي أو الأرض لفلان ونخلها لي أو
النخل بأصولها لفلان لي لا يصدق في شئ من ذلك الا بحجة لان البناء تبع للأصل
والنخل تبع للأرض والثمر يملك بملك الأصل فكان هو في آخر كلامه مدعيا لنفسه شيأ من
ملك الغير فلا يستحقه الا بحجة. ولو قال هذه الدار لفلان الا بناؤها فإنه لي لم يصدق أيضا
على البناء والبناء تابع وليس هذا باستثناء ومعنى هذا الكلام أن اسم الدار لا يتناول البناء
مفصولا فان اسم الدار لما أدير عليه الحائط من البقعة والبناء يدخل فيه تبعا والاستثناء إنما
يكون مما تناوله الكلام نصا لأنه اخراج ما لولاه لكان الكلام متناولا له فان الاستثناء
يصرف في جميع الكلام يجعله عبارة عما وراء المستثنى فما لم يتناوله الكلام نصا لا يتحقق فيه
عمل الاستثناء فهذا معنى قوله وليس هذا باستثناء وهذا لان المعنى الذي لأجله كان يدخل
البناء لولا هذا الاستثناء لا ينعدم بهذا الاستثناء فان معنى كونه تبعا للأصل أن هذه التبعة قائمة
74

بعد الاستثناء وعلى قول الشافعي رحمه الله هذا الاستثناء صحيح بناء على أصله في أن عمل
الاستثناء في منع ثبوت الحكم في المستثنى فدليل المعارضة بمنزلة التخصيص في العموم وهذا
يتحقق فيما يدخل في الحكم تبعا كما يتحقق فيما يتناوله اللفظ قصدا وبيانه يأتي في باب الاستثناء
إن شاء الله تعالى. وعلى هذا لو قال هذا البستان لفلان الا نخلة بغير أصلها فإنها لي أو قال هذه
الحلية لفلان الا بطانتها فإنها لي أو قال هذا السيف لفلان الا حليته فإنها لي أو هذا الخاتم لفلان
الا فصه فإنه لي أو هذه الحلقة لفلان الا فصها فإنه لي ففي هذا كله ما جعله مستثنى لم يتناوله
الكلام نصا وإنما كان دخوله تبعا فلا يعمل استثناؤه وإن كان موصولا بل هو والدعوى
المبتدأة سواء فلا يستحقه الا بحجة. ولو قال هذه الدار لفلان ثم قال بعد ذلك لا بل لفلان
فهي للأول وليس للاخر شئ لأنه رجع عن الاقرار به للأول وأقام الثاني مقامه في الاقرار
ورجوعه عن الاقرار باطل. وكذلك لو قال الدار لفلان ثم قال بعد ذلك له ولفلان أولى ولفلان
فالدار كلها للأول ورجوعه عن بعض ما أقر به للأول باطل كما في جميعه وان قال ابتداء انها
لفلان ولفلان فوصل المنطق فهو بينهما نصفين لأنه عطف الثاني على الأول والعطف للاشتراك بين
المعطوف والمعطوف عليه في الخبر وفى آخر كلامه ما يغاير موجب أوله فيتوقف أوله علي آخره
وصار كقوله هي لهما فان وصل ذلك فقال لفلان الثلثان ولفلان الثلث فهو كما قال لان مقتضى
أول كلامه المناصفة بينهما علي احتمال التفاوت فكان آخر كلامه بيانا مغايرا وذلك صحيح
منه موصولا وإذا ولدت الجارية في يد رجل ثم قال الجارية لفلان والولد لي فهو كما قال
لأنه لو سكت على ذكر الولد لم يستحقه المقر له فكذلك إذا نص المقر على أن الولد له بخلاف
ما سبق من البناء وهذا لان الولد بعد الانفصال ليس تبعا للأم بخلاف النخل والبناء فإنه تبع
للأرض ثم فرق بين الاقرار والبينة بأنه لو أقام رجل البينة أن الجارية له به استحق ولدها
معها والفرق ان الاستحقاق بالبينة يوجب الملك للمستحق من الأصل (ألا ترى) أن الباعة
يرجع بعضهم على البعض باليمين فيتبين ان الولد انفصل من ملكه فكان مملوكا له فأما
الاستحقاق بالاقرار فلا يوجب الملك للمقر له من الأصل حتى لا يرجع الباعة بعضهم على بعض
باليمين ولكن استحقاق الملك له مقصور على الحال ولهذا جعل الاقرار كالايجاب في بعض الأحكام
فلا يتبين به انفصال الولد من ملكه فلهذا لا يستحقه وللشافعي رحمه الله في الفصلين
قولان في قول يستحق الولد فيهما وفي قول لا يستحق الولد فيهما وعلى القولين لا يفصل
75

بين البينة والاقرار وعلي هذا ولد سائر الحيوانات والثمار المجدودة من الأشجار. ولو كان في
يده صندوق فيه متاع فقال الصندوق لفلان والمتاع الذي فيه لي أو قال هذه الدار لفلان وما
فيها من المتاع لي فالقول قوله لأنه لو لم يذكر فيه كأن لا يستحقه المقر له فكذلك إذا ذكره
لنفسه نصا وهذا لان ما في الصندوق ليس بتبع للصندوق فالصندوق وعاء لما فيه والموعى
لا يكون تبعا للوعاء وكذلك المتاع يكون في الدار ليس بتبع للدار ولو قال بناء هذه الدار
لي وأرضها لفلان كانت الأرض والبناء لفلان لان أول كلامه وهو قوله هذه الدار لي غير
معتبر فإنه قد كان له ذلك قبل أن يذكره ففي قوله وأرضها لفلان اقرار بالأصل والاقرار
بالأصل يوجب ثبوت حق المقر له في البيع كما لو قال أرض هذه الدار لفلان لاستحق الأرض
والبناء جميعا ولو قال البناء لفلان والأرض للاخر كان البناء للأول والأرض للثاني كما أقر به
لان أول كلامه هنا اقرار معتبر بالبناء للأول فهب أن آخر كلامه اقرار بالأرض والبناء
ولكن اقراره فيما صار مستحقا لغيره لا يصح فان للثاني الأرض خاصة فأما في الأول فآخر
كلامه بالاقرار بالأرض والبناء وهما جميعا ملكه (توضيح الفرق) ان البناء لما صار للمقر له الأول
خرج من أن يكون تبعا للأرض فاقراره بالأرض للثاني بعد ذلك لا يتعدى إلى البناء وفي
الأول البناء باق على ملكه فكان تبعا للأرض فاقراره بالأرض يثبت الحق للمقر له في البناء
والأرض معا ولو قال غصبت هذا العبد من فلأن لا بل من فلان فالعبد للأول لان رجوعه
عن الاقرار باطل والثاني قيمته لأنه أقام الاقرار للثاني بالغصب فيه مقام الاقرار للأول وذلك
منه صحيح في حق نفسه فإذا صار مقرا بالغصب من الثاني وتعذر رده عليه ضمن له قيمته
سواء دفعه إلى الأول بقضاء أو بغير قضاء قال وكذب الوديعة والعارية وهو قول محمد رحمه الله
فأما عند أبي يوسف رحمه الله في الوديعة والعارية ان دفع إلي الأول بقضاء القاضي لم
يضمن للثاني شيئا وان دفع بغير قضاء فهو ضامن للثاني (وبيانه) إذا قال هذه الألف بعينها
وديعة عندي لفلان ثم قال مفصولا أو موصولا لا بل هي وديعة لفلان أو دعها فلان فالألف
للأول وان دفعها إليه بغير قضاء قاض ضمن للثاني مثلها لان اقراره حجة عليه وقد أقر أنه
صار متلفا لها على الثاني بالاقرار والدفع إلى الأول فهو والغصب سواء وان دفعها بقضاء
القاضي لم يضمن للثاني شيئا عند أبي يوسف رحمه الله لأنه بمجرد اقراره لم يتلف على الثاني
شيئا والدفع حصل بقضاء القاضي فلا يوجب الضمان عليه كما لو قال هذه الألف لفلان
76

لا بل لفلان ودفع إلى الأول بقضاء قاض لم يضمن للثاني شيئا وعند محمد رحمه الله يقول
المودع ملتزم حفظ الوديعة للمودع وقد صار بالاقرار للأول تاركا ما التزمه من الحفظ
للثاني بزعمه فيكون ضامنا له كما لو دل سارقا علي السرقة وهذا بخلاف الاقرار بالمال مطلقا لان
هناك لم يلتزم الحفظ للثاني ولكنه شاهد بالملك للثاني علي الأول والشاهد إذا ردت شهادته لم
يضمن شيئا ولو قال هذا العبد الذي في يدي وديعة لفلان الا نصفه فإنه لفلان كان كما قال
لأنه استثناه بعد ما تناوله الكلام نصا فبقي مقرا للأول بما وراء المستثنى وذلك لا يمنع اقراره
بالمستثنى للثاني (توضيحه) أنه قال الا نصفه فإنه لي كان صحيحا فكذلك إذا قال فإنه لفلان وكذلك
لو قال هذان العبدان لفلان الا هذا فإنه لفلان لان المستثنى بعض ما تناوله الكلام نصا. ولو
قال هذا العبد لفلان المقر له الأول الا الأول فإنه لي لم يقبل قوله ولا يصدق وكانا جميعا
لفلان لأنه متكلم بكلامين أحدهما معطوف على الاخر بحرف الواو ثم استثنى جميع ما
تناوله أحد الكلامين واستثناء الكل باطل لما بينا ان عمل الاستثناء في جعل الكلام عبارة
عما وراء المستثنى فإن كأن لا يبقى وراء المستثنى شئ لم يكن هذا استثناء بل يكون رجوعا
بخلاف الأول فان الاقرار بالعبدين كلام واحد وكان استثناء أحدهما صحيحا ولو قال هذا العبد
لفلان أو أنه لفلان عندي وديعة كان للأول يغرم للثاني قيمته وعلي هذا الخلاف الذي
ذكرنا إذا دفعه إلى الأول بقضاء القاضي ولو قال هذا العبد لفلان وهذا لفلان الا نصفه فإنه
لفلان والا نصف الاخر فإنه لفلان جاز علي ما قال لان الكلام موصول بعضه ببعض وقد
استثني من كل كلام بعضه فكان صحيحا على أن يجعل عبارة عما وراء المستثنى وكذلك هذا
في الحنطة والشعير والذهب والفضة والدار والأرض والله أعلم بالصواب
* (باب الاقرار بالمجهول أو بالشك) *
(قال رحمه الله) أقر أن لفلان عنده وديعة ولم يبين ما هي فما أقر به من شئ فهو مصدق
فيه وقد تقدم نظيره في الغصب ففي الوديعة أولى لان المودع أمين فيكون مقبول القول
فيما بين بعد أن يكون ما بين سببا يقصد به الايداع وان ادعى المقر له شيئا آخر فعلى المقر
اليمين لانكاره ما ادعاه وكذلك لو أقر بثبوت وديعة وجاء به معيبا وأقر أنه حدث به عنده
هذا العيب فلا ضمان عليه في ذلك لأنه لو هلك في يده لم يضمن شيئا وإذا أنكر صاحبه
77

أن يكون استودعه فالجواب كذلك لان ما في يده لم يقر علي نفسه بالسبب الموجب للضمان
عليه وإنما أقر بأنه وديعة في يده فصاحبه يدعى عليه السبب الموجب للضمان وهو الاخذ
بغير رضاه وذو اليد منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه قال (ألا ترى) انه لو قال وضعت
خاتمك في يدي فضاع كان القول قوله لأنه لم يضف إلى نفسه في ذلك فعلا يضمن به وإنما أراد
بهذه الإشارة إلى الفرق بين هذا وبين ما لو قال أخذته منك وديعة فان هناك إذا أنكر صاحب
الايداع كان المودع ضامنا لإقراره بالفعل الموجب للضمان عليه وهو الاخذ فأما هنا فقد أضاف
الفعل إلى صاحبه بقوله أودعني أو وضعه في يدي ولو كانت الوديعة ثوبا فلبسه المودع أو دابة
فركبها ثم قال هلكت بعد أن نزلت عنها وكذبه صاحبه فهو ضامن لأنه أقر بالسبب الموجب
للضمان وهو اللبس والركوب في ملك الغير ثم ادعى ما يبرئه عن الضمان فلا يقبل قوله إلا أن
يقيم البينة على ما ادعي وكذلك لو قال ركبتها باذن المودع وأنكر المودع الاذن فهو
ضامن إلا أن يقيم البينة على الاذن لإقراره بالفعل الموجب للضمان عليه وكذلك لو دفعها
إلى غير صاحبها ثم أقر انه دفعها باذنه فهو ضامن إلا أن يقيم البينة على ذلك وعلى صاحبها
اليمين في ذلك كله لدعوى الرضا والاذن عليه وهو مسقط للضمان عنه ولو أقر به. ولو قال
لفلان على ألف درهم أو لفلان على ألف درهم ولفلان مائة دينار أو لفلان فالألف للأول
لأنه أقر له بها عينا حين لم يقرن به حرف التخيير وذكر حرف التخيير بين الآخرين في مائة
دينار فيكون الجواب في حقهما مثل الجواب في المسألة الأولى من حكم الاصطلاح
والاستخلاف ولو قال لفلان علي مائة دينار ولفلان علي كر حنطة أو لفلان كر شعير والمائة
الدينار للأول ثابتة لأنه أقر له بها عينا ولا شئ للآخرين لأنه ما عين في الاقرار لواحد منها شيأ
حين أدخل بينهما حرف أو وقد بينا أن حرف أو يمنع عينا في حق من اقترن به ولكن لكل
واحد منهما أن يحلفه على ما يدعيه عليه كأنه لم يقر لهما بشئ ولو قال له لك على مائة درهم
ولفلان أو لفلان فللأول نصف المائة والنصف الباقي يحلف لكل واحد من الآخرين عليه
إلا أن يصطلحا علي شئ فيكون بينهما فإنه عطف أحد الآخرين علي الأول فيما هو موجب
حرف أو فكأنه قال لفلان على مائة درهم ولا حد هذين الآخرين فنصف المائة للأول لأنه
لا يزاحمه من الآخرين الا أحدهما والنصف الآخر متردد بين الآخرين والمستحق منهما غير معين
والحكم فيه الاصطلاح أو الاستحلاف وان قال لفلان قبلي مائة درهم أو لفلان وفلان
78

فالنصف للثالث والنصف الباقي بين الأولين كما بينا في المسألة الأولى بين الآخرين لأنه عين
الاقرار للثالث هنا حين لم يقرن به حرف أو أثبت المزاحمة لاحد هذين ولهذا على مائة
درهم فنصف المائة للثالث وفي النصف الآخر حكم الاصطلاح بين الأولين أو الاستحلاف
قال وقوله على وقبلي دين وقوله عندي وديعة وقوله من ملكي وديعة وقوله في ملكي أو في
مالي شركة لان كل لفظ محمول على ما هو المتعارف بين الناس في مخاطباتهم وقد بينا هذا وان
قال لفلان على مائة درهم والا فلفلان ففي قول أبى يوسف رحمه الله هذا مثل قوله لفلان أو
لفلان وفي قول محمد رحمه الله الألف للأول ولا شئ للثاني (وجه) قول محمد رحمه الله انه أقر
للأول بالمال عينا وفي حق الثاني علق الاقرار بالشرط فان قوله والا فلفلان يعني إن لم يكن لفلان
على مائة درهم وهذا تعليق بالشرط والاقرار لا يحتمل التعليق بالشرط فيبقى اقراره للأول ملزما
وفي حق الثاني باطلا (ألا ترى) أنه لو قال لفلان على مائة درهم والا فعبدي حر أو فامرأتي
طالق أو فعلى حجة لزمته المائة دون ما سواها لان كلامه الثاني تعليق بشرط عدم وجوب
المال وفي هذا الفصل دليل من وجهين أحدهما أنه لو لم يكن المال واجبا باقراره للأول
لكان يلزمه العتق والطلاق ويلزمه الحج لوجود شرطه والثاني أنه جعل هناك آخر كلامه
تعليقا فلم يؤثر في الاقرار السابق فكذلك هنا وأبو يوسف رحمه الله يقول مثل هذا اللفظ
إنما يذكر عند التردد بين المذكورين علي أن يكون أولى الوجهين في ظنه الأول فان الرجل
يقول هذا القادم زيد والا فعمرو وكل هذا الطعام والا فهذا يكون المراد أحدهما على أن
يكون أولى الوجهين للأول فهنا أيضا يكون بهذا اللفظ مقرا لأحدهما بمنزلة قوله لفلان
أو لفلان وهذا بخلاف قوله والا فعبدي حر أو فعلى حجة فإنه لا مجانسة بين الاقرار وبين
انشاء العتق والتزام الحج حتى يحمل كلامه على معنى التردد فكان آخر كلامه محمولا
علي معنى اليمين ولان العتق والطلاق والحج معلق بالشرط فيمكن تصحيح آخر الكلام تعليقا
فأما الاقرار فلا يحتمل التعليق بالشرط ففي جعلنا إياه شرطا الغاؤه من كل وجه فلهذا جعلناه
بمعنى أو ليكون مقرا لأحدهما بغير عينه. وان قال لفلان على مائة درهم بل لفلان أو لا بل
لفلان فهو سواء ولك واحد منها مائة درهم لان آخر كلامه لاستدراك الغلط بالرجوع
عن الاقرار للأول وإقامة الثاني مقامه في الاقرار له بالمائة والرجوع في حق الأول باطل
والاقرار للثاني بالمائة صحيح. ولو قال لفلان على مائة درهم بل علي حجة لزمته المائة والحجة
79

نفسه بمنزلة المتاع وقول ذي اليد فيما في يده حجة للدفع فان ادعى آخر أنه ابنه فعليه البينة
لأنه يدعى نسب ملك الغير فلا يقبل قوله الا بحجة فان أقام البينة أنه ابنه قضى انه ابن له
لاثباته دعواه بالحجة وجعل حرا لان في الحكم بثبوت النسب حكما بأنه مخلوق من مائه
وماء الحر جزء منه فيكون حراما لم يتصل برحم الأمة وحين لم يسموا أمة في الشهادة لم
يظهر اتصال مائه برحم الأمة فبقي على الحرية فهذه موجبة البينة حرية الولد فلا يعارضها قول
ذي اليد في اثبات رقه. وكذلك لو كان الذي في يديه يدعى أنه ابنه فالمدعى الذي أقام البينة أولى
بالقضاء بالنسب له لان البينة لا يعارضها اليد ولا قول ذي اليد. وكذلك لو كان المدعى ذميا
أو عبدا يثبت النسب منه لاثباته دعواه بالحجة والعبد والذمي من أهل النسب كالحر المسلم فان
أقام ذو اليد البينة انه ابنه وأقام الخارج البينة أنه ابنه قضيت بنسبه الذي اليد لان هذا في معنى
النتاج وقد بينا أن بينة ذي اليد هناك تترجح على بينة الخارج. وكذلك أن أقام كل واحد
منهما البينة؟ أنه ابنه من امرأته هذه قضى بنسبه من ذي اليد ومن امرأته وان جحدت
هي ذلك لان السبب هو الفراش بينهما قائم والحكم متى ظهر عقيب سبب ظاهر يحال به على
ذلك السبب وذلك الفراش بينهما يثبت النسب منهما فمن ضرورة ثبوته من أحدهما بذلك
السبب ثبوته من الاخر فلا ينتفى بجحودها وكذلك لو جحد الأب وادعت الأم. قال ولو كان
الصبي في يد عبد وامرأته الأمة وأقاما البينة أنه ابنهما وأقام آخر من العرب أو من الموالي
أو من أهل الذمة أنه ابنه من امرأته هذه وهي مثله فإنه يقضى بينة الخارجين لان في بينتهما
زيادة اثبات الحرية للولد والبينات للاثبات فتترجح بزيادة الاثبات. قال ولو كان الصبي في يد
رجل فأقام رجل البينة أنه ابنه من امرأته هذه وهما حران وأقام ذو اليد البينة انه ابنه ولم ينسبوه
إلي أمه فإنه يقضي به للمدعى لزيادة الاثبات في بينته وهو ثبوت النسب من أمه فصارت الزيادة
في اثبات النسب كزيادة اثبات الحرية وكذلك أن كانت الأم هي المدعية فان ثبوت النسب
بالفراش بينهما فيكون أحدهما خصما عن الاخر في لا أثبات ولو أقام الخارج البينة انه ابنه
وشهد شهود ذي على اقراره أنه ابنه قضى به للمدعى لان ثبوت اقرار ذي اليد بالبينة لا
يكون أقوى من سماع القاضي اقراره وذلك يندفع ببينة الخارج ثم أعاد مسألة الرجلين والمرأتين
وقد بيناه (فرع) عليه ما لم وقت كل واحد منهما وقتا قال ينظر إلى سن الصبي فإن كان مشكلا
فهو وما لم يوقتا سواء يقض به لهما وإن كان مشكلا في أحدهما وهو أكبر سنا من الاخر أو أصغر
80

معروف قضيت به للمشكل لان علامة الكذب ظهرت في شهادة الآخرين ولم تظهر في
شهادة هؤلاء لكونه محتملا للوقت الذي وقتوه قال ولو كان الصبي في يد رجل فأقامت
امرأة شاهدين انه ابنها قضيت بالنسب منها لاثباتها الدعوى بالحجة وإن كان ذو اليد يدعيه
لم يقض له به لان مجرد الدعوى لا يعارض البينة فان (قيل) لا منافاة بين ثبوته منه ومنها
(قلنا) نعم ولكن لا يمكن اثبات النسب منهما الا بالقضاء بالفراش بينهما ومجرد قوله ليس بحجة
عليها في اثبات الفراش في النكاح بينهما ولو لم تقم المرأة الا امرأة واحدة شهدت انها ولدت
فإن كان ذو اليد يدعى أنه ابنه أو عبده لم يقض للمرأة بشئ لان الاستحقاق الثابت باليد لا
يبطل بشهادة المرأة الواحدة فإنها ليست بحجة في ابطال حق ثابت للغير وإن كان الذي في يديه
لا يدعيه فانى اقضي به للمرأة بشهادة امرأة واحدة وهذا استحسان وفي القياس لا يقضى لان
اليد في اللقيط مستحق لذي اليد حتى لو أراد غيره ان ينزعه من يده لم يملك فلا يبطل ذلك
بشهادة امرأة واحدة وفي الاستحسان تمحض هذا منفعة للولد في اثبات نسبه وحريته وليس
فيه ابطال حق لذي اليد لأنه لا يدعى في الولد شيئا إنما يده فيه مصيانة عن ضياعه فلهذا أثبتنا
النسب منها بشهادة القابلة. قال عبد في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده ولد في ملكه وانه
أعتقه وأقام ذو اليد البينة أنه عبده ولد في ملكه فانى أقضى به للذي أعتقه لان في هذه البينة زيادة
الحرية فلو رجحنا بينة ذي اليد جعلناه مملوكا له وكيف يجعل مملوكا وقد قامت البينة على الحرية
ولو كان المدعى دبره أو كاتبه لم يستحق بهذا شيأ أما في الكتابة لا اشكال لأنه عقد محتمل
للفسخ كالبيع والإجارة فكأنه أقام البينة علي تصرفه فيه ببيع أو إجارة فلا يترجح به وأما
في التدبير فقد أعاد المسألة في آخر الكتاب وجعله كالعتق ففيه روايتان * وجه تلك الرواية أن
بالتدبير يثبت له حق عتق لا يحتمل الفسخ فكان معتبرا بحقيقة العتق لأنه يثبت الولاء على
العبد ببينته في الموضعين جميعا وإذا كان الولاء هو المقصود والملك بيع فتترجح بينة الخارج
لهذا وجه هذه الرواية أن التدبير لا يخرجه من أن يكون مملوكا كالكتابة فكان الملك هو
المقصود بالاثبات لكونه قائما فتترجح بينة ذي اليد لاثبات الولادة في ملكه بخلاف العتق
فان الملك لا يبقى بعد العتق فيكون المقصود هناك اثبات الولاء ولو أقام الخارج البينة انه ابنه
ولد في ملكه وأقام ذو اليد البينة انه عبده ولد في ملكه قضى به للمدعي لان في بينته اثبات
الحرية فان المولود من أمته في ملكه حر الأصل وإذا كان يترجح عنده اثبات حرية العتق
81

براءة الكفيل على كل حال وكذلك براءة الكفيل بالاستيفاء منه توجب براءة الأصيل
فكان في هذا الاقرار منفعة الوارث ببراءة ذمته. وكذلك لو أقر بالقبض من أجنبي تطوع
به عن الوارث أو أقر بحوالة أجنبي عن الوارث فهذا باطل لتضمنه الاقرار ببراءة الوارث
وإن كان قبض المال من الوارث أوم من أدى عنه بمعاينة الشهود جاز لانتفاء التهمة عن القبض
المعاين وإنما فارق المريض الصحيح لعدم تمكن الصحة في تصرف المريض وفيما لا تهمة فيه
المريض كالصحيح. ولو وكل رجل رجلا ببيع عبده فباعه من ابن الامر ثم مرض الآمر
فأقر بقبض الثمن منه أو أقر الوكيل بقبضه ودفعه إلى المريض لم يصدق في ذلك لما في
هذا الاقرار من منفعة الوارث ببراءة ذمته عن اليمين. فان قيل أليس أن الوكيل بمنزلة العاقد
لنفسه وهو صحيح * قلنا في حقوق العقد نعم فاما في الواجب من اليمين فلا حق له بل هو للموكل
وفي هذا الاقرار إذا صح سلامة اليمين للوارث وسقوط مزاحمة سائر الورثة عنه فلهذا
لا يصدق الوكيل على ذلك فإن كان المريض هو الوكيل صدق وان جحد الامر ذلك لان
المشترى أجنبي من الوكيل واقرار المريض باستيفاء دين واجب له على أجنبي صحيح فلان
يصح اقراره باستيفاء دين واجب لغيره كان أولى وحال مرض الوكيل في هذا الدين كحال
صحته لأنه تصرف ليس مع وارثه ولا في محل فيه حق غرمائه أو ورثته وإن كان المشترى
وارثا للوكيل والامر وهما مريضان لم يصدق الوكيل علي ذلك لان مجرد مرض الامر يمنع
صحة هذا الاقرار فمرضهما أولى وإن كان المشترى وارثا للوكيل دون الامر فان أقر
الوكيل انه قبضه ودفعه إلى الامر أو هلك المقبوض في يده فهو مصدق على ذلك وان أقر
بقبضه فقط لم يصدق على ذلك لأنه إذا أقر في الدين بالقبض لزمه ضمان المقبوض إذا مات
مقرا به فكان هذا الاقرار منه إنما يبرئ ذمة وارثه ويلزمه المال فهو بمنزلة قبول الحوالة
والكفالة عن وارثه بالمال أو تبرعه بالقضاء عنه واما إذا قال دفعته إلى الامر أو ضاع منى
فليس فيه التزام شئ في ذمته لأنه أمين في المقبوض فالقول قوله ولئن كان فيه منفعة للوارث
فليس في مال تعلق به حق الورثة والمريض في ذلك والصحيح سواء. ولو أن مريضا عليه دين
يحيط بماله أقر بقبض دين له علي أجنبي فإن كان ذلك جائزا إذا كان وجوب الدين في الصحة
لان الغريم استحق براءة ذمته عند اقرار الطالب بالقبض منه فلا يبطل استحقاقه بمرض
الطالب ولان حق الغرماء لا يتعلق في مرضه بالدين وإنما تعلق حقهم بما لا يمكن استيفاء الدين
82

منه واستيفاء الدين من المدين غير ممكن وكان اقراره باستيفاء ما لم يتعلق به حق غرمائه في
المرض والصحة سواء بخلاف ما إذا كان الدين علي الوارث لان بطلان اقراره هناك لحق
الوارث وحقهم يتعلق بالدين والعين فإن كان الغريم أخا له وله ابن فمات الابن قبل الأب حتى
صار الأخ من ورثته لم يجز اقراره بقبض الدين منه وقد بينا هذه الفصول في اقراره بالدين
لمن لم يكن وارثا ثم صار وارثا بسبب قائم وقت الاقرار فصار غير وارث فكذلك هذه الفصول
في الاقرار بالاستيفاء ان أقر بالدين إذا الاقرار بالاستيفاء بالدين على ما بينا. ولو خلع امرأته في
مرضه على جعل وانقضت عدتها فأقر باستيفائه منها وليس عليه دين في الصحة ولا في
المرض كان مصدقا لأنها بانقضاء العدة خرجت من أن تكون وارثة بيقين فاقراره باستيفاء
الدين منها ومن أجنبي آخر سواء واشتراطه انقضاء العدة صحيح لان اقراره قبل العدة
نتمكن فيه تهمة المواضعة فإنها لو لم تساعده على الخلع حتى فارقها لا تخرج عن أن تكون وارثة
فيحتمل انها ساعدته على الخلع ليتضح اقراره باستيفاء الدين منها فلزوال هذه التهمة شرط
انقضاء العدة وكذلك اشتراطه أن لا دين عليه في الصحة لان دين الصحة مقدم علي ما يقر
به في المرض فأما اشتراطه أن لا دين عليه في المرض فسبب معاين صحيح وإن كان المراد
بسبب الاقرار فالمراد في حكم الاختصاص انها إنما تختص بما في ذمتها إذا لم يكن على المقر
دين في مرضه وكذلك لو صالح عن قصاص في مرضه على مال ثم أقر بقبضه وهو على غير
وارثه صدق في ذلك بخلاف ما إذا كان على وارثه لان بالصلح قد انقلب الواجب ما لا ففي
اقراره بقبضه من الوارث اتصال منفعة المالية إليه والمريض لا يملك ذلك في حق وارثه بخلاف
عفوه عن القصاص فان ذلك ليس بمال وإنما يمنع المريض من أن يقر لوارثه بما هو مال وان
أقر العبد التاجر بقبض دين كان له على مولاه فإن لم يكن عليه دين جاز لان كسبه خالص
حق مولاه ولان العبد لا يستوجب على مولاه دينا إذا لم يكن عليه دين فبراءة المولى
لا تكون باقراره وإن كان عليه دين لم يجز اقراره بذلك لان المولى يخلف عبده في كسبه
خلافة الوارث حتى تتعلق سلامته له بشرط الفراغ عن الدين للعبد فيكون اقراره لمولاه
في مرضه إذا مات منه بمنزلة اقرار المورث لوارثه وكما تمكن هناك تهمة إيثاره على سائر
الورثة تمكن هنا تهمة ايثاره مولاه علي غرمائه وكذلك المكاتب إذا أقر بقبض دينه من
مولاه وهو مريض ثم مات وعليه دين والمولى وارثه فاقراره باطل وإن لم يكن عليه دين
83

أثلاثا) ولهذا نظائر وأضداد ومن نظائرها الموصى له بجمع المال وبنصفه عند إجازة الورثة والموصي
له بعين مع الموصى له بنصف ذلك العين إذا لم يكن للميت سواه ومن أضدادها العبد المأذون
المشترك إذا أدانه أحد الموليين مائة وأجنبي مائه ثم بيع بمائة فالقسمة بين المدين والأجنبي
عند أبي حنيفة رحمه الله بطريق العول أثلاثا وعندهما بطريق المنازعة أرباعا وكذلك المدبر
إذا قتل رجلا خطأ وفقأ عين آخر وغرم المولي قيمته لهما وكذلك العبد إذا قتل رجلا عمدا
وآخر خطأ وللمقتول عمدا ابنان فعفا أحدهما ثم دفع العبد بالجنايتين ومما اتفقوا على أن القسمة
فيه بطريق العول التركة بين الورثة والغرماء وضاقت التركة عن ايفاء حقوقهم والموصى له
بالثلث والموصى له بالسدس إذا لم تجز الورثة ومما اتفقوا على أن القسمة فيه بطريق المنازعة
فضولي باع عبد رجل بغير أمره وباع فضولي آخر نصفه فأجاز المولى البيعين فالقسمة بين
المشتريين بطريق المنازعة أرباعا وأصل أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ان قسمة العين متى وجبت
بسبب حق في العين كانت القسمة على طريق العول فالتركة بين الورثة ومتى وجبت بسبب
حق كان في العين كالأصل فالقسمة على طريق المنازعة كما في بيع الفضولي فان حق كل واحد
من المشتريين كان في الثمن يتحول بالشراء إلى المبيع وفي مسألة الدعوى حق كل واحد من
المدعيين في العين فكانت القسمة علي طريق العول لمعنى ان حق كل واحد منهما شائع في العين
فما من جزء منه الا وصاحب القليل مزاحم فيه صاحب الكثير بنصيبه فلهذا كانت القسمة
بطريق العول والأصل عند أبي حنيفة رحمه الله ان كل واحد منهما إذا كان يدلى بسبب
صحيح معلوم فالقسمة على طريق العول كالورثة في التركة وإذا كان يدلى لا بسبب صحيح
ثابت فالقسمة على طريق المنازعة وما لا منازعة فيه لصاحب القليل يسلم لصاحب الكثير في بيع
الفضولين فان بيع كل واحد منهما غير صحيح قبل إجازة المالك وهذا لان المضاربة إنما يصار
إليها عند الضرورة وذلك عند قوة السبب واستواء السببين في صفة الصحة ففي مسألة الدعوى
سبب استحقاق كل واحد منهما الشهادة وهي لا توجب شيئا قبل اتصال القضاء فلم يكن
كل واحد من السببين معلوم الصحة فلهذا كانت القسمة على طريق المنازعة وما قال يبطل
بحق الغرماء في التركة فان قسمة العين بسبب حق كان في الذمة ومع ذلك كانت القسمة
عوليا. قال فإن كان المدعون ثلاثة يدعى أحدهم جميعها والاخر نصفها والاخر ثلثها
وأقاموا البينة فعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله القسمة بطريق العول فتكون أصل المسألة
84

من ستة يضرب مدعي الكل بسهام الدار ستة ومدعي الثلثين بسهام الثلثين أربعة ومدعي النصف
بثلاثة فيقسم الدار بينهم على ثلاثة عشر سهما وعند أبي حنيفة رحمه الله القسمة بطريق
المنازعة ولا منازعة لصاحب النصف والثلثين فيما زاد على الثلثين وصاحب الجميع يدعي ذلك
فيسلم له بلا منازعة وما زاد على النصف إلى تمام الثلثين لا منازعة فيه لصاحب النصف فيكون
بين صاحب الجميع والثلثين نصفين يبقى ستة استوت منازعتهم فيه فكان بينهم أثلاثا فيسلم
لمدعي النصف سدس الدار ولمدعى الثلثين ربع الدار ولمدعي الجميع ما بقي وذلك سبعة أسهم من
اثنى عشر. قال ولو كانت الدار في يد رجلين فادعى أحدهما نصفها والاخر جميعها فالبينة على
مدعى الجميع لان دعوى كل واحد منهما منصرف إلى ما في يده أولا ليكون يده محقة في
حقه وهذا لان حمل أمور المسلمين على الصحة واجب فصاحب النصف لا يدعى شيئا مما في
يد صاحب الجميع وصاحب الجميع يدعى شيئا مما في يد صاحب النصف فعليه اثباته بالبينة فان
أقاما البينة فالدار كلها لصاحب الجميع لأنه ان اجتمع بينة الخارج وبينة ذي اليد فيما في يد
صاحب النصف فبينة الخارج أولى بالقبول. قال ولو كانت الدار في يد ثلاثة نفر فادعى
أحدهم جميعها والاخر ثلثيها والآخر نصفها وأقاموا البينة واستحلف كل واحد منهم ونكل
فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله القسمة على طريق المنازعة بينهم فتكون من أربعة وعشرين
سهما لان في يد كل واحد منهم ثلث الدار ودعوى كل واحد منهم ينصرف إلى ما في يده ثم
فيما فضل في ذلك إلى ما في يد صاحبه لأنه ليس أحدهما بأولى به من الاخر ولا بينة لكل
واحد منهم فيما في يده فأما الثلث الذي في يد صاحب النصف لا بينة له في ذلك وصاحب
الجميع يدعى الجميع وصاحب النصف يدعى الثلثين لأنه يدعى الثلثين ثلث في يده وثلث في
يد صاحبه فيكون دعواه فيما في يد كل واحد منهما نصف الثلث فيسلم نصف هذا الثلث
لصاحب الجميع بلا منازعة والنصف الآخر بينهما نصفان لاستواء منازعتهما فيه فصار هذا
الثلث علي أربعة والثلث الذي في يد صاحب الثلثين صاحب الجميع يدعى جميعه وصاحب
النصف يدعى ربعه لأنه يدعى النصف والثلث في يده فإنما بقي الثلث في يد صاحبه فكان دعواه
في يد كل واحد منهما نصف السدس وذلك ربع ما في يديه فثلاثة أرباع ما في يده سالم
لصاحب الجميع واستوت منازعتهما في الربع فكان بينهما نصفين وما في يد صاحب الجميع
يدعى صاحب الثلثين نصفه وصاحب النصف ربعه وفي المال سعة فيأخذ كل واحد منهما
85

ثم مات المشترى وأحد الغرماء وارثه واكتسب العبد ما لا في مرضه ثم مات فان ماله يقسم
بين غرمائه الثلاثة الباقين كل منهم يضرب بدينه ويضرب الوارث بدينه ولا يضرب الذي
أعتقه بدينه لان الديون كلها واجبة في ذمته لم يقض شئ منها من ثمنه والدين الواجب في
ذمة العبد يقضى من كسبه بعد موته إلا أن دين المشترى قد سقط عنه لأنه ملك رقبته
والمولى لا يستوجب علي عبده دينا وقد كان يحول حقه إلى الثمن الذي قبضه القاضي فلما هلك
ذلك فات محل حقه أصلا فسقط دينه فلهذا لا يضرب في الكسب الذي بعد العتق بشئ
وأما وارث المشترى فهو أجنبي عن العبد فدينه ثابت في ذمته بعد العتق كدين الآخرين
وهو وان صار وارثا للعبد بموت المشترى فإنما صار وارثا بسبب حادث بعد الاقرار وهو
الولاء فلا يبطل ذلك اقراره فلهذا يضرب مع الآخرين بدينه وكذلك أن كان أحد غرماء
الدين أقر لهم وارث العبد لأنه حين أقر له لم يكن وارثه فلا يبطل اقراره له وان صار وارثا بعد
ذلك ولو أن مريضا أقر لابنه بدين وابنه عبد ثم عتق ثم مات الأب وهو وارثه فاقراره
بالدين جائز لان كسب العبد لمولاه فهذا الاقرار حصل من المريض في المعنى للمولى والمولى
أجنبي منه فبان صار العبد من ورثته لا يبطل ذلك الاقرار وهذا هو المعنى في الفصل الأول
أن الدين الواجب على العبد باقراره يتعلق برقبته وكسبه وذلك لمولاه دونه فبان صار المقر
له وارثا له بعد ذلك لا يبطل به الاقرار المتقدم وان وجب قضاء من كسب هو خالص حق
العبد بعد العتق لان هذا حكم يثبت بسبب حادث وهو الاعتاق وقد بينا أن من صار وارثا
بسبب حادث بعد الاقرار لا يبطل الاقرار به بخلاف من ورث بسبب قائم وقت الاقرار
وإن كان العبد تاجرا وعليه دين والمسألة بحالها فالاقرار باطل لان كسب العبد التاجر لا يكون
لمولاه ففي هذا الاقرار منفعة للعبد من حيث إنه يقضى به دينه وقد صار وارثا بسبب كان
قائما وقت الاقرار فلهذا بطل اقراره فأما إذا لم يكن عليه دين فكسبه يكون ملكا لمولاه
ويجعل هذا كالاقرار للمولى ولو أقر المريض لابنه وهو مكاتب ثم مات الأب والابن
مكاتب على حاله فاقراره له جائز لان المكاتب ليس من جملة الورثة فإنما كان مقرا بهذا الدين
لأجنبي وان عتق المكاتب قبل موت الأب لم يجز اقراره له لأنه صار وارثا بسبب كان قائما
وقت الاقرار وكسبه بعد العتق له فكان هذا الاقرار موجبا ايصال النفع إلى وارثه فلهذا
لم يصح. ولو أقر المكاتب في مرضه لابنه الحر بدين ثم مات مكاتبا ولم يترك وفاء أو ترك
86

وفاء بالدين دون المكاتبة فالاقرار جائز لأنه مات عبدا عاجزا فلا يكون ابنه من ورثته
فكان الاقرار له كالاقرار للأجنبي وهذا لان الدين مقدم على المكاتبة لأنه أقوى (ألا ترى)
أنه لا يملك اسقاطه عن نفسه بخلاف بدل الكتابة فإذا كان الدين مقدما فهو لم يترك وفاء
ببدل الكتابة وان ترك وفاء بذلك كله كان اقراره بالدين باطلا لأنه يؤدى كتابته ويحكم
بعتقه مستندا إلى حال حياته فيكون ابنه من ورثته وموجب اقراره قضاء الدين من كسبه
وكسبه حقه فإذا حصل اقراره لمن يرثه بسبب قائم وقت الاقرار كان الاقرار باطلا والله أعلم بالصواب
* (باب الاستثناء) *
(قال رحمه الله) وإذا أقر الرجل أن لفلان عليه ألف درهم الا تسعمائة وخمسين درهما
فاستثناؤه جائز وعليه خمسون لأنه عطف الخمسين على التسعمائة وحكم المعطوف حكم المعطوف
عليه فإذا كان المعطوف عليه مستثنى فكذلك المعطوف وقد بينا أن الاستثناء صحيح إذا كان يبقى
ما وراء المستثنى شئ فجعل الكلام عبارة عنه قل ذلك أو كثر والباقي وراء المستثنى فكان
مقرا بها بهذه العبارة بخلاف ما لو قال الا ألف درهم فإنه لا يبقى وراء المستثنى شئ مما تناوله
كلامه ليصير الكلام عبارة عنه فيكون هذا رجوعا عن الاقرار لا استثناء والرجوع باطل
وإن كان موصولا لأنه إنما يصلح موصولا ما يكون فيه معنى البيان لأول كلامه والابطال
ليس من البيان في شئ فلم يصح وإن كان موصولا ولو قال له على ألف درهم الا دينارا
فالاستثناء جائز ويطرح من الألف قيمة الدينار وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله وأبى يوسف
استحسانا وفي القياس لا يصح هذا الاستثناء وهو قول محمد وزفر رحمهما الله وكذلك لو
قال الا فلسا أو كر حنطة أو استثني شيئا مما يكال أو يوزن أو يعد عدا فهو على هذا الخلاف
فأما إذا قال الا شاة أو ثوبا أو عرضا من العروض فالاستثناء باطل عندنا وقال الشافعي رحمه الله
صحيح ويطرح عنه بقدر قيمة المستثنى أما الكلام مع الشافعي رحمه الله بناء على الاختلاف
في موجب الاستثناء فعنده موجب الاستثناء امتناع ثبوت الحكم في المستثنى لقيام الدليل
المعارض بمنزلة دليل الخصوص في العموم فإذا قال لفلان على عشرة الا درهم يصير كأنه قال
الا درهم فإنه ليس على فلا يلزم؟ الدرهم للدليل المعارض لأول كلامه لأنه يصير كالاستثناء
87

الدعوتين القول قول صاحب اليد كما لو تنازعا في دابة لأحدهما عليها حمل كان هو أولى
بها ولان الظاهر شاهد له ولان وضعه الجذوع دليل على أنه بنى الحائط لحاجته إذا وضع حمله
عليه ومثل هذه العلامة تثبت الترجيح كما إذا اختلف الزوجان في متاع البيت يجعل ما
يصلح للرجل للرجل وما يصلح للنساء للمرأة وان كأن لأحدهما عليه هوادى أو بواري لا يستحق
به شيئا لان هذا ليس بجهل مقصود بنى الحائط لأجله فلا يثبت به الترجيح كما لو تنازعا في
دابة ولأحدهما عليه مخلاة علقها لا يسحق به الترجيح بخلاف الجذوع فإنه حمل مقصود يبنى
الحائط لأجله فيثبت له اليد باعتباره وكذلك أن كأن لأحدهما عليه جذوع أو اتصال وللاخر
بواري فهو لصاحب الجذوع والاتصال وان كأن لأحدهما عليه جذوع وللاخر اتصال
فصاحب الجذع أولى ومراده من هذا مداخلة انصاف اللبن بعضها في بعض إذا كان من
أحد الجانبين هذا النوع من الاتصال ببناء أحدهما لان وضع الجذوع استعمال للحائط
والاتصال مجاورة واليد تثبت بالاستعمال دون المجاورة فكان صاحب الجذوع أولى كما لو
تنازعا في دابة وأحدهما راكبها والاخر متعلق بلجامها فالراكب أولى وذكر الطحاوي رحمه
الله أن صاحب الاتصال أولى لان الكل صار في حكم حائط واحد فهذا النوع من الاتصال
في بعضه متفق عليه لأحدهما فيرد المختلف فيه إلى المتفق عليه ولان الظاهر أنه هو الذي
بناه مع حائطه فمداخلة انصاف للبن لا يتصور الا عند بناء لحائطين معا فكان هو أولى. قال
في الكتاب إلا أن يكون اتصال تربيع بيت أو دار فيكون لصاحب الاتصال حينئذ وكان
الكرخي رحمه الله يقول صفة هذا الاتصال أن يكون هذا الحائط المتنازع من الجانبين جميعا
متصلا بحائطين لأحدهما والحائطان متصلان بحائط له مقابلة الحائط المتنازع حتى يصير
مربعا شبه القبة فحينئذ يكون الكل في حكم شئ واحد فصاحب الاتصال أولى والمروى
عن أبي يوسف رحمه الله أن المعتبر اتصال جانبي الحائط المتنازع بحائطين لأحدهما فأما
اتصال الحائطين بحائط أخرى غير معتبر وعليه أكثر مشايخنا رحمهم الله لان الترجيح إنما يقع له
يكون ملكه محيطا بالحائط المتنازع من الجانبين وذلك يتم بالاتصال بجانبي الحائط المتنازع
ولصاحب الجذوع موضع جذوعه لان استحقاق صاحب الاتصال بالظاهر وهو حجة لدفع
الاستحقاق لا للاستحقاق على الغير فلا يستحق به على صاحب الجذوع رفع جذوعه فان
(قيل) لما قضى بالحائط لصاحب الاتصال فينبغي أن يأمر الاخر برفع الجذع لأنه حمل موضوع
88

له في ملك الغير بغير سبب ظاهر لاستحقاقه كما لو تنازعا في دابة ولأحدهما عليها حمل وللاخر
مخلاة يقضى لصاحب الحمل ويؤمر الآخر برفع المخلاة قلنا لان وضع المخلاة علي دابة الغير لا
يكون مستحقا له في الأصل بسبب فكان من ضرورة القضاء بالدابة لصاحب الحمل أمر الآخر
برفع المخلاة فأما هنا فقد يثبت له حق وضع الجذوع على حائط لغيره بأن كان ذلك مشروطا
في أصل القسمة فليس من ضرورة الحكم لصاحب الاتصال استحقاق رفع الجذوع على
الاخر وهذا بخلاف ما لو أقام أحدهما البينة وقضي له به يؤمر الاخر برفع جذوعه لان البينة
حجة للاستحقاق فيستحق صاحبها رفع جذوعه عن ملكه وإن لم يكن متصلا ببناء أحدهما
ولم يكن عليه جذوع فهو بينهما نصفان لاستوائهما فيه في اليد حكما فإنه بكونه بين داريهما
يثبت لكل واحد منهما عليه اليد حكما وان كأن لأحدهما عليه عشر خشبات وللآخر عليه
خشبة واحدة فلكل واحد منهما ما تحت خشبته ولا يكون بينهما نصفان استحسن ذلك في
الخشبة والخشبتين وهكذا ذكر في كتاب الصلح. وقال في كتاب الاقرار الحائط كله
لصاحب عشر خشبات الا موضع الخشبة فإنه لصاحبها وروى بشر عن أبي يوسف عن أبي
حنيفة رحمهم الله ان الحائط بينهما نصفان وهو قول أبى يوسف رحمه الله وهو القياس ووجهه
ان الاستعمال بموضع الخشبة يثبت يد صاحبها عليه فصاحب القليل فيه يستوى بصاحب
الكثير كما لو تنازعا في ثوب عامته في يد أحدهما فطرف منه في يد الآخر كان بينهما نصفين
ووجه رواية كتاب الاقرار لصاحب العشر خشبات عليه حمل مقصود يبنى الحائط لأجله
وليس لصاحب الخشبة الواحدة مثل ذلك ولان الحائط لا يبنى لأجل خشبة واحدة عادة
وإنما ينصب لأجلها أسطوانة فكان صاحب العشر خشبات أولى به كما في الدابة إذا كان
لأحدهما غليها حمل مقصود وللاخر مخلاة يقضى بها لصاحب الحمل إلا أنه لا يرفع خشبة
الآخر لان استحقاق صاحب الخشبات باعتبار الظاهر يستحق به رفع الخشبة على الآخر وأما
وجه رواية كتاب الدعوى ان الاستحقاق باعتبار وضع الخشبة فيثبت لكل واحد منهما
الملك فيما تحت خشبته لوجود سبب الاستحقاق به في ذلك الموضع فأما ما بين الخشبات لم
يذكر في الكتاب انه يقضى به لأيهما لان من أصحابنا رحمهم الله من قال يقضى بالكل بينهما
على احدى عشر سهما عشرة لصاحب الخشبات وسهم لصاحب الخشبة الواحدة اعتبار لما بين
الخشبات بما هو تحت كل خشبة من الحائط وأكبرهم على أنه يقضى به لصاحب العشر
89

رحمهما الله وعليه كر حنطة وقفيز شعير وجه قولهما أن الكلام موصول وفي حق الشعير
إنما استثنى بعض ما أقر به فيكون صحيحا كما لو بدأ باستثناء الشعير فقال الا قفيز شعير
وكر حنطة وأبو يوسف رحمه الله يقول استثناؤه كر حنطة باطل فيكون ذلك لغوا من
الكلام وقد تخلل بين المستثنى والمستثني منه في الشعير ومتى تخلل بين المستثنى والمستثنى منه
كلام لغو كان الاستثناء باطلا لان شرط صحة الاستثناء الوصل والكلام اللغو فاصل بمنزلة
السكوت أو أبلغ منه فان التكلم باللغو اعراض عن الجد وليس في السكوت اعراض وهذا
باطل نظير اختلافهم فيمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثا وثلاثا إن شاء الله أو قال لعبده أنت
حر وحر إن شاء الله وعند أبي حنيفة رحمه الله الاستثناء باطل ويقع الطلاق والعتاق جميعا
لان كلامه الثاني لغو فصار فاصلا وعندهما الاستثناء صحيح لكون الكلام موصولا ظاهرا
ولو قال لفلان على ألف درهم ولفلان مائتا دينار الا ألف درهم كان الاستثناء جائزا من
الدنانير لان المقر له إذا كان مختلفا فالاستثناء من المال الذي وصله به وإنما وصل الاستثناء
بالدنانير هنا واستثناء ألف درهم من مائتي دينار صحيح عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما
الله لأنه استثناء بعض ما تكلم به بطريق المستثنى المعين. ولو قال لفلان ألف درهم استغفر
الله الا مائة درهم كان الاستثناء باطلا لأنه فصل بينه وبين الاقرار بما ليس من جنسه ولا هو
راجع إلى تأكيد الاقرار فكان بمنزلة الفصل بالسكتة وكذلك لو ذكر بين المستثنى والمستثنى
منه تهليلا أو تكبيرا أو تسبيحا لأن هذه كلمة ليست من الاقرار في شئ فيتحقق الفصل بها
كما يتحقق بالسكوت وشرط صحة الاستثناء الوصل. ولو قال لفلان على مائة يا فلان الا
عشرة دراهم كان الاستثناء جائزا لان قوله يا فلان نداء للمخاطب لينبهه فيستمع كلامه
فكان كلامه راجعا إلى تأكيد الاقرار فلا يوجب الفصل بين المستثنى والمستثنى منه بخلاف
ما سبق. ولو قال لفلان على مائة درهم فاشهدوا على بذلك الا عشرة دراهم كان الاستثناء
باطلا لوجهين أحدهما انه أمرهم أن يشهدوا على الف ولا يكون ذلك مع صحة الاستثناء
والثاني أن قوله فاشهدوا على ذلك كلام آخر أعقب الاقرار به بحرف التعقيب وهو الفاء ولو
عطف علي الاقرار بحرف الواو كان فاصلا بين المستثنى والمستثنى منه فكذلك إذا أعقبه به
وهذا لأنه كلام مفيد مفهوم المعنى بنفسه فلا يكون تابعا للكلام الأول بل يصير فاصلا
بخلاف قوله يا فلان فإنه ليس بكلام مفهوم المعنى بنفسه فكان من تتمة المراد بالكلام الأول
90

فلا يوجب الفصل بين المستثنى والمستثنى منه. ولو قال لفلان على ألف درهم الا عشرة
دراهم أقبضتها إياه كانت عليه الألف كلها لان قوله أقبضتها صفة العشرة وقوله الا عشرة
ظاهره استثناء العشرة على أن لا يكون واجبا أصلا ويحتمل أن يكون المراد الاستثناء
على أنها ليست بواجبة في الحال لسقوطها عنه بالقضاء فكان بيانه المذكور بقوله أقبضتها من
محتملات كلامه فيصح منه وإذا صح كان منه دعوى القضاء في العشرة ودعوى القضاء منه
غير مقبول من غير حجة سواء ادعاه في بعض المال أو في كله لان صحة الاستثناء بطريق
أنه يكون عبارة عما وراء المستثنى وذلك لا يتحقق هنا لأنه لا يبقى أصل الوجوب فيما زعم
أنه قضاه من المال وكذلك لو قال الا عشرة دراهم قد أقبضتها إياه لان حرف قد حرف التأكيد
فدعواه القضاء في العشرة مع حرف التأكيد وبدون حرف التأكيد سواء. ولو قال الا عشرة
دراهم وقد أقبضتها إياه كان عليه الألف الا عشرة لان قوله وقد أقبضتها كلام معطوف على
المستثنى فلا يكون للمستثنى إذ ليس بين الوصوف والموصف حرف العطف فيكون هذا
منه دعوى القضاء في أصل المال فيبقى استثناؤه العشرة صحيحا بخلاف الأول فإنه لم يذكر
حرف العطف هناك بين العشرة وذكر القضاء (ألا ترى) انه إذا قال زيد عالم كان صفة
لزيد وإذا قال زيد وعالم لا يكون قوله وعالم صفة لزيد لان الوصف لا يعطف علي الموصوف
ولو قال له على ألف درهم الا درهم أقبضتها إياه كانت عليه ألف درهم لان قوله أقبضتها لا
يمكن أن يجعل صفة للمستثنى فإنه ذكر فيه حرف التأنيث فيكون صفة لما يعبر عنه بعبارة
التأنيث والمستثنى يعبر عنه بعبارة التذكير فعرفنا بهذا ان قوله أقبضتها دعوى القضاء منه في
أصل المال فبقي استثناؤه الدرهم صحيحا * ولو قال له على درهم غير دانق من ثمن بقل قد
أقبضته إياه كان عليه درهم هكذا ذكره في نسخ أبى سليمان رحمه الله لان قوله قد أقبضته
صفة للدانق الذي استثناه فكان هذا منه دعوى القضاء في الدانق لا الاستثناء على الحقيقة
فلزمه درهم وقال في نسخ أبي حفص رحمة الله عليه درهم الا دانق قال الحاكم رحمه الله هذا
أقرب إلى وفاق ما اعتل به في المسألة لا في تعليل المسألة قال لأنه قطع بين الاستثناء وبين
القضاء بكلام فصار القضاء على ألف درهم ومعنى هذا التعليل ان دعوى القضاء إنما يصير
صفة للدانق إذا وصله به وقد تخلل بينهما كلام آخر هنا وهو قوله من ثمن بقل فصار
دعوى القضاء منه على درهم وبهذا التعليل يتبين ان الجواب الصحيح ما ذكره في نسخ أبى
91

به شيئا وليس لصاحب الدار أن يقطع الجذوع لأنها وجدت كذلك ويحتمل أن تكون
حجة لذلك إلا أن تكون نفس الجذوع بحق مستحق لصاحبها فلا يكون لصاحب الدار
أن يقطعها الا بحجة والظاهر لا يصلح حجة كذلك إلا أن تكون جذوعا لا يحمل على مثلها
شيئا إنما هو أطراف جذوع خارجة في داره فحينئذ يكون له أن يقطعها لان عين الجذوع غير
مقصودة بعينها إنما المقصود هو البناء عليها فما لا يبنى على مثله لا يجوز أن يكون مستحقا له في
ملك الغير فكان لصاحب الدار أن يقطعها وما يبنى عليه يجوز أن يكون مستحقا له بسبب فلا
يكون له قطعها ما لم يتبين أنه أحدث نصبها غصبا. قال وإذا كان السفل لرجل والعلو لآخر
فانهدم لم يجبر صاحب السفل علي بناء السفل لأنه ملكه ولا يجبر صاحب الملك علي بناء ملكه
فله حق التدبير في ملك نفسه كانشاء بيع أو بناء بخلاف ما إذا كان صاحب السفل هو الذي
هدمه لأنه صار متعديا بالهدم لما لصاحب العلو في بناء السفل من حق قرار العلو عليه فيجبر
علي بنائه بحقه كالراهن إذا قبل المرهون أو المولى قبل عبده المديون فاما عند الانهدام لم
يوجد من صاحب السفل فعل هو عدوان ولكن لصاحب العلو أن يبنى السفل ثم يبني عليه
العلو لأنه لا يتوصل إلى بناء ملكه الا ببناء السفل فكان له أن يتطرق ببناء السفل ليتوصل
إلى حقه ثم يمنع صاحب السفل من أن يسكن سفله حتى يرد علي صاحبه العلو قيمة البناء لأنه
مضطر إلى بناء السفل ليتوصل إلى منفعة ملكه فلا يكون متبرعا فيه والبناء ملك الثاني فكان
له أن يمنعه من الانتفاع بالبناء حتى يتملكه عليه بأداء القيمة وذكر الخصاف رحمه الله أنه إنما
يرجع على صاحب السفل بما أنفق في بناء السفل ووجهه أنه مأذون في هذا الانفاق شرعا
فيكون كالمأمور به من صاحب السفل لان للشرع عليه ولاية * ووجه هذه الرواية أن البناء
ملكه فيتملكه عليه صاحب السفل بقيمته كثوب الغير إذا انصبغ بصبغ غيره فأراد صاحب
الثوب أن يأخذ ثوبه يعطى صاحب الثوب ما زاد الصبغ في الثوب لان الصبغ ملك صاحب
الصبغ في ثوبه وذكر في الأمالي عن أبي يوسف رحمه الله أن السفل كالمرهون في يد صاحب
العلو ومراده من ذلك منع صاحب السفل من الانتفاع بسفله بمنزلة الرهن. قال ولو كان بيت
بين رجلين أو دار فانهدمت لم يكن لأحدهما أن يجبر صاحبه علي البناء لان تمييز نصيب
أحدهما من نصيب الاخر بقسمة الساحة ممكن فان بناها أحدهما لم يرجع على شريكه بشئ
لأنه غير مضطر في هذا البناء فإنه يتمكن من مطالبة صاحبه بالقسمة ليبنى في نصيب نفسه
92

بخلاف العلو والسفل وكذلك الحائط إن لم يكن عليه جذوع لان أس الحائط محتمل للقسمة
بينهما إلا أن يكون بحيث لا يحتمل القسمة نحو الحائط المبنى بالخشبة فحينئذ يجبر أحدهما على
بنائه وإذا بناه أحدهما مع صاحبه من الانتفاع به حتى يرد عليه قيمة نصيبه كالعبد المشترك إذا
كان عاجزا عن الكسب وامتنع أو حد الشريكين من الانفاق عليه كان لصاحبه أن يجبره علي
ذلك وإن كان على الحائط جذوع لهما فلا حدهما أن يجبر صاحبه على المساعدة معه في بنائه وإن لم
يساعده علي ذلك بناه بنفسه ثم يمنع صاحبه من وضع جذوعه عليه حتى يرد عليه قيمة حصته
من البناء لان لكل واحد منهما حق في نصيب صاحبه من حيث وضع الجذوع عليه وذلك
يبطل بقسمة أس الحائط بينهما فإن كان الجذوع علي الحائط لأحدهما دون الاخر فلصاحب
الجذوع ان يبين الحائط ولا يشاجر صاحبه على المطالبة بقسمة الحائط لان له حق وضع
الجذوع على نصيب صاحبه فإن كان هو الذي يطالب بالقسمة فليس له أن يمتنع من ذلك لان
ترك القسمة كان لحقه وقد رضي هو بسقوط حقه وصار هو في حق الاخر كأنه ليس لواحد
منهما عليه جذوع وكذلك الحمام المشترك إذا انهدم فهو بمنزلة الدار لان قسمة الساحة ممكن
فإذا بناه أحدهما لم يرجع على صاحبه بشئ. قال وإذا كان لرجل باب من داره في دار رجل
فأراد أن يمر في داره من ذلك الباب فمنعه صاحب الدار فصاحب الباب هو المدعى للطريق
في دار الغير فعليه اثباته بالبينة ورب الدار هو المنكر فالقول قوله مع يمينه وبفتح الباب لا
يستحق شيئا لان فتح الباب رفع جزء من الحائط ولو رفع جميع حائطه لا يستحق به في
ملك الغير شيئا فكذلك إذا فتح بابا وقد يكون فتح الباب لدخول الضوء والريح وقد يكون
للاستئناس بالجار والتحدث معه فلا يكون ذلك دليلا على طريق له في الدار فان أقام البينة انه
كان يمر في هذه الدار من هذا الباب لم يستحق بهذه الشهادة شيئا لأنهم شهدوا بيد كانت له
في هذا الطريق فيما مضى وبهذه الشهادة لا يستحق المدعى شيئا (ألا ترى) انا لو لو عايناه مر
فيه مرة لم يستحق به شيئا إلا أن يشهدوا ان له فيها طريقا ثابتا فحينئذ الثابت بالبينة كالثابت
باقرار الخصم والطريق يجوز أن يكون مستحقا له في دار الخار؟ في أصل القسمة أو أوصى
له به فتقبل البينة على اثباته وإن لم يجدوا الطريق ولم يسموا ذرع العرض والطول بعد أن يقولوا
ان له طريقا في هذه الدار من هذا الباب إلى باب الدار فالشهادة مقبولة ومن أصحابنا رحمهم
الله من يقول تأويله إذا شهدوا على اقرار الخصم بذلك فالجهالة لا تمنع صحة الاقرار فأما إذا
93

وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا الاقرار والشهادة كل واحد منهما خبر عن أمر ماض وما
كان ماضيا فليس بمتيقن عنده في الحال لا في حق نفسه ولا في حق غيره لجواز أن يكون
عنده أن الدين واجب عليه وليس بواجب لابراء الطالب إياه واستيفائه منه تبرأ من ماله
أو تبرع أجنبي بالقضاء عنه أو لمفسد يمكن في أصل السبب فيمتنع وجوب المال به وكان
قوله فيما أعلم استثناء لليقين في الفصلين جميعا وعلى هذا الخلاف لو قال له علي ألف درهم في
علمي وان قال قد علمت أن له على ألف درهم فهذا اقرار بالاتفاق وبه يستدل أبو يوسف
رحمه الله والفرق هنا أن حرف قد للتأكيد فقد أكد علمه بما أخر به فكان ذلك منه
تأكيدا لإقراره والشاهد لو قال قد علمت فأنا أشهد عليه بما قد علمت لم يكن ذلك قدحا في
شهادته فكذلك لا يكون قدحا في اقراره. ولو قال له علي ألف درهم فيما أظن أو فيما ظننت
أو فيما أحسب أو فيما حسبت أو فيما أرى أو فيما رأيت فهو كله باطل لأن هذه الألفاظ
إنما تذكر في العادة لبيان سكة فيه واستثناء بقية وفرق بين قوله فيما رأيت أو حسبت وبين
قوله فيما قد علمت لان مطلق العلم يطلق على ما يتيقن به بخلاف الحسبان والظن والرؤية فقد
يتراءى شئ للانسان وإن لم يكن له حقيقة كالظمآن يرى السراب من بعيد فيتراءى انه ماء ولا
حقيقة لذلك. ولو قال له على ألف درهم في شهادة فلان أو في علم فلإن لم يلزمه شئ لأن هذه
اللفظة في العادة إنما تذكر لبيان ان الامر بخلاف ما يشهد به فلان أو يعلمه ويكون
هذه انكارا لا اقرارا بخلاف ما لو قال شهادته أو بعلمه لان الباء للالصاق ولا يتحقق الصاق
بشهادة فلان وعلمه بها أقر به الا بعد وجوبه فكان مقرا بوجوب المال عليه مؤكدا لذلك بعلم
فلان وشهادته وان قال في قوله أو بقوله أو بحسابه أو في حسابه أو في كتابته أو في كتابه
لم يلزمه شئ لان قوله فلأن لا أثر له في وجوب المال ولا حسابه فمقصوده من هذه
الألفاظ بيان أن الامر بخلاف ما يقوله فلان ويحسبه ويكتب به بخلاف الشهادة والعلم فان
الشهادة مما يؤكد بها الواجب والعلم يطلق على ما يتيقن به فلهذا فرق بين هذه الألفاظ ولو
قال بصكه أو في صكه أو في صك ولم يضفه إلى أحد فالمال واجب عليه لان الصك اسم
خالص لما هو وثيقة بالحق الواجب فهذا منه تأكيد لما أقر به من المال (ألا ترى)
أنه لو قال في سجل أو سجله كان المال لازما له وكذلك لو قال في كتاب أو من كتاب
بيني وبينه أو من حساب أو في حساب بيني وبينه فهذا كله اقرار لان مثل هذا اللفظ
94

يذكر لبيان سبب وجوب المال وبيان المحل الذي أثبت فيه وجوب المال عليه فلا يكون
قدحا في اقراره وكذلك لو قال علي صك بألف درهم أو كتاب أو حساب بألف لزمه المال
لان الباء للالصاق ولا يتحقق الصاق الألف بالصك والكتاب والحساب الا بعد
وجوبه. ولو قال له علي ألف درهم من شركة بيني وبينه أو من شركة ما بيني وبينه أو من
تجارة بيني وبينه أو من خلطة لزمه الألف في جميع ذلك لان حرف من للتبعيض ولا يتحقق
كون الألف من الشركة والتجارة والخلطة بينهما الا بعد وجوبها. ولو قال له على ألف درهم
في قضاء فلان وهو قاض أو في فلان الفقيه أو هنا أو في فقهه لم يلزمه شئ لان قوله في
قضاء فلان كقوله في شهادة فلان أو في علم فلان وقد بينا أن المراد من هذا اللفظ بيان
الامر بخلاف ما في علمه فكذلك هنا وقوله شهادة بمنزلة قوله بقول فلأن لان شهادته قوله فان
قال بقضاء فلان وفلان قاض يلزمه المال كقوله بشهادة فلان وبعلمه لأنه ألصق القضاء بالمال
فالمال المقضى به لا يكون الا واجبا وإن لم يكن فلان قاضيا فقال الطالب حاكمته إليه فقضى لي
عليه لزمه المال لان قضاء الحكم في حق الخصمين كقضاء القاضي في حق الناس كافة فكان
قوله بقضائه بيانا لتأكيد المال عليه بهذا السبب وان تصادقا على أنه لم يحاكمه إليه لم يلزمه شئ
لأنه لم ينتصب قاضيا في حقهما قط فلا يكون قضاؤه ملزما إياه شيئا فهذا وقوله يقين فلان
سواء وان قال لفلان على ألف درهم في ذكره أو بذكره لم يلزمه شئ بمنزلة قوله في حسابه
أو بحسابه أو في كتابه أو كتابه لأنه ذكر كتابه وذلك غير ملتزم فكيف يلزم غيره وان
قال لفلان على كر حنطة من سلم أو بسلم أو بسلف أو من سلف لزمه ذلك لا السلف والسلم
عبارتان عن شئ واحد وهذا أخذ العاجل بالأجل فكان هذا منه بيانا لسبب وجوب الكر
عليه وعلى هذا لو قال له على مائة درهم من ثمن بيع أو ببيع أو لبيع أو من قبل بيع أو من
قبل إجارة أو بإجارة أو بكفالة أو لكفالة أو على كفالة لزم المال لان هذا كله بيان وسبب
وجوب المال منه وهو سبب صحيح فيلزمه المال به. ولو قال لفلان علي ألف درهم الا شئ
يلزمه خمسمائة وزيادة بقدر ما بينه لان الجهالة في المستثنى لا تكون أكثر ما يبرأ من الجهالة
في المقر به فكما أن جهالة المقر به لا تمنع صحة الاقرار فكذلك جهالة المستثنى لا تمنع صحة
الاستثناء بل أولى لان المقر به مثبت والمستثنى غير مثبت فإذا صح الاستثناء مع الجهالة
كان ينبغي أن يجعل القول قوله في بيان المستثنى سواء بينه بقدر النصف أو أكثر أو أقل
95

ولكنا تركنا هذا القياس فيه للعادة فان العادة جارية أن المستثنى يكون أقل من النصف
وانه إنما يختار العادة عن الواجب بذكر حمله مع الاستثناء إذا كان المستثنى أقل من الواجب
وتتضح هذه العادة في هذا الفصل فان قوله الا شئ إنما يعبر به عن القليل عادة فهو وقوله
الا قليل سواء فلهذا لزمه خمسمائة وزيادة ولا طريق لنا إلى معرفة تلك الزيادة سوى الرجوع
إلى بيانه بخلاف الا تسعمائة فان هناك نص على بيان قدر المستثنى ولا معنى للعادة مع النص
بخلافه وكذلك لو قال له على زهاء ألف درهم أو عظم ألف درهم أو جل ألف درهم أو قريب
من ألف درهم فهذا وما سبق سواء لأنه وصف الواجب بأنه عظم الألف ولن يتحقق ذلك
الا إذا كان أكثر من النصف وقدر الزيادة على النصف لا طريق لنا إلى معرفته سوى
الرجوع إلى بيانه فان مات المقر كان القول فيما زاد على خمسمائة إلى ورثته لأنهم قائمون
مقامه وقضاء المال من التركة واجب عليهم فلما كان بيانه مقبولا فكذلك بيانهم بعده وكذلك
هذا في الغصب والوديعة وغيرهما وكذلك هذا في المكيل والموزون والثياب وكل شئ
يجوز فيه السلم ولو قال له على ما بين درهم إلى مائتي درهم فتسعة وتسعون درهما في قول أبي حنيفة
رحمه الله وفي قول أبى يوسف رحمه الله ومحمد رحمه الله مائتا درهم وفي قول زفر
رحمة الله عليه مائة وثمانية وتسعون درهما والقياس ما قاله زفر رحمه الله فإنه جعل الدرهم الأول
والاخر حدا ولا يدخل الحد في المحدود كمن يقول لفلان من هذا الحائط إلى هذا الحائط
أو بين هذين الحائطين لا يدخل الحائطان في الاقرار فكذلك هنا لا يدخل الحدان لان
الحد غير المحدود وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قالا هذا كذلك في حد هو قائم بنفسه كما في
المحسوسات فأما فيما ليس بقائم بنفسه فلا لأنه إنما يتحقق كونه حدا إذا كان واجبا فاما ما ليس
بواجب لا يتصور حدا لما هو واجب وأبو حنيفة رحمه الله يقول الأصل ما قاله زفر رحمه الله
أن الحد غير المحدود وما لا يقوم بنفسه ذكرا وإن لم يكن واجبا إلا أن الغاية الأولى لا بد من
ادخالها لان الدرهم الثاني والثالث واجب ولا يتحقق الثاني بدون الأول لان الكلام يستدعى
ابتداء فإذا أخرجنا الأول من أن يكون واجبا صار الثاني هو الابتداء فيخرج هو من أن يكون
واجبا ثم الثالث والرابع هكذا بعده فلأجل هذه الضرورة أدخلنا فيه الغاية الأولى ولا ضرورة
في ادخال الغاية الثانية فأخذ نا فيها بالقياس. ولو قال له على ما بين كر شعير إلى كر حنطة فعليه في
96

قول أبي حنيفة رحمه الله كر شعير وكر حنطة الا قفيز حنطة لان القفيز الاخر من الحنطة
هو الغاية الثانية وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يلزمه الكران. ولو قال له على ما بين عشرة
دراهم إلى عشرة دنانير فعند أبي حنيفة رحمه الله يلزمه الدراهم وتسعة دنانير وعندهما يلزمه
الدراهم وعشرة دنانير وكذلك لو قال له على ما بين عشرة دنانير إلى عشرة دراهم فعليه الدراهم
وتسعة دنانير في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله وقع في بعض نسخ أبى حفص رحمه الله في
هذا الفصل أن عليه عشرة دنانير وتسعة دراهم وهو ظاهر عند أبي حنيفة رحمه الله لان
الغاية الثانية من الدراهم هنا ولكن الأصح هو الأول واليه أشار بعد هذا فقال وكذلك
الكيل والوزن سواء اختلف النوعان أو اتفقا فهو سواء والواحد من الأكثر هو الغاية فهذا
بيان أن ما ينتقص باعتبار الغاية عنده من الأفضل أو آخره لأنه لا يلزمه الا القدر المتيقن
واحدى الغايتين لما صار خارجا وجب الاخذ بالاحتياط فيه وجعل ذلك من الأفضل حتى
لا يلزمه الا المتيقن به وقوله من كذا إلى كذا بمنزلة قوله ما بين كذا وكذا في جميع ما ذكرنا
والله أعلم
* (باب الاقرار بشئ غير مسمى المبلغ) *
(قال رحمه الله) وإذا أقر أن لفلان عليه دراهم ولم يسمها لزمه ثلاثة دراهم لان اقراره
حصل بصيغة الجمع وأدنى الجمع المتيقن دراهم ثلاثة والشافعي رحمه الله قال إنه يلزمه
درهمان بناء علي أصله ان أدنى الجمع المثنى لان في المثنى معنى الاجتماع ولكنا نقول لكلام
العرب مبان ثلاثة الفرد والتثنية والجمع فذلك دليل على أن الجمع غير التثنية ومن حيث المعقول
في المثنى يتعارض الاقرار من الجانبين فلا يترجح فيه أحد الجانبين وفي الثلاثة إنما يعارض
فرض المثنى فيغلب فيه معنى الجمع على معنى المفرد ولم يرد في الكتاب على هذا وذكر ابن
سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله إذا قال له على دراهم مضاعفة لزمه ستة لان أدنى الجمع ثلاثة
وأدنى التضعيف مرة. ولو قال له على دراهم اضعافا مضاعفة يلزمه ثمانية عشر درهما لان اضعاف
لفظه الجمع فيصير تسعة فبالمضاعفة مرة يصير ثمانية عشر وكذلك لو قال مضاعفة اضعافا لان
بالمضاعفة يصير سنة والاضعاف جمع وكذلك لو أقر فقال له على عشرة دراهم واضعافها مضاعفة
يلزمه ثمانون درهما لان قوله واضعافها ثلاثون وهي غير العشرة بحرف العطف فصارت
97

أربعين وبالمضاعفة تصير ثمانين. وان قال له على دراهم كثيرة لزمه عشرة في قول أبي حنيفة
رحمه الله لان أكثر ما يتناول هذا اللفظ مقرونا بالعد عشرة فقال عشرة دراهم ثم قال بعده
أحد عشر درهما وعندهما يلزمه مائتا درهم لان الكثير من الدراهم ما يحصل به الغنى لصاحبه
وهو النصاب الذي تجب فيه الزكاة وأبو حنيفة رحمه الله يبنى الجواب على اللفظ وهما على
المعنى المقصود باللفظ. وكذلك لو قال له علي دنانير كثيرة فعليه عشرة دنانير عند أبي
حنيفة رحمه الله وعندهما عشرون دينارا باعتبار نصاب الزكاة ولو قال له على كذا كذا درهما
يلزمه أحد عشر درهما لأنه ذكر عددين مبهمين مركبين غير معطوفين وأدنى العددين
المفسرين بهذا الصفة أحد عشر ولو قال كذا وكذا درهما يلزمه أحد وعشرون درهما لأنه
ذكر عددين مبهمين أحدهما معطوف على الاخر وأدنى ذلك في المفسرين أحد وعشرون
فكذلك المبهم يعبر به وعلي هذا الدنانير والكيل والوزن حتى إذا قال كذا وكذا محتوما من
حنطة كان عليه أحد عشر محتوما ولو قال له على كذا كذا درهما وكذا كذا دينارا لزمه من كل
واحد منهما أحد عشر اعتبارا لحالة الجمع بحالة الاقرار بخلاف ما لو قال كذا كذا دينارا أو
درهما يلزمه أحد عشر منهما بمنزلة ما لو فسره في الفصلين جميعا ولو قال أحد عشر دينارا أو
درهما يلزمه من كل واحد منهما النصف بخلاف ما إذا قال أحد عشر دينارا أو درهما فكذلك
عند ابهام العددين. ولو قال له على مال عظيم من الدراهم فعليه ما تجب فيه الزكاة في قول أبى
يوسف ومحمد رحمهما الله وهو مائتا درهم على قياس مذهبهما عند الوصف بالكثرة ولم
يذكر قول أبي حنيفة رحمه الله هنا وقيل مذهبه في هذا الفصل كمذهبهما لأنه في الفصل
الأول بنى على لفظ الدراهم وذلك غير موجود هنا والأصح أن قوله بنى على حال المقر في الفقر
والغنى فان القليل عند الفقير عظيم واضعاف ذلك عند الغنى ليس بعظيم وكما أن المائتين مال
عظيم في حكم الزكاة فالعشرة مال عظيم في قطع السرقة وتقدير المهر بها فيتعارض فيرجع إلى
حال الرجل وعلى حاله يبنى فيما بينه وعلى قول الشافعي رحمه الله البيان إلى المقر في ذلك فأي
مقدار بين يؤخذ به لان الابهام حصل من جهته وهذا بعيد فإنه لو قال على مال ثم بينه
بشئ يقبل ذلك منه ولا يجوز إلغاء قوله عظيم ولو قبلنا بيانه في القليل والكثير كنا قد ألغينا
تنصيصه على وصف العظيم وذلك لا يجوز. ولو قال على مال فالقول في بيان مقداره قوله
قال والدرهم مال وهذا إشارة إلى أن فيما دون الدرهم لا يقبل بيانه لان ما دون الدرهم من
98

الكسور لا يطلق اسم المال عليه عادة قال الحسن لعن الله الدانق ومن دنق الدانق. ولو قال له
علي حنطة فالقول في ذلك ما قال ربع حنطة فما فوقه فان الربع أدنى المقادير في الحنطة كالدرهم
في الفصل الأول. ولو قال له على عشرة دراهم ونيف فالقول في النيف ما قال درهم أو أقل
منه أو أكثر لان النيف عبارة عن الزيادة يقال جبل منيف إذا كان مشرفا على الجبال ومنه
سمى الانف لزيادة خلقته في الوجه فكأنه قال عشرة وزيادة واسم الزيادة يتناول الدانق
وما زاد فإذا كان بيانه مطابقا للفظه كان مقبولا منه وان قال له على بضعة وخمسون درهما
فالبضعة ثلاثة دراهم فصاعدا ليس له أن ينقصه عن ثلاثة لان البضع من ثلاثة إلى سبعة على ما روى
أنه لما نزل قوله تعالى سيغلبون في بضع سنين خاطر أبو بكر رضي الله عنه قريشا على أن الروم
تغلب فارس في ثلاث سنين وأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلوات الله
عليه كم تعدون البضع فيكم قال من ثلاث إلى سبع فقال صلى الله عليه وسلم زد في الخطر وأبعد
في الاجل فهذا دليل على أن البضع ثلاثة. ولو قال له على حق أوله قبلي شئ فالقول في بيان
مقداره وجنسه قوله لان ما صرح به في اقراره ينطلق علي ما قل وكثر من المال ولو قال له
على عشرة دراهم ودانق فالدانق فضة لأنه عبارة عن سدس الدرهم والمعطوف من جنس
المعطوف عليه. وكذلك لو قال له علي عشرة دراهم وقيراط فالقيراط من الفضة لان المعطوف
من جنس المعطوف عليه وقد بينا فيما سبق أن الدرهم أربعة عشر قيراطا. ولو قال له على مائة
ودرهم فعليه مائة درهم ودرهم عندنا وقال الشافعي رحمه الله درهم واحد والقول في بيان المائة
قوله وكذلك لو قال مائة ودينار أو مائة وقفيز حنطة فذكر شيئا من الكيل أو الوزن فهو
كله على هذا الخلاف وان قال مائة وعبد يلزمه العبد والقول في بيان المائة قوله. وكذلك
ان قال مائة وثوب في ظاهر الرواية وروى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله في قوله
مائة وثوب أن الكل من الثياب وكذلك في قوله مائة وشاة أما الشافعي رحمه الله فقال إنه
أبهم الاقرار بالمائة وقوله ودرهم ليس بتفسير له لأنه عطف عليه بحرف الواو والعطف لم يوضع
للتفسير لغة فيلزمه ما أقر به مفسرا في الفصول كلها ويكون القول فيما أبهم قوله وكذلك له
علي مائة ودرهمان بخلاف ما لو قال مائة وثلاثة دراهم لأنه عطف أحد العددين المبهمين على
الآخر ثم فسره بالدراهم فينصرف التفسير إليهما جميعا لحاجة كل واحد منهما إلى التفسير
* وحجتنا في ذلك قوله ودرهم بيان للمائة عادة ودلالة اما من حيث العادة فلان الناس يحترزون
99

عن تطويل العبارات فيأتون به للتنصيص على الدراهم عند ذكر كل عدد ويكتفون بذكره مرة وهذا
شئ لا يمكن انكاره (ألا ترى) انهم يقولون أحد وعشرون درهما فيكتفون بذكر الدرهم
مرة ويجعلون ذلك تفسير الكل. وأما من حيث الدلالة فلان المعطوف مع المعطوف عليه
بمنزلة المضاف مع المضاف إليه إذ كل واحد منهما للتعريف ثم المضاف يجعل تعريفا
للمضاف إليه إذا كان صالحا له فكذلك المعطوف يجعل تعريفا للمعطوف عليه إذا كان صالحا
له والصلاحية موجودة في المكيلات والموزونات لأنها تثبت في الذمة مع جميع المعاملات
حالا ومؤجلا ويجوز الاستقراض فيها ولعموم البلوى جعلنا العطف فيها تفسيرا بخلاف
قوله وثوب وشاة لان الثوب لا يثبت في الذمة دينا الا مبيعا مسلما فيه والشاة لا تثبت دينا في
الذمة أصلا يعنى به ثبوتا لازما فلم يصلح قوله وثوب أن يكون تفسيرا للمائة لان قوله على
مائة عبارة عما يثبت في الذمة مطلقا ثبوتا صحيحا فلهذا كان البيان إليه وجه رواية أبى يوسف
رحمه الله ان الثياب والغنم تقسم قسمة واحدة بخلاف العبيد فإنها لا تقسم قسمة واحدة يتحقق
في أعدادها المجانسة فيمكن أن يجعل المفسر منه تفسيرا للمبهم ومالا يقسم قسمة واحدة لا
يتحقق في أعداده المجانسة فلا يمكن أن يجعل المفسر تفسيرا للمبهم. ولو قال له على مائة
ومائة أثواب فالكل من الثياب بالاتفاق لما بينا انه عطف العدد المبهم على عدد مبهم ثم فسر
بما يصلح أن يكون تفسيرا للكل فيكون الكل من الثياب والقول في بيان جنسها قول
المقر. ولو قال له على مائتا مثقال فضة وذهبا فعليه من كل واحد منهما النصف لأنه أضاف
العدد المذكور إلى الجنسين والمساواة في الإضافة تقتضي التوزع على سبيل التساوي إلا أن
الواجب هنا من كل جنس مثقال بخلاف ما لو قال له على مائتا درهم ودينار فهناك يلزمه
مائة دينار تاما قيل ومائة درهم وزن سبعة لأنه نص علي المثاقيل هنا فقال مائتا مثقال ثم فسر
بالذهب والفضة فيكون من كل واحد منهما مائة مثقال وهناك أطلق اسم الدراهم والدنانير
والدراهم عبارة عن وزن سبعة ثم القول قوله في الجودة والرداءة لأنه ليس في لفظه ما يعين
أحد الوصفين وعلي هذا جميع ما يقر به من المكيلات والموزونات بأي سبب أقربه ولو قال
له على كر من حنطة وشعير وسمسم فعليه من كل أحد الثلث لان الكر عبارة عن أربعين
قفيزا وقد فسره بالأجناس الثلاثة فيكون من كل جنس الثلث. ولو قال له على قفيز من حنطة
وشعير الا ربعا فان الاستثناء جائز لأنه بعض ما يتناول كلامه وعليه ثلاثة أرباع قفيز من كل
100

واحد النصف اعتبارا لإقراره ببعض القفيز باقراره بالكل. وكذلك لو قال له قبلي مثاقيل
من مسك وزعفران وكذلك لو قال لفلان وفلان على قفيز من حنطة وشعير فعليه لهما من
كل واحد منهما نصف قفيز للتسوية بينهما في الاقرار والتسوية بين الجنسين في التفسير وان
قال استودعني ثلاثة أثواب زطي ويهودي كان القول قوله فإن شاء قال يهودي وزطيان فيقبل
قوله مع يمينه لان الثوب الواحد لا يتبعض فتعين أحد الثلاثة يهوديا والآخر زطيا بقي الثالث
مترددا بين وصفين فان بينه باليهودي فقد التزم الزيادة وان بينه بالزطي فالقول قوله مع يمينه
بمنزلة ما لو قال له على ثوب زطي أو يهودي. ولو أقر أن الدين الذي له على فلان لفلان وكان
المقر له علي فلان مائة درهم في صك وعشرة دنانير في صك فقال المقر عنيت أحدهما وادعاهما
المقر له فهما جميعا للمقر له وأما صحة الاقرار بالدين فلانه اخبار من الغائب عن واجب سابق
وذلك يتحقق في الديون كما يتحقق في الأعيان بخلاف التمليك ابتداء وتصحيح الاقرار
ليس على وجه تصحيح التمليك فان الاقرار بالخمر صحيح وتمليكها ابتداء لا يصح من المسلم ثم
أدخل الألف واللام في قوله الدين الذي على فلان وذلك للجنس عند عدم المعهود فيتناول
جنس ماله على فلان نصا فقوله بعد ذلك عنيت أحدهما يكون رجوعا ولو غاب المقر لم يكن
للمقر له أن يتقاضى المال من الغريم وان صدقه الغريم لأنه أقر له بذلك ولا يجبر علي الدفع
إليه لأنه أقر له بالملك لا بحق القبض وليس من ضرورة كون الدين ملكا للمقر له أن يكون
حق القبض إليه فان للوكيل بالبيع حق قبض الثمن وهو ملك للموكل ولهذا قال لو دفعه
الغريم إليه برئ كما لو دفع المشترى الثمن إلى الموكل وفي الأصل علل في المسألة فقال لان
في هذا قضاء على الغائب وفي هذا التعليل نظر فان القضاء على الغائب بالاقرار جائز ولكن
مراده أن يقال إن في هذا ابطال حق الغائب في القبض من غير حجة وكذلك لو أقر بنصف
الدين الذي له علي فلان لغيره جاز والمقر هو الذي يتقاضى فيعطى المقر له نصف الدين الذي
له على فلان لغيره جاز والمقر هو الذي تقاضى فيعطى المقر له نصف ما يستوفى لما بينا في
الفصل الأول فان ادعى المقر له الضمان على المقر وقال أديته بغير أمرى فان قال المقر له للمقر
ذلك فالقول للمقر ولا ضمان عليه لأنه ليس من ضرورة صيرورة المال دينا عليه مباشرة
لا دائه فلعله صار دينا عليه باستهلاك منه أو بأدائهما جميعا فالمقر له يدعى عليه بسبب الضمان
وهو منكر فان قال أديته بأمرك كان ضامنا لنصيبه بعد أن يحلف المقر له ما أذن له في
101

ذلك لأنه أقر بالسبب الموجب للضمان عليه وادعى المسقط وهو الاذن ولو كان لرجل علي
رجل كر شعير وكر تمر وكر حنطة فأقر أن نصف طعامه الذي على فلان لفلان فله نصف
الحنطة خاصة لان ذكر الطعام مطلقا يتناول الحنطة ودقيقها ولهذا لو حلف لا يشترى طعاما
أو وكل وكيلا بشراء الطعام ينصرف إلى شراء الحنطة ودقيقها خاصة لان ذكر الطعام مطلقا
يتناول الحنطة ودقيقها فان بائعها يسمى بائع الطعام وسوق الطعام الموضع الذي يباع فيه
الحنطة ودقيقها ولهذا لو حلف لا يشترى طعاما أو وكل وكيلا بشراء الطعام ينصرف إلى شراء
الحنطة ودقيقها خاصة والاقرار من جنس التجارة فمطلق لفظ الطعام فيه يتناول الحنطة دون
الشعير ولو قال له عندي ألف درهم قرض ووديعة فهو ضامن لنصفها قرضا والنصف الآخر
وديعة لان قوله قرض ووديعة تفسير للألف فيتنصف بينهما إذ هما لا يجتمعان في محل واحد
وكذلك لو قال مضاربة وقرض فان وصل الكلام فقال مائة منها قرض وتسعمائة مضاربة
فالقول قوله لان ظاهر كلامه أنه ينزل على النصف من كل واحد منهما مع احتمال التفاوت وكان
هذا بيانا معتبرا لظاهر لفظه بما هو محتمل ومثل هذا البيان يصح موصولا لا مفصولا وكذلك
لو قال له قبلي كر من حنطة وشعير الحنطة محتوم والشعير تسعة وثلاثون محتوما قبل بيانه
موصولا لما قلنا ولو قال له عندي ألف درهم هبة أو وديعة فإنها وديعة ولا يكون هبة لان
الهبة لا تتم الا بالقبض وهو لم يقبضها وكانت وديعة ولو قال غصبتك شياها كثيرة فهو على
أربعين شاة لما قلنا إن التنصيص علي ما يستفاد به الغنى من هذا الجنس وأدناه أربعون شاة
ولو قال غصبتك إبلا كثيرة فهو خمسة وعشرون لان الكثير ما يحتمل الوجوب من جنسه
فاما الخمسة وان كانت نصاب الزكاة ولكنها قليلة من هذا الجنس ولقلتها لا تحتمل الوجوب
من جنسها والكثير من هذا الجنس ما يحتمل الوجوب من جنسه وأدنى ذلك خمسة وعشرون
وإذا قال حنطة كثيرة فهي خمسة أو سق في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله بناء على
أصلهما ان النصاب الذي يجب فيه العشر خمسة أو سق والوسق ستون صاعا ولم يبين قول
أبي حنيفة رحمه الله فيه وقيل البيان فيه إلى المقر علي قوله بعد أن يبين أكثر مما يتناوله اسم
الحنطة ان لو أقر بها مطلقا لأنه لو أقر بالحنطة مطلقا وبينه بالربع كان مقبولا منه فإذا نص
منه على صفة الكثرة لا بد من أن يبين أكثر من ذلك على وجه يحتمله هذا اللفظ لو أقر
أن الوديعة التي عند فلان لفلان فهو جائز وليس للمقر له ان يأخذها من المستودع ولكن
102

المقر يأخذها فيدفعها إليه على قياس ما بيناه في الدين وفي هذا بعض اشكال فان قبض
الوديعة إلى صاحبها ولكنه اعتبر اقراره وليس من ضرورة ملك العين له ثبوت حق
القبض له لجواز أن يكون المقر مرتهنا فيه أو بائعا من المقر له وكان محبوسا عنده باليمين
في يد المودع فلهذا كان حق القبض إلى المقر وان دفعها المستودع إلى المقر له برئ على
قياس ما بينا في الدين وهذا لان وجوب الضمان عليه بالمحتمل لا يكون بل بحق ثابت للمقر
في العين وذلك ليس بظاهر وان كانت له عنده ودائع فقال عنيت بعضها لم يصدق لادخاله
الألف واللام في قوله الوديعة كما بينا في الدين فان قال فلان ما استودعني المقر شيئا وقال المقر
له استودعتها إياه بغير امرى فالمقر ضامن لها بعد أن يحلف المقر له ما أمره بذلك لأنه أقر
بالايداع هنا وهو فعل موجب للضمان عليه الا ان يثبت الاذن ولم يثبت الاذن إذا حلف
المقر له وان أقر بالأمر وقال المستودع قد رددتها إلى المقر أو قال دفعتها إلى المقر له أو قال
قد ضاعت فالقول في ذلك قوله مع يمينه لأنه أمين أخبر بما هو مسلط عليه ولكن الذي يلي
خصومته في ذلك واستحلافه المقر إذا كان أودعه باذن المقر له لان حق الاسترداد إليه فتكون
الخصومة له مع المودع في الاستحلاف وذكر في الأصل من هذا الجنس مسألة أخرى إذا
قال له على الف فالقول في بيانه قوله لأنه لم يفسره بشئ فالقول في تفسيره إليه سواء فسره
بما يتفاوت من العدديات أو لا يتفاوت وذكر ابن رستم عن محمد رحمهما الله أنه إذا قال له
الشئ فيوجب المغايرة فيه وفى الدراهم إنما ثبت ذلك بدرهم آخر وفي الألف بألف آخر
وفيما دونه لا يتغير اللفظ الأول لأنه يقال الف ومائة وتسعمائة فإنما يثبت المغايرة بألف آخر
فيلزمه ألفان والله أعلم
* (باب الاقرار بكذا لا بل كذا) *
(قال رحمه الله) وإذا أقر فقال على لفلان ألف درهم لا بل خمسمائة فعليه الألف وكذلك
لو قال خمسمائة لا بل الف لان كلمة لا بل لاستدراك الغلط ورجوع عما أقر به لا يصح
واختياره بوجوب الزيادة عليه صحيح فإذا قال خمسمائة لا بل ألف فقد استدرك الغلط بالتزام
خمسمائة أخرى زيادة على الخمسمائة الأولى فعليه ألف وإذا قال الف لا بل خمسمائة فقد
103

قصد الاستدراك بالرجوع عن الألف إلى الخمسمائة فلا يصح ذلك منه وعلى هذا لو قال له
على عشرة دراهم بيض لا بل سود أو قال سود لا بل بيض أو قال جيد لا بل ردئ
أو ردئ لا بل جيد فعليه أفضلهما لان الجنس واحد ومثل هذا الغلط في الجنس الواحد
يقع فاستدراكه بالتزام زيادة الوصف صحيح ورجوعه عن وصف التزامه باطل. ولو قال له
على درهم لا بل دينار فعليه درهم ودينار لان الجنس مختلف والغلط لا يقع في الجنس المختلف
عادة فرجوعه عن الأول باطل والتزامه الثاني صحيح وما ذكره ثانيا لم يتناوله الكلام الأول
أصلا بخلاف الأول فان ما ذكره ثانيا قد تناوله الكلام الأول باعتبار أصله إن لم يتناوله بصفته
عرفنا أن المراد هناك الحاق الوصف بالأصل وهنا المراد التزام الأصل المذكور وعلى هذا
لو قال على كر حنطة لا بل شعير فعليه الكران جميعا وان قال قفيز حنطة جيدة لا بل ردئ
أو ردئ لا بل جيد فهو قفيز جيد وكذلك لو قال محتوم من دقل لا بل فارسي وكذلك لو
قال محتوم دقيق ردئ لا بل حواري فهو حواري لان الجنس واحد وذكر الكلام الثاني
لاستدراك الغلط بالتزام زيادة وصف ولو قال له علي رطل من بنفسج لا بل حبري لزماه
جميعا لان الجنس مختلف وكذلك لو قال له على رطل من سمن الغنم لا بل من سمن البقر
فعليه الرطلان لان الجنس مختلف ولو قال لفلان على ألف درهم لا بل لفلان فعليه لكل
واحد منهما الف لان المقر له مختلف وهو نظير اختلاف الجنس في المقر به والمعنى فيه أنه
رجوع عن الاقرار للأول وإقامة الثاني مقامه في الاقرار له وكذلك لو كان الثاني مكاتبا
للمقر له الأول أو عبدا تاجرا له عليه دين لان المولى من كسبه مكاتبة وعبده المديون بمنزلة
أجنبي آخر فتحقق اقراره بشخصين صورة ومعنى وإن لم يكن على العبد دين ففي القياس
كذلك لان الدين في الذمة مجرد مطالبة في الحال وفيما للعبد هو المطالب دون المولى فكان
اقراره بشخصين فيكون رجوعا في حق الأول وفي الاستحسان لا يلزمه الا ألف واحدة
لان كسب العبد إن لم يكن عليه دين مملوك لمولاه ففي قوله لا بل لعبده لا يكون رجوعا عما
أقر به للمولى ولكنه يلحقه زيادة كلامه في أن لعبده أن يطالبه بذلك المال فلهذا لا يلزمه الا
مال واحد ولو قال له على ألف درهم من ثمن جارية باعنيها لا بل فلان باعنيها بألف درهم
فعليه لكل واحد منهما الف لأنه غير مصدق فيها يخبر به أن مبايعة الثاني معه كانت على وجه
المكاتبة للنيابة عن الأول فيكون هو راجعا عن الاقرار للأول وذلك باطل فعليه لكل واحد
104

منهما الف لإقراره بتقرر بينته بينه وبين كل واحد منهما إلا أن يقر الثاني انها للأول فحينئذ
عليه في القياس ألفان وفي الاستحسان عليه الف واحد لأنه غير راجع عن الاقرار للأول بل
هو ملحق به وثبوت حق المطالبة للثاني وهذا وفصل المأذون الذي لا دين عليه سواء وإذا
كان لرجل على رجل عشرة دراهم بيض وعشرة دراهم سود فأقر الطالب أنه اقتضى منه
درهما أبيض لا بل أسود وادعى المطلوب انه قد قضاه درهمين وأبى ألزم الطالب الدرهم
الأبيض فقط لان الاقرار بالاستيفاء بمنزلة الاقرار بالدين فان الديون تقضى بأمثالها وقد
بينا مثله في الاقرار بالدين أنه يلزمه أفضلهما فهذا مثله. ولو كان عليه مائة درهم في صك ومائة
في صك آخر فقال قبضت منك عشرة من هذا الصك لا بل من هذا وهي عشرة واحدة
فعلي قياس الاقرار بادين يجعلها من أيهما شاء الذي قضاه لأنه هو الذي ملكه فالاختيار في
بيان جهته إليه وتبين فائدة فيما إذا كأن لأحدهما كفيل. ولو كان له مائة درهم وعشرة
دنانير فقال قبضت منك دينارا لا بل درهما لزماه لاختلاف الجنس كما في الاقرار بالدين
ولو كان له على رجلين على كل واحد منهما مائة درهم فقال قبضت من هذا عشرة لا بل من
هذا لزمه لكل واحد منهما عشرة لاختلاف المقر له ويستوى إن كان كل واحد منهما كفيلا
عن صاحبه أو لم يكن وكذلك أن كان كفيلا بذلك عن رجل واحد لان قبضه من كل كفيل
يثبت حق الرجوع لذلك الكفيل على الأصيل لان المقر له مختلف وإن كان المال واحدا ولو
كان له على آخر ألف درهم فقال دفعت إلى منها مائة بيدك لا بل أرسلت بها لي مع غلامك
فهي مائة واحدة ولو أقر أنه قبض منه مائة درهم فقال المطلوب وعشرة دراهم أرسلت
بها إليك مع فلان وثوب بعتكه بعشرة فقال الطالب قد صدقت فقد دخل هذا في هذه
المائة فالقول فيه قوله مع يمينه لان بيانه هذا تقرير لما أقر به أولا فإنه قابض منه ما أوصله
إليه رسوله وقابض بشراء الثبوت أيضا حتى لو حلف لا يفارقه حتى يقبض حقه فقبض بهذا
الطريق بر في يمينه والبيان المقر لأول الكلام مقبول من المبين وفي بعض الروايات فقال
المطلوب عشرة دراهم أرسلت بها إليك بغير واو وهذا أوضح لأنه في معنى التفسير للجهة
فيما أقر أنه قبضه ولو كان به كفيل فقال قد قبضت منك مائة لا بل من كفيلك لزمه لكل
واحد منهما مائة لان ما يقبضه من الكفيل يثبت به حق الرجوع للكفيل على الأصيل
بخلاف ما يقبضه من الأصل فكان المقر له مختلفا فلهذا كان مقر بالمالين وان أراد أن يستحلف
105

كل واحد منهما لم يكن عليه يمين لأنه قد أقر بذلك لكل واحد منهما ولا يتوجه اليمين للمقر
على المقر له والله أعلم
* (باب الاقرار بمال دفعه إليه آخر) *
(قال رحمه الله) وإذا قال الرجل دفع إلى هذه الألف فلان فهي لفلان فلو ادعى الألف
كل واحد منهما فهي للدافع لأنه قد أقر له بالمال أو لا حين الاقرار بوصوله إلى يده من جهته
ثم اقراره للثاني حصل بما هو مستحق لغيره بيده فلا يكون ملزما إياه شيأ والمال للدافع فإذا
رده المقر عليه برئ مالكا كان أو غير مالك فان المودع من الغاصب بالرد عليه يبرأ كالمودع
من المالك وإذا قال هذه الألف لفلان دفعها إلى فلان فهي للمقر له الأول لان اقراره بالملك
للأول فاقراره بعد ذلك باليد للثاني لا يكون صحيحا في حق الأول فان ادعاها الدافع فعليه أولا
أن يحلف انها ما هي لفلان لان المقر يقول أنا وان أقررت بأنك دفعتها إلى ولكن الملك كان
لفلان وقد رددتها عليه فليس لك علي شئ فلهذا يتوجه اليمين على الثاني فان حلف أنها ما هي
لفلان ضمن المقر له ألفا أخرى والوديعة والعارية فيه سواء أما إذا كان دفعها إلى الأول بغير
قضاء القاضي فهو قولهم جميعا لان اقرار المقر حجة في حقه فقد زعم أن المال وصل إليه من جهة
الثاني فإذا دفعها إلى غيره باختياره كان ضامنا له بمثلها وإن كان دفعها بقضاء القاضي فعند أبي
يوسف رحمه الله لا ضمان عليه للثاني لأنه بتبين الاقرار للأول ما أتلف علي الثاني شيأ ولا
اختياره له في الدفع بل القاضي ألزمه ذلك فلا يضمن للثاني شيأ وعند محمد رحمه الله هو ضامن
للثاني ألفا لأنه بالاقرار به للأول سلط القاضي على هذا القضاء وقد زعم أنه مودع فيها من
الثاني والمودع بهذا التسليط يصير ضامنا كما لو دل سارقا على سرقة الوديعة ولو قال هذه
الألف لفلان أقرضنيها فلان آخر فادعياها فهي للذي أقر له بها أولا لتقدم الاقرار له بها
وللمقرض عليه ألف درهم لأنه أقر أنه قبض ألفا من الثاني بحجة القرض والقبض بحجة
القرض يوجب ضمان المقبوض على القابض وإذا كان في يده عبد فقال هو لفلان باعنيه فلان
آخر بألف درهم فادعي كل واحد منهما ما أقر له به فالعبد للمقر له أولا يدفعه إليه إذا حلف
أنه لم يأذن للاخر في بيعه لتقدم الاقرار بالعين له ويقضى باليمين للبائع عليه لأنه أقر بشرائه
من الثاني ويثبت هذا السبب باقراره في حقه وهو تام يقبضه فيقضى له عليه باليمين قال
106

ولا يشبه البيع والقرض الوديعة وفي بعض النسخ قال ولا يشبه القرض والبيع والوديعة
ما سواها وهذا أقرب إلى الصواب علي ظاهر ما تقدم لأنه أجاب في هذه الثلاثة بجواب
واحد وأشار إلى الفرق بين هذه الثلاثة وبين المسألة الأولى من الباب حيث قال يدفع المال
إلى الدافع ولا شئ عليه للثاني فاما اللفظ الأول فهو مستقيم على أصل أبى يوسف رحمه الله
لأنه في الوديعة قال إذا دفع إلى الأول بقضاء القاضي لم يغرم للثاني وفي القرض والبيع ان
دفعه إلى الأول بقضاء القاضي فهو ضامن للثاني ويحتمل أن يكون المراد بيان الفرق بين
القرض والوديعة في أن الوديعة لا تكون مضمونة عليه للثاني ما لم يدفع إلى الأول وفي
القرض والبيع المال واجب عليه للثاني وإن لم يدفع إلى الأول شيأ وهذا فرق ظاهر فان
الاقراض والمبايعة سببا ضمان بخلاف الايداع. ولو أقر أن هذا العبد الذي في يديه لفلان
غصبه فلان المقر له من فلان آخر فإنه يقضى به للمقر له ولا يقضى للمغصوب منه بشئ لأنه
مقر بالملك للأول شاهد عليه بالغصب للثاني وشهادته عليه بالغصب لا تكون مقبولة وفي بعض
الروايات في لفظ السؤال لفلان غصبه من فلان وليس فيه ذكر المقر له فيكون المفهوم منه
اقراره على نفسه بالغصب للثاني وجوابه أن العبد للأول وللمغصوب منه عليه قيمته قال
(ألا ترى) أنه لو قال هذا الصبي ابن فلان غصبته من فلان آخر وادعي الصبي انه ابنه وادعى
المغصوب منه انه عبده قضى به للأب وهو ثابت النسب منه لتقدم الاقرار له (ألا ترى)
أنه لو قال هذا الصبي ابن فلان أرسل به إلى مع فلان كان الابن للأول إذا ادعاه دون الرسول
لتقدم الاقرار له وفي جميع هذا ان ادعى الرسول ذلك كان له على المقر مثله لإقراره ان
وصل إلى يده من جهته وتعذر الرد عليه بما أقر به للأول ودفع إليه باختياره ما خلا الابن فإن كان
يعبر عن نفسه فأقر أنه ابن الذي أقر به المقر فلا ضمان على المقر للدافع لان من يعبر
عن نفسه بما هو في يد نفسه وليس عليه للغير يد موجبة للاستحقاق إذا لم يقر بالرق على نفسه
وإن كان صغير الا يتكلم فعلى المقر قيمته للرسول إذا ادعاه لنفسه وأنه مملوك له لان الذي
لم يتكلم لصغره يثبت عليه يد موجبة للاستحقاق بمنزلة البنات وغيرها ولو قال هذه الألف
لفلان أرسل بها إلي مع فلان وديعة وادعاها كل واحد منهما فهي للأول لتقدم الاقرار له
بها فان قال الأول ليست لي ولم أرسل بها فهي للرسول لأنه قد أقر بالكلام الثاني ان
وصولها إلى يده كان من يد الرسول وإنما أمر بالرد عليه لثبوت الاستحقاق فيها
107

للأول وقد بطل ذلك بتكذيبه وإن كان المقر له غائبا لم يكن للرسول أن يأخذها لأنه إن كان
يدعيها لنفسه فقد صار مكذبا فيما إذا أقر له به وهو كونه رسولا بالدفع إليه وحق
الغائب فيها ثابت لان الاقرار ملزم بنفسه ما لم يكذب المقر له وإن كان الرسول مصدقا له
فيما أقر أنه كان رسولا فيه من جهة فلان فقد انتهت الرسالة بايصال المال إليه فلا سبيل له
علي الاسترداد بعد ذلك وإذا أقر الخياط ان الثوب الذي في يديه لفلان أسلمه إليه فلان
وكل واحد منهما يدعيه فهو للذي أقر له أول مرة لتقدم الاقرار له ولا ضمان عليه للثاني لأنه
لم يقر على نفسه بما هو سبب الضمان في حق الثاني فان اسلامه إليه لا يكون سببا في
استحقاقه كما في مسألة الرسالة وكذلك سائر الصناع ولو كان اقراره بهذا الثوب أسلمه
إليه فلان ليقطعه قميصا وهو لفلان وادعياه فهو للذي أسلمه إليه لتقدم الاقرار له به وليس
للثاني شئ وهذا نظير مسألة أول الباب وهو ما إذا قال دفعه إلى فلان وهو لفلان ولو أقر
أن هذا الثوب استعارة من فلان فبعث به إليه مع فلان فهو للذي أعاره إياه لأنه صار مقرا
بالملك واليد للمعير الذي استعاره منه دون الذي أوصله إليه بطريق الرسالة ولو أقر أن فلانا
أتاه بهذا الثوب عارية من قبل فلان فادعاه فهو للرسول لأنه أقر أولا بأنه وصل إلى يده
من جهته وذلك يلزمه الرد عليه فلا يبطل ذلك عنه باقراره لغيره والله أعلم بالصواب
* (باب الاقرار بالاقتضاء) *
(قال رحمه الله وذا أقر الرجل انه اقتضى من رجل ألف درهم كانت له عليه وقبضها
فقال فلان أخذت منى هذا المال ولم يكن لك على شئ فرده على فإنه يجبر علي أن يرد المال
بعد أن يحلف أنه ما كان له عليه شئ وروى أبو يوسف رحمه الله عن ابن أبي ليلى رحمه الله
أنه لا شئ على المقر ووجهه انه ما أقر بشئ على نفسه لغيره وإنما أقر بوصول حقه إليه وذلك
غير ملزم إياه شيئا وكنا نقول الاقتضاء عبارة عن قبض مال مضمون من ملك الغير لان
المقتضى يستوفى من مال المديون مثله ماله عليه فيصير قصاصا بدينه والقبض المضمون
من ملك الغير سبب لوجوب الضمان عليه وقد أقر به ثم ادعى لنفسه دينا على صاحبه ولا يثبت
الدين له على صاحبه بدعواه ولكن يتوجه اليمين فإذا جانب لزمه رد المقبوض. وكذلك لو
أقر انه قبض من فلان ألف درهم كانت وديعة له عنده أو هبة وهبها له فقال بل هي مالي
108

قبضته منى فعليه أن يرده لإقراره بقبض المال من يد الغير وعلى اليد ما أخذت حتى ترد ولم
يثبت ما ادعى من الحق فيه لنفسه فعليه أن يرده ولو قال أسكنت بيتي فلانا هذا ثم أخرجته
منه ودفعه إلي وادعى الساكن انه له فالقول قول صاحب البيت استحسانا وعلى الساكن البينة
في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله القول قول الساكن وهو
القياس ووجهه هو أن الاقرار بوصول البيت إلى يده كان من جهة الساكن وادعى لنفسه فيه
ملكا قديما ولم يثبت ما ادعاه فعليه رد ما أقر بقبضه كما في الفصل ولأبي حنيفة رحمه الله
طريقان أحدهما انه ما أقر للساكن بيد أصلية في البيت إنما أخبر بان يده كانت بناء عن
يده لان يد الساكن تبنى على المسكن والحكم لليد الأصلية لا لما هو بناء فلم يصر مقرا بما
يوجب الاستحقاق له بخلاف مسألة الاقتضاء لأنه هنا أقر بيد أصلية كانت له فيما استوفاه
منه وبخلاف مسألة الوديعة لأنه هناك أقر بفعل نفسه وهو قبضه المال من فلان وذلك اقرار
بيد أصلية كانت لفلان في هذا المال فبعد ذلك هو في قوله كانت لي عنده وديعة أراد أن
يجعل يده بناء بعد ما أقر أنها كانت أصلية فلا يقبل قوله في ذلك ولان الإعارة بين الناس
معروفة وفي القول بالقياس هنا قطع هذه المنفعة عن الناس لان المعير يتحرز عن الإعارة
للسكنى إذا عرف أنه لا يعمل بقوله عند الاسترداد فترك القياس فيه لتوفير هذه المنفعة على
الناس وعلى هذا الخلاف لو قلال هذه الدابة أعرتها فلانا ثم قبضتها منه أو هذا الثوب لي
أعرنه فلانا ثم قبضته منه وإذا أقر الرجل ان فلانا الخياط خاط قميصه هذا بنصف درهم
وقبض منه القميص وقال الخياط هو قميصي أعرتكه فالقول فيه كالقول في الأولى وكذلك
الثوب أسلم إلى الصباغ وان قال رب الثوب خاط لي الخياط قميصي هذا بنصف درهم ولم
يقل قبضته منه ففي قولهم جميعا لا يرجع علي الخياط اما عند أبي حنيفة رحمه الله فظاهر وأما
عندهما فلانه لم يقر بيد الخياط هنا في الثوب لأنه قد يخيط الثوب وهو في يد صاحبه بأن
كان أجيرا وجد في بيته يعمل له بخلاف الأول فان هناك قد أقر بالقبض منه وذلك اقرار
بكونه في يده ولو كان الثوب معروفا انه للمقر أو الدابة أو الدار فقال أعرته فلانا وقبضته
منه كان القول قوله لان الملك فيه معروف للمقر فلا يكون مجرد اليد فيه لغيره سبب
الاستحقاق عليه وقد قال في الباب المتقدم إذا أقر الخياط أن الثوب الذي في يده لفلان
أسلمه إليه فلان ليخيطه فهو للذي أقر له أول مرة ولا يضمن للثاني مثله وهذا دليل لأبي
109

حنيفة رحمه الله في الخلافيات لإقراره أن يد الذي أسلمه إليه بناء لا ابتداء ولكن مشايخنا
رحمهم الله قالوا هو على الخلاف أيضا بناء علي مسألة الاسكان أو مسألة أخرى وهو ان
الأجير المشترك عند أبي حنيفة رحمه الله مؤتمن فلا يصير ضامنا بمجرد اقراره للأول
وعندهما الأجير المشترك ضامن فيضمن الثوب الذي أسلمه إليه إذا لم يرده عليه وهكذا
ذكره ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله وذكر أيضا فيما إذا قال هذا المال لفلان أرسل
به إلى مع فلان وديعة ان المال للأول ولا ضمان علي المقر للرسول عند أبي حنيفة رحمه الله
لأنه إنما أقر له بيد هي بناء وذلك غير موجب للاستحقاق عنده بخلاف الدين وهو ما إذا
قال لفلان على ألف درهم أرسل بها إلى مع فلأن لان محل الدين الذمة وفي الذمة سعة فيكون
مقرا بوجوب المال عليه للثاني لما أقر ان وصوله إلى يده من جهته وفي كتاب الاقرار أورد
المسألة في موضعين قال في أحدهما لا شئ عليه للدافع وهو الأشبه بقول أبي حنيفة رحمه
الله وفي الثاني قال عليه مثله للدافع وهو الأشبه بقول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وقد
بينا بعضه في الباب المتقدم وإذا أقر الرجل ان فلانا سكن هذا البيت فادعى فلان البيت
فإنه يقضي به للساكن على المقر لان السكنى تثبت اليد للساكن على المسكن واقراره باليد
للغير حجة عليه وما يثبت باقراره كالمعاين في حقه وهذا بخلاف ما لو أقر أن فلانا زرع هذه
الأرض أو بنى هذه الأرض أو بنى هذه الدار أو غرس هذا الكرم أو البستان وذلك كله
في يد المقر فقال كله لي واستعتت بك ففعلت ذلك أو فعلته باجر وقال الآخر بل هو ملكي
فالقول قول المقر لان يده للحال ظاهرة ولم يقر أنه كان في يده غيره من قبل لان فعل
الزراعة والبناء والغرس لا يوجب اليد للفاعل في المفعول وقد يفعله المعين والأجير والمعين في
يد صاحبه فهذا وقوله خاط لي القميص سواء ثم ذكر الخلاف الذي بينا فيما إذا قال لمعتقه
أخذت منك مالا قبل العتق أو قطعت يدك قبل العتق وإنما أعادهما لفروع فقال وكذلك لو
باعه أو وهبه وسلمه ثم أقر انه قطع يده قبل البيع والهبة وقال المشترى والموهوب له بل
فعلته بعد البيع والهبة لان البيع والهبة والتسليم يثبت الحق فيه للمتملك كما أن العتق يثبت
الحق للمعتق في نفسه وأطرافه فيكون الخلاف في الفصلين واحدا ولو قال قطعت يده ثم بعته
أو وهبته فالقول قوله لأنه ما أقر بالفعل الموجب للضمان على نفسه فإنه أقر بالقطع قبل ظهور
بيعه لان ظهور البيع باقراره وقد أقر بالقطع سابقا على الاقرار بالبيع فلهذا كان القول قوله
110

إلا أن يقيم البينة على هبته أو بيعه قبل اقراره بهذا فيكون على الاختلاف المتقدم لان الثابت
بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو أعتق أمة ثم قال أخذت منك هذا الولد قبل العتق وقالت بل
أخذته منى بعد العتق فإنه يرده عليها وهو حر لان الولد قائم بعينه وقد بينا في المال القائم
إذا أقر انه أخذه قبل العتق يصدق وعليه رده في أنه أخذه قبل العتق فعليه رده عليها والقول
في حريته قولها ولو لم يقل أخذته منك ولكنه قال أعتقتك بعدما ولدتيه وقالت بل أعتقتني قبل أن
ألده فإن كان الولد في يد المولى فالقول قوله لأنه أقر بيد فيه لها من قبل ولادتها ولأنها
تدعى سبق تاريخ في العتق حين ادعت انه كان قبل الولادة والمولى ينكر ذلك والعتق فعل
حادث من المولى فالقول قوله في انكاره سبق التاريخ فيه ولان عتقها ظهر في الحال والولد
منفصل عنها وعتقها غير موجب العتق للولد المنفصل وإن كان الولد في يدها فالقول قولها
لان يدها توجب الاستحقاق لها في الحال وقد أقرت بالحرية للولد فوجب الحكم بحريته
ولو أن رجلا أعتق عبدا فأقر رجل انه أخذ منه ألفا وهو عبد وقال العبد أخذتها منى بعد
العتق فالقول قوله لان القابض يدعى سبق تاريخ في قبضه والتاريخ لا يثبت بمجرد قوله
ولأنه أقر بالسبب الموجب للضمان عليه للعبد وهو أخذه منه وشهد عليه أن المال لغيره وهو
المولى فلا تقبل شهادته ويبقى المال مستحقا عليه للعبد وكذلك لو كاتبه مولاه لان الكتابة
توجب استحقاق الكسب للمكاتب واعتبار يده فيه لحقه كالعتق وكذلك لو باعه ثم أقر رجل
أنه غصب منه مائة درهم وهو عند مولاه الأول وقال المشترى بل غصبته وهو عندي فالمال
للآخر لان المشترى هو المستحق لكسبه بعد الشراء كما أن العبد هو المستحق لكسبه بعد
الكتابة فكما لا يصدق المقر هناك وفيما يدعى من سبق التاريخ فكذلك هنا ولو أقر بأنه فقأ
عين فلان عمدا ثم ذهبت عين الفاقئ بعد ذلك وقال المفقوء عينه بل فقأت عيني وعينك ذاهبة
فالقول قول المفقوء عينه لأنهما تصادقا على وجوب الضمان على الجاني فإن كانت عينه قائمة
وقت الفق ء فالواجب قصاص وهو فيها واجب باعتبار المماثلة وان كانت عينه ذاهبة فالواجب
الأرض فعرفنا أنها تصادقا على وجوب الضمان وادعي الفاقئ ما يسقطه بفوات المحل بعد
الوجوب فلا يقبل قوله في ذلك ولأنه يدعى تاريخا سابقا في الفق ء والتاريخ لا يثبت الا بحجة
ولو أن عبدا أعتق ثم أقر أنه قتل ولى هذا الرجل خطأ وهو عبد وقال ذلك الرجل قتلته بعد
العتق فليس على العبد في هذا شئ لأنه ما أقر على نفسه بوجوب الضمان فان جنايته قبل العتق
111

لا توجب عليه الضمان في الحال ولا بعد العتق إنما هو علي مولاه في الحال يخاطب بالدفع أو الفداء
وان أعتقه وهو يعلم بالجناية يصير مختارا للفداء وان كأن لا يعلم فعليه القيمة فعرفنا أنه إنما أقر
به على الغير فلا يلزمه شئ وإذا أقر أحد المتفاوضين انه كفل عن صاحبه بمهر أو نفقة زوجته
أو جنايته لزمه ولزم صاحبه أيضا في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما
الله يلزمه ولا يلزم صاحبه لأنه إنما أقر بوجوب المال على صاحبه بطريق غير التجارة ولا
قول له على صاحبه في الاقرار بالمال لا بطريق التجارة لان فيما يجب لا بطريق التجارة كل
واحد منهما أجنبي عن صاحبه يبقى اقراره علي نفسه بوجوب المال بطريق الكفالة وقد بينا
فيما سبق أن كفالة أحد المتفاوضين أو اقراره بالكفالة يلزم شريكه عند أبي حنيفة رحمه
الله ولا يلزم عندهما فهذا بناء على ذلك. ولو أقر أحدهما أن على صاحبه دينا قبل الشركة لفلان
فأنكره صاحبه والطالب ادعى أن هذا الدين كان في الشركة لزمهما جميعا المال لان الاقرار
بمطلق الدين ينصرف إلى جهة التجارة ولهذا لو أقر أحدهما بدين مطلق يلزم شريكه وفيما
هو واجب بطريق التجارة واقرار أحد المتفاوضين به على نفسه وعلى شريكه سواء. ولو أقر
به على نفسه وزعم أنه كان قبل الشركة لا يصدق في الاسناد إذا أكذبه الطالب فكذلك
إذا أقر به عن صاحبه وإذا لم يصدق في الاسناد لزم المقر المال باقراره ولزم شريكه بالكفالة عنه
لان كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فيما يلزمه من المال ولو أقر ان ذلك عليه دون شريكه
قبل الشركة وادعى الطالب انه عليه من الشركة فالمال عليهما لما بينا انه غير مصدق في
الاسناد وان تصادقا أن الدين كان قبل الشركة لم يؤخذ واحد منهما بدين صاحبه لان
حكم الكفالة بينهما إنما يثبت بالمفاوضة فيكون ثابتا فيما يجب بعد المفاوضة لا فيما كان واجبا
قبلها وإذا أقر أحدهما ان لفلان عليه ألف درهم وقال الآخر لا بل لفلان لزمهما جميعا المال لان
المقر لو كان هو الذي قال لفلان لزمهما جميعا ولا أثر لاختلاف المقر لهما فكذلك إذا قال ذلك
صاحبه لان قول كل واحد منهما يلزم صاحبه وهما بعد المفاوضة كشخص واحد في أسباب
التزام المال بالتجارة وإذا مات أحدهما أو تفرقا ثم أقر أحدهما بدين عليهما في الشركة لزمه خاصة
لأنه في الاسناد غير مصدق في حق صاحبه فيبقى ملتزما المال في الحال وليس بينهما سبب
يوجب كفالة صاحبه عنه فيما يلزمه من المال في الحال فلهذا كان المال عليه خاصة وعلي
صاحبه اليمين ان ادعاه الطالب وان ادعى رجل عليهما مالا ولم يكن له بينة فحلف أحدهما وأبي
112

الاخر أن يحلف لزمهما جميعا المال لان نكوله عن اليمين كاقراره وبان حلف أحدهما
لا يسقط اليمين عن الآخر بخلاف ما إذا كانت الدعوى لهما علي انسان فاستحلف أحدهما
المطلوب فحلف لم يكن للاخر أن يستحلفه لان النيابة في الاستحلاف تجزئ وفي الحلف
لا تجزئ فلا يمكن أن يجعل الحالف منهما نائبا عن صاحبه في اليمين ولأنه بعد ما حلف أحدهما
كان استحلاف الآخر مفيدا لان الناس يتفاوتون في التحرز عن اليمين الكاذبة أما بعدما استحلف
أحدهما المطلوب كان استحلاف الآخر إياه غير مفيد لعلمنا أنه يحلف لا محالة. ولو أقر أحد
المتفاوضين لابنه أو لامرأته أو لمكاتبه بدين لم يصدق في قول أبي حنيفة رحمه الله علي
شريكه لأنه متهم في حق هؤلاء فيما يوجب لهم على الغير وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما
الله يصدق على ذلك الا في المكاتب وهو بناء على الخلاف المعروف في الوكيل بالبيع ويبيع
من أحد هؤلاء والله أعلم
* (باب الاقرار في المضاربة والشركة) *
(قال رحمه الله) وإذا أقر المضارب بدين في مال المضاربة وجحده رب المال فاقراره
جائز لأنه من التجارة ولهذا يملكه الصبي المأذون والعبد المأذون والمضارب مستند لما هو
من التجارة في مال المضاربة وكذلك لو أقر فيها بأجر أجير أو أجر دابة أو حانوت لأنه
مالك لانشاء سبب وجوب هذه الديون في مال المضاربة فصح اقراره بها وهذا لأنه لا
يجد بدا من التزام الدين بهذه الأسباب ويحصل ما هو المقصود من المضاربة فإن كان دفعها
إلى رب المال فقال هذا من رأس مالك فاقبضه ثم أقر بعد ذلك ببعض ما ذكرنا من الدين لم
يصدق لأنه مناقض في كلامه فان المدفوع إنما يكون سالما لرب المال من رأس ماله إذا فرغ
عن الدين فكان في أول كلامه مقرا بأنه لا دين فيه ولان حكم المضاربة قد انتهى فيما وصل
إلى رب المال من رأس المال حتى لا يملك المضارب انشاء التصرف فيه وكذلك لا يصح
اقراره في ذلك. ولو كان المضارب رجلين ومال المضاربة ألف درهم وربحا ألفا فأقر أحدهما
أن خمسمائة لفلان وقال الآخر بل الألف كلها ربح فان المقر يصدق في مائتين وخمسين
مما في يده لفلان فان في يد كل واحد منهما نصف المال وقد أقر بخمسمائة شائعة في الكل
نصفها فيما في يده ونصفها فيما في يد صاحبه فاقراره فيما في يده صحيح وفيما في يد الآخر باطل
113

فيدفع هو مائتين وخمسين إلى المقر له ويقسم مثلها بين رب المال وبين المضارب الآخر لان
المقر يزعم أنه لا حق له فيها بل هي لفلان فلا يكون له فيها نصيب وما بقي من الربح وهو
خمسمائة بينهما على الشرط كما بينا وكذلك أن أقر بهذه الخمسمائة لأبيه أو لابنه فهو وما سبق
سواء لان اقرار المضارب لهؤلاء صحيح ولانشائه التصرف معهم. ولو أقر المضارب بربح ألف
درهم في المال ثم قال غلطت إنما هو خمسمائة درهم لم يصدق وهو ضامن لما أقر به من المال
لأنه مناقض في كلامه راجع عما أقربه ولأنه جاحد لما أقر به بحصوله في يده ربحا وهو أمين
في الربح فيضمن ذلك بالجحود. وان بقي في يده شئ من المال فقال هذا ربح وقد دفعت
رأس المال إلى رب المال وكذبه رب المال فالقول قول رب المال لان المضارب يريد
استحقاق شئ مما في يده وإنما يقبل قول الأمين في دفع الضمان عن نفسه أما في الاستحقاق
فلا يقبل قوله ولكن يحلف رب المال بدعوى المضارب فان حلف يأخذ ما في يده بحساب
رأس ماله لان حق المضارب في الربح ولا يظهر الربح ما لم يصل رأس المال إلى رب المال وإذا
قال لرجل فلان شريكي مفاوضة فقال نعم أو أجل أو قال صدق أو قال هو كما قال أو قال هو
صادق فهذا كله سواء وهما شريكان في كل مال عين أو دين أو رقيق أو عقار أو غير ذلك مما
هو في يد كل واحد منهما لان ما أتى من الجواب غير مستقل بنفسه فيصير ما تقدم به من الخطاب
معادا فيه حتى يثبت به تصادقهما على شركة المفاوضة والثابت باتفاقهما كالثابت بالمعاينة ولو
عاينا شركة المفاوضة بينهما كان ما في يد كل واحد منهما بينهما نصفين لان المفاوضة تقتضي
المساواة ولفظ الشركة يوجب ذلك الاطعام مثل كل واحد منهما وكسوته وكسوة أهله
فلمن في يده استحسانا وفي القياس يكون بينهما كسائر الأموال ولكن يصير مستثنى مما
هو موجب شركة المفاوضة لان الحاجة إليه معلوم وقوعها لكل واحد منهما في مدة
المفاوضة ولهذا لو كانت الشركة ظاهرة بينهما كان ما اشتراه كل واحد منهما مشتركا بينهما
الا الطعام والكسوة. وكذلك إذا ثبت العقد باقرارهما وكذلك أو ولد أحدهما أو مدبرته لان
أم الولد ليست بمال والمدبرة ليست بمحل للتجارة ومقتضى المفاوضة الشركة بينهما في كل مال
قابل للتجارة والتصرف (ألا ترى) انه لا تثبت الشركة بينهما في المنكوحة فكذلك في المدبرة
وأم الولد فأما إذا كان أحدهما مكاتبا قد كاتبه قبل اقراره فما عليه من بدل الكتابة يكون بينهما
لأنه قابل للتصرف والانتقال من ملك إلى ملك بمنزلة سائر الديون (ألا ترى) أن رقبة
114

المكاتب لا تصير ميراثا وما عليه من بدل الكتابة يصير ميراثا للورثة فكذلك باقراره
تثبت الشركة للاخر في بدل الكتابة وان كانت لا تثبت في الرقبة (ألا ترى) أنه لو عجز
المكاتب كان مشتركا بينهما فكذلك ما عليه من البدل قبل عجزه وكذلك لو قال هو مفاوضني
في الشركة لان هذا العقد يضاف إليهما تارة وإلى أحدهما أخرى وثبوت حكم المفاوضة
لا يختص بأحد الجانبين فكانت الإضافة إلى أحدهما بمنزلة الإضافة إليهما ولو أقر أحد
المفاوضين للشريك ثالث معهما وأنكر الآخر فهو جائز عليهما لان المفاوضة من جملة التجارة
وهو من صنع التجارة فاقرار أحدهما به كاقرارهما في سائر التجارات وإذا أقر الذمي لمسلم
بالمفاوضة أو أقر المسلم للذي بها فهو جائز في قول أبى يوسف رحمه الله وفي قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله لا يكونان متفاوضين ولكن ما في أيديهما يكون بينهما نصفين وأصل المسألة
في كتاب الشركة أن المفاوضة لا تصح بين المسلم والذمي في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما
الله للتفاوت بينهما في التصرف في أنواع المال وإذا كان عندهما لا يصح انشاء هذا العقد
فكذلك لا يثبت باقرارهما ما أقرا به فموجب هذا الاقرار كون ما بيدهما بينهما نصفين وما
في يدهما محل لذلك فيثبت هذا الحكم إن لم يثبت أصل المفاوضة كما لو أقر أحد الأخوين
بأخ آخر فإنه يشاركه في الميراث وإن لم يثبت النسب باقراره وعند أبي يوسف رحمه الله ابتداء
المفاوضة بين المسلم والذمي صحيح فكذلك يظهر باقرار الحر لعبد مأذون انه شريكه
مفاوضة أو أقر به لمكاتب وصدقه في ذلك لم تثبت المفاوضة بينهما لان انشاء المفاوضة بينهما
لا يصح ولكن ما في أيديهما يكون بينهما نصفين لاتفاقهما على ذلك واحتمال أن ما في أيديهما
للشركة بينهما ولا يجوز اقرار واحد منهما على صاحبه بدين ولا وديعة لان نفوذ اقرار أحدهما
على صاحبه لا يكون الا بعد صحة المفاوضة ولم تصح وعلى هذا لو أقر لصبي تاجر بالمفاوضة
أو أقر الصبي التاجر لصبي تاجر وصدقه الآخر فما في أيديهما بينهما لاتفاقهما على ذلك
ولكن لا تثبت المفاوضة بينهما لان انشاء هذا العقد بينهما لا يصح فان موجب المفاوضة
الكفالة العامة من كل واحد منهما عن صاحبه والصبي ليس بأهل لذلك وإذا أقر لرجل
بالشركة مفاوضة وأنكر الآخر ذلك فلا شئ لواحد نهما فيما في يد صاحبه لان تكذيب
المقر له مبطل للاقرار ولو قال الآخر انا شريكك فيما في يد غير مفاوضة ولست شريكي
فيما في يدي فالقول قوله بعد أن يحلف لأنه يتصرف فيما في يده وادعى لنفسه ما في يد صاحبه
115

قد صدقه في اقراره وكذبه في دعواه فيثبت ما أقربه ويكون على صاحب اليمين في انكار
ما ادعاه وهذا لان تكذيب المقر له في الجهة لا يوجب تكذيبه في أصل المال كما لو قال لك
على ألف درهم قرضا وقال الآخر بل هي غصب يلزمه المال فليس من ضرورة انتفاء
المفاوضة بتكذيبه انتفاء الشركة فيما في يده كما في المسائل المتقدمة. وإذا أقر لصبي لا يتكلم
بشركة المفاوضة وصدقه أبوه كان ما في يد الرجل بينهما نصفين لما بينا انه أقر له بنصف ما في
يده وقد اتصل به التصديق من أبيه ولكن لا يكونان متفاوضين لان ثبوت المفاوضة بينهما
يقتضى المساواة بينهما في التصرف والصبي الذي لا يتكلم ليس بأهل للتصرف وإذا أقر
لرجل انه شريك فلان في قليل وكثير فقال فلان نعم فهما شريكان في كل قليل وكثير في
يد كل واحد منهما لأنهما بمنزلة المتفاوضين لان لفظة لشركة تقتضي التسوية كما في قوله تعالى
فهم شركاء في الثلث وإنما يتحقق ذلك إذا جعلنا ما في يد كل واحد منهما بينهما نصفين إلا أن
ه لا يجوز اقرار أحدهما على صاحبه بالدين والوديعة لان ذلك من خصائص عقد المفاوضة ولم
يثبت باقرارهما حين لم يصرحا بلفظ المفاوضة (ألا ترى) أنهما لو أنشآ عقد الشركة العامة
بينهما لا تكون مفاوضة الا ان يصرحا بلفظ المفاوضة وهذا لان العوام من الناس قلما
يعرفون جميع احكام المفاوضة ليذكروا ذلك عند العقد فأقام الشرع التنصيص منهما علي
لفظ المفاوضة مقام ذكر تلك الأحكام وإذا كان عقد الانشاء لا يثبت المفاوضة الا بالتصريح
بلفظها فكذلك عند الاقرار ولو كان أقر أنه شريكه في التجارات كان ما في يدهما من متاع
التجارة بينهما ولا يدخل في ذلك مسكن ولا كسوة ولا طعام لان التصادق منهما كان
مقيدا بمال التجارة بخلاف الأول فقد تصادقا هناك في الشركة في كل قليل وكثير وذلك
يعم الدار والخادم وغيرهما ولو كان في يدهما دار أو عبد أو أمة وقال ليس هذا من تجارتنا
فالقول قوله لأن هذه الأعيان ليست للتجارة باعتبار الأصل فمن قال إنها ليست من التجارة
فهو متمسك بما هو الأصل ولان التصادق منهما لم يحصل منهما بصفة العموم وإنما حصل
خاصا في متاع التجارة والسبب متى كان مقيدا بوصف لا يكون موجبا بدون ذلك الوصف
فما لم يثبت كونه من التجارة لا يتحقق سبب الشركة بينهما فلهذا كان القول قول ذي اليد
وعلى هذا لو قال أحدهما لدراهم أو دنانير هذا مال في يدي من غير الشركة أصبته من
ميراث أو جائزة أو بضاعة لإنسان فالقول قوله الا ان يقوم للاخر بينة انه من الشركة أو
116

كان في يده يوم أقر به لان الثابت بالبينة كالثابت باقراره ولو أقر أنه كان في يده يوم أقر
كان في الشركة لان الدراهم والدنانير من التجارة باعتبار الأصل وانهما خلقا لذلك ولهذا
وجبت الزكاة فيهما باعتبار هذا المعنى من غير نية التجارة فإذا ثبت كونه في يده وقت
الاقرار بقدر السبب الموجب للشركة فيه فهو يريد اخراجه من الشركة بعد ما تناوله الاقرار
بها فلا يصدق في ذلك. ولو كان في التجارة فقال ليس هذا من التجارة التي بيننا ولم يزل في
يدي قبل الشركة كان المتاع بينهما لان بثبوت التجارة فيه صار الاقرار بالشركة متناولا له
فلا يصدق في اخراجه بعد ما تناوله الاقرار ولو قال فلان شريكي ولم يسم شيأ ثم قال عنيت
في هذه الدار كان القول قوله لان في بيانه تقريرا لما أقر به لا تغييرا فيصح موصولا
ومفصولا ولان مطلق الاقرار بالشركة غير مضاف إلى محل لا يثبت من المال الا قدر مالا
يتحقق هذا الوصف لهما الا به وهذا الوصف يتحقق لهما بالشركة في شئ واحد فيثبت
القدر المتيقن به ويكون القول في انكار الزيادة على ذلك قوله ولو قال فلان شريكي في
تجارة الزطي كان القول قوله لأنه قيد اقراره بمحل سماه وتقييد المقر اقراره موصولا بكلامه
صحيح. ولو قال فلان شريكي في كل تجارة وقال فلان أنا شريكك فيما في يدك ولست بشريكي
فيما في يدي كان القول قوله لأنه أقر بنصف ما في يده وادعى لنفسه نصف ما في يده وقد
صدقه في الاقرار وكذبه في دعواه فالقول قوله مع يمينه. ولو كان في يده حانوت فقال فلان
شريكي فيما في هذا الحانوت ثم قال أدخلت هذا العدل بعد الاقرار من غير الشركة لم
يصدق علي ذلك وهو على الشركة إلا أن يأتي بالبينة على ما يدعى قال لان الحانوت وما في
الحانوت معلوم ومعنى هذا الكلام أنه وقع الاستغناء عن بيان المقر في معرفة ما أقر به بتعيينه
محله وهو الحانوت فلا يبقى له قول في البيان ولكن جميع ما يوجد في الحانوت يكون بينهما
نصفين الا ما يثبت بالحجة أنه أدخله بعد الاقرار وهو بمنزلة ما لو أبرأ غيره من كل قليل
وكثير له عليه ثم ادعى بعد ذلك عليه شيأ وقال قد حدث وجوبه بعد الابراء وقال المدعى
عليه بل كان قبل الابراء فالقول قوله إلا أن يثبت المدعى بالبينة أنه وجب بعد الابراء
وهذا بخلاف ما لو قال جميع ما في يدي مشترك بيني وبين فلان ثم قال لمتاع بعد ذلك أنه
حدث في يدي بعد الاقرار فالقول قوله لأنه ما وقع الاستغناء عن بيانه هناك فان ما في
يده لا يعلم الا بقوله فلهذا جعلنا بيانه مقبولا فيه وأورد مسألة الحانوت بعد هذا وأجاب
117

فيها أن القول قول المقر بمنزلة قوله جميع ما في يدي بيني وبين فلان ففيه روايتان والأصح
هو الأول ووجه الرواية الثانية ان إقراره تقيد بمحل خاص وهو الموجود في الحانوت وقت
اقراره فما لم يثبت هذا القيد بالحجة لا يستحقه المقر له لان وجوده في الحانوت في الحال
دليل على أنه كان في الحانوت عند الاقرار باعتبار الظاهر والظاهر حجة لدفع الاستحقاق
لا للاستحقاق ولو قال فلان شريكي في كل تجارة وأقر بذلك فلان ثم مات أحدهما وفي
يده مال فقال ورثته هذا مال استفاده من غير الشركة فالقول قولهم لأنهم قائمون مقامه
ولو قال هو في هذا الفصل لمال في يده انه حادث في يدي من غير الشركة وجب قبول قوله
في ذلك فكذلك يقبل قوله ورثته وان قروا أنه كان في يده يوم أقروا أنه من التجارة
فهو من الشركة لان اقرارهم بهذا بعد موته كاقراره به في حياته وكذلك أن كان للميت
صك باسمه على رجل بمال تاريخه قبل الاقرار بالشركة بينهما لأنه أقر له بالشركة في كل
تجارة وذلك يعم العين والدين جميعا وإن كان تاريخ الصك بعد الشركة فالقول قول الورثة
انه ليس من الشركة لأنه إنما يكتب في الصك تاريخ وجوب الدين فإذا كان ذلك بعد
الاقرار إن كان هذا دينا حدث وجوبه فلا تثبت الشركة بينهما فيه والظاهر شاهد للورثة
في ذلك وحاجتهم إلى دفع استحقاق المقر له والظاهر يكفي لهذا. ولو قال فلان شريكي في
الطحن وفي يد المقر رحا وابل ومتاع الطحانين فادعى المقر له الشركة في ذلك كله فالقول
قول المقر لان الطحن اسم للعمل دون الآلات وليس من الضرورة كونه شريكا له في
الآلات وكان القول قول المقر في الأول وكذلك كل عامل في يده حانوت وفيه متاع من
متاع عمله فأقر أنه شريك لفلان في عمل كذا فهما شريكان في العمل دون المتاع لان ثبوت
الشركة بينهما باقراره إنما يثبت فيما صرح به أو فيما هو من ضرورة ما صرح به. ولو قال هو
شريكي في هذا الحانوت في عمل كذا فكل شئ في ذلك الحانوت من عمل أو متاع ذلك العمل
فهو بينهما لأنه عين لما أقر به محلا وهو الحانوت وذكر العمل لتقييد الاقرار بمتاع ذلك
العمل فما كان في الحانوت من متاع ذلك العمل فقد تناوله اقراره فكان بينهما ولو كان
الحانوت وما فيه في أيديهما فقال أحدهما فلان شريكي في عمل كذا فاما المتاع فهو لي وقال الآخر
بل المتاع بيننا فهو بينهما لان ثبوت يدهما على الحانوت سبب لثبوت اليد لهما علي ما في
الحانوت فكان في قوله المتاع لي مدعيا للنصف الذي في يد صاحبه فلا يقبل قوله الا بحجة
118

بخلاف الأول فان الحانوت هناك في يد المقر فما فيه يكون في يده أيضا. ولو قال فلان
شريكي في كل زطي اشتريته وفي يده عدلان فقال اشتريت أحدهما وورثت الاخر فالقول
قوله لأنه قيد المقر به بالزطي المشترى فما لم يثبت هذا الوصف في محل لا يتناول اقراره لذلك
المحل. وكذلك لو قال هو شريكي في كل زطي عندي للتجارة ثم قال اشتريت أحدهما من
خاص مالي لغير التجارة فالقول قوله لان مجرد الشراء في الزطي لا يجعل المشترى للتجارة
بدون النية (ألا ترى) أنه لا يجب فيه الزكاة إذا لم ينوبه التجارة ونية التجارة لا يوقف عليها
الا من جهته فإذا قيد الاقرار بما لا يوقف عليه الا من جهته وجب قبول قوله فيه ولو أقر
أنهما في يده للتجارة ثم قال هذا من خاصة مالي لم يصدق لان سبب الشركة قد تقرر فيه
فلا يصدق في اخراجه ولو قال هو شريكي في كل زطي قدم لي من الأهواز أمس ثم أقر
أن الأعدال العشرة قدمت له من الأهواز أمس وقال أحدهما من خاصة مالي والاخر
بضاعة فلان وقال الشريك هي كلها من الشركة فالكل من الشركة لثبوت الوصف الذي
قيد الاقرار به في جميع الأعدال باقراره إلا أن العدل الذي أقر أنه بضاعة يصدق علي حصته
منه ولا يصدق على نصيب شريكه لان اقرار أحد الشريكين لغيره في نصيب نفسه صحيح
ويضمن لصاحب البضاعة نصف قيمة هذا العدل لأنه صار متلفا باقراره السابق للمقر له
بالشركة واقراره للثاني على نفسه صحيح فيصير به ضامنا وقد تقدم نظائر هذه المسألة فيما
اتفقوا عليه واختلفوا فيه ولو كان العبد بين الشريكين فأقرا به بينهما من شركتهما ثم قال
أحدهما استودعناه فلان فهو مصدق على حصته غير مصدق على حصة شريكه ولا يضمن
للمقر له شيئا من نصيب شريكه لان ذلك لم يكن في يده قط والمودع فيما لم تصل إليه يده
لا يصير ضامنا وما كان في يده وهو المقر النصف فقد سلمه إلى المقر له وإذا قال فلان
شريكي في هذا الدين الذي على فلان وقال المقر له أنت أديته بغير إذني ولم يكن بيني وبينك
شركة فإن كان المقر هو الذي باع المبيع فهو ضامن لنصف قيمة المتاع لان اقراره بالشركة
بينهما في الثمن اقرار منه أن الأصل كان مشتركا بينهما فان الثمن يملك بملك الأصل وهو
الذي باشر البيع فيه وذلك سبب موجب الضمان عليه في نصيب شريكه إلا أن يثبت
الاذن وهو ينكر الاذن فالقول قوله مع يمينه وإن لم يكن في ذكر الحق انه باعه المتاع فقال
لم أبعه أنا ولكن بعناه جميعا وكتب الصك باسمي فالقول قوله لان المقر له يدعى عليه سبب
119

وجوب الضمان في نصيبه بيعه بغير إذنه وهو لذلك منكر وليس من ضرورة كتبه الصك
باسمه أن يكون هو المباشر للبيع فكان القول قوله لانكاره مع يمينه فان أراد المقر له
أن يضمن الذي عليه الصك نصفه قيمة المتاع وقال قبضت متاعي بغير إذني وقال الذي عليه
الصك ما اشتريت منك شيأ باعني المتاع الذي الصك باسمه فلا ضمان له عليه لأنه يدعى
لنفسه عليه حقا وهو ينكره ولو ضمنه إنما يضمنه باقرار المقر واقراره ليس بحجة على المشترى
فلا ضمان له عليه ولكن المال الذي في الصك بينهما كما لو أقر به وحق المطالبة لمن باسمه
الصك وإذا كان عبد في يد رجل وقال هذا مضاربة لفلان معي بالنصف ثم باعه بألفين
وقال كان رأس المال ألف درهم وقال رب المال دفعت العبد إليك بعينه للمضاربة فالقول
قول رب المال لأنه أقر بملك العبد له حين قال إنه مضاربة لفلان معي هذا فان اللام للتمليك
فيثبت الملك في العبد لرب المال في اقراره والثمن يملك بملك الأصل فإذا ادعى المضارب لنفسه
جزأ من ثمنه لا يقبل قوله الا بحجة فكان الثمن كله لرب المال وعليه للمضارب اجر مثله
لان رب المال أقر له بذلك على نفسه فان المضاربة بالعروض فاسدة وإنما يستحق المضارب
بسببه اجر مثل عمله وإذا أقر المضارب انه معه ألف درهم لفلان مضاربة بالنصف وأنه
قد ربح فيها ألف درهم وقال رب المال بل رأس مالي ألفا درهم ففي قول أبي حنيفة رحمه الله
الأول وهو قول زفر رحمه الله القول قول رب المال لان المضارب يدعى استحقاق بعض
ماله لنفسه فان جميع ما في يده حاصل من ماله فلا يقبل قوله في ذلك الا بحجة ثم رجع وقال
المضارب مع يمينه وهو قولهما لان الاختلاف بينهما في مقدار المقبوض وفي مقدار
المقبوض قوله قول القابض إذا لم يسبق منه اقرار بخلاف ما يقوله الآن فكان عليه رد
ما أقر بقبضه من رأس ماله والباقي ربح بينهما نصفين ولو قال هذا المال معي مضاربة لفلان
ثم قال بعد ذلك فهو لفلان وادعى كل واحد منهما انه له مضاربة بالنصف ثم عمل به المضارب
فربح فيه فإنه يدفع رأس المال إلى الأول ونصف الربح ويدفع الاخر مثل رأس المال
غرما من ماله ولا يضمن له من الربح شيأ هذا قول أبى يوسف رحمه الله وقال محمد رحمه
الله يضمن لكل واحد منهما قدر رأس ماله والربح كله له يتصدق به واصل المسألة في
كتاب المضاربة ان المضارب إذا جحد ثم أقر وتصرف وربح كان الربح بينهما علي الشركة
عند أبي يوسف رحمه الله وعند محمد رحمه الله الربح كله للمضارب فهنا الأول لما تقدم اقرار
120

المضارب له ثبت حقه وصار كالثابت بالمعاينة ثم باقراره للثاني صار جاحدا لحق الأول وإنما
هو تصرف وربح بعد جحوده فيكون نصف الربح للأول عند أبي يوسف رحمه الله وجميع
الربح للمضارب عند محمد رحمه الله ولكنه بسبب جلبه فيتصدق به ويغرم لكل واحد منهما
نصف رأس ماله أما للأول لغير مشكل وأما للثاني فلاقراره بأنه كان أمينا من جهته وقد
دفع الأمانة إلى غيره وباقراره صار ضامنا له وإذا أقر أن المال مضاربة في يده لفلان وفلان
وصدقاه ثم قال بعد ذلك لأحدهما الثلثان وللآخر الثلث لم يصدق وهو بينهما نصفان لان
مطلق الإضافة إليهما يقتضى المناصفة بينهما وكان بيانه بعد ذلك مغيرا فيصح موصولا
لا مفصولا ولو أقر المضاربان بمال في أيديهما انه مضاربة لفلان وصدقهما في ذلك ثم أقر
رب المال لأحدهما بثلث الربح وللآخر بربعه فالقول قوله لأنه ليس من ضرورة تصديقه إياهما
الاقرار بشئ معلوم لهما من الربح والمساواة بينهما في الربح بل لكل واحد منهما ما يستوجب
الربح عليه بالشرط فيكون القول قوله في بيان شرط كل واحد منهما وإذا أقر بمضاربة
لرجل ولم يسمها فالقول قوله فيما يسمى من ذلك لأنه جهل المقر به فالقول في بيانه قوله وان
مات فالقول قول وارثه لأنه خلف عنه قائم مقامه والله أعلم
* (باب الاقرار بالبراءة وغيرهما) *
(قال رحمه الله) وإذا قال الانسان لا حق لي على فلان فيما أعلم ثم أقام البينة أن
له عليه حقا مسمى قبلت بينته وليست هذه البراءة بشئ لأنهما بقوله فيما أعلم وقد بينا أن هذا
اللفظ في الاقرار يخرجه عن أن يكون موجبا فكذلك في البراءة والاقرار بها ولم يذكر
قول أبى يوسف رحمه الله هنا فقيل هو على الخلاف أيضا وقيل بل أبو يوسف رحمه الله يفرق
بينهما ويقول إن بانتقاء حقوقه عن الغير لا طريق له إلى معرفته حقيقة فقوله فيما أعلم في هذا
الموضع لنفى اليقين كما في الشهادة واما وجوب الحق للغير عليه فلا بد أن يعرفه بمعرفة سببه حقيقة
فلم يكن قوله فيما أعلم للتشكيك فيه. وكذلك لو قال في علمي أو في نفسي أو في ظني أو في
رأيي أو فيما أرى أو فيما أظن أو فيما أحسب أو حسابي أو كتابي لأن هذه الألفاظ إنما تذكر
لاستثناء اليقين فيما يقرر به كلامه من أن يكون غريما أو موجبا للبراءة ولو قال قد علمت
أنه لا حق لي قبل فلإن لم تقبل منه بينة الا بتاريخ بعد الاقرار بالبراءة وكذلك لو قال قد
121

استيقنت لان ذكر هذين اللفظين لتأكيد معنى العلم واليقين بما يخبر به فان قوله قد علمت
خبر عن الماضي وقد يقرره به للتأكيد ولو أطلق الاقرار بالابراء لم يسمع منه دعوى الا
بتاريخ بعده فإذا أكد بما يقرن به أولى. وإذا قال لا حق لي عليك فاشهد لي عليك بألف درهم
وقال الآخر أجل لا حق لك على ثم أشهد له بألف درهم والشهود يسمعون ذلك كله فهذا
باطل ولا يلزمه منه شئ ولا يسع الشهود أن يشهدوا عليه لأنه بما تقدم من تصادقهما على
انتفاء حقه عن تبين أن المراد به الزور والباطل وما ليس بواجب لا يصير بالاشهاد واجبا وإذا
علم الشهود انتفاء وجوب المال حقيقة لا يسعهم أن يلزموه بشهادتهم شيأ (ألا ترى) أنه
لو فعل ذلك بين يدي القاضي لم يكن للقاضي أن يقضى عليه بشئ فكذلك لا يسع الشهود أن
يشهدوا به عليه. وإذا أقر الرجل أن لفلان عليه ألف درهم تلجئة فقال الطالب بل هو حق فإن كان
المقر له لم يقر بأنه تلجئة فالمال لازم للمقر لان قوله المقر تلجئة كالرجوع منه عن الاقرار
فان ظاهر قوله على اقرار حق لازم وما يكون تلجئة فهو باطل ورجوعه عن الاقرار لا يصح
وإن كان موصولا إلا أن يصدقه المقر له بذلك فحينئذ هو مثل الأول لأنهما تصادقا على أن
الاقرار كان زورا والاقرار بالزور لا يوجب علي المقر شيأ وكذلك لو قال اشهدوا أن لفلان
على ألف درهم زورا وباطلا وكذبا فقال فلان صدق في جميع ما قاله لم يلزمه شئ فلان قال
صدق في المال وكذب في قوله زورا وباطلا أخذته بالألف لما بينا وعلى هذا لو أقر أنه باع
داره من فلان بألف درهم تلجئة لزم المقر البيع إذا كذبه المقر له في قوله تلجئة وان صدقه في
جميع ما قال فهو باطل وان قال صدق فهو باطل أيضا لان مطلق التصديق ينصرف إلى
جميع ما أقر به إذا لم يخص فيه شيأ. ولو قال لفلان علي ألف درهم فقال فلان مالي عليك شئ
فقد برئ المقر مما أقربه لأنه كذبه في الاقرار ولأنه صار ميراثا له لان قوله مالي عليك شئ
يحتمل أنه أراد مالي عليك شئ في الحال لأني أبرأتك ويحتمل أن يكون مراده ما كان لي
عليك شئ ومن ضرورة نفي حقه في الماضي نفيه في الحال فان أعاد الاقرار وقابل بل لك على
ألف درهم فقال المقر له أجل هي لي عليك لزمته أما على الطريق الأول فلان الاقرار بطل
بالتكذيب فصار كالمعدوم بقي اقراره الثاني وقد صدقه فيه وعلى الطريق الثاني الابراء إنما يعمل
فيما كان واجبا وقت الابراء فاما فيما يجب بعده بسبب باشره فلا يعمل فيه ذلك الابراء
والاقرار سبب لوجوب المال في الحكم فلا يبطل بالابراء السابق. ولو أقر بهذه الجارية لفلان
122

غصبها إياه فلان وليست هذه لي بطل اقراره بالرد فان ادعاها المقر له وقعت إليه لما بينا أن
الاقرار الأول صار كالمعدوم فكأنه أنشأ الاقرار الآن وصدقه المقر له. ولو قال هذا العبد لك
فقال ليس هو لي ثم قال بلى هو لي لم يكن له لان الاقرار قد بطل بالتكذيب ولم يوجد
اقرار آخر فكذلك لو أقام البينة عليه لم تقبل بينته لان شرط قبول البينة دعوى صحيحة وبعد
ما قال ليس هو لي لا يصح دعواه انه له لكونه مناقضا فيه فلا تقبل بينته عليك. وكذلك لو أقر
أنه برئ من هذا العبد ثم ادعاه وأقام البينة لا تقبل بينته الا علي حق يحدث له بعد البراءة لان
قوله أنا برئ من هذا العبد اقرار منه بأنه لا ملك له فيه وهو صحيح في حقه لأنه لا يتعدى عن
محل ولايته إلى غير ولايته وبالدعوى بعد ذلك أنه لي يصير مناقضا وبينة المناقض في الدعوى
لا تكون مقبولة وكذلك لو قال خرجت من العبد أو خرج هذا العبد عن ملكي أو عن
يدي لان اقراره بهذا مقصور علي محل ولايته لا يتعدى إلى اثبات الملك فيه لغيره فأقيم به
وحده فيكون هو في الدعوى بعد ذلك مناقضا وقيل هذا الجواب فيه قوله خرج عن
يدي غير صحيح لأنه يمكنه أن يوقف فيقول هو ملكي وقد خرج عن يدي بغصب ذي اليد
أو إعارتي منه فلا يثبت التناقض وإذا قال الرجل للمرأة انى أريد أن أشهد انى قد تزوجتك
بألف درهم تزوجا باطلا وتلجئه وقالت المرأة نعم أنا أفعل هذا علي هذا الوجه وقد حضر
الشهود هذه المقالة ثم أشهد أنه قد تزوجها بألف درهم وأقرت المرأة بذلك فالنكاح جائز لازم
لهما لان بالاشهاد السابق تبين أن مقصودهما بهذا العقد الهزل دون الجد وفي النكاح الجد
والهزل سواء كما ورد به الأثر ثلاث جدهن جد وهز لهن جد النكاح والطلاق والعتاق
ولان تأثير التلجئة انعدام ضامنها بالعقد النافذ بمنزلة اشتراط الخيار ولا يشترط الخيار في
النكاح فكذلك التلجئة ولأنه إنما تؤثر التلجئة فيما هو محتمل للفسخ بعد تمامه والنكاح غير
محتمل للفسخ بعد تمامه ولهذا لا يجرى فيه الرد بالعيب ولا يؤثر فيه التلجئة وكذلك الطلاق
والعتاق على مالي وغير مال والخلع والمال واجب فيما سمى فيه المال لأنه تبع للسبب فكما
لا تؤثر التلجئة في أصل السبب فكذلك لا تؤثر فيما يتبعه كالهزل وأما الكتابة على هذا
الوجه فباطلة بمنزلة البيع لأنه محتمل للفسخ بعد انعقاده كالبيع. ولو قال أريد أن ألجئ إليك
داري هذه واشهد عليك بالبيع وقبض الثمن تلجئة منى إليك لا حقيقة وقال الآخر نعم
فاشهد له بالبيع وقد حضر الشهود تلك المقالة فان أبا حنيفة رحمه الله قال فيما أعلم يقع البيع
123

والمقالة التي كانت قبله باطلة وقال أبو يوسف رحمه الله البيع باطل على الكلام الأول ومعنى
قوله ألجئ أي أجعلك ظهرا لي لأتمكن بجاهك من صيانة ملكي يقال التجأ فلان إلى فلان
وألجأ ظهره إلى كذا والمراد هذا المعنى وقيل معناه أنا ملجأ مضطر إلى ما أباشره من البيع
معك ولست بقاصد حقيقة البيع ثم صحح أبو يوسف رحمه الله روايته على أبي حنيفة رحمه
الله بقوله فيما أعلم لان الرواية عن الغير كالشهادة وهذا اللفظ شك في الشهادة عند أبي يوسف
رحمه الله ولكن روى المعلى عن أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهم الله أن البيع جائز مطلقا
وروى محمد رحمهم الله في الاملاء عن أبي حنيفة رحمه الله أن البيع باطل وهو قولهما والحاصل
أنهما إذا تصادقا أنهما بنيا علي تلك المواضعة فلا بيع بينهما كما ذكراه في البيع نصا وان تصادقا
انهما أعرضا عن تلك المواضعة فالبيع صحيح بالاتفاق لان تلك المواضعة ليس بلازمة ولا
تكون أقوى من المعاقدة ولو تبايعا بخلاف الأول كان الثاني مبطلا للأول فإذا تواضعا ثم
تعاقدا أولى وإذا اختلفا فقال أحدهما بنينا على تلك المواضعة وقال الآخر بل أعرضنا
عنها فعندهما القول قول من يدعى البناء على المواضعة والاخر بنى عليها وتلك المواضعة بمنزلة اشتراط
الخيار منهما ولو شرطا الخيار ثم أسقطه أحدهما لم يتم البيع وأبو حنيفة رحمه الله يقول الأصل
في العقود الشرعية الصحة واللزوم فمن يقول لم نبن على تلك المواضعة يتمسك بما هو الأصل
فالقول قوله وتوضيحه أن تلك المواضعة ليست بلازمة بل ينفرد أحدهما بابطالهما فاعراض
أحدهما عن تلك المواضعة كاعراضها وان تصادقا على أنه لم يحضرهما نية عند العقد فعندهما
وهو رواية محمد عند أبي حنيفة رحمهما الله البيع باطل لأنهما ما قصدا بالمواضعة السابقة الا بناء
العقد عليها فيجعل كأنهما بنيا وعلى رواية أبى يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله البيع صحيح
لان مطلقه يقتضى الصحة والمواضعة السابقة لم يذكرها في العقد فلا يكون مؤثرا فيه كما
لو تواضعا علي شرط خيار أو أجل ولم يذكرا ذلك في العقد لم يثبت الخيار ولا الاجل فهذا
مثله ولو قال أشهد لي عليك بألف درهم على أنها باطل أو على أنك منها برئ ففعل لم يكن
عليه شئ منهما لان نفوذ الاقرار يعتمد تمام الرضا ولهذا كان الاكراه مانعا صحة الاقرار فهو
والبيع سواء بخلاف النكاح ولو قال لامرأة انى أمهرك ألف درهم في السر وأظهر في
العلانية الفين واشهد على ذلك فالمهر لها ألف درهم لأنها تصادقا أن ما زاد على الألف سمياه
124

سمعة وباطلا فلا يكون ذلك موجبا. ولو تواضعا على أن المهر في السر ألف درهم وانهما
يظهر أن العقد بمائة دينار سمعة ففعلا ذلك فلها مهر مثلها لان ما تواضعا عليه لم يذكراه في
العقد وثبوت المسمى إنما يكون بالتسمية وما سمياه في العقد يقصدان به السمعة فبقي النكاح
خاليا عن تسمية مهر المثل وكذا لو قالا هذا في البيع وأما في الألف درهم والمائة دينار ففي
القياس البيع باطل لو لم يسميا ثمنا وفي الاستحسان البيع صحيح بمائة دينار لأنهما قصدا
تصحيح أصل العقد وإنما قصدا السمعة في الثمن ولا يمكن تصحيح أصل العقد هنا الا
باعتبار الثمن المسمى فيه وأما في النكاح فتصحيح أصل العقد من غير اعتبار المهر المسمى فيه
ممكن ولو كان هذا الألف والألفان في البيع وقال أبو يوسف فيما أعلم عند أبي حنيفة رحمه
الله البيع بألفين وهكذا رواه المعلي عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله وروى محمد رحمه
الله في إملائه عن أبي حنيفة رحمه الله أن البيع صحيح بألف درهم وهو قولهما لأنهما قصدا
السمعة بذكر أحد الألفين ولا حاجة في تصحيح البيع إلى اعتبار تسميتهما الألف الثانية
فهذا والنكاح سواء * وجه الرواية الأخرى عن أبي حنيفة رحمه الله أن البيع لا يصح الا
بتسمية الثمن فإذا وجب اعتبار بعض المسمى وجب اعتبار كله كما في اختلاف الجنس بخلاف
النكاح وقيل هذا ينبنى على أصل أبي حنيفة رحمه الله أن الألفين غير الألف ولهذا لو شهد
أحد الشاهدين بالألف والاخر بالألفين لم يقبل عنده فهو واختلاف الجنس سواء على
مذهبه ولكن هذا ينصف هذا ينصف بالنكاح والله أعلم
* (باب الاقرار بالجناية) *
(قال رحمه الله) ولو أن رجلا أقر بقتل رجل خطأ وقامت البينة به علي آخر وادعى
الولي ذلك كله كان له علي المقر نصف الدية ولا شئ له على الاخر لان المقر قد أقر له بدية
كاملة حين زعم أنه تفرد بالقتل وقد صدقه في النصف حين زعما أنهما اشتركا في القتل
وتصديقه في بعض ما أقر به صحيح فان الشهود شهدوا له على الاخر بدية كاملة وهو قد ادعى
عليه نصف الدية والشهادة بالأكثر مما ادعاه المدعى لا تكون مقبولة لمعنى وهو أنه صار
مكذبا لشهوده في بعض ما شهدوا له وتكذيب المدعى شهوده يبطل شهادتهم وصار مكذبا
للمقر أيضا في بعض ما أقر به ولكن تكذيب المقر له في البعض لا يمنعه من التصديق في
125

البعض ولو ادعى الولي ذلك كله على المقر كان عليه الدية في ماله لأنه قد صدقه في جميع ما أقر
به ولكن ما ثبت بالاقرار لا تعقله العاقلة للحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا نعقل صلحا
ولا عمدا ولا عبدا ولا اعترافا وهذا لان قول المقر حجة علي نفسه خاصة دون عاقلته ولو ادعى
ذلك كله علي الذي قامت عليه البينة كانت الدية على عاقلته لأنه صار مكذبا للمقر فبطل
اقراره وبقيت دعواه على الذي شهد له الشهود وقد ثبت عليه قتل الخطأ بالبينة فتكون الدية
على عاقلته ولو أقر رجل أنه قتل فلانا عمدا وحده وأقر آخر بمثل ذلك وقال الولي قتلتماه
جميعا كان له أن يقتلهما لان كل واحد منهما صار مقرا له على نفسه بالقصاص وقد صدقه في
ذلك ثم قد بينا أن الأسباب مطلوبة لاحكامها فبعد ما وجب التصادق في الحكم لا يعتبر
التفاوت بين الاقرار والتصديق في السبب. ولو قال لأحدهما أنت قتلته كان له أن يقتله لأنه
كذب الاخر في اقراره فبطل ذلك الاقرار ويبقى الاقرار الثاني وقد صدقه فيه ولو قال
صدقتما فيه ولا يتصور تكرار القتل بهذه الصفة وشخصين على واحد فكان في تصديق
الأكثر منهما انه قتله وحده تكذيب الأصغر وكذلك في تصديقه الأصغر انه قتله وحده
تكذيب الأكبر فلهذا لا يقبل واحد منهما ولو أقر أحدهما انه قتله عمدا وقامت البينة بمثل ذلك
علي آخر فادعى الولي أحدهما كان له أن يقتل المقر لأنه صدقه فيما أقر له به من القصاص
ولا شئ له على الاخر لأنه ادعى عليه قتلا مشتركا والشهود شهدوا عليه بقتل انفرد هو
به فكانت الشهادة أزيد من الدعوى ولان التفاوت بين الدعوى والشهادة في السبب يمنع
قبول الشهادة كما لو ادعى ألفا غصبا وشهد له الشهود بألف قرض بخلاف الاقرار والله
أعلم بالصواب
* (باب من الاقرار) *
(قال رحمه الله)
وإذا أقر الرجل انه اقتضى من فلان ألف درهم فقال فلان ما كان
لك علي شئ ولكنك أخذتها منى ظلما أمر القاضي بردها وقد بينا هذا مرة وأعدناها لفروع
نذكرها هنا وهو انه لو قال قبضتها بوكالة من فلان كانت له عليك أو وهبتها له فأمرني فقبضتها
ودفعتها إليه كان ضامنا للمال واقراره بالقبض لغيره في حق صاحبه كاقراره بالقبض لنفسه
لأن الضمان إنما ينتفى عنه في الفصلين بثبوت المال له على صاحب المال ولمن يدعى أنه قبض
126

له ولم يثبت ذلك بدعواه فكان ضامنا للمال وإذا أقر أن لفلان على ألف درهم وجحد ذلك
فلان وادعى الطالب أن المال علي المقر وحده فإنه يلزم المقر من ذلك النصف لأنه إضافة
الألف إلى نفسه وإلى غيره موجبة للانقسام فصار مقرا بنصفه على نفسه وبنصفه على الاخر
(ألا ترى) أن الاخر لو صدقه كان على كل واحد منهما نصفها فإذا كذبه بطل ما أقر
به عليه وبقي مؤاخذا بما أقر به على نفسه وهو النصف وكذلك أن أقر بمثله من غصب أو
وديعة أو مضاربة أو قتل خطأ أو جراحة فهذا والأول سواء لما بينا. ولو أقر انه قطع يد
فلان هو وفلان عمدا وجحد فلان ذلك وادعى الطالب أن المقر قطعه وحده لم يلزمه شئ
في القياس لأنه أقر له على نفسه بنصف الأرض فان اليدين لا يقطعان بيد واحدة عندنا
ولكن على كل واحد من المالين بنصف الأرش والمدعى يدعى عليه القصاص فكان مكذبا
له فيما أقر به مدعيا عليه شيأ آخر ولكن استحسن فقال له عليه نصف أرش اليد وهذا
نظير ما قال في كتاب الديات إذا قال قتلت ولى هذا عمدا فقال بل قتلته خطأ تقضى بالدية
استحسانا لأنه يمكنه أن يأخذ ما أقر به مع اصراره على الدعوى بأن يقول حقي في القصاص
ولكنه طلب منى أن آخذ المال عوضا عن القصاص وهذا جائز وكذلك هنا يمكنه أن يأخذ
ما أقر به وهو نصف الأرش مع اصراره علي دعوى القصاص بهذا الطريق ولو كان هذا
في النفس كان له أن يقتل المقر خاصة لأنه المثنى يقتل الواحد وقال والقياس في النفس هكذا
أن لا يستوفى المثنى بالواحد لان القصاص يعتمد المماثلة والواحد لا يكون مثلا للمثنى وكيف
يكون مثلا لهما وهو مثل لكل واحد منهما وكنا تركنا القياس في النفس لحديث عمر رضي الله عنه
انه قتل سبعة من أهل صنعاء بواحد وقال لو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلتهم به وهذا
القياس والاستحسان لم ينص عليه في المبسوط الا هنا ولو قال أقرضني انا فلان ألف درهم
لزمه النصف لما بينا أنه أقر على نفسه بنصف المال قال (ألا تري) انه لو قال لفلان على ألف
درهم وفلان ثم قال عنيت الاخر معي في الدين لم يصدق على ذلك وكان الدين لهما عليه
نصفين فكان بمنزلة قوله لفلان وفلان علي ألف درهم ووقعت هذه المسألة في أكثر
الروايات أنه قال لفلان على ألف درهم ولفلان ولكن الأصح هو الأول لأنه قال بعده
ولو قال لفلان علي ألف درهم ولفلان كانت الألف بينهما نصفين وإذا أقر أن لفلان عليه ألف درهم
ثم قال بعد ذلك لأحدهما ستمائة وللاخر أربعمائة لم يصدق إلا أن يصل كلامه لان
127

مقتضى أول كلامه المناصفة بينهما فكان بيانه مغيرا ولكنه من محتملات كلامه فيصح موصولا
ولا يصح مفصولا الا انه إذا فصل فعليه للذي أقر له بأربعمائة خمسمائة لأنه راجع عن الاقرار
له في قدر المائة وعليه للاخر ستمائة لأنه أقر له في بيانه بمائة زائدة وذلك صحيح منه علي نفسه
ولو قال أقرضني فلان ألف درهم مع فلان كانت الألف لهما بمنزلة ما لو قال أقرضني فلان مع
فلان ألف درهم لان كلمة مع للقران فيوجب الجمع بينهما كحرف الواو ولو قال أقرضني فلان
ألف درهم عند فلان كانت الألف للأول لأنه ما أشرك الثاني مع الأول في القراض وإنما
أخبر أن الاقراض من الأول كان بالقرب من الثاني. ولو قال أقرضني وفلانا معي ألف درهم
كان عليه من ذلك خمسمائة لأنه ذكر فلانا منصوبا فذلك دليل على أنه في محل المفعول كالمقر
وان المقر له أقر فيهما جميعا بالألف فلهذا كانت عليه خمسمائة ووقع في بعض النسخ وفلان
معي والأصح هو الأول وان قال أقرضني وفلانا معي شاهدا علي ذلك فلان ألف درهم
كانت الألف عليه وحده لأنه ذكر للثاني خبرا وهو انه كان شاهدا فلا يدخل معه فيما أخبر
به من الاستقراض فإنما يكون مقرا على نفسه خاصة باستقراض الألف وكذلك قوله وفلان
معي حالين والله أعلم.
* (باب اقرار الوصي والوكيل بالقبض) *
(قال رحمه الله) وإذا أقر الوصي انه قد استوفى جميع ما للميت على فلان ولم يسم كم
هو صح اقراره في براءة الغريم لأنه في الاستيفاء قائم مقام الوصي فاقراره به كاقرار الموصي
بالاستيفاء منهما صحيح لان الحاجة إلي بيان المستوفى فيما يحتاج فيه إلى القبض وما تم استيفاؤه
لا يحتاج فيه إلي القبض فترك البيان لا يمنع صحة الاقرار. ولو قال بعد ذلك أنما قبضت منه
مائة درهم وقال الغريم كان للميت على ألف درهم وقد صح فيمنعه ذلك من أن يطالبه بشئ
بعد ذلك ولان بيان المقدار من الوصي للمستوفي غير مقبول في حق الغريم لأنه لا ولاية له
عليه في أن يلزم ذمته شيأ وقد استفاد البراءة باقراره مطلقا ولكن لا ضمان على الوصي
أيضا لان قول الغريم في بيان مقدار الدين غير مقبول في إلزام الضمان على الوصي فان اقرار
المرء إنما يصح فيما يلزم نفسه لا غيره وهو بهذا الاقرار لا يلزم نفسه وإنما يلزم الوصي فلا
128

معتبر باقراره ولكن القول في مقدار المقبوض قوله الوصي معه فان قامت البينة أن للميت على
الغريم ألف درهم أو قامت البينة على اقرار الغريم بذلك قبل إشهاده بالقبض فالوصي ضامن
لها لأنه قد أقر بقبض جميع ما للميت على فلان وقد ثبت بالبينة أنه كان للميت علي فلان
يومئذ ألف درهم فانصرف اقراره بالقبض إلى جميعها فان قال بعد ذلك قبضت مائة كان راجعا
عن بعض ما أقر به وذلك غير صحيح منه فيصير ضامنا بجحوده ولأنه ان قبض المائة فقد
تعذر باقراره استيفاء ما بقي من الغريم وصار هو متلفا لذلك على اليتيم والوصي بالاتلاف
يصير ضامنا والمنع من الاستيفاء كاتلاف المستوفى ايجاب الضمان (ألا ترى) أن شهود
الابراء إذا رجعوا ضمنوا لأنهم منعوه من الاستيفاء بشهادتهم فصاروا متلفين عليه والوكيل
في القبض في هذه بمنزلة الوصي لان الموكل أقامه مقام نفسه في القبض فاقراره بالقبض
مطلقا كاقرار الموكل به فإذا قال الوصي قبضت جميع ما للميت على فلان وهو مائة درهم
فقال فلان كان على ألف درهم وقد قبضها الوصي فقال الوصي إنما قبضت مائة فإنه يؤخذ
من الغريم تسعمائة لان الألف عليه قد ثبت باقراره والوصي ما أقر الا بقبض مائة لأنه
فسر مطلق اقراره موصولا بكلامه والكلام المطلق إذا اتصل به تفسير كان الحكم لذلك
التفسير فكأنه قال قبضت مائة درهم منه بخلاف الأول فان هناك لم يفسر اقراره المبهم
بشئ فكان المعتبر ما نص عليه وهو متناول لجميع ما كان واجبا علي الغريم قال ولا يصدق
الوصي أن جميع ما عليه مائة وكذلك الوكيل في هذا بخلاف الطالب وانه لو أقر انه قبض
جميع ماله على فلان فالمطلوب برئ من جميع الألف لان اقرار الطالب بقبض جميع ماله على
فلان وتفسيره ذلك بالمائة كلام صحيح معتبر فإنه إن كان الواجب ألفا يكون هو مبرئا عن
الزيادة بهذا والابراء من صاحب الحق صحيح بخلاف الوصي والوكيل فان ابراءهما لا يكون
صحيحا فلا يعتبر قولهما في اسقاط ما زاد على المائة إذا فسرا اقرارهما بالمائة موصولا (توضيح
الفرق) أن الطالب صار رادا لاقرار المقر فيما زاد على المائة بقوله ان جميع مالي عليه مائة ورد
الاقرار منه صحيح فاما الوصي والوكيل فرد الاقرار منهما باطل وقد ثبت باقرار الغريم
وجوب جميع الألف عليه وهما أقرا بقبض المائة فبقي الغريم مطالبا بتسعمائة ولو أن الوصي
باع خادما للورثة وأشهد أنه قد استوفى جميع ثمنها وهي مائة درهم وقال المشترى بل كانت
مائة وخمسين فلا شئ علي المشترى لان الوصي في الاقرار بالاستيفاء هنا بمنزلة صاحب الحق
129

لان وجوب الثمن بعقده وفيما يجب في العقد العاقد كالمالك ولهذا صح ابراؤه عند أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله وهو في الاستيفاء كالمالك بالاتفاق. ولو كان المالك هو الذي باع وأقر
بالاستيفاء بهذه الصفة كان المشترى بريئا عن جميع الثمن وكذلك الوصي ولكن لا يصدق
المشترى علي الوصي في إلزام الزيادة بل القول قول الوصي في مقدار الثمن لان المشترى لا ولاية
له على الوصي في إلزام ذمته شيأ والوصي في المقبوض أمين فالقول في مقداره قوله مع
اليمين وهذا لان المشترى بين الثمن بالاقرار بعد فراغ ذمته من الثمن وولاية بيان المقدار له
حال اشتغال ذمته باليمين لا بعد الفراغ منه كالبائع وإذا أقر بقبض الثمن فقد استقل ببيان
مقداره ولا يقبل قوله في حق الشفيع بخلاف ما قبل اقراره بالقبض والوكيل والمضارب في
هذا بمنزلة الوصي ولو أقر الوصي أنه استوفى من المشترى مائة درهم وهي جميع الثمن وقال
المشترى بل الثمن مائة وخمسون فللوصي ان يطالبه بالخمسين لأنه أقر بقبض المائة فقط
وقوله وهي جميع الثمن كلام لغو ولما ثبت باقرار المشترى أن الثمن مائة وخمسون كان له أن
يطالبه بالفضل بخلاف الأول فقد أقر هناك بقبض جميع الثمن أولا وذلك كلام معتبر منه
فليس له أن يطالب المشترى بشئ بعد ذلك قال. وكذلك لو باع صاحب المال مال نفسه وفي
هذا بعض اشكال ففي قوله وهي جميع الثمن معنى الحط لما زاد علي المائة فينبغي أن يكون له
أن يطالبه بالفضل ولكن يقول الحط والابراء تصرف في الواجب بالاسقاط وإن كان أصل
الوجوب لا يكون تصرفا في الواجب كانكار الزوج لأصل النكاح لا يكون تصرفا في النكاح
بالطلاق وقد ثبت باقرار المشترى أن الثمن مائة وخمسون وكان له أن يطالبه بالفضل ولو أقر
الوصي انه قد استوفى جميع ما للميت على فلان وهو مائة درهم فقامت البينة أنه كان له
مائتا درهم فان الغريم يؤخذ بالمائة الفاضلة ولا يصدق الوصي على ابطالها لان وجوب المال
هنا لم يكن بعقد الوصي فلا قول له الا فيما يرجع إلى الاستيفاء وقد أقر بأن المستوفى مائة
درهم موصولا بكلامه وقد ثبت بالبينة أن المال مائتا درهم وكان الغريم مطلبا بالباقي بخلاف
ما سبق فان وجوب المال هناك بعقد الوصي فكان قول الوصي قولا مطلقا فيما يرجع
إلى براءة المشترى فإذا أقر بقبض الجميع أولا صح اقراره في براءة المشترى ولو أقر
الوصي أنه قد استوفى جميع ما للميت عند فلان من وديعة أو مضاربة أو شركة أو بضاعة أو
عارية ثم قال الوصي بعد ذلك أنما قبضت مائة درهم وقال المطلوب قبض الوصي ألف درهم
130

وقامت البينة على ذلك فالوصي ضامن لذلك كله لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو
عاينا قبض الوصي الألف ثم جحد قبض ما زاد على المائة كان ضامنا فكذلك إذا ثبت
بالبينة وإن لم تقم البينة على هذا فالمطلوب غير مصدق على الوصي بل القول قول الوصي في
مقدار المقبوض لأنه أمين فيقبل قوله مع اليمين ولكن لا يرجع الوصي على المطلوب بشئ
لأنه كان أمينا فيما في يده فيقبل قوله في دفعه إلى الوصي في براءة نفسه عن الضمان بخلاف
ما تقدم من الدين فإنه ضامن لما في ذمته (الا ترى) انه لو لم يسبق الاقرار من الوصي
باستيفاء لكان القول في الأمانات قول الأمين في الدفع وفي الديون في الايفاء فكذلك
بعد اقرار الوصي ولكن قول الأمين مقبول فيما هو عليه وذلك براءة نفسه عن الضمان
لايجاب الضمان على الوصي والوكيل بالقبض في هذا كالوصي وإذا أقر الوصي أنه قبض
كل دين للميت على الناس فجاء غريم للميت وقال دفعت إليك كذا وقال الوصي ما قبضت
منك شيأ وما علمت أن للميت عليك شيأ فالقول قول الوصي لان اقراره بالقبض هنا
باطل فان الموصي لو أقر بهذا بنفسه كان باطلا منه لأنه المقر له بالقبض مجهول وجهالة المقر
له متى كانت فاحشة كانت تابعة صحة الاقرار ولو قامت البينة علي أصل هذا الدين لم يلزم
الوصي منه شئ لأنه لم يقر بقبض شئ من رجل بعينه ومعناه ما بينا أن الاقرار بالقبض
بمنزلة الاقرار بالدين للغريم فان المقبوض يصير مضمونا علي القابض للغريم ثم يصير قصاصا
بما له عليه واقراره بالدين للمجهول باطل فكذلك اقراره بالقبض من المجهول وكذلك لو قال
قبضت كل دين لفلان بالكوفة فهو باطل لجهالة المقر له والوكيل في هذا بمنزلة الوصي وإذا
أقر الوصي أنه قد استوفى ما على مكاتب فلان المائة وهو مائة درهم والمكاتب معروف
يدعى ذلك ويقول قبضت منى ألف درهم وهي جميع مكاتبتي فالقول قول الوصي في المائة
ويلزم المكاتب تسعمائة لان وجوب هذا الدين لم يكن بعقد الوصي وقد فسر اقراره بالمائة
بكلام موصول وإنما يصير مقرا بقبض المائة ويبقى المكاتب مطالبا بتسعمائة لان دعواه الايفاء
غير مقبولة بغير حجة وان أقر الوصي بقبض المكاتبة منه ولم يسم شيأ عتق المكاتب لان حق
الاستيفاء إلى الوصي فاقراره بالاستيفاء مطلقا يوجب براءة ذمة المكاتب كاقرار الوصي به
فان قامت البينة أن أصل المكاتبة ألف درهم أو ان المكاتب أقر بذلك قبل أن يشهد
الوصي بالقبض فالوصي ضامن لجميع الألف لان الاقرار بالقبض مطلقا ينصرف إلي جميع
131

بدل الكتابة وقد ثبت بالبينة أن جميع بدل الكتابة ألف درهم فكأنه أقر بقبض ذلك مفسرا
ولو أقر الوصي أن المكاتبة ألف درهم وقال قبض الميت منها تسعمائة في حياته وقبضت أنا
مائة بعد موته وقال المكاتب بل قبض مني الألف كلها فالمكاتب حر لاقرار الوصي بقبض
مبرئ في جميع بدل الكتابة فان قامت البينة للمكاتب علي اقرار الوصي انه قد استوفى جميع
ما كان علي المكاتب والثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة فتكون الألف كلها على الوصي في ماله
بعد أن يحلف الورثة ما يعلمون أن الميت قبض منها تسعمائة لان الوصي يدعى عليهم ما لو أقر به
لزمهم فيستحلفون عليه عند انكارهم ولكن الاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم فان
قيل كيف تصح هذه الدعوى من الوصي وقد قامت البينة على اقراره باستيفاء جميع ما على
المكاتب قلنا لان اقراره بهذا محتمل يجوز أن يكون هو المباشر للاستيفاء ويجوز أن يكون
الميت مباشر الاستيفاء بعضه فيضيف الوصي الاستيفاء لنفسه على معنى أن فعله متمم لاستيفاء
بدل الكتابة وموجب عتق المكاتب فلا يمنعه ذلك من دعواه أن الميت قد استوفى البعض
والوكيل في قبض بدل الكتابة في هذا كالوصي وعلى هذا لو أقر الوصي انه استوفي ما
كان على فلان من دين الميت فقال الغريم كان له علي ألف درهم فدفعتها إليك وقال الوصي
كان له عليك ألف درهم ولكنك أعطيته خمسمائة ودفعت إلى خمسمائة بعد موته فعلى الوصي
جميع الألف لإقراره بالاستيفاء ولكنه يحلف الردية على ما ادعى من قبض الميت نفسه والاشكال
في هذا كالاشكال في الأول وقد ظن بعض مشايخنا رحمهم الله ان وضع المسألة في الفصلين فيما
إذا انضاف فعل الاستيفاء إلى نفسه ولكنه أقر بفعل ما لم يسم فاعله فقال قد استوفى جميع ما علي
فلان وهذا غلط لأنه لا يلزم الوصي جميع المال لأنه ليس مقبول القول فيما يخبر به من الوصول
إليه إذا لم يسبق منه بخلاف ما لو أقر الوصي انه قد استوفى ما لفلان الميت على الناس من دين
استوفاه من فلان ابن فلان وقامت البينة أن للميت على رجل ألف درهم فقال الوصي ليست
هذه مما قبضت فإنها تلزم الوصي وكل من قامت عليه بينة أن للميت عليه مالا فإنه يلزم الوصي
ذلك لأنه أقر بالقبض من رجل بعينه واقراره للمعلوم بالمجهول صحيح كما أقر به وقد أقر بقبض
جميع ديون الميت من هذا الرجل وصحة القضاء من المتبرع كصحته ممن هو عليه ولو أقر
بقبض جميع ما للميت عليه كان ضامنا لكل ما يثبت للميت عليه بالبينة فكذلك هذا بخلاف
ما سبق فان اقراره بالقبض هنا من المجهول وذلك باطل وكذلك الوارث يكتب على الوارث
132

البراءة من كل ميراث ويكتب إليه عجلت نصيبك من كل شئ تركه الميت على الناس فهو
جائز عليه وإن لم يسمه لأنه أقر بالاستيفاء من معلوم وهو الوارث الذي عجل له ذلك والاقرار
بالمجهول للمعلوم صحيح ولو أقر الوصي انه قبض جميع ما في منزل فلان من متاعه وميراثه
ثم قال بعد ذلك هو مائة درهم وخمسة أثواب وأقام الورثة البينة انه كان في منزل فلان
يوم مات ألف درهم ومائة ثوب لم يلزم الوصي أكثر مما أقر به لأنه أمين في المقبوض
فالقول في بيانه قوله وليس من ضرورة كون الزيادة في منزله عند الموت قبض الوصي
لذلك فما لم يشهد الشهود أن الوصي قبض ذلك لا يصير ضامنا وهذا بخلاف ما تقدم من
الدين لان اقراره بالقبض هنا مطلقا موجب براءة المشترى عن الكل فقول الوصي متلف
لما زاد علي القدر الذي بينه مفصولا وهنا اقراره بقبض جميع ما في المنزل مطلقا لا يوجب
اتلاف شئ من الأعيان وقوله في بيان ما وصل إليه مقبول لما بينا فلا يكون هو ضامنا لما
زاد على ذلك لأنه لم يتلفه ولم يشهد الشهود بوصوله إليه وكذلك لو أقر أنه قبض ما في ضيعة
فلان من طعام وما في نخله هذا من ثمر وانه قبض زرع هذه الأرض ثم قال هو كذا وادعى
الوارث أكثر منه وأقام البينة انه كان في هذه الضيعة كذا وكذا لم يلزم الوصي زيادة على
ما أقر بقبضه لما بينا أن مطلق الاقرار لا يوجب اتلاف شئ ولا يلزم الا ما يثبت قبضه فيه
وإنما يثبت قبضه فيما أقربه فلا يلزمه الزيادة على ذلك إلا أن يشهد الشهود انه قبضه والله
أعلم بالصواب
* (باب الاقرار بالبيع والعيب فيه) *
(قال رحمه الله) وإذا أقر البائع أنه باع هذا العبد من هذا وبه هذا العيب وان
المشتري أبرأه منه فعليه البينة إذا جحد المشترى الابراء لان مطلق البيع يقتضى سلامة
المعقود عليه ووجود العيب يثبت للمشترى حق الرد فالبائع يدعى عليه اسقاط حقه بعد
ما ظهر سببه فلا يقبل قوله الا بحجة لان العيب فوات وصف من المعقود عليه والوصف
يستحق باستحقاق الأصل فصار ذلك الجزء حقا للمشتري باستحقاقه أصل المبيع والبائع
يدعى بطلان استحقاقه بعد ظهور سببه وإن لم يكن له بينة استحلف المشترى بالله ما أبراه ولا
رضى به ولا خرج من ملكه ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول إنما يستحلف بهذه الصفة إذا
133

ادعى البائع كله فاما إذا ادعى البائع الابراء استحلفه عليه لان اليمين حق البائع فإنما تتوجه
بقدر طلبه والأصح أن القاضي يستحلفه على ذلك كله صيانة لقضاء نفسه ولان البائع يدعى
سقوط حقه في الرد وهذه الأسباب مسقطة لحقه في لرد فصار كأنه ادعى جميع ذلك فلهذا
يستحلفه مفسرا بهذا الصفة. وان ادعى المشترى انه اشتراه وبه هذا العيب وهو عيب
يحدث مثله وجد البائع ذلك وأقر أنه باعه وبه عيب لم يسمه لم يلزمه بهذا الاقرار شئ لان
المشترى بدعواه معينا يصير مبرئا له عما سواه والبائع ما أقر بذلك العيب بعينه وإنما أقر
بعيب منكر والمنكر غير المعين فإذا لم يكن اقراره ملزما بقي دعوى المشترى الرد بعيب
يحدث مثله والبائع منكر لذلك والقول قوله مع يمينه ولو كان البائع اثنين فأقر أحدهما بعيب
وجحد الاخر كان للمشتري أن يرده علي المقر دون الاخر لان كل واحد منهما بائع لنصفه
واقرار المقر حجة عليه دون شريكه فإن كان البائع واحدا وله شريك مفاوض فجحد البائع
العيب وأقر به شريكه كان للمشترى أن يرده لان اقرار أحد المتفاوضين فيما يرجع إلى التجارة
ملزم شريكه فكان للمشترى أن يرده وفي الحكم كاقرارهما وإن كان الشريك شريك عيان
لم يكن للمشترى أن يرده باقراره لان الرد بالعيب من حقوق العقد فهو كأجنبي آخر (ألا ترى)
أن للمشترى أن يخاصم الشريك في هذا العيب بخلاف المفاوض إذا باع خادما من المضاربة
فأقر رب المال فيها بعيب لم يكن للمشترى أن يرده على المضارب بذلك لان حقوق العقد تتعلق
بالمضارب ورب المال في ذلك كسائر الأجانب (ألا ترى) انه لو نهاه المضارب عن البيع
لم يعمل بنهيه ولو أراد أن يفسخ عليه عقدا لم يملكه فكذلك اقراره بما يثبت حق الفسخ
للمشترى وكذلك لو كان رب المال هو الذي باع فأقر المضارب بالعيب لأنه أجنبي من حقوق
العقد الذي باشره رب المال وكذلك الوكيل بالبيع إذا باع وسلم ثم أقر الامر بعيب وجحده
الوكيل لم يلزم الوكيل ولا الامر من ذلك شئ لان الخصومة في العيب من حقوق العقد
والوكيل فيه منزل منزلة العاقد لنفسه فكان الامر أجنبيا من حقوق العقد فلهذا لا يثبت
للمشترى حق الرد باقراره ولو أقر الوكيل بالعيب وجحده الآمر كان للمشترى أن يرده
على الوكيل لأنه في حقوق العقد بمنزلة العاقد لنفسه فاقراره بثبوت حق الفسخ للمشترى
صحيح ولكن في حقه دون الامر لان الوكالة قد انتهت بالتسليم فلا يكون قول الوكيل بعد
ذلك ملزما للامر وإن كان العيب يحدث مثله فان أقام الوكيل البينة على أنه كان عند الامر
134

رده عليه لثبوت العيب بالحجة في يده وإن لم يكن له بينة استحلف الامر على دعواه فان
نكل رده عليه وان حلف فهو لازم للوكيل وفي شريكي العيان لو أقر البائع منهما بالعيب
وجحد شريكه رده عليه ولزمهما جميعا لان الوكالة التي بينهما ما انتهت لتسليم المبيع ولكنها
قائمة بقيام عقد الشركة وكان تصرف البائع منهما نافذا في حق شريكه (ألا ترى) انه لو
أقال المشتري أو اشتراه منه ابتداء يلزم شريكه فكذلك إذا رده عليه باقراره بخلاف الوكيل
على ما سبق وكذلك المضارب إذا أقر بالعيب لزمه ولزم رب المال لان النيابة في التصرف
باقية ببقاء المضاربة ولو اقاله العبد أو اشتراه لزم رب المال فكذلك إذا رده وان كانا شريكين
في سلعة خاصة فالبائع منهما بأمر صاحبه وكيل في بيع نصيبه وقد انتهت وكالته بالتسليم فاقراره
بعد ذلك يلزمه دون شريكه فلو باعها من آخر فطعن فيها المشترى الاخر بعيب وأقر به البائع
الثاني فان قبلها بغير قضاء القاضي لم يكن له أن يردها على البائع الأول سواء كان عيبا يحدث
مثله أولا يحدث مثله وهو الصحيح المشهور في عامة الروايات لان القبول بغير قضاء القاضي
بمنزلة الإقالة وهو فسخ بين المتعاقدين وبيع جديد في حق غيرهما فصار في حق البائع الأول
كان البائع الثاني اشتراه ابتداء وفي كتاب البيوع أشار إلى الفرق بين العيب الذي يحدث
مثله أولا يحدث فقال في العيب الذي لا يحدث مثله سواء قبله بقضاء أو بغير قضاء رده على
بائعه لتيقنه بوجوب العيب عند البائع الأول ولأنه فعل بدون القاضي غير ما يأمر به القاضي
لو رفع الامر إليه ولم يشتغل بالخصومة لأنه لم ير فيها فائدة والأصح هو الأول وان قبلها
بقضاء فإن كان العيب لا يحدث مثله فله أن يردها على بائعها سواء رد عليه باقراره أو
بنكوله أو ببينة قامت لان الرد بقضاء القاضي فسخ من الأصل وقد تيقنا بوجود العيب
عند البائع الأول فيردها عليه وإن كان عيبا يحدث مثله فله أن يخاصم بائعه ويثبت بالحجة
وجود العيب عنده ليردها عليه إن كان رد عليه باقراره وكذلك أن رد عليه بنكوله لان
النكول لا يكون أقوى من الاقرار وهذا إذا لم يكن منه جحود للعيب نصا فإن كان قال
بعتها وليس هذا العيب بها فاستحلفه فأبى أن يحلف فردها عليه فأراد خصومة البائع الأول
فيها واحتج البائع الأول عليه بقوله لم يكن هذا العيب بها فإنه لا يستطيع ردها على البائع
الأول لان من ضرورة جحوده كون العيب عند الاقرار بأنه لم يكن عند البائع الأول
واقراره حجة عليه للبائع الأول وهذا الجحود مطلق له اليمين فإذا امتنع من ذلك صار كالباذل
135

لفسخ المشترى منه فلا يكون له أن يخاصم بائعه كما لو قبله بغير قضاء قاض. وإذا باع دارا ثم
أقر انه باعها وفيها هذا العيب لصدع في حائط يخاف منه أو كسر في جذع أو في باب رده
عليه بذلك لان هذا العيب يمكن بقضاء باقي المالية وقد يقلل رغائب الناس فيه وقد ثبت كونه
عنده باقراره وكذلك لو باع أرضا فيها نخيل فأقر بعيب ببعض الثمر في نخلة أو شجرة والحاصل
أن المبيع كله في حكم شئ واحد فوجود العيب في جزء منه كوجوده في جميعه وكذلك الثياب
والعروض والحيوان يقر البائع فيه بعيب ينقص الثمن لان ما ينقص الثمن يعده التجار عيبا ويقلل
رغائبهم في السلعة فيثبت حق الرد به ولو قال بعتك هذا الثوب وبه حرق فجاء المشترى بحرق
آخر فقال بعتنيه وهذا به وقال البائع ليس هذا الذي أقررت لك به وهذا حدث عندك ولم يكن
بالثوب حرق غيره ولم يصدق البائع على ما قال لأن الظاهر يكذبه لان الحرق الموجود في
الثوب لا ينعدم بحيث لا يبقى له اثر لأنه ما أن يخاط أو يرفأ وأثرهما يكون ظاهرا فإن لم ير
في الثوب حرق ظاهر أولا أثر لحرق سوى ما عينه المشترى عرفنا أن ما أقر به البائع هو الذي
عينه المشترى فله أن يرده بذلك ولو قال كان هذا الحرق صغيرا وزاد فيه فالقول قول البائع
لأنه أقر بأصل الحرق لا بمقداره فالقدر الذي ادعى المشترى لم يسق من البائع اقرار به
فكان القول فيه قول البائع لانكاره والحرق في ذلك قياس الخرق ولو كان فيه حرق
غير ذلك فقال بعتك هذا الثوب وهذا به ولم يكن الآخر به فالقول قوله مع يمينه لان
بيانه مطابق لمطلق كلامه فإنه أقر بالحرق في الثوب والذي عينه سوى ما أراد المشترى الرد
به فخرج به عن عهدة اقراره يبقى دعوى المشترى للحرق الثاني والبائع منكر له فالقول
قوله مع يمينه ولو قال بعته هذا العبد وبه قرحة ثم جاء المشترى يريد رده فقال البائع قد برأ
العبد من تلك القرحة وهذه غيرها فالقول قوله لان القرحة تزول بحيث لا يبقى لها أثر بعد
البرء فلم يكن من ضرورته اقرار البائع كون هذه القرحة التي عينها المشتري موجودة عنده
وكذلك أن سمى البائع نوعا من العيوب صدق انه قد ذهب وهذا غيره إن كان ذلك مما يبرأ
ويذهب ولو أقر أنه باعه اقطع اليد فجاء به المشترى وهو اقطع اليدين لم يكن له ان يرده
ولكن يرجع بنقصان العيب في يد واحدة لان اقرار البائع لم يتناول الا قطع يد واحدة فقطع
اليد الثانية عيب حادث عند المشترى فيمنعه من الرد ويرجع بنقصان العيب بعد ما يحلف البائع
بالله ما باعه وهو كذلك وإن كان للعبد أصبع زائدة فللمشتري أن يرده به ان أقر البائع أو
136

أنكر لان هذا لا يحدث مثله عادة فقد تيقنا بوجودها عند البائع فيرده المشترى إلا أن
يثبت البائع سببا مانعا من الرد وقد تستوى هذه المواضع في الخصومة في العيب بين حضرة
العبد وغيبته إذا كان البائع مقرا بوجود العيب به في الحال (ألا ترى) أن الخصومة في
موت العبد مسموعة وإذا أقر الرجل انه باع عبده هذا من فلان وقبض الثمن منه ولم يسمه
فهو جائز لان حكم البيع في الثمن ينتهى بقبضه فترك التسمية فيه لا يمنع صحة الاقرار لان
التسمية إنما يحتاج إليها فيما تتوجه المطالبة به ويحتاج إلى قبضه وذلك معدوم في الثمن المقبوض
ولو سمى وأقر أنه قبضه كان هذا أجوز من الأول لأنه أقرب إلى قطع المنازعة والخصومة
فقد تقع الحاجة إلى معرفة مقدار الثمن عند استحقاق المبيع أورده بالعيب فإذا كان مسمى
لا تمكن فيه المنازعة ولو سمى ثمنا وقال لم أقبضه وقال المشترى قد قبضه فالقول قول البائع مع
يمينه والبينة على المشترى لان الثمن دين لازم للبائع في ذمة المشتري فإذا ادعى بقاءه كان
عليه اثباته بالبينة فإن لم يجدها فالقول قول البائع مع يمينه لانكاره فان اقراره بالبيع لا يتضمن
الاقرار بقبض الثمن كما أن اقرار المشترى بالشراء لا يتضمن الاقرار بقبض السلعة وليس له
أن يأخذ العبد حتى ينقذ الثمن لان مطلق البيع عن حال يثبت حق الحبس للبائع ما دام المبيع
في يده فإن كان المشترى قد قبضه فعليه أن ينقد الثمن وليس للبائع أن يسترد العبد لان
ثبوت حقه في الحبس سقط بتسليمة إلى المشترى وقد سلمه وهذا لان مطلق فعل المشترى
محمول على ما يحل شرعا ما لم يظهر خلاف الذي لا يحل شرعا كالقبض بغير إذن البائع ولان خروج
المبيع من يد البائع مبطل حقه في الحبس إلا أن يثبت انه كان يعتبر رضاه ولو أقر أنه باعه
منى أو قبضه منى ثم استحق العبد أو رده المشترى بعيب كان القول قول البائع في الثمن لأنه
دين للمشترى في ذمة البائع فالقول في بيان مقداره قال المديون ولا يصدق صاحب الدين
علي دعوى الزيادة الا بحجة ولو أقر انه باعه منه بألف درهم فقال المشترى اشتريته بخمسمائة
وقد خرج نصف العبد من ملك المشتري فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله القول قول المشترى في
الثمن وهذا بخلاف ما قال في البيوع إذا تعيب المبيع في يد المشترى ثم اختلفا في الثمن لم يتحالفا
إلا أن يشاء البايع أن يسترد العبد ولا يأخذ للعيب شيأ لان هناك لم يسلم للمشتري شئ
فيصح رضا البائع بسقوط حقه في حصة العيب فيتحالفان عند ذلك وهنا ما أخرجه المشترى من
137

قول المشترى سواء رضى البائع باسترداد ما بقي أو لم يرض وعلى قول أبى يوسف رحمه الله
القول في الثمن قول المشترى مع يمينه إلا أن يمينه إلا أن يرضى البائع أن يأخذ ما بقي منه ويتبع المشترى
بحصة ما خرج من ملكه على قول المشترى فحينئذ يجرى التحالف لان من أصل أبى يوسف
رحمه الله أن تعذر جريان التحالف في بعض المعقود عليه لا يمنع التحالف فيما بقي كما في العبدين
إذا هلك أحدهما ثم اختلفا في الثمن يتحالفان في القائم إلا أن هناك هلاك أحدهما لا يوجب
عيبا في الاخر فلم يشترط فيه رضا البائع وهنا خروج بعض العين عن ملكه يوجب العيب
فيما بقي فلهذا شرط رضا البائع بالفسخ فيما بقي منه لجريان التحالف بينهما وكذل في العبدين قال
أبو حنيفة رحمه الله إذا رضي بأن لا يأخذ من ثمن الهالك شيأ تحالفا في القائم لان هناك لم يسلم
للمشترى شئ فرضاه بذلك مسقط لحقه في تضمين الهالك للمشترى بمنزلة ما لو قبضه باذنه
بغير عقد فاما على قول محمد رحمه الله فيحالفان ويترادان قيمة العبد إلا أن يشاء البائع أن يأخذ
ما بقي من العبد وقيمة ما استهلك المشترى لان خروج جميع العبد من ملكه لا يمنع جريان
التحالف عند محمد رحمه الله فكذلك خروج بعضه وما بقي يتعيب لخروج البعض عن ملكه
فثبت للبائع الخيار وان شاء رضي بعيبه فاسترده مع قيمة ما استهلك منه المشترى وان شاء لم
يرض واسترد جميع قيمة العبد منه وإذا أقر أنه باع هذا العبد من فلان بألف درهم فقال ما
اشتريته منك بشئ ثم قال بلى قد ابتعته منك بألف درهم وقال البائع ما بعتكه فالقول قوله
المشترى وله أن يأخذه بالثمن لان البيع لم يبطل بمجرد انكاره الشراء (ألا ترى) أن البائع
لو أقام البينة فقضى القاضي بالشراء فإنما وجد التصديق من المشترى في حال قيام البيع بينهما
ولا معتبر بجحود البائع بعد ذلك والدليل عليه أن بعد جحود المشترى لو استحلفه البائع فأبى
أن يحلف ثبت البيع بينهما حتى يقضى به القاضي فإذا أقر به المشترى أولى أن يثبت البيع ولو
كان حين جحد المشترى الشراء قال البائع صدقت لم تشتره ثم قال المشترى بعد ذلك قد اشتريته
لم يلزمه البيع ولم يقبل منه بينة على ذلك لان البائع حين صدقه في انكار الشراء انتقض البيع
بينهما بتصادقها فإنهما يملكان فسخ العقد فتجاحدهما له يكون فسخا (ألا ترى) أن البائع
لا يتمكن من اثبات البيع بالبينة بعد ذلك ولا يكون له أن يحلف المشترى فكذلك لم تصح
دعوى المشترى البيع بعد ذلك ولم يقبل منه بينة على ذلك للتناقض في كلامه إلا أن يصدقه
البائع على ما يدعى من الشراء بعد ذلك فحينئذ تصادقهما على الشراء بمنزلة البيع المستقبل كما
138

كان تجاحدهما بمنزلة الفسخ إذا التجاحد لم يكن فسخا في الحقيقة وإنما جعل ذلك بمنزلة الفسخ
في الحقيقة فإذا تصادقا على أن البيع كان منعقدا بينهما حقيقة ظهر البيع بهذا التصادق ولو أنه
باع هذا العبد من فلان ولم يسم ثمنا فقال فلان اشتريته منك بخمسمائة وجحد البائع أن يكون
باعه بشئ فالقول قوله البائع مع يمينه لان اقرار البائع بالبيع من غير تسمية الثمن ليس بشئ
كايجابه البيع من غير تسمية الثمن وهذا لان الاقرار ما يمكن العمل والالتزام بحكمه ولا
يمكننا أن نلزمه بيعا بثمن مسمى بهذا الاقرار لأنه لا يقر بذلك ولا يكون البيع الا بثمن
مسمى فلهذا كان اقراره باطلا بقي دعوى المشتري بالبيع بخمسمائة والبائع منكر لذلك فالقول
قوله مع يمينه وكذلك لو أقر المشترى بالشراء من غير تسمية الثمن وادعى البائع بيعه منه بثمن
مسمى فهذا والأول سواء واقرار المشترى غير ملزم إياه شيأ لما بينا وهذا بخلاف ما سبق من
الاقرار بالبيع والقبض فإنه صحيح بدون تسمية الثمن لان العمل بموجب ذلك الاقرار ممكن
فان موجبه إلزام تسليم المبيع لانتهاء حكم العقد في الثمن بالقبض فلهذا كان الاقرار صحيحا ولو
أقر انه باعه من فلان ثم قال لا بل من فلان فهذا كله باطل لتعذر إلزام شئ بحكمه ويحلف
لكل واحد منهما ادعى شراء بثمن مسمى بمنزلة ما لو لم يسبق ذلك الاقرار من البائع ولو
ادعى انه اشترى هذا من هذا الرجل فجحده البائع فادعى المدعى أن العبد كان له في الأصل
وأقام البينة علي ذلك لم تقبل بينته لان دعواه الشراء منه اقرار بان أصل الملك كان له فان
الاستيام في احدى الروايتين اقرار بالملك للبائع فالشراء أولى وعلى الروايتين جميعا هو أقر بأنه
لاحق له فيه فكان في دعواه الملك ثمن الأصل بعد هذا مناقضا والمناقض لا قول له ولا تقبل
بينته ولو أقر انه باع عبده من فلان ولم يسم العبد ثم جحد فهذا الاقرار باطل لتعذر الالزام
بحكمه فان الاقرار بالبيع في عبد يعبر عنه كايجاب البيع في عبد يعبر عنه وكذلك أن أقر أنه
باع عبده من فلان غير أن الشهود لا يعرفونه بعينه ومراده من هذا أنهم شهدوا على اقراره
ببيع عبد وقالوا لا نعرفه بعينه لو أشهدهم على اقراره بذلك وهم لا يعرفون العبد بعينه فهذا كله
باطل لتعذر الالزام بحكمه وهو علي هذا لو كان الاقرار في دار أو ثوب أو دابة فان حدد
الأرض والدار وسمى الثمن فهو جائز لان التحديد فيما يتعذر احضاره بمنزلة الإشارة إلى
العين فيما يتيسر احضاره بدليل سماع الدعوى والشهادة باعتباره وكان هذا اقرارا ملزما فان
جحد البائع بعد ذلك فشهد الشهود باقراره ولا يعرف الشهود الحدود قبلت هذه الشهادة بعد
139

ان يقيم البينة على معرفة الحدود لان عند قيام البينة على ذلك كان اقراره ملزما فكان العمل
بها متمكنا فالبينة عليه تكون مسموعة وكذلك لو كان المشترى أقر بالشراء ثم جحد وادعى
البائع ذلك فهذا والأول سواء لما بينا ويجوز اقرار شريك العنان على شريكه في بيع شئ بينه
وبين شريكه وفي شراء شئ قائم بعينه في يد البائع لأنه أقر بملك أنشأه فان كل واحد منهما
يملك انشاء البيع والشراء في حق شريكه ما دامت الشركة بينهما قائمة فتنتفى التهمة عن اقراره
بذلك فلهذا صح اقراره وله على شريكه ثمن حصته وكما لو أنشأ الشراء أو ما أقر به من شراء
شئ مستهلك يكون دينا يلزمه دون شريكه إلا أن يقر به شريكه فان أقر به فالثابت
بتصادقهما كالثابت بالمعاينة وان جحدا وكل واحد منهما في حق صاحبه وكيل بالشراء
والوكيل لا يقبل اقراره بالشراء إذا كان المبيع مستهلكا في إلزام الثمن في ذمة الموكل فكذلك
الشريك لا يقبل اقراره في إلزام الدين في ذمة شريكه لأنه بعقد الشركة يتسلط على التصرف
في المال المشترك ولا يتسلط على ذمة شريكه في إلزام الدين فيها وهذا الاقرار يوجب الدين
في ذمة شريكه من غير ملك يظهر له بمقابلته في العين فلا يقبل قوله فيه بخلاف ما إذا كان
المبيع قائما بعينه وأما المضارب فإذا أقر بالمضاربة ببيع أو بشراء فهو مصدق في ذلك فيها
أو في الدين اعتبارا للاقرار بالانشاء ولو أنشأ الشراء صح منه وكان الثمن دينا على رب المال
حتى إذا هلك مال المضاربة في يده قبل أن ينفذه رجع عليه فكذلك اقراره بالشراء يكون
صحيحا مطلقا لانتفاء التهمة ولو وكل رجل رجلا يبيع عبد له وأقر الوكيل انه قد باعه من
فلان بألف درهم وصدقه وجحد الوكيل فالعبد لفلان بألف درهم لان ملك الامر باق بعد
الوكالة وهو مالك لانشاء البيع فيه فيصح اقراره بذلك سواء أضافه إلى نفسه أو إلى وكيله
غير أن الآمر مع المشترى لا يصدقان في إلزام العهدة علي الوكيل ومتى تعذر ايجاب العهدة
عليه يتعلق بأقرب الناس إليه وهو الموكل كما لو كان الوكيل بالبيع صبيا محجورا ولو أمر رجل
رجلا بشراء عبد بعينه له فأقر الوكيل انه اشتراه بألف درهم وصدقه البائع وجحده الآمر
فالقول قول الوكيل لأنه أقر بما يملك انشاءه ولو أقر بشراء عبد بغير عينه وسمي جنسه
وصفته وثمنه فأقر الوكيل انه قد اشترى هذا العبد للآمر بالثمن الذي سماه له وجحد الآمر
فإن كان الثمن مدفوعا إلى الوكيل فالقول قوله لأنه أمين فيما دفع إليه من الثمن وقد أخبر بأداء
الأمانة فيه ومباشرة ما كان مسلطا على مباشرته فيكون مصدقا فيه وإن لم يكن الثمن مدفوعا
140

إليه لم يصدق في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إذا كان العبد
قائما بعينه وكان مثله يشترى بذلك الثمن فالقول قول الوكيل وكلامهما ظاهر لان الوكيل أقر
بما به يملك انشاءه فيقبل اقراره فيه كما لو كان العبد معيبا ولكن أبو حنيفة رحمه الله يقول
تتمكن التهمة في اقراره هذا من وجهين أحدهما أنه ربما اشترى هذا العبد لنفسه فظهر أنه
مغبون فيه فأراد أن يلزمه الآمر وهذا لا يوجد في العبد المعين لأنه لا يملك شراءه لنفسه
بالثمن المسمى له والثاني أنه ربما كان هذا العبد في الأصل مملوكا له وهو يريد أن يلزمه
الآمر بهذا الاقرار ولو باشر شراءه من نفسه للآمر لم يصح فتتمكن التهمة في اخراج
كلامه مخرج الاقرار فلهذا لم يصح اقراره وإنما تعتبر هذه التهمة إذا قصد إلزام الثمن ذمته
لأنه لا ولاية له على ذمته في إلزامه مطلقا بخلاف ما إذا كان الثمن مدفوعا إليه لأنه لا يلزم ذمة
الآمر شيأ بل يجبر بأداء الأمانة فيما يجهل اضافته وإذا كان الآمر قد مات ثم أقر الوكيل بشراء
هذا العبد فإن كان الثمن في يده بعينه أو في يد البائع أو كان الآمر لم يدفع الثمن إليه لم
يصدق الوكيل علي الآمر أما إذا لم يكن الثمن مدفوعا إليه فظاهر وكذلك أن كان الثمن
مدفوعا إليه لان الوكالة قد بطلت بموت الآمر وصار ما في يده من الثمن ملكا للورثة فهو
بهذا الاقرار يريد ابطال ملكهم في الثمن فلا يقبل قوله في ذلك بخلاف حال حياة الآمر لان
الوكالة قائمة وهو يملك اخراج الثمن من ملكه بانشاء الشراء فكذلك الاقرار وإذا لم يقبل
اقراره هنا يكون مشتريا لنفسه ويلزمه الثمن إلا أن يحلف الورثة على عملهم لأنهم لو أقروا
بما ادعاه لزمهم والاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم وإن كان قد استهلك البائع الثمن
فالقول قول الوكيل ويلزم البيع الميت لأنه بهذا الاقرار لا يخرج شيأ من ملك الورثة ولكنه
ينكر وجوب الضمان عليه فما كان أمينا فيه فالقول قوله في ذلك وهذا مستحسن قد بيناه
فيما أمليناه من شرح الجامع وإذا دفع رجل إلى رجل عبدا وأمره ببيعه ثم مات الامر فأقر
الوكيل انه باعه بألف درهم وقبضه فإن كان العبد قائما لم يصدق الوكيل لان الوكالة بطلت
بموت الآمر والعبد صار مملوكا للوارث فاقراره بما يبطل فيه ملك الوارث باطل وإن كان
مستهلكا صدق لأنه لا يبطل اقراره ملكا للوارث وإنما ينكر وجوب الضمان عليه فيما كان
أمينا فيه ولو كان العبد لرجل أجنبي وقد استهلك المشترى العبد فقال رب العبد للبائع أنا
أمرتك بالبيع فلي الثمن وقال الوكيل لم تأمرني فالقول قول رب العبد وله الثمن لان الثمن
141

يملك بملك الأصل والأصل كان مملوكا لرب العبد فالثمن يكون له والوكيل بجحوده
الآمر مناقض من وجه لان اقدامه على البيع كالاقرار منه بصحته وصحته باذن صاحب
العبد ومن وجه آخر هو لا يدعى لنفسه شيأ بهذا الجحود لأنه إن لم يكن مأذونا فلرب العبد
أن يضمن المشترى القيمة وى رجع المشترى بالثمن على البائع فيأخذ رب العبد منه هذا الثمن
بحساب القيمة فإن لم يكن الوكيل مدعيا لنفسه شيأ لم يقبل قوله وكذلك أن كان العبد قائما
وهذا أظهر لان رب العبد يملك إجازة البيع فيه فلا تتمكن التهمة في اقراره بالاذن ولو لم يأمره
بذلك ولكنه أجاز البيع فإن كان العبد قائما بعينه جاز وإن كان مستهلكا لم يجز لان الإجازة
في نفوذ العقد وثبوت حكمه بمنزلة الانشاء فإنما تصح الإجازة في محل يصح انشاء الله البيع فيه
وان كأن لا يعرف أنه حي أو مستهلك فالبيع جائز حتى يعرف أنه ميت لأنه عرف حياته
وما عرف ثبوته فالأصل بقاؤه ويجب التمسك به حتى يعلم خلافه وإن كان قطع يده ثم أجاز
البيع فالأرش للمشترى لأنه بمنزلة الزيادة المنفصلة والمشتري عند الإجازة يستحق المبيع بالزيادة
المنفصلة وهذا لان البيع الموقوف سبب ملك تام فإنما يوجد قطع اليد وللمشتري فيه سبب
ملك تام فإذا تم له الملك بذلك السبب ملك الأرش وإن لم يجز البيع فالأرش لرب العبد لان
اليد المقطوعة على ملكه المتقرر فبدله يكون له وان أقر رب العبد انه أجاز البيع بعد ما وقع البيع
بيوم وقال المشترى لم يجز والعبد قائم فالقول قول رب العبد لأنه يملك انشاء الإجازة في
الحال ولا يمين عليه لأنه غير متهم في اخراج الكلام مخرج الاقرار ولو كان العبد ميتا
فالقول قول المشترى لان رب العبد لا يملك الإجازة في الحال فلا يقبل قوله في الاقرار به
وعلى المشترى اليمين على علمه لأنه لو أقر رب العبد بما ادعاه لزمه فإذا كان العبد قبله رجل
فوجب عليه قيمته فهو بمنزلة الميت لان ابتداء الإجازة فيه لا يصح كما لا يصح انشاء العقد فهو
والميت في حكم الإجازة سواء والله أعلم
* (باب الاقرار بالنكاح والطلاق) *
(قال رحمه الله) رجل أقر أنه تزوج فلانة بألف درهم في صحة أو مرض ثم جحده
وصدقته في حياته أو بعد موته فهو جائز لان النكاح ظهر في حقه باقراره ثم لا يبطل
بجحوده رجوعه فالرجوع عن الاقرار باطل فإذا اتصل به تصديق المقر له استند التصديق
142

إلى وقت الاقرار وكان كالموجود يومئذ فيثبت النكاح ولها الميراث والمهر إلا أن يكون
فيه فضل علي مهر مثلها فيبطل الفضل إذا كان في المرض لأنها وارثة وهو متهم في الاقرار
للوارث وما زاد علي مهر المثل لو ثبت إنما يثبت باقراره فاما مقدار مهر المثل فيثبت حكمه
لصحة النكاح فلا تتمكن التهمة في اقراره به ولو أقرت المراة في صحة أو مرض انها تزوجت
فلانا بكذا ثم جحدته فان صدقها الزوج في حياتها يثبت النكاح لما بينا أن جحودها بعد
الاقرار باطل وان صدقها بعد موتها لم يثبت النكاح في قول أبي حنيفة رحمه الله ولا ميراث
للزوج منها وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يثبت النكاح اعتبارا لجانبها بجانبه بعلة أن
النكاح ينتهى بالموت فإنه يعقد للعمر فمضى المدة بنهيه ولهذا يستحق المهر والميراث وإن لم
يوجد الدخول والمنتهى متقرر في نفسه فيصح التصديق ففي حال تقرر المقرر به كما يصح قبل
تقرره وأبو حنيفة رحمه الله فرق بينهما وأشار إلى الفرق في الكتاب فقال لان الفراش له
عليها لا لها وتقرير هذا من أوجه أحدها أن العدة تبقى بعد موته عليها والعدة من حقوق
النكاح عليها فبقاؤها كبقاء النكاح في صحة التصديق وبعد موتها لا عدة في جانب الزوج
فقد فات المقر به لا إلى أثر فلا يعمل التصديق بعد ذلك والثاني أن الزوج مالك لحكم
النكاح والمرأة محل الملك وبعد فوات المحل لا يتصور بقاء الملك حكما فيبقى الملك ببقاء المحل
فيعمل بتصديقها ولهذا حل لها أن تغسله بعد موته ولم يكن له أن يغسلها بعد موتها والثالث أن
الفراش لما كان له عليها فالزوج في التصديق بعد موتها مدع لنفسه لا أن يكون مقرا لها
بشئ لان حقها كان في ملك الحل وقد انقطع بموتها بالكلية فاما بعد موت الزوج فالتصديق
من المرأة اقرار له على نفسها بالفراش فيصح التصديق بهذا الطريق ثم يبتني عليه حكم الميراث
والمهر وكذلك لو لم تكن المرأة جحدت بعد اقرارها حتى ماتت فهو علي هذا الخلاف كما
بينا وان أقرت المرأة أنها تزوجت هذا الرجل وهي أمة وقد كانت أمة ثم عتقت وقال
الزوج قد تزوجتها بعد العتق أو قبله فهو سواء والنكاح جائز لأنهما تصادقا على نفوذ النكاح
إن كان بعد العتق فظاهر وإن كان قبل العتق فقد كان يوقف علي سقوط حق المولى أو
سقط حقه بالعتق ثم الأصل بعد هذا فيما ذكر من المسائل أن أحد الزوجين متى أضاف
الاقرار بالنكاح إلى حال ينافي أصل العقد لانعدام الأهلية يكون القول قوله إلا أن يثبت
الآخر ما يدعيه بالبينة وذلك مثل أن يقول تزوجتك قبل أن أخلق أو قبل أن أولد أو قال
143

تزوجتك وأنا صبي فان الصبا يمنع الأهلية للعقد بدون اذن الولي أو يقول تزوجتك وأنا نائم
فان النوم حال معهودة في الانسان تنافى أصل العقد وان قال تزوجتك وأنا مجنون فان علم
جنونه قبل ذلك فالقول قوله لأنه أضاف العقد إلى حال معهودة تنافى أهلية العقد فكان منكرا
معنى وان كأن لا يعرف جنونه فالنكاح لازم له لأنه أضافه إلي حال غير معهودة فيه ولا
تثبت هذه الحال بخبره فاما إذا أضاف أحدهما النكاح إلى حال لا تنافى أصل النكاح كانعدام
الأهلية ولكن يمنع ثبوت الحل وانعقاد العقد لانعدام شرطه لا يصدق في الإضافة ويجعل
القول قول صاحبه لان شرط الشئ تابع له فاقراره بأصل العقد اقرار بشرائطه فهو بعد
ذلك في هذه الإضافة راجع عن الاقرار بباطل وبيانه أنه لو ادعى أحدهما ان النكاح كان
بغير شهود أو في حال ادعى تمجس المرأة قبل أن تسلم أو في عدة الغير أو تزوجها وأختها تحته
أو تزوجها وتحته أربع نسوة فإنه لا يصدق في هذه الإضافة لان امتناع ثبوت النكاح في
هذه الأحوال لمعنى في المحل والمحل في حكم المشروط واقراره بالعقد اقراره بشرطه إلا أن
المرأة ان كانت هي التي ادعت هذه الموانع فالنكاح جائز لازم لها وإن كان الزوج هو الذي
ادعى ذلك يفرق بينهما لأنه أقر بحرمتها عليه وذلك بمنزلة تطليقه إياها وإن كان قبل الدخول
بها فلها نصف المسمى وإن كان بعد الدخول بها فلها جميع المسمى ونفقة العدة وكذلك لو أقر
انه كان طلقها ثلاثا ثم تزوجها قبل أن تنكح زوجا غيره وقالت هي ما طلقتني أو تزوجت
غيرك ودخل بي فإنه يفرق بينهما لإقراره بذلك وعليه نصف المهر لها قبل الدخول وجميع المهر
ونفقة العلة الدخول لما بينا ولو أقر انه تزوجها أمس وقال إن شاء الله موصولا وقالت هي
ما استثنى لم يلزمه النكاح وكذلك لو أقرت هي بالنكاح وادعت الاستثناء وادعى هو النكاح
لان الاستثناء إذا اتصل بالكلام فهو بمنزلة الشرط مانع كون الكلام ايجابا فكان هو بهذا
اللفظ منكرا لأصل العقد لا مقرا به فيجعل القول في ذلك قوله والذي بينا في النكاح مثله
في الطلاق في دعوى الاستثناء وفي الإضافة إلى حال منافية لأصل الطلاق كحال النوم والصبا
والجنون إذا كان يعرف ذلك أنه إصابة للمعنى الذي بينا ولو قال رجل لامرأة ألم أتزوجك
أمس أو أليس تزوجتك أمس أو أما تزوجتك أمس فقالت بلى وجحد الزوج فهذا اقرار
بالنكاح منهما لما بينا فيما سبق ان جواب الاستفهام بنفي يكون حرف بلى وما تقدم من الخطاب
يصير معادا في الجواب وعلى هذا الطلاق إذا قال ما طلقتك أمس أوليس قد طلقتك أمس
144

فقالت نعم أو بلي فهذا اقرار بالطلاق وكذلك أن قالت المرأة ذلك وقال الزوج بلى فهو اقرار
لما بينا ولو قال لها قد تزوجتك أمس فقالت لا ثم قالت بلي وقال هو لا لزمه النكاح لان اقراره
لم يبطل بتكذيبها فان النكاح عقد لازم لا يبطل بجحود أحد الزوجين فصح تصديقها بعد
التكذيب ويثبت النكاح بينهما ثم إن أنكر الزوج النكاح بعد ثبوته بتصادقهما فلا معتبر
بإنكاره وإذا أقر انه طلقها منذ ثلاثة أشهر فإن كان تزوجها منذ شهر لم يقع عليها شئ لأنه
أضاف الطلاق إلى وقت قبل النكاح ولا طلاق قبل النكاح وإن كان تزوجها منذ أربعة أشهر
وقع الطلاق عليها لكونه مالكا للانتفاع في الوقت الذي أسند الطلاق إليه إلا أنها ان صدقته
في الاسناد فعدتها من حين وقع الطلاق وان كذبته في الاسناد فعدتها من وقت اقرار الزوج
به لان في العدة حقها من حيث إنها تستوجب النفقة والسكنى فلا يقبل قوله في الاسناد
إذا لم تصدقه في ذلك لما فيه من ابطال حقها ولو قال فلانة طالق وذلك اسم امرأته أو قال عنيت
غيرها لم يصدق في الحكم لان كلامه ايقاع شرعي ولأنه له الايقاع على زوجته دون غيرها
فإذا قال عنيت غيرها كان الظاهر مكذبا له في مقالته فلا يصدق في الحكم وكذلك لو قال
ابنة فلان طالق واسم أبيها ما قال طلقت ولم يصدق في قوله لم أعن امرأتي وكذلك لو نسبها
إلى أمها أو إلى ولدها فإذا قال عنيت غيرها يكون الظاهر مكذبا له في مقالته وكذلك كلامه صالح
للايقاع عليها فهو بما يدعى بعد ذلك يريد أن يخرج كلامه من أن يكون ايقاعا فلا يصدق
علي ذلك في الحكم ولو أقر بعد الدخول أنه كان طلقها قبل أن يدخل بها وقد سمى لها مهرا
فالطلاق واقع عليها لأنه أضاف الطلاق إلى وقت لا ينافي الوقوع فيه فيجعل موقعا للطلاق
ولها عليه مهر ونصف لأنه أقر أن نصف المهر عليه بالطلاق قبل الدخول وانه وطئها بالشبهة
بعد ذلك فيلزمه مهر بالوطئ ونصف مهر بالطلاق قبل الدخول والله أعلم بالصواب
* (باب اقرار المحجور المملوك) *
(قال رحمه الله) وإذا حجر القاضي على حر ثم أقر المحجور عليه بدين أو غصب أو
بيع أو عتق أو طلاق أو نسب أو قذف وزنا فهذا كله جائز عليه في قول أبي حنيفة وأبى
يوسف رحمهما الله الأول لان الحجر على الحر بسبب السفه باطل عندهما فاقراره بعد الحجر
كاقراره قبله (ألا ترى) انه لو شهد قبلت شهادته إن كان عدلا ومعنى هذا معنى
145

الاستشهاد وان الاقرار ملزم كالشهادة فإذا كان سبب السفه لا يؤثر في افساد عبارته ولا
يخرجه من أن يكون ملزما بطريق الشهادة فكذلك بطريق الاقرار على قول أبى يوسف
رحمه الله الآخر وهو قول محمد رحمه الله والحجر عليه صحيح ولا يجوز اقراره بعد ذلك بدين
ولا بيع كما لا يجوز مباشرته هذه الأسباب عندهما * والحاصل ان تأثير الحجر عندهما كتأثير
الهزل لان فعل السفيه لا يكون علي نهج أفعال العقلاء لمكابرته عقله كما أن فعل الهازل
لا يكون على نهج أفعال العقلاء لقصده غيره فكل ما أثر فيه الهزل أثر فيه الحجر فلا يصح
اقراره به وما لا يؤثر فيه الهزل لا يؤثر فيه الحجر ولكن هذا يبطل بالشهادة حتى إذا علم
القاضي أن الشاهد قد قصد الهزل بشهادته لا تقبل شهادته ثم الحجر لا يكون مؤثرا فيه وهذه
مسألة كتاب الحجر. وإذا أقر الرجل لصبي صغير لقيط بدين مائة درهم فهو لازم له لان
الصغير أهل أن يجب له الحق على غيره وتصحيح الاقرار محض منفعة له والصبا لا يوجب
الحجر عن ذلك وكذلك لو قال أقرضني الصبي والصبي بحال لا يتكلم ولا يقرض فالمال
لازم له لاحتمال أن يكون الولي باشر هذا السبب وإضافة المقر به إلى الصبي بطريق باشره إنما
باشره له ولان أكثر ما في الباب ان هذا السبب لا يثبت لأنه لا يتصور من الصبي ولكن
امتناع ثبوت السبب لا يمنع ثبوت المال باقراره كما لو كذبه لا مقر له في السبب بان قال لك على
ألف درهم من قرض أقرضتنيه وقال المقر له ما أقرضتك بل غصبتها منى فالمال لازم وإن لم
يثبت السبب لتكذيبه إياه. وعلي هذا لو قال أودعني هذا الصبي أو هذا العبد مائة درهم
أو أقر بذلك لمجنون فاقراره بأصل المال صحيح والسبب باطل لما قلنا ولو أقر أنه كفيل
لهذا الصبي عن فلان بألف درهم والصبي لا يعقل ولا يتكلم فهذا باطل عند أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله وهو جائز في قول أبى يوسف الآخر رحمه الله. وأصل المسألة أن من كفل
لغائب بمال ولا يقبل عن الغائب أحد فهو باطل عندهما صحيح عند أبي يوسف رحمه الله
فكذلك إذا كفل لصبي عند أبي حنيفة رحمه الله العقد باطل واقراره بالعقد الباطل لا يلزمه
شيأ وعلى قول أبى يوسف رحمه الله العقد صحيح والمال لازم له لإقراره به على نفسه للصبي
قال كأن كان أبو الصبي أو وصيه خاطبه بهذا الكفالة فالكفالة باطلة على معنى أنه غير
لازمة بل هو موقوف فإذا أدرك الصبي ورضى بها جازت وان رجع الرجل قبل أن يدرك
الصبي بطلت في قولهما لان عقد الكفالة لا يثبت الولاية للأب والوصي والكفالة وان كانت
146

لا توجب براءة الأصيل وهو تمليك للدين من الكفيل من وجه حتى إذا أدى رجع علي
الأصيل بحكم الأداء وبين العلماء رحمهم الله اختلافا في براءة الأصيل بحكم الكفالة فكان ابن أبي
ليلى رحمه الله يقول الكفالة توجب براءة الأصيل كالحوالة ولو اجتهد قاض قال بهذا القول
وقضى به نفذ وفيه اضرار الصبي فلهذا لا يملك الأب والوصي ذلك بل هما فيه كسائر الأجانب
إذا بلغه وصح رجوع الكفيل قبل اجازته فكذلك هنا تتوقف على إجازة الصبي إذا أدرك
وصح رجوع الكفيل قبل ادراكه لأن العقد لم يلزم بعد ولو أقر أنه رهن هذا اللقيط لفلان
بمائة درهم واللقيط لا يتكلم جاز على الكفيل ولا يلزم الصبي شئ لان اقرار المقر على نفسه
صحيح وعلي اللقيط باطل وليس من ضرورة امتناع وجوب المال علي الأصيل امتناع وجوبه
على الكفيل (ألا ترى) أنه لو أقر بالكفالة عن بالغ وجحد البالغ وجوب المال عليه فان
الكفيل ضامن له وإن لم يجب على الأصيل شئ وهذا لان الصبي أصل أن يجب المال عليه
بحال لان له ذمة صحيحة فيجعل في حق المقر كان ما أقر به حق وان امتنع ثبوته في حق
الصبي كمن قال لآخر كفلت لك عن فلان الغائب بمائة درهم التي أقرضته أمس ويعلم أن
الغائب لم يقدم منذ سنة فالمال واجب على الكفيل للمعنى الذي بينا ولو كفل عن رجل لرجل
حاضر بمائة درهم بغير أمره فقال المكفول عنه قد رضيت بكفالتك ثم قال الطالب قد
رضيت بضمانك لي فالضمان جائز ويرجع الكفيل إذا ادعى المكفول لان رضا المكفول
عنه بالكفالة حصل قبل تمام العقد فان تمامه بقبول الطالب فكان هذا بمنزلة أمره إياه بأن
يكفل عنه فإذا أدى يرجع عليه فلو قال المكفول له أولا قد رضيت ثم قال المكفول عنه
قد رضيت كان رضاه باطلا ولم يرجع الكفيل بالمال إذا أداه لان الكفالة تمت بقبول الطالب
ولزم المال الكفيل إذا أداه لان الكفالة تمت بقبول الطالب ولزم المال الكفيل على وجه
لا يرجع إذا أدى فلا يتعين ذلك برضا المكفول عنه بعد ذلك لان رضاه واجازته إنما تؤثر
في الموقوف لا في النافذ وهذا قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله فأما على قول أبى يوسف
رحمه الله الآخر الكفالة تتم بالكفيل قبل قبول الطالب فيستوى الجواب في الفصلين ولا
يعتبر رضا المكفول عنه في اثبات الرجوع للكفيل في الفصلين جميعا وقول المكفول
عنه قد ثبتت كفالتك أو سلمتها أو أجزتها مثل قوله قد رضيت بها لان المعنى يجمع الفصول
كلها ولو أن الكفيل بعد ما رضى المكفول عنه رجع عن الكفالة قبل رضا المكفول له بها لم
147

يلزمه المال في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لما بينا أن نفوذ العقد برضا المكفول له فرجوع
الكفيل قبل نفوذ العقد صحيح واقرار العبد التاجر للأجنبي بدين أو وديعة أو إجارة جائز
وإن كان عليه دين يحيط بقيمته وما في يده لان هذا كله من أسباب التجارة ومن جملة صنع
التجارة والاذن فك الحجر عنه فيما هو من عمل التجارة ولا يخل هذا الفك بوجوب الدين
عليه فاقراره بهذه الأسباب بعد وجوب الدين كاقراره قبل وان أقر لمولاه بدين عليه أو
وديعة في يده وعليه دين مستغرق لم يجز اقراره لان المولى يخلفه في كسبه خلافة الوارث
المورث فكما أن تعلق حق الغرماء بمال المريض يمنعه من الاقرار للوارث فكذلك تعلق
حق الغرماء بكسب العبد ورقبته يمنع من الاقرار لمولاه ألا أن تعلق حق الغرماء هناك
في حق المرض وهنا التعلق ثابت في صحة العبد ومرضه ولا يجوز اقرار العبد التاجر للأجنبي
بجناية ليس فيها قصاص لان هذا من التجارة والاذن فك الحجر عنه في التجارات ففيما ليس
بتجارة المأذون والمحجور سواء واقرار العبد على مولاه باطل وإذا أقر بقتل عمدا جاز اقراره
وعليه القصاص لأنه يقر به على نفسه فان المستحق بالقصاص دمه وهو في حكم الدم مبقى على
أصل الحرية ولان المولى لا يملك الاقرار عليه بالقصاص وفيما لا يملكه المولى على عبده العبد بمنزلة
الحر كطلاق زوجته يصح اقراره به كما يصح اقراره بايقاعه وكذلك إذا أقر على نفسه بسبب
موجب للحد كالقذف والزنا وشرب الخمر وكذلك إذا أقر بسرقة مستهلكة موجبة للقطع
وفي اقرار المحجور عليه بسرقة مال قائم بعينه في يده خلاف معرف في كتاب السرقة فأما
اقرار المأذون به فصحيح في حق المال والقطع جميعا لأنه يملك الاقرار بكل واحد منهما أما
بالمال فلانفكاك الحجر وأما بالقطع فاما مبقى فيه على أصل الحرية ولا يجوز اقراره في رقبته
بمهر امرأة ولا بكفالة بنفس ولا بمال ولا بعتق عبد له ولا بمكاتبته ولا بتدبيره لان هذا
كله ليس من التجارة فالمأذون فيه كالمحجور. وإذا أقر بنكاح امرأة جاز اقراره غير أن المولى
له أن يفرق بينهما بمنزلة ما لو أنشأ العقد فللمولى أن يفرق بينهما لان النكاح تصرف مملوك
للمولى عليه وهو ليس من التجارة في شئ بخلاف اقراره بالطلاق فان ذلك غير مملوك للمولى
عليه وينفرد به العبد انشاء واقرارا ولو أقر العبد التاجر انه افتض امرأة بإصبعه أمة كانت
أو حرة لم يلزمه شئ في قول أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله ويلزمه ذلك في قول أبى يوسف
رحمه الله وجه قوله ان الاقرار بالافتضاض بمنزلة الاقرار بالغصب والاستهلاك (ألا ترى)
148

انه لو ثبت بالبينة عليه يباع فيه ولا يدفع بمنزلة الغصب والاستهلاك بخلاف الجناية
واقرار العبد المأذون بالغصب والاستهلاك صحيح يؤاخذ بضمانه في الحال وهذا لان الغاصب
بالافتضاض وإن لم يكن مالا فإنه يسلك به مسلك الأموال حتى يملك بالعقد مقصود أو يستحق
بالبيع شرطا واقراره بضمان المال صحيح وجه قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ان هذا
الاقرار بالجناية لان الفعل بالإصبع جناية محضة والمتلف به جزء من الآدمي والمأذون في
الاقرار بالجناية كالمحجور فكما أن المحجور لو أقر بهذا لم يصح اقراره لأنه مقر على مولاه
فكذلك إذا أقر به فاما قول انه يباع فيه فقد قيل إنه قول أبى يوسف رحمه الله خاصة وبعد
التسليم يقول من حيث إنه هذا الجزء يستحق بالعقد هو بمنزلة المال ومن حيث إنه جزء
من الآدمي هو ملحق بما ليس بمال وما تردد بين أصلين يوفر عليه حظه منهما فلشبهة المال
قلنا إذا ثبت بالبينة سببه يباع العبد فيه ولشبهه بمال ليس بمال لا يثبت على العبد باقراره
وهذا لان الدفع إنما يصير مستحقا بفعل هو خطأ إذا كان استحقاق القصاص بعمده ولا
يستحق القصاص بعمد هذا الفعل بحال فكذلك لا يستحق دفع العبد به وإذا تعذر ذلك
تعين جهة البيع فيه ولكن إذا ثبت السبب ثبت بما هو حجة في حق المولى ولو أقر العبد
بتزويج أمته وانه قد أقبضها لم يلزم مهر لواحد منهما في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله حتى
يعتق لان النكاح ليس المأذون والمحجور فيه في الاقرار سواء وقال أبو يوسف رحمه الله في
الحرة كذلك الجواب أطلقه في رواية أبى سليمان رحمه الله وفي رواية أبى حفص رحمه الله
قال إذا كانت كبيرة لان وجوب المهر بالعقد لها وهذا العقد ليس من التجارة فهي قد رضيت
بتأخيره حين طاوعت العبد فيه فاما إذا كانت أمة فإن كان المولى زوجها له لم يلزمه شئ حتى
يعتق لان المولى صار راضيا بتأخير حقه وإن لم يكن المولى زوجها فهو مؤاخذ بالمهر في الحال
لان المتعلق بالافتضاض من الأمة في حكم المال حتى يستحق بالبيع شرطا وهو مملوك للمولى
واقرار العبد المأذن باتلاف مال مملوك للمولى صحيح في ايجاب الضمان عليه فيلزمه المهر هنا
باعتبار الاتلاف دون العقد وان كانت الأمة ثيبا لم يلزمه شئ حتى يعتق لان بالوطئ هنا لم
يتلف شيأ مما هو مال وإنما وجوب المهر باعتبار عقد النكاح واقرار المأذون به غير صحيح
في حق مولاه لأنه ليس من التجارة في شئ ثم ذكر في نسخ أبى سليمان رحمه الله بعد هذا
وإن كان ذهب العبد بها إلى منزله وهي بكر يعلم ذلك فمولاها بالخيار ان أراد أن يضمنه
149

العذرة بالغصب فله ذلك وان أراد أن يضمنه بالوطئ فلا شئ عليه حتى يعتق ولم يذكر
هذا الفصل في نسخ أبى حفص رحمه الله ولا في كتاب الاقرار لأبي يوسف رحمه الله فقال
مشايخنا رحمهم الله الصحيح أن هذا التفريع على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله على قول
أبى يوسف رحمه الله لان العبد حين ذهب بها إلى منزل مولاه فقد صار غاصبا لها بجميع
اجزائها وضمان الغصب يؤاخذ به المأذون في الحال فإذا اختار المولى تضمينه ما ذهب من
العذرة عنده لا بوطئه بل بالغصب السابق كما لو عايناه انه غصب أمة عذراء وردها بعد زوال
عذرتها وان اختار تضمينه بالوطئ ففي الوطئ وجوب المهر باعتبار العقد فلا يؤاخذ به المأذون
في الحال حتى يعتق وعلى قول أبى يوسف رحمه الله مع الوطئ هنا اتلاف العذرة فيضمن
باعتبار الحال لحق مولاه ويصح اقراره بمنزلة اقراره باتلاف المال ولو أقر العبد التاجر انه
وطئ أمة اشتراها فافتضها ثم استحقت فعليه مهرها للحال لان الافتضاض هنا بالوطئ
ترتب على سبب هو تجاوزه وهو البيع الذي لولاه لكان الواجب عليه الحد فكان الضمان الواجب
بسبب التجارة من جنس ضمان التجارة فصح اقرار العبد به في الحال بخلاف ما سبق فالسبب
هنا عقد النكاح والنكاح ليس من التجارة في شئ فلا يصح اقرار العبد به في الحال والدليل
على أن السبب معتبر أن الوكيل بالبيع إذا باع بيعا فاسدا وقبضه المشترى ضمن القيمة كما
يضمنها بالغصب ولكن الوكيل هو الذي يستوفيه دون الموكل لان وجوب هذه القيمة بسبب
عقد الوكيل فيجعل معتبرا بضمان العقد و إن كان هو في الحقيقة ضمان العين قال في الكتاب
أرأيت لو أقر أن عينها ذهبت من عمله أو من غير عمله لم يضمن ولو أقر أن عذرتها ذهبت
عنه من غير وطئ ضمن كما يضمن العين المستحق وهذا يبين الفرق بين هذا وبين النكاح
فان سبب النكاح لا يضمن العين إذا ذهبت من غير عمله ولو أقر أنه وطئ صبية بشبهة فاذهب
عذرتها فأفضاها لم يلزمه شئ في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله هكذا قال في نسخ أبى
سليمان رحمه الله وفى نسخ أبى حفص رحمه الله قال في قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد
رحمهما الله والمراد أنه لا يلزمه شئ حتى يعتق لان اقراره بوجوب المهر بالوطئ بالشبهة
بمنزلة اقراره بوجوب المهر بسبب النكاح وقد بينا أن هناك في حق الحرة لا يلزمه باقراره
شئ حتى يعتق فهذا مثل وتبين بما ذكر هنا في نسخ أبى حفص رحمه الله أن فعله الكبيرة
هناك غير معتبر في قول أبى يوسف رحمه الله فأما ضمان الافضاء فهو ضمان الجناية واقرار
150

العبد بالجناية لا يصح مأذونا كان أو محجورا لأنه أقر على مولاه وكذلك لو أقر انه وطئ
أمة بشبهة فاذهب عذرتها وأفضاها بغير إذن مولاها في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
لان اقراره بالوطئ بالشبهة بمنزلة اقراره بالوطء بالنكاح وفي قول أبى يوسف رحمه الله
إن كان البول لا يستمسك لا يلزمه شئ لا في الحال ولا بعد العتق لان من أصل أبى يوسف
رحمه الله أن الافضاء بهذه الصفة يوجب كمال الدية في الحرة دون المهر على ما ذكره في
كتاب الحدود فيكون هذا اقرارا بالجناية وذلك غير صحيح من العبد وإن كان البول
يستمسك قال في نسخ أبى سليمان رحمه الله يصدق في المهر ويكون دينا عليه اليوم ولا
يصدق في الافضاء لان الافضاء بهذه الصفة في الحرة يوجب ثلث الدية والمهر فاقرار
العبد صحيح في حق المهر عند أبي يوسف رحمه الله كما في مسألة النكاح إذا أقر انه أذهب
عذرتها بغير تزويج المولى وفي الافضاء لا يصدق لأنه ضمان جناية وفي نسخ أبى حفص رحمه
الله قال وإن كان البول يستمسك فلا يصدق في المهر فلا يكون دينا عليه ووجه هذه
الرواية أن الجناية قد تحققت هنا بالافضاء فلم يبق اذهاب العذرة بالوطئ معتبرا وإنما كان
وجوب المهر باعتبار الوطئ خاصة فهو نظير قوله في المسألة الأولى إذا كانت ثيبا واقراره
بالجناية لا يكون معتبرا صحيحا أصلا بمنزلة اقرار المحجور عليه وما ذكر في نسخ أبى سليمان
رحمه الله أشبه بالصواب واقرار العبد المأذون بالشركة في شئ خاص أو في تجارة كثيرة
جائز لان الشركة من عقود التجارة وهو من صنع التجارة فاقرار العبد به صحيح وان أقر
بشركة مفاوضة جاز عليه فيما في يده كله ولم يكن مفاوضا لما بينا أن الرقيق ليس من أهل
المفاوضة فبطل اقراره بها ويبقى معتبرا في استحقاق المقر له نصف ما في يده لأنه أهل للاقرار
بجميع ما في يده لغيره فكذلك بنصفه وقد بينا انه ليس من ضرورة امتناع ثبوت المفاوضة
امتناع ثبوت الشركة في المال ولو كان مولى العبد المأذون مرتدا أذن له في حال اسلامه أو بعد
ارتداده ثم أسلم المولى أو قتل على ردته فالعبد في أقاريره في حال ردة مولاه بمنزلة المحجور
عليه عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما اقراره جائز لان تصرفات المرتد عندهما لا تتوقف
وكذلك ملكه بنفس الردة لا يتوقف فيبق العبد مأذونا له على حاله وعند أبي حنيفة رحمه الله
ملكه يتوقف بنفسه الردة كما يتوقف نفسه ولهذا قال يتوقف تصرفه في المال واذنه للعبد
كان بمطلق ملكه فإذا توقف ملكه بالردة لم يبق العبد مأذونا وإذا كان حكم الاذن لا يبقى
151

بعد الردة فلأن لا يثبت ابتداء في الردة بطريق الأولى فلهذا كان اقراره بمنزلة اقراره المحجور عليه
وإذا ولدت الأمة التاجرة وعليها دين أو لم يكن عليها دين لم يكن ولدها مأذونا له في التجارة
لان ولدها ملك المولى فلا يصير مأذونا إلا أن يأذن له المولى في حال أهليته لذلك وهذا
بخلاف الكتابة فان ولد المكاتبة كأمه لان ذلك حق لازم فيها فيسرى إلى ولدها والاذن
في التجارة ليس بحق لازم في الأم هنا فلا يسرى إلى الولد ولان المقصود بالكتابة العتق
والولد ينفصل عنها وهو ليس بأهل لذلك وإذا أقر الأجير أن ما في يده من قليل وكثير
من تجارة أو متاع أو مال عين أو دين فهو لفلان وقال أنا أجير له فيه فهو جائز لأنه أقر له
بمنافع نفسه وما في يده وما كان في يده يومئذ من شئ فهو لفلان كله لاحق للأجير فيه
لإقراره بجميع ذلك له والاقرار عاما يصح كما يصح خاصا غير أني أستحسن في الطعام
والكسوة فاجعلهما للأجير وفي القياس هما للمقر له لان ذلك له من قليل في يده وكثير ولكنه
استحسن فقال الأجير محتاج إلى ذلك فحاجته تدل على أنه اتخذ ذلك لنفسه فيصير ذلك مستثنى
من عموم اقراره كما يصير الطعام والكسوة مستثنى من عموم شركة المفاوضة وهذا استحسان
مثل ما استحسنا في ثياب بدل الاجر إذا كان يعمل في بيت الأستاذ عند اختلافهما فيها فيجعل
القول قول الأجير فيه بخلاف سائر الأمتعة وإن لم يعرف ما كان في يده يوم أقر فالقول
قول الأجير فيما إذا قال أصبته بعد اقراري لأنه لا يعرف ما في يده الا من جهته وقد بينا أن
في كل اقرار لا يقع الاستغناء به عن بيان المقر يجعل بيانه مقبولا فيه ولو أقر الأجير أن ما
في يده من تجارة كذا فهو لفلان كان ما في يده من تلك التجارة وقت اقراره لفلان لتقييده
الاقرار بذلك وما كان في يديه من غير تلك التجارة فليس لفلان منه شئ والقول في بيانه
قول المقر وكذلك ما كان في يده من تلك التجارة وادعى انه أصابه بعد اقراره فالقول قوله
مع يمينه لأنه ما وقع الاستغناء عن بيانه باقراره فوجب قبول بيانه في ذلك وإذا أقر الأجير
أن ما في يده من تجارة أو مال لفلان وفي يده صكوك ومال عين فهو كله لفلان لان ذلك كله
من التجارة فان ما في الصكوك وجب بسبب التجارة وهو مال من وجه باعتبار ماله فيتناوله
عموم اقراره ولو أقر أن ما في يده من طعام فهو لفلان وفي يده حنطة وشعير وسمسم وتمر
لم يكن من ذلك لفلان الا الحنطة لان الاقرار من جنس التجارة واسم الطعام فيما هو تجارة
لا يتناول الا الحنطة وقد بينا ذلك فيما سبق ولو لم يكن في يده من الحنطة شئ فلا شئ
152

للمقر له لانعدام المقر به في المحل الذي عينه باقراره وهو يده والله أعلم
* (باب اليمين والاقرار في الرق) *
(قال رحمه الله) رجل قال لفلان على ألف درهم ان حلف أو على أن يحلف أو متى
حلف أو حين حلف أو مع يمينه أو في يمينه فحلف فلان على ذلك وجحد المقر بالمال لم يؤخذ
بالمال لان هذا ليس باقرار ولكنه مخاطرة ومعناه انه علق الاقرار بشرط فيه خطر وهو
يمين الخصم والتعليق بالشرط يخرج كلامه عن أن يكون اقرارا كالاستثناء وإن لم يجعل هذا
شرطا كان جاعلا اليمين سببا لوجوب المال ويمين المدعى ليس بسبب لاستحقاق المال فان
الشرع جعل اليمين لدفع الاستحقاق فلا يكون سببا للاستحقاق وليس له ولأنه جعل ما ليس
بسبب سببا قال وكذلك الابراء من المال على مثل هذه المخاطرات باطل فان قال الطالب ان حلفت عليها فأنت برئ منها فهذا تعليق الشراء بالمخاطرة والبر أن لا يحتمل التعليق بالاخطار *
فان قيل أليس أن يمين المنكر توجب براءته شرعا * قلنا عن اليمين لا فإنه لو حلف في غير مجلس
الحكم لا تثبت به البراءة وكذلك في مجلس الحكم اليمين لا توجب البراءة (ألا ترى) أن بينة المدعى
بعدها مسموعة ولكن إنما لا يكون له أن يخاصمه بعد يمينه لانعدام الحجة من اقرار أو نكول
أو بينة فتتأخر خصومته إلى أن يجد حجة لا أن تكون اليمين موجبة للبراءة ولو ادعى
الطالب عليه المال فحكما رجلا فحلفه فان حلف انقطعت الخصومة لان الحكم في حقها كالقاضي
وباليمين في مجلس القاضي تنقطع الخصومة إلا أن يجد البينة فان أبى أن يحلف فقضى الحكم
عليه بالمال كان جائزا بمنزلة ما لو كان عند القاضي وهذا هو الأصل ان كل يمين لو امتنع منها
يستحق القضاء بها عليه فإذا حلف تنقطع الخصومة به وفي كل يمين لو امتنع منها لا يصير
القضاء مستحقا عليه فالخصومة لا تنقطع بتلك اليمين وقد بينا أن النكول في مجلس القضاء
بمنزلة الاقرار وفيه فصول تقدم بيانها في كتابه الدعوى وإذا أقر رجل أو امرأة أو صبي
يعقل أو لقيط لم يجر فيه حكم العتق بالرق لرجل فهو جائز لصنع المقر له به ما يصنع بمملوكه
أما البالغ إذا أقر به فهو غير مشكل لأنه أقر على نفسه بأمر محتمل وليس هنا دليل يكذبه في
ذلك شرعا فأما الصبي إذا أقر به فقد كان ينبغي أن لا يصح اقراره لان قول الصبي معتبر فيما
ينفعه دون ما يضره والاقرار بالرق ليس مما ينفعه ولكنه لما صار عاقلا وجب اعتبار
153

قوله في نفسه بمنزلة البائع (ألا ترى) انه لو ادعى أنه حر ومن هو في يده يزعم أنه عبد
جعل القول فيه قول الصبي وإذا وجب اعتبار قوله إذا ادعى حرية نفسه وجب اعتبار قوله
في ضده أيضا كما أنه أيضا لما اعتبر قوله واعتقاده إذا أسلم اعتبر ذلك إذا ارتد أيضا ولان
هذا الاقرار ينفعه عاجلا لأنه يستوجب النفقة على مولاه ولان اقراره بالرق سكوت منه
عن دعوى الحرية لا محالة وانقياد للمقر له حتى يثبت عليه يده وإذا ثبتت عليه يده وهو يدعى
رقيته وجب قبول قوله كما إذا كان صبيا لا يعقل وإن كان المقر حر الأصل معروفا بذلك
لا يجوز اقراره بالرق لأنه مكذب فيه شرعا باعتبار حرية الأصل فيكون اقراره هذا
ابطالا لحريته وايجابا للرق على نفسه وذلك ليس تحت ولاية أحد وكذلك أن كان معتقا
لرجل فأقر بالرق لآخر لم يصح اقراره لان ولاءه ثابت للذي أعتقه والولاء كالنسب
ومعروف النسب من انسان إذا أقر بالنسب لغيره لم يصح فكذلك هنا قال إلا أن يصدقه
الذي أعتقه فحينئذ يجوز اقراره لأنه المانع حقه فلا يبقى بعد تصديقه وهذا بخلاف النسب
فان هناك صاحب النسب المعروف وان صدقه لم يثبت النسب من المقر له لان النسب
لا يحتمل الابطال بعد الثبوت بحال بخلاف الولاء فان المعتقة إذا ارتدت ولحقت فسبيت
فأعتقت كان الولاء عليها للثاني دون الأول فتصديق المعتق الأول هنا عامل في ابطال حقه
فكان مملوكا للمقر له وإذا كان عبد في يد رجل فأقر أنه مملوك لآخر وقال الذي هو في
يده أنت عبدي فالقول قول ذي اليد لان المملوك حين أقر به لم يبق له يد معتبرة في نفسه
فهو بمنزلة الثابت فالقول فيه قول ذي اليد لاستحقاقه رقبته بيده وإذا لم يكن العبد في يد
أحد فالقول فيه قول العبد لأنه لا استحقاق لاحد فيه فهو باقراره لأحدهما يصير منقادا له
فتثبت اليد عليه للمقر له ويكون في الحكم كأنه في يده فيجعل مملوكا له ولو كان العبد في يد
قصار أو في مكتب فقال أنت عبدي وقال العبد بل أنا عبد فلان أسلمني إليك وادعاه فلان فالقول
قول القصار وصاحب المكتب لان العبد حين أقر بالرق فقد سقط اعتبار يده في نفسه
فيكون القول في الملك قول من هو في يده وبخلاف ما إذا قال أنا حر لأنه هنا لم يقر بالرق
على نفسه فبقيت يده في نفسه معتبرة وهي أقرب الأيدي إليه فلا تظهر مع ذلك يد ذي اليد
فيه وإذا كانت أمة في يد رجل فقالت أنا أم ولد لفلان أو مكاتبته أو مدبرته وصدقها فلان
وقال ذو اليد بل أنت أمة لي فعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله القول قول ذي اليد وعلى
154

قول أبى يوسف رحمه الله القول قول الأمة والمقر له لان دعواها حق الحرية بمنزلة دعواها
حقيقة الحرية ولو قالت أنا حرة كان القول قولها ولا يثبت استحقاق يد ذي اليد عليها الا
بحجة فكذلك هنا (توضيحه) أن المكاتبة في يد نفسها كالحرة فلا تظهر يد ذي اليد فيها مع
دعواها أنها مكاتبة كما لا يظهر مع دعواها أنها حرة وهذا نوع استحسان ذهب إليه أبو يوسف
رحمه الله والقياس قولها لأنها أقرت بالرق المسقط لاعتبار يدها في نفسها فلا تسمع دعواها
الا بحجة (ألا ترى) انها لو ادعت شيأ من ذلك على ذي اليد لم تسمع الا بحجة فكذلك إذا
ادعت على غيره وتصديق المقر له ليس بحجة في حق ذي اليد فوجوده كعدمه ولو قال المقر له
هي أمة لي غير مدبرة كان القول فيها قول ذي اليد بالاتفاق فكذلك إذا صدقها في التدبير
وعلي هذا الخلاف لو قالت كنت أمة لفلان فأعتقني وصدقها فلان بذلك فعلى قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله هي أمة لذي اليد لأنها أقرت بالرق ثم ادعت زواله بسبب حادث وعند أبي
يوسف رحمه الله هي حرة لأنها لم تقر بالرق لذي اليد وزعمت أنها حرة في الحال ففي
حق ذي اليد هذا ودعواها حرية الأصل سواء ولكن هذا غير صحيح لان دعواها حرية
الأصل تتم بها ودعواها العتق من فلأن لا يتم الا بتصديق من فلان وتصديق فلان ليس
بحجة على ذي اليد ولو كان في يد رجل غلام فقال أنا ابن فلان وأمي أم ولد له وقال ذو اليد
أنت عبدي وأمك أمتي وقال المقر له هو ابني ففي قول أبي حنيفة رحمه الله هذا كالأول وهما
جميعا لذي اليد لأنه أقر انه جزء من مملوكه فكما لم يقبل قول الأمة في ذلك على ذي اليد
فكذلك قوله جزء منها وأبو يوسف رحمه الله قال القول قوله في ذلك كما بينا في الفصل
الأول لأنه يجعل القول في ذلك قول الأمة استحسانا وأما محمد رحمه الله فإنه يقول هنا أجعل
الولد حرا ابنا للذي ادعاه استحسانا وكذلك لو قال للذي هو في يده أنا ابنك من أم ولد
لك هذه وكذبه المولى أجعله حرا استحسانا في قول محمد رحمه الله نص علي قوله هذا في بعض
نسخ الاقرار ووجهه أن الولد هنا يدعى حرية الأصل لنفسه سواء ادعي انه ابن ذي اليد
أو ابن غيره وفي حرية الأصل القول قوله كما لو قال أنا حر الأصل ولم يرد على هذا ولكن
أبو حنيفة رحمه الله قال حكم اقراره هنا يتوقف علي تصديق المقر له فكان هذا ودعواه
حرية العتق سواء بخلاف ما لو قال أنا حر الأصل فان حكم قوله هناك لا يتوقف على تصديق
غيره ولو كان في يديه عبد وقال أعتقتني فكذبه المولى كان عبدا له بالاتفاق لأنه أقر على نفسه
155

بالرق له ثم ادعى زواله بسبب حادث فلا يصدق على ذلك الا بحجة وإذا أعتق الرجل عبدا
له ثم أقر الرجل والعبد انه كان مملوكا لفلان وادعى ذلك ولم يجز في عتقه حكم فهما مصدقان
علي ذلك لأنه أقر على نفسه بأمر محتمل لم يجر الحكم بخلافه فصح اقراره وصار مملوكا وظهر
هذا الملك في حق المعتق بتصديقه أيضا فيتبين أنه أعتقه وهو لا يملكه وإن كان جرى في
عتقه حكم من حد أو قصاص أو شئ مما يجرى في الحر دون العبد فأمضى القاضي ذلك فان
هذا لا يرد في الرق لأنه صار مكذبا في اقراره شرعا والمقر إذا كذبه الشرع لم يعتبر اقراره
وان أقر مولاه انه اغتصبه من فلان ضمنه القيمة لان اقراره على نفسه صحيح وقد تعذر عليه
رد المغصوب بما نفذ فيه من العتق من جهته فيضمن قيمته وكذلك إذا ادعى هبة منه أو شراء
ولم يكن له بينة وحلف فلان ما فعل ذلك ضمن له قيمة الغلام لأنه أقر أنه قبضه على سبيل
التملك وقد تعذر عليه رده فيلزمه قيمته ولو استأجر عبدا ثم ادعى بعد الإجارة انه عبده لم
يصدق على ذلك لان استئجاره من غيره يشهد بالملك لذلك الغير أو اقرار بأنه لا يحق له فيه
بمنزلة الشراء والاستخدام فيكون في دعوى الملك لنفسه بعد ذلك مناقضا فلا يسمع منه ولكنه
عبد لمن أقر له العبد بالملك وهو الاخر ولو أن رجلا قال أمي كانت أمة لفلان ولم أولد انا
قط الا حرا كان القول قوله في ذلك لأنه أقر على أمه بالرق واقراره عليها نافذ وليس من
ضرورة رق أمه رقه فان ولد المعروف حر الأصل والأم رقيقة والدليل عليه ان من أقر بأمة
لإنسان ولها ولد في يده فان الولد يكون للمقر دون المقر له فلما لم يجعل اقراره بالأم اقرارا
بالولد فكذلك لا يكون اقرار الولد برق الأم اقرارا برق نفسه (توضيحه) أن من يكون
معروفا بحرية الأصل إذا قال جدتي كانت أمة لا يتضمن ذلك الاقرار بالرق على نفسه ولا
علي أحد من أبويه فكذلك إذا قال أمي كانت أمة لفلان فإذا ادعى فلان رقه فعليه البينة ولو أن
مجهولة الأصل تزوجت رجلا ثم أقرت بالملك لرجل فهي أمة له لاقرارها علي نفسها بأمر
محتمل ولا يصدق على فساد النكاح لأنه ليس من ضرورة كونها أمة له لاقرارها على نفسها
بكونها أمة فساد النكاح فان نكاح الأمة باذن مولاها صحيح بخلاف ما إذا ادعى أبو الزوج
نسبها وصدقته لان من ضرورة ثبوت نسبها من أب الزوج انتفاء النكاح وما ثبت بوجود
المنافى ضرورة لا يكون محالا به على اقرارها وهنا لما لم يكن من ضرورة رقها فساد النكاح فلو
ثبت ذلك أنما يثبت باقرارها واقرارها ليس بحجة علي الزوج ان رقها يظهر في حق الزوج
156

في حق حكم يتمكن فيه من التلافي ودفع الضرر عن نفسه ولا يثبت في كل حكم لا يتمكن فيه
من التلافي ودفع الضرر عن نفسه حتى لو كان أعطاها المهر قبل الاقرار فهو برئ منه لأنا
لو صدقناها في هذا الحكم لحقه ضرر لا يمكنه دفعه عن نفسه ولو أعطاها المهر بعد الاقرار
لم تبرأ منه لأنا لو صدقناها في حق الزوج هنا لتمكن من دفع الضرر عن نفسه بدفع الصداق
إلى مولاها دونها وعلى هذا لو طلقها واحدة ثم أقرت بالرق صار طلاقها ثنتين بخلاف
ما إذا أقرت بعد ما طلقها ثنتين وكذلك لو مضت من عدتها حيضة فأقرت بالرق صارت
عدتها حيضتين بخلاف ما إذا أقرت بعد مضي حيضتين وعلى هذا ما ولدت من ولد قبل الاقرار
فهم أحرار لا يصدق عليهم في ابطال حريتهم وكذلك ما كان موجودا في بطن أمهم بان ولدت
لأقل من ستة أشهر فاما ما يحدث من الأولاد بعد فعلى قول أبى يوسف رحمه الله هم أرقاء
والوقت فيه ستة أشهر لان الحمل قائم بينهما وعلى قول محمد رحمه الله هم أحرار لان الزوج
بالنكاح استحق حرمة الأولاد وهي لا تصدق في ابطال الحق الثابت ولو قبلنا اقرارها في
رق الأولاد تضرر الزوج ضررا لا يمكنه دفعه عن نفسه إلا أن يمتنع من وطئها وفيه ابطال
الاستحقاق الثابت له وأبو يوسف رحمه الله يقول هذا ولد حر من أم رقيقة فيكون رقيقا
كما لو ثبت رقها بالبينة وهذا لان الولد جزء من الأم يتبعها في الرق والحرية فالزوج لما أعلقها
مع علمه برقها فقد رضى برق هذا الولد بخلاف ما إذا كان موجودا قبل اقرارها وفي قبول
اقرارها في هذا الحكم لا ضرر على الزوج لأنه يمكن من أن يعزل عنها عند الوطئ ولان الولد
ثمرة فلا يستحق بالنكاح ولهذا لو كانت عجوزا أو عقيما لا يثبت للزوج الخيار فكيف تكون
صفة حرية الولد مستحقة له بالنكاح فلهذا قبلنا اقرارها في هذا الحكم ولو أن رجلا مجهول
الأصل له أولاد وأمهات أولاد أقر بالرق لرجل جاز ذلك كله بنفسه وماله لكون ما أخبر
به محتملا ولا يصدق على أولاده وأمهاتهم ومدبريه ومكاتبيه لأنهم استحقوا الحرية أو حقها
وليس من ضرورة رقه بطلان هذا الحق عليهم فلا يصدق في حقهم ولو أن امرأة مجهولة في
يدها ابن لها صغير من فجور أقرت انها أمة لفلان وان ابنها عبد له فهي مصدقة على نفسها
وابنها لان الابن لما كأن لا يعبر عن نفسه كان القول فيه قول من هو في يده (ألا ترى) أنه
لو لم يعرف أصله فادعت انه عبدها كان القول قولها لأنه في يدها فكذلك إذا أقرت بالرق
لغيرها وإن كان ابنها يتكلم فقال أنا حر كان القول قوله لان من يعبر عن نفسه كالبائع لا تقوى
157

يد الغير عليه بل يده على نفسه أقوى فكان القول قوله في حريته وكذلك رجل وامرأته
مجهولان لهما ابن صغير لا يتكلم أقرا بالرق لرجل على أنفسهما وابنهما جاز لما بينا وان قالا
نحن مملوكان لفلان وابننا هذا مملوك لفلان آخر وكذبهما مولاهما في الابن فالابن عبد له
معهما لان اقرارهما بالرق علي أنفسهما يسقط اعتبار يدهما ويجعل يدهما لاغية فكما لا قول لهما
بعد الاقرار بالرق في ابطال الاستحقاق الثابت لذي اليد فيهما فكذلك لا يقبل قولهما في ابطال
الاستحقاق الثابت للمقر له في ولدهما ولو أن رجلا ادعى أمة أنها أمته وادعت الأمة انه
عبدها ويعرف أصلهما وليس الواحد منهما في يد صاحبه وصدق كل واحد منهما صاحبه
في دعواه جعلت ذلك باطلا لان تصديق كل واحد منهما لصاحبه اقرار بالرق له على نفسه
وبين الاقرارين منافاة لاستحالة أن يكون كل واحد منهما مالكا لصاحبه ومملوكا له فإذا
تحقق التنافي بينهما تهاترا إذ ليس العمل بأحدهما بأولى من الاخر وإن كان أقر أحدهما
قبل الاخر فالذي أقر أخيرا مملوك للأول إذا صدقه ثانية لان اقراره بالرق له على نفسه
يتضمن رد اقرار صاحبه وذلك صحيح منه فيرد ذلك الاقرار له ويبقى اقرار الثاني بالرق على
نفسه فان صدقه المقر له في ذلك كان عبدا له وإن لم يصدقه ولم يكذبه لم يكن واحد منهما
مملوكا للاخر لان اقرار الأول قد بطل بالرد ولم يبطل باقرار الثاني تصديق المقر ولو قال
لآخر أنا عبد لك فقال الآخر لاثم قال بلي أنت عبدي فهو عبده لان الرق الثابت لا يبطل
بالجحود والاقرار متى حصل بما لم يرتد بالرد يبقي بعد ذلك المقر به موقوفا على تصديقه في الاقرار
بالسبب أرأيت لو كان في يديه فقال أنا عبدك فقال لاثم قال نعم لم يكن عبده فكذلك إذا لم
يعرف يده فيه ولو قال ذو اليد لرجل هو عبدك يا فلان فقال لا ثم قال هو عبدي فهو عبد لذي
اليد لأنه أقر لفلان بالملك والملك مما يبطل الاقرار فيه بالرد والتصديق بعد ما بطل الاقرار
بالرد لا يكون موجبا شيأ بخلاف ما سبق فإنه اقرار بالرق والرق لا يبطل بالرد لأنه إنما يبطل
بالرد ما يحتمل النقل من شخص إلى شخص فلهذا عمل التصديق هناك بعد الرد وفي الكتاب
قال ولا يشبه هذا الأول لان الأول لم يكن في يد أحد وهذا ليس بقوى فقد بينا في الفصل
الأول أنه لا فرق بين أن يكون في يده أو لا يكون في يده وإنما الفرق الصحيح ما قلنا ولو
قال الذي هو في يده هو عبدك يا فلان فقال فلان بل هو عبدك ثم قال بلى هو عبدي
وجاء بالبينة لا تقبل بينته لان قوله بل هو عبدك رد لإقراره واقرار بملك العبد له فان ادعاه
158

لنفسه بعد ذلك كان مناقضا وكذلك لو أقر أن هذا العبد لفلان ثم جاء بالبينة انه له لم تقبل
بينته للتناقض ولو ادعى رجل دارا فقال هذه الدار لي الا هذا البيت وجحده ذو اليد
فأقام المدعى البينة أن الدار له فان قال كان البيت لي فبعته قبلت بينته لان الشهود وان شهدوا
له بأكثر مما ادعاه إلا أنه وفق بين الدعوى والشهادة بتوقيف محتمل فيخرج من أن يكون
مكذبا لشهوده وان قال لم يكن البيت لي قط فهذا إكذاب منه لشهوده إذا شهدوا له بجميع
الدار والمدعى إذا أكذب شهوده بطلت شهادتهم له وإن لم يقل شاء من ذلك سأله القاضي عنه
لان الحكم يختلف ببيانه من سؤاله فان أتى ببينة لم تقبل بينته لأنه في الظاهر مكذب
شهوده فإنهم شهدوا له بأكثر مما ادعاه الا انه كان متمكنا من التوقيف فإذا أبى أن يوقف
نفى ظاهر الا كذاب أرأيت لو قضى بهذا البينة ثم قال المدعى ما كان البيت لي قط لم يكن
بحق عليه ابطال قضائه فكذلك في الابتداء لا يقضى إذا لم يبين وعلى هذا لو ادعى رجل
على رجل بألف درهم وشهد له شاهدان بألفين فان قال لم يكن لي عليه الا ألف درهم فهذا
إكذاب منه لشهوده وان قال كان لي عليه الفان فأبرأته من الف قبلت بينته وان أبى أن يبين
بطلت الشهادة وهذا استحسان في الفصلين وفي القياس تقبل البينة لان البينات حجج فيجب
العمل بها ما أمكن وما دام التوقيف ممكنا فالمانع من العمل بالبينة غير متعذر ولكن استحسن
للاكذاب الظاهر على ما بينا وإذا أقرت الأمة بالرق لرجل فباعها المقر له جاز لان الملك
يثبت له فيها باقرارها والملك مطلق للتصرف فإذا ادعت عتقا بعد البيع وأقامت البينة على
عتق من البائع قبل البيع أو على أنها حرة من الأصل قبلت بينتها استحسانا وفي القياس
لا تقبل لأنها انقادت للبيع والتسليم وذلك اقرار منهما بأنها لم يجر فيها من البائع عتق قبل هذا
فتكون مناقضة في دعوى العتق قبل ذلك وذا ادعت حرية الأصل فالتناقض ظاهر لتقدم
الاقرار منها بالرق على نفسها ومع التناقض في الدعوى لا تكون البينة مقبولة ولكنه استحسن
فقال التناقض بعدم الدعوى والبينة على عتق الأمة يقبل من غير الدعوى فكذلك مع
التناقض وفي الكتاب علل فقال لان هذا فرج ومعناه أن يخرج الفرج من حق الله تعالى
فتكون البينة عليه مقبولة حسبة ولكن هذا ليس بقوى فأما التناقض من العبد فيمنع قبول
البينة على حريته عند أبي حنيفة رحمه الله وهنا لان التناقض إنما يؤثر فيما يحتمل الابطال
بعد ثبوته وحرية الأصل بعد تأكدها لا تحتمل الابطال وكذلك العتق بعد ثبوته لا يكون
159

التناقض فيه مانعا من قبول البينة كالنسب فان التناقض في دعوى النسب لا يمنع صحته حتى
أكذب الملاعن نفسه لثبت النسب منه ولو أن رجلا باع عبدا ودفعه إلى المشتري وقبض ثمنه
وقبضه المشترى وذهب به إلى منزله والعبد ساكت وهو ممن يعبر عن نفسه فهذا اقرار منه
بالرق لأنه انقاد بالبيع والتسليم ولا يثبت ذلك شرعا الا في الرقيق واقراره على نفسه بالرق
بطريق الدلالة بمنزلة التصريح بالاقرار به فلا يصدق في دعوى الحرية بعد ذلك لأنه يسعي في
بعض ما تم به إلا أن تقوم له بينة على ذلك فحينئذ تقبل البينة والتناقض لا يمنع من ذلك وكذلك
لو رهنه أو دفعه بجناية لان هذا تصرف في العين لا يصح الا برقه فانقياده لذلك اقرار بالرق
على نفسه بخلاف ما لو أجره ثم قال أنا حر فالقول قوله لان الإجارة تصرف في منافعه لا في
عينه وليس من ضرورة صحة الإجارة رق المحل فان منافع الحر تملك بالإجارة عند ايجابه أو
ايجاب الغير ببيانه وتكون منفعته حقا له (ألا ترى) انه لو كان يخدمه ثم قال إنا حر كان
القول قوله فكذلك إذا خدم المستأجر بإجارته قال والإجارة ليست باقرار من الخادم بالرق
وهي اقرار من المستأجر بأن العبد ليس له حتى لو ادعاه بعد ما استأجره لنفسه لم يصدق لان
المنفعة تملك بملك الرقبة فمباشرته سبب الملك في المنفعة مقصودا يكون اقرارا منه انه لا يملك
الرقبة وأما ايجاب المنفعة للغير فلا يكون اقرارا على نفسه بالملك في العين لاحد وكذلك لو
قال أعرني هذا يخدمني كان هذا اقرارا من المستعير ان العبد ليس له كما أنه من المستأجر
على يدنا ولو أن رجلا قدم من بلد ومعه رجال ونساء وصبيان يخدمونه فادعى أنهم رقيقه
وادعوا أنهم أحرار كانوا أحرارا لان اليد لا تقوى علي من يعبر عن نفسه وكذلك لو كانوا
أغلمة عجما أو سودا أو حبشا فهذا الصفات لا تنافى حرية الأصل وكذلك أن علم أنهم
كانوا في يده لان يدهم في أنفسهم أقوى فما لم يقر بالملك كان القول قولهم في الحرية ولو عرض
جارية على البيع وهي ساكتة لم يكن هذا اقرارا بالرق منها وكذلك الغلام لان السكوت في
هذه الحالة محتمل فقد يكون للتعجيب انه كيف تعرضني وانا حرة وقد يكون للاستخفاف
فعليه لا التفات إلى كلامه لكونه لاعبا فلهذا يجعل اقرارا بالرق ولو أن امرأة زوجها رجل من
آخر فأقرت بذلك ثم ادعى الذي زوجها أنها أمته لم يصدق على ذلك لان انقيادها بالنكاح
لا يكون اقرار منها بالرق كانقيادها للإجارة فان الحرة محل للنكاح ولو كاتبها أو أعتقها
على مال أو قال كاتبني أو أعتقني أو بعني نفسي أو بعني من فلان أو أرهني من فلان أو
160

تزويج فلانة علي رقبتي أو قالت لامرأة اختلعي من زوجك على رقبتي فهذا كله اقرار منها
بالرق لان ما صرحت به لا يصح شئ منه فيها الا برقبتها فتصريحها بذلك اقرار منها بالرق
على نفسها بخلاف ما إذا قالت أجرني من فلان فهذا لا يكون اقرارا بالرق لما قلنا ولو قال
لآخر أعتقني كان هذا اقرارا بالرق له لان العتق لا يصح فيه الا بعد الرق ممن هو يملكه
وكذلك لو قال ألم تعتقني أمس أوليس قد أعتقتني أمس أو ما أعتقتني أمس كان هذا اقرارا
بالرق والله أعلم
* (باب الاقرار بالنكاح) *
(قال رحمه الله) امرأة قالت لرجل طلقني فهذا اقرار منها بالنكاح لأنها طلبت منه
مالا يصح شرعا الا بعد صحة النكاح فيكون ذلك منها بمنزلة الاقرار بالنكاح وهذا لان
الطلاق للاطلاق عن قيد النكاح فكأنها قالت أطلقني عن قيد النكاح الذي لك على وكذلك
لو قالت اخلعني بألف درهم وهذا أظهر لأنها التزمت البدل ولا يجب عليها البدل الا بزوال
ملك النكاح عنها بالخلع وكذلك لو قالت طلقتني أمس بألف درهم أو أنت منى مظاهر أو مول
فان شيأ مما أخبرت به لا يصح الا بعد صحة النكاح فاقرارها به تضمن الاقرار بالنكاح ولو
قال الرجل اختلعي منى بمال كان هذا اقرارا منه انه تزوجها لأن الخلع بمال لا يكون الا بعد
صحة النكاح بينهما وكذلك لو قالت له طلقني فقال لها اختاري أو أمرك بيدك في الطلاق
فهذا منه اقرار بالنكاح لان تفويضه الطلاق إليها لا يكون الا بعد صحة النكاح ولو قال
والله لا أقربك لا يكون هذا اقرارا منه بأنها زوجته لأنه كلام محتمل فلعله منع نفسه من
قربانها لعدم الملك له عليها ولعله قصد الاضرار بها والمحتمل لا يكون حجة ثم هذا الكلام
نفى موجب النكاح بينهما ونفى موجب العقد لا يكون اقرارا بالعقد وكذلك لو قال أنت
على حرام أو بائنة أو بتة لأنه وصفها بالحرمة وموجب النكاح ضده وهو الحل فوصفها به
لا يكون اقرارا بالنكاح إلا أن تقول له طلقني فيقول بعد ذلك شيأ من هذه الألفاظ غير أن
مذاكرة الطلاق معينة للطلاق ولهذا لا يحتاج فيها إلي البينة وايقاع الطلاق اقرار منه بالنكاح
ولو قال أنا مول منك أو مظاهر كان اقرارا منه بالنكاح لان الايلاء والظهار تصرف منه يختص
بالنكاح الصحيح ولو قالت أنت على كظهر أمي لم يكن اقرارا بالنكاح لان هذا اخبار منه
161

بحرمتها عليه وهو ضد موجب النكاح ولو قال ألم أطلقك أمس أو أما طلقتك أمس فهذا
اقرار منه بالنكاح والطلاق لان في هذا الاستفهام معنى التقرير قال الله تعالى ألم يأتكم
رسل منكم أي قد أتاكم وتقرير الطلاق لا يكون الا بعد النكاح فكان اقرارا بهما ولو قال
هل طلقتك أمس كان هذا اقرارا بالنكاح دون الطلاق لان الطلاق لا يكون الا بعد النكاح
فكان هذا اقرارا بالنكاح ولو قالت هذا ابني منك فقال نعم فهو اقرار منهما بالنكاح إذا كانت
معروفة أنها حرة لان ثبوت النسب باعتبار الفراش والأصل فيه الفراش الصحيح والشرع
إنما يريد الصحيح دون الفاسد ولا يثبت الفراش الصحيح على الحرة الا بالنكاح فكان اتفاقهما
علي النسب اتفاقا علي سببه وهو النكاح والله أعلم
* (باب اقرار المكاتب والحر) *
(قال رحمه الله) وإذا أقر المكاتب بدين عليه لحر أو لعبد من ثمن بيع أو قرض أو غصب
فهذا لازم له لان الاقرار من التجارة وعقد الكتابة يوجب انفكاك الحجر عنه مما هو من
التجارة فان عجز لم يبطل ذلك عنه لان الثابت باقراره كالثابت بالبينة عليه (ألا ترى) أن
العبد لو أقر بالدين ثم حجر عليه مولاه لم يبطل اقراره فالمكاتب أولى بذلك ولو أقر المكاتب
لمولاه بدين جاز عليه لأنه بعقد الكتابة صار أحق بمكاسبه وصار المولى منه كالأجنبي واقرار
المكاتب بالحدود جائز كاقرار العبد بها وان أقر بمهر من نكاح لم يلزم لان النكاح ليس من
التجارة ولا هو سبب اكتساب المال في حق الزوج إلا أن على قول أبى يوسف رحمه الله
إذا أقر بالدخول فإنه يلزمه وهو بمنزلة اقرار العبد التاجر به وقد بينا مذهب أبي يوسف
رحمه الله في ذلك وكذلك لو أقر انه افتض امرأة بإصبعه حرة أو أمة أو صبية فهذا يلزمه
في قول أبى يوسف رحمه الله لان العبد التاجر لو أقر به كان مؤاخذا به في الحال عنده
فكذلك المكاتب وفي قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله هذا بمنزلة الاقرار بالجناية واقرار
المكاتب بالجناية صحيح في حال قيام الكتابة لان الأرش يجب فيه وكسبه حقه فان عجز قبل
أن يؤدي بطل في قول أبي حنيفة رحمه الله وجاز في قول محمد رحمه الله وإنما أراد بهذا إذا
عجز بعد ما قضي القاضي عليه بالجناية قلنا إذا عجز قبل قضاء القاضي يبطل اقراره هكذا قال
بعض مشايخنا رحمهم الله وهو الذي اعتمده رحمه الله وجعل هذا بمنزلة اقراره بقتل
162

رجل خطأ ولكن الأصح عنه ان هنا الجواب مطلق كما قال في الكتاب لان جناية الخطأ
تتعلق بنفسه وإنما يتحول إلي كسبه بالقضاء حتى لو عجز قبل القضاء لدفع به فاما جنايته
بالافتضاض بالإصبع فلا تتعلق بنفسه لأن لا يدفع به بحال وإنما يتعلق بكسبه ابتداء فان
عجز قبل القضاء أو بعد القضاء كان مطالبا وعند محمد رحمه الله وعلى قول محمد رحمه الله لما
كان سببه اقراره لم يطالب به بعد العجز بمنزلة اقراره بالجناية إذا اتصل به قضاء القاضي وإذا
قضى عليه بأرش جناية الخطأ بعد ما أقر به فادى بعضه ثم عجز بطل فيه ما بقي عند أبي حنيفة
رحمه الله لأنه لو طولب به إنما يطالب باقراره واقراره بالجناية ليس بحجة فيما هو حق المولى
وعلي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله هو لازم له لأنه صار دينا بقضاء القاضي فالتحق بسائر
الديون بخلاف ما إذا عجز قبل أن يقضى به عليه لأنه لم يصر دينا بعد فيجعل كأنه أقر به بعد
العجز وهذا كله عندنا خلافا لزفر رحمه الله * وفي مسألة كتاب الديات ولو أقر أن العبد
تاجر أو محجور عليه بدين أو عين وأراد مولاه أخذه من المقر في حال غيبة العبد لم يكن
له ذلك لان للعبد يدا في مكاسبه محجورا كان أو مأذونا حتى لا يتم كسبه لمولاه الا بشرط
الفراغ من دينه فأخذ المولى لذلك يتضمن القضاء على الغائب ببطلان حقه عنه وذلك لا يجوز
عند غيبته ولو أقر الحر لعبد بوديعة فأقر العبد انها لغيره فإن كان مأذونا جاز اقراره وإن كان
محجورا عليه فاقراره بها لغيره باطل لان الوديعة في يد المودع ولو كان في يد العبد
مال فأقر به لغيره صح إن كان مأذونا ولم يصح إن كان محجورا عليه فكذلك هنا ولو أقر
الحر لعبد بين رجلين بدين وقد أذن له أحدهما في التجارة دون الآخر جاز اقراره لان
حكم صحة الاقرار لا يختلف بكون المقر له مأذونا أو محجورا عليه فجاز وإن كان المقر به من
كسب العبد فيكون بين الموليين نصفين لان الكسب يملك بملك الرقبة ولا يختص الاذن
بشئ من كسب العبد وإنما اختصاص الاذن يعلق دين العبد بنصيبه من الرقبة لان الاذن
لا يحتاج إليه لتعلق الدين بمالية الرقبة لا بصحة الاكتساب من العبد غير أنه إذا كان على
العبد دين فلا يسلم من كسب العبد شئ للذي لم يأذنه ما لم يقض العبد دينه لما بينا أن سلامة
الكسب للمولي متعلقة بفراغه عن حاجة العبد (ألا ترى) أن المحجور عليه إذا وجب عليه
دين بالاستهلاك فاكتسب كسبا كان ذلك الكسب مصروفا إلى دينه ولو أقر هذا العبد بدين
لزمه في حصة الذي أذن له لان اقرار المحجور عليه غير صحيح في حق مولاه ونصيب الذي
163

لم يأذن له محجور عليه فاجعل نصيب كل واحد منهما في حكم الاقرار بمنزلة عبد على حدة
وما في يده من كسب يقضى به دينه ويكون الباقي بين الموليين نصفين إلا أن يعلم أنه من
غير التجارة مثل أن يكون من هبة أو صدقة أو نحو ذلك فيكون نصفه للذي لم يأذن له
قبل قضاء الدين لان اقراره لم يكن صحيحا في نصيب الذي لمخ يأذن له من الرقبة فكذلك
في الكسب الذي لا يعتمد في حصوله علي الاذن كالموهوب ونحوه بخلاف ما اكتسبه بطريق
التجارة فان سبب حصول ذلك الكسب تجارة والاقرار من التجارة والدين الواجب بسبب
هو تجارة بظهر في الكسب الحاصل بطريق التجارة وإذا ظهر فيه لا يسلم شئ منه للذي لم يأذن
له الا بعد الفراغ من دينه كما لو كان الدين عليه بسبب معاين والله أعلم
* (باب اقرار الرجل أنه لاحق له قبل فلان) *
(قال رحمه الله أو إذا أقر الرجل انه لا حق له قبل فلان فهو جائز عليه لأنه أخرج
الاقرار مخرج العموم واجراؤه على العموم ممكن لجواز أن ينفى حقوقه عن فلان من كل
وجه وأمكن العمل بموجب هذا الكلام من غير بيان من المقر بخلاف قوله جميع ما في يدي
لفلان فان العمل بموجب ذلك الكلام غير ممكن الا ببيان المقر ولا يمكن اجراؤه الكلام
هناك علي العموم لان زوجته وولده في يده ولا يكون ذلك للمقر له فلهذا وجب الرجوع
إلى بيانه هناك ثم يدخل في هذا اللفظ كل عين أو دين وكل كفالة أو جناية أو إجارة أو
حد لان قوله صلى الله عليه وسلم يتناول ذلك كله وقد بيناه فيما سبق فكل هذا حق مالا
كان أو غير مال وان قال هو برئ مما لي عليه فهو مثل ذلك أيضا غير أنه لا تدخل الأمانة
في هذا اللفظ كالوديعة والعارية لان كلمة على خاص لما هو واجب في الذمة فلا تدخل فيه
الأمانة إذ لا وجوب في ذمة الأمين وان قال هو برئ مما لي عنده فإنما يدخل في هذا
اللفظ الأمانة خاصة فاما الغصوب والودائع التي خالف فيها فقد صار ضمانها مستحقا في ذمته
بمنزلة الديون فلا يدخل في هذا اللفظ وان قال هو برئ مما لي قبله برئ من الأمانة
والغصوب جميعا وان ادعى الطالب بعد ذلك حقا لم تقبل بينته عليه حتى يشهد شهوده بعد
البراءة أو يوقتوا وقتا بعدها لأنها بهذا اللفظ استفاد البراءة على العموم ولا يسمع منه بعد
ذلك الدعوى إلا أن يعلم خروج ما ادعاه العامة فان العمل بالعام واجب حتى يقول دليل
164

الخصوص ولو أقر أن فلانا قد برئ من حقه قبله ثم قال أنا برئ من كل حق له على فان
لفظ الجنس يعم جميع ذلك الجنس بمنزلة اللفظ العام وكذلك لو قال هو برئ من الدين
الذي لي قبله أو مما لي قبله أو من ديني عليه أو من حقي عليه ولكن يدخل في البراءة
من الحقوق الكفالة والجناية التي فيها قود أو أرش لان ذلك من حقوقه ولو أقر لأنه لاحق
له قبل فلان ثم ادعى قبله حد قذف أو سرقة لم تقبل بينته على ذلك إلا أن يشهد الشهود
أنه فعل ذلك بعد البراءة وهو ودعوى الدين عليه سواء ولو قال إنه قد برئ من قذفه
إياي ثم طلبه به بعد ذلك كان له لان هذا بمنزلة العفو ومعناه انه برئ من موجب قذفه
إياي فان البراءة عن عين القذف لا تتحقق وموجب القذف عندنا لا يسقط بالعفو بخلاف
الأول فإنه نفى حقه من الأصل فكان منكرا للسبب في حد القذف لا مسقطا للحد ولو قال
ما قذفني لم تسمع منه دعوى القذف بعد ذلك مطلقا فكذلك إذا قال لا حق لي قبله ولو قال
هو برئ من السرقة التي ادعيتها لم يكن عليه ضمان ولا قطع لان دعوى السرقة حق
المسروق منه وهو مما يسقط باسقاطه (الا ترى) انه لو وهب المسروق من السارق سقطت
خصومته وبدون خصومته لا تظهر السرقة في حق المال ولا في حق القطع ولو قال لست
من فلان في شئ ثم أقام البينة على مال له عليه قبل هذا القول قبلت بينته وهذا القول باطل
لأنه ما تعرض في كلامه للحق الذي عليه وإنما تعرض لنفسه والحق الذي عليه غير نفسه
فلا يصير مذكورا بذكر نفسه وكذلك لو قال برئت من فلان أو قال أنا برئ من فلإن لم
يكن هذا القول براءة من حق لواحد منهما قبل صاحبه لأنه أضاف البراءة إلى نفسه دون الحق
الذي عليه فلا يصير الحق مذكورا به (ألا ترى) أن البراءة من نفس الغير تكون إظهارا
للعداوة معه والبراءة من الحق الذي له عليه إظهار للمحبة ولو قال لست من هذا الدار التي
في يد فلان في شئ ثم ادعى بعد ذلك حقا فيها لم تقبل دعواه لأنه اخرج نفسه من الدار على
العموم واتصاله بالدار من حيث ملكه أو حق له فيه فاخراجه نفسه منها على العموم يكون
اقرارا بأنه لا حق له فيها ولا ملك بخلاف قول لست من فلان في شئ فان اتصاله من فلان
من حيث المحبة والتناصر فإنما يكون هذا الكلام اقرارا منه بأنه لا محبة بينهما ولا تناصر
وعلى هذا لو قال أنا برئ من هذا الدار كان هذا اقرارا منه بأنه لا حق له فيها لان تبرؤه عن
العين يكون اقرار بانقطاع سبب اتصاله به وذلك بالملك أو الحق ولو قال خرجت من هذه
165

لا دار لم يكن اقرارا بشئ لأنه أخبر فعله بالخروج من الدار ولو عاين ذلك لم يكن موجبا
انتفاء حقه عنها فكذلك إذا قال خرجت منها وان قال قد خرجت منها علي مائة درهم أو
بمائة درهم وقبضتها كان اقرارا بأنه لا حق له فيها لان الخروج بعوض لا يكون اخبارا بعين
الفعل بل يكون اخبارا بإزالة ملكه عنها بعوض بطريق البيع أو بطريق الصلح فيكون
اقرارا بأنه لا حق له فيها وعلى هذا الحيوان والعروض والدين فان أنكر ذو اليد ذلك وقال
هو لي وقد أخذت مائة درهم غصبا حلف على ذلك لأنه قد أقر بأخذ المائة منه وادعى لاخذه
شيئا وهو الصلح فإذا أنكر صاحبه السبب كان القول قوله مع اليمين ويسترد المائة إذا حلف
ويكون المقر على خصومته لان ما أقر به من الصلح قد بطل بإنكار صاحبه واسترداده بدل
الصحل وإذا قال الطالب قد برئت من ديني على فلان أو هو في حل مما لي عليه كانت هذه براءة
للمطلوب لأنه أضاف البراءة إلى الحق الواجب على المطلوب فيكون مسقطا له وكذلك لو
قال وهبت الذي لي عليه له فهو برئ من ذلك لان هبة الدين ممن عليه يكون اسقاطا فإنه
ليس بعين قابل للتمليك مقصود ولكنه محتمل للاسقاط فتصير الهبة فيه عبارة عن الاسقاط
مجازا كهبة المرأة من نفسها يكون طلاقا وهبة العبد من نفسه يكون اعتاقا وهبة القصاص
ممن هو عليه يكون عفوا فإن كان فلان حاضرا فلم يقبل الهبة أو كان غائبا فبلغه فقال لا أقبل
فالمال عليه كما لو أبرأه فرد الابراء وهذا لان ابراء من عليه الدين وإن كان اسقاطا ففيه معنى
التملك لأنه يجوز أن يملك ما في ذمته ويسقط عنه كما يكون عند قضاء الدين أو الشراء بالدين
فلما كان فيه معنى التمليك احتمل الارتداد برده ولكونه اسقاطا لا يتوقف علي قبوله حتى لو
مات قبل أن يرده فهو برئ لان البراءة حصلت له بنفس الاسقاط على احتمال أن يعود برده
فإذا مات قبل أن يرده ثم الاسقاط بموته وكذلك لو قال هو في حل مما لي عليه فهذا اللفظ
يستعمل في الابراء عرفا فهو وقوله هو برئ مما لي عليه سواء ولو قال ليس لي مع فلان
شئ لم يكن هذا ابراء من الدين وكان براءة من كال أمانة بمنزلة قوله ليس عند فلان لان
كلمة مع للضم وكلمة عند للقرب وذلك يتحقق في الأعيان دون الديون وإذا أقر الطالب أن
فلانا قد برئ إليه مما له عليه فهذا اقرار بالقبض لأنه أقر ببراءته بفعل من المطلوب متصل
بالطالب حين وصله بنفسه بحرف إلى وذلك أنما يكون بإيفاء الدين فان ابتداءه من المطلوب وتمامه
من الطالب بقبضه وإذا أقر انه لا قصاص له قبل فلان فله أن يدعى الخطأ والحد لان
166

القصاص اسم خاص لعقوبة هي عوض حق العباد واجب بطريق المماثلة فلا يدخل فيه الخطأ
والحد لان موجب الخطأ والحد مال ومعظم الحق في الحد لله تعالى وإذا أقر انه لا جراحة
له خطأ قبل فلان فله أن يدعى العمد إن كان فيه قصاص أو لم يكن لان الخطأ صفة للفعل
لا لموجبه والعمد ضده فلا يكون نفيه بصفة نفيا منه فعلا بضد تلك الصفة فان ما ليس
يمين يختلف باختلاف وصفه ولو أقر انه لا جراحة له قبل فلان فليس له أن يدعي جراحة
عمدا ولا خطأ لأنه نفى الفعل مطلقا فلا يتقيد بأحد الوصفين إذا المقيد غير المطلق ونفي الفعل
نفى لموجبه ضرورة وله أن يدعى الدم لان الجرح اسم خاص لما دون النفس فلا يتناول
النفس لان الفعل في النفس ازهاق الحياة وفيما دونها إماتة لجزء ما هو دونها في الجرح
ولا مغايرة أبين من مغايرة محل الفعل وان أقر أنه لاحد له قبل فلان فادعى سرقة يجب
فيها القطع فهو على دعواه لأنه إنما نفى حدا هو حقه وحد السرقة خالص حق الله تعالى
حتى لا يعمل فيه الرجوع عن الاقرار ولا يعتبر خصومة المسروق منه في القطع وإنما حقه
في دعوى المال وهو ما نفى ذلك باقراره وان أقر أنه لا دم له قبل فلان فليس له أن يدعى
دما خطأ ولا عمدا لأنه نفى باقراره الدم مطلقا وقد بينا أن نفى السبب نفى لموجبه والدية في
الخطأ موجب الدم كالقصاص في العمد وله أن يدعى ما دون الدم والدم في عرف اللسان عبارة
عن النفس خاصة وليس من ضرورة نفى النفس نفى ما دونها ولو أقر أنه لا أرش له قبل فلان
لم يكن له أن يدعى دية خطأ ولا صلحا عن دم عمد ولا عن كفالة بدية نفس ولا عن قبل
شئ من الجراحة لان اسم الأرش يعم ذلك كله سواء كان ذلك واجبا بنفس الفعل أو بالصلح
على الأصل أو على الكفيل بكفالته به فاقراره بنفي الأرش يتناول ذلك كله والله أعلم
* (باب الاقرار بالعتق والكتابة) *
(قال رحمه الله) وإذا أقر الرجل أنه أعتق عبده هذا أمس وهو كاذب عتق في
القضاء ولم يعتق فيما بينه وبين الله تعالى لان الاقرار خبر محتمل للصدق والكذب لكن
دين المقر وعقله يدعو انه إلى الصدق والقاضي مأمور باتباع الظاهر فإذا ترجح جانب الصدق
باعتبار الظاهر قضي القاضي بعتقه ولكن الله تعالى عالم بحقائق الأشياء فإذا لم يسبق من المقر
فيه عتق كان خبره في الحقيقة كذبا والكذب بالاخبار عنه لا يصيره حقا كاقرار المقرين
167

به لا يصيره حقا باخبارهم به فلهذا لا يعتق فيما بينه وبين الله تعالى ولو قال أعتقتك أمس وقلت إن
شاء الله لم يعتق لما سبق أن عمل الاستثناء في الكلام كعمل الشرط ولو أقر أنه علق عتقه
بشرط لم يكن هذا اقرار بالعتق فكذلك إذا أقر انه استثنى موصولا وكذلك لو قال أعتقتك
أمس وإنما اشتراه اليوم فقد أضاف العتق إلى وقت لم يكن مالكا للعتق فيه فهو كقوله
أعتقتك قبل أن اشتريتك ولو أقر انه أعتق عبده هذا لا بل هذا عتقا جميعا لان رجوعه
عما أقر به للأول باطل وإقامة الثاني مقامه في الاقرار بعتقه صحيحة فلهذا عتقا ولو قال أعتقتك
علي مال وقال العبد أعتقتني بغير مال فالقول قول العبد لان المولى أقر بعتقه وادعى وجوب
المال لنفسه في ذمته لان العتق ينزل بنفس القبول قبل الأداء والمولى مقر بقبوله فلهذا عتق
العبد وهو غير مصدق فيما يدعى من المال في ذمة العبد إلا أن يقيم البينة عليه أو يحلف العبد
إن لم يكن له بينة ولو قال جعلت أمرك بيدك في العتق أمس فلم تعتق نفسك وقال العبد
بل أعتقت نفسي لم يصدق العبد لان المولى ما أقر بعتقه فان جعل الامر في يده لا يوجب
العتق ما لم يعتق العبد نفسه والعبد مدع لذلك والمولى منكر ولا قول للعبد في الحال لأنه
يخبر بما لا يملك انشاءه فقد خرج الامر من يده بالقيام من المجلس وكذلك لو قال أعتقتك
علي مال أمس فلم تقبل وقال العبد بل قبلت أو قال أعتقتني بغير شئ فالقول قول المولى
لأنه ما أقر بعتقه فان اعتاقه بمال تعليق بشرط القبول ولهذا لا يملك الرجوع قبل قبول العبد
ولو أقر بتعليق عتقه بشرط آخر لم يقبل قول العبد في ايجاد الشرط ولا في انكار التعليق
بالشرط وكذلك هذا في الطلاق وفي قوله أمرك بيدك واختاري فان أقام العبد البينة علي
قبوله أو علي اعتاق المولي إياه بغير شئ كان الثابت بالبينة كالثابت باقرار المولى ولو قال
لعبده كاتبتك ولم يسم مالا وقال العبد لا بل على خمسمائة فإنه ينبغي في قول أبي حنيفة رحمه
الله أن يصدق العبد ولا يصدق في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وأصل المسألة فيما إذا
اختلف المولى والمكاتب في مقدار بدل الكاتبة فعلي قول أبي حنيفة رحمه الله القول قول المولى
ويتحالفان وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله بمنزلة البيع لأنه لا يصح الا بتسمية البدل
ويحتمل الفسخ كالبيع وفي قول أبي حنيفة رحمه الله الاخر القول قول العبد لان الكتابة إذا
تمت بالعتق لا تحتمل الفسخ فتكون بمنزلة العتق على مال والطلاق بمال إذا وقع الاختلاف في
مقدار البدل يكون القول قول المنكر في الزيادة ولا يجرى التحالف فلما كان من أصلهما أن
168

الكتابة على قياس البيع وقد بينا في البيع أن اقراره به من غير تسمية الثمن باطل فكذلك في
الكتابة فيبقى العبد مدعيا للكتابة بخمسمائة ولا يصدق في ذلك الا بحجة وعند أبي حنيفة رحمه
الله هو بمنزلة العتق والطلاق فاقراره به صحيح وإن لم يسم ما لا ثم نقول على قول أبي حنيفة
رحمه الله الاخر المولى لا يتمكن من انكار أصل الكتابة بعد ما أقر بها وان ادعى مالا خلاف
ما أقر به العبد فالقول قول العبد فعرفنا انه قد وجب تصديق العبد عندهما إذا ادعى المولى
خلاف ما أقر به العبد لم يصدق العبد وتحالفا فكذلك هنا ولو قال كاتبتك أمس على ألف درهم
فلم تقبل الكتابة وقال العبد بل قبلتها فالقول قول العبد لان الكتابة في هذا قياس البيع
من حيث إنها لا تحتمل التعليق بالشرط ويلزم الايجاب فيها قبل القبول فاقراره بالعقد يكون
اقرارا بالايجاب والقبول جميعا ثم قوله فلم تقبل يكون رجوعا عن الاقرار فلا يصح رجوعه
كما لو أقر انه باع عبده من فلان بألف درهم فلم يقبل وقال فلان قبلت بخلاف ما تقدم من
العتق والطلاق فإنه يحتمل التعليق بالشرط والايجاب فيه لازم قبل القبول فاقراره بفعله
لا يكون اقرارا منه بقبول العبد والمرأة ولو أقر انه كاتب عبده هذا على ألف درهم لا بل
هذا وادعى كل واحد منهما الكتابة جاز ذلك لهما لما بينا أن رجوعه عن الاقرار للأول
باطل وهذا بخلاف ما لو أقر أنه كاتب هذين العبدين على ألف درهم الا هذا لأنه هناك أخرج
كلامه مخرج الاستثناء والاستثناء صحيح موصولا فإنما يصير مقرا بما وراء المستثنى وفي الأول
أخرج الكلام مخرج الرجوع ولا يصح الرجوع عن الاقرار موصولا ومفصولا ولو أقر انه
كاتبه وهو صبي فقال المكاتب بل كاتبتني وأنت رجل فالقول قول المولى لأنه أضاف الاقرار
إلى حال معهودة تنافى الكتابة ولو أقر انه كاتب هذا قبل أن يملكه أو انه كاتبه أمس وقال إن
شاء الله فالقول المولى مع يمينه لأنه وصل كلامه بما ينفى أصل الكتابة بخلاف ما لو قال
المولى اشترطت الخيار لانتفى أصل العقد فان تأثير الخيار في تغيير وصف العقد وجعل حكمه
كالمتعلق بالشرط لا أن يصير أصل السبب متعلقا فلم يكن المولى بدعوى الخيار منكرا لأصل
العقد بخلاف ما الاستثناء والبيع في هذا قياس الكتابة والله أعلم * (باب اقرار الكفار) *
(قال رحمه الله) وإذا أقر الحربي المستأمن في دار الاسلام بدين لمسلم فهو لازم لأنه
169

أهل أن يجب عليه الحق للمسلم بالمعاملة فيصح اقراره له وهو سبب حادث فيحال به على
أقرب الأوقات وهو ما بعد دخوله دارنا بأمان فان قال أدانني في دار الحرب وقال المسلم في
دار الاسلام فالدين لازم عليه سواء قال ذلك موصولا باقراره أو مفصولا لأنه يدعى تاريخا
سابقا لما أقر به من المال وهو غير مصدق في دعوى التاريخ وان وصل كلامه ولان بهذا
الإضافة لا ينكر وجوب أصل المال فان المداينة في دار الحرب سبب لوجوب المال للمسلم
عليه ولكن لا تسمع الخصومة فيه في دار الاسلام ما لم يسلم أو يصير ذميا فيصير هذا بمنزلة دعوى
الاجل وان ادعاه موصولا باقراره وكذلك لو أقر بذلك لمستأمن مثله أو لذمي وكذلك
لو أقر بشئ بعينه في يده أنه له واقرار المستأمن بالنكاح والطلاق والعتاق والولد والجراحات
وحد القذف والإجارة والكفالة وما أشبه ذلك جائز لان في هذا كله حق العباد والمستأمن
ملتزم لذلك مدة مقامه في دارنا حتى إذا باشر سبب ذلك كان مؤاخذا به فكذلك إذا أقر
به ولو أقر بحد زنا أو سرقة فقد عرف أن قول أبي حنيفة رحمه الله ومحمد رحمه الله الحدود
التي هي لله تعالى لا تقام على المستأمن وان ثبت سببها بالبينة أو بالمعاينة وكذلك إذا أقر به
وعند أبي يوسف رحمه الله في القول الآخر تقام الحدود عليه كما تقام على الذمي فيصح اقراره
بها كما يصح اقرار الذمي وهي مسألة كتاب الحدود والفرق بين هذا الحد وحد القذف معروف
أن فيه حق العبد ويضمن السرقة إذا أقر بها لأن الضمان من حقوق العباد ولو أقر مسلم لذمي
بخمر أو خنزير في يده جاز اقراره لان الخمر مال في حق الذمي فيؤمر بردها عليه بحكم اقراره
وكذلك لو أقر الذمي للمسلم بعينها لان الخمر للمسلم مملوكة وإن لم تكن مالا متقوما فيؤمر الذمي
بردها عليه باقراره ويؤمر المسلم أن يخللها ولو أقر له بخمر أو خنزير مستهلك لم يلزمه شئ كما
لو عايناه استهلك الخمر والخنزير على المسلم وهو نظير ما لو أقر له بجلد شاة ميتة يؤمر بدفعه إليه
لينتفع به وإن كان مستهلكا لم يلزمه شئ وان أقر بها لذمي يعنى بخمر أو خنزير مستهلك لزمه
قيمتها لأنها مال متقوم في حقه يضمن متلفها عليه عندنا وإذا أسلم الذمي فأقر ذمي أنه استهلك
له خنزيرا بعد اسلامه وقال المسلم استهلكته قبل اسلامي فهو ضامن لقيمته في قول أبي حنيفة
وأبى يوسف رحمهما الله وفي قول محمد رحمهما الله لا ضمان عليه وهذا بناء على ما سبق إذا قال
لحربي أسلم أتلفت مالك أو قطعت يدك حين كنت حربيا وقد بينا هذا الخلاف فهذا قياسه
وعلى هذا لو أن ذميا أقر بخمر وقال استهلكتها وأنا حربي وقد علم كونه حربيا من قبل فهو
170

علي الخلاف الذي بينا واقرار المرتد بالحقوق جائز ان السلم وان قتل على ردته أو لحق بدار
الحرب لم يجز اقراره في كسب اسلامه ويجوز اقراره فيما اكتسبه بعد الردة في قول أبي حنيفة
رحمه الله واقرار المرتدة بذلك كله جائز وعندهما اقرارهما جائز في ذلك إلا أن عند أبي يوسف
رحمه الله هو بمنزلة اقرار الصحيح وعند محمد رحمه الله هو منزلة اقرار المريض وهذا نظير
اختلافهم في تصرفات المرتد فان الاقرار تصرف منه كسائر التصرفات وهو مسألة كتاب
السير ولو أقر المرتد بمكاتبة عبد له أو بعتقه في حال الاسلام لم يجز في قول أبي حنيفة رحمه
الله ان قتل أو لحق بدار الحرب ويجوز عندهما إلا أن محمدا رحمه الله يقول هو بمنزلة اقرار
المريض وإذا أقرت المرتدة أو المرتد بحد في قذف أو سرقة أو زنا أو جراحة عمد فيها قصاص
فذلك جائز عندهم لان الحجر بسبب الزيادة لا يكون أقوى من الحجر بسبب الرق ولان
توقف تصرفه في المال عند أبي حنيفة رحمه الله لتوقف ملكه وذلك غير موجود في العقوبات
فاما ما كان من الجراحات التي توجب المال فاقراره بها يوقف عند أبي حنيفة رحمه الله ويكون
نافذا عندهما على ما بينا وذكر حديث القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه أن عبد أتى علي بن أبي
طالب كرم الله وجهه فأقر بالسرقة مرتين فامر به فقطع قال عبد الله وكأني أنظر إلى يده
معلقة في عنقه وفيه دليل على صحة اقرار العبد بالأسباب الموجبة للعقوبة وبه يستدل أبو يوسف
رحمه الله في اشتراط التكرار في الاقرار الا ان أبا حنيفة ومحمدا رحمهما الله قالا في
الحديث أقر مرتين فقطعه وليس فيه لو لم يكرر اقراره لم يقطعه والسكوت لا يكون حجة وذكر
عن أبي مالك الأشجعي رحمه الله قال أتى عبد قد رأيته علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأقر
عنده بالزنا فأمر به قنبرا وقال اضربه فإذا قال اتركني فاتركه فلما وفاه خمسين جلدة قال له العبد
اتركني فتركه وهو دليل على اقرار صحة العبد بالحد على نفسه ولقوله فإذا قال اتركني فاتركه
تأويلان أحدهما انه إذا رجع عن اقراره فاقبل ذلك منه والثاني انه علم فقه العبد في أنه لا يقول
له اتركني الا بعد أن يتم عليه حد العبيد وقد ظهر ذلك حين قال له اتركني بعد خمسين جلدة
وإذا أقر العبد المحجور بدم عمد وله وليان فعفا أحدهما لم يكن للاخر مال في عتقه لان صحة
اقراره يكون موجبا للعقوبة عليه وكون دمه خالص حقه فإذا آل الامر إلى أن يكون الواجب
مالا بطل اقراره لان ماليته حق مولاه وكان هو بمنزلة اقراره بالقتل الخطأ ولو أقر بسرقة
لا يجب في مثلها القطع كان اقراره باطلا لان كسبه ومالية رقبته حق لمولاه فلا يصدق في
171

اقراره واقراره بالمال بهذا السبب صحيح كاقراره بالغصب واقرار الصبي المحجور عليه والمعتوه
والمغمى عليه والنائم باطل بمنزلة سائر تصرفاتهم واقرار السكران جائز كاقرار الصاحي بمنزلة
سائر التصرفات ينفذ من السكران كما ينفذ من الصحيح ويستوى في ذلك اقراره بالمال
أو بالحد أو بما يصح الرجوع عنه أو بما لا يصح إذا لم يرجع عنه لان السكر عبارة عن غلبة
السرور فلا يؤثر في عقله شيأ فينفذ اقراره كما ينفذ ممن هو صاح وكذلك الأصم والأعمى
والمقعد والمفلوج فهذا الآفات لا تؤثر في عقله ولا في لسانه فهو في أقاريره كالصاحي واقرار
الأخرس إذا كان يكتب ويعقل جائز في القصاص وحقوق الناس لان له إشارة مفهومة تنفذ
تصرفاته بتلك الإشارة ويحتاج إلى المعاملة مع الناس فيصح اقراره بحقوق العباد ما خلا الحدود
فان الاقرار بها يستدعى التصريح بلفظ الزنا والسرقة وبإشارته لا يحصل هذا ولان الحدود
تدرأ بالشبهات فلعل في نفسه شبهة لا يتمكن من إظهارها بإشارته إذ هو لا يقدر على إظهار كل
شئ بإشارته ولهذا لا تقام عليه الحدود بالبينة أيضا لأنا لو أقمناها كان إقامة للحد مع الشبهة ولا
يجوز اقرار الأب على ابنه الصغير أو الكبير المعتوه بشئ من مال أو جناية لأنه شهادة منه
على غيره وشهادة الواحد على غيره لا تكون ملزمة ولان ولاية الأب علي ولده مقيدة بشرط
النظر في المصلحة له عاجلا وذلك لا يحصل باقراره عليه وكان هو في الاقرار عليه كأجنبي آخر
والله أعلم
* (باب الاقرار بالكتاب) *
(قال رحمه الله) وإذا كتب الرجل ذكر حق على نفسه بشهادة قوم أو كتب وصية
ثم قال اشهدوا بهذا لفلان على ولم يقرأ عليهم الصك ولم يقرأه عليه فهذا جائز إذا كتبه بين
أيديهم بيده أو أملاه علي انسان فكتبه لان المكتوب معلوم لهم وهو بقوله اشهدوا بهذا
لفلان على صار مقرا بجميع ما في الكتاب مشهدا لهم على ذلك ولا إظهار أتم من هذا فالاقرار
بيان باللسان وذلك بالاملاء حاصل ولكن لا يؤمن النسيان فالكتاب يؤمن من ذلك ما يكون
من البيان وإن لم يحضروا كتابته ولا إملائه لم تجز شهادتهم لأنه لا علم لهم بما في الكتاب حين
لم يقرأه عليهم وقال الله تعالى الا من شهد بالحق وهم يعلمون فمن لم يعلم ما شهد عليه لا تجوز
شهادته وان كتب رجل كتابا إلى رجل من فلان إلى فلان أما بعد فان لك علي من قبل
172

فلان كذا وكذا درهما فذكر جائز عليه إذا كتب ما يكتب الناس في الرسائل وفي القياس
لا يجوز هذا لان الكتاب محتمل قد يكون لتجربة الخط والقرطاس وقد يكون ليعلم كتب
الرسالة والمحتمل لا يكون حجة ولكنه استحسن للعادة الظاهرة بين الناس أنهم إنما يكتبون
كتاب الرسائل بهذه الصفة لاظهار الحق واعلام ما عليه من الواجب فإذا ترجح هذا
الجانب بدليل العرف حمل الكتاب عليه بمنزلة لفظ محتمل يترجح فيه معنى بدليل العرف
وان جحد وشهدت البينة انه كتبه أو أملاه جاز عليه لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة
وكذلك هذا في الطلاق والعتاق وسائر الحقوق ما خلا القصاص والحد فانى آخذ فيها
بالقياس لأنها عقوبات تدرأ بالشبهات فاحتمال جهات أخرى سوى ما ترجح بدليل العرف
يصير شبهة في ذلك وهو نظير الاستحسان في صحة اقرار الوكيل على موكله في مجلس القاضي
أنه لا يجعل حجة في القصاص والحدود أخذا بالقياس لبقاء شبهة عدم الخصومة حقيقة في
الاقرار ولكنه يضمن السرقة بهذا الكتاب لأن الضمان يثبت مع الشبهات وان كتب في
الأرض أو في صحيفة أو خرقة لفلان علي ألف درهم لم يلزمه شئ لأنه لا عرف في إظهار
الحق الواجب بهذا الطريق فيبقى محتملا في نفسه والمحتمل لا يكون حجة بخلاف المكتوب
علي رسم كتب الرسائل للعرف الظاهر فيه بين الناس وقال أبو حنيفة رحمه الله لا أجيز
كتاب القاضي حتى يشهد الشهود على ما في جوفه وهو قول محمد رحمه الله لان المشهود به
ما في الكتاب فلا بد أن يكون معلوما للشهود وان يشهدوا عليه فإذا كتبه بين أيديهم وقال
اشهدوا عليه جاز لأنه صار معلوما لهم وإن لم يحضروا الكتاب لم تجز شهادتهم حتى يقرأ عليهم
فاما عند أبي يوسف رحمه الله إذا أشهدهم على الكتاب والخاتم وشهدوا على ذلك أجيزه وإن لم
يعلموا ما فيه استحسانا لان كتاب القاضي إلى القاضي قد يشتمل علي شئ لا يريد أن يقف
عليه غيرهم ففي تكليف اعلامهم ما في الكتاب نوع حرج وبالختم يقع الا من من التغيير والتبديل
فلهذا استحسن أبو يوسف رحمه الله قبول ذلك غير أنهما قالا كتاب الخصومة لا يشتمل على
التبديل لذلك كتاب آخر فلا بد من اعلام الشهود ما في الكتاب ولو قرأ رجل على رجل
صكا فقال أشهد عليك بما في هذا الكتاب فقال نعم فسمع ذلك آخر وسعه أن يشهد عليه لان
معنى كلامه اشهد على جميع ما قرئ وذلك معلوم للسامع والقارئ جميعا وهذا من المجيب
اقرار تام فلمن سمعه أن يشهد عليه سواء أشهده عليه أو لم يشهده قال الشعبي رحمه الله إذا
173

أشهد الرجل قوما على شهادة فسمع ذلك آخرون فشهدوا فهي شهادة جائزة وإذا كتب
الرجل ذكر حق لفلان عليه بكذا وعندهم قول حضور ثم قال اختموا عليه فليست هذه
بشهادة لان قوله اختموا محتمل يجوز أن يكون معناه لا تظهروه فإنه غير واجب على والمحتمل
لا يكون حجة فان الشئ يختم عليه ليكون محفوظا تارة وليكون مكتوما أخرى وكذلك لو
قالوا أنشهد عليك فقال اختموه ولو قالوا نختم هذا الصك فقال اشهدوا كان جائزا لان الشهادة
لا تكون الا للاستئمان بالحق والأمن من الجحود فيصير بهذا اللفظ مقرا بوجوب
الحق عليه والحاصل أن لفظ الشهادة خاص شرعا لاظهار الحقوق (ألا ترى) أن الشاهد
عند القاضي لو أبدل هذه اللفظة بلفظة أخرى لم يقبل القاضي منه شهادته فكذلك الذي
يشهد على الكتاب إذا أبدله بلفظ آخر هو محتمل لا يكون إظهارا للحق الواجب عليه ولو
كتب رسالة من فلان إلى فلان أما بعد فإنك كتبت إلى انى ضمنت لك عن فلان ألف درهم
ولم اضمن لك ألفا وإنما ضمنت لك عنه خمسمائة وعنده رجلان شهدا كتابته ثم مجئ كتابه
فشهدا بذلك عليه لزمه وإن لم يقل لهما اشهدوا ولا اختما فللاستحسان الذي بينا من حيث العرف
لا تكتب الرسالة بهذه الصفة الا للاعلام بالحق الواجب ثم محوه الكتابة بمنزلة الرجوع عن
الاقرار ففرق بين هذا وبين الصك فان هناك ما لم يقل اشهدوا على بهذا الا يكون ملزما إياه
وهذا فرق مبنى على العرف أيضا فان الصكوك توثيق بالاشهاد عليها عادة ولا يتم الا بها
وكتب الرسائل تخلو عن الاشهاد عليه عادة فلهذا مكان مجرد الكتابة بين أيديهم ملزما إياه وإن لم
يقل اشهدوا وكذلك الطلاق والعتاق وكل حق يثبت مع الشبهات ولو كتب هذه الرسالة
قدام رجلين أميين لا يقرآن ولا يكتبان فامسك الكتاب عندهما وشهدا به عليه فهو جائز عند أبي
يوسف رحمه الله أما لو أقرأ الكتاب عندهما وشهدا به عليه فهو جائز عند أبي يوسف
رحمه الله بمنزلة ما لو أقرأ الكتاب عند القاضي انه كتبه إليه قبل أن يفسر القاضي ما فيه وهذا
كله بناء على أصل أبى يوسف رحمه الله أن علم الشهود بما في الكتاب ليس بشرط وأما عند
أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله فلا يجوز حتى يعلما ما في الكتاب أو يقرآنه عند القاضي مفسرا
وأصله فيما ذكر كتاب أدب القاضي أن القاضي إذا وجد في خريطته سجلا فيه حكمه
وختمه ولم يتذكر الحادثة فليس له أن يقضى به عند أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله له ذكر فمحمد رحمه الله يفرق بين هذا وبين تلك فيقول أصل الحادثة هناك
174

كان معلوما عنده ثم نسيه وقد أمس من التبديل فيه لكونه تحت خاتمه وهنا أصل الحادثة لم يكن
معلوما للشاهد وهو أمي لا يعرف الكاتب ولم يسمع الكاتب يخبر فلم يسند علم الشهادة به
أصلا ولو كتب على نفسه صكا قدام أميين ثم قال أشهدا عليه وهما لا يعلمان ما فيه لم يجز ذلك
بالاتفاق لان الاشهاد على ما ليس بمعلوم للشاهد باطل فذكره كعدمه وأبو يوسف رحمه
الله يفرق بين هذا وبين الأول فيقول الاشهاد على كتاب الرسالة ليس بشرط فعلم الشاهد
بما فيه لا يكون شرطا أيضا والاشهاد على الصك شرط لجواز الشهادة عليه فعلم الشاهد بما فيه
يكون شرطا أيضا ولو كتب رسالة في تراب لم يجز لما بينا من انعدام الفرق المرجح في
هذا إلا أن يقول اشهدوا على بهذا فحينئذ هو جائز لان بالكتابة في التراب صار معلوما لهم
فإذا أشهدهم على معلوم صار كأنه ذكر ذلك بلسانه بين أيديهم وكذلك أن كتبه في خرقة أو
صحيفة أو لوح بمداد أو بغير مداد إلا أنه يستبين فيه الخط ثم قال اشهدا على بذلك أو أقر
عند القاضي انه كان كتب لم يلزمه ذلك لان الكتابة التي لا يستبين فيها الخط كالصوت
الذي لا تستبين فيه الحروف وذلك لا يكون اقرارا بشئ فكذلك هنا وهذا لان الاشهاد
إنما يصح على ما يكون معلوما للشهود والكتابة التي لا يستبين فيها الخط لا توجب اعلام
شئ لهم ولان المقصود بالكتاب الحفظ عن النسيان وشئ من هذا المقصود لا يحصل
بالكتابة التي لا يستبين فيها الخط فوجوده كعدمه ولو كتب في صحيفة حسابه أن لفلان
على ألف درهم وشهد شاهدان حضرا ذلك أو أقر هو عند الحاكم به لم يلزمه إلا أن يقول
اشهدوا على به لان ما يكتب في صحيفة الحساب محتمل وقد بينا اختيار أئمة بلخ رحمهم الله
فيه فيما سبق ولو كتب أن لي على فلان ألف درهم في صك بخطه قدام شاهدين وبمحضر
ممن عليه المال وهو كان يعرف ما يكتب ثم قال للشاهدين اشهدا فقال فلان المكتوب عليه
نعم فهو جائز وهما في سعة بان يشهدوا أنه أقر وأشهدهما على نفسه لان كتابة صاحب الحق
صار معلوما كما يصير معلوما كتابة من عليه الحق وتمام الصك بالاشهاد وقد حصل ذلك
يقول من عليه الحق نعم لان معناه نعم فاشهدوا على ذلك (ألا ترى) أن في الاقرار باللسان
لا فرق بين ان يتكلم به صاحب الحق فيقول أليس لي عليك كذا فيقول من عليه بلى وبين أن
يتكلم به من عليه الحق فكذلك في الكتاب والله أعلم بالصواب
175

* (باب الاقرار بالدين في الحيوان) *
(قال رحمه الله) فإذا أقر الرجل أو المرأة أن لفلان على عبدا ثم أنكره فإنه يقضى عليه
بقيمة عبد وسط كما يقضي في المهر في قول أبى يوسف رحمه الله وقال محمد رحمه الله القول
قوله مع يمينه فمحمد رحمه الله يقول اقرار بالعبد دينا عليه كاقراره بغصب عبد هو عين في
يده وذلك لا يتعين به وصف بل على أي وصف بينه قبل قوله فيه فكذلك هنا ولان المقر
به مجهول فيكون البيان فيه إلى المقر ولا يتعين لوجوب المقر به سبب هذا لمطلق اقراره
لأنه لم يتعرض في اقراره لسبب وبين الأسباب معارضة فلا تتعين وتعيين صفة الوسط
بتعيين بعض الأسباب وأبو يوسف رحمه الله يقول إنه أقر على نفسه بالعبد مطلقا فينصرف مطلق
الاقرار إلى السبب الذي يثبت به العبد المطلق دينا في الذمة وذلك كالنكاح ويتعين فيه وكأنه
صرح بذلك فأقر لامرأة بدين عليه صداقا ولو صرح بذلك تعين فيه الوسط فكذلك هنا
وكذلك أن أقر به لرجل فلعل هذا الرجل كان زوجه ثلاثة على عبده ثم ماتت فصار ذلك
ميراثا للأب وكذلك أن كان كان المقر امرأة فلعلها ضمنت الصداق عن الزوج ثم ماتت
المنكوحة فصار ذلك ميراثا لأبيها علي الضامنة مع أن العبد المطلق كما يثبت صداقا يثبت
في الخلع والصلح عن دم العمد ويتعين فيه الوسط على وجه يكون الواجب مترددا بين العبد
وبين قيمته فأيهما أتى به جبر الطالب على قبوله فبالاقرار تثبت هذه الصفة أيضا وهذه
المسألة في الحقيقة تنبنى على الأصل الذي بينا في أول الكتاب أن عند أبي يوسف رحمه الله
مطلق الاقرار بالمال ينصرف إلى التزام بسبب عقد مشروع وعند محمد رحمه الله لا تتعين
هذه الجهة وقد بيناه في الاقرار للجنين وإذا قال له عبد فرض عليه قيمة عبد والقول فيها
قوله مع يمينه أما عند محمد رحمه الله فظاهر وكذلك عند أبي يوسف رحمه الله هنا لأنه صرح
بالقرض وكذلك يمنع مع تعين العقود التي يثبت فيها الحيوان دينا في الذمة وتتعين الصفة
المتوسطة باعتبار ذلك فإذا سقط اعتباره بقي اقراره بقبض عبده بطريق القرض واستقراض
الحيوان وإن كان باطلا فالمقبوض يصير مضمونا بالقيمة كالمغصوب ولو أقر بالغصب كان
القول في تعيينه قوله ولو كان مستهلكا فالقول في بيان قيمته قوله فكذلك هنا ولو قال له على
دابة كان عليه قيمة الدواب لان اسم الدابة يتناول أجناسا مختلفة ولا يصح التزامها في
176

شئ من العقود بهذا اللفظ فلم يتعين لما أقر به وضعا بل البيان في ذلك إلى المقر فإذا جاء بدابة
بعينها وقال هي هذه فالقول قوله ان جاء بفرس أو برذون أو بغل أو حمار ولا أقبل منه غير
ذلك لان اسم الدابة يتناول هذه الأجناس الثلاثة بدليل ما لو حلف لا يركب الدابة لا يتناول
الا هذه الأجناس الثلاثة وذلك معروف في كتاب الايمان وإنما يصح البيان من المقر إذا
كان مطلقا للفظه ولو أقر أن لفلان عليه دارا أو أرضا أو نخلا أو بستانا فحقيقة هذا الكلام محال
لان حقيقته اقرار بالدين وهذه الأشياء لا تكون دينا بحال ولكن إذا تعذر العمل بحقيقة
الكلام وله مجاز محتمل يحمل عليه فكأنه قال على رد هذه الأشياء قال صلى الله عليه وسلم
عليه اليد ما أخذت حتى ترد فيكون بمنزلة اقراره بغصب دار أو بستان فيؤخذ بأدنى ما يكون
ذلك حتى يدفعه إليه لان الأدنى هو المتيقن به. ولو أقر أن لفلان عليه ثوبا هرويا فما جاء به
من ثوب هروي بعد أن يحلف قبل هذا على قول محمد رحمه الله فاما عند أبي يوسف رحمه
الله فينبغي أن ينصرف اقراره إلى الوسط على قياس العبد وصح في قولهم جميعا وأبو يوسف
رحمه الله يفرق فيقول هناك العبد المطلق لا يثبت الا دينا الا في معاوضة مال بما ليس بمال
ويتعين فيه الوسط وهنا الثوب الهروي يثبت دينا في مبادلة مال كالسلم فلا يتعين فيه الوسط
بل لا بد من بيان الوصف فيه فلا يتعين لإقراره هنا ببعض الأسباب فلهذا قبل قوله في
بيانه بعد أن يحلف إذا ادعى المقر له شيأ آخر وكذلك لو قال له على ثوب ولم يسم جنسه
فأي ثوب جاء به قبل منه اللبيس والجديد فيه سواء ولا يترك حتى يسمى ثوبا لان بمطلق اسم
الثوب لا يثبت الثوب دينا في شئ من العقود فيصير كلامه عبارة عن الاقرار بالغصب
ومع بيانه الجنس والصفة والأجل يثبت دينا فلهذا كان القول في بيانه قول المقر ولو أقر انه
لا هبة له قبل فلان ثم ادعى عبدا جعله له من صلح أو قال لا صلح لي قبل فلان ثم ادعى عبدا
شراء كان على دعواه لأنه ادعى غير ما نفاه ولو أقر أنه ليس له من هذا العبد شئ ثم ادعي
انه اشتراه لغيره قبل اقراره لم يقبل ذلك منه لأنه مناقض في كلامه ففيما ما اشتراه لغيره مما
هو من حقوق العقد من القبض والخصومة في العبد كأنه اشتراه لنفسه ولو ادعاه لنفسه
بعد ذلك الاقرار لم يسمع منه فكذلك إذا ادعى أنه اشتراه لغيره وإذا أقر بالرهن في السلم
لم يجز في قول أبي حنيفة رحمه الله الأول حتى يعاين الشهود التسليم ويجوز في قوله الآخر
177

وهو قولهما وقد بيناه فيما سبق فإن كان في يد الراهن أمر بالدفع إلى المرتهن لان ثبوت
اقراره بالبينة كثبوته بالمعاينة وان تصادقا في رهن بغير قبض أو على رهن مشاع فهو باطل
لان الرهن لا يتم الا بالقبض والشيوع يمنع ثبوت اليد بحكم الرهن عندنا فإنما تصادقا علي
سبب غير ملزم ولو عاينا ما تصادقا عليه لا يجبر على التسليم ولو أقر انه رهن هذا العبد من
فلان بمائة درهم وانه قد قبضه منه وقال فلان بمائتي درهم فالرهن جائز وهو مائة درهم
لان المرتهن يدعى زيادة لا تثبت بدعواه والدين ليس ببدل عن الرهن
فاختلافهما في مقدار الدين لا يتضمن التكذيب في أصل الرهن فلهذا كان رهنا بما اتفقا من
المال عليه والله أعلم
* (باب الاقرار بكذا والا فعليه كذا) *
(قال رحمه الله) قد تقدم بيان الخلاف بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله في قوله
لفلان على ألف درهم والا فلفلان أن عند أبي يوسف رحمه الله هذا بمنزلة قوله أو لفلان
وعند محمد رحمه الله هو للأول دون الثاني ففرع علي ما ذكر ثمة وقال إذا قال لفلان علي
ألف درهم أقرضنيها أمس والا فعبده حر فهذا منه تأكيد للاقرار باليمين لان العتق يحتمل
التعليق بالشرط فيلزمه المال ولا يعتق العبد كما لو حلف على ذلك بطلاق أو بحج ولو أقر أنه
استقرض من فلان ألف درهم وقبضها أو لفلان عليه ألف درهم فالاقرار للأول جائز والثاني
مخاطرة لا يلزمه أما علي قول محمد رحمه الله فظاهر وأما علي قول أبى يوسف رحمه الله فكذلك
لأنه لا مجانسة بين الكلامين فان القبض بحكم الاستقراض فعل وآخر كلامه قول فلا يمكن
أن يجعل قوله والا بمعنى الترديد كحرف أو فبقي مقرا بالمال للأول ومعلقا اقراره للثاني
بشرط عدم الاستقراض والقبض من الأول وتعليق الاقرار بالشرط لا يجوز. وكذلك لو قال
ابتعت من فلان هذا العبد بألف درهم والا فلفلان على خمسمائة إلا أن هنا ان أقر رب العبد
ببيع العبد لزمه الألف وان أنكر ذلك لا يلزمه شئ لأنه صار رادا لإقراره حين أنكر بيع
العبد منه واقراره بالخمسمائة كان معلقا بشرط وهو باطل من أصله ولو قال قد أعتقت عبدي
هذا والا فغلامي هذا حر عتق الأول دون الثاني لأنه أكد عتق الأول باليمين بعتق الثاني إذ
لا مجانسة بين الكلامين لمحل قوله أو لو قال هذا حر والا فهذا أو أعتقت هذا والا فقد
178

أعتقت هذا كان مخيرا بينهما عند أبي يوسف رحمه الله لأنه لما تجانس الكلامان فقوله والا
بمنزلة قوله أو كما لو قال لفلان على ألف درهم والا فلفلان علي مائة دينار أما عند محمد رحمه الله
في هذا كله فالأول ايجاب صحيح والثاني باطل لأنه بمنزلة التعليق بالشرط والله أعلم
* (باب اقرار الرجل في نصيبه) *
(قال رحمه الله) وإذا كانت الدار بين رجلين فأقر أحدهما أن نصيبه منها لفلان لا حق
له فيه صح اقراره لثبوت ولاية التصرف له على نصيبه وكذلك أن أقر ببعض نصيبه من
نصف أو عشر أو غير ذلك وكذلك لو أقر له بنصف الدار مطلقا ينصرف اقراره إلى نصيبه خاصة
لان قصده تصحيح كلامه ولا يصح الا بان يحمل اقراره على نصيبه ولو قال له ربع جميع
هذه الدار ولى ربع ونصفه ولصاحبي ربع ونصفه وجحد شريكه ذلك فان نصف الدار
حصة المقر بين المقر والمقر له على خمسة للمقر سهمان وللمقر له ثلاثة لان المقر يعامل
في نصيب صاحبه نفسه كأن ما أقر به حق ولا يصدق على غيره وقد زعم المقر هنا
أن حق المقر له في سهمين من ثلثه وحقي في ثلثه وحق شريكي في ثلثه إلا أن شريكه ظلمهما
حين أخذ زيادة على مقدار حقه فلا يكون ذلك الظلم على أحدهما خاصة بل يجعل ذلك
كالثاوي ويبقى ما في يد المقر تصرف فيه المقر له بسهمين والمقر بثلثه فيكون مقسوما بينهما على
خمسة وإذا أقر أن لفلان عليه ألفا وانه قد قضاها إياه فوصل الاقرار بهذا ثم جاء بالبينة انه
قضاها إياه قبل ذلك منه استحسانا وفي القياس لا يقبل وهو قول زفر رحمه الله لان كلامه
محال فإنه أقر بوجوب المال عليه في الحال وما قضاه قبل هذا لا يكون عليه في الحال فكان
مناقضا في دعوى القضاء والكلام المحال والتناقض لا يمكن اثباته بالبينة ولكن استحسن
للعرف فان الناس يذكرون هذا اللفظ ويريدون به أنه كان له عليه ذلك (ألا ترى) أن
الرجل يقول هذا الثوب للأمير كسانيه أو هذه الدابة للأمير حملني عليها والمراد أنه كان له
لا أنه في الحال له كذلك هنا. ولو قال له على ألف درهم ثم قال بعدما سكت قضيتها إياه
قبل أن أقر بها وجاء بالبينة لم يقبل منه لان قوله قضيتها إياه بيان مغاير لظاهر كلامه فان ظاهر
كلامه الاخبار بوجوب المال عليه في الحال على احتمال أن يكون مراده انه كان ومثل هذا
الكلام إنما يسمع موصولا لا مفصولا فإذا سكت تقرر المال عليه واجبا في الحال فهو في قوله
179

قضيتها إياه قبل أن أقر بها مناقض في كلامه ولو قال كان له على ألف درهم ثم قال قد قضيتها
إياه قبل أن أقر به وجاء بالبينة قبلت بينته لان قوله كان كذا لا يكون تصريحا منه بقيامه
في الحال وإنما يجعل قائما باعتبار استصحاب الحال لان ما عرف ثبوته فالأصل بقاؤه وإنما يصار
إلى استصحاب الحال إذا لم يقم الدليل بخلاف وقد قام الدليل هنا حين أتى بالبينة علي ما ادعى
من القضاء بخلاف ما سبق فان كلامه الأول هنا تصريح بوجوب المال عليه في الحال فهو
بقوله كنت قضيتها من قبل يكون مناقضا فيما صرح به وعلى هذا لو قال هذا العبد لفلان
اشتريته منه فوصله باقراره وأقام البينة على الشراء قبلت بينته استحسانا ولو قال بعد
ما سكت اشتريته منه قبل الاقرار أو وهبه لي أو تصدق به علي لم تقبل بينته استحسانا
فهذا والأول سواء ولو أقر أن هذا العبد الذي في يده عبد لفلان اشتريته منه بألف درهم
ونقدته الثمن ثم قال بعد ذلك اشتريته من فلان الاخر بخمسمائة درهم ونقدته الثمن فان أقام
البينة على ذلك كله فهو جائز وعليه اليمين للأول والثمن للاخر ومراده من هذا الجواب إذا
أقام البينة على التعيين فقط دون نقد الثمن فأما إذا أقام البينة علي نقد الثمن فلا شئ لواحد
منهما وإذا أقام على التعيين فقط فالمبيع مقبوض له وثمن المبيع المقبوض يكون متأكدا على
المشترى وفي الذمة سعة بالحقوق فلهذا لزمه الثمن لكل واحد منهما وإذا لم تقم بينة على
ذلك فالعبد للأول إذا جحد البيع لان اقراره بالشراء منه اقرار بملك أصل العبد له ولم يثبت
شراؤه منه حين جحده فعليه رد العبد عليه وقد أقر للثاني انه قبض العبد منه بجهة البيع فان
صدقه في ذلك فله الثمن خمسمائة لأنه غير مصدق عليه فيما يدعى من نقد الثمن إذا لم يصدقه
في ذلك وان جحد البيع ضمن له المقر قيمة العبد لان المقبوض على جهة الشراء مضمون
بالقيمة علي القابض كالمقبوض بحقيقة الشراء إذا لم يجب به الثمن المسمى وكذلك هذا في الدار
والأرض والعروض وإذا أقر الرجل ان هذا العبد في يديه بينه وبين فلان ثم قال بعد ذلك
هو بيني وبين فلان الآخر ثم تخاصموا إلى القاضي فإنه يقضى للأول بنصيبه لأنه شركه
بنفسه في العبد وعند ذلك هو كان مالكا لجميع العبد ظاهرا فيكون كلامه اقرارا بالنصف ثم
ساوى الثاني بنفسه في العبد وعند اقراره للثاني ما كان يملك في المقر به الا نصفه فصار مقرا له
بنصف ذلك النصف وساوى الثالث بنفسه في العبد وعند ذلك ما كان يملك من العبد الا ربعه
فصار مقرا له بنصف ذلك الربع وهو الثمن ويبقى في يد المقر الثمن وكذلك لو أقر على ميت
180

هو وارثه فاقراره فيما يخلف الميت بمنزلة اقراره على نفسه ابتداء ولو أقر بالعبد كله لفلان
ثم قال بعد ذلك هو لفلان فإنه للأول ولا شئ للآخر إلا أن يدفعه إلى الأول بغير قضاء فحينئذ
يضمن للآخر قيمته وقد بينا هذه الفصول في اقراره بالغصب والوديعة والعارية فيما اتفقوا
عليه واختلفوا فيه. ولو كانت دابة في يدي رجل فقال استودعني فلان نصف هذه الدابة
ثم قال استودعني فلان نصف هذه الدابة ثم قال استودعني فلان آخر نصف هذه الدابة
فينصرف مطلق اقراره إلى ذلك ثم يضمن للثالث نصف قيمتها عند أبي يوسف رحمه الله إذا
دفع بغير قضاء إلى الأولين وعند محمد رحمه الله سواء دفع بغير قضاء أو بقضاء على ما بينا فيما
سبق في دار في يد رجل ثم أقام الآخر البينة عليه انه أقر انها له وأقام ذو اليد البينة ان
المدعى أقر أنها له فالثابت من الاقرارين بالبينة كالثابت بالمعاينة فيتغايران للتعارض فتبقى الدار
في يده علي ما كان وان شهد أحد الشاهدين بألف والاخر بألف وخمسمائة جازت الشهادة
على الف وان ادعى المدعى أكثر المالين لاتفاق الشاهدين علي الف لفظا ومعنى وكذلك
عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لو شهد أحدهما بألف والآخر بألفين وعند أبي حنيفة رحمه
الله لا تقبل الشهادة هنا لاختلاف الشاهدين في اللفظ وهي مسألة دوارة في الكتب معروفة
بيناها في كتاب الطلاق وان شهدا على أنه أقر بألف فقال أحدهما كنا جميعا وقال الآخر
كنت وحدي فالشهادة جائزة لان الاقرار قول يعاد ويكرر ويكون الثاني هو الأول فبهذا
لا يختلف المشهود به ولو ادعى على رجل ألف درهم فقال قد أخذت منها شيأ فقد أقر بها لان
الهاء والألف في قوله منها كناية عن الألف فكأنه قال قد أخذت من الألف التي لك على
شيأ وكذلك إذا قال كم وزنها أو متى حلها أو ما ضربها أو قد برئت إليك منها أو قد أديتها
إليك فهذا كله اقرار بألف لما بينا ولو قال قد برئت إليك من كل قليل وكثير كان لك على لم
يكن هذا اقرارا بالألف ولكنه اقرار بشئ لأنه لا يؤخذ من قوله الايفاء فيتضمن الاقرار
بشئ مجهول الجنس والقدر فيكون مجبرا على بيانه وإذا بينه يحلف الطالب ما قبضه منه ويحلف
المطلوب ما عليه غير هذا لان الطالب يدعي عليه زيادة وهو لذلك منكر فالقول قوله مع يمينه والله أعلم
* (باب الاقرار بما قبضه من غيره) *
(قال رحمه الله) وإذا أقر الرجل أنه اخذ ثوبا من دار بينه وبين آخر فادعى عليه الشريك
181

نصف الثوب وأنكر المقر فالقول قول المقر لان الثوب في يده واقراره بالأخذ من دار
مشتركة لا يتضمن الاقرار بالثوب غير متولد من الدار بل موضوع فيها وكل واحد من
الشريكين ساكن في الدار يضع أمتعته فيها ثم يأخذها منها فلا يكون مقرا باليد للشريك
في الثوب ولو أقر أنه قبض من بيت فلان ألف درهم ثم قال هو لي فالمال لصاحب البيت
لأنه أقر بالأخذ من بيته فهو كاقراره بالأخذ من يده لان ما في ملك الانسان يكون في
يده حكما لو نازعه فيه غيره كان القول قوله فيؤمر بالرد عليه حتى يثبت ما يدعيه من الملك
لنفسه وكذلك أن زعم أنه لاخر إلا أنه يضمن للثاني مثله لان اقراره حجة في حق نفسه
وقد أقر بأنه قبض ملكه وتعذر عليه رده فيضمن له مثله وكذلك لو قال قبضت من صندوق
فلان مائة درهم أو من كيسه أو سفطه ثوبا هرويا أو من قريته كرا من حنطة أو من نخله
كرا من تمر أو من زرعه كرا من حنطة فهذا كله اقرار بأنه أخذ ما كان في يد فلان فعليه رده
ولو قال قبضت من أرض فلان عدل زطي ثم قال مررت فيها مارا فنزلتها لم يصدق إذا لم
يعرف نزوله فيها ويقضى بالزطي لصاحب الأرض وقد بينا هذا إلا أن تكون الأرض طريقا
معروفا للناس أو يكون له التصرف فيها فالقول قوله حينئذ وكذلك القرية إذا كان الطريق فيها
لأنه متمكن من التصرف فيها بالنزول فيكون قياس الدار المشتركة التي يمكن كل شريك من
السكنى فيها فلا يتضمن كلامه الاقرار بأنه خذ للعدل من صاحب الأرض ولو قال أخذت
من دار فلان مائة درهم ثم قال كنت فيها ساكنا بأجرة فان علم ذلك أو بينه بالبينة فهو
برئ من المال والا لم يصدق وأمر برد المال لأنه إذا لم يثبت سبب يده على الدار في وقت ما
يكون هذا اقرارا منه بأخذ المائة من صاحب الدار ولو شهد شاهدان أن فلانا أتى ارض
فلان هذه فاحتفر فيها واستخرج منها ألف درهم وزن سبعة وادعاها رب الأرض وجحد
الحافر أو أقر بذلك وادعى أن المال له فانى أقضى بها لرب الأرض لان شهادتهم على
أخذها من ملكه كشهادتهم علي أخذها من يده أرأيت لو شهدوا انه ضرب صاحب الأرض
حتى أوقعه أو قاتله حتى غلبه ثم احتفر الأرض وأخرج المال أما كان يؤمر بالرد عليه فهذا مما
لا يشكل على أحد انه يؤمر برده وكذلك لو شهدوا انه أخذ من منزله كذا أو من حانوته
أو أخذ دهنا من قارورته أو سمنا من زقه فهذا وشهادتهم على الاخذ من يده سواء وكذلك
لو أقر أنه أخذ سرجا كان على دابة فلان أو لجاما أو حملا من حنطة كانت علي دابة فلان أو
182

طعاما كان في جولق فلان قضى به له لإقراره بالأخذ من يده فان دابة فلان وما عليها من
يده وكذلك لو أقر انه أخذ بطانة جبته أو ستر بابه فالإضافة لملكه بمنزلة الإضافة إليه في أنه
اقرار بالملك له وكذلك لو أقر أنه ركب دابة فلان أو لبس ثوب فلان أو استخدم خادمه ثم
أخذه فلان آخر منه فهذا كله اقرار علي نفسه بفعل هو غصب من ملك الأول فيؤمر بالرد
عليه وان عجز عن الرد كان ضامنا ولو قال فلان حملني على دابته أو في سفينته لم يضمن شيأ
لأنه ما فعل بنفسه في ملك الغير وإنما أقر بفعل صاحب الدابة وذلك غير موجب للضمان
عليه وكذلك لو أقر أنه حمل على دابة فلان هذا فعل ما لم يسم فاعله فلا يصير به مضيفا للحمل
على نفسه ولا مقرا علي نفسه بسبب موجب للضمان ولو أقر أنه أخذ ثيابا من حمام فلان
لا يضمن شيأ لان الناس يدخلون الحمام فيضعون ثيابهم فيها ثم يأخذونها فلا يتضمن هذا اللفظ
الاقرار بيد أصلية لصاحب الحمام في الثياب وكذلك المسجد الجامع والكعبة والخان والأرض
ينزلها الناس ويضعون فيها الأمتعة ولو أقر انه وضع ثوبه في بيت فلإن لم يضمن عند أبي
حنيفة رحمه الله ان ادعاه رب البيت ويضمنه عندهما وهو نظير ما سبق إذا قال أسكنته
داري ثم أخذتها منه ولو أقر أنه أخذ ثوبا من طريق فلان أو من فناء فلأن لا ضمان عليه
لان الفناء اسم لسعة خارجة عن ملكه معدة لمنافعه من كسر الحطب والقاء الكناسة ونحوها
فلا تكون تلك المنفعة في يد فلان علي الخصوص بل للناس أن ينتفعوا بها وكذلك الطريق
ولو قال أخذت ثوبا من أجير فلان فهو للأجير دون المستأجر من يده ويد الأجير في أمتعته
يد نفسه حتى لو نازعه في شئ من ذلك فان القول قول الأجير ولو أقر أنه أخذ ثوبا من مسجد
فلإن لم يكن عليه ضمان إلا أن يكون المسجد له خاصة في داره فيكون من جملة ملكه وما فيه
يكون في يده فيضمنه ولو قال من هذه البيعة أو الكنيسة أو بيت النار أو القنطرة أو الجسر
أو كل موضع للعامة مما لا يد عليه فيه لاحد لان له حق وضع الأمتعة في هذه المواضع فلا
يتضمن كلامه الاقرار بأخذه من يد انسان والله أعلم
* (باب اقرار الرجل علي نفسه وعلى غيره) *
(قال رحمه الله) وإذا قال الرجل لفلان على وعلي فلان ألف درهم فجحد الآخر لزم
المقر نصفه لأنه عطف الامر على نفسه والعطف يقتضى الاشتراك في الخبر واقراره على
183

نفسه حجة وعلى الاخر ليس بحجة وكذلك لو سمى اثنين معه لزمه الثلث وكذلك لو سمى
عبدا محجورا أو صبيا أو حربيا أو ذميا أو رجلا لا يعرف فعلى المقر حصته على عددهم
لان جميع من سمى ذمته صالحة لالتزام المال فيتحقق الاشتراك ويكون مقرا على نفسه بحصته
خاصة ولو قال إن لفلان عينا ألف درهم ولم يسم أحدا ثم قال عنيت فلانا وفلانا لزمه المال
كله ان ادعاه الطالب عليه عندنا وعند زفر رحمه الله لا يلزمه الا حصته لان اقراره بلفظ
الجمع وحقيقة لفظ الجمع لا تتناول المفرد فكان القول قوله في بيان العدد الذي تضمنه الاقرار
لان ابهام العدد في المقر عليه بمنزلته في المقر به فيرجع في بيانه إليه وكنا تركنا هذه الحقيقة
لدليل عرف الناس فقد يخبر الواحد عن نفسه بعبارة الجمع تارة وبعبارة المفرد أخرى (ألا ترى)
أن العظماء من الناس يقولون فعلنا بكذا وأمرنا بكذا ونحن نقول كذا وإنما يريدون أنفسهم
ويؤيد هذا قوله تعالى ثم إن علينا بيانه وقوله تعالى انا نحن نزلنا الذكر وقوله تعالى انا نحن
نحيي ونميت وقوله تعالى وانا له لحافظون فإذا كان عرف ظاهر جعلناه بهذا اللفظ مخبرا عن
نفسه فيلزمه المال وكذلك لو قال علينا وأشار بيده إلى نفسه وإلى آخرين معه لان الاقرار
إنما يحصل بلفظه لا بإشارته فوجود هذه الإشارة كعدمها إلا أن يكون معه رهط قعود فقال
لفلان علينا جميعا أو علينا كلنا وأشار إلى نفسه واليهم فحينئذ لا يلزمه الا حصته على عدد القوم
الذين معه لأنه قرن بكلامه لفظا يمنعنا أن نحمل كلامه على الاخبار عن نفسه خاصة وهو
قوله كلنا فعرفنا انه مضيف الاقرار إلى نفسه وإلى القوم الذين هو جلوس معه وقد أظهر ذلك
بإشارته إليهم فلم يلزمه الا حصته بخلاف ما سبق ولو قال لفلان علي رجل مناكر أو رجلين
مناكر لم يلزمه شئ لأنه أقر على مجهول فإنه جعل المقر عليه منكرا وهو معرفة في حق نفسه
فلا يمكن ان يجعل لفظه عبارة عن نفسه ولو قال يا فلان لك علي ألف درهم لزمه المال كله لأنه
خاطب المقر له بهذا اللفظ وقد يخاطب المفرد بعبارة الجمع تعظيما وهذا ظاهر عند أهل اللسان
وكذلك لو قال أنتم يا فلان لكم على ألف درهم أو قال نحن يا فلان لك علينا ألف درهم فهو
اقرار له بالمال علي نفسه لما قلنا ولو قال يا فلان لكما علي ألف درهم كان لفلان منهما النصف
لأنه لا يخاطب المفرد بعبارة التثنية إذ ليس في ذلك غرض فان في عبارة الجمع للمفرد معنى
التعظيم وليس ذلك في عبارة التثنية فإنما صار مقرا له ولمجهول آخر بألف درهم فلا يلزمه الا
نصف الألف وبعض أهل اللغة يقولون يلزمه الألف له فخطاب التثنية للمفرد يوجد في القرآن
184

العزيز قال تعالى ألقيا في جهنم كل كفار عنيد وقال تعالى فألقياه في العذاب الشديد
ولكن محمد رحمه الله أبقى الجواب علي ما هو المعروف بين العوام من الناس ولو قال أقرضنا فلان
ألف درهم أو استودعنا أو أعارنا أو غصبناه منه لزمه جميع المال ولا يصدق انه أراد به
غيره معه لما قلنا ولو قال غصبت ومعي فلان من فلان مائة درهم لزمه النصف بخلاف ما لو قال
ومعي فلان جالس لأنه متى ذكر للثاني خبرا لا يكون اشتراكا بينه وبين نفسه في الخبر وإذا
لم يذكر خبرا تحقق الاشتراك للعطف كما إذا قال زينب طالق ثلاثا وعمرة تطلق ثلاثا بخلاف
ما لو قال وعمرة طالق ولو قال له على عشرة مثاقيل فضة ثم قال هي سود فالقول قوله لان
بيانه مقرر لأول كلامه فان اسم الفضة يتناول السود والبيض على السواء فيكون بيانه مقبولا
ولو قال له علي ألف درهم قرضا ولم أقبضها لم يصدق وان وصل لان المال لا يجب عليه بالقرض
الا بالقبض فكان هذا رجوعا وكذلك لو قال له عندي ألف درهم وديعة أو غصب لم
أقبضها لم يصدق لان المال لا يصير وديعة عنده ولا غصبا قبل القبض ولو قال له على ألف
درهم من ثمن متاع باعنيه ونسأني إلى العطاء لم يصدق في الاجل إذا أنكره الطالب لأنه لو
ادعى أجلا صحيحا لم يقبل قوله فإذا ادعى أجلا فاسدا كان ذلك أولى وكذلك لو ادعى فيه
شرطا يفسده أو زاد مع ذلك خمرا أو خنزيرا لم يقبل قوله لما بينا وأورد في اختلاف زفر
ويعقوب رحمهما الله إذا قال له على ألف درهم زيوف وقال المقر له بل هي جياد فعندنا يلزمه
المال كما أقر به وعند زفر رحمه الله اقراره باطل لأنه رد اقراره وادعى عليه شيأ آخر فقياس
تلك المسألة على قول زفر رحمه الله هنا يوجب أن يكون اقراره باطلا وأورد أيضا ثم إنه
لو قال لفلان على ألف درهم ثمن هذا العبد لا بل ثمن جارية وادعاهما المقر له أن على قول
أبى يوسف رحمه الله يلزمه الف واحد وعند زفر رحمه الله يلزمه ألفان ولو قال لا بل هي ثمن
جارية لم يلزمه الا ألف واحد بالاتفاق وهذا بناء على ما تقدم من القياس والاستحسان في
استدراك الغلط بقوله لا بل ولو قال لفلان على ألف درهم فقال المقر له بل هي لفلان على فعلى
قول زفر رحمه الله يبطل اقراره وعندنا يكون المال للثاني استحسانا ونظائر هذا الفصل قد
ذكرناها في الجامع والله أعلم
* (باب الاقرار في غير المرض)
(قال رحمه الله) واقرار الصحيح بالدين والقرض والغصب والوديعة لوارثه وغير وارثه
185

والمكاتبة واقرار المكاتب لمولاه جائز كله لأنه لا حق لاحد في مال الصحيح ولا تهمة في
اقرار فإنه ممكن من تحصيل مقصوده بطريق الانشاء وإذا أقر المريض فقال لفلان على
حق فصدقوه فيما قال ثم مات المريض ففي القياس لا يصدق على ما يدعى في يده من غير حجة
لأن هذه وصية بخلاف حكم الشرع فان من حكم الشرع أن لا يصدق في دعواه قال صلى الله
عليه وسلم لو أعطى الناس بدعواهم الحديث ووصيته بخلاف الشرع باطلة ولكنه استحسن
فقال يصدق الطالب فيما بينه وبين الثلث لأنه سلطه على ما نفسه وهو مالك لتسليطه على
قدر الثلث في ماله ايجابا له فكذلك يصح تسليطه إياه على قدر الثلث اخبارا به وهذا لان
الشرع جعل ثلث المال حقا للمريض ليفك به نفسه ويصرفه في حوائجه ومن حوائجه تفريغ
ذمته وربما يعلم بوجوب الحق للغير عليه ويشتبه عليه مقداره فيقر به ويفوض بيان المقدار إلى
صاحب الحق لعلمه بأمانة فلهذا صححنا وصيته في التصديق بقدر الثلث وان ادعى أكثر من
ذلك لم يقبل قوله ولكن يحلف الورثة على علمهم لأنا كنا نصدقه باعتبار وصية الموصى
ووصيته لا تكون ملزمة فيما زاد على الثلث وان أقر المريض بدين مسمى بعد ذلك كان الدين
المسمى أولى في جميع تركته لا حق صاحب الدين المسمى معلوم ثابت بما هو حجة وهو
الاقرار وحق الآخر مجهول ويشبه دعوى المدعى ولا يقع التعارض بين الضعيف من السبب
وبين القوى فلهذا كان صاحب الدين المسمى أولى وإن لم يقر بدين مسمى ولكنه أوصى
بوصية معلومة كانت الوصية بالثلث أولى من ذلك الاقرار أيضا لان حق الموصى له معلوم
مسمى والمجهول لا يزاحم المعلوم فلم يزد على هذا في الكتاب وأورد في الزيادات أن الموصى له
بالثلث إذا اخذ الثلث يقال لابد له من أن يقر بشئ لآخر فنعطيه ثلث ذلك مما في يدك
لان الموصى له شريك الآخر الوارث وقد أقر الميت للآخر بدين مجهول والدين مقدم
على الوصية فلا بد للموصى له ان يبين كما لا بد من ذلك للوارث ولكن وضع المسألة هناك
فيما إذا قال لفلان على دين فصدقوه وهنا قال لفلان على حق فصدقوه فما زاد على هذا من
الكلام فيه فقد بيناه فيما أمليناه من شرح الزيادات ولو أقر في مرضه بدين ثم بدين آخر
تخاصموا جميعا لأنه لما تقدم الاقرار بالدين فقد صار ماله مشغولا بحق الغريم على وجه لا يملك
ابطال حقه عنه فاقراره بالوديعة بعد ذلك اقرار بوديعة مستهلكة فهو كالاقرار بالدين ولو قال
لفلان على الف الا درهم أو يغر درهم أو نقصان درهم كان كما قال لان المستثنى من جنس
186

المستثنى منه حقيقة فتصريحه في المستثنى بالدراهم يكون بيانا في المستثنى منه انه من الدراهم
ولو قال له على ألف درهم الا تسعمائة فعليه مائة لما بينا أن الاستثناء صحيح متى بقي وراء المستثنى
شئ قل ذلك أو كثر وأن قل له على عشرة ونصف درهم كانت عشرة درهم لأنه عطف العشرة
ثم فسره بالدرهم فيكون ذلك تفسيرا لهما بمنزلة قوله عشرة دراهم وقد بينا نظائره في قوله
مائة ودرهم وإذا مات الرجل وعليه دين إلى أجل بطل الاجل هكذا روى عن زيد بن
ثابت رضي الله عنه ولان حق الغريم صار كالعين في التركة والأعيان لا تقبل الآجال فلا
فائدة في ابقاء الاجل بعد موته له ولا لوارثه لأنه يبقي مرتهنا بالدين ولا تنبسط يد وارثه
في التركة لمكان الدين ولا يجوز اقرار المريض بالدين لقابله ولا لعبد قابله ولا لمكاتب قابله
وقد بينا فيما سبق أن اقراره بالدين للقابل بمنزلة اقراره للوارث على قياس الوصية فكذلك
لعبده ومكاتبه وأن أقر المريض لمكاتب نفسه بدين فهو جائز إذا كان كاتبه في الصحة لأنه
صار أحق بنفسه ومكاسبه وهو من مولاه بمنزلة أجنبي آخر في أنه يثبت عليه دين فيصح
اقراره له أيضا كما يصح لأجنبي آخر وإن كان كاتبه في المرض لم يجزا لا من الثلث لان هذا
بمنزلة اعتاقه إياه فان اقراره له بالدين بمنزلة اقراره باستيفاء بدل الكتابة لم يصح الا من الثلث
بخلاف ما إذا كاتبه في الصحة وهذا لان تهمة المواضعة تتمكن بينهما إذا كانت الكتابة في
المرض فلهذا جعلنا ذلك بمنزلة اعتاقه وان أقر انه أثبته أن مثل الكتابة عتق وسعى في
ثلثي قيمته لما قلنا وإذا أقر المريض ان علي أبيه لفلان ألف درهم دينا وفي دار لأبيه وعلى
المريض دين معروف في الصحة فدينه الذي في الصحة أولى بذلك لان اقراره على أبيه
في مرضه كاقراره على نفسه أو دون ذلك فيقدم دين الصحة ولو كان أقر بذلك في صحته
بعد موت أبيه كان دين الأب أولى في تركة الأب لان ذلك بمنزلة الاقرار بالعين فان حق
غرماء الأب يتعلق بتركته وصحة اقرار الابن على الأب باعتبار ما في يده من التركة فإذا
حصل اقراره في الصحة صار ذلك مستحقا لغرماء الأب فلا يتعلق به حق غرماء الابن وإذا
مرض الرجل ولا دين عليه وفي يده ألف درهم من تركة أبيه فقال لفلان ألف درهم على أبي
ولفلان ألف درهم ووصل ذلك فهو بينهما نصفان لان في آخر كلامه ما يغاير أوله فتوقف
أوله على آخره وصار هذا كقوله لهما على أبي ألف درهم وكذلك لو قال لفلان على أبي
ألف درهم وهذه وديعة عند أبي لفلان وقد بينا هذا فيما سبق انه إذا قدم الاقرار بالدين
187

فان الاقرار بالوديعة بعد الاقرار بالدين بوديعة مستهلكة فيتحاصان بخلاف ما إذا انعدم
الاقرار بالوديعة ولو كان أبوه ترك عبدا فقال رجل لي على أبيك ألف درهم وقال العبد قد
أعتقني أبوك فقال صدقتما فعند أبي حنيفة رحمه الله الدين أولى وعلى العبد أن يسعى في عتقه
لان نفوذ العتق عند اقرار الوارث كنفوذه لو باشره الأب في مرضه فيكون مؤخرا عن الدين
وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يعتق العبد ولا سعاية عليها لان الوارث مقر أنه لم يصر إليه
شئ من تركته فلا يصح اقراره بالدين عليه وهذا المسألة في الحقيقة تنبنى على ما تقدم بيانه
إذا ادعى رجل وديعة في يد أبيه بعينها وادعى الاخر دينا فصدقهما الوارث وهناك عندهما
مدعي العين أولى فكذلك هنا العبد بمنزلة مدعى العين وعند أبي حنيفة رحمه الله وهناك يتحاصان
وصارت دعوى العين كدعوى الدين حين أقر الوارث بهما معا فهنا أيضا يصير مقرا بالدين
والتبرع فيقدم الدين عنده ولو قال لفلان على أبي ألف درهم دينا ودفعها إليه بقضاء القاضي ثم
أقر لآخر بألف درهم عليه لم يضمن له شيأ لان بمجرد اقراره ما صار متلفا شيأ من تركة أبيه
والدفع حصل بقضاء القاضي فلا ضمان عليه ولو كان دفع إلى الأول بغير قضاء ضمن الثاني
خمسمائة باقراره حق كل واحد منهما في خمسمائة من التركة فإنه بالدفع إلى الأول بغير قضاء صار
متلفا حق الثاني فيضمن له نصيبه ولو كان قال لفلان علي أبي ألف درهم لا بل لفلان فالألف للأول
ولا ضمان على المقر للثاني ورجوعه في ابطال استحقاق الأول باطل ولكنه في حق نفسه
صحيح فإذا دفعها بغير قضاء صار متلفا جميع الألف علي الثاني بزعمه فيضمن له مثلها ولو أقر أن
الميت أوصى بثلث ماله لهذا لا بل لهذا فالثلث للأول ولا شئ للثاني عليه إلا أن يكون دفع
الثلث إلى الأول بغير قضاء فحينئذ يغرم للثاني مثله وعلى قول زفر رحمه الله يدفع ثلثا إلى الأول
وثلثا إلى الثاني ولو كان قال أوصى أبى بثلث ماله لفلان لا بل لفلان فعند زفر رحمه الله يدفع
إلى كل واحد منهم ثلث المال ويخرج من الوسط وعندنا الثلث للأول ولا شئ عليه للآخرين
إذا دفعه بقضاء وهذا قياس ما سبق ولو أقر المريض بدين لوارثه فخاصمه الوارث في ذلك
أمره القاضي بأن يوفيه حقه لان السبب الموجب للمال عليه وهو ظاهر والمبطل له وهو موته
من مرضه موهوم والموهوم لا يعارض المعلوم فيأمره بالقضاء فان برأ من مرضه كان ذلك
جائزا عليه وان مات من مرضه بطل اقراره حينئذ فيأمر الوارث برد المقبوض والله أعلم
188

* (باب الاقرار بالقبض) *
(قال رحمه الله) وإذا أقر الطالب انه قبض مما له علي فلان مائة درهم فقال فلان قد قبضت
منى مائة وخمسين درهما من قبل كذا فقال الطالب نعم ولكنها قد دخلت في المائة فالقول
قول الطالب مع يمينه لان ما ادعاه المطلوب بعد ما أقر له الطالب باستيفائه فكان الظاهر
شاهدا للطالب فجعلنا القول قوله ولان المطلوب يدعى زيادة فيما أوفاه والطالب ينكر ذلك
فالقول قوله مع يمينه وكذلك لو قال المطلوب بعتك ثوبا بعشرة دراهم ممالك على فقال الطالب
نعم قد دخل في هذه المائة فالقول قول الطالب لان ما ادعاه من المطلوب من البيع سبب لقضاء
الدين بالثمن واقرار الطالب باستيفائها لابد له من سبب فمال المطلوب لسبب في البعض
لا يزداد ما أوفاه من المال ولو قال كان في يد المطلوب شاة فقال الطالب ابتعتها منك بعشرة
دراهم من هذه المائة وقال المطلوب لم أبعها وقد أخذت منى مائة درهم فالقول للمطلوب مع
يمينه لأنهما تصادقا علي أن الشاة كانت مملوكة للمطلوب وادعى الطالب تملكها عليه وهو
منكر لذلك فالقول له مع يمينه ويبقى اقرار الطالب بقبض المائة فذلك لازم عليه وإذا أقر
المريض بقبض ماله على فلان وسماه فهو جائز لان الاقرار باستيفاء الدين منه بمنزلة الاقرار
بالدين له فيصح إذا كان أجنبيا وإن كان المطلوب وارثه أو كفيلا عن وارثه والوارث كفيل
عنه فالاقرار باطل لما فيه من اتصال النفع إلى وارثه وإذا جاء الوارث بالمال فأدخله عليه بمحضر
من الشهود برئ الوارث منه لأنه لا تهمة في السبب المعاين فالأجنبي والوارث فيه سواء
وإذا أقر الطالب أنه قبض من المطلوب خمسمائة ثم خمسمائة ثم قال وجدتها زيوفا فالقول قوله
وصل أم فصل لأنه أقر بقبض الدراهم مطلقا والزيوف ومن جنس الدراهم يتناولها مطلق
اسم الدراهم فكان بيانه هذا مقررا لكلامه ولو قال قبضت منه حقي أو قبضت منه الذي
لي عليه أو قبضت منه مالي عليه أو الألف التي كانت لي عليه ثم قال وجدتها زيوفا لم يصدق
إلا أن يصله بكلامه لان لفظه هذا محمول على الحق الذي له عليه وهو الجياد من حيث
الظاهر على احتمال أن يكون المقبوض زيوفا وقال ذلك لجهالة بها فكان هذا بيانا مغايرا
لكلامه عن ظاهره فيصح ولا يصح مفصولا ولو قال قبضت منه خمسمائة درهم ثم قال بعد
وجدتها ستوقا أو رصاصا لم يصدق لأنه أقر بقبض الدراهم والستوق ليس من جنس
189

الدراهم فكان بيانه هذا مغايرا ورجوعا عما أقر به فلا يصح مفصولا ولو أقرانه قبض خمسمائة
درهم مما له علي المطلوب ثم قال بعد ذلك وجدتها زيوفا لم يصدق لما بينا أنه لو أقر بقبض
جميع ما عليه ثم ادعي انه زيوف لم يصدق إذا كان مفصولا فكذلك إذا أقر ببعض ماله عليه
ولا يمين على المطلوب انها كانت جيادا في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف
رحمه الله إذا تهمته حلفته وهو بناء على الاختلاف الذي سبق إذا أقر البائع بقبض الثمن ثم
قال لم أقبضه لم يحلف خصمه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وعند أبي يوسف رحمه الله يحلف
للعرف الظاهر في الاقرار قبل أن يستوفى بالاستيفاء للاشهاد فكذلك هنا فأبو حنيفة
ومحمد رحمهما الله اعتبرا التناقض وأبو يوسف رحمه الله اعتبر العرف أنه قد يقر بالاستيفاء
بناء علي أن المستوفى جياد ثم تبين له انه زيوف فلهذا قال إذا اتهمته حلفته ولو أقر بقبض
خمسمائة وله شريك في الدين ثم قال بعد ذلك هي زيوف فالقول قوله لما بينا انه أقر بقبض
الدراهم وذلك يتناول الزيوف حقيقة وللشريك الخيار إن شاء شاركه في المقبوض من الزيوف
وان شاء اتبع المطلوب الجياد وان قال بعد ما سكت هي رصاص لم يصدق وللشريك نصفها
جياد لأنه راجع عن الاقرار فان اسم الدراهم لا يتناول الرصاص حقيقة وان قال هو رصاص
موصولا فالقول قوله لان الرصاص من الدراهم صورة وإن لم تكن الدراهم معنى فكان هذا
بيانا مغايرا لظاهر كلامه إلى ما هو محتمل فيصح موصولا وإذا صح فلا شئ للشريك منها
لأنه بقبض الرصاص لا يصير مستوفيا شيأ من حقوقه وإنما يثبت للآخر حق المشاركة معه
فيما يقبض من حقه وان قال قبضت منه مالي ولفلان على فلان خمسمائة ثم قال بعد ذلك هي
زيوف لم يصدق لإقراره بان المقبوض مما له عليه وذلك جياد فلا يصدق في حق الشريك مفصولا
كما لا يصدق في حق المطلوب فلهذا كان للشريك نصفها جيادا وإذا أقر الطالب انه قبض
من المطلوب كر حنطة أو شعير أو شيأ مما يكال أو يوزن ثم قال بعد ذلك هو ردئ فالقول
قوله لان الرداءة في الحنطة بيان للنوع لا بيان للعيب فان العيب لا يخلو عنه أصل الفطرة
السليمة وفي بيان نوع المقبوض القول قول القابض وقد تقدم بيان هذه الفصول فيما سبق
والله أعلم
(ثم كتاب الاقرار ولله المنة وبه تم الجزء الثامن عشر ويليه الجزء التاسع عشر)
(وأوله كتاب الوكالة)
190