الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ٦
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء السادس من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الطلاق
(قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل
السرخسي رحمه الله تعالى إملاء الطلاق في اللغة عبارة عن إزالة القيد وهو مأخوذ من
الاطلاق يقول الرجل أطلقت ابلى وأطلقت أسيري وطلقت امرأتي فالكل من
الاطلاق وإنما اختلف اللفظ لاختلاف المعنى ففي المرأة يتكرر الطلاق وإذا تم رفع القيد
بتكرر الطلاق لا يتأتى تقييده ثانيا في الحال ففي التفعيل معنى المبالغة فلهذا يقال في المرأة
طلقت وهو كقولهم حصان وحصان لكن يقال في الفرس حصان أي بين التحصن وفى
المرأة حصان أي بينة الحصن وكذا يقال عدل وعديل وكلاهما مشتق من العدالة والمعادلة
ولكن يختص أحد اللفظين بالآدمي لمعنى اختص به وموجب الطلاق في الشريعة رفع
الحل الذي به صارت المرأة محلا للنكاح إذا تم العدد ثلاثا كما قال الله تعالى فلا تحل له من
بعد حتى تنكح زوجا غيره ويوجب زوال الملك باعتبار سقوط اليد عند انقضاء العدة في
المدخول بها وانعدام العدة عند عدم الدخول والاعتياض عند الخلع فالاسم شرعي فيه معنى
اللغة وايقاع الطلاق مباح وإن كان مبغضا في الأصل عند عامة العلماء ومن الناس من يقول
لا يباح ايقاع الطلاق إلا عند الضرورة لقوله صلى الله عليه وسلم لعن الله كل ذواق مطلاق
وقال صلى الله عليه وسلم أيما امرأة اختلعت من زوجها من نشوز فعليها لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين وقد روى مثله في الرجل يخلع امرأته ولان فيه كفران النعمة فان النكاح
نعمة من الله تعالى على عباده قال الله تعالى ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا
وقال الله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء الآية وكفران النعمة حرام وهو رفع
النكاح المسنون فلا يحل إلا عند الضرورة وذلك إما كبر السن لما روى أن سودة لما
طعنت في السن طلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما لريبة لما روى أن رجلا جاء إلى
2

النبي صلى الله عليه وسلم وقال إن امرأتي لا ترد يد لامس فقال صلوات الله عليه طلقها فقال إن
ى أحبها فقال صلى الله عليه وسلم أمسكها اذن واما قوله لا جناح عليكم ان طلقتم
النساء وقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن وذلك كله يقتضى كله إباحة الايقاع وطلق رسول
الله صلى الله عليه وسلم حفصة رضي الله عنها حتى نزل عليه الوحي يأمره ان يراجعها فإنها
صوامة قوامة ولم يكن هناك كبر سن ولا ريبة وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم فان عمر
رضي الله عنه طلق أم عاصم رضي الله عنها وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه طلق تماضر
رضي الله عنها والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه كان له أربع نسوة فأقامهن بين يديه صفا
وقال أنتن حسان الأخلاق ناعمات الارداف طويلات الأعناق اذهبن فأنتن طلاق وان
الحسن بن علي رضي الله عنهما استكثر من النكاح والطلاق بالكوفة حتى قال علي رضي الله عنه
على المنبر إن ابني هذا مطلاق فلا تزوجوه فقالوا انا نزوجه ثم نزوجه ولان هذا
إزالة الملك بطريق الاسقاط فيكون مباحا في الأصل كالاعتاق وفيه معنى كفران النعمة
من وجه ومعنى إزالة الرق من وجه فالنكاح رق قال صلى الله عليه وسلم النكاح رق
فلينظر أحدكم أين يضع كريمته وروى بم يرق كريمته ولهذا صان الشرع القرابة القريبة
عن هذا الرق حيث حرم نكاح الأمهات والبنات والأخوات والى هذا المعنى أشار رسول
الله صلى الله عليه وسلم بقوله وان أبغض المباحات عند الله تعالى الطلاق فقد نص على أنه
مباح لما فيه من إزالة الرق ومبغض لما فيه من معنى كفران النعمة ثم معنى النعمة إنما
يتحقق عند موافقة الأخلاق فأما عند عدم موافقة الأخلاق فاستدامة النكاح سبب
لامتداد المنازعات فكان الطلاق مشروعا مباحا للتفصي عن عبدة النكاح عند عدم موافقة
الأخلاق * ثم هو نوعان طلاق سنة وطلاق بدعة والسنة في الطلاق نوعان سنة من حيث
العدد وسنة من حيث الوقت فالسنة من حيث العدد ما بدأ ببيانه الكتاب وهو نوعان
حسن وأحسن فالأحسن أن يطلقها واحدة في وقت السنة ويدعها حتى تنقضي عدتها
هكذا نقل عن إبراهيم رحمه الله تعالى ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه
م كانوا يستحسنون أن لا يزيدوا في الطلاق على واحدة حتى تنقضي العدة وأن هذا
أفضل عندهم من أن يطلق الرجل ثلاثا عند كل طهر واحدة ولأنه مبغض شرعا لكنه
مباح لمقصود التفصي عن عهدة النكاح وذلك يحصل بالواحدة ولا يرتفع بها الحل الذي هو
3

نعمة فالاقتصار عليها أحسن والحسن أن يطلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار عند كل طهر واحدة
وقال مالك رحمه الله تعالى لا أعرف المباح من الطلاق الا واحدة والدليل على صحة ما قلنا
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمر رضي الله عنه إنما السنة أن تستقبل الطهر
استقبالا فتطلقها لكل طهر تطليقة فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء يريد
به الإشارة إلى قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن ولما قابل الله تعالى الطلاق بالعدة والطلاق
ذو عدد والعدة ذات عدد تنقسم آحاد أحدهما على الآخر كقول القائل اعط هؤلاء
الرجال الثلاثة ثلاثة دراهم ولان عدم موافقة الأخلاق أمر باطن لا يوقف على حقيقته
فأقام الشرع السبب الظاهر الدال عليه وهو الطهر الذي لم يجامعها فيه مقام حقيقة الحاجة
لعدم موافقة الأخلاق لأنه زمان الرغبة فيها طبعا وشرعا فلا يختار فراقها الا للحاجة
ومتى قام السبب الظاهر مقام المعنى الباطن دار الحكم معه وجودا وعدما وهذا السبب
الظاهر متكرر فتتكرر إباحة الطلاق بتكرره ويجعل ذلك قائم مقام تجدد الحاجة حكما
واليه أشار ابن مسعود رضي الله عنه فقال إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته للسنة طلقها
تطليقة وهي طاهرة من غير جماع فإذا أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها بعد ما تحيض وتطهر ثم
يدعها حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها أخرى فكانت قد بانت منه بثلاث تطليقات وبقي عليها
من عدتها حيضة وعلى هذا الأصل قال علماؤنا رحمهم الله ايقاع الثلاث جملة بدعة وقال
الشافعي رحمه اله تعالى لا أعرف في الجمع بدعة ولا في التفريق سنة بل الكل مباح وربما
يقول ايقاع الثلاث جملة سنة حتى إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا للسنة وقع الكل في
الحال عنده قال وبالاتفاق لو نوى وقوع الثلاث جملة يقع جملة ولو لم يكن سنة لما عملت نيته لأن النية
بخلاف الملفوظ باطل واستدل في ذلك بحديث العجلاني فإنه لما لاعن امرأته قال كذبت
عليها يا رسول الله ان أمسكتها فهي طالق ثلاثا ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم ايقاع الثلاث جملة وقالت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها طلقني زوجي ثلاثا الحديث
إلى أن قالت فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى وعبد الرحمن بن
عوف رضي الله عنه طلق امرأته تماضر رضي الله عنها ثلاثا في مرض موته والحسن بن
علي رضي الله عنهما طلق امرأته شهباء رضي الله عنها ثلاثا حين هنته بالخلافة بعد موت
علي رضي الله عنه والمعني فيه أن إزالة الملك بطريق الاسقاط فيكون مباحا مطلقا جمع أو
4

فرق كالعتق والدليل عليه انه لو طلق أربع نسوة له جملة كان مباحا بمنزلة ما لو فرق فكذلك
في حق الواحدة بل أولى لان هذا يزيل الملك عن امرأة واحدة وهناك الايقاع يزيل الملك
عن أربع نسوة ولان الطلاق تصرف مملوك بالنكاح فيكون مباحا في الأصل والتحريم فيه
لمعنى عارض كالظهار الذي انضم إليه وصف كونه منكرا من القول وزورا والايلاء الذي انضم
إليه معنى قطع الامساك بالمعروف على وجه الاضرار والتعنت فكذلك الطلاق مباح الايقاع
الا إذا انضم إليه معني محرم وهو الاضرار بها بتطويل العدة عليها إذا طلقها في حالة الحيض
وتلبيس أمر العدة عليها إذا طلقها في طهر قد جامعها فيه لأنها لا تدرى أنها حامل فتعتد بوضع
الحمل أو حائل فتعتد بالأقراء وذلك منعدم إذا طلقها في طهر لم يجامعها فيه سواء أوقع
الثلاث أو الواحدة وهو معنى قولهم هذا طلاق صادف زمان الاحتساب مع زوال الارتياب
وحجتنا في ذلك قوله تعالى الطلاق مرتان معناه دفعتان كقوله أعطيته مرتين وضربته
مرتين والألف واللام للجنس فيقتضى أن يكون كل الطلاق المباح في دفعتين ودفعة
ثالثة في قوله تعالى فان طلقها أو في قوله عز وجل أو تسريح باحسان على حسب ما اختلف
فيه أهل التفسير وفى حديث محمود بن لبيد رحمه الله تعالى ان رجلا طلق امرأته ثلاثا
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم مغضبا فقال أتلعبون
بكتاب الله تعالى وأنا بين أظهركم واللعب بكتاب الله ترك العمل به فدل ان موقع الثلاث
جملة مخالف للعمل بما في الكتاب وان المراد من قوله فطلقوهن لعدتهن تفريق الطلقات على
عدد أقراء العدة الا ترى أنه خاطب الزوج بالأمر باحصاء العدة وفائدته التفريق فإنه قال
لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا أي يبدو له فيراجعها وذلك عند التفريق لا عند
الجمع وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه ان قوما جاؤوا إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقالوا ان أبانا طلق امرأته ألفا فقال صلى الله عليه وسلم بانت امرأته بثلاث في
معصية الله تعالى وبقي تسعمائة وسبعة وتسعين وزرا في عنقه إلى يوم القيامة وان ابن عمر رضى
الله تعالى عنه لما طلق امرأته في حالة الحيض أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها
فقال أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكانت تحل لي فقال صلى الله عليه وسلم لا بانت منك وهي معصية
وبهذه الآثار تبين انه إنما ترك الانكار على العجلاني في ذلك الوقت شفقة عليه لعلمه أنه لشدة
الغضب ربما لا يقبل قوله فيكفر فأخر الانكار إلى وقت آخر وأنكر عليه في قوله اذهب
5

فلا سبيل لك عليها أو كراهة ايقاع الثلاث لما فيه من سد باب التلافي من غير حاجة وذلك
غير موجود في حق العجلاني لان باب التلافي بين المتلاعنين منسد ما داما مصرين على
اللعان والعجلاني كان مصرا على اللعان ولنا اجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم فقد روى
عن علي وعمر وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وعمران بن حصين رضى الله
تعالى عنهم كراهة ايقاع الطلاق الثلاث بألفاظ مختلفة وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه
قال لو أن الناس طلقوا نساءهم كما أمروا لما فارق الرجل امرأته وله إليها حاجة ان
أحدكم يذهب فيطلق امرأته ثلاثا ثم يقعد فيعصر عينيه مهلا مهلا بارك الله عليكم فيكم
كتاب الله وسنة رسوله فماذا بعد كتاب الله وسنة رسوله الا الضلال ورب الكعبة وقال
الكرخي لا أعرف بين أهل العلم خلافا ان ايقاع الثلاث جملة مكروه الا قول ابن
سيرين وان قوله ليس بحجة ويتبين بهذا أن عبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنه إنما
طلق امرأته ثلاثا في ثلاثة أطهار وأن الحسن رضى الله تعالى عنه إنما قال لشهباء أنت طالق
ثلاثا للسنة وعندنا لا بأس به والمعنى فيه أنه تحريم البضع بمجرد قوله من غير حاجة فيكون
مكروها كالظهار بل أولى فان الظهار تحريم البضع بمجرد قوله من غير إزالة الملك وفى
ايقاع الثلاث تحريم البضع مع إزالة الملك والفقه فيه ما بينا أن إباحة الايقاع للحاجة إلى
التفصي عن عهدة النكاح عند عدم موافقة الأخلاق وذلك يحصل بالواحدة ولا يحصل
بها تحريم البضع فلا تتحقق الحاجة إلى ما يكون محرما للبضع فكان ينبغي أن لا يباح أصلا
ولكن أبيح عند اختلاف الأطهار لتجدد الحاجة حكما على ما قررنا ولان في ايقاع
الثلاث قطع باب التلافي وتفويت التدارك عند الندم وفيه معنى معارضة الشرع فالاسقاطات
في الأصل لا تتعدد كالعتاق وغيره وإنما جعل الشرع الطلاق متعددا لمعنى التدارك عند
الندم فلا يحل له تفويت هذا المعنى في نفسه بعدما نظر الشرع له كما لا يباح له الايقاع في
حالة الحيض لأنه حالة نفرة الطبع عنها وكونه ممنوعا شرعا فالظاهر أنه يندم إذا جاء زمان
الطهر فيكره ايقاع الطلاق لمعني خوف الندم فهذا مثله والدليل عليه أنه لو طلقها واحدة في
الطهر ثم أخرى في الحيض يكون مكروها وليس في ايقاع الثانية في الحيض معنى تطويل
العدة ولا معني اشتباه أمر العدة عليها فدل أن معنى كراهة الايقاع لمعنى خوف الندم إذا
جاء زمان الطهر وهذا في ايقاع الثلاث أظهر فكان مكروها ويستوى في هذا المدخول بها
6

وغير المدخول بها لان معنى تحريم البضع بايقاع الثلاث يحصل في الحالتين بصفة واحدة
وكذلك يستوى في الكراهة ايقاع الثلاث جملة وايقاع الثنتين لان الكراهة لمعني عدم
الحاجة حقيقة وحكما وهو موجود في الثانية كوجوده في الثالثة ولان ايقاع الثنتين وان
كأن لا يحصل به تحريم البضع فإنه يقرب منه وهذا القرب معتبر في الحكم ألا ترى أن
المرأة إذا قالت لزوجها طلقني ثلاثا بألف وطلقها واحدة يجب ثلث الألف ولو طلقها اثنتين
يجب ثلثا الألف وكما أن سد باب التلافي حرام من غير حاجة فكذلك ما يقرب منه يكون
حراما * وأما السنة من حيث الوقت معتبر في حق المدخول بها وذلك أن يطلقها إذا
طهرت من الحيض قبل أن يجامعها فيه قال في الكتاب بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم والمراد منه حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه فإنه لما طلق امرأته في حالة الحيض
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هكذا أمرك الله يا بن عمر إنما السنة تستقبل الطهر
استقبالا الحديث وفي رواية قال لعمر رضى الله تعالى عنه ان ابنك أخطأ السنة مره
فليراجعها فإذا حاضت وطهرت فليطلقها ان شاء طاهرة من غير جماع أو حاملا قد استبان
حملها فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء وجاء عن ابن مسعود وابن عباس
وابن عمر رضى الله تعالى عنهم في تفسير قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن أي يطلقها طاهرة
من غير جماع والمعنى فيه أن إباحة الايقاع للتفصي عن عهدة النكاح عند عدم موافقة
الأخلاق وذلك لا يظهر بالايقاع حالة الحيض لأنها حال نفرة الطبع عنها وكونه ممنوعا
عنها شرعا فربما يحمله ذلك على الطلاق وكذلك في الطهر الذي جامعها فيه لأنه قد حصل
مقصوده منها فنقل رغبته فيها فلا يكون الايقاع دليل عدم موافقة الأخلاق فأما في الطهر
الذي لم يجامعها فيه تعظم رغبته فيها فلا يقدم على الطلاق الا لعدم موافقة الأخلاق فلهذا
اختصت إباحة الايقاع به ولهذا المعنى قال زفر رحمه الله تعالى إنه يكره ايقاع الطلاق
في حالة الحيض من غير المدخول بها لان معنى نفرة الطبع والمنع شرعا لا يختلف بين
كونها مدخولا بها أو غير مدخول بها ومعنى آخر فيه أن في الايقاع في حالة الحيض
اضرارا بها من حيث تطويل العدة عليها لأن هذه الحيضة لا تكون محسوبة من العدة
وتطويل العدة من الاضرار بها قال الله تعالى ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا وفي
الايقاع في طهر قد جامعها فيه اضرار بها من حيث اشتباه العدة عليها ولهذا قلنا لا بأس
7

بايقاع الطلاق في الحيض على غير المدخول بها لأنه ليس فيه معنى تطويل العدة عليها
ولان رغبته فيها كانت بالنكاح فلا يقبل ذلك بحيضها ما لم يحصل مقصوده منها فكان
الايقاع دليل عدم موافقة الأخلاق بخلاف المدخول بها فان مقصوده بالنكاح قد
حصل منها وإنما رغبته فيها في الطهر بعد ذلك لتمكنه فيه من غشيانها وينعدم ذلك بالحيض
توضيحه ان إباحة الايقاع بشرط ان يأمن الندم كما قال الله تعالى لا تدرى لعل الله يحدث
بعد ذلك أمرا وفى الايقاع في حالة الحيض على المدخول بها لا يأمن الندم إذا جاء زمان
الطهر والرغبة فيها وكذلك في الايقاع في طهر قد جامعها فيه لا يأمن الندم لأنه ربما يظهر
بها حبل فتحمله شفقته على الولد على تحمل سوء خلقها والى نحوه أشار ابن مسعود رضي الله عنه
فقال لعل شفقة الولد تندمه فلهذا كره الايقاع في هذين الوقتين وإذا أراد أن يطلقها
ثلاثا طلقها واحدة إذا طهرت من الحيض واختار بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى تأخير
الايقاع إلى آخر الطهر ليكون أبعد عن تطويل العدة وظاهر ما يقول في الكتاب يدل على أنه
يطلقها حين تطهر من الحيض لأنه لو أخر الايقاع ربما يجامعها ومن قصده انه يطلقها
فيبتلى بالايقاع عقيب الجماع وذلك مكروه فلهذا طلقها حين تطهر من حيضها فإذا حاضت
وطهرت طلقها أخرى واحتسب بهذه الحيضة من عدتها فإذا حاضت الثالثة وطهرت طلقها
أخرى وقد بقي عليها من عدتها حيضة وللشافعي رحمه الله تعالى قول أن ابتداء العدة من
آخر التطليقات إذا تكرر الايقاع لان الطلاق بعد الدخول موجب للعدة كالحدث بعد
الطهارة موجب للوضوء فكما أنه إذا أحدث بعد غسل بعض الأعضاء يلزمه استئناف الوضوء
فكذلك إذا تكرر وقوع الطلاق عليها يلزمها استئناف العدة ولكنا نقول السبب الموجب
للعدة الدخول وإنما تصير شارعة في العدة حين يصير الزوج غير مريد لها وقد حصل ذلك
بالتطليقة الأولى ثم الثانية والثالثة تقرر ذلك المعنى ولا تبطله بخلاف ما لو راجعها ثم طلقها
لان بالرجعة ينعدم ذلك المعنى فإنه يصير مريدا لها توضيحه أن المقصود تبين فراغ الرحم
وذلك لا يتغير بتكرر الطلاق وعدم التكرر فلهذا كانت عدتها من التطليقة الأولى وعلى
هذا اتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم (قال) ولا تحل له المرأة
بعدما وقع عليها ثلاث تطليقات حتى تنكح زوجا غيره يدخل بها والطلاق محصور بعدد
الثلاث ولا خلاف بين العلماء أن بيان التطليقتين في قوله تعالى الطلاق مرتان وإنما اختلفوا
8

في الثالثة فقيل في قوله أو تسريح باحسان وهكذا روى أن أبا رزين العقيلي رضي الله عنه
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عرفنا التطليقتين في القرآن فأين الثالثة فقال
صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى أو تسريح باحسان وأكثرهم على أن بيان الثالثة في قوله تعالى
فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره لأنه عند ذكرها ذكر ما هو حكم الثالثة
وهو حرمة المحل إلى غاية ومعناه فان طلقها الثالثة ولا خلاف بين العلماء أن النكاح الصحيح
شرط الحل للزوج الأول بعد وقوع الثلاث عليها والمذهب عند جمهور العلماء أن الدخول
بها شرط أيضا وقال سعيد بن المسيب رضى الله تعالى عنه ليس بشرط لان في القرآن
شرط العقد فقط ولا زيادة بالرأي ولكن هذا قول غير معتبر ولو قضى به قاض
لا ينفذ قضاؤه فان شرط الدخول ثابت بالآثار المشهورة فمن ذلك حديث ابن عمر رضي
الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا فتزوجت بزوج
آخر لم تحل للأول حتى تذوق من عسيلته ويذوق من عسيلتها ومنه حديث
عائشة رضي الله عنها ان رفاعة القرظي رضي الله عنه طلق امرأته فأبت طلاقها فتزوجت
بعبد الرحمن بن الزبير رضي الله عنه ثم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ما
وجدت معه الا مثل هذه وأشارت إلى هدبة ثوبها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم ضبط نفسه فقال أتريدين ان ترجعي إلى رفاعة فقالت نعم فقال لا حتى يذوق من عسيلتك
وتذوقي من عسيلته وعن عائشة رضي الله عنها ان عمرو بن حزم رضي الله عنه طلق امرأته
العميصاء رضي الله عنها ثلاثا فتزوجت بآخر فلما خلا بها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم تشكو ضعف حاله في باب النساء فقال صلى الله عليه وسلم هل أصابك فقالت لا
فقال صلوات الله عليه لا تحلين لعمرو حتى تذوقي من عسيلته ويذوق من عسيلتك وقيل
في القرآن ذكر الدخول إشارة فإنه أضاف فعل النكاح إلى الزوج واليها فيقضى ذلك
فعل النكاح بعد الزوجية وذلك الوطئ ولان المقصود منع الأزواج من الاستكثار من
الطلاق وذلك لا يحصل بمجرد العقد إنما يحصل بالدخول ففيه مغايظة الزوج الأول ودخول
الثاني بها بالنكاح مباح مبغض عند الزوج الأول كما أن الاستكثار من الطلاق مبغض شرعا
ليكون الجزاء بحسب العمل (قال) فان تزوج بها الثاني على قصد ان يحللها للزوج الأول
من غير أن يشترط ذلك في العقد صح النكاح ويثبت الحل للأول إذا دخل بها الثاني وفارقها
9

فان شرط ان يحللها للأول فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى الجواب كذلك ويكره هذا
الشرط وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى النكاح جائز ولكن لا تحل به للأول وعند محمد
رحمه الله تعالى النكاح فاسد لقوله صلى الله عليه وسلم لعن الله المحلل والمحلل له
وعقد النكاح سنة ونعمة فما يستحق به المرء اللعن لا يكون نكاحا صحيحا ولان هذا في
معنى شرط التوقيت وشرط التوقيت مبطل للنكاح ولكن أبو يوسف رحمه الله تعالى
يقول هذا ليس بتوقيت في النكاح ولكنه استعجال لما هو مؤخر شرعا فيعاقب بالحرمان
كمن قتل مورثه يحرم من الميراث وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول هذا الشرط وراء ما يتم
به العقد فأكثر ما فيه أنه شرط فاسد والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة ثم النهى عن
هذا الشرط لمعنى في غير النكاح فان هذا النكاح شرعا موجب حلها للأول فعرفنا أن
النهى لمعني في غير المنهي عنه وذلك لا يؤثر في النكاح فلهذا ثبت الحل للأول إذا دخل بها
الثاني بحكم هذا النكاح الصحيح (قال) وإذا أراد أن يطلق امرأته وهي حامل طلقها
واحدة متى شاء حتى أنه لا بأس بأن يطلقها عقيب الجماع لان كراهة الايقاع عقيب الجماع
لاشتباه أمر العدة عليها وخوف الندم إذا ظهر بها حبل وذلك غير موجود هنا ولان الحبل
يزيد في رغبته فيها فيكون ايقاع الطلاق بعد ظهوره دليل عدم موافقة الأخلاق (قال)
فإن كان جامعها ثم أراد أن يطلقها ثلاثا فله ذلك في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله
تعالى ويفصل بين التطليقتين بشهر وعند محمد وزفر رحمها الله تعالى لا تطلق الحامل للسنة
أكثر من واحدة وفى الكتاب قال بلغنا ذلك عن ابن مسعود وجابر رضى الله تعالى عنهما
والحسن البصري وقول الصحابي إذا كان فقيها مقدم على القياس والمعني فيه أن الأصل في
طلاق السنة أن يفصل بين التطليقتين بفصل محسوب من فصول العدة كما في حق ذوات
الأقراء والآيسة والشهر في حق الحامل ليس بفصل محسوب من فصول العدة فلا يفصل
به بين طلاقي السنة وهذا لان الطلاق مقابل بفصول العدة ألا ترى أن عدة الأمة لما
تقدرت بحيضتين ملك عليها تطليقتين وان بسبب عدم الدخول لما انعدمت فصول العدة
انعدم ملك التفريق إلا أن النكاح يعقد للدخول فلا يؤثر في ملك أصل الطلاق لهذا فعرفنا
أن التفريق باعتبار فصول العدة ومدة الحبل طالت أو قصرت بمنزلة فصل واحد ألا ترى
أن الاستبراء يتقدر بها وفى الفصل الواحد لا يملك تفريق الطلقات على الوجه المسنون
10

ولان هذا شهر في حق ذوات الأقراء فلا يصلح للفصل بين طلاقي السنة كما في الممتدة
طهرها بخلاف الآيسة والصغيرة وحجتنا في ذلك أن هذا نوع عدة فيكون محلا لتفريق
الطلقات المملوكة على وجه السنة كالأقراء والأشهر وهذا لان الله تعالى جعل محل ايقاع
الطلقات العدة بقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن وعدة الحامل نوع من أنواع العدة بل هي
الأصل فيما هو المقصود لان المقصود بالعدة تبين فراغ الرحم وذلك يحصل بوضع الحمل على
أكمل الوجوه فيستحيل أن يقال لا يملك تفريق الطلاق على ما هو الأصل في العدة وفي
حق ذوات الأقراء فصول العدة إنما تقع اتفاقا لا قصدا فأما المعنى المعتبر تجدد زمان
الرغبة وذلك لا يحصل الا بمضي حيضة وفى حق الآيسة والصغيرة لا يوجد هذا المعنى لان
الأوقات في حقها سواء ولا بد من إباحة التفريق في عدتها فأقمنا الشهر في حقها مقام
الحيضة في حق ذوات الأقراء باعتبار انه فصل من فصول العدة ثم ينعدم هذا المعني في
حق الحامل فلا بد من إباحة التفريق في عدتها فأقمنا الشهر في حق الآيسة باعتبار انه شهر
في عدة لا حيض فيها والدليل على أنه لا معتبر بفصول العدة انه لو قال لامرأته الصغيرة أنت
طالق ثلاثا للسنة يقع عليها للحال واحدة فإذا مضى شهر وقعت أخرى وإذا مضى شهر
وقعت أخرى ثم إذا حاضت يلزمها استئناف العدة والتطليقات الثلاث وقعت على وجه السنة
فعرفنا انه لا معتبر بفصول العدة ثم الحامل لا تحيض والشهر في حق من لا تحيض فصل من
فصول العدة في حق انقضاء العدة وتفريق الطلاق ولكن هنا في حق انقضاء العدة وجدنا
ما هو أقوى من الشهر وهو وضع الحمل وفي التفريق بالطلاق لم نجد ما هو أقوى من
الشهر فبقي الشهر فصلا من فصول العدة في حق تفريق الطلاق وإن لم يبق في حق انقضاء
العدة كما في الصغيرة إذا حاضت يقرره ان الحبل يؤثر في إباحة ايقاع كان محرما قبله وهو
الطلاق عقيب الجماع فيستحيل ان يؤثر في المنع مما كان مباحا قبله ولا يدخل على ما قلنا إذا
بقي من مدة حملها يوم لان التعليل لمدة الحمل ولا يتصور أن يكون ذلك يوما إلا أن التفريط
جاء من قبله حين أخر الايقاع حتى لم يبق من المدة فلا يخرج به من أن يكون أصل المدة
قابلا لتفريق الثلاث كالكافر إذا أسلم وقد بقي من الوقت مقدار ما لا يمكنه ان يصلى فيه تلزمه
الصلاة لان التفريط جاء من قبله حين أخر الاسلام ولا معنى لما قال إن مدة الحبل كحيضة
واحدة بل هي بمنزلة ثلاث حيض حتى تنقضي بها العدة ولكن الاستبراء إنما لا يقدر ببعض
11

مدة الحبل لان المقصود تبين فراغ الرحم وذلك لا يحصل قبل الوضع فزيد في مدة الاستبراء
إذا كانت حاملا لهذا المعنى لا أن تجعل مدة الحبل كحيضة واحدة ولا نسلم أن الحامل من
ذوات الأقراء على الاطلاق فإنه لزمها صفة منافية للحيض حتى أنها وان رأت الدم لا يكون
حيضا بخلاف الممتدة طهرها (قال) وإذا أراد أن يطلقها وهي لا تحيض من كبر أو
صغر طلقها واحدة متى شاء عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى ليس له أن يطلقها عقيب الجماع
حتى يمضى الشهر لأنه يفصل بين الطلاق والجماع بما يفصل به بين الطلاقين في عدة هي
ذات فصول كما في حق ذوات الأقراء ثم هنا يفصل بين طلاقيها بشهر فكذلك يفصل
بين طلاقها وجماعها بشهر ولكنا نقول إنها بمنزلة الحامل في أنها لا حيض في عدتها فيباح
ايقاع الطلاق عليها عقيب الجماع كما يباح الايقاع على الحامل وكأن المعنى فيه أن في حق
ذوات الأقراء إنما كره ايقاع الطلاق عقيب الجماع لتوهم الحبل وهذا لا يوجد هنا فكان
ايقاع الطلاق عليها عقيب الجماع مباحا فإذا أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها بعد شهر آخر ثم بعد
شهر آخر وعدتها ثلاثة أشهر من التطليقة الأولى وذلك يتلى في القرآن قال الله تعالى واللائي
يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن والمراد الصغيرة
ولا خلاف أن الايقاع إذا كان في أول الشهر تعتبر الشهور بالأهلة ناقصة أو كاملة فإن كان
الايقاع في وسط الشهر ففي حق تفريق الطلاق يعتبر كل شهر بالأيام وذلك ثلاثون يوما
بالاتفاق وكذلك في حق انقضاء العدة عند أبي حنيفة تعتبر ثلاثة أشهر بالأيام وعندهما
يعتبر شهر واحد بالأيام وشهران بالأهلة لان الأهلة هي الأصل قال الله تعالى يسألونك
عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والأيام يدل عنها ففي الشهر الواحد تعذر اعتبار ما هو
الأصل فاعتبر البدل وفي الشهرين لم يتعذر اعتبار ما هو الأصل ولكن أبو حنيفة يقول
ما لم يتم الشهر الأول لا يدخل الشهر الثاني فدخول الشهر الثاني في وسط الشهر الثاني أيضا
وكذلك في الشهر الثالث فيتعذر اعتبار الكل بالأهلة فوجب اعتبارها بالأيام ولا يحكم
بانقضاء عدتها الا بتمام تسعين يوما من حين طلقها وقد ظن بعض مشايخنا أن الشهر في حق
التي لا تحيض بمنزلة الحيض والطهر في حق التي تحيض وليس كذلك بل الشهر في حقها
بمنزلة الحيض في حق التي تحيض حتى يتقدر به الاستبراء ويفصل به بين طلاقي السنة
وهذا لان المعتبر في حق ذوات القرء الحيض ولكن لا يتصور الحيض الا بتخلل الطهر وفي
12

الشهور ينعدم هذا المعنى فكان الشهر قائما مقام ما هو المعتبر وإذا طلقها واحدة أو ثنتين فهو
يملك الرجعة ما لم تنقض العدة وهذا حكم ثبت بخلاف القياس بالنص فان إزالة الملك بالطلاق
اسقاط والاسقاط يتم بنفسه كالعتق ولكن الشرع أثبت للزوج حق الرجعة في العدة بعد
التطليقة والتطليقتين للتدارك عند الندم قال الله تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن
فامسكوهن بمعروف معناه قرب انقضاء عدتهن فامسكوهن بالمراجعة وقال الله تعالى الطلاق
مرتان فامساك بمعروف والمراد بالامساك المراجعة بعد التطليقتين ما دامت في العدة ثبت
ذلك بقوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن في ذلك وعدة التي تحيض ثلاث حيض كما قال الله
تعالى في كتابه ثلاثة قروء وهو حكم مقطوع به ثابت بالنص ثم عطف عليه ما هو مجتهد فيه
فقال القرء هي الحيض وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى هي الأطهار حتى أن على مذهبه
كما طعنت في الحيضة الثالثة يحكم بانقضاء عدتها وعندنا ما لم تطهر من الحيضة الثالثة لا يحكم
بانقضاء العدة وأصل الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم فقد روى الشعبي رضي الله عنه
عن بضعة عشر من الصحابة الحبر فالحبر منهم أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبو الدرداء
وعبادة بن الصامت وعبد الله بن قيس رضى الله تعالى عنهم قال الزوج أحق برجعتها ما لم
تحل لها الصلاة وعن ابن عمر وعائشة وزيد بن ثابت رضى الله تعالى عنهم قالوا الأقراء
الأطهار وعن ابن عباس رضي الله عنه كما طعنت في الحيضة الثالثة تبين من زوجها ولا يحل
لها ان تتزوج حتى تطهر وكذلك أهل اللغة يطلقون اسم القرء على الطهر والحيض جميعا
قال القائل
يا رب ذي ضغن وضب فارض * له قروء كقروء الحائض
وقال الأعشى
مورثة مال وفي الحي رفعة * لما ضاع فيها من قروء نسائكا
والمراد الأطهار لان زمان الحيض يضيع وإن كان حاضرا وأصله في اللغة الوقت قال القائل
* إذا هبت لقارئها الرياح * فمنهم من يقول وقت الطهر به أشبه لأنه عبارة عن الاجتماع
يقال ما قرأت الناقة سلا قط أي ما جمعت في رحمها ولدا قط واجتماع الدم في الرحم في حالة
الطهر ومنهم من يقول وقت الحيض به أشبه لان هذا الوصف عارض للنساء فوقت الطهر
أصل ووقت الحيض عارض مع أن اجتماع الدم في حالة الطهر لا يعلم حقيقة ولو ثبت ذلك
13

فإنما يسمى ذلك الوقت قرء باعتبار الدم المجتمع ثم إن عند اختلاف أهل اللغة يجب المصير إلى
لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم فان الصحابة رضوان الله عليهم لما اختلفوا في التابوت والتابوه
رجحوا لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا اكتبوا بالتاء والقرء في لغة رسول الله صلى
الله عليه وسلم الحيض قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس إذا أتاك قرؤك فدعى الصلاة
وقال صلى الله عليه وسلم المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها والقرء والأقراء كلاهما جمع
كما يقال فلس وفلوس ونزل وانزال ثم الشافعي رحمه الله تعالى رجح الأطهار باعتبار حرف
الهاء المذكور في قوله ثلاثة قروء فقال جمع المذكر يؤنث والطهر هو المذكر ولكنا نقول
الاعراب يتبع اللفظ دون المعنى يقال ثلاثة أفراس وثلاث دواب وقال أيضا القرء عبارة عن
الانتقال يقال قرأ النجم إذا انتقل وكما طعنت في الحيضة الثالثة فقد وجد ثلاث انتقالات
من الطهر ولكن هذا لا معني له فالانتقال من الحيض إلى الطهر أيضا قرء فكان ينبغي على
هذا أن تنقضي العدة إذا طعنت في الحيضة الثالثة واحد لم يقل بهذا ولكن الصحيح ما قاله
علماؤنا رحمهم الله تعالى أن الله تعالى لما ذكر جمعا مقرونا بالعدد اقتضى الكوامل منه
والطلاق هو المباح في حالة الطهر فلو جعلنا القرء الأطهار لكان انقضاء العدة بقرأين وبعض
الثالث وهذا يستقيم في جمع غير مقرون بالعدد كقوله تعالى الحج أشهر معلومات فأما في
جمع مقرون بالعدد فلا بد من الكوامل وإنما يحصل ذلك إذا حمل القرء على الحيض فيكون
انقضاء العدة بثلاث حيض كوامل واستدل الشافعي رحمه الله تعالى بقوله تعالى فطلقوهن
لعدتهن معناه في عدتهن والطلاق المباح في حالة الطهر فعرفنا أن العدة بالطهر وقد فسره رسول
الله صلى الله عليه وسلم بقوله لابن عمر رضى الله تعالى عنه إنما السنة أن تستقبل الطهر استقبالا
فتطلقها لكل قرء تطليقة فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء واستدل علماؤنا
بقوله تعالى ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قال ابن عباس رضي الله تعالى
عنه من الحيض والحبل فهو بيان المراد بالقروء قال الله تعالى واللائي يئسن من الحيض من
نسائكم الآية وإنما نقل إلى الأشهر عند عدم الحيض والنقل إلى البدل يكون عند عدم
الأصل فهو تنصيص على أن المراد بالقرء الحيض وقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن أي قبل
عدتهن كما يقال زينت الدار لقدوم الحاج وتوضأت للصلاة أي قبلها وفي قراءة ابن مسعود
رضى الله تعالى عنه لقبل عدتهن مع أن المراد عدة الايقاع ونحن نقول إن عدة الايقاع
14

بالأطهار فأما عدة الاعتداد بالحيض بيانه في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وابن عمر
رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان ومن حيث
المعنى هو يقول الطلاق السني يستعقب جزء محسوبا من العدة كما في الآيسة والصغيرة وإنما
يكون ذلك إذا كان الاعتداد بالأطهار ونحن نقول المقصود من هذه العدة تبين فراغ الرحم
ولهذا لا تجب إلا عند توهم اشتغال الرحم ولهذا يعتبر بوضع الحمل إذا كانت حاملا والحيض
هي التي تدل على تبين فراغ الرحم دون الطهر فكان الاعتبار بالحيض أولى ثم الأصل في
العبادات التي تشتمل على أركان ينفصل بعضها عن بعض ان الأداء لا يتصل بالشروع فيها
كما في الحج وفيما يكون متصل الأركان يتصل الأداء بالشروع كالصلاة والعدة بالأشهر
متصلة الأركان فيتصل الأداء بالشروع فيها والعدة بالأقراء منفصلة الأركان بعضها عن بعض
فلا يجب ان يتصل الأداء بالشروع فيها والدليل على ما قلنا الاستبراء فإنه معتبر بالحيض
بالنص والمقصود تبين فراغ الرحم فكذلك العدة (قال) وعدة الحامل ان تضع حملها ولو
وضعت حملها بعد الطلاق بيوم لقوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن ان يضعن حملهن ولان
وضع الحمل أدل على ما هو المقصود وهو معرفة براءة الرحم من الأقراء وعدة الآيسة والصغيرة
ثلاثة أشهر بالنص وتكلموا في معنى قوله تعالى ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر قال مالك رضي
الله عنه المراد ارتيابها في حال نفسها أنها هل تحيض بعد هذا أو لا حتى قال إذا ارتابت تربصت
سنة ثم اعتدت بثلاثة أشهر ولكنا نقول لما نزل قوله تعالى ثلاثة قروء قالت الصحابة رضي الله عنه
م فيما بينهم فإن كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر وارتابوا في ذلك فنزل قوله
تعالى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم وفي قول الصحابة رضوان الله عليهم
فإن كانت ممن لا تحيض دليل على أنهم فهموا من القراء الحيض (قال) والكتابية تحت المسلم
في الطلاق والعدة بمنزلة المسلمة لان المخاطب بمراعاة وقت السنة الزوج وهو مسلم وفي العدة
الواجب عليها حق الزوج وهو مسلم (قال) والأمة بمنزلة الحرة في وقت السنة لان المخاطب
بمراعاة وقت السنة الزوج وذلك لا يختلف بكونها حرة أو أمة وعدتها حيضتان إذا كانت
من ذوات الأقراء للحديث الذي روينا ولقول عمر رضي الله تعالى عنه عدة الأمة حيضتان
ولو استطعت لجعلتها حيضة ونصفا بين أن التنصيف بسبب الرق يثبت في العدة ولكن
بقدر الممكن والحيضة الواحدة لا تحتمل التنصيف وان كانت آيسة أو صغيرة فعدتها شهر
15

ونصف لقول عمر رضى الله تعالى عنه ولان الشهر محتمل للتنصيف وعلى قول مالك عدتها
بالشهور ثلاثة أشهر لظاهر الآية ولكنا نقول الرق ينصف ذوات الاعداد بمنزلة الجلدات
في الحدود وعدتها إذا كانت حاملا بوضع الحمل بالانفاق لان تبين فراغ الرحم لا يحصل
قبل ذلك (قال) وإذا كان الرجل غائبا عن امرأته فأراد أن يطلقها للسنة كتب إليها إذا جاءك
كتابي هذا ثم حضت فطهرت فأنت طالق لجواز أن يكون قد امتد طهرها الذي جامعها
فيه فلو كتب إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق يقع الطلاق عليها في طهر جامعها فيه وهو
خلاف السنة فلهذا قيد بهذه الصفة وفي الرقيات زاد محمد رحمه الله تعالى فقال وعلمت ما فيه
لجواز أن لا تقرأ كتاب زوجها فيقع الطلاق عليها وهي لا تشعر بذلك ولكن في ظاهر الرواية
لم يذكر هذه الزيادة لان المغيبة لا تكون أحرص على شئ منها على قراءة كتاب زوجها
والظاهر أنها لا تؤخر ذلك (قال) فان أراد أن يطلقها ثلاثا كتب ثم إذا حضت وطهرت
فأنت طالق وان شاء أوجز فكتب إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق ثلاثا للسنة فيقع بهذه
الصفة لان الكتاب ممن نأى بمنزلة الخطاب ممن دنا وان كانت ممن لا تحيض كتب إذا جاءك
كتابي هذا ثم أهل شهر فأنت طالق وان شاء كتب إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق ثلاثا
للسنة لما بينا ان له ان يطلقها للسنة إذا كانت ممن لا تحيض في أي وقت شاء (قال) وان
كأن لم يدخل بامرأته ولم يخل بها فله ان يطلقها متى شاء خلافا لزفر وقد بينا ذلك وليس
عليها عدة لقوله تعالى وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها
قال مشايخنا رحمهم الله تعالى وفى كتاب الله تعالى المتلو لا بهذه الصفة بل المتلو يا أيها الذين
آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن الآية ولكن هذا غلط وقع من الكاتب وترك
كذلك وإن كان قد خلا بها فطلاقها وعدتها مثل التي دخل بها لان الخلوة الصحيحة في حكم
العدة بمنزلة الدخول ومراعاة وقت السنة في الطلاق لأجل العدة فتقام الخلوة فيه أيضا مقام
الدخول (قال) وإذا طلق امرأته وهي حائض فقد أخطأ السنة والطلاق واقع عليها وعلى
قول الروافض لا يقع وفى الكتاب ذكر بابا ردا عليهم فيؤخر الكلام فيه إلى ذلك الموضع والقدر الذي
نذكره هنا حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه
مر ابنك فليراجعها والمراجعة تكون بعد وقوع الطلاق ولكنهم يدعون المروى فليرجعها
وقد كان أخرجها من بيته فإنما أمره أن يردها إلى بيته وهذا باطل من الكلام فقد قيل
16

لابن عمر رضي الله عنه هل احتسبت بتلك الطلقة فقال ومالي لا أحتسب بها وان استحمقت
أو استجهلت أكان لا يقع طلاقي ولما ذكر لعمر رضي الله عنه في الشورى ابنه فقال
سبحان الله أقلد أمور المسلمين ممن لم يحسن طلاق امرأته فطلقها في حالة الحيض فهو
إشارة إلى أن ذلك الطلاق كان واقعا وأنه ينبغي للمرء أن يصون نفسه عن ذلك (قال) ثم
ينبغي له أن يراجعها كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه لو راجعها لم تبن منه بطلاق
محظور ويندفع عنها ضرر تطويل العدة فإذا لم يراجعها بانت منه بطلاق محظور ويتحقق
معنى تطويل العدة فلهذا ينبغي له أن يراجعها (قال) فإذا طهرت من حيضة أخرى طلقها
ان شاء وهذا إشارة إلى أنها إذا طهرت من هذه الحيضة لا يباح ايقاع الطلاق عليها وذكر
الطحاوي رحمه الله أنه إذا طلقها في الحيض ثم طهرت من تلك الحيضة يباح ايقاع الطلاق
عليها وقيل ما ذكره الطحاوي قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان وقت السنة الطهر الذي
لا جماع فيه وقد وجد وما ذكر في الكتاب قولهما لان الفصل بين الطلاقين بحيضة كاملة
وذلك لا يكون إذا طهرت من هذه الحيضة وحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنه روى
بروايتين من طريق شعبة مر ابنك فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض وتطهر ثم ليطلقها
ان شاء فهو دليل قولهما ومن طريق آخر مر ابنك فليراجعها فإذا حاضت وطهرت فليطلقها
ان شاء وهذا يحتمل بقية هذه الحيضة كما هو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وكذلك أن
طلقها في حالة الحيض (قال) ولو طلقها في طهر لم يجامعها فيه واحدة ثم راجعها
بالقول فأراد أن يطلقها أخرى في ذلك الطهر للسنة فله ذلك عند أبي حنيفة وزفر رحمهما
الله تعالى وليس له ذلك عند أبي يوسف رحمه الله تعالى وعن محمد رضى الله تعالى عنه فيه
روايتان فأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول شرط الفصل بين طلاقي السنة الحيضة الكاملة
كما قال صلى الله عليه وسلم فليطلقها في كل قرء تطليقة ولان ايقاع تطليقة في طهر في المنع من
تطليقة أخرى في ذلك الطهر كالجماع فكما لا يجوز له أن يطلقها بعد الجماع في طهر واحد
فكذلك بعد لطلاق وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الفصل بالحيضة إنما يعتبر إذا كانت
الثانية تقع في العدة وبالمراجعة قد ارتفعت العدة فكانت الثانية بمنزلة ابتداء الايقاع وقد
حصل في طهر لا جماع فيه ثم الرجعة تسقط جميع العدة ولو تخلل بين التطليقتين ما يسقط
بعض العدة كانت الثانية واقعة على وجه السنة فإذا تخلل ما يسقط جميع العدة أولى وكذلك
17

لو راجعها بالتقبيل أو المس عن شهوة حتى روى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه إذا
كان أخذ بيد امرأته عن شهوة فقال لها أنت طالق ثلاثا للسنة يقع عليها ثلاث تطليقات
في الحال يتبع بعضها بعضا لان كلما وقع عليها تطليقة صار مراجعا لها فتقع أخرى فأما إذا
راجعها بالجماع فإن لم تحبل فليس له أن يطلقها أخرى في هذا الطهر بالاجماع لأنه طهر قد
جامعها فيه وان راجعها بالجماع فحبلت فعند أبي يوسف رحمه الله تعالى ليس له أن يطلقها
أخرى أيضا لأنه قد طلقها في هذا الطهر واحدة والطهر الواحد لا يكون محلا لأكثر
من تطليقة واحدة على وجه السنة وعند أبي حنيفة ومحمد وزفر رحمهما الله تعالى له أن
يطلقها أخرى لأن العدة الأولى قد سقطت والطلاق عقيب الجماع في الطهر إنما لا يحل
لاشتباه أمر العدة عليها وذلك لا يوجد إذا حبلت وظهر الحبل بها (قال) وإذا طلق
الرجل امرأته واحدة بائنة فقد أخطأ السنة والطلاق واقع عليها وفى زيادات الزيادات
قال التطليقة البائنة تقع بصفة السنة كالرجعية لان ابن ركانة رضى الله تعالى عنه طلق
امرأته البتة ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ايقاع الطلاق بهذا اللفظ فلو كان
خلاف السنة لأنكر عليه كما أنكر على ابن عمر رضى الله تعالى عنه والواقع بهذا اللفظ
يكون بائنا والدليل عليه الطلاق قبل الدخول والخلع فإنه يقع بائنا ولا يكون مكروها فأما
وجه ظاهر الرواية أن إباحة الايقاع للحاجة إلى التفصي عن عهدة النكاح ولا حاجة به إلى
زيادة صفة البينونة فكانت زيادة هذه الصفة كزيادة العدد ثم لا مقصود له في ذلك سوى
رد نظر الشرع له بقطع خيار الرجعة وسد باب التلافي على نفسه عند الندم وهذا بخلاف
الخلع فإنه يحتاج إلى ذلك لاسترداد ما ساق لها من الصداق إذا كان النشوز منها مع أن
الخلع لا يكون إلا عند تحقق الحاجة ولهذا روى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى انه لا يكره
في حالة الحيض والطلاق قبل الدخول لا يكون الا بائنا والتي لم يدخل بها ليست نظير التي
دخل بها بدليل الايقاع في حالة الحيض وتأويل حديث ابن ركانة رضي الله عنه انه طلقها
قبل الدخول بها وقبل الدخول بأي لفظ أوقع يكون بائنا ويحتمل أن يكون أخر الانكار
إلى وقت آخر لعلمه انه لفرط الغيظ لا يقبل في ذلك الوقت والله أعلم بالصواب واليه
المرجع والمآب
18

* (باب الرجعة) *
(قال) وإذا طلقها واحدة في الطهر أو في الحيض أو بعد الجماع فهو يملك الرجعة ما دامت
في العدة لان النبي صلى الله عليه وسلم طلق سودة رضى الله تعالى عنها بقوله اعتدى ثم
راجعها وطلق حفصة رضي الله عنها ثم راجعها بالوطئ ويستوى ان طالت مدة العدة أو
قصرت لان النكاح بينهما باق ما بقيت العدة وقد روى أن علقمة رضي الله عنه طلق
امرأته فارتفع حيضها سبعة عشر شهرا ثم ماتت فورثه ابن مسعود رضي الله عنه منها وقال إن
الله تعالى حبس ميراثها عليك فإذا انقضت العدة قبل الرجعة فقد بطل حق الرجعة
وبانت المرأة منه وهو خاطب من الخطاب يتزوجها برضاها ان اتفقا على ذلك وإذا أراد
أن يراجعها قبل انقضاء العدة فأحسن ذلك أن لا يغشاها حتى يشهد شاهدين على رجعتها
والاشهاد على الرجعة مستحب عندنا وفى أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى شرط لا تصح
الرجعة الا به وهو قول مالك رحمه الله تعالى وهذا عجيب من مذهبه فإنه لا يجعل الاشهاد
على النكاح شرطا ويجعل الاشهاد على الرجعة شرطا لظاهر قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل
منكم والامر على الوجوب ومذهبنا مروى عن ابن مسعود وعمار بن ياسر رضي الله عنهما
ولان الرجعة استدامة للنكاح والاشهاد ليس بشرط في استدامة النكاح وبيانه أن الله تعالى
سمى الرجعة امساكا وهو منع للمزيل من أن يعمل عمله بعد انقضاء المدة فلا يكون الاشهاد
عليه شرطا كالفئ في الايلاء والمراد بالآية الاستحباب ألا ترى أنه جمع بين الرجعة والفرقة
وأمر بالاشهاد عليهما ثم الاشهاد على الفرقة مستحب لا واجب فكذلك على الرجعة وهو
نظير قوله تعالى وأشهدوا إذا تبايعتم ثم البيع صحيح من غير اشهاد وليس في الرجعة عوض
لا قليل ولا كثير لأنه استدامة للملك فلا يستدعى عوضا ولهذا لا يعتبر فيه رضاها ولا
رضى المولى لان الله تعالى جعل الزوج أحق بذلك بقوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن في
ذلك وإنما يكون أحق إذا استبد به والبعل هو الزوج وفي تسميته بعلا بعد الطلاق الرجعي
دليل بقاء الزوجية بينهما فالمباعلة هي المجامعة ففيه إشارة إلى أن وطأها حلال له وهو قول
علمائنا أن الطلاق الرجعي لا يحرم الوطئ ولكن لا يستحب له أن يطأها قبل الاشهاد على
المراجعة لأنه يصير مراجعا لها من غير شهود وعند الشافعي رحمه الله تعالى يحرم عليه
19

وطأها ما لم يراجعها ولهذا شرط الاشهاد على الرجعة لأنه سبب لاستباحة الوطئ واستدل
بقوله تعالى ان أرادوا اصلاحا والاصلاح يكون بعد تمكن الفساد ولم يتمكن الفساد هنا
بزوال أصل الملك عرفنا انه تمكن الفساد بحرمة الوطئ ويجوز ان تثبت حرمة الوطئ مع
قيام أصل الملك كمن كاتب أمته يحرم عليه وطأها وان بقي الملك بعد الكتابة ولهذا لا يلزمه
مهر جديد بالوطئ كما في المكاتبة ولان هذا طلاق واقع فيحرم الوطئ كالواقع بقوله أنت
بائن وتقريره ان الأقراء يحتسب بها من العدة بعد الطلاق ومع بقاء ملك النكاح مطلقا
لا يحتسب بالأقراء من العدة لأن العدة لصيانة الماء وصون الماء بالنكاح أبلغ منه بالعدة
ولأن العدة لتبين فراغ الرحم فيستحيل أن تكون هي مشغولة بما يبين فراغ رحمها ويكون
الزوج مسلطا على شغل رحمها والدليل عليه انها إذا جاءت بالولد إلى سنتين يجعل هذا من
علوق قبل الطلاق ولو بقي الحل بينهما لكان يستند العلوق إلى أقرب الأوقات وهي ستة
أشهر وحجتنا في ذلك أن الله تعالى سمى الرجعة امساكا وذلك استدامة لملك فدل ان الملك
باق على الاطلاق وملك النكاح ليس إلا ملك الحل فإنه لا يملك عينها ولا منافعها فبقاء ملك
النكاح مطلقا يكون دليل بقاء حل الوطئ الا بعارض يحرم به الوطئ في ملك اليمين كالحيض
والظهار واختلاف الدين وبكونها مطلقة لا يحرم لوطئ بملك اليمين لأنها لو كانت أمة فاشتراها
بعد الطلاق كان له ان يطأها فكذلك لا يحرم الوطئ في ملك النكاح والدليل على بقاء الملك
مطلقا أنه يملك التصرفات كالظهار والايلاء واللعان وانهما يتوارثان وانه يملك الاعتياض بالخلع
وملك الاعتياض لا يكون الا مع بقاء أصل الملك وانه بعد الرجعة يحل له وطأها والرجعة
ليست بسبب لحل الوطئ مقصودا حتى لا يعتبر فيها المهر ولا رضاها والدليل عليه أن
الطلاق بعد الطلاق واقع فلو كان حكم الطلاق زوال الملك به لم يقع الطلاق بعد الطلاق
لان المزال لا يزال وكما أن الطلاق الثاني واقع من غير أن يزول الملك به فكذلك الأول
لان الحكم الأصلي للطلاق رفع الحل عن المحل إذا تم ثلاثا فأما زوال الملك به معلق
بانقضاء العدة قبل الرجعة والمعلق بالشرط عدم قبله وإنما سمى الله تعالى الرجعة ردا
واصلاحا لأنه يعيدها بالرجعة إلى الحالة الأولى حتى لا تبين بانقضاء العدة لا لأنه يعيدها
إلى الملك وملك النكاح ليس نظير ملك اليمين فان صفة الحل هناك تنفصل عن أصل
الملك ابتداء وبقاء كالأخت من الرضاعة والأمة المجوسية وهنا صفة الحل تنفصل عن أصل
20

الملك ابتداء وبقاء مع أن المكاتبة صارت أحق بنفسها بما التزمت من العوض وهنا الزوج
أحق بها ووزان هذا من المكاتبة أن لو طلقها بعوض وكون الطلاق واقعا لا يكون دليل
حرمة الوطئ مع قيام الملك كما بعد الرجعة فان الطلاق يبقى واقعا والوطئ حلال وهذا
لأن هذه الإزالة بطريق الاسقاط والمسقط يكون متلاشيا لا يتصور اعادته والاحتساب
بالأقراء من العدة لأنه صار غير مريد لها بالطلاق كمن وطئ أمته ثم أراد بيعها يستبرئها مع
قيام الملك والحل واستناد العلوق إلى أبعد الأوقات للتحرز عن اثبات الرجعة بالشك فانا لو
أسندنا العلوق إلى أقرب الأوقات جعلناه مراجعا لها بالشك وهو بناء على مذهبنا ان جماعه
إياها في العدة رجعة منه وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يكون رجعة واعتبر الرجعة بأصل
النكاح فكما لا يثبت أصل النكاح بالفعل فكذلك لا تثبت الرجعة وفى الحقيقة هذا بناء على
ما تقدم فان عنده الرجعة سبب لاستباحة الوطئ ورفع الخلل الواقع في الملك فلا يكون الا
بالقول والجماع قبل الرجعة حرام فلا يكون سببا للحل وعندنا الرجعة استدامة للملك والفعل
المختص به يكون أدل على استدامة الملك من القول وهو نظير الفئ في الايلاء فإنه منع للمزيل
من أن يعمل بعد انقضاء العدة وذلك يحصل بالجماع ونقول أكثر ما في الباب أن يثبت له أن
الطلاق مزيل للملك ولكن المزيل متى ظهر وأعقب خيار الاستبقاء في مدة معلومة يكون
مستبقيا للملك بالوطئ كمن باع أمته على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم وطئها صار بالوطئ مستبقيا للملك
بل أولى لان هناك يحتاج إلى فسخ السبب المزيل وهنا لا يحتاج إلى رفع الطلاق الواقع
وكذلك لو قبلها بشهوة أو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة لأن هذه الأفعال تختص
بالملك الموجب للحل كالوطئ فتكون مباشرته دليل استبقاء الملك ألا ترى في ثبوت حرمة
المصاهرة جعلت هذه الأفعال بمنزلة الوطئ فكذلك في حكم الرجعة والأحسن له أن يشهد
شاهدين بعد ذلك هكذا قال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه حين سئل عمن طلق امرأته
ولم يعلمها حتى غشيها فقال طلقها لغير السنة وراجعها على غير السنة وليشهد على ذلك شاهدين
(قال) ولا يكون النظر إلى شئ من جسدها سوى الفرج رجعة لان ذلك لا يختص بالملك
ولأنه لا تثبت به حرمة المصاهرة ولان النظر إلى الفرج نوع استمتاع فان النظر إلى الفرج
اما لحسنه أو للاستمتاع وليس في الفرج معنى الحسن فكان النظر إليه استمتاعا بخلاف سائر
الأعضاء والنظر إلى الفرج بغير شهوة لا يكون رجعة لأنه غير مختص بالملك فان القابلة تنظر
21

والحافظة كذلك فأما إذا قبلته بشهوة أو لمسته بشهوة أو نظرت إلى فرجه بشهوة تثبت به
الرجعة عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولا تثبت عند أبي يوسف رحمه الله تعالى لان هذا
الفعل من الزوج دليل استبقاء الملك وليس لها ولاية استبقاء الملك فلا يكون فعلها رجعة وأبو
حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا فعلها به كفعله بها فان الحل مشترك بينهما وفعلها به في حرمة
المصاهرة كفعله بها فكذلك في الرجعة ثم فرق أبو يوسف رحمه الله تعالى في ظاهر لرواية
بين هذا وبين الخيار فقال الأمة إذا فعلت ذلك بالبائع في مدة الخيار يكون فسخا للبيع وهنا
لا يكون رجعة منها لان اسقاط الخيار قد يحصل بفعلها وهو ما إذا جنت على نفسها أو
قتلت نفسها والرجعة لا تكون بفعلها قط وقد روى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى
التسوية بين الفصلين فقالا لا يسقط هناك الخيار بفعلها ومحمد رحمه الله تعالى يفرق فيقول
هناك يسقط الخيار بفعلها لما فيه من فسخ البيع إن كان الخيار للبائع واثبات الملك إن كان
الخيار للمشترى وليس إليها ذلك وهنا ليس في الرجعة فسخ السبب ولا اثبات الملك ولكن
إنما تثبت الرجعة بفعلها إذا أقر الزوج أنها فعلت ذلك بشهوة فأما إذا ادعت هي وأنكر
الزوج لا تثبت الرجعة وكذلك أن شهد شاهدان أنها فعلت ذلك بشهوة لان الشهود
لا يعرفون ذلك الا بقولها وقولها غير مقبول إذا أنكره الزوج (قال) وتعليق الرجعة
بالشرط باطل وكذلك الإضافة إلى وقت حتى إذا قال راجعتك غذا أو إذا جاء غد فهو
باطل لأنه استدامة الملك فلا يحتمل التعليق بالشرط كأصل النكاح وإنما يحتمل التعليق
بالشرط ما يجوز أن يحلف به ولا يحلف بالرجعة بخلاف الطلاق وهو نظير الاذن للعبد
والتوكيل يحتمل التعليق بالشرط لأنه اطلاق ورفع للقيد والحجر على العبد وعزل الوكيل
لا يحتمل التعليق بالشرط لأنه تقييد (قال) وان قال كنت راجعتك أمس صدق ان كانت
في العدة بعد لأنه أخبر بما يملك استئنافه فلا يكون متهما في الاخبار ولم يصدق إذا قال
ذلك بعد انقضاء العدة لأنه أخبر بما لا يملك استئنافه وهذا لان الاقرار خبر متردد بين
الصدق والكذب فإذا كان يملك مباشرته في الحال تنتفى تهمة الكذب عن خبره وإذا كأن لا
يملك مباشرته تتمكن تهمة الكذب في خبره وهو كالوكيل بالبيع إذا قال قبل العزل
كنت بعته من فلان يصدق بخلاف ما لو قال بعد العزل فان صدقته المرأة في اخباره
بعد انقضاء العدة كان مصدقا لان الحق لا يعدوهما وتصادقهما على الرجعة
22

كتصادقهما على أصل النكاح (قال) وإذا طهرت من الحيضة الثالثة غير أنها لم تغتسل
فالرجعة باقية له عليها وهذا إذا كانت أيامها دون العشرة فاما إذا كانت أيامها عشرة فقد
تيقنا بخروجها من الحيض بنفس انقطاع الدم وإذا كانت أيامها دون العشرة لم نتيقن بذلك
لجواز ان يعاودها الدم فيكون ذلك حيضا إذا لم يجاوز العشرة وقد قالت الصحابة رضوان
الله عليهم الزوج أحق برجعتها ما لم تغتسل أو ما لم تحل لها الصلاة وحل الصلاة يكون
بالاغتسال وإذا أخرت الغسل حتى ذهب وقت أدنى الصلاة إليها انقطع حق الرجعة عندنا
ولا ينقطع عند زفر رحمه الله تعالى عملا بقول الصحابة رضي الله عنهم ما لم تحل لها الصلاة
ولبقاء توهم معاودة الدم وكون ذلك حيضا ولكنا نقول بذهاب الوقت صارت الصلاة دينا في
ذمتها وذلك من خواص أحكام الطاهرات فإذا انضم ذلك إلى الانقطاع تقوي به كالاغتسال
ولا يعتبر توهم معاودة الدم بعده كما لا يعتبر بعد الاغتسال وقيل في معنى قول الصحابة
رضي الله عنهم حتى تحل لها الصلاة أي تحل عليها الصلاة بأن تلزمها بذهاب الوقت وهو
نظير قوله تعالى أولئك لهم اللعنة أي عليهم اللعنة أرأيت لو أخرت الاغتسال شهرا طمعا
في أن يراجعها الزوج أكان تبقى الرجعة إلى هذه المدة هذا قبيح فإذا انقضت عدتها ثم أقام
الزوج البينة أنه قال في عدتها قد راجعتها أو أنه قال قد جامعتها كان ذلك رجعة لان الثابت
بالبينة كالثابت بالمعاينة وهذا من أعجب المسائل فإنه يثبت اقرار نفسه بالبينة بما لو أقر به
للحال لم يكن مقبولا منه وإن لم تكن له بينة وكذبته المرأة فأراد أن يستحلفها فلا يمين له
عليها في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى عليها
اليمين لان هذا استحلاف في الرجعة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يرى ذلك على ما بيناه
في النكاح فان قيل أليس انها لو ادعت انقضاء عدتها تستحلف في ذلك ثم لو نكلت كان
للزوج أن يراجعها قلنا ذلك استحلاف في العدة فإذا نكلت بقيت العدة وهي محل الرجعة
وهذا استحلاف في نفس الرجعة والخلوة بالمعتدة ليست برجعة لأنها لا تختص بالملك فإنه
يحل للرجل ان يخلو بذوات محارمه فلا يكون دليل استدامة الملك (قال) ولو كتمها
الطلاق ثم راجعها وكتمها الرجعة فهي امرأته لأنه في ايقاع الطلاق هو مستبد به وكذلك
في الرجعة فإنه استدامة لملكه ولا يلزمها به شيئا فلا معتبر بعلمها فيه ولكنه أساء فيما صنع حين
ترك الاشهاد على الرجعة وهو مستحب قال بلغنا عن ابن عمر رضي الله عنهما انه كان إذا أراد
23

أن يراجع امرأته لم يدخل عليها حتى يشهد (قال) وإذا قال زوج المعتدة لها قد راجعتك
فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي فالقول قولها عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا تثبت الرجعة
وعندهما القول قول الزوج والرجعة صحيحة لأنها صادفت العدة فان عدتها باقية ما لم تخير
بالانقضاء وقد سبقت الرجعة خبرها بالانقضاء فصحت الرجعة وسقطت العدة فإنها أخبرت
بالانقضاء بعد سقوط العدة وليس لها ولاية الاخبار بعد سقوط العدة لو سكتت ساعة ثم
أخبرت ولأنها صارت متهمة في الاخبار بالانقضاء بعد رجعة الزوج فلا يقبل خبرها كما لو
قال الموكل للوكيل عزلتك فقال الوكيل كنت بعته وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الرجعة
صادفت حال انقضاء العدة فلا تصح لان انقضاء العدة ليس بعدة مطلقا وشرط الرجعة أن
تكون في عدة مطلقة وبيانه أنها أمينة في الاخبار ولا يمكنها أن تخبر الا بعد الانقضاء فإذا
أخبرت مجيبة للزوج عرفنا ضرورة أن الانقضاء سابق وأقرب أحواله حال قول الزوج
راجعتك بخلاف ما إذا سكتت ساعة فان أقرب الأحوال للانقضاء هناك حال سكوتها ولا
يقال مصادفة الرجعة حال انقضاء العدة نادر لان انقضاء العدة لا بد من أن يوافق حالة فتارة
يوافق كلها وتارة يومها وتارة قول الزوج راجعتك وإن تمكن ما هو نادر وهو رجعة
الزوج في هذه الحالة وإنما تصير متهمة إذا فرطت في الاخبار بالتأخير ولا تفريط منها هنا
لأنها لا تقدر على الاخبار الا بعد الانقضاء بخلاف الوكيل فإنه مفرط في الاخبار لان بيعه
كان قبل العزل لا مع العزل ولم يذكر في الكتاب ما إذا قال لها قد طلقتك فقالت مجيبة
له قد انقضت عدتي قيل هو على هذا الخلاف ولا يقع الطلاق عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
كما لو قال لها أنت طالق مع انقضاء عدتك والأصح أنه يقع لاقرار الزوج بالوقوع كما لو
قال بعد انقضاء العدة كنت طلقتك في العدة كان مصدقا في ذلك بخلاف الرجعة (قال)
والتوارث قائم بين الرجل والمعتدة من طلاق رجعي لان الزوجة بينهما قائمة وإنما انتهت بالموت
وهو سبب التوارث ويستوى فيه التطليقة والتطليقتان ويملك مراجعة المرأة الكتابية
والمملوكة في عدتها مثل ما يملكه على الحرة المسلمة لأنها استدامة للملك كما قلنا والمكاتبة
والمدبرة وأم الولد بمنزلة الأمة في الطلاق والعدة لبقاء الرق المنصف للحل فيهن والمستسعاة
كذلك عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأنها كالمكاتبة (قال) وإذا قال زوج الأمة بعد أن
قضاء عدتها قد كنت راجعتها في العدة وصدقه المولى وكذبته الأمة فالقول قولها في قول
24

أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى القول قول الزوج لان
بضعها مملوك للمولى وينزل المولى فيها منزلة الحرة من نفسها حتى يصح تزويجه إياها
واقراره بالنكاح عليها فكذلك اقراره بالرجعة بمنزلة اقرار الحرة على نفسها به وأبو حنيفة
رحمه الله تعالى يقول الرجعة تنبني على سبب لا قول للمولى فيه وهو قيام العدة فان القول
في العدة قولها في البقاء والانقضاء دون المولى فكذلك فيما ينبنى عليه توضيحه ان صحة
الرجعة حال قيام العدة ولا ملك للمولى عند ذلك في البضع ولا تصرف فكان القول فيه
قولها بخلاف التزويج والاقرار به عليها ولو كانت هي التي صدقت الزوج وكذبه المولى
لم نثبت الرجعة اما عندهما فظاهر واما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فلان بضعها في الحال
خالص حق المولى فان عدتها منقضية فلهذا لا يقبل قولها في ذلك (قال) والمعتدة من طلاق
رجعي تتشوف وتتزين له لان الزوجية باقية بينهما وهو مندوب على أن يراجعها وتشوفها له
يرغبه في ذلك فإن كان من شأنه أن لا يراجعها فأحسن ذلك أن يعلمها بدخوله عليها بالتنحنح
وخفق النعل كي نتأهب لدخوله لا لان الدخول عليها بغير الاستئذان حرام ولكن المرأة
في بيتها في ثياب مهنتها فربما يقع بصره على فرجها وتقترن به الشهوة فيصير مراجعا لها
بغير شهود وذلك مكروه وإذا صار مراجعا وليس من قصده امساكها احتاج إلى أن يطلقها
وتستأنف العدة فيكون اضرار بها من حيث تطويل العدة ولذا قال اكره ان يراها متجردة
إذا كأن لا يريد رجعتها وان رآها لم يكن عليه شئ لان ما فوق الرؤية وهو الغشيان حلال له
(قال) وإذا كانت معتدة من تطليقة بائنة أو فرقة بخلع أو إيلاء أو لعان أو اختيارها أمر
نفسها أو بالأمر باليد أو ما أشبه ذلك فلا رجعة له عليها لان حكم الرجعة عرف بالنص بخلاف
القياس والنص ورد بمطلق الطلاق فبقي الطلاق المقيد بصفة البينونة على أصل القياس
وهذا لان كونها مطلقة حكم مطلق الطلاق وهذا لا ينافي ملك النكاح كما بعد الرجعة
وكونها مبانة أو مالكة أمر نفسها ينافي ملك النكاح والمتنافيان لا يجتمعان فإذا ثبتت
البينونة انتفى النكاح ولا رجعة له عليها وفي الخلع إنما التزمت العوض لتتخلص من الزوج
وذلك لا يحصل مع قيام الملك وحق الرجعة (قال) وإذا كان الطلاق بعد الخلوة وهو
يقول لم أدخل بها فلا رجعة له عليها لأنه مقر بالبينونة وسقوط حقه في الرجعة واقراره
على نفسه صحيح ولان الخلوة إنما جعلت تسليما في حق المهر لدفع الضرر عنها وذلك المعني
25

لا يوجد في الرجعة لأنها حق الزوج وهو متمكن من غشيانها (قال) وان كانت حين
خلا بها حائضا أو صائمة في رمضان أو محرمة أو رتقاء فلا رجعة له عليها لان الخلوة فاسدة
في هذه الأحوال فإذا كان حق الرجعة لا يثبت بالخلوة الصحيحة فبالفاسدة أولى وعليه
نصف المهر الا على قول ابن أبي ليلى رحمه الله فإنه يقول جميع المهر لان عليها العدة بالاتفاق
ولكنا نقول في العدة معني حق الشرع وهما متهمان في ذلك فاما المهر حقها فيفصل فيه بين
الخلوة الصحيحة والفاسدة وقد بينا فصول الخلوة في كتاب النكاح (قال) وإذا كان عنينا
أو مجبوبا أو خصيا فخلى بها ولم يدخل بها فلا رجعة له عليها لأنه لو كان فحلا ولم يدخل بها لم
يكن له حق المراجعة في العدة فإذا كان المانع من الدخول ظاهرا فيه أولى أن لا يكون له
حق المراجعة في العدة (قال) وإذا ادعى الزوج الدخول بها وقد خلا بها وأنكرته المرأة
فله الرجعة لأن الظاهر شاهد له لأن الظاهر من حال الفحل انه متى خلى بالأنثى التي تحل
له نزا عليها فان قيل الظاهر حجة لدفع الاستحقاق والزوج إنما يريد استحقاق الرجعة بقوله
قلنا لا كذلك بل الزوج إنما يستبقي ملكه بما يقول ويدفع استحقاقها نفسها والظاهر يكفي
لذلك (قال) وإن لم يخل بها حتى طلقها وادعى الدخول فلا رجعة له عليها لأنه يدعى عارضا
لا يعرف سببه ولأنه لا عدة له عليها في هذه الحالة فان انكارها سبب العدة كانكارها
أصل العدة والرجعة لا تكون الا في العدة (قال) وإذا قالت إن عدتي قد انقضت وذلك
في وقت لا تحيض فيه ثلاث حيض لم تصدق على ذلك لان الأمين إنما يقبل خبره إذا لم
يكن مستحيلا أو مستنكرا فإذا أخبرت بما هو مستحيل أو مستنكر لم تصدق في خبرها
ثم بين أدنى المدة التي تصدق فيها وهو شهران في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وتسعة
وثلاثون يوما في قولهما وقد بينا هذه المسألة بفروعها في آخر كتاب الحيض (قال) فان
قالت قد أسقطت سقطا مستبين الخلق أو بعض الخلق صدقت على ذلك لأنها مسلطة أمينة
في الاخبار بما في رحمها قال الله تعالى ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في أرحامهن والنهى
عن الكتمان أمر بالاظهار وقال أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه ان من الأمانة ان تؤمن
المرأة على ما في رحمها فإذا أخبرت بذلك وكان محتملا وجب قبول خبرها من غير بينة وان
أتهمها الزوج حلفها (قال) وكل سقط لم يستبن شئ من خلقه لا تنقضي به العدة لأنه ليس
له حكم الولد بل هو كالدم المتجمد وعند الشافعي رحمه الله تعالى يمتحن بالماء الحار فإذا ذاب فيه
26

فهو دم وإن لم يذب فهو ولد ولكن هذا من باب الطب لا من باب الفقه وقد بيناه في كتاب
الحيض (قال) وإذا قالت بعد مضى شهرين قد انقضت عدتي وقال الزوج قد أخبرتني
أمس انها لم تحض شيئا فان كذبته المرأة فالقول قولها مع يمينها لأنه يدعى عليها مالا
يعرف سببه وهي تنكر ذلك وقد ظهر انقضاء العدة بخبرها وان صدقته في ذلك فله ان
يراجعها لان الثابت بالتصادق كالثابت بالمعاينة وبعد ما أخبرت أمس انها لم تحض شيئا
فاخبارها في اليوم بانقضاء العدة مستحيل ولان الحق لهما لا يعدوهما وقد تصادفها على قيام
الزوجية بينهما (قال) فإن كانت تعتد بالشهور لصغر أو إياس فحاضت انتقض ما مضى من عدتها
بالشهور وكان عليها ثلاث حيض أما في الآيسة فظاهر لأنها لما حاضت تبين أنها لم تكن آيسة
وإنما كانت ممتدا طهرها وأما في الصغيرة إذا حاضت فلأنها قدرت على الأصل قبل حصول
المقصود بالبدل والقدرة على الأصل تمنع اعتبار البدل ولا يكمل مع الأصل لأنهما لا يلتقيان
فلا بد من الاستئناف وعلى هذا قالوا لو طلقها تطليقة فحاضت وطهرت قبل مضى الشهر له أن
يطلقها أخرى لان الفصل بالشهر بين الطلاقين كان قبل ظهور الحيض (قال) وكذلك لو
حاضت حيضة ثم أيست من الحيض اعتدت بالشهور ثلاثة أشهر بعد الحيضة لان اكمال
الأصل بالبدل غير ممكن فلا بد من الاستئناف وإياسها أن تبلغ من السن ما لا يحيض فيه مثلها
لأنه معنى في باطنها لا يوقف على حقيقته فلا بد من اعتبار السبب الظاهر فيه وإذا بلغت من
السن ما لا يحيض فيه مثلها وهي لا تري الدم فالظاهر أنها آيسة ولم يقدر السن في الكتاب وقد
روى عن محمد رحمه الله تعالى التقدير بخمسين سنة وفي رواية ستين سنة وفصل في رواية بين
الروميات والخراسانيات ففي الروميات التقدير بخمسين سنة لان الهرم يسرع إليهن وفي
الخراسانيات التقدير بستين سنة وأكثر مشايخنا على التقدير بالزيادة على خمسين سنة فقد
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها إذا جاوزت المرأة خمسين سنة ثم لم تر في بطنها قرة عين
(قال) وإذا طلق الرجل امرأته واحدة ثم راجعها في الحيضة الثانية ثم طلقها بعد الطهر
وتركها حتى حاضت الثالثة ثم راجعها ثم طلقها بعد الطهر فعليها العدة بعد التطليقة الثالثة
ثلاث حيض لان الرجعة قد صحت لمصادفتها العدة فإذا طلقها كان عليها عدة مستقبلة وقد
أساء فيما صنع لأنه طول العدة عليها وجاء عن ابن عباس رضي الله عنه في تأويل قوله تعالى
ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا انه نزل فيما ذكرنا وأما قوله تعالى فلا تعضلوهن ان
27

ينكحن أزواجهن إنما نزلت فيما إذا خطبها الزوج بعد انقضاء عدتها وأبى أولياؤها ان
يتركوها (قال) وإذا اغتسلت المعتدة من الحيضة الثالثة غير أنه بقي منها عضو لم يصبه الماء
فالزوج يملك الرجعة ولو بقي ما دون العضو لم يكن للزوج عليها رجعة قال هذا والأول
سواء غير أنى أستحسن ولم يذكر في الكتاب نصا موضع القياس والاستحسان وقيل عند أبي
يوسف رحمه الله تعالى القياس والاستحسان في العضو الكامل في القياس ينقطع لأنها
مغتسلة وقد غسلت أكثر البدن وللأكثر حكم الكل وفى الاستحسان لا ينقطع لان
العضو الكامل ورد الخطاب بتطهيره شرعا فبقاؤه كبقاء جميع البدن ولان العضو الكامل
لا يقع الانتقال عنه عادة فلا يسرع إليه الجفاف عادة بخلاف ما دونه وعند محمد رحمه الله تعالى
القياس والاستحسان فيما دون العضو في القياس يبقى حكم الرجعة لبقاء حكم الحدث كما قال صلى
الله عليه وسلم تحت كل شعرة جنابة ولأنه لم تحل لها الصلاة فكان هذا وبقاء عضو كامل
سواء وفي الاستحسان تنقطع الرجعة لان ما دون العضو لقلته يسرع إليه الجفاف فلا يتيقن
بعدم إصابة الماء فلهذا يؤخذ فيه بالاحتياط فتنقطع الرجعة ولكن لا يحل لها ان تتزوج حتى
تغسل ذلك الموضع احتياطا لأن الماء لم يصل إلى ذلك الموضع من حيث الظاهر (قال)
ولو تركت المضمضة والاستنشاق في الاغتسال لا تنقطع الرجعة عند أبي يوسف رحمه
الله تعالى لبقاء عضو كامل وتنقطع عند محمد رحمه الله احتياطا لشبهة اختلاف العلماء رحمهم
الله تعالى فان من الناس من يقول المضمضة والاستنشاق في الاغتسال سنة فكان الاحتياط
في قطع الرجعة (قال) وإذا لم تقدر على الماء بعد ما طهرت وأيامها دون العشرة فتيممت
وصلت مكتوبة أو تطوعا فقد انقطعت الرجعة لأنا حكمنا بطهارتها حين جوزنا صلاتها
بالتيمم فهو بمنزلة ما لو مضى عليها وقت صلاة وهناك تنقطع الرجعة فهنا كذلك فان
وجدت الماء بعد هذا اغتسلت ولم يعد حق الرجعة لان صلاتها تلك بقيت مجزئة وهذا
بخلاف ما إذا عاودها الدم لان بمعاودة الدم تبين أن الانقطاع لم يكن طهرا وبوجود الماء
لا يتبين ذلك فاما إذا تيممت ولم تصل فللزوج عليها حق الرجعة في قول أبي حنيفة وأبى
يوسف رحمهما الله استحسانا وفي قول محمد رحمه الله تعالى قد انقطعت الرجعة وهو القياس
لان التيمم عند عدم الماء ينزل منزلة الاغتسال عند وجود الماء فيما يبنى أمره على الاحتياط
بدليل حل أداء الصلاة لها وحل دخول المسجد وقراءة القرآن ومس المصحف والحكم
28

بسقوط الرجعة يؤخذ فيه بالاحتياط لا يرى أنها لو اغتسلت وبقي على بدنها لمعة تنقطع
الرجعة عنها احتياطا وإن لم يحل لها أداء الصلاة فهنا أولى وكذلك لو اغتسلت بسؤر الحمار
ولم تجد غيره تنقطع الرجعة احتياطا ولم يحل لها أداء الصلاة في هذين الموضعين فهنا أولى
أن تنقطع الرجعة وقد حل لها أداء الصلاة وهذا لان التيمم طهارة عند عدم الماء قال الله تعالى
ولكن يريد ليطهركم فإذا أتت به لم تبق مخاطبة بالتطهير فتنقطع الرجعة كالنصرانية تحت
مسلم إذا انقطع دمها من الحيضة الثالثة انقطعت الرجعة بنفس الانقطاع لأنها غير مخاطبة
بالتطهير وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا التيمم طهارة ضعيفة فلا تنقطع به
الرجعة كنفس الانقطاع وبيانه أنه لا يرفع الحدث بيقين حتى أن المتيمم إذا وجد الماء كان
محدثا بالحدث السابق ولأنه في الحقيقة تلويث وتغيير وهذا ضد التطهير وإنما جعل طهارة
حكما لضرورة الحاجة إلى أداء الصلاة لأنها مؤقتة والثابت بالضرورة لا يعدو موضع
الضرورة فكان طهارة في حكم الصلاة وفيما هو من توابع الصلاة خاصة كدخول المسجد
وقراءة القرآن ومس المصحف ولا ضرورة في حكم الرجعة فكان التيمم في حكم الرجعة عند
عدم الماء كهو عند وجود الماء توضيحه أن التيمم مشروع لمقصود وهو أداء الصلاة لا رفع
الحدث به ولهذا لا يؤمر به قبل دخول الوقت وفى الوقت أيضا ينتظر آخر الوقت وما كان
مشروعا لمقصود فقيل انضمام ذلك المقصود إليه كان ضعيفا فلا يزول به الملك كشهادة
الشاهدين على الطلاق لما كان المقصود هو قضاء القاضي به فما لم ينضم إليه القضاء لا يكون
مزيلا للملك وهذا بخلاف ما إذا بقي على بدنها لمعة لان قطع الرجعة هناك لتوهم وصول
الماء إلى ذلك الموضع وسرعة الجفاف فكانت طهارة قوية في نفسها والاغتسال بسؤر الحمار
كذلك فإنها طهارة قوية لكونها اغتسالا بالماء ولكنها تؤمر بضم التيمم إلى ذلك في حكم حل
الصلاة احتياطا لاشتباه الأدلة في طهارة الماء وقد كان الأصل فيه الطهارة ولهذا لو اغتسلت
به مع وجود ماء آخر تنقطع الرجعة أيضا لكونها طهارة قوية وإذا ثبت أن الطهارة قوية
جاء موضع الاحتياط فقلنا بأنه تنقطع الرجعة احتياطا ولا تحل للأزواج حتى تغتسل بماء آخر
أو تتيمم وتصلى لاحتمال نجاسة ذلك الماء احتياطا وهذا بخلاف النصرانية فإنه ليس عليها
اغتسال أصلا فكان نفس الانقطاع كطهارة قوية في نفسها وهنا الاغتسال واجب عليها بعد
التيمم وإنما تعذر للعجز ولم يذكر في الكتاب ما إذا تيممت وشرعت في الصلاة والصحيح عند
29

أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى أن الرجعة لا تنقطع ما لم تفرغ من الصلاة لان
الحال بعد شروعها في الصلاة كالحال قبله ألا ترى أنها إذا رأت الماء لا يبقى لتيممها أثر بخلاف
ما بعد الفراغ فإنها وان رأت الماء تبقى صلاتها مجزئة وتأويل قول ابن مسعود رضي الله
تعالى عنه الزوج أحق برجعتها ما لم تحل الصلاة لها وحل الصلاة بالاغتسال فإنه صح من
مذهبه أنه كأن لا يرى التيمم للجنب والحائض وإن لم يجد الماء شهرا والله سبحانه وتعالى
أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب العدة وخروج المرأة من بيتها) *
قد بينا عدة ذات القروء والآيسة والصغيرة إذا كانت حرة أو أمة فاما عدة الوفاة فإنها لا تجب
إلا عن نكاح صحيح ويستوى فيه المدخول بها وغير المدخول بها صغيرة كانت أو كبيرة حتى
إذا كانت حرة مسلمة أو كتابية تحت مسلم فعدتها ما قال الله تعالى والذين يتوفون منكم
ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا وقوله ويذرون أزواجا بيان انها
لا تجب الا بنكاح صحيح لان اسم الزوجية مطلقا لا يكون الا بعد صحة النكاح ويستوى
في هذا الاسم المدخول بها وغير المدخول بها وهذا لأن العدة محض حق النكاح لان
النكاح بالموت ينتهى فإنه يعقد للعمر ومضى مدة العمر ينهيه فتجب العدة حقا من حقوقه
وبين السلف رحمهم الله فيه خلاف في أربعة فصول (أحدهما) أن منهم من يقول لها عدتان
الأطول وهو الحول والأقصر وهو أربعة أشهر وعشرا كما قال الله تعالى وصية لأزواجهم
متاعا إلى الحول غير اخراج فان خرجن أي بعد أربعة أشهر وعشرا فلا جناح عليكم ففي هذا
بيان ان العدة الكاملة هو الحول وان الاكتفاء بأربعة أشهر وعشرا رخصة لها ولكنا نقول
هذه الآية منسوخة وهذا حكم كان في الابتداء ان على الزوج أن يوصى لها بالنفقة
والسكنى إلى الحول وقد انتسخ بقوله تعالى يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا
والدليل عليه ما روى أن المتوفى عنها زوجها لما جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
تستأذنه في الاكتحال قال صلى الله عليه وسلم كانت إحداكن في الجاهلية إذا توفى عنها
زوجها قعدت في شر أحلاسها حولا ثم خرجت فرمت كلبة ببعرة أفلا أربعة أشهر وعشرا
(والثاني) أن المعتبر عشرة أيام وعشر ليال من الشهر الخامس عندنا وعن عبد الله بن عمرو بن
30

العاص رضي الله عنهما انه كأن يقول عشر ليال وتسعة أيام حتى يجوز لها أن تتزوج في اليوم العاشر
لظاهر قوله تعالى وعشرا فان جمع المؤنث يذكر وجمع المذكر يؤنث فيقال عشرة أيام
وعشر ليال فلما قال هنا وعشرا عرفنا أن المراد الليالي ولكنا نقول هو كذلك إلا أن
ذكر أحد العددين من الأيام والليالي بعبارة الجمع يقتضى دخول ما بإزائه من العدد الآخر
وقد بينا هذا في باب الاعتكاف (والثالث) أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا فعدتها
أن تضع حملها عندنا وهو قول ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما وكان علي رضي الله عنه
يقول تعتد بأبعد الأجلين اما بوضع الحمل أو بأربعة أشهر وعشرا لان قوله تعالى وأولات
الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن يوجب عليها العدة بوضع الحمل وقوله تعالى يتربصن
بأنفسهن يوجب عليها الاعتداد بأربعة أشهر وعشرا فيجمع بينهما احتياطا ولو وضعت قبل
أربعة أشهر وعشرا فليس لها أن تتزوج لان أمر العدة مبنى على الاحتياط ولكن قد
صح عن ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما أن قوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن قاضية
على قوله تعالى يتربصن بأنفسهن حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه من شاء باهلته
ان سورة النساء القصوى وأولات الأحمال أجلهن نزلت بعد قوله أربعة أشهر وعشرا
التي في سورة البقرة وقال عمر رضي الله عنه لو وضعت ما في بطنها وزوجها على
سريره لانقضت عدتها والدليل عليه حديث سبيعة بنت الحارث الأسلمية رضى الله تعالى
عنها فإنها وضعت ما في بطنها بعد موت الزوج بتسعة أيام فسألت أبا السنابل بن بعكك هل
لها أن تتزوج فقال لا حتى يبلغ الكتاب أجله فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأخبرته بما قال أبو السنابل فقال صلى الله عليه وسلم كذب أبو السنابل فقد بلغ الكتاب
أجله إذا أردت النكاح فادأبي وإنما اشتبه على علي رضى تعالى عنه لان بوضع الحمل يتبين
براءة الرحم وفى التربص بأربعة أشهر وعشرا لا عبرة بشغل الرحم حتى تستوى فيها الصغيرة
والكبيرة بخلاف عدة الطلاق ولكنا نقول أصل العدة مشروع لبراءة الحرم وتمام ذلك
بوضع الحمل ففي حق الحامل لا يعتبر شئ آخر بأي سبب وجبت عليها العدة (والرابع)
ان عدة الوفاة معتبرة من وقت موت الزوج عندنا وهو قول ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنه
ما وكان علي رضي الله عنه يقول من حين تعلم بموته حتى إذا مات الزوج في السفر فأتاها
الخبر بعد مضى مدة العدة عند علي رضى تعالى الله عنه يلزمها عدة مستأنفة لان عليها الحداد
31

في عدة الوفاة ولا يمكنها إقامة سنة الحداد الا بعد العلم بموته ولأن هذه العدة تجب بطريق
العبادة فلا بد من علمها بالسبب لتكون مؤدية للعبادة ولكنا نقول العدة مجرد مضي المدة
وذلك يتحقق بدون علمها فهو وعدة الطلاق سواء وأكثر ما في الباب أنها لم تقم سنة
الحداد ولكن ذلك لا يمنع من انقضاء العدة كما لو كانت عالمة بموت الزوج ومعني العبادة
في العدة تبع لا مقصود الا تري انها تجب على الكتابية تحت المسلم وهي لا تخاطب
بالعبادات (قال) والمتوفي عنها زوجها إذا كانت أمة أو مكاتبة أو مدبرة أو أم ولد فإن كان
ت حائلا فعدتها شهران وخمسة أيام لان الرق منصف للعدة كما بينا وان كانت حاملا
فعدتها ان تضع حملها لان مدة الحبل لا تحتمل التنصيف فان شيئا من المقصود وهو براءة
الرحم لا يحصل قبل وضع الحمل (قال) ولا ينبغي للمطلقة ثلاثا أو واحدة بائنة أو رجعية
ان تخرج من منزلها ليلا ولا نهارا حتى تنقضي عدتها لقوله تعالى ولا يخرجن الا ان يأتين
بفاحشة مبينة قال إبراهيم رضي الله عنه الفاحشة خروجها من بيتها وبه أخذ أبو حنيفة رحمه
الله تعالى وقال ابن مسعود رضي الله عنه الفاحشة أن تزني فتخرج لإقامة الحد وبه أخذ
أبو يوسف رحمه الله تعالى وقال ابن عباس رضي الله عنه الفاحشة نشوزها وأن تكون
بذيئة اللسان تبذو على أحماء زوجها وما قاله ابن مسعود رضي الله عنه هو الأصح فإنه جعل
الفاحشة غاية والشئ لا يجعل غاية لنفسه وما ذكره إبراهيم محتمل أيضا والمعنى أن يكون
خروجها فاحشة كما يقال لا يسب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون كافرا ولا يزنى
إلا أن يكون فاسقا وعلى هذا لا تخرج لسفر الحج ولا لغيره لان الامتناع من الخروج
موقت بالعدة يفوت بمضيها والخروج للحج لا يفوتها فتقدم ما يفوت على ما لا يفوت وأما
المتوفى عنها زوجها فلها أن تخرج بالنهار لحوائجها ولكنها لا تبيت في غير منزلها لما روى أن
فريعة بنت مالك بن أبي سنان أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنه جاءت إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها تستأذنه أن تعتد في بنى خدرة فقال صلى الله عليه
وسلم امكثي في بيتك حتى تنقضي عدتك ولم ينكر عليها خروجها للاستفتاء وعن علقمة
رضى الله تعالى عنه أن اللاتي توفى عنهن أزواجهن شكون إلى ابن مسعود رضى الله تعالى
عنه الوحشة فرخص لهن أن يتزاورن بالنهار ولا يبتن في غير منازلهن والمعنى فيه أنه
لا نفقة في هذه العدة على زوجها فهي تحتاج إلى الخروج لحوائجها في النهار وتحصيل
32

ما تنفق على نفسها بخلاف المطلقة فإنها مكفية المؤنة ونفقتها على زوجها على أن وجه وقعت
الفرقة بالطلاق فلا حاجة إلى الخروج وان كانت أبرأت زوجها في الخلع فهي التي أضرت
بنفسها فلا يعتبر ذلك وذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أن للمتوفى عنها زوجها
أن تبيت في غير منزلها أقل من نصف الليل وهذا صحيح لان المحرم عليها البيتوتة في غير
منزلها والبيتوتة في جميعها أو أكثرها (قال) وان كانت مدبرة أو أم ولد أو أمة مكاتبة
فلها أن تخرج في عدة الطلاق والوفاة جميعا لأنها ما كانت ممنوعة عن الخروج في حال النكاح
والمنع في العدة على ذلك ينبني وهذا لان خدمتها حق مولاها والمنع عن الخروج اما لحق
الشرع أو لحق الزوج وحق المولى في الخدمة مقدم على ذلك كله والمكاتبة إنما تخرج
للاكتساب وفي كسبها حق المولى اما أن يستوفى منه بدل الكتابة أو يخلص له إذا عجزت
والمستسعاة كالمكاتبة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وكذلك الكتابية تحت مسلم اما في
الطلاق الرجعي للزوج أن يمنعها من الخروج لقيام النكاح بينهما وأما في الطلاق البائن
فان منعها الزوج عن الخروج فله ذلك تحصينا لمائه ولكيلا تلحق به نسبا ليس منه وهو معني
قوله تعالى لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا أي ولدا وأما إذا كأن لا يمنعها الزوج فلها
أن تخرج وكذلك في عدة الوفاة لها أن تبيت في غير منزلها لان المنع لحق الشرع وهي
لا تخاطب بذلك واليه أشار فقال لان ما فيها من الشرك أعظم من الخروج في العدة وان
كانت صبية فلها أن تخرج لأنها لا تخاطب بما هو أعظم من هذا من حقوق الشرع كالصلوات
والحدود وليس للزوج أن يمنعها في الطلاق البائن لأنه لم يبق له عليها ملك ولا يتوهم الحبل
قالوا إلا أن تكون مراهقة يتوهم أن تحبل فحينئذ هي كالكتابية فاما في الطلاق الرجعي هي
لا تخرج الا باذن الزوج لبقاء ملك النكاح له عليها (قال) وإذا كانت المرأة مع زوجها في
منزل مكرا فطلقها فالكراء على زوجها حتى تنقضي عدتها لان السكنى عليه والكراء مؤنة
السكنى فتكون عليه كما في حال قيام النكاح فان أخرجها أهل المنزل فهي في سعة من
التحول لان الحق لهم في منزلهم وهي لا تقدر على المقام مع الاخراج فيكون ذلك عذرا لها
في التحول كما إذا انهدم المنزل فاما في عدة الوفاة أجر المنزل عليها لأنها لا تستوجب على
زوجها السكني كما لا تستوجب النفقة فان مكنها أهل المنزل من المقام بكراء وهي تقدر على
ذلك فعليها ان تسكن وان كانت لا تجد ذلك فهي في سعة من التحول لان سكناها في ذلك
33

المنزل حق الشرع فإذا قدرت عليه بعوض لزمها كالمسافر إذا وجد الماء بثمن مثله فإن كان عنده
الثمن فليس له ان يتيمم وإن لم يكن عنده الثمن فله ان يتيمم وكذلك أن كان زوج المطلقة غائبا
فاخذها أهل المنزل بكراء فعليها ان تعطي الاجر وتسكن إذا كانت تقدر على ذلك وان
كانت في منزل زوجها فمات الزوج إن كان نصيبها من ذلك يكفيها فعليها ان تسكن في
نصيبها في العدة ولا يخلو بها من ليس بمحرم لها من ورثة الزوج وإن كان نصيبها لا
يكفيها فان رضي ورثة الزوج ان تسكن فيه سكنت وان أبوا كانت في سعة من التحول
للعذر وان كانت في منزل مخوف على نفسها أو مالها وليس معها رجل كانت في سعة من
الرحلة لان المقام مع الخوف لا يمكن وفي المقام ضرر عليها في نفسها ومالها وذلك عذر في
اسقاط حق الشرع كما لو كان بينه وبين الماء سبع أو عدو ولو كانت بالسواد فدخل عليها
الخوف من سلطان أو غيره كانت في سعة من التحول إلى المصر لأنها تتمكن من إزالة
الخوف هنا بالتحول إلى المصر ولو كان زوال الخوف بالتحول من منزل إلى منزل كان لها
ان تتحول فكذلك إذا كان بالتحول من السواد إلى المصر (قال) وإذا طلقها وهي في بيت
أهلها أو غيرهم زائرة كان عليها ان تعود إلى منزل زوجها حتى تعتد فيه سواء كان زوجها
معها أو لم يكن لان الواجب عليها المقام في منزل مضاف إليها قال الله تعالى لا تخرجوهن
من بيوتهن والإضافة إليها بكونها ساكنة فيه فعرفنا أن المستحق عليها المقام في منزل
كانت ساكنة فيه إلى وقت الفرقة وهذا لان المنزل الذي هي فيه زائرة ليس بمضاف
إليها فعليها أن تعود إلى المنزل الذي كانت ساكنة فيه لتتمكن من إقامة حق الشرع
(قال) ولو سافر بها ثم طلقها فإن كان الطلاق رجعيا فهي لا تفارق زوجها لان الطلاق
الرجعي لا يقطع النكاح فأما إذا طلقها طلاقا رجعيا في منزلها فليس له أن يسافر بها قبل
الرجعة عندنا وله ذلك عند زفر رحمه الله تعالى قيل هذا بناء على أن السفر بها رجعة عند
زفر رحمه الله تعالى لأنه دليل استدامة الملك كالتقبيل والمس بشهوة وعندنا لا يكون
السفر بها رجعة لأنه غير مختص بالملك كالخلوة وقيل هي مسألة مبتدأة فهو يقول الحل
والنكاح بينهما قائم له أن يسافر بها ولكنا نقول هي معتدة والمعتدة ممنوعة من انشاء
السفر مع زوجها كما تمنع من انشاء السفر مع المحرم وربما تنقضي عدتها في الطريق فتبقى بغير
محرم ولا زوج وأما في الطلاق البائن فإن كان بينها وبين مقصدها دون مسيرة سفر وبينها
34

وبين منزلها كذلك فعليها أن ترجع إلى منزلها لأنها كما رجعت تصير مقيمة وإذا مضت
تكون مسافرة ما لم تصل إلى المقصد فإذا قدرت على الامتناع من استدامة السفر في العدة
تعين عليها ذلك وإن كان بينها وبين مقصدها دون مسيرة سفر وبينها وبين منزلها مسيرة
سفر مضت إلى مقصدها ولم ترجع لأنها إذا مضت لا تكون منشئة سفرا ولا سائرة في
العدة مسيرة سفر وإذا رجعت تكون منشئة سفرا فلهذا مضت إلى مقصودها وإن كان
كل واحد من الجانبين مسيرة سفر فإن كان الطلاق أو موت الزوج في موضع لا نقدر
على المقام فيه كالمفازة توجهت إلى أي الجانبين شاءت سواء كان معها محرم أو لم يكن
وينبغي لها أن تختار أقرب الجانبين وهي في هذه المسألة كالتي أسلمت في دار الحرب لها أن
تهاجر إلى دارنا من غير محرم لأنها خائفة على نفسها ودينها فهذه في المفازة كذلك فأما إذا
كانت في مصر أو قرية تقدر على المقام فيه فليس لها أن تخرج عند أبي حنيفة رحمه الله
تعالى حتى تنقضي عدتها وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إن لم يكن معها محرم
فكذلك وإن كان معها محرم فلها أن تخرج إلى أي الجانبين شاءت لأنها غريبة في هذا
الموضع والغريب يؤذى ويقصد بالجفاء ومن يصبر على الأذى فكانت مضطرة إلى الخروج
فلها أن تخرج إلى أي الجانبين شاءت كما لو كانت في المفازة إلا أن هذا من وجه إنشاء سفر
فيعتبر فيه المحرم بخلاف تلك المسألة ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى طريقان (أحدهما) أنها إلى
الآن كانت تابعة للزوج في السفر ألا ترى أن المعتبر نيه الزوج في السفر والإقامة لا نيتها
وقد زال ذلك فتكون هي منشئة سفرا من موضع أمن وغياث والعدة تمنعها من ذلك كما
لو كانت في منزلها بخلاف المفازة فإنها ليست بموضع الإقامة فلا تكون هي في التحول
منشئة سفرا وقالوا على هذا الطريق إذا كانت سافرت مع المحرم بغير زوج فأتاها خبر
موت الزوج أو الطلاق لا يكون عليها عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى المقام فيه لأنها ماضية
على سفرها لا منشئة (والطريق الآخر) ان تأثير العدة في المنع من الخروج أكثر من عدم
المحرم ألا ترى ان للمرأة أن تخرج من غير المحرم ما دون مسيرة السفر وليس لها ان تخرج
من منزلها في عدتها دون مدة السفر ثم فقد المحرم هنا يمنعها من الخروج بالاتفاق فلان
تمنعها العدة من الخروج وانها ليست في موضع مخوف أولى بخلاف ما إذا كانت في المفازة
فان فقد المحرم هناك لا يمنعها من الخروج لأنها ليست في موضع القرار فكذلك العدة حتى
35

لو وصلت إلى مصر أو قرية لم يكن لها ان تخرج بعد ذلك عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
(قال) وللمعتدة ان تخرج من بيتها إلى الدار وتبيت في أي بيوت الدار شاءت لان جميع
الدار منزل واحد وعليها ان تبيت في منزلها وذلك موجود في أي بيت باتت وبالخروج
إلى صحن الدار لا تصير خارجة من منزلها الا ترى أنها في حال بقاء النكاح ليس للزوج ان
يمنعها من ذلك إلا أن يكون في الدار منازل غيرهم فحينئذ لا تخرج إلى تلك المنازل لان صحن
الدار هنا بمنزلة السكة وبالوصول إليه تصير خارجة من منزلها وهي ممنوعة من ذلك في العدة
(قال) وإذا طلقها طلاقا بائنا وليس له الا بيت واحد فينبغي ان يجعل بينه وبينها سترا
وحجابا لأنه ممنوع من الخلوة بها بعد ارتفاع النكاح فيتخذ بينه وبينها سترة حتى يكون
في حكم بيتين وكذلك في الوفاة إذا كان له أولاد رجال من غيرها فإذا هم وسعوا عليها
وخرجوا عنها أو ستروا بينهم وبينها حجابا فلتقم حتى تنقضي عدتها وان أبوان يفعلوا ذلك
فلتنتقل معناه إذا أخرجوها وكان نصيبها لا يكفيها أو كانت تخاف على نفسها منهم فإذا لم
يكن بهذه الصفة فلا بأس بان تقيم معهم لان أولاده محرم لها إلا أن يكون من ورثته من
ليس بمحرم لها (قال) بلغنا أن علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه نقل أم كلثوم حين قتل
عمر رضي الله تعالى عنه لأنها كانت في دار الامارة وروى أن عائشة رضى الله تعالى عنها
نقلت أختها أم كلثوم حين قتل طلحة بن عبيد الله رضى الله تعالى عنه (قال) وإذا انهدم
منزل المطلقة أو المتوفى عنها زوجها فهي في سعة من التحول إلى أي موضع شاءت لان
المقام في المنزل المهدوم غير ممكن فكان ذلك عذرا في التحول والتدبير في اختيار المنزل إليها
بعد زوال الملك عنها الا في الطلاق الرجعي فان التدبير إلى الزوج في اختيار المنزل فله أن
ينقلها حيث أحب وكذلك في الطلاق البائن إذا كان الزوج حاضرا وأراد أن ينقلها إلى منزل
آخر عند العذر فالخيار في ذلك إليه لان ملك اليد له عليها باق ما دامت في العدة والسكنى
والنفقة عليه فكان له أن يحصنها حتى لا تلحق به ما يكره وإنما الاختيار إليها إذا كان الزوج
ميتا أو غائبا عند تحقق العذر (قال) ولا ينبغي للمعتدة أن تحج ولا تسافر مع محرم وغير
محرم على ما مر وفي الكتاب قال بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه انه رد المتوفى
عنها زوجها من ذي الحليفة وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه انه ردهن من قصر
النجف وكن قد خرجن حاجات فدل ان المعتدة تمنع من ذلك (قال) وإذا طلقت الأمة
36

تطليقة رجعية ثم أعتقت صارت عدتها عدة الحرة وإن كان الطلاق بائنا لم تنتقل عدتها من
عدة الإماء إلى عدة الحرائر وعند مالك لا تنتقل عدتها إلي عدة الحرائر في الوجهين جميعا وهو
أحد قولي الشافعي وفي القول الآخر قال تنتقل عدتها في الوجهين وجه قول مالك ان ما
يختلف بالرق والحرية يكون المعتبر فيه حال تقرر الوجوب كالحدود وهكذا يقول الشافعي
رحمه الله تعالى في أحد القولين بناء على أصله أن الطلاق الرجعي يرفع الحل فالعتق بعده
لا يؤثر في الحل فلا تتغير العدة كما بعد البينونة وحجتنا في ذلك أن ملك النكاح يختلف
بالحرية والرق لتنصف الحل بسبب الرق وقد بيناه في كتاب النكاح ثم الطلاق الرجعي
لا يزيل ملك النكاح فإذا أعتقت كمل ملك النكاح عليها بكمال حالها بعد العتق والعدة في
الملك الكامل تتقدر بثلاث حيض فأما بعد البينونة فقد زال الملك فلا يتكامل بالعتق الملك
الزائل عن الحل توضيحه أن العدة بعد الطلاق الرجعي بعرض التغير حتى تتغير بموت
الزوج من الأقراء إلى الشهور بعد موته فكذلك بعتقها تتغير إلى ثلاث حيض فأما بعد
ما بانت في الصحة فلا تتغير من الأقراء إلى الأشهر بعد موته فكذلك لا تتغير بعتقها توضيحه
أن زوال الملك بعد الطلاق الرجعي بانقضاء العدة فلا يزول الملك عن الحرة الا بثلاث
حيض بخلاف ما بعد البينونة وبخلاف الحدود فإنها مبنية على الدرء والاسقاط والعدة
مأخوذ فيها بالاحتياط وسائر وجوه الفرقة كالطلاق في هذا وكذلك في عدة الوفاة لان
الملك هناك يزول بالموت ومذهبنا في الفصلين مروى عن النخعي والشعبي رحمهما الله تعالى
(قال) وإذا مات زوج أم الولد عنها ومولاها ولا يعلم أيهما مات أولا وبين موتيهما
أقل من شهرين وخمسة أيام فعليها أربعة أشهر وعشرا من آخرهما موتا احتياطا ولا معتبر
بالحيض فيها لأنا تيقنا انه له ليس عليها العدة بالحيض فان المولى لو مات أولا فقد مات
وهي منكوحة الغير فلا عدة عليها منه لان وجوب العدة من المولى بزوال فراشه عنها
ولا فراش للمولى عليها هنا فان مات المولى آخرا فقد مات وهي معتدة من الزوج فلم
تكن فراشا للمولى أيضا ولكن من وجه عليها شهران وخمسة أيام وهو ما إذا مات الزوج
أولا ومن وجه عليها أربعة أشهر وعشرا وهو ما إذا مات الزوج أخرا فقلنا تعتد بأربعة
أشهر وعشرا احتياطا وان اعلم أن بين موتيهما شهرين وخمسه أيام أو أكثر فعدتها أربعة
أشهر وعشرا تستكمل فيها ثلاث حيض لأنه ان مات الزوج أولا قد انقضت عدتها
37

بشهرين وخمسة أيام ثم مات الولي فعليها العدة بثلاث حيض لأنه مات بعد ما صارت فراشا
وان مات المولى أولا فقد عتقت بموته ثم عليها بموت الزوج أربعة أشهر وعشرا والعدة
يؤخذ فيها بالاحتياط فلهذا جمعنا بين العدتين فأما إذا لم يعلم ما بين موتيهما ولا أيهما مات
أولا فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى عليها أربعة أشهر وعشرا لا حيض فيها وعندهما
تستكمل فيها ثلاث حيض لأنه يحتمل أن يكون الزوج مات أولا ثم مات المولى بعد
ما مات الزوج بعد شهرين وخمسة أيام وفي العدة معنى العبادة فالوجه الواحد يكفي لوجوبها
للاحتياط وهو نظير مسائل العقد إذا تزوج أربعا في عقدة وثلاثا في عقدة واثنتين في
عقدة ثم مات قبل البيان وجب على كل واحدة منهن عدة الوفاة احتياطا وأبو حنيفة
رحمه الله تعالى يقول سبب وجوب العدة بالحيض لم يوجد وهو زوال فراش المولى عنها
والاحتياط إنما يكون بعد ظهور السبب وبيانه انه إذا مات المولى أولا فقد مات وهي
منكوحة الزوج وان مات آخرا فقد مات وهي معتدة من الزوج وأما قولهما ان مضى
الشهرين وخمسة أيام بين الموتين محتمل قلنا نعم ولكن مضي هذه المدة بين الموتين ليس
بعدة حتى يؤخذ فيها بالاحتياط ولا سبب لوجوب العدة فلا يقدر به عند التردد مع أن
كل أمرين ظهرا ولا يعرف التاريخ بينهما يجعل كأنهما حصلا معا فيجعل كأنهما ماتا معا
كالغرقى والحرقى والهدمى لا يرث بعضهم بعضا ولان هنا أحوالا ثلاثة ان مات المولى
أولا فهناك نكاح يمنع وجوب العدة بالحيض وان مات الزوج أولا ثم مات المولى بعده قبل
شهرين وخمسه أيام فهناك عدة تمنع وجوب العدة بالحيض وإن كان بعد شهرين وخمسة أيام
فحينئذ تجب العدة بالحيض والحالة الواحدة لا تعارض الحالتين وهذا بخلاف العقد لان
هناك في حق كل امرأة حالتان إما حال صحة النكاح أو حال فساده والتعارض يقع بين
الحالتين فلهذا يؤخذ بالاحتياط هناك وكذلك إذا علم أن بين الموتين شهرين وخمسة أيام فهنا
حالتان اما العدة بالأشهر من الزوج أو بالحيض من المولى فلتعارض الحالتين أخذنا
بالاحتياط (قال) وكذلك لو كان الزوج طلقها تطليقة رجعية في هذه الوجوه لان الطلاق
الرجعي لا يزيل ملك النكاح فهو وما تقدم سواء ولا ميراث لها من الزوج لأنه ان مات
الزوج أولا فقد مات وهي أمة والأمة لا ترث من الحر شيئا وان مات المولى أولا ترث
والإرث بالشك لا يثبت وشرط ارثها منه أن تكون حرة عند موته فما لم يتيقن بذلك
38

الشرط لا ترث منه (قال) وإذا طلق الرجل امرأته طلاق الرجعة ثم مات عنها بطلت عدة
الطلاق عنها ولزمها عدة الوفاة لان النكاح قائم بينهما بعد الطلاق الرجعي فكان منتهيا
بالموت وانتهاء النكاح بالموت يلزمها عدة الوفاة ولأن العدة بعد الطلاق الرجعي بالحيض
ليزول الملك بها وقد زال بالموت فعليها العدة التي هي من حقوق النكاح وهي عدة الوفاة
وان كانت بائنة عنه في الصحة بوجه من الوجوه لم تنتقل عدتها إلى عدة الوفاة لان النكاح
ما انتهى بالوفاة هنا وهو السبب الموجب لعدة الوفاة لان الله تعالى قال ويذرون أزواجا
وهذه ليست بزوجة له عند وفاته حتى لا ترث منه بالزوجية شيئا فلا يلزمها عدة الوفاة أيضا
(قال) وإذا أتى المرأة خبر وفاة زوجها بعدما مضت مدة العدة فقد انقضت العدة لما قلنا إن
المعتبر وقت موته لا وقت علمها به وان شكت في وقت وفاته اعتدت من الوقت الذي تستيقن
فيه بموته لأن العدة يؤخذ فيها بالاحتياط والاحتياط في أن يؤخذ باليقين وفى الوقت
المشكوك فيه لا يقين فلهذا لا تعتد الا من الوقت المتيقن (قال) وطلاق الأمة ثنتان
وعدتها حيضتان تحت حر كانت أو تحت عبد وطلاق الحرة ثلاث تطليقات وعدتها ثلاث
حيض تحت حر كانت أو تحت عبد وفي العدة اتفاق ان العبرة بحالها لا بحال الزوج لأنها هي
المعتدة الا ترى أنها تختلف بصغرها وكبرها وكونها حاملا أو حائلا فكذلك برقها وحريتها
فأما الطلاق بالنساء أيضا عندنا وهو قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما وعند الشافعي
رحمه الله تعالى عدد الطلاق معتبر بحال الرجل في الرق والحرية وهو مذهب عمر وزيد
رضي الله عنهما وابن عمر رضي الله عنه يعتبر بمن رق منهما حتى لا يملك عليها ثلاث تطليقات
الا إذا كانا حرين وحجتهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم الطلاق بالرجال والعدة بالنساء وفي
رواية يطلق العبد تطليقتين وتعتد الأمة بحيضتين والمعنى فيه أن الزوج هو المالك للطلاق
المتصرف فيه وثبوت الملك باعتبار حال المالك كملك اليمين الا ترى ان ما يمنع ايقاع الطلاق
وهو الصغر والجنون يعتبر وجوده في الرجل دون المرأة فكذلك ما يمنع ملك الطلاق
ولان في اعتبار عدد الطلاق اعتبار عدد النكاح لان من يملك على امرأته ثلاث تطليقات
يملك عليها ثلاث عقد ومن يملك عليها تطليقتين يملك عليها عقدتين والمعتبر حال الزوج في
ملك العقد ألا ترى أن الحر يتزوج أربع نسوة والعبد لا يتزوج الا اثنتين وأصحابنا رحمهم الله
استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان فقد جمع بين الطلاق
39

والعدة وما روى أن الطلاق بالرجال قيل إنه كلام زيد رضى الله تعالى عنه لا يثبت مرفوعا
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل معناه ايقاع الطلاق بالرجال وما روى يطلق
العبد اثنين فليس فيه أنه لا يطلق الثالثة أو معناه إذا كانت تحته أمة وإنما قاله بناء على ظاهر
الحال واعتبار الكفاءة في النكاح ولأنه صلى الله عليه وسلم قابل الطلاق بالعدة والمقابلة
تقتضي التسوية وبالاتفاق في العدة والمعتبر حالها فكذلك في الطلاق ومن ملك على امرأته
عددا من الطلاق بملك ايقاعه في أول أوقات السنة وبهذا أفحم عيسى بن ابان الشافعي رضي الله عنه
فقال أيها الفقيه ملك الحر على امرأته الأمة ثلاث تطليقات كيف يطلقها في أوقات
السنة فقال يوقع عليها واحدة فإذا حاضت وطهرت أوقع عليها أخرى فلما ان أراد أن يقول
فإذا حاضت وطهرت قال حسبك فان عدتها قد انقضت فلما تحير رجع فقال ليس في الجمع
بدعة ولا في التفريق سنة ولان الطلاق تصرف مملوك في النكاح فيستوى فيه العبد والحر
كالظهار والايلاء وهذا لان العبد يستبد بايقاع الطلاق من غير أن يحتاج فيه إلى رضا المولى
فيكون فيه مبقى على أصل الحرية كالاقرار بالقصاص وما يؤثر فيه الرق يخرج الرقيق من
أن يكون أهلا لملكه كالمال ولما بقي أهلا لملك الطلاق عرفنا أن الرق لا يؤثر فيه ولا يدخل
عليه النكاح لان الرق يؤثر فيه ولكن ملك النكاح باعتبار الحل والحل يتنصف برقه فلهذا لا
يتزوج لا اثنتين وهذا لان الحل نعمة وكرامة فيكون في حق الحر أزيد منه في حق العبد
ألا ترى أن حل رسول صلى الله عليه وسلم كان يتسع لتسع نسوة كرامة له بسبب النبوة فأما
اعتبار عدد النكاح فلا معنى فيه لان الانسان يملك على امرأته من العقد ما لا يحصى حتى لو
وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق مرارا كان له أن يتزوجها مرة بعد أخرى ما لم تحرم عليه
ولو كان معتوها فهذا دليلنا لان جميع ما يملكه الحر على النساء اثنتي عشرة عقدة فإنه يتزوج
أربع نسوة ويملك على كل واحدة ثلاث عقد فينبغي أن يملك العبد نصف ذلك وذلك ست
عقد بأن يتزوج حرتين فيملك على كل واحدة منهما ثلاث عقد كما هو مذهبنا فأما الصغر
والجنون لا يؤثر في ملك الطلاق وإنما يؤثر في المتصرف والمتصرف هو الزوج ثم هو مقابل
بصفة البدعة والسنة في الطلاق فان المعتبر فيه حالها في الحيض والطهر لا حال الرجل (قال)
وإذا طلق الرجل امرأته في حالة الحيض لم يعتد بتلك الحيضة من عدتها قال ابن عباس
رضى الله تعالى عنه وشريح وإبراهيم رحمهما الله تعالى وهذا لان الحيضة الواحدة لا تتجزى
40

وما سبق الطلاق منها لم يكن محسوبا من العدة فيمنع ذلك الاحتساب بما بقي ولو احتسب
بما بقي وجب اكمالها بالحيضة الرابعة لان الاعتداد بثلاث حيض كوامل فإذا وجب جزء
من الحيضة الرابعة وجب كلها (قال) ولو اعتدت المرأة بحيضتين ثم أيست فعليها
استئناف العدة بالشهور وقد بينا هذا وفيه اشكال فان بناء البدل على الأصل يجوز كالمصلى
إذا سبقه الحدث فلم يجد ماء يتيمم ويبني وإذا عجز عن الركوع والسجود يومئ ويبنى
ولكنا نقول الصلاة بالتيمم ليست ببدل عن الصلاة بالوضوء إنما البدلية في الطهارة ولا
تكمل إحداهما بالأخرى قط وكذلك الصلاة بالايماء ليست ببدل عن الصلاة بالركوع
والسجود فاما العدة بالأشهر فهي بدل عن العدة بالحيض واكمال البدل بالأصل غير ممكن
ثم قال إذا أيست من الحيض فاعتدت شهرا أو شهرين ثم حاضت اعتدت بالحيض وهذا
يجوز في العبادة فإنها بعد ما أيست لا تحيض وإنما كان ذلك معجزة لنبي من الأنبياء عليهم
السلام ولكنها حين حاضت تبين انها لم تكن آيسة وإنما كان ممتدة طهرها فلها تعتبر ما مضى
من الحيض قبل أيامها إذا حاضت (قال) وإذا ولدت المعتدة وفى بطنها ولد آخر لم تنقض
عدتها حتى تلد الآخر هكذا نقل عن علي وابن عباس والشعبي رضي الله عنهم وهذا لان
الله تعالى قال إن يضعن حملهن وذلك اسم لجميع ما في بطنها ولان المقصود هو العلم بفراغ الرحم
ولا يحصل ذلك ما لم تضع جميع ما في بطنها (قال) وإذا تزوجت المرأة المعتدة من الطلاق
برجل ودخل بها ففرق بينهما فعليها عدة واحدة من الأول والآخر ثلاث حيض وهو
مذهبنا لان العدتين إذا وجبتا يتداخلان وينقضيان بمضي مدة واحدة إذا كانتا من جنس
واحد وهو قول معاذ بن جبل رضي الله عنه وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يتداخلان
ولكنها تعتد بثلاث حيض من الأول ثم بثلاث حيض من الثاني فإن كانت العدتان من
واحد بأن وطئ معتدته بعد البينونة بالشبهة فلا شك عندنا أنهما ينقضيان بمدة واحدة وهو
أحد قول الشافعي رحمه الله تعالى وفى القول الآخر يقول لا تجب العدة بسبب الثاني أصلا
وحجته في ذلك أنهما حقان وحبا لمستحقين فلا يتداخلان كالمهرين ولأن العدة فرض كف
لزمها في المدة ولا يجتمع الكفان في مدة واحدة كصومين في يوم واحد وهذا هو الحرف
الذي يدور عليه الكلام فان المعتبر عنده معنى العبادة في العدة لأنه كف عن الأزواج
والخروج فتكون عبادة كالكف عن اقتضاء الشهوات في الصوم وأداء العبادتين في وقت
41

واحد لا يتصور ولو جاز القول بالتداخل في العدة لكان الأولى أقراء عدة واحدة فينبغي أن
يكتفي بقرء واحد لان المقصود يحصل وهو العلم بفراغ الرحم وحجتنا في ذلك أن العدة
بمجرد أجل والآجال تنقضي بمدة واحدة في حق الواحد والجماعة كآجال الديون وبيانه ان
الله سبحانه وتعالى سمى العدة أجلا فقال عز وجل أجلهن أن يضعن حملهن وسماه تربصا
والتربص هو الانتظار والانتظار يكون سبب الاجل كالانتظار في المطالبة بالدين إلى انقضاء الأجل
ومن حيث المقصود في الاجل يحصل مقصود كل واحد من الغريمين بمدة واحدة
وهنا مقصود كل واحد من صاحبي العدة يحصل بثلاث حيض وهو العلم بفراغ رحمها من
مائة ثم معنى العبادة في العدة تبع لا مقصود وإنما ركن العدة حرمة الخروج والتزوج ألا ترى
ان الله تعالى ذكر ركن العدة بعبارة النهي فقال تعالي ولا يخرجن وقال عز وجل ولا تعزموا
عقدة النكاح وموجب النهى التحريم والحرمات تجتمع فان الصيد حرام على المحرم في الحرم
لحرمة الاحرام والحرم والخمر حرام على الصائم لصومه ولكونه خمرا وليمينه إذا حلف
لا يشربها بخلاف ركن الصوم فإنه مذكور بعبارة الامر قال الله تعالى ثم أتموا الصيام إلى
الليل فعرفنا ان الركن فيه الفعل ثم عدتها تنقضي وإن لم تعلم وتنقضي وإن لم تكف نفسها عن
الخروج والبروز ولا يتصور أداء العبارة بدون ركنها ولان بوطئ الثاني قد لزمها العدة
والشروع في العدة لا يتأخر عن حال تقرر عن سبب الوجوب وهذا لأنه لو امتنع شروعها
فيه أنما يمتنع بسبب العدة الأولى والعدة الأولى أثر النكاح وأصل النكاح لا يمنع
شروعها في العدة إذا تقرر سبب وجوبها كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة فأثرها أولى أن لا
يمنع ولأن هذه العدة لتبين فراغ الرحم وبمضي العدة الأولى يتيقن بفراغ الرحم فيستحيل
أن يكون شروعها في العدة موقوفا على التيقن بفراغ الرحم ولا معنى لما ذكره من أقراء العدة
الواحدة فان الشهور في الاجل الواحد لا تتداخل والجلدات في الحد الواحد لا تتداخل
ويتداخل الحدان وهذا لان الحيضة الواحدة لتعريف براءة الرحم والثانية لحرمة النكاح
والثالثة لفضيلة الحرية فإذا قلنا بالتداخل في أقراء عدة واحدة يفوت هذا المقصود وفى
الكتاب قال ألا ترى أنها لو كانت حاملا فوضعت حملها انقضت عدتها منهما أما إذا كانت
حاملا من الأول فقد وجب عليها كل واحدة من العدتين وهي حامل وعدة الحامل تنقضي
بوضع الحمل وان حبلت من الثاني فلا بد من القول بسقوط الأقراء إذا حبلت والعدة بعد
42

ما سقطت لا تعود فإن كانت حاضت من الأول حيضة ثم دخل بها الثاني فعليها ثلاث
حيض حيضتان تمام العدة من الأول وابتداء العدة من الثاني والحيضة الثالثة لاكمال عدة
الثاني حق لو تزوجها الثاني في هذه الحيضة جاز لان عدتها منه لا تمنع نكاحها ولا يجوز أن
يتزوجها غيره حتى تمضى هذه الحيضة وإن كان الأول طلقها تطليقة رجعية فله أن يراجعها
في الحيضتين الأوليين لان الرجعة استدامة النكاح وعدة الغير لا تمنعه من استدامة
النكاح ولكن لا يقربها حتى تنقضي عدتها من الآخر وليس له أن يراجعها في الحيضة
الثالثة لأنها بانت منه بانقضاء عدتها في حقه وليس له أن يتزوجها لأنها معتدة من غيره
وكذلك أن طلقها تطليقة بائنة فليس له أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها من الآخر كما ليس
للآخر أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها من الأول وعلى هذا لو كانت العدتان بالشهور
(قال) ولو تزوجت في عدة الوفاة ودخل الثاني بها ثم فرق بينهما فعليها بقية عدتها من
الميت تمام أربعة أشهر وعشرا وعليها ثلاث حيض من الآخر ثم تحتسب بما حاضت بعد
التفريق في الأربعة الأشهر وعشر من عدة الآخر ولا منافاة بين الشهور والحيض فتكون
شارعة في العدتين تحتسب بالمدة من العدة الأولى وبما يوجد فيها من الحيض من العدة
الثانية (قال) وإذا مات الرجل وله امرأتان وقد طلق إحداهما طلاقا بائنا ولا يعلم أيتهما
هي فعلى كل واحدة منهما أربعة أشهر وعشرا فيها ثلاث حيض احتياطا لان كل واحدة
منهما يحتمل أن تكون مطلقة وعليها العدة بالحيض ويحتمل أن تكون منكوحة وعليها
عدة الوفاة وهذا بخلاف ما إذا قال لامرأته إن لم أدخل الدار اليوم فأنت طالق ثلاثا ثم
مات بعد مضي اليوم ولا يدرى أدخل أم لم يدخل فعليها عدة الوفاة وليس عليها العدة
بالحيض لان سبب وجوب العدة بالحيض الطلاق ووقع الطلاق بوجود الشرط غير
معلوم ولا معنى للاحتياط قبل ظهور السبب وهنا وقوع الطلاق معلوم إنما الجهالة في محله
فلهذا ألزمنا كل واحدة منهما العدة بالحيض احتياطا (قال) وإذا طلق الرجل امرأته في
مرضه ثلاث أو واحدة بائنة ثم مات قبل انقضاء العدة ورثته بالفرار على ما نبين في بابه إن شاء الله
تعالى وعليها من العدة أربعة أشهر وعشرا تستكمل فيها ثلاث حيض في قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رضي الله عنه ليس عدة الوفاة لأنا
حكمنا بانقطاع النكاح بينهما بالطلاق وسبب وجوب عدة الوفاة انتهاء النكاح بالموت فإذا
43

لم يوجد لا يلزمها عدة الوفاة كما لو كان الطلاق في صحته وإنما أخذت الميراث بحكم الفرار
وذلك لا يلزمها عدة الوفاة ألا ترى أن المرتد إذا مات أو قتل على ردته ترثه زوجته المسلمة
وليس عليها عدة الوفاة لان زوال النكاح كان بردته لا بموته وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله
تعالى قالا أخذت ميراث الزوجات بالوفاة فيلزمها عدة الوفاة كما لو طلقها تطليقة رجعية
وهذا لأنا إنما أعطيناها الميراث باعتبار أن النكاح بمنزلة القائم بينهما حكما إلى وقت موته
أو باعتبار إقامة العدة مقام أصل النكاح حكما إذا لا بد من قيام السبب عند الموت لاستحقاق
الميراث والميراث لا يثبت بالشك والعدة تجب بالشك فإذا جعل في حكم الميراث النكاح
كالمنتهي بالموت حكما ففي حكم العدة أولى وسبب وجوب العدة عليها بالحيض متقرر حكما
فألزمناها الجمع بينهما وأما امرأة المرتد فقد أشار الكرخي في كتابه إلى أنه لا يلزمها عدة
الوفاة ولئن سلمنا فنقول هناك ما استحقت الميراث بالوفاة لان عند الوفاة هي مسلمة والمسلمة
لا ترث من الكافر ولكن يستند استحقاق الميراث إلى وقت الردة وبذلك السبب لزمها
العدة بالحيض ولا يلزمها عدة الوفاة وهنا استحقاق الميراث عند الموت لا عند الطلاق
فعرفنا أن النكاح قائم بينهما إلى وقت الوفاة (قال) وإذا ولدت المرأة في طلاق بائن
لأكثر من سنتين من يوم طلقها لم يكن الولد للزوج إذا أنكره وهذه المسألة تنبني على
معرفة أقل مدة الحبل وأكثرها فأقل مدة الحبل ستة أشهر لما روى أن رجلا تزوج
امرأة فولدت ولدا لستة أشهر فهم عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ان يرجمها فقال ابن
عباس رضي الله عنه اما انها لو خاصمتكم بكتاب الله تعالى لخصمتكم قال الله تعالى وحمله
وفصاله ثلاثون شهرا وقال عز وجل وفصاله في عامين فإذا ذهب للفصال عامان لم يبق
للحبل الا ستة أشهر فدرأ عثمان رضي الله عنه الحد وأثبت النسب من الزوج وهكذا روى
عن علي رضي الله عنه ولأنه ثبت بالنص ان الولد تنفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر كما ذكره
في حديث ابن مسعود رضي الله عنه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه الحديث الخ وبعد
ما تنفخ فيه الروح يتم خلقه بشهرين فيتحقق الفصال لستة أشهر مستوى الخلق فاما أكثر
مدة الحبل سنتان عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى أربع سنين لما روى أن رجلا غاب
عن امرأته سنتين ثم قدم وهي حامل فهم عمر رضي الله عنه برجمها فقال معاذ رضي الله عنه
ان يك لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في بطنها فتركها حتى ولدت ولدا قد نبتت
44

ثنيتاه يشبه أباه فلما رآه الرجل قال ابني ورب الكعبة فقال عمر رضي الله عنه أتعجز النساء
ان يلدن مثل معاذ لولا معاذ لهلك عمر رضي الله عنه فقد وضعت هذا الولد لأكثر من
سنتين ثم أثبت نسبه من الزوج وقبل أن الضحاك ولدته أمه لأربع سنين وولدته
بعدما نبتت ثنيتاه وهو يضحك فسمى ضحاكا وعبد العزيز الماجشوني رضي الله عنه
ولدته أمه لأربع سنين وهذه عادة معروفة في نساء ماجشون رضي الله عنهم انهن يلدن
لأربع سنين ولنا حديث عائشة رضي الله عنها قالت لا يبقى الولد في رحم أمه أكثر من
سنتين ولو بفلكة مغزل ومثل هذا لا يعرف بالرأي فإنما قالته سماعا من رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولان الاحكام تنبنى على العادة الظاهرة وبقاء الولد في بطن أمه أكثر من
سنتين في غاية الندرة فلا يجوز بناء الحكم عليه مع أنه لا أصل لما يحكي في هذا الباب فان
الضحاك وعبد العزيز ما كانا يعرفان ذلك من أنفسهما وكذلك غيرهما كأن لا يعرف ذلك
لان ما في الرحم لا يعلمه الا الله تعالى ولا حجة في حديث عمر رضي الله تعالى عنه لأنه إنما
أثبت النسب بالفراش القائم بينهما في الحال أو باقرار الزوج وبه نقول ويحتمل أن معني قوله
انه غاب عن امرأته سنتين أي قريبا من سنتين إذا عرفنا هذا فنقول متى كان الحل قائما
بين الزوجين يستند العلوق إلى أقرب الأوقات وهو ستة أشهر إلا أن يكون فيه اثبات
الرجعة بالشك أو ايقاع الطلاق بالشك فحينئذ يستند العلوق إلى أبعد الأوقات فان الطلاق
والرجعة لا يحكم بهما بالشك ومتى لم يكن الحل قائما بينهما يستند العلوق إلى أبعد الأوقات
للحاجة إلى اثبات النسب وهو مبنى على الاحتياط (قال) وإذا تزوج الرجل امرأة
فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا من وقت النكاح يثبت نسبه من الزوج لأنها ولدته على
فراشه لمدة حبل تام من وقت النكاح (قال) وإذا طلق الرجل امرأته بعد ما دخل بها
ثم جاءت بولد فإن كان الطلاق رجعيا فجاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الطلاق يثبت
النسب منه ولا يصير مراجعا لها بل يحكم بانقضاء عدتها لأنا نسند العلوق إلى أبعد الأوقات
وهو ما قبل الطلاق فانا لو أسندناه إلى أقرب الأوقات صار مراجعا لها والرجعة لا تثبت
بالشك وان جاءت به لأكثر من سنتين ولم تقر بانقضاء العدة ثبت النسب منه ويصير
مراجعا لها لان حمل أمرها على الصلاح واجب ما أمكن فلو جعلنا كأن الزوج وطئها في
العدة فحبلت كان فيه حمل أمرها على الصلاح ولو جعلنا كان غيره وطئها كان فيه حمل
45

أمرها على الفساد فأما إذا كان الطلاق بائنا فان جاءت بولد لأقل من سنتين من وقت
الطلاق ثبت نسبه منه باعتبار اسناد العلوق إلى ما قبل الطلاق لان ذلك ممكن وفيه حمل
أمرها على الصلاح وان جاءت به لأكثر من سنتين لا يثبت النسب من الزوج لأنا تيقنا
أن العلوق كان بعد الطلاق وسواء جعلناه من الزوج أو من غيره ففيه حمل أمرها على
الفساد فيجعل من غيره لأنا إذا جعلناه من الزوج كان فيه حمل أمر الزوج على الفساد
وهو انه أقدم على الوطئ الحرام وذلك لا يجوز من غير دليل وثبوت فراشه القائم
بسبب العدة لا يثبت نسب الولد كفراش الصبي على امرأته ثم يلزمها أن ترد نفقة ستة أشهر
في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو رواية بشر عن أبي يوسف رحمه الله تعالى
والظاهر من قول أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يلزمها رد شئ من النفقة وجه قول أبى
يوسف رحمه الله تعالى أنه لم يظهر انقضاء عدتها قبل الولادة فلا يلزمها رد شئ من النفقة
كما لو ولدت لأقل من سنتين وهذا لأنها ما دامت معتدة فهي مستحقة للنفقة وما لم يظهر
سبب الانقضاء فهي معتدة ولم يظهر للانقضاء هنا سبب سوى الولادة ولو جعلناها كأنها
وطئت بشبهة في العدة لم تسقط نفقتها وان جعلناها كأنها تزوجت بعد انقضاء العدة بزوج
آخر كان فيه حمل أمرها على الفساد من وجه وهو أنها أخذت مالا بغير حق من زوجها
مع أن فيه حكما بنكاح لم يعرف سببه وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا حمل أمرها
على الصلاح واجب ما أمكن فلو جعلنا هذا الولد من علوق في العدة كان فيه حمل أمرها
على الزنا ولو جعلنا كأن عدتها قد انقضت وتزوجت بزوج آخر وعلقت منه كان فيه حمل
أمرها على الصلاح فتعين هذا الجانب ثم تزويجها نفسها بمنزلة اقرارها بانقضاء عدتها أو
أقوى فتبين انها أخذت النفقة بعد انقضاء عدتها فعليها ردها وهذا اليقين في مقدار ستة
أشهر أدنى مدة الحمل ولا يلزمها الرد الا باليقين ولا معنى لما قال إن في ذلك حمل أمرها
على الفساد وهو أخذ المال بغير حق لان حرمة المال دون الزنا فان المال بذله يباح بالاذن
ولا يسقط احصانها بالأخذ بغير حق وبالزنا يسقط احصانها ومن ابتلى ببليتين يختار
أهونهما ولئن جعلناها كأنها وطئت بالشبهة في العدة فكذلك تسقط نفقتها أيضا لأنه بمعنى
النشوز منها حين جعلت رحمها مشغولا بماء غير الزوج ومقصود الزوج من العدة صيانة
رحمها فإذا فوتت ذلك كان أعظم من نشوزها وهروبها من بيت العدة فإذا سقطت نفقتها
46

تبين أنها أخذت بغير حق فلزمها الرد (قال) رجل قال لامرأته كلما ولدت ولدا فأنت
طالق فولدت ولدين في بطن واحد كانت طالقا بالولد الأول لوجود شرط الطلاق وهو
ولادة الولد ثم تصير معتدة فلما وضعت الولد الثاني حكمنا بانقضاء عدتها لأنها معتدة
وضعت جميع ما في بطنها والولد الذي تنقضي به العدة لا يقع به طلاق لان أوان وقوع
الطلاق ما بعد وجوب الشرط وبعد وضع الولد الثاني هي ليست في نكاحه ولا في عدته
ولو ولدت ثلاثة أولاد في بطن واحد وقعت عليها تطليقتان لان كلمة كلما تقتضي تكرر
نزول الجزء بتكرر الشرط وبولادة الولد الثاني تكرر الشرط ولا تنقضي به العدة لان
في بطنها ولدا آخر فيقع عليها تطليقة أخرى ثم بوضع الولد الثالث تنقضي عدتها ولا يقع
شئ ولو كان كل ولد في بطن على حدة فإن كان بين كل ولدين ستة أشهر حتى يعلم أنهما
ليسا بتوأمين تطلق ثلاثا وعليها ثلاث حيض لان بولادة الولد الأول وقعت عليها تطليقة
فلما ولدت الولد الثاني لستة أشهر فصاعدا عرفنا أنه من علوق حادث ويجعل ذلك من
الزوج حملا لأمرها على الصلاح فصار مراجعا لها ثم وقع عليها تطليقة ثانية لوجود
الشرط وهو ولادة الولد الثاني وكذلك حين وضعت الولد الثالث وقعت عليها تطليقة ثالثة
لوجود الشرط بعد ما صار مراجعا لها فصارت مطلقة ثلاثا وعليها العدة بثلاث حيض
(قال) ولو أن رجلا مات عن امرأته فجاءت بولد لأقل من سنتين فإن كانت أقرت
بانقضاء عدتها بمضي أربعة أشهر وعشرا ثم جاءت بولد بعد ذلك لستة أشهر فصاعدا ثم يثبت
نسبه من الزوج لأنه من علوق حادث بعد اقرارها بانقضاء العدة وحمل كلامها على الصحة
واجب ما أمكن وان كانت ادعت حبلا وولدت لأقل من سنتين يثبت النسب من الزوج
لان اسناد العلوق إلى حالة حياته ممكن وفيه حمل أمرها على الصلاح والصحة ولو لم تدع
حبلا ولم تقر بانقضاء العدة حتى جاءت بالولد لأقل من سنتين عندنا يثبت النسب منه وعلى
قول زفر إذا جاءت به لتمام عشرة أشهر وعشرة أيام من حين مات الزوج لم يثبت النسب
منه لأنه لما لم يكن الحبل ظاهرا فقد حكمنا بانقضاء عدتها بمضي أربعة أشهر وعشرا
بالنص وذلك أقوى من اقرارها بانقضاء العدة ولو أقرت بذلك ثم جاءت بولد لمدة حبل تام
لم يثبت النسب منه فكذلك هنا ولكنا نقول انقضاء عدتها بمضي أربعة أشهر وعشرا
معلق بشرط وهو أن لا تكون حاملا فان آية الحبل قاضية على آية التربص على ما بينا
47

وهذا الشرط لا يوقف عليه الا من جهتها فما لم تقر بانقضاء العدة لا يحكم بانقضائها وإنما
جاءت بالولد لمدة يتوهم أن يكون العلوق قبل موت الزوج فيثبت نسبه منه كما لو ادعت
حبلا ثم إنما يثبت النسب منه إذا كانت ولادتها معاينة أو أقر بها الورثة فأما إذا جحدوا
ذلك لم يثبت النسب منه الا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين في قول أبي حنيفة رحمه
الله تعالى وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يثبت النسب بشهادة امرأة واحدة
وهي القابلة وحجتهما في ذلك أن الولادة مما لا يطلع عليها الرجل وشهادة المرأة الواحدة
فيما لا يطلع عليه الرجال حجة تامة فكانت شهاد القابلة فيه حجة تامة ألا ترى أنه لو كان
هناك حبل ظاهر أو فراش قائم أو اقرار من الزوج بالحبل تثبت الولادة بشهادة امرأة
واحدة فكذلك هنا وهذا لان النسب والميراث لا يثبت بهذه الشهادة وإنما تثبت
ولادتها هذا الولد ثم ثبوت النسب والميراث باعتبار أن العلوق به كان في حال قيام النكاح
ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى طريقان (أحدهما) ما أشار إليه في الكتاب فقال من قبل
أنه يرث ومعني هذا الكلام أن ثبوت الميراث معلق بالنسب والموت والحكم المعلق بعلة
ذات وصفين يحال به على آخر الوصفين وجودا ولهذا لو رجع شهود النسب وقد شهدوا به
بعد الموت ضمنوا الميراث وآخر الوصفين هنا النسب فكانت هذه الشهادة قائمة على تمام
علة الإرث والميراث لا يثبت بشهادة امرأة واحدة ولأنها أجنبية للحال لأنا نتيقن بانقضاء
عدتها ونسب ولد الأجنبية لا يثبت من الأجنبي بشهادة امرأة واحدة كما لو لم يكن النكاح
بينهما ظاهرا بخلاف ما إذا كان الفراش قائما فان ثبوت النسب هناك باعتبار الفراش وإنما
تظهر الولادة بالشهادة وكذلك أن أقر الزوج بالحبل فثبوت النسب هناك باقراره وكذلك أن
كان هناك حبل ظاهر فثبوت النسب بظهور الحبل في حال قيام الفراش وإنما تظهر
الولادة بالشهادة فقط ولذلك إذا أقر الزوج بالحبل فثبوت النسب هناك باقراره وهنا
لا سبب للنسب سوى الشهادة ولا يثبت النسب بشهادة امرأة واحدة توضيحه ان شهادة
المرأة الواحدة حجة ضعيفة لان شهادة المرأة الواحدة ليست بشهادة أصلا ولهذا لو شهد
رجلان وامرأة واحدة بالمال ثم رجعوا لم تضمن المرأة شيئا وإنما جعلت حجة في
الولادة للضرورة فكانت ضعيفة في نفسها والضعيف ما لم يتأيد بمؤيد لا يجوز فصل الحكم
به كشهادة النساء في المال والمؤيد الفراش أو الحبل الظاهر أو اقرار الزوج بالحبل فان تأيدت
48

شهادتها ببعض هذه الأسباب وجب الحكم بها وإلا فلا ولو أقرت بانقضاء العدة ثم ولدت
لأقل من ستة أشهر ثبت النسب منه لأنا تيقنا انها أبطلت فيما قالت فإنها أقرت بانقضاء العدة
بالشهور وقد تبين انها كانت حاملا يومئذ فكان اقرارها باطلا (قال) ولو أن رجلا طلق
امرأته ثلاثا أو تطليقة بائنة ثم جاءت بالولد بعد الطلاق لسنتين أو أقل وشهدت امرأة على
الولادة والزوج ينكر الولادة والحبل لم يلزمه النسب في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ما لم
يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان ويلزمه النسب في قولهما بشهادة امرأة واحدة وهذا
والأول سواء لأنها للحال أجنبية منه في الوجهين ويستوى ان كانت هذه المعتدة مسلمة أو
كافرة أو أمة في هذا الحكم لان بقاء الولد في البطن لا يختلف بهذه الأوصاف (قال) ولو
كانت المرأة عند زوجها لم يطلقها فجاءت بولد وأنكر الزوج الحبل قبلت شهادة امرأة
واحدة حرة مسلمة على الولادة ويثبت النسب عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يقبل
الا شهادة أربع نسوة لان الأصل في الشهادة ان الحجة لا تتم الا بشهادة رجلين والمرأتان
تقومان مقام رجل واحد في باب الشهادة بالنص حتى أن المال لا يثبت الا شهادة رجل وامرأتين
وقد تعذر اعتبار صفة الذكورة فيما لا يطلع عليه الرجال فسقط للضرورة وبقي ما سواه على
الأصل فيشترط شهادة الأربع ليكون ذلك في معنى شهادة رجلين ودليل كونه شهادة اعتبار
الحرية ولفظ الشهادة فيها ولا معنى لقول من يقول إباحة النظر لأجل الضرورة فإذا ارتفعت
الضرورة بالمرأة الواحدة لا يحل للثانية النظر لأنكم وان قلتم أنه يكتفى بالواحدة تقولون المثنى
أحوط وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى لا بد من شهادة امرأتين لان المعتبر في الشهادة
العدد والذكورة وقد سقط اعتبار صفة الذكورة للتعذر هنا فيبقى العدد على ظاهره وأصحابنا
رحمهم الله تعالى استدلوا بحديث حذيفة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة
القابلة على الولادة وفى حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة النساء جائزة
فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه والنساء اسم جنس يتناول الواحدة وما زاد والمعنى فيه أن
هذا خبر لا يعتبر فيه صفة الذكورة فلا يعتبر فيه العدد كرواية الاخبار وهذا لان النظر
إلى الفرج حرام فلا يحل إلا عند تحقق الضرورة وعند الضرورة نظر الجنس أهون من
نظر الذكور ولما سقطت صفة الذكورة لهذا المعنى سقط أيضا اعتبار العدد لان نظر
الواحد أهون من نظر الجماعة ولهذا لا يسقط اعتبار الحرية لان نظر الأمة والحرة سواء
49

والذي يقول إن المثنى أحوط فذلك لا يوجب حل نظر الثانية ولكن ان اتفق ذلك كان
أحوط فأما من يشترط العدد يوجب نظر الجماعة ونظر الواحدة أهون ثم هذا خبر من
وجه شهادة من وجه لاختصاصها بمجلس الحكم وما تردد بين أصلين يوفر حظه عليهما
فلاعتباره بالشهادة تعتبر فيه الحرية ولفظة الشهادة ولاعتباره بالخبر لا يعتبر فيه الذكورة
والعدد فإذا ثبت ما قلنا فإنما يثبت بشهادتها الولادة وما هو من ضرورة الولادة وهو عين
الولد ثم النسب إنما يثبت باعتبار الفراش القائم بمنزلة ما لو أقر الزوج بولادتها وقال ليس
الولد منى يثبت النسب بالفراش القائم ولا ينتفي الا باللعان (قال) وإذا أقرت المطلقة
بانقضاء عدتها بالحيض في مدة يحيض فيه مثلها ثلاث حيض ثم جاءت بالولد فإذا جاءت
به لأقل من ستة أشهر ثبت النسب لتيقننا بكذبها فيما قالت وان جاءت به لأكثر من ستة
أشهر من وقت اقرارها لم يثبت النسب عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يثبت النسب
منه ما لم تتزوج ثم تأتي به لستة أشهر لان ثبوت النسب لحق الولد وقولها في ابطال حقه
غير مقبول فكان وجود اقرارها كعدمه بخلاف ما إذا تزوجت لان الحق في النسب هناك
ثبت للزوج الثاني فينتفى من الأول ضرورة وحجتنا في ذلك أنها أمينة في الاخبار بما في رحمها
فإذا أخبرت بانقضاء عدتها وهو ممكن وجب قبول خبرها ثم إذا جاءت بالولد بعد ظهور
انقضاء عدتها بمدة حبل تام فلا يثبت النسب منه كما لو تزوجت وهذا لان حمل كلامها على
الصحة واجب ما أمكن (قال) ولو طلق امرأته ولم يدخل بها ولم يخل بها ثم جاءت بولد
لأقل من سته أشهر لزمه لأنا تيقنا ان العلوق به كان قبل الطلاق وحمل أمرها على الصحة
واجب ما أمكن فيجعل هذا العلوق من الزوج ويتبين لنا انه طلقها بعد الدخول وان جاءت به
لأكثر من ستة أشهر لم يلزمه لان النكاح بالطلاق ارتفع لا إلى عدة وإنما جاءت بالولد لمدة
حبل تام بعده وإن كان الطلاق بعد الخلوة لزمه الولد إلى سنتين لان النكاح بالطلاق قد ارتفع
إلى عدة ولما جعلنا الخلوة بمنزلة الدخول في ايجاب العدة فكذلك فيما ينبنى عليه وهو ثبوت
نسب الولد (قال) وإذا طلقها وعدتها بالشهور لإياسها من الحيض فاعتدت بثلاثة أشهر
ثم جاءت بولد لسنتين أو أقل من وقت الطلاق فان النسب يثبت من الزوج سواء أقرت
بانقضاء العدة أو لم تقر لأنها إنما أقرت بانقضاء العدة بالشهور ولما ولدت فقد تبين انها غلطت
فيما قالت لان الآيسة لا تلد وإنما كانت هي ممتدة طهرها لا آيسة فلا تكون عدتها منقضية
50

بالشهور فلهذا ثبت النسب منه (قال) وان كانت صغيرة فطلقها زوجها بعدما دخل بها فان
ادعت حبلا فذلك اقرار منها بأنها بالغة وقولها في ذلك مقبول فكانت هي كالكبيرة في
نسب ولدها وان أقرت بانقضاء العدة بعد ثلاثة أشهر ثم جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر لم
يثبت النسب منه لأنا حكمنا بانقضاء عدتها فإنها ان كانت صغيرة تنقضي عدتها بثلاثة أشهر
بالنص وان كانت كبيرة تنقضي عدتها باقرارها وان جاءت بالولد لمدة حبل تام بعده فأما إذا
لم تقر بانقضاء العدة ولم تدع حبلا ففي قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ان جاءت به لأقل
من تسعة أشهر منذ طلقها يثبت النسب وإلا فلا وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى ان جاءت
به لأقل من سنتين منذ طلقها ثبت النسب منه في الطلاق البائن وفى الطلاق الرجعي ان
جاءت به لأقل من سبعة وعشرين شهرا ثبت النسب منه وان كانت جاءت به لأكثر
من ذلك لا يثبت النسب وحجته في ذلك أن الحبل في المراهقة موهوم والحكم بانقضاء
عدتها بالشهور شرطه أن لا تكون حاملا وذلك لا يعلم الا بقولها كما قررناه في عدة
الوفاة في حق الكبيرة وإذا جاءت بالولد لأقل من سنتين ولم تقر بانقضاء العدة فيحتمل أن
يكون هذا من علوق قبل الطلاق وهذا الاحتمال يكفي للنسب وفى الطلاق الرجعي إذا جاءت
به لأقل من سبعة وعشرين شهرا فيحتمل أن يكون هذا من علوق كان في العدة وهو
مثبت للنسب من الزوج وموجب للحكم بأنه كان مراجعا لها وهما يقولان عرفناها صغيرة
وما عرف ثبوته بيقين لا يحكم بزواله بالاحتمال وصفة الصغر منافية للحبل فإذا بقي فيها
صفة الصغر حكم بانقضاء عدتها بثلاثة أشهر بالنص فكان ذلك أقوى من اقرارها بانقضاء
العدة فإذا جاءت بالولد لمدة حبل تام بعده لا يثبت النسب بخلاف المرأة الكبيرة فإنه ليس
فيها ما ينافي الحبل فلا يحكم بانقضاء عدتها بمضي المدة الا إذا لم تكن حاملا ولا يقال الأصل
عدم الحبل لان هذا في غير المنكوحة فأما النكاح لا يعقد الا للاحبال وعلى هذا الصغيرة إذا
توفى عنها زوجها فان أقرت بانقضاء العدة بعد أربعة أشهر وعشر تم جاءت بولد لستة أشهر
فصاعدا لم يثبت النسب منه فان ادعت حبلا ثم جاءت بالولد لأقل من سنتين يثبت النسب
فإن لم تقر بانقضاء العدة ولم تدع حبلا فعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى إذا جاءت
بالولد لأقل من عشرة أشهر وعشرة أيام يثبت النسب منه وإلا فلا وعند أبي يوسف رحمه
الله تعالى ان جاءت بولد لأقل من سنتين منذ مات الزوج يثبت النسب منه وهذا والأول
51

سواء (قال) وإذا تزوجت المرأة في عدتها من طلاق بائن ودخل بها الزوج فجاءت بولد
لأقل من سنتين من يوم طلقها الأول ولستة أشهر أو أكثر منذ تزوجها الثاني فالولد للأول
لان نكاح الثاني فاسد والفاسد من الفراش لا يعارض الصحيح في حكم النسب فكان الولد
لصاحب الفراش الصحيح فإذا جاءت به لأكثر من سنتين منذ طلقها الأول ولأقل من ستة
أشهر منذ تزوجها الآخر لم نلزمه الأول ولا الآخر لأنا تيقنا أن العلوق به كان بعد الطلاق
من الأول فلا يثبت النسب منه وتيقنا أنه كان قبل عقد الثاني لان أدنى مدة الحبل ستة
أشهر وان جاءت به لأكثر من سنتين منذ طلقها الأول ولستة أشهر منذ تزوجها الآخر
ودخل بها فهو للآخر فإنه لا مزاحمة للأول هنا في النسب لأنا تيقنا أن العلوق به كان بعد طلاقه
فبقي الحكم للآخر وقد جاءت به لمدة حبل تام بعدما دخل بها الثاني بالعقد الفاسد فثبت
النسب منه (قال) وإذا مات الصبي عن امرأته فظهر بها حبل بعد موته فان عدتها أربعة
أشهر وعشر ولا ينظر إلى الحبل لأنه من زنا حادث بعد موته فلا يغير حكم العدة الواجبة
وقد وجب عليها التربص بأربعة أشهر وعشر عند الموت وزعم بعض المتأخرين من مشايخنا
رحمهم الله ان في امرأة الكبير إذا حدث الولد بعد الموت يكون انقضاء العدة بالوضع وليس
كذلك بل الجواب في الفصلين واحد ومتى كان الحبل حادثا بعد الموت كان من زنا فلا
يتغير به حكم العدة وإنما الفرق في امرأة الكبير إذا جاءت بالولد لأقل من سنتين تنقضي
عدتها به لأنه يستند العلوق إلى ما قبل الموت حتى يحكم بثبوت النسب فيتبين به ان الحبل
ليس بحادث بعد الموت وفي امرأة الصغير لا يستند العلوق إلى ما قبل الموت وإنما يستند
إلى أقرب الأوقات لان النسب لا يثبت منه وإذا لم يكن الحبل ظاهرا وقت الموت وإنما
ظهر بعد الموت يجعل هذا حبلا حادثا فاما إذا كانت حبلى عند موت الصبي فعدتها أن
تضع حملها استحسانا في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعن أبي يوسف رحمه
الله تعالى ان عدتها بالشهور وهو القياس وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى ووجهه
انا نتيقن ان هذا الحبل من زنا فلا يتقدر انقضاء العدة به كما لو ظهر بعد موته وهذا لان
اعتبار وضع الحمل في العدة لحرمة الماء وصيانته ولا حرمة لماء الزاني ولأنا نتيقن بفراغ
رحمها من ماء الزوج عند موته فعليها العدة بالشهور حقا لنكاحه كما لو لم يكن بها حبل
ولكنا استحسنا لظاهر قوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وقد ذكرنا أنها
52

قاضية على آية التربص لأنها نزلت بعدها وعموم هذه الآية يوجب أن لا تجب العدة على
الحامل الا بوضع الحمل وهو المعنى انه قد لزمتها العدة وهي حامل فيتقدر انقضاء العدة
بالوضع كامرأة الكبير وهذا لأن العدة في الأصل مشروعة لتعرف براءة الرحم وحقيقة
ذلك بوضع الحمل وذلك موجود في جانبها هنا وإنما انعدم اشتغال رحمها بماء الزوج وليس
الشرط فيما تنقضي به العدة أن يكون من الزوج كالشهور والحيض وكما لو نفى حبل امرأته
وفرق القاضي بينهما باللعان وحكم ان الولد ليس منه تنقضي عدتها بوضعه والدليل الحكمي
كالدليل المتيقن به بخلاف ما إذا لم يكن الحبل ظاهرا عند الموت لأنا حكمنا بفراغ رحمها
عند ذلك حملا لأمرها على الصلاح وألزمناها العدة بالشهور حقا للنكاح فلا يتغير ذلك
بحدوث الحبل من زنا بعده (قال) والخصي كالصحيح في الولد والعدة لان فراشه كفراش
الصحيح وهو يصلح أن يكون والدا والوطئ منه يتأتى مع أنه لا معتبر بالوطئ في حكم النسب
حتى لا يشترط التمكن من الوطئ لاثبات النسب بخلاف الصبي فإنه لا يصلح أن يكون
ولدا وبدون الصلاحية لا تعمل العلة (قال) وكذلك المجبوب إذا كان ينزل لأنه يصلح أن يكون
والدا والاعلاق بالسحق منهم متوهم وزاد في رواية أبى حفص رحمه الله تعالى وان كأن لا
ينزل لم يلزمه الولد لأنه إذا جف ماؤه فهو بمنزلة الصبي أو دونه لان في حق الصبي ينعدم
الماء في الحال إلى توهم ظهوره في الثاني عادة وفي حق هذا ينعدم الماء لا إلي توهم الظهور في
الثاني فإذا كان هناك تنعدم الصلاحية فهنا أولى (قال) ولا يكون طلاق الصبي طلاقا
حتى يبلغ لقول علي وابن مسعود وابن عمر رضوان الله تعالى عليهم كل طلاق جائز الاطلاق
الصبي والمعتوه وقد روى ذلك مرفوعا ثم بلوغه إما أن يكون بالعلامة أو بالسن والعلامة في
ذلك الانزال بالاحتلام والاحبال وفي حق الجارية بالاحتلام والحبل والحيض قالوا وأدنى
المدة في حق الغلام اثنا عشر سنة وفى حق الجارية تسع سنين وقد بينا هذا في كتاب الحيض
وأما بلوغهما بالسن فقدر أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الجارية بسبع عشرة سنة وفى الغلام
بتسع عشرة سنة وفى كتاب الوكالة ذكر في الغلام ثمان عشرة سنة في موضع وفى موضع
تسع عشرة سنة من أصحابنا من وفق فقال المراد أن يتم له ثمان عشرة سنة ويطعن في التاسع
عشرة ولكن ذكر في نسخ أبى سليمان في كتاب الوكالة حتى يستكمل تسع عشرة سنة ففيه
روايتان اذن وعلى قول أبى يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى في الغلام والجارية يتقدر
53

بخمس عشره سنة لحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنه قال عرضت على رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنه فردني ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن
خمس عشرة سنة فأجازني ولما سمع عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه هذا الحديث قال
هذا هو الفصل بين البالغ وغير البالغ وكتب به إلى أمراء الأجناد والمعنى فيه أن العادة الظاهرة
ان البلوغ لا يتأخر عن هذه المدة وقد بينا ان الحكم يبني على الظاهر دون النادر وأبو حنيفة
يقول صفة الصغر فيهما معلومة بيقين فلا يحكم بزوالها الا بيقين مثله ولا يقين في موضع
الاختلاف ثم أدنى المدة لبلوغ الغلام اثنا عشر سنة وقد وجب زيادة المدة على ذلك فإنما
يزاد سبع سنين اعتبارا بأول أمره كما أشار إليه صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم مروهم
بالصلاة إذا بلغوا سبعا وبين أهل التفسير اختلاف في تفسير الأشد ولم يقل أحد بأقل
من ثمان عشرة سنة في قوله تعالى ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما فوجب تقدير مدة البلوغ
به ولكن الأنثى أسرع نشوا عادة فينقص في حقها سنة فتكون التقدير بسبع عشرة سنة ولا حجة
في حديث ابن عمر رضي الله عنه لأنه ما أجازه باعتبار أنه حكم ببلوغه بل لأنه رآه قويا صالحا
للقتال وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيز من الصبيان من كان صالحا للقتال على
ما روى أنه صلى الله عليه وسلم عرض عليه صبي فرده فقيل إنه رام فأجازه وعرض عليه
صبيان فأجاز أحدهما ورد الآخر فقال المردود يا رسول الله أجزته ورددتني ولو صارعته
لصرعته فصارعه فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) ولا يجوز طلاق المجنون
وان مات عن امرأته كان في حكم العدة والولد بمنزلة الصحيح لان المجنون يجامع ويحبل وقد
ثبت الفراش له بحكم النكاح وهو يصلح أن يكون والدا (قال) وإذا مات عن أم ولده
أو أعتقها فعدتها ثلاث حيض فإن كانت لا تحيض من إياس فعدتها ثلاثة أشهر وقد بينا
هذا في كتاب النكاح وكذلك لو كانت حرمت عليه قبل موته بوجه من الوجوه فعليها
منه العدة لأنها فراشه بعدما حرمت عليه حتى لو ادعى نسب ولدها ثبت منه وإنما لا يثبت
بدون الدعوة لما فيه من إساءة الظن به والحكم باقدامه على الوطئ الحرام فيتحقق زوال الفراش
إليها بالعتق وهذا بخلاف ما إذا زوجها من غيره ثم مات المولى أو أعتقها لان هناك قد اعترض
على فراشه فراش الزوج وفراش النكاح أقوى من فراش الملك فينعدم الضعيف بالقوى وإذا
انعدم لم يتقرر بالعتق سبب وجوب العدة وهو زوال فراشه إليها وكذلك لو كانت في عدة
54

من زوج ألا ترى أن النسب لا يثبت من المولى وان ادعاه فعرفنا أنها لم تبق فراشا له أصلا
(قال) ولو مات عن أم ولده أو أعتقها فجاءت بولد ما بينها وبين سنتين لزمه لتوهم أن
يكون العلوق به قبل الموت وهذا لان الفراش زال بالعتق إلى عدة وهو نظير فراش النكاح
في أنه يستند العلوق إلى أبعد الأوقات ولكن لو نفاه المولى لا ينتفي بخلاف ما قبل العتق لان
الفراش بالعتق يتقوى حتى لا يملك نقله إلى غيره بالتزويج فيلزمه نسب الولد على وجه
لا يملك نفيه وقبل العتق كان يملك نقل فراشها إلى غيره بالتزويج فكذلك يملك نفى نسب
الولد لان ثبوت الحكم بحسب السبب فان جاءت به لأكثر من سنتين منذ أعتقها لم يلزمه
إلا أن يدعيه لأنا تيقنا أن العلوق كان بعد العتق فان ادعاه ثبت النسب منه لأنهما تصادقا
على أن الولد منه والحق لهما وما تصادقا عليه محتمل لجواز أن تكون زوجت نفسها منه في
عدتها (قال) رجل توفى عن امرأته وهي مملوكة فأقرت بانقضاء عدتها بعد شهرين
وخمسة أيام ثم جاءت بولد لأكثر من ستة أشهر منذ يوم أقرت لم يلزم الزوج لان
الشهرين وخمسة أيام في حقها كأربعة أشهر وعشر في حق الحرة واقرارها بانقضاء العدة
بعد ذلك معتبر ما لم يتبين كذبها فكذلك هنا وإن لم تقر بانقضاء العدة لزمه الولد إلى سنتين
لأنا نسند العلوق إلى أبعد أوقات الامكان في حقها لاثبات نسب ولدها من الزوج كما في
الحرة (قال) وان أعتق أم ولده وهي حامل أو مات عنها فعدتها بوضع الحمل لما بينا ان
العدة لزمتها وهي حامل فيتقدر انقضاؤها بوضع الحمل كما في عدة النكاح بل أولى لان
معنى تبين فراغ الرحم هو المعتبر هنا لا غير (قال) ولو مات عن أمة كان يطأها أو عن
مدبرة كان يطأها فلا عدة عليها وكذلك أن أعتقها لان الفراش لا يثبت الا بالوطئ في ملك
اليمين وهو معروف في كتاب الدعوى وبدون الفراش لا تجب العدة وفى الكتاب يقول
ألا ترى أنه لو باعها بعدما وطئها لم تلزمها العدة والاستبراء الواجب على المشترى ليس
بعدة لأن العدة تجب عليها والاستبراء يجب على المشترى (قال) ولو زوجها المشترى قبل
أن يستبرئها جاز ووجوب الاستبراء عليه هناك كوجوبه إذا اشتراها من صبي أو امرأة أو
اشتراها وهي بكر (قال) ولو دخل بامرأة على وجه شبهة أو نكاح فاسد فعليه المهر
وعليها العدة ثلاث حيض ان كانت حرة وحيضتان ان كانت أمة وقد بينا هذا في كتاب
النكاح ان الفراش يثبت بالدخول عند فساد العقد فتجب العدة بزواله بالتفريق ويستوى
55

ان مات عنها أو فرق بينهما وهو حي لأن هذه العدة لا تجب الا لتعرف براءة الرحم فلا
تختلف بالحياة والممات كعدة أم الولد وهذا لان التربص بالأشهر في عدة الوفاة لقضاء حق
النكاح ولهذا يجب من غير توهم الدخول وهذا لا يوجد في الوطئ بالشبهة ولا في النكاح
الفاسد وان كانت لا تحيض من صغر أو كبر فعدة الحرة ثلاثة أشهر وعدة الأمة شهر ونصف
اعتبارا للفراش الفاسد بالفراش الصحيح إذا وجبت العدة بالفرقة في حالة الحياة (قال)
وإذا تزوج المكاتب بنت مولاه باذنه ثم مات المولى ثم مات المكاتب وترك وفاء فعدتها
أربعة أشهر وعشر ولها عليه الصداق وترثه لأنها لم تملك شيئا من رقبته بموت المولى لقيام
عقد الكتابة وموت المكاتب عن وفاء لا يوجب فسخ الكتابة عندنا بل يؤدى كتابته
ويحكم بحريته في حياته فيكون النكاح منتهيا بينهما بموت الزوج فعليها عدة الوفاة ولها جميع
الصداق وإن لم يدخل بها وترثه بالزوجية لانتهاء النكاح بالموت بعد الحكم بحرية الزوج
فإن لم يترك وفاء وقد دخل بها فلها الصداق دينا في عنقه ومعنى هذا انه كان دينا في عنقه
ويبطل عنه مقدار نصيبها في رقبته لان بموته عاجزا انفسخت الكتابة قبل الموت لتحقق
العجز حين أشرف على الهلاك فملكت جزء من رقبة زوجها إرثا من أبيها وذلك مفسد
للنكاح بينهما الا ان الصداق كله قد تأكد بالدخول ولكن بقدر نصيبها يسقط لأنها
لا تستوجب دينا على عبدها كصاحب الدين إذا وهب له العبد المديون وبقدر نصيب سائر
الورثة يبقى فتستوفي ذلك مما ترك من كسبه وعليها ثلاث حيض لوقوع الفرقة بينهما بعد
الدخول قبل الموت حين ملكت جزءا منه فلا يتغير ذلك بموته وان كأن لم يدخل بها فلا صداق
لها ولا عدة عليها لان الفرقة وقعت قبل الدخول بسبب مضاف إليها وهو ملكها جزءا من رقبته
وذلك مسقط لجميع الصداق (قال) وإذا اشترى المكاتب امرأته وقد ولدت منه لم يبطل
النكاح لان الثابت له في كسبه حق الملك وقد بينا في كتاب النكاح ان حق الملك لا يمنع
بقاء النكاح فان مات وترك وفاء تؤدى كتابته ويحكم بحريته قبل موته اما اسنادا للعتق إلى
ما قبل الموت أو ابقاء له حيا حكما إلى وقت أداء الكتابة ولما حكم بحريته ثم ملك رقبتها صارت
أم ولد له فارتفع النكاح وعتقت وأم الولد إذا عتقت بموت مولاها اعتدت بثلاث حيض
وإن لم يترك وفاء فعدتها شهران وخمسة أيام لأنه مات عاجزا فكان النكاح منتهيا بالموت
وعلى الأمة عند زوجها من العدة شهران وخمسة أيام وإن لم تكن ولدت منه وقد ترك وفاء
56

فإن كان دخل بها فعدتها حيضتان كالحر إذا اشترى امرأته بعدما دخل بها فعليها من العدة
حيضتان حتى لا يملك تزويجها الا بعد مضى المدة وإن لم تظهر هذه الفرقة في حقه حتى كان
له أن يطأها وإن لم يدخل بها فلا عدة عليها لأن هذه الفرقة وقعت في حالة الحياة قبل الدخول
وان كأن لم يترك وفاء ولم يدخل بها أو دخل بها غير أنها لم تلد منه فعدتها شهران وخمسة أيام
وكذلك أن كانت قد ولدت منه لأنه مات عاجزا فلم يملك شيئا من رقبتها وإنما كان النكاح
بينهما منتهيا بالموت فعليها العدة شهران وخمسة أيام وهي أمة لمولى المكاتب والله سبحانه وتعالى
أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب الرد على من قال إذا طلق لغير السنة لا يقع) *
(قال) وهذه المسألة مختلف فيها بيننا وبين الشيعة على فصلين (أحدهما) أنه إذا طلقها في
حالة الحيض أو في طهر قد جامعها فيه يقع الطلاق عند جمهور الفقهاء وعندهم لا يقع
(والثاني) أنه إذا طلقها ثلاثا جملة يقع ثلاثا عندنا والزيدية من الشيعة يقولون تقع واحدة
والامامية يقولون لا يقع شئ ويزعمون أنه قول علي كرم الله وجهه وهو افتراء منهم على علي
رضى الله تعالى عنه فقد ذكر بعد هذا في كتاب الطلاق عن علي وابن مسعود رضى الله
تعالى عنهما ان الثلاث جملة يقع بايقاع الزوج والمشهور من قول علي رضي الله تعالى عنه كل
طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمعتوه وشبهتهم فيه أن الزوج مأمور شرعا بايقاع الطلاق
للسنة والمأمور من جهة الزوج بايقاع الطلاق للسنة وهو الوكيل إذا أوقع لغير السنة لا يقع
فكذلك المأمور شرعا بل أولى لان أمر الشرع ألزم ولان نفوذ تصرفه بالاذن شرعا
والمنهى عنه غير مأذون فيه فلا يكون نافذا كطلاق الصبي والمعتوه وحجتنا في ذلك حرفان
(أحدهما) ان النهى دليل ظاهر على تحقق المنهى عنه لان النهى عما لا يتحقق لا يكون فان
موجب النهى الانتهاء على وجه يكون المنهى فيه مختارا حتى يستحق الثواب إذا انتهى
ويستوجب العقاب إذا أقدم وما لم يكن المنهى عنه متحققا في نفسه لا يتصور كونه مختارا في
الانتهاء وقد قررنا هذا في النهى عن صوم يوم العيد (والثاني) ان النهي إذا كان لمعنى في غير
المنهي عنه لا يعدم المنهى عنه ولا يمنع نفوذه شرعا كالنهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة
والنهى عن البيع عند النداء يوم الجمعة وهنا النهى لمعني في غير الطلاق من تطويل العدة
57

واشتباه أمر العدة عليها أو سد باب التلافي عند الندم فلا يمنع النفاذ واستكثر من الشواهد
في الكتاب وكل ذلك يرجع إلى هذين الحرفين وهذا بخلاف الوكيل فان نفوذ تصرفه بأمر
الموكل فإذا خالف المأمور به لا ينفذ وهنا تصرف الزوج بحكم ملكه وهو بعقد النكاح صار
مالكا للتطليقات الثلاث والملك علة تامة لنفوذ التصرف ممن هو أهل للتصرف وإن لم
يكن مأمورا ولا مأذونا فيه وهذا بخلاف الصبي والمعتوه لان الأهلية لايقاع الطلاق غير
متحققة فيهما ألا ترى أنه لا يصح منهما التعليق بالشرط ولا الإضافة إلى ما بعد البلوغ
ولا تمليك الامر منهما وكل ذلك صحيح من الرجل في حيض المرأة وبهذا ونظائره استشهد
في الكتاب والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب اللبس والتطيب) *
(قال) رضي الله عنه الأصل أن المتوفى عنها زوجها يلزمها الحداد في عدتها وفيه لغتان
حداد وإحداد يقال أحدت المرأة تحد وحدت تحد وكلاهما لغة صحيحة وهذا لما روى أن أم
حبيبة رضى الله تعالى عنها لما أتاها خبر موت أبي سفيان رضى الله تعالى عنه دعت بطيب
بعد ثلاثة أيام فأمسته عارضيها وقالت ما بي حاجة إلى الطيب ولكني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول لا يحل لامرأة تؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر أن تحد على ميت
فوق ثلاثة أيام الا على زوجها أربعة أشهر وعشرا وقال صلى الله عليه وسلم للمرأة التي استأذنته
في الاكتحال قد كانت إحداكن في الجاهلية الحديث على ما روينا فأما المبتوتة وهي
المختلعة والمطلقة ثلاثا أو تطليقة بائنة فعليها الحداد في عدتها عندنا وقال الشافعي رضي الله عنه
لا حداد عليها لأن هذه العدة واجبة لتعرف براءة الرحم فلا حداد عليها كالمعتدة عن وطئ
بشبهة أو نكاح فاسد وهذا لان الحداد على المتوفى عنها زوجها لاظهار التأسف على موت
الزوج الذي وفى لها حتى فرق الموت بينهما وذلك غير موجود في حق المطلقة لان الزوج
جفاها وآثر غيرها عليها فإنما تطهر السرور بالتخلص منه دون التأسف (ولنا) في ذلك
حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المعتدة أن تختضب بالحناء فان
الحناء طيب وهذا عام في كل معتدة ولأنها معتدة من نكاح صحيح فهي كالمتوفي عنها زوجها
وتأثيره ان الحداد إظهار التأسف على فوت نعمة النكاح والوطئ الحلال بسببه وذلك
58

موجود في المبتوتة كوجوده في المتوفى عنها زوجها وعين الزوج ما كان مقصودا لها حتى
يكون التحزن بفواته بل كان مقصودها ما ذكرنا من النعمة وذلك بفوتها في الطلاق والوفاة
بصفة واحدة بخلاف العدة من نكاح فاسد والوطئ بشبهة لأنه ما فاتها نعمة بل تخلصت
من الحرام بالتفريق بينهما وصفة الحداد أن لا تتطيب ولا تدهن ولا تلبس الحلي ولا الثوب
المصبوغ بالعصفر أو الزعفران لان المقصود من هذا كله التزين وهو ضد إظهار التحزن
ولأنه من أسباب رغبة الرجال فيها وهي ممنوعة من الرجال ما دامت معتدة ولا ثوب عصب
ولا خز لتتزين به قيل هو البرد اليماني والأصح انه القصب وفي النوادر عن أبي يوسف
رحمه الله تعالى لا بأس بأن تلبس القصب والخز الأحمر وتأويل ذلك إذا لبست ذلك لا
على قصد التزين به فاما على قصد التزين به فهو مكروه كما قال في الكتاب ولا تدهن رأسها
لزينة فان الدهن أصل الطيب الا ترى ان الروائح تلقى فيه فيصير غالية وان استعملت الدهن
على وجه التداوي بان اشتكت رأسها فصبت عليه الدهن جاز لأن العدة لا تمنع التداوي
وإنما تمنع من التزين ولا تكتحل للزينة أيضا فان اشتكت عينها فلا بأس بأن تكتحل
بالكحل الأسود لما روى أن المتوفى عنها زوجها استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الاكتحال في الابتداء فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغت الباب دعاها
فقال قد كانت إحداكن في الجاهلية الحديث وتأويله أنه وقع عنده صلى الله عليه وسلم أنها
لا تقصد الزينة بالاكتحال في الابتداء فأذن لها ثم علم أن قصدها الزينة فمنعها وإن لم يكن
لها الا ثوب مصبوغ فلا بأس بأن تلبسه من غير أن تريد الزينة بذلك لأنها لا تجد بدا من
ستر عورتها وإذا لم تجد سوى هذا الثوب فمقصودها الستر لا الزينة والاعمال بالنيات وأما
المطلقة طلاقا رجعيا فلا بأس بأن تتطيب وتتزين بما أحبت من الثياب لان نعمة النكاح
والحل ما فاتت بعد لان الزوج مندوب إلى أن يراجعها والتزين مما يبعثه على مراجعتها
فتكون مندوبة إليه أيضا فأما الكتابية تحت مسلم إذا فارقها أو توفى عنها فليس عليها أن
تتقي في عدتها شيئا من الطيب والزينة لان الحداد في العدة لحق الشرع وهي لا تخاطب
بالشرائع وفى الكتاب قال لان الذي فيها من الشرك والذي تترك من فرائض الله تعالى
أعظم من هذا (قال) وتتقى المملوكة المسلمة في عدتها ما تتقى منه الحرة الا الخروج لأنها
مخاطبة بحق الشرع كالحرة وإنما لا تمنع من الخروج لحق مولاها في خدمته ولا حق للمولى
59

في تطيبها وتزينها في العدة لأنها محرمة عليها ما لم تنقض عدتها (قال) وليس على الصبية أن
تتقى شيئا من ذلك عندنا وقال الشافعي رضي الله عنه هي كالبالغة وعلى الولي أن يمنعها من
التطيب والتزين كما يمنعها من شرب الخمر وحرمتها لحق الشرع وكما يجب عليها أصل العدة
لحق الشرع لأنا نعلم يقينا فراغ رحمها من ماء الزوج فكذلك الحداد في العدة يجب عليها
إذا توفي عنها زوجها ولكنا نقول هي لا تخاطب بحق الشرع بما هو أعظم من الحداد من
الصوم والصلاة والحداد في معني شكر النعمة لأنه إظهار التحزن على فوت نعمة الزوجية
وليس عليها ذلك شرعا بخلاف أصل العدة فقد قال بعض مشايخنا هي لا تخاطب بالاعتداد
ولكن الولي يخاطب بأن لا يزوجها حتى تنقضي مدة العدة مع أن العدة مجرد مضى المدة
فثبوتها في حقها لا يؤدى إلى توجه خطاب الشرع عليها بخلاف الحداد فيها (قال)
وليس على أم الولد في عدتها اتقاء شئ من ذلك لان عدتها من السيد إنما تجب عند العتق
وفيه تخلصها من الرق ووصولها إلى نعمة الحرية فلا يفوتها بها شئ من النعمة لتأسف على
ذلك وما كان من حال الوطئ بينها وبين المولى فقد كان بسبب هو عقوبة في حقها وهو
الرق فلا يعد نعمة وكرامة ولهذا لا يثبت به الاحصان فعدتها بمنزلة العدة من نكاح فاسد
وقد بينا فيما سبق أنهما لا يمنعان من الخروج في عدتهما فكذلك لا يمنعان من التزين ألا
ترى أن امرأة رجل لو تزوجت ثم دخل بها الزوج ثم فرق بينهما ثم ردت إلى الزوج الأول كان
لها أن تتزين وتتشوف إلى زوجها الأول وعليها عدة الآخر ثلاث حيض (قال) رجل
اشترى امرأته وهي أمة قد ولدت منه فسد النكاح وقد كانت حلالا ثم بالملك فلا بأس
بأن تتزين له وتتطيب لأنها غير معتدة في حقه لأن العدة أثر النكاح وكما أن الملك ينافي
أصل النكاح ينافي أثره ولأنه يحل له وطؤها بسبب الملك فلا بأس بأن تتطيب له وتتزين
ليزداد رغبة فيها ولو أراد أن يزوجها رجلا لم يجز حتى تحيض حيضتين لأنها معتدة في
حق غيره فان الفرقة وقعت بينها وبين زوجها بعد الدخول بسبب الملك وذلك لا ينفك
عن عدة فجعلناها في حق غيره كالمعتدة وإن لم يكن في حقه فان أعتقها فعليها ثلاث حيض
لأنها صارت أم ولد له حين اشتراها بعدما ولدت منه بالنكاح وعلى أم الولد ثلاث حيض
بعد العتق ثم تتقي الطيب والزينة في الحيضتين الأوليين اللتين كانتا عليها من قبل النكاح
استحسانا وفى القياس ليس عليها ذلك لان الحداد لا يلزمها عند وقوع الفرقة فكيف يلزمها
60

بعد ذلك وبالعتق إنما يفوتها الحل الذي كان قائما قبله وقد بينا ان ذلك ليس بنعمة وجه
الاستحسان ان العدة وجبت عليها بالفرقة ولكن لم يظهر ذلك لحق المولى لكونها حلالا
له بالملك وقد زال ذلك بالعتق فظهرت تلك العدة في حق المولى والعدة بعد الفرقة من نكاح
صحيح يجب فيها الحداد وإنما كانت تتطيب تقديما لحق المولى على حق الشرع حين كانت
حلالا له وقد زال ذلك بالعتق فاما الحيضة الثالثة فلا حداد عليها لان ذلك لم يلزمها
بسبب النكاح بل بسبب العتق لكونها أم ولد ولا حداد على أم الولد في عدتها من
سيدها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب المتعة والمهر) *
اعلم بأن العلماء مختلفون في المتعة في فصول (أحدها) ان المتعة واجبة عندنا وقال مالك رضى
الله تعالى عنه هي مستحبة لظاهر قوله تعالى حقا على المتقين وفى موضع آخر حقا على
المحسنين وفي هذا إشارة إلى أنها مستحبة فان الواجب يكون حتما على المتقين وغير المتقين
ولما أمر شريح رضي الله تعالى عنه المطلق بان يمتعها قال ليس عندي ما أمتعها به فقال إن
كنت من المحسنين أو من المتقين فمتعها ولم يجبره ولان المتعة غير واجبة قبل الطلاق فلا
تجب بالطلاق لأنه مسقط لا موجب ولو وجبت إنما تجب باعتبار ملك النكاح وبالطلاق
قبل الدخول أزال الملك لا إلى أثر فكيف تجب المتعة باعتبار الملك (ولنا) في ذلك قوله تعالى
وللمطلقات متاع بالمعروف فان الله سبحانه وتعالى أضاف المتعة إليهن بلام التمليك ثم قال
حقا وذلك دليل وجوبه وقال على المتقين وكلمة على تفيد الوجوب والمراد بالمتقين والمحسنين
المؤمنون والمؤمن هو الذي ينقاد لحكم الشرع وقال الله تعالى ومتعوهن أمر به والامر
للوجوب وقال الله تعالى فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ولان الفرقة وقعت بالطلاق
بعد صحة النكاح فلا تنفك عن الواجب لها كما إذا كان في النكاح مسمى ثم عندنا لا تجب
المتعة الا لمطلقة واحدة وهي المطلقة قبل المسيس والفرض وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا تجب
المتعة الا لمطلقة واحدة وهي المطلقة بعد المسيس إذا كان مهرها مسمى فإنما يتحقق الاختلاف
في المطلقة بعد الدخول عندنا لها المهر المسمي أو مهر المثل إذا لم يكن في النكاح تسمية
وليس لها متعة واجبة ولكنها مستحبة وعند الشافعي رحمه الله تعالى لها متعة واجبة لعموم
61

قوله تعالى وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المحسنين الا انا خصصنا المطلقة قبل المسيس
بعد الفرض من هذا العموم بالنص وهو قوله تعالى فنصف ما فرضتم فجعل كل الواجب
نصف المسمى ولان وجوب المتعة لمراعاة حق النكاح فأما المسمي أو مهر المثل فإنما يسلم
لها بالدخول فتبقى المتعة لها بحق النكاح بخلاف المطلقة قبل المسيس بعد فرض لان نصف
المفروض لها بحق النكاح إذا لم يكن بينهما سبب سوى النكاح وهنا بينهما سبب سوي
النكاح وهو الدخول فلا حاجة إلى ايجاب المتعة هنا (ولنا) انها إنما استحقت جميع
المهر على زوجها فلا تستحق المتعة مع ذلك كالمتوفى عنها زوجها وهذا لان النكاح حق
معاوضة وبعد تقرر الفرض لا حاجة إلى شئ آخر توضيحه ان المتعة لا تجامع نصف المسمى
وهو ما إذا طلقها قبل المسيس بعد الفرض فلأن لا تجامع جميع المسمى أولى وتحقيق هذا
ان المتعة تجب خلفا عن مهر المثل فان أوان وجوبها بعد الطلاق ولا يمكن ايجابها أصلا
بسبب الملك لان ما يجب بالملك أصلا لا يتوقف وجوبه على زوال الملك فعرفنا انها وجبت
خلفا لان بالخلف يبقي ما كان ثابتا من الحكم ولا يجمع بين الخلف والأصل بحال وإذا
وجب لها المهر الذي هو الأصل كله أو بعضه لا تجب المتعة فأما المطلقة قبل المسيس
والفرض فهي لا تستوجب شيئا من الأصل فتجب لها المتعة وإنما قلنا إنها مستحبة لقوله تعالى
فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وقد كان دخل بهن فدل أن المتعة مستحبة في
هذه الحالة وهو مروى عن ابن عباس وشريح رضى الله تعالى عنهما وكذلك كل فرقة
جاءت من قبل الزوج بأي سبب كانت وكل فرقة جاءت من قبل المرأة فلا شئ لها من
المهر ولا من المتعة لان المتعة بمنزلة نصف المسمى فكما أن في النكاح الذي فيه التسمية
لا يجب من المسمى شئ إذا جاءت الفرقة من قبلها قبل الدخول بها فكذلك في النكاح
الذي لا تسمية فيه لا تجب المتعة إذا جاءت الفرقة من قبلها قبل الدخول بها (قال) وأدنى
ما تكون المتعة ثلاثة أثواب درع وخمار وملحفة وللشافعي رحمه الله تعالى قولان (أحدهما)
أنه شئ نفيس يعطيها الزوج تذكرة له وقد بينا هذا في كتاب النكاح (والثاني) أن المتعة
ثلاثون درهما وهذا ليس بصحيح قان الله تعالى وللمطلقات متاع بالمعروف واسم المتاع
لا يتناول الدراهم وتقدير المتعة بالثياب مروى عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والشعبي
رحمهم الله تعالى وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول أرفع المتعة الخادم وأوسط المتعة الكسوة
62

وأدناها النفقة ثم المعتبر في المتعة حالة الرجل لقوله تعالى على الموسع قدره وعلى المقتر قدره
وكان الكرخي رضي الله عنه يقول هذا في المستحبة فأما في المتعة الواجبة يعتبر حالها لأنها
خلف عن مهر المثل وفى مهر المثل يعتبر حالها فكذلك في المتعة وهذا الذي قاله ليس بقوى
لأن الاعتبار بحاله أو بحالها فيما يكون واجبا ويدخل تحت الحكم وفى المستحب هذا
لا يكون ولان الله تعالى قال على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وكلمة على للوجوب فإذا
طلقها قبل الدخول وقد سمى لها مهرا فلها نصف المسمى بالنص والقياس فيه أحد الشيئين
إما وجوب جميع المسمى لان الزوج هو الذي فوت الملك على نفسه باختياره فلا يسقط
حقها في البدل كالمشترى إذا أتلف المبيع قبل القبض أو أن لا يجب شئ لان المعقود عليه
عاد إليها كما خرج عن ملكها وذلك مسقط للبدل كما إذا انفسخ البيع بخيار أو بإقالة ولكنا
تركنا القياس بالنص وفيه طريقان لمشايخنا رحمهم الله (أحدهما) أن الطلاق يسقط جميع
المسمى كما يسقط جميع مهر المثل وإنما لها نصف المسمى بطريق المتعة (والثاني) أن بالطلاق
هنا لا يسقط الا نصف المسمى لأنه متأكد بالعقد والتسمية جميعا بخلاف مهر المثل وهذا
أصح فإنه لو تزوجها على إبل سائمة وحال الحول عليها ثم طلقها قبل الدخول بها فعليها نصف
الزكاة ولو سقط جميع المسمى ثم وجب النصف بطريق المتعة لما لزمها شئ من الزكاة ثم
المسمى وان تنصف بالطلاق فكل واحد منهما مندوب إلى العفو قال الله تعالى إلا أن
يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح والذي بيده عقدة النكاح عندنا هو الزوج
وهو قول ابن عباس وشريح رضي الله تعالى عنهما وقال مالك رحمه الله الذي بيده عقدة
النكاح وليها حتى أن على مذهبه إذا أبت المرأة أن تسقط نصيبها يندب الولي إلى اسقاط
ذلك ويصح ذلك منه وهذا فاسد لأنه دين واجب لها أو عين مملوكة لها فلا يملك الولي
اسقاط حقها عنه ولكن المراد أنها تندب إلى العفو بأن تقول لم يتمتع بي شيئا فلا آخذ من
ماله شيئا أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو الزوج بأن يقول اخترت فراقها فلا أمنعها
شيئا من صداقها فيعطيها جميع المهر وظاهر الآية يدل على ذلك لان الذي بيده عقدة النكاح
من يتصرف بعقد النكاح وهو الزوج دون الولي وان طلقها قبل أن يدخل بها وقد تزوجها
على مهر فاسد كالخمر والخنزير فلها المتعة عندنا ونصف مهر المثل عند الشافعي عنه رضي الله عنه
لان مهر المثل وجب بنفس العقد هنا بالاتفاق فيتنصف بالطلاق قبل الدخول كالمسمى
63

ولكنا نقول تنصف المسمى ثبت بالنص بخلاف القياس والمخصوص من القياس بالنص
لا يقاس عليه غيره وقد بينا أن مهر المثل ليس في معني المسمى من كل وجه فإنما لها المتعة
بالنص وفى النكاح الفاسد إذا فرق بينهما قبل الدخول والخلوة أو بعد الخلوة والزوج منكر
للدخول فلا شئ عليه لها لان وجوب المتعة اما لمراعاة حق النكاح أو ليكون خلفا عن مهر
المثل وما هو الأصل لا يجب في النكاح الفاسد قبل الدخول فكذلك ما هو خلفه والعبد
بمنزلة الحر في وجوب المهر والمتعة عليه إذا كان النكاح بإذن المولى لأنه مساو للحر في سبب
وجوبهما وهو النكاح فكذلك في الواجب بالسبب (قال) وإذا طلق الرجل احدى
امرأتيه ثم مات وقد فرض لإحداهما مهرا ولم يفرض للأخرى والتي سمى لها مهرا لا تعرف
بعينها ومهر مثلهما سواء فلهما مهر وربع مهر بينهما سواء لان أكثر ما يكون لهما مهر
ونصف مهر وهو أن يكون الطلاق وقع على التي سمى لها المهر فيكون لها نصف المهر
بالطلاق قبل الدخول وللأخرى مهر كامل لتقرر نكاحها بالموت وأقل ما يكون لهما مهر
واحد وهو أن يكون الطلاق وقع على التي لم يفرض لها مهرا فيسقط جميع مهرها فمهر واحد
لهما بيقين ونصف مهر يثبت في حال دون حال فيتنصف فكان الواجب مهرا وربع مهر
وليست إحداهما بأولى من الأخرى فيكون بينهما نصفين ولا شئ لهما من المتعة لان المتعة
لا تجامع شيئا من المهر (قال) فإن كانت التي سمي لها المهر معروفة فلها ثلاثة أرباع المهر
لان الطلاق إن كان وقع عليها فلها نصف المهر وإن كان وقع على صاحبتها فلها كل المهر
فأعطيناها ثلاثة أرباع المهر باعتبار الأحوال وللأخرى نصف مهر مثلها لان الطلاق ان
وقع عليها لم يكن لها شئ وإن لم يقع عليها كان لها جميع مهر مثلها فأعطيناها نصف المهر باعتبار
الأحوال وفى القياس لها نصف المتعة لان الطلاق ان وقع عليها فلها جميع المتعة وإن لم يقع
عليها فلا متعة لها فيكون لها نصف المتعة باعتبار الأحوال الا ان في الاستحسان لا شئ لها
من المتعة لما بينا ان المتعة لا تجامع مهر المثل لأنها خلف عنه وقد استحقت نصف مهر مثلها
فلا يكون لها شئ من المتعة ولان مهر المثل قيمة بضعها فلا يجامعها بدل آخر كقيمة المبيع
إذا وجبت في البيع الفاسد لا يجب معه بدل آخر كذا هنا (قال) وإذا وهبت المرأة لزوجها
مهرها ثم طلقها قبل الدخول بها ولم تكن قبضت منه شيئا لم يكن لواحد منهما على صاحبه
شئ وفي القياس يرجع عليها زوجها بنصفه وهو قول زفر رحمه الله تعالى ووجه القياس انها
64

بالهبة استهلكت الصداق فكأنها قبضته ثم استهلكته فللزوج أن يرجع عليها بنصفه وجه
الاستحسان ان مقصود الزوج سلامة نصف الصداق له عند الطلاق من غير عوض وقد
حصل له هذا المقصود قبل الطلاق فلا يستوجب شيئا آخر عند الطلاق كمن عليه الدين
المؤجل إذا عجله لم يجب لصاحب الدين عند حلول الأجل شئ وهذا لان الأسباب غير
مطلوبة لأعيانها بل لمقاصدها فإذا كان ما هو المقصود واجبا حاصلا فلا عبرة باختلاف السبب
وعلى هذا لو كان الصداق عينا فقبضته ثم وهبته من الزوج القياس ان هذا وهبتها من الأجنبي
سواء فعند الطلاق يرجع الزوج عليها بنصفه وفي الاستحسان مقصود الزوج قد حصل
بعود الصداق إليه بعينه من غير عوض (قال) ولو كان الصداق دينا فقبضته ثم وهبته من
الزوج رجع الزوج عليها بنصفه عند الطلاق لان حق الزوج عند الطلاق هنا ليس في
عين المقبوض ولكن الخيار إليها تعطيه من أي موضع شاءت فهبتها هذا المقبوض منه
كهبتها مالا آخر وفى الأول حق الزوج عند الطلاق في نصف المقبوض بعينه وقد عادت
إليه بالهبة وحكي عن زفر رحمه الله تعالى أنه قال إذا تزوجها على ألف درهم بعينها فقبضتها
ثم وهبتها منه ثم طلقها قبل الدخول بها لم يرجع عليها بشئ بناء على أصله ان النفوذ في
العقود يتعين ولكن هذا لا يستقيم إلا أن يكون في المسألة روايتان عن زفر إحداهما مثل
جواب الاستحسان فيخرج هذا على تلك الرواية (قال) ولو قبضت منه النصف ووهبت
له النصف ثم طلقها لم يرجع واحد منهما على صاحبه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما
يرجع عليها بنصف المقبوض وجه قولهما أن هبة نصف الصداق قبل القبض حط منه والحط
يلتحق بأصل العقد ويخرج به المحطوط من أن يكون عوضا فكأنه تزوجها على ما بقي وقبضت
منه ثم طلقها والجزء معتبر بالكل فيما وهبت وفيما قبضت وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول
لو قبضت النصف ولم نهب منه الباقي حتى طلقها لم يرجع عليها بشئ فلو رجع عليها بعد الهبة
إنما يرجع بسبب الهبة والهبة تبرع فلا توجب الضمان على المتبرع فيما تبرع به ولان ملكها
في نصف الصداق قبل الدخول قوي وفي النصف ضعيف يسقط بالطلاق فيجعل المقبوض
مما قوى ملكها فيه لان القبض مقرر للملك وإنما يتقرر ملكها في المقبوض إذا تعين فيه
النصف الذي سلم لها بعد الطلاق فتبين أنها وهبت النصف الذي كان للزوج بالطلاق وقد
سلم له قبل الطلاق مجانا وعلى هذا لو قبضت ستمائة ووهبت له أربعمائة ثم طلقها قبل الدخول
65

عند أبي حنيفة رحمه الله يرجع عليها بمائة لان الموهوب من النصف الذي كان يسلم للزوج
بالطلاق وقد سلم له قبل الطلاق مجانا لان الموهوب من النصف الذي هو حق الزوج بعد الطلاق
فإنما بقي إلى تمام حقه مائة درهم وعندهما يرجع عليها بثلاثمائة درهم لان المحطوط صار كأن لم
يكن وإنما يرجع عليها بنصف المقبوض (قال) ولو قبضت الصداق كله ووهبته لأجنبي
ثم وهبه الأجنبي من الزوج ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بنصفه العين والدين سواء
في ذلك لان مقصود الزوج سلامة نصف الصداق له من جهتها عند الطلاق ولم يسلم له ذلك
وإنما سلم له مال من أجنبي آخر بالهبة وتبدل المالك بمنزلة تبدل العين فكانت مستهلكة للصداق
وكذلك لو كانت باعت الصداق من زوجها ثم طلقها رجع عليها بنصفه فان مقصوده لم
يحصل فان العين إنما وصلت إليه ببدل عقد ضمان (قال) ولو هبت الصداق لأجنبي قبل
القبض فقبض الأجنبي ثم طلقها الزوج قبل الدخول رجع عليها بنصفه لان قبض الأجنبي
بتسليطها كقبضها بنفسها (قال) ولو تزوجها على عبد ودفعه إليها ثم طلقها قبل أن يدخل
بها فقضى للزوج بنصفه عليها فلم يقبضه حتى أعور أخذ نصفه وضمنها نصف العور لان
بقضاء القاضي عاد الملك في النصف إليه وهو ملك مضمون له في يدها فكان كالمغصوب
وإن كان العبد في يد الزوج فطلقها فلم تقبض نصفه حتى حدث به عيب فاحش فهي بالخياران
شاءت أخذت نصفه ناقصا وإن شاءت ضمنت الزوج نصف قيمته صحيحا لان ملكها بعد
الطلاق في نصف العبد كملكها في جميعه قبل الطلاق ولو لم يطلقها حتى تعيب في يد الزوج
كان لها الخيار ان شاءت أخذت الكل ناقصا وإن شاءت ضمنته قيمته صحيحا فكذلك في
النصف بعد الطلاق وان أعتقه الزوج بعد الطلاق جاز عتقه في نصفه لان بنفس الطلاق عاد
الملك في نصفه إلى الزوج إذا لم تكن قبضته فهو كعبد بين اثنين يعتقه أحدهما (قال) وإذا
تزوج الرجل ثلاث نسوة في عقدة واثنتين في عقدة وواحدة في عقدة ثم طلق احدى نسائه
قبل أن يدخل منهن بواحدة ثم مات فلهن ثلاثة مهور لان أكثر مالهن ثلاثة مهور ونصف
بان يصح نكاح الواحدة مع الثلاث فيجب أربعة مهور ثم يسقط بالطلاق قبل الدخول
نصف مهر وأقل مالهن مهران ونصف بان صح نكاح الواحدة مع الثنتين فيجب ثلاثة مهور
ثم يسقط نصف مهر بالطلاق فقدر مهرين ونصف لهن بيقين ومهر واحد يثبت في حال دون
حال فيتنصف فيكون لهن ثلاثة مهور للواحدة من ذلك سبعة أثمان مهر الا سدس ثم مهر
66

لان نكاح الواحدة صحيح بيقين فان صح مع الثلاث فلها سبعة أثمان مهر لان الساقط
بالطلاق نصف مهر حصتها ربع ذلك وهو ثمن المهر وان صح نكاحها مع الثنتين فلها خمسة
أسداس المهر لان الساقط بالطلاق نصف مهر حصتها من ذلك ثلث ذلك النصف وهو
سدس مهر انكسر المهر بالأسداس والأثمان فالسبيل أن تضرب الستة في ثمانية فتكون
ثمانية وأربعين لها في الحالة الأولى سبعة أثمان وهو اثنان وأربعون وفى الحالة الثانية خمسة
أسداس وهو أربعون فمقدار أربعين لها بيقين والسهمان نثبت في حال دون حال فتتنصف
فيكون لها واحد وأربعون من ثمانية وأربعين وذلك سبعة أثمان مهر الا سدس ثمن مهر
وللثلاث مهر وثمنا مهر ونصف ثمن مهر لان نكاحهن ان صح فلهن ثلاثة مهور أصابهن
بالطلاق من الحرمان بقدر ثلاثة أرباع النصف وهو ثلاثة أثمان فيبقى لهن مهران وخمسة أثمان
وإن لم يصح نكاحهن فلا شئ لهن فلهن نصف ذلك وهو مهر وثمنا مهر ونصف ثمن مهر
وللثنتين خمسة أسداس مهر لأنه ان صح نكاحهما فقد كان لهما مهران وأصابهما حرمان
ثلثي النصف بالطلاق فيبقى لهما مهر وثلثان وإن لم يصح نكاحهما فلا شئ لهما فكان لهما
خمسة أسداس مهر بينهما نصفان وحكم الميراث قد بيناه في كتاب النكاح ان للواحدة
سبعة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ميراث النساء والباقي بين الفريقين الآخرين
نصفان في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفى قولهما للثلاث من الباقي تسعة أسهم وللثنتين
ثمانية أسهم وعلى كل واحدة منهن عدة المتوفى عنها زوجها احتياطا (قال) وإذا تزوج
ثلاثا في عقدة واثنتين في عقدة وأربعا في عقدة ثم طلق احدى نسائه قبل الدخول ثم
مات فلهن مهران ونصف مهر لان أكثر مالهن ثلاثة مهور ونصف بأن كان السابق نكاح
الأربع فوجب أربعة مهور ثم سقط بالطلاق نصف مهر وأقل مالهن مهر ونصف بأن كان
السابق نكاح الثنتين فوجب مهران ثم سقط بالطلاق نصف مهر فمهر ونصف لهن بيقين
وما زاد على ذلك إلى تمام ثلاثة مهور ونصف وذلك مهران يجب في حال دون حال فيتنصف
فلهن مهران ونصف فاما مهر من ذلك لا دعوى فيه للثنتين والفريقان الآخران يدعيانه
فيكون بين الفريقين نصفين وقد استوت منازعة الفرق الثلاثة في مهر ونصف فكان بينهن
أثلاثا فيسلم للثنتين نصف مهر وللثلاث مهر وللأربع مهر وهذا قول أبى يوسف رحمه
الله تعالى ولم يذكر قول محمد رحمه الله تعالى وتخريجه على الأصل الذي بيناه في كتاب
67

النكاح انه يعتبر حال كل فريق على حدة فان صح نكاح الأربع فلهن ثلاثة مهور ونصف
وإن لم يصح فلا شئ لهن ونكاحهن يصح في حال دون حالين فلهن ثلث ذلك وهو مهر
وسدس مهر وللثلاث ان صح نكاحهن فلهن مهران ونصف ونكاحهن يصح في حال دون
حالين فلهن ثلث ذلك وهو خمسة أسداس مهر والثنتان ان صح نكاحهما فلهما مهر
ونصف ونكاحهما صحيح في حال دون حالين فلهما ثلث ذلك وهو نصف مهر والميراث
بين الفرق الثلاث أثلاثا لكل فريق ثلثه ربعا كان أو ثمنا لان حالهن في استحقاق الميراث
سواء وعلى كل واحدة منهن عدة الوفاة (قال) ولو كان دخل بامرأتين لا يعرفان بأعيانهما
ثم طلق احدى نسائه واحدة وطلق الأخرى منهن ثلاثا ثم تزوج واحدة بعد انقضاء العدة
معناه بعد انقضاء مدة العدة فان ابتداء العدة في الطلاق المبهم من وقت البيان ثم مات كان
للمرأة الأخيرة التي تزوجها المهر كاملا لان نكاحها صحيح واقدامه على النكاح يكون
اقرارا منه بفساد نكاح الأربع لان المسلم إنما يباشر العقد الصحيح وبعد ما صح نكاح
الأربع لا يصح نكاح هذه الواحدة فكان هذا بيانا منه ان نكاح الأربع فاسد والبيان يكون
تارة بالنص وتارة يكون بالدليل فلا مهر للأربع ولا ميراث ولا عدة عليهن
وللواحدة جميع مهرها لأنه ما أنشأ طلاقها بعد صحة نكاحها وعليها عدة المتوفى عنها زوجها
ولها من الميراث خمسة أسهم من اثنى عشر سهما لأنه ان صح نكاحها مع الثلاث كان لها
أربعة وان صح نكاحها مع الثنتين كان لها ستة فلهذا أعطيناها خمسة من اثنى عشر
وللثلاث أربعة من اثنى عشر لأنه ان صح نكاحهن فلهن ثلثا المهر ثمانية وإن لم يصح فلا
شئ لهن وللثنتين ثلاثة أسهم من اثنى عشر لأنه ان صح نكاحهما فلهما ستة من اثنى عشر
نصف الميراث وإن لم يصح فلا شئ لهما وللثلاث مهر ونصف لأنه ان صح نكاحهن فلهن
ثلاثة مهور وإن لم يصح فلا شئ لهن وللثنتين مهر ونصف وعلى الثلاث والثنتين عدة
النساء أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض لتوهم الدخول والطلاق بعده في حق كل
واحدة منهن وهذا الجواب كله غلط غير صحيح أما في حق الواحدة فجوابه في الميراث غلط
لان نكاحها ان صح مع الثنتين فقد وقع الطلاقان على الثنتين وهما متعينتان وقد انقضت
عدتهما فالميراث كله للواحدة وإن كان الصحيح نكاح الثلاث فلها ثلث الميراث فمقدار
الثلاث لها بيقين والثلثان ثابتان في حال دون حال فيتنصفان فينبغي أن يكون لها ثلثا
68

الميراث وفي الثلاث جوابه كذلك في الميراث صحيح وفي المهر غلط لأنه ان صح نكاحهن
فلهن ثلثا الميراث وإن لم يصح فلا شئ لهن فلهن ثلث الميراث أربعة من أثنى عشر وأما في
حق المهر فان صح نكاحهن فقد تقرر مهران بالدخول لاثنتين منهن والثالثة ان وقع الطلاق
عليها فلها نصف وإن لم يقع فلها مهر كامل فيكون لها ثلاثة أرباع مهر فجملة مالهن ان صح
نكاحهن مهران وثلاثة أرباع مهر وإن لم يصح فيكون لهن مهر وثلاثة أثمان مهر
لا مهر ونصف وفي حق الثنتين جوابه في الميراث والمهر جميعا غلط لأنا نتيقن انه لا ميراث
لهما فإنه إن صح نكاحهما فقد وقع الطلاق عليهما وانقضت عدتهما وإن لم يصح نكاحهما
فلا شئ لهما وفي المهر ان صح نكاحهما فلهما مهران وإن لم يصح فلا شئ فينبغي أن يكون
لهما مهر واحد لا مهر ونصف فعرفنا ان جواب الكتاب غير سديد (قال) ولو لم يدخل
بشئ منهن ولم يتزوج شيئا وكانت احدى الثلاث أم احدى الأربع والحال على ما وصفت
لك فان الأم والبنت لا ينقصان من مهر ولا ميراث من قبل أن الفريق الذي معها نكاحهن
ونكاحها جائز أو فاسد إذ لا تصور لجواز نكاح الفريقين فلا يتحقق الجمع بين الأم
والبنت فلهذا كان هذا والفصل الأول سواء (قال) ولو طلق احدى الثلاث كان ذلك
اقرارا منه بان الثلاث هن الأول لان تصرفه بايقاع الطلاق محمول على الصحة ما أمكن وذلك
لا يكون الا بعد صحة النكاح وكذلك لو ظاهر من إحداهن أو دخل بإحداهن كان ذلك
بيانا منه ان نكاحهن صحيح فهذا والتصريح بالبيان سواء ثم تخريج المسألة في المهر والميراث
قد بيناه في كتاب النكاح (قال) ولو كانت احدى الأربع أمة لم يكن لها من الميراث ولا
من المهر شئ لأنا تيقنا بفساد نكاحها اما بتأخر العقد أو بالضم إلى الحرائر فإذا فسد نكاحها
بقي ثلاث وثلاث واثنتان فان طلق احدى نسائه ثم مات فلهن مهران لان أكثر مالهن
مهران ونصف بان صح نكاح الثلاث ووجب ثلاثة مهور ثم سقط نصف مهر بالطلاق وأقل
مالهن مهر ونصف بأن صح نكاح الثنتين فقدر مهر ونصف يقين ومهر واحد يثبت في
حال دون حال فيتنصف فلهن مهران فاما نصف مهر من ذلك لا منازعة للثنتين فيه ليكون
بين الفريقين الآخرين نصفين وقد استوت منازعة الفرق الثلاث في مهر ونصف فيكون
بينهن أثلاثا وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى فأما تخريج محمد رحمه الله تعالى على ما أشرنا
إليه في اعتبار حال كل فريق على حدة ويتضح عند التأمل والله سبحانه وتعالى أعلم
69

بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب ما تقع به الفرقة مما يشبه الطلاق) *
(قال) رضي الله عنه وإذا قال الرجل لامرأته أنت علي حرام فإنه يسأل عن نيته لأنه
تكلم بكلام مبهم محتمل لمعان وكلام المتكلم محمول على مراده ومراده إنما يعرف من جهته
فيسأل عن نيته فان نوى الطلاق فهو طلاق لأنه نوى ما يحتمله كلامه فإنه وصفها بالحرمة
عليه وحرمتها عليه من موجبات الطلاق ثم إن نوى ثلاثا فهو ثلاث لان حرمتها عليه عند
وقوع الثلاث فقد نوى نوعا من أنواع الحرمة وان نوى واحدة بائنة فهي واحدة بائنة لأنه
نوى الحرمة بزوال الملك ولا يحصل ذلك الا بالتطليقة البائنة ومن أصلنا أن الزوج يملك الإبانة
وإزالة الملك من غير بدل ولا عدد على ما نبينه إن شاء الله تعالى وان نوى اثنتين فهي
واحدة بائنة عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى يقع اثنتان لقوله صلى الله عليه وسلم وإنما
لكل امرئ ما نوى ولان الثنتين بعض الثلاث فإذا كانت نية الثلاث تسع في هذا اللفظ
فنية الثنتين أولى ألا ترى أنها لو كانت أمة كان يصح نية الثنتين في حقها بهذا اللفظ فكذلك
في حق الحرة ولكنا نقول نية الثنتين فيه عدد وهذا اللفظ لا يحتمل العدد لأنها كلمة واحدة
وليس فيها احتمال التعدد والنية إذا لم تكن من محتملات اللفظ لا تعمل فاما صحة نية الثلاث
ليس باعتبار العدد بل باعتبار انه نوى حرمة وهي الحرمة الغليظة فإنها لا نثبت بما دون الثلاث
فاما الثنتان فلا يتعلق بهما في حق الحرة حرمة لا تثبت تلك الحرمة بالواحدة فبقي مجرد
نية العدد بخلاف الأمة فان الثنتين في حقها بوجب الحرمة الغليظة كالثلاث في حق الحرة
وهذا بخلاف ما إذا طلق الحرة واحدة ثم قال لها أنت على حرام ونوى اثنتين حيث
لا تعمل نيته لان الحرمة الغليظة لا تحصل بهما بل بهما وبما تقدم فكان هذا مجرد نية
العدد وان نوى الطلاق ولم ينو عددا فهذه واحدة بائنة لان نية الطلاق قد صحت فيقع
القدر المتيقن وهو الواحدة وإن لم ينو الطلاق ولكن نوى اليمين كان يمينا فان تحريم الحلال
يمين قال الله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله إلى قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة
أيمانكم جاء في التفسير انه حرم مارية القبطية على نفسه وفي بعض الروايات حرم العسل
على نفسه وروى الضحاك عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضى الله تعالى
70

عنهم في هذا اللفظ انه لو نوى الطلاق فهو طلاق وان نوى اليمين فهو يمين وعن ابن عمر
رضي الله عنه قريبا منه وعن زيد رضي الله عنه قال يمين يكفرها والشافعي رحمه الله تعالى
يقول تحريم الحلال لا يكون يمينا ولكن تجب به الكفارة في الزوجة والأمة خاصة وكذلك
إن لم يكن له نية فهو يمين لان الحرمة الثابتة باليمين دون الحرمة التي تثبت بالطلاق وعند
الاحتمال لا يثبت الا القدر المتيقن فكان يمينا ان قربها كفر عن يمينه للحنث وإن لم
يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت بالايلاء وكذلك لو نوى الايلاء فهو ونية اليمين سواء
وان نوى الكذب فهو كذب لا حكم له لان كلامه من حيث الظاهر كذب فإنه وصفها
بالحرمة وهي حلال له قالوا هذا فيما بينه وبين الله تعالى فأما في القضاء فلا يدين لان كلام
العاقل محمول على الصحة والعمل به شرعا فلا يلغي مع امكان الاعمال وفي حمله على الكذب
الغاؤه ولم يذكر في الكتاب ما لو قال نويت به الظهار وذكر في النوادر أنه يكون ظهارا
في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى لأنها تحرم عليه بالظهار كما تحرم عليه بالطلاق
فكان ما نوى من محتملات لفظه وعند محمد رحمه الله تعالى لا يكون ظهارا لان الظهار
تشبيه المحللة بالحرمة فبدون حرف التشبيه وهو الكاف لا يثبت الظهار وعلى قول ابن أبي
ليلى رحمه الله تعالى في هذا ونظائره من الكنايات وهي ثلاث لا يدين في شئ لأنه وصفها
بكونها محرمة عليه والحرمة لا تثبت صفة للمحل الا بزوال صفة الحل لاستحالة اجتماع الضدين
في محل واحد وصفة الحل لا تزول الا بالتطليقات الثلاث فكان وقوع الطلاق موجبا لهذا
اللفظ حقيقة فلا يدين في شئ آخر ولكنا نقول وصفها بالحرمة والحرمة أنواع ولها أسباب
فإذا نوى نوعا أو سببا كان المنوي من محتملات كلامه فتصح نيته (قال) ولو قال كل حل
علي حرام يسأل عن نيته فإذا نوى يمينا فهو يمين ولا تدخل امرأته فيه إلا أن ينويها فإذا
لم ينو حمل ذلك على الطعام والشراب حاصة وفي القياس وهو قول زفر رحمه الله تعالى كما
يفرغ من يمينه يحنث وتلزمه الكفارة فان فتح العينين والقعود والقيام حل داخل في هذا
التحريم فكان شرط الحنث عقيب التحريم موجودا ولكنا نقول علمنا يقينا انه لم يرد به
العموم لان البر مقصود الحالف ولا تصور للبر إذا حمل على العموم فإذا لم يمكن اعتبار معنى
العموم فيه حمل على المتعارف وهو الطعام والشراب الذي به قوام النفس ولا تدخل المرأة فيه
إلا أن ينويها لان ادخالها بدون النية لمراعاة العموم وقد تعذر ذلك والعادة ان المرأة إذا
71

قصدت بالتحريم تخص بالذكر فان نواها دخلت فيه لان المنوي من محتملات لفظه ولكن
لا يخرج الطعام والشراب حتى إذا أكل أو شرب أو قرب امرأته حنث لان ظاهر
لفظه للطعام والشراب ولا يدين في صرف اللفظ عن ظاهره فإذا حنث سقط عنه الايلاء
لان الكفارة لزمته وارتفعت اليمين وإن لم يكن له نية فهو يمين يكفرها لان الحرمة باليمين
أدنى الحرمات وان نوى الطلاق فالقول فيه كالقول في المسألة الأولى وعند نية الطلاق
لا يكون يمينا لأنه لفظ واحد فلا يسع فيه معنيان مختلفان والطلاق غير اليمين فإذا عملت نيته
في الطلاق سقط اعتبار معنى اليمين وعلى هذا روى عيسى بن أبان عن أبي يوسف ومحمد
رحمهم الله تعالى انه لو قال لامرأتين أنتما على حرام ينوى في إحداهما الطلاق وفي
الأخرى اليمين أنه يكون طلاقا فيهما جميعا وكذلك لو نوى في إحداهما الطلاق ثلاثا وفى
الأخرى واحدة يكون ثلاثا فيهما جميعا لأنه كلام واحد فلا يحتمل معنيين مختلفين وان
نوى الكذب فهو كذب كما بينا في الفصل الأول (قال) وإذا قال لامرأته قد حرمتك
على أو قد حرمتك أو أنت على حرام أو أنا عليك حرام أو حرمت نفسي عليك أو أنا
عليك حرام أو أنت على محرمة فالقول في ذلك كالقول في الحرام لان الحرمة تثبت من
الجانبين فيصح اضافتها إلى نفسه كما يصح اضافتها إليها وذكر الفعل وهو قوله حرمتك
بمنزلة ذكر الوصف لأنها لا تصير محرمة عليه الا بفعله ولو قال أنت على كمتاع فلان ينوى
به الطلاق أو الايلاء فهذا ليس بشئ لأنه ما وصفها بالحرمة بهذا اللفظ فان متاع فلان
ليس عينه بحرام الا ترى ان يحل له تناوله بإذن المالك وعند عدم الإذن لا يحل لحق المالك
لا لحرمة المحل حتى إذا لم يكن المالك محترما بان كان حربيا كان تناوله مباحا (قال) وإذا
قال أنت على كالدم أو كالميتة أو كلحم الخنزير أو الخمر يسأل عن نيته لأنه شبهها بمحرم العين
فان هذه الأعيان محرمة العين شرعا قال الله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم الآية فكان
هذا بمنزلة تحريمها على نفسه بقوله أنت على حرام وقد بينا أنه يسأل عن نيته والدليل على
الفرق فصل الظهار فإنه لو شبه امرأته بأجنبية لا يكون مظاهرا ولو شبهها بأمه يكون
مظاهرا لان الأم تكون محرمة عليه فهذا مثله (قال) ولو قال أنت منى بائن أو بتة
أو خلية أو برية فإن لم ينو الطلاق لا يقع الطلاق لأنه تكلم بكلام محتمل فالبينونة تارة
تكون من المنزل وتارة تكون في الصحبة والعشرة وتارة من النكاح واللفظ المحتمل لا
72

يتعين فيه بعض الجهات بدون النية أو غلبة الاستعمال ولان بدون النية معنى الطلاق
مشكوك في هذا اللفظ والطلاق بالشك لا ينزل وان نوى الطلاق فهو كما نوى ان نوى
ثلاثا فثلاث لأنه نوى أتم أنواع البينونة فان البينونة تارة تكون مع احتمال الوصل
عقيبه وتارة تكون على وجه لا يحتمل الوصل عقيبه وهو الثلاث ما لم تتزوج بزوج آخر
فعملت نيته وان نوي اثنتين فهي واحدة بائنة عندنا خلافا لزفر رحمه الله وقد بينا في الفصل
الأول الكلام في هذا فان قوله بائن كلمة واحدة فلا تحتمل العدد وان نوى واحدة أو نوى
الطلاق فقط فهي واحدة بائنة عندنا وعند الشافعي رضي الله عنه هي واحدة رجعية وكذلك
كل لفظ يشبه الفرقة إذا أريد به الطلاق كقوله حبلك على غاربك وقد خليت سبيلك ولا
ملك لي عليك وألحقي بأهلك واخرجي واستتري وتقنعي وقد وهبتك لأهلك ان قبلوها
أو لم يقبلوها وقد أبنت نفسك منى أو أبنت نفسي منك فالجواب في هذا كله كما ذكرنا في
قوله أنت منى بائن وقد نقل عن عمر رضى الله تعالى عنه في قوله حبلك على غاربك أنه
طلاق إذا نوى ولان في هذه الألفاظ احتمال معنى زوال الملك فان من سيب ناقته يجعل
حبلها على غاربها ويخلى سبيلها وفى قوله لا ملك لي عليك تصريح بنفي الملك وفي قوله ألحقي
بأهلك الزامها الالتحاق بأهلها وذلك بعد انقطاع النكاح بينهما وفى قوله أخرجي واستتري
وتقنعي الزامها ما صرح به وإنما يلزمها ذلك في حقه بعد زوال الملك وكذلك هبتها لأهلها
تكون أمرا بالالتحاق بهم بإزالة ملك نفسه عنها فإذا ثبت هذا كانت هذه الألفاظ كلها
كلفظة البينونة وبعض المتأخرين من مشايخنا يسمون هذه الألفاظ كنايات وهو مجاز
لا حقيقة لان عندنا هذه الألفاظ تعمل في حقائق موجباتها ولهذا يقع به التطليقة البائنة
والكناية ما يستعار لشئ آخر فإنما يستقيم هذا الأصل على أصل الشافعي رحمه الله تعالى
فإنه يجعل هذه الألفاظ كناية عن لفظ الطلاق ولهذا كان الواقع به رجعيا وكان محمد رحمه
الله تعالى أشار إلى هذا المعنى في قوله وكذلك كل كلام تقع به الفرقة مما يشبه الطلاق ثم الكلام
بيننا وبين الشافعي رحمه الله تعالى ينبنى على أصل وهو ان عنده إزالة الملك بعد الدخول غير
مملوك للزوج الا باشتراط البدل أو باستيفاء العدد وعندنا هو مملوك له كايقاع أصل الطلاق
حتى لو قال لامرأته أنت طالق بائن عندنا تقع تطليقة بائنة وعنده تقع تطليقة رجعية واستدل
فقال إن خيار الرجعة بعد ايقاع الطلاق ثابت شرعا في العدة لا بايجاب من الزوج فلا تصرف
73

له في اسقاطه شرعا وفى وصف التطليقة بالبينونة اسقاط خيار الرجعة ولو صرح به فقال
أنت طالق ولا رجعة لي عليك لم يسقط حق الرجعة فهنا أولى ولان إزالة ملك النكاح
معتبر بإزالة ملك اليمين تارة يكون بالمعارضة فيثبت بنفسه وتارة يكون بجهة التبرع فيتأخر
إلى ما بعد القبض ولو أراد تغييره لا يملك ذلك حتى لو قال وهبت منك هبة توجب الملك
بنفسه كان باطلا فكذلك إزالة ملك النكاح تارة يكون بعوض وهو الخلع فيثبت بنفسه
وتارة يكون بغير عوض فيتأخر إلى ما بعد انقضاء العدة أو استيفاء العدد فلا يملك تغييره
بتنصيصه لان هذا التنصيص تصرف منه في حكم الشرع لا في ملك نفسه ولأن هذه
الألفاظ دون لفظ الصريح حتى أنها لا تعمل الا بالنية فإذا كان الصريح الذي هو أقوي
لا يزيل الملك بنفسه فهذا أولى وهذه الألفاظ كناية عن الطلاق غير عاملة بحقائق موجباتها
فان حقيقة حرمتها عليه أن تكون مؤبدة كحرمة الأمهات ولا يثبت ذلك بشئ من هذه
الألفاظ فان ما يثبت بهذه الألفاظ الحرمة التي تثبت بالطلاق فعرفنا انها كناية عن الطلاق
وحجتنا في ذلك ايقاع صفة البينونة تصرف من الزوج في ملكه فيكون صحيحا كايقاع
أصل الطلاق وبيانه ان الطلاق بالنكاح مملوك للزوج وما صار مملوكا له الا لحاجته إلى
التفصي عن عهدة النكاح وذلك بإزالة ملك النكاح وكذلك قبل الدخول إزالة الملك مملوك
للزوج وبالدخول يتأكد له ملكه فلا يبطل ما كان ثابتا له بالملك من ولاية الإزالة وكذلك
يملك الاعتياض عن إزالة الملك وإنما يملك الاعتياض عما هو مملوك له فثبت ان الإبانة مملوكة
له فكان وصفه الطلاق الذي أوقع بالبينونة تصرفا منه في ملك نفسه فيجب إعماله ما أمكن
وكان ينبغي على هذا الأصل ان يزول الملك بنفس الطلاق إلا أن حكم الرجعة بعد صريح
الطلاق ثبت شرعا بخلاف القياس وما ثبت شرعا بخلاف القياس لا يلحق به ما ليس في معناه
وهذا ليس في معنى صريح لفظ الطلاق لأنه يجامع النكاح ألا ترى أنها بعد الرجعة توصف
بأنها مطلقة ومنكوحة ولا توصف بأنها مبانة ومنكوحة فإذا لم يكن في معني المنصوص
يؤخذ فيه بأصل القياس ولان في قوله أنت طالق يحتمل الطلاق المبين وغير المبين فكان
قوله بائنا لتعيين أحد المحتملين كما نقول الناس يكون محتملا للعموم والخصوص وإذا قال الناس
كلهم يزول به هذا الاحتمال وكذلك إذا قال بعت يحتمل البيع بالخيار والبيع البات فإذا
قال بيعا باتا يزول هذا الاحتمال وهذا بخلاف الهبة فإنها لا توجب الملك لضعفها في نفسها
74

حتى تتأيد بما يقويها وهو القبض وبشرطها لا تتقوى وهنا قوله أنت طالق لا يزيل الملك
بنفسه لا لضعفه لأنه قوى لازم بل لأنه غير مناف للنكاح فإذا قال تطليقة بائنة فقد زال ذلك
المعني حين صرح بما هو مناف للنكاح وهذه الألفاظ تعمل في حقائق موجباتها فان
حرمتها عليه تثبت بهذا اللفظ مؤيدة عند نية الثلاث ولكن الزوج الثاني رافع للحرمة كما أن
زوال الملك بالطلاق يثبت مؤبدا وإن كان العقد بعده يوجب الملك إلا أنه لا يمكن اثبات حقيقة
موجب هذا اللفظ من جهة الزوج الا بالطلاق فلهذا وجب اعمال نيته في الطلاق وعلى هذا
لو قال لها أنت حرة لان فيه معنى إزالة الملك فان النكاح رق وحريتها عنه تكون بإزالته فأما
إذا قال لها اعتدى فهذا اللفظ كناية لأنه محتمل يحتمل أن يكون مراده اعتدى نعم الله أو
نعمي عليك أو اعتدى من النكاح فإذا نوى به الطلاق وقعت تطليقة رجعية لان وقوع
الطلاق ليس بحقيقة اللفظ فان حقيقته في الحساب فلا تأثير له في إزالة الملك والعدة تجامع
النكاح ابتداء وبقاء ولكن من ضرورة عدتها من النكاح تقدم الطلاق فكان وقوع الطلاق
بطريق الاضمار في كلامه فكأنه قال طلقتك فاعتدي ولهذا قلنا إنه وان تكلم بهذا اللفظ قبل
الدخول تعمل نيته في الطلاق ولا عدة عليها قبل الدخول فعرفنا أن اللفظ غير عامل في حقيقته
ولكن الطلاق فيه مضمر يظهر عند نيته عرفنا ذلك بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم لسودة
حين أراد أن يطلقها اعتدى وكذلك قوله استبرئي رحمك بمنزلة التفسير لقوله اعتدى لأنه
تصريح بما هو المقصود من العدة وكذلك لو قال لها أنت واحدة لأنه كلام محتمل يجوز
أن يكون قوله واحدة نعتا لها أي واحدة عند قومك أو منفردة عندي ليس معك غيرك
أو واحدة نساء العالم في الجمال ويحتمل أن يكون نعتا لتطليقة أي أنت طالق واحدة فلا يقع
الطلاق به الا بالنية فإذا نوى يقع به تطليقة رجعية لان الوقوع بطريق الاضمار فكأنه صرح
بما هو المضمر وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يقع بهذا اللفظ شئ وان نوى لان قوله واحدة
نعت لها وليس فيه احتمال معنى الطلاق أصلا ولكنا نقول كلام العاقل متى أمكن حمله على
ما هو مفيد يحمل عليه فاما إذا قال لها أنت طالق يقع به تطليقة رجعية نوى أو لم ينو لان
هذا اللفظ صريح في الطلاق عند النكاح لغلبة الاستعمال فلا حاجة إلى النية فيه ولأنه
يختص بالنساء ولا يذكر لفظ الطلاق الا مضافا إلى النساء وإنما يذكر في غيرهن الاطلاق
والمعنى المختص بالنساء النكاح فتعين الطلاق عن النكاح عند الإضافة إليها وكذلك ما يكون
75

مشتقا من لفظ الطلاق كقوله قد طلقتك أو أنت مطلقة إلا أنه روى عن محمد رحمه الله
تعالى انه إذا قال أنت مطلقة باسكان الطاء وتخفيف اللام لا يكون طلاقا لا بالنية لان هذا
اللفظ غير مختص بالنساء ولو نوى بقوله أنت طالق ثلاثا أو اثنتين لا تعمل نيته عندنا ولا
يقع عليها الا واحدة رجعية وعلى قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى يقع ما نوى وهو قول
أبي حنيفة رحمه الله تعالى الأول لان الصريح أقوى من الكناية فإذا صح نية الثلاث في
قوله أنت بائن فلان يصح في قوله أنت طالق أولى وهذا لان لفظ الطلاق محتمل للعدد
حتى يفسر به فتقول أنت طالق ثلاثا وهو نصب على التفسير وإذ قيل إن فلانا طلق امرأته
يصح الاستفسار عن العدد فيقال كم طلقها ولان قوله أنت طالق أي طالق طلاقا فإنها لا
تكون طالقا الا بالطلاق ولو صرح بهذا ونوى الثلاث يصح ولأنه لو قال لها طلقي نفسك
ونوى به الثلاث صحت نيته فكذلك إذا قال طلقتك لان كل واحد منهما ذكر بلفظ
الفعل وحجتنا في ذلك أن ابن عمر رضى الله تعالى عنه طلق امرأته فأمره رسول الله صلى
الله عليه وسلم ان يراجعها ولم يستفسره انك أردت الثلاث أم لا ولم يحلفه على ذلك ولو
كانت نية الثلاث تسع في هذا اللفظ لحلفه كما حلف ابن ركانة رضى الله تعالى عنه في لفظ
البتة والمعنى فيه أنه نوى مالا يحتمله لفظه فلا تعمل نيته كما لو قال لها حجي أو زوري أباك
أو اسقيني ماء من خارج ونوى به الطلاق وهذا لان المنوي إذا لم يكن من محتملات اللفظ
فقد تجردت النية عن اللفظ وبمجرد النية لا يقع شئ وإنما قلنا ذلك لان قوله أنت طالق
نعت فرد فلا يحتمل العدد ألا ترى أنه يقال للمثني طالقان وللثلاث طوالق فيكون نعتا
للنساء لا للطلاق وقوله طلقتك فعل وهو لا يحتمل العدد كقوله قمت وقعدت وأحد
لا يخالف في هذا وإنما تعمل النية عنده بما قال إنها لا تكون طالقا الا للطلاق ولكن هذا
ثابت بمقتضى كلامه ولا عموم للمقتضي عندنا لان ثبوته لتصحيح الكلام حتى لو صح
بدون المقتضى لا يثبت المقتضى ويصح بدون صفة العموم في المقتضى ولان ذكر النعت
يقتضى وصفا ثابتا للموصوف لغة فاما الوصف الثابت للواصف لتصحيح كلامه يكون ثابتا
شرعا لا لغة والطلاق بهذه الصفة لان تقديم الايقاع لتصحيح كلامه شرعا وكذلك في قوله
قد طلقتك فإنه حكاية قوله ولا احتمال فيه لمعنى العدد ولا لمعني العموم بخلاف قوله طلقي
نفسك فان نية العدد لا تعمل هناك عندنا حتى لو نوي الثنتين لا يصح ونية الثلاث إنما تصح
76

باعتبار معنى العموم لأنه تفويض والتفويض قد يكون عاما وقد يكون خاصا والمفوض إليها
بهذا اللفظ طلاق وذلك ثابت في هذا اللفظ لغة والطلاق بمنزلة أسماء الأجناس يحتمل العموم
والخصوص فتعمل نيته في العموم ولسنا نقول في قوله ثلاثا انه نصب على التفسير بل هو
منصوب بنزع حرف؟ الخافض؟ عنه معناه بثلاث كقوله ما هذا بشرا أو هو منصوب على طريق
البدل عن مصدر محذوف ومعناه طلاقا ثلاثا وبأن صح الاستفسار عن العدد في الحكاية فذلك
لا يدل على أنه من محتملات اللفظ كما يصح الاستفسار عن الشرط والبدل وأما إذا قال أنت طالق طلاقا فقد روى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا تعمل نية الثلاث
فيه لان المصدر يذكر لتأكيد الكلام يقال أكلت أكلا وقمت قياما فلا تسع فيه نية
الثلاث ثم ولئن صحت نية الثلاث فلا تصح باعتبار العدد بل باعتبار معنى العموم لان المصدر
يحتمل الكثرة قال الله تعالى وادعوا ثبورا كثيرا ولان المصدر يضارع الاسم فكان هذا
وقوله أنت طالق الطلاق سواء وتصح نية الثلاث في قوله الطلاق لأنه من أسماء الأجناس
محتمل للعموم والخصوص ولان الألف واللام لاستغراق الجنس فيما لا معهود فيه وكذلك
قوله أنت الطلاق فمعناه أنت طالق الطلاق حتى تسع فيه نية الثلاث وقد يذكر المصدر
ويراد به الفعل يقال إنما هو اقبال وادبار على سبيل النعت للمقبل والمدبر وعلى هذا لو قال
أنت الطلاق يقع به الطلاق بمنزلة قوله أنت طالق وذكر ابن سماعة رحمه الله تعالى أن
الكسائي رحمه الله تعالى بعث إلى محمد رحمه الله تعالى بفتوى فدفعها إلي فقرأتها عليه ما قول
القاضي الامام فيمن يقول لامرأته
فان ترفقي يا هند فالرفق أيمن * وان تخرقي يا هند فالخرق أشأم
فأنت طلاق والطلاق عزيمة * ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم
كم يقع عليها، فكتب في جوابه ان قال ثلاث مرفوعا تقع واحدة وان قال ثلاث منصوبا
يقع ثلاث لأنه إذا ذكره مرفوعا كان ابتداء فيبقى قوله أنت طالق فتقع واحدة وان قال
ثلاثا منصوب على معنى البدل أول على التفسير يقع به ثلاث (قال) ولو قال لامرأته
سرحتك أو فارقتك ولم ينو الطلاق لم يقع شئ عندنا وعند الشافعي رضي الله عنه يقع الطلاق
وهما صريح عنده لان كتاب الله تعالى ورد بهما في قوله تعالى وسرحوهن ولكنا نقول الصريح
ما يكون مختصا بالإضافة إلى النساء فلا يستعمل في غير النكاح وهذا لا يوجد في هذين اللفظين
77

فان الرجل يقول سرحت ابلى وفارقت غريمي أو صديقي فهما كسائر الألفاظ المبهمة لا يقع بهما
الطلاق الا بالنية (قال) ولو قال اذهبي ونوى به الطلاق كان طلاقا موجبا للبينونة لأنه
لا يلزمها الذهاب الا بعد زوال الملك فان قال اذهبي وبيعي ثوبك ونوى به الطلاق لم يكن
طلاقا في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وكان طلاقا في قول زفر رحمه الله تعالى ذكره في
اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى لان نية الطلاق عاملة في قوله اذهبي وقوله بيعي ثوبك
مشورة فلا يتغير به حكم اللفظ الأول وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول معني كلامه اذهبي
لتبيعي ثوبك فكان مصرحا بخلاف المنوي فلهذا لا تعمل نيته (قال) ولو قال أنا منك طالق
فليس هذا بشئ وان نوى الطلاق عندنا وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه يقع به الطلاق
إذا نوى الوقوع عليها لأنه لو قال أنا منك بائن أو أنا عليك حرام ونوى به وقوع الطلاق
يقع ولفظ الصريح أقوى من لفظ الكناية وهذا لان ملك النكاح مشترك بين الزوجين
حتى سميا متناكحين ويبتدأ في النكاح بذكر كل واحد منهما وينتهى النكاح بموت كل
واحد منهما حتى يرث كل واحد منهما من صاحبه فيصح إضافة الطلاق إلى كل واحد منهما
الا ان إضافة الطلاق إلى الزوج غير متعارف فيحتاج فيه إلى النية ومحل وقوع الطلاق
المرأة فلا بد من نية الوقوع عليها كما في ألفاظ الكنايات وحجتنا في ذلك ما روى أن امرأة
قالت لزوجها لو كان إلي ما إليك لرأيت ماذا أصنع فقال جعلت إليك ما إلي فقالت طلقتك
فرفع ذلك إلى عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنه فقال فض الله فاها هلا قالت طلقت
نفسي منك وفي الكتاب علل فقال لان الزوج لا يكون طالقا من امرأته ومعنى الطلاق هو
الاطلاق والارسال وقيد الملك في جانبها لا في جانبه ألا ترى أنها لا تتزوج بغيره والزوج
يتزوج بغيرها فلا يتحقق الارسال في جانبه ولهذا يكون الوقوع عليها لا عليه فإنما هو مطلق
لها كما يكون المولي معتقا لعبده ولو قال للعبد أنا حر منك لم يعتق العبد فكذلك الطلاق وبه
فارق لفظ البينونة والحرمة لان البينونة قطع الوصلة والوصلة مشتركة بينهما الا ترى أنه
يقال بانت عنه وبان عنها وكذلك لفظ الحرمة يقال حرم عليها وحرمت عليه وقد بينا أن
هذه الألفاظ لم تعمل بحقائق موجباتها والذي يقول الملك مشترك كلام لا معني له بل الملك
للزوج عليها خاصة حتى يتزوج المسلم الكتابية ولا يتزوج الكتابي المسلمة وفيه كلام طويل
لأصحابنا رحمهم الله تعالى والأولى ان تقول ما ثبت لها بالنكاح ملك المهر والنفقة وذلك
78

لا يقبل الطلاق وما ثبت له عليها ملك الحل وهو الملك الأصلي الذي يقابله البدل والطلاق
مشروع لرفعه وإنما يرفع الشئ عن المحل الوارد عليه دون غيره ثم الملك الذي يثبت في جانبها
تبع للملك الثابت للزوج وما يكون تبعا في النكاح لا يكون محلا لإضافة الطلاق إليه عندنا
كيدها ورجلها على ما نقرره في قوله يدك طالق ورجلك طالق (قال) ولو قال أنت طالق
البتة سئل عن نيته فإذا نوى تطليقة واحدة فهي واحدة بائنة لان قوله البتة نعت للطلاق
أي قاطع للنكاح كقوله بائن ولو نوى ثلاثا فثلاث وإن لم يكن له نية فهي واحدة بائنة
كما في قوله أنت بائن فان قال عنيت بقولي طالق واحدة وبقولي البتة أخرى تطلق اثنتين
بائنتين لان الرجل لو قال لامرأته أنت بتة ونوى به الطلاق تعمل نيته فكذلك إذا نوى
بلفظة البتة تطليقة أخرى ولو قال عنيت بقولي طالق واحدة وبقولي البتة اثنتين طلقت
اثنتين لان نية العدد لا تسع في لفظ البتة وكذلك كل كلام يشبه الطلاق ضمه إلى الطلاق
الا قوله اعتدى فإنه رجعي لا تسع فيه نية الثلاث لان وقوع الطلاق به باضمار لفظ الطلاق
فيه فلا يكون أقوى مما لو صرح به ولو قال لها اعتدى وقال لم أنو الطلاق فهي امرأته
بعد أن يحلف وكذلك في جميع الألفاظ المتقدمة إذا قال لم أنو الطلاق فعليه اليمين لأنه
أمين فيما يخبر عن ضميره والقول قول الأمين مع اليمين واليمين لنفى التهمة عنه ألا ترى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف ابن ركانة رضي الله تعالى عنه في لفظ البتة لما كان الثلاث
من محتملات لفظه ولو قال اعتدى فاعتدي أو قال اعتدى واعتدي أو قال اعتدى اعتدى
وقال نويت الطلاق فهي تطليقتان في القضاء ولو قال عنيت واحدة دين فيما بينه وبين الله
تعالى وعن زفر رحمه الله تعالى انه تعمل نيته في القضاء وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في
قوله فاعتدى كذلك وفى قوله واعتدى أو اعتدى تطليقتان كما هو ظاهر الرواية وزفر رحمه
الله تعالى يقول كرر اللفظ الأول والتكرار للتأكيد لا للزيادة وأبو يوسف رحمه الله
تعالى يقول الفاء للوصل فيكون معناه فاعتدى بذلك الايقاع لا ايقاعا آخر والواو للعطف
وموجب العطف الاشتراك فيكون الثاني ايقاعا كالأول وجه ظاهر الرواية ان هذا اللفظ
عند نية الايقاع كالصريح ولو قال أنت طالق وطالق أو طالق فطالق أو طالق طالق كان
تطليقتين فكذلك هنا في القضاء ولو قال اعتدي اعتدي اعتدى وهو ينوى تطليقة واحدة
بهن جميعا فهو كذلك فيما بينه وبين الله تعالى فاما في القضاء فهو ثلاث لما بينا ان كل كلام
79

ايقاع مبتدأ في الظاهر والقاضي مأمور باتباع الظاهر ولكن يحتمل تكرار الأول والله
تعالى مطلع على ضميره فيدين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يسع المرأة إذا سمعت ذلك أن
تقيم معه لأنها مأمورة باتباع الظاهر كالقاضي ولو قال نويت بالأولى الطلاق وبالآخرتين
العدة فهو مصدق في القضاء لان ظاهر كلامه أمر بالاعتداد والامر بالاعتداد يستقيم
بعد وقوع التطليقة فكان مصدقا في القضاء وفى الحاصل هذه المسألة على اثنى عشر وجها
وقد بينا ذلك في شرح الجامع الصغير وان قال لما أنت طالق فاعتدي وأراد بقوله فاعتدى
العدة فهو مصدق في القضاء لان الامر بالاعتداد مستقيم بعد وقوع التطليقة الواحدة وان
أراد تطليقة أخرى أو لم ينو شيئا فهي أخرى لأنها ذكرت بعد مذاكرة الطلاق وان
أراد به ثنتين فهي واحدة رجعية لان نية العدد لا تسع في هذا اللفظ وكذلك قوله أنت
طالق واعتدى (قال) وإذا قالت المرأة لزوجها طلقني فقال اعتدى ثم قال لم أنو به الطلاق
لم يصدق في القضاء عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يصدق لأنه لو ذكر هذا اللفظ قبل
سؤالهما الطلاق لم يعمل الا بنية الطلاق فكذلك بعد سؤالها لان العامل لفظ الزوج ولفظه
لا يختلف بسؤالها وعدم سؤالها ويجوز أن يكون مراده اعتدى نعمتي عليك ولا
تشتغلي بسؤال الطلاق فإنه كفران النعمة ولكنا نقول هذا الكلام بعد سؤال الطلاق
لا يراد به الا الطلاق عادة والقاضي مأمور باتباع الظاهر وما هو المعتاد ثم الكلام الواحد
قد يكون مدحا وقد يكون ذما وإنما يتبين أحدهما عن الآخر بالمقدمة ودلالة الحال فإن لم
تعتبر دلالة الحال لا يتميز المدح من الدم إذا عرفنا هذا فنقول الأحوال ثلاثة حال مذاكرة
الطلاق وحال الغضب وحال الرضا فاما في حال مذاكرة الطلاق لا يدين في القضاء في
شئ من الألفاظ التي ذكرناها بل يحمل على الجواب لما تقدم في سؤالها ويكون ما تقدم
في السؤال كالمعاد في الجواب وفى حالة الغضب لا يدين في ثلاثة ألفاظ اعتدى واختاري
وأمرك بيدك لأن هذه الألفاظ لا تحتمل معنى السبب والايعاد وعند الغضب اما أن
يكون مراده السب أو الطلاق فإذا لم يكن في اللفظ احتمال معنى السب تعين الطلاق مرادا
به وفى خمسة ألفاظ يدين في القضاء وهي قوله أنت بائن حرام بتة خلية برية لأن هذه الألفاظ
تحتمل معنى السب أي أنت بائن من الدين برية من الاسلام خلية من الخير حرام الصحبة
والعشرة بتة عن الأخلاق الحسنة فلا يتعين الطلاق مرادا به فإذا قال أردت السب كان
80

مدينا في القضاء وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه ألحق بهذه الألفاظ أربعة ألفاظ أخر
خليت سبيلك فارقتك لا سبيل لي عليك لا ملك لي عليك لأنها تحتمل معنى السب أي
لا ملك لي عليك لأنك أدون من أن تملكي لا سبيل لي عليك لشرك وسوء خلقك
وفارقتك اتقاء لشرك وخليت سبيلك لهوانك علي وأما في حالة الرضا فهو مدين في هذه
الألفاظ ولا يقع الطلاق بها الا بالنية وكذلك فيما سواها من الألفاظ (قال) وإذا قال
لها اعتدى ثلاثا وقال نويت تطليقة واحدة تعتد لها ثلاث حيض فالقول قوله في القضاء
لان الثلاث عدد الطلاق وعدد لاقراء العدة أيضا والعدة في لفظه والطلاق في ضميره
فإذا صلح قوله ثلاثا بيانا لما في ضميره فلان يصلح بيانا لما تلفظ به أولى فلهذا قبل قوله
في القضاء (قال) وان قال لامرأته لست لي بامرأة ينوى الطلاق فهو كما وصفت لك في
الخلية والبرية في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
لا تطلق وهذا ليس بشئ لحديث عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال إذا سئل الرجل
ألك امرأة فقال لا فإنما هي كذبة وهذا المعنى انه نفى نكاحها ونفى الزوجية لا يكون طلاقا
بل يكون كذبا منه لما كانت الزوجية بينهما معلومة كما لو قال لامرأته والله ما أنت لي بامرأة
أو على حجة ان كانت لي امرأة أو مالي امرأة أو قال لم أتزوجك لم يقع الطلاق بهذه
الألفاظ وان نوى وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول قوله لست لي بامرأة كلام محتمل أي
لست لي بامرأة لأني فارقتك أو لست لي بامرأة لأنك لم تكوني في نكاحي وموجب
الكلام المحتمل يتبين بنيته فلا تكون هذه الألفاظ طلاقا بغير النية ونية الطلاق تعمل
فيه لأنه من محتملاته كما في قوله خلية برية فاما في قوله والله ما أنت لي بامرأة فيمينه
لا يكون الا على النفي في الماضي وذلك يمنع احتمال معنى الطلاق فيه وكذلك إذا قال لم
أتزوجك فهو جحود للنكاح من الأصل والطلاق تصرف في النكاح وجحود أصل الشئ
لا يحتمل معنى التصرف فيه وإذا قيل ألك امرأة فقال لا فالسائل إنما سأله عن نكاح ماض
وكلامه جواب فيكون نفيا للنكاح في الماضي وهو كذب كما قال عمر رضى الله تعالى عنه
فاما قوله لست نفى للنكاح في الحال وفى المستقبل لا في الماضي فيكون محتملا للطلاق وفي
قوله مالي امرأة فحرف ما للنفي فيما مضي فهو كحرف إذ للماضي وإذا للمستقبل حتى لو قال
طلقتك إذا دخلت الدار تطلق في الحال ولو قال إذا دخلت الدار لا تطلق حتى تدخل فاما
81

إذا قال لا نكاح بيني وبينك ولا سبيل لي عليك فهو نفي في الحال وفى المستقبل لا في الماضي
فتسع فيه نية الطلاق بالاتفاق وهذا دليل لأبي حنيفة رحمه الله تعالى وإذا قال أنت طالق ثم
قال عنيت طالقا من الوثاق أو طالقا من الإبل لم يصدق في القضاء لأنه خلاف الظاهر
ولكن يدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه محتمل فان الطلاق من الاطلاق والاطلاق مستعمل
في الإبل والوثاق فيحتمل أن يكون الطلاق عبارة عنه مجازا فيدين فيما بينه وبين الله تعالى
ولو قال أنت طالق من وثاق لم يقع عليها شئ لأنه بين بكلامه موصولا مراده من قوله
طالق والبيان المغير صحيحا موصولا وقد بيناه في الاقرار وان قال عنيت بقولي طالقا من
عمل من الاعمال ففي رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى هذا والأول سواء وفى
ظاهر الرواية هناك لا يدين في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى لان لفظ الطلاق
لا يستعمل في العمل حقيقة ولا مجازا الا ان يذكره موصولا فيقول أنت طالق
من عمل كذا فحينئذ هي امرأته فيما بينه وبين الله تعالى ويقع الطلاق في القضاء لأنه ليس
ببيان من حيث الظاهر لما لم يكن ذلك اللفظ مستعملا فيه وكل ما لا يدينه القاضي فيه
فكذلك المرأة إذا سمعت منه أو شهد به شاهدا عدل لا يسعها أن تدين الزوج فيه لأنها
لا تعرف منه الا الظاهر كالقاضي (قال) وإذا طلق امرأته تطليقة بائنة ثم قال لها في عدتها
أنت علي حرام أو ما أشبه ذلك وهو يريد بذلك الطلاق لم يقع عليها شئ لأنه صادق في
قوله هي على حرام وهي منه بائن ومعنى هذا ان صيغة كلامه في قوله طالق أو بائن وصف
ولكن يجعل ايقاعا ليتحقق ذلك الوصف بما يقع والوصف هنا متحقق من غير أن يجعل
كلامه ايقاعا والأوجه أن يقول إن هذه الألفاظ تعمل بحقائقها من ثبوت الحرمة والبينونة
بها والثابت لا يمكن اثباته وإنما تعمل هذه الألفاظ بإرادة الفرقة أو رفع النكاح بها وذلك
لا يتحقق بعد وقوع الفرقة فاما إذا قال لها ان دخلت الدار فأنت بائن ثم طلقها تطليقة بائنة ثم
دخلت الدار في عدتها وقع عليها تطليقة أخرى بذلك اللفظ عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى
لا يقع عليها شئ لان المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ولو نجز قوله أنت بائن في
هذه الحالة لم يقع به شئ فكذلك إذا وجد الشرط كما إذا قال إن دخلت الدار فأنت علي
كظهر أمي ثم أبانها ثم دخلت الدار لم يكن مظاهرا منها كما لو نجز الظهار في الحال وكذلك
إذا قال لها إذا جاء غد فاختاري ثم أبانها ثم جاء غد فاختارت نفسها لم يقع شئ عليها كما
82

لو نجز التخيير بعد البينونة وعلماؤنا رحمهم الله تعالى قالوا التعليق بالشرط قد صح ووجد
الشرط وهي محل لوقوع الطلاق عليها فينزل ما تعلق كما لو وجد الشرط بعد الطلاق الرجعي
وكما لو قال لها ان دخلت الدار فأنت طالق وهذا لأن هذه الألفاظ إنما تخالف الصريح في
الحاجة إلى نية الفرقة أو رفع النكاح بها والحاجة إلى هذه النية عند التلفظ بها فإذا كان التلفظ
بعد البينونة لم تصح هذه النية وإذا كان قبل البينونة صحت النية وتعلق الطلاق بالشرط ثم
لا حاجة إلى النية عند وجود الشرط فكانت هذه الألفاظ عند وجود الشرط في وقوع
الطلاق بها كلفظ الصريح وإنما الحاجة في وجود الشرط إلى وجود المحل وباعتبار العدة هي
محل لوقوع الطلاق عليها وبه فارق الظهار فإنها لم تبق محلا للظهار باعتبار العدة لان الظهار
تشبيه المحللة بالمحرمة وموجبه حرمة مؤقتة إلى التكفير وبعد ثبوت الحرمة بزوال الملك على
الاطلاق لا تكون محلا للحرمة المؤقتة وهذا بخلاف التخيير لان الوقوع هناك باختيارها
نفسها لا بتخيير الزوج ولهذا كان الضمان على شاهدي الاختيار دون التخيير واختيارها نفسها
بعد الفرقة باطل لأنها صارت أحق بنفسها فاما هنا الوقوع عند وجود الشرط باليمين السابق
ولهذا كان الضمان على شاهدي اليمين دون شاهدي الشرط واليمين قد صحت كما قررنا (قال)
في الكتاب ألا ترى أنه لو آلي من امرأته ثم طلقها واحدة بائنة ثم مضت مدة الايلاء وهي
في العدة وقعت عليها تطليقة الايلاء وزفر رحمه الله تعالى يخالف في هذا أيضا ولكن من
عادته الاستشهاد بالمختلف على المختلف لايضاح الكلام وإذا قال لامرأته أنا بائن يعني منك
ولم يقل منك فليس هذا بشئ وان عني به الطلاق وكذلك لو قال أنا حرام ولم يقل عليك
بخلاف ما إذا قال أنت بائن أو أنت حرام والفرق ان البينونة قطع الوصلة المشتركة ولا وصلة
في حقها الا التي بينه وبينها إذ لا يتصور على المرأة نكاحان فعند إضافة البينونة إليها تتعين
الوصلة التي بينه وبينها وإن لم يضف إلى نفسه واما في جانبه فالوصلة تتحقق بينه وبين غيرها
مع قيام الوصلة بينه وبينها فإذا قال أنا بائن لا يتعين بهذا اللفظ الوصلة التي بينهما ما لم يقل منك
وكذلك في لفظ الحرمة فإنها لا تحل الا له خاصة فإذا قال أنت حرام يتعين الحل الذي بينهما
للرفع بهذا اللفظ وإذا قال أنا حرام لا يتعين الحل الذي بينهما لجواز الحل الذي بينه وبين غيرها
فما لم يقل عليك لا يتم كلامه ايجابا (قال) ولو قال بعد الخلع أو التطليقة البائنة لها في عدتها
أنت طالق عندنا يقع الطلاق عليها وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه لا يلحق البائن الصريح
83

كما لا يلحقه بائن حتى لو قال لها بعد الخلع أنت بائن لا يقع الطلاق وان نوى فكذلك إذا قال
أنت طالق لان قوله أنت بائن مع نية الطلاق بمنزلة الصريح أو أقوى منه وهذا لان
الطلاق مشروع لإزالة ملك النكاح وقد زال الملك بالخلع فلا يقع الطلاق بعده كما بعد أن
قضاء العدة ولا يجوز أن تكون محلا للطلاق باعتبار العدة لان وجوب العدة هنا لحرمة الماء
حتى لا تجب قبل الدخول فتكون كالعدة من نكاح فاسد أو وطئ بشبهة ولو كانت هذه العدة
أثر النكاح فهو أثر يبقى بعد فساد الملك وهو بعد التطليقات الثلاث وبمثل هذا الأثر
لا تكون محلا للطلاق كالنسب فإنه أثر النكاح ولكن لما كان يبقى بعد نفاذ ملك الطلاق لا تصير
به محلا للطلاق وحجتنا في ذلك قوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به يعنى الخلع ثم قال
بعده فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وحرف الفاء للوصل والتعقيب
فيكون هذا تنصيصا على وقوع الطلقة الثالثة بالايقاع بعد الخلع وفى المشاهير عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال المختلعة يلحقها صريح الطلاق ما دامت في العدة رواه أبو سعيد
الخدري رضي الله عنه وغيره وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني حلفت
بثلاث تطليقات أن لا أكلم أخي فقال صلى الله عليه وسلم طلقها واحدة واتركها حتى
تنقضي عدتها ثم كلم أخاك ثم تزوجها ولو كان الطلاق لا يقع بعد الخلع لأرشده إلى الخلع
ليرتفع الهجران بينه وبين أخيه في الحال والمعنى فيه أنها معتدة من طلاق فتلحقها
التطليقات المملوكة للزوج بايقاعه كالمعتدة من قوله أنت طالق أو بائن وهذا لان موجبه
ليس هو زوال الملك ألا ترى أن بعد الطلاق الرجعي الملك يبقى مع لزوم الطلاق فان المطلقة
تطلق ثانيا ولو كان موجبه زوال الملك لم يتصور الايقاع بعد الايقاع لان الأول إن كان
مزيلا فلا موجب للثاني وإن لم يكن الأول مزيلا فكذلك الثاني وكذلك بعد الرجعة يبقى
الطلاق واقعا ولا يزول به الملك في الحال ولا في الثاني والأسباب الشرعية إذا خلت عن
موجباتها كانت لغوا فإذا ثبت أن موجب الطلاق ليس هو زوال الملك لا يشترط قيام الملك
لصحته كما لا يشترط قيام ملك اليمين لصحته ولكن موجبه الأصلي رفع الحل الذي صارت
المرأة به محلا للنكاح وذلك المحل باق بعد الخلع فكان الايقاع في هذه الحالة مفيد الموجبة
فان قيل هذا موجود بعد انقضاء العدة قلنا نعم ولكن الايقاع منه تصرف على المحل باثبات
صفة الحرمة ورفع الحل فلا بد من نوع ملك له على المحل لينفذ تصرفه وذلك اما ملك
84

النكاح أو ملك اليد ببقاء العدة لأنها في سكناه وفى نفقته عندنا وعنده إذا كانت حاملا
وملك اليد في التصرف كملك العين ألا ترى أن المكاتب يتصرف بملك اليد لو في كسبه
والمضارب بعد ما صار المال عروضا يتصرف وان نهاه رب المال لملك اليد له فاما بعد انقضاء
العدة فليس له عليها ملك اليد وبهذا الحرف فارق العدة النسب لان باعتبار نسب الولد
لا يبقى ملك اليد عليها والفرق بين قوله أنت طالق وبين قوله بأن ما ذكر محمد رحمه الله تعالى
في الكتاب وقد طوله وحاصل ما قال إن قوله بائن؟ لا يعمل الا بإرادة الفرقة أو رفع
النكاح وبعد البينونة لا يتحقق هذا فاما قوله طالق عامل بنفسه من غيره إرادة فرقة أو رفع
نكاح فيشترط لصحته قيام المحل توضيح الفرق ان قوله بائن عامل في حقيقة موجبه وهو
قطع الوصلة ووصلة النكاح بينهما منقطعة ولا أثر لهذا اللفظ في قطع وصلة العدة فخلى
عن موجبه فاما موجب الطلاق فهو رفع الحل كما بينا والايقاع بعد البينونة عامل في موجبه
لأنها تحرم به إذا تم العدد ثلاثا وهذا بخلاف العدة من نكاح فاسد لان بتلك العدة
لا يثبت له عليها ملك اليد حتى لا تستحق عليه النفقة والسكنى ولو قال لها بعد الخلع اعتدى
ونوى به الطلاق وقع عليها تطليقة أخرى وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى انه لا يقع عليها
شئ بهذا لان هذا اللفظ لا يعمل بنفسه بل بنية الطلاق فيكون بمنزلة قوله بائن وفى ظاهر
الرواية قال هذا اللفظ عامل من غير إرادة الفرقة أو فساد النكاح فان الواقع به رجعي
كالصريح وهذا لان عمل هذا اللفظ لا بحقيقة موجبه بل باضمار الطلاق فيه ولهذا صح قبل
الدخول فكان المضمر كالمصرح به وقد بينا انه لو قال لامرأته أنت بائن ينوى الثنتين لا يقع
الا واحدة وفى الكتاب فرق بينه وبين نية الثلاث لما ذكرنا أن نية الثلاث تعمل لأنه نوى
بها نوعا من أنواع البينونة وذلك لا يوجد في الثنتين الا في حق الأمة فاما الحرة إذا كان قد
طلقها واحدة ثم قال لها أنت بائن فان نوى ثنتين لم يقع الا واحدة بهذا اللفظ لأنه نوى
العدد واللفظ لا يحتمله وان نوى ثلاثا وقع عليها بهذا اللفظ ثنتان لان نيته قد صحت باعتبار
انه نوى نوعا من البينونة فيقع ما تثبت به تلك البينونة وذلك بالتطليقتين الباقيتين والله أعلم
بالصواب واليه المرجع والمآب
85

* (باب طلاق أهل الحرب) *
(قال) وإذا سبى أحد الزوجين الحربيين وأخرج إلى دار الاسلام انقطعت العصمة بينهما
بغير طلاق لان ارتفاع النكاح كان حكما لتباين الدارين وهو مناف لعصمة النكاح والفرقة
الواقعة بسبب المنافي للنكاح لا تكون طلاقا كالفرقة بالمحرمية ولان هذا السبب يشترك
فيه الزوجان وتقع الفرقة بنفسه فلا يكون طلاقا كالفرقة بسبب ملك أحد الزوجين صاحبه
وفقهه انه ليس إليها من الطلاق شئ فكل سبب يتم بها لا يكون طلاقا فان طلقها بعد هذا
لا يقع أيضا لأنها بانت لا إلى عدة فإنه إن سبي الزوج أولا فلا عدة على الحربية وان سبيت
المرأة فلا عدة على المسبية لأنها تحل للسابي بعد الاستبراء بالنص فان سبي الآخر بعده
لم يعد النكاح بينهما لارتفاعه بالسبب المنافي ولا يقع طلاقه أيضا لأنها ليست في عدته
ولا يجب على الزوج شئ من المهران كان دخل بها أو لم يدخل بها سبيا أو سبي أحدهما لأنها
ان سبيت فقد خرجت من أن تكون أهلا لمالكية المال وان سبى الزوج فالدين على الحر
لا يبقى بعد السبي كسائر الديون لان الدين على المملوك لا يجب الا شاغلا لمالية رقبته وحين
وجب الدين عليه لم يكن مالا فلا تشتغل ماليته بعد ذلك بالدين فلهذا سقط وإن لم يسبيا
ولكن أسلم أحدهما وخرج إلى دار الاسلام فقد وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق لتباين
الدارين فان طلقها بعد هذا لم يقع طلاقه عليها أما إذا كان الزوج هو الذي أسلم فلانه لا عدة
على الحربية وان كانت المرأة هي التي أسلمت فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا عدة على المهاجرة
أيضا وعندهما وإن كان يلزمها العدة فهذه العدة لا توجب ملك اليد للحربي عليها فكان بمنزلة
العدة من نكاح فاسد أو وطئ بشبهة فلا يقع الطلاق عليها باعتبارها وان أسلم الزوج بعدها
وخرج لم يقع طلاقه عليها أيضا وقيل هذا على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الأول وهو
قول محمد رحمه الله تعالى فأما قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الآخر يقع طلاقه عليها وهو
نظير ما لو اشترى امرأته بعدما دخل بها ثم أعتقها وطلقها في العدة لا يقع طلاقه في قول أبى
يوسف الأول وهو قول محمد رحمه الله تعالى وفي قول أبى يوسف رضي الله عنه الآخر يقع
وكذلك إذا اشترت المرأة زوجها ثم أعتقته وعلى هذا لو ارتد الزوج ولحق بدار الحرب
لا يقع طلاقه عليها فان عاد مسلما ثم طلقها فهو على هذا الخلاف وجه قوله أبى يوسف رحمه
86

الله تعالى الأول انها صارت بحال لا يقع طلاقه حين لحق بدار الحرب أو بقي في دار الحرب
أو ملكها بالشراء فدل دلك على زوال ملك اليد الذي كانت به محلا للطلاق وبعد ما زال
الملك لا يعود الا بالتجديد وجه قوله الآخر أن المانع من وقوع الطلاق تباين الدارين
حقيقة وحكما أو عدم ظهور العدة في حقه حين اشتراها وقد زال ذلك حين أعتقها وحين
خرج إلى دارنا مسلما وهي في عدته بعد فيقع عليها طلاقه كما لو أسلم أحد الزوجين في
دار الاسلام وفرق بينهما بالاباء من الآخر ثم طلقها الزوج وهي في العدة فإنه يقع الطلاق
ثم إن كان دخل بها فلها أن تؤاخذه بمهرها إذا خرج إلى دار الاسلام لان المهر قد تقرر
عليه بالدخول فيبقى بعد اسلامها وإن لم يدخل بها وكانت هي التي خرجت أولا مسلمة فلها على
الزوج نصف المهر لأنه إنما يحال بالفرقة على جانب الزوج حين أصر على شركه في دار الحرب
بعد اسلامها وإن كان الزوج هو الذي خرج أولا مسلما فلا مهر لها عليه لان الفرقة جاءت من
قبلها قبل الدخول وإذا سبيا معا فهما على النكاح لعدم تباين الدارين وقد بيناه في كتاب
النكاح (قال) وإذا تزوج المسلم كتابية في دار الحرب فتمجست انتقض النكاح بينهما
لان تمجسها إذا كانت تحت مسلم بمنزلة ردتها وطلاقه يقع عليها ما دامت في العدة كما لو ارتدت
المرأة في دار الاسلام وهذا لأنه لم تتباين بهما الدار وهو المنافى للعصمة والحرمة بسبب الردة
على شرف الزوال بالاسلام فلا تمنع ثبوت الحرمة بالتطليقات الثلاث فان خرج الزوج
إلى دار الاسلام وبقيت في دار الحرب لم يقع طلاقه عليها لتباين الدارين حقيقة وحكما
وان خرج الزوجان إلى دارنا مستأمنين ثم أسلم أحدهما فهي امرأته حتى تحيض ثلاث
حيض وقد بينا في كتاب النكاح اختلاف الروايات في عرض الاسلام على الآخر
منهما فإذا حاضت ثلاث حيض وقعت الفرقة بغير طلاق بينهما وانقطعت العصمة فلا يقع
عليها طلاقه لان المصر منهما على شركه من أهل دار الحرب ألا ترى أنه يتمكن من الرجوع
إلى دار الحرب فهو بمنزلة ما لو كان في دار الحرب حقيقة في المنع من وقع طلاقه عليها
وكذلك إذا صار أحدهما ذميا وأبى الآخر فالحكم فيما وصفنا من الفرقة في دار الاسلام
وفى دار الحرب سواء لان الذمي صار من أهل دارنا والآخر من أهل دار الحرب وما
سوى هذا من مسائل الباب قد بينا شرحها في كتاب النكاح والله سبحانه وتعالى أعلم
بالصواب واليه المرجع والمآب
87

* (باب ما لا يقع فيه الطلاق على المرأة) *
(قال) وإذا اشترت الحرة زوجها وهو عبد أو ملكته كله أو بعضه بميراث أو غيره فقد
وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق لان ملك اليمين مناف لملك النكاح ويتحقق هذا المنافي من
كل واحد منهما فتكون الفرقة بغير طلاق وكذلك الحر يملك امرأته أو بعضها وهذا لان
ملك رقبتها مناف لملك النكاح شرعا لان ملك النكاح مشروع لاثبات الحل به وهي
تحل له بملك اليمين فينتفى بتقرره ملك النكاح ثم لا يقع طلاقه عليها لان ملكه رقبتها كما
ينافي أصل ملك النكاح ينافي ملك اليد بسبب النكاح وبه كانت محلا لوقوع الطلاق
فلهذا لا يقع طلاقه عليها بعد هذا وكذلك المرأة يجامعها أبو زوجها أو ابنه أو جامع الزوج أمها
أو ابنتها فقد وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق لان المحرمية بالمصاهرة تنافى النكاح ابتداء
وبقاء كالمحرمية بالرضاع والنسب وعليها العدة إن كان قد دخل بها ولا يقع طلاقه عليها في
هذه العدة لان موجب الطلاق حرمة ترتفع بإصابة الزوج الثاني وقد ثبتت بينهما حرمة مؤبدة
لا ترتفع بوجه من الوجوه فلا يتصور مع هذا ثبوت الحرمة التي ترتفع بالزوج الثاني ومتى
خلا السبب عن موجبه كان لغوا (قال) وأهل الذمة وأهل الاسلام فيما ذكرنا من
الحرمة سواء إلا أن يكون ملة من ملل الكفر يستحل ذلك أهلها في دينهم فيخلى عنهم
وما استحلوا من ذلك لمكان عقد الذمة وهو بمنزلة المجوسي يتزوج أمة وهذا قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله تعالى وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الأول وفي قوله الآخر
لا يتركون على شئ من الحرام في النكاح والحكم يجرى عليهم في ذلك كما يجرى على أهل
الاسلام سواء اختصموا أو لم يختصموا وهذا القول لأبي يوسف رحمه الله تعالى ذكره في
هذا الكتاب خاصة وقد بينا وجهه في كتاب النكاح مع سائر ما في الباب من المسائل والله
سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب من الطلاق) *
(قال) رضي الله عنه رجل قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق ثلاثا تطلق ثلاثا عندنا
وهو قول عمر وعلي وابن عباس وأبي هريرة رضى الله تعالى عنهم وقال الحسن البصري
تقع واحدة بقوله طالق فتبين لا إلى عدة وقوله ثلاثا يصادفها وهي أجنبية فلا يقع بها
88

شئ كما لو قال لها أنت طالق وطالق وطالق ولكنا نقول الطلاق متى قرن بالعدد فالوقوع
بذكر العدد لان الموقع هو العدد فإذا صرح بذكر العدد كان هو العامل دون ذكر
الوصف ولهذا لو ماتت المرأة بعد قوله طالق قبل قوله ثلاثا لا يقع شئ وهذا لان الكل
كلمة واحدة في الحكم فان ايقاع الثلاث لا يتأتى بعبارة أوجز من هذا والكلمة الواحدة
لا يفصل بعضها من بعض بخلاف قوله أنت طالق وطالق وطالق لأنها كلمات متفرقة فاما
إذا قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق بانت بالأولى وكانت الثنتان فيما لا يملك وهو قول
علي وابن مسعود وزيد وإبراهيم رضي الله عنهم وقال ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى إذا كان
في مجلس واحد يقع ثلاث تطليقات لان المجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة ويجعلها
ككلام واحد ولكنا نقول كل كلمة ايقاع على حدة فلا تعمل الا في محل قابل له فإذا بانت
لا إلى عدة لم تبق محلا للوقوع عليها ثم عند أبي يوسف رحمه الله تعالى تبين بالأولى قبل أن
يفرغ من الكلام الثاني وعند محمد رحمه الله تعالى بعد فراغه من الكلام الثاني لجواز ان
يلحق بآخر كلامه شرطا أو استثناء ولكن هذا إنما يتحقق عند ذكر حرف العطف وهو
الواو فاما بدونه لا يتحقق الخلاف لأنه لا يلتحق به الشرط والاستثناء (قال) ولو قال لها رأسك
طالق كانت طالقا لا بإضافة الطلاق إلى الرأس بعينه فإنه لو قال الرأس منك طالق أو وضع
يده على رأسها وقال هذا العضو منك طالق لا يقع شئ ولكن باعتبار أن الرأس يعبر به
عن جميع البدن يقال هؤلاء رؤس القوم ومع الإضافة إلى الشخص أيضا يعبر به عن جميع
البدن يقول الرجل أمرى حسن ما دام رأسك أي ما دامت باقيا وكذلك الوجه يعبر به
عن جميع البدن يقول الرجل لغيره يا وجه العرب وكذلك الجسد والبدن والرقبة والعنق
يعبر بها عن جميع البدن قال الله تعالى فتحرير رقبة وقال الله تعالى فظلت أعناقهم لها
خاضعين وكذلك الفرج قال صلى الله عليه وسلم لعن الله الفروج على السروج وكذلك
لروح يعبر بها عن جميع البدن وهو مذكور في كتاب الكفالة فصار هو بهذا اللفظ
مضيفا الطلاق إلى جميعها فكأنه قال أنت طالق وأما إذا قال يدك طالق أو رجلك طالق
أو أصبعك طالق لا يقع شئ عندنا وقال زفر والشافعي رحمهما الله تعالى تطلق لأنه أضاف
الطلاق إلى جزء مستمع به منها بعقد النكاح فيقع الطلاق كالوجه والرأس وهذا لان
مبنى الطلاق على الغلبة والسراية فإذا أوقعه على جزء منها يسرى إلى جميعها كالجزء الشائع
89

وبه فارق النكاح فإنه غير مبني على السراية ولهذا لا تصح اضافته عندي إلى جزاء شائع
وهذا لان الحل والحرمة إذا اجتمعا في المحل يترجح جانب الحرمة في الابتداء والانتهاء
والدليل عليه أنه لو قال لها أنت طالق شهرا يقع مؤبدا ولو قال تزوجتك شهرا لم يصح
النكاح فيجعل ذكر جزء منها كذكر جزء من الزمان في الفصلين وحجتنا في ذلك أن
الإصبع ليس بمحل لإضافة النكاح إليه فكذلك الطلاق لمعني وهو انه تبع في حكم
النكاح والطلاق ولهذا صح النكاح والطلاق وإن لم يكن لها أصبع ويبقى بعد فوات
الإصبع وهذا لان النكاح والطلاق يرد عليها فتكون الأطراف فيه تبعا كما في ملك
الرقبة شراء وملك القصاص وإذا ثبت انه تبع فبذكر الأصل يصير التبع مذكورا
فاما بذكر التبع لا يصير الأصل مذكورا وإذا كان تبعا لا يكون محلا لإضافة التصرف
إليه مقصودا والسراية إنما تتحقق بعد صحة الإضافة إلى محله وقد ذكرنا في الوجه والرأس
ان الوقوع ليس بطريق السراية بل باعتبار ان ما ذكر عبارة عن جميع البدن حتى لو كان
عرفا ظاهر القوم انهم يذكرون اليد عبارة عن جميع البدن نقول يقع الطلاق في حقهم ولا
يمكن تصحيح الكلام هنا بطريق الاضمار وهو أن يقدم الايقاع على البدن لتصحيح
كلامه لأنه لو كان هذا كلاما مستقيما لصح إضافة النكاح إلى اليد بهذا الطريق وهذا لان
المقتضى تبع للمقتضى وجعل الأصل تبعا للإصبع متعذر فلهذا لا يصح بطريق الاقتضاء
وهذا بخلاف ما لو أضاف إلى جزء شائع كالنصف والثلث والربع لان الجزء الشائع ليس
بتبع وهو محل لإضافة سائر التصرفات إليه فإذا صحت الإضافة إلى محلها ثبت الحكم في الكل
بطريق السراية أو بطريق انها لا تحتمل التجزء في حكم الطلاق وذكر جزء ما لا يتجزى
كذكر الكل ولهذا صحت إضافة النكاح إلى جزء شائع عندنا وهذا بخلاف ما لو قال أنت
طالق شهرا لان الإضافة صحت إلى محلها والطلاق بعد الوقوع لا يحتمل الرفع فلا ينعدم
بذكر التوقيت فيما وراء المدة بخلاف النكاح فإنه يحتمل الرفع فبالتوقيت ينعدم فيما وراء
الوقت ولا يمكن تصحيحه موقتا. وقع في بعض النسخ لو قال بضعك طالق يقع وهذا
تصحيف إنما هو بعضك طالق أو نصفك طالق فأما البضع لا يعبر به عن جميع البدن ولم
يذكر ما لو قال ظهرك طالق أو بطنك طالق وقد قال بعض مشايخنا انه يقع الطلاق لان
الظهر والبطن في معنى الأصل إذ لا يتصور النكاح بدونهما والأصح انه لا يقع على ما ذكر بعد
90

هذا في باب الظهار انه إذا قال ظهرك أو بطنك علي كظهر أمي لا يكون مظاهرا لان الظهر
والبطن لا يعبر بهما عن جميع البدن (قال) ولو قال لامرأته ولأجنبية إحداكما طالق
فان قال عنيت امرأتي وقع الطلاق عليها والا لم يقع لان اللفظ المذكور يصلح عبارة عن
امرأته وعن المرأة الأخرى فكان هذا كناية من حيث المحل وكما أن ألفاظ الكناية لا تعمل
الا بالنية فكذلك الكناية من حيث المحل لا يتعين فيه امرأته الا بالنية ويحلف بالله ما عني
امرأته كما بينا في الكنايات (قال) ولو قال لأربع نسوة بينكن تطليقة تطلق كل واحدة واحدة
لأنه أوقع على كل واحدة منهن ربع تطليقة وربع التطليقة كما لها فان التطليقة الواحدة لا يتجزأ
وقوعها ولو قال بينكن تطليقتان فكذلك الجواب لان كل واحدة منهن يصيبها نصف تطليقة
إلا أن يقول عنيت أن كل تطليقة بينهن فحينئذ يقع على كل واحدة منهن تطليقتان لأنه صار
موقعا على كل واحدة ربع تطليقة وربع تطليقة أخرى ولكن ما لم ينو لا يحمل على هذا لان
الجنس واحد والقسمة في الجنس الواحد بين الاشخاص تكون جملة واحدة ولكن إذا عنى
قسمة كل تطليقة فقد شدد الامر على نفسه واللفظ محتمل لذلك وكذلك لو قال بينكن
ثلاث تطليقات أو أربع تطليقات تطلق كل واحدة منهن واحدة إلا أن يقول عنيت ان كل
تطليقة بينهن فحينئذ تطلق كل واحدة ثلاثا ولو قال بينكن خمس تطليقات تطلق كل واحدة
منهن ثنتين لان كل واحدة منهن يصيبها تطليقة وربع وكذلك أن قال ست أو سبع أو ثمان
وان قال بينكن تسع تطليقات تطلق كل واحدة ثلاثا لان كل واحدة منهن يصيبها بالقسمة
تطليقتان وربع تطليقة وكذلك لو قال أشركتكن في ثلاث تطليقات فلفظ الاشراك
ولفظ البين سواء بخلاف ما لو طلق امرأتين له ثم قال لثالثة أشركتك فيما أوقعت عليهما
يقع عليها تطليقتان لأنه صار مشركا لها في كل تطليقة (قال) رجل قالا لامرأته أنت طالق
ثلاثا الا واحدة فهي طالق ثنتين لان الكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء المستثنى
قال الله تعالى فلبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما معناه تسعمائة وخمسين عاما وما وراء
المستثنى هنا ثنتان ولو قال أنت طالق ثلاثا الا ثنتين فهي واحدة الا على قول الفراء رحمه الله
تعالى فإنه يقول استثناء الأكثر لا يصح لأنه لم تتكلم به العرب ولكنا نقول طريق الاستثناء
ما قلنا وهو أن يكون عبارة عما وراء المستثنى فشرط صحته أن يبقى وراء المستثنى شئ حتى
يجعل كلامه عبارة عنه وفى هذا لا فرق بين الأقل والأكثر وعلى قول بعض أهل النحو
91

رحمهم الله تعالى الاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لكان الكلام متناولا له فيكون
بمنزلة دليل الخصوص في العموم وفى ذلك لا فرق بين الأقل والأكثر وبأن لم تتكلم
به العرب لا يمنع صحته إذا كان موافقا لمذهبهم كاستثناء الكسور ولم يذكر في الكتاب ما
إذا قال أنت طالق ثلاثا الا نصف تطليقة كم يقع وقيل على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى
تطلق اثنتين لان التطليقة كما لا تتجزأ في الايقاع لا تتجزأ في الاستثناء فكأنه قال الا واحدة
وعند محمد رحمه الله تعالى تطلق ثلاثا لان في الايقاع إنما لا يتجزأ لمعنى في الموقع وذلك
لا يوجد في الاستثناء فيتجزأ فيه وإذا كان المستثنى نصف تطليقة صار كلامه عبارة عن
تطليقتين ونصف فيكون ثلاثا (قال) وإذا قال أنت طالق ثلاثا لا ثلاثا تطلق ثلاثا لأنه
استثني جميع ما تكلم به وهذا الاستثناء باطل فإنه إن جعل عبارة عما وراء المستثنى لا يبقى
بعد استثناء الكل شئ ليكون كلامه عبارة عنه وان جعل بمنزلة دليل الخصوص فذلك
لا يعم الكل لأنه حينئذ يكون نسخا لا تخصيصا وظن بعض أصحابنا ومشايخنا رحمهم الله
تعالى أن استثناء الكل رجوع والرجوع عن الكل باطل وهذا وهم فقد بطل استثناء الكل
في الوصية أيضا وهو يحتمل الرجوع فدل ان الطريق ما قلنا (قال) وان قال لها وقد دخل
بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق الا واحدة تطلق ثلاثا من قبل أنه فرق الكلام
فيكون هو مستثنيا جميع ما تكلم به في آخر كلماته وهو باطل وكذلك لو ذكره مع حرف
العطف ولو قال أنت طالق ثلاثا الا واحدة وواحدة وواحدة عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما
الله تعالى تطلق ثلاثا لأنه عطف بعض الكلمات على البعض والعطف للاشتراك وعند
ذلك صار مستثنيا للكل فكأنه قال الا ثلاثا وهو الظاهر من قول أبى يوسف رحمه الله
تعالى وقد روى عنه انه يقع واحدة وهو قول زفر رحمه الله تعالى لأنه لو قال الا واحدة
وواحدة صار مستثنيا للاثنتين فكان صحيحا فإنما بطل استثناء فقط (قال) ولو قال
أنت طالق تطليقة الا نصفها فهي طالق واحدة لان ما بقي منها تطليقة تامة وهو إشارة إلى
مذهب محمد رحمه الله تعالى في أن التطليقة تتجزى في الاستثناء وعلى قول من يقول لا تتجزى
هذا استثناء لجميع ما تكلم به وهذا لا يصح وذكر في النوادر إذا قال أنت طالق ثنتين وثنتين
الاثنتين ان الاستثناء صحيح عندنا وتطلق ثنتين وعند زفر رحمه الله تعالى تطلق ثلاثا لأنه
استثنى أحد الكلامين وهو باطل ولكنا نقول لتصحيح هذا الاستثناء وجه وهو ان يجعل
92

مستثنيا من كلا كلام تطليقة وكلام العاقل يجب تصحيحه ما أمكن وفى نوادر هشام لو قال
ثنتين وثنتين الا ثلاثا تطلق ثلاثا عند محمد رحمه الله تعالى لأنه استثنى أحد الكلامين وبعض
الآخر وذلك باطل ولا وجه لتصحيح بعض الاستثناء فيه دون البعض وفيه اشكال على
أصل محمد رحمه الله تعالى لأنه يمكن ان يجعل مستثنيا من كل كلام تطليقة ونصفا فالتطليقة
عنده تتجزى في الاستثناء فينبغي ان يقع ثنتان بهذا الطريق (قال) وإذا طلقها تطليقة
رجعية فطلاقه يقع عليها ما دامت في العدة وكذلك الظهار والايلاء وان قذفها لاعنها وان
مات أحدهما توارثا لبقاء ملك النكاح بعد الطلاق الرجعي وإن كان الطلاق بائنا لم يقع عليها
ظهار ولا إيلاء لان الظهار منكر من القول وزور لما فيه من تشبيه المحللة بالمحرمة وهذا
تشبيه المحرمة بالمحللة والمولى مضار متعنت من حيث أنه يمنع حقها في الجماع وبعد البينونة
لا حق لها في الجماع وكذلك لو قذفها لم يلاعنها وكان عليه الحد لان اللعان مشروع لقطع
النكاح وقد انقطع النكاح بالبينونة (قال) رجل قال لامرأته أنت طالق ثلاثا ان دخلت
الدار ثم طلقها ثلاثا ثم عادت إليه بعد زوج آخر فدخلت الدار لم تطلق عندنا وقال زفر رحمه
الله تعالى تطلق ثلاثا لان التعليق في الملك قد صح والشرط وجد في الملك فينزل الجزاء كما
لو قال لعبده ان دخلت الدار فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه ثم دخل الدار وهذا لان المعلق
بالشرط ليس بطلاق على ما نبينه إن شاء الله تعالى والذي أوقعه طلاق فكان غير المعلق
بالشرط والمعلق بالشرط غير واصل إلى المحل فلا يعتبر لبقائه متعلقا قيام المحل وإنما يشترط
كون المحل محلا عند وجود الشرط لأنه عند ذلك يصل إليه وهو موجود والدليل عليه أنه
لو قال لها ان دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم طلقها ثلاثا ثم عادت إليه بعد زوج آخر
يكون مظاهرا منها إذا دخلت الدار ولو طلقها اثنتين في مسألة اليمين بالطلاق ثم عادت إليه
بعد إصابة زوج آخر فدخلت الدار تطلق ثلاثا فإذا كان وقوع بعض الطلقات لا يمنع
بقاء التعليق في الثلاث فكذلك في وقوع الكل وحجتنا ما علل به في الكتاب فقال من قبل أن
ه لما طلقها ثلاثا فقد ذهب تطليقات ذلك الملك كله ومعنى هذا ان انعقاد هذه اليمين
باعتبار التطليقات المملوكة فان اليمين بالطلاق لا ينعقد الا في الملك أو مضافا إلى الملك ولم
توجد الإضافة هنا فكان انعقادها باعتبار التطليقات المملوكة وهي محصورة بالثلاث وقد
أوقع ذلك كله والكل من كل شئ لا يتصور تعدده فعرفنا أنه لم يبق شئ من الجزاء المعلق
93

بالشرط طلاقا كان أو غيره وكما لا ينعقد اليمين بدون الجزاء لا يبقى بدون الجزاء ألا ترى
أنه لو قال لها أنت طالق كل يوم ثلاثا فوقع عليها ثلاث تطليقات ثم تزوجها بعد زوج آخر لم
يقع شئ وكذلك لو قال لها أنت طالق تسعا كل سنة ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج لم يقع في
السنة الثانية شئ ولكن زفر رحمه الله تعالى يخالف في جميع هذا ويقول ما يملك على امرأته
من التطليقات غير محصور بعدد وإنما لا يقع الا الثلاث لان المحل لا يسع الا ذلك حتى أن
باعتبار تجدد العقد يقع عليها أكثر من ثلاث ولو قال لها أنت طالق ألفا يقع عليها
ثلاث ولو كان المملوك هو الثلاث لم يقع شئ عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى كما لو قال لها
طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يقع شئ والمعتمد أن نقول بوقوع الثلاث عليها
خرجت من أن تكون محلا للطلاق لان الطلاق مشروع لرفع الحل وقد ارتفع الحل
بالتطليقات الثلاث وفوت محل الجزاء يبطل اليمين كفوت محل الشرط بان قال إن دخلت
هذه الدار ثم جعل الدار حماما أو بستانا لا يبقى اليمين فهذا مثله بخلاف ما بعد بيع العبد
لأنه بصفة الرق كان محلا للعتق وبالبيع لم تفت تلك الصفة حتى لو فات العتق لم يبق اليمين
وبخلاف ما لو طلقها اثنتين لان المحل باق بعد الثنتين فان المحلية باعتبار صفة الحل وهي قائمة
بعد الثنتين فيبقى اليمين ثم قد استفاد من جنس ما كان انعقدت عليه اليمين فيسرى إليه
حكم اليمين كما لو هلك مال المضاربة الا درهما منه يبقى عقد المضاربة على الكل حتى لو
تصرف وربح يحصل جميع رأس المال بخلاف ما لو هلك الكل وهذا بخلاف اليمين في
الظهار فان المحلية هناك لا تنعدم بالتطليقات الثلاث لان الحرمة بالظهار غير الحرمة بالطلاق
فان تلك حرمة إلى وجود التكفير وهذه حرمة إلى وجود ما يرفعها وهو الزوج إلا أنها لو
دخلت الدار بعد الطلقات الثلاث إنما لا يصير مظاهرا لأنه لا حل بينهما في الحال والظهار
تشبيه المحللة بالمحرمة وذلك لا يوجد الا إذا دخلت الدار بعد التزويج بها وما قال إن المحل
لا يعتبر في المعلق بالشرط ضعيف لأنه ايجاب وإن لم يكن واصلا إلى المحل ولا يكون كلامه
ايجابا الا باعتبار المحل فلا بد لبقائه معلقا بالشرط من بقاء المحل ولم يبق بعد التطليقات الثلاث
وعلى هذا لو قال أنت طالق كلما حضت فبانت بثلاث ثم عادت إليه بعد زوج آخر لم يقع عليها
ان حاضت شئ الا على قول زفر رحمه الله تعالى وكذلك أن آلى منها فبانت بالايلاء ثم
تزوجها فبانت أيضا حتى بانت بثلاث ثم تزوجها بعد زوج لم يقع عليها بهذا الايلاء طلاق
94

الا على قول زفر رحمه الله تعالى ولكن ان قربها كفر عن يمينه لان اليمين باقية فان انعقادها
وبقاءها لا يختص بمحل الحل فإذا قربها تحقق حنثه في اليمين فتلزمه الكفارة (قال)
وان طلق امرأته واحدة أو اثنتين ثم تزوجها بعد زوج قد دخل بها فهي عنده على ثلاث
تطليقات مستقبلات في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وهو قول ابن عباس
وابن عمر وإبراهيم وأصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم وعند محمد وزفر والشافعي
رحمهم الله تعالى هي عنده بما بقي من طلاقها وهو قول عمر وعلي وأبي بن كعب وعمران
ابن الحصين وأبي هريرة رضي الله عنهم فأخذ الشبان من الفقهاء يقول المشايخ من الصحابة
رضوان الله عليهم والمشايخ من الفقهاء بقول الشبان من الصحابة رضوان الله عليهم وحجة
محمد رحمه الله تعالى في ذلك أن الزوج الثاني غاية للحرمة الحاصلة بالثلاث قال الله تعالى حتى
تنكح زوجا غيره وكلمه حتى للغاية حقيقة وبالتطليقة والتطليقتين لم يثبت شئ من تلك الحرمة
لأنها متعلقة بوقوع الثلاث وببعض أركان العلة لا يثبت شئ من الحكم فلا يكون الزوج
الثاني غاية لان غاية الحرمة قبل وجودها لا يتحقق كما لو قال إذا جاء رأس الشهر فوالله لا أكلم
فلانا حتى استشير فلانا ثم استشاره قبل مجئ رأس الشهر لا يعتبر هذا لان الاستشارة
غاية للحرمة الثانية باليمين فلا تعتبر قبل اليمين وإذا لم تعتبر كان وجودها كعدمها ولو تزوجها
قبل التزوج أو قبل إصابة الزوج الثاني كانت عنده بما بقي من التطليقات فكذلك هنا وأبو
حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا إصابة الزوج الثاني بنكاح صحيح يلحق المطلقة
بالأجنبية في الحكم المختص بالطلاق كما بعد التطليقات الثلاث وبيان هذا ان بالتطليقات
الثلاث تصير محرمة ومطلقة ثم بإصابة الزوج الثاني يرتفع الوصفان جميعا وتلتحق بالأجنبية
التي لم يتزوجها قط فبالتطليقة الواحدة تصير موصوفة بأنها مطلقة فيرتفع ذلك بإصابة الزوج
الثاني ثم الدليل على أن الزوج الثاني رافع للحرمة لا منه ان المنهى يكون متقررا في نفسه
ولا حرمة بعد إصابة الزوج الثاني فدل انه رافع للحرمة ولأنه موجب للحل فان صاحب
الشرع سماه محللا فقال صلى الله عليه وسلم لعن الله المحلل والمحلل له وإنما كان محللا لكونه
موجبا للحل ومن ضرورته أنه يكون رافعا للحرمة وبهذا تبين ان جعله غاية مجاز وهو
نظير قوله تعالى ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا والاغتسال موجب للطهارة رافع
للحدث لا أن يكون غاية للجنابة والدليل عليه أن أحكام الطلاق تثبت متأبدة لا إلى غاية
95

ولكن ترتفع بوجود ما يرفعها كحكم زوال الملك لا يثبت مؤقتا ولكن يرتفع بوجود
ما يرفعه وهو النكاح وإذا ثبت ان الزوج الثاني موجب للحل فإنما يوجب حلالا يرتفع الا
بثلاث تطليقات وذلك غير موجود بعد التطليقة والتطليقتين فيثبت به ولما كان رافعا
للحرمة إذا اعترض بعد ثبوت الحرمة فلان يرفعها وهو بعرض الثبوت أولى ولان يمنع
ثبوتها إذا اقترن بأركانها أولى ومحمد رحمه الله تعالى يقول ثبوت الحرمة بسبب ايقاع الطلاق
وذلك لا يرتفع بالزوج الثاني حتى لا تعود منكوحة له وبقاء الحكم ببقاء سببه فعرفنا أنه ليس
برافع للحرمة ولا هو موجب للحل لان تأثير النكاح الثاني في حرمتها على غيره فكيف
يكون موجبا للحل لغيره وسماه محللا لأنه شرط للحل لا لأنه موجب للحل ألا ترى أنه
سماه ملعونا باشتراط مالا يحل له شرعا فعرفنا أنه غير موجب للحل ولكن الحرمة تحتمل
التوقيت كحرمة المعتدة وحرمة الاصطياد على المحرم فجعلنا الزوج الثاني غاية للحرمة عملا
بحقيقة كلمة حتى المذكورة في الكتاب والسنة حيث قال صلى الله عليه وسلم حتى تذوقي
من عسيلته ومسألة يختلف فيها كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لغور فقهها يصعب
الخروج منها (قال) ولو قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم طلقها واحدة
أو اثنتين وعادت إليه بعد زوج آخر فدخلت الدار عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما
الله تعالى تطلق بالدخول ثلاثا لأنها عادت إليه بثلاث تطليقات وعند محمد وزفر رحمهما الله
تعالى يقع عليها ما بقي لان عندهما إنما عادت إليه بما بقي من الطلقات (قال) ولو قال
لامرأة كلما تزوجتك فأنت طالق ثلاث فهو كما قال يقع عليها ثلاث كما تزوج بها لان كلمة
كلما تقتضي نزول الجزاء بتكرار الشرط وانعقاد هذه اليمين باعتبار التطليقات التي يملكها
عليها بالتزوج وتلك غير محصورة بعدد فلهذا بقيت اليمين بعد وقوع ثلاث تطليقات بخلاف
قوله لامرأته كلما دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فان انعقاد تلك اليمين باعتبار التطليقات
المملوكة عليها لأنه لم توجد الإضافة إلى الملك فلا تبقى اليمين بعد وقوع التطليقات المملوكة
عليها وهذه المسألة تنبنى على أصلنا ان ما يحتمل التعليق بالشرط كالطلاق والعتاق والظهار
يجوز اضافته إلى الملك عم أو خص وهو قول عمر رضي الله عنه روى عنه ذلك في الظهار
وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يصح ذلك وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما فإنه سئل
عمن يقول لامرأة ان تزوجتك فأنت طالق فتلى عليه قوله تعالى إذا نكحتم المؤمنات ثم
96

طلقتموهن وقال شرع الله تعالى الطلاق بعد النكاح فلا طلاق قبله وعلى قول أبن أبي ليلي
رحمه الله تعالى ان خص امرأة أو قبيلة انعقدت اليمين وان عم فقال كل امرأة لا تنعقد وهو
قول ابن مسعود رضي الله عنه لما فيه من سد باب نعمة النكاح على نفسه فالشافعي رحمه الله
تعالى استدل بقوله صلى الله عليه وسلم لا طلاق قبل النكاح وروى أن عبد الله بن عمرو بن
العاص رضي الله عنهما خطب امرأة فأبي أولياؤها ان يزوجوها منه فقال إن نكحتها فهي
طالق ثلاثا فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صلوات الله عليه وسلامه
لا طلاق قبل النكاح والمعنى فيه أنه غير ملك لتنجيز الطلاق فلا يملك تعليقه بالشرط كما لو
قال لها ان دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم تزوجها فدخلت لم تطلق وهذا لان تأثير الشرط
في تأخير الوقوع إلى وجوده ومنع ما لولاه لكان طلاقا وهذا الكلام لولا الشرط لكان
لغوا لا طلاقا ولان الطلاق يستدعى أهلية في الموقع وملكا في المحل ثم قبل الأهلية
لا يصح التعليق مضافا إلى حالة الأهلية كالصبي يقول لامرأته إذا بلغت فأنت طالق
فكذلك قبل ملك المحل لا يصح مضافا وبهذا تبين انه تصرف يختص بالملك فايجابه قبل
الملك يكون لغوا كما لو باع الطير في الهواء ثم أخذه قبل قبول المشترى وحجتنا في ذلك
أن التعليق بالشرط يمين فلا تتوقف صحته على ملك المحل كاليمين بالله تعالى وهذا لان اليمين
تصرف من الحالف في ذمة نفسه لأنه يوجب على نفسه البر والمحلوف به ليس بطلاق
لأنه لا يكون طلاقا الا بالوصول إلى المرأة وما دامت يمينا لا يكون واصلا إليها وإنما
الوصول بعد ارتفاع اليمين بوجود الشرط فعرفنا أن المحلوف به ليس بطلاق وقيام الملك
في المحل لأجل الطلاق ولكن المحلوف به ما سيصير طلاقا عند وجود الشرط بوصوله إليها
ونظيره من المسائل الرمي عينه ليس بقتل والترس لا يكون مانعا عما هو قتل ولا مؤخرا
له بل يكون مانعا عما سيصير قتلا إذا وصل إلى المحل ولما كان التعليق مانعا من الوصول
إلى المحل والتصرف لا يكون الا بركنه ومحله فكما أنه بدون ركنه لا يكون طلاقا فكذلك
بدون محله لا يكون طلاقا وبه فارق ما لو قال لأجنبية ان دخلت الدار فأنت طالق فان
المحلوف به هناك غير موجود وهو ما يصير طلاقا عند وجود الشرط لان دخول الدار
ليس بسبب لملك الطلاق ولا هو مالك لطلاقها في الحال حتى يستدل به على بقاء الملك عند
وجود الشرط أما هنا نتيقن بوجود المحلوف به موجودا بطريق الظاهر بأن قال لامرأته
97

ان دخلت الدار فأنت طالق انعقدت اليمين وإن كان من الجائز أن يكون دخولها بعد زوال
الملك فإذا كان المحلوف به متيقن الوجود عند وجود الشرط أولى أن ينعقد اليمين وبأن
كأن لا يملك التنجيز لا يدل على أنه لا يملك التعليق كمن يقول لجاريته إذا ولدت ولدا فهو
حر صح وان كأن لا يملك تنجيز العتق في الولد المعدوم وإذا قالا لامرأته الحائض إذا طهرت
فأنت طالق كان هذا طلاقا للسنة وان كأن لا يملك تنجيزه في الحال وهذا بخلاف التصرف
لأن لا بد منه في تصرف اليمين كما لا بد منه في تصرف الطلاق فاما الملك في المحل معتبر
بالطلاق دون اليمين وهذا بخلاف البيع فان الايجاب أحد شطرى البيع وتصرف البيع
قبل الملك لغو فاما الايجاب هنا تصرف آخر سوى الطلاق وهي اليمين وتأويل الحديث
ما روى عن مكحول والزهري وسالم والشعبي رضى الله تعالى عنهم انهم قالوا كانوا يطلقون
في الجاهلية قبل التزوج تنجيزا ويعدون ذلك طلاقا فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك
بقوله لا طلاق قبل النكاح وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عن غير مشهور وان
ثبت فمعنى قوله ان نكحتها أي وطئتها لان النكاح حقيقة للوطئ وبهذا لا يحل إضافة
الطلاق إلى الملك عندنا إذا عرفنا هذا فنقول إذا قال لامرأته إذا تزوجتك أو إذا ما تزوجتك
أو ان تزوجتك أو متى ما تزوجتك فهذا كله للمرة الواحدة لأنه ليس في لفظه ما يدل على
التكرار فان كلمة ان للشرط وإذا ومتى للوقت بخلاف ما لو قال كلما تزوجتك لان كلمة كلما
تقتضي التكرار فلا يرتفع اليمين بالتزوج مرة ولكن كلما تزوجها يصير عند التزوج كالمنجز
للطلاق وكذلك لو قال كلما دخلت الدار فهذا على كل مرة حتى تطلق ثلاثا بخلاف ان وإذا
ومتى فان ذلك على المرة الواحدة (قال) ولو قال لامرأة لا يملكها أنت طالق يوم أكلمك
أو يوم تدخلين الدار أو يوم أطؤك فهذا باطل بخلاف ما لو قال يوم أتزوجك فإنه بهذا اللفظ
يصير مضيفا الطلاق إلى التزوج وهو سبب لملك الطلاق فيصير المحلوف به موجودا بخلاف
ما سبق فان دخول الدار ليس بسبب لملك الطلاق فان تزوج بها ثم فعل ذلك لم يقع عليها شئ
عندنا وقال ابن أبي ليلى يقع لان المعتبر لوقوع الطلاق وقت وجود الشرط فان طلقها
حينئذ يصل إلى المحل والملك موجود عند وجود الشرط فيقع الطلاق ولكنا نقول هذا بعد أن
عقاد اليمين ولا ينعقد اليمين بدون المحلوف به فإذا لم يكن هو مالكا للطلاق في الحال ولا
في الوقت المضاف إليه لا ينعقد اليمين فبدون ذلك وان صار مالكا للطلاق في الوقت المضاف
98

إليه لا يقع شئ لان اليمين ما كانت منعقدة وكذلك لو قال لها أنت طالق غدا ثم تزوجها
اليوم لم يقع عليها شئ إذا جاء غد وإذا قال لامرأته وقد دخل بها أنت طالق أنت طالق
وقال عنيت الأولى صدق فيما بينه وبين الله تعالى وأما في القضاء فهما تطليقتان لان كل
واحد من الكلامين ايقاع من حيث الظاهر فان صيغة الكلام الثاني كصيغة الكلام الأول
والقاضي مأمور باتباع الظاهر وما قاله من قصد تكرار الكلام الأول محتمل لان الكلام
الواحد يكرر للتأكيد والله تعالى مطلع على ضميره وكذلك قوله قد طلقتك قد طلقتك أو
أنت طالق قد طلقتك أو أنت طالق أنت طالق أو طالق وأنت طالق فأما إذا قال لها أنت طالق
فقال له انسان ماذا قلت فقال قد طلقتها أو قال قلت هي طالق فهي طالق واحدة لان كلامه
الثاني جواب لسؤال السائل والسائل إنما يسأله عن الكلام الأول لا عن ايقاع آخر فيكون
جوابه بيانا لذلك الكلام (قال) وإذا قال لها إذا طلقتك فأنت طالق ثم طلقها واحدة وقد
دخل بها فهي طالق اثنتين في القضاء إحداهما بالايقاع والأخرى بوجود الشرط لان قوله
إذا طلقتك شرط وقوله فأنت طالق جزاء له وأما فيما بينه وبين الله تعالى فإن كان نوى
بقوله إذا طلقتك فأنت طالق تلك التطليقة فهي واحدة لان ما نواه محتمل على أن يكون قوله
فأنت طالق بيانا لحكم الايقاع لا جزاء لشرطه والله تعالى مطلع على ضميره وكذلك إذا
قال متى ما طلقتك أو ان طلقتك فأنت طالق ولو قال كلما وقع عليك طلاق فأنت طالق ثم
طلقها واحدة تطلق ثلاثا لان بوقوع الواحدة يوجد الشرط فوقع عليها تطليقة اليمين ثم
بوقوع هذه التطليقة وجد الشرط مرة أخرى واليمين معقودة بكلمة كلما فتقع عليها الثالثة
وهذا بخلاف ما لو قال كلما طلقتك فأنت طالق ثم طلقها واحدة تقع عليها أخرى فقط لان
وقوع الثانية عليها ليس بايقاع مستقبل منه بعد يمينه فلا يصلح شرطا للحنث فلهذا لا يقع
عليها الا واحدة فاما في الأول الشرط الوقوع لا الايقاع والوقوع يحصل بالثانية بعد اليمين
وعلى هذا لو قال كلما قلت أنت طالق فأنت طالق أو كلما تكلمت بطلاق يقع عليك فأنت
طالق وطلقها واحدة فهي طالق أخرى باليمين ولا يقع بالثانية طلاق لما بينا ان ما جعله شرطا
لا يصير موجودا بعد اليمين بما وقع باليمين والأصل فيما نذكره بعد هذا ان اليمين إنما يعرف
بالجزاء حتى لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق كان يمينا بالطلاق ولو قال فعبدي حر كان
يمينا بالعتق والشرط واحد وهو دخول الدار ثم اختلفت اليمين باختلاف الجزاء وأصل
99

آخر ان الشرط يعتبر وجوده بعد اليمين وأما ما سبق اليمين لا يكون شرطا لأنه يقصد باليمين
منع نفسه عن ايجاد الشرط وإنما يمكنه أن يمنع نفسه عن شئ في المستقبل لا فيما مضى فعرفنا
ان الماضي لم يكن مقصودا له واليمين يتقيد بمقصود الحالف إذا عرفنا هذا فنقول رجل له
امرأتان عمرة وزينب فقال لزينب أنت طالق إذا طلقت عمرة أو كلما طلقت عمرة ثم قال لعمرة
أنت طالق إذا طلقت زينب ثم قال لزينب أنت طالق فإنه يقع على زينب بالايقاع تطليقة ويقع
علي عمرة أيضا تطليقة لان كلامه الأول كان يمينا بطلاق زينب وكلامه الثاني كان يمينا
بطلاق عمرة فان الجزاء فيه طلاق عمرة والشرط طلاق زينب وقد وجد الشرط بايقاعه
على زينب فلهذا يقع على عمرة تطليقة باليمين ويعود إلى زينب لان عمرة طلقت بيمين بعد
يمينه بطلاق زينب فيكون وقوع الطلاق عليها شرطا للحنث في اليمين بطلاق زينب فلهذا
يقع عليها تطليقة أخرى هكذا في نسخ أبى سليمان رضى الله تعالى عنه وهو الصحيح وفى
نسخ أبى حفص رضى الله تعالى عنه قال ولا يعود على زينب وهو غلط ثم قال ولو لم يطلق
زينب ولكنه طلق عمرة وقعت عليها تطليقة بالايقاع وعلى زينب تطليقة باليمين ثم وقعت
أخرى على عمرة باليمين هكذا ذكر في نسخ أبى حفص رضى الله تعالى عنه وهو غلط
والصحيح ما ذكره في نسخ أبى سليمان رضي الله تعالى عنه انه لا يقع على عمرة باليمين لان
زينب إنما طلقت باليمين السابقة على اليمين بطلاق عمرة فلا يكون ذلك شرطا للحنث في
اليمين بطلاق عمرة قال ألا ترى أنه لو قال لزينب إذا طلقت عمره فأنت طالق ثم قال
لعمرة ان دخلت الدار فأنت طالق فدخلت عمرة الدار تطلق بالدخول وتطلق زينب أيضا
لان عمرة إنما طلقت بكلام بعد اليمين بطلاق زينب ولو كان قال لعمرة أولا ان دخلت
الدار فأنت طالق ثم قال لزينب ان طلقت عمرة فأنت طالق ثم دخلت عمرة الدار طلقت
ولم يقع الطلاق على زينب لان عمرة إنما طلقت بيمين قبل اليمين بطلاق زينب فلا يصلح
أن يكون ذلك شرطا للحنث في اليمين بطلاق زينب وبهذا الاستشهاد يتبين أن الصواب
ما ذكره في نسخ أبى سليمان وان جوابه في نسخ أبى حفص وقع على القلب (قال) وإذا
حلف بطلاق عمرة لا يحلف بطلاق زينب ثم حلف بطلاق زينب لا يحلف بطلاق عمرة
كانت عمرة طالقا لأنه بالكلام الأول حلف بطلاق عمرة وشرط حنثه الحلف بطلاق
زينب وبالكلام الثاني صار حالفا بطلاق زينب لان الجزاء فيه طلاق زينب فوجد فيه شرط
100

الحنث في اليمين الأولى ألا ترى أنه لو قال لزينب بعد الكلام الأول ان دخلت الدار فأنت
طالق كانت عمرة طالقا لأنه قد حلف بطلاق زينب فان الشرط والجزاء يمين عند أهل
الفقه وقد وجد فصار به حانثا في اليمين الأولى (قال) ولو قال لزينب أنت طالق إن شئت
لم تطلق عمرة لان هذا ليس بيمين بل هو تفويض المشيئة إليها بمنزلة قوله اختاري أو أمرك
بيدك وذلك لا يكون حلفا بالطلاق ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساءه
مع نهيه عن الحلف بالطلاق والدليل على أنه بمنزلة التخيير انه يبطل بقيامها عن المجلس قبل
المشيئة والشرط المطلق لا يتوقت بالمجلس وحقيقة المعنى فيه أن الشرط منفي فان الحالف
يقصد منع الشرط بيمينه وفى قوله أنت طالق إن شئت لا يقصد منعها عن المشيئة فعرفنا
أنه ليس بيمين وكذلك لو قال لزينب أنت طالق إذا حضت حيضة فهذا ليس بيمين عندنا
ولا يحنث به في اليمين بطلاق عمرة لان هذا تفسير لطلاق السنة فان بهذا اللفظ لا يقع
الطلاق عليها ما لم تطهر لان الحيضة اسم للحيضة الكاملة وطلاق السنة يتأخر إلى حالة الطهر
فكأنه قال لها أنت طالق للسنة وعن زفر رحمه الله تعالى أن هذا يمين لوجود الشرط والجزاء
وليس بتفسير لطلاق السنة ألا ترى أنه لو جامعها في هذه الحيضة ثم طهرت طلقت ولو
قال لها أنت طالق للسنة ثم جامعها في الحيض فطهرت لم تطلق وكذلك لو قال لها إذا
حضت حيضتين أو إذا حضت ثلاث حيض لم يكن شئ من ذلك حلفا بطلاقها بخلاف
ما لو قال لها إذا حضت فهذا حلف بطلاقها حتى تطلق عمرة لان بهذا اللفظ يقع الطلاق في
الحيض قبل الطهر فلا يكون تفسيرا لطلاق السنة فان قيل هذا تفسير لطلاق البدعة ولو قال
أنت طالق للبدعة لم يكن حالفا بطلاقها (قلنا) ليس كذلك فطلاق البدعة لا يختص
بالحيض وهذا الطلاق لا يقع الا في حالة الحيض فعرفنا أنه شرط وجزاء (قال) وإذا
قال لامرأته أنت طالق ثلاثا للسنة ولا نية له فكما حاضت وطهرت طلقت واحدة حتى
تستكمل الثلاث لان قوله للسنة أي لوقت السنة فان اللام للوقت قال الله تعالى أقم الصلاة
لدلوك الشمس وكل طهر محل لوقوع تطليقة واحدة للسنة فلهذا طلقت في كل طهر
واحدة ولا يحتسب بالحيضة الأولى من عدتها لأنها سبقت وقوع الطلاق عليها وان نوى
ان تطلق ثلاثا في الحال فهو كما نوى عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى لا تعمل نيته لان وقوع
الثلاث جملة خلاف السنة ووقوع الطلاق في الحيض أو في طهر قد جامعها فيه خلاف السنة
101

والنية إنما تعمل إذا كانت من محتملات اللفظ لا فيما كان من ضده ولان معنى قوله أنت
طالق للسنة إذا حضت وطهرت فكأنه صرح بذلك ونوى الوقوع في الحال فلا تعمل
نيته ولكنا نقول المنوي من محتملات لفظه على معنى ان وقوع الثلاث جملة من مذهب
أهل السنة ووقوع الطلاق في الحيض كذلك إذ كون الطلاق ثلاثا عرف بالسنة فقد كانوا
في الجاهلية يطلقون أكثر من ذلك فعرفنا ان المنوي من محتملات لفظه وفيه تغليظ عليه
فتعمل نيته ولو قال أنت طالق للسنة ولم يسم ثلاثا ولم يكن له نية فهي طالق واحدة إذا
طهرت من الحيضة لما بينا ان اللام للوقت وان نوى ثلاثا فهي ثلاث كلما طهرت من
حيضة طلقت واحدة لان أوقات السنة غير محصورة فهو إنما نوى التعميم في أوقات السنة
حتى يقع في كل طهر تطليقة واحدة وقد بينا ان نية التعميم صحيحة في كلامه فلهذا طلقت في
كل طهر واحدة وان كانت لا تحيض من صغر أو كبر طلقت ساعة تكلم به واحدة وبعد
شهر أخرى وبعد شهر أخرى لان الثلاث للسنة هكذا تقع عليها والشهر في حقها كالحيض
في حق ذات القروء وان نوى ان يقعن جميعا في ذلك المجلس فهو كما نوى لما بينا (قال)
رجل قال لامرأته وقد دخل بها أنت طالق كلما حضت حيضتين فهو كما قال إذا حاضت
حيضتين طلقت لوجود الشرط ثم إذا حاضت أخراوين طلقت أخرى لوجود الشرط
لان اليمين معقودة بكلمة كلما ويحتسب بهاتين الحيضتين من عدتها فإذا حاضت أخرى
انقضت عدتها (قال) وان قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق وقال لها أيضا كلما
حضت فأنت طالق فرأت الدم فهي طالق واحدة باليمين الثانية لان الشرط فيها
وجود الحيض لا الخروج منه فإذا طهرت من الحيض فهي طالق أخرى باليمين الأولى
لان الشرط فيها الحيضة الكاملة وقد وجدت بعدها ولا يحتسب بهذه الحيضة من عدتها
لان وقوع الطلاق كان بعد مضى جزء منها وإذا حاضت الثانية فهي طالق أخرى باليمين
الثانية لأنها عقدت بكلمة كلما وكلمة كلما توجب تكرار الشرط وقد وجد الشرط فيها
مرة أخرى (قال) ولو قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق وقال أيضا إذا حضت
حيضتين فأنت طالق فحاضت حيضة وطهرت فهي طالق واحدة باليمين الأولى لان شرط
الحنث فيها حيضة واحدة وقد وجدت فإذا حاضت حيضة أخرى طلقت أخرى لوجود
الشرط في اليمين الثانية وهو مضى الحيضتين بعدها فان الحيضة الأولى كمال الشرط
102

في اليمين الأولى ونصف الشرط في اليمين الثانية والشئ الواحد يصلح شرطا للحنث في
أيمان كثيرة ويحتسب بالحيضة الثانية من عدتها لأنها حاضتها بعد وقوع الطلاق عليها ولو
كان قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق فإذا حاضت
حيضة واحدة طلقت واحدة ثم لا تطلق أخرى ما لم تحيض حيضتين سواها لأنه جعل
الشرط في اليمين الثانية حيضتين سوى الحيضة الأولى فان كلمة ثم للتعقيب مع التراخي وعلى
هذا لو قال إذا دخلت الدار دخلة فأنت طالق ثم إذا دخلتها دخلتين فأنت طالق بخلاف
ما لو قال إذا دخلت فأنت طالق وإذا دخلت فأنت طالق فدخلت دخلة واحدة وقعت عليها
تطليقتان لان الشرط في اليمين الدخول مطلقا وقد وجد ذلك بدخلة واحدة وفى الأول الشرط
دخلتان بعد الدخلة الأولى في اليمين الثانية ولو قال إذا حضت حيضة فأنت طالق وإذا
حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت حيضتين تطلق اثنتين إحداهما حين حاضت الأولى
لوجود الشرط في اليمين الأولى والثانية حين حاضت الأخرى لتمام الشرط بها في اليمين الثانية
(قال) ولو قال كلما حضت حيضة فأنت طالق فحاضت أربع حيض طلقت ثلاثا كل حيضة
واحدة لتكرر الشرط في اليمين المعقودة بكلمة كلما وانقضت العدة بالحيضة الرابعة لان
الحيضة الأولى لا تكون محسوبة من عدتها فإنها سبقت وقوع الطلاق عليها (قال)
وإذا قال لها إذا حضت حيضة فأنت طالق فإنما يقع عليها بعدما ينقطع عنها الدم وتغتسل لان
الشرط مضى حيضة كاملة ولا يتيقن به الا بعد الحكم بطهرها فإن كانت أيامها عشرة فبنفس
الانقطاع يتيقن بطهرها وان كانت أيامها دون العشرة فإنما يحكم بطهرها إذا اغتسلت أو ذهب
وقت صلاة بعد انقطاع الدم فلهذا توقف الوقوع عليه ولو قال إذا حضت حيضة فأنت طالق
فقالت قد حضت حيضة لم تصدق في القياس إذا كذبها الزوج لأنها تدعى وجود شرط
الطلاق ومجرد قولها في ذلك ليس بحجة في حق الزوج كما لو كان الشرط دخولها الدار وهذا
لان دعواها شرط الطلاق كدعواها نفس الطلاق وفى الاستحسان القول قولها لان حيضها
لا يعلمه غيرها فلا بد من قبول قولها فيه كما لو قال لها ان كنت تحبينني أو تبغضينني وجب
قبول قولها في ذلك ما دامت في المجلس وكذلك لو قال لها إن شئت إلا أن هناك تقدر
على الاختيار في المجلس فبالتأخير عنه تصير مفرطة وهنا لا تقدر على الاخبار بالحيض ما لم تر
الدم فوجب قبول قولها متى أخبرت به (قال) ويدخل في هذا الاستحسان بعض
103

القياس معناه أن الزوج لما علق وقوع الطلاق بالحيض صار ذلك من أحكام الحيض بجعله
وقولها حجة تامة في أحكام الحيض كحرمة وطئها إذا أخبرت برؤية الدم وحل الوطئ إذا
أخبرت بانقطاع الدم وكذلك في حكم انقضاء العدة بالحيض يقبل قولها لان الشرع سلطها
على الاخبار فكذلك الزوج بتعليق الطلاق به يصير مسلطا لها على الاخبار وإذا قال إذا
حضت فأنت طالق وفلانة معك فقالت حضت فقياس الاستحسان الأول أن يقع الطلاق
على فلانة كما يقع عليها لان قولها حجة تامة فيما لا يعلمه غيرها فيكون ثبوت هذا الشرط
بقولها كثبوت شرط آخر بالبينة أو بتصديق الزوج ولكنا ندع القياس فيه ونقول
لا يقع على الأخرى شئ حتى يعلم أنها قد حاضت لان في ذلك حق الضرة وهي ما سلطتها
ولا رضيت بخبرها في حق نفسها ثم قبول قولها فيما ما لا يعلمه غيرها لأجل الضرورة وذلك
في حق نفسها خاصة كما في حل الوطئ وانقضاء العدة والحكم يثبت بحسب الحاجة الا ترى
ان الملك للمستحق إذا ثبت باقرار المشترى لم يرجع على البائع بالثمن وان شهادة امرأتين
ورجل بالسرقة حجة في حق المال دون القطع فهذا مثله ولو قال لها إذا ولدت غلاما فأنت
طالق واحدة وإذا ولدت جارية فأنت طالق ثنتين فولدت غلاما وجارية فان علم أنها ولدت
الجارية أولا طلقت اثنتين بولادتها الجارية ثم انقضت عدتها بولادة الغلام وان علم أنها ولدت
الغلام أولا طلقت واحدة بولادتها الغلام وانقضت عدتها بولادة الجارية فإن لم يعلم أيهما
أولا لم يقع في القضاء الا تطليقة واحدة لان التيقن فيها وفى الثانية شك والطلاق
بالشك لا يقع وفيما بينه وبين الله تعالى ينبغي أن يأخذ بتطليقتين حتى إذا كان طلقها قبل
هذا واحدة فلا ينبغي أن يتزوجها حتى تنكح زوجا غيره لاحتمال انها مطلقة ثلاثا ولان
يترك امرأة يحل له وطؤها خير من أن يطأ امرأة محرمة عليه وان ولدت غلاما وجاريتين
في بطن واحد فان علم أنها ولدت الجاريتين أولا فهي طالق ثنتين بولادة الأولى منهما وقد
انقضت عدتها بولادة الغلام وان ولدت الغلام أولا طلقت واحدة بولادة الغلام وتطليقتين
بولادة الجارية الأولى وقد انقضت عدتها بولادة الأخرى وان ولدت احدى الجاريتين
أولا ثم الغلام ثم الجارية طلقت تطليقتين بولادة الجارية الأولى والثالثة بولادة الغلام
وانقضت عدتها بولادة الأخرى وإن لم يعلم كيف كانت الولادة فنقول في وجه هي طالق
اثنتين وفى وجهين هي طالق ثلاثا ففي القضاء لا تطلق الاثنتين لان اليقين فيها وفى التنزه
104

ينبغي أن يأخذ بثلاث تطليقات احتياطا وقد انقضت عدتها بيقين بولادة الآخر منهم وإذا
قال لها كلما ولدت ولدا فأنت طالق وقال إذ ولدت غلاما فأنت طالق فولدت جارية فهي
طالق واحدة لان الجارية ولد فيقع بها تطليقة بحكم الكلام الأول فان ولدت بعدها غلاما
في ذلك البطن انقضت عدتها بولادة الغلام لأنها معتدة وضعت جميع ما في بطنها ولا يقع
عليها بولادة الغلام شئ لان أوان الوقوع بعد وجود الشرط وهي ليست في عدته بعد
ولادة الغلام فهو بمنزلة ما لو قال لها إذا انقضت عدتك فأنت طالق وان ولدت الغلام أولا
وقع به تطليقتان أحدهما بالغلام الأول لان الغلام ولد والثانية بالكلام الثاني لأنه غلام وكذلك
لو قال لها إذا ولدت غلاما فأنت طالق ثم قال إذا ولدت ولدا فأنت طالق فولدت غلاما طلقت
اثنتين لأنه ولد وغلام وكذلك لو قال إذا كلمت فلانا فأنت طالق ثم قال إذا كلمت انسانا فأنت
طالق فكلمت فلانا تطلق اثنتين لأنه انسان وفلان وكذلك إذا قال إن تزوجت فلانة فهي
طالق ثم قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج فلانة تطلق اثنتين لأنها فلانة وامرأة والشئ
الواحد يصلح شرطا للحنث في أيمان كثيرة ولو قال لامرأته كلما ولدت غلاما فأنت طالق
فولدت غلاما وجارية في بطن واحد فان علم أنها ولدت الغلام أولا وقع عليها تطليقة بولادة
الغلام وانقضت عدتها بولادة الجارية وان علم أنها ولدت الجارية أولا وقعت عليها تطليقة
بولادة الغلام وعليها العدة بثلاث حيض وله أن يراجعها في العدة إذا علم أن الغلام ولد
آخرا وإذا لم يعلم أيهما أول فعليهما الاخذ بالاحتياط في كل حكم فيلزمها العدة بثلاث حيض
لجواز أن تكون ولدت الجارية أولا وليس للزوج أن يراجعها في هذه العدة لجواز أن
تكون ولدت الغلام أولا ولو مات أحدهما لم يتوارثا لجواز أن تكون ولدت الغلام أولا
ثم انقضت عدتها بولادة الجارية والميراث لا يثبت بالشك (قال) وان قال إذا ولدت
ولدا فأنت طالق فأسقطت سقطا مستبين الخلق أو بعض الخلق طلقت لان مثل هذا
السقط ولد ألا ترى أن العدة تنقضي به وتصير الجارية أم ولد له ولو لم يستبن شئ من
خلقه لم يقع به طلاق لأنه ليس بولد في حكم العدة وثبوت أمية الولد فكذلك في حكم
الطلاق (قال) ولو قال لها إذا ولدت فأنت طالق فقالت قد ولدت وكذبها الزوج لم يقع
الطلاق بقولها بخلاف الحيض لان الولادة مما يقف عليها غيرها فان قول القابلة يقبل في
الولد فلا يحكم بوقوع الطلاق ما لم تشهد القابلة به والحيض لا يقف عليه غيرها فان شهدت
105

القابلة بالولادة ثبت نسب الولد بشهادتها ولا يقع الطلاق عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يقع الطلاق عليها
بشهادة القابلة لان شرط وقوع الطلاق عليها ولادتها وقد صار محكوما به بشهادة القابلة بدليل
ثبوت نسب الولد وشهادة القابلة في حال قيام الفراش حجة تامة في حق النسب وغيره
ألا ترى أنه لو قال لجاريته إن كان بها حبل فهو منى فشهدت القابلة على ولادتها صارت هي
أم ولد له وكذلك أن ولدت امرأته ولدا ثم قال الزوج هو ليس منى ولا أدرى ولدته أم لا
فشهدت القابلة حكم باللعان بينهما ولو كان الزوج عبدا أو حرا محدودا في قذف وجب عليه
الحد فإذا جعلت شهادة القابلة حجة في حكم اللعان والحد فلان تجعل حجة في حكم الطلاق
أولى وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول شرط الطلاق إذا كأن لا يثبت الا بالشهادة فلا
بد فيه من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين كسائر الشروط وهذا لان شرط الطلاق
كنفس الطلاق وتأثيره أن شهادة المرأة الواحدة ليست بحجة أصلية وإنما يكتفي بها فيما
لا يطلع عليه الرجال لأجل الضرورة والثابت بالضرورة لا يعدو مواضعها والضرورة في نفس
الولادة وما هو من الاحكام المختصة بالولادة لان ثبوت الحكم بثبوت نسبه والولادة
لا يطلع عليها الرجال والحكم المختص بالولادة أمية الولد للأم واللعان عند نفى الولد فأما
وقوع الطلاق والعتاق ليس من الحكم المختص بالولادة ولا أثر للولادة فيه بل إنما يقع
بايقاعه عند وجود الشرط ونسب الولد من الاحكام المختصة بالولادة مع أن النسب عند
أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يثبت بشهادة القابلة وإنما يثبت بعين الولد فأن ثبوت النسب
بالفراش القائم وبأن يجعل شهادة القابلة حجة في ثبوت النسب فذلك لا يدل على أنها تكون
حجة في وقوع الطلاق كما بينا في قوله إذا حضت فأنت طالق وفلانة معك ولو كان الزوج
أقر بأنها حبلى ثم قال لها إذا ولدت فأنت طالق فقالت قد ولدت عند أبي حنيفة رحمه الله
تعالى يقع الطلاق بمجرد قولها وعندهما لا يقع إلا أن تشهد القابلة لان شرط الطلاق
ولادتها وذلك ما يقف عليه غيرها فلا يقبل فيه مجرد قولها كما في الفصل الأول ألا ترى
أن نسب الولادة لا يثبت الا بشهادة القابلة وان أقر الزوج بالحبل فكذلك الطلاق وأبو
حنيفة رحمه الله تعالى يقول علق الطلاق ببروز موجود في باطنها فيقع الطلاق بمجرد
خبرها كما لو قال إذا حضت فأنت طالق وهذا لان وجود الحبل بها يثبت باقرار الزوج
106

فلما جاءت الآن وهي فارغة وتقول قد ولدت فالظاهر يشهد لها أو يتيقن بولادتها وهذا
بخلاف النسب لان بقولها يثبت مجرد الولادة وليس من ضرورته تعين هذا الولد لجواز
أن تكون ولدت غير هذا من والد ميت ثم تريد حمل نسب هذا الولد عليه فلهذا لا يقبل
قولها في تعيين الولد الا بشهادة الوالد فأما وقوع الطلاق يتعلق بنفس الولادة أي ولد كان
من حي أو ميت وبعد اقرار الزوج بالحبل يتيقن بالولادة إذا جاءت وهي فارغة (قال)
وإذا قال الرجل لامرأته إذا ولدت ولدين فأنت طالق فولدت ثلاثة أولاد في بطن واحد
ثم ولدت بعد ذلك لستة أشهر ولدا آخر فقد وقعت عليها تطليقة بولادة الولدين الأولين
لتمام الشرط بهما وانقضت عدتها بالولد الثالث لأنها معتدة وضعت جميع ما في بطنها فان
الولد الرابع من حبل حادث بيقين لان التوأم لا يكون بينهما مدة حبل تام ولهذا لا يثبت
نسب الولد الرابع من الزوج لأنها علقت به بعد انقضاء عدتها (قال) ولو قال أول ولد
تلدينه غلاما فأنت طالق فولدت غلاما وجارية في بطن واحد لا يعلم أيهما أول لم يقع عليها
شئ في الحكم لجواز أن تكون ولدت الجارية أولا ثم الغلام وفي النزهة قد وقعت عليها
تطليقة لجواز أن تكون ولدت الغلام أولا فوقع عليها تطليقة ثم انقضت عدتها بولادة الجارية
في هذا الوجه غير أنها لا تحل للأزواج حتى يوقع عليها طلاقا مستقبلا وتعتد بعدة مستقبلة
لأنها في الحكم امرأته فان الطلاق بالشك لا يقع في الحكم فلهذا يحتاج في حلها للأزواج إلى
ايقاع مستقبل وعدة مستقبلة (قال) وإذا قال لها كلما ولدت ولدين فأنت طالق فولدتهما
في بطن واحد أو في بطنين فهو سواء ويقع عليها الطلاق بالولد الآخر لان تمام الشرط به
ولا فرق في الشرط بين أن يوجدا معا أو متفرقا ولو ولدت الثاني وهي ليست في نكاحه
ولا في عدته لم يقع عليها شئ عندنا وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقع لان المعتبر
عنده أن الطلاق يقع عند وجود الشرط بالتعليق السابق وقد صح في ملكه ألا ترى
أن الصحيح إذا قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت طالق ثم جن ثم دخل الدار تطلق
باعتبار وقت التعليق لا وقت وجود الشرط ولكنا نقول أو ان وقوع الطلاق عليها عند وجود
الشرط وعند ذلك ليست بمحل لوقوع طلاقه عليها لأنها ليست في نكاحه ولا في عدته
وبدون المحل لا يثبت الحكم بخلاف جنون الزوج فإنه لا يعدم المحلية إنما يعدم الأهلية للايقاع
والايقاع بكلام الزوج وذلك عند التعليق لا عند وجود الشرط فلهذا لا يعتبر قيام الأهلية
107

عند وجود الشرط ولو أبانها فولدت الأول في غير نكاحه وعدته ثم تزوجها فولدت عندنا يقع
الطلاق عليها وعند زفر رحمه الله تعالى لا يقع لان ولادة الولد الأول شرط للطلاق لولادة
الولد الثاني فكما لا يعتبر قيام الملك للوقوع عند ولادة الولد الثاني فكذلك عند ولادة الولد
الأول وعلمائنا رحمهم الله تعالى يقولون المحل إنما يعتبر عند التعليق لصحة التعليق بوجود
المحلوف به وعند تمام الشرط لنزول الجزاء فأما في حال ولادة الولد الأول ليس بحال
التعليق ولا حال نزول الجزاء إنما هو حال بقاء اليمين وملك المحل ليس بشرط لبقاء اليمين
كما لو قال لعبده ان دخلت الدار فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه ودخل الدار عتق وهذا لان
بوجود بعض الشرط لا ينزل شئ من الجزاء ألا ترى أنه لو قال لامرأته في رجب ولم يدخل
بها إذا جاء يوم الأضحى فأنت طالق ثم أبانها ثم تزوجها يوم عرفة فجاء يوم الأضحى طلقت
وما لم يمض الشهر لا يتحقق وجود الشرط بمجئ يوم الأضحى ثم لا يعتبر قيام المحل في
تلك الشهور وعلى هذا الخلاف لو قال إذا حضت حيضتين فحاضت الأولى في غير ملك
والثانية في ملك وكذلك أن تزوجها قبل أن تطهر من الحيضة الثانية بساعة أو بعدما انقطع
عنها الدم قبل أن تطهر من الحيضة الثانية بساعة أو بعدما انقطع عنها الدم قبل أن تغتسل
وأيامها دون العشرة فإذا اغتسلت أو مضى عليها وقت صلاة طلقت لان الشرط قد تم وهي
في نكاحه وكذلك لو قال إن أكلت هذا الرغيف فأنت طالق فأكلت عامة الرغيف في
غير ملكه ثم تزوجها فأكلت ما بقي منه طلقت لان الشرط شرط في ملكه والحنث به
يحصل وقد قال في الأصل إذا قال كلما حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت الأخيرة منهما
في غير ملكه ثم تزوجها فحاضت الثانية في ملكه لم يقع عليها شئ قال الحاكم وهذا الجواب
غير سديد في قوله كلما حضت وإنما يصح إذا كان السؤال بقوله إذا حضت لان كلمة كلما
تقتضي التكرار (قال) الشيخ الامام والأصح عندي ان في المسألة روايتين في رواية هذا
الكتاب لا تطلق وفي رواية الجامع تطلق وأصل الاختلاف في كيفية التكرار بكلمة كلما في
هذه الرواية يتكرر انعقاد اليمين فكلما وجد الشرط مرة ارتفعت اليمين الأولى وانعقدت
يمين أخرى فإذا لم يكن عند تمام الشرط في نكاحه ولا في عدته لا تنعقد اليمين الأخرى
لان ملك المحل شرط عند انعقاد اليمين فلهذا لا يقع عليها شئ وان حاضت حيضتين في ملكه
وعلى رواية الجامع أنما يتكرر بكلمة كلما نزول الجزاء بتكرر الشرط ولا يتكرر انعقاد اليمين
108

فكلما وجد الشرط في ملكه طلقت والأصح رواية الجامع وقد بينا تمام هذا الكلام فيما
أمليناه من شرح الجامع (قال) وان قال إذا حضت فأنت طالق فولدت لم تطلق لان شرط
الطلاق حيضها والنفاس ليس بحيض ألا ترى أنه لا يحتسب به من أقراء العدة وان قال إذا
حبلت فأنت طالق ثلاثا فوطئها مرة فالأفضل له أن لا يقربها ثانية حتى يستبرئها بحيضة لجواز
أن تكون قد حبلت فطلقت ثلاثا وإذا حاضت وطهرت عرفنا أنها لم تحبل فان تبين فراغ
رحمها يحصل بحيضة واحدة بدليل الاستبراء فله أن يطأها مرة أخرى وهذا حاله وحالها
ما دامت عنده وهو جواب النزهة فاما في الحكم لا يمنع من وطئها ما لم يطهر بها حبل لان
قيام النكاح فيما بينهما يقين وفي وقوع الطلاق شك وإذا ولدت بعد هذا القول لأقل من
ستة أشهر لم تطلق لأنا تيقنا ان هذا الحبل كان قبل اليمين وشرط الحنث حبل حادث بعد
اليمين وان جاءت به لأكثر من سنتين وقع الطلاق وانقضت العدة بالولد لأنا تيقنا أن
هذا الولد من حبل حادث بعد اليمين وإنما وقع الطلاق عند وجود الشرط وهو ما إذا
لو حبلت فتنقضي عدتها بالولد وجاءت به لستة أشهر أو أكثر ولكن لأقل من سنتين لم تطلق
أيضا لجواز أن يكون هذا الولد من حبل قبل اليمين فان الولد يبقى في البطن إلى سنتين وما لم
يتيقن بوجود الشرط بعد اليمين لا ينزل الجزاء والحل وإن كان قائما بينهما يسند العلوق إلى
أبعد الأوقات تحرزا عن ايقاع الطلاق بالشك (قال) وإذا قال لها إذا وضعت ما في بطنك
فأنت طالق فولدت ولدين في بطن واحد وقع الطلاق بآخرهما وعليها العدة لان حرف
ما يوجب التعميم فشرط وقوع الطلاق أن تضع جميع ما في بطنها وذلك لا يحصل الا بالولد
الثاني وعلى هذا لو قال إن كان حملك هذا جارية فأنت طالق واحدة وإن كان غلاما فأنت
طالق اثنتين فولدت غلاما وجارية لم يقع عليها شئ لان الحمل اسم لجميع ما في بطنها قال الله
تعالى أجلهن أن يضمن حملهن ولا تنقضي عدتها الا بوضع جميع ما في بطنها فالشرط أن يكون
جميع حملها غلاما أو جارية ولم يوجد ذلك حين ولدت غلاما وجارية في بطن واحد ألا تري
أنه لو كان قال إن كان ما في هذا الجوالق حنطة فامرأته طالق وإن كان ما فيه شعيرا فعبده
حر فإذا فيه شعير وحنطة لم يلزمه طلاق ولا عتق ونظير هذه المسألة امتحن أبو حنيفة رحمه
الله تعالى فطنة الحسن بن زياد رضي الله عنه فقال ما نقول في عنز ولدت ولدين لا ذكرين
ولا أنثيين ولا أسودين ولا أبيضين كيف يكون هذا فتأمل ساعة ثم قال أحدهما ذكر
109

والآخر أنثى وأحدهما أسود والآخر أبيض فتعجب من فطنته وان قال لها كلما حبلت فأنت
طالق فولدت بعد هذا القول من حبل حادث فقد وقعت عليها تطليقة كما حبلت لوجود
الشرط وانقضت عدتها بالولادة ولو كان جامعها بعد الحبل قبل أن تلد منه كان ذلك منه رجعة
لان الواقع بهذا اللفظ كان رجعيا والوطئ في العدة من طلاق رجعي يكون رجعة فان
حبلت مرة أخرى طلقت لأنه عقد يمينه بكلمة كلما وكذلك في الحكم الثالث وان قال أنت
طالق ما لم تلدي فهي طالق حين سكت لأنه جعلها طالقا في وقت لا تلد فيه بعد اليمين وكما
سكت فقد وجد ذلك الوقت وكذلك في قوله ما لم تحبلي وفى قوله ما لم تحيضي إلا أن يكون
ذلك منها مع سكوته فحينئذ لا يقع وهذا لان وقوع الطلاق بحيض بزمان وهو ما بعد
كلامه وقد جعلها طالقا إلى غاية وهو أن تحيض أو تحبل أو تلد فإذا وجدت الغاية متصلا
بسكوته فقد انعدم الزمان الذي أوقع فيه الطلاق لان الشئ لا يكون غاية لنفسه فلا تطلق
فإذا لم يوجد ذلك مع سكوته فقد وجد الزمان الذي أوقع فيه الطلاق فتطلق ولو قال أنت
طالق ما لم تحبلي وهي حبلى أو ما لم تحيضي وهي حائض فهي طالق كما سكت لان صيغة
كلامه لحبل وحيض حادث يقال حبلت المرأة وحاضت عند ابتداء ذلك ولم يوجد ذلك متصلا
بسكوته؟ هذا؟ تطلق فإن كان يعني ما فيه من الحبل والحيض دين فيما بينه وبين الله تعالى
لان استدامة الحيض بخروج الدم منها ساعة فساعة وما يبرز منها حادث من وجه فيجوز
أن يطلق عليه اسم ابتداء الحيض مجازا ولكنه خلاف الظاهر فلا يدين في القضاء ويدين
فيما بينه وبين الله تعالى وأما في الحبل فلا يدين في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى لأنه
لا يتجدد الحبل في مدته ساعة فساعة فلا يكون لاستدامته اسم الابتداء لا حقيقة ولا
مجازا ألا ترى أنه يقال حاضت عشرة أيام ولا يقال حبلت تسعة أشهر إنما يقال حبلت
ووضعت لتسعة أشهر وان قال لامرأته قد طلقتك قبل أن أتزوجك فهذا باطل لان
ما ثبت باقراره كالثابت بالمعاينة ولأنه أضاف الطلاق إلى وقت لم يكن مالكا للايقاع عليها
في ذلك الوقت فكان نافيا للوقوع عليها لا مثبتا كما لو قال أنت طالق قبل أن تولدي أو تخلقي
أو قبل أن أولد أو أن أخلق وكذلك لو قال قد طلقتك أمس وإنما تزوجها اليوم لأنه
أضاف الطلاق إلى وقت لم يكن مالكا للايقاع في ذلك الوقت وإن كان تزوجها قبل أمس
طلقت للحال لأنه أضاف إلى وقت كان مالكا للايقاع في ذلك الوقت فكان كلامه معتبرا
110

في الايقاع ثم إنه وصفها بالطلاق في الحال مستندا إلى أمس وهو يملك الايقاع عليها في
الحال ولكن لا يملك الاسناد فلهذا تطلق في الحال (قال) ولو قال قد طلقتك وأنا صغير
أو قال وأنا نائم لم يقع بهذا شئ لأنه أضاف إلى حالة معهودة تنافى صحة الايقاع فكان
منكرا للايقاع لا مقرا به. ولو قال وأنا مجنون فان عرف بالجنون قبل هذا لم تطلق لأنه
أضاف إلى حالة معهودة تنافى صحة الايقاع وإن لم يعرف بالجنون طلقت لأنه أقر بطلاقها
وأضافه إلى حالة لم تعرف تلك الحالة منه فلا يعتبر قوله في الإضافة فلهذا تطلق في الحال
وان قال قلت لك أنت طالق ان كلمت فلانا وقالت هي طلقتني فالقول قول الزوج لان
تعليق الطلاق بالشرط يمين واليمين غير الطلاق ألا تري أنه لا يقع الطلاق بها ما لم يوجد
الحنث فهي تدعى عليه ايقاع الطلاق والزوج منكر لذلك فالقول قوله وان قال أنت طالق
ثلاثا إن لم أطلقك لم تطلق حتى يموت أحدهما قبل أن يطلقها لان كلمة ان للشرط فقد
جعل عدم ايقاع الطلاق عليها شرطا ولا يتيقن بوجود هذا الشرط ما بقيا حيين فهو
كقوله إن لم آت البصرة فأنت طالق ثم إن مات الزوج وقع عليها قبل موته بقليل وليس
لذلك القليل حد معروف ولكن قبيل موته يتحقق عجزه عن ايقاع الطلاق عليها فيتحقق
شرط الحنث فإن كأن لم يدخل بها فلا ميراث لها وإن كان قد دخل بها فلها الميراث بحكم
الفرار حين وقع الثلاث بايقاعه قبيل موته بلا فصل وان ماتت المرأة وقع الطلاق أيضا
قبل موتها وفى النوادر يقول لا يقع لأنه قادر على أنه يطلقها ما لم تمت وإنما عجز بموتها فلو وقع
الطلاق لوقع بعد الموت وهو نظير قوله إن لم آت البصرة وجه ظاهر الرواية أن الايقاع من
حكمة الوقوع بعد الموت وهو قد تحقق العجز عن ايقاعه قبيل موتها لأنه يعقبه الوقوع كما
لو قال لها أنت طالق مع موتك فيقع الطلاق قبيل موتها بلا فصل ولا ميراث للزوج لان
الفرقة وقعت بينهما قبل موتها بايقاع الطلاق عليها وان قال أنت طالق متى لم أطلقك طلقت
كما سكت لان كلمة متى تستعمل للوقت فقد أضاف الطلاق إلى وقت بعد يمينه لا يطلقها
فيه وقد وجد ذلك الوقت كما سكت وكذلك أن قال متى ما لم أطلقك فأما إذا قال إذا لم
أطلقك أو إذا ما لم أطلقك فان قال عنيت بإذا الشرط فهو بمنزلة أن لا يقع الطلاق حتى يموت
أحدهما وان قال عنيت به متى وقع الطلاق كما سكت لان إذا تستعمل لكل واحدة منهما
وإن لم تكن له نية فعلي قول أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا تطلق حتى يموت أحدهما وعند أبي
111

يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى كما سكت يقع وأصل الخلاف بين أهل اللغة والنحو
فالكوفيون منهم يقولون إذا قد تستعمل للوقت وقد تستعمل للشرط على السواء فيجازى
به مرة ولا يجازى به أخرى وإذا كان بمعنى الشرط سقط فيه معني الوقت أصلا كحرف
ان وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى والبصريون رحمهم الله تعالى يقولون إذا للوقت
ولكن قد تستعمل للشرط مجازا ولا يسقط به معني الوقت إذا أريد به الشرط بمنزلة متى
وهو مذهب أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى فهما يقولان إذا تستعمل فيما هو كائن
لا محالة وليس فيه معنى الخطر قال الله تعالى إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت ويقال
الرطب إذا اشتدت الحر والبرد إذا جاء الشتاء والشرط ما هو على خطر الوجود فعرفنا انه
للوقت حقيقة فعند عدم النية يحمل اللفظ على حقيقته ألا ترى أنه لو قال لامرأته إذا شئت
فأنت طالق لم يخرج الامر من يدها بقيامها عن المجلس بمنزلة قوله متى شئت بخلاف قوله
إن شئت وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول إذا قد تكون للشرط حقيقة يقول الرجل إذا زرتني
زرتك وإذا أكرمتني أكرمتك والمراد الشرط دل عليه قول القائل شعر
استغن ما أغناك ربك بالغنى * وإذا تصبك خصاصة فتحمل
معناه وان تصبك فعند عدم النية هنا ان حمل على معنى الشرط لم يقع الطلاق حتى يموت
أحدهما وان جعل بمعنى متى طلقت في الحال وقد عرفنا أن الطلاق غير واقع فلا نوقعه
بالشك ولهذا قلنا في مسألة المشيئة لا يخرج الامر من يدها بقيامها عن المجلس لأنا ان
جعلنا إذا بمعنى الشرط خرج الامر من يدها وان جعلناها بمعنى متي لم يخرج الامر من
يدها وقد عرفنا كون الامر في يدها بيقين فلا تخرجه من يدها بالشك وفى الكتاب قال
ألا ترى أنه لو قال إذا سكت عن طلاقك فأنت طالق تطلق كما سكت وهذا لا حجة فيه
لأنه لو قال إن سكت وان قال كلما لم أطلقك فأنت طالق وقد دخل بها ثم سكت فهي
طالق ثلاثا يتبع بعضها بعضا لأنه أضاف الطلاق إلى وقت لا يطلقها فيه بكلمة كلما وعقيب
سكوته يوجد ثلاثة أوقات بهذه الصفة بعضها على أثر البعض فتطلق ثلاثا بطريق الاتباع
ولا يقعن معا حتى إذا لم يكن دخل بها لا يقع الا واحدة وان قال متى ما لم أطلقك واحدة
فأنت طالق ثلاثا ثم قال موصلا بكلامه أنت طالق واحدة فقد بر في يمينه استحسانا ولا يقع
عليها الا واحدة وفي القياس تطلق ثلاثا وهو قول زفر رحمه الله تعالى لأنه آلى أن يفرغ
112

من قوله أنت طالق واحدة يوجد وقت موصوف بأنه لم يطلقها فيه وان لطف وذلك
يكفي شرطا للحنث ولكنه استحسن فقال البر مراد الحالف ولا يتأتى له البر الا بعد أن
يجعل هذا القدر مستثنى ومالا يستطاع لامتناع عنه يجعل عفوا وأصل المسألة فيما إذا قال إن
ركبت هذه الدابة وهو راكبها فأخذ في النزول في الحال ولو سكت ساعة ثم قال أنت
طالق واحدة فقد طلقت ثلاثا قبل قوله واحدة وهذا لان السكوت فيما بين الكلامين
يستطاع الامتناع عنه وعلى هذا لو قال ما لم أقم من مقعدي هذا فأنت طالق ان قام
كما سكت لم تطلق استحسانا وان سكت هنيهة طلقت ولو قال أنت طالق حين لم أطلقك
ولا نية له فهي طالق كما سكت لان حرف لم عبارة عن الماضي وقد مضي حين لم يطلقها
فيه فكان الوقت المضاف إليه الطلاق موجودا كما سكت وكذلك لو قال زمان لم أطلقك أو
يوم لم أطلقك أو حيث لم أطلقك لان حرف حيث عبارة عن المكان وكم من مكان لم يطلقها
فيه ولو قال حين لا أطلقك لا تطلق في الحال لان حرف لا للاستقبال وان نوى بحين وقتا
يسيرا أو طويلا تعمل نيته وإن لم يكن له نية فهو على ستة أشهر فما لم تمض ستة أشهر بعد يمينه
لا تطلق لان حين تستعمل بمعنى ساعة قال الله تعالى حين تمسون وحين تصبحون أي
وقت الصباح والمساء وتستعمل بمعنى قيام الساعة قال الله تعالى تمتعوا حتى حين وتستعمل
بمعنى أربعين سنة قال الله تعالى هل أتى على الانسان حين من الدهر وتستعمل بمعنى ستة
أشهر قال الله تعالى تؤتى أكلها كل حين فإذا نوى شيئا كان المنوي من محتملات لفظه
وإن لم ينو شيئا كان على ستة أشهر هكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما حين سئل عمن
حلف لا يكلم فلانا حينا قال هو على ستة أشهر فان النخلة يدرك ثمرها في سته أشهر وقال
الله تعالى تؤتى أكلها كل حين ولأنه متى أراد به ساعة لا يستعمل فيه لفظ الحين عادة ومتى
أراد به أربعين سنة أو قيام الساعة استعمل فيه لفظ الأبد فتعين ستة أشهر مرادا به
وكذلك لو قال زمان لا أطلقك فان لفظة حين وزمان يستعملان استعمالا واحدا يقول
الرجل لغيره لم ألقك منذ حين ولم ألقك منذ زمان ولو قال يوم لا أطلقك فإذا مضى بعد
يمينه يوم لم يطلقها فيه طلقت حتى إذا قال هذا قبل طلوع الفجر فكما غربت الشمس تطلق
لان اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس حتى يقدر الصوم بالامساك فيه (قال)
وإذا قال يوم أدخل دار فلان فامرأته طالق ولا نية له فدخلها ليلا أو نهارا طلقت لان اليوم
113

يستعمل بمعنى الوقت قال الله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره ومن فر من الزحف ليلا أو نهارا
يلحقه هذا الوعيد والرجل يقول انتظر يوم فلان أي وقت اقباله أو ادباره فإذا قرن بما
لا يختص بأحد الوقتين ولا يكون ممتدا كان بمعنى الوقت كالطلاق وإذا قرن بما يختص
بأحد الوقتين كالصوم كان بمعنى بياض النهار وكذلك إذا قرن بمن يكون ممتدا كقوله
لامرأته أمرك بيدك يوم يقدم فلان على ما نبينه إن شاء الله تعالى وإذا قال في الطلاق
نويت النهار دون الليل فهو مصدق في القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه وهي حقيقة مستعملة
فيجب تصديقه في ذلك وان قال ليلة أدخلها فأنت طالق فدخل نهارا لم تطلق لان الليل
اسم خاص لسواد الليل وهو ضد النهار ولا يصح أن ينوى بالشئ ضده وان قال
أنت طالق إلى حين أو زمان أو إلى قريب فان نوى فيه شيئا فهو على ما نوى من
الاجل لان الدنيا كلها قريب فالمنوي من محتملات لفظه وإن لم يكن له نية ففي الحين
والزمان هي إلى ستة أشهر وفي القريب إلى مضى ما دون الشهر حتى إذا مضى من
وقت يمينه شهر الا يوم طلقت لان القريب عاجل والشهر فما فوقه آجل وما دون
الشهر عاجل حتى إذا حلف ليقضين حقه عاجلا فقضاه فيما دون الشهر بر في يمينه والعاجل
ما يكون قريبا ولو قال أنت طالق إلى شهر فان نوى وقوع الطلاق عليها في الحال
طلقت ولغى قوله إلى شهر لان الواقع من الطلاق لا يحتمل الاجل وإن لم ينو ذلك
لم تطلق الا بعد مضى شهر عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى تطلق في الحال وهو رواية
عن أبي يوسف رحمه الله تعالى لان قوله إلى شهر لبيان الاجل والأجل في الشئ لا ينفي
ثبوت أصله بل لا يكون الا بعد أصله كالأجل في الدين لا يكون الا بعد وجوب
الدين فكذلك ذكر الاجل هنا فيما أوقعه لا ينفى الوقوع في الحال ولكن يلغو الاجل لان
الواقع من الطلاق لا يحتمل ذلك وأصحابنا رحمهم الله تعالى يقولون الواقع لا يحتمل الاجل
ولكن الايقاع يحتمل ذلك لان عمله في التأخير والايقاع يحتمل التأخير ولو جعلنا حرف
إلى داخلا على أصل الايقاع كان عاملا في تأخير الوقوع ولو جعلناه داخلا على الحكم
كان لغوا وكلام العاقل محمول على الصحة مهما أمكن تصحيحه لا يجوز الغاؤه فجعلناه
داخلا على أصل الايقاع وقلنا بتأخير الوقوع إلى ما بعد الشهر كأنه قال أنت طالق بعد مضي
شهر وان قال أنت طالق غدا تطلق كما طلع الفجر من الغد لوجود الوقت المضاف إليه
114

الطلاق وان قال عنيت به آخر النهار لم يدين به في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى
لأنه نوى التخصيص في لفظ العموم فإنه وصفها بالطلاق في جميع الغد وإنما يكون ذلك إذا
وقعت في أول جزء منه فإذا نوى الوقوع في آخر جزء من الغد فنيته التخصيص في العموم
صحيحة فيما بينه وبين الله تعالى كما لو قال لا آكل الطعام ونوى طعاما دون طعام وان قال
أنت طالق في غد طلقت كما طلع الفجر أيضا فان قال عنيت به آخر النهار صدق في القضاء
عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولم يصدق عندهما ذكر الخلاف في الجامع الصغير فهما سويا
بين قوله غد وبين قوله في غد لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد فإذا عنى جزء خاصا منه
كان هذا كنية التخصيص في لفظ العموم وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يفرق بينهما فيقول حرف
في للظرف والظرف قد يشغل جميع المظروف وقد يشغل جزء منه لأنه إذا قيل في الجوالق
حنطة لا يفهم منه أن يكون مملوء من الحنطة فإذا ذكر بين الوصف والوقت حرف الظرف
كان كلامه محتملا بين أن تكون موصوفة بالطلاق في جميع الغد أو في جزء منه والنية
في الكلام المحتمل صحيحة في القضاء والوقت إنما يكون ظرفا للطلاق على أن يكون واقعا فيه
لا أن يكون شاغلا له والوقوع يكون في جزء من الوقت فكان هذا أقرب إلى حقيقة معنى الظرف
وإذا قال غدا فلم يدخل بين الوصف والوقت حرف الظرف فكان حقيقته الوصف لها
بالطلاق في جميع الغد فلهذا لا تعمل نيته في التخصيص في القضاء ولو قال أنت طالق في
رمضان ولا نية له فهي طالق حين تغيب الشمس من آخر يوم من شعبان لأنه كما رأى
الهلال فقد وجد جزء من رمضان وذلك يكفي للوقوع وان قال نويت آخر رمضان فهو
على الخلاف الذي بينا وان قال أنت طالق اليوم غذا فهي طالق اليوم لأنه ذكر وقتين غير
معطوف أحدهما على الآخر وفي مثله الوقوع في أول الوقتين ذكرا وهو اليوم ولو قال غدا
اليوم طلقت غدا وهذا لان قوله أنت طالق اليوم تنجيز وقوله غدا إضافة إلى وقت منتظر
والمنجز لا يحتمل الإضافة فكان قوله غدا لغوا وإذا قال أولا غذا كان هذا إضافة
الطلاق إلى وقت منتظر فلو نجز بذكره اليوم لم يبق مضافا وقوله اليوم ليس بناسخ لحكم
أول كلامه فكان لغوا وان قال اليوم وغذا طلقت للحال واحدة لا تطلق غيرها لان
العطف للاشتراك فقد وصفها بالطلاق في الوقتين وهي بالتطليقة الواحدة تتصف بالطلاق
في الوقتين جميعا وان قال غذا واليوم تطلق واحدة اليوم عندنا والأخرى غذا لأنه عطف
115

الجملة الناقصة على الجملة الكاملة فالخبر المذكور في الجملة الكاملة يصير معادا في الجملة
الناقصة فان العطف للاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الخبر فكأنه قال وأنت
طالق اليوم وعن زفر رحمه الله تعالى أنها لا تطلق الا واحدة لان صيغة كلامه وصف
وهي بالتطليقة الواحدة تتصف بأنها طالق في الوقتين جميعا وان قال أنت طالق الساعة غدا
طلقت للحال وكان بقوله غدا حشوا لما قلنا فان قال عنيت تلك الساعة من الغد لم يصدق في
القضاء لان ظاهر كلامه تنجيز وهو يريد بنيته صرف الكلام عن ظاهره فلا يدين في
القضاء وهو يدين فيما بينه وبين الله تعالى لاحتمال كلامه المنوي وإن كان خلاف الظاهر
والله تعالى مطلع على ضميره وان قال أنت طالق اليوم إذا جاء غد فهي طالق حين يطلع
الفجر لان قوله إذا جاء غد تعليق بالشرط وبذكر الشرط موصولا بكلامه يخرج كلامه
من أن يكون تنجيزا كما لو قال أنت طالق اليوم إذا كلمت فلانا أو ان كلمت فلانا لم تطلق
قبل الكلام ويتبين بذكر الشرط أن قوله اليوم لبيان وقت التعليق لا لبيان وقت الوقوع
بخلاف قوله اليوم غدا فان هذا ليس بذكر الشرط فبقي قوله اليوم بيانا لوقت الوقوع وان
قال أنت طالق رمضان وشوال كانت طالقا أول ليلة من رمضان لأنه أضاف الطلاق إلى
وقتين فيقع عند أول الوقتين ذكرا وان قال أنت طالق في رمضان فهو على أول رمضان
يجئ هو الظاهر المعلوم بالعادة من كلامه كما لو ذكر الاجل في اليمين إلى رمضان أو أجر
داره إلى رمضان فان قال عنيت الثاني لم يصدق في القضاء لأنه خلاف الظاهر ولأنه في
معنى تخصيص العموم لان موجب كلامه أن تكون موصوفة بالطلاق في كل رمضان
يجئ بعد يمينه فإذا عين البعض دون البعض كان هذا تخصيصا للعموم وتخصيص العموم
بالنية صحيح فيما بينه وبين الله تعالى دون القضاء وكذلك قوله أنت طالق يوم السبت فهو
على أول سبت فان قال عنيت الثاني لم يصدق في القضاء وان قال طالق بمكة أو في مكة
طلقت في الحال لأنه وصفها بالطلاق في مكان موجود والطلاق لا يختص بمكان دون
مكان ولكن إذا وقع عليها في مكان تتصف به في الأمكنة كلها فان قال عنيت به إذا أتيت
مكة لم يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه ذكر المكان وعبر به عن
الفعل الموجود فيه وذلك نوع من المجاز مخالف للحقيقة والظاهر فلا يدين في القضاء
ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وكذلك قوله أنت طالق في ثوب كذا وعليها غيره طلقت
116

لان وصفه إياها بالطلاق لا يختص بثوب دون ثوب فان قال عنيت به إذا لبست ذلك الثوب
دين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه جعل ذكر الثوب كناية عن فعل اللبس فيه وهو نوع
من المجاز وكذلك قوله في الدار أو في البيت أو في الظل أو في الشمس وان قال ذهابك
إلى مكة أو في دخول الدار أو في لبسك ثوب كذا لم تطلق حتى تفعل ذلك لان حرف في
للظرف والفعل لا يصلح ظرفا للطلاق على أن يكون شاغلا له فيحمل على معنى الشرط لان
المظروف يسبق الظرف كما أن الشرط يسبق الجزاء ويجعل حرف في بمعنى مع قال الله
تعالى فأدخلي في عبادي أي مع عبادي ويقال دخل الأمير البلدة في جنده أي معهم ولو قال
أنت طالق مع دخولك الدار لم تطلق حتى تدخل فهذا مثله بخلاف قوله في الدار لأنه لو
قال مع الدار طلقت لأنه قرن الطلاق بما هو موجود وان قال أنت طالق وأنت تصلين
طلقت للحال لان قوله وأنت تصلين ابتداء فان قال عنيت إذا صليت لم يصدق في
القضاء لان الشرط لا يعطف على الجزاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لان هذا اللفظ
يذكر بمعنى الحال تقول دخلت الدار على فلان وهو يفعل كذا أي في تلك الحالة فيكون
معنى هذا أنت طالق في حال اشتغالك بالصلاة فيدين فيما بينه وبين الله تعالى لاحتمال لفظه
ما نوي وكذلك لو قال أنت طالق مصلية في القضاء تطلق في الحال وان قال عنيت إذا
صليت دين فيما بينه وبين الله تعالى بمعنى الحال وأهل النحو يقولون إن قال مصلية بالرفع
لا يدين فيما بينه وبين الله تعالى وان قال مصلية بالنصب حينئذ يدين في القضاء أيضا وهو
نصب على الحال وهذا ظاهر عند أهل النحو وهو نصب على الحال وعند الفقهاء يدين
فيما بينه وبين الله تعالى وان قال أنت طالق في مرضك أو في وجعك لم تطلق حتى يكون
منها ذلك الفعل اما لان حرف في معني مع أو لان المرض والوجع لما لم يصلح ظرفا حمل
على معنى الشرط مجازا لتصحيح كلام العاقل وان قال أنت طالق قبل قدوم فلان بشهر
فقدم فلان قبل تمام الشهر لم تطلق لأنه أضاف الطلاق إلى وقت منتظر وهو أول شهر
يتصل بآخره قدوم فلان فيراعى وجود هذا الوقت بعد اليمين ولم يوجد وكذلك لو قال
أنت طالق قبل موت فلان بشهر فمات فلان قبل تمام الشهر لم تطلق بخلاف ما لو قال لها
في النصف من شعبان أنت طالق قبل رمضان بشهر تطلق في الحال لأنه أضاف الطلاق
إلى وقت قد تيقن مضيه فيكون ذلك تنجيزا منه كقوله أنت طالق أمس فأما إذا قدم فلان
117

أو مات لتمام الشهر فعلى قول زفر رحمه الله تعالى في الفصلين جميعا يقع الطلاق من أول الشهر
حتى تعتبر العدة من ذلك الوقت ولو كان وطئها في الشهر صار مراجعا في الطلاق الرجعي
وفى البائن يلزمه مهر بالوطئ وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يقع الطلاق مقصورا
على حالة القدوم والموت حتى تعتبر العدة في الحال ولا يصير مراجعا بالوطئ في الشهر
ولا يلزمه به مهر وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في القدوم الجواب كما قالا وفى الموت
الجواب كما قال زفر رحمه الله تعالى وجه قول زفر رحمه الله تعالى أن وقوع الطلاق بايقاعه
إنما يقع في الوقت الذي أوقعه وإنما أوقعه في أول شهر يتصل بآخره قدوم فلان أو موته
فيقع في ذلك الوقت وقد وجد ذلك الوقت بعد اليمين ولكن لم يكن معلوما لنا ما لم
يوجد القدوم والموت فإذا صار معلوما لنا تبين انه كان واقعا كما لو قال لها إذا حضت فأنت
طالق فرأت الدم لا يحكم بوقوع الطلاق حتى يستمر بها ثلاثة أيام ثم يتبين أنه كان واقعا
عند رؤية الدم وكذلك إذا قال إن كان في بطنك غلام فأنت طالق لا يحكم بالوقوع
حتى تلد فإذا ولدت غلاما تبين أن الطلاق كان واقعا والدليل عليه أنه لو أوقع عند
مضى شهر بعد القدوم أو الموت لا يقع الا في ذلك الوقت فكذلك إذا أوقع قبله بشهر
ولو قال لأجنبية أنت طالق قبل أن أتزوجك بشهر ثم تزوجها بعد شهر لم تطلق ولو
انتصب التزوج شرطا وكان أوان الوقوع بعده لطلقت وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
قالا وقوع الطلاق توقف بكلامه على وجود القدوم والموت وإنما يتوقف على وجود الشرط
فعرفنا أنه شرط معنى والجزاء يتأخر عن الشرط ثم هذا في القدوم واضح لأنه على خطر
الوجود وفى الشرط معني الخطر والموت وإن كان كائنا لا محالة ولكن مضى الشهر بعد
كلامه قبل الموت لم يكن كائنا عند يمينه لا محالة ولهذا قال لو مات قبل تمام الشهر لم تطلق
ولان الموت قد يتقدم وقد يتأخر فكل شهر يمضى بعد يمينه لا يعلم أنه الوقت المضاف إليه
الطلاق ما لم يتصل الموت بآخره لجواز أن يتأخر عنه كما في القدوم لا يعلم ذلك لجواز
أن لا يقدم أصلا فكان هذا في معني الشرط أيضا بخلاف قوله أنت طالق قبل أن أتزوجك
بشهر فان الإضافة هنا لغو أصلا لأنه غير مالك للطلاق في الوقت الذي أضاف إليه واعتبار
معنى الشرط بعد صحة الإضافة وفى مسألة الحيض الشرط يوجد برؤية قطرة من الدم
ولكن لا يحكم بالطلاق لجواز أن ينقطع قبل تمام الثلاث فلم يكن وقوع الطلاق هناك
118

موقوفا على وجود أمر منتظر وكذلك في مسألة الحبل كلامه تنجيز للطلاق لان التعليق بما
هو موجود يكون تنجيزا فلم يكن الوقوع موقوفا على أمر منتظر ولكنا لا تحكم به قبل
الولادة لعدم علمنا به فلم يكن في معنى الشرط والفرق لأبي حنيفة رحمه الله تعالى ما أشار
إليه في الكتاب فقال إن موت فلان حق كائن وقدومه لا يدرى أيكون أو لا يكون
وتقريره من وجهين (أحدهما) ان الشئ إنما يتصف بكونه شرطا بذكر حرف الشرط فيه
أو وجود معنى الشرط ولم يذكر حرف الشرط في الفصلين ولكن وجد معنى الشرط في
مسألة القدوم لان وجوده على خطر وهو مما يصح الامر به والنهى عنه وهذا معنى
الشرط فان الحالف يقصد بيمينه منع الشرط فإذا توقف وقوع الطلاق على وجوده وفيه معنى
الشرط انتصب شرطا فاما الموت فلا خطر في وجوده بل هو كائن لا محالة ولا يصح الامر
به والنهى عنه فلم يكن قصده بهذا الكلام منع الموت وإذا لم يكن فيه معنى الشرط كان
معرفا للوقت المضاف إليه فإنما يقع الطلاق من أول ذلك الوقت كما في قوله أنت طالق
قبل رمضان بشهر يقع الطلاق في أول شعبان إلا أن هناك الوقت يصير معلوما قبل دخول
رمضان وهنا لا يصير معلوما ما لم يمت فإذا صار معلوما لنا تبين أن الطلاق كان واقعا من
أوله (والثاني) أنه أوقع الطلاق في أول شهر يتصل بآخره قدوم فلان أو موته وفى
مسألة القدوم هذا الاتصال لا يقع أصلا الا بعد القدوم لجواز أن يكون لا يقدم
أصلا وبدو هذا الاتصال لا يقع الطلاق أصلا أما في مسألة الموت هذا الاتصال
ثابت قبل الموت لان الموت كائن فيعلم يقينا أن في الشهور التي تأتي شهرا موصوفا
بهذه الصفة ولكن لا يدرى أي شهر ذاك فلا يحكم بالطلاق ما لم يصر معلوما لنا فإذا صار
معلوما تبين أنه كان واقعا من أول ذلك الوقت يقرره أن في مسألة الموت الوقت المضاف
إليه يصير معلوما قبل حقيقة الموت لأنه لما أشرف على الهلاك صار الوقت المضاف إليه
معلوما فلهذا لا يتأخر الطلاق عن الموت وفي مسألة القدوم لا يصير الوقت معلوما ما لم
يوجد حقيقة القدوم لجواز أن لا يقدم فلهذا تأخر الطلاق عنه وان قال أنت طالق ثلاثا
قبل موتك بشهر فماتت قبل مضى الشهر لم تطلق لأنه لم يوجد الوقت المضاف إليه بعد اليمين
فان ماتت بعد تمام الشهر فعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يقع الطلاق لأنه لو وقع
وقع بعد موتها والطلاق لا يقع عليها بعد الموت وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يقع من
119

أول الشهر فلا ميراث له منها وإن كان جامعها في الشهر فعليه مهر آخر لها لأنه تبين أنه
جامعها بعد وقوع التطليقات الثلاث عليها وكذلك لو قتلت أو غرفت فهذا موت وإن كان
بسبب مخصوص وكذلك لو قال أنت طالق ثلاثا قبل موتى بشهر ثم مات لتمام الشهر عندهما
لا تطلق لأنه لو وقع وقع بعد موته وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يتبين وقوع الطلاق
من أول الشهر حتى إذا كان صحيحا في ذلك الوقت فلا ميراث لها منه وعليها العدة بثلاث
حيض وان قال أنت طالق قبل الأضحى بتسعة أيام فهي طالق حين ينسلخ ذو القعدة لعلمنا
بوجود الوقت المضاف إليه الطلاق وان قال أنت طالق قبل موت فلان وفلان بشهر فمات
أحدهما قبل تمام الشهر لم تطلق لان الوقت المضاف إليه بعد يمينه لم يوجد فان مات أحدهما
بعد تمام الشهر طلقت عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى استحسانا مستندا إلى أول الشهر
وعندهما طلقت في الحال بخلاف لو قال لها أنت طالق قبل قدوم فلان وفلان بشهر فقدم
أحدهما بعد تمام الشهر لم تطلق حتى يقدم الآخر وبهذا يتضح فرق أبي حنيفة رحمه الله
تعالى أن القدوم ينتصب شرطا والموت لا ينتصب ووجه الفرق أنه أوقع الطلاق في
وقت موصوف بأنه قبل قدومهما بشهر وذلك لا يصير معلوما بقدوم أحدهما لجواز أن
لا يقدم الآخر أصلا فأما في الموت يصير ذلك الوقت معلوما بموت أحدهما لان موت
الآخر كائن لا محالة وقد طعن بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى في هذا وقالوا ينبغي أن
لا يقع الطلاق بموت أحدهما فان الوقت إنما يصير موصوفا بأنه قبل موتهما بشهر إذا
ماتا معا فأما إذا مات أحدهما وبقي الآخر زمانا فأول هذا الشهر موصوف بأنه قبل موت
أحدهما بشهر وقبل موت الآخر بسنة ولكنا نقول موتهما معا نادر والظاهر أن المتكلم
لا يقصد ذلك وإذا مات أحدهما بعد تمام الشهر فأول هذا الشهر موصوف بأنه قبل موتهما
بشهر في عرف اللسان كما يقال رمضان قبل الفطر والأضحى بشهر وإن كان قبل الأضحى
بثلاثة أشهر وأكثر (قال) ولو قال أنت طالق الساعة إن كان في علم الله تعالى أن فلانا
يقدم إلى شهر فقدم فلان لتمام الشهر طلقت بعد القدوم وهو دليل لهما على أبي حنيفة رحمه
الله تعالى لان علم الله تعالى محيط بالأشياء كلها كما أن الموت كائن لا محالة ولكنا نقول معنى
هذا الكلام أن قدم فلان إلى شهر لان علم الله تعالى لا طريق للحالف إلى معرفته وإنما
تنبنى الاحكام على ما يكون لنا طريق إلى معرفته فكأنه قال إن قدم فلان إلى شهر فلهذا
120

تأخر الوقوع إلى القدوم ولو قال لامرأتيه أطولكما حياة طالق الساعة لم يقع الطلاق حتى
تموت إحداهما؟ لان المراد طول الحياة في المستقبل لا في الماضي حتى إذا كانت إحداهما بنت
عشر سنين والأخرى بنت ستين سنة لم تطلق العجوز فعرفنا أن طول الحياة في المستقبل
مراد وذلك غير معلوم لجواز أن يموتا معا فان ماتت إحداهما طلقت الأخرى في الحال عندنا
وعند زفر رحمه الله تعالى طلقت من حين تكلم الزوج لأنه تبين أنها كانت أطولهما حياة وان
الزوج علق الطلاق بشرط موجود ولكنا نقول معنى كلام الزوج التي تبقى منكما بعد
موت الأخرى طالق وذلك غير معلوم قبل موت إحداهما بل هو على خطر الوجود لجواز
أن يموتا معا فلهذا انتصب شرطا (قال) ولو قال يا زينب فأجابته عمرة فقال أنت طالق ثلاثا
طلقت التي أجابته لان اتبع الايقاع الجواب فيصير مخاطبا للمجيبة وان قال أردت زينب
قلنا تطلق زينب بقصده ولكنه لا يصدق في صرف الكلام عن ظاهره فتطلق عمرة أيضا
بالظاهر كما لو قال زينب طالق وله امرأة معروفة بهذا الاسم تطلق فان قال لي امرأة أخرى
بهذا الاسم تزوجتها سرا وإياها عنيت قلنا تطلق تلك بنيته والمعروفة بالظاهر ولو قال يا زينب
أنت طالق ولم يجبه أحد طلقت زينب لأنه اتبع الايقاع النداء فيكون خطابا للمنادى وهي
زينب وان قال لامرأته يشير إليها يا زينب أنت طالق فإذا هي عمرة طلقت عمرة ان كانت
امرأته وإن لم تكن امرأته لم تطلق زينب لان التعريف بالإشارة أبلغ من التعريف بالاسم فان
التعريف بالإشارة يقطع الشركة من كل وجه وبالاسم لا فكان هذا أقوى ولا يظهر الضعيف
في مقابلة القوى فكان هو مخاطبا بالايقاع لمن أشار إليها خاصة وان قال يا زينب أنت طالق
ولم يشر إلى شئ غير أنه رأى شخصا فظنها زينب وهي غيرها طلقت زينب في القضاء
لأنه بنى الايقاع على التعريف بالاسم هنا فإنما يقع على المسماة ولا معتبر بظنه لان التعريف
لا يحصل به في الظاهر والقاضي مأمور باتباع الظاهر فأما فيما بينه وبين الله تعالى لا تطلق
هي ولا الأخرى لأنه عناها بقلبه والله تعالى مطلع على ما في ضميره فيمنع ذلك الايقاع على
زينب التي لم يعنها بقلبه وعلى التي عناها بقلبه لأنه لم يخاطبها بلسانه حين أتبع الخطاب النداء
وان قال أنت طالق هكذا وأشار بأصبع واحدة فهي طالق واحدة وان أشار بأصبعين
فهي طالق اثنتين وان أشار بثلاثة أصابع فهي طالق ثلاثا لان الإشارة بالأصابع بمنزلة
التصريح بالعدد بدليل قوله صلى الله عليه وسلم الشهر هكذا وهكذا وهكذا وخنس إبهامه
121

في الثالثة فيكون ذلك بيانا ان الشهر تسعة وعشرون يوما ثم الأصل في هذه الإشارة أنها تقع
بالأصابع المنشورة لا بالأصابع المعقودة والعرف دليل على هذا وكذلك الشرع فان النبي صلى
الله عليه وسلم لما خنس إبهامه في الثالثة كان الاعتبار بما نشر من الأصابع دون ما عقد حتى لو
قال عنيت الإشارة بالإصبعين اللتين عقدت لم يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى
لكون ما قال محتملا وكذلك إذا قال عنيت الإشارة بالكف دون الأصابع دين فيما بينه وبين
الله تعالى لكونه محتملا ولا يدين في القضاء لأنه خلاف الظاهر فتطلق ثلاثا وبعض المتأخرين
يقولون إن جعل ظهر الكف إليها والأصابع المنشورة إلى نفسه دين في القضاء وان جعل
الأصابع المنشورة إليها لم يدين في القضاء وإذا أشار بأصابعه فقال أنت طالق ولم يقل هكذا
فهي واحدة لان كلامه لا يتصل بإشارته الا بقوله هكذا فإذا لم يقل كان وجود الإشارة
كعدمها فتطلق واحدة بقوله أنت طالق وان قال أنت طالق وهو يريد أن يقول ثلاثا
فأمسك رجل على فيه فلم يقل شيئا بعد ذكر الطلاق فهي طالق واحدة لان الوقوع
بلفظه لا بقصده وهو ما تلفظ الا بقوله أنت طالق وكذلك لو مات الرجل بعد قوله
أنت طالق قبل قوله ثلاثا فهي طالق واحدة بخلاف ما إذا ماتت المرأة بعد قوله أنت طالق
قبل قوله ثلاثا فإنها لا تطلق شيئا لان الزوج وصل لفظ الطلاق بذكر العدد فيكون العامل
هو العدد الا ترى أنه لو قال لها قبل الدخول أنت طالق ثلاثا تطلق ثلاثا لان ذكر العدد
حصل بعد موتها فاما إذا مات الرجل فلفظ الطلاق هنا لم يتصل بذكر العدد فبقي قوله
أنت طالق ولو قال أنت طالق أنت طالق فماتت المرأة قبل ذكر الثانية طلقت واحدة
لما قلنا إن كلامه هنا ايقاع عامل في الوقوع فإنما يقع ما صادفها وهي حية دون
ما صادفها بعد الموت وان قال لها أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق ان دخلت الدار
فماتت قبل فراغه من الكلام لم يقع عليها شئ لان الكلام المعطوف بعضه على بعض
إذا اتصل الشرط بآخره يخرج من أن يكون ايقاعا كما إذا اتصل الاستثناء به وقد تحقق
اتصال الشرط بالكلام بعد موتها وان قال احدى امرأتي طالق ثلاثا ولا نية له فذلك إليه
يوقعها على أيتهما شاء فان ايجاب الطلاق في المجهول صحيح بخلاف ما يقوله نفاة القياس
وحجتنا عليهم الحديث كل طلاق جائز ثم الأصل ان الايجاب في المجهول يصح فيما يحتمل
التعليق بالشرط لأنه كالمعلق بخطر البيان في حق العين ولان ما هو مبنى على الضيق وهو
122

البيع يصح ايجابه في المجهول إذا كأن لا يؤدى إلى المنازعة وهو ما إذا باع قفيزا من صبرة
ففيما يكون مبنيا على السعة لان يصح ايجابه في المجهول كان أولى وهذه الجهالة لا تفضي إلى
المنازعة هنا لان الزوج ينفرد بالبيان كما ينفرد بالايقاع فان قال أردت هذه حين تكلمت
فالقول قوله لأنه مالك للايقاع عليها فيصح بيانه أيضا وما في ضميره لا يوقف عليه إلا من
جهته فيقبل قوله فيه وان قال ما نويت واحدة بعينها يقال له أوقع الآن على أيتهما شئت
لان الايقاع الأول كان على منكر وأحكام الطلاق تتقرر في المنكر فلا بد من تعيينه فلهذا
يقال له أوقع على أيتهما شئت وان ماتت إحداهما قبل أن يبين طلقت الباقية لأنه إنما كأن لا
يتبين قبل الموت في إحداهما لمزاحمة الأخرى معها وقد زالت بالموت فان التي ماتت
خرجت من أن تكون محلا للطلاق وتعيين الطلاق المبهم في حق العين كابتداء الايقاع فإذا
خرجت إحداهما من أن تكون محلا للطلاق تعينت الأخرى وان قال عنيت الميتة حين
تكلمت صدق في حق نفسه حتى يبطل ميراثه عنها ولا يصدق على ابطال الطلاق عن
الحية لان الطلاق تعين فيها شرعا فلا يملك صرف الطلاق عنها بقوله (قال) وإن كان
له أربع نسوة فاطلعت إحداهن فقال الزوج التي اطلعت طالق ثلثا ثم لم يعلم أيتهم هي وقد
علم الزوج انها كانت إحداهن فليس له أن يقرب واحدة منهن حتى يعلم المطلقة منهن لان
الوقوع هنا على المعينة ابتداء فنثبت به الحرمة ولا طريق إلى التحري في هذا الباب
لان التحري إنما يجوز فيما يحل تناوله بالضرورة وذلك لا يوجد في الفرج وليس له البيان
بالايقاع ابتداء لان الايقاع على المعينة هنا وقد تم بخلاف الأولى ولان الابهام ليس من
جهته بل باختلاط المطلقة بغيرها بخلاف الأولى فالابهام هناك منه فكان البيان إليه ولكن
ينبغي له فيما بينه وبين الله تعالى أن يطلق كل واحده منهن واحدة ويتركهن حتى يبن ولا
يتزوج شيئا منهن حتى يعلم أيتهن صاحبه الثلاث لان الاخذ بالاحتياط في باب الفرج واجب
شرعا والاحتياط في هذا (قال) فان تزوج واحدة منهن قبل أن تعلم فخاصمته في الطلاق
يحلف لها لأنها تزعم أنها المطلقة ثلاثا والزوج منكر لذلك ولو كانت الخصومة منها قبل أن
يطلقها كان يحلف لها فكذلك بعده فان حلف أمسكها لأنا عرفناها في الأصل غير مطلقة
ثلاثا فحين حلف بقي الامر في الحكم على ما كان معلوما لنا قبل هذا وكذلك أن تزوج اثنتين
أو ثلاثا فإن لم تعلم وتزوجن بأزواج غيره ودخل بهن أزواجهن ثم فارقوهن نكح أيتهن
123

شاء لأنا تيقنا ان المطلقة ثلاثا منهن قد حلت له بإصابة الزوج الثاني فكان له أن ينكح
من شاء منهن وان ادعت كل واحدة منهن انها المطلقة ولا بينة لها وجحد الزوج يحلف
لكل واحدة منهن بالله تعالى ما هي المطلقة ثلاثا لان كل واحدة تدعى عليه ما لو أقر به
لزمه فان حلف لهن جميعا بقي الامر على ما كأن لأنا تيقنا مجازفته في هذه الايمان فان المطلقة
فيهن واليمين الكاذبة لا ترفع الحرمة وعن محمد أنه قال إذا حلف لثلاث منهن تعينت
للطلاق الرابعة ولا يحلف لها وان أبى أن يحلف لهن فرق بينه وبينهن بثلاث تطليقات لان
نكوله في حق كل واحدة منهم بمنزلة إقراره أنها المطلقة ثلاثا (قال) وإذا قال لنسوة له
أيتكن أكلت من هذا الطعام فهي طالق فأكلنه طلقن جميعا لان كلمة أي تتناول كل واحد
من المخاطبين على الانفراد قال الله تعالى ليبلوكم أيكم أحسن عملا وقال تعالى أيكم يأتيني
بعرشها وحرف من للتبعيض فصار معلقا طلاق كل واحدة منهن بتناولها شيئا من الطعام
وقد وجد في حقهن جميعا وكذلك لو قال أيتكن دخلت هذه الدار فدخلنها طلقن
لوجود الشرط من كل واحدة منهن وكذلك لو قال أيتكن شاءت فهي طالق فشئن جميعا
ولو قال أيتكن بشرتني بكذا فهي طالق فبشرنه جميعا معا طلقن لوجود الشرط من كل
واحدة منهن وان بشرته واحدة بعد أخرى طلقت الأولى وحدها لأنها هي البشيرة فان
البشارة اسم لخبر سار صدق غاب عن المخبر علمه وفى الحقيقة كل خبر غاب عن المخبر به علمه
إذا كان صدقا فهو بشارة قال الله تعالى فبشرهم بعذاب أليم وإنما سمي هذا الخبر بشارة
لتغير بشرة الوجه عند سماعه إلا أنه إذا كان محزنا بتغير إلى الصفرة وإن كان سارا إلى الحمرة
ولكن في العرف إنما يطلق هذا الاسم على الخبر السار وإنما وجد هذا في الأولى لأنها
أخبرته بما غاب عنه علمه فأما الثانية أخبرته بما كان معلوما له فكانت مخبرة لا بشيرة ألا
ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال من أراد أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأ على
قراءة ابن أم عبد فاستبق أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أن يخبراه فسبق أبو بكر رضي الله عنه
فكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول بعد ذلك بشرني به أبو بكر رضي الله عنه
وأخبرني به عمر رضي الله عنه (قال) قال رجل لامرأته أنت طالق ملء الدار أو ملء
الحب فان نوى ثلاثا فثلاث والا فهي واحدة بائنة لان الشئ يملا الوعاء العظيمة في نفسه
تارة ولكثرة عدده أخرى فإذا نوى الثلاث علمنا أنه أراد به كثرة العدد فكأنه قال
124

أنت طالق أكثر العدد وان نوى واحدة فهي واحدة بائنة لأنه إنما أراد به الوصف بعظم
التطليقة وذلك بأن يشتد حكمها وكذلك إن لم تكن له نية لان في وقوع الواحدة يقينا وفيما
زاد عليه شكا وان نوى اثنتين فهي واحدة بائنة لأنه نوى مجرد العدد وذلك لا يسع في هذا
اللفظ وان قال واحدة تملأ الدار فهي واحدة بائنة ولا تسع نية الثلاث هنا لأنه صرح
بالواحدة فيبقى معنى الوصف بالعظم فتكون بائنة وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى انها تكون
رجعية لأنه وصف الطلاق بما لا يوصف به فكأن لاغيا في وصفه كما لو قال تطليقة تصيح
أو تطير كان هذا الوصف لغوا ثم المذهب عند أبي يوسف رحمه الله تعالى انه متى صرح
بلفظ العظم يكون الواقع بائنا سواء شبهها بعظيم أو صغير حتى إذا قال عظم الجبل أو عظم
رأس الإبرة أو الخردلة تكون بائنة وإن لم توصف بالعظم ولكن قال مثل الجبل أو مثل رأس
الإبرة تكون رجعية وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى تكون بائنا وقال زفر رحمه
الله تعالى إذا شبه التطليقة بما يكون عظيما عند الناس كالجبل تقع بائنة وإذا شبهها بما يكون
حقيرا كالخردلة تكون رجعية وإذا قال أنت طالق واحدة عظيمة أو كبيرة أو شديدة أو
طويلة أو عريضة فوصفها بشئ يشددها به فهي بائنة في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى لما
بينا ان مراده معني الشدة عليها في حكمها وذلك في البائن لأنه لا ينفرد بالتدارك بخلاف
الرجعي وان قال أنت طالق إلى الصين فهي واحدة رجعية لأنه لم يصفها بعظم ولا كبر إنما
مدها إلى مكان والطلاق لا يحتمل ذلك نفسه ولا حكمه ولأنه بهذا اللفظ قصر حكم الطلاق
لأنها إذا وقعت تكون واقعة من المشرق إلى المغرب فلا يثبت بهذا اللفظ زيادة شدة ولو
قال أنت طالق إلى الشتاء فهي طالق واحدة رجعية بعد الاجل كما في قوله إلى شهر وكذلك
لو قال إلى الصيف ومعرفة دخول الشتاء بلبس أكثر الناس الفرو والثوب المحشو في ذلك
الموضع ودخول الصيف بالقاء أكثر الناس ذلك حتى يتعجب ممن يرى عليه بعد ذلك والربيع
في آخر الشتاء قبل دخول الصيف إذا كان الناس بين لابس للمحشو وغير لابس لا يعيب
بعضهم على بعض وكذلك الخريف في آخر الصيف قبل دخول الشتاء بهذه الصفة وقيل
الربيع إذا نبت العشب والصيف إذا احترق العشب وجف والخريف إذا أخذ الناس في
التأهب للشتاء والشتاء إذا اشتد البرد في كل موضع (قال) ولو قال أنت طالق واحدة
لا بل اثنتين فهي طالق ثلاثا إن كان دخل بها لان كلمة لا بل لاستدراك الغلط بإقامة الثاني
125

مقام الأول والرجوع عن الأول وهو لا يملك الرجوع عما أوقعه ولكنه يتمكن من ايقاع
أخريين إذا كان قد دخل بها فتطلق ثلاثا لهذا وإن لم يكن دخل بها فهي واحدة لأنها بانت
بالأولى لا إلى عدة فلا يقدر على الرجوع عنها ولا على إقامة الثنتين مقامها بايقاعه لأنها ليست
بمحل فلغى آخر كلامه وان قال في المدخول بها نويت بالاثنتين تلك الواحدة وأخري معها
لم يدين في القضاء لان الثنتين غير الواحدة من حيث الظاهر ولان كلامه ايقاع مبتدأ
فيما نص عليه ولكن فيما بينه وبين الله تعالى هو مدين لان ما قاله محتمل (قال) وإذا قال
قد كنت طلقتك أمس واحدة لا بل اثنتين فهي طالق اثنتين استحسانا وفى القياس تطلق
ثلاثا وهو قول زفر رحمه الله كما في الايقاع لان اثنتين غير واحدة فرجوعه عن الاقرار
بالواحدة باطل واقراره بالثنتين صحيح وفى الاستحسان يقول الاقرار اخبار وهو مما يتكرر
بخلاف الايقاع والعادة الظاهرة ان في الاخبار بهذا اللفظ يراد تدارك الغلط باثبات الزيادة
على العدد الأول مع اعادتها فان الرجل يقول حججت حجة لا بل حجتين يفهم من هذا
الاخبار حجتين وإذا قال سني ستون سنة لا بل سبعون يفهم من هذا الاخبار سبعين لا غير
ومطلق الكلام محمول على المتعارف فلهذا تطلق اثنتين وان قال فلانة طالق لا بل فلانة طلقتا
لأنه ذكر الثانية ولم يذكر لها خبرا فيكون خبر الأولى خبرا لها فكأنه قال لا بل فلانة طالق
وكذلك لو قال فلانة طالق ثلاثا لا بل فلانة أو قال بل فلانة تطلق كل واحدة ثلاثا وان
قال فلانة طالق ثلاثا لا بل فلانة طالق طلقت الأولى ثلاثا والثانية واحدة لأنه ذكر للثانية خبرا
فوقع الاستغناء بذلك عن جعل الخبر الأول خبرا لها وان قال فلانة طالق أو فلانة طلقت
إحداهما لان موجب كلمة أو إذا دخلت بين اثنين إثبات أحد المذكورين بيانه في آية الكفارة
فكأنه قال إحداهما طالق ومن يقول إن حرف أو للتشكيك فهو مخطئ في ذلك لان التشكيك
لا يكون مقصودا ليوضع له حرف ولكن حقيقته ما بينا ان موجبه اثبات أحد المذكورين
وكذلك لو قال أنت طالق واحدة أو اثنتين فالخيار إليه لأنه أدخل حرف أو بين عددين
فيكون المراد أحدهما والبيان إليه ولو قال لها كلما حبلت فأنت طالق وكلما ولدت فأنت طالق
فحبلت بعد هذا القول وولدت لأكثر من سنتين فقد وقع الطلاق عليها حين حبلت بالكلام
الأول وانقضت العدة بالولادة فلا يقع به عليها شئ فإن كان وطئها وهي حبلى فذلك منه
رجعة ثم تطلق بالولادة تطليقة أخرى بالكلام الثاني وعليها العدة وهو أملك برجعتها فان
126

حبلت وقعت الثالثة عليها بالكلام الأول لان كلمة كلما تقتضي التكرار ثم تنقضي عدتها بالولادة
لأنها معتدة وضعت جميع ما في بطنها (قال) رجل قال لامرأة لا يملكها يوم أتزوجك فأنت
طالق وأنت طالق وأنت طالق أو قال إن تزوجتك أو إذا تزوجتك أو متى تزوجتك فأنت
طالق وطالق وطالق ثم تزوجها تطلق واحدة في قول أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله تطلق ثلاثا حجتهما في ذلك أنه علق ثلاث تطليقات مجتمعات بشرط
التزويج فيقعن عند وجود الشرط معا كما لو أخر الشرط فقال أنت طالق وطالق
وطالق إذا تزوجتك وإنما قلنا ذلك لان الواو للجمع دون الترتيب بيانه في آية الوضوء
فإنه ثبتت به فرضية الطهارة في الأعضاء الأربعة من غير ترتيب والرجل يقول جاءني
زيد وعمرو فيكون مخبرا بمجيئهما من غير ترتيب بينهما في المجئ ولان قوله وطالق جملة
ناقصة معطوفة على الجملة التامة فالمذكور في الجملة التامة يصير معادا في الجملة الناقصة
كما في قوله تعالى واللائي لم يحضن معناه فعدتهن ثلاثة أشهر فهنا يصير كأنه قال وأنت طالق
إذا تزوجتك وأنت طالق إذا تزوجتك ولو صرح بهذا ثم تزوجها طلقت ثلاثا جملة فهذا
مثله وبان كان لو نجز الطلاق بهذا اللفظ يتفرق الوقوع لا يدل على أنه إذا علق يتفرق
كما لو قال لامرأته ولم يدخل بها ان دخلت الدار فأنت طالق واحدة لا بل اثنتين قد خلت
الدار تطلق ثلاثا ولو نجز بهذا اللفظ الطلاق قبل الدخول لم يقع الا واحدة وهذا لان المنجز
طلاق فتبين بالأولى قبل ذكر الثانية والمعلق بالشرط ليس بطلاق وإنما يصير طلاقا عند
وجود الشرط فما صح تعليقه بالشرط ينزل عند وجود الشرط جملة إذا لم يكن في لفظه
ما يدل على الترتيب وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول تعلق بالشرط ثلاث تطليقات متفرقات
فيقعن عند وجود الشرط كذلك كما لو قال إن تزوجتك فأنت طالق وبعدها أخرى وبعدها
أخرى فإذا وقعن متفرقات بأنت بالأولى فلا تقع الثانية والثالثة كما لو نجز وإنما قلنا ذلك
لان الواو في اللغة لعطف مطلق من غير أن يقتضى جمعا ولا ترتيبا كما في قوله جاءني زيد
وعمرو لا يقتضى جمعا حتى يستقيم أن يقول وعمرو بعده كما يستقيم أن يقول وعمرو معه
فإذا كان للعطف فالتطليقة الأولى تعلقت بالشرط بلا واسطة والثانية بواسطة
الأولى لأنها معطوفة عليها كالقنديل إذا علق بحبل بحلق يتعلق بالحلقة الأولى بلا واسطة
وبالحلقة الثانية بواسطة الأولى وكعقد لؤلؤ وإنما ينزل عند وجود الشرط كما تعلق وهب
127

انه لم يكن طلاقا يومئذ فإنما يصير طلاقا كما تعلق وهذا بخلاف ما لو أعاد الشرط عند ذكر
كل تطليقة لان تعلق كل تطليقة هناك بالشرط بلا واسطة وإنما التفرق في أزمنة التعليق
وذلك لا يوجب تفرقا في المعلق بالشرط وبخلاف قوله ان دخلت الدار فأنت طالق واحدة
لا بل اثنتين لأن لا بل لاستدراك الغلط بإقامة الثاني مقام الأول وقد صح ذلك لبقاء المحل
بعدما تعلق الأول بالشرط فتعلق الثنتان بالشرط بلا واسطة كالأولى وهنا حرف الواو للعطف
وبخلاف ما لو نجز بقوله لا بل لأنها بانت بالأولى فلم يصح منه التكلم بالثنتين لعدم المحل وأما
إذا أخر الشرط فنقول أول الكلام يتوقف على آخره إذا كان في آخره ما يغير موجب أوله
وهنا في آخره ما يغير موجب أوله لان أوله ايقاع وبآخره تبين انه تعليق فإذا توقف عليه
تعلق الكل بالشرط جملة وأما إذا قدم الشرط فليس في آخر الكلام ما يغير موجب أوله فلا
يتوقف أوله على آخره فإذا لم يتوقف كان هذا والتنجيز سواء ونظيره ما لو تزوج أمتين نكاحا
موقوفا فقال المولى أعتقت هذه وهذه بطل نكاح الثانية لأنه ليس في آخره ما يغير موجب
أوله فلم يجعل كعتقهما معا ولو زوج أختين من رجل بغير أمره في عقدتين فقال الزوج
أجزت نكاح هذه وهذه بطل نكاحهما كما لو قال أجزتهما لان في آخره ما يغير موجب
أوله وان قال إذا تزوجتك فأنت طالق طالق طالق ثم تزوجها طلقت واحدة لأنه ما عطف
الثانية والثالثة على الأولى فتتعلق الأولى بالشرط وتلغو الثانية والثالثة ولو قال إذا تزوجتك
فأنت طالق وأنت على كظهر أمي ووالله لا أقربك ثم تزوجها طلقت وسقط عنه الظهار والايلاء
عند أبي حنيفة لان تعلقهما بالشرط بواسطة الطلاق فبسبق وقوع الطلاق تبين لا إلى
عدة فلا يكون مظاهرا موليا بعدما خرجت من ملكه وعند أبي يوسف ومحمد رحمه الله هو
مطلق مظاهر مول لان الكل تعلق بالتزويج عندهما جملة ولو قال إذا تزوجتك فوالله لا أقربك
وأنت على كظهر أمي وأنت طالق ثم تزوجها وقع هذا كله عليها اما عندهما لا اشكال وعند
أبي حنيفة لأنه سبق الايلاء وتكون بعده محلا للظهار فيصير مظاهرا ثم تكون بعدهما
محلا للطلاق فيقع الطلاق أيضا وعلى هذا لو قال لامرأته ولم يدخل بها ان كلمت فلانا
فأنت طالق وطالق وطالق فكلمته فهي طالق واحدة في قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما
تقع ثلاثا نص علي قولهما في رواية أبى سليمان ولو قال أنت طالق فطالق إذا كلمت فلانا فكلم
فلانا تطلق ثلاثا بالاتفاق والفرق لأبي حنيفة ما ذكرنا ولو قال إن دخلت الدار فأنت طالق
128

فطالق فطالق ذكر الطحاوي رحمه الله ان هذا على الخلاف أيضا وحرف الفاء للعطف
كحرف الواو فتطلق ثلاثا عندهما والأصح انها تطلق واحدة عند وجود الشرط لان
الفاء للتعقيب في أصل الوضع لا لعطف مطلق فان كل حرف موضوع لمعنى خاص وإذا
كان للتعقيب ففي كلامه تنصيص على أن الثانية تعقب الأولى فتبين بالأولى لا إلى عدة
بخلاف الواو وان قال لها أنت طالق طالق طالق ان كلمت فلانا فإن كان دخل بها تطلق
اثنتين في الحال والثالثة تعلقت بالكلام وإن لم يكن دخل بها طلقت واحدة في الحال
ويلغو ما سواها لأنه ما عطف التطليقات بعضها على بعض ولو قال إن كلمت فلانا فأنت طالق
طالق طالق فإن كان دخل بها تعلقت الأولى بالكلام ووقعت الثانية والثالثة في الحال وإن لم
يدخل بها تعلقت الأولى بالكلام وتقع الثانية في الحال والثالثة لغو ولو قال أنت طالق
ثم طالق ثم طالق ان كلمت فلانا فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ان كانت مدخولا بها يقع
في الحال اثنتان والثالثة تتعلق بالكلام وإن لم يكن دخل بها تقع واحدة في الحال ويلغو
ما سوى ذلك وإذا قدم الشرط فقال إن كلمت فلانا فأنت طالق ثم طالق ثم طالق فإن كان
قد دخل بها تعلقت الأولى بالشرط ووقعت الثانية والثالثة في الحال وإن لم يكن دخل بها
تعلقت الأولى بالشرط ووقعت الثانية في الحال والثالثة لغو عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى سواء قدم الشرط أو أخر تتعلق الثلاث بالشرط
الا ان عند وجود الشرط ان كانت مدخولا بها تطلق ثلاثا وان كانت غير مدخول بها تطلق
واحدة فأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول كلمة ثم للتعقيب مع التراخي فإذا أدخله بين الطلاقين
كان بمنزلة سكتة بينهما وهما يقولان حرف ثم للعطف ولكن بقيد التراخي فلوجود معنى
العطف يتعلق الكل بالشرط ولمعنى التراخي يقع مرتبا عند وجود الشرط ولو قال كلما
تزوجت امرأة فهي طالق فتزوجها ثلاث مرات ودخل بها في كل مرة لم يذكر هذا في الأصل
قال أبو يوسف رحمه الله تعالى في الأمالي تطلق اثنتين وعليه لها مهران ونصف وقال محمد
رحمه الله تعالى تطلق ثلاثا وعليه لها أربعة مهور ونصف ذكره في الرقيات وجه تخريج أبى
يوسف رحمه الله تعالى أنه لما تزوجها وقعت تطليقة قبل الدخول ولزمه نصف مهر فلما دخل بها
لزمه مهر بالدخول ثم لما تزوجها وقعث تطليقة أخرى بكلمة كلما ولكنها تكون رجعية عنده لأنه
تزوجها قبل انقضاء عدتها منه وبنفس التزويج وجب مهر آخر وذلك مهران ونصف ثم
129

بالدخول يصير مراجعا والتزويج في المرة الثالثة لغو فهي عنده بتطليقة وعليه لها مهران
ونصف وتخريج قول محمد رحمه الله تعالى أن بالتزويج الأول وقعت تطليقة ووجب نصف
مهر بالطلاق ومهر بالدخول وكذلك بالتزوج الثاني والثالث لان عنده وان حصل التزوج
في العدة لا يخرج به الطلاق من أن يكون واقعا قبل الدخول فتطلق ثلاثا وعليه أربعة مهور
ونصف ولو قال كلما تزوجتك فأنت طالق بائن والمسألة بحالها فعند محمد رحمه الله تعالى
هذا والأول سواء وعند أبي يوسف تطلق ثلاثا بكل تزوج تطليقة بائنة وعليه خمسة مهور
ونصف لان بالعقد الثاني والثالث في العدة كما وقع طلاق بائن وجب مهر تام وكذلك يجب
بكل دخول مهر تام فإذا جمعت ذلك كان خمسة مهور ونصفا وإذا قال كل امرأة أتزوجها أبدا
فهي طالق فتزوج امرأة فطلقت ثم تزوجها ثانية لم تطلق لان كلمة كل تقتضي جميع الأسماء
لا تكرار الأفعال فإنما يتجدد وقوع الطلاق بتجدد الاسم ولا يوجد ذلك بعقدين على امرأة
واحدة بخلاف كلمة كلما فإنها تقتضي تكرار الأفعال وإنما قلنا ذلك لان مقتضى كلمة كل
الجمع فيما يتعقبها والذي يتعقب الكل الاسم دون الفعل يقال كل رجل وكل امرأة ولا
يستقيم أن يقال كل ضرب وكل دخل والذي يتعقبه كلمة كلما الفعل دون الاسم يقال كلما
ضرب وكلما دخل ولا يقال كلما زيد وكلما عمرو (قال) وإذا قال أول امرأة أتزوجها فهي طالق
ثلاثا فتزوج امرأتين في عقدة ثم واحدة في عقدة لم تطلق واحدة منهن لان الأول اسم لفرد سابق
لا يشاركه فيه غيره ولم توجد صفة الفردية في الأوليين لان كل واحدة منهما مزاحمة
للأخرى في العقد ولم توجد صفة السبق في الثالثة لأنه تقدمها امرأتان فلم تثبت صفة
الأولية لواحدة منهن ولو كان قال مع هذا وآخر امرأة أتزوجها فهي طالق لم تطلق الثالثة
أيضا لان الآخر اسم لفرد متأخر لا يعقبه غيره ونحن لا ندري أن الثالثة هل هي آخر أم
لا لجواز ان يتزوج بعدها غيرها فان مات قبل أن يتزوج أخرى طلقت الثالثة عند أبي
حنيفة رحمه الله تعالى من حين تزوجها حتى لا يلزمها العدة إن لم يدخل بها ولا ميراث لها
وإن كان دخل بها فلها عليه مهر ونصف مهر بالطلاق قبل الدخول ومهر بالدخول
وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إنما تطلق الثالثة قبيل الموت حتى يكون لها
الميراث إذا كان دخل بها ولا مهر عليه بالدخول سوى مهر النكاح وعليها عدة الوفاة والطلاق
جميعا عند محمد وعند أبي يوسف رحمهما الله تعالى ليس عليها عدة الوفاة وجه قولهما ان
130

الثالثة إنما استحقت صفة الآخرية حين أشرف على الموت وعجز عن التزوج بغيرها فتطلق
في الحال كما لو تزوج امرأة ثم قال لها إن لم أتزوج عليك أخرى فأنت طالق فإنما تطلق قبيل
موته بلا فصل وهما في المعنى سواء لأنها إنما تكون آخرا بشرط أن لا يتزوج بعدها غيرها
إلا أن عند محمد لما أخذت الميراث بحكم الفرار لزمها عدة الوفاة مع عدة الطلاق وعند أبي
يوسف رحمه الله تعالى لا تلزمها عدة الوفاة وان ورثته بالفرار وأبو حنيفة رحمه الله تعالى
يقول لما تزوجها بعد الأوليين فقد اتصفت بصفة الآخرية ولكن هذه الصفة بعرض
أن تزول عنها بأن يتزوج غيرها فلا يحكم بالطلاق لهذا فإذا لم يتزوج غيرها حتى مات
تقررت صفة الآخرية فيها من حين تزوجها فتطلق من ذلك الوقت كما لو قال لامرأته إذا
حضت فأنت طالق فرأت الدم لا يحكم بوقوع الطلاق لجواز ان ينقطع فيما دون الثلاث وان
استمر تبين ان الطلاق كان واقعا مع أول قطرة من الدم وهذا بخلاف ما لو قال إن لم أتزوج
عليك لأنه جعل عدم التزوج شرطا مفصحا به للطلاق ولا يتحقق هذا الشرط إلا عند موته
وما لم يتحقق الشرط لا ينزل الجزاء ويجوز ان يفترق الفصلان لاختلاف اللفظ مع التقارب
في المعنى كما لو قال لامرأته إن لم أشأ طلاقك فأنت طالق ثم قال لا أشاء لا تطلق ما دام حيا
ولو قال إن أبيت طلاقك فأنت طالق ثم قال قد أبيت طلاقك تطلق وهما في المعنى سواء
ثم اختلف الجواب لاختلاف لفظ الشرط من الوجه الذي قلنا (قال) ولو قال آخر امرأة
أتزوجها فهي طالق فتزوج واحدة لم يتزوج قبلها ولا بعدها حتى مات لم تطلق لأنها أول
امرأة تزوجها فلا تكون آخر امرأة فان صفة الأولية والآخرية لا يجتمع في مخلوق واحد
لما بينهما من التضاد في المعنى في المخلوقين فان أحدهما لمعنى السبق والآخر لمعنى التأخر
في الزمان ولو قال أول امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأتين في عقدة وإحداهما معتدة
وقع الطلاق على التي صح نكاحها لان شرط التزوج في المستقبل يتناول العقد الصحيح
دون الفاسد ونكاح المعتدة باطل وإنما صح نكاح الأخرى فهي فرد سابق في نكاحه
فكانت أولا وكذلك لو تزوج امرأة نكاحا فاسدا ثم تزوج امرأة بعدها بنكاح صحيح
طلقت هذه لان الأولى لما لم يصح نكاحها لم تكن داخلة في كلامه وإنما دخلت في كلامه
الثانية التي صح نكاحها فهي أول امرأة تزوجها وكذلك لو قال لامرأته إن لم أتزوج عليك
اليوم فأنت طالق فتزوج امرأة نكاحا فاسدا لم يبر في يمينه بهذا لان ذكر التزوج في
131

المستقبل ينصرف إلى العقد الصحيح سواء ذكره في موضع النفي أو في موضع الاثبات
فان المقصود بالتزوج الحل والعفة وذلك يحصل بالعقد الصحيح دون الفاسد (قال) وان
قال أول امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة طلقت حين تزوجها ان مات أو لم يمت لأنها
بنفس العقد استحقت اسم الأولية بصفة التفردية فان دخل بها فلها مهر ونصف مهر نصف
مهر بالطلاق الواقع قبل الدخول ومهر بالدخول بها لان الحد قد سقط عنه بشبهة اختلاف
العلماء والوطئ في غير الملك لا ينفك عن حد أو مهر فإذا سقط الحد لشبهة وجب المهر وان
قال إذا تزوجت امرأة فهي طالق فتزوج امرأتين في عقدة فإحداهما طالق والخيار إليه
لأنا تيقنا بوجود الشرط وهو تزوج امرأة فان في المرأتين امرأة فلهذا طلقت إحداهما بغير
عينها لان كل واحدة منهما تزاحم الأخرى في الاسم الذي أوقع الطلاق به ولا وجه للايقاع
عليهما لأنه علق بالتزوج طلاق امرأة واحدة لا طلاق امرأتين فلهذا تطلق إحداهما والخيار إليه
وإن كان نوى امرأة وحدها لم يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه ذكر التزوج
بامرأة مطلقا ثم قيدها بنيته وهو أن تكون وحدها وتقييد المطلق كتخصيص العام وقد
بينا أن نية التخصيص في العام صحيحة فيما بينه وبين الله تعالى غير صحيحة في القضاء فكذلك
التقييد وإن كان قال إن تزوجت امرأة وحدها ثم تزوج امرأتين في عقدة لم تطلق واحدة
منهما لان التقييد هنا بنص كلامه وواحدة منهما لم تتصف بتلك الصفة التي نص عليها في
الشرط لانضمام الأخرى إليها في العقد وان تزوج أخرى بعدهما طلقت لأنها موصوفة
بالصفة التي نص عليها في الشرط فإنها امرأة تزوجها وحدها وهو كما لو قال إذا تزوجت
امرأة سوداء فهي طالق فتزوج بيضاوين ثم تزوج سوداء تطلق الثالثة بخلاف قوله أول
امرأة أتزوجها لان هناك نص في الشرط على وصفين الفردية والسبق وقد انعدم في
الثالثة صفة السبق وهنا الشرط صفة واحدة وهي الفردية وقد وجد ذلك في الثالثة فلهذا
تطلق وان قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق فأمر رجلا فزوجها إياه فهي طالق لأنه تزوجها
بعبارة الوكيل فكأنه تزوجها بعبارة نفسه وهذا لان الوكيل في النكاح معبر حتى لا يتعلق
به شئ من العهدة ولا يستغنى عن إضافة العقد إلى الموكل وبه فارق البيع والشراء إذا حلف
لا يفعله فأمر غيره حتى باشره لم يحنث في يمينه لان العاقد لغيره في البيع والشراء كالعاقد
لنفسه حتى تتعلق به العهدة ويستغنى عن إضافة العقد إلى الموكل ولا يصير الموكل عاقدا
132

بمباشرة الوكيل وان عني في النكاح ما ولى عقده بنفسه لا يدين في القضاء وهو مدين فيما
بينه وبين الله تعالى لأنه في معنى نية التخصيص في العام فان مطلق اللفظ يتناول مباشرته
بنفسه ومباشرة الغير له بأمره وكذلك أن حلف أن لا يطلقها فأمر غيره فطلقها حنث لان
الزوج هو المطلق بعبارة الوكيل فان الوكيل بالطلاق معبر ألا ترى أنه لو قال لها أنت طالق
إن شئت فشاءت أو قال اختاري فاختارت نفسها كان الزوج هو المطلق لها فكذلك هنا
وان قال نويت ان أطلقها بلساني لم يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى
التخصيص في اللفظ العام وإذا قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق وأنت طالق وأنت
طالق أو قال أنت طالق وطالق وطالق بانت بالأولى عندنا وعند مالك رحمه الله تطلق ثلاثا
لان الواو للجمع فجمعه بين التطليقات بحرف الجمع كجمعه بلفظ الجمع بأن يقول لها أنت
طالق ثلاثا ولكنا نقول الواو للعطف فلا يقتضى جمعا وليس في آخر كلامه ما يغير موجب
أوله لان موجب أول الكلام وقوع الطلاق وهو واقع أوقع الثانية والثالثة أو لم يوقع فتبين
بالأولى كما تكلم بها ثم قد تكلم بالثانية وهي ليست في عدته وهذا بخلاف ما لو ذكر شرطا
أو استثناء في آخر كلامه لان في آخر كلامه ما يغير موجب أوله فتوقف أوله على آخره (قال)
وان قال لها أنت طالق واحدة بعدها أخرى أو قبل أخرى فهي طالق واحدة وهذا الجنس
من المسائل ينبني على أصلين (أحدهما) أنه متى ذكر النعت بين اسمين فان الحق به حرف الكناية
وهو حرف الهاء كان نعتا للمذكور آخرا وإن لم يلحق كان نعتا للمذكور أولا تقول جاءني
زيد قبل عمرو فيكون قبل نعتا لمجئ زيد وإذا قلت قبله عمرو كان نعتا لمجئ عمرو (والثاني) أن
من أقر بطلاق سابق يكون ذلك ايقاعا منه في الحال لان من ضرورة الاستناد الوقوع في الحال
وهو ملك للايقاع غير مالك للاسناد إذا عرفنا هذا فنقول إذا قال لامرأته ولم يدخل بها
أنت طالق واحدة قبل أخرى تطلق واحدة لان قبل نعت للأولى ومعناه قبل أخرى تقع
عليك فتبين بالأولى ولو قال قبلها أخرى تطلق اثنتين لان قبل نعت للمذكور آخرا
فكأنه قال قبلها أخرى وقعت عليك وهذا منه اسناد للثانية إلى وقت ماض فيكون موقعا
لها في الحال مع الأولى ولو قال بعد أخرى تطلق اثنتين لان بعد نعت للأولى فيكون معناه
بعد أخرى وقعت عليك ولو قال بعدها أخرى تطلق واحدة لان بعدها هنا نعت للثانية
ومعناه بعدها أخرى تقع عليك فتبين بالأولى (قال) ولو قال مع أخرى أو معها أخرى تطلق
133

اثنتين لان كلمة مع للقران فقد قرن احدى التطليقتين بالأخرى وأوقعهما جميعا وكذلك أن
قال اثنتين مع واحدة أو معها واحدة أو قبلها واحدة فهي طالق ثلاثا لما قلنا (قال) ولو
قال أنت طالق واحدة ونصفا قبل الدخول كانت طالقا اثنتين عندنا وعند زفر رحمه الله
تعالى واحدة لان نصف التطليقة كمالها فكأنه قال أنت طالق واحدة وواحدة ولكنا نقول
هذا كله ككلام واحد معنى لأنه لا يمكنه أن يعبر عن واحدة ونصف بعبارة أوجز
من هذه فان لواحدة ونصف عبارتين اما هذه واما اثنتان الا نصف وذلك لا يصير معلوما
الا بالاستثناء وهذا معلوم في نفسه فهو أولى العبارتين وإذا كان كلاما واحدا معنى
لا يفصل بعضه عن بعض بخلاف قوله واحدة وواحدة فكأنهما عبارتان لان للاثنتين
عبارة أوجز من هذه وهو أن يقول اثنتين وكذلك لو قال أنت طالق احدى وعشرين
عندنا تطلق ثلاثا لأنه ليس لهذا العدد عبارة أوجز من هذه فكان الكلام واحدا معنى
وعند زفر رحمه الله تعالى تطلق واحدة لأنهما كلامان أحدهما معطوف على الآخر فتبين
بالأولى وان قال أحدي عشرة تطلق ثلاثا بالاتفاق لأنه ليس بينهما حرف العطف فكان
الكل واحدا ولو قال احدى وعشرة عندنا تطلق ثلاثا وعند زفر رحمه الله تعالى واحدة
لأنه لما ذكر حرف العطف كان كلامين وكذلك لو قال واحدة ومائة عندنا تطلق ثلاثا
وقال زفر رحمه الله تعالى واحدة وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أن هنا تطلق واحدة
لان العبارة المعروفة لهذا العدد مائة وواحدة فإذا غير ذلك تفرق كلامه فتبين بالأولى
(قال) ولو قال أنت طالق البتة أو قال البائن ينوى ثلاثا فهي ثلاث لان البتة عبارة عن
القطع وقد بينا أن القطع نوعان فهو بنية الثلاث ينوى أحد نوعي القطع فيعمل بنيته وكذلك
لو قال أنت طالق حراما ينوى ثلاثا فهو كما نوى لأنه نوى أحد نوعي الحرمة وكذلك لو قال
طالق الحرام فهذا وقوله حرام سواء ويستوى إن كان دخل بها أو لم يدخل بها لان الكلمة
واحدة فان ما ذكر بعد قوله طالق تفسير لهذه الكلمة فهذا وقوله أنت طالق ثلاثا سواء وان
قال أنت طالق الطلاق أو طلاقا فان نوى ثلاثا فثلاث وان نوى واحدة فواحدة رجعية وان
عني بطالق تطليقة بالطلاق أخرى فهي ثنتان رجعيتان إن كان قد دخل بها لأن هذه الألفاظ
مشتقة من لفظ صريح الطلاق وإن لم يدخل بها فواحدة بائنة فإنه لما نوى بكل كلمة تطليقة كان
هذا بمنزلة قوله أنت طالق أنت طالق فتبين بالأولى فان قال أنت طالق الطلاق كله فهي طالق
134

ثلاثا كانت له نية أو لم تكن لأنه صرح بايقاع كل الطلاق وهو ثلاث ومع التصريح لا حاجة
إلى النية وان قال أنت طالق أخبث الطلاق أو أشد الطلاق أو أعظم الطلاق أو أكبر
الطلاق فهذا كله باب واحد فان نوى ثلاثا فثلاث وان نوى واحدة أو لم يكن له نية فهي
واحدة بائنة لما بينا ان معنى العظم والكبر والشدة يظهر في الحكم فهذا وقوله طالق بائن
سواء وان قال أنت طالق أكبر الطلاق فهي ثلاث لا يدين فيها إذا قال نويت واحدة لان
الكثرة والقلة في العدد فقد صرح بايقاع أكثر ما يملك عليها من الطلاق ومع التصريح
لا حاجة إلى النية ولو قال أسوء الطلاق أو شره أو أفحشه فهو وقوله أخبث الطلاق سواء
على ما بينا وان قال أكمل الطلاق أو أتم الطلاق فهي واحدة رجعية لأنه ليس في لفظه
ما ينبئ عن العظم والشدة ولو قال أنت طالق طول كذا أو عرض كذا فهي واحدة بائنة
لان الطول والعرض فيه إشارة إلى معنى الشدة فان الامر إذا اشتد على انسان يقول كان
لهذا الامر طول وعرض فتكون واحدة بائنة ولا تكون ثلاثا وان نواها
لان الطول والعرض للشئ الواحد فكأنه قال أنت طالق واحدة طولها وعرضها كذا
وهذا لا تسع فيه نية الثلاث ولو قال أنت طالق خير الطلاق أو أعدل الطلاق أو أحسن
الطلاق فهذا بمنزلة قوله أنت طالق للسنة لان الأعدل والأحسن ما يوافق السنة وإنما
يوصف بالخيرية ما يوافق السنة حتى يقع بهذا تطليقة رجعية في وقت السنة وان نوى
ثلاثا فثلاث بمنزلة قوله أنت طالق للسنة (قال) ولو قال لها أنت طالق ان ركبت وهي
راكبة فمكثت كذلك ساعة طلقت لان الركوب مستدام حتى تضرب له المدة يقال ركبت
يوما والاستدامة على ما يستدام انشاء قال الله تعالى واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد
الذكرى أي لا تمكث قاعدا وكذلك لو قال أنت طالق أنت قعدت وهي قاعدة أو ان قمت
وهي قائمة أو ان مشيت وهي ماشية أو ان اتكأت وهي متكئة فمكثت كذلك ساعة يحنث
بخلاف ما لو قال أنت طالق ان دخلت الدار وهي في الدار فمكثت كذلك لم تطلق حتى
تخرج وتدخل لان الدخول ليس بمستدام فإنه انفصال من الخارج إلى الداخل ألا ترى أنه
لا تضرب له المدة فلا يقال دخل يوما وإنما يقال دخل وسكن يوما والخروج نظير الدخول
لأنه انفصال من الداخل إلى الخارج فلا يكون لاستدامته حكم انشائه ولو قال أنت
طالق ما بين تطليقة إلى ثلاث أو من تطليقة إلى ثلاث ففي القياس تطلق واحدة وهو
135

قول زفر رحمه الله تعالى لأنه جعل الأولى والثالثة غاية والغاية حد فلا تدخل في المحدود
كقوله بعت منك من هذا الحائط إلى هذا الحائط فيكون الواقع ما بين الغايتين وهي
الواحدة وفى الاستحسان وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تطلق ثلاثا لان الحد
إنما يكون في ذوي المساحات فاما في عرف اللسان إنما يراد بمثل هذا الكلام دخول الكل
فان الرجل يقول خذ من مالي من درهم إلى عشرة فيكون له أخذ العشرة ويقول كل
من الملح إلى الحلو فيكون المراد تعميم الاذن ومطلق الكلام محمول على عرف أهل
اللسان وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول القياس ما قاله زفر ان الحد غير المحدود ولكن
في ادخال الأولى ضرورة لأنه أوقع الثانية ولا ثانية قبل الأولى ولابد للكلام من ابتداء
فإذا لم يوقع الأولى تصير الثانية ابتداء فلا يمكن ايقاعها أيضا فلأجل الضرورة أدخلت
الغاية الأولى ولا ضرورة في الغاية الثانية فأخذت فيها بالقياس وقلت تطلق اثنتين وهذا لان
الغاية التي ينتهى الكلام إليها قد لا تدخل كالليل في قوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل وقد
تدخل كالمرافق والكعبين في الوضوء والطلاق بالشك لا يقع فان قال أردت واحدة
لا يدين في القضاء وهو يدين فيما بينه وبين الله تعالى لاحتمال الكلام ما نوى وان قال أنت
طالق ما بين واحدة إلى أخرى ففي قياس قول زفر لا يقع شئ وفى قول أبي حنيفة تطلق
واحدة وعندهما تطلق اثنتين وان قال من واحدة إلى واحدة قيل هو على الخلاف وقيل
تقع واحدة عندهم جميعا لان الشئ لا يكون غاية نفسه فكان قوله إلى واحدة لغوا وان قال أنت
طالق واحدة أو لا شئ فهي طالق تطليقة رجعية في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الأول
وهو قول محمد رحمه الله تعالى ثم رجع أبو يوسف رحمه الله تعالى وقال لا يقع شئ وكذلك
لو قال أنت طالق ثلاثا أو لا شئ فهو على هذا الخلاف وجه قوله الأول ان حرف أو لاثبات
أحد المذكورين فيما يتخللهما وإنما يتخلل هنا قوله واحدة أو لا شئ وقوله ثلاثا أو لا شئ
فيسقط اعتبار هذا اللفظ ويبقى قوله أنت طالق فيقع به تطليقة رجعية وجه قوله الاخر ان
حرف أو للتخيير لان موجبه اثبات أحد المذكورين فقد خير نفسه بين أن يقع عليها
واحدة أو لا يقع عليها شئ وأحدهما موجود فلا يثبت بهذا الكلام شئ كما لو جمع بين
امرأته وأجنبية وقال هذه طالق أو هذه لم يقع شئ وهذا لان الكلام إذا اقترن به ذكر
العدد كان العامل هو العدد لا قوله أنت طالق وقد خرج ذكر العدد من أن يكون عزيمة
136

بحرف أو فلا يقع عليها شئ وان قال أنت طالق أو غير طالق أو قال أنت طالق أولا أو قال
أنت طالق أولا شئ لم يقع عليها شئ لأنه إنما أدخل حرف الواو بين طلاق وغير طلاق
فتخرج به كلمة الايقاع من أن تكون عزيمة فلا يقع شئ كما لو قال لعبده أنت حر أو عبد
وان قال أنت طالق واحدة في اثنتين فهو ثلاث لان حرف في قد يكون بمعنى الواو لان
حروف الصلات يقوم بعضها مقام بعض وان نوى واحدة مع اثنتين يقع ثلاث أيضا سواء دخل
بها أو لم يدخل بها لان حرف في يذكر بمعنى مع قال الله تعالى فأدخلي في عبادي أي مع
عبادي ويقال دخل الأمير البلدة في جنده أي مع جنده وان نوى حساب الضرب فهي
واحدة عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى اثنتان لان هذا شئ معروف عند أهل الحساب ان
واحد إذا ضرب في اثنين يكون اثنين فيحمل كلامه عليهما إذا نوى ولكنا نقول الضرب إنما
يكون في الممسوحات لا في الطلاق وتأثير الضرب في تكثير الاجزاء لا في زيادة المال والتطليقة
الواحدة وان كثرت أجزاؤها لا تصير أكثر من واحدة كما لو قال أنت طالق نصف تطليقة
وسدسها وثلثها لم يقع الا واحدة فهذا مثله وعلى هذا لو قال اثنتين في اثنتين ونوى الضرب
عندنا تطلق اثنتين وعند زفر رحمه الله تعالى ثلاثا لان اثنين في اثنين يكون أربعة ولكن
الطلاق لا يكون أكثر من ثلاث وعلى هذا مسائل الاقرار إذا قال لفلان علي عشرة
دراهم في عشرة دراهم ونوى حساب الضرب فعليه عشرة عندنا ومائة عند زفر رحمه الله
تعالى وان نوى عشرة وعشرة فعليه عشرون وكذلك لو قال درهم في دينار أو كر
حنطة في كر شعير لم يكن عليه الا المذكور أولا عندنا إلا أن يقول نويت الواو أو حرف
مع فيلزمه جميع ذلك حينئذ ويحلفه القاضي بالله ما أردت الاقرار بذلك كله يعنى إذا كان
الخصم مدعيا بجميع ذلك (قال) وإن كان له ثلاث نسوة فقال فلانة طالق ثلاثا وفلانة أو فلانة
فالأولى طالق والخيار إليه في الأخريين يوقع على أيتهما شاء لان حرف التخيير إنما ذكر
بين الأخريين فكان كلامه عزيمة في الأولى فيقع الطلاق عليها ويخير في الأخريين
بمنزلة قوله هذه طالق واحدى هاتين وكذلك الجواب في العتق وقد بينا الفرق بين
هذين الفصلين وبين قوله والله لا أكلم فلانا وفلانا أو فلانا فيما أمليناه من شرح الجامع
واستوضح في الكتاب هذه المسألة بما إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا وقد استقرضت
ألف درهم من فلان أو فلان كان الطلاق واقعا عليها وهو مخير في الألف يقر بها
137

لأحدهما ويحلف للآخر ما استقرض منه شيئا وهذا غير مشكل لان حرف التخيير
إنما ذكر في الاقرار لا في الايقاع فيبقى موقعا للطلاق على امرأته عزما ولو قال فلانة
طالق ثلاثا أو فلانة وفلانة طلقت الثالثة والخيار إليه في الأوليين لأنه إنما أدخل حرف
التخيير بين الأوليين وابن سماعة رحمه الله تعالى يروى عن محمد رحمه الله تعالى انه يخير
بين الايقاع على الأولى والأخريين بمنزلة قوله هذا طالق أو هاتان وجعل على تلك الرواية
هذه المسألة كمسألة اليمين والفرق بينهما على ظاهر الرواية قد استقصينا شرحه في الجامع
وان قال فلانة طالق ثلاثا وفلانة معها يقع على كل واحدة منهما ثلاث تطليقات لأنه
عطف الثانية على الأولى ولم يذكر لها خبرا فيكون الخبر الأول خبرا للثاني كما هو
موجب العطف ولأنه ضم الثانية إلى الأولى بقوله معها وإنما يتحقق هذا للضم إذا وقع عليها
مثل ما وقع على الأولى فان قال عنيت ان فلانة معها شاهدة لم يصدق في القضاء وهو
مصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه أضمر للثانية خبرا آخر وهو محتمل ولكنه خلاف
الظاهر فيدين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في القضاء وان قال فلانة طالق ثلاثا ثم قال
أشركت فلانة معها في الطلاق وقع على الأخرى ثلاث لان لفظ الاشراك يقتضى التسوية
قال الله تعالى في ميراث أولاد الأم فهم شركاء في الثلث فيستوى فيه الذكور والإناث
ولأنه قد أشركها في كل واحدة مما وقعت على الأولى وهذا بخلاف ما لو قال لامرأتين له
بينكما ثلاث تطليقات حيث تطلق كل واحدة اثنتين لان هناك لم يسبق وقوع شئ على
واحدة منهما فتنقسم الثلاث بينهما نصفين قسمة واحدة وهنا قد وقع الثلاث على الأولى
فلا يمكنه ان يرفع شيئا مما أوقع عليها باشراك الثانية وإنما يمكنه يسوى الثانية بها بايقاع
الثلاث عليها حتى لو قال لامرأتين أشركتكما في ثلاث تطليقات لم يقع على كل واحدة
الا اثنتان ولأنه لما أوقع الثلاث على الأولى فكلامه في حق الثانية اشراك في حق كل
واحدة من الثلاث فكأنه قال بينكما ثلاث تطليقات وهو ينوى ان كل تطليقة بينهما فلهذا
تطلق كل واحدة منهما ثلاثا وان قال لامرأتين له أنتما طالقان ثلاثا ينوى ان الثلاث بينهما
فهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى لكون المنوي من محتملات لفظه ولكنه خلاف الظاهر
فلا يدين في القضاء وتطلق كل واحدة ثلاثا وكذلك لو قال لأربع نسوة له أنتن طوالق
ثلاثا ينوى أن الثلاث بينهن كان مدينا فيما بينه وبين الله تعالى فتطلق كل واحدة واحدة
138

ألا ترى أنه قد يقال أكلن أربعة أرغفة على معنى ان كل واحدة أكلت رغيفا ولكنه خلاف
الظاهر في الوصف فلا يدين في القضاء وتطلق كل واحدة منهن ثلاثا وان قال لامرأته أنت
طالق نصف تطليقة فهي تطليقة كاملة عندنا وعند نفاة القياس لا يقع عليها شئ لان نصف
التطليقة غير مشروع وايقاع ما ليس بمشروع من الزوج باطل ولكنا نقول مالا يحتمل الوصف
بالتجزي فذكر بعضه كذكر كله فكان هو موقعا تطليقة كاملة بهذا اللفظ وايقاع التطليقة
مشروع وكذلك كل جزء سماه من نصف أو ثلث أو ربع فهو كذلك وان قال أنت طالق
نصفي تطليقة فهي طالق واحدة لأنه إنما أوقع اجزاء تطليقة واحدة (قال) وان قال أنت
طالق نصف تطليقة من التطليقات الثلاث وثلث تطليقة وربع تطليقة وقد دخل بها فهي
طالق ثلاثا لأنه أوقع من كل تطليقة من التطليقات الثلاث جزء فإنه نكر التطليقة في كل
كلمة والمنكر إذا أعيد منكرا فالثاني غير الأول ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله
تعالى فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا لن يغلب عسر يسرين وان قال أنت طالق نصف
تطليقة وثلثها وسدسها لم تطلق الا واحدة لأنه أضاف الاجزاء المذكورة إلى تطليقة واحدة
بحرف الكناية ولم يذكر ما لو قال أنت طالق نصف تطليقة وثلثها وربعها فمن أصحابنا من
يقول هنا تطلق اثنتين لأنك إذا جمعت هذه الاجزاء المذكورة تكون أكثر من واحدة
والأصح انها لا تطلق الا واحدة لأنه أضاف الاجزاء المذكورة إلى تطليقة واحدة بحرف
الكناية فلا يقع الا واحدة (قال) ولو قال أنت طالق أن لم تصنعي كذا وكذا لعمل يعلم أنها
لا تصنعه أبدا نحو أن يقول أن لم تمسى السماء بيدك أو إن لم تحولي هذا الحجر ذهبا فهي
طالق ساعة تكلم به بخلاف ما لو قال إن لم تدخلي الدار فان هناك لا تطلق حتى تموت لان
الشرط فوات الدخول ولا يتحقق ذلك إلا عند موتها فان الدخول منها يتأتى ما دامت حية
فاما هنا الشرط عدم مس السماء منها أو تحويل الحجر ذهبا وذلك متحقق في الحال من حيث
الظاهر ولأنه لا فائدة في الانتظار هنا لأنه لا يحصل به عجز لم يكن ثابتا قبله بخلاف مسألة
الدخول على ما بينا ولو وقعت وقتا فقال أنت طالق إن لم تمسى السماء اليوم لم تطلق الا بعد مضى
اليوم عندنا وقال بعض العلماء تطلق في الحال لان فوت الشرط متحقق في الحال ولان الوقت
في اليمين المؤقت كالعمر في المطلق فكما لا ينتظر هناك موتها فكذلك هنا لا ينتظر مضى المدة
ولكنا نقول عند ذكر الوقت الشرط عدم الفعل في آخر جزء من اجزاء النهار وذلك لا يتحقق
139

قبل مجئ ذلك الوقت ولأنه بذكر الوقت قصد الترفيه على نفسه فكان هذا بمنزلة قوله
أنت طالق إذا ذهب هذا اليوم فما لم يذهب لا يقع الطلاق (قال) رجل قال لامرأته يا مطلقة
فهي طالق واحدة لأنه وصفها بالطلاق حين ناداها به فكان هذا وقوله أنت طالق سواء
ألا ترى أنه لو قال لها يا زانية كان قاذفا لها بمنزلة قوله أنت زانية فان قال عنيت أنها مطلقة
من زوج لها قبلي فإن لم يكن لها زوج لا يلتفت إلى كلامه لأنه نوى المحال وإن كان
لها زوج قبله فهو مدين في القضاء ولا يقع عليها شئ لأنه نوى حقيقة كلامه فان النداء
في الحقيقة بوصف موجود وذلك من طلاق زوج كان قبله ولان حقيقة كلامه الوصف
وهو غير الايقاع (قال) وان قال لها طلقتك أمس وهو كاذب كانت طالقا في القضاء
فأما فيما بينه وبين الله تعالى فهي امرأته لان الاقرار اخبار محتمل للصدق والكذب الا ان دينه
وعقله يحمله على الصدق ويمنعه عن الكذب فحملنا كلامه في الظاهر على الصدق فأما فيما بينه
وبين الله تعالى فالمخبر عنه إذا كان كذبا لا يصير بالاخبار عنه صدقا فلهذا لا يقع شئ (قال)
ولو قال لها يا بائن أو يا حرام أو ما أشبه ذلك من الكلام الذي يشبه الفرقة وهو يريد بذلك أن
يسميها تسمية ولا ينوى الطلاق لم تطلق لأنا قد بينا في قوله أنت بائن انه لا يقع الطلاق الا إذا
نوى لان اللفظ مبهم محتمل فكذلك في قوله يا بائن فإذا قال لم أنو الطلاق كان مدينا في
القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى وان قال يا مطلقة يريد أن يسميها بذلك ولا يريد الطلاق
وسعه فيما بينه وبين الله تعالى ولم يصدق في القضاء لان اللفظ صريح فوقوع الطلاق به
يكون بعينه لا بنيته بخلاف ما سبق الا ان ما نواه محتمل فيدين فيما بينه وبين الله تعالى بمنزلة
قوله عنيت الطلاق عن الوثاق وكذلك لو قال لعبده يا حر يريد أن يسميه بذلك فهو مدين
فيما بينه وبين الله تعالى ولكن يعتق به في القضاء (قال) ولو قال لامرأته هذه أختي فهو
صادق في ذلك ولا يقع عليها شئ لان هذا الكلام محتمل للاخوة في الدين قال الله تعالى
إنما المؤمنون اخوة وفى القبيلة قال الله تعالى والى عاد أخاهم هودا وبالمحتمل لا تثبت الحرمة
وعلى هذا لو قال لمملوكه هذا أخي كان صادقا ولم يعتق وان قال هذه أمي أو ابنتي من نسب
أو رضاع أو قال هي عمتي أو خالتي من نسب أو رضاع فإنه يسأل عن ذلك فان ثبت عليه
فرق بينهما وان قال كذبت أو توهمت فهي امرأته وقد بينا هذا في كتاب النكاح وذكرنا
الفرق بينما إذا قال لمملوكه ولزوجته وكذلك إذا قال يا أماه أو يا بنتاه أو يا عمتاه أو يا خالتاه
140

أو يا أختاه أو يا جدتاه كان هذا باطلا ولا يقع به الفرقة لان في موضع النداء المراد احضارها
لا تحقيق ذلك الوصف فيها ألا ترى أنه قد يناديها بما لا يتحقق فيها في موضع الإهانة
كالكلب والحمار وفى موضع الاكرام كحور العين ونحوه فعرفنا أنه ليس مراده التحقيق
وبدون قصد التحقيق لا عمل لهذا الكلام في قطع الزوجية فلهذا لا يقع شئ (قال) قال
رجل لامرأته قد وهبت لك طلاقك ولا نية له فهي طالق في القضاء لان معنى كلامه هذا
طلقتك بغير عوض فان هبة الشئ من غيره جعله له مجانا ولو قال بعتك طلاقك بكذا فقالت
قبلت طلقت فكذلك إذا قال وهبت لك طلاقك تطلق وإن لم تقبل لان اشتراط قبولها
لأجل البدل وإن كان ينوى بذلك أن يكون الطلاق في يدها لم يصدق في القضاء لأنه خلاف
الظاهر فان الهبة تزيل ملك الواهب عن الموهوب وبجعل الطلاق في يدها لا يزول ملكه
عن الطلاق ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وقد روى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه
يدين في القضاء لان هبة الشئ من غيره تمليك لذلك الشئ منه في الظاهر فيكون هذا
تمليكا للامر منها فان طلقت نفسها في ذلك المجلس طلقت والا فهي امرأته (قال) وإذا قال
لآخر أخبر امرأتي بطلاقها فهي طالق سواء أخبرها به أو لم يخبرها لان حرف الباء
للالصاق فيكون معناه أخبرها بما أوقعت عليها من الطلاق موصولا بالايقاع وذلك يقتضى
ايقاعا سابقا لا محالة وكذلك لو قال إحمل إليها طلاقها أو بشرها بطلاقها فهي طالق بلغها أو لم
يبلغها لان معناه بشرها بما أوقعت عليها أو احمل إليها ما أوقعت عليها وكذلك لو قال أخبرها
انها طالق أو قل لها انها طالق لان الخبر وإن كان يحتمل الصدق والكذب فالأصل فيه
الصدق وذلك لا يكون الا بعد ايقاعه الطلاق عليها وكذلك لو قال لعبده وهبت لك عنقك
أو تصدقت عليك بعتقك أو قال لغيره أخبره أنه حر أو بشره بأنه حر أو قل له أنه حر كان
حرا لما بينا (قال) وإذا أراد أن يطلق امرأته فقالت لا تطلقني هب لي طلاقي فقال قد
وهبت لك طلاقك يريد بذلك لا أطلقك فهي امرأته في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى
لان كلامه جواب لسؤالها وهي إنما سألته الاعراض عن الايقاع وقد أظهر بكلامه
أنه أجابها إلى ما سألته فلا يكون ذلك ايقاعا منه ولو قال لامرأته قد أعرضت عن طلاقك
أو صفحت عن طلاقك يريد بذلك الطلاق لم تطلق لأنه نوي ضد كلامه فان الاعراض
عن الشئ بترك الخوض فيه وهو ضد الايقاع ولو قال قد تركت طلاقك أو قد خليت
141

طلاقك أو قد خليت سبيل طلاقك وهو يريد بذلك الطلاق فهي طالق لان هذا الكلام
محتمل يجوز أن يكون مراده تركها بطريق الاعراض عن التصرف فيها ويجوز أن يكون
المراد تركتها بأن أخرجتها من يدي بالايقاع فينوي فيه فإن لم ينو الطلاق فليس بشئ وان
نوى الطلاق فهو طلاق بمنزلة الكنايات (قال) ولو قال لامرأته وقد دخل بها أنت طالق
كل يوم فإن لم يكن له نية لم تطلق الا واحدة عندنا وعند زفر تطلق ثلاثا في ثلاثة أيام لان قوله
أنت طالق ايقاع وكلمة كل تجمع الأسماء فقد جعل نفسه موقعا للطلاق عليها في كل يوم وذلك
بتجدد الوقوع حتى تطلق ثلاثا ألا ترى أنه لو قال أنت طالق في كل يوم طلقت ثلاثا في كل يوم
واحدة ولكنا نقول كلامه صفة وقد وصفها بالطلاق في كل يوم وهي بالتطليقة الواحدة تتصف
به في الأيام كلها وإنما جعلنا كلامه ايقاعا لضرورة تحقيق الوصف وهذه الضرورة ترتفع
بالواحدة ألا ترى أنه لو قال أنت طالق أبدا لم تطلق الا واحدة بخلاف قوله في كل يوم
لان حرف في للظرف والزمان ظرف للطلاق من حيث الوقوع فيه فما يكون اليوم ظرفا
له لا يصلح الغد ظرفا له فيتجدد الايقاع لتحقيق ما اقتضاه حرف في وفي قوله كل يوم ان
قال أردت أنها طالق كل يوم تطليقة أخرى فهو كما نوى وتطلق ثلاثا في ثلاثة أيام إما لأنه
أضمر حرف في أو لأنه أضمر التطليقة فكأنه قال أنت طالق كل يوم تطليقة (قال)
وكذلك لو قال أنت طالق اليوم وغدا وبعد غد فإن لم يكن له نية فهي واحدة لان بوقوع
الواحدة عليها تتصف بالطلاق في هذه الأيام وان نوى ثلاثا فهو كما نوى وهي طالق كل يوم
واحدة حتى تستكمل ثلاثا في اليوم الثالث إما لاضمار حرف في أو لاضمار التطليقة (قال)
وان قال أنت طالق ما لا يجوز عليك من الطلاق أو ما لا يقع عليك من الطلاق فهي طالق
واحدة رجعية لان آخر كلامه لغو فإنه ليس فيما يملكه الزوج عليها طلاق موصوف بما ذكر
وكذلك أن قال أنت طالق ثلاثا لا يقعن عليك أو ثلاثا لا يجزن عليك فهي طالق ثلاثا لما
بينا وفى النوادر قال أنت طالق أقبح الطلاق قال عند أبي يوسف رحمه الله تعالى تطلق تطليقة
رجعية وعند محمد رحمه الله تعالى تطلق تطليقة بائنة لأنه جعل القبح صفة للطلاق وذلك هو
الطلاق المزيل للملك وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول قد يكون القبح بالايقاع في غير
وقت السنة فلا تثبت صفة البينونة بالشك (قال) ولو قال أنت طالق ثلاثا وأنا بالخيار ثلاثة
أيام فالخيار باطل والطلاق واقع لان اشتراط الخيار للفسخ بعد الوقوع لا للمنع عن الوقوع
142

والطلاق لا يحتمل الفسخ بعد وقوعه فيلغو شرط الخيار فيه والعتق كذلك (قال) ولو قال
لامرأته اذهبي فتزوجي فإن كان نوى طلاقا فهو طلاق وان نوى ثلاثا فثلاث وان نوى
واحدة فواحدة بائنة وإن لم يكن له نية فليس بشئ لان كلامه محتمل فلا يتعين معنى
الطلاق فيه الا بالنية وهو محتمل للطلاق لأنه ألزمها الذهاب من بيته وروى عن محمد رحمه
الله تعالى أنه لو قال لها أفلحي أو استفلحي ينوى به الطلاق فهو بمنزلة قوله اذهبي لان
العرب تقول أفلح بخير أي اذهب بخير وكذلك لو قال استفلحي لان معناه اطلبي فحلا
فكان هذا وقوله تزوجي سواء والله أعلم
* (باب طلاق الأخرس) *
(قال) وإذا طلق الأخرس امرأته في كتاب وهو يكتب جاز عليه من ذلك ما يجوز على
الصحيح في كتابه لان الأخرس عاجز عن الكلام وهو قادر على الكتاب فهو الصحيح
في الكتاب سواء والأصل ان البيان بالكتاب بمنزلة البيان باللسان لان المكتوب حروف
منظومة تدل على معنى مفهوم كالكلام الا ترى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا
بتبليغ الرسالة وقد بلغ تارة بالكتاب وتارة باللسان ثم الكتاب على ثلاثة أوجه (أحدها)
ان يكتب طلاقا أو عتاقا على ما لا يتبين فيه الخط كالهواء والماء والصخرة الصماء فلا يقع
به شئ نوى أو لم ينو لان مثل هذه الكتابة كصوت لا يتبين منه حروف ولو وقع
الطلاق لوقع بمجرد نيته وذلك لا يجوز (والثاني) ان يكتب طلاق امرأته على ما يتبين
فيه الخط ولكن لا على رسم كتب الرسالة فهذا ينوى فيه لان مثل هذه الكتابة قد
تكون للايقاع وقد تكون لتجربة الخط والقلم والبياض وفيه ينوى كما في الألفاظ التي
تشبه الطلاق فإن كان صحيحا تبين نيته بلسانه وإن كان أخرس تبين نيته بكتابه
(والثالث) ان يكتب على رسم كتب الرسالة طلاق امرأته أو عتاق عبده فيقع الطلاق
والعتاق بهذا في القضاء وان قال عنيت به تجربة الخط لا يدين في القضاء لأنه خلاف
الظاهر وهو نظير ما لو قال أنت طالق ثم قال عنيت الطلاق من وثاق ثم ينظر إلى المكتوب
فإن كان كتب امرأته طالق فهي طالق سواء بعث الكتاب إليها أو لم يبعث وإن كان
المكتوب إذا وصل إليك كتابي هذا فأنت طالق فما لم يصل إليها لا يقع الطلاق كما لو تكلم
143

بما كتب فان ندم على ذلك فمحى ذكر الطلاق من كتابه وترك ما سوى ذلك وبعث
بالكتاب إليها فهي طالق إذا وصل إليها الكتاب لوجود الشرط ومحوه كرجوعه عن
التعليق فان محي الخطوط كلها وبعث بالبياض إليها لم تطلق لان الشرط لم يوجد فان
ما وصل إليها ليس بكتاب ولو جحد الزوج الكتاب وأقامت عليه البينة انه كتبه بيده فرق
بينهما في القضاء لان الثابت بالبينة عليه كالثابت باقراره وإن كان الأخرس لا يكتب وكانت
له إشارة تعرف في طلاقه ونكاحه وشرائه وبيعه فهو جائز استحسانا وفي القياس لا يقع
شئ من ذلك بإشارته لأنه لا يتبين بإشارته حروف منظومة فبقي مجرد قصده الايقاع
وبهذا لا يقع شئ الا ترى ان الصحيح لو أشار لا يقع شئ من التصرفات بإشارته
ولكنه استحسن فقال الإشارة من الأخرس كالعبارة من الناطق ألا ترى في العبادات
جعل هكذا حتى إذا حرك شفيته بالتكبير والقرآن جعل ذلك بمنزلة القراءة من الناطق
فكذلك في المعاملات وهذا لأجل الضرورة لأنه محتاج إلى ما يحتاج إليه الناطق فلو لم
تجعل إشارته كعبارة الناطق أدى إلى أن يموت جوعا وهذه الضرورة لا تتأتى في حق
الناطق ولهذا قلنا المريض وان اعتقل لسانه لا ينفذ تصرفه بإشارته لأنه لم يقع اليأس عن
نطقه وإقامة الإشارة مقام العبارة عند وقوع اليأس عن النطق لأجل الضرورة وإن لم تكن
له إشارة معروفة يعرف ذلك منه أو يشك فيه فهو باطل لأنه لا يوقف على مراده بمثل هذه
الإشارة فلا يجوز الحكم بها ولم يذكر في الكتاب حكم الطلاق بالفارسية وقد روى عن
أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن الفارسي إذا قال لامرأته هسته أو قال از زنى هسته ينوى
في ذلك فان نوى ثلاثا فثلاث وان نوى واحدة فواحدة رجعية ويستوى إن كان في حال
مذاكرة الطلاق أو لم يكن وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى ان قال هسته ينوى فيه
ولو قال از زني هسته فهي تطليقة رجعية إلا أن ينوى ثلاثا وعند محمد رحمه الله تعالى في
قوله بهستمت أو از زني بهستمت انه طلاق وكأنهم جعلوا هذا اللفظ تفسيرا للتخلية ولهذا
قال زفر رحمه الله تعالى يكون الواقع به بائنا ولكن أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى
قالا يحتمل أن يكون هذا في معنى التخلية فيكون الواقع به بائنا ويحتمل أن يكون هذا معني
لفظ آخر فلا تثبت البينونة بالشك ولكنا نقول نحن أعرف بلغتنا منهم والواقع بهذا اللفظ
عندنا تطليقة رجعية سواء نوى الطلاق أو لم ينو أو نوى الثلاث أو لم ينو لان هذا اللفظ
144

في لساننا صريح بمنزلة الطلاق في لسان العرب وإنما معنى تفسير التخلية بله كردم فينوي
في ذلك والحاصل أن كل لفظ لا يستعمل الا مضافا إلى النساء فهو صريح وكل ما يستعمل
في النساء وغير النساء فهو بمنزلة الكناية ينوى فيه فقوله بله كردم يستعمل في غير النساء
كما يستعمل في النساء فأما قوله هسته أو بهستمت لا يستعمل الا في النساء فيكون صريحا
والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب الشهادة في الطلاق) *
(قال) رضي الله عنه وإذا شهد شاهدان أنه طلق احدى امرأتيه بعينها وقالا قد سماها
لنا لكنا نسيناها فشهادتهما باطلة عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى تقبل شهادتهما ويحال بينه
وبينهما إذا شهدا بالثلاث حتى يبين المطلقة منهما لان الثابت بشهادتهما كالثابت باقرار
الزوج ولو أقر أنه طلق إحداهما بعينها وقال قد نسيتها امر أن لا يقرب واحدة منهما حتى
يتذكر وهذا لان الشهادة على الطلاق مقبولة من غير دعوى وإنما تنعدم الدعوى إذا لم
يعرفا المطلقة منهما فوجب قبول شهادتهما بقدر ما حفظا من كلام الزوج ولكنا نقول قد
أقرا على أنفسهما بالغفلة وبأنهما ضيعا شهادتهما ولان القاضي اما أن يقضى بطلاق إحداهما
بغير عينها فيكون هذا قضاء بغير ما شهدا أو يقضى بطلاق إحداهما بعينها ولا يتمكن من
ذلك بهذه الشهادة لأنهما لم يعينا وليست إحداهما بأولى من الأخرى فإذا تعذر القضاء بها
بطلت الشهادة لأنها لا تكون موجبة بدون القضاء بخلاف اقرار الزوج فإنه موجب بنفسه
قبل أن يتصل به القضاء فكان ملزما إياه البيان وان شهدا أنه طلق إحداهما بغير عينها ففي القياس
لا تقبل هذه الشهادة أيضا لان المشهود له مجهول وجهالة المشهود له تمنع صحة الشهادة
ولكنه استحسن فقال تقبل الشهادة ويجبر على أن يوقع الطلاق على إحداهما لان الجهالة في
المشهود له لا تمنع صحة الشهادة لعينها بل لانعدام الدعوى فان الدعوى من المجهول لا تتحقق
وهذا لا يوجد في الطلاق فان الشهادة على الطلاق تقبل حسبة من غير دعوى وهما أثبتا
بشهادتهما قول الزوج إحداهما طالق فكأن القاضي سمع ذلك من الزوج فيجبره على أن يوقع
على إحداهما (قال) وإذا قال الرجل فلانة بنت فلان طالق وسمى امرأته ونسيها ثم قال
عنيت بذلك امرأة أجنبية على ذلك الاسم والنسب لم يصدق والطلاق واقع على امرأته في
145

القضاء لان كلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن وله ولاية الايقاع على امرأته دون
الأجنبية فلا يصدق فيما يدعى من إلغاء كلامه في القضاء ولكن يدين فيما بينه وبين الله تعالى
لان ما قاله محتمل ويجوز أن يكون مراده أن فلانة طالق من زوجها على سبيل الحكاية أو على
سبيل الايقاع فيكون موقوفا على إجازة الزوج ولا يسع امرأته ان تقيم معه لأنها مأمورة
باتباع الظاهر كالقاضي فان قال هذه المرأة التي عنيتها امرأتي وصدقته في ذلك وقع الطلاق
عليها لاقرار الزوج بأنها هي المطلقة ولم يصدق على ابطال الطلاق عن المرأة المعروفة بذلك
لأنها تعينت للطلاق في الحكم وهو متهم في صرف الطلاق عنها فلا يصدق إلا أن يشهد
الشهود على نكاحها قبل أن يتكلم بطلاقها أو على اقرارهما قبل ذلك فحينئذ يقع الطلاق
عليها دون المعروفة لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو كان تحته معروفتان على اسم
ونسب واحد فطلق بذلك الاسم والنسب كان البيان إليه يوقع الطلاق على أيتهما شاء فكذلك
هنا وكذلك أن صدقته المرأة المعروفة بذلك وفى هذا نوع اشكال فان المعروفة متهمة في
هذا التصديق كما أن الزوج متهم في الاقرار ولكنه لم يعتبر هذا الجانب لان الحق لهما وقد
تصادقا على قيام النكاح بينهما باعتبار أمر محتمل ولو تصادقا على النكاح ابتداء ثبت في
الحكم بتصادقهما فكذلك إذا تصادقا على بقاء النكاح بينهما (قال) وان قال فلانة طالق
وذلك اسم امرأته طلقت امرأته ولم يصدق على صرف الطلاق عنها لان كلامه ايقاع وله
ولاية الايقاع على زوجته وقد بينا ان كلام العاقل محمول على الصحة فتعينت زوجته لهذا
والعتاق في هذا قياس الطلاق وهذا بخلاف الاقرار إذا قال لفلان على ألف درهم فجاء
رجل على ذلك الاسم وادعى المال لم يلزمه المال إلا أن يشهد الشهود على اقراره أنه عناه لان
الاقرار من المقر تصرف في ذمته من حيث الالتزام فلا يتعين المقر له الا بدليل موجب
للتعين وذلك إشارته إليه واقراره أنه عناه فأما الطلاق والعتاق تصرف على المحل بالايقاع
وزوجته ومملوكته متعينة لذلك توضيحه ان جهالة المقر له تمنع صحة الاقرار وبمجرد ذكر الاسم
لا ترتفع الجهالة وجهالة المطلقة والمعتقة لا تمنع صحة الايقاع ولان المال بالشك لا يستوجب
والطلاق والعتاق يؤخذ فيهما بالاحتياط وكذلك في الاقرار ولو قال لفلان بن فلان على
ألف درهم فالمقر له بهذا القدر لا يصير معلوما كما في الدعوى والشهادة بذكر اسمه واسم
أبيه لا يصير معلوما الا بذكر اسم جده أو بنسبه إلى فخذ أو يشير إليه فحينئذ يصير
146

معلوما ويلزمه المال له بالاقرار (قال) وإذا شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته
ثلاثا وجحد الزوج والمرأة ذلك فرق بينهما لان المشهود به حرمتها عليه والحل والحرمة
حق الله تعالى فتقبل الشهادة عليه من غير دعوى كما لو شهدوا بحرمتها عليه والحل والحرمة
حق الله تعالى فتقبل الشهادة عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة وهذا لأنهم يشهدون ان
وطأه إياها بعد هذا زنا والشهادة على الزنا تقبل من غير دعوى فكذلك على ما يتضمن
معني الزنا وعلى هذا الشهادة على عتق الأمة تقبل من غير دعوى وفي الشهادة على عتق
العبد اختلاف عند أبي حنيفة لا تقبل من غير دعوى وعندهما تقبل على ما نبينه في كتاب
العتاق إن شاء الله تعالى (قال) وإذا كان له امرأتان إحداهما نكاحها صحيح الأخرى نكاحها
فاسد واسمهما واحد وقال فلانة طالق ثم قال عنيت التي نكاحها فاسد لم يصدق في القضاء
لأنها بالنكاح الفاسد لم تصر محلا لوقوع طلاقه عليها فهي كالأجنبية والتي نكاحها صحيح
محل لوقوع طلاقه عليها فمطلق الاسم يتناولها ولا يصدق في صرفه عنها في القضاء
وإن كان يصدق فيما بينه وبين الله تعالى كما لو قال نويت أجنبية وكذلك لو قال احدى
امرأتي طالق لأنه أوقع الطلاق بهذا اللفظ على امرأته وهي التي صح نكاحها دون
الأخرى لان بالنكاح الفاسد لا تصير هي امرأته فكأنه ليس في نكاحه الا امرأة واحدة فقال
احدى امرأتي طالق ولو قال إحداكما طالق لم تطلق امرأته إلا أن يعينها لأنه أوقع الطلاق
على احدى اللتين خاطبهما وأشار إليهما وإحداهما ليست بمحل لطلاقه فلا تتعين امرأته
الا بالنية كما لو جمع بين امرأته وأجنبية وقال إحداكما طالق ولو كان في يده عبدان فاشترى
أحدهما شراء صحيحا واشترى الآخر شراء فاسدا فقال أحدكما حر أو أحد عبدي حر
فهو سواء والقول قوله في البيان لان المشترى شراء فاسدا صار مملوكا له بالقبض وصار
محلا لعتقه كالمشترى شراء صحيحا فكان كلامه ايقاعا سواء قال أحد عبدي أو قال أحدكما
فكان البيان إليه بخلاف الأولى فان التي نكاحها فاسد ليست بمحل لطلاقه (قال) وان
قال فلانة بنت فلان طالق فسمى امرأته ونسبها إلى غير أبيها لم تطلق امرأته لأنه ما أوقع
الطلاق عليها فإنه ما أضافها إلى نفسه بالنكاح وما أشار إليها ولا عرفها بذكر نسبها إنما ذكر
امرأة أخرى وأوقع الطلاق عليها بما ذكر من الاسم والنسب فلا يتناول ذلك امرأته كما
لو أشار إلى أجنبية وقال أنت طالق لم تطلق امرأته وكذلك لو قال فلانة الهمدانية طالق
147

وامرأته تميمية لم تطلق وكذلك لو قال فلانة العمياء طالق وامرأته صحيحة العينين فان نوى
امرأته بهذا كله طلقت لأنه قصد الايقاع عليها بذكر اسمها وما زاد على ذلك فضل من
الكلام وفي هذا تشديد عليه فتعمل نيته وإن كان اسم امرأته زينب فقال فلانة طالق يعنى
امرأته وإنما قال فلانة ولم يسمها فالطلاق واقع عليها وإن لم يعنها لم تطلق لأنه أوقع
الطلاق بذكر مطلق الاسم ومطلق الاسم كما يتناولها يتناول غيرها فكان هذا بمنزلة الايقاع
بلفظ الكناية فينوي في ذلك لكون اللفظ مبهما محتملا وإذا شهد شاهد على تطليقتين
وشاهد على ثلاث والزوج يجحد ذلك أو شهد شاهد بتطليقة والآخر بتطليقتين أو شاهد
بتطليقة والآخر بثلاث لم تقبل هذه الشهادة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما
وابن أبي ليلى تقبل على الأقل لان المعتبر اتفاق الشاهدين في المعني دون اللفظ حتى لو
شهد أحدهما بالهبة والآخر بالتخلي تقبل وقد اتفق الشاهدان على الأقل لان الأقل موجود
في الأكثر فصار كما لو شهد أحدهما بألف والآخر بألف وخمسمائة والمدعى يدعي
الأكثر تقبل شهادتهما على الأقل وكذلك لو شهد أحدهما أنه قال لها أنت طالق والآخر
أنه قال لها أنت طالق وطالق أو شهد أحدهما أنه طلقها والآخر أنه طلقها وضرتها تقبل
شهادتهما على طلاقها لاتفاق الشاهدين عليه ولان الموافقة كما تراعى بين الشاهدين تراعى
بين الدعوى والشهادة ثم لو ادعى الفين وشهد شاهدان بألف تقبل الشهادة بالاتفاق
فكذلك إذا شهد أحد الشاهدين بألف والآخر بألفين ينبغي أن تقبل على الأقل وأبو
حنيفة رحمه الله تعالى يقول اختلف الشاهدان في المشهود به لفظا ومعنى فلا تقبل
الشهادة كما لو قال أحدهما أنه قال لها أنت خلية والآخر أنه قال لها أنت برية وإنما قلنا
ذلك لان أحدهما شهد بالواحدة والاخر بثنتين أو بثلاث والواحدة أصل العدد لا تركب
فيها والاثنان والثلاث اسم لعدد مركب فكانت المغايرة بينهما على سبيل المضادة ومن
حيث إن اللفظ الواحد غير التثنية والجمع والدليل عيه ان مدعى الاثنين أو الثلاثة لا يكون
مقرا بالواحد إذ لو كان مقرا بالواحد لكان مرتدا بالشرك بعد ذلك فينبغي ان تقبل
ولان التطليقتين اسم واحد والتطليقة كذلك وبزيادة حرف يتغير الاسم كما يقال زيد وزياد
ونصر وناصر وكذلك في الألف والألفين وإذا ثبتت المغايرة كان على كل واحد من
الامرين شاهد واحد فلا يتمكن القاضي من القضاء بشئ بخلاف الألف مع الألف
148

وخمسمائة فإنهما اسمان أحدهما معطوف على الآخر فيحصل الاتفاق بينهما على الألف لفظا
ومعنى وكذلك في قوله طالق وطالق وفى قوله فلانة وفلانة وهذا بخلاف الدعوى مع
الشهادة فان الاتفاق هناك في اللفظ ليس بشرط فاما بين الشهادتين الموافقة في اللفظ شرط
الا ترى أنه لو أدعى الغصب أو القتل وشهد شاهدان بالاقرار به تقبل ولو شهد أحد
الشاهدين بالغصب والآخر بالاقرار به لا تقبل وهذا لان الشهادة تعتمد اللفظ ألا ترى أنه
ا لا تقبل ما لم يقل اشهد والذي يبطل مذهبهما ما ذكر في كتاب الرجوع لو شهد
شاهدان بتطليقة وشاهدان بثلاث تطليقات وفرق القاضي بينهما قبل الدخول ثم رجعوا
كان ضمان نصف الصداق على شاهدي الثلاث دون شاهدي الواحدة ولو اعتبر ما قالا إن
الواحدة توجد في الثلاث لكان الضمان عليهم جميعا وان شهد أحدهما أنه طلقها ان دخلت
الدار وأنها قد دخلت وشهد الآخر أنه طلقها ان كلمت فلانا وأنها قد كلمت فلانا فشهادتهما باطلة
لان كل واحد منهما أوقع للطلاق بغير ما أوقع به صاحبه وإنما شهد كل واحد منهما بتعليق
آخر من الزوج وليس على واحد من الامرين شهادة شاهدين فان شهد أحدهما أنه طلقها ثلاثا
وشهد الآخر أنه قال لها أنت علي حرام ينوي الثلاث فشهادتهما باطلة لاختلافهما في المشهود
به لفظا وكذلك أن اختلفا في ألفاظ الكنايات كالخلية والبرية لأن هذه الألفاظ عندنا تعمل
بحقائق موجباتها فيكون أحدهما شاهدا بالتخلية والآخر بالبراءة وكذلك الاختلاف
في مقادير الشروط التي علق بها الطلاق وفى التعليق والارسال وفى مقادير الجعل وصفاتها
وفى اشتراطها وحذفها كل ذلك اختلاف في المشهود به لفظا ومعنى فيمتنع القضاء بهذه
الشهادة لأنه ليس على كل واحد منهما الا شاهد واحد وبالشاهد الواحد لا يتمكن القاضي
من القضاء وإذا شهد أحدهما أنه قال إن دخلت فلانة الدار فهي طالق وفلانة معها وشهد
الآخر أنه قال إن دخلت فلانة الدار فهي طالق وحدها وقد دخلت فلانة فهي طالق وحدها
لأنهما اتفقا على أن الشرط دخولها واتفاقا أن الجزاء طلاقها إنما تفرد أحدهما بزيادة جزاء معطوف
على طلاقها فيثبت ما اتفقا عليه ولا يثبت ما تفرد به أحدهما (قال) وتجوز شهادة رجل
وامرأتين على طلاق المرأة عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى وقد بينا هذا في النكاح
وفى الكتاب قال روي عن عمر رضي الله عنه أنه جاز شهادة رجل وامرأتين في النكاح (قال)
والطلاق عندنا بمنزلته ولا يجوز أقل من ذلك حتى إذا شهد بالطلاق رجل وامرأة أو شهد
149

به أربع نسوة ليس معهن رجل لا تقبل لان الطلاق مما يطلع عليه الرجال (قال) ولا يجوز
شهادة الولد على أبيه ولا على غيره بطلاق أمه إذا ادعت ذلك أمه لأنه شاهد لها والولد
متهم في حق أمه فان قبل لا معتبر بدعواها في الشهادة على الطلاق (قلنا) نعم ولكن إذا
وجدت الدعوى منها ففي شهادته إظهار صدق دعواها وفيه منفعة لها حتى وكانت هي تجحد
ذلك مع الأب كانت شهادته مقبولة عليهما وعلى هذا لو شهد الأب على طلاق ابنته
لا تقبل إذا ادعته ويجوز شهادة الأب مع رجل آخر على ابنه بطلاق امرأته وكذلك شهادة
الابن على أبيه إذا لم تكن لامه والحاصل أن الشهادة على الطلاق بمنزلة الشهادة على سائر
الحقوق تقبل من الولد علي الوالدين ولا تقبل لهما وتقبل من المسلمين على أهل الذمة ولا
تقبل من أهل الذمة على المسلمين (قال) وإذا زوج رجل أخته ثم شهد هو وآخر على
الزوج بطلاقها تقبل لان شهادة الأخ للأخت بسائر الحقوق مقبولة فكذلك الطلاق
وهذا لان الطلاق حادث بعد النكاح لا صنع للأخ فيه فلا يمتنع شهادته عليه بسبب
مباشرته للنكاح بخلاف ما لو شهد على أصل النكاح أن المرأة قد أجازته فان شهادته لا تقبل
لأنه هو المزوج وقد قصد بشهادته تتميم فعله فلا تقبل شهادته لهذا (قال) وإذا شهد
شاهدان على رجل بالطلاق قبل الدخول فقضى لها بنصف المهر ثم رجعا ضمنا للزوج ذلك
إما لأنهما قررا عليه ما كان على شرف السقوط بمجئ الفرقة من جانبها والمقرر كالموجب أو
لان وقوع الفرقة قبل الدخول مسقط لجميع الصداق إلا أن يكون مضافا إلى الزوج فهما
بإضافة السبب إلى الزوج وهو الطلاق منعا العلة المسقطة من أن تعمل عملها في النصف
فكان ذلك كالايجاب منهما فيضمنان إذا رجعا وان رجع أحدهما ضمن الربع وإن كان
الشاهد رجلا وامرأتين ثم رجعت امرأة فعليها ثمن المهر وان رجعوا جميعا فعلى الرجل ربع
المهر وعلى كل امرأة ثمن المهر لان الثابت بشهادة الرجل ضعف ما يثبت بشهادة المرأة فان
عند الاختلاط كل امرأتين تقومان مقام رجل ثم المعتبر في الرجوع بقاء من بقي على الشهادة
لا رجوع من رجع حتى لو شهد ثلاثة نفر بحق ثم رجع أحدهم لم يضمن شيئا لأنه قد بقي
على الشهادة من يثبت جميع الحق بشهادته فإن كان الشاهد بالطلاق رجلين وامرأتين ثم
رجع رجل وامرأة كان عليهما ثم المهر أثلاثا ثلثاه على الرجل وثلثه على المرأة لأنه قد بقي
على الشهادة من يقوم ثلاثة أرباع الحق به فإنما انعدمت الحجة في قدر الربع فلهذا ضمنا ذلك
150

القدر أثلاثا فان رجعت المرأة الأخرى أيضا لزمها مع الراجعين الأولين ربع المهر لأنه قد
بقي على الشهادة رجل وهو يقوم بنصف الحق ثم نصف الربع على الرجل الراجع
ونصفه على المرأتين وان رجعوا جميعا كان على المرأتين سدس المهر وعلى الرجلين الثلث لان
الثابت بشهادة كل رجل مثل الثابت بشهادة المرأتين (قال) وان شهد رجلان بالدخول
ورجلان بالطلاق فالزم القاضي الزوج كمال المهر ثم رجع شاهد الطلاق فلا شئ عليهما
عندنا وعلى قول الشافعي عليهما ضمان مهر المثل لان شاهدي الدخول ثابتان على الشهادة
فصار كان الدخول ثابت باقرار الزوج فبقيت شهادة الآخرين بالطلاق بعد الدخول وذلك غير
موجب للضمان عليهما إذا رجعا عندنا لان البضع عند خروجه من ملك الزوج غير متقوم
واتلاف ما ليس بمتقوم لا يوجب الضمان عليهما وعنده البضع متقوم عند خروجه من ملك
الزوج بمهر المثل كما أنه متقوم عند دخوله في ملك الزوج وقد بينا الفرق بينهما في كتاب النكاح
ثم نقول لما كان جميع المهر يثبت بشهادة شاهدي الدخول وهما ثابتان على الشهادة لم يضمن
الراجعان شيئا وان رجع شاهدا الدخول ولم يرجع شاهد الطلاق فعليهما نصف المهر لأنه قد
بقي على الشهادة من يثبت بشهادته نصف المهر ألا ترى أنه لو لم يوجد شاهدا الدخول كان
القاضي يقضى بنصف المهر بشهادة شاهدي الطلاق فإنما انعدمت الحجة برجوعهما في نصف
المهر فيضمنان ذلك وان رجع أحد شاهدي الدخول وأحد شاهدي الطلاق لم يكن على شاهد
الطلاق شئ لان الثابت بشهادته وشهادة صاحبه نصف المهر وقد بقي على الشهادة من يثبت
بشهادته ثلاثة أرباع المهر وهو أحد شاهدي الدخول وأحد شاهدي الطلاق فلهذا لا يضمن
شاهد الطلاق شيئا ويضمن شاهد الدخول ربع المهر لان الحجة قد انعدمت في قدر الربع
وحقيقة المعنى فيه أن نصف المهر ثابت بشهادة شاهدي الدخول خاصة والنصف الآخر ثابت
بشهادة الأربعة فالنصف الذي هو ثابت بشهادتهم قد بقي كمال الحجة فيه ببقاء اثنين على
الشهادة والنصف الذي قد ثبت بشهادة شاهدي الدخول بقي نصفه ببقاء أحدهما على الشهادة
وانعدمت الحجة في نصفه فلهذا ضمن شاهد الدخول ربع المهر وان رجع شاهدا الطلاق
مع احدى شاهدي الدخول كان عليهم ضمان نصف المهر لأنه قد بقي من يثبت بشهادته
نصف المهر وهو أحد شاهدي الدخول فإنما انعدمت الحجة في النصف نصف هذا النصف
علي شاهد الدخول والنصف الآخر عليهم أثلاثا لان نصف المهر ثبت بشهادة شاهدي
151

الدخول وقد بقي نصفه ببقاء أحدهما فيجب نصفه على الآخر والنصف الآخر يثبت بشهادة
الأربعة وقد بقي واحد على الشهادة فيبقي نصف ذلك النصف ببقائه وتنعدم الحجة في نصفه
فيكون عليهم أثلاثا وان رجعوا جميعا كان على شاهدي الدخول ثلاثة أرباع المهر وعلى
شاهدي الطلاق ربع المهر لان النصف يثبت بشهادة شاهدي الدخول خاصة فضمان ذلك
عليهما إذا رجعا والنصف الآخر يثبت بشهادة الأربعة فيكون عليهم أرباعا نصفه على شاهدي
الدخول ونصفه على شاهدي الطلاق (قال) وإذا شهد شاهد واحد على الطلاق فسألت
المرأة القاضي أن يضعها على يدي عدل حتى تأتي بشاهد آخر لم يفعل ذلك ودفعها إلى
زوجها حتى تأتي ببقية شهودها لان قيام النكاح والحل بينهما معلوم وبشهادة الواحد لم يثبت
سبب الحرمة لأنها شطر العلة وبشطر العلة لا يثبت شئ من الحكم فيتمسك القاضي بما كان
معلوما له حتى يثبت عنده العارض فإن كان الطلاق ثلاثا أو بائنا وادعت أن بقية شهودها
في المصر وشاهدها هذا عدل حال بينها وبين الزوج وأجلها ثلاثة أيام حتى ينظر ما تصنع في
شاهدها الآخر وهذا استحسان وفى القياس لا يحول بينه وبينها لان الحجة لم تتم ولكنه
استحسن فقال للشهادة طرفان العدد والعدالة ولو وجد تمام العدد تثبت به الحيلولة قبل
ظهور العدالة بأن شهد رجلان مستوران فكذلك إذا وجدت العدالة وهذا لان الذي
يسبق إلى وهم كل أحد أن العدل صادق في شهادته وباب الفرج مبنى على الاحتياط وليس
في هذه الحيلولة كثير ضرر علي الزوج ولكن مع هذا لا تكون هذه الحيلولة واجبة على
القاضي بل إن فعل فحسن وإن لم يفعل ودفعها إلى الزوج فلا بأس لان حجة القضاء به لم تتم
ألا ترى أنه لو قضى بشهادة الواحد لم ينفذ قضاؤه (قال) وإذا شهد شاهد على تطليقة بائنة
وشهد آخر على تطليقة رجعية فشهادتهما جائزة على تطليقة رجعية لأنهما اتفقا على أصل
الطلاق وإنما تفرد أحدهما بزيادة صفة البينونة فلا يثبت ما تفرد به أحدهما والدليل لهما على أبي حنيفة
رحمه الله في الثلاث مع الواحدة يقولان تفرد أحدهما بالبينونة الغليظة كتفرد أحدهما
بالبينونة الخفيفة وعند أبي حنيفة الطلاق إذا قرن بالعدد كان العامل هو العدد وكل واحد
منهما شاهد بالوقوع بلفظ آخر هناك فاما هنا وان الحق صفة البينونة بالطلاق فوقوع
الطلاق يكون بلفظ الطلاق وقد اتفق الشاهدان عليه لفظا توضيحه ان بصفة البينونة
لا يتغير أصل الطلاق الا ترى ان بمضي العدة ينقلب الرجعي بائنا فاما بانضمام الثاني والثالث
152

يتغير حكم أصل الطلاق ولو شهد أحدهما على تطليقة والآخر على واحدة وواحدة جازت
شهادتهما في الواحدة لاتفاق الشاهدين عليها لفظا ومعني ولو شهد أحدهما على أنه طلقها
واحدة وشهد الآخر انه طلقها واحدة وعشرين أو واحدة ونصفا فقد اتفقا على الواحدة
في لفظهما وتكلما بها إنما تفرد أحدهما بزيادة لفظ آخر معطوف على لفظ الواحد فيثبت
ما اتفقا عليه وفرق أبو حنيفة رحمه الله بين هذا وبينما إذا شهد أحدهما بواحدة والآخر بأحد
عشر قال هناك أحد عشر اسم واحد لانعدام حرف العطف فالشاهد بها لا يكون شاهدا
بالواحدة لفظا فاما واحدة وعشرون اسمان بينهما حرف العطف فالشاهد بها شاهد بالواحدة
لفظا (قال) وان شهد أحدهما انه طلقها واحدة وشهد الآخر انه طلقها نصف واحدة أو شهد
أحدهما على نصف واحدة والآخر على ثلث واحدة لم تقبل الشهادة عند أبي حنيفة رحمه الله وتقبل
عندهما لان المعتبر عندهما الاتفاق في المعنى وقد وجد فان نصف التطليقة وثلثها كما لها وعند
أبي حنيفة يعتبر اتفاق الشاهدين لفظا ومعنى وبين النصف والكل مغايرة على سبيل
المضادة وكذلك النصف غير الثلث فلم يوجد اتفاق الشاهدين لفظا فلهذا قال لا تقبل
الشهادة وان شهد أحدهما أنه قال فلانة طالق لا بل فلانة وشهد الآخر أنه قال فلانة طالق
يسمى الأولى فقد جازت الشهادة على طلاق الأولى لاتفاق الشاهدين على ذلك لفظا
ومعنى وما تفرد أحدهما من الزيادة لم يثبت وان شهد أحدهما أنه قال أنت طالق الطلاق
كله وشهد الآخر أنه قال أنت طالق بعض الطلاق فعندهما يقضى بتطليقة واحدة لاتفاق
الشاهدين عليها معني وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا تقبل هذه الشهادة لاختلافهما لفظا
والمغايرة بين الكل والبعض على سبيل المضادة (قال) وان شهد أحدهما أنه قال لها أنت
طالق وشهد الاخر انه أقر انه طلقها فالشهادة جائزة لان الطلاق قول وصيغة الاقرار والانشاء
فيه واحدة فاختلاف الشهود في الانشاء والاقرار لا يكون اختلافا في المشهود به وكذلك أن
اختلفا في المكان والزمان لان القول مما يعاد ويكرر ويكون الثاني هو الأول فباختلافهما في
المكان والزمان لا يختلف المشهود به لفظ بخلاف الأفعال كالغصب والقتل (قال) وان شهد أحدهما
أنه طلقها بمكة يوم النحر وشهد الآخر أنه طلقها في ذلك اليوم بالكوفة كانت شهادتهما باطلة
لا لان المشهود به مختلف ولكن لأنا تيقنا بكذب أحدهما فان الشخص الواحد في يوم واحد
لا يكون بمكة والكوفة وإذا كانت تهمة الكذب تمنع العمل بالشهادة فالتيقن بالكذب أولى ولا
153

يقال هذا يتحقق في كرامات الأولياء لان مثل ذلك الولي لا يجحد ما أوقع من الطلاق حتى يحتاج
إلى إثباته عليه بالبينة ولأنا نبني الاحكام على الظاهر (قال) ولو شهدا بذلك على يومين
متفرقين بينهما من الأيام قدر ما يسير الراكب من الكوفة إلى مكة تقبل شهادتهما لان
تهمة الكذب هنا منتفية لظهور عدالتهما وإنما تعدد مكان ما شهدا به وباختلاف المكان لا
يختلف المشهود به وهو الطلاق (قال) ولو شهد شاهدان أنه طلق عمرة يوم النحر
بالكوفة وشهد شاهدان أنه طلق زينب يوم النحر بمكة أو أعتق عبده فشهادتهم جميعا باطلة
لان القاضي يتيقن بكذب أحد الفريقين ولا يعرف الصادق من الكاذب فتعذر عليه العمل
بشهادتهما (قال) فان جاءت إحدى البينتين قبل صاحبتها فحكم بها ثم جاءت الأخرى لم
يلتفت إليها لان الأولى تأكدت بقضاء القاضي فتعين الكذب في الأخرى إذ لا يجوز
نقض القضاء بالشك وهو نظير ما لو ادعى رجلان نكاح امرأة وأقام كل واحد منهما
البينة واستويا لم يقض القاضي لواحد منهما ولو سبق أحدهما بإقامة البينة وقضى له ثم أقام
الآخر البينة لم تقبل بينته لهذا المعنى (قال) ولو قال لامرأتين له أيتكما أكلت هذا الطعام
فهي طالق فجاءت كل واحدة منهما بالبينة أنها أكلته فشهادتهم جميعا باطلة لتيقننا بكذب أحد
الفريقين فالشرط أكل جميع الطعام من واحدة ولا يتصور أن تأكل كل واحدة منهما جميع
الطعام فان جاءت احدى البينتين قبل الأخرى فحكم بها ثم جاءت الأخرى لم يلتفت إليها لان
بقضائه تعين معنى الصدق في شهادة الفريق الأول فيتعين معنى الكذب في شهادة الفريق
الثاني وان كانتا أكلتاه لم تطلق واحدة منهما لان الشرط أكل الواحدة جميع الطعام فان
كلمة أي تتناول كل واحدة من المخاطبتين على الانفراد وقد بينا هذا والله سبحانه وتعالى
أعلم بالصدق والصواب واليه المرجع والمآب
* (باب طلاق المريض) *
(قال) رضي الله عنه وإذا طلق المريض امرأته ثلاثا أو واحدة بائنة ثم مات وهي في
العدة فلا ميراث لها منه في القياس وهو أحد أقاويل الشافعي رضى الله تعالى عنه وفى
الاستحسان ترث منه وهو قولنا وقال ابن أبي ليلى وان مات بعد انقضاء عدتها ترث منه
ما لم تتزوج بزوج آخر وهو قول الشافعي رضى الله تعالى عنه وقال مالك رحمه الله وان مات
154

بعدما تزوجت بزوج آخر فلها الميراث منه وجه القياس أن سبب الإرث انتهاء النكاح بالموت
ولم يوجد لارتفاعه بالتطليقات والحكم لا يثبت بدون السبب كما لو كان طلقها قبل الدخول ولان
الميراث يستحق بالنسب تارة وبالزوجية أخرى ولو أنقطع النسب لا يبقى استحقاق الميراث
به سواء كان في صحته أو في مرضه فكذلك إذا انقطعت الزوجية ولكنا استحسنا لاتفاق
الصحابة رضى الله تعالى عنهم فقد روى إبراهيم رحمه الله تعالى قال جاء عروة البارقي إلى شريح
من عند عمر رضى الله تعالى عنه بخمس خصال منهن إذا طلق المريض امرأته ثلاثا ورثته
إذا مات وهي في العدة وعن الشعبي أن أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزاري كانت
تحت عثمان بن عفان رضي الله عنه ففارقها بعد ما حوصر فجاءت إلى علي رضي الله عنه بعد
ما قتل وأخبرته بذلك فقال تركها حتى إذا أشرف على الموت فارقها وورثها منه وان عبد
الرحمن بن عوف رضي الله عنه طلق امرأته تماضر آخر التطليقات الثلاث في مرضه فورثها
عثمان رضي الله عنه وقال ما اتهمته ولكني أردت السنة وعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة
الفار ترث ما دامت في العدة وعن أبي بن كعب رضي الله عنه أنها ترث ما لم تتزوج وقال
ابن سيرين كانوا يقولون من فر من كتاب الله تعالى رد إليه يعنى هذا الحكم والقياس
يترك باجماع الصحابة رضي الله عنهم فان قيل لا اجماع هنا فقد قال ابن الزبير رضي الله عنه
في حديث تماضر لو كان الامر إلى لما ورثتها وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
ما طلقتها ضرارا ولا فرارا قلنا معنى قول ابن الزبير رضي الله عنه ما ورثتها أي لجهلي بوجه
الاستحسان فتبين انه كان يخفى عليه ما لم يخف على عثمان رضي الله عنه وفى بعض الروايات
انها سألته الطلاق فمعنى قولها ما ورثتها لأنها سألته الطلاق وبه نقول ولكن توريث
عثمان رضي الله عنه إياها بعد سؤالها الطلاق دليل على أنه كان يورثها قبله وقد قيل
ما سألته الطلاق ولكنه قال لها إذا طهرت فآذنيني فلما طهرت آذنته وبهذا لا يسقط ميراثها
وابن عوف رضي الله عنه لم ينكر التوريث إنما نفى عن نفسه تهمة الفرار حتى روي أن
عثمان رضي الله عنه عاده فقال لو مت ورثتها منك فقال أنا أعلم ذلك ما طلقتها ضرارا ولا
فرارا والمعنى فيه أنه قصد ابطال حقها عن الميراث بقوله فيرد عليه قصده كما لو وهب جميع
ماله من انسان وإنما قلنا ذلك لان بمرض الموت تعلق حق الورثة بماله ولهذا يمنع عن التبرع
بما زاد على الثلث ثم استحقاق الميراث بالسبب والمحل فإذا كان تصرفه في المحل يجعل
155

كالمضاف إلى ما بعد الموت حكما ابقاء لحق الوارث فتصرفه بالسبب بالرفع يجعل كالمضاف
إلى ما بعد الموت حكما بل أولى لان الحكم يضاف إلى السبب دون المحل وإذا صار كالمضاف
كان النكاح بينهما قائما عند الموت حكما ولهذا قال ابن أبي ليلى رضى الله تعالى عنه ان عدتها
في حق الميراث لا تنقضي حتى أن لها الميراث ما لم تتزوج فإذا تزوجت فهي التي رضيت
بسقوط حقها ولها ذلك كما لو سألته الطلاق في الابتداء ولكنا نقول لما انقضت عدتها حل
لها أن تتزوج وذلك دليل حكمي مناف للنكاح الأول فلا يبقي معه النكاح حكما كما لو
تزوجت وهو نظير وجوب الصلاة على التي انقطع دمها فيما دون العشرة بمضي الوقت
يجعل كأداء الصلاة في الحكم بانقضاء العدة وما قاله مالك من بقاء الميراث بعد التزوج
بعيد لأن المرأة الواحدة لا ترث من زوجين بحكم النكاح وما قاله يؤدى إلى هذا ثم
بعد انقضاء العدة يكون مسقطا حقها بعوض فإنها تقدر على أن تتزوج بزوج آخر
فتستحق ميراثه وذلك صحيح من المريض كما لو باع ماله بمثل قيمته فاما قبل انقضاء العدة
يكون هذا ابطالا لحقها بغير عوض لأنها لا تقدر على التزوج وهذا بخلاف النسب فإنه
لا ينقطع بمجرد قوله إنما ينقطع بقضاء القاضي باللعان وذلك أمر حكمي ثم النسب بعد ثبوته
لا ينقطع ولكن يتبين بنفيه أنه لم يكن ثابتا في ولد أم الولد فيتبين أنه لم يكن له حق في ماله
ولكن الكلام من حيث المعنى ليس بقوى فان بعد ثبوت حرمة المحل اما بالطلقات الثلاث
أو بالمصاهرة يتعذر ابقاء النكاح حكما ولكن يجعل بقاء العدة التي هي حق من حقوق
النكاح كبقاء النكاح في حكم التوريث باتفاق الصحابة رضوان الله عليهم ولهذا لو كان الطلاق
قبل الدخول لا ترث لأنه لا عدة عليها ولكن هذا في ابقاء ما كان ثابتا لا في اثبات ما لم يكن
ثابتا حتى لو كان صحيحا حين طلقها لم ترث منه وإنما أقمنا العدة مقام النكاح لدفع الضرر عنها
فإذا كان الطلاق بسؤالها فقد رضيت هي بسقوط حقها فلا ميراث لها منه وان مات وهي
في العدة (قال) وان كانت المرأة أمة أو كتابية حين أبانها في مرضه ثم أعتقت الأمة
وأسلمت الكتابية فلا ميراث لها منه وان مات وهي في العدة لأنه لم يكن فارا من ميراثها
يوم طلق إذا لم يتعلق حقها بماله في المرض فلو ورثت كان فيه إقامة العدة مقام النكاح في
ابتداء الاستحقاق بعد العتق والإسلام وذلك غير ما اتفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم فلا
يمكن اثباته بالرأي (قال) ولو طلق المريض امرأته تطليقة رجعية ثم مات بعد انقضاء العدة فلا
156

ميراث لها منه لانعدام السبب عند الموت حقيقة وحكما وأيهما مات قبل انقضاء العدة ورثه
الآخر لانتهاء النكاح بينهما بالموت وإذا طلقها في مرضه تطليقة بائنة ثم صح مرضه ثم
مات من غير ذلك المرض وهي في العدة فلا ميراث لها منه عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى
ترث منه لأنه صار منهما بالفرار حين طلقها في مرضه ولان حقها كان متعلقا بماله عند
الطلاق وعند الموت فلا يعتبر ما تخل بينهما فكأنه لم يصح حتى مات في مرضه ولكنا نقول
حقها إنما يتعلق بماله بمرض الموت ومرض الموت ما يتصل به الموت ولم يوجد ذلك
وكل مرض يعقبه برء فهو بمنزلة حالة الصحة فكأنه طلقها وهو صحيح ثم مرض ومات وان
كانت المرأة هي التي ماتت في جميع هذه الوجوه لم يرثها الزوج لأنه رفع السبب باختياره
ولم يكن له حق في مالها في حال قيام الزوجية ليبقى ذلك ببقاء العدة ثم جمع بين فصول أربعة
أحدها أن يعلق طلاقها بفعل نفسه والثاني أن يعلق بفعل أجنبي والثالث بمجئ الوقت
والرابع بفعلها وكل فصل من ذلك على وجهين إما أن يكون التعليق والوقوع في المرض
أو التعليق في الصحة والوقوع في المرض أما الفصل الأول وهو ما إذا علق بفعل نفسه وقال إن
دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم دخل الدار فلها الميراث إذا مات وهي في العدة أما
إذا كان التعليق والوقوع في المرض فلانه متهم بالفرار والقصد إلى ابطال حقها عن ماله وإن كان
التعليق في الصحة والوقوع في المرض فكذلك لأنه لما أقدم على الشرط في المرض مع
علمه ان التطليقات عنده تقع فقد صار قاصدا إلى ابطال حقها فيجعل ذلك كتنجيز الطلاق
في هذه الحالة ويستوى إن كان الشرط فعلا له منه بدأ ولابد له منه كالأكل والشرب
والصلاة لأنه إن لم يكن له من الفعل بد فقد كان له من التعليق ألف بد فأما إذا علق بفعل
أجنبي فإن كان التعليق في المرض فلها الميراث لأنه قاصد ابطال حقها عن ماله فهذا والتنجيز
في حقه سواء وإن كان التعليق في الصحة ففعل ذلك الفعل الأجنبي في مرضه فلا ميراث
لها منه الا على قول زفر رحمه الله تعالى فإنه يقول المعلق بالشرط عند وجود الشرط
كالمنجز من المعلق فيصير عند فعل الأجنبي كأن الزوج طلقها ثلاثا وهو مريض ولكنا
نقول لم يوجد من الزوج قصد الفرار لأنه حين علق لم يكن لها حق في ماله ولم يوجد من
جهته صنع بعد ذلك في وجود الشرط ولا كان متمكنا من المنع لأنه ما كان يقدر على
ابطال التعليق ولا على منع الأجنبي من ايجاد الشرط فاما إذا كان التعليق بمضي الوقت
157

بأن قال إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق فإن كان التعليق في المرض فلها الميراث منه لوجود
قصده إلى ابطال حقها بعدما تعلق بماله وإن كان التعليق في الصحة ثم جاء رأس الشهر وهو
مريض لم ترثه عندنا لما بينا وقال زفر رحمه الله تعالى ترثه وهذا والأول سواء وكذلك لو قال
أنت طالق ثلاثا غدا ثم مرض قبل مجئ الغد فأما إذا علق بفعلها فإن كان التعليق في المرض
والفعل فعل لها منه بد كدخول الدار وكلام أجنبي ففعلت فلا ميراث لها لأنها لما أقدمت
على ايجاد الشرط مع استغنائها عنه فقد صارت راضية بسقوط حقها عن ماله فيكون هذا
بمنزلة ما لو سألته الطلاق وإن كان الفعل فعلا لابد لها منه كالأكل والشرب والصلاة المكتوبة
وكلام الأبوين أو أحد من ذوي الرحم المحرم منها فلها الميراث إذا مات وهي في العدة لأنها
مضطرة إلى ايجاد هذا الشرط فلا تصير بالاقدام عليه راضية بسقوط حقها من ماله وتقاضي
دينها من الفعل الذي لابد لها منه إذا كانت تخاف فوت حقها بترك التقاضي فأما إذا كان
التعليق في الصحة ففعلت في المرض فإن كان لها من الفعل بد فلا اشكال انها لا ترث وإن لم
يكن لها من الفعل بد فلها الميراث في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ولا ميراث
لها في قول محمد رحمه الله تعالى لأنه حين علق الزوج الطلاق لم يكن لها في ماله حق فلا يتهم
بقصده الفرار ولم يوجد بعد ذلك منه صنع وأكثر ما في الباب أن ينعدم رضاها أو فعلها
باعتبار أنها لا تجد منه بدا فيكون هذا كالتعليق بفعل أجنبي أو بمجئ رأس الشهر وقد بينا
أن هناك لا ترث إذا كان التعليق في الصحة فكذلك هنا وهما يقولان هي مضطرة إلى الاقدام
على هذا الفعل فإنها إن لم تقدم تخاف على نفسها أو تخاف العقوبة وان أقدمت سقط حقها فكانت
مضطرة ملجأة وهو الذي ألجأها إلى ذلك والأصل أن الملجأ يصير آلة للملجئ والفعل في الحكم
كالموجود من الملجئ كالمكره على اتلاف المال فبهذا المعني تصير كان الفعل وجد من الزوج
حكما فلها الميراث (قال) وإذا بانت بالايلاء في مرضه فإن كان الايلاء منه في مرضه فلها
الميراث إذا مات وهي في العدة وإن كان أصل الايلاء في صحته فلا ميراث لها لان المولى في
المعنى يصير كأنه قال إن مضت أربعة أشهر ولم أقربك فيها فأنت طالق تطليقة بائنة وقد بينا
في التعليق بمجئ الوقت انه إن كان التعليق في المرض فلها الميراث وإن كان التعليق في الصحة
فلا ميراث لها فكذلك في الايلاء ولو قال المريض لامرأته إن شئت فأنت طالق ثلاثا فشاءت
أو خيرها فاختارت نفسها لم ترث منه لأنها رضيت بسقوط حقها فكأنها سألته الطلاق أو
158

اختلعت منه (قال) ولو قال لها وهو مريض إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق ثلاثا فجاء
رأس الشهر وهو صحيح فلا ميراث لها وكذلك لو آلى منها وهو مريض وتمت المدة وهو
صحيح لأنه حين وقعت الفرقة بينهما لم يكن لها حق في ماله فكأنه نجز طلاقها في هذه
الحالة ولو قال لها وهو صحيح إذا مرضت فأنت طالق ثلاثا ثم مرض ومات ورثته لان
المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ولما جعل الشرط مرضه مع علمه أن بمرضه
يتعلق حقها بماله فقد قصد الفرار وكان أبو القاسم الصفار يقول لا ترثه لان الطلاق يقع
عليها عند ابتداء مرضه وعند ذلك هو لا يكون صاحب فراش والمريض الذي يتعلق حق
الوارث بماله ما يضنيه ويجعله صاحب فراش وان قال في مرضه قد كنت طلقتك ثلاثا في
صحتي وقع الطلاق عليها ساعة أقر ولها الميراث منه لأنه متهم بالفرار بهذا الاقرار كما يكون
متهما بانشاء الطلاق وهذا لأنه في الاسناد إلى حالة الصحة متهم في حقها لأنه لو أنشأ
الطلاق في هذه الحالة لم يسقط ميراثها فلهذا لا يقبل قوله في الاسناد في حقها (قال)
وان أقر في مرضه أنه قد جامع أم امرأته في الصحة أو أن بينهما رضاعا أو انه تزوجها بغير
شهود أو في عدة من زوج كان لها قبله لم يصدق في ابطال ميراثها لكونه متهما في ذلك
ويجعل هذا كانشاء سبب الفرقة منه (قال) وإذا قال لامرأته في مرضه إذا صححت
فأنت طالق ثم صح من مرضه وقع الطلاق عليها لوجود الشرط ولا ميراث لها ان مرض
بعد ذلك ومات لأنه حين وقع الطلاق عليها لم يكن لها حق في ماله فلا يكون هو قاصدا
الفرار (قال) ولو قال لامرأته أنت طالق ثلاثا قبل أن أقتل أو قبل أن أموت من
مرض كذا وكذا بشهر فمات مما قال أو من غيره قبل مضى شهر أو بعده لم تطلق
لان ما عرف الوقت به ليس بكائن لا محالة فصار في معنى الشرط بمنزلة قدوم فلان
على ما تقدم ولو وقع الطلاق لوقع بعده ولا نكاح بينهما بعدما قتل فلهذا لا تطلق ولها
الميراث فان قال أنت طالق ثلاثا قبل موتى بشهر ونصف أو بأقل من شهرين فمات بعد
مضى ذلك الوقت الذي قاله فجأة أو مرض ثم مات وقع الطلاق عليها عند أبي حنيفة رحمه
الله تعالى قبل موته كما قال ولها الميراث وعندهما لا تطلق لما بينا أن عندهما الموت يصير في
معني الشرط وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى هو معرف للوقت فإنما يقع الطلاق من أوله
ولكن عدتها لا تنقضي بما دون الشهرين فكان لها الميراث ويصير الزوج فارا لان الطلاق
159

لا يقع ما لم يشرف على الموت ويتعلق حقها بماله وإن كان قال قبل موتى بشهرين أو بأكثر
من ذلك ثم مات قبل مضى الشهرين لم يقع الطلاق ولها الميراث لان الوقت الذي أضاف
إليه الطلاق يوجد بعد كلامه وان عاش مثل ما سمى أو أكثر ثم مات وقع عليها الطلاق
قبل موته بما سمى ولا ميراث لها منه لأن العدة قد تنقضي في شهرين بثلاث حيض
وكذلك لو كان وقت وقوع الطلاق مريضا إذا كان الكلام في الصحة وان كانت صغيرة
أو آيسة فعدتها ثلاثة أشهر ولها الميراث إلا أن يسمى من الوقت ثلاثة أشهر أو أكثر
وهذا كله قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فأما عندهما لا يقع الطلاق في شئ من ذلك
وان وقت سنة ولها الميراث لان عندهما الموت في معنى الشرط فلو وقع الطلاق لوقع
بعده (قال) وإذا قال لها وهو صحيح أنت طالق ثلاثا قبل موتى بشهر ثم مات فجأة بغير
مرض فلها الميراث لأنه ذكر الموت فيما وقع عليها من الطلاق فيصير به فارا من ميراثها
وان استند الوقوع إلى حالة الصحة إذا مات قبل انقضاء العدة (قال) وإذا طلق
المريض امرأته واحدة بائنة ثم تزوجها في عدتها ثم طلقها قبل أن يدخل بها فعليها عدة
مستقبلة في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى باعتبار أن الدخول السابق على
العقد الثاني يجعل كالموجود بعده وقد بينا هذا في كتاب النكاح فلها المهر كاملا والميراث
وله عليها الرجعة ما دامت في العدة وكذلك لو كان الطلاق الأول في الصحة وهذا قول أبي حنيفة
وأبى يوسف رحمهما الله وعند محمد رحمه الله تعالى لا رجعة له عليها ولها نصف المهر وتتم
بقية عدتها من الطلاق الأول لان الطلاق في النكاح الثاني حصل قبل الدخول ولم يبين حكم
الميراث ولا ميراث لها منه عند محمد رحمه الله تعالى لأنه لم يلزمها العدة بالطلاق الثاني لأنه
طلاق قبل الدخول وحكم الفرار لا يثبت بالطلاق قبل الدخول (قال) وإذا اختلعت نفسها
من زوجها في مرضه أو جعل أمرها بيدها فطلقت نفسها فلا ميراث لها منه لان وقوع
الفرقة بفعلها إما بقبولها البدل أو بايقاعها الطلاق على نفسها وهذا أبين في اسقاط حقها
من سؤال الطلاق (قال) وإذا قال المريض لامرأته وهي أمة أنت طالق غدا ثلاثا وقال
المولى لها أنت حرة غدا فجاء الغد وقع الطلاق والعتاق معا ولا ميراث لها منه لان الزوج
حين تكلم بالطلاق لم يقصد الفرار إذ لم يكن لها حق في ماله يومئذ ولان الطلاق والعتاق
يقعان معا لان كل واحد منهما مضاف إلى الغد ثم العتق يصادفها وهي رقيقة فكذلك
160

الطلاق يصادفها وهي رقيقة فلا ميراث لها وكذلك لو كان المولى تكلم بالعتق قبل كلام
الزوج لان العتق لم يلزمه بقول المولى ألا ترى أنه يمكنه أن يبيعها ولا تعتق غدا فلا يصير
الزوج فارا ولان الوقوع يصادفها وهي رقيقة فلو ثبت حقها في ماله إنما يثبت بعد العتق ولا
نكاح بينهما بعد العتق (قال) وإذا قال إذا أعتقت فأنت طالق ثلاثا كان فارا لان الطلاق
هنا إنما يقع بعد العتق وبعدما يتعلق حقها بماله فقد قصد اسقاط حقها فيرد عليه قصده (قال)
وان قال لها المولى أنت حرة غدا وقال الزوج أنت طالق ثلاثا بعد الغد فإن كان يعلم بمقالة المولى
فهو فار وإن لم يعلم بذلك فليس بفار لأنه لا حق لها في ماله حين علق الزوج لكونها رقيقة
ولكنه إذا أضاف إلى وقت يعلم أنها تكون حرة في ذلك الوقت وان حقها يكون متعلقا بماله
فقد قصد ابطال حقها وإن لم يعلم بذلك لم يكن قاصدا اسقاط حقها فلهذا لا ترثه وان أعتقها
المولى ثم طلقها الزوج ثلاثا وهو لا يعلم بالعتق فلها الميراث منه لأنها حين عتقت والزوج مريض
فقد تعلق حقها في ماله فلو سقط إنما يسقط بايقاعه الثلاث وذلك غير مسقط لميراثها
ما دامت في العدة وجهل الزوج بالعتق لا يكون معتبرا في اسقاط حقها وهذا بخلاف ما سبق
من قول الزوج لها أنت طالق ثلاثا بعد غد لان هناك لا حق لها في ماله حين تكلم الزوج
بالطلاق ألا ترى أنه لو نجز طلاقها في ذلك الوقت لم ترث فلم يكن الزوج مسقطا حقا ثابتا
لها ولكن إذا كان عالما بمقالة المولى فقد أضاف الطلاق إلى وقت يعلم حريتها فيه فكان ذلك
قصدا منه الاضرار بها فيرد عليه قصده وإن لم يكن عالما بمقالة المولى فلم يوجد منه القصد
إلى اضرارها فلا يكون فارا لهذا (قال) وإذا كانت المرأة حرة كتابية فقال لها أنت طالق
ثلاثا غدا ثم أسلمت قبل الغد أو بعده فلا ميراث لها منه لأنه حين تكلم الزوج بالطلاق
لم يكن لها حق في ماله حتى لو نجز الثلاث لم ترث ولم يقصد الاضرار بها بإضافة الطلاق
إلى الغد لأنه ما كان يعلم أنها تسلم قبل مجئ الغد فلم يكن فارا (قال) وإذا قال لها إذا
أسلمت فأنت طالق ثلاثا كان فارا لأنه قصد الاضرار بها حين أضاف الطلاق إلى وقت
تعلق حقها بماله وهو ما بعد الاسلام وهذا نظير ما سبق إذا قال الصحيح لامرأته إذا جاء
رأس الشهر فأنت طالق ثم مرض قبل مجئ رأس الشهر لم يكن فارا ولو قال إذا
مرضت فأنت طالق ثلاثا كان فارا وان أسلمت فطلقها ثلاثا وهو لا يعلم باسلامها فلها
الميراث منه لان ايقاع الثلاث كان بعد تعلق حقها بماله وجهل الزوج غير معتبر في اسقاط
161

حقها بعدما تعلق بماله (قال) وإذا أسلمت امرأة الكافر ثم طلقها ثلاثا وهو مريض ثم
أسلم ومات وهي في العدة فلا ميراث لها منه لأنه حين أوقع الثلاث قبل اسلامه فهو غير
فار إذ لم يكن لها ميراث منه فان اختلاف الدين يمنع توريث المسلم من الكافر بخلاف
ما لو كان أسلم قبل الطلاق وهو يعلم باسلامها أو لا يعلم فان هناك إنما أوقع الطلاق بعد
ما تعلق حقها بماله وكذلك العبد إذا طلق امرأته في مرضه ثم عتق وأصاب مالا فلا ميراث
لها لأنه لم يكن فارا حين طلق لأنه ما كان يعلم أنه يعتق وإذا قال إذا أعتقت فأنت
طالق ثلاثا فهو فار لأنه بالإضافة إلى ما بعد عتقه قاصد الاضرار بها (قال) ولو كانت
امرأته أمة فقال لها في مرضه إذا عتقت أنا وأنت فأنت طالق ثلاثا ثم أعتقا جميعا فلها
الميراث لإضافته الطلاق الا ما بعد حقها بماله ولو قال أنت طالق غدا ثلاثا ثم أعتقا اليوم
لم يكن لها ميراث لأنه حين تكلم بالطلاق لم يكن لها حق في ميراثه وما كان يدري
أنهما يعتقان قبل مجئ الغد فلا يكون بهذه الإضافة قاصدا الاضرار وكذلك لو قال لها
المولى أنتما حران غدا وقال الزوج أنت طالق ثلاثا غدا لم يكن بينهما ميراث لان وقوع
الثلاث بهذا اللفظ قبل أن يثبت حكم التوريث بينهما فان حكم التوريث بعد العتق
والطلاق يقترن بالعتق قبل مجئ الغد (قال) وان قال لها أنت طالق ثلاثا بعد الغد في
القياس لا ميراث لها منه لأنه حين تكلم بالطلاق لم يكن لها حق في ماله ألا ترى أنه
لو نجز لم يكن بينهما توارث ولأنه لا يتيقن بعتقهما بعد الغد لجواز أن يبيعهما قبل مجئ
الغد ولكنه استحسن فقال إذا كان يعلم بمقالة المولى فلها الميراث وإن لم يعلم فلا ميراث لها
منه لأن الظاهر بعد مقالة المولى انهما يعتقان بمجئ الغد فان الأصل بقاؤهما في ملكه
والبناء على الظاهر واجب حتى يظهر خلافه فهو بإضافة الثلاث إلى ما بعد الغد بعد العلم
بمقالة المولى يكون قاصدا الاضرار بها فيكون فارا وإذا لم يكن عالما بمقالة المولى لم يكن
قاصدا الاضرار بها (قال) وان قال زوج أم الولد أو المرتدة وهو حر مريض أنت طالق
ثلاثا إذا مضى شهر ثم مات المولى قبل ذلك فعتقت ثم وقع الطلاق عليها لم يكن لها
ميراث من لأنه بهذه الإضافة لم يقصد الاضرار لأنه ما كان يعلم أن المولى يموت قبل
مضى الشهر بخلاف ما لو قال إذا مات مولاك فعتقت فأنت طالق ثلاثا لان هناك يتحقق
أن قصده الاضرار بها (قال) وإذا طلق المكاتب في مرضه امرأته الحرة ثلاثا ثم مات
162

وهي في العدة وترك وفاء فأديت كتابته أو أعتق قبل أن يموت فلا ميراث لها منه لأنه
حين أوقع الثلاث لم يكن لها حق في كسبه فان المكاتب عبد وما كان يدرى انه يعتق
قبل موته أو يترك وفاء فلم يكن فارا وإن كان مكاتبين كتابة واحدة ان أديا عتقا وان عجزا
ردا رقيقين فطلقها في مرضه ثلاثا ثم مات وترك وفاء فلا ميراث لها منه لأنه لم يكن لها
في ماله حق حين طلقها ثلاثا وعليها العدة حيضتان لان الطلاق وقع عليها وهي أمة
ويرجعون عليها بما أدى من تركة المكاتب عنها كما لو كان أدى بنفسه في حياته (قال)
وإذا خرجت الأمة الينا مسلمة ثم خرج زوجها بعدها مسلما وهو مريض فطلقها أو لم
يطلقها ثم مات فلا ميراث لها منه لان العصمة قد انقطعت بينهما بتباين الدارين ولا توارث
بينهما يومئذ ثم لا يقع طلاقه عليها بعد ذلك وقد بينا هذا (قال) وإذا ارتد المسلم نعوذ
بالله ثم قتل أو مات أو لحق بدار الحرب وله امرأة مسلمة لم تنقض عدتها بعد فلها الميراث
منه من يوم ارتد لأنه بالردة قد أشرف على الهلاك والتوريث يستند إلى ذلك الوقت فلا
يعتبر فعله في اسقاط حقها عن ميراثه ولان الردة من الرجل كالموت لأنه يستحق قتله
بها والنكاح كان قائما بينهما يومئذ فكان لها الميراث وعدتها ثلاث حيض لأنه حي حقيقة بعد
الردة ما لم يقتل والفرقة متى وقعت في حالة الحياة فإنها تعتد بالحيض فان حاضت قبل ذلك
ثلاث حيض أو لم يكن دخل بها فلا ميراث لها منه لان حكم التوريث إنما يتقرر بالموت
وإن كان يستند إلى أول الردة لأنه بعد الردة حي حقيقة وإنما يرث الحي من الميت لا من
الحي فلهذا يعتبر بقاء الوارث وقت موته حتى لو مات ولده قبل موته لم يرثه فكذلك يعتبر
قيام عدتها وقت موته فإذا انعدم لم يكن لها ميراث (قال) وان كانت المرأة هي التي ارتدت
ثم ماتت وهي في العدة فلا ميراث للزوج منها لأنه لا تأثير لردتها في زوال ملكها ولهذا
نفذ تصرفها في مالها بعد الردة وهذا لان نفسها لم تصر مستحقة بسبب الردة بخلاف الرجل
فاذن قد وقعت الفرقة بردتها ولا حق له في مالها (قال) وإذا ارتدت وهي مريضة ثم ماتت
أو لحقت بدار الحرب وهي في العدة في القياس لا ميراث للزوج منها وهي رواية عن أبي
يوسف رضى الله تعالى عنه لأنه لا عدة في جانب الزوج وتوريث الباقي من الميت بشرط بقاء
العدة ألا ترى أنه لو طلقها قبل الدخول في مرضه لم يكن لها الميراث لأنها ليست في عدته
ولكنه استحسن فقال له الميراث لان حقه قد تعلق بمالها بمرضها فكانت بالردة قاصدة ابطال
163

حقه فارة عن ميراثه فيرد عليها قصدها كما في جانب الزوج بخلاف ما إذا كانت صحيحة حين ارتدت
وإنما يعتبر قيام العدة وقت الموت وهي كانت في عدته يوم ماتت ولو كانت في نكاحه يوم ماتت
كان له الميراث فكذلك إذا كانت في عدته (قال) وإذا طلق المريض امرأته ثلاثا ثم ارتدت
عن الاسلام والعياذ بالله ثم أسلمت ومات وهي في العدة فلا ميراث لها لأنها بالردة
صارت مبطلة حقا لأنها تخرج بها من أن تكون أهلا للميراث فلا يعود حقها بالاسلام
بعد ذلك لأنه في معنى ابتداء ثبوت الحق وليس بينهما نكاح قائم في هذه الحالة بخلاف
ما لو طاوعت ابن زوجها في العدة فجامعها فإنه لا يبطل ميراثها لأنها بهذه الطواعية لم تبطل
حقها فإنه ليس لفعلها تأثير في الفرقة لان الفرقة قد وقعت بايقاع الثلاث ولم تخرج بهذا
الفعل من أن تكون أهلا للإرث فبقاء ميراثها ببقاء العدة ولا تأثير لهذا الفعل في اسقاط
العدة وهذا بخلاف ما لو طاوعت ابن زوجها قبل أن يطلقها الزوج لان الفرقة هناك وقعت
بفعلها وذلك مسقط لميراثها ولان تعلق حقها بماله يومئذ كان بسبب النكاح وفعلها مؤثر
في رفع النكاح فلهذا سقط به ميراثها وكذلك أن أكرهها الابن على ذلك وغلب على
نفسها فلا ميراث لها لان الفعل ينعدم من جانبها بهذا السبب وإنما تقع الفرقة حكما لثبوت
الحرمة من غير أن يصير مضافا إلى الزوج فلا ميراث لها منه لان بقاء الميراث بعد الفرقة
بسبب الفرار وذلك عند إضافة الفعل إلى الزوج فإن كان الزوج أمر ابنه بذلك كان لها الميراث
لأنه قاصد إلى ابطال حقها حين أمر ابنه أن يكرهها على ذلك الفعل فكان فارا وإن كان
الزوج هو المرتد بعدما طلقها ثلاثا لم يبطل ميراثها لأنه لم يوجد منها ما يسقط حقها وإنما
تكرر سبب الفرار من الزوج وبهذا يتقرر حقها فلا يسقط (قال) وإذا أسلم أحد
الزوجين وأبى الآخر ان يسلم ففرق بينهما في مرض الزوج ثم مات لم ترثه لأنه لو لم يفرق بينهما
حتى مات لم ترثه لاختلاف الدين إذ لا توارث بين المسلم والكافر فبعد التفريق أولى (قال)
وإذا قذف المريض امرأته ولاعنها وفرق بينهما ثم مات فلها الميراث منه لان سبب الفرقة من
الزوج وهو قذفه إياها بعد تعلق حقها بماله وهي لا تجد بدا من الخصومة لدفع عار الزنا عن
نفسها فلا تصير بذلك راضية بسقوط حقها بمنزلة ما لو علق الطلاق بفعلها في مرضه ولابد
لها من ذلك الفعل (قال) ولو كان قذفها في صحته ثم مرض فلاعنها ثم فرق بينهما فعلى قول
أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى لها الميراث أيضا وعند محمد رحمه الله لا ميراث لها منه
164

وهو نظير ما سبق إذا علق الطلاق في صحته بفعل لابد لها منه ففعلت ذلك الفعل في مرضه
(قال) وإذا فرق بين العنين وامرأته في مرضه ثم مات وهي في العدة فلا ميراث لها منه
لأنها صارت راضية بسقوط حقها حين اختارت الفرقة وكانت تجد بدا من هذا الاختيار
بأن تصبر حتى يموت الزوج فتتخلص منه وكذلك المعتقة إذا اختارت الفرقة وهذا أولى
لان الفرقة هنا إنما تقع بمجرد اختيارها نفسها وهي غير مضطرة إلى ذلك (قال) وإذا
ارتد الزوجان معا والعياذ بالله ثم أسلم أحدهما ومات الآخر فلا ميراث للباقي منه لأنه مرتد
والمرتد لا يرث أحدا فان أسلما معا ثم مات أحدهما كان للآخر الميراث لان وقوع الفرقة
بينهما بالموت وان أسلمت المرأة ثم مات الزوج مرتدا ورثته لان اصراره على الردة بعد اسلامها
كانشاء الردة حتى تجعل هذه الفرقة مضافة إلى فعل الزوج فكان لها الميراث إذا مات
الزوج وهي في العدة فان طلقها ثلاثا وهما مرتدان وهو مريض ثم أسلما فلا ميراث لها منه
لأنه حين طلقها لم يكن حقها متعلقا بماله لردتها فلا يصير هو فارا فلو ثبت حقها إنما يثبت
بعد اسلامها ابتداء ولا نكاح بينهما بعد اسلامهما (قال) وإذا قال المريض لامرأته قد
طلقتك ثلاثا في صحتي وانقضت عدتك وصدقته بذلك فلا ميراث لها لان ما تصادقا عليه
كالمعاين أو كالثابت بالبينة في حقهما ولان الحق في الميراث لها وقد أقرت بما يسقط حقها
فان أقر لها بدين أو أوصى لها بوصية فهو جائز في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى كما
يجوز لأجنبية أخرى الاقرار من جميع المال والوصية من الثلث وعند أبي حنيفة رحمه
الله تعالى لها الأقل من ميراثها ومما أقر أو أوصى به هما يقولان قد صارت أجنبية منه
حتى أنها لا ترثه ولها أن تتزوج في الحال فاقراره لها كاقراره لأجنبية أخرى ولو اعتبرت
التهمة لاعتبرت في حق التزويج لان الحل والحرمة يؤخذ فيهما بالاحتياط فإذا كان يجوز
له أن يتزوج بأختها وأربع سواها ويجوز لها أن تتزوج بزوج آخر عرفنا أنه لا تهمة ولان
المانع من صحة الاقرار والوصية لها كونها وارثة له وذلك ينعدم بالحكم بانقضاء عدتها بيقين
وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لما مرض والنكاح قائم بينهما في الظاهر فقد صار ممنوعا
عن الاقرار والوصية لها فيحتمل أنه واضعها على أن تقر بالطلاق في صحته وبانقضاء عدتها
وتصدقه على ذلك لتصحيح اقراره ووصيته لها ولكن هذه التهمة في الزيادة على قدر الميراث
فاما في مقدار الميراث لا تهمة فلهذا جعلنا لها الأقل وأبطلنا الزيادة على ذلك للتهمة كما لو
165

سألته في مرضه ان يطلقها ثلاثا ففعل ثم أقر لها بدين أو أوصى لها بوصية لا تصح الا في
الأقل لتمكن تهمة المواضعة في الزيادة على ذلك وهذه التهمة فيما بينهما وبين سائر الورثة
لا في حق الشرع وحل التزوج حق الشرع فلهذا صدقا على ذلك (قال) وإذا مات الرجل
وقالت امرأته قد كان طلقني ثلاثا في مرضه ومات وانا في العدة وقال الورثة بل طلقك في
صحته فالقول قول المرأة لان الورثة يدعون عليها سبب الحرمان وهي جاحدة لذلك فان
الطلاق في مرضه لا يحرمها فلا تكون هي مقرة بالحرمان كما لو قالت طلقني في حالة نومه
ولان الورثة يدعون الطلاق بتاريخ سابق وهي تنكر ذلك التاريخ ولو أنكرت أصل الطلاق
كان القول قولها فكذا إذا أنكرت التاريخ (قال) ولو كانت أمة فقالت أعتقت قبل
موت زوجي وصدقها المولى وقالت الورثة أعتقت بعد موته فالقول قول الورثة لان سبب
الحرمان وهو الرق كان ظاهرا فيها فإذا ادعت زواله قبل الموت وأنكره الورثة كان القول
قول الورثة ولأنها تدعى تاريخا سابقا لعتقها فلا تصدق الا بحجة ولا معتبر بتصديق
المولى لأنه للحال لا يملك اسناد عتقها إلى حال حياة الزوج فلا يعتبر قوله في ذلك وكذلك أن
كانت كافرة وادعت الاسلام قبل موت الزوج لم يقبل قولها إلا بحجة لأنها تدعى
زوال سبب الحرمان بعدما عرف ثبوته وإن لم يعرف كفرها ولا رقها فادعت الورثة انها
كافرة أو رقيقة يوم موته وقالت ما زلت على حالتي هذه حرة مسلمة فالقول قولها لان سبب
الميراث وهو النكاح ظاهر والورثة يدعون عليها سبب الحرمان وهي تنكر ولان من في دار
الاسلام فالظاهر أنه حر مسلم ولا يقال هذا اثبات الاستحقاق بالظاهر لان الاستحقاق
بالنكاح معلوم وإنما هذا دفع المانع بالظاهر (قال) وإذا مات الزوج كافرا فجاءت المرأة مسلمة
تدعى ميراثها فقالت أسلمت بعد موته وقالت الورثة أسلمت قبل موته فالقول قول الورثة لأنها
جاءت تدعي الميراث وما يحرمها قائم فيها لأنها مسلمة والمسلمة لا ترث الكافر فمع ظهور سبب
الحرمان لا ميراث لها الا ان يثبت سبب الاستحقاق بالبينة ولان الأصل ان الاشتباه إذا وقع
فيما سبق بحكم الحال كما إذا اختلف صاحب الرحا مع المستأجر في جريان الماء في المدة فإن كان
الماء جاريا في الحال يجعل جاريا فيما مضى فإذا كانت هي مسلمة في الحال تجعل مسلمة فيما مضى
أيضا والمسلمة لا ترث الكافر (قال) وإذا طلق المريض امرأته ثلاثا ثم قال بعد شهرين
قد أخبرتني ان عدتها قد انقضت وكذبته ثم تزوج أختها أو أربعا سواها ثم مات فالقول
166

قولها والميراث لها دون الأربع والأخت لان الميراث من حقها وهو لا يصدق في ابطال
حقها كما في نفقتها وسكناها ومن ضرورة بقاء الميراث لها بالنكاح أن لا ترث أختها أو أربع
سواها بهذا السبب وقد بينا في كتاب النكاح اختلاف الروايتين في هذه المسألة (قال)
وإذا تزوج ثلاثا سواها إحداهن أختها فلا ميراث لأختها وللاثنتين معها الميراث لان اخباره
غير معتبر في ميراثها ولو لم يخبر حتى تزوج اثنتين كانتا وارثتين معها بخلاف أختها وإذا
طلقها ثلاثا في مرضه ثم مات بعد تطاول ذلك وهي تقول لم تنقض عدتي فالقول قولها
ولها الميراث لأنها أمينة ومدة العدة قد تطول وتقصر ولكن عليها اليمين بالله ما انقضت
عدتها إذا طلبت الورثة لأنهم يدعون عليها ما لو أقرت به لزمها فإذا أنكرت حلفت على ذلك
ولو أقام عليها الورثة البينة باقرارها بانقضاء العدة قبل موته فلا ميراث لها لان الثابت
باقرارها كالثابت بالمعاينة وان كانت تزوجت قبل موته في قدر ما تنقضي في مثله العدة ثم
قالت لم تنقض عدتي من الأول لم تصدق على ذلك لان تزويجها نفسها اقرار منها بانقضاء
عدتها دلالة فان المسلمة تباشر العقد الصحيح دون الباطل ولو لم تتزوج وقالت قد أيست
من الحيض ثم اعتدت بثلاثة أشهر ثم مات الزوج وحرمت الميراث ثم ولدت بعد ذلك
من زوج غيره فنكاح الآخر فاسد ولها الميراث من الأول لأنا تيقنا بكذبها فان الآيسة
لا تلد فتبين أنها كانت ممتدا طهرها لا آيسة وإنما تزوجت في العدة فالنكاح فاسد ولها
الميراث من الأول لأنه مات وهي في العدة وكذلك أن حاضت لان الآيسة لا تحيض
إلا أنها ان ادعت الحيض لم تصدق على زوجها الآخر إلا أن يصدقها لان النكاح بينهما
صحيح في الظاهر فلا تصدق في دعواها البطلان وان صدقها فرق بينهما ولم يصدقا على
ورثة الأول ما لم يقروا بذلك لأنها تستحق الميراث عليهم فلا بد من تصديقهم إياها بما
تقول (قال) وإذا كانت المطلقة في المرض مستحاضة وكان حيضها مختلفا فقد بينا فيما
سبق أنها تأخذ بالاحتياط ففي الصلاة والرجعة تأخذ بالأقل وفي الحل للأزواج تأخذ
بالأكثر وفى الميراث تأخذ بالأقل لان المال بالشك لا يستوجب وبقاء العدة عند موت
الزوج شرط لميراثها فما لم يتيقن بهذا الشرط لم ترث وإن كان حيضها معلوما وانقطع الدم
عنها في آخر الحيضة الثالثة ثم مات الزوج فإن كانت أيامها عشرة فلا ميراث لها لأنا تيقنا
بانقضاء عدتها قبل موته وان كانت أيامها دون العشرة فان مات قبل أن تغتسل أو قبل أن
167

يذهب وقت الصلاة فلها الميراث لان عدتها باقية ما لم تغتسل وكذلك أن اغتسلت وبقي
عضو لان عدتها لا تنقضي مع بقاء عضو لم يصبه الماء وقد بينا هذا في باب الرجعة (قال)
وإذا بقي الزوج في مرضه بعدما طلقها أكثر من سنتين ثم ولدت المرأة بعد موته بشهر فلا
ميراث لها في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولها الميراث في قول أبي يوسف رحمه الله
وهو نظير الاختلاف المذكور في النفقة أن عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ترد نفقة ستة
أشهر لأنهما يجعلان هذا من حبل حادث من زوج بعد انقضاء عدتها حملا لأمرها على الصلاح
وكذلك في حكم الميراث يتبين بها انقضاء عدتها قبل موته فلا ميراث لها وعند أبي يوسف
رحمه الله تعالى تجعل معتدة إلى أن ولدت فلهذا لا ترد شيئا من النفقة فكان لها الميراث
(قال) وإذا طلقها في مرضه ثم قتل أو مات من غير ذلك المرض غير أنه لم يصح فلها الميراث
وكان عيسى بن ابان يقول لا ميراث لها لان مرض الموت ما يكون سببا للموت ولما مات
بسبب آخر فقد علمنا أن مرضه لم يكن مرض الموت وان حقها لم يكن متعلقا بماله يومئذ
فهو كما لو طلقها في صحته ولكنا نقول قد اتصل الموت بمرضه حين لم يصح حتى مات وقد
يكون للموت سببان فلا يتبين بهذا أن مرضه لم يكن مرض الموت وان حقها لم يكن ثابتا
في ماله وقد بينا أن إرثها منه بحكم الفرار وهو متحقق هنا (قال) وإذا قرب الرجل
ليقتل فهو بمنزلة المريض إذا طلق امرأته ثلاثا في تلك الحالة فلها الميراث والحاصل أن
المريض مشرف على الهلاك فكل سبب يعترض مما يكون الغالب فيه الهلاك فهو بمنزلة
المرض وما يكون الغالب فيه السلامة وقد يخاف منه الهلاك أيضا فلا يجعل بمنزلة المرض
فالذي قرب ليقتل في قصاص أو رجم فالظاهر فيه هو الهلاك والسلامة بعد هذا نادر فاما المحبوس
قبل أن يخرج ليقتل فالغالب فيه السلامة فإنه يتخلص بنوع من أنواع الحيلة فإذا طلقها في تلك
الحالة لم يكن فارا وكذلك أن كان موافقا للعدو فما دام في الصف فهو بمنزلة الصحيح فإذا
خرج بين الصفين يبارز قرنه من المشركين فهو بمنزلة المريض لأنه صار مشرفا على الهلاك
والمحصور بمنزلة الصحيح لان غالب حاله السلامة فان خرج يقاتل فهو كالمريض وراكب
السفينة بمنزلة الصحيح فان تلاطمت الأمواج وخيف الغرق فهو بمنزلة المريض في هذه الحالة
والمرأة الحامل كالصحيحة فان أخذها الطلق فهي بمنزلة المريضة فإذا قتلته المرأة بعدما طلقها
ثلاثا في مرضه فلا ميراث لها منه لان بقاء ميراثها ببقاء العدة كبقاء الميراث ببقاء النكاح
168

وان قتلته فبل الطلاق لم ترثه للأثر وهو قوله لا ميراث للقاتل بعد صاحب البقرة والمقعد
والمريض؟ والمفلوج؟ ما دام يزداد ما به فهو كالمريض وان صار قديما لا يزداد كان بمنزلة
الصحيح في الطلاق وغيره لأنه ما دام يزداد علته فالغالب ان آخره الموت وإذا صار بحيث
لا يزداد فلا يخاف منه الموت فكان بمنزلة الصحيح وصاحب جرح أو قرحة أو وجع لم
يصيره على الفراش بمنزلة الصحيح في الطلاق وغيره وحد المرض الذي يكون به فارا
أن يكون صاحب فراش قد أضناه المرض فاما الذي يجئ ويذهب في حوائجه فلا يكون
فارا وإن كان يشتكى ويحم لان الانسان في العادة قبل ما يخلو عن نوع مرض في باطنه
ولا يجعل بذلك في حكم المريض بل المريض إنما يفارق الصحيح في أن الصحيح يكون في
السوق ويقوم بحوائجه والمريض يكون صاحب فراش في بيته وهذا لان ما لا يمكن الوقوف
على حقيقته يعتبر فيه السبب الظاهر ويقام ذلك مقام المعنى الخفي تيسيرا وقد تكلف بعض
المتأخرين فقال إذا كان بحال يخطو ثلاث خطوات من غير أن يستعين بأحد فهو في حكم
الصحيح في التصرفات وهذا ضعيف فالمريض جدا لا يعجز عن هذا القدر إذا تكلف
فكان المعتبر ما قلنا وهو أن يكون صاحب فراش ومن قرب ليقتل فطلق امرأته ثلاثا ثم خلى
سبيله أو حبس ثم قتل بعد ذلك فلا ميراث لها منه بمنزلة المريض إذا صح بعدما طلق
امرأته ثلاثا وقد بينا هذا كله فكذلك في هذا الفصل والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
واليه المرجع والمآب
* (باب الولد عند من يكون في الفرقة) *
(قال) رضى الله تعالى عنه وإذا اختلعت المرأة من زوجها على أن تترك ولدها عند الزوج
فالخلع جائز والشرط باطل لان الأم إنما تكون أحق بالولد لحق الولد فان كون الولد عندها
أنفع له ولهذا لو تزوجت أو كانت أمة والولد حر لم تكن أحق بالحضانة لأنها مشغولة
بخدمة زوجها أو مولاها فلا منفعة للولد في كونه عندها وإذا ثبت أن هذا من حق الولد
فليس لها أن تبطله بالشرط (قال) وإذا أرادت المرأة أن تخرج بولدها من مصر إلى مصر
فإن كان النكاح بينهما قائما فليس لها أن تخرج الا باذنه مع الولد وبغير الولد فان وقعت
الفرقة بينهما وانقضت عدتها فإن كان أصل النكاح في المصر الذي هي فيه فليس لها أن تخرج
169

بولدها إلى مصر آخر لما فيه من الاضرار بالزوج بقطع ولده عنه إلا أن يكون بين المصرين
قرب بحيث لو خرج الزوج لمطالعة الولد أمكنه الرجوع إلى منزله قبل الليل فحينئذ هذا
بمنزلة محال مختلفة في مصر ولها أن تتحول من محلة إلى محلة وإن كان تزوجها في ذلك المصر
الذي يريد الرجوع إليه ونقلها إلى هذا المصر فإن كانت من أهل هذا المصر فلها أن تخرج
بولدها إليه لان الانسان إنما يتزوج المرأة في مصر ليقيم معها فيه وإنما ساعدته على
الخروج لأجل النكاح فإذا ارتفع كان لها ان تعود إلى مصرها لان في المقام في الغربة نوع
ذل ولها ان تخرج بولدها لأنها بأصل النكاح استحقت المقام بولدها في ذلك المصر فإنما
تستوفى ما استحقت لا ان نقصد الاضرار بالزوج وإن لم تكن من أهل ذلك المصر الذي
تزوجها فيه فان أرادت ان تخرج بولدها إلى مصرها لم يكن لها ذلك لان أصل العقد
ما كان في مصرها واختيارها الغربة لم يكن بسبب النكاح فلا يكون لها ان ترجع بولدها
إلى مصرها ولكن يقال لها اتركي الولد واذهبي حيث شئت وكذلك أن أرادت الخروج
إلى مصر آخر لأنها في ذلك المصر غريبة كما هنا فلا تقصد بالخروج إليه دفع وحشة الغربة
إنما تقصد قطع الولد عن أبيه وان أرادت ان تخرج به إلى المصر الذي كان تزوجها فيه فليس
لها ذلك أيضا لأنها غريبة في ذلك المصر كما هنا وفي الجامع الصغير يقول انظر إلى عقدة
النكاح أين وقع وهذه إشارة إلى أن لها ان تخرج بالولد إلى موضع العقد كما لو كان تزوجها
في مصرها والأصح انه ليس لها ذلك لأنها تقصد الاضرار بالزوج لا دفع الوحشة عن
نفسها بالخروج إلى ذلك الموضع ولان الزوج ما أخرجها إلى دار الغربة بخلاف ما إذا تزوجها
في مصرها وإن كان أصل النكاح في رستاق له قرى متفرقة فأرادت أن تخرج بولدها من قرية
إلى قرية فلها ذلك أن كانت القرى قريبة بعضها من بعض على الوجه الذي بينا لأنه ليس فيه
قطع الولد عن أبيه وان كانت بعيدة فليس لها ذلك الا ان تعود إلى قريتها وقد كان أصل النكاح
فيها وكذلك أن أرادت ان تعود من القرية إلى المصر وان أرادت أن تخرج بولدها من مصر
جامع إلى قرية قريبة فليس لها ذلك إلا أن يكون النكاح وقع في تلك القرية فتخرج إليها
لأنها بأصل العقد استحقت المقام في قريتها بولدها وإن لم يكن أصل النكاح فيها فإنها تمنع من
الخروج بولدها لان في أخلاق أهل الرستاق بعض الجفاء قال صلى الله عليه وسلم أهل الكفور
من أهل القبول ففي خروجها بولدها إلى القرية من المصر اضرار بالولد لأنه يتخلق بأخلاقهم
170

وهي ممنوعة من الاضرار بالولد وليس لها أن تخرج بولدها إلى دار الحرب وإن كان النكاح وقع
هناك لما فيه من الاضرار بالولد فإنه يتخلق بأخلاق أهل الشرك ولا يأمن على نفسه هناك
فان دار الحرب دار نهبة وغارة وكذلك أن كانت هي من أهل الحرب بعد أن يكون زوجها
مسلما أو ذميا لأنها صارت ذمية تبعا لزوجها فتمنع من الرجوع إلى دار الحرب (قال)
وليس للمرأة وان كانت أحق بولدها أن تشترى له وتبيع لان الثابت لها حق الحضانة فأما
ولاية التصرف للأب أو لمن يقوم مقامه بعده فإن كانت هي وصية أبيه فلها أن تتصرف
بسبب الوصاية لا بسبب الأمومة (قال) وكل فرقة وقعت بين الزوجين فالأم أحق
بالولد ما لم تتزوج وقد بينا تمام هذا في النكاح إلا أن ترتد فحينئذ ان لحقت بدار الحرب
فهي ممنوعة من أن تخرج بولدها ولا حق لها في الحضانة وان كانت في دار الاسلام فإنها
تحبس وتجبر على الاسلام فلا يكون لها حق الحضانة إلا أن تتوب فان تابت فهي أحق
بالولد (قال) وإذا احتلم الغلام فلا سبيل لأبيه عليه إن كان قد عقل وكان مأمونا
عليه لأنه صار من أهل أن يلي على غيره فلا يولى عليه إلا أن يكون مخوفا عليه فحينئذ
يضمه الأب إلى نفسه لدفع الفتنة ولا نفقة له على أبيه إلا أن يتطوع وقد بينا تمام فصول النفقة
في النكاح والله أعلم بالصواب
* (باب الخلع) *
(قال) وإذا اختلعت المرأة من زوجها فالخلع جائز والخلع تطليقة بائنة عندنا وفي قول
الشافعي رحمه الله هو فسخ وهو مروى عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد روى رجوعه
إلى قول عامة الصحابة رضي الله عنهم استدل الشافعي بقوله تعالى الطلاق مرتان إلى أن قال فلا
جناح عليهما فيما افتدت به إلى أن قال فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره
فلو جعلنا الخلع طلاقا صارت التطليقات أربعا في سياق هذه الآية ولا يكون الطلاق أكثر
من ثلاث ولان النكاح عقد محتمل للفسخ حتى يفسخ بخيار عدم الكفاءة وخيار العتق وخيار
البلوغ عندكم فيحتمل الفسخ بالتراضي أيضا وذلك بالخلع واعتبر هذه المعاوضة المحتملة للفسخ
بالبيع والشراء في جواز فسخها بالتراضي (ولنا) ما روى عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنه
م موقوفا عليهم ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلع تطليقة بائنة والمعنى فيه
171

ان النكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه ألا ترى أنه لا يفسخ بالهلاك قبل التسليم فان الملك
الثابت به ضروري لا يظهر الا في حق الاستيفاء وقد قررنا هذا في النكاح وبينا ان الفسخ
بسبب عدم الكفاءة فسخ قبل التمام فكان في معنى الامتناع من الاتمام وكذلك في خيار
البلوغ والعتق فاما الخلع يكون بعد تمام العقد والنكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه ولكن
يحتمل القطع في الحل فيجعل لفظ الخلع عبارة عن رفع العقد في الحال مجازا وذلك أنما
يكون بالطلاق ألا ترى أن الرجل يقول خلعت الخف من رجلي يريد به الفصل في الحال
فاما الآية فقد ذكر الله تعالى التطليقة الثالثة بعوض وبغير عوض وبهذا لا يصير الطلاق
أربعا وفائدة هذا الاختلاف أنه لو خالعها بعد تطليقتين عندنا لا تحل له حتى تنكح زوجا
غيره وعنده له أن يتزوجها وان نوى بالخلع ثلاث تطليقات فهي ثلاث لأنه بمنزلة ألفاظ
الكناية وقد بينا ان نية الثلاث تسع هناك فكذلك في الخلع وان نوى اثنتين فهي واحدة
بائنة وعلى قول زفر رحمه الله تعالى اثنتان كما في لفظ الحرمة والبينونة وكذلك كل طلاق
بجعل فهو بائن لان الزوج ملك البدل عليها فتصير هي بمقابلته أملك لنفسها ولان غرضها
من التزام البدل ان تتخلص من الزوج ولا يحصل ذلك الا بوقوع البينونة فان قال الزوج لم
أعن بالخلع طلاقا وقد أخذ عليه جعلا لم يصدق في الحكم لأنه أخذ الجعل على سبيل التملك
ولا يتملك ذلك الا بوقوع الطلاق عليها فكان ذلك أدل على قصده الطلاق من حال مذاكرة
الطلاق ولكن فيما بينه وبين الله تعالى يسعه أن يقيم معها لان الله تعالى عالم بما في سره إلا أنه
لا يسع المرأة ان تقيم معه لأنها لا تعرف منه الا الظاهر كالقاضي (قال) والمبارأة بمنزلة الخلع
في جميع ذلك لأنه مشتق من البراءة وهو أدل على قطع الوصلة من الخلع وإذا جعل الخلع
تطليقة بائنة فالمبارأة أولى وللمختلعة والمبارأة النفقة والسكنى ما دامت في العدة هكذا نقل
عن علي رضي الله عنه وهذا لان النفقة لم تجب قبل مجئ وقتها فلا يتناولها الخلع والبراءة
العامة وإنما ينصرف مطلق اللفظ إلى ما هو واجب (قال) فإن كان الزوج اشترط عليها
البراءة من النفقة والسكنى فهو برئ من النفقة لأنها أسقطت حقها ووجوب النفقة لها في
العدة باعتبار حالة الفرقة حتى إذا كانت ممن لا تستحق النفقة عند ذلك لا تستحقه من بعد
فيصح اسقاطها ولكن في ضمن الخلع تبعا له حتى لو أسقطت نفقتها بعد الخلع بابراء الزوج
عنها لا يصح ذلك لأنها مقصودة بالاسقاط فلا يكون الا بعد وجوبها وهي تجب شيئا
172

فشيئا بحسب المدة ولا يصح ابراؤها عن السكنى في الخلع لان خروجها من بيت الزوج معصية
قالوا ولو أبرأته عن مؤنة السكنى بأن سكنت في بيت نفسها أو التزمت مؤنة السكنى من مالها
صح ذلك مشروطا في الخلع لأنه خالص حقها (قال) والخلع جائز عند السلطان وغيره لأنه
عقد يعتمد التراضي كسائر العقود وهو بمنزلة الطلاق بعوض وللزوج ولاية ايقاع الطلاق
ولها ولاية التزام العوض فلا معني لاشتراط حضرة السلطان في هذا العقد (قال) وان قال
لامرأته قد خالعتك أو بارأتك أو طلقتك بألف درهم فالقبول إليها في مجلسها والحاصل أن
ايجاب الخلع من الزوج في المعني تعليق الطلاق بشرط قبولها لان العوض الذي من جانبه
في هذا العقد طلاق وهو محتمل للتعليق بالشرط ولهذا لا يبطل بقيامه عن المجلس ويصح
منه وان كانت غائبة حتى إذا بلغها فقبلت في مجلسها تم وان قامت من مجلسها قبل أن تقبل
بطل ذلك بمنزلة تعليق الطلاق بمشيئتها وتمليك الامر منها لأنها تقدر على المشيئة في مجلسها
فيبطل بقيامها فكذلك تقدر على القبول قبل ذلك والذي من جانبها في الخلع التزام المال
فيكون بمنزلة البيع والشراء لا يحتمل التعليق بالشرط حتى إذا بدأت فقالت اخلعني أو بارئني
أو طلقني بألف درهم فإنه يبطل بقيامها عن المجلس قبل قبول الزوج وكذلك بقيام الزوج
عن المجلس قبل القبول كما يبطل ايجاب البيع بقيام أحدهما عن المجلس قبل قبول الآخر
وكذلك أن كان الزوج غائبا حين قالت هذه المقالة لا تتوقف على قبوله إذا بلغه كما
لا يتوقف ايجاب البيع على قبول المشترى إذا كان غائبا (قال) فان قالت طلقني ثلاثا بألف
درهم فطلقها واحدة فله ثلث الألف لان حرف الباء يصحب الأبدال والأعواض والعوض
ينقسم علي المعوض فهي لما التمست الثلث بألف فقد جعلت بإزاء كل تطليقة ثلث الألف
ثم فيما صنع الزوج منفعة لها لأنها رضيت بوجوب جميع الألف عليها بمقابلة التخلص من
زوجها فتكون أرضي بوجوب ثلث الألف عليها إذا تخلصت من زوجها وبالواحدة تتخلص
منه وهذا بخلاف ما لو كان الزوج قال لها أنت طالق ثلاثا بألف فقبلت واحدة لم يقع شئ
لأنه لو وقعت الواحدة لوقعت بثلث الألف والزوج ما رضى بزوال ملكه عنها ما لم يجب
عليها جميع الألف وبخلاف ما لو قال هذه طالق وهذه بألف فقبلت إحداهما وقع الطلاق
عليها بنصف الألف لان الزوج هناك راض بوقوع الفرقة بينه وبين إحداهما إذا وجبت
عليها حصتها من المال فان نكاح إحداهما لا يتصل بنكاح الأخرى (قال) ولو طلقها ثلاثا في
173

كلام متفرق في مجلس واحد في القياس يلزمها ثلث الألف لأنها بانت بالأولى فلزمها ثلث
الألف فهو بايقاع الثانية والثالثة بعد ذلك لا يستوجب عليها عوضا آخر وفى الاستحسان يقع
عليها ثلاث تطليقات بجميع الألف لان المجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة ويجعلها ككلام
واحد فكأنه أوقع الثلاث عليها بكلام واحد فيلزمها جميع الألف (قال) ولو كانت قالت له
طلقني ثلاثا على ألف درهم أو على أن لك علي ألف درهم فطلقها واحدة قال أبو حنيفة
رحمه الله تعالى تقع تطليقة رجعية وليس عليها شئ من الألف وقال أبو يوسف ومحمد
رحمهما الله تعالى يقع عليها تطليقة بائنة بثلث الألف وحجتهما في ذلك أن الخلع من عقود
المعاوضات وحرف على في المعاوضات كحرف الباء ألا ترى أنه لا فرق بين أن يقول بعت
منك هذا المتاع بدرهم أو على درهم وكذلك لا فرق بين أن يقول احمل هذا المتاع إلى
موضع كذا بدرهم أو على درهم فإذا كان عند حرف الباء تتوزع الألف على التطليقات
الثلاث فكذلك عند ذكر حرف على يدل عليه أنها لو قالت طلقني وفلانة على ألف درهم
فطلقها وحدها كان عليها حصتها من المال بمنزلة ما لو التمست بحرف الباء فكذلك هنا وهذا
بخلاف ما قال في السير الكبير إذا صالح الامام أهل حصن على أن يؤمنهم ثلاث سنين
على ألف درهم ثم بدا له بعد مضى السنة أن ينبذ إليهم يلزمه رد جميع المال ولو كان الصلح
بحرف الباء يلزمه رد ثلثي المال لان اعطاء الأمان ليس بعقد معاوضة وحرف على للشرط
فجعله بمنزلة الباء مجاز يصار إليه لدلالة المعاوضة ولان غرضهم لا يحصل هناك فمقصودهم
أن يتحصنوا في هذه المدة ولا يتمكنوا من ذلك في بعض المدة فلهذا حملنا حرف على على
الشرط وهنا مقصودها يحصل بايقاع الواحدة فكان محمولا على المعاوضة بمنزلة حرف الباء
وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول حرف على للشرط حقيقة لأنه حرف الالتزام ولا مقابلة
بين الواقع وبين ما التزم بل بينهما معاقبة كما يكون بين الشرط والجزاء فكان معني الشرط
فيه حقيقة والتمسك بالحقيقة واجب حتى يقوم دليل المجاز والطلاق مما يحتمل التعليق
بالشرط فلا حاجة إلى العدول من الحقيقة إلى المجاز فإذا كان محمولا على الحقيقة والشرط
يقابل المشروط جملة ولا يقابله جزء فجزء فإنما شرطت لوجوب المال عليها ايقاع الثلاث
فإذا لم يوقع لا يجب شئ من المال ولان لها في ذلك غرضا صحيحا وهو حصول البينونة
الغليظة حتى لا تصير في وثاق نكاحه وأن أكرهها على ذلك فاعتبرنا معنى الشرط في ذلك
174

ليحصل مقصودها كما في مسألة الأمان وكما أن المال في الأمان نادر فكذلك في الطلاق
الغالب فيه الايقاع بغير بدل وبهذا فارق البيع والإجارة لان معني الشرط هناك تعذر
اعتباره فإنه لا يحتمل التعليق بالشرط فلهذا جعلنا حرف على بمعنى حرف الباء والدليل على
أن حرف على للشرط قوله تعالى انى رسول من رب العالمين حقيق على أن لا أقول على الله
الا الحق أي بشرط أن لا أقول وقال الله تعالى يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا أي
بشرط أن لا يشركن وهذا بخلاف قوله طلقني وفلانة على كذا لأنه لا غرض لها في طلاق
فلانة لتجعل ذلك كالشرط منها ولها في اشتراط ايقاع الثلاث غرض صحيح كما بينا وان
طلقها ثلاثا في هذه المسألة متفرقات في مجلس واحد فالألف لازمة عليها في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى قياسا واستحسانا لان شيئا من البدل لم يجب بايقاع الأولى والثانية والمجلس
الواحد يجمع الكلمات المتفرقة وعندهما على القياس والاستحسان الذي بينا في حرف الباء
(قال) وإذا طلق الرجل امرأته وهي في العدة بعد الخلع على جعل وقع الطلاق ولم يثبت الجعل
وكذلك البائنة بعد الخلع يعنى إذا قال لها أنت بائن ثم طلقها على جعل في العدة لأنها باعتبار
قيام العدة محل للطلاق والطلاق يجعل تعليقا من الزوج بشرط القبول وقد قبلت ولا يجب
عليها الجعل لان وجوب الجعل عليها باعتبار زوال ملك الزوج عنها وذلك لا يحصل بعد البينونة
ولكن امتناع وجوب المقبول لا يمنع صحة القبول في حكم وقوع الطلاق كما لو خالعها ببدل فاسد
كالخمر والخنزير (قال) وان قال لها بعد البينونة خلعتك ينوى به الطلاق لم يقع لان هذا
اللفظ بمنزلة لفظ البينونة والحرمة وقد بينا ان ذلك لا يعمل في العدة بعد الفرقة فكذلك لفظ
الخلع ألا ترى ان الواقع بلفظ الخلع يكون بائنا وإن لم يذكر البدل بمقابلته بخلاف الواقع
بلفظ الطلاق ولو قال كل امرأة لي طالق لم تطلق هذه المبانة إلا أن يعنيها فان عناها طلقت
لأنه أوقع بهذا اللفظ على كل امرأة هي مضافة إليه مطلقا وهي المنكوحة فإنها تضاف إليه
ملكا ويدا فاما المبانة تضاف إليه يدا لا ملكا فكانت مقيدة فلا تدخل تحت المطلق إلا أن
يعنيها كما لو قال كل مملوك لي فهو حر لا يدخل المكاتب فيه إلا أن يعنيه ولا يقع شئ
من الطلاق بعد انقضاء العدة لأنه ليس له عليها ملك ولا يد وبدونهما لا تكون محلا لإضافة
الطلاق إليها لان الايقاع تصرف منه على المحل فيستدعى ولايته على المحل (قال) وان
طلقها على جعل بعد الطلاق الرجعي جاز ولزمها الجعل لان زوال الملك لا يحصل بهذا
175

الطلاق لان الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح فإنه يعتاض عن ملك قائم له فيصح كما
قيل الطلاق الرجعي (قال) وخلع السكران وطلاقه وعتاقه واقع عندنا وفي أحد قولي
الشافعي رحمه الله تعالى لا يقع وهو اختيار الكرخي والطحاوي وقد نقل ذلك عن عثمان
وهذا لأنه ليس للسكران قصد صحيح والايقاع يعتمد القصد الصحيح ولهذا لا يصح من
الصبي والمجنون ألا ترى أنه لو سكر من شرب البنج لم يقع طلاقه فكذلك إذا سكر من
النبيذ ولان غفلته عن نفسه فوق غفلة النائم فان النائم ينتبه إذا نبه والسكران لا ينتبه ثم
طلاق النائم لا يقع فطلاق السكران أولى ولا معنى لقول من يقول غفلته هنا بسبب
المعصية وذلك سبب للتشديد عليه لا للتخفيف فان السكران لو ارتد لم تصح ردته
بالاتفاق ولا تقع الفرقة بينه وبين امرأته ولو اعتبر هذا المعني لحكم بصحة ردته وحجتنا
ما روينا كل طلاق جائز الاطلاق الصبي والمعتوه ولان السكران مخاطب فإذا صادف
تصرفه محله نفذ كالصاحي ودليل الوصف قوله تعالى لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فإن كان
خطابا له في حال سكره فهو نص وإن كان خطابا له قبل سكره فهو دليل على أنه
مخاطب في حال سكره لأنه لا يقال إذا جننت فلا تفعل كذا وهذا لان الخطاب إنما
يتوجه باعتدال الحال ولكنه امر باطن لا يوقف على حقيقته فيقام السبب الظاهر الدال
عليه وهو البلوغ عن عقل مقامه تيسيرا وبالسكر لا ينعدم هذا المعنى فإذا ثبت انه مخاطب
قلنا غفلته عن نفسه لما كانت بسبب هو معصية ولا يستحق به التخفيف لم يكن ذلك عذرا
في المنع من نفوذ شئ من تصرفاته بعدما تقرر سببه لان بالسكر لا يزول عقله إنما يعجز عن
استعماله لغلبة السرور عليه بخلاف البنج فان غفلته ليست بسبب هو معصية وما يعتريه
نوع مرض لا أن يكون سكرا حقيقة فيكون بمنزلة الاغماء وبخلاف النائم لان النوم يمنعه
من العمل فلانعدام الايقاع نقول إنه لا يقع والسكر لا يمنعه من العمل مع أن الغفلة بسبب
النوم لم تكن عن معصية وهذا بخلاف الردة فان الركن فيها الاعتقاد والسكران غير معتقد
لما يقول فلا يحكم بردته لانعدام ركنها لا للتخفيف عليه بعد تقرر السبب (قال)
وخلع المكره وطلاقه وعتاقه جائز عندنا وهو باطل عند الشافعي رحمه الله تعالى فتأثير
الاكراه عنده في إلغاء عبارة المكره كتأثير الصبي والجنون وعندنا تأثير الاكراه في
انعدام الرضا لا في اهدار القول حتى تنعقد تصرفات المكره ولكن ما يعتمد لزومه
176

تمام الرضا كالبيع والشراء لا يلزم منه وما لا يعتمد تمام الرضا كالنكاح والطلاق والعتاق
يلزم منه وحجته في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه فهذا يقتضى أن عين ما أكره عليه فحكمه واثمه يكون مرفوعا عنه والمعنى
فيه أن هذه فرقة يعتمد سببها القول فلا تصح من المكره كالردة وتأثيره أن القول إنما
يعتبر شرعا إذا صدر عن قصد صحيح وبسبب الاكراه ينعدم ذلك القصد لان المكره
يقصد دفع الشر عن نفسه لا عين ما تكلم به وهو مضطر إلى هذا القصد والاختيار أيضا
فيفسد قصده شرعا ألا تري أنه لو أكره على الاقرار بالطلاق كان اقراره لغوا لهذا يقرره
ان تأثير الاكراه المبيح للاقدام في جعل المكره آلة للمكره واعدام الفعل من المكره كما
في الاكراه على اتلاف المال فيجعل المكره آلة ويصير كأن المكره هو الذي تكلم بالايقاع
فيكون لغوا ألا تري أن حق ابقاء قدر الملك على المكره جعل كالآلة حتى يكون المكره
ضامنا قيمة عبده عندكم إذا أكرهه على أن يعتقه ويكون ضامنا نصف الصداق إذا
أكرهه على الطلاق قبل الدخول فكذلك في ابقاء عين الملك عليه يجعل آلة له وحجتنا في
ذلك ما روى أن امرأة كانت تبغض زوجها فوجدته نائما فأخذت شفرة وجلست على
صدره ثم حركته فقالت لتطلقني ثلاثا أو لأذبحنك فناشدها الله تعالى فأبت فطلقها ثلاثا
ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم
لا قيلولة في الطلاق واستكثر محمد من الاستدلال بالآثار في أول كتاب الاكراه حتى
روى عن عمر رضي الله عنه قال أربع مبهمات مقفلات ليس فيهن رديد النكاح
والطلاق والعتاق والصدقة والمعنى فيه أنه مكلف أوقع الطلاق في محله فيقع كالطائع وتفسير
الوصف ان الاكراه لا يزيل الخطاب اما في غير ما أكره عليه فلا اشكال وفيما أكره عليه
كذلك حتى تنوع عليه أفعاله فتارة يباح له الاقدام وتارة يفترض عليه كشرب الخمر وتارة
يحرم عليه كالقتل والزنا وذلك لا يكون الا باعتبار الخطاب وتأثيره ان انعقاد التصرف بوجود
ركنه ومحله ولا ينعدم بسبب الاكراه ذلك أنما ينعدم الرضا به والرضا ليس بشرط لوقوع
الطلاق ألا ترى ان الرضا باشتراط الخيار ينعدم ولا يمنع لزوم الطلاق فكذلك الاكراه
وبسبب الاكراه لا ينعدم القصد الصحيح فان المكره يقصد ما باشره ولكن لغيره وهو
دفع الشر عن نفسه لا لعينه فهو كالهازل يكون قاصدا التكلم بالطلاق ولكن للعبث لا لعينه
177

ثم الهزل لا يمنع وقوع الطلاق فكذلك الاكراه وللمكره اختيار صحيح لأنه عرف الشرين
فاختار أهونهما وهذا دليل صحة اختياره إلا أنه لا يحكم بصحة ردته لأنها تنبنى على الاعتقاد
وهو غير معتقد وفيما يخبر به عن اعتقاده مكره فذلك دليل ظاهر على أنه غير معتقد
بخلاف الهازل فإنه مستخف بالدين والاستخفاف بالدين كفر بخلاف الاقرار بالطلاق فإنه
خبر متمثل بين الصدق والكذب وقيام السبب على رأسه دليل علي أنه كاذب والمخبر به
إذا كان كذبا فالاخبار عنه لا يصير صدقا ولا معنى لجعل المكره آلة للمكره هنا لأنه إنما يجعل
بالاكراه آلة فيما يصلح أن يكون فيه آلة لغيره دون مالا يصلح أن يكون كذلك وفى التكلم لا يصلح
أن يكون آلة لغيره إذ لا يتحقق تكلم المرء بلسان غيره فبقي مقصورا عليه ولكن في حكم
الاتلاف يصلح أن يكون آلة لغيره فلهذا كان الضمان على المكره مع أن الخلاف ثابت
في الاكراه بالحبس وهذا النوع من الاكراه لا يجعل المكره آلة للمكره والمراد بالحديث
رفع الاثم عن المكره لا رفع العين والحكم ألا ترى أنه لو أكره ان يجامع أم امرأته وجب
عليه الغسل وحرمت عليه امرأته بذلك (قال) وخلع الصبي وطلاقه باطل لأنه ليس
له قصد معتبر شرعا خصوصا فيما يضره وهذا لما بينا ان اعتبار القصد ينبنى على الخطاب
والخطاب ينبني على اعتدال الحال وكذلك فعل أبيه عليه في الطلاق باطل لان الولاية إنما
تثبت على الصبي لمعنى النظر له ولتحقق الحاجة إليه وذلك لا يتحقق في الطلاق والعتاق (قال)
والمعتوه والمغمى عليه من مرض بمنزلة الصبي في ذلك لانعدام القصد الصحيح منهما
(قال) وإذا اختلعت الصبية من زوجها الكبير فالطلاق واقع عليها لان الزوج من أهل
الايقاع وايجاب الخلع تعليق الطلاق بشرط قبولها وقد تحقق القبول منها فيقع كما لو قال
لها ان تكلمت فأنت طالق فتكلمت ولكن لا يلزمها المال لان التزام المال من الصبية
لا يصح خصوصا فيما لا منفعة لها فيه كالالتزام بالاقرار والكفالة وقد بينا ان وقوع الطلاق
يعتمد القبول لا وجود المقبول وكذلك الأمة إذا اختلعت من زوجها بغير إذن المولى فالطلاق
واقع عليها ولا تؤاخذ بالمال الا بعد العتق لأنها مخاطبة يصح التزامها في حق نفسها دون
المولى فتؤاخذ به بعد العتق كما لو التزمت بالاقرار والكفالة وان فعلته بإذن المولى سعت
فيه لان التزامها المال بإذن المولى صحيح في حق المولى فتؤاخذ به في الحال والمدبرة وأم
الولد في ذلك سواء كالأمة الا انها لا تحتمل البيع فتؤدى البدل من كسبها إذا التزمت
178

بإذن المولى فأما المكاتبة لا تؤاخذ ببدل الخلع الا بعد العتق سواء اختلعت بإذن المولى أو
بغير إذنه لان اذن المولى غير معتبر في إلزام المال إياها ألا ترى أن المولى لا يملك أن يلزمها
المال ولا تأثير للكتابية في؟؟؟ الحجر عن التزام المال بسبب الخلع فلهذا تؤاخذ به بعد العتق
(قال) وإذا وكل أحد الزوجين صبيا أو معتوها أو مملوكا بالقيام مقامه بالخلع والاختلاع
جاز ذلك لان الوكيل بهذا العقد سفير معبر عن الموكل ولهؤلاء عبارة معتبرة حتى ينفذ
تصرفهم بإذن المولى فينفذ العقد بعبارتهم أيضا (قال) وإذا خلع الرجل ابنته الصغيرة من
زوجها على صداقها ولم يدخل بها فإن لم يضمن الأب فهو باطل لأنه ليس ولاية إلزام المال
إياها بهذا السبب إذ لا منفعة لها فيه ولا يدخل في ملكها بمقابلته شئ بخلاف ما لو زوج
ابنه الصغير بماله فان ذلك العقد من مصالحه ويدخل في ملكه شئ متقوم بإزاء ما يلزمه من
المال فان ضمن الأب المال جاز الخلع لان لزوج ينفرد بالايقاع واشتراط القبول في
الخلع لأجل المال فإذا كان الأب هو الملتزم للمال بضمانه يتم الخلع كما لو خالع امرأته مع
أجنبي على مال وضمن الأجنبي من أصحابنا من يقول تأويل هذه المسألة إذا خالعها على مال
مثل الصداق فأما إذا خالعها على الصداق ينبغي أن لا يصح لأنه عين ملكها وليس
للأب ولاية اخراج عين عن ملكها بغير عوض ولا معتبر بضمانه في ذلك ولكنا نقول وان
سمى الصداق في الخلع فإنما يتناول العقد مثله فضمان الأب أباه صحيح واسقاطه حقها في
نصف الصداق باطل فيغرم الزوج لها نصف الصداق كما لو طلقها قبل الدخول ويرجع الزوج
على الأب بما يضمن من ذلك لأنه قد ضمن الزوج وإن كان قد دخل بها فلها أن ترجع بجميع
مهرها على الزوج لان حقها في جميع المهر تأكد بالدخول فلا يملك الأب ابطال حقها عن
شئ منه ولكنها ترجع بالصداق على الزوج والزوج على الأب بحكم الضمان أو ترجع على الأب
بجميع الصداق هنا وبنصف الصداق في الأول لان الأب يصير كالمعارض مع الزوج بما
ضمنه للزوج مما لها عليه (قال) ولو كانت كبيرة فإن كان خلع الأب باذن البنت جاز
ذلك عليها وإن كان بغير إذنها وقد ضمن الأب للزوج فالخلع جائز وترجع هي بالصداق
على زوجها ثم الزوج على الأب بحكم ضمانه لأنه ليس له ولاية المعاوضة في مالها (قال)
وكل خلع كان يجعل فامتنع وجوب الجعل اما لفساده كالخمر أو لان الملتزم لم يكن من أهله
كالصغيرة فالواقع به طلاق بائن لان لفظ الخلع ليس بصريح في الطلاق ولكنه يشبه
179

الفرقة كالبينونة والحرمة وكل تطليقة أو تطليقتين بجعل أبطلت الجعل وأمضيت فيه الطلاق
فالطلاق رجعي إذا كان قد دخل بها لان الوقوع بصريح لفظ الطلاق فلا يوجب البينونة الا
بعوض ولم يجب العوض (قال) ولو خلع ابنته الكبيرة بصداقها وضمنه للزوج فأجازت
لم يضمن الأب شيئا لان اجازتها في الانتهاء كاذنها في الابتداء وكذلك لو خلعها بالنفقة وضمنها
له بغير أمرها فان أجازت فلا شئ على الأب وان أبت فلها ان تتبع الزوج بالنفقة لأنها حقها
كالصداق فلا يعمل اسقاط الأب لحقها ويرجع الزوج علي الأب ما ضمن له من ذلك
وكذلك لو فعل هذا غير الأب من الأقارب الأجانب لأنه لا ولاية للأب عليها في هذا التصرف
فهو والأجنبي فيه سواء (قال) وإذا اختلعت بمال ودفعته إليه ثم أقامت البينة أنه طلقها ثلاثا
قبل الخلع كان لها أن ترجع عليه بالمال لأنه تبين بهذا ان البينونة لم تحصل بما التزمت من المال
فلا يكون التزامها صحيحا وإقدامها على الخلع لا يمنعها من إقامة هذه البينة لان دعواها في قبول البينة
على الطلاق ليس بشرط فالتناقض منها لا يمنع قبول البينة وكذلك أو أقامت البينة على حرمة
بنسب أو رضاع أو مصاهرة (قال) وإذا قالت المرأة اخلعني ولك ألف درهم أو قالت طلقني
ولك ألف درهم ففعل وقع الطلاق ولم يجب المال عليها عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله يجب المال لوجهين أحدهما ان الواو وإن كان للعطف حقيقة فقد يستعمل بمعنى
الباء مجازا كما في القسم فان قوله والله كقوله بالله فقولها ولك الف بمنزلة قولها طلقني بألف
أو يعنى طلاقي بألف وإنما حملناه على هذا المجاز لمعنى المعاوضة لأن الخلع معاوضة وفى
المعاوضات لا يعطف أحد العوضين على الآخر إنما يلصق أحدهما بالآخر الا ترى أنه لو
قال احمل هذا المتاع إلى بيتي ولك درهم كان هذا وقوله أحمله بدرهم سواء حتى
يجب المال إذا حمله ولان هذا الواو بمعنى واو الحال كقول المولى لعبده أد إلى ألفا وأنت حر
وقول الغازي للمحصور افتح الباب وأنت آمن وقد بينا فيما سبق ان الواو قد تكون للحال كما
في قوله أنت طالق وأنت مريضة وإذا كانت للحال كانت هي ملتزمة المال له حال ايقاع
الطلاق عليها وذلك لا يكون الا عوضا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الواو للعطف حقيقة
والحمل على الحقيقة واجب حتى يقوم الدليل على المجاز وباعتبار العطف تبين أن الألف
ليس بعوض عن الطلاق ولا وجه لحملها على الباء أو واو الحال لمعنى المعاوضة لان المال في
الطلاق نادر والمعتاد فيه الايقاع بغير عوض بخلاف الإجارة فالعوض فيه أصل لا تصح
180

الإجارة بدونه وبخلاف قوله أد إلى ألفا وأنت حر لان أول كلامه هناك غير مفيد شرعا
الا بآخره فإنه يصير به تعليقا للعتق بأداء المال وهنا أول الكلام ان صدر من الزوج بان
قال أنت طالق وعليك ألف درهم كان ايقاعا مفيدا بدون آخره فلا حاجة إلى أن يحمله
على الحال وان صدر منها فهو التماس مفيد أيضا فلهذا لا يحمل على واو الحال بل هو بمعنى
العطف فمعناه ولك ألف درهم في بيتك أو بمعنى الابتداء فيكون وعدا منها إياه بالمال
والمواعيد لا يتعلق بها اللزوم ولان أدنى ما يكون في الباب أن يكون حرف الواو محتملا
لجميع ما ذكرنا فالمال بالشك لا يجب (قال) وإذا قالت طلقني ولك ألف درهم فقال أنت
طالق على هذه الألف التي سميت فعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى الطلاق واقع
والمال عليها قبلت أو لم تقبل لأنها بالكلام الأول ملتزمة للمال عندهما فبقي وعند أبي حنيفة رحمه الله
تعالى بالكلام الأول لم تكن ملتزمة للمال فبقي ايقاع الزوج عليها بمال ابتداء فان قبلت وقع الطلاق
ولزمها المال وإن لم تقبل لا يقع عليها شئ ولو قالت طلقني ثلاثا على أن لك علي ألف درهم
فطلقها ثلاثا لزمها المال لأنها صرحت بحرف على وهو لالتزام المال ولو كان طلقها اثنتين قبل
هذا فقالت طلقني ثلاثا على أن لك ألفا فطلقها واحدة لزمها الألف لان الألف بإزاء ما يصح فيه
التماسها من الزوج وذلك ايقاع ما ليس بواقع وهي التطليقة الثالثة فأما ايقاع ما هو واقع
لا يتحقق فكان تكلمها به لغوا غير معتد به ولأنها التزمت المال لحصول البينونة الغليظة لها
وقد تم ذلك بايقاع الثالثة (قال) وإذا قال الرجل طلقتك أمس بألف درهم أو على ألف درهم
فلم تقبلي وقالت قد قبلت فالقول قول الزوج مع يمينه لان ايجاب الطلاق بمال تعليق بقبولها
فالزوج أقر بالتعليق وأنكر وجود الشرط فكان القول قوله كما لو علق بدخولها فقالت قد
دخلت وأنكر الزوج ذلك وهذا بخلاف البيع إذ قال قد بعت منك هذا العبد أمس بألف
درهم فلم تقبل وقال المشترى قد قبلت فالقول قول المشترى لان البيع عقد معاوضة لا ينعقد الا
بايجاب وقبول فاقراره بالبيع يكون اقرارا بقبول المشترى فلا يعمل رجوعه عن الاقرار بعد
ذلك فأما ايجاب الطلاق بمال يكون تصرفا عند الايقاع وهو التعليق بمنزلة اليمين ولهذا لا يبطل
بقيامه قبل قبولها فلم يكن هو مقرا بالايقاع أصلا فجعلنا القول قوله مع يمينه لهذا (قال)
وإذا قال لها قد طلقتك واحدة بألف درهم وقبلت وقالت هي إنما سألتك أن تطلقني ثلاثا
بألف درهم وإنما طلقتني واحدة فإنما لك ثلث الألف فالقول قولها مع يمينها لأنهما اتفقا علي
181

وقوع الواحدة عليها وإنما تنازعا في المال فهو يدعى الزيادة عليها وهي تنكر فالقول قولها
وكذلك لو قالت سألتك أن تطلقني بمائة درهم وقال الزوج بل بألف فالقول قولها
لما بينا أن الاختلاف في مقدار المال الواجب عليها فان أقاما البينة فالبينة بينة الزوج لأنه
يثبت الزيادة ببينته في حقه والبينة للاثبات فتترجح بالزيادة فيه وكذلك لو قالت خلعتني
بغير شئ وقال الزوج بل بألف فالقول قولها والبينة بينة الزوج لما قلنا (قال) وإذا اتفقا على أنه
ا سألت أن يطلقها ثلاثا بألف درهم فقالت طلقتني واحدة وقال الزوج طلقتك ثلاثا فالقول
قول الزوج إن كان في ذلك المجلس لأنه أخبر بما يملك انشاءه وقد بينا أنه لو طلقها ثلاثا
متفرقات في المجلس يلزمها الألف فلا تتمكن التهمة في خبره (قال) ألا ترى أنه لو قال
لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق حصلت له جميع الألف فإن كانا قد افترقا من ذلك
المجلس لزمها الطلاق ان كانت في العدة لاقرار الزوج بوقوع الطلاق عليها وهو مالك
للايقاع ولا يكون عليها الا ثلث الألف لأنه في حق المال متهم في خبره فإنه يخبر بما يملك
انشاءه فكان القول قولها مع يمينها وعليه اثبات الزيادة بالبينة (قال) وإذا قالت المرأة سألتك
أن تطلقني ثلاثا على ألف درهم فطلقتني واحدة ولا شئ لك وقال هو بل سألتني واحدة
على ألف وقد طلقتكها فالقول في ذلك قول المرأة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولا شئ
عليها لأنها تنكر وجوب المال بناء على ما تقدم إذا قالت طلقني ثلاثا على ألف درهم فطلقها
واحدة لا يجب عليها شئ عند أبي حنيفة رحمه الله وان قالت سألتك أن تطلقني ثلاثا بألف درهم
فلم تطلقني في ذلك المجلس وقال الزوج قد طلقتك ثلاثا في ذلك المجلس فالثلاث واقعات
عليها لاقرار الزوج بها والقول في المال قولها مع يمينها إما لإنكارها وجوب المال أو لإنكارها
الزيادة على الثلاث ان أقرت أنه طلقها واحدة في ذلك المجلس وان قالت سألتك أن تطلقني
انا وصاحبتي فلانة على ألف درهم فطلقتني وحدي وقال الزوج طلقتها معك وقد افترقا من
ذلك المجلس فالقول قول المرأة وعليها حصتها من الألف لان الاختلاف بينهما في مقدار
ما عليها من المال والزوج مخبر بما لا يملك انشاءه في حق المال ولكن الطلاق واقع على الأخرى
باقرار الزوج لأنه ينفرد بالايقاع عليها وكذلك أن قالت لم تطلقني ولا صاحبتي في ذلك
المجلس فالقول قولها مع يمينها لإنكارها أصل المال وعلى الزوج ان يثبت المال بالبينة ولكن
الطلاق واقع عليها باقرار الزوج (قال) وإذا خلع الرجل امرأتيه على ألف درهم فان
182

الألف تنقسم على مهريهما الذي تزوجهما عليهما لأنه سمي الألف بمقابلة شيئين ومقتضى هذه
التسمية الانقسام باعتبار القيمة كما لو اشترى عبدين بألف درهم إلا أن البضع عند خروجه
من ملك الزوج غير متقوم فوجب المصير إلى أقرب الأشياء إليه وذلك المهر الذي تزوجها
عليه ألا ترى أن في الكتابة الفاسدة على العبد قيمة نفسه بعدما يعتق لان ما هو المعقود عليه
هو ملك اليد والمكاسب ليست بمتقومة فيصار إلى قيمة أقرب الأشياء إليه وهو الرقبة ثم الأصل
في الخلع ان النشوز إذا كان من الزوج فلا يحل له ان يأخذ منها شيئا بإزاء الطلاق لقوله تعالى وان
أردتم استبدال زوج مكان زوج إلى أن قال فلا تأخذوا منه شيئا وإن كان النشوز من قبلها فله
أن يأخذ منها بالخلع مقدار ما ساق إليها من الصداق لقوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به
ولو أراد أن يأخذ منها على ما ساق إليها فذلك مكروه في رواية الطلاق وفى الجامع الصغير
يقول لا بأس بذلك وجه هذه الرواية ما روى أن جميلة بنت سلول رحمها الله تعالى كانت
تحت ثابت بن قيس رحمه الله تعالى فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا أعيب
على ثابت بن قيس في دين ولا خلق ولكني أخشى الكفر في الاسلام لشدة بغضي
إياه فقال صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته فقالت نعم وزيادة فقال صلوات الله
عليه وسلم أما الزيادة فلا وروى أنه قال لثابت أخلعها بالحديقة ولا تزدد ولأنه لا يملكها شيئا
إنما يرفع العقد فيحل له ان يأخذ منها قدر ما ساق إليها بالعقد ولا يحل له ا لزيادة على
ذلك ووجه رواية الجامع الصغير ما روى أن امرأة ناشزة أتى بها عمر رضي الله عنه فحبسها
في مزبلة ثلاثة أيام ثم دعاها وقال كيف وجدت مبيتك فقالت ما مضت على ليال هن أقر
لعيني من هذه الليالي لأني لم أره فقال عمر رضي الله عنه وهل يكون النشوز الا هكذا
اخلعها ولو بقرطها وعن ابن عمر رضي الله عنه ان مولاة اختلعت بكل شئ لها فلم يعب ذلك
عليها وعن ابن عباس رضي الله عنه لو اختلعت بكل شئ لأجزت ذلك وهذا لأن جواز
أخذ المال هنا بطريق الزجر لها عن النشوز ولهذا لا يحل إذا كان النشوز من الزوج وهذا
لا يختص بما ساق إليها من المهر دون غيره فاما في الحكم الخلع صحيح والمال واجب في جميع
الفصول عندنا وعند نفاة القياس لا يجب المال إذا كان النشوز من الزوج ولا تجب الزيادة إذا كان
النشوز منها لقوله تعالى ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلى أن قال تلك حدود
الله فلا تعتدوها وقال ابن جريح يعنى في الزيادة والاعتداء يكون ظلما والمال لا يجب بالظلم ولكنا
183

نستدل بما روينا من الآثار وتأويل الآية في الحل والحرمة لا في منع وجوب أصل المال
(قال) وإذا قالت المرأة لزوجها ان طلقتني ثلاثا فلك علي ألف درهم فقال نعم سأطلقك فلا
شئ له حتى يفعل لأنها التزمت المال بمقابلة الايقاع دون الوعد فان فعل ذلك في المجلس فله
الألف وإن لم يفعل في المجلس فلا شئ له والطلاق واقع لان الذي من جهتها التزام المال بمنزلة
ايجاب البيع لا يتوقف على ما وراء المجلس ولكن يبطل بالقيام عن المجلس قبل الايقاع
فإذا أوقع الطلاق بعد ذلك مطلقا وقع الطلاق لان الزوج ينفرد به وكلامها وإن كان شرطا في
الصورة ففي المعني التزام العوض لان التزام المال لا يحتمل التعليق بالشرط فهو نظير قوله ان
عملت لي هذا العمل فلك علي ألف درهم يكون التزاما للعوض بطريق الإجارة (قال) ولو قال
لها أنت طالق ثلاثا إذا أعطيتني ألفا أو متى أعطيتني ألفا فهي امرأته على حالها حتى تعطيه ذلك
لأنه علق الطلاق بشرط اعطاء المال فلا يقع بدونه ومتى أعطته في المجلس أو بعده فالطلاق واقع
عليها لان إذا ومتى للوقت فمعنى قوله إذا أعطيتني في الوقت الذي تعطينني وليس للزوج أن
يمتنع منه إذا أتته به لا انه يجبر على القبول ولكن إذا وضعته بين يديه طلقت وهو استحسان
وفي القياس لا تطلق حتى يقبله الزوج وهو قول زفر رحمه الله تعالى وأصله في العتاق إذا قال
لعبده إذا أديت إلي ألفا فأنت حر وجه القياس أن الحالف لا يجبر على ايجاد الشرط ووجه
الاستحسان ان كلامه تعليق بالشرط صورة وايجاب للطلاق بعوض معنى حتى إذا قبل المال كان
الواقع بائنا ولو وجده زيوفا كان له أن يرد ويستبدل وهذا حكم المعاوضة والملتزم للعوض إذا
خلى بين صاحبه وبين المال يصير قابضا فباعتبار الشرط قلنا لا حاجة إلى قبولها في المجلس وباعتبار
المعاوضة قلنا إذا وضعت المال بين يديه طلقت وليس لها ان ترجع بشئ منه لأنها أدت المال
عوضا عن الطلاق وقد سلم لها (قال) ولو كان قال لها ان جئتني بألف درهم فأنت طالق
فان جاءت به في ذلك المجلس وقع الطلاق وان تفرقا قبل أن تأتيه به بطل هذا القول لان
كلام الزوج تعليق بالشرط فيتم به من غير حاجة إلى قبولها ولكنها تتمكن من أداء المال
في المجلس فقيامها قبل الأداء يكون مبطلا بمنزلة قوله إن شئت فأنت طالق وهما سواء في
المعني الا ان ذلك تمليك الامر منها بغير عوض وهذا تمليك الامر منها بعوض فكما
يبطل هناك بقيامها عن المجلس قبل المشيئة يبطل هنا بقيامها قبل الأداء (قال) وان قال
لها أنت طالق على أن تعطيني ألف درهم أو على ألف درهم فهو سواء فان قبلت في ذلك
184

المجلس وقع الطلاق عليها والمال دين عليها تؤخذ به لان كلام الزوج ايجاب للطلاق بجعل
وليس بتعليق بشرط الاعطاء بمنزلة من يقول لغيره بعت منك هذا العبد على ألف درهم
أو على أن تعطيني ألف درهم يكون ايجابا لا تعليقا فإذا وجد القبول في المجلس وقع الطلاق
ووجب المال عليها بخلاف قوله ان جئتني أو إذا أعطيتني فان هناك قد صرح بالتعليق
بالشرط فما لم يوجد الشرط لا يقع الطلاق والدليل على الفرق ان هناك لو كان لها على الزوج
ألف فاتفقا على جعل الألف قصاصا بما عليه لا يقع الطلاق وهنا يصير قصاصا بالدين الذي لها
عليه وقد يجوز أن يثبت الحكم بالقبول مع التصريح بالاعطاء قال الله تعالى حتى يعطوا الجزية
عن يد وبالقبول يثبت حكم الذمة فإذا ثبت ان الحكم هنا يتعلق بقبول المال يشترط القبول منها
في المجلس فإذا لم تقبل حتى قامت فهو باطل وفيما تقدم لما كان الاعطاء شرطا فبجعله قصاصا
بما عليه لا يصير الشرط موجودا قبل الاعطاء والمقاصة بين دينين واجبين ففي قوله إذا
أعطيتني المال المال غير واجب عليها فلا يصير قصاصا وفي قوله أنت طالق على أن تعطيني
المال يجب عليها بالقبول فيصير قصاصا فإذا لم يصر قصاصا في قوله إذا أعطيتني فرضى
الزوج ان يوقع عليها طلاقا مستقبلا بالألف التي لها عليه فذلك جائز إذا قبلت وكان هذا منه
لها ايجابا مبتدأ (قال) وإن كان للرجل امرأتان فسألتاه أن يطلقهما على ألف أو بألف
فطلق إحداهما لزم المطلقة حصتها من الألف أما في حرف الباء فلأنهما جعلتا الألف بدلا
عن طلاقها فإذا طلق إحداهما فعليها حصتها وكذلك في حرف على لأنه لا منفعة لها في
طلاق الضرة حتى يجعل شرطا ولان أكثر ما في الباب ان كل واحدة منهما التزمت
حصتها من الألف بشرط أن يطلق صاحبتها وإذا أبى كان هذا شرطا فاسدا إلا أن الخلع
لا يبطل بالشرط الفاسد كالنكاح فان طلق الأخرى في ذلك المجلس أيضا لزمتها حصتها من
المال فان المجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة فكان هذا وما لو طلقها بكلام واحد سواء
وان افترقوا قبل أن يطلق واحد منهما بطل ايجابهما بالافتراق فإذا طلقهما بعد ذلك كان الطلاق
واقعا بغير بدل (قال) وإذا ادعت المرأة الخلع وأنكره الزوج فأقامت شاهدين شهد
أحدهما بالخلع بألف والآخر بألف وخمسمائة فالشهادة باطلة لأنها تدعي أحد الامرين
لا محالة فتكون مكذبة للشاهد الآخر ولأن الخلع في جانبها قياس البيع وشهود البيع
إذا اختلفوا في جنس الثمن أو في مقداره بطلت الشهادة فكذلك هنا إذا اختلفا في جنس
185

الجعل كالعرض والعبد أو كالعرض والدراهم فالشهادة باطلة لان كل واحد منهما شهد بالطلاق
لعوض آخر ولا يمكن ايجاب واحد من العوضين عليها فلو حكم بالطلاق لحكم بالطلاق
بغير عوض وقد اتفقا ان الزوج ما أوقع الطلاق بغير عوض (قال) ولو كان الزوج هو
المدعى للخلع والمرأة منكرة فشهد أحد الشاهدين بألف والآخر بألف وخمسمائة فإن كان
الزوج يدعى ألفا وخمسمائة جازت شهادتهما على الألف لان الطلاق قد وقع باقرار الزوج بقي منه
دعوى المال ومن ادعى على غيره ألفا وخمسمائة فشهد له شاهدان شهد أحدهما بألف والآخر
بألف وخمسمائة تقبل شهادتهما على الألف لاتفاق الشاهدين عليها لفظا ومعنى فان ادعي الزوج
الألف لم تجز شهادتهما لان الزوج قد كذب أحد شاهديه وهو الذي شهد بألف وخمسمائة
والمدعى إذا أكذب شاهده بطلت شهادته له والطلاق واقع باقراره وكذلك إذا اختلفا في
جنس الجعل لان الزوج مكذب لأحدهما لا محالة فلا بد ان يدعى أحد الجنسين فان شهد أحدهما
بألف والآخر بخمسمائة فعند أبي حنيفة لا تقبل شهادتهما لاختلافهما لفظا وعندهما تقبل
على الخمسمائة إذا ادعى الزوج الألف لاتفاقهما على مقدار الخمسمائة معني وقد بينا هذا فيما سبق
ثم الأصل بعد هذا في باب الخلع ان البدل في الخلع بمنزلة الصداق في النكاح فإنه مال يلتزمه
لا بمقابلة مال وقد بينا حكم الصداق في النكاح فالخلع قياسه الا في فصول يذكر الفرق بينهما
فيها حتى إذا اختلعت على دار فلا شفعة للشفيع فيها وان اشترط أن يرد عليها ألفا مع ذلك ففي
وجوب الشفعة في حصة الألف خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه كما في الصداق وليس في جعل
الخلع خيار الرؤية ولا رد بعيب يسير كما في الصداق (قال) وإذا اختلعت بما في بيتها من
شئ فهو جائز وكلما يكون في بيتها في تلك الساعة فهو له لان بالإشارة إلى المحل تنقطع المنازعة
بينهما بسبب الجهالة وإن لم يكن فيه شئ فلا شئ له عليها لأنها لم تغر الزوج بتسمية الشئ فإنه
ينطلق على مالا قيمة له فلهذا الا يلزمها شئ وفى هذا الفصل في النكاح يجب مهر المثل ولكن
باعتبار ان تسمية الشئ لغو من الزوج فكأنه تزوجها على غير مهر فلها مهر مثلها وهنا يصير كأنه
خلعها بغير شئ فلا شئ عليها وهذا لان البضع عند دخوله في ملك الزوج متقوم بمهر المثل
ولا قيمة للبضع عند خروجه عن ملكه (قال) وإذا اختلعت على ما في بيتها من متاع فله ما فيه
فإن لم يكن فيه شئ رجع عليها بالمهر الذي أخذت منه لأنها غرته بتسمية المتاع فإنه اسم لما يكون
متقوما منتفعا به فإذا لم يوجد في البيت شئ كان مغرورا من جهتها وللمغرور دفع الضرر عن
186

نفسه بالرجوع على الغار ولا يمكن اثبات الرجوع بقيمة المتاع لكونه مجهول الجنس والقدر ولا
بقيمة البضع لأنه عند الخروج من ملك الزوج غير متقوم فإنه لا يملكها شيئا إنما يسقط حقه
عنها فكان أولى الأشياء ما ساق إليها من الصداق فان الغرر يندفع عنه بالرجوع بذلك (قال)
وان قالت اخلعني على ما في يدي من دراهم فإن كانت في يدها ثلاثة دراهم أو أكثر فله ذلك
وإن لم يكن في يدها شئ فله ثلاثة دراهم لأنها سمت جميع الدراهم وأدنى الجمع المتفق عليه
ثلاثة وليس لأقصاه نهاية فأوجبنا الأدنى وفى الصداق في هذا الفصل لها مهر مثلها لان
هناك الزوج يملك عليها ما هو متقوم فلها أن لا ترضى بالأدنى وفى معاوضة المتقوم بالمتقوم
يجب النظر من الجانبين وفى تعيين الأدنى ترك النظر لها فلهذا أوجبنا مهر المثل وهنا الزوج
لا يملكها شيئا متقوما فيتعين أدنى الجمع لكونه متيقنا ولأنها لما كانت تلتزم لا بعوض متقوم
كان هذا في حقها قياس الاقرار والوصية ومن أقر لغيره بدراهم أو أوصي له بدراهم
يلزمه ثلاثة وإن كان في يدها درهمان تؤمر باتمام ثلاثة دراهم له لأنها فيما التزمت ذكرت
لفظ الجمع وفى المثنى معنى الجمع وليس بجمع مطلق فان التثنية غير الجمع (قان قيل) قد ذكرت
في كلامها حرف من وهو للتبعيض والدرهمان بعض الجمع فينبغي أن لا يلزمها الا ما في
يدها كما قال في الجامع إذا قال إن كان ما في يدي من الدراهم الا ثلاثة فعبده حر وفي يده
أربعة دراهم كان حانثا (قلنا) نعم حرف من قد يكون للتبعيض وقد يكون صلة كما في قوله
تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان وقال الله تعالى ما اتخذ الله من ولد ففي كل موضع يصح
الكلام بدون حرف من كان حرف من فيه صلة لتصحيح الكلام كما في مسألة اخلع فإنها
لو قالت اخلعني على ما في يدي دراهم كان الكلام مختلا وحرف من صلة لتصحيح الكلام
ويبقى منها لفظ الجمع فلهذا يلزمها ثلاثة دراهم والدنانير والفلوس في هذا قياس الدراهم (قال)
وان اختلعت منه بما في نخلها من ثمرة وليس فيها شئ فله المهر الذي أعطاها لأنها غرته
بتسمية الثمرة وهو اسم لمال متقوم وان اختلعت منه بما يثمر نخلها العام فهو جائز فان أثمرت
فله ذلك وإن لم تثمر شيئا فلا شئ له في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ثم رجع فقال يرجع
عليها بما أعطاها من المهر أثمرت أو لم تثمر ولا شئ له من الثمرة وهو قول محمد رحمه الله
تعالى وجه قوله الأول انها لم تغره بشئ ولكنها أوجبت له ما يثمر نخلها العام فكان هذا
بمنزلة الايجاب بطريق الوصية ومن أوصى بما تثمر نخيله العام فان أثمرت فهي للموصى له
187

وإن لم تثمر فلا شئ له فهذا مثله وجه قوله الآخر انها تلتزم بدل الخلع عوضا وإن لم يكن
بمقابلته ما هو متقوم والثمار المعدومة لا تصلح عوضا في شئ من العقود فيبقى مجرد تسمية
ما هو متقوم منتفع به وذلك بمنزلة الغرور منها وذلك يثبت حق الرجوع بما أعطاها وهذا
لان الغرور ثابت هنا معنى لما تعذر تسليم المسمى له شرعا فهو بمنزلة ما لو وجد الغرور منها
صورة بأن سمت المتاع الذي في يدها وليس في يدها متاع فيرجع عليها بما أعطاها (قال)
وان اختلعت منه بما في بطن جاريتها أو على ما في بطون غنمها فهو جائز وله ما في بطونها
بخلاف الصداق فان في مسئلته يجب مهر المثل لها لان ما في البطن ليس بمال متقوم في
الحال ولكن باعتبار المآل هو مال بعد الانفصال إلا أن أحد العوضين في باب النكاح لا يحتمل
التعليق بالشرط فكذلك العوض الآخر ولا يمكن تصحيح التسمية في الحال لان المسمى
ليس بمال ولا باعتبار المآل لأنه في معني الإضافة أو التعليق بالانفصال فكان لها مهر مثلها
واما في الخلع أحد العوضين وهو الطلاق يحتمل الإضافة والتعليق بالشرط فكذلك العوض الآخر
وأمكن تصحيح تسمية ما في البطن باعتبار المآل وهو ما بعد الانفصال وإذا صحت
التسمية فله المسمى وإن لم يكن في بطونها شئ فلا شئ له لأنها ما غرته فما في البطن قد يكون
مالا متقوما وقد يكون غير ذلك من ريح أو ولد ميت والرجوع عليها بما أعطي بحكم الغرور
وما وجد في بطونها بعد الخلع فهو للمرأة لأنها سمت الموجود في البطن عند الخلع فلا يتناول
ما يحدث بعد ذلك بل الحادث نماء ملكها فيكون لها (قال) وان اختلعت منه بحكمه أو
أو بحكمها أو بحكم أجنبي فهو جائز كما في الصداق إلا أن هناك المعيار مهر المثل وهنا المعيار
ما أعطاها فان اختلعت بحكمه فحكم الزوج عليها بمقدار ما أعطاها أو بأقل فذلك صحيح لأنه
مسقط بعض حقه وان حكم بأكثر من ذلك لم يلزمها الزيادة إلا أن ترضى به وإن كان
بحكمها فان حكمت بما أعطاها الزوج أو أكثر جاز لان تصرفها على نفسها بالتزام الزيادة صحيح
وان حكمت بأقل من ذلك لم يثبت النقصان إلا أن يرضى الزوج بذلك لان حكمها بذلك
على الزوج وإن كان بحكم أجنبي فله ما أعطاها لان الأجنبي ان حكم بأقل من ذلك فهو
متصرف على الزوج باسقاط بعض حقه وان حكم بأكثر من ذلك فهو متصرف عليها بالزام
الزيادة فلا ينفذ بدون رضاها (قال) وان اختلعت منه على خادم بغير عينها فهو جائز وله
خادم وسط أو قيمته أيهما أتت به أجبر على القبول كما في الصداق (قال) وان اختلعت منه
188

بما تكتسب العام من مال أو بما ترثه أو بما تتزوج عليه أو بما تحمل جاريتها أو غنمها فيما
يستقبل كان له المهر الذي أعطاها في جميع ذلك لان المسمى لا يصلح عوضا في شئ من
النقود اما لأنه على خطر الوجود لا يدرى أيكون أم لا أو لأنه مجهول الجنس والصفة والقدر
فلا يصح التزامه في الخلع أيضا ولكنها غرته بتسمية المال فيلزمها رد ما ساق إليها بسبب
الغرور وكذلك ما تحمل جاريتها أو نعمها من ولد لا يصح تمليكه من الغير بشئ من أسباب
التمليك الوصية وغيرها فيه سواء فيلزمها رد المقبوض بسبب الغرور (قال) وكذلك أن
اختلعت على أن تزوجه امرأة وتمهر عنه فالخلع جائز والشرط باطل للجهالة المستتمة في
المسمى ولكن الغرور يتمكن لتسمية الامهار فعليها رد العوض وان اختلعت منه على
موصوف من المكيل أو الموزون أو النبات فهو جائز كما في الصداق وان اختلعت منه على
ثوب أو على دار فالتسمية فاسدة للجهالة المستتمة كما في الصداق وله المهر الذي أعطاها
بسبب الغرور وكذلك أن اختلعت منه بدابة للجهالة المستتمة فان اسم الدابة يتناول أجناسا
مختلفة فله المهر الذي أعطاها وان اختلعت منه بشئ معروف مسمى ولها عليه مهر وقد
دخل بها أو لم يدخل بها لزمها ما سمت له ولا شئ لها مما سمى على الزوج من المهر في قول
أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لها أن ترجع عليه
بالمهر إن كان قد دخل بها وينصف المهر إن لم يدخل بها وكذلك لو كانت أخذت المهر ثم
خلعها قبل الدخول على شئ مسمى فليس للزوج أن يرجع عليها بشئ من المهر في قول أبي حنيفة
وفى قول محمد وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يرجع عليها بنصف المهر وإن كان العقد
بينهما بلفظة المبارأة فكذلك الجواب في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف
رحمه الله تعالى في المبارأة الجواب كما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى والحاصل أن الخلع
والمبارأة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى توجبان براءة كل واحد منهما عن صاحبه من الحقوق
الواجبة بالنكاح حتى لا يرجع أحدهما على صاحبه بشئ بعد ذلك وعند محمد لا يوجبان
الا المسمى في العقد وفيما سوى ذلك من حقوق النكاح يجعل كالفرقة بغير جعل بالطلاق
وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى في الخلع الجواب كما قال محمد رحمه الله تعالى وفى المبارأة
الجواب كما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وجه قول محمد رضي الله عنه ان هذا طلاق بعوض
فيجب به العوض المسمى ولا يسقط شئ من الحقوق الواجبة كما لو كان بلفظ الطلاق وهذا
189

لأنه لا تأثير لعقد المعاوضة إلا في استحقاق العوض المسمى به والدليل عليه أنه لو كأن لأحدهما
على الآخر دين واجب بسبب آخر أو عين في يده لا يسقط شئ من ذلك بالخلع والمبارأة
فكذلك الحقوق الواجبة عليه بالنكاح والدليل عليه ان نفقة عدتها لا تسقط وهي من الحقوق
الواجبة بالنكاح فكذلك المهر بل أولى لان النفقة أضعف وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول
المقصود بهذا العقد لا يتم الا باسقاط الحقوق الواجبة بالنكاح فلاتمام هذه المقصود يتعدى
حكم هذا العقد إلى الحقوق الواجبة بالنكاح لكل واحد منهما وهذا لأن الخلع إنما يكون
عند النشوز وسبب النشوز الوصلة التي بينهما بسبب النكاح فتمام انقطاع المنازعة والنشوز
إنما يكون باسقاط ما وجب باعتبار تلك الوصلة وفى لفظهما ما يدل عليه فان المبارأة مشتقة من
البراءة والخلع من الخلع وهو الانتزاع يقول الرجل خلعت الخف من الرجل إذا قطعت
ما بينهما من الوصل من كل وجه فأما إذا كان العقد بلفظ الطلاق فقد روى الحسن عن أبي
حنيفة رحمهما الله تعالى أنه يسقط الحقوق الواجبة أيضا بالنكاح لاتمام المقصود وفي ظاهر
الرواية ليس في لفظ الطلاق ما يدل على اسقاط الحقوق الواجبة بالنكاح فلهذا لا تسقط فأما
سائر الديون فوجوبها ما كان بسبب وصلة النكاح والنشوز والمنازعة لم يتحقق فيه فلهذا
لا يسقط وأما نفقة العدة فهي غير واجبة عند الخلع إنما تجب شيئا فشيئا والخلع والمبارأة
سقاط ما هو واجب بحكم النكاح في الحال وأبو يوسف رحمه الله تعالى أخذ في المبارأة بقول
أبي حنيفة رحمه الله تعالى لتحقيق معنى البراءة وفى الخلع أخذ بقول محمد رحمه الله تعالى
لأنه ليس فيه معنى البراءة عن الحقوق الواجبة فجعل لفظ الخلع بمنزلة لفظ الطلاق وعلى هذا
الأصل لو كان مهرها ألف درهم فاختلعت منه قبل الدخول على مائة درهم من مهرها
فليس لها أن ترجع على الزوج بشئ في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفى قولهما ترجع
عليه بأربعمائة ولو كانت قبضت الألف ثم اختلعت بمائة درهم منها لم يكن للزوج غير المائة
في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما يرجع عليها إلى تمام النصف وكذلك لو كان المهر
عبدا بعينه في يدها فاختلعت منه بمائة درهم عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يرجع عليها
بشئ من العبد وعندهما يرجع عليها بنصف العبد ولو تزوجها على ألف درهم فوهبت له النصف
وقبضت النصف ثم اختلعت منه بشئ مجهول كالثوب ونحوه فإنه يرجع عليها بما دفع إليها
من المهر لا بالألف التي كان أصل العقد بها لان ثبوت حق الرجوع عند الغرور لدفع
190

الضرر عن الزوج وذلك يتم إذا رجع بما ساق إليها ولو كانت وهبت جميع المهر لزوجها
لم يرجع الزوج عليها بشئ لان الرجوع بحكم قبضها ولم يقبض شيئا والرجوع لدفع الضرر
عن الزوج والضرر مندفع هنا حين سلم له جميع المهر بالهبة (قال) وإذا اختلعت من زوجها
بعبد بعينه فمات قبل أن يسلمه فعليها قيمته له كما في الصداق لان السبب الموجب للتسليم لم
ينفسخ بهلاكه فان تبين ان العبد كان مات قبل الخلع فإنما يرجع عليها بالمهر الذي أخذت منه
لأنها غرته بتسمية العبد وإن كان حيا فاستحق فعليها قيمته لأنه تعذر تسليمه مع بقاء السبب
الموجب للتسليم له وان ظهر انه كان حرا فعليها المهر الذي أخذت منه في قول أبي حنيفة
ومحمد رضي الله عنهما وفى قول أبى يوسف رضي الله عنه عليها قيمته أن لو كان عبدا وهذا
والصداق سواء (قال) وان اختلعت منه بما لا يحل كالخمر والخنزير والميتة لم يكن له عليها
شئ لان المسمى ليس بمال متقوم في حق المسلمين فلا يتمكن الغرور منها بهذه التسمية فصارت
هذه التسمية وجودها كعدمها وبهذا فارق الصداق فان تسمية الخمر هناك وجودها كعدمها
ولكن بدون التسمية يجب مهر المثل هناك ولا يجب هنا شئ وان غرته فقالت اختلع منك
بهذا الخل فإذا هو خمر فعليها أن ترد المهر المأخوذ في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول
أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى عليها مثل ذلك الكيل من خل وسط وهذا والصداق
سواء (قال) وإذا تزوجها على ألف درهم ثم اختلعت منه بمال مؤجل فهو جائز إذا كان
الاجل معلوما لأن الخلع عقد معاوضة فيصح اشتراط الاجل المعلوم في بدله كسائر
المعوضات وإن كان الاجل مجهولا جهالة مستتمة مثل الميسرة أو موت فلان أو قدوم فلان
فالمال عليها حال لان الاجل اسم لزمان منتظر ولم يصر مذكورا بذكر هذه الألفاظ
لجواز ان يتصل موت فلان أو قدومه والميسرة بالعقد فبقي هذا شرطا فاسدا والخلع لا يبطل
به فكان المال حالا عليها وإن كان إلى الاعطاء أو إلى الدياس أو النيروز أو المهرجان فالمال
إلى ذلك الاجل لأنهما ذكرا في العقد ما هو أجل وهو الزمان الذي هو منتظر فان وقت
الشتاء ليس بزمان الحصاد والدياس بيقين ولكن في آخره بعض الجهالة من حيث أنه قد
يتقدم إذا تعجل الحر ويتأخر إذا تطاول البرد ولكن هذا القدر لا يمنع صحة الاجل
خصوصا في العقد المبني على التوسع كالكفالة والخلع مبنى على التوسع فتثبت فيه هذه
الآجال فان ذهبت الغلة في ذلك العام فلم يكن حصاد ولا جزاز فالأجل إلى مثل ذلك الوقت
191

الذي يكون فيه في مثل ذلك البلد وكذلك العطاء لان ذكر العطاء كان على سبيل الكناية
عن وقته فلا معتبر بوجود حقيقته ووقته معروف عند الناس في كل موضع فإذا جاء ذلك
الوقت وجب تسليم المال ويدل الخلع إذا كان دينا فهو في حكم أخذ الرهن والكفيل به
بمنزلة الصداق حتى إذا هلك هلك بما فيه وكان هو أمينا في الفضل (قال) وان خلعها
على وصيف بغير عينه فان جاءت بقيمته أجبر على قبوله كما في الصداق وان صالحها من
الوصيف على دراهم مما يكال أو يوزن أو العروض أو الحيوان من غير صفته فهو جائز بعد
أن يكون يدا بيد كما في الصداق وهذا لأنه إذا لم يكن مقبوضا كان دينا بدين وذلك حرام
(قال) وإذا اختلعت في مرضها بمهرها الذي كان لها على زوجها ثم ماتت في العدة فله
الأقل من ميراثه ومن المهر إن كان يخرج من ثلث مالها مهر وإن لم يكن لها مال سوى
ذلك فله الأقل من ميراثه منها ومن الثلث وان ماتت بعد انقضاء العدة فله المهر من
ثلث مالها والحاصل انه إذا اختلعت في مرضها فبدل الخلع معتبر من ثلث مالها عندنا
وقال زفر رحمه الله تعالى من جميع المال واعتبر الخلع بالنكاح فان المريض لو تزوج
امرأة بصداق مثلها اعتبر من جميع ماله لان ذلك من حوائجه وكذلك المريضة إذا
اختلعت لان ذلك من حوائجها لتتخلص به من أذى الزوج ولكنا نقول البضع عند دخوله
في ملك الزوج متقوم وعند الخروج لا يتقوم حتى أن للأب أن يزوج ابنه امرأة بماله وليس
له أن يخالع ابنته من زوجها بمالها والخلع ليس من أصول حوائجها فكان بدل الخلع بمنزلة
الوصية منها للزوج فيعتبر من الثلث ومن عليه القصاص إذا صالح في مرضه على الدية عندنا
يعتبر من جميع ماله لأنه يحتاج إليه لاحياء نفسه فكان ذلك من أصول حوائجه بخلاف بدل
الخلع وعند زفر رحمه الله تعالى يعتبر هنا من الثلث بخلاف الخلع لان القصاص عقوبة فلا
يعتاض عنه بالمال حقيقة فيكون التزام المال بمعنى الصلة المبتدأة والمملوك بالنكاح مما يعتاض
عنه بالمال باعتبار الأصل وما يسلم للزوج هنا يصلح أن يكون عوضا يعتبر من جميع مالها إذا
عرفنا هذا فنقول إذا ماتت قبل انقضاء العدة فسبب ميراثه باق ببقاء العدة ويجوز أن يكون
قصدها بهذا الخلع ايصال المنفعة المالية إلى الزوج ولكن هذه التهمة في الزيادة على قدر
ميراثه فأما في الأقل فلا تهمة فلهذا كان له الأقل من ميراثه ومما سمت له وإذا ماتت بعد أن
قضاء العدة فليس بينهما سبب التوارث عند موتها فيكون له جميع المسمى من الثلث بمنزلة
192

ما لو أوصت له أو أقرت له بشئ بعدما طلقها ثلاثا وان كأن لم يدخل بها فاختلعت منه في
مرضها بمهرها فنقول اما نصف المهر فقد سقط عن الزوج بالطلاق قبل الدخول لا من جهتها
والنصف الباقي له من ثلث مالها لان ذلك القدر بمنزلة الوصية منها له وليس بينهما سبب
التوارث إذا كان الطلاق قبل الدخول فلا معني لاعتبار الأقل وكذلك أن كانت اختلعت
منه بأكثر من مهرها فنصف المهر سقط بالطلاق قبل الدخول والنصف الباقي مع الزيادة
للزوج من ثلث مالها فان برئت من مرضها فله جميع المسمى بمنزلة ما لو خالعها في صحتها
(قال) وان اختلعت وهي صحيحة والزوج مريض فالخلع جائز بالمسمى قل أو كثر لأنه
لو طلقها بغير عوض كان صحيحا فبالعوض القليل أولى ولا ميراث لها منه لان الفرقة إنما
وقعت بقبولها فكأنه طلقها بسؤالها (قال) وان تبرع أجنبي في مرضه باختلاعها من
الزوج بمال ضمنه للزوج فهو جائز من ثلثه إذا مات من ذلك المرض لان الأجنبي التزم المال
في مرضه من غير عوض حصل له فكان معتبرا من ثلثه وإن كان الزوج مريضا حين فعل
الأجنبي هذا بغير رضاها فلها الميراث إذا مات الزوج قبل انقضاء عدتها لان الفرقة وقعت
بغير رضاها فيكون الزوج فارا في حقها (قال) وإذا وكل رجل رجلا ان يخلع امرأته
فقام الوكيل من مجلسه قبل أن يخلعها فهو على وكالته لان مطلق التوكيل لا يتوقف بالمجلس
كما في سائر العقود وهذا لان المطلوب من الوكيل تحصيل مقصود الموكل والمجلس وما بعده
في هذا سواء وهذا بخلاف ما لو قال لها أمرك بيدك لان ذلك تمليك الامر منها وجواب
التمليك يقتصر على المجلس وهذا إنابة له مناب نفسه في عقد الخلع فيصير نائبا عنه ما لم
يعزله كما لو قال له طلقها (قال) وإذا وكل رجلين بالخلع فخلع أحدهما لم يجز لأن الخلع
عقد معاوضة يحتاج فيه إلى الرأي والتدبير وهو إنما رضى برأي المثني ورأي الواحد لا يكون
كرأي المثني فلا يحصل مقصوده إذا انفرد أحدهما به كما في البيع بخلاف ما لو قال طلقاها
فطلقها أحدهما جاز لان ايقاع الطلاق مجرد عبارة لا يحتاج فيه إلى الرأي والتدبير وعبارة
الواحد وعبارة المثنى سواء وما هو مقصود الزوج يحصل بايقاع أحدهما (قال) وإذا قال
لامرأته أنت طالق ثلاثا على عبدي هذا إن شئت فقامت من مجلسها قبل أن تشاء فهي امرأته
ولا يقع الطلاق في هذا الا بقبولها لان العبد المسمي ملك الزوج فكان ذكره والسكوت
عنه سواء فيبقى قوله أنت طالق ثلاثا إن شئت فإذا قامت قبل أن تشاء خرج الامر من
193

يدها فلا يقع عليها شئ لان المشيئة منها لم توجد ولأنه أوقع الطلاق بعوض فلا يقع الا
بوجود القبول وإن لم يجب العوض ولا منفعة فيه لأحدهما كما لو طلقها على خمر أو ميتة
لا يقع الطلاق الا بقبولها وان كأن لا يجب عليها شئ بعد القبول وان قبلت في المجلس
وقع الطلاق عليها لوجود القبول ولأنها لما قبلت فقد شاءت والعبد عبد الزوج على حاله
لان ملكه لا يكون عوضا عن ملكه ولا شئ له عليها لأنها لم تغره وان قال أنت طالق إن شئت
على عبدك الذي في يدي فان قبلت وقع الطلاق عليها وله العبد لان ملكها يصلح
عوضا عن الطلاق سواء كان في يدها أو في يد الزوج فان استحق العبد فله قيمته
لان التسليم بالعقد صار مستحقا عليها وقد بطل فيبقى الزوج بالاستحقاق من الأصل
والسبب الموجب تسليم قائم فعليها قيمته له (قال) وان طلقها على ما في يده فقبلت
فإذا في يده جوهرة لها فهي له وإن لم تكن علمت بذلك لأنها هي التي أضرت بنفسها حين
قبلت الخلع قبل أن تعلم ما في يده ولو اشترى منها بهذه الصفة كان جائزا ولا خيار لها
فالخلع أولى وإن لم يكن في يده شئ فالطلاق رجعي ولا شئ له عليها لأنها لم تغره وصريح
الطلاق لا يوجب البينونة الا بعوض (قال) وان اختلعت منه بعبد حلال الدم فقتل عنده
بقصاص رجع عليها بقيمته في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهذا بمنزلة الاستحقاق عنده
على ما نبينه في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى وكذلك لو كان وجب قطع يده فقطع عند
الزوج رده وأخذ قيمته في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهذا بمنزلة العيب الفاحش يكون
في يدها بالعبد وعندهما عيب القطع في حكم الحادث عند الزوج فيمنعه من رد العبد عليها
وموضع بيان هذه المسألة في كتاب البيوع (قال) ولو خلعها على عبد نصراني أو أمة لها زوج
أو عبد له امرأة ولم تعلمه ذلك لم يرجع عليها بشئ فان هذا بمنزلة العيب اليسير لان نقصان
المالية يقل بهذه الأسباب وبدل الخلع لا يرد بالعيب اليسير كالصداق (قال) وان اختلعت
ومهرها ألف درهم على عبد على أن زادها ألف درهم فاستحق العبد من يده رجع عليها بالألف
وبنصف قيمة العبد لأن المرأة بذلت العبد بإزاء شيئين الألف التي قبضت والخلع وهما سواء
فانقسم العبد نصفين نصفه بيع من الزوج بالألف فعند الاستحقاق يرجع بثمنه المدفوع
ونصفه بدل الخلع فعند الاستحقاق يرجع بقيمته فلهذا رجع عليها بالألف وبنصف قيمة
العبد وكذلك لو كان أعطاها مكان الألف خادما قيمته ألف أخذ الخادم ونصف قيمة العبد
194

لان نصف العبد كان بيعا له بالخادم والاستحقاق يبطل البيع فيرجع بالخادم والنصف الآخر
من العبد كان جعلا فيرجع بقيمته عند الاستحقاق (قال) وان خلعها على أن أعطته درهما
قد نظر إليه في يدها فإذا هو زيف أو ستوق فله أن يأخذ منها جيدا لان مطلق تسمية الدراهم
يتناول الجياد فكان له ان يرد الزيف والستوق ويطالبها بما استحق من العقد (قال) وليس
هذا بمنزلة العيب في العبد يريد به ان العبد لا يرد بالعيب اليسير في الخلع والدراهم ترد بعيب
الزيافة وإن كان ذلك عيبا يسيرا لأن الخلع ما تعلق بتلك الدراهم بعينها وإنما تعلق بدراهم جياد
في ذمتها حتى أن لها ان تمنع ذلك الدرهم وتعطيه آخر فكان له ان يطالبها بما استحق بالعقد
ولأنه بالرد هنا يستفيد شيئا وهو الرجوع بالجيد بخلاف العبد فان العبد تعلق بعينه فلا يستفيد
شيئا برده بعيب يسير لأنه يرجع بقيمته ولا فرق بين قيمته صحيحا وبين عينه مع العيب
اليسير (قال) ولو اختلعت منه على ثوب في يدها أصفر فقالت هو هروي فإذا هو مصبوغ
كان له ثوب هروي وسط لان المسمى إذا لم يكن من جنس المشار إليه فالعقد يتعلق بالمسمى
ولهذا لا يجوز البيع في مثله لأنه يتعلق بالمسمى وهو معدوم فكذلك بالخلع يتعلق بالمسمى
وهو ثوب هروي والخلع على مثله صحيح وينصرف إلى الوسط كما في الصداق (قال)
وإذا تزوج المريض امرأة مريضة على ألف درهم ودفعها إليها ولا مال له غيرها ومهر مثلها
مائة درهم فاختلعت بها منه قبل أن يدخل بها ثم ماتت من ذلك المرض ولا مال لها غيرها
ثم مات الزوج بعدها من ذلك المرض فلورثة المرأة من هذه الألف مائتا درهم وخمسة
وسبعون درهما ولورثة الزوج سبعمائة وخمسة وعشرون درهما وهذه المسألة تنبنى على أصول
أحدها ان المريض إذا تزوج امرأة على أكثر من صداق مثلها فالزيادة على صداق المثل
بمنزلة الوصية في الاعتبار من الثلث ومقدار صداق مثلها لا يعتبر من الثلث والثاني ان
المريضة ان اختلعت من زوجها بمال يكون معتبرا من ثلث مالها والثالث أن الطلاق قبل
الدخول يسقط نصف الصداق عن الزوج شرعا ثم وجه تخريج المسألة أن في مقدار مهر
مثلها وهو المائة لا وصية من الزوج لها وقد عاد بالطلاق قبل الدخول نصفه إليه بقي لها
خمسون وقد أوصت بذلك للزوج حين اختلعت منه به فإنما يسلم للزوج ثلث ذلك وهو
ستة عشر وثلثان فيكون حاصل مال الزوج تسعمائة وستة وستين وثلثين وقد حاباها بأربعمائة
وخمسين في أصل النكاح لان المحاباة كانت تسعمائة ولكن بالطلاق قبل الدخول عاد إلى الزوج
195

نصفها فبقيت المحاباة بأربعمائة وخمسين وذلك أكثر من ثلث ماله فتعتبر محاباته من الثلث
فكان ينبغي أن يسلم لها ثلث هذا المقدار إلا أنه قال إنه تنفذ وصيته في ثلاثة أثمان هذا المقدار
لأنا لو نفذنا في ثلثها رجع ثلث ذلك إلى ورثة الزوج بالخلع فيزداد مالهم وتجب
الزيادة في تنفيذ الوصية لها بحسبه فلا يزال يدور هكذا فلقطع الدور قال تنفذ وصيته
في ثلاثة أثمانه وطريق معرفة ذلك بالسهام انك تحتاج إلى مال ينقسم ثلثه أثلاثا وأقل ذلك
تسعة فكان ينبغي أن يجعل مال الزوج على تسعة أسهم وتنفذ وصيته في ثلثه إلا أن سهما من
هذه الثلاثة يعود إلى الورثة بالخلع وصية منها له فيصير في يد ورثة الزوج سبعة أسهم
وحاجتهم إلى ستة وهذا السهم الزائد هو الدائر الذي يسعى إلى الفساد فالسبيل طرح هذا
السهم من قبل من خرج الدور من قبله وهو معنى قول أبي حنيفة سهم الدور ساقط وإنما ظهر
هذا الدور من جانب الورثة بزيادة حقهم فنطرح من أصل حقهم سهما فيبقى حقهم في
خمسة وحق المرأة في ثلاثة فيكون ثمانية فلهذا جعلنا مال الزوج على ثمانية ثم نفذنا
وصيته لها في ثلاثة ويعود سهم من هذه الثلاثة إلى ورثته بالخلع فيصل للورثة ستة وقد
نفذنا الوصية في ثلثه فيستقيم الثلث والثلثان ثم وجه التخريج من حيث الدراهم ان مال
الزوج تسعمائة وستة وستون وثلثان فإذا قسمت ذلك أثمانا فكل ثمن من ذلك مائة وعشرون
وخمسة أسداس فثلاثة أثمانه تكون ثلاثمائة واثنين وستين ونصفا تنفذ الوصية في الابتداء
في هذا المقدار يبقى للورثة ستمائة وأربعة وسدس ثم يعود إليهم من جهتها مائة وعشرون
وخمسة أسداس فيكون جملة ذلك سبعمائة وخمسة وعشرين وقد نفذنا الوصية في ثلاثمائة واثنين
وستين ونصف فيستقيم الثلث والثلثان وحصل لورثة المرأة في الابتداء ثلاثة وثلاثون
وثلث وبالوصية مائتان واحد وأربعون وثلثان فيكون جملة ذلك مائتين وخمسة وسبعين فاستقام
التخريج وهذه المسألة بأخواتها تعود في كتاب العتق في المرض فيؤخر تخريج سائر الطرق
إلى ذلك الموضع والله أعلم بالصواب
* (باب المشيئة في الطلاق) *
(قال) رجل قال لامرأته إن شئت فأنت طالق فذلك إليها ما دامت في مجلسها لأنه علق
الوقوع بمشيئتها وذلك من عمل قلبها بمنزلة اختيارها وقد اتفقت الصحابة رضوان الله عليهم
196

ان للمخيرة الخيار ما دامت في مجلسها فكذلك يثبت هذا الحكم فيما هو في معناه وهو المشيئة
وهذا لان الرأي الذي يوجبه الزوج لها معتبر بما يثبت لها من الخيار شرعا وهو خيار المعتقة
وذلك يتوقت بمجلسها غير أنها ان شاءت هنا فهي طالق تطليقة رجعية لان الوقوع بلفظ
الزوج وقد أتى بصريح الطلاق وان قامت قبل أن تشاء فهي امرأته ولا مشيئة لها بعد ذلك
لانقطاع مجلسها بالقيام أو لوجود دليل الاعراض عما فوض إليها من المشيئة وكذلك أن أخذت
في عمل آخر يعرف أنه قطع لما كانا فيه من ذكر الطلاق لان الاعراض عن المشيئة يتحقق باشتغالها
بعمل آخر كما يتحقق بقيامها وقيام الزوج من ذلك المجلس لا يبطل مشيئتها لان قيامه ذليل
الرجوع فيكون كصريح الرجوع ولو رجع عما قال كان رجوعه باطلا بخلاف قيامها فإنه دليل
الرد ولو ردت المشيئة صح منها وبه فارق البيع فان الموجب لو قام عن المجلس قبل قبول الآخر
يبطل ايجابه فكذلك يبطل بقيامه وكذلك لو قال إن أحببت أو هويت أو رضيت أو أردت
فأنت طالق لأن هذه الألفاظ في المعني تتقارب فإنه تعليق للوقوع باختيارها ولأن هذه
المعاني لا تفارقها كمشيئتها فيتحقق منها في المجلس ولو قال طلقي نفسك إن شئت أو أحببت
أو هويت أو رضيت أو أردت فهو كذلك إلا أن هنا ما لم تقل طلقت نفسي لا يقع
لان قوله طلقي نفسك تمليك الامر منها وقد علقه بالمشيئة فإذا قالت شئت صار الامر في
يدها لوجود الشرط فلا يقع ما لم توقع وهناك قوله أنت طالق ايقاع وقد علقه بالمشيئة
فإذا قالت شئت يتنجز وان قال إن كنت تحبينني أو تبغضينني فأنت طالق أو ما أشبه هذا
من الكلام الذي لا يطلع على ما في قلبها غيرها فذلك إليها في المجلس والقول فيه قولها
استحسانا وفى القياس لا يقبل قولها إذا أنكره الزوج لأنها تدعى شرط الطلاق وذلك
منها كدعوى نفس الطلاق ولكنه استحسن فقال لا طريق لنا إلى معرفة هذا
الشرط الا من جهتها فلا بد من قبول قولها فيه لان الحجة بحسب الممكن في كل فضل ولما
علق الزوج الطلاق بما في قلبها مع علمه انه لا يعرف ذلك الا بقولها صار الطلاق معلقا
باخبارها فكأنه قال إن أخبرتني أنك تحبينني وقد أخبرت بذلك فإنما أقمنا نفس الخبر مقام
حقيقة ما في قلبها للتيسير استحسانا لهذا وإنما توقت بالمجلس لان إخبارها يتحقق في المجلس
كمشيئتها واختيارها ولو قال لها طلقي نفسك ولم يذكر فيه مشيئة فذلك بمنزلة المشيئة لها
ذلك ما دامت في المجلس لأنه تمليك للايقاع منها وجواب التمليك يقتصر على المجلس بخلاف ما لو
197

قال لأجنبي طلق امرأتي فان ذلك توكيل والتوكيل لا يتوقف بالمجلس وفي جانبها ليس
بتوكيل فإنها لا تكون وكيلا ولا رسولا في الايقاع على نفسها فبقي تمليكا للامر منها فان
طلقت نفسها ثلاثا وقال الزوج أردت ثلاثا فهي طالق ثلاثا لان قوله طلقي نفسك تفويض
ولهذا جعلناه تمليكا للامر منها على معنى أنه فوض إليها ما كان إليه والتفويض يحتمل معنى
العموم والخصوص فنية الثلاث فيه نية العموم وبعد ما صارت الثلاث مفوضة إليها يكون
ايقاعها الثلاث كايقاع الزوج ولو قال أردت واحدة لم يقع عليها شئ في قول أبي حنيفة
وعندهما يقع عليها واحدة وكذلك لو قال طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يقع
شئ في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما يقع عليها واحدة وان قال لها طلقي نفسك
ثلاثا فطلقت نفسها واحدة أو اثنتين وقع ذلك بالاتفاق هما يقولان أوقعت ما فوض إليها
وزادت على ذلك لان الواحدة موجودة في الثلاث فهو كما لو قالت طلقت نفسي واحدة
وواحدة وواحدة وكما لو قال لها طلقي نفسك فطلقت نفسها وضرتها وكما لو قال لعبده أعتق
نفسك فأعتق نفسه وصاحبه أو قال لأجنبي بع عبدي هذا فباعه مع عبد آخر والدليل على وجود
الواحدة في الثلاث ان الثلاث آحاد مجتمعة ألا ترى أنه لو قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت
نفسها واحدة يقع وإنما يصح ايقاعها إذا كان ما أوقعت موجودا فيما فوض إليها توضيحه انه
لو قال لها طلقي نفسك فقالت ابنت نفسي يقع عليها تطليقة رجعية وبما زادت من صفة
البينونة لا تنعدم الموافقة في أصل الطلاق فكذلك إذا أوقعت الثلاث لان موجب الثلاث
البينونة الغليظة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أتت بغير ما فوض إليها فكانت مبتدئة
فيتوقف ايقاعها على إجازة الزوج كما لو قال لها طلقي نفسك فطلقت ضرتها وبيان الوصف
ان الثلاث غير الواحدة وقد قررنا هذا في مسألة الشهادة فيما سبق بخلاف ما لو قالت واحدة
وواحدة وواحدة لأنها بالكلام الأول تكون ممتثلة لما فوض وفي الكلام بالثانية والثالثة
تكون مبتدئة وكذلك أن أوقعت على نفسها وضرتها (فان قيل) فكذلك هنا بقولها طلقت
نفسي تكون ممتثلة لو اقتصرت عليه فإنما تكون مبتدئة في قولها ثلاثا فتلغو هذه الزيادة
(قلنا) الطلاق متى قرن بالعدد فالوقوع بالعدد لا بلفظ الطلاق ولهذا لو قال لغير المدخول بها
أنت طالق ثلاثا تطلق ثلاثا ولو مات بعد قوله طالق قبل قوله ثلاثا لم يقع شئ فإذا كانت
مبتدئة في كلمة الايقاع لم يقع عليها شئ بدون اجازته وبه فارق صفة البينونة لان قولها
198

أبنت نفسي أي طلقت نفسي تطليقة بائنة واصل الطلاق إنما يقع بقولها طلقت نفسي
لا بذكر صفة البينونة وهي في ذلك ممتثلة امره وهذا بخلاف ما لو قال لها طلقي نفسك
ثلاثا فطلقت نفسها واحدة لان الثلاث غير الواحدة ولكن من ضرورة صيرورة
الامر في يدها في الثلاث وقوع الواحدة بايقاعها فإنها بعض ما صار مملوكا لها فإنما
ينفذ باعتبار أنها تصرفت فيما ملكت وهنا إنما صارت الواحدة في يدها وليس من
ضرورته صيرورة الثلاث في يدها فهي في ايقاع الثلاث غير متصرفة فيما تملك ولا ممتثلة
أمره توضيحه أن المخاطب متى زاد على حرف الجواب كان مبتدئا كما لو قال تعال تغد
معي فقال إن تغديت اليوم فعبده كذا كان مبتدئا حتى لو رجع إلى بيته فتغدى حنث لأنه زاد
على حرف الجواب ومتى نقص لا يكون مبتدئا والمخاطبة بالواحدة إذا أوقعت الثلاث فقد
زادت على حرف الجواب والمخاطبة بالثلاث إذا أوقعت الواحدة لم تزد على حرف الجواب
فلهذا افترقا يقرره انه إذا فوض الثلاث إليها فأوقعت واحدة فهي تقدر على ايقاع الثانية
والثالثة في المجلس ولو فعلت كانت ممتثلة لا محالة فبتركها ايقاع الثانية والثالثة لا تخرج من
أن تكون ممتثلة في الأولى بخلاف ما إذا أوقعت الثلاث وقد أمرها بالواحدة لان هناك
لا تقدر على الامتثال بعد هذا لاشتغالها بغير ما أمرها به (قال) ولو قال لها أنت طالق
ثلاثا إن شئت فقالت قد شئت واحدة أو اثنتين فهذا باطل لان قوله إن شئت أي إن شئت
الثلاث فان هذا اللفظ غير مفهوم المعني بنفسه فلا بد من أن يجعل بناء على ما سبق وإذا
جعلناه بناء يتبين أنه جعل الشرط مشيئتها الثلاث فلا يتم الشرط بمشيئتها الواحدة ولو قال
لها أنت طالق واحدة إن شئت فقالت شئت اثنتين أو ثلاثا لم يقع شئ في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى لأنه لم توجد مشيئتها الواحدة فان الثلاثة غير الواحدة وعندهما تقع واحدة لأنها
قد شاءت الواحدة وزيادة وهذا بناء على الفصل الأول (قال) ولو قال لها أنت طالق ثلاثا إن شئت
فقالت قد شئت واحدة وواحدة وواحدة وقع عليها ثلاث تطليقات دخل بها أو لم يدخل
بها لان تمام الشرط بآخر كلامها فما لم يتم الشرط لا ينزل الجزاء فلهذا وقع الثلاث عند تمام
الشرط جملة سواء دخل بها أو لم يدخل بها ولان الكلام المعطوف بعضه على بعض يتوقف أوله
على آخره وبآخره تتحقق منها مشيئة الثلاث فكأنها قالت شئت ثلاثا ولو قالت شئت واحدة
وسكتت ثم قالت شئت واحدة وواحدة لم يقع عليها شئ لان كلامها تفرق بسكوتها وهي
199

في الكلام الأول شاءت غير ما جعله الزوج شرطا لان الشرط مشيئتها الثلاث وقد شاءت
الواحدة واشتغالها بمشيئة أخرى يكون ردا للمشيئة التي جعلها الزوج شرطا فكان هذا بمنزلة
قولها لا أشاء ولو قالت ذلك لم يكن لها مشيئة بعده فكذلك هنا بخلاف الأول فان كلامها
موصول هناك وبتأخره بين انه ايجاد للشرط لا رد للمشيئة ولو قالت قد شئت ان شاء
أبى كان هذا باطلا لان الشرط مشيئتها وما أنت به إنما علقت مشيئتها بمشيئة أبيها والتعليق
غير التنجيز ألا ترى ان المفوض إليها تنجيز الطلاق لا تمليك التعليق ثم اشتغالها بالتعليق بمنزلة
قيامها في خروج الامر من يدها فلا مشيئة لها بعد ذلك وان كانت في المجلس ولو قال لها إذا
شئت فأنت طالق أو متي شئت كان لها ان تشاء في المجلس وبعد القيام من المجلس متى شاءت مرة
واحدة لان كلمة إذا ومتى للوقت فكأنه قال أي وقت شئت فيكون موجب هذا الحرف تعدى
المشيئة إلى ما بعد المجلس من الأوقات لا التكرار فكان لها المشيئة مرة واحدة في أي
وقت شاءت وكذلك قوله إذا ما شئت أو متى ما شئت ولو قال لها أنت طالق كلما شئت
كان لها ذلك أبدا كلما شاءت مرة بعد أخرى حتى يقع عليها ثلاث تطليقات لان كملة كلما
تقتضي التكرار وإن شاءت مرة واحدة وصارت طالقا واحدة وانقضت عدتها ثم تزوجها
كان لها المشيئة أيضا لبقاء بعض التطليقات المملوكة له ولو شاءت ثلاث مرات ثم تزوجها
بعد زوج فلا مشيئة لها لان كلامه إنما يتناول التطليقات المملوكة ولم يبق منها شئ بعد وقوع
الثلاث وفى هذا خلاف زفر وقد بيناه ولو أنها شاءت مرتين ووقع عليها تطليقتان وانقضت
عدتها فتزوجت بزوج آخر ودخل بها ثم عادت إليه تعود بثلاث في قول أبي حنيفة
وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ولها المشيئة في ذلك كله مرة بعد مرة لبقاء شئ من
التطليقات المملوكة له وقد قررنا هذا الفرق فيما سبق أنه إذا بقي شئ مما تناوله عقده واستفاد
من جنسه يتعدى حكم ذلك العقد إليه بخلاف ما إذا لم يبق شئ منه وكذلك لو لم تشأ حتى
طلقها الزوج ثلاثا فلا مشيئة لها بعد ذلك وان عادت إليه بعد الزوج بخلاف ما لو طلقها
واحدة أو اثنتين ولو لم تشأ شيئا وردت المشيئة كان ردها باطلا لان ردها إعراض بمنزلة
قيامها عن المجلس وفي لفظ كلما لا تبطل مشيئتها بقيامها فكذلك بردها وهذا لان شرط
المشيئة في حكم الرد كسائر الشروط ولو علق الطلاق بدخولها الدار فردت كان ردها
باطلا ألا ترى أن في جانب الزوج جعل هذا في اللزوم والتعليق بشرط آخر سواء (قال) ولو
200

قال لها كلما شئت فأنت طالق ثلاثا فقالت شئت واحدة فهذا باطل لان معني كلامه كلما
شئت الثلاث ولو قال كلما شئت فأنت طالق واحدة أو قال فأنت طالق ولم يقل واحدة
فشاءت الثلاث لم يقع عليها شئ في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما تقع واحدة وقد
بينا هذا ولو قالت قد شئت أمس تطليقة وكذبها الزوج فالقول قول الزوج لأنها أخبرت بما
لا تملك انشاءه فإنها أخبرت بمشيئة كانت منها أمس ولا يبقى لها ذلك بعد مضى أمس
(فان قيل) أليس انها لو شاءت في الحال يصح منها فقد أخبرت بما تملك انشاءه (قلنا) لا
كذلك فالمشيئة في الحال غير المشيئة في الأمس وكل مشيئة شرط تطليقة فهي لا تملك إنشاء
ما أخبرت به إنما تملك انشاء شئ آخر وهو بمنزلة قوله لها أنت طالق ان دخلت الدار
اليوم أو ان كلمت فلانا غدا فقالت في الغد قد كنت دخلت الدار أمس لا يقبل قولها وان
كانت تملك الايقاع في الحال بأن تكلم فلانا ولو قالت قد شئت أن أكون طالقا غدا كان
ذلك باطلا لأنه فوض إليها التنجيز فلا تملك الإضافة إلى وقت منتظر كما لا تملك التعليق
بالشرط (قال) وإذا قال لامرأتيه إن شئتما فأنتما طالقان فشاءت إحداهما دون الأخرى
كان باطلا عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى تطلق التي شاءت لأنه لو خاطبها بالطلاق مطلقا
كان كلامه متناولا كل واحدة منهما فكذلك إذا خاطبهما بطلاق معلق بالمشيئة يصير كأنه
قال لكل واحدة منهما أنت طالق إن شئت ولكنا نقول معنى قوله إذا شئتما أي شئتما طلاقكما
فبمشيئة إحداهما وجد بعض الشرط وبوجود بعض الشرط لا ينزل شئ من الجزاء كما إذا
قال إذا دخلتما هذه الدار أو كلمتما فلانا ففعلت إحداهما دون الأخرى وعلى هذا لو شاءتا ايقاع
الطلاق على إحداهما دون الأخرى لم تطلق لان الشرط مشيئتهما طلاقهما فبمشيئتهما طلاق
إحداهما يوجد بعض الشرط وكذلك لو ماتت إحداهما ثم شاءت الأخرى الطلاق كان ذلك
باطلا لأنه تحقق فوات بعض الشرط بموت إحداهما وكذلك هذا في الأجنبيتين وكذلك
في المحبة إذا قال إن أحببتما أن أطلقكما فأحبتا طلاق إحداهما لم يقع شئ (قال) قال رجل
لامرأته شائي طلاقك ينوى الطلاق فقالت قد شئت فهي طالق فإن لم يكن له نية فليس
بطلاق لما بينا أن مشيئتها من عمل قلبها كاختيارها وهذا بمنزلة قوله اختاري الطلاق فقالت
قد اخترت وهناك أن نوى الزوج الايقاع يقع فكذلك هنا لأنه يحتمل أن يكون مراده
اختاري الطلاق لأطلقك أو اختاري فتكوني طالقا فاعتبر نية الايقاع فيه فكذلك
201

في المشيئة وان قال أحبي الطلاق أو أريدي الطلاق أو اهوي الطلاق فقالت قد فعلت
كان باطلا وان نوى به الطلاق لان الإرادة والمحبة والهوى من العباد نوع تمن فكأنه
قال لها تمني الطلاق فقالت قد تمنيت لا يقع به شئ وفى الكتاب أشار إلى الفرق بين
هذا وبين قوله شائي لان قوله شائي الطلاق واجبة فيكون مملكا منها وأحبي وأريدي
واهوي لم يملكها فيه شيئا ومعنى هذا أن المشيئة في صفات المخلوقين الزم في اللغة من الإرادة
والهوى والمحبة ألا ترى أن المشيئة لا تذكر مضافة إلى غير العقلاء وقد تذكر الإرادة قال
الله تعالى فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض وليس إلى الجدار من الإرادة شئ توضيح الفرق
أن الزوج هو الموقع ولهذا شرط نية الايقاع منه ولفظ المشيئة يملك الزوج الايقاع به فإنه لو قال
لها شئت طلاقك بنية الايقاع يقع فكذلك إذا فوض إليها يكون مملكا منها ما كان له فأما لفظ
الإرادة والمحبة والهوى لا يملك الزوج الايقاع به لأنه لو قال أحببت طلاقك أو هويت طلاقك
أو أردت طلاقك لا يقع به شئ وان نوى فكذلك لا يصير مملكا منها بهذا اللفظ شيئا
وكذلك لو قال أنت طالق ان أحببت فقالت قد شئت الطلاق وقع عليها لأنها أتت بما
جعله شرطا بل بأقوى على ما بينا ان المشيئة منها أقوى من المحبة بخلاف ما لو قال أنت طالق
إن شئت فقالت قد أحببت أو هويت أو أردت لم يقع شئ لأنها أتت بدون ما جعله شرطا
في حكم الطلاق وما لم يتم الشرط لا ينزل الجزاء (قال) ولو قال لها طلقي نفسك واحدة
إن شئت فقالت قد طلقت نفسي واحدة فهي طالق لان ايقاعها على نفسها مشيئة منها
وزيادة فيتم به شرط المشيئة (قال) ولو قال أنت طالق ثلاثا إن شئت فقالت قد شئت
إن كان كذا لشئ ماض كانت طالقا لان التعليق بشرط موجود يكون تنجيزا ألا ترى ان
الوكيل بالتنجيز يملك هذا النوع من التعليق بخلاف التعليق بما يكون في المستقبل ألا ترى أنه
ا لو قالت قد شئت ان كنت زوجي كان ذلك مشيئة منها ولو قالت قد شئت إن شئت
فقال الزوج قد شئت كان باطلا لأنها علقت مشيئتها بمشيئة منتظرة وهي مشيئة الزوج
فكان ذلك باطلا منها كما لو علقت بمشيئة رجل آخر (فان قيل) ينبغي أن يقع بقول الزوج
شئت لأنه يملك ايقاع الطلاق بهذا اللفظ (قلنا) إنما يملك الايقاع بمشيئة الطلاق وهو
بهذا اللفظ شاء مشيئتها لأنه قصد جوابها حتى لو قال شئت الطلاق نقول يقع إذا نوى
الطلاق وإذا قال لغيره طلق امرأتي فهو رسول معناه ان الوكيل في الطلاق والرسول سواء
202

لأنه سفير ومعبر والرسالة لا تختص بالمجلس فكان له أن يطلقها بعد المجلس ولو قال طلقها
إن شئت كان ذلك على المجلس عندنا حتى لا يملك الايقاع بعد قيامه من المجلس وعلى قول
زفر رحمه الله تعالى يملك لان قوله إن شئت فضل من الكلام فانا نعلم أنه إنما يطلقها إذا شاء
فتلغو هذه الزيادة ويبقى قوله طلقها ولكنا نقول بآخر كلامه يتبين ان مراده تمليك أمرها
منه لا الرسالة وجواب التمليك يقتصر على المجلس كما لو خاطبها به وحاصل هذا ان في حقها
لا تتحقق الرسالة فإنها لا تكون رسولا إلى نفسها فيكون تمليكا سواء قال لها طلقي نفسك
أو قال إن شئت وفى حق الأجنبي تتحقق الرسالة والتمليك جميعا فإذا قال طلق كان رسالة
وإذا قال إن شئت كان تمليكا لأمرها منه وعلى هذا نقول إذا قال طلقها فله ان يعزله قبل
الايقاع ولو قال طلقها إن شئت لم يكن له أن يعزله كما لو ملك الامر منها وكذلك لو جعل
ذلك إلى صبي أو معتوه لان مجرد العبارة يتحقق من هؤلاء (قال) وان قال هي طالق
إذا شئت فقال قد شئت فهي طالق لوجود الشرط وان قال طلقها إن شئت فقال قد
شئت كان باطلا حتى يقول هي طالق لان هذا اللفظ تمليك فلا يقع الطلاق به ما لم يأت
بكلمة الايقاع وقد بينا هذا الفرق في التمليك منها فكذلك من الأجنبي وان قال طلقها
ثلاثا فقال قد فعلت فهي طالق ثلاثا لان هذا جواب الكلام وهذا لان قوله قد فعلت
غير مفهوم المعنى بنفسه فيصير ما تقدم معادا فيه فكأنه قال قد فعلت ما قلت من ايقاع
الثلاث عليها (قال) وان قال لرجلين طلقاها فطلقها أحدهما جاز لان الايقاع مجرد
عبارة لا يحتاج فيه إلى الرأي والتدبير فينفرد به كل واحد منهما وهذا بخلاف ما لو قال
لغيره طلق امرأتي فوكل الوكيل غيره بذلك لان الموكل رضى بعبارته لا بعبارة غيره
وإنما جعله رسولا في الايقاع لا في الارسال وان قال طلقاها ثلاثا فطلقها أحدهما
واحدة والآخر اثنتين فهي طالق ثلاثا لان فعل كل واحد منهما كفعلهما ولو أوقع
الواحدة ثم الاثنتين كانت طالقا ثلاثا ولو قال طلقاها جميعا ولا يطلق واحد منكما دون
صاحبه فطلق أحدهما لم يقع لان أخر كلامه عزلهما عن الايقاع إلا أن يجتمعا عليه ولو
عزلهما عن الايقاع أصلا صح عزله فكذلك إذا عزلهما عن الايقاع إلا أن يجتمعا (قال)
وإذا قال لرجل طلق امرأتي ثم نهاه بعد ذلك فان علم بالنهي فليس له أن يوقع بعد ذلك
وإن لم يعلم به فهو على وكالته لأنه خاطبه بالنهي عن الايقاع وحكم الخطاب لا يثبت في حق
203

المخاطب ما لم يعلم به كخطاب الشرع لأنه لا تمكن له من الامتثال ما لم يعلم والتكليف بحسب
الوسع وعلى هذا قال في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى إذا جعل طلاق امرأته
إلى رجل غائب فطلقها ذلك الرجل قبل أن يعلم بالتفويض إليه لم يقع في قول أبى يوسف
رحمه الله تعالى لان حكم ذلك الخطاب لا يثبت في حقه ما لم يعلم به ألا ترى أنه لو كان قال
له طلقها إن شئت كان له مجلس علمه فما لم يعلم لا يبطل بقيامه ولكن زفر رحمه الله تعالى
يقول الموقع للطلاق معبر لا يلحقه في ذلك عهدة وإنما يتوقف حكم الطلاق في حقه على
علمه لدفع الضرر عنه ولا ضرر عليه هنا فيقع الطلاق بايقاعه (قال) ولو قال لامرأته طلقي
نفسك ثم نهاها فطلقت نفسها قبل أن تقوم من مجلسها وقع الطلاق لان ذلك في حقها تمليك لا
إرسال وتوكيل وكما يتم ايقاع الطلاق بالزوج إذا أوقع على وجه لا يملك الرجوع عنه فكذلك
يتم التمليك به على وجه لا يملك الرجوع عنه أو هذا في معنى التعليق بمشيئتها أو تخييره لها فلا يملك
الرجوع عنه بعد تمامه (قال) ولو قال لها إن شئت فأنت طالق فقالت نعم كان هذا باطلا
لان الشرط مشيئتها وقولها نعم ليس بمشيئة منها للطلاق فما لم يوجد الشرط بقولها شئت لا يقع
عليها شئ وكذلك لو قالت قد قبلت لان قبولها ليس بمشيئة للطلاق (قال) ولو قال لرجلين
إذا شئتما ففلانة طالق ثلاثا فشاء أحدهما واحدة والآخر اثنتين لم يقع عليها شئ لان الشرط
مشيئتهما الثلاث ولم يشأ أحد منهما الثلاث وبدون تمام الشرط لا ينزل الجزاء (قال)
ولو قال لها أنت طالق إذا شئت وشاء فلان فقالت قد شئت ان شاء فلان وقال
فلان قد شئت كان هذا باطلا لان الشرط مشيئتهما ولم يوجد لأنها علقت مشيئتها
بمشيئة فلان وقد بينا ان مثل هذا التعليق لا يكون مشيئة منها وبمشيئة فلان إنما وجد
بعض الشرط وان قال لها إن شئت فأنت طالق ثلاثا ثم قال لأخرى طلاقك مع
طلاق هذه ثم شاءت تلك الطلاق طلقت وطلقت هذه معها ثلاثا إن كان أراد بقوله
الطلاق لأنه علق طلاق الأولى بمشيئتها فقوله للأخرى طلاقك مع طلاق هذه كلام
محتمل يجوز أن يكون المراد طلاقك مع طلاق هذه في ملكي ويجوز أن يكون المراد
طلاقك مع طلاق هذه متعلق بذلك الشرط فينوي في ذلك فان نوى الطلاق وقع عليهما
بمشيئة الأولى وان قال لم أنو الطلاق كان مدينا في القضاء لكون كلامه محتملا وان قال
إذا شئت فأنت طالق ثم قال لامرأة له أخرى أنت طالق إذا طلقت فلانة ثم شاءت
204

فلانة الطلاق طلقت لوجود الشرط ولم تطلق الأخرى لان الوقوع على الأولى عند
مشيئتها بايقاع الزوج وايقاعه سبق يمينه في حق الثانية وشرط الحنث يراعى وجوده
بعد اليمين ولو قال أولا ان طلقت فلانة فأنت طالق ثم قال لفلانة أنت طالق إذا شئت
فشاءت الطلاق وقع عليهما على فلانة بوجود المشيئة وعلى الأخرى بوجود شرط
الحنث لأنه صار مطلقا فلانة بايقاع منه بعد اليمين بطلاقها وذلك شرط الحنث في
حقها (قال) ولو قال لها ان تزوجت فلانة فهي طالق ان شاءت فتزوجها فلها المشيئة
حين تعلم بذلك في مجلسها لان قوله ان تزوجت فلانة شرط وقوله فهي طالق ان شاءت
جزاء والمتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز فكأنه بعد ما تزوجها قال هي طالق ان
شاءت فلهذا توقف على مجلس علمها وإن شاءت قبل أن يتزوجها فتلك المشيئة باطلة لان
المعلق بالشرط معدوم قبله فقبل التزوج لم يصر في يدها شئ فلهذا تلغو مشيئتها قبل التزوج
وفي كل فصل تتوقف مشيئتها بالمجلس ان كانت قائمة فقعدت لم تبطل مشيئتها وان كانت
قاعدة فقامت بطلت مشيئتها لان حالة القعود أجمع على الرأي مما قبل القعود لان القعود
يفرغ الرأي والقيام يفرقه فإنما انتقلت إلى القعود للتروي والنظر في أمرها فلا يكون
ذلك إعراضا منها فإذا قامت فذلك دليل الاعراض منها (قال) ولو قال لها أنت
طالق غدا إن شئت فقالت الساعة قد شئت كان باطلا وإنما لها المشيئة في الغد بخلاف
ما لو قال لها إن شئت فأنت طالق غدا ونوى الساعة بذلك أو قال إن شئت الساعة
فأنت طالق غدا فان لها المشيئة في مجلسها لان قوله إن شئت شرط وقوله فأنت طالق
غدا جزاء فقد علق بالشرط طلاقا مضافا إلى الغد ولو علق بالمشيئة طلاقا منجزا يعتبر وجود
المشيئة في الحال حتى إذا قامت بطلت مشيئتها فكذلك إذا علق بها طلاقا مضافا وفى
الفصل الأول بدأ بإضافة الطلاق إلى الغد ثم جعل ذلك الطلاق معلقا بمشيئتها فيراعى
وجود المشيئة في ذلك الوقت وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن في الفصلين
جميعا يراعي وجود المشيئة في الغد لان التعليق بمشيئتها في المعنى كالتنجيز فإنما يعتبر وجوده
وقت وقوع الطلاق وفى الفصلين الوقوع في الغد فلذلك يعتبر وجود المشيئة في الغد وعن
زفر رحمه الله تعالى ان في الفصلين يعتبر وجود المشيئة في الحال لان قوله إن شئت شرط
والشرط وان تأخر ذكره كان متقدما معنى لأنه ما لم يوجد الشرط لا ينزل الجزاء فكأنه
205

بدأ بذكر المشيئة ألا ترى أنه لا فرق بين قوله ان دخلت الدار فأنت طالق غدا وبين
قوله أنت طالق غدا ان دخلت الدار ثم إنما يقع في قوله إن شئت الساعة فأنت طالق غدا
إذا قالت شئت أن أكون غدا طالقا وان قالت شئت أن يقع الطلاق اليوم كانت هذه
المشيئة باطلة ولم يقع عليها الطلاق اليوم ولا غدا لأنها شاءت غير ما جعله الزوج مفوضا إلى
مشيئتها فإنه جعل الطلاق في الغد مفوضا إلى مشيئتها فإذا شاءت أن يقع اليوم فقد
اشتغلت بشئ آخر فكان ذلك كقيامها عن المجلس (قال) ولو قال إن شئت فأنت طالق
إذا شئت فهما مشيئتان إحداهما على المجلس بقوله إن شئت والأخرى مطلقة بقوله إذا
شئت ولكن المشيئة المطلقة معلقة بالمشيئة المؤقتة فإذا قالت في المجلس شئت أن أكون
طالقا إذا شئت فقد وجد الشرط وصارت المشيئة المطلقة منجزة فكأنه قال لها أنت طالق
إذا شئت فمتى شاءت بعد هذا طلقت وإن لم تقل شيئا حتى قامت من المجلس فلا مشيئة
لها لان شرط المشيئة المطلقة لم يوجد والمشيئة المقيدة بطلت بالقيام عن المجلس ويستوى
ان صرح بذكر الساعة فقال إن شئت الساعة فأنت طالق إذا شئت أو لم يتكلم بالساعة
ونواها قال لان هذا كلام له وجهان في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى فان نوى ما دامت
في المجلس فهو كما نوى وان نوى بعده فهو كما نوي ومراده أن كلمة إذا قد تكون بمعنى
ان وقد تكون بمعنى متى فان جعلت بمعنى إن كان آخر كلامه تكرارا وان جعلت بمعنى
متى كان تصريحا بالمشيئة المطلقة فينوي في ذلك ولم يذكر في الكتاب ما إذا قال إذا شئت
فأنت طالق إن شئت وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى أن عند زفر رحمه
الله تعالى التقديم والتأخير سواء فهذا كالأول وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى المعتبر هنا
المشيئة المطلقة فسواء شاءت في المجلس أو بعده طلقت فان المشيئة المطلقة أعم فلا تظهر بعدها
المشيئة المؤقتة (قال) وان قال أنت طالق كيف شئت فهي طالق تطليقة في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى ولا مشيئة لها إن لم يكن دخل بها وإن كان دخل بها وقعت تطليقة رجعية
والمشيئة إليها في المجلس بعد ذلك فإن شاءت البائنة وقد نوى الزوج ذلك كانت بائنة وإن شاءت
ثلاثا وقد نوى الزوج ذلك كانت طالقا ثلاثا وإن شاءت واحدة بائنة وقد نوى الزوج ثلاثا
فهي واحدة رجعية وإن شاءت ثلاثا وقد نوى الزوج واحدة بائنة فهي واحدة رجعية وعند أبي
يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يقع عليها شئ ما لم تشأ فإذا شاءت فالتفريع كما قال أبو حنيفة
206

رحمه الله تعالى وعلى هذا لو قال لعبده أنت حر كيف شئت عتق عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
ولا مشيئة له ولا يعتق عندهما ما لم يشأ هما يقولان الزوج تكلم بطلاق المشيئة فلا يقع بدون
مشيئتها كقوله أنت طالق كم شئت أو أنت طالق حيث شئت أو أين شئت لا يقع ما لم تشأ
وهذا لان حرف كيف وإن كان استخبارا عن الوصف والحال ولكن ذلك أنما يتحقق فيما
كان أصله موجودا قبل الاستخبار دون ما لم يكن أصله موجودا فيقام الأصل مقام الصفة
فيما لم يكن موجودا قبل كلامه فلهذا تعلق أصل الطلاق بمشيئتها وأبو حنيفة رحمه الله تعالى
يقول إنما يتأخر إلى مشيئتها ما علق الزوج بمشيئتها دون ما لم يعلق وكيف لا يرجع إلى أصل
الطلاق فيكون منجزا أصل الطلاق ومفوضا للصفة إلى مشيئتها بقوله كيف شئت الا ان في
غير المدخول بها وفى العتق لا مشيئة لها في الصفة بعد ايقاع الأصل فيلغو تفويضه المشيئة في
الصفة إليها أيضا وفي المدخول بها لها المشيئة في الصفة بعد وقوع الأصل ان تجعلها بائنا أو ثلاثة
عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى على ما أمليناه في كتاب الدعوى فيصح تفويضه إليها فإن شاءت
في مجلسها أن تكون بائنة أو ثلاثا جاز ذلك إذا نوى الزوج ما شاءت وان نوى الزوج الواحدة
البائنة فشاءت الثلاثة فقد شاءت غير ما نوى فلهذا كان الواقع عليها تطليقة رجعية
توضيحه ان الاستخبار عن وصف الشئ وحاله لما كان من ضرورته وجود أصله تقدم
وقوع أصل الطلاق في ضمن تفويضه المشيئة في الصفة إليها فان الاستخبار عن وصف
الشئ قبل وجود أصله محال كما قال القائل
يقول خليلي كيف صبرك بعدنا * فقلت وهل صبر فيسأل عن كيف
بخلال قوله كم شئت لان الكمية استخبار عن العدد فيقتضى تفويض العدد إلى
مشيئتها وأصل العدد في المعدودات الواحد وبخلاف قوله حيث شئت وأين شئت لأنه
عبارة عن المكان والطلاق إذا وقع في مكان يكون واقعا في الأمكنة كلها فكان ذلك تعليق
أصل الطلاق بمشيئتها وهذه الألفاظ كلها على المجلس لأنها لا تنبئ عن الوقت فيتوقت
بالمجلس كقوله إن شئت ولو قال أنت طالق زمان شئت أو حين شئت فقامت من ذلك
المجلس لم تبطل المشيئة لان زمان وحين عبارة عن الوقت فكأنه قال أنت طالق
إذا شئت أو متى شئت (قال) وإذا قال أنت طالق أمس إن شئت فلها المشيئة
في ذلك المجلس لأنه لو لم يقل إن شئت فان يقع الطلاق عليها في الحال وكان قوله
207

أمس لغوا فكذلك إذا قال إن شئت يكون كلامه تعليقا للطلاق في الحال بمشيئتها فلها
المشيئة ما دامت في المجلس وان قال أنت طالق على ألف درهم إذا شئت أو متى شئت أو
كلما شئت فذلك إليها متى شاءت اعتبارا للطلاق بالجعل بالطلاق بغير جعل وهذا لان في الطلاق
بجعل يعتبر قبولها وهي بالمشيئة تكون قابلة ولما كان حرف إذا ومتى للوقت فقد علق الطلاق
بجعل بقبولها في أي وقت يكون فسواء قبلت في المجلس أو بعده بمشيئتها وقع الطلاق ولزمها
المال وان قال إن شئت فهذا على المجلس كما لو كان الطلاق بغير جعل فان قالت في المجلس
قد شئت وقع الطلاق ولزمها المال وان قامت قبل أن تشاء فهي امرأته (قال) وإذا قال
لها إذا شاء فلان فأنت طالق وفلان ميت أو كان حيا فمات ساعتئذ والزوج يعلم بذلك أولا
يعلم لم يقع عليها الطلاق أما إذا كان حيا فمات فلان الشرط مشيئته وقد فات بموته وبفوات
الشرط يمتنع نزول الجزاء وأما إذا كان ميتا فلانه علق الطلاق بشرط لا كون له فيكون
تحقيقا للنفي كما لو قال أنت طالق ان شاء هذا الجدار أو ان تكلمت الموتى أو ان تكلمت هذه
الحصاة يكون تحقيقا للنفي لا ايقاعا وكذلك إذا قال إذا شاء الجن أو ما أشبه هذا من خلق
لا يرى ولا يظهر ولا تعلم مشيئته هذا تحقيق للنفي وتأثيره في اخراج الكلام من أن
يكون عزيمة ولو قال إذا شاء فلان وفلان غائب فمات ولا يعلم أنه شاء أو لم يشأ لم تطلق كما لو
قال أنت طالق ان تكلم فلان بطلاقك فمات فلان قبل أن يعلم ذلك منه لم تطلق لان المتعلق
بالشرط لا ينزل الا بعد العلم بوجود الشرط (قال) ولو قال أنت طالق ان كنت تحبين
كذا لشئ يعلم أنها تحبه أو لا تحبه مثل الموت والعذاب فقالت أنا أحب ذلك فهي طالق
إذا قالت ذلك في مجلسها في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه
الله تعالى فيما يعلم أنها لا تحبه لا يقبل قولها ولا تطلق لأنا نتيقن بكذبها فان أحدا لا يحب
العذاب في النار ولا الموت في الدنيا والمخبر عن الشئ إذا كان متهما بالكذب لا يقبل خبره
فعند التيقن بالكذب أولى وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا محبتها تكون
بقلبها وذلك مما لا يوقف عليه فيقام خبرها بذلك مقام حقيقته تيسيرا وصار كأنه قال لها ان
أخبرتني أنك تحبين الموت والعذاب وقد أخبرت بذلك مع أن في خبرها احتمال الصدق
وقد يبلغ ضيق الصدر بالمرء وسوء الحال درجة يحب فيها الموت وقد تحملها شدة بغضها
للزوج على أن تؤثر العذاب والموت على صحبته وذلك محسوس وقد تحملها شدة البغض أو
208

الغيرة على أن تقتل نفسها وهل في ذلك الا ايثار العذاب والموت على صحبته وكذلك لو
قال لها ان كنت تبغضين كذا لشئ يعلم أنها تحبه مثل الجنة والغنى فقالت أنا أبغضه
فهو كالأول على ما بينا وان قال أنت طالق ان كنت تحبين كذا فقالت لست أحبه
وهي كاذبة لم يقع الطلاق عليها لان السبب الظاهر وهو الاخبار قام مقام المعنى الخفي
فيدور الحكم من السبب الظاهر وجودا وعدما ويسقط اعتبار المعنى الخفي وكذلك أن
قال أنت طالق ثلاثا ان كنت انا أحب ذلك ثم قال لست أحب ذلك وهو كاذب فهي
امرأته ويسعه ان يطأها فيما بينه وبين الله تعالى ويسعها المقام معه وهذا مشكل لأنه ان
كأن لا يعرف ما في قلبها حقيقة يعرف ما في قلبه ولكن الطريق ما قلنا إن ما في قلبه وما في
قلبها لا يمكن الوقوف على حقيقته فإنما يتعلق بالسبب وهو الاخبار فإذا أخبر بخلاف ما جعله
شرطا لم يقع عليها شئ المحبة والبغض في ذلك سواء وان قال لها ان كنت أحب طلاقك
فأنت طالق ثم قال لست أحب ذلك أو لم يقل شيئا فهي امرأته لان شرط وقوع طلاقها
اخباره بمحبة طلاقها فإذا لم يقل شيئا لم يوجد الشرط وان قال لست أحبه فقد أخبر بضد
ما جعله شرطا فلا يقع الطلاق وإن كان يحب ذلك حقيقة وكذلك لو قال لها ان كنت
تحبين طلاقك فأنت طالق ثلاثا فشرط الوقوع إخبارها بمحبة الطلاق ما دامت في المجلس
حتى إذا قامت قبل أن تقول شيئا لم تطلق وان كانت تحب ذلك بقلبها لانعدام الشرط
وهو الخبر وكذلك أن قالت لا أحبه وهي كاذبة لم تطلق لأنها أخبرت بضد ما هو شرط
الطلق وكذلك لو قال إن كنت تحبين الطلاق بقلبك أو تهوينه أو تريدينه أو تشتهينه
بقلبك دون لسانك فأنت طالق ثلاثا فقالت لا أشاء ولا أحب ولا أقوى ولا أريد ولا
أشتهي فهي امرأته لأنها أخبرت بضد ما هو شرط الطلاق ولا تصدق بعد ذلك على
خلاف هذا القول اما للتناقض أو لان بالخبر الأول قد تم شرط بره وبعد تمام شرط البر
في اليمين لا يتصور الحنث وان سكتت ولم تقل شيئا حتى قامت فهي امرأته لان الشرط لم
يوجد وهو إخبارها في المجلس وإن كان في قلبها خلاف ما أخبرت به فإنه يسعها ان تقيم
معه فيما بينها وبين الله تعالى في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ولا يسعها
ذلك في قول محمد رحمه الله تعالى لأنه جعل الشرط محبتها بقلبها حين صرح به فلا معتبر
بخبرها بخلافه ولكنا نقول إنما يعتبر من كلامه ما يمكن الوقوف على معرفته فاما أن يقوم
209

خبرها مقام حقيقة ما في قلبها لأنه إنما يعبر عما في قلبها لسانا أو لما جعل الشرط مالا طريق
لنا إلى معرفته حقيقة كان ذلك تحقيقا للنفي كم بينا من نظائره فيما سبق (قال) وان قال
لامرأتيه أيتكما شاءت فهي طالق ثلاثا فشاءتا جميعا فهما طالقان وإن شاءت إحداهما
وسكتت الأخرى فالتي شاءت طالق لان كلمة أي تتناول كل واحد من المخاطبين على
الانفراد قال الله تعالى أيكم يأتيني بعرشها ولم يقل يأتوني ويقال أيكم فعل كذا ولا يقال
فعلوا ولا فعلتم وإذا ثبت أنه يتناول كل واحدة على الانفراد صارت مشيئة كل واحدة
شرطا لوقوع الطلاق عليها على الانفراد بخلاف قوله إن شئتما على ما تقدم فإن شاءتا
وقال الزوج إنما عنيت إحداكما لم يصدق في القضاء لأنه خلاف الظاهر ويصدق فيما
بينه وبين الله تعالى على معني انه نوى التخصيص في لفظ العموم فإن كان عنى واحدة
منهما بعينها فارق تلك الواحدة وان عنى بغير عينها يمسك أيتهما شاء وفارق الأخرى
ولا يسع امرأتيه ان تقيما معه لأنهما يتبعان الظاهر فكما لا يصدقه القاضي في ذلك فكذلك
لا يسعهما ان يصدقاه وان قال أشدكما حبا لي أو للطلاق طالق أو قال أشدكما بغضا لي أو للطلاق
طالق فادعت كل واحدة منهما أنها أشد حبا أو بغضا في ذلك وكذبهما الزوج لم تطلق
واحدة منهما لان كل واحدة منهما تدعى شرط الطلاق والزوج ينكر ذلك وقد يكونان في
ذلك سواء لا يحبان ولا يبغضان (فان قيل) لماذا لا يقام هنا إخبار كل واحدة منهما مقام
حقيقة كونها أشد حبا أو بغضا (قلنا) لا طريق لواحدة منهما إلى معرفة ما في قلب صاحبتها
وبدون ذلك لا يعرف انها أشد حبا أو بغضا فتكون في الاخبار مجازفة فلهذا لا يقام الخبر
مقام حقيقة الشرط توضيحه انا لما أقمنا هنا الخبر مقام حقيقة الشرط جعلناهما طالقين ونحن
نتيقن انه ما طلقهما إنما طلق أشدهما حبا له أو بغضا له ولا يتصور ذلك في حقهما جميعا ولهذا
لا تطلق واحدة منهما والله أعلم
* (باب الخيار) *
(قال) وإذا قال لامرأته اختاري فاختارت نفسها في القياس لا يقع عليها شئ وان
نوى الطلاق لان التفويض إليها إنما يصح فيما يملك الزوج مباشرته بنفسه وهو لا يملك
ايقاع الطلاق عليها بهذا اللفظ حتى لو قال اخترتك من نفسي أو اخترت نفسي منك
210

لا يقع شئ فلا يملك التفويض إليها بهذا اللفظ أيضا ولكنا تركنا القياس لآثار الصحابة
روى عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وجابر وزيد وعائشة رضوان الله
عليهم أجمعين قالوا في الرجل يخير امرأته أن لها الخيار ما دامت في مجلسها ذلك فان قامت
من مجلسها فلا خيار لها ولان الزوج مخير بين أن يستديم نكاحها أو يفارقها فيملك ان
يسويها بنفسه في حقه بأن يخيرها وقد خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه حين نزل
قوله تعالى فتعالين أمتعكن وأسرحكن ثم كان القياس أن لا يبطل خيارها بالقيام عن
المجلس لان التخيير من الزوج مطلق والمطلق فيما يحتمل التأبيد متأبد ولكنا تركنا هذا
القياس لآثار الصحابة رضي الله عنهم ولان الخيار الطارئ لها على النكاح من جهة
الزوج معتبر بالخيار الطارئ شرعا وهو خيار المعتقة وذلك يتوقت بالمجلس فكذلك هذا
لها الخيار ما بقيت في المجلس وان تطاول يوما أو أكثر لان المجلس قد يطول وقد يقصر
ألا ترى ان حكم قبض بدل الصرف ورأس مال السلم لما توقت بالمجلس لم يفترق الحال
بين ان يطول أو يقصر فإذا قامت أو أخذت في عمل يعرف أنه قطع لما كانت فيه من ذلك
بطل خيارها لان اشتغالها بعمل آخر يقطع المجلس ألا ترى أن المجلس يكون مجلس مناظرة
ثم ينقلب مجلس أكل إذا اشتغلوا به ثم مجلس القتال إذا اقتتلوا ولان الذهاب عن المجلس
إنما كان مبطلا لخيارها لوجود دليل الاعراض عما فوض إليها وذلك يحصل باشتغالها بعمل
آخر وكذلك بقيامها وإن لم تذهب لان القيام يفرق الرأي وبه فارق الصرف والسلم فان
بمجرد القيام قبل الذهاب هناك لا يبطل العقد لأنه لا معتبر بدليل الاعراض ثم وإنما المعتبر
الافتراق قبل القبض وان كانت قاعدة حين خيرها فاضطجعت بطل خيارها في قول زفر
رحمه الله تعالى وهو رواية الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف رحمه الله تعالى لان
الاضطجاع دليل الاعراض والتهاون بما خيرها وروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف رحمه
الله أنه لا يبطل خيارها لان الانسان قد يضطجع إذا أراد أن يروى النظر في أمر ولو
كانت متكئة حين خيرها فاستوت قاعدة لا يبطل خيارها لأنه دليل الاقبال على ما حزبها
من الامر وان كانت قاعدة فاتكأت ففي احدى الروايتين لا يبطل خيارها لان الاتكاء
نوع جلسة فكأنها كانت متربعة فاحتبت وفى الرواية الأخرى يبطل خيارها لان الاتكاء
بمنزلة الاضطجاع لأنه إظهار للتهاون بما خيرها وإذا خيرها وقال لم أرد به الطلاق
211

فالقول قوله مع يمينه لان قوله اختاري كلام محتمل يجوز أن يكون مراده اختاري
نفقة أو كسوة أو دارا للسكنى وفى الكلام المحتمل القول قول الزوج انه لم يرد الطلاق
مع يمينه لكونه متهما في ذلك وان نوى الطلاق فإن كان قال لها اختاري فقالت اخترت
لا يقع شئ أيضا لأنه ليس في كلامه ولا في كلامها ما يوجب التخصيص وإزالة
الابهام والطلاق لا يقع بمجرد القصد من غير لفظ يدل عليه بخلاف ما إذا قال لها اختاري
نفسك فقالت اخترت أو قال اختاري فقالت اخترت نفسي لان هناك في كلام أحدهما
تنصيص على التخصيص فيقع به الطلاق عند النية ثم المخيرة إذا اختارت زوجها لم يقع
عليها شئ الا على قول علي رضي الله عنه فإنه يقول يقع تطليقة رجعية إذا اختارت زوجها
فكأنه جعل عين هذا اللفظ طلاقا فقال إذا اختارت زوجها فالواقع به طلاق لا يرفع
الزوجية ولسنا نأخذ بهذا بل نأخذ بقول عمر وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنها إذا
اختارت زوجها فلا شئ وهذا لحديث عائشة رضي الله عنها قالت خيرنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فاخترناه ولم يكن ذلك طلاقا وان اختارت نفسها فواحدة بائنة عندنا وهو
قول علي رضي الله عنه وعلى قول عمر وابن مسعود رضي الله عنهما واحدة رجعية وعلى
قول زيد رضي الله عنه إذا اختارت نفسها فثلاث وكأنه حمل هذا اللفظ على أتم ما يكون من
الاختيار وعمر وابن مسعود رضي الله عنهما حملا على أدنى ما يكون منه وهو التطليقة
الرجعية ولكنا نأخذ في هذا بقول علي رضي الله عنه لان اختيارها نفسها إنما يتحقق إذا
زال ملك الزوج عنها وصارت مالكة أمر نفسها وذلك بالواحدة البائنة وليس في هذا
اللفظ ما يدل على الثلاث لان حكم مالكيتها أمر نفسها لا يختلف بالثلاث والواحدة البائنة
ولهذا قلنا وان نوى الثلاث بهذا اللفظ لا تقع الا واحدة بائنة لان هذا مجرد نية
العدد منه وقوله اختاري أمر بالفعل فلا يحتمل معنى العدد بخلاف قوله أنت بائن فنية
الثلاث إنما تصح هناك باعتبار أنه نوى به نوعا من البينونة وهنا الاختيار لا يتنوع فبقي
هذا مجرد نية العدد (قال) والتخيير في السفينة كالتخيير في البيت لان السفينة في حق
راكبها كالبيت لا يجريها بل هي تجرى به قال الله تعالى وهي تجرى بهم ألا ترى أنه
لا يتمكن من ايقافها متي شاء فلها الخيار ما دامت في مجلسها بخلاف ما إذا خيرها وهي راكبة
فسارت الدابة بعد الخيار شيئا يبطل خيارها لان سير الدابة مضاف إلى راكبها حتى يتمكن
212

من ايقافها متى شاء فكان ذلك كمشيئتها في حكم تبدل المجلس إلا أن تكون الدابة واقفة
أو سائرة فاختارت نفسها متصلا بتخيير الزوج من غير سكوت بين الكلامين فحينئذ
يصح اختيارها لان دليل الاعراض إنما يتحقق بسكوتها بعد تخيير الزوج ولم يوجد وكذلك أن
كان معها على تلك الدابة أو كانا في محمل واحد وهكذا الجواب في البيع ان اتصل قبول
المشتري بايجاب البائع من غير سكتة بينهما في هذا الفصل ينعقد البيع وإلا فلا وان خيرها
وهي في صلاة مكتوبة فأتمت صلاتها لم يبطل خيارها لأنها ممنوعة عن قطع الصلاة قبل
اتمامها فلا تتمكن من الاختيار ما لم تفرغ ودليل الاعراض بترك الاختيار بعد التمكن منه
والوتر في هذا كالمكتوبة لأنها ممنوعة من قطعها قبل الاتمام فأما في التطوع إذا كانت
في الشفع الأول فأتمت ذلك الشفع لا يبطل خيارها لأنها ممنوعة من ابطال العمل والركعة
الواحدة لا تكون صلاة معتبرة كما قال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه والله ما أجزت ركعة قط
وان تحولت إلى الشفع الثاني بطل خيارها لان كل شفع من التطوع صلاة على حدة فاشتغالها
بالشفع الثاني دليل الاعراض بمنزلة ما لو افتتحت الصلاة بعدما خيرها الزوج وروى ابن
سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى في الأربع قبل الظهر إذا كانت في الشفع الأول حين خيرها
فأتمت أربعا لم يسقط خيارها لأن هذه الأربع تؤدى بتسليمة واحدة عادة وان كانت قاعدة
فدعت بطعام فطعمت يبطل خيارها لان مجلسها تبدل حين دعت بطعام فقد صار مجلسها
مجلس الأكل وهذا دليل الاعراض والتهاون منها بخلاف ما لو أكلت شيئا يسيرا من
غير أن تدعو بالطعام فذلك القدر لقلته لا يبدل المجلس فلا يكون ذلك دليل الاعراض
بل ذلك منها تفريغ نفسها لما حزبها وكذلك أن شربت ماء لأنها إنما شربت لتتمكن من
الكلام ففي حالة المشاجرة قد يجف فم المرء فلا يقدر على الكلام ما لم يشرب فلا يكون ذلك
دليل الاعراض بل ذلك منها تفريغ نفسها ولو نامت أو امتشطت أو اغتسلت أو اختضبت في
ذلك المجلس فهذا كله دليل الاعراض لاشتغالها بعمل آخر لا تحتاج إليه وليس ذلك من عمل
الاختيار وكذلك أن جامعها فتمكينها من أدل الدلائل على اعراضها وكذلك أن أقامها من
مجلسها اما لأنها طاوعته في القيام أو لأنها تركت الاختيار حتى أقامها فذلك دليل الاعراض
منها وكذلك هذا كله في قوله أمرك بيدك وأنت طالق إن شئت لتوقتهما بالمجلس وان
لبست ثيابها من غير أن تقوم لم يبطل خيارها لأنها إنما تلبس لتكون مستترة منه إذا اختارت
213

نفسها فلا يكون دليل الاعراض وكذلك إذا دعت شهودا لأنها تقصد بذلك اشهادهم على
اختيار أمر نفسها وكذلك إذا قالت ادعوا إلي أبى أو أمي لأنها تقصد بذلك أن تستشيرهما فلا
يكون ذلك دليل الاعراض منها والاستشارة في مثل هذا حسن على ما روى أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضى الله تعالى عنها انى أعرض عليك أمرا فلا تحدثي فيه
شيئا حتى تستشيري أبويك ثم تلا عليها آية التخيير وخيرها فقالت أفي هذا أستشير
أبوي أنا أختار الله ورسوله وكذلك أن سبحت أو قرأت آية أو نحوها من القرآن فلا
يكون دليل الاعراض منها وقد يفعل المرء ذلك للاستخارة فلا يبطل به ما صار في يدها من
الخيار والامر والمشيئة (قال) وإذا خيرها أو جعل أمرها إليها فقالت قد طلقتك فهو باطل
وقد بينا هذا فيما سبق أن الزوج ليس بمحل للطلاق وروينا فيه حديث ابن عباس رضى الله
تعالى عنه (قال) وإذا قال اختاري ثم اختاري ثم اختاري ينوى الطلاق بهذا كله فاختارت
نفسها فهي ثلاث تطليقات لان الوقوع بهذه الألفاظ عند اختيارها نفسها يكون جملة واحدة
فان اختيارها نفسها جواب للكلمات الثلاث والترتيب بحرف ثم في كلام الزوج فلا يوجب
ذلك ترتيبا في الوقوع لان الوقوع باختيارها نفسها ولو اختارت نفسها بالأولى قبل أن
يتكلم بالثانية والثالثة بانت بالأولى ولم يقع بالثانية والثالثة شئ لان البائن لا يلحق البائن
ولأنها ملكت أمر نفسها حين بانت بالأولى فلا يكون كلامه الثاني والثالث ايجابا بل اخبارا
عن حالها انها مالكة أمر نفسها وهو صادق في ذلك بخلاف الأول فان هناك كلامه الثاني
والثالث ايجاب لأنه تكلم به قبل أن تملك أمر نفسها (قال) ولو قال لها اختاري اختاري
اختاري فاختارت نفسها قال الزوج نويت بالأولى الطلاق وبالأخريين ان أفهمها لم يصدق
في القضاء وبانت بثلاث لان الكلام الثاني والثالث ايجاب صحيح من حيث الظاهر والقاضي
مأمور باتباع الظاهر ولكنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى لان الكلام الواحد قد يكرر
للتأكيد وتفهيم المخاطب ولو قال لها اختاري فقالت قد اخترت فلما قامت عن المجلس قالت
عنيت نفسي لم تصدق في ذلك لان الامر خرج من يدها بالقيام عن المجلس فإنما أخبرت
بما لا تملك انشاءه وهذا يدل على أنها لو قالت قبل أن تقوم أردت نفسي ان ذلك يصح منها
لبقائها في المجلس كما لو سكتت حتى الآن ثم قالت اخترت نفسي ولكنه قال في التعليل قد
خرج الامر من يدها حين تكلمت بذلك فهذا إشارة إلى أنها وان قالت في المجلس أردت
214

نفسي لا يقبل قولها وهذا هو الصحيح لان اشتغالها بكلام مبهم دليل الاعراض
والتهاون وان قال لها اختاري نفسك فقالت قد اخترت فهذا جواب وهي طالق لان
جوابها بناء على خطاب الزوج فما تقدم في الخطاب يصير كالمعاد في الجواب فكأنها قالت
اخترت نفسي وإذا خيرها بعد ذكر الطلاق فاختارت نفسها ثم قال لم أنو به الطلاق لم
يصدق في القضاء وكذلك أن قال هذا في غضب وقد بينا هذا في فصول الكنايات وكما
لا يصدقه القاضي فكذلك لا يسع المرأة ان تقيم معه الا بنكاح مستقبل وإذا قال لها اختاري
ثم طلقها واحدة بائنة بطل الخيار لأنها صارت مالكة أمر نفسها بما أوقع عليها وإنما كانت
تختار أمر نفسها لهذا المقصود فلا يتحقق ذلك بعدما ملكت أمر نفسها وكذلك لو قال أنت
طالق واحدة بائنة إن شئت فقالت قد شئت سقط الخيار لأنها ملكت أمر نفسها ولو كان
الطلاق رجعيا كان الخيار على حاله لأنها بهذا الطلاق لا تصير مالكة أمر نفسها وكذلك
هذا في الامر باليد وذكر في الأمالي انه إذا قال لها اختاري إذا شئت أو امرك بيدك إذا شئت
ثم طلقها واحدة بائنة ثم تزوجها فاختارت نفسها انها لا تطلق في قول أبى يوسف رحمه الله
لان الزوج أوقع بنفسه ما فوض إليها فيكون ذلك اخراجا للامر من يدها وفى قول أبي
حنيفة رحمه الله تطلق تطليقة بائنة لان التفويض قد صح فلا يبطل بزوال الملك الا انها بعد
زوال الملك كانت لا تتمكن من الاختيار لكونها مالكة أمر نفسها فإذا زال ذلك بالعقد فهي
على خيارها وما قاله أبو يوسف رحمه الله ضعيف لان الطلاق متعدد فلا يتعين ما أوقعه
الزوج لما فوضه إليها كما لو قال لغيره بع قفيزا من هذه الصبرة ثم باع بنفسه قفيزا لا ينعزل
الوكيل (قال) وإذا قال لها اختاري الأزواج أو اختاري أهلك أو أبويك فقالت قد اخترت
الأزواج أو أبى أو أهلي وقد عني الزوج الطلاق في القياس لا تطلق لأنها ما اختارت نفسها
وقد كان القياس في أصل هذا اللفظ أن لا يقع به شئ تركنا القياس لآثار الصحابة رضي الله عنه
م وإنما ورد الأثر في اختيارها نفسها فما سوى ذلك يبقي على أصل القياس ولكنه
استحسن فقال هي طالق لان هذا في معنى اختيارها نفسها فإنها إنما تختار الأزواج إذا ملكت
أمر نفسها وإنما تتمكن من الرجوع إلى بيت أبيها وأهلها إذا ملكت أمر نفسها فكان هذا في
معنى اختيارها بخلاف ما لو قال اختاري أختك أو أخاك أو ذا رحم محرم منك فاختارت ذلك
وهو ينوى الطلاق فان هذا ليس في معنى اختيارها نفسها من كل وجه فيؤخذ فيه بالقياس
215

ولا يقع عليها شئ ولو قال لها اختاري فقالت أختار نفسي في القياس لا تطلق لان كلامها وعد
وليس بايجاب ألا ترى أنه لو قال لها طلقي نفسك فقالت أنا أطلق نفسي لم يقع شئ ولكن
في الاستحسان تطلق لان قولها أختار وعد صورة وايجاب معني والعادة الظاهرة في هذا اللفظ
أنه يراد به الحال دون الاستقبال يقول الرجل فلان يختار كذا وأنا أختار كذا والشاهد يقول
بين يدي القاضي أشهد والمؤذن يقول أشهد أن لا إله إلا الله والمراد به التحقيق دون الوعد
ولم يوجد مثل هذه العادة في قولها أنا أطلق نفسي فلهذا يؤخذ هناك بالقياس ولو قال لها اختاري
فقالت قد فعلت لم يقع شئ كما لو قالت اخترت لان قولها قد فعلت في معنى الابهام أزيد
من قولها قد اخترت وإذا قال اختاري نفسك فقالت قد فعلت طلقت كما لو قالت اخترت
لأنها أخرجت الكلام مخرج الجواب فيصير ما تقدم في الخطاب كالمعاد في الجواب وان قال
اختاري إن شئت فقالت قد اخترت نفسي وقع الطلاق عليها لان في اختيارها نفسها
مشيئة وزيادة وان قال اختاري بألف درهم فاختارت زوجها لم يلزمها المال لان وجوب
المال عليها بإزاء البينونة ولا يحصل ذلك إذا اختارت زوجها بخلاف ما إذا اختارت نفسها فالبينونة
قد حصلت هنا وقد أوجب الزوج ذلك لها بعوض وفى اختيارها نفسها قبول منها (قال)
وان قال اختاري فقالت قد اخترت نفسي ان كنت زوجي أو إن كان كذا لشئ ماض وقع
الطلاق لان التعليق بالموجود تنجيز فهذا وقولها اخترت نفسي سواء فان اشترطت شيئا لم يكن
فقد بطل الخيار لأنها أتت بالتعليق وإنما فوض إليها التنجيز فاشتغالها بالتعليق يكون اعراضا
عما فوض إليها فيبطل خيارها (قال) وان قال اختاري فقالت قد طلقت نفسي طلقت
واحدة بائنة بخلاف ما لو قال لها طلقي نفسك فقالت قد اخترت نفسي كان هذا باطلا
لان لفظ الاختيار أضعف من لفظ الطلاق ألا ترى أن الزوج يملك الايقاع بلفظ الطلاق
دون لفظ الاختيار فالأضعف لا يصلح جوابا للأقوى والأقوى يصلح جوابا للأضعف
توضيحه أن قولها طلقت نفسي لو كان قبل تخيير الزوج توقف على إجازة الزوج فإذا كان
بعد تخيير الزوج يكون عاملا وقولها اخترت نفسي قبل تخيير الزوج يكون لغوا لا يتوقف
على إجازة الزوج فكذلك بعد تفويض الزوج بقوله طلقي نفسك لان التفويض غير التخيير
يقرره أن بقوله اختاري نفسك يثبت لها الخيار ومن ضرورته أن تملك اكتساب سبب
الفرقة وقولها طلقت نفسي من ذلك فيصح منها فأما قوله طلقي نفسك فإنه تفويض للطلاق
216

إليها وليس من ضرورته أن يثبت الخيار لها في اكتساب سبب الفرقة وقولها اخترت نفسي
من ذلك فلهذا كان باطلا منها (قال) ولو قال الزوج لرجل خير امرأتي أو قل لها امرك
بيدك فما لم يخيرها ذلك الرجل لا يصير الامر بيدها لأنه أناب ذلك الرجل مناب نفسه في
تخييرها وما أوجب لها الخيار بنفسه بخلاف ما لو قال لذلك الرجل قل لها ان الخيار بيدها أو
ان أمرها بيدها أو انها طالق ان شاءت فذلك بيدها أخبرها الرجل أو لم يخبرها لأنه أوجب
لها ذلك بنفسه وجعل المخاطب رسولا إليها في إعلامها ذلك فسواء أعلمها أو علمت بنفسها بسماعها
من الزوج أو من غيره كان لها الخيار في مجلس علمها ولو لم تعلم به الا بعد أيام فمتى علمت كان
لها الخيار في مجلسها لأنها تتمكن من التصرف بمقتضى هذا التخيير ما لم تعلم به فيتوقف ثبوت
الحكم في حقها على علمها به في خطاب الشرع وكما في خيار المعتقة انه يبقي إلى علمها به ومتى
علمت كان لها الخيار في ذلك المجلس (قال) وان قال هي بالخيار اليوم فلها الخيار إلى غروب
الشمس ولا يبطل خيارها بقيامها عن المجلس لأنه أوجب لها خيارا ممتدا فلا يبطل ذلك ما بقي
وقته وإن لم تعلم حتى مضى اليوم بطل خيارها لان الخيار كان مؤقتا بوقت فلا موجب له بعد
مضى ذلك الوقت ولكن ينتهى بمضي الوقت سواء علمت أو لم تعلم وكذلك لو قال هي بالخيار
هذا الشهر وذكر في النوادر انها لو اختارت زوجها ثم أرادت أن تختار نفسها قبل مضى الشهر
فليس لها ذلك في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى
لها ذلك وذكر بشر بن الوليد عن أبي يوسف رحمه الله لها ذلك على عكس هذا وقال إذا قال
لها الخيار إلى رأس الشهر فاختارت زوجها في يوم ثم أرادت أن تختار نفسها في يوم آخر
فليس لها ذلك في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ولها ذلك عند أبي حنيفة رحمه الله فمن
يقول لها ذلك قال لان اختيارها زوجها بمنزلة قيامها عن المجلس فكما لا يبطل خيارها في
الامر المؤقت بالقيام عن المجلس واشتغالها بعمل آخر فكذلك باختيارها زوجها ومن يقول
ليس لها أن تختار نفسها قال لان الخيار واحد في جميع المدة وقد أبطلته حين اختارت
زوجها فلا يبقى بعد ابطالها خيار حتى تختار به نفسها (قال) وان قال لامرأة يوم أتزوجك
فاختاري أو متى أتزوجك فاختاري أو ان تزوجتك أو إذا تزوجتك أو كلما تزوجتك فلها
الخيار في جميع ذلك في المجلس الذي يتزوجها فيه لان المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز
الا في كلما فان لها الخيار كلما تزوجها في ذلك المجلس مرة بعد مرة لان كلمة كلما تقتضي التكرار
217

(قال) وان قال اختاري إذا أهل الشهر أو إذا كملت السنة أو إذا قدم فلان فإن لم تعلم
بذلك فلها الخيار إذا علمت فالمعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ولو خيرها مطلقا عنه
وجود هذه الأمور يتوقف على المجلس الذي علمت به كذلك هنا (قال) وان قال اختاري
يوم كذا أو رأس الشهر أو صلاة الأولى فلها الخيار في ذلك اليوم كله ووقت تلك الصلاة
كله ورأس الشهر ليلته ويومه كله لان الشهر يشتمل الليالي والأيام ورأسه الليلة الأولى ويومها
ويسقط خيارها بمضي هذا الوقت ان علمت أو لم تعلم لأنه أوجب لها الخيار مؤقتا فلا يبقى
بعد مضى الوقت (قال) وان قال اختاري يوم يقدم فلان فقدم فلان ليلا فلا خيار لها
ولو قدم بالنهار فلها الخيار في ذلك اليوم إلى غروب الشمس لان الخيار يتوقف فذكر اليوم
فيه للتوقيت به فيتناول بياض النهار خاصة بخلاف قوله أنت طالق يوم يقدم فلأن لان
الطلاق لا يحتمل التوقيت ولا يختص بأحد الوقتين فذكر اليوم فيه عبارة عن الوقت
(قال) وان قال اختاري تطليقة فقالت قد اخترتها فهي واحدة رجعية لان قوله تطليقة
بمنزلة التفسير لأول كلامه والمبهم إذا تعقبه تفسير يكون الحكم لذلك التفسير فيصير
مفوضا إليها الطلاق باللفظ الصريح وكذلك الامر باليد لو قال لها أمرك بيدك في تطليقة
كان هذا تفسير الأول كلامه ولو قال اختاري تطليقتين فقالت قد اخترت واحدة
وقع عليها تطليقة رجعية لأنها ملكت ايقاع اثنتين ومن ضرورته أن تملك ايقاع الواحدة
وهذا بخلاف ما لو قال لها اختاري تطليقتين إن شئتهما فاختارت واحدة لا يقع عليها شئ
لأنه جعل الشرط مشيئتها تطليقتين ولم يوجد ذلك بايقاع الواحدة (قال) ولو قال لها
اختاري اختاري اختاري فقالت قد اخترت نفسي فهذا جواب منها تام للكلمات الثلاث
فتطلق ثلاثا وكذلك لو قالت اخترت نفسي مرة واحدة أو بمرة أو اختيارة فهذا جواب
تام للكلمات الثلاث فتطلق ثلاثا وان قالت اخترت التطليقة الأولى وقع عليها واحدة
بالاتفاق (قال) وان قالت اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة فهي طالق ثلاثا في
قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تطلق واحدة
بائنة بمنزلة ما لو قالت اخترت التطليقة أو اخترت التطليقة الأولى لان معنى قولها
اخترت الأولى ما صار إليها بالكلمة الأولى والذي صار إليها بالكلمة الأولى تطليقة
فكأنها صرحت بذلك توضيحه ان الأولى نعت لمؤنث فيجوز أن يكون المراد به التطليقة
218

فلا يقع به الا واحدة ويجوز أن يكون المراد به المرة أو الاختيارة فيقع الثلاث ولكن
الطلاق بالشك لا ينزل وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الأولى نعت لمؤنث ولكن
النعت ينصرف إلى منعوت مذكور ولا ينصرف إلى ما لم يذكر مع امكان صرفه إلى
المذكور والمذكور الاختيار دون الطلاق فكان هذا بمنزلة قولها اخترت الاختيارة الأولى
أو المرة الأولى ولو صرحت بذلك طلقت ثلاثا وحرف آخر له انها أتت بالترتيب فيما لا يليق
به صفة الترتيب فيلغو ذكر الترتيب فيبقى قولها اخترت فيكون جوابا للكل وبيان هذا أن
التطليقات الثلاث قد اجتمعت في ملكها حتى يقع الثلاث جملة باختيارها نفسها والمجتمع
في زمان أو مكان لا يليق به صفة الترتيب فكذلك المجتمع في الملك لا يليق به صفة الترتيب
وهذا بخلاف قولها اخترت التطليقة الأولى فان هناك يلغو ذكر الترتيب أيضا فيبقي قولها
اخترت التطليقة (فان قيل) كان ينبغي أن لا يقع هناك شئ لأنه لما لغي ذكر
الترتيب بقي قولها اخترت وقد بينا أن بهذا اللفظ لا يقع الطلاق ما لم تقل اخترت نفسي
(قلنا) هذا إذا لم يكن في لفظ الزوج ما يدل على تخصيص الطلاق وهنا ما يدل على ذلك
وهو قوله اختاري ثلاث مرات فان الطلاق هو المحصور بعدد الثلاث ولو قال اختاري
نفسك أو طلاقك فقالت اخترت كان جوابا فكذلك هنا (قال) ولو قال إن قدم
فلان فاختاري فقالت بعد قدومه بأيام لم أعلم الا الساعة ولى الخيار فالقول قولها مع يمينها
ان نازعها الزوج لأنه يتمسك بالأصل وهو عدم العلم بالقدوم ولان الزوج يدعى عليها
ما يسقط خيارها بعدما عرف ثبوته لها وهي تنكر ذلك فالقول قولها مع يمينها ولكن لو
لم تختر نفسها في ذلك المجلس حتى خاصمت فيه الزوج وذهبت إلى القاضي فلا خيار لها لقيامها
عن المجلس بعدما علمت بالقدوم فهو كما لو أقامها الزوج (قال) وإذا خيرها في
مجلسها فقالت بعد القيام منه قد كنت اخترت نفسي فيه لم تصدق على ذلك إذا كذبها
الزوج لأنها تخبر بما لا تملك انشاءه فإذا أقامت البينة على ذلك كان الثابت بالبينة كالثابت
بتصديق الخصم فيفرق بينهما وإن لم يكن لها بينة فالقول قول الزوج مع يمينه على علمه لأنه
يستحلف على فعل غيره (قال) وان قال لها اختاري اليوم واختاري غدا فردت الخيار
اليوم أو اختارت زوجها فليس لها الخيار في بقية ذلك اليوم ولها الخيار غدا لان قوله واختاري
غدا تخيير مضاف إلى وقت آت والمضاف غير المنجز فإنها إنما ردت الخيار المنجز في اليوم
219

فيبقى خيارها في الغد على حاله بخلاف ما لو قال اختاري اليوم وغدا فردت اليوم أو اختارت
زوجها فلا خيار لها في الغد لأنه عطف الغد على اليوم والعطف للاشراك فاقتضى ذلك
امتداد الخيار إلى مضى الغد لا تجديد الخيار المضاف وإذا كان الخيار واحدا وقد بطل ذلك
بردها فلا خيار لها بعد ذلك فأما إذا قال واختاري غدا فهو خيار آخر أوجبه لها في الغد
لأنه ذكر للغد خبرا فلا يجعل الخبر الأول خبرا له وان اختارت اليوم نفسها فبانت فلا خيار
لها في الغد لأنها قد ملكت أمر نفسها باختيارها نفسها وذلك ينفي الخيار المضاف كما ينفى الخيار
المنجز ولان الخيار المضاف إلى الغد لا يتضمن تطليقة أخرى لان التطليقة التي في ضمن الخيار
المنجز تحتمل الإضافة إلى الغد ما لم تقع فإذا وقعت باختيارها نفسها في اليوم لم يبق حتى تختار
نفسها في الغد بها (قال) وان قال اختاري غدا الطلاق فقالت اليوم اخترت غدا الطلاق أو
قالت قد اخترت الزوج فاختيارها اليوم باطل ولها الاختيار غدا لان الزوج أضاف التخيير
إلى وقت منتظر فلا يثبت لها الخيار قبل مجئ ذلك الوقت واختيارها قبل أن يثبت لها الخيار
لغو وان قالت في الغد قد اخترت زوجي لا بل نفسي كانت امرأته ولا خيار لها لان بقولها
قد اخترت زوجي بطل خيارها فبقولها لا بل نفسي اختارت نفسها بعدما بطل خيارها وان
قالت اخترت نفسي لا بل زوجي بانت بقولها اخترت نفسي فلا ترفع البينونة بقولها لا بل
زوجي بعد ذلك (قال) وان قال إن شئت فأنت طالق واختاري فقالت قد اخترت
نفسي وشئت الطلاق كانت طالقا اثنتين لان قولها قد اخترت نفسي جواب التخيير وقولها
شئت الطلاق ايجاد للشرط في طلاق المشيئة والصريح يلحق البائن ولا يكون قولها اخترت
نفسي عملا هو ضد مشيئة الطلاق بل هذا من جنس مشيئة الطلاق فلا يخرج به طلاق
المشيئة من يدها وكذلك لو قال اختاري ان هويت أو أحببت أو أردت فقالت قد اخترت
نفسي وقعت تطليقة بائنة لوجود الشرط باختيارها نفسها فقد هويت ذلك وأحبت وأرادت
حين اختارت نفسها (قال) ولو قال اختاري من ثلاث تطليقات ما شئت فعلى قول
أبي حنيفة رحمه الله لا تملك ان تختار بهذا اللفظ الا واحدة أو اثنتين وعند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله تعالى تملك ان تختار الثلاث بهذا اللفظ لان كلمة ما للتعميم ومن قد تكون
للتبعيض وقد تكون للتمييز كما يقال سيف من حديد وهو معني قوله تعالى فاجتنبوا الرجس
من الأوثان وقد تكون صلة كما في قوله تعالى يغفر لكم من ذنوبكم وقوله تعالى ما اتخذ الله
220

من ولد فكانت مراعاة جانب التعميم بكلمة ما أولى وإذا حمل على معنى التعميم صارت الثلاثة
مفوضة إليها فكانت كلمة من لتمييز الطلاق من سائر الأشياء في التفويض إليها أو هو صلة
وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول كلمة ما للتعميم كما قالا وكلمة من للتبعيض حقيقة والكلام محمول
على حقيقته فان الحقيقة لا تترك إلى المجاز الا لقيام الدليل فيعمل بحقيقة الكلمتين ويقول
يزاد على الواحدة لحرف التعميم وينقص عن الثلاث لحرف التبعيض فيصير بيدها ثنتان فإذا
أوقعت واحدة أو اثنتين جاز ذلك وان أوقعت ثلاثا لم يقع شئ عنده لان المأمور باثنتين لا
يملك ايقاع الثلاث عنده وعندهما تطلق ثلاثا لان الثلاث صارت مفوضة إليها وفى الكتاب
استشهد لقولهما بما لو قال كل من هذا الطعام ما شئت جاز له أن يأكل كله ولكن أبو
حنيفة رحمه الله تعالى يقول هناك قام دليل المجاز وهو العرف ولأنه إباحة لا يتعلق بها اللزوم
فينبنى الامر فيه على التوسع بخلاف الطلاق فإنه يتعلق به اللزوم فيعتبر فيه حقيقة كل لفظ
ولو لم تختر شيئا حتى قال الزوج لك ألف درهم على أن تختاريني فاختارته كانت قد أبطلت
الخيار لان اسقاط الخيار لا يتعلق بالجائز من الشرط الفاسد فان الشرط الفاسد لا يمنع
ثبوته ولا شئ لها من الألف لأنها لا تملك الزوج باسقاطها خيارها شيئا (قال) ولو
قال لها اختاري فقالت قد اخترت نفسي أو زوجي بطل الخيار ولم يقع شئ لان حرف أو
يقتضى اثبات أحد المذكورين بغير عينه فاشتغالها بالكلام المبهم يكون ابطالا منها للخيار
ولا يقع عليها شئ لأنها لم تجعل اختيارها نفسها عزيمة في كلامها وان قالت قد اخترت
نفسي وزوجي طلقت بقولها قد اخترت نفسي فقولها بعد ذلك وزوجي لغو وان قالت قد
اخترت زوجي ونفسي فقد سقط اختيارها بقولها اخترت زوجي فقولها ونفسي بعد ذلك
لغو وهي امرأته ولا خيار لها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب الأمر باليد) *
(قال) وإذا جعل الرجل أمر امرأته بيدها فالحكم فيه كالحكم في الخيار في سائر مسائل
الباب المتقدم الا ان هذا صحيح قياسا واستحسانا لان الزوج مالك لأمرها فإنما يملكها بهذا
اللفظ ما هو مملوك له فيصح منه ويلزم حتى لا يملك الزوج الرجوع عنه اعتبارا بايقاع الطلاق
وان نوى بالأمر ثلاثا كان كما نوى حتى إذا طلقت نفسها ثلاثا تطلق ثلاثا لان هذا تفويض
221

للامر إليها وهو يحتمل العموم والخصوص بخلاف قوله اختاري فإنه أمر بالفعل فلا يحتمل
معنى العموم وإن لم ينو الثلاث فهي واحدة بائنة وعن ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى هي
ثلاث ولا يصدق في القضاء إذا قال نويت واحدة لأنه فوض إليها بهذا الكلام جنس
ما يملك عليها وذلك ثلاث ولكنا نقول التفويض قد يكون خاصا وقد يكون عاما فإذا
نوى الواحدة فقد قصد تفويضا خاصا وهو غير مخالف للظاهر وكذلك أن نوى الطلاق
فقط لأنه لا يثبت الا القدر المتيقن عند الاحتمال وكذلك أن نوى اثنتين لان هذا نية
العدد وهي لا تسع في هذا اللفظ فتكون واحدة بائنة (قال) وإذا قال لها أمرك بيدك
ثم قال لها أمرك بيدك بألف درهم فقالت قد اخترت نفسي فهي بائن بتطليقتين والألف
عليها لازمة لان كلامها جواب للايجابين جميعا وأحدهما ببدل والآخر بغير بدل وإنما
يقعان معا عند اختيارها نفسها فيلزمها المال لان الطلاق بجعل يصادفها وهي منكوحة كالتي
هي بغير جعل (قال) وإذا قال لها امرك في يدك ينوى ثلاثا ثم قال لها أمرك بيدك على
ألف درهم ينوى ثلاثا فقبلت ذلك ثم قالت قد اخترت نفسي بالخيار الأول كان المال عليها
لازما في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان الامرين قد صارا أمرا واحدة معناه ان الزوج
لا يملك عليها الا الثلاث والذي أوجبه بجعل هو الذي تضمنه الكلام الأول وقد قبلت
ذلك وأوقعت فيلزمها المال توضيحه ان ذكرها الترتيب لغو على أصل أبي حنيفة فيبقي
قولها اخترت نفسي فيكون جوابا للكلامين ويلزمها المال وعلى قول أبى يوسف ومحمد
رحمهما الله تعالى هي طالق ثلاثا ولا يلزمها المال لأنها بالاختيار أوقعت ما تضمنه الكلام
الأول وقد كان ذلك بغير جعل (قال) وان قال لها أمرك بيدك اليوم أو قال في اليوم فان
اختارت زوجها فقد بطل خيارها وإن لم تختر شيئا فلها الخيار إلى غروب الشمس وذكر
بشر عن أبي يوسف رحمه الله تعالى فرقا بين قوله اليوم وبين قوله في اليوم فقال إذا قال
في اليوم فلها الخيار في مجلسها لوجود حرف في فان المظروف قد يشغل جزءا من الظرف فإنما
جعل لها الخيار في جزء من اليوم بخلاف قوله اليوم فان ذلك تصريح بالخيار في جميع اليوم
ولكن هذا الفرق ضعيف والمقصود في الوجهين جميعا توقيت الخيار باليوم (قال) وإذا قال
الزوج جعلت أمرك بيدك أمس فلم تختاري شيئا وقالت هي بل قد اخترت فالقول قول
الزوج مع يمينه على علمه لأنها أخبرت بما لا تملك انشاءه وتدعي وقوع الطلاق عليها والزوج
222

منكر لذلك فإنه أقر بالتخيير فقط ولا يقع به شئ ما لم تختر نفسها (قال) وان جعل أمرها
بيد صبي أو مجنون فهو بيده في مجلسه لان موجب هذا التفويض صحة ايقاع الطلاق منهما
وذلك يكون بعبارته والصبي من أهله فكان كالبالغ ليس للزوج أن يخرجه من يده ولا
يبطل الا بقيام المفوض إليه من مجلسه (قال) وان جعل أمرها بيد رجلين فطلقها أحدهما لم
يقع لأنه ملك الامر منهما فأحدهما لا يستبد بالتصرف فيما هو مملوك لهما ولأنه جعل الامر
في أيديهما ليرويا النظر في أمرها ونظر الواحد لا يقوم مقام نظر المثني بخلاف قوله طلقاها
لأنه أتم النظر بنفسه وإنما أنابهما مناب نفسه في العبارة وعبارة الواحد والمثني سواء (قال)
ولو قال لامرأته وهي أمة أمرك بيدك يريد اثنتين فاختارت نفسها طلقت اثنتين لان هذا
نية العموم في التفويض فالاثنتان في حق الأمة كالثلاث في حق الحرة بخلاف ما إذا كانت
حرة فنية الاثنتين في حقها نية العدد وهذا اللفظ لا يحتمل نية العدد وكذلك أن كانت الحرة
عنده في ثنتين فهذا في حقها نية العدد لأنه بأصل النكاح يملك عليها ثلاثا فلا يكون هذا في
حقها إلا نية العدد فلا تقع الا واحدة (قال) وان قال لها أمرك بيدك اليوم وغدا وبعد
غد فهو أمر واحد ان ردته اليوم بطل كله وقد بينا هذا في التخيير فكذلك في الامر باليد
وروى أبو يوسف رحمه الله تعالى في الأمالي عن أبن حنيفة رحمه الله انها إذا ردت اليوم فأمرها
بيدها غدا فهو بمنزلة ما لو قال وأمرك بيدك غدا وقد بينا الفرق بينهما (قال) وإذا قال أمرك
بيدك اليوم وبعد غد فهما أمران حتى إذا ردت اليوم فلها الخيار بعد الغد وعلى قول زفر رحمه
الله هذا امر واحد وكذلك لو قال اليوم ورأس الشهر زفر يقول عطف أحد الوقتين
على الآخر من غير تكرار لفظ الامر فيكون أمرا واحدا كما في قوله اليوم وغدا ولكنا
نقول أحد الوقتين المذكورين هنا غير متصل بالآخر بل بينهما وقت غير مذكور ولا
يثبت فيه حكم الامر فعرفنا انه ليس المراد بذكر الوقت الثاني امتداد الأمر الأول فاقتضى
ضرورة ايجاب أمر آخر فاما إذا قال وغدا فأحد الوقتين متصل بالوقت الآخر فكان ذكر
الغد لامتداد حكم الامر إليه فلا يثبت به أمر آخر إذ لا ضرورة فيه والله أعلم
* (باب الظهار) *
اعلم بأن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فقرر الشرع أصله ونقل حكمه إلى تحريم مؤقت بالكفارة
223

من غير أن يكون مزيلا للملك بيانه في قوله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم الآية
وسبب نزولها قصة خولة بنت ثعلبة فإنها قالت كنت تحت أوس بن الصامت رضي الله عنه
وقد ساء خلقه لكبر سنه فراجعته في بعض ما أمرني به فقال أنت علي كظهر أمي ثم
خرج فجلس في نادى قومه ثم رجع إلي وراودني عن نفسي فقلت والذي نفس خولة بيده
لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى يقضى الله ورسوله في ذلك فوقع علي فدفعته بما تدفع
به المرأة الشيخ الكبير وقد خرجت إلى بعض جيراني فأخذت ثيابا ولبستها فأتيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بذلك فجعل يقول لي زوجك وابن عمك وقد كبر فأحسني
إليه فجعلت أشكو إلى الله ما أرى من سوء خلقه فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان
يغشاه عند نزول الوحي فلما سرى عنه قال قد أنزل الله تعالى فيك وفى زوجك بيانا وتلا
قوله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها إلى آخر آيات الظهار ثم قال مريه فليعتق
رقبة فقلت لا يجد ذلك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم مريه أن يصوم شهرين
متتابعين فقلت هو شيخ كبير لا يطيق الصوم فقال صلى الله عليه وسلم مريه فليطعم ستين
مسكينا فقلت ما عنده شئ يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم انا سنعينه بفرق وقلت أنا
أعينه بفرق أيضا فقال صلى الله عليه وسلم افعلي واستوصى به خيرا ثم اختلفت العلماء رحمهم
الله تعالى في قوله تعالى ثم يعودون لما قالوا فقال علماؤنا رحمهم الله تعالى هو العزم على الجماع
الذي هو إمساك بالمعروف وقال الشافعي رحمه الله تعالى المراد هو السكوت عن طلاقها
عقيب الظهار وقال داود المراد تكرار الظهار حتى أن على مذهبهم لا يلزمه الكفارة بالظهار
مرة حتى يعيد مرة أخرى وهذا ضعيف لأنه لو كان المراد هذا لكأن يقول ثم يعودون لما
قالوا والدليل على فساده حديث أوس فإنه لم يكرر الظهار إنما عزم على الجماع وقد ألزمه
رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفارة وكذلك حديث سلمة بن صخر البياضي رضي الله عنه
فإنه قال كنت لا أصبر عن الجماع فادخل شهر رمضان ظاهرت من امرأتي مخافة
أن لا أصبر عنها بعد طلوع الفجر فظاهرت منها شهر رمضان كله ثم لم أصبر فواقعتها
وخرجت إلى قومي فأخبرتهم بذلك فشددوا الامر علي فأتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأخبرته بذلك فقال صلى الله عليه وسلم أنت بذاك فقلت انا بذاك وها أنا بين يديك
فامض في حكم الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة الحديث كما روينا في كتاب
224

الصوم وليس في هذا تكرار الظهار والشافعي رحمه الله تعالى يقول كما سكت عن طلاقها
عقيب الظهار فقد صار ممسكا لها فيتقرر عليه الكفارة ولكنا نقول المراد بقوله تعالى ثم
يعودون لما قالوا أن يأتي بضد موجب كلامه وموجب كلامه التحريم لا إزالة الملك فاستدامة
الملك لا تكون ضده بل ضده العزم على الجماع الذي هو استحلال وبمجرد العزم عندنا لا
تتقرر الكفارة أيضا حتى لو أبانها بعد هذا أو ماتت لم تلزمه الكفارة عندنا والحاصل أن عند
الشافعي رحمه الله تعالى معنى العقوبة يترجح في الكفارة فتجب بنفس الظهار الذي هو محظور
محض إلا أنه يتمكن من اسقاطها بأن يصل الطلاق بكلامه شرعا فإذا لم يفعل تتقرر عليه الكفارة
وعندنا في الكفارة معنى العبادة والعقوبة والمحظور المحض لا يكون سببا لها وإنما سببها
ما تردد بين الحظر والإباحة وذلك أنما يتحقق بالعزم على الجماع الذي هو إمساك بالمعروف حتى
يصير السبب به مترددا وسنقرر هذا الأصل في كتاب الايمان إن شاء الله سبحانه وتعالى
ثم لا خلاف ان هذه الكفارة على الترتيب دون التخيير فان من كانت كفارته بالاعتاق أو
الصيام فليس له ان يقربها حتى يكفر لقوله تعالى من قبل أن يتماسا فان جامع قبل أن يكفر
استغفر الله تعالى ولم يعد حتى يكفر لأنه ارتكب الحرام وليس عليه فيما صنع كفارة لما روي أن
رجلا ظاهر من امرأته ثم وقع عليها من قبل أن يكفر فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأمره ان يستغفر الله تعالى ولا يعود حتى يكفر ولو جامعها في صوم الكفارة بالنهار
ناسيا أو بالليل عامدا فعليه استقبال الكفارة في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقد
بينا هذا في كتاب الصوم وكذلك لو أعتق نصف رقبة ثم جامعها ثم أعتق ما بقي لم يجزه
عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان الشرط في الاعتاق تقديمه على المسيس وأخلاؤه عنه
كما في الصوم والعتق عنده يتجزى وهذا التفريع لا يجئ على قولهما لان العتق عندهما
لا يتجزى ولما أعتق بعضه عتق كله وان كانت كفارته بالاطعام فليس له ان يجامعها قبل
التكفير عندنا وقال مالك رحمه الله له ذلك لأنه ليس في التكفير بالاطعام شرط التقديم على
المسيس ولا مدخل للقياس في هذا الباب ولكنا نستدل بقوله صلى الله عليه وسلم استغفر
الله ولا تعد حتى تكفر من غير تفصيل ولان من الجائز ان يقدر على الاعتاق أو الصيام
فتصير كفارته بذلك فلو وطئها كان قد مسها قبل التكفير بالعتق وذلك حرام الا انه لو
أطعم ثلاثين مسكينا ثم جامعها لا يلزمه استقبال الطعام بخلاف الاعتاق والصيام لان شرط
225

الاخلاء عن المسيس من ضرورة شرط التقديم على المسيس وذلك غير منصوص عليه في
الاطعام وثبوته لمعنى في غير الاطعام على ما بينا فلهذا لا يلزمه الاستقبال بخلاف الاعتاق
والصيام (قال) وإذا ظاهر الرجل من أربع نسوة له فعليه أربع كفارات عندنا وقال الشافعي
رضي الله عنه إذا ظاهر منهن بكلمة واحدة لم يلزمه الا كفارة واحدة لان الظهار سبب
موجب للكفارة فبالكلمة الواحدة لا ينعقد الاظهار واحد في حكم الكفارة كاليمين ولو قال لله
علي أن لا أقربكن ثم قربهن لم يلزمه الا كفارة واحدة ولكنا نقول الظهار يوجب تحريما مؤقتا
بالكفارة فإذا أضاف إلى محال مختلفة يثبت في كل محل حرمة لا ترتفع الا بالكفارة كالتطليقات
الثلاث لما كانت توجب حرمة مؤقتة بزوج فإذا أوجبها في أربع نسوة بكلمة واحدة تثبت
في حق كل واحدة منهن حرمة لا ترتفع الا بزوج بخلاف اليمين فان الكفارة تجب هناك
بهتك حرمة اسم الله تعالى بالحنث وذلك لا يتعدد بتعدد النساء ومذهبنا مروى عن
عمر رضى الله تعالى عنه وإبراهيم والحسن البصري رحمهما الله تعالى (قال) وإذا ظاهر
من امرأته مرتين أو ثلاثا في مجلس واحد أو مجالس متفرقة فعليه لكل ظهار كفارة هكذا
نقل عن علي رضى الله تعالى عنه ولان تكرار الظهار في امرأة واحدة كتكرار اليمين فكما
يجب باعتبار كل يمين كفارة فكذلك باعتبار كل ظهار (فان قيل) فإذا ثبتت الحرمة المؤقتة
بالظهار الأول كيف تثبت بالظهار الثاني والثالث (قلنا) بالظهار الأول تثبت الحرمة مع
بقاء ملك المحل فيتحقق الظهار الثاني والثالث وأسباب الحرمة تجتمع في محل واحد
فان صيد الحرم حرام على المحرم لا حرامه ولكونه في الحرم والخمر حرام على الصائم
لعينها ولصومه وليمينه إذا حلف لا يشربها والكفارة الثانية غير الكفارة الأولى فالحرمة
الثانية في الحكم غير الأولى أيضا وان ظاهر منها ثلاث مرات ونوى بالثاني والثالث
تكرار الكلام الأول فعليه كفارة واحدة لان صفة الاخبار والانشاء في الظهار
واحدة والكلام الواحد يعاد ويكرر ولا يجب به الا ما يجب بالأول (قال) وان قال لها
أنت علي كظهر أمي أو كبطنها فهو مظاهر لان بطن الأم عليه في الحرمة كظهرها والظهار
منكر من القول وزور كما قال الله تعالى وذلك أن يشبه من هو في أقصي غايات الحل بمن
هو في أقصى غايات الحرمة وذلك لا يختلف بالظهر والبطن وكذلك لو ذكر جزءا من
امرأته شائعا أو عضوا جامعا يعبر به عن جميع البدن بخلاف ما إذا ذكر عضوا لا يعبر به عن
226

جميع البدن كاليد والرجل وقد بينا هذا في باب الطلاق وكذلك إذا شبهها بظهر امرأة
محرمة عليه على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة فهذا والتشبيه بظهر الأم سواء للمعني
الذي بينا كما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى في الأمالي انه إذا شبهها بظهر امرأة قد زنا
بأمها أو بابنتها فحرمت عليه بذلك فهو مظاهر منها لأنه شبهها بمحرمة عليه على التأبيد قال
لان قضاء القاضي بحل المناكحة بينهما لا ينفذ عندي لكونه بخلاف النص فان النكاح
حقيقة للوطئ وهذا بخلاف ما لو شبهها بظهر امرأة قد لاعنها لان اللعان وإن كان يوجب
الحرمة المؤبدة عندي فهو مما يسع فيه الاجتهاد وينفذ فيه قضاء القاضي بخلافه فلم يكن
في معنى حرمة الأم وقال محمد رحمه الله تعالى في الكيسانيات إذا شبهها يظهر أم المزني بها
لا يكون مظاهرا لان العلماء مختلفون في حرمتها عليه ولو قضى القاضي بحل المناكحة بينهما
نفذ قضاؤه لان الناس تعارفوا اطلاق اسم النكاح على العقد ولو شبهها بظهر امرأة قد
لمس أمها أو ابنتها من شهوة أو نظر إلى فرجها من شهوة لم يكن مظاهرا في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى لأن هذه الحرمة حرمة ضعيفة ليست في معنى حرمة الأم حتى ينفذ قضاء
القاضي بخلافها وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى يكون مظاهرا لان ثبوت الحرمة بالنظر
إلى الفرج منصوص عليه في قوله صلى الله عليه وسلم ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها
فيتحقق معنى الظهار إذا شبهها به وان شبهها بظهر امرأة أجنبية أو ذات رحم منه غير محرم
فليس بمظاهر لأنه شبه محللة بمحللة فان الأخرى تحل له بالملك فلا يكون مظاهرا وكذلك لو
شبهها بظهر رجل أجنبي أو قريب فهو ليس بمحرم عليه النظر إليه ومسه فلا يكون مظاهرا
(قال) وان ظاهرت المرأة من زوجها فليس ذلك بشئ لان موجبه التحريم وهو مختص
بالنكاح كالطلاق وليس إلى المرأة من ذلك شئ وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى قال
عليها الكفارة للظهار لان المعنى في جانب الرجل تشبيه المحللة بالمحرمة وذلك يتحقق في جانبها
والحل مشترك بينهما وقال الحسن عليها كفارة اليمين لان هذا بمنزلة التحريم منها زوجها
على نفسها وتحريم الحلال يمين فتلزمها الكفارة كما لو حلفت أن لا تمكنه من نفسها ثم مكنته
(قال) ولا يكون الرجل مظاهرا من أمته ولا من أم ولده ولا من مدبرته عندنا وقال
مالك يصح ظهاره منهن لا ملك اليمين في محل ملك المتعة سبب لملك المتعة كملك النكاح فيتحقق
معنى الظهار وهو تشبيه المحللة بالمحرمة ولكنا نستدل بقوله تعالى والذين يظاهرون من
227

نسائهم وهذا يتناول الزوجة دون المملوكة وقد بينا ان الظهار كان طلاقا في الجاهلية ونقل
الشرع حكمه إلى التحريم المؤقت بالكفارة والمملوكة ليست بمحل للطلاق فلا تكون محلا
للظهار أيضا ولهذا لا يصح إيلاؤه من الأمة لان الايلاء طلاق مؤجل والأمة ليس بمحل
للطلاق وقال ابن عباس رضي الله عنه من شاء باهلته عند الحجر الأسود أنه لا كفارة في
الظهار من الأمة وكذلك لو ظاهر من امرأة أجنبية فهو باطل كما لو طلقها وهذا لان
الأجنبية لا تحل له ما لم يتزوجها فإنما شبه محرمة بمحرمة (قال) ولو قال لامرأته أنت
على كفرج أمي أو كفخذها كان مظاهرا لان فرج الأم وفخذها محرم عليه كظهرها
فيتحقق تشبيه المحللة بالمحرمة ولو قال كيدها أو رجلها لم يكن مظاهرا لأنه لا يحرم عليه
النظر إلى يدها ورجلها ولا مسها فلم يتحقق بهذا اللفظ تشبيه المحللة بالمحرمة ولو قال جنبك
أو ظهرك على كظهر أمي لم يكن مظاهرا بمنزلة قوله يدك أو رجلك لان هذا العضو لا يعبر
به عن جميع البدن عادة وقع في بعض النسخ ظفرك مكان قوله ظهرك وهو غلط فالظهر
مع الجنب أليق من الظفر (قال) ولو قال أنت على كأمي فهذا كلام يحتمل وجوها لان
الكاف للتشبيه وتشبيه الشئ بالشئ قد يكون من وجه وقد يكون من وجوه فإذا نوى به البر
والكرامة لم يكن مظاهرا لان ما نواه محتمل ومعناه أنت عندي في استحقاق البر والكرامة
كأمي وان نوى الظهار فظهار لأنه شبهها بجميع الأم ولو شبهها بظهر الأم كان ظهارا فإذا شبهها
بجميع الأم كان أولى وإن لم يكن له نية فليس ذلك بشئ في قول أبي حنيفة رحمه الله وفى قول
محمد رضي الله تعالى عنه هو ظهار ولم يذكر قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وعنه روايتان إحداهما
كقول محمد رضى الله تعالى عنه لأنه قال في الأمالي إذا كان هذا في حالة الغضب وقال نويت
به البر لم يصدق في القضاء وهو ظهار وعنه أنه قال إيلاء لان الأم محرمة عليه بالنص قال الله
تعالى حرمت عليكم أمهاتكم فكان قوله أنت على كأمي بمنزلة قوله أنت على حرام وقد بينا
في هذا اللفظ انه إذا لم ينو شيئا يثبت أقل الوجوه وهو الايلاء وبنحو هذا يحتج محمد رضى
الله تعالى عنه ولكنه يقول هو ظهار لكاف التشبيه في كلامه فان الظهار يختص بهذا الحرف
ومتى كان مراده البر يقول أنت عندي كأمي ولا يقول على الا انه إذا نوى البر أقمنا حرف
على مقام عند لتصحيح نيته فإذا لم ينو بقي محمولا على حقيقته فكان ظهارا وأبو حنيفة رحمه
الله تعالى يقول كلام العاقل محمول على الصحة مهما أمكن حمله على وجه صحيح يحل شرعا
228

لا يحمل على ما يحرم شرعا والظهار منكر من القول وزور فلا يمكن حمله عليه إذا أمكن حمله
على معنى البر والكرامة توضيحه أنها كانت محللة له وهذا الكلام يحتمل معني البر
ويحتمل معني الظهار ولكن الحرمة بالشك لا تثبت كما لا يثبت الطلاق بالشك (قال)
ولو قال لها أنت على حرام كأمي فقد انتفى احتمال معنى البر هنا لتصريحه بالحرمة فبقي
احتمال الطلاق والظهار فان أراد الطلاق فهو طلاق لان قوله أنت على حرام يكون
طلاقا بالنية فقوله كأمي لتأكيد تلك الحرمة فلا تخرج به من أن تكون طالقا بالنية وكذلك أن
أراد التحريم دون الظهار فهو طلاق وبعض مشايخنا رحمهم الله يقولون ينبغي أن يكون
إيلاء بمنزلة قوله أنت علي حرام إذا قصد به التحريم فقط ولكنا نقول إنما قصد التحريم
هنا لزوال الملك لأنه شبهها بالأم وهي محرمة حرمة تنافي الملك وزوال الملك بالتحريم يكون
بالطلاق وان نوى به الظهار فهو ظهار لأنه شبهها في الحرمة بأمه ولو شبهها بظهر الأم كان
ظهارا فكذلك إذا شبهها بالأم وإن لم يكن له نية فهو ظهار لان عند الاحتمال لا يثبت الا
القدر المتيقن والحرمة بالظهار دون الحرمة بالطلاق فالحرمة بالظهار لا تزيل الملك والحرمة
بالطلاق تزيله (قال) وان قال أنت علي حرام كظهر أمي فهو ظهار في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى سواء نوى الظهار أو الطلاق أو لم يكن له نية بمنزلة قوله أنت علي كظهر أمي
لان ذلك اللفظ إنما كان ظهارا باعتبار التشبيه في الحرمة فالتصريح بما هو مقتضى كلامه
يؤكد حكم الكلام ولا يغيره وهذا اللفظ صريح في الظهار فلا تعمل فيه نية شئ آخر كاللفظ الذي
هو صريح في الطلاق لا تعمل فيه نية شئ آخر وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ان
نوى الظهار أو لم يكن له نية فهو ظهار وان نوى الطلاق فهو طلاق لان المنوي من محتملات
لفظه فان قوله أنت علي حرام تسع فيه نية الطلاق لو اقتصر عليه فقوله كظهر أمي يحتمل معنى
التأكيد لتلك الحرمة فلا يخرج به من أن يكون محتملا لنية الطلاق وروى أصحاب الاملاء
عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه إذا قال نويت به الطلاق يقع الطلاق بنيته ويكون
مظاهرا بالتصريح بالظهار ولا يصدق في القضاء في صرف الكلام عن ظاهره بمنزلة قوله
زينب طالق وله امرأة معروفة بهذا الاسم فقال لي امرأة أخرى وإياها عنيت يقع الطلاق
على تلك بنيته وعلى هذه المعروفة بالظاهر ولكن هذا ضعيف فان الطلاق لو وقع بقوله
أنت على حرام كان متكلما بلفظ الظهار بعدما بانت والظهار بعد البينونة لا يصح (قان قيل)
229

الظهار مع الطلاق اثنتان بقوله أنت على حرام (قلنا) اللفظ الواحد لا يحتمل المعنيين المختلفين
(قال) وان قال أنا منك مظاهر فهو ظهار لان موجب الظهار هو التحريم وقد بينا ان لفظ
التحريم يصح اضافته إلى كل واحد منهما باعتبار ان الحل مشترك بينهما فكذلك لفظ الظهار
وكذلك لو قال قد ظاهرت منك فان صيغة الاقرار والانشاء في الظهار واحدة كما في الطلاق
(قال) وكذلك لو قال أنت مني كظهر أمي أو عندي ومعي فهو ظهار كقوله على لان تشبيه
المحللة بالمحرمة يتحقق بهذه الكلمات (قال) ولا ينبغي للمرأة ان تدعه يقربها حتى يكفر لأنها
محرمة عليه ما لم يكفر وعليها أن تمتنع من الحرام ولها ان تطالبه بالتكفير وتخاصمه في ذلك
لأنها استحقت الامساك بالمعروف وهو بالظهار فوت عليها ذلك فلها ان تطالبه بما صار مستحقا
لها بالنكاح ويجبره القاضي على التكفير عند طلبها لأنه لا يتوصل إلى الامساك بالمعروف
الا به ولا ينبغي له أن يباشرها ولا يقبلها حتى يكفر لقوله تعالى من قبل أن يتماسا ولأن هذه
الحرمة في معنى الحرمة بالطلاق الا في حكم زوال الملك والارتفاع بالكفارة والحرمة
متى ثبتت بالطلاق توجب تحريم اللمس والتقبيل فكذلك بالظهار (قال) وإذا قال
لامرأة إذا تزوجتك فأنت على كظهر أمي أو قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي
فهو كما قال لان الظهار يحتمل التعليق بالشرط كالطلاق فيصح اضافته إلى الملك والمعلق
بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز (قال) وإذا قال إذا تزوجتك فأنت طالق وأنت على
كظهر أمي ثم تزوجها طلقت وبطل الظهار عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان الظهار معطوف
على الطلاق فتبين بالطلاق قبل أن يصير مظاهرا وعندهما يقعان معا وقد بينا هذا في باب
الطلاق (قال) وإذا قال إذا تزوجتك فأنت طالق ثم قال إذا تزوجتك فأنت علي كظهر
أمي ثم تزوجها لزم الطلاق والظهار جميعا لأنه تعلق كل واحد منهما بالتزويج هنا من غير
واسطة فعند التزويج يقعان معا (قال) ولو قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت علي
كظهر أمي ثم أبانها فدخلت الدار في العدة أو بعد العدة لم يكن مظاهرا منها لان موجب
الظهار حرمة ترتفع الكفارة وبالبينونة تثبت حرمة أقوى من ذلك فلا يظهر الضعيف مع
القوى ولأن المرأة محل الظهار لأنها محللة له بأبلغ جهاته وقد زال ذلك بالبينونة والمعلق
بالشرط عند وجود الشرط لا ينزل إلا عند بقاء المحل لان الوصول إلى المحل عند ذلك
يكون فإذا لم تبق محلا بعد البينونة لم يكن مظاهرا منها (قال) وإذا ظاهر المسلم وهو
230

حر أو عبد من زوجته وهي حرة أو أمة مسلمة أو صبية أو كتابية فهو مظاهر لقوله تعالى والذين
يظاهرون من نسائهم ولان العبد كالحر في كونه أهلا لموجب الظهار وهو الحرمة المؤقتة
بالكفارة والأمة والصبية والكتابية كالحرة المسلمة في كونها محللة بأبلغ جهاته (قال) وإن كان
الزوج ذميا فظهاره باطل عندنا سواء كانت المرأة مسلمة أو ذمية وعند الشافعي رحمه
الله تعالى ظهار الذمي صحيح لان الذمي من أهل الطلاق وقد بينا أن الحرمة بالظهار في معنى
الحرمة بالطلاق فكل من صح طلاقه صح ظهاره وكذلك هو من أهل الكفارة لأنه من
أهل الاعتاق والاطعام إلا أنه ليس من أهل الكفارة بالصوم وبهذا لا يمتنع صحة الظهار
كالعبد فإنه ليس من أهل التكفير بالمال وكان ظهاره صحيحا وهذا على أصله مستقيم فان
معني العقوبة عنده يترجح في الكفارة فيكون بمنزلة الحد وفي الحد معنى الكفارة قال صلى الله
عليه وسلم الحدود كفارات لأهلها ثم يقام على الذمي بطريق العقوبة ولئن لم يكن من أهل
الكفارة فهو أهل للحرمة فيعتبر ظهاره في حق الحرمة كما اعتبر أبو حنيفة رحمه الله تعالى إيلاء
الذمي في حق الطلاق وإن لم يعتبر في حق الكفارة وكلامنا في المجوسي يتضح فإنه يعتقد الحل
في أمه وأخته فإنما شبه امرأته بمن يعتقد الحل فيها بالنكاح فلا يكون مظاهرا كالمسلم إذا شبه
امرأته بأجنبية (ولنا) ان الذمي ليس من أهل الكفارة فلا يصح ظهاره كالصبي وبيان
الوصف أن المقصود بالكفارة التكفير والتطهير والكافر ليس بأهل له وما فيه من الشرك
أعظم من الظهار بخلاف الحدود فالمقصود هناك الخزي والنكال وإنما الكفارة في حق من جاء
تائبا مستسلما لحكم الشرع كما فعله ماعز رضي الله عنه والدليل عليه ان معنى العبادة يترجح في
الكفارة حتى تتأدى بالصوم الذي هو محض عبادة ولا يتأدى الا بنية العبادة ويفتى به ولا يقام
عليه كرها والكافر ليس بأهل للعبادة وتأثير هذا الوصف بعد ثبوته ان موجب الظهار الحرمة
المؤقتة بالكفارة ولا يمكن اثبات تلك الحرمة هنا لأنه ليس بأهل للكفارة فلو صح ظهاره لثبتت
به حرمة مطلقة وهذا ليس بموجب الظهار وبه فارق حرمة الطلاق فإنه حرمة بزوال الملك
أو بانعدام محل الحل والكافر من أهله وبه فارق العبد لأنه من أهل الكفارة إلا أنه عاجز
عن التكفير بالمال لعدم الملك حتى لو عتق وأصاب مالا كانت كفارته بالمال وبه فارق
الايلاء لأنه طلاق مؤجل على ما نبينه في بابه إن شاء الله تعالى والذمي من أهل الطلاق
ولان الحرمة الثابتة باليمين تكون مطلقة لا مؤقتة بالكفارة ولهذا لا يجوز التكفير قبل
231

الحنث (قال) وإذا ظاهر المسلم من امرأته ثم ارتد ثم أسلما فهو على ظهاره في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى حتى يكفر وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قد سقط الظهار
عنه بالردة لان الكافر ليس من أهل الظهار وهو بالردة قد التحق بالكافر الأصلي وكما
لا ينعقد الظهار بدون الأهلية لا يبقى بعد انعدام الأهلية وهذا لان الثابت بالظهار حرمة
مؤقتة بالكفارة وبعد الردة لا يمكن ابقاء هذه الحرمة لأنه لم يبق أهلا للكفارة فلو بقي إنما
يبقى حرمة مطلقة وهذا لم يكن موجب ظهاره وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ظهاره قد
صح موجبا لحكمه فلا يرتفع حكمه الا بالكفارة وهذا لان الحرمة بالظهار في معنى
الحرمة بالطلاق ثم المسلم لو طلق امرأته ثلاثا ثم ارتد ثم أسلما لا تحل له الا بعد زوج فكذلك
إذا ظاهر منها وهذا لأنه غير مقر على كفره بل هو مجبر على العود إلى الاسلام فيمكن ابقاء
الحرمة المؤقتة بالكفارة باعتبار ما بعد اسلامه توضيحه ان اعتبار الأهلية عند انعقاد السبب
ليتقرر موجبا وعند أداء الكفارة ليصح الأداء ففيما بين ذلك لا يعتبر بقاء الأهلية ألا ترى أنه
لو جن بعدما ظاهر من امرأته ثم أفاق بقي ظهاره حتى يكفر مع أنه من أهل التكفير
بالعتق حتى لو أعتق عبدا عن ظهاره في ردته ثم أسلم جاز عتقه عن الكفارة على ما نبينه
(قال) وإذا قال لامرأته إن شئت فأنت على كظهر أمي فشاءت ذلك في في مجلسها لزمه الظهار
وهذا والطلاق المعلق بمشيئتها سواء في أنه يعتبر وجود المشيئة في المجلس وان المعلق
بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز (قال) وان قال أنت علي كظهر أمي اليوم فهو كما قال
لا يقربها في ذلك اليوم حتى يكفر فإذا مضى اليوم بطل الظهار وقال ابن أبي ليلى رحمه الله
تعالى هو مظاهر أبدا حتى يكفر وقاس هذا بالحرمة الثابتة بالطلاق في أنه لا يتوقت
بالتوقيت ولكنا نقول موجب الظهار الحرمة وهو محتمل للتوقيت كالحرمة بسبب
العدة وحرمة البيع إلى الفراغ من الجمعة وحرمة الصيد على المحرم إلى أن يحل والحرمة بسبب
اليمين فإذا احتمل التوقيت صح توقيته ولا يبقى بعد مضى الوقت بخلاف الطلاق فالحرمة
هناك باعتبار زوال الملك أو لانعدام محل الحل وذلك لا يحتمل التوقيت وعلى هذا لو قال إن
ت علي كظهر أمي شهرا أو حتى يقدم فلان فهو كما قال ويسقط بمضي الشهر أو قدوم فلان لانتهاء الحرمة بمضي وقتها (قال) ولو ظاهر من امرأته ثم طلقها ثلاثا أو ارتدت عن الاسلام
فبانت منه ثم أسلمت وتزوجته بعد زوج آخر كان الظهار على حاله لا يقربها حتى يكفر
232

لان ظهاره قد صح وتثبت به الحرمة إلى أن يكفر فثبوت الحرمة بسبب آخر لا يمنع بقاء
تلك الحرمة لان أسباب الحرمة تجتمع في محل واحد وإذا بقيت تلك الحرمة لا ترتفع إلا
بالكفارة (قال) ولو ظاهر من امرأته وهي أمة ثم اشتراها لم يكن له ان يقربها حتى يكفر
لان الحرمة تثبت بالظهار فهو بمنزلة الحرمة الثابتة بالطلاق ولو طلقها اثنتين لم تحل له بسبب
الشراء بعد ذلك ما لم تتزوج بزوج آخر فكذلك إذا ثبتت الحرمة بالظهار أو هذه حرمة مع
بقاء الملك فكانت كالحرمة الثابتة بسبب الحيض والحائض لا تحل له بملك اليمين كما لا تحل له
بملك النكاح وكذلك أن أعتقها ثم تزوجها لان النكاح الثاني كالأول ومع بقاء النكاح
الأول ما كان يحل له ان يقربها حتى يكفر فكذلك في النكاح الثاني (قال) وظهار الصبي
والمعتوه باطل كطلاقهما لان موجب الظهار الحرمة المؤقتة بالكفارة وليسا من أهل وجوب
الكفارة عليهما ولا من أهل مباشرة سبب الحرمة بالقول (قال) وظهار السكران
والمكرة لازم كطلاقها لان الاكراه والسكر لا يؤثر في اكتساب سبب الحرمة بالقول
ولا في اكتساب وجوب الكفارة عندنا (قال) وظهار الأخرس من امرأته في كتاب
أو إشارة مفهومة صحيح كطلاقه لكونه أهلا لموجب الظهار ولا يدخل على المظاهر إيلاء وإن لم
يجامعها أربعة أشهر أو أكثر وقال مالك رحمه الله إذا لم يجامعها ولم يكفر حتى مضت أربعة
أشهر بانت بالايلاء لان المولى مضار متعنت بمنع حقها في الغشيان وقد تحقق ذلك في حقها
بالظهار لان في الموضعين لا يتمكن من قربانها شرعا إلا بالكفارة ولكنا نقول حكم كل
واحد منهما منصوص عليه في القرآن ولا يقاس المنصوص على المنصوص فلو أثبتنا حكم
الايلاء في الظهار كان بطريق المقايسة وكما لا يجوز ان يثبت حكم الظهار في الايلاء بطريق
المقايسة فكذلك لا يثبت حكم الايلاء في الظهار مع أن الظهار ليس في معنى الايلاء فان
التكفير في الظهار قبل الجماع وفى الايلاء بعده (قال) ولو قال إن قربتك فأنت علي
كظهر أمي كان موليا ان تركها أربعة أشهر بانت بالايلاء وان قربها في الأربعة الأشهر لزمه
الظهار بمنزلة قوله ان قربتك فأنت طالق وهذا لأنه منع نفسه من قربانها إلا بظهار يلزمه
ومعنى الاضرار والتعنت بهذا يتحقق فكان موليا منها وإذا بانت بالايلاء ثم تزوجها فقربها
فهو مظاهر لان اليمين باقية والمعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز (قال) وإذا
ظاهر من امرأته ثم قال لامرأة له أخرى أنت على مثل هذه ينوى الظهار فهو مظاهر
233

لأنه شبه الثانية بالأولى ولان قصد التشبيه في حكم الظهار وهذا قصد صحيح لما بينا ان تشبيه
الشئ بالشئ قد يكون في وجه خاص وكذلك أن قال رجل آخر لامرأته أنت علي مثل
امرأة فلان عليه ينوى الظهار كان مظاهرا منها أيضا وإن لم ينو الظهار فهو باطل لان الكلام
محتمل يجوز أن يكون التشبيه في حكم الحل والملك أو البر والكرامة والمحتمل لا يكون ملزما شيئا
بدون النية (قال) وان ظاهر من امرأته ثم قال لامرأة له أخرى قد أشركتك في ظهار
فلانة كان مظاهرا أيضا منها كما في الطلاق وهذا لان الاشراك يقتضى التسوية وقد
صرح بالظهار فكان ذلك تنصيصا على التسوية بينهما في حكم الظهار وان قال لامرأته أنت
علي كظهر أمي إن شاء الله لم يلزمه شئ لان الاستثناء إذا اتصل بالكلام يخرجه من أن
يكون عزيمة كما في الطلاق والعتاق قال صلى الله عليه وسلم من حلف بطلاق أو عتاق
واستثنى فلا حنث عليه وان قال إن شاء فلان فالمشيئة إلى فلان في مجلس علمه كما في الطلاق
ألا ترى أنه لو علق بمشيئتها ينجز إذا شاءت في مجلس علمها فكذلك إذا علق بمشيئة غيرها
(قال) وكفارة الظهار على العبد الصوم ما لم يعتق لأنه عاجز عن الاعتاق وعجزه أبين من
عجز المعسر فإنه ليس بأهل للملك فيكفر بالصوم وليس لمولاه أن يمنعه من الصوم لما
تعلق به من حق المرأة وقد بيناه في كتاب الصوم فان عتق قبل أن يكفر وملك مالا فكفارته
بالعتق لان التكفير بالصوم كان لضرورة العجز عن التكفير بالمال فإذا زال ذلك لزمه
التكفير بالمال كالمتيمم إذا وجد الماء وهذا بناء على أصلنا أن المعتبر في الكفارات حالة الأداء
لا حالة الوجوب وفى أحد قولي الشافعي رضي الله عنه المعتبر حالة الوجوب بناء على أصله في
اعتبار معني العقوبة فيها كما في الحدود حتى إذا وجب عليه الحد وهو عبد ثم عتق قبل الإقامة
يقام عليه حد العبيد لاحد الأحرار بخلاف الكفارة وعندنا المعتبر حالة الأداء إلا أن الصوم
بدل عن العتق ومع القدرة على الأصل لا يتأدى الواجب بالبدل وحد العبيد ليس ببدل
عن حد الأحرار والمصير إليه ليس للعجز فبدن العبد يحتمل من الضرب فوق ما يحتمله
بدن الحر وسنقرر هذا في كتاب الايمان إن شاء الله تعالى (قال) وان أعتق عنه مولاه
في رقه أو أطعم عنه بأمره لم يجزه لان الرق مناف للملك فلا يملك المال بتمليك المولى مع
قيام المنافى فيه فان المتنافيين لا يجتمعان وبدون ملكه لا يتصور الاعتاق عنه والكفارة
الواجبة عليه لا تسقط بملك الغير فلهذا لا يجوز اعتاقه عن كفارته ولا اطعامه المساكين
234

سواء باشره المولى أو العبد بإذن المولى (قال) حر ظاهر وهو معسر ثم أيسر فعليه العتق
لأن جواز تكفيره بالصوم كان للعجز وقد زال قبل اسقاط الواجب فالتحق بما لو كان
موسرا في الابتداء فان أعسر قبل أن يكفر فعليه الصوم لأنه
عاجز عن التكفير بالعتق فيكفر بالصوم لقوله تعالى
فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين الآية
والله سبحانه وتعالى أعلم
بالصواب واليه المرجع
والمآب
تم الجزء السادس ويليه الجزء السابع
(وأوله باب العتق في الظهار)
235