الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ٢١
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٦ - ١٩٨٦ م
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء الحادي والعشرون من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
* (باب الصلح في الوصايا) *
(قال رحمه الله) وإذا أوصى الرجل بخدمة عبده سنة لرجل وهو يخرج من ثلثه فصالحه
الوارث من الخدمة على دراهم أو على سكنى بيت أو على خدمة خادم آخر أو على ركوب
دابة أو على لبس ثوب شهرا فهو جائز استحسانا وفى القياس لا يجوز لان الوصي له بالخدمة
في حكم الاعتياض كالمستعير ولهذا لا يملك أن يؤاجره كالمستعير وهذا لأنه يملك الخدمة بغير
عوض في الموضعين ثم المستعير لا يعتاض عن الخدمة مع المعير فكذلك الموصى له وجه
الاستحسان أن الصلح يصح بطريق الاسقاط إذا تعذر تصحيحه بطريق المبادلة كما لو صالح
من الألف على خمسمائة وهنا تصحيحه بطريق اسقاط الحق بعوض ممكن لأنه استحق على
الورثة تسليم العبد له في المدة ليستوفى خدمته وهو حق لازم لا يملك الوارث ابطاله فيجوز
اسقاطه بعوض بخلاف المستعير فإنه لا يستوجب على المعير حقا لازما فلا يمكن تصحيح
الصلح معه اعتياضا عن اسقاط الخدمة فكذلك لو فعل ذلك وصى الوارث الصغير وربما
يكون هذا التصرف نظرا للصغير والوصي في ذلك يقوم مقامه اسقاطا كان أو تمليكا فان
مات العبد الموصى له بخدمته بعد ما قبض الموصى له ما صالحوه عليه فهو جائز لأنه الذي من
جانبه اسقاط الحق فيتم بنفسه لان المسقط يكون متلاشيا والوارث بعد ذلك يستوفى خدمته
بملكه لا بالتملك على الموصى له بعوض فبقاؤه ومؤنته في حكم الصلح سواء وان صالحوه على
ثوب فوجد به عيبا كان له أن يرده ويرجع في الخدمة لان ما وقع عليه الصلح بمنزلة المبيع
وإذا كان ما يقابله اسقاط الحق كما في الصلح على الانكار والمبيع يرد بالعيب اليسير والفاحش
وبرده ينفسخ البيع فهذا مثله وإذا انفسخ رجع في الخدمة وليس له بيع الثوب قبل أن يقبضه
لبقاء الغرر في الملك المطلق التصرف كما في البيع ولو صالحه على دراهم كان له أن يشترى
بها ثوبا قبل أن يقبضها بمنزلة الثمن يجوز الاستبدال به قبل القبض ولو أن الوراث اشترى
2

منه الخدمة ببعض ما ذكرنا لم يجز لأن الشراء لفظ خاص وضع لتمليك مال بمال والموصي
له بالخدمة لا يملك تمليكه من الوارث بخلاف لفظ الصلح (ألا ترى) أن المدعى عليه بعد
الانكار لو صالح المدعى على شئ لم يصر به مقرا حتى إذا استحق عاد على رأس الدعوى ولو
اشترى منه المدعى صار مقرا له بالملك حتى لو استحق البدل لرجع بالمدعي ولو قال أعطيك
هذه الدار مكان خدمتك أو عوضا عن خدمتك أو بدلا من خدمتك أو مقاصة بخدمتك
أو على أن تترك خدمتك كان جائزا لأنه ذكر معنى الصلح وتصحيحه بطريق اسقاط الحق
ممكن من الوجه الذي قلنا في الصلح ولو قال أهب لك هذه الدار على أن تهب لي خدمتك
كان جائزا إذا قبض الدراهم لان لفظة الهبة في معنى لفظ الصلح حتى يستعمل في الاسقاطات
كما في التمليكات بخلاف لفظ البيع (ألا ترى) أن هبة المبيع من البائع قبل القبض يكون
إقالة إذا قبله البائع بخلاف البيع وقد طعن بعض مشايخنا رحمهم الله في هذا الفصل فقال الهبة
بشرط العوض تتم تبعا فتصير عند القبض بمنزلة ما لو صرحا بلفظ البيع وقد بينا أن ذلك
لا يجوز وكما يستعمل الهبة في الاسقاطات مجازا فكذلك البيع (ألا ترى) انه يبيع العبد من
نفسه ويبيع المرأة من نفسها ويكون ذلك اسقاطا بعوض بعبارة البيع ولكنا نقول الهبة بشرط
العوض يثبت فيها حكم البيع ولا يعتبر لفظة البيع والبطلان هنا باعتبار لفظ البيع ولكنا نقول
لا يحكم بالبيع لان موضوعه لفظ خاص بتمليك مال والثاني أن لفظ الهبة إنما يعتبر بيعا
بالتقابض من الجانبين وذلك غير متحقق هنا فالقبض لا يجرى من الوراث للخدمة هنا في
الحال ولا فيما بعده لأنا لو صححنا هنا بطريق الاسقاط والمسقط بلا شئ فلا يتصور القبض
فيه ليصير به بيعا ولو كان الوارث اثنين فصالحه أحدهما وصرحا بتمليك الخدمة منه بعوض
ولا يمكن تصحيحه اسقاطا ولكنه بمنزلة الإجارة والموصى له بالخدمة لا يؤاجر من الوارث
ولا من غيره وإنما استحسنا إذا كان جميع الورثة لان الخدمة تبطل ويصير العبد بينهم على
الميراث وهو إشارة إلى طريق اسقاط الحق بقبض كما بينا ولو باع الورثة العبد فأجاز صاحب
الخدمة البيع بطلت خدمته ولم يكن له في الثمن حق لان حقه في الخدمة لا يكون أقوى
من حق المستأجر والبيع ينفذ من المالك برضا المستأجر ولا يثبت حق المستأجر في الثمن
فهذا مثله وهذا بخلاف حق المرتهن فإنه يثبت في الثمن إذا نفذ بيع الراهن برضاه لان حق
الموصى له في المنفعة والثمن بدل العين دون المنفعة وحق المرتهن في العين لان موجب عقد
3

الرهن ثبوت يد الاستيفاء له من مالية العين والثمن بدل العين وبالبيع يتحقق وصوله إلى
مقصوده وهو الاستيفاء فلهذا يتحول حقه إلى الثمن وكذلك لو دفع بجناية برضا صاحب
الخدمة جاز لان الملك للورثة والمنفعة لصاحب الخدمة فيجوز دفعه بجناية بتراضيهما ويبطل
به حق الموصي له لفوات محل حقه ولو قتل العبد خطأ وأخذوا قيمته كان عليهم أن يشتروا
بها عبدا فيخدم صاحب الخدمة لان القيمة بدل العبد فيثبت فيه حق صاحب الخدمة كما
كان ثابتا في المبدل وهذا لان الوصية بالخدمة وان كانت بالمنفعة فهي تتعدى إلى العين حتى
يستحق على الوارث تسليم العين إلى الموصي له ويعتبر خروج العين من الثلث والموصى له
لم يرض بسقوط حقه هنا لان القتل ما كان برضاه ليقوم البدل مقام الأصل في ايفاء حقه
باعتباره بخلاف البيع فان هناك نفوذه كان بإجازته وذلك منه اسقاط لحقه في الخدمة فلهذا
يثبت حقه في الثمن ولو صالحوه على دراهم مسماة أو طعام أجزت ذلك بطريق اسقاط الحق
بعوض لان حقه بعد القتل باق كما كان قبله ولو قطعت احدى يدي العبد فأخذوا أرشها
فهو مع العبد يثبت فيه حق الموصي له بالخدمة اعتبار البدل الطرف ببدل النفس وان اصطلحوا
منها على عشرة دراهم على أن يسلم له بعينها والعبد أجزت ذلك بطريق اسقاط الحق بعوض
ولو أوصى لرجل بسكنى داره سنة أو حياته ثم مات وهو يخرج من الثلث فصالحوا الوارث
منها على سكنى دار أخرى سنين مسماة فهو جائز بطريق الحق اسقاط بعوض لا بطريق
المبادلة فان مبادلة السكنى بالسكنى لا تجوز ولو صالحه على سكنى دار أخرى حياته لم يجز لان
المصالح عليه يتملك عوضا وسكنى الدار من غير بيان العوض لا يجوز استحقاقها عوضا بالبيع ولا
بالإجارة فكذلك الصلح بخلاف الموصى له فان السكنى هناك تتملك بالوصية تبرعا بمنزلة
العارية في حال الحياة فان صالحه على سكنى دار مسماة فانهدمت بطل الصلح لفوات ما وقع عليه
الصلح قبل دخوله في ضمانه ويرجع في داره الأولى فيسكنها حتى يموت ان كانت وصيته
كذلك وان كانت سنة رجع بحساب ما بقي ولو كان أوصى له بغلة عبد مدة فصالحه الورثة
من ذلك على دارهم مسماة فهو جائز وان كانت غلته أكثر من ذلك لان تصحيح هذا الصلح
بطريق اسقاط الحق دون المبادلة فلا يتمكن فيه الربا ولو صالحه أحد الورثة على أن تكون
الغلة له خاصة لم يجز وان كانت الوصية له بغلته سنة أو أبدا لأنهما صرحا بالتمليك وتمليك غلة
العبد بعوض لا يجوز من أحد ولو استأجر منه العبد مدة معلومة جاز كما لو استأجره غير
4

الوارث بخلاف ما تقدم من السكنى والخدمة لان الموصى له بالغلة يملك أن يؤاجر فالغلة
لا تحصل الا به واجارته من الوارث ومن غيره سواء بخلاف الموصى له بالخدمة والسكنى
وهذا بخلاف الأول فهناك بالصلح يملك الغلة من الوارث إذا وجدت وكانت عينا فلا يجوز
تمليكها قبل الوجود وهنا إنما يملك المنفعة بالإجارة وذلك صحيح كما لو كان المملك في الوجهين
مالك العبد فان أجره المستأجر بأكثر مما استأجره به تصدق بالفضل إن كان من جنسه
فيما يكال أو يوزن وقد بينا هذا في الإجارات ولو استأجره بثوب يهودي بعينه فأجر
بثوبين يهوديين طاب له الفضل لان الثوب ليس بمال الربا فلا يتحقق في هذا التصرف
الفضل الخالي عن العوض والوصية بغلة الدار بمنزلة الوصية بغلة العبد في جميع ما ذكرنا ولو
كانت الوصية بغلة نخلة بعينها أبدا فصالحه الورثة بعد ما خرجت ثمرتها وبلغت منها ومن كل
غلة تخرج أبدا على حنطة وقبضها جاز بطريق تمليك الغلة الخارجة بعوض واسقاط الحق عما
يخرج بعد ذلك بعوض وإذا كان يجوز كل واحد منهما بانفراده فكذلك إذا جمع بينهما وان
صالحوه على حنطة سنة لم يجز لان ما في رؤس النخيل ثمر مكيل وبوجود أحد وصفى علة
ربا الفضل يحرم النساء فإذا بطل في حصة الموجود بطل في الكل لاتحاد الصفقة ولو صالحه
على شئ من الوزن نسيئة فهو صحيح لأنه لم يجمع البدلان أحد وصفى علة ربا الفضل ولو
صالحوه على تمر لم يجز حتى يعلم أن التمر أكثر مما في رؤس النخيل ليكون بمقابلة ما في رؤس
النخيل مثلها والباقي عوض عن اسقاط الحق في المستقبل فإذا لم يعلم ذلك تمكنت فيه شبهة
الربا فلا يجوز وان صالحوه من غلة هذا النخل على غلة نخل آخر أبدا أو سنين معلومة لم يجز
لان ما وقع الصلح عليه في معنى المبيع وتمليك غلة النخيل قبل خروجها بالبيع لا يجوز وكذلك
لو صالحوه على غلة عبد سنين معلومة لان الغلة مجهولة وهي للحال معدومة فلا يجوز استحقاقها
عوضا بالبيع وبالإجارة فكذلك بالصلح ولو أوصى لرجل بما في بطن أمته وهي حامل فصالحه
الورثة على دراهم معلومة جاز بطريق اسقاط الحق المستحق له بعوض ولو باعه منهم أو من
غيرهم لم يجز لان البيع تمليك مال متقوم بمال وما في البطن ليس بمال متقوم وهو غير مقدور
التسليم فلا يجوز تمليكه بالبيع من أحد ولو صالحه أحد الورثة على أن يكون له خاصة لم
يجز لتصريحهما بتمليكه ما في البطن بعوض ولو صالحه الورثة منه على ما في بطن جارية أخرى
لم يجز لان ما يقع عليه الصلح في حكم المبيع ولو صالحوه على دراهم مسماة ثم ولدت
5

الجارية غلاما ميتا فالصلح باطل لأنه تبين انه لم يكن له حقا مستحقا يحتمل الاسقاط بعوض
وإنما كنا نصحح الصلح بطريق اسقاط الحق المستحق بعوض ولو ضرب انسان بطنها
فألقت جنينا ميتا كان أرش ذلك لهم والصلح جائز لان الحق كان للموصى له (ألا ترى)
انه قبل الصلح كان الأرش يسلم له بطريق الوصية فصح اسقاط الحق بعوض بخلاف ما إذا ولدته
ميتا فإنه يتبين بطلان الوصية فيه ولو مضت السنتان قبل أن تلد شيئا كان الصلح باطلا لأنه
قد تبين بطلان الوصية فالجنين لا يبقى في البطن أكثر من سنتين والوصية كانت بالموجود
في البطن فالوصية بما تحمل هذه الأمة لا تكون صحيحة وكذلك الوصية بما في بطون الغنم
وضروعها في جميع ما ذكرنا ولو أوصى لرجل بما في بطن أمته فصالحه رجل من غير الورثة على
أن يكون ذلك له خاصة على دراهم مسماة لم يجز كما لا يجوز صلح أحد الورثة على ذلك لأنه
تمليك لما في البطن بعوض فان قبض الرجل الأمة ثم أعتق ما في بطنها لم يجز لان ما في البطن
ليس بمال متقوم ومثله لا يملك بالبيع وان قبض مع أن قبض الأمة ليس بقبض لما في البطن
(ألا ترى) أن الوراث إذا أعار الجارية أو أجرها من انسان لا يحتاج في التسليم إلى رضا
الموصي له بما في البطن وان الغاصب للأمة الحامل لا يصير ضامنا لما في بطنها فدل أن بقبض
الأمة لا يصير قابضا لما في بطنها وبدون القبض لا ينفذ التصرف في البيع الفاسد ولو أعتق
الورثة ما في بطنها لم يجز لأنهم لم يملكوا ما في البطن لكونه مشغولا بحاجة الميت وحق الموصى
له ولو أعتقوا الأمة جاز لأنهم يملكون رقبتها فان صالحهم بعد عتق الأمة مما في بطنها على
دراهم جاز لان تصحيح هذا الصلح بطريق اسقاط الحق ولو لم يبطل حقه باعتاقهم الأمة
حتى إذا ولدت ولدا حيا كانت الورثة هنا ملزمين له بقيمة الولد فاسقاطه الحق بعوض بطريق
الصلح معهم جائز ولا يتمكن فيه معنى الربا سواء وقع الصلح على أقل من قيمته أو أكثر
من قيمته لأنه اسقاط لا تمليك وفي الاسقاطات لا يجرى الربا وان ولدته ميتا بطل الصلح
لأنه تبين بطلان الوصية حين انفصل ميتا وانه لم يكن له قبلهم حق مستحق ولو أوصى بما في
بطن غنمه فذبحها الورثة قبل أن تلد فلا ضمان عليهم فيما في بطونها أما عند أبي حنيفة رحمه الله
فظاهر لان ذكاة الأم لا تكون ذكاة للجنين عنده فلم يوجد من الورثة صنع في الجنين وأما
عندهما فإنما يكون ذكاة الأم ذكاة للجنين إذا انفصل ميتا وإذا انفصل ميتا فلا حق للموصى له
فلهذا لا يضمنون له شيئا ولأنه يتوهم انفصال الجنين حيا بعد ذبح الأم فلا يكون هذا من
6

الورثة اتلافا لحق الموصي له بطريق المباشرة والتسبب وإذا لم يكن تعديا لا يكون موجبا
للضمان بخلاف العتق فإنه لا يتصور انفصال الولد رقيقا بعد عتق الأم فكان ذلك منه اتلافا
لحق الموصي له بطريق المباشرة وان صالحوه بعد الذبح على شئ لم يجز لأنه لم يكن للموصى
له حق استحقاق وكذلك الأمة لو قتلوها هم أو غيرهم كانت القيمة للورثة ولا شئ للموصي
له لان قتل الأم لا يكون قتلا للجنين ويتوهم انفصال الجنين حيا قبل الأم فلهذا لا شئ
للموصى له من قيمة الولد ولو أوصي له بما في ضروع غنمه فصالحه الورثة على لبن أقل من
ذلك أو أكثر لم يجز لأنه مبادلة اللبن باللبن مجازفة ولا يقال ينبغي أن يصحح الصلح بطريق
الاسقاط كما لو صالحوه على دراهم لأنا وان جعلناه اسقاطا للحق حكما فمن حيث الحقيقة
اللبن موجود في الضرع والوصية لا تصح الا باعتبار هذه الحقيقة وباعتبار هذه يكون تمليك
اللبن بلبن هو أقل منه أو أكثر وباب الربا ينبنى على الاحتياط فلهذا لا يجوز وكذلك
الصوف لأنه مال الربا كاللبن وهذا بخلاف ما سبق فيما إذا صالح الموصى له الورثة عما في بطن
الأمة بعد عتق الأم على أكثر من قيمته لأنا لا نتيقن بوجوب القيمة وان تيقنا به فالقيمة ليست
من جنس ما قبض لا محالة فالتقويم تارة بالدراهم وتارة بالدنانير فيمكن تصحيح ذلك الصلح
بطريق الاسقاط بخلاف ما نحن فيه ولو أوصى لصبي بما في بطن أمته أو لمعتوه فصالح أبوه
أو وصيه الورثة على دراهم جاز بطريق اسقاط حقه بعوض فوليه في ذلك يقوم مقامه لما فيه
من النظر ولكن لو كانت الوصية لمكاتب فصالح جاز لان اسقاط الحق بعوض من باب
اكتساب المال والمكاتب فيه كالحر ولو أوصى بشئ لما في بطن فلانه لم تجز له الوصية
إلا أن تضعه لأقل من ستة أشهر فحينئذ تيقن انه كان موجودا حين أوجب الوصية له
وان جاءت به لأكثر من ستة أشهر لا يتيقن بوجوده حين وجبت الوصية له والوصية
أخت الميراث والجنين إذا كان موجودا في البطن يجعل في حكم الميراث كالمنفصل وكذلك
في حكم الوصية وان أقر الموصى أنها حامل ثبتت الوصية له ان وضعته ما بينه وبين سنين من
يوم أوصى لان وجوده في البطن عند الوصية ثبت باقرار الموصى فإنه غير متهم في هذا
الاقرار لأنه يوجب له ما هو من خالص حقه بناء على هذا الاقرار وهو الثلث فيلحق بما لو
صار معلوما هنا بأن وضعته لأقل من ستة أشهر فان صالح عنه أبوه على شئ لم يجز فعل
الأب على ما في البطن فان ثبوت الولاية لحاجة المولى عليه إلى النظر ولا حاجة للجنين إلى
7

ذلك ولان الجنين في حكم جزء من اجزاء الأم ما دام متصلا بها من وجه فكما لا يثبت
للأب الولاية على الأم فكذلك على ما هو من أجزائها وكذلك الأم لو كانت هي التي صالحت
لان الأبوة في اثبات الولاية أقوى من الأمومة فإذا كأن لا نثبت الولاية على ما في البطن
للأب فللأم أولى والجنين وإن كان بمنزلة جزء منها من وجه فهو أولى في الحقيقة في نفس
مودعة فيها ولاعتبار معنى النفسية صحت الوصية فالوصية للاجزاء لا تصح ولا يمكن تصحيح
هذا الصلح من الأم باعتبار الحرية لهذا المعنى فان ولدت غلاما وجارية فالوصية بينهما نصفان
لان استحاق الوصية بالايجاب بالعقد والذكر والأنثى في ذلك سواء وإنما التفاوت بينهما
فيما يستحق ميراثا وان ولدت أحدهما ميتا وهو للحي منهما بمنزلة ما لو أوصى لحي وميت
فان ولدتهما ميتين أو لأكثر من سنتين حيين فالوصية باطلة وان ضرب انسان بطنها فألقت
جنينا ميتا فالوصية تبطل أيضا لان الأرش لا يقوم مقامه أن لو انفصل حيا في استحقاق
الوصية كما لا يقوم مقامه في استحقاق الميراث والوصية له في هذا الوجه مخالفة للوصية به لان
البدل لا يقوم مقام الأصل في الحكم الذي يصلح أن يكون مبادلة والأرش يجوز أن يكون
مستحقا بالوصية كالأصل أن لو انفصل حيا فقام مقامه في ذلك والأرش لا يجوز أن يكون
مستحقا بالوصية فلا يقوم مقامه الأصل في حكم تصحيح الوصية له فلهذا بطلت وصيته ولو كان
الحمل عبدا فصالح مولاه عليه لا يجوز لان الولاية كما لا تثبت على ما في البطن باعتبار الأبوة
فكذلك لا تثبت باعتبار الملك بل أولى فان المالكية على القدرة والاستيلاء وذلك يتحقق على
ما في البطن فان صالح مولى الابن الحمل بعد موت المريض على صلح ثم أعتق المولى الأمة
الحامل عتق ما في بطنها ثم ولدت غلاما فالغلام حر لأنه انفصل منها وهي حرة ولا وصية له
والوصية لمولاه لان وجوب الوصية بالموت وعند الموت كان مملوكا فصار الموصي به ملكا
للمولى ثم عتق بعد ذلك باعتاق الأم وهو لا يبطل ملكه عما صار مستحقا له من كسبه ولا يجوز
الصلح أيضا لأنه لا يمكن تصحيح الصلح بطريق الولاية على ما في البطن ولا باعتبار حقه
لان ثبوت حقه بطريق الخلافة فالمولى يخلف العبد في استحقاق كسبه خلافة الوارث المورث
وما لم يتم سبب الاستحقاق للمملوك لا يخلفه المولى في ذلك وإنما يتم السبب إذا انفصل حيا
والصلح قبل ذلك فلهذا لم يجز وكذلك لو باع الأمة وكذلك لو دبر ما في بطنها وهذا أظهر
فالتدبير لا يخرج المولى من أن يكون مستحقا لكسب المدبر ولو كان الموصي له حيا ثم أعتق
8

المولى الأمة والولد أو أعتق الأمة دون الولد ثم مات الموصى كانت الوصية للغلام دون المولى
لأنه صار حرا سواء أعتقه مقصودا أو أعتق أمه وإنما وجبت الوصية بالموت ولو كان حرا
يومئذ فكانت الوصية له دون المولى ولو صالح الورثة من الوصية قبل موت الموصى لم يجز
لان استحقاق الوصية بالموت والصلح قبل ثبوت الاستحاق لا يصح لان صحته على وجه
اسقاط الحق بعوض فإذا لم يكن العوض مستحقا كان الصلح باطلا
* (باب الصلح في الجنايات) *
(قال رحمه الله) والصلح من كل جناية فيها قصاص على ما قل من المال أو كثر فيها
فهو جائز لقوله تعالى (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان) ومعناه
من أعطى له من دم أخيه شئ وذلك بطريق الصلح * ولقوله صلى الله عليه وسلم من قتل له قتيل
فأهله بين خيرين ان أحبوا قتلوا وأن أحبوا فادوا والمفاداة بالصلح تكون ولا يتعذر بدل
الصلح بالأرش عندنا خلافا للشافعي رحمه الله وهي مسألة الديات واعتمادنا فيه على ما روى أن
رسول الله الله صلى الله عليه وسلم قضي بالقصاص على القاتل ولما رأى الصحابة رضي الله عنهم
الكراهية في ذلك من وجهه صلوات الله وسلامه عليه صالحوا أولياء القتيل على ديتين واستحسنه
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولان حق استيفاء القود قد يؤل إلى المال عند تعذر الاستيفاء
فيجوز اسقاطه بمال بطريق الصلح كحق الرد بالعيب بخلاف حد القذف فأن لا يؤل مالا
بحال ثم البدل يكون في مال الجاني حالا لأنه التزمه بالعقد ولأنه وجب باعتبار فعل هو عمد
وقال صلى الله عليه وسلم لا تعقل العاقلة عمدا ولا عيبا ولو صالحه من الجرح أو الجراحة أو
الضربة أو القطع أو الشجة أو اليد على شئ ثم برأ فالصلح جائز لأنه أسقط بهذه الألفاظ
حقه بعوض وان مات بطل الصلح في قول أبي حنيفة رحمه الله وعليه القصاص في القياس
وفى الاستحسان عليه الدية في ماله وان آل الجرح إلى قتل كانت الدية على عاقلته وعند
أبي يوسف ومحمد رحمهما الله الصلح ماض ولا شئ عليه لأنه أسقط الحق الواجب له بالجراحة
بالصلح وبعد الموت سبب حقه الجراحة كما بعد البرء وعند أبي حنيفة رحمه الله هو إنما
أسقط بالصلح قطعا أو شجة أوجبت له قصاصا وبالموت يتبين أن الواجب له القصاص في
النفس لا القطع والشجة فكان هذا اسقاطا لما ليس بحقه فيكون باطلا ولهذا كان عليه القصاص
9

في النفس في القياس ولكنه استحسن فقال يتمكن فيه نوع شبهة من حيث إن أصل القتل
كان هو الشجة والقصاص عقوبة تندرئ بالشبهات ولكن المال يثبت مع الشبهات وأصل
المسألة في العفو وموضع بيانها كتاب الديات ولو كان صالحه عن ذلك وما يحدث منه كان
الصلح ماضيا ان مات أو عاش لان ما يحدث منه السراية يكون هو بهذا اللفظ مسقطا حقه
عن النفس بعوض والقصاص في النفس وإن كان يجب بعد الموت فإنما يجب بسبب الجناية
واسقاط الحق بعد وجود سبب الوجوب قبل الوجوب صحيح وكذلك من الجنابة صحيح
ان عاش أو مات لان اسم الجناية يعم النفس وما دونها حتى لو قال لا جناية لي قبل فلان
ثم ادعى عليه النفس لم تسمع دعواه بخلاف ما لو قال لا شجة لي قبل فلان والصلح باسم الجناية
يكون مسقطا حقه برئ أو سرى فإن كان مريضا صاحب فراش حين صالح فهو جائز في
العمد وان صالحه على عشرة دراهم لأنه أسقط ما ليس بمال ولو أسقطه بغير عوض بالعفو لم
يعتبر خروجه من الثلث فإذا أسقط بالصلح ببدل يسير أولى وفى الخطأ ما حط يكون من
الثلث لان الواجب الدية وهو مال فيكون ما حط وصية من الثلث ولا يقال هي وصية
القاتل لان الدية في الخطأ على العاقلة فيكون هذا منه وصية لعاقلة قاتله وذلك صحيح من الثلث
وإذا قطع رجل أصبع رجل عمدا أو خطأ فصالحه منها على ألف درهم ثم شلت أصبع أخرى
سواها فلا شئ له عليه في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لأنه أسقط بالصلح موجب
ذلك القطع وذلك يعم الإصبع الأولى والثانية وعند أبي حنيفة رحمة الله عليه أرش الإصبع
الأخرى لأنه إنما أسقط بالصلح قصاصا واجبا في الإصبع فلا يتناول الصلح الإصبع الأخرى
فيلزمه أرشها إلا أن هنا لا يتبين بهذه السراية ان الإصبع الأولى لم تكن مستحقة له فيبقى
الصلح عنها صحيحا بخلاف الأول فان هناك بالسراية إلى النفس يتبين أن الشجة لم تكن مستحقة
له قصاصا فكان الصلح باطلا لأنه صالح من غير حقه وإذا كانت الشجة موضحة فصالحه
منها على مائة درهم فصارت منقلة فلا يبقى عليه شئ عندنا لما قلنا وعند أبي حنيفة رحمة الله عليه
ألف وأربعمائة درهم لان المنقلة غير الموضحة والموضحة ما يوضح العظم ولا يؤثر فيه والمنقلة
ما يكسر العظم وينقله من موضعه وهو إنما أسقط من موضحة موجبة له قصاصا وقد تبين
أنها لم تكن حقا له وإنما كان حقه في المنقلة وأرش المنقلة عشر الدية وذلك ألف وخمسمائة
استوفى من ذلك مائة فالباقي عليه ألف وأربعمائة * رجل قتل عمدا وله ابنان فصالح أحدهما
10

من حصته على مائة درهم فهو جائز ولا شركة لأخيه فيها لأنه أسقط نصيبه من القود بعوض
ولو أسقط بغير عوض جاز والمال عوض عن القصاص استحقه بالعقد وهو المباشرة للعقد
فلا شركة لأخيه فيها باعتبار العقد ولا باعتبار الشركة في أصل القود لان ذلك ليس بمال ثم
كل ما يصلح أن يكون صداقا في النكاح يصلح أن يكون عوضا في الصلح عن القصاص لأنه
مال يستحق عوضا عما ليس بمال بالعقد وعلى هذا يجوز التصرف في بدل الصلح قبل القبض
وإن كان عينا كما يجوز التصرف في الصداق لأنه لم يبق في الملك المطلق للتصرف عذر حتى
لا يبطل بالهلاك ولكن تجب قيمته وكذلك لو استحق العبد كان على القاتل قيمته لان
بالاستحقاق لا يبطل الصلح ولكن تعذر استيفاء العبد مع قيام السبب الموجب له فتجب
قيمته كما في الصداق وهذا لان الصلح عن القود لا يحتمل الفسخ بالتراضي كالنكاح بخلاف
الصلح عن المال وكذلك أن وجد به عيبا فاحشا فرده رجع بقيمته ولا يرده بالعيب اليسير كما
في الصداق ولو كان العبد حرا كان على القاتل الدية لأولياء القتيل في ماله وعلى قياس قول
أبى يوسف رحمة الله عليه قيمته أن لو كان عبدا وأصل الخلاف في الصداق وقد بيناه في
النكاح ولو اختلفا في العبد الذي وقع الصلح عليه كان القول فيه قول القاتل مع يمينه لان
القابل للقود سقط باتفاقهما وإنما تنازعا في المال المستحق على القاتل بمقابلته فالقول فيه قوله
مع يمينه كما في الخلع بخلاف الصداق عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله فان هناك يصار إلى
تحكيم مهر المثل لان صحة النكاح موجبة مالا وهو مهر المثل فعند الاختلاف في المسمى
يصار إلى موجبه الأصلي وهنا ليس لسقوط العقود بالعفو موجب من حيث المال فيكون
هذا نظير الخلع وإن كان القتل خطأ فصالحه أحدهما على مال كان لشريكه أن يشركه في ذلك
لان الواجب في الخطأ الدية وهو مال وجب مشتركا وصلح أحد الشريكين من الدين
المشترك على شئ صحيح ولشريكه أن يشركه في ذلك ولو صالح أحدهما من نصيبه على عبد
بعينه كان لشريكه أن يشركه في ذلك إلا أن يشاء المصالح أن يعطيه ربع الأرش ويمسك
العبد كما في سائر الديون المشتركة إذا صالح أحدهما من نصيبه على عين وهذا لأنه يملك
العبد بالعقد وهو في العقد عامل لنفسه فله أن يختص به ويعطى صاحبه ربع الأرش لان
ذلك أصل حقه فيما وقع الصلح عنه وهو نصف الأرش وان شاء أبى ذلك وأعطاه نصف
العبد لان مبنى الصلح على التجوز بدون الحق وهو يقول إنما توصلت إلى حقي لأني رضيت
11

بدون حقي فعليك أن ترضى به أيضا وتأخذ نصف ما وقع عليه الصلح إن شئت والا فاتبع
القاتل بحقك ولو صالحه من ذلك على عرض بغير عينه لم يجز لان هذا العرض بمقابلة الدية
يكون بيعا وبيع ما ليس عند الانسان لا يجوز وكذلك لو صالحه على موصوف من المكيل
أو الموزون مؤجلا والمكيل والموزون إذا قوبل بالنقد يكون مبيعا ولو صالحه منه على عبد
بعينه فاستحق أو مات قبل أن يقبضه رجع بنصف الأرش لان هذا صلح عن مال على مال
وهو محتمل للفسخ فبالاستحقاق أو الهلاك قبل التسليم يبطل الصلح وكذلك لو وجد به
عيبا صغيرا أو كبيرا رده لان المصالح عليه بمنزلة المبيع في الصلح عن المال فيرد بالعيب اليسير
والفاحش وليس له أن يتصرف فيه قبل أن يقبضه كما في المبيع وكذلك لو صالح عن الجاني
غيره باقرار أو انكار كما في الصلح عن سائر الديون ولو صالحه من دم العمد على سكنى دار أو
خدمة عبد سنة جاز لان المنفعة المعلومة يجوز استحقاقهما عوضا في الصلح عن المال ففي الصلح
عما ليس بمال أولى وقد بينا أن هنا العوض بمنزلة الصداق والسكنى والخدمة إذا كانت
معلومة ببيان المدة تثبت صداقا في النكاح وان صالحه عليه أبدا أو على ما في بطن أمته أو
على غلة نخلة سنين معلومة أو أبدا لم يجز لان هذا كله لا يثبت صداقا بالتسمية في النكاح
فكذلك لا يستحق عوضا عن دم العمد في الصلح وهذا بخلاف الخلع وانها لو اختلعت نفسها
على ما في بطن أمتها صحت التسمية والفرق من وجهين أحدهما أن بالخلع المرأة لا تستحق شيئا
هو متقوم ولكن يبطل ملك الزوج عنها والبضع عند خروجه من ملك الزوج غير متقوم
فكان التزامها بالوصية والاقرار وذلك صحيح مضافا إلى ما في البطن ولهذا لو اختلعت بمال في
مرضها اعتبر من ثلثها كالوصية وأما الصلح عن القود فالقاتل يستفيد العصمة والمتقوم في نفسه
ولهذا لو صالح في مرضه على قدر الدية اعتبر من جميع المال فكان المال عوضا عما هو متقوم في
حق من التزمه فيكون نظير الصداق لان البضع عند دخوله في ملك الزوج متقوم فيكون
الصداق عوضا عما هو متقوم في حق من التزمه والجنين لا يصلح عوضا في مثله * يوضح
الفرق أن أحد البدلين في الخلع وهو الطلاق يحتمل الإضافة فكذلك البدل الآخر
والايجاب في الجنين بمعنى المضاف إلى حال بعضها إذا جنى وهو وحده حقيقة لا يصير
معلوما إلا عند ذلك فأما في الصلح فأحد البدلين وهو اسقاط القود لا يحتمل التعليق
والإضافة بالشرط فكذلك البدل الآخر فلا يمكن تصحيحه في الجنس مضافا ولا يمكن
12

تصحيحه في الحال لأنه غير معلوم الوجود والتقوم فكان كالصداق من هذا الوجه ثم على
القاتل الدية لان فساد التسمية لا يمنع سقوط القود كما أن فساد التسمية لا يمنع صحة النكاح
وإذا سقط القود وجبت الدية لان الولي ما رضى بسقوط حقه مجانا وقد صار مغرورا من
جهة القاتل بما سمى له فيرجع عليه ببدل ما سلم له وهو العصمة والتقوم في نفسه وبدل النفس
الدية ولو صالحه على ما في نخله من ثمرة جاز لان الثمرة الموجودة تستحق صداقا وتستحق
مبيعا فيجوز الصلح عليها أيضا بخلاف ما إذا صالح على ما يحمل نخله العام ولو صالحه على أن عفى
الآخر عن قصاص له قبل رجل آخر كان جائزا لان كل واحد منهما أسقط حقه عما له من
القود وكل واحد منهما متقوم صالح للاعتياض عنه فيجوز أن يجعل أحدهما عوضا عن الآخر
وهذا بخلافه فان القصاص لا يصلح أن يكون صداقا لان الشرط في الصداق أن يكون مالا
قال الله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم) والقصاص ليس بمال وهنا الشرط أن يكون ما يستحق
بالصلح متقوما وذلك موجود في القصاص كما قررنا (ألا ترى) أنه لو صالح عن القود على أقل
من عشرة دراهم يجوز وإن كان ما دون العشرة لا يستحق صداقا ولو قطع رجل يد رجل
عمدا فصالحه على خمر أو خنزير أو على حر وهو يعرفه فهو عفو ولا شئ للمقطوعة يده لأنه
أسقط حقه بغير عوض فالخمر والخنزير والحر ليس بمال متقوم فلا يكون هو باشتراطه طالبا
للعوض عن اسقاط القود ولم يصر مغرورا من جهة القاطع فلا يرجع عليه بشئ كما في الخلع إذا
خالع امرأته على خمر أو خنزير أو حر وهذا بخلاف النكاح فإنه لو تزوجها على خمر أو خنزير
أو حر كان لها مهر مثلها لان استحقاق مهر المثل هناك باعتبار صحة النكاح لا باعتبار تسمية
العوض حتى لو لم يسم شيئا وجب مهر المثل في الخلع والصلح عن دم العمد استحقاق البدل
باعتبار تسمية البدل حتى لو لم يسم له شيئا كان العفو مجانا وعلى هذا التحقيق يتبين أنه لا فرق
فانا نجعل تسمية الخمر والخنزير وجودها كعدمها في المواضع كلها وهذا لأنه يتملك الزوج
بالنكاح ما هو متقوم مصون عن الابتذال فلا يملك الا بعوض إظهار الخطر وهنا من له القود
يسقط القود ولا يملك القاتل شيئا واسقاط القود غير مصون عن التبذل فلهذا لا يجب المال الا
باعتبار تسمية عوض هو مال متقوم وكذلك لو صالح على أن يقطع رجله فهذا عفو مجانا لأنه لو لم
يسم عوضا مالا هو متقوم فكان ذكره والسكوت عنه سواء ولو كان القتل خطأ كان عليه الدية
لان هذا صلح من مال فيكون سائر صلح الديون إذا بطل بقي المال واجبا كان هو الدية ولو
13

كان قتل عمد فصالح عنه رجل على ألف درهم ولم يضمنها له لم يكن عليه شئ لأنه متبرع بالصلح
فلا يلزمه المال الا بالتزامه والتزامه بالضمان أو بإضافة البدل إلى نفسه أو مال نفسه فإذا لم يوجد
ذلك توقف على إجازة القاتل ليكون المال عليه إذا أجاز كما في الخلع وإن كان القاتل هو الذي
أمره بذلك كان البدل على القاتل لان المصالح معبر عنه (ألا ترى) انه لا يستغنى عن إضافة
العقد إليه فهو نظير الخلع ولو صالحه عنه على عبد له ولم يضمن له خلاصه جاز لإضافة الصلح
إلى مال نفسه وقدرته على تسليم بدل الصلح فان استحق العبد لم يرجع عليه بشئ لأنه ما ضمن
له شيئا التزمه في ذمته وإنما التزم تسليم العين فيكون حكم الالتزام مقصورا على العين في حقه
فإذا عجز عن تسليمه بالاستحقاق لم يلزمه شئ ولكن يرجع على القاتل بقيمته إن كان أمره بذلك
لان عند استحقاق العين بدل الصلح هو القيمة دينا فيكون على الامر دون المأمور كالألف
المسمى وإن كان المصالح تبرع بالصلح عليه وضمن له خلاصه ثم استحق رجع عليه بقيمته لأنه
صير نفسه زعيما والزعيم غارم وعند الاستحقاق بدل الصلح قيمته وقد ضمنه فيكون مطالبا
بايفائه كما لو صالحه على ألف درهم وضمنها له فان قيل كيف يضمن القيمة وهو إنما ضمن له
خلاص العبد قلنا التزامه بالضمان إنما يصح باعتبار وسعه والذي في وسعه خلاص المالية بتسليم
العين إن أمكن أو بتسليم قيمته ان استحق وهو نظير الخلع في جميع ما ذكرنا وللأب أن يصالح
عن دم عمد واجب لابنه الصغير أو المعتوه على الدية لأنه متمكن من استيفاء القود الواجب
لولده في النفس وما دون النفس كهو في حق نفسه لان الولد جزء منه وولايته عليه فيما
يرجع إلى استيفاء حقه ولاية كاملة تعم المال والنفس جميعا بمنزلة ولايته على نفسه فإذا جاز
له أن يستوفى القود جاز صلحه بطريق الأولى لان المقصود باستيفاء القود تشفى الغيظ وذلك
يحصل للصبي في الثاني إذا عقل وإذا صالح على الدية تصل إليه منفعة في الحال ثم هو بالصلح
يجعل ما ليس بمال من حقه مالا فيتمحض تصرفه نظير الصبي وان حط عنه شيئا من الدية
لم يجز ما حط قل ذلك أو كثر لأنه فيما حط مسقط لحقه غير مستوف له ولاية الاستيفاء
في حق الصغير وهذا بخلاف البيع فإنه لو باع ماله بغبن يسير جاز لان البدل في البيع غير
مقدر شرعا والقيمة تعرف بالحزر والظن والمقومون يختلفون فيها ففي الغبن اليسير لا يتيقن
بترك النظر فيه باسقاط شئ من حقه وهنا الدية مقدرة شرعا فإذا نقص عن المقدر شرعا
فقد أسقط من حقه شيئا تيقن وذلك غير صحيح منه فعلى القاتل تمام الدية قال وكذلك الوصي
14

فيما دون النفس له أن يستوفى وان يصالح لان ما دون النفس سلك به مسلك الأموال حتى
تعتبر فيه المساواة في البدل ويقضى عنه بالنكول عند أبي حنيفة رحمه الله كما في الأموال
وللوصي ولاية التصرف في مال اليتيم استيفاء فكذلك فيما يسلك به مسلك الأموال فأما
في النفس فليس للوصي أن يستوفى القود رواية واحدة لأن ولاية الوصي ولاية قاصرة
تثبت في المال دون النفس والقصاص في النفس ليس بمال حقيقة ولا حكم فيكون الوصي
في استيفائه كأجنبي آخر كما في التزويج وهذا لان القصاص في النفس عقوبة تندرئ بالشبهات
فالمستحق به محل هو مصون عن الابتذال من كل وجه وفى ولاية الوصي شبهة القصور
فلا يتمكن به من استيفاء ما يندرئ بالشبهات بخلاف الأب وبخلاف القصاص في الطرف
لأنه لا يندرئ بكل شبهة ولهذا حرز أبو حنيفة رحمه الله فيه القضاء بالنكول فان المستحق
به محل غير مصون عن الابتذال وقد قدرنا ذلك في الدعوى فيمكن الوصي الاستيفاء مع قصور
ولايته وليس للوصي أن يصالح من القصاص في النفس على الدية في رواية هذا الكتاب
وقال في الجامع الصغير والديات للوصي أن يصالح من النفس على الدية * وجه هذه الرواية
انه لا يملك استيفاء القود بولايته وإنما يملك الاسقاط بعوض من يكون متمكنا من الاستيفاء
ووجه الرواية الأخرى أن في الصلح اكتساب المال للصبي والوصي منصوب لاكتساب
المال بخلاف استيفاء القود فهو ليس من اكتساب المال في شئ وبخلاف التزويج فهو غير
مشروع لاكتساب المال بل لتمليك البضع وهو مصون عن الابتذال * توضيحه ان القصاص
ليس بمال للحال وهو مال في المآل فلا يملكه الوصي وفى الصلح تحقيق ما هو المطلوب في
المآل وهو المال فيملكه الوصي ولا يبعد أن يكون حكم الصلح على المال مخالفا لحكم استيفاء
القود (ألا ترى) أن الموصى له بالثلث لاحق له في القود استيفاء ويثبت حقه إذا وقع الصلح
عن القود في المال فهذا مثله وإن كان دم عمد بين ورثة فيهم الصغير والكبير فله أن ينفرد باستيفاء
القود عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما ليس له ذلك وفى مثله الديات فان صالح عن الدية
فصلحه جائز أما عند أبي حنيفة فلا يتمكن من استيفاء نصيب الصغير من القود فيتمكن من
اسقاطه بالصلح على الدية كما في الأب وعندهما صلحه عن نصيب نفسه صحيح بمنزلة عفوه
وبه ينقلب نصيب الصغير مالا وهو حصته من الدية لتعذر استيفاء القود عليه ولو قتل رجل
عمدا ولا ولى له غير الامام فللامام أن يستوفى القود في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
15

خلافا لأبي يوسف رحمه الله فأبو يوسف رحمه الله يجعل الامام في استيفاء القود كالوصي
لان ثبوت ولايته بالعقد وهو التقليد كثبوت ولاية الوصي وهما يجعلان الامام فيما هو حق
للمسلمين كالأب في حق ولده الصغير لان ولايته ولاية متكاملة تعم المال والنفس والمسلمون
يعجزون عن الاجماع للاستيفاء كالصغير ويجوز للامام أن يصالح على الدية بالاتفاق أما عندهما
فلانه يملك الاستيفاء فيملك الاسقاط بالصلح على الدية ومنفعة المسلمين في هذا أظهر منه
في استيفاء القود وعند أبي يوسف رحمه الله لم يجب القصاص بهذا القتل لانعدام المستوفى
فيكون الواجب هو الدية وللامام ولاية استيفائه لأنه حق جماعة المسلمين وذكر حديث
وهب بن كيسان أن عبد الله بن عمر قتل يزدان في تهمة له في دم عمر فقال علي لعثمان
رضي الله عنهما أقتل عبيد الله به فقال عثمان رضي الله عنه قد قتل أبوه بالأمس وإنما
استحيى أن يقتل أبوه وأقتله هذا اليوم لا أفعل هذا رجل من أهل الأرض قتل وأنا وليه
وأعفو عن هذا وأؤدي ديته فذلك دليل جواز صلح الامام عن القود على الدية في حق
من لا وارث له وإذا قتل الحر والعبد رجلا فوكل الحر ومولى العبد رجلا بالصلح فصالح
ولى الدم عنهما على ألف درهم فعلى الحر نصف الألف وعلى مولى العبد نصفها لان الوكيل
نائب عنهما فصلحه كصلحهما وهذا لان الصلح اعتياض عن الجناية وهما في الجناية وفى موجبها
سواء يعني الحر عن نفسه والمولى عن عبده فيستويان فيما يلزمهما من العوض وإذا قتل العبد
رجلا وله وليان فصالح مولاه أحدهما عن نصيبه من الدم على العبد فالصلح جائز ويقال
للذي صار له العبد ادفع نصفه إلى شريكك أو افده بنصف الدية على أن يسلم لك العبد لان
المصالح أسقط نصيبه من القود بعوض وهو العبد فصح ذلك ثم تعذر على الآخر استيفاء
القود فانقلب نصيبه مالا وعند انقلاب نصيبه مالا العبد في ملك المصالح فهو المخاطب بدفع
نصف العبد إليه أو الفداء بنصف الدية لان نصيبه حين انقلب مالا كان لجناية الخطأ من
العبد يتعلق برقبته ويخاطب مولاه بالدفع أو الفداء وليس للعبد الآخر أن يضمن مولى
العبد شيئا لأنه ما استحق مالا في ملكه وإنما استحق المال في ملك المصالح وحقه قائم لم
يفوته المولى عليه فلهذا لا يضمن له شيئا ولو صالحه على عبد آخر مع ذلك لم يكن له في العبد
الآخر حق لما بينا أن المصالح إنما أسقط حقه من القود بعوض فلا يكون للآخر أن يشاركه
في العوض فإنما يثبت حقه في نصيب العبد الجاني لا بالصلح ثم يتعذر استيفاء القود منه وذلك
16

غير موجود في العبد الآخر ولو صالحه على نصف العبد القاتل جاز وصار العبد بين المولى
والمصالح نصفين ثم انقلب نصيب الآخر مالا واستحق به نصفا شائعا من العبد في النصفين
جميعا فيدفعان نصفه إلى الولي الآخر أو يفديانه بنصف الدية ولو صالحه على دراهم أو شئ
من المكيل أو الموزون أو مؤجلا فهو جائز ولا حق للاخر في ذلك لان العاقد في
الصلح عاقد لنفسه ولكنه يتبع العبد القاتل حتى يدفع إليه مولاه نصفه أو يفديه بنصف الدية
لان نصيبه انقلب مالا وهو في ملك مولاه على حاله والأمة والمدبرة وأم الولد في الصلح عن
قتل العمد سواء لان الواجب عليهم القود والمنفعة في الصلح للمولى من حيث إن كسبهم
يسلم له وإذا قتل العبد رجلا خطأ فصالح المولى ولى الدم من ذلك على أقل من الدية أو على
عروض أو على شئ من الحيوان بعينه فهو جائز ولشركائه أن يشاركوه في ذلك المال بمنزلة
ما لو كان القاتل حرا وصالحه بعض الأولياء وهذا لان أصل الواجب بقتل العبد ما هو
الواجب بقتل الحر وهو الدية فإنه بدل المتلف الا ان المولى يتخلص بدفع العبد ان شاء وكيف
ما كان فهو مال مشترك بينهم وإذا صالح أحد الشركاء عن الدين المشترك كان للباقين حق
المشاركة معه فيه وإذا قتلت الأمة رجلا خطأ وله وليان ثم ولدت الأمة ابنا فصالح المولى
أحد الوليين على أن يدفع إليه ابن الأمة بحقه في الدم فهو جائز وللآخر على المولي خمسة
آلاف درهم لان حق أولياء الجناية لا يثبت في ولدها لما عرف أن هذا ليس يحق متأكد
لهم في عينها فصلح إحداهما على ولدها كصلحه على عبد آخر له وذلك منه بمنزلة اختيار
الفداء واختيار الفداء في نصيب أحدهما يكون اختيارا في نصيب الاخر لان الجناية واحدة
فلا تتجزأ في اختيار الفداء ولو صالحه على أن يدفع إليه ثلث الأمة لحقه من الدم كان جائزا
أو يدفع إلى شريكه نصف الأمة أو يفديه بنصف الدية فلم يجعل اختياره الدفع في البعض
اختيارا في الكل في رواية هذا الكتاب وفى رواية الجامع والعتق في المرض قال اختياره
في الدفع في نصيب أحدهما يكون اختيارا في نصيبهما كما في الفداء وتلك الرواية أصح
وتأويل ما ذكر هنا أن أحدهما صالحه على ثلث الأمة وذلك دون حقه فمن حجة المولى أن
يقول للآخر إنما اخترت الدفع في نصيبه لأنه تجوز بدون حقه وأنت لا ترضى بذلك فلا
يلزمني بذلك تسليم جميع حقك إليك من الأمة ولكن في الحال في نصيبك حتى لو كان
صالح أحدهما على نصف الأمة كان اختيارا منه الدفع في نصيب الآخر وما سوى هذا
17

من الكلام فيه قد بيناه في إملاء شرح الجامع وان قتل المدبر قتيلا عمدا فصالح عنه مولاه
بألف درهم وهي قيمته جاز لان المولي من مدبره كان بمنزلة الحر في نفسه فيصح منه التزام
العوض عن القود المستحق عليه وان قتل آخر خطأ فعلى مولاه قيمة أخرى بخلاف ما إذا
كانت جنايته الأولى خطأ من قتل فان في الخطأ المستحق نفس المملوك على المولى دفعا بالجناية
وبالتدبير السابق صار مانعا دفع الرقبة على وجه لم يصر مختارا فيلزمه القيمة وهو ما منع الا
رقبة واحدة فلا يلزمه باعتباره الا قيمة واحدة فأما هنا فالمستحق بالجناية الأولى نفس العبد
قودا والمولي بالتدبير غير مانع استيفاء القود منه فإنما لزمه المال بالتزامه بالصلح وهو سبب
آخر سوى منع الرقبة فلا يؤثر ذلك فيما يلزمه بسبب منع الرقبة بالتدبير ولان حق ولى
الخطأ لا يثبت في بدل الصلح فلا بد من اثباته في القيمة على المولى وإذا كانت الجنايتان خطأ
فحق الثاني يثبت في الجناية الأولى لاتحاد سبب استحقاقهما للقيمة وهو منع الرقبة بالتدبير
السابق فلا يجب على المولى شئ آخر فان صالح المولى الآخر على عبده ودفعه إليه ثم قتل
آخر خطأ فولى الدم الآخر يتبع الذي أخذ العبد حتى يدفع إليه نصفه أو نصف قيمة المدبر
لان القيمة صارت مشتركة بينهما وقد صالح أحدهما عن جميعه على عبد وأحد الشريكين
في الدين إذا صالح عن جميع الدين على عبد فللآخر أن يرجع عليه بنصف الدين إلا أن
يختار المصالح دفع نصف العبد إليه وقد بينا معنى هذا الخيار فيما سبق وإذا كان ذلك بقضاء
قاض أو بغير قضاء فهو سواء في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وكذلك في قياس قول
أبي حنيفة رحمه الله إن كان بقضاء قاض وإن كان بغير قضاء فلولي الدم أن يتبع المولى بنصف
قيمة العبد المدبر ويرجع المولى على المصالح بنصف العبد الذي دفع إليه إلا أن يعطيه نصف
قيمة العبد المدبر والخيار فيه إلى الذي في يده العبد وأصل هذا فيما إذا كان دفع القيمة إلى
الأول بغير قضاء قاض وهي مسألة كتاب الديات نبينها ثمة إن شاء الله تعالى وقيل ينبغي أن
يكون الجواب هنا قولهم في الفرق بين قضاء القاضي وغير القضاء لان الصلح وقع على
خلاف الحق وهما يسويان بين القضاء وغير القضاء فيما إذا وقع إلى الأول عين الواجب
وما يقضى به القاضي لو رفع الامر إليه وهذا موجود هنا ولو كأن لم يصالحه على العبد ولكن
القاضي قضى له بالقيمة فاشترى به العبد ثم قتل آخر فإنه يكون له على المشترى نصف المدبر
ولا خيار للمشترى في ذلك ولا ضمان على البائع فيه لان القاضي قضى بالقيمة للأول فيتعين
18

حق الثاني فيما قضي به القاضي للأول فلهذا لا ضمان على البائع كما لو كان دفع القيمة إلى الأول
بقضاء قاض ثم على المشترى نصف قيمة المدبر هنا من غير خيار له في ذلك بخلاف ما إذا أخذ
العبد بطريق الصلح لان مبنى الشراء على الاستقضاء فيصير به في معنى المستوفى بجميع القيمة
فيرجع الآخر عليه بنصفه ومبنى الصلح على الاغماض عفو فقد رضى بدون حقه حين اخذه صلحا
فلهذا يكون له الخيار بين ان يعطى الآخر نصف ما قبضه صلحا وبين ان يغرم له نصف قيمة المدبر
* وتوضيحه ان الشراء لا يتعلق بالدين المضاف إليه بل بمثله ثم يصير قصاصا ولهذا لو صح الشراء
بالدين المظنون فصار هو بطريق الشراء مستوفيا قيمة المدبر بالمقاصة فيلزمه دفع نصفها إلى الثاني
والصلح يتعلق بالدين المضاف إليه ولهذا لو صالح عن الدين المظنون ثم ظهر أنه لا دين يبطل
الصلح إذا لم يرض المصالح به فهو بطريق الصلح لا يصير مستوفيا الا للعبد فلهذا كان له الخيار
بين أن يدفع نصف العبد إلى الثاني وبين أن يغرم له نصف القيمة وإذا قتل المدبر رجلا خطأ
وفقا عين آخر خطأ فعلى مولاه قيمته بينهما أثلاثا لان حق صاحب العين في نصف الدين وحق
ولي الدم في جميع الدية وعلى المولي قيمة واحدة فيضرب كل واحد منهما فيها بمقدار حقه فان
صالح المولي صاحب العين على مائة درهم وقيمته ستمائة فالمسألة على ثلاثة أوجه أحدها أن
يصالح على مائة ويبرئه على المائة الأخرى قبل القبض والقسمة والثالث أن يبرئه عن المائة
الأخرى بعد القبض قبل القسمة أما إذا قبض المائة ولم يبرئه عن المائة الأخرى فإنهما
يقسمان هذه المائة أثلاثا على مقدار حقهما فان ابراءه عن المائة الأخرى بعد القسمة لا يتغير
بتلك القسمة لان جميع حقه كان ثابتا عن القبض والقسمة فبالاسقاط بعد ذلك لا تبطل القسمة
كمن مات وعليه لرجل ألف درهم وللآخر ألفا درهم وترك ألف درهم فاقتسماها أثلاثا ثم
أبراه أحدهما عن بقية دينه واما إذا صالح عن المائة وأبرأه عما بقي قبل القبض والقسمة فهذه
المائة تقسم بينهما أخماسا خمسها لصحاب العين وأربعة أخماسها لولى الدم لان القيمة الواجبة
وهي ستمائة كانت بينهما أثلاثا لولى الدم أربعمائة ولصاحب العين مائتان فحق صاحب العين
بقي في مائة لأنه أسقط حقه في المائة فإنما يقسم المقبوض بينهما على قدر حقهما عند القبض وعند
القبض حق ولى الدم أربعمائة وحق صاحب العين في مائة فإذا جعلت كل مائة بينهما كان
قسمة المقبوض بينهما أخماسا فاما إذا قبض المائة ثم أبرأه عن المائة الأخرى قبل القسمة ففي
19

قول أبى يوسف رحمه الله تقسم هذه المائة بينهما أثلاثا لان قسمة المقبوض بينهما باعتبار القبض
وعند ذلك حق صاحب العين في مائتين فوجب قسمة المقبوض بينهما أثلاثا ثم الابراء في ذلك
لا يغير الحكم الثابت في المقبوض كما لا يغير في المقسوم وهذا لان صاحب العين قد تم
استيفاؤه في مقدار نصيبه من المقبوض قسم بينهما أو لم يقسم فإنما يظهر حكم ابرائه فيما بقي ثم
رجع فقال لصحاب العين خمس المقبوض لان القسمة تكون على مقدار القائم من حق كل
واحد منهما وقت القسمة وعند القسمة حق صاحب العين في المائة وحق الآخر في أربعمائة
كان هذا والابراء قبل القبض في المعنى سواء وهو قول محمد رحمه الله ولو لم يقض لهما بشئ حتى
صالحهما على عبد ودفعه إليهما كان العبد بينهما على ثلاثة لأنه بدل ما استوجباه من القيمة وحكم
البدل حكم المبدل ولو استوفيا القيمة اقتسماه أثلاثا فكذلك إذا صالحهما على العبد وأم الولد
بمنزلة المدبر في حكم الجناية لان المولى أحق بكسبها وقد صار مانعا دفع رقبتها بالاستيلاد
السابق على وجه لم يصر مختارا وكانت بمنزلة المدبر في ذلك وإذا قتل المدبر رجلا خطأ وفقأ
عين آخر فصالحهما المولي على عبد دفعه إليهما فاختلفا فقال كل واحد منهما أنا ولى الدم فعلى
كل واحد منهما البينة لان كل واحد منهما يدعى الزيادة في المستحق من القيمة على المولى لنفسه
فإن لم تقم لهما بينة فالعبد بينهما نصفان لاستوائهما في سبب استحقاقه فكل واحد منهما في
احتمال انه ولى الدم مثل صاحبه فان قال مولى المدبر لأحدهما أنت ولى القتل فالقول قوله مع
يمينه لان استحقاق القيمة عليه وقد أقر لأحدهما بالزيادة واقرار المرء في المستحق عليه
مقبول وقد أنكر حق الآخر في الزيادة فالقول قوله مع يمينه وإذا أقر المدبر بقتل فاقراره
جائز باقرار القن لان المستحق نفسه قصاص وهو خالص حقه والتهمة منتفية عن اقراره لما
يلحقه من الضرر في ذلك فان صالح مولاه عنه أحد ولي الدم على ثوب فهو جائز وللآخر
نصف قيمة المدبر على المولى ان قامت له بينة أو أقر المولى بذلك وإن لم تقم له بينة لم يكن له
شئ لان المولى بالاقدام على الصلح لم يصر مقرا (ألا ترى) أن دعوى القصاص لو كانت
عليه لرجلين فصالح أحدهما مع الانكار لا يصير بهذا الصلح مقرا للآخر بشئ واقرار المدبر
في استحقاق المال بجنايته غير مقبول لان ذلك اقرار على المولى وبعد ما صالح أحدهما المستحق
للآخر حصته من المال فلا يثبت ذلك باقرار المدبر ما لم يقر المولى بذلك أو يقيم عليه البينة وإذا
قطعت المرأة يد رجل عمدا فصالحها من الجراحة على أن يتزوجها فالنكاح جائز فان أبرأها
20

من ذلك فهو أرش ذلك لان القصاص لا يجرى بين الرجال والنساء فيما دون النفس فان برأ
تبين أن الواجب له عليها خمسة آلاف وذلك مال يصلح أن يكون مهرا وكان ذلك مهرها وان
مات من ذلك فلها مهر مثلها عليها الدية في مالها في قول أبي حنيفة رحمه الله لأنه تبين أن
الواجب له عليها القصاص والقصاص لا يصلح أن يكون صداقا لأنه ليس بمال فكان لها مهر
مثلها لذلك ثم التزويج على اليد والضربة أو الجراحة أو القطع بمنزلة الصالح وقد بينا أن في
الصلح بهذه الألفاظ يتبين بطلان الصلح بالسراية عند أبي حنيفة رحمه الله وفى القياس يجب
القصاص وفى الاستحسان تجب الدية وعندهما الصلح صحيح فههنا كذلك عندهما القود ساقط
ولا شئ عليها وعند أبي حنيفة رحمه الله عليها الدية في مالها استحسانا لان العاقلة لا تعقل العمد
وإن كان القتل خطأ فالدية على عاقلتها عند أبي حنيفة رحمه الله لأنه سمى اليد في التزويج وبين
أن حقه كان في النفس فلهذا كانت الدية على عاقلتها عند أبي حنيفة رحمه الله وليس لها منه
شئ لأنها قاتلة ولا ميراث للقاتل وإن كان تزوجها على الجناية وهي عمد ثم مات فقول أبي حنيفة
رحمه الله هنا كقولهما ان القود يسقط لان اسم الجناية يتناول النفس وما دونها ولها مهر
مثلها لان القصاص لا يصلح أن يكون صداقا وكذلك لو قال على الضربة وما يحدث منها أو
الجراحة وما يحدث منها وان مات من ذلك وهو خطأ فإنه يدفع عن عاقلتها مهر مثلها من
ذلك لان التسمية صحيحة باعتبار أن المسمى مال وهو الدية وقد تناوله لفظة بدل النفس وما
دونه الا إذا كان مهر مثلها ألفا فما زاد على ذلك لا يستحقه لأنه صاحب فراش فالزيادة على قدر
مهر المثل بمنزلة الوصية منه لها والوصية منه لها وصية لقاتل فالمستحق لها مقدار مهر مثلها يدفع
عن العاقلة من ذلك بقدر ثلثه لان ذلك وصية منه لعاقلتها على ما بينا أن الدية على العاقلة فيصح
بقدر الثلث ولا ميراث لها لأنها قاتلة وان طلقها قبل الدخول أخذ من عاقلتها نصف الدية
لان نصف المسمى سقط بالطلاق قبل الدخول ونظر إلى النصف الباقي فيرجع منه عن
عاقلتها نصف مهر مثلها لان الاستحقاق لها في مقدار مهر المثل صحيح وبقي نصف ذلك لها
بعد الطلاق ولا تعقل العاقلة عنه لها فيدفع ذلك عنهم ثم ينظر إلى ثلث ما ترك الميت ويدفع
ذلك عن العاقلة لأنه كان موجبا بذلك لعاقلتها فتعتبر من الثلث وتؤدى العاقلة ما بقي بعد
ذلك فيكن لورثته ولو أن رجلا جرح رجلا جراحة عمدا فتزوجت أخت الجارح المجروح
على أن مهرها الجراحة على أن ذلك لها خاصة دون أختها فالنكاح جائز وان برئ فهو عفو
21

ولها مهر مثلها على الزوج لان الواجب هو القصاص وقد صار المجروح مسقطا لحقه بهذه
التسمية إلا أن القصاص لا يصلح أن يكون صداقا فكان لها مهر مثلها على الزوج وان كانت
الجراحة لا يستطاع فيها القصاص أو كان ذلك خطأ فأرش ذلك مهرها في مال الزوج لان
الأرش مال يصلح أن يكون صداقا فتصح التسمية وإن كان ذلك دينا للزوج في ذمة الجارح
ولكن الصداق يجب في ذمة من ثبت له الملك وهو الزوج دون الجارح وان اشترطت العفو
عن أخيها والبراءة له فلها مهر مثلها وأخوها برئ منه لان الصداق لا يصير مملوكا لها بالتسمية
فالعفو عن أختها والبراءة له لا يوجب الملك لها في شئ فيجعل في حقها كأنه تزوجها من غير
تسمية المهر فلها مهر مثلها وان طلقها قبل الدخول فلها المتعة وقد برئ أخوها بابراء المجروح
إياه في النكاح وان كانت اشترطت ان تأخذ لنفسها فهو جائز فإن شاءت أخذته من الأخ
وإن شاءت رجعت به على الزوج لان المسمى مال يملكه بهذه التسمية فتصح التسمية وقد
شرطت أن تأخذ ذلك من الجارح ولا بد من أن يجب الصداق بالنكاح على الزوج فإن شاءت
اخذته من الزوج لصحة النكاح والتسمية وإن شاءت اخذته من الأخ بالشرط كما
لو تزوجها على ألف درهم على أجنبي وضمن الأجنبي ذلك وان طلقها قبل الدخول رجعت
بنصف ذلك على أيهما شاءت لان عند صحة التسمية يتنصف المسمى بالطلاق قبل الدخول
ولو شجت امرأة رجلا موضحة فصالحها علي أن تزوجها على هذه الجناية فذهبت عيناها
من ذلك فذلك كله مهرها لان الواجب هو الأرض وقد بينا أن اسم الجناية يعم أصل الفعل
والسراية فيكون ذلك كله مهرا لها وان طلقها قبل الدخول تنصف ذلك كله ويرجع عليها
بنصف ارض ذلك وإن كان ذلك عمدا ففي مالها وإن كان خطأ فعلى عاقلتها وإذا جرح الزوج
امرأته عمدا فصالحته على أن اختلعت منه بذلك الجرح فذلك جائز ان برأت من ذلك لأنها
سمت في الخلع ما هو حقها وان ماتت فكذلك عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وعند
أبي حنيفة رحمة الله عليه الدية لأنها سمت ما ليس بحق لها فلا تصير هي مسقطة بهذه
التسمية شيئا عن الزوج فيجب عليه الدية استحسانا ولا شئ له عليها من مهر المثل لان البضع
عند خروجه من ملك الزوج غير متقوم وهي لم تغره في شئ فهو وما لو خالعها على خمر أو
خنزير سواء بخلاف النكاح وقد بيناه وان طلقها على ذلك طلقة ثم ماتت من ذلك فعليه
الدية في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله لما قلنا وهو يملك الرجعة لان الطلاق وقع بغير
22

جعل حين سمت ما لم يكن حقا لها وصريح لفظ الطلاق إذا كان بغير جعل لا يوجب
البينونة بخلاف ما إذا كان بلفظ الخلع كما لو كان المسمى خمرا أو خنزيرا وعند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله ليس عليه دية والطلاق رجعي أيضا لان المسمى بمقابلة الطلاق قصاص
والقصاص ليس بمال فلا تقع البينونة باعتباره وان طلقها على الجناية أو الجرح وما يحدث
منه فماتت وهو عمد فهو جائز والطلاق رجعي لأنه مثل العفو عن القصاص وذلك ليس بمال
فان قيل العفو عن القصاص متقوم حتى يصلح أن يكون بدلا في الصلح عن القصاص على
ما بينا وإذا كان لكل واحد منهما على صاحبه قصاص فاصطلحا على أن عفى كل واحد منهما
عن صاحبه جاز ذلك فكذلك يصلح أن يكون بدلا عن الطلاق فينبغي أن يكون الطلاق
ثابتا قلنا وقوع البينونة عند صريح لفظ الطلاق باعتبار ملك الزوج ماله عليها وذلك لا يوجد
هنا لان العفو اسقاط والمسقط يصلح بدلا في الصلح عن دم العمد ولكن الطلاق لا يصير
بائنا باعتبار الاسقاط إذا لم يكن فيه معنى التمليك كما لو كان تحت رجل امرأة وأمته تحت
عبدها فطلق امرأته على أن طلق عبدها أمته فان كل واحد من الطلاقين يكون رجعيا
باعتبار هذا المعنى وإن كان الفعل خطأ فالدية على عاقلته ويرجع عليهم بالثلث من تركتها لأنها
سمت المال والمريضة إذا اختلعت من زوجها بمال يعتبر ذلك من الثلث وذلك وصية منها
لعاقلة الزوج فيكون صحيحا ويؤخذ منهم الباقي والطلاق بائن لأنه وقع بجعل ولا ميراث له
لأنه قاتل وإذا جرح الرجل امرأة رجل خطأ فصالحها زوجها على أن طلقها واحدة على أن
عفت له عن ذلك كله ثم ماتت منه فالعفو من الثلث لأنها سمت بمقابلة الطلاق ما هو ماله
وهو الدية على عاقلة الجارح فيكون ذلك معتبرا من الثلث سواء كان بطريق الاسقاط أو
التمليك والطلاق بائن لأنه وقع بمال إن كان عمدا فهو جائز كله والطلاق رجعي لان الواجب
هو القود والقود ليس بمال فلا يعتبر عفوها من الثلث وتسميته لا يثبت البينونة كالخمر ولو
ضرب رجل سن امرأته فصالحها من الجناية على أن طلقها فهو جائز والطلاق بائن لان
الواجب مال فتسميته بمقابلة الطلاق يوجب البينونة اسودت السن أو سقطت سن ذلك
من أخرى فلا شئ عليه لان اسم الجناية يتناول الكل وإذا قتل المكاتب رجلا عمدا فصالح
من ذلك على مائة درهم فهو جائز ما دام مكاتبا لان المكاتب أحق بمكاسبه وهو بمنزلة
الحر في صرف كسبه إلى احياء نفسه بطريق الصلح عن القود فان أدى عتق فالمال لازم
23

له لان الكسب خلص بالعتق وان عجز رد رقيقا فبطل المال عنه لان بعد العجز الحق في كسبه
ومالية رقبته لمولاه وقوله في استحقاق المالية على المولى لا يكون حجة فان أعتق يوما من
الدهر لزمه المال لان التزامه في حق نفسه صحيح وإنما امتنعت صحته في حق المولي فإذا سقط
حق المولى كالعتق كان مطالبا به كالعبد إذا كفل بمال أو أقربه على نفسه وهو محجور عليه
وزفر رحمه الله يخالفنا في هذا الفصل وموضع بيانه في كتاب الديات ولو صالح من ذلك على
شئ بعينه له كان جائزا لان المسمى كسبه وهو يملك صرفه إلى احياء نفسه فإن كان الذي
صالح عليه عبدا وكفل به كفيل فمات العبد قبل أن يدفعه كان لولى الدم أن يضمن الكفيل
قيمته لان بموت العبد لم يبطل الصلح وقد تعذر تسليم المسمى مع بقاء السبب الموجب له فتجب
القيمة ان شاء رجع بهذه القيمة على المكاتب وان شاء على الكفيل لان بدل الصلح عن دم
العمد مضمون بنفسه كالمغصوب فالكفيل به يكون كفيلا بقيمته بعد الهلاك وإذا كان العبد
قائما فله أن يبيعه قل أن يقبضه لأنه مضمون بنفسه فيجوز التصرف فيه قبل القبض كالصداق
ولو صالحه من ذلك على مال مؤجل والقتل يثبته وكفل به كفيل ثم عجز ورد رقيقا لم يكن
للطالب أن يأخذ المكاتب بشئ حتى يعتق لما بينا أن التزامه المال بالصلح عوضا عن اسقاط
القود صحيح في حقه غير صحيح في حق المولى وبالعجز خلص الحق للمولى في كسبه ورقبته
فلا يطالب بشئ حتى يعتق ولكنه يأخذ الكفيل لان المال باق في ذمته ولكن يؤخر مطالبته
به لقيام حق المولي وذلك لا يوجد في حق الكفيل فكان هو مطالبا في الحال كما لو أقرا العبد
المحجور عليه بدين وكفل به كفيل وكذلك لو كان القتل باقرار وولد المكاتب في ذلك بمنزلة
المكاتب لان حكم الكتابة ثابت فيه تبعا لامه وإذا قتل المكاتب رجلا عمدا وله وليان فصالح
أحدهما على مائة درهم وأداها إليه ثم عجز ورد في الرق ثم جاء الولي الآخر فالمولى بالخيار
ان شاء دفعه أو دفع نصفه إلى الولي وان شاء فداه بنصف الدية لان بالصلح مع أحد الوليين
سقط القود وانقلب نصيب الآخر مالا ولا يتم ذلك دينا في ذمة المكاتب الا بقضاء القاضي
بمنزلة جناية المكاتب وإذا كانت خطأ فإذا عجز قبل القضاء كان حقه في رقبته ويتخير المولى
بين دفع النصف إليه والفداء بنصف الدية كما لو كانت الجناية خطأ في الابتداء ثم وجوب
المال للآخر هنا كان حكما بسبب قتل ثابت بالمعاينة فلهذا يباع به بعد العجز بخلاف المال
الواجب للمصالح فان ذلك كان بالتزام المكاتب بدلا عما ليس بمال فلا يباع به بعد العجز ما لم
24

يعتق بمنزلة اقراره بالجناية خطأ وإن لم يعجز ولكنه عتق ثم جاء الولي الآخر فإنه يقضى له
على المكاتب بنصف قيمته دينا عليه لان نصيب الآخر قد انقلب مالا وكان دفعه متعذرا
عند ذلك وبالعتق قد تقرر وقوف الناس عن الدفع وكان حق الآخر في حصته من القيمة
دينا في ذمته بمنزلة ما لو جنى المكاتب جناية خطأ ثم عتق ولو عفى أحد الوليين عن الدم بغير
صلح فإنه يقضى على المكاتب أن يسعى في نصف قيمته للآخر لان نصيب الآخر انقلب مالا
لغير شريكه فصار في حقه كما لو كانت الجناية في الأصل خطأ وموجب جناية المكاتب في
الخطأ قيمته لتعذر دفعه بالجناية مع بقاء الكتابة وذلك عليه دون المولى لأنه أحق بكسبه
بخلاف المدبر وأم الولد لان المولى أحق بكسبهما وموجب الجناية على من يكون الكسب
له فان صالحه الآخر من ذلك على شئ بعينه جاز وهذا صلح عن مال هو دين على عين
فيكون صحيحا ولكن لا يجوز تصرفه فيه قبل القبض لأنه بمنزلة البيع وان صالحه على شئ
بغير عينه وتفرقا قبل أن يقبض بطل الصلح لأنه دين بدين ولو صالحه على طعام بعينه أكثر
من نصف قيمته جاز وكذلك العروض لان الواجب عليه نصف القيمة من الدراهم والدنانير
ولا ربا بينه وبين الطعام والعروض ولو صالحه على دراهم أو دنانير أكثر من نصف قيمته
لم يجز بمنزلة ما لو صالح من الدين على أكثر من قدره من جنسه وقد بينا أن ذلك ربا ولو كفل
له رجل بنصف القيمة جاز لأنه كفل بدين على المكاتب للأجنبي فان صالحه الكفيل على طعام
أو ثياب جاز ورجع الكفيل على المكاتب بنصف القيمة لأنه صار موفيا بهذا الصلح إذا كفل
عنه بأمره ولو أعطاه المكاتب رهنا بنصف القيمة فهلك الرهن وفيه وفاء بنصف القيمة فهو بما
فيه وإن كان فيه فضل بطل الفضل لان في الفضل المكاتب بمنزلة المودع وذلك منه صحيح
والله أعلم
* (باب الشهادة في الصلح) *
(قال رحمه الله) وإذا ادعى رجل في دار دعوى فأقام الذي في يده الدار شاهدين
شهدا أنه صالحه على شئ فرضى به منه ودفعه إليه فهو جائز وإن لم يسميا ما وقع عليه الصلح
لأنه مقبوض وحكم الصلح ينتهى في المقبوض وإنما يحتاج إلى التسمية فيما يستحق
قبضه للتحرز عن الجهالة المانعة من التسليم وهذا لا يوجد في المقبوض وترك التسمية فيه
25

لا يمنع العمل بالشهادة كترك التسمية فيما وقع الصلح عنه وكذلك لو سمي أحدهما دراهم
ولم يسم الآخر شيئا وشهدا جميعا انه استوفى جميع ما صالح عليه فهو جائز لان تسمية أحدهما
زيادة غير محتاج إليها فذكره والسكوت عنه سواء ولو جحد صاحب الدار وادعى الطالب
الصلح وجاء بشاهدين فشهد أحدهما على دراهم مسماة وشهد الآخر على شئ غير مسمى
أو تركا جميعا تسمية البدل لم تقبل الشهادة لان المصالح عليه غير مقبوض فلا يتمكن القاضي
من القضاء مع الجهالة فان ادعى الطالب مائة وخمسين درهما وشهد له شاهد بها وشاهد بمائة
درهم قضيت له بمائة درهم لان دعواه في الحاصل دعوى الدين فالاسقاط قد حصل باقراره
وقد اتفق الشاهدان على المائة لفظا ومعنى فتقبل الشهادة إذا كان المدعى يدعى الأكثر وإن كان
يدعى الأقل فلا تقبل الشهادة لتكذيب المدعى أحد شاهديه وإذا شهد أحدهما بمائة
والآخر بمائتين لا تقبل عند أبي حنيفة رحمه الله لاختلاف الشاهدين لفظا ومعنى وان ترك
بينة الصلح فالمدعى علي حجته لأنه إنما أقر بسقوط حقه بعوض فإذا لم يقبل ذلك العوض
فهو على حقه وحجته فان شهد شاهد على صلح بمعاينة على دراهم مسماة وشهد الآخر على
الاقرار بمثل ذلك فهو جائز لان الصلح هو اقرار معناه أن صفة الاقرار والانشاء في الصلح
واحد كما في البيع وان شهد أحدهما بالبيع والآخر بالاقرار به كانت الشهادة مقبولة
والله تعالى أعلم
* (باب الصلح في الدين) *
(قال رحمه الله) وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فصالحه منها على عبد بعينه فهو
جائز والعبد للطالب يجوز فيه عتقه ولا يجوز فيه عتق المطلوب لان الطالب ملكه بنفس
الصلح والمصالح عليه كالمبيع واعتاق المشترى في المبيع قبل القبض صحيح دون اعتاق البائع
إياه وان مات في يد المطلوب قبل أن يقبضه الطالب كان من مال المطلوب بمنزلة المبيع إذا
هلك قبل القبض ويرجع الطالب بالدين لان الصلح بطل لفوات قبض المبدل بموته وكذلك
كل شئ بعينه لا يبطله افتراقهما قبل القبض لأنه افتراق عن عين بدين ولو صالحه على
دنانير مسماة ثم افترقا قبل القبض بطل الصلح لأنه دين بدين والدين بالدين لا يكون عفوا
بعد المجلس وكذلك أن كان الصلح على انكار لأنه مبنى على زعم المدعى وفى زعمه ان صالحه
26

من الدراهم على الدنانير فيكون ذلك صرفا يشترط فيه القبض في المجلس ولم يوجد وكذلك
ان صالحه على مكيل أو موزون بغير عينه لان في زعمه أنهما افترقا عن دين بدين وذلك
مبطل للصلح ولو صالحه من الألف على مائة درهم وافترقا قبل القبض لم يبطل الصلح لما
بينا أن تصحيح الصلح هنا بطريق الاسقاط لا بطريق المبادلة لان مبادلة الألف بالمائة
لا يجوز فيكون مسقطا بعض الحق بغير عوض وذلك صحيح مع ترك القبض فيما بقي بخلاف
ما تقدم ولو صالحه من كر حنطة قرض على عشرة دراهم وقبض خمسة ثم افترقا بقي الصلح في
نصف الكر بحساب ما قبض وبطل في النصف الآخر بحساب ما بقي لأنهما افترقا عن دين بدين
وهذا فساد طارئ فيقتصر على ما وجد فيه عليه ولو صالحه على كر شعير بعينه ثم تفرقا قبل
أن يقبضه فهو جائز لأنهما افترقا عن عين بدين ولو ابتاع رجل كرا من حنطة بكر من شعير
بعينه وقبض الحنطة ولم يقبض الآخر الشعير حتى افترقا فهو جائز لان البدل الذي هو دين
تعين بالقبض في المجلس فالتحق بما لو كان عينا عند العقد والذي لم يقبض عين والتقابض في
بيع الطعام بالطعام في المجلس ليس بشرط عندنا ولو كان الشعير بغير عينه فان تقابضا قبل
أن يتفرقا فهو جائز لان تعينه بالقبض كبيعه عند العقد وان تفرقا قبل أن يقبض فسد البيع
لان الدين في مبادلة الطعام بالطعام بعد المجلس لا يكون عفوا فان الكيل بانفراده يحرم النساء
وحرمة النساء كيلا يكون أحد البدلين دينا بعد المجلس فان ترك القبض فيما هو دين حتى
افترقا كان أحد البدلين دينا بعد المجلس وذلك مبطل للبيع والصلح جميعا ولو كان لرجل على
رجل مائة درهم ومائة دينار فصالحه من ذلك على خمسين درهما وعشرة دنانير إلى شهر فهو
جائز لأنه حط وليس ببيع فان الطالب أسقط بعض حقه من كل واحد من المالين وأجله
في الباقي فالاحسان من جهته خاصة في الحط والتأجيل وليس فيه من معنى المبادلة شئ
وكذلك لو صالحه من ذلك على خمسين درهما حالة أو إلى أجل فهو جائز لأنه أسقط جميع
حقه من الدنانير وبعض حقه من الدراهم وأجله فيما بقي منه وذلك مستقيم وكذلك لو صالحه
على خمسين درهما فضة تبرا بيضاء حالا أو إلى أجل لان ما وقع عليه الصلح من جنس حقه
فصحة الصلح بطريق الاسقاط دون المبادلة وكذلك لو كانت دراهمه سودا فصالحه منها على
خمسين غلة حالة أو إلى أجل لان التبرع كله من جانب صاحب الحق فإنه أبرأه عن البعض
وتجوز بدون حقه فيما بقي وأجله فيما بقي أيضا فلا تتحقق معنى المبادلة بينهما بوجه وكذلك
27

لو كانت له عليه مائة درهم بخية وعشرة دنانير فصالحه من ذلك على خمسين درهما سودا
حالة أو إلى أجل فالتبرع كله من جهة صاحب المال ولو صالحه من ذلك على مائة درهم
وعشرة دراهم إلى أجل لم يجز لأن العقد صرف فيما زاد على المائة الدرهم فإنه مبادلة عشرة
دراهم بعشرة دنانير وهو صرف والتأجيل في عقد الصرف مبطل للعقد وإنما أجله في المائة
الدرهم بشرط أن يسلم له مقصوده في الصرف ولم يسلم فلهذا لم يثبت التأجيل في شئ وان
كانت حالة وقبضها قبل التفرق جاز وكذلك أن قبض عشرة دراهم ثم افترقا لان المصارفة
بينهما في هذا المقدار وإنما يجعل المقبوض مما كان قبضه مستحقا بعقد الصرف وان صالحه على
مائة درهم وعشرة دراهم على أن ينقد خمسين درهما وستين إلى أجل ولم ينقده الخمسين قبل
التفرق جاز في قول أبى يوسف رحمه الله ولم يجز في قول محمد رحمه الله لأن العقد في العشرة
مع الدنانير صرف وقد شرط في عقد الصرف التأجيل في بعض المائة وفيه منفعة لاحد
المتعاقدين فاشتراطه في عقد الصرف يفسد الصرف وأبو يوسف رحمه الله يقول إن بدل
الصرف حال مقبوض في المجلس واشتراط الاجل في ستين من المائة محتمل يجوز أن يكون
على وجه البراء المبتدأ ويجوز أن يكون ذلك شرطا في عقد الصرف فمع الاحتمال لا يفسد
عقد الصرف وهذا لأنه قال ستين إلى أجل ولم يقل وعلى ستين إلى أجل ومقصود المتعاقدين
تصحيح العقد فان حملناه على الابراء المبتدأ صح العقد وان حملناه على الشرط لم يصح ولو
صالحه على خمسين درهما وخمسة دنانير إلى أجل جاز ذلك لأنه أسقط بعض كل واحد من
المالين وأجله فيما بقي من كل واحد منهما فالتبرع كله من جهة صاحب المال وكذلك الحكم
في المكيلات والموزونات وإن كان لرجل على رجل كر حنطة فصالحه بعد اقرار أو انكار
على نصف كر حنطة ونصف كر شعير إلى أجل فالصلح كله باطل لان في حصة الشعير
العقد مبادلة نصف كر حنطة بنصف كر شعير القدر بانفراده يحرم النساء فيفسد العقد ثم
اشتراط ما بقي من الاجل في الحنطة إنما كان بناء على حصول مقصودهما في العقد على الشعير
وقد بينا ان الصلح على الانكار مبنى على زعم المدعى فهو وما لو كان الصلح على الاقرار سواء
ولو لم يضرب لذلك أجلا أو كان الشعير معيبا والحنطة بغير عينها كان جائزا وان تفرقا قبل
القبض لان مبادلة الحنطة التي هي دين بالشعير بعينه جائزة وإن كان الشعير بغير عينه فان
قبضه قبل التفرق جاز وان كانت بالحنطة مؤجلة أو حالة قبضها لان الشعير قد تعين في
28

المجلس كالمعين عند العقد ومعنى قوله ان كانت الحنطة مؤجلة في الأصل إلا أن يكون مراده
أنه أجله في الحنطة فان ذلك يفسد العقد عند محمد رحمه الله لأنه شرط في مبادلة الحنطة
بالشعير التأجيل في النصف الآخر من الحنطة وذلك مفسد للعقد فعرفنا ان مراده أن
صفة الدينية والتأجيل في الحنطة لا يمنع جواز هذا العقد وان فارقه قبل أن يقبض الشعير بطل
الصلح في حصة الشعير لأنه دين بدين فلا يكون عفوا بعد المجلس فان قيل حصة الشعير من
الحنطة صارت في حكم المقبوض لمن عليه حين سقط عنه فكيف يكون دينا بدين قلنا صار
مقبوضا دينا والدين بالسقوط يصير في حكم المقبوض المتلف ولكن لا يتعين ولو كان عليه
ألف درهم فضة تبرا بيضاء فصالحه منها على خمسمائة فضة تبرا سوداء إلى أجل فهو جائز
وهو حط لا بيع لان الفضة كلها جنس واحد فيكون صاحب الحق مبرئا عن بعض الحق
من الألف ومتجوزا بدون حقه فيما بقي ولو صالحه علي خمسمائة درهم مضروبة وزن سبعة
إلى أجل لم يجز لان المضروب أجود من التبر فتمكن بينهما معاوضة من حيث إن صاحب
الحق أبرأه عن خمسمائة وأجله فيما بقي وذلك كله فيما بقي والجودة التي شرطها لنفسه فيما
بقي ومبادلة الجودة في الاجل والقدر ربا ولو كان له عليه ألف درهم غلة فصالحه منها على
ألف درهم بخية حالة فان قبض قبل أن يتفرقا جاز لان مبادلة البخية بالغلة صرف فإذا وجد
القبض في المجلس جاز العقد وان تفرقا قبل القبض بطل وان جعلا لها أجلا بطل وكذلك
إن كان الصلح على خمسمائة بخية في جميع ذلك في قول أبى يوسف الأول رحمه الله معناه
إذا قبض خمسمائة في المجلس جاز وان فارقه قبل القبض فعليه خمسمائة درهم من دراهمه الأولى
وقد برئ مما سوى ذلك لأنه يجعل هذا ابراء من الطالب للمطلوب من خمسمائة واحسانا
من المطلوب في قضاء ما بقي وإنما جزاء الاحسان الاحسان لما بينا انه ان حمل هذا على مبادلة
بعض القدر بالجودة لم يصح وان حمل على البراء المبتدأ صح ومقصودهما تصحيح العقد
فعند الاحتمال يتعين الوجه الذي يحصل فيه مقصودهما وإذا فارقه قبل القبض فعليه الخمسمائة
من دراهمه الأولى لأنه وعده أن يعطيه ما بقي أجود والانسان مندوب إلى الوفاء بالوعد
من غير أن يكون ذلك مستحقا عليه وقد تمت البراءة عن الخمسمائة حين لم تمكن معنى المعاوضة
بينهما ثم رجع أبو يوسف رحمه الله فقال الصلح فاسد وهو قول محمد رحمه الله لأنهما بادلا
صفة الجودة في الخمسمائة الباقية ببعض القدر وهي الخمسمائة التي أبرأه عنها وذلك ربا وإنما
29

يتأنى حمله على البراء المبتدأ إذا لم يذكرا ذلك على وجه المعاوضة والشرط بينهما فأما مع
الذكر على وجه المعاوضة فلا يمكن حمله على البراء المبتدأ ولو كان لرجل على رجل دراهم
لا يعرفان وزنها فصالحه منها على ثوب أو غيره جاز لأنه صار مشتريا للثوب وجهالة مقدار
الثمن فيما يحتاج إلى قبضه لا يمنع جواز البيع إذا كان بعينه ففيما لا يحتاج إلى قبضه أولى وان
صالحه على دراهم فهو فاسد في القياس لأنه مبادلة الدراهم بالدراهم من غير معرفة الوزن
فمن الجائز أن يكون ما يستوفى أكثر من أصل حقه قدرا فيكون ذلك ربا وفى الاستحسان
يجوز الصلح لان مبنى الصلح على الحط والاغماض والتجوز بدون حقه فلفظة الصلح دليل
على أنه استوفى دون حقه فصح بطريق الاسقاط وكذلك أن جعل لها أجلا لأنه أسقط
بعض القدر وأجله فيما بقي والتبرع كله من الطالب ولو كان بين رجلين أخذ وعطاء وبيوع
وقرض وشركة فتصادقا على ذلك ولم يعرف الحق كم هو للطالب عليه ثم صالحه على مائة درهم
إلى أجل فهو جائز استحسانا لان لفظة الصلح دليل على أن حقه أكثر مما وقع الصلح عليه
وقد تبرع بالتأجيل فيما بقي ولو ادعى قبل رجل وديعة دراهم بأعيانها في المدعى عليه
فصالحه الطالب على دراهم دونها فهو جائز لان الوديعة بالجحود صارت دينا أو صارت مضمونة
كالمغصوبة فيمكن تصحيح الصلح بينهما بطريق الاسقاط ولو كان لرجل على رجل ألف
درهم فصالحه منها على مائة درهم وقبضها ثم استحقت المائة من يدي الطالب رجع بمثلها
لأنه صار مبرئا له عن تسعمائة مستوفيا للمائة فبالاستحقاق ينتقض قبضه فيما صار مستوفيا
له فيرجع بمثله والبراءة تامة فيما أسقط سواء كان الصلح باقرار أو انكار وكذلك لو كان
وجدها ستوقة أو نبهرجة ردها ورجع بمائة جاز لانتقاض قبضه بالرد في المستوفى وكذلك
لو كانت عليه مائة درهم بخية فصالحه منها علي خمسين درهما فقبضها فوجدها بخية نبهرجة
أو وجدها سوداء فله أن يستبدلها ببخية لأنه في الخمسين مستوف فإذا كان دون حقه رده
واستبدل بمثل حقه والبراءة تامة في الخمسين الأخرى وكذلك لو كانت له عليه عشرة دنانير
فصالحه على خمسة دنانير وقبضها فوجدها حديدا لا ينفق أو مقطعة لا تنفق فله أن
يستبدلها بجياد مثل حقه والبراءة تامة في الخمسة الأخرى ولو صالحه من الدنانير على دراهم
وقبضها ثم استحقت قبل التفرق رجع بالدنانير لأن العقد بينهما صرف فإذا انتقض قبضه
بالاستحقاق من الأصل بطل الصرف ورجع بالدنانير ولو صالحه من دراهم له عليه على
30

فلوس وقبضها فتفرقا ثم استحقت رجع بالدراهم لان القبض قد انتقض في المستحق من
الأصل ويتبين أنهما افترقا عن دين بدين وذلك مبطل للعقد وكذلك أن وجدها من ضرب
لا ينفق لأنه تبين انه صار مستوفيا حقه في المقبوض وكذلك لو كان عليه حنطة فصالحه من
ذلك على شعير وقبضه وتفرقا ثم استحق من يده أو وجد به عيبا فرده رجع بالحنطة لان
قبضه انتقض في المردود فظهر أنه دين بدين بعد المجلس ولو صالحه على كر شعير وسط
وأعطاه إياه ثم استحق منه قبل أن يتفرقا رجع بمثله لان قبضه انتقض بمثله في المستحق
فكأنه لم يقبضه حتى الآن وصفة الدينية في المجلس لا تضر فلهذا رجع بمثل ذلك الشعير ولو
كان له عليه كر حنطة قرضا أو غصبا فصالحه على عشرة دراهم ودفعها ثم استحقت الدراهم
أو وجدها ستوقة بعد ما افترقا فردها بطل الصلح لان القبض في المستحق انتقض من الأصل
والستوقة ليست من جنس حقه فتبين أنه دين بدين بعد المجلس ولو وجدها زيوفا أو
نبهرجة فردها كان ذلك فاسدا في قول أبي حنيفة رحمه الله وفى قول أبى يوسف ومحمد
رحمهما الله يستبدلها قبل أن يتفرقا من مجلسهما الثاني وهو بناء على ما إذا وجد رأس مال
السلم وبدل القرض زيوفا بعد الافتراق فردها وقدمنا ذلك في البيوع ولو كانت له عليه
عشرة دراهم وكرا حنطة قرضا فصالحه من ذلك علي أحد عشر درهما ثم فارقه قبل أن
يقبض انتقص من ذلك درهما وأخذ حصة الطعام لأنه مبادلة الحنطة بالدراهم فإذا لم يقبض
الدراهم في المجلس كان دينا بدين وبعد فساد العقد تبقي عليه الدراهم والطعام على حاله ولو
كان له عليه ألف إلى أجل فصالحه منها على خمسمائة درهم ودفعها إليه لم يجز لان المطلوب
أسقط حقه في الاجل في الخمسمائة والطالب بمقابلته أسقط عنه خمسمائة فهو مبادلة الاجل
بالدراهم وذلك لا يجوز عندنا وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما فان رجلا سأله عن ذلك
فنهاه ثم سأله ثم نهاه ثم سأله فقال إن هذا يرد أن أطعمه الربا وهو قول الشعبي رحمه الله
وكان إبراهيم النخعي رحمه الله يجوز ذلك وهو قول زيد بن ثابت رضي الله عنه استدلالا
بحديث نبي النضر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجلاهم قالوا إن لنا ديونا على الناس فقال
صلوات الله عليه ضعوا وتعجلوا وكنا نحمل ذلك على أنه كان قبل نزول حرمة الربا ثم انتسخ
بنزول حكم الربا فان مبادلة الاجل بالمال ربا (ألا ترى) أن الشرع حرم ربا النساء وليس ذلك
الا شبهة مبادلة المال بالأجل فحقيقة ذلك لا يكون ربا حراما أولى ولو كان له عليه ألف درهم
31

مؤجله ثمن خادم فصالحه على أن يردها عليه بخمسمائة قبل الاجل أو بعده غير أنه لم ينتقدها
أو انتقدها الا درهما منها فهو فاسد عندنا لأنه شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن وقد
بينا ذلك في البيوع وذكرنا انه لو كان بعيب عند المشترى جاز ذلك لان الربح لا يظهر إذا
عاد إليه لا على الوجه الذي خرج من ملكه لو ادعى عليه ألف درهم فأقر بها أو أنكرها
فصالحه منها على مائة درهم إلى شهر على أنه ان أعطاها إلى شهر فهو برئ مما بقي وإن لم يعطها
إلى شهر فمائتا درهم لم يجز لأنه في معنى شرطين في عقد حين لم يقاطعه على شئ معلوم
وهو مبادلة الاجل ببعض المقدار أيضا فيكون ربا حراما وكذلك لو قال أصالحك على مائتي
درهم إلى شهر فان عجلتها قبل الشهر فهي مائة فهذا والأول سواء وكذلك لو صالحه على
أخذ شيئين سماهما أو أشار إليهما ولم يعزم على أحدهما لم يجز لتمكن الجهالة فيما وقع عليه الصلح
والمصالح عليه بمنزلة المبيع فكان هذا في معنى صفقتين في صفقة وكذلك لو كان الصلح من
أحد الشيئين على الشك أو مع أحد هذين الرجلين على الشك لأن هذه الجهالة تقضى إلى
المنازعة ولو أقر له بألف درهم ثم صالحه منها على عبد على أن يخدم الرجل المدعي عليه شهرا
لم يجز لان المصالح عليه مبيع وقد شرطا التأجيل في تسليمه شهرا أو شرط البائع لنفسه منفعة
لا يقتضيها العقد وكذلك لو صالحه على دار واشترط سكناها شهرا أو صالحه على عبد على أن
يدفعه إليه بعد شهر وكذلك لو صالحه على ثوب على أن يعطيه قميصا ويخيطه أو صالحه على
طعام على أن يطبخه له أو يحمله إلى منزله لأنه شرط منفعة لا يقتضيها العقد وذلك مفسد
للبيع فكذلك الصلح وان صالحه على طعام بعينه في الكوفة على أن يوفيه إياه في منزله
فهو جائز استحسانا بخلاف ما لو شرط أن يوفيه بالبصرة وقدم تقدم بيان هذه الفصول في
البيوع والله تعالى أعلم بالصواب.
* (باب الخيار في الصلح) *
(قال رحمه الله) اعلم بأن حكم خيار الشرط في الصلح كهو في البيع في جميع الفصول لان
الصلح عقد يعتمد التراضي ويمكن فسخه بعد انعقاده كالبيع * وإذا كان لرجل على رجل ألف
درهم فصالحه منها على عبد على أن زاده المدعى عشرة دنانير إلى شهر واشترطا الخيار ثلاثة
أيام فهو جائز لأنه اشترى العبد بألف درهم وعشرة دنانير واشتراط الخيار في مثل هذا
32

العقد صحيح فان استوجب العقد برئ المطلوب من الألف لتمام البيع بينهما وتقرر وجوب
الثمن عليه وصارت الدنانير على المطالب الأول إلى شهر من يوم استوجب العقد لأنه شرط
في الدنانير أجل شهر واشترط الاجل لتأخير المطالبة وتوجه المطالبة عليه بعد سقوط الخيار
وإنما يعتبر ابتداء الاجل من ذلك الوقت ولو كان له عليه عشرة دنانير فصالحه منها على
ثوب واشترط المطلوب الخيار ثلاثا ودفع إليه الثوب فهلك عنده في الثلاث فهو ضامن لقيمته
وماله على المطلوب كما كأن لان المطلوب بائع للثوب وهلاك المبيع في مدة خيار البائع
مبطل للعقد والمبيع في يد المشترى في مدة خيار البائع مضمون بالقيمة لأنه في معنى المقبوض
على جهة الشراء. ولو كان الرجل على رجلين دين فصالحاه على عبد على أنه بالخيار ثلاثا فأوجب
الصلح على أحدهما ورد على الآخر كان له ذلك لأنه مشتر للعبد منهما وقد شرط كل واحد
منهما له الخيار في النصف والذي باعه منه فكان له الرد على أحدهما في نصيبه دون الآخر
بخلاف ما إذا كان الدين لرجلين على رجل فصالحهما على أنهما بالخيار ثلاثة أيام لأنهما في
معنى المشتريين للعبد منه وأخذ المشتريين لا ينفرد بالرد بخيار الشرط عند أبي حنيفة رحمه الله
وقد بيناه في البيوع ولو كان الرجل على رجل دين فصالحه على عبد واشترط الخيار ثلاثا
فمضت الثلاثة ثم ادعى صاحب الخيار الفسخ في الثلاثة لم يصدق الا ببينة لان السبب الموجب
لتمام العقد قد وجد وهو مضي مدة الخيار قبل ظهور الفسخ ومدعى الفسخ يدعى مالا يقدر
على انشائه في الحال فلا يقبل ذلك الا ببينة فان أقام بينة على الفسخ وأقام الآخر البينة على أنه
قد أمضى في الثلاثة أخذت البينة للفسخ لأنهما كانا بالخيار لان مدعى الفسخ هو المحتاج
إلى إقامة البينة وهو المثبت لعارض الفسخ وذلك خلاف ما يشهد الظاهر به فكان الاخذ
ببينته أولى وقع في بعض نسخ الأصل اخذ ببينة امضاء الصلح وهذا غلط وان صح فوجهه
ان في بينة امضاء الصلح اثبات الملك فيما وقع عليه الصلح وقد بينا شبهة اختلاف الرويات
في نظير هذا في البيوع من الجامع وان اختلفا في الثلاثة فالقول قول الذي له الخيار انه وجد
فسخ لأنه أقر بما يملك انشاءه في الحال فلا تتمكن التهمة في اقراره والبينة بينة الآخر أنه
قد وجب لأنه هو المحتاج إلى اسقاط الخيار وفى الصلح على الانكار إذا شرط المدعى عليه
الخيار ثم فسخ العقد بخياره فالمدعى يعود على دعواه ولا يكون ما صنع المدعي عليه اقرارا
منه لان الصلح البات أقوى من الصلح بشرط الخيار وقد بينا ان اقدامه على الصلح البات
33

لا يكون اقرارا فعلى الصلح بشرط الخيار أولى وخيار الرؤية في الصلح بمنزلته في البيع لان
ما وقع عليه الصلح من العين مبيع ومن اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه وإذا ادعى
رجل على رجل ألف درهم فصالحه منهما على عدل زطي فقبضه ولم يره ثم صالح عليه القابض
آخر ادعى قبله دعوى أو قبضه الآخر ولم يره فللآخر أن يرده على الثاني إذا رآه فلم يرضه
لأنه بمنزلة مشترى شئ لم يره وليس للثاني أن يرده على الأول ان قبله بقضاء قاض أو بغير
قضاء لان خياره قد سقط حين ملكه من غيره باعتبار أنه عجز عن رده بحكم الخيار وخيار
الرؤية كخيار الشرط لا يعود بعد ما سقط بحال وقد بينا ان الصلح من الدعوى ليس باقرار
فبعد الرد بخيار الرؤية إنما يعود المدعى على دعواه وفى حكم الرد بالعيب المصالح عليه كالمبيع
أيضا يرد بالعيب اليسير الفاحش يرجع في الدعوى إن كان رده بحكم أو بغير حكم ولو ادعى رجل قبل رجل مائة درهم فصالحه على أمة على الانكار وقبضها فولدت عنده ثم وجدها
عوراء لم يستطع ردها لحدوث الزيادة المنفصلة بعد القبض من العين ولكنه يكون على حجته
فيما يصيب العور من المائة فإذا أقام أو استحلف المدعى عليه فنكل أو أقر يرجع عليه بنصف
المائة لأن العين من الآدمي نصفه ولو ادعى عليه كر حنطة قرضا فصالحه منه علي ثوب من
غير أن يقر بذلك على أن زاد الآخر عشرة دراهم وتقابضا قبل أن يتفرقا فقطع الثوب
قميصا ثم وجد به عيبا ينقصه العشرة فإنه لا يستطيع الرد لما أحدث فيه من القطع ولكن
يرجع بحصة الغير وذلك غير ما نقده وهو درهم واحد فيكون على حجته في عشر الكر
فيستوفى ذلك أن أتى بالبينة أو استحلف صاحبه فنكل ولو ادعى عليه مائة درهم فلم يقر
بها فصالحه منها على كر ودفع إليه الكر على أن زاده الآخر عشرة دراهم إلى شهر فهو جائز
لأنه اشترى الكر بالعشرة وبما ادعاه وهو المائة في زعمه وذلك صحيح فان وجد بالكر عيبا
ووجد به عنده عيب وكان عيبه الأول ينقصه العشر فإنه يبطل من العشرة الدراهم التي عليه
درهم ويكون على حجته في عشر المائة لان حصة العيب من البدل هذا وهذا عند تعذر
الرد يرجع بحصة العيب من البدل ولو صالحه من المائة على كر حنطة ودفعه إليه أو على عشرة
دراهم إلى شهر من غير اقرار ثم وجد بالكر عيبا وقد حدث به عنده عيب وكان العيب
الأول ينقصه العشر فهو على حجته في عشر تسعين درهما لان المدعي بقي حقه في عشرة
دراهم وأجله في ذلك إلى شهر وإنما صالحه على كر حنطة بما زاد على العشرة إلى تمام المائة
34

وذلك تسعون درهما فعند تعذر الرد بالعيب يرجع بحصة العيب من البدل فلهذا كان على
حجته في عشر تسعين درهما وقيل ينبغي أن لا يجوز هذا الصلح عند محمد رحمه الله لان الصلح
على الانكار مبنى على زعم المدعي وفى زعمه انه اشترى الحنطة بتسعين درهما وشرط له
التأجيل في عشرة دراهم سوى الثمن إلى شهر وذلك شرط منفعة لاحد المتعاقدين لا يقتضيها
العقد فيكون مفسدا للعقد والله أعلم
* (باب الصلح في الدين) *
(قال رحمه الله) وإذا كان لرجل على رجل دين إلى سنة فصالحه على أن أعطاه به
كفيلا وأخره به إلى سنة أخرى فهو جائز لان المطلوب أعطاه بما عليه كفيلا والطالب
أجله إلى سنة أخرى وكل واحد منهما صحيح عند الانفراد فكذلك إذا جمع بينهما ولا يتمكن
هنا معنى معاوضة والكفالة بالأجل لان الكفالة إنما تصح بقبول الكفيل سواء سأل المطلوب
ذلك أو لم يسأل والتأجيل يثبت حقا للمطلوب فلا تتحقق معنى المعاوضة بينهما وكذلك لو
كان به كفيل فأبرأه على أن أعطاه به كفيلا آخر وأخره سنة بعد الاجل أول لان ابراء
الكفيل الأول يتم بالطالب والتأخير بايجاب الطالب ذلك للمطلوب ولا يتمكن معنى المعاوضة
فيه لما كان تمام كل واحد منهما بشخص آخر ولو صالحه على أن يعجل له نصف المال على
أن يؤخر عنه ما بقي سنة بعد الاجل كان ذلك باطلا لان المطلوب أسقط حقه في الاجل
في نصف المال وشرط على الطالب التأجيل فيما بقي سنة أخرى فهذا مبادلة الاجل بالأجل
وهو ربا وكذلك كل ما يعجل مؤجلا بتأخير شئ آخر معجلا أو مؤجلا فهو فاسد لما فيه من
معاوضة الاجل بالأجل ولو كان المطلوب قضى الطالب المال قبل حله ثم استحق من يده
لم يرجع عليه حتى يحل الاجل لان القبض انتقض في المستحق من الأصل وسقوط الاجل
كان في ضمن التعجيل بتسليم المال إليه وإذا ثبت في ضمن غيره يبطل ببطلانه فلهذا كان
المال عليه بعد الاستحقاق إلى أجل وكذلك لو وجد زيوفا أو نبهرجة أو ستوقا أما في الستوق
فظاهر لأنه يتبين انه لم يكن موفيا له حقه فيبقى المال عليه إلى أجله وفى الزيوف والنبهرجة
قد انتقض قبضه بالرد وسقوط الاجل كان باعتبار قبضه وهو دليل أبي حنيفة رحمة الله عليهما
في أن الرد بعيب الزيافة ينقض القبض من الأصل بمنزلة الاستحقاق حين عاد الاجل ولكنهما
35

يقولان نحن نسلم هذا إلا أنا نجعل في الصرف والسلم اجتماعهما في مجلس الرد كاجتماعهما في
مجلس العقد وذلك لا يتحقق في حكم سقوط الاجل وعند رد الزيوف رجوعه بأصل حقه
وهو ثمن المبيع وقد كان أصل حقه مؤجلا فلهذا رجع به بعد حله أيضا وكذلك لو باعه به
عبدا أو صالحه منه على عبد وقبضه ثم استحق أو وجد حرا أو رده بعيب بقضاء قاض فالمال
عليه إلى أجله لان بهذه الأسباب ينتقض العقد من الأصل وكذلك لو طلب إليه أن يقيله
الصلح على ما كان من الاجل فاقاله أو رده بعيب بغير قضاء فالمال عليه إلى أجله لان الإقالة
ان جعلت فسخا عاد المال إلى أجله وان جعلت كعقد مبتدأ فقد شرط التأجيل في البدل فيكون
مؤجلا والرد بالعيب بغير قضاء قاض بمنزلة الإقالة وإن لم يسم الاجل فالمال حال لان الإقالة
والرد بالعيب بغير قضاء قاض بمنزلة البيع المبتدأ فإنه يعتمد التراضي ومطلقه يوجب المال حالا
فان قيل الإقالة فسخ في حقهما وعود الاجل من حقهما قلنا هو فسخ في حقهما فيما هو من
أحكام ذلك البيع فأما فيما ليس من أحكامه فهو كالبيع المبتدأ والأجل في أصل الدين لم يكن
من أحكام هذا البيع بينهما فالاقالة فيه كالبيع المبتدأ وقد قررنا هذا المعنى فيما أمليناه من
شرح الزيادات ولو كان بالدين كفيل لم يعد المال على الكفيل إلا أن يكون رد العبد بالعيب
بقضاء قاض لان الرد بالقضاء فسخ من الأصل ولم يثبت المال على الكفيل لان هذا دين آخر
سوى ما كفل به فهذا مثله ولو كان به رهن وهو في يد الطالب حين رد بالعيب كان رهنا على
حاله بالمال لان البيع قد انفسخ برد العبد وإنما يرجع الطالب بالدين الذي كان له عليه وقد كان
الرهن محبوسا عنده بذلك الدين فيبقى محبوسا على حاله لأن الشراء بالدين مثله ولو كان للطالب
على المطلوب ألف درهم من ثمن مبيع ومائة دينار من ثمن مبيع إلى أجل فعجل له المائة الدينار
على أن أخر عنه الألف إلى سنة فهذا باطل لأنه أسقط حقه في الاجل في الدنانير عوضا عما أجله
الآخر من الدراهم ولو قال أعجل لك الألف درهم على أن تؤخر عنى الدنانير سنة أخرى
فهذا جائز لان له أن يأخذ الألف عاجلا فإنما أجله في الدنانير خاصة وليس بمقابلة اسقاط
الآخر أجله شئ ولو صالحه من الدين المؤجل على أن جعله حالا فهو جائز وهو حال وليس
هذا صلحا وإنما هذا اسقاط من المطلوب حقه في الاجل والأجل حقه فيسقط باسقاطه
وكذلك لو قال أبطلت الاجل الذي في هذا الدين أن تركته أو جعلته حالا فهذا كله اسقاط
منه للأجل ان قال قد برئت من الاجل أو قال لا حاجة لي في الاجل وهذا ليس بشئ والأجل
36

على حاله أما في قوله لا حاجة في الاجل فإنه غير مسقط للأجل لان الانسان قد يكون
حقه قائما وإن كان هو لا يحتاج إليه فاظهاره الاستغناء عنه لا يكون اسقاطا للأجل ومعنى
قوله لا حاجة لي في الاجل أنى قادر على أداء المال في الحال وبقدرته على الأداء لا يسقط
الاجل وقوله قد برئت من الاجل بمنزلة قوله أبرأت الطالب منه وذلك لغو فان الاجل
حق المطلوب من حيث إنه يؤخر المطالبة عنه ولكن لا يستوجب به شيئا في ذمة الطالب
فابراء الطالب وليس له في ذمة الطالب شئ يكون لغوا بخلاف قوله أبطلت الاجل فذلك
اسقاط مه لحقه وتصرف منه في المال الذي في ذمته بجعله حالا وليس يتصرف في ذمة الطالب
بشئ فلهذا كان صحيحا ولو ادعى عليه ألف درهم فأنكرها ثم صالحه على أن باعه بها عبدا
فهو جائز وهذا اقرار منه بالدين بخلاف قوله فصالحتك منها وقد تقدم بيان هذا الفرق أن
البيع لفظ خاص بتمليك مال بمال فاقدام المدعى عليه على البيع يكون اقرار منه انه يملكه العبد
بالمال الذي عليه وذلك اقرار منه بالمال فأما الصلح فتمليك المال بإزاء اسقاط الدعوى والخصومة
فلا يكون اقرارا حتى لو قال صالحتك من حقك على أن لك هذا العبد كان اقرارا بحقه أيضا
ولو صالحه من الدين على عبد وهو مقر به وقبضه لم يكن له أن يبعه مرابحة على الدين والصلح
مخالف للبيع يعنى لو اشترى بالدين العبد كان له أن يبعه مرابحة لان مبنى الشراء على
الاستقصاء فلا يتمكن فيه شبهة التجوز بدون الحق ومبنى الصلح على الاغماض والتجوز
بدون الحق فيتمكن فيه شبهة الحط وبيع المرابحة مبنى على الاحتياط والشبهة فيما هو مبنى
على الاحتياط يعمل عمل الحقيقة ولو ادعى على رجل كر حنطة قرضا فجحده فصالحه فضولي
على أنه اشتراه منه بتصييره دراهم ونقدها إياه كان الصلح باطلا لأن الشراء تمليك مال
بمال فيصير المصالح مشتريا الدين من غير من عليه الدين وذلك باطل ولو لم يشره ولكن صالحه
منه على عشرة دراهم ودفعها إليه فهو جائز لأنه التزم المال عوضا عن اسقاط المدعي حقه
قبل المدعى عليه وذلك صحيح وإنما أوردنا هذه الفصول لايضاح الفرق بين لفظ البيع ولفظ
الصلح وإذا كان لرجلين على رجل ألف درهم من ثمن مبيع حال فأخر أحدهما حصته لم يجز
ذلك في قول أبي حنيفة رحمته الله وجاز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ويأخذ الآخر
حصته ولا يشاركه المؤخر في المقبوض حتى يمضى الاجل فحينئذ يكون له أن يشارك
القابض في المقبوض وجه قولهما أن المؤخر تصرف في خالص نصيبه ولا ضرر على شريكه
37

في تصرفه فينفذ تصرفه كالشريكين في العبد إذا باع أحدهما نصيبه أو وهبة وهذا لان
التأجيل في اسقاط المطالبة إلى مدة ولو أسقط حقه في المطالبة بنصيبه لا إلى غاية بأن أبرأ
عن نصيبه كان صحيحا فإذا اسقط مطالبته إلى غاية كان أولى بالصحة ولو اشترى أحدهما نصيبه
على عين أو قبل الحوالة بنصيبه على انسان كان صحيحا لما انه متصرف في خالص نصيبه
فكذلك إذا أجل نصيبه ولو أقر أحد الشريكين بأن الدين مؤجل إلى سنة وأنكر صح
اقرار المقر في نصيبه فكذلك إذا أنشأ التأجيل لان الاقرار لا يصح فيما هو حق للغير مع
تمكن التهمة فيه وذلك لأنه لا يملك تحصيل مقصوده بالانشاء ولما صح اقراره هنا عرفنا
أنه يصح تأجيله ولأبي حنيفة رحمه الله في المسألة روايتان إحداهما ان تأجيله يلاقى بعض
نصيب شريكه وهو لا يملكه بالاتفاق وبيان هذا ان أصل الدين يبقى مشتركا بعد التأجيل
ولا يمكن أن يجعل تأجيله مضافا لنصيبه خاصة الا بعد قسمة الدين وقبل القبض لا يجوز لان
القسمة تمييز وما في الذمة لا يتصور فيه التمييز وفى العين القسمة بدون التمييز لا تحصل فإنه لو
كان بين رجلين صبرة حنطة فقال اقتسمنا على أن هذا الجانب لي والجانب الا آخر لك
لا يجوز وهذا لان في القسمة تمليك كل واحد منهما نصف نصيب شريكه عوضا عما يتملكه
عليه وتمليك الدين من غير من عليه الدين لا يجوز وإنما قلنا إن هذا قسمة لان نصيب أحدهما
يصير مخالفا لنصيب الآخر في الوصف والحكم في القسمة ليس إلا هذا والدليل على أن
تأجيله يصادف بعض نصيب شريكه أن الآخر إذا قبض نصيبه ثم حل الاجل كان للمؤخر
ان يشاركه في المقبوض ويكون ما بقي مشتركا بينهما والباقي هو ما كان مؤجلا ولو سلم
للقابض ما قبض واختار اتباع المديون ثم نوى ما عليه كان له أن يرجع على القابض فيشاركه
في المقبوض باعتبار أن نصف بالمقبوض حقه وإنما يسلمه له بشرط أن يسلم له ما في ذمة
المديون فإذا لم يسلم رجع عليه وبهذا الفصل تبين فساد مذهبهما فإنه بعد التأجيل إذا لم يكن
للمؤخر أن يطالب بنصيبه فكيف يكون للآخر أن يقبض شيئا من نصيبه وان جعل الآخر
قابضا لنصيب نفسه كان ذلك قسمة فينبغي أن لا يكون للمؤخر أن يشاركه بعد حلول الأجل
وان جعل قابضا لبعض نصيب المؤخر فإذا لم يكن للمؤخر أن يطالب بنصيبه قبل
حلول الأجل لا يكون ذلك لغيره بطريق الأولى وهذا بخلاف ما لو أبراه عن نصيبه لأنه لا يبقى
نصيبه بعد الابراء وإنما القسمة مع بقاء نصيب كل واحد منهما بخلاف البيع في نصيب أحدهما
38

من العين فإنه لا يلاقى شيئا من نصيب شريكه بدليل انه لا يشاركه في الثمن وبخلاف ما إذا
استوفى أحدهما لان القسمة هناك باعتبار اختلاف المحل فنصيب المستوفي لم يبق في ذمة
المديون وكذلك إذا اشترى بنصيبه أو صالح أو قبل الحوالة فيه فقد وجد اختلاف المحل وإذا
أقر أحدهما أن المال كله مؤجل فاقرار المقر حجة في حقه وهو يزعم أن الدين كله مؤجل
فلا يتحقق معنى القسمة باعتبار زعمه وإنما لا يظهر حكم الاجل في حق الآخر لقصور الحجة
عنه لا لان نصيبه غير مؤجل في حق المقر ولا يكون في اعمال اقراره في نصيبه معنى قسمة
الدين بخلاف النسأ والأجل حتى لو أقر أحدهما ان نصيبه مؤجل فهو على الخلاف أيضا
والطريق الآخر ان في تصرف الآخر اضرارا لشريكه وأحد الشريكين إذا تصرف في
نصيبه على وجه يلحق الضرر بصاحبه لم ينفذ تصرفه في حق شريكه كما لو كاتب أحد الشريكين
العبد كان للآخر أن يبطل المكاتبة وبيان ذلك أن مؤنة المطالبة بجميع الدين على شريكه
لأنه يؤخر نصيبه حتى يستوفى الآخر نصيبه فإذا أجل الاجل شاركه في المقبوض ثم يؤخر
نصيبه مما بقي حتى يستوفى الآخر نصيبه فإذا أجل شاركه في المقبوض فلا يزال يفعل هكذا
حتى تكون مؤنة المطالبة في جميع الدين على شريكه وفيه من الضرر ما لا يخفى وبه فارق
الابراء لأنه ليس في تصرفه هناك اضرار لشريكه لأنه لا يشاركه فيما يقبض بعد ذلك وكذلك
استيفاء نصيبه أو الشراء بنصيبه أو الصلح أو قبول الحوالة ليس فيه اضرار بالشريك وإذا
أقر أن الدين مؤجل فهو غير ملحق الضرر بشريكه ولكن في زعمه أن الشريك ظالم في
المطالبة ولا يستقل له على المطلوب حتى يحل الاجل فيكون هو في المطالبة ظالما ملتزما مؤنة
المطالبة باختياره فلهذا يصح اقراره في نصيبه ولو صالح أحد الشريكين المديون علي مائة درهم
على أن أخر عنه ما بقي من حصته لم يجز التأخير في قول أبي حنيفة رحمه الله وما قبض فهو
بينهما نصفان لان المقبوض جزء من دين مشترك حقهما فيه سواء وعندهما تأخيره فيما بقي
صحيح والمقبوض بينهما نصفان أيضا لأنه حين قبضه كان حقهما في الدين سواء فصار المقبوض
بينهما نصفين فتأخير أحدهما ما بقي من حقه لا يغير حكم الشركة بنيهما في المقبوض لان التأخير
لا يمس المقبوض وكذلك لو كانا شريكين شركة عنان وكل واحد منهما لا يملك التصرف في
نصيب صاحبه من الدين بمنزلة الشريكين في الملك فأما المتفاوضان فتأخير أحدهما جائز على
الآخر لان التأخير من صنع التجار وكل واحد منهما قائم مقام صاحبه فيما هو من صنع التجار
39

لو أقر أحد الشريكين في الدين وهو ألف درهم انه كان للمطلوب عليه خمسمائة درهم قبل
دينهما فقد برئ المطلوب من حصته بطريق المقاصة بمنزلة ما لو أبرأه ولا يكون لشريكه عليه
شئ لان المقر صار قابضا بنصيبه من الدين ما كان عليه لا مقضيا فان آخر الدينين قضاء عن
أولهما لان القضاء لا يسبق الوجوب وإنما يشاركه الاخر فيما يقبض فإذا لم يصر بهذا الطريق
قابضا شيئا لا يكون للآخر أن يشاركه فيه كما لو أبرأه من نصيبه أو وهبه له وكذلك لو جنى
عليه عمدا دون النفس جناية يكون أرشها خمسمائة أو صالح من جناية عمد فيها قصاص على ذلك
لأنه ما صار مستوفيا شيئا مضمونا أو شيئا قابلا للشركة وإنما صار متلفا لنصيبه فلا يكون للاخر
أن يرجع عليه بشئ ولو غصب أحد الشريكين من المديون ما يساوى خمسمائة فهلك في يده
فللآخر أن يرجع عليه بمائة وخمسين لأنه صار قابضا بنصيبه مالا مضمونا وضمان الغصب
يوجب الملك في المضمون فكأنه استوفى نصيبه ولان المديون يكون قابضا لنصيبه بطريق
المقاصة لان دينه يكون آخر الدينين ولو حرق أحدهما ثوبا للمديون يساوي خمسمائة فكذلك
الجواب في قول محمد رحمه الله لأنه بالاحراق صار قابضا متلفا للمال ويكون ذلك مضمونا فيكون
كالغضب والمديون صار قابضا لنصيبه بطريق المقاصة فيجعل المحرق مقضيا وقال أبو يوسف
رحمه الله لا يرجع عليه بشئ لأنه متلف لنصيبه بما صنع لا قابض والاحراق اتلاف ويكون
هذا نظير الجناية وقد بينا أنه لو جنى أحدهما على المديون حتى يسقط نصيبه من الدين لم يكن
للآخر أن يرجع عليه بشئ فكذلك إذا جنى على ماله بالاحراق ولو صالحه على مائة درهم على
أن أبرأه مما بقي من حصته بعد قبض المائة أو قبل قبضها كان لشريكه أن يرجع عليه بخمسة
أسداس المائة لان الباقي ممن دينه على المديون مائة ونصيب شريكه خمسمائة فالمقبوض يكون
مقسوما بينهما على مقدار حقهما بخلاف ما إذا أجل فيما بقي على قولهما لان التأجيل لا يسقط
نصيبه من الدين وان تأخر حق المقبوض فلهذا بقي المقبوض بينهما نصفين ولو كان قبض المائة
وقاسمهما شريكه نصفين ثم أبرأه مما بقي له كانت القسمة جائزة لا تعاد لان عند تمام القسمة
كان حقهما في ذمة المديون سواء فسقوط ما بقي من نصيب أحدهما بالابراء لا يبطل تلك
القسمة بعد تمامها ولو كان لرجلين على رجل حنطة قرض فصالحه أحدهما على عشرة دراهم
من حصته فهو جائز ويدفع إلى شريكه ان شاء ربع كر وان شاء خمسة دراهم لأنه بهذا
الصلح صار مستوفا فللآخر أن يطالبه بنصف نصبيه وهو ربع كر كما لو استوفاه
40

حقيقة وهذا لان الصلح يصحح بطريق المبادلة ما أمكن ومبادلة الكر بعشرة دراهم صحيحة
إلا أن مبنى الصلح على الاغماض والتجوز بدون الحق فمن حجة المصالح مبادلة الكر بعشرة
دراهم صحيحة إلا أن يقول إنما توصلت إلى نصيبي لأني تجوزت بدون حقي فان أردت أن
تشاركني فتجوز بما تجوزت به لأدفع إليك نصف ما قبضت وهي خمسة دراهم فلهذا كان
الخيار لقابض الدراهم في ذلك ولو باعه حصة من الطعام بعشرة دراهم ضمن لشريكه ربع
الكر ولا خيار له في ذلك لان مبنى البيع على الاستقصاء فيصير هو بطريق البيع كالمستوفى
بجميع نصيبه لشريكه نصفه ولان البيع عقد ضمان فيصلح أن يكون موجبا لشريكه عليه
ضمان نصف نصيبه والصلح عقد تبرع فلا يكون موجبا للضمان على المتبرع إلا أن يلتزم
ذلك باختياره ثم في الشراء إذا رجع بربع الكر فما بقي في ذمة المطلوب وذلك نصف الكر
يكون مشتركا بينهما كما لو قبض أحدهما نصيبه وشاركه الآخر فيه ولو كان عبد بين رجلين باع
أحدهما نصيبه من رجل بخمسمائة وباع الآخر نصيبه منه بخمسمائة وكتبا عليه صكا واحدا بألف ثم قبض أحدهما منه شيئا لم يكن للآخر أن يشاركه فيه لان نصيب كل واحد منهما
وجب على المطلوب بسبب آخر فلا نثبت الشركة بينهما باتحاد الصك كما لو أقرضه كل واحد
منهما خمسمائة وكتبا بالألف صكا واحدا وكذلك لو باعاه صفقة واحده على أن نصيب فلان
منه مائة لان تفرق التسمية في حق البائعين كتفرق الصفقة بدليل أن للمشترى أن لا يقبل
البيع في نصيب أحدهما وكذلك لو اشترط أحدهما أن نصيبه خمسمائة بخية وشرط الآخر
خمسمائة سوداء لان التسمية تفرقت ويغني نصيب أحدهما عن نصيب الآخر وصفا فأما إذا
باعاه صفقة واحدة بثمن واحد فأيهما قبض من ذلك شيئا شركة الاخر فيه لأنه دين وجب
لهما بسبب واحد بدلا عما هو مشرك بينهما فلا يقبض أحدهما شيئا الا بشركة الآخر لان
المقبوض إما أن يكون عين ما كان في الذمة أو بدلا عنه وحكم البدل حكم المبدل ولو كان لرجلين
على رجل ألف درهم بخية فصالحه أحدهما من نصيبه على خمسمائة زيوف أو على خمسمائة سود
كان لشريكه أن يأخذ منه نصفها لان ثبوت حق المشاركة له باعتبار قبضه فإنما ينظر إلى صفة
المقبوض فيشاركه فيه ويأخذ منه نصفه وهذا لان المستوفى إنما وصل إلى حقه لأنه تجوز
بدون حقه فعل الآخر أن يتجوز به إذا أراد مشاركته لان مشاركته لا تكون الا بعد
رضاه بقبضه وعند الرضا يصير كأنهما قبضا ذلك وإذا كان لرجلين على رجل كر حنطة فصالحه
41

أحدهما عن نصيبه على كر شعير وقبضه وأعطى شريكه ربع كر حنطة ثم وجد بالشعير عيبا
ينقصه العشر وقد حدث به عنده عيب آخر فإنه يرجع بنصف عشر كر حنطة وهو حصة
العيب فيكون ذلك له خاصه لأنه غرم بدل هذا المقبوض لشريكه فان هذا المقبوض بدل
عن هذا الجزء الفائت بالعيب وقد غرم لشريكه حصة ذلك فيكون له خاصة وإذا اشترى
الرجل من الرجل ثوبا بفرق بثمن جيد بغير عينه ثم صالحه من الثمن على فرق زيت ودفعه
إليه في المجلس جاز لان الموزون بمقابلة الثوب يستحق ثمنا إذا كان بغير عينه والاستبدال
قبل القبض جائز وإذا تعين في المجلس بالقبض فهو كالمعين عند العقد وإذا صالح الرجل
الرجل من دعواه على كر حنطة وسط ثم صالحه من ذلك الكر على كر شعير بغير عينه
وافترقا قبل القبض لم يجز لأنه دين بدين ولو كان الشعير بعينه جاز لان الافتراق حصل
عن عين بدين وذلك جائز فيما سوى عقد الصرف ولو كان لرجلين على رجل ألف درهم
لأحدهما ومائة دينار للآخر فصالحاه من ذلك كله على ألف درهم وقبضا لم يجز بخلاف
ما إذا كان المال لواحد فهناك يصير مبرئا من أحد المالين مستوفيا للآخر فأمكن تصحيح
العقد بطريق الاسقاط وهنا لا يتأتى ذلك لأنهما صالحاه على أن يكون الألف لهما فلو أجزنا
ذلك قسمنا الدراهم بينهما على ألف درهم ومائة دينار فيكون الألف درهم بأقل من ألف
درهم وذلك ربا وكذلك لو كأن لأحدهما عليه كر حنطة وللآخر كر شعير قرض فصالحاه
على كر حنطة فهو باطل لأنا لو جوزناه لم يكن بد من قسمة المقبوض على قيمة كر حنطة وقيمة
كر شعير بينهما وقبضت الحنطة دون كيلها وذلك ربا ولو صالحاه على مائة درهم وقبضاها
قبل أن يتفرقا جاز وتقسم المائة بينهما على قيمة الحنطة والشعير لأنهما كالبائعين منه الحنطة
والشعير بمائة درهم والبدل يقسم على قيمة المبدل ولو كان لرجلين على امرأة ألف درهم
فتزوجها أحدهما على حصة منها فهو جائز ولا يرجع صاحبه عليه بشئ لأنه لم يقبض بحصته
شيئا مقبوضا يقبل الشركة فإنه يملك به البضع والبضع ليس بمال متقوم ولا يكون مضمونا
على أحد فلا يقبل الشركة فهو كالجناية التي تقدمت وروى بشير عن أبي يوسف رحمه الله
ان للآخر أن يشاركه فيضمنه نصف نصيبه من الدين لان النكاح إنما ينعقد بمثل تلك الخمسمائة
والصداق لا يجب بالعقد ويكون مالا متقوما ثم يصير الزوج مستوفيا لنصيبه من الدين
بطريق المقاصة لان آخر الدينين دين المرأة فتصير هي قاضية به نصيب الزوج من الدين
42

وكذلك لو كأن لامرأتين على زوج إحداهما ألف درهم فاختلعت منه فليس للأخرى ان
ترجع عليها بشئ لأنها لم تقبض شيئا ولو كان تزوجها أحدهما على خمسمائة ثم قاصها بحصته
من الألف أو لم يقاصها رجع عليه شريكه بمائتين وخمسين لأنه صار مستوفيا نصيبه بطريق
المقاصة ثم تتبع ابنها بخمسمائة ولو طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بمائتين وخمسين لتنصف
الصداق بالطلاق قبل الدخول ويتبعانها بخمسمائة أيضا فيكون عليها سبعمائة وخمسون فما
خرج من ذلك كان بينهما على حساب ذلك أثلاثا ولو كان لرجلين على رجل ألف درهم
فقال له أحدهما قد برئت إلى من خمسمائة فهذا اقرار بالقبض ولشريكه أن يأخذه بنصفها
لأنه قد أقر ببراءته بفعل مبتدأ بالمطلوب متحتم بالطالب وذلك بطريق الايفاء فكان هذا
واقراره باستيفاء نصيبه سواء وكذلك لو استأجر منه أحدهما دارا بحصته منها وسكنها فهو
بمنزلة القبض أو استأجر بنصيبه عبد للخدمة أو أرضا للزراعة لان المنافع مال في حكم
العقد وهي بالاستيفاء تدخل في ضمان المستأجر بمنزلة المشترى ولو اشترى أحدهما بنصيبه
شيئا كان ذلك بمنزلة القبض وللآخر أن يرجع عليه بنصف نصيبة فكذا هذا وروى ابن
سماعة عن محمد رحمه الله أنه قال هذا إذا استأجر أحدهما بخمسمائة ثم أصاب قصاصا بنصيبه فأما
إذا استأجر بحصته من الدين لم يكن للآخر أن يرجع عليه بشئ وجعل هذا بمنزلة النكاح لان
المنفعة ليست بمال مطلق فإذا كان بدل نصيبه المنفعة لا يضمن باعتباره مالا مطلقا لشريكه والله
تعالى أعلم بالصواب
* (باب الصلح في السلم) *
(قال رحمه الله) وإذا صالح الرجل من السلم على ماله لم ينبغ له أن يشترى به شيئا حتى
يقبضه عندنا وقال زفر رحمه الله لا يشترط ذلك لأنه ليس له وجه رده بسبب القبض فيجوز
الاستبدال به كالمغصوب والمستقرض وهذا لان إقالة السلم فسخ وليس بعقد مبتدأ بينهما
بدليل أن لا يستحق قبض رأس المال في المجلس والدين بالدين حرام فإذا كان فسخا وجب
رد رأس المال بسبب القبض لا بسبب عقد السلم ولكنا نقول قد ثبت بالنص ان رب السلم
ممنوع شرعا من أن يأخذ غير رأس المال وغير المسلم فيه فلو جوزنا الاستبدال بعد الإقالة
أدى إلى ذلك وإنما لا يجوز الاستبدال بالمسلم فيه قبل الإقالة بهذا المعنى لما فيه من تفويت
43

القبض المستحق بالعقد فالابراء عن المسلم فيه يصح بالاتفاق وهذا المعنى موجود في الاستبدال
برأس المال بعد الإقالة فيكون ذلك فاسدا شرعا فإن كان رأس مال السلم عوضا فصالح عليه
ثم هلك قبل أن يقبضه فعلى السلم فيه قيمته لان الإقالة لا تنقض بهلاك رأس المال قبل
الفسخ فان إقالة السلم بعد ما صح لا تحتمل الفسخ لان المسلم فيه كان دينا وقد سقط بالإقالة
والساقط متلاش لا يتصور عوده ولهذا لو أراد فسخ الإقالة لم يملكها ولو اختلفا في رأس المال
بعد الإقالة لم يتخالفا فإذا ثبت أن الإقالة باقية بعد هلاك العوض قلنا تعذر رد العين مع بقاء
السبب الموجب للرد فتجب قيمته كالمغصوب وكذلك لو هلك قبل أن يتناقض السلم لان
مالا يمنع بقاء الإقالة لا يمنع ابتداء الإقالة وهذا لان السلم في حكم بيع المعاوضة فان المسلم فيه
بيع وهو قائم بمحله بعد هلاك رأس المال وهلاك أحد العوضين في المعاوضة لا يمنع الإقالة
ابتداء وبقاء فإن كان للسلم كفيل يبرأ الكفيل حين وقع الصلح على رأس المال لان الأصيل
برئ عن المسلم فيه لأنه لو كان بدلا عنه لم تصح الإقالة فان مبادلة الدين بالدين حرام لكنه
دين اخر لزم الأصيل ولم يكفل به الكفيل ولا يجوز الصلح من السلم على جنس آخر سوى
رأس المال لأنه استبدال بالمسلم فيه وذلك فاسد والأصل فيه حديث أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أسلمت في شئ فلا تصرفه في غيره ولو
كان السلم كر حنطة فصالحه منه على نصف كر حنطة على أن أبراه مما بقي جاز لان هذا حط
ولا ابراء عن جميع المسلم فيه صحيح في ظاهر الرواية لأنه دين لا يستحق قبضه في المجلس وقد
بيناه في البيوع فكذلك الابراء عن بعضه وكذلك لو كان السلم كر حنطة جيدة فصالحه على
كر ردئ إلى شهر لان رب السلم تبرع بالتأجيل بعد ما حل حقه وتجوز بدون حقه أيضا
وذلك مندوب إليه قال صلى الله عليه وسلم لصاحب الدين أحسن إلى الشريك ولو كان السلم
كر حنطة رديئة فصالحه على كر جيدة على أن يزيده رب السلم درهما في رأس المال لم يجز
ذلك في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وجاز في قول أبى يوسف رحمه الله إذا نقده
الدراهم قبل أن يتفرقا وقد بينا هذه الفصول في كتاب البيوع في الحط والزيادة في المكيل
والموزون والمذروع إلا أن قول أبى يوسف رحمه الله لم يذكر في كتاب البيوع وإنما
ذكر هنا فأما المسائل فهي التي ذكرناها في البيوع أعادها هنا ولو كان المسلم فيه كر حنطة
إلى أجل والثمن دراهم أو شئ بغير عينه فاصطلحا على أن زاده الذي عليه السلام نصف كر
44

حنطة إلى ذلك الاجل لم تجز الزيادة لأنها لو جازت كانت برأس مال دين يبتدئ عقد السلم
برأس مال هو دين لا يجوز فكذلك الزيادة ولهذا لم تجز الزيادة في الثمن بعد هلاك المبيع
اعتبار الحالة الزيادة بحالة ابتداء العقد وعلى المسلم إليه أن يرد ثلث رأس المال إلى رب السلم
وعليه كر حنطة تام في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله
ليس عليه رد شئ من رأس المال لأنه ما حط شيئا من رأس المال إنما زاده في المسلم فيه ولم
تثبت تلك الزيادة فبقي جميع رأس المال بمقابلة الكر والعقد في جميع الكر باق فلا يجب رد شئ
من رأس المال وأبو حنيفة رحمه الله يقول الزيادة في المعقود عليه حال قيام العقد وبقاء المعقود
عليه صحيح كما في بيع العين وإنما تعذر اثبات الزيادة هنا لأنه دين بدين فإذا لم تثبت الزيادة
في المسلم فيه باعتبار هذا المعين وجب رد الدين الذي بمقابلة هذا لأنه لو ثبتت هذه الزيادة
ألحقت بأصل العقد ويصير كأنه أسلم عشرة دراهم في كر حنطة ونصف ثم أبطلا العقد
في نصف الكر فيجب رد حصته من رأس المال وهو الثلث واقدامه على هذه الزيادة اخراج
الثلث من رأس المال حتى يكون بمقابلة الكر فإذا لم يكن جعله بمقابلة نصف الكر جعل حطا
ليحصل مقصوده وهو اخراج الغبن من العقد وادخال الرخص فيه وهذه المسألة نظير ما
ذكرنا في العتاق فيما إذا قال لعبده وهو أكبر سنا منه هذا ابني لم يعتق عندهما لان ما صرح
به صار لغوا لم يثبت به شئ آخر وعند أبي حنيفة رحمه الله يجعل ذلك عبارة عن الاقرار
بالعتق مجازا فهنا أيضا تحصيل الزيادة في المسلم فيه عبارة عن حق حصته من رأس المال فجاز
وإن كان السلم عشرة دراهم في رأس المال جاز لان المعقود عليه قائم في الذمة فتجوز الزيادة
في السلم ملتحقة بأصل العقد ثم مجلس الزيادة فيما زاد كمجلس العقد في رأس المال لأنها وجبت
في هذا المجلس فيشترط قبضها قبل أن يتفرقا فان تفرقا قبل أن يقبض العشرة بطلت حصتها
من الكر كما لو كانت الزيادة مذكورة في أصل العقد فتفرقا قبل قبضها فإن كان السلم ثوبا
يهوديا قد حل فصالحه على نصف رأس المال وعلى أن يعطيه نصف الثوب جاز عندنا لأنهما
تقايلا السلم في النصف وذلك جائز اعتبارا للبعض بالكل وفيه يقول ابن عباس رضي الله عنهما
ذلك المعروف الحسن الجميل فان أتاه بنصف ثوب مقطوع لم يجبر على أخذه لأنه في حال
قيام العقد في الكل لو أتاه بالثوب مقطوعا نصفين لم يجبر على اخذه فكذلك بعد الإقالة في
النصف وهذا لان القطع في الثوب عيب فكما استحق صفة السلامة في جميع الثوب بالعقد
45

يستحقها في النصف الذي بقي فيه العقد فلا يجبر على أخذ ثوب مقطوع ولكنه تأيد بثوب صحيح
فيكون له نصفه ويكونان شريكين فيه ولو كان السلم إلى أجل فصالحه على أن يأخذ نصف
رأس المال ويناقضه السلم ويعجل له نصف السلم قبل الاجل جاز النقض في نصف رأس
المال ولم يجز التعجيل لان الصلح على رأس المال إقالة وقد شرط في الإقالة تعجيل النصف
الآخر واسقاط المسلم إليه حقه في الاجل وهو شرط فاسد إلا أن الإقالة لا تتعلق بالجائز
من الشروط ولهذا لا يشترط فيها تسمية البدل فالفاسد من الشروط لا يبطلها وأما شرط
التعجيل في النصف الآخر فباطل لأنه مقابلة الاجل بشئ مما عاد إليه المسلم فيه أو بمنفعة
حصلت له بالإقالة في النصف وذلك باطل فيكون الباقي عليه إلى أجله ولو كان أسلم كر
حنطة إلى رجل فصالحه على أن زاده في الاجل شهرا على أن حط عنه من رأس المال درهما
ورد عليه الدرهم لم يجز لأنه مقابلة الاجل بالدرهم المردود وذلك ربا ولو كان حالا فرد
عليه من رأس المال درهما على أن الكر عليه كما كان أو علي أن أخره شهرا كان جائزا أما إذا
شرط أن الكر عليه كما كان فهو غير مشكل لان المسلم إليه حط درهما من رأس المال ولم
يشرط لنفسه بمقابلته شيئا وإنما الاشكال في قوله أو علي انه أخره شهرا فإن كان المراد علي
أن أخر المسلم فيه عنه شهرا فهو غلط لأنه مقابلة الاجل بالدرهم الذي رده عليه وذلك ربا
وإن كان المراد منه على أن أخره بالدرهم المحطوط شهرا فهذا صحيح لان المحطوط واجب
رده باعتبار القبض فيجوز التأجيل فيه كالمغصوب المستهلك وهو الظاهر من مراده لأنه
قال وكذلك لو افترقا قبل أن يقبض الدرهم فبه تبين أن المراد بيان أن المحطوط لا يجب قبضه
في المجلس ويجوز التأجيل فيه وإذا اصطلحا على أن يرد عليه رأس المال وهي جارية قد ولدت
عند المسلم إليه فإنه يأخذ قيمتها يوم دفعها إليه لان الزيادة المفصلة متولدة من عينها ومثل هذه
الزيادة تمنع فسخ العقد على العين لان الولد يبقى فضلا خاليا عن المقابلة فيكون ربا وقد بيناه
في البيوع إلا أن الإقالة لا تبطل بالشرط الفاسد واشتراط رد عينها بعد الولادة بشرط
فاسد لا يمنع صحة الإقالة وبعد صحتها يجب رد قيمتها يوم قسطها لتعذر رد عينها وكذلك لو قتل
الولد فأخذ أرشه لان قيام بدله في يده كقيام عينه وإن كان الولد مات كان له أن يأخذ
الجارية لان المانع كان هو الزيادة وقد فات من غير صنع أحد فصار كأن لم يكن فإن كانت
الولادة بقبضها كان لرب السلم الخيار ان شاء أخذها وان شاء أخذ قيمتها يوم دفعها بمنزلة
46

ما لو تعيبت عنده بعيب آخر وهذا لان تعذر الرد بعد النقصان فحق رب السلم فإذا رضي
به جاز رده فأما بعد الزيادة بعد الرد فحق الشرع وهو معنى الربا فلا يسقط ذلك برضا رب
السلم بها ولو لم تكن ولدت ولكنه جنى عليها فاخذ أرش الجناية لم يكن لرب السلم الا قيمتها
لان الأرش بدل جزء من عينها فهو بمنزلة الزيادة المنفصلة المتولدة من العين ولو كان المسلم
إليه باعها لرب السلم ثم صالحه على رأس المال فعلى المسلم إليه قيمتها يوم قبضها بمنزلة ما لو باعها
من غيره وكذلك لو وهبها له على عوض فالهبة بشرط العوض بعد التقابض كالبيع وان وهبها
بغير عوض ففي القياس كذلك بمنزلة ما لو وهبها من غيره وفى الاستحسان لا يرجع بشئ
لان ما هو المقصود له عند الإقالة قد حصل له قبل الإقالة وهو عود رأس المال إليه مجانا فلا
يستوجب عند الإقالة شيئا آخر كمن عليه الدين المؤجل إذا أجل ثم حل الاجل بخلاف البيع
فهناك لم يحصل مقصوده لان رأس المال ما يسلم له الا بعوض غرمه من ماله وهذا نظير ما بيناه
في الصداق إذا كان عينا فوهبته للزوج ثم طلقها قبل أن يدخل بها وإذا كان السلم حنطة رأس
مالها مائة درهم فصالحه على أن يرد عليه مائتي درهم أو مائة وخمسين درهما لم يجز لان هذا
استبدال وليس بإقالة فإنه يسمى فيه ما لم يكن مذكورا في العقد والصلح إنما يكون إقالة إذا كان على رأس المال فإذا كان على شئ آخر فهو استبدال والاستبدال بالمسلم فيه باطل وان
صالحه على مائة درهم من رأس ماله فهو جائز لان حرف من هنا صلة فيبقى الصلح علي مائه
درهم رأس ماله وذلك إقالة وكذلك أن قال خمسين درهما من رأس مالك فهو جائز لأنه لم
يذكر فيه ما لم يكن مستحقا بالعقد فيكون إقالة فان قال مائتي درهم من رأس مالك فهو
باطل لان رأس المال دون المائتين فحين ذكر في الصلح ما لم يكن مذكورا في العقد كان ذلك
استبدالا للمسلم فيه وإذا كان بعض ما هو مذكور في العقد فهو إقالة صحيحة وشرط ترك
بعض رأس لمال له باطل والإقالة لا تبطل بالشرط الفاسد وإذا سلم الرجل إلى رجل ثوبا في
كر حنطة وفيه المسلم إليه ثم إن المسلم إليه سلم ذلك الثوب إلى آخر ثم صالحه الأول على
رأس المال ثم صالح الثاني الثالث على رأس ماله فرد عليه الثوب لم يرده على الأول ويأخذ
منه الأول قيمته لان الأول صالحه على رأس المال والثوب خارج عن ملكه فيجب عليه
بهذا الصلح رد قيمته ثم عاد إليه الثوب بملك مستقبل في حق الأول على ما عرف على أن
الإقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق غيرهما وفى حق الأول عاد الثوب بملك
47

مستقبل فلهذا يأخذ قيمته ولا سبيل له على عينه كما لو اشتراه الثاني من الثالث فان اصطلحا
كان له ذلك لان رأس ماله بعينه وهو عائد إليه بطريق الفسخ في حقه وإنما جعل الإقالة
بمنزلة البيع الجديد في حق غيره لدفع الضرر فإذا وقع التراضي عليه فقد اندفع الضرر فهذا
لان الاستبدال إنما لا يجوز لما فيه من أخذ رأس المال وغيره المسلم وذلك لا يوجد هنا فإنما يأخذ
رأس ماله بعينه وإن كان عوده إليه بحكم ملك جديد وهذا لان الإقالة فسخ في حق المتعاقدين
لتراضيهما عليه وإذا رضى الأول بذلك كان فسخا في حقه أيضا وهذا بخلاف ما إذا قضى القاضي
له بالقيمة قبل أن يصالح الثاني مع الشك لان حقه هناك تقرر في القيمة بقضاء القاضي فلا
يعود في العين بعد ذلك وان قدر على رده وفى الأول لم يتقرر حقه في القيمة بقضاء القاضي
فيعود التعين إذا وقع التراضي عليه كما في المغصوب الآبق إذا عاد لان هناك بعد قضاء
القاضي لو اصطلح على أخذ العبد جاز بطريق انه بدل عن القيمة التي قضى بها القاضي وهنا
لا يجوز لان القيمة التي قضي بها القاضي رأس مال السلم والاستبدال برأس المال بعد الإقالة
لا يجوز بالتراضي وكذلك لو كان الأوسط قبل الثوب بغير حكم بعيب بعد الصلح الأول
أو قبله لان قبوله بالعيب حكم بمنزله الإقالة ولو رد عليه بعيب بقضاء قاض ثم ناقض الأقل
رده بعنيه لان الرد بقضاء القاضي فسخ من الاجل أعاد إليه الثوب على الملك الذي كان له
قبل ملك الثاني فهو وما لو صالح الأول على رأس المال قبل العقد الثاني سواء ولو كان ناقضة
السلم قبل أن يرد عليه الثوب فقضى له بقيمته ثم رد الثوب عليه بعيب بقضاء القاضي كان
عليه قيمته بسبب المناقضة لان القيمة تقررت عليه بقضاء القاضي فلا يسقط عنه بعود رأس
المال إليه بعد ذلك على أي وجه عاد ولكن الثوب رد عليه بالعيب بسبب هو فسخ من
الأصل فيكون له ان يرده بالعيب على بائعه ويأخذه قيمته وإنما رده بالعيب لدفع الضرر عنه
وأخذ القيمة لان مناقض السلم عقد الرد فبطل ولما صار رأس المال هو القيمة التي قبضها
بقي هنا الثوب ثوبا بنسفه أن يسلم إليه على رد السلم وقد تعذر رده إليه سليما فيلزمه قيمته كما
في الصداق إذا رد بعيب فاحش يؤخذ قيمته من الزواج ولو كان وهبه ثم اشتراه أو ورثه ثم
أقاله السلم كان عليه قيمة الثوب لأنه عاد إليه الثوب بملك متجدد بالشراء وفى الوراثة كذلك
لان الوراث يخلف المورث في الملك والملك الذي كان للمورث كان ملكا متجددا سوى
المستفاد بعقد السلم فيخلفه الوارث في ذلك الملك واختلاف سبب الملك باختلاف العين لأنه
48

عاد إليه عين آخر فلهذا لزمه عند الإقالة قيمة الثوب ولو رجع في الهبة ثم ناقضه السلم رد
عليه بعينه لان الرجوع فسخ الهبة سواء حصل بقضاء أو بغير قضاء وإنما يعود إليه الملك الذي
كان قبل الهبة وإذا مات رب السلم أو المسلم إليه ثم صالح الحي الوارث وماتا جميعا صالح
الوارث على رأس المال جاز لان الوارث خلف المورث فيما كان له والصلح على رأس المال
إقالة تستفاد بملك دون العقد (ألا ترى) أن الوكيل بالشراء لا يملك الإقالة بعد الشراء
والموكل يملكها لان الملك له فإذا كان الوراث قائما مقام المورث في الملك قام مقامه في الإقالة
أيضا وإذا صالح رب السلم المسلم إليه على أن يرد عليه رأس المال وبعض المسلم فيه لم يجز لان
هذا استبدال للمسلم فيه فان بمقابلة نصف المسلم فيه نصف رأس المال وهو قد صالحه على
أن يرد عليه بمقابلة نصف المسلم فيه جميع رأس المال فيكون هذا استبدالا وذلك باطل ولو
كان رأس المال ثوبا فصالحه على أن أبرأه عن الطعام علي أن يرد عليه رب السلم خمسة دراهم
فهذا باطل أيضا لان المسلم فيه يأخذ الخمس أيضا بغير شئ أعطاه إياه فان الطعام قد سقط
عنه كله ومثل هذا يكون ربا وإذا كان رأس المال عرضا فصالحه فباعه المسلم إليه من رب
السلم بطعام مثل طعامه أو أكثر جاز وان رب السلم بائع لذلك العرض وقد اشترى بعد السلم
بمثل ما باعه أو بأكثر وذلك جائز وان باعه بأقل لم يجز لأنه اشترى ما باع بأقل مما باع قبل
نقد السلم وهو المسلم فيه فغير جائز لأنه استرباح على ما لم يدخل في ضمانه وقد بيناه في البيوع
وكذلك لو كان ذلك بطريقة الصلح وإذا كان رأس المال شاة فأصاب المسلم إليه من لبنها
وصوفها وسمنها ثم صالحه على رأس المال جاز وعليه ثمنها لمكان الزيادة المتولدة من العين كما في
الولد الذي قد منا قال إلا أن يرضى رب السلم أن يأخذه الشاة بعينها ومراده إذا لم تكن الزيادة
قائمة ولكن المسلم إليه هنا استهلكها فإن لم يجب عليه عوض بالاستهلاك فيكون هذا بمنزلة تفويته
جزأ من عينها وذلك يمنع رد عينها بعد الإقالة إلا أن يرضى به رب السلم فهذا مثله وكذلك
لو كان نخلا فأكل من ثمرته بخلاف الولد الذي أعتقه فهناك ولاء الولد باق له والولاء أثر من
آثار الملك فيكون بقاؤه كبقاء ملكه في الولد فيمنع رد عينها وان رضى رب السلم بها
رهنا بعد الاستهلاك لم يبق شئ من الزيادة فوزان هذا من ذلك أنه لو قتل الولد ولو كان
عبدا فأكل من غلته ثم صالحه على رأس المال كان عليه أن يرد العبد ولا يرد الغلة لان الغلة
ليست متولدة من العين وقد بينا الفرق بينها وبين الزيادة في البيوع قال فإذا كان
49

السلم فاسدا فلا بأس بأن يشترى برأس ماله ما يشاء يدا بيد كما يشترى بالعرض لان المسلم
فيه مع فساد العقد غير مستحق فما بقي من رأس المال لا يكون بدلا من المسلم فيه ولا هو
مستحق بقيمة السلم إنما هو بمنزلة قرض أقرضه والاستبدال ببدل القرض جائز بخلاف
الاستبدال برأس المال بعد الإقالة في باب السلم لان المقبوض كان مستحقا بعقد القبض
وكان السلم بدلا عن المسلم فيه فلا يجوز الاستبدال فيه بعد الفسخ كما لا يجوز الاستبدال في
المسلم فيه ولا برأس المال قبل الفسخ وإذا كان للمتفاوضين سلم على رجل فصالحه أحدهما على
رأس المال جاز لان الإقالة من صنع التجار وأحد المتفاوضين في صنع التجار قائم مقام صاحبه
وكذلك شركاء العنان لان الصلح عن المسلم فيه على رأس المال إقالة وأحد الشريكين يملك
ذلك في حق شريكه كما في الإقالة في بيع العين لو اشتريا عبدا ثم أقال أحدهما المبيع من البائع
جاز ذلك على شريكه لان أكثر ما فيه أن الإقالة بمنزلة بيع جديد وكل واحد من الشريكين
يملك ذلك وكذلك يملك الإقالة والصلح على رأس المال في السلم ولو أمر رجل رجلا فأسلم
له في كر حنطة ثم صالح الذي ولى السلم على رأس المال جاز عليه ويضمن كر سلم للآمر في
قول أبي حنيفة وفى قول أبى يوسف رحمهما الله لا يجوز صلحه على رأس المال وقد بينا هذا
في البيوع أن الوكيل بالسلم إذا أبرأ المسلم عليه جاز في قولهما وكان للآمر مثل طعامه وفى
قول أبى يوسف رحمه الله لا يجوز وكذلك إذا أبرأه لا بطريق الصلح على رأس المال وهذا
بخلاف الوكيل بالشراء إذا أقال البيع لان المشترى هناك صار مملوكا للموكل بعينه وإقالة
الوكيل تصادف محلا هو حق غيره بغير أمره فأما المسلم فيه فهو دين واجب بالعقد والعاقد
فيه لغيره كالعاقد لنفسه (ألا ترى) أن حق القبض إليه على وجه لا يملك الموكل عزله عنه
والدين في الذمة ليس إلا حق المطالبة بالسلم فتصرفه من حيث الإقالة اسقاط لذلك وهو
حق الوكيل فلهذا صح ولكن إذا قبضه تعين المقبوض ملكا للآمر فإذا أقره عليه كان
ضامنا له مثله ولو كان الآمر هو الذي صالح المطلوب على رأس المال وقبضه جاز بمنزلة ما لو
أبرأه لا بطريق الصلح وهذا لأنه يصير المقبوض ملكا له بالقبض وقد بينا أن ملك الإقالة
باعتبار ملك المعقود عليه وباعتبار المال ملك المعقود له عليه فان المقبوض في عقد السلم عين
ما تناوله العقد لا غيره فلهذا صحت الإقالة عن الموكل فصار الحاصل ان الاعتبار حال الدينية هو
حق الوكيل لأنه مختص بالمطالبة والقبض وباعتبار حال العينة هو حق الموكل فتصح الإقالة
50

والابراء من كل واحد منهما باعتبار أن تصرفه محلا هو حقه وإذا أسلم رجلان عشره
دراهم في كر حنطة فنقد هذا من عنده خمسة وهذا من عنده خمسه ولم يخلطا العشرة ثم
صالح أحدهما على رأس ماله وأخذه فهو جائز ولا يشركه الآخر فيه في قول أبى يوسف
رحمه الله لان أصل رأس المال لم يكن مشتركا بينهما ولم يذكر قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما
الله في هذا الكتاب وقد ذكر في كتاب البيوع أن الصلح من أحد ربى السلم يتوقف على
إجازة الآخر عندهما فمن أصحابنا رحمهم الله من يقول هذا على الخلاف أيضا إذ لا فرق بين
أن يكون رأس المال الذي نقداه مختلطا أو غير مختلط ومنهم ممن يقول بل جوابها هنا
كجواب أبى يوسف رحمه الله وهذا لاختلاف الطرق لهما في تلك المسألة فعلى الطريق الذي
قلنا إن وجوب المسلم فيه باعتبار عقدهما وكل واحد منهما فيه كشطر العلة الجواب في الفصلين
واحد وعلى الطريق الذي قلنا إن تجويز صلح أحدهما يؤدى إلى أن يبطل حق رب السلم
عن المسلم فيه ويتقرر في رأس المال ثم يعود في المسلم فيه هذا الجواب قولهم جميعا لان ذلك
إنما يتحقق باعتبار مشاركة الساكت مع المصالح في المقبوض وليس له حق المشاركة هنا إذا لم
يكن بنيهما شركة فيما نقدا من رأس المال ولو لم يأخذه من رأس المال وقبض شيئا من
السلم شاركه صاحبه فيه لان طعام السلم وجب بالعقد مشتركا بينهما والعقد صفقة واحدة
فيشارك أحدهما صاحبه فيما يقبض من الدين المشترك وإذا أسلم الذميان إلى ذمي في خمر ثم
أسلم أحدهما بطلت حصته من السلم ورجع إليه رأس ماله لان اسلامه يمنعه من قبض الخمر
بحكم السلم (ألا ترى) أن الخمر لو كانت مبيعا عينا بطل العقد باسلامه قبل القبض فإذا كانت مملوكة بالعقد دينا أولى فان صالح من رأس ماله على طعام بعينه أو إلى أجل لم يجز لان أصل
السلم كان صحيحا فإنما عاد إليه رأس المال بعد صحة السلم ببطلان العقد فهو بمنزلة ما لو عاد إليه
بالإقالة وقد بينا أن الاستبدال بالمال بعد الإقالة لا يجوز ولو ترى لنصراني مال من هذا
السلم كان له أن يشارك المسلم فيما قبض من رأس المال لان أصل رأس المال كان مشتركا
بينهما وقد عاد إلى أحدهما بصفة بطريق لا يمكن رده وهو الاسلام فيكون للاخر حق
المشاركة معه في المقبوض إذا توى ماله على المسلم إليه من الخمر لان سلامة المقبوض له كانت
بشرط أن يسلم ما بقي من الخمر للآخر وهو بمنزلة دين مشترك بين اثنين إذا صالح أحدهما
المديون على شئ وأجاز الآخر اتباع المديون بنصيبه ثم توى ما عليه فإنه يكون له أن
51

يشارك صاحبه فيما قبض فهذا مثله ولو أعتق نصراني عبدا نصرانيا على خمر ثم أسلم أحدهما
فعليه قيمة نفسه في قول أبي حنيفة رحمه الله الآخر وهو قول أبى يوسف رحمه الله وفي
القول الأول وهو قول محمد رحمهما الله عليه قيمة الخمر وهذا بناء على مسألة كتاب
البيوع إذا أعتق عبده على جاريه فاستحقت الجارية أو هلكت قبل التسليم لان هنا تعذر
تسليم الخمر باسلام أحدهما بعد صحة التسمية فهو بمنزلة ما لو تعذر بالهلاك أو الاستخلاف
والرد بالعيب قال وكذلك الخلع والنكاح والصلح عن دم العمد وقد بينا هذا في كتاب
النكاح ان عند أبي يوسف رحمه الله إذا أسلم أحدهما فله مهر مثلها وعند محمد رحمه الله لها
قيمة الخمر والخنزير وأبو حنيفة رحمه الله يفرق بين العين والدين والخمر والخنزير ولو أسلم
نصراني خمرا إلى نصراني في حنطة وقبض الخمر ثم أسلم أحدهما لم ينتقض السلم لان الاسلام
طرأ بعد قبض الحرام وإنما بقي من حكم العقد قبض الحنطة والإسلام لا يمنع من ذلك ولو
صالح المسلم منهما على رأس ماله لم يجز لان رأس المال خمر والمسلم ليس من أهل أن يملك
الخمر بالعقد ولا بالفسخ (ألا ترى) أن نصرانيا لو باع نصرانيا جارية بخمر وتقابضا ثم أسلم
أحدهما ثم تعاملا لم يجز فكذلك في السلم إذا صالحا على رأس المال وهذا كما لا يتملك المسلم
الخمر بالعقد والفسخ لا يملك قيمتها وبه فارق ما لو هلك رأس المال ثم صالحه عليه لان هناك
تصحيح الإقالة على قيمتها ممكن وانها مال متقوم في حقه وهنا يتعذر تصحيح الإقالة على
قيمتها لان الخمر ليست بمال متقوم في حق المسلم وإذا أسلم نصراني إلى نصراني خنزيرا في
خمر وقبض الخنزير واستهلكه ثم أسلم أحدهما انتقض السلم لان الحرام مملوك بالعقد غير
مقبوض حين طرأ الاسلام وعليه قيمة الخنزير لان ليس من ذوات الأمثال وحين
استهلكه كان هو مالا متقوما في حقهما فيحول حكم رأس المال إلى قيمته (ألا ترى) أنهما
لو تقايلا قبل الاسلام وجب رد قيمة الخنزير وكذلك إذا أسلم أحدهما حين انتقض به السلم
بخلاف الأول فان الخمر من ذوات الأمثال ولو استهلكها ثم تقايلا قبل الاسلام كان الواجب
الرد مثل تلك الخمر والإسلام يمنع استحقاق تلك أو قيمتها بالإقالة للمسلم وإذا صالح الكفيل
بالسلم الطالب من السلم على ثوب والسلم حنطة لم يجز لان رب السلم بهذا الصلح يصير مملكا
الحنطة من الكفيل بالثوب وإذا كان تمليك المسلم فيه من المسلم إليه بعوض لا يجوز فمن غيره
أولى ثم هذا على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ظاهر لأنه لو صالح الكفيل على رأس
52

المال لم يجز عندهما فإذا صالحه على شئ آخر أولى وعند أبي يوسف رحمه الله يجوز صلحه مع
الكفيل على رأس المال لأنه قائم مقام المسلم إليه مطلوب بطعام السلم كالمسلم إليه وصلحه مع
المسلم إليه على غير رأس المال يكون استبدالا ويكون باطلا فكذلك صلحه مع الكفيل ولو
صالح الكفيل رب السلم على أن زاده رب السلم درهما في رأس المال وقبضه لم يجز لان أصل
الطعام المسلم في المسلم إليه والكفيل مطالب به فلا يمكن اثبات هذه الزيادة على أن يملكها
المسلم إليه لأنه ليس لأحد ولاية ادخال الشئ في ملكه من غير رضاه ولان رب السلم
ما أوجب له الزيادة إنما أوجبها للكفيل ولا يمكن اثباتها للكفيل لان الزيادة ملحقة بأصل
العقد وبأصل العقد لا يجوز أن يملك شيئا من رأس المال بالشرط ممن لا يجب عليه شئ من
أصل طعام السلم وليس في ذمة الكفيل شئ من أصل طعام السلم فلهذا لا تثبت الزيادة على
الكفيل أن يرد الدراهم ولان الزيادة تثبت على أن يتغير بها وصف العقد والكفيل ليس
بعاقد فلا يملك التصرف في وصف العقد وهو دليل أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله في أن الكفيل
لا يملك الصلح على رأس المال لان ذلك فسخ للعقد وإذا عقد لم يكن إليه تغيير وصف العقد
فلا يكون له ولاية فسخ العقد بطريق الأولى ولو قال الطالب للكفيل قد أغلى على السلم
فزاده الكفيل مختوم حنطة في السلم لم يجز ذلك كما لو زاده المسلم إليه ولم يحط به شئ من
رأس المال لان الكفيل لا يملك حط شئ من رأس المال فان رأس المال صار متحققا للمسلم
إليه وليس إلى الكفيل ولاية اسقاط حقه وقد بينا أن الكفالة بطعام السلم لا نمس رأس
المال فلهذا لم يثبت حط شئ من رأس المال بزيادة الكفيل في طعام السلم ولو زاد رب السلم
درهما على أن زاده الكفيل مختوم حنطة لم يجز ذلك أيضا لان كل واحد منهما على الانفراد
لا يمكن تصحيحه ولا يمكن ان يجعل هذا ابتداء اسلام الدراهم في مختوم حنطة من الكفيل
لأنهما ذكرا ذلك على وجه الزيادة والزيادة تتبع الأصل فلو جعلنا هذا سلما مبتدأ كان
أصلا لا زيادة فيكون غير ما أوجباه وذلك لا يجوز ولو كان السلم ثوبا مرويا فأعطاه الكفيل
ثوبا أجود منه أو أطول منه على أن زاده رب السلم درهما لم يجز لان الزيادة لا يمكن
اثباتها على سبيل الالتحاق بأصل العقد لما قلنا ولا يمكن اثباتها بمقابلة الجودة أو زيادة الزرع
لان رب السلم التزمها بيعا لا مقصودا بالمعاوضة وكذلك لو أعطاه ثوبا فرد على الكفيل درهما
لم يجز لان الكفيل لم يبابعه بشئ ولم يستحق عليه شيئا من المال فلا يمكن أن يجعل ذلك
53

حطا في حق الكفيل ولو كان السلم طعاما فأعطاه الكفيل طعاما فيه عيب على أن يرد عليه
درهما مع ذلك لم يجز لان هذا مع الأصيل لا يجوز على ما بينا أن إقالة العقد في الوصف فكيف
يجوز مع الكفيل ولو أعطاه طعاما فيه عيب وتجوز به رجع الكفيل على المكفول عنه بمثل
ما كفل به لان بعقد الكفالة وجب للطالب على الكفيل وللكفيل على المطلوب حق مؤجل
إلى أن يقضى عنه ما التزمه وقد فعل ذلك حين أعطاه جنس حقه وتجوز هو بالعيب فيه فيرجع
على المكفول عنه بمثل ما كفل به ولو أوفاه الكفيل السلم في غير الموضع الذي شرط
فقبله كان له أن يرجع به على الأصيل في موضع الشرط لأنه استحق بالكفالة عليه مثل
ما التزم وماله حمل ومؤنة تختلف ماليته باختلاف المكان فقبول رب السلم منه في غير الموضع
المشروط بمنزلة قبوله المعيب فيكون له أن يطالب الأصيل بما استوجبه عليه بالكفالة وهو
التسليم في الموضع المشروط ولو صالحه الكفيل على أن يعطيه السلم في غير موضعه ويعطيه
الاجر إلى ذلك الموضع لم يجز الصلح ويرد الاجر ويرد الطعام حتى يوفيه عند الشرط كما
لو كان هذا الصلح مع الأصيل وقد بيناه في البيوع ولو كان شرط عليه أن يوفيه إياه بالسواد
فصالحه على أن يعطيه بالكوفة ويأخذ له كذا من الاجر لم يجز ذلك ويرجع عليه بذلك
إن كان دفعه كما لو صالح مع الأصيل على ذلك وهذا لأنه يأخذ المسلم فيه مع الزيادة وتلك
الزيادة خاليه عن المقابلة وإذا صالح الذي عليه أصل السلم الكفيل من الطعام على دراهم
أو شعير أو ثوب فهو جائز لان ما استوجبه على المسلم إليه ليس بمستحق له بعقد السلم بل
بعقد الكفالة والكفيل بالكفالة والأداء يصير كالمقرض لما أدى إلى المسلم إليه والاستبدال
ببدل القرض وبالدين الواجب بغير عقد السلم صحيح ثم إن كان صلحه بعد الأداء فهو ضامن
وإن كان قبل الأداء فان أدى الطعام إلى الطالب برئا جميعا لحصول مقصود المطلوب وهو
براءة ذمته بأداء الكفيل ولو أداه المكفول عنه رجع على الكفيل لان مقصود المسلم
لم يحصل حين احتاج إلى أداء طعام السلم من ماله والكفيل بمنزلة المشترى منه لما أخذه
ثم المقاصة بينهما إنما استوجب به الرجوع فيه فإذا أداه من مال نفسه لم تقع المقاصة فكان
له أن يرجع على الكفيل به إلا أن يشاء الكفيل أن يرد عليه ما أخذه به منه لأنه أخذ
بطريق الصلح وهو مبنى على التجوز بدون الحق وقد بينا نظيره في سائر الديون وإذا أسلم
عشرة دراهم إلى رجل في كر حنطة إلى أجل وقبضها ثم مرض رب السلم وحل الطعام وهو
54

يساوى عشرين درهما فتقايلا السلم ثم مات المريض ولا مال له غيره فان الإقالة تجوز في ثلث
الكر ويرد على الورثة ثلثي رأس المال وثلث الطعام ولان المريض بالإقالة حابى بنصف ماله ولا
يمكن تصحيح المحاباة فيما زاد على الثلث ولا وجه لا زالة المحاباة في الزيادة بأن يغرم ذلك المسلم
إليه من ماله لان فيه عود الزيادة على رأس المال من رب السلم بطريق الإقالة وذلك لا يجوز
ولا وجه إلى ابطال الإقالة لان إقالة السلم لا يحتمل التبعيض فيتعين الاطلاق الذي قلنا وهو
تصحيح الإقالة في ثلثي الكر وابطالها في الثلث لأنه لو كان للمريض سوى هذا عشرة دراهم
لكانت الإقالة تصح في الكل فإنه يسلم للورثة عشرون درهما والمحاباة بقدر عشره فيقسم
الثلث والثلثان فالسبيل فيه أن نضم ما عدمنا إلى الموجود ثم ننظر إلى ما عدمنا انه كم هو
من الجملة فتبطل الإقالة بقدره والعشرة التي عدمنا من الجملة الثلث فنبطل الإقالة في ثلث الكر
ونجوزها في ثلثي الكر بثلثي رأس المال فيحصل للورثة ثلث كر قيمته ستة وثلثان وثلثا رأس
المال ستة وثلثان فذلك ثلاثة عشر وثلث ويجعل للمسلم إليه ثلثا كر قيمته ثلاثة عشر وثلث
بستة وثلاثين فإنما نفذ بالمحاباة له في ستة وثلاثين وقد سلم للورثة ضعف ذلك فينقسم الثلث
والثلثان فان قيل كيف تبطل الإقالة في الثلث والإقالة في السلم لا ناقض لها قلنا إنما ينفذ من
تصرفات المريض ما يحتمل النقض بعد وقوعه فأما ما لا يحتمل النقض فالحكم فيه يثبت على
سبيل التوقف كما قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله في العتق وقد قررنا هذا الأصل في
كتاب العتاق والله أعلم بالصواب
* (باب الصلح في الغصب) *
(قال رحمه الله) رجل غصب عبدا من رجل ثم صالحه صاحبه من قيمته على دراهم
مسماة حالة أو إلى أجل فهو جائز بمنزلة ما لو باع العبد منه بثمن حال أو مؤجل جاز سواء قل
الثمن أو كثر فإن كان العبد مستهلكا فأقام الغاصب البينة أن قيمته أقل مما صالحه عليه بكثير
لم تقبل بينته في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف رحمه الله تقبل بينته ويرد زيادة
القيمة على الغاصب إن كان العبد مستهلكا وقت الصلح وإن كان قائما فالصلح ماض وأصل
المسألة أن الصلح عن المغصوب الهالك على أكثر من قيمته يجوز في قول أبي حنيفة ولا يجوز
في قولهما ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول موضع الخلاف إذا كان آبقا فأما إذا كان
55

مستهلكا حقيقة فلا خلاف أن الصلح على أكثر من قيمته من النقود لا يجوز حتى إذا تصادقا
على أن ما وقع عليه الصلح أكثر من القيمة يجب رده ولكن اختلفا فيه فأبو حنيفة رحمه الله
يقول لا أقبل بينة الغاصب على أن قيمته دون ما وقع عليه الصلح لان اقدامه على الصلح اقرار
منه أن قيمته هذا المقدار أو أكثر منه فيكون هو مناقضا في دعواه بعد ذلك ويكون ساعيا
في نقض ما تم به فلا يقبل ذلك منه وهما يقولان قد يخفى عليه مقدار القيمة في الابتداء أو
يعلم ذلك ولا يجد الحجة لغيبة شهوده فإذا ظهر له ذلك أو حضر شهوده وجب قبول بينته
على ذلك لأنه يقصد به اثبات حقه في استرداد الزيادة كالمرأة إذا خالعت زوجها ثم أقامت
البينة أنه كان طلقها زوجها ثلاثا قبل الخلع والأصح عندي أن هذا كله يخلف فان الصلح
جائز عند أبي حنيفة رحمه الله على أكثر من قيمة المغصوب وإن كان مستهلكا وتصادقا ان
ما وقع الصلح عليه أكثر من القيمة وعندهما لا يجوز وحجتهما في ذلك أن الواجب على
الغاصب بعد هلاك العين القيمة وهي مقدرة من النقود شرعا فإذا صالح على أكثر منها من
جنس النقود كان ربا كما لو قضى القاضي بالقيمة ثم صالحه على أكثر من القيمة والدليل
على أن الواجب هو القيمة وان ما يقع عليه الصلح بدل عن القيمة أنه لو صالحه على طعام
موصوف في الذمة إلى أجل لا يجوز ولو كان ما يقع عليه الصلح بدلا عن العبد لجاز لان الطعام
الموصوف بمقابلة العبد عنه وبمقابلة القيمة يكون مبيعا وقاسا هذا بشريكين في عبد إذا أعتق
أحدهما نصيبه وهو موسر فيضمنه الآخر وصالحه على أكثر من نصف القيمة فإنه لا يجوز
لان الواجب نصف القيمة شرعا ولذلك لو كان المعتق معسرا فصالح الساكت العبد على
أن استسعاه في أكثر من نصف القيمة لم يجز لهذا المعنى وإذا قضى للشفيع بالشفعة بأكثر
من الثمن الذي اشترى به المشترى فرضى الشفيع بذلك لم يجز لان العوض تقدر شرعا بما
أعطاه المشترى فلم تجز الزيادة عليه ولأبي حنيفة رحمه الله طريقان أحدهما أن المغصوب بعد
الهلاك باق على ملك المغصوب منه ما لم يتضرر حقه في ضمان القيمة بدليل انه لو اختار ترك
التضمين بقي العبد مملوكا على ملكه حتى تكون العين عليه وإن كان آبقا فعاد من إباقه كان
مملوكا له ولو كان اكتسب كسبا كان أن يأخذ كسبه ولو كان نصف سكة فيعقل بها سيده
بعد موته كان للمغصوب منه وإنما يملك الكسب بملك الأصل وهذا لأنه إذا أبرأ الغاصب
من إباقه يجعل القول قول الغاصب ولان الغاصب هو المشتري للعبد بهذا الصلح فإذا قال هو
56

عندي فقد أقر انه محل البيع وانه يصير قابضا له بنفس الشراء فيمكن تصحيح هذا الصلح
بينهما شراء (ألا ترى) أن شراء الآبق لا يجوز فان قال المشتري هو عبدي فقد أخذته
ثم اشتراه جاز فكذلك المغصوب قال ولو غصبه كر حنطة ثم صالحه منه وهو قائم بعينه على
دراهم مؤجله فهو جائز لان الدراهم إذا قوبلت بالحنطة يكون ثمنا والشراء بالثمن المؤجل
جائز فكذلك الذهب والفضة والموزونات كلها فأما إذا صالحه على مكيل فلا يجوز فيه
النسيئة لان الكل بانفراده يحرم النساء فإن كان طعام مستهلكا لم يجز الصلح على شئ من
ذلك نسيئة لأنه دين بدين ما خلا الطعام فان صالحه على طعام مثله إلى أجل حالا فهو جائز
لأنه تأجيل في ضمان المغصوب فان الواجب بهذا الاستهلاك ضمان المثل ولا يتمكن في هذا
الصلح معنى المبادلة وكذلك لو صالحه على أقل منه فإنه اسقاط لبعض الواجب وتأجيل فيبقى
وان صالحه على أكثر منه لم يجز نسيئة كان أو حالا لأجل الربا فالمصالح عليه اما أن يكون
عوضا من المستهلك أو عن مثله فكيفما كان فالفضل ربا ولو غصبه كر حنطة وكر شعير
فاستهلكهما ثم صالحه على كر شعير إلى أجل على أن أبرأه من الحنطة فهو جائز لأنه أسقط
حقه في الحنطة وأجله فيما عليه من ماله لتغيير كل واحد منهما صحيح إذا أفرده فكذلك إذا
جمع بينهما وكذلك إذا كان أحدهما قائما فصالحه عليه على أن أبرأه من المستهلك لأنه مستوف
عين حقه في القائم مبرئا له عن ضمان المستهلك ولو غصبه مائة درهم وعشرة دنانير فاستهلكهما
ثم صالحه منهما على كر حنطة بعينه ثم استحق الكراء ووجد به عيبا فرده رجع بالدراهم
والدنانير لان بالاستحقاق والرد بالعيب انتقض الصلح وكان قد صح بطريق المعاوضة فإنما
يرجع بعد انتقاضه بالعوض الذي كان حقا له وهو الدراهم والدنانير وان صالحه على خمسين
درهما حالة أو مؤجلة فهو جائز لأنه مبرئ له عن الدنانير وعن بعض الدراهم ومؤجل له فيما
بقي من حقه من الدراهم وكل ذلك مستقيم فان استحقت بعد ما قبضها أو وجدها زيوفا
أو ستوقة رجع بمثلها ولو لم ينتقض الصلح لان صحته هنا بطريق الاسقاط دون المعاوضة
فباستحقاق ما استوفى أو رده بعيب الزيافة لا يبطل الابراء فيما سوى ذلك وإنما ينتقض
القبض في المستوفى فيرجع بمثله وكذلك لو صالحه على وزن خمسين درهما فضة فصحة هذا
الصلح بطريق الاسقاط لان المستوفى من جنس حقه فلا يمكن تصحيح الصلح بطريق
المعاوضة وكذلك لو غصبه مائة مثقال فضة تبرا وعشرة دنانير فصالحه على خمسين درهما
57

حالة أو مؤجلة فهو جائز إذا كانت الدراهم مثل الفضة بطريق الجودة في الاسقاط لبعض
حقه وإن كان خيرا منها لم يجز لان زيادة الجودة فيما وقع عليه الصلح بمقابلة ما أسقط من
الدنانير وبعض الدراهم وذلك ربا وهذا كله بخلاف ما سبق فيما إذا كانت الدنانير لإنسان
والدراهم لآخر فصالحاه على مائة درهم أو صالحاه على عشرة دنانير لم يجز وقد غلط فيه
بعض المتقدمين من أصحابنا رحمهم الله فقالوا يجوز الصلح في الوجهين على أن يكون صاحب
الدراهم مبرئا عن بعض حقه مستوفيا لما يخصه من الدراهم فان تصحيح الصلح بهذا الطريق
ممكن كما إذا كان المالان لواحد ولكن الفرق بينهما واضح فان المالين إذا كانا لاثنين فلا
بد من قسمة ما وقع الصح عليه بينهما على قدر ماليهما وإذا جعلنا صاحب الدراهم مبرئا
عن بعض حقه لا يمكنه أن يزاحم صاحبه بما أبرأه عنه من العشرة فلا بد من اعتبار معنى
المعاوضة في المالين ابتداء وباعتباره يظهر الربا ولا يوجد هذا المعنى فيما إذا كان المالان لواحد
منهما فلهذا صح الصلح بطريق الابراء ولو غصبه كر حنطة فصالحه منه على نصف كر حنطة
والمغصوب قائم بعينه أو صالحه على نصف الكر المغصوب ودفعه إليه واستفضل الثاني غير
أن طعام الغصب لم يكن بحضرتهما حين اصطلحا فالصلح جائز حين لم يكن بحضرتهما فانا نجبر
الغاصب على رد العين في الحال وهو في حكم المستهلك من هذا الوجه فيمكن تصحيح الصلح
بطريق الاسقاط كما لو كان الكر دينا فصالحه على نصفه وما استفضل الغاصب واجب له أن
يرده على المغصوب منه لأنه غير ملكه ولا يتملكه الغاصب حقيقة بما جرى بينهما لان تصحيح
ما جرى بنيهما بطريق المعاوضة غير ممكن وبطريق الاسقاط لا يملك العين فلهذا يؤمر بالرد
وجميع ما يكال أو يوزن من الدراهم والدنانير في ذلك كالحنطة ولو غصب ألف درهم
فأخفاها وغيبها عنه ثم صالحه على خمسمائة أعطاها إياه من تلك الدراهم أو من غيرها أحببت
له أن يرد الفضل كما في الأول لان الدراهم تتعين في الملك وفي البعض بحكم الغصب والرد
كالحنطة فإن كانت الدراهم في يد الغاصب بحيث يراها المغصوب منه والغاصب منكر للغصب
ثم صالحه على خمسمائة منها جاز وكذلك كل ما يكال أو يوزن لان الغاصب بإنكاره الغصب
يزعم أن العين ملكه والشرع جعل القول قوله فيتعذر على المغصوب منه أخذ عينه في الحكم
ويكون بمنزلة المستهلك فيمكن تصحيح الصلح منهما بطريق الاسقاط فلهذا أمكن تصحيحه
في الحكم ويكون بمنزلة المستهلك والمنكر آثم في الانكار والغصب فان وجد المغصوب منه بينة
58

على بقية ماله الذي في يده قضيت له به لأنه لما وجد البينة فقد تمكن من استرداد العين وزال
المعنى الذي لأجله كان في حكم المستهلك وتصحيح الصلح بطريق الاسقاط إنما يكون في
المستهلك لا في حقهما فلهذا لا يشاركه فيما قبضه ولكنه على حجته مع الغاصب ولو أن رجلين
ادعيا في دار دعوى ميراثا عن أبيهما فصالح رب الدار أحدهما على مال لم يشركه الآخر فيه أن
كان المصالح منكرا أو مقرا لأنهما يتصادقان على أن المدعى ملكهما وان البائع لنصيبه
وتصادقهما يكون حجة في حقهما ثم ذكر بعض مسائل الاكراه وأن الاكراه عند أبي حنيفة
رحمه الله لا يكون الا من السلطان وعندهما يكون من كل متغلب يقدر على ايقاع ما هدده
به والصلح في حكم الاكراه كالبيع فإنه يعتمد تمام الرضا كالبيع وكما أن الاكراه بالجنس
والمقيد بعدم الرضا في البيع فكذلك في الصلح ولو أن قوما دخلوا على رجل بيتا نهارا أو ليلا
فهددوه وشهروا عليه السلاح حتى صالح رجلا عن دعواه على شئ فهذا الصلح ينبغي أن
يجوز في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله لأنه ليس بسطان والاكراه عنده لا يتحقق الا من
السلطان وكذلك لو أكرهوه على الاقرار فاقراره جائز عنده وعندهما ان كانوا شهروا عليه
السلاح لم يجز صلحه واقراره لأنه صار خائفا التلف على نفسه والسلاح مما لا يلبث وان
كانوا لم يشهروا عليه السلاح وضربوه وتوعدوه فإن كان ذلك نهارا في المصر فالصلح جائز
لأنه يستغيث بالناس فيلحقه الغوث في المصر بالنهار قبل أن يأتوا على أحد فالضرب بغير السلاح مما لا يلبث عادة وإن كان ذلك ليلا في المصر أو كان في الطريق غير السفر أو دارا
لم يجز الصلح والاقرار لان اللبث بعيد فصار خائفا التلف علي نفسه وكذلك إذا كان في بستان
لا يقدر فيه على الناس فهو والمناداة فيه سواء وكذلك الغوث وعلى هذا لو أن الزوج هو الذي
أكره في ذلك انتصافه في الصداق لان الزوج ليس بسلطان فلا معتبر باكراهه عند أبي حنيفة
رحمه الله وعندهما المعتبر خوفهما التلف كما ذكرنا قال ولو توعدها بالطلاق أو بالتزويج عليها
أو بالتسري لم يكن ذلك اكراها لأنه ما هددها بفعل متلف أو مؤلم بدنها إنما يغمها بذلك
والاكراه بهذا القدر لا يتحقق وذكر في الأصل إذا كان المدعى رجلين فأكره السلطان
المدعي عليه على صلح أحدهما فصالحهما جميعا لم يجز صلحه مع من أكره على الصلح معه
وجاز مع الآخر لأنه أنشأ الصلح مع كل واحد منهما ابتداء وهو راض بالصلح مع أحدهما
غير راض به مع الآخر لأجل الاكراه وهذا بخلاف ما لو أجبره على أن يقر لأحدهما
59

بدين فأقر لهما بدين لم يجز الاقرار في حق كل واحد منهما لان الاقرار اخبار منه عن واجب
سابق ولم يصح في حق من أكره على الاقرار له فلو صححناه في حق الآخر فقبض نصيبه
كان للآخر أن يشاركه في المقبوض ولو قلنا لا يشاركه كان هذا إلزام شئ سوى ما أقر به
لان هذا اقرار بدين مشترك بينهما فلهذا لا يجوز الاقرار بخلاف الصلح فإنه إنشاء عقد
يمكن تصحيحه في نصيب أحدهما دون الآخر وهو نظير المريض إذا أقر لوارثه ولأجنبي
لم يجز اقراره لواحد منهما ولو أوصى لأجنبي ولوارثه بثلث ماله جاز في نصيب الأجنبي
فهذا قياسه والله أعلم بالصواب
* (باب الصلح في العارية والوديعة) *
(قال رحمه الله) وإذا قال المستودع ضاعت الوديعة أو قال رددتها عليك فهو مصدق
في ذلك لكونه أمينا فان صالحه صاحبها بعد هذا الكلام على مال لم يجز الصلح في قول أبى يوسف
رحمه الله وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والرواية في الأجير المشترك إذا ادعى الرد ثم صالح
صاحبه على ما قال فالأجير عنده أمين كالمودع وقال محمد رحمه الله الصلح صحيح والحاصل أن في
هذه المسألة ثلاثة أوجه (أحدها) أن يدعي صاحبها عليه الاستهلاك وهو ينكر ذلك
وفى هذا يجوز الصلح والاتفاق لان صاحبها يدعى عليه دينا بسبب لو أقر به لزمه فهذا صلح
مع الانكار وذلك صحيح عندنا (والثاني) أن يقول المودع قد هلكت أو رددتها ولا يدعي
صاحبها عليه الاستهلاك ولكنه يكذبه فيما يقول ففي هذا خلاف كما بينا وجه قول محمد رحمه الله
أن صاحبها يدعى عليه الضمان بالمنع بعد طلبه وذلك منه بمنزلة الغصب ولو ادعى غصبا على
انسان ثم صالحه على مال جاز الصلح بناء على زعم المدعى فهذا مثله لان الثمن باق على المودع
فهو بهذا الصلح بقي عليه بمال وذلك صحيح عندنا وأبى يوسف رحمه الله يقول المودع أمثل
فيثبت بخبره ما أخذ عن دعوى الرد أو الهلاك لان تأثير كونه أمينا في قبول قوله فصار
ثبوت ذلك بقوله كثبوته بالبينة ولو ثبت ذلك بالبينة لم يجز الصلح بعد ذلك وتوجه اليمين
على المودع لنفى التهمة عنه لان البراءة تظهر بخبره بدليل انه لو مات قبل أن يحلف كانت
البراءة تامة وإذا ثبت حصول البراءة بخبره فهو كما لو أبرأ المغصوب منه الغاصب عن المستهلك
ثم صالحه على مال وإنما يجوز بالصلح فداء اليمين التي هي حق المدعى خلفا عما فوت
60

عليه المنكر للدعوى بزعمه وهذه اليمين ليست بتلك الصفة بل هي لنفى التهمة ويفدى مثلها
بمال كالمرأة إذا أخبرت بانقضاء العدة فالقول قولها مع اليمين ولو صالحها الزوج على مال لم يجز
(ألا ترى) أن هذا اليمين تسقط بموته بخلاف يمين المنكر في الدعوى والخصومات فان وارثه
يقوم مقامه في ذلك حتى يحلف على العلم ولان المودع سلطه على الاخبار بالرد والهلاك
فقوله في ذلك كقول المنكر ولو أقر المودع بذلك ثم صالحه لم يجز الصلح والعذر عن اليمين
ما ذكرنا * (الثالث) فيما إذا قال المودع رددتها وقال المودع استهلكتها ثم صالحه على مال
ففي قول أبى يوسف رحمه الله لا يجوز هذا الصلح أيضا ذكره في رواية أبى حفص رحمه الله
في الجامع وفى قوله الآخر يجوز الصلح وهو قول محمد رحمه الله وجه قوله الأول ما ذكرنا
أن البراءة تحصل له بقوله رددتها وقوله في ذلك بمنزلة قول صاحبها والحكم الثابت بخبره
لا يبطل بدعوى صاحبها الاستهلاك فكما أن قبل هذه الدعوى لو صالح لم يجز الصلح
عنه فكذلك بعد هذه الدعوى وجه قول الآخر أن الرد وان ثبت بخبره فصاحبها يدعي
عليه شيئا آخر للضمان هو الاستهلاك فصار ذلك كدعوى مبتدأة عليه فيجوز أن يصالحه
على مال (ألا ترى) أن اليمين هنا على ما يدعيه صاحبها بخلاف الأول فهناك اليمين على المودع
من الرد وان هذه اليمين لا تسقط بموته ولكن يحلف الوارث على علمه بالله ما استهلكتها كما
يدعيه صاحبها بخلاف الأول وهذا لان البراءة تثبت بقوله رددتها لكونه أمينا وذلك في
حكم القبض بجهة الوديعة * وفى الفصل الأول لا يدعى صاحبها لوجوب الدين عليه شيئا آخر
وهنا يدعى ذلك قال وان جحد الطالب أن يكون المستودع قال هذه المقالة قبل الصلح
فادعى المستودع أنه قد قالها فالصلح جائز وهذا التفريع على قول أبى يوسف رحمه الله خاصة
فأما عند محمد رحمه الله فلا فائدة في هذا الاختلاف لأنه لا يجوز الصلح قبل هذه المقالة وبعدها
وجه قول أبى يوسف رحمه الله أن اقدام المستودع على الصلح طائعا التزام منه للمال بسبب
تصحيح ظاهر فهو يريد بها تفريع ذلك أن يبطل ما التزمه فيها فلا يقبل قوله في ذلك
كالمرأة إذا اختلعت من زوجها بعد الطلاق الرجعي ثم زعمت أن عدتها كانت قد انقضت
قبل الخلع لا يقبل قولها فان أقام المودع بينة بهذه المقالة برئ من الصلح وإن لم يكن له بينة
فعلى الطالب اليمين لأنه يدعى عليه وجوب رد المال عليه فهو كالمختلعة إذا أقامت البينة على
أن الزوج طلقها ثلاثا قبل الخلع فان قيل هو مناقض في الدعوى هنا أيضا شائع في بعض
61

ما قد تم به فينبغي أن لا تقبل بينته ولا يحلف خصمه كالبائع إذا زعم أنه كان باع العين من
فلان قبل أن يبيعه من هذا المشترى بخلاف الخلع فان هناك هي مناقضة في الدعوى أيضا
ولكن البينة على الاطلاق مقبولة من غير الدعوى والجواب أن يقول هو غير مناقض في
دعواه لان قبوله الصلح لا يكون اقرارا منه بوجوب شئ عليه ولكنه يدعى خلاف ما يشهد
له الظاهر لأن العقود في الظاهر محمولة على الصحة فلا يقبل قوله في ذلك الا بالبينة وعند
عدم البينة القول قول خصمه مع اليمين لكون الظاهر حجة وشاهدا له وان كانت الوديعة
قائمة بعينها وهي مائه درهم فصالحه منها على مائة درهم بعد اقرار أو انكار لم يجز إذا قامت
البينة على الوديعة لأنها عين في يد المودع فيكون الصلح عنها معاوضة ومعاوضة المائة بالمائتين
باطل ولا يمكن تصحيحه بطريق الابراء والاسقاط لأن العين لا تحتمل ذلك وإن لم تقم بينة
وكان المودع منكرا فالصلح جائز عند دعوى الدين عند انكار المودع وعجز المدعى عن الدار
وانه بمنزلة البيع فلهذا صح العقد بدون الإضافة إلى الموكل ثم المقصود من الصلح قطع المنازعة
وقطع المنازلة واجب ما أمكن باعتبار معنى البيع وإذا صح الصلح غير مضاف إلى الموكل
انقطعت المنازعة بينهما فوجب المصير إلى ذلك استحسانا والله أعلم بالصواب
* (باب الحكمين) *
(قال رحمه الله) الأصل في جواز التحكيم قوله تعالى (فابعثوا حكما من أهله وحكما
من أهلها ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما) والصحابة رضي الله عنهم كانوا مجمعين على جواز
التحكيم ولهذا بدأ الباب بحديث الشعبي رحمه الله قال كان بين عمر وأبي بن كعب رضي الله عنهما
مدارأة بينهما في شئ فحكما بينهما زيد بن ثابت رضي الله عنه فأتياه فخرج زيد بن ثابت إليهما
وقال لعمر رضي الله عنه ألا تبعث إلى فأتيك يا أمير المؤمنين فقال عمر رضي الله عنه في بيته
يؤتى الحكم فأذن لهما فدخلا وألقى لعمر وسادة فقال عمر رضي الله عنه هذا أول جورك
وكانت اليمين على عمر رضي الله عنه فقال زيد لأبي رضي الله عنه لو أعفيت أمير المؤمنين
من اليمين فقال عمر يمين لزمتني فلا حلف فقال أبى رضي الله عنه بل يعفى أمير المؤمنين
ويصدقه والمراد بالمدارأة الخصومة واللجاج قال الله تعالى (فادارأتم فيها) وقال صلى الله
عليه وسلم في حديث ثابت بن شريك رضي الله عنهما لا يدارى ولا يمارى أي لا يلاحى ولا
62

يخاصم وقد بينا فوائد الحديث وإذا حكم الحكم بين رجلين ثم تخاصموا إلى حكم آخر فحكم
بينهما سوى ذلك ولم يعلم بالأول ثم ارتفعا إلى القاضي فإنه ينفذ الحكم الذي يوافق رأى
القاضي من ذلك لما بينا أن حكم كل واحد منهما غير ملزم شيئا وإذا حكم رجلان حكما في
خصومة بينهما ما دام في مجلسه ذلك فتجاحدا وقالا لم تحكم بيننا وقال الحاكم بل حكمت فإنه
يصدق ما دام في مجلس الحكومة ولا يصدق بعد القيام منه حتى يشهد على ذلك غيره لأنه
ما دام في مجلسه فهو يملك انشاء الحكم بينهما فلا تتمكن التهمة في اقراره به فأما بعد القيام
فهو لا يملك انشاء الحكم فتتمكن التهمة في اقراره وهو نظير المولي إذا أقر بألف والمطلق إذا
أقر بالرجعة في الفرق بينهما إذا أقر قبل مضى المدة وبينهما بعده وان حكماه ولا يشهدا على
تحكيمهما إياه لم يقبل قول الحكم فيه عليهما لأنه يدعى لنفسه عليهما ولاية تنفيذ القول وهو
غير مصدق فيما يدعى عليهما إذا كانا يجحدانه والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (كتاب الرهن) *
* (قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام
أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله إملاء) *
(اعلم) بأن الرهن عقد وثيقة بمال مشروع للتوثق في جانب الاستيفاء فالاستيفاء هو
المختص بالمال ولهذا كان موجبه ثبوت يد الاستيفاء حقا للمهرتهن عندنا لان موجب حقيقة
الاستيفاء ملك عين المستوفى وملك اليد فموجب العقد الذي هو وثيقة الاستيفاء بعض
ذلك وهو ملك اليد وعلى قول الشافعي رحمه الله موجبه ما هو موجب سائر الوثائق كالكفالة
والحوالة وهو أن تزداد المطالبة به فيثبت به للمرتهن حق المطالبة بإيفاء الدين من ماليته وذلك
بالبيع في الدين ولكنا نقول الكفالة والحوالة عقد وثيقة ما لزمه والذمة محل لالتزام المطالبة
فيها فيكون الثابت بهما بعض ما ثبت لحقيقة التزام الدين وهو المطالبة والرهن عقد وثيقة
بمال والمال محل لاستيفاء الدين منه فعرفنا أن الثابت به بعض ما ثبت لحقيقة الاستيفاء
وكيف يكون البيع في الدين موجب عقد الرهن ولا يملك المرتهن ذلك بعد تمام الرهن
الا بتسليط الراهن إياه على ذلك نصا وكم من رهن ينفك عن البيع في الدين وموجب العقد
ما لا يخلو العقد عنه بعد تمامه ثم جواز هذا العقد ثابت بالكتاب والسنة * أما الكتاب
63

فقوله تعالى (وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) وهو أمر بصيغة الخبر
لأنه معطوف على قوله تعالى (فاكتبوه) وعلى قوله تعالى (وأشهدوا إذا تبايعتم) وأدنى
ما يثبت بصيغة الامر الجواز * والسنة حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما لبيته ورهنه درعه وفى حديث أسماء بنت يزيد أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم توفى ودرعه مرهون عند يهودي بوسق من شعير وعن ابن عباس
وأنس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه ليهودي فما وجد ما يفتكه
حتى توفى صلوات الله عليه وجاء اليهودي في أيام التعزية يطالب بحقه ليغيظ المسلمين به وفى
هذا دليل جواز الرهن في كل ما هو مال متقوم ما يكون معدا للطاعة وما لا يكون معدا له في
ذلك سواء فان درعه صلوات الله عليه كان معدا للجهاد به فيكون دليلا على جواز رهن
المصحف بخلاف ما يقوله الشيعة أن ما يكون للطاعة لا يجوز رهنه لأنه في صورة حسبة
عن الطاعة وفيه دليل أن الرهن جائز في الحضر والسفر جميعا فإنه رهنه صلى الله عليه وسلم
بالمدينة في حال اقامته بها بخلاف ما يقوله أصحاب الظواهر أن الرهن لا يجوز الا في السفر
لظاهر قوله تعالى (وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) والتعليق بالشرط
يقتضى الفصل بين الوجود والعدم ولكنا نقول ليس المراد به الشرط حقيقة بل ذكر ما يعتاده
الناس في معاملاتهم فإنهم في الغالب يميلون إلى الرهن عند تعذر امكان التوثق بالكتاب
والشهود والغالب أن يكون ذلك في سفر والمعاملة الظاهرة من لدن رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى يومنا هذا فالرهن في الحضر والسفر دليل على جوازه بكل حال ثم ذكر عن علي
بن أبي طالب رضي الله عنه قال يترادان الفضل في الرهن وفيه دليل أن المقبوض بحكم
الرهن يكون مضمونا ثم بيان هذا اللفظ أنه إذا رهن ثوبا قيمته عشرة بعشرة فهلك عند
المرتهن سقط دينه فإن كانت قيمة الثوب خمسة يرجع المرتهن على الراهن بخمسة أخرى وهو
مذهبنا أيضا وان كانت قيمته خمسة عشر فالراهن يرجع على المرتهن بخمسة وهو مذهب
علي رضي الله عنه وبه أخذ بعض الناس ولسنا نأخذ بهذا وإنما نأخذ بقول عمر وابن مسعود
رضي الله عنهما فإنهما قالا إنه مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين فإذا كانت القيمة أكثر
فالمرتهن في الفضل أمين وهكذا روى محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه أن المرتهن في
الفضل أمين وحاصل الاختلاف فيه بين العلماء رحمهم الله على ثلاثة أقاويل فعندنا هو
64

مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين وعند شريح رحمه الله هو مضمون بالدين قلت قيمته
أو كثرت فإنه قال الرهن بما فيه وإن كان خاتما من حديد بمائة درهم وفي احدى روايتي
علي رضي الله عنه يترادان الفضل هذا بيان الاختلاف الذي كان بين المتقدمين رضي الله عنهم
في الرهن إلى أن أحدث الشافعي رحمه الله قولا رابعا انه أمانة ولا يسقط شئ من الدين
بهلاكه واستدل في ذلك بحديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلوات الله عليه وسلامه قال لا يغلق الرهن لصاحبه غنمه وعليه غرمه وفى رواية
الرهن من راهنه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه وزعم أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم
لا يغلق الرهن لا يصير مضمونا بالدين فقد فسر ذلك بقوله الرهن من راهنه الذي رهنه أي
من ضمان راهنه وقوله صلى الله عليه وسلم وعليه غرمه أي عليه هلاكه فالغرم عبارة عن الهلاك
قال الله تعالى إنا لمغرمون أي هلكت علينا أموالنا والمعنى فيه أن الرهن وثيقة بالدين
فبهلاكه لا يسقط الدين كما لا يسقط بهلاك الصك وموت الشهود وهذا لان بعقد الوثيقة
يزداد معنى الصيانة فلو قلنا بأنه يسقط دين المرتهن بهلاكه كان ضد ما اقتضاه العقد لان
الحق به يصير بعرضة الهلاك وذلك ضد معنى الصيانة والدليل عليه أن عين الرهن ما زاد
على قدر الدين أمانة في يد المرتهن والقبض في الكل واحد وما هو موجب الرهن وهو
الحبس ثابت في الكل فلا يجوز أن يثبت حكم الضمان بهذا القبض في البعض دون البعض
والدليل عليه أن عين الرهن تهلك على ذلك الراهن حتى لو كان عبدا فكفنه على الراهن
ولو استحق وضمنه المرتهن يرجع بالضمان والدين جميعا على الراهن ولو كان قبضه قبض
ضمان لم يرجع بالضمان عند الاستحقاق كالغاصب وعندكم إذا اشترى المرتهن المرهون من
الراهن لا يصير قابضا بنفس الشراء ولو كان مضمونا عليه بالقبض لكان قبضه عن الشراء
كقبض الغاصب والمقبوض بحكم الرهن الفاسد لا يكون مضمونا عندكم كرهن المشاع وغيره
والفاسد معتبر بالجائز في حكم الضمان وليس من ضرورة ثبوت حق الحبس الضمان كالمستأجر
بعد الفسخ محبوس عند المستأجر بالأجرة المعجلة بمنزلة المرهون حتى إذا مات الآجر كان
المستأجر أحق به من سائر غرمائه ثم لم يكن مضمونا إذا هلك وكذلك زوائد الرهن عندكم
والدليل على أنه أمانة أن النفقة على الراهن دون المرتهن كما في الوديعة وحجتنا في ذلك
ما أشرنا إليه من اجماع المتقدمين رضوان الله عليهم أجمعين فاتفاقهم على ثلاثة أقاويل يكون
65

اجماعا منهم على أنه ليس فيه قول رابع لم يستدل بحديث عطاء أن رجلا رهن فرسا عند رجل
بحق له فنفق الفرس عند المرتهن فاختصما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للمرتهن
ذهب حقك ولا يجوز أن يقال ذهب حقك في الحبس لان هذا مما لا يشكل ولان ذكر
الحق منكرا في أول الحديث ثم اعادته معرفا فيكون المراد بالمعرف ما هو المراد بالمنكر
قال الله تعالى (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول) وقال النبي صلى الله
عليه وسلم الرهن بما فيه ذهبت الرهان بما فيها أي بما فيها من الديون ولا حجة لهم في قوله صلى الله
عليه وسلم لا يغلق الرهن فان أحدا من أهل اللغة لا يفهم منه هذا اللفظ بقي الضمان على
المرتهن وذكر الكرخي أن أهل العلم من السلف رحمهم الله كطاوس وإبراهيم وغيرهما
اتفقوا ان المراد لا يحبس الرهن عند المرتهن احتباسا لا يمكن فكاكه بأن يصير مملوكا
للمرتهن واستدلوا عليه بقول القائل
وفارقتك برهن لا فكاك له * يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا
يعنى احتبس قلب المحب عند الحبيب على وجه لا يمكن فكاكه وليس فيه ضمان ولا هلاك
والدليل عليه ما روى عن الزهري قال كانوا في الجاهلية يرتهنون ويشترطون على الراهن
إن لم يقض الدين إلى وقت كذا فالرهن مملوك للمرتهن فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذلك بقوله لا يغلق الرهن وسئل سعيد بن المسيب رضي الله عنه عن معنى هذا اللفظ فقيل
أهو قول الرجل إن لم يأت بالدين إلى وقت كذا فالرهن بيع لي في الدين فقال نعم وقوله
صلى الله عليه وسلم الرهن من راهنه الذي رهنه يؤكد هذا المعنى أي هو على ملك راهنه
الذي رهنه لا يزول ملكه بهذا الشرط وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم له غنمه وعليه غرمه
يعني في حال ابقائه هو مردود عليه لا يتملك غيره عليه أو أن يبيع بالدين فزاده الثمن على الدين
فالزيادة له وان انتقص فالنقصان عليه وبه نقول والمعنى في المسألة أن الرهن مقبوض
للاستيفاء والمقبوض على وجه الشئ لا يكون كالمقبوض على حقيقته في حكم الضمان
(ألا ترى) أن المقبوض على سوم البيع يجعل كالمقبوض على جهة الاستيفاء وبيان الوصف
أن عقد الرهن يختص بما يمكن استيفاء الدين منه وهو المال المتقوم الذي يقبل البيع في الدين
ويختص بحق يمكن استيفاؤه من الرهن وهو الدين حتى لا يجوز الرهن بالأعيان ولا بالعقوبات
من القصاص والحدود وتحقيق ما ذكرنا أن موجب العقد ثبوت يد الاستيفاء وهذه اليد
66

في حقيقة الاستيفاء تثبت. الملك والضمان فكذا فيها أيضا يثبت الضمان في عقد الرهن يقرره
أن عند أبي حنيفة رحمه الله استيفاء المستوفى يكون مضمونا على المستوفى وله على الموفى
مثل ذلك فيصير قصاصا به فكذلك إذا قبضه رهنا وصار مضمونا عليه بهذه اليد فإذا هلك
وجب على المرتهن من أولها فيصير المرتهن مستوفيا حقه ولهذا يثبت الضمان بقدر الدين
وصفته لان الاستيفاء به يتحقق وكان الراهن جعل مقدار الدين في وعاء وسلمه إلى رب
الدين ليستوفى حقه مه فعند هلاكه في يده يتم استيفاؤه في مقدار حقه ولهذا كان الفضل
أمانة عنده بمنزلة ما لو جعل خمسة عشر درهما في كيس ودفعه إلى صاحب الدين على أن
يستوفى دينه منه عشرة فيكون أمينا في الزيادة ولهذا جعلت العين أمانة في يد المرتهن لان
الاستيفاء تحصل منه المالية دون العين والاستيفاء بالعين يكون استبدالا والمرتهن عندنا
مستوف لا مستبدل وإنما يتحقق الاستيفاء بحبس الحق والمجانسة بين الأموال باعتبار صفة
المالية دون العين فكان هو أمينا في العين والعين كالكيس في حقيقة الاستيفاء وبهذا التقرير
اتضح الجواب عما قال لان معنى الصيانة يتحقق إذا صار المرتهن بهلاك الرهن مستوفيا حقه
وإنما ينعدم ذلك إذا قلنا يتوى بينه والاستيفاء ليس مأتوا للحق ثم موجب العقد ثبوت يد
الاستيفاء وفيه معنى الصيانة ومن ضرورته فراغ ذمة الراهن عند هلاك الرهن وتمام الاستيفاء
فلا يخرج به من أن يكون وثيقة لصيانة حق المرتهن كالحوالة فإنها توجب الدين في ذمة
المحتال عليه لصيانة حق الطالب وإن كان من ضرورته فراغ ذمة المحيل وبه لا ينعدم معنى
الوثيقة وكذلك المقصود بالعارية منفعة المستعير ومن ضرورة حصول تلك المنفعة له أن تكون
نفقته عليه فلا يخرج به من أن يكون العقد محض منفعة له وبهذا فارق موت الشهود وهلاك
الصك لان سقوط الدين عندنا باعتبار ثبوت يد الاستيفاء إذا ثم ذلك بهلاك الرهن وذلك
لا يوجد في الصك والشهود وإنما لا يصير المرتهن قابضا بنفس الشراء لأن الشراء لاقى العين
وقد بينا أن العين في حكم الأمانة وقبض الأمانة دون قبض الشراء وإنما يرجع بالضمان
عند الاستحقاق لأجل الغرر فالراهن هو المنتفع بقبض الرهن منه حيث إنه يصير موفيا
ذمته عند الهلاك في يد المرتهن فيصير المرتهن مغرورا من جهته من هذا الوجه ولهذا تكون
النفقة على الراهن بمنزلة المؤجر في يد المستأجر ثم يد المستأجر بعد فسخ الإجارة ليست بيد
الاستيفاء ولأنها هي اليد التي كانت له قبل الفسخ وإنما قبض لاستيفاء المنفعة لا لاستيفاء
67

الأجرة من المالية فلهذا لا يصير مستوفيا بهلاك العين في يده والمقبوض بحكم الرهن الفاسد
عندنا مضمون فان المسلم إذا ارتهن من ذمي خمرا أو عصيرا فتخمر في يده كان مضمونا عليه إذا
هلك وهو رهن فاسد فان المرهون بأجرة النائحة والمغنية ولا عقد هناك فاسدا ولا جائزا
لانعدام الدين أصلا وكذلك رهن المشاع فقد قامت الدلالة لنا على أن يد الاستيفاء التي هي
موجب الرهن لا تثبت في الجزء الشائع على ما نبينه فلهذا لا يكون مضمونا فأما شريح رحمه
الله فكان يقيس المرهون بالمبيع في يد البائع والمبيع في يد البائع مال غير محبوس بدين هو مال
فسقط الدين بهلاكه قلت قيمته أو كثرت فكذلك المرهون في يد المرتهن ولان بهلاك الرهن
تعذر على المرتهن رده لا إلى غاية ولو تعذر احضاره إلى غاية لم يكن له أن يطالب بشئ من
الدين ما لم يحضره فكذلك إذا تعذر احضاره لا إلى غاية ولكن لما حققنا تبين الفرق بين الرهن
والبيع من حيث إن سقوط الثمن هناك بسبب انفساخ العقد وبهلاك جميع العقود عليه ينفسخ
جميع العقد وهنا سقوط الدين بطريق الاستيفاء ولا يتحقق الاستيفاء الا بعد مالية الرهن
فاستيفاء العشرة من خمسة لا يتحقق فلهذا كان للمرتهن أن يرجع على الرهن بفضل الدين
قال ولا يجوز الرهن غير مقبوض عينا وقال مالك رحمه الله لا يلزم الرهن بالايجاب والقبول
اعتبارا بالبيع فان هذا العقد يختص بمال من الجانبين فيكون في معنى مبادلة مال بمال وهو
وثيقة بالدين بمنزلة الكفالة والحوالة وذلك يلزم بالقبول وحجتنا في ذلك قوله تعالى (فرهان
مقبوضة) فقد وصف الله تعالى الرهن بالقبض فينتقض أن يكون هذا وصفا لازما لا يفارقه
الرهن ثم قد بينا أن موجب العقد ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن وكما أن حقيقة الاستيفاء لا
تكون الا بالقبض فكذلك يد الاستيفاء لا تثبت الا بالقبض والمقصود الجاء الراهن حياته
ليسارع إلى قضاء الدين ولا يحصل ذلك الا بثبوت يد المرتهن على الرهن ومنع الراهن منه
والمقصود أيضا ثبوت حياة حق المرتهن عند الضرر الذي يلحقه بمزاحمة سائر الغرماء فإنما
يحصل ذلك للمرتهن باعتبار يده لان به يصير أحق من سائر الغرماء ثم في ظاهر الروايات
القبض بحكم الرهن ثبت بالتخلية لان القبض بحكم عقد مشروع بمنزلة قبض المبيع وقد روى
عن أبي يوسف رحمه الله انه لا يثبت في المنقول الا بالنقل لأنه قبض موجب للضمان ابتداء
بمنزلة الغصب فكما أن المغصوب لا يصير مضمونا بالتخلية بدون النقل فكذلك المرهون
بخلاف الشراء فكذلك القبض ناقل للضمان من البائع للمشترى إلا أن يكون موجبا للضمان
68

ابتداء والأول أصح لان حقيقة الاستيفاء تثبت بالتخلية فالقبض الموجب لهذا الاستيفاء أيضا
ثبت بالتخلية ولا يجوز رهن المشاع فيما يقسم وما لا يقسم من جميع أصناف ما يرهن عندنا
وقال الشافعي رحمه الله يجوز لان المشاع عين يجوز بيعه فيجوز رهنه كالمقسوم وهذا لان
موجب الرهن استحقاق البيع في الدين لان الرهن مشروع لصيانة حق المرتهن عن الضرر
الذي يلحقه بمزاحمة سائر الغرماء فالمشروع وثائق منها ما يؤمنه عن جحود المديون وذلك
كالشهود ومنها ما يؤمنه عن سياق الشهود وذلك الكتاب ومنها ما يؤمنه عن التوى بافلاس
من عليه وذلك الكفالة والحوالة ومنها ما يؤمنه عن ابراء بعض حقه بمزاحمة سائر الغرماء إياه
بعد موت المديون وذلك الرهن فإذا كان مشروعا لهذا النوع من الوثيقة كان المستحق به البيع
في الدين فيختص بمحل يقبل البيع في الدين ثم القبض شرط تمام هذا والشيوع لا يمنع أصل
القبض (ألا ترى) أن الشائع يصلح أن يكون رأس مال السلم وبدلا عن الصرف وبالإجماع
هبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة تتم بالقبض وكذلك عندي فميا يحتمل القسمة جائز ودوام يد
المرتهن ليس بشرط لبقاء حكم الرهن فإنه بعد القبض لو أعاره من الراهن أو غصبه الراهن
منه يبطل به الرهن وكان للمرتهن أن يشترطه ولا يجوز أن يدعى أن موجب العقد اليد لان
بالعقود المشروعة إنما يستحق ما هو المقصود واليد ليست بمقصودة بنفسها بل للتصرف أو
للانتفاع والمرتهن لا يتمكن منه بشئ من ذلك والدليل عليه جواز رهن العين من رجلين بدين
لهما عليه وإنما يكون رهنا من كل واحد منهما نصف العين وهذا على أصلكم أظهر حتى إذا
هلك كان نصفه مضمونا بدين كل واحد منهما وإذا كان ايجاب البيع في العين لاثنين ايجابا
لكل واحد منهما في النصف فكذلك الرهن ثم كل عقد جاز في جميع العين مع اثنين يجوز في
نصفه مع الواحد كالبيع ولنا في المسألة الحالة طريقان أحدهما أن رهن النصف الشائع بمنزلة
قوله رهنتك هذا العير يوما ويوما لا وذلك لا يجوز فهذه مسألة وبيانه أن موجب عقد
الرهن دوام بين المرتهن عليه من وقت العقد إلى وقت انفكاكه وذلك لا يتحقق مع الشيوع
لأنه يحتاج إلى المهايأة مع المالك في الامساك فينتفع المالك به يوم بحكم الملك ويحفظه المرتهن
يوما بحكم الرهن فهو بمنزلة قوله رهنتك يوما ويوما لا لأنه ينعدم استحقاق اليد للمرتهن في
يوم الراهن وكان ذلك سببا يقترن بالعقد وهو الشيوع ومتى اقترن بالعقد ما يمنع موجبه لم
يصح العقد والدليل على أن دوام اليد موجب العقد قوله تعالى (فرهان مقبوضة) هذا يقتضى
69

أن لا يكون مرهونا الا في حال يكون مقبوضا فيه ولان المقصود بالرهن ضمان حق المرتهن
عن التوى لجحود منه عليه فنقل الحكم من الكتاب والشهود إلى الرهن فيكون المقصود
بالمنقول إليه ما هو المقصود بالمنقول عنه وذلك لا يحصل الا بدوام اليد عليه لأنه إذا عاد إلى يد
الراهن ربما يجحد الرهن والدين جميعا وكذلك المقصود الجاء الراهن ليسارع إلى قضاء الدين
وإنما يحصل هذا المقصود بدوام يد المرتهن عليه والدليل عليه أن المرهون إذا كان شيئا لا ينتفع
به مع بقاء عينه فللمرتهن أن يحبسه عند اطلاق العقد ولو لم يكن دوام اليد موجب العقد ما كان
له أن يحبسه لان الراهن يقول أنا أشفق على ملكي منك وحقك البيع في الدين ولا يفوت
ذلك عليك بيدي وحيث كان المرتهن أحق بإمساكه عرفنا أن دوام اليد موجب هذا العقد
ولسنا نعين وجود يد المرتهن حينا وإنما نعنى استحقاق دوام اليد وبالإعادة من الراهن أو
الغصب لا ينعدم الاستحقاق فلهذا لا يبطل منه الرهن وفى الرهن من رجلين استحقاق
دوام اليد ثابت لكل واحد منهما في جميع العين حتى إذا قضى جميع دين أحدهما يكون
للآخر حبس جميع الرهن حتى يستوفى دينه وكما يجوز أن يكون الواحد محبوسا بدين اثنين
لا يكون جميعه محبوسا بدين واحد منهما فكذلك حبس العين بحكم الرهن ثم اليد مستحقة
على الراهن هناك ولا يكون له حق إعادة شئ من العين إلى يده ما لم يقبض الدين والعقد
بهذا يتم وان يكن لكل واحد منهما حق التعذر بإمساك العين كما لو شرط أن يكون الرهن
على يدي عدل يجوز العقد لاستحقاق اليد على الراهن وإن لم يكن للمرتهن حق اثبات اليد
عليه في شئ من المدة وللمالك فيما له ملك العين والمنفعة واليد فكما يجوز أن يوجب له ملك
العين أو المنفعة يجوز أن يوجب له ملك اليد مقصودة وذلك بعقد الرهن وهذا لان اليد
مقصودة (ألا ترى) أن الغاصب يضمنه بتفويت اليد كما يضمن المتلف باتلاف العين وإذا
كان باليد يتوصل إلى التصرف والانتفاع كانت اليد مقصوده بالطريق الا آخر إذ موجب
عقد الرهن ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن على ما بيناه ومنه جانب الاستيفاء في الجزء الشائع
لا يتحقق لان اليد حقيقة لا تثبت الا على جزء معين وإذا كان المرهون جزأ شائعا لو ثبت
حكم الرهن إنما يكون عند التخلي لجميع العين أو عند نقل جميع العين حقيقة ونصف العين ليس
بمعقود عليه وإذا كان موجب العقد لا يتحقق الا باعتبار ما ليس بمعقود عليه لا ينعقد العقد
أصلا كما لو استأجر أحد زوجي المقراض لمنعه قرض الثياب وبهذا تبين أن العين فيما هو
70

موجب الرهن غير محتمل للتجزء وعند إضافة العقد إلى نصفه لم يثبت في كله فيبطل العقد
أصلا لتعذر أسباب موجبه في النصف كالمرأة في حكم الحلي لما كانت لا تجزأ فإذا أضيف
النكاح إلى نصفها بطل عند الخصم وعندنا يثبت في الكل وهذا بخلاف الرهن من رجلين
لان موجب العقد هناك وهو يد الاستيفاء ثبت في جميع المحل غير متجزئ ثم حكم التجزء
يثبت بين المرتهنين عند تمام الاستيفاء بالهلاك للمزاحمة وبه لا يظهر التجزء في المحل (ألا ترى)
أن نصف العين لا يستحق قصاصا ثم يجب القصاص لاثنين في نفس واحدة ويكون كل
واحد منهما مستوفيا للنصف عند العقل باعتبار أن لا يظهر حكم التجزء في القصاص فكذلك
فيما نحن فيه فان قيل كيف يستقيم هذا والشرع لا يمنع الاستيفاء حقيقة فان من كان له على
غيره عشرة فدفع إليه المديون كيسا فيه عشرون درهما ليستوفى حقه منه يصير مستوفيا حقه
من النصف شائعا وإذا كان الشيوع لا يمنع حقيقة الاستيفاء فكيف يمنع ثبوت يد الاستيفاء
قلنا موجب حقيقة الاستيفاء ملك عين المستوفى واليد هي على الملك والشيوع ولا يمنع الملك
فيما هو الموجب يمكن اثباته في الجزء الشائع هناك وموجب الرهن يد الاستيفاء فقط وذلك
لا يتحقق في الجزء الشائع وبهذا الطريق كان مستوفيا في حكم الرهن عما يحتمل القسمة وعما لا
يحتمل القسمة بخلاف الهبة فان موجب العقد هناك الملك والقبض شرط ثمام ذلك العقد
فيراعى وجوده في كل محل بحسب الامكان ولهذا لا يجوز رهن المشاع من الشريك هنا لان
موجب العقد لا يتحقق فيما أضيف إليه العقد سواء كان العقد مع الشريك أو مع الأجنبي
بخلاف الإجارة عند أبي حنيفة رحمه الله فالشيوع هناك إنما يؤثر لا لان موجب العقد ينعدم
به بل لأنه يتقرر استيفاء المعقود عليه علي الوجه الذي أوجبه العقد لان استيفاء المنفعة يكون
من جزء معين وذلك لا يوجد في الإجارة من الشريك فإنه يستوفى منفعة الكل فيكون مستوفيا
منفعة ما استأجر لا على الوجه الذي استحقه وان كأن لا يمكن استيفاء المعقود عليه الا بما
يتناوله العقد لا يمنع جواز العقد كبيع الرهن فإنه استيفاء لا يمكن الا بالوعاء ولا تمنع به صحة
العقد وعلى هذا قلنا إذا استحق نصف المرهون من يد المرتهن بطل الرهن في الكل وقال ابن أبي
ليلى رحمه الله على الرهن في النصف الآخر لأن العقد صح في الآلة في جميع العين
فان كون الملك بغير الراهن لا يمنع صحة الرهن وثبوت موجبه كما لو استعار منه غيره
بيتا ليرهنه بدين ثم بطل حكم العقد في البعض لانعدام الرضا من المالك به فيبقي صحيحا فيما
71

بقي كما لو استحق نصف المبيع ولكنا نقول العقد في المستحق يبطل منه الأصل لانعدام
الرضا من المالك به فلو صح في النصف الآخر لكان هذا اثبات حكم الرهن في النصف
شائعا والنصف الشائع ليس بمحل موجب الرهن وهو نظير ما لو تزوج أمة باذن مولاها
فاستحق نصفها ولم يجز المستحق النكاح بطل النكاح في الكل لهذا المعنى فأما الشيوع الطارئ
بأن رهن جميع العين ثم تفاسخا فالعقد ليس بمحل موجب الرهن وهو نظير ما لو تزوج أمة
في النصف ورده المرتهن لم يذكر جوابه في الكتاب نصا والصحيح أن الشيوع الطارئ
كالمقارن في أنه مبطل للرهن فإنه قال في القلب المكسور إذا ملك المرتهن البعض بالضمان
يتعين ذلك القدر مما بقي منه مرهونا كيلا يؤدي إلى الشيوع وقالوا في العدل إذا سلط
على بيع الرهن كيف شاء فباع نصفه يبطل الرهن في النصف الباقي لما بينا أن الجزء الشائع
لا يكون محلا بخلاف الشيوع الطارئ في الهبة والقبض هناك شرط تمام العقد وليس شرط
بقاء العقد وتأثير الشيوع في المنع منه تمام التبعيض وذكر سماعا أن أبا يوسف رحمه الله رجع
عن هذه وقال الشيوع الطارئ لا يمنع بقاء حكم الرهن بخلاف المقارن وقاس ذلك بصيرورة
المرهون دينا في ذمة غير المرتهن فإنه يمنع ابتداء الرهن ولا يمنع بقاءه حتى إذا أتلف المرهون
انسانا ووضع المرهون ثمنه تكون القيمة والثمن رهنا في ذمة من عليه وابتداء عقد الرهن
مضافا إلى دين في الذمة لا يجوز فكذلك الجزء الشائع قال وإذا ارتهن الرجل ثمره في نخل
دون النخل أو زرعا أو رطبا في أرض دون الأرض لم يجز لان المرهون متصل بما ليس
بمرهون خلفه فيكون بمنزلة الجزء الشائع وكذلك لو رهن النخل والشجر دون الأرض
أو البناء دون الأرض فهو باطل لاتصال المرهون بما ليس مرهونا إلا أن يقول بأصولها
فحينئذ يدخل مواضعها من الأرض في الرهن وذلك معلوم معين فيجوز رهنه كما لو رهن
بيتا معينا من الدار وإن كان على النخيل ثمر تدخل الثمرة من غير ذكر لأنهما قصدا تصحيح
العقد ولا وجه لتصحيحه الا بادخال الثمار وليس فيه كبير ضرر علي الراهن لان ملكه لا يزول
بخلاف البيع فهناك الثمار لا تدخل في العقد الا بالذكر لان تصحيح العقد في النخيل بدون
الثمار ممكن بخلاف الهبة ففي ادخاله هناك اضرار بالمالك في إزالة ملكه عنها فإنه قيل أليس
أن لو رهن دارا هي مشغولة بأمتعة الراهن لا يصح الرهن ولا يقال لما لم يمكن تصحيح
هذا العقد الا بادخال الأمتعة ينبغي أن تدخل الا متعة في الرهن * قلنا لا اتصال للأمتعة
72

بالدار (ألا ترى) أنه لو باع الدار كل قليل وكثير هو فيها أو منها لم تدخل الأمتعة بخلاف
الثمار فهي بالتمليك والاتصال هنا من وجه لأنها من النخيل (ألا ترى) أنه لو باع النخيل
كله قليلا وكثيرا وهو فيها أو منها تدخل الثمار ولو رهن الأرض دون النخيل لم يجزه في
ظاهر الرواية فان المرهون مشغول بما ليس مرهونا مع تلك الراهن فهو كالدار المشغولة
بمتاعه وكما لو رهن الأرض بدون البناء * وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله ان رهن
الأرض بدون الأشجار يصح لان المستثنى شجر واسم الشجر يقع على الثابت على الأرض
(ألا ترى) انه بعد القلع يكون جذعا فكأنه استثنى الأشجار بمواضعها من الأرض وإنما
يتناول عقد الرهن سوى ذلك الموضع من الأرض وهو معين معلوم بخلاف البناء فإنه اسم
لما يكون مبنيا دون الأرض فيصير راهنا لجميع الأرض وهي مشغولة بملك الراهن وإذا
كفل الرجل بنفس رجل فأعطاه رهنا بذلك وقبضه المرتهن لم يجز لان الكفالة بالنفس
ليست بمال والرهن يختص بحق يمكنه استيفاؤه من مال الراهن وما ليس بمال لا يمكنه استيفاؤه
من مال الراهن وكذلك الرهن بجراحة فيها قصاص أو دم عمد ولا يضمنه المرتهن ان هلك
الرهن في يده من غير فعله لأنه قبضه بإذن المالك ولم ينعقد العقد بينهما أصلا لانعدام الدين
فلا يثبت حكم الضمان وكذلك الرهن والعارية والوديعة والإجارة وكل شئ أصله أمانة
قال رضي الله عنه * واعلم بأن الرهن بالأعيان على ثلاثة أوجه (أحدها) الرهن بعين هو
أمانة وهذا باطل لان موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن وحق صاحب الأمانة في
العين مقصور عليه واستيفاء العين من عين آخر ممكن (والثاني) الرهن بالأعيان المضمونة
بغيرها كالمبيع في يد البائع وهذا لا يجوز أيضا لما قلنا (والثالث) الرهن بالأعيان المضمونة
بنفسها كالمغصوب وهو صحيح لان موجب الغصب رد العين أن أمكن ورد القيمة عند تعذر
رد العين وذلك دين يمكنه استيفاؤه من ماليه الرهن وكذلك الرهن بالدرك باطل لان
الدرك ليس بمال مستحق يمكنه استيفاؤه ممن عليه الرهن وهذا بخلاف الكفالة بالدرك
فإنه يصح لان الكفالة تقبل الإضافة ولهذا لو كفل بما ذاب له على فلان فكذا إذا
كفل بالدرك فإنه يصح لأنه يكون العقد مضافا وليس في المال ضمان مال يستحق فبطل
الرهن ولو هلك في يد المرتهن لم يضمن لان ضمان الرهن ضمان استيفاء والاستيفاء لا يسبق
الوجوب قال وإذا ارتهن الرجل من الرجل ثوبا وقبضه فقيمته والدين سواء فلو استحق
73

رجل فإنه يأخذه ويرجع المرتهن على الراهن بدينه لان عقد الراهن يبطل باستحقاق المرهون
إذا اخذه المستحق من الأصل وإن كان الثوب هلك في يد المرتهن فللمستحق أن يضمن
قيمته أيهما شاء لأنه عين بالاستحقاق أن الراهن كان غاصبا والمرتهن بمنزلة غاصب الغاصب
وحق في المستحق فله أنه يضمنه أيهما شاء فان ضمن الراهن كان الرهن بما فيه لأنه ملكه
بالضمان من وقت وجوب الضمان فتبين أنه رهن ملك نفسه وان المرتهن صار مستوفيا دينه
بهلاك الرهن وان ضمن المرتهن رجع على الراهن بقيمة الرهن لأنه مغرور من جهته
فان رهنه على أنه ملكه وفى قبض المرتهن منفعة للراهن من وجه وهو أن يستفيد براءة الذمة
عند هلاك الرهن والمغرور يرجع على الغار بما يلحقه منه الضمان كما يرجع المستأجر على الآجر
والمودع على المودع قال ويرجع بالدين أيضا عليه قال أبو حازم رحمه الله هذا غلط لأنه لما
رجع بضمان القيمة على الراهن فقد استقر الضمان عليه والملك في المضمون تبع لمن استقر عليه
الضمان فإذا استقر الملك للراهن تبين أنه رهن ملك نفسه كما في الفصل الأول ومن صحح
جواب الكتاب فرق بين الفصلين فقال المرتهن يرجع بالضمان على الراهن بسبب الغرور
وذلك أنما يحصل بالتسليم إلى المرتهن وهو إنما يملك العين من حين العقد وعقد الرهن سابق
عليه فلا يصح باعتبار هذا الملك فأما المستحق فإنما يضمن الراهن باعتبار قبضه فملكه من
ذلك الوقت وعقد الرهن بعده قال ولو كان الرهن عبدا فابق فضمن المستحق المرتهن قيمته
ورجع المرتهن على الراهن بتلك القيمة وبالدين ثم ظهر العبد بعد ذلك فهو للراهن لأن الضمان
استقر عليه قال ولا يكون رهنا لأنه قد استحق وبطل الرهن وهذا إشارة لما قلنا إن
الملك للراهن إنما يتبع بقيمته من وقت التسليم بحكم الرهن وعقد الرهن كان سابقا على
ذلك فلهذا بطل الرهن بالاستحقاق قال وإذا كان الرهن أمة فولدت عند المرتهن ثم ماتت هي
وأولادها ثم استحقها رجل فله أن يضمن قيمتها ان شاء المرتهن وان شاء الراهن وليس له
أن يضمن قيمة الولد واحدا منهما لان واحد منهما لم يحدث في الولد شيئا ومعنى هذه انه
بالاستحقاق ظهر أن كل واحد منهما كان غاصبا له والزوائد لا تضمن بالغصب إذا تلفت من
غير صنع الغاصب لانعدام الصنع في الزيادة قال وإذا ارتهن أمة فوضعها على يدي عدل ليبيعها
عند حل المال فولدت الأمة فللعدل أن يبيع الولد معها لان العدل إنما يبيعها بحكم الرهن وقد
ثبت حكم الرهن في الولد وبه جاز للوكيل بيع الجارية ولو ولدت في يده فإنه لا يملك أن
74

يبيع ولدها لأنه مبيع بحكم الوكالة وإنما وكله في بيع شخص فلا يملك بيع شخصين وهنا إنما يبيع
العدل بحكم الرهن وحكم الرهن ثبت في الولد حتى كان للمرتهن أن يحبس الولد مع الأصل
إلى أن يستوفى في دينه فلهذا ملك بيع الولد معها إلا أن المرهون لو قتلها عبده فدفع بها كان
للعدل أن يبيع المدفوع ولو أن الجارية التي وكل الوكيل ببيعها قتلها عبده فدفع بها لم يكن
للوكيل أن يبيع العبد المدفوع فكذلك الولد لان حكم الولد حكم البدل في سريان حكم العقد
إليه وهذه المسألة تنبنى على أن الزوايد المتولدة منه حين الرهن تكون مرهونة عند المرتهن
على معنى أن له أن يحبسها بالدين وإن لم يكن مضمونا حتى لا يسقط شئ من الدين بهلاكها
كالزيادة على قدر الدين من الرهن وعند الشافعي رحمه الله لا يثبت حكم الرهن في الزيادة
والراهن أحق بها لقوله صلى الله عليه وسلم له غنمه وعليه غرمه فاطلاق إضافة الغنم إليه دليل
على أنه محض حق له وقال صلى الله عليه وسلم الرهن مركوب ومحلوب والمراد انه محلوب
للراهن بدليل قوله وعلى الذي يركبه ويحلبه نفقته والمعنى ان هذه زيادة تملك بملك الأصل
فلا يثبت فيها حكم الرهن كالكسب والغلة وهذا لان الثابت بالرهن حق البيع في الدين عنده
وذلك ليس بحق متأكد في القيمة فلا يسرى إلى الولد كحق الوكالة بالبيع وحق الدفع في
الجارية الحامل وحق الزكاة في النصاب بعد كمال الحول بخلاف ملك الراهن فهو متأكد
في العين لأن العين هي المملوك والدليل على هذا أن حكم الضمان عندكم لا يثبت في الولد لهذا
المعنى فكذلك حكم الرهن ولان الرهن وثيقة بالدين فلا يسرى إلى الولد كالكفالة وهذا
عقد لا يزيل الملك في الحال ولا في المآل فلا يسرى إلى الولد كالإجارة والوصية بالخدمة
وبتفصيل الوصية يظهر الفرق بين البدل والولد فان حق الموصى له بالخدمة يسرى إلى البدل
لقيامه مقام الأصل ولا يسرى إلى الولد وحق ولد الجارية كذلك فكذلك حق المرتهن
* وحجتنا في ذلك قول معاذ رضي الله عنه فيمن ارتهن نخيلا فأثمرت أن الثمار رهن معها وقال
ابن عمر رضي الله عنهما في الجارية المرهونة إذا ولدت فولدها رهن معها والمعنى فيه أن حق
المرتهن متأكد في العين فيسرى إلى الولد كذلك الراهن وبيان ثبوت الحق في العين أن
توصف العين به يقال مرهون محبوس بحق المرتهن كما يقال مملوك للراهن ولهذا يسرى
إلى بدل العين ودليل التأكيد ان من هو عليه لا يملك ابطاله (وفقه هذا الكلام) ما قررنا أن
موجب عقد الرهن يد الاستيفاء ويد الاستيفاء إنما تثبت في العين وهي معتبرة بحقيقة
75

الاستيفاء وإذا كانت حقيقة الاستيفاء تظهر في موجبه من الزوائد التي تحدث بعده فكذلك
يد الاستيفاء وهذا لان المتولد منه الأصل ثبت فيه ما كان في الأصل والأصل كان مملوكا
للراهن مشغولا بحق المرتهن فيثبت ذلك الملك في الزيادة لا ملك آخر لأنه يحتاج لملك آخر
والى سبب آخر بخلاف الكسب والغلة فهو غير متولد منه الأصل ولا يثبت في الكسب
لهذا المعنى وبخلاف حق المستأجر فهو في المنفعة لا في العين ولهذا لا يسرى إلى بدل العين
فكذلك لا يسرى إلى الولد (توضيحه) أن الحق إنما يسرى إلى الولد إذا كان محلا صالحا والولد
محدث غير منتفع به فلم يكن محلا صالحا لحق المستأجر فأما الولد المنفصل فيكون مالا متقوما
فيكون محلا صالحا لحق المرتهن ورد أن هذا من الإجارة ان ولدت المرهونة ولدا حرا
باعتبار الغرور فالرهن لا يسرى على هذا الولد لأنه ليس بمحل له وهذا هو العذر عن ولد
المنكوحة فان حق النكاح لا يسرى إليه لأنه ليس بمحل للحل في حق الزوج وهذا هو
العذر عن ولد الجارية الموصى بخدمتها لأنه لا يكون محلا صالحا للخدمة حتى ينفصل ثم حق
الموصى في المنفعة والولد غير متولد منه المنفعة والسراية إلى الولد باعتبار خروج العين من
الثلث لا لان حقه في العين وحق ولى الجناية ليس بمتأكد في العين فان ما عليه تقرر بابطال
حق العين عن العين باعتبار اليد وحق الزكاة في الذمة لا في العين فان المستحق فعل أشياء في
الذمة ثم من عليه ملك الأداء من محل آخر فعرفنا أنه غير متأكد في العين وحق الكفالة
عندنا يسرى إلى الولد إذا كفلت أمة بإذن مولاه بمال ثم ولدت فأما إذا كانت حرة فالحق
بالكفالة ثبت في ذمتها والولد لا يتولد من الذمة وإنما لا يثبت حكم الضمان في الولد عندنا
لانعدام السبب الذي يجعل العين مضمونة عليه وهذا القبض مقصود (ألا ترى) أن ولد
المعتق قبل القبض يسرى إليه حكم البيع ولا يكون مضمونا ان هلك لهذا المعنى وقوله صلى الله
عليه وسلم له غنمه وعليه غرمه يقتضى أن تكون الزيادة ملكا للراهن وذلك لا يبقى حقا
للمرتهن فإنه كما أضاف الزيادة إليه أضاف الأصل إليه بقوله الرهن من راهنه الذي رهنه
ونحن نقول إنه محلوب للراهن على معنى أن اللبن يكون مملوكا له وانه ينتفع به بإذن المرتهن
أيضا وليس في هذا الحديث أيضا ما يمنع ثبوت حق المرتهن فيه فان باعها العدل وسلمها ثم
استحقها رجل ولا يعلم مكانها كان للمستحق أن يضمن العدل قمية الأمة والولد لأنه في
حق المستحق غاصب والزيادة في عين المغصوب تضمن بالبيع والتسليم كالأصل لم يرجع العدل
76

بذلك في الثمن الذي عنده إن كان فيه وفاء لان الثمن بدل العين وكما أن الضامن للعين يكون
أحق الناس بالعين فكذلك يكون أحق ببدل العين وإن لم يكن فيه وفاء رجع بتمام ما ضمن
على الراهن لأنه بالبيع كان عاملا للراهن بأمره ولأنه باعهما ليقتضى الدين بالثمن ويفرغ ذمة
الراهن ومنه لحقته العهدة في عمل باشره لغيره كان له أن يرجع به عليه وإنما يرجع في الثمن لان
جنس حقه من مال الراهن وهو بدل العين الذي كان وجب عليه ضمانه ولما كان مراد الضمان
على الراهن كان الملك في المضمون له والعدل وكيله بالبيع فيرجع عليه بما يلحقه من العهدة فإن كان
قد قضاه المرتهن فالعدل بالخيار وان شاء باع الرهن بذلك وسلم للمرتهن ما اقتضاه لأنه
في قضاء الدين كان عاملا للراهن بأمر فكان الراهن فعل ذلك لنفسه فله أن يرجع على الراهن
بجميع ما ضمن من القيمة وإذا فعل ذلك سلم المقبوض للمرتهن لأنه بدل ملك الراهن قضى به
دينه وان شاء ضمنه المرتهن لان حقه ثابت في ذلك الثمن بدليل أنه لو لم يكن سلمه إلى المرتهن
كان له أن يأخذه بحقه بعد التسليم إلى المرتهن وله أن يسترده منه أيضا ولا يضمنه المرتهن الا
بقدر ما قبضه لان وجوب الضمان عليه باعتبار القبض وإن كان في القيمة فضل رجع بالفضل
على الراهن كما لو كان الراهن هو الذي قضى بالثمن * توضيحه أن العدل عامل للراهن بأمره
ولكن في عمله منفعة للمرتهن من حيث إنه يصل إليه بحق إلا أن منفعته بقدر دينه
فيثبت له الخيار وان شاء ضمن الراهن جميع القيمة لأنه كان عاملا له وان شاء ضمن المرتهن
بقدر ما قبض لحصول المنفعة في ذلك القدر له وإذا فعل ذلك رجع المرتهن على الراهن بدينه
لان المقبوض لم يسلم إليه وليس له أن يأخذهما جميعا لان المخير بين الشيئين إذا اختار أحدهما
تعين ذلك عليه وهذا لان اختياره تضمين الراهن بتسليم المقبوض للمرتهن فليس له أن
يرجع عليه فإذا اختار أحدهما فأفلس أو مات لم يكن له أن يتبع الآخر بذلك بمنزلة الغاصب
مع غاصب الغاصب ولو لم يبعها العدل وماتا عنده كان للمستحق أن يضمن العدل حق الأم
دون الولد لان الولد هلك من غير صنع أحد ويرجع بها العدل على الراهن لأنه عامل له قائم
مقامه في إمساك الرهن وقد بينا ان الرهن لو هلك في يد المرتهن ثم ضمن حصته للمستحق
لرجع بها على الراهن فإذا هلك في يد العدل أولى قال وقبض العدل للرهن بمنزلة قبض
المرتهن له في حكم صحة الرهن وذهابه بالدين إذا هلك عندنا وهو قول إبراهيم النخعي
والشافعي وعطاء والحسن رحمهم الله وقال ابن أبي ليلى رحمه الله لا يتم الرهن بقبض
77

العدل حتى إذا هلك في يد العدل لم يسقط الدين وان مات الراهن فالمرتهن أسوة الغرماء
قال لان العدل نائب عن الراهن فكذا إذا لحقه عهدة يرجع على الراهن دون المرتهن وكما أن
الرهن لا يتم بقبض الراهن وان أشفى عليه فكذلك لا يتم بقبض العدل والدليل أن موجب
عقد الراهن بثبوت يد الاستيفاء وبهذا العقد لم يثبت ذلك للمرتهن لأنه لا يتمكن من اثبات
يده على العين وموجب العقد لا يجوز ان يثبت بغير العاقد كالملك في البيع وجه قولنا ان يد
العدل كيد المرتهن بدليل ان ملك العدل رد الرهن برضا المرتهن ولو كانت يده كيد الراهن
لتمكن الراهن من استرداده متى شاء وبأن كان يرجع بضمان الاستحقاق على الراهن فذلك
لا يدل على أن يد الراهن كالمرتهن نفسه * توضيحه ان المرهون محبوس بالدين كالمبيع
بالثمن ثم البائع إذا أبى تسليم المبيع إلى المشترى فوضعاه على يد عدل كانت يد العدل فيه
كيد البائع الذي له حق الحبس حتى إذا هلك انفسخ البيع فكذلك في الرهن يد العدل كيد
من له الحبس وهو المرتهن ولأنه بعد التسليم إلى المرتهن لو اتفقا على وضعه على يد عدل
كانت جائزة وكانت يد العدل فيه كيد المرتهن حتى يصير مستوفيا دينه بهلاكه ولو كانت
يد العدل كيد الراهن لم يصر المرتهن مستوفيا دينه بهلاكه كما لو عاد إلى يد الراهن بطريق
العارية والغصب وكان هذا نوع استحسان منا لحاجة الناس إليه ولكونه أرفق بهم فالراهن
لا يأتمن المرتهن على عين ماله وعند ذلك طريق طمأنينة القلب لكل واحد منهما الوضع على
يد عدل ولهذا جوزنا ذلك في الانتهاء فكذلك في الابتداء وإن كان العدل مسلطا على
البيع فله أن يبيعه وبدون تسليط ليس له أن يبيعه لأنه قائم مقام المرتهن وللمرتهن أن يبيع
الرهن إذا سلط عليه وليس له أن يبيعه إذا لم يسلط على ذلك ونفقته على الراهن سواء كان في
يد العدل أو في يد المرتهن لقوله صلى الله عليه وسلم وعلى من يحلبه ويركبه نفقته ولأن العين
باقية على ملك الراهن ونفقة المملوك على المالك وفى استحقاق اليد عليه للمرتهن منفعة
للراهن فإنه يصير قاضيا دينه بهلاكه فهو نظير العبد المؤجر تكون نفقته على الآجر وكذلك
كفنه ان مات فان الكفن لباسه بعد وفاته فيعتبر بلباسه في حال حياته ولان ضمان الرهن
ضمان الاستيفاء ولذلك ثبت في المالية دون العين ولهذا قلنا إن حكم الضمان لا يسرى إلى الولد
فبقيت العين على ملك الراهن فكان كفنه عليه قال وإذا دفعه إلى الراهن أو المرتهن كان
ضامنا له لأنه خالف فيما صنع وكل واحد منهما منعه منه دفعه إلى الآخر بغير رضاه فيكون
78

الدفع خيانة في حقه وكذلك لو استودعه رجل أجنبي لان العدل أمين في حفظ الرهن
كالمستودع والمودع إذا أودع أجنبيا صار ضامنا وان أودعه بعض من في عياله لم يضمنه لأنه
يحفظ الوديعة على الوجه الذي يحفظ مال نفسه فكذلك العدل وكذلك المرتهن لو كان الرهن
عنده فدفعه إلى من في عياله لم يضمنه وان دفعه إلى أجنبي كان ضامنا للعين قال وإذا كان
العدل رجلين والرهن مما لا يقسم فوضعاه عند أحدهما كان جائزا ولا ضمان فيه كالمودعين
لأنه لما أودعهما مع علمه بأنه لا يتهيأ لهما الاجتماع على حفظه آناء الليل وأطراف النهار فقد
صار راضيا بترك أحدهما إياه عند صاحبه وإذا كان مما يقسم اقتسماه فكان عند كل واحد
منهما نصفه فان وضعاه عند أحدهما فمن الذي وضع حصته عند صاحبه في قول أبي حنيفة
رحمه الله وعندهما لا ضمان عليه لان كل واحد منهما مؤتمن فيه وقد بينا المسألة في الوديعة
ولو سافر العدل أو انتقل من البلد فذهب بالرهن معه لم يضمنه لأنه أمين في العين كالمودع
وللمودع ان يسافر بالوديعة عندنا وقد بينا اختلاف الرواية فيما له حمل ومؤنة وفيما لا حمل له
ولا مؤنة قربت المسافة أو بعدت في كتاب الوديعة وكذلك المرتهن نفسه إذا كان الرهن
في يده لأنه لا تمنع عليه المسافرة بسبب الرهن ولو دفعه إلى غيره كان ضامنا مخالفا لما أوجب
له نصا فلا يجد بدا من أن يسافر به معه فان سلط العدل على بيع الرهن فأبى أن يبيع فرفعه
المرتهن إلى القاضي أجبره القاضي على البيع بعد أن يقيم البينة على ذلك بخلاف الوكيل فإنه
إذا امتنع عن البيع لا يجبره القاضي على ذلك لان الوكالة بالبيع ليست من ضمن عقد لازم
فلا يثبت حكم اللزوم فيه وتسليط العدل على البيع في ضمن عقد لازم وهو الرهن فان
موجب الاستحقاق للمرتهن لازم في حق الراهن والعدل نائب في البيع فيثبت حكم اللزوم
في حقه نصا * توضيحه أن الوكيل إذا امتنع عن البيع لا يتضرر به الموكل لأنه يتمكن من
البيع نفسه وأما العدل إذا تضرر من البيع فإنه يتضرر منه المرتهن لأنه لا يتمكن من البيع
هذا إذا كان التسليط مشروطا في عقد الرهن فإن كان بعد تمام العقد في ظاهر الرواية لا يجبر
العدل على البيع لان رضا المرتهن على الرهن قد تم بدونه هذا وهو توكيل مستأنف ليس في
ضمن عقد لازم وعن أبي يوسف رحمه الله قال التسليط على البيع بعد الرهن يلتحق بأصل
العقد ويصير كالمشروط فيه وعلى هذا لو أراد الراهن عزل العدل المسلط على البيع فإن كان
بعد تمام الرهن سلطه فهو على الخلاف الذي مضى وإن كان مشروطا في عقد
79

الرهن لم يصح عزله بدون رضا المرتهن لأنه ثبت في ضمنه عقد لازم وهو نظير الوكيل
بالخصومة بالتماس الخصم إذا أراد الموكل بغير محضر منه الخصم لم يصح ذلك عليه لدفع الضرر
عنه فهذا مثله ولو مات العدل بطل تسلطه على البيع لان ذلك كان يتأتى باعتبار رأيه ولم
يتعين بعد موته والرهن على ماله لان الرهن لو كان في يد المرتهن فمات لم يبطل العقد به
فلان يبطل بموت العدل أولى قال وإذا أوصى العدل ببيعه لم يجز كما لو وكل ببيعه في حياته
وهذا لان الراهن رضى برأيه ولم يرض برأي غيره وكذلك لو أراد وارث العدل بيعه لم
يجز لان الوارث إنما يخلف المورث فيما هو حق المورث وهذا حق الراهن والمرتهن وهما
رضيا برأي العدل وما رضيا برأي وارثه فان أجمع الراهن والمرتهن على وضعه على يد غيره
أو على يد المرتهن جاز لان الحق انهما رأيا ما يعتبر في حقهما كما في الابتداء وان اختلفا
فجعل القاضي منهما عدلا فوضعه على يديه فذلك جائز لان القاضي منصوب لقطع الخصومة
والمنازعة وطريق قطعها هنا أن يقيم عدلا آخر مقام الأول وكذلك أن وضعه على يد
المرتهن وجعله عدلا فيه فهو جائز لان ما يرى القاضي المصلحة فيه عند اختلافهما بمنزلة
تراضيهما عند الاتفاق عليه ولو لم يمت العدل ومات الراهن كان للأول أن يبيعه بخلاف
الوكالة إذا مات الموكل قبل بيع الوكيل لان موت الموكل كعزله وبعد العزل في الوكالة ليس
للوكيل أن يبيع وللعدل أن يبيع كما بينا فكذلك بعد الموت وهذا لأنه بموت الوكيل تنتقل
العين إلى الوارث ولم يوجد منه الرضا ببيعه وهنا المرتهن أحق بالعين بعد موت الراهن كما
كان في حياته فكان للعدل أن يبيعه لحق المرتهن قال وإذا باع العدل الرهن وقضى المال
المرتهن ثم وجد بالعبد عيبا فالخصم فيه هو العدل لان الرد بالعيب من حقوق العقد فيتعلق
بالعاقد فإذا رد عليه ثمنه فإنه يضمن الثمن لأنه هو القابض للثمن من المشترى فعليه رده ويرجع
به على المرتهن لأنه لو كان الثمن في يديه ولم يدفعه إلى المرتهن لرجع فيه ويكون أحق به فكذلك
بعد الدفع إليه يرجع به عليه وهذا لان منفعة عمله حصلت له فيستحق الرجوع عليه بما يلحقه
منه العهدة ويكون الرهن رهنا على حاله الأولى يبيعه العدل لان البيع الأول قد بطل فكأنه
لم يكن أصلا ولو لم تقم بينة على العيب ولكن العدل أقر به فإن كان عيبا لا يحدث مثله فكذلك
هذا لأنا أثبتنا أن العيب كان موجودا قبل البيع وإنما لم يستقل العدل بالانكار لعلمه أن ذلك قدح
في عدالته ولا تمنعه وإن كان عيبا يحدث مثله فلم يقر به ولكن أبى أن يحلف حتى رده القاضي عليه
80

فهو كالأول عندنا خلافا لزفر رحمه الله وقد بينا هذا في الوكيل بالبيع إذا رد عليه نكوله في
البيع فالعدل مثله وان أقر به لزمه خاصة لأنه غير مضطر إلى هذا الاقرار فقد كان متمكنا
من السكوت ليجعله القاضي منكرا ويعرض عليه اليمين ثم يقضى عليه بالنكول واقراره
ليس بحجة على المرتهن ما لم يصدقه في ذلك فان صدقه رد عليه ما قبض منه وبيع الرهن ثابت
ولا يلزم الراهن من وضعه ذلك شئ إلا أن يقر به كما بينا أن اقرار العدل ليس بحجة عليه
ما لم يصدقه فان صدقه فهو في حقهما كإقامة البينة ولو اقاله البيع أو رده عليه بعيب يحدث
قبله أو لا يحدث مثله بغير قضاء قاض لزم ذلك العدل خاصة لان هذا التصرف في حق الراهن
والمرتهن كشراء مستقبل وقد أشار في البيوع إلى العيب الذي لا يحدث مثله ان القضاء وغير
القضاء سواء وقد بينا وجه الروايتين في البيوع والأصح ما ذكر هنا وإذا باع العدل الرهن
ثم وهب الثمن للمشترى قبل أن يقبضه جاز وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو خاصة له
ولا يجوز في قول أبى يوسف رحمه الله بمنزلة الوكيل بالبيع إذ أبرأ المشترى من الثمن ولو
قال قد قبضته فهلك عندي كان مصدقا في ذلك وكان من المال المرتهن لأنه يملك القبض بحكم
العقد فيملك الاقرار بالقبض وما ظهر باقراره كالمعاين ولو قبض الثمن وهلك في يده كان من
مال المرتهن لان حكم الراهن تحول إلى الثمن فهلاكه في يده كهلاك العين وكذلك لو قال قد
دفعته إلى المرتهن فهو مصدق مع يمينه ولا نقول باقرار العدل يثبت وصول الثمن إلى المرتهن
لان القول قول الابن في براءة نفسه لا في وصول المال إلى القريب كما لو أمر المودع أن
يقضى بالوديعة دينه وقال قد فعلت ولكنه يسقط حق المرتهن لان حكم الرهن تحول إلى
الثمن وقد توى بعد اقرار العدل بما قال فكأنه هلك في يده ولو قبض الثمن ثم وهبه كله أو
بعضه لم يجز لان المقبوض بحكم ملك الراهن مشغول بملك المرتهن فتصرف العدل فيه بطريق
التبرع باطل ولو قال حططت عنك من الثمن كذا أو قال قد وهبت لك من الثمن كذا وكذا
فذلك جائز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لان الحط يلتحق بأصل العقد ولو حط قبل
القبض جاز عليه وصار ضامنا فكذلك إذا حط بعد القبض يجوز ذلك عليه وتبين أن قبض
ذلك القدر بغير حق فعليه أن يغرم مثله للمشترى من ماله والمقبوض سالم للمرتهن لان تصرفه
صحيح في حق نفسه لا في حق المرتهن وهذا بخلاف ما إذا أضاف الهبة إلى المقبوض لان
المقبوض حق غيره فلا تصح هبته فهاهنا أضاف الهبة إلى الثمن والثمن بالعقد يجب للوكيل
81

ولهذا لو وهبه قبل القبض جاز ذلك في حقه وهذا لان القبض يقرر الثمن لان المقصود
يحصل بالقبض وبحصول المقصود ينتهى حكم الشئ ويتقرر مكان إضافة الهبة إلى الثمن بعد
القبض كإضافته إليه قبل القبض فيصح ذلك في حقه وإذا باع العدل الرهن وأقر الراهن
والمرتهن بالبيع فقال بعته بمائة درهم والدين مائة وأعطيتكها وقال المرتهن بعته بخمسين
وأعطيتكها فالقول قول المرتهن مع يمينه لأن العين خرجت من الرهن بالبيع باتفاقهم جميعا
مع الاختلاف منهما في مقدار ما قبض المرتهن من حقه وهو منكر للزيادة فالقول قوله
وهذا بخلاف ما إذا قال الراهن لم يبعه وقال العدل بعته بخمسين وصدقه المرتهن لأن العين في
الحال هالكة وذلك مسقط لجميع الدين عن الراهن باعتبار أن في قيمته وفاء بالدين وقت القبض
والمرتهن مع العدل يدعيان خروج العين عن الرهن والراهن منكر لذلك فالقول قوله مع
يمينه فأما هنا فقد اتفقا على خروج العين عن الرهن بالبيع وإنما اختلفا في مقدار ما قبض المرتهن
من دينه وكذلك لو كان توى الثمن على المشترى ثم اختلفا في مقداره لأن العين لما خرجت
من الرهن باتفاقهما وإنما يحول حكم الرهن إلى الثمن بقدر الثمن واختلافهما في مقداره كاختلافهما
في مقدار قيمة الرهن حين قبضه المرتهن والقول في ذلك قول المرتهن لانكاره الزيادة وان
أقاما جميعا البينة فالبينة بينة العدل والراهن لأنهما شيئان الزيادة فيما استوفاه المرتهن والمثبت
للزيادة من الشيئين أولى وإذا قال العدل قد بعته بخمسين وصدقه المرتهن وقال الراهن هلك
في يدك قبل أن تبيعه وأقاما البينة فالبينة بينة الراهن أيضا لأنه أثبت الزيادة فيما استوفاه
المرتهن من الدين وعن أبي يوسف رحمه الله أن البينة هنا بينة المرتهن والعدل لأنهما سبب
خروج العين من الرهن وهو البيع والحاجة إلى البينة لها فكانت منهما أولى بالقبول ولو
وكل العدل في بيع الرهن وكيلا فباعه والعدل حاضر جاز إلا عند زفر رحمه الله وأصله في
الوكيل بالبيع وقد تقدم بيانه في باب الوكالة فإن كان العدل غائبا عن ذلك البيع لم يجز لان
الآمر إنما أوصى أن يتم العقد برأي العدل فإن كان حاضرا كان تمام العقد برأيه بخلاف ما إذا
كان غائبا وإذا لم ينفذ بيعه كان هذا وما لو باعه قبل التوكيل سواء فإذا أجازه العدل جاز
ويصير كأنه باعه بنفسه لان تمام العقد حصل برأيه وكذلك لو وقت العدل للوكيل ثمنا فقال
بعه بكذا فباعه به كان جائزا أما إذا كان بمحضر من العدل فغير مشكل وإن كان بغير محضر
منه فكذلك في رواية هذا الكتاب لان مقصود الآمر قد حصل حين وقت العدل للوكيل
82

الثمن فان تمام العقد كان برأيه ومقصود الآمر الثمن لا العبادة وقد حصل وفى غير هذا الموضع
قال لا يجوز لان تسميته مقدار الثمن يمنع النقصان ولكن لا يمنع الزيادة ولو حضر العدل ربما
يبيعه بأكثر من ذلك لجده وكثرة هدايته في التزويج فلهذا لا يجوز بيع الوكيل الآن بخبرة
العدل وإذا باع الرهن من ولده أو زوجته لم يجز إلا أن يخبره الراهن والمرتهن في قول أبي حنيفة
رحمه الله وفى قولهما بيعه منهم لما يتغابن الناس فيه جائز لان العدل بمنزلة الوكيل بالبيع
وقد بينا في كتاب البيوع الخلاف في بيع الوكيل من مولاه فاللفظ المذكور هنا يدل على أن
موضع الخلاف في البيع بالغبن اليسير دون البيع بمثل القيمة بخلاف باقي البيوع وقد بينا وجه
الروايتين هناك فلو أجازه الراهن والمرتهن جميعا جاز لان المنع حقهما فإذا اتفقا على الإجازة
نفذ لزوال المانع كما لو باع الرهن فضولي فأجاز الراهن والمرتهن فان أجاز ذلك أحدهما دون
الآخر لم يجز كما لو باشر أحدهما البيع لم يجز بدون نص الآخر وإذا كان العدل اثنين وقد
سلطا على البيع فباع أحدهما لم يجز ذلك لان الراهن والمرتهن نصا برأيهما والبيع يحتاج فيه
إلى الرأي ورأي الواحد لا يكون كرأي المثنى فان أجاز الآخر جاز لاجتماع رأيهما عليه
وكذلك أن أجازه الراهن والمرتهن كما لو باعه فضولي آخر فأجازه الراهن والمرتهن وان
أجازه أحدهما دون الآخر لا يجوز لان للراهن ملكا وللمرتهن حق نصابه في الملك فكما
لا ينفرد أحدها بالبيع بدون رضا الآخر فكذلك لا ينفرد بالإجازة وكذلك لو باعه أجنبي
وأجاز الراهن أو المرتهن لم يجز وان أجازاه جميعا وأبى العدلان ذلك جاز لان الحق لهما ونفوذ
البيع من العدلين باعتبار رضاهما فإذا وجد الرضا منهما في حق الأجنبي نفذ بيعه أيضا وقد
خرج العدلان من الوكالة كما لو باشرا البيع بأنفسهما وإذا أخرج الراهن والمرتهن العدل من
التسليط على البيع وسلطا غيره أو لم يسلطا فقد خرج العدل من ذلك إذا علم وإن لم يعلم
فهو على وكالته لأنه وكيل بالبيع والموكل ملك عزل الوكيل بعلمه فإذا كان حصول التوكيل
برأيهما فكذلك العزل يثبت باتفاقهما عليه إذا علم العدل به قال وإذا أراد العدل بيع
الرهن قبل حل الاجل لم يكن له ذلك لأنه سلط على البيع لقضاء الدين عند امتناع الراهن
من قضاء الدين من موضع آخر وإنما يتحقق ذلك بعد حلول الأجل لان المطالبة بقضاء الدين
تتوجه عليه عند ذلك وفي النوادر قال محمد رحمه الله هذا على وجهين اما أن يكون التسليط
مضافا بأن قال إذا حل الاجل فلم أقض ماله فبعه لم يجز بيعه قبل حل الاجل ولو قال بعه
83

منى متى شئت جاز بيعه قبل حل الاجل لأنه صار وكيلا عقب هذا اللفظ فينفذ بيعه بحكم
الوكالة ولكن الثمن يكون رهنا إلا أن يحل الاجل فيستوفيه المرتهن بحقه وان قال المرتهن
كان الاجل إلى شهر رمضان فالقول قول الراهن في التسليط على البيع والقول في حل
الاجل قول المرتهن لان الاجل حق الراهن قبل المرتهن فإذا ادعي زيادة فيه وجحد المرتهن
كان القول قوله فاما التسليط على البيع فمن حق المرتهن ويثبت بايجاب الراهن ولو أنكره
أصلا كان القول قوله فكذلك إذا أنكر حلوله إذ ليس من ضرورة حل المال ثبوت التسليط
على البيع لجواز أن يسلطه على البيع بعد مضي شهر من حين يحل المال فان اتفقا على الاجل
انه شهر واختلفا في مضيه فالقول قول الراهن لان الاجل حق الراهن قبل المرتهن وقد
تصادقا على ثبوته ثم ادعى المرتهن انه أوفاه ذلك وأنكر الراهن الاستيفاء فالقول قوله وإذا
باع العدل الرهن بدنانير أو بغيرها من العروض والحق دراهم فله أن يصرفها بدراهم إذا
كان مسلطا على بيعه حتى يوفيه في قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما ليس له أن يبيعه بعرض
لان العدل وكيل بالبيع وقد بينا الخلاف في الوكيل بالبيع مطلقا أو باع بالعروض وإذا باع
بالنقود يجوز بالاتفاق ولكنه مأمور بإيفاء حق المرتهن والايفاء إنما يكون بجنس الحق فكان
له أن يصرف الثمن إلى جنس الحق ليقضى الدين به وكذلك يبيع العروض به في قول أبي حنيفة
رحمه الله وكذلك ولو باعه بمكيل أو موزون فهو كالبيع بالعروض على قياس الوكيل وذكر
الكرخي رحمه الله ان الرهن إذا كان بطعام السلم فباعه العدل بجنس ذلك الطعام يجوز البيع
عندهم جميعا لان عندهما إنما يتقيد البيع بالنقد بدلالة العرف وذلك غير موجود هنا ثم هذا
عرف وعارضه نص لأنه سلطه على البيع لقضاء الدين وذلك بجنس الدين يتحقق وان باعه
بالنقد احتاج إلى أن يسوى به طعاما ليقضى به حق رب السلم فلأجل هذا جوزنا بيعه بالطعام
قال ولو باعه بنسيئة كان البيع جائزا بمنزلة الوكيل بالبيع مطلقا وروى أصحاب الاملاء عن أبي
يوسف رحمهم الله أنه إذا قال لغيره بع هذا المتاع فانى محتاج إلى النفقة أو قال بعه فان
غرمائي ينازعونني فباعه بالنسيئة لا يجوز لأنه اقترن بكلامه ما يدل على أن مراده البيع بالنقد
وعلى قياس تلك الرواية لا يجوز بيع العدل بالنسيئة أيضا لأنه أمره بالبيع عند حل الاجل
ليوفى حق المرتهن من الثمن وذلك لا يحصل الا بالبيع بالنقد وان توى الثمن عند المشترى فهو
من مال المرتهن لما بينا ان حكم الرهن تحول من العين إلى الثمن وإن كان في ذمة المشتري
84

كما لو قبل المرهون تحول حكم الرهن من العين إلى القيمة ولو هلكت العين قبل البيع يصير
المرتهن به مستوفيا حقه فكذلك إذا توى الثمن وفيه وفاء بالدين وإذا كان الرهن أرض خراج
أو عشر فأخذ السلطان الخراج أو العشر من الثمرة كان للعدل أن يبيع ما بقي مع الأرض
الرهن لما بينا ان حكم الرهن يثبت في الزيادة المولدة من العين ولا يسقط باعتبار ما أخذ
السلطان من ذلك شئ من الدين لان ذلك مستحق على الرهن ولان ذلك الجزء كالتاوي
بغير صنع المرتهن ولو هلك الكل بغير صنعه لم يسقط شئ من دينه فان قيل كيف يأخذ
السلطان الخراج من الثمرة والخراج في ذمة الراهن قلنا قد قيل إن المراد خراج المقاسمة وهو
جزء من الخارج كالعشر وإن كان المراد خراج الوظيفة فله تعلق بالخراج بدليل انه لو امتنع
من أداء الخراج يبيعه الامام بطريق الاجتهاد وإذا أخذ السلطان الخراج أو العشر من
الراهن لم يكن للراهن أن يرجع بشئ من الثمرة وهو كله رهن يبيعه العدل ويوفيه المرتهن
ولا شك ان للسطان أن يأخذ منه الخراج وكذلك العشر عند حاجة مصارف العشر للسلطان
أن يأخذ العشر من مالك الثمرة بعد ادراك الغلة وهذا لأنه يطالبه بالأداء وله أن يؤدى من
أي موضع شاء فإذا كان هو الذي رهن العين وتعذر عليه أداء العشر أخذه من غير الثمرة لزمه
الأداء من محل آخر فإذا أخذ منه بقيت الثمار مملوكة للراهن محبوسة عند المرتهن بحقه وللعدل
أن يبيع الكل كما بينا ولا يكون للراهن أن يرجع بشئ من الثمرة ما لم يقبض الدين لأنه بتصرفه
قصر يد نفسه عن الثمرة ما لم يؤد الدين وقد كانت الثمرة مشغولة بالعشر والخراج فإذا زال
ذلك بأدائه من محل آخر بقي حكم الرهن فيه على حاله قال ولو كان الرهن إبلا أو بقرا أو غنما
سائمة لم يكن فيها زكاة لان على صاحبها من الدين ما يستغرق رقابها ووجوب الزكاة من المال
النامي باعتبار عناء المالك قال صلى الله عليه وسلم لا صدقة إلا عن ظهر غنى وبالدين المستغرق
ينعدم العناء والسبب إذا وجب الحكم بواسطة لم يثبت الحم بدون تلك الواسطة كشراء
القريب يوجب العتق بواسطة الملك فإذا اشتراه لغيره لا يكون اعتاقا لانعدام الواسطة
وإن كان العدل هو الراهن فإن كان المرتهن لم يقبض من يد الراهن فليس برهن لان تمام
الرهن بالقبض ويد المالك في ماله لا تكون نائبة عن الغير فلا يصير المرتهن قابضا بيد الراهن وإن كان
المرتهن قبضه وجعل الراهن مسلطا على بيعه فهو رهن وبيع الراهن فيه جائز لأن العين
ملكه وهو مشغول بحق المرتهن فإذا رضى صاحب الحق بالبيع نفذ بيع المالك فيه وإذا ارتهن
85

الرجل دارا أو سلط الراهن رجلا على بيعها ودفع الثمن إلى المرتهن ولم يقبضها المرتهن حتى حل
المال لم يكن رهنا لانعدام القبض المتمم له وان باع العدل الدار جاز بيعه بالوكالة لا بالرهن لان
العدل وكيل بالبيع وبقاء يد المالك في العين لا يمنع صحة الوكالة بالبيع وكذلك التبعيض في الخادم
والدار لان الشيوع وإن كان يمنع موجب الرهن فلا ينافي موجب الوكالة وأحد الحكمين
ينفصل عن الآخر فالرهن وإن لم يصح لعدم القيمة فالتوكيل بالبيع صحيح وإذا باع العدل ذلك
دفع الثمن إلى الراهن دون المرتهن لأن العين ملك الراهن ولم يثبت فيه حق المرتهن حين لم يصح
الرهن فلهذا يدفع الثمن إلى الرهن ثم يقضي للمرتهن على الراهن بحقه وان دفع العدل المال
إلى المرتهن لم يضمن لان الدفع إليه حصل بأمر المالك وان نهاه عن البيع لم يجز بيعه بعد ذلك
وكذلك أن مات الراهن لم يكن للعدل أن يبيعه بعد موته لان نفوذ بيعه بالوكالة دون الرهن
والوكالة تبطل بالعزل وموت الموكل والمرتهن أسوة الغرماء فيه لان اختصاصه به يكون
باعتبار الرهن فإذا لم يتم الرهن كان أسوة الغرماء وإذا قتل العبد المرهون عبد فدفع به أو
أخفى عينه فدفع بالعين كان العدل مسلطا على بيع العبد المدفوع لأنه قائم مقام ما دفع به إلا أن
يرى أن حكم الرهن يثبت فيه بهذه الطريقة فكذلك حكم التسليط على البيع لان ذلك
توكيل تعلق به الاستحقاق لكونه في ضمن الرهن فيظهر ظهور حكم الرهن فيه وإذا باع
العدل الرهن فقال بعته بتسعين والدين مائة فأقر بذلك المرتهن فإنه يسأل الراهن عن ذلك
فان أقر أنه باعه وادعى أكثر من تسعين فالقول قول المرتهن والعدل فيه لاتفاقهما على
خروج العين من الرهن بالبيع وانكار المرتهن للزيادة فيما تحول إليه حكم الرهن والبينة
بينة الراهن لاثباته الزيادة وإن لم يقر الراهن بالبيع وقال هلك في يد العدل فالقول قول
الراهن إذا كانت قيمته مثل الدين لان بقبض الرهن تثبت يد الاستيفاء للمرتهن في جميع
الدين ثم إذا ادعى ما ينسخه وهو البيع في الدين فلا يصدق في ذلك الا بحجة وإذا أقر بالبيع
قال الراهن بعته بمائة وقال العدل بعته بتسعين وقال المرتهن بعنه بثمانين وقد تقابضا فالقول
قول المرتهن ويرجع على الراهن بعشرين درهما لتصادقهم على ما ينسخ حكم الرهن في العين
وهو البيع وانكار المرتهن للزيادة فيما استوفى من حقه والبينة بينة الراهن لأنه هو المدعى
لزيادة ايفاء الدين على المرتهن فان أقام العدل البينة انه باعه بتسعين وأعطاها للمرتهن وقال
الراهن لم يبعه وأقام البينة انه لم يبع وانه مات في يده قبل أن يبيعه لم تقبل بينة الراهن على
86

هذا لأنهم لم يشهدوا على فصل ماله وإنما شهدوا على أنه لم يبع وهذا لا تجوز شهادتهم فيه
لان البينة للاثبات فلا تقبل على النفي ولا بلفظ النفي وان كانت هذه البينة بلفظ الاثبات
فقد بينا الخلاف بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله في ترجيح احدى البينتين على الأخرى
فيما سبق وإذا ارتد العدل ثم باع الرهن ثم قتل على ردته فبيعه جائز لان نفوذ بيعه باعتبار
الوكالة وردته لا تنافى ابتداء الوكالة فلا ينافي البقاء بطريق الأولى وإنما لا يجوز أبو حنيفة
تصرفه في ملك نفسه إذا قتل على الردة لان محل تصرفه حق ورثته وذلك غير موجود هنا
فإنه ليس بمالك للرهن وخلف وارثه فيه أنما هو وكيل ببيعه وان أسلم فذلك أجوز لبيعه وان
لحق بدار الحرب فلحاقه بمنزلة موته ولهذا يقسم القاضي ميراثه فان رجع مسلما فهو على
وكالته وقد نص على الخلاف بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله في الوكيل إذا ارتد ولحق بدار
الحرب فقيل حكم العدل على ذلك الخلاف وقيل بل هذا قولهم جميعا وأبو يوسف يفرق
بينهما فيقول ردته ولحاقه موجب عزله بمنزلة ردة الوكيل وعزله نفسه وذلك يصح من
الوكيل ولا يصح من العدل بعد القبول بحق المرتهن فكذلك يبقى حكم التسليط على البيع
بعد لحاقه فإذا رجع فهو على وكالته وهذا لأن هذه الوكالة تعلق بها الاستحقاق لكونها
في ضمن الرهن على ما بينا وإذا ارتد الراهن والمرتهن فلحقا بدار الحرب أو قتل على الردة
ثم باع العدل الرهن جاز بيعه لان لحاقهما كموتهما والقتل موت وقد بينا أن موتهما لا يبطل
الرهن ولا حكم التسليط على البيع فكذلك هنا قال وإذا كان العدل عبدا محجورا عليه فان
وضعا الرهن على يديه بإذن مولاه فهو جائز لأنه من أهل يد موجبة لتتميم العقد لو كان
العقد معه بإذن مولاه فكذلك إذا كان العقد مع غيره قلنا يتم العقد بيده على أن تكون يده
نائبة عن يد المرتهن كما في الحر فان وضعا على يده بغير إذن مولاه فهو أيضا جائز لان الأهلية
للعبد يكون آدميا مميزا أو مخاطبا بوجود الاذن من المولى وإنما الحاجة إلى الاذن فيما يتضرر
المولى به ولا ضرر على المولى في جعل يد العبد نائبة عن يد المرتهن ولكن عهدة البيع لا تكون
عليه لان المولى يتضرر به من حيث إنه يتوى ماليته فيه وإنما العهدة على الذي سلطه على البيع
لأنه لما تعذر ايجاب العهدة على العاقد تعلقت بأقرب الناس إليه وهو من سلطه على بيعه وكذلك
الصبي الحر الذي يعقل إذا جعل عدلا فهو والعدل العبد سواء إن كان أبوه أذن له فالعهدة
عليه ويرجع به على الذي أمره وإن لم يكن أبوه أذن له فاستحق البيع من يد المشترى
87

فإن شاء المشترى رجع بالثمن على المرتهن الذي قبض المال لأنه هو الذي ينتفع بهذا العقد
حين سلم الثمن له وإذا رجع المرتهن على الراهن بماله وان شاء على الراهن لان
البائع كان مأمورا من جهته وإنما حصل بيعه وقبض الثمن له فكان له أن يرجع بالعهدة عليه
ولو ذهب عقل العدل لم يجز بيعه في تلك الحالة أما إذا صار بحيث لا يعقل البيع فلا اشكال فيه
وإن كان بحيث يعقل البيع جازت الوكالة ونفذ البيع فقياس تلك المسألة هنا يدل على جواز بيعه
في هذه الحالة والأصح أن يفرق بينهما فيقال لما وكله وهو صحيح العقل فهو ما رضى ببيعه
الا باعتبار رأي كامل وقد انعدم ذلك بجنونه وأما إذا كان وكله وهو بهذه الصفة فقد رضى
ببيعه بهذا القدر من الرأي فيكون هو في البيع ممتثلا أمره فان رجع إليه عقله فهو على وكالته
لان حكم الرهن والتسليط باق بعد ذهاب عقله ولكنه عجز من تحصيل مقصود الراهن
بعارض وذلك على شرف الزوال فإذا زال ذلك صار كأن لم يكن وإذا كان العدل صغيرا لا يعقل
أو كبيرا لا يعقل فجعل الراهن على يده لم يجزه ولم يكن رهنا لأنه ليس من أهل اليد إذ هو
مميز وقبض مثله لا يكون معتبرا شرعا وما هو المقصود بالقبض لا يحصل بقبضه فلا
يمكن تتميم الرهن باعتبار إقامة قبضه مقام قبض المرتهن ولو كبر وعقل وباع الرهن جاز البيع
لتسليط الراهن إياه على البيع لان الموكل ينفرد بالتوكيل ونفوذ تصرف الوكيل يعتمد علمه
به فإذا باعه بعد ما عقل فقد وجد شرط نفوذ تصرف الموكل بعد صحة التسليط فهو نظير
ما لو وكل غائبا ببيع شئ فبلغه وباعه وذكر الخصاف رحمه الله ان هذا قول أبى يوسف ومحمد
رحمهما الله أما عند أبي حنيفة فلا يجوز بيعه بعد البلوغ لان التسليط كان لغوا لانعدام
الأهلية عنده فلا ينعدم بحدوث الأهلية بخلاف الغائب فهو أهل للتصرف فيصح تسليطه
وعلمه به شرط فإذا وجد نفذ تصرفه وإذا كان العدل ذميا أو حربيا مستأمنا والراهن
والمرتهن مسلمين أو ذميين فهو جائز لان المستأمن في المعاملات بمنزلة الذمي أو المسلم وهو
من أهل يد معتبرة شرعا وهو من أهل ان ينفذ بيعه بتسليط المالك كما ينفذ بيعه باعتبار
ملكه فان لحق الحربي بالدار لم يكن له أن يبيع وهو في الدار لان المرهون في دار الاسلام
رجع إلى دار الحرب عاجز عن تسليم ما في دار الاسلام لحاجته في الرجوع إلى أمان جديد
فلهذا لا ينفذ بيعه فان رجع فهو على وكالته بالبيع لما بينا في المرتهن اللاحق بدار الحرب وإن كان
الحربي الراجع إلى دار الحرب هو الراهن والمرتهن أو العدل ذمي أو حربي مقيم في دار
88

الاسلام باذن فله أن يبيعه لان لحاق الراهن والمرتهن بالدار كموتهما وذلك لا يمنع نفوذ بيع
العدل إن كان قادرا على التسليم لبقاء الرهن والتسليط وإذا باع العدل الرهن وقبض الثمن
فهلك عنده ثم رد عليه المبيع بعيب فمات عنده أو استحق أو هو باق في يده وقد أخره بالثمن
حتى أداه فله أن يرجع على الراهن في ذلك كله لأنه في البيع كان عاملا للراهن بأمره ولا
يكون له أن يرجع على المرتهن لان رجوعه عليه باعتبار قبضه الثمن منه ولم يوجد وإن كان
الراهن مفلسا والعبد في يد العدل فله أن يبيعه ويستوفى الثمن الذي غرمه لان بالرد بالعيب
عليه انفسخ البيع فيبقى التسليط على البيع كما كان وإذا باعه فالثمن ملك الرهن وقد استوجب
الرجوع على الراهن بما غرم فإذا ظهر حبس حقه من ماله كان له أن يأخذه وهو أحق بذلك
من المرتهن لان دينه وجب بسبب هذا العبد ودين المرتهن في ذمة الراهن لا بسبب هذا
العبد وكان صرف بدل العبد إلى دين وجب بسبب العبد أولى ولأنه لو كان دفع الثمن إلى
المرتهن كان له أن يرجع فإذا لم يكن دفعه إليه فلأن يكون هو أحق به ولا يلزمه دفعه إليه
أولى وإذا باع العدل الرهن بيعا فاسدا أو ربا لم يجز بيعه كما لو باشره المالك ولا يضمن
العدل لأنه وكيل وإنما يضمن الوكيل بالاخلاف لا بالفساد فكل أحد لا يهتدى إلى التحرز
عن الأسباب المفسدة للعقد كما إذا كان الرهن خمرا أو خنزيرا والراهن والعدل ذميين والمرتهن
مسلما وباعه العدل فبيعه جائز بالوكالة والرهن باطل لان المرتهن مسلم والمسلم من أهل العقد
على الخمر ولكن بطلان الرهن لا يبطل الوكالة بالبيع وإن كان مسلما والعدل والمرتهن ذميين
فالرهن باطل لما قلنا وبيع العدل ينفذ بالتوكيل في قول أبي حنيفة بمنزلة المسلم يوكل الذمي ببيع
الخمر والخنزير وينبغي له أن يتصدق بالثمن فان قضاه العدل المرتهن ففعله كفعل الراهن
بنفسه فينبغي ان يصدق بمثله لأنه قضى دينه بمال يثبت فيه حق الفقراء فعليه أن يتصدق
بمثله وإن كان العدل مسلما فبيعه باطل لان المسلم ليس من أهل العقد على الخمر وليس له أن
يباشره لنفسه أو لغيره والله أعلم
* (باب الرهن الذي لا يضمن صاحبه) *
(قال رحمه الله) وإذا ارتهن عبدا بألف درهم وقبضه وقيمته ألف درهم ثم وهب
المرتهن المال للراهن أو أبرأه منه ولم يرد عليه الرهن حتى هلك عنده من غير أن يمنعه إياه
89

فهو ضامن في القياس قيمته للراهن وهو قول زفر وفى الاستحسان لا ضمان عليه وهو قول
علمائنا الثلاثة رحمهم الله وجه القياس أن بقبض الرهن ثبتت يد الاستيفاء للمرتهن ويتم ذلك
بهلاك الرهن وصيرورته مستوفيا بهلاك الرهن بعد الابراء بمنزلة استيفائه حقيقة بعد الابراء
فليزمه رد المستوفى ولا يقال إنما يصير مستوفيا من وقت القبض حتى تعتبر قيمته من ذلك
الوقت فيكون بريئا بعد الاستيفاء وهذا لان الابراء بعد الاستيفاء صحيح موجب لرد المستوفى
كالبائع إذا قبض الثمن ثم أبرأ المشترى عن الثمن وقد قال بعد هذا في الرهن بالصداق إذا
طلقها الزوج قبل الدخول بها ثم هلك الرهن لا يلزمها رد شئ على الزوج بطريق الاستحسان
ولو كان الطريق فيه هذا للزمها رد النصف لان الطلاق قبل الدخول بعد استيفاء الصداق
يلزمها رد نصف المستوفى ولا وجه لاسقاط الضمان الفائت في مالية الرهن بسبب الابراء
عن الدين لان ضمان العقد بالقبض فيبقى بعد القبض وان سقط الدين كما لو استوفى الدين
حقيقة أو اشترى بالدين عينا أو صالح منه على عين أو إحالة على انسان آخر بقي ضمان الرهن
وان برئت ذمة الراهن عن الدين وكذلك لو تصادقا على أن لا دين بقي ضمان الرهن لبقاء
القبض وان انعدم الدين ولو تبادلا رهنا برهن بقي ضمان الأول ما لا يرده على الراهن لبقاء
القبض والمشترى إذا قبض المبيع فهو بالخيار ثم فسخ البيع بقي مضمونا بالثمن لبقاء القبض
وان انفسخ البيع وإذا كان الخيار للبائع ففسخ البيع يبقى مضمونا بالقيمة على المشترى لبقاء
القبض كما في الابتداء ولا يقال لو وجب الضمان على المرتهن إنما يجب بسبب الابراء وهو
متبرع فيه فلا يوجب عليه ضمانا لان وجوب الضمان عليه ليس بالابراء بل الاستيفاء بهلاك
الرهن إلا أنه قبل الابراء كانت تقع المقاصة وبعد الابراء لا يمكن اثبات المقاصة فيبقى المستوفي
مضمونا عليه كما لو استوفاه حقيقة بعد الابراء ويلزمه ضمان المستوفى وإن كان لو لم يسبق
الابراء لم يكن عليه شئ وللاستحسان وجهان أحدهما أن ضمان الرهن يثبت باعتبار القبض
والدين جميعا لأنه ضمان الاستيفاء فلا يتحقق ذلك الا باعتبار الدين وبالابراء عن الدين
انعدم أحد المعنيين وهو الدين والحكم الثابت بعلة ذات وصفين ينعدم بانعدام أحدهما
(ألا ترى) انه لو رد الرهن سقط الضمان لانعدام القبض مع بقاء الدين فكذلك إذا أبرأ
من الدين يسقط الضمان لانعدام الدين مع بقاء القبض وهذا بخلاف ما لو استوفى حقيقة
لان هناك الدين بالاستيفاء لا يسقط بل يتقرر فان ما هو المقصود يحصل بالاستيفاء وحصول
90

المقصود بالشئ ينهيه ويقرره ولهذا جاز الابراء عن الثمن بعد الاستيفاء فإذا بقي الدين حكما بقي
ضمان الرهن وبهلاك الرهن يصير مستوفيا فتبين انه استوفي مرتين فيلزمه رد أحدهما فأما
بالابراء فيسقط الدين فلا يبقى الضمان بعد انعدام أحد المعنيين وكذلك إذا اشترى بالدين أو
صالح من الدين على عين فذلك استيفاء الدين بطريق المقاصة وكذلك إذا أحال على غيره لان
بالحوالة لا يسقط الدين ولكنه ذمة المحال عليه تقوم مقام ذمة المحيل وهو بصدد أن يعود إلى
ذمة المحيل إذا كان المحتال عليه مفلسا فلهذا بقي ضمان الرهن وكذلك بعد ما تبادلا رهنا برهن
الدين والقبض باقيان في حق العين الأول فيبقى الضمان فيه وإذا تصادقا على أن لا دين فإنما
يسلم هذا فيما إذا كان تصادقهما بعد هلاك الرهن والدين كان واجبا ظاهرا حين هلك الرهن
ووجوب الدين ظاهرا يكفي لضمان الرهن فصار مستوفيا فأما إذا تصادقا على أن لا دين
والرهن قائم ثم هلك الرهن فان هناك تهلك أمانته لان بتصادقهما من الأصل وضمان الرهن
لا يبقى بدون الدين والوجه الآخر وعليه الاعتماد أن مقصود الراهن بتسليم الرهن إلى المرتهن
أن يبرئ ذمته عند هلاك الرهن من غير أن يلزمه شئ آخر وقد حصل له هذا المقصود
بالابراء قبل هلاك الدين فلا يستوجب عند هلاك الرهن سببا آخر كمن عليه الدين المؤجل
إذا عجل الدين ثم حل الاجل وصاحب المال إذا عجل الزكاة ثم تم الحول لا يلزمه شئ آخر
لهذا المعنى بخلاف ما إذا استوفى الدين فهناك مقصوده لم يحصل لان ذمته إنما برئت بما أعطى
من المال وكذلك إذا اشترى بالدين أو صالح أو أحال أو تبادلا رهنا برهن فما هو المقصود له
عند هلاك الرهن لم يحصل بهذه الأسباب وإذا تصادقا على أن لا دين له ثم هلك الرهن بعد
ذلك لا يكون مضمونا لان مقصوده حصل بالتصادق حين لم يلزمه شئ آخر ولا يقال مقصود
براءة ذمته عند هلاك الرهن بطريق الايفاء وإنما برئت ذمته بطريق الاسقاط بالابراء أو
الاسقاط عن الايفاء وهذا لان الأسباب غير مطلوبة لا عيانها بل لاحكامها فإنما ينظر إلى
حصول المقصود ولا ينظر إلى اختلاف الطريق بمنزلة ما لو قال لفلان على ألف درهم قرضا وقال
المقر له بل هو غصب يلزمه المال لايفاء ما هو المقصود وان اختلفا في السبب وكذلك لو قال
لفلان على ألف درهم ثمن هذه الجارية التي بعتها وقال فلان الجارية جاريتك بعتها ولى ألف درهم
يلزمه المال لحصول المقصود وهو سلامة الجارية له وان اختلفا في السيد فهذا مثله وهذا
بخلاف البيع بالضمان فإنه هناك انعقد بالقبض ولكن فسخ البيع يبطل بالهلاك قبل الرد كما
91

يبطل البيع بالهلاك قبل التسليم وهنا الابراء ما يبطل بهلاك الرهن بعده لان هناك ما هو
المقصود للبائع لا يحصل بفسخ البيع ما لم يعد المبيع إلى يده فلهذا بقي الضمان ولو منعه العبد
بعد ما أبرأه عن الدين حتى مات في يده ضمن قيمته لأنه كان أمينا فيه فبالمنع بعد طلب الحق
يصير غاصبا كالمودع ولو ارتهن المرأة رهنا بصداقها وهو مسمى وقيمته مثله ثم أبرأته أو وهبته
له ولم يقبضه حتى هلك عندها فلا ضمان عليها في الاستحسان وكذلك لو اختلعت منه قبل
أن يدخل بها ثم لم يقبضه حتى مات لان مقصود الزوج هو براءة ذمة عن الصداق بالخلع
من غير أن يلزمه شئ آخر وقد حصل وكذلك لو طلقها قبل أن يدخل بها وقد أبرأته عن
الصداق ولو لم تبرئه من الصداق قبل الطلاق ولكن أبرأته من حقها قبل الطلاق أو لم تبرئه
حتى هلك فلا ضمان عليها فيه أما إذا أبرأته فلحصول مقصود الزوج وإذا لم تبرئه فقد حصل
مقصود الزوج في النصف بالطلاق قبل الدخول وإنما بقي ضمان الرهن في النصف الذي
هو حقها فبهلاك الرهن يصير مستوفيا ذلك القدر خاصة فلهذا لا يلزمها رد شئ ولو تزوجها
على غير مهر مسمى وأعطاها بمهر المثل رهنا فمهر المثل في نكاح لا تسمية فيه بمنزلة المسمى
في النكاح الذي فيه تسمية فان طلقها قبل الدخول بها سقط جميع مهر المثل ولها المتعة ثم في
القياس ليس لها أن تحبس الرهن بالمتعة وهو قول محمد والآخر وهو قول أبي حنيفة رحمهما
الله وفى الاستحسان لها أن تحبس الرهن بالمتعة وهو قول أبى يوسف الأول وهو قول محمد
رحمهما الله وقد بينا في كتاب النكاح ان عند محمد المتعة في حكم جزء من مهر المثل بمنزلة
نصف مهر المسمى أو هو خلف عنه والرهن بالشئ يكون رهنا بخلفه على ما بينه في السلم
وأبو يوسف يقول المتعة دين حادث ليس بجزء من مهر المثل لأنه ثياب ومهر المثل دراهم
ولا هو خلف عن مهر المثل لان كل واحد منهما يجب باعتبار ملك البضع في حال فلا
يكون أحدهما خلفا عن الآخر وكيف يكون خلفا ولا تجب المتعة الا بعد سقوط مهر
المثل بالطلاق قبل الدخول فإذا لم يكن الرهن بمهر المثل رهنا بالمتعة عند أبي يوسف قلنا إن
هلك الرهن قبل أن يمنع لا ضمان عليها فيه لحصول مقصود الزوج وهو سقوط مهر المثل
عنه بالطلاق وان منعته ما هي ضامنة قيمته وعند محمد لها أن تمنع فبالهلاك تصير مستوفية
مقدار المتعة ولا ضمان عليها فيما زاد على ذلك لحصول مقصود الزوج وإذا أسلم الرجل خمسمائة
درهم إلى رجل في طعام مسمى فارتهن منه عبدا يساوى ذلك الطعام ثم صالحه على رأس
92

ماله ففي القياس له أن يقبض العبد ولا يكون للمرتهن أن يحبس الرهن برأس المال لان العبد
كان مرهونا بالمسلم فيه وقد سقط لا إلى بدل ورأس المال دين آخر واجب بسبب آخر وهو
القرض فلا يكون العبد مرهونا به كما لو كان له على غيره دراهم ودنانير فرهنه بالدنانير رهنا
ثم أبرأه المرتهن عن الدنانير لا يكون له أن يحبس الرهن بالدراهم وفى الاستحسان له أن
يحبس الرهن حتى يستوفى رأس المال لأنه ارتهن بحقه الواجب بسبب العقد الذي جرى
بينهما وحقه في المسلم فيه عند قيام العقد وحقه في رأس المال عند فسخ العقد فيكون له أن
يحبس الرهن بكل واحد منهما كمن ارتهن بالمغصوب به فهلك المغصوب كان له أن يحبس
الرهن حتى يستوفى قيمته لان الواجب بالغصب استرداد العين عند قيامه والقيمة عند هلاكه
وهذا لان المسلم فيه مع رأس المال أحدهما بدل عن الآخر ولهذا لا يجوز الاستبدال بالمسلم
فيه قبل الإقالة والرهن بالشئ يكون رهنا ببدله لان البدل يقوم مقام الأصل وحكمه حكم
الأصل فان هلك العبد في يده من غير أن يمنعه فعلى المرتهن أن يعطى مثل الطعام الذي كان
على المسلم إليه ويأخذ رأس ماله لأنه بقبض الرهن صارت ماليته مضمونة بطعام السلم وقد
بقي حكم الرهن إلى أن هلك فصار بهلاك الرهن مستوفيا طعام السلم ولو استوفاه حقيقة قبل
الإقالة ثم تقايلا أو بعد الإقالة لزمه رد المستوفى واسترداد رأس المال فكذلك هناك وهذا
لان الإقالة في باب السلم لا تحتمل الفسخ بعد ثبوتها فهلاك الرهن لا يبطل الإقالة وان صار
مستوفيا طعام السلم ومحمد يحتاج إلى الفرق بين هذا وبين فصل المتعة فهناك جعل الرهن
بعد الطلاق محبوسا بالمتعة وجعلها بهلاك الرهن مستوفية للمتعة وهنا جعل الرهن محبوسا
برأس المال وجعله هناك هالكا بطعام السلم لان المتعة في جزء من مهر المثل فان الطلاق مسقط فلا
يصلح أن يكون موجبا دينا آخر ابتداء وإذا كان بمنزلة الجزء فهو كنصف المسمى فإنما يبقى
حكم الضمان بقدره وهذا رأس المال ليس بجزء من المسلم فيه وعند هلاك الرهن إنما يتم
الاستيفاء من وقت القبض ولهذا تعتبر القيمة من وقت القبض فإنما يصير مستوفيا لما صار
مضمونا به * وتوضيحه ان بالطلاق سقط مهر المثل لا إلى بدل ولا يمكن ايفاء ضمان المهر في
مهر المثل وقد سقط لا إلى بدل فلهذا بقي الرهن بقدر المتعة رهنا بالإقالة وسقط السلم فيه
لا إلى بدل ولكن إلى بدل وهو رأس المال لما بينا ان أحدهما بدل عن الآخر فلهذا بقي
ضمان الرهن بالطعام كما أنعقد عند القبض وكذلك لو وهب له رأس المال بعد الصلح ثم
93

هلك العبد فعليه طعام مثله لان المرهون مضمون بطعام السلم لا رأس المال فالابراء عن
رأس المال وجوده كعدمه في ايفاء حكم الضمان بطعام السلم قال (ألا ترى) أن رجلا
لو أقرض رجلا كر حنطة وارتهنه منه ثوبا قيمته مثل قيمته فصالحه الذي عليه الكر على كرى
شعير يدا بيد جاز ذلك ولم يكن له أن يقبض الثوب حتى يدفع الكرين من الشعير ولو هلك
الرهن عنده بطل طعامه ولم يكن له على الشعير سبيل وبيان هذا الاستشهاد ان حبس
الرهن بعد هذا الصلح لا يمكن باعتبار ضمان الشعير لان الشعير مبيع عين والرهن مثله لا يجوز
فعرفنا انه بقي مرهونا بالطعام لان سقوطه كان بعوض فبقي حكم الرهن والضمان فيه ما لم
يأخذ العوض وكذلك في مسألة السلم إلا أن هنا إذا هلك الرهن تم استيفاءه للطعام فيبطل
العقد في الشعير كما لو استوفاه حقيقة ثم اشترى به شعيرا بعينه وفى السلم أيضا صار مستوفيا
للمسلم فيه بهلاك الرهن ولكن إقالة السلم بعد استيفاء المسلم فيه صحيحة فلهذا يلزمه رد مثل
ذلك الطعام ولو باعه كرا بدراهم ثم افترقا قبل أن يقبضها بطل البيع لأنهما افتراق عن دين
بدين وبقي الطعام عليه والثوب رهن به بخلاف الشعير فإنه عين فإنما الافتراق هنا عن عين
بدين حتى لو كان الشعير بغير عينه وتفرقا قبل أن يقبضا كان البيع باطلا أيضا لأنه دين بدين
هكذا ذكر في الأصل وينبغي في هذا الموضع أن لا يصح البيع أصلا لان الشعير بغير عينه
بمقابلة الحنطة يكون مبيعا وبيع ما ليس عند الانسان لا يجوز وإذا اشترى ألف درهم بمائة
دينار وقبض الألف وأعطاه بالمائة الدينار رهنا يساويها ثم تفرقا فسد البيع لان الاستيفاء لا يتم
مع قيام الرهن فإنما افترقا في عقد الصرف قبل قبض أحد البدلين فإذا فسد الصرف وجب
عليه رد الألف وليس له أن يأخذ الرهن حتى يوفيه الألف لما بينا أنه إنما ارتهن بحقه الثابت
بسبب عقد الصرف وذلك المائة الدينار عند بقاء العقد واسترداد الألف بعد انفساخ عقد
الصرف كما في مسألة السلم فان هلك الرهن عنده صار مستوفيا للدنانير بهلاك الرهن فان
عند القبض انعقد ضمان الرهن بالدنانير ولو استوفاه حقيقة لزمه رد المستوفى لفساد عقد
الصرف فهنا أيضا ترد الدنانير ويرجع على المرتهن بالألف فإن لم يتفرقا حتى ضاع الرهن
فهو بالمائة الدنانير لان الاستيفاء تم بهلاك الرهن قبل الافتراق وقد بينا في كتاب الصرف
والبيوع حكم الرهن ببدل الصرف ومن خلاف زفر وكذلك أن كان الراهن على يدي
عدل لان في حكم الرهن يد العدل كيد المرتهن وإذا قبض المرتهن حقه من الراهن ثم هلك
94

عنده فعليه أن يرد ما قبض وقد بينا معنى هذه المسألة وفى هذا اللفظ إشارة إلى أن سقوط
الدين بهلاك الرهن على معنى ان ضمان الاستيفاء الذي ثبت بقبض الرهن يتم بهلاك الرهن
ويصير كأنه استوفى بقبض الدراهم بعد ما استوفى بقبض الرهن فيلزمه رد ما قبض لهذا
ولو كان الدين طعاما قرضا فاشتراه الذي هو عليه بدراهم ودفعها إلى المرتهن ثم هلك
الرهن كان على المرتهن أن يرد مثل ذلك الطعام على الراهن لأنه بهلاك الرهن صار مستوفيا
للطعام وقد سقط حقه عن الطعام حين باعه ممن عليه بدراهم وقبض الدراهم ولو ارتهن
رجل عبدا بألف درهم يساويها فقضاها رجل تطوعا عن المطالب ثم هلك الرهن عنده فعلى
الطالب أن يرد المال على المتطوع عندنا وقال زفر يضمن المرتهن ذلك للراهن وهو بناء على
ما تقدم لان عنده الضمان انعقد بالقبض وصار حقا للراهن فيبقى ذلك ببقاء القبض والمتطوع
ينزع بقضاء الدين فيكون ذلك كتبرع المرتهن بالابراء عن الدين فلا يتغير به حكم الضمان
الثابت له وعندنا قضاء المتبرع للمال كقضاء المطلوب ولو كان قضاه الدين بنفسه ثم هلك
الرهن تم استيفاء الدين بهلاك الرهن ووجب عليه رد المقبوض بسبب القبض فكذلك
هنا يلزمه رد المقبوض بسبب القبض وإنما قبضه من المتطوع فيرده عليه وعلى هذا لو اشترى
عبدا بألف فنقدها رجل عنه متطوعا ثم رد العبد بعيب أو استحق رجع المال إلى المتطوع
وكذلك لو أن امرأة نقد رجل مهرها تطوعا عن زوجها ثم ارتدت قبل الدخول بها رجع المال
إلى المتطوع ولو طلقها قبل الدخول بها رجع نصف المال إلى المتطوع فلو لم يكن في النكاح
تسمية رجع بمهر المثل إلى المتطوع والمتعة على الزوج لان التطوع بأداء مهر المثل لا يكون
تطوعا بأداء المتعة كما أن الكفالة لمهر المثل لا تكون كفالة بالمتعة وزفر مخالف في هذا كله
وما أشرنا إليه من المعنى صحيح في الفصول كلها وإذا جني العبد الرهن وقيمته ألف والدين
ألف والجناية ألف أو أكثر فأبى المرتهن أن يفتكه وفداه الراهن بالجناية ثم مات العبد عند
المرتهن فعلى المرتهن أن يرد على الراهن ألفا لان الفداء من المضمون في الرهن على المرتهن
فان مالية الرهن تجني به وهو حق المرتهن والراهن في الفداء لا يكون متطوعا لأنه قصد
بالفداء تخليص ملكه فيستوجب الرجوع به على المرتهن وللمرتهن عليه مثله فيصير قصاصا
وفى المقاصة آخر الدينين قضاء عن أولها فصار الراهن قاضيا دين المرتهن وقد بينا أنه لو هلك
الرهن بعد ما اقتضى الدين وجب عليه رد ما اقتضى فهذا مثله وكذلك لو كان استهلك متاعا
95

يستغرق رقبته فقضاه الراهن ثم مات العبد لان المستحق للدين ماليته وهو حق المرتهن
فيكون ذلك عليه والراهن لا يكون متطوعا في أداء ذلك لتخليص ملكه كما في الأول ولو
ارتهن عبدا بألف يساويها ثم تصادقا انه لم يكن عليه شئ وقد مات العبد فعلى المرتهن أن
يرد عليه ألف درهم لان عند هلاك الرهن كان الدين واجبا ظاهرا فيصر بهلاك الرهن
مستوفيا ولو استوفاه حقيقة ثم تصادقا على أن لا دين عليه يلزمه رد المستوفى وعن أبي يوسف
أنه ليس عليه رد شئ لأنهما تصادقا على انتفاء الدين عند هلاك الرهن وتصادقهما حجة في
حقهما والاستيفاء بدون الدين لا يتصور وكذلك لو أخذه منه على أن يقرضه ألفا لان
الدين الموعود بمنزلة الدين المستحق في انعقاد ضمان الرهن به كما أن المقبوض على سوم الشراء
كالمقبوض على حقيقة السوم في حكم الضمان فهلاك الرهن يصير مستوفيا فيجعل في الحكم
كأنه استوفاه حقيقة فيلزمه رده وإنما أورده هذا ايضاحا للأول فان كون الدين واجبا ظاهر
عند هلاك الرهن أقوى من الدين الموعود فإذا كان الرهن يهلك مضمونا بالدين الموعود
ففيما كان واجبا ظاهرا أولى ولو أحال الراهن المرتهن على رجل بالمال ثم مات العبد قبل أن
يرده فهو بما فيه لما بينا أن ضمان الرهن باق بعد الحوالة فيتم الاستيفاء بهلاك الرهن فيجعل
هذا بمنزلة ما لو استوفى الطالب الدين من المحيل وذلك مبطل للحوالة فهذا مثله وكذلك
لو أعطاه رهنا مكان الرهن الأول ثم هلك الرهن الأول قبل أن يرده فهو رهن بالمال لبقاء القبض
والدين بعد تسليم العين الثاني إليه وإذا تم الاستيفاء بهلاك الرهن الأول بطل الرهن الثاني
ولو هلك الثاني قبل هلاك الأول أو بعده فهو مؤتمن فيه لأنه لم يوجد منهما مرهونا مضمونا
بالدين فمن ضرورة بقاء الدين في الرهن الأول ابقاء ضمان الدين عن الثاني وإنما بقي مقبوضا
بإذن المالك فيكون القابض أمينا فيه إذا هلك وكذلك لو ناقضه الراهن فقبل أن يرده هلك
فهو هالك بالمال لبقاء والدين وهذا لان فسخ العقد معتبر بأصل العقد فكما أن ضمان
الرهن لا يثبت بالعقد قبل القبض فكذلك لا يسقط بالفسخ قبل الرد وإذا زاد الرهن
دراهم من المرتهن وجعلها في الرهن فإنه لا يكون في الرهن وهما فصلان أحدهما الزيادة
وصورته إذا رهنه ثوبا بعشرة يساوى عشرة ثم زاد الراهن المرتهن ثوبا آخر ليكون مرهونا
مع الأول بالعشرة ففي القياس لا تصح هذه لزيادة وهو قول زفر رحمه الله لأنه لا بد من
أن يجعل بعض الدين بمقابلة الزيادة ليكون مضمونا به وذلك متعذر مع بقاء حكم الرهن في
96

الثوب الأول لبقاء القبض فهو نظير ما لو ناقصه الرهن أو تبادلا رهنا برهن على ما بينا وهذا
في الحقيقة بناء على أصل زفر رحمه الله ان الزيادة في الثمن والبيع لا يثبت ملحقه بأصل العقد
وقد بينا في البيوع وفى الاستحسان و هو قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله تعالى ونثبت الزيادة
في الرهن في حكم الدين لان تراضيهما على الزيادة بعد العقد بمنزلة تراضيهما عليه عند العقد
ولو رهنه في الابتداء يومين بالعشرة جاز الرهن وانقسم الدين على قيمته فكذلك هنا يقسم
الدين على قيمة الأصل وقت العقد وعلى قيمة الزيادة وقت القبض وهذا بخلاف ما إذا تبادلا
رهنا برهن فلم يوجد هناك اقتراض منهما على ثبوت حكم الرهن فيهما جميعا توضيحه انه
بالناس حاجة إلى تصحيح هذه الزيادة وربما نطق المرتهن بالابتداء انه في الرهن وفاء بدينه
ثم ثبت له خلاف ذلك فلا يرضى برهن لا وفاء فيه فيحتاج الراهن برد عين آخر ليطمئن
قلبه والزيادة في الرهن تجوز ان ثبت حكما فان المرهونة إذا ولدت يكون الولد زيادة تثبت
في الرهن حكما فيجوز اثباته أيضا فضلا والفضل الثاني في الزيادة بالدين فان المرتهن إذا
زاد الراهن عشرة أخرى ليكون الرهن عنده رهنا بهما جميعا فهذه الزيادة لا تثبت في
حكم الرهن في القياس وهو قول أبي حنيفة ومحمد وزفر رحمهم الله وفى الاستحسان تثبت
وهو قول أبى يوسف رحمه الله وأوجهه قول أبى يوسف ان الدين مع الرهن يتحاذيان محاذاة
المبيع مع الثمن حتى يكون المرهون محبوسا بالدين مضمونا به كالمبيع بالثمن عن الزيادة في الرهن
يجعل ملحقة بأصل العقد فكذلك الزيادة في الدين كما في البيع فان الزيادة في الثمن والمبيع
ثبتت على سبيل الالتحاق بأصل العقد وهنا مثله وكما أن الحاجة تمس إلى الزيادة في الرهن
فقد تمس الحاجة إلى الزيادة في الدين بأن يكون في مالية الرهن فضلا على الدين ويحتاج
الراهن إلى مال آخر فيأخذه من المرتهن ليكون الرهن رهنا بهما وهذا بخلاف المسلم فيه
فالزيادة في المسلم فيه لا تجوز وان كانت تجوز في رأس المال لأن جواز السلم بخلاف القياس
فإنه بيع المعدوم وإنما جعل المسلم فيه كالموجود حكما لحاجة المسلم إليه والزيادة في رأس المال
بين حوائج المسلم إليه فأما الزيادة في المسلم فيه فليس من حوائج المسلم إليه في شئ فلا يظهر
هذا العقد فيه فاما جواز الرهن بالدين فثابت بمقتضى القياس إذ هو لحاجة المديون والزيادة
في الدين من حوائج المديون والفرق لأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله بين الزيادة في الرهن وبين
الزيادة في الدين من وجهين أحدهما أن الزيادة في الدين تؤدى إلى الشيوع في الرهن لان
97

بعض الرهن يفرغ من الدين الأول يثبت فيه ضمان الدين الثاني ويبقى حكم الأول في
البعض مشاعا ويثبت فيما يقابل الزيادة مشاعا والشيوع في الرهن يمنع صحة الرهن فأما الزيادة
في الرهن فتؤدى إلى الشيوع في الدين لان بعض الدين يحول ضمانه من الرهن الأول إلى الثاني
والشيوع في الدين لا يصير كما لو رهنه بنصف الدين رهنا ولا يقال الزيادة تثبت على سبيل
الالتحاق بأصل العقد فلا يؤدي إلى الشيوع فيه لأنا نسلم هذا ولكنه مع الالتحاق بأصل
العقد تثبت قيمته ملحقا فهو كما لو رهنه في الابتداء ثوبا بعشرين نصفه بعشرة ونصفه
بعشرة وذلك لا يجوز وبه فارق البيع فالشيوع وتفرق التسمية لا يؤثر في افساد البيع والثاني
أن الزيادة إنما تصح ملحقة بأصل العقد في المعقود عليه والمعقود به والدين ليس بمعقود عليه
ولا بمعقود به لان المعقود به ما يكون وجوبه بالعقد والدين كان واجبا قبل عقد الرهن
بسببه ويبقى بعد فسخ الرهن فلا يملك اثبات الزيادة فيه ملقحة بأصل العقد فأما الرهن فمعقود
عليه لأنه لم يكن محبوسا قبل عقد الرهن ولا يبقى محبوسا بعد فسخ عقد الرهن فالزيادة في
الرهن زيادة في المعقود عليه فيلتحق بأصل العقد (وفقه هذا الكلام) أن صحة الزيادة باعتبار
انه تصرف في العقد يعسر وصفه أو حكمه وذلك مستحق في الزيادة في الرهن لان الحكم
قبل الزيادة ان الرهن الأول مضمون بعشرة وبعد الزيادة يكون مضمونا بخمسة فثبتت
الزيادة فيه ملتحقة بأصل العقد فاما الزيادة في الدين فلا تغير وصف العقد ولا حكمه لان
الرهن مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين سواء وجدت الزيادة في الدين أو لم توجد فلهذا
لا يثبت حكم الزيادة في ضمان الرهن وعلى هذا لو أنفق المرتهن على الرهن بأمر القاضي
أو بأمر صاحبه فذاك دين وجب له على الرهن وفى ثبوت حكم الجنس باعتباره اختلاف
كما بينا وكذلك إذا كان الرهن يساوى الفين والدين ألفا فجنى المرهون وفداه المرتهن والراهن
غائب فنصف الفداء من ذلك على المرتهن ونصفه وهو حصة الأمانة على الراهن ولا يكون
المرتهن متطوعا فيه عند أبي حنيفة على ما بيناه في باب الجنايات فهو دين حادث له على
الراهن فلا يكون له أن يحبس الرهن بعد استيفاء الأول بمنزلة ما لو أقرضه مالا زيادة في
الدين الأول والله أعلم بالصواب
* (باب رهن الوصي والولد) *
(قال رحمه الله) وإذا كان على الميت دين وله وصي فرهن الوصي بعض ما تركه عند غريم
98

من غرمائه لم يجز للآخرين أن يردوه لان موجب عقد الرهن ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن
فليس للوصي أن يخص بعض الغرماء بإيفاء دينه حقيقة ولو قبل ذلك كان للآخرين أن
يبطلوه فكذلك حكم يد الاستيفاء ولان حقهم جميعا تعلق بالتركة فهو يبطل حق سائر
الغرماء عن عين الرهن بتصرفه فليس له ذلك فان قضى دينهم قبل أن يردوه جاز لان المانع
قد ارتفع بوصول حقهم إليهم واثبات يد الاستيفاء للمرتهن في هذا قياس حقيقة الاستيفاء
ولو لم يكن للميت غريم آخر جاز الرهن وبيع في دينه لأنه لو أوفاه الدين حقيقة جاز فكذلك
إذا رهنه منه إذ ليس في الرهن ابطال حقه ولا حق غيره وقد كان يباع في دينه قبل الرهن
فبعده أولى وإذا ارتهن الوصي بدين للميت على رجل جاز لأنه يملك استيفاء الدين حقيقة
ويكون هو في ذلك كالموصى فكذلك فيما هو وثيق للاستيفاء وكذلك لو كان الميت هو
الذي ارتهنه فوصيه يقوم مقامه في إمساكه إلا أنه لا يبيعه بدون اذن الراهن لان التسليط
على البيع بطل بموت المرتهن فالراهن إنما رضى ببيعه ولم يرهن برأي غيره في البيع وان استدان
الوصي لليتيم في كسوته وطعامه ورهن به أيضا وكذلك لو أنجز لليتيم فرهن أو ارتهن لان
الرهن وثيقة للاستيفاء فيملكه من يملك حقيقة الايفاء والاستيفاء تسليم الرهن إلى المرتهن
استحفاظا له في الحال وقضاء لدينه باعتبار المآل وكل واحد منهما يملكه الوصي كالايداع
وايفاء الدين أو هو ايجاب حق للمرتهن على وجه ينتفع به اليتيم من حيث إنه الذي يصير
مقضيا عند هلاكه ويكون كالبيع والإجارة والوصي يملك ذلك في مال اليتيم وينبغي للوصي أن
يتصرف على وجه يكون فيه نظر لليتيم يتجر فيه بنفسه أو بنصفه كما كانت عائشة رضي الله عنها
تفعله في مال ولد أخيها أو يعمل في ماله مضاربة أو يدفعه إلى غيره مضاربة كما كان عمر رضي الله عنه
يعطى مال اليتيم مضاربة وقد بينا هذا في أول المضاربة وإذا ارتهن الوصي خادما لليتيم
من نفسه أو رهن خادما لنفسه من اليتيم بحق لليتيم عليه لم يجز اعتبارا بحقيقة الاستيفاء فإنه
لا يستوفى دين اليتيم من نفسه ولا دين نفسه من مال اليتيم من خلاف جنسه وهذا لان
تصرفه مع نفسه لا ينفذ الا بمنفعة ظاهرة كالبيع والشراء وذلك لا يتحقق في الرهن
والارتهان وكذلك اليتيم ان فعل ذلك لم يجز إلا أن يجيزه الوصي بمنزلة بيعه وشرائه وكذلك
ان فعل ذلك أحد الوصيين إلا أن يجيزه الاخر في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وتجوز في
قول أبى يوسف رحمه الله بناء على اختلافهم في أحد الوصيين يتقدر بالتصرف وهي بفروعها
99

مذكورة في الوصايا ولو كانت الورثة كبارا كلهم لم يكن للوصي أن يرهن من متاعهم شيئا
بدين يستدينه عليه وكذلك أن كانوا صغارا وكبارا لأنه مشاع وكذلك لو كانوا كبارا محبوسين
عن التصرف لأنه إنما يملك عليهم من التصرف ما يرجع إلى الحفظ والرهن ليس من ذلك
في شئ فهو بمنزلة بيع العقار وللوصي أن يرهن بدين على الميت لأنه قائم مقامه فيما هو من
حوائج الميت وايفاء الدين من حوائجه ويملكه الوصي فكذلك الرهن به كانت الورثة صغارا
أو كبارا وكان الكبير شاهدا واحتاج إلى نفقة ينفقها على الرقيق فرهن شيئا من متاعهم في
ذلك فإنه لا يجوز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وإن كان غائبا جاز لان الاستدانة
للانفاق على الرقيق من التصرفات التي ترجع إلى الحفظ والوصي يملك ذلك في حق الكبير
الغائب كما يملك بيع العروض ولا يملك في حق الكبير الحاضر عندهما وعند أبي حنيفة رحمه
الله باعتبار ولايته في نصيب الصفير تثبت له الولاية في ذلك في نصيب الكبير أيضا كما في
البيع فإنه يجوز بيعه الرقيق إذا كان في الورثة صغار وكبار فكذلك له ولاية الاستدانة
للانفاق عليهم ثم كما يجوز له أن يقضى ذلك الدين من مالهم يجوز له أن يرهن به رهنا ولو
رهن الوارث الكبير شيئا من متاع الميت وعلى الميت دين ولا وارث له غيره فان خاصم
الغريم في ذلك أبطل الرهن وبيع له في دينه لان حقه تعلق بمالية العين التي رهنها فالوارث
بتصرفه قصد ابطال حقه فيرد عليه قصده وهذا التصرف من الوارث معتبر بسائر التصرفات
كالبيع ونحوه وذلك لا ينفذ من الوارث في التركة المشغولة بالدين فان قضى الوارث الدين
جاز الرهن لان المانع حق الغريم وقد زال بوصول دينه إليه فينفذ الرهن من الوارث كما
ينفذ سائر التصرفات وإذا لم يكن على الميت دين فرهن الوارث الكبير شيئا من متاعه بمال
أنفقه على نفسه أو كان الوارث صغيرا ففعل ذلك الوصي ثم ردت عليهم سلعة بالعين كان
الميت باعها فهلكت في أيديهم وصار ثمنها دينا في مال الميت وليس له مال غير ما رهن بالنفقة
فالرهن جائز لأنه حين سلم الرهن إلى المرتهن لم يكن على الميت دين والعين كانت ملكا
للوارث فارغة عن حق الغير فلزمه حق المرتهن فيه ثم لحق الدين بعد ذلك برد السلعة
بالعيب فلا يبطل ذلك حق المرتهن بمنزلة ما لو أقر الوارث بدين على الميت بعد الرهن وهذا
الخلاف ما إذا استحق العبد الذي كان الميت باعه أو وجد حرا فان الرهن يبطل لأنه تبين ان
الدين كان واجبا على الميت حين رهن الوارث التركة فالحر لا يدخل في العقد ولا يملك
100

عنه وبالاستحقاق يبطل البيع من الأصل فكان تصرف الوارث في التركة باطلا فاما بالرد
بالعيب فلا يتبين أن الثمن كان مستحق الرد قبل أن يرد السلعة بالعيب وكان هذا دينا حادثا
بعد تمام الرهن فلا يبطل الرهن ولكن الراهن ضامن لقيمته حتى يؤديه في دين الميت وصيا
كان أو وارثا لأنه لما لحق الميت دين وجب فصار ذلك من تركته والوارث قد منع ذلك
بتصرفاته فكان في حكم المستهلك له فيضمن قيمته والوصي كذلك إلا أن الوصي يرجع به
على اليتيم لأنه دين لحقه في تصرف باشره لليتيم فيرجع به في ماله وعلى هذا لو كان الميت
زوج أمته وأخذ مهرها فأعتقها الوارث بعد موته قبل دخول الزوج بها فاختارت نفسها
وصار المهر دينا على الميت كان الرهن جائزا والابن ضامنا له لأنه دين لحق الميت بعد ما نفذ
التصرف من الوارث ولا يتبين بهذا السبب قيام الدين عند تصرف الوارث وكذلك لو
حفر بئرا في الطريق ثم تلف فيها انسان بعد موته حتى صار ضامنا دينا على الميت فإنه لا يبطل
التصرف من الوارث ولكنه ضامن للقيمة لأنه أتلف حق الغريم في العين بتصرفه وإذا
ارتهن الوصي متاعا لليتيم في دين استدانة عليه وقبضه المرتهن ثم إن الوصي استفاده من
المرتهن لحاجة اليتيم فضاع في يد الوصي فقد خرج من الرهن لان الوصي فيما يتصرف
لليتيم قائم مقامه ان لو كان بالغا ولو كان بالغا فرهن متاعه بنفسه ثم استعاده من المرتهن
فهلك في يده لم يسقط الدين لأنه عند هلاك الرهن يصير المرتهن مستوفيا ولا يمكن أن
يجعل صاحب الدين مستوفيا دينه باعتبار المديون (ألا ترى) أن حكم الرهن لا يثبت بيد
الراهن في الابتداء إذا جعل عدلا فيه فكذلك لا تبقى حكم يد الاستيفاء بعد ما رجع الرهن
إلى الراهن وإذا لم يسقط الدين بهلاكه رجع المرتهن على الوصي بالدين كما كان يرجع به قبل
الرهن ويرجع به الوصي على اليتيم وقد ضاعت العين من مال اليتيم لأنه إنما استعارها لحاجة
اليتيم وإذا رهن الوصي متاع اليتيم في نفقة اليتيم فأقر بذلك بعد بلوغه وأراد أن يبطل
الرهن فليس له ذلك لأنه تصرف نفذ من الوصي في حال قيام ولايته ولزم فلا يملك اليتيم
ابطاله بعد بلوغه كالبيع ولا يجوز للوصي أن يرهن متاع اليتيم من ابن له صغير أو من عبد له
بآخر ليس عليه دين كان يرهنه من نفسه لأنه في حق الابن الصغير هو الذين يباشر التصرف
من الجانبين وكسب العبد الذي لا دين عليه ملك لمولاه فرهنه منه كرهنه من نفسه وان
رهنه من ابن له كبير أو من أبيه أو من مكاتبه أو من عبد له بآخر عليه دين جاز لأنه من كسبهم
101

بمنزلة الأجنبي وهم أحق بالكسب منه يصرفون ذلك إلى حوائجهم وهذا بخلاف الوكيل
بالبيع فإنه لا يبيع من هؤلاء وكذلك الوصي لأنه في البيع متهم في حق هؤلاء وفى الرهن
لا يكون متهما لان حكم الرهن واحد وهو انه مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين
سواء رهنه عند هؤلاء أو عند أجنبي فلانتفاء التهمة ينفذ تصرفه معهم ولو رهن الوصي مال
اليتيم ثم غصبه فاستعمله حتى هلك عنده فهو ضامن لقيمته لأنه بالغصب صار جانيا على حق
المرتهن مفوتا ليده المستحقة فهو في ذلك كالأجنبي ضامن لقيمته يقضى منه الدين إذا كان
حالا والفضل لليتيم فإن لم يكن حل فالقيمة رهن لأنه في الغصب والاستعمال لا يكون عاملا
لليتيم في ماله بل يكون هو فيه كأجنبي آخر فيتقرر الضمان عليه وان استدانه الوصي على نفسه
ورهن متاعا لليتيم في ذلك فهو جائز وكذلك الولد في هذه وقد روى عن أبي يوسف رحمه
الله لا يجوز شئ من ذلك لأنه صرف مال اليتيم إلى منفعة نفسه من غير حاجة وليس للأب
والوصي ذلك (ألا ترى) أنه ليس لهما أن يقضيا دينهما بمال الصغير فكذلك لا يكون لهما ان
يرهنا متاع اليتيم بدينهما ولكنا نقول للأب والوصي أن يودعا مال الصغير من هذا الرجل
والمنفعة للصغير في الرهن أظهر منه في الايداع لأنه في الايداع إذا هلك بطل حق الصغير
وفى الرهن إذا هلك صار المرتهن مستوفيا لدينه وكانا ضامنين للصغير مالية الرهن وهذا
بخلاف حقيقة الايفاء لأنه اخراج ملك الدين من ملك الصغير بغير عوض يدخل في ملكه
بمقابلته في الحال فلا ينفذ منهما فأما بالرهن فلا تخرج العين عن ملكه ولكن يتعين حافظ
يحفظها وهو المرتهن فهو كالايداع من هذا الوجه وان سلطا المرتهن على بيعه فهو نظير التوكيل
بالبيع ولهما ذلك في مال الصغير وفى الحقيقة هذه المسألة تنبنى على البيع فان الأب أو الوصي
إذا باع مال اليتيم من غريم نفسه بمثل ما عليه من الدين عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى
يصير الثمن قصاصا بدينه ويصير هو ضامنا للصغير وعند أبي يوسف رحمه الله لا يصير الثمن
قصاصا بدينه فإذا كان من أصله أنه لا يملك قضاء دين نفسه بمال اليتيم بطريق البيع فكذلك
بطريق الرهن وعندهما لما كان يملك ذلك بطريق البيع فكذلك بطريق الرهن لأنه ليس
في الرهن ضرر على الصبي إلا أن يصير قاضيا دينه عند هلاك ضامنا مثله لليتيم فهو
كالبيع في هذا الحكم وإذا رهن الأب من نفسه متاع الصغير فهو جائز كما يجوز بيعه مال
الصغير لنفسه قال بخلاف الوصي لان الأب يملك التصرف مع نفسه وإن لم يكن فيه منفعة
102

ظاهرة للصغير بخلاف الوصي وهنا لان الأب غير متهم باعزاز نفسه على الولد والوصي متهم
بذلك وكذلك لو رهنه الأب من عبد تاجر له ليس عليه دين لان أكثر ما فيه أنه بمنزلة
الرهن من نفسه وكسب عبده ملك له وهو يملك ذلك لما ذكر في الأصل في بيان الصك
الذي يكتبه الأب إذا رهن مال نفسه من الصبي انى استقرضته من مالي كذا فأنفقته في
حاجتي وفى هذا اللفظ دليل على أن للأب ولاية الاقراض في مال ولده لان معاملته مع
غيره أقرب إلى النفوذ منه مع نفسه فإذا جاز له أن يستقرض مال ولده لنفسه فلان
يجوز له اقراضه من غيره أولى * والحاصل أن الوصي لا يقرض على اليتيم ولا يستقرض
لأنه تبرع وفى الأب روايتان وفى الرواية الظاهرة يقول لا يملك الاقراض لأنه تبرع
وليس للصغير فيه منفعة ظاهرة وفى هذه الرواية إشارة إلى أن للأب ذلك لأنه غير متهم
في حق ولده والظاهر أن لا يقرضه الا ممن يملك الاسترداد منه متى شاء فهو بمنزلة القاضي
في ذلك وللقاضي ولاية الاقراض في مال اليتيم لتمكنه من الاسترداد متى شاء فكذلك
الأب له ذلك وإذا رهن الأب فباع ابنه الصغير عند رجل فأدرك الولد ومات الأب لم يكن
للولد أن يسترد الرهن حتى يقضى المال لأنه تصرف لزم من الأب في حال لقيام ولايته وهو
في ذلك قائم مقام الولد أن لو كان بالغا فإن كان الأب رهنه لنفسه فقضاء الابن فإنه يرجع
به في مال الأب بمنزلة المعير للرهن إذا قضى الدين وهذا لأنه لا يتوصل إلى عين ماله الا
بقضاء الدين فلم يكن متهما في ذلك وإذا رهن الأب متاعا لولده بمال أخذه لنفسه ولولده
الصغير فهو جائز لأنه لما ملك أن يرهن بدين أحدهم على الانفراد فكذلك بدينهما بخلاف
ما إذا رهن عينا مشتركه بين ابنه الكبير والصغير فان ذلك لا يجوز ما لم يسلم الكبير لأنه
لا ولاية له على الكبير في رهن نصيبه ونصيب الصغير شائع فلا يمكن تصحيح الرهن في شئ
منه فان هلك الرهن ضمن الأب حصته من ذلك للولد لأنه بهلاك الرهن فصار قاضيا دين
الصغير ودين نفسه بمال الصغير فيضمن الصغير حصته من ذلك والوصي في ذلك كالأب بعد
موته وكذلك الجد أبو الأب إذا لم يكن له وصى لأنه قام مقام الأب في التصرف بحكم الولاية
إلا أن الأب يملك أن يرهن مال أحد الصغيرين من الآخر والوصي لا يملك ذلك على قياس
الرهن من نفسه وقد بينا الفرق بينهما في ذلك والله أعلم بالصواب
103

* (باب رهن الحيوان) *
(قال رحمه الله) رهن الحيوان المملوك بالدين جائز بخلاف ما يقوله بعض العلماء رحمهم
الله ان الحيوان عرضة للهلاك فهو بمنزلة ما يسرع إليه الفساد وما يسرع إليه الفساد كالخضر
لا يجوز رهنه * ودليلنا على جوازه قوله صلى الله عليه وسلم الرهن مركوب ومحلوب ولأنه مال
متقوم يجوز بيعه ويمكن استيفاء الدين من ماليته عند تعذر استيفائه من محل آخر فهو كسائر
الأموال وما من شئ الا وهو عرضة للفناء في وقته ثم علفه وطعام الرقيق على الراهن لان
وجوب النفقة على المالك بسبب ملك العين فالراهن بعد عقد الرهن مالك للعين كما كان قبله
وفى كون الرهن في يد المرتهن منفعة للراهن فإنه يصير بهلاكه قاضيا لدينه فيكون بمنزلة
الوديعة والمؤجر بخلاف المستعار والموصى بخدمته لأنه لا منفعة للمالك في كون العين في يد
المستعير والموصي له وإنما تخلص المنفعة لهما فتكون المنفعة عليهما فلهذا لا يرجعان بضمان
الاستحقاق بخلاف المرتهن (توضيحه) ان الإعارة لا يتعلق بها اللزوم فيقال للمستعير ان ثبت
فأنفق عليه وانتفع به والا فرده والوصية بالعين وإن كان يتعلق بها اللزوم فلم يأت ذلك
بايجاب من الوارث فلا يلزمه نفقة في حال كونه ممنوعا من الانتفاع به واثبات اليد عليها
وأما الرهن فإنما يثبت للمرتهن فيه حق لازم بايجاب الرهن فلا يكون ذلك مسقطا للنفقة
عنه وان كانت يده مقصورة عنه كالمستأجر وكذلك أجر الراعي فهو بمنزلة العلف لأنه إنما
يلتزم بمقصود الراعي فيكون على المالك وعلى المرتهن ان يضمها إليه اما في منزله واما في
منزل يتكارى له وليس على الراهن من ذلك شئ لان الحفظ على المرتهن ولا يتأنى حفظه
الا في منزل فمؤنته تلك تكون على المرتهن وهذا لأنه في الحفظ عامل لنفسه لأنه يقصد به
اضجار الراهن ولان موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء وما يكون موجب العقد فهو
حق المرتهن وعن أبي يوسف رحمه الله قال إن كان في منزل المرتهن سعة فالجواب كذلك وان
احتاج إلى أن يتكارى له منزلا فالكراء على الراهن لان أجرة المسكن كالنفقة (ألا ترى)
انه على الزوج كالنفقة وان أصاب الرقيق جراحة أو مرض أو ديرت الدواب فاصلاح ذلك
ودواؤه على المرتهن لان المالية انتقصت بما اعترض وبحسب ذلك يسقط من دين المرتهن ببرء
المعالجة إعادة ما كان سقط من الدين أو أشرف على السقوط وهو محض منفعة للمرتهن والمداواة
104

لا تكون قياس النفقة (ألا ترى) أن نفقة الزوجة على الزوج وأجرة الطبيب وثمن الدواء
إذا مرضت عليها في مالها لا شئ على الزوج من ذلك وهذا إذا كانت قيمة الرهن والدين
سواء فإن كان الدين أقل من القيمة فالمعالجة على الراهن والمرتهن بحساب ذلك لان تقدر
الدين من الرهن مضمون على المرتهن والزيادة على ذلك أمانة ومعالجة الأمانة على صاحبها
وهذا لان بالاصلاح ينتفع المرتهن في المضمون منه وفى الأمانة المنفعة للراهن وهو نظير
الفداء من الجناية بقدر المضمون من الرهن الفداء على المرتهن وبقدر الأمانة على الراهن ونقصان
السعر وزيادته لا يغير حكم الرهن والاعتبار بقيمته يوم رهن لان تغير السعر لا يؤثر في العين
إنما هو منوط برغائب الناس فيه وذلك يختلف باختلاف الأوقات والأمكنة فلا يكون
مضمونا على المرتهن * توضيحه ان نقصان السعر غير معتبر في ضمان العقود كالمبيع فان نقصان
سعره لا يسقط شيئا من الثمن ولا يثبت الخيار للمشترى وكذلك في ضمان المقبوض كالمغصوب
فنقصان سعره في يد الغاصب لا يلزمه شيئا من الضمان وضمان الرهن لا بد أن يعتبر بأحد
هذين الضمانين وعن زفر رحمه الله ان بقدر ما ينتقص من سعر المرهون يسقط من الدين
وقاس ذلك بنقصان العين من حيث إن الضمان الثابت بالرهن باعتبار المالية دون العين فان
ضمان الاستيفاء والمالية ينتقص بنقصان السعر كما ينتقص بنقصان العين بخلاف سائر الضمانات
فضمان الغصب ضمان العين ولهذا يملك العين به وكذلك ضمان البيع ونقصان السعر لا يؤثر
في العين وان ذهبت عين الدابة عند المرتهن وقيمتها مثل الدين سقط ربع الدين لحديث زيد
ابن ثابت رضي الله عنه قال في عين الدابة ربع قيمتها يعنى إذا فقئت وهذا بخلاف عين
الآدمي فان بذهاب عينه يسقط نصف الدين لان الانتفاع بالدواب من حيث الحمل والركوب
وذلك يمسها وإنما يأتي ذلك بان تمشى بقوائمها وتبصر بعينها فيتوزع بدلها على ذلك وحصة
العينين من ذلك النصف فبفوات أحدهما يذهب الربع وأما البصر في الآدمي فمقصود
بنسفه والبطش كذلك والمشي كذلك فيجعل كل جنس بمنزلة النفس فبذهاب احدى العينين
يجعل نصف النفس كالفائت حكما لهذا المعنى ولبن الناقة رهن معها وكذلك أصواف الغنم
وأسمانها وأولادها وثمرة الأشجار وما ينبت من الأشجار في أرض الرهن رهن لأن هذه
زيادة مستولدة من العين بخلاف ما على الأرض والدار تؤاجر لان ذلك ليس بمتولد من غير
الرهن فلا يثبت فيه حكم الرهن وان هلكت هذه الزيادة لم يسقط شئ من الدين لانعدام
105

السبب الموجب للضمان فيها وهو القبض مقصودا ثم لا خلاف ان المرتهن لا يملك الانتفاع
بالرهن بدون اذن الراهن لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قرض جر منفعة ولو تمكن من
الانتفاع أدى إلى ذلك ولان المنفعة إنما تملك بملك الأصل والأصل مملوك للراهن فالمنفعة
تكون على ملكه لا يستوفيها غيره الا بايجابها له وهو بعقد الرهن أوجب ملك اليد للمرتهن
لا ملك المنفعة فكان ماله في الانتفاع بعد عقد الرهن كما كان قبله وكذلك الراهن لا ينتفع
بالمرهون بغير إذن المرتهن عندنا وقال الشافعي رحمه الله فيما يمكنه الانتفاع به مع بقاء عينه
للراهن أن ينتفع به بدون اذن المرتهن والمسألة في الحقيقة بناء على الأصل الذي بينا ان عندنا
دوام يد المرتهن يوجب عقد الرهن والانتفاع به يفوت هذا الواجب لأنه يعيده إلى يده لينتفع
به وعنده يوجب الرهن حق المطالبة بالبيع في الدين عند حلول الأجل وذلك لا يفوت بانتفاع
الراهن به ثم الحجة له في المسألة حديث أبي هريرة رضى عنه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
المرهون مركوب ومحلوب وعلى من يركبه ويحلبه نفقته ولا شك أن النفقة على الراهن فعرفنا
أنه مركوب ومحلوب للراهن والمعنى فيه أن عقد الرهن لا يزيل الملك في الحال ولا في ثاني
الحال ولكن يوجب للمرتهن حقا فكل تصرف من الراهن يقدره يبطل حق المرتهن فهو
باطل كالبيع والراهن من غيره وكل تصرف لا يؤدى إلى ابطال حق المرتهن فالراهن
يملكه باعتبار ملكه وهذا كالنكاح فإنه لا يزيل ملك المولى عن الأمة ولكن بوجب للزوج
منها حقا فكل تصرف يؤدى إلى ابطال حقه كالوطئ والتزوج من الغير يمنع المولى منه
وكل تصرف لا يؤدى إلى ابطال حق الزوج كالبيع والهبة لا يمنع المولى منه والاستيلاد لا يزيل
ملك المولى ويوجب لها حقا وكل تصرف يؤدى إلى ابطال حق لها كالبيع يمنع للمولى منه
وكل تصرف لا يؤدى إلى ابطال حقها كالوطئ والتزويج لا يمنع المولى منه ثم الانتفاع لا يؤدى
إلى ابطال حق المرتهن بدليل انه لو انتفع به بإذن المرتهن بقي عقد الرهن وحق المرتهن ولو
كان هذا مبطلا حقه لكان يبطل حقه عن العين وان حصل باذنه كالبيع ولان الرهن وثيقة بالدين
فلا يمنع المالك من الانتفاع بالملك كالكتابة والدليل عليه ان الراهن أحق ببدل المنفعة وهو
الكسب والغلة فذلك دليل على أنه أحق بالمنفعة أيضا وعقد الرهن عقد مشروع وبالإجماع
المرتهن لا يتمكن من الانتفاع به فلو قلنا يمتنع على الراهن الانتفاع به لتعطلت العين عن
الانتفاع بسبب هذا العقد وذلك مشبه تسييب أهل الجاهلية فيكون خلاف المشروع إلا أنه
106

إنما ينتفع بالرهن إذا كان الدين مؤجلا واما إذا كان الدين حالا فللمرتهن أن يمنعه عن ذلك
لاستحقاق المطالبة ببيعه في دينه في المال وهو كالبيع فان البائع يمنع المشترى من الانتفاع
به إذا كان الثمن حالا ولا يمنعه إذا كان الثمن مؤجلا واختلف أصحاب الشافعي رحمهم الله في
الإجارة فمنهم من يقول للراهن أن يؤاجره كما له أن ينتفع به بنفسه ومنهم من يقول ليس له
ذلك لان ذلك مبطل لحق المرتهن بدليل أنه لو فعله بإذن المرتهن بطل الرهن وكذلك يختلفون
في وطئ الراهن الجارية المرهونة فمنهم من يقول يمنع من ذلك إذا كانت بكرا ولا يمنع إذا
كانت ثيبا لأنه ليس فيه ابطال حق المرتهن في شئ من المالية ومنهم من يقول يمنع وان كانت
ثيبا لان فيه تعريض حق المرتهن للابطال بأن تعلق منه فتصير أم ولد له وفى الانتفاع لا يوجد
هذا المعنى وحجتنا الاستدلال بقوله سبحانه وتعالى (فرهان مقبوضه) فهذا يقتضى أن يكون
مقبوضا في حال ما يكون مرهونا وهو مرهون من حين يقبضه المرتهن إلا أن يعتقه الراهن
فينبغي أن يكون مقبوضا له وانتفاع الراهن يعدم هذا الوصف وقد بينا ان موجب هذا العقد
ثبوت يد الاستيفاء هنا للمرتهن وأنه من جنس اليد التي ثبتت بحقيقة الاستيفاء والراهن لا يتمكن
من الانتفاع ما لم يحوله من يد المرتهن إلى يده وفيه تفويت موجب العقد (ألا ترى) أن
الدين إذا كان حالا كان الراهن ممنوعا من الانتفاع به لكونه مرهونا عند المرتهن فكذلك إذا
كان مؤجلا وفصل البيع دليلنا ان هناك متى ثبت للبائع حق حبس المبيع كان المشترى ممنوعا
من الانتفاع به لكونه مرهونا عند المرتهن إلا أن حق الحبس هناك إنما يثبت إذا كان الثمن
حالا فهنا أيضا متى ثبت حق الحبس بعقد الرهن ينبغي أن يمنع الراهن من الانتفاع وحق
الحبس ثابت سواء كان الدين مؤجلا أو حالا حتى أنه في غير أوان الانتفاع وفيما لا ينتفع
به مع بقاء عينه المرتهن أحق بإمساكه وبهذا الكلام يتبين أن انتفاع الراهن تصرف مبطل
لا يدل لحق المرتهن فيمنع منه وبأنه كأن لا يبطل حق المرتهن به إذا حصل تسليطه فذلك
على أن الراهن لا يمنع منه كما إذا كان الدين حالا وكما في الوطئ وتوهم العلوق بالوطئ
موهوم ولما بنى الحكم على الموهوم ومثله يتحقق هنا فإنه يتوهم الهلاك في حالة الركوب
وإنما يكون هذا في معنى تسييب أهل الجاهلية إذا لم يكن غرض صحيح فاما إذا كان فيه
غرض صحيح وهو اضجار الراهن فلا يؤدى إلى ذلك المعنى فأما الحديث فلنا ان نقول الرهن
محلوب ومركوب على معنى ان محلوب ومركوب للمرتهن باذن الراهن وللراهن باذن
107

المرتهن ثم قيل الصحيح ان هذا الحديث موقوف على أبي هريرة ولم يثبت مرفوعا ولو ثبت
فالمراد انتفاع المرتهن على ما فسره في بعض الروايات لان الدر يحلب وظهره يركب بنفقته
والنفقة بإزاء المنفعة تكون في حق غير المالك وهذا حكم كان في الابتداء لان المرتهن ينتفع
بالرهن وينفق عليه ثم انتسخ ذلك بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قرض جر منفعة فان
آجر المرتهن المرهون بغير إذن الراهن فالغلة له ويتصدق بها لأنه بمنزلة الغاصب في ذلك فإنه
كما لا يثبت له بعقد الرهن حق الانتفاع به لا يثبت له حق ايجاب المنفعة للغير إلا أن الاجر
وجب لعقده فيكون له ويتصدق به لأنه حصل بسب حرام شرعا وإن كان الراهن أذن له
في ذلك فقد خرج من الرهن ولا يعود فيه الا برهن مستقبل والغلة للراهن وقال ابن أبي
ليلى رحمه الله هي رهن على حالها والغلة للمرتهن قضاء ممن حقها لان عقد الإجارة
لا يلاقى المحل الذي لاقاه عقد الرهن فإنه بعقد الإجارة يثبت للمستأجر ملك المنفعة والثابت
للمرتهن ملك اليد إلا أن رضا المرتهن في الإجارة شرط يتمكن به المالك من التسليم فإجارة المرتهن
وإجارة الراهن برضا المرتهن سواء على معنى أن الاجر للراهن وان عقد الرهن على حاله لان
موجب العقدين ما اجتمعا في محل واحد ثم المرتهن يأخذ الاجر قضاء من حقه لأنه ظفر بجنس
حقه من مال المديون ولكنا نقول عقد الإجارة يوجب استحقاق اليد للمستأجر في العين وذلك
ينافي موجب عقد الرهن فإذا نفذ ذلك من الراهن بإذن المرتهن أو من المرتهن بطل عقد
الرهن كالبيع إذا نفذ من أحدهما وتخرج العين من الرهن بهذا المعنى وإذا خرج الرهن كانت
الغلة للراهن لأنه بدل ما لم يثبت به حق المرتهن وهو المنفعة وبه فارق الثمن فإنه بدل ما ثبت
به حق المرتهن فيحول حقه إليه فان ركب المرتهن الدابة أو كان عبدا فاستخدمه أو ثوبا فلبسه
أو سيفا فتقلده بغير إذن الراهن فهو ضامن له لأنه مستعمل ملكه بغير إذنه فيكون كالغاصب
بخلاف ما لو تقلد السيف على سيف أو سيفين عليه فان ذلك من باب الحفظ لا من باب الاستعمال
وقد بينا الفرق بين ما يكون حفظا وبين ما يكون استعمالا في كتاب اللقطة والوديعة فإن كان
فعل ذلك باذن الراهن فلا ضمان عليه لان وجوب الضمان باعتبار التعدي وهو في
الانتفاع لا يكون متعديا فإذا نزل عن الدابة ونزع الثوب وكف عن الخدمة فهي رهن على
حالها ان هلك ذهب بما فيه وان هلك في حال الاستعمال باذنه هلك بغير شئ لان استعماله بتسليط
المالك كاستعمال المالك بنسفه ولو استعمله الراهن فهلك في حال الاستعمال لم يسقط الدين ولو
108

أعاده المرتهن إلى يده بعلة ما فرغ فهلك في حال الاستعمال كان مضمونا بالدين وكذلك إذا
استعمله المرتهن وهذا لان في حال الاستعمال يده يد عارية وهي غير يد الاستيفاء (ألا ترى)
انه باعتبار يد العارية لا يرجع بضمان الاستحقاق على الغير وباعتبار يد الاستيفاء يرجع فأما بعد
الفراغ من الاستعمال لم تبق يد العارية لان تلك اليد المقصودة الاستعمال لا غير فظهر حكم
يد الاستيفاء وكذلك لو أعاره غيره باذن الراهن أو أعاره الراهن بإذن المرتهن فهلك في يد
المستعير لا يسقط شئ من الدين لما قلنا ولكن للمرتهن أن يعيده ليد نفسه لان هذا في
حقه بمنزلة الإعارة من الرهن فلا يبطل به حق المرتهن لان للمرتهن حقا مستحقا والإعارة
لا يتعلق بها الاستحقاق والشئ لا ينقص بطريان ما هو دونه عليه بخلاف الإجارة فإنه يثبت
حقا مستحقا للمستأجر فهو مثل الرهن أو أقوى منه فيكون مبطلا للراهن وعلى هذا لو
أذن له أن يرهنه فرهنه منه غيره وسلمه خرج من الرهن الأول لان الثاني مثل الأول في أنه
يوجب حقا مستحقا للمرتهن فيبطل به الأول ثم يد العارية تتقدم ضمان الرهن ولكن
لا يرتفع عقد الرهن حتى لو ولدت في يد المستعير راهنا كان أو غيره كان الولد مرهونا
ولو مات الراهن في هذا الحال كان المرتهن أحق بها من سائر الغرماء فعرفنا أن عقد الرهن
باق فببقائه يتمكن المرتهن من اعادته إلى يده وإذا أثمر الكرم أو النخل وهو رهن فخاف
المرتهن على الثمرة الهلاك فباعها بغير إذن القاضي لم يجز بيعه وهو ضامن لقيمتها لأنه باع
مال الغير بغير إذن مالكه فيكون غاصبا في ذلك ولا ضرورة في الاستبداد بهذا البيع لأنه
يتمكن منه ان استأذن الراهن فيه أن كان حاضرا أو يرفع الامر إلى القاضي إذا كان الراهن
غائبا ليبيعه القاضي أو يأمره ببيعه فان ولاية النظر في مال الغائب للقاضي فإذا لم يفعل كان
ضامنا وان جذ الثمرة أو قطف العنب فهو ضامن في القياس لأنه تصرف منه في ملك الغير
بغير إذنه وفى الاستحسان لا ضمان عليه لان هذا من الحفظ فإنه لو ترك على رؤس
الأشجار فسد فالجداد في أوانه حفظ وحفظ المرهون حق المرتهن فان قيل البيع أيضا
من الحفظ قلنا نعم ولكنه في البيع حفظ المالية دون العين فأما في الجدار فحفظ الملك في
العين والمرتهن مسلط على ذلك فان ذلك من الحفظ للعين بمنزلة الجداد لان ترك الحلب
يفسد الضرع واللبن وإذا رهن الرجل عدلا زطيا بألف درهم أو بمائة شاة أو عشرة من
الإبل وسلمها إليه ثم قضاه بعض المال لم يكن له أن يقبض شيئا من الرهن حتى يقضى المال
109

كله لأن العقد منفعة واحدة وكل جزء مما يتناوله العقد يكون محبوسا بجميع الدين فما لم يقض
جميع الدين لا ينعدم المعنى المثبت بحق الجنس في شئ من الرهن كما في البيع وكذلك أن
رهن مائة شاة بألف درهم كل شاة بعشرة ثم قضاه عشرة وفى الزيادات قال في هذه المسألة
يكون له أن يسترد أي شاة شاء قال الحاكم فما ذكر في الزيادات قول محمد رحمه الله وما
ذكر في كتاب الرهن قول أبى يوسف وكان أبو بكر الرازي ينكر ما ذكره الحاكم ويقول
قد ذكر ابن سماعة في نوادره عن محمد مثل ما أجاب به في كتاب الرهن والصحيح أن المسألة
على روايتين وجه هذه الرواية ظاهر فان المرهون محبوس بالدين كالمبيع بالثمن ثم في البيع
لا فرق في حكم الحبس بين فصل الثمن والاجمال حتى أنه إذا اشترى شاتين بعشره فنقده
عشره لم يكن له أن يقبض واحدة منهما وكذلك في الرهن فأما وجه الرواية فالزيادات
تفرق القيمة بتفرق الصفقة في الرهن بدليل انه لو رهن عبدا بألف درهم كل نصف بخمسمائة
لا يجوز ولو رهن عبدا من رجلين نصفه من كل واحد منهما بدينه لا يجوز بخلاف حال الاجمال
فعرفنا أن الصفقة تتفرق في باب الرهن بتفرق الثمن فكذلك رهن كل شاة بعقد على على حدة
بخلاف البيع فهناك بتفرق التسمية لا تتفرق الصفقة بدليل أنه لو باعه عبدين بألف كل واحد
منهما بخمسمائة فقبل العقد في أحدهم دون الآخر لم يجز كما في حال الاجمال وهذا لان
البيع عقد تمليك والهلاك قبل القبض مبطل للبيع فبعد ما نقد بعض الثمن لو تمكن من قبض
بعض المعقود عليه أدى إلى تفرق الصفقة قبل التمام بأن يهلك ما بقي فيفسخ البيع فيه بخلاف
الرهن فان الهلاك ينتهى حكم الرهن بحصول المقصود به كما أن بالافتكاك ينتهى حكم
الرهن فلو تمكن من استرداد البعض عند قضاء بعض الدين لا يؤدى ذلك إلى تفرق الصفقة
لان أكثر ما فيه أن يهلك ما بقي فينتهى حكم الرهن منه فان قيل هذا في حال الاجمال موجود
قلنا نعم ولكن في حال الاجمال حصة كل شاة من الدين غير معلوم متعين فاما عند التفصيل
فما رهن به كل شاة معلوم بالتسمية فلهذا يمكن انفكاك البعض بقضاء بعض الدين به ولو رهنه
شاتين بثلاثين درهما إحداهما بعشرين والأخرى بعشرة ولم يبين هذه من هذه لم يجز الرهن
لجهالة ما رهن به كل واحدة منها وهذه جهالة تفضى إلى المنازعة فان إحداهما لو هلكت وثمنها
عشرون فالراهن يقول هذه التي رهنتها بعشرين والمرتهن يقول بل هذه بعشرة فان بين
كل واحد منهما كان جائزا لان الرهن مع الدين يتحاذيان محاذاة المبيع مع الثمن وفى البيع
110

إذا عين ثمن كل واحد منهما جاز العقد لانعدام الجهالة بخلاف ما إذا لم يبين فكذلك في الرهن
ولو ارتهن عبدا بألف نصف بستمائة ونصفه بأربعمائة أو كل نصف بخمسمائة لم يجز لتمكن
الشيوع في الرهن باعتبار تفرق التسمية فان كل جزء يصير محبوسا بما سمى بمقابلته وقد
بينا أن الجزء الشائع لا يكون محلا لحكم الرهن وكذلك أن قال لرجلين رهنتكما هذا العبد
بألف لكل واحد منهما نصفه خمسمائة بخلاف ما إذا رهنه بدينهما مجملا فهناك جميع الرهن
يصير محبوسا بدين كل واحد منهما فكذلك العين وعند تفرق التسمية إنما يثبت لكل واحد
منهما حق الحبس فما أوجب له نصفا وهو الجزء الشائع وقد قررنا أن العين لا تحتمل التجزء
في موجب الرهن كالنفس في حكم القصاص ثم قد يثبت قصاص واحد لرجلين في نفس
واحدة عند الاطلاق ولا يتصور أن يثبت نصف القصاص لكل واحد منهما في نفس
واحدة على الانفراد فكذلك حكم الحبس في الرهن يجوز أن يثبت لشخص في عين واحدة
عند الاجمال ولا يثبت لكل واحد الحق في النصف عند القبض وإذا رهن عند رجل دابتين
على أن يقرضه مائة درهم وقبض احدى الدابتين فبقيت عنده وقيمتها خمسون درهما وقيمة
الباقية ثلاثون درهما فعلى المرتهن أن يرد على الراهن خمسين درهما لان الدين الموعود في
حكم الاستيفاء بهلاك الرهن كالدين المقبوض بمنزلة المقبوض علي سوم الشراء يجعل في
حكم الضمان كالمقبوض بحقيقة السداد ولو كان الدين واجبا كان المرتهن بهلاك احدى
الدابتين مستوفيا قدر قيمتها إذا كانت قيمتها والدين سواء فهنا أيضا عند هلاك إحداهما
يصير مستوفيا خمسين درهما فعليه رد ذلك على الراهن ان بدا له أن يأخذ الأخرى ويقرضه
فهو هنا مستقيم وإن لم يفعل لم يجبر على شئ لان ما جرى بينهما ميعاد والمواعيد لا يتعلق بها
اللزوم وان بقيت الأخرى أيضا عند الراهن ولم يدفع المرتهن إليه المائة أو قد دفعها ولم
يختلفا في قيمة الدابتين فالقول قول المرتهن في الوجهين لان حاصل الاختلاف منهما في
مقدار ما صار المرتهن مستوفيا مما سقط به دينه الواجب أو يلزمه رده ان يكن دفع إليه
شيئا فالمرتهن ينكر الزيادة والراهن يدعى عليه ذلك فالقول قول المنكر وما أنفق المرتهن
على الرهن والراهن غائب فهو منه تطوع لأنه تبرع بالانفاق على ملك الغير بغير أمره
فان أمره القاضي أن ينفق ويجعله على الرهن فهو دين على الرهن لان الانفاق بأمر
القاضي كالانفاق بأمر الراهن وللقاضي ولاية النظر في مال الغائب فيما يرجع إلى حفظ
111

ملكه عليه والبيان في أنه قال ويجعله دينا على الراهن وهكذا يقول في كتاب اللقطة وغيره
وكان أبو بكر الأعمش رحمه الله يقول لا حاجة إلى هذه الزيادة ولكن مجرد أمره يكفي
لان أمر القاضي كامر صاحب المال وأكثر مشايخنا رحمهم الله على أنه ما لم يصرح القاضي بهذا اللفظ لا يصير دينا لان أمر القاضي في هذا الموضع ليس لالزام المأمور فإنه لا يلزمه
الانفاق وان أمره القاضي بذلك ولكن المقصود النظر وهو متردد بين الامر بالانفاق
حسبة وبين الامر بالانفاق ليكون دينا فعند الاطلاق لا يثبت الا أدناهما ولا يصير دينا
الا بالقبض بخلاف أمر صاحب المال فهذا استقراض أو استيهاب يثبت أدناهما والأدنى
هناك الاستقراض ولا يصدق المرتهن على النفقة الا ببينة لأنه يدعى لنفسه دينا في ذمة
الراهن وهو غير مقبول القول فيما يدعيه لنفسه في ذمة غيره الا ببينة فإن لم يكن له بينة
حلف الراهن ما يعلم أنه أنفق على رهنه كذا كذا لان المنفق يدعى عليه الدين وهو ينكر
فالقول قوله مع يمنيه ولأنه يستحلف على فعل الغير وهو الانفاق من المأمور واليمين على فعل
الغير يكون على العلم ولو ارتهن دابتين فنفقت إحداهما ذهب من الدين بحسابه وكذلك لو
كانت الباقية مثلها وليس هذا كجناية الرقيق معناه إذا رهن عبدين بألف قيمة كل واحد منهما
الف فقتل أحدهما صاحبه كان الباقي منهما رهنا بسبعمائة وخمسين ويتحول إلى القاتل بعد
ما كان على المقتول من الدين على ما بيناه في باب الجنايات وفى هذه الصورة من الدابتين
كانت الباقية رهنا بخمسمائة لان جناية احدى الدابتين على الأخرى هدر قال صلى الله عليه
وسلم جرح العجماء جبار فكان قتل إحداهما الأخرى وموتها سواء بخلاف بني آدم فإنه من
أهل جناية معتبرة في الاحكام فحصة الأمانة من الجاني على المضمون من المجني عليه لابد ان
يقام مقامه في تحويل ما كان على المجني عليه إلى الجاني وذلك نصف ما كان على المجني عليه ولو
استحقت إحداهما لم تنفك الأخرى الا بجميع المال لما بينا أن كل واحدة منهما محبوسة بجميع
المال عند الاجمال وان هلكت إحداهما هلكت بحصتها لان حكم الضمان يتوزع عليهما فعند
هلاك إحداهما إنما يصير مستوفيا حصتها في الدين بمنزلة العين الواحدة يرهنها من رجلين بدين
لهما في أن حكم الحبس يكون مخالفا لحكم استيفاء الدين عند الهلاك حتى يصير كل واحد
منهما عند الهلاك مستوفيا نصف دينه ولو ولدت إحداهما ولدا وقيمتهما سواء وقيمة الولد
قيمة الأم ثم بيعت التي لم تلد ذهب بنصف الدين لان الولد تابع للأم داخل معها في حصتها
112

فيقسم الدين أولا على قيمة الدابتين نصفين لاستوائهما ثم يقسم ثمن التي ولدت على قيمتها
وقيمة ولدها فحصة التي لم تلد نصف الدين ولهذا ذهب بموتها نصف الدين وان بيعت التي
ولدت ذهب ربع الدين لان نصف الدين انقسم على قيمتها وعلى قيمة ولدها فتوسط معها
الولد إلى يوم الفكاك على هذه القيمة وقد بقي فكانت حصة الأم ربع الدين وإن لم تتفق هي
واتفق ولدها لم يذهب من الدين شئ إذا كانت الولادة لم تنقص الأم لان الولد هلك من
غير صنع أحد وكان تابعا في حكم الرهن فصار كأن لم يكن فإن كانت الأم ماتت فذهب
ربع الدين ثم ولدت البنت بنتا مثلها كان الثنتان بثلثي النصف لان السفلى كالعليا في أنها
تابعة للأم الأصلية فان العليا تبع ولا تبع للتبع فهو نظير ما لو ولدت الأم ولدين قيمة كل
واحد منهما مثل قيمتها فإنها نقسم ما فيها على قيمتها وقيمة الولدين أثلاثا ويتبين ان الساقط
بموت الأم ثلث نصف الدين ولو كانت المسألة بهذه الصورة في البيع كان الساقط بموت
الأم ربع الثمن وقد قررنا هذا الفرق في آخر البيوع ان سقوط الثمن هناك بطريق انفساخ
البيع والبيع بعد ما انفسخ لا يعود بحدوث الزيادة وهنا سقوط الدين بطريق انتهاء عقد
الرهن لحصول المقصود به والمنتهى يكون متقررا في تعينه فبحدوث الزيادة يعود بعض ما كنا حكمنا بسقوطه بطريق الظاهر ولا يفتك الراهن شيئا من ذلك دون شئ لأن العقد
في الكل واحد باعتبار الاجمال ولو اعورت احدى العينين ذهب بموت الأم أربعة اجزاء
من أحد عشر جزأ من النصف ولو كان هذا في الرقيق بقيت الا ثنتان بثلاثة أخماس النصف
وهذا لما بينا ان العين من الأدنى نصف ومن الدية ربعها ففي الرقيق حين اعورت احدى
الاثنتين ذهب نصفها فإنما ينقسم ما في الأم من الدين على قيمتها وقيمة العليا وقيمة نصف
السفلى فيكون على خمسة في الأم سهمان وفى الصحيحة من الاثنتين كذلك وفى العوراء سهم
فلهذا سقط بهلاك الأم خمسا النصف وبقي ثلاثة أخماس النصف وفى الدواب بالاعورار
ذهب بالعور ربعها فإنما ينقسم نصف الدين على قيمة الأم والصحيحة من الولدين وثلاثة
أرباع العوراء فكانت الأم أربعه والصحيحة كذلك والعوراء ثلاثة فلهذا قال يذهب بموت
الأم أربعة أجزاء من أحد عشر جزأ من النصف وإذا ارتهن الرجل أرضا ونخلا بألف درهم
وقيمة الأرض خمسمائة وقيمة النخل خمسمائة فاحترق النخل فالأرض رهن بخمسمائة بخلاف
البيع فان ضمان البيع ضمان عقد والنخل في العقد تبع وبهلاكه لا يسقط شئ من الثمن كأطراف
113

العبد فاما ضمان الرهن فضمان قبض والأوصاف تفرد بالقبض فتفرد بالضمان فلهذا سقط
بذهاب النخل نصف الدين إذا كانت قيمتهما سواء كان نبت في الأرض نخل يساوى خمسمائة
والأرض والنخل بثلثي جميع المال لان النابت زيادة في الأرض فيصير هو كالموجود في أن
حكم الرهن ثبت في كل واحد منهما معا وتبين أن الدين ينقسم على قيمة الأرض وقيمة
النابت والذي احترق والقيم سواء كأنما سقط بذهاب ما احترق حصتها وهو ثلث الدين وعن أبي
يوسف رحمه الله قال إن كان الثابت منه عروق النخل التي احترق اسقط ربع الدين وإن كان
من غير ذلك من الأرض سقط نصف الدين لان الثابت إذا كان فيه عروق فاحترقت
فهو زيادة في النخيل خاصة فيقسم الدين أولا على قيمة الأصل وقيمة النخيل الموجود عند
العقد نصفين ثم تقسم حصة النخيل على قيمتها وقيمة الثابت نصف فسقط باحتراق النخيل
الموجودة ربع الدين بمنزلة الجاريتين إذا ولدت إحداهما ثم ماتت الأم وإذا ثبت النخيل من
الأرض كان زيادة في الأرض دون النخيل فباحتراق النخيل سقط ما كان فيها وهو نصف
الدين والنصف الباقي حصة الأرض ينقسم عليها وعلى النخيل الثابت ولو ارتهن أرضا ليس فيا
نخل فنبت فيها نخل وقيمة الأرض مثل الدين وقيمة النخيل كذلك فما رهن بالمال وان
ذهب النخيل لم يسقط من الدين شئ لأنها زيادة حدثت بعد تمام الرهن ولم يضر مقصوده
بالتناول حين هلكت قبل الفكاك فلا يسقط بهلاكها شئ من الدين كالولد ولو ارتهن أرضا
وكرما وقيمته والدين سواء ثم أثمر ثمرا كثيرا يكون مثل قيمته ثم ذهب الشجر وسلم الثمر
وقيمة الشجر والأرض سواء فإنه يذهب ثلث الثمن لما بينا ان الثمار زيادة في الشجر والأرض
جميعا لان الشجر تبع للأرض ولا تبع للتبع فانقسم الدين على قيمة الثلاثة سواء فيذهب الشجر
بثلث الدين فان ذهب الثمر بعد ذلك ذهب أيضا سدس جميع المال وليس المراد أنه بذهاب
الثمر سقط شئ من الدين لان الثمار زيادة حادثة بعد تمام الرهن وفاتت من غير صنع أحد
فكيف يسقط بهلاكها شئ من الدين ولكن الثمار صارت كأن لم تكن فتبين أن الدين انقسم
على قيمة الأرض وقيمة الأشجار نصفين وان بذهاب الأشجار سقط نصفه وبقيت الأرض
رهنا بنصف الدين وإذا ساق المرتهن دابة الرهن أو قادها فأصابت انسانا بيدها أو وطئته
برجلها فهو على القائد والسائق لان القائد والسائق متلف بطريق السبب فيكون ضامنا
مالكا أو غير مالك ولا يلحق الدابة ولا الراهن من ذلك شئ لانعدام سبب الاتلاف
114

من الراهن وكون فعل الدابة هدرا شرعا وإذا ارتهن ثوبا يساوى خمسة دراهم ومثقال
ذهب يساوى عشرة دراهم بخمسة فهلك الذهب ولبس الثوب حتى تخرق أو بدأ بالثوب
فلبسه قبل هلاك الذهب فقد سقط ثلثا الدين بهلاك الذهب لان الدين انقسم على قيمة
الذهب وقيمة الثوب وحصة الذهب ثلثا الخمسة فذهب ذلك بهلاك الذهب ويضمن قيمة
الثوب لأنه باللبس حتى تخرق صار غاصبا متلفا فيضمن قيمته يحسب له من ذلك ما كان منه
وذلك ثلث الخمسة بطريق المقاصة ويؤدى ما زاد على ذلك إلى صاحب الثوب. ولو ارتهن
عمامة تساوى نصف درهم ودرهم فضة بدرهم فهلكت الفضة ولبس العمامة حتى تخرقت فان
الفضة تذهب بثلثي دينه لان حصتها من الدين الثلثان ويضمن قيمة العمامة بالاتلاف يحسب
له منها ثلث الدرهم حصة ما كان فيها من الدين ويؤدي ما بقي. قال رحمه الله كان شيخنا الامام
رحمه الله يقول هذه من أعجب المسائل في الوضع فمن عادة محمد رحمه الله أنه يرفع فيما يذكر
منه قيمة الأشياء حتى يذكر ثوبا يساوى ألفا وجارية تساوى عشرين ألفا وهنا قال عمامة
تساوى نصف درهم ولو كانت هذه العمامة خيشا لكانت قيمتها أكثر من هذا وقد كان
صحيحا لأنه قال لبس العمامة حتى تخرقت فلا تأويل لهذا سوى انه أراد بهذا تطييب قلوب
طلبة العلم لان يثاب بما منهم يكون خلقة فيعملون إذا نظروا إلى هذه المسألة انه قد يكون في
الناس من يكون ثوبه دون ثيابهم فيكون في ذلك بعض التسلي لهم ولا يجوز ارتهان الخمر
والخنزير فيما بين المسلم والذمي لأنه ليس بمال متقوم في حق المسلم منهما فان هلك عند المرتهن
ذهب بما فيه أن كان الراهن كافرا لان خمر الذمي يكون مضمونا على المسلم بالقبض كما في
الغصب وضمان الرهن ضمان القبض وإن كان الراهن مسلما ذهب بغير شئ لان خمر المسلم
لا يكون مضمونا على الذمي بالقبض كما في حال الغصب والاتلاف والله أعلم
* (باب رهن الفضة بالفضة والكيل والوزن) *
(قال رحمه الله) وإذا ارتهن الرجل قلب فضة فيه عشرة دراهم بعشرة دراهم فهذه
المسألة على ثلاثة أوجه اما أن يكون قيمته مثل وزنه عشرة أو قيمته أقل من وزنه ثمانية أو
قيمته أكثر من وزنه اثنى عشر وكل وجه من ذلك على وجهين اما أن يهلك القلب أو ينكسر
اما إذا كانت قيمته مثل وزنه فان هلك القلب سقط حق المرتهن لان في وزنه وقيمته وفاء
115

بالدين فيصير المرتهن مستوفيا كمال حقه بهلاكه وان انكسر فعلى قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله يضمن المرتهن قيمته ان شاء من جنسه وان شاء من خلاف جنسه لأنه لا يمكن
فيه الربا ويكون ما ضمنه رهنا عنده أن يحل أجل الدين ثم يستوفيه ضامن حقه والمكسور
مملوك له بالضمان وعند محمد رحمه الله يخير الراهن ان شاء سلم المكسور للمرتهن بدينه وان
شاء افتكه ببعض الدين وروى أصحاب الاملاء عن أبي يوسف وعن أبي حنيفة رحمهما الله ان
الراهن يجبر على افتكاك اقتضاء جميع الدين وليس له أن يضمن المرتهن شيئا والأصل عند محمد
رحمه الله أن حالة الانكسار معتبرة بحالة الهلاك والقلب عند الهلاك في هذا الفصل مضمون
بالدين دون القيمة فكذلك عند الانكسار لان ضمان القيمة يوجب الملك في المضمون للضامن
وضمان الدين لا يوجب ذلك وسبب كل واحد من الضمانين القبض ولا يجوز أن يتعلق بشئ
واحد ضمانان من جنسين مختلفين فعند تعذر الجمع بينهما لابد أن يكون الثابت أحدهما وبالإجماع
في حالة الهلاك القلب مضمون بالدين هنا فكذلك في حالة الانكسار (ألا ترى) أن المبيع
لما كان مضمونا بالثمن استوى فيه حالة الهلاك وحالة الانكسار والمغصوب لما كان مضمونا
بالقيمة استوى فيه حالة الهلاك وحالة الانكسار فهذه مثله إلا أن عند الهلاك يتم الاستيفاء
حكما بين الوزن لان الاستيفاء يكون من المالية والمالية في مال الربا عند المقابلة بالجنس
يكون بقدر الوزن والكيل فأما عند الانكسار فلا يتم الاستيفاء لبقاء الوزن ولكنه يتخير
الراهن ان شاء سلم المكسور للمرتهن وجعله في حكم الهلاك فيتم الاستيفاء وان شاء افتكه
بقضاء الدين كما إذا انكسر القلب المبيع يخير المشترى بين أن يأخذه ويؤدى جميع الثمن
وبين أن يفسخ البيع ويجعله في حكم المستهلك وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله قالا ضمان
الرهن ضمان استيفاء والاستيفاء يكون من المالية ومالية القلب باعتبار وزنه والوزن قائم بعد
الانكسار من كل وجه فلا يمكن جعل المرتهن مستوفيا رضى به الراهن أو لم يرض لان عند
تسليم الراهن المكسور للمرتهن لا بد من القبول لان المرتهن يمتلك المكسور وذلك ليس
من حكم ضمان الاستيفاء إذا لم يهلك الرهن لا يملك المرتهن المرهون به ولهذا لو كان عبدا
كان كفنه على الراهن وإذا تعذر جعل المرتهن مستوفيا قلنا الراهن ما رضى بقبضه الأعلى وجه
يصير مستوفيا عند تعذر رده كما قبض فلا يكون راضيا بقبضه بدون هذا الشرط فالقلب
في هذه الحال كالمقبوض بغير رضاه وهو المغصوب فيكون مضمونا بقيمته ويخير المالك بين
116

أن يشترط المسكور ولا يبيعه بشئ وبين أن يضمنه قيمته ويملك المسكور بضمان القيمة وبهذا
تبين أنا لا نثبت ضمانين باعتبار قبض واحد ولكن باعتبار قبضين معناه أحدهما قبض
برضا المالك والآخر قبض بغير رضاه وكالواحد منهما يعتبر في حالة أخرى وعلى الرواية
الأخرى عند أبي حنيفة لا يضمنه المرتهن شيئا لان القبض بحكم الرهن يوجب ضمان
الاستيفاء فقط والاستيفاء يكون من المالية وهو باعتبار الوزن ولم يفت شئ بالانكسار
من الوزن إنما فاتت الصفقة ولا قيمة للصفقة في مال الربا عند المقابلة بجنسها ومالا قيمة له
لا يكون مضمونا بحكم الرهن وفواته لا يسقط من الدين ولا يثبت الخيار للراهن كفوات
الزيادة إذا لم يتمكن بحدوثها نقصان في الأصل وأما إذا كانت قيمة القلب أقل من وزنه فهلك
فعند أبي حنيفة رحمه الله يصير المرتهن مستوفيا دينه وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله
يضمن قيمته من خلاف جنسه كيلا يؤدى إلى الربا ولا يسقط شئ من الدين لأنه لا يمكن أن
يجعل مستوفيا قدر قيمته من الدين فان استيفاء العشرة بثمانية ربا ولا يمكن أن يجعل مستوفيا
لجميع دينه باعتبار الوزن لان فيه اعتبار حق المرتهن في الجودة وكما يجب مراعاة حقه في
الوزن يجب مراعاة حقه في الجودة ألا ترى أن الراهن لو أراد قضاء دينه بما هو دون حقه
في الجودة لا يملك ذلك بغير رضا المرتهن فإذا تعذر جعله مستوفيا يجعل كالمقبوض بغير إذن
المالك فيكون مضمونا بالقيمة على القابض إذا هلك وأبو حنيفة يقول ضمان الرهن ضمان
استيفاء والاستيفاء يكون بالوزن وفى القلب وفاء بالدين فيجعل مستوفيا كمال حقه على معنى
انه لما قبض الرهن مع علمه بهلاك الرهن يصير مستوفيا دينه باعتبار الوزن فكأنه رضى
بدون حقه في الجودة وهذه المسألة نظير مسألة الجامع الصغير إذا كان له على غيره
عشرة جياد وستوق فهلك في يده ثم علم أن المستوفى كان زيوفا فعند أبي حنيفة رحمه الله
يسقط حقه وعند أبي يوسف رحمه الله نضمنه مثل المقبوض ويرجع بحقه ذكر قوله محمد
في تلك المسألة كقول أبي حنيفة قال عيسى وهو قوله الأول أما قول الآخر فكقول أبى
يوسف رحمه الله على قياس ما ذكره في كتاب الرهن إذ لا فرق بين النصيبين فان الرهن
مقبوض فيكون بمنزلة المقبوض بحقيقة الاستيفاء وهناك المستوفى إذا تعذر رده للهلاك
سقط حقه ولا يرجع بشئ عند أبي حنيفة لمكان الجودة فكذلك في الرهن وعندهما هناك
يضمن مثل المستوفى ومقام رد المثل مقام رد العين لمراعاة حقه في الجودة فكذلك في الرهن
117

فان قيل يستقيم هذا البناء وهناك عند القبض لو كان عالما بصفة المستوفى سقط حقه
عندهم جميعا وهنا عند قبض الرهن هو عالم برداءة المقبوض قلنا نعم ولكن عند قبض الرهن
ما كان يعلم أنه يهلك في يده فيصير مستوفيا به حقه وإنما يتم الاستيفاء هنا عند هلاك الرهن
فبمجرد قبض الرهن لا يتم رضاه بسقوط حقه عند الجودة وعندهما بمنزلة ما لو قبضه لاستيفاء
حقين ولا يعلم أنه دون حقه في الجودة ولو انكسر القلب هنا ضمنه المرتهن قيمته من خلاف
جنسه أما عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله فظاهر وعند محمد حالة الانكسار معتبرة بحالة
الهلاك وفى حالة الهلاك عنده في هذا الفصل القلب مضمون بالقيمة دون الدين فكذلك عند
الانكسار وإنما يضمنه قيمته من خلاف جنسه للتحرز عن الربا وأما إذا كانت قيمته اثني عشر
فإنه إن هلك القلب سقط الدين عندهم جميعا لان في الوزن وفاء بالدين وفى القيمة كذلك وزيادة
القيمة على الدين كزيادة الوزن فيلغى فتكون تلك الزيادة أمانة ويصير مستوفيا كمال حقه بهلاك
الرهن وذكر ابن سماعة أن في قياس قول أبى يوسف يضمنه المرتهن قيمة خمسة أسداس القلب
من خلاف جنسه ولا يسقط شئ من الدين لأنه لا يمكن أن يجعل مستوفيا دينه بجميع القلب
فان من أصله أن الجودة لا تفصل عن الأصل في حكم الضمان وفى هذا ابطال حق الراهن
عن الجودة فكما يراعى حق المرتهن في الجودة فكذلك يراعى حق الراهن ولا يمكن أن يجعل
مستوفيا دينه بما يساوى عشرة من القلب وهو خمسة أسداسه لان وزن ذلك ثمانية وثلث
واستيفاء العشرة بثمانية وثلث يكون ربا فإذا تغير الاستيفاء قلنا يضمن خمسة أسداس
القلب من خلاف جنسه ويكون مرهونا بالدين ولكن الأول أصح لما بينا أن زيادة الجودة
لا تكون أعلى من زيادة الوزن والمرتهن آمن في تلك الزيادة فهلاكها في يده كهلاكها في
يد الراهن وأما إذا انكسر القلب فعلى قول أبي حنيفة يضمن جميع القلب من خلاف جنسه
ومن أصله أن المعتبر هو الوزن والصيغة تبع للوزن وليس للوزن هنا فضل على الدين فكان
كله مضمونا بالدين وثبوت الحكم في التبع كثبوته في الأصل فمن ضرورة كون الأصل
كله مضمونا أن تكون الجودة كلها مضمونة وحالة الانكسار ليست بحالة استيفاء الدين
عنده فيكون ضامنا جميع القيمة من خلاف جنسه كما في المغصوب وروى بشر عن أبي
يوسف رحمهما الله مثل هذه فأما ظاهر المذهب عند أبي يوسف فهو أن المرتهن يضمن قيمة
خمسة أسداس القلب ويصير مملوكا له بالضمان وإنما نهى عنه للتحرز عن الشيوع في الرهن
118

وقد بينا أن الشيوع الطارئ في ظاهر الرواية كالشيوع المقارن وهذا لان من أصل أبى
يوسف ان الضمان والأمان تبع في الوزن والجودة لان الجودة والصنعة لها حكم المالية مع
الأصل ولهذا يعتبر من القلب في القلب الموصى به ولو باع الوصي قلب اليتيم بمثل وزنه
لا يجوز ويجعل محاباته بالجودة والصنعة كمحاباته بالوزن وكذلك في القلب المغصوب باعتبار
فوات الصنعة والجودة يصير الغاصب ضامنا وإذا تقرر هذا قلنا خمسة أسداس القلب تصير
مضمونة بجودته وصنعته وسدسه أمانة فالتغير بالانكسار فيما هو أمانة لا يعتبر فيما هو
مضمون معتبر وحالة الانكسار ليست بحالة الاستيفاء عنده فيضمن قيمة خمسة أسداس
من خلاف جنسه لهذه وأما عند محمد ان انتقص بالانكسار من قيمته درهم أو درهمان لجبر
الراهن على الفكاك بقضاء جميع الدين لان من أصله أن الضمان في الوزن والأمانة في الجودة
والصنعة باعتبار أن الجودة والصنعة تابعة للوزن وأن الأمانة في المرهون كذلك فيجعل
الأصل بمقابلة الأصل والتبع بمقابلة التبع وهذه لان الصنعة مال من وجه كما قرره أبو يوسف
أنها مال تبعا للأصل ولكن ليس لها حكم المالية والتقوم منفردة عن الأصل كما أن حكم الرهن
فيما هو أمانة ثابت من وجه وهو الحبس بالدين وليس بثابت في حكم الضمان فإذا كانت الأمانة
هنا في الصنعة والجودة قلنا إذا لم تنقص بالانكسار أكثر من درهمين فالثابت ما كان أمانة
فيجبر الراهن على الفكاك وان انتقص أكثر من ذلك فقد فات شئ من المضمون وحالة
الانكسار عند محمد معتبرة بحالة الهلاك وفى هذا الفصل عند الهلاك يصير مستوفيا دينه
فكذلك عند الانكسار يكون مضمونا بالدين ويتخير الراهن كما بينا وسوى هذا فصلان
آخران ينقسم الواحد منهما على عشرة أوجه وقد بينا ذلك فيما أنشأه من شرح الزيادات
ولم يذكر محمد معناهما في هذا الباب فهذا لم يذكره هنا ولو ارتهن إبريق فضة قيمته مائة
درهم بعشرة دراهم فانكسر عنده فهو ضامنه بعشر قيمته مصوغا من الذهب كما قال
في الكتاب والصحيح انه يتخير بين ان يضمنه بعشر من جنسه أو من خلاف لأنه
لا يؤدى إلى الربا فالقيمة مثل الوزن وقيل يؤول ما ذكر أن قيمته بدون الصنعة دون الوزن
وهو إنما يملك بالضمان عشر المكسور فيضمنه من خلاف جنسه كيلا يؤدى إلى الربا وإذا
ملك عشر الإبريق فالضمان بمعنى ذلك القدر للتحرز عن البيع ويكون تسعة أعشاره مع
الذهب الذي عزله رهنا بالدين وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقد ذكر في
119

نسخ ابن حفص أنه قول أبى يوسف فأما عند محمد فالراهن يجعل عشر المكسور للمرتهن
بعينه ويرد تسعة أعشاره لأنه يعتبر حالة الانكسار بحالة الهلاك ولو هلك في هذه المسألة
كان المرتهن مستوفيا دينه بعشر الإبريق وهذا مثله ولو ارتهن قلب فضة فيه عشرة دراهم
بدرهم فكسر رجل القلب عنده ضمن قيمته من الذهب وكان رهنا والقلب له لان المرهون
فات إلى بدل فيقوم البدل مقام الأصل ويبقى باعتباره جميع الدين فان أبى الراهن والمرتهن
أن يدفع إليه القلب ورضيا أن يكون رهنا على حاله وهو مكسور فهو رهن ولا ضمان على
ذلك الرجل لما بينا أن الفائت بالكسر الصنعة وهي لا تتقوم منفردة عن الأصل وكما لا يتقوم
على الكاسر لوجود الرضا من الراهن به حين الانكسار فكذلك لا يقوم على المرتهن في
الكتاب ذكرا بأيهما جميعا والمعتبر اباء الراهن خاصة ولو ارتهن عشرة دراهم بيضا صرفا
بعشرة سود فهلكت فهي بالسود لان الفصل في هذا الباب بالرهن إذ في الوزن والجودة
وفاء بحق المرتهن وزيادة فيجعل عند الهلاك مستوفيا لدينه والزيادة أمانة ولو ارتهن
قلب فضة جيدة بيضاء فيه عشرة دراهم بعشرة دراهم فضة سوداء فهلكت فالمرتهن مستوف
لجميع دينه بالهلاك ولو انكسر ضمن المرتهن قيمته مصوغا من الراهن وكان رهنا فالدين
والقلب له عند أبي حنيفة وعند محمد رحمهم الله يخير الرهن بين أن يفتك المكسور بقضاء جميع
الدين وبين ان يسلمه للمرتهن بالدين وفى قول أبى يوسف للراهن أن يضمن المرتهن من
القلب ذهبا بقدر قيمة فضة المرتهن السوداء ويكون ما بقي من القلب للراهن يقسم ذلك
فيجمع مع الذهب الذي ضمنه المرتهن فيكون رهنا وهذه وما ذكرنا قبله في الوجه الثالث
إذا انكسر القلب في التخريج سواء ولو ارتهن قلب فضة فيه عشرة دراهم بدينار فانكسر
وقيمته والدينار سواء فان المرتهن يقوم قيمته من الذهب فيكون رهنا بالدينار والقلب له لأنه
في وزن القلب فضل على مالية الدين وحالة الانكسار في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما
الله حال ضمان القيمة فيكون ضامنا قيمته عندهما ولو هلك هو بما فيه لان الدينار مقوم
بالعشرة ففي ماليته وفاء بالدين عند الهلاك فيصير مستوفيا دينه وعند محمد في حال الانكسار
أخص الراهن بالخيار ان شاء أخذ القلب مكسورا وأعطاه الدينار وان شاء جعل الفضة له
بالدينار اعتبارا بهذا الحال بحال الهلاك ولو ارتهن قلب فضة فيه خمسون درهما بكر حنطة
سلم أو قرض وقيمته والدين سواء فان هلك ذهب فيما فيه وان انكسر فهو على ما وصفت
120

لك معناه ان عند أبي يوسف يكون ضامنا جميع قيمته من خلاف جنسه وعند محمد يخير
بين ان يجعله للمرتهن بدينه وبين أن يفتكه بقضاء جميع الدين ولو ارتهن خاتم فضة فيه من
الفضة وزن درهم وفيه فص يساوى تسعة دراهم بعشرة فهلك فهو بما فيه لان فيما بقي وفاء
بالدين ولو ارتهن سيفا محلى قيمة السيف خمسون درهما ونصله خمسون بمائة درهم فهلكت فهو
كالخاتم وان انكسر الفص والحلية بطل من الدين بحساب نقصان النصل لان النصل ليس بمال
الربا فالنقصان في عينه يسقط من الدين بقدره واما الفضة فمن مال الربا فالجواب فيه كالجواب
في مسألة القلب عند الانكسار وفى الخلاف بين أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله
ولو ارتهن كر حنطة جيدة بكر ردئ فهلك فهو بما فيه وان أصحابه ما يفسده فعلى المرتهن كر
مثله لان الفساد في الحنطة كالانكسار في القلب إلا أن الحنطة مضمونة بالمثل والقلب بالقيمة
وعند محمد ان شاء الراهن سلمه للمرتهن بالدين وان شاء اخذه معيبا وأعطاه دينه اعتبارا
لحالة الفساد بحال الهلاك ولو كان الرهن كرا رديئا والدين كرا جيد فهلك فهو بما فيه عند أبي
يوسف لان في القدر وفاء بالدين والمعتبر القدر عنده وعندها جميعا وهو نظير ما سبق من
رهن القلب الردئ والعشرة السود بالعشرة البيض ولو رهن قلب فضة بعشرة دراهم وقال إن
جئتك بالعشرة إلى شهر والا فهو بيع لك بالعشرة فالرهن جائز والشرط باطل لان
البيع لا يحتمل التعليق بالشرط وقد بينا في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم لا يغلق الرهن ان المراد
هذا وإذا كان الحكم في سائر الأعيان المرهونة هذا ففي القلب أولى لان البيع يدخله معنى
الصرف هنا وإذا أعطى رجل رجلا قلب فضة فقال ارهنه لي عند رجل بعشرة دراهم وفى
القلب عشرون فامسكه الوكيل عنده وأعطاه عشرة دراهم وقال رهنته لك كما أمرتني ولم يقل
رهنته عند أحد فهلك القلب عنده فان تصادقا بالذي كان رجع بالعشرة وكان مؤتمنا في القلب
لأنه لم يخالف فان قبضه ففضل المقبوض في يده أمانة وهو كفيل على حفظه إلى أن هلك فهلك
أمانة ويرجع بدينه ولا يكون هو بما صنع عاقدا عقد الرهن في القلب مع نفسه فيكون رهنا
لا راهنا فلهذا لا يصير مستوفيا دينه بهلاك القلب وان تجاحدا فقال الآمر قد أقررت لي
انك رهنته فلا شئ لك علي فهو كما قال لان القابض قد أقر بالرهن ومن حكمه باقراره أنه
لا يجب على صاحب القلب شئ من العشرة بعد هلاك القلب والمقر بواحد بحكم اقراره ولكن
يحلف صاحب القلب بالله ما يعلمه أمسكه لأنه لو صدق في ذلك لرهنه إذا بعشرة فيحلف
121

عند التكذيب لرجاء نكوله ولكنه يحلف على فعل الغير فيكون على الفعل فان قيل الاستحلاف
يترتب على دعوى صحيحة ولم تصح الدعوى من المقر للتناقض فكيف يحلف الخصم قلنا موضوع
المسألة أنه قال رهنته ولم يقل رهنته عند أحد فكان توفيقه بين الكلامين صحيحا انى رهنته عند
نفسي ظنا منه أن ذلك صحيح وإذا تقدم التناقض بهذا التوقيف توجهت اليمين على الخصم وان قال
الآخر قد أقررت أنك رهنته ثم زعمت لم تفعل فأنت ضامن للقلب فله أن يضمنه قيمة
القلب مصوغا من الذهب ويرجع بالعشرة قال عيسى هذا غلط ولا معنى لايجاب ضمان
القيمة على الوكيل لأنه إن كان رهنه فليس عليه ضمان القيمة أيضا وليس هنا حالة ثالثة فبأي
طريق يكون الوكيل ضامنا للقيمة وهذا نظير الظن الذي ذكرناه في كتاب الوديعة إذا
ادعى المودع الهلاك ثم ادعى الرد ووجه ظاهر الرواية أنه من حيث الظاهر قد تناقض كلامه
ومع التناقض لا يقبل قوله فكأنه ساكت حابس للقلب فيضمن قيمته * توضيحه انه لما قال
رهنته أوجب هذا الكلام انه لم يبق لك عندي شئ فيجعل جاحدا الأمانة بهذا الطريق ومن
نكل أمانة في يده ضمنها فلهذا كان له أن يضمن الوكيل قيمته ولو ارتهن طوق ذهب فيه مائة
وخمسون مثقالا بألف درهم فحال الحول والألف عند الراهن يتجر فيها فلا زكاة فيها على
الراهن في رهنه ولا زكاة على المرتهن في الدين الذي له عنده فإذا قبض المال ورد الرهن
فعلى المرتهن زكاة الألف لما مضى لوصول يده إليها وقد ذكرنا في كتاب الزكاة أن الزكاة
تجب في الدين ولكن لا يجب الأداء الا بعد القبض وعلى الراهن زكاة الطوق لما مضى
لان وجوب الزكاة في الذهب باعتبار العين إلا أن العين كانت محبوسة عند الحق المرتهن
فإذا وصلت يده إليه أدى الزكاة لما مضي وليس عليه في الألف زكاة لأنه كان عليه مثلها دينا
والمستغرق بالدين لا يكون نصاب الزكاة وإذا ارتهن كرى حنطة رديئة بكر حنطة جيدة
وقيمتهما سواء فهلكا عنده فهو بما فيه لان في مالية الرهن وفاء بالدين وان أصابه ففسد فإنه
يضمن كرا مثل أحدهما ويكون له نصف الكرين جميعا ويرجع على الراهن بدينه في قياس قول
أبي حنيفة لان حالة الفساد ليست بحال استيفاء الدين والمضمون منه المقبوض عند تعذر
الدين كيلا فعند الفساد يضمن مثل ذلك القدر ويمكث الفاسد بالضمان مثل ما ضمن ولم يذكر
قولهما في هذا الفصل وينبنى على قولهما في حالة الهلاك والفساد أن يكون ضامنا مثل أحد
الكرين لأنه لا يمكن أن يجعل مستوفيا دينه بالكرين لمعنى الربا ولا يمكن أن يجعل مستوفيا
122

دينه بأحد الكرين لما فيه من ابطال حق المرتهن في الجودة وان ارتهن شيئا مما يوزن بشيئين
مما يكال أو شيئا مما يكال بشيئين مما يوزن وفيه وفاء فهلك فهو بما فيه لان معنى الربا لا يتحقق
مع اختلاف الجنس وفى مالية الرهن وفاء بالدين وان اصابه شئ أفسده ضمن المرتهن
مثله وكان ذلك له ويرجع بدينه لقول أبى يوسف وقول أبي حنيفة رحمهما الله وفي قول محمد
يتخير الراهن بين أن يجعله للمرتهن بدينه وبين ان يسترده بقضاء الدين ولو ارتهن بعشرة
دراهم فلوسا تساويها فهلكت فهي بما فيها وان انكسرت دفعت فيه دينه بحساب ذلك لان
الفلوس الرائجة لا تكون موزونة فإنما رهنها وهي ليست بمال الربا فبالنقصان في عينها سقط
من الدين بحساب ذلك وذلك أن تقوم مكسورة وغير مكسورة ثم هذا عند أبي حنيفة وأبى
يوسف رحمهما الله ظاهر لان بيع فلس بعينه بفلسين بأعيانهما جائز عندهما وإنما الاشكال
على قول محمد فإنه لا يجوز ذلك الا باعتبار أن الفلوس مال الربا على الاطلاق ولكن باعتبار
أنها لا تتعين عنده ولا يقابل أحد الفلسين شيئا من العوض وذلك مبطل للعقد في أموال
الربا وغيرها ولو لم تنكسر ولكنها كسرت فهي رهن على حالها فان هلكت ذهبت بالعشرة
لان كسادها بمنزلة تغير السعر وقد بينا أن تغير السعر في المرهون غير معتبر في سقوط الدين
وضمان الرهن بالقبض كضمان الغصب ولو رد الفلوس المغصوبة بعينها بعد ما كسدت لم
يلزمه شئ آخر وجعل الكساد بمنزلة تغير السعر هناك فكذلك في الرهن ولو ارتهن طستا
أو تورا أو كوزا بدرهم أو أكثر من ذلك وفى الرهن وفاء وفضل فان هلك فهو بما
فيه وان انكسر فما كان فيه لا يوزن ذهب من الدين بحساب النقصان وما كان منه يوزن
فإن شاء الراهن أخذه وأعطاه الدين وان شاء ضمن قيمته مصوغا من الذهب وكان ذلك
للمرتهن وأخذ الراهن القيمة وأعطاه دينه في قول أبى يوسف قال الحاكم ورأيت في رواية
أبى حفص وهو قول أبي حنيفة مكان قول أبى يوسف رحمهما الله وهذا صحيح على أصل أبي حنيفة
أما عند أبي يوسف فإنما يستقيم هذا الجواب على رواية سوى ما على ظاهر الرواية عند أبي
يوسف ينبغي أن يضمن من قيمته بقدر الدرهم منه وكذلك نصل السيف والشئ من
الحديد والصفر يكون مصوغا لا يباع وزنا بوزن كما يتبادر وما كان من ذلك يباع
وزنا لم يذهب من الدين باعتباره شئ ولكن إن كان هو والدين سواء ضمن المرتهن قيمته
مصوغا وكان رهنا مكانه وكان ذلك الشئ للمرتهن والدين على حاله في قول أبى يوسف وهنا
123

ذكر قول أبى يوسف في الروايتين جميعا وهو صحيح لما ذكرنا من الزيادة فيه أن كان هو
والدين سواء ولا اشكال فيه عند أبي حنيفة وإذا ارتهن عند رجل قلب فضة فيه عشرة
دراهم على أن يقرضه درهما فهلك الرهن عند المرتهن قبل أن يقرضه فعليه درهم يعطيه إياه
لما بينا ان الموعود منه الدين كالمستحق في أنه يصير مستوفيا بهلاك الرهن وكذلك على أن
يقرضه شيئا ولم يسمه فهلك فقد صار مستوفيا ذلك الشئ وبيانه إليه فيقال للمرتهن أعطه
ما يثبت بمنزلة ما ولو أقر له بشئ وكذلك أن قال أمسكه رهنا بنفقة يعطيها إياه وان قال أمسكه
رهنا بدراهم فلا بد من أن يعطيه ثلاثة دراهم لان أدنى الجمع المتفق عليه ثلاثة وهو وما لو
أقر له بدراهم سواء ولو قال آخذه رهنا بمحتوم حنطة أو محتوم شعير فهلك عنده كان على
المرتهن محتوم شعير لان الأول متيقن به فعند الهلاك يجعل مستوفيا للأول ولذلك لو قال
خذه رهنا بدين أراد بدرهم ولو رهن عند رجل خاتم فضة فيه درهم بنصف درهم فلوس
فأعطاه شعيرا بفلس فغلت الفلوس فصارت ثلثين بدرهم ثم هلك الخاتم فهو بما فيه لان
هذا نظير الشعير وهو غير معتبر في حكم الرهن وعند الهلاك إنما يصير مستوفيا باعتبار قيمة
الرهن وقت القبض وفى قيمته وقت القبض وفاء بالدين فيصير مستوفيا جميع الدين بهلاكه
وكذلك لو كسدت ولم يبق أو رخصت فصارت تسعين بدانق لم يكن عليه الا تسعون فلسا
وان هلك الخاتم ذهب بما فيه وان انكسر فإن شاء المرتهن أبطل حقه ودفع به الخاتم مكسورا
وان طلب حقه ضمن نصف قيمة الخاتم مصوغا من الذهب وأخذ نصف الفضة وكان الذهب
ونصف الفضة الباقي رهنا بتسعين فلسا لان نصف الخاتم أمانة ونصفه مضمون فان الفضة
وزن درهم وإنما رهنه بنصف درهم فلوس فعرفنا ان نصف الخاتم مضمون ونصفه أمانة
فعند الانكسار يضمن المرتهن قيمة المضمون من الخاتم من الذهب في قول أبي حنيفة وأبى
يوسف رحمهما الله وفى قول محمد الراهن بالخيار ان شاء أخذه فاسدا وأدى الدين وان شاء
جعل المضمون منه للمرتهن بدينه وأخذ الباقي منه ويبطل قدر الدين اعتبار الحال الهلاك
بحال الانكسار وذكر الحاكم في المختصر في بيان قول أبى يوسف وان انكسر فإن شاء
الراهن أبطل الرهن وأخذ الخاتم مكسورا وهذا ان صح فمراده أنه يؤخذ مكسورا بقضاء
جميع الدين ولا يسقط باعتبار النقصان شئ من الدين بخلاف ما تقدم في الطست والتور
لان مصوغ ذلك ليس من مال الربا فإنه لا يوزن فأما المصوغ من الفضة فمال الربا سواء
124

كان ذلك مما يوزن عادة أو لا يوزن فلا يسقط شئ من الدين باعتبار النقصان المتمكن بالكسر
ولكن يلزمه قضاء جميع الدين إذا أراد أخذه والله أعلم
* (باب الشهادة في الرهن) *
(قال رحمه الله) وإذا ادعى المرتهن الرهن وقد قبضه وأنكره الراهن فأقام شاهدين فشهد
أحدهما أنه رهنه بمائة والآخر انه رهنه بمائتين فشهادتهما باطلة عند أبي حنيفة لاختلاف
الشاهدين في المشهود به من المال لفظا ومعنى فالمائة غير المائتين وبدون ثبوت الدين لا يثبت
الرهن وعندهما يثبت المائة إذا كان المدعى يدعى المائتين فتقبل شهادتهما ويقضى بالرهن بالمائة
فان شهد أحدهما بمائة والآخر بمائة وخمسين والمرتهن يدعى مائة وخمسين فالرهن بمائة درهم
لاتفاق الشاهدين على المائة لفظا ومعنى والخمسون عطف على المائة في شهادة أحدهما ولو
ادعى المرتهن مائة بطلت شهادتهما لا كذاب المدعى أحد الشاهدين وهذا بخلاف البيع
فالثمن هناك يجب بالعقد والعقد بمائة غير العقد بمائة وخمسين فلا يمكن القاضي من القضاء
بواحد من العقدين وبدون السبب لا يجب المال وهنا الدين كان واجبا قبل عقد الرهن
إلا أن يكون وجوبه بالرهن فاختلاف الشاهدين في مقداره لا يمنع القاضي من القضاء بما
اتفق عليه لفظا ومعنى عند أبي حنيفة أو معنى عندهما ولو شهد أحدهما بدنانير والآخر بدراهم
كانت شهادتهما باطلة لاختلافهما في جنس المشهود به من الدين فلا بد من أن يدعى أحد
المالين فيكون مكذبا شاهده الآخر ولو ادعى الراهن أنه رهنه بمائة وخمسين وهي قيمته
وشهد له بذلك شاهد وشهد آخر على مائة وقال المرتهن لي عليه خمسون ومائة وهذا رهن
بمائة منها فالقول قول المرتهن لان المنازعة بينهما في مقدار ما ثبت من يد الاستيفاء للمرتهن
بقبض الرهن فيكون ذلك بمنزلة اختلافهما فيما استوفى من الدين فالراهن يدعى زيادة في
ذلك والمرتهن ينكر فالقول قول المرتهن ولأنه لو أنكر رهن العين بشئ من الدين كان القول
قوله لان الرهن لا يتعلق به اللزوم في حق المرتهن فكذلك إذا أنكر الرهن ببعض المال
فان أقام كل واحد منهما بينة على ما ادعى فالبينة بينة الراهن لحاجته إليها واثباته الزيادة فيما
ثبتت فيه يد الاستيفاء وإذا اختلف الراهن والمرتهن في قيمة الرهن بعد هلاكه فالقول
قول المرتهن لان بهلاك الرهن يصير المرتهن مستوفيا بقدر قيمته فحاصل اختلافهما في مقدار
125

ما صار مستوفيا فالراهن يدعى الزيادة والمرتهن ينكر فالقول قول المرتهن مع يمينه والبينة بينة
الراهن لاثباته الزيادة بها وكذلك لو كانا ثوبين فهلك أحدهما ثم اختلفا في قيمة الهلاك
فحاصل الخلاف بينهما فيما صار المرتهن مستوفيا بهلاك الثوب الذي هلك عنده وإذا رهن عبدا
بألف درهم ثمن متاع باعه إياه فيقبض المتاع إلى أن يدفع إليه الرهن وجحد الراهن فأقام
المرتهن بينة أنه باعه على أن يرهنه ذلك العبد فأبى الآخر من دفع العبد لان الثابت بالبينة
كالثابت بالمعاينة ولو عاينا البيع بشرط الرهن لم يجبر الراهن على التسليم لان الرهن لا يتم
الا بالقبض ولا يكون مرهونا غير مقبوض ولكن البائع بالخيار ان شاء أخذ متاعه إلا أن
يعطيه الآخر العبد رهنا أو يعطيه مكانه رهنا آخر برضاه لأنه تغير عليه شرط عقده حين لم
يعطه ذلك العبد رهنا فثبت له الخيار بين فسخ العقد وامضائه إلا أن يعطيه ذلك العبد رهنا
فحينئذ قد وفى له بالشروط وان أراد أن يعطيه مكانه رهنا آخر يحتاج إلى رضاه به لأنه
إنما رضى بالأول دون الثاني فالثاني لا يقوم مقام الأول الا برضاهما ولو لم يجحد الراهن
ولكن هلك الرهن في يده أو استحق أو باعه أو أصابه عيب ينقصه فلبائع المتاع أن يأخذ
رهنا آخر أو دراهم أو دنانير قيمة ذلك فله ذلك أو يأخذ متاعه لان قيمة الشئ عند تعذر
تسليم عينه يقوم مقام العين فكان منع الراهن القيمة بعد هلاك العين كمنع العين في حال
قيامه فلأجله تخير البائع وإن كان الراهن قد استهلك المبيع أخذ البائع ثمنه حالا أو يعطيه
قيمة الرهن دراهم أو دنانير مكانه رهنا لأنه تعذر استرداد المبيع حين استهلكه المشترى
والثمن حال فيطالبه بالثمن حالا أو يعطيه قيمة الرهن لان القيمة خلف عن العين عند تعذر
تسليم العين والحاصل أن الراهن إذا أراد أن يعطيه عينا آخر يحتاج فيه إلى رضا البائع وهو
نظير المغصوب بعد ما هلك إذا أراد الغاصب أن يعطيه عينا أخرى يحتاج إلى رضا البائع
لأن العين الثانية لا تقوم مقام الأولى الا بتراضيهما وإذا أراد أن يعطيه القيمة فالقيمة قائمة
مقام العين فلا حاجة فيه إلى رضا البائع وهو نظير المغصوب بعد ما هلك إذا أراد الغاصب
أن يعطيه عينا أخرى يحتاج إلى رضا المغصوب منه وإذا أعطاه قيمة المغصوب فليس له أن يأبى
ذلك ويطلبه بشئ آخر وإذا ادعى العين الواحدة رجلان كل واحد منهما يقول لذي اليد قد
بعتني بألف درهم وقبضت منك ويقيم البينة ففي القياس لا يقضى لواحد منهما بشئ لأنه
لو قضى بالبينتين إنما يقضى لكل واحد منهما بالرهن بنصف وذلك ينعقد لمكان الشيوع ولم
126

يذكر الاستحسان هنا إنما ذكره بعد هذا على ما بينه وان أقام أحدهما البينة انه الأول أو
ثبتت بينة كل واحد منهما فهو رهن لأولهما وقتا لأنه أثبت حقه بعقد تام في وقت لا ينازعه
فيه صاحبه وبثبوت حقه في ذلك الوقت يمنع ثبوت حق الثاني بعده ما لم يسقط حق الأول
بانفكاك وإن كان في يد أحدهما فهو أولى به لان تمكنه من القبض دليل سبق عقده ولان
الآخر يحتاج إلى اثبات استحقاق اليد عليه وليس في بينته ما يوجب ذلك لجواز أن يكون
عقد ذي اليد سابقا وذو اليد لا يحتاج إلى اثبات استحقاق اليد على صاحبه لان ذلك ثابت له
بظاهر يده فكان ذو اليد أولى إلا أن يقيم الآخر بينة أنه الأول فحينئذ شهوده صرحوا
بسبق تاريخ عقده وبما يوجب استحقاق اليد له على يد ذي اليد والتاريخ المنصوص عليه
يترجح على التاريخ المدلول عليه فإن كانت يدهما جميعا فان علم الأول منهما فهو له وإن لم تعلم
الأولى لم يكن رهنا لواحد منهما في القياس وبه يأخذ وفى الاستحسان لكل واحد منهما
نصفه رهنا بنصف حقه لان التعارض لما وقع بين البينتين والعمل بهما ممكن وجب العمل
بهما بحسب الامكان (ألا ترى) أن في البيع عند التعارض يعمل بالبيعين جميعا بحسب الامكان
ويجعل كأنه باع منهما جميعا فكذلك في الرهن يجعل كأنه رهن منهما جميعا ورهن العين من
رجلين صحيح على أن يكون مضمونا بدين كل واحد منهما ووجه القياس ان عند التعارض
والتساوي إنما يقضى لكل واحد منهما بالنصف كما في البيع وذلك غير ممكن هنا لأجل
الشيوع وقد بينا أن العين في حكم الرهن بمنزلة المرأة في حكم النكاح لا يحتمل التجزء وعند
استواء البينتين في دعوى النكاح على امرأة واحدة لا يقضى بشئ فهذا مثله وإنما أخذنا
بالقياس هنا لان وجه الاستحسان أضعف ووجه القياس أقوى فان هذا ليس في معنى الرهن
من رجلين لان هناك كل واحد منهما ثبت حقه في جميع الرهن حتى إذا قبض جميع دين
أحدهما لا يسترد شيئا من الرهن ما لم يقبض دين الآخر لوجود الرضا من كل واحد منهما
بثبوت حق صاحبه في الحبس معه وهنا لا يمكن القضاء بذلك لان كل واحد منهما غير
راهن بحق صاحبه ولان هناك العقد في جانب الراهن واحد وهنا كل واحد منهما يثبت
ببينته عقدا آخر والرهن من رجلين بعقدين مختلفين أو بينتين متفرقتين لا يجوز كما لو قال
رهنت هذه العين منكما بألف نصفه منك بخمسمائة ونصفه منك بخمسمائة فقد ذكر
الاستحسان فيما إذا كان الرهن في أيديهما ولم يذكر فيما إذا كانت العين في يد الراهن والأصح
127

ان القياس والاستحسان منهما وقد تكلف بعض مشايخنا رحمهم الله فقالوا هناك لا يقضي قياسا
واستحسانا لأنه لو قضى لم يتمكن كل واحد منهما الا من قبض النصف وقبض النصف بحكم
الرهن مشاعا لا يجوز وهنا العين في أيديهما فيمكن أن يجعل ذلك بمنزلة رهن العين من رجلين
ولو مات الراهن وعليه دين والرهن في أيديهما وكل واحد منهما يقيم البينة أنه ارتهنه كان
لكل واحد منهما نصفه ونصف حقه يباع له فان فضل عن نصيب كل واحد منهما شئ كان
الفضل بين الغرماء بالتخصيص وان بقي من دين كل واحد منهما شئ ضرب كل واحد منهما
بالدين فيما بقي له من الغرماء في التركة وهذا قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله استحسانا وقال
أبو يوسف الرهن باطل وهو بين الغرماء بالتخصيص فأبو يوسف أخذ بالقياس وسوى بين
ما بعد وفاة الراهن وحال حياته باعتبار المعنى الذي قلنا إن القاضي لا يتمكن من القضاء لكل
واحد منهما بالرهن الا في النصف والشيوع لما كان يمنع صحة الرهن في حياة الراهن فكذلك
بعد وفاته وهما فرقا لمعنيين أحدهما ان المقصود بعد موت الراهن اثبات الاختصاص دون
الجنس وكل واحد منهما أثبت لنفسه حق الاختصاص بالعين حتى يباع له في دينه وهذا مما
يحتمل الشركة في العين وهو نظير ما لو ادعى رجلان نكاح امرأة بعد موتها وأقام كل واحد
منهما البينة فيقضى لكل واحد منهما بنصف ميراث الزوج بخلاف حال الحياة وكذلك لو ادعى
أختان نكاح رجل بعد موته وأقامتا البينة يقضى لكل واحدة منهما بالميراث وبنصف ميراث
بخلاف حال الحياة ولان الشيوع يمنع استحقاق دوام اليد واليد في حال حياة الراهن
مستدامة للمرتهن فتمكن الشيوع يمنع القاضي من القضاء به فاما بعد موته فلا يستدام حبس
الرهن ولكنه يباع في الدين والشيوع لا يمنع من ذلك فيقضى لكل واحد منهما ببيع النصف
في دينه ولو كان الرهن في يد أحدهما وأقام كل واحد منهما البينة انه ارتهنه من رجل آخر
فهو للذي في يديه لان الخارج يحتاج إلى اثبات الملك لراهنه أو لا وذو اليد قد أثبت انه مرتهن
فلا يكون خصما في اثبات الملك عليه للراهن الخارج وهو لو حضر بنفسه لا يقبل دينه وما لم
يثبت الملك له لا يثبت الرهن من جهته ولأنه يحتاج إلى اثبات الدين أو لا على راهنه حتى
يثبت حقه فيستحق العين على ذي اليد بحكم الرهن وذو اليد ليس بخصم عن رهن الخارج
في اثبات الدين عليه وكذلك أن كان وقت المرتهن الخارج أو لا لهذين العينين انه ما لم
يثبت ملك راهنه ودينه على الراهن لما ثبت حقه وان شهد شهوده بسبق التاريخ فإذا
128

لم يستحقوا بقيت العين في يد ذي اليد فيكون القول قوله في بيان حقه وهو لذي يده وفى
البيع بهذه الصورة بينة الخارج أولى لان كل واحد من المشتريين خصم عن بائعه في اثبات
الملك له فكان البائعين حضرا أو أقاما البينة على الملك وأحدهما خارج والآخر ذو اليد
وفى هذا بينة الخارج أولى وكذلك لو أقام كل واحد منهما البينة انه متاع فلان الآخر وانه
ارتهنه منه بكذا وقبضه فهو أيضا رهن للذي في يديه ولا يقبل من الآخر بينة إذا كان صاحبه
غائبا لان القضاء يكون على غائب ليس عنه خصم حاضر وقيل معنى هذه قضى على راهن
ذي اليد بالملك وهو غائب والمرتهن لا يكون خصما عنه في القضاء بالملك عليه وكل واحد
من المعنيين صحيح يقول فإن كان صاحبه شاهدا يعنى راهن الخارج وصاحب الآخر غائبا لم
أقض بينهما حتى يحضر راهن هذا لان ذا اليد أثبت بينته انه مرتهن فلا يكون خصما لراهن
الخارج في اثبات الملك عليه ما لم يحضر راهن ذي اليد فإذا حضر قضيت به للمدعى الذي
ليس في يديه وجعلته رهنا له ولا أنظر في هذا إلى الأول والآخر لان بعد حضورهما
الدعوى دعوى الملك وبينة الخارج عنه تترجح على بينة ذي اليد وبالتاريخ في الرهن
لا يثبت التاريخ بينهما في الملك فلهذا كانت بينة الخارج أولى وإذا كان عبد في يد رجل فادعى
آخر أنه عبده رهنه من فلان بألف درهم وقبضه فلان منه وفلان غائب والذي في يديه
يقول هو عبدي فإنه يقضى به للمدعى لأنه أثبت الملك لنفسه على من يدعى ان العين ملكه
وهو خصم في اثبات الملك لنفسه وان زعم أنه مرهون عند غيره لان الراهن ينتفع باثبات
الملك لنفسه في العين حتى يصير قاضيا دينه بهلاك الرهن عند ظهور عقد الرهن ولكن لا تسلم
العين إليه لأنه مقر بأن اليد مستحقة عليه في هذه العين لغائب بحكم الرهن واقراره حجة عليه
فينبغي للقاضي أن ينظر للغائب ذلك بأن يضعه على يدي عدل حتى يحضر الغائب قبضه
بالدين أو يكذبه كما يفعل ذلك في سائر أمواله التي ليس لها حافظ يتعين ولو غاب الراهن وقال
المرتهن هو رهن في يدي من قبل فلان بكذا وان هذا غصبه منى أو استعاره أو استأجره
وأقام على ذلك بينة فانى أدفعه إليه لان المرتهن لا يكون دون المودع والمودع خصم للغائب
منه في إقامة البينة للاسترداد فالمرتهن بذلك أولى لان بينته أثبتت استحقاق اليد له في هذه
العين فان قيل كيف يقضى له بحقه وهو محتاج لاثبات الدين على راهنه أولا وذو اليد ليس
بخصم عن راهنه في ذلك قلنا لا يقضى له بالرهن وإنما يقضى بأن وصوله إلى يد ذي اليد كان من
129

يده بجهة الغصب أو الإجارة أو الإعارة كما لو شهد به شهوده وذو اليد خصم له في ذلك
(ألا ترى) أن شهود المدعى لو شهدوا أن ذا اليد أخذ منه هذا المال لامر بالرد عليه وإن لم
يشهدوا بالملك للمدعى فكذلك هنا وإذا اختلف الراهن والمرتهن في عين الراهن وأقاما
البينة فالبينة بينة المرتهن لأنه هو المدعى المحتاج إلى اثبات حقه بالبينة في العين التي ادعاها
والراهن منكر لذلك ثم الالزام في بينته دون بينة الراهن لان الرهن لا يتعلق به اللزوم في
جانب المرتهن وهو متمكن من الرد متى شاء فالعين التي أثبت الراهن بينة الرهن منها قد
انتفى ذلك بجحود المرتهن فان جحوده أقوى من رده وتبقي دعوى المرتهن حقه في العين
الأخرى وقد أثبته بالبينة وهو لازم في جانب الراهن وإن كان الشيئان اللذان اختلفا فيهما
قد هلكا في يد المرتهن فالبينة بينة الراهن لان المرتهن صار مستوفيا دينه بهلاك الرهن
فالراهن هو المدعى للزيادة فيما أوفى وقد أثبته بالبينة ولو قال المرتهن ارتهنتهما جميعا وقال
الراهن بل رهنتني هذا وحده وأقاما البينة فالبينة بينة المرتهن لأنها أثبتت الزيادة في حقه وإذا
قال المرتهن رهنتني هذا العبد بألف درهم وقبضته منك ولى عليك سوى ذلك مائتا دينار
لم يعطى بها رهنا وقال الراهن غصبتني هذا العبد ولك على ألف درهم بغير رهن وقد رهنتك
بالمائتي الدينار أمة يقال لها فلانة وقبضتها منى وقال المرتهن لم أرتهن منك فلانة أمتك والعبد
والأمة بقيا في يدي المرتهن فإنه يحلف الراهن على دعوى المرتهن لان عقد الرهن معلق
به اللزوم في جانب الراهن فالمرتهن يدعى عليه حقا لنفسه لو أقر به يلزمه فإذا أنكر يستحلف
فان حلف يبطل الرهن في العبد وان نكل عن اليمين كان العبد رهنا بالألف وأما المرتهن فلا
يحلف في الأمة بشئ ولكنها ترد على الراهن لان عقد الرهن لا يكون لازما في جانب
المرتهن فجحوده الرهن في الأمة بمنزلة رده إياها وله أن يردها على الراهن وان كانت
مرهونة عنده فالاستحسان لا يكون مفيدا فيها وان قامت البينة لهما أثبتت بينة المرتهن
لأنها ملزمة للراهن وبينة الراهن لا تلزم المرتهن شيئا في الأمة فلا معنى للقضاء بها إلا أن
تكون الأمة قد ماتت في يدي المرتهن فحينئذ يقضي ببينة الراهن أيضا لأنه أثبت أن المرتهن
صار مستوفيا المائتي الدينار بهلاك الأمة في يده وذلك يلزمه في حق المرتهن وإذا أقام الراهن
البينة أنه رهن هذا الرجل عبدا يساوى الفين بألف وقبضه منه وأنكر المرتهن ذلك ولا
يدرى ما فعل العبد فالمرتهن ضامن لقيمة العبد كلها لان الراهن أثبت ببينته انه يسلم العبد
130

إليه بحكم الرهن والمرتهن منكر لذلك وبحكم الرهن يقدر الدين من العين مضمونا عليه وما
زاد على ذلك أمانة في يده والأمين يضمن الأمانة بالجحود فإذا جحد المرتهن ذلك فهو ضامن
لقيمتها كلها لان ما لا يتوصل إلى عينه يجعل في حكم الهالك ولو أقر المرتهن ولم يجحد وادعى
أن العبد مات عنده لم يضمن شيئا وذهب العبد بما فيه لاقرار الراهن أنه كان مرهونا عنده
والراهن إذا هلك فهو بما فيه والمرتهن أمين في الزيادة وهو مقبول القول فيما يخبر به من
موته في يده وإذا أقام الراهن البينة على المرتهن انه رهنه رهنا وقبضه ولم يسمه الشهود ولم
يعاينوه فإنه يسأل المرتهن عن الرهن والقول فيما يسمى من ذلك قوله مع يمينه لان الثابت
بالبينة في حقه كالثابت باقراره ولو أقر انه ارتهن منه رهنا ثم قال هو هذا الثوب كان القول
قوله في ذلك مع يمينه ان ادعى الراهن زيادة فكذلك إذا أثبت ذلك بالبينة ولو شهد شهود
الراهن انه رهن عند هذا المرتهن ثوبا هرويا بمائة وهو يساوى خمسين وجحده المرتهن
ولا يدرى ما فعل بالثوب فهو ضامن لقيمته يحسب له ذلك من دينه لان ما لا يتوصل إلى عينه
فهو هالك وإن لم يجحده ولكن جاء بثوب يساوى عشرين درهما فقال هو هذا لم يصدق
لأنه ثبت بالبينة ان المرهون ثوب يساوى خمسين والذي أحضره ليس بتلك الصفة فالظاهر
يكذبه فيما قال فلا يقبل بيانه إذا جحد الراهن ذلك بخلاف الأول وإذا لم يقبل بيانه بقي
المرهون هالكا في يده لأنه لا يتوصل إلى عينه فيطرح منه خمسون درهما وإذا كان الراهن
اثنين فادعى المرتهن عليهما رهنا وأقام البينة على أحدهما انه رهنه وقبضه والمتاع لهما جميعا وهما
يجحدان الرهن فإنه يستحلف الذي لم يقم عليه البينة ما رهنه لأنه لو لم يقم البينة على واحد
منهما توجهت اليمين عليهما فكذلك إذا لم يقم البينة على أحدهما وهذا لأنه يدعى عليه ما لو
أقر به لزمه فإذا أنكر استحلف عليه فان نكل ثبت الرهن عليهما. على أحدهما بالبينة وعلى
الآخر بالنكول القائم مقام اقراره فان حلف رد الرهن عليهما لان في نصيب الذي حلف
انتفى الرهن من الأصل فلا يمكن القضاء في نصيب الآخر لان نصيبه نصف شائع من
العين ولو كان الراهن واحدا والمرتهن اثنين فقال أحدهما ارتهنت أنا وصاحبي هذا الثوب
منك بمائة وأقام له البينة وأنكر المرتهن الآخر وقال لم نرتهنه وقد قبضا الثوب فجحد
الراهن الرهن فان الرهن يرد على الراهن في قول أبى يوسف وقال محمد أقضى به رهنا
وأجعله في يد المرتهن الذي أقام البينة أو على يدي عدل فإذا قضى الراهن المرتهن الذي
131

أقام البينة ماله أخذ الرهن فان هلك الرهن ذهب نصيب الذي أقام البينة من المال فأما
نصيب الآخر في الرهن فلا يثبت بالاتفاق لأنه أكذب شهوده بجحوده ثم قال أبو يوسف لما
انتفى الرهن في نصيب الجاحد انتفى في نصيب المدعى أيضا لأجل الشيوع كما في الفصل
الأول وهذا لأنه لا يمكن القضاء بجميعه رهنا للذي أقام البينة بدليل أنه لا يترك في يده
وحده وان بهلاكه لا يسقط جميع دينه ولا يمكن القضاء له بالرهن في نصفه لأجل الشيوع
ومحمد يقول هو قد أثبت ببينته الرهن في جميع العين وهو خصم في ذلك لأنه لا يتوصل إلى
اثبات حقه في نصيبه الا باثبات الرهن على الراهن وعلى المرتهن الآخر فعرفنا انه خصم
في ذلك كله فيقضى بالرهن في جميع حق الآخر وبجحوده صار رادا للرهن في نصيبه وهو
متمكن من ذلك ولكن لا يتمكن من ابطال حق الآخر في نصيبه فلا يجوز إعادة شئ منه
إلى الراهن لان فيه ابطال حق المرتهن المدعى ولا يمكن إلزام الجاحد إمساكه مع رده
بجحوده ويتعذر جعل الفضل في يد المرتهن المدعى لإقراره بان الراهن لم يرض بذلك فيجعل
على يده وعلى يد عدل حتى يستوفى هو دينه فإذا سقط حقه ردت العين على الراهن وان هلك
الرهن ذهب نصيبه من المال بخلاف الأول فهناك الشهود ما شهدوا بالرهن الا على أحد
المالين فلا يمكن القضاء بالرهن على المالين بحكم تلك البينة فلهذا إذا حلف المنكر رد
الرهن عليهما وإذا أقام رجل البينة أنه استودع ذا اليد هذا الثوب وأقام ذو اليد البينة أنه
ارتهنه منهما فإنه يؤخذ ببينة المرتهن لاثباته حقا لازما لنفسه ببينة أو يجعل كان الامرين
كانا ويجوز أن يكون الثوب أولا وديعة عنده ثم يرهنه منه ولو كان الراهن أقام بينة أنه
باعه إياه وأقام المرتهن البينة على الراهن جعلته بيعا لان البيع يرد على الرهن والرهن لا يرد
على البيع ولان البيع يوجب الملك في البدلية والرهن لا يوجب ذلك فكان في بينة البيع
زيادة اثبات ولو ادعى الراهن الرهن وأقام البينة وادعى المرتهن انه وهبه له وقبضه أخذت
ببينة الهبة لان الهبة ترد على الرهن والرهن لا يرد على الهبة ولان الهبة توجب الملك في العين
والرهن لا يوجب ذلك ولو ادعى رجل الشراء والقبض وآخر الرهن والقبض وأقام كل
واحد منهما البينة وهو في يدي الراهن اخذت ببينة المشترى لما فيها من الزيادة وهو اثبات
اليد في البدلين ولأنه لا يكون الشراء دون الرهن لا محالة فلا بد من القضاء بالشراء في
النصف ولا يمكنه القضاء مع ذلك بالرهن في النصف الآخر لأجل الشيوع فلهذا قضى
132

ببينة المشترى بالكل إلا أن يعلم أن الرهن كان قبله ولو كان في يدي المرتهن جعلته رهنا
إلا أن يقيم صاحب الشراء البينة ان الشراء كان أولا لان قبض المرتهن دليل سبق عقده
ولان صاحب الشراء يحتاج إلى استحقاق اليد على ذي اليد وبينته لا توجب ذلك ولو كان
في يد الراهن فادعى المرتهن الرهن والهبة فالصدقة لا تتم الا بالقبض ثم الرهن عقد ضمان
والهبة والصدقة عقد تبرع وعقد الضمان أقوى من عقد التبرع فكان صاحب الرهن أولى
إلا أن يقيم الآخر البينة ان القبض بعلم البينة والصدقة كانت منه قبل الرهن وإذا استودع
رجلا ثوبا ثم رهنه إياه فهلك قبل أن يقبض المرتهن الرهن فهو فيه مؤتمن لان يد المودع
كيد المودع فما لم يقبضه المرتهن لا يثبت حكم يد الرهن له ولان اليد بحكم الوديعة دون اليد
بحكم الرهن والا ضعف لا ينوب عن الأقوى فإذا لم يصر قابضا له بحكم الرهن بقي مؤتمنا فيه
والقول فيه قوله بغير بينة لأنه ينكر القبض بحكم الرهن فان أقام الراهن البينة انه قبضه
بالرهن وهلك بعد ذلك وأقام المرتهن البينة انه هلك عنده بالوديعة قبل أن يقبضه للرهن
فإنه يؤخذ ببينة الراهن لأنه يثبت ايفاء الدين ولان المودع ببينة يبقى قبضه بحكم الرهن
ولا يثبت شيئا والبينات للاثبات دون النفي وإذا اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن
هلك في يدك وقال المرتهن بل قبضته أنت منى بعد الرهن فهلك في يدك فالقول قول الراهن
لان المرتهن يدعى عليه استردادا عارضا وهو ينكر والبينة أيضا بينة الراهن لأنه يثبت
ايفاء الدين ببينة والعمل بالبينتين ممكن فمن الجائز انه استرده منه ثم رده عليه فهلك في يده
وان قال المرتهن هلك في يد الراهن قبل أن أقبضه فالقول قوله لانكار القبض والبينة بينة
الراهن لاثباته ايفاء الدين ببينة وان قال المرتهن ارتهنته بمائة وقال الراهن بمائتين وقد قبضته
فالقول قول المرتهن لانكاره الزيادة مما ثبتت له فيه يد الاستيفاء والبينة بينة الراهن لاثباته
زيادة في الايفاء وان قال المرتهن رهنتني هذين الثوبين وقبضتهما وقال الراهن رهنتك
أحدهما بعيد فالقول قول الراهن عبدا والدين ألف فذهبت عين العبد وهو يساوى ألفا
فالقول قول الراهن لانكاره حقا للمرتهن في أحدهما والبينة بينة المرتهن لاثباته الزيادة في حقه
وإن كان الرهن عبدا والدين ألفا فذهبت عين العبد وهو يساوى ألفا فقال الراهن كانت
هذه قيمته يوم رهنتك فقد ذهب نصف حقك وقال المرتهن بل كانت قيمته خمسمائة يومئذ
وإنما زاد بعد ذلك فذهب ربع حقي فالقول قول الراهن مع يمينه لأن الظاهر شاهد له
133

فقيمته في الحال دليل على قيمته فيما مضى والبينة بينة الراهن لأنه ثبت ببينته زيادة فيما أوفاه
المرتهن فبينة نفى ملك الزيادة بالميت أولى والله أعلم
* (باب رهن المكاتب والعبد) *
(قال رحمه الله) المكاتب بمنزلة الحر في الرهن والارتهان لأنه وثيقة لجانب الاستيفاء
والمكاتب في ايفاء الدين باستيفائه كالحر فكذلك فيما هو وثيقة به فان رهن المكاتب
عبدا فيه وفاء قبضه المولى فهو جائز لان المكاتبة دين يستوفى والرهن في هذا ليس
كالكفالة فالكفالة له ببدل الكتابة لا تصح لان الكفالة وثيقة بجانب اللزوم والكفيل يلتزم
في ذمته المطالبة التي هي على الأصيل لان الفائت بحقيقة الالتزام أصل الدين والمطالب فيما
هو وثيقة بجانب بعضه فبهذا تبين انه لا يمكن إلزام الكفيل مطالبة أقوى مما على الأصيل
والمطالبة ببدل الكتابة على المكاتب ضعيفة لتمكنه من أن يعجز بنفسه وتعذر اثبات مثله
في ذمة الكفيل فان هلك الرهن في يدي المولى فهو بما فيه ويعتق المكاتب لان استيفاء
المولى بدل الكتابة تم بهلاك الرهن وان أعور ذهب نصف المكاتب لأن العين من الآدمي
نصفه ولا يعتق شئ منه كما لو استوفى نصف المكاتب حقيقة فان خاصم المكاتب المولى
فيه وأراد دفع المال وأخذ رهنه فقال المولى قد أبق فإنه يحلف على ذلك بعد أن يتأنى به
وينتظر لجواز أن يكون المولى قد عينه قصدا منه الاضرار بالمكاتب وهو نظير المغصوب
إذا زعم أنه قد أبق فان القاضي يعجل بالقضاء بالقيمة ويحلف الغاصب على ذلك فهنا أيضا
يحلف المولى فإذا حلف بطلت المكاتبة عن المكاتب لان الآبق ى توى فيه فهو كالهالك حقيقة
فإذا قضى القاضي بذلك ثم وجد العبد بعد ذلك رد على المكاتب ورجع عليه المولى بالمال كما
كان قبل الا بان وهو حر بالعتق الأول الماضي فيه لأنه ناقض للعتق بعد ما نفذ بقضاء القاضي
وهو نظير ما لو استوفى البدل فاستحق من يده كان العتق ماضيا ولو لم يكن قضى القاضي
بعتقه حتى رجع العبد فهو مكاتب على حاله حتى يؤدي البدل وهو بمنزلة المغصوب إذا أبق فان
رجع قبل أن يقضى القاضي بالقيمة فهو ملك للمغصوب منه وصار الإباق كأن لم يكن وان
رجع بعد القضاء بالقيمة كان القضاء ماضيا وكان العبد للغاصب كذا هنا يفترقان في حكم
العتق فأما العبد فعلى ملك المكاتب في الوجهين جميعا وقال زفر رحمه الله إذا عاد بعد قضاء
134

القاضي فهو على ملك المولى لتقرير الضمان عليه بقضاء القاضي وقاس ضمان الرهن بضمان
الغصب ولكنا نقول ضمان الرهن ضمان استيفاء والاستيفاء حالة الرهن دون العين لان
الاستيفاء بجنس الحق يتحقق ولا محاسبة باعتبار العين فيصير المرتهن مالكا للعين وان جعل
مستوفيا بقضاء القاضي فلهذا يعود العبد إلى ملك المكاتب وأشبه هذا الغصب في المدبرة
وروي الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله قال إن كان هذا أول ما أبق فإنه يسقط من الكتابة
حصة نقصان العيب لان هذا عيب حدث فيه عند المرتهن فيسقط بحصته من الدين كما لو تعيب
بعيب محسوس ولو رهن رجل عبدا عن المكاتب لمكاتبته وفيه وفاء وقبضه المولى جاز كما لو
تبرع بأداء الكتابة عن المكاتب فان هلك بطلت الكتابة وعتق المكاتب لان الاستيفاء قد تم
ولا يرجع الراهن على المكاتب بشئ لأنه لم يأمره به فكان هو متبرعا فيما صنع ولو تبرع بمثله
عن حر لم يرجع عليه فكذلك عن المكاتب وإذا كان المكاتبان كتابة واحدة وكل واحد منهما
كفيل ضامن عن صاحبه بالمال فرهن أحدهما بالمكاتبة رهنا قيمته مثلها فهلك عند المولى
عتقا ويرجع الراهن على المكاتب الآخر بحصته من الكتابة بمنزلة ما لو أوفى بدل الكتابة
حقيقة وهذا لأنه مطالب بجميع الكتابة متحمل عن الشريك حصته بأمره فيرجع عليه إذا
أدى وهما كشخص واحد في حكم هذا العقد فيبقي ان يستويا في الغرم بسبب ولو كان الرهن
بينهما نصفين فرهناه جميعا فهلك عند المولى عتقا تم ان كانت قيمتهما مختلفة تراجعا فيما بينهما
بالفضل لان بدل الكتابة يتوزع عليهما بقدر قيمتهما فإن كانت قيمة أحدهما ألفا وقيمة الآخر
الفين كان بدل الكتابة عليهما أثلاثا وما زاد على الثلث إلى تمام النصف أوفاه العبد الأوكس
من كسبه عن صاحبه بأمره فيرجع بذلك عليه وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فرهنه
بها عبدا يساوى خمسمائة ثم أعتقه الراهن فعتقه نافذ عندنا موسرا كان أو معسرا وهو
أحد أقاويل الشافعي وفى قول آخر يقول لا ينفذ عتقه موسرا كان أو معسرا وفى قول
آخر يقول إن كان موسرا ينفذ عتقه ويضمن قيمته للمرتهن وإن كان معسرا لا ينفذ عتقه
واحتج فقال الاعتاق إزالة ملك اليمين بالقول فلا ينفذ من الراهن في المرهون كالبيع وهذا
لان امتناع نفوذ بيعه لمراعاة حق المرتهن فان حقه اما البيع في الدين أو استيفاء الدين من
المالية وابطال هذا الحق عليه بالاعتاق أظهر منه بالبيع والبيع أسرع نفوذا من العتق حتى
ينفذ البيع من المكاتب ولا ينفذ العتق فإذا لم ينفذ بيع الرهن لمراعاة حق المرتهن فلان
135

لا ينفذ عتقه أولا والدليل عليه أن المرهون كالخارج عن ملك الراهن بدليل أنه لو أتلفه ضمن
قيمته كالجنين ولو جنى عليه ضمن الأرش ولو وطئها وهي بكر ضمن النقص ولو كان زائلا عن
ملكه حقيقة لم ينفذ عتقه فيه فكذلك إذا كان كالزائل عن ملكه والدليل عليه ان حق المرتهن
في المرهون أقوي من حق الغرماء في مال المريض بدليل ان هناك لا يمتنع البيع على المولى
وهنا يمتنع ثم حق الغرماء في العبد يمنع نفوذ عتق المريض إذا مات من مرضه فحق المرتهن
أولى وعلى القول الآخر نقول الراهن مالك حقيقة وهو كالزائل عن ملكه حكما لحق المرتهن
فإن كان في اعتاقه ابطال حق المرتهن لم ينفذ عتقه وإن لم يكن فيه ابطال حق المرتهن نفذ عتقه
فإذا كان الراهن موسرا فليس في الاعتاق ابطال حق المرتهن أصلا لان ايجاب الضمان
عليه ممكن ولو ألغينا العتق بطل حق العبد أصلا فلمراعاة حق العبد أنفذنا العتق ولمراعاة
حق المرتهن أوجبنا الضمان ترجيحا لأهون الضررين وإذا كان معسرا لو أنفذنا العتق كان
فيه ابطال حق المرتهن أصلا لان السعاية عندي لا تجب على العبد والسعاية في ذمة مفلس
يكون تاويا فإذا كان في كل واحد من الجانبين صور الابطال رجحنا جانب المرتهن
لان ثبوت حقه أسبق وهو نظير مذهبه في اعتاق أحد الشريكين نصيبه فإنه لا يتجزأ
إذا كان المعتق موسرا لامكان ايجاب الضمان ويتجزأ إذا كان المعتق معسرا ويستدام الرق فيما
يبقى مراعاة لحق الساكت فهذا مثله * وجه قولنا انه مخاطب أعتق ملك نفسه فلا يلغى اعتاقه
كالمشترى إذا أعتق المبيع قبل القبض وبيان الوصف ان موجب عقد الرهن اما ثبوت
يد الاستيفاء للمرتهن كما قلنا أو حق البيع كما هو مذهبه وشئ من ذلك لا يزيل ملك العين
فتبقى العين على ملك الراهن كما كانت ثم حق المرتهن إنما يثبت في المالية والاعتاق تصرف
في الرق بالإزالة والرق غير المالية ألا ترى أنه ثبت حق الرق بدون المالية في الحبس وتبقي
صفة الرق في أم الولد بدون المالية والمالية تنفصل عن الرق في غير بني آدم والدليل عليه
أنه لو حلف بعتق عبده ان دخل الدار ثم باعه ثم اشتراه فدخل الدار يعتق وبقيت اليمين بعد
البيع لبقاء الرق وان زال الملك والمالية عنه والاعتاق تصرف في الرق ولا حق للمرتهن فيه
فلا بد من تنفيذه باعتبار انه صادف محلا هو خالص حق الراهن إلا أن المالية المشغولة بحق
المرتهن تتلف بهذا التصرف وقوام تلك المالية كان ببقاء الرق فيصير المعتق ضامنا لهذا ولهذا
نفذ العتق في المبيع قبل القبض وذلك في معنى المرهون لأنه محبوس بالدين إلا أن الحبس
136

ويلاقى العين والمالية دون الرق وبه فارق البيع فإنه تمليك يمنع للعين نصف المالية وهو مشغول
بحق المرتهن فقيام حقه يمنع نفوذه كما أن حق الحبس للبائع يمنع نفوذ بيع المشترى وهذا لان
البيع كما يستدعى الملك في المحل يستدعى القدرة على التسليم ولهذا لا ينفذ في الآبق والجنين
في البطن فكذلك لا ينفذ في المرهون لعجز الراهن عن تسليمه بخلاف المعتق * توضيحه ان
نفوذ البيع يعتمد تمام الرضا ولهذا لا ينفذ مع الهزل وشرط الخيار والكره فكذلك عدم الرضا
من صاحب الحق وهو المرتهن يمنع نفوذه فاما العتق فلا يعتمد نفوذه تمام الرضا حتى ينفذ مع
الهزل وشرط الخيار فإذا كان عدم الرضا من صاحب الملك لا يمنع نفوذ العتق فمن صاحب
الحق أولا ولان البيع يراد به ما ينتفع به وهو العين فكذلك لا يرد منه ما يتصور به وعتق
المريض عندنا لا يلغو لقيام حق الغرماء ولكن يخرج إلى الحرية بالسعاية لا محالة فهنا أيضا
ينبغي أن لا يلغو إلا أن هناك هو بمنزلة المكاتب ما دام يسعى وهنا يكون حرا ومراده ان لزمته
السعاية عند اعتبار الرهن لان العتق في المرض وصية والوصية تتأخر عن الدين إلا أن العتق
لا يمكن رده فيجب عليه السعاية في قيمته لرد الوصية وبهذا تبين ان الواجب عليه بدل رقبته
ولا يسلم له المبدل ما لم يرد البدل وهنا السعاية على العبد ليست في بدل رقبته بل في الدين الذي
في ذمة الراهن لان من حق المرتهن ذلك فوجوب السعاية عليه لا يكون مانعا من نفوذ عتقه
في الحال ولهذا قلنا أن أيسر الراهن هنا رجع العبد عليه بما أدى من السعاية وهناك لا يرجع
العبد على أحد بما ينبغي فيه من قيمته ولا معنى لمن قال إن المرهون في حكم الزائل عن ملك
الراهن لان عقد الرهن لا يزيل الموت في الحال ولا في ثاني حال ووجوب الضمان على الراهن
لاتلافه المالية المشغولة بحق المرتهن كالمولى يتلف المأذون فيكون ضامنا قيمته للغرماء لا باعتبار
أن لحوق الدين للعبد يزيل ملك المولى ثم أكثر ما في الباب ان حق المرتهن نصا هو الملك
وللراهن ملك حقيقة فيكون كالشراء بكفيل وعتق المالك في ملكه لا يمتنع بحق الشريك فلان
لا يمتنع بحق المرتهن أولى ولو دبر الراهن صح تدبيره بالاتفاق أما عندنا فلان التدبير يوجب
حق العتق له وإذا كأن لا يمتنع حقيقة العتق بحق المرتهن فحق العتق أولى وعند الشافعي كذلك
لان التدبير لا يمنع البيع فلا يكون مبطلا لحق المرتهن بحق العتق أولى ولو كانت أمة فاستولدها
صح استيلاده عندنا وهو الصحيح من مذهب الشافعي لان الاستيلاد لما كان ينفذ بحق الملك
للأب في جارية ولده عنده فلان ينفذ بحقيقة الملك للراهن فيها أولى فإن كان الراهن موسر
137

فهو ضامن قيمتها فيكون رهنا مكانها لما بينا انه متلف لحق المرتهن في المالية بما صنع فيكون
ضامنا بدله وحكم البدل حكم المبدل فيكون رهنا كما لو أتلف الرهن أجنبي ضمن قيمته فإن كان
المال قد حل قبضه المرتهن بحقه لأنه ظفر بجنس حقه من مال المديون فيأخذه قضاء من
دينه ويرجع بالفضل وإن كان الراهن معسرا كان للمرتهن أن يستسعى أم الولد والمدبر في
الدين كله لان كسبهما مملوك للمولى فالراهن موسر قادر على أداء الدين بكسبهما ولو كان
قادرا على ذلك بمال آخر لامر بقضاء الدين فكذلك إذا كان قادرا عليه بكسبهما ويستسعى
المعتق البتة في قيمة خمسمائة لان كسب المعتق خالص حقه فلا يجبر على أن يقتضى به دين
غيره ولكن قد سلمت له مالية رقبته وكان مشغولا بحق المرتهن فليزمه السعاية في ذلك القدر
لاحتباسه عنده كما تجب السعاية على معتق البعض للشريك الساكت إذا كان المعتق معسرا
ثم يرجع المعتق بذلك على الراهن لأنه غير متبرع في قضاء دينه بخالص ملكه بل كان مجبرا
على ذلك بسبب باشره الراهن ورضي به فيرجع به عليه كالكفيل عنه بأمره إذا أدى
ويرجع المرتهن بفضل دينه على الراهن فان ولدت المدبرة ولدا بعد ما قضى عليها بالسعاية
ثم ماتت استسعى ولدها في جميع الدين لان ولدها بمنزلتها فان التدبير يسرى إلى الولد فولدها
مدبر للمولى وكسبه له وهو قادر على قضاء الدين بسعايته فيستسعى الولد في جميع الدين كما كان
يستسعى الأم وهذا لان كسب المملوك لما كان للمالك فحكمه حكم المالك فيما يلزمه من قضاء
الدين والراهن كان مجبرا على قضاء جميع الدين بملكه فكذلك المدبرة وولدها يؤمر كل
واحد منهما بالسعاية في جميع الدين وإن كان الولد من المولى قد ادعاه قبل الولادة لم يكن
عليه سعاية لان الولد انفصل حرا فكسبه يكون مملوكا له دون المولى ولا يكون المولى
قادرا على قضاء دين بكسبه * توضيحه ان الولد الذي ان انفصل من الأم حرا لا يثبت فيه حكم
الرهن لأنه ليس بمحل له ووجوب السعاية عليه باعتبار حكم الرهن فاما الولد الذي انفصل
مدبرا فهو جزء منها انفصل بصفتها وله حكم الرهن من حيث الاستسعاء في الدين لان هذا الولد
جزء منها وقد انفصل بصفتها فليزمه السعاية لحكم الرهن كما لزمها ولو كان الرهن عبدا يساوى
خمسمائة بألف فأعتقه الراهن وهو معسر ثم مات الراهن وترك خمسمائة فان المرتهن يأخذها
ويسعى له العبد في مائتين وخمسين لان الواجب على العبد السعاية في مقدار قيمته وذلك
نصف الدين شائع في الكل والخمسمائة التي استوفاها المرتهن من تركة الراهن نصفه مما
138

وجب على العبد السعاية فيه وهو في ذلك كالكفيل عن المولى والاستيفاء عن الأصل يوجب
براءة الكفيل فلهذا استسعى في نصف ما يبقي وهو مائتان وخمسون ولو كان العبد سعى له في
قيمته قبل موته ثم مات الراهن وترك خمسمائة كانت بين المرتهن والعبد نصفين لان الباقي
من دين المرتهن خمسمائة والعبد قد استوجب الرجوع على الراهن بالخمسمائة فتقسم تركته
بينهما على مقدار دينهما وإذا رهن رجلا عبدا بألف درهم فأعتقه أحدهما وهو موسر وقيمة
العبد ألف فهو ضامن لخمسمائة حصته من الدين وعلى شريكه مثلها لان العبد صار خارجا
من الرهن عندهما لان العتق لا يتجزأ وعند أبي حنيفة لان معتق البعض لا يستدام فيه الرق
فهو كالمكاتب لا يكون محلا للبيع وعلى كل واحد منهما قضاء نصيبه من الدين وهو خمسمائة
ثم الحكم بين شريكين في تضمين المعتق أو الاستيفاء وما فيه من الخلاف قد بيناه في كتاب
العتاق وإن كان المعتق معسرا فللمرتهن أن يستسعى العبد في الألف كلها لان حقه كان ثابتا في
جميع المالية وقد احتبس ذلك عند العبد بما انتفع هو به وهو الاعتاق ثم يرجع العبد على المعتق
بخمسمائة لأنه قضى دينه بذلك القدر على وجه لم يكن متبرعا فيه ولا يرجع على الآخر بشئ
لان الآخر قد استوجب عليه السعاية في نصف القيمة لاحتباس نصيبه عنده وهب أنه قضى
دينه واستوجب الرجوع عليه ولكن له على العبد مثلها فيصير قصاصا به ولو أعتقه أحدهما
ثم دبره الآخر فإن كانا معسرين فهو كما وصفنا لك في الأول وان كانا موسرين ضمنا الألف
للمرتهن وسعى المدبر للذي دبره في نصف قيمته مدبرا إلا أنه بتدبير نصيبه صار مختارا سعاية
العبد في نصيبه فإنه يصير مستوفيا ملكه في نصيبه ويمنعه ذلك من تضمين المعتق فعرفنا انه
صار مختارا للسعاية فنستسعيه في نصف قيمته مدبرا ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشئ
لان الأول هو المتلف لنصيبه والثاني قد أبرأ الأول عن الضمان ولم يتلف عليه شيئا فلا رجوع
لواحد منهما على صاحبه وإذا استعار الرجل من الرجل عبدا قيمته ألف درهم ليرهنه فرهنه
بألف درهم ثم إن مولاه أعتقه وهو موسر ضمن المال للمرتهن لأنه كان رضى بتعلق حق المرتهن
بمالية الرهن حين أعاره الرهن ثم أتلف على المرتهن ذلك بالاعتاق فيضمن له مثله ويرجع على
الراهن لأنه قضي بما أدى دين الراهن وكان مجبرا على ذلك (ألا ترى) انه لو قضى الدين ليسترد
الرهن رجع به على الراهن فكذلك إذا استرده بالاعتاق وضمنه للمرتهن وهذا لان الراهن
رضى برجوعه عليه متى صار دينه مقضيا بملكه (ألا ترى) انه لو هلك الرهن في يد المرتهن
139

رجع المعير على المستعير بمقدار الدين لهذا المعنى فكذلك إذا قضاه بمال آخر وإن كان المعتق
معسرا والراهن موسرا ضمن الراهن المال ولم يرجع على أحد بشئ لأنه قضي دين نفسه بماله
وان كانا موسرين فللمرتهن أن يضمن أيهما شاء ان شاء الراهن باعتبار قيام دينه عليه وان شاء
المعتق لاتلافه محل حقه وان كانا معسرين سعى العبد في جميع ذلك لان المالية سلمت له وقد
كانت مشغولة بحق المرتهن ثم يرجع العبد على أيهما شاء ان شاء على الراهن لأنه كان مجبرا
على قضاء دينه بملك نفسه بسبب رضي به الراهن وهو عقد الرهن وان شاء على مولاه
لأنه هو الذي ألزمه ذلك باعتاقه إياه فان رجع به على المولى رجع به مولاه على الراهن كما لو
كان المرتهن هو الذي رجع به على المولى فأداه وهذه لان أصل الدين على الراهن وإذا رهن
الرجل أمة بألف درهم هي قيمتها فجاءت بولد يساوى ألفا فادعاه بعد ما ولدته وهو موسر
ضمن المال وإن كان معسرا سعت الأمة في نصف المال والولد في نصفه لان الدين انقسم
عليهما نصفين بشرط بقاء الولد على هذه القيمة إلى وقت الفكاك ثم الراهن بالدعوة صار
مستردا لهما لأنه أوجب في الولد حقيقة العتق وفي الأم حق العتق فيكون ذلك بمنزلة الفكاك
المقر به في كل واحد منهما نصف الدين ويسعى كل واحد منهما في نصف الدين لسلامة محل
ذلك له بالعتق وهو المالية فإن لم يؤد الولد شيئا حتى ماتت الأم قبل أن يفرغ من السعاية
سعى ولدها في الأقل من نصف قيمته ومن نصف الدين على حاله لا يزاد عليه شئ بموت
الأم لأنه صار مقصودا بالاستسعاء حين صار مقصودا بالفكاك فبموت الأم لا يتحول إليه
شئ مما كان عليها لأنه في حكم السعاية لم يكن تبعا لها (ألا ترى) أنه كان لزمه السعاية في حصته
قبل موتها ولو مات الولد بعد هذا لم يتحول من سعايته إليها كذلك إذا ماتت هي ويرجع
الولد بما سعى فيه على الأب وان قضى دينه بكسب هو خالص ملكه على وجه كان مجبرا
عليه وإذا رهن الرجل عبدا يساوى ألف درهم بألف درهم مؤجلة أو قبضه المرتهن ثم أقر
الراهن بالعبد لرجل لم يصدق على ذلك في حق المرتهن لأنه متهم في حقه من حيث إنه
لا يقدر على تمليك العبد ابتداء لحق المرتهن فيخرج كلامه مخرج الاقرار ولكن المقر له ان
شاء أدى المال وقبض الرهن لان اقرار المقر حجة في حقه فالمقر له يقوم مقام المقر فكما
أن للمقر أن يؤدى المال ويقبض الرهن فللمقر له ذلك فان أداه حالا لم يرجع به على الراهن
حتى يحل عليه لان أكثر ما فيه أنه كالمتحمل عنه دينا هو مؤجل عليه والكفيل بالدين المؤجل
140

إذا عجل لم يرجع على الأصل حتى يحل الاجل فإذا حل رجع عليه فكذلك المقر له هنا وهذا
لأنه كان يضطر لأداء هذا المال لتخليص ملكه فلا يكون متبرعا فيه ولان الراهن أقر انه أعتق
رقبة عبده بذلك فيكون له أن يرجع عليه بما أدى كالمعير للرهن إذا قضى الدين وللمقر له أن
يستحلف المرتهن على علمه لأنه لو أقر بما أقر به الراهن لزمه رد العين فإذا أنكر يستحلف
ولكن يمينه على العلم لأنه استحلاف على فعل الغير فإن لم يؤد المال وأعتق العبد جاز عتقه
لان الراهن باقراره بالملك للمقر له سلطه على اعتاقه ولو أعتقه بنفسه نفذ عتقه فكذلك إذا
أعتق غيره بتسليطه وكان المرتهن بالخيار ان شاء أخذ الراهن بقيمة العبد لأنه صار جانيا
على حقه لتسببه بتنفيذ عتق المعتق فيه وهو اقراره بالملك له وان شاء ضمن المعتق ذلك لأنه
باعتاقه تسبب لاتلاف محل حقه وهو المالية فان أخذها المعتق رجع بها على الراهن لأنه مقر
أنه أغلق رقبة عبده وباعتبار ذلك لزمه هذا الضمان فيستوجب الرجوع عليه وان كانا معسرين
استسعى المرتهن العبد في قيمته لان المالية التي هي محل حقه سلمت له ويرجع العبد بها على
الراهن دون المعتق لان العبد مقر بان المعتق لم يؤذن له في رهنه وان الراهن كان في حكم
الغاصب له واقراره في حق نفسه صحيح فلا يستوجب الرجوع على المعتق بشئ لهذا
ويكون له أن يرجع بها على الراهن لأنه هو الذي ألزمه هذه القيمة بما أوجب من حق
المرتهن في ماليته فعند الأداء يرجع عليه ولو كان العبد معروفا للمعتق وقد كان اعاره الراهن
ليرهنه فأعتقه وهو والراهن موسران فللمرتهن أن يرجع بقيمته على المعتق دون الراهن
لان المعتق هو المتسبب لاتلاف محل حق المرتهن ولم يوجد من الراهن صنع يكون ذلك
سببا منه لاتلاف محل حقه فلهذا كان رجوعه بالقيمة على المعتق دون الراهن بخلاف
الأول فهناك قد وجد من الراهن تسبب لما به تلف محل حقه وهو اقراره بالملك وتسليطه
المقر له على اعتاقه وإن كان المعتق معسرا فللمرتهن أن يستسعى العبد في قيمته فيكون رهنا
مكانه ويرجع بها العبد على المعير دون المستعير لان المعير هو الذي ألزمه ذلك باعتاقه بعد
ما رضى بتعلق حق المرتهن بماليته بالإعادة ولم يوجد من المستعير تسبب في ايجاب القيمة
عليه بعد ما تعلق حق المرتهن بماليته فإذا حل الدين أخذ المرتهن دينه من الراهن ورجعت
القيمة إلى المعير بضمانه لان العبد لما رجع على المعير فقد استقر الضمان عليه فيجعل كأنه هو
الذي ضمن القيمة وهذا لان القيمة تقوم مقام العين ولو كانت العين باقية واستوفى المرتهن
141

دينه من الراهن رجع العبد إلى المعير فكذلك القيمة وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم
فرهنه بها عبدا يساوى الفين وقبضه المرتهن ثم أقر المرتهن أن الرهن لرجل غصبه الراهن منه لم
يصدق المرتهن على الراهن لأن العين باقية على ملك الراهن واقرار الانسان في ملك الغير باطل
والمرتهن حافظ للعين كالأمين واقرار المودع بالوديعة لغير المودع باطل إذا كان الايداع
ظاهرا فيؤدى الراهن الدين ويأخذ العبد ولا سبيل للمقر على العبد ولا على ما أخذ المرتهن
لان المرتهن أخذ دينه ورد العبد على من أخذ منه فانفسخ به حكم قبضه سواء كان المقبوض
منه مالكا أو غير مالك كالمرتهن من الغاصب إذا رده عليه واقراره ليس بحجة على الراهن
فلا سبيل للمقر له على العبد الذي في يده بغير حجة وان مات العبد في يدي المرتهن صار
مستوفيا لدينه باعتبار الظاهر لان في قيمة الرهن وفاء بدينه وزيادة فكان ضامنا جميع قيمته
للمقر له لان اقرار العبد كان في يده كالمغصوب فإنه كان مملوكا للمقر له وقبضه بغير إذنه
واقراره حجة عليه فيضمن جميع قيمته إذا تعذر رده بالهلاك ولو كان المرتهن لم يقر برقبة
العبد ولكنه أقر ان له عليه دينا ألف درهم استهلكها وقد مات في يد المرتهن فان المقر
يرجع على المرتهن بألف درهم لأنه أقر ان ماليته كانت مستحقة بدين المقر له وانه في القبض
بغير إذن صاحب الدين على جهة الرهن غاصب في حقه فإذا هلك في يده ضمن له مقدار
حقه وهو ألف درهم كما لو كان ما أقر به ظاهرا ولأنه بالهلاك في يده صار مستوفيا دينه
وهو ألف درهم من ماليته والمقر له كان أحق بماليته بزعمه فيغرم له ما صار مستوفيا دينه
وهو ألف درهم ولو أقر المرتهن برقيته لرجل وقد كان الراهن جعل بينهما عدلا يبيعه
واستوفى المرتهن حقه فباعه العدل بألف درهم ودفعه وقبض الثمن فنقد المرتهن منه ذلك ألف
درهم وأعطى الراهن ألف درهم فإذا أجاز المقر له البيع أخذ الألف التي أخذها المرتهن لان
إجازة البيع بالثمن حقه بزعم المرتهن وما استوفى المرتهن جزء من الثمن واقراره فيما وصل
إليه حجة فيما أخذه الراهن وإن لم يجز البيع فلا سبيل له على ما أخذ المرتهن لان المقر له
يزعم أن عين العبد هي ملكه ولم يصل العبد إلى يد المرتهن قط ويزعم أن الثمن مال مشترى
العبد ولا سبيل له على مال مشترى العبد في يد من كان وإنما عليه ان يثبت ملكه في المشترى
بالحجة ولو أثبت ذلك كان يأخذ العبد ولا سبيل له على الثمن ولكن المشترى هو الذي يرجع
بالثمن فقبل الاثبات أولى أن لا يثبت له على الثمن سبيل ولو كان المرتهن لم يقر بالرقية ولكنه
142

أقر ان العبد قد استهلك لرجل ألفي درهم والمسألة بحالها فان المرتهن يدفع الألف التي قبض
من ثمنه إلى المقر له أجاز البيع أو لم يجزه لان الرقبة لم تكن للمقر له فلا يضره أجاز البيع أو لم
يجز ومعنى هذا ان حق صاحب الدين في مالية العبد دون عينه وعند اجازته البيع تسلم له
المالية فالتمليك يكون من جهة المالك والذي قبض المرتهن من ثمنه مالية فعليه أن يدفع ذلك
إلى المقر له باعتبار اقراره أما إذا أجاز البيع فظاهر وأما إذا لم يجز فهو يزعم أن المشترى حابس
للمالية التي هي حقه ضامن له مثل ذلك وما قبضه المشترى ما له فقد ظفر بجنس حقه من مال
غريمه فكان له أن يأخذه منه بخلاف الأول فهناك في زعمه ان العبد باق على ملكه (ألا ترى)
أنه لو أقام البينة كان يسلم له ملك العبد فلا سبيل له على مال المشتري مع بقاء العبد على ملكه
ثم لا يرجع المرتهن على الراهن بما أخذ منه المقر له لأنه أخذ ذلك من حكم اقراره واقراره
ليس بحجة على الراهن وإذا رهن الرجل عبدا يساوى ألف درهم بألف درهم فخفر العبد
عند المرتهن بئرا في الطريق ثم إن الراهن أدى الدين وأخذ عبده فوقعت في البئر دابة
تساوى ألفا فان العبد يباع في الدين إلا أن يفديه الراهن لأنه بالحفر تسبب لاتلاف الدابة
وهو متعد فيه فيكون كالمباشر في حكم الضمان ولو أتلف العبد دابة بيع في قيمتها إلا أن
يفديه المولى فان بيع بألف درهم وأخذها صاحب الدابة رجع الراهن على المرتهن بالدين
الذي قضاه لان العبد تلف بفعل كان منه عند المرتهن وهو الحفر فتبين به أن الرد لم يسلم
ويجعل هو كالهالك في يد المرتهن فصار هو مستوفيا دينه بالهلاك وقد استوفاه مرة أخرى
فعليه رده (ألا ترى) ان العبد المغصوب لو فعل مثل هذا في يد الغاصب كان للمغصوب منه
ان يرجع عليه بقيمته ويجعل كالهالك قبل الرد وان وقعت في البئر دابة أخرى تساوى ألفا
فعطبت رجع صاحبها على صاحب الدابة الأولى وأخذ منه نصف ما أخذ لأنهما مشتركان في
ثمن العبد فان الجناية على الدائنين تستند إلى سبب واحد وهو الحفر وهما من جنس واحد
فهو كما لو استهلك الدابتين معا فيكون ثمنه بينهما نصفين فإذا أخذ منه نصف ما أخذ لم يكن
لصاحب الدابة الأولى أن يرجع على الراهن بشئ مما قبض من الدين لأنه إنما قبض ما كان
أعطى المرتهن بطريق انه استوفى حقه مرتين ولم يقبض منه من قيمة العبد شيئا وحق صاحب
الدابة في مالية العبد لا في مال آخر من ملك مولى العبد فان وقع في البئر حرا وعبد فمات
فدمه هدر بمنزلة العبد إذا حفر بئرا في الطريق ثم استهلك مال انسان فبيع في قيمته ثم وقع في البئر
143

انسان وهذا لان نفس الحفر ليس بجنابة و إنما يصير جناية إذا اتصل الوقوع به والمستحق
بجناية على الآدمي نفسه فعند الوقوع هو ملك المشتري وأصل فعل العبد لم يكن في ملكه
فلا تتوجه عليه المطالبة بالدفع بفعل سبق ملكه ولا تتوجه المطالبة به على البائع لان فعل
العبد موجبا سببا في ملكه والبيع كان بحق شرعي لا باختياره فلا يضر تعلقه به وهذا
بخلاف ما لو كان الواقع دابة أخرى لان المستحق به من العبد كالمستحق بالأول فيمكن
جعل الثمن مشطرا بينهما وهنا المستحق نفس العبد فلم يكن حق ولى الجناية من جنس
حق صاحب الدابة الا قبض الثمن ولما تعذر اثبات حقه في الثمن واستحقاق نفس العبد غير
ممكن من الوجه الذي قلنا كان دمه هدرا وإذا رهن الرجل أمة بألف درهم وقيمتها خمسمائة
ثم قبضها وكاتبها فللمرتهن أن يبطل الكتابة لان الكتابة من الراهن تصرف يحتمل الفسخ
وفى عوده اضرار بالمرتهن وكان له أن يفسخ ذلك لدفع الضرر عن نفسه كما يفسخ بيع
الراهن وكما يفسخ أحد الشريكين كدابة شريكه ولو لم يكاتبها ولكنه دبرها فسعت في
خمسمائة ثم ماتت وقد ولدت بنتا تساوى خمسمائة فعلى ولدها أن يسعى في خمسمائة لان
الباقي من دين المرتهن هذا القدر وولدها بمنزلتها يدبر للراهن وهو أحق بكسبه فكما كان
على الأم أن تسعى في دين المرتهن باعتبار ان الراهن موسر بهذا الطريق فكذلك ولدها
يسعى فيما يوفى دينه فان سعت البنت في مائة درهم ثم ولدت بنتا ثم ماتت البنت الأولى وقيمة
الأولى والسفلى سواء فعلى السفلى ان تسعى فيما بقي كله لأنها كالأولى مدبرة للراهن وهو
أحق بكسبها والسفلى جزء من الأولى فبقاؤها كبقاء الأولى ولو رهن أمتين بألف درهم
وقيمة كل واحدة منهما الف فدبرهما المولى ثم ماتت إحداهما سعت الباقية في نصف الدين
ويضمن المولى نصف الدين لان الدين انقسم بينهما بحكم الرهن نصفين ووجوب السعاية
على كل واحدة منهما بعد التدبير كحكم الرهن وإنما يجب على كل واحد منهما بقدر ما كان
فيها من الدين والذي في الباقية نصف الدين فتسعى فيه ويضمن المولي نصف الدين لأنه
بالتدبير مسترد لها فكأنه افتكها ثم ماتت فعليه قضاء ما كان منها من الدين فان قيل فان
ذهب ما قلتم ان السعاية على المدبرة باعتبار ان المالك لكسبها موسر بهذا الطريق قلنا
نعم ولكن السعاية عليها بهذا الطريق كان بحكم الرهن في الدين الذي كانت هي مرهونة
به فإنها لو لم تكن مرهونة لم يكن عليها السعاية في ديون المولى ما دام المولى حيا وكل واحدة
144

منهما كانت مرهونة بنصف الدين مقصودا بخلاف الأول فالسعاية على الولد هناك باعتبار
انه جزء من أجزاء الأم لان حكم الرهن ثابت فيه بطريق السعاية والأم كانت مرهونة
بجميع الدين وكان وجب عليها السعاية في جميع الدين بهذا الطريق فيجب ذلك على ولدها
الذي هو جزء منها إذا كان مثلها في الصفة يقول فان ولدت هذه الباقية بنتا ثم ماتت قبل
أن تسعى في شئ وقيمتها مثل قيمة أمها أو أقل أو أكثر سعت في خمسمائة تامة لأنها جزء
من أجزاء الأم وقد كانت الأم مرهونة بخمسمائة خرجت بالتدبر من الرهن ووجب عليها
السعاية في ذلك فتجب على ولدها الذي هو جزء منها السعاية في ذلك القدر أيضا لان هذا
الجزء نصفها ولو كانت ولدتها قبل التدبير ثم دبرهما جميع وقيمتها مثل قيمة أمها سعت في
مائتين وخمسين لان حكم الرهن ثبت في الولد حين انفصل قبل التدبير وانقسم ما في الأم
من الدين على قيمتها وقيمة الولد بشرط بقاء الدين إلى يوم الفكاك على هذه القيمة وقد بقي فإنه
صار مقصودا بالتدبير وذلك بمنزلة الفكاك لأنه يخرج به من الرهن فوجبت عليها السعاية
فيما كان فيها من الدين وهو مائتان وخمسون وإذا صار مقصودا يوجب السعاية فيما كان على
الأم بخلاف بالأول فهناك إنما انفصل الولد بعد ما خرجت الأم من الراهن بالتدبير فلم
يصر الولد مقصودا بالسعاية في شئ حين لم يصر مقصودا بالفكاك بل هو في حكم جزء من
الأم فعليه السعاية فيما وجب عليها وهذا بخلاف ما إذا انفصل الولد حرا لان الذي انفصل
حرا ليس على صفة الأم فان كسبه ليس لمولاه بل هو أحق به فلا يمكن أن يجعل تبعا في
السعاية الواجبة بحكم الرهن فاما الذي انفصل مدبرا فهو نصف الأم فيلزمه من السعاية ما كان
على الأم ولو رهن أمة تساوى ألفا فولدت بنتا تساوى ألفا ثم دبر المولى الأم وهو معسر
فعلى الأم ان تسعى في خمسمائة لان نصف الدين تحول منها إلى الولد وهو نائب فيه ما بقي
الولد والمولى بالتدبير صار مستردا للأم فعليها أن تسعى فيما كان فيها من الدين عند التدبير
وذلك خمسمائة فان ماتت ابنتها سعت في الألف تامة لان الولد لم يصر مقصودا بالفكاك
حين لم يدبر الولد وبالفكاك صار كأن لم يكن فتبين ان جميع الدين كان في الأم وقد أخرجها
من الرهن بالتدبير فعليها أن تسعى في جميع الألف فإن لم تمت البنت وماتت الأم ثم دبر
البنت فعلى البنت أن تسعى في خمسمائة لأنها صارت مقصوده بالفكاك حين دبرها فيستقر
ما كان فيها من الدين وذلك خمسمائة فعليها أن تسعى في ذلك وبعد ما صارت مقصودة
145

لا تلزمها السعاية في شئ مما كان على أمها فان ولدت البنت بنتا وماتت البنت الأولى سعت
السفلي في خمسمائة وان كانت قيمتها مائة لأنها جزء من الأولى وهي تابعة للأولى في حكم
هذا السعاية فإنها ما صارت مقصودة بحكم الرهن ولو ولدت أمة الرهن بنتا ثم ولدت البنت
بنتا وقيمة كل واحدة منهن ألف درهم ثم دبرهن جميعا ثم ماتت الأم والبنت الآن كان
على السفلي ان تسعى في نصف الدين من أنه لا يحتسب بالوسطى وقد طعن عيسى في هذه
المسألة وقال ينبغي أن تسعى في ثلث الدين لأنه كالقابض للوسطى بالتدبير وكيف لا تحتسب
بها وقد صارت مقصودة بالفكاك والسفلى تابعة للأم كالأولى فانقسم الدين عليهن أثلاثا ثم
بالتدبير أخرجهن من الرهن فيتقرر في كل واحدة منهن ما كان فيها وهو ثلث الدين فعلى
السفلى السعاية في ذلك القدر خاصة ولا تأويل لجواب محمد رحمه الله سوى أنه ذهب بالدين
إلى أنه وضع المسألة فيها إذا دبر الأم والسفلى دون الوسطي فلهذا قال لا يحتسب بالوسطى
(ألا ترى) انه بني عليه فقال وكذلك لو ماتت الأم والبنت قبل التدبير ثم دبر السفلى ثم
علل فقال لأني لا احتسب بالوسطى إذ لم يقع عليها التدبير فهذا يتعين ان مراده في الفصل
الأول ما إذا لم يدبر الوسطى فاما إذا دبرهن جميعا فالجواب كما قال عيسى * ولو ولدت أمة
الرهن ولدا يساوى ألفا ثم دبرهما فكل واحدة منهما صارت مقصودة بالسعاية في نصف
الألف فبموت الأم لا يتحول شئ من سعايتها إلى الولد ولو ماتت البنت سعت الأم بالألف
كلها وهذا التفريع غير مذكور في نسخ الأصل وإنما ذكره الحاكم في المختصر والا ظهر أنه
غلق لان البنت صارت مقصودة بالفكاك فإذا ماتت بعد ذلك لا يمكن أن يجعل كأن لم يكن
ولا يتحول ما كان منها من السعاية إلى الأم وإنما عليها السعاية في مقدار الخمسمائة وان صح هذا
فوجهه ان الأم في الأصل كانت مرهونة بجميع الدين وتمام الفكاك في الولد لا يحصل
بالتدبير وإنما تمام الفكاك بوصول حصة الولد من الدين إلى المرتهن ولم يصل إليه شئ فوجب
على الأم السعاية في جميع الدين لان حق المرتهن في استسعاء الأم في جميع الدين بعد التدبير
كان ثابتا والراهن لا يملك ابطال ذلك الحق بتدبير الولد فلهذا سعت له في الألف كلها
بخلاف ما إذا ماتت الأم فالبنت ما كانت مرهونة بجميع الألف قط فلا تجب على البنت
السعاية الا في مقدار ما كانت مرهونة به ولو رهن أمة تساوى ألفا بألف إلى أجل فولدت
ولدا يساوى ألفا فدبر المولى وهو موسر ضمن قيمته لأنه أتلف حق المرتهن فيه
146

بالتدبير فكأنه أتلفه بالاستهلاك فيضمن قيمته ويكون رهنا مع الأم وإن كان معسرا سعى
العبد في خمسمائة مقدار ما كان مرهونا به فان مات الولد قبل أن يفرغ من السعاية كانت
الأم رهنا بألف لا تفتكها الا بها وان ماتت أمه كانت بخمسمائة لان المولى ضامن لقيمة الولد
وبقاء قيمة الولد كبقاء عينه فكانت الخمسمائة من الدين فيه فإنما يسقط بموت الأم خمسمائة
ولكن لو مات الولد كانت الأم رهنا بجميع الدين لما بينا أن حق المرتهن في جنسها بجميع
الألف كان ثابتا والمولى بتدبير الولد لا يملك ابطال حق ثابت للمرتهن في الأم ولكن موته
قبل التدبير وبعد التدبير سواء فيما يرجع إلى ابطال حق المرتهن فلهذا لم يكن له أن يفتك الأم
الا بجميع الألف * ورهن العبد التاجر من الأجنبي وارتهانه جائز لأنه منفك الحجر عنه في
ايفاء الدين واستيفائه كالمكاتب وكذلك أن رهن ولده أو والده لأنه مالك له بخلاف
المكاتب فان الوالدين والمولودين يتكاتبون عليه ويتعذر عليه بيعهم إذا ملكهم فلا يجوز له أن
يرهنه أيضا وفي الاخوة كذل الجواب عندهما وعند أبي حنيفة لا يمتنع عليه بيع الاخوة فلا
يمتنع عليه رهنهم بالدين أيضا وان رهن المأذون من مولاه أو ارتهنه ولا دين عليه لم يجز لان
أكسابه ملك لمولاه وفى هذه الحالة هو لا يستوجب الدين على المولى ولا المولى عليه والرهن
والارتهان لا يكون الا بدين واجب وإن كان عليه جاز له أن يرهن من مولاه لأنه
يستوجب على المولى دينا يطالبه به ويستوفيه لحق الغرماء فيجوز أن يرتهن به أيضا ولا يجوز
لمولاه أن يرتهن منه لان المولى لا يستوجب عليه دينا يطالبه به وانه مالك لرقبته وإن كان
عليه دين فلا يجوز له أن يرهن منه وإذا خذ العبد رهنا بشئ يقرضه فهلك الرهن عنده قبل
أن يقرضه وقيمته والقرض سواء فهو ضامن لقيمته لان المقبوض على جهة الشئ كالمقبوض
على حقيقة ولو أقرض ما لا وقبض به الرهن فهلك عنده كان هو بالهلاك مستوفيا وإن كان
أقرضه لا يجوز فكذلك إذا ارتهن على جهة الاقراض يصير مستوفيا بهلاكه ويجب عليه رد ما
استوفى حين لم يكن له على مالك الرهن شئ وكذلك لو ارتهن بكفالة بالمال يصير مستوفيا
بهلاك الرهن وإن لم تصح كفالته في حق المولى وعليه رد ما استوفى ولا يجوز للعبد التاجر ان
يرهن عن غيره رهنا وان أذن له مولاه فيه إذا كان عليه دين لان رهنه عن غيره بمنزلة قضائه
دينه بكسبه وهو ينزع منه كالاقراض فلا يصح لحق غرمائه وان رضى به مولاه وكذلك
لا يصح من المكاتب كنفس الاقرار وإن لم يكن عليه دين جاز بإذن المولى لان كسبه حق
147

المولى ولو باشر المولى ذلك في كسبه جاز فكذلك إذا فعله العبد باذنه * وارتهان العبد التاجر
من العبد التاجر جائز فيما يجوز من الاقرار لأنها من صنع التجار ولا يجوز للعبد التاجر أن
يرهن نفسه كما لا يجوز أن يبيع نفسه وقد بينا انه لو رهن مالا يملك بيعه لا يجوز ذلك
وهو لا يملك بيع نفسه إذا موجبه ضد موجب الاذن فان موجب الاذن فك الحجر عنه
وموجب بيع نفسه اثبات الحجر عليه فان فعل ذلك فأجازه المولى جاز إن لم يكن عليه دين
غير ذلك (ألا ترى) انه لو باع نفسه بذلك الدين فأجازه المولى جاز فكذلك إذا رهنه وهذا
لان المولي يملك مباشرة بيعه في هذه الحالة والاذن له في ذلك فاجازته في الانتهاء كالاذن
في الابتداء وإذا رهن العبد أو ارتهن ثم حجر عليه فالرهن جائز لأنه تصرف في حال
انفكاك الحجر عنه وكذلك المكاتب إذا عجز ولا يجوز للعبد المحجور عليه ان يرهن ولا يرتهن
إلا أن يجبره المولى بمنزلة سائر التصرفات ومنها البيع والشراء وبمنزلة الايفاء والاستيفاء
وإذا رهن المولى شيئا من متاع العبد المأذون وعليه دين لم يجز وان أجازه العبد لان كسبه حق
غرمائه والمولى ضامن لما رهنه بحق الغرماء والعبد لا يملك اسقاط حق الغرماء بإجازته رهن
المولى إن لم يكن عليه دين جائز لان كسبه خالص حق المولى وكذلك لو أعار العبد سلعة
رجلا أو رهنة فرهنه لم يجز لان هذا بمنزلة الاقراض منه لمالية المتاع فان أجازه المولى وعليه
دين لم يجز لان المولى ممنوع من هذا التصرف في كسبه لحق غرمائه فلا ينفذ بإجازته
وكذلك أن أجازه الغرماء لان دينهم لا يسقط بالإجازة وهو بمنزلة ما لو أقرض العبد
شيئا من كسبه لم يجز ذلك وان أجازه الغرماء ولو رهن الصبي الحر من غيره رهنا بأمر
أبيه لم يجز لأنه بمنزلة الاقراض والأب لا يملك الاقراض في مال الصبي في ظاهر الرواية
فكذلك الصبي لا يملك الاقراض بأمر أبيه واشتراط الخيار للراهن في الرهن ثلاثة أيام
جائز كما في البيع لان عقد الرهن يلزم من قبل الراهن وتأثير اشتراط الخيار في منع
اللزوم مستفاد ذلك بشرط الخيار للراهن ولا معنى لاشتراط الخيار للمرتهن لأنه لا يتعلق
به اللزوم في حقه فإنه متمكن من رده متى شاء بغير خيار وكذلك لا معنى لخيار الرؤية فيه
لان ذلك لو ثبت إنما يثبت للمرتهن وهو متمكن من رده بعد الرؤية متى شاء وليس له أن
يأخذ مكانه رهنا آخر وإن كان ذلك مشروطا لان حكم الرهن لا يثبت بدون القبض ولم
148

يوجد منه القبض في عين أخرى فلا يكون له أن يطالب به فلهذا لا يثبت للمرتهن خيار
الشرط والرؤية والله أعلم
* (باب رهن أهل الكفر) *
(قال رحمه الله) الرهن والارتهان جائز بين أهل الذمة فيما يجوز بيعهم فيه بمنزلة
الايفاء والاستيفاء فهو المقصود بالرهن أو بمنزلة سائر المعاملات فالرهن منها وهم في
المعاملات يسوون بنا فان رهنه خمرا فصارت خلا فإن كانت قيمته مثل قيمتها يوم ارتهنها فهو
رهن على حاله لأن العين باقية في المالية وما لم يتقوم لم يتغير بتغير هذا الوصف وضمان الرهن
باعتبار المالية فبتغير الوصف إذا لم يكن بقضاء باقي المالية لا يعتبر وكذلك لو رهنه عصيرا
فصار خمرا لأن العين بكل واحد من الوصفين مال متقوم في حقهم ولو رهنه شاة فماتت سقط
الدين لفوات المالية في ضمان المرتهن وفيها وفاء بالدين فان دبغ المرتهن جلدها فهو رهن لان
الجلد بالدبغ صار مالا متقوما وهو مما تناوله الرهن فبقدر ما جنى من المالية يعود من الدين
وهذا بخلاف الشاة المشتراة إذا ماتت قبل القبض فدبغ البائع جلدها فان سقط شئ من
الثمن لا يعود هناك لان سقوط الثمن بانفساخ البيع وبه عاد العبد إلى ملك البائع فالجلد
المدبوغ ملك البائع فلا يعود الملك فيه بعد ما انفسخ فاما سقوط الدين هنا فبطريق الاستيفاء
وانتهاء حكم الرهن مع بقاء الدين على ملك الراهن فالجلد المدبوغ يكون ملكا له وقد كان
حكم الرهن فيه متقررا بالانتهاء فلهذا يعود من الدين حصة ما جنى من مالية الجلد فإن كان
الدين عشرة دراهم وكانت الشاة تساوى عشرة والجلد يساوي درهما فهو رهن بدرهم وان
كانت الشاة يساوي عشرين يوم ارتهن والدين عشرة وكان الجلد يساوى درهما يومئذ فالجلد
رهن بنصف درهم والحاصل أن انقسام الدين على مالية الجلد واللحم وقت عقد الرهن وقد
علمنا أن بمقابلة كل درهم من الرهن نصف درهم من الدين لان قيمة الشاة ضعف الدين فتعود
مالية الجلد بعود نصف ماليته من الدين وذلك نصف درهم فإن كانت الشاة يوم ارتهنت تساوى
خمسه والجلد يساوى درهما فقد ذهب من الدين أربعة والجلد رهن بستة لان الخمسة من
الدين كانت باقية وقد عاد من الساقط بقدر مالية الجلد وهو درهم وكل جزء من الرهن
محبوس بجميع فلهذا كان الجلد مرهونا بما بقي من الدين وهو ستة وان هلك هلك
149

بدرهم ولو ارتهن المسلم من مسلم وكافر خمرا فصارت في يده خلا لم يجز الرهن لانعدام المالية
والتقوم في الخمر بخمر في حق المسلم وموجب الرهن ثبت بالعقد عند القبض والخمر ليس
بمحل لذلك في حق المسلم فبطل العقد لأنه لم يصادف محله والعقد الباطل بحدوث الصلاحية
في المحل المضاف إليه لا ينقلب صحيحا كما لو اشترى مسلم خمرا فتخللت أو صيدا قبل الاخذ
ثم أخذه البائع وللراهن ان يأخذ الخل ولا يعطيه أجرا لان عين ملكه تغير بطبعه من غير أن
زاد المرتهن فيه شيئا من ملكه أو أحدث فيه صنعا والدين عليه كما كان إن كان الراهن مسلما
وإن كان الراهن كافرا وكانت قيمته يوم رهن والدين سواء فله ان يدع الخل ويبطل الدين
لأنه قبض الخمر على وجه الضمان فخمر الكافر يجوز أن تكون مضمونة على المسلم بالقبض
وبالتخلل فان مقصود المضمون له بصفة الخمرية كانت مقصودة له ولا وجه لاسقاط شئ من
الدين باعتباره فكان له ان يجعل العين في حكم المستهلك ويصير المرتهن مستوفيا دينه بطريق
المقاصة قيل هذا قول محمد كما هو أصله في القلب إذا انكسر انه تعتبر حالة الانكسار بحالة
الهلاك والأصح أنه قولهم جميعا لان أبا حنيفة وأبا يوسف رحمهما الله هناك في حال الانكسار
يوجبان ضمان القيمة لان تمليك العين بضمان القيمة من الضامن ممكن وهنا ذلك غير ممكن
والمضمون بالرهن هو الخمر والمسلم ليس من أهل أن يكتسب بسبب ملك الخمر ببدل فلم
يبق إلا أن يكون له أن يدع الخل ويبطل الدين وهذا بخلاف ما إذا كان المرتهن ذميا لان
هناك العقد صحيح فباعتبار صحة العقد يكون المضمون هو المالية والمالية لم تتغير بالتخلل وهنا
العقد باطل والمضمون بالقبض هو العين لان الراهن ما رضى بقبضه الا باعتبار العقد فبدونه
أشبه قبض الغصب ولو غصب المسلم من ذمي خمرا فتخللت عنده كان للمغصوب منه ان يدع
الخل ويضمنه قيمته فهنا أيضا له ان يدع الخل ويختار تضمين القيمة ثم يصير قصاصا بدينه
وقيمته يوم الرهن والدين سواء وبهذا التحقيق يظهر الاستيفاء عن القدر الذي ذكرنا لأبي
حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله في الفرق بين هذا وبين القلب المستهلك فإنه لا فرق سوى
أن القيمة هناك من خلاف جنس الدين فلا يصير قصاصا بالدين وهنا القيمة من جنس الدين
فيصير قصاصا بالدين ولو ارتهن مسلم عصيرا فصار خمرا والراهن مسلم أيضا لم يكن للراهن
ان يأخذه وللمرتهن أن يخللها ويكون رهنا كما كان يبطل منها على حساب ما نقص من الدين
لان بحدوث صفة الخمرية تنعدم المالية في حق المسلم وذلك مسقط للدين الا ان
150

المرتهن متمكن من إعادة المالية بالتخليل فلا يكون للراهن ان يبطل عليه ذلك بأخذها فإذا
خللها المرتهن وقد عادت المالية وبعودها يعود حكم الرهن كما في الشاة الميتة إذا دبغ جلدها
الا انه ان كانت مالية الخل دون مالية العصير فقد انتقضت المالية بتغير حديث في عين المرهون
فهو بمنزلة العيب يسقط بحصته من الدين وإن كان الراهن كافرا فله أن يأخذ الرهن فيكون
الدين على حاله وليس للمسلم أن يخللها لان بحدوث صفة الخمرية لم تنعدم المالية في حق الراهن
وقد فسد العقد به لان الطارئ بعد العقد قبل حصول المقصود به كالمقترن بالعقد والمسلم
لو ارتهن خمرا من كافر لم يصح فكذلك إذا ارتهن عصيرا فتخمر يفسد العقد كما لو اشترى
عصيرا فتخمر قبل القبض وإذا فسد العقد كان للراهن أن يأخذها والدين عليه كما كأن لان
شيئا من المالية لم يفت في ضمان المرتهن وليس للمسلم أن يخللها هنا لان صفة الخمرية مقصودة
للكافر فليس للمسلم أن يبطلها عليه بالتخلل فان خللها فهو ضامن لقيمتها يوم خللها لأنه صار
غاصبا بما صنع فهو كما لو غصب خمر ذمي وخللها فيضمن قيمتها والخل له ويرجع بدينه لان رد
القيمة كرد العين فلا يسقط شئ من دينه عن الراهن ولو رهن الذمي عند الذمي جلد ميتة
فدبغه المرتهن لم يكن رهنا لان الميتة ليست بمال في حقهم ولا يجوز بيعها بينهم فلا يجوز رهنها
ثم ما لم يكن مرهونا فبحدوث صفة المالية فيه لا يصير مرهونا وللراهن أن يأخذه ويعطيه
قيمة الدباغة إن كان دبغه شئ له قيمة بمنزلة من غصب جلد ميتة فدبغه وإذا ارتهن الذمي
من الذمي خمرا ثم أسلم فقد خرجت من الرهن لان الاسلام الطارئ بعد العقد قبل تمام
المقصود به كالمقارن للعقد بمنزلة التخمر في العصير في حق المسلم فان خللها فهو أن أصل العقد
كان صحيحا ثم فسد لانعدام المالية والتقوم بسبب استلامهما في حقهما فإذا خللها المرتهن فقد
عاد فيها صفة المالية والتقوم فكانت رهنا على حالها وكذلك لو أسلم أحدهما أيهما كان ثم صار
خلا فهو رهن وينقص من الدين بحساب ما نقص منها لنقصان المالية بتغير صفة العين وإذا
ارتهن الكافر من الكافر خمرا ووضعها على يدي مسلم عدل وقبضها فالرهن جائز لان العدل
في القبض نائب عن المرتهن والمرتهن من أهل العقد على الخمر وحكم فعل النائب يظهر في حق
المنوب عنه على أن يجعل فعله كفعل المنوب عنه والمسلم ليس من أهل القبض منهم عند عقد
الرهن له فأما هو فمن أهل القبض منهم عند عقد الرهن لغيره ولكنها تنزع من المسلم لأنه
مأمور بالامساك عن الخمر ممنوع عن الاقتران منها بقوله تعالى فاجتنبوه فينزع من يده
151

ويوضع على يدي ذمي عدل دين مراعاة للنظر من الجانبين بمنزلة مسلم رهن من مسلم شيئا ووضعه
على يدي عدل فمات العدل فإنه يوضع على يدي عدل آخر والحربي المستأمن في الرهن والارتهان
كالذمي فان رجع إلى دار الحرب ثم ظهر المسلمون على الدار فأخذوه أسيرا وله في دار الاسلام
رهن بدين عليه فقد بطل الدين وصار الرهن الذي في يديه بذلك الدين في قول أبى يوسف
وقال محمد يباع الرهن فيستوفى المرتهن دينه وما بقي فهو في عين أسره فأبو يوسف يقول
تبدلت نفسه بالأسر وصار مملوكا بعد أن كان مالكا فيسقط الدين بفوات محله وهو الذمة
المشغولة فالدين لا يجب في ذمة العبد الا شاغلا مالية رقبته لضعف الذمة بالرق وذلك غير ممكن
هنا لان الشئ يقتضي صفاء ملك المالية في الشئ الثاني فلفوات المحل يسقط الدين ثم الرهن
الذي في يديه اما باعتبار ان يده إليه أقرب من يد الأسير فيصير هو متملكا له كمن أسلم في
دار الحرب إذا ظهر المسلمون على الدار كان معقولا به لأنه صار محررا لها بسبق يده إليها أو
لان المرهون كان محبوسا عنده إلى أن يصل إليه دينه وقد وقع اليأس عند ذلك فبقي محبوسا
في يده على التأبيد ولا تظهر فائدة ذلك الا بان يصير مملوكا له وقد كان هو بحكم يده أخص
بغرمه حتى لو هلك سقط دينه فيكون أخص بقيمته فيملكه بذلك الدين وجه قول محمد ان
سقوط الدين عند الاسترقاق لفوات المحل ولم يفت المحل هنا لان الذمة بقيت صالحة لبقاء
الواجب فيها والرهن خلف في حكم الاستيفاء فيبقي الدين باعتبار هذا الخلف كالمديون
إذا مات يبقى الدين باعتبار التركة لأنها خلف عن الذمة في حكم الاستيفاء فإذا بقي الدين بقي
حكم الأمان في عين الرهن بحق المسلم المرتهن فيباع في دينه وإذا استوفى دينه سقط حقه فيكون
الباقي لمن أسره لان المرتهن في الباقي كان أمينا يده فيه كيد صاحب الأمانة فكأنه كان في يد
المأسور والأسر كما يملك المأسور بالقهر يملك ما في يده ولا يمكن أن يجعل مملوكا للمرتهن
بضمان الرهن لان ضمان الرهن لا يوجب الملك في العين ولا بطريق الاغتنام لان ببقاء يد
المرتهن وحقه يبقى الاحراز ولا يفوت فلا يكون محلا للاغتنام ما لم يسقط حق المرتهن
والاحراز كان باعتبار حقه لأنه لم يبق للمأسور حق فلهذا كان الباقي لمن أسره وإن كان عنده
رهن لمسلم أو ذمي بدين له عليه رد الرهن على صاحبه وبطل دينهم عندهم جميعا لأنه بالرق
خرج عن أن يكون أهلا لملكه المال فقد صار مملوكا ما لم يخلفه الثاني في ملك الدين لان
ذمة المسلم لا تدخل تحت القهر فإذا لم يملكه بالشئ سقط اما لفوات المطالبة به أصلا أو لان
152

المسلم محرز ما في ذمته فيملكه ويسقط عنه والرهن مردود على صاحبه لأنه ملك الرهن فلا
يملكه الثاني لبقاء احراز المسلم أو الذمي له فلهذا كان مردودا عليه وإذا ارتهن الحربي من الحربي
رهنا فقبضه ثم خرجا بامام فاختصما فيه لم يقض بينهما لأنهما لم يستأمنا ليجرى عليهما الحكم بل
ليتجرا ويعودا إلى دارهما وهذه المعاملة كانت منهما حيفا حين لم يكونا تحت ولاية الامام فما لم
يلتزما حكم الاسلام لم يقض في ذلك بينهما ولو جاء مسلمين أو ذميين ثم اختصما في الرهن وهو بعينه
أبقيت الرهن على حاله لأنهما التزما حكم الاسلام وابتدءا الرهن والارتهان صحيح بينهما بعد هذا
الالتزام فيبقي أيضا ما كان جرى بينهما ورهن المرتهن المرتد وارتهانه موقوف عند أبي حنيفة
فسائر تصرفاته فان قتل على ردته وهلك الرهن في يدي المرتهن وقيمته والدين سواء وقد كان
الدين قبل الردة والرهن من مال اكتسبه قبل الردة أو كان الدين في ردته باقرار منه أو ببينة
قامت عليه والرهن مما اكتسبه في الردة أيضا فهو بما فيه لان الرهن بمنزلة ايفاء الدين عند
هلاكه فيتغير بحقيقة الايفاء وإنما يوفى دين الاسلام من كسب الاسلام ودين الردة من
كسب الردة في ظاهر الرواية عنه فلا فائدة في نقض الرهن هنا وإن كان في الرهن فضل
على الدين فان المرتهن يضمن الفضل لان الرهن لم يصح في الفضل كما في حقيقة الايفاء ولو
استدان دينا في ردته ورهن به متاعا اكتسبه في الردة وكان الدين قبل الردة والمتاع من
كسبه في الردة فالمرتهن ضامن لقيمته ويكون ذلك كبائع ما اكتسب في الردة ويرجع المرتهن
بماله فيما اكتسبه قبل الردة لان كسب الردة عنده فئ وكسب الاسلام ميراث فإذا أو في دين
الاسلام في كسب الردة فقد أوفاه من محل هو فئ للمسلمين فيرد ذلك لمراعاة حق المسلمين
بايجاب ضمان القيمة على المرتهن وكذلك إذا أو في دين الردة من كسب اكتسبه قبل الردة
لأنه قضى بما هو حق الورثة دينا لزمه في حالة الردة ومحل ذلك الدين كسب الردة لان الغنم
مقابل بالغرم فيكون المرتهن ضامنا قيمته للورثة وفى روايته عن أبي يوسف وعن أبي حنيفة
رحمهما الله إنما يقضى الدينان من كسب الردة لان حق المسلمين إنما يثبت في كسب الردة
باعتبار أنه مال ضائع وذلك إذا فرغ عن دينه وكسب الاسلام يثبت فيه حق ورثته بالردة
فصار خارجا عن ملكه وإنما يقضى دينه مما كان على ملكه إلى وقت موته فعلى هذا يقول إن
كان الرهن من كسب الردة فهو بما فيه بأي العينين كان وإن كان من كسب الاسلام فالمرتهن
ضامن قيمته للورثة وفى رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله يقضى الدينان من كسب
153

الاسلام إذا أمكن لأنه كان مملوكا له موروثا عنه والميراث يتأخر عن الدين فعلى هذا
إذا كان الرهن من كسب الاسلام فهو بما فيه وإن كان من كسب الردة فالمرتهن ضامن
قيمته للمسلمين ويرجع بدينه في كسب الاسلام وأما عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله حكم
الكسبين سواء في أنه ميراث عنه وتصرفه من حيث الرهن والارتهان نافذ وكان الرهن
بما فيه وكذلك إذا أسلم عند أبي حنيفة لان باسلامه ينفذ الرهن كما ينفذ سائر تصرفاته وقول
أبي حنيفة في رهن المرتدة وارتهانها كقولهما لان رهنها ينفذ كما تنفذ سائر تصرفاتها فإنها
لا تقتل والرجل يقتل وإذا ارتهن المسلم من مسلم عبدا مرتدا وقبضه وهو لا يعلم به فقتل عنده
فهو من مال الراهن والدين عليه وكذلك لو كان حلال الدم بقصاص فقتل عند المرتهن
ولو كان قد سرق عند الراهن فقطعت يده عند المرتهن لم يذهب من الدين شئ وكان رهنا
بالدين كله وأما العبد الزاني أو القاذف أو الشارب خمرا عند الراهن إذا ضرب الحد عند
المرتهن فدخله من ذلك نقصان فذلك من مال المرتهن وهذا كله في قول أبي حنيفة وقال
أبو يوسف ومحمد رحمهما الله مثل ذلك الا في السرقة والقتل فإنه يقوم سارقا ويقوم غير سارق
ويقوم حلال الدم ومحقون الدم فيسقط من الدين باعتبار قيمته سارقا أو حلال الدم ويكون
على الراهن تفاوت ما بين القيمتين إذا قتل وفى السارق يسقط من الدين نصف قيمته سارقا
ويكون مرهونا بما وراء ذلك وأصل هذه المسألة في البيع إذا اشترى عبدا سارقا أو حلال
الدم فقتل أو قطعت يده عند المشترى وقد بيناه في البيوع وان اختلف الراهن والمرتهن في
ذلك فقال الراهن رهنتك وهو مسلم وقال المرتهن رهنته وهو كافر فالقول قول المرتهن
والبينة بينة الراهن لان المنازعة بينهما في استيفاء الدين والمرتهن ينكر شيئا من الدين بما
فعل به عنده والراهن يدعى ذلك فالقول قول المنكر مع يمينه وعلى الراهن اثبات ما يدعى
بالبينة والله أعلم
* (باب رهن المضارب والشريك) *
(قال رحمه الله) وإذا رهن المضارب رهنا من المضاربة بدين استدامه عليها فإن كان
رب المال أمره بان يستدين ويرهن فالرهن جائز والدين عليهما لان الاستدامة هو الشراء
بالبينة وذلك ليس من حكم المضاربة فالمضاربة تستدعى رأس مال حاضر وذلك معدوم
154

في الاستدانة ولكن استدانة المضارب بأمر رب المال بمنزلة استدانتهما جميعا فيكون المشترى
بينهما نصفين والثمن عليهما نصفان سواء كانت المضاربة بالنصف أو بالثلث فإذا رهن بهذا
الدين الذي عليهما متاعا باذن رب المال فهلك الرهن وفيه وفاء صار المرتهن مستوفيا للثمن وعلى
المضارب نصفه لرب المال لان مال المضاربة ملك رب المال وقد قضى به دينا عليهما بأمره
فيضمن له مقدار حصته من ذلك كالمستعير للرهن إذا صار قاضيا دينه بهلاك الرهن ضمن
مثله للمعير وان كأن لم يأمره أن يستدين عليهما فإنما استدان على نفسه وقضى بمال المضاربة
دينا عليه فيكون مخالفا في حق رب المال ضامنا له قيمة المرهون كله وإذا ارتهن المضارب بدين
من المضاربة جاز لان الارتهان بمنزلة الاستيفاء والى المضارب استيفاء الدين الواجب للمضاربة
ولو كانت المضاربة ألفين واشترى عبدا بألف وقبضه ونقدها ثم اشترى متاعا بالألف الأخرى
وقبضه على أن أعطاه العبد بها رهنا فهو جائز لان الرهن بمنزلة الاستيفاء والدين الواجب
بتصرفه للمضاربة إنما يقتضيه من مال المضاربة وإذا مات رب المال والمضاربة عروض فرهن
المضارب منها شيئا لم يجز لان المضاربة تنتقض بموت رب المال كالشركة وإنما يملك من
التصرف بعد ذلك ما ينض به المال ويرد رأس المال ويقسم الربح مع الورثة والرهن ليس من
هذا في شئ بما لا يملك أن يرهن فيكون هو ضامنا بخلاف ما لو باع شيئا من المال لأنه ان
باعه بالنقد فهو تصرف في الذي ينض به المال وان باعه بالعرض فكذلك أيضا لان هذا العرض
ربما لا يشترى بالنقد فتبادله بعرض آخر يشترى ذلك منه بالنقد وإذا رهن رب المال متاعا من
المضاربة وفيه فضل لم يجز لان حق المضارب في الفضل مملوك له فلا يصح رهن رب المال
فيه بغير رضا المطالب فلا يصح فيما وراء ذلك لأجل الشيوع فإن لم يكن فيه فضل على رأس
المال فهو جائز لأنه رهن ملك نفسه بدينه ولكن يضمن قيمة ذلك لأنه صار مخرجا له من
المضاربة وكان فيه حق للمضارب (ألا ترى) انه لو نهاه عن التصرف فيه لا يعمل بنهيه
فيصير ضامنا لحقه كما لو استهلكه وعلى قول زفر لا يضمن له شيئا وأصل الخلاف فيما إذا باع
المضارب شيئا من رب المال ولا فضل في المال فعندنا يجوز البيع وعند زفر لا يجوز البيع
وبيانه في المضاربة وكذلك لو باع رب المال متاعا في هذه الحالة وأكل ثمنه ورهن المفاوض
وارتهانه بدين المفاوضة جائز عليه وعلى شريكه كالاستيفاء لأنهما فيما هو من التجارة كالواحد
من المتفاوضين يقوم مقام صاحبه ولو وجب عليه دين من جناية فرهن به رهنا من المفاوضة
155

كان جائزا وهو ضامن حصة شريكه وليس لشريكه أن ينقض الرهن لأنه سلطه على أن
يرهن ويبيع فلا يكون له أن ينقضه ولكن إذا هلك الرهن صار قابضا فنصيب شريكه
من الرهن دين عليه فلهذا ضمن له قيمة نصيبه ولو أعار الشريك انسانا متاعا ليرهنه كان
جائزا عليهما في قياس قول أبي حنيفة ولا يجوز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله بمنزلة
الكفالة إذا كفل أحد المتفاوضين بدين وقد بيناه في كتاب الكفالة ولو استعار متاعا من
رجل وقبضه ورهنه كان جائزا لان هذا من صنع التجار ففعل أحدهما فيه كفعلهما فان هلك
وقيمته والدين سواء ضمن المال الذي أعاره لأنه صار ضامنا دينه بملكه وإذا ارتهن المفاوض
رهنا فوضعه عند شريكه فضاع فهو بما فيه لان كل واحد من المتفاوضين يحفظ المال بيد
صاحبه كما يحفظه بيد زوجته فيسلم إلى صاحبه بمنزلة تسليمه إلى زوجته وإذا رهن أحد شريكي
العنان رهنا بدين عليهما لم يجز وكان ضامنا للرهن لان كل واحد منهما في نصيب صاحبه
وكيل بالبيع فقط والوكيل بالبيع لا يملك الرهن وإذا لم يصح رهنه في نصيب شريكه لم يصح
في نصيبه ويكون ضامنا نصيب صاحبه للخلاف ولو ارتهن بدين لهما أدياه وقبض لم يجز
على شريكه لأن لا يملك استيفاء نصيب شريكه فإنه غير مالك لذلك ولا مباشر سبب وجوبه
فان هلك في يده ذهب بحصته من الدين ويرجع شريكه بحصته على المطلوب ويرجع المطلوب
على المرتهن بنصف قيمة الرهن وان شاء الشريك ضمن شريكه حصته لان أخذه الرهن
بمنزلة استيفاء المال وقد بينا وجه هذه المسألة مع ما فيها من طعن عيسى في كتاب الشركة
ولو كانت شركتهما على أن يعمل كل واحد منهما برأيه فيها فما رهن أحدهما أو ارتهن فهو جائز
على صاحبه لان صاحبه أجاز صنيعه على العموم فيما هو من عمل التجارة والرهن والارتهان
من هذه الجملة وإذا استودع الرهن صاحبه أو أحدا من عياله لم يضمن لأنه يحفظ المرهون
على الوجه الذي يحفظ مال نفسه وإنما يحفظ مال نفسه بيد هؤلاء عادة فكذلك المرهون
لو أخذ رهنا بدين لهما وهلك عنده فقال شريكه لم تأخذه رهنا وقال الآخر أخذته رهنا فهلك
عندي فإن كان هو ولى حقيقة البيع فالقول قوله لان هذا منه اقرار بالاستيفاء وهو المختص
بملك الاستيفاء فيجوز اقراره به وان وليها الآخر لم يصدق في هذا إلا أن يكون كل واحد
منهما قد أجاز ما صنع صاحبه أو أذن له أن يعمل في ذلك برأيه في الرهن فحينئذ يملك الاستيفاء
فيما وجب بمعاملة صاحبه فيصح اقراره بالاستيفاء والرهن فيه أيضا وان كانت شركتهما الثلث
156

والثلثين على أن يعمل كل واحد منهما برأيه فأدان أحدهما دينا من الشركة فهو جائز لان كل
واحد منهما منفرد برأيه فلو أدان أحدهما دينا من الشركة فهو جائز لان كل واحد منهما فوض
الامر إلى رأى صاحبه فيما هو من عمل التجارة والإدانة من ذلك أن رهن أو
ارتهن فهو على قدر الشركة بينهما على الثلث والثلثين والكفيل بالدين بأمر المكفول عنه إذا
ارتهن من المكفول عنه رهنا وقبضه فهو جائز وإن لم يكن أدى المال بعد لان بنفس الكفالة
يجب المال للكفيل على الأصيل كما يجب للطالب على الكفيل ولكنه مؤجل إلى أن يؤدي
عنه (ألا ترى) أنه إذا طولب طالب وإذا لوزم لازم وإذا أدى رجع والرهن بالدين المؤجل
صحيح وإذا افترق الشريكان ثم هلك الرهن في يد أحدهما ثم قال أخذت هذا الرهن من فلان
بديني ودينك في الشركة قبل أن نفترق وقال الآخر أخذته بعد ما افترقتا فإن كان أدان
بدين في الشركة وحده فلا فائدة في هذا الاختلاف لأنه يملك أخذ الرهن بها في الشركة
وبعدها فان الاستيفاء إليه خاصة فكما يصح مباشرته عليها يصح اقراره وإن كان الآخر
أدانه فعلى المرتهن البينة أنه أخذه في الشركة فان جاء ببينة على ذلك وقد أجاز كل واحد منهما
ما صنع صاحبه فهو جائز لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وفعل أحدهما في الشركة عند
إجازة صاحبه صنيعه كفعل صاحبه وإن لم يكن أجاز كل واحد منهما ما صنع صاحبه ولم يقل
له اعمل فيه برأيك لم يجز على شريكه وإن كان أخذه في الشركة ولو أن رجلا أدان رجلا
ألفا واحدة أخذ بها رهنا منه لم يجز ذلك على رب المال كما لو استوفاه حقيقة لان صاحب المال
لم يكن يأمره بذلك ولا يضمن آخذ الرهن شيئا لأنه هنا بمنزلة العدل في حق الراهن وإنما
قبض العين باذنه فلا يكون مضمونا عليه وعيسى في مسألة الطعن إنما يستدل بهذا وقد بينا الفرق
بينهما في كتاب الشركة ولو كان قال وكلني بقبض المال وأمرني ان آخذ به منك رهنا فأخذ
به منك رهنا قيمته مثل الدين فهلك عنده قال يضمن قيمته للراهن لأنه إنما رضى بتسليم المال
إليه على أنه وكيل تبرأ ذمته بهلاك الرهن في يده وقد تبين أنه لم يكن وكيلا فكان قابضا بغير
اذنه ضامنا للقيمة ولو كان المطلوب صدقه بالوكالة لم يرجع المطلوب على الوكيل بشئ لان في
زعمه أنه كان أمينا في قبض الرهن وانه استفاد البراءة بهلاك الرهن في يده الا ان الطالب
ظلمه بالرجوع عليه مرة أخرى بدينه ومن ظلم ليس له أن يظلم غيره وزعمه معتبر في حقه
فلا يرجع على الوكيل بشئ لهذا ولو كان لرجل على رجل عشرة دراهم فجاء رجل وقال قد
157

وكلني فلان بأخذها منك أو ابتاع منك بيعا بها فاصنع فيها ما شئت فأعطاه ثوبا بخمسة
دراهم ورهنه ثوبا بخمسة وقبضهما وصدقه المطلوب في ذلك فهلك الثوبان عنده ضمن ثمن
الثوب الذي اشتراه لأنه وكيل بالشراء بتصادقهما ولكن الوكيل بالشراء مطلوب بالثمن
ضامن له ولم تقع المقاصة بدين الطالب حين جحد الوكالة ولم يضمن الذي ارتهنه لأنه عدل
فيه بزعمهما ويرجع الطالب على الغريم بالعشرة لان الوكالة لم تثبت في حقه حين جحد وحلف
فيرجع بماله على المطلوب والله أعلم
* (باب العارية في الرهن) *
(قال رحمه الله) وإذا استعار الرجل من الرجل ثوبا ليرهنه فما رهنه به من قليل أو
كثير فهو جائز أما جواز الاستعارة للرهن فلان الدين يتعلق بمالية الرهن والمعير يرضى بتعلق
حق صاحب الدين بملكه واستحقاق ماليته به كما أن الوكيل بالدين يلتزم المطالبة في ذمته على
وجه يستحق به قضاء الدين من ماله وذلك منه تبرع صحيح فلهذا مثله والدليل عليه أنه لو أمر
عبده بان يكفل بمال صح والدين لا يجب على العبد الا شاغلا لمالية رقبته فإذا ملك شاغل مالية
رقبة العبد بطريق الاذن الكفالة تملك ذلك بطريق الإعارة للرهن لان الثابت بالرهن
للمرتهن بعض ما ثبت بحقيقة الاستيفاء وهو ملك اليد فإذا جاز أن يثبت له ملك اليد والعين
جميعا بإيفاء غير المديون من ماله على طريق التبرع يجوز أن يثبت ملك اليد له بالرهن أيضا وإذا
جاز أن يفصل ملك اليد على ملك العين بقاء للبائع جاز أن ينفصل ملك اليد عن ملك العين
ثبوتا للمرتهن ثم ما رهنه به من قليل أو كثير فهو جائز لان المعير أطلق فالتقييد شئ زيادة
عليه فلا يثبت ذلك بالمطلق وهذا الاطلاق لا يمنع صحة الإعارة لأنه لا يفضى إلى المنازعة
بمنزلة الإعارة للانتفاع مطلقا ولو سمى له سببا فرهنه بأقل منه أو أكثر ضمنه أما إذا رهنه
بأكثر فلانعدام الرضا من المعير بالزيادة لان الانسان قد يرضى بأن يكون ملكه محبوسا بما
تيسر عليه أو على المستعير قضاؤه دون ما تيسر عليهما وأما إذا رهنه بأقل فلان المعير إنما رضي
بشرط أن يصير المرتهن عند الهلاك مستوفيا للعشرين ليرجع هو على المستعير بذلك فإذا رهنه
بأقل فعند الهلاك إنما يرجع المعير على المستعير بذلك القدر والحاصل أن التقييد متى كان مفيدا
فهو معتبر والتقييد هنا مفيد في المنع من الزيادة والنقصان جميعا وكذلك لو قال ارهنه
158

بجنس فرهنه بجنس آخر فهو تقييد لأنه يتعسر على المعير أداء جنس دون جنس وكان
مقصوده من التقييدات يتمكن من غير ملكه بأداء الجنس الذي هو متيسر عليه وكذلك أن
أمره أن يرهنه من رجل فرهنه من غيره لان هذا التقييد مفيد فالناس يتفاوتون في الحفظ
وأداء الأمانة وكذلك لو قال ارهنه بالكوفة فرهنه بالبصرة لان هذا التقييد مفيد فقد
يرضى الانسان بأن يكون ماله في بلدة دون بلدة ومتى صار مخالفا فإنه يصير ضامنا قيمته
وللمعير الخيار ان شاء ضمن المستعير وثم عقد الرهن بينه وبين المرتهن وان شاء ضمن المرتهن
ورجع المرتهن بما ضمن وبالدين على الراهن وقد بينا ذلك في الاستحقان ولو استعار ثوبا ليرهنه
بعشرة فرهنه بعشرة وقيمته عشرة أو أكثر فهلك عند المرتهن بطل المال عن الراهن لان
الاستيفاء قد ثم بهلاك الرهن ووجب مثله لرب الثوب على الراهن لأنه قبض الثوب وسلمه
برضاه وذلك يمنع وجوب ضمان العيب ولكن صار قاضيا دينه بهذا القدر من ماليته ومن قضى
دينه بمال الغير يضمن له مثل ذلك المال وكذلك لو أصابه عيب ذهب من الدين بحسابه ووجب
مثله لرب الثوب على الراهن لأنه صار قاضيا هذا القدر من الدين بماله والجزء معتبر بالكل فإن كان
الثوب يساوى خمسة وهو رهن بعشرة فأعسر الراهن ولم يجد ما يفتكه به ثم هلك الثوب
في يد المرتهن ذهب بخمسة وعلى الراهن خمسة للمرتهن وهو مقدار الزيادة على قيمة الرهن من
الدين وهي خمسة لرب الثوب لأنه صار موفيا خمسة من دينه بمالية ثوبه فيعزم له مثله ولو كانت
قيمته مثل الدين وأراد المعير أن يفتكه حين أعسر الراهن لم يكن للمرتهن أن يمتنع من دفعه
إليه إذا قضاه دينه بخلاف ما إذا تبرع أجنبي بقضاء الدين فلصاحب الدين أن لا يفتكه منه لان
المعير بالايفاء هنا يقصد تخليص ملكه فكان بمنزلة المديون الذي يقصد بالايفاء تفريغ ذمته
فاما الأجنبي فلا يقصد تخليص ملكه ولا ذمته بل هو متبرع على الطالب فله أن لا يقبل تبرعه
* توضيحه أن المرتهن هنا رضى باستيفاء دينه بملك الغير فلا فرق في حقه بين مالية الرهن
وبين مال آخر يعطيه وهو في الاباء بعد الرضا يكون متعينا وبهذا الحرف يرجع المعير على
الراهن بما أدى عنه لان الراهن رضى بان يصير دينه مقضيا بملك المعير على وجه يرجع عليه
بمثله وهو إذا هلك الرهن فلا فرق في ذلك بين مالية الرهن وبين مال آخر يؤديه ولو هلك
ثوب العارية عند الراهن قبل أن يرهنه أو بعد ما افتكه فلا ضمان عليه فيه لان حفظه العين
في الحالين بإذن المالك وبالهلاك قبل الرهن أو بعد الفكاك لا يصير قاضيا شيئا من دينه بماليته
159

وان قال رب الثوب هلك قبل أن يفتكه وقال الراهن هلك بعد ما افتككته أو قبل أن
أرهنه فالقول قوله والبينة بينة رب الثوب أما إذا قال هلك قبل أن أرهنه فلانكاره السبب
الموجب للضمان وحاجة رب الثوب إلى اثبات ذلك بالبينة وأما إذا قال هلك بعد ما افتككته
فلان رب الثوب يدعى عليه ايفاء الدين بماليته وهو منكر لذلك فالقول قول المنكر مع يمينه
وعلى المدعي البينة فان قيل هنا الراهن قد أقر بسبب وجوب الضمان وهو رهنه الثوب
بدينه أو ادعى ناسخه وهو الفكاك فلا يقبل قوله في ذلك الا بحجة كالغاصب يدعى رد
المغصوب قلنا لا كذلك فالرهن باذن صاحب الثوب ليس بسبب موجب للضمان على أحد
وإنما الموجب للضمان عليه لرب الثوب فراغ ذمته عن الدين بسبب ماليه الرهن (ألا ترى)
انه بذلك القدر يستوجب الرجوع عليه وبالرهن لا يحصل شئ من ذلك فكانت دعواه
الهلاك بعد الفكاك ودعواه الهلاك قبل الرهن في هذا المعنى سواء ولو اختلف الراهن
والمرتهن فقال المرتهن قبضت منك المال وأعطيتك الثوب وأقام البينة وقال الراهن بل أقبضتك
المال وهلك الثوب عندك وأقام البينة فالبينة بينة الراهن لأنه ثبت ببينة ايفاء الدين بمالية
الرهن والمرتهن ينفى ذلك بقوله أعطيتك الثوب وترجيح الثياب بالاثبات أصل فإن كان
الثوب عارية فقال رب الثوب أمرتك ان ترهنه بخمسة وقال المستعير بعشرة فالقول قول
رب الثوب لان الاذن يستفاد من جهته ولو أنكره كان القول قوله فكذلك إذا أقر به
مقيدا بصفة والبينة بينة المستعير لاثباته الزيادة وحاجته إليه ولو استعار عبدا يساوى ألف درهم
ليرهنه بألف فرهنه بألف ولم يقبضه حتى مات العبد عند المرتهن فعلى المرتهن ألف
درهم للراهن لان الدين الموعود كالدين المستحق لأنه يصير مستوفيا بهلاك الرهن ولا يكن
للمرتهن على الراهن مثله ليصير قصاصا فعليه رد المستوفى إلى الراهن وعليه ألف درهم
لصاحب العبد لان سلامة هذا القدر له من مالية الرهن باستيفائه من المرتهن كسلامته له
ببراءة ذمته عنه فان رهنه وأخذ الألف ثم أعتقه الغير جاز عتقه لقيام ملكه في العبد بمد
الرهن وقد قررناه في اعتاق الراهن وللمرتهن أن يرجع بالمال دينا على الراهن لأنه دينه
ثابت في ذمته والمعير صار مستردا للرهن بالاعتاق وان شاء رجع به على رب العبد لان حق
المرتهن تعلق بماليته برضاء المعير وقد استهلكه باعتاقه فهو كما لو استهلكه بالاتلاف وهو في
هذا الحكم كأجنبي آخر فيضمن قيمته وتكون القيمة رهنا في يده حتى يقبض دينه من الراهن
160

ثم يردها على المعير لان استرداد القيمة كاسترداد العين وإن لم يعتقه ولكن الراهن أقر أنه قد
قبض العبد ثم مات عنده وادعى ذلك المرتهن وكذلك المعير فان الراهن يصدق على قبضه
العبد لان المال عليه للمرتهن وهو قد أقر ببقاء دينه عليه كما كان وقوله حجة عليه وكذلك لو
كان العبد حيا فقبضه الراهن ثم قال أعور عندي ولم أعطه المال بعد وصدقه المرتهن فالقول
قول الراهن لإقراره بوجوب جميع الدين عليه للمرتهن ولو قضي الراهن المرتهن المال وبعث
وكيلا يقبض العبد فهلك عنده ضمنه المستعير أيضا لصاحبه بمنزلة ما لو قبضه المستعير بنفسه
ثم دفعه إلى الأجنبي إلا أن يكون الوكيل من عياله لأنه لو قبضه بنفسه ثم دفعه إليه لم
يضمنه فيد من في عياله في حفظ الأمانة كيده ولو استعار عبدا من رجلين فرهنه بأمرهما
عند رجل ثم قضى نصف المال وقال هذا فكاك من نصيب فلان خاصه لم يكن له ذلك وكان
من جميع العبد لان جميع العبد مرهون بالدين صفقة واحدة وكل جزء منه محبوس بجميع
الدين (ألا ترى) انه لو فرق القيمة في الابتداء وقال نصيب فلان بنصف المال ونصيب
فلان بنصف المال لا يجوز ذلك فهو في الانتهاء بهذا التفصيل يريد ابطال الرهن في النصف
الباقي وهو لا يتمكن من ذلك ولو استعار عبدا فرهنه بألف وقيمته ألف ثم قضي المال وهلك
العبد عند المرتهن فلا ضمان على الراهن والمرتهن ضامن للألف يردها على مولى العبد قال
عيسى رحمه الله هذا خطأ ولكن الصحيح أن الراهن ضامن للألف لصاحب العبد والمرتهن
ضامن للألف للراهن لما هلك في يد المرتهن فقد تم الاستيفاء الذي انعقد بقبض الرهن
وعلى المرتهن رد ما استوفى بايفائه وإنما استوفاه من الراهن فيرده عليه والراهن صار قاضيا
دينه بملك المعير فيقوم له مثل ذلك قال الحاكم ويحتمل أن يكون أداه فقوله لا ضمان على
الراهن ضمان القيمة لأنه لا يتحقق منه خلاف يترك استرداد الرهن مع قضاء الدين بخلاف
ما لو استرده ثم دفعه إلى المرتهن يكون ضامنا قيمته للخلاف بالتسليم للأجنبي قال ورأيت
جواب هذه المسألة في رواية أبى حفص المرتهن ضامن للألف يردها على الراهن ويردها
الراهن على مولى العبد ولم يقل لا ضمان علي الراهن وهو الأصح كما قال عيسى ولو استعار
عبد الرهن أو دابته فاستخدم العبد وركب الدابة قبل أن يرهنهما بمال بمثل قيمتهما ثم قضى
المال ولم يقبضهما حتى هلكا عند المرتهن فلا ضمان على الراهن لأنه قد برئ عن الضمان
حين رهنهما فإن كان أمينا خالف ثم عاد إلى الوفاق فيبرأ عن الضمان حين رهنهما فان قيل أليس
161

أن المستعير إذا خالف بمجاوزة المكان لم يبرأ عن الضمان ما لم تصل العين إلي صاحبها وهذا
مستعير قد خالف فيكف يبرأ عن الضمان قبل وصول المال إلى صاحبه قلنا لان يد المستعير
كيد نفسه فبالعود إلى المكان المشروط لا يصير أداء للعين لصاحبها حقيقة ولا حكما بخلاف
المودع فان يده كيد المالك فبالعود إلي الوفاق يصير أداء عليه حكما وما نحن فيه نظير مسألة
الوديعة لان تسليمه إلى المرتهن يرجع إلى تحقيق مقصود المعير حتى لو هلك بعد ذلك يصير
دينه نقضا فيستوجب المعير الرجوع على الراهن بمثله وكان ذلك بمنزلة الرد عليه حكما فلهذا
برئ به من الضمان قال والمال على المرتهن يرده على المعير هكذا ذكر في رواية أبى حفص
وفى رواية أبى سليمان قال والمال على المرتهن يرده على الراهن ثم يأخذه المعير وقيل وهو
الصحيح لان المرتهن صار مستوفيا دينه بهلاك الرهن وظهر أنه استوفى الرهن فعليه أن
يرد المستوفى ثانيا علي من استوفاه منه وهو الراهن ويرجع المعير على الراهن لما صار قاضيا
من دينه بملكه ولو قبل الراهن الرهن وقبضه ثم ركب الدابة أو استخدم العبد فهو ضامن
لاستعماله ملك الغير بغير أمره فإن لم تعطب في الركوب والخدمة ثم عطبت بعد ذلك من
غير صنعه فلا ضمان عليه لأنه بعد الفكاك بمنزلة المودع لا بمنزلة المستعير والمودع إذا خالف
ثم ترك الخلاف برئ من الضمان ولو استعار أمة ليرهنها فرهنها ثم وطئها الراهن أو المرتهن
فإنه يدرأ له الحد عنهما أما المرتهن فلانه ثبت ملك العبد بعقد الرهن وذلك مسقط للحد
وأطلق الجواب هنا وفسر في كتاب الحدود فقال إذا قال ظننتها تحل لي وهو الصحيح فملك
اليد الثابت للمرتهن هناك كملك اليد للزوج في العدة في حق المكانة وذلك أنما يسقط الحد
إذا قال ظننت انها تحل لي وكذلك لو وطئها الراهن وقال ظننتها تحل لي لان حقه فيها
نظير حق المرتهن فله حق ايفاء الدين بماليتها وللمرتهن حق استيفاء الدين من ماليتها فكما يسقط
الحد باعتبار هذا المعنى عن المرتهن فكذلك عن الراهن ويكون المهر علي الواطئ لان الوطئ
في غير الملك لا ينفك عن حدأ ومهر والمهر بمنزلة الزيادة المنفصلة المتولدة من العين لأنه بدل
المستوفى والمستوفى في حكم جزء من العين فيكون رهنا معها فإذا افتكها الراهن سلمت الأمة
ومهرها لمولاها كما لو كانت ولدت ولو وهب لها هبة أو اكتسبت كسبا فذلك لمولاها لما
بينا أن حكم الرهن لا يثبت في الزيادة حتى هي غير مطالبة من العين ولكنها تملك بملك الأصل
وملك الأصل للمعير فكذلك الغلة والكسب يكون له والله أعلم
162

* (باب رهن الأرضين وغيرها) *
(قال رحمه الله) وإذا ارتهن أرضا فيها نخل وشجر وقبضها فهو جائز وسقى النخل
والشجر على الراهن لان سقى النخل بمنزلة علف الدواب ونفقة المماليك ليقي منتفعا بها
فيكون على الراهن باعتبار ملكه كما كان قبل الرهن وان أنفق المرتهن عليها فهو متطوع
إلا أن يكون بأمر القاضي وجعله دينا على الراهن وقد بينا ذلك في النفقة وليس للمرتهن أن
يبيع ثمرة النخيل وان خاف الفساد عليها لأنه حافظ لها وبحق الحفظ لا يثبت له ولاية البيع
لما فيه من ترك حفظ العين الا بأمر الراهن أو بأمر القاضي إن كان الراهن غائبا لان للقاضي
ولاية النظر في مال الغائب وبيع ما يخاف الفساد على عينه من النظر ويدخل البناء والشجر
في رهن الأرض والدار وإن لم يذكر كما في البيع وكذلك ثمر النخيل والشجر وزرع الأرض
يدخل في الرهن من غير ذكر لقصدهما إلى تصحيح الرهن وقلة الضرر على الراهن في
دخولهما فيه بخلاف البيع والهبة وقد بينا هذا الفرق فيما سبق وإذا أخذ السلطان العشر من
الغلة لم ينقص ذلك من الدين لأنه أخذ ذلك بحق مستحق على الراهن فهو في حق المرتهن بمنزلة
الاستحقاق ولا يبطل به الرهن فيما يبقي لان مقدار العشر من الغلة يبقى على ملك الراهن ما لم
يأخذه السلطان (ألا ترى) انه لو أدى العشر من موضع آخر جاز فصح الرهن في الكل ثم
خرج هذا الجزء بأخذ السلطان والباقي مقسوم فلا يتمكن بسببه الشيوع في الرهن قارنا ولا
مقارنا ولو أخذ السلطان العشر من الراهن لم يرجع الراهن في غلة الأرض بشئ لان الرهن
في الكل صحيح لمصادفة العقد ملكه ولو أخذها المرتهن فأدى عشرها أو خراجها لم يرجع على
الراهن بذلك لأنه ان تطوع بالأداء فلانه متبرع فيما أدى وان أكرهه السلطان فهو ظالم في
حقه لأنه ليس عليه من الخراج والعشر شئ والمظلوم لا يرجع الا على الظالم وليس للراهن أن
يزرع الأرض المرهونة لان ذلك انتفاع منه بالمرهون وهو ممنوع من ذلك عندنا بحق المرتهن
وكذلك لا يؤاجرها لأنه لما منع من الانتفاع بنفسه فلان يمنع من تمليك منفعتها من غيره ببدل
أولى وهذا لأنه بالإجارة يوجب للغير حقا لازما وفى تصحيحها ابطال حق المرتهن في استدامة
اليد فان فعل ذلك فالاجر له لأنه وجب بعقده بدلا عن منفعة مملوكة له وكذلك المرتهن
لا يزرعها لان الملك فيها لغيره فلا يزرعها ولا يؤاجرها بغير إذنه فان فعل ذلك ضمن ما نقص
الأرض وتصدق بالأجر ان أجر و يفصل الزرع أما ضمان النقصان فلانه بالزراعة متلف
163

جزأ منها وأما التصدق فلانه فصل حصل له من ملك الغير بسبب حرام شرعا ولو أذن له
الراهن في الإجارة ففعل أو سلم المرتهن للراهن أن يؤاجر أو يرهن ففعل خرجت من
الرهن ولا يعود فيه لان الإجارة عقد لازم من الجانبين ويستحق به تسليم العين والرهن
يتعلق به اللزوم في جانب الراهن وقد بينا ان الشئ ينقصه ما هو مثله أو أقوى منه فمن
ضرورة نفوذ العقد الثاني بطلان الرهن الأول ولو أعادها باذن الراهن وقبضها المستعير
خرجت من الرهن ما دامت في يد المستعير ولم يرد به خروجها من العقد وإنما أراد خروجها
من الضمان الثابت بيد المرتهن لان يد المستعير يد نفسه ولهذا يتقرر عليه ضمان الاستحقاق
وتلزمه مؤنة الرد فباعتباره لا تبقى يد المرتهن وضمان الراهن باعتبار يد المرتهن فأما عقد
الرهن فباق لان الإعارة لا توجب حقا لازما للمستعير والشئ لا ينقصه ما هو دونه فلهذا
لا يبطل الحق الثابت للمرتهن فيكون له أن يستردها متى شاء ولو كانت جارية فولدت في
يد المستعير كان الولد رهنا معها وللمرتهن ان يستردهما لما قلنا وكذلك أن زرع المستعير الأرض
بإذنهما فالإعارة لا تلزم بعد الزراعة كما كان قبلها ولو ارتهن أرضا فغرقت وغلب عليها الماء
حتى جرت فيها السفن وصارت نهرا لا يستطاع أن ينتفع بها ولا ينحسر عنها الماء فلا حق
للمرتهن على الراهن لان المرهون صار في حكم المستهلك خصوصا في حق المال فإنه خرج
عن أن يكون منتفعا به وبفوات مالية الرهن يصير المرتهن مستوفيا دينه ولان المرتهن
إنما يطالب الراهن بالدين إذا قدر على تسليم الرهن إليه بعد استيفاء الدين كما قبضه منه وهو
عاجز عن ذلك فهو نظير العبد المرهون إذا أبق فان نضب الماء عنها فهي رهن على حالها
لان ماليتها عادت بصيرورتها منتفعا بها كما كانت وان أفسد منها شيئا ذهب من الدين بحسابه
والله أعلم.
* (باب رهن الرجلين وارتهانهما) *
(قال رحمه الله) وإذا كان لرجلين على رجل دين هما فيه شريكان أو لأحدهما دنانير
وللآخر دراهم أو حنطة أو غيرها فرهنهما بذلك رهنا واحدا فهو جائز من أي وجه كان
كالواحد من الدينين لان جميع الرهن يكون محبوسا بدين كل واحد منهما لاتحاد الصفقة
ولأنه لا شيوع في المحل باعتبار عدد المستحقين وهو نظير قصاص يجب لجماعة على شخص
164

فإنه لا يتمكن الشيوع في المحل باعتبار عدد المستحقين فان قضى أحدهما ماله لم يأخذ الرهن
حتى يقبض الثاني ماله لثبوت حق الحبس لكل واحد منهما في جميع الرهن بدينه وان تلف
الرهن عنده استرد الذي قضاه ما أعطاه لان بهلاك الرهن يصير كل واحد منهما مستوفيا
دينه من نصف مالية الرهن فان في الرهن وفاء بدينهما فتبين أن القابض استوفى حقه مرتين
فعليه رد ما قبضه ثانيا وقد بينا أن باستيفاء الدين يتقرر حكم ضمان الرهن ولا يبطل ما لم يعد
الرهن إلى يد الراهن وإذا ارتهن الرجل من الرجلين دارا بحق له عليهما فهو جائز لأنه
لا شيوع في الرهن إنما الشيوع في ملك الراهنين فان قضاه أحدهما نصف المال لم يأخذ
شيئا من الدار حتى يقضى صاحبه ما عليه لان جميع الرهن محبوس بكل جزء من الدين
وقد رضينا فذلك دين أوجبا له الرهن في جميعها صفقة واحدة وإذا كانت الأرض بين رجلين
فرهناها من رجل له عليهما مال وأحدهما شريك في ذلك المال والمال متفرق لم يجز الرهن
من قبل أنه لا يكون راهنا لنفسه فلما بطل بعضه بطل كله ومعنى هذا أن ملكه لا يجوز
أن يكون مرهونا بشئ من نصيبه من المال وبطلان الرهن في جزء من الأرض شائع
يبطل الرهن في جميعها وإذا ارتهن الرجل من الرجلين أرضا أو دارا ولأحدهما أكثر من
نصفها وقبض فهو جائز لاتحاد الصفقة وثبوت حق المرتهن في حبس الكل وانتفاء الشيوع
عن المحل في موجب الرهن وأكثر ما فيه أن دينهما سواء فصاحب الكبير كالمعير نصيبه من
صاحبه ليرهنه معه وذلك مستقيم وإذا كان المرتهن اثنين والراهن اثنين فرهناهما دارا وجعلاها
أثلاثا أو نصفين من قبل أنهما قد فصلا بعض الرهن من بعض معناه أن يفرق التسمية فيما
أوجبا لكل واحد منهما بمنع ثبوت حق الحبس لكل واحد منهما في جميعه أو يوجب ذلك
تفريق التسمية كما في البيع من رجلين بتسمية متفرقة وبتفرق التسمية يتمكن الشيوع في محل
فيما أوجباه لكل واحد منهما وذلك مبطل للرهن ولو كأن لأحدهما ألف درهم وللآخر ألفا
درهم على حدة فرهناهما الدار جميعا كان جائزا ولصاحب الألفين الثلثان وللآخر الثلث
يعنى مقدار ما صار مضمونا بالدين الذي على كل واحد منهما فأما حق الحبس فثبت للمرتهن
في الجميع لاتحاد الصفقة والشيوع في الضمان لا يمنع صحة الرهن كما لو كانت قيمة الرهن أكثر
من الدين وكذلك لو كان جنس المالين مختلفا فباختلاف جنس المال لا تتفرق الصفقة
لاتحاد الايجاب منهما فان مات أحد الراهنين فورثه الآخر فالرهن على حاله لان وارث
165

الميت يخلفه في ملكه بعد موته وكان نصيبه في حياته مشغولا بحق المرتهن فكذلك بعد موته
وإذا شارك الراهن المرتهن في الرهن ونقضاه وهو في يدي المرتهن فهو رهن على حاله حتى
يقبضه الراهن لان ضمان الرهن انعقد بالقبض والدين يبقى شائعا بينهما وفسخ العقد معتبر
بأصل العقد فكما أن ضمان الرهن لا يثبت بالعقد قبل القبض فكذلك لا يسقط بالفسخ قبل
الرد فان بدا للمرتهن أن يملكه فله ذلك وليس للراهن أن يأخذه لان بعد العقد قبل
التسليم كان للراهن أن يمتنع من التسليم فكذلك بعد الفسخ قبل الرد للمرتهن أن يمتنع من
الرد حتى يستوفى دينه اعتبارا لاحد الجانبين بالآخر فبه تتمم المعادلة وان بدا للراهن أن يتركه
كان للمرتهن أن يرده لأنه قبل الفسخ كان يتمكن من ذلك فبعده أولى وإذا كان المرتهن اثنين
فأراد أحدهما رد الرهن لم يكن له ذلك حتى يجتمعا على الرد لان حق الحبس لكل واحد
منهما ثابت في الجميع ولا ولاية لأحدهما على الآخر في اسقاط حقه ولأنه لو تمكن من رد
نصيبه بطل به الرهن في نصيب الآخر فان الشيوع الطارئ كالشيوع المقارن في ظاهر
الرواية ورضاه غير معتبر في الحاقه بالضرر بالعين كما لا يعتبر رضا الراهن بذلك في ابطال
حق المرتهن ولو اختلفا في أصل الرهن فقال أحدهما لم نرتهن وقال الآخر بل قد ارتهنا
وأقام البينة وقال الراهن لم أرهنه لم يكن رهنا حتى يجتمعا على الدعوى وهو قول أبى يوسف
وقد بينا هذا الخلاف فيما سبق وكذلك أن كانا شريكين شركة عنان أو مفاوضة وليس هذا
كالذي كان رهنا فنقضه أحدهما فان في المتفاوضين يجوز نقض أحدهما على شريكه لان فيما
هو من التجارة كل واحد منهما يقوم مقام شريكه فأما إذا أنكر أحدهما الرهن فقد أكذب
شهوده ومع اكذابه يتعذر القضاء بالرهن في نصيبه فيتعذر القضاء به في نصيب الآخر
لأجل الشيوع ولو كانا شريكي عنان فرهنا جميعا رهنا لم يكن لأحدهما أن ينقضه دون صاحبه
لأنهما كالأجنبي في نقض كل واحد منهما الرهن في نصيب صاحبه فان شركة العنان لا تتضمن
الا الوكالة بالبيع والشراء وفيما سوى ذلك كل واحد منهما في حق صاحبه ينزل منزلة الأجنبي
فان نقضه وقبضه فهلك عنده كان المرتهن ضامنا لحصة الذي لم ينتقض لأنه صار مخالفا برد
حصته على الآخر ويرجع عليهما بماله ويرجع بنصف القيمة التي ضمن على الذي قبض منه
الرهن لان القابض منه لا يرده عليه بمنزلة غاصب الغاصب في حقه والغاصب الأول إذا ضمن
رجع بما ضمن على الغاصب الثاني فهذا مثله قال عيسى هذا خطأ والصواب أن لا يرجع
166

المرتهن بما ضمن على القابض لأنه هو الذي سلمه إليه مع علمه أنه ليس بمالك له فهو في حقه
كمودع الغاصب فإذا ملك الغاصب بالضمان كان مسلما ملك نفسه إلى الأجنبي طوعا وقد
هلك في يد القابض من غير فعله فلا ضمان عليه إلا أن يكون ادعي الوكالة من صاحبه ودفعه
المرتهن من غير تصديق فحينئذ يرجع عليه لأجل الغرور الممكن من جهته بدعواه الوكالة
من صاحبه وقد قيل في تصحيح جواب الكتاب ان حالة الشركة التي بينهما توهم كثيرا
من الناس جواز قبض أحدهما له في حقهما فيقوم ذلك مقام الغرور الذي يمكن بادعاء أحدهما الوكالة
فكما يرجع هناك بما ضمن فكذلك هنا ولو كان رهنه أحدهما باذن شريكه ثم نقض الرهن وقبضه
وسلم ذلك المرتهن جاز ذلك لأنه هو الذي رهنه (ألا ترى) أن المستعير للرهن إذا نقض
الرهن واسترد العين برضا المرتهن كان جائزا فكذلك هنا والله أعلم
* (باب جناية الرهن بعضه على بعض) *
(قال رحمه الله) وإذا ارتهن الرجل عبدين بألف درهم وقيمة كل واحد منهما الف
فقتل أحدهما صاحبه فان الباقي يكون رهنا بتسعمائة وخمسين والأصل فيه أن يقال نصف
كل واحد من العبدين مشغول بنصف الدين ونصفه فارغ فالنصف الذي هو مشغول من
القاتل جنى على نصف شائع من المقتول نصف ذلك مما هو مشغول ونصفه مما هو فارغ
وكذلك النصف الذي هو فارغ من القاتل جنى على نصف شائع من المقتول نصفه من
المشغول ونصفه من الفارغ وجناية الفارغ هدر وجناية المشغول على المشغول هدر وجناية
الفارغ على المشغول معتبرة وإنما قلنا ذلك لان العبدين على ملك الراهن بعد عقد الرهن كما
كانا قبله وجناية أحدهما قبل عقد الرهن على الآخر خطأ هدر لان المستحق بجناية الخطأ
نفس الجاني ملكا وهو مملوك لمولى المجني عليه ولو اعتبرت الجناية لاستحق بها على نفسه ملك
نفسه وهذا لغو فكذلك بعد عقد الرهن لا يمكن اعتبار الجناية لحق الراهن وإنما يجب اعتبار
الجناية لحق المرتهن لان في حق المرتهن تمييز البعض عن البعض كان لثبوت حق الاستيفاء
له في نصف كل واحد منهما (ألا ترى) أن جناية الراهن على المرهون تعتبر الحق المرتهن
فكذلك جناية ملك الراهن على حق المرتهن تكون معتبرة لحق المرتهن إذا عرفنا هذا فنقول
جناية الفارغ على الفارغ لو اعتبرت إنما تعتبر لحق الراهن إذ لا حق للمرتهن في المحل المجني
167

عليه من حيث الاستيفاء فلا يعتبر وكذلك جناية المشغول على المشغول غير مفيد اعتبارها في
حق المرتهن لأنه لا بد من أن يسقط ماله من الحق في أحدهما أما المجني عليه إذا جعل فائتا
لا إلى بدل وأما الجاني إذا أقيم مقام المجني عليه بالدفع فإنه في حق نفسه يصير تاويا وإذا كان
اعتبار الجناية في حق المرتهن وجناية المشغول على المشغول لا يفيد اعتبارها في حقه كان هدرا
وكذلك جناية المشغول على الفارغ لو اعتبرت إنما تعتبر لحق الراهن فالمرتهن يتصور باعتبار
هذه الجناية لأنها إذا لم تعتبر لم يسقط من دينه وإذا اعتبرت سقط بعض دينه فلهذا لا يعتبر وأما جناية الفارغ على المشغول فهي معتبرة لحق المرتهن ففيه توفير المنفعة عليه لأنها لو لم تكن
معتبرة كان المجني عليه فائتا لا إلى بدل فيسقط ما كان فيها من الدين وإذا اعتبرت دفع الجاني
بالمجني عليه فيتحول ما كان في المجني عليه من الدين إلى الجاني لفوات المشغول إلى خلف فإذا
ظهر اعتبار جناية الفارغ على المشغول قام هذا الربع من الجاني مقام ذلك الربع من المجني عليه
فيتحول ما كان فيه وذلك مائتان وخمسون إلى الجاني وقد كان فيه خمسمائة بحكم العقد فتجتمع
فيه من الدين سبعمائة وخمسون ويسقط مائتان وخمسون حصة جناية المشغول على المشغول
فان ذلك هدر فيكون كالهالك من غير صنع أحد وإذا أردت اختصار هذا الكلام قلت السبيل
أن ينظر إلى مقدار الفارغ من الجاني فيتحول مما كان من المجني عليه قدر ذلك إلى الجاني إن كان
نصفا فالنصف وإن كان ثلثا فالثلث وإن كان ربعا فالربع وإن كان عشرا فالعشر وأبو
يوسف يستدل بهذه المسألة في جواز الزيادة في الدين حكما في هذه المسألة في حق العبد الجاني
كذلك يجوز اثباته قصدا ولكن هذا ليس بقوى لأنا إنما لم نجوز الزيادة في الدين بحكم الرهن
لمعنى الشيوع باعتبار تفرق التسمية وذلك لا يتحقق هنا ولو لم يقتله ولكن فقأ عينه كان الباقي
ستمائة وخمسة وعشرين والمفقوء بمائتين وخمسين لان بذهاب العين المفقوءة تلف نصف نصفه
وبقي النصف فإنما يبقى فيه نصف ما كان من الدين وذلك مائتان وخمسون والذي كان في
العين مائتان وخمسون ونصف الجاني فارغ فيتحول بحساب ذلك إلى الجاني باعتبار جناية الفارغ
على المشغول وذلك مائة وخمسة وعشرون ويسقط نصفه بجناية المشغول على المشغول فيجمع
في الفاقئ ستمائة وخمسة وعشرون ولا يفتكهما الا جميعا لاتحاد العقد فيهما ولو أن المفقوءة
عينه فقأ بعد ذلك عين الفاقئ بقي في الفاقئ الأول ثلاثمائة واثنا عشر ونصف لان نصفه فات
بفقء العين وقد كان الدين فيه ستمائة وخمسة وعشرين فبعد فوات النصف إنما يبقى فيه نصف
168

ذلك وهو ثلاثمائة واثنا عشر ونصف ولحق الفاقئ الآخر مائة وستة وخمسون وربع لان
الفاقئ الآخر نصفه فارغ باعتباره يتحول نصف ما كان في عين المفقوء إليه بجناية الفارغ على
المشغول ويسقط نصفه بجناية المشغول على المشغول والذي كان في العين المفقوءة ثلاثمائة واثنا
عشر ونصف يسقط ويلحق الفاقئ الآخر نصفه وذلك مائة وستة وخمسون وربع مع
المائتين والخمسين التي كانت بقيت فيه ولو كان كل واحد منهما فقأ عين الآخر معا ذهب
من الدين ربعه بقي في عنق كل واحد منهما ثلاثة أرباع خمسمائة لان في عيني الفاقئ في كل
واحدة منهما نصف الخمسمائة يتحول نصف ذلك من المجني عليه إلى الجاني باعتبار جناية
الفارغ على المشغول ويسقط نصفه حصة جناية المشغول على المشغول فإنما يسقط مما في كل
واحدة منهما ربع خمسمائة ويكون كل واحد منهما مرهونا من الحاصل بثلاثة أرباع خمسمائة
وإذا كان الرهن أمتين قيمة كل واحدة منهما ألف درهم فولدت كل واحدة منهما بنتا تساوى
ألفا والدين الف فقتلت احدى الاثنتين صاحبتها لم يبطل شئ من الدين لان كل واحدة من
البنتين مملوكة للراهن غير مضمونة على المرتهن وقد بينا أن اعتبار الجناية لحق المرتهن لا لحق
الراهن ولا منفعة للمرتهن في اعتبار هذه الجناية فيجعل كان إحداهما هلكت من غير صنع
أحد فلا يسقط شئ من الدين فان ماتت أم المقتولة بقيت القاتلة وأمها بستمائة وسبعة وثمانين
ونصف الأم من ذلك بمائتين وخمسين والبنت بمائتين وخمسين من الرهن الأول وبمائة وسبعة
وثمانين ونصف مما لحقها من الجناية لان كل واحدة منهما لما ولدت انقسم ما كان فيها من
الدين على قيمتها وعلى قيمة البنت فكان في البنت المقتولة مائتان وخمسون وفى أمها مثل ذلك
وفي البنت القاتلة مائتان وخمسون فلما قتلت احدى الاثنتين الأخرى نظرنا إلى مقدار
الفارغ من القاتلة وذلك ثلاثة أرباعها لان قيمتها ألف وفيها مائتان وخمسون فتحول مقدار
ذلك مما كان في المقتولة إلى القاتلة والذي كان في المقتولة مائتان وخمسون فثلاثة أرباع ذلك
مائة وسبعة وثمانون ونصف تحول ذلك إلى القاتلة باعتبار جناية الفارغ على المشغول وربع
ذلك كان عاد إلى أم المقتولة لفوات ذلك الجزء من ولدها لا إلى خلف وقد سقط ذلك
بموتها مع ما بقي فيها فلهذا افتك القاتلة مع أمها بستمائة وسبعة وثمانين ونصف ولم يعتبر هذا
التوزيع قبل موت أم المقتولة لان ذلك غير مفيد فان اعتباره إذا جاء أو ان سقوط شئ
من الدين قبل موت أم المقتولة سواء جعلت المقتولة فائتة لا إلى بدل أو القاتلة لم يسقط
169

شئ من الدين فلهذا لا يعتبر (قال رضي الله عنه) وفى جواب هذه المسألة بعض اشكال
عندي لان الخمسمائة التي في أم المقتولة إنما انقسمت عليها وعلى ولدها نصفين بشرط بقاء
الولد على تلك القيمة إلى وقت الفكاك ولم يبق فان بعض المقتولة هلك ولم يخلف بدلا وهو
ما تلف بجناية المشغول على الفارغ وبجناية الفارغ على الفارغ وبجناية المشغول على المشغول
فكيف يستقيم تخريج الجواب على أن المشغول من المقتولة ربعها (قال رضي الله عنه) والذي تخيل
لي بعد التأمل في الجواب عن هذا السؤال ان جناية القاتلة على المقتولة فيما جعل هدرا
يكون كجناية الراهن لأنه إنما جعل ذلك هدرا باعتبار جناية ملكه على ملكه ويستقيم أن
يجعل فعل المملوك كفعل المالك ولأجله جعل هدرا وفعل الراهن بمنزلة الفكاك فيتم به ذلك
الانقسام ولا يبطل * فان قال قائل كما تعتبر جناية الفارغ على المشغول ينبغي أن تعتبر جناية
المشغول على الفارغ في أصل الرهن لان المشغول من أصل الرهن مضمون فيكون هذا
كجناية المغصوب على وديعة المغصوب منه في يد الغاصب * قلنا الفرق بينهما ظاهر فان
ضمان الغصب ضمان العين وهو يوجب الملك في العين إذا تقرر فباعتبار المال المغصوب يكون
للغاصب إذا تقرر عليه ضمانه وتبين ان هذه جناية عند الغاصب على ملك المغصوب منه فكان
معتبرا فاما ضمان الرهن ضمان الاستيفاء والعين فكحكم الأمانة (ألا ترى) أن تقرر هذا
الضمان لا يوجب الملك في العين للمرتهن فلا يتبين ان جنايته حصلت على عبد غير مالكه فلهذا
لا تعتبر هذه الجناية الا لحق المرتهن من الوجه الذي قررنا وإذا ارتهن عبدين كل واحد منهما
بخمسمائة وقيمة كل واحد منهما ألف وارتهن كل واحد منهما بعقد على حدة فقتل أحدهما صاحبه
فإنه يخير الراهن والمرتهن فإن شاء جعلا القاتل مكان المقتول وبطل ما كان في القاتل من الدين
وان شاء أفديا القاتل بقيمة المقتول والفداء عليهما نصفين فكانت هذه القيمة هنا مكان المقتول
وكان القاتل رهنا على حاله لان كل واحد من هذين رهن على حدة معناه أن الصفقة متفرقة
والدين مختلف وكل واحد منهما محبوس بغير ما كان الآخر محبوسا به أما إذا كان جنس
الدين مختلفا بان كان أحدهما رهنا بخمسمائة والآخر بخمسين دينارا فهو ظاهر وكذلك إذا
اتفق جنس المالين (ألا ترى) انه لو أدى ما على أحدهما من الدين كان له أن يفتكه فكان هذا
بمنزلة ما لو كان كل واحد منهما مرهونا عند رجل آخر فاعتبار جناية أحدهما على الآخر
مفيد في حق المرتهن فوجب اعتباره بمنزلة جناية المرهون على عبد أجنبي أو جناية عبد أجنبي
170

على المرهون بخلاف الأول فالعقد هناك صفقة واحدة وكل واحد منهما محبوس بالدين الذي
به الآخر محبوس (ألا ترى) انه لو أدى خمسمائة لم يكن له أن يسترد واحدا منهما مثل الدين
الذي فيه أن جناية أحدهما على الآخر هل تعتبر فظاهر المذهب أن ذلك معتبر لتفرق العقد
من الوجه الذي قررنا. وروى ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله لا تعتبر
جناية أحدهما على الآخر إذا كان جنس الدين واحدا لان العبدين لمالك واحد ولا فائدة
في اعتبار الجناية في حق المرتهن فإن لم تعتبر الجناية سقطت الألف التي في المقتول لفواته
لا إلى خلف وان اعتبرت سقطت الألف التي في القاتل لما أقيم مقام المقتول بالدفع بالجناية ولا
فائدة للمرتهن بكون الساقط من دينه هذا الألف دون تلك الألف فلهذا لا تعتبر أصلا
فاما إذا كان في قيمة كل واحد منهما فضل على الدين فاعتبار الجناية مفيد في حق المرتهن
لان الفداء في حصة الأمانة على الراهن إذا عرفنا هذا فنقول ان اختار الدفع قام القاتل مقام
المقتول وخلا مكان القاتل فيصير هو في معنى الهالك يسقط ما فيه من الدين ويتحول إليه
ما كان في المقتول فان اختار الفداء فالفداء بقيمة المقتول ونصف القاتل مضمون فحصة ذلك
من الفداء على المرتهن ونصفه أمانة وحصة ذلك من الفداء على الراهن فيغرم كل واحد
منهما خمسمائة ثم هذه القيمة قائمة مقام المقتول فيكون بما كان رهنا في المقتول وقد فرغ
القاتل من الجناية فيبقى رهنا على حاله ولو كان فقأ أحدهما عين الآخر قيل لهما ادفعاه أو
أفدياه بأرش على الآخر لما قلنا فان دفعاه فقد خلا مكان الجاني فيبطل ما فيه من الدين وهو
خمسمائة وان فدياه كان الفداء عليهما نصفين وكان الجاني رهنا على حاله لأنه فرغ من الجناية
وكان الفداء رهنا مع المفقوءة عينه بالدين الذي كان فيه لان نصفه فات إلى خلف فيبقى
الدين الذي فيه تبعا للخلف فان قال المرتهن لا أبقي الجناية وادع الرهن على حاله فله ذلك
لان اعتبار هذه الجناية لحق المرتهن فان العبدين كل واحد منهما ملك الراهن فإذا لم يطلب
المرتهن حقه لم تعتبر الجناية ويجعل كان العين ذهبت من غير صنع أحد فيسقط نصف ما كان في
المفقوءة عينه من الدين والباقي رهن على حاله بما كان فيه من الدين وان طلب المرتهن الجناية
فقال الراهن أنا أفديه وقال المرتهن لا أفدي ولكني أختار الدفع فللراهن أن يفدى بأرش
الجناية كلها لان جناية المملوك تثبت الخيار للمالك بين الدفع والفداء فلا يمكن المرتهن ابطال
هذا الخيار على المالك وليس في اختيار الراهن الفداء ضرر على المرتهن فإذا فداه بأرش
171

الجناية فإنه يكون له نصف ذلك غرما على المرتهن في العبد الجاني لان الفداء في النصف
الذي هو مضمون على المرتهن والراهن غير متطوع في هذا الفداء لأنه يطهر به ملكه عن
الجناية فلهذا كان نصف الفداء غرما له على المرتهن في العبد الجاني فيبطل من حقه في العبد
الجاني نصفه بطريق المقاصة لان الراهن استوجب عليه مثل ما كان للمرتهن عليه في هذا
النصف ويبقى الجاني رهنا بمائتين وخمسين والمفقوءة عينه مع الفداء رهنا بما كان فيه وان أبى
الراهن أن يفدى وقال المرتهن أنا أفدى بجميع الأرش فدى وكان متطوعا فيه لا يلحق
الراهن مما فدى منه شئ لأنه تبرع بفداء ملك الغير ولم يكن مجبرا عليه وإن كان الراهن
غائبا ففداه المرتهن كان على الراهن نصف ذلك الفداء دينا وهو قول أبي حنيفة وفى قولهما
يكون متطوعا وأصله في جناية المرهون على الأجنبي وبيانه يأتي في بابه إن شاء الله تعالى
. وإذا كان العبد يساوى ألفا وهو رهن بألف فقتل نفسه أو فقأ عين نفسه فليس في ذلك
أرش وهذا مثل بلاء نزل به من السماء لان جناية المرء على نفسه هدر حرا كان أو مملوكا
وكأنه مات أو ذهبت عينه من غير صنع أحد فإن كان مرهونا بمثل قيمته سقط بذهاب عينه
نصف الدين وإن كان بمثل نصف قيمته سقط بذهاب عينه ربع الدين وإن كان الرهن أمة
تساوى ألفا بألف فولدت بنتا تساوى ألفا فجنت البنت فدفعت بها لم يبطل من الدين شئ
لان البنت خلا مكانها بالدفع فكأنها ماتت فان فقأت الأم عين البنت فدفعت الأم وأخذت
البنت فهي رهن بألف كاملة مكان الأم لان الأم لما دفعت بالجناية صارت كأمة أخرى
للمدفوع إليه فتعتبر جناية الأم عليها لحق المدفوع إليه فلهذا تدفع الأم برضا الراهن
والمرتهن وتؤخذ النبت كما هو الحكم في الجثة العمياء ثم البنت رهن بجميع الألف مكان
الأم عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد يسقط نقصان العينين من الدين وتكون
البنت رهنا بما بقي وهكذا الحكم فيما إذا فقأت عين عبد آخر فدفعت وأخذ ذلك العبد فمحمد
يقول المجني عليه قائم مقام الجاني حين أخذ بدفع الجاني فكان الأمة مرهونة بما فيها وذهبت
عيناها فيسقط نقصان العينين من الدين ووجه ظاهر الرواية أن المجني عليه إنما قام مقام الجاني
على هذه الصفة لان الأمة دفعت بفقء العينين فلا يستند الدفع والاخذ إلى ما قبل الفق ء
فتبين ان المأخوذ قام مقام المدفوع على هذه الصفة وان حكم الرهن لم يثبت في عينه فلهذا
لا يسقط شئ من الدين بخلاف ما إذا ذهبت عينا الأمة المرهونة فان ماتت البنت ماتت بجميع
172

الدين لأنها قائمة مقام أم المدفوعة وبموتها كان يسقط جميع الدين فلذلك يموت من قام مقامها
فان فقأت البنت بعد ذلك عيني الأم فدفعت وأخذت الأم عمياء فإنه ينبغي في القياس أن
تكون رهنا بجميع المال لأنها قائمة مقام البنت المدفوعة ولكنا ندع القياس ونجعل الرهن على
الأول وقد عاد إلى حاله فيذهب من الدين بحساب ما نقص من العينين لان جميع الدين كان
في الأم التي هي الأصل وعاد إليها المال فسقط اعتبار ما تخلل بين ذلك من الزوائد ويجعل كأنها
كانت مرهونة إلى الآن وذهبت عيناها وعلى رواية محمد رحمه الله في القياس يتحول إلى الأم
ما زاد على نقصان عيني البنت وفى الاستحسان يتوزع ذلك المقدار على ما بقي من الأم وعلى
نقصان عينها فتسقط حصة نقصان العينين وتكون هي مرهونة بما بقي وإذا استعار رجل
من رجلين عبدين قيمة كل واحد منهما ألف فرهنهما بألف ففقأ أحدهما عين الآخر ثم إن
المفقوءة عينه فقأ عين الفاقئ فان المستعير يفتك العبدين بتسعمائة وثمانية عشر درهما وثلاثة أرباع
درهم وهذه المسألة تشتمل على أحكام ثلاثة حكم بين المستعير والمرتهن فيما يسقط من الدين
وما بقي وحكم بين المستعير والمعيرين فيما يرجع كل واحد منهما به عليه وحكم بين المعيرين
. أما الذي بين المستعير والمرتهن فيقول رهن العبدين منه بعقد واحد فكأنهما جميعا على ملكه
وهي مسألة أول الباب حين فقأ أحدهما عين الآخر سقط من الدين مائة وخمسة وعشرون
وتحول إلى الفاقئ مثله باعتبار جناية الفارغ على المشغول فصار الفاقئ مرهونا بستمائة وخمسة
وعشرين فلما فقأ الآخر عينه فقد فات نصفه فإنما بقي فيه ثلاثمائة واثنا عشر ونصف وسقط
نصف ثلاثمائة واثنا عشر ونصف وهو مائة وستة وخمسون وربع وتحول مثله إلى الفاقئ فكان
الساقط من الدين مرة مائة وخمسة وعشرين ومرة مائة وستة وخمسين وربعا وذلك
مائتان واحد وثمانون وربع بقي من الألف سبعمائة وثمانية عشر وثلاثة أرباع فيقبلهما بهذا
وأما الحكم الذي بين المستعير والمعيرين فهو ان كل واحد منهما يرجع عليه بما صار قاضيا بملك
المفقوءة عينه أولا مائة وخمسة وعشرين فيغرم له ذلك المقدار ويملك مولى المفقوءة عينه أخيرا
مائة وستة وخمسين وربعا فيغرم له ذلك المقدار وأما الحكم الذي بين المعيرين فإنه يجبر مولى
العبد الفاقئ أولا بجناية عبده على عبد غيره ويقال له ادفع ثلاثة أرباع عبدك أو افده بثلاثة
أرباع أرش عين العبد الآخر لان مقدار الربع من الأرش قد وصل إلى مولى المفقوءة عينه
أولا من جهة المستعير وهو مائة وخمسة وعشرون فلهذا بقي حكم الجناية في ثلاثة أرباع
173

العبد فان دفعه فليس له علي صاحبه شئ لان بالدفع صار مملوكا لمولى المفقوءة عينه أولا فيتبين
أنه جنى عبده على عبده وذلك باطل وفيه نوع شبهة فإنه إنما يدفع ثلاثة أرباعه ويبقى الربع
على ملكه وفى ذلك القدر يجعل جناية المفقوءة عينه أولا على ملك مولى الفاقئ فكأنه ذهب
وهم محمد رحمه الله إلى أن الدفع في جميع العبد فلهذا قال ليس له على صاحبه شئ ومثل
هذا يقع إذا طال التفريغ وان فداه بثلاثة أرباع أرش العين قيل لرب العبد المفقوءة عينه
أولا ادفع من عبدك ثلاثة أخماسه وثلاثة أثمان خمسه ونصف ثمن خمسه أو افده بمثل ذلك
من أرش العين لان العبد الفاقئ الأول طهر عن الجناية حين فداه مولاه ثم قد جنى عليه
العبد المفقوءة عينه أولا فلا بد من اعتبار جنايته إلى أنه قد وصل إليه من جهة المستعير مائة
وستة وخمسون وربع وذلك خمس الأرش ونصف خمسه ونصف ثمن خمسه لان الأرش خمسمائة
فخمسمائة ونصف خمسه خمسون وستة وربع نصف ثمنه خمسة لان ثمن المائة اثنا عشر ونصف
فنصف ثمنها ستة وربع فإنما بقي من حقه ثلاثة أخماسه وثلاثة أثمان خمسه ونصف ثمن خمسه
فيخير بين الدفع والفداء في هذا المقدار وعلى ذلك يسلم لصاحبه ولا يرجع واحد منهما على
صاحبه بشئ وإذا كان الربع أمة تساوى ألفا بألف فولدت ولدا يساوى ألفا ثم جنت الأم
جناية فدفعت بقي الولد بخمسمائة لان الدين انقسم على قيمة الأم وقيمة الولد نصفين بشرط
بقاء الولد على هذه القيمة إلى وقت الهلاك وقد بقي فالأم لما دفعت بالجناية خلا مكانها فكأنها
ماتت فلهذا بقي الولد بخمسمائة فان فقأ الولد عيني الأم فدفع بها وأخذت الأم عادت إلى
حالها الأولى رهنا بألف غير أنه يذهب من الألف بحساب ما ذهب من بصرها لان الولد
حين دفع فكأنه مات وتبين به بطلان ذلك الانقسام والأم حين أخذت عادت رهنا كما
كانت بجميع الألف إلا أن عينها ذهبت فكأنها ذهبت من غير صنع أحد فسقط حصة ذلك
من الألف وإذا كان الرهن أمة بألف تساوى خمسمائة فولدت ولدين كل واحد منهما يساوى
ألفا فجنى أحدهما جناية فدفع بها ثم فقأت الأم عينه فدفعت الأم فأخذ الولد مكانها فهذا
الولد الأعمى والصحيح بالألف كلها لان الولد الجاني حين دفع صار كأن لم يكن ولم يسقط
شئ من الدين باعتباره والتحق هذا بعبد آخر للمدفوع إليه فحين فقأت الأم عينه فدفعت
واحدا مكانها قام مقامها وقبل جنايتها كانت هي مع الولد الصحيح بالألف فكذلك المأخوذ
بها مع الصحيح بجميع الألف فان مات الأعمى ذهب نصف الدين لأنه قائم مقام الأم ولو ماتت
174

الأم سقط بموتها نصف الدين فكذلك سقط بموت من قام مقامها فان جنى الولد الجاني
على الأم فدفع وأخذته الأم مكانه عاد الرهن على حاله وذلك من الألف بحساب ما انتقص
من الأم بالجناية عليها لما بينا أنها كانت مرهونة في الأصل وعادت كما كانت فيجعل ما
انتقص منها بالجناية كالثابت من غير صنع أحد فسقط حصة ذلك من الدين استحسانا كما
بينا وإذا استعار عبدين من رجلين كل واحد منهما يساوى ألفا فرهنهما بألف فقتل أحدهما
صاحبه ففي هذه المسألة أحكام ثلاثة كما بينا أما الحكم فيما بين المستعير والمرتهن فإنه يسقط
من الدين مائتان وخمسون والقاتل رهن بتسعمائة وخمسين بمنزلة ما لو كانا مملوكين له فقتل
أحدهما صاحبه وهناك سقط نصف ما كان في المقتول من الدين وتحول نصفه إلى القاتل
بجناية الفارغ على المشغول فيفتك القاتل بسبعمائة وخمسين ويغرم لمولى المقتول مائة وخمسين
مقدار ما صار قابضا من دينه بملكه يقال لمولى القاتل ادفع ثلاثة أرباع إلى مولى المقتول
أو افده بسبعمائة وخمسين لأنه قد وصل إليه ربع حقه مائتان وخمسون من جهة المستعير فإنما
بقي من حقه ثلاثة أرباع ولو لم يقتله ولكن فقأ عينه كانا جميعا رهنا بثمانمائة وخمسة وسبعين
وكان الباقي من ذلك ستمائة وخمسة وعشرين لان بذهاب العين فات نصفه وحصة ذلك من
الدين مائتان وخمسون سقط نصفه وتحول نصفه إلى الفاقئ بجناية الفارغ على المشغول وقد
كان في الفاقئ خمسمائة فلهذا يفتك الفاقئ بستمائة وخمسة وعشرين والمفقوءة عينه بمائتين
وخمسين ويرد الراهن على مولى المفقوءة عينه مائة وخمسة وعشرين لأنه صار قابضا هذا القدر
من دينه بملكه ثم يقال لمولى الفاقئ ادفع ثلاثة أرباع عبدك أو افده بثلاثة أرباع أرش العين
لأنه قد وصل إلى مولى المفقوءة عينه ربع حقه من جهة الراهن وذلك مائة وخمسة وعشرون
ولو كان الرهن أمتين والمسألة بحالها فولدت كل واحدة منهما ولدا يساوى ألفا ثم إن احدى
الأمتين قتلت صاحبتها بطل من الدين اثنان وستون درهما ونصف ولزم القاتلة من الجناية مائة
وسبعة وثمانون ونصف لان ما في كل واحدة منهما من الدين انقسم عليها وعلى قيمة ولدها
نصفين فحين قتلت إحداهما الأخرى ففي المقتولة مائتان وخمسون فالفارغ من القاتلة ثلاثة
أرباعها وبقدر الفارغ من القاتلة يتحول الدين من المقتولة إليها وثلاثة أرباع مائتين وخمسين
مائة وسبعة وثمانون ونصف كل ربع اثنان وستون ونصف فلهذا سقط اثنان وستون ونصف
بجناية المشغول على المشغول وتحول مائة وسبعة وثمانون ونصف إلى القاتلة بجناية الفارغ على
175

المشغول فان مات ولد القاتلة بطل عنها من هذه الجناية اثنان وستون ونصف لان ولدها لما
مات فقد بطل الانقسام فيما كان فيها وتبين أن نصفها كان مشغولا ونصفها فارغ فإنما يتحول
من المقتولة إليها بقدر الفارغ وذلك مائة وخمسة وعشرون وسقط ما سوى ذلك وقد كنا
أسقطنا اثنين وستين ونصفا فسقط مثل ذلك ليكون الساقط مائة وخمسة وعشرين وان
ماتت بنت الجارية المقتولة لزم القاتلة من الجناية مائة وخمسة وعشرون أخرى لأنه تبين بطلان
انقسام الدين بين المقتولة وولدها حين مات الولد وتبين أن جميع الخمسمائة كان فيها وان نصف
ذلك سقط وتحول نصفه إلى القاتلة وذلك مائتان وخمسون فلهذا كانت القاتلة رهنا بسبعمائة
وخمسين والولدان لما ماتا فكأنهما لم يكونا أصلا ولو كان الولدان جنيا فافتكهما الراهن
رد على مولى المقتولة اثنين وستين ونصفا مقدار ما صار قابضا من دينه بملكه ودفع مولى الأمة
القاتلة كلها الا نصف ثمنها أو فدى بتسعمائة وسبعة وثلاثين ونصف لان الواصل إلى مولى
المقتول اثنان وستون ونصف وذلك نصف ثمن حقه لان حقه في الألف قيمة المقتولة وثمن
الألف مائة وخمسة وعشرون فنصف ثمنها اثنان وستون ونصف فلهذا يحط ذلك القدر عن
مولى القاتلة ويخير بين الدفع والفداء فيما بقي وإذا رهن أمتين بألف تساوى كل واحدة منهما
ألفا فولدت كل واحدة منهما ولدا يساوى ألفا ثم إن أحد الولدين قتل أمه لم يلحقه من الجناية
شئ وذهبت الأم بمائتين وخمسين كأنها ماتت لان ما كان فيها من الدين انقسم عليها وعلى
ولدها نصفين ولكن الولد جزء منها وهو تابع لها في حكم الرهن وقد بينا أن اعتبار الجناية
لحق المرتهن بحكم الرهن فيجعل جناية الولد عليها في حكم الرهن كجنايتها على نفسها ولو قتلت
نفسها كان ذلك وموتها سواء فكذلك إذا قتلها ولدها فيسقط ما كان فيها من الدين وذلك
مائتان وخمسون ولو كانت الأم هي التي قتلت ولدها أو فقأت عينه لم يسقط من الدين شئ
بمنزلة ما لو مات الولد أو ذهبت عينه من غير صنع أحد ولو لم يكن كذلك ولكن أحد
الولدين قتل الولد الآخر كانت أم المقتول وثلاثة أثمان القاتل رهنا بخمسمائة وخمسة أثمان
القاتل وأمه رهن بخمسمائة وقد ذكرنا المسألة قبل هذه ولكنه أبهم الجواب هناك فقال لا
يسقط من الدين شئ وهنا بين التقسيم في القاتل وجه ما ذكرنا هنا ان كل واحد من الولدين
تبع لامه فالنصف منه تبع للنصف الفارغ والنصف تبع للنصف المشغول وقد انقسم الدين الذي
في كل واحد منهما عليها وعلى ولدها نصفين فثلاثة أرباع القاتل فارغ وربعه مشغول وقد
176

جنى هذا الفارغ على ثلاثة أرباع الفارغ من المقتول وربع المشغول وقد بينا أن المعتبر جناية
الفارغ على المشغول وذلك نصف ثلاثة أرباع ونصف ثلاثة أرباع يكون ثلاثة أثمان فقام نصف
ثلاثة أرباعها مقام الفائت مما كان مشغولا بما كان فيها فلهذا كانت أم المقتولة وثلاثة أثمان القاتل
رهنا بالخمسمائة التي كانت في أم المقتولة وخمسة أثمان القاتل وأمه رهنا بخمسمائة فان مات القاتل
لم ينقص من الدين شئ لأنه كان نماء حادثا وقد هلك فصار كأن لم يكن وإن لم يمت القاتل
وماتت أمه ذهب ربع الدين حصة ما كان فيها وقد بينا أن الخمسمائة التي كانت فيها انقسمت
عليها وعلى ولدها نصفين والولد باق وإنما يذهب بموتها ربع الدين ولو لم تمت أمه وماتت
الأخرى ذهب من الدين خمسة أثمان خمسمائة لأنه كان فيها أربعة أثمان خمسمائة وفى ولدها
مثل ذلك فحين قتل ولدها تحول إلى القاتل ثلاثة أرباع ما كان في المقتول باعتبار جناية
الفارغ على المشغول ولم يحول الربع باعتبار جناية المشغول على المشغول فكان ذلك كالهالك
من غير صنع أحد فيعود ذلك القدر إلى أمه وقد كان في أمه نصف الخمسمائة وعاد إليها ربع
النصف الآخر وذلك خمسة أثمان خمسمائة فيسقط ذلك بموتها ويبقى في عنق القاتل ثلاثة
أثمان خمسمائة وذلك مائة وسبعة وثمانون ونصف لان كل ثمن اثنان وستون ونصف مع
ما كان في عنقه وهو خمسون ومائتان من دين أمه فيقبلهما الراهن بذلك وقد بينا شبهة
هذه المسألة وما فيها من الاشكال فيما سبق وكذلك لو كان الرهن عبدين قيمة كل واحد
منهما الف بألف فقتل كل واحد منهما أمة قيمتها قليلة أو كثيرة فدفعت به ثم ولدت كل
واحدة منهما ولدا يساوى الأم ثم قتلت احدى الأمتين ابن الأخرى أو قتل احدى
الاثنين صاحبه فهذا كالأول فيما ذكرنا من التخريج لان كل أمة دفعت بعبد هي قائمة مقامه
في حكم الرهن فهذا وما لو كان الرهن في الأمتين في الابتداء سواء وإذا ارتهن أمة وعبدا
بألف درهم يساوى كل واحد منهما ألف درهم فولدت الأمة ولدا يساوى ألفا فهي وولدها
بخمسمائة والعبد بخمسمائة لان الولد زيادة فيما كان في أمة خاصة فان جنى ولدها على انسان
فدفع به لم يبطل من الرهن شئ لأنه خلا مكانه بالدفع فكأنه مات فان فقأ الولد عيني العبد
جميعا فأخذ الولد ودفع العبد فالولد بخمسمائة خاصة وأمه بخمسمائة لان الولد لما دفع صار كعبد
آخر للمدفوع إليه فإذا فقأ عيني العبد فدفع العبد وأخذ الولد قام الولد مقام العبد وتحول إليه
ما كان في العبد من الدين وهو خمسمائة فان قتلت الأم الولد أو قتل الولد الأم فالقاتل منهما
177

بتسعمائة وخمسين بمنزلة مسألة أول الباب إذا كان الرهن عبدين فقتل أحدهما صاحبه فان قتل
العبد المدفوع هذا القاتل فدفع به كان رهنا بتسعمائة وخمسين لأنه قام مقام المقتول الا ان
قدر أن نقصان العينين يسقط من ذلك لان العبد كان رهنا في الابتداء وعاد رهنا كما كان وما
تخلل من الزوال بطريق الاستحسان يصير كأن لم يكن وكأنه ذهبت عيناه من غير صنع أحد
فيسقط نقصان العينين بما فيه من الدين ويفتكه بما بقي والله أعلم
* (باب جناية الرهن على الراهن والمرتهن) *
(قال رحمه الله) وإذا كانت قيمة العبد ألف درهم وهو رهن بألف أو أكثر فجني
على الراهن جناية خطأ في نفس أو دونها فالجناية باطلة وهو رهن على حاله لأنه بعد عقد الرهن
باق على ملك الراهن وجناية المملوك على المالك فيما يوجب المال يكون هدرا لأنه لو جنى
على غيره كان المستحق به ملك المولى وماليته فيه فإذا جنى عليه لا يثبت له الاستحقاق على
نفسه بخلاف الجناية الموجبة للقصاص فالمستحق به دمه والمولى من دمه كأجنبي آخر
(ألا ترى) أن اقرار المولى عليه بالجناية الموجبة للقصاص باطل وبالجناية الموجبة للمال صحيح
واقراره على نفسه بالجناية الموجبة للمال باطل * توضيحه ان الجناية بعد عقد الرهن على المرهون
غير معتبرة لحق المالك كما قبل الرهن وإنما يعتبر لحق المرتهن فقد قررنا هذا في الباب
المتقدم وليس في اعتبار جنايته على الراهن منفعة للمرتهن بل فيه ضرر عليه فكان حق المرتهن
في هذه الجناية كأنه ليس اعتبار الجناية بالجناية عليه وكذلك لو كانت هذه الجناية على مملوك
الراهن أو على متاعه فليس في اعتبارها منفعة للمرتهن ولا يمكن اعتبارها لحق الراهن لان
المستحق به ماليته فلا يعتبر أصلا ولو كان جنى على المرتهن في نفس أو فيما دونها جناية خطأ
فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله هو هدر أيضا وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله هو
معتبر فيخاطبان بالدفع أو الفداء بمنزلة ما لو جنى على أجنبي آخر وجه قولهما أن المرتهن غير
مالك للعين والمستحق بالجناية ملك العبد وإذا كان المرتهن منه كأجنبي آخر يعتبر جنايته عليه
كما يعتبر على غيره وهذا على أصلهما مستقيم فان عندهما جناية المغصوب على الغاصب معتبرة
فكذلك جناية المرهون على المرتهن لان كل واحد منهما ضامن غير مالك ثم في اعتبار هذه
الجناية فائدة للمرتهن لأنهما إذا اختارا الدفع تملك المرتهن العين أو من يخلفه إن كان قتل وان
178

كان سقط حقه في الدين ولكن بضمان الدين ما كان يثبت له ملك العين فربما يكون له في ملك
العين غرض صحيح فيستفيد ذلك باعتبار الجناية وربما يكون بقاء الدين مع التزام الفداء أنفع له
ففي اثبات الخيار له توفير النظر عليه وقد بينا أن اعتبار الجناية لحق المرتهن صحيح وبه فارق ما
لو جنى على مال المرتهن لأنه لا منفعة للمرتهن في اعتبار تلك الجناية فإنه لا يستحق بها الملك
ولكن المستحق بالدين مالية العبد فتباع فيه أو يقضيها المولى وذلك مستحق له بدينه فلا فائدة
في اعتبار جنايته على ماله فلهذا لا يعتبر وأبو حنيفة رحمه الله يقول المرتهن في الرهن إذا كانت
قيمته مثل الدين بمنزلة المالك في حكم جنايته (ألا ترى) انه لو جنى على غيره كان الفداء على
المرتهن بمنزلة ما لو كان مالكا فكذلك في الجناية عليه يجعل كالمالك فلا تعتبر جنايته عليه وهذا
لان أصل حق المجني عليه في بدل الفائت وهو الأرش إلا أن للمولى أن يخلص نفسه من ذلك
بدفع العبد ان شاء ولا يمكن اعتبار جنايته على المرتهن في استحقاق أصل البدل لأنه لو وجب
ذلك كان قراره عليه ولا يجب على نفسه أرش الجناية ولا يمكن اعتبار جنايته لمنفعة ثبوت
الملك له في العبد فان ذلك لا يكون الا باختيار الراهن والراهن لا يختار ذلك خصوصا إذا لم يكن
عليه من الفداء شئ فصار هذا وجنايته على مال المرتهن سواء (ألا ترى) ان في جانب الراهن
سوى بين جناية المغصوب على المغصوب منه أو على الغاصب والمرهون مضمون على
المرتهن كما أن المغصوب مضمون على الغاصب فسوى بينهما في جانب الضمان فقال لا تعتبر
جناية المرهون على المرتهن كما لا تعتبر جناية المغصوب على الغاصب وفرق بينهما في جانب
المالك فقال ضمان الغاصب إذا تقرر وجب الملك فإذا اعتبرنا جنايته على المغصوب منه واستقر
الضمان على الغاصب ثبت الملك له من وقت الغصب فتبين أن العبد جني على غير ملكه فلهذا
اعتبر فأما ضمان الرهن وان تقرر على المرتهن فلا يوجب الملك له في العين فلا يتبين به ان جنايته
كانت على غير مالكه فلهذا كان هدرا فصار الحاصل أن المرهون من حيث إنه مضمون المالية
كالمغصوب ومن حيث إن عينه أمانة كالوديعة فلاعتبار أنه كالأمانة من وجه تجعل جنايته على
المالك هدرا ولاعتبار أنه كالمغصوب من وجه تجعل جنايته على الضامن هدرا قال ولو كانت
الجناية منه على ابن الراهن أو ابن المرتهن كان كالجناية على الأجنبي يدفع بها أو يفدى بمنزلة
جنايته قبل عقد الرهن قال لان ابن الراهن وابن المرتهن في ملك العبد وماليته كأجنبي فجنايته
عليهما توجب الدفع أو الفداء وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله انه لا تعتبر جنايته على
179

ابن الراهن ولا على ابن المرتهن إذا كان هو المستحق لتركة ابنه لأنه لو وجب الأرش هنا
لوجب له فيكون بمنزلة جنايته على نفسه وكما لا تعتبر جنايته على الراهن والمرتهن لخلوه عن
الفائدة فكذلك لا تعتبر جنايته على ابن أحدهما ولو كانت قيمته الفين والدين ألفا فجني على
الراهن أو على ماله كانت الجناية باطلة لان نصفه مضمون ونصفه أمانة وحين كان الكل مضمونا
لم تعتبر جنايته على الراهن وعلى ماله لقيام ملكه هنا أولى ولو جنى على المرتهن في نفسه أو رقيقه
قيل للراهن ادفعه أو افده أما على قولهما فغير مشكل وأما على قول أبي حنيفة رحمه الله فجنايته
هنا معتبرة في ظاهر الراوية وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه لا يعتبر لان الكل
محبوس لحق المرتهن فلا تعتبر جنايته عليه كما في المسألة الأولى ووجه ظاهر الرواية أن النصف
منه أمانة هنا ولا بد من اعتبار جنايته على المرتهن في ذلك النصف لأنه بمنزلة الوديعة وجناية
الوديعة على المودع معتبرة ولو جنى على أجنبي كان الفداء في هذا النصف على الراهن فإذا جنى
على المرتهن كان في اعتبار جنايته منفعة للمرتهن فلهذا تعتبر بخلاف الأول وعن زفر رحمه
الله قال للمرتهن أن يبطل الرهن ثم يطالب بموجب الجناية لان عقد الرهن ليس بلازم في
جانب المرتهن فيمكن من ابطاله وإذا أبطله صار كأن لم يكن ولكن ليس هذا بقوي لان النصف
منه مضمون وقد صار مستحقا كفعله عند الضامن فكيف يتمكن من ابطال الرهن في ذلك
النصف إلا أن يبطل حقه في ذلك النصف فحينئذ يكون لهذا الوجوب معنى ثم التخريج على
ظاهر الرواية أن يقال للراهن ادفعه أو افده لان الراهن هو المالك للعبد وإنما يخير المالك بين الدفع
والفداء في جناية عبده فان دفعه وقبله المرتهن بذلك صار عبدا له وبطل الدين لان ملك الراهن
تلف بفعله فهو أسوة العبد في ضمان المرتهن فيكون كالهالك في يده في حكم سقوط الدين كما لو جنى
على أجنبي فدفعاه به وان فداه كان على الراهن نصف الفداء حصة الأمانة ونصف الفداء على
المرتهن حصة المضمون فتسقط حصته لأنه لا يستوجب على نفسه دينا ويستوفى من الراهن
حصته من الفداء ويكون العبد رهنا على حاله لأنه فرغ من الجناية وان قال المرتهن لا أبقى
الجناية فهو رهن على حاله لان اعتبار الجناية لحقه فإذا سقط حقه بقي مرهونا عل حاله وإذا
أفسد متاعا للمرتهن وقيمته ألفان وهو رهن بألف فان طلب المرتهن أخذه بقيمة المتاع فإنه
يعرض على الراهن فإن شاء قضى عنه نصف ذلك الدين وجعل نصفه على المرتهن فإذا قضى
الراهن نصف ذلك الدين فرغ حصة الأمانة منه وحصة المضمون فارغة من ذلك لان
180

المرتهن لا يستحق على نفسه دينا فيكون رهنا على حاله وان كرهه بيع العبد في ذلك كله
لان النصف الذي هو أمانة يباع في الدين حين أبى المالك ان يقضى عنه وبعد بيعه لا يمكن
ايفاء الرهن في النصف الآخر لأجل الشيوع فالشيوع الطارئ في الرهن كالمقارن وفى
بيع الكل جملة توفير المنفعة عليهما فلهذا يباع العبد كله ويقضى منه ثمن الدين فان بقي بعد
ذلك من الثمن شئ أخذ الراهن نصفه والمرتهن نصفه قل الدين أو كثر لان نصف ما بقي
بدل الأمانة فيسلم للراهن ونصفه بدل المضمون في الدين فيستوفيه المرتهن قضاء من دينه
وما زاد على ذلك من حقه تاو لتلف المالية بفعل باشره العبد في ضمانه وإذا قتل الرهن مولاه
أو المرتهن عمدا فعليه القصاص في الوجهين لان المستحق بالعمد دمه وكل واحد منهما في دمه
كأجنبي آخر وإذا قتل قصاصا سقط الدين لان ماليته تلفت بسبب باشره في ضمان المرتهن
فإن كان العبد يساوى الفين والدين ألف فقتل المرتهن عمدا فعفا أحد اثنين فإنه يقال للراهن
وللذي جنى ادفعا نصف العبد إلى الذي لم يعف أو أفدياه بثلاثة أرباع نصف الدية لان بعفو
أحدهما انقلب نصيب الآخر مالا وثبت الخيار للمالك بين الدفع والفداء بمنزلة ما لو كانت
الجناية موجبة للمال في الابتداء والخطاب بالدفع يكون مع المال الا انه لا يتمكن من الدفع
الا برضا العافي بماله من الحق فيه باعتبار الرهن على سبيل الخلافة عن المرتهن فلهذا قال يقال
لهما ادفعا وإنما يدفعان نصف العبد لان حق الذي لم يعف في نصف الجناية وقد بينا في هذه
الصورة جنايته على المرتهن فيما دون النفس انهما إذا اختارا الدفع دفع جميع العبد إلى المرتهن
فكذلك يدفع إلى أحد ابنيه نصف العبد وبطل نصف الدين بدفع النصف إليه كما لو دفع جميعه
إلى المرتهن بطل جميع الدين وهذا لان نصف هذا المدفوع مما كان مضمونا بالدين فسقط
نصف الدين باعتبار فواته وكان لهما على الراهن نصف الدين بينهما نصفين لان الرهن قد بطل
في النصف الآخر لأجل الشيوع فيرجعان على الراهن بنصف الدين وان اختار الفداء فداه
بثلاثة أرباع نصف الدية لان على الراهن ربع الدية حصة الذي لم يعف من النصف الذي هو
أمانة وعلى العافي عن الدية حصة نصيبه من المضمون بالدين فيكون جملة ما عليهما ثلاثة أثمان
الدية فإذا فدياه بذلك فرغ العبد من الجناية فكان رهنا على حاله بالدين وإذا كان العبد رهنا
بين رجلين بألف وهو يساوى ألفين فقتل أحدهما عمدا وله وليان فعفا أحدهما فإنه يقال للراهن
والمرتهن الباقي وللذي عفا ادفعوا نصف العبد إلى الذي لم يعف لان نصيبه انقلب مالا بعفو
181

صاحبه كما في الفصل الأول فان دفعوه بطل الرهن في جميع العبد للشيوع فبطل نصف الدين
فكان نصف الراهن بينهم على حاله وان فدوه بسبعة أثمان نصف الدية فعلى الراهن من ذلك
أربعة أسهم حصة الأمانة مما انقلب مالا من الجناية وعلى المرتهن الباقي سهمان حصة المضمون
بدينه من هذا النصف وعلى المولي الذي على حصة المضمون بدينه من هذا النصف وقد سقطت
حصة المضمون بدين الذي لم يعف لان ذلك وجب له على نفسه وذلك لا يجوز والله أعلم
* (باب جناية الرهن على غير الراهن والمرتهن) *
(قال رحمه الله) وإذا كان العبد رهنا بألف وهو يساوى ألفين فقتل رجلا خطأ فإن شاء
الراهن والمرتهن دفعاه وبطل الرهن وان شاء أفدياه بالدية كل واحد منهما بالنصف
وكان رهنا على حاله وقد بينا أن المخاطب بالدفع هو المالك لان في الدفع تمليك العين وإنما
يملكها من هو مالك الا انه لا يملك الدفع هنا بدون رضا المرتهن فربما يكون الفداء أنفع
للمرتهن وقد بينا أن حق المرتهن في جناية الرهن مرعي فلهذا قال يخاطبان بالدفع وإذا
دفعاه وقد تلف ملك الراهن فيه بسبب كان في ضمان المرتهن فلهذا سقط دينه وهذا بخلاف
ما إذا باعه الراهن بإذن المرتهن لان هناك يقدم الفكاك على البيع فيصير كان البائع افتكه
ثم باعه فلهذا لا يسقط دين المرتهن وهنا لا يقدم الفكاك على الدفع بل يدفع بالجناية وهو
مرهون لأنه جنى وهو كذلك وإنما يستحق دفعه على الصفة التي كانت الجناية منه فيها فلهذا
يسقط الدين * يوضحه ان بالبيع يفوت الملك إلى بدل وهو الثمن فيبقى حق المرتهن ببقاء بدل
صالح للاشغال لحق المرتهن وفى الدفع بالجناية لا يوجد ذلك وان اختار الفداء فدياه بالدية كل
واحد منهما بالنصف لان نصفه مضمون ونصفه أمانة والفداء في المضمون على المرتهن لأنه
هو الذي ينتفع به وقد أشرفت ماليته على الهلاك وبالفداء يحيا وفيه ابقاء دين المرتهن
وكان الفداء في المضمون عليه لهذا وفى النصف الذي هو أمانة على الراهن بمنزلة أجرة
الطبيب وثمن الأدوية فان فدياه فقد فرغ من الجناية فيكون رهنا على حاله بالدين فان قال
أحدهما ادفع وقال الآخر أفدى فليس يستقيم ذلك لأنه ان قال المرتهن ادفع فهو غير
مالك فلا يمكن أن يملك غيره وان قال الراهن ادفع فهو ممنوع من تمليكه ببدل يتعلق به
حق المرتهن بغير رضاه وهو البيع فلأن يكون ممنوعا من تمليكه لا ببدل يتعلق به حق
182

المرتهن بغير رضاه كان أولى فان دفعه الراهن والمرتهن غائب فللمرتهن إذا قدم ان يبطل
دفعه وان يفديه لان في دفعه ضررا على المرتهن وليس في فداء المرتهن ضرر على الراهن
وكذلك لو دفعه المرتهن والراهن غائب فالمرتهن غير مالك فكان دفعه باطلا إذا لم يرض به
الراهن فان فداه الراهن والمرتهن غائب فهو جائز لأنه بالفداء يطهر ملكه عن الجناية وليس
فيه ابطال شئ من حق المرتهن فإنه إذا حضر فاما أن يساعده على ذلك فيرد عليه نصف ما فداه
به أو يأبى ذلك فيكون المرهون هالكا في حقه ويسقط دينه ولا يرجع عليه الراهن بشئ
وإنما لم يجعل الراهن متبرعا في الفداء لأنه قصد به تطهير ملكه عن الجناية وهو محتاج إلى ذلك
فلا يكون متبرعا في نصيب المرتهن كالمعير للرهن إذا قضى الدين ثم إن رد عليه المرتهن نصف
الفداء بقي مرهونا كما لو فدياه به وان أبى ذلك فقد خرج من الرهن لان المرتهن حين أبي الفداء
فقد رضي باتوائه فيجعل في حقه كأنه هلك وما توصل الراهن إليه إلا بمال أعطى
بمقابلته ولو فداه المرتهن والراهن غائب فهو جائز أيضا لأنه لا ضرر على الراهن في هذا الفداء
وهو لا يكون في هذا دون أجنبي آخر إلا أن المجني عليه لا يجبر على قبول الفداء من الأجنبي
ويجبر على قبوله من المرتهن لأنه يقصد به اصلاح رهنه واحياء حقه فيكون هو في ذلك كالمالك
ثم على قول أبي حنيفة رحمه الله لا يكون هو متطوعا في نصيب الراهن من الفداء فيرجع
على الراهن بنصف ذلك الفداء ولا يكون العبد به رهنا لان هذا بمنزلة الزيادة في الدين فلا
يثبت في حكم الرهن بخلاف ما إذا كان الراهن حاضرا ففداه المرتهن فإنه يكون متطوعا في
نصيب الراهن من الفداء ولا يرجع عليه بشئ منه وروى زفر رحمه الله عن أبي حنيفة رحمه
الله على عكس هذا أن الراهن إذا كان حاضرا فالمرتهن لا يكون متطوعا من الفداء وإن كان
غائبا فهو متطوع في الفداء وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله المرتهن متطوع في الفداء
لا يرجع بشئ منه على الراهن حاضرا كان الراهن أو غائبا لان نصف المرهون أمانة في يد
المرتهن كالوديعة والمودع إذا فدي الوديعة من الجناية كان متطوعا وهذا لأنه تعين التزامه
باختياره من غير أن يكون مضطرا إليه ومجبرا عليه ففي النصف الذي هو أمانة ليس للمرتهن
ملك العين ولا حق استيفاء الدين من المالية وأبو حنيفة رحمه الله يقول المرتهن أحد من يخاطب
بالفداء في هذه الحالة فلا يكون متبرعا فيه كالراهن وهذا لان الراهن إنما لم يكن متبرعا لأنه
قصد بالفداء تطهير ملكه والمرتهن قصد بالفداء احياء حقه لأنه يتوصل إلى جنس العين
183

واستدامة اليد عليه بحكم الرهن لا بالفداء ثم في ظاهر الرواية قال هذه الحاجة له عند غيبة
الراهن فما عند حضرة الراهن فهو متمكن من استطلاع دائنه والمطالبة بالمساعدة معه اما على
الفداء أو الدفع وفى حال غيبة الراهن يعجز عن ذلك فيكون محتاجا إلى الفداء فلهذا لم يكن
في الفداء متطوعا عند حاجته إليه وهو بمنزلة أحد المشتريين إذا قضى البائع جميع الثمن والآخر
غائب لا يكون متطوعا في نصيب صحابه بخلاف ما إذا كان حاضرا وعلى الرواية الأخرى
يقول في حال غيبة الراهن لا حاجة له إلى الفداء لان المجني عليه لا يخاطبه بالدفع ولا يتمكن
من أخذ العبد منه ما لم يحضر الراهن فيكون متبرعا في الفداء فاما في حال حضرة الراهن
فالمجبني عليه يخاطب بالدفع أو الفداء ولا يتوصل المرتهن إلى استدامة يده الا بالفداء فلا
يكون متبرعا فيه كصاحب العلو إذا بنى السفل ثم بني عليه علوه متبرعا في حق
صاحب السفل فهذا مثله وإذا كانت الأمة رهنا بألف وقيمتها الف فولدت ولدا يساوى ألفا
ثم جنى الولد على الراهن أو على ملكه فلا شئ في ذلك لان الولد ملك الراهن وهو بمنزلة
الأمانة في يد المرتهن وجناية الأمانة على المالك وعلى ملكه هدر ولو جنى على المرتهن لم يكن
بد من أن يدفع أو يفدى لان جناية الإماتة على الأمين كجنايتها على أجنبي آخر فان دفع
لم يبطل من الدين شئ بمنزلة ما لو مات وان اختار الفداء كان على الراهن نصف الفداء لان
الولد جزء من أجزاء الأم فجنايته على المرتهن كجناية الأم وكذلك لو جنى على أجنبي فالفداء
عليهما بمنزلة الأم وهذا لان الدين انقسم على قيمة الأم وقيمة الولد نصفين فنصف الولد مشغول
بالدين (ألا ترى) أن الأم لو ماتت لم يسقط بهلاكها الا نصف الدين فالفداء في جناية المشغول
بالدين يكون على المرتهن وفى جناية الفارغ من الدين على الراهن وإذا كان العبد رهنا بألف
وقيمته الألف فاستهلك مالا لرجل فذلك دين في عنقه يباع فيه ويستوفى صاحب المال ماله
لان حق المرتهن في الرهن لا يكون أقوى من ملك المالك ثم حق المتلف عليه في ثمنه مقدم
على حق المالك فكذلك يكون مقدما على حق المرتهن وإذا استوفى صاحب المال ماله كان
ما بقي للمرتهن فإن كان ماله قد حل اقتضاه لأنه من جنس حقه وإن لم يكن كان رهنا مكان
الأول لحصته حتى يحل فيأخذه والزيادة على ذلك من حق المرتهن قد سقطت لفوات المالية في
ضمانه وإن كان الرهن عبدا يساوى ألفا بألف ففقأ عيني عبد يساوى مائة فدفع الرهن وأخذ
العبد أعمى فهو رهن بألف يفتك بها شاء الراهن أو أبى لأنه قائم مقام العبد المرهون حين دفع
184

وأخذ مكانه فكما بقي جميع الدين ببقاء الأول على حاله ويجبر الراهن على الفكاك فكذلك
يبقى ببقاء خلفه فان أصابه عيب ينقصه ذهب من الدين بحساب ذلك يعنى إن كان العيب
ينقصه الخمس سقط خمس الألف وإن كان النصف فنصف الأول وإذا انتقص سعره لم يسقط من
الدين شئ بمنزلة الأول لو كان باقيا على حاله وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال
محمد رحمه الله يقوم المأخوذ صحيح العينين ويقوم أعمى فيبطل من الدين فضل ما بينهما ويصير
الأعمى رهنا بما بقي لأنه قائم مقام الأول ولكنه أعمى فكان الأول على حاله ذهبت عيناه فتسقط
حصة العينين من الدين ويكون رهنا بما بقي فإن شاء الراهن أخذه وأعطاه ما بقي فيه من
الدين وان شاء سلمه للمرتهن بما بقي من الدين للتغير الحاصل في ضمان المرتهن وهو مستقيم
على أصل محمد رحمه الله وقد بينا في انكسار القلب ان الراهن يتخير بين أن يسلمه للمرتهن بدينه
فيجعله في حكم الهلاك وبين أن يفتكه بقضاء الدين فهذا مثله والله أعلم بالصواب
* (باب الجناية على الرهن) *
(قال رحمه الله) وإذا كان العبد رهنا بألف وقيمته ألف فصار يساوي ألفين ثم قتله
رجل فعليه الفان قيمته يوم قتله فان أدى ألفا فالمرتهن أحق بهذه الألف لان حق المرتهن
في مالية الرهن مقدم على حق الراهن وقد كان جميع المالية في الأصل مشغولا لحق المرتهن
فالزيادة الحادثة بيع محض لأنها لم تكن في أصل الرهن فكل مال اشتمل على أصل وبيع
فما يخرج منه يكون من الأصل وما سواه يكون من البيع كمال المضاربة إذا توى بعضه على
الغريم كان ما خرج من رأس المال والتاوي من الربح ولو كانت قيمته في الأصل ألفين
فإنما خرج من قيمته بين الراهن والمرتهن نصفين وما توى بينهما لان النصف مشغول لحق
المرتهن والنصف بمنزلة الأمانة في يده وحق الراهن فيه أصل فكان بمنزلة العبد المشترك
إذا قتل فما يخرج من قيمته يكون بينهما وما يتوى يكون بينهما وإن لم يقتل ولكنه فقئت
عينه ثم توى فالأرش على الفاقئ لأنه ذهب نصف الدين في الفصلين لأن العين من الآدمي
نصفه فإن كانت قيمته في الأصل ألفا فبفوات نصفه يذهب نصف الدين وان كانت تساوى
ألفين فبفوات العين يفوت منه نصف شائع نصفه من المضمون ونصفه من الأمانة فلفوات
نصف المضمون يسقط نصف الدين وإن كان الرهن أمة تساوى ألفا بألف فولدت ولدا
يساوي ألفا ثم جنت الأم جناية فدفعت بها ذهب نصف الدين لان نصف الدين تحول منهما
185

إلى ولدها فحين دفعت خلا مكانها فيذهب ما بقي فيها وهو نصف الدين كما لو ماتت وان فديا
الأم فالفداء عليهما نصفين لأنه لما تحول نصف الدين إلى الولد بقي المشغول بالدين من الأم
نصفها والنصف أمانة فكان الفداء عليهما لهذا فان مات الولد فالفداء الذي أعطى المولي
قضاء من الدين والأم رهن بما بقي لان الولد حين مات قبل الفكاك صار كأن لم يكن فتبين
أن جميع الرهن كان مضمونا بالدين وان الفداء كله كان على المرتهن والراهن لم يكن متطوعا
فيما أدى فاستوجب الرجوع به على المرتهن وبيع المقاصة مقدرة بقدره فيصير الراهن قاضيا
نصف الدين وتبقى الحادثة رهنا بما بقي من الدين ولو كان الرهن عبدا يساوى ألفا بألف
فقتله عبد يساوى مائة فدفع به فهو رهن يفتكه بجميع الدين في قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله ان شاء الراهن أخذه وأدى الدين كله وان شاء سلمه للمرتهن بدينه وأما زفر
رحمه الله فمر على أصله فان عنده لو كان العبد الأول بحاله وتراجعت قيمته إلى مائة لنقصان
السعر فإنه يفتكه بمائة ويسقط ما زاد على ذلك من الدين فكذلك إذا كانت قيمة المدفوع
مكانه مائة وعندنا بنقصان سعر الرهن لا يسقط شئ من الدين ولا يتخير الراهن فكذلك
هنا عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله لان المدفوع قائم مقام المقتول فيفتكه الراهن
بجميع الدين وعند محمد رحمه الله يتحول جميع الدين من المقتول إلى المدفوع إلا أن للراهن
الخيار لتغير العين في ضمان المرتهن بمال منه أوصى به وافتكه بجميع الدين وان شاء سلمه
للمرتهن بدينه بخلاف ما إذا انتقص سعر الأول لأن العين لم تتغير هناك وهو نظير المبيع في
يد البائع إذا انتقص سعره لا يتخير المشترى وإذا قتله عبد ودفع به يخير المشترى وهذا بخلاف
ما إذا تراجع سعر الأول إلى مائة ثم قتله حر فغرم قيمته مائة فإنه يسقط من الدين تسعمائة
ويأخذ المرتهن المائة قضاء من مثلها وزفر رحمه الله يستدل بهذا الفصل ولكنا نقول الدراهم
لا تفك والمائة لا يجوز أن يكون بمقابلتها أكثر من مائة فإنه لا يتصور استيفاء جميع الدين
منها بحال بخلاف العبد المدفوع فإنه يجوز أن يكون بمقابلته ألف درهم شراء فكذلك جنسا بالدين
ويتوهم استيفاء جميع الدين من ماليته بان تزاد قيمته حتى يشتري بألف حتى أن الحر القاتل
لو عزز الدنانير حتى تبلغ قيمة هذه الدنانير ألف درهم وإن كان المدفوع صحيحا فذهبت
عينه ذهب نصف الدين لان المدفوع قائم مقام المقتول ففوات نصفه بذهاب عينه كفوات
نصف المقتول بذهاب عينه ولو كانت أمة ففات عتق العبد المرهون فدفعت به فهما جميعا رهن
186

بألف لان المدفوع خلف عن الفائت من العين فيتحول إليه ما كان فيها من الدين وان ماتت
الأمة فكأن العين فاتت من غير صنع أحد وكذلك لو قتل هذا العبد الأعور عبد فدفع به
كان رهنا مع الأمة أيهما مات فات بخمسمائة وان كانت قيمهما مختلفة لان المدفوع بالأعور
قائم مقامه فيتحول إليه ما كان في الأعور من الدين وموته كموت ذلك الأعور فان قتل أحدهما
صاحبه كان القاتل رهنا بخمسمائة وإن كان فيه فضل لأنهما بمنزلة العبد الأول المرهون فان
أحدهما مدفوع بعينه والاخر بنفسه وكان الأول فقأ عين نفسه أو قتل نفسه بعد ما فقأت
الأمة عينه ودفعت به فلهذا سقط بقتل أحدهما صاحبه من الدين خمسمائة ويجعل كأنه مات
وكذلك لو فقأ أحدهما عين صاحبه ذهب ربع الدين كما لو ذهبت عينه بغير صنع أحد وإذا كان
العبد رهنا بألف وقيمته ألف فعليه عبدان يدفعان فهما جميعا رهن بألف فان قتل أحدهما
صاحبه كان الباقي رهنا بخمسمائة وان كانت قيمة كل واحد منهما ألفا أو أكثر بمنزلة ما لو
مات أحدهما لأنهما جميعا خلف عن العبد المرهون وكل واحد منهما مدفوع بنصفه وكان
الأول أتلف نصفه بان فقأ عين نفسه وكذلك أن مات أحدهما أو جنى فدفع فالباقي رهن
بنصف المال ولو كان الرهن عبدين بألف يساوي كل واحد منهما خمسمائة فزاد كل واحد
منهما حتى صار يساوي ألفا ثم قتل أحدهما صاحبه كان الباقي رهنا بسبعمائة وخمسين على ما
يكون له عليه في الزيادة لو كان في الأصل لان عند الجناية نصف كل واحد منهما فارغ ونصفه
مشغول وجناية الفارغ على المشغول معتبرة فباعتبارها يتحول نصف ما كان في المقتول إلى
القاتل ولو لم يقتل أحدهما صاحبه ولكن قتل كل واحد منهما عبدا فدفع به وقيمة المدفوع به
قليلة أو كثيرة ثم قتل أحد المدفوعين صاحبه كان القاتل رهنا بسبعمائة وخمسين لأنهما قائمان
مقام المقتولين فقتل أحدهما صاحبه كقتل أحد المرهونين في الأصل صاحبه وإذا كان الرهن
عبدين بألف وقيمة كل واحد منهما الف فقتلهما عبد واحد فدفع بهما ففقأ عين نفسه أو
جرح نفسه فإنه يذهب بحساب ذلك ولا يكون عليه أرش لأنه شخص واحد وإن كان قائما
مقام المرهونين وجناية المرء على نفسه لا تعتبر بحال فكان هذا وما لو ذهبت عينه من غير صنع
أحد سواء فسقط من الدين بحساب ذلك والله أعلم
(تم الجزء الحادي والعشرون من مبسوط الامام السرخسي)
(ويليه الجزء الثاني والعشرون أوله باب الغصب في الرهن)
187

* (فهرس الجزء الحادي والعشرين من كتاب المبسوط) *
* (للامام السرخسي الحنفي رحمه الله) *
2 باب الصلح في الوصايا
9 باب الصلح في الجنايات
25 باب الشهادة في الصلح 26 باب الصلح في الدين
32 باب الخيار في الصلح 35 باب الصلح في الدين
43 باب الصلح في السلم 55 باب الصلح في الغصب
60 باب الصلح في العارية والوديعة
62 باب الحكمين 63 كتاب الرهن
91 باب الابراء والهبة للكفيل
93 باب اقرار أحد الكفيلين بأن المال عليه
96 باب بطلان المال عن الكفيل من غير أداء ولا ابراء
98 باب رهن الوصي والولد 104 باب رهن الحيوان
115 باب رهن الفضة بالفضة والكيل والوزن
125 باب الشهادة في الرهن
134 باب رهن المكاتب والعبد
149 باب رهن أهل الكفر
154 باب رهن المضارب والشريك
163 باب رهن الأرضين وغيرها
164 باب رهن الرجلين وارتهانهما
167 باب جناية الرهن بعضه على بعض
178 باب جناية الرهن على الراهن والمرتهن
182 باب جناية الرهن على غير الراهن والمرتهن
185 باب الجناية على الرهن
* (تمت) *
188