الكتاب: بدائع الصنائع
المؤلف: أبو بكر الكاشاني
الجزء: ٣
الوفاة: ٥٨٧
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٩ - ١٩٨٩ م
المطبعة:
الناشر: المكتبة الحبيبية - باكستان
ردمك:
ملاحظات:

الجزء الثالث من
كتاب
بدائع الصنائع
في
ترتيب الشرائع
تأليف
الامام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي
الملقب بملك العلماء المتوفى سنة 587 هجرية
(الطبعة الأولى)
1409 ه‍ 1989 م‍
الناشر
المكتبة الحبيبية
كانسي رود حاجي غيبي چوك كوئسه
باكستان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب الايمان)
الكلام في هذا الكتاب في أربعة مواضع في بيان أنواع اليمين وفي بيان ركن كل نوع وفي بيان شرائط الركن وفي
بيان حكمه في بيان ان اليمين بالله تعالى على نية الحالف أو المستحلف أما الأول فاليمين في القسمة الأولى ينقسم
إلى قسمين يمين بالله سبحانه وهو المسمى بالقسم في عرف اللغة والشرع ويمين بغير الله تعالى وهذا قول عامة العلماء
وقال أصحاب الظاهر هي قسم واحد وهو اليمين بالله تعالى فاما الحلف بغير الله عز وجل فليس بيمين حقيقة وإنما سمى
بها مجازا حتى أن من حلف لا يحلف فحلف بالطلاق أو العتاق يحنث وعند عامة العلماء لا يحنث وجه قولهم إن اليمين إنما
يقصد بها تعظيم المقسم به ولهذا كانت عادة العرب القسم بما جل قدره وعظم خطره وكثر نفعه عند الخلق من السماء
والأرض وللشمس والقمر والليل والنهار ونحو ذلك والمستحق للتعظيم بهذا النوع هو الله تعالى لان التعظيم بهذا
النوع عبادة ولا تجوز العبادة الا لله تعالى ولنا ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف بطلاق
أو عتاق واستثنى فلا حنث عليه سماه حلفا والحلف واليمين من الأسماء المترادفة الواقعة على مسمى واحد والأصل
في اطلاق الاسم هو الحقيقة فدل ان الحلف بالطلاق والعتاق يمين حقيقة وكذا ماخذ الاسم دليل عليه لأنها
اخذت من القوة قال الله تعالى لأخذنا منه باليمين اي بالقوة ومنه سميت اليد اليمين يمينا لفضل قوتها على الشمال
عادة قال الشاعر
رأيت عرابة الأوسي يسمو * إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت * لمجد تلفاها عرابة باليمين
اي بالقوة ومعنى القوة يوجد في النوعين جميعا وهو ان الحالف يتقوى بها على الامتناع من المرهوب وعلى التحصيل
2

في المرعوب وذلك أن الانسان إذا دعاه طبعه إلى فعل لما يتعلق به من اللذة الحاضرة فعقله يزجره عنه لما يتعلق به من العاقبة
الوخيمة وربما لا يقاوم طبعه فيحتاج إلى أن يتقوى على الجري على موجب العقل فيحلف بالله تعالى لما عرف من
قبح هتك حرمة اسم الله تعالى وكذا إذا دعاه عقله إلى فعل تحسن عاقبته وطبعه يستثقل ذلك فيمنعه عنه فيحتاج إلى اليمين
بالله تعالى ليتقوى بها على التحصيل وهذا المعنى يوجد في الحلف بالطلاق والعتاق لان الحالف يتقوى به على الامتناع
من تحصيل الشرط خوفا من الطلاق والعتاق الذي هو مستثقل على طبعه فثبت ان معنى اليمين يوجد في النوعين فلا
معنى للفصل بين نوع ونوع والدليل عليه ان محمدا سمى الحلف بالطلاق والعتاق في أبواب الايمان من الأصل
والجامع يمينا وقوله حجة في اللغة ثم اليمين بالله تعالى منقسم ثلاثة أقسام في عرف الشرع يمين الغموس ويمين اللغو ويمين
معقودة وذكر محمد في أول كتاب الايمان من الأصل وقال الايمان ثلاثة يمين مكفرة ويمين لا تكفر ويمين نرجو
ان لا يؤاخذ الله بها صاحبها وفسر الثالثة بيمين اللغو وإنما أراد محمد بقوله الايمان ثلاث الايمان بالله تعالى لا جنس
الايمان لان ذلك كثير فان قيل كيف أخبر محمد عن انتفاء المؤاخذة بلغو اليمين بلفظة الترجي وانتفاء المؤاخذة بهذا
النوع من اليمين مقطوع به بنص الكتاب وهو قوله عز وجل لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم فالجواب عنه من
وجهين أحدهما ان يمين اللغو هي اليمين الكاذبة لكن لا عن قصد بل خطأ أو غلطا على ما نذكر تفسيرها إن شاء الله تعالى
والتحرز عن فعله ممكن في الجملة وحفظ النفس عنه مقدور فكان جائز المؤاخذة عليه لكن الله تعالى رفع المؤاخذة
عليه رحمة وفضلا ولهذا يجب الاستغفار والتوبة عن فعل الخطا والنسيان كذلك فذكر محمد لفظ الرجاء ليعلم أن الله
تفضل برفع المؤاخذة في هذا النوع بعدما كان جائز المؤاخذة عليه والثاني ان المؤاخذة وإن كانت منتفية عن هذا
النوع قطعا لكن العلم بمراد الله تعالى من اللغو المذكور غير مقطوع به بل هو محل الاجتهاد على ما نذكره إن شاء الله
تعالى والعلم الحاصل عن اجتهاد علم غالب الرأي وأكثر الظن لا علم القطع فاستعمل محمد لفظة الرجاء لاحتمال ان
لا يكون مراد الله تعالى من اللغو المذكور ما أفضى إليه اجتهاد محمد فكان استعمال لفظة الرجاء في موضعه وذكر
الكرخي وقال اليمين على ضربين ماض ومستقبل وهذه القسمة غير صحيحة لان من شرط صحتها أن تكون محيطة
بجميع اجزاء المقسوم به ولم يوجد لخروج الحال عنها وانها داخلة في يمين الغموس ويمين اللغو على ما نذكر تفسيرهما
فكانت القسمة ناقصة والنقصان في القسمة من عيوب القسمة كالزيادة فكانت القسمة الصحيحة ما ذكرنا
لوقوعها حاصرة جميع أجزاء المقسوم بحيث لا يشذ عنها جزء وكذا ما ذكر محمد صحيح الا انه بين كل نوع بنفسه وحكمه
دفعة واحدة ونحن أخرنا بيان الحكم عن بيان النوع سوقا للكلام على الترتيب الذي ضمناه أما يمين الغموس فهي
الكاذبة قصدا في الماضي والحال على النفي أو على الاثبات وهي الخير عن الماضي أو الحال فعلا أو تركا متعمدا
للكذب في ذلك مقرونا بذكر اسم الله تعالى نحو أن يقول والله ما فعلت كذا وهو يعلم أنه فعله أو يقول والله لقد
فعلت كذا وهو يعلم أنه لم يفعله أو يقول والله ما لهذا على دين وهو يعلم أن له عليه دينا فهذا تفسير يمين الغموس وأما
يمين اللغو فقد اختلف في تفسيرها قال أصحابنا هي اليمين الكاذبة خطأ أو غلطا في الماضي أو في الحال وهي ان يخبر عن
الماضي أو عن الحال على الظن ان المخبر به كما أخبر وهو بخلافه في النفي أوفى لاثبات نحو قوله والله ما كلمت زيدا وفي
ظنه انه لم يكلمه أو والله لقد كلمت زيد ا وفي ظنه انه كلمه وهو بخلافه أو قال والله ان هذا الجائي لزيد ان هذا الطائر
لغراب وفي ظنه انه كذلك ثم تبين بخلافه وهكذا روى ابن رستم عن محمد أنه قال اللغو ان يحلف الزجل على الشئ
وهو يرى أنه حق وليس بحق وقال الشافعي يمين اللغو هي اليمين التي لا يقصدها الحالف وهو ما يجرى على السن
الناس في كلامهم من غير قصد اليمين من قولهم لا والله بلى والله سواء كان في الماضي أو الحال أو المستقبل وأما عندنا
فلا لغو في المستقبل بل اليمين على أمر في المستقبل يمين معقودة وفيها الكفارة إذا حنث قصد اليمين أو لم يقصد وإنما
اللغو في الماضي والحال فقط وما ذكر محمد على أثر حكايته عن أبي حنيفة ان اللغو ما يجرى بين الناس من قولهم لا والله
وبلى والله فذلك محمول عندنا على الماضي أو الحال وعندنا ذلك لغو فيرجع حاصل الخلاف بيننا وبين الشافعي في يمين
3

لا يقصدها الحالف في المستقبل عندنا ليس بلغو وفيها الكفارة وعنده هي لغو ولا كفارة فيها وقال بعضهم يمين اللغو هي
اليمين على المعاصي نحو أن يقول والله لا أصلي صلاة الظهر ولا أصوم صوم شهر رمضان أو لا أكلم أبوي أو يقول
والله لأشربن الخمر أو لأزنين أو لأقتلن فلانا ثم منهم من يوجب الكفارة إذا حنث في هذه اليمين ومنهم من لا يوجب
وجه قول هؤلاء ان اللغو هو الاثم في اللغة قال الله تعالى وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه أي كلاما فيه إثم فقالوا إن معنى
قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم أي لا يؤاخذكم الله بالاثم في أيمانكم على المعاصي بنقضها والحنث فيها
لان الله تعالى جعل قوله في سورة البقرة لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم صلة قوله عز وجل ولا تجعلوا الله عرضة
لايمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس وقيل في القصة ان الرجل كان يحلف ان لا يصنع المعروف ولا يبر ولا
يصل أقرباءه ولا يصلح بين الناس فإذا أمر بذلك يتعلل ويقول إني حلفت على ذلك فأخبر الله تعالى بقوله سبحانه
لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم الآية لأنه لا مأثم عليهم بنقض ذلك اليمين وتحنيث النفس فيها وان المؤاخذ بالاثم فيها
بحفظها والاصرار عليها بقوله ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم وبقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان ثم
منهم من أوجب الكفارة لقوله تعالى في هذه الآية فكفارته إلى قوله ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم اي حلفتم
وحنثتم ومنهم من لم يوجب فيها الكفارة أصلا لما نذكر إن شاء الله تعالى في بيان حكم اليمين وجه قول الشافعي
ما روى عن عائشة رضي الله عنها انها سئلت عن يمين اللغو فقالت هي أن يقول الرجل في كلامه لا والله وبلى والله وعن
عطاء رضي الله عنه انه سئل عن يمين اللغو فقال قالت عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هو
كلام الرجل في بيته لا والله وبلى والله فثبت موقوفا ومرفوعا ان تفسير يمين اللغو ما قلنا من غير فصل بين الماضي
والمستقبل فكان لغوا على كل حال إذا لم يقصده الحالف ولان الله تعالى قابل يمين اللغو باليمين المكسوبة بالقلب بقوله
عز وجل لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والمكسوبة هي المقصودة فكان غير
المقصودة داخلا في قسم اللغو تحقيقا للمقابلة (ولنا) قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم
بما عقدتم الايمان قابل يمين اللغو باليمين المعقودة وفرق بينهما في المؤاخذة ونفيها فيجب أن تكون يمين اللغو غير
اليمين المعقودة تحقيقا للمقابلة واليمين في المستقبل يمين معقودة سواء وجد القصد أو لا ولان اللغو في اللغة اسم للشئ
الذي لا حقيقة له قال الله تعالى لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما أي باطلا وقال عز وجل خبرا عن الكفرة والغوا فيه
لعلكم تغلبون وذلك فيما قلنا وهو الحلف بما لا حقيقة له بل على ظن من الحالف ان الامر كما حلف عليه والحقيقة
بخلافه وكذا ما يجرى على اللسان من غير قصد لكن في الماضي أو الحال فهو مما لا حقيقة له فكان لغوا ولان اللغو
لما كان هو الذي لا حقيقة له كان هو الباطل الذي لا حكم له فلا يكون يمينا معقودة لان لها حكما ألا ترى ان المؤاخذة
فيها ثابتة وفيها الكفارة بالنص فدل ان المراد من اللغو ما قلنا وهكذا روى عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير
يمين اللغو هي ان يحلف الرجل على اليمين الكاذبة وهو يرى أنه صادق وبه تبين أن المراد من قول عائشة رضي الله عنها
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يمين اللغو ما يجرى في كلام الناس لا والله وبلى والله في الماضي لا في المستقبل
والدليل عليه أنها فسرتها بالماضي في بعض الروايات وروى عن مطر عن رجل قال دخلت انا وعبد الله بن عمر على
عائشة رضي الله عنها فسألتها عن يمين اللغو فقالت قول الرجل فعلنا والله كذا وصنعنا والله كذا فتحمل تلك الرواية على
هذا وتوفيقا بين الروايتين إذ المجمل محمول على المفسر وأما قوله إن الله سبحانه وتعالى قابل اللغو باليمين المكسوبة فنقول
في تلك الآية قابلها بالمكسوبة وفي هذه الآية قابلها بالمعقودة ومتى أمكن حمل الآيتين على التوافق كان أولى من الحمل
على التعارض فنجمع بين حكم الآيتين فنقول يمين اللغو التي هي غير مكسوبة وغير معقودة والمخالف عطل احدى
الآيتين فكنا أسعد حالا منه وأما قوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم ان تبروا الآية فقد روى عن ابن عباس
رضي الله عنهما ان ذلك نهي عن الحلف على الماضي معناه ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم ان تبروا أي لا تحلفوا ان
4

لا تبروا ويجوز اضمار حرف لا في موضع القسم وغيره قال الله تعالى ولا يأتل أولو الفصل منكم والسعة ان يؤتوا أولى
القربى أي لا يؤتوا ويحتمل أن تكون الآية عامة أي لا تحلفوا لكي تبروا فتجعلوا الله عرضة بالحنث بعد ذلك بترك
التعظيم بترك الوفاء باليمين يقال فلان عرضة للناس أي لا يعظمونه ويقعون فيه فيكون هذا نهيا عن الحلف بالله
تعالى إذا لم يكن الحالف على يقين من الاصرار على موجب اليمين وهو البر أو غالب الرأي والله عز وجل اعلم وأما
اليمين المعقودة فهي اليمين على أمر في المستقبل نفيا أو اثباتا نحو قوله والله لا أفعل كذا وكذا وقوله والله لأفعلن كذا
(فصل) وأما ركن اليمين بالله تعالى فهو اللفظ الذي يستعمل في اليمين بالله تعالى وانه مركب من المقسم عليه
والمقسم به ثم المقسم به قد يكون صفة والاسم قد يكون مذكورا وقد يكون محذوفا والمذكور قد يكون
صريحا وقد يكون كناية أما الاسم صريحا فهو ان يذكر اسما من أسماء الله تعالى أي اسم كان سواء كان اسما خاصا
لا يطلق الا على الله تعالى نحو الله والرحمن أو كان يطلق على الله تعالى وعلى غيره كالعليم والحكيم والكريم والحليم ونحو
ذلك لأن هذه الأسماء وإن كانت تطلق على الخلق ولكن تعين الخالق مرادا بدلالة القسم إذ القسم بغير الله تعالى
لا يجوز فكان الظاهر أنه أراد به اسم الله تعالى حملا لكلامه على الصحة الا ان ينوى به غير الله تعالى فلا يكون يمينا
لأنه نوى ما يحتمله كلامه فيصدق في أمر بينه وبين ربه وحكى عن بشر المريسي فيمن قال والرحمن أنه ان قصد اسم
الله تعالى فهو حالف وان أراد به سورة الرحمن فليس بحالف لكنه حلف بالقرآن وسواء كان القسم بحرف الباء أو
الواو أو التاء بان قال بالله أو والله أو تالله لان القسم بكل ذلك من عادة العرب ورد به الشرع أيضا قال الله تعالى والله
ربنا ما كنا مشركين وقال وتالله لأكيدن أصنامكم وقال تعالى خبرا عن اخوة يوسف قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف
وقال عز وجل تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك وقال عز وجل وأقسموا بالله وقال عز وجل ويحلفون بالله تعالى وقد
روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت فمن كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليدع
الا ان الباء هي الأصل وما سواها دخيل قائم مقامها فقول الحالف بالله أي احلف بالله لان الباء حرف الصاق وهو
الصاق الفعل بالاسم وربط الفعل بالاسم والنحويون يسمون الباء حرف الصاق وحرف الربط وحرف الآلة
والتسبيب فإنك إذا قلت كتبت بالقلم فقد ألصقت الفعل بالاسم وربطت أحدهما بالآخر فكان القلم آلة الكتابة وسببا
يتوصل به إليها فإذا قال بالله فقد الصق الفعل المحذوف وهو قوله احلف بالاسم وهو قوله بالله وجعل اسم الله آلة للحلف
وسببا يتوصل به إليه الا انه لما كثر استعمال هذه اللفظة أسقط قوله احلف واكتفى بقوله بالله كما هو دأب العرب من
حذف البعض وابقاء البعص عند كثرة الاستعمال إذا كان فيما بقي دليلا على المحذوف كما في قولهم باسم الله ونحو ذلك
وإنما خفض بالاسم لان الباء من حروف الخفض والواو قائم مقامه فصار كأن الباء هو المذكور وكذا التاء قائم مقام
الواو فكان الواو هو المذكور الا ان الباء تستعمل في جميع ما يقسم به من أسماء الله وصفاته وكذا الواو فاما التاء فإنه
لا يستعمل الا في اسم الله تعالى تقول تالله ولا تقول تالرحمن وتعزة الله تعالى لمعنى يذكر في النحو ولو لم يذكر شيئا من هذه
الأدوات بان قال الله لا أفعل كذا يكون يمينا لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف ركانة بن زيد أو زيد
ابن ركانة حين طلق امرأته البتة وقال الله ما أردت بالبيت الا واحدة وبه تبين ان الصحيح ما قاله الكوفيون وهو أن يكون
بالكسر لان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الله بالكسر وهو أفصح العرب صلى الله عليه وسلم وكذا روى عن
ابن عمر وغيره من الصحابة انه سأله واحد وقال له كيف أصبحت قال خير عافاك الله بكسر الراء ولو قال لله هل يكون
يمينا لم يذكر هذا في الأصل وقالوا أنه يكون يمينا لان الباء توضع موضع اللام يقال آمن بالله وامن له بمعنى قال الله تعالى في
قصة فرعون آمنتم له وفي موضع آخر آمنتم به والقصة واحدة ولو قال وربي ورب العرش أو رب العالمين كان حالفا لان
هذا من الأسماء الخاصة بالله تعالى لا يطلق على غيره (وأما) الصفة فصفات الله تعالى مع أنها كلها لذاته على ثلاثة أقسام
منها ما لا يستعمل في عرف الناس وعاداتهم الا في الصفة نفسها فالحلف بها يكون يمينا ومنها ما يستعمل في الصفة وفي
5

غيرها استعمالا على السواء فالحلف بها يكون يمينا أيضا ومنها ما يستعمل في الصفة وفي غيرها لكن استعمالها في غير
الصفة هو الغالب فالحلف بها لا يكون يمينا وعن مشايخنا من قال ما تعارفه الناس يمينا يكون يمينا إلا ما ورد الشرع بالنهي
عنه وما لم يتعارفوه يمينا لا يكون يمينا وبيان هذه الجملة إذا قال وعزة الله وعظمة الله وجلاله وكبريائه يكون حالفا لأن هذه
الصفات إذا ذكرت في العرف والعادة لا يراد بها الا نفسها فكان مراد الحالف بها الحلف بالله تعالى وكذا الناس
يتعارفون الحلف بهذه الصفات ولم يرد الشرع بالنهي عن الحلف بها وكذا لو قال وقدرة الله تعالى وقوته وارادته
ومشيئته ورضاه ومحبته وكلامه يكون حالفا لأن هذه الصفات وإن كانت تستعمل في غير الصفة كما تستعمل في الصفة
لكن الصفة تعينت مرادة بدلالة القسم إذ لا يجوز القسم بغير اسم الله تعالى وصفاته فالظاهر إرادة الصفة بقرينة القسم
وكذا الناس يقسمون بها في المتعارف فكان الحلف بها يمينا ولو قال ورحمة الله أو غضبه أو سخطه لا يكون هذا يمينا
لأنه يراد بهذه الصفات آثارها عادة لا نفسها فالرحمة يراد بها الجنة قال الله تعالى ففي رحمة الله هم فيها خالدون والغضب
والسخط يراد به أثر الغضب والسخط عادة وهو العذاب والعقوبة لا نفس الصفة فلا يصير به حالفا إلا إذا نوى به
الصفة وكذا العرب ما تعارفت القسم بهذه الصفات فلا يكون الحلف بها يمينا وكذا وعلم الله لا يكون يمينا استحسانا
والقياس أن يكون يمينا وهو قول الشافعي لان علم الله تعالى صفة كالعزة والعظمة (ولنا) انه يراد به المعلوم عادة يقال
اللهم اغفر لنا علمك فينا أي معلومك منا ومن زلاتنا ويقال هذا علم أبي حنيفة أي معلومه لان علم أبي حنيفة قائم بأبي
حنيفة لا يزايله ومعلوم الله تعالى قد يكون غير الله تعالى من العالم بأعيانها واعراضها والمعدومات كلها لان المعدوم معلوم
فلا يكون الحلف به يمينا الا إذا أراد به الصفة وكذا العرب لم تتعارف القسم بعلم الله تعالى فلا يكون يمينا بدون النية
وسئل محمد عمن قال وسلطان الله فقال لا أرى من يحلف بهذا أي لا يكون يمينا وذكر القدوري انه ان أراد بالسلطان
القدرة يكون حالفا كما لو قال وقدرة الله وان أراد المقدور لا يكون حالفا لأنه حلف بغير الله ولو قال وأمانة الله ذكر في
الأصل أنه يكون يمينا وذكر ابن سماعة عن أبي يوسف انه لا يكون يمينا وذكر الطحاوي عن أصحابنا جميعا انه ليس
بيمين وجه ما ذكره الطحاوي ان أمانة الله فرائضه التي تعبد عباده بها من الصلاة والصوم وغير ذلك قال الله تعالى
إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين ان يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان فكان حلفا بغير
اسم الله عز وجل فلا يكون يمينا (وجه) ما ذكره في الأصل ان الأمانة المضافة إلى الله تعالى عند القسم يراد بها صفته ألا
ترى ان الأمين من أسماء الله تعالى وانه اسم مشتق من الأمانة فكان المراد بها عند الاطلاق خصوصا في مواضع القسم
صفة الله ولو قال وعهد الله فهو يمين لان العهد يمين لما يذكر فصار كأنه قال ويمين الله وذلك يمين فكذا هذا ولو قال باسم
الله لا افعل كذا يكون يمينا كذا روى عن محمد لان الاسم والمسمى واحد عند أهل السنة والجماعة فكان الحلف
بالاسم حلفا بالذات كأنه قال بالله ولو قال ووجه الله فهو يمين كذا روى ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة لان
الوجه المضاف إلى الله تعالى يراد به الذات قال تعالى كل شئ هالك الا وجهه أي ذاته وقال عز وجل ويبقى وجه ربك
ذو الجلال والاكرام أي ذاته وذكر الحسن بن زياد عن أبي حنيفة ان الزجل إذا قال ووجه الله لا أفعل كذا ثم فعل
انها ليست بيمين وقال ابن شجاع انها ليست من ايمان الناس إنما هي حلف السفلة وروى المعلى عن محمد إذا قال لا اله
إلا الله لا أفعل كذا وكذا لا يكون يمينا إلا أن ينوي يمينا وكذا قوله سبحان الله والله أكبر لا أفعل كذا لان العادة
ما جرت بالقسم بهذا اللفظ وإنما يذكر هذا قبل الخبر على طريق التعجب فلا يكون يمينا الا إذا نوى اليمين فكأنه
حذف حرف القسم فيكون حالفا وعن محمد فيمن قال وملكوت الله وجبروت الله انه يمين لأنه من صفاته التي
لا تستعمل الا في الصفة فكان الحلف به يمينا كقوله وعظمة الله وجلاله وكبريائه ولو قال وعمر الله لا أفعل كذا كان
يمينا لان هذا حلف ببقاء الله وهو لا يستعمل الا في الصفة وكذا الحلف به متعارف قال الله عز وجل لعمرك انهم لفي
سكرتهم يعمهون وقال طرفة
6

لعمرك ان الموت ما أخطأ الفتى * لك الطول المرجى وتبناه باليد
ولو قال وأيم الله لا أفعل كذا كان يمينا لان هذا من صلات اليمن عند البصريين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
في زيد بن حارثة رضي الله عنه حين امره في حرب موته وقد بلغه الطعن وأيم الله لخليق للامارة وعند الكوفيين هو
جمع اليمين تقديره وأيمن الله الا ان النون أسقطت عند كثرة الاستعمال للتخفيف كما في قوله تعالى حنيفا ولم يك من
المشركين والأيمن جمع يمين فكأنه قال ويمين الله وانه حلف بالله تعالى لان العرب تعارفته يمينا قال امرؤ القيس
فقلت يمين الله أبرح قاعدا * وان قطعت رأسي لديك وأوصالي
حلفت لها بالله حلفة فاجر * لناموا فما ان من حديث ولا صالي
وقالت عنيزة
فقالت يمين الله مالك حيلة * وما ان أرى عنك الغواية تنجلي
فقد استعمل امرؤ القيس يمين الله وسماه حلفا بالله ولو قال وحق الله لا يكون حالفا في قول أبي حنيفة ومحمد واحدى
الروايتين عن أبي يوسف وروى عنه رواية أخرى أنه يكون يمينا ووجهه ان قوله وحق الله وإن كان إضافة الحق إلى
الله تعالى لكن الشئ قد يضاف إلى نفسه في الجملة والحق من أسماء الله تعالى فكأنه قال والله الحق ولهما ان الأصل ان
يضاف الشئ إلى غيره لا إلى نفسه فكان حلفا بغير الله تعالى فلا يكون يمينا ولان الحق المضاف إلى الله تعالى يراد به
الطاعات والعبادات لله تعالى في عرف الشرع ألا ترى أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له ما حق الله على
عباده فقال إن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا والحلف بعبادة الله وطاعته لا يكون يمينا ولو قال والحق يكون يمينا لان الحق
من أسماء الله تعالى قال الله تعالى ويعلمون ان الله هو الحق المبين وقيل إن نوى به اليمين يكون يمينا والا فلا لان اسم
الحق كما يطلق على الله تعالى يطلق على غيره فيقف على النية ولو قال حقا لا رواية فيه واختلف المشايخ قال محمد بن
سلمة لا يكون يمينا لان قوله حقا بمنزلة قوله صدقا وقال أبو مطيع هو يمين لان الحق من أسماء الله تعالى فقوله حقا كقوله
والحق ولو قال اقسم بالله أو احلف أو اشهد بالله أو اعزم بالله كان يمينا عندنا وعند الشافعي لا يكون يمينا الا إذا نوى
اليمين لأنه يحتمل الحال ويحتمل الاستقبال فلابد من النية ولنا أن صيغة افعل للحال حقيقة وللاستقبال بقرينة
السين وسوف وهو الصحيح فكان هذا اخبارا عن حلفه بالله للحال وهذا إذا ظهر المقسم به فإن لم يظهر بان قال اقسم
أو احلف أو اشهد أو اعزم كان يمينا في قول أصحابنا الثلاثة وعند زفر لا يكون يمينا (وجه) قوله إنه إذا لم يذكر المحلوف به
فيحتمل انه أراد به الحلف بالله ويحتمل انه أراد به الحلف بغير الله تعالى فلا يجعل حلفا مع الشك (ولنا) ان القسم لما لم يجز
الا بالله عز وجل كان الاخبار عنه اخبارا عما لا يجوز بدونه كما في قوله تعالى واسأل القرية التي كنا فيها ونحو ذلك
ولان العرب تعارفت الحلف على هذا الوجه قال الله تعالى يحلفون لكم لترضوا عنهم ولم يقل بالله وقال سبحانه وتعالى
إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله فالله سبحانه وتعالى سماه يمينا بقوله تعالى اتخذوا ايمانهم جنة وقال تعالى
إذا أقسموا ليصرمنها مصبحين ولم يذكر بالله ثم سماه قسما والقسم لا يكون الا بالله تعالى في عرف الشرع واستدل محمد
بقوله ولا يستثنون فقال أفيكون الاستثناء الا في اليمين وفيه نظر لان الاستثناء لا يستدعي تقدم اليمين لا محالة وإنما
يستدعي الاخبار عن أمر يفعله في المستقبل كما قال تعالى ولا تقولن لشئ اني فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله وقوله
اعزم معناه أوجب فكان اخبارا عن الايجاب في الحال وهذا معنى اليمين وكذا لو قال عزمت لا أفعل كذا كان
حالفا وكذا لو قال آليت لا أفعل كذا لان الالية هي اليمين وكذا لو قال على نذر أو نذر الله فهو يمين لقوله صلى الله
عليه وسلم من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى ومن نذر ولم يسم فعليه كفارة يمين وقال صلى الله عليه وسلم النذر يمين
وكفارته كفارة اليمين وروى أن عبد الله بن الزبير قال لتنتهين عائشة عن بيع رباعها أو لأحجرن عليها فبلغ ذلك عائشة
فقالت أو قال ذلك قالوا نعم فقالت لله نذر ان كلمته أبدا فاعتق عن يمينها عبدا وكذا قوله على يمين أو يمين الله في قول
7

أصحابنا الثلاثة وقال زفر له على يمين لا يكون يمينا (وجه) قوله على ما ذكرنا فيما تقدم ان اليمين قد يكون بالله وقد يكون بغير
الله تعالى فلا ينعقد يمينا بالشك (ولنا) أن قوله على يمين الله إذ لا يجوز اليمين بغير الله تعالى وقوله يمين الله دون
قوله على يمين فكيف معه أو يقال معنى قوله على يمين أو يمين الله اي على موجب يمين الله الا انه حذف المضاف وأقام
المضاف إليه مقامه طلبا للتخفيف عند كثرة الاستعمال ولو قال على عهد الله أو ذمة الله أو ميثاقه فهو يمين لان اليمين بالله
تعالى هي عهد الله على تحقيق أو نفيه ألا ترى إلى قوله تعالى وأوفوا بالعهد إذا عاهدتم ثم قال سبحانه وتعالى ولا تنقضوا
الايمان بعد توكيدها وجعل العهد يمينا والذمة هي العهد ومنه أهل الذمة أي أهل العهد والميثاق والعهد من الأسماء
المترادفة وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشا قال في وصيته إياهم وان أرادوكم ان تعطوهم ذمة
الله وذمة رسوله فلا تعطوهم أي عهد الله وعهد رسوله ولو قال إن فعل كذا فهو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو برئ
عن الاسلام أو كافرا ويعبد من دون الله أو يعبد الصليب أو نحو ذلك مما يكون اعتقاده كفرا فهو يمين استحسانا
والقياس انه لا يكون يمينا وهو قول الشافعي وجه القياس انه علق الفعل المحلوف عليه بما هو معصية فلا يكون حالفا كما لو
قال إن فعل كذا فهو شارب خمرا أو آكل ميتة وجه الاستحسان ان الحلف بهذه الألفاظ متعارف بين الناس فإنهم
يحلفون بها من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير ولو لم يكن ذلك حلفا لما تعارفوا لان الحلف
بغير الله تعالى معصية فدل تعارفهم على أنهم جعلوا ذلك كناية عن الحلف بالله عز وجل وان لم يعقل وجه الكناية فيه
كقول العرب لله على أن أضرب ثوبي حطيم الكعبة ان ذلك جعل كناية عن التصدق في عرفهم وان لم يعقل وجه
الكناية فيه كذا هذا إذا أضاف اليمين إلى المستقبل فاما إذا أضاف إلى الماضي بان قال هو يهودي أو نصراني ان فعل
كذا لشئ قد فعله فهذا يمين الغموس بهذا اللفظ ولا كفارة فيه عندنا لكنه هل يكفر لم يذكر في الأصل وعن محمد
ابن مقاتل الرازي انه يكفر لأنه علق الكفر بشئ يعلم أنه موجود فصار كأنه قال هو كافر بالله وكتب نصر بن يحيى إلى
ابن شجاع يسأله عن ذلك فقال لا يكفر وهكذا روى عن أبي يوسف انه لا يكفر وهو الصحيح لأنه ما قصد به
الكفر ولا اعتقده وإنما قصد به ترويج كلامه وتصديقه فيه ولو قال عصيت الله ان فعلت كذا أو عصيته في كل ما
افترض على فليس بيمين لان الناس ما اعتادوا الحلف بهذه الألفاظ ولو قال هو يأكل الميتة أو يستحل الدم أو لحم
الخنزير أو يترك الصلاة والزكاة ان فعل كذا فليس شئ من ذلك يمينا لأنه ليس بايجاب بل هو اخبار عن فعل المعصية
في المستقبل بخلاف قوله هو يهودي أو نحوه لان ذلك ايجاب في الحال وكذلك لو دعى على نفسه بالموت أو عذاب النار
بان قال عليه عذاب الله ان فعل كذا أو قال أماته الله ان فعل كذا لان هذا ليس بايجاب بل دعاء على نفسه ولا يحلف
بالآباء والأمهات والأبناء ولو حلف بشئ من ذلك لا يكون يمينا لأنه حلف بغير الله تعالى والناس وان تعارفوا الحلف
بهم لكن الشرع نهى عنه وروى عن رسول الله صلى عليه وسلم أنه قال لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت فمن كان
حالفا فيحلف بالله أو ليذر وروى عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم من حلف بغير الله فقد أشرك ولان هذا النوع من
الحلف لتعظيم المحلوف وهذا النوع من التعظيم لا يستحقه الا الله تعالى ولو قال ودين الله أو طاعته أو شرائعه أو أنبيائه
وملائكته أو عرشه لم يكن يمينا لأنه حلف بغير الله ومن الناس من قال الحلف بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وغيرهم
يمين وهذا غير سديد للحديث ولأنه حلف بغير الله فلا يكون قسما كالحلف بالكعبة كذا لو قال وبيت الله أو
حلف بالكعبة أو بالمشعر الحرام أو بالصفا أو بالمروة أو بالصلاة أو الصوم أو الحج لان كل ذلك حلف بغير الله
عز وجل وكذا الحلف بالحجر الأسود والقبر والمنبر لما قلنا ولا يحلف بالسماء ولا بالأرض ولا بالشمس ولا بالقمر
والنجوم ولا بكل شئ سوى الله تعالى وصفاته العلية لما قلنا وقد قال أبو حنيفة لا يحلف الا بالله متجردا بالتوحيد
والاخلاص ولو قال وعبادة وحمد الله فليس بيمين لأنه حلف بغير الله ألا ترى ان العبادة والحمد فعلك ولو قال بالقرآن
أو بالمصحف أو بسورة كذا من القرآن فليس بيمين لأنه حلف بغير الله تعالى وأما المصحف فلا شك فيه وأما
8

القرآن وسورة كذا فلان المتعارف من اسم القرآن الحروف المنظومة والأصوات المقطعة بتقطيع خاص لا كلام
الله الذي هو صفة أزلية قائمة بذاته تنافى السكوت والا آفة ولو قال بحدود الله لا يكون يمينا كذا ذكر في الأصل
واختلفوا في المراد بحدود الله قال بعضهم يراد به الحدود المعروفة من حد الزنا والسرقة والسرب والقذف وقال بعضهم
يراد بها الفرائض مثل الصوم والصلاة وغيرهما وكل ذلك حلف بغير الله تعالى فلا يكون يمينا وقد روى عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت ولا بحد من حدود الله ولا تحلفوا الا بالله ومن حلف له بالله
فليرض ومن لم يرض فليس منا ولو قال عليه غضب الله أو سخطه أو لعنته ان فعل كذا لم يكن يمينا لأنه دعاء على نفسه
بالعذاب والعقوبة والطرد عن الرحمة فلا يكون حالفا كما لو قال عليه عذاب الله وعقابه وبعده عن رحمته ومن مشايخنا
بالعراق من قال في تخريجه القسم بالصفات ان الصفات على ضربين صفة للذات وصفة للفعل وفصل بينهما بالنفي
والاثبات وهو ان ما يثبت ولا ينفى فهو صفة للذات كالعلم والقدرة ونحوهما وما يثبت وينفى فهو صفة الفعل كالتكوين
والاحياء والرزق ونحو ذلك وجعل الرحمة والغضب من صفات الفعل فجعل صفة الذات قديمة وصفة الفعل حادثة
فقال الحلف بصفة الذات يكون حلفا بالله فيكون يمينا والحلف بصفة الفعل يكون حلفا بغير الله تعالى فلا يكون يمينا
والقول بحدوث صفات الفعل مذهب المعتزلة والأشعرية الا انهم اختلفوا في الحد الفاصل بين الصفتين ففصلت
المعتزلة بما ذكره هذا القائل من النفي والاثبات والأشعرية فصلت بلزوم النقيصة وعدم اللزوم وهو انه ما يلزم بنفيه
نقيصة فهو من صفات الذات وما لا يلزم بنفيه نقيصة فهو من صفات الفعل مع اتفاق الفريقين على حدوث صفات
الفعل وإنما اختلفت عباراتهم في التحديد لأجل الكلام فكلام الله تعالى محدث عند المعتزلة لأنه ينفى ويثبت فكان
من صفات الفعل فكان حادثا وعند الأشعرية أزلي لأنه يلزم بنفيه نقيصة فكان من صفات الذات فكان قديما
ومذهبنا وهو مذهب أهل السنة والجماعة ان صفات الله أزلية والله تعالى موصوف بها في الأزل سواء كانت راجعة
إلى الذات أو إلى الفعل فهذا التخريج وقع معدولا به عن مذهب أهل السنة والجماعة وإنما الطريقة الصحيحة
والحجة المستقيمة في تخريج هذا النوع من المسائل ما سلكنا والله تعالى الموفق للسداد والهادي إلى سبيل الرشاد
وهذا الذي ذكرنا إذا ذكر اسم الله تعالى في القسم مرة واحدة فاما إذا كرر فجملة الكلام فيه ان الامر لا يخلو اما أن
ذكر المقسم به وهو اسم الله تعالى ولم يذكر المقسم عليه حتى ذكر اسم الله تعالى ثانيا ثم ذكر المقسم عليه واما ان ذكرهما
جميعا ثم أعادهما جميعا وكل ذلك لا يخلو من أن يكون بحرف العطف أو يكون بدونه فان ذكر اسم الله تعالى ولم يذكر
المقسم عليه حتى كرر اسم الله تعالى ثم ذكر المقسم عليه فإن لم يدخل بين الاسمين حرف العطف كان يمينا واحدة بلا
خلاف سواء كان الاسم مختلفا أو متفقا فالمختلف نحو أن يقول والله الرحمن ما فعلت كذا وكذا لأنه لم يذكر حرف
العطف والثاني يصلح صفة للأول علم أنه أراد به الصفة فيكون حالفا بذات موصوف لا باسم الذات على حدة وباسم
الصفة على حدة والمتفق نحو أن يقول الله والله ما فعلت كذا لان الثاني لا يصلح نعتا للأول ويصلح تكريرا
وتأكيدا له فيكون يمينا واحدة الا أن ينوى به يمينين ويصير قوله الله ابتداء يمين بحذف حرف القسم وانه قسم صحيح
على ما بينا فيما تقدم وان أدخل بين القسمين حرف عطف بأن قال والله والرحمن لا أفعل كذا ذكر محمد في الجامع
انهما يمينان وهو احدى الروايتين عن أبي حنيفة وأبى يوسف وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه يكون يمينا
واحدة وبه أخذ زفر وقد روى هذا أيضا عن أبي يوسف في غير رواية الأصول وجه رواية المذكور في الجامع انه لما
عطف أحد الاسمين على الآخر فكان الثاني غير الأول لان المعطوف غير المعطوف عليه فكان كل واحد منهما
يمينا على حدة بخلاف ما إذا لم يعطف لأنه إذا لم يعطف أحدهما على الآخر يجعل الثاني صفة للأول لأنه يصلح صفة
لان الاسم يختلف ولهذا يستحلف القاضي بالأسماء والصفات من غير حرف العطف فيقول والله الرحمن الرحيم
الطالب المدرك ولا يجوز أن يستحلف مع حرف العطف لأنه ليس على المدعى عليه الا يمين واحدة وجه رواية
9

الحسن ان حرف العطف قد يستعمل للاستئناف وقد يستعمل للصفة فإنه يقال فلان العالم والزاهد والجواد
والشجاع فاحتمل المغايرة واحتمل الصفة فلا تثبت يمين أخرى مع الشك والحاصل أن أهل اللغة اختلفوا في هذه
المسألة في أن هذا يكون يمينا واحدة أو يكون يمينين ولقب المسألة ان ادخال القسم على القسم قبل تمام الكلام هل يجوز
قال بعضهم لا يجوز وهو قول أبى علي الفسوي والخليل حتى حكى سيبويه عن الخليل ان قوله عز وجل والليل إذا يغشى
والنهار إذا تحلى يمين واحدة وقال بعضهم يجوز وهو قول الزجاج والفراء حتى قال الزجاج ان قوله عز وجل ص قسم
وقوله عز وجل والقرآن ذي الذكر قسم آخر والحجج وتعريف ترجيح أحد القولين على الآخر تعرف في كتب
النحو وقد قيل في ترجيح القول الأول على الثاني انا إذا جعلناهما يمينا واحدة لا نحتاج إلى ادراج جواب آخر بل
يصير قوله لا أفعل مقسما عليه بالاسمين جميعا ولو جعلنا كل واحد منهما قسما على حدة لاحتجنا إلى ادراج ذكر المقسم
عليه لاحد الاسمين فيصير كأنه قال والله والله لا أفعل كذا فعلى قياس ما ذكر محمد في الجامع يكون يمينين وروى محمد
في النوادر انه يمين واحدة كأنه استحسن وحمله على التكرار لتعارف الناس وهكذا ذكر في المنتقى عن محمد انه إذا قال
والله والله والله لا أفعل كذا القياس أن يكون ثلاثة ايمان بمنزلة قوله والله والرحمن والرحيم وفيه قبح وينبغي في
الاستحسان أن يكون يمينا واحدة هكذا ذكر ولو قال والله والله لا أفعل كذا ذكر محمد ان القياس أن يكون عليه
كفارتان ولكني أستحسن فأجعل عليه كفارة واحدة وهذا كله في الاسم المتفق ترك محمد القياس وأخذ
بالاستحسان لمكان العرف لما زعم أن معاني كلام الناس عليه هذا إذا ذكر المقسم به ولم يذكر المقسم عليه حتى ذكر
اسم الله ثانيا فأما إذا ذكرهما جميعا ثم أعادهما فإن كان بحرف العطف بان قال والله لا أفعل كذا والرحمن لا أفعل كذا
أو قال والله لا أفعل كذا والله لا أفعل كذا فلا شك انهما يمينا سواء كان ذلك في مجلسين أو في مجلس واحد حتى لو
فعل كان عليه كفارتان وكذا لو أعادهما بدون حرف العطف بان قال والله لا أفعل كذا وقال والله لا أفعل كذا لأنه
لما أعاد المقسم عليه مع الاسم الثاني علم أنه أراد به يمينا أخرى إذ لو أراد الصفة أو التأكيد لما أعاد المقسم عليه ولو قال والله
لا أفعل كذا أو قال والله لا أفعل كذا وقال أردت بالثاني الخبر عن الأول ذكر الكرخي انه يصدق لان الحكم
المتعلق باليمين بالله تعالى هو وجوب الكفارة وانه أمر بينه وبين الله تعالى ولفظه محتمل في الجملة وإن كان خلاف
الظاهر فكان مصدقا فيما بينه وبين الله عز وجل وروى عن أبي حنيفة انه لا يصدق فان المعلى روي عن أبي يوسف
أنه قال في رجل حلف في مقعد واحد بأربعة أيمان أو أكثر أو بأقل فقال أبو يوسف سألت أبا حنيفة عن ذلك فقال
لكل يمين كفارة ومقعد واحد ومقاعد مختلفة واحد فان قال عني بالثانية الأولى لم يصدق في اليمين بالله تعالى ويصدق
في اليمين بالحج والعمرة والفدية وكل يمين قال فيها على كذا والفرق ان الواجب في اليمين القرب في لفظ الحالف لان
لفظه يدل على الوجوب وهو قوله على كذا وصيغة هذا صيغة الخبر فإذا أراد بالثانية الخبر عن الأول صح بخلاف
اليمين بالله تعالى فان الواجب في اليمين بالله تعالى ليس في لفظ الحلف لان لفظه لا يدل على الوجوب وإنما يجب
بحرمة اسم الله وكل يمين منفردة بالاسم فينفرد بحكمها فلا يصدق انه أراد بالثانية الأولى وروى عن محمد أنه قال في رجل
قال هو يهودي ان فعل كذا وهو نصراني ان فعل كذا وهو مجوسي ان فعل كذا وهو مشرك ان فعل كذا لشئ
واحد قال عليه لكل شئ من ذلك يمين ولو قال هو يهودي هو نصراني هو مجوسي هو مشرك فهو يمين واحدة وهذا
على الأصل الذي ذكرنا انه إذا ذكر المقسم به مع المقسم عليه ثم أعاده فالثاني غير الأول في قولهم جميعا وإذا ذكر المقسم به
وكرره من غير حرف العطف فهو يمين واحدة في قولهم جميعا
(فصل) وأما شرائط ركن اليمين بالله تعالى فأنواع بعضها يرجع إلى الحالف وبعضها يرجع إلى المحلوف عليه
وبعضها يرجع إلى نفس الركن أما الذي يرجع إلى الحالف فأنواع منها أن يكون عاقلا بالغا يصح يمين الصبي
والمجنون وإن كان عاقلا لأنها تصرف ايجاب وهما ليسا من أهل الايجاب ولهذا لم يصح نذرهما ومنها أن يكون مسلما
10

فلا يصح يمين الكافر وهذا عندنا وعند الشافعي ليس بشرط حتى لو حلف الكافر على يمين ثم أسلم فحنث فلا كفارة
عليه عندنا وعنده تجب الكفارة الا انه إذا حنث في حال الكفر لا تجب عليه الكفارة بالصوم بل بالمال وجه قوله إن
الكافر من أهل اليمين بالله تعالى بدليل انه يستحلف في الدعاوي والخصومات وكذا يصح ايلاؤه ولو لم يكن أهلا
لما انعقد كايلاء الصبي والمجنون وكذا هو من أهل اليمين بالطلاق والعتاق فكان من أهل اليمين بالله تعالى كالمسلم
بخلاف الصبي والمجنون (ولنا) ان الكفارة عبادة والكافر ليس من أهلها والدليل على أن الكفارة عبادة انها
لا تتأدى بدون النية وكذا لا تسقط بأداء الغير عنه وهما حكمان مختصان بالعبادات إذ غير العبادة لا تشترط فيه
النية ولا يختص سقوطه بأداء من عليه كالديون ورد المغصوب ونحوها والدليل عليه أن للصوم فيها مدخلا على وجه
البدل وبدل العبادة يكون عبادة والكافر ليس من أهل العبادات فلا تجب بيمينه الكفارة فلا تنعقد يمينه كيمين
الصبي والمجنون وإنما يستحلف في الدعاوي لان المقصود من الاستحلاف التحرج عن الكذب كالمسلم فاستويا
فيه وإنما يفارق المسلم فيما هو عبادة وهكذا نقول في الايلاء انه لا يصح في حق وجوب الكفارة لان الايلاء يتضمن
حكمين وجوب الكفارة على تقدير القربان ووقوع الطلاق بعد انقضاء المدة إذا لم يقر بها في المدة والكفارة
حق الله تعالى فلا يؤاخذ به الكافر والطلاق حق العبد فيؤاخذ به وأما الحرية فليست بشرط فتصح يمين
المملوك الا انه لا يجب عليه للحال الكفارة بالمال لأنه لا ملك له وإنما يجب عليه التكفير بالصوم وللمولى ان يمنعه من
الصوم وكذا كل صوم وجب بمباشرة سبب الوجوب من العبد كالصوم المنذور به لان المولى يتضرر بصومه
والعبد لا يملك الاضرار بالمولى ولو أعتق قبل ان يصوم يجب عليه التكفير بالمال لان استفاد أهلية الملك بالعتق
وكذا الطواعية ليست بشرط عندنا فيصح من المكره لأنها من التصرفات التي لا تحتمل الفسخ فلا يؤثر فيه الاكراه
كالطلاق والعتاق والنذر وكل تصرف لا يحتمل الفسخ وعند الشافعي شرط وهي من مسائل الاكراه وكذا
الجد والعمد فتصح من الخاطئ والهازل عندنا خلاف للشافعي (وأما) الذي يرجع إلى المحلوف عليه فهو أن يكون
متصور الوجود حقيقة عند الحلف هو شرط انعقاد اليمين على أمر في المستقبل وبقاؤها أيضا متصور الوجود
حقيقة بعد اليمين شرط بقاء اليمين حتى لا ينعقد اليمين على ما هو مستحيل الوجود حقيقة ولا يبقى إذا صار بحال
يستحيل وجوده وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وزفر وعند أبي يوسف هذا ليس بشرط لانعقاد اليمين ولا
لبقائها وأنما الشرط أن تكون اليمين على أمر في المستقبل وأما كونه متصور الوجود عادة فهل هو شرط انعقاد
اليمين قال أصحابنا الثلاثة ليس بشرط فينعقد على ما يستحيل وجوده عادة بعد إن كان لا يستحيل وجوده حقيقة
وقال زفر هو شرط لا تنعقد اليمين بدونه وبيان هذه الجملة إذا قال والله لأشربن الماء الذي في هذا الكوز فإذا
لا ماء فيه لم تنعقد اليمين في قول أبي حنيفة ومحمد وزفر لعدم شرط الانعقاد وهو تصور شرب الماء الذي حلف عليه
وعند أبي يوسف تنعقد لوجود الشرط وهو الإضافة إلى أمر في المستقبل وإن كان يعلم أنه لا ماء فيه تنعقد عند أصحابنا
الثلاثة وعند زفر لا تنعقد وهو رواية عن أبي حنيفة انه لا تنعقد علم أو لم يعلم وعلى هذا الخلاف إذا وقت وقال والله
لأشربن الماء الذي في هذا الكوز اليوم ولا ماء في الكوز انه لا تنعقد عند أبي حنيفة ومحمد وزفر وعند أبي
يوسف تنعقد وعلى هذا الخلاف إذا قال والله لأقتلن فلانا وفلان ميت وهو لا يعلم بموته انه لا تنعقد عندهم خلافا لأبي
يوسف وإن كان عالما بموته تنعقد عندهم خلاف لزفر ولو قال الله لأمسن السماء أو لأصعدن السماء أو لأحولن هذا
الحجر ذهبا تنعقد عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر لا تنعقد أما الكلام مع أبي يوسف فوجه قوله إن الحالف جعل
شرط عدم حنثه القتل والشرب في المطلق وفي الموقت عدم الشرب في المدة وقد تأكد العدم فتأكد شرط الحنث
فيحنث كما في قوله والله لأمسن السماء أو لأحولن هذا الحجر ذهبا ولهما ان اليمين تنعقد للبر لان البر هو موجب اليمين
وهو المقصود الأصلي من اليمين أيضا لان الحالف بالله تعالى يقصد بيمينه تحقيق البر والوفاء بما عهد وانجاز ما وعد ثم
11

الكفارة تجب لدفع الذنب الحاصل بتفويت البر وهو الحنث فإذا لم يكن البر متصور الوجود حقيقة لا يتصور الحنث
فلم يكن في انعقاد اليمين فائدة فلا تنعقد والدليل على أن البر غير متصور الوجود من هذه اليمين حقيقة انه إذا كان عنده ان
في الكوز ماء وان الشخص حي فيمينه تقع على الماء الذي كان فيه وقت اليمين وعلى إزالة حياة قائمة وقت اليمين والله
تعالى وإن كان قدرا على خلق الماء في الكوز ولكن هذا المخلوق لا يكون ذلك الماء الذي وقعت يمينه عليه
وفي مسألة القتل زالت تلك الحياة على وجه لا يتصور عودها بخلاف ما إذا كان عالما بذلك لأنه إذا كان عالما به فإنما
انعقد يمينه على ماء آخر يخلقه الله تعالى وعلى حياة أخرى يحدثها الله تعالى الا ان ذلك على نقض العادة فكان
العجز عن تحقيق البر ثابتا عادة فيحنث بخلاف قوله والله لأمسن السماء ونحوه لان هناك البر متصور الوجود في نفسه
حقيقة بان يقدره الله تعالى على ذلك كما أقدر الملائكة وغيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الا انه عاجز عن ذلك
عادة فلتصور وجوده حقيقة انعقدت وللعجز عن تحقيقه عادة حنث ووجبت الكفارة وأما الكلام مع زفر في
اليمين على مس السماء ونحوه فهو يقول المستحيل عادة يلحق بالمستحيل حقيقة وفي المستحيل حقيقة لا تنعقد كذا في
المستحيل عادة ولنا ان اعتبار الحقيقة والعادة واجب ما أمكن وفيما قلناه اعتبار الحقيقة والعادة جميعا وفيما قاله اعتبار
العادة واهدار الحقيقة فكان ما قلناه أولى ولو قال والله لأمسن السماء اليوم يحنث في آخر اليوم عند أبي حنيفة ومحمد
وفي قياس قول أبي يوسف انه يحنث في الحال وقد روى عن أبي يوسف ما يدل عليه فإنه قال في رجل حلف ليشربن
ماء دجلة كله اليوم قال أبو حنيفة لا يحنث حتى يمضى اليوم وقال أبو يوسف يحنث الساعة فان قال في يمينه غدا لم
يحنث حتى يمضي اليوم في قول أبي حنيفة لان الانعقاد يتعلق بآخر اليوم عنده فاما أبو يوسف فقال يحنث في أول جزء
من أجزاء الغد لان شرط البر غير منتظر فكأنه قال لها أنت طالق في غد والله عز وجل أعلم هذا إذا لم يكن المحلوف
عليه متصور الوجود حقيقة أو عادة وقت اليمين حتى انعقدت اليمين بلا خلاف ثم فات فالحلف لا يخلو اما أن يكون
مطلقا عن الوقت واما أن يكون موقتا بوقت وكل ذلك لا يخلو اما أن يكون في الاثبات أو في النفي فإن كان مطلقا في
الاثبات بان قال والله لا آكلن هذا الرغيف أو لأشربن الماء الذي في هذا الكوز أو لأدخلن هذه الدار أو لآتين
البصرة فما دام الحالف والمحلوف عليه قائمين لا يحنث لان الحنث في اليمين المطلقة يتعلق بفوات البر في جميع البر
فما داما قائمين لا يقع اليأس عن تحقيق البر فلا يحنث فإذا هلك أحدهما يحنث لوقوع العجز عن تحقيقه غير أنه إذا
هلك المحلوف عليه يحنث وقت هلاكه وإذا هلك الحالف يحنث في آخر جزء من أجزاء حياته لان الحنث في الحالين
بفوات البر وقت فوات البر في هلاك المحلوف عليه وقت هلاكه وفي هلاك الحالف آخر جزء من أجزائه حياته
وإن كان في النفي بان قال والله لا أكل هذا الرغيف أو لا أشرب الماء الذي في هذا الكوز فلم يأكل ولم يشرب
الماء حتى هلك أحدهما فقد بر في يمينه لوجود شرط البر وهو عدم الأكل والشرب وإن كان موقتا بوقت فالوقت
نوعان موقت نصا وموقت دلالة أما الموقت نصا فإن كان في الاثبات بان قال والله لآكلن هذا الرغيف اليوم أو
لأشربن هذا الماء الذي في هذا الكوز اليوم أو لأدخلن هذه الدار ونحو ذلك فما دام الحالف والمحلوف عليه
قائمين والوقت قائما لا يحنث لان البر في الوقت مرجو فتبقى اليمين وإن كان الحالف والمحلوف عليه قائمين ومضى
الوقت يحنث في قولهم جميعا لان اليمين كانت مؤقتة بوقت فإذا لم يفعل المحلوف عليه حتى مضى الوقت وقع اليأس عن
فعله في الوقت ففات البر عن الوقت فيحنث وان هلك الحالف في الوقت والمحلوف عليه قائم فمضى الوقت لا يحنث
بالاجماع لان الحنث في اليمين المؤقتة بوقت يقع في آخر أجزاء الوقت وهو ميت في ذلك الوقت لا يوصف
بالحنث وان هلك المحلوف عليه والحالف قائم والوقت باق فيبطل اليمين في قول أبي حنيفة ومحمد وزفر وعند أبي
يوسف لا تبطل ويحنث واختلفت الرواية عنه في وقت الحنث انه يحنث للحال أو عند غروب الشمس
روى عنه انه يحنث عند غروب الشمس وروى عنه انه يحنث للحال قيل وهو الصحيح من مذهبه وإن كان
12

في النفي فمضى الوقت الحالف والمحلوف عليه قائمان فقد بر في يمينه لوجود شرط البر وكذلك ان هلك الحالف
والمحلوف عليه في الوقت لما قلنا وان فعل المحلوف عليه في الوقت حنث لوجود شرط الحنث وهو الفعل في الوقت
والله عز وجل أعلم (وأما) الموقت دلالة فهو المسمى يمين الفور وأول من اهتدى إلى جوابها أبو حنيفة ثم كل من سمعه
استحسنه وما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن وهو أن يكون اليمين مطلقا عن الوقت نصا ودلالة الحال تدل على
تقييد الشرط بالفور بان خرج جوابا لكلام أو بناء على أمر نحو أن يقول لآخر تعال تغد معي فقال والله لا أتغدى
فلم يتغد معه ثم رجع إلى منزله فتغدى لا يحنث استحسانا والقياس ان يحنث وهو قول زفر وجه القياس انه منع نفسه
عن التغدي عاما فصرفه إلى البعض دون البعض تخصيص للعموم (ولنا) ان كلامه خرج جوابا للسؤال فينصرف إلى
ما وقع السؤال عنه والسؤال وقع عن الغداء المدعو إليه فينصرف الجواب إليه كأنه أعاد السؤال وقال والله لا أتغدى
الغداء الذي دعوتني إليه وكذا إذا قامت امرأته لتخرج من الدار فقال لها ان خرجت فأنت طالق فقعدت ثم
خرجت بعد ذلك لا يحنث استحسانا لان دلالة الحال تدل على التقييد بتلك الخرجة كأنه قال إن خرجت هذه
الخرجة فأنت طالق ولو قال لها ان خرجت من هذه الدار على الفور أو في هذا اليوم فأنت طالق بطل اعتبار الفور
لأنه ذكر ما يدل على أنه ما أراد به الخرجة المقصود إليها وإنما أراد الخروج المطلق عن الدار في اليوم حيث زاد على
قدر الجواب وعلى هذا يخرج ما إذا قيل له انك تغتسل الليلة في هذه الدار من جنابة فقال إن اغتسلت فعبدي حر ثم
اغتسل لا عن جنابة ثم قال عنيت به الاغتسال عن جنابة انه يصدق لأنه أخرج الكلام مخرج الجواب ولم يأت بما
يدل على اعراضه عن الجواب فيقيد بالكلام السابق ويجعل كأنه إعادة ولو قال إن اغتسلت فيها الليلة عن جنابة فأنت
حر أو قال إن اغتسلت الليلة في هذه الدار فعبدي حر ثم قال عنيت الاغتسال عن جنابة لا يصدق في القضاء لأنه زاد
على القدر المحتاج إليه من الجواب حيث أتى بكلام مفيد مستقل بنفسه فخرج عن حد الجواب وصار كلاما مبتدأ
فلا يصدق في الفضاء لكن يصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يحتمل انه أراد به الجواب ومع هذا زاد على قدره وهذا
وإن كان بخلاف الظاهر لكن كلامه يحتمله في الجملة وعلى هذا يخرج ما قاله ابن سماعة سمعت محمدا يقول في رجل
قال لآخران ضربتني ولم أضربك وما أشبه ذلك فهذا على الفور قال وقوله لم يكون على وجهين على قبل وعلى بعد
فإن كانت على بعد فهي على الفور ولو قال إن كلمتني فلم أجبك فهذا على بعد وهو على الفور وان قال إن ضربتني ولم
أضربك فهو عندنا على أن يضرب الحالف قبل ان يضرب المحلوف عليه فان أراد به بعد ونوى ذلك فهو على الفور
وهكذا روى عن محمد وجملة هذا ان هذه اللفظة قد تدخل على الفعل الماضي وقد تدخل على المستقبل فما كان معاني
كلام الناس عليه حمل عند الاطلاق عليه وإن كانت مستعملة في الوجهين على السواء يتميز أحدهما بالنية فإذا
قال إن ضربتني ولم أضربك فقد حمله محمد على الماضي كأنه رأى معاني كلام الناس عليه عند الاطلاق فكأنه قال إن
ضربتني من غير مجازاة لما كان منى من الضرب فعبدي حر ويحتمل الاستقبال أيضا فإذا نواه حمل عليه وقوله إن
كلمتني ولم أجبك فهذا على المستقبل لان الجواب لا يتقدم الكلام فحمل على الاستقبال ويكون على الفور لأنه يراد به
الفور عادة روى عن محمد فيمن قال كل جارية يشتريها فلا يطؤها فهي حرة قال هذا يطؤها يشتريها فإن لم
يفعل فهي حرة لان الفاء تقتضي التعقيب ولو قال مكان هذا ان لم يطأها فهذا على ما بينه وبين الموت فمتى وطئها بر لان
كلمة ان كلمة شرط فلا تقتضي التعجيل قال هشام عن أبي يوسف فان قال لغلامه ان لم تأتني حتى أضربك فأنت
حر فجاء من ساعته فلم يضربه قال متى ما ضربه فإنه يبر في يمينه ولا يعتق الا ان ينوى ساعة أمره بذلك لما ذكرنا ان ان
للشرط فلا تقتضي التعجيل إذا لم يكن في الكلام ما يدل عليه ولو قال إن لم أشتر اليوم عبدا فاعتقه فعلى كذا فاشترى
عبدا فوهبه ثم اشترى آخر فاعتقه قال محمد إنما وقعت يمينه على العبد الأول فإذا أمسى ولم يعتقه حنث لان تقدير
كلامه ان اشتريت عبدا فعلى عتقه فإن لم أعتقه فعلى حجة وهذا قد استحقه الأول فلم يدخل الثاني في اليمين قال
13

هشام عن محمد فيمن قال لآخران مت ولم أضربك فكل مملوك لي حر فمات الحالف ولم يضربه قال محمد لا يعتقون
لان من شرط الحنث أن يكون بعد الموت ولا ملك له في ذلك الوقت فلا يعتقون وان قال إن أضربك فكل مملوك لي
حر لا يحنث حتى يخرج نفسه فيحنث قبل خروج نفسه يعنى في آخر جزء من أجزاء حياته فيعتقون حينئذ لان شرط
الحنث ترك الضرب وانه يتحقق في تلك الحالة ولو قال إن لم أدخل هذه الدار حتى أموت فغلامه حر فلم يدخلها حتى
مات لم يعتق وكذلك قال محمد فيمن قال إن لم أضربك فيما بيني وبين ان أموت فعبدي حر فلم يضربه حتى مات عتق
العبد قبل ان يموت لان في الأول حنث بعد الموت وقال محمد في الزيادات فيمن قال لرجل امرأته طالق ان لم تخبر
فلانا بما صنعت حتى يضربك فعبدي حر فأخبره فلم يضر به في يمينه لأنه جعل شرط البر الاخبار لأنه سبب
صالح للضرب جزاء له على صنعه والاخبار مما لا يمتد ولا يضرب له المدة فتعذر جعله للغاية فجعل للجزاء وقوله حتى
يضربك بيان الغرض بمعنى ليضربك فيصير معناه ان لم أتسبب لضربك فإذا أخبر بصنيعة فقد سبب لضربه فبر في
يمينه وكذلك إذا قال إن لم آتك حتى تغديني أو أن لم أضربك حتى تضربني فعبدي حر فاتاه فلم يغده أو أضربه ولم
يضربه بر في يمينه لان التغذية لا تصلح غاية للاتيان لكونها داعية إلى زيادة الاتيان وكذلك الضرب يدعو إلى زيادة
الضرب لا إلى تركه وانهائه فلا يجعل غاية ويجعل جزاء لوجود شرطه ولو قال إن لم ألزمك حتى تقضيني حقي أو لم
أضربك حتى يدخل الليل أو حتى تشتكي يدي أو حتى تصيح أو حتى يشفع لك فلان أو حتى ينهاني فلان فترك
الملازمة قبل ان يقضى حقه أو ترك الضرب قبل وجود هذه الأسباب حنث لان كلمة حتى ههنا للغاية إذ المعقود عليه
فعل ممتد وهو الملازمة والضرب في قضاء الدين مؤثر في أنهاء الملازمة إذ هو المقصود من الملازمة والشفاعة والصياح
والنهي وغيرها مؤثر في ترك الضرب وانهائه فصارت للغاية لوجود شرطها ولو نوى به الجزاء يصدق فيما بينه وبين الله
تعالى لأنه نوى ما يحتمله كلامه ولا يصدق في القضاء لأنه أراد به التخفيف على نفسه فكان متهما وان قال إن لم آتك
اليوم حتى أتغدى عندك أو ان لم آتك حتى أضربك فعبدي حر فاتاه فلم يتغد عنده أو لم يضربه حتى مضى اليوم حنث
لان كلمة حتى ههنا للعطف لان الفعلين جميعا من جانب واحد وهو الحالف فيصير كأنه قال إن لم آتك اليوم فأضربك
أو فأتغدى عندك فإن لم يوجدا جميعا لا يبر بخلاف قوله حتى تغديني لان هناك أحد الفعلين من غيره فكان عوض
فعله فلا يحنث بعدمه وان لم يوقت باليوم فأتاه ولم يتغد لم يحنث لان البر موجود بان يأتيه ويتغدى أو يتغدى من غير
اتيان وقت البر متسع فلا يحنث كما لو صرح به وقال إن لم آتك فأتغدى عندك ولو قال ذلك لا يحنث ما دام حيا
كذلك هذا وحكى هشام عن أبي يوسف ان من قال لامته ان لم تجيئيني الليلة حتى أجامعك مرتين فأنت حرة فجاءته
فجامعها مرة وأصبح حنث في يمينه وهذا وقوله إن لم تجيئيني الليلة فأجامعك مرتين سواء فيصير المجئ والمجامعة مرتين
شرطا للبر فإذا انعدم يحنث فإن لم يوقت بالليل لا يحنث وله أن يجامعها في أي وقت شاء لان وقت البر يتسع عند عدم
التوقيت وقال ابن سماعة عن محمد إذا قال إن ركبت دابتك فلم أعطك دابتي فعبدي حر قال هذا على الفور إذا ركب
دابته فينبغي أن يعطيه دابة نفسه ساعتئذ وكذلك إذا قال إن دخلت دارك فلم أجلس فيها لان الفاء للتعقيب فيقتضى
وجود ما دخلت عليه عقيب الشرط قال ولو قال إن رأيت فلانا فلم آتك به فعبدي حر فرآه أول ما رآه مع الرجل
الذي قال له ان رأيته فلم آتك به فان الحالف حانث الساعة لان يمينه وقعت على أول رؤية ويستحيل أن يأتيه بمن
هو معه قال القدوري وقد كان يجب ان لا يحنث عند أبي حنيفة ومحمد كما قالا فيمن قال له ان رأيت فلانا فلم أعلمك
بذلك فعبدي حر فرآه أول ما رآه مع الرجل الذي قال له ذلك لم يحنث عند أبي حنيفة ومحمد لان العلم بمن قد علمه محال
وكذلك الاتيان بمن معه فيصير كمن قال لأشربن الماء الذي في هذا الكوز ولا ماء فيه ولو أن رجلا قال إن لقيتك فلم
أسلم عليك فان سلم عليه ساعة يلقاه وإلا حنث وكذلك ان قال استعرت دابتك فلم تعرني لان هذا على المجازاة يدا
بيد وليس هذا مثل قوله إن دخلت الدار فإن لم أكلم فلانا فهذا متى ما كلمه بر والأصل فيه ان يجئ في هذا الباب
14

أمور تشتبه فإن لم في معنى فلم يحمل على معظم معاني كلام الناس ولو قال إن أتيني فلم آتك أو ان زرتني فلم أزرك أو ان
أكرمتني فلم أكرمك فهذا على الأبد وهو في هذا الوجه مثل فإن لم لان الزيارة لا تتعقب الزيارة عادة فكان المقصود
هو الفعل فان قيل أتيتني فلم آتك فالامر في هذا مشتبه قد يكون بمعنى ان لم آتك قبل اتيانك وقد يكون بمعنى ان لم آتك
بعد اتيانك فكان محتملا للامرين فيحمل على ما كان من الغالب من معاني كلام الناس عليه فإن لم يكن فهو على ما نوى
أي ذلك نوى من قبل أو بعد حملا على ما نوى وان لم تكن له نية يلحق بالمشتبه الذي لا يعرف له معنى فاما الذي
يعرف من معناه انه قبل أو بعد فهو على الذي يعرف في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى إذا لم يكن له نية فان نوى
خلاف ما يعرف لم يدين في الحكم ودين فيما بينه وبين الله تعالى فالذي الظاهر منه قبل كقوله إن خرجت من باب
الدار ولم أضربك والذي ظاهره بعد مثل قوله إن أعطيتني كذا ولم أكافئك بمثله والمحتمل كقوله إن كلمتك ولم تكلمني
فهذا يحتمل قبل وبعد فأيهما فعل لم يكن للحالف فيه وإن كان نوى أحد الفعلين فهو على ما نوى وإن كان قبل ذلك فنطق
بكون هذا جوابا له فهو على الجواب والله عز وجل الموفق (وأما) الذي يرجع إلى نفس الركن فخلوه عن الاستثناء نحو أن يقول
إن شاء الله تعالى أو الا ان يشاء الله أو ما شاء الله أو الا أن يبدو لي غير هذا أو الا ان أرى غير هذا أو الا ان أحب غير
هذا أو قال إن أعانني الله أو يسر الله أو قال بمعونة الله أو بتيسيره ونحو ذلك فان قال شيئا من ذلك موصولا لم تنعقد اليمين
وإن كان مفصولا انعقدت وسيأتي الكلام في الاستثناء وشرائطه في كتاب الطلاق ولو قال الا ان أستطيع فان
عنى استطاعة الفعل وهو المعنى الذي يقصد فلا يحنث أبدا لأنها مقارنة للفعل عندنا فلا توجد ما لم يوجد الفعل وان عنى
به استطاعة الأسباب وهي سلامة الآلات والأسباب والجوارح والأعضاء فإن كانت له هذه الاستطاعة فلم
يفعل حنث وإلا فلا وهذا لان لفظ الاستطاعة يحتمل كل واحد من المعنيين لأنه يستعمل فيهما قال الله تعالى
ما كانوا يستطيعون وقال إنك لن تستطيع معي صبرا والمراد منه استطاعة الفعل وقال الله تعالى ولله على الناس حج
البيت من استطاع إليه سبيلا وقال عز وجل فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا والمراد منه استطاعة سلامة
الأسباب والآلات فأي ذلك نوى صحت نيته وان لم يكن له نية يحمل على استطاعة الأسباب وهو ان لا يمنعه
مانع من العوارض والاشتغال لأنه يراد بها ذلك في العرف والعادة فعند الاطلاق ينصرف إليه والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما حكم اليمين بالله تعالى فيختلف باختلاف اليمين أما يمين الغموس فحكمها وجوب الكفارة لكن
بالتوبة والاستغفار لأنها جرأة عظيمة حتى قال الشيخ أبو منصور الماتريدي كان القياس عندي ان المتعمد بالحلف
على الكذب يكفر لان اليمين بالله تعالى جعلت للتعظيم لله تعالى والحالف بالغموس مجترئ على الله عز وجل مستخف
به ولهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحلف بالآباء والطواغيت لان في ذلك تعظيما لهم وتبجيلا فالوزر له
في الجرأة على الله أعظم وهذا لان التعمد بالحلف كاذبا على المعرفة بان الله عز وجل يسمع استشهاده بالله كاذبا مجترئ
على الله سبحانه وتعالى ومستخف به وإن كان غيره يزعم أنه ذكر على طريق التعظيم وسبيل هذا سبيل أهل النفاق
ان اظهارهم الايمان بالله سبحانه وتعالى استخفاف بالله تعالى لما كان اعتقادهم بخلاف ذلك وإن كان ذلك القول
تعظيما في نفسه وصدقا في الحقيقة تلزمهم العقوبة لما فيه من الاستخفاف وكذا هذا ولكن نقول لا يكفر بهذا لان فعله
ان خرج مخرج الجرأة على الله تعالى والاستخفاف به من حيث الظاهر لكن غرضه الوصول إلى مناه
وشهوته لا القصد إلى ذلك وعلى هذا يخرج قول أبي حنيفة رحمه الله في سؤال السائل ان العاصي يطيع
الشيطان ومن أطاع الشيطان فقد كفر كيف لا يكفر العاصي فقال لان فعله وان خرج مخرج الطاعة
للشيطان لكن ما فعله قصد إلى طاعته وإنما يكفر بالقصد إذ الكفر عمل القلب لا بما يخرج فعله فعل معصية
فكذلك الأول وأما الكفارة المعهودة وهي الكفارة بالمال فلا تجب عندنا وهي عند الشافعي تجب احتج بقوله
تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم نفي المؤاخذة باليمين اللغو في
15

الايمان وأثبتها بما كسب القلب ويمين الغموس مكسوبة القلب فكانت المؤاخذة ثابتة بها الا أن الله تعالى أبهم
المؤاخذة في هذه الآية الشريفة أنها بالاثم أو بالكفارة المعهودة لكن فسر في الأخرى أن المؤاخذة بالكفارة
المعهودة وهي قوله عز وجل ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته الآية فعلم أن المراد من المؤاخذة المذكورة
في تلك الآية هذه المؤاخذة وبقوله عز وجل ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته الآية أثبت المؤاخذة
في اليمين المعقودة بالكفارة المعهودة ويمين الغموس معقودة لان اسم العقد يقع على عقد القلب وهو العزم والقصد
وقد وجد بقوله عز وجل في آخر الآية الكريمة ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم جعل الكفارة المعهودة كفارة
الايمان على العموم خص منه يمين اللغو فمن ادعى تخصيص العموم فعليه الدليل مع ما ان أحق ما يراد به الغموس لأنه
علق الوجوب بنفس الحلف دون الحنث وذلك هو الغموس إذ الوجوب في غيره يتعلق بالحنث (ولنا) قوله
سبحانه وتعالى ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة الآية ورى عن
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع
بها مالا لقى الله وهو عليه غضبان وروى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من
حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار والاستدلال بالنصوص ان الله تعالى جعل موجب الغموس
العذاب في الآخرة فمن أوجب الكفارة فقد زاد على النصوص فلا يجوز الا فلا يجوز الا بمثلها وما روى عن نبي الرحمة صلى الله
عليه وسلم أنه قال للمتلاعنين بعد فراغهما من اللعان الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب دعاهما إلى التوبة لا إلى
الكفارة المعهودة ومعلوم ان حاجتهما إلى بيان الكفارة المعهودة لو كانت واجبة كانت أشد من حاجتهما إلى بيان
كذب أحدهما وايجاب التوبة وجوب التوبة بالذنب يعرفه كل عاقل بمجرد العقل من غير معونة السمع
والكفارة المعهودة لا تعرف الا بالسمع فلما لم يبين مع أن الحال حال الحاجة إلى بيان دل أنها غير واجبة وكذا
الحديث الذي روى في الخصمين أنه قضى لأحدهما وذكر فيه الوعيد الشديد ان يأخذه وهو غير الحق في ذلك ثم
أمرهما صلى الله الله عليه وسلم بالاستهام وان يحلل كل واحد منها صاحبه ولم يبين الكفارة والموضع موضع الحاجة إلى
البيان لو كانت واجبة فعلم أنها غير واجبة ولان وجوب الكفارة المعهودة حكم شرعي فلا يعرف الا بدليل شرعي
وهو النص أو الاجماع أو القياس ولم يوجد وأقوى الدلائل في نفى الحكم نفى دليله أما الاجماع فظاهر الانتفاء وكذا
النص القاطع لان أهل الديانة لا يختلفون في موضع فيه نص قاطع والنص الظاهر وجب العمل به أيضا وإن كان
لا يجب الاعتقاد قطعا فلا يقع الاختلاف ظاهرا نفى الاستدلال باليمين المعقودة ومن شرطه التساوي ولم يوجد لان
الذنب في يمين الغموس أعظم وما صلح لدفع أدنى الذنبين لا يصلح لرفع أعلاهما ولهذا قال اسحق في يمين الغموس
أجمع المسلمون على أنه لا يجب الكفارة فيها فقول من يوجبها ابتداء شرع ونصب حكم على الخلق وهو لم يشترك في
حكمه أحدا ولا حجة له في قوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم لان مطلق المؤاخذة في الجنايات يراد بها
المؤاخذة في الآخرة لأنها حقيقة المؤاخذة والجزاء فأما المؤاخذة في الدنيا فقد تكون خيرا وتكفيرا فلا تكون
مؤاخذة معنى ونحن به نقول أن المؤاخذة بيمين الغموس ثابتة في الآخرة ولان قوله تعالى يؤاخذكم اخبار أنه يؤاخذ
فأما قضية المؤاخذة فليست بمذكورة فيستدعى نوع مؤاخذة والمؤحذة بالاسم مرادة من هذه الآية فلا يكون غيره
مرادا إذا وأما قوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فالمراد منه اليمين على أمر في المستقبل لأن العقد هو الشد
والربط في اللغة ومنه عقد الحبل وعقد الحمل وانعقاد الرق وهو ارتباط بعضه ببعض وقد يذكر ويراد به العهد وكل
ذلك لا يتحقق الا في المستقبل ولان الآية قرئت بقرائتين بالتشديد والتخفيف والتشديد لا يحتمل الا عقد اللسان
وهو عقد القول والتخفيف يحتمل العقد باللسان والعقد بالقلب وهو العزم والقصد فكانت قراءة التشديد محكمة في
الدلالة على إرادة العقد باللسان والقراءة بالتخفيف محتملة فيرد المحتمل إلى المحكم ليكون عملا بالقراءتين على الموافقة
16

والدليل على أن المراد من الآية الكريمة اليمين على أمر في المستقبل أنه علق الكفارة فيها بالحلف والحنث عرفنا ذلك
بقراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إذا حلفتم وحنثتم والحنث لا يتصور الا في اليمين على أمر في المستقبل وكذا
قوله تعالى واحفظوا ايمانكم وحفظ اليمين إنما يتصور في المستقبل لان ذلك تحقيق البر والوفاء بالعهد وانجاز الوعد
وهذا لا يتصور في الماضي والحال والله عز وجل الموفق (وأما) يمين اللغو فلا كفارة فيها بالتوبة ولا بالمال بلا خلاف
بيننا وبين الشافعي لان قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم أدخل كلمة النفي على المؤاخذة فيدل على انتفاء
المؤاخذة فيها بالاثم والكفارة جميعا وإنما اختلفا في تفسيرها واختلف قول من فسرها باليمين على المعاصي في وجوب
الكفارة على ما بينا ثم الحالف باللغو إنما لا يؤاخذ في اليمين بالله تعالى فأما اليمين بغير الله تعالى من الطلاق والعتاق فإنه
يؤاخذ به حتى يقع الطلاق والعتاق وإن كان ظاهر الآية الكريمة في نفى المؤاخذة عاما عرفنا ذلك بالخبر والنظر أما
الخبر فقوله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد وذكر الطلاق والعتاق واللاغي لا يعدو هذين فدل ان
اللغو غير داخل في اليمين بالطلاق والعتاق وأما النظر فهو ان الطلاق والعتاق مما يقع معلقا ومنجزا ومتى علق بشرط كان
يمينا فأعظم ما في اللغو انه يمنع انعقاد اليمين وارتباط الجزاء بالشرط فيبقى مجرد ذكر صيغة الطلاق والعتاق من غير شرط
فيعمل في إفادة موجبهما بخلاف اليمين بالله تعالى فان هناك إذا لغا المحلوف عليه يبقى مجرد قوله والله فلا يجب به شئ
فثبت بما ذكرنا ان المراد بالآية اللغو في اليمين بالله تعالى لا في اليمين بغير الله تعالى من الطلاق والعتاق وسائر الا جزية
(وأما) حكم اليمين المعقودة وهي اليمين على المستقبل فاليمين على المستقبل لا يخلو اما أن يكون على فعل واجب وأما أن
يكون على ترك المندوب وأما أن يكون على ترك المباح أو فعله فإن كان على فعل واجب بأن قال والله لأصلين صلاة
الظهر اليوم أو لأصومن رمضان فإنه يجب عليه الوفاء به ولا يجوز له الامتناع عنه لقوله صلى الله عليه وسلم من حلف أن
يطيع الله فليطعه ولو امتنع يأثم ويحنث ويلزمه الكفارة وإن كان على ترك الواجب أو على فعل معصية بأن قال
والله لا أصلى صلاة الفرض أو لا أصوم رمضان أو قال والله لأشربن الخمر أو لأزنين أو لأقتلن فلانا أو لا أكلم والدي
ونحو ذلك فإنه يجب عليه للحال الكفارة بالتوبة والاستغفار ثم يجب عليه أن يحنث نفسه ويكون بالمال لان عقد
هذه اليمين معصية فيجب تكفيرها بالتوبة والاستغفار في الحال كسائر الجنايات التي ليس فيها كفارة معهودة وعلى
هذا يحمل ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه
ثم ليأت الذي هو خير أي عليه أن يحنث نفسه لقوله صلى الله عليه وسلم من حلف أن يعصى الله تعالى فلا يعصه
وترك المعصية بتحنيث نفسه فيها فيحنث به ويكفر بالمال وهذا قول عامة العلماء وقال الشعبي لا تجب الكفارة
المعهودة في اليمين على المعاصي وان حنث نفسه فيها لما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال إذا حلف أحدكم على يمين فرأى ما هو خير منها فليأته فإنه لا كفارة بها ولان الكفارة شرعت لرفع
الذنب والحنث في هذه اليمين ليس بذنب لأنه واجب فلا تجب الكفارة لرفع الذنب ولا ذنب (ولنا) قوله تعالى
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إلى قوله ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم من غير فصل بين اليمين على
المعصية وغيرها والحديث المعروف وهو ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف على يمين فرأى غيرها
خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه وما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه فقد روى عنه خلافه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف أحدكم بيمين ثم رأى خيرا مما حلف عليه فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو
خير فوقع التعارض بين حديثيه فبقي الحديث المعروف لنا بلا تعارض ولان الأمة أجمعت على أن الكفارة لا يمتنع
وجوبها لعذر في الحانث بل يتعلق بمطلق الحنث سواء كان الحانث ساهيا أو خاطئا أو نائما أو مغمى عليه أو مجنونا فلا
يمتنع وجوبها لأجل المعصية ولان الكفارة إنما وجبت في اليمين على المباحات اما لان الحنث فيما يقع خلفا في الوعد
ونقضا للعهد لان الحالف وعد ان يفعل وعهد الله على ذلك فإذا حنث فقد صار بالحنث مخلفا في الوعد ناقضا للعهد
17

فوجبت الكفارة ليصير الحلف مستورا كأنه لم يكن أو لان الحنث منه يخرج مخرج الاستخفاف بالاستشهاد باسم
الله تعالى من حيث الصورة متى قوبل ذلك بعقده السابق لا من حيث الحقيقة إذ المسلم لا يباشر المعصية قصد المخالفة
الله تعالى وإرادة الاستخفاف بأمره ونهيه فوجب عليه التكفير جبرا لما هتك من حرمة اسم الله تعالى صورة
لا حقيقة وسترا وكل واحد من الوجهين موجود ههنا فيجب وأما قولهم الكفارة شرعت لرفع الذنب فنعم لكن لم قلتم
انه لا ذنب وقولهم الحنث واجب قلنا بلى لكن من حيث إنه ترك المعصية لا من حيث إنه نقض اليمين التي هي عهد مع
الله تعالى بل الحنث من هذه الجهة ذنب فيحتاج إلى التكفير بالمال وإن كان على ترك المندوب بأن قال والله
لا أصلى نافلة ولا أصوم تطوعا ولا أعود مريضا ولا أشيع جنازة ونحو ذلك فالأفضل له أن يفعل ويكفر عن يمينه
بالحديث الذي روينا وإن كان على مباح تركا أو فعلا كدخول الدار ونحوه فالأفضل له البر وله أن يحنث نفسه
ويكفر ثم الكفارة تجب في اليمين المعقودة على المستقبل سواء قصد اليمين أو لم يقصد عندنا بأن كانت على أمر
في المستقبل وعند الشافعي لا بد من قصد اليمين لتجب الكفارة واحتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والعتاق والنكاح فتخصيص هذه الأشياء بالذكر في التسوية بين الجد
والهزل منها دليل على أن حكم الجد والهزل يختلف في غيرها ليكون التخصيص مفيدا (ولنا) قوله تعالى ولكن
يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته أثبت المؤاخذة بالكفارة المعهودة في اليمين المعقودة مطلقا عن شرط القصد إذ
العقد هو الشد والربط والعهد على ما بينا وقوله عز وجل ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم أي حلفتم وحنثتم جعل أحد
الأشياء المذكورة كفارة الايمان على العموم عند وجود الحلف والحنث وقد وجد (وأما) الحديث فقد روى عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق واليمين مع ما ان روايته
الأخرى مسكوتة عن غير الأشياء المذكورة إذ لا يتعرض لغيرها بالنفي ولا بالاثبات فلا يصح الاحتجاج به والله عز
وجل أعلم ثم وقت وجوب الكفارة في اليمين المعقود على المستقبل هو وقت وجود الحنث فلا يجب الا بعد الحنث
عند عامة العلماء وقال قوم وقته وقت وجود اليمين فتجب الكفارة بعقد اليمين من غير حنث واحتجوا بقوله تعالى
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان وقوله عز وجل ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم وقوله عز وجل فكفارته أي
كفارة ما عقدتم من الايمان لان الإضافة تستدعى مضافا إليه سابقا ولم يسبق غير ذلك العقد فيصرف إليه وكذا في قوله
ذلك كفارة ايمانكم أضاف الكفارة إلى اليمين وعلى ذلك تنسب الكفارة إلى اليمين فيقال كفارة اليمين والإضافة
تدل على السببية في الأصل وبما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا
منها فليكفر عن يمينه ثم ليأت الذي هو خير والاستدلال بالحديث من وجهين أحدهما أنه أمر بالتكفير بعد اليمين قبل
الحنث ومطلق الامر يحمل على الوجوب والثاني أنه قال عليه الصلاة والسلام فليكفر عن يمينه أضاف التكفير إلى
اليمين فكذا في الرواية الأخرى فليأت الذي هو خير وليكفر يمينه أمر بتكفير اليمين لا بتكفير الحنث فدل أن
الكفارة لليمين ولان الله تعالى نهى عن الوعد الا بالاستثناء بقوله عز وجل ولا تقولن لشئ أنى فاعل ذلك غدا الا أن
يشاء الله ومعلوم أن ذلك النهى في اليمين أوكد وأشد ممن حلف على شئ بلا ثنيا فقد صار عاصيا باتيان ما نهى عنه
فتجب الكفارة لدفع ذلك الاثم عنه (ولنا) أن الواجب كفارة والكفارة تكون للسيئات إذ من البعيد تكفير الحسنات
فالسيئات تكفر بالحسنات قال الله سبحانه وتعالى ان الحسنات يذهبن السيئات وعقد اليمين مشروع قد أقسم
رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير موضع وكذا الرسل المتقدمة عليهم الصلاة والسلام قال الله تعالى خبرا عن
إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال وتالله لأكيدن أصنامكم وقال خبر عن أولاد يعقوب عليهم الصلاة السلام
أنهم قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف وكذا أيوب عليه الصلاة والسلام كان حلف أن يضرب امرأته فأمره الله سبحانه
وتعالى بالوفاء بقوله تعالى وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث والأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عن
18

الكبائر والمعاصي فدل أن نفس اليمين ليست بذنب وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا حلفتم فاحلفوا بالله
وقال صلى الله عليه وسلم لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت فمت كان حالفا فليحلف بالله أو ليذر أمر صلى الله عليه وسلم
باليمين بالله تعالى فدل أن نفس اليمين ليس بذنب فلا يجب التكفير لها وإنما يجب للحنث لأنه هو المأثم في الحقيقة ومعنى
الذنب فيه أنه كان عاهد الله تعالى أن يفعل كذا فالحنث يجر مخرج نقض العهد منه فيأثم بالنقض لا بالعهد ولذلك
قال الله تعالى وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الآية ولان عقد اليمين يخرج
مخرج التعظيم والتبجيل لله تعالى وجعله مفزعا إليه ومأمنا فيمتنع ان تجب بالكفارة محوا له وسترا وتبين بطلان
قولهم إن الحالف يصير عاصيا بترك الاستثناء في اليمين لان الأنبياء صلوات الله عليهم تركوا الاستثناء في اليمين ولم
يجز وصفهم بالمعصية فدل ان ترك الاستثناء في اليمين ليس بحرام وإن كان تركه في مطلق الوعد منهيا عنه كراهة
وذلك والله عز وجل اعلم لوجهين أحدهما ان الوعد إضافة إلى الفعل إلى نفسه بأن يقول افعل غدا كذا وكل فعل يفعله
تحت مشيئة الله تعالى فان فعله لا يتحقق لاحد الا بعد تحقيق الله تعالى منه ولا يتحقق منه الاكتساب لذلك الا
باقداره فيندب إلى قران الاستثناء بالوعد ليوفق على ذلك ويعصم عن الترك وفي اليمين يذكر الاستشهاد باسم الله
تعالى على طريق التعظيم قد استغاث بالله تعالى واليه فزع فيتحقق التعظيم الذي يحصل به الاستثناء وزيادة فلا معنى
للاستثناء الثاني أن اليمين شرعت لتأكيد المحلوف عليه خصوصا في البيعة وقران الاستثناء في مثل ذلك يبطل المعنى
الذي وضع له العقد بخلاف الوعد المطلق وأما الآية الكريمة فتأويلها من وجهين أحدهما أي يؤاخذكم الله بمحافظة
ما عقدتم من الايمان والوفاء بها كقوله عز وجل ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها فان تركتم ذلك فكفارته كذا وكذلك
قوله ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم فتركتم المحافظة ألا ترى أنه قال عز وجل واحفظوا ايمانكم والمحافظة تكون بالبر
والثاني أن يكون على اضمار الحنث أي ولكن يؤاخذكم بحنثكم فيما عقدتم وكذا في قوله كفارة ايمانكم إذا حلفتم
أي إذا حلفتم وحنثتم كما في قوله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك معناه
فحلف ففدية من صيام وقوله عز وجل فان أحصرتم فما استيسر من الهدى معناه فتحلل وقوله عز وجل فمن كان منكم
مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر أي فأفطر فعدة من أيام أخر لان ظاهر الملفوظ وهو القدر الذي هو سبب
التخفيف لا يصلح سببا للوجوب فصار استعمال الرخصة مضمرا فيه كذلك ههنا لا تصلح اليمين التي هي تعظيم الرب
جل جلاله سببا لوجوب التكفير فيجب اضمار ما هو صالح وهو الحنث وأما إضافة الكفارة إلى اليمين فليست
للوجوب بها بل على إرادة الحنث كإضافة كفارة الفطر إلى الصيام وإضافة الدم إلى الحج والسجود إلى السهو وان لم
يكن ما أضيف إليه سببا كذا هذا وأما الحديث فقد روى بروايات روى فليأت الذي هو خير وليكفر يمينه وروى
فليكفر يمينه وليأت الذي هو خير وروى فليأت الذي هو خير ثم ليكفر يمينه وهو على الروايات كلها حجة عليهم
لا لهم لان الكفارة لو كانت واجبة بنفس اليمين لقال عليه الصلاة والسلام من حلف على يمين فليكفر من غير
التعرض لما وقع عليه اليمين أنه ماذا ولما لزم الحنث إذا كان خيرا ثم بالتكفير فلما خص اليمين على ما كان الحنث
خيرا من البر بالنقض والكفارة علم أنها تختص بالحنث دون اليمين نفسها وانها لا تجب بعقد اليمين دون الحنث
اختلف في جوازها قبل الحنث قال أصحابنا لا يجوز وقال الشافعي يجوز التكفير بالمال قبل الحنث فأما التكفير
بالصوم فلا يجوز قبل الحنث بالاجماع وجه قوله إنه كفر بعد وجود سبب الوجوب فيجوز كما لو كفر بالمال
بعد الجرح قبل الموت والدليل على أنه كفر بعد وجود سبب الوجوب أن اليمين وجوب الكفارة
بدليل أن الكفارة تضاف إلى اليمين يقال كفارة اليمين وقال الله تعالى ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم والحكم
إنما يضاف إلى سببه هو الأصل فدل أن اليمين سبب لوجوب الكفارة فكان هذا تكفيرا بعد وجود سبب
الوجوب فيجوز كما في موضع الاجماع والدليل على جواز التكفير بالمال قبل الحنث ما روى أن رسول الله
19

صلى الله عليه وسلم كفر قبل الحنث وذلك أنه لما رأى حمزة رضي الله عنه سيد الشهداء قد مثل وجرح
جراحات عظيمة اشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقسم أن يفعل كذلك بكذا كذا من قريش فنزل
النهى عن الوفاء بذلك وكفر عن يمينه وذلك تكفير قبل الحنث في مثل هذه اليمين لا يتحقق الا في
الوقت الذي يحتمل البر فيه حقيقة وذلك عند موته فدل على جواز التكفير للأمة قبل الحنث إذ هو صلى الله عليه
وسلم قدوة ولنا ان السبب ما يكون مفضيا إلى المسبب إذ هو في اللغة اسم لما يتوصل به إلى الشئ واليمين مانعة من
الحنث لكون الحنث خلفا في الوعد ونقضا للعهد وقد قال الله تعالى وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان
بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ان الله يعلم ما تفعلون ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا
ولكونه استخفافا باسم الله تعالى من حيث الصورة وكل ذلك مانع من الحنث فكانت اليمين مانعة من الحنث
فكانت مانعة من الوجوب إذ الوجوب شرط الحنث بلا خلاف بيننا فكيف يكون سببا للوجوب ولهذا لم يجز
عجل التكفير بالصوم كذا بالمال بخلاف التكفير بعد الجرح قبل الموت لان الجرح سبب للموت لكونه
مفضيا إلى فوات الحياة عادة فكان تكفيرا بعد وجود السبب فجاز وأما إضافة الكفارة إلى اليمين فعلى اضمار الحنث
فيكون الحنث بعد اليمين سببا لا قبله والحنث يكون سببا والدليل عليه انه سماه كفارة لقوله عز وجل ذلك كفارة
أيمانكم وهي اسم لما يكفر بالذنب ولا ذنب الا ذنب الحنث فكان المراد منه إذا حلفتم وحنثتم كما يقرأ ابن مسعود
رضي الله عنه فان قيل الكفارة تجب بنفس اليمين أصل الوجوب لكن يجب أداؤها عند الحنث كالزكاة تجب عند
وجود النصاب لكن يجب الأداء عند الحول وقوله صلى الله عليه وسلم لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول لنفى
وجوب الأداء لا لنفي أصل الوجوب فالجواب انه لا وجوب الا وجوب الفعل فاما وجوب غير الفعل فامر لا يعقل
على ما عرف في موضعه على أنه لو كان كذلك لجاز التكفير بالصوم لأنه صام بعد الوجوب فعلم أن الوجوب غير
ثابت أصلا ورأسا فان قيل يجوز ان يسمى كفارة قبل وجوبها كما يسمى ما يعجل من المال زكاة قبل الحول وكما
يسمى المعجل كفارة بعد الجراحة قبل الموت فلا حاجة إلى الحنث في جوازها فالجواب انه لا خلاف في أن
الكفارة الحقيقية وهي الكفارة الواجبة بعد الحنث مرادة بالآية فامتنع ان يراد بها ما يسمى كفارة مجاز العرضية
الوجوب لاستحالة كون اللفظ الواحد منتظما الحقيقة والمجاز وأما تكفير النبي صلى الله عليه وسلم فنقول ذلك في
المعنى كان تكفيرا بعد الحنث لأنه تكفير بعد العجز عن تحصيل البر فيكون تكفيرا بعد الحنث من حيث المعنى كمن
حلف لآتين البصرة فمات يلزمه الكفارة لتحقق العجز بالموت وبيان ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم معصوم عن
المعصية والوفاء بتلك اليمين إذ هو نهى عن ذلك فكانت يمينه قبل النهى عن الذي حلف عليه فكانت منعقدة
على فعل مباح ولما نهى صلى الله عليه وسلم عن تحصيل ذلك الفعل وصار ذلك معصية صار انشاء وعاجزا عن البر
فصار حانثا وإن كان ذلك الفعل ممكن الوجود في نفسه فكان وقت يأسه وقت النهى لا وقت الموت أما في حق غير النبي
صلى الله عليه وسلم وقت اليأس والعجز حقيقة هو وقت الموت إذ غير النبي صلى الله عليه وسلم غير معصوم عن
المعاصي فلا يتحقق العجز لتصور وجود البر مع وصف العصيان فهو الفرق والله عز وجل أعلم
(فصل) واما بيان ان اليمين بالله عز وجل على نية الحالف أو المستحلف فقد روى عن أبي يوسف عن أبي
حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال اليمين على نية الحالف إذا كان مظلوم وإن كان ظالما فعلى نية المستحلف وذكر
الكرخي ان هذا قول أصحابنا جميعا وذكر القدوري انه ان أراد به اليمين على الماضي فهو صحيح لان المؤاخذة في
اليمين على الماضي بالاثم فمتى كان الحالف ظالما كان آثما في يمينه وان نوى به غير ما حلف عليه لأنه يتوصل باليمين إلى
ظلم غيره وقد روى أبو أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه
حرم الله عليه الجنة وأوجب عليه النار قالوا وإن كان شيئا يسيرا قال صلى الله عليه وسلم وإن كان قضيبا من أراك قالها
20

ثلاثا وروى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين وهو فيها
فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقى الله تعالى وهو عليه غضبان وأما إذا كان مظلوما فهو لا يقتطع بيمينه حقا فلا يأثم
وان نوى غير الظاهر قال وأما اليمن على المستقبل إذا قصد بها الحالف معنى دون معنى فهو على نيته دون نية المستحلف
لأنه عقد وهو العاقد فينعقد على ما عقده
(فصل) وأما اليمين بغير الله عز وجل فهي في الأصل نوعان أحدهما ما ذكرنا وهو اليمين بالآباء والأبناء والأنبياء
والملائكة صلوات الله عليهم والصوم والصلاة وسائر الشرائع والكعبة والحرم وزمزم والقبر والمنبر ونحو ذلك ولا
يجوز الحلف بشئ من ذلك لما ذكرنا وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا حلفتم فاحلفوا بالله
ولو حلف بذلك لا يعتد به ولا حكم له أصلا والثاني بالشرط والجزاء وهذا النوع ينقسم إلى قسمين يمين بالقرب ويمين
بغير القرب أما اليمين بالقرب فهي أن يقول إن فعلت كذا فعلى صلاة أو صوم أو الحجة أو عمرة أو بدنة أو هدى أو عتق
رقبة أو صدقة ونحو ذلك وقد اختلف في حكم هذه اليمين انه هل يجب الوفاء بالمسمى بحيث لا يخرج عن عهدته الا به
أو يخرج عنها بالكفارة مع الاتفاق على أنها يمين حقيقة حتى أنه لو حلف لا يحلف فقال ذلك يحنث بلا خلاف
لوجود ركن اليمين وهو ما ذكره ووجود معنى اليمين أيضا وهو القوة على الامتناع من تحصيل الشرط خوفا من لزوم
المذكور ونذكر حكم هذا النوع إن شاء الله في كتاب النذر لان هذا التصرف يسمى أيضا نذرا معلقا بالشرط
لوجود معنى النذر وهو التزامه القربة عند وجود الشرط (وأما) اليمين بغير القرب فهي الحلف بالطلاق والعتاق فلا بد
من بيان ركنه وبيان شرائط الركن وبيان حكمه وبيان ما يبطل به الركن أما الركن فهو ذكر شرط وجزاء مربوط
بالشرط معلق به في قدر الحاجة إلى معرفة المسمى بالشرط والجزاء ومعرفة معناهما أما المسمى بالشرط فما دخل فيه
حرف من حروف الشرط وهي ان وإذا وإذا ما ومتى ومتى ما ومهما وأشياء أخر ذكرها أهل النحو واللغة
وأصل حروفه ان الخفيفة وغيرها داخل عليها لأنها لا تستعمل الا في الشرط وما سواها من الحروف يستعمل
فيه وفي غيره وهو الوقت وهذا أمارة الأصالة والتبعية وذكر الكرخي مع هذه الحروف كلما وعدها من
حروف الشرط وانها ليست بشرط في الحقيقة فان أهل اللغة لم يعدوها من حروف الشرط لكن فيها معنى الشرط
وهو توقف الحكم على وجود ما دخلت عليه لذلك سماه شرطا وفي قوله كل امرأة أتزوجها فهي طالق وقوله كل
عبد اشتريته فهو حر إنما توقف الطلاق والعتاق على الزوج والشراء لا على طريق التعليق بالشرط بل لأنه
أوقع الطلاق والعتاق على امرأة متصفة بأنه تزوجها وعلى عبد متصف بأنه اشتراه ويحصل الاتصاف بذلك
عند التزوج والشراء وأما معنى الشرط فهو العلامة ومنه أشراط الساعة أي علاماتها ومنه الشرطي والشراط والمشرط
فسمى ما جعله الحالف علما لنزول الجزاء شرطا حتى لو ذكره لمقصود آخر لا يكون شرطا على ما نذكر إن شاء الله
تعالى وأما المسمى بالجزاء فما دخل فيه حرف التعليق وهي حرف الفاء إذا كان متأخرا في الذكر عن الشرط
كقوله إن دخلت الدار فأنت طالق فاما إذا كان الجزاء متقدما فلا حاجة إلى حرف الفاء بل يتعلق بالشرط بدون
حرف التعليق لأنه قد يعقب قوله أنت طالق ما يبين انه يمين فيخرج به من أن يكون تطليقا إلى كونه يمينا وتعليقا فلا
حاجة في مثل هذا إلى حرف التعليق بخلاف حروف الشرط فإنها لازمة للشرط سواء تقدم ذكرها على الجزاء أو
تأخر وإنما اختصت الفاء بالجزاء لأنها حرف يقتضى التعقيب من غير تراخى كقول القائل جاءني زيد فعمرو والجزاء
يتعقب الشرط بلا تراخى وأما معنى الجزاء فجزاء الشرط ما علق بالشرط ثم قد يكون مانعا من تحصيل الشرط إذا كان
الشرط مرغوبا عنه لوقاحة عاقبته وقد يكون حاملا على تحصيله لحسن عاقبته لكن الحمل والمنع من الاغراض المطلوبة
من اليمين ومن ثمراتها بمنزلة الربح بالبيع والولد بالنكاح فانعدامها لا يخرج التصرف عن كونه كانعدام الربح في
البيع والولد في النكاح لان وجود التصرف بوجود ركنه لا لحصول المقصود منه كوجود البيع والنكاح وغيرهما
21

وركن اليمين هما الشرط والجزاء فإذا وجد كان التصرف يمينا ولان المرجع في معرفة الأسامي إلى أهل اللغة وانهم
يسمون الشرط والجزاء يمينا من غير مراعاة معنى الحمل والمنع دل ان ذلك ليس بشرط لوقوع التصرف يمينا وبيان هذه
الجملة في مسائل إذا قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت طالق أو قال لعبده ان دخلت الدار فأنت حرا وقال إذا أو إذا ما
أو متى أو متى ما أو حيثما أو مهما كان يمينا لوجود الشرط والجزاء حتى لو حلف لا يحلف فقال ذلك يحنث ولو قال أنت
طالق غدا أو رأس شهر كذا لا يكون يمينا لانعدام حروف الشرط بل هو إضافة الطلاق إلى الغد والشهر لأنه جعل
الغد والشهر ظرفا لوقوع الطلاق لان معناه في غد وفي شهر ولا يكون ذلك ظرفا لوقوع الطلاق الا بوقوع الطلاق ولو
قال إذا جاء غد فأنت طالق أو قال إذا مضى غدا أو إذا جاء رمضان أو إذا ذهب رمضان أو إذا طلعت الشمس أو غربت
كان يمينا عند أصحابنا وعند الشافعي لا يكون يمينا لانعدام معنى اليمين وهو المنع أو الحمل إذ لا يقدر الحالف على
لامتناع من مجئ الغد ولا على الاتيان به فلم يكن يمينا بخلاف دخول الدار وكلام زيد ولان الشرط ما في وجوده في
المستقبل خطر وهو أن يكون فيما يجوز ان يوجد ويجوز ان لا يوجد والغد يأتي لا محالة فلا يصلح شرطا فلم يكن يمينا
(ولنا) انه وجد ذكر شرط وجزاء معلق بالشرط فكان يمينا ومعنى المنع أو الحمل من اعراض اليمين وثمراتها وحقائق
الأسامي تتبع حصول المسميات بذواتها وذلك بأركانها لا بمقاصدها المطلوبة منها على ما بينا والله عز وجل الموفق وأما
قوله إن الشرط ما في وجوده في المستقبل خطر وهو أن يكون مما يجوز ان يوجد ويجوز ان لا يوجد والغد يأتي لا محالة
فالجواب عنه من وجهين أحدهما ممنوع ان هذا من شرط كونه شرطا بل من شرط أن يكون جائز الوجود في المستقبل
ونعني به ان لا يكون مستحيل الوجود وقد وجد ههنا فكان التصرف يمينا على أن جواز العدم إن كان شرطا فهو
موجود ههنا لان مجئ الغدو ونحوه ليس مستحيل العدم حقيقة لجواز قيام الساعة في كل لمحة كما قال تعالى وما أمر
الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب وهذا لان الساعة وإن كان لها شرائط لا تقوم إلا بعد وجودها ولم يوجد شئ من
ذلك في يومنا هذا فيقع الامن عن قيام الساعة قبل مجئ الغد ونحو ذلك لكن هذا يوجب الامن عن القيام اما لا يمنع
تصور القيام في نفسه لان خبر الصادق عن امر أنه لا يوجد يقتضى انه لا يوجد أما لا يقتضى ان لا يتصور وجوده في
نفسه حقيقة ولهذا قلنا إن خلاف المعلوم مقدور العبد حتى يتعلق به التكليف وإن كان لا يوجد فكان مجئ الغد
جائز العدم في نفسه لا مستحيل العدم فكان شرط كونه شرطا وهو جواز العدم حقيقة موجودا فكان يمينا ولو قال
لامرأته أنت طالق ان شئت أو أردت أو أحببت أو رضيت أو هويت لم يكن يمينا حتى لو كان حلف لا يحلف لا
يحنث بهذه المقالة لما ذكرنا ان الشرط معناه العلامة وهو ما جعله الحالف علما لنزول الجزاء والحالف ههنا ما جعل قوله إن
شئت علما لوقوع الطلاق بل جعله لتمليك الطلاق منها كأنه قال ملكتك طلاقك أو قال لها اختاري أو امرك
بيدك ألا ترى انه اقتصر على المجلس وما جعل علما لوقوع الطلاق لا يقتصر على المجلس كقوله أنت طالق ان
دخلت الدار أو ان كلمت فلانا وهذا لان العلم المخض ما يدل على حصول الطلاق فحسب فأما ما يتعلق وجوده به فإنه
لا يكون علما بل يكون علة لحصوله والمشيئة مما يحصل به الطلاق بدليل ان الزوج لو قال لزوجته ان شئت طلاقك
فطلقي وإذا لم يوجد معنى الشرط لم تكن المشيئة المذكورة شرطا فلم يوجد أحد ركني اليمين وهو الشرط فلم توجد
اليمين فلا يحنث وكذلك لو قال لها أنت طالق ان شئت أنا لم يكن يمينا حتى لا يحنث في يمينه إذا حلف لا يحلف ولو
قال لها إذا حضت وطهرت فأنت طالق لم يكن يمينا لان الحالف ما جعل هذا الشرط علما لنزول الجزاء بل جعله
ايقاع الطلاق على وجه السنة لان مثل هذا الكلام يذكر عادة كأنه قال أنت طالق للسنة وكذا إذا قال إذا حضت
حيضة فأنت طالق لان الحيضة اسم للكامل فصار بمنزلة قوله إذا حضت وطهرت فأنت طالق وما زاد على
هذا يعرف في الجامع ولو حلف لا يحلف فقال كل امرأة لي تدخل هذه الدار فهي طالق أو قال لامرأته كلما
دخلت هذه الدار فأنت طالق يحنث لا لوجود تعليق الطلاق بالدخول لتعذر التعليق لانعدام حرفه بل لضرورة
22

وجود الاتصاف على ما بينا والتعليق بالدخول ظرف في وجود الاتصاف فصار من حيث إنه تعلق به بواسطة
الاتصاف شبيه الشرط لا أن يكون شرطا ثم في كلمة كل إذا دخلت مرة فطلقت ثم دخلت ثانيا لم تطلق وفي كلمة
كلما تطلق في كل مرة تدخل وإنما كان كذلك لان كل كلمة عموم وإحاطة لما دخلت عليه وفي المسألة الأولى
دخلت في العين وهي المرأة لا في الفعل وهو الدخول فإذا دخلت مرة فقد انحلت اليمين فلا يحنث بدخولها ثانيا
وأما في المسألة الثانية فإنما دخلت الكلمة على فعل الدخول لان كلمة ما ترجع مع ما بعدها من الفعل مصدرا لغة
يقال بلغني ما قلت وأعجبني ما صنعت أي قولك وصنعك فصارت الكلمة داخلة على المصدر لا على من وقع عليه
المصدر فيقتضى تعميم المصدر قال الله تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها يتجدد التبدل عند تجدد النضج
وإن كان المحل متحدا فصار الطلاق متعلقا بكل دخول وقد وجد الدخول في المرة الثانية والثالثة فطلقت ثلاثا فلو أنها
تزوجت بزوج آخر بعد ذلك ثم تزوجها الأول فدخلت الدار لا يقع الطلاق عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر وسنذكر
المسألة في كتاب الطلاق ولو عقد اليمين على التزويج بكلمة كلما فطلقت ثلاثا بكل تزوج ثم تزوجها بعد زوج
آخر طلقت لأنه أضاف الطلاق إلى الملك والطلاق المضاف إلى الملك يتعلق بوجود الملك بخلاف الدخول ولو قال
لامرأته أنت طالق لو دخلت الدار كان يمينا كما لو قال إن دخلت الدار وإذا دخلت لان كلمة لو تذكر لتوقف
المذكور على وجود ما دخلت عليه قال الله تعالى ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك وقال عز وجل ولو
ردوا لعادوا لما نهوا عنه فكانت في معنى الشرط لتوقف الجزاء على وجود الشرط وان لم يكن شرطا حقيقة ولو قال
أنت طالق لو حسن خلقك سوف أراجعك لم يكن يمينا ويقع الطلاق الساعة لان لو ما دخلت على الطلاق وإنما
دخلت على ترقب الرجعة فيقع الطلاق في الحال كما لو قال أنت طالق ان حسن خلقك راجعتك وكذلك لو قال أنت
طالق لو قدم أبوك راجعتك كما لو قال أنت طالق ان دخلت الدار راجعتك وهذا كله ليس بيمين بل هو عدة وروى
ابن سماعة عن أبي يوسف إذا قال لامرأته أنت طالق لو دخلت الدار لطلقتك لم تطلق الساعة وان دخلت الدار لم تطلق
حتى يطلقها فإن لم يطلقها طلقت قبل موته أو موتها بلا فصل لان هذا رجل حلف بطلاق امرأته لطلقها إذا دخلت الدار
فإن لم يطلقها فهي طالق كأنه قال لأطلقنك إذا دخلت الدار فان دخلت الدار فلم أطلقك فأنت طالق ولو قال ذلك لا
تطلق للحال وإذا دخلت الدار ولم يطلقها حتى ماتت أو مات طلقت في آخر جزء من أجزاء حياته لفوات شرط البر في
ذلك الوقت فيقع الطلاق ذلك الوقت كما لو قال لها أنت طالق ان لم آت البصرة فمات قبل أن يأتيها كذا هذا ونظيره
إذا قال لامرأته عبدي حر لو دخلت الدار لأضربنك إذ معناه لأضربنك إذا دخلت الدار فان دخلت ولم أضربك
فعبدي حر والله عز وجل الموفق وروى المعلى عن محمد إذا قال لامرأته أنت طالق لولا دخولك الدار أو أنت طالق
لولا مهرك على أو أنت طالق لولا شرفك فهذا كله استثناء ولا يقع عليها الطلاق ومعناه انه في معنى الاستثناء من
حيث إنه يمنع وقوع الطلاق كالاستثناء يمنع ثبوت الحكم في المستثنى والأصل ان هذه الكلمة تستعمل في امتناع
الشئ لوجود غيره قال الله عز وجل ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة
ومعارج عليها يظهرون الآية وقال سبحانه وتعالى ولولا رهطك لرجمناك ويقال في العرف لولا المطر لجئتك فصار
معنى هذا الكلام لولا دخولك الدار لطلقتك فلا يقع عليها الطلاق وكذلك لو قال طلقتك لولا دخولك الدار
وكذلك لو قال لولا دخولك الدار قد طلقتك أمس وكذلك لو كان مكان قد لقد في هذه الوجوه كلها وكذلك لو قال
أنت طالق أمس لولا دخولك الدار أي لولا دخولك الدار أمس لطلقتك وقال ابن سماعة سمعت أبا يوسف يقول في
رجل قال لامرأته أنت طالق ان دخلت الدار فهذا يخبر انه دخل الدار وأكد ذلك باليمين كأنه قال أنت طالق ان لم
أكن دخلت الدار فإن كان لم يدخل طلقت وإن كان دخل لم تطلق لان هذا ليس بشرط بل هو خبر عن الماضي أكده
باليمين فإن كان كاذبا طلقت وإن كان صادقا لم تطلق ولو قال أنت طالق لا دخلت الدار فهذا مثل قوله أنت طالق ان
23

دخلت الدار فلا تطلق حتى تدخل لان لا حرف نفى أكده بالحلف فكأنه نفى دخولها وأكد ذلك بتعليق الطلاق
بدخولها ولو قال أنت طالق ان دخلت الدار فإنها تطلق الساعة لان قوله دخلت ليس بتعليق بل هو اخبار عن دخولها
الدار كأنه جعل الدخول علة لكنه حذف حرف العلة وسواء كانت دخلت الدار أو لم تدخل يقع الطلاق لان
التعليل بعلة لم توجد لا يمنع وقوع الطلاق لان العلة لم تصح وبقى الايقاع صحيحا وروى ابن سماعة عن محمد في رجل
قال لامرأته أنت طالق وان دخلت الدار فهي طالق الساعة لما يذكر ولو قال أنت طالق الساعة وان دخلت الدار كانت
طالقا الساعة واحدة وان دخلت الدار أخرى لأنه طلقها تطليقة الساعة وعطف الشرط عليها بلا جزاء فيضمن فيه
الجزاء فيصير كأنه قال أنت طالق الساعة وطالق ان دخلت الدار فيقع في الحال واحدة وبعد الدخول أخرى ولو
قال أنت طالق لدخولك الدار فهي طالق الساعة واحدة لأنه أوقع الطلاق ثم جعل الدخول المتقدم عليه علة لايقاع
الطلاق ومن أوقع الطلاق لعلة وقع وجدت العلة أو لم توجد لما بينا وكذلك لو قال أنت طالق لحيضتك لما قلنا ولو قال
بحيضتك أو في حيضتك أو بدخولك الدار أو لدخولك الدار لم تطلق حتى تحيض أو تدخل لان الباء حرف الصاق
فيقتضى الصاق الطلاق بالحيضة والدخول فيتعلق بهما وفي كلمة ظرف دخلت على ما لا يصلح ظرفا فتجعل شرطا
لمناسبة بينهما نذكرها في كتاب الطلاق وذكر محمد في الجامع إذا قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت طالق تطلق في
القضاء حين تكلمه به وجملة الكلام في هذا ان الامر لا يخلو اما ان قدم الشرط أو إما ان أخر فان قدم فهو على أربعة
أوجه اما ان قال إن دخلت الدار فأنت طالق أو قال إن دخلت الدار أنت طالق أو قال إن دخلت الدار وأنت طالق
أو قال وان دخلت الدار أنت طالق وان أخر الشرط فهو على ثلاثة أوجه اما ان قال أنت طالق ان دخلت الدار أو قال
أنت طالق وان دخلت الدار أو قال أنت طالق فان دخلت الدار فان قال إن دخلت الدار أنت طالق فالجواب ما ذكره
محمد انها تطلق في القضاء حين تكلم به لأنه ما علق الطلاق لانعدام حرف التعليق وهو حرف الفاء وكان تنجيزا
لا تعليقا وان عنى به التعليق دين فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه عنى ما يحتمله كلامه نحو اضمار حرف الفاء في
الجزاء قال الشاعر
من يفعل الحسنات الله يشكرها * والشر بالشر عند الله مثلان
أي فالله يشكرها ولا يدين في القضاء لأنه خلاف الظاهر وهذا جواب ظاهر الرواية وروى ابن سماعة عن أبي
يوسف انها لا تطلق حتى تدخل الدار ووجهه ان يحذف حرف الجزاء تصحيحا للشرط إذ لو لم يحذف للغا ولو قال
إن دخلت الدار وأنت طالق تطلق للحال لانعدام حرف التعليق والواو غير موضوعة للتعليق ولو عنى به التعليق
لا يصدق في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى ما لا يحتمله كلامه لان الواو لا تحتمل التعليق ولو أدرج
فيه الفاء يصير تقدير كلامه أنت دخلت الدار فأنت طالق وهذا لغو ولو قدم وأخر لا يستقيم أيضا لأنه يصير كأنه قال
وأنت طالق ان دخلت الدار والواو يبتدأ بها وما يذكره أهل اللغة ان الواو وقد تكون للاستئناف فمرادهم
ان يبتدأ كلام بعد تقدم جملة مفيدة من غير أن تكون الجملة الثانية تشارك الأولى فاما ابتداء الكلام من غير أن
يتقدمه شئ بالواو فغير موجود ولا جائز وان قال وان دخلت الدار أنت طالق طلقت للحال لانعدام دلالة التعليق
وحرفه على أن الواو في مثل هذا تذكر للتحقيق كما يقال لا تسافرن وإن كان الطريق مخوفا ولو نوى التعليق
لا يصدقه القاضي لأنه عدول عن الظاهر ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى ما يحتمله كلامه
لأنه نوى اضمار حرف الفاء فصار كأنه قال وان دخلت الدار فأنت طالق وتلغو الواو هذا إذا قدم الشرط فاما إذا أخر
فقال أنت طالق ان دخلت الدار لا تطلق ما لم تدخل الدار لأنه عقب الايجاب بما أخرجه عن كون ايجابا إلى كونه يمينا
فلا حاجة في مثل هذا إلى حرف التعليق ولو قال أنت طالق وان دخلت الدار فهي طالق حين تكلم به لان هذا يوجب
التأكيد على ما بينا يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وان زنا وان سرق ولو قال عنيت به
24

التعليق لا يصدق في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى لما ذكرنا أن الواو لا تحتمل التعليق وذكر الكرخي انه يصدق
فيما بينه وبين الله تعالى لان الواو تجعل زائدة كما في قوله تعالى حتى إذا فتحت يأجوج إلى قوله واقترب الوعد قيل معناه
اقترب الوعد والواو زيادة لان قوله اقترب جواب حتى إذا والجواب عن هذا أن الواو في كلام العرب لم تجئ زائدة
في موضع تصلح للعطف أو للتحقيق فلا يمكن أن تجعل ههنا زائدة على أنا نقول إن كثيرا من محققي أهل اللغة جعل الواو
زائدة في موضع ما وكانوا يقولون تقدير الآية عندهم حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون
فتحت واقترب الوعد فكانت الواو للعطف على الجواب المضمر ولو قال أنت طالق فان دخلت الدار لا رواية لهذا
قالوا ولقائل أن يقول تطلق للحال لان الفاء صارت فاصلة لأنها كانت لغوا واللغو من الكلام يجعل بمنزلة السكوت
ولقائل أن يقول يتعلق الطلاق بالدخول لان الفاء وإن كان مستغنى عنها في الحال الا انها في الجملة حرف تعليق فلا يجوز
ان تجعل مانعة من التعليق للانفصال ولو قال أنت طالق ان ولم يذكر فعلا هل يتعلق أم لا ذكر هذه المسألة في
ظاهر الرواية وذكر في النوادر على قول محمد يقع الطلاق للحال لأنه لم يذكر ما يتعلق به وعلى قول أبى يوسف لا يقع
الطلاق للحال لأنه لما ذكر حرف الشرط علم أنه لم يرد به التطليق وإنما أراد به اليمين والتعليق والله عز وجل أعلم ولو قال
لامرأته أنت طالق في الدار أو في مكة فالأصل فيه ان كلمة في كلمة ظرف فان دخلت على ما يصلح ظرفا تجرى على
حقيقتها وان دخلت على ما لا يصلح ظرفا تجعل مجازا عن الشرط لمناسبة بين الظرف وبين الشرط ثم الظرف نوعان
ظرف زمان وظرف مكان فان دخلت على المكان وقع الطلاق في ذلك المكان وفي غيره بان قال لامرأته أنت طالق
في الدار أو في مكة وقع الطلاق وان لم تكن المرأة في الدار ولا في مكة لان الطلاق لا يختص بمكان دون مكان فإذا
وقع في مكان وقع في الأماكن كلها وان دخلت على الزمان فإن كان ماضيا يقع الطلاق في الحال نحو أن يقول أنت طالق
في الأمس أو في العام الماضي لان انشاء الطلاق في الزمان الماضي لا يتصور فيجعل اخبارا أو تلغو الإضافة إلى
الماضي ويبقى قوله أنت طالق فيقع في الحال وكذلك إذا كان حاضرا بان قال أنت طالق في هذا الوقت أو في هذه
الساعة يقع في الحال وإن كان مستقبلا لا يقع حتى يأتي بان قال أنت طالق في غد أو في الشهر الآتي لان الطلاق يحتمل
الاختصاص بوقت دون وقت فإذا جعل الغد ظرفا لا يقع قبله ولو قال أنت طالق في دخولك الدار أو في قيامك أو
في قعودك يتعلق بهذه الأفعال لان الفعل لا يصلح ظرفا ويصلح شرطا فتحمل الكلمة على الشرط مجازا وكذا لو قال
أنت طالق في ذهابك إلى مكة لان الذهاب فعل وكذا إذا قال بذهابك لان الباء حرف الصاق فيقتضى الصاق الطلاق
بالذهاب وذلك بتعليقه به فيتعلق به ولو قال أنت طالق في الشمس وهي في الظل كانت طالقا لان الشمس لا تصلح ظرفا
للطلاق ولا شرطا له فاما أن تلغو ويراد بها مكان الشمس والطلاق لا يحتمل التخصيص بمكان دون مكان ولو قال
أنت طالق في صومك كانت طالقا حين يطلع الفجر إذا نوت الصوم لأن الصوم فعل وهو الامساك وانه لا يصلح ظرفا
فتجعل الكلمة مجازا عن الشرط والفعل يصلح شرطا فإذا وجد في أول الجزء مع النية في وقته من أهله فقد وجد الصوم
الشرعي فوجد الشرط فيقع الطلاق ولو قال أنت طالق في صلاتك لم تطلق حتى تركع وتسجد سجدة لان الصلاة
فعل أيضا فلا تصلح ظرفا كالصوم الا انها اسم لافعال مختلفة من القيام والقراءة والركوع والسجود والمتركب من
أشياء مختلفة لا ينطلق عليه الاسم بوجود بعضها كالأبلق المتركب من السواد والبياض والسكنجبين المتركب عن
السكر والخل ونحو ذلك فما لم توجد الافعال التي وصفنا لا ينطلق عليها اسم فعل الصلاة فلا يحنث بنفس الشروع
بخلاف الصوم فإنه اسم لافعال متفقة الاجزاء وهي الامساكات وما تركب من أجزاء متفقة متجانسة ينطلق اسم كله
على بعضه لغة كاسم الماء أنه كما ينطلق على ماء البحر ينطلق على قطرة منه فكان الامساك في أول النهار امساكا حقيقة
فيقع الطلاق بمجرد الشروع فهو الفرق بينهما ولو قال أنت طالق في حيضك أو في طهرك فإن كان موجودا وقع وإلا
فلا يقع ويتوقف على وجوده لان المراد منه وقت الحيض والطهر أي في الوقت الذي تكونين حائضا أو طاهرة فيه
25

ونظير هذه المسائل ما ذكره محمد في الجامع إذا قال أنت طالق في ثلاثة أيام طلقت حين تكلم به ولو قال أنت طالق في
أكلك هذا الرغيف لا يقع الطلاق ما لم يتفرغ من أكل جميع الرغيف والفرق أن في المسألة الأولى دخلت كلمة الظرف
على الزمان وهو يصلح ظرفا فجعل جميع الوقت ظرفا لكونها طالقا ولا يكون كذلك الا إذا كان وقع الطلاق في أوله
وفي الثانية علق الطلاق بفعل الاكل لان الفعل لا يصلح ظرفا ويصلح شرطا فصار معلقا الطلاق بفعل الاكل
والمعلق بالشرط لا ينزل ما لم ينزل كمال شرطه وما يقوله مشايخنا ان الطلاق متى أضيف إلى وقت ممتد يقع عند أوله ومتى
علق بفعل ممتد يقع عند آخره هذا صورته وعلته ولو قال لها أنت طالق في مجئ ثلاثة أيام فان قال ذلك ليلا فكما طلع
الفجر من اليوم الثالث يقع الطلاق لأنه علق الطلاق بمجئ ثلاثة أيام ولا يوجد ذلك الا بمجئ كل واحد منها ومجئ
اليوم يكون بطلوع الفجر ولو قال ذلك في ضحوة من يوم حلف فإنما يقع الطلاق عند وجود طلوع الفجر من اليوم
الرابع لان اليوم الذي حلف فيه لم يكن معتبرا لتقدم مجيئه على الشرط والشئ يتعلق بما يجئ لا بما مضى ولو قال
أنت طالق في مضى ثلاثة أيام ان قال ذلك ليلا لا يقع الطلاق ما لم تغرب الشمس من اليوم الثالث لان مضى الشئ
يكون بانقضاء جزئه الأخير فمضى الأيام يكون بانقضاء الجزء الأخير منها وذلك يوجد في هذه الساعة وان قال ذلك في
وقت ضحوة من النهار لا تطلق حتى يجئ تلك الساعة من اليوم الرابع لأنه به يتم مضى ثلاثة أيام بالساعات فالعبرة في
المضي به لا للأيام الكاملة وفي المجئ لأوائلها هذا هو المتعارف ولو قال إن شتمتك في المسجد فعبدي حر فإنه يعتبر في
هذا كون الشاتم في المسجد حتى يحنث سواء كان المشتوم في المسجد أو غيره ولو قال إن ضربتك أو قتلتك في المسجد
يعتبر فيه مكان المضروب والمقتول إن كان في المسجد حنث والا فلا والأصل فيه أن كل فعل له أثر في المفعول يعتبر
فيه مكان المفعول وما لا أثر له يظهر في المفعول لا يعتبر فيه مكانه بل مكان الفاعل وعلة هذا الأصل تذكر في الجامع
إن شاء الله تعالى
(فصل) وأما شرائط الركن فأنواع بعضها يرجع إلى الحالف وبعضها يرجع إلى المحلوف عليه وهو الشرط
وبعضها يرجع إلى المحل المحلوف بطلاقه وعتاقه وبعضها يرجع إلى نفس الركن أما الذي يرجع إلى الحالف فما
ذكرنا في الطلاق والعتاق وكلما هو شرط جواز الطلاق والعتاق فهو شرط انعقاد اليمين بهما وما لا فلا وسنبين جملة
ذلك في كتاب الطلاق والعتاق (وأما) الذي يرجع إلى المحلوف عليه وهو الشرط فمنها أن يكون أمرا في المستقبل
فلا يكون التعليق بأمر كائن يمينا بل يكون تنجيزا حتى لو قال لامرأته أنت طالق إن كانت السماء فوقنا يقع الطلاق في
الحال وعلى هذا يخرج ما إذا قال لامرأته وهي حائض أو مريضة إذا حضت أو مرضت فأنت طالق ان ذلك على
حيض مستقبل ومرض مستقبل وهو حيض آخر يوجد في المستقبل أو مرض آخر لا على الحال فان عينت
ما يحدث من هذا الحيض وما يزيد من هذا المرض فهو كما نوى لان الحيض ذو أجزاء تحدث حالا فحالا وكذلك
المرض يزداد ويكون ذلك حيضا ومرضا فإذا نوى ذلك فقد نوى ما يحتمله لفظه فيصدق فان قال فان حضت غدا
فأنت طالق وهو يعلم أنها حائض فهذا على هذه الحيضة إذا دام الحيض منها إلى أن ينشق الفجر من الغد بعد أن تكون
تلك الساعة تمام الثلاثة أو أكثر لأنه إذا علم بحيضها استحال ان يعنى بيمينه حدوث حيضة أخرى في غد فتعين انه
أراد استمرار هذه الحيضة ودوامها وإنما اعتبر بتلك الساعة لتمام الثلاثة أو أكثر لان الحيض إذا انقطع فيما دونها فليس
بحيض فلا يوجد شرط اليمين وإن كان لا يعلم بحيضها فهو على حيض مستقبل ويدين في القضاء لأنه إذا لم يعلم بحيضها
فالظاهر أنه أراد حدوث الحيض وكذلك هذه الوجوه في المرض وكذلك المحموم إذا قال إن حميت أو المصدوع
إذا قال إن صدعت وكذلك الرعاف وإن كان صحيحا فقال إن صحيت فامرأتي طالق وكان صحيحا حين سكت طلقت
امرأته وهو كبصير قال إن أبصرت وكسميع قال إن سمعت لان الصحة عرض يحدث ساعة فساعة فالموجود في
الزمان الثاني غير موجود في الزمان الأول وقد حدثت له الصحة حين ما فرغ من هذا الكلام فوجد شرط الحنث ولا
26

يمكن شرط صحة أخرى في المستقبل كالحيض والمرض فتقع يمينه على ما يحدث عقيب الكلام وعلى هذا يخرج
ما إذا قال لامرأته إذا قمت أو قعدت أو ركبت أو لبست فأنت طالق وهي قائمة أو قاعدة أو راكبة أو لابسة انه إذا مكث
ساعة بعد اليمين مقدار ما يقدر على تركها حنث وكذلك السكنى إذا لم تأخذ في النقلة من ساعته لان الدوام على هذه الأفعال
يعنى به تجدد أمثالها يسمى باسم هذه الأفعال فقد وجد ما تناوله الاسم عقيب اليمين فيحنث وأما الدخول بان
قال إن دخلت هذه الدار فأنت طالق وهي داخلة فهذا لا يكون الا على دخول مستقبل فان نوى الذي هو فيه لا يحنث
لان الدخول هو الانفصال من خارج إلى داخل وهذا لا يحتمل التجدد فلا يثبت الاسم في حالة البقاء أعني الثاني في
زمان وجوده وكذلك إذا قال لها ان خرجت وهي خارجة لان الخروج ضد الدخول وهو الانفصال من داخل إلى
خارج وأنه لا يتجدد في الثاني من زمان وجوده فلا يثبت الاسم بخلاف القيام والركوب واللبس ونحوهما يوضح
الفرق أنه يقال قمت يوما وركبت يوما ولبست يوما ولا يقال دخلت الدار يوما ولا خرجت من الدار يوما على إرادة
المكث وكذلك الحبل إذا قال للحبلى إذا حبلت فأنت طالق فهذا يقع على حبل مستقبل لان يراد به ابتداء العلوق عرفا
وعادة ولو قال إن أكلت أو ضربت فهو على الحادث كل شئ أكله بعد يمينه أو ضربه بعد يمينه يحنث لان الضرب
يتجدد وذكر في الأصل إذا قال لها أنت طالق ما لم تحيضي أو ما لم تحبلي وهي حبلى أو حائض في حال الحلف فهي طالق
حين سكت الا أن يكون ذلك منها حين سكت لأنه جعل حدوث الحيض والحبل شرط البر فما لم يوجد عقيب اليمين
يحنث وان عنى به ما فيه من الحيض دين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في الحبل لان الحيض ذو أجزاء فجاز ان
يسمى ما يحدث من أجزائه باسم الابتداء فاما الحبل فليس بذى اجزاء ألا ترى ان الحيض يزداد والحبل ليس بمعنى
يحتمل الزيادة فلا يصدق أصلا والله عز وجل اعلم (ومنها) أن يكون المذكور في المستقبل متصور الوجود حقيقة
لا عادة هو شرط انعقاد اليمين فإن كان مما يستحيل وجوده حقيقة لا ينعقد كما إذا قال لامرأته ان ولج الجمل في سم
الخياط فأنت طالق وان اجتمع الضدان فأنت طالق لان مثل هذا الكلام يذكر لتأكيد النفي أي طلاقك أمر
لا يكون أصلا ورأسا كما لا يلج الجمل في سم الخياط ولا يجتمع الضدان قال الله تعالى ولا يدخلون الجنة حتى يلج
الجمل في سم الخياط أي لا يدخلونها رأسا وعلى هذا يخرج ما إذا قال إن لم اشرب الماء الذي في هذا الكوز فامرأته
طالق أو عبده حر أو قال إن لم أقتل فلانا ولا ماء في الكوز وفلان ميت وهو يعلم بذلك أو لا يعلم به وقد ذكرنا جملة
هذا وتفصيله وما فيه من الاتفاق والاختلاف وما يتصل بذلك من المسائل في اليمين بالله تعالى وأما الذي يرجع إلى
المحل المحلوف بطلاقه وعتاقه فقيام الملك فيه والإضافة إلى الملك أو إلى سبب الملك وسنبين ذلك في كتاب الطلاق
والعتاق ونذكر ذلك كله (وأما) الذي يرجع إلى نفس الركن فما ذكرنا في اليمين بالله تعالى وهو عدم ادخال
الاستثناء عليه فإذا أدخل عليه الاستثناء ابطله بان قال إن دخلت هذه الدار فأنت طالق إن شاء الله تعالى أو قال ما شاء
الله تعالى أو قال بمشيئة الله تعالى أو قال الا أن يشاء الله أو قال بإرادة الله أو بقضاء الله تعالى أو بقدرته ولو قان ان
أعانني الله أو بمعونة الله وأراد به الاستثناء يكون مستثنيا فيما بينه وبين الله تعالى ولا يصدق في القضاء لان الشئ
بعد وجوده لا يحتمل الإعانة عليه فلا يمكن حمله على التعليق بالشرط فيجعل مجازا عن الاستثناء وكذلك إذا قال إن
يسر الله تعالى أو قال بتيسير الله تعالى ونوى الاستثناء وسنذكر شرائط صحة الاستثناء في كتاب الطلاق ونذكر
ان منها أن يكون الاستثناء موصولا بالكلام المتقدم وهو ان لا يكون بينهما فاصل الا أن يكون الفصل لضرورة
وعلى هذا ما روى عن ابن سماعة عن أبي يوسف فيمن قال لامرأته ان خرجت من هذه الدار فأنت طالق ثلاثا
فاعلمي ذلك الا باذني أو قال إن شاء الله يصح الاستثناء فلا تطلق وان خرجت من الدار لان حرف الفاء حرف
عطف فيقتضى تعلق ما دخلت عليه الجملة المتقدمة فيصير الكل كلاما واحدا فلا يكون فاصلا وان قال اعلمي
ذلك أو اذهبي لم يصح الاستثناء لأنه لم يوجد ما يوجب تعلق المذكور بالكلام الأول فصار كلاما مبتدأ فكان
27

فاصلا قاطعا للاستثناء فيتعلق الطلاق بالخروج وقال القدوري وينبغي على قول أبي حنيفة ان لا يصح الاستثناء
ويقع الطلاق في الفصلين جميعا بناء على أصله فيمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثا وثلاثا إن شاء الله تعالى (ومنها)
أن لا يدخل بين الشرط والجزاء حائل فإذا دخل لم يكن يمينا وتعليقا بل يكون تنجيزا وعلى هذا يخرج ادخال النداء
في وسط الكلامين أنه يكون فاصلا مانعا من التعليق أولا وجملة الكلام فيه أن النداء أنواع ثلاثة نداء بالقذف بأن يقول
يا زانية ونداء بالطلاق بأن يقول يا طالق ونداء بالعلم بأن يقول يا زينب أو يا عمرة وكل واحد من الأنواع
الثلاثة على ثلاثة أوجه اما ان ذكر النداء في أول الكلام واما ان ذكره في أوسطه واما ان ذكره في آخره وكل
ذلك ينقسم إلى قسمين اما ان علق بشرط وهو دخول الدار ونحوه واما ان نجز وأدخل فيه الاستثناء فقال إن شاء
الله تعالى أما النداء بالقذف إذا ذكره في أول التعليق بالشرط لا يمنع من التعليق ويكون قذفا صحيحا بأن قال لامرأته
يا زانية أنت طالق ان دخلت الدار لان قوله يا زانية وإن كان موضوعا للنداء لكنه وصف لها بالزنا من حيث المعنى
لأنه اسم مشتق من حيث المعنى وهو الزنا والاسم المشتق من معنى يقتضى وجود ذلك المعنى لا محالة كسائر الأسماء
المشتقة من المعاني من المتحرك والساكن ونحو ذلك سواء كان الاسم موضوعا للنداء أو غيره فصار بوصفه إياها بالزنا
ونسبة الزنا إليها قاذفا لها بالزنا وهي زوجته وموجب قذف الزوجات اللعان عند استجماع شرائط اللعان ثم صار
معلقا طلاقها بدخول الدار بقول أنت طالق ان دخلت الدار فيتعلق به وهذا لأنه ناداها لتتنبه لسماع كلامه فلما تنبهت
خاطبها باليمين وهي تعليق طلاقها بدخول الدار وكذا لو قال يا زانية أنت طالق إن شاء الله تعالى صار قاذفا لما قلنا ولا
يقع الطلاق ولدخول الاستثناء فيه ولو بدأ بالنداء في الطلاق فقال يا طالق أنت طالق ان دخلت الدار وقع الطلاق
بقوله يا طالق لأنه وصفها يا لطلاق فيقتضى تقدم ثبوت الطلاق على وصفه إياها لضرورة صحة الوصف وتعلق طلاق
آخر بدخول الدار لما ذكرنا في الفصل الأول وكذا لو قال يا طالق إن شاء الله تعالى يقع الطلاق بقوله
يا طالق ولم يقع الثاني لدخول الاستثناء عليه ولو بدأ بالنداء بالعلم فقال يا عمرة أنت طالق ان دخلت الدار لا يقع شئ
وتعلق الطلاق بالدخول لأنه بندائه إياها بالعلم نبهها على سماع كلامه ثم علق طلاقها بالدخول وكذا لو قال يا عمرة أنت
طالق يا عمرة إن شاء الله تعالى لا يقع شئ لما ذكرنا هذا إذا بدأ بالنداء اما بالقذف أو بالطلاق أو بالعلم فاما إذا أتى بالنداء
في وسط الكلام في التعليق بالشرط بان قال لها أنت طالق يا زانية ان دخلت الدار فقد روى ابن سماعة عن محمد انه
لا يصير فاصلا ويتعلق الطلاق بدخول الدار ويصير قاذفا ويجب اللعان وكان أبو يوسف يقول بهذا القول ثم رجع
وقال يقع الطلاق للحال ولا يصير قاذفا حتى لا يجب اللعان وذكر محمد في الجامع ان الطلاق يتعلق بدخول الدار ولا
يصير النداء فاصلا بين الشرط والجزاء مانعا من التعليق ولا يصير قاذفا ولا يجب اللعان قال المشايخ ما ذكره ابن سماعة
عن محمد هو قوله الأخير وما ذكره محمد في الجامع قول أبي حنيفة فحصل في المسألة ثلاثة أقوال على قول أبي حنيفة تعلق
القذف وبطل في نفسه وتعلق الطلاق وعلى قول محمد تعلق الطلاق ولم يتعلق القذف بل تحقق للحال وعلى قول أبى
يوسف تعلق القذف فبطل في نفسه ولم يتعلق الطلاق بل تنجز (وجه) قول أبى يوسف انه لما ذكر قوله إن دخلت الدار
عقيب قوله يا زانية فقد علق القذف بالشرط والقذف لا يتعلق بالشرط لأنه وصف الشخص بالزنا كقوله قائمة وقاعدة
انه وصفها بالقيام والقعود ووصف الشئ بصفة يكون اخبارا عن وجود الصفة فيه والاخبار مما لا يتعلق بالشرط
حتى يكون صادقا عند وجوده كاذبا عند عدمه أو مخبرا عند وجوده غير مخبر عند عدمه وإذا لم يتعلق صار لغوا فصار
حائلا بين الشرط والجزاء فينزل الجزاء لكن مع هذا لا يصير قاذفا لأنه قصد تعليق القذف بالشرط ومن قصد تعليق
شئ بشرط لا يكون مثبتا له في الحال فلم يصر قاذفا وعند وجود الشرط لا يصير قاذفا أيضا لأنه لم يتعلق به حتى ينزل عند
وجوده (وجه) ما روى ابن سماعة عن محمد ان قوله يا زانية وان لم يتعلق ولكنه مع هذا لا يصير لغوا لأنه لتأكيد الخطاب
الموجود بقوله أنت طالق فصار مؤكدا لباب الخطاب فالتحق به فصار كأنه قال أنت يا زانية ان دخلت الدار طالق
28

فتعلق الطلاق بالدخول وبقى القذف متحققا ألا ترى انه لو قال أنت طالق يا عمرة ان دخلت الدار صح التعليق ولم يصر
قوله يا عمرة فاصلا كذا ههنا (وجه) قول أبي حنيفة ان تعليق الطلاق بالشرط قد صح لما مر في كلام محمد والقذف
لم يتحقق لأنه ذكر عقيبه الشرط والقذف متى علق بالشرط لا يقصد الانسان تحقيقه للحال واليا بعد وجود الشرط
على ما مر وكان القاضي الجليل يقول تعليق القذف بالشرط يكون تبعيدا للقذف كما يقول الرجل ان فعل كذا فامرأته
زانية أو أمه زانية يريد بذلك تبعيد الفعل ولن يتحقق تبعيد الفعل الا بتبعيد الاتصاف بالزنا عن أمه وامرأته وبمثل هذا
يحصل الوصف بالاحصان دون الوصف بالزنا والحاق العار به والله عز وجل أعلم وكذا لو قال أنت طالق يا زانية إن شاء الله
تعالى فهو على هذا الخلاف ولو كان النداء بالطلاق بأن قال أنت طالق يا طالق ان دخلت الدار هذا أيضا على
الخلاف بين أبى يوسف ومحمد الا ان أبا حنيفة يفرق بين هذا وبين النداء بالزنا بقوله يا زانية ويقول يقع الطلاق منجزا
بقوله أنت طالق ولا يتعلق بدخول الدار ويصير كقوله يا طالق فاصلا ووجه الفرق ان قوله يا طالق وإن كان نداء فهو
ايقاع الطلاق فكان قوله أنت طالق يا طالق ايقاعا عقيب ايقاع من غير عطف البعض على البعض والشرط اتصل بآخر
الايقاعين دون الأول منهما فبقي الأول تنجيزا بخلاف قوله يا زانية فإنها نداء وتأكيد لما تقدم من تاء الخطاب لا ايقاع
فلم يتعلق به فلم يصر حائلا فلم يمنع من تعلق الشرط بالجزاء ولو قال أنت طالق إن شاء الله هذا أيضا على ما ذكرنا
من الخلاف بينهم والفرق لأبي حنيفة بين هذا وبين قوله أنت طالق يا زانية إن شاء الله ولو كان النداء بالعلم بان قال أنت
طالق يا عمرة ان دخلت الدار فههنا يتعلق الطلاق بالشرط بالاجماع وأبو يوسف يحتاج إلى الفرق بين هذا وبين قوله
يا زانية والفرق ان قوله يا عمرة لا يفيد ما يفيده قوله أنت فكان تأكيدا له فالتحق به فلم يصر فاصلا (وأما) قوله
يا زانية ففيه زيادة أمر لا تفيده تاء الخطاب وهو اثبات وصف الزنا ويتعلق به شرعا حكم وهو الحد أو اللعان في الجملة
فلا يمكن أن يجعل تكرارا للتاء الموضوعة للخطاب فكان معتبرا في نفسه فلم يصر ملتحقا بتاء الخطاب فبقي فاصلا
فاما فيما نحن فيه فبخلافه على ما مر ولو قال أنت طالق يا عمرة إن شاء الله لا يقع الطلاق لما مر هذا إذا أتى بالنداء
في أول الكلام أو وسطه فاما إذا أتى به في آخر الكلام أما في النداء بالزنا بان قال أنت طالق ان دخلت الدار يا زانية
فان الطلاق يتعلق بالدخول لأنه علق الطلاق بالدخول ثم ناداها بعد ذلك فصار قاذفا ولم يوجد بعد القذف شرط ليقال إن
ه قصد تعليق القذف بعد تحقيقه وكذا في قوله أنت طالق إن شاء الله يا زانية بطل الطلاق وتحقق القذف وفي قوله
أنت طالق ان دخلت الدار يا طالق تعلق الأول بالدخول ووقع بقوله يا طالق طلاق لدخول الشرط في الأول دون
قوله يا طالق وكذا لو قال أنت طالق إن شاء الله يا طالق وكذا قوله أنت طالق ان دخلت الدار يا عمرة فهذا رجل علق
الطلاق بدخول الدار ثم ناداها ونبهها بالنداء على اليمين والخطاب فصح التعليق وكذا لو قال أنت طالق إن شاء الله يا عمرة
لا يقع شئ لما مر قال أبو حنيفة ولو قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق يا زانية ثلاثا فهي ثلاث ولا حد ولا لعان
وقال أبو يوسف هي طالق واحدة وعليه الحد أبو حنيفة لم يفرق بين المدخول بها وغير المدخول بها لان قوله يا زانية نداء
فلا يفصل بين العدد وهو قوله ثلاثا وبين أصل الايقاع وهو قوله أنت طالق وإذا لم يفصل فيوقف الوقوع على آخر
الكلام وهو قوله ثلاثا فتبين فلا يمكن الحاق اللعان بعد البينونة وأبو يوسف يقول إن قوله يا زانية يفصل بين الايقاع
والعدد فبانت بقوله أنت طالق فصادفها قوله يا زانية وهي أجنبية فيجب عليه الحد ويلغو قوله ثلاثا قال أبو يوسف
ولا يشبه هذا المدخول بها إذا قال لها أنت طالق يا زانية ثلاثا تبين بثلاث ولا حد ولا لعان لأنا وان اعتبرنا قوله
يا زانية فاصلا فإنه لا يمنع الحاق الثلاث به فإنه لو قال لها أنت طالق وسكت فقيل له كم فقال ثلاثا فكذا إذا فصل بقوله
يا زانية وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا قال لها قبل الدخول بها أنت طالق ثلاثا أو قال أنت طالق ان دخلت الدار
فماتت بعد قوله أنت طالق قبل قوله إن دخلت الدار فهذا باطل لا يلزمه طلاق لان العدد إذا قرن بالتطليق كان
الواقع هو العدد وهي عند ذلك ليست بمحل لوقوع الطلاق عليها والشرط إذا الحق بآخر الكلام يتوقف أول الكلام
29

على آخره لا يفصل آخر الكلام عن أوله وقد حصل آخر الكلام وهي أجنبية ولو قال أنت طالق ثلاثا يا عمرة فماتت
قبل أن يقول يا عمرة فالطلاق لازم لان قوله يا عمرة نداء ليس بشرط ولا عدد يتوقف الوقوع عليه فلا يتوقف والله
عز وجل أعلم
(فصل) وأما حكم هذه اليمين فحكمها واحد وهو وقوع الطلاق أو العتاق المعلق عند وجود الشرط فتبين ان
حكم هذه اليمين وقوع الطلاق والعتاق المعلق بالشرط ثم نبين أعيان الشروط التي تعلق بها الطلاق والعتاق على
التفصيل ومعنى كل واحد منهما حتى إذا وجد ذلك المعنى يوجد الشرط فيقع الطلاق والعتاق والا فلا أما الأول فلان
اليمين بالطلاق والعتاق هو تعليق الطلاق والعتاق بالشرط ومعنى تعليقهما بالشرط وهو ايقاع الطلاق والعتاق في
زمان ما بعد الشرط لا يعقل له معنى آخر فإذا وجد الايقاع مع شرائطه لابد من الوقوع عند الشرط فأما عدم
الوقوع عند عدم الشرط فليس حكم التعليق بالشرط عندنا بل هو حكم العدم الأصلي لان الوقوع لم يكن ثابتا في
الأصل والثبوت على حسب الاثبات والحالف لم يثبت الا بعد الشرط فبقي حكمه باقيا على أصل العدم لا أن يكون
العدم موجب التعليق بالشرط بل موجبه الوقوع عند وجود الشرط فقط ثم الشرط إن كان شيئا واحدا يقع الطلاق
عند وجوده بان قال لامرأته ان دخلت هذه الدار فأنت طالق أو أنت طالق ان دخلت هذه الدار يستوى فيه تقديم
الشرط في الذكر وتأخيره وسواء كان الشرط معينا أو مبهما بان قال إن دخلت هذه الدار أو هذه فأنت طالق
أو قال أنت طالق ان دخلت هذه الدار أو هذه وكذلك إذا كان وسط الجزء بان قال إن دخلت هذه الدار
فأنت طالق أو هذه الدار لان كلمة أو ههنا تقتضي التخيير فصار كل فعل على حياله شرطا فأيهما وجد وقع الطلاق
وكذلك لو أعاد الفعل مع آخر بان قال إن دخلت هذه الدار أو دخلت هذه سواء أخر الشرط أو قدمه أو وسطه وروى
ابن سماعة عن محمد فيمن قال إن دخلت هذه الدار أو هذه الدار وان دخلت هذه فعبدي حر ان اليمين على أن يدخل
احدى الأوليين ويدخل الثالثة فأي الأوليين دخل ودخل الثالثة حنث لأنه جعل شرط حنثه دخول احدى
الأوليين ودخول الثالثة لأنه ذكر احدى الأوليين بكلمة أو فيتناول إحداهما ثم جمع دخول الثالثة إلى دخول
إحداهما لوجود حرف الجمع وهو الواو وفي قوله وان دخلت هذه فصار دخول الثالثة مع دخول احدى الأوليين
شرطا واحدا فإذا وجد حنث هذا إذا أدخل كلمة أو بين شرطين في يمين واحدة فأما إذا أدخلها بين ايقاع ويمين أو
بين يمينين كما روى ابن سماعة وبشر عن أبي يوسف فيمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثا أو والله لأضربن هذا الخادم
اليوم فضرب الخادم من يومه فقد بر في يمينه وبطل الطلاق لأنه خير نفسه بين الطلاق وبين الضرب في اليوم فإذا وجد
أحدهما انتفى الآخر فإذا مضى اليوم قبل ان يضرب الخادم فقد حنث في يمينه ويخير فان شاء أوقع الطلاق وان شاء
ألزم نفسه اليمين لأنه قد حنث في أحد الامرين وهو المبهم فكان إليه التعيين فان قال في اليوم قبل مضيه قد اخترت
ان أوقع الطلاق لزمه وبطلت اليمين لأنه خير نفسه بين الايقاع وبين اليمين فإذا أوقع فقد سقطت اليمين ولو قال
قد اخترت التزام اليمين وأبطلت الطلاق فان الطلاق لا يبطل حتى لو مضى اليوم قبل ان يضرب الخادم حنث في
يمينه لان اختيار التزام اليمين لا يبطل اليمين لان اليمين لا يجب على الانسان بالالتزام حتى يبطل بالاختيار فبقيت
اليمين على حالها ولو قال لامرأته أنت طالق ثلاثا أو الله لأضربن فلانة فماتت فلانة قبل ان يضربها فقد حنث في
يمينه وهو مخير ان شاء ألزم نفسه الطلاق وان شاء الكفارة لأنه شرط البر فات بموتها فحنث في احدى اليمينين ولو
كان الرجل هو الميت والمحلوف على ضربها حية فقد وقع الحنث على الرجل والطلاق وقد مات قبل ان يبين فلا يقع
الطلاق عليها ولها الميراث لأنه لما كان مخيرا بين الطلاق والتزام الكفارة لا يقع الطلاق بالشك ولا يجبره الحاكم على
البيان لان أحدهما وهو الكفارة لا يدخل تحت الحكم فلا يقدر الحاكم على الزامه ولكن يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى
ولو كان بدل الكفارة طلاق أخرى فقال أنت طالق ثلاثا أو هذه فههنا يجبره الحاكم حتى يبين لان الواقع طلاق وانه
30

مما يدخل في الحكم ولو قال أنت طالق أو على حجة أو عمرة لم يجبره الحاكم على الاختيار إنما يفتى في الوقوع أن يوقع
أيهما شاء ويبطل الأخرى ولو قال أنت طالق ثلاثا أو فلانة على حرام يعنى اليمين فإنه يخير تخيير الفتوى ولا يجبره
القاضي حتى يمضى أربعة أشهر قبل ان يقرب لأنه لا يقدر على أن يسقط عن نفسه بالكفارة فإذا مضت أربعة
أشهر قبل ان يقرب يخير تخيير حكم ويقال له أوقع طلاق الايلاء على التي حرمت أو طلاق الكلام على التي تكلمت
بطلاقها لان الطلاق لابد ان يقع على إحداهما فخير فيه تخيير الحاكم وقال محمد في الجامع إذا قال والله لا أدخل هذه الدار
أو لا أدخل هذه فان دخل إحداهما حنث لان كلمة أو إذا دخلت بين شيئين تناولت كل واحد على الانفراد قال الله
تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا ولو قال والله لا أدخل هذه الدار أبدا أو لأدخلن هذه الدار الأخرى اليوم فان دخل
الأولى حنث وان لم يدخلها ولم يدخل الأخرى حتى مضى اليوم حنث لأنه خير نفسه في اليمين ان لا يدخل الدار
الأولى أو يدخل الأخرى في اليوم فان دخل الأخرى في اليوم بر في يمينه وان مضى اليوم حنث في احدى اليمينين
قال ابن سماعة في نوادره سمعت محمدا قال في رجل قال عبده حر ان لم يدخل هذه الدار اليوم فإن لم يدخلها اليوم دخل
هذه قال محمد ليس هذا باستثناء واليمين على حالها ولا أبالي وصل هذا الكلام أو فصله فإن لم يدخل الدار الأولى اليوم
حنث لان قوله فإن لم يدخلها ليس بلفظ تخيير فبقيت اليمين الأولى بحالها والله عز وجل أعلم هذا إذا كان الشرط شيئا
واحدا فإن كان شيئين بان عطف أحدهما على الآخر بحرف العطف لا ينزل الا عند وجود الشرطين لأنه علقهما
بهما فلو نزل عند وجود أحدهما لنزل من غير صنعه وهذا لا يجوز سواء قدم الشرطين على الجزاء في الذكر أو أخرهما أو
وسط الجزاء بان قال لها ان دخلت هذه الدار وهذه الدار فأنت طالق أو قال أنت طالق ان دخلت هذه الدار وهذه
الدار أو قال إن دخلت هذه الدار فأنت طالق وهذه الدار لا يقع الطلاق الا عند دخول الدارين جميعا أما إذا قدم
الشرطين على الجزاء أو أخرهما عنه فلانه جمع بين الشرطين بحرف الجمع والجمع بحرف كالجمع بلفظ الجمع
ولو جمع بينهما بلفظ الجمع بان قال إن دخلت هاتين الدارين فأنت طالق أو أنت طالق ان دخلت هاتين الدارين
لا يقع الطلاق الا عند دخول الدارين جميعا كذا هذا وإنما استوى فيه تقديم الشرطين وتأخيرهما لان الجزاء يتعلق
بالشرط كيفما كان فكان التقديم والتأخير فيه سواء وأما إذا وسط الجزاء فلان الشئ يعطف على جنسه لا على
غير جنسه فلا يصح عطف الشرط على الجزاء فيجعل معطوفا على الشرط وكذلك إذا كان العطف بحرف الفاء
بان قال إن دخلت هذه الدار فهذه الدار أنت طالق أو قال أنت طالق ان دخلت هذه الدار فهده الدار أو قال إن دخلت
هذه الدار فأنت طالق فهذه الدار فهذا كله سواء ولا يقع الطلاق الا عند دخول هذين الدارين جميعا كما في الفصل
الأول الا أن هناك لا يراعى الترتيب في دخول الدارين وههنا يراعى وهو ان تدخل الدار الثانية بعد دخولها الأولى
والا فلا يقع الطلاق لان الواو والفاء وإن كانت كل واحدة منهما حرف عطف وجمع ولكن الواو للجمع المطلق
والفاء للجمع المقيد وهو الجمع على سبيل التعقيب لذلك لزم مراعاة الترتيب في الثاني دون الأول وكذلك إن كان
العطف بكلمة ثم بان قال إن دخلت هذه الدار ثم هذه الدار فأنت طالق أو قال أنت طالق ان دخلت هذه الدار ثم هذه
الدار أو قال إن دخلت هذه الدار فأنت طالق ثم هذه الدار فهذه والفاء سواء في أنه يراعى الترتيب في الدخول في كل
واحدة منهما الا أن ههنا لابد وأن يكون دخول الدار الثانية متراخيا عن دخول الأولى لان كلمة ثم للترتيب والتعقيب
مع التراخي هذا إذا كرر حرف العطف بدون الفعل فان كرر مع الفعل فإن كان بالواو بان قال إن دخلت هذه الدار
ودخلت هذه الدار فأنت طالق أو قال أنت طالق ان دخلت هذه الدار ودخلت هذه الدار فهذا وما إذا كرر حرف
العطف بدون الفعل سواء لان الواو للجمع المطلق فيقتضى اجتماع الشرطين فيستوي فيه إعادة الفعل وعدم الإعادة
وإن كانت بالفاء فقال إن دخلت هذه الدار فدخلت هذه الدار الأخرى فأنت طالق أو قال أنت طالق ان دخلت
هذه الدار فدخلت هذه الدار الأخرى فقد ذكر ابن سماعة عن أبي يوسف أنه فرق بين الفاء وبين الواو في هذه الأوجه
31

فقال في الأول يقع الطلاق عند دخول الدارين من غير مراعاة الترتيب وفي الثاني لا يقع الا أن يكون المذكور بالقاء
آخرا حتى لو دخلت الدار الثانية قبل الأولى ثم دخلت الأولى لا يحنث ووجه الفرق ما ذكرنا أن الواو تقتضي الجمع
المطلق من غير شرط الترتيب والفاء تقتضي التعقيب فيستدعى تأخر الفعل الثاني عن الأول وقد ذكر ابن سماعة عن
محمد في هذا زيادة تفصيل فقال في رجل قال لامرأته ان دخلت دار فلان فدخلت هذه الدار فأنت طالق ولم يدخل بها
ثم طلقها فدخلت دار فلان ثم تزوجها فدخلت الدار الثانية لم تطلق كأنه جعل دخول دار فلان شرطا لانعقاد اليمين
فإنما يصير حالفا حين دخلت الدار الأولى ولا ملك له في ذلك الوقت فيصير حالفا بطلاق امرأة لا يملكها فلا تطلق
وان دخلت الدار الثانية وهي امرأته لما لم تنعد اليمين وقد روى عن أبي يوسف مثل هذه في مسألة أخرى فقال إذا
قال لامرأتين له إذا غشيت هذه فإذا غشيت هذه الأخرى فعبدي حر فليس الحلف على الأولى إنما تنعقد عليه
اليمين في الثانية إذا غشى الأولى ويكون موليا من الثانية إذا غشى الأولى والفاء في هذه المواضع لا تشبه الواو فدل ذلك
على أنه جعل غشيان الأولى شرطا لانعقاد اليمين في الثانية ولو قال لامرأته قبل الدخول بها أنت طالق ان دخلت
هذه الدار وان دخلت هذه الدار أو وسط الجزاء بان قال إن دخلت هذه الدار فأنت طالق وان دخلت هذه الدار
فان أبا يوسف ومحمدا قالا أي الدارين دخلت طلقت وسقطت اليمين ولا تطلق بدخول الدار الأخرى لأنه لما أعاد
حرف الشرط مع الفعل فلم يكن عطفا على الأولى في الشرط بل صار ذلك يمينا أخرى أضمر فيها الجزاء فأيهما وجد
نزل الجزاء وانحلت اليمين لان جزاء الثاني لم يبق وان قدم الشرطين على الجزاء فقال إن دخلت هذه الدار وان دخلت
هذه الدار فأنت طالق فإنها لا تطلق حتى تدخل الدارين جميعا وهو قول محمد روى ابن سماعة عنه وذكر محمد في الجامع
وقال هو احدى الروايتين عن أبي يوسف وروى ابن سماعة عن أبي يوسف أنه سوى بين ذلك فقال أي الدارين
دخلت طلقت كما في الأولى وجه قول محمد أنه لما عطف الشرط على الشرط قبل الجزاء دل ذلك على أنها يمين واحدة
لان الكلام الأول وهو قوله إن دخلت هذه الدار ليس بتام لأنه لا جزاء له فقوله بعد ذلك وان دخلت هذه الدار
يكون شرطا على حدة الا أنه لم يذكر له جزاء فكان جزاء الأول جزاء الثاني فأيهما وجد نزل الجزاء وتبطل اليمين
الأخرى لأنه لم يبق لها جزاء بخلاف الفصل الأول لان هناك اليمين قد تمت بذكر الجزاء فلما أعاد حرف الشرط مع
الفعل دل ذلك على أنه كلام مبتدأ وجه قول أبى يوسف أن تقديم الشرط على الجزاء وتأخيره عنه في باب اليمين سواء
ولو قدمه كان الجواب هكذا فكذا إذا أخر والله عز وجل أعلم ولو كرر الشرط وعلق به جزاء واحدا فان كرر
بدون حرف العطف بان قال إن تزوجت فلانة ان تزوجت فلانة فهي طالق فاليمين انعقدت بالقول الثاني والقول
الأول لغو وكذلك إذا متى وان إذا وان متى وكذلك ان بدأ بإذا وأخر ان أو قال إذا ثم قال متى لان الشرط لا يتعلق
به حكم الا بانضمام الجزاء إليه وقد ضم الجزاء إلى الشرط الثاني لأنه موصول به حقيقة فيقطع عن الأول فبقي الأول من
غير جزاء فلغا وان قدم الجزاء فقال أنت طالق ان تزوجتك انعقد ب اليمين بالكلام الأول والكلام الثاني لغو لان
الجزاء تعلق بالشرط الأول والثاني غير معطوف عليه فبقي شرطا لا جزاء له فلغا ولو قال إذا تزوجتك فأنت طالق ان
تزوجتك فإنما انعقدت اليمين بالكلام الآخر والكلام الأول لغو لان ان شرط محض ألا ترى أنه لا يستعمل
الا في الشرط وإذ قد يستعمل في الوقت ولا بد من تعليق الطلاق بأحدهما فتعليقه بالشرط المحض أولى وذكر محمد في
الجامع في رجل قال لدار واحدة ان دخلت هذه الدار فعبدي حر ان دخلت هذه الدار فدخلها دخلة واحدة فإنه ينبغي
في القياس ان لا يحنث حتى يدخل الدار دخلتين ولكنا نستحسن ونجعله حانثا بالدخلة الأولى (وجه) القياس أن
تكرار الشرط يمكن أن يحمل على فائدة وهو أنه أراد به العطف الا أنه حذف حرف العطف فصار الشرط دخولها مرتين
(وجه) الاستحسان أن التكرار يجعل رد للكلام الأول لان الغرض من هذه اليمين المنع والظاهر أن الانسان
يمنع نفسه من أصل الدخول دون التكرار الا أن يعنى دخلتين فيكون على ما عنى لأن الظاهر أن الانسان لا يتكلم
32

بشئ الا لفائدة تتعلق به فقد نوى ظاهر كلامه فيصدق وان كرر بحرف العطف فقال إن تزوجتك وان تزوجتك أو
قال إن تزوجتك فان تزوجتك أو إذا تزوجتك ومتى تزوجتك لا يقع الطلاق حتى يتزوجها مرتين لأنه لما عطف أحد
الشرطين على الآخر فقد علق الجزاء بهما فيتعلق بهما ولو قدم الطلاق فقال أنت طالق ان تزوجتك فان تزوجتك
فهذا على تزويج واحد وهو مخالف للباب الأول لان الكلام الأول تم بالجزاء والشرط فإذا أعاد الشرط بعد تمام
الكلام لم يتعلق به حكم ولو قال إن تزوجتك فأنت طالق وان تزوجتك طلقت بكل واحد من التزويجين لأنه
عطف التزويج على الجزاء فصار الجزاء مضمرا فيه كأنه قال إن تزوجتك فأنت طالق والله عز وجل أعلم ولو قال
كلما دخلت هذه الدار وكلمت فلانا فعبد من عبيدي حر فدخلت الدار دخلات وكلمت فلانا مرة واحدة لا يعتق
الا عبد واحد لأنه جعل شرط العتق دخول الدار وكلام فلان فإذا تكرر أحد الشرطين ولم يوجد الآخر الا مرة
واحدة فقط تم شرط يمين واحدة ووجد بعض شرط يمين أخرى فلا يعتق الا عبد واحد ولو قال كلما دخلت هذه
الدار فان كلمت فلانا فأنت طالق فدخلت الدار ثلاث دخلات ثم كلمت فلانا مرة طلقت امرأته ثلاثا لأنه جعل
الجملة المذكورة بعد حرف الفاء من ذكر الشرط والجزاء جزاء الدخول والجزاء يتكرر بتكرر الشرط إذا كان
الشرط مذكورا بكلمة كلما ويصير كأنه علق عند كل دخول طلاقها بكلامها فإذا كلمت فلانا مرة تطلق ثلاثا إذ
الفعل الواحد يصلح شرطا في ايمان كثيرة فيحنث في جميعها وروى ابن سماعة عن أبي يوسف ما يجرى مجرى الشرح
للمسألة الأولى أنه قال لو قال كلما دخلت هذه الدار وكلمت فلانا فأنت طالق فهذا عليهما جميعا فان دخلت الدار
ثلاث دخلات ثم كلمت فلانا مرة طلقت واحدة لان الواو للجمع فيصير الدخول والكلام جميعا شرطا وتكرار
بعض الشرط لا يتعلق به حنث فان عادت فكلمت فلانا قبل أن تدخل الدار الرابعة طلقت أخرى لأنه تم شرط
يمين أخرى فان عادت فكلمت فلانا الثالثة طلقت أخرى لتمام شرط اليمين الثالثة قال وكذلك لو بدأت بكلام
فلان فكلمته ثلاث مرات ثم دخلت الدار دخلة طلقت واحدة فان عادت فدخلتها الثانية قبل الكلام طلقت
أخرى فان عادت فدخلت الثالثة طلقت أيضا ثنتين لأنه لا يراعى فيه الترتيب وأنه لا فرق بين تقديم أحد الشرطين
على الآخر وبين تأخيره وقال ابن سماعة عن أبي يوسف ما يجرى مجرى شرح المسألة الثانية أنه قال لو قال كلما
دخلت هذه الدار فان كلمت فلانا فأنت طالق فان اليمين في هذا كله إنما تنعقد بدخول الدار فكلما دخلت دخلة
انعقدت يمين فان كلمت فلانا طلقت فان عادت فدخلت الدار ثم كلمت فلانا طلقت أخرى فان عادت فدخلت
الدار ثم كلمت فلانا طلقت أخرى ولو بدأت فدخلت الدار ثلاث دخلات ثم كلمت فلانا مرة طلقت ثلاث
مرات لأنه جعل دخول الدار شرط انعقاد اليمين فينعقد عند كل دخلة يمين لمكان كلمة كلما فقد انعقدت عليها
ايمان فانحلت بشرط واحد قال ولو بدأت بكلام فلان لم ينعقد به يمين ولم يقع به طلاق حتى تكلم فلانا بعد دخول
الدار لأنه جعل الدخول شرط انعقاد اليمين فما لم تدخل لا ينعقد فلا يقع بالكلام طلاق قال وسمعت أبا يوسف قال
ولو قال كلما دخلت هذه الدار فكلما كلمت فلانا فأنت طالق قال فهذا عليها ويكون الفاء جزاء فان بدأت فدخلت
الدار ثلاث دخلات ثم كلمت فلانا مرة طلقت ثلاثا ولو دخلت الدار ثم كلمت فلانا ثلاث مرات طلقت ثلاثا لان
اليمين قد انعقدت بدخول الدار فإذا تكرر شرطها يتكرر الحنث لان كلما للتكرار والله عز وجل أعلم ولو قال كل
امرأة أتزوجها فهي طالق وفلانة لامرأته طلقت امرأته الساعة ولا ينتظر به التزويج لان كلمة كل ليست كلمة
شرط لما قلنا لكن فيها معنى الشرط من حيث إنه يتوقف تزول الجزاء على امرأة موصوفة بصفة انها متزوجة
وفلانة غير موصوفة بهذه الصفة فلا يقف طلاقها عليها ولو قال كل امرأة من نسائي تدخل الدار فهي طالق وفلانة
سمى بعض نسائه فان الطلاق يقع عليها الساعة قبل ان دخل الدار لما ذكرنا فان دخلت الدار وهي في العدة طلقت
أخرى لأنها قد دخلت في عموم قوله كل امرأة من نسائي تدخل الدار ولو قال أنت ومن دخل الدار من نسائي طالق
33

كانت طالقا ساعة سكت لما ذكرنا انه أوقع الطلاق على الموصوف وهذه غير موصوفة ولو دخلت هي في هذه العدة
طلقت أخرى لما بينا ولو قال لامرأته أنت طالق وفلانة ان تزوجتها لم يقع الطلاق على امرأته حتى يتزوج بالأخرى لأنه
علق طلاقها بالشرط وهو التزوج لاتيانه بكلمة الشرط نصا فيتعلق به بخلاف الفصل الأول ولو قال لعبده أنت حر
ومن دخل الدار من عبيدي عتق الأول للحال لما ذكرنا فان عنى ان عتقه معلق بدخول الدار لم يدين في القضاء
لأنه خلاف الظاهر لانعدام التعليق بالشرط حقيقة وهو منهم فيه لما فيه من التخفيف عليه فلا يصدقه القاضي والله
تعالى الموفق وذكر محمد في الجامع في رجل له امرأتان فقال لإحداهما أنت طالق ان دخلت هذه الدار لا بل هذه
فان دخلت الأولى الدار طلقتا ولا تطلق الثانية قبل ذلك لان قوله لإحداهما أنت طالق ان دخلت هذه
الدار تعليق طلاقها بشرط الدخول وقوله لا رجوع عن تعليق طلاقها بالشرط وقوله بل اثبات تعليق طلاق هذه
بالشرط والرجوع لا يصح والاثبات صحيح فبقيت فيتعلق طلاقها بالشرط ولو قال إن تزوجت فلانة فهي طالق
لا بل غلامي فلان حر عتق عبده الساعة لان قوله لا بل غلامي فلان حر جملة تامة لكونها مبتدأ وخبرا فلا تفتقر
إلى ما تقدم من الشرط فلا يتعلق به بخلاف ما إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق لا بل فلانة وهي امرأته ان
امرأته لا تطلق الساعة لان قوله لا بل فلانة غير مستقل بنفسه بل هو مفتقر إلى الكلام الأول وذلك متعلق بالشرط
فيتعلق هذا أيضا ولو قال لعبده أنت حر ان دخلت الدار لا بل فلان لعبد له آخر لا يعتق الثاني الا بعد دخول الدار لأنه
استدرك بكلام غير مستقل فتعلق بالشرط وقال ابن سماعة عن أبي يوسف في نوادره لو أن رجلا قال لامرأته ان
دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق لا بل هذه فدخلت الأولى الدار طلقتا ثلاثا لان قوله لا بل هذه غير مستقل
فاضمر فيه الشرط فصار طلاقها جزاء الدخول كطلاق الأولى والجزاء في حق الأولى ثلاث تطليقات كذا في
حق الثانية ولو قال أنت طالق وطالق وطالق لا بل هذه وقع على الثانية واحدة وعلى الأولى ثلاث لأنه يضمر في حق
الثانية ما يستقل به الكلام والكلام باضمار تطليقة واحدة ألا ترى ان التطليقات ههنا متفرقة فصار كأنه قال
لا بل هذه طالق بخلاف الفصل الأول لان هناك علق الثلاث جملة بالدخول فلابد من اعتبارها جملة واحدة على
حسب التعليق فصارت تلك الكلمة مستدركة في حق الثانية ولو قال لامرأته أنت طالق ان كلمت فلانا لا بل هذه
فكان على الكلام لا على الطلاق وهذا خلاف ما ذكره محمد في الجامع ويجوز أن يكون قول أبى يوسف لأنه نسقها
على الكلام فتعلق طلاقها بكلام فلان فان قال إن كلمت فلانا فأنت طالق لا بل هذه فقوله لا بل هذه على الطلاق
لأنه نسقها على الجزاء فتعلق طلاقها بما تعلق به طلاق الأخرى قال بشر عن أبي يوسف فيمن قال كل امرأة أتزوجها
فهي طالق ان دخلت الدار فتزوج امرأة ثم دخل الدار ثم تزوج أخرى فان الطلاق يقع على التي تزوج قبل الدخول
ولا يقع على التي تزوج بعد الدخول وكذلك ذكر محمد في الجامع لأنه أوقع الطلاق على امرأة موصوفة بأنه تزوجها قبل
الدخول والموصوفة بهذه الصفة التي تزوجها قبل الدخول لا بعد الدخول فلا تطلق المتزوجة بعد الدخول ونظيره إذا
قال كل امرأة لي عمياء طالق ان دخلت الدار فدخل ثم عميت امرأته لا تطلق كذا هذا ولو بدأ بالدخول فقال إن
دخلت الدار فكل امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة ثم دخل الدار ثم تزوج أخرى فان الطلاق يقع على التي
تزوج بعد الدخول ولا يقع على التي تزوج قبل الدخول لأنه جعل دخول الدار شرط انعقاد اليمين الثانية فصار كأنه قال
عند الدخول كل امرأة أتزوجها فهي طالق فلا يدخل في ذلك ما تزوج من قبل قال أبو يوسف فان نوى ما تزوج
قبل أو بعد في المسئلتين جميعا فليس يقع على ما نوى ولا يلزمه ذلك لأنه نوى ما لا يحتمله لفظه قال بشر ولو قال كل امرأة
أتزوجها فهي طالق ان دخلت الدار فدخل الدار ثم تزوج لا يقع الطلاق فان دخل الدار ثانيا وقع الطلاق لأنه عقد
اليمين على دخول بعد التزوج لا على دخول قبله فلم يكن الدخول قبل التزوج معقودا عليه فلا تنحل به اليمين فإذا
وجد الدخول الثاني وهو المعقود عليه وقع به الطلاق ولو قال كل امرأة أتزوجها إلى سنه فهي طالق ان كلمت فلانا فهو
34

على ما يتزوج في الوقت سواء كان قبل الكلام أو بعده كذا ذكر محمد في الجامع لأنه لما قال كل امرأة أتزوجها إلى
سنة فلا بد وأن يكون للتوقيت فائدة فلو اختصت اليمين بما يتزوج قبل الكلام بطل معنى التوقيت فيصير الكلام
شرطا لوقوع الطلاق المعلق بالتزوج ولو بدأ بالكلام فقال إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها إلى سنة فهي طالق
فهذا يقع على ما بعد الكلام والتوقيت وعدم التوقيت فيه سواء لأنه لما بدأ بالكلام فقد جعل الكلام شرطه
انعقاد اليمين فلا يدخل فيه المزوجة قبل الكلام ويكون فائدة التوقيت تخصيص العقد بمن تزوج في المدة دون
ما بعدها والله عز وجل أعلم ولو عطف الحالف على يمينه بعد السكوت فالأصل فيه ما روى عن أبي يوسف أنه قال
إذا عطف على يمينه بعد السكوت ما يوسع على نفسه لم يقبل قوله كما لا يقبل في الاستثناء بعد السكوت وان عطف بما
شدد على نفسه جاز وإذا ثبت هذا الأصل فقال ابن سماعة سمعت أبا يوسف قال في رجل قال إن دخلت فلانة الدار
فهي طالق ثم سكت سكتة ثم قال وهذه يعنى امرأة له أخرى فإنها تدخل في اليمين لان الواو للجمع فكأنه قال وهذه
طالق ان دخلت تلك الدار وفي هذا تشديد على نفسه وكذلك ان قال إن دخلت هذه الدار لأنه عطف على الشرط
وفيه تشديد لان هذا يقتضى وقوع الطلاق على الأولى بدخول كل واحدة من الدارين وفي هذا تشديد على نفسه
وكذلك لو نجز فقال هذه طالق ثم سكت ثم قال وهذه طلقت الثانية لأنه جمع بينهما في الايقاع وهذا تشديد على نفسه
ولو قال لامرأته أنت طالق ان دخلت الدار ثم سكت ثم قال وهذه يعنى دارا أخرى فليس له ذلك فان دخلت الأولى
طلقت لان قوله وهذه يعنى دارا أخرى يقتضى زيادة في شرط اليمين الأولى لأنه إذا علق الطلاق بدخول دارين
لا يقع بإحداهما وهو لا يملك تغيير شرط اليمين بعد السكوت ولان في هذا توسيعا على نفسه فلا يجوز بعد السكوت
كالاستثناء والله عز وجل أعلم (وأما) بيان أعيان الشروط التي تعلق بها الطلاق والعتاق فالشروط التي تعلق بها
الطلاق والعتاق لا سبيل إلى حصرها لكثرتها لتعلقها باختيار الفاعل فنذكر القدر الذي ذكره أصحابنا في كتبهم
والمذكور من الشروط في كتبهم نوعان أفعال حسية وأمور شرعية أما النوع الأول فالدخول والخروج والكلام
والاظهار والافشاء والاعلام والكتم والاسرار والاخفاء والبشارة والقراءة ونحوها والأكل والشرب والذوق
والغداء والعشاء واللبس والسكنى والمساكنة والايواء والبيتوتة والاستخدام والمعرفة وقبض الحق والاقتضاء
والهدم والضرب والقتل وغيرها والنوع الثاني وهو الحلف على أمور شرعية وما يقع منها على الصحيح والفاسد
وعلى الصحيح دون الفاسد كالعطية والهبة والكسوة والركوب والجلوس والصدقة والإعارة والقرض والبيع
والإجارة والشراء والتزوج والصلاة والصوم وأشياء أخر متفرقة نجمعها في فصل واحد في آخر الكتاب والأصل
في هذه الشروط ان يراعى فيها لفظ الحالف في دلالته على المعنى لغة وما يقتضيه من الاطلاق والتقييد والتعميم
والتخصيص الا أن يكون معاني كلام الناس بخلافه فيحمل اللفظ عليه ويكون ذلك حقيقة عرفية وانها تقضى على
الحقيقة الوضعية والأصل فيه ما روى أن رجلا جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما وقال إن صاحبا لنا مات وأوصى
ببدنة أفتجزي عنه البقرة فقال ابن عباس رضي الله عنهما ممن صاحبكم فقال السائل من بنى رباح فقال ابن عباس رضي الله عنهما
متى اقتنت بنو رباح البقر إنما البقر للأزد وذهب وهم صاحبكم إلى الإبل فهذا الحديث أصل أصيل في حمل
مطلق الكلام على ما يذهب إليه أوهام الناس ولان العرف وضع طارئ على الوضع الأصلي والاصطلاح جار من
أهل اللغة فالظاهر أن المتكلم يقصد بكلامه ذلك فيحمل عليه مطلق اللفظ وبهذا يبطل قول الشافعي ان الايمان
محمولة على الحقائق يؤيد ما قلنا إن الغريم يقول لغريمه والله لأجرنك في الشوك يريد به شدة المطل دون الحقيقة وقول
مالك الايمان محمولة على ألفاظ القرآن غير سديد أيضا بدليل ان من حلف لا يجلس في سراج فجلس في الشمس
لا يحنث وان سمى الله تعالى الشمس سراجا بقوله عز وجل وجعلنا الشمس سراجا وكذا من حلف لا يجلس على
بساط فجلس على الأرض لا يحنث وان سماها الله سبحانه وتعالى في القرآن العظيم بساطا بقوله عز وجل والله الذي
35

جعل لكم الأرض بساطا وكذا من حلف لا يمس وتدا فمس جبلا لا يحنث وان سمى الله عز وجل الجبل وتدا بقوله
تعالى والجبال أوتادا فثبت ان ما قاله مالك غير صحيح والله أعلم
(فصل) أما الحلف على الدخول اسم للانفصال من العورة إلى الحصن فان حلف لا يدخل هذه
الدار وهو فيها فمكث بعد يمينه لا يحنث استحسانا والقياس ان يحنث ذكر القياس والاستحسان في الأصل وجه
القياس ان المداومة على الفعل حكم انشائه كما في الركوب واللبس بان حلف لا يركب ولا يلبس وهو راكب ولابس
فمكث ساعة انه يحنث لما قلنا كذا هذا وجه الاستحسان الفرق بين الفصلين وهو ان الدوام على الفعل لا يتصور
حقيقة لان الدوام هو البقاء والفعل المحدث عرض والعرض مستحيل البقاء فيستحيل دوامه وإنما يراد بالدوام تجدد
أمثاله وهذا يوجد في الركوب واللبس ولا يوجد في الدخول لأنه اسم للانتقال من العورة إلى الحصن والمكث قرار
فيستحيل أن يكون انتقالا لا يحققه ان الانتقال حركة والمكث سكون وهما ضدان والدليل على التفرقة بين الفصلين
انه يقال ركبت أمس واليوم ولبست أمس واليوم من غير ركوب ولبس مبتدإ ولا يقال دخلت أمس واليوم الا
لدخول مبتدأ وكذا من دخل دارا يوم الخميس ومكث فيها إلى يوم الجمعة فقال والله ما دخلت هذه الدار يوم الجمعة بر في
يمينه لذلك افترقا ولو حلف لا يركب أو لا يلبس وهو راكب أو لابس فنزل من ساعته أو نزع من ساعته لا يحنث
عندنا خلافا لزفر وجه قوله إن شرط حنثه الركوب واللبس وقد وجد منه بعد يمينه وان قل (ولنا) ان ما لا يقدر
الحالف على الامتناع من يمينه فهو مستثنى منه دلالة لان قصد الحالف من الحلف البر والبر لا يحصل الا باستثناء ذلك
القدر وسواء دخل تلك الدار ماشيا أو راكبا لان اسم الدخول ينطلق على الكل ألا ترى انه يقال دخلت الدار
ماشيا ودخلتها راكبا ولو أمر غيره فحمله فأدخله حنث لان الدخول فعل لا حقوق له فكان فعل المأمور مضافا إليه
كالذبح والضرب ونحو ذلك على ما نذكره إن شاء الله تعالى في موضعه وان احتمله غيره فأدخله بغير أمره ولم يحنث لان
هذا يسمى ادخالا لا دخولا لما ذكرنا ان الدخول انتقال والادخال نقل ولم يوجد ما يوجب الإضافة إليه وهو الامر
وسواء كان راضيا بنقله أو ساخطا لان الرضا لا يجعل الفعل مضافا إليه فلم يوجد منه الشرط وهو الدخول وسواء كان
قادرا على الامتناع أو لم يكن قادرا عليه عند عامة مشايخنا وقال بعضهم إن كان يقدر على الامتناع فلم يمتنع يحنث لأنه
لما لم يمتنع مع القدرة كان الدخول مضافا إليه والصحيح قول للعامة لأنه لم يوجد منه الدخول حقيقة وامتناعه مع القدرة
ان جاز ان يستدل به على رضاه بالدخول لكن الرضا يكون بالامر وبدون الامر لا يكفي لإضافة الفعل إليه فانعدم
الدخول حقيقة وتقديرا وسواء دخلها من بابه أو من غيره لأنه جعل شرط الحنث مطلق الدخول وقد وجد ولو نزل
على سطحها حنث لان سطح الدار من الدار إذ الدار اسم لما أحاط به الدائرة والدائرة أحاطت بالسطح وكذا لو أقام
على حائط من حيطانها لان الحائط مما تدور عليه الدائرة فكان كسطحها ولو قام على ظلة لها شارعة أو كنيف
شارع فإن كان مفتح ذلك إلى الدار يحنث والا فلا لأنه إذا كان مفتحه إلى الدار يكون منسوبا إلى الدار فيكون من
جملة الدار والا فلا وان قام على أسكفة الباب فإن كان الباب إذا أغلق كانت الاسكفة خارجه عن الباب لم يحنث
لأنه خارج وإن كان أغلق الباب كانت الاسكفة داخلة الباب حنث لأنه داخل لان الباب يغلق على ما في داخل
الدار لا على ما في الخارج وان أدخل الحالف احدى رجليه ولم يدخل الأخرى لم يحنث لأنه لم ينتقل كله بل بعضه وقد
روى عن بريدة رضي الله عنه أنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال لي اني لاعلم آية لم تنزل على
نبي بعد سليمان بن داود عليه الصلاة السلام الا على فقلت وما هي يا رسول الله فقال لا أخرج من المسجد حتى
أعلمكها فلما أخرج احدى رجليه فقلت في نفسي لعله قد نسي فقال لي بم نفتتح القراءة فقلت ببسم الله الرحمن الرحيم
فقال صلى الله عليه وسلم هي هي فلو كان هذا القدر خروجا لكان تأخير التعليم إليه خلفا في الوعد ولا يتوهم ذلك بالأنبياء
عليهم الصلاة والسلام ودل الحديث على أن التسمية آية من القران لان النبي صلى الله عليه وسلم سماها آية ومن
36

أصحابنا من قال موضوع هذه المسألة في دار داخلها وخارجها سطح واحد فإن كانت الدار منهبطة فادخل إليها
احدى رجليه حنث لان أكثره حصل فيها وللأكثر حكم الكل فان أدخل رأسه ولم يدخل قدميه أو تناول منها
لم يحنث لان ذلك ليس بدخول ألا ترى ان السارق لو فعل ذلك لا يقطع ولو حلف لا يدخل دارا فدخل خرابا قد كان
دارا وذهب بناؤها لا يحنث ولو كانت حيطانها قائمة فدخل يحنث ولو عين فقال أدخل هذه الدار فذهب بناؤها لا
يحنث ولو كانت حيطانها قائمة ودخل يحنث ولو عين فقال لا أدخل هذه الدار فذهب بناؤها بعد يمينه ثم دخلها يحنث
في قولهم لان قوله دارا وان ذكر مطلقا لكن المطلق ينصرف إلى المتعارف وهي الدار المبنية فيراعي فيه الاسم والصفة
وهي البناء لأنه جار مجرى الصفة فما لم يوجد لا يحنث وقوله هذه الدار إشارة إلى المعين الحاضر فيراعي فيه ذات المعين
لا صفته لان الوصف للتعريف والإشارة كافية للتعريف وذات الدار قائمة بعد الانهدام لان الدار في اللغة اسم
للعرصة والعرصة قائمة والدليل على أن الدار اسم للعرصة بدون البناء قول النابغة
يا دار مية بالعلياء فالسند * أقوت فطال عليها سالف الأبد
الا أوارى لأياما أبينها * والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد
سماها دارا بعدما خلت من أهلها وخربت ولم يبق فيها الأواري والنؤى ولو أعيد البناء فدخلها يحنث أما في المعين فلا
شك فيه لأنه لو دخلها بدون البناء يحنث فمع البناء أولى وأما في المنكر فلوجود الاسم والصفة وهي البناء وان بنيت
مسجدا أو حماما أو بستانا فدخله لا يحنث لان اسم الدار قد بطل ألا ترى انه لا يسمى دارا فبطلت اليمين ولو أعادها
دارا فدخلها لا يحنث لأنها غير الدار الأولى وعن أبي يوسف إذا قال والله لا أدخل هذه المسجد فهدم فصار صحراء ثم
دخله فإنه يحنث قال هو مسجد وان لم يكن مبنيا ولان المسجد عبارة عن موضع السجود وذلك موجود في الخراب
ولهذا قال أبو يوسف ان المسجد إذا خرب واستغنى الناس عنه انه يبقى مسجدا إلى يوم القيامة ولو حلف لا يدخل
هذا البيت أو بيتا فدخله بعدما انهدم ولا بناء فيه لا يحنث لان البيت اسم مشتق من البيتوتة سمى بيتا لأنه يبات فيه
ولا يبات الا في البناء ولهذا تسمى العرب الأخبية بيوتا فصار البناء فيه في حق استحقاق الاسم ملتحقا بذات المسمى
كاسم الطعام للمائدة والشراب للكأس والعروس للأريكة فيزول الاسم بزواله ولو بنى بيتا آخر فدخله لا يحنث
أيضا في المعين لان المعاد عين أخرى غير الأول فلا يحنث بالدخول فيه وفي غير المعين يحنث لوجود الشرط وهو
دخول البيت ولو انهدم السقف وحيطانه قائمة فدخله يحنث في المعين ولا يحنث في المنكر لان السقف بمنزلة الصفة
فيه وهي في الحاضر لغو وفي الغائب معتبرة ولو حلف لا يدخل في هذا الفسطاط وهو مضروب في موضع فقلع وضرب
في موضع آخر فدخل فيه يحنث وكذلك القبة من العيدان ونحوه وكذلك درج من عيدان بدار أو منبر لان
الاسم في هذه الأشياء لا يزول بنقلها من مكان إلى مكان ومن هذا الجنس من حيث المعنى إذا حلف لا يجلس إلى
هذه الأسطوانة أو إلى هذا الحائط فهدما ثم بنيا بنقضهما لم يحنث لان الحائط إذا هدم زال الاسم عنه وكذا الأسطوانة
فبطلت اليمين وكذا إذا حلف لا يكتب بهذا القلم فكسره ثم براه فكتب به لان غير المبري لا يسمى قلما وإنما يسمى
أنبوبا فإذا كسر فقد زال الاسم فبطلت اليمين وكذلك إذا حلف على مقص فكسره ثم جعله مقصا غير ذلك لان
الاسم قد زال بالكسر وكذلك كل سكين وسيف وقدر كسر ثم صنع مثله ولو نزع مسمار المقص ولم يكسره ثم أعاد فيه
مسمارا آخر حنث لان الاسم لم يزل بزوال المسمار وكذلك إذا نزع نصاب السكين وجعل عليه نصابا آخر لان
السكين اسم للحديد ولو حلف على قميص لا يلبسه أو قباء محشوا أو مبطنا أوجبة مبطنة أو محشوة أو قلنسوة أو خفين
فنقض ذلك كله ثم أعاده يحنث لان الاسم بقي بعد النقض يقال قميص منقوض وجبة منقوضة واليمين المنعقدة على
العين لا تبطل بتغير الصفة مع بقاء اسم العين وكذلك لو حلف لا يركب هذا السرج ففتقه ثم أعاده ولو حلف
لا يركب هذه السفينة فنقضها ثم استأنف بذلك الخشب فركبها لا يحنث لأنها لا تسمى سفينة بعد النقض
37

وزوال الاسم يبطل اليمين ولو حلف لا ينام على هذا الفراش ففتقه وغسله ثم حشاه بحشو وخاطه ونام عليه حنث
لان فتق الفراش لا يزيل الاسم عنه ولو حلف لا يلبس شقة خز بعينها فنقضها وغزلت وجعلت شقة أخرى لم
يحنث لأنها إذا نقضت صارت خيوطا وزال الاسم عن المحلوف عليه ولو حلف على قميص لا يلبسه فقطعه جبة
محشوة فلبسه لا يحنث لان الاسم قد زال فزالت اليمين ولو حلف لا يقرأ في هذا المصحف فخلعه ثم لف ورقه
وغرز دفتيه ثم قرأ فيه يحنث لان اسم المصحف باق وان فرق ولو حلف على نعل لا يلبسها فقطع شراكها وشركها بغيره
ثم لبسها حنث لان اسم النعل يتناولها بعد قطع الشرك ولو حلفت امرأة لا تلبس هذه الملحفة فخيط جانباها
فجعلت درعا وجعل لها جيبا ثم لبستها لم تحنث لأنها درع وليست بملحفة فان أعيدت ملحفة فلبستها حنثت
لأنها عادت ملحفة بغير تأليف ولا زيادة ولا نقصان فهي على ما كانت عليه وقال ابن سماعة عن محمد في رجل
حلف لا يدخل هذا المسجد فزيد فيه طائفة فدخلها لم يحنث لان اليمين وقعت على بقعة معينة فلا يحنث بغيرها ولو قال
مسجد بنى فلان ثم زيد فيه فدخل ذلك الموضع الذي زيد فيه حنث وكذلك الدار لأنه عقد يمينه على الإضافة وذلك
موجود في الزيادة ولو حلف لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو بيعة أو كنيسة أو بيت نار أو دخل الكعبة أو حماما أو
دهليز أو ظلة باب دار لا يحنث لأن هذه الأشياء لا تسمى بيتا على الاطلاق عرفا وعادة وان سمى الله عز وجل الكعبة
بيتا في كتابه في قوله تعالى ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة وسمى المساجد بيوتا حيث قال تعالى في بيوت أذن
الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه لان مبنى الايمان على العرف والعادة لا على نفس اطلاق الاسم ألا ترى أن من حلف
لا يأكل لحما فأكل سمكا لا يحنث وان سماه الله تعالى لحما في كتابه الكريم بقوله عز وجل لتأكلوا منه لحما طريا لما لم يسم
لحما في عرف الناس وعاداتهم كذا هذا وقيل الجواب المذكور في مثل الدهليز في دهليز يكون خارج باب الدار لأنه
لا يبات فيه فإن كان داخل البيت وتمكن فيه البيتوتة يحنث والصحيح ما أطلق في الكتاب لان الدهليز لا يبات فيه
عادة سواء كان خارج الباب أو داخله ولو دخل صفة يحنث كذا ذكر في الكتاب وقيل إنما وضع المسألة على عادة
أهل الكوفة لان صفافهم تغلق عليها الأبواب فكانت بيوتا لوجود معنى البيت وهو ما يبات فيه عادة ولذا سمى ذلك
بيتا عرفا وعادة فما على عادة أهل بلادنا فلا يحنث لانعدام معنى البيت وانعدام العرف والعادة والتسمية أيضا
ولو حلف لا يدخل من باب هذه الدار فدخلها من غير الباب لم يحنث لعدم الشرط وهو الدخول من الباب فان نقب
للدار بابا آخر فدحل يحنث لأنه عقد يمينه على الدخول من باب منسوب إلى الدار وقد وجد الباب الحادث كذلك
فيحنث وان عنى به الباب الأول يدين فيما بينه وبين الله تعالى لان لفظه يحتمله ولا يدين في القضاء لأنه خلاف الظاهر
حيث أراد بالمطلق المقيد وان عين الباب فقال لا أدخل من هذا الباب فدخل من باب آخر لا يحنث وهذا مما لا شك فيه
لأنه لم يوجد الشرط ولو حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارا يسكنها فلان بملك أو إجارة أو إعارة فهو سواء يحنث في
يمينه ذكر ذلك أبو يوسف وذكر محمد في الأصل وضع المسألة في المستأجر وهذا قول أصحابنا وقال الشافعي لا يحنث
وجه قوله إن قوله دار فلان إضافة ملك إذا الملك في الدار للآجر وإنما المستأجر ملك المنفعة فلا يتناوله اليمين (ولنا) أن
الدار المسكونة بالإجارة والإعارة تضاف إلى المستأجر والمستعير عرفا وعادة والدليل عليه أيضا ما روى عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم انه مر بحائط فأعجبه فقال لمن هذا فقال رافع بن خديج لي يا رسول الله استأجرته اضافه إلى نفسه
ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبتت الإضافة عرفا وشرعا فاما إذا حلف لا يدخل دارا لفلان فدخل
دارا له قد آجرها لغيره قال محمد يحنث لأنه حلف على دار يملكها فلان والملك له سواء كان يسكنها أو لا يسكنها وروى
هشام عن محمد أنه لا يحنث لأنها تضاف إلى الساكن بالسكنى فسقط إضافة الملك والجواب أنه غير ممتنع أن تضاف دار
واحدة إلى المالك بجهة الملك والى الساكن بجهة السكنى لان عند اختلاف الجهة تذهب الاستحالة فان قال لا أدخل
حانوتا لفلان فدخل حانوتا له قد آجره فإن كان فلان ممن له حانوت يسكنه فإنه لا يحنث بدخول هذا الحانوت لأنه
38

يضاف إلى ساكنه ولا يضاف إلى مالكه وإن كان المحلوف عليه لا يعرف بسكنى حانوت يحنث لأنا نعلم أنه أراد به
إضافة الملك لا إضافة السكنى كما يقال حانوت الأمير وإن كان لا يسكنها الأمير وان حلف لا يدخل دار فلان فدخل
دارا بين فلان وبين آخر فإن كان فلان فيها ساكنا حنث وان لم يكن ساكنا لا يحنث لأنه إذا كان ساكنا فيها كانت
مضافة إليه بالسكنى وان لم يملك شيئا منها فإذا ملك نصفها أولى وإذا لم يسكن فيها كانت الإضافة إضافة الملك والكل غير
مضاف إليه وفرق بين هذا وبين ما إذا حلف لا يزرع أرضا لفلان فزرع أرضا بينه وبين غيره انه يحنث لان كل جزء
من الأرض يسمى أرضا وبعض الدار لا يسمى دارا ولو حلف لا يدخل بيت فلان ولا نية له فدخل داره وفلان
فيها ساكن لا يحنث حتى يدخل البيت لان البيت اسم لموضع يبات فيه عادة ولا يبات في صحن الدار عادة فان نواه
يصدق لأنه شدد على نفسه وقال ابن رستم قال محمد رجل حلف لا يدخل دار رجل بعينه مثل دار عمرو بن
حريث وغيرها من الدور المشهورة بأربابها فدخل الرجل وقد كان باعها عمرو بن حريث أو غيره ممن تنسب قبل
اليمين إليه ثم دخلها الحالف بعد ذلك حنث لان الدور المشهورة إنما تضاف إلى أربابها على طريق النسبة لا على طريق
الملك وزوال الملك لا يوجب بطلان اليمين وإن كانت هذه اليمين على دار من هذه الدور التي ليست لها نسبة تعرف
بها لم يحنث في يمينه لأنه يراد بهذه الإضافة الملك لا النسبة فإذا زال الملك زالت الإضافة وقال ابن رستم عن محمد في رجل
حلف لا يدخل هذه الحجرة فكسرت الحجرة فدخلها بعدما كسرت لا يحنث وليست الحجرة كالدار لان الحجرة
اسم لما حجر بالبناء فكان كالبيت فإذا انهدمت فقد زال الاسم وقال ابن رستم عن محمد في رجل حلف لا يدخل دار
فلان فصعد السطح يحنث لان سطح الدار منها الا أن يكون نوى صحن الدار فلا يحنث فيما بينه وبين الله لأنهم قد
يذكرون الدار ويريدون به الصحن دون غيره فقد نوى ما يحتمله كلامه ولو حلف لا يدخل هذا المسجد فصعد فوقه
حنث لان سطح المسجد من المسجد ألا ترى لو أنتقل المعتكف إليه لا يبطل اعتكافه فإن كان فوق المسجد مسكن
لا يحنث لان ذلك ليس بمسجد ولو أنتقل المعتكف إليه بطل اعتكافه ولو حلف لا يدخل هذه الدار الا مجتازا قال ابن
سماعة روى عن أبي يوسف أنه ان دخل وهو لا يريد الجلوس فإنه لا يحنث لأنه عقد يمينه على كل دخول واستثنى
دخولا بصفة وهو ما يقصد به الاجتياز وقد دخل على الصفة المستثناة فان دخل يعود مريضا ومن رأيه الجلوس عنده
حنث لأنه دخل لا على الصفة المستثناة فان دخل لا يريد الجلوس ثم بدا له بعد ما دخل فجلس لا يحنث لأنه لم يحنث
حين دخوله لوجوده على الوصف المستثنى ولم يوجد الدخول بعد ذلك إذ المكث ليس بدخول فلا يحنث وذكر في
الأصل إذا حلف لا يدخل هذه الدار الا عابر سبيل فدخلها ليقعد فيها أو ليعود مريضا فيها أو ليطعم فيها ولم يكن له نية
حين حلف فإنه يحنث ولكن ان دخلها مجتازا ثم بدا له فقعد فيها لم يحنث لان عابر السبيل هو المجتاز فإذا دخلها لغير اجتياز
حنث قال الا ان ينوي لا يدخلها يريد النزول فيها فان نوى ذلك فإنه يسعه لأنه قد يقال دخلت عابر سبيل بمعنى انى لم
أدم على الدخول ولم أستقر فقد نوى ما يحتمله كلامه ولو حلف لا يطأ هذه الدار بقدمه فدخلها راكبا يحنث لأنه قد
يراد به الدخول في العرف لا مباشرة قدمه الأرض ألا ترى أنه لو كان في رجله حذاء نعل يحنث فعلم أن المراد منه
الدخول وان حلف لا يضع قدمه في هذه الدار فدخلها راكبا حنث لان وضع القدم في عرف الاستعمال صار عبارة
عن الدخول فإن كان نوى أن لا يضع قدمه ماشيا فهو على ما نوى لأنه نوى حقيقة كلامه فيصدق وكذلك إذا دخلها
ماشيا وعليه حذاء أو لا حذاء عليه لما قلنا وروى هشام عن محمد فيمن حلف لا يدخل هذه الدار فدخل حانوتا مشرعا
من هذه الدار إلى الطريق وليس له باب في الدار فإنه يحنث لأنه من جملة ما أحاطت به الدائرة قال هشام وسألت أبا
يوسف ان دخل بستانا في تلك الدار قال لا يحنث وهذا محمول على بستان متصل بالدار فإن كان في وسط الدار يحنث
لإحاطة الدائرة به هكذا روى عن محمد وقال ابن سماعة في نوادره عن محمد في رجل حلف لا يدخل دار فلان فحفر سربا
فبلغ داره وحفر تحت دار فلان حتى جاوزها فدخل الحالف ذلك السرب حتى مضى فيه تحت دار فلان فإنه لا يحنث
39

الا أن يكون من هذه القناة مكان مكشوف إلى الدار يستقى منه أهل الدار فدخل الحالف القناة فبلغ ذلك المكشوف
فيحنث وان لم يبلغ لم يحنث وإن كان المكشوف شيئا قليلا لا ينتفع به أهل الدار وإنما هو للضوء فمر الحالف بالقناة
حتى بلغ الموضع فليس بحانث لان القناة تحت الدار إذا لم يكن منفذ لا تعد من الدار لان المقصود من دخول داره اما
كرامة واما هتك حرمة وذاك لا يوجد فيما لا منفذ له وإذا كان لها منفذ يستقى منه الماء فإنه يعد من مرافق الدار بمنزلته
بئر الماء فإذا بلغ إليه كان كمن دخل في بئر داره وإذا كان لا ينتفع به الا للضوء لا يكون من مرافق الدار فلا يصير بدخوله
داخلا في الدار فلا يحنث ولو دخل فلان سربا تحت داره وجعله بيوتا وجعل له أبوابا إلى الطريق فدخلها رجل
حلف لا يدخل دار فلان فهو حانث لان السرب تحت الدار من بيوت الدار ولو عمد فلان إلى بيت من داره أو بيتين
فسد أبوابهما من قبل داره وجعل أبوابهما إلى دار الحالف فدخل الحالف هذين البيتين فإنه لا يحنث لأنه لما جعل
أبوابهما إلى دار الحالف فقد صارت منسوبة إلى الدار الأخرى وقال ابن سماعة في السرب إذا كان بابه إلى الدار
ومحتفره في دار أخرى أنه من الدار التي مدخله إليها وبابه إليها لأنه بيت من بيوتها وقال ابن سماعة عن أبي يوسف في
رجل حلف لا يدخل بغداد فانحدر من الموصل في سفينة فمر بدجلة لا يحنث فان خرج فمضى فمشى على الجسر حنث
وان قدم إلى الشط ولم يخرج لم يحنث ولم يكن مقيما إن كان أهله ببغداد وان خرج إلى الشط حنث وقال ابن سماعة عن
محمد إذا انحدر في سفينة من الموصل إلى البصرة فمر في شط الدجلة فهو حانث فصارت المسألة مختلفة بينهما وجه قول
محمد أن الدجلة من البلد بدليل أنه لو عقد عليها جسر كانت من البلد فكذا إذا حصل في هذا الموضع في سفينة ولأبي
يوسف أن موضع الدجلة ليس موضع قرار فلا يكون مقصودا بعقد اليمين على الدخول فلا تنصرف اليمين إليه قال بشر
عن أبي يوسف في رجل قال لامرأته ان دخلت هذه الدار ولم تعطيني ثوب كذا فأنت طالق فدخلت الدار ثم أعطته
الثوب بعد ذلك فان الطلاق يقع عليها وإن كانت أعطته الثوب قبل أن تدخل لم يقع عليها الطلاق لأنه جعل شرط
وقوع الطلاق دخولها الدار لا على صفة الاعطاء وهو أن لا يكون الزوج معطى حال الدخول لأن هذه الواو للحال بمنزلة
قوله إن دخلت الدار وأنت راكبة أنه يعتبر كونها راكبة حال الدخول ولا يعتبر الركوب بعده كذا هذا وكذلك لو قال إن
خرجت ولم تأكلي أو خرجت وليس عليك إزار أو خرجت ولم تتخمرى لما قلنا ولو قال لها ان لم تعطني هذا الثوب
ودخلت هذه الدار فأنت طالق ولا نية له فان الطلاق لا يقع عليها حتى يجتمع الأمران جميعا وهو ان لا تعطيه الثوب
إلى أن يموت أحدهما أو يهلك الثوب ويدخل الدار فإذا اجتمع هذان وقع الطلاق والا فلا لأنه جعل ترك العطية
والدخول جميعا شرطا لوقوع الطلاق لان قوله ودخلت الدار شرط معطوف على ترك العطية وليس بوصف له
فيتعلق وقوع الطلاق بوجودهما ثم لا يتحقق الترك الا بموت أحدهما أو بهلاك الثوب فإذا مات أحدهما أو
هلك الثوب ودخلت الدار فقد وجد الشرطان فيحنث ولو قال والله لا تدخلين هذه الدار ولا تعطيني هذا الثوب
فأيهما فعلت حنث لان كلمة النفي دخلت على كل واحد منهما على الانفراد فيقتضى انتفاء كل واحد منهما على
الانفراد كما في قوله تعالى فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ومن هذا الجنس ما روى ابن سماعة عن أبي
يوسف فيمن قال والله لا أشتري بهذا الدرهم غير لحم فاشترى بنصفه لحما وبنصفه خبزا يحنث استحسانا ولا يحنث في
القياس وجه القياس انه جعل شرط حنثه أن يشترى بجميع الدرهم غير اللحم وما اشترى بجميعه بل ببعضه فلم يوجد
شرط الحنث فلا يحنث وجه الاستحسان ان مبنى الايمان على العادة وعادة الناس انهم يريدون بمثل هذا الكلام
أن يشترى الحالف بجميع الدرهم اللحم ولم يشتر بجميعه اللحم فيحنث فإن كان نوى أن لا يشترى به كله غير اللحم لم يحنث
ويدين في القضاء لأنه نوى ظاهر كلامه فيصدق ولو قال والله لا أشتري بهذا الدرهم الا لحما فلا يحنث حتى يشترى
بالدرهم كله غير لحم وهذا يؤيد وجه القياس في المسألة الأولى لان الا وغير كلاهما من ألفاظ الاستثناء وانا نقول قضية
القياس هذا في المسألة الأولى ألا يرى أنه لو نوى أن يشترى به كله غير اللحم صدق في القضاء لأنا تركنا هذا القياس هناك
40

للعرف والعادة ولا عرف ههنا يخالف القياس فعمدنا للقياس فيه ولو قال والله لا أشتري بهذا الدرهم الا ثلاثة أرطال
لحم فاشترى ببعض الدرهم لحما أقل من ثلاثة أرطال وببقيته غير لحم حنث لان قوله والله لا أشتري بهذا الدرهم يقع
على كل شراء بهذا الدرهم ثم استثنى من هذه الجملة شراء بصفة وهو ان يشترى به ثلاثة أرطال ولم يوجد فلم يوجد المستثنى
فبقي ما شراه داخلا في اليمين فيحنث به ومن هذا القبيل ما إذا قال لرجلين والله لا تبيتان الا في بيت فبات أحدهما في
بيت والآخر في بيت آخر حنث لأنه جعل شرط حنثه بيتوتتهما جميعا في غير بيت واحد وقد باتا في غير بيت واحد
لأنهما باتا في بيتين فوجد شرط الحنث فهو الفرق وذكر محمد في الجامع في رجل قال كنت ضربت هذين الرجلين
الا في دار فلان فعبدي حر وقد ضرب واحدا منهما في دار فلان وواحد في غيرها فإنه لا يحنث لأنه جعل شرط حنثه
ضربهما في غير دار فلان ولم يوجد ولو قال إن لم أكن ضربته هذين السوطين في دار فلان فعبدي حر والمسألة بحالها
حنث لان شرط الحنث أن يجتمع الشرطان في دار فلان ولم يجتمعا فيحنث ولو حلف لا يدخل على فلان فدخل عليه
بيته فان قصده بالدخول يحنث وان لم يقصده لا يحنث وكذلك إذا دخل عليه بيت غيره وإنما اعتبر ليكون
داخلا عليه لان الانسان إنما يحلف ان لا يدخل على غيره استخفافا به وتركا لاكرامه عادة وذا لا يكون الا مع القصد
وذكر الكرخي عن ابن سماعة في نوادره خلاف هذا فقال في رجل قال والله لا أدخل على فلان بيتا فدخل بيتا على قوم
وفيهم فلان ولم يعلم به الحالف فإنه حانث بدخوله فلم يعتبر القصد للدخول على فلان لاستحالة القصد بدون العلم
ووجهه انه جعل شرط الحنث الدخول على فلان والعلم بشرط الحنث ليس بشرط في الحنث كمن حلف لا يكلم
زيدا فكلمه وهو لا يعرف أنه زيد وظاهر المذهب ما تقدم ولو علم أنه فيهم فدخل ينوى الدخول على القوم لا عليه
لا يحنث فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه إذا قصد غيره لم يكن داخلا عليه ولا يصدق في القضاء لأن الظاهر دخوله على
الجماعة وما في اعتقاده لا يعرفه القاضي فان دخل عليه في مسجد أو ظلة أو سقيفة أو دهليز دار لم يحنث لان ذلك يقع على
الدخول المعتاد وهو الذي يدخل الناس بعضهم على بعض ولا يكون ذلك الا في البيوت فان دخل عليه في فسطاط أو
خيمة أو بيت شعر لم يحنث الا أن يكون الحالف من أهل البادية لأنهم يسمون ذلك بيتا والتعويل في هذا الباب
على العرف والعادة وقال ابن سماعة عن محمد إذا حلف لا يدخل على فلأن هذه الدار فدخل الدار وفلان في بيت من
الدار لا يحنث وإن كان في صحن الدار يحنث لأنه لا يكون داخلا عليه الا إذا شاهده ألا ترى ان السقا يدخل دار الأمير
ولا يقال إنه دخل على الأمير وفي الأول شاهده وفي الثاني لم يشاهده وكذا لو حلف لا يدخل على فلأن هذه القرية
أنه لا يكون داخلا عليه الا إذا دخل في بيته وتخصيص القرية يمنع وقوع الحنث بالدخول في غيرها وقال ابن رستم
عن محمد إذا قال والله لا أدخل على فلان ولم يذكر بيتا ولا غيره فدخل عليه فسطاطا أو دارا حنث وهذا محمول على أن
من عادة فلان أن يدخل عليه في الفسطاط وان دخل عليه في المسجد أو الكعبة أو الحمام لا يحنث لان المقصود
بهذه اليمين الامتناع من الدخول في المواضع التي يكرم الناس بالدخول عليه فيها وهذا لا يوجد في الحمام والكعبة
والمسجد قال محمد ولو دخل على فلان بيته وهو يريد رجلا غيره يزوره لم يحنث لأنه لم يدخل على فلان لما لم يقصده
وان لم يكن له نية حنث لأنه يكون داخلا عليه على كل من في الدار فيحنث كمن حلف لا يسلم على رجل فسلم على جماعة
وهو فيهم ولا نية له قال بشر سمعت أبا يوسف يقول فيمن قال لامرأته ان دخلت هذه الدار وخرجت منها فأنت
طالق فاحتملها انسان وهي كارهة فأدخلها ثم خرجت من قبل نفسها ثم دخلتها ولم تخرج وقع الطلاق لان الواو
لا تقتضي الترتيب لأنها للجمع المطلق ولا عادة في تقدم أحد الشرطين على الآخر فيتعلق الطلاق بوجودهما من غير
مراعاة الترتيب وكذلك القيام والقعود والسكوت والكلام والصوم والافطار ونحو ذلك لما قلنا ولو قال لها ان
حضت وطهرت فأنت طالق فطهرت من هذا الحيض ثم حاضت لم يقع الطلاق حتى تطهر ولا يقع الطلاق في هذا
الموضع حتى يتقدم الحيض الطهر وكذلك إذا قال لها إذا حبلت وولدت وهي حبلى وكذلك إذا قال إذا زرعت
41

وحصدت لابد من تقدم الزرع الحصاد والحمل الولادة والحيض الطهر لان أحد الامرين يتعقب الا آخر عادة
فلزم مراعاة الترتيب بالعادة ولو قال لامرأته ان تزوجتك وطلقتك فعبدي حر ولا نية له فطلقها واحد بائنة ثم تزوجها
عتق عبده لأنها لا تحمل التزوج للحال لكونها زوجة له وتحتمل الطلاق فيراعى فيه معنى الجمع المطلق لا الترتيب ومتى
طلقها وتزوجها فقد جمع بينهما فوجد الشرط
(فصل) وأما الحلف على الخروج فالخروج هو الانفصال من الحصن إلى العورة على مضادة الدخول فلا
يكون المكث بعد الخروج خروجا كما لا يكون المكث بعد الدخول دخولا لانعدام حده وحقيقته ثم الخروج كما
يكون من البلدان والدور والمنازل والبيوت يكون من الأخبية والفساطيط والخيم والسفن لوجود حده كالدخول
والخروج من الدور المسكونة أن يخرج الحالف بنفسه ومتاعه وعياله كما إذا حلف لا يسكن والخروج من البلدان
والقرى أن يخرج الحالف ببدنه خاصة وهذا يشهد لقول من قال من أصحابنا من حلف لا يسكن في بلد فخرج بنفسه
دون عياله لا يحنث والتعويل في هذا على العرف فان من خرج من الدار وأهله ومتاعه فيها لا يعد خارجا من الدار
ويقال لم يخرج فلان من الدار إذا كان أهله ومتاعه فيها ومن خرج من البلد يعد خارجا من الدار وإن كان أهله ومتاعه
فيه وقال هشام سمعت أبا يوسف قال إذا قال والله لا أخرج وهو في بيت من الدار فخرج إلى صحن الدار لم يحنث لان
الدار والبيت في حكم بقعة واحدة فالحلف على الخروج المطلق يقتضى الخروج منهما جميعا فما لم يوجد لا يحنث الا أن
تكون نيته أن لا يخرج من البيت فإذا خرج إلى صحن الدار حنث لأنه نوى ما يحتمله لفظه وهو الانفصال من داخل
إلى خارج وفيه تشديد على نفسه فان قال نويت الخروج إلى مكة أو خروجا من البلد فإنه لا يصدق في القضاء ولا فيما
بينه وبين الله تعالى لأنه نوى تخصيص المكان وهو ليس بمذكور وغير المذكور لا يحتمل نية التخصيص وكذلك
قال محمد في الجامع لو قال إن خرجت فعبدي حر وقال عنيت به السفر إلى بغداد دون ما سواها لم يدين في القضاء ولا فيما
بينه وبين الله تعالى لما قلنا وقال هشام سألت محمدا عن رجل حلف لا يخرج من الري إلى الكوفة فخرج من الري
يريد مكة وطريقه على الكوفة قال محمد إن كان حين خرج من الري نوى ان يمر بالكوفة فهو حانث وإن كان حين
خرج من الري نوى أن لا يمر بها ثم بدا له بعدما خرج وصار من الري إلى الموضع الذي تقصر فيه الصلاة أن يمر
بالكوفة فمر بها لم يحنث لأن النية تعتبر حين الخروج وفي الفصل الأول وجدت نية الخروج إلى الكوفة لأنه لما نوى
أن يخرج إلى مكة ويمر فقد نوى الخروج إلى الكوفة والى غيرها فيحنث وفي الفصل الثاني لم توجد النية وقت الخروج
فلا يحنث وإن كان نيته أن لا يخرج إلى الكوفة خاصة ليست إلى غيرها ثم بدا له الحج فخرج ونوى أن يمر بالكوفة
قال محمد هذا لا يحنث فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه نوى تخصيص ما في لفظه وقال ابن سماعة عن أبي يوسف في
رجل قال لامرأته ان خرجت من هذه الدار الا إلى المسجد فأنت طالق فخرجت تريد المسجد ثم بدا لها فذهبت إلى
غير المسجد لم تطلق لأنه جعل الخروج من المسجد مستثنى من اليمين ولما خرجت تريد المسجد فقد تحقق الخروج
إلى المسجد فوجد الخروج المستثنى فبعد ذلك وان قصدت غير المسجد لكن لا يوجد الخروج بل المكث في
الخارج وانه ليس بخروج لعدم حده فلا يحنث وقال عمر بن أسد سألت محمدا عن رجل حلف ليخرجن من البلدة
ما الخروج قال إذا جعل البيوت خلف ظهره لان من حصل في هذه المواضع جاز له القصر ولا يجوز له القصر الا بالخروج
من البلد فعلم أنه خرج من البلد قال عمر سألت محمدا عن رجل قال لامرأته ان خرجت في غير حق فأنت طالق
فخرجت في جنازة والدها أو أخ لا تطلق وكذلك كل ذي رحم محرم وكذلك خروجها إلى العرس أو خروجها فيما يجب
عليها لان الحق المذكور في هذا المواضع لا يراد به الواجب عادة وإنما يراد به المباح الذي لا مأثم فيه ولو قال لها ان خرجت
من هذه الدار فأنت طالق فخرجت منها من الباب أي باب كان ومن أي موضع كان من فوق حائط أو سطح أو نقب
حنث لوجود الشرط وهو الخروج من الدار ولو قال إن خرجت من باب هذه الدار فخرجت من أي باب كان من
42

الباب القديم أو الحادث بعد اليمين حنث لوجود الشرط وهو الخروج من باب الدار ولا يحنث بالخروج من السطح أو
فوق الحائط أو النقب لعدم الشرط ولو عين بابا في اليمين يتعين ولا يحنث بالخروج من غيره لان التعيين مقيد في الجملة
فيعتبر ولو قال إن خرجت من الدار الا في أمر كذا فهذا وقوله الا باذني واحد وسنذكره إن شاء الله تعالى ولو قال إن
خرجت من هذه الدار مع فلان فأنت طالق فخرجت وحدها أو مع فلان آخر ثم خرج فلان ولحقها لم يحنث لان
كلمة مع للقران فيقتضى مقارنتها في الخروج ولم يوجد لان المكث بعد الخروج ليس بخروج لانعدام حده ولو قال إن
خرجت من هذه الدار فأنت طالق فصعدت الصحراء إلى بيت علو أو كنيف شارع إلى الطريق الأعظم لا يحنث
لان هذا في العرف لا يسمى خروجا من الدار ولو حلف لا يخرج من هذه الدار فخرج منها ماشيا أو راكبا أو أخرجه
رجل بأمره أو بغير أمره أو أخرج احدى رجليه فالجواب فيه كالجواب في الدخول وقد ذكرناه ولو حلف
لا يخرج إلى مكة فخرج من بلده يريد مكة حنث لان خروجه من بيته هو انفصال من داخل بلده إلى خارجه على نية
الحج وقد وجد وقد ذكرنا تفسير خروجه من بلده وهو ان يجعل بيوت بلده خلف ظهره ولو قال لا آتي مكة فخرج إليها
لا يحنث ما لم يدخلها لان اتيان الشئ هو الوصول إليه ولو قال لا يذهب إلى مكة فلا رواية فيه واختلف المشايخ قال
بعضهم هو والخروج سواء وقال بعضهم هو والاتيان سواء ولو قال أنت طالق ان خرجت من هذه الدار الا باذني
أو بأمري أو برضائي أو بعلمي أو قال إن خرجت من هذه الدار بغير اذني أو أمري أو رضائي أو علمي فهو على كل
مرة عندهم جميع وههنا ثلاث مسائل إحداهما هذه والثانية أن يقول أنت طالق ان خرجت من هذه الدار حتى آذن لك
أو آمر أو أرضى أو أعلم والثالثة أن يقول أنت طالق ان خرجت من هذه الدار الا ان آذن لك أو آمر أو أعلم أو أرضى
أما المسألة الأولى فالجواب ما ذكرنا ان ذلك يقع على الاذن في كل مرة حتى لو أذن لها مرة فخرجت ثم عادت ثم
خرجت بغير اذن حنث وكذلك لو أذن لها مرة فقبل أن يخرج نهاها عن الخروج ثم خرجت بعد ذلك يحنث وإنما
كان كذلك لأنه جعل كل خروج شرطا لوقوع الطلاق واستثنى خروجا موصوفا بكونه ملتصقا بالاذن لان
الباء في قوله الا باذني حرف الصاق هكذا قال أهل اللغة ولا بد من شيئين يلتصقان بآلة الالصاق كما في قولك كتبت
بالقلم وضربت بالسيف التصق الضرب بالسيف والكتابة بالقلم وليس ههنا شئ مظهر يلتصق به الاذن فلا بد من أن
يضمر كما في قوله بسم الله انه يضمر فيه ابتدئ وفي باب الحلف قوله بالله لأفعلن كذا انه يضمر فيه أقسم لتكون
الباء ملصقة للاسم بقوله ابتدئ واسم الله في باب الحلف بقول أقسم بالله ولابد لكل مضمر من دليل عليه اما حال واما
لفظ مذكور لان الوصول إلى ما خفى غير ممكن الا بواسطة الحال ولا حال ههنا يدل على اضمار شئ فاضمرنا ما دل
عليه اللفظ المذكور في صدر الكلام وهو قوله إن خرجت وليس ذلك الا الخروج فصار تقدير الكلام ان خرج
فلان من هذه الدار خروجا الا خروجا باذني والمصدر الأول في موضع النفي فيعم فيصح استثناء الثاني منه لأنه
بعض المستثنى منه وهو خروج موصوف بصفة الالتصاق بالاذن فقد نفى كل خروج واستثنى خروجا موصوفا
بكونه ملتصقا بالاذن فبقي كل خروج غير موصوف بهذه الصفة تحت المستثنى منه وهو الخروج العام الذي
هو شرط وقوع الطلاق فإذا وجد خروج اتصل به الاذن لم يكن شرطا لوقوع الطلاق وإذا وجد خروج غير
متصل به الاذن كان شرطا لوقوع الطلاق كما إذا قال لها أنت طالق ان خرجت من هذه الدار الا بملحفة ان كل
خروج يوصف بهذه الصفة وهو أن يكون بملحفة يكون مستثنى من اليمين فلا يحنث به وكل خروج لا يكون بهذه
الصفة يبقى تحت عموم اسم الخروج فيحنث به كذا هذا فان أراد بقوله الا باذني مرة واحدة يدين فيما بينه وبين الله
تعالى وفي القضاء أيضا في قول أبي حنيفة ومحمد واحدى الروايتين عن أبي يوسف وروى أيضا عنه انه لا يدين في
القضاء لأنه نوى خلاف الظاهر لان ظاهر هذا الكلام يقتضى تكرار الاذن في كل مرة لما بينا (وجه) ظاهر الرواية
ان تكرار الاذن ما ثبت بظاهر اللفظ وإنما ثبت باضمار الخروج فإذا نوى مرة واحدة فقد نوى ما يقتضيه ظاهر كلامه
43

فيصدق ثم في قوله الا باذني لو أراد الخروج لا يحنث وتقدر المرأة على الخروج في كل وقت من غير حنث فالحيلة
فيه أن يقول الزوج لها أذنت لك أبدا أو أذنت لك الدهر كله أو كلما شئت الخروج فقد أذنت لك وكذلك لو قال
لها أذنت لك عشرة أيام فدخلت مرارا في العشرة لا يحنث فلو أنه أذن لها اذنا عاما ثم نهاها عن الخروج هل يعمل نهيه
قال محمد يعمل نهيه ويبطل اذنه حتى أنها لو خرجت بعد ذلك بغير اذنه يحنث وقال أبو يوسف لا يعمل فيه نهيه
ورجوعه عن الاذن (وجه) قول محمد انه لو أذن لها مرة ثم نهاها صح نهيه حتى لو خرجت بعد النهى يحنث فكذا إذا
أذن لها في كل مرة وجب أن يعمل نهيه ويرتفع الاذن بالنهي (وجه) قول أبى يوسف ان الاذن الموجود على طريق
العموم في الخرجات كلها مما يبطل الشرط لان الشرط وقوع الطلاق الخروج الذي ليس بموصوف بكونه ملتصقا
بالاذن وهذا لا يتصور بعد الاذن العام لان كل خروج يوجد بعده لا يوجد الا ملتصقا بالاذن فخرج الشرط من
أن يكون متصور الوجود ولا بقاء لليمين بدون الشرط كما لا بقاء لها بدون الجزاء لأنها تتركب من الشرط والجزاء
فلم يبق اليمين فوجد النهى العام ولا يمين فلم يعمل بخلاف الاذن الخاص بمرة واحدة ثم النهي عنها لان هناك بالاذن
بالخروج مرة لم ترتفع اليمين فجاء النهي واليمين باقية فصح النهى وأما المسألة الثانية فجوابها ان ذلك على الاذن مرة
واحدة حتى لو أذن لها مرة فخرجت ثم عادة ثم خرجت بغير اذن لا يحنث وكذا إذا أذن لها مرة ثم نهاها قبل ان
تخرج ثم خرجت بعد ذلك لا يحنث لان كلمة حتى كلمة غاية وهي بمعنى إلى وكلمة إلى كلمة انتهاء الغاية فكذا كلمة
حتى ألا ترى انه لا فرق بين قوله حتى آذن وبين قوله إلى أن آذن ومعنى قوله حتى أن آذن وكلمة ان مضمرة لان حتى
لما كانت من عوامل الأسماء وما كان من عوامل الأسماء لا يدخل الافعال البتة فلم يكن بد من اضمار ان لتصير هي
بالفعل الذي هو صلتها بمنزلة المصدر تقول أحب أن تقوم أي أحب قيامك فيكون قوله حتى آذن أي حتى اذني وهو
قوله إلى اذني ولهذا أدخلوا كلمة ان بعد إلى فقالوا إلى أن آذن الا ان هناك اعتادوا الاظهار مع إلى وههنا مع حتى
اعتادوا الاضمار وإذا كان كذلك صار وجود الاذن منه غاية لحظر الخروج والمضروب له الغاية ينتهى عند
وجود الغاية فينتهي حظر الخروج ومنع باليمين عند وجود الاذن مرة واحدة بخلاف الأول فان أراد بقوله حتى
آذن في كل مرة فهو على ما نوى في قولهم جميعا ويجعل حتى مجازا عن إلى لوجود معنى الانتهاء في الاستثناء على ما بينا
وفيه تشديد على نفسه فيصدق (وأما) المسألة الثالثة فلا يجوز فيها فالجواب في قوله حتى آذن في قول العامة وقال
الفراء الجواب فيها كالجواب في قوله الا باذني وجه قوله إن كلمة الاستثناء فلا بد من تقديم المستثنى منه عليها وتأخير
المستثنى عنها وان مع الفعل المستقبل بمنزلة المصدر على ما مر فصار تقدير الكلام ان خرجت من الدار الا خروجا باذني
وهذا ليس بكلام مستقيم فلابد من ادراج حتى يصح الكلام فندرج الباء ويجعل معناه الا خروجا باذني واسقاط
الباء في اللفظ مع ثبوتها في التقدير جائز في اللغة كما روى عن رؤبة بن العجاج انه قيل له كيف أصبحت فقال خير
عافاك الله أي بخير وكذا يحذفون الباء في القسم فيقولون الله مكان قولهم بالله وإنما اختلفوا في الخفض والنصب وإذا
كان هذا جائز أدرجت لضرورة تصحيح الكلام والدليل عليه قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت
النبي الا أن يؤذن لكم أي الا باذن لكم حتى كان محتاجا إلى الاذن في كل مرة فكذا فيما نحن فيه ولنا ان هذا الكلام لما
لم يكن بنفسه صحيحا لما قاله الفراء ولا بد من القول بتصحيحه ولكن تصحيحه على التقدير الذي قاله الفراء وأمكن
تصحيحه أيضا بجعله الا بمعنى حتى والى لان كلمة الا كلمة استثناء وما وراء كلمة الاستثناء وهو المستثنى منه ينتهى
عند كلمة الاستثناء وعند وجود المستثنى فصارت كلمة الاستثناء على هذا التقدير للغاية فأقيم مقام الغاية فصار كأنه قال
إن خرجت من هذه الدار إلى اذني أو حتى اذني وهذا أولى مما قاله الفراء لان تصحيح الكلام بجعل كلمة
قائمة مقام أخرى أولى من التصحيح بطريق الاضمار لان جعل الكملة مقام أخرى وإن كان فيه ضرب تغيير
لكن التغيير تصرف في الوصف والاضمار اثبات أصل الكلام والتصرف في الوصف بالتغيير والتبديل أولى
44

من اثبات الأصل بلا شك فكان هذا أولى على أن فيما قاله اضمار شيئين أحدهما الباء والآخر الجالب للباء وهو قوله
الا خروجا وليس فيما ذهبنا إليه ادراج شئ بل إقامة ما فيه معنى الغاية مقام الغاية ولا شك ان هذا أدون فكان
التصحيح به أولى ولهذا كان معنى قوله تعالى لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم الا أن تقطع قلوبهم أي إلى أن
تقطع قلوبهم والله عز وجل أعلم أي إلى وقت تقطع قلوبهم وهو حالة الموت وفي قوله عز وجل الا أن يؤذن لكم
إنما احتيج إلى الاذن في كل مرة لا بمقتضى اللفظ بل بدليل آخر وهو أن دخول دار الغير بغير إذنه حرام الا يرى
أنه قال عز وجل في آخر قوله تعالى ان ذلكم كان يؤذى النبي ومعنى الأذى موجود في كل ساعة فشرط الاذن
في كل مرة والله عز وجل أعلم فان قال الا باذن فلان فمات المحلوف على اذنه بطلت اليمين عن أبي حنيفة ومحمد وعند أبي
يوسف هي على حالها وهذا فرع اختلافهم فيمن حلف ليشربن الماء الذي في هذا الكوز وليس في الكوز ماء
انه لا تنعقد اليمين في قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف تنعقد بناء على أصل ذكرناه فيما تقدم ان تصور وجود
المحلوف عليه حقيقة في المستقبل شرط انعقاد اليمين وبقاؤه متصور الوجود حقيقة شرط بقاء اليمين عندهما وعنده
ليس بشرط فان أذن لها بالخروج من حيث لا تسمع فخرجت بغير الاذن يحنث عند أبي حنيفة ومحمد ولا يحنث
عند أبي يوسف وجه قوله إن الاذن يتعلق بالاذن لأنه كلامه وقد وجد فاما السماع فإنما يتعلق بالمأذون فلا
يعتبر لوجود الاذن كما لو وقع الاذن بحيث يجوز ان تسمع وهي نائمة لأنه كلامه ولان شرط الحنث خروج غير
مأذون فيه مطلقا وهذا مأذون فيه من وجه لوجود كلام الاذن فلم يوجد شرط الحنث ولان المقصود من الاذن أن
لا تخرج وهو كاره وقد زالت الكراهة بقوله أذنت وان لم تسمع ولهما ان الاذن اعلام قال الله تعالى وأذان من الله
ورسوله أي اعلام وقوله أذنت لك بحيث لا تسمع لا يكون اعلاما فلا يكون اذنا فلم يوجد خروج مأذون فيه فلم
يوجد الخروج المستثنى فيحنث ولأن هذه اليمين اشتملت على الحظر والاطلاق فان قوله إن خرجت من هذه الدار
يجرى مجرى الحظر والمنع وقوله الا باذني يجرى مجرى الاطلاق وحكم الحظر والاطلاق من الشارع والشرائع
لا تثبت بدون البلوغ كذا من الحالف الا ترى انه قيل في قوله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح
فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات انه نزل في قوم شربوا الخمر بعد نزول تحريم الخمر قبل علمهم به وذكر
محمد في الزيادات أن الوكيل لا يصير وكيلا قبل علمه بالوكالة حتى يقف تصرفه على إجازة الموكل والتوكيل اذن واطلاق
ولهما أن الاذن اعلام قال الله تعالى واذان من الله ورسوله أي اعلام وقوله أذنت لك بحيث لا تسمع لا يكون اعلاما
فلا يكون اذنا فلم يوجد خروج مأذون فيه فلم يوجد الخروج المستثنى فيحنث ولان الخروج مذكور في محل النفي فيعم
كل خروج الا الخروج المستثنى وهو الخروج المأذون فيه مطلقا وهو أن يكون مأذونا فيه من كل وجه ولم يوجد فلم
يكن هذا خروجا مستثنى فبقي داخلا تحت عموم الخروج فيحنث بخلاف ما إذا ما كانت نائمة فاذن لها بحيث يجوز
ان تسمع لان مثل هذا يعد سماعا عرفا وعادة كما إذا أذن لها وهي تسمع الا انها غافلة ومسئلتنا مفروضة فيما إذا اذن لها من
حيث لا تسمع عادة ومثل هذا لا يعد سماعا في العرف فهو الفرق بين الفصلين وقيل إن النائم يسمع لان ذلك بوصول
الصوت إلى صماخ أذنه والنوم لا يمنع منه وإنما يمنع من فهم المسموع فصار كما لو كلمه وهو يقظان لكنه غافل وحكى ابن
شجاع انه لا خلاف في هذه المسألة انه لا يحنث لأنه قد عقد على نفسه بالاذن وقد أذن قال وإنما الخلاف بينهم في
الامر وروى نصر بن يحيى عن أبي مطيع عن أبي حنيفة مثل قول أبى يوسف الا ان أبا سليمان حكى الخلاف في
الاذن والله عز وجل أعلم وقال ابن سماعة عن محمد ولو أن رجلا قال لعبده ان خرجت من هذه الدار الا باذني فأنت حر
ثم قال له أطع فلانا في جميع ما يأمرك به فأمره فلان بالخروج فخرج فالمولى حانث لوجود شرط الحنث وهو الخروج
بغير اذن المولى لان المولى لم يأذن له بالخروج وإنما أمره بطاعة فلان وكذلك لو قال المولى لرجل إئذن له في الخروج
فاذن له الرجل فخرج لأنه لم يأذن له بالخروج وإنما أمر فلانا بالاذن وكذلك لو قال له قل يا فلان مولاك قد أذن لك في
45

الخروج فقال له فخرج فان المولى حانث لأنه لم يأذن وإنما أمر فلانا بالاذن ولو قال المولى لعبده بعد يمينه ما أمرك
به فلان فقد أمرتك به فأمره الرجل بالخروج فخرج فالمولى حانث لان المقصود من هذا انه لا يخرج الا برضاه
فإذا قال ما أمرك به فلان فقد أمرتك به فهو لا يعلم أن فلانا يأمره بالخروج والرضا بالشئ بدون العلم به لا يتصور فلم
يعلم كون هذا الخروج مرضيا به فلم يعلم كونه مستثنى فبقي تحت المستثنى منه ولو قال المولى للرجل قد أذنت له في
الخروج فأخبر الرجل به العبد لم يحنث المولى لان الاذن من المولى قد وجد الا انه لم يبلغ فإذا أخبره به فقد بلغه فلا
يحنث ولو قال لامرأته ان خرجت الا باذني ثم قال لها ان بعت خادمك فقد أذنت لك لم يكن منه هذا اذنا لأنه مخاطرة
يجوز أن تبيع ويجوز أن لا تبيع فلا يعد ذلك رضا وقال ابن سماعة عن أبي يوسف إذا قال لها ان خرجت الا بأمري
فالامر على أن يأمرها ويسمعها أو يرسل بذلك رسوله إليها فان أشهد قوما انه قد أمرها ثم خرجت فهو حانث فقد
فرق أبو يوسف بين الامر وبين الاذن حيث لم يشترط في الاذن اسماعها وإرسال الرسول به وشرط ذلك في
الامر ووجه الفرق له ان حكم الامر لا يتوجه على المأمور بدون العلم به كما في أمر الشرع والمقصور من الاذن هو
الرضا وهو ان لا تخرج مع كراهته وهذا يحصل بنفس الاذن بدون العلم به قال محمد ولو غضبت وتهيأت للخروج فقال
دعوها تخرج ولا نية له فلا يكون هذا اذنا الا ان ينوى الاذن لان قوله دعوها ليس باذن نصا بل هو أمر بترك
التعرض لها وذلك بان لا تمنع من الخروج أو بتخلية سبيلها فلا يحصل اذنا بدون النية ولو قال لها في غضبه أخرجي
ولا نية له كان على الاذن لأنه نص على الامر الا أن ينوى به أخرجي حتى تطلقي فيكون تهديدا والامر يحتمل التهديد
كما في أمر الشرع قال الله تعالى اعملوا ما شئتم فإذا نوى التهديد وفيه تشديد عليه صحت نيته ولو قال عبده حر ان دخل
هذه الدار الا ان نسي فدخلها ناسيا ثم دخل بعد ذلك ذاكرا لم يحنث وهذا على ما ذكرناه من قول العامة في قوله أنت
طالق ان خرجت من هذه الدار الا ان آذن لك أن قوله الا أن لانتهاء الغاية بمنزلة قوله حتى فلما دخلها ناسيا فقد انتهت
اليمين فلا يتصور الحنث بدخول هذه الدار بهذه اليمين بحال ولو قال إن دخل هذه الدار الا ناسيا فدخلها ناسيا ثم
دخلها ذاكرا حنث لأنه عقد يمينه على كل دخول وحظر على نفسه ومنعها منه واستثنى منه دخولا بصفة وهو أنه يكون
عن نسيان فبقي ما سواه داخلا تحت اليمين فيحنث به قال ابن سماعة عن محمد في رجل قال عبدي حر ان دخلت
هذه الدار دخلة الا ان يأمرني فلان فأمره فلان مرة واحدة فإنه لا يحنث ان دخل هذه الدخلة ولا بعدها وقد
سقطت اليمين وهذا على أن الامر واحد لما ذكرنا ان الا ان لانتهاء الغاية كحتى فإذا وجد الامر مرة واحدة انحلت
اليمين ولو قال إن دخلت هذه الدار دخلة الا ان يأمرني بها فلان فأمره فدخل ثم دخل بعد ذلك بغير أمره فإنه يحنث
ولا بد ههنا من الامر في كل مرة لأنه وصل الامر بالدخلة بحرف الوصل وهي حرف الباء فلا بعد من الامر في كل دخلة
كما لو قال الا بأمر فلان قال هشام عن محمد في رجل حلف لا تخرج امرأته الا بعلمه فأذن لها أن تخرج فخرجت بعد
ذلك وهو لا يعلم فهو جائز لان قوله الا بعلمي أي الا باذني وقد خرجت فكان خروجا مستثنى فلا يحنث وإذا حلف
رجل على زوجته أو مولى على عبده أن لا يخرج من داره الا باذنه أو سلطان حلف رجلا أن لا يخرج من كورة الا باذنه
ثم بانت المرأة من الزوج أو خرج العبد من ملك المولى أو عز السلطان عن عمله فكان الخروج بغير اذن من واحد
منهم فلا حنث على الحالف وتقع اليمين على الحال التي يملك الحالف فيها الاذن فان زالت تلك الحالة سقطت اليمين
وإنما كان كذلك لان غرض المستحلف من ذلك تنفيذ ولايته وهو ان لا يخرج من له عليه ولاية الا بأمره فيتقيد
بحال قيام الولاية فإذا زالت اليمين فأعادت المرأة إلى ملك الزوج أو العبد إلى ملك المولى أو أعيد السلطان إلى
ولايته لا تعد اليمين لأنها قد سقطت لما بينا فلا تحتمل العود وكذلك الغريم إذا حلف المطلوب ان لا يخرج من بلده
الا باذنه فاليمين مقيدة بحال قيام الدين فان قضاه المطلوب أو أبرأ الطالب سقطت اليمين فان عاد عليه ذلك الدين أو
غيره لم تعد اليمين لان غرض المستحلف ان لا يخرج لأجل ذلك الدين الذي له عليه وقت الحلف فإذا أسقط ذلك
46

بطل اليمين فلا يحتمل العود وعلى هذا قالوا في عامل استحلف رجلا أن يرفع إليه كل من علم به من فاسق أو ذاعر أو
سارق في محلته ولم يعلم من ذلك حتى عزل العامل عن عمله ثم علم فليس عليه أن يرفعه وقد خرج عن يمينه وبطلت عنه
لأنها تقيدت بحال عمله بدلالة الغرض لان غرض العامل أن يرفع إليه ما دام واليا فإذا زالت ولايته ارتفعت اليمين فان
عاد العامل عاملا عزله لم يكن عليه أيضا أن يرفع ذلك إليه لان اليمين قد بطلت فلا تعود سواء عاد عاملا بعد ذلك أو لم
يعود ولو كان الحالف علم ببعض ما استحلف عليه فاخر رفع ذلك حتى عزل العامل حنث في يمينه ولم ينفعه رفع ذلك
إليه بعد عزله لان الرفع تقيد بحال قيام الولاية فإذا زالت الولاية فقد فات شرط البر قال محمد في الزيادات الا ان يعنى
أن يرفع إليهم على كل حال في السلطان وغيره وأدينه فيما بينه وبين الله عز وجل وفي القضاء لأنه نوى ظاهر كلامه وهو
العموم فيصدق ديانة وقضاء وقال محمد في الزيادات إذا حلف أن لا تخرج امرأته من هذه الدار ولا عبده فبانت
منه أو خرج العبد عن ملكه ثم خرجت حنث ولا يتقيد بحال قيام الزوجية والملك لانعدام دلالة التقييد وهي قوله
الا باذنه فيعمل بعموم اللفظ فان عنى به ما دامت امرأته يدين فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه عنى ما يحتمله لفظه ولا يدين
في القضاء لأنه نوى تخصيص العموم وانه خلاف الظاهر وكذلك من طولب بحق فحلف أن لا يخرج من دار مطالبه
حنث بالخروج زال ذلك الحق أو لم يزل قلنا وان أرادت المرأة أن تخرج وقد أخذت في ذلك أو العبد أو أراد
الرجل ان يضرب عبده وقد نهض لذلك فقال أنت طالق ان خرجت أو قال المولى أنت حر ان خرجت أو قال رجل
للضارب عبدي حر ان ضربته فكفوا عن ذلك فقد سقطت اليمين حتى لو خرج المحلوف عليه بعد ذلك أو ضرب
الرجل عبده لا يحنث الحالف لان غرضه من هذه اليمين المنع من الخروج في الحال أو الضرب فتقيدت بالحال بدلالة
الغرض فتزول اليمين بزوال الحالف فلا يتصور الحنث بالخروج بعد ذلك وهذه من مسائل يمين الفور ونظائرها
تأتى إن شاء الله تعالى في مواضعها
(فصل) وأما الحلف على الكلام فالمحلوف عليه وهو الكلام قد يكون مؤبدا وقد يكون مطلقا وقد يكون
مؤقتا أما المؤبد فهو ان يحلف أن لا يكلم فلانا أبدا فهو على الأبد لا شك فيه لأنه نص عليه وأما المطلق فهو ان يحلف ان
يكلم فلانا ولا يذكر الأبد وهذا أيضا على الأبد حتى لو كلمه في أي وقت كلمه في ليل أو نهار وفي أي مكان كان
وعلى أي حال حنث لأنه منع نفسه من كلام فلان ليبقى الكلام من قبله على العدم ولا يتحقق العدم الا بالامتناع
من الكلام في جميع العمر فان نوى شيئا دون شئ بان نوى يوما أو وقتا أو بلدا أو منزلا لا يدين في القضاء
ولا فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه نوى تخصيص ما ليس بملفوظ فلا يصدق رأسا ولا يحنث حتى يكون منه كلام
مستأنف بعد اليمين فينقطع عنها فإن كان موصولا لم يحنث بان قال إن كلمتك فأنت طالق فاذهبي أو فقومي فلا يحنث
بقوله فاذهبي أو فقومي كذا قال أبو يوسف لأنه متصل باليمين وهذا لان قوله لا أكلم أو ان كلمتك يقع على الكلام
المقصود باليمين وهو ما يستأنف بعد تمام الكلام الأول وقوله فاذهبي أو فقومي وإن كان كلاما حقيقة فليس
بمقصود باليمين فلا يحنث به ولأنه لما ذكره بحرف العطف دل انه ليس بكلام مبتدأ وكذا إذا قال واذهبي لما قلنا فان
أراد به كلاما مستأنفا يصدق لأنه كلام حقيقة وفيه تشديد على نفسه وان أراد بقوله فاذهبي الطلاق فإنها تطلق بقوله
فاذهبي لأنه من كنايات الطلاق ويقع عليها تطليقة أخرى باليمين لأنه لما نوى به الطلاق فقد صار كلاما مبتدأ
فيحنث به وإن كان في الحال التي حلف ما يدل على تخصيص اليمين كانت خاصة بان قال له رجل كلم لي زيدا اليوم في
كذا فيقول والله لا أكلمه يقع هذا على اليوم دون غيره بدلالة الحال وعلى هذا قالوا لو قال إئتني اليوم فقال امرأتي
طالق ان أتيتك فهذا على اليوم وكذا إذا قال إئتني في منزلي فحلف بالطلاق لا يأتيه فهو على المنزل وهذا إذا لم يطل
الكلام بين دلالة التخصيص وبين اليمين فان طال كانت اليمين على الأبد فان قال لم لا تلقني في المنزل وقد أسأت في
تركك لقائي وقد أتيتك غير مرة فلم ألقك فقال الآخر امرأته طالق ان أتاك فهذا على الأبد وعلى كل منزل لان
47

الكلام كثيرا فيما بين ابتدائه بذكر المنزل وبين المنزل وبين الحلف فانقطعت اليمين عنه وصارت يمينا مبتدأة فان
نوى هذا الاتيان في المنزل دين فيما بينه وبين الله تعالى ولم يدين في القضاء لأنه يحتمله كلامه لكنه خلاف الظاهر
ولو صلى الحالف خلف المحلوف عليه فسها الامام فسبح به الحالف أو فتح عليه بالقراءة لم يحنث لان هذا لا يسمى كلاما
في العرف وإن كان كلاما في الحقيقة ألا ترى ان الكلام العرفي يبطل الصلاة وهذا لا يبطلها وقد قالوا فيمن حلف
لا يتكلم فصلى ان القياس ان يحنث لان التكبير والقراءة حقيقة وفي الاستحسان لا يحنث لأنه لا يسمى كلاما
عرفا ألا ترى انهم يقولون فلان لا يتكلم في صلاته وإن كان قد قرأ فيها ولو قرأ القرآن خارج الصلاة يحنث لأنه تكلم
حقيقة وقيل هذا إذا كان الحالف من العرب فإن كان الحالف من العجم أو كان لسانه غير لسان العرب لا يحنث
سواء قرأ في الصلاة أو خارج الصلاة لأنه لا يعد متكلما ولو سبح تسبيحه أو كبر أو هلل خارج الصلاة يحنث عندنا
وعند الشافعي لا يحنث والصحيح قولنا لأنه وجد الكلام حقيقة الا أنا تركنا الحقيقة حالة الصلاة بالعرف ولا عرف
خارج الصلاة وقيل هذا في عرفهم فاما في عرفنا فلا يحنث خارج الصلاة أيضا لأنه لا يسمى كلاما في الحالين جميعا
ولو فتح عليه في غير الصلاة حنث لأنه كلام حقيقة الا انه ترك الحقيقة في الصلاة للعرف إن كان الامام هو الحالف
والمحلوف عليه خلفه فسلم لم يحنث بالتسليمة الأولى وإن كان على يمينه ونواه لأنه في الصلاة وسلام الصلاة
لا يعد كلاما كتكبيرها والقراءة فيها الا ترى انه لا يفسد الصلاة ولو كان من كلام الناس لكان مفسدا
وإن كان على يساره فنواه اختلف المشايخ فيه قد قال بعضهم يحنث وقال بعضهم لا يحنث وإن كان المقتدى هو الحالف
فكذلك في قول أبي حنيفة وأبى يوسف بناء على أن المقتدى لا يصير خارجا عن الصلاة بسلام الامام عندهما وعند
محمد يحنث لأنه خارج عن صلاته بسلام الامام عنده فقد تكلم كلاما خارج الصلاة فيحنث ولو مر الحالف على جماعة
فيهم المحلوف عليه فسلم عليهم حنث لأنه كلم جماعتهم بالسلام فان نوى القوم دونه لم يحنث فيما بينه وبين الله تعالى لان
ذكر الكل على إرادة البعض جائز ولا يدين في القضاء لأنه خلاف الظاهر ولو نبه الحالف المحلوف عليه من النوم حنث
وان لم ينتبه لان الصوت يصل إلى سمع النائم لكنه لا يفهم فصار كما لو كلمه وهو غافل ولان مثل هذا يسمى كلاما
في العرف كتكلم الغافل فيحنث ولو دق عليه الباب فقال من هذا أو من أنت حنث لأنه كلمه بالاستفهام ولو كان في
مكانين فدعاه أو كلمه فإن كان ذلك بحيث يسمع مثله أو أصغى فإنه يحنث وان لم يسمعه وإن كان في موضع
لا يسمع في مثله عادة فان أصغى إليه لبعد ما بينهما لم يحنث لان الموضع إذا كان قريبا بحيث يسمع مثله عادة يسمى مكلما
إياه لما ذكرناه وان لم يسمع لعارض وليس كذلك إذا كان بعيدا ولأنه إذا كان قريبا يحمل على أنه وصل الصوت إلى
سمعه لكنه لم يفهمه فأشبه الغافل وإذا كان بعيدا لا يصل إليه رأسا وقالوا فيمن حلف لا يكلم انسانا فكلم غيره وهو
يقصد أن يسمعه لم يحنث لان مثل هذا لا يسمى مكلما إياه إذا لم يقصده بالكلام ولو حلف لا يكلم امرأته فدخل داره
وليس فيها غيرها فقال من وضع هذا أو أين هذا حنث لأنه كلمها حيث استفهم وليس هناك غيرها لئلا يكون لاغيا
فإن كان في الدار غيرها لم يحنث لجواز انه استفهم غيرها فان قال ليت شعري من وضع هذا لم يحنث لأنه لم يكلمها وإنما
كلم نفسه ولو حلف لا يكلم فلانا فكتب إليه كتابا فانتهى الكتاب إليه أو أرسل إليه رسولا فبلغ الرسالة إليه لا يحنث
لان الكتابة لا تسمى كلاما وكذا الرسالة (وأما) الموقت فنوعان معين ومبهم (أما) المعين فنحوان يحلف
الرجل بالليل لا يكلم فلانا يوما فيحنث بكلامه من حيث حلف إلى أن تغيب الشمس من الغد فيدخل في يمينه بقية
الليل حتى لو كلمه فيما بقي من الليل أو في الغد يحنث لان قوله لا أكلم فلانا يقع على الأبد ويقتضي منع نفسه عن كلام
فلا أبدا لولا قوله يوما فكان قوله يوما لاخراج ما وراءه عن اليمين فيبقى زمان ما بعد اليمين بلا فصل داخلا تحتها
فيدخل فيها بقية تلك الليلة لو حلف بالنهار لا يكلمه ليلة انه يحنث بكلامه من حين حلف إلى طلوع الفجر لما
قلنا ولو حلف في بعض النهار لا يكلمه يوما فاليمين على بقية اليوم والليلة المستقبلة إلى مثل تلك الساعة التي حلف فيها من
48

الغد لأنه حلف على يوم منكر فلابد من استيفائه ولا يمكن استيفاؤه الا باتمامه من اليوم الثاني فيدخل الليل من طريق
التبع وكذلك إذا حلف ليلا لا يكلمه ليلة فاليمين من تلك الساعة إلى أن يجئ مثلها من الليلة المقبلة ويدخل النهار الذي
بينهما في ذلك لأنه حلف على ليلة منكرة فلابد من الاستيفاء منها وذلك فيما قلنا في بعض اليوم والله لا أكلمك
اليوم فاليمين على باقي اليوم فإذا غربت الشمس سقطت اليمين وكذلك إذا قال بالليل والله لا أكلمك الليلة فإذا طلع
الفجر سقطت لأنه حلف على زمان معين لأنه أدخل لام التعريف على اليوم والليلة فلا يتناول غير المعرف بخلاف
قوله يوما لأنه ذكر اليوم منكرا فلابد من استيفائه وذلك من اليوم الثاني ولو حلف لا يكلمه شهرا يقع على ثلاثين يوما
ولو قال الشهر يقع على بقية الشهر ولو حلف لا يكلمه السنة يقع على بقية السنة ولو قال والله لا أكلمك اليوم ولا غدا
فاليمين على بقية اليوم وعلى غد ولا تدخل الليلة التي بينهما في اليمين روى ذلك ابن سماعة عن أبي يوسف ومحمد لأنه
أفرد كل واحد من الوقتين بحرف النفي فيصير كل واحد منهما منفيا على الانفراد أصله قوله تعالى فلا رفث ولا فسوق
ولا جدال في الحج فلا تدخل الليلة المتخللة بين الوقتين ولو قال والله لا أكلمك اليوم وغدا دخلت الليلة التي بين اليوم
والغد في يمينه لأنه ههنا جمع بين الوقت الثاني وبين الأول بحرف الجمع وهو الواو فصار وقتا واحدا فدخلت الليلة
المتخللة وروى بشر عن أبي يوسف ان الليلة لا تدخل لأنه عقد اليمين على النهار ولا ضرورة توجب ادخال الليل
فلا يدخل ولو حلف لا يكلمه يومين تدخل فيه الليلة سواء كان قبل طلوع الفجر أو بعده وكذلك الجواب في الليل
ولو قال والله لا أكلمك يوما ولا يومين فهو مثل قوله والله لا أكلمك ثلاثة أيام في قول أبي حنيفة ومحمد حتى لو كلمه في
اليوم الأول أو الثاني أو الثالث يحنث وكذلك روى بشر عن أبي يوسف هكذا ذكر الكرخي في مختصره وذكر محمد
في الجامع انه على يومين حتى لو كلمه في اليوم الأول أو الثاني يحنث وان كلمه في اليوم الثالث لا يحنث وجه ما ذكره
الكرخي ظاهر لأنه عطف اليومين على اليوم والمعطوف غير المعطوف عليه فاقتضى يومين آخرين غير الأول فصار
كأنه قال والله لا أكلم فلانا يوما ويومين أو قال ثلاثة أيام وجه ما ذكره محمد في الجامع ان كل واحد منهما يمين مفردة
لانفراد كل واحد منهما بكلمة النفي والواو للجمع بين اليمنين وصار تقدير أكلم فلانا يوما ولا أكلمه يومين لئلا تلغو كلمة
النفي فصار لكل يمين مدة على حدة فصار على اليوم الأول يمينان وعلى اليوم الثاني يمين واحد بخلاف ما إذا قال والله
لا أكلم فلانا يوما ويومين فكلمه في اليوم الثالث انه يحنث لأنه لما لم يعد كلمة النفي فلم يوجد ما يدل على أنه أراد نفى الكلام
في كل مرة على حدة ليكون يمينين فبقي يمينا واحدة والواو للجمع بين المدتين كما لو جمع بين المدتين بكلمة الجمع فقال والله
لا أكلم فلانا ثلاثة أيام والدليل على التفرقة بينهما انه لو قال والله لا أكلم زيدا ولا عمرا فكلم أحدهما يحنث ولو قال
والله لا أكلم زيدا وعمرا فما لم يكلمها لا يحنث وقال بشر عن أبي يوسف لو قال والله لا أدخل الدار يوما ويوما فهو مثل
حلفه على يومين قال أبو يوسف ولا يشبه هذا قوله ولا أدخلها اليوم وغدا لان قوله يوما ويوما عطف زمان منكر على
زمان منكر فصار كقوله يومين فيدخل الليل وقوله اليوم وغدا عطف زمان معين على زمان معين ولا ضرورة إلى
ادخال الليل فيه فلا يدخل ولو قال والله لا أكلم زيدا يوما والله لا أكلمه يومين والله لا أكلمه ثلاثة أيام فاليوم الأول
من حين فرغ من اليمين الثالثة عليه ثلاثة أيام واليوم الثاني عليه يمينان الثانية والثالثة واليوم الثالث عليه يمين واحدة
وهي الثالثة لان كل يمين ذكرها تختص بما يعقبها فانعقدت اليمين الأولى على الكلام في يوم عقيب اليمين والثانية
في يومين عقيب اليمين والثالثة في ثلاثة أيام عقيب اليمين فانعقدت على الكلام في اليوم الأول ثلاثة أيمان وعلى
الثاني يمينان وعلى الثالث واحدة ونظير هذه المسائل ما روى داود بن رشيد عن محمد فيمن قال والله لا أكلمك اليوم
سنة أو لا أكلمك اليوم شهرا فعليه أن يدع كلامه في ذلك اليوم شهر أو في ذلك اليوم سنة حتى يكمل كلما دار ذلك
اليوم في ذلك الشهر أو في تلك السنة لان اليوم الواحد يستحيل أن يكون شهرا أو سنة فلم يكن ذلك مراد الحالف
فكان مراده أن لا يكلمه في مثله شهرا أو سنة فان قال لا أكلمك اليوم عشرة أيام وهو في يوم السبت فهذا على سبتين
49

لان اليوم لا يكون عشرة أيام فلم يكن ذلك مرادا فيقع على عشرة أيام لأنه لا يدور في عشرة أيام أكثر من سبت واحد
وكذلك لو قال والله لا أكلمك السبت مرتين كان على سبتين لان السبت لا يكون يومين فكان المراد منه مرتين
وكذلك لو قال لا أكلمك يوم السبت ثلاثة أيام كان كلها يوم السبت لما بينا ولو قال لا أكلمك يوما ما أو لا أكلمك يوم
السبت يوما فله أن يجعله أي يوم شاء لأنه عقد يمينه على يوم شائع في أيام فكان التعيين إليه ولو قال ابن سماعة عن محمد
فيمن قال لا أكلمك يوما بين يومين ولا نية له قال فكل يوم بين يومين وهو عندي بمنزلة قوله لا أكلمك يوما فيكون على يوم
من ساعة حلف والله عز وجل أعلم (وأما) المبهم فنحو ان يحلف ان لا يكلم فلانا زمنا أو حينا أو الزمان أو الحين فإن لم
يكن له نية يقع على ستة أشهر لان الحين يذكر ويراد به الوقت القصير قال الله تعالى فسبحان الله حين تمسون وحين
تصبحون قيل حين تمسون صلاة المغرب والعشاء وحين تصبحون صلاة الفجر ويذكر ويراد به الوقت الطويل
قال الله تعالى هل أتى على الانسان حين من الدهر قيل المراد منه أربعون سنة ويذكر ويراد به الوسط قال الله تعالى
تؤتى أكلها حين باذن ربها قيل أي ستة أشهر من وقت طلوعها إلى وقت ادراكها قال ابن عباس رضي الله عنهما
هي النخلة ثم عند الاطلاق لا يحمل على الوقت القصير لان اليمين تعقد للمنع ولا حاجة إلى اليمين للمنع في مثل هذه المدة
لأنه يمنع بدون اليمين ولا يحمل على الطويل لأنه يراد ذلك عادة ومن أراد ذلك بلفظة الأبد فتعين الوسط وكذا روى
عن ابن عباس رضي الله عنهما انه حمله على ذلك ولان كل واحد من الطرفين في غاية البعد عن صاحبه والوسط قريب
منهما فيحمل عليه وإذا ثبت هذا في الحين ثبت في الزمان لكونهما من الأسماء المترادفة وعن ثعلب ان الزمان في كلام
العرب ستة أشهر وان نوى الحالف شيئا مما ذكرنا فهو على ما نوى لأنه نوى ما يحتمله كلامه ولفظه لما بينا ومنهم من
قال يصدق في الوقت اليسير في الحين ولا يصدق في الزمان لأنه قد ثبت استعمال اللفظ في اليسير في الحين كما في قوله
تعالى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ولم يثبت في الزمان وذكر الكرخي في الجامع عن أبي حنيفة انه يدين
في الزمان والحين في كل ما نوى من قليل أو كثير وهو الصحيح وروى عن أبي يوسف أنه لا يدين فيما دون ستة أشهر
في القضاء ولو قال لا أكلمه دهرا أو الدهر فقال أبو حنيفة إن كانت له نية فهو على ما نوى وان لم تكن له نية فلا أدرى ما
الدهر وقال أبو يوسف ومحمد إذا قال دهرا فهو ستة أشهر وإذا قال الدهر فهو على الأبد ومن مشايخنا من قال
لا خلاف في الدهر المعروف انه الأبد وإنما توقف أبو حنيفة رضي الله عنه في الدهر المنكر فإنه قال إذا قال دهرا
لا أدري ما هو وذكر في الجامع الكبير أن قوله الدهر ينصرف إلى جميع العمر ولم يذكر فيه الخلاف وقوله دهرا
لا يدرى تفسيره وفي الجامع الصغير أشار إلى التوقف في الدهر المعرف أيضا فإنه قال والدهر لا أدرى ما هو وروى
بشر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في قوله دهرا والدهر انهما سواء فهما جعلا قوله دهرا كالحين والزمان لأنه يستعمل
استعمال الحين والزمان يقال ما رأيتك من دهر وما رأيتك من حين على السواء فإذا أدخل عليه الألف واللام صار
عبارة عن جميع الزمان وروى عن أبي يوسف أن قوله الدهر يقع على ستة أشهر لكنه خلاف ظاهر الرواية عنهما
وأبو حنيفة كأنه رأى الاستعمال مختلفا فلم يعرف مراد المتكلم عند اطلاق الاسم فتوقف وقال لا أدرى أي
لا أدرى بماذا يقدر إذ لا نص فيه عن أحد من أرباب اللسان بخلاف الحين والزمان فان فيهما نصا عن ابن عباس
رضي الله عنهما فإنه فسر قوله تعالى تؤتى أكلها كل حين باذن بها بستة أشهر والزمان والحين ينبئان عن معنى واحد
وهذا على قول من قال من مشايخنا انه توقف في المنكر لا في المعرف أو لم يعرف حقيقة معناه لغة فتوقف فيه والتوقف
فيما لا يعرف لعدم دليل المعرفة ولتعارض الأدلة وانعدام ترجيح البعض على البعض امارة كمال العلم وتمام الورع
فقد روى أن ابن عمر رضي الله عنهما سئل عن شئ فقال لا أدرى وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن
أفضل البقاع فقال لا أدرى فلما نزل جبريل عليه الصلاة والسلام سأله فعرج إلى السماء ثم هبط فقال سألت ربي عز
وجل عن أفضل البقاع فقال المساجد وأفضل أهلها من جاءها أولا وانصرف آخرا وشر أهلها من جاءها آخرا
50

وانصرف أولا ولو قال يوم أكلم فلانا فامرأته طالق ولا نية له فكلمه ليلا أو نهارا يحنث وكذا إذا قال يوم أدخل هذه
الدار لان اليوم إذا قرن بفعل غير ممتد يراد به مطلق لوقت في متعارف أهل اللسان قال الله عز وجل ومن يولهم يومئذ
دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله الآية ومن ولى دبره بالليل يلحقه الوعيد كما لو ولى بالنهار فان
نوى به الليل خاصة دين في القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه وروى عن أبي يوسف انه لا يدين لان اللفظ جعل عبارة
عن مطلق الوقت في عرف الاستعمال فلا يصدق في الصرف عنه وان قال ليلة أكلم فلانا أو ليلة يقدم فلان فأنت
طالق فكلمه نهارا أو قدم نهارا لا تطلق لان الليلة في اللغة اسم لسواد الليل يقال لليلة المظلمة ليلة ليلاء وليل أليل ولا
غرف ههنا يصرف اللفظ عن مقتضاه لغة حتى لو ذكر الليالي حملت على الوقت المطلق لأنهم تعارفوا استعمالها في
الوقت المطلق معروف ذلك في أشعارهم كما قالوا * ليالي لاقتنا جذام وحميرا * ولو قال لامرأته يوم يقدم فلان
فأمرك بيدك فقدم فلان ليلا لا يكون لها من الامر شئ لان ذكر اليوم في حال ذكر الامر يراد به الوقت المعين لان
ذكر الامر يقتضى الوقت لا محالة وهو المجلس لان الصحابة رضي الله عنهم جعلوا للمخيرة الخيار ما دامت في مجلسها
فقد وقتوا للامر وقتا فإذا كان كذلك استغنى عن الوقت فيقع ذكر اليوم على بياض النهار فإذا قدم نهارا صار الامر
بيدها علمت أو لم تعلم ويبطل بمضي الوقت لان هذا أمر موقت فيبطل بمضي الوقت والعلم ليس بشرط كما إذا قال أمرك
بيدك اليوم فمضى اليوم أنه يخرج الامر من يدها وأما في الامر المطلق فيقتصر على مجلس علمها ولو قال ليلة يقدم فلان
فأمرك بيدك فقدم نهارا لم يثبت لها ذلك الامر لما ذكرنا أن الليلة عبارة عن سواد الليل وذكر في الجامع إذا قال والله
لا أكلمك الجمعة فله أن يكلمه في غير يوم الجمعة لان الجمعة اسم ليوم مخصوص فصار كما لو قال لا أكلمك يوم الجمعة
وكذلك لو قال جمعا له أن يكلمه في غير يوم الجمعة لان الجمع جمع جمعة وهي يوم الجمعة فلا يتناول غيره بخلاف ما إذا قال
لا أكلمه أياما أنه يدخل فيه الليالي لأنا إنما عرفنا ذلك بعرف الاستعمال قال الله تعالى في قصة زكريا عليه الصلاة
والسلام ثلاثة أيام الا رمزا وقال تعالى في موضع آخر ثلاث ليال سويا والقصة واحدة ومثل هذا الاستعمال لم
يوجد في مثل قوله جمعا ثم إذا قال والله لا أكلمك جمعا فهو على ثلاث جمع لان أقل الجمع الصحيح ثلاثة عندنا فيحمل
عليه لكونه متيقنا وإذا قال الجمع فهو على عشر جمع في قول أبي حنيفة وكذلك الأيام والأزمنة والأحايين والشهور
والسنين أن ذلك يقع على عشرة أيام وعشرة أحايين أو أزمنة وعشرة أشهر وعشرة سنين وقال أبو يوسف ومحمد في
الجمع والسنين انه يقع على الأبد وكذا في الأحايين والأزمنة وفي الأيام على سبعة وفي الشهور على اثنى عشر والأصل
عندهما فيما دخل عليه حرف التعريف وهو اللام من أسماء الجمع ان ينظر إن كان هناك معهود ينصرف إليه كالسبعة في
الأيام والاثنى عشر في الشهور وان لم يكن هناك معهود ينصرف إلى جميع الجنس فيستغرق العمر كالسنين والأحايين
والأزمنة والأصل عند أبي حنيفة أنه ينصرف ذلك إلى أقصى ما يطلق عليه لفظ الجمع عند اقترانه بالعدد وذلك عشرة
(وجه) قولهما أن اللفظ المعرف إذا لم يصرف إلى الجنس فاما ان يصرف إلى المعهود واما أن يصرف إلى بعض الجنس
والصرف إلى المعهود أولى لأنه لا يحتاج فيه إلى الادراج وفي الصرف إلى البعض يحتاج إلى ادراج لفظة البعض فكان
الصرف إلى المعهود أولى والمعهود في الأيام السبعة التي يتركب منها الشهر وهي من السبت إلى الجمعة وفي الشهور الاثني
عشر التي تركب منها السنة وإذا لم يكن هناك معهود فالصرف إلى الجنس أولى فيصرف إليه ولأبي حنيفة استعمال
أرباب أهل اللغة وأهل اللسان في الجموع فان أقصى ما يطلق عليه لفظ الجمع عند اقترانه بالعدد هو العشرة ويقال
ثلاثة رجال وأربعة رجال وعشرة رجال ثم إذا جاوز العشرة يقال أحد عشر رجلا وعشرون رجلا ومائة رجل
وألف رجل ولان لفظ الجمع يطلق على كل قدر من هذه الاقدار التي ذكرنا إلى العشرة في حالة الابهام والتعيين جمعا
ويطلق على ما وراءها من الاقدار في حالة الابهام ولا يطلق في حالة التعيين والاسم متى كان ثابتا لشئ في حالين كان
أثبت مما هو اسم له في حال دون حال بل يكون نازلا من الأول منزلة المجاز من الحقيقة فكان الصرف إلى ما هو اسم له في
51

الحالين أولى فلهذا اقتصر على العشرة ولو حلف لا يكلمه أياما فقد ذكر في الأصل أنه على عشرة أيام في قول أبي حنيفة
وسواء بينه وبين الامام وذكر في الجامع أنه على ثلاثة أيام ولم يذكر فيها الخلاف وهو الصحيح لأنه ذكر لفظ الجمع
منكرا فيقع على أدنى الجمع الصحيح وهو ثلاثة عندنا ولو قال لا أكلمك سنين فهو على ثلاث سنين في قولهم جميعا لما
ذكرنا في الأيام ولو حلف لا يكمله العمر فهو على جميع العمر إذا لم تكن له نية ولو قال عمرا فعن أبي يوسف روايتان في
رواية يقع على يوم وفي رواية يقع على ستة أشهر كالحين وهو الأظهر ولو حلف لا يكلمه حقبا فهو على ثمانين سنة لأنه
اسم له ولو حلف لا يكلمه أياما كثيرة فهو على عشرة أيام في قياس قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف مثله لأنه أدخل
الكثرة على اسم الجمع فصار كما لو ذكر بلام الجنس وذكر في الجامع الصغير أن على قول أبى يوسف ومحمد يقع على
سبعة أيام ولو قال لا أكلمك كذا وكذا يوما فهو على أحد وعشرين لأنه أقل عدد يعطف على عدد بحرف العطف ولو
قال كذا كذا يوما فهو على أحد عشر يوما ولو حلف لا يكلمه بضعة عشر يوما فهو على ثلاثة عشر يوما لان البضع من
ثلاثة إلى تسعة فيحمل على أقلها ولو حلف لا يكلمه إلى بعيد يقع على شهر فصاعدا ولو حلف لا يكمله إلى قريب ولا
نية له فهو على أقل من شهر ولو حلف لا يكلمه عاجلا ولا نية له فهو على أقل من شهر لان الشهر في حكم الكثير لأنه
يجعل أجلا في الديون فكان بعيدا وآجلا وما دونه عاجلا ولو حلف لا يكلمه مليا يقع على شهر كالبعيد سواء الا أن
يعنى به غيره وذكر الكرخي إذا قال والله لأهجرنك مليا فهو على شهر وأكثر فان نوى أقل من ذلك لم يدين في القضاء
لأنه جاء في تأويل قوله واهجرني مليا أي طويلا وهذا يقتضى ما زاد على الشهر ولو حلف أن لا يكلمه الشتاء فأول
ذلك إذا لبس الناس الحشو والفراء وآخر ذلك إذا ألقوها على البلد الذي حلف فيه والصيف على ضده وهو من
حين القاء الحشو إلى لبسه والربيع آخر الشتاء ومستقبل الصيف إلى أن يبس العشب والخريف فصل بين الشتاء
والصيف والمرجع في ذلك كله إلى اللغة وقال خلف بن أيوب سألت محمدا عن رجل حلف لا يكلم رجلا إلى الموسم
قال يكلمه إذا أصبح يوم النحر لأنه أول الموسم وقال أبو يوسف يكلمه إذا زالت الشمس يوم عرفة لأنه وقت
الركن الأصلي وهو الوقوف بعرفة وقال عمر وعن محمد غرة الشهر ورأس الشهر أول ليلة ويومها وأول الشهر إلى
ما دون النصف وآخره إلى مضى خمسة عشر يوما وقد روى عن أبي يوسف فيمن قال لله على أن أصوم أول يوم من
آخر الشهر وآخر يوم من أول الشهر فعليه صوم اليوم الخامس عشر والسادس عشر لان الخامس عشر آخر أوله
والسادس عشر أول آخره إذا قال والله لأكلمنك أحد يومين أو لأخرجن أحد يومين أو قال اليومين أو قال أحد أيامى
فهذا كله على أقل من عشرة أيام ان كلمه قبل العشرة أو خرج قبل العشرة لم يحنث ويدخل في ذلك الليل والنهار لان
مثل هذا لا يراد به يومان بأعيانهما وإنما يذكر على طريق التقريب على طريق العشرة وما دونها في حكم الزمان الحاضر
فان قال أحد يومى هذين فهذا على يومه ذلك والغد لأنه أشار إلى اليومين والإشارة تقع على المعين ولو حلف لا يكلم
فلانا وفلانا هذه السنة الا يوما فان جمع كلامهما في يوم له استثناه لا يحنث لان اليوم الذي يكلمهما فيه مستثنى من
اليمين فان كلم أحدهما في يوم والآخر في يوم حنث لان المستثنى يوم يكلمهما جميعا فيه ولو يوجد فقد كلمهما في غير
اليوم المستثنى فيحنث فان كلم أحدهما ثم كلمهما جميعا في يوم لم يحنث لان اليوم الذي كلمهما فيه مستثنى وشرط
الحنث في غيره كلامهما لا كلام أحدهما وان كلمهما في يوم آخر لم يحنث لان الاستثناء وقع على يوم منكر يكلمهما
فيه فكأنه قال الا يوم أكلمهما فيه ولو استثنى يوما معروفا فكلم أحدهما فيه والآخر في الغد لم يحنث لان شرط
الحنث في غير اليوم المستثنى كلامهما ولم يوجد فلم يوجد الشرط بل بعضه قال محمد إذا قال لا أكلمهما الا يوما ما لم يحنث
بكلامهما في يوم واحد وان كلمهما في يوم آخر حنث لأنه لم يستثن الا يوما واحدا وقد وجد فصارت اليمين بعده
مطلقة وروى هشام عن محمد إذا قال لا أكلمك شهرا الا يوما أو قال غير يوم أنه على ما نوى وان لم تكن له نية فله أن
يتحرى أي يوم شاء لأنه استثنى يوما منكرا وكل يوم من الشهر يصلح للاستثناء فان قال نقصان يوم فهذا على تسعة
52

وعشرين يوما لان نقصان الشهر يكون من آخره والله عز وجل أعلم ولو حلف لا يكلم فلانا أو فلانا فكلم أحدهما
حنث لان كلمة أو إذا ذكرت عقيب كلمة النفي أوجبت انتفاء كل واحد من المذكورين على الانفراد قال الله تعالى
ولا تطع منهم آثما أو كفورا أي ولا كفورا وكذلك لو قال ولا فلانا لان كلمة النفي إذا أعيدت تناولت كل واحد
من المذكورين على حياله قال الله تعالى فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ولو حلف لا يكلم فلانا وفلانا لم يحنث
حتى يكلمهما لان حرف الواو للجمع والجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع فكأنه حلف لا يكلمهما فقد علق الجزاء
بشرطين فلا ينزل عن وجود أحدهما دون الآخر ولو حلف لا يكلم فلانا وفلانا أو فلانا فان كلم أحد الأولين
لا يحنث ما لم يكلمهما وان كلم الثالث حنث لأنه جعل شرط الحنث كلام الأولين جميعا أو كلام الثالث فأي ذلك وجد
حنث ولو قال لا أكلم هذا أو هذا وهذا فان كلم الأول حنث وان كلم أحد الآخرين لم يحنث لأنه جعل شرط
الحنث كلام الأول أولا ثم الآخرين فيراعى شرطه ولو حلف لا يكلم الناس أو لا يكلم بني آدم فكلم واحدا منهم
يحنث لأنه لا يمكن حمله على الجنس والعموم لان الحالف إنما يمنع نفسه عما في وسعه وليس في وسعه تكليم الناس
كلهم فلم يكن ذلك مراده والى هذا أشار محمد في الجامع فقال ألا ترى أنه لا يقدر أن يكلم بني آدم كلمهم وليس ههنا معهود
يصرف اللفظ إليه فتعين الصرف إلى بعض الجنس ويضمر فيه لفظة البعض وأن عنى به الكل لا يحنث أبدا ويكون
مصدقا فيما بينه وبين الله عز وجل وفي القضاء أيضا لأنه نوى حقيقة كلامه وهي الجنس وروى عن أبي يوسف
انه لا يدين في القضاء لأنه لا يراد الجنس بهذا الكلام فقد نوى خلاف الظاهر فلا يصدق قضاء وعلى هذا إذا حلف
لا يتزوج النساء أو لا يشترى العبيد ولو حلف لا يبتدئ فلانا بكلامه أبدا فالتقيا فسلم كل واحد منهما على صاحبه
معا لم يحنث الحالف لعدم شرط الحنث وهو ابتداؤه فلانا بالكلام لان ذلك بتكليمه قبل تكليم صاحبه ولم يوجد
وكذلك لو قال إن كلمتك قبل أن تكلمني فإنه لما خرج كلامهما معا فلم يكلم الحالف قبل تكليمه فلم يوجد شرط
الحنث ولو قال إن كلمتك حتى تكلمني فتكلما معا لم يحنث في قول أبى يوسف وقال محمد يحنث وجه قوله أن الحالف
بقوله إن كلمتك منع نفسه عن تكليمه مطلقا وجعل تكليم صاحبه إياه غاية لانحلال اليمين فإذا كلمه قبل وجود الغاية
حنث ولأبي يوسف أن غرض الحالف من هذا الكلام أن يمنع نفسه عن تكليم المحلوف عليه قبل كلامه ولم يوجد
ذلك فصار كأنه قال إن بدأتك وعلى هذا الخلاف إذا قال لا أكلمك الا أن تكلمني لان كلمة الا أن إذا دخلت على
ما يتوقت كانت بمعنى حتى قال الله تعالى لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم الا أن تقطع قلوبهم وكذلك لو حلف
لا يدخل هذه الدار حتى يدخلها فلان وحلف الآخر على مثل ذلك فدخلا جميعا لم يحنث عند أبي يوسف ويحنث
عند محمد والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما الحلف على الاظهار والافشاء والاعلان والكتمان والاسرار والاخفاء والاخبار والبشارة
والقراءة ونحوها إذا حلف لا أظهر سرك لفلان أو لا أفشى أو حلف ليكتمن سره أو ليسترنه أو ليخفينه فكلم فلانا
بسره أو كتب إليه فبلغه الكتاب أو أرسل إليه رسولا فبلغه الرسالة أو سأله فلان عن ذلك وقال أكان من الامر كذا
فأشار الحالف برأسه أي نعم فهو حانث لوجود شرط الحنث وهو اظهار السر إذ الاظهار اثبات الظهور وذلك لا يقف
على العبارة بل يحصل بالدلالة والإشارة ألا ترى أنه يقال ظهر لي اعتقاد فلان إذا فعل ما يدل على اعتقاده وكذا
الإشارة بالرأس عقيب السؤال يثبت به ظهور المشار إليه فكان اظهارا فان نوى به الكلام أو الكتاب دون الايماء
دين في ذلك لأنه نوى تخصيص ما في لفظه فيدين فيما بينه وبين الله عز وجل وكذلك لو حلف لا يعلم فلانا بمكان
فلان فسأله المحلوف عليه أفلان في موضع كذا وكذا فأومأ برأسه أي نعم يحنث لوجود شرط الحنث وهو الاعلام
إذ هو اثبات العلم الذي يحد بأنه صفة يتجلى بها المذكور لمن قامت هي به فان نوى به الاخبار بالكلام أو بالكتاب
يدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى تخصيص العموم وانه جائز وإن كان خلاف الظاهر فيصدق فيما بينه وبين الله
53

تعالى ولا يصدق في القضاء لمخالفته الظاهر ولو كان مكان الاعلام اخبار بان حلف لا يخبر فلانا بمكان فلان لا يحنث
الا بالكلام أو بالكتاب أو بالرسالة ولو أومأ برأسه لا يحنث وكذا لو ذهب به حتى أوقفه على رأس فلان لا يحنث
لان شرط الحنث هو الاخبار والإشارة ليست بخبر وكذا الايقاف على رأسه إذ الخبر من أقسام الكلام ألا ترى
أنهم قالوا أقسام الكلام أربعة أمر ونهى وخبر واستخبار ويحد بأنه كلام عرى عن معنى التكليف والإشارة
ليست بكلام فلم تكن خبرا والايقاف على رأسه من باب الاعلام لا من باب الخبر وكل خبر اعلام وليس كل اعلام خبرا
والدليل عليه أن الكتاب إذا قرئ على إنسان وقيل له أهو كما كتب فيه فأشار برأسه اي نعم لا يصير مقرا وكل
اقرار اخبار وكذا لو حلف لا يقر لفلان بمال فقيل له الفلان عليك ألف درهم فأشار برأسه أي نعم لا يكون ذلك منه
اقرارا وكذا إذا قرأ على إنسان كتاب الاخبار فقيل له أهو كما قرأت عليك فأومأ برأسه أي نعم لا يصير مقرا وكل
اقرار اخبار وكذا إذا قرأ على إنسان كتاب الاخبار فقيل له أهو كما قرأت عليك فأومأ برأسه أي نعم ليس له ان
يروى عنه بحدثنا ولا بأخبرنا فدل أن الايماء ليس باخبار ولو نوى بالاخبار الاظهار أو الاعلام يحنث إذا أومأ لأنه
جعله مجازا عن الاظهار لمناسبة بينهما وفيه تشديد على نفسه فيصدق ثم في يمين الاظهار والاعلام لو أراد الحالف
أن لا يحنث ويحصل العلم والظهور ينبغي أن يقال له انا نعد عليك أمكنة أو أشياء من الاسرار فإن لم تتكلم بمكان فلان
ولا سره فقل لنا ليس كما تقولون وان تكلمنا بسره أو بمكانه فاسكت ففعل ذلك لا يحنث لانعدام شرط الحنث وهو
الاظهار والاعلام لما ذكرنا ان الاظهار هو اثبات الظهور والاعلام هو اثبات العلم ولم يوجد لان الظهور والعلم
حصل من غير صنعه وهذه الحيلة منقولة عن أبي حنيفة والقصة مشهورة وكذلك لو حلف لا يدلهم ففعل مثل ذلك
فهذا ليس بدلالة لان الحالف حلف على فعل نفسه وهو الدلالة لا على فعلهم وهو الاستدلال والموجود ههنا فعلهم لا
فعله فلم يوجد شرط الحنث فلا يحنث ولو أومأ إليهم برأسه أو أشار إليهم كان ذلك دلالة الا أن يعنى بالدلالة الخبر
باللسان أو بالكتاب فيكون على ما عنى لان اسم الدلالة يقع على الفعل والقول لوجود معناها فيهما فإذا نوى به أحدهما
فقد نوى تخصيص ما في لفظه فيصدق والبشارة حكمها حكم الخبر في أنها لا تتناول الا الكلام أو الكتاب لأنها خبر
الا أنها خبر موصوف وهو الخبر الذي يؤثر في بشرة وجه المخبر له باظهار أثر السرور وقد يستعمل فيما يؤثر في بشرته
باظهار أثر الحزن مجازا كما في قوله عز وجل فبشرهم بعذاب اليم لكن عند الاطلاق يقع على الأول وإنما يقع على الثاني
بالقرينة وكذا الاقرار بأن حلف ان لا يقر لفلان بحقه فهو على مثل الخبر ولا يحنث بالإشارة لان الاقرار اخبار عن
الماضي ثم يقع الفرق بين البشارة والاعلام وبين الاخبار من حيث إن الاعلام والبشارة يشترط لثبوتهما الصدق
فلا يثبتان بالكذب ولا بما علمه المخاطب قبل الاعلام والبشارة سواء وصل ذلك بحرف الباء أو بكلمة ان حتى أنه
لو قال لغيره ان أعلمتني ان فلانا قدم أو قال إن أعلمتني بقدوم فلان فأخبره كاذبا لا يحنث لان الاعلام اثبات العلم
والكذب لا يفيد العلم وكذا لو كان المخاطب عالما بقدومه لان اثبات الثابت محال وكذا في البشارة لأنها اسم لخبر
سار والكذب لا يسر وإذا كان عالما بقدومه فالسرور كان حاصلا وتحصيل الحاصل مستحيل واما الخبر فان
وصله بحرف الباء بان قال إن أخبرتني بقدوم فلان فالجواب فيه وفي الاعلام والبشارة سواء وان وصله بكلمة ان بأن
قال إن أخبرتني ان فلانا قدم فأخبره كاذبا أو أخبره بعدما كان علم المخاطب بقدومه باخبار غيره يحنث والفرق يعرف
في الجامع الكبير ولو حلف لا يتكلم بسر فلان ولا بمكانه فكتب أو أشار لا يحنث لان الكتابة والإشارة ليست
بكلام وإنما تقوم مقامه ألا ترى أن الله تعالى أنزل الينا كتابا ولا يقال إن الله تعالى في العرف كلمنا فان سئل عنه فقال نعم
فقد تكلم لان قوله نعم لا يستقل بنفسه ويضمر فيه السؤال كما في قوله تعالى فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم أي
وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فقد أتى بكلام دال على المراد ولو حلف لا يستخدم فلانة فاستخدمها بكلام أو أمرها بشئ
من خدمة أو أشار إليها بالخدمة فقد استخدمها فهو حانث لان الاستخدام طلب الخدمة وقد وجد ولو كانت هذه
54

الايمان كلها وهو صحيح ثم خرس فصار لا يقدر على الكلام كانت ايمانه في هذا كله على الإشارة والكتاب في جميع
ما وصفنا الا في خصلة واحدة وهي ان يحلف أن لا يتكلم بسر فلان فلا يحنث الا بالتكلم لان الكلام العرفي اسم
لحروف منظومة تدلا على معنى مفهوم وذلك لا يوجد في الإشارة والخبر والافشاء والاظهار من الأخرس إنما يكون
بالإشارة فيحنث بهما وكل شئ حنث فيه من هذه الأشياء بالإشارة فقال أشرت وأنا لا أريد الذي حلفت عليه
فإن كان فعل ذلك جوابا لشئ مما سئل عنه لم يصدق في القضاء لان الإشارة فيها احتمال فإن كان هناك دلالة حال
زال الاحتمال وان لم يكن يرجع إلى نيته وذكر ابن سماعه في نوادره عن محمد إذا قال والله لا أقول كذا لفلان فهو عندي
مثل الخبر والبشارة ألا يرى أن رجلا لو قال والله لا أقول لفلان صبحك الله بخير ثم أرسل إليه رسولا فقال قل
لفلان يقول لك فلان صبحك الله بخير فإنه حانث قال ألا ترى ان القائل هو المرسل وان الرسول هو القائل ذلك لفلان
ولو كان هو هذا الذي حلف عليه لم يحنث ألا ترى ان الرجل يقول قال الله عز وجل لنا في كتابه الكريم كذا ولو قال
والله لا أكلم فلانا بهذا الامر فهذا على الكلام بعينه لا يحنث بكتاب ولا رسول ألا ترى انك لا تقول كلمنا الله تعالى
بكذا وأما الحديث فهو على المشافهة لان ما سوى الكلام ليس بحديث ولو قال أي عبيدي يبشرني بكذا فهو حر
فبشروه جميعا عتقوا لوجود البشارة من كل واحد منهم لوجود حد البشارة وهو ما ذكرناه ولو بشره واحد بعد واحد
لم يعتق الثاني لأنه ليس بمبشر وإنما هو مخبر ألا ترى ان خبر الثاني لا يؤثر في وجه المخبر له ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه
لما بلغه قول النبي صلى الله عليه وسلم من أراد أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد وأخبره
بذلك أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما فقال رضي الله عنه بشرني به أبو بكر ثم أخبرني به عمر رضي الله عنهما فان أرسل إليه
أحدهم رسولا فان أضاف الرسول الخبر إلى المرسل فقال إن عبدك فلان يخبرك بكذا عتق العبد لان المرسل هو
المبشر وان أخبر الرسول ولم يضف ذلك إلى العبد لم يعتق العبد لان البشارة منه لا من المرسل ولو حلف لا يكتب إلى
فلان فامر غيره فكتب فقد روى هشام عن محمد أنه قال سألني هارون الرشيد أمير المؤمنين أصلحه الله عن هذا
فقلت إن كان سلطانا يأمر بالكتاب ولا يكاد هو يكتب فإنه يحنث لأنه إذا كان لا يباشر الكتابة بنفسه عادة بل
يستكتب غيره فيمينه تقع على العادة وهو الامر بالكتابة قال هشام قلت لمحمد فما تقول إذا حلف لا يقرأ لفلان
كتابا فنظر في كتابه حتى أتى آخره وفهمه ولم ينطق به قال سأل هارون أبا يوسف عن ذلك وقد كان ابتلى بشئ منه
فقال لا يحنث ولا أرى أنا ذلك وقد روى خلف بن أيوب وداود بن رشيد وابن رستم أيضا عن محمد انه يحنث فأبو
يوسف اعتبر الحقيقة لأنه لم يقرأه حقيقة إذ القراءة لا تكون الا بتحريك اللسان بالحروف ولم يوجد ألا ترى ان المصلى
القادر على القراءة إذا لم يحرك لسانه بالحروف لا تجوز صلاته وكذا لو حلف لا يقرأ سورة من القرآن فنظر فيها
وفهمها ولم يحرك لسانه لم يحنث ومحمد اعتبر العرف والعادة ومعاني كلام الناس وهم إنما يريدون بمثل هذه اليمين
الامتناع عن الوقوف على ما في الكتاب وقد وقف على ما فيه فيحنث قال هشام عن محمد إذا قرأ الكتاب الا سطرا
قال كأنه قرأه قلت فان قرأ نصفه قال لا يعنى لم يقرأه قال محمد إذا قرأ بعضه فان أتى على المعاني التي يحتاج إليها فكأنه قد
قرأه لان تلك المعاني هي المقصودة بالكتاب ولو حلف لا يقرأ سورة فترك منها حرفا حنث وان ترك آية طويلة لم
يحنث لأنه يسمى قارئا للسورة مع ترك حرف منها ولا يسمى مع ترك ما هو في حكم الآية الطويلة وروى ابن
رستم عن محمد أنه قال لا أبلغك مثل لا أخبرك وكذلك أذكرك بشئ أو لا أذكرك شيئا فإنه يحنث بالكتاب فاما
الذكر والاخبار والاعلام والابلاغ على الكتاب والقول والكلام على الكتاب أيضا قال عمر وسألت محمدا
رجل حلف لا يتمثل بشعر فتمثل بنصف بيت قال لا يحنث قال قلت فإن كان نصف البيت من شعر آخر قال
لا أدرى ما هذا لا يحنث لان الشعر ما ظهر فيه النظم وذلك لا يكون الا في بيت قال وسألت محمدا عن رجل فارسي
حلف أن يقرأ الحمد بالعربية فقرأها فلحن قال لا يحنث وان حلف رجل فصيح أن يقرأ الحمد بالعربية فقرأها فلحن
55

حنث إذا لم يكن لأحدهما نية لان العربي إنما أراد بيمينه أن يقرأ بموضوع العرب وذلك المعرب دون الملحون فاما
العجمي فإنما يريد اللغة العربية دون العجمية والملحون يعد من العربية والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما الحلف على الأكل والشرب والذوق والغداء والعشاء والسحور والضحوة والتصبح فلابد من
بيان معاني هذه الأشياء فالاكل هو ايصال ما يحتمله المضغ بفيه إلى الجوف مضغ أو لم يمضغ كالخبز واللحم والفاكهة
ونحوها والشرب ايصال ما لا يحتمل المضغ من المائعات إلى الجوف مثل الماء والنبيذ واللبن والعسل الممخوض
والسويق الممخوض وغير ذلك فان وجد ذلك يحنث والا فلا يحنث الا إذا كان يسمى ذلك أكلا أو شربا في العرف
والعادة فيحنث إذا عرف هذا فنقول إذا حلف لا يأكل كذا ولا يشربه فأدخله في فيه ومضغه ثم ألقاه لم يحنث حتى
يدخله في جوفه لأنه بدون ذلك لا يكون أكلا وشربا بل يكون ذوقا لما نذكر معنى الذوق إن شاء الله تعالى في موضعه
قال هشام سألت محمدا عن رجل حلف لا يأكل هذه البيضة أو لا يأكل هذه الجوزة فابتلعها قال قد حنث لوجود حد
الاكل وهو ما ذكرنا ولو حلف لا يأكل عنبا أو رمانا فجعل يمضغه ويرمى بثقله ويبلع ماءه لم يحنث في الاكل ولا في
الشرب لان ذلك ليس بأكل ولا شرب بل هو مص وان عصر ماء العنب فلم يشربه وأكل قشره وحصرمه فإنه
يحنث لان الذاهب ليس الا الماء وذهاب الماء لا يخرجه من أن يكون أكلا له ألا ترى انه إذا مضغه وابتلع الماء انه
لا يكون أكلا بابتلاع الماء بل بابتلاع الحصرم فدل ان أكل العنب هو أكل القشر والحصرم منه وقد وجد فيحنث
وقال هشام عن محمد في رجل حلف لا يأكل سكرا فأخذ سكرة فجعلها في فيه فجعل يبلع ماءها حتى ذابت قال لم يأكل
لأنه حين أوصلها إلى فيه وصلت وهي لا تحتمل المضغ وكذا روى عن أبي يوسف فيمن حلف لا يأكل رمانا فمص
رمانة انه لا يحنث ولو حلف لا يأكل هذا اللبن فأكله بخبز أو تمر أو حلف لا يأكل هذا الخل فأكله بخبز يحنث لان
أكل اللبن هكذا يكون وكذلك الخل لأنه من جملة الادام فيكون أكله بالخبز كاللبن فان أكل ذلك بانفراده لا يحنث
لان ذلك شرب وليس بأكل فان صب على ذلك الماء ثم شربه لم يحنث في قوله لا آكل لعدم الاكل ويحنث في قوله
لا أشرب لوجود الشرب وكذلك ان حلف لا يأكل هذا الخبز فجففه ثم دقه وصب عليه الماء فشربه لا يحنث لان هذا
شرب لا أكل فان أكله مبلولا أو غير مبلول يحنث لان الخبز هكذا يؤكل عادة وكذلك السويق إذا شربه بالماء فهو
شارب وليس بأكل ولو حلف لا يأكل طعاما فان ذلك يقع على الخبز واللحم والفاكهة سوى التمر ونحو ذلك ويقع
على ما يؤكل على سبيل الادام مع الخبز لان الطعام في اللغة اسم لما يطعم الا انه في العرف اختص بما يؤكل بنفسه أو مع
غيره عادة ولا يقع على الهليلج والسقمونيا وإن كان ذلك مطعوما في نفسه لأنه لا يؤكل عادة وان حلف لا يأكل من
طعام فلان فأخذ من خله أو زيته أو كامخه أو ملحه فأكله بطعام نفسه يحنث لان العادة قد جرت بأكل هذه الأشياء
مع الخبز إداما له قال النبي صلى الله عليه وسلم نعم الادام الخل فكان طعاما عرفا فيحنث فان أخذ من نبيذ فلان أو مائه
فأكل به خبزا لا يحنث لأنه لا يؤكل مع الخبز عادة فلا يسمى طعاما وكذا قال أبو يوسف الخل طعام والنبيذ والماء
شراب وقال محمد الخل والملح طعام لما ذكرنا ان الخل والملح مما يؤكل مع غيره عادة والنبيذ والماء لا يؤكل عادة ولو
حلف لا يشترى طعاما فإنه يقع على الحنطة ودقيقها وكان ينبغي في القياس ان يقع على جميع المطعومات كما في اليمين
على الاكل الا ان في الاستحسان يقع على الحنطة ودقيقها لان البيع لا يتم بنفسه بل بالبائع وبائع الحنطة يسمى بائع
الطعام في العرف والاكل يتم بنفسه فيعتبر نفس الاكل دون غيره وصار هذا كمن حلف لا يشترى حديدا فاشترى
سيفا لم يحنث لان بائعه لا يسمى حدادا ولو حلف لا يمس حديدا فمس سيفا يحنث لان المس فعل يتم بنفسه وعلى هذا
باب الزيادات وروى عن أبي يوسف فيمن حلف لا يأكل طعاما فاضطر إلى ميتة فأكل منها لم يحنث وقال الكرخي
وهو احدى الروايتين عن محمد وروى ابن رستم عن محمد انه يحنث وجه هذه الرواية ان الميتة في حال المخمصة طعام
مباح في حق المضطر بمنزلة الطعام المباح في غير هذه الحالة فوجد شرط الحنث فيحنث وجه قول أبي يوسف واحدى
56

الروايتين عن محمد ان اطلاق اسم الطعام لا يتناوله لأنه لا يسمى طعاما عرفا وعادة لأنه لا يؤكل عادة ومبنى الايمان على
معاني كلام الناس وروى عن أبي يوسف في رجل حلف لا يأكل حراما فاضطر إلى ميتة فاكلها قال لا يحنث وروى
عنه انه حانث في يمينه واثمه موضوع وجه هذه الرواية ان الميتة محرمة والرخصة أثرها في تغيير الحكم وهو المؤاخذة لا في
تغيير وصف الفعل وهو الحرمة كالمكره على أكل مال الغير وجه الرواية الأولى وهي الصحيحة ان الميتة حال المخمصة
مباحة مطلقا لا حظر فيها بوجه في حق المضطر وأثر الرخصة في تغيير الحكم والوصف جميعا بدليل انه لو امتنع حتى
مات يؤاخذ به ولو بقيت الحرمة لم تثبت المؤاخذة كما لو امتنع من تناول مال الغير حالة المخمصة أو الاكراه وقال خلف
ابن أيوب سألت أسد بن عمر رضي الله عنهما في رجل حلف لا يأكل حراما فأكل لحم قرد أو كلب أو حدأة أو غراب
قال لا يحنث الا أن يعنى ذلك فيحنث لان مطلق الحرام هو ما تثبت حرمته بدليل مقطوع به وحرمة هذه الأشياء
محل الاجتهاد وقال خلف بن أيوب سألت الحسن فقال هذا كله حرام لقيام دليل الحرمة فيها وان لم يكن مقطوعا به
وروى المعلى عن أبي يوسف ومحمد فيمن حلف لا يركب حراما قال هذا على الزنا لان الحرام المطلق ينصرف إلى
الحرام لعينه وهو الزنا ولأنه يراد به الزنا في العرف فينصرف إليه وقال محمد فإن كان الحالف خصيا أو مجبوبا فهو على
القبلة الحرام وما أشبهها وقال ابن سماعة عن أبي يوسف فيمن حلف لا يطأ امرأة وطأ حراما فوطئ امرأته وقد ظاهر
منها أو وهي حائض قال لا يحنث الا أن ينوى ذلك لان الحرمة تثبت بعارض الحيض والظهار ومطلتي التحريم لا يقع
على التحريم العارض وقال ابن رستم عن محمد فيمن حلف لا يأكل حراما فاشترى بدرهم غصبه من إنسان طعاما
فاكله لم يحنث لان مطلق اسم الحرام إنما يقع على ما كانت حرمته لحق الله تعالى وحرمة هذا لحق العبد ولو غصب
خبزا أو لحما فاكله يحنث بعرف الناس ولو حلف لا يأكل من طعام اشتراه فلان فأكل من طعام اشتراه مع آخر حنث
الا أن يكون نوى شراءه وحده وكذلك لو حلف لا يأكل من طعام ملكه فلان لان بعض الطعام طعام حقيقة ويسمى
طعاما عرفا أيضا بخلاف ما إذا حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارا بينه وبين آخر انه لا يحنث لان بعض الدار
لا يسمى دارا وكذلك لو حلف لا يلبس ثوبا يملكه فلان أو يشتريه فلان فلبس ثوبا اشتراه فلان مع آخر لا يحنث
لان بعض الثوب لا يسمى ثوبا ولو حلف لا يأكل إداما فالإدام كل ما يضطبع به مع الخبز عادة كاللبن والزيت والمرق
والخل والعسل ونحو ذلك وما لا يضطبع به فليس بادام مثل اللحم والشوي والجبن والبيض وهذا قول أبي حنيفة
واحدى الروايتين عن أبي يوسف وقال محمد وهو أحد الروايتين عن أبي يوسف ان كل ما يؤكل بالخبز فهو إدام
مثل اللحم والشوي والبيض والجبن وروى ابن سماعة عن أبي يوسف ان الجوز اليابس إدام واحتج محمد بما روى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال سيد إدام أهل الجنة اللحم وسيد رياحين أهل الجنة الفاغية وهي ورد الحناء
وهذا نص ولان الادام من الائتدام وهو الموافقة قال النبي صلى الله عليه وسلم لمغيرة حين أراد أن يتزوج امرأة لو
نظرت إليها لكان أحرى ان يؤدم بينكما أي يكون بينكما الموافقة ومعنى الموافقة بين الخبز وبين هذه الأشياء في الاكل
ظاهر فكانت إداما ولان الناس يأتدمون بها عرفا وعادة ولأبي حنيفة ان معنى الادام وهو الموافقة على الاطلاق
والكمال لا يتحقق الا فيما لا يؤكل بنفسه مقصودا بل يؤكل تبعا لغيره عادة وأما ما يؤكل بنفسه مقصودا فلا يتحقق فيه
معنى الموافقة وما لا يضطبع يؤكل بنفسه فيختل معنى الادام فيه واللحم ونحوه مما يؤكل بنفسه عادة مع ما ان من سكان
البراري من لا يتغذى الا باللحم وبه تبين ان اطلاق اسم الادام عليه في الحديث على طريق المجاز والبطيخ ليس
بادام في قولهم جميعا لأنه لا يحتمل الاضطباع به ولا يؤكل بالخبز عادة وكذا البقل ليس بادام في قولهم ألا ترى ان آكله
لا يسمى مؤتدما وسئل محمد عن رجل حلف لا يأكل خبزا مأدوما فقال الخبز المأدوم الذي يثرد ثردا يعنى في المرق
والخل وما أشبهه فقيل له فان ثرده في ماء أو ملح فلم ير ذلك مأدوما لان من أكل خبزا بماء لا يسمى مؤتدما في العرف
وقال ابن سماعة عن أبي يوسف ان تسمية هذه الأشياء على ما يعرف أهل تلك البلاد في كلامهم ولو حلف لا يأكل
57

خبزا ولا نية له فهو على خبز الحنطة والشعير الا إن كان الحالف في بلد لا يؤكل فيها الا خبز الحنطة فان يمينه تقع على
خبز الحنطة لا غير وان أكل من خبز لوذينج وأشباه ذلك لا يحنث الا أن يكون نواه وان أكل من خبز الذرة والأرز
فإن كان من أهل بلاد ذلك طعامهم حنث وإن كان من أهل الكوفة ونحوها ممن لا يأكل ذلك عامتهم لا يحنث الا أن
ينوى ذلك لان اسم الخبز يقع على خبز الحنطة والشعير ولا يراد به خبز القطائف عند الاطلاق فلا يحمل عليه وكذا
خبز الأرز في البلاد التي لا يعتاد أكله فيها ولو حلف لا يأكل لحما فأي لحم أكل من سائر الحيوان غير السمك يحنث
ثم يستوى فيه المحرم وغير المحرم والمطبوخ والمشوي والضعيف لان اللحم اسم لاجزاء الحيوان الذي يعيش في البر
فيحنث إذا أكل لحم ميتة أو خنزير أو انسان أو لحم شاة ترك ذابحها التسمية على ذبحها عمدا أو أكل ذبيحة مجوسي أو
مرتد أو لحم صيد ذبحه المحرم ويستوى فيه لحم الغنم والبقر والإبل لان اسم اللحم يتناول الكل وان أكل سمكا
لا يحنث وان سماه الله عز وجل لحما في القرآن العظيم بقوله تعالى لحما طريا لأنه لا يراد به عند الاطلاق اسم اللحم فان
الرجل يقول ما أكلت اللحم كذا وكذا يوما وإن كان قد أكل سمكا الا ترى أن من حلف لا يركب دابة فركب كافرا
لا يحنث وان سماه الله عز وجل دابة بقوله عز وجل ان شر الدواب عند الذين كفروا وكذا لو حلف لا يخرب بيتا فخرب
بيت العنكبوت لم يحنث وان سماء الله سبحانه وتعالى بيتا في كتابه العزيز بقوله وان أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو
كانوا يعلمون وكذا كل شئ يسكن الماء فهو مثل السمك ولو أكل أحشاء البطن مثل الكرش والكبد والفؤاد والكلى
والرئة والأمعاء والطحال ذكر الكرخي أنه يحنث في هذا كله الا في شحم البطن وهذا الجواب على عادة أهل الكوفة في
زمن أبي حنيفة وفي الموضع الذي يباع مع اللحم وأما في البلاد التي لا يباع مع اللحم أيضا فلا يحنث به فاما شحم البطن
فليس بلحم ولا يتخذ منه ما يتخذ من اللحم ولا يباع مع اللحم أيضا فان نواه يحنث لأنه شدد عليه نفسه وكذلك الألية
لا يحنث بأكلها لأنها ليست بلحم فان أكل شحم الظهر أو ما هو على اللحم حنث لأنه لحم لكنه لحم سمين ألا ترى أنه يقال
لحم سمين وكذا يتخذ منه ما يتخذ من اللحم وكذلك لو أكل رؤس الحيوانات ما خلا السمك يحنث لان الرأس عضو
من أعضاء الحيوان فكان لحمه كلحم سائر الأعضاء بخلاف ما إذا حلف لا يشترى لحما فاشترى رأسا انه لا يحنث لان
مشتريه لا يسمى مشترى لحم وإنما يقال اشترى رأسا ولو حلف لا يأكل شحما فاشترى شحم الظهر لم يحنث في قول
أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يحنث وذكر في الجامع الصغير في رجل حلف لا يشترى شحما فأي شحم اشترى
لم يحنث الا ان يشترى شحم البطن وكذا لو حلف لا يأكل شحما ولهما قوله تعالى ومن البقر والغنم حرمنا عليهم
شحومهما الا ما حملت ظهورهما والمستثنى من جنس المستثنى منه فدل أنه شحم الظهر شحم حقيقة ولأبي حنيفة انه
لا يسمى شحما عرفا وعادة بل يسمى لحما سمينا فلا يتناوله اسم الشحم عند الاطلاق وتسمية الله تعالى إياه شحما لا
يدل على دخوله تحت اليمين إذا لم يكن الاسم متعارفا لان مطلق كلام الناس ينصرف إلى ما يتعارفونه كما ضربنا من
الأمثلة في لحم السمك وقال الله تعالى وجعل الشمس سراجا وقال سبحانه وتعالى والأرض بساطا ثم لا يدخلان
في اليمين على البساط والسراج كذا هذا وقد قالوا فيمن حلف لا يشترى شحما ولا لحما فاشترى الية أنه لا يحنث
لأنها ليست بشحم ولا لحم وقال عمر وعن محمد فيمن أمر رجلا أن يشترى له شحما فاشترى شحم الظهر أنه لا يجوز
على الامر وهذا يدل على أن اطلاق اسم الشحم لا يتناول شحم الظهر كما قاله أبو حنيفة فيكون حجة على محمد ولو حلف
لا يأكل له لحم دجاج فاكل لحم ديك حنث لان الدجاج اسم للأنثى والذكر جميعا قال جرير
لما مررت بدير الهند أرقني * صوت الدجاج وضرب بالنواقيس
فاما الدجاجة فإنها اسم للأنثى والديك اسم للذكر واسم الإبل يقع على الذكور والإناث قال النبي صلى الله عليه وسلم
في خمس من الإبل السائمة شاة ولم يزد به أحد النوعين خاصة وكذا اسم الجمل والبعير والجزور وكذا هذه الأسامي
الأربعة تقع على البخاتي والعراب وغير ذلك من أنواع الإبل واسم البختي لا يقع على العربي وكذا اسم العربي لا يقع
58

على البختي واسم البقر يقع على الذكور والإناث قال النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة وأراد به
الذكور والإناث جميعا وكذا اسم البقرة قال الله عز وجل ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة وقيل أن بقرة بني إسرائيل
كانت ذكرا وتأنيثها بالذكر بقوله تعالى قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي لتأنيث اللفظ دون المعنى كما في قوله تعالى
وإذ قالت طائفة وقال سبحانه وتعالى وان من أمة الا خلا فيها نذير والشاة تقع على الذكر والأنثى قال النبي صلى
الله عليه وسلم في أربعين شاة والمراد منه الذكور والإناث وكذا الغنم اسم جنس والنعجة اسم للأنثى والكبش
للذكر والفرس اسم للعراب ذكرها وأنثاها والبرذون اسم لغير العراب من الطحارية ذكرها وأنثاها وقالوا
ان البرذون اسم للتركي ذكره وأنثاه والخيل اسم جنس يتناول الأفراس العراب والبراذين والحمار اسم للذكر
والحمارة والأتان اسم للأنثى والبغل والبغلة كل واحد منهما اسم للذكر والأنثى وان حلف لا يأكل رأسا فان
نوى الرؤس كلها من السمك والغنم وغيرها فأي ذلك أكل حنث لان اسم الرأس يقع على الكل وان لم يكن له نية
فهو على رؤس الغنم والبقر خاصة في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد اليمين اليوم على رؤس الغنم خاصة
والأصل في هذا أن قوله لا آكل رأسا فبظاهره يتناول كل رأس لكنه معلوم أن العموم غير مراد لان اسم الرأس
يقع على رأس العصفور ورأس الجراد ويعلم أن الحالف ما أراد ذلك فكان ذلك المراد بعض ما يتناوله الاسم
وهو الذي يكبس في التنور ويباع في السوق عادة فكان أبا حنيفة رأى أهل الكوفة يكبسون رؤس الغنم والبقر
والإبل ويبيعونها في السوق فحمل اليمين على ذلك ثم رآهم تركوا رؤس الإبل واقتصروا على رؤس الغنم والبقر
فحمل اليمين على ذلك وأبو يوسف ومحمد دخلا بغداد وقد ترك الناس البقر واقتصروا على الغنم فحملا اليمين على ذلك
فلم يكن بينهم خلاف في الحقيقة ولو حلف لا يأكل بيضا فان نوى بيض كل شئ بيض السمك وغيره فأي ذلك أكل
حنث وان لم يكن له نية فهو على بيض الطير كله الإوز والدجاج وغيرهما ولا يحنث إذا أكل بيض السمك لان اسم
البيض يقع على الكل فإذا نوى فقد نوى ما يحتمله الاسم وإذا لم تكن له نية فيقع على ماله قشر وهو بيض الطير لأنه يراد
به ذلك عند الاطلاق فيحمل عليه ولو حلف لا يأكل طبيخا فالقياس ينصرف إلى كل ما يطبخ من اللحم وغيره لأنه
طبيخ حقيقة الا انه صرف إلى اللحم خاصة وهو اللحم الذي يجعل في الماء ويطبخ ليسهل أكله للعرف ألا ترى انه
لا يقال لمن أكل الباقلاء انه أكل الطبيخ وإن كان طبيخا حقيقة وان أكل سمكا مطبوخا لا يحنث لأنه لا يسمى
طبيخا في العرف فان نوى بقوله لا يأكل طبيخا من اللحم وغيره فهو على ما نوى لأنه طبيخ حقيقة وفيه تشديد على
نفسه وكذا إذا حلف لا يأكل شواء وهو ينوى كل شئ يشوى فأي ذلك أكل حنث وان لم يكن له نية فإنما يقع على
اللحم خاصة لان حقيقة الشواء هي ما يشوى بالنار ليسهل أكله الا أن عند الاطلاق ينصرف إلى اللحم المشوي
دون غيره للعرف ألا ترى انه يصح أن يقال فلان لم يأكل الشواء وان أكل الباذنجان المشوي والجزر المشوي
ويسمى بائع اللحم المشوي شاويا فان أكل سمكا مشويا لم يحنث لأنه لا يراد به ذلك عند الاطلاق وان أكل قلية
يابسة أو لونا من الألوان لا مرق فيه لا يحنث لان هذا لا يسمى طبيخا وإنما يقال له لحم مقلى ولا يقال مطبوخ الا للحم
طبخ في الماء فان طبخ من اللحم طبيخا له مرق فأكل من لحمه أو من مرقه يحنث لأنه يقال أكل الطبيخ وان لم
يأكل لحمه لان المرق فيه أجزاء اللحم قال ابن سماعة في اليمين على الطبيخ ينبغي أن يكون على الشحم أيضا لأنه قد
يسمى طبيخا في العادة فان طبخ عدسا بودك فهو طبيخ وكذلك ان طبخه بشحم أو الية فان طبخه بسمن أو زيت
لم يكن طبيخا ولا يكون الأرز طبيخا ولا يكون الطباهج طبيخا ولا الجواذب طبيخا والاعتماد فيه على العرف وقال
داود بن رشيد عن محمد في رجل حلف لا يأكل من طبيخ امرأته فسخنت له قدرا قد طبخها غيرها انه لا يحنث لان
الطبيخ فعيل من طبخ وهو الفعل الذي يسهل به أكل اللحم وذلك وجد من الأول لا منها ولو حلف لا يأكل الحلو
فالأصل في هذا ان الحلو عندهم كل حلو ليس من جنسه حامض وما كان من جنسه حامض فليس بحلو والمرجع فيه إلى
59

العرف فيحنث بأكل الخبيص والعسل والسكر والناطف والرب والرطب والتمر وأشباه ذلك وكذا روى المعلى
عن محمد إذا أكل تينا رطبا أو يابسا يحنث لأنه ليس من جنسها حامض فخلص معنى الحلاوة فيه ولو أكل عنبا
حلوا أو بطيخا حلو أو رمانا حلوا أو إجاصا حلوا لم يحنث لان من جنسه ما ليس بحلو فلم يخلص معنى الحلاوة فيه
وكذا الزبيب ليس من الحلو لان من جنسه ما هو حامض وكذلك إذا حلف لا يأكل حلاوة فهو مثل الحلوى وان حلف
لا يأكل تمرا ولا نية له فاكل قضبا لا يحنث وكذلك إذا أكل بسرا مطبوخا أو رطبا لان ذلك لا يسمى تمرا في العرف
ولهذا يختص كل واحد باسم على حدة الا أن ينوى ذلك لأنه تمر حقيقة وقد شدد على نفسه ولو أكل حيسا حنث لأنه
اسم لتمر ينقع في اللبن ويتشرب فيه اللبن فكان الاسم باقيا له لبقاء عينه وقيل هو طعام يتخذ من تمر ويضم إليه شئ من
السمن أو غيره والغالب هو التمر فكان أجزاء التمر بحالها فيبقى الاسم ولو حلف لا يأكل بسرا فأكل بسرا مذنبا ههنا
أربع مسائل ثنتان متفق عليهما وثنتان مختلف فيهما أما الأوليان فان من يحلف لا يأكل بسرا مذنبا أو حلف
لا يأكل رطبا فأكل رطبا في شئ من البسر يحنث فيهما جميعا في قولهم لان المذنب هو البسر الذي ذنب أي رطب
ذنبه فكانت الغلبة للذي حلف عليه فكان الاسم باقيا وأما الاخريان فان من يحلف لا يأكل بسرا
مذنبا أو يحلف لا يأكل بسرا فيأكل رطبا فيه شئ من البسر قال أبو حنيفة ومحمد يحنث وقال أبو يوسف لا يحنث
وجه قوله إن الاسم للغالب في العرف والمغلوب في حكم المستهلك وكذا المقصود الاكل هو الذي له الغلبة
والغلبة للبسر في الأول وفي الثاني للرطب فلا يحنث ولهما انه أكل ما حلف عليه وغيره لأنه يراه بعينه ويسميه
باسمه فصار كما لو ميز أحدهما على الا آخر فقطعه وأكلهما جميعا وأما قوله إن أحدهما غالب فنعم لكن الغلبة إنما
توجب استهلاك المغلوب في اختلاط الممازجة أما في اختلاط المجاورة فلا لأنه يراه بعينه فلا يصير مستهلكا
فيه كما إذا حلف لا يأكل سويقا أو سمنا فأكل سويقا قدلت بسمن بحيث يستبين أجزاء السويق في السمن
يحنث لقيام كل واحد منهما بعد الاختلاط بعينه كذا هذا ولو حلف لا يأكل حبا فأي حب أكل من سمسم
أو غيره مما يأكله الناس عادة يحنث لان مطلق يمينه يقع عليه فان عنى شيئا من ذلك بعينه أو سماه حنث فيه ولم يحنث
في غيره لأنه نوى تخصيص الملفوظ فيصدق ديانة لا قضاء لأنه خلاف الظاهر ولا يحنث إذا ابتلع لؤلؤة لان
الأوهام لا تنصرف إلى اللؤلؤة عند اطلاق اسم الحب ولو حلف لا يأكل عنبا فأكل زبيبا لا يحنث لان اسم
العنب لا يتناوله ولو حلف لا يأكل جوزا فأكل منه رطبا أو يابسا حنث وكذلك اللوز والفستق والتين وأشباه
ذلك لان الاسم يتناول الرطب واليابس جميعا ولو حلف لا يأكل فاكهة فأكل تفاحا أو سفرجلا أو كمثرى
أو خوخا أو تينا أو إجاصا أو مشمشا أو بطيخا حنث وان أكل قثاء أو خيارا أو جزر الا يحنث وان أكل عنبا أو رمانا
أو رطبا لا يحنث في قول أبي حينئذ وعند أبي يوسف ومحمد يحنث ولو أكل زبيبا أو حب الرمان أو تمرا لا يحنث
بالاجماع وجه قولهما أن كل واحدة من هذه الأشياء تسمى فاكهة في العرف بل تعد من رؤس الفواكه ولان الفاكهة
اسم لما يتفكه به وتفكه الناس بهذه الأشياء ظاهر كانت فواكه ولأبي حنيفة قوله تعالى فأنبتنا فيها حبا وعنبا
وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا عطف الفاكهة على العنب وقوله عز وجل فيها فاكهة ونخل
ورمان عطف الرمان على الفاكهة والمعطوف غير المعطوف عليه هو الأصل لان الفاكهة اسم لا يقصد بأكله
التفكه وهو التنعم والتلذذ دون الشبع والطعام ما يقصد بأكله التغذى والشبع والتمر عندهم يؤكل بطريق التغذى
والشبع حتى روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بيت لا تمر فيه جياع أهله وقال عليه أفضل الصلاة والسلام
يوم الفطر أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم ثم ذكر في جملة ما تقع به الغنية التمر وفي بعضها الزبيب ولان الفاكهة
لا يختلف حكم رطبها ويابسها فما كان رطبه فاكهة كان يابسه فاكهة كالتين والمشمش والإجاص ونحو ذلك
واليابس من هذه الأشياء ليس بفاكهة بالاجماع وهو الزبيب والتمر وحب الرمان فكذا رطبها وما ذكراه من العرف
60

ممنوع بل العرف الجاري بين الناس انهم يقولون ليس في كرم فلان فاكهة أنما فيه العنب فحسب فالحاصل ان ثمر
الشجر كلها فاكهة عندهما وعنده كذلك الا ثمر النخل والكرم وشجر الرمان لان سائر الثمار من التفاح والسفرجل
والإجاص ونحوهما يقصد بأكلها التفكه دون الشبع وكذا يابسها فاكهة كذا رطبها قال محمد التوت فاكهة لأنه
يتفكه به والقثاء والخيار والجزر والباقلاء الرطب إدام وليس بفاكهة الا يرى أنه لا يؤكل للتفكه وان عنى بقوله
لا آكل فاكهة العنب والرطب والرمان فأكل من ذلك شيئا حنث كذا ذكر في الأصل لأن هذه الأشياء مما يتفكه
بها وإن كان لا يطلق عليها اسم الفاكهة وقال محمد بسر السكر والبسر الا حمر فاكهة لان ذلك مما يتفكه به وقال أبو
يوسف اللوز والعناب فاكهة رطب ذلك من الفاكهة الرطبة ويابسه من اليابسة لان ذلك يؤكل على وجه
التفكه قال والجوز رطبه فاكهة ويابسه إدام وقال في الأصل وكذلك الفاكهة اليابسة فيدخل فيها الجوز واللوز
وأشباههما وروى المعلى عن محمد أن الجوز اليابس ليس بفاكهة لأنه يؤكل مع الخبز غالبا فأما رطبه فلا يؤكل الا
للتفكه وجه ما ذكر في الأصل أنه فاكهة ما ذكرنا أن رطبه ويابسه مما لا يقصده به الشبع فصار كسائر الفواكه وذكر
المعلى عن محمد في رجل حلف لا يأكل من الثمار شيئا ولا نية له ان ذلك على الرطب واليابس فان أكل تينا يابسا أو لوزا
يابسا حنث فجعل الثمار كالفاكهة لان أحد الاسمين كالآخر وقال المعلى قلت لمحمد فان حلف لا يأكل من فاكهة
العام أو من ثمار العام ولا نية له قال إن حلف في أيام الفاكهة الرطبة فهذا على الرطب فان أكل من فاكهة ذلك العام
شيئا يابسا لم يحنث وكذلك الثمرة وان حلف في غير وقت الفاكهة الرطبة كانت يمينه على الفاكهة اليابسة من فاكهة
ذلك العام وكان ينبغي في القياس إن كان وقت الفاكهة الرطبة ان يحنث في الرطب واليابس لان اسم الفاكهة
يتناولهما الا أنه استحسن لان العادة في قولهم فاكهة العام إذا كان في وقت الرطب انهم يريدون به الرطب دون
اليابس فإذا مضى وقت الرطب فلا تقع اليمين الا على اليابس فيحمل عليه والله عز وجل أعلم ولو حلف لا يأكل
من هذه الحنطة أو لا يأكل هذه الحنطة فان عنى بها أن لا يأكلها حبا كما هي فأكل من خبزها أو من سويقها لم يحنث و
إنما يحنث إذا قضمها وان لم تكن له نية فكذلك عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يحنث وهل يحنث عندهما إذا
أكل عينها ذكر محمد في الأصل عنهما ما يدل على أنه لا يحنث لأنه قال فيه ان اليمين تقع على ما يصنع الناس وذكر عنهما
في الجامع الصغير ما يدل على أنه يحنث فإنه قال وقال أبو يوسف ومحمد ان أكلها خبزا حنث أيضا فهذا يدل على أنه
إذا قضمها يحنث عندهما كما يحنث إذا أكلها خبزا وجه قولهما أن المتعارف في اطلاق أكل الحنطة أكل المتخذ منها
وهو الخبز لا آكل عينها يقال فلان يأكل من حنطة كذا أي من خبزها ومطلق الكلام يحمل على المتعارف
خصوصا في باب الايمان وجه في قول أبي حنيفة رضي الله عنه أن اسم الحنطة لا يقع على الخبز حقيقة لأنها اسم لذات
مخصوصة مركبة فيزول الاسم بزوال التركيب حقيقة فالحمل على الخبز يكون حملا على المجاز فكان صرف الكلام
إلى الحقيقة أولى وأما قولهما ان مطلق الكلام يحمل على المتعارف فنعم لكن على المتعارف عند أهل اللسان وهو
المتعارف في الاستعمال اللغوي كما يقول مشايخ العراق لا على المتعارف من حيث الفعل كما يقول مشايخ بلخ بدليل أنه
لو حلف لا يأكل لحما فأكل لحم الآدمي أو الخنزير يحنث وان لم يتعارف أكله لوجود التعارف في الاسم واستعمال
اسم الحنطة في مسماها متعارف عند أهل اللسان الا أنه يقل استعماله فيه لكن قلة الاستعمال فيه لقلة محل الحقيقة
وهذا لا يوجب الحمل على المجاز كما في لحم الآدمي ولحم الخنزير على أن المتعارف فعل ثابت في الجملة لان الحنطة تطبخ
وتقلى فتؤكل مطبوخا ومقليا وان لم يكن في الكثرة مثل أكلها خبزا ولو حلف لا يأكل شعيرا فأكل حنطة فيها
حبات من شعير حنث ولو كان اليمين على الشراء لم يحنث لان من اشترى حنطة فيها حبات شعير يسمى مشترى
الحنطة لا مشترى الشعير وصرف الكلام إلى الحقيقة المستعملة في الجملة أولى من الصرف إلى المجاز وإن كان استعماله
في المجاز أكثر لان الحقيقة شاركت المجاز في أصل الاستعمال والمجاز ما شارك الحقيقة في الوضع رأسا فكان العمل
61

بالحقيقة أولى ولو حلف لا يأكل من هذا الدقيق فأكل من خبزه ولم تكن له نية حنث لان الدقيق هكذا يؤكل عادة
ولا يستف الا نادرا والنادر ملحق بالعدم فلم يكن له حقيقة مستعملة وله مجاز مستعمل وهو كلما يتخذ منه فحمل عليه
وان نوى ان لا يأكل الدقيق بعينه لا يحنث بأكل ما يخبز منه لأنه نوى حقيقة كلامه ولو حلف لا يأكل من هذا
الكفرى شيئا فصار بسرا أو لا يأكل من هذا البسر شيئا فصار رطبا أو لا يأكل من هذا الرطب شيئا فصار تمرا أو لا
يأكل من هذا العنب شيئا فصار زبيبا فأكله أو حلف لا يأكل من هذا اللبن شيئا فأكل من جبن صنع منه أو مصل
أو أقط أو شيراز أو حلف لا يأكل من هذه البيضة فصارت فرخا فأكل من فرخ خرج منها أو حلف لا يذوق من
هذه الخمر شيئا فصارت خلا لم يحنث في جميع ذلك والأصل أن اليمين متى تعلقت بعين تبقى ببقاء العين وتزول بزوالها
والصفة في العين المشار إليه غير معتبرة لان الصفة لتمييز الموصوف من غيره والإشارة تكفى للتعريف فوقعت الغنية
عن ذكر الصفة وغير المعين لا يحتمل الإشارة فيكون تعريفه بالوصف وإذا عرف هذا نقول العين بدلت في هذه
المواضع فلا تبقى اليمين التي عقدت على الأول والعين في الرطب وان لم تبدل لكن زال بعضها وهو الماء بالجفاف لان
اسم الرطب يستعمل على العين والماء الذي فيها فإذا جف فقد زال عنها الماء فصار آكلا بعض العين المشار إليها فلا
يحنث كما لو حلف لا يأكل هذا الرغيف فأكل بعضه بخلاف ما إذا حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه بعد ما صار
شيخا أنه يحنث لان هناك العين قائمة وإنما الفائت هو الوصف لا بعض الشخص فيبقى كل المحلوف عليه فبقيت
اليمين وفرق آخر ان الصفات التي في هذه الأعيان مما تقصد باليمين منعا وحملا كالرطوبة التي هي في التمر والعنب فان
المرطوب تضربه الرطوبات فتعلقت اليمين بها واصبا والشباب مما لا يقصد بالمنع بل الذات هي التي تقصد فتعلقت
اليمين بالذات دون هاتين الصفتين كما إذا حلف لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه ثم كلمه أنه يحنث لما قلنا كذا
هذا وكذا إذا حلف لا يأكل من لحم هذا الحولى فأكله بعد ما صار كبشا أو من لحم هذا الجدي فأكله بعد ما صار تيسا
يحنث لما قلنا وكذلك لو حلف لا يجامع هذه الصبية فجامعها بعد ما صارت امرأة يحنث لما قلنا ولو نوى في الفصول
المتقدمة ما يكون من ذلك حنث لأنه شدد على نفسه ولو حلف لا يأكل من هذه الحد حبة فأكلها بعد ما صارت بطيخا
لا رواية فيه واختلف المشايخ فيه والله عز وجل أعلم قال بشر عن أبي يوسف في رجل حلف لا يذوق من هذا اللبن
شيئا أو لا يشرب فصب فيه ماء فذاقه أو شربه انه كان اللبن غالبا حنث لأنه إذا كان غالبا يسمى لبنا وكذلك لو
حلف على نبيذ فصبه في خل أو على ماء ملح فصب على ماء عذب والأصل في هذا ان المحلوف عليه إذا اختلط بغير
جنسه تعتبر فيه الغلبة بلا خلاف بين أبى يوسف ومحمد غير أن أبا يوسف اعتبر الغلبة في اللون أو الطعم لا في الاجزاء
فقال إن كان المحلوف عليه يستبين لونه أو طعمه حنث وإن كان لا يستبين له لون ولا طعم لا يحنث سواء كانت
أجزاؤه أكثر أو لم تكن واعتبر محمد غلبة الاجزاء فقال إن كانت أجزاء المحلوف عليه غالبا يحنث وإن كان مغلوبة
لا يحنث وجه قول محمد أن الحكم يتعلق بالأكثر والأقل يكون تبعا للأكثر فلا عبرة به ولأبي يوسف ان اللون والطعم
إذا كانا باقيين كان الاسم باقيا ألا ترى أنه يقال لبن مغشوش وخل مغشوش وإذا لم يبق له لون ولا طعم لا يبقى الاسم
ويقال ماء فيه لبن وماء فيه خل فلا يحنث وقال أبو يوسف فإن كان طعمهما واحدا أو لونهما واحدا فأشكل عليه نعتبر
الغلبة من حيث الاجزاء فان علم أن أجزاء المحلوف عليه هي الغالبة يحنث وان علم أن أجزاء المخالط له أكثر
لا يحنث وان وقع الشك فيه ولا يدرى ذلك فالقياس ان لا يحنث لأنه وقع الشك في حكم الحنث فلا يثبت مع
الشك وفي الاستحسان يحنث لأنه عند احتمال الوجود والعدم على السواء فالقول بالوجود أولى احتياطا لما فيه
من براءة الذمة بيقين وهذا يستقيم في اليمين بالله تعالى لان الكفارة حق الله تعالى فيحتاط في ايجابها فأما في اليمين
بالطلاق والعتاق فلا يستقيم لان ذلك حق العبد وحقوق العباد لا يجرى فيها الاحتياط للتعارض فيعمل فيها
بالقياس ولو حلف لا يأكل سمنا فأكل سويقا قدلت بسمن ولا نية له ذكر محمد في الأصل أن أجزاء السمن
62

إذا كانت تستبين في السويق ويوجد طعمه يحنث وإن كان لا يوجد طعمه ولا يرى مكانه لم يحنث لأنها إذا
استبانت لم تصر مستهلكة فكأنه أكل السمن بنفسه منفردا وإذا لم يستبن فقد صارت مستهلكة فلا يعتد بها
وروى المعلي عن محمد انه إن كان السمن مستبينا في السويق وكان إذا عصر سال السمن حنث وإن كان على غير
ذلك لم يحنث وهذا لا يوجب اختلاف الرواية لامكان التوفيق بين القولين لأنه إذا كان يحنث إذا عصر سال
السمن لم يكن مستهلكا وإذا لم يسل كان مستهلكا وإذا اختلط المحلوف عليه بجنسه كاللبن المحلوف عليه إذا
اختلط بلبن آخر قال أبو يوسف هذا والأول سواء وتعتبر فيه الغلبة وإن كانت الغلبة لغير المحلوف عليه لم يحنث
وقال محمد يحنث وإن كان مغلوبا فمن أصل محمد أن الشئ لا يصير مستهلكا بجنسه وإنما يصير مستهلكا بغير جنسه
وإذا لم يصر مستهلكا بجنسه صار كأنه غير مغلوب وقال المعلى عن محمد في رجل حلف لا يشرب من هذه الخمر فصبها
في ماء فغلب على الخمر حتى ذهب لونها وطعمها فشربه لم يحنث فقد قال مثل قول أبى يوسف ولو حلف على ماء من
ماء زمزم لا يشرب منه شيئا فصب عليه ماء من غيره كثيرا حتى صار مغلوبا فشربه يحنث لما ذكرنا من أصله
أن الشئ لا يصير مستهلكا بجنسه ولو صبه في بئر أو حوض عظيم لم يحنث قال لأني لا أدرى لعل عيون البئر
تغور بما صب فيها ولا أدرى لعل اليسير من الماء الذي صب في الحوض العظيم لم يختلط به كله ولو حلف
لا يشرب هذا الماء العذب فصبه في ماء مالح فغلب عليه ثم شربه لم يحنث فجعل الماء مستهلكا بجنسه إذا كان
على غير صفته قال وكذلك إذا حلف لا يشرب لبن ضأن فخلطه بلبن معز فإنه تعتبر الغلبة لأنهما نوعان فكانا
كالجنسين قال الكرخي ولو قال لا أشرب لبن هذه الشاة لشاة معز أو ضأن ثم خلطه بغيره من لبن ضأن أو معز حنث إذا
شربه ولا تعتبر الكثرة والغلبة وعلل فقال لأنه ليس في يمينه ضأن ولو معز ومعناه ان يمينه وقعت على لبن واختلاطه
بلبن آخر لا يخرجه من أن يكون لبنا واليمين في المسألة الأولى وقعت على لبن الضأن فإذا غلب عليه لبن المعز فقد
استهلكت صفته واستشهد محمد للفرق بين المسئلتين فقال ولا تشبه الشاة إذا حلف عليها بعينها حلفه على لبن المعز
الا يرى أنه لو قال والله لا أشتري رطبا فاشترى كباسة بسر فيها رطبتان أو ثلاث لم يحنث لان هذا إنما هو الغالب
ولو قال والله لا أشتري هذه الرطبة لرطبة في كباسة ثم اشترى الكباسة حنث ونظير هذا ما ذكر ابن سماعة عن محمد
في رجل قال والله لا آكل ما يجئ به فلان يعنى ما يجئ به من طعام أو لحم أو غيره لك مما يؤكل فدفع الحالف إلى
المحلوف عليه لحما ليطبخه فطبخه وألقى فيه قطعة من كرش بقر ثم طبخ القدر به فأكل الحالف من المرق قال محمد لا أراه
يحنث إذا ألقى فيه من اللحم ما لا يطبخ وحده ويتخذ منه مرقة لقلته وإن كان مثل ذلك يطبخ ويكون له مرقة فإنه
يحنث لأنه جعل اليمين على اللحم الذي يأتي به فلان وعلى مرقته والمرقة لا تكون الا بدسم اللحم الذي جاء به فإذا
اختلط به لحم لا يكون له مرق لقلته فلم يأكل ما جاء به فلان وإذا كان مما يفرد بالطبخ ويكون له مرق والمرق جنس واحد
فلم تعبر فيه الغلبة وحنث وقد قال محمد فيمن من قال لا آكل ما يجئ به فلان فجاء فلان بلحم فشواه وجعل تحته أرزا
للحالف فأكل الحالف من جوانبه حنث وكذلك لو جاء المحلوف عليه بحمص فطبخه فأكل الحالف من مرقته
وفيه طعم الحمص حنث وكذلك لو جاء برطب فسأل منه رب فأكل منه أو جاء بزيتون فعصر فأكل من زيته حنث
قال ابن سماعة عن أبي يوسف في رجل قال والله لا أكل من ثمرة هذا البستان وفيه نخل يحصى أولا آكل من ثمرة هذا
النخل وهي عشرة أو ثلاث أو لا آكل من ثمرة هاتين النخلتين أو من هاتين الرطبتين أو من هذه الثلاث التفاحات أو من
هذين الرغيفين أو لا أشرب من لبن هاتين الشاتين فأكل بعض ذلك أو شرب بعضه فإنه يحنث لأنه منع نفسه من
أكل بعض المذكور وشرب بعضه لان كلمة من للتبعيض فإذا أكل البعض أو شرب حنث قال أبو يوسف
ولو قال والله لا أشرب لبن هاتين الشاتين ولم يقل من فإنه لا يحنث حتى يشرب من لبن كل شاة لأنه حلف على شرب
لبنهما فلا يحنث بشرب لبن إحداهما وإذا شرب جزأ من لبن كل واحدة منهما حنث لان الانسان لا يمكنه أن
63

يشرب جميع لبن الشاة فلا يقصد بيمينه منع نفسه عن ذلك فينعقد يمينه على البعض كما إذا حلف لا يشرب ماء البحر
قال وإن كان لبن قد حلب فقال والله لا أشرب لبن هاتين الشاتين للبن بعينه فإن كان لبنا يقدر على شربه في مرة واحدة
لم يحنث بشرب بعضه وإن كان لبنا لا يستطيع شربه في مرة واحدة يحنث بشرب بعضه لان يمينه وقعت على شرب
الكل حقيقة فإذا استطاع شربه دفعة واحدة أمكن العمل بالحقيقة وإذا لم يستطع شربه دفعة يحمل على الجزء كما في
ماء البحر وعلى هذا إذا قال لا آكل هذا الطعام وهو لا يقدر على أكله دفعة واحدة نظير هذا ما قالوا فيمن قبض من
رجل دينا عليه فوجد فيه درهمين زائفين فقال والله لا آخذ منهما شيئا فأخذ أحدهما حنث لان كلمة من للتبعيض
وقال ابن رستم عن محمد إذا قال والله لا آكل لحم هذا الحروف فهذا على بعضه لأنه لا يمكن أكل كله مرة واحدة عادة
وذكر في الأصل فيمن قال لا آكل هذه الرمانة ان فأكلها الا حبة أو حبتين حنث في الاستحسان لان ذلك القدر
لا يعتد به فإنه يقال في العرف لمن أكل رمانة وترك منها حبة أو حبتين انه أكل رمانة وان ترك نصفها أو ثلثها أو ترك
أكثر مما يجرى في العرف انه يسقط من الرمانة لم يحنث لأنه لا يسمى آكلا لجميعها ولو قال والله لا أبيعك لحم هذا
الخروف أو خابية الزيت فباع بعضها لم يحنث لأنه يمكن حمل اليمين ههنا على الحقيقة لان بيع الكل ممكن وقد قال ابن
سماعة فيمن قال لا أشتري من هذه الرجلين انه لا يحنث حتى يشترى منهما ولا يشبه هذا قوله لا آكل هذين
الرغيفين لان من للتبعيض ويمكن العمل بالتبعيض في الاكل ولا يمكن في الشراء لان البيع لا يتبعض فيحمل على
ابتداء الغاية فقد ذكر في الأصل والجامع فيمن حلف لا يتزوج النساء أو لم يكلم بني آدم أنه يقع على الواحد لتعذر الحمل
على الكل فيحمل على بعض الجنس وقد ذكرناه فيما تقدم ولو حلف لا يأكل من كسب فلان فالكسب ما صار
للانسان ان يفعله كالايجاب والقبول في البيع والإجارة والقبول في الهبة والصدقة والوصية والاخذ في المباحات
فأما الميراث فلا يكون كسبا للوارث لأنه يملكه من غير صنعه ولو مات المحلوف عليه وقد كسب شيئا فورثه رجل
فأكل الحالف منه حنث لان ما في يد الوارث يسمى كسب الميت بمعنى مكسوبه عرفا فلو أنتقل عنه إلى غيره بغير
الميراث لم يحنث لأنه صار للثاني بفعله فبطلت الإضافة إلى الأول قال أبو يوسف وكذلك إذا قال لا آكل مما
ملكت أو مما يملك له أو من ملكك فإذا خرج من ملك المحلوف عليه إلى ملك غيره فأكل منه الحالف لم يحنث لأنه إذا ملكه
الثاني لم يبق ملك الأول فلم يبق مضافا إليه بالملك قال وكذلك إذا حلف لا يأكل مما اشترى فلان أو مما يشترى
فاشترى المحلوف لنفسه أو لغيره فأكل منه الحالف حنث فان باعه المحلوف عليه من غيره بأمر المشترى له ثم أكل منه
الحالف لم يحنث لأن الشراء إذا طرأ على الشراء بطلت الإضافة الأولى وتجددت إضافة أخرى لم تتناولها اليمين وإنما
كان الشراء لغيره ولنفسه سواء لان حقوق العقد تتعلق بالمشترى فكانت الإضافة إليه لا إلى المشترى له قال وكذلك
لو حلف لا يأكل من ميراث فلان شيئا فمات فلان فأكل من ميراثه حنث فان مات وارثه فأورث ذلك الميراث
فأكل منه الحالف لم يحنث لنسخ الميراث الأخير الميراث الأول كذا ذكر لان الميراث إذا طرأ على الميراث بطلت
الإضافة الأولى ومن هذا القبيل ما قالوا فيمن حلف لا يأكل مما زرع فلان فباع فلان زرعه فأكله الحالف
عند المشترى حنث لان الإضافة إلى الأول لا تبطل بالبيع فان بذره المشترى وزرعه فاكل الحالف من هذا
الزرع فإنه لا يحنث لان الإضافة بالزرع إنما تكون إلى الثاني دون الأول وعلى هذا لو حلف لا يأكل من طعام
يصنعه فلان أو من خبز يخبزه فلان فتناسخته الباعة ثم أكل الحالف منه فإنه يحنث لأنه يقال هو من خبز فلان ومن
طبيخه وان باعه وكذلك لو حلف لا يلبس ثوبا من نسج فلان فنسج فلان ثوبا فباعه لان البيع لا يبطل الإضافة ولو
كان ثوب خز فنقض ونسجه آخر ثم لبسه الحالف لم يحنث لان النسج الثاني أبطل الإضافة الأولى ولو حلف
لا يشترى ثوبا مسه فلان فمس فلان ثوبا وتناسخته الباعة فإنه يحنث إذا اشتراه لان الإضافة بالمس لا تبطل
البيع صار كأنه قال لا أشتري ثوبا كان فلان مسه وقال بشر عن أبي يوسف في رجل حلف أن لا يأكل من هذه
64

الدراهم فاشترى بها طعاما فاكله حنث وان بدلها بغيرها واشترى مما أبدل طعاما فاكله لم يحنث لان الدراهم بعينها
لا تحتمل الاكل وإنما أكلها في المتعارف أكل ما يشترى بها ولما اشترى ببدلها لم يوجد أكل ما اشترى بها
فلا يحنث وكذلك لو حلف لا يأكل من ثمن هذا العبد فاشترى بثمنه طعاما فاكله ولو حلف لا يأكل من ميراث أبيه
شيئا وأبوه حي فمات أبوه فورث منه مالا فاشترى به طعاما فأكله ففي القياس ينبغي ان لا يحنث لان الطعام المشترى
ليس بميراث وفي الاستحسان يحنث لان المواريث هكذا تؤكل ويسمى ذلك أكل الميراث عرفا وعادة فان
اشترى بالميراث شيئا فاشترى بذلك الشئ طعاما فأكله لم يحنث لأنه مشتر بكسبه وليس بمشتر بميراثه وقال أبو يوسف
في الميراث بعينه إذا حلف عليه فغيره واشترى به لم يحنث لما قلنا قال فإن كان قال لا آكل ميراثا يكون لفلان فكيف
ما غيره فأكله حنث لان اليمين المطلقة تعتبر فيها الصفة المعتادة وفي العادة انهم يقولون لما ورثه الانسان انه ميراث
وان غيره وقال المعلى عن أبي يوسف إذا حلف لا يطعم فلانا مما ورث من أبيه شيئا فإن كان ورث طعاما فأطعمه
منه حنث فان اشترى بذلك الطعام طعاما فأطعمه منه لم يحنث لان اليمين وقعت على الطعام الموروث فإذا باعه بطعام
آخر فالثاني ليس بموروث وقد أمكن حمل اليمين على الحقيقة فلا تحمل على المجاز وإن كان ورث دراهم فاشترى بها
طعاما فأطعمه منه حنث لأنه لا يمكن حمل اليمين على الحقيقة فحملت على المجاز وقال هشام سمعت محمدا يقول في رجل
معه دراهم حلف ان لا يأكلها فاشترى بها دنانير أو فلوسا ثم اشترى بالدنانير أو الفلوس طعاما فأكله لم يحنث فان حلف
لا يأكل هذه الدراهم فاشترى بها عرضا ثم باع ذلك العرض بطعام فأكله فإنه لا يحنث لان العادة في قوله لا أشتري
بهذه الدراهم الامتناع من إنفاقها في الطعام والنفقة تارة تكون بالابتياع وتارة بتصريفها بما ينفق فحملت اليمين على
العادة فاما ابتياع العروص بالدراهم فليس بنفقة في الطعام في العادة فلا تحمل اليمين عليه وهذا خلاف ما حكاه عن أبي
يوسف وقال ابن رستم فيمن قال والله لا آكل من طعامك وهو يبيع الطعام فاشترى منه فأكل حنث لان مثل
هذه اليمين يراد بها منع النفس عن الابتياع قال محمد ولو قال والله لا آكل من طعامك هذا الطعام بعينه فأهداه له فأكله
لا يحنث في قياس قول أبي حنيفة وأبى يوسف ويحنث في قول محمد وهذا فرع اختلافهم فيمن قال لا أدخل دار فلأن هذه
فباعها فلان ثم دخلها والمسألة تجئ فيما بعد إن شاء الله تعالى قال محمد ولو حلف لا يأكل من طعامه فأكل من
طعام مشترك بينهما حنث لان كل جزء من الطعام يسمى طعاما فقد أكل من طعام المحلوف عليه وقال علي بن الجعد
وابن سماعة عن أبي يوسف في رجل حلف لا يأكل من غلة أرضه ولا نية له فأكل من ثمن الغلة حنث لان هذا في
العادة يراد به استغلال الأرض فان نوى أكل نفس ما يخرج منه فأكل من ثمنه دينته فيما بينه وبين الله تعالى ولم أدينه
في القضاء قال القدوري وهذا على أصله فيمن حلف لا يشرب الماء ونوى الجنس انه لا يصدق في القضاء فاما على
الرواية الظاهرة فيصدق لأنه نوى حقيقة كلامه وقال محمد في الجامع إذا حلف لا يأكل من هذه النخلة شيئا وأكل
من ثمرها أو جمارها أو طلعها أو بسرها أو الدبس الذي يخرج من رطبها فإنه يحنث لان النخلة لا يتأتى أكلها فحملت
اليمين على ما يتولد منها والدبس اسم لما يسيل من الرطب لا المطبوخ منه ولو حلف لا يأكل من هذا الكرم شيئا
فأكل من عنبه أو زبيبه أو عصيره حنث لان المراد هو الخارج من الكرم إذ عين الكرم لا تحتمل الاكل كما في النخلة
بخلاف ما إذا نظر إلى عنب فقال عبده حر ان أكل من هذا العنب فأكل من زبيبه أو عصيره انه لا يحنث لان العنب مما
تؤكل عينه فلا ضرورة إلى الحمل على ما يتولد منه وكذلك لو حلف لا يأكل من هذه الشاة فأكل من لبنها أو زبدها
أو سمنها لم يحنث لان الشاة مأكولة في نفسها فأمكن حمل اليمين على أجزائها فيحمل عليها لا على ما يتولد منها قال محمد
ولو أكل من ناطف جعل من ثمر النخلة أو نبيذ نبذ من ثمرها لم يحنث لان كلمة من لابتداء الغاية وقد خرج هذا
محذوف الصيغة عن حال الابتداء فلم يتناوله اليمين ولو حلف لا يأكل من هذا اللبن فأكل من زبده أو سمنه لم يحنث
لان اللبن مأكول بنفسه فتحمل اليمين على نفسه دون ما يتخذ منه والله عز وجل أعلم وأما الحلف على الشرب
65

فقد ذكرنا معنى الشرب انه ايصال ما لا يحتمله المضغ من المائعات إلى الجوف حتى لو حلف لا يشرب فأكل لا يحنث
كما لو حلف لا يأكل فشرب لا يحنث لان الأكل والشرب فعلان متغايران قال الله تبارك وتعالى وكلوا واشربوا حتى
يتبين لكم الخيط الأبيض عطف الشرب على الاكل والمعطوف غير المعطوف عليه وإذا حلف لا يشرب ولا نية له فأي
شراب شرب من ماء أو غيره يحنث لأنه منع نفسه عن الشرب عاما وسواء شرب قليلا أو كثيرا لان بعض الشراب
يسمى شرابا وكذا لو حلف لا يأكل طعاما فأكل شيئا يسيرا يحنث لان قليل الطعام طعام ولو حلف لا يشرب نبيذا
فأي نبيذ شرب حنث لعموم اللفظ وان شرب سكرا لا يحنث لان السكر لا يسمى نبيذا لأنه اسم لخمر التمر وهو الذي
من ماء التمر إذا غلا واشتد وقذف بالزبد أو لم يقذف على الاختلاف وكذا لو شرب فضيخا لأنه لا يسمى نبيذا إذ هو
اسم للمثلث يصب فيه الماء وكذا لو شرب عصيرا لأنه لا يسمى نبيذا وان حلف لا يشرب مع فلان شرابا فشربا في
مجلس واحد من شراب واحد حنث وإن كان الاناء الذي يشربان فيه مختلفا وكذا لو شرب الحالف من شراب
وشرب الآخر من شراب غيره وقد ضمهما مجلس واحد لان المفهوم من الشرب مع فلان في العرف هو ان يشربا في
مجلس واحد اتحد الاناء والشراب أو اختلفا بعد ان ضمهما مجلس واحد يقال شربنا مع فلان وشربنا مع الملك وإن كان
الملك يتفرد بالشرب من إناء فان نوى شرابا واحدا ومن إناء واحد يصدق لأنه نوى ما يحتمله لفظه ولو حلف لا يشرب
من دجلة أو من الفرات قال أبو حنيفة لا يحنث ما لم يشرب منه كرعا وهو ان يضع فاه عليه فيشرب منه فان أخذ الماء
بيده أو باناء لم يحنث وعند أبي يوسف ومحمد يحنث شرب كرعا أو باناء أو اغترف بيده وجه قولهما ان مطلق اللفظ
يصرف إلى المتعارف عند أهل اللسان والمتعارف عندهم ان من رفع الماء من الفرات بيده أو بشئ من الأواني انه يسمى
شاربا من الفرات فيحمل مطلق الكلام على غلبة المتعارف وإن كان مجازا بعد إن كان متعارفا كما لو حلف لا يأكل من
هذه الشجرة أو من هذا القدر انه ينصرف ذلك إلى ما يخرج من الشجرة من الثمر والى ما يطبخ في القدر من الطعام كذلك
ههنا ولأبي حنيفة ان مطلق الكلام محمول على الحقيقة وحقيقة الشرب من الفرات هو ان يكرع منه كرعا لان كلمة من
ههنا استعملت لابتداء الغاية بلا خلاف لتعذر حملها على التبعيض إذ الفرات اسم للنهر المعروف والنهر اسم لما بين ضفتي
الوادي لا للماء الجاري فيه فكانت كلمة من ههنا لابتداء الغاية فتقتضى أن يكون الشرب من هذا المكان ولن يكون
شربه منه الا وان يضع فاه عليه فيشرب منه وهو تفسير الكرع كما لو حلف لا يشرب من هذا الكوز ألا ترى انه لو
شرب من إناء أخذ فيه الماء من الفرات كان شاربا من ذلك الاناء حقيقة لا من الفرات والماء الواحد لا يشرب من
مكانين من كل واحد منهما حقيقة ولهذا لو قال شربت من الاناء لا من الفرات كان مصدقا ولو قال على القلب كان
مكذبا فدل ان الشرب من الفرات هو الكرع منه وانه ممكن ومستعمل في الجملة وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم رأى قوما فقال هل عندكم من ماء بات في شن والا كرعنا ويستعمله كثير في زماننا من أهل الرساتيق على أنه
ان لم يكن فعلا مستعملا فذا لا يوجب كون الاسم منقولا عن الحقيقة بعد إن كان الاسم مستعملا فيه تسمية ونطقا كما
لو حلف لا يأكل لحما فأكل لحم الخنزير انه يحنث وإن كان لا يؤكل عادة لانطلاق الاسم عليه حقيقة تسمية ونطقا
وبهذا تبين ان قلة الحقيقة وجودا لا يسلب اسم الحقيقة عن الحقيقة بخلاف ما إذا حلف لا يأكل من هذه الشجرة أو
من هذا القدر لان ههنا كما لا يمكن جعل هذه الكلمة لتبعيض ما دخلت عليه بخروج الشجرة والقدر من أن يكون
محلا للاكل لا يمكن جعلها ابتداءين لغاية الاكل لان حقيقة الاكل لا يحصل من المكان بل من اليد لان المأكول
مستمسك في نفسه والاكل عبارة عن البلع عن مضغ ولا يتأتى فيه المضغ بنفسه فلم يكن جعلها لابتداء الغاية فاضمر فيه
ما يتأتى فيه الاكل وهو الثمرة في الشجرة والمطبوخ في القدر فكان من للتبعيض وههنا أمكن جعلها لابتداء الغاية لأن الماء
يشرب من مكان لا محالة لانعدام استمساكه في نفسه إذ الشرب هو البلع من غير مضغ وما يمكن ابتلاعه من غير
مضغ لا يكون له في نفسه استمساك فلا بد من حامل له يشرب منه والله عز وجل أعلم ولو شرب من نهر يأخذ من
66

الفرات لم يحنث في قولهم جميعا أما عنده فلا يشكل لان هذا النهر ليس بفرات فصار كما لو شرب من آنية وأما عندهما
فلأنهما يعتبران العرف والعادة ومن شرب من نهر يأخذ من الفرات لا يعرف شاربا من الفرات لان الشرب من
الفرات عندهما هو أخد الماء المفضى إلى الشرب من الفرات ولم يوجد ههنا لأنه أخذ من نهر لا يسمى فراتا ولو حلف
لا يشرب من ماء الفرات فشرب من نهر أخذ الماء من الفرات فان شرب منه بالاغتراف بالآنية أو بالاستقاء براوية
يحنث بالاجماع وان كرع منه يحنث في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف انه لا يحنث ووجهه ان النهر لما أخذ
الماء من الفرات فقد صار مضافا إليه فانقطعت الإضافة إلى الفرات ووجه ظاهر الرواية انه منع نفسه عن شرب جزء
من ماء الفرات لان كلمة من دخلت في الماء صلة للشرب وهو قابل لفعل الشرب فكانت للتجزئة وبالدخول في نهر
انشعب من الفرات لا تنقطع إليه النسبة كما لا تنقطع بالاغتراف بالآنية والاستقاء بالراوية ألا ترى ان ماء زمزم ينقل
الينا ونتبرك به ونقول شربنا من ماء زمزم ولو حلف لا يشرب من ماء دجلة فهذا وقوله لا أشرب من دجلة سواء لأنه
ذكر الشرب من النهر فكان على الاختلاف وروى المعلى عن محمد فيمن حلف لا يشرب من نهر يجرى ذلك النهر
إلى دجلة فاخذ من دجلة من ذلك الماء فشربه لم يحنث لأنه قد صار من ماء دجلة لزوال الإضافة إلى النهر الأول
بحصوله في دجلة ولو حلف لا يشرب من هذا الجب فهو على الاختلاف حتى لو اغترف من مائه في إناء آخر فشرب لم
يحنث حتى يضع فاه على الجب في قول أبي حنيفة وعندهما يحنث ومن مشايخنا من قسم الجواب في الجب فقال إن
كان ملا آن فهو على الاختلاف لان الحقيقة مقصورة الوجود وإن كان غير ملآن فاغترف يحنث بالاجماع لعدم
تصور الحقيقة فتنصرف يمينه إلى المجاز ولو حلف لا يشرب من هذا الكوز انصرفت يمينه إلى الحقيقة اجماعا
لتصور الحقيقة عنده وعندهما للعرف فان نقل الماء من كوز إلى كوز وشرب من الثاني لا يسمى شاربا من الكوز
الأول وان حلف لا يشرب من ماء هذا الجب فاغترف منه باناء فشرب حنث بالاجماع لأنه عقد يمينه على ماء ذلك
الجب وقد شرب من مائه فان حول ماءه إلى جب آخر فشرب منه فالكلام فيه كالكلام فيمن حلف لا يشرب من
ماء الفرات فشرب من نهر يأخذ الماء من الفرات وقد مر ولو قال لا أشرب من ماء هذا الجب فالكلام فيه كالكلام
في قوله لا أشرب من ماء دجلة وقد ذكرناه ولو حلف لا يشرب من هذه البئر أو من مائها فاستقى منها وشرب حنث لان
الحقيقة غير متصورة الوجود فيصرف إلى المجاز وقالوا فيمن حلف لا يشرب من ماء المطر فمدت الدجلة من المطر
فشرب لم يحنث لأنه إذا حصل في الدجلة انقطعت الإضافة إلى المطر فان شرب من ماء واد سال من المطر لم يكن فيه ماء
قبل ذلك أو جاء من ماء مطر مستنقع في قاع حنث لأنه لما لم يضف إلى نهر بقيت الإضافة إلى المطر كما كافت ولو حلف
لا يشرب من ماء فرات فشرب من ماء دجلة أو نهر آخر أو بئر عذبة يحنث لأنه منع نفسه من شرب ماء عذب إذ
الفرات في اللغة عبارة عن العذب قال الله عز وجل وأسقيناكم ماء فراتا ولما أطلق الماء ولم يضفه إلى الفرات فقد
جعل الفرات نعتا للماء وقد شرب من الماء المنعوت فيحنث وفي الفصل الأول أضاف الماء إلى الفرات وعرف
الفرات بحرف التعريف فيصرف إلى النهر المعروف المسمى بالفرات (وأما) الحلف على الذوق فالذوق هو ايصال
المذوق إلى الفم ابتلعه أولا بعد ان وجد طعمه لأنه من أحد الحواس الخمس الموضوعة للعلم بالمذوقات كالسمع والبصر
والشم واللمس للعلم بالمسموعات والمبصرات والمشمومات والملموسات والعلم بالطعم يحصل بحصول الذوق في فمه
سواء ابتلعه أو مجه فكل أكل فيه ذوق وليس كل ذوق أكلا إذا عرف هذا فنقول إذا حلف لا يذوق طعاما أو
شرابا فأدخله في فيه حنث لحصول الذوق لوجود معناه وهو ما ذكرنا فان قال أردت بقوله لا أذوقه لا آكله ولا
أشربه دين فيما بينه وبين الله عز وجل ولا يدين في القضاء لأنه قد يراد بالذوق والأكل والشرب يقال في العرف ما
ذقت اليوم شيئا وما ذقت الا الماء ويراد به الأكل والشرب فإذا نوى ذلك لا يحنث فيما بينه وبين الله تعالى حتى يأكل
أو يشرب لأنه نوى ما يحتمله كلامه ولا يصدق في القضاء لعدو له عن الظاهر قال هشام وسألت محمدا عن رجل حلف
67

لا يذوق في منزل فلان طعاما ولا شرابا فذاق منه شيئا أدخله فاه ولم يصل إلى جوفه فقال محمد هذا على الذوق الا أن يكون
تقدم كلام قلت فإن كان قال له المحلوف عليه تغد عندي اليوم فحلف لا يذوق في منزله طعاما ولا شرابا فقال محمد هذا
على الاكل ليس على الذوق وإنما كان كذلك لما بينا ان حقيقة الذوق هي اكتساب سبب العلم بالمذوق وقد يستعمل
ذلك في الأكل والشرب فان تقدمت هناك دلالة حال خرج الكلام عليه حملت اليمين عليها والا عملت بحقيقة اللفظ
ولو حلف لا يذوق الماء فتمضمض للصلاة لا يحنث وان حصل له العلم بطعم الماء لان ذلك لا يسمى ذوقا عرفا وعادة
إذا المقصود منه التطهير لا معرفة طعم المذوق ولو حلف لا يأكل طعاما أو لا يشرب شرابا أو لا يذوق ونوى طعاما دون
طعام أو شرابا دون شراب فجملة الكلام في هذا ان الحالف لا يخلو اما ان ينوى تخصيص ما هو مذكور واما ان نوى
تخصيص ما ليس بمذكور فان نوى تخصيص ما هو مذكور بان ذكر لفظ عاما وأراد به بعض ما دخل تحت اللفظ العام
من حيث الظاهر يصدق فيما بينه وبين الله تعالى ولا يصدق في القضاء لان التكلم بالعام على إرادة الخاص جائز الا انه
خلاف الظاهر لان اللفظ وضع دلالة على العموم والظاهر من اللفظ الموضوع دلالة إلى العموم في اللغة إرادة العموم
فكان نية الخصوص خلاف الظاهر فلا يصدق قضاء وان نوى تخصيص ما ليس بمذكور لا يصدق في القضاء ولا
فيما بينه وبين الله عز وجل سواء كان التخصيص راجعا إلى الذات أو إلى الصفة أو إلى الحال لان الخصوص والعموم
من صفات الألفاظ دون المعاني فغير الملفوظ لا يحتمل التعميم والتخصيص والتقييد فإذا نوى التخصيص فقد نوى
مالا يحتمله كلامه فلم تصح نيته رأسا وإذا عرف هذا فتخرج عليه مسائل إذا قال إن أكلت طعاما أو شربت شرابا
أو ان ذقت طعاما أو شرابا فعبدي حر وقال عنيت اللحم أو الخبز فأكل غيره لا يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين
الله تعالى لأنه نوى التخصيص من اللفظ المذكور في موضع العموم كما بينا فيما تقدم ان قوله أن أكلت طعاما بمعنى قوله
لا آكل طعاما فيتناول بظاهره كل طعام فإذا نوى به بعض الأطعمة دون بعض فقد نوى الخصوص في اللفظ العام
وانه يحتمله لكنه خلاف الظاهر فلا يصدق قضاء ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل وان قال إن أكلت أو ذقت أو
شربت فعبدي حر وهو ينوى طعاما بعينه أو شرابا بعينه فأكل أو شرب غيره فان عبده يعتق في القضاء وفيما بينه وبين
الله عز وجل لأنه نوى التخصيص من غير المذكور إذ الطعام والشراب ليسا بمذكورين بل يثبتان بطريق الاقتضاء
والمقتضى لا عموم له وعند الشافعي يدين فيما بينه وبين الله عز وجل ويزعم أن للمقتضى عموما والصحيح قولنا لما
ذكرنا ان العموم والخصوص من صفات الموجود دون المعدوم إذ المعدوم لا يحتمل الصفة حقيقة الا انه يجعل موجودا
بطريق الضرورة لصحة الكلام فيبقى فيما وراءه على حكم العدم وأما التخصيص الراجع إلى الصفة والحال فنحو
ما حكى بشر عن أبي يوسف في رجل قال والله لا أكلم هذا الرجل وهو قائم وعنى به ما دام قائما لكنه لم يتكلم بالقيام
كانت نيته باطلة وحنث ان كلمه لان الحال والصفة ليست بمذكورة فلا تحتمل التخصيص ولو حلف لا يكلم هذا
القائم يعنى به ما دام قائما وسعه فيما بينه وبين الله لورود التخصيص على الملفوظ وكذلك إذا قال والله لأضربن
فلانا خمسين وهو ينوى بسوط بعينه فبأي سوط ضربه فقد خرج عن يمينه والنية باطلة لان آلة الضرب ليست
بمذكورة فبطلت نية التخصيص ونظير هذا ما حكى ابن سماعة عن محمد في رجل حلف وقال والله لا أتزوج امرأة
وهو ينوى كوفية أو بصرية فقال ليس في هذا نية فلا يصدق فيما بينه وبين الله عز وجل ولا في القضاء ولو قال والله
لا أتزوج امرأة يعنى امرأة كان أبوها يعمل كذا وكذا فهذا كله لا تجوز فيه النية ولو قال والله لا أتزوج امرأة يعنى
امرأة عربية أو حبشية قال هذا جائز يدين فيما نواه فقد جعل قوله عربية أو حبشية بيان النوع وقوله كوفية أو بصرية
وصفا فجوز تخصيص النوع ولم يجوز تخصيص الوصف لان الصفة ليست بمذكورة والجنس مذكورة وهو قوله
امرأة لأنه يتناول كل امرأة لأنه في موضع النفي فتعمل نيته في نوع دون نوع لاشتمال اسم الجنس على الأنواع
وقال ابن سماعة عن محمد في رجل قال والله لا أتزوج امرأة على ظهر الأرض ينوى امرأة بعينها قال يصدق فيما بينه
68

وبين الله تعالى لان اللفظ عام يحتمل تخصيص جنس أفراد العموم الا أنه خلاف الظاهر فلا يصدق في القضاء قال
ولو قال لا أشتري جارية ونوى مولدة فان نيته باطلة لأنه ليس بتخصيص نوع من جنس وإنما هو تخصيص
صفة فأشبه الكوفية والبصرية ولو قال والله لا آكل الطعام أو لا أشرب الماء أو لا أتزوج النساء فيمينه على
بعض الجنس لما بينا فيما تقدم وان أراد به الجنس صدق لأنه نوى حقيقة كلامه وأما الحلف على الغداء والعشاء
فلابد من معرفة معنى الغداء والعشاء ومعرفة وقتهما أما الأول فالغداء والعشاء كل واحد منهما عبارة عن أكل ما يقصد
به الشبع عادة فيعتبر في ذلك العادة في كل بلد فما كان غداء عندهم حملت اليمين عليه ولهذا قالوا في أهل الحضر إذا حلفوا
على ترك الغداء فشربوا اللبن لم يحنثوا لأنهم لا يتناولون ذلك للشبع عادة ولو حلف البدوي فشرب اللبن حنث لان
ذلك غداء في البادية وإذا حلف لا يتغدى فاكل غير الخبز من أرز أو تمر أو غيره حتى شبع لم يحنث ولم يكن ذلك غداء
وكذلك إذا أكل لحما بغير خبز لم يحنث في قول أبي يوسف ومحمد كذا ذكر الكرخي قال وقالا ليس الغداء في مثل
الكوفة والبصرة الا على الخبز والمرجع في هذا إلى العادة فما كان غداء معتادا عند الحالف حنث ومالا فلا وروى
هشام عن أبي حنيفة في أكل الهريسة والارزانه يحنث وروى عن أبي يوسف في الهريسة والفالوذج والخبيص
انه لا يحنث الا أن يكون ذلك غداءه والأصل ان غداء كل بلد ما تعارفونه غداء فيعتبر عادة الحالف فيما يحلف عليه
فإن كان الحالف كوفيا يقع على خبز الحنطة والشعير ولا يقع على اللبن والسويق وإن كان بدويا يقع على اللبن والسويق
وإن كان حجازيا يقع على السويق وفي بلادنا يقع على خبز الحنطة وأما الثاني فنقول وقت الغداء من طلوع الفجر إلى
وقت الزوال لان الغداء عبارة عن أكل الغدوة وما بعد نصف النهار لا يكون غدوة والعشاء من وقت الزوال إلى
نصف الليل لأنه مأخوذ من أكل العشية وأول أوقات العشاء ما بعد الزوال وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم
صلى صلاتي العشاء ركعتين يريد الظهر والعصر وفي عرف ديارنا العشاء ما بعد وقت صلاة العصر وأما السحور فما بعد
نصف الليل إلى طلوع الفجر لأنه مأخوذ من السحر وهو وقت السحر ولم يذكر في ظاهر الرواية مقدار الغداء والعشاء
وقد روى ابن سماعة عن أبي يوسف فيمن قال لامته ان لم تتعشى الليلة فعبدي حر فأكلت لقمة واحدة لم تزد عليها
فليس هذا بعشاء ولا يحنث حتى تأكل أكثر من نصف شبعها لان من أكل لقمة يقول في العادة ما تغديت ولا
تعشيت فإذا أكل أكثر أكله يسمى ذلك غداء في العادة وروى المعلى عن محمد فيمن حلف ليأتينه غدوة انه إذا أتاه
بعد طلوع الفجر إلى نصف النهار فقد بر وهو غدوة لما ذكرنا ان هذا وقت الغداء ولو قال ليأتينه ضحوة فهو من بعد
طلوع الشمس من الساعة التي تحل فيها الصلاة إلى نصف النهار لان هذا وقت صلاة الضحى قال محمد إذا حلف
لا يصبح فالتصبيح عندي ما بين طلوع الشمس وبين ارتفاع الضحى الأكبر فإذا ارتفع الضحى الأكبر ذهب وقت
التصبيح لان التصبيح تفعيل من الصباح والتفعيل للتكثير فيقتضى زيادة على ما يفيده الاصباح وروى المعلى عن
محمد فيمن حلف لا يكلمه إلى السحر قال إذا دخل ثلث الليل الأخير فليكلمه لان وقت السحر ما قرب من الفجر قال
هشام عن محمد والمساء مسا آن أحدهما إذا زالت الشمس ألا ترى انك تقول إذا زالت الشمس كيف أمسيت والمساء
الأخير إذا غربت الشمس فإذا حلف بعد الزوال لا يفعل كذا حتى يمسى كان ذلك على غيبوبة الشمس لأنه
لا يمكن حمل اليمين على المساء الأول فيحمل على الثاني والله عز وجل أعلم
[فصل] وأما الحلف على اللبس والكسوة إذا حلف لا يلبس قميصا أو سراويل أو رداء فاتزر بالسراويل
أو القميص أو الرداء لم يحنث وكذا إذا أعتم بشئ من ذلك لأن المطلق تعتبر فيه العادة والاتزار والتعمم ليس بمعتاد
في هذه الأشياء فلا يحنث ولو حلف لا يلبس هذا القميص أو هذا الرداء فعلى أي حال لبس ذلك حنث وان اتزر
بالرداء وارتدى بالقميص أو اغتسل فلف القميص على رأسه وكذلك إذا حلف لا يلبس هذه العمامة فألقاها على
عاتقه لان اليمين إذا تعلقت بعين اعتبر فيها وجود الاسم ولا تعتبر فيها الصفة المعتادة لان الصفة في الحاضر غير معتبرة
69

والاسم باق وهذا ليس بمعتاد فيحنث به ولو حلف لا يلبس حريرا فلبس مصمتا لم يحنث لان الثوب ينسب إلى اللحمة
دون السداء لأنها هي الظاهرة منه والسداء ليس بظاهر ونظير مسائل الباب ما قال في الجامع فيمن حلف لا يلبس
قميصين فلبس قميصا ثم نزعه ثم لبس آخر فإنه لا يحنث حتى يلبسهما معا لان المفهوم من لبس القميصين في العرف
هو ان يجمع بينهما ولو قال والله لا ألبس هذين القميصين فلبس أحدهما ثم نزعه ولبس الآخر حنث لان اليمين
ههنا وقعت على عين فاعتبر فيها الاسم دون اللبس المعتاد وقالوا فيمن حلف لا يلبس شيئا ولا نية له فلبس درعا من
حديد أو درع امرأة أو خفين أو قلنسوة انه يحنث لان ذلك كله يتناوله لسم اللبس ولو حلف لا يلبس سلاحا فتقلد
سيفا أو تنكب قوسا أو ترسا لم يحنث لان هذا لا يسمى لبسا يقال تقلد السيف ولا يقال لبسه ولو لبس درعا من حديد
أو غيره حنث لان السلاح هكذا يلبس وقالوا فيمن حلف لا يلبس قطنا فلبس ثوب قطن يحنث لان القطن لا يحتمل
اللبس حقيقة فيحمل على لبس ما يتخذ منه فان ليس قباء لبس بقطن وحشوه قطن لم يحنث الا أن يعنى الحشو لان
الحشو ليس بملبوس فلا تتناوله اليمين فان لبس ثوبا من قطن وكتان حنث لان اليمين على القطن تتناول ما يتخذ منه
وبعض الثوب يتخذ منه وروى بشر عن أبي يوسف في رجل حلف ليقطعن من هذا الثوب قميصا وسراويل
فقطعه قميصا فلبسه ما شاء ثم قطع من القميص سراويل فلبسه فإنه يبر في يمينه لان القميص يسمى ثوبا فقد قطع الثوب
سراويل واسم الثوب لم يزل فلا يحنث وان حلف على قميص ليقطعن منه قباء وسراويل فقطع منه قباء فلبسه أو لم
يلبسه ثم قطع من القباء سراويل فإنه قد حنث في يمينه حين قطع القميص قباء لأنه قطع السراويل مما لا يسمى قميصا
ويمينه اقتضت أن يقطع السراويل من قميص لا من قباء وقال في الزيادات إذا قال عبده حران لم يجعل من هذا الثوب
قباء وسراويل ولا نية له فجعله كله قباء وخاطه ثم نقض القباء وجعله سراويل فإنه لا يحنث الا أن يكون عنى أن
يجعل من بعضه هذا أو بعضه هذا وهو على الحالة الأولى وقال عمرو عن محمد في رجل حلف لا يلبس هذا الثوب
فقطعه سراويلين فلبس سراويل بعد سراويل لا يحنث وقال محمد إذا صار سراويلين خرج من أن يكون ثوبا
لان لبس الثوب المشار إليه يلبس جميعه دفعة واحدة وروى عن محمد أنه قال سمعت أبا يوسف فيمن حلف لا يلبس
هذا الثوب فأخذ منه قلنسوات فلبسها لم يحنث لأنه لما قطعه قلنسوات لم يبق اسم الثوب لان القلنسوة لا تسمى ثوبا
وان قطعه قميصا ففضل منه فضلة عن القميص رقعة صغيرة يتخذ منها لبنة أو ما أشبه ذلك فإنه يحنث لان هذا القدر مما
لا يعتد به فكان لابسا كمن حلف لا يأكل رمانة فأكلها الا حبة وكذا لو اتخذ من الثوب جوارب فلبسها لا يحنث لأنه لما
قطعه جوارب زال اسم الثوب عنها ولو حلف لا يلبس ثوبا من غزل فلانة فقطع بعضه فلبسه فإن كان لا يكون ما قطع
إزارا أو رداء لم يحنث فان بلغ ذلك حنث وان قطعه سراويل فلبسه حنث لان اسم الثوب إنما يقع على ما تستر به العورة
وأدنى ذلك الإزار فما دونه ليس بلبس ثوب وكذا المرأة إذا حلفت لا تلبس ثوبا فلبست خمارا أو مقنعة لم تحنث والمراد
بذلك الخمار الذي لم يبلغ مقدار الإزار فإذا بلغ ذلك الإزار حنث بلبسه وان لم تستر به العورة وكذلك إذا لبس الحالف
عمامة لم يحنث الا أن يلف على رأسه ويكون قدر ازار أو رداء أو يقطع من مثلها قميصا أو درعا أو سراويل لان العمامة
إذا لم تبلغ مقدار الإزار فلابسها لا يسمى لابس ثوب فلم يحنث وإذا بلغت مقدار الإزار أو الرداء فقد لبس ما يسمى ثوبا
الا أنه ليس في موضع مخصوص من بدنه فهو كما لو لبس القميص على رأسه ولو حلف لا يلبس من غزل فلانة ولم يقل
ثوبا لم يحنث في التكة والزر والعروة واللبنة روى ذلك عن محمد لان هذا ليس بلبس في العادة ولا يقال لمن كان عليه لابس
وقال أبو يوسف ان لبس رقعة في ثوب شبرا في شبر حنث لان هذا عنده في حكم الكثير فصار لابسا له وقال محمد إذا
حلف لا يلبس ثوبا لا يحنث في العمامة والمقنعة ويحنث في السراويل وقد قالوا إذا حلف لا يلبس ثوبا من غزلها فلبس
ثوب خز غزلته حنث لان ذلك ينسب إلى الثوب فإنه كان كساء من غزلها سداه قطن فإن كان ذلك يسمى ثوبا حنث
والا لم يحنث ولو حلف لا يلبس ثوبا من نسج فلان فنسجه غلمانه فإن كان فلان يعمل بيده لم يحنث الا أن يلبس من
70

عمله وإن كان فلان لا يعمل بيده حنث لان حقيقة النسج ما فعله الانسان بنفسه فان أمكن الحمل على الحقيقة يحمل
عليها وان لم يكن يحمل على المجاز فإذا كان فلان لا ينسج بيده لم تكن الحقيقة مرادة باليمين فيحمل على المجاز وهو الامر
بالعمل وروى بشر عن أبي يوسف فيمن حلف لا يلبس شيئا من السواد قال هذا على ما يلبس مثله ولا يحنث في التكة
والزر والعروة لان ذلك ليس بلبس وان حلف لا يكسو فلانا شيئا ولا نية له فكساه قلنسوة أو خفين أو جوربين
حنث لان الكسوة اسم لما يكسى به وذلك يوجد في القليل والكثير وروى عمرو عن محمد إذا حلف لا يكسو امرأة
فبعث إليها مقنعة قال لا يحنث فجعل الكسوة عبارة عما يجزئ في كفارة اليمين وأجرى ذلك مجرى قوله لا ألبس ثوبا
ولو حلف لا يكسو فلانا ثوبا فأعطاه دراهم يشترى بها ثوبا لم يحنث لأنه لم يكسه وإنما وهب له دراهم وشاوره فيما يفعل بها
ولو أرسل إليه بثوب كسوة حنث لان الحقوق لا تتعلق بالرسول وإنما تتعلق بالمرسل
[فصل] وأما الحلف على الركوب إذا حلف لا يركب دابة فهو على الدواب التي يركبها الناس في حوائجهم في مواضع
اقامتهم فان ركب بعيرا أو بقرة لم يحنث والقياس أن يحنث في ركوب كل حيوان لان الدابة اسم لما يدب على وجه
الأرض قال الله تعالى وما من دابة في الأرض الا على الله رزقها وقال عز وجل ان شر الدواب عند الله الذين كفروا الا
انهم استحسنوا وحملوا اليمين على ما يركبه الناس في الأمصار ولقضاء الحوائج غالبا وهو الخيل والبغال والحمير تخصيصا
للعموم بالعرف والعادة لأنا نعلم أنه ما أراد به كل حيوان فحملنا مطلق كلامه على العادة ومعلوم أن الفيل والبقرة والبعير لا
يركب لقضاء الحوائج في الأمصار عادة فان نوى في يمينه الخيل خاصة دين فيما بينه وبين الله عز وجل لان اللفظ يحتمله ولا
يدين في القضاء لأنه خلاف ظاهر العموم وان حلف لا يركب فرسا فركب برذونا أو حلف لا يركب برذونا فركب فرسا
لم يحنث لان الفرس عبارة عن العربي والبرذون عن الشهري فصار كمن حلف لا يكلم رجلا عربيا فكلم عجميا ولو حلف
لا يركب وقال نويت الخيل لا يصدق في القضاء ولا فيما بينه وبين الله عز وجل لان الركوب ليس بمذكور فلا يحتمل
التخصيص فان حلف لا يركب الخيل فركب برذونا أو فرسا يحنث لان الخيل اسم جنس قال الله عز وجل والخيل
والبغال والحمير لتركبوها وزينة وقال صلى الله عليه وسلم الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة والمراد به الجنس فيعم جميع
أنواعه ولو حلف لا يركب دابة وهو راكبها فمكث على حاله ساعة واقفا أو سائرا حنث لما ذكرنا أن الركوب يحتمل
الابتداء ويتجدد أمثاله وكذلك لو حلف لا يلبس وهو لابس أو لا يجلس على هذا الفرش وهو جالس لما قلنا فان نزل
عقيب يمينه أو نزع أو قام لم يحنث عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر وقد ذكرنا المسألة فيما تقدم ولو حلف لا يركب دابة
فلان فركب دابة لعبد فلان وعليه دين أو لا دين عليه لا يحنث في قول أبي حنيفة وعند محمد يحنث أما إذا كان عليه دين
فلانه لا يملكها عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف هي مضافة إلى العبد دون المولى وأما إذا لم يكن عليه دين فهي مضافة
إلى العبد فلم يحنث وعند محمد هي ملك المولى حقيقة فيحنث بركوبها ولو حلف لا يركب مركبا ولا نوى شيئا فركب
سفينة أو محملا أو دابة باكاف أو سرج حنث لوجود الركوب اما في الدابة بالسرج والاكاف فلا شك فيه وأما في
السفينة فلان الله تعالى سمى ذلك ركوبا بقوله عز وجل وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها والله عز وجل أعلم.
[فصل] وأما الحلف على الجلوس فإذا حلف لا يجلس على الأرض فإنه لا يحنث الا أن يجلس عليها وليس بينه
وبينها غير ثيابه فإن كان بينه وبين الأرض حصيرا وبورى أو بساط أو كرسي أو شئ بسطه لم يحنث لان الجالس على
الأرض من باشر الأرض ولم يحل بينه وبينها شئ هذا هو الجلوس على الأرض الا أن الجلوس عليها بما هو
متصل به من ثيابه يسمى جلوسا على الأرض عرفا وإذا حال بينهما ما هو منفصل عنه من البساط والحصير لا يسمى
جلوسا ألا ترى أنه يقال جلس على البساط والحصير لا على الأرض فإذا حلف لا يجلس على هذا الفراش أو هذا
الحصير أو هذا البساط فجعل عليه مثله ثم جلس لم يحنث لان الجلوس يضاف إلى الثاني دون الأول ألا ترى ان
الطنفسة إذا جعلت على البوري لا يقال جلس على البوري بل يقال جلس على الطنفسة وكذلك إذا جعل الفراش
71

على الفراش أو البساط على البساط وخالف أبو يوسف في الفراش خاصة فقال إذا حلف لا ينام على هذا الفراش
فجعل فوقه فراشا آخر ونام عليه حنث لأنهما جميعا مقصودان بالنوم لان ذلك إنما يجعل لزيادة التوطئة وأجمعوا على
أنه لو حلف لا ينام على هذا الفراش فجعل فوقه قراما أو محبسا لان ذلك لا يمنع أن يقال نام على الفراش ولو
حلف لا يجلس على هذا السرير أو على هذا الدكان أو لا ينام على هذا السطح فجعل فوقه مصلى أو فرشا أو بساطا
ثم جلس عليه حنث لأنه يقال جلس الأمير على السرير وإن كان فوقه فراش ويقال نام على السطح وإن كان نام على
فراش فلو جعل فوق السرير سريرا أو بنى فوق الدكان دكانا أو فوق السطح سطحا لم يحنث لان الجلوس يضاف إلى
الثاني دون الأول وقال محمد إذا كان نوى مباشرته وهي أن لا يكون فوقه شئ لم يدين في القضاء يعنى به إذا حلف
لا ينام على السرير فنام على فراش فوق السرير لأنه نوى غير ظاهر كلامه ولو قال والله لا أنام على ألواح هذا السرير
أو ألواح هذه السفينة ففرش على ذلك فراشا لم يحنث لأنه ما نام على ألواح وذكر في الأصل إذا حلف لا يمشى على
الأرض فمشى عليها وفي رجله خف أو نعل يحنث لان المشي على الأرض هكذا يكون عادة ألا ترى انه لم يجعل بينه
وبينها ما هو منفصل عنه وان مشى على بساط لم يحنث لأنه يقال مشى على البساط وجاء في الشعر
نحن بنات طارق * نمشي على النمارق
ولو مشى على السطح حنث لأنه يقال هذه أرض السطح ويقال لمن على السطح لأنتم على الأرض
[فصل] وأما الحلف على السكنى والمساكنة والايواء والبيتوتة أما السكنى فإذا حلف لا يسكن هذه الدار اما إن كان
فيها ساكنا أو لم يكن فإن لم يكن فيها ساكنا فالسكنى فيها أن يسكنها بنفسه وينقل إليها من متاعه ما يتأثث به ويستعمله
في منزله فإذا فعل ذلك فهو ساكن وحانث في يمينه لان السكنى هي الكون في المكان على طريق الاستقرار فان من
جلس في المسجد وبات فيه لا يسمى ساكن المسجد ولو أقام فيه بما يتأثث به يسمى به فدل ان السكنى ما ذكرنا
وذلك أنما يكون بما يسكن به في العادة وذلك ما قلنا وإن كان فيها ساكنا فحلف لا يسكنها فإنه لا يبر حتى ينتقل عنها
بنفسه وأهله وولده الذين معه ومتاعه ومن كان يأويها لخدمته والقيام بأمره في منزله فإن لم يفعل ذلك ولم يأخذ في
النقلة من ساعته وهي ممكنة حنث ههنا ثلاثة فصول أحدها إذا حلف لا يسكن فانتقل باهله ومتاعه في الحال لم يحنث
في قول أصحابنا الثلاثة وعند زفر يحنث وهو على الخلاف الذي ذكرنا في الراكب حلف لا يركب واللابس حلف
لا يلبس فنزل ونزع في الحال وقد ذكرنا المسألة فيما تقدم والثاني إذا انتقل بنفسه ولم ينتقل باهله ومتاعه قال أصحابنا
يحنث وقال الشافعي لا يحنث وجه قوله إن شرط حنثه سكناه ولم يسكن فلا يحنث كما لو حلف لا يسكن في بلد فخرج
بنفسه وترك أهله فيه وقال الشافعي محتجا علينا إذا خرجت من مكة وخلقت دفيترات بها أفأكون ساكنا بمكة ولنا
ان سكنى الدار إنما يكون بما يسكن به في العادة لما ذكرنا انه اسم للكون على وجه الاستقرار ولا يكون الكون على هذا
الوجه الا بما يسكن به عادة فإذا حلف لا يسكنها وهو فيها فالبر في إزالة ما كان به ساكنا فإذا لم يفعل حنث وهذا لأنه بقوله
لا أسكن هذه الدار فقد منع نفسه عن سكنى الدار وكره سكناها لمعنى يرجع إلى الدار والانسان كما يصون نفسه عما
يكره يصون أهله عنه عادة فكانت يمينه واقعة على السكنى وما يكن به عادة فإذا خرج بنفسه وترك أهله ومتاعه
فيه ولم يوجد شرط البر فيحنث والدفاتر لا يسكن بها في الدور عادة فبقاؤها لا يوجب بقاء السكنى فهذا كان تشنيعا
في غير موضعه ولان من حلف لا يسكن هذه الدار فخرج بنفسه وأهله ومتاعه فيها يسمى في العرف والعادة
ساكن الدار ألا ترى انه إذا قيل له وهو في السوق أين تسكن يقول في موضع كذا وان لم يكن هو فيه وبهذا فارق
البلد لأنه لا يقال لمن بالبصرة انه ساكن بالكوفة والثالث انه إذا انتقل بنفسه وأهله وماله ومتاعه وترك من
أثاثه شيئا يسيرا قال أبو حنيفة يحنث وقال أبو يوسف إذا كان المتاع المتروك لا يشغل بيتا ولا بعض الدار لا
يحنث ولست أجد في هذا حدا وإنما هو على الاستحسان وعلى ما يعرفه الناس وقيل معنى قول أبي حنيفة إذا ترك
72

شيئا يسيرا يعنى ما لا يعتد به ويسكن بمثله فاما إذا خلف فيها وتدا أو مكنسة لم يحنث لأبي يوسف ان اليسير من
الأثاث لا يعتد به لأنه يسكن بمثله فصار كالوتد ولأبي حنيفة ان شرط البر إزالة ما به صار ساكنا فإذا بقي منه شئ
لم يوجد شرط البر بكماله فيحنث فان منع من الخروج والتحول بنفسه ومتاعه وأوقعوه وقهروه لا يحنث وان
أقام على ذلك أياما لأنه ما يسكنها بل أسكن فيها فلا يحنث ولان البقاء على السكنى يجرى مجرى الابتداء ومن
حلف لا يسكن هذه الدار وهو خارج الدار فحمل إليها مكرها لم يحنث كذا البقاء إذا كان باكراه وقال محمد
إذا خرج من ساعته وخلف متاعه كله في المسكن فمكث في طلب المنزل أياما ثلاثا فلم يجد ما يستأجره وكان
يمكنه ان يخرج من المنزل ويضع متاعه خارج الدار لا يحنث لان هذا من عمل النقلة إذ النقلة محمولة على العادة
والمعتاد هو الانتقال من منزل إلى منزل ولأنه ما دام في طلب المنزل فهو متشاغل بالانتقال كما لو خرج يطلب من
يحمل رحله وقال محمد إن كان الساكن موسرا وله متاع كثير وهو يقدر على أنه يستأجر من ينقل متاعه في يوم
فلم يفعل وجعل ينقل بنفسه الأول فالأول فمكث في ذلك سنة قال إن كان النقلان لا يفتر انه لا يحنث لان
الحنث يقع بالاستقرار بالدار والمتشاغل بالانتقال غير مستقر ولأنه لا يلزمه الانتقال على أسرع الوجوه ألا يرى أنه
بالانتقال المعتاد لا يحنث وإن كان غيره أسرع منه فان تحول ببدنه وقال ذلك أردت فإن كان حلف لا يسكن هذه الدار
وهو ساكن فيها لا يدين في القضاء لأنه خلاف الظاهر ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه نوى ما يحتمله كلامه
وإن كان حلف وهو غير ساكن وقال نويت الانتقال ببدني دين لأنه نوى ما يحتمله وفيه تشديد على نفسه وأما
المساكنة فإذا كان رجل ساكنا مع رجل في دار فحلف أحدهما ان لا يساكن صاحبه فان أخذ في النقلة وهي
ممكنة والا حنث والنقلة على ما وصفت لك إذا كان ساكنا في الدار فحلف لا يسكنها لان المساكنة هي ان
يجمعهما منزل واحد فإذا لم ينتقل في الحال فالبقاء على المساكنة مساكنة فيحنث فان وهب الحالف متاعه للمحلوف
عليه أو أودعه أو أعاره ثم خرج في طلب منزل فلم يجد منزلا أياما ولم يأت الدار التي فيها صاحبه قال محمد إن كان وهب
له المتاع وقبضه منه وخرج من ساعته وليس من رأيه العود إليه فليس بمساكن له فلا يحنث وكذلك ان أودعه المتاع
ثم خرج لا يريد العود إلى ذلك المنزل وكذلك العارية لأنه إذا وهبه وأقبضه وخرج فليس بمساكن إياه بنفسه ولا
بماله وإذا أودعه فليس بساكن به فلا يحنث وكذلك ان أودعه المتاع ثم خرج وإنما هو في يد المودع وكذلك إذا
أعاره فلا يحنث ولو كان له في الدار زوجة فراودها على الخروج فأبت وامتنعت وحرص على خروجها واجتهد
فلم تفعل فإنه لا يحنث إذا كانت هذه حالها لأنه لو بقي هو في الدار مكرها لم يحنث لعدم اختياره السكنى به فكذا
إذا بقي ما يسكن به بغير اختياره وإذا حلف لا يساكن فلانا فساكنه في عرصة دار أو بيت أو غرفة حنث لان
المساكنة هي القرب والاختلاط فإذا سكنها في موضع يصلح للسكنى فقد وجد الفعل المحلوف عليه فيحنث فان
ساكنه في دار هذا في حجرة وهذا في حجرة أو هذا في منزل وهذا في منزل حنث الا أن يكون دارا كبيرة قال أبو
يوسف مثل دار الرقيق ونحوها ودار الوليد بالكوفة ونحوها فإنه لا يحنث وكذا كل دار عظيمة فيها مقاصير ومنازل وقال
هشام عن محمد إذا حلف لا يساكن فلانا ولم يسم دارا فسكن هذا في حجرة وهذا في حجرة لم يحنث الا ان يساكنه في
حجرة واحدة قال هشام قلت فان حلف لا يساكنه في هذه الدار فسكن هذا في حجرة وهذا في حجرة قال يحنث لمحمد
ان الحجرتين المختلفتين كالدارين بدليل ان السارق من إحداهما إذا نقل المسروق إلى الأخرى قطع وليس كذلك
إذا حلف لا يساكنه في دار لأنه حلف على أن لا يجمعهما دار واحدة وقد جمعتهما وإن كانا في حجرها ولأبي يوسف
ان المساكنة هي الاختلاط والقرب فإذ كانا في حجرتين في دار صغيرة فقد وجد القرب فهو كبيتين من دار وإن كانا في
حجرتين من دار عظيمة فلا يوجد الغرب فهو كدارين في محلة فان سكن هذا في بيت من دار وهذا في بيت وقد حلف
لا يساكنه ولم يسم دارا حنث في قولهم لان بيوت الدار الواحدة كالبيت الواحد ألا ترى ان السارق لو نقل المسروق
73

من أحد البيتين إلى الآخر لم يقطع وقال أبو يوسف فان ساكنه في حانوت في السوق يعملان فيه عملا أو يبيعان
فيه تجارة فإنه لا يحنث وإنما اليمين على المنازل التي هي المأوى وفيها الأهل والعيال فاما حوانيت البيع والعمل فليس
يقع اليمين عليها الا ان ينوى أو يكون بينهما قبل اليمين بدل يدل عليها فتكون اليمين على ما تقدم من كلامهما
ومعانيهما لان السكنى عبارة عن المكان الذي يأوى إليه الناس في العادة ألا ترى انه لا يقال فلان يسكن السوق وإن كان
يتجر فيها فإنه جعل السوق مأواه قيل إنه يسكن السوق فإن كان هناك دلالة تدل على أنه أراد باليمين ترك
المساكنة في السوق حملت اليمين على ذلك وان لم يكن هناك دلالة فقال نويت المساكنة في السوق أيضا فقد شدد على
نفسه قالوا إذا حلف لا يساكن فلانا بالكوفة ولا نية له فسكن أحدهما في دار والآخر في دار أخرى في قبيلة واحدة
أو محلة واحدة أو درب فإنه لا يحنث حتى تجمعهما السكنى في دار لان المساكنة هي المقاربة والمخالطة ولا يوجد ذلك
إذا كانا في دارين وذكر الكوفة لتخصيص اليمين بها حتى لا يحنث بمساكنته في غيرها فان قال نويت ان لا أسكن
الكوفة والمحلوف عليه بالكوفة صدق لأنه شدد على نفسه وكذلك إذا حلف لا يساكنه في الدار فاليمين على
المساكنة في دار واحدة على ما بينا ولو أن ملاحا حلف لا يساكن فلانا في سفينة واحدة ومع كل واحد منهما أهله
ومتاعه واتخذها منزله فإنه يحنث وكذلك أهل البادية إذا جمعتهم خيمة وان تفرقت الخيام لم يحنث وان تقاربت لان
السكنى محمولة على العادة وعادة الملاحين السكنى في السفن وعادة أهل البادية السكنى في الأخبية فتحمل يمينهم على
عاداتهم وأما الايواء فإذا حلف لا يأوى مع فلان أو لا يأوى في مكان أو دارا وفي بيت فالايواء الكون ساكنا
في المكان فأوى مع فلان في مكان قليلا كان المكث أو كثيرا ليلا كان أو نهارا حنث وهو قول أبى يوسف
الأخير وقول محمد الا أن يكون نوى أكثر من ذلك يوما أو كثر فيكون على ما نوى وروى ابن رستم في رجل حلف
بالطلاق لا يأويه وفلانا بيت وذلك لان الايواء عبارة عن المصير في الموضع قال الله عز وجل سآوي إلى جبل
يعصمني من الماء أي ألتجئ وذلك موجود في قليل الوقت وكثيره وقد كان قول أبى يوسف الأول ان الايواء مثل
البيتوتة وانه لا يحنث حتى يقيم في المكان أكثر الليل لأنهم يذكرون الايواء كما يذكرون البيتوتة فيقولون فلان يأوى
في هذه الدار كما يقولون يبيت فيها وأما إذا نوى أكثر من ذلك فالامر على ما نوى لان اللفظ محتمل فإنهم يذكرون
الايواء ويريدون به السكنى والمقام وقد روى ابن رستم عن محمد في رجل قال إن آواني وإياك بيت أبدا على طرفة
عين في قول أبى يوسف الأخير وقولنا الا أن يكون نوى أكثر من ذلك يوما أو أكثر فالامر على ما نوى لان اللفظ
يوما أو أكثر وقال ابن سماعة عن أبي يوسف إذا حلف لا يأوى فلانا وقد كان المحلوف عليه في عيال الحالف
ومنزله لا يحنث الا ان يعيد المحلوف عليه مثل ما كان عليه وان لم يكن المحلوف عليه في عيال الحالف فهذا على نية
الحالف ان نوى ان لا يعوله فهو كما نوى وكذلك ان نوى لا يدخله عليه بيته لان قوله لا يأويه يذكر ويراد به ضمه إلى
نفسه ومنزله وقد يراد به القيام بأمره فإن كان في اللفظ دليل على شئ والا يرجع إلى نيته فان دخل المحلوف عليه بغير
اذنه فرآه فسكت لم يحنث لأنه حلف على فعل نفسه فإذا لم يأمره لم يوجد فعله وقال عمر وعن محمد الايواء عند البيتوتة
والسكنى فان نوى المبيت فهو على ذهاب الأكثر من الليل وان لم ينو شيئا فهو على ذهاب ساعة (وأما) البيتوتة
فإذا حلف لا يبيت مع فلان أو لا يبيت في مكان كذا فالمبيت بالليل حتى يكون فيه أكثر من نصف الليل وإذا كان
أقل لم يحنث وسواء نام في الموضع أو لم ينم لان البيتوتة عبارة عن الكون في مكان أكثر من نصف الليل الا يرى أن
الانسان يدخل على غيره ليلا يقيم عنده قطعة من الليل ولا يقال بات عنده وإذا أقام أكثر الليل يقال بات عنده ويقال
فلان بائت في منزله وإن كان في أول الليل في غيره ولا يعتبر النوم لان اللفظ لا يقتضيه لغة كما لا يقتضى اليقظة فلم يكن
شرطا فيه وقال ابن رستم عن محمد في رجل حلف لا يبيت الليلة في هذه الدار وقد ذهب ثلثا الليل ثم بات بقية الليل قال
لا يحنث لان البيتوتة إذا كانت تقع على أكثر الليل فقد حلف على ما لا يتصور فلا تنعقد يمينه والله عز وجل أعلم
74

(فصل) وأما الحلف على الاستخدام فإذا حلف الرجل لا يستخدم خادمة له قد كانت تخدمه ولا نية له فجعلت
الخادمة تخدمه من غير أن يأمرها حنث لأنه لما مكنها من الخدمة فقد تركها على الاستخدام السابق ولأنه لما لم يمنعها فقد
استخدمها دلالة وان لم يستخدم نصا صريحا ولو كان الحالف على خادمة لا يملكها فخدمته بغير أمره لا يحنث لعدم
سبق الاستخدام ليكون التمكين من الخدمة ابقاء لها على الاستخدام ولتعذر جعل التمكين دلالة الاستخدام لان
استخدام جارية الغير بغير اذنه محظور فلا يكون اذنا به من طريق الدلالة فهو الفرق حتى لو كان نهى خادمته التي
كانت تخدمه عن خدمته ثم خدمته بغير أمره قيل لم يحنث لأنه بالتمكين قطع استخدامها السابق فقد وجد منها بغير
استخدام فلا يحنث ولو حلف لا تخدمه فلانة فخدمته بغير أمره أو بأمره وهي خادمته أو خادمة غيره حنث لأنه عقد
اليمين على فعلها وهو خدمتها لا على فعله وهو استخدامه وقد خدمته وكل شئ من عمل بيته فهو خدمته لان الخدمة
عبارة عن عمل البيت الذي يحتاج إليه في الغالب ولو حلف لا يستخدم خادمة لفلان فسألها وضوءا أو شرابا أو أومأ
إليها ولم يكن له نية حين حلف حنث ان فعلت ذلك أو لم تفعل الا أن يكون نوى حين حلف ان لا يستعين بها فتعينه فلا
يحنث حتى تعينه لأنه عقه يمينه على فعله وهو الاستخدام وقد استخدم وان لم تجبه فان عنى ان تخدمه فقد نوى
ما يحتمله كلامه فيصدق فيما بينه وبين الله تعالى وان حلف لا يخدمني خادم لفلان فهو على الجارية والغلام والصغير
الذي يخدم والكبير في ذلك سواء لان اسم الخادم يجمع الذكر والأنثى والصغير والكبير إذا كان الصغير ممن يقدر
على الخدمة والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما الحالف على المعرفة فإذا حلف على إنسان انه لا يعرفه وهو يعرفه يوجهه لكنه لا يعرف اسمه
فقد بر في يمينه ولا يحنث لأنه إذا لم يعرف اسمه لم يعرفه بدليل ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سأل
رجلا عن رجل وقال له هل تعرفه فقال الرجل نعم فقال هل تدرى ما اسمه فقال لا فقال إنك لم تعرفه ولأنه إذا لم يعرفه
باسمه وان عرفه بوجهه لم يكن عارفا به على الاطلاق بل من وجه دون وجه ومن شرط حنثه المعرفة على الاطلاق ولم
توجد فلا يحنث وقال خلف بن أيوب عن محمد في رجل تزوج امرأة ودخل بها ولا يدرى ما اسمها فحلف أنه
لا يعرفها قال لا يحنث لما بينا ولو أن رجلا ولد له مولودا فأخرجه إلى جار له ولم يكن سماه بعد فحلف جاره هذا انه لا يعرف
هذا الصبي لا يحنث لان معرفته بمعرفة اسمه فلا يعرف قبل التسمية
(فصل) وأما الحلف على أخذ الحق وقبضه وقضائه واقتضائه إذا حلف الرجل ليأخذن من فلان حقه أو
ليقبضن من فلان حقه فأخذ منه بنفسه أو أخذ منه وكيله أو أخذه من ضامن عنه أو محتال عليه بأمر المطلوب بر لان
حقوق القضاء لا ترجع إلى الفاعل فترجع إلى الآمر فكأن قبض وكيل الطالب قبضه معنى وكذا القبض من وكيل
المطلوب أو كفيله أو المحتال بأمره عليه قبضا منه من حيث المعنى ولو قبض من رجل بغير أمر المطلوب أو كانت
الكفالة أو الحوالة بغير أمره حنث في يمينه ولم يبر لأنه لم يقبض من المطلوب حقه حقيقة في الوجهين جميعا الا أنه جعل
قابضا عنه معنى في موضع الامر وجعل القبض من الغير كالقبض منه فإذا لم يكن ذلك بأمره لم تكن اضافته إليه ولهذا لم
يرجع إلى الدافع إليه بما أعطاه فلم يوجد منه قبض حقه فلم يبر وكذلك لو كان الحالف هو الذي عليه المال فحلف
ليقضين فلانا حقه أو ليعطين فأعطاه بنفسه أو برسول أو بإحالة أو أمر من ضمنه له فأخذه الطالب بر الحالف في يمينه
لان حقوق القضاء لا تتعلق بالفاعل فتتعلق بالآمر فكان هو القاضي والمعطى من حيث المعنى ولو كان ذلك بغير أمره
حنث الحالف لأنه لم يقض حقه ولا أعطاه أصلا ورأسا الا ترى انه لا يرجع الدافع إليه وان قال الحالف في هذين
الوجهين أردت أن يكون ذلك بنفسي كان كما قال فإن لم يفعل ذلك بنفسه حنث لأنه على نفسه وإن كان المطلوب
حلف أن لا يعطيه فأعطاه على أحد هذه الوجوه حنث فان قال إنما أردت ان لا أعطيه أنا بنفسي لم يدين في القضاء
ودين فيما بينه وبين الله تعالى لان العطاء بفعله وبفعل غيره سواء في القصد فتناوله اليمين فإذا نوى ان لا يعطيه بنفسه
75

فقد نوى خلاف الظاهر وأراد التخفيف على نفسه فلا يصدق في القضاء ولو أخذ به ثوبا أو عرضا فقبض العرض
فهو بمنزلة القبض للمال لأنه يصير مستوفيا بأخذ العوض كما يصير مستوفيا بأخذ نفس الحق ولو حلف الطالب ليأخذن
ماله منه أو ليقضينه أو ليستوفينه ولم يوقت وقتا فأبرأه من المال أو وهبه له حنث في يمينه لان الابراء ليس بقبض ولا
استيفاء ففات شرط البر فحنث ولو كان وقت وقتا فقال اليوم أو إلى كذا وكذا فأبرأه قبل ذلك أو وهبه له لم يحنث عند
أبي حنيفة ومحمد إذا جاوز ذلك الوقت وعند أبي يوسف يحنث بناء على أن اليمين الموقتة يتعلق انعقادها بآخر الوقت
عندهما فكأنه قال في آخر الوقت لأقبضن منه ديني ولا دين عليه فلا تنعقد اليمين عندهما وتنعقد عند أبي يوسف
فيحنث أصل المسألة إذا حلف ليشربن الماء الذي في هذا الكوز اليوم فاهريق الماء قبل انقضاء اليوم وقد ذكرناها
فيما تقدم فان قبض الدين فوجده زيوفا أو نبهرجة فهو قبض وبر في يمينه سواء كان حلف على القبض أو على الدفع
لأنها من جنس حقه من حيث الأصل ألا ترى انه يجوز أخذهما في ثمن الصرف فوقع بهما الاقتضاء وإن كانت ستوقة
فليس هذا بقبض لأنها ليست من جنس الدراهم ولهذا لا يجوز التجوز بها في ثمن الصرف وكذلك لو رد الثوب الذي
أخذ على الدين بعيب أو أستحق كان قد بر في يمينه وكان هذا قبضا لان العيب لا يمنع صحة القبض وكذا المستحق
يصح قبضه ثم يبطل لعدم الإجازة فانحلت اليمين فلا يتصور الحنث بعد ذلك وقد قالوا إذا اشترى بدينه بيعا فاسدا
وقبضه فإن كان في قيمته وفاء بالحق فهو قابض لدينه ولا يحنث وان لم يكن فيه وفاء حنث لان المضمون في البيع
الفاسد القيمة لا المسمى ولو غصب الحالف مالا مثل دينه بر لأنه وقع الاقتضاء به وكذلك لو استهلك له دنانير
أو عروضا لان القيمة تجب في ذمته فيصير قصاصا وقال محمد إذا قال إن لم أتزن من فلان مالي عليه أو لم أقبض مالي عليه
في كيس أو قال إن لم أقبض مالي عليك دراهم أو بالميزان أو قال إن لم أقبض دراهم قضاء من الدراهم التي لي عليك فأخذ
بذلك عرضا أو شيئا مما يوزن من الزعفران أو غيره فهو حانث لأنه لما ذكر الوزن والكيس والدراهم فقد وقعت يمينه
على جنس حقه فإذا أخذ عوضا عنه حنث
(فصل) وأما الحالف على الهدم قال ابن سماعة وسمعت أبا يوسف يقول في رجل قال والله لأهدمن هذه الدار
فان هدم سقوفها بر لأنه لا يقدر على أن يزيل اسم الدار بالهدم لأنه لو هدم جميع بنائها لكانت بذلك تسمى دارا لما ذكرنا
انها اسم للعرصة فحملت اليمين على الكسر قال محمد إذا حلف لينقضن هذا الحائط أو ليهدمنه اليوم فنقض بعضه أو هدم
بعضه ولم يهدم ما بقي حتى مضى اليوم يحنث قال والهدم عندنا ان يهدم حتى يبقى منه ما لا يسمى حائطا لان الحائط
يمكن هدمه حتى يزيل الاسم عنه فوقعت اليمين على ذلك بخلاف الدار فان نوى هدم بعضه صدق ديانة لان ذلك
يسمى هدما بمعنى الكسر ولو حلف ليكسرن هذا الحائط فكسر بعضه بر لأنه يقال له حائط مكسور فلا يعتبر
ما يزيل به اسم الحائط فالحاصل أن ههنا ألفاظ ثلاثة الهدم والنقض والكسر والمسائل مبنية على معرفة معنى
كل لفظ فالهدم اسم لإزالة البناء لأنه ضد البناء فان فعل في الحائط فعلا ينظر ان بقي بعده ما يسمى مبنيا حنث لأنه
لا وجود للشئ مع وجود ما يضاده وان لم يبق ما يسمى مبنيا بر لتحققه في نفسه قال الله تعالى ولولا دفع الله الناس
بعضهم ببعض لهدمت صوامع والمراد منه استئصالها لا احداث صدع أو وهن في أبنيتها وكذلك النقض يقال فلان
نقض بيته كذا أي أزالها ولو نقض بعض الحائط أو هدم بعضه وقال عنيت به بعضه يصدق فيما بينه وبين الله
تعالى عز وجل لأنه نوى تخصيص العموم وانه محتمل فلا يصدقه القاضي لأنه عدول عن الظاهر والكسر عبارة عن
احداث صدع أو شق فيما صلب من الأجسام بمنزلة الخرق فيما استرخى منها فإذا ثبت فيه هذا فقد بر في يمينه وان بقي
التركيب والله تعالى أعلم
(فصل) وأما الحالف على الضرب والقتل قال المعلى سألت محمدا عن رجل حلف بطلاق امرأته ليضربنها حتى
يقتلها أو حتى ترفع ميتة ولا نية له قال إن ضربها ضربا شديدا كأشد الضرب بر في يمينه لأنه يراد بمثل هذا القول في العادة
76

شدة الضرب دون الموت قال فان حلف ليضربنها حتى يغشى عليها أو حتى تبول فما لم يوجد ذلك لم يبر في يمينه لان هذا
يحدث عند شدة الضرب غالبا فيراعى وجوده للبر ولو حلف ليضربن غلامه في كل حق وباطل فمعنى ذلك ان يضربه
في كل ما شكى بحق أو بباطل لأنه لا يمكن حمله على الحقيقة وهو الضرب عن كل حق وباطل لان العبد لا يخلو من ذلك
فإذا يكون عند الشكاية فإذا يكون المولى في ضربه أبدا فحمل الضرب على الشكاية للعرف ولا يكون الضرب في هذا
عند الشكاية أي لا يحمل الضرب على فور الشكاية لان اليمين الواقعة على فعل مطلق عن زمان لا تتوقت بزمان دون
زمال بل تقع على العمر الا ان يعنى به الحال فيكون قد شدد على نفسه فان شكى إليه فضربه ثم شكى إليه في ذلك الشئ
مرة أخرى والمولى يعلم أنه في ذلك الشئ أو لا يعلم فذلك سواء وليس عليه ان يضربه للشكاية الثانية لأنه قد ضربه
فيها مرة واحدة ولا يتعلق بالفعل الواحد الذي وقعت الشكاية عليه أكثر من ضرب واحد في العرف كما لو قال إن
أخبرتني بكذا فلك درهم فأخبره مرة بعد مرة انه لا يجب الا درهم واحد وإن كان الثاني اخبارا كالأول كذا هذا وقال
المعلى سألت محمدا عن رجل حلف ليقتلن فلانا ألف مرة فقتله ثم قال إنما نويت ان آلى على نفسي بالقتل قال أدينه في
القضاء لان العادة انهم يريدون بهذا تشديد القتل دون تكرره لعدم تصوره وقال ابن سماعة عن أبي يوسف فيمن قال
لامرأته ان لم أضربك حتى أتركك لا حية ولا ميتة فهذا على أن يضربها ضربا شديدا يوجعها فإذا فعل ذلك فقد بر لان
المراد منه ان لا يتركها حية سليمة ولا ميتة وذلك بالضرب الشديد فينصرف إليه وقال محمد فيمن حلف بالطلاق لقد
سمع فلانا يطلق امرأته ألف مرة وقد سمعه طلقها ثلاثا فإنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى لان حكم الثلاث حكم
الألف في الايقاع ولأنه يراد بمثله أكثر عدد الطلاق في العادة وهو الثلاث ولو قال امرأته طالق ان لم يكن لقى فلانا
ألف مرة وقد لقيه مرارا كثيرة لان ذلك لا يكون ألف مرة وإنما أراد كثرة اللقاء ولم يرد العدد انى أدينه لان مثل هذا
يذكر في العادة والعرف للتكثير دون العدد المحصور وقد قال الله تعالى استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم
سبعين مرة فلن يغفر الله لهم وليس ذلك على عدد السبعين بل ذكره سبحانه وتعالى للتكثير كذا هذا ولو قال والله
لا أقتل فلانا بالكوفة أو قال والله لا أتزوج فلانة بالكوفة فضربه الحالف ببغداد فمات بالكوفة أو زوجه الولي امرأة
كبيرة ببغداد فبلغها الخبر بالكوفة فأجازت حنث في اليمين جميعا وكذلك لو حلف على الزمان فقال لا أفعل ذلك يوم
الجمعة فمات يوم الجمعة أو أجازت النكاح يوم الجمعة حنث الحالف ولو كان حلف ليفعلن ذلك بالكوفة أو يوم الجمعة
فكان ما ذكرنا بر في يمينه وإنما كان ذلك لان الفعل الذي هو قتل ان وجد ببغداد ويوم السبت لكنه موصوف
بصفة الإضافة إلى المخاطب وإنما يصير موصوفا بالإضافة وقت ثبوت أثره وهو زهوق الروح وذلك وجد بالكوفة
يوم الجمعة فيحنث في يمينه ونظيره لو قال إن خلق الله تعالى لفلان ابنا في هذه السنة فعبدي حر فحصل له ولد في هذه
السنة يحنث وإن كان خلق الله أزليا لكن الإضافة إلى المخلوق إنما تثبت عند وجود أثره وهو وجود الولد كذا ههنا
والنكاح في الشرع اسم لما بعد الحل وذلك أنما يوجد عند الإجازة وكذلك العبد إذا اشترى عبدا بغير اذن مولاه ثم
بلغ المولى فأجاز فإنه مشترى يوم أجازه المولى لأنه يوم ثبوت الملك وقال محمد في البيع الموقوف والفاسد انه بائع يوم باع
ومشتر يوم اشترى وقال في القتل كما قال أبو يوسف لمحمد ان الملك عند الإجازة يتعلق بالعقد كما يتعلق به عند اسقاط
الخيار ولأبي يوسف ان الأحكام لا تتعلق بالعقد الموقوف وإنما تتعلق بالإجازة ولو كانت الضربة قبل اليمين ومات
بالكوفة أو يوم الجمعة لا يحنث في يمينه وان وجد القتل المضاف إلى المخاطب يوم الجمعة لان هذا القتل وجد منه قبل
اليمين فلا يتصور امتناعه عن اتصافه بصفة الإضافة والانسان لا يمنع نفسه عما ليس في وسعه الامتناع عنه إذ
مقصود الحالف البر لا الحنث ولهذا لو حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها فاخذ في النقلة من ساعته لا يحنث فان
وجد السكنى وعرف بدلالة الحال انه أراد منع نفسه عن قتل مضاف إلى مخاطب باشره بعد اليمين ونظيره ما ذكره
محمد أنه لو قال لامرأته أنت طالق غدا ثم قال لها ان طلقتك فعبدي حر فجاء غد فطلقت لم يعتق عبده ولو قال لها ان
77

طلقتك فعبدي حر ثم قال لها إذا جاء غد فأنت طالق فجاء غد وطلقت عتق عبده لهذا المعنى كذا هذا
(فصل) وأما الحلف على المفارقة والوزن وما أشبه ذلك إذا حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفى ما عليه واشترى
منه شيئا على أن البائع بالخيار ثم فارقه حنث لان الثمن ما يستحق على المشترى فلم يصر مستوفيا فان أخذ به رهنا أو
كفيلا من غير براءة المكفول عنه ثم فارقه يحنث لان الحق في ذمة الغريم بحاله لم يستوف فان هلك الرهن قبل الافتراق
بر في يمينه لأنه صار مستوفيا وان هلك بعد الافتراق لا يبر لأنه فارقه قبل الاستيفاء فحنث وقال أبو يوسف في رجل
له على امرأة دين فحلف ان لا يفارقها حق يستوفى ثم تزوجها عليه وفارقها وكانت عقدة النكاح جائزة فقد بر في يمينه لأنه
قد وجب في ذمته بالنكاح مثل دينه وصار قصاصا فجعل مستوفيا وإن كان النكاح فاسدا ولم يدخل بها حنث لان
المهر لا يجب بالنكاح الفاسد فلم يصر مستوفيا فان دخل بها قبل ان يفارقها ومهر مثلها مثل الدين أو أكثر لم يحنث لان
المهر وجب عليه بالدخول فصار مستوفيا فإن كان العقد صحيحا فوقعت الفرقة بسبب من جهتها وسقط مهرها وفارقها
لم يحنث لان المهر الواجب بالعقد قد سقط وإنما عاد له دين بالفرقة بعد انحلال اليمين فلا يحنث ولو حلف ليزنن ما عليه
فأعطاه عددا فكانت وازنة حنث لأنه حلف على الوزن والوزن فعله ولم يفعله وقال ابن سماعة عن أبي يوسف إذا قال
والله لا أقبضن مالي عليك الا جميعا وله عشرة دراهم وعلى الطالب لرجل خمسة دراهم فأمر الذي له الخمسة هذا الحالف
ان يحتسب للمطلوب بالخمسة التي عليه وجعلها قصاصا ودفع فلان المطلوب إلى الحالف خمسة فكأنه قال إذا كان
متوافرا فهو جائز فلا يحنث لان الاستيفاء دفعة واحدة يقع على القبض في حالة واحدة وان يعرف الوزن ألا ترى ان
الدين إذا كان مالا كثيرا لا يمكنه دفعه في وزنة واحدة وقد قبض الخمسة في حقيقة والخمسة بالمقاصة وقد روى ابن رستم
عن محمد فيمن قال والله لا آخذ مالي عليك الا ضربة واحدة فوزن خمسمائة وأخذها ثم وزن خمسمائة قال فقد أخذها
ضربة واحدة لأنه هذا لا يعد متفرقا قال وكذلك لو جعل يزنها درهما درهما وقال محمد في الجامع إذا كان له عليه ألف
درهم فقال عبده حر ان أخذها اليوم منك درهما دون درهم فاخذ منها خمسة ولم يأخذ ما بقي لم يحنث لان يمينه وقعت
على أخذ الألف متفرقة في اليوم ولم يأخذ الألف بل بعض الألف ولو قال عبده حر ان أخذ منها اليوم درهما دون درهم
فأخذ منها خمسة دراهم ولم يأخذ ما بقي حتى غربت الشمس يحنث حين أخذ الخمسة لان يمينه ما وقعت على أخذ الكل
متفرقا بل على أخذ البعض لان كلمة من للتبعيض ولو قال عبده حر ان أخذها اليوم درهما دون درهم فأخذ في أول النهار
بعضها وفي آخر النهار الباقي حنث لأنه أضاف الاخذ إلى الكل وقد أخذ الكل في يوم متفرقا وقال أصحابنا إذا حف
لا يفارقه حتى يستوفى ماله عليه فهرب أو كابره على نفسه أو منعه منه انسان كرها حتى ذهب لم يحنث الحالف لأنه حلف
على فعل نفسه وهو مفارقته إياه ولم يوجد منه فعل المفارقة ولو كان قال لا تفارقني حتى آخذ مالي عليك حنث لأنه حلف
على فعل الغريم وقد وجد والله تعالى أعلم
(فصل) وأما الحلف على ما يضاف إلى غير الحالف بملك أو غيره فجملة الكلام فيه أن الحالف لا يخلو اما
ان اقتصر على الإضافة واما ان جمع بين الإضافة والإشارة والإضافة لا تخلو اما أن تكون إضافة ملك أو إضافة
نسبة من غير ملك فان اقتصر في يمينه على الإضافة والإضافة إضافة ملك فيمينه على ما في ملك فلان يوم فعل ما حلف
عليه حتى يحنث سواء كان الذي أضافه إلى ملك فلان في ملكه يوم حلف أو لم يكن بان حلف لا يأكل طعام
فلان أو لا يشرب شراب فلان أو لا يدخل دار فلان أو لا يركب دابة فلان أو لا يلبس ثوب فلان أو لا يكلم عبد
فلان ولم يكن شئ منها في ملكه ثم استحدث الملك فيها هذا جواب ظاهر الرواية في الأصل والزيادات وهو احدى
الروايتين عن أبي يوسف وروى عن رواية أخرى ان الإضافة إذا كانت فيما يستحدث الملك فيه حالا فحالا
في العادة فان اليمين تقع على ما في ملكه يوم فعل كالطعام والشراب والدهن وإن كان الإضافة فيما يستدام فيه الملك
ولا يستحدث ساعة فساعة عادة فاليمين على ما كان في ملكه يوم حلف كالدار والعبد والثوب وذكر ابن سماعة في
78

نوادره عن محمد ان ذلك كله ما في ملكه يوم حلف ولا خلاف في أنه إذا حلف لا يكلم زوج فلانة أو امرأة فلان
أو صديق فلان أو ابن فلان أو أخ فلان ولا نية له ان ذلك على ما كان يوم حلف ولا تقع على ما يحدث من الزوجية
والصداقة والولد ففرق في ظاهر الرواية بين الإضافتين وسوى بينهما في النوادر وجه رواية النوادر ان الإضافة
تقتضي الوجود حقيقة إذا الموجود يضاف لا المعدوم فلا تقع يمينه الا على الموجود يوم الحلف ولهذا وقعت على الموجود
في احدى الإضافتين وهي إضافة النسبة كذا في الأخرى وجه ظاهر الرواية وهو الفرق بين الإضافتين ان في
إضافة الملك عقد يمينه على مذكور مضاف إلى فلان بالملك مطلقا عن الجهة وهي أن يكون مضافا إليه بملك كان وقت
الحلف أو بملك كان استحدث فلا يجوز تقييد المطلق الا بدليل وقد وجدت الإضافة عند الفعل فيحنث وفي إضافة
النسبة قام دليل التقييد وهي ان أعيانهم مقصودة باليمين لأجلهم عرفا وعادة لما تبين فانعقدت على الموجود وصار كما لو
ذكرهم بأساميهم أو أشار إليهم فاما الملك فلا يصدق باليمين لذاته بل للمالك فيزول بزوال ملكه وأبو يوسف على ما روى
عنه ادعى تقييد المطلق بالعرف وقال استحداث الملك في الدار ونحوها غير متعارف بل هو في حكم الندرة حتى يقال
الدار هي أول ما يشترى وآخر ما يباع وتقييد المطلق بالعرف جائز فتقييد اليمين فيها بالموجود وقت الحلف للعرف
بخلاف الطعام والشراب ونحوهما لان استحداث الملك فيها معتاد فلم يوجد دليل التقييد والجواب ان دعوى العرف
على الوجه المذكور ممنوعة بل العرف مشترك فلا يجوز تقييد المطلق بعادة مشتركة ولو حلف لا يدخل دار فلان
فالصحيح انه على هذا الاختلاف لان كل إضافة تقدر فيها اللام فكان الفصلان من الطعام والعبد ونحوهما على
الاختلاف ثم في إضافة الملك إذا كان المحلوف عليه في ملك الحالف وقت الحلف فخرج عن ملكه ثم فعل لا يحنث
بالاجماع (وأما) في إضافة النسبة من الزوجة والصديق ونحوهما إذا طلق زوجته فبانت منه أو عادى صديقه
ثم كلمه فقد ذكر في الجامع الصغير أن لا يحنث وذكر في الزيادات انه يحنث وقيل ما ذكر في الجامع قول أبي حنيفة وأبى
يوسف وما ذكر في الزيادات قول محمد المذكور في النوادر وجه المذكور في الزيادات ان يمينه وقعت على الموجود
وقت الحلف فحصل تعريف الموجود بالإضافة فيتعلق الحكم بالعرف لا بالإضافة وجه ما ذكر في الجامع الصغير أن
الانسان قد يمنع نفسه عن تكليم امرأة لمعنى فيها وقد يمنع من تكليهما لمعنى في زوجها فلا يسقط اعتبار الإضافة مع
لاحتمال وان جمع بين الملك والإشارة بان قال لا أكلم عبد فلان هذا أو لا أدخل دار فلأن هذه أو لا أركب دابة
فلأن هذه أو لا ألبس ثوب فلان هذا فباع فلان عبده أو داره أو دابته أو ثوبه فكلم أو دخل أو ركب أو لبس لم يحنث
في قول أبي حنيفة الا ان يعنى غير ذلك الشئ خاصة وعند محمد يحنث الا ان يعنى ما دامت ملكا لفلان فهما يعتبران
الإشارة والإضافة جميعا وقت الفعل فما لم يوجد الا يحنث ومحمد يعتبر الإشارة دون الإضافة وأما في إضافة
النسبة فلا يشترط قيام الإضافة وقت الفعل للحنث بالاجماع حتى لو حلف لا يكلم زوجة فلان هذا أو صديق فلان
هذا فبانت زوجته منه أو عادى صديقه فكلم يحنث وجه قول محمد في مسألة الخلاف ان الإضافة والإشارة كل
واحد منهما للتعريف والإشارة أبلغ في التعريف لأنها تخصص العين وتقطع الشركة فتلغو الإضافة كما في إضافة
النسبة وكما لو حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه بعدما شاخ انه يحنث لما قلنا كذا هذا ولهما ان الحالف لما جمع بين
الإضافة والإشارة اعتبارهما ما أمكن لان تصرف العاقل واجب الاعتبار ما أمكن وأمكن اعتبار الإضافة ههنا مع
وجود الإشارة لأنه باليمين منع نفسه عن مباشرته المحلوف والظاهر أنه العاقل لا يمنع نفسه عن شئ منعا مؤكدا باليمين
الا لداع يدعو إليه وهذه الأعيان لا تقصد بالمنع لذاتها بل لمعنى في المالك أما الدار ونحوها فلا شك فيه وكذا العبد لأنه
لا يقصد بالمنع لخسته وإنما يقصد به مولاه وقد زال بزوال الملك عن المالك وصار كأنه قال مهما دامت لفلان ملكا
بخلاف المرأة والصديق لأنهما يقصدان بالمنع لأنفسهما فتتعلق اليمين بذاتيهما والذات لا تتبدل بالبيتوتة والمعاداة
فيحنث كما إذا حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه بعد ما صار شيخا ولو حلف لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباع
79

الطيلسان فكلمه حنث لان الطيلسان مما لا يقصد بالمنع وإنما يقصد ذات صاحبه وانها باقية وذكر محمد في الزيادات
إذا حلف لا يركب دواب فلان أو لا يلبس ثيابه أو لا يكلم غلمانه ان ذلك على ثلاثة لان أقل الجمع الصحيح ثلاثة
وكذلك لو قال لا آكل أطعمة فلان أو لا أشربة فلان ان ذلك على ثلاثة أطعمة وثلاثة أشربة لما قلنا ويعتبر
قيام الملك فيها وقت الفعل لا وقت الحلف في ظاهر الروايات على ما بينا فان قال أردت جميع ما في ملكه من الأطعمة لم
يدين في القضاء لأنه خلاف ظاهر كلامه كذا ذكر القدوري وذكر في الزيادات انه يدين في القضاء لأنه نوى حقيقة
ما تلفظ به فيصدق في القضاء كما إذا حلف لا يتزوج النساء أو لا يشرب الماء أو لا يكلم الناس ونحو ذلك ونوى الجميع ولو
كانت اليمين على اخوة فلان أو بنى فلان أو نساء فلان لا يحنث ما لم يكلم الكل منهم عملا بحقيقة اللفظ ويتناول
الموجودين وقت الحلف لأن هذه إضافة نسبة وقال أبو يوسف إن كان ذلك مما يحصى فاليمين على جميع ما في ملكه
لأنه صار معرفا بالإضافة ويمكن استيعابه فكان كالمعرف بالألف واللام وإن كان لا يحصى الا بكتاب حنث بالواحد
منه لأنه تعذر استغراق الجنس فيصرف إلى أدنى الجنس كقوله لا أتزوج النساء ومما يجانس مسائل الفصل الأول
ما قال خلف بن أيوب سألت أسدا عن رجل حلف لا يتزوج بنت فلان أو بنتا لفلان فولدت له بنت ثم تزوجها أو
قال والله لا أتزوج من بنات فلان ولا بنات له ثم ولد له أو قال والله لا أشرب من لبن بقرة فلان ولا بقرة له ثم اشترى
بقرة فشرب من لبنها أو قال لصبي صغير والله لا أتزوج من بناتك فبلغ فولد له فتزوج منهن أيحنث أم لا أو قال لا آكل
من ثمرة شجرة فلان ولا شجرة لفلان ثم اشترى شجرة فأكل من ثمرها قال أما إذا حلف لا يتزوج بنت فلان ولا
يشرب من لبن بقرة فلان ولا يأكل من ثمرة شجرة فلان فلا يحنث في شئ من هذا وأما قوله لا أتزوج بنتا من بنات
فلان أو بنتا لفلان فإنه يحنث وتلزمه اليمين في قول أبي حنيفة واما أنا فأقول لا يحنث لأنه حلف يوم حلف على ما لم
يخلق حال حلف وسألت الحسن فقال مثل قول أبي حنيفة لأبي حنيفة ان قوله لا أتزوج بنت فلان يقتضى بنتا
موجودة في الحال فلم تعقد اليمين على الإضافة وإذا قال بنتا لفلان فقد عقد اليمين على الإضافة فيعتبر وجودها يوم الحلف
كقوله عبدا لفلان وأما أسد فاعتبر وجود المحلوف عليه وقت اليمين فما كان معدوما لا تصح الإضافة فيه فلا يحنث
وقال خلف سألت أسدا عن رجل حلف لا يتزوج امرأة من أهل هذه الدار وليس للدار أهل ثم سكنها قوم
فتزوج منهم قال يحنث في قول أبي حنيفة ولا يحنث في قولي وهو على ما بينا من اعتبار الإضافة
(فصل) وأما الحلف على ما يخرج من الحالف أو لا يخرج إذا قال إن دخل داري هذه أحد أو ركب دابتي أو
ضرب عبدي ففعل ذلك الحالف لم يحنث لان قوله أحد نكرة والحالف صار معرفة بياء الإضافة والمعرفة لا تدخل
تحت النكرة لان المعرفة ما يكون متميز بالذات من بنى جنسه والنكرة ما لا يكون متميز الذات عن بنى جنسه بل يكون
مسماه شائعا في جنسه أو نوعه ويستحيل أن يكون الشئ الواحد متميز الذات غير متميز الذات وكذلك لو قال لرجل
ان دخل دارك هذه أحد أو لبس ثوبك أو ضرب غلامك ففعله المحلوف عليه لم يحنث لان المحلوف صار معرفة
بكاف الخطاب فلا يدخل تحت النكرة وان فعله الحالف حنث لأنه ليس بمعرفة لانعدام ما يوجب كونه معرفة
فجاز أن يدخل تحت النكرة ولو قال إن ألبست هذا القميص أحدا فلبسه المحلوف عليه لم يحنث لأنه صار معرفة بتاء
الخطاب وان ألبسه المحلوف عليه الحالف حنث لان الحالف نكرة فيدخل تحت النكرة وان قال إن مس هذا الرأس
أحد وأشار إلى رأسه لم يدخل الحالف فيه وان لم يضفه إلى نفسه بياء الإضافة لان رأسه متصل به خلقة فكان أقوى
من اضافته إلى نفسه بياء الإضافة ولو قال إن كلم غلام عبد الله بن محمد أحدا فعبدي حر فكلم الحالف وهو غلام
الحالف واسمه عبد الله بن محمد حنث وطعن القاضي أبو حازم عبد الحميد العراقي في هذا في الجامع وقال ينبغي أن لا
يحنث لان الحلف تحت اسم العلم والاعلام معارف وهي عند أهل النحو أبلغ في التعريف من الإشارة والمعرفة
لا تدخل تحت النكرة وكذا عرفه بالإضافة إلى أبيه بقوله أين محمد فامتنع دخوله تحت النكرة وجه ظاهر الرواية أنه
80

يجوز استعال العلم في موضع النكرة لان اسم الاعلام وإن كانت معارف لكن لابد من سبق المعرفة من المتكلم
والسامع حتى يجعل هذا اللفظ علما عنده وعند سبق المعرفة منهما بذلك اما بتعين المسمى بالعلم باسمه إذا لم يكن
يزاحمه غيره والعلم واحتمال المزاحمة ثابت وإذا جاز استعمال العلم في موضع النكرة وقد وجد ههنا دليل انصراف
التسمية إلى غير الحالف وهو أن الانسان في العرف الظاهر من أهل اللسان أنه لا يذكر نفسه باسم العلم بل يضيف
غلامه إليه بياء الإضافة فيقول غلامي فالظاهر أنه لم يرد نفسه وانه ما دخل تحت العلم الذي هو معرفة فلم يخرج الحالف
عن عموم هذه النكرة
(فصل) وأما النوع الثاني وهو الحلف على أمور شرعية وما يقع منها على الصحيح والفاسد أو على الصحيح دون
الفاسد مثل البيع والشراء والهبة والمعاوضة والعارية والنحلة والعطية والصدقة والقرض والتزويج والصلاة والصوم
ونحو ذلك إذا حلف لا يشترى ذهبا ولا فضة فاشترى دراهم أو دنانير أو آنية أو تبرا أو مصوغ حلية أو غير ذلك مما
هو ذهب أو فضة فإنه يحنث في قول أبى يوسف وقال محمد لا يحنث في الدراهم والدنانير والأصل في جنس هذه
المسائل أن أبا يوسف يعتبر الحقيقة ومحمد يعتبر العرف لمحمد ان اسم الذهب والفضة إذا أطلق لا يراد به الدرهم والدنانير
في العرف ألا ترى انها اختصت باسم على حدة فلا يتناولها مطلق اسم الذهب والفضة ولأبي يوسف ان اسم الذهب
والفضة يقع على الكل لأنه اسم جنس وكونه مضروبا ومصوغا وتبرأ أسماء أنواع له واسم الجنس يتناول الأنواع كاسم
الآدمي والدليل عليه قوله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم فدخل
تحت هذا الوعيد كأثر المضروب وغيره ولو حلف لا يشترى حديدا فهو على مضروب ذلك وتبره سلاحا كان أو غير
سلاح بعد أن يكون حديدا في قول أبى يوسف وقال محمد ان اشترى شيئا من الحديد يسمى بائعه حدادا يحنث وإن كان
بائعه لا يسمى حدادا لا يحنث وبائع التبر لا يسمى حداد فلا يتناولها مطلق اسم الحديد ولها اسم يخصها فلا يدخل
تحت اليمين ولأبي يوسف ان الحديد اسم جنس يتناول المعمول وغير المعمول وقال أبو يوسف في باب الذهب
والفضة انه إن كان له نية دين فيما بينه وبين الله سبحانه والنية في هذا واسعة لأنها تخصيص المذكور وقال في باب الحديد
لو قال عنيت التبر فاشترى اناء لم يحنث ولو قال عنيت قمقما فاشترى سيفا أو ابرا أو سكاكين أو شيئا من السلاح لم يحنث
ويدين في القضاء وهذا مشكل على مذهبه لان الاسم عنده عام فإذا نوى شيئا منه بعينه فقد عدل عن ظاهر العموم
فينبغي أن لا يصدق في القضاء وان صدق فيما بينه وبين الله تعالى وقال محمد في الزيادات لو حلف لا يشترى حديدا
ولا نية له فاشترى درع حديد أو سيفا أو سكينا أو ياعدين أو بيضة أو ابرا أو مسال لا يحنث وان اشترى شيئا غير
مضروب أو اناء من آنية الحديد أو مسامير أو أقفالا أو كانون حديد يحنث قال لان الذي يبيع السلاح والابر والمسال
لا يسمى حدادا والذي يبيع ما وصفت لك يسمى حدادا قال أبو يوسف ان اشترى باب حديد أو كانون حديد أو
اناء حديد مكسور أو نصل سيف مكسور حنث فأبو يوسف اعتبر الحقيقة وهو أن ذلك كله حديد فتناوله اليمين ومحمد
اعتبر العرف وهو أنه لا يسمى حديدا في العرف حتى لا يسمى بائعه حدادا وقال أبو يوسف ولو حلف لا يشترى صفرا
فاشترى طشت صفرا وكوزا وتورا حنث وكذلك عند محمد أما عند أبي يوسف فلاعتبار الحقيقة وأما عند محمد فلان
بائع ذلك يسمى صفارا وقال محمد لو اشترى فلوسا لا يحنث لأنها لا تسمى صفرا في كلام الناس ولو حلف لا يشترى
صوفا فاشترى شاة على ظهرها صوف لم يحنث والأصل فيه أن من حلف لا يشترى شيئا فاشترى غيره ودخل
المحلوف عليه في البيع تبعا لم يحنث وان دخل مقصودا يحنث والصوف ههنا لم يدخل في العقد مقصودا لان التسمية لم
تتناول الصوف وإنما دخل في العقد تبعا للشاة وكذلك لو حلف لا يشترى آجرا أو خشبا أو قصبا فاشترى دارا لم
يحنث لان البناء يدخل في العقد تبعا لدخوله في العقد بغير تسمية فلم يكن مقصودا بالعقد وإنما يدخل فيه تبعا وان حلف
لا يشترى ثمر نخل فاشترى أرضا فيها نخل مثمرة وشرط المشترى الثمرة يحنث لان الثمرة دخلت في العقد مقصودة
81

لا على وجه التبع ألا ترى انه لو لم يسمها لا تدخل في البيع وكذلك لو حلف لا يشترى بقلا فاشترى أرضا فيها بقل
واشترط المشترى البقل فإنه يحنث لدخول البقل في البيع مقصودا لا تبعا ولو حلف لا يشترى لحما فاشترى شاة حية
لا يحنث لأن العقد لم يتناول لحمها لان لحم الشاة الحية محرم لا يجوز العقد عليه وكذلك ان حلف أن لا يشترى زيتا
فاشترى زيتونا لأن العقد لم يقع على الزيت ألا ترى أنه ليس في ملك البائع وعلى هذا قالوا فيمن حلف لا يشترى
قصبا ولا خوصا فاشترى بوريا أو زنبيلا من خوص لم يحنث لان الاسم لم يتناول ذلك وكذلك لو حلف لا يشترى
جديا فاشترى شاة حاملا بجدى وكذلك لو حلف لا يشترى لبنا فاشترى شاة في ضرعها لبن وكذلك لو حلف
لا يشترى مملوكا صغيرا فاشترى أمة حاملا وكذلك لو حلف لا يشترى دقيقا فاشترى حنطة وقالوا لو حلف لا يشترى
شعيرا فاشترى حنطة فيها شعيرا لم يحنث لان الشعير ليس بمعقود عليه مقصودا وإنما يدخل في العقد تبعا بخلاف
ماذا حلف لا يأكل شعيرا فأكل حنطة فيها شعيرا لان الاكل فعل فإذا وقع في عينين لم تتبع إحداهما الأخرى
فأما الشراء فهو عقد وبعض العين مقصودة بالعقد وبعضها غير مقصودة وقد كان قول أبى يوسف الأول أنه إذا
حلف لا يشترى صوفا فاشترى شاة على ظهرها صوف يحنث ولو حلف لا يشترى لبنا فاشترى شاة في ضرعها
لبن لم يحنث وقال لان الصوف ظاهر فتناوله العقد (وأما) اللبن فباطن فلم يتناوله ثم رجع فسوى بينهما لما بينا
ولو حلف لا يشترى دهنا فهو على دهن جرت عادة الناس ان يدهنوا به فإن كان مما ليس في العادة أن يدهنوا
به مثل الزيت والبزر ودهن الأكارع لم يحنث لان الدهن عبارة عما يدهن به والايمان محمولة على العادة
فحملت اليمين على الأدهان الطيبة وان حلف لا يدهن بدهن ولا نية له فادهن بزيت حنث وان ادهن بسمن
لم يحنث لان الزيت لو طبخ بالطيب صار دهنا فأجراه مجرى الادهان من وجه ولم يجره مجراها من وجه حنث
قال في الشراء لا يحنث وفي الادهان يحنث فأما السمن فإنه لا يدهن به بحال في الوجهين فلم يحنث وكذلك دهن
الخروع والبزور ولو اشترى زيتا مطبوخا ولا نية له حين حلف يحنث لان الزيت المطبوخ بالنار والزئبق
دهن يدهن به كسائر الادهان ولو حلف لا يشترى بنفسجا أو حناء أو حلف لا يشمهما فهو على الدهن
والورق في البابين جميعا وقد ذكر في الأصل إذا حلف لا يشترى بنفسجا انه على الدهن دون الورق وهذا
على عادة أهل الكوفة لأنهم إذا أطلقوا البنفسج أرادوا به الدهن فأما في غير عرف الكوفة فالاسم على الورق
فتحمل اليمين عليه والكرخي حمله عليهما وهو رواية عن أبي يوسف وأما الحناء والورد فهو على الورق دون الدهن
الا أن ينوى الدهن فيدين فيما بينه وبين الله تعالى وفي القضاء لان اسم الورد والحناء إذا أطلق يراد به الورق
لا الدهن وذكر في الجامع الصغير أن البنفسج على الدهن والورد على ورق الورد وجعل في الأصل الخيري
مثل الورد والحناء فحمله على الورق ولو حلف لا يشترى بزرا فاشترى دهن بزر حنث وان اشترى حبا لم يحنث لأن اطلاق
اسم البزر يقع على الدهن لا على الحب ولو حلف لا يبيع أو لا يشترى فأمر غيره ففعل فجملة الكلام
فيمن حلف على فعل فأمر غيره ففعل ان فعل المحلوف عليه لا يخلو إما أن يكون له حقوق أو لا حقوق له فإن كان
له حقوق فاما ان ترجع إلى الفاعل أو إلى الآمر أولا فإن كان له حقوق ترجع إلى الفاعل كالبيع والشراء
والإجارة والقسمة لا يحنث لان حقوق هذه العقود إذا كانت راجعة إلى فاعلها لا إلى الآمر بهما كانت العقود
مضافة إلى الفاعل لا إلى الآمر على أن الفاعل هو العاقد في الحقيقة لأن العقد فعله وإنما للآمر حكم العقد شرعا لا لفعله
وعند بعض مشايخنا يقع الحكم له ثم ينتقل إلى الآمر فلم يوجد منه فعل المحلوف عليه فلا يحنث الا إذا كان الحالف ممن
لا يتولى العقود بنفسه فيحنث بالامر لأنه إنما يمتنع عما يوجد منه عادة وهو الامر بذلك لا الفعل بنفسه ولو كان الوكيل
هو الحالف قالوا يحنث لما ذكرنا أن الحقوق راجعة إليه وأنه هو العاقد حقيقة لا الآمر وإن كانت حقوقه راجعة إلى
الآمر أو كان مما لا حقوق له كالنكاح والطلاق والعتاق والكتابة والهبة والصدقة والكسوة والاقتضاء والقضاء
82

والحقوق والخصومة والشركة بان حلف لا يشارك رجلا فأمر غيره فعقد عقد الشركة والذبح والضرب والقتل والبناء
والخياطة والنفقة ونحوها فإذا حلف لا يفعل شيئا من هذه الأشياء ففعله بنفسه أو أمر غيره حنث لان ما لا حقوق له أو
ترجع حقوقه إلى الآمر لا إلى الفاعل يضاف إلى الآمر لا إلى الفاعل ألا ترى ان الوكيل بالنكاح لا يقول تزوجت
وإنما يقول زوجت فلانا والوكيل بالطلاق يقول طلقت امرأة فلان فكان فعل المأمور مضافا إلى الآمر واختلفت
الرواية عن أبي يوسف في الصلح روى بشر بن الوليد عنه ان من حلف لا يصالح فوكل بالصلح لم يحنث لان الصلح
عقد معاوضة كالبيع وروى ابن سماعة عنه أنه يحنث لان الصلح اسقاط حق كالابراء فان قال الحالف فيما لا ترجع
حقوقه إلى الفاعل بل إلى الآمر كالنكاح والطلاق والعتاق نويت أن إلى ذلك بنفسي يدين فيما بينه وبين الله تعالى
ولا يدين في القضاء لأن هذه الأفعال جعلت مضافة إلى الآمر لرجوع حقوقها إليه لا إلى الفاعل وقد نوى خلاف
ذلك الظاهر فلا يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى المحتمل وإن كان خلاف الظاهر ولو قال
فيما لا حقوق له من الضرب والذبح عنيت أن إلى ذلك بنفسي يصدق فيما بينه وبين الله تعالى وفي القضاء أيضا لان
الضرب والذبح من الافعال الحقيقة وأنه بحقيقته وجد من المباشر وليس بتصرف حكمي فيه لتغيير وقوعه حكما لغير
المباشر فكانت العبرة فيه للمباشرة فإذا نوى به أن يلي بنفسه فقد نوى الحقيقة فيصدق قضاء وديانة ولو حلف لا يبيع
من فلان شيئا فأوجب البيع لا يحنث ما لم يقبل المشترى ولو حلف لا يهب لفلان شيئا أو لا يتصدق عليه أو لا يعيره
أو لا ينحل له أو لا يعطيه ثم وهب له أو تصدق عليه أو أعاره أو نحله أو أعطاه فلم يقبل المحلوف عليه يحنث عند أصحابنا
الثلاثة وعند زفر لا يحنث ونذكر المسألة والفرق بين الهبة وأخواتها وبين البيع في كتاب الهبة إن شاء الله تعالى وأما
القرض فقد روى عن محمد أنه لا يحنث ما لم يقبل وعن أبي يوسف روايتان في رواية مثل قول محمد وفي رواية يحنث من
غير قبول وجه هذه الرواية ان القرض لا تقف صحته على تسمية عوض فأشبه الهبة وجه الرواية الأخرى ان القرض
يشبه البيع لأنه تمليك بعوض وقد قال أبو يوسف على هذه الرواية لو حلف لا يستقرض من فلان شيئا فاستقرضه
فلم يقرضه انه حانث فرق بين القرض وبين الاستقراض لان الاستقراض ليس بقرض بل هو طلب القرض
كالسوم في باب البيع ولو حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا وقبل المشترى وقبض يحنث لان اسم البيع يتناول الصحيح
والفاسد وهو مبادلة شئ مرغوب بشئ ولان المقصود من البيع هو الوصول إلى العوض وهذا يحصل
بالبيع الفاسد إذا اتصل به القبض لأنه يفيد الملك بعد القبض ولو باع الميتة والدم لا يحنث لأنه ليس ببيع لانعدام
معناه وهو ما ذكرنا ولانعدام حصول المقصود منه وهو الملك لأنه لا يقبل الملك ولو باع بيعا فيه خيار للبائع أو
للمشترى لم يحنث في قول أبى يوسف وحنث في قول محمد وجه قول محمد أن اسم البيع كما يقع على البيع الثابت يقع
على البيع الذي فيه خيار فان كل واحد منهما يسمى بيعا في العرف الا أن الملك فيه يقف على أمر زائد وهو الإجازة أو
على سقوط الخيار فأشبه البيع الفاسد ولأبي يوسف ان شرط الخيار يمنع انعقاد البيع في حق الحكم فأشبه
الايجاب بدون القبول قال محمد سمعت أبا يوسف قال فيمن قال إن اشتريت هذا العبد فهو حر فاشتراه على أن البائع
بالخيار ثلاثة أيام فمضت المدة الثلاث ووجب البيع يعتق وانه على أصله صحيح لان اسم البيع عنده لا يتناول البيع
المشروط فيه الخيار فلا يصير مشتريا بنفس القبول بل عند سقوط الخيار والعبد في ملكه عند ذلك يعتق وذكر
القاضي في شرحه مختصر الطحاوي في البيع بشرط خيار البائع أو المشترى انه يحنث ولم يذكر الخلاف واصل فيه
أصلا وهو أن كل بيع يوجب الملك أو تلحقه الإجازة يحنث به وما لا فلا هذا إذا حلف على البيع والشراء بطلاق امرأته
أو عتاق عبده ان قال لامرأته أنت طالق أو عبده حر فأما إذا حلف على ذلك بعتق العبد المشترى أو المبيع فإن كان
الحلف على الشراء بان قال إن اشتريت هذا العبد فهو حر فاشتراه ينظر ان اشتراه شراء جائزا باتا عتق بلا شك وكذلك
لو كان المشترى فيه بالخيار أما على قولهما فلا يشكل لان خيار المشترى لا يمنع وقوع الملك له واما على قول أبي حنيفة
83

فلان المعلق بالشرط يصير كالمتكلم به عند الشرط فيصير كأنه أعتقه بعد ما اشتراه بشرط الخيار ولو أعتقه يعتق لان
اقدامه على الاعتاق يكون فسخا للخيار ولو اشتراه على أن البائع فيه بالخيار لا يعتق لأنه لم يملكه لان خيار البائع يمنع
زوال المبيع عن ملكه بلا خلاف وسواء أجاز البائع البيع أو لم يجز لأنه ملكه بالإجازة لا بالعقد وذكر الطحاوي أنه
إذا أجاز البائع البيع يعتق لان الملك يثبت عند الإجازة مستندا إلى وقت العقد بدليل أن الزيادة الحادثة بعد العتق قبل
الإجازة تدخل في العقد هذا كله ان اشتراه شراء صحيحا فان اشتراه شراء فاسدا فإن كان في يد البائع لا يعتق لأنه على
ملك البائع بعد وإن كان في يد المشترى وكان حاضرا عنده وقت العقد لأنه صار قابضا له عقيب العقد فملكه وإن كان
غائبا في بيته أو نحوه فإن كان مضمونا بنفسه كالمغصوب يعتق لأنه ملكه بنفس الشراء وإن كان أمانة أو كان
مضمونا بغيره كالرهن لا يعتق لأنه لا يصير قابضا عقيب العقد هذا إذا كان الحلف على الشراء فإن كان على البيع فقال إن
بعتك فأنت حر فباعه بيعا جائزا أو كان المشترى بالخيار لا يعتق لأنه زال ملكه عنه بنفس العقد والعقد لا يصح
بدون الملك وإن كان الخيار للبائع يعتق لأنه كان في ملكه وقد وجد شرطه فيعتق ولو باعه بيعا فاسدا فإن كان في
يد البائع أو في يد المشترى غائبا عنه بأمانة أو برهن يعتق لأنه لم يزل ملكه عنه وإن كان في يد المشترى حاضرا أو غائبا
مضمونا بنفسه لا يعتق لأنه بالعقد زال ملكه عنه ولو حلف لا يتزوج هذه المرأة فهو على الصحيح دون الفاسد حتى
لو تزوجها نكاحا فاسدا لا يحنث لان المقصود من النكاح الحل ولا يثبت بالفاسد لأنه لا يثبت بسببه وهو الملك
بخلاف البيع فان المقصود منه الملك وانه يحصل بالفاسد وكذلك لو حلف لا يصلى ولا يصوم فهو على الصحيح
حتى لو صلى بغير طهارة أو صام بغير نية لا يحنث لان المقصود منه التقرب إلى الله سبحانه وتعالى ولا يحصل ذلك
بالفاسد ولو كان ذلك كله في الماضي بان قال إن كنت صليت أو صمت أو تزوجت فهو على الصحيح والفاسد
لان الماضي لا يقصد به الحل والتقرب وإنما يقصد به الاخبار عن المسمى بذلك والاسم يطلق على الصحيح والفاسد
فان عنى به الصحيح دين في القضاء لأنه النكاح المعنوي ولو حلف لا يصلى فكبر ودخل في الصلاة لم يحنث
حتى يركع ويسجد سجدة استحسانا والقياس ان يحنث بنفس الشروع لأنه كما شرع فيه يقع عليه اسم المصلى فيحنث
كما لو حلف لا يصوم فنوى الصوم وشرع فيه وجه الاستحسان وهو الفرق بين الصلاة وبين الصوم أن الحالف
جعل شرط حنسه فعل الصلاة والصلاة في عرف الشرع اسم لعبادة متركبة من أفعال مختلفة من القيام والقراءة
والركوع والسجود والمتركب من أجزاء مختلفة لا يقع اسم كله على بعض كالسكنجبين ونحو ذلك فما لم توجد هذه الأفعال
لا يوجد فعل الصلاة بخلاف الصوم لان بصوم ساعة يحصل فعل صوم كامل لأنه اسم لعبادة مركبة من
أجزاء متفقة وهي الامساكات وما هذا حاله فاسم كله ينطلق على بعضه حقيقة كاسم الماء انه كما ينطلق على ماء
البحر ينطلق على قطرة منه وقطرة من خل من جملة دن من خل أنه يسمى خلا حقيقة فإذا صام ساعة فقد وجد منه
فعل الصوم الذي منع نفسه منه فيحنث وبخلاف ما لو حلف لا يصلى صلاة أنه لا يحنث حتى يصلى ركعتين لأنه لما
ذكر الصلاة فقد جعل شرط الحنث ما هو صلاة شرعا وأقل ما اعتبره الشرع من الصلاة ركعتان بخلاف الفصل
الأول لان ثمة شرط الحنث هناك فعل الصلاة وفعل الصلاة يوجد بوجود هذه الأفعال وما يوجد بعد ذلك إلى تمام
ما يصير عبادة معهودة معتبرة شرعا تكرار لهذه الأفعال فلا تقف تسمية فعل الصلاة على وجوده وقد وجد ذلك كله
في آية واحدة من كتاب الله عز وجل وهو قوله تعالى وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة وأراد به الركعتين جميعا لأنه
ورد في صلاة السفر ثم قال ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وأراد به ركعة واحدة لان الطائفة الثانية
لا يصلون الا ركعة واحدة ولو حلف لا يصوم يوما لا يحنث حتى يصوم يوما تاما لأنه جعل شرط الحنث صوما مقدرا
باليوم لأنه جعل كل اليوم ظرفا له ولا يكون كل اليوم ظرفا له الا باستيعاب الصوم جميع اليوم وكذا لو حلف لا يصوم
صوما لأنه ذكر المصدر وهو الصوم والصوم اسم لعبادة مقدرة باليوم شرعا فيصرف إلى المعهود المعتبر في الشرع
84

بخلاف ما إذا حلف لا يصوم لأنه جعل فعل الصوم شرطا وبصوم ساعة واحدة وجد فعل الصوم ولو حلف
لا يصلى الظهر لا يحنث حتى يتشهد بعد الأربع لان الظهر أربع ركعات فما لم توجد الأربع لا توجد الظهر فلا يحنث
ولو قال عبده حر ان ادراك الظهر مع الامام فأدركه في التشهد ودخل معه حنث لان ادراك الشئ لحوق آخره يقال
أدرك فلان زمن النبي صلى الله عليه وسلم ويراد به لحوق آخره وروى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال من أدرك الامام يوم الجمعة في التشهد فقد أدرك الجمعة وروى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه انه
انتهى يوما إلى الامام فأدركه في التشهد فقال الله أكبر أدركنا معه الصلاة ولو حلف لا يصلى الجمعة مع الامام فأدرك
معه ركعة فصلاها معه ثم سلم الامام وأتم هو الثانية لا يحنث لأنه لم يصل الجمعة مع الامام إذ هي اسم للكل وهو ما صلى
الكل مع الامام ولو افتتح الصلاة مع الامام ثم نام أو أحدث فذهب وتوضأ فجاء وقد سلم الامام فاتبعه في الصلاة
حنث وان لم يوجد أداء الصلاة مقارنا للامام لان كلمة مع ههنا لا يراد بها حقيقة القران بل كونه تابعا له مقتديا به ألا ترى
ان أفعاله وانتقاله من ركن إلى ركن لو حصل على التعاقب دون المقارنة عرف مصليا معه كذا ههنا وقد وجد لبقائه مقتديا
به تابعا له ولو نوى حقيقة المقارنة صدق فيما بينه وبين الله تعالى وفي القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه ولو حلف لا يحج
حجة أو قال لا أحج ولم يقل حجة لم يحنث حتى يطوف أكثر طواف الزيارة لان الحجة اسم لعبادة ركبت من أجناس
أفعال كالصلاة من الوقوف بعرفة وطواف الزيارة فما لم يوجد كل الطواف أو أكثره لا يوجد الحج فان جامع فيها
لا يحنث لان الحج عبادة فيقع اليمين على الصحيح منه كالصلاة ولو حلف لا يعتمر فاحرم وطاف أربعة أشواط حنث
لان ركن العمرة هو الطواف وقد وجد لان للأكثر حكم الكل قال ابن سماعة سمعت أبا يوسف قال في رجل قال إن
تزوجت امرأة بعد امرأة فهي طالق فتزوج واحدة ثم ثنتين في عقدة فإنه يقع الطلاق على احدى الأخيرتين لأنه قد
تزوج امرأة بعد امرأة وإن كان معها غيرها فوقع الطلاق على إحداهما فكان له التعيين ولو تزوج امرأتين في عقدة ثم تزوج
امرأة بعدهما طلقت الأخيرة لأنه قد تزوج بها بعد امرأة والأوليان كل واحدة منهما لا توصف بأنها بعد الأخرى
فكانت الأخرى هي المستحقة للشرط ولو قال إن تزوجت امرأة فهي طالق فتزوج صبية طلقت لان غرضه بهذه اليمين
هو الامتناع من النكاح فيتناول البالغة والصبية فصار قوله امرأة كقوله أنثى قال ابن سماعة عنه ان قال إن تزوجت
امرأتين في عقدة فهما طالقتان فتزوج ثلاثا في عقدة فإنه تطلق امرأتان من نسائه فوقع على ثنتين من الثلاث لأنه قد
تزوج باثنتين وإن كان معهما ثالثة وليس إحداهن بالطلاق بأولى من الأخرى فيرجع إلى تعيينه قال ابن سماعة عن أبي
يوسف في نوادره في رجل قال والله لا أزوج ابنتي الصغيرة فتزوجها رجل بغير أمره فأجاز قال هو حانث لان حقوق
العقد لا تتعلق بالعاقد فتتعلق بالمجيز ولو حلف لا يزوج ابنا له كبيرا فامر رجلا فزوجه ثم بلغ الابن فأجاز أو زوجه رجل
وأجاز الأب ورضى الابن لم يحنث لان حقوق العقد لما لم تتعلق بالعاقد تعلقت بالمجيز فنسب العقد إليه وقال هشام عن محمد
في نوادره في رجل حلف بطلاق امرأته ثلاثا لا يزوج بنتا له صغيرة فزوجها رجل من أهله أو غريب والأب حاضر
ذلك المجلس حين زوجت الا انه ساكت حتى قال الذي زوج للذي خطب قد زوجتكها وقال الآخر قد قبلت والأب
ساكت ثم قال بعد ما وقعت عقدة النكاح وهو في ذلك المجلس قد أجزت النكاح فزعم محمد انه لا يحنث لان الذي زوج
غيره وإنما أجازه هو وكذلك إذا حلف على أمته لأنه حلف على التزويج والإجازة تسمى نكاحا وتزويجا فقد فعل ما لم
يتناوله الاسم فلا يحنث وقال ابن سماعة عن محمد في نوادره في رجل تزوج امرأة بغير أمرها زوجه وليها ثم حلف المتزوج
أن لا يتزوجها أبدا ثم بلغها فرضيت بالنكاح أو كان رجل زوجها منه وهو لا يعلم ثم حلف بعد ذلك أنه لا يتزوجها ثم بلغه
النكاح فأجاز لم يحنث في واحد من الوجهين لأنه لم يتزوج بعد يمينه إنما أجاز نكاحا قبل يمينه أو أجازته المرأة قال ابن سماعة
عن محمد لو قال لا أتزوج فلانة بالكوفة فزوجها أبوها إياه بالكوفة ثم أجازت ببغداد كان حانثا وإنما أجاز الساعة بإجازتها
النكاح الذي كان بالكوفة وكذلك قال في الجامع لما ذكرنا ان الإجازة ليست بنكاح لان النكاح هو الايجاب والقبول
85

فعند انضمام الإجازة إليهما كان النكاح حاصلا بالكوفة فوجد شرط الحنث فيحنث وقال ابن سماعة عن محمد في رجل
قال إن تزوجت فلانة فهي طالق فصار معتوها فزوجه إياها أبوه قال هو حانث لان حقوق العقد في النكاح ترجع إلى
المعقود له فكان هو المتزوج فحنث قال المعلى سألت محمدا عن امرأة حلفت لا تزوج نفسها من فلان فزوجها منه رجل
بأمرها فهي حانثة وكذلك لو زوجها رجل فرضيت وكذلك لو كانت بكرا فزوجها أبوها فسكتت لأن العقد لما جاز
برضاها وحقوقه تتعلق بها فصار كأنها عقدت بنفسها وهذه الرواية تخالف ما ذكرنا من رواية هشام وكذلك لو حلف
لا يأذن لعبده في التجارة فرآه يشترى ويبيع انه ان سكت كان حانثا في يمينه لان السكوت اذن منه فكأنه اذن منه له
بالنطق وروى بشر بن الوليد وعلي بن الجعد عن أبي يوسف انه لا يحنث لان السكوت ليس باذن وإنما هو اسقاط حقه
عن المنع من تصرف العبد ثم العبد يتصرف بمالكية نفسه بعد زوال الحجر فان حلف لا يسلم لفلان شفعة فبلغه انه
اشترى دارا هو شفيعها فسكت لا يحنث لان الساكت ليس بمسلم وإنما هو مسقط حقه بالاعراض عن الطلب قال عمرو
عن محمد في رجل حلف لا يزوج عبده فتزوج العبد بنفسه ثم أجاز المولى يحنث ولو حلف الأب لا يزوج ابنته فزوجها
عمها وأجاز الأب لم يحنث لان غرض المولى باليمين ان لا تتعلق برقبة عبده حقوق النكاح وقد علق بالإجازة وغرض
الأب ان لا يفعل ما يسمى نكاحا والإجازة ليست بنكاح وقال علي وبشر عن أبي يوسف لو حلف لا يؤخر عن فلان
حقه شهرا وسكت عن تقاضيه حتى مضى الشهر لم يحنث وهذا قول أبي حنيفة لان التأخير هو التأجيل وترك التقاضى
ليس بتأجيل قال ولو أن امرأة حلفت لا تأذن في تزويجها وهي بكر فزوجها أبوها فسكتت فإنها لا تحنث والنكاح لها
لازم لان السكوت ليس باذن حقيقة وإنما أقيم مقام الاذن بالسنة وروى بشر عن أبي يوسف إذا حلف لا يبيع
ثوبه الا بعشرة دراهم فباعه بخمسة ودينار حنث لأنه منع نفسه عن كل بيع واستثنى بيعه بصفة وهو أن يكون بعشرة
ولم يوجد فبقي تحت المستثنى منه فان باعه بعشرة دنانير لم يحنث لأنه باعه بعشرة وبغيرها والعشرة مستثنى وروى هشام
عن أبي يوسف في رجل قال والله لا أبيعك هذا الثوب بعشرة حتى تزيدني فباعه بتسعة لا يحنث في القياس وفي
الاستحسان يحنث وبالقياس آخذ (وجه) القياس ان شرط حنثه البيع بعشرة وما باع بعشرة بل بتسعة (وجه)
الاستحسان ان المراد من مثل هذا الكلام في العرف ان لا يبيعه الا بالأكثر من عشرة وقد باعه لا بأكثر من عشرة
فيحنث وقال المعلى عن محمد إذا حلف لا يبيع هذا الثوب بعشرة الا بزيادة قال إن باعه بأقل من عشرة أو بعشرة
فإنه حانث وهذا بمنزلة قوله لا أبيعه الا بزيادة على عشرة لأنه منع نفسه من كل بيع واستثنى بيعا واحدا وهو الذي
يزيد ثمنه على عشرة أن معنى قوله لا أبيع هذا الثوب بعشرة الا بزيادة أي لا أبيعه الا بزيادة على العشرة ليصح
الاستثناء وما باعه بزيادة على عشرة فيحنث ولو قال حتى ازداد فباعه بعشرة حنث وان باعه بأقل أو أكثر لم يحنث لأنه
حلف على بيع بصفة وهو أن يكون بعشرة فإذا باع بتسعة لم يوجد البيع المحلوف عليه ولو قال عبده حران اشتراه باثني
عشر فاشتراه بثلاثة عشر دينارا حنث لأنه اشتراه بما حلف عليه وإن كان معه زيادة ولو قال أول عبد اشتريه فهو حر
أو آخر عبدا وأوسط عبد فالأول اسم لفرد سابق والآخر من المحدثات اسم لفرد لا حق والأوسط اسم لفرد اكتنفته
حاشيتان متساويتان إذا عرف هذا فنقول إذا قال أول عبد اشتريه فهو حر فاشترى عبدا واحدا بعد يمينه عتق
لأنه أول عبد اشتراه لكونه فردا لم يتقدمه غيره في الشراء فان اشترى عبد أو نصف عبد عتق العبد الكامل لا غير لان
نصف العبد لا يسمى عبدا فصار كما لو اشترى عبدا وثوبا بخلاف ما إذا قال أول كر اشتريه صدقة فاشترى كرا ونصفا لم
يتصدق بشئ لان الكر ليس بأول بدليل انا لو عزلنا كرا فالنصف الباقي مع نصف المعزول يسمى كرا فلم يكن هذا أول
كر اشتراه فإن كان أول ما اشترى عبدين لم يعتق واحد منهما ولا يعتق ما اشترى بعدهما أيضا لانعدام معنى الانفراد
فيهما ولانعدام معنى السبق فيما بعدهما ولو قال آخر عبد اشتريه فهو حر فهذا على أن يشترى عبدا واحدا بعد غيره أو
يموت المولى لان عنده يعلم أنه آخر لجواز ان يشترى غيره ما دام حيا واختلف في وقت عتقه فعلى قول أبي حنيفة يعتق
86

يوم اشتراه حتى يعتق من جميع المال وعلى قولهما يعتق في آخر جزء من أجزاء حياته ويعتق من الثلث وسنذكر
هذه المسائل في كتاب العتاق ولو قال أوسط عبد أشتريه فهو حر فكل فرد له حاشيتان متساويتان فيما قبله وفيما
بعده فهو أوسط ولا يكون الأول ولا الآخر وسطا أبدا ولا يكون الوسط الا في وتر ولا يكون في شفع فإذا اشترى
عبدا ثم عبدا ثم عبدا فالثاني هو الأوسط فان اشترى رابعا خرج الثاني من أن يكون أوسط فان اشترى خامسا
صار الثالث هو الأوسط فان اشترى سادسا خرج من أن يكون أوسط وعلى هذا كلما صار العدد شفعا فلا وسط له
وكل من حصل في النصف الأول خرج من أن يكون وسطا
(فصل) (وأما) الحلف على أمور متفرقة إذا قال إن كانت هذه الجملة حنطة فامرأته طالق ثلاثا فإذا هي حنطة
وتمر لم يحنث لأنه جعل شرط حنثه كون الجملة حنطة والجملة ليست بحنطة فلم يوجد الشرط ولو قال إن كانت هذه الجملة
الا حنطة فامرأته طالق ثلاثا فكانت تمرا وحنطة يحنث في قول أبى يوسف ولا يحنث عند محمد وإن كانت الجملة
كلها حنطة لا يحنث بلا خلاف وأبو يوسف يقول إن معنى هذا الكلام إن كان في هذه الجملة غير حنطة فامرأته كذا
وقد تبين ان في تلك الجملة غير حنطة فوجد شرط الحنث فيحنث ومحمد يقول إن المستثنى لا يعتبر وجوده لأنه ليس
بداخل تحت اليمين إنما الداخل تحتها المستثنى منه فيعتبر وجوده لا وجود المستثنى وإذا لم يعتبر وجوده لا يعلم المستثنى
منه انه وجد أم لا فلا يحنث ونظير هذا ما قال في الجامع إن كان لي الا عشرة دراهم فامرأته طالق فكان له أقل من عشرة
دراهم لم يحنث لان العشرة مستثناة فلا يعتبر وجودها وروى عن أبي يوسف رواية أخرى انه إن كان الحلف بطلاق
أو عتاق أو حج أو عمرة أو قال لله على كذا يحنث وإن كان بالله تعالى لم يلزمه الكذب فيها ولا كفارة عليه لان هذا
حلف على أمر موجود فإن كان بطلاق أو عتاق أو نذر لزمه وإن كان بالله لم تنعقد يمينه وكذلك لو قال إن كانت الجملة
سوى الحنطة أو غير الحنطة فهو مثل قوله الا حنطة لان غير وسوى من ألفاظ الاستثناء وروى بشر عن أبي يوسف
فيمن قال والله ما دخلت هذه الدار ثم قال عبده حر ان لم يكن دخلها فان عبده لا يعتق ولا كفارة عليه في اليمين بالله
تعالى وهو قول محمد ثم رجع أبو يوسف أما عدم وجوب الكفارة في اليمين بالله تعالى فلانه إن كان صادقا في قوله والله
ما دخلت هذه الدار فلا كفارة عليه وإن كان كاذبا وهو عالم فلا كفارة عليه أيضا لأنها يمين غموس وإن كان جاهلا
فهي يمين اللغو فلا كفارة فيها وأما عدم عتق عبده فلان الحنث في اليمين الأولى ليس مما يحكم به الحاكم حتى يصير
الحكم به اكذابا للثانية لأنها يمين بالله تعالى وانها لا تدخل تحت حكم الحاكم فلم يصر مكذبا في اليمين الثانية باليمين الأولى في
الحكم فلا يعتق العبد فإن كانت اليمين الأولى بعتق أو طلاق حنث في اليمينين جميعا في قول محمد وهو قول أبى يوسف
الأول ثم رجع فقال إذا قال بعد ما حلف بالأولى أوهمت أو نسيت أو حلف بطلاق آخر أو عتاق انه دخلها لزمه الأول
ولم يلزمه الآخر وجه قوله الأول انه أكذب نفسه في كل واحدة من اليمينين بالأخرى واعترف بوقوع ما حلف
عليه فيحنث وجه قوله الآخر انه أكذب نفسه في اليمين الأولى بالآخرة ولم يكذب نفسه في اليمين الثانية بعدما
عقدها والا كذاب قبل عقدها لا يتعلق به حكم فلم يحنث فيها فان رجع فحلف ثالثا لم يعتق الثالث وعتق الثاني لأنه
أكذب نفسه في اليمين بعدما حلف عليه والله عز وجل أعلم وإذا تزوج الرجل أمة فقال لها إذا مات مولاك فأنت
طالق اثنتين فمات المولى وهو وارثه لا وارث له غيره طلقت اثنتين وحرمت عليه عند أبي يوسف وقال محمد لا تطلق
ولا تحرم عليه ولو قال الزوج إذا مات مولاك فأنت حرة فمات وهو وارثه لم تعتق في قولهما وتعتق عند زفر والكلام
في هذه المسائل يرجع إلى معرفة أو ان ثبوت الملك للوارث فزفر يقول وقت ثبوت الملك للوارث عقيب موت
المورث بلا فصل فكما مات ثبت الملك للوارث فقد أضاف العتق إلى حال الملك فتصح اضافته إليه ولم تصح إضافة
الطلاق لان حال الملك حال زوال النكاح فلم تصح كما إذا قال لها إذا ملكتك فأنت طالق وأبو يوسف يقول إن الملك
للوارث يثبت له عقيب زوال ملك المورث فيزول ملك الميت عقيب الموت أولا ثم يثبت للوارث والطلاق والعتاق
87

مضافان إلى ما بعد الموت بلا فصل فإذا لم يكن ذلك زمان ثبوت الملك للوارث لم تصح إضافة العتق إليه إذا العتق لا
يصح الا في الملك أو مضافا إلى الملك وصحة إضافة الطلاق لانعدام الإضافة إلى حالة زوال النكاح فصحت الإضافة
ووقع الطلاق وحرمت عليه ومحمد يقول القياس ما قال زفر ان الملك للوارث له يثبت عقيب الموت بلا فصل فقد
أضاف الطلاق إلى زمان بطلان النكاح فلم يصح وكان ينبغي ان تصح إضافة العتق إليه الا انى استحسنت ان
لا تصح لان الاعتاق إزالة الملك والإزالة تستدعى تقدم الثبوت والعتق مع الملك لا يجتمعان في محل واحد في زمان
واحد ولو قال إذا مات مولاك فملكتك فأنت حرة فمات المولى والزوج وارثه عتقت لأنه أضاف العتق إلى الملك ولو
قال إذا مات مولاك فملكتك فأنت طالق لم يقع الطلاق في قولهم لأنه إذا ملكها فقد زال النكاح فلا يتصور الطلاق
ولو قال رجل لامته إذا مات فلان فأنت حرة ثم باعها من فلان ثم تزوجها ثم قال لها إذا مات مولاك فأنت طالق ثنتين
ثم مات المولى وهو وارثه قال أبو يوسف يقع الطلاق ولا يقع العتاق وقال محمد لا يقعان جميعا وقال زفر يقع العتاق
ولا يقع الطلاق أما وقوع الطلاق على قول أبى يوسف وعدم الوقوع على مذهب محمد وعدم ثبوت العتق على قولهما
فلما ذكرنا وزفر يقول وجد عقد اليمين في ملكه والشرط في ملكه فما بين ذلك لا يعتبر كمن قال لامته ان دخلت
الدار فأنت حرة ثم باعها واشتراها فدخلت الدار والله عز وجل أعلم
(كتاب الطلاق)
قال الشيخ رحمه الله تعالى الكلام في هذا الكتاب في الأصل يقع في خمسة مواضع في بيان صفة الطلاق وفي بيان قدره
وفي بيان ركنه وفي بيان شرائط الركن وفي بيان حكمه أما الأول فالطلاق بحق الصفة نوعان طلاق سنة وطلاق بدعة
وان شئت قلت طلاق مسنون وطلاق مكروه أما طلاق السنة فالكلام فيه في موضعين أحدهما في تفسير طلاق السنة
انه ما هو والثاني في بيان الألفاظ التي يقع بها طلاق السنة أما الأول فطلاق السنة نوعان نوع يرجع إلى الوقت ونوع
يرجع إلى العدد وكل واحد منهما نوعان حسن وأحسن ولا يمكن معرفة كل واحد منهما الا بعد معرفة أصناف النساء
وهن في الأصل على صنفين حرائر وإماء وكل صنف على صنفين حائلات وحاملات والحائلات على صنفين
ذوات الأقراء وذوات الأشهر إذا عرف هذا فنقول وبالله التوفيق أحسن الطلاق في ذوات القرء أن يطلقها طلقة
واحدة رجعية في طهر لا جماع فيه ولا طلاق ولا في حيضة طلاق ولا جماع ويتركها حتى تنقضي عدتها ثلاث
حيضات إن كانت حرة وإن كانت أمة حيضتان والأصل فيه ما روى عن إبراهيم النخعي رحمه الله أنه قال كان
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحسنون ان لا يطلقوا للسنة الا واحدة ثم لا يطلقوا غير ذلك حتى تنقضي
العدة وفي رواية أخرى قال في الحكاية عنهم وكان ذلك عندهم أحسن من أن يطلق الرجل ثلاثة في ثلاثة أطهار وهذا
نص في الباب ومثله لا يكذب ولان الكراهة لمكان احتمال الندم والطلاق في طهر لا جماع فيه دليل على عدم الندم
لان الطهر الذي لا جماع فيه زمان كمال الرغبة والفحل لا يطلق امرأته في زمان كمال الرغبة الا لشدة حاجته إلى الطلاق
فالظاهر أنه لا يلحقه الندم فكان طلاقه لحاجة فكان مسنونا ولو لحقه الندم فهو أقرب إلى التدارك من الثلاث في
ثلاثة أطهار فكان أحسن وإنما شرطنا أن يكون في طهر لا طلاق فيه لان الجمع بين الطلقات الثلاث أو الطلقتين في
طهر واحد مكروه عندنا وإنما شرطنا ان لا يكون في حيضة جماع ولا طلاق لأنه إذا جامعها في حيض هذا الطهر
احتمل انه وقع الجماع معلقا فيظهر الحبل فيندم على صنيعه فيظهر انه طلق لا لحاجة وإذا طلقها فيه فالطلاق فيه بمنزلة
الطلاق في الطهر الذي بعده لان تلك الحيضة لا يعتد بها ولو طلقها في الطهر يكره له أن يطلقها أخرى فيه فكذا إذا
طلقها في الحيض ثم طهرت وأما في الحامل إذا استبان حملها فالأحسن أن يطلقها واحدة رجعية وإن كان قد جامعها
وطلقها عقيب الجماع لان الكراهة في ذوات القرء لاحتمال الندامة لا لاحتمال الحبل فمتى طلقها مع علمه بالحبل فالظاهر
88

انه لا يندم وكذلك في ذوات الشهر من الآيسة والصغيرة الأحسن أن يطلقها واحدة رجعية وإن كان عقيب طهر
جامعها فيه وهذا قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر يفصل بين طلاق الآيسة والصغيرة وبين جماعهما بشهر وجه قوله إن
الشهر في حق الآيسة والصغيرة أقيم مقام الحيضة فيمن تحيض ثم يفصل في طلاق السنة بين الوطئ وبين الطلاق
بحيضة فكذا يفصل بينهما فيمن لا تحيض بشهر كما يفصل بين التطليقتين ولنا ان كراهة الطلاق في الطهر الذي وجد
الجماع فيه في ذوات الأقراء لاحتمال ان تحبل بالجماع فيندم وهذا المعنى لا يوجد في الآيسة والصغيرة وان وجد
الجماع ولان الإياس والصغر في الدلالة على براءة الرحم فوق الحيضة في ذوات الأقراء فلما جاز الايقاع ثمة عقيب
الحيضة فلان يجوز هنا عقيب الجماع أولى وأما الحسن في الحرة التي هي ذات القرء أن يطلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار لا جماع
فيها بان يطلقها واحدة في طهر لا جماع فيه ثم إذا حاضت حيضة أخرى وطهرت طلقها أخرى ثم إذا حاضت وطهرت
طلقها أخرى وإن كانت أمة طلقها واحدة ثم إذا حاضت وطهرت طلقها أخرى وهذا قول عامة العلماء وقال مالك
لا أعرف طلاق السنة الا ان يطلقها واحدة ويتركها حتى تنقضي عدتها وجه قوله إن الطلاق المسنون هو الطلاق
لحاجة والحاجة تندفع بالطلقة الواحدة فكانت الثانية والثالثة في الطهر الثاني والثالث تطليقا من غير حاجة فيكره لهذا
أكره الجمع كذا التفريق إذ كل ذلك طلاق من غير حاجة (ولنا) قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن أي ثلاثا في ثلاثة
أطهار كذا فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه روى أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما طلق امرأته حالة الحيض
فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أخطأت السنة ما هكذا أمرك ربك ان
من السنة ان تستقبل الطهر استقبالا فتطلقها لكل طهر تطليقة فتلك العدة التي أمر الله تعالى ان يطلق لها النساء فسر
رسول الله صلى الله عليه وسلم الطلاق للعدة بالثلاث في ثلاثة أطهار والله عز وجل أمر به وأدنى درجات الامر الندب
والمندوب إليه يكون حسا ولان رسول الله صلى الله عليه وسلم نص على كونه سنة حيث قال أن من السنة أن تستقبل
الطهر استقبالا فتطلقها لكل طهر تطليقة والدليل عليه ما روى عن إبراهيم النخعي في حكايته عن الصحابة رضي الله عنه
م أجمعين وكان ذلك عندهم أحسن من أن يطلق الرجل امرأته ثلاثا في ثلاثة أطهار وإذا كان ذلك أحسن من هذا
كان هذا حسنا في نفسه ضرورة وأما قوله إن الثانية والثالثة تطليق من غير حاجة فممنوع فان الانسان قد يحتاج إلى
حسم باب نكاح امرأته على نفسه لما ظهر له ان نكاحها ليس بسبب المصلحة دنيا ودينا لكن يميل قلبه إليها لحسن
ظاهرها فيحتاج إلى الحسم على وجه ينسد باب الوصول إليها ولا يلحقه الندم ولا يمكنه دفع هذه الحاجة بالثلاث جملة
واحدة لأنها تعقب الندم عسى ولا يمكنه التدارك فيقع في الزنا فيحتاج إلى ايقاع الثلاث في ثلاثة أطهار فيطلقها تطليقة
رجعية في طهر لا جماع فيه ويجرب نفسه انه هل يمكنه الصبر عنها فإن لم يمكنه راجعها وان أمكنه طلقها تطليقة أخرى
في الطهر الثاني ويجرب نفسه ثم يطلقها ثالثة في الطهر الثالث فينحسم باب النكاح عليه من غير ندم يلحقه ظاهرا أو غالبا
فكان ايقاع الثانية والثالثة في الطهر الثاني والثالث طلاق لحاجة فكان مسنونا على أن الحكم تعلق بدليل الحاجة لا
بحقيقتها لكونها أمرا باطنا لا يوقف عليه الا بدليل فيقام الطهر الخالي عن الجماع مقام الحاجة إلى الطلاق فكان تكرار
الطهر دليل تجدد الحاجة فيبنى الحكم عليه ثم إذا وقع عليها ثلاث تطليقات في ثلاثة أطهار فقد مضى من عدتها حيضتان
إن كانت حرة لأن العدة بالحيض عندنا وبقيت حيضة واحدة فإذا حاضت حيضة أخرى فقد انقضت عدتها وإن كان
ت أمة فان وقع عليها تطليقتان في طهرين فقد مضت من عدتها حيضة وبقيت حيضة واحدة فإذا حاضت
حيضة أخرى فقد انقضت عدتها وإن كانت من ذوات الأشهر طلقها واحدة رجعية وإذا مضى شهر طلقها أخرى
ثم إذا مضى شهر طلقها أخرى ثم إذا كانت حرة فوقع عليها ثلاث تطليقات ومضى من عدتها شهران وبقى شهر
واحد من عدتها فإذا مضى شهر آخر فقد انقضت عدتها وإن كانت أمة وقع عليها تطليقتان في شهر وبقى من عدتها
نصف شهر فإذا مضى نصف شهر فقد انقضت عدتها وإن كانت حاملا فكذلك في قول أبي حنيفة وأبي يوسف
89

يطلقها ثلاثا للسنة ويفصل بين كل طلاقيها بشهر وقال محمد لا يطلق الحامل للسنة الا طلقة واحدة وهو قول زفر وذكر
محمد رحمه الله في الأصل بلغنا ذلك عن عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله والحسن البصري رضي الله عنهم ولا
خلاف في أن الممتد طهرها لا تطلق للسنة الا واحدة وجه قول محمد وزفر ان إباحة التفريق في الشرع متعلقة بتجدد
فصول العدة لان كل قرء في ذوات الأقراء فصل من فصول العدة وكل شهر في الآيسة والصغيرة فصل من فصول
العدة ومدة الحمل كلها فصل واحد من العدة لتعذر الاستبراء به في حق الحامل فلم يكن في معنى مورد الشرع فلا يفصل
بالشهر ولهذا لم يفصل في الممتد طهرها بالشهر كذا ههنا ولأبي حنيفة وأبي يوسف قوله تعالى الطلاق مرتان فامساك
بمعروف أو تسريح باحسان شرع الثلاث متفرقات من غير فصل بين الحامل والحائل اما شرعية طلقة وطلقة فبقوله
تعالى الطلاق مرتان لان معناه دفعتان على ما نذكر إن شاء الله تعالى وشرعية الطلقة الثالثة بقوله عز وجل أو تسريح
باحسان أو بقوله عز وجل فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره من غير فصل ولان الحامل ليست من
ذوات الأقراء فيفصل بين طلاقها بشهر كالآيسة والصغيرة والجامع ان الفصل هناك بشهر لكون الشهر زمان
تجدد الرغبة في العادة فيكون زمان تجدد الحاجة وهذا المعنى موجود في الحامل فيفصل فأما كون الشهر فصلا من
فصول العدة فلا أثر له فكان من أوصاف الوجود لا من أوصاف التأثير إنما المؤثر ما ذكرنا فينبني الحكم عليه وما ذكر
محمد رحمه الله في الأصل لا حجة له فيه لان لفظ الحديث أفضل طلاق الحامل ان يطلقها واحدة ثم يدعها حتى تضع حملها
وبه نقول إن ذلك أفضل ولا كلام فيه وأما الممتد طهرها فإنما لا تطلق للسنة الا واحدة لأنها من ذوات الأقراء
لأنها قد رأت الدم وهي شابة لم تدخل في حد الإياس الا انه امتد طهرها لداء فيها يحتمل الزوال ساعة فساعة فبقي أحكام
ذوات الأقراء فيها ولا تطلق ذوات الأقراء في طهر لا جماع فيه للسنة الا واحدة والله عز وجل أعلم ولو طلق امرأته
تطليقة واحدة في طهر لا جماع فيه ثم راجعها بالقول في ذلك الطهر فله ان يطلقها في ذلك الطهر في قول أبي حنيفة وزفر
وقال أبو يوسف لا يطلق في ذلك الطهر للسنة وهو قول الحسن بن زياد وقول محمد مضطرب ذكره أبو جعفر
الطحاوي مع قول أبي حنيفة وذكره الفقيه أبو الليث مع قول أبي يوسف ولو أبانها في طهر لم يجامعها ثم تزوجها فله أن
يطلقها في ذلك الطهر بالاجماع (وجه) قول أبي يوسف ان الطهر طهر واحد والجمع بين طلاقين في طهر واحد لا
يكون سنة كما قبل الرجعة ولأبي حنيفة انه لما راجعها فقد أبطل حكم الطلاق وجعل الطلاق كأنه لم يكن في حق الحكم
ولأنها عادت إلى الحالة الأولى بسبب من جهته فكان له أن يطلقها أخرى كما إذا أبانها في طهر لم يجامعها فيه ثم تزوجها
وعلى هذه الخلاف إذا راجعها بالقبلة أو باللمس عن شهوة أو بالنظر إلى فرجها عن شهوة وعلى هذا الخلاف إذا أمسك
الرجل امرأته بشهوة فقال لها في حال الملامسة بشهوة بأن كان أخذ بيدها لشهوة أنت طالق ثلاثا للسنة وذلك في
طهر لم يجامعها فيه انه يقع عليها ثلاث تطليقات على التعاقب للسنة في قول أبي حنيفة رحمه الله فتقع التطليقة الأولى
ويصير مراجعا لها بالامساك عن شهوة ثم تقع الأخرى ويصير مراجعا بالامساك ثم تقع الثالثة وعند أبي يوسف
لا يقع عليها للسنة الا واحدة والطلاقان الباقيان إنما يقعان في الطهرين الباقيين وهذا إذا راجعها بالقول أو بفعل المس
عن شهوة فاما إذا راجعها بالجماع بان طلقها في طهر لا جماع فيه ثم جامعها حتى صار مراجعا لها ثم إذا أراد أن يطلقها في
ذلك الطهر ليس له ذلك بالاجماع لان حكم الطلاق قد بطل بالمراجعة فبقي ذلك الطهر طهرا مبتدأ جامعها فيه فلا يجوز
له أن يطلقها فيه هذا إذا راجعها بالجماع فلم تحمل منه فان حملت منه فله أن يطلقها أخرى في قول أبي حنيفة ومحمد وزفر
وعند أبي يوسف ليس له أن يطلقها حتى يمضي شهر من التطليقة الأولى أبو يوسف يقول هذا طهر واحد فلا يجمع فيه
بين طلاقين كما في المسألة الأولى وهم يقولون إن الرجعة أبطلت حكم الطلاق وألحقته بالعدم وكراهة الطلاق في الطهر
الذي جامعها فيه لمكان الندم لاحتمال الحمل فإذا طلقها مع العلم بالحمل لا يندم كما لو لم يكن طلقها في هذه الطهر ولكنه
جامعها فيه فحملت كأنه له أن يطلقها لما قلنا كذا هذا ولو طلق الصغيرة تطليقة ثم حاضت وطهرت قبل مضى شهر فله
90

أن يطلقها أخرى في قولهم جميعا لأنها لما حاضت فقد بطل حكم الشهر لان الشهر في حقها بدل من الحيض ولا حكم للبدل
مع وجود المبدل وأما إذا طلق امرأته وهي من ذوات الأقراء ثم أيست فله أن يطلقها أخرى حتى تيأس في قول أبي
حنيفة وقال أبو يوسف لا يطلقها حتى يمضي شهر وجه قوله إن هذا طهر واحد فلا يحتمل طلاقين ولأبي حنيفة ان
حكم الحيض قد بطل باليأس وانتقل حالها من العدة بالحيض إلى العدة بالأشهر وذلك يفصل بين التطليقتين كالانتقال
من الشهور إلى الحيض في حق الصغيرة وهذا التفريع إنما يتصور على الرواية التي قدرت للاياس حدا معلوما
خمسين سنة أو ستين سنة فإذا تمت هذه المدة بعد التطليقة جاز له أن يطلقها أخرى عند أبي حنيفة لما ذكرنا فاما على
الرواية التي لم تقدر للاياس مدة معلومة وإنما علقته بالعادة فلا يتصور هذا التفريع ولو طلق امرأته في حال الحيض ثم
راجعها ثم أراد طلاقها ذكر في الأصل انها إذا طهرت ثم حاضت ثم طهرت طلقها ان شاء وذكر الطحاوي انه يطلقها في
الطهر الذي يلي الحيضة وذكر الكرخي ان ما ذكره الطحاوي قول أبي حنيفة وما ذكره في الأصل قول أبي يوسف
ومحمد وجه ما ذكر في الأصل ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه لما طلق ابنه عبد الله امرأته
في حالة الحيض مر ابنك فليراجعها ثم يدعها إلى أن تحيض فتطهر ثم تحيض فتطهر ثم ليطلقها ان شاء طاهرا من غير جماع
أمره صلى الله عليه وسلم بترك الطلاق إلى غاية الطهر الثاني فدل ان وقت طلاق السنة هو الطهر الثاني دون الأول
ولان الحيضة التي طلقها فيها غير محسوبة من العدة فكان ايقاع الطلاق فيها كايقاع الطلاق في الطهر الذي يليها ولو
طلق في الطهر الذي يليها لم يكن له أن يطلق فيه أخرى كذا هذا وجه ما ذكره الطحاوي ان هذا طهر لا جماع فيه ولا
طلاق حقيقة فكان له أن يطلقها فيه كالطهر الثاني وأما الحديث فقد روينا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن
عمر أخطأت السنة ما هكذا أمرك الله تعالى ان من السنة أن تستقبل الطهر استقبالا فتطلقها لكل طهر تطليقة جعل
صلى الله عليه وسلم الطلاق في كل طهر طلاقا على وجه السنة والطهر الذي يلي الحيضة طهر فكان الايقاع فيه ايقاعا
على وجه السنة فيجمع بين الروايتين فتحمل تلك الرواية على الأحسن لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتطليقة الواحدة
في طهر واحد لا جماع فيه وهذا أحسن الطلاق وهذه الرواية على الحسن لأنه أمره بالثلاث في ثلاثة أطهار جمعا بين
الروايتين عملا بهما جمعا بقدر الامكان
(فصل) وأما بيان الألفاظ التي يقع بها طلاق السنة فالألفاظ التي يقع بها طلاق نوعان نص ودلالة (أما) النص
فنحو أن يقول أنت طالق للسنة وجملته ان الرجل إذا قال لامرأته وهي مدخول بها أنت طالق للسنة ولا نية له فإن كان
ت من ذوات الأقراء وقعت تطليقة للحال إن كانت طاهرا من غير جماع وإن كانت حائضا أو في طهر جامعها فيه لم
تقع الساعة فإذا حاضت وطهرت وقعت بها تطليقة واحدة لان قوله أنت طالق للسنة ايقاع تطليقة بالسنة المعرفة باللام
لان اللام الأولى للاختصاص فيقتضي أن تكون التطليقة مختصة بالسنة فإذا أدخل لام التعريف في السنة فيقتضي
استغراق السنة وهذا يوجب تمحضها سنة بحيث لا يشوبها معنى البدعة أو تنصرف إلى السنة المتعارفة فيما بين الناس
والسنة المتعارفة المعهودة في باب الطلاق مالا يشوبها معنى البدعة وليس ذلك الا الواقع في طهر لا جماع فيه وان نوى
ثلاثا فثلاث لان التطليقة المختصة بالسنة المعرفة بلام التعريف نوعان حسن وأحسن فالأحسن أن يطلقها واحدة في
طهر لا جماع فيه والحسن أن يطلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار فإذا نوى الثلاثة فقد نوى أحد نوعي التطليقة المختصة بالسنة
فتصح نيته كما لو قال أنت طالق ثلاثا للسنة وان أراد واحدة بائنة لم تكن بائنة لان لفظة الطلاق لا تدل على البينونة
وكذا لفظ السنة بل تمنع ثبوت البينونة لان الإبانة ليست بمسنونة على ظاهر الرواية ويستحيل أن يثبت باللفظ ما يمنع
ثبوته وان نوى الثنتين لم يكن ثنتين لأنه عدد محض بخلاف الثلاث لأنه فرد من حيث إنه كل جنس الطلاق ولو أراد
بقوله طالق واحدة وبقوله للسنة أخرى لم يقع لان قوله للسنة ليس من ألفاظ الطلاق بدليل انه لو قال لامرأته أنت
للسنة ونوى الطلاق لا يقع ولو قال أنت طالق ثنتين للسنة أو ثلاثا للسنة وقع عند كل طهر لم يجامعها تطليقة لأنها هي
91

التطليقة المختصة بالسنة المعرفة بلام التعريف ولو قال أنت طالق ثلاثا للسنة ونوى الوقوع للحال صحت نيته ويقع
الثلاث من ساعة تكلم عند أصحابنا الثلاثة وقال زفر لا تصح نيته وتتفرق على الأطهار وجه قوله إنه نوى ما لا يحتمله
لفظه فتبطل نيته وبيان ذلك ان قوله أنت طالق ثلاثا للسنة ايقاع التطليقات الثلاث في ثلاثة أطهار لأنها هي
التطليقات المختصة بالسنة المعرفة بلام التعريف فصار كأنه قال أنت طالق ثلاثا ثلاثة أطهار ولو نص على ذلك
ونوى الوقوع للحال لم تصح نيته كذا هذا (ولنا) ان الطلاق تصرف مشروع في ذاته وإنما الحظر والحرمة في غيره
لما تبين فكان كل طلاق في أي وقت كان سنة فكان ايقاع الثلاث في الحال ايقاعا على وجه السنة حقيقة الا ان
السنة عند الاطلاق تنصرف إلى ما لا يشوبه معنى البدعة بملازمة الحرام إياه للعرف والعادة فإذا نوى الوقوع للحال فقد
نوى ما يحتمله كلامه وفيه تشديد على نفسه فتصح نيته ولان السنة نوعان سنة ايقاع وسنة وقوع لان وقوع الثلاث
جملة عرف بالسنة لما تبين فإذا نوى الوقوع للحال فقد نوى أحد نوعي السنة فكانت نيته محتملة لما نوى فصحت وإن كان
ت آيسة أو صغيرة فقال لها أنت طالق للسنة ولا نية له طلقت للحال واحدة وإن كان قد جامعها وكذا إذا كانت
حاملا قد استبان حملها وان نوى الثلاث بقوله للآيسة والصغيرة أنت طالق ثلاثا للسنة يقع للحال واحدة وبعد شهر
أخرى وبعد شهر أخرى وكذا في الحامل على قول أبي حنيفة وأبي يوسف وأما على قول محمد لا يقع الا واحدة بناء
على أن الحامل تطلق ثلاثا للسنة عندهما وعنده لا تطلق للسنة الا واحدة ولو قال أنت طالق تطليقة للسنة فهو مثل
قوله أنت طالق للسنة وكذلك إذا قال أنت طالق طلاق السنة (وأما) الدلالة فنحو أن يقول أنت طالق طلاق العدة
أو طلاق العدل أو طلاق الدين أو طلاق الاسلام أو طلاق الحق أو طلاق القرآن أو طلاق الكتاب أما طلاق
العدة فلانه الطلاق في طهر لا جماع فيه لقوله عز وجل فطلقوهن لعدتهن وطلاق العدل هو المائل عن الباطل إلى الحق
لان العدل عند الاطلاق ينصرف إليه وإن كان الاسم في اللغة وضع دلالة على مطلق الميل كاسم الجور وعند الاطلاق
ينصرف إلى الميل من الحق إلى الباطل وان وضع في اللغة دلالة على مطلق الميل والطلاق المائل من الباطل إلى الحق هو
طلاق السنة وطلاق الدين والاسلام والقرآن والكتاب هو ما يقتضيه الدين والاسلام والقرآن والكتاب وهو
طلاق السنة وكذلك طلاق الحق هو ما يقتضيه الدين إلى الحق وذلك طلاق السنة وكذلك قوله أنت طالق أحسن
الطلاق أو أجمل الطلاق أو أعدل الطلاق لأنه أدخل التفضيل وأضاف إلى الطلاق المعرف باللام الواقع على
الحسن فيقتضي وقوع طلاق له مزية على جميع أنواع الطلاق بالحسن والجمال والعدالة كما إذا قيل فلان أعلم الناس
يوجب هذا مزية له على جميع طبقات الناس في العلم وهذا تفسير طلاق السنة ولو قال أنت طالق تطليقة حسنة أو جميلة
يقع للحال ولو قال أنت طالق تطليقة عدلة أو عدلية أو عادلة أو سنية يقع للسنة في قول أبي يوسف وسوى بينه وبين
قوله أنت طالق للسنة وفرق بينه وبين قوله أنت طالق تطليقة حسنة أو جميلة ذكر محمد في الجامع الكبير أنه يقع للحال تطليقة
رجعية سواء كانت حائضا أو غير حائض جامعها في طهرها أو لم يجامعها وسوى بينه وبين قوله أنت طالق تطليقة حسنة
أو جميلة وفرق بين هذا وبين قوله أنت طالق للسنة وجه قول محمد ان قوله أنت طالق تطليقة سنية وصف التطليقة بكونها
سنية والطلاق في أي وقت كان فهو سني لأنه تصرف مشروع وباقتران الفسخ به لا يخرج من أن يكون مشروعا في
ذاته وهذا القدر يكفي لصحة الاتصاف بكونها سنية ولا يشترط الكمال الا يرى أنه لو قال لامرأته أنت بائن يقع
تطليقة واحدة ولا ينصرف إلى الكمال وهو البينونة الحاصلة بالثلاث كذا ههنا ولهذا وقع الطلاق للحال في قوله حسنة
أو جميلة بخلاف قوله أنت طالق للسنة لان ذلك ايقاع تطليقة مختصة بالسنة لان اللام الأولى للاختصاص كما يقال
هذا اللجام للفرس وهذا الاكاف لهذه البغلة وهذا القفل لهذا الباب واللام الثانية للتعريف فإن كانت لتعريف
الجنس وهو جنس السنة اقتضى صفة التمحض للسنة وهو ان لا يشوبها بدعة وإن كانت لتعريف المعهود فالسنة
المعهودة في باب الطلاق ما لا يشوبه معنى البدعة وهو الطلاق في طهر لا جماع فيه وجه قول أبي يوسف ان هذا ايقاع
92

طلاق موصوف بكونه سنيا مطلقا فلا يقع الا على صفة السنة المطلقة والطلاق السني على الاطلاق لا يقع في غير وقت
السنة ولهذا يقع في وقت السنة في قوله أنت طالق للسنة كذا هذا وفرق أبو يوسف بين السنية وبين الحسنة والجميلة
وما كان الغالب فيه أن يجعل صفة للطلاق يجعل صفة له كقوله سنية وعدلية وما كان الغالب فيه أن يجعل صفة
للمرأة يجعل صفة لها كقوله حسنة وجميلة لأن المرأة مذكورة في اللفظ بقوله أنت والتطليقة مذكورة أيضا فيحمل
على ما يغلب استعمال اللفظ فيه ولو قال لامرأته وهي ممن تحيض أنت طالق للحيض وقع عند كل طهر من كل حيضة
تطليقة لان الحيضة التي يضاف إليها الطلاق هي أطهار العدة وإن كانت ممن لا تحيض فقال لها أنت طالق للحيض
لا يقع عليها شئ لأنه أضاف الطلاق إلى ما ليس بموجود فصار كأنه علقه لشرط لم يوجد ولو قال لها وهي ممن لا تحيض
أنت طالق للشهور يقع للحال واحدة وبعد شهر أخرى وبعد شهر أخرى لان الشهور التي يضاف إليها الطلاق وهي
شهور العدة وكذا الحامل على قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف ولو نوى بشئ من الألفاظ التي يقع بها طلاق
السنة وهو الطلاق في الطهر الذي لا جماع فيه الوقوع للحال تصح نيته ويكون على ما عنى لأنه نوى ما يحتمله كلامه
اما في لفظ الأحسن والأجمل والأعدل فلان ألف التفضيل قد تذكر ويراد به مطلق الصفة قال الله سبحانه وتعالى
وهو أهون عليه أي هين عليه إذ لا تفاوت للأشياء في قدرة الله تعالى بل هي بالنسبة إلى قدرته سواء وقد نوى ما يحتمله
لفظه ولا تهمة في العدول عن هذا الظاهر لما فيه من التشديد على نفسه فكان مصدقا وكذا في سائر الألفاظ لما
ذكرنا ان الطلاق تصرف مشروع في نفسه فكان ايقاعه سنة في كل وقت أو لان وقوعه عرف بالسنة على ما نذكر
وذكر بشر عن أبي يوسف ان هذا النوع من الألفاظ أقسام ثلاثة قسم منها يكون طلاق السنة فيما بينه وبين الله
تعالى وفي القضاء نوى أو لم ينو وقسم منها يكون طلاق السنة فيما بينه وبين الله تعالى وفي القضاء إن نوى وان لم ينو
لا يكون للسنة ويقع الطلاق للحال وقسم منها ما يصدق فيه إذا قال نويت به طلاق السنة فيما بينه وبين الله تعالى ويقع
في أوقاتها ولا يصدق في القضاء بل يقع للحال أما القسم الأول فهو أن يقول أنت طالق للعدة أو أنت طالق طلاق العدل
أو طلاق الدين أو طلاق الاسلام أو قال أنت طالق طلاقا عدلا أو طلاق عدة أو طلاق سنة أو أحسن الطلاق
أو أجمل الطلاق أو طلاق الحق أو طلاق القرآن أو طلاق الكتاب أو قال أنت طالق للسنة أو في السنة أو بالسنة
أو مع السنة أو عند السنة أو على السنة (وأما) القسم الثاني فهو أن يقول أنت طالق في كتاب الله عز وجل أو بكتاب الله
عز وجل أو مع كتاب الله عز وجل لان في كتاب عز وجل دليل وقوع الطلاق للسنة والبدعة لان فيه شرع الطلاق
مطلقا فكان الطلاق تصرفا مشروعا في نفسه فكان كلامه محتمل الامرين فوقف على نيته وأما القسم الثالث فهو أن
يقول أنت طالق على الكتاب أو بالكتاب أو على قول القضاة أو على قول الفقهاء أو قال أنت طالق طلاق القضاة
أو طلاق الفقهاء لان القضاة والفقهاء يقولون من كتاب الله عز وجل قال الله عز وجل ولا رطب ولا يابس الا في
كتاب مبين وفي كتاب الله عز وجل دليل الامرين جميعا لما بينا فكان لفظه محتملا للامرين فيصدق فيما بينه
وبين الله عز وجل ويقع في وقت السنة ولا يصدق في القضاء لأنه خلاف الظاهر والله عز وجل أعلم ولو كان الزوج
غائبا فأراد أن يطلقها للسنة واحدة فإنه يكتب إليها إذا جاءك كتابي هذا ثم حضت وطهرت فأنت طالق وان أراد
أن يطلقها ثلاثا يكتب إليها إذا جاءك كتابي هذا ثم حضت وطهرت فأنت طالق ثم إذا حضت وطهرت فأنت طالق
ثم إذا حضت وطهرت فأنت طالق وذكر محمد في الرقيات انه يكتب إليها إذا جاءك كتابي هذا فعلمت ما فيه ثم حضت
وطهرت فأنت طالق وتلك الرواية أحوط والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما طلاق البدعة فالكلام فيه في ثلاثة مواضع في تفسيره وفي بيان الألفاظ التي يقع بها طلاق البدعة
وفي بيان حكمه أما الأول فطلاق البدعة نوعان أيضا نوع يرجع إلى الوقت ونوع يرجع إلى العدد أما الذي يرجع إلى
الوقت فنوعان أيضا أحدهما الطلقة الواحدة الرجعية في حالة الحيض إذا كانت مدخولا بها سواء كانت حرة أو أمة
93

لما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الله بن عمر حين طلق امرأته في حالة الحيض أخطأت السنة
ولان فيه تطويل العدة عليها لان الحيضة التي صادفها الطلاق فيه غير محسوبة من العدة فتطول العدة عليه وذلك اضرار
بها ولان الطلاق للحاجة هو الطلاق في زمان كمال الرغبة وزمان الحيض زمان النفرة فلا يكون الاقدام عليه فيه دليل
الحاجة إلى الطلاق فلا يكون الطلاق فيه سنة بل يكون سفها الا أن هذا المعنى يشكل بما قبل الدخول فالصحيح
هو المعنى الأول وإذا طلقها في حالة الحيض فالأفضل أن يراجعها لما روى أن ابن عمر رضي الله عنهما لما طلق امرأته
في حالة الحيض أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ولأنه إذا راجعها أمكنه أن يطلقها للسنة فتبين منه بطلاق
غيره مكروه فكانت الرجعة أولى ولو امتنع عن الرجعة لا يجبر عليها وذكر في العيون أن الأمة إذا أعتقت فلا بأس بأن
تختار نفسها وهي حائض وكذلك الصغيرة إذا أدركت وهي حائض وكذلك امرأة العنين وهي حائض والثاني الطلقة
الواحدة الرجعية في ذوات الأقراء في طهر جامعها فيه حرة كانت أو أمة لاحتمال انها حملت بذلك الجماع وعند ظهور
الحمل يندم فتبين انه طلقها لا لحاجة وفائدة فكانت سفها فلا يكون سنة ولأنه إذا جامعها فقد قلت رغبته إليها فلا يكون
الطلاق في ذلك الطهر طلاقا لحاجة على الاطلاق فلم يكن سنة وأما الذي يرجع إلى العدد فهو ايقاع الثلاث أو الثنتين
في طهر واحد لا جماع فيه سواء كان على الجمع بان أوقع الثلاث جملة واحدة أو على التفاريق واحدا بعد واحد بعد إن كان
الكل في طهر واحد وهذا قول أصحابنا وقال الشافعي لا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة بل هو مباح وإنما
السنة والبدعة في الوقت فقط احتج بعمومات الطلاق من الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله عز وجل فطلقوهن
لعدتهن وقوله عز وجل الطلاق مرتان وقوله عز وجل لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن شرع الطلاق من
غير فصل بين الفرد والعدد والمفترق والمجتمع وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم كل طلاق جائز الاطلاق المعتوه
والصبي والدليل على أن عدد الطلاق في طهر واحد مشروع انه معتبر في حق الحكم بلا خلاف بين الفقهاء وغير
المشروع لا يكون معتبرا في حق الحكم ألا ترى ان بيع الخل والصفر ونكاح الأجانب لما كان مشروعا كان معتبرا
في حق الحكم وبيع الميتة والدم والخمر والخنزير ونكاح المحارم لما لم يكن مشروعا لم يكن معتبرا في حق الحكم وههنا لما
اعتبر في حق الحكم دل انه مشروع وبهذا عرفت شرعية الطلقة الواحدة في طهر واحد والثلاث في ثلاثة أطهار كذا
المجتمع (ولنا) الكتاب والسنة والمعقول أما الكتاب فقوله عز وجل فطلقوهن لعدتهن أي في أطهار عدتهن وهو
الثلاث في ثلاثة أطهار كذا فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكرنا فيما تقدم أمر بالتفريق والامر بالتفريق
يكون نهيا عن الجمع ثم إن كان الامر أمر ايجاب كان نهيا عن ضده وهو الجمع نهى تحريم وإن كان أمر ندب كان نهيا عن
ضده وهو الجمع نهى ندب وكل ذلك حجة على المخالف لان الأول يدل على التحريم والا آخر يدل على الكراهة
وهو لا يقول بشئ من ذلك وقوله تعالى الطلاق مرتان أي دفعتان ألا ترى ان من أعطى آخر درهمين لم يجز ان يقال
أعطاه مرتين حتى يعطيه دفعتين وجه الاستدلال ان هذا وإن كان ظاهره الخبر فان معناه الامر لان الحمل على ظاهره
يؤدى إلى الخلف في خبر من لا يحتمل خبره الخلف لان الطلاق على سبيل الجمع قد يوجد وقد يخرج اللفظ مخرج الخبر
على إرادة الجمع قال الله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن أي ليتربصن وقال تعالى والوالدات يرضعن أولادهن أي
ليرضعن ونحو ذلك كذا هذا فصار كأنه سبحانه وتعالى قال طلقوهن مرتين إذا أردتم الطلاق والامر بالتفريق نهى
عن الجمع لأنه ضده فيدل على كون الجمع حراما أو مكروها على ما بينا فان قيل هذه الآية حجة عليكم لأنه ذكر جنس
الطلاق وجنس الطلاق ثلاث والثلاث إذا وقع دفعتين كان الواقع في دفعة طلقتان فيدل على كون الطلقتين في دفعة
مسنونتين فالجواب ان هذا أمر بتفريق الطلاقين من الثلاث لا بتفريق الثلاث لأنه أمر بالرجعة عقيب الطلاق
مرتين أي دفعتين بقوله تعالى فامساك بمعروف أي وهو الرجعة وتفريق الطلاق وهو ايقاعه دفعتين لا يتعقب
الرجعة فكان هذا أمرا بتفريق الطلاقين من الثلاث لا بتفريق كل جنس الطلاق وهو الثلاث والامر بتفريق
94

طلاقين من الثلاث يكون نهيا عن الجمع بينهما فوضح وجه الاحتجاج بالآية بحمد الله تعالى (وأما) السنة فما روى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال تزوجوا ولا تطلقوا فان الطلاق يهتز له عرش الرحمن نهى صلى الله عليه وسلم
عن الطلاق ولا يجوز أن يكون النهي عن الطلاق لعينه لأنه قد بقي معتبرا شرعا في حق الحكم بعد النهي فعلم أن
ههنا غيرا حقيقيا ملازما للطلاق يصلح أن يكون منهيا عنه فكان النهي عنه لا عن الطلاق ولا يجوز أن يمنع من
المشرع لمكان الحرام الملازم له كما في الطلاق في حالة الحيض والبيع وقت النداء والصلاة في الأرض المغصوبة
وغير ذلك وقد ذكر عن عمر رضي الله عنه انه كان لا يؤتى برجل طلق امرأته ثلاثا الا أوجعه ضربا وأجاز ذلك
عليه وذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم فيكون اجماعا (وأما) المعقول فمن وجوه أحدها أن النكاح
عقد مصلحة لكونه وسيلة إلى مصالح الدين والدنيا والطلاق ابطال له وابطال المصلحة مفسدة وقد قال الله عز وجل
والله لا يحب الفساد وهذا معنى الكرهة الشرعية عندنا أن الله تعالى لا يحبه ولا يرضى به الا أنه قد يخرج من أن
يكون مصلحة لعدم توافق الأخلاق وتباين الطبائع أو لفساد يرجع إلى نكاحها بأن علم الزوج ان المصالح تفوته
بنكاح هذه المرأة أو ان المقام معها سبب فساد دينه ودنياه فتنقلب المصلحة في الطلاق ليستوفي مقاصد النكاح
من امرأة أخرى الا ان احتمال انه لم يتأمل حق التأمل ولم ينظر حق النظر في العاقبة قائمة فالشرع والعقل يدعوانه
إلى النظر وذلك في أن يطلقها طلقة واحدة رجعية حتى أن التباين أو الفساد إذا كان من جهة المرأة تتوب وتعود إلى
الصلاح إذا ذاقت مرارة الفراق وإن كانت لا تتوب نظر في حال نفسه انه هل يمكنه الصبر عنها فان علم أنه لا يمكنه
الصبر عنها يراجعها وان علم أنه يمكنه الصبر عنها يطلقها في الطهر الثاني ثانيا ويجرب نفسه ثم يطلقها فيخرج نكاحها
من أن يكون مصلحة ظاهرا وغالبا لأنه لا يلحقه الندم غالبا فأبيحت الطلقة الواحدة أو الثلاث في ثلاثة أطهار
على تقدير خروج نكاحها من أن يكون مصلحة وصيرورة المصلحة في الطلاق فإذا طلقها ثلاثا جملة واحدة
في حالة الغضب وليست حالة الغضب حالة التأمل لم يعرف خروج النكاح من أن يكون مصلحة فكان الطلاق
ابطالا للمصلحة من حيث الظاهر فكان مفسدة والثاني ان النكاح عقد مسنون بل هو واجب لما ذكرنا في
كتاب النكاح فكان الطلاق قطعا للسنة وتفويتا للواجب فكان الأصل هو الحظر والكراهة الا انه رخص
للتأديب أو للتخليص والتأديب يحصل بالطلقة الواحدة الرجعية لان التباين أو الفساد إذا كان من قبلها فإذا ذاقت
مرارة الفراق فالظاهر أنها تتأدب وتتوب وتعود إلى الموافقة والصلاح والتخليص يحصل بالثلاث في ثلاثة أطهار
والثابت بالرخصة يكون ثابتا بطريق الضرورة وحق الضرورة صار مقضيا بما ذكرنا فلا ضرورة إلى الجمع بين
الثلاث في طهر واحد فبقي ذلك على أصل الحظر والثالث انه إذا طلقها ثلاثا في طهر واحد فربما يلحقه الندم وقال
الله تعالى لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا قيل في التفسير أي ندامة على ما سبق من فعله أو رغبة فيها ولا يمكنه
التدارك بالنكاح فيقع في السفاح فكان في الجمع احتمال الوقوع في الحرام وليس في الامتناع ذلك والتحرز عن مثله
واجب شرعا وعقلا بخلاف الطلقة الواحدة لأنها لا تمنع من التدارك بالرجعة وبخلاف الثلاث في ثلاثة أطهار لان
ذلك لا يعقب الندم ظاهرا لأنه يجرب نفسه في الأطهار الثلاثة فلا يلحقه الندم وقد خرج الجواب عما ذكره المخالف
لان الطلاق عندنا تصرف مشروع في نفسه الا انه ممنوع عنه لغيره لما ذكرنا من الدلائل ويستوى في كراهة الجمع
أن تكون المرأة حرة أو أمة مسلمة أو كتابية لان الموجب للكراهة لا يوجب الفصل وهو ما ذكرنا من الدلائل
ويستوى في كراهة الجمع والخلع في الطهر الذي لا جماع فيه غير مكروه بالاجماع وفي الطلاق الواحد البائن روايتان
ذكر في كتاب الطلاق انه يكره وذكر في زيادات الزيادات انه لا يكره وجه تلك الرواية ان الطلاق البائن لا يفارق
الرجعي الا في صفة البينونة وصفة البينونة لا تنافى صفة السنة ألا ترى ان الطلقة الواحدة قبل الدخول بائنة وانها سنة
وكذا الخلع في طهر لا جماع فيه بائن وانه سنة (وجه) رواية كتاب الطلاق ان الطلاق شرع في الأصل بطريق
95

الرخصة للحاجة على ما بينا ولا حاجة إلى البائن لان الحاجة تندفع بالرجعي فكان البائن طلاقا من غير حاجة فلم يكن
سنة ولان فيه احتمال الوقوع في الحرام لاحتمال الندم ولا يمكنه المراجعة وربما لا توافقه المرأة في النكاح فيتبعها
بطريق حرام وليس في الامتناع عنه احتمال الوقوع في الحرام فيجب التحرز عنه بخلاف الطلاق قبل الدخول لأنه
طلاق لحاجة لأنه قد يحتاج إلى الطلاق قبل الدخول ولا يمكن دفع الحاجة بالطلاق الرجعي ولان الطلاق قبل
الدخول لا يتصور ايقاعه الا بائنا فكان طلاقا لحاجة فكان مسنونا وكذلك الخلع لأنه تقع الحاجة إلى الخلع ولا
يتصور ايقاعه الا بصفة الإبانة ألا ترى انه لا يتصور أن يكون رجعيا ولان الله سبحانه وتعالى رفع الجناح في الخلع
مطلقا بقوله عز وجل لا جناح عليهما فيم افتدت به فدل على كونه مباحا مطلقا ثم البدعة في الوقت يختلف فيها المدخول
بها وغير المدخول بها فيكره ان يطلق المدخول بها في حالة الحيض ولا يكره ان يطلق غير المدخول بها في حالة الحيض
لان الكراهة في حالة الحيض لمكان تطول العدة ولا يتحقق ذلك في غير المدخول بها وأما كونها طاهرا من غير جماع
فلا يتصور في غير المدخول بها وأما البدعة في العدد فيستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها لان ما ذكرنا من
الدلائل لا يوجب الفصل بينهما وكذا يستوى في السنة والبدعة المسلمة والكتابية والحرة والأمة لان الدلائل
لا توجب الفصل بين الكل
(فصل) وأما الألفاظ التي يقع بها طلاق البدعة فنحو أن يقول أنت طالق للبدعة أو أنت طالق طلاق البدعة أو
طلاق الجور أو طلاق المعصية أو طلاق الشيطان فان نوى ثلاثا فهو ثلاث لان ايقاع الثلاث في طهر واحد لا جماع
فيه والواحدة في طهر جامعها فيه بدعة والطلاق في حالة الحيض بدعة فإذا نوى به الثلاث فقد نوى ما يحتمله كلامه
فصحت وروى هشام عن محمد انها واحدة يملك بها الرجعة لان البدعة لم يجعل لها وقت في الشروع لتنصرف
الإضافة إليه فيلغو قوله للبدعة ويبقى قوله أنت طالق فيقع به تطليقة واحدة رجعية وكذلك إذا قال أنت طالق طلاق
الجور أو طلاق المعصية أو طلاق الشيطان ونوى الثلاث وان لم تكن له نية فإن كان في طهر جامعها فيه أو في حالة
الحيض وقع من ساعته وان لم يكن لا يقع للحال ما لم تحض أو يجامعها في ذلك الطهر والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما حكم طلاق البدعة فهو انه واقع عند عامة العلماء وقال بعض الناس انه لا يقع وهو مذهب الشيعة أيضا
(وجه) قولهم إن هذا الطلاق منهى عنه لما ذكرنا من الدلائل فلا يكون مشروعا وغير المشروع لا يكون معتبرا في حق
الحكم ولان الله تعالى جعل لنا ولاية الايقاع على وجه مخصوص ومن جعل له ولاية التصرف على وجه لا يملك
ايقاعه على غير ذلك الوجه كالوكيل بالطلاق على وجه السنة إذا طلقها للبدعة انه لا يقع لما قلنا كذا هذا (ولنا)
ما روى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ان بعض آبائه طلق امرأته ألفا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال
صلى الله عليه وسلم بانت بالثلاث في معصية وتسعمائة وسبعة وتسعون فيما لا يملك وروى عن ابن عباس رضي الله عنه
ما أنه قال إن أحدكم يركب الاحموقة فيطلق امرأته ألفا ثم يأتي فيقول يا ابن عباس يا ابن عباس وأن الله تعالى قال ومن
يتق الله يجعل له مخرجا وانك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجا بانت امرأتك وعصيت ربك وروينا عن عمر رضي الله عنه
انه كان لا يؤتى برجل قد طلق امرأته ثلاثا الا أوجعه ضربا وأجاز ذلك عليه وكانت قضاياه بمحضر من الصحابة
رضي الله عنهم أجمعين فيكون اجماعا منهم على ذلك (وأما) قولهم إن غير المشروع لا يكون معتبرا في حق الحكم فنعم
لكن الطلاق نفسه مشروع عندنا فيه حظر وإنما الحظر والحرمة في غيره وهو ما ذكرنا من الفساد والوقوع في
الزنا والسفه وتطويل العدة وإذا كان مشروعا في نفسه جاز أن يكون معتبرا في حق الحكم وان منع عنه لغيره كالبيع
وقت أذان الجمعة والصلاة في الأرض المغصوبة ونحو ذلك وقد خرج الجواب عن الوجه الثاني وهو ان من ولى
تصرفا مشروعا لا يملك ايقاعه الا على الوجه الذي ولى لأنه ما أوقع الطلاق الا على الوجه الذي ولى ايقاعه لأنه تصرف
مشروع في نفسه لا يتصور ايقاعه غير مشروع الا أنه بهذا الطلاق باشر تصرفا مشروعا وارتكب محضورا فيأثم
96

بارتكاب المحضور لا بمباشرة المشروع كما في البيع وقت النداء ونظائره بخلاف الوكيل لان التوكيل بالطلاق على وجه
السنة توكيل بطلاق مشروع لا يتضمنه ارتكاب حرام بوجه فإذا طلقها للبدعة فقد أتى بطلاق مشروع يلازمه
حرام فلم يأت بما أمر به فلا يقع فهو الفرق
(فصل) وأما بيان قدر الطلاق وعدده فنقول وبالله التوفيق الزوجان اما إن كانا حرين واما إن كانا رقيقين واما إن كان
أحدهما حر والآخر رقيقا كانا حرين فالحر يطلق امرأته الحرة ثلاث تطليقات بلا خلاف وإن كانا رقيقين
فالعبد لا يطلق امرأته الأمة الا تطليقتين بلا خلاف أيضا واختلف فيما إذا كان أحدهما حرا والآخر رقيقا ان عدد
الطلاق يعتبر بحال الرجل في الرق والحرية أم بحال المرأة قال أصحابنا رحمهم الله تعالى تعتبر بحال المرأة وقال الشافعي يعتبر
بحال الرجل حتى أن العبد إذا كانت تحته حرة يملك عليها ثلاث تطليقات عندنا وعنده لا يملك عليها الا تطليقتين والحر
إذا كانت تحته أمة لا يملك عليها الا تطليقتين عندنا وعنده يملك عليها ثلاث تطليقات والمسألة مختلفة بين الصحابة
رضي الله عنهم وروى عن علي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم مثل قولنا وعن عثمان وزيد بن ثابت مثل قوله وعن عبد
الله بن عمر رضي الله عنهما انه يعتبر بحال أيهما كان رقيقا ولا خلاف في أن العدة تعتبر بحال المرأة احتج الشافعي بما
روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الطلاق بالرجال والعدة بالنساء
والمراد منه اعتبار الطلاق في القدر والعدد لا الايقاع لان ذلك مما لا يشكل وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال يطلق العبد ثنتين وتعتد الأمة بحيضتين من غير فصل بن ما إذا كانت تحته أمة أو حرة ولان الرق إنما يؤثر في
نقصان الحل لكون الحل نعمة وانه نعمة في جانب الرجل لا في جانب المرأة لأنها مملوكة مرقوقة فلا يؤثر رقها في
نقصان الحل (ولنا) الكتاب والسنة والمعقول أما الكتاب فقوله تعالى الطلاق مرتان إلى قوله عز وجل فان طلقها
فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره والنص ورد في الحرة أخبر الله تعالى ان حل الحرة يزول بثلاث من غير فصل
بين ما إذا كانت تحت حر أو تحت عبد فيجب العمل باطلاقه والدليل على أن النص ورد في الحرة قرائن الآية الكريمة
أحدهما أنه قال تعالى فلا جناح عليهما فيما اقتدت به والأمة لا تملك الافتداء بغير اذن المولى والثاني قوله عز وجل حتى
تنكح زوجا غيره والأمة لا تملك انكاح نفسها من غير اذن مولاها والثالث قوله تعالى فلا جناح عليهما ان يتراجعا أي
يتناكحا بعد طلاق الزوج الثاني وذا في الحر والحرة وأما السنة فما روى عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنه قال طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان جعل عليه الصلاة والسلام طلاق جنس الإماء ثنتين لأنه
أدخل لام الجنس على الإماء كأنه قال طلاق كل أمة ثنتان من غير فصل بين ما إذا كان زوجها حرا أو عبدا واما المعقول
فمن وجهين أحدهما أن الأصل في الطلاق هو الحظر لما ذكرنا من الدلائل فيما تقدم الا انه أبيحت الطلقة الواحدة
للحاجة إلى الخلاص عند مخالفة الأخلاق لان عند ذلك تصير المصلحة في الطلاق ليزدوج كل واحد منهما بمن يوافقه
فتحصل مقاصد النكاح الا ان احتمال الندم من الجانبين قائم بعد الطلاق كما أخبر الله تعالى لا تدري لعل الله يحدث
بعد ذلك أمرا فلو ثبتت الحرمة بطلقة واحدة ولم يشرع طلاق آخر حتى يتأمل الزوج فيه ربما يندم ولا يمكنه التدارك
بالرجعة ولا توافقه المرأة في النكاح ولا يمكنه الصبر عنها فيقع في الزنا فأبيحت الطلقة الثانية لهذه الحاجة ولا حاجة
إلى الطلقة الثالثة الا ان الشرع ورد بها في الحرة إذا كانت تحت حرا وعبد اظهارا لخطر النكاح وإبانة لشرفه وملك
النكاح في الأمة في الشرف والخطر دون ملك النكاح في الحرة لان شرف النكاح وخطره لما يتعلق به من المقاصد
الدينية والدنيوية منها الولد والسكن ومعلوم ان هذين المقصودين في نكاح الأمة دونهما في نكاح الحرة لان ولد الحرة
حر وولد الرقيقة رقيق والمقصود من الولد الاستئناس والاستنصار به في الدنيا والدعوة الصالحة في العقبى وهذا
المقصود لا يحصل من الولد الرقيق مثل ما يحصل من الحر لكون المرقوق مشغولا بخدمة المولى وكذا سكون نفس
الزوج إلى امرأته الأمة لا يكون مثل سكونه إلى امرأته الحرة فلم يكن هذا في معنى مورد الشرع فبقيت الطلقة فيه على
97

أصل الحظر والثاني أن حكم الطلاق زوال الحل وهو حل المحلية فيتقدر بقدر الحل وحل الأمة أنقص من حل الحرة
لان الرق ينقص الحل لان الحل نعمة لكونه وسيلة إلى النعمة وهي مقاصد النكاح والوسيلة إلى النعمة نعمة وللرق أثر
في نقصان النعمة ولهذا أثر في نقصان المالكية حتى يملك الحر التزوج بأربع نسوة والعبد لا يملك التزوج الا بامرأتين
ولما الحديثان فقد قيل إنهما غريبان ثم إنهما من الآحاد ولا يجوز تقييد مطلق الكتاب العزيز بخبر الواحد ولا
معارضة الخبر المشهور به ثم نقول لا حجة فيهما أما الأول فلان قوله الطلاق بالرجال الصاق الاسم بالاسم فيقتضى
ملصقا محذوفا والملصق المحذوف يحتمل أن يكون هو الايقاع ويحتمل أن يكون هو الاعتبار فلا يكون حجة مع الاحتمال
وقوله الايقاع لا يشكل ممنوع بل قد يشكل وبيان الاشكال من وجهين أحدهما ان النكاح مشترك بين الزوجين في
الانعقاد والأصل في كل عقد كان انعقاده بعاقدين أن يكون ارتفاعه بهما أيضا كالبيع والإجارة ونحوهما والثاني انه
مشترك بينهما في الأحكام والمقاصد فيشكل أن يكون الايقاع بهما على الشركة فحل الاشكال بقوله الطلاق بالرجال
وأما الثاني ففيه ان العبد يطلق ثنتين وهذا لا ينفى الثالثة كما يقال فلان يملك درهمين وقوله صلى الله عليه وسلم طلاق
الأمة ثنتان إضافة إلى الطلاق إلى الأمة والإضافة للاختصاص فيقتضى أن يكون الطلاق المختص بالأمة ثنتان ولو ملك
الثالثة عليها لبطل الاختصاص ومثاله قول القائل مال فلان درهمان انه ينفى الزيادة لما قلنا كذا هذا وقد خرج
الجواب عن قوله إن الحل في جانبها ليس بنعمة لأنا بينا انه نعمة في حقها أيضا لكونه وسيلة إلى النعمة والملك في باب
النكاح ليس بمقصود بل هو وسيلة إلى المقاصد التي هي نعم والوسيلة إلى النعمة نعمة والله تعالى أعلم
(فصل) وأما بيان ركن الطلاق فركن الطلاق هو اللفظ الذي جعل دلالة على معنى الطلاق لغة وهو التخلية
والارسال ورفع القيد في الصريح وقطع الوصلة ونحوه في الكناية أو شرعا وهو إزالة حل المحلية في النوعين أو ما يقوم
مقام اللفظ أما اللفظ فمثل أن يقول في الكناية أنت بائن أو ابنتك أو يقول في الصريح أنت طالق أو طلقتك وما
يجرى هذا المجرى الا ان التطليق والطلاق في العرف يستعملان في المرأة خاصة والاطلاق يستعمل في غيرها
يقال في المرأة طلق يطلق تطليقا وطلاقا في البعير والأسير ونحوهما يقال أطلق يطلق اطلاقا وإن كان المعنى في
اللفظين لا يختلف في اللغة ومثل هذا جائز كما يقال حصان وحصان وعديل وعدل فالحصان بفتح الحاء يستعمل في
المرأة بالخفض يستعمل في الفرس وإن كانا يدلان على معنى واحد لغة وهو المنع والعديل يستعمل في الآدمي والعدل
فيما سواه وإن كانا موجودين في المعادلة في اللغة كذا هذا ولهذا قالوا إن من قال لامرأته أنت مطلقة مخففا يرجع إلى نيته
لان الاطلاق في العرف يستعمل في اثبات الانطلاق عن الحبس والقيد الحقيقي فلا يحمل على القيد الحكمي الا بالنية
ويستوى في الركن ذكر التطليقة وبعضها حتى لو قال لها أنت طالق بعض تطليقة أو ربع تطليقة أو ثلت تطليقة أو
نصف تطليقة أو جزأ من ألف جزء من تطليقه يقع تطليقة كاملة وهذا على قول عامة العلماء وقال ربيعة الرأي لا يقع
عليها شئ لان نصف تطليقة لا يكون تطليقة حقيقة بل هو بعض تطليقة وبعض الشئ ليس عين ذلك الشئ ان لم
يكن له غيره (ولنا) أن الطلاق لا يتبعض وذكر البعض فيما لا يتبعض ذكر لكله كالعفو عن بعض القصاص أنه يكون
عفوا عن الكل ولو قال أنت طالق طلقة واحدة ونصف أو واحدة وثلث طلقت اثنتين لان البعض من تطليقة تطليقة
كاملة فصار كأنه قال أنت طالق اثنتين بخلاف ما إذا قال أنت طالق واحدة ونصفها أو ثلثها انه لا يقع الا واحدة لان
هناك أضاف النصف إلى الواحدة الواقعة والواقع لا يتصور وقوعه ثانيا وهنا ذكر نصفا منكرا غير مضاف إلى واقع
فيكون ايقاع تطليقة أخرى ولو قال أنت طالق سدس تطليقة أو ثلث تطليقة أو نصف تطلقة أو ثلثي تطليقة فهو
ثلاث لما ذكرنا ان كل جزء من التطليقة تطليقة كاملة هذا إذا كانت مدخولا بها فإن كانت غير مدخول بها فلا
تقع الا واحدة لأنها بانت بالأولى كما إذا قال أنت طالق وطالق وطالق ولو قال أنت طالق سدس تطليقة وثلثها ونصفها
بعد أن لا يتجاوز العدد عن واحد فلو جمع ذلك فهو تطليقة واحدة ولو تجاوز بان قال أنت طالق سدس تطليقة وربعها
98

وثلثها ونصفها لم يذكر هذا في ظاهر الرواية واختلف المشايخ فيه قال بعضهم يقع تطليقتان وقال بعضهم يقع تطليقة
واحدة ولو قال أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقتين فهي ثلاث لان نصف التطليقتين تطليقة فثلاثة أنصاف تطليقتين
ثلاثة أمثال تطليقة فصار كأنه قال أنت طالق ثلاث تطليقات ولو كان أربع نسوة فقال بينكن تطليقة طلقت كل واحدة
واحدة لان الطلقة الواحدة إذا قسمت على أربع أصاب كل واحدة ربعها وربع تطليقة تطليقة كاملة وكذلك إذا
قال بينكن تطليقتان أو ثلاث أو أن أن بع لان التطليقتين إذا انقسمتا بين الأربع يصيب كل واحدة نصف تطليقة
ونصف التطليقة تطليقة فان قيل لم لا يقسم كل تطليقة بحيالها على الأربع فيلزم تطليقتان فالجواب انه ما فعل هكذا بل
جعل التطليقتين جميعا بين الأربع لان الجنس واحد لا يتفاوت والقسمة في الجنس الواحد الذي لا يتفاوت يقع على
جملته وإنما يقسم الآحاد إذا كان الشئ متفاوتا فان نوى الزوج أن يكون كل تطليقة على حيالها بينهن يكون على ما نوى
ويقع على كل واحدة منهن تطليقتان لأنه نوى ما يحتمله كلامه وهو غير متهم فيه لأنه شدد على نفسه فيصدق ولو قال
بينكن خمس تطليقات فكل واحدة طالق اثنتين لان الخمس إذا قسمت على الأربع أصاب كل واحدة تطليقة وربع
تطليقة وربع تطليقة تطليقة كاملة فيكون تطليقتين وعلى هذا ما زاد على خمسة إلى ثمانية فان قال بينكن تسع تطليقات
وقعت عل كل واحدة ثلاث تطليقات لان التسع إذا قسمت على أربع أصاب كل واحدة منهن تطليقتان وربع
تطليقة وربع تطليقة تطليقة كاملة فيقع على كل واحدة ثلاثة وعلى هذا قالوا لو قال أشركت بينكن في تطليقتين أو في
ثلاث أو أربع أو خمس أو ست أو سبع أو ثمان أو تسع ان هذا وقوله بينكن سواء لان لفظة البين تنبئ عن الشركة
فقوله بينكن كذا معناه أشركت بينكن كذا بخلاف ما إذا طلق امرأة له تطليقتين ثم قال لأخرى قد أشركتك في
طلاقها انه يقع عليها تطليقتان لان قوله أشركتك في طلاقها اثبات الشركة في الواقع ولا تثبت الشركة في الواقع الا
بثبوت الشركة في كل واحد منهما لأنه لا يمكن رفع التطليقة الواقعة عنها وايقاعها على الأخرى فلزمت الشركة في
كل واحدة من التطليقتين على الانفراد وهذا يوجب وقوع تطليقتين على الأخرى وسواء كان مباشرة الركن من
الزوج بطريق الأصالة أو من غيره بطريق النيابة عنه بالوكالة والرسالة لان الطلاق مما تجرى فيه النيابة فكان فعل
النائب كفعل المنوب عنه وأما الذي يقوم مقام اللفظ فالكتابة والإشارة على ما نذكر إن شاء الله تعالى
(فصل) وأما شرائط الركن فأنواع بعضها يرجع إلى الزوج وبعضها يرجع إلى المرأة وبعضها يرجع إلى نفس الركن
وبعضها يرجع إلى الوقت أما الذي يرجع إلى الزوج فمنها أن يكون عاقلا حقيقة أو تقديرا فلا يقع طلاق المجنون والصبي
الذي لا يعقل لان العقل شرط أهلية التصرف لان به يعرف كون التصرف مصلحة وهذه التصرفات ما شرعت الا
لمصالح العباد واما السكران إذا طلق امرأته فإن كان سكره بسبب محظور بان شرب الخمر أو النبيذ طوعا حتى سكر وزال
عقله فطلاقه واقع عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم وعن عثمان رضي الله عنه انه لا يقع طلاقه وبه أخذ
الطحاوي والكرخي وهو أحد قول الشافعي وجه قولهم إن عقله زائل والعقل من شرائط أهلية التصرف لما ذكرنا
ولهذا لا يقع طلاق المجنون والصبي الذي لا يعقل والذي زال عقله بالبنج والدواء كذا هذا والدليل عليه انه لا تصح
ردته فلان لا يصح طلاقه أولى (ولنا) عموم قوله عز وجل الطلاق مرتان إلى قوله سبحانه وتعالى فان طلقها فلا تحل
له من بعد حتى تنكح زوجا غيره من غير فصل بين السكران وغيره الا من خص بدليل وقوله عليه الصلاة والسلام كل
طلاق جائز الاطلاق الصبي والمعتوه ولان عقله زال بسبب هو معصية فينزل قائما عقوبة عليه وزجرا له عن ارتكاب
المعصية ولهذا لو قذف انسانا أو قتل يجب عليه الحد والقصاص وانهما لا يجبان على غير العاقل دل ان عقله جعل قائما
وقد يعطى للزائل حقيقة حكم القائم تقديرا إذا زال بسبب هو معصية للزجر والردع كمن قتل مورثه انه يحرم
الميراث ويجعل المورث حيا زجرا للقاتل وعقوبة عليه بخلاف ما إذا زال بالبنج والدواء لأنه ما زال بسبب هو معصية
الا انه لا تصح ردة السكران استحسانا نظرا له لان بقاء العقل تقديرا بعد زواله حقيقة للزجر وإنما تقع الحاجة إلى
99

الزاجر فيما يغلب وجوده لوجود الداعي إليه طبعا والردة لا يغلب وجودها لانعدام الداعي إليها فلا حاجة إلى استبقاء
عقله فيها للزجر ولان جهة زوال العقل حقيقة يقتضى بقاء الاسلام وجهة بقائه تقديرا يقتضى زوال الاسلام فيرجح
جانب البقاء لان الاسلام يعلو ولا يعلى عليه ولهذا يحكم باسلام الكافر إذا أكره على الاسلام ولا يحكم بكفر المسلم
إذا أكره على اجراء كلمة الكفر فاجرى وأخبر ان قلبه كان مطمئنا بالايمان كذا هذا وإن كان سكره بسبب مباح
لكن حصل له به لذة بان شرب الخمر مكرها حتى سكر أو شربها عند ضرورة العطش فسكر قالوا إن طلاقه واقع أيضا
لأنه وان زال عقله فإنما حصل زوال عقله بلذة فيجعل قائما ويلحق الاكراه والاضطرار بالعدم كأنه شرب طائعا
حتى سكر وذكر محمد رحمه الله تعالى فيمن شرب النبيذ ولم يزل عقله ولكن صدع فزال عقله بالصداع انه لا يقع طلاقه
لأنه ما زال عقله بمعصية ولا بلذة فكان زائلا حقيقة وتقديرا وكذلك إذا شرب البنج أو الدواء الذي يسكر وزال
عقله لا يقع طلاقه لما قلنا ومنها ان لا يكون معتوها ولا مدهوشا ولا مبرسما ولا مغمى عليه ولا نائما فلا يقع طلاق
هؤلاء لما قلنا في المجنون وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كل طلاق جائز الاطلاق الصبي والمعتوه ومنها
أن يكون بالغا فلا يقع طلاق الصبي وإن كان عاقلا لان الطلاق لم يشرع الا عند خروج النكاح من أن يكون مصلحة
وإنما يعرف ذلك بالتأمل والصبي لاشتغاله باللهو واللعب لا يتأمل فلا يعرف وأما كون الزوج طائعا فليس بشرط
عند أصحابنا وعند الشافعي شرط حتى يقع طلاق المكره عندنا وعنده لا يقع ونذكر المسألة في كتاب الاكراه إن شاء الله
تعالى وذكر محمد باسناده ان امرأة اعتقلت زوجها وجلست على صدره ومعها شفرة فوضعتها على حلقه وقالت
لتطلقني ثلاثا أو لأنفذنها فناشدها الله ان لا تفعل فأبت فطلقها ثلاثا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
لا قيلولة في الطلاق وكذا كونه جادا ليس بشرط فيقع طلاق الهازل بالطلاق واللاعب لما روى عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنه قال ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والعتاق وروى النكاح والطلاق والرجعة وعن أبي
الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من لعب بطلاق أو عتاق لزمه وقيل فيه نزل قوله
سبحانه وتعالى ولا تتخذوا آيات الله هزوا وكان الرجل في الجاهلية يطلق امرأته ثم يراجع فيقول كنت لاعبا
ويعتق عبده ثم يرجع فيقول كنت لاعبا فنزلت الآية فقال صلى الله عليه وسلم من طلق أو حرر أو نكح فقال إني
كنت لاعبا فهو جائز منه وكذا التكلم بالطلاق ليس بشرط فيقع الطلاق بالكتابة المستبينة بالإشارة المفهومة
من الأخرس لان الكتابة المستبينة تقوم مقام اللفظ والإشارة المفهومة تقوم مقام العبارة وكذا الخلو عن شرط
الخيار ليس بشرط فيقع طلاق شارط الخيار في باب الطلاق بغير عوض لان شرط الخيار للتمكن من الفسخ عند
الحاجة والذي من جانب الزوج وهو الطلاق لا يحتمل الفسخ لقوله صلى الله عليه وسلم لا قيلولة في الطلاق وأما الخلو
عن شرط الخيار للمرأة في الطلاق بعوض فشرط لان الذي من جانبها المال فكان من جانبها معاوضة المال وانها
محتملة للفسخ فصح شرط الخيار فيها فيمنع انعقاد السبب كالبيع حتى أنها لو ردت بحكم الخيار بطل العقد ولا يقع
الطلاق وكذا صحة الزوج ليس بشرط وكذا اسلامه فيقع طلاق المريض والكافر لان المرض والكفر لا ينافيان
أهلية الطلاق وكذا كونها عامدا ليس بشرط حتى يقع طلاق الخاطئ وهو الذي يريد أن يريد أن يتكلم بغير الطلاق فسبق
لسانه بالطلاق لان الفائت بالخطأ ليس الا القصد وانه ليس بشرط لوقوع الطلاق كالهازل واللاعب بالطلاق
وكذلك العتاق لما قلنا في الطلاق وذكر الكرخي ان في العتاق روايتين فان هشاما روى عن محمد عن أبي حنيفة
ان من أراد أن يقول لامرأته اسقيني ماء فقال لها أنت طالق وقع ولو أراد ذلك في العبد فقال أنت حر لم يقع وروى
بشر بن الوليد الكندي عن أبي يوسف عن أبي حنيفة انهما يتساويان وهو الصحيح لما ذكرنا (وجه) رواية
هشام ان ملك البضع ثبت بسبب يتساوى فيه القصد وعدم القصد وهو النكاح فعلى ذلك زواله بخلاف ملك العبد
فإنه يثبت بسبب مختلف فيه القصد وعدم القصد وهو البيع ونحو ذلك فكذلك زواله وهذا ليس بسديد لأنه
100

قد يشرط لثبوت الحكم من الشرائط ما لا يشرط لزواله فكان الاستدلال بالثبوت على الزوال استدلالا فاسدا
(فصل) ومنها النية في أحد نوعي الطلاق وهو الكناية وجملة الكلام في هذا الشرط في موضعين أحدهما في
بيان الألفاظ التي يقع بها الطلاق في الشرع والثاني في بيان صفة الواقع بها اما الأول فالألفاظ التي يقع بها الطلاق في
الشرع نوعان صريح وكناية اما الصريح فهو اللفظ الذي لا يستعمل الا في حل قيد النكاح وهو لفظ الطلاق أو
التطليق مثل قوله أنت طالق أو أنت الطلاق أو طلقتك أو أنت مطلقة مشددا سمى هذا النوع صريحا لان الصريح
في اللغة اسم لما هو ظاهر المراد مكشوف المعنى عند السامع من قولهم صرح فلان بالامر أي كشفه وأوضحه وسمى
البناء المشرف صرحا لظهوره على سائر الأبنية وهذه الألفاظ ظاهرة المراد لأنها لا تستعمل الا في الطلاق عن قيد
النكاح فلا يحتاج فيها إلى النية لوقوع الطلاق إذ النية عملها في تعيين المبهم ولا ابهام فيها وقال الله تعالى فطلقوهن
لعدتهن شرع الطلاق من غير شرط النية وقال سبحانه وتعالى الطلاق مرتان مطلقا وقال سبحانه وتعالى فان طلقها
فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره حكم سبحانه وتعالى بزوال الحل مطلقا عن شرط النية وروينا ان عبد الله بن
عمر رضي الله عنهما لما طلق امرأته في حال الحيض أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يراجعها ولم يسأله هل نوى
الطلاق أو لم ينو ولو كانت النية شرطا لسأله ولا مراجعة الا بعد وقوع الطلاق فدل على وقوع الطلاق من غير نية ولو
قال لها أنت طالق ثم قال أردت انها طالق من وثاق لم يصدق في انقضاء لما ذكرنا ان ظاهر هذا الكلام الطلاق
عن قيد النكاح فلا يصدقه القاضي في صرف الكلام عن ظاهره وكذا لا يسع للمرأة ان تصدقه لأنه خلاف الظاهر
ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى ما يحتمله كلامه في الجملة والله تعالى مطلع على قلبه ولو قال أنت طالق وقال
أردت انها طالق من العمل لم يصدق في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى لان هذا اللفظ لا يستعمل في الطلاق عن
العمل فقد نوى ما لا يحتمله لفظه أصلا فلا يصدق أصلا وروى الحسن عن أبي حنيفة فيمن قال أنت طالق وقال
نويت الطلاق من عمل أو قيد يدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنها مطلقة من هذين الامرين حقيقة فقد نوى ما يحتمله
حقيقة كلامه فجاز أن يصدق فيه ولو صرح فقال أنت طالق من وثاق لم يقع في القضاء لأن المرأة قد توصف بأنها
طالق من وثاق وان لم يكن مستعملا فإذا صرح به يحمل عليه وان صرح فقال أنت طالق من هذا العمل وقع الطلاق
في القضاء لان هذا اللفظ لا يستعمل في الطلاق عن العمل لا حقيقة ولا مجازا ولا يقع فيما بينه وبين الله تعالى لأنه
يحتمله في الجملة وإن كان خلاف الظاهر وعلى قياس رواية الحسن ينبغي أن لا يقع أيضا في القضاء ولو قال أنت أطلق
من امرأة فلان وهي مطلقة فذلك على نيته الا أن يكون جوابا لمسألة الطلاق لان لفظة أفعل ليست صريحا في الكلام
ألا ترى ان من قال لآخر أنت أزنى من فلان لم يكن قذفا صريحا حتى لا يجب الحد ومعلوم ان صريح القذف يوجب
الحد وإذا لم يكن صريحا وقف على النية الا إذا خرج جوابا لسؤال الطلاق فينصرف إليه بقرينة السؤال وكذا إذا
قال لها أنت مطلقة وخفف فهو على نيته لما ذكرنا ان الانطلاق لا يستعمل في قيد النكاح وإنما يستعمل في القيد
الحقيقي والحيس فلم يكن صريحا فوقف على النية وروى ابن سماعة عن محمد فيمن قال لامرأته كوني طالقا أو اطلقي قال
أراه واقعا لان قوله كوني ليس أمرا حقيقة وإن كانت صيغته صيغة الامر بل هو عبارة عن اثبات كونها طالقا كما في
قوله تعالى كن فيكون ان قوله كن ليس بأمر حقيقة وإن كانت صيغته صيغة الامر بل هو كناية عن التكوين ولا
تكون طالقا الا بالطلاق وكذا قوله اطلقي وكذلك إذا قال لامرأته كوني حرة أو اعتقي ولو قال يا مطلقة وقع عليها الطلاق
لأنه وصفها بكونها مطلقة ولا تكون مطلقة الا بالتطليق فان قال أردت به الشتم لا يصدق في القضاء لأنه خلاف
الظاهر لأنه نوى فيما هو وصف أن لا يكون وصفا فكان عدولا عن الظاهر فلا يصدقه القاضي ويصدق فيما بينه
وبين الله تعالى لأنه قد يراد بمثله الشتم ولو كان لها زوج قبله فقال عنيت ذلك الطلاق دين في القضاء لأنه نوى ما
يحتمله لفظه لأنه وصفها بكونها مطلقة في نفسها من غير الإضافة إلى نفسه وقد تكون مطلقته وقد تكون مطلقة
101

زوجها الأول فالنية صادفت محلها فصدق في القضاء وإذا لم يكن لها زوج قبله لا يحتمل ان تكن مطلقة غيره
فانصرف الوصف إلى كونها مطلقة له ولو قال لها أنت طالق طالق أو قال أنت طالق أنت طالق أو قال قد طلقتك
قد طلقتك أو قال أنت طالق قد طلقتك يقع ثنتان إذا كانت المرأة مدخولا بها لأنه ذكر جملتين كل واحدة منهما ايقاع
تام لكونه مبتد أو خبرا والمحل قابل للوقوع ولو قال عنيت بالثاني الأحبار عن الأول لم يصدق في القضاء لأن هذه
الألفاظ في عرف اللغة والشرع تستعمل في إنشاء الطلاق فصرفها إلى الاخبار يكون عدولا عن الظاهر فلا يصدق
في الحكم المرو يصدق فيما بينه وبين الله تعالى لان صيغتها صيغة الاخبار ولو قال لامرأته أنت طالق فقال له رجل
ما قلت فقال طلقتها أو قال قلت هي طالق فهي واحدة في القضاء لان كلامه انصرف إلى الاخبار بقرينة الاستخبار
واما الطلاق بالفارسية فقد روى عن أبي حنيفة رضى الله تعالى عنه أنه قال في فارسي قال لامرأته بهشتم ان زن
أو قال إن رن بهشتم أو قال بهشتم لا يكون ذلك طلاقا الا ان ينوى به الطلاق لان معنى هذا اللفظ بالعربية خليت
وقوله خليت من كنايات الطلاق بالعربية فكذا هذا اللفظ الا ان أبا حنيفة فرق بين اللفظين من وجهين أحدهما
أنه قال إنه نوى الطلاق بقوله خليت يقع بائنا وإذا نوى الطلاق بهذه اللفظة يقع رجعيا لان هذا اللفظ يحتمل أن
يكون صريحا في لغتهم ويحتمل أن يكون كناية فلا تثبت البينونة بالشك والثاني قال إن قوله خليت في حال الغضب
وفي حال مذاكرة الطلاق يكون طلاقا حتى لا يدين في قوله إنه ما أراد به الطلاق وهذا اللفظ في هاتين الحالتين لا يكون
طلاقا حتى لو قال ما أردت به الطلاق يدين في القضاء لان هذا اللفظ أقيم مقام التخلية فكان أضعف من التخلية
فلا تعمل فيه دلالة الحال - ولم يفرق بينهما فيما سوى ذلك حتى قال إن نوى بائنا يكون بائنا وان نوى ثلاثا يكون ثلاثا
كما لو قال خليت ونوى البائن أو الثلاث ولو نوى ثنتين يكون واحدة كما في قوله خليت الا أن ههنا يكون واحدة يملك
الرجعة بخلاف لفظة التخلية لما بينا وقال أبو يوسف إذا قال بهشتم ان زن أو قال إن زن بهشتم فهي طالق نوى الطلاق
أو لم ينو وتكون تطليقة رجعية لان أبا يوسف خالط العجم زودخل جرجان فعرف أن هذا اللفظ في لغتهم صريح
قال وان قال بهشتم ولم يقل ان زن فان قال ذلك في حال سؤال الطلاق أو في حال الغضب فهي واحدة يملك الرجعة
ولا يدين انه ما أراد به الطلاق في القضاء وان قال في غير حال الغضب ومذاكرة الطلاق يدين في القضاء لان معنى
قولهم بهشتم خليت وليس في قوله خليت إضافة إلى النكاح ولا إلى الزوجة فلا يحمل على الطلاق الا بقرينة نية
أو بدلالة حال وحال الغضب ومذاكرة الطلاق دليل إرادة الطلاق ظاهرا فلا يصدق في الصرف عن الظاهر قال
وان نوى بائنا فبائن وان نوى ثلاثا فثلاث لان هذا اللفظ وإن كان صريحا في الفارسية فمعناه التخلية في العربية
فكان محتملا للبينونة والثلاث كلفظة التخلية فجاز أن يحمل عليه بالنية وقال محمد في قوله بهشتم ان زن أو ان زن بهشتم
أن هذا صريح الطلاق كما قال أبو يوسف وقال في قوله بهشتم انه إن كان في حال مذاكرة الطلاق فكذلك ولا
يدين انه ما أراد به الطلاق وان لم يكن في حال مذاكرة الطلاق يدين سواء كان في حال الغضب أو الرضا لان معنى هذا
اللفظ بالعربية أنت مخلاة أو قد خليتك وقال زفر إذا قال بهشتم ونوى الطلاق بائنا أو غير بائن فهو بائن وان نوى ثلاثا
فثلاث وان نوى اثنتين فاثنتان وأجرى هذه اللفظة مجرى قوله خليت ولو قال خليتك ونوى الطلاق فهي واحدة
بائنة نوى البينونة أو لم ينو وان نوى ثلاثا يكون ثلاثا وان نوى اثنتين يكون اثنتين على أصله فكذا هذا هذا ما نقل عن
أصحابنا في الطلاق بالفارسية والأصل الذي عليه الفتوى في زماننا هذا في الطلاق بالفارسية انه إن كان فيها لفظ
لا يستعمل الا في الطلاق فذلك اللفظ صريح يقع به الطلاق من غير نية إذا أضيف إلى المرأة مثل أن يقول في عرف
ديارنا دها كنم أو في عرف خراسان والعراق بهشتم لان الصريح لا يختلف باختلاف اللغات وما كان في الفارسية
من الألفاظ ما يستعمل في الطلاق وفي غيره فهو من كنايات الفارسية فيكون حكمه حكم كنايات العربية في جميع الأحكام
والله أعلم ولو قال لامرأته أنت طالق ونوى به الإبانة فقد لغت نيته لأنه نوى تغيير الشرع لان الشرع أثبت
102

البينونة بهذا اللفظ مؤجلا إلى ما بعد انقضاء العدة فإذا نوى إبانتها للحال معجلا فقد نوى تغيير الشرع وليس له هذه
الولاية فبطلت نيته وان نوى ثلاثا لغت نيته أيضا في ظاهر الرواية وروى عن أبي حنيفة انه تصح نيته وبه أخذ
الشافعي وجه هذه الرواية ان قوله طالق مشتق من الطلاق كالضارب ونحوه فيدل على ثبوت مأخذ الاشتقاق
وهو الطلاق كسائر الألفاظ المشتقة من المعاني ألا ترى انه لا يتصور الضارب بلا ضرب والقاتل بلا قتل فلا يتصور
الطالق بلا طلاق فكان الطلاق بائنا فصحت نية الثلاث منه كما لو نص على الطلاق فقال أنت طالق طلاقا وكما
لو قال لها أنت بائن ونوى الثلاث انه تصح نية الثلاث لما قلنا كذا هذا وجه ظاهر الرواية قوله عز وجل وإذا طلقتم
النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن أثبت الرجعة حال قيام العدة للمطلق مطلقا من غير فصل بين ما
إذا نوى الثلاث أو لم ينو فوجب القول بثبوت حق الرجعة عند مطلق التطليق الا بما قيد بدليل ولأنه نوى ما يحتمله
لفظه فلا تصح نيته كما إذا قال لها اسقيني ونوى به الطلاق ودلالة الوصف انه نوى الثلاث وقوله طالق لا يحتمل
الثلاث لوجهين أحدهما ان طالق اسم للذات وذاتها واحد والواحد لا يحتمل العدد الا ان الطلاق ثبت مقتضى
الطالق ضرورة صحة التسمية بكونها طالقا لان الطالق بدون الطلاق لا يتصور كالضارب بدون الضرب وهذا
المقتضى غير متنوع في نفسه فكان عدما فيما وراء صحة التسمية وذلك على الأصل المعهود في الثابت ضرورة انه يتقدر
بقدر الضرورة ولا ضرورة في قبول نية الثلاث فلا يثبت فيه بخلاف ما إذا قال لها أنت طلاق طلاقا لان الطلاق
هناك منصوص عليه فكان ثابتا من جميع الوجوه فيثبت في حق قبول النية وبخلاف قوله أنت بائن لان البائن
مقتضاه البينونة وانها متنوعة إلى غليظة وخفيفة فكان اسم البائن بمنزلة الاسم المشترك لتنوع محل الاشتقاق وهو
البينونة كاسم الجالس يقال جلس أي قعد ويقال جلس أي أتى نجد فكان الجالس من الأسماء المشتركة لتنوع محل
الاشتقاق وهو الجلوس فكذا البائن والاسم المشترك لا يتعين المراد منه الا بمعين فإذا نوى الثلاث فقد عين احدى
نوعي البينونة فصحت نيته وإذا لم يكن له لا يقع شئ لانعدام المعين بخلاف قوله طالق لأنه مأخوذ من الطلاق والطلاق
في نفسه لا يتنوع لأنه رفع القيد والقيد نوع واحد والثاني ان سلمنا ان الطلاق صار مذكورا على الاطلاق لكنه في
اللغة والشرع عبارة عن رفع قيد النكاح والقيد في نكاح واحد واحد فيكون الطلاق واحدا ضرورة فإذا نوى الثلاث
فقد نوى العدد فيما لا عدد له فبطلت نيته فكان ينبغي أن لا يقع الثلاث أصلا لان وقوعه ثبت شرعا بخلاف القياس
فيقتصر على مورد الشرع ولو قال أنت طالق طلاقا فإن لم تكن نية فهي واحدة وان نوى ثلاثا كان ثلاثا كذا ذكر في
الأصل وفى الجامع الصغير عن أبي حنيفة انه لا يكون الا واحدة وجه هذه الرواية انه ذكر المصدر للتأكيد لما ذكرنا ان
قوله طالق فيقتضى الطلاق فان قوله طلاقا تنصيصا على المصدر الذي اقتضاه الطالق فكان تأكيدا كما يقال قمت
قياما وأكلت أكلا فلا يفيد الا ما أفاده المؤكد وهو قوله طالق فلا يقع الا واحدة كما لو قال أنت طالق ونوى به
الثلاث وجه ظاهر الروايات ان قوله طلاقا مصدر فيحتمل كل جنس الطلاق لان المصدر يقع على الواحد ويحتمل
الكل قال الله تعالى لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا وصف الثبور الذي هو مصدر بالكثرة
والثلاث في عقد واحد كل جنس الطلاق فإذا نوى الثلاث فقد نوى ما يحتمله كلامه فتصح نيته وإذا لم يكن له نية يحمل
على الواحد لأنه متيقن وقد خرج الجواب عما سبق لان الكلام إنما يحمل على التأكيد إذا لم يمكن حمله على فائدة جديدة
وههنا أمكن على ما بينا ولو نوى اثنتين لا على التقسيم في قوله طالق طلاقا لا تصح نيته لان لفظ المصدر واحد فلا بد من
تحقيق معنى التوحيد فيه ثم الشئ قد يكون واحدا من حيث الذات وهو أن يكون ذاته واحدا من النوع كزيد من الانسان
وقد يكون واحدا من حيث النوع كالانسان من الحيوان ولا توجد في الاثنين لا من حيث الذات ولا من حيث
النوع فكان عددا محضا فلا يحتمله لفظة الواحد بخلاف الثلاث فإنه واحد من حيت الجنس لأنه كل جنس ما يملكه من الطلاق في هذا النكاح وكل جنس من الافعال يكون جنسا واحدا ألا ترى انك متى عددت الأجناس تعده
103

جنسا واحدا من الأجناس كالضرب يكون جنسا واحدا من سائر أجناس الفعل وكذا الأكل والشرب ونحو
ذلك ولو نوى ثنتين على التقسيم تصح نيته لما نذكر ولو قال أنت الطلاق ونوى الثلاث صحت نيته لان الفعل قد يذكر
بمعنى المفعول يقال هذا الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه وهذا علم أبي حنيفة أي معلومه فلو حملناه على المصدر
للغا كلامه ولو حملناه على معنى المفعول لصح فكان الحمل عليه أولى وصحت نية الثلاث لأن النية تتبع المذكور
والمذكور يلازم الجنس ولو قال لها أنت طالق بدون الألف واللام ذكر الطحاوي انه لا يكون الا واحدة وان
نوى الثلاث وفرق بينه وبين قوله أنت الطلاق وذكر الجصاص ان هذا الفرق لا يعرف له وجه الا على الرواية
التي روى عن أبي حنيفة في قوله أنت طالق طلاقا لا يكون الا واحدة وان نوى الثلاث فاما على الرواية المشهورة
في التسوية بين قوله أنت طالق الطلاق وبين قوله أنت طالق طلاقا فلا يتبين وجه الفرق بين قوله أنت طلاق وبين
قوله أنت الطلاق وحكى ان الكسائي سأل محمد بن الحسن عن قول الشاعر
فان ترفقي يا هند فالرفق أيمن * وان تخرقى يا هند فالخرق أشأم
فأنت طلاق والطلاق عزيمة * ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم
فقال محمد رحمه الله ان قال والطلاق عزيمة طلقت واحدة بقوله أنت طلاق وصار قوله والطلاق عزيمة ثلاث
ابتداء وخبرا غير متعلق بالأول وان قال والطلاق عزيمة ثلاثا طلقت ثلاثا كأنه قال أنت طالق ثلاثا والطلاق عزيمة
لان الثلاث هي في الحال تفسير الموقع فاستحسن الكسائي جوابه وكذا لو قال أنت طالق الطلاق ونوى الثلاث لأنه
ذكر المصدر وعرفه بلام التعريف فيستغرق كل جنس المشروع من الطلاق في هذا الملك وهو الثلاث فإذا نوى
الثلاث فقد نوى حقيقة كلامه فصحت نيته الا ان عند الاطلاق لا ينصرف إليه لقرينة تمنع من التصرف إليه على
ما نذكره ولو نوى ثنتين لا على التقسيم لا تصح نيته لما ذكرنا ان الطلاق مصدر والمصدر صيغته صيغة واحدة فكان
تحقيق معنى التوحيد فيه لازما والاثنان عدد محض لا توجد فيه بوجه فلا يحتمله اللفظ الموضوع للتوحيد وإنما
احتمل الثلاث من حيث التوحيد لأنه كل جنس ما يملكه من الطلاق في هذا الملك وكل الجنس جنس واحد بالإضافة
إلى غيره من الأجناس وأمكن تحقيق معنى التوحيد فيه وان لم يكن له نية لا يقع واحدة لأنه وان عرف المصدر بلام
التعريف الموضوعة لاستغراق الجنس لكنه انصرف إلى الواحد بدلالة الحال لان ايقاع الثلاث جملة محظور والظاهر
من حال المسلم ان لا يرتكب المحظور فانصرف إلى الواحد بقرينة وصار هذا كما إذا حلف لا يشرب الماء أو لا يتزوج
النساء أو لا يكلم بني آدم انه ان نوى كل جنس من هذه الأجناس صحت نيته وان لم يكن له نية ينصرف إلى الواحد من
كل جنس لدلالة الحال كذا هذا ول قال أردت بقولي أنت طالق واحدة بقولي الطلاق أو طلاقا أخرى صدق
لأنه ذكر لفظين كل واحد منهما يصلح ايقاعا تاما ألا ترى انه إذا قال لها أنت طالق يقع الطلاق ولو قال أنت الطلاق
أو طلاق يقع أيضا فإذا أراد بذلك صار كأنه قال لها أنت طالق وطالق ولو قال لامرأته طلقي نفسك ونوى به الثلاث
صحت نيته حتى لو قالت طلقت نفسي ثلاثا كان ثلاثا لان المصدر يصير مذكورا في الامر لان معناه حصلي طلاقا
والمصدر يقع على الواحد ويحتمل الكل فإذا نوى الثلاث فقد نوى ما يحتمله لفظه وان لم يكن له نية ينصرف إلى الواحد
لكونه متيقنا وان نوى ثنتين لا يصح لأنه عدد محض فكان معنى التوحد فيه منعدما أصلا ورأسا فلا يحتمله صيغة
واحدة ولو طلق امرأته تطليقة يملك الرجعة ثم قال لها قبل انقضاء العدة قد جعلت تلك التطليقة التي أوقعتها عليك ثلاثا
أو قال قد جعلتها بائنا اختلف أصحابنا الثلاثة فيه قال أبو حنيفة يكون ثلاثا ويكون بائنا وقال محمد لا يكون ثلاثا ولا بائنا
وقال أبو يوسف يكون بائنا ولا يكون ثلاثا وجه قول محمد ان الطلاق بعد وقوعه شرعا بصفة لا يحتمل التغيير عن تلك
الصفة لان تغييره يكون تغيير الشرع والعبد لا يملك ذلك ألا ترى انه لو طلقها ثلاثا فجعلها واحدة لا تصير واحدة وكذا
لو طلقها تطليقة بائنة فجعلها رجعية لا تصير رجعية لما قلنا كذا هذا وجه قول أبى يوسف ان التطليقة الرجعية يحتمل
104

ان يلحقها البينونة في الجملة ألا ترى انه لو تركها حتى أنقضت عدتها تصير بائنة فجاز تعجيل البينونة فيها أيضا فاما
الواحدة فلا يحتمل أن تصير ثلاثا أبدا فلغا قوله جعلتها ثلاثا ولأبي حنيفة انه يملك ايقاع هذه التطليقة بائنة من الابتداء
فيملك الحاقها بالبائنة لأنه يملك انشاء الإبانة في هذه الجملة كما كان يملكها في الابتداء ومعنى جعل الواحدة ثلاثا انه
الحق بها تطليقتين أخريين لا انه جعل الواحد ثلاثا
(فصل) (وأما) الكناية فنوعان نوع هو كناية بنفسه وضعا ونوع هو ملحق بها شرعا في حق النية أما النوع
الأول فهو كل لفظ يستعمل في الطلاق ويستعمل في غيره نحو قوله أنت بائن على حرام خلية بريئة بتة أمرك بيدك
اختاري اعتدي استبري رحمك أنت واحدة خليت سبيلك سرحتك حبلك على غاربك فارقتك خالعتك ولم يذكر
العوض لا سبيل لي عليك لا ملك لي عليك لا نكاح لي عليك أنت حرة قومي أخرجي أغربي انطلقي انتقلي تقنعي
استتري تزوجي ابتغى الأزواج الحقي باهلك ونحو ذلك سمى هذا النوع من الألفاظ كناية لان الكناية في اللغة
اسم لفظ استتر المراد منه عند السامع وهذه الألفاظ مستترة المراد عند السامع فان قوله بائن يحتمل البينونة عن
النكاح ويحتمل البينونة عن الخير أو الشر وقوله حرام يحتمل حرمة الاستمتاع ويحتمل حرمة البيع والقتل
والاكل ونحو ذلك وقوله خلية مأخوذ من الخلو فيحتمل الخلو عن الزوج والنكاح ويحتمل الخلو عن الخير أو الشر
وقوله بريئة من البراءة فيحتمل البراءة من النكاح ويحتمل البراءة من الخير أو الشر وقوله بتة من البت وهو القطع
فيحتمل القطع عن النكاح ويحتمل القطع عن الخير أو عن الشر وقوله أمرك بيدك يحتمل في الطلاق ويحتمل في
أمر آخر من الخروج والانتقال وغير ذلك وقوله اختاري يحتمل اختيار الطلاق ويحتمل اختيار البقاء على النكاح
وقوله اعتدى أمر بالاعتداد وانه يحتمل الاعتداد الذي هو من العدة ويحتمل الاعتداد الذي هو من العدد أي
اعتدي نعمتي التي أنعمت عليك وقوله استبري رحمك أمر بتعريف براءة الرحم وهو طهارتها عن الماء وانه كناية
عن الاعتداد الذي هو من العدة ويحتمل استبري رحمك لأطلقك وقوله أنت واحدة يحتمل أن تكون الواحدة
صفة الطلقة أي طالق واحدة أي طلقة واحدة ويحتمل التوحيد في الشرف أي أنت واحدة في الشرف وقوله
خليت سبيلك يحتمل سبيل النكاح ويحتمل سبيل الخروج من البيت لزيارة الأبوين أو لأمر آخر وقوله
سرحتك يعنى خليتك يقال سرحت ابلي وخليتها بمعنى واحد وقولك حبلك على غاربك استعارة عن التخلية
لان الجمل إذا ألقى حبله على غاربه فقد خلى سبيله يذهب حيث شاء وقوله فارقتك يحتمل المفارقة عن النكاح
ويحتمل المفارقة عن المكان والمضجع وعن الصداقة وقوله خالعتك ولم يذكر العوض يحتمل الخلع عن نفسه
بالطلاق ويحتمل الخلع عن نفسه بالهجر عن الفراش ونحو ذلك وقوله لا سبيل لي عليك يحتمل سبيل النكاح
ويحتمل سبيل البيع والقتل ونحو ذلك وكذا قوله لا ملك لي عليك يحتمل ملك النكاح ويحتمل ملك البيع ونحو
ذلك وقوله لا نكاح لي عليك لأني قد طلقتك ويحتمل لا نكاح لي عليك أن لا أتزوجك ان طلقتك ويحتمل
لا نكاح لي عليك أي لا أطؤك لان النكاح يذكر بمعنى الوطئ وقوله أنت حرام يحتمل الخلوص عن ملك
النكاح ويحتمل الخلوص عن ملك اليمين ونحو ذلك وقوله قومي واخرجي واذهبي يحتمل أي افعلي ذلك لأنك
قد طلقت والمرأة إذا طلقت من زوجها تقوم وتخرج من بيت زوجها وتذهب حيث تشاء ويحتمل التقيد عن نفسه
مع بقاء النكاح وقوله أغربي عبارة عن البعد أي تباعدي فيحتمل البعد من النكاح ويحتمل البعد من الفراش وغير
ذلك وقوله انطلقي وانتقلي يحتمل الطلاق لأنها تنطلق وتنتقل عن بيت زوجها إذا طلقت ويحتمل الانطلاق
والانتقال إلى بيت أبويها للزيارة ونحو ذلك وقوله تقنعي واستتري أمر بالتقنع والاستتار فيحتمل الطلاق لأنها إذا
طلقت يلزمها ستر رأسها بالقناع وستر أعضائها بالثوب عن زوجها ويحتمل تقنعي واستتري أي كوني متقنعة
ومستورة لئلا يقع بصر أجنبي عليك وقوله تزوجي يحتمل الطلاق إذ لا يحل لها التزوج بزوج آخر الا بعد الطلاق
ويحتمل تزوجي ان طلقتك وكذا قوله ابتغى الأزواج وقوله الحقي باهلك يحتمل الطلاق لأن المرأة تلحق باهلها إذا
105

صارت مطلقة ويحتمل الطرد والابعاد عن نفسه مع بقاء النكاح وإذا احتملت هذه الألفاظ الطلاق وغير الطلاق
فقد استتر المراد منها عند السامع فافتقرت إلى النية لتعيين المراد ولا خلاف في هذه الجملة الا في ثلاثة ألفاظ وهي قوله
سرحتك وفارقتك وأنت واحدة فقال أصحابنا قوله سرحتك وفارقتك من الكنايات لا يقع الطلاق بهما الا بقرينة
النية كسائر الكنايات وقال الشافعي هما صريحان لا يفتقران إلى النية كسائر الألفاظ الصريحة وقوله أنت واحدة
من الكنايات عندنا وعنده هو ليس من ألفاظ الطالق حتى لا يقع الطلاق به وان نوى (أما) المسألة الأولى فاحتج
الشافعي بقوله سبحانه وتعالى فامساك بمعروف أو تسريح باحسان والتسريح هو التطليق وقوله تعالى فامسكوهن
بمعروف أو فارقوهن بمعروف والمفارقة هي التطليق فقد سمى الله عز وجل الطلاق بثلاثة أسماء الطلاق والسراح
والفراق ولو قال لها طلقتك كان صريحا فكذا إذا قال سرحتك أو فارقتك (ولنا) ان صريح الطلاق هو اللفظ
الذي لا يستعمل الا في الطلاق عن قيد النكاح لما ذكرنا ان الصريح في اللغة اسم لما هو ظاهر المراد عند السامع وما
كان مستعملا فيه وفي غيره لا يكون ظاهر المراد بل يكون مستتر المراد أو لفظ السراح والفراق يستعمل في غير قيد
النكاح يقال سرحت ابلي وفارقت صديقي فكان كناية لا صريحا فيفتقر إلى النية ولا حجة له في الآيتين لأنا نقول
بموجبهما ان السراح والفراق طلاق لكن بطريق الكناية لا صريحا لانعدام معنى الصريح على ما بينا وأما المسألة
الثانية فوجه قوله إن قوله أنت واحدة صفة المرأة فلا يحتمل الطلاق كقوله أنت قائمة وقاعدة ونحو ذلك ولنا انه لما نوى
الطلاق فقد جعل الواحدة نعتا لمصدر محذوف أي طلقة واحدة وهذا شائع في اللغة يقال أعطيته جزيلا وضربته
وجيعا أي عطاء جزيلا وضربا وجيعا ولهذا يقع الرجعي عندنا دون البائن واختلف مشايخنا في محل الخلاف قال
بعضهم الخلاف فيما إذا قال واحدة بالوقف ولم يعرب فاما إذا أعرب الواحدة فلا خلاف فيها لأنه ان رفعها لا يقع
الطلاق بالاجماع لأنها حينئذ تكون صفة الشخص وان نصبها يقع الطلاق بالاجماع لأنها حينئذ تكون نعتا لمصدر
محذوف على ما بينا فكان موضع الخلاف ما إذا وقفها ولو يعربها ويحتمل ان يقال إن موضع الرفع محل الاختلاف
أيضا لان معنى قوله أنت واحدة أي أنت منفردة عن النكاح وقال أكثر المشايخ ان الخلاف في الكل ثابت لان
العوام لا يهتدون إلى هذا ولا يميزون بين اعراب واعراب ولا خلاف انه لا يقع الطلاق بشئ من ألفاظ الكناية الا
بالنية فإن كان قد نوى الطلاق يقع فيما بينه وبين الله تعالى وإن كان لم ينو لا يقع فيما بينه وبين الله تعالى وان ذكر شيئا من
ذلك ثم قال ما أردت به الطلاق يدين فيما بينه وبين الله تعالى لان الله تعالى يعلم سره ونجواه وهل يدين في القضاء فالحال
لا يخلو اما إن كانت حالة الرضا وابتدأ الزوج بالطلاق واما إذا كانت حالة مذاكرة الطلاق وسؤاله واما إن كانت
حالة الغضب والخصومة فإن كانت حالة الرضا وابتدأ الزوج بالطلاق يدين في القضاء في جميع الألفاظ لما ذكرنا
ان كل واحد من الألفاظ يحتمل الطلاق وغيره والحال لا يدل على أحدهما فيسئل عن نيته ويصدق في ذلك قضاء
وإن كانت حال مذاكرة الطلاق وسؤاله أو حالة الغضب والخصومة فقد قالوا إن الكنايات أقسام ثلاثة في قسم منها
لا يدين في الحالين جميعا لأنه ما أراد به الطلاق لا في حالة مذاكرة الطلاق وسؤاله ولا في حالة الغضب والخصومة وفي
قسم منها يدين في حال الخصومة والغصب ولا يدين في حال ذكر الطلاق وسؤاله وفي قسم منها يدين في الحالين جميعا
(أما) القسم الأول فخمسة ألفاظ أمرك بيدك اختاري اعتدى استبري رحمك أنت واحدة لأن هذه الألفاظ
تحتمل الطلاق وغيره والحال يدل على إرادة الطلاق لان حال الغضب والخصومة إن كانت تصلح للشتم والتبعيد كما
تصلح للطلاق فحال مذاكرة الطلاق تصلح للتبعيد والطلاق لكن هذه الألفاظ لا تصلح للشتم ولا للتبعيد فزال
احتمال إرادة الشتم والتبعيد فتعينت الحالة دلالة على إرادة الطلاق فترجح جانب الطلاق بدلالة الحال فثبتت إرادة
الطلاق في كلامه ظاهرا فلا يصدق في الصرف عن الظاهر كما في صريح الطلاق إذا قال لامرأته أنت طالق ثم قال
أردت به الطلاق عن الوثاق لا يصدق في القضاء لما قلنا كذا هذا (وأما) القسم الثاني فخمسة ألفاظ أيضا
106

خلية بريئة بتة بائن حرام لأن هذه الألفاظ كما تصلح للطلاق تصلح للشتم فان الرجل يقول لامرأته عند
إرادة الشتم أنت خلية من الخير بريئة من الاسلام بائن من الدين بتة من المروءة حرام أي مستخبث أو حرام
الاجتماع والعشرة معك وحال الغضب والخصومة يصلح للشتم ويصلح للطلاق فبقي اللفظ في نفسه محتملا
للطلاق وغيره فإذا عنى به غيره فقد نوى ما يحتمله كلامه والظاهر لا يكذبه فيصدق في القضاء ولا يصدق في
حال ذكر الطلاق لان الحال لا يصلح الا للطلاق لأن هذه الألفاظ لا تصلح للتبعيد والحال لا يصلح للشتم فيدل
على إرادة الطلاق لا التبعيد ولا الشتم فترجحت جنبة الطلاق بدلالة الحال وروى عن أبي يوسف انه زاد على هذه
الألفاظ الخمسة خمسة أخرى لا سبيل لي عليك فارقتك خليت سبيلك لا ملك لي عليك بنت منى لأن هذه الألفاظ
تحتمل الشتم كما تحتمل الطلاق فيقول الزوج لا سبيل لي عليك لشرك وفارقتك في المكان لكراهة اجتماعي معك
وخليت سبيلك وما أنت عليه ولا ملك لي عليك لأنك أقل من أن أنملكك وبنت منى لأنك بائن من الدين أو الخير
وحال الغضب يصلح لهما وحال ذكر الطلاق لا يصلح الا للطلاق لما ذكرنا فالتحقت بالخمسة المتقدمة (وأما) القسم
الثالث فبقية الألفاظ التي ذكرناها لان تلك الألفاظ لا تصلح للشتم وتصلح للتبعيد والطلاق لان الانسان قد يبعد
الزوجة عن نفسه حال الغضب من غير طلاق وكذا حال سؤال الطلاق فالحال لا يدل على إرادة أحدهما فإذا قال
ما أردت به الطلاق فقد نوى ما يحتمله لفظه والظاهر لا يخالفه فيصدق في القضاء وكذلك لو قال وهبتك لأهلك قبلوها
أو لم يقبلوها لأنها هنا تحتمل الطلاق لأن المرأة بعد الطلاق ترد إلى أهلها ويحتمل التبعيد عن نفسه والنقل إلى أهلها مع
بقاء النكاح والحال لا يدل على إرادة أحدهما فبقي محتملا وسواء قبلها أهلها أو لم يقبلوها لان كون التصرف هبة في
الشرع لا يقف على قبول الموهوب له وإنما الحاجة إلى القبول لثبوت الحكم فكان القبول شرط الحكم وهو الملك
وأهلها لا يملكون طلاقها فلا حاجة إلى القبول وكذا إذا قال وهبتك لأبيك أو لأمك أو للأزواج لان العادة ان المرأة
بعد الطلاق ترد إلى أبيها وأمها وتسلم إليهما ويملكها الأزواج بعد الطلاق فان قال وهبتك لأخيك أو لأختك أو لخالتك
أو لعمتك أو لفلان الأجنبي لم يكن طلاقا لأن المرأة لا ترد بعد الطلاق على هؤلاء عادة ولو قال لامرأته لست لي بامرأة
ولو قال لها ما أنا بزوجك أو سئل فقيل له هل لك امرأة فقال لا فان قال أردت الكذب يصدق في الرضا والغضب
جميعا ولا يقع الطلاق وان قال نويت الطلاق يقع الطلاق على قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا يقع الطلاق
وان نوى ولو قال لم أتزوجك ونوى الطلاق لا يقع الطلاق بالاجماع وكذا إذا قال والله ما أنت لي بامرأة أو قال على حجة
ما أنت لي بامرأة انه لا يقع الطلاق وان نوى بالاتفاق وجه قولهما ان قوله لست لي بامرأة أو لا مرأة لي أو ما أنا بزوجك
كذب لأنه اخبار عن انتفاء الزوجية مع قيامها فيكون كذبا فلا يقع به الطلاق كما إذا قال لم أتزوجك أو قال والله ما أنت
لي بامرأة ولأبي حنيفة ان هذه الألفاظ تحتمل الطلاق فإنه يقول لست لي بامرأة لأني قد طلقتك فكان محتملا للطلاق
وكل لفظ يحتمل الطلاق إذا نوى به الطلاق كان طلاقا كقوله أنت بائن ونحو ذلك بخلاف لم أتزوجك لأنه لا يحتمل
الطلاق لأنه نفى فعل التزوج أصلا ورأسا وانه لا يحتمل الطلاق فلا يقع به الطلاق وبخلاف قوله والله ما أنت لي
بامرأة لان اليمين على النفي تتناول الماضي وهو كاذب في ذلك فلا يقع به شئ ولو قال لا حاجة لي فيك لا يقع الطلاق
وان نوى لأن عدم الحاجة لا يدل على عدم الزوجية فان الانسان قد يتزوج بمن لا حاجة له إلى تزوجها فلم يكن ذلك
دليلا على انتفاء النكاح فلم يكن محتملا للطلاق وقال محمد فيمن قال لامرأته افلحي يريد به الطلاق انه يقع به الطلاق
لان قوله افلحي بمعنى اذهبي فان العرب تقول للرجل أفلح بخير أي اذهب بخير ولو قال لها اذهبي يريد به الطلاق كان
طلاقا كذا هذا ويحتمل قوله افلحي أي اظفري بمرادك يقال أفلح الرجل إذا ظفر بمراده وقد يكون مرادها
الطلاق فكان هذا القول محتملا للطلاق فإذا نوى به الطلاق صحت نيته ولو قال فسخت النكاح بيني وبينك ونوى
الطلاق يقع الطلاق لان فسخ النكاح نقضه فكان في معنى الإبانة ولو قال وهبت لك طلاقا وقال أردت به أن يكون
107

الطلاق في يدك لا يصدق في القضاء ويقع الطلاق لان الهبة تقتضي زوال
ملكه عن الطلاق وذلك بوقوع الطلاق وجعل الطلاق في يدها تمليك الطلاق إياها فلا يحتمله اللفظ الموضوع
للإزالة وروى عن أبي حنيفة رواية أخرى انه لا يقع به شئ لان الهبة تمليك وتمليك الطلاق إياها هو ان يجعل إليها
ايقاعه ويحتمل قوله وهبت لك طلاقك أي أعرضت عن ايقاعه فلا يقع به شئ ولو أراد أن يطلقها فقالت له هب لي
طلاقي تريد أعرض عنه فقال قد وهبت لك طلاقك يصدق في القضاء لأن الظاهر أنه أراد به ترك الايقاع لان
السؤال وقع به فينصرف الجواب إليه ولو قال تركت طلاقك أو خليت سبيل طلاقك وهو يريد الطلاق وقع لان ترك
الطلاق وتخلية سبيله قد يكون بالاعراض عنه وقد يكون باخراجه عن ملكه وذلك بايقاعه فكان اللفظ محتملا
للطلاق وغيره فتصح نيته ولو قال أعرضت عن طلاقك أو صفحت عن طلاقك ونوى الطلاق لم تطلق لان
الاعراض عن الطلاق يقتضى ترك التصرف فيه والصفح هو الاعراض فلا يحتمل الطلاق ولا تصح نيته وكذا
كل لفظ لا يحتمل الطلاق لا يقع به الطلاق وان نوى مثل قوله بارك الله عليك أو قال لها أطعميني أو اسقيني ونحو
ذلك ولو جمع بين ما يصلح للطلاق وبين ما لا يصلح له بان قال لها اذهبي وكلي أو قال اذهبي وبيعي الثوب ونوى
الطلاق بقوله اذهبي ذكر في اختلاف زفر ويعقوب ان في قول أبى يوسف لا يكون طلاقا وفي قوله زفر يكون طلاقا
وجه قول زفر انه ذكر لفظين أحدهما يحتمل الطلاق والاخر لا يحتمله فيلغو ما لا يحتمله ويصح ما يحتمله ولأبي
يوسف ان قوله اذهبي مقرونا بقوله كلى أو بيعي لا يحتمل الطلاق لان معناه اذهبي لتأكلي الطعام واذهبي لتبيعي
الثوب والذهاب للاكل والبيع لا يحتمل الطلاق فلا تعمل نيته ولو نوى في شئ من الكنايات التي هي بوائن أن يكون
ثلاثا مثل قوله أنت بائن أو أنت على حرام أو غير ذلك يكون ثلاثا الا في قوله اختاري لان البينونة نوعان غليظة وخفيفة
فالخفيفة هي التي تحل له المرأة بعد بينونتها بنكاح جديد بدون التزوج بزوج آخر والغليظ ما لا تحل له الا بنكاح جديد
بعد التزوج بزوج آخر فإذا نوى الثلاث فقد نوى ما يحتمله لفظه والدليل عليه ما روى أن ركانة بن زيد أو زيد بن ركانة
طلق امرأته البتة فاستحلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أردت ثلاثا فلو لم يكن اللفظ محتملا للثلاث لم يكن
للاستحلاف معنى وكذا قوله أنت على حرام يحتمل الحرمة الغليظة والخفيفة فإذا نوى الثلاث فقد نوى احدى نوعي
الحرمة فتصح نيته وان نوى ثنتين كانت واحدة في قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر يقع ما نوى وجه قوله إن الحرمة
والبينونة أنواع ثلاثة خفيفة وغليظة ومتوسطة بينهما ولو نوى أحد النوعين صحت نيته فكذا إذا نوى الثلاث لان
اللفظ يحتمل الكل على وجه واحد (ولنا) ان قوله بائن أو حرام اسم للذات والذات واحدة فلا تحتمل العدد وإنما
احتمل الثلاث من حيث التوحد على ما بينا في صريح الطلاق ولا توحد في الاثنين أصلا بل هو عدد محض فلا
يحتمله الاسم الموضوع للواحد مع ما ان الحاصل بالثنتين والحاصل بالواحدة سواء لان أثرهما في البينونة والحرمة سواء
ألا ترى انها تحل في كل واحدة منهما بنكاح جديد من غير التزوج بزوج آخر فكان الثابت بهما بينونة خفيفة
وحرمة خفيفة كالثابت بالواحد فلا يكون ههنا قسم ثالث في المعنى وعلى هذا قال أصحابنا انه إذا قال لزوجته الأمة أنت
بائن أو حرام ينوى الثنتين يقع ما نوى لان الاثنتين في الأمة كل جنس الطلاق في حقها فكان الثنتان في حق الأمة
كالثلاث في حق الحرة وقالوا لو طلق زوجته الحرة واحدة ثم قال لها أنت بائن أو حرام ينوى اثنتين كانت واحدة
لان الاثنتين بأنفسهما ليسا كل جنس طلاق الحرة بدون الطلقة المتقدمة ألا ترى انها لا تبين فالاثنتين بينونة غليظة
بدونها ولو نوى بقوله اعتدى واستبري رحمك وأنت واحدة ثلاثا لم تصح لأن هذه الألفاظ في حكم الصريح ألا ترى
أن الواقع بها رجعية فصار كأنه قال أنت طالق ونوى به الثلاث ولان قوله أنت واحدة لا يحتمل أن يفسر بالثلاث فلا
يحتمل نية الثلاث وكذا قوله اعتدى واستبري رحمك لان الواقع بكل واحدة منهما رجعي فصار كقوله أنت واحدة
وكذا لو نوى بها اثنتين لا يصح لما قلنا بل أولى لان الاثنتين عدد محض والله أعلم
108

(فصل) وأما النوع الثاني فهو ان يكتب على قرطاس أو لوح أو أرض أو حائط كتابة مستبينة لكن لا على وجه
المخاطبة امرأته طالق فيسئل عن نيته فان قال نويت به الطلاق وقع وان قال لم أنو به الطلاق صدق في القضاء لان الكتابة
على هذا الوجه بمنزلة الكتابة لان الانسان قد يكتب على هذا الوجه ويريد به الطلاق وقد يكتب لتجويد الخط فلا
يحمل على الطلاق الا بالنية وان كتبت كتابة غير مستبينة بان كتب على الماء أو على الهواء فذلك ليس بشئ حتى
لا يقع به الطلاق وان نوى لان ما لا تستبين به الحروف لا يسمى كتابة فكان ملحقا بالعدم وان كتب كتابة مرسومة
على طريق الخطاب والرسالة مثل ان يكتب أما بعد يا فلانة فأنت طالق أو إذا وصل كتابي إليك فأنت طالق يقع
به الطلاق ولو قال ما أردت به الطلاق أصلا لا يصدق الا أن يقول نويت طلاقا من وثاق فيصدق فيما بينه وبين الله
عز وجل لان الكتابة المرسومة جارية مجرى الخطاب ألا ترى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبلغ بالخطاب
مرة وبالكتاب أخرى وبالرسول ثالثا وكان التبليغ بالكتاب والرسول كالتبليغ بالخطاب فدل ان الكتابة
المرسومة بمنزلة الخطاب فصار كأنه خاطبها بالطلاق عند الحضرة فقال لها أنت طالق أو أرسل إليها رسولا بالطلاق
عند الغيبة فإذا قال ما أردت به الطلاق فقد أراد صرف الكلام عن ظاهره فلا يصدق ثم إن كتب على الوجه المرسوم
ولم يعلقه بشرط بان كتب أما بعد يا فلانة فأنت وقع الطلاق عقيب كتابة لفظ الطلاق بلا فصل لما ذكرنا ان كتابة
قوله أنت طالق على طريق المخاطبة بمنزلة التلفظ بها وان علقه بشرط الوصول إليها بان كتب إذا وصل كتابي إليك
فأنت طالق لا يقع الطلاق حتى يصل إليها لأنه علق الوقوع بشرط الوصول فلا يقع قبله كما لو علقه بشرط آخر وقالوا
فيمن كتب كتابا على وجه الرسالة وكتب إذا وصل كتابي إليك فأنت طالق ثم محا ذكر الطلاق منه وأنفذ الكتاب
وقد بقي منه كلام يسمى كتابا ورسالة وقع الطلاق لوجود الشرط وهو وصول الكتاب إليها فان محا ما في الكتاب
حتى لم يبق منه كلام يكون رسالة لم يقع الطلاق وان وصل لان الشرط وصول الكتاب ولم يوجد لان ما بقي منه
لا يسمى كتابا فلم يوجد الشرط فلا يقع الطلاق والله أعلم هذا الذي ذكرنا بيان الألفاظ التي يقع بها الطلاق في الشرع
(فصل) وأما بيان صفة الواقع بها فالواقع بكل واحد من النوعين اللذين ذكرناهما من الصريح والكناية نوعان
رجعي وبائن أما الصريح الرجعي فهو أن يكون الطلاق بعد الدخول حقيقة غير مقرون بعوض ولا بعدد الثلاث
لا نصا ولا إشارة ولا موصوفا بصفة تنبئ عن البينونة أو تدل عليها من غير حرف العطف ولا مشبه بعدد أو وصف
تدل عليها وأما الصريح البائن فبخلافه وهو أن يكون بحروف الإبانة أو بحروف الطلاق لكن قبل الدخول حقيقة
أو بعده لكن مقرونا بعدد الثلاث نصا أو إشارة أو موصوفا بصفة تدل عليها إذا عرف هذا فصريح الطلاق قبل
الدخول حقيقة يكون بائنا لان الأصل في اللفظ المطلق عن شرط ان يفيد الحكم فيما وضع له للحال والتأخر فيما بعد
الدخول إلى وقت انقضاء العدة ثبت شرعا بخلاف الأصل فيقتصر على مورد الشرع فبقي الحكم فيما قبل الدخول
على الأصل ولو خلا بها خلوة صحيحة ثم طلقها صريح الطلاق وقال لم أجامعها كان طلاقا بائنا حتى لا يملك مراجعتها
وإن كان للخلوة حكم الدخول لأنها ليست بدخول حقيقة فكان هذا طلاقا قبل الدخول حقيقة فكان بائنا وكذلك إذا
كان مقرونا بعوض وهو الخلع ببدل والطلاق على مال لأن الخلع بعوض طلاق على مال عندنا على ما نذكر إن شاء الله
تعالى والطلاق على مال معاوضة المال بالنفس وقد ملك الزوج أحد العوضين بنفس القبول وهو مالها فتملك
هي العوض الآخر وهو نفسها تحقيقا للمعاوضة المطلقة ولا تملك الا بالبائن فكان الواقع بائنا وكذلك إذا كان مقرونا
بعدد الثلاث نصابان قال لها أنت طالق ثلاثا لقوله عز وجل فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وكذا
إذا أشار إلى عدد الثلاث بان قال لها أنت طالق هكذا يشير بالابهام والسبابة والوسطى وان أشار بإصبع واحدة
فهي واحدة يملك الرجعة وان أشار باثنتين فهي اثنتان لان الإشارة متى تعلقت بها العبارة نزلت منزلة الكلام لحصول
ما وضع له الكلام بها وهو الاعلام والدليل عليه العرف والشرع أيضا أما العرف فظاهر (وأما) الشرع فقول النبي صلى
109

الله عليه وسلم الشهر هكذا وهكذا وهكذا وأشار صلى الله عليه وسلم بأصابع يديه كلها فكان بيانا ان الشهر يكون
ثلاثين يوما ثم قال صلى الله عليه وسلم الشهر هكذا وهكذا وهكذا وحبس ابهامه في المرة الثالثة فكان بيانا ان الشهر
يكون تسعة وعشرين يوما وإذا قامت الإشارة مع تعلق العبارة بها مقام الكلام صار كأنه قال أنت طالق ثلاثا والمعتبر في
الأصابع عدد المرسل منها دون المقبوض لاعتبار الغرف والعادة والدليل عليه ان النبي صلى الله عليه وسلم لما قال الشهر
هكذا وهكذا وهكذا وقبض ابهامه في المرة الثالثة فهم منه تسعة وعشرون يوما ولو اعتبر المقبوض لكان المفهوم منه
أحدا وعشرين يوما فدل ان المعتبر في الإشارة بالأصابع المرسل منها لا المقبوض وكذا إذا كان موصوفا بصفة تنبئ
عن البينونة أو تدل عليها من غير حرف العطف مثل قوله أنت طالق بائن أو أنت طالق حرام أو أنت طالق البتة ونحو
ذلك وهذا عندنا وقال الشافعي يقع واحدة رجعية وجه قوله إنه لما قال أنت طالق فقد أتى بصريح الطلاق وانه معقب
للرجعة فلما قال بائن فقد أراد تغيير المشروع فيرد عليه كما لو قال أعرتك عارية لا رد فيها وكما لو قال أنت طالق وقال
أردت به الإبانة ولنا انه وصف المرأة بالبينونة بالطلاق الأول وانه مما يحتمل البينونة ألا ترى انه تحصل البينونة قبل
الدخول وبعده بعد انقضاء العدة فكان قوله بائن قرينة مبينة لا مغيرة ثم إذا لم يكن له نية لا يقع تطليقة بقوله طالق
والأخرى بقوله بائن ونحو ذلك لان قوله بائن ونحو ذلك يصلح وصفا للمرأة بالطلاق الأول فلا يثبت الا مقتضى
واحد لان ثبوته بطريق الضرورة فيؤخذ فيه بالأدنى وكذا إذا قال لها أنت طالق تطليقة قوية أو شديدة لان
الشدة ينبئ عن القوية والقوى هو البائن وكذا إذا قال لها أنت طالق تطليقة طويلة أو عريضة لان الطول والعرض
يقتضيان القوة ولو قال لها أنت طالق من ههنا إلى موضع كذا فهو رجعي في قول أصحابنا الثلاثة وعند زفر هو بائن وجه
قوله إنه وصف الطلاق بالطول فصار كما لو قال لها أنت طالق تطليقة طويلة (ولنا) انه وصفه بالطول صورة وبالقصر
معنى لان الطلاق إذا وقع في مكان يقع في الأماكن كلها فكان القصر على بعض الأماكن وصفا له بالقصر والطلقة
القصيرة هي الرجعية ولو قال أنت طالق أشد الطلاق فإن لم يكن له نية أو نوى واحدة فهي واحدة بائنة لان حكم البائن
أشد من حكم الرجعي فيقع بائنا وان نوى ثلاثا فثلاث لان ألف التفضيل قد تذكر لبيان أصل التفاوت وهو مطلق
التفاوت وذلك في الواحدة البائنة لأنها أشد حكما من الرجعية وقد تذكر لبيان نهاية التفاوت وهو مطلق التفاوت
وذلك في الثلاث فإذا نوى الثلاث فقد نوى ما يحتمله كلامه فصحت نيته وان لم يكن له نية ينصرف الأدنى لأنه
متيقن به ولو قال لها أنت طالق ملء البيت فان نوى الثلاث كان ثلاثا وان لم يكن له نية فهو واحدة بائنة لان قوله ملء
البيت يحتمل انه أراد به الكثرة والعدد ويحتمل انه أراد به الصفة وهي العظم والقوة فأي ذلك نوى فقد نوى ما يحتمله
لفظه وعند انعدام النية يحمل على الواحدة البائنة لكونه متيقنا بها ولو قال لها أنت طالق أقبح الطلاق قال أبو يوسف
هو رجعي وقال محمد هو بائن وجه قول محمد انه وصف الطلاق بالقبح والطلاق القبيح هو الطلاق المنهى عنه وهو
البائن فيقع بائنا ولأبي يوسف ان قوله أقبح الطلاق يحتمل القبح الشرعي وهو الكراهية الشرعية ويحتمل القبح
الطبعي وهو الكراهية الطبيعية وهو ان يطلقها في وقت يكره الطلاق فيه طبعا فلا تثبت البينونة فيه بالشك وكذا قوله
أقبح الطلاق يحتمل القبح بجبهة الإبانة ويحتمل القبح بايقاعه في زمن الحيض أو في طهر جامعها فيه فلا تثبت
البينونة بالشك ولو قال أنت طالق للبدعة فهي واحدة رجعية لان البدعة قد تكون في البائن وقد تكون في الطلاق
حالة الحيض فوقع الشك في ثبوت البينونة فلا تثبت البينونة بالشك ولو قال لها أنت طالق طلاق الشيطان فهو كقوله
أنت طالق للبدعة وروى عن أبي يوسف فيمن قال لامرأته أنت طالق للبدعة ونوى واحدة بائنة تقع واحدة بائنة
لان لفظه يحتمل ذلك على ما بينا فتصح نيته ولو شبه صريح الطلاق بالعدد فهذا على وجهين اما إن شبه بالعدد فيما له عدد
واما ان شبه بالعدد فيما لا عدد له فان شبه بالعدد فيما هو ذو عدد كما لو قال لها أنت طالق كالف أو مثل ألف فهنا ثلاثة
فصول (الأول) هذا (والثاني) أن يقول لها أنت طالق واحدة كالف أو مثل ألف والثالث أن يقول لها أنت طالق
110

كعدد ألف (أما) الفصل الأول فان نوى ثلاثا فهو ثلاث بالاجماع وان نوى واحدة أو لم يكن له نية فهي واحدة بائنة في
قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد هو ثلاث ولو قال نويت له واحدة دينته فيما بينه وبين الله تعالى ولم أدينه في
القضاء وجه قوله إن قوله كالف تشبيه بالعدد إذا الألف من أسماء الاعداد فصار كما لو نص على العدد فقال لها أنت طالق
كعدد ألف ولو قال ذلك كان ثلاثا كذا هذا ولهما ان التشبيه بالألف يحتمل التشبيه من حيث العدد ويحتمل
التشبيه من حيث الصفة وهو صفة القوة والشدة فان الواحد من الرجال قد يشبه بألف رجل في الشجاعة وإذا كان
محتملا لهما فلا يثبت العدد الا بالنية فإذا نوى فقد نوى ما يحتمله كلامه وعند عدم النية يحمل على الأدنى لأنه متيقن
به ولا يحمل على العدد بالشك وأما الفصل الثاني وهو ما إذا قال أنت طالق واحدة كألف فهي واحدة بائنة في قولهم
جميعا لأنه لما نص على الواحدة علم أنه ما أراد به التشبيه من حيث العدد فتعين التشبيه في القوة والشدة وذلك في البائن
فيقع بائنا وأما الفصل الثالث وهو ما إذا قال لها أنت طالق كعدد ألف أو كعدد ثلاث أو مثل عدد ثلاث فهو ثلاث في
القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى ولو نوى غير ذلك فنيته باطلة لان التنصيص على العدد ينفي احتمال إرادة الواحد فلا
يصدق انه ما أراد به الثلاث أصلا كما إذا قال أنت طالق ثلاثا ونوى الواحدة وان شبه بالعدد فيما لا عدد له بان قال
أنت طالق مثل عدد كذا أو كعدد كذا الشئ لا عدد له كالشمس والقمر ونحو ذلك فهي واحدة بائنة في قياس قول أبي
حنيفة وعند أبي يوسف هي واحدة يملك الرجعة وجه قول أبي يوسف ان التشبيه بالعدد فيما لا عدد له لغو فبطل التشبيه
وقوله أنت طالق ولأبي حنيفة ان هذه النوع من التشبيه يقتضي ضربا من الزيادة لا محالة ولا يمكن حمله على الزيادة من
حيث العدد فيحمل على الزيادة من حيث الصفة وقالوا فيمن قال لامرأته أنت طالق عدد شعر راحتي أو عدد ما على
ظهر كفي من الشعر وقد خلق ظهر كفه طلقت واحدة لأنه شبه بما لا عدد له لأنه علق الطلاق بوجود الشعر على راحته
أو على ظهر كفه للحال وليس على راحته ولا على ظهر كفه شعر للحال فلا يتحقق التشبه بالعدد فلغا التشبه وبقى قوله أنت
طالق فيكون رجعيا ولو قال أنت طالق عدد شعر رأسي وعدد شعر ظهر كفى وقد حلقه طلقت ثلاثا لأنه شبه بماله
عدد لان شعر رأسه ذو عدد وان لم يكن موجودا في الحال فكان هذا تشبيها به حال وجوده وهو حال وجوده ذو عدد
بخلاف المسألة الأولى لان ذلك تعليق التشبيه بوجوده للحال وهو غير موجود للحال فيلغو التشبيه ولو قال لها أنت
طالق مثل الجبل أو مثل حبة الخردل فهي واحدة بائنة في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف هي واحدة يملك الرجعة
وجه قول أبي يوسف ان قوله مثل الجبل أو مثل حبة الخردل يحتمل التشبيه في التوحد لان الجبل بجميع أجزائه
شئ واحد غير متعدد فلا تثبت البينونة بالشك ولأبي حنيفة ان هذا التشبيه يقتضي زيادة لا محالة وانه لا يحتمل
الزيادة من حيث العدد لأنه ليس بذي عدد لكونه واحدا في الذات فيحمل على الزيادة التي ترجع إلى الصفة وهي
البينونة فيحمل على الواحدة البائنة لأنها المتيقن بها ولو قال مثل عظم الجبل أو قال مثال عظم كذا فأضاف ذلك إلى
صغير أو كبير فهي واحدة بائنة وان لم يسم واحدة وان نوى ثلاثا فهو ثلاث لأنه نص على التشبيه بالجبل في العظم فهذا
يقتضى زيادة لا محالة على ما يقتضيه الصريح ثم إن كان قد سمى واحدة تعينت الواحدة البائنة لان الزيادة فيها لا
تكون الا بالبينونة وإن كان لم يسم واحدة احتمل الزيادة في الصفة وهي البينونة بواحدة أو بالثلاث فان نوى الثلاث
يكون ثلاثا لأنه نوى ما يحتمله كلامه وان لم يكن له نية يحمل على الواحدة لكونها أدنى والأدنى متيقن به وفي الزيادة
عليه شك ولو قال أنت طالق مثل هذا وهذا وهذا وأشار بثلاث أصابع فان نوى به ثلاثا وان نوى واحدة
بائنة فواحدة بائنة لأنه شبه الطلاق بما له عدد فيحتمل التشبيه من حيث العدد ويحتمل التشبيه في الصفة وهي الشدة
فذا نوى به الثلاث صحت نيته لأنه نوى ما يحتمله لفظه كما في قوله أنت طالق كالف وإذا نوى به الواحدة كانت واحدة
لأنه أراد به التشبيه في الصفة وكذا إذا لم يكن له نية يحتمل على التشبيه من حيث الصفة لأنه أدنى والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما الكناية فثلاثة ألفاظ من الكنايات رواجع بلا خلاف وهي قوله اعتدى واستبري رحمك
111

وأنت واحدة أما قوله اعتدى فلما روى عن أبي حنيفة أنه قال القياس في قوله اعتدى أن يكون بائنا وإنما اتبعنا الأثر
وكذا قال أبو يوسف القياس أن يكون بائنا وإنما تركنا القياس لحديث جابر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لسودة بنت زمعة رضي الله عنها اعتدى فناشدته أن يراجعها لتجعل يومها لعائشة رضي الله عنها حتى تحشر في
جملة أزواجه فراجعها ورد عليها يومها ولان قوله اعتدى أمر بالاعتداد والاعتداد يقتضى سابقة الطلاق والمقتضى
يثبت بطريق الضرورة فيتقدر بقدر الضرورة والضرورة ترتفع بالأقل وهو الواحدة الرجعية فلا يثبت ما سواها ثم
قوله اعتدى إنما يجعل مقتضيا للطلاق في المدخول بها وأما في غير المدخول بها فإنه يجعل مستعارا من الطلاق وقوله
استبري رحمك تفسير قوله اعتدى لان الاعتداد شرع للاستبراء فيفيد ما يفيده قوله اعتدى وأما قوله أنت واحدة
فلانه لما نوى الطلاق فقد جعل قوله واحدة نعتا لمصدر محذوف وهو الطلقة كأنه قال أنت طالق طلقة واحدة كما
يقال أعطيته جزيلا أي عطاء جزيلا واختلف في البواقي من الكنايات فقال أصحابنا رحمهم الله إنها بوائن وقال
الشافعي رواجع وجه قوله إن هذه الألفاظ كنايات الطلاق فكانت مجازا عن الطلاق ألا ترى إنها لا تعمل بدون
نية الطلاق فكان العامل هو الحقيقة وهو المكنى عنه لا المجاز الذي هو الكناية ولهذا كانت الألفاظ الثلاثة رواجع
فكذا البواقي ولنا أن الشرع ورد بهذه الألفاظ وانها صالحه لاثبات البينونة والمحل قابل للبينونة فإذا وجدت من
الأهل ثبتت البينونة استدلالا بما قبل الدخول ولا شك ان هذه الألفاظ صالحة لاثبات البينونة فإنه تثبت البينونة
بها قبل الدخول وبعد انقضاء العدة ويثبت به قبول المحل أيضا لان ثبوت البينونة في محل لا يحتملها محال والدليل
على أن الشرع ورد بهذه الألفاظ قوله تعالى فامساك بمعروف أو تسريح باحسان وقوله تعالى فتعالين أمتعكن
وأسرحكن سراحا جميلا وقوله فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف والتسريح والمفارقة من كنايات الطلاق
على ما بينا وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة فرأى في كشحها بياضا فقال لها الحقي باهلك وهذا
من ألفاظ الكنايات وان ركانة بن زيد أو زيد بن ركانة طلق امرأته البتة فحلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراد
بها الثلاث وقوله البتة من الكنايات فإذا ثبت ان هذا التصرف مشروع فوجود التصرف حقيقة بوجود ركنه ووجوده
شرعا بصدوره من أهله وحلوله في محله وقد وجد فتثبت البينونة فقد زال الملك فلا يملك الرجعة ولان
شرع الطلاق في الأصل لمكان المصلحة لان الزوجين قد تختلف أخلاقهما وعند اختلاف الأخلاق لا يبقى النكاح
مصلحة لأنه لا يبقى وسيلة إلى المقاصد فتنقلب المصلحة إلى الطلاق ليصل كل واحد منهما إلى زوج يوافقه فيستوفى
مصالح النكاح منه الا أن المخالفة قد تكون من جهة الزوج وقد تكون من جهة المرأة فالشرع شرع الطلاق وفوض
طريق دفع المخالفة والإعادة إلى الموافقة إلى الزوج لاختصاصه بكمال العقل والرأي فينظر في حال نفسه فإن كانت
المخالفة من جهته يطلقها طلاقا واحدا رجعيا أو ثلاثا في ثلاثة أطهار ويجرب نفسه في هذه المدة فإن كان يمكنه
الصبر عنها ولا يميل قلبه إليها يتركها حتى تنقضي عدتها وإن كان لا يمكنه الصبر عنها راجعها وإن كانت المخالفة من
جهتها تقع الحاجة إلى أن تتوب وتعود إلى الموافقة وذلك لا يحصل بالطلاق الرجعي لأنها إذا علمت أن النكاح
بينهما قائم لا تتوب فيحتاج إلى الإبانة التي بها يزول الحل والملك لتذوق مرارة الفراق فتعود إلى الموافقة عسى وإذا
كانت المصلحة في الطلاق بهذين الطريقين مست الحاجة إلى شرع الإبانة عاجلا وآجلا تحقيقا لمصالح النكاح
بالقدر الممكن وقوله هذه الألفاظ مجاز عن الطلاق ممنوع بل هي حقائق عاملة بأنفسها لأنها صالحة للعمل بأنفسها على
ما بينا فكان وقوع البينونة بها لا بالمكنى عنه على أنا ان سلمنا انها مجاز عن الطلاق فلفظ المجاز عامل بنفسه أيضا
كلفظ الحقيقة فان المجاز أحد نوعي الكلام فيعمل بنفسه كالحقيقة ولهذا قلنا إن للمجاز عموما كالحقيقة الا أنه يشترط
النية لتنوع البينونة والحرمة إلى الغليظة والخفيفة فكان الشرط في الحقيقة نية التمييز وتعيين أحد النوعين لا نية
الطلاق والله أعلم ويستوي فيما ذكرنا من الصريح والكناية والرجعي والبائن أن يكون ذلك بمباشرة الزوج بنفسه
112

بطريق الأصالة أو بغيره باذنه أو أمره وذلك نوعان توكيل وتفويض أما التفويض فنحو قول الرجل لامرأته أمرك
بيدك وقوله اختاري وقوله أنت طالق ان شئت وما يجرى مجراه وقوله طلقي نفسك
(فصل) أما قوله أمرك بيدك فالكلام فيه يقع في مواضع في بيان صفة هذا التفويض وهو جعل الامر باليد وفي
بيان حكمه وفي بيان شرط ثبوت الحكم وفي بيان شرط بقائه وما يبطل به وما لا يبطل وفي بيان صفة الحكم الثابت
وفي بيان ما يصلح جواب الامر باليد من الألفاظ وبيان حكمها إذا وجد أما بيان صفته فهو انه لازم من جانب الزوج
حتى لا يملك الرجوع عنه ولا نهى المرأة عما جعل إليها ولا فسخ ذلك لأنه ملكها الطلاق ومن ملك غيره شيئا فقد
زالت ولايته من الملك فلا يملك ابطاله بالرجوع والنهى والفسخ بخلاف البيع فان الايجاب من البائع ليس بتمليك
بل هو أحد ركني البيع فاحتمل الرجوع عنه ولان الطلاق بعد وجوده لا يحتمل الرجوع والفسخ فكذا بعد ايجابه
بخلاف البيع فإنه يحتمل الفسخ بعد تمامه فيحتمل الفسخ والرجوع بعد ايجابه أيضا ولان هذا النوع من التمليك
فيه معنى التعليق فلا يحتمل الرجوع عنه والفسخ كسائر التعليقات المطلقة بخلاف البيع فإنه ليس فيه معنى التعليق
رأسا وكذلك لو قام هو عن المجلس لا يبطل الجعل لان قيامه دليل الابطال لكونه دليل الاعراض فإذا لم يبطل بصريح
ابطاله كيف يبطل بدليل الابطال بخلاف البيع إذا أوجب البائع ثم قام قبول المشترى انه يبطل الايجاب لان
البيع يبطل بصريح الابطال فجاز أن يبطل بدليل الابطال وأما من جانب المرأة فإنه غير لازم لأنه لما جعل الامر
بيدها فقد خيرها بين اختيارها نفسها في التطليق وبين اختيارها زوجها والتخيير ينافي اللزوم (وأما) حكمه فهو
صيرورة الامر بيدها في الطلاق لأنه جعل الامر بيدها في الطلاق وهو من أهل الجعل والمحل قابل للجعل فيصير
الامر بيدها (وأما) شرط صيرورة الامر بيدها فشيئان أحدهما نية الزوج الطلاق لأنه من كنايات الطلاق فلا يصح
من غير نية الطلاق ألا ترى أنه لا يملك ايقاعه بنفسه من غير نية الطلاق فكيف يملك تفويضه إلى غيره من غير نية
الطلاق حتى لو قال الزوج ما أردت به الطلاق يصدق ولا يصير الامر بيدها لان هذا التصرف يحتمل الطلاق
ويحتمل غيره الا إذا كان الحال حال الغضب والخصومة أو حال مذاكرة الطلاق فلا يصدق في القضاء لان الحال
تدل على إرادة الطلاق ظاهرا فلا يصدق في العدول عن الظاهر فان ادعت المرأة انه أراد به بالطلاق أو ادعت ان ذلك
كان في حال الغضب أو في حال ذكر الطلاق وهو ينكر فالقول قوله مع يمينه لأنها تدعى عليه الطلاق وهو ينكر فان
أقامت البينة ان ذلك كان في حال الغضب أو ذكر الطلاق قبلت بينتها لان حال الغضب وذكر الطلاق يقف الشهود
عليها ويتعلق علمهم بها فكانت شهادتهم عن علم بالمشهود به فتقبل ولو أقامت البينة على أنه نوى الطلاق لا تقبل بينتها
لأنه لا وقوف للشهود على النية لأنه أمر في القلب فكانت هذه شهادة لا عن علم بالمشهود به فلم تقبل والثاني علم المرأة
بجعل الامر بيدها وهي غائبة أو حاضرة لم تسمع لا يصير الامر بيدها ما لم تسمع أو يبلغها الخبر لان معنى صيرورة الامر
بيدها في الطلاق هو ثبوت الخيار لها وهو اختيارها نفسها بالطلاق أو زوجها بترك الطلاق اختيار الايثار وهذا
لا يتحقق الا بعد العلم بالتخيير فإذا علمت بالتخيير صار الامر بيدها في أي وقت علمت إن كان التفويض مطلقا عن
الوقت وإن كان مؤقتا بوقت وعلمت في شئ من الوقت صار الامر بيدها فاما إذا علمت بعد مضى الوقت كله لا يصير
الامر بيدها بهذا التفويض أبدا لان ذلك علم لا ينفع لان التفويض المؤقت بوقت ينتهى عند انتهاء الوقت فلو صار
الامر بيدها بعد ذلك لصار من غير تفويضه وهذا لا يجوز (وأما) بيان شرط بقاء هذا الحكم وما يبطل به وما لا يبطل
فلن يمكن معرفته الا بعد معرفة أقسام الامر باليد فنقول وبالله التوفيق جعل الامر باليد لا يخلوا ما أن يكون منجزا واما
أن يكون معلقا بشرط واما أن يكون مضافا إلى وقت والمنجز لا يخلو اما أن يكون مطلقا واما أن يكون مؤقتا فإن كان
مطلقا بان قال أمرك بيدك فشرط بقاء حكمه بقاء المجلس وهو مجلس علمها بالتفويض فما دامت في مجلسها فالامر
بيدها لان جعل الامر بيدها تمليك الطلاق منها لأنه جعل أمرها في الطلاق بيدها تتصرف فيه برأيها وتدبيرها كيف
113

شاءت بمشيئة الايثار وهو معنى المالكية وهو التصرف عن مشيئة الايثار والزوج يملك التطليق بنفسه فيملك تمليكه
من غيره فصارت مالكة للطلاق بتمليك الزوج وجواب التمليك مقيد بالمجلس لان الزوج يملك الخطاب وكل مخلوق
خاطب غيره يطلب جواب خطابه في المجلس فيتقيد جواب التمليك بالمجلس كما في قبول البيع وغيره وسواء قصر المجلس
أو طال لان ساعات المجلس جعلت كساعة واحدة لان اعتبار المجلس للحاجة إلى التأمل والتفكر وذلك يختلف
باختلاف الأشخاص والأحوال والأوقات ولا ضابط له الا المجلس فقدر بالمجلس ولهذا جعل الصحابة رضي الله عنه
م للمخيرة فيبقى الامر في يدها ما بقي المجلس فان قامت عن مجلسها بطل لان الزوج يطلب جواب التمليك في المجلس
والقيام عن المجلس دليل الاعراض عن جواب التمليك فكان رد للتمليك دلالة ولان المالك لما طلب الجواب في
المجلس لا يملك الجواب في غير المجلس لأنه ما ملكها في غيره وقد اختلف المجلس بالقيام فلم يكن في بقاء الامر فائدة
فيبطل وكذلك إذا وجد منها قول أو فعل يدل على اعراضها عن الجواب بان دعت بطعام التأكل أو أمرت وكيلها
بشئ أو خاطبت انسانا ببيع أو شراء أو كانت قائمة فركبت أو راكبة فانتقلت إلى دابة أخرى أو واقفة فسارت أو
امتشطت أو اغتسلت أو مكنت زوجها حتى وطئها أو اشتغلت بالنوم لان هذا كله دليل الاعراض عن الجواب وإن كان
ت سائرة أو كانا في محمل واحد فان أجابت على الفور والا بطل خيارها لان سير الدابة بتسيير الراكب وإن كانت
سائرة فوقفت الدابة فهي على خيارها وإن كانت في سفينة فسارت لا يبطل خيارها لان حكمها حكم البيت وكل
ما يبطل به الخيار إذا كانت في البيت يبطل به إذا كانت في السفينة وما لا فلا فإن كانت قائمة فقعدت لم يبطل خيارها
بخلاف ما إذا كانت قاعدة فقامت لان القعود يجمع الرأي والقيام يفرقه فكان القعود دليل إرادة التأمل والقيام دليل
إرادة الاعراض وكذلك إن كانت متكئة فقعدت لم يبطل خيارها لما قلنا فإن كانت قاعدة فاتكأت ففيه روايتان
في رواية يبطل خيارها لان المتكئ يقعد ليجتمع رأيه فأما القاعد فلا يتكئ لذلك وفي رواية أخرى لا يبطل لان
المتأمل ينتقل من الاتكاء إلى القعود مرة ومن القعود إلى الاتكاء أخرى وقد صار الامر بيدها بيقين فلا يخرج بالشك
فلو كانت قاعدة فاضطجعت يبطل خيارها في قول زفر وعن أبي يوسف روايتان روى الحسن بن زياد عنه انه
لا يبطل خيارها وروى الحسن بن أبي مالك عنه انه يبطل كما قال زفر وان ابتدأت الصلاة بطل خيارها فرضا كانت
الصلاة أو نفلا أو واجبة لان اشتغالها بالصلاة اعراض عن الجواب فان خيرها وهي في الصلاة فأتمتها فإن كانت في
صلاة الفرض أو الواجب كالوتر لا يبطل خيارها حتى تخرج من الصلاة لأنها مضطرة في الاتمام لكونها ممنوعة من
الافساد فلا يكون الاتمام دليل الاعراض وإن كانت في صلاة التطوع فان سلمت على رأس الركعتين فهي على
خيارها وان زادت على ركعتين بطل خيارها لان كل شفع من التطوع صلاة على حدة فكانت الزيادة على الشفع
بمنزلة الشروع في الصلاة ابتداء ولو أخبرت وهي في الأربع قبل الظهر فأتمت ولم تسلم على رأس الركعتين اختلف فيه
المشايخ قال بعضهم يبطل خيارها كما في التطوع المطلق وقال بعضهم لا يبطل وهو الصحيح لأنها في معنى الواجب
فكانت من أولها إلى آخرها صلاة واحدة ولو اخذ الزوج بيدها فأقامها بطل خيارها لأنها ان قدرت على الامتناع
فلم تمتنع فقد قامت باختيارها وهو دليل الاعراض وان لم تقدر على أن تمتنع تقدر على أن تقول قبل الإقامة اخترت
نفسي فلما لم تقل فقد أعرضت عن الجواب فان اكلت طعاما يسيرا من غير أن تدعو بطعام أو شربت شرابا قليلا أو
نامت قاعدة أو لبست ثوبا وهي قائمة أو لبست وهي قاعدة ولم تقم لم يبطل خيارها لأنها تحتاج إلى احضار الشهود
فتحتاج إلى اللبس لتستتر به فكان ذلك من ضرورات الخيار فلا يبطل به والاكل واليسير لا يدل على الاعراض
وكذا النوم قاعدة من غير أن تشتغل به وكذا إذا سبحت أو قرأت شيئا قليلا لم يبطل خيارها لان التسبيح اليسير
والقراءة القليلة لا يدلان على الاعراض ولان الانسان لا يخلو عن التسبيح القليل والقراءة القليلة فلو جعل ذلك
مبطلا للخيار لا نسد باب التفويض وان طال ذلك بطل الخيار لان الطويل منه يكون دليل الاعراض ولا يكثر
114

وجوده فان قالت ادع لي شهود أشهدهم لم يبطل خيارها لأنها تحتاج إلى ذلك صيانة لاختيارها عن الجحود فكان ذلك
من ضرورات الخيار فلم يكن دليل الاعراض وكذلك إذا قالت ادع لي أبي أستشيره لان هذا أمر يحتاج إلى المشورة
وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد تخيير نسائه قال لعائشة رضي الله عنها انى أعرض عليك أمرا فلا
تعجلي حتى تستشيري أبويك ولو كانت المشورة مبطلة للخيار لما ندبها إلى المشورة ولو قالت اخترتك أو قالت
لا أختار الطلاق خرج الامر من يدها لأنها صرحت برد التمليك وانه يبطل بدلالة الرد فبالصريح أولى وسواء
كانت التمليك بكلمة كلما أو بدونها بان قال لها أمرك بيدك كلما شئت لما ذكرنا ان اختيارها زوجها
رد للتمليك فيرتد ما جعل إليها في جميع الأوقات هذا إذا كان التفويض مطلقا عن الوقت فاما إذا كان موقتا فان أطلق
الوقت بان قال أمرك بيدك إذا شئت أو إذا ما شئت أو متى ما شئت أو حيثما شئت فلها الخيار في المجلس وغير المجلس
ولا يتقيد بالمجلس حتى لو ردت الامر لم يكن ردا ولو قامت من مجلسها أو أخذت في عمل آخر أو كلام آخر فلها أن تطلق
نفسها لأنه ما ملكها الطلاق مطلقا ليكون طالبا جوابها في المجلس بل ملكها في أي وقت شاءت فلها ان تطلق نفسها
في أي وقت شاءت الا انها لا تملك أن تطلق نفسها الا مرة واحدة لما نذكر فان وقته بوقت خاص بان قال أمرك بيدك
يوما أو شهرا أو سنة أو قال اليوم أو الشهر أو السنة أو قال هذا اليوم أو هذا الشهر أو هذه السنة لا يتقيد بالمجلس ولها الامر
في الوقت كله تختار نفسها فيما شاءت منه ولو قامت من مجلسها أو تشاغلت بغير الجواب لا يبطل خيارها ما بقي الوقت بلا
خلاف لأنه فوض الامر إليها في جميع الوقت المذكور فيبقى ما بقي الوقت ولأنه لو بطل الامر باعراضها لم يكن للتوقيت
فائدة وكان الوقت وغير الوقت سواء غير أنه ان ذكر اليوم أو الشهر أو السنة منكرا فلها الامر من الساعة التي تكلم فيها إلى
مثلها من الغد والشهر والسنة لان ذلك يقع على يوم تام وشهر تام وسنة تامة ولا يتم الا بما قلنا ويكون الشهر ههنا بالأيام لان
التفويض إذا وجد في بعض الشهر لا يمكن اعتبار الأهلة فيعتبر بالأيام وان ذكر ذلك معرفا فلها الخيار في بقية اليوم وفي
بقية الشهر وفي بقية السنة لان المعرف منه يقع على الباقي ويعتبر الشهر ههنا بالهلال لان الأصل في الشهر هو الهلال
والعدول عنه إلى غيره لمكان الضرورة ولا ضرورة ههنا ولو اختارت نفسها في الوقت مرة ليس لها ان تختار مرة
أخرى لان اللفظ يقتضى الوقت ولا يقتضى التكرار ولو قالت اخترت زوجي أو قالت لا أختار الطلاق ذكر في
بعض المواضع ان على قول أبي حنيفة ومحمد يخرج الامر من يدها في جميع الوقت حتى لا تملك ان تختار نفسها بعد ذلك
وان بقي الوقت وعند أبي يوسف يبطل خيارها في ذلك المجلس ولا يبطل في مجلس آخر وذكر في بعضها الاختلاف
على العكس من ذلك وجه قول من قال إنه لا يخرج الامر من يدها انه جعل الامر بيدها في جميع الوقت فاعراضها في
بعض الوقت لا يبطل خيارها في الجميع كما إذا قامت من مجلسها أو اشتغلت بأمر يدل على الاعراض وجه قول من
يقول إنه يخرج الامر من يدها ان قولها اخترت زوجي رد للتمليك والتمليك تمليك واحد فيبطل برد واحد كتمليك
البيع بخلاف القيام عن المجلس لأنه ليس برد حقيقة بل هو امتناع من الجواب الا انه جعل ردا في التفويض المطلق من
الوقت ضرورة ان الزوج طلب الجواب في المجلس والمجلس يبطل بالقيام فلو بقي الامر بقي خاليا عن الفائدة فبطل
ضرورة عدم الفائدة في البقاء وهذه الضرورة منعدمة ههنا لان الزوج طلب منها الجواب في جميع الوقت لا في
المجلس فكان في بقاء الامر بعد القيام عن المجلس فائدة فيبقى ولان الزوج خيرها بين ان تختار نفسها وبين ان تختار
زوجها ولو اختارت نفسها يبطل خيارها في جميع المدة فكذا إذا اختارت زوجها وروى ابن سماعة عن أبي يوسف
ان إذا قال أمرك بيدك هذا اليوم كان على مجلسها لان في الفصل الأول جعل اليوم كله ظرفا للامر باليد كما لو قال لله على أن
أصوم عمري انه يلزمه صوم جميع عمره لأنه جعل عمره ظرفا للصوم فإذا صار اليوم كله ظرفا للامر باليد فلا يتقيد
بالمجلس وفي الفصل الثاني جعل جزأ من اليوم ظرفا كما لو قال لله على أن أصوم في عمري انه لا يلزمه الا صوم يوم
واحد لأنه جعل جزأ من عمره ظرفا للصوم وإذا صار جزأ من اليوم ظرفا للامر وليس جزء أولى من جزء فيختص
115

بالمجلس ولو قال أمرك بيدك إلى رأس الشهر صار الامر بيدها إلى رأس الشهر ولا يبطل بالقيام عن المجلس
والاشتغال بترك الجواب وهل يبطل باختيارها زوجها فهو على الاختلاف الذي ذكرنا وأما التفويض المعلق
بشرط فلا يخلو من أحد وجهين اما أن يكون مطلقا عن الوقت واما أن يكون مؤقتا فإن كان مطلقا بان قال إذا قدم
فلان فأمرك بيدك فقدم فلان فالامر بيدها إذا علمت في مجلسها الذي يقدم فيه فلان لان المعلق بشرط كالمنجز
عند الشرط فيصير قائلا عند القدوم أمرك بيدك فإذا علمت بالقدوم كان لها الخيار في مجلس علمها وان موقتا بان
قال إذا قدم فلان فأمرك بيدك يوما أو قال اليوم الذي يقدم فيه فلان فإذا قدم فلها الخيار في ذلك الوقت كله إذا
علمت بالقدوم غير أنه إذا ذكر اليوم منكرا يقع على يوم تام بان قال إذا قدم فلان فأمرك بيدك يوما وان عرفه يقع على
بقية اليوم الذي يقدم فيه ولا يبطل بالقيام عن المجلس وهل يبطل باختيارها زوجها فهو على ما ذكرنا من الاختلاف
وليس لها ان تختار نفسها في الوقت كله الا مرة واحدة لما بينا ولو لم تعلم بقدومه حتى مضى الوقت ثم علمت فلا خيار
لها بهذا التفويض أبدا لما مر وأما المضاف إلى الوقت بان قال أمرك بيدك غدا أو رأس شهر كذا فجاء الوقت صار
الامر بيدها لان الطلاق يحتمل الإضافة إلى الوقت فكذا تمليكه وكان على مجلسها من أو الغد ورأس الشهر وأول
الغد من حين يطلع الفجر الثاني ورأس الشهر ليلة الهلال ويومها وان قال أمرك بيدك إذا هل الشهر يصير الامر
بيدها ساعة يهل الهلال ويتقيد بالمجلس ولو قال أمرك بيدك اليوم وغدا أو قال أمرك بيدك هذين اليومين فلها الامر
في اليومين تختار نفسها في أيهما شاءت ولا يبطل بالقيام عن المجلس ما بقي شئ من الوقتين وهل يبطل باختيارها
زوجها فهو على ما مر من الاختلاف ولو قال لها أمرك بيدك اليوم وبعد غد فاختارت زوجها اليوم فلها ان
تختار نفسها بعد غد وكذلك إذا ردت الامر في يومها بطل أمر ذلك اليوم وكان الامر بيدها بعد غد حتى كان لها أن
تختار نفسها بعد غد ذكر القدوري هذه المسألة ونسب القول إلى أبي حنيفة وأبى يوسف وذكرها في الجامع الصغير
ولم يذكر الاختلاف والوجه انه جعل الامر بيدها في وقتين وجعل بينهما وقتا لا خيار لها فيه فصار كل واحد من
الوقتين شيئا منفصلا عن صاحبه مستقلا بنفسه في الامر مفردا به فيتعدد التفويض معنى كأنه قال أمرك بيدك اليوم
وأمرك بيدك بعد غد الامر في أحدهما لا يكون ردا في الآخر بخلاف قوله أمرك بيدك اليوم أو الشهر أو السنة
أو اليوم أو غدا أو هذين اليومين على قول من يقول يبطل الامر لان هناك الزمان زمان واحد لا يتخلله ما لا خيار
لها فيه فكان التفويض واحدا فرد الامر فيه يبطله ولو قال أمرك بيدك اليوم وأمرك بيدك غدا فهما أمران حتى
لو اختارت زوجها اليوم أو ردت الامر فهو على خيارها غدا لأنه لما كرر اللفظ فقد تعدد التفويض فرد أحدهما
لا يكون ردا للآخر ولو اختارت نفسها في اليوم فطلقت ثم تزوجها قبل مجئ الغد فأرادت ان تختار فلها ذلك وتطلق
أخرى إذا اختارت نفسها لأنه ملكها بكل واحدة من التفويضين طلاقا فالايقاع بأحدهما لا يمنع من الايقاع
بالآخر ولو قال لها أمرك بيدك هذه السنة فاختارت نفسها ثم تزوجها لم يكن لها أن تختار في بقية السنة في قول أبى
يوسف وقال أبو يوسف وقياس قول أبي حنيفة أن يلزمها الطلاق في الخيار الثاني ولست أروى هذا عنه ولكن
هذا قياس قوله ولو كان ترك القياس واستحسن لكان مستقيما ولو لم تختر نفسها ولا زوجها ولكن الزوج طلقها واحدة
ولم يكن دخل بها ثم تزوجها في تلك السنة فلا خيار لها في بقية السنة في قول أبي يوسف وعند أبي حنيفة لها الخيار
(وجه) قول أبى يوسف ان الزوج تصرف فيما فوض إليها فيخرج الامر من يدها كالموكل إذا باع ما وكل ببيعه انه ينعزل
الوكيل ولأبي حنيفة ان جعل الامر باليد فيه معنى التعليق فزوال الملك لا يبطله ما دام طلاق الملك الأول قائما كما في
سائر التعليقات وقوله الزوج تصرف فيما فوض إليها ليس كذلك لأنه يملك ثلاث تطليقات ولم يفوض إليها الا
واحدة فيقتضى خروج المفوض من يده لا غير كما إذا وكل انسانا يبيع ثوبين له فباع الموكل أحدهما لم تبطل الوكالة لما
قلنا كذا هذا (وأما) بيان صفة الحكم الثابت بالتفويض فمن صفته أنه غير لازم في حق المرأة حتى تملك رده صريحا أو
116

دلالة لما ذكرنا ان جعل الامر بيدها تخيير لها بين ان تختار نفسها وبين أن تختار زوجها والتخيير ينافي اللزوم ومن
صفته انه إذا خرج الامر من يدها لا يعود الامر إلى يدها بذلك الجعل أبدا وليس لها أن تختار الا مرة واحدة لان قوله
أمرك بيدك لا يقتضى التكرار الا إذا قرن به ما يقتضى التكرار بأن قال أمرك بيدك كلما شئت فيصير الامر
بيدها في ذلك وغيره ولها ان تطلق نفسها في كل مجلس تطليقة واحدة حتى تبين بثلاث لان كلمة كلما تقتضي تكرار
الافعال قال الله تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها وقال كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله
فيقتضى تكرار التمليك عند تكرار المشيئة الا أنها لا تملك أن تطلق نفسها في كل مجلس الا تطليقة واحدة لأنه يصير
قائلا لها في كل مجلس أمرك بيدك فإذا اختارت فقد انتهى موجب ذلك التمليك ثم يتجدد لها الملك بتمليك آخر في
مجلس آخر عند مشيئة أخرى إلى أن يستوفى ثلاث تطليقات فان بانت بثلاث تطليقات ثم تزوجت بزوج آخر
وعادت إلى الزوج الأول فلا خيار لها لأنها إنما تملك تطليق نفسها بتمليك الزوج والزوج إنما ملكها ما كان يملك بنفسه
وهو إنما كان يملك بنفسه طلقات ذلك الملك القائم لا طلقات ملك لم يوجد فما لا يملك بنفسه كيف يملكه غيره وان بانت
بواحدة أو اثنتين ثم تزوجت بزوج آخر ثم عادت فلها أن تشاء الطلاق مرة بعد أخرى حتى تستوفى الثلاث في قول
أبي حنيفة وأبى يوسف خلافا لمحمد وهو قول الشافعي بناء على أن الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث من التطليقات
وقد ذكرنا المسألة فيما تقدم بخلاف ما إذا قال لها أمرك بيدك إذا شئت أو إذا ما شئت أو متى شئت أو متى ما شئت أن
لها الخيار في المجلس أو غيره لكنها لا تملك أن تختار الا مرة واحدة فإذا اختارت مرة لا يتكرر لها الخيار في ذلك لان
إذا ومتى لا تفيد التكرار وإنما تفيد مطلق الوقت كأنه قال لها اختياري في أي وقت شئت فكان لها الخيار في المجلس
وغيره لكن مرة واحدة فإذا اختارت مرة واحدة انتهى موجب التفويض بخلاف الفصل الأول لان كلما يقتضى
تكرار الافعال فيتكرر التفويض عند تكرار المشيئة والله أعلم وأما بيان ما يصلح جواب جعل الامر باليد من الألفاظ
وما لا يصلح وبيان حكمه إذا وجد فالأصل فيه أن كل ما يصلح من الألفاظ طلاقا من الزوج يصلح جوابا من المرأة
وما لا فلا الا في لفظ الاختيار خاصة فإنه لا يصلح طلاقا من الزوج ويصلح جوابا من المرأة في الجملة بخلاف الأصل
لان التفويض من الزوج تمليك الطلاق منها فما يملكه بنفسه يملك تمليكه من غيره وما لا فلا هو الأصل إذا عرف هذا
فنقول إذا قالت طلقت نفسي أو أبنت نفسي أو حرمت نفسي يكون جوابا لان الزوج لو أتى بهذه الألفاظ كان طلاقا
وكذا إذا قالت أنا منك بائن أو أنا عليك حرام لان الزوج لو قال لها أنت مني بائن أو أنت على حرام كان طلاقا وكذا
إذا قالت لزوجها أنت منى بائن أو أنت على حرام لان الزوج لو قال لها ذلك كان طلاقا ولو قالت أنا بائن ولم تقل منك أو
قالت أنا حرام ولم تقل عليك فهو جواب لان الزوج لو قال لها أنت بائن أو أنت حرام ولم يقل منى وعلى كان طلاقا ولو
قالت لزوجها أنت بائن ولم تقل منى أو قالت لزوجها أنت حرام ولم تقل على فهو باطل لان الزوج لو قال لها أنا بائن أو
أنا حرام لم يكن طلاقا ولو قالت أنا منك طالق فهو جواب لأنه لو قال لها أنت طالق منى كان طلاقا وكذا لو قالت لزوجها
أنا طالق ولم تقل منك لان الزوج لو قال أنت طالق ولم يقل منى كان طلاقا ولو قالت لزوجها أنت مني طالق لم يكن جوابا
لان الزوج لو قال لها أنا منك طالق لم يكن طلاقا عندنا خلافا للشافعي ولو قالت اخترت نفسي كان جوابا وان لم يكن هذا
اللفظ من الزوج طلاقا وانه حكم ثبت شرعا بخلاف القياس بالنص واجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما نذكر إن شاء الله
تعالى وأما الواقع بهذه الألفاظ التي تصلح جوابا فطلاق واحد بائن عندنا إن كان التفويض مطلقا عن قرينة
الطلاق بان قال لها أمرك بيدك ولم ينو الثلاث اما وقوع الطلقة الواحدة فلانه ليس في التفويض ما ينبئ عن العدد
وأما كونها بائنة فلأن هذه الألفاظ جواب الكناية والكنايات على أصلنا منبيات ولان قوله أمرك بيدك جعل
أمرها نفسها بيدها فتصير عند اختيارها نفسها مالكة نفسها وإنما تصير مالكة نفسها بالبائن لا بالرجعي وان قرن به ذكر
الطلاق بان قال أمرك بيدك في تطليقة فاختارت نفسها فهي واحدة تملك الرجعة لأنه فوض إليها الصريح حيث
117

نص عليه وبه تبين أنه ما ملكها نفسها وإنما ملكها التطليقة وخيرها بين الفعل والترك عرفنا ذلك بنص كلامه بخلاف
ما إذا أطلق لأنه لما أطلق فقد ملكها نفسها ولا تملك نفسها الا بالبائن ولو قال أمرك بيدك ونوى الثلاث فطلقت نفسها
ثلاثا كان ثلاثا لأنه جعل أمرها بيدها مطلقا فيحتمل الواحد ويحتمل الثلاث فإذا نوى الثلاث فقد نوى ما يحتمله
مطلق الامر فصحت نيته وان نوى اثنتين فهي واحدة عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر وقد ذكرنا المسألة فيما تقدم وكذا
إذا قالت طلقت نفسي أو اخترت نفسي ولم تذكر الثلاث فهي ثلاث لأنه جواب تفويض الثلاث فيكون ثلاثا وكذا
إذا قالت ابنت نفسي أو حرمت نفسي وغير ذلك من الألفاظ التي تصلح جوابا ولو قالت طلقت نفسي واحدة أو
اخترت نفسي بتطليقة فهي واحدة بائنة لأنه لما نوى ثلاثا فقد فوض إليها الثلاث وهي أتت بالواحدة فيقع واحدة كما
لو قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت نفسها واحدة فتكون بائنة لأنه ملكها نفسها ولا تملك نفسها الا بالبائن ولو قالت
اخترت نفسي بواحدة فهو ثلاث فرقا بينه وبين قولها طلقت نفسي واحدة وجه الفرق أن معنى قولها بواحدة أي بمرة
واحدة وهي عبارة عن توحد فعل الاختيار على وجه لا يحتاج بعده إلى اختيار آخر وانقطاع العلقة بينهما بالكلية
بحيث لا يبقى بينهما أمر بعد ذلك وذلك أنما يكون بالثلاث بخلاف قولها طلقت نفسي واحدة لأنها جعلت التوحد
هناك صفة المختار وهو الطلاق لا صفة فعل الاختيار فهو الفرق بين الفصلين والله أعلم
(فصل) وأما قوله اختاري فالكلام فيه يقع فيما ذكرنا من المواضع في الامر باليد والجواب فيه كالجواب في الامر
باليد في جميع ما وصفنا لان كل واحدة منهما تمليك الطلاق من المرأة وتخييرها بين أن تختار نفسها أو زوجها لا يختلفان
الا في شيئين أحدهما أن الزوج إذا نوى الثلاث في قوله أمرك بيدك يصح وفي قوله اختاري لا يصح نية الثلاث
والثاني ان في اختاري لابد من ذكر النفس في أحد الكلامين اما في تفويض الزوج واما في جواب المرأة بأن يقول
لها اختاري نفسك وتقول اخترت أو يقول لها اختاري فتقول اخترت نفسي أو ذكر الطلاق في كلام الزوج أو
في كلام المرأة بأن يقول لها اختاري فقول اخترت الطلاق أو ذكر ما يدل على الطلاق وهو تكرار التخيير من الزوج
بأن يقول لها اختاري اختاري فتقول اخترت أو ذكر الاختيارة في كلام الزوج أو في كلام المرأة بأن يقول لها الزوج
اختاري اختيارة فتقول المرأة اخترت اختيارة وإنما كان كذلك لان القياس في قوله اختاري أن لا يقع به شئ
وان اختارت لأنه ليس من ألفاظ الطلاق لغة ألا ترى ان الزوج لا يملك ايقاع الطلاق بهذا اللفظ فان من قال
لامرأته اخترت نفسي لا تطلق فإذا لم يملك ايقاع الطلاق بهذا اللفظ بنفسه فكيف يملك تفويضه إلى غيره الا أنه
جعل من ألفاظ الطلاق شرعا بالكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقوله تعالى يا أيها النبي قل لأزواجك ان كنتن
تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا إلى قوله أجرا عظيما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه
وسلم بتخيير نسائه بين اختيار الفراق والبقاء على النكاح والنبي صلى الله عليه وسلم خيرهن على ذلك ولو لم تقع الفرقة
به لم يكن للامر بالتخيير معنى وروى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير
أزواجه بدأ بي فقال يا عائشة انى ذاكر لك أمرا فلا عليك أن تعجلي حتى تستأمري أبويك قالت وقد علم الله تعالى ان
أبوى لم يكونا ليأمراني بفراقه قالت فقرأ يا أيها النبي قل لأزواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن
وأسرحكن سراحا جميلا إلى قوله أجرا عظيما فقلت أفي هذا أستأمر أبوى فانى أريد الله ورسوله والدار الآخرة وفي
بعض الروايات فقالت بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة وفعل سائر أزواجه مثل ما فعلت فدل انه يوجب
اختيار التفريق والبقاء على النكاح وأما الاجماع فإنه روى عن جماعة من الصحابة مثل عمر وعثمان وعلي وعبد الله بن
مسعود وعبد الله بن عمر وجابر وعائشة رضي الله عنهم ان المخيرة إذا اختارت نفسها في مجلسها وقع الطلاق وكذا
شبهوا أيضا هذا الخيار بالخيارات الطارئة على النكاح وهو خيار المعتقة وامرأة العنين وتقع الفرقة بذلك الخيار فكذا
بهذا وكذا اختلفوا في كيفية الواقع على ما نذكر وذلك دليل أصل الوقوع إذ الكيفية من باب الصفة والصفة تستدعى
118

وجود الموصوف فثبت كون هذا اللفظ من ألفاظ الطلاق بالشرع فيتبع مورد الشرع والشرع ورد به مع قرينة
الفراق نصا أو دلالة أو قرينة النفس فان اختيار الفراق مضمر في قوله تعالى ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها بدليل
ما يقابله وهو قوله وان كنتن تردن الله ورسوله فدل على اضمار اختيار الفراق كأنه قال إن كنتن تردن الحياة الدنيا
وزينتها مع اختيار فراق الرسول صلى الله عليه وسلم فكان ذلك تخييرا لهن بين ان يخترن الحياة الدنيا وزينتها مع
اختيار فراق الرسول صلى الله عليه وسلم وبين ان يخترن الله ورسوله والدار الآخرة فكن مختارات للطلاق
لو اخترن الدنيا أو كان اختيارهن الدنيا وزينتها اختيار الفراق ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن معه
الدنيا وزينتها والصحابة رضي الله عنهم جعلوا للمخيرة المجلس وقالوا إذا اختارت نفسها في مجلسها وقع الطلاق عليها
فهذا مورد الشرع في هذا اللفظ فيقتصر حكمه على مورد الشرع فإذا قال لها اختاري فقال اخترت لا يقع به شئ
لأنه ليس في معنى مورد الشرع فيبقى الامر فيه على أصل القياس فلا يصلح جوابا ولان قوله اختاري معناه اختاري
إياي أو نفسك فإذا قالت اخترت فلم تأت بالجواب لأنها لم تختر نفسها ولا زوجها لم يقع فيه شئ وإذا قال لها اختاري
نفسك فقالت اخترت فهذا جواب لأنها أخرجته مخرج الجواب كقوله اختاري نفسك فينصرف إليها كأنها قالت
اخترت نفسي وكذا إذا قال لها اختاري فقالت اخترت نفسي لما ذكرنا ان معنى قوله اختاري أي اختاري إياي
أو نفسك وقد اختارت نفسها فقد أتت بالجواب وكذا لو قالت أختار نفسي يكون جوابا استحسانا والقياس ان لا يكون
جوابا لان قولها أختار يحتمل الحال ويحتمل الاستقبال فلا يكون جوابا مع الاحتمال وجه الاستحسان ان صيغة
افعل موضوعة للحال وإنما تستعمل للاستقبال بقرينة السين وسوف على ما عرف في موضعه وكذا إذا قال
اختاري اختاري فقالت اخترت فيكون جوابا وان لم يوجد ذكر النفس من الجانبين جميعا لان تكرار الاختيار
دليل إرادة اختيار الطلاق لأنه هو الذي يقبل التعدد كأنه قال اختاري الطلاق فينصرف الجواب إليه وكذا إذا قال
اختاري اختيارة فقالت اخترت اختيارة فهو جواب لان قوله اختيارة يفيد معنيين أحدهما تأكيد الامر والثاني
معنى التوحد والتفرد فالتقييد بما يوجب التفرد يدل على أنه أراد به التخيير فيما يقبل التعدد وهو الطلاق وإذا قال
لها اختاري الطلاق فقالت اخترت فهو جواب لأنه فوض إليها اختيار الطلاق نصا فينصرف الجواب إليه وكذا
إذا قال لها اختاري فقالت اخترت الطلاق لان معنى قوله اختاري أي اختاري إياي أو نفسك فإذا قالت اخترت
الطلاق فقد اختارت نفسها فكان جوابا ولو قال لها اختاري فقالت اخترت أبى وأمي أو أهلي والأزواج فالقياس
ان لا يكون جوابا ولا يقع به شئ وفي الاستحسان يكون جوابا وجه القياس انه ليس في لفظ الزوج ولا في لفظ المرأة
ما يدل على اختيارها نفسها فلا يصلح جوابا وجه الاستحسان ان في لفظها ما يدل على الطلاق لأن المرأة بعد الطلاق
تلحق بأبويها وأهلها وتختار الأزواج عادة فكان اختيارها هؤلاء دلالة على اختيارها الطلاق فكأنها قالت اخترت
الطلاق (وأما) الواقع بهذه الألفاظ فإن كان التخيير واحدا ولم يذكر الثلاث في التخيير فلا يقع الاطلاق واحد
وان نوى الثلاث في التخيير ويكون بائنا عندنا إن كان التفويض مطلقا عن قرينة الطلاق وقال الشافعي إذا أراد الزوج
بالتخيير الطلاق فاختارت نفسها ونوت الطلاق يقع واحدة رجعية وهذا مذهبه في الامر باليد أيضا وقد اختلفت
الصحابة رضي الله عنهم فيمن خير امرأته فاختارت زوجها أو اختارت نفسها قال بعضهم ان اختارت زوجها لا يقع
شئ وهو قول عمر وعبد الله بن مسعود وأبى الدرداء وزيد بن ثابت رضي الله عنهم وروى عن علي رضي الله عنه
انها إذا اختارت زوجها يقع تطليقة رجعية والترجيح لقول الأولين لما روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت
خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعد ذلك طلاقا وعن مسروق عن عائشة رضي الله عنها انها سئلت
عن الرجل يخير امرأته يكون طلاقا فقالت خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان طلاقا ولان التخيير اثبات
الخيار في الفراك والبقاء على النكاح واختيارها زوجها دليل الاعراض عن ترك النكاح والاعراض عن
119

ترك النكاح استبقاء النكاح فكيف يكون طلاقا ولو اختارت نفسها قال بعضهم هي واحدة بائنة وهو احدى
الروايتين عن علي وقال بعضهم هي واحدة رجعية وقال زيد بن ثابت رضي الله عنه إذا اختارت نفسها فهو
ثلاث والترجيح لقول من يقول يقع بائنا رجعيا ولا ثلاثا أما وقوع البائن فلان الزوج خيرها بين ان تختار نفسها
لنفسها وبين ان تختار نفسها لزوجها فإذا اختارت نفسها لنفسها لو كان الواقع رجعيا لم يكن اختيارها نفسها
لنفسها بل لزوجها إذ لزوجها ان يراجعها شاءت أو أبت وأما عدم وقوع الثلاث وان وجدت نية الثلاث في التخيير
فلما ذكرنا ان القياس لا يقع بالاختيار شئ لأنه ليس من ألفاظ الطلاق وإنما جعل طلاق بالشرع ضرورة صحة
التخيير وحق الضرورة يصير مقضيا بالواحدة البائنة وإن كان التفويض مقرونا بذكر الطلاق بان قال لها
اختاري الطلاق فقالت اخترت الطلاق فهي واحدة رجعية لأنه لما صرح بالطلاق فقد خيرها بين نفسها بتطليقة
رجعية وبين رد التطليقة كما في قوله أمرك بيدك فان ذكر الثلاث في التخيير بان قال لها اختاري ثلاثا فقالت
اخترت يقع الثلاث لان التنصيص على الثلاث دليل إرادة اختيار الطلاق لأنه هو الذي يتعدد فقولها اخترت
ينصرف إليه فيقع الثلاث ولو كرر التخيير بان قال لها اختاري اختاري ونوى بكل واحدة منهما الطلاق فقالت
اخترت يقع ثنتان لان كل واحدة منهما تخيير تام بنفسه لوجود ركنه وشرطه وهو النية والثاني لا يصلح تفسير الأول
لان الشئ لا يفسر بنفسه ولا يصلح جوابا أيضا ولا علة ولا حكما للأول فيكون كلاما مبتدأ والتكرار دليل إرادة
الطلاق فقولها اخترت يكون جوابا لهما جميعا والواقع بكل واحد منهما طلاق بائن فيقع تطليقتان بائنتان وكذلك إذا
ذكر الثاني بحرف الصلة بان قال لها اختاري واختاري أو قال اختاري فاختاري لان الواو والفاء من حروف
العطف الا ان الفاء قد تذكر في موضع العلة وقد تذكر في موضع الحكم كما يقال ابشر فقد أتاك الغوث ويقال قد
أتاك الغوث فأبشر لكن ههنا لا تصلح علة ولا حكما فتكون للعطف والمعطوف غير المعطوف عليه هو الأصل ولو قال
لها اختاري اختاري اختاري أو قال اختاري واختاري واختاري أو قال اختاري فاختاري فاختاري فقالت
اخترت فهي ثلاث لما قلنا ولو قال لها اختاري اختاري اختاري فقال اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة فهو
ثلاث في قول أبي حنيفة وعندهما يقع واحدة وجه قولها انها ما أوقعت الا واحدة فلا يقع الا واحدة لان الوقوع
باختيارها ولم يوجد منها الا اختيار واحدة فلا يقع به الزيادة على الواحدة كما لو قال لها اختاري ثلاثا فقالت اخترت
واحدة ولأبي حنيفة ان الزوج ملكها الثلاث جملة والثلاث جملة ليس فيها أولى ولا وسطى ولا أخيرة فقولها
اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة يكون لغوا فيبطل تعيينها ويبقى قوله اخترت وانه يصلح جواب الكل وعلى
هذا الخلاف إذا قال لها اختاري واختاري واختاري أو قال لها اختاري فاختاري فاختاري فقالت اخترت
الأولى أو الوسطى أو الأخيرة ولو قال لها اختاري اختاري اختاري أو ذكر التخييرين بحرف الواو أو بحرف
الفاء فقالت قد اخترت اختيارة فهو ثلاث في قولهم جميعا لان معناه اخترت الكل مرة فيقع الثلاث وان لم يوجد ذكر
النفس من الجانبين جميعا لما ذكرنا ان التكرار من الزوج دليل إرادة اختيار الطلاق وكذا إذا قالت اخترت
الاختيارة أو قالت اخترت مرة أو بمرة أو دفعة أو بدفعة أو بواحدة فهو ثلاث لما قلنا ولو قالت قد طلقت نفسي
واحدة أو اخترت نفسي بتطليقة فهي واحدة بائنة لما ذكرنا في الامر باليد ولو قال لها اختاري اختاري اختاري
بألف درهم فقالت اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة فهو ثلاث وعليها ألف درهم في قول أبي حنيفة وعند أبي
يوسف ومحمد لا يقع الا واحدة غير أنها ان اختارت نفسها بالأخيرة كانت تطليقة واحدة وعليها ألف درهم وان
اختارت نفسها بالأولى أو بالوسطى كانت واحدة ولا شئ عليها والأصل عند أبي حنيفة ان تعيين الأولى
أو الوسطى أو الأخيرة لغو لأنه ملكها الثلاث جملة والثلاث المملكة جملة ليس لها أولى ولا وسطى ولا
أخيرة فكان التعيين ههنا لغوا فبطل التعيين وبقى قولها اخترت ولو قالت اخترت طلقت ثلاثا وعليها الألف كذا
120

هذا والأصل عندهما ان اختيار الأولى أو الوسطى أو الأخيرة صحيح ولا يقع الا واحدة غير أنهما يقولان لا يلزمها
الألف الا إذا اختارت الأخيرة لان كل واحد من التخييرات تخيير على حدة لأنه كلام تام بنفسه ولم يذكر معه
حرف الجمع فيجعل الكل كلاما واحدا فبقي كل واحد منهما تخييرا تاما بنفسه فيعطى لكل واحد منهما حكم نفسه
والبدل لم يذكر الا في التخيير الأخير فلا يجب الا باختيار الأخيرة ولو ذكر حرف الواو أو حرف الفاء فقال اختاري
واختاري واختاري بألف درهم أو قال اختاري فاختاري فاختاري بألف درهم فقالت اخترت الأولى أو
الوسطى أو الأخيرة فعند أبي حنيفة لا يختلف الجواب فتطلق ثلاثا وعليها ألف درهم لما ذكرنا وعندهما لا يقع الطلاق
في هذه الصورة لأنه لما جمع بين التخييرات الثلاث بحرف الجمع جعل الكل كلاما واحدا وقد أمرها أن تحرم نفسها
عليه بألف درهم فلا تملك التحريم بأقل من ذلك كما إذا قال لها طلقي نفسك ثلاثا بألف درهم فطلقت نفسها واحدة انه
لا يقع شئ لما قلنا كذا هذا والله أعلم بالصواب
(فصل) وأما قوله أنت طالق ان شئت فهو مثل قوله اختاري في جميع ما وصفنا لان كل واحد منهما تمليك
الطلاق الا ان الطلاق ههنا رجعي وهناك بائن لان المفوض ههنا صريح وهناك كناية وكذا إذا قال لها أنت طالق ان
أحببت أو رضيت أو هويت أو أردت لأنه علق الطلاق بفعل من أفعال القلب فكان مثل قوله إن شئت وكذا إذا
قال لها أنت طالق حيث شئت أو أين شئت أو أينما شئت أو حيثما شئت فهو مثل قوله إن شئت لان حيث وأين
اسم مكان وما وصلة فيهما ولا تعلق للطلاق بالمكان فيلغو ذكرهما لعدم الفائدة ويبقى ذكر المشيئة فصار كأنه قال لها
أنت طالق ان شئت وكذا إذا قال لها أنت طالق كم شئت أو ما شئت غير أن لها ان تطلق نفسها في المجلس ما شاءت
واحدة أو ثنتين أو ثلاثا لان كلمة كم للقدر وقدر الطلاق هو العدد والعدد هو الواقع وكذا كلمة ما في مثل هذا الموضع
تذكر لبيان القدر ويقال كل من طعامي ما شئت أي القدر الذي شئت ولو قال لها أنت طالق إذا شئت أو إذا ما شئت
أو متى شئت أو متى ما شئت فلها ان تطلق نفسها في أي وقت شاءت في المجلس أو بعده وبعد القيام عنه لما مر وليس
لها أن تطلق نفسها الا واحدة لأنه ليس في هذه الألفاظ ما يدل على التكرار على ما مر بخلاف قوله أنت طالق كلما
شئت فان لها أن تطلق نفسها مرة بعد أخرى حتى تطلق نفسها ثلاثا لان المعلق بالمشيئة وإن كان واحدا وهو الثابت
مقتضى قوله أنت طالق وهو الطلاق لكنه علق المشيئة بكلمة كلما وانها تقتضي تكرار الافعال فيتكرر المعلق
بتكرر الشرط وإذا وقع الثلاث عند المشيئات المتكررة يبطل التعليق عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر حتى لو تزوجت
بزوج آخر ثم عادت إلى الزوج الأول فطلقت نفسها لا يقع شئ وليس لها ان تطلق نفسها ثلاثا في كلمة واحدة
لما ذكرنا فيما تقدم ولان المعلق بكل مشيئة والمفوض إليها تطليقة واحدة وهي البائنة مقتضى قوله أنت طالق فلا تملك
الثلاث ولو قال أنت طالق كيف شئت طلقت للحال تطليقة واحدة بقوله أنت طالق في قول أبي حنيفة وعند أبي
يوسف ومحمد لا يقع عليها شئ ما لم تشأ والحاصل ان عند أبي حنيفة في قوله أنت طالق كيف شئت لا يتعلق أصل
الطلاق بالمشيئة بل المعلق بالمشيئة صفة الواقع وتتقيد مشيئتها بالمجلس وعندهما تتعلق بالأصل والوصف بالمشيئة
وتتقيد مشيئتها بالمجلس وجه قولهما ان الكيفية من باب الصفة وقد علق الوصف بالمشيئة وتعليق الوصف بالمشيئة
تعليق الأصل بالمشيئة لاستحالة وجود الصفة بدون الموصوف وإذا تعلق أصل الطلاق بالمشيئة لا ينزل ما لم توجد
المشيئة ولأبي حنيفة ان الزوج بقوله أنت طالق كيف شئت أوقع أصل الطلاق للحال وفوض تكييف الواقع إلى
مشيئتها لان الكيفية للموجود لا للمعدوم إذ المعدوم لا يحتمل الكيفية فلابد من وجود أصل الطلاق لتتخير هي في
الكيفية ولهذا قال بعض المحققين في تعليل المسألة لأبي حنيفة ان الزوج كيف المعدوم والمعدوم لا يكيف فلابد من
الوجود ومن ضرورة الوجود الوقوع ثم إذا شاءت في مجلسها فإن لم ينو الزوج البينونة ولا الثلاث فشاءت واحدة بائنة
أو ثلاثا كان ما شاءت لان الزوج فوض الكيفية إليها فان نوى الزوج البينونة أو الثلاث فإذا وافقت مشيئتها نية
121

الزوج بان قالت في مجلسها شئت واحدة بائنة أو ثلاثا وقال الزوج ذلك نويت فهي واحدة بائنة أو ثلاث لان الزوج
لو لم تكن منه نية فقالت شئت واحدة بائنة أو ثلاثا كان الواقع ما شاءت فإذا وافقت مشيئتها نية الزوج أولى وان خالفت
مشيئتها نية الزوج بان قالت شئت ثلاثا وقال الزوج نويت واحدة لا يقع بهذه المشيئة شئ آخر في قول أبي حنيفة
سوى تلك الواحدة الواقعة بقوله أنت طالق الا إذا قالت شئت واحدة ثانية فتصير تلك الطلقة ثانية لما قلنا وعندهما يقع
واحدة بمشيئتها بناء على أن المذهب عند أبي حنيفة أنه إذا قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لا يقع شئ
وعندهما يقع واحدة وسنذكر أصل المسألة في موضعها إن شاء الله تعالى ولو قالت شئت واحدة وقال الزوج نويت
الثلاث لا يقع بهذه المشيئة شئ في قولهم جميعا لان المذهب عندهم أنه إذا قال لها طلقي نفسك ثلاثا ان شئت فطلقت
نفسها واحدة لا يقع شئ لما ذكرنا في الفصل الذي يليه الا ان عند أبي حنيفة قد وقعت طلقة واحدة بقوله أنت طالق
حال وجوده وان لم تشأ المرأة شيئا حتى قامت من مجلسها ولا نية للزوج أو نوى واحدة فهي واحدة يملك الرجعة في
قول أبي حنيفة لأنها أقل وهي متيقن بها وعندهما لا يقع شئ وان شاءت لخروج الامر عن يدها ولو قال لها أنت طالق
ان شئت فقال شئت إن كان كذا فان علقت بشئ موجود نحو ما إذا قالت إن كان هذا ليلا أو نهارا وإن كان هذا
أبى أو أمي أو زوجي ونحو ذلك يقع الطلاق لان هذا تعليق بشرط كائن والتعليق بشرط كائن تنجيز وان علقت بشئ
غير موجود فقالت شئت ان شاء فلان يخرج الامر من يدها حتى لا يقع شئ وان شاء فلان لأنه فوض إليها
التنجيز وهي أبت بالتعليق والتنجيز غير التعليق لان التنجيز تطليق والتعليق يمين فلم تأت بما فوض إليها وأعرضت
عنه لاشتغالها بغيره فيبطل التفويض ولو قال لها أنت طالق ان شاء فلان يتقيد بمجلس علم فلان فان شاء في مجلس
علمه وقع الطلاق وكذلك إذا كان غائبا وبلغه الخبر يقتصر على مجلس علمه لان هذا تمليك الطلاق فيتقيد بالمجلس
بخلاف ما إذا قال لها أنت طالق ان دخل فلان الدار أنه يقع الطلاق إذا وجد الشرط في أي وقت وجد ولا يتقيد
بالمجلس لان ذلك تعليق الطلاق بالشرط والتعليق لا يتقيد بالمجلس لان معناه ايقاع الطلاق في زمان ما بعد الشرط
فيقف الوقوع على وقت وجود الشرط ففي أي وقت وجد يقع الله عز وجل أعلم
(فصل) وأما قوله طلقي نفسك فهو تمليك عندنا سواء قيده بالمشيئة أو لا ويقتصر على المجلس كقوله أنت طالق ان
شئت وعند الشافعي هو توكيل ولا يقتصر على المجلس قيد بالمشيئة أو لم يقيده وأجمعوا على أن قوله لأجنبي طلق
امرأتي توكيل ولا يتقيد بالمجلس وهو فصل التوكيل فان قيده بالمشيئة بان قال له طلق امرأتي ان شئت فهذا تمليك
عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر هو توكيل فوقع الخلاف في موضعين أما الكلام مع الشافعي فوجه قوله أنه لو أضاف
الامر بالتطليق إلى الأجنبي ولم يقيده بالمشيئة كان توكيلا بالاجماع فكذا إذا أضافه إلى المرأة ولم يقيده بالمشيئة
لأنه لم يختلف الا الشخص والصيغة لا تختلف باختلاف الشخص وكذا إذا قيد بالمشيئة لان التقييد بالمشيئة
والسكوت عنه بمنزلة واحدة لأنها تطلق نفسها بمشيئتها واختيارها إذ هي غير مضطرة في ذلك فكان ذكر المشيئة
لغوا فكان ملحقا بالعدم فيبقى قوله طلقي نفسك وانه توكيل لما ذكرنا فلا يتقييد بالمجلس كما في الأجنبي ولنا لبيان ان
قوله لامرأته طلقي نفسك تمليك وجوه ثلاثة أحدها ان المتصرف عن ملك هو الذي يتصرف برأيه وتدبيره واختياره
والمرأة بهذه الصفة فكانت متصرفة عن ملك فكان تفويض التطليق إليها تمليكا بخلاف الأجنبي لان ثمة الرأي
والتدبير للزوج والاختيار له فكان إضافة الامر إليه توكيلا لا تمليكا والثاني أن المتصرف عن ملك هو الذي يتصرف
لنفسه والمتصرف عن توكيل هو الذي يتصرف لغيره والمرأة عاملة على نفسها لأنها بالتطليق ترفع قيد الغير عن نفسها فكانت
متصرفة عن ملك فأما الأجنبي فإنه عامل لغيره لا لنفسه لان منفعة علمه عائدة إلى غيره فكان متصرفا عن توكيل وامر
لا عن ملك الثالث أن قوله لامرأته طلقي نفسك لا يمكن ان يجعل توكيلا لان الانسان لا يصلح أن يكون وكيلا في
حق نفسه فلم يمكن ان تجعل وكيلة في حق تطليق نفسها ويمكن ان تجعل مالكة للطلاق بتمليك الزوج فتعين حمله على
122

التمليك بخلاف الأجنبي لأنه بالتطليق يتصرف في حق الغير والانسان يصلح وكيلا في حق غيره والله الموفق
وأما الكلام مع زفر فوجه قوله إنه لو أطلق الكلام لكان توكيلا فكذا إذا قيده بالمشيئة لما مر أن التقييد فيه
والاطلاق على السواء لأنه إذا طلق طلق عن مشيئة ولا محالة لكونه مختارا في التطليق غير مضطر فيه ولنا وجه الفرق
بين المطلق والمقيد وهو ان الأجنبي في المطلق فيتصرف برأي الغير وتدبيره ومشيئته فكان توكيلا لا تمليكا وأما في
المقيد فإنما يتصرف عن رأى نفسه وتدبير نفسه ومشيئته وهذا معنى المالكية وهو التصرف عن مشيئته وهذا فرق
واضح بحمد الله تعالى (وأما) قوله التقييد بالمشيئة وعدمه سواء لأنه متى طلق طلق عن مشيئة فممنوع انهما سواء
وانه متى طلق طلق عن مشيئة فان المشيئة تذكر ويراد بهما اختيار الفعل وتركه وهو المعنى الذي ينفى الغلبة والاضطرار
وهو المعنى بقولنا المعاصي بمشيئة الله تعالى فان الله تعالى يتولى تخليق أفعال العباد والله تعالى غير مغلوب ولا مضطر
في فعله وهو التخليق بل هو مختار وتذكر ويراد بها اختيار الايثار يقال إن شئت فعلت كذا وان شئت لم افعل
أي ان شئت آثرت الفعل وان شئت آثرت الترك على الفعل وهو المعنى من قولنا المكره ليس بمختار والمراد
من المشيئة المذكورة ههنا هو اختيار الايثار لا اختيار الفعل وتركه لأنا لو حملناه عليه للغا كلامه ولو حملناه على
اختيار الايثار لم يلغ وصيانة كلام العاقل عن اللغو واجب عند الامكان واختيار الايثار في التمليك لا في التوكيل
لما ذكرنا ان الوكيل يعمل عن رأى الموكل وتدبيره وإنما يستعير منه العبارة فقط فكان الايثار من الموكل لا من الوكيل
وأما المملك فإنما يعمل برأي نفسه وتدبيره وايثاره لا بالملك فكان التقييد بالمشيئة مفيدا والأصل أن التوكيل لغة
هو الإنابة والتفويض هو التسليم بالكلية لذلك سمى مشايخنا الأول توكيلا والثاني تفويضا وإذا ثبت ان المقيد
بالمشيئة تمليك والمطلق توكيل والتمليك يقتصر على المجلس لما ذكرنا ان المملك إنما يملك بشرط الجواب في
المجلس لأنه إنما يملك الخطاب وكل مخلوق خاطب غيره يطلب جواب خطابه في المجلس فلا يملك نهيه عنه لما مر ثم
التوكيل لا يقتصر على المجلس لان الوكيل لا يمكنه القيام بما وكل بتحصيله في المجلس ظاهرا وغالبا لان التوكيل في
الغالب يكون بشئ لا يحضره الموكل ويفعل في حال غيبته لأنه إذا كان حاضرا يستغنى بعبارة نفسه عن استعارة عبارة
غيره فلو تقيذ التوكيل بالمجلس لخلا عن العاقبة الحميدة فيكون سفها ويملك نهيه عنه لأنه وكيله فيملك عزله ولو أراد بقوله
طلقي نفسك ثلاثا فقد صار الثلاث بيدها لان معنى قوله إياها طلقي نفسك أي حصلي طلاقا والمصدر يحتمل
الخصوص والعموم لأنه اسم جنس فإذا نوى به الثلاث فقد نوى ما يحتمله كلامه فصحت نيته ولو أراد به الثنتين
لا يصح لان لفظ المصدر لفظ واحدان والاثنان عدد لا توحد فيه أصلا على ما بينا فيما تقدم وان لم يكن له نية تنصرف
إلى الواحد لأنه متيقن به ولان الامر المطلق بالفعل في الشاهد يصرف إلى ما هو المقصود من ذلك الفعل في المتعارف
ألا ترى أن من قال لغلامه اسق هذه الأرض وكانت الأرض لا تصلح للزراعة الا بثلاث مرات صار مأمورا
به وإن كانت تصلح بالسقي مرة واحدة صار مأمورا به ومن قال لغلامه اضرب هذا الذي استخف بي ينصرف
إلى ضرب يقع به التأديب عادة ويحصل به المقصود وهو الانزجار ومن أصابت ثوبه نجاسة فقال لجاريته اغسليه
لا تصير مؤتمرة الا بغسل محصل للمقصود وهو طهارة الثوب دل ان الامر المطلق في الشاهد ينصرف إلى ما هو
المقصود من الفعل في المتعارف والعرف والمقصود في قوله لامرأته طلقي نفسك مختلف فقد يقصد به الطلاق المبطل
للملك وقد يقصد به الطلاق المبطل لحل المحلية سد الباب التدارك فأي ذلك نوى انصرف إليه ثم إذا صحت نية
الثلاث فان طلقت نفسها ثلاثا أو اثنتين أو واحدة وقع لان الزوج ملكها الثلاث ومالك الثلاث له ان يوقع الثلاث
أو الاثنتين أو الواحدة كالزوج سواء بخلاف ما إذا قال لها أنت طالق ان شئت أو أردت أو رضيت أو إذا شئت أو
متى شئت أو متى ما شئت أو أين شئت أو حيث شئت ونحو ذلك ونوى الثلاث انه لا يصح لما مر ان قوله أنت طالق
صفة للمرأة وإنما يثبت الطلاق اقتضاء ضرورة صحة التسمية بكونها طالقا ولا ضرورة في قبول نية الثلاث فلا
123

يثبت في حقه ولو قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت نفسها واحدة فهي واحدة في قولهم جميعا لان الزوج ملكها الثلاث
ومالك الثلاث إذا أوقع واحدة تقع كالزوج وهذا لأنه لما ملكها الثلاث فقد ملكها الواحدة لأنها بعض الثلاث
وبعض المملوك يكون مملوكا ولو قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثا لم يقع شئ في قول أبي حنيفة وقال
أبو يوسف ومحمد يقع واحدة وجه قولهما انها أتت بما فوض الزوج إليها وزادت على القدر المفوض فيقع القدر
المفوض وتلغو الزيادة كما لو قال لها طلقي نفسك واحدة فقالت طلقت نفسي واحدة واحدة واحدة انه يقع واحدة
وتلغو الزيادة كذا هذا وكذا لو قال لها طلقي نفسك فقالت أبنت نفسي تقع واحدة رجعية وتلغو صفة البينونة لما
قلنا كذا هذا ولأبي حنيفة وجوه من الفقه أحدها انه لو وقعت الواحدة اما ان تقع بطريق الأصالة مقصودا أو
ضمنا أو ضرورة وقوع الثلاث لا سبيل إلى الأول لأنه لم يوجد ايقاع الواحدة بطريق الأصالة لانعدام لفظ
الواحدة ووجود لفظ آخر وكذا لم يوجد وقت وقوع الواحدة بطريق الأصالة لان ذلك عند قولها نفسي وسكوتها
عليه ووقت وقوعها مع الثلاث عند قولها ثلاثا ولا وجه للثاني لأنها لم تملك الثلاث إذ الزوج لم يملكها الثلاث فلا
تملك ايقاع الثلاث فلا يقع الثلاث فلا تقع الواحدة ضمنا لوقوع الثلاث فتعذر القول بالوقوع أصلا بخلاف ما إذا
قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت نفسها واحدة لان هناك ملكها الثلاث فملكت ايقاع الثلاث ومالك ايقاع الثلاث
يملك ايقاع الواحدة لان بعض المملوك مملوك وههنا بخلافه لما بينا وبخلاف ما إذا قال لها طلقي نفسك واحدة فقالت
طلقت نفسي واحدة واحدة واحدة لان ثم أوقعت الواحدة بطريق الأصالة لوجود لفظ الواحدة وقت وقوعها
بطريق الأصالة فوقعت واحدة بطريق الأصالة ثم اشتغلت بغيرها وهو غير مملوك لها فلغا وبخلاف ما إذا قال لها
طلقي نفسك فقالت قد أبنت نفسي لان هناك أوقعت ما فوض إليها بطريق الأصالة لان الإبانة من ألفاظ الطلاق
لغة على ما نذكر الا انها زادت على القدر المفوض صفة البينونة فلغت وبقى أصل الطلاق والثاني ان المرأة بقولها
طلقت نفسي ثلاثا أعرضت عما فوض الزوج إليها فيبطل التفويض ويخرج الامر من يدها كما إذا اشتغلت بأمر
آخر أو قامت عن مجلسها ودلالة انها أعرضت عما فوض إليها انه فوض إليها الواحدة وهي أتت بالثلاث والواحدة
من الثلاث ان لم تكن غير الثلاث ولان الثلاث غير الواحدة ذاتا لان الواحدة منها والشئ لا يكون غير نفسه لكنها
غير الواحدة لفظا وحكما ووقتا (أما) اللفظ فان لفظ الواحدة غير لفظ الثلاث وكذا حكمها غير حكم الثلاث
وأما الوقت فان وقت وقوع الواحدة غير وقت وقوع الثلاث لان الواحدة تقع عند قولها طلقت نفسي والثلاث
تقع عند قولها ثلاثا لما ذكرنا فيما تقدم ان العدد وهو الواقع على معنى انه متى اقترن بذكر الطلاق ذكر عدد لا يقع الطلاق
قبل ذكر العدد ويقف أول الكلام على آخره فصارت المرأة باشتغالها بذكر الثلاث لفظا معرضة عن الواحدة
لفظا وحكما ووقت وقوع الطلاق لصيرورتها مشتغلة بغير ما ملكت تاركة للمملوك والاشتغال بغير المملوك دليل
الاعراض عما ملكت والاعراض عن ما ملكت يوجب بطلان التمليك وخروج الامر عن يدها بخلاف ما إذا قال
لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت نفسها واحدة لان هناك ما أعرضت عما فوض إليها لأنه فوض إليها الثلاث وتفويض
الثلاث تفويض الواحدة لان التفويض تمليك وتملك الثلاث تمليك الواحدة لأنها من أجزاء الثلاث وجزء المملوك
مملوك فلم تصر باشتغالها بالواحدة مشتغلة بغير ما ملكت ولا تاركة للمملوك فاما تمليك الجزء فلا يكون تمليك الكل
فافترقا والثالث ان الزوج لم يملكها الا الواحدة المنفردة وما أتت بالواحدة المنفردة فلم تأت بما ملكها الزوج فلا يقع
شئ كلما لو قال لها طلقي نفسك فأعتقت عبده ولا شك ان الزوج لم يملكها الا الواحدة المنفردة لأنه نص على التوحد
والتوحد ينبئ عن التفرد في اللغة فكان المفوض إليها طلقة واحدة منفردة عن غيرها وهي وان أتت بالواحدة باتيانها
بالثلاث فما أتت بالواحدة المنفردة لأنها أتت بثلاث مجتمعة والثلاثة المجتمعة لا يوجد فيها واحدة منفردة لما فيه
من الاستحالة لتضاد بين الاجتماع والافتراق فلم تأت بما فوض إليها فلا يقع شئ بخلاف ما إذا قال لها طلقي نفسك ثلاثا
124

فطلقت نفسها واحدة لان هناك أتت بما فوض إليها لكنها زادت على القدر المفوض لأنه فوض إليها الثلاث مطلقا
عن صفة الاجتماع والافتراق ألا ترى انها لو طلقت نفسها ثلاثا متفرقة وقعت كما لو طلقت نفسها ثلاثا مجتمعة ولو كان
المفوض إليها الثلاث المجتمعة لما ملكت ايقاع الثلاث المتفرقة فإذا صارت الثلاث مطلقا مملوكة لها مجتمعة كانت
أو منفردة صارت كل واحدة من الطلقات الثلاث مملوكة لها منفردة كانت أو مجتمعة فإذا طلقت نفسها واحدة فقد
أتت بالمملوك ضرورة وهو الجواب عما إذا قال لها طلقي نفسك واحدة فقالت طلقت نفسي واحدة واحدة
واحدة انه يقع واحدة لأنها أتت بالمفوض وزيادة فيقع القدر المفوض وتلغو الزيادة وههنا ما أتت بالمفوض إليها
أصلا ورأسا فهو الفرق ولا يلزم ما إذا قال لها طلقي نفسك فقالت أبنت نفسي لان هناك أيضا أتت بالمفوض
إليها وزيادة لان الزوج فوض إليها أصل الطلاق وهي أتت بالأصل والوصف لان الإبانة من ألفاظ الطلاق على ما
نذكر فلغا الوصف وهو وصف البينونة وبقى الأصل وهو صريح الطلاق فتقع واحدة رجعية وذكر القدوري
عن أبي يوسف في هذه المسألة ان قياس قول أبي حنيفة أن لا يقع شئ وعلى هذا الخلاف الذي ذكرنا ما إذا قال
لها طلقي نفسك واحدة ان شئت فطلقت نفسها ثلاثا ولو قال لها طلقي نفسك ثلاثا ان شئت فطلقت نفسها
واحدة أو ثنتين لا يقع شئ في قولهم جميعا لأنه ملكها الثلاث بشرط مشيئتها الثلاث فإذا شاءت ما دون الثلاث
لم تملك الثلاث لوجود بعض شرط الملك والحكم المعلق بشرط لا يثبت عند وجود بعض الشرط ولو قال لها
طلقي نفسك من ثلاث ما شئت فلها أن تطلق نفسها واحدة وثنتين وليس لها أن تطلق نفسها ثلاثا في قول أبي حنيفة
وقال أبو يوسف ومحمد تطلق نفسها ثلاثا ان شاءت وجه قولهما ان كملة من في مثل هذا الموضع
تذكر لبيان الجنس فان من قال لغيره كل من هذا الرغيف ما شئت كان له أن يأكل كل الرغيف ولأبي حنيفة
ان كلمة ما كلمة عامة وكلمة من للتبعيض حقيقة فلابد من اعتبار المعنيين جميعا وذلك في أن يصير المفوض
إليها من الثلاث بعض له عموم وذلك اثنان فتملك ما فوض إليها وهو الثنتان وفي مسألة الرغيف صرفت كلمة من عن
حقيقتها إلى الجنس بدلالة الحال وهو أن الأصل في الطعام هو السماح دون الشح خصوصا في حق من قدم إليه ولو
قال لها طلقي نفسك ان شئت فقالت شئت لا يقع الطلاق ولو قال لها أنت طالق ان شئت يقع لان في الفصل
الأول أمرها بالتطليق فما لم تطلق لا يقع الطلاق ومشيئة التطليق لا تكون تطليقا وفي الفصل الثاني علق طلاقها
بمشيئتها وقد شاءت ولو قال لها طلقي نفسك فقالت أبنت نفسي طلقت واحدة تملك الرجعة وان قالت قد اخترت
نفسي لم تطلق ووجه الفرق ان قولها أبنت من ألفاظ الطلاق لان الإبانة قطع الوصلة لغة والطلاق رفع القيد لغة الا
أن عمل صريح الطلاق يتأخر شرعا في المدخول بها إلى ما بعد انقضاء العدة فكان بين اللفظين موافقة من حيث
الأصل فإذا قالت أبنت نفسي فقد أتت بالأصل وزادت صفة البينونة فتلغو الصفة ويبقى الأصل بخلاف قولها
اخترت لان الاختيار ليس من ألفاظ الطلاق لغة بدليل انه لو قال لامرأته اخترتك أو قال اخترت نفسي لا يقع
الطلاق وكذا إذا قالت المرأة طلقت نفسي أو أبنت نفسي وقف على إجازة الزوج ولو قالت اخترت نفسي لا يقف على
اجازته بل يبطل الا انه جعل من ألفاظ الطلاق شرعا بالنص واجماع الصحابة رضي الله عنهم عند خروجه جوابا
للتخيير وما في معناه وهو الامر باليد فلا يكون جوابا في غيره فيلغو وحكى عن القدوري قول أبى يوسف فقال قال أبو
يوسف إذا قال لها طلقي نفسك فقالت أبنت نفسي لا يقع شئ على قياس قول أبي حنيفة ووقع عندهما تطليقة رجعية
كأنها قالت أبنت نفسي بتطليقة ولم يذكر خلاف أبي حنيفة في الجامع الصغير ووجه الفرق ان بين هذه المسألة وبين
قوله طلقي نفسك واحدة على نحو ما بينا ولو قال لها طلقي نفسك تطليقة رجعية فطلقت نفسها بائنا أو قال لها
طلقي نفسك تطليقة بائنة فطلقت رجعية يقع ما أمر به الزوج لا ما أتت به لأنها إنما تملك تطليق نفسها بتمليك
الزوج لها فتملك ما ملكها الزوج وما أتت به موافق لما ملكها الزوج من حيث الأصل لان كل واحد منهما
125

من ألفاظ الطلاق وإنما خالفه من حيث الوصف فإذا وقع الأصل استتبع الوصف المملك فيقع ما فوض إليها والله
الموفق للصواب
(فصل) وأما الرسالة فهي أن يبعث الزوج طلاق امرأته الغائبة على يد انسان فيذهب الرسول إليها ويبلغها
الرسالة على وجهها فيقع عليها الطلاق لان الرسول ينقل كلام المرسل فكان كلامه ككلامه والله الموفق ومنها
عدم الشك من الزوج في الطلاق وهو شرط الحكم بوقوع الطلاق حتى لو شك فيه لا يحكم بوقوعه حتى لا يجب عليه
أن يعتزل امرأته لان النكاح كان ثابتا بيقين ووقع الشك في زواله بالطلاق فلا يحكم بزواله بالشك كحياة المفقود انها لما
كانت ثابتة ووقع الشك في زوالها لا يحكم بزوالها بالشك حتى لا يورث ماله ولا يرث هو أيضا من أقاربه والأصل في
نفى اتباع الشك قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وقوله عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الرجل يخيل إليه
انه يجد الشئ في الصلاة لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا اعتبر اليقين وألغى الشك ثم شك الزوج لا يخلو اما
ان وقع في أصل التطليق أطلقها أم لا واما ان وقع في عدد الطلاق وقدره انه طلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو صفة
الطلاق انه طلقها رجعية أو بائنة فان وقع في أصل الطلاق لا يحكم بوقوعه لما قلنا وان وقع في القدر يحكم بالأقل لأنه
متيقن به وفي الزيادة شك وان وقع في وصفه يحكم بالرجعية لأنها أضعف الطلاقين فكانت متيقنا بها
(فصل) وأما الذي يرجع إلى المرأة فمنها الملك أو علقة من علائقه فلا يصح الطلاق الا في الملك أو في علقة من
علائق الملك وهي عدة الطلاق أو مضافا إلى الملك وجملة الكلام فيه أن الطلاق لا يخلو اما أن يكون تنجيزا واما أن
يكون تعليقا بشرط واما أن يكون إضافة إلى وقت أما التنجيز في غير الملك والعدة فباطل بان قال لامرأة أجنبية أنت
طالق أو طلقتك لأنه ابطال الحل ورفع القيد ولا حل ولا قيد في الأجنبية فلا يتصور ابطاله ورفعه وقد قال النبي صلى
الله عليه وسلم لا طلاق قبل النكاح وإن كانت منكوحة الغير وقف على اجازته عندنا خلافا للشافعي والمسألة تأتى في
كتاب البيوع وأما التعليق بشرط فنوعان تعليق في الملك وتعليق بالملك والتعليق في الملك نوعان حقيقي وحكمي أما
الحقيقي فنحو أن يقول لامرأته ان دخلت هذه الدار فأنت طالق أو ان كلمت فلانا أو ان قدم فلان ونحو ذلك وانه
صحيح بلا خلاف لان الملك موجود في الحال فالظاهر بقاؤه إلى وقت وجود الشرط فكان الجزاء غالب الوجود
عند وجود الشرط فيحصل ما هو المقصود من اليمين وهو التقوى على الامتناع من تحصيل الشرط فصحت اليمين
ثم إذا وجد الشرط والمرأة في ملكه أو في العدة يقع الطلاق والا فلا يقع الطلاق ولكن تنحل اليمين لا إلى جزاء حتى أنه
لو قال لامرأته ان دخلت هذه الدار فأنت طالق فدخلت الدار وهي في ملكه طلقت وكذا إذا أبانها قبل دخول
الدار فدخلت الدار وهي في العدة عندنا لان المبانة يلحقها صريح الطلاق عندنا وان أبانها قبل دخول الدار وانقضت
عدتها ثم دخلت الدار لا يقع الطلاق لعدم الملك والعدة ولكن تبطل اليمين حتى لو تزوجها ثانيا ودخلت الدار لا يقع
شئ لان المعلق بالشرط يصير عند الشرط كالمنجز والتنجيز في غير الملك والعدة باطل فان قيل أليس أن
الصحيح إذا قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت طالق ثم جن فدخلت الدار انه يقع طلاقه ولو نجز فيه تلك الحالة
لا يقع فالجواب من وجهين أحدهما ان التطليق كلامه السابق عند الشرط فتعتبر الأهلية وقت وجوده وقد
وجدت والثاني انا إنما اعتبرناه تنجيزا حكما وتقديرا والمجنون من أهل ان يقع الطلاق على امرأته بطريق الحكم
فان العنين إذا أجل فمضت المدة وقد جن يفرق القاضي بينهما ويكون ذلك طلاقا فاطرد الكلام بحمد الله تعالى
ولو أبانها قبل دخول الدار ولم تدخل الدار حتى تزوجها ثم دخلت يقع الطلاق لان اليمين لم تبطل بالإبانة لأنه يتصور
عود الملك فما قامت الجزاء على وجه لا يتصور عوده ولو قال لامرأته ان دخلت هذه الدار فأنت طالق ثلاثا فطلقها
واحدة أو ثنتين قبل دخول الدار فتزوجت بزوج آخر ودخل بها ثم عادت إلى الزوج الأول فدخلت طلقت ثلاثا في
قول أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد هي طالق ما بقي من الطلقات الثلاث شئ وأصل هذه المسألة ان من طلق
126

امرأته واحدة أو اثنتين ثم تزوجت بزوج آخر ودخل بها وعادت إلى الأول انها تعود بثلاث تطليقات في قولهما وفي
قول محمد تعود بما بقي وهو قول زفر ولقب المسألة أن الزوج الثاني هل يهدم الطلقة والطلقتين عندهما يهدم وعند محمد
لا يهدم والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم روى عن علي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله
ابن عمر رضي الله عنهم مثل مذهب أبي حنيفة وأبى يوسف وروى عن عمر وأبي بن كعب وعمران بن حصين مثل
مذهب محمد وزفر واحتجا بقوله سبحانه وتعالى الطلاق مرتان إلى قوله فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا
غيره حرم المطلقة الثلاث مطلقا من غير فصل بين ما إذا تخللت إصابة الزوج الثاني الثلاث وبين ما إذا لم يتخللها وهذه
مطلقة الثلاث حقيقة لأن هذه طلقة قد سبقها طلقتان حقيقة والطلقة الثالثة هي الطلقة التي سبقها طلقتان فدخلت
تحت النص ولان الزوج الثاني جعل في الشرع منهيا للحرمة لقوله تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا
غيره وحتى كلمة غاية وغاية الحرمة لا تتصور قبل وجود الحرمة والحرمة لم تثبت قبل الطلقات الثلاث فلم يكن الزوج
الثاني منهيا للحرمة فيلحق بالعدم ولأبي حنيفة وأبى يوسف النصوص والمعقول اما النصوص فالعمومات الواردة في
باب النكاح من نحو قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء وقوله عز وجل وأنكحوا الأيامى منكم وقول النبي صلى
الله عليه وسلم وتزوجوا ولا تطلقوا فان الطلاق يهتز له عرش الرحمن فهذه النصوص وأمثالها تقتضي جواز النكاح من
غير فصل بين أن تكون المرأة مطلقة أو لا وبين أن تكون مطلقة ثلاثا تخللها إصابة الزوج الثاني أولا الا ان المطلقة الثلاث
التي لم يتخللها إصابة الزوج الثاني خصت عن النصوص فبقي ما وراءها تحتها وأما المعقول فمن وجهين أحدهما ان
النكاح مندوب إليه ومسنون وعقد ومصلحة لتضمنه مصالح الدين والدنيا فلا يجوز ان يمنع عنه لأنه يؤدى إلى
التناقض لان قطع المصلحة مفسدة والشريعة منزهة عن التناقض الا انه قد يخرج من أن يكون مصلحة بمخالفة
الأخلاق ومباينة الطباع أو غير ذلك من المعاني ويقع اليأس عن استيفاء المصالح من هذه المرأة فشرع الطلاق
لاستيفاء المصالح المطلوبة من النكاح من زوجة أخرى الا ان خروج النكاح من أن يكون مصلحة لا يعرف الا بالتأمل
والتجربة ولهذا فوض الطلاق إلى الزوج لاختصاصه بكمال الرأي والعقل ليتأمل فإذا طلقها ثلاثا على ظن المخالفة ثم
مال قلبه إليها حتى تزوجها بعد إصابة الزوج الثاني الذي هو في غاية النفار في طباع الفحل ونهاية المنع دل أن طريق الموافقة
بينهما قائم وانه أخطأ في التجربة وقصر في التأمل فبقي النكاح مصلحة لقيام الموافقة بينهما فلا يجوز القول بحرمته كما في
ابتداء النكاح بل أولى لان ثمة لم يوجد الا دليل أصل الموافقة وههنا وجد دليل كمال الموافقة وهو الميل إليها مع وجود ما
هو النهاية في النفرة ثم لما حل نكاحها في الابتداء لتحقيق المقاصد فبعد إصابة الزوج الثاني أولى وهذا المعنى لا يوجب
التفرقة بين إصابة الزوج الثاني بعد الطلقات الثلاث وبين ما قبلها فورود الشرع بجواز النكاح ثمة يكون ورودا
ههنا دلالة والثاني أن الحل بعد إصابة الزوج الثاني وطلاقه إياها وانقضاء عدتها حل جديد والحل الجديد لا يزول
الا بثلاث طلقات كما في ابتداء النكاح والدليل على أن هذا حل جديد ان الحل الأول قد زال حقيقة لأنه غرض
لا يتصور بقاؤه الا انه إذا لم يتخلل بين الحلين حرمة يجعل كالدائم بتجدد أمثاله فيكون كشئ واحد فكان زائلا
حقيقة وتقديرا فكان الثاني حلا جديدا والحل الجديد لا يزول الا بثلاث تطليقات كما في ابتداء النكاح وأما في قوله
تعالى فان طلقها فنقول هذه الآية الكريمة تتناول طلقة ثالثة مسبوقة بطلقتين بلا فصل لان الفاء للتعقيب بلا فصل
وإصابة الزوج الثاني ههنا حاصلة فلا يتناولها أو تحمل الآية على ما إذا لم يدخل بها الزوج الثاني حتى طلقها وتزوجها
الأول وطلقها واحدة توفيقا بين الدلائل وأما قوله بان الشرع جعل إصابة الزوج الثاني غاية للحرمة فنقول كون
الإصابة غاية للحرمة يقتضى انتهاء الحرمة عند عدم الإصابة وقد بينا انه يثبت حل جديد بعد الإصابة ولو قال لامرأته ان
دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فطلقها ثلاثا قبل الدخول وتزوجت بزوج بها ثم عادت إلى الأول فدخلت الدار
لا يقع عليها شئ عند علمائنا الثلاثة وعند زفر يقع عليها ثلاث تطليقات وجه قوله إن المعلق طلقات مطلقة لا مقيدة
127

بالحل القائم لان الحالف أطلق وما قيد والحل القائم ان بطل بالتنجيز فقد وجد حل آخر فكان التعليق باقيا وقد وجد
الملك عند وجود الشرط فينزل المعلق كما إذا قال لامرأته ان دخلت هذه الدار فأنت على كظهر أمي ثم طلقها ثلاثا قبل
الدخول يبقى تعليق الظهار بالدخول حتى لو تزوجت بزوج آخر ثم عادت إلى الزوج الأول فدخلت الدار يصير
مظاهرا لما ذكرنا كذا هذا ولنا أن المعلق طلقات الحل القائم للحال وقد بطل على وجه لا يتصور عوده فلا يتصور
الطلاق المبطل للحل القائم عند وجود الشرط فتبقى اليمين كما إذا صار الشرط بحال لا يتصور عوده بان جعل الدار
بستانا أو حماما والدليل على أن المعلق طلقات هذا الحل ان المعلق طلاق مانع من تحصيل الشرط لان الغرض من مثل
هذه اليمين التقوى على الامتناع من تحصيل الشرط والمنع لا يحصل الا بكونه غالب الوجود عند وجود الشرط وذلك
هو الحل القائم للحال لأنه موجود للحال فالظاهر بقاؤه فيصلح مانعا والذي يحدث بعد إصابة الزوج الثاني عدم
للحال فالظاهر بقاؤه على العدم فكان غالبا العدم عند وجود الشرط فلا يصلح اطلاقه مانعا فلا يكون معلقا بالشرط
ما لا يكون معلقا به وأما قوله الحالف أطلق فنعم لكنه أراد به المقيد عرفنا ذلك بدلالة الغرض المطلوب من التصرف
وهو التقوى على الامتناع وذلك لا يحصل الا بتطليقات هذا الحل فيتقيد بها وأما مسألة الظهار ففيها اختلاف الرواية
روى أبو طاهر الدباس عن أصحابنا انه يبطل بتنجيز الثلاث فلا يصير مظاهرا عند دخول الدار ثم ما ذكرنا من اعتبار
الملك أو العدة لوقوع الطلاق في الملك بشرط واحد فإن كان بشرطين هل يشترط قيام الملك أو العدة عند وجود
الشرطين جميعا قال أصحابنا الثلاثة لا يشترط بل الشرط قيام الملك أو العدة عند وجود الشرط الأخير وقال زفر
يشترط قيام الملك عند وجود الشرطين وصورة المسألة إذا قال لامرأته ان كلمت زيدا وعمرا فأنت طالق فطلقها
وانقضت عدتها فكلمت زيدا ثم تزوجها فكلمت عمرا طلقت عندنا وعند زفر لا تطلق وإن كان الكلام الأول
في الملك والثاني في غير الملك بان كلمت زيدا وهي في ملكه ثم طلقها وانقضت عدتها ثم كلمت عمرا لا يقع الطلاق
وجه قول زفر ان الحالف جعل كلام زيد وعمر وجميعا شرطا لوقوع الطلاق ووجود جميع الشرط شرط
لنزول الجزاء ووقت نزول الجزاء هو وقت وجود الشرط ألا ترى انها إذا كلمت أحدهما دون الآخر لا يقع الطلاق
فكذا إذا كلمت أحدهما في غير الملك فذلك ملحق بالعدم كما إذا وجد الشرطان جميعا في غير الملك (ولنا) ان الملك
عند وجود الشرط فيشترط لنزول الجزاء ووقت نزول الجزاء وهو وقت وجود الشرط الأخير فيشترط قيام الملك
عنده لا غير وهذا لان الملك إنما يشترط اما لصحة التعليق أو لثبوت الحكم وهو نزول المعلق والملك القائم في الوقتين
جميعا فاما وقت وجود الشرط الأول فليس وقت التعليق ولا وقت نزول الجزاء فلا معنى لاشتراط الملك عنده
ونظير هذا الاختلاف في كتاب الزكاة كمال النصاب في طرفي الحول ونقصانه في أثناء الحول لا يمنع الوجوب عندنا
وعنده يشترط الكمال من أول الحول إلى آخره ولو قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت طالق ان كلمت فلانا يشترط
قيام الملك عند وجود الشرط الأول وهو الدخول لأنه جعل الدخول شرط انعقاد ليمين كأنه قال لها عند الدخول ان
كلمت فلانا فأنت طالق واليمين لا تنعقد الا في الملك أو مضافة إلى الملك فإن كانت في ملكه عند دخوله الدار صحت
اليمين المتعلقة بالشرط وهو الكلام فإذا كلمت يقع الطلاق وان لم تكن في ملكه عند الدخول بان طلقها وانقضت
عدتها ثم دخلت الدار لم يصح التعليق لعدم الملك والعدة فلا يقع الطلاق وان كلمت وإن كان طلقها بعد الدخول بها
قبل دخول الدار ثم دخلت الدار وهي في العدة ثم كلمت فلانا وهي في العدة طلقت لان المعتدة يلحقها صريح الطلاق
تنجيزا فيصح تعليق طلاقها أيضا في حال قيام العدة كالزوجة وإذا صح التعليق ووجد شرطه في الملك أو في العدة
ينزل المعلق ولو قال لامرأته أنت طالق ان شئت فهذا وقوله أنت طالق ان دخلت الدار أو ان كلمت فلانا سواء
من حيث إنه يقف وقوع الطلاق على مشيئتها كما يقف على دخولها وكلامها الا أن ذلك تعليق بالشرط وهذا تمليك
كقوله أمرك بيدك واختاري ولهذا اقتصر على المجلس ولو حلف لا يحلف لا يحنث لان الحلف بما سوى
128

الله عز وجل شرط وجزاء ومشيئتها ليست بشرط لان شرط الطلاق ما جعل علما على الطلاق وهو ما يكون دليلا
على الطلاق من غير أن يكون وجود الطلاق به لان ذلك يكون علة لا شرطا ومشيئتها يتعلق بها وجود الطلاق بل
هي تطليق منها وكذلك مشيئته بان قال لها أنت طالق ان شئت انا ألا ترى إذا قال لامرأته شئت طلاقك طلقت كما
إذا قال طلقت فان قيل أليس انه إذا قال لامرأته أنت طالق ان طلقتك كان تعليقا للطلاق بشرط التطليق حتى
لو طلقها يقع المنجز ثم ينزل المعلق والتعليق مما يحصل به الطلاق ومع هذا يصلح شرطا فالجواب ان التنجيز
يحصل به الطلاق المنجز لا الطلاق المعلق بل الطلاق المعلق يحصل بغيره فكان التنجيز في حق الطلاق المعلق علما
محضا فكان شرطا وكذلك إذا قال لها أنت طالق ان هويت أو أردت أو أحببت أو رضيت فهو مثل قوله إن شئت
ويتعلق الطلاق بالخبر عن هذه الأشياء الا بحقائقها والأصل انه متى علق الطلاق بشئ لا يوقف عليه الا من جهتها
يتعلق باخبارها عنه ومتى علق بشئ يوقف عليه من جهة غيرها لا يقبل قولها الا ببينة وعلى هذا مسائل إذا قال لها ان
كنت تحبينني أو تبغضيني فأنت طالق فقالت أحب أو أبغض يقع الطلاق استحسانا والقياس أن لا يقع وجه
القياس انه علق الطلاق بشرط لا يعلم وجوده فأشبه التعليق بمشيئة الله تعالى وجه الاستحسان انه علقه بأمر لا يوقف
عليه الا من جهتها فيتعلق باخبارها عنه كأنه قال لها ان أخبرتيني عن محبتك أو بغضك إياي فأنت طالق ولو نص على
ذلك لتعلق بنفس الاخبار كذا هذا وعلى هذا إذا قال لها ان كنت تحبين ان يعذبك الله بالنار أو ان كنت تكرهين
الجنة فأنت طالق فقالت أحب النار أو أكره الجنة وقع الطلاق لما قلنا ولو قال إن كنت تحبيني بقلبك فأنت طالق
فقالت أحبك بقلبي وفي قلبها غير ذلك يقع الطلاق في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد لا يقع وجه قوله إنه لما قيد
المحبة بالقلب فقد علق الطلاق بحقيقة المحبة لا بالخبر عنها فإذا لم يكن في قلبها محبة لم يوجد الشرط فلا يقع الطلاق ولهما ان
المحبة والكراهة لما كانتا من الأمور الباطنة التي لا يوقف عليها الا من جهتها تعلق الطلاق بنفس الاخبار عنهما دون
الحقيقة وقد وجد وعلى هذا إذا قال لها ان حضت فأنت طالق فقالت حضت طلقت حين رأت الدم واستمر
إلى ثلاثة أيام لان الحيض لا يوقف عليه الا من قبلها فيقبل قولها في ذلك وإذا استمر الدم إلى ثلاثة أيام تبين ان
ما رأت كان حيضا من حين وجوده فوقع الطلاق من ذلك الوقت ولو قال لها ان حضت حيضة فأنت طالق لا يقع
الطلاق ما لم تحض وتطهر لان الحيضة اسم للكامل ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس الا لا توطأ
الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة ويقع على الكامل حتى يقدر الاستبراء به وكما لها بانقضائها من
ذلك باتصال جزء من الطهر بها فكان هذا في الحقائق تعليق الطلاق بالطهر ونظيره إذا قال إذا صمت يوما فأنت طالق
وقع على صوم كل اليوم وذلك بدخول أول جزء من الليل فكأنه علق الطلاق بدخول الليل وكذا هذا وكذا إذا قال إن
حضت نصف حيضة فأنت طالق لا تطلق ما لم تحض وتطهر لان نصف حيضة حيضة كاملة فكأنه قال إذا
حضت حيضة وكذا إذا قال إذا حضت سدس حيضة أو ثلث حيضة لما قلنا وكذلك إذا قال إذا حضت نصف
حيضة فأنت طالق وإذا حضت نصفها الآخر فأنت طالق لا يقع الطلاق ما لم تحض وتطهر فإذا حاضت وطهرت
يقع تطليقتان لأنه علق طلقة بنصف حيضة نصف حيضة كاملة وعلق طلقة أخرى بنصف تلك الحيضة بعينها
وهي حيضة كاملة فكان هذا تعليق طلاقين بحيضة واحدة كاملة وكمالها بانقضائها واتصال الطهر بها وإذا اتصل
بها الطهر طلقت تطليقتين ولو قال لها أنت طالق في حيضك أو مع حيضك فحين ما رأت الدم تطلق بشرط أن يستمر
بها الدم إلى ثلاثة أيام لان كلمة في للظرف والحيض لا يصلح ظرفا للطلاق فيجعل شرطا فصار كأنه قال أنت طالق إذا
حضت وكلمة مع للمقارنة فيقتضي كونه الطلاق مقارنا لحيضها فإذا رأت الدم ثلاثة أيام تبين ان المرئي كان حيضا من
حين وجوده فيقع الطلاق من ذلك الوقت ولو قال لها أنت طالق في حيضك أو مع حيضتك فما لم تحض وتطهر
لا تطلق لان الحيضة اسم للكامل وذلك باتصال الطهر ولو كانت حائضا في هذه الفصول كلها لا يقع ما لم تطهر من
129

هذه الحيضة وتحيض مرة أخرى لأنه جعل الحيض شرطا لوقوع الطلاق والشرط ما يكون معدوما على خطر
الوجود وهو الحيض الذي يستقبل لا الموجود في الحال فكان هذا تعليق الطلاق بحيض مبتدأ ولو قال لها إذا
حضت فأنت طالق وفلانة معك فقالت حضت ان صدقها الزوج يقع الطلاق عليهما جميعا وان كذبها يقع الطلاق
عليها ولا يقع على صاحبتها لأنها أمينة في حق نفسها لا في حق غيرها فثبت حيضها في حقها لا في حق صاحبتها ويجوز
أن يكون الكلام الواحد مقبولا في حق شخص غير مقبول في حق شخص آخر كما يجوز أن يكون مقبولا وغير مقبول
في حق حكمين مختلفين كشهادة النساء مع الرجال إذا قامت على السرقة انها تقبل في حق المال ولا تقبل في حق القطع
وإذا قال إذا حضت فامرأتي الأخرى طالق وعبدي حر فقالت قد حضت يقع الطلاق والعتاق إذا صدقها الزوج
وان كذبها لا يقع لما ذكرنا ان اقرارها على غيرها غير مقبول لأنه بمنزلة الشهادة على الغير ولو قال إذا ولدت فأنت طالق
فقالت ولدت لا يقع الطلاق ما لم يصدقها الزوج أو يشهد على الولادة رجلان أو رجل وامرأتان في قول أبي حنيفة
وقال أبو يوسف ومحمد يقع الطلاق إذا شهدت القابلة على الولادة وجه قولهما ان ولادتها قد ثبتت بشهادة القابلة
لكون النكاح قائما والولادة تثبت بشهادة القابلة حال قيام النكاح في تعيين الولد وفيما هو من لوازمه وهو النسب
لمكان الضرورة والطلاق ليس من لوازم الولادة فلا تثبت الولادة في حق الطلاق بهذه الشهادة ولو قال إن دخلت
الدار فأنت طالق أو ان كلمت فلانا فأنت طالق فقالت دخلت أو كلمت لا يقع الطلاق ما لم يصدقها الزوج أو يشهد
على ذلك رجلان أو رجل وامرأتان بالاجماع لان قولها دخلت أو كلمت اقرار على الغير وهو الزوج بابطال حقه
فكان شهادة على الغير فلا تقبل ولو قال لامرأتيه إذا حضتما حيضة فأنتما طالقان أو قال إذا حضتما فأنتما طالقان الأصل
في جنس هذه المسائل ان الزوج متى أضاف الشئ الواحد إلى امرأتين وجعل وجوده شرطا لوقوع الطلاق عليهما
ينظر إن كان يستحيل وجود ذلك الشئ منهما كان شرطا لوقوع الطلاق عليهما وجوده من أحدهما وإن كان
لا يستحيل وجوده منهما جميعا كان وجوده منهما شرطا لوقوع الطلاق عليهما لان كلام العاقل يجب تصحيحه
ما أمكن ان أمكن تصحيحه بطريق الحقيقة يصحح بطريق الحقيقة وان لم يمكن تصحيحه بطريق الحقيقة يصحح
بطريق المجاز إذا عرف هذا فنقول إذا قال لامرأتين له إذا حضتما حيضة فأنتما طالقان أو إذا ولدتما ولدا فأنتما طالقان
فحاضت إحداهما أو ولدت إحداهما يقع الطلاق عليهما لان حيضة واحدة وولادة واحدة من امرأتين محال فلم
ينصرف إليه كلام العاقل فينصرف إلى وجود ذلك من أحدهما لان إضافة الفعل إلى اثنين على إرادة وجوده من
أحدهما متعارف بين أهل اللسان قال الله تعالى في قصة موسى وصاحبه فنسيا حوتهما وإنما نسيه صاحبه وهو
فتاه وقال تعالى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وإنما يخرج من أحدهما وهو البحر المالح دون العذب وقال النبي
صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث وعمه إذا سافرتما فأذنا وأقيما ومعلوم ان الامر بالتأذين والإقامة كان
لأحدهما فكان هذا تعليق طلاقهما بحيضة إحداهما وبولادة إحداهما ولو قالت إحداهما حضت ان صدقها
الزوج طلقتا جميعا لان حيضتها في حقها ثبت باخبارها وفي حق صاحبتها ثبت بتصديق الزوج وان كذبها طلقت
هي ولا تطلق صاحبتها لان حيضها ثبت في حقها ولم يثبت في حق صاحبتها ولو قالت كل واحدة منهما قد
حضت طلقتا جميعا سواء صدقهما الزوج أو كذبهما أما إذا صدقهما فالامر ظاهر لا يثبت حيضة كل واحدة
منها في حق صاحبتها وأما كذبهما فكذلك لان التكذيب يمنع ثبوت حيضة كل واحدة منهما في حق
صاحبتها لا في حق نفسها وثبوت حيضتها في حق نفسها يكفي لوقوع الطلاق عليها كما إذا قال لها إذا حضت فأنت
طالق وهذه معك فقالت حضت وكذبها الزوج ولو قال إذا حضتما فأنتما طالقان وإذا ولدتما فأنتما طالقان لا تطلقان
ما لم يوجد الحيض والولادة منهما جميعا لأنه أضاف الحيض أو الولادة إليهما ويتصور من كل واحد منهما
الحيض والولادة فيعلق الطلاق بوجود الحيض أو الولادة منهما جميعا عملا بالحقيقة عند الامكان ولو قالت كل
130

واحدة منهما قد حضت ان صدقهما الزوج طلقتا لأنه علق طلاقهما بوجود الحيض منهما جميعا وقد ثبت ذلك
بقولهما مع تصديق الزوج وان كذبهما لا تطلق واحدة منهما لان قول كل واحدة منهما مقبول في حق نفسها لا في
حق صاحبتها فيثبت في حق كل واحدة منهما حيضها لا حيض صاحبتها وحيض كل واحدة منهما بانفراده شطر
الشرط وطلاق كل واحدة منهما متعلق بوجود حيضهما جميعا والمعلق بشرط لا ينزل بوجود بعض الشرط
وان صدق إحداهما وكذب الأخرى تطلق المكذبة ولا تطلق المصدقة لان الحيض المكذبة ثبت في حقها
باخبارها وحيض المصدقة ثبت في حق المكذبة أيضا بتصديق الزوج فثبت الحيضتان جميعا في حق المكذبة
فوجد كل الشرط في حقها فيقع الطلاق عليها ولم يثبت في حق المصدقة الا حيضها في حق نفسها ولم يثبت في حقها
حيض المكذبة لتكذيب الزوج المكذبة في ثبوت حيضها عند المصدقة فكان الموجود في حق المصدقة شطر الشرط
فلا يقع الطلاق وكذلك إذا قال إذا حضتما حيضتين أو إذا ولدتما ولدين فأنتما طالقان فهذا وقوله إذا حضتما أو ولدتما
سواء فما لم يحيضا جميعا أو يلدا جميعا لا يقع الطلاق عليهما لان وجود حيضتين منهما وولادة ولدين منهما يكون
بهذا الطريق وهو أن تحيض كل واحد منهما حيضة وتلد كل واحدة منهما ولدا وكذا إذا قال إذا دخلتما هذه الدار
أو كلتما فلانا أو لبستما هذا الثوب أو ركبتما هذه الدابة أو أكلتما هذا الطعام أو شربتما هذا الشراب فما لم يوجد منهما
جميعا لا يقع الطلاق لأنه يتصور وجوده منهما فيعمل بحقيقة الكلام بخلاف قوله إذا حضتما حيضة أو ولدتما ولدا
لان ذلك محال ثم التعليق في الملك كما يصح بشرط الوجود يصح بشرط العدم لان الشرط علامة محضة والعدم يصلح
علما محضا فيصلح شرطا غير أنه ان وقت ينزل المعلق عند انتهاء ذلك الوقت وان أطلق لا ينزل الا في آخر جزء من
أجزاء حياته بيان ذلك إذا قال لامرأته ان لم أدخل هذه الدار فأنت طالق أو قال لم آت البصرة فأنت طالق لا يقع
الطلاق الا في آخر جزء من أجزاء حياته لأنه علق الطلاق بعدم الدخول والاتيان مطلقا ولا يتحقق ذلك الا في ذلك
الوقت وعلى هذا يخرج ما إذا قال لامرأته أنت طالق ان لم أطلقك انه لا يقع الطلاق عليها ما لم يثبته إلى آخر جزء من
أجزاء حياته لأنه على الطلاق بشرط عدم التطليق مطلقا والعدم المطلق لا يتحقق الا في ذلك الجزء ولو قال أنت
طالق إذا لم أطلقك وإذا ما لم أطلقك فان أراد بإذا أن لا يقع الطلاق الا في آخر جزء من أجزاء حياته بالاجماع وان نوى
به متى يقع الطلاق إذا فرغ من هذا الكلام وسكت وان لم يكن له نية قال أبو حنيفة هذه بمنزلة قوله إن وقال أبو يوسف
ومحمد هي بمعنى متى (وجه) قولهما ان إذا الوقت قال الله تعالى إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا
السماء انشقت إلى غير ذلك من الآيات الكريمة فكانت في معنى متى ولو قال متى لم أطلقك يقع الطلاق عقيب
الفراغ من هذه اللفظة إذا سكت كذا هذا والدليل انه إذا قال لها أنت طالق إذا شئت لا يقتصر على المجلس كما لو قال
متى شئت ولو قال إن شئت يقتصر على المجلس ولو كانت للشرط لاقتصرت المشيئة على المجلس كما في قوله إن شئت
ولأبي حنيفة ان هذه الكلمة كما تذكر ويراد بها الوقت تذكر ويراد بها الشرط كما قال الشاعر
استغن ما أغناك ربك بالغنى * وإذا تصبك خصاصة فتجمل
ألا ترى انه جزم ما بعده فان قال أريد بها الوقت يقع الطلاق كما فرغ من هذه الكلام وسكت كما في قوله متى وان قال
أريد بها الشرط لا يقع الا في آخر جزء من أجزاء حياته كما في كلمة ان فوقع الشك في وقوع الطلاق عند الفراغ منه
فلا يقع مع الشك وإنما لا يقتصر على المجلس لأنه حصلت المشيئة في يدها بقوله أنت طالق إذا شئت وانها يستعمل
للوقت وللشرط فان أريد بها الشرط يبطل بالقيام عن المجلس كما في قوله إن شئت وان أريد بها الوقت لا يبطل كما في
قوله متى شئت فوقع الشك في البطلان بالقيام عن المجلس فلا يبطل مع الشك فاطرد كلام أبي حنيفة في المعنى بحمد الله
سبحانه وتعالى ولو قال لها ان لم أدخل هذه الدار سنة فأنت طالق أو ان لم أكلم فلانا سنة فأنت طالق فمضت السنة
قبل أن يدخلها أو يكلمه يقع الطلاق وعلى هذه يخرج الايلاء بأن قال لامرأته الحرة والله لا أقربك أربعة أشهر
131

فمضت المدة ولم يقربها انه يقع طلقة بائنة لان الايلاء في الشرع جعل تعليق الطلاق بشرط عدم الفئ إليها في أربعة
أشهر وهو المعنى بالتعليق الحكمي لان الشرع جعل الايلاء في حق أحد الحكمين وهو البر تعليق الطلاق بشرط البر
في المدة كأنه قال لها ان لم أقربك أربعة أشهر فأنت طالق بائن قال الله تعالى وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم
فإذا مضت المدة والمرأة في ملكه أو في العدة يقع والا فلا كما في التعليق الحكمي على ما ذكرنا وله حكم آخر وهو الحنث
عند القربان وسنذكره بحكمه في موضعه وأما التعليق بالملك فنحو أن يقول لأجنبية ان تزوجتك فأنت طالق وانه
صحيح عند أصحابنا حتى لو تزوجها وقع الطلاق وعند الشافعي لا يصح ولا يقع الطلاق واحتج بقول النبي صلى الله عليه
وسلم لا طلاق قبل النكاح والمراد منه التعليق لان التنجيز مما لا يشكل ولان قوله أنت طالق في التعليق بالملك تطليق
بدليل ان الطلاق عند وجود الشرط يقع به إذا لم يوجد كلام آخر سواء فكان الكلام السابق تطليقا الا أنه لم يثبت
الحكم للحال للمانع وهو عدم الشرط والتصرف لا ينعقد تطليقا الا في الملك ولا ملك ههنا فلا ينعقد (ولنا) ان قوله أنت
طالق ليس تطليقا للحال بل هو تطليق عند الشرط على معنى انه علم الانطلاق عند الشرط فيستدعي قيام الملك عنده
لا في الحال والملك موجود عند وجود الشرط لان الطلاق يقع بعد وجود الشرط وأما الحديث فيقول بموجبه أن
لا طلاق قبل النكاح وهذا طلاق بغير النكاح لان المتصرف جعله طلاقا بعد النكاح على معنى انه جعله علما على
الانطلاق بعد النكاح لا أن يجعل منشئا للطلاق بعد النكاح أو يبقى الكلام السابق إلى وقت وجود النكاح لان
الثاني محال والأول خلاف الحقيقة وإضافة الطلاق إلى الشرع لا إلى الزوج وقيل في الجواب عن التعليق بالحدوث
ان هذا ليس بطلاق بل هو يمين وتعليق الطلاق بالشرط وقوله التنجيز لا يشكل مسلم بعد ورود الحديث فاما قبله
فقد كان مشكلا فإنه روى أن في الجاهلية كان الرجل يطلق أجنبية ويعتقد حرمتها فأبطل الحديث ذلك والجواب
الأول أحق وأدق والله الموفق وعلى هذا الخلاف إذا قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة طلقت عندنا
ولو تزوج تلك المرأة ثانيا لا تطلق وكذا هذا في قوله إن تزوجتك لأنه ليس في لفظه ما يوجب التكرار ولو قال لأجنبية
كلما تزوجتك فأنت طالق طلقت في كل مرة يتزوجها لان كلمة كل دخلت على العين وكلمة كلما دخلت على الفعل
ولو تزوجها ثلاث مرات وطلقت في كل مرة وتزوجت بزوج آخر وعادت إلى الأول فتزوجها طلقت بخلاف
ما إذا قال لمنكوحة كلما دخلت الدار فأنت طالق فدخلت ثلاث مرات وطلقت في كل مرة ثم تزوجت بزوج
آخر ثم عادت إلى الأول فدخلت انها لا تطلق عندنا خلافا لزفر لان المعلق هناك طلقات الملك القائم المبطلة للحال القائم
وقد بطل ذلك بالثلاث ولم توجد الإضافة إلى سبب ملك حادث وحل مستأنف فلم يتعلق ما يملك به من الطلقات
وههنا قد علق الطلاق بسبب الملك وأنه صحيح عندنا فيصير عند كل تزوج يوجد منه لامرأة قائلا لها أنت طالق سواء
كانت هذه التي تكرر عليها طلاقها أو غيرها من النساء وعلى هذا الخلاف الظهار والايلاء فان قال لأجنبية ان
تزوجتك فأنت على كظهر أمي أو قال والله لا أقربك والله أعلم ولو قال لامرأته أنت طالق إن كانت السماء فوقنا أو
قال أنت طالق إن كان هذا نهارا أو إن كان هذا ليلا وهما في الليل أو في النهار يقع الطلاق للحال لان هذا تحقيق
وليس بتعليق بشرط إذ الشرط ما يكون معدوما على خطر الوجود وهذا موجود ولو قال إن دخل الجمل في سم
الخياط فأنت طالق لا يقع الطلاق لان غرضه منه تحقيق النفي حيث علقه بأمر محال وأما الإضافة إلى الوقت فالزوج
لا يخلو اما ان أضاف الطلاق إلى الزمان الماضي واما ان أضافه إلى الزمان المستقبل فان أضافه إلى الزمان الماضي
ينظر ان لم تكن المرأة في ملكه في ذلك الوقت لا يقع الطلاق وإن كانت في ملكه يقع الطلاق للحال وتلغو الإضافة
بيانه ما إذا قال لامرأته أنت طالق قبل ان أتزوجك لا يقع الطلاق لان تصحيح كلامه بطريق الاخبار ممكن لان
المخبر به على ما أخبر ولا يمكن تصحيحه بطريق الانشاء الا بابطال الاسناد إلى الماضي فكان التصحيح بطريق
الاخبار ولو قال لها أنت طالق أمس فإن كان تزوجها اليوم لا يقع لما قلنا وإن كان تزوجها أول من أمس يقع
132

الساعة لأنه حينئذ تعذر تصحيحه بطريق الاخبار لانعدام المخبر به فيكون كذبا فيصحح بطريق الانشاء ثم تعذر
تصحيحه انشاء الإضافة لان اسناد الطلاق الموجود للحال إلى الزمان الماضي محال فبطلت الإضافة واقتصر
الانشاء على الحال فيقع الطلاق للحال ولو قال لأجنبية أنت طالق إذا تزوجتك قبل ان أتزوجك ثم تزوجها وقع
الطلاق لأنه أوقع الطلاق بعد التزوج ثم أضاف الواقع إلى ما قبل الزوج فوقع الطلاق ولغت الإضافة وكذلك إذا قال
أنت طالق قبل ان أتزوجك إذا تزوجتك فتزوجها يقع الطلاق ويلغو قوله قبل ان أتزوجك ولو قدم ذكر التزويج
فقال إذا تزوجتك فأنت طالق قبل ان أتزوجك أو قبل ذلك ثم تزوجها يقع الطلاق عند أبي يوسف وعند محمد لا يقع
وجه قول محمد ان المعلق بالشرط يصير كالمنجز عند وجود الشرط فيصير قائلا عند التزويج أنت طالق قبل ان
أتزوجك ولو نص على ذلك لا يقع كذا هذا وجه قول أبي يوسف انه أوقع الطلاق بعد التزوج ثم أضاف الواقع إلى
زمان ما قبل التزوج فتلغو الإضافة ويبقى الواقع على حاله والله عز وجل أعلم ولو أضاف الزوج الطلاق إلى ما يستقبل
من الزمان فان أضافه إلى زمان لا ملك له في ذلك الزمان قطعا لم يصح كما لو قال لها أنت طالق بعد موتي وكذا إذا قال
لها أنت طالق مع موتي أو مع موتك لان معناه بعد موتي أو بعد موتك لان الطلاق معلق بوجود الموت فصار الموت
شرطا إذ الجزاء يعقب الشرط فكان هذا ايقاع الطلاق بعد الموت ولا ملك بعد الموت فبطل ولو قال لامرأته وهي
أمة أنت طالق اثنتين مع عتق مولاك فأعتقها مولاها فان زوجها يملك الرجعة لأنه تعلق طلاقها بعتق مولاها فصار
عتق مولاها شرطا لوقوع الطلاق فيقع بعد تمام الشرط وهي حرة في ذلك الوقت ولو قال لها إذا جاء غد فأنت حرة
فجاء غد طلقت اثنتين ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد هذا والأول سواء
يملك الرجعة ولا خلاف في أن عدتها ثلاث حيض وجه قول محمد انه علق الطلاق والعتاق بمجئ الغد فكان حال
وقوع الطلاق والعتاق واحدا وهو حال مجئ الغد فيقعان معا والعتق حال وقوعه يكون واقعا لان الشئ حال وجوده
يكون موجودا والشئ في حال قيامه يكون قائما وفي حال سواده يكون اسود فالطلقتان يصادفانها وهي حرة فلا
تثبت الحرمة الغليظة ولهذا كانت عدتها ثلاث حيض ولهذا لم تثبت الحرمة الغليظة في المسألة الأولى كذا هذا وجه
قولهما ان الطلاق والعتاق لما علقا بمجئ الغد وقعا معا ثم العتق يصادفها وهي أمة وكذا الطلاق فيثبت الحرمة
الغليظة بثنتين بخلاف المسألة الأولى لان ثمة تعلق الطلاق بالعتق فيقع بعد ثبوت العتق ضرورة على ما بينا بخلاف
العدة فان وجوب العدة يتعقب الطلاق لان الطلاق يصادفها وهي منكوحة ولا عدة على المنكوحة فلا يكون وجوبها
مقارنا لوقوع الطلاق فكان عقيب الطلاق ضرورة وهي حرة في تلك الحالة فكانت عدتها عدة الحرائر والله
عز وجل أعلم فان قال لامرأته أنت طالق غدا أو رأس شهر كذا أو في غد صح لوجود الملك وقت الإضافة
والظاهر بقاؤه إلى الوقت المضاف إليه فصحت الإضافة ثم إذا جاء غد أو رأس الشهر فإن كانت المرأة في ملكه أو في
العدة أو في أول جزء من الغد والشهر يقع الطلاق والا فلا كما في التعليق وعلى هذا يخرج ما إذا قال لامرأته أنت
طالق متى لم أطلقك وسكت انها طلقت لان متى للوقت فقد أضاف الطلاق إلى وقت لا يطلقها فيه فكما فرغ من هذه
الألفاظ وسكت وجد هذا الوقت فيقع الطلاق وكذا إذا قال لها أنت طالق ما لم أطلقك لان معنى قوله ما لم أطلقك
أي في الوقت الذي لا أطلقك يقال في العرف ما دمت تفعل كذا أفعل كذا أي في الوقت الذي تفعل وقال الله
تعالى خبرا عن عيسى عليه الصلاة والسلام وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا أي وقت حياتي فيصير كأنه قال
أنت طالق في الوقت الذي لا أطلقك فكما فرغ وسكت تحقق ذلك الوقت فيقع الطلاق ولو قال ذلك يطلقها موصولا
بان قال لها أنت طالق ما لم أطلقك أنت طالق وذكر العبارتين الاخرتين فهي طالق هذه التطليقة دون التطليقة
المضافة إلى زمان لا يطلقها فيه عند أصحابنا الثلاثة وكذا لو قال لها أنت طالق ثلاثا ما لم أطلقك أنت طالق تقع هذه
الطلقة لا غير عندنا وعند زفر يقع ثلاث تطليقات وجه قوله إنه أضاف الطلاق إلى وقت لا طلاق فيه وكما فرغ من
133

قوله ما لم أطلقك قبل قوله طالق وجد ذلك الوقت فيقع المضاف ولنا ان المضاف إليه وقت خال عن الطلاق ولما قال
أنت طالق موصولا بالكلام الأول فلم يوجد وقت خال عن الطلاق لان قوله أنت طالق بجملته طلاق لأنه كلام
واحد لكونه مبتدأ وخبرا فلم يوجد بين الكلامين وقت لا طلاق فيه فلا يقع الطلاق المضاف لانعدام المضاف
إليه والله عز وجل أعلم ولو قال أنت طالق غدا وقال عنيت آخر النهار لم يصدق في القضاء بالاجماع ويصدق فيما بينه
وبين الله تعالى ولو قال أنت طالق في غد وقال عنيت في آخر النهار يصدق في القضاء في قول أبي حنيفة وقال أبو
يوسف ومحمد لا يصدق في القضاء وإنما يصدق فيما بينه وبين الله تعالى لا غير وان لم يكن له نية يقع في أول جزء من
الغد بلا خلاف وجه قولهما ان الغد اسم زمان والزمان إذا قرن بالفعل يصير ظرفا له سواء قرن به حرف الظرف وهو
حرف في أو لم يقرن به فان قول القائل كتبت في يوم الجمعة ويوم الجمعة سواء فكان ذكر حرف الظرف والسكوت
عنه بمنزلة واحدة ولو لم يذكر ولو قال أنت طالق غدا وقال عنيت آخر النهار لم يصدق في القضاء ولهذا لو لم يكن له نية يقع
في أول جزء من الغد ولأبي حنيفة ان ما كان من الزمان ظرفا فاللفعل حقيقة وهو أن يكون كله ظرفا له يذكر بدون
حرف الظرف وما كان منه ظرفا له مجازا وهو أن يكون بعضه ظرفا له والآخر ظرف ظرفه يذكر مع حروف الظرف
فلما قال أنت طالق غدا بدون حرف الظرف فقد جعل الغد كله ظرفا للطلاق حقيقة وإنما يكون كله ظرفا للطلاق
حقيقة إذا وقع الطلاق في أول جزء منه فإذا وقع في أول جزء منه يبقى حكما وتقديرا فيكون جميع الغد ظرفا له بعضه
حقيقة وبعضه تقديرا اما إذا وقع الطلاق في آخر النهار لا يكون كل الغد ظرفا له بل يكون ظرف الظرف فإذا قال
عنيت آخر النهار فقد أراد العدل من الظاهر فيما يتهم فيه بالكذب فلا يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله
تعالى لأنه نوى ما يحتمله كلامه ولما قال أنت طالق في غد فلم يجعل الغد كلمة ظرف للطلاق حقيقة بل جعله ظرف
الظرف وبين ان الظرف الحقيقي للطلاق هو جزء من الغد وذلك غير معين فكان التعيين إليه فإذا قال عنيت آخر
النهار فقد عين فيصدق في التعيين لأنه نوى حقيقة كلامه ونظيره ما إذا قال إن صمت في الدهر فعبدي حر فصام
ساعة يحنث ولو قال إن صمت الدهر لا يحنث الا بصوم الأبد بالاجماع لما قلنا كذا هذا الا انه إذا لم ينو شيئا يقع
الطلاق في أول جزء من الغد لان الاجزاء قد تعارضت فترجح الأول منها احتياطا لثبوت الاستحقاق له من وجه
الاحتمال انه ذكر حرف الظرف لتأكيد ظرفية الغد لا لبيان انه ظرف الظرف فترجح الجزء الأول على سائر الأجزاء
عند استواء الكل في الجواز بثبوت الاستحقاق من وجه فيقع في الجزء الأول وقد خرج الجواب عن
قولهما ان دخول حرف الظرف في الغد وعدم الدخول سواء لأنا قد بينا انهما يستويان والله عز وجل أعلم ولو قال
لامرأته أنت طالق اليوم وغدا يقع الطلاق في اليوم لأنه جعل الوقتين جميعا ظرفا لكونها طالقا ولن يكون الوقتان جميعا
ظرفا الا عند الوقوع في أولهما لأنه لو تأخر الوقوع إلى الغد لكان الظرف أحدهما ولو قال أنت طالق اليوم غدا أو
غدا اليوم يؤخذ بأول الوقتين الذي تفوه به لأنه في الأول أوقع الطلاق في اليوم ووصف اليوم بأنه غد وهو محال فلغا
قوله غدا وبقى قوله اليوم فيقع الطلاق في اليوم وفي الثاني أضاف الطلاق إلى الغد ووصف الغد بأنه اليوم وهو محال
فلغا قوله اليوم وبقى قوله غدا فيقع الطلاق في غد ولو قال لها أنت طالق متى شئت أو متى ما شئت أو إذا شئت أو إذا
ما شئت أو كلما شئت لا يقع الطلاق ما لم تشأ فإذا شاءت وقع لأنه أضاف الطلاق إلى وقت مشيئتها ووقت مشيئتها
هو الزمان الذي توجد فيه مشيئتها فإذا شاءت فقد وجد ذلك الزمان فيقع ولا يقتصر هذا على المجلس بخلاف قوله إن
شئت وما يجري مجراه لان هذا إضافة وذا تمليك لما نبين في موضعه وعلى هذا الأصل يخرج الطلاق في العدة وجملة
الكلام فيه ان المرأة لا تخلوا ما إن كانت معتدة من طلاق رجعي أو بائن أو خلع فإن كانت معتدة من طلاق رجعي
يقع الطلاق عليها سواء كان صريحا أو كناية لقيام الملك من كل وجه لان الطلاق الرجعي لا يزيل الملك ولهذا يصح
ظهاره وايلاؤه ويثبت اللعان بينهما وهذه الأحكام لا تصح الا في الملك وإن كانت معتدة من طلاق بائن أو خلع وهي
134

المبانة أو المختلعة فيلحقها صريح الطلاق عند أصحابنا وقال الشافعي لا يلحقها وجه قوله إن الطلاق تصرف في الملك
بالإزالة والملك قد زال بالخلع والإبانة وإزالة الزائل محال ولهذا لم يصح الخلع والإبانة ولنا ما روى عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال المختلعة يلحقها صريح الطلاق ما دامت في العدة وهذا نص في الباب ولأنها بالخلع والإبانة لم تخرج من
أن تكون محلا للطلاق لان حكم الطلاق إن كان ما ينبئ عنه اللفظ لغة وهو الانطلاق والتخلي وزوال القيد فهي محل
لذلك لأنها مقيدة في حال العدة لأنها ممنوعة عن الخروج والبروز والتزوج بزوج آخر والقيد هو المنع وإن كان مالا
ينبئ عنه اللفظ لغة وهو زوال حل المحلية شرعا فحل المحلية قائم لأنه لا يزول الا بالطلقات الثلاث ولم توجد فكانت
المبانة والمختلعة محلين للطلاق وبه تبين ان قوله الطلاق تصرف في الملك بالإزالة غير سديد لان زوال الملك لا ينبئ عنه
اللفظ لغة ولا يدل عليه شرعا ألا ترى ان الطلاق الرجعي واقع ولا يزول الملك بالاجماع ولو راجعها لا ينعدم الطلاق
بل يبقى أثره في حق زوال المحلية وان انعدم أثره في حق زوال الملك بخلاف الإبانة لأنها إزالة الملك والملك دليل وأما
الكناية فهل يلحقها ينظر إن كانت رجعية وهي ألفاظ وهي قوله اعتدى واستبرئ رحمك وأنت واحدة
يلحقها في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف انه لا يلحقها حتى لو قال لها اعتدى لا يلحقا شئ وجه هذه الرواية
ان هذه كناية والكناية لا تعمل الا في حال قيام الملك كسائر الكنايات وجه ظاهر الرواية ان الواقع بهذا النوع
من الكناية رجعي فكان في معنى الصريح فيلحق الخلع والإبانة في العدة كالصريح وإن كانت بائنة كقوله أنت
بائن ونحوه ونوى الطلاق لا يلحقها بلا خلاف لان الإبانة قطع الوصلة والوصلة منقطعة فلا يتصور قطعها ثانيا بخلاف
الطلاق لأنه إزالة القيد وإزالة حل المحلية وكل ذلك قائم ولأنه يمكن تصحيح هذا الكلام بطريق الاخبار لان المخبر
به على ما أخبره ولا يمكن تصحيحه بطريق الانشاء لان إبانة المبان محال فيصحح بطريق الاخبار لأنه يكون كذبا
فيصحح بطريق الانشاء ولان الإبانة تحريم شرعا وهي محرمة وتحريم المحرم محال وسواء نجز الإبانة في حال قيام
العدة أو علقها بشرط بان قال لها في العدة ان دخلت هذه الدار فأنت بائن ونوى الطلاق حتى لو دخلت الدار وهي في
العدة لا يقع الطلاق لان الإبانة قطع الوصلة فلا ينعقد الا في حال قيام الوصلة وهو الملك ولم يوجد فلا ينعقد ولو قال
لامرأته ان دخلت الدار فأنت بائن أو حرم ونحو ذلك ثم أبانها أو خالعها ثم دخلت الدار وهي في العدة وقعت عليها
تطليقة بالشرط في قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر لا يقع ويبطل التعليق وجه قوله إن التعليق بالشرط يصير تنجيزا عند
الشرط تقديرا ولو نجز الإبانة عند الشرط لا يقع شئ لعدم الملك (ولنا) ان التعليق وقع صحيح لقيام الملك عند وجوده
من كل وجه فانعقد موجبا للبينونة وزوال الملك عند وجود الشرط من كل وجه الا ان الإبانة الطارئة أوجبت زوال
الملك من وجه للحال وبقى من وجه حال قيام العدة لقيام بعض آثار الملك فخرج التعليق من أن يكون سببا لزوال الملك
عند الشرط من كل وجه لزوال الملك من وجه للحال بالتنجيز فبقي سببا لزوال الملك من وجه وفيه تصحيح التصرفين
في حق الحكم بقدر الامكان فكان أولى من تصحيح أحدهما وابطال الآخر بخلاف تنجيز الإبانة على المعتدة
المبانة وتعليقها انهما لا يصحان لان ثمة الملك وقت التنجيز والتعليق قائم من وجه دون وجه فقيامه من وجه لقيام العدة
يوجب الصحة وزواله من وجه يمنع الصحة وما لم تعرف صحته إذا وقع الشك في صحته لا يصح بالشك بخلاف التعليق
في مسألتنا لأنه وقع صحيحا بيقين لقيام الملك من كل وجه فتنجيز الإبانة المعترضة يقع الشك في بطلانه فلا يبطل مع
الشك فهو الفرق بين الفصلين والله عز وجل أعلم ولو آلى منها لم يصح ايلاؤه في حكم البر لان الايلاء في حق أحد
الحكمين وهو البر تعليق الإبانة شرعا وشرط البر وهو عدم القربان في المدة وقيام الملك شرط صحة الإبانة تنجيزا كان أو
تعليقا كما في التعليق الحقيقي على ما مر لان الطلاق في الايلاء إنما يقع عند مضى المدة من غير قربانها ويصير فيه ظالما
يمنع حقها في الوطئ في المدة ولا حق للمبانة والمختلعة في الوطئ فلا يصح الايلاء في حق الطلاق ولو آلى من زوجته ثم
أبانها ونوى الطلاق أو خلعها قبل مضي أربعة أشهر ثم مضت أربعة أشهر قبل أن يقربها وهي في العدة وقع الطلاق
135

عندنا خلافا لزفر بناء على أن الإبانة الناجزة يلحقها الإبانة بتعليق سابق عندنا خلافا له ولا يصح ظهاره من المبانة
والمختلعة لان الظهار تحريم والمحرمة قد تثبت بالإبانة والخلع السابق وتحريم المحرم ممتنع ولو علق الظهار بشرط في الملك
بان قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت على كظهر أمي ثم أبانها فدخلت الدار وهي في العدة لا يصير مظاهرا منها بالاجماع
وهذا حجة زفر ووجه الفرق لنا بين الظهار وبين الكناية البائنة من وجهين أحدهما ما ذكرنا ان الظهار يوجب حرمة
مؤقتة بالكفارة وقد تثبت الحرمة بالإبانة من كل وجه فلا يحتمل التحريم بالظهار بخلاف الكناية المنجزة لأنها توجب
زوال الملك من وجه دون وجه قبل انقضاء العدة فلا يمنع ثبوت حكم التعليق والثاني ان الظهار يوجب حرمة ترتفع
بالكفارة والإبانة توجب حرمة لا ترتفع الا بنكاح جديد فكانت الحرمة الثابتة بالإبانة أقوى الحرمتين والثابتة
بالظهار أضعفهما فلا تظهر بمقابلة الأقوى بخلاف تنجيز الكناية وتعليقها فان كل واحد منهما في ايجاب البينونة
وزوال الملك على السواء فيعمل بهما بالقدر الممكن وفيما قلنا عمل بهما جميعا على ما بينا ولو خيرها في العدة لا يصح بان
قال لها اختاري فاختارت نفسها في العدة حتى لا يقع شئ بالاجماع لان التنجيز تمليك والتمليك بلا ملك لا يتصور
ولو قال لامرأته إذا جاء غد فاختاري ثم أبانها فاختارت نفسها في العدة لا يقع شئ بالاجماع وهذا أيضا حجة زفر والفرق
لنا بين التنجيز وبين تعليق الكناية الثابتة بشرط انه لما قال لها إذا جاء غد فاختاري فقد ملكها الطلاق غدا ولما
أبانها فقد أزال الملك للحال من وجه وبقى من وجه على ما بينا والملك من وجه لا يكفي للتمليك ويكفي للإزالة كما في
الاستيلاد والتدبر المطلق حتى لا يجوز بيع أم الولد والمدبر المطلق ويجوز اعتاقهما كذا هذا ولان التنجيز يعتبر فيه
جانب الاختيار لا جانب التنجيز والتعليق يعتبر فيه جانب اليمين لا جانب الشرط بدليل انه لو شهد شاهدان بالتنجيز
وشاهدان بالاختيار ثم رجع الشهود فالضمان على شاهدي الاختيار لا على شاهدي التنجيز وبمثله لو شهد شاهدان
باليمين وشاهدان بالدخول ثم رجعوا ضمن شهود اليمين لا شهود الدخول وإذا كان المعتبر في التنجيز هو اختيار المرأة
لا تخيير الزوج يعتبر قيام الملك وقت اختيارها وهي مبانة وقت اختيارها فلم يقع شئ ولما كان المعتبر في التعليق هو اليمين
لا الشرط يعتبر قيام الملك وقت اليمين لا وقت الشرط ولو قذفها بالزنا لا يلاعن لان اللعان لم يشرع الا بين الزوجين
قال الله سبحانه وتعالى والذين يرمون أزواجهم والزوجية قد انقطعت بالإبانة والخلع وكل فرقة توجب حرمه مؤبدة
كحرمة المصاهرة والرضاع فان الطلاق لا يلحقها وإن كانت في العدة لان تحريم المحرم لا يتصور ولان الثابت بالطلاق
حرمة مؤقتة والثابت بالرضاع والمصاهرة حرمة مؤبدة والحرمة المؤبدة أقوى الحرمتين فلا يظهر الا ضعف في مقابلة
الأقوى وكذلك لو اشترى امرأته بعد ما دخل بها لا يلحقها الطلاق لأنها ليست بمعتدة ألا ترى أنه يحل له
وطؤها ولا يحل وطئ المعتدة بحال وكذا لو قال لمنكوحته وهي أمة الغير أنت طالق للسنة ثم اشتراها وجاء وقت
السنة لا يقع شئ لما ذكرنا انها ليست بمعتدة والطلاق المعلق بشرط أو المضاف إلى وقت لا يقع في غير ملك النكاح
والعدة ولو قال العبد لامرأته وهي حرة أنت طالق للسنة ثم أبانها ثم جاء وقت السنة يقع عليها الطلاق لأنها معتدة
منه وكذلك إذا قال الرجل لامرأته وهي أمة الغير أنت طالق للسنة ثم اشتراها فأعتقها ثم جاء وقت السنة وقع عليها
الطلاق لأنها معتدة منه لظهور حكم العدة بعد الاعتاق وإذا ارتد الرجل ولحق بدار الحرب فطلق المرأة لم يقع
على المرأة طلاقه وإن كانت في العدة لان العصمة قد انقطعت بينهما بلحاقه بدار الحرب فلا يقع عليها طلاقه كما
لا يقع على المرأة طلاقه بعد انقضاء العدة فان عاد إلى دار الاسلام وهي في العدة وقع طلاقه عليها لان المانع من
الطلاق اختلاف الدارين وقد زال فان ارتدت المرأة ولحقت بدار الحرب فطلق المرأة لم يقع طلاق الزوج عليها
لان العصمة قد انقطعت بلحاقها في بدار الحرب فصارت كالمنقضية العدة فان عادت قبل الحيض لم يقع طلاق
الزوج عليها في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف يقع طلاقه عليها (وجه) قول أبي يوسف ان العدة باقية حقيقية الا أنه
لم يظهر حكمها للحال لمانع وهو اللحاق لاختلاف الدارين فان عادت إلى دار الاسلام فقد زال المانع فظهر حكم
136

العدة كما في جانب الرجل ولأبي حنيفة ان المرتدة بلحاقها بدار الحرب صارت كالحربية الأصلية ألا ترى أنها تسترق
كالحربية فبطلت العدة في حقها أصلا فلا تعود بعودها إلى دار الاسلام بخلاف المرتدة وعلى هذا الأصل يخرج عدد
الطلاق قبل الدخول انه ان أوقع مجتمعا يقع الكل وان أوقع متفرقا لا يقع الا الأول لان الايقاع إذا كان مجتمعا فقد
صادفت الكل محله وهو الملك فيقع الكل وإذا كان متفرقا فقد بانت بالأول والثاني والثالث صادفها ولا ملك ولا عدة
فلا يقع وبيان هذا الأصل في مسائل إذا قال لامرأته قبل الدخول بها أنت طالق ثلاثا أو قال أنت طالق ثنتين وقع
ذلك عند عامة العلماء وقال الحسن البصري لا يقع الا واحدة ويلغو قوله ثلاثا أو ثنتين (وجه) قوله إن قوله أنت طالق
كلام تام لكونه مبتدأ وخبرا وقد سبق العدد في الذكر فيسبق في الوقوع فبين بقوله أنت طالق والعدد يصادفها بعد
حصول البينونة فيلغو كما إذا قال أنت طالق وطالق (ولنا) انه أوقع الثلاث جملة واحدة فيقع جملة واحدة ودلالة
الوصف من وجهين أحدهما أن العدد هو الواقع وهو الثلاث وقد أوقع الثلاث مجتمعا والثاني ان الكلام إنما يتم بآخره
لان المتكلم بما يعلق كلامه بشرط أو بصفة إلى وقت أو يلحق به الاستثناء لحاجته إلى ذلك فيقف أول الكلام
على آخره وإذا وقف عليه صار الكل جملة واحدة فيقع الكل جملة واحدة ولا يتقدم البعض على البعض ولهذا لو قال
لها أنت طالق واحدة فماتت بعد قوله طالق قبل قوله واحدة لم يقع شئ لان الواقع هو العدد وذلك وجد بعد الموت
وكذا لو قال لها أنت طالق ثلاثا إن شاء الله فماتت بعد قوله ثلاثا قبل قوله إن شاء الله لا يقع شئ لأنه توقف أول الكلام
على وجود آخره المغير له فلم يتعلق بأوله حكم فلا يقع به شئ في حال الحياة ولا يقع بعد الموت لعدم التطليق عند وجود
الاستثناء وعدم المحل أيضا وكذلك إذا ذكر بعده ما هو صفة له وقع بتلك الصفة كما إذا قال أنت طالق بائن أو حرام
لان الصفة مع الموصوف كلام واحد فلا يفصل البعض عن البعض في الوقوع وفائده هذا لا تظهر في التنجيز لان
الطلاق قبل الدخول لا يقع الا بائنا سواء وصفه بالبينونة أم لم يصفه وإنما تظهر في التعليق بأن يقول لها أنت طالق بائن
ان دخلت الدار انه لا يتنجز بل يتعلق بالدخول لان قوله بائن بين الايقاع والشرط لا يقع فاصلا بينهما لما ذكرنا أن
الصفة مع الموصوف كلام واحد فلا يكون حائلا بين الايقاع والشرط فلا يمنع التعليق بالشرط ولو قال لها أنت طالق
واحدة مع واحدة أو معها واحدة يقع ثنتان لان كلمة مع للمقارنة فقد أوقع الطلاقين معا فيقعان معا كما لو كانت مدخولا
بها وكذا لو قال أنت طالق واحدة قبلها واحدة أو واحدة بعد واحدة لان هذا ايقاع طلقة واحدة للحال وإضافة طلقة
أخرى إلى الزمان الماضي فيقع في الحال واحدة ولم تصح إضافة الأخرى إلى الماضي لما فيه من الاستحالة فيقع في
الحال ولو قال أنت طالق واحدة قبلها واحدة أو واحدة بعدها واحدة يقع واحدة لأنه أوقع تطليقة واحدة وأعقبها
بتطليقة أخرى فوقعت الأولى ولغت الثانية لعدم الملك والعدة ولو كرر لفظ الطلاق فالامر لا يخلو اما ان كرر بدون
حرف العطف واما أن يكون بحرف العطف وكل ذلك لا يخلو اما ان نجز أو علق فان كرر بغير حرف العطف ونجز بان
قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق أو قال أنت طالق طالق طالق يقع الأولى ويلغو الثانية والثالثة لأنه أوقع متفرقا
أما في قوله أنت طالق أنت طالق أنت طالق فلان كل واحد من هذه الألفاظ الثلاثة كلام تام لأنه مبتدأ وخبر وكل
واحد منهما وجد متفرقا فكان كل واحد منهما ايقاعا متفرقا فيقتضى الوقوع متفرقا فتحصل البينونة بالأولى والثاني
والثالث يصادفها ولا ملك ولا عدة فيلغوا وكذلك إذا قال أنت طالق طالق طالق لان الثاني والثالث خبر لا مبتدأ له
فيعاد المبتدأ كأنه قال أنت طالق أنت طالق وان علق بشرط فان قدم الشرط بأن قال إن دخلت الدار فأنت طالق
طالق طالق فالأولى يتعلق بالشرط لوجود التعليق الصحيح وهو ذكر شرط وجزاء في الملك والثاني ينزل في الحال
لان قوله أنت طالق ايقاع تام وقوله وطالق معناه أنت طالق وانه ايقاع تام لأنه مبتدأ وخبر وقد صادف محله وهو
المنكوحة فيقع ويلغو الثالث لوقوع البينونة بالايقاع ولو تزوجها ودخلت الدار ينزل المعلق لان اليمين باقية لأنها
لا تبطل بالإبانة فوجد الشرط وهي في ملكه فينزل الجزاء ولو دخلت الدار بعد البينونة قبل التزوج تنحل اليمين ولا
137

يقع الطلاق وإن كانت مدخولا بها فالأول يتعلق بالشرط لما ذكرنا والثاني والثالث ينزلان للحال لان كل واحد منهما
ايقاع صحيح لمصادفته محله وان أخر الشرط بأن قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق ان دخلت الدار أو قال أنت
طالق طالق طالق ان دخلت الدار فالأول ينزل في الحال لأنه ايقاع تام صادف محله ويلغو الثاني والثالث بحصول
البينونة بالأولى فلم يصح التعليق لعدم الملك وإن كانت مدخولا بها يقع الأول والثاني للحال ويتعلق الثالث بالشرط
لان الأول والثاني كل واحد منهما ايقاع تام لكونه مبتدأ وخبرا وقد صادف محله فوقع للحال والثالث علقه بالشرط
فتعلق به لحصول التعليق حال قيام العدة فصادف التعليق محله فصح بخلاف الفصل الأول وان كرر بحرف العطف
فان نجز الطلاق بان قال أنت طالق ثم طالق ثم طالق أو قال أنت طالق فطالق فطالق لا يقع الا الأول بلا خلاف لأنه
أوقع الثلاث متفرقا لوجود حروف موضوعة للتفرق لان ثم للترتيب مع التراخي والفاء للترتيب مع التعقيب ووقوع
الطلقة الأولى يمنع من ترتيب الثانية والثالثة عليها وكذلك إذا قال أنت طالق وطالق وطالق عند عامة العلماء وقال
مالك يقع الثلاث (وجه) قوله إن الواو للجمع والجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع فكان هذا ايقاع الثلاث
جملة واحدة كأنه قال أنت طالق ثلاثا (ولنا) ان الواو للجمع المطلق والجمع المطلق في الوجود لا يتصور بل
يكون وجوده على أحد الوضعين عينا اما القران واما الترتيب فإن كان الوقوع بصفة الترتيب لا يقع الا الأول وإن كان
بصفة القران يقع الثاني والثالث فيقع الشك في وقوع الثاني والثالث فلا يقع بالشك وان علق بشرط فاما ان
قدم الشرط على الجزاء واما ان أخره عنه فان قدمه بأن قال إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق طالق تعلق الكل
بالشرط بالاجماع حتى لا يقع شئ قبل الدخول الدار فإذا دخلت الدار قبل الدخول بها لا يقع الا واحدة في قول أبي حنيفة
وان دخلت الدار قبل الدخول بها فيقع الثلاث بالاجماع لكن عند أبي حنيفة على التعاقب وعندهما يقع على
الجمع وعلى هذا الخلاف إذا قال لأجنبية ان تزوجتك فأنت طالق وطالق وطالق فتزوجها لا يقع الا واحدة عنده
وعندهما يقع الثلاث ولو قال إن تزوجتك فأنت طالق وأنت على كظهر أمي فتزوجها طلقت ولم يصر مظاهرا منها
عنده خلافا لهما ولو قدم الظهار على الطلاق بان قال إن تزوجتك فأنت على كظهر أمي وأنت طالق يقع الطلاق والظهار
جميعا بالاجماع (وجه) قولها انه أوقع الثلاث جملة واحدة فيقع جملة واحدة كما إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق
ثلاثا ودلالة الوصف انه جمع التطليقات الثلاث بحرف الجمع وهو الواو والجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع لغة وشرعا
أما اللغة فان قول القائل جاءني زيد وزيد وزيد وقوله جاءني الزيدون سواء وأما الشرع فان من قال لفلان على ألف درهم
ولفلان كان الألف بينهما كما لو قال لهذين الرجلين على ألف درهم وكذا الفضولي إذا زوج رجل امرأة وفضولي
آخر زوج أخت تلك المرأة من ذلك الرجل فبلغه النكاحان فقال أجزت نكاح هذه وهذه بطل النكاحان جميعا كما لو
قال أجزت نكاحهما فثبت ان الجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع ولو جمع بلفظ الجمع بان قال إن دخلت هذه الدار
فأنت طالق ثلاثا لوقع الثلاث سواء دخلتها قبل الدخول بها أو بعد الدخول كذا هذا ولا يلزم التنجيز فإنه لو ذكر
لفظ الجمع قبل الدخول بها بان قال أنت طالق ثلاثا يقع الثلاث ولو ذكر بحرف الجمع لا يقع الا واحدة بان قال لها
أنت طالق وطالق وطالق لان العطف والجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع إذا صح العطف والجمع في
التنجيز لم يصح لأنه لما قال لها أنت طالق فقد بانت بواحدة لعدم العدة فامتنع وقوع الثاني والثالث لانعدام محل
الطلاق بخلاف التعليق بالشرط لان التعليق بالشرط قد صح وصح التكلم بالثاني والثالث لان ملكه قائم بعد
التعليق فصح التكلم به وإذا صح التكلم بحرف الجمع صار التكلم به كالتكلم بلفظ الجمع ولهذا وقع الثلاث إذا
أخر الشرط كذا هذا ولأبي حنيفة ان قوله إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق ايقاع الثلاث متفرقا في
زمان ما بعد الشرط فيقتضى الوقوع متفرقا كما إذا قال لامرأته قبل الدخول بها أنت طالق واحدة بعدها أخرى
ولا شك ان الايقاع إن كان متفرقا يكون الوقوع متفرقا لان الوقوع على حسب الايقاع لأنه حكمه والحكم يثبت
138

على وفق العلة والدليل عليه انه أوقع الثلاث في زمان ما بعد الشرط لان الايقاع هو كلامه السابق إذ لا كلام منه
سواه وكلامه متفرق فان قوله طالق كلام تام مبتدأ وخبر وقوله وطالق معطوف على الأول تابعا فيكون خبر
الأول خبرا له كأنه قال أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق وهذه كلمات متفرقة فيكون الأول متفرقا ضرورة
فيقتضى الوقوع متفرقا وهو ان يقع الأول ثم الثاني ثم الثالث فإن لم تكن المرأة مدخولا بها فدخول الأول يمنع وقوع
الثاني والثالث عقيبه لانعدام الملك والعدة ولهذا لم يقع في التنجيز الا واحدة لكون الايقاع متفرقا الا ان هناك أوقع
متفرقا في الحال في زمان بعد الشرط ولا يلزم ما إذا قال لها ان دخلت هذه الدار فأنت طالق ثلاثا فدخلتها انه يقع
الثلاث لأنه هناك ما أوقع الثلاث متفرقا بل أوقعها جملة واحدة لان قوله أنت طالق ثلاثا موضوع العدد معلوم لغة
ألا ترى ان في التنجيز كذلك فكذا في التعليق ولا يلزم ما إذا أخر الشرط لأنهم وضعوا هذا الكلام عند تأخير
الشرط ذكر الايقاع الثلاث جملة وإن كان متفرقا من حيث الصورة لضرورة دعتهم إلى ذلك وهو ضرورة تدارك
الغلط لان الطلاق والعتاق مما يجرى على اللسان غلطا من غير قصد فوضعوا الشرط والاستثناء في الكلام لتدارك
الغلط حتى إذا لم يكن ذلك عن قصدا لحق الرجل به الاستثناء فيقول إن شاء الله تعالى أو يقول إن دخلت الدار فصار
هذا الكلام عند تأخير الشرط لايقاع الثلاث جملة وضعا وإن كان من حيث الصورة متفرقا لحاجتهم إلى تدارك
الغلط وهم أهل اللسان فلهم ولاية الوضع والحاجة إلى تدارك الغلط عند تأخير الشرط لا عند تقديمه فيجب العمل
بحقيقة الوضع الآخر عند التقديم ولا يلزم ما إذا قال لامرأته ان دخلت هذه الدار فأنت طالق ثم قال في اليوم الثاني
ان دخلت هذه الدار فأنت طالق ثم قال في اليوم الثالث ان دخلت هذه الدار فأنت طالق ثم دخلت الدار انه يقع
الثلاث وإن كان الايقاع متفرقا لان هناك ما أوقع الثلاث متفرقا في زمان ما بعد الشرط لان ذلك الكلام ثلاثة
ايمان كل واحدة منها جعلت علما على الانطلاق في زمان واحد بعد الشرط فكان زمان ما بعد الشرط وهو دخول
الدار وقت الحنث في والايمان كلها فيقع جملة ضرورة حتى لو قال لها ان دخلت هذه الدار فأنت طالق ثم قال في
اليوم الثاني ان دخلت هذه الدار الأخرى فأنت طالق ثم قال في اليوم الثالث ان دخلت هذه الدار فأنت طالق لا يقع
بكل دخلة الاطلاق واحد لان الموجود ثلاثة ايمان لكل واحد شرط على حدة بخلاف مسئلتنا فان الموجود يمين
واحدة ولها شرط واحد وقد جعل الحالف جزاء هذه اليمين ايقاعات متفرقة في زمان ما بعد الشرط فلابد من تفرق
الايقاعات في زمان ما بعد الشرط فيقع كل جزاء في زمان كما في قوله إن دخلت هذه الدار فأنت طالق واحدة بعدها
أخرى بخلاف ما إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق ونصف لان هناك ما أوقع متفرقا بل مجتمعا لان قوله طالق
ونصف اسم واحد بمسمى واحد وإن كان النصف معطوفا على الواحد كقولنا أحد وعشرون ونحو ذلك فكان ذلك
تطليقتين على الجمع ولهذا كان في التخيير كذلك فكذلك في التعليق وبخلاف قوله إن دخلت الدار فأنت طالق
واحدة لا بل ثنتين لان ذلك ايقاع الثلاث علة في زمان ما بعد الشرط لأنه أوقع الواحدة ثم تدارك الغلط بإقامة الثنتين
مقام الواحدة والرجوع عن الأول والرجوع لم يصح لان تعليق الطلاق لا يحتمل الرجوع عنه وصح ايقاع
التطليقتين فكان ايقاع الثلاث بعد الشرط في زمان واحد كأنه قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا وههنا
بخلافه وأما قوله إنه جمع بين الايقاعات بحرف الجمع وهو الواو فالجواب عنه من وجهين أحدهما ان الواو للجمع
المطلق من غير التعرض لصفة القران والترتيب والجمع المطلق في الوجود لا يتصور لأنه لا يوجد الا مقيدا بأحد
الوصفين فبعد ذلك حمله على القرآن يكون عدولا عن حقيقة الكلمة وجعلها مجازا عن كملة مع ونحن نحمله على
الترتيب ونجعله مجازا عن كلمة ثم فوقع التعارض فسقط الاحتجاج بحرف الواو مع ما ان الترجيح معنا من وجهين
أحدهما ان الحمل على الترتيب موافق لوجود الايقاع متفرقا حقيقة لا موجب حرف الواو والحمل على
القران يحالف الحقيقة فكان الحمل على الترتيب أولى والثاني ان الحمل على الترتيب يمنع من وقوع الثاني والثالث
139

والحمل على القران يوجب الوقوع فلا يثبت الوقوع بالشك على الأصل المعهود ان ما لم يكن ثابتا وقع الشك في
ثبوته لا يثبت بالشك بخلاف مسألة الفضولي فإنه كما لا يجوز الجمع بين الأختين على المقارنة لا يجوز على الترتيب فأمكن
العمل بحرف الواو فيما يقتضيه وهو الجمع المطلق وفي مسألة الاقرار توقف أول الكلام على آخره لضرورة تدارك
الغلط والنسيان إذ قد يكون على إنسان حق لاثنين فيقر بكل الحق لأحدهما على السهو والغفلة ثم يتذكر
فيتدارك بهذه اللفظة فوقف أول الكلام عن آخره وصارت الجملة اقرارا واحد لهما للضرورة كما قلنا في تأخير
الشرط في الطلاق ومثل هذه الضرورة في مسئلتنا منعدمة فيجب العمل بالحقيقة ولو علق بحرف الفاء بان قال إن
دخلت الدار فأنت طالق فطالق فطالق فجعل الكرخي والطحاوي حرف الفاء ههنا كحرف الواو وأثبتا الخلاف
فيه والفقيه أبو الليث جعله مثل كلمة بعد وعده مجمع عليه فقال إذا كانت غير مدخول بها لا يقع الا واحدة
بالاجماع وهكذا ذكر الشيخ الامام الأجل الأستاذ علاء الدين رحمه الله تعالى وهذا أقرب إلى الفقه لان
الفاء للترتيب مع التعقيب ووقوع الأول يمنع من تعقب الثاني والثالث ولو قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق
ثم طالق فالأول يتعلق بالشرط والثاني يقع للحال ويلغو الثالث في قول أبي حنيفة كما إذا لم يذكر الواو ولا الفاء بان
قال إن دخلت الدار فأنت طالق طالق طالق فان تزوج بها ودخلت الدار ولم تكن دخلت قبل ذلك الدار نزل
المعلق وإن كانت مدخولا بها يتعلق الأول بالشرط وتقع الثانية والثالثة في الحال فان دخلت الدار وهي في العدة
أو دخلتها بعد ان راجعها نزل المعلق وقال أبو يوسف ومحمد يتعلق الكل بالشرط حتى لا يقع شئ في الحال
وإذا دخلت الدار يقع واحدة وإن كانت مدخولا بها يقع الثلاث على التعاقب كما إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق
واحدة وبعدها واحدة وبعدها واحدة وكما قال أبو حنيفة في حرف الواو وجه قولهما ان عطف البعض على البعض
بحرف العطف لان ثم حرف عطف كالواو فيتعلق الكل بالشرط ثم الوقوع بعد الشرط يكون على التعاقب بمقتضى
حرف ثم لأنه للترتيب مع التراخي فيعتبر أن معنى العطف في التعليق ومعنى الترتيب في الوقوع على ما نذكر ولأبي
حنيفة أن قوله إن دخلت الدار فأنت طالق يمين تامة لوجود الشرط والجزاء وانها منعقدة لحصولها في الملك فلما قال ثم
طالق فقد تراخى الكلام الثاني عن الأول فصار كأنه سكت ثم قال لها أنت طالق فيقع في الحال ولا يتعلق بالشرط وأبو
حنيفة يعتبر معنى الكلمة وهو التراخي في نفس الكلام فكان الفصل بين الكلام الأول والثاني بالتراخي كالفصل
بالسكوت على ما نذكر إن شاء الله تعالى ولو أخر الشرط بان قال أنت طالق وطالق وطالق ان دخلت الدار أو قال أنت
طالق فطالق فطالق ان دخلت الدار تعلق الكل بالشرط فان وجد الشرط يقع الثلاث بالاجماع لان أهل اللغة وضعوا
هذا الكلام على تأخير الشرط لايقاع الثلاث جملة في زمان ما بعد الشرط لحاجتهم إلى تدارك الغلط على ما بينا فيما
تقدم ولو قال أنت طالق ان دخلت الدار أنت طالق ان دخلت الدار أنت طالق ان دخلت الدار أو قدم الشرط
بان قال إن دخلت الدار فأنت طالق قال ذلك ثلاثا يتعلق الكل بالدخول فما لم تدخل لا يقع شئ وإذا دخلت الدار دخلة
واحدة يقع الثلاث بالاجماع لما قلنا إن هذه ايمان ثلاثة لها شرط واحدة كل يمين ايقاع الطلاق والثلاث في زمان
واحد وهو ما بعد الشرط فكان ايقاع الثلاث جملة في زمان ما بعد الشرط لا متفرقا فإذا وجد الشرط يقع جملة ولو
قال أنت طالق ثم طالق ثم طالق ان دخلت الدار فالأول يقع للحال ويلغو الثاني والثالث في قول أبي حنيفة وإن كانت
مدخولا بها يقع الأول والثاني للحال ويتعلق الثالث بالشرط وقال أبو يوسف ومحمد يتعلق الكل بالشرط ولا يقع
الا واحدة وإن كانت مدخولا بها يقع الثلاث سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها وجعل ثم عندهما في هذه
الصورة كالواو والفاء وجه قولهما على ظاهر الرواية عنهما ان ثم حرف عطف كالواو والفاء ولهما معنى خاص وهو
التراخي فيجب اعتبار المعنيين جميعا فاعتبرنا معنى العطف في تعليق الكل بالشرط كما في حرف الواو والفاء واعتبرنا
معنى التراخي في الوقوع وهذا يمنع وقوع الثانية والثالثة قبل الدخول بها وجه قول أبي حنيفة ان كملة ثم موضوعة
140

للتراخي وقد دخلت على الايقاع فيقتضى تراخى الثاني عن الأول في الايقاع كأنه قال أنت طالق وسكت ثم قال
فطالق وطالق ان دخلت الدار فيقع الأول للحال ويلغو الثاني والثالث لأنهما حصلا بعد ثبوت البينونة بالأول
فلا يقعان في الحال ولا يتعلقان بالشرط أيضا لانعدام الملك وقت التعليق فلم يصح التعليق فالحاصل انهما يعتبران
معنى التراخي في الوقوع لا في الايقاع وأبو حنيفة يعتبر معنى التراخي في الايقاع لان الحكم الايقاع واعتبار أبي حنيفة
أولى لان كلمة التراخي دخلت على الايقاع والتراخي في الايقاع يوجب التراخي في الوقوع لان الحكم يثبت
على وفق العلة فاما القول بتراخي الوقوع من غير تراخى الايقاع فقول باثبات حكم العلة على وجه لا تقتضيه العلة وهذا
لا يجوز وروى عن أبي يوسف فيمن قال لامرأته أنت طالق استغفر الله ان دخلت الدار موصولا أو قال سبحان الله
أو الحمد لله انه يدين فيما بينه وبين الله تعالى ويقع في القضاء في الحال لان هذا كلام لا تعلق له بالطلاق فيكون فاصلا
بين الجزاء والشرط فيمنع التعليق كما لو سكت بينهما من غير ضرورة السعال فيقع في الحال في القضاء ولا يصدق
ان أراد به التعليق لأنه خلاف الظاهر ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه نوى ما يحتمله كلامه وكذا إذا تنحنح
من غير سعال غشيه أو تساعل لأنه لما تنحنح من غير ضرورة أو تساعل فقد قطع كلامه فصار كما لو قطعه بالسكوت
ولو قال أنت طالق واحدة وعشرين أو واحدة وثلاثين أو واحدة وأربعين أو قال أحد وعشرين أو أحد وثلاثين
أو أحد وأربعين وقعت ثلاثا في قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر لا يقع لا واحدة وجه قوله إنه أوقع الثلاث متفرقا
لأنه عطف عددا على عدد فوقوع الأول يمنع وقوع الثاني كما إذا قال لها أنت طالق وطالق أو طالق فطالق ولنا أن قوله
أحد وعشرين في الوضع كلام واحد وضع لمسمى واحد ألا ترى أنه لا يمكن أن يتكلم به الا على هذا الوجه فلا يفصل
البعض عن البعض كقوله أنت طالق ثلاثا وعلى هذا الخلاف إذا قال أنت طالق اثنتين وعشرين أو اثنتين
وثلاثين أو اثنتين وأربعين أو قال اثنى وعشرين أو اثنى وثلاثين أو اثنى وأربعين انه ثلاث عندنا وعند زفر اثنتان
لما قلنا ولو قال أنت طالق احدى عشرة يمكن أن يتكلم على غير هذا الوجه بان يأتي باللفظ المعتاد فيقول احدى عشرة
أو أحد عشر فإذا لم يقل يعتبر عطفا على الواحد فكان ايقاع العشرة بعد الواحد فلا يصح كما لو قال أنت طالق
وطالق أو فطالق أو ثم طالق وذكر الكرخي عن أبي يوسف في احدى وعشرة انه ثلاث لأنه يفيد ما يفيده قولنا
أحد عشر فكان مثله ولو قال أنت طالق واحدة ومائة أو واحدة وألفا كان واحدة كذا روى الحسن عن
أبي حنيفة لأنه كان يمكنه أن يتكلم به على غير هذا الوجه وهو أن يقول مائة وواحدة وألفا وواحدة لان هذا
هو المعتاد فإذا قدم الواحدة فقد خالف المعتاد فلا يمكن أن يجعل الكل عددا واحدا فيجعل عطفا فيمتنع وقوع
ما زاد على الواحدة وقال أبو يوسف إذا قال واحدة ومائة تقع ثلاثا التقديم والتأخير في ذلك معتاد ألا ترى
انهم يقولون في العادة مائة وواحدة وواحدة ومائة على السواء ولو قال أنت طالق واحدة ونصفا يقع اثنتان
في قولهم لأن هذه جملة واحدة ألا ترى انه لا يمكنه أن يتكلم بها الا على هذا الوجه فكان هذا اسما لمسمى واحد
والطلاق لا يتجزأ فكان ذكر بعضه ذكرا للكل فكان هذا ايقاع تطليقتين كأنه قال لها أنت طالق ثنتين
ولو قال أنت طالق نصفا وواحدة يقع عليها ثنتان عند أبي يوسف وعند محمد واحدة له أن التكلم على هذا الوجه غير
معتاد بل العادة قولهم واحدة ونصفا فإذا عدل عن المعتاد لم يكن أن يجعل الكل عددا واحدا فيجعل عطفا
وأبو يوسف يقول الاستعمال على هذا الوجه معتاد فإنه يقال واحدة ونصفا وواحدة على السواء ومنها الإضافة
إلى المرأة في صريح الطلاق حتى لو أضاف الزوج صريح الطلاق إلى نفسه بان قال أنا منك طالق لا يقع الطلاق وان
نوى وهذا عندنا وقال الشافعي الإضافة إلى المرأة في صريح الطلاق حتى لو قال أنا منك بائن أو أنا عليك حرام
ونوى الطلاق يصح وجه قوله إن الزوج أضاف الطلاق إلى محله فيصح كما إذا قال لها أنا منك بائن أو أنا عليك
حرام ودلالة الوصف ان محل الطلاق المقيد لان التطليق رفع القيد والرجل مقيد إذ المقيد هو الممنوع والزوج ممنوع
141

عن التزوج بأختها وعن التزوج بأربع سواها فكان مقيدا فكان محلا لإضافة الكناية المبينة إليه لما ان الإبانة قطع
الوصلة وانها ثابتة من جانبه كذا هذا ولنا الكتاب والسنة والمعقول أما الكتاب فقوله عز وجل فطلقوهن
لعدتهن أمر سبحانه وتعالى بتطليقهن والامر بالفعل نهى عن تركه وتطليق نفسه ترك لتطليق امرأته حقيقة لأنه
أضاف الطلاق إلى نفسه لا إلى امرأته حقيقة فيكون منهيا والمنهى غير المشروع والتصرف الذي ليس بمشروع
لا يعتبر شرعا وهو تفسير عدم الصحة وأما السنة فما روى أبو داود في سننه باسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال تزوجوا ولا تطلقوا فان الطلاق يهتز له عرش الرحمن نهى عن التطليق مطلقا سواء كان مضافا إلى الزوج أو
إلى الزوجة وأكد النهى بقوله فان الطلاق يهتز له عرش الرحمن فظاهر الحديث يقتضى أن يكون التطليق منهيا سواء
أضيف إلى الزوج أو إليهما ثم جاءت الرخصة في التطليق المضاف إلى الزوجة في نصوص الكتاب من قوله تعالى
فطلقوهن لعدتهن وقوله تعالى فان طلقها وقوله تعالى لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ونحو ذلك فبقي التطليق المضاف
إلى الزوج على أصل النهى والمنهى غير مشروع والتصرف الشرعي إذا خرج من أن يكون مشروعا لا وجود له شرعا
فلا يصح ضرورة وأما المعقول فهو أن قوله أنا منك طالق اما أن يعتبر اخبارا عن كونه طالقا كما يقتضيه ظاهر الصيغة
واما أن يعتبر انشاء وهو اثبات الانطلاق ولا سبيل إلى الثاني لأنه منطلق وليس عليه قيد النكاح واثبات الثابت
محال فتعين الأول وهو أن يكون اخبارا عن كونه طالقا وهو صادق في هذه الأخبار والدليل على أنه ليس عليه قيد
النكاح وجهان أحدهما ان قيد النكاح في جانب المرأة إنما ثبت لضرورة تحقيق ما هو من مقاصد النكاح وهو السكن
والنسب لان الخروج والبروز يريب فلا يطمئن قلبه إليها وإذا جاءت بولد لا يثق بكونه منه وهذه الضرورة منعدمة في
جانب الزوج فلا يثبت عليه قيد النكاح والثاني ان قيد النكاح هو ملك النكاح وهو الاختصاص الحاجز والزوج
مالك لأن المرأة مملوكة ملك النكاح والمملوك لابد له من مالك ولا ملك لغير الزوج فيها فعلم أن الزوج مالكها فاستحال
أن يكون مملوكا بخلاف ما إذا أضاف الطلاق إليها فان قال لها أنت طالق انه لا يمكن حمل هذه الصيغة على الاخبار
لأنه يكون كذبا لكونها غير منطلقة لثبوت قيد النكاح فيحمل على الانشاء انه ممكن لعدم الانطلاق قبله بخلاف
الكناية المبينة لان الإبانة قطع الوصلة وانها ثابتة في الطرفين فإذا زالت من أحد الطرفين تزول من الطرف الآخر
ضرورة لاستحالة اتصال شئ بما هو منفصل عنه والتحريم اثبات الحرمة وانها لا تثبت من أحد الجانبين لاستحالة
أن يكون الشخص حلالا لمن هو حرام بخلاف الطلاق لأنه اثبات الانطلاق ورفع القيد والقيد لم يثبت الا من جانب
واحد وانه قائم وأما قوله الزوج ممنوع عن التزوج بأختها وأربع سواها فنعم لكن ذلك لم يثبت الا من جانب واحد
وانه قائم لان المنع من ذلك لكونه جمعا بين الأختين في النكاح وهذا كان ثابتا قبل النكاح ألا ترى لو تزوجهما جميعا
لم يجز وسواء كانت الإضافة إلى امرأة معينة أو مبهمة عند عامة العلماء حتى لو قال لامرأتيه إحداكما طالق أو قال
لأربع نسوة له إحداكن طالق ولم ينو واحدة بعينها صحت الإضافة وقال نفاة القياس لا تصح إضافة الطلاق
إلى المعينة وجه قولهم لم يصلح محلا للنكاح فلا يصلح محلا للطلاق إذ الطلاق يرفع ما ثبت بالنكاح وكذا لم يصلح
محلا للبيع والهبة والإجارة وسائر التصرفات فكذا الطلاق وأما عمومات الطلاق من الكتاب والسنة من نحو
قوله عز وجل فطلقوهن لعدتهن وقوله الطلاق مرتان وقوله سبحانه فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا
غيره وقوله لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن وقول النبي صلى الله عليه وسلم كل طلاق جائز الاطلاق الصبي
والمعتوه من غير فصل بين طلاق وطلاق وبين الطلاق المضاف إلى المعين والمجهول ولان هذا ليس بتنجيز الطلاق في
الحقيقة بل هو تعليق من حيث المعنى بشرط البيان لما نذكر والطلاق مما يحتمل التعليق بالشرط ألا ترى أنه يصح
تعليقه بسائر الشروط فكذا بهذا الشرط بخلاف النكاح فإنه لا يحتمل التعليق بالشرط فلا تكون المجهولة محلا
للنكاح وكذا الإجارة والبيع وسائر التصرفات وعلى هذا الوجه لا يكون هذا ايقاع الطلاق في المجهولة لأنه تعليق
142

بشرط البيان فيقع الطلاق في المبينة لا في المجهولة على أنا ان قلنا بالوقوع كما قال بعضهم فهذه جهالة يمكن رفعها بالبيان
فالطلاق يحتمل خطر الجهالة ألا ترى انه يحتمل التعليق والإضافة بحقيقة ان البيع يحتمل جريان الجهالة فان إذا
باع قفيزا من صبرة جاز وكذا إذا باع أحد شيئين على أن المشترى بالخيار يأخذ أيهما شاء ويرد الآخر جاز فالطلاق
أولى لأنه في احتمال الخطر فوق البيع ألا ترى انه يحتمل التعليق والإضافة والبيع لا يحتمل ذلك فلما جاز بيع
المجهول فالطلاق أولى وسواء كانت الجهالة مقارنة أو طارئة بان طلق واحدة من نسائه عينا ثم نسي المطلقة حتى لا يحل
له وطئ واحدة منهن لان المقارن لما لم يمنع صحة الإضافة فالطارئ لان لا يرفع الإضافة الصحيحة أولى لان المنع
أسهل من الرفع والله عز وجل أعلم ومنها الإضافة إلى جميع أجزائها أو إلى جامع منها أو شائع وجملة الكلام
انه لا خلاف انه إذا أضاف الطلاق إلى جزء جامع منها كالرأس والوجه والرقبة والفرج انه يقع الطلاق لأن هذه
الأعضاء يعبر بها عن جميع البدن يقال فلان يملك كذا وكذا رأسا من الرقيق وكذا وكذا رقبة وقال الله تعالى أو
تحرير رقبة والمراد بها الجملة وفي الخبر لعن الله الفروج على السروج والوجه يذكر ويراد به الذات قال الله سبحانه
وتعالى كل شئ هالك الا وجهه أي الا هو ومن كفل بوجه فلان يصير كفيلا بنفسه فيثبت ان هذه الأعضاء
يعبر بها عن جميع البدن فكان ذكرها ذكر للبدن كأنه قال أنت طالق وكذا إذا أضاف إلى وجهها لان قوام
النفس بها ولان الروح تسمى نفسا قال الله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ولو أضاف
الطلاق إلى دبرها لا يقع لان الدبر لا يعبر به عن جميع البدن بخلاف الفرج ولا خلاف أيضا في أنه إذا أضاف الطلاق
إلى جزء شائع منها بان قال نصفك طالق أو ثلثك طالق أو ربعك طالق أو جزء منك انه يقع الطلاق لان الجزء الشائع
محل للنكاح حتى تصح إضافة النكاح إليه فيكون محلا للطلاق ولان الإضافة إلى الجزء الشائع يقتضى ثبوت حكم
الطلاق فيه وانه شائع في جملة الاجزاء بعذر الاستمتاع بجميع البدن لما في الاستمتاع به استمتاع بالجزء الحرام فلم
يكن في ابقاء النكاح فائدة فيزول ضرورة واختلف فيما إذا أضاف الطلاق إلى الجزء المعين الذي لا يعبر به عن جميع
البدن كاليد والرجل والإصبع ونحوها قال أصحابنا لا يقع الطلاق وقال زفر يقع وبه أخذ الشافعي وجه قولهما ان اليد
جزء من البدن فيصح إضافة الطلاق إليها كما لو أضاف إلى الجزء الشائع منها والدليل على أن اليد جزء من البدن ان
البدن عبارة عن جملة أجزاء مركبة منها اليد فكانت اليد بعض الجملة المركبة والإضافة إلى بعض البدن إضافة إلى
الكل كما في الجزء الشائع ولنا قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن أمر الله تعالى بتطليق النساء والنساء جمع المرأة والمرأة
اسم لجميع أجزائها والامر بتطليق الجملة يكون نهيا عن تطليق جزء منها لا يعبر عنه جميع البدن لأنه ترك
لتطليق جملة البدن والامر بالفعل نهى عن تركه والمنهى لا يكون مشروعا فلا يصح شرعا ولان قوله يدك طالق إضافة
الطلاق إلى ما ليس محل الطلاق فلا يصح كما لو أضاف الطلاق إلى خمارها ودلالة الوصف انه أضاف الطلاق إلى
يدها ويدها ليست بمحل للطلاق لوجهين أحدهما انها ليست بمحل للنكاح حتى لا تصح إضافة النكاح إليها فلا
تكون محلا للطلاق لان الطلاق رفع ما يثبت بالنكاح ألا ترى انها ما لم تكن محلا للإقالة لأنها فسخ ما ثبت بالبيع
كذا هذا والثاني ان محل الطلاق محل حكم في عرف الفقهاء وحكم الطلاق زوال قيد النكاح وقيد النكاح ثبت في
جملة البدن لا في اليد وحدها لان النكاح أضيف إلى جملة البدن ولا يتصور القيد الثابت في جملة البدن في اليد وحدها
فكانت الإضافة إلى اليد وحدها إضافة إلى ما ليس محل الطلاق فلا يصح وكذا يقال في الجزء الشائع لأنه لا يثبت
الحكم في البدن بالإضافة إلى الجزء الشائع بل لمعنى آخر وهو عدم الفائدة في بقاء النكاح على ما مر بيانه أو يضاف إليه
لأنه من ضرورات الإضافة إلى الجزء الشائع كمن قطع حبلا مملوكا له تعلق به قنديل غيره وههنا لا ضرورة لو تثبت
الحرمة في الجزء المعين مقصورا عليه لامكان الانتفاع بباقي البدن فكان بقاء النكاح مفيدا لكن لا قائل به على
ما عرف في الخلافيات وأما قوله اليد جزء من البدن فنقول إن سلم ذلك لكنه جزء معين فلم يكن محلا للطلاق بخلاف
143

الجزء الشائع فإنه غير معين وهذا لان الجزء إذا كان شائعا فما من جزء يشار إليه الا ويحتمل أن يكون هو المضاف إليه
الطلاق فتعذر الاستمتاع بالبدن فلم يكن في بقاء النكاح فائدة بخلاف المعين على ما مر ومنها قبول العوض من المرأة
في أحد نوعي الخلع وفي الطلاق على مال إذا لم يكن هناك قائل آخر سواها أما الخلع فجملة الكلام فيه ان الخلع
نوعان خلع بعوض وخلع بغير عوض أما الذي هو بغير عوض فنحو ان قال لامرأته خالعتك ولم يذكر العوض فان
نوى به الطلاق كان طلاقا والا فلا لأنه من كنايات الطلاق عندنا ولو نوى ثلاثا كان ثلاثا وان نوى اثنتين فهي
واحدة عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر بمنزلة قوله أنت بائن ونحو ذلك على ما مر وأما الثاني وهو أن يكون مقرونا
بالعوض لما ذكرنا بان قال خالعتك على كذا وذكر عوضا واسم الخلع يقع عليهما الا انه عند الاطلاق ينصرف إلى
النوع الثاني في عرف اللغة والشرع فيكون حقيقة عرفية فيه وشرعية حتى لو قال الأجنبي اخلع امرأتي فخلعها بغير عوض
لم يصلح وكذا لو خالعها على ألف درهم فقبلت ثم قال الزوج لم أنو به الطلاق لا يصدق في القضاء لان ذكر العوض
دليل إرادة الطلاق ظاهرا فلا يصدق في العدول عن الظاهر بخلاف ما إذا قال لها خالعتك ولم يذكر العوض ثم قال
ما أردت به الطلاق انه يصدق إذا لم يكن هناك دلالة حال تدل على إرادة الطلاق من غضب أو ذكر طلاق على ما ذكرنا
في الكنايات لان هذا اللفظ عند عدم ذكر التعويض يستعمل في الطلاق وفي غيره فلابد من النية لينصرف إلى
الطلاق بخلاف ما إذا ذكر العوض لأنه مع ذكر العوض لا يستعمل في العرف والشرع الا للطلاق ثم الكلام في
هذا النوع يقع في مواضع في بيان ماهيته وفي بيان كيفيته وفي بيان شرط صحته وفي بيان شرط وجوب العوض وفي
بيان قدر ما يحل للزوج أخذه منها من العوض وما لا يحل وفي بيان حكمه أما الأول فقد اختلف في ماهية الخلع قال
أصحابنا هو طلاق وهو مروى عن عمر وعثمان رضي الله عنهما وللشافعي قولان في قول مثل قولنا وفي قول ليس بطلاق
بل هو فسخ وهو مروى عن ابن عباس رضي الله عنهما وفائدة الاختلاف انه إذا خالع امرأته ثم تزوجها تعود إليه
بطلاقين عندنا وعنده بثلاث تطليقات حتى لو طلقها بعد ذلك تطليقتين حرمت عليه حرمة غليظة عندنا وعنده
لا تحرم الا بثلاث احتج الشافعي بظاهر قوله عز وجل الطلاق مرتان إلى قوله فان طلقها ذكر سبحانه الطلاق مرتين
ثم ذكر الخلع بقوله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ثم ذكر الطلاق أيضا بقوله عز وجل فان طلقها جعل الخلع طلاقا
لازداد عدد الطلاق على الثلاث وهذا لا يجوز لان الفرقة في النكاح قد تكون بالطلاق وقد تكون بالفسخ كالفرقة
بعدم الكفاءة وخيار العتاقة والردة واباء الاسلام ولفظ الخلع دليل الفسخ وفسخ العقد رفعه من الأصل فلا
يكون طلاقا كما لو قال طلقتك على ألف درهم فقبلت ولنا أن هذه فرقة بعوض حصلت من جهة الزوج
فتكون طلاقا وقوله الفرقة في النكاح قد تكون من طريق الفسخ مسلم لكن ضرورة لا مقصودا إذ النكاح
لا يحتمل الفسخ مقصودا عندنا لان جوازه ثبت مع قيام المنافى للجواز وهو الحرية في الحرة وقيام ملك اليمين في الأمة
على ما عرف الا أن الشرع أسقط اعتبار المنافى وألحقه بالعدم لحاجة الناس وحاجتهم تندفع بالطلاق وبعوض
وغير عوض وانفساخه ضرورة فلا حاجة إلى الفسخ مقصودا فلا يسقط اعتبار المنافى في حق الفسخ مقصودا
والانفساخ فيما ذكرنا من المواضع ما ثبت مقصودا بل ضرورة ولا كلام فيه ولان لفظ الخلع يدل على الطلاق لا على
الفسخ لأنه مأخوذ من الخلع وهو النزع والنزع اخراج الشئ من الشئ في اللغة قال الله عز وجل ونزعنا ما في صدورهم
من غل أي أخرجنا وقال سبحانه وتعالى ونزع يده أي أخرجها من جيبه فكان معنى قوله خلعها أي أخرجها عن
ملك النكاح وهذا معنى الطلاق البائن وفسخ النكاح رفعه من الأصل وجعله كان لم يكن رأسا فلا يتحقق فيه
معنى الاخراج واثبات حكم اللفظ على وجه يدل عليه اللفظ لغة أولى ولان فسخ العقد لا يكون الا بالعوض الذي
وقع عليه العقد كالإقالة في باب البيع والخلع على ما وقع عليه النكاح وعلى غيره جائز فلم يكن فسخا وأما الآية فلا حجة
له فيها لان ذكر الخلع يرجع إلى الطلاقين المذكورين الا انه ذكرهما بغير عوض ثم ذكر بعوض ثم ذكر سبحانه
144

وتعالى الثالثة بقوله تعالى فان طلقها فلم تلزم الزيادة على الثلاث بل يجب حمله على هذا لئلا يزمنا القول بتغيير المشروع
مع ما انه قد قيل إن معنى قوله تعالى فان طلقها أي ثلاثا وبين حكم الطلقات الثلاث بقوله سبحانه فلا تحل له من بعد حتى
تنكح زوجا غيره فلا يلزم من جعل الخلع طلاقا شرع الطلقة الرابعة والله عز وجل أعلم وأما بيان كيفية هذا النوع فنقول
له كيفيتان أحداهما انه طلاق بائن لأنه من كنايات الطلاق وانها بوائن عندنا ولأنه طلاق بعوض وقد ملك الزوج
العوض بقبولها فلابد وان تملك هي نفسها تحقيقا للمعاوضة ولا تملك نفسها الا بالبائن فيكون طلاقا بائنا ولأنها إنما بذلت
العوض لتخليص نفسها عن حبالة الزوج ولا تتخلص الا بالبائن لان الزوج يراجعها في الطلاق الرجعي فلا تتخلص
ويذهب مالها بغير شئ وهذا لا يجوز فكان الواقع بائنا والثانية انه من جانب الزوج يمين وتعليق الطلاق بشرط
وهو قبولها العوض ومن جانبها معاوضة المال وهو تمليك المال بعوض حتى لو ابتدأ الزوج الخلع فقال خالعتك على
ألف درهم لا يملك الزوج الرجوع عنه ولا فسخه ولا نهى المرأة عن القبول ولا يبطل بقيامه عن المجلس قبل قبولها
ولا بشرط حضور المرأة بل يتوقف على ما وراء المجلس حتى لو كانت غائبة فبلغها فلها القبول لكن في مجلسها لأنه في
جانبها معاوضة لما نذكر وله ان يعلقه بشرط ويضيفه إلى وقت نحو أن يقول إذا قدم زيد فقد خالعتك على ألف درهم أو
يقول خالعتك على ألف درهم غدا أو رأس شهر كذا والقبول إليها بعد قدوم زيد وبعد مجئ الوقت حتى لو قبلت
قبل ذلك لا يصح لان التعليق بالشرط والإضافة إلى الوقت تطليق عند وجود الشرط والوقت فكان قبولها قبل
ذلك هدرا ولو شرط الخيار لنفسه بان قال خالعتك على ألف درهم على أني بالخيار ثلاثة أيام لم يصح الشرط ويصح الخلع
إذا قبلت وإن كان الابتداء من المرأة بان قالت اختلعت نفسي منك بألف درهم فلها أن ترجع عنه قبل قبول الزوج
ويبطل بقيامها عن المجلس وبقيامه أيضا ولا يقف على ما وراء المجلس بأن كان الزوج غائبا حتى لو بلغه وقبل لم يصح
ولا يتعلق بشرط ولا ينضاف إلى وقت ولو شرط الخيار لها بان قال خالعتك على ألف درهم على أنك بالخيار ثلاثة أيام
فقبلت جاز الشرط عند أبي حنيفة وثبت لها الخيار حتى أنها إذا اختارت في المدة وقع الطلاق ووجب المال وان
ردت لا يقع الطلاق ولا يلزمها المال وعند أبي يوسف ومحمد شرط الخيار باطل والطلاق واقع والمال لازم وإنما
اختلف الجانبان في كيفية هذا النوع لأنه طلاق عندنا ومعلوم ان المرأة لا تملك الطلاق بل هو ملك الزوج لا ملك
المرأة فإنما يقع بقول الزوج وهو قوله خالعتك فكان ذلك منه تطليقا الا انه علقه بالشرط والطلاق يحتمل التعليق
شرط بالشرط والإضافة إلى الوقت لا تحتمل الرجوع والفسخ ولا يتقيد بالمجلس ويقف الغائب عن المجلس ولا يحتمل
شرط الخيار بل يبطل الشرط ويصح الطلاق وأما في جانبها فإنه معاوضة المال لأنه تمليك المال بعوض وهذا معنى
معاوضة المال فتراعى فيه أحكام معاوضة المال كالبيع ونحوه وما ذكرنا من أحكامها الا ان أبا يوسف ومحمدا
يقولان في مسألة الخيار ان الخيار إنما شرع للفسخ والخلع لا يحتمل الفسخ لأنه طلاق عندنا وجواب أبي حنيفة عن
هذا ان يحمل الخيار في منع انعقاد العقد في حق الحكم على أصل أصحابنا فلم يكن العقد منعقدا في حق الحكم للحال بل
هو موقوف في علمنا إلى وقت سقوط الخيار فحينئذ يعلم على ما عرف في مسائل البيوع والله الموفق وأما ركنه فهو
الايجاب والقبول لأنه عقد على الطلاق بعوض فلا تقع الفرقة ولا يستحق العوض بدون القبول بخلاف النوع
الأول فإنه إذا قال خالعتك ولم يذكر العوض ونوى الطلاق فإنه يقع الطلاق عليها سواء قبلت أو لم تقبل لان ذلك
طلاق بغير عوض فلا يفتقر إلى القبول وحضرة السلطان ليست بشرط لجواز الخلع عند عامة العلماء فيجوز عند غير
السلطان وروى عن الحسن وابن سيرين أنه لا يجوز الا عند السلطان والصحيح قول العامة لما روى أن عمر
وعثمان وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم جوزوا الخلع بدون السلطان ولان النكاح جائز عند غير السلطان فكذا الخلع
ثم الخلع ينعقد بلفظين يعبر بهما عن الماضي في اللغة وهل ينعقد بلفظين يعبر بأحدهما عن المستقبل وهو الامر
والاستفهام فجملة الكلام فيه ان العقد لا يخلو إما أن يكون بلفظة الخلع وإما أن يكون بلفظة البيع والشراء وكل ذلك
145

لا يخلو إما أن يكون بصيغة الامر أو بصيغة الاستفهام فإن كان بلفظة الخلع على صيغة الامر يتم إذا كان البدل
معلوما مذكورا بلا خلاف بأن قال لها اخلعي نفسك منى بألف درهم فتقول خلعت وان لم يكن البدل مذكورا من
جهة الزوج بأن قال لها اخلعي نفسك منى فقالت خلعت بألف درهم لا يتم الخلع حتى يقول الزوج خلعت والفرق ان
الامر بالخلع ببدل متقوم توكيل لها والواحد يتولى الخلع من الجانبين وإن كان هذا النوع معاوضة والواحد لا يتولى
عقد المعاوضة من الجانبين كالبيع لان الامتناع للتنافي في الحقوق المتعلقة ولا تنافى ههنا لان الحقوق في باب الخلع
ترجع إلى الوكيل ولهذا جاز أن يكون الواحد وكيلا من الجانبين في باب النكاح وفي المسألة الأولى لا يمكن جعل
الامر بالخلع توكيلا لجهالة البدل فلم يصح التوكيل فلو تم العقد بالواحد لصار الواحد مستزيدا ومستنقصا وهذا لا يجوز
وإن كان بصيغة الاستفهام بأن قال الزوج لها أخلعت نفسك منى بألف درهم فقالت خلعت اختلف المشايخ فيه
قال بعضهم يتم العقد وقال بعضهم لا يتم ما لم يقبل الزوج وبعضهم فصل فقال إن نوى به التحقيق يتم وان نوى به السوم
لا يتم لان قوله أخلعت نفسك منى يحتمل السوم بل ظاهره السوم لان معناه أطلب منك أن تخلعي نفسك منى فلا
يصرف إلى التحقيق الا بالنية فإذا نوى يصير بمعنى التوكيل والامر وإن كان بلفظ البيع والشراء بأن قال الزوج لها
اشترى نفسك منى فان ذكر بدلا معلوما بأن قال بألف درهم ونحو ذلك فقالت اشتريت اختلف المشايخ فيه قال
بعضهم يتم العقد وقال بعضهم لا يتم ولا يقع الطلاق ما لم يقل الزوج بعت والأول أصح لأنه إذا ذكر بدلا معلوما صح
الامر والتوكيل والواحد يصلح وكيلا من الجانبين في الخلع لما بينا وكذا إذا قال لها بالفارسية خويشتن از من نجر
بهزادرم يا بكابين وهر نيه وعدت له واجب شودا از بس طلاق فقالت خريدم فهو على هذا وان لم يذكر البدل
بأن قال لها اشترى نفسك منى فقالت اشتريت لا يتم الخلع ولا يقع الطلاق ما لم يقل الزوج بعت وكذلك إذا قال
بالفارسية خويشتن از من نجر فقالت خريدم ولم يقل الزوج فروختم لا يتم الخلع ولا تطلق حتى يقول الزوج فروختم
فرق بين هذا وبين ما إذا قال لها بلفظة الخلع اخلعي نفسك منى ونوى الطلاق فقالت خلعت انها لا تطلق لان قوله لها
اخلعي مع نية الطلاق أمر لها بالطلاق بلفظة الخلع وأنها تملك الطلاق بأمر الزوج وتوكيله فيصح التوكيل والامر
فيتولى الخلع من الجانبين وقوله لها اشترى نفسك خويشتن از من نجر أمر بالخلع بعوض والعوض غير مقدر فلم
يصح الامر وإن كان بلفظ الاستفهام بأن قال لها ابتعت نفسك منى فان ذكر بدلا معلوما بأن قال بألف درهم أو قال
بمهرك ونفقة عدتك فقالت ابتعت اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يتم العقد وقال بعضهم لا يتم ولا يقع الطلاق ما لم
يقل الزوج بعت وبه أخذ الفقيه أبو الليث وقال أبو بكر الإسكاف يتم ويقع الطلاق وقال بعضهم لا يتم الا إذا
أراد به التحقيق دون المساومة على ما ذكرنا في لفظ العربية والفرق بين الاستفهام والامر على نحو ما بينا أنهما بالامر
صارت وكيلة إذ الامر بالخلع توكيل به إذا كان البدل مقدار والواحد يصلح وكيلا من الجانبين في الخلع ولم يوجد
الامر ههنا فلم يوجد التوكيل فيبقى الشخص الواحد في عقد المعاوضة مستزيد أو مستنقصا وهذا لا يجوز وان لم يذكر
البدل بأن قال لها ابتعت نفسك منى فقالت ابتعت لا يتم ما لم يقل الزوج بعت لأنه لا يتم في الامر فلان لا يتم في
الاستفهام أولى وسواء كان القبول منها أو من أجنبي بعد أن كان من أهل القبول لأنها لو قبلت بنفسها يلزمها البدل
من غير أن تملك بمقابلته شيئا بخلاف ما إذا اشترى لانسان شيئا على أن البدل عليه ان ذلك لا يجوز لان هناك الأجنبي
ليس في معنى المشترى لان المشترى يملك بمقابلة البدل شيئا والأجنبي لا فلا يجوز ايجابه على من لا يملك بمقابلته شيئا
والحاصل ان الأجنبي إذا قال للزوج اخلع امرأتك على أنى ضامن لك ألفا أو قال علي ألف هو على أو قال على ألفي
هذه أو عبدي هذا أو على هذه الألف أو على هذا العبد ففعل صح الخلع واستحق المال ولو قال علي ألف درهم
ولم يزد عليه وقف على قبول المرأة ولو خلع ابنته وهي صغيرة على مالها ذكر في الجامع الصغير أنه لا يجوز ولم يبين انه
لا يجوز الخلع رأسا أو لا يجب البدل على الصغيرة واختلف مشايخنا منهم من قال معناه أنه لا يجب عليها البدل فاما
146

الطلاق فواقع ومنهم من قال معناه أنه لا يقع الطلاق ولا يجب المال عليها وذكر الطحاوي في اختلاف العلماء انه غير
واقع في الخلاف ابتداء انه لا يقع الطلاق عند أصحابنا وقيل في المسألة روايتان والحاصل أنه لا خلاف في أنه لا يجب
المال عليها لأن الخلع في جانبها معاوضة المال بما ليس بمال والصغيرة تتضرر بها وتصرف الاضرار لا يدخل تحت
ولاية الولي كالهبة والصدقة ونحو ذلك وإنما الاختلاف في وقوع الطلاق وجه القول الأول ان صحة الخلع لا تقف
على وجوب العوض فان الخلع يصح على ما لا يصلح عوضا كالميتة والدم والخنزير والخمر ونحو ذلك فلم يكن من
ضرورة عدم وجوب المال عدم وقوع الطلاق وجه الثاني أن الخلع متى وقع على بدل هو مال يتعلق وقوع الطلاق
بقبول يجب به المال وقبول الأب لا يجب به المال لأنه ليس له ولاية القبول على الصغيرة لكونه ضررا بها فان
خلعها الأب على ألف على أنه ضامن فالخلع واقع والألف عليه لما ذكرنا ان من شرط صحة الخلع في حق وقوع
الطلاق ووجوب البدل قبول ما يصلح بدلا ممن هو أهل القبول والمرأة والأب والأجنبي في هذا سواء لما بينا واما
شرط وجوب العرض وهو المسمى في عقد الخلع فله شرطان أحدهما قبول العوض لان قبول العوض كما هو
شرط وقوع الفرقة من جانبه فهو شرط لزوم العوض من جانبها لما ذكرنا سواء كان العوض المذكور في الخلع
من مهرها الذي استحقته بعقد النكاح من المسمى ومهر المثل أو مالا آخر وهو المسمى بالجعل فهذا الشرط
يعم العوضين جميعا والثاني يخص الجعل لان ما يصلح عوضا في النكاح يصلح عوضا في الخلع من طريق الأولى
وليس كل ما يصلح عوضا في الخلع يصلح عوضا في النكاح لان باب الخلع أوسع إذ هو يتحمل جهالة لا يتحملها
النكاح على ما نذكر لذلك اختص وجوب المسمى فيه بشرط لم يشترط في النكاح لوجوب المسمى وهو تسمية
مال متقوم موجود وقت الخلع معلوم أو مجهول جهالة قليلة أو كثيرة وإذا لم تكن متفاحشة فان وجد هذا الشرط
وجب الجعل والا فلا يجب وهل يجب عليها رد ما استحقته من المسمى أو مهر المثل بعقد النكاح ينظر إن كان المسمى
مالا متقوما يجب وإن كان معدوما وقت الخلع أو مجهولا جهالة متفاحشة كجهالة الجنس وما يجرى مجراها وان
لم يكن المسمى مالا متقوما فلا شئ عليها أصلا وتقع الفرقة ثم الجعل في الخلع إن كان مما يصح تسميته مهرا في
النكاح فحكمه حكم المهر أعني ان المسمى في النكاح إن كان مما يجبر الزوج على تسليم عينه إلى المرأة ففي الخلع تجبر
المرأة على تسليم عينه إلى الزوج وإن كان مما يتخير الزوج بين تسليم الوسط منه وبين تسليم قيمته ففي الخلع تتخير
المرأة كالعبد والفرس ونحو ذلك لان المسمى في العقدين جميعا عوض عن ملك النكاح الا انه في أحدهما عوض
عنه ثبوتا وفي الآخر سقوطا فيعتبر أحد العقدين بالآخر في هذا الحكم والقيمة فيما يوجب الوسط منه أصل لان
كونه وسطا يعرف بها على ما مر في كتاب النكاح وبيان هذه الشرائط في مسائل إذا خلع امرأته على ميتة أو دم
أو خمر أو خنزير وقعت الفرقة ولا شئ له على المرأة من الجعل ولا يرد من مهرها شيئا أما وقوع الفرقة فلأن الخلع بعوض
معلق بقبول المرأة ما جعل عوضا ذكرا وتسمية سواء كان المسمى مما يصلح عوضا أولا لأنه من جانب الزوج تعليق
الطلاق بشرط القبول وقد قبلت فصار كأنه صريح بتعليق الطلاق بقبولها العوض المذكور فقبلت ولو كان كذلك
لوقع الطلاق إذا قبلت كذا هذا وأما عدم وجوب شئ له على المرأة فلأن الخلع طلاق والطلاق قد يكون بعوض
وقد يكون بغير عوض والميتة والدم ليست بمال في حق أحد فلا تصلح عوضا والخمر والخنزير لا قيمة لهما في حق
المسلمين فلم يصلحا عوضا في حقهم فلم تصح تسمية شئ من ذلك فإذا خلعها عليه فقد رضى بالفرقة بغير عوض فلا
يلزمها شئ ولأن الخلع من جانب الزوج اسقاط الملك واسقاط الملك قد يكون بعوض وقد يكون بغير عوض
كالاعتاق فإذا ذكر مالا يصلح عوضا أصلا أو مالا يصلح عوضا في حق المسلمين فقد رضى بالاسقاط بغير عوض
فلا يستحق عليها شيئا ولان منافع البضع عند الخروج عن ملك الزوج غير متقومة لان المنافع في الأصل ليست بأموال
متقومة الا أنها جعلت متقومة عند المقابلة بالمال المتقوم فعند المقابلة بما ليس بمال متقوم يبقى على الأصل ولأنها إنما
147

أخذت حكم التقوم في باب النكاح عند الدخول في ملك الزوج احتراما لها تعظيما للآدمي لكونها سببا لحصوله
فجعلت متقومة شرعا صيانة لها عن الابتدال والحاجة إلى الصيانة عند الدخول في الملك لا عند الخروج عن الملك لان
بالخروج يزول الابتذال فلا حاجة إلى التقوم فبقيت على الأصل وجعل الفرق بما ذكرنا بين الخلع على هذه الأشياء
وبين النكاح عليها لان هناك يجب مهر المثل لان النكاح لم يشرع الا بعوض لما ذكرنا في مسائل النكاح والمذكور
لا يصلح عوضا فالتحق ذلك بالعدم ووجب العوض الأصلي وهو مهر المثل فاما الخلع فالعوض فيه غير لازم بل هو
مشروع بعوض وبغير عوض فلم يكن من ضرورة صحته لزوم العوض وكذا النكاح عليك البضع بعوض والخلع اسقاط
الملك بعوض وبغير عوض وكذا منافع البضع عند الدخول أعطى لها حكم التقوم شرعا لكونها وسيلة إلى حصول
الآدمي المكرم والخلع ابطال معنى التوسل فلا يظهر معنى التقوم فيه ولو خلعها على شئ أشارت إليه مجهول فقالت
على ما في بطون غنمي أو نعمى من ولد أو على ما في ضروعها من لبن أو على ما في بطن جاريتي من ولد أو على ما في نخلي
أو شجري من ثمر فإن كان هناك شئ فهو له عندنا وقال الشافعي لا شئ له وجه قوله إن الجنين في البطن واللبن في
الضرع لا يصلح عوضا في الخلع لأنه غير مقدور التسليم ولهذا لم يصلح عوضا في النكاح وكذا في الخلع والدليل عليه
انه لا يجوز بيعه والأصل عنده ان كل ما لا يجوز بيعه لا يصلح عوضا في الخلع ولنا الفرق بين الخلع وبين النكاح وهو
أن باب الخلع أوسع من باب النكاح ألا ترى لو خلعها على عبد له آبق صحت التسمية ولو زوجها عليه لم تصح التسمية
فتصح اضافته إلى ما هو مال متقوم موجود كما تصح اضافته إلى العبد الآبق بل أولى لان ذاك له خطر الوجود
والعدم وهذا موجود وبهذا تبين ان القدرة على تسليم البدل ليست بشرط في الخلع فإنه جائز على العبد الآبق والقدرة
على تسليمه غير ثابتة بخلاف البيع فان القدرة على تسليم المبيع شرط وان لم يكن هناك شئ ردت عليه ما
استحقت بعقد النكاح لأنها لما سمت مالا متقوما فقد غرته تسمية المال المتقوم فصارت ملتزمة تسليم مال متقوم
ضامنة له ذلك والزوج لم يرض بزوال ملكه الا بعوض هو مال متقوم وقد تعذر عليه الوصول إليه لعدمه ولا سبيل إلى
الرجوع إلى القيمة المذكورة لجهالتها ولا إلى قيمة البضع لما أنه لا قيمة للبضع عند الخروج عن الملك لما ذكرنا فوجب
الرجوع إلى ما قوم البضع على الزوج عند الدخول وهو ما استحقته المرأة من المسمى أو مهر المثل وكذلك إذا قالت
على ما في بيتي من متاع انه إن كان هناك متاع فهو له وان لم يكن يرجع عليها بالمهر لأنها غرته بتسمية مال متقوم فيلزمها
ضمان الغرور وهو رد المهر المستحق لما قلنا ولو قالت على ما في بطن غنمي أو ضروعها أو على ما في نخلي أو شجري ولم
تزد على ذلك فإن كان هناك شئ أخذه لان التسمية وقعت على مال متقوم موجود لكنه مجهول لكن الجهالة ليست
بمتفاحشة فلا تمنع استحقاق الشئ ولم لم يكن هناك شئ فلا شئ له لانعدام تسمية مال متقوم لأنها ذكرت ما في
بطنها وقد يكون في بطنها مال متقوم وقد لا يكون فلم تصر بذكره غارة لزوجها بل الزوج هو الذي غر نفسه والرجوع
بحكم الغرور ولا غرور منها فلا يرجع عليها بشئ وان قالت اختلعت منك على ما تلد غنمي أو تحلب أو بثمر نخلي أو
شجري أو على ما أرثه العام أو أكسبه أو ما أستغل من عقارى فقبل الزوج وقعت الفرقة وعليها أن ترد ما استحقت
من المهر وان ولدت الغنم وأثمر النخل والشجر أما وقوع الفرقة فلما ذكرنا ان ذلك يقف على قبول ما يصلح عوضا
صحت تسميته عوضا وأما وجوب رد المستحق فلانه لا سبيل إلى استحقاق المسمى لكونه معدوما وقت الخلع
ويجوز أن يوجد ويجوز أن لا يوجد واستحقاق المعدوم الذي له خطر الوجود والعدم في عقد المعاوضة لم يرد الشرع به
وورد بتحمل الجهالة إذا لم يختلف المعقود في قدر ما يتحمل لاختلافهما في احتمال السعة والضيق ولا سبيل إلى
اهدار التسمية رأسا لأنها سمت مالا متقوما فلزم الرجوع إلى المهر المستحق بعقد النكاح ولو قالت اخلعني على
ما في يدي من دراهم أو دنانير أو فلوس فإن كان في يدها شئ من ذلك فهو له قل أو كثر لأنها سمت مالا متقوما والمسمى
موجود فصحت التسمية وإن كان المسمى مجهول القيمة وله ما في يدها من الجنس المذكور قل أو كثر لأنه ذكر
148

باسم الجمع فيتناول الثلاث فصاعدا وان لم يكن في يدها شئ أو كان أقل من ثلاثة فعليها من كل صنف سمته ثلاثة
وزنا في الدراهم والدنانير وعددا في الفلوس لوجود تسمية المال المتقوم لان الدراهم والدنانير والفلوس أموال متقومة
والمذكور بلفظ الجمع وأقل الجمع الصحيح ثلاثة فينصرف إليها ويتعين المسمى كما في الوصية بالدراهم بخلاف
النكاح والعتق فإنه إذا تزوج امرأة على ما في يده من الدراهم وليس في يده من الدراهم شئ يجب عليه مهر المثل
ولو أعتق عبده على ما في يده من الدراهم وليس في يده شئ يجب عليه قيمة نفسه لان منافع البضع ليست بمتقومة عند
الخروج عن الملك فلا يشترط كون المسمى معلوما واعتبر المسمى مع جهالته في نفسه وحمل على المتيقن بخلاف
النكاح لان منافع البضع عند الدخول في الملك متقومة وكذا العبد متقوم في نفسه فلا ضرورة إلى اعتبار المسمى
المجهول ولو قالت على ما في يدي ولم تزد عليه فإن كان في يدها شئ فهو له لان التسمية وقعت على مال متقوم موجود
فصحت واستحق عليها ما في يدها قل أو كثر لان كلمة ما عامة فيما لا يعلم وان لم يكن في يدها شئ فلا شئ لأنه إذا
لم يكن في يدها شئ فلم توجد تسمية مال متقوم لأنها سمت ما في يدها وقد يكون في يدها شئ متقوم وقد لا يكون
فلم يوجد شرط وجوب شئ فلا يلزمها شئ ولو اختلعت الأمة من زوجها على جعل بغير امر مولاها وقع
الطلاق ولا شئ عليها من الجعل حتى تعتق اما وقوع الطلاق فلانه يقف على قبول ما جعل عوضا وقد وجد واما
وجوب الجعل بعد العتق فلأنها سمت مالا متقوما موجودا وهو معلوم أيضا وهي من أهل التسمية فصحت التسمية
الا انه تعذر الوجوب للحال لحق المولى فيتأخر إلى ما بعد العتق وإن كان بإذن المولى لزمها الجعل وتباع فيه لأنه دين
ظهر في حق المولى فتباع فيه كسائر الديون وكذلك المكاتبة إذا اختلعت من زوجها على جعل يجوز الخلع ويقع
الطلاق ويتأخر الجعل إلى ما بعد العتاق وان أذن المولى لان رقبتها لا تحتمل البيع فلا تحتمل تعلق الدين بها ولو خلع
امرأته على رضاع ابنه منها سنتين جاز الخلع وعليها ان ترضعه سنتين فان مات ابنها قبل أن ترضعه شيئا يرجع عليها
بقيمة الرضاع للمدة وان مات في بعض المدة رجع عليها بقيمة ما بقي لان الرضاع مما يصح الاستئجار عليه قال الله
تعال فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن فيصح أن يجعل جعلا في الخلع وهلاك الولد قبل الرضاع كهلاك عوض
اختلعت عليه فهلك في يدها قبل التسليم فيرجع إلى قيمته ولو شرط عليها نفقة الولد بعد الحولين وضرب لذلك اجلا
أربع سنين أو ثلاث سنين فذلك باطل وان هلك الولد قبل تمام الرضاع فلا شئ عليها لان النفقة ليس لها مقدار معلوم
فكانت الجهالة متفاحشة فلا يلزمها شئ ولكن الطلاق واقع لما ذكرنا ولو اختلعت في مرضها من الثلث لأنها
متبرعة في قبول البدل فيعتبر من الثلث فان ماتت في العدة فلها الأقل من ذلك ومن ميراثه منها ولو خالعها على حكمه أو
حكمها أو حكم أجنبي فعليها المهر الذي استحقته بعد النكاح لأن الخلع على الحكم خلع بتسمية فاسدة لتفاحش
الجهالة والخطر أيضا فلم تصح التسمية فلا تستحق المسمى فيرجع عليها بالمهر لأن الخلع على الحكم خلع ما يقع به
الحكم ولا يقع الا بمال متقوم عادة فكان الخلع على الحكم خلعا على مال متقوم فقد غرته بتسمية مال متقوم الا انه لا
سبيل إلى استحقاق ما يقع به الحكم لكونه مجهولا جهالة متفاحشة كجهالة الجنس فترجع إلى ما استحقته من المهر ثم
ينظر إن كان الحكم إلى الزوج فان حكم بمقدار المهر تجبر المرأة على تسليم ذلك لأنه حكم بالقدر المستحق وكذلك ان حكم
بأقل من مقدار المهر لأنه حط بعضه فهو تملك حط بعضه لأنه تملك حط الكل فالبعض أولى وان حكم بأكثر من المهر
لم تلزمها الزيادة لأنه حكم لنفسه بأكثر من القدر المستحق فلا يصح الا برضاها وإن كان الحكم إليها فان حكمت بقدر
المهر جاز ذلك لأنها حكمت بالقدر المستحق وكذلك ان حكمت بأكثر من قدر المهر لأنها حكمت لنفسها بالزيادة وهي
تملك بذل الزيادة وان حكمت بأقل من المهر لم يجز الا برضا الزوج لأنها حطت بعض ما عليها وهي لا تملك حط ما عليها
وإن كان الحكم إلى الأجنبي فان حكم بقدر المهر جاز وان حكم بزيادة أو نقصان لم تجز الزيادة الا برضا المرأة والنقصان
الا برضا الزوج لان في الزيادة ابطال حق المرأة وفي النقصان ابطال حق الزوج فلا يجوز من غير رضا صاحب الحق ولو
149

اختلفا في جنس ما وقع عليه الطلاق أو نوعه أو قدره فالقول قول المرأة وعلى الزوج البينة لان قبول البدل إلى المرأة
والزوج يدعى عليها شيئا وهي تنكر فكان القول قولها ولو قال لها طلقتك أمس على ألف درهم أو بألف درهم فلم تقبلي
فقالت لا بل كنت قبلت فالقول قول الزوج فرق بين هذا وبين ما إذا قال لانسان بعتك هذا العبد أمس بألف درهم فلم
تقبل فقال لا بل قبلت ان القول قول المشترى ووجه الفرق ان الزوج في مسألة الطلاق لم يصر مناقضا في قوله فلم تقبلي
لان قول الرجل لامرأته طلقتك أمس على ألف يسمى طلاقا على ألف قبلته المرأة أو لم تقبل فلم يكن الزوج في قوله فلم
تقبلي مناقضا بخلاف البيع لان الايجاب بدون القبول لا يسمى بيعا فكان الاقرار بالايجاب اقرارا بالقبول فصار
البائع مناقضا في قوله فلم تقبل ولأن المرأة في باب الطلاق تدعى وقوع الطلاق لأنها تدعى وجود شرط الوقوع
والزوج ينكر الوقوع لانكاره شرط الوقوع فكان القول قول المنكر والله الموفق (وأما) بيان قدر ما يحل للزوج من
أخذ العوض وما لا يحل فجملة الكلام فيه ان النشوز لا يخلو إن كان من قبل الزوج واما إن كان من قبل المرأة فإن كان
من قبل الزوج فلا يحل له أخذ شئ من العوض على المخلع لقوله تعالى وان أردتم استبدال زوج مكان زوج
وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا نهى عن أخذ شئ مما آتاها من المهر وأكد النهى بقوله أتأخذونه
بهتانا واثما مبينا وقوله ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن أي لا تضيقوا عليهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن
الا ان يأتين بفاحشة مبينة أي الا ان ينشرن نهى الأزواج عن أخذ شئ مما أعطوهن واستثنى حال نشوزهن
وحكم المستثنى يخالف حكم المستثنى منه فيقتضى حرمة أخذ شئ مما أعطوهن عند عدم النشوز منهن وهذا
في حكم الديانة فان أخذ جاز ذلك في الحكم ولزم حتى لا يملك استرداده لان الزوج أسقط ملكه عنها بعوض رضيت
به والزوج من أهل الاسقاط والمرأة من أهل المعاوضة والرضا فيجوز في الحكم والقضاء وإن كان النشوز من
قبلها فلا بأس بأن يأخذ منها شيئا قدر المهر لقوله تعالى الا أن يأتين بفاحشة مبينة أي الا أن ينشزن والاستثناء
من النهى إباحة من حيث الظاهر وقوله فلا جناح عليهما فيما افتدت به قيل أي لا جناح على الزوج في الاخذ
وعلى المرأة في الاعطاء وأما الزيادة على قدر المهر ففيها روايتان ذكر في كتاب الطلاق انها مكروهة وهكذا روى
عن علي رضي الله عنه انه كره للزوج ان يأخذ منها أكثر مما أعطاها وهو قول الحسن البصري وسعيد بن المسيب
وسعيد بن جبير وطاوس وذكر في الجامع الصغير أنها غير مكروهة وهو عثمان البتي وبه أخذ الشافعي وجه هذه الرواية
ظاهر قوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به رفع الجناح عنهما في الاخذ والعطاء من الفداء من غير فصل بين
ما إذا كان مهر المثل أو زيادة عليه فيجب العمل باطلاق النص ولأنها أعطت مال نفسها بطيبة من نفسها
وقد قال الله تعالى فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا بخلاف ما إذا كان النشوز من قبله لان النشوز
إذا كان من قبل الزوج كانت هي مجبورة في دفع المال لأن الظاهر أنها مع رغبتها في الزوج لا تعطى إذا كانت مضطرة
من جهته بأسباب أو مغترة بأنواع التغرير والتزوير فكره الاخذ وجه رواية الأصل قوله تعالى ولا يحل لكم ان
تأخذوا مما آتيتموهن شيئا الا أن يخافا ان لا يقيما حدود الله إلى قوله ولا جناح عليهما فيما افتدت به نهي عن اخذ؟
مما أعطاها من المهر واستثنى القدر الذي أعطاها من المهر عند خوفهما ترك إقامة حدود الله على ما نذكر والنهي عن
اخذ شئ من المهر نهى عن اخذ الزيادة على المهر من طريق الأولى كالنهي عن التأفيف أنه يكون نهيا عن الضرب
الذي هو فوقه بالطريق الأولى وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال لامرأة ثابت بن قيس بن شماس
أتردين عليه حديقته فقالت نعم وزيادة قال أما الزيادة فلا نهى عن الزيادة مع كون النشوز من قبلها وبه تبين ان المراد
من قوله فيما افتدت قدر المهر لا الزيادة عليه وإن كان ظاهره عاما عرفنا ببيان النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو وحي
غير متلو والدليل عليه أيضا قوله تعالى في صدر الآية ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ذكر في أول الآية
ما آتاها فكان المذكور في آخرها وهو قوله فيما افتدت به مردود إلى أولها فكان المراد من قوله فيما افتدت أي بما آتاها
150

ونحن به نقول إنه يحل له قدر ما آتاها وأما قوله إنها أعطته مال نفسها بطيبة من نفسها فنعم لكن ذاك دليل الجواز وبه
نقول إن الزيادة جائزة في الحكم والقضاء ولأن الخلع من جانبها معاوضة حالة عن الطلاق وإسقاط ما عليها من الملك
ودفع المال عوضا عما ليس بمال جائز في الحكم إذا كان ذلك مما يرغب فيه ألا ترى انه جاز العتق على قليل
المال وكثيره وأخذ المال بدلا عن اسقاط الملك والرق وكذلك الصلح عن دم العمد وكذلك النكاح لما جاز على
أكثر من مهر مثلها وهو بدل البضع فكذا جاز ان تضمنه المرأة بأكثر من مهر مثلها لأنه بدل من سلامة البضع
في الحالين جميعا الا انه نهى عن الزيادة على قدر المهر لا لمعنى في نفس العقد بل لمعنى في غيره وهو شبهة الربا والاضرار بها
ولا يوجد ذلك في قدر المهر فحل له أخذ قدر المهر والله أعلم
(فصل) وأما حكم الخلع فنقول وبالله التوفيق يتعلق بالخلع أحكام بعضها يعم كل طلاق بائن وبعضها يخص
الخلع أما الذي يعم كل طلاق بائن فنذكره في بيان حكم الطلاق إن شاء الله تعالى وأما الذي يخص الخلع فالخلع لا يخلو
اما إن كان بغير بدل واما إن كان ببدل فإن كان بغير بدل بان قال خالعتك ونوى الطلاق فحكمه انه يقع الطلاق ولا
يسقط شئ من المهر وإن كان ببدل فإن كان البدل هو المهر بان خلعها على المهر فحكمه ان المهر إن كان غير مقبوض انه
يسقط المهر عن الزوج وتسقط عنه النفقة الماضية وإن كان مقبوضا فعليها ان ترده على الزوج وإن كان البدل مالا
آخر سوى المهر فحكمه حكم سقوط كل حكم وجب بالنكاح قبل الخلع من المهر والنفقة الماضية ووجوب البدل حتى
لو خلعها على عبد أو على مائة درهم ولم يذكر شيئا آخر فله ذلك ثم إن كان لم يعطها المهر برئ ولم يكن لها عليه شئ سواء
كان لم يدخل بها أو كان قد دخل بها وإن كان قد أعطاها المهر لم يرجع عليها شئ سواء كان بعد الدخول بها أو قبل
الدخول بها وكذلك إذا بارأها على عبد أو على مائة درهم فهو مثل الخلع في جميع ما وصفنا وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو
يوسف في المبارأة مثل قول أبي حنيفة وقال في الخلع انه لا يسقط به الا ما سميا وقال محمد لا يسقط في الخلع والمبارأة
جميعا الا ما سميا حتى أنه لو طلقها على مائة درهم ومهرها ألف درهم فإن كان المهر غير مقبوض فإنها لا ترجع عليه بشئ
سواء كان الزوج لم يدخل بها أو كان قد دخل بها في قول أبي حنيفة وله عليها مائة درهم وعندهما إن كان قبل الدخول
بها فلها ان ترجع عليه بنصف المهر وذلك خمسمائة وله عليها مائة درهم فيصير قدر المائة قصاصا فيرجع عليه بأربعمائة
وإن كان بعد الدخول فلها ان ترجع عليه بكل المهر الا قدر المائة فترجع عليه بتسعمائة وإن كان المهر مقبوضا فله عليها
المائة لا غير وليس له ان يرجع عليها بشئ من المهر سواء كان قبل الدخول بها أو بعده في قول أبي حنيفة وعندهما إن كان
قبل الدخول يرجع إلى الزوج عليها بنصف المهر وإن كان بعده لا يرجع عليها بشئ وهكذا الجواب في المبارأة
عند محمد والحاصل ان ههنا ثلاث مسائل الخلع والمبارأة والطلاق على مال ولا خلاف بينهم في الطلاق على
مال انه لا يبرأ به من سائر الحقوق التي وجبت لها بسبب النكاح ولا خلاف أيضا في سائر الديون التي وجبت لا بسبب
النكاح وانها لا تسقط بهذه التصرفات وإنما الخلاف بينهم في الخلع والمبارأة واتفق جواب أبي حنيفة وأبي يوسف في
المبارأة واختلف جوابهما في الخلع واتفق جواب أبي يوسف ومحمد في الخلع واختلف في المبارأة فأبو يوسف مع أبي
حنيفة في المبارأة ومع محمد في الخلع وجه قول محمد ان الخلع طلاق بعوض فأشبه الطلاق على مال والجامع بينهما ان حق
الانسان لا يسقط من غير اسقاطه ولم يوجد في الموضعين الا اسقاط ما سميا فلا يسقط ما لم تجز به التسمية ولهذا لم
يسقط به سائر الديون التي لم تجب بسبب النكاح وكذا لا تسقط نفقة العدة الا بالتسمية وإن كانت من أحكام النكاح
كذا هذا وجه قول أبي يوسف وهو الفرق بين الخلع والمباراة ان المباراة صريح في ايجاب البراءة لأنها اثبات البراءة
نصا فيقتضي ثبوت البراءة مطلقا فيظهر في جميع الحقوق الثابتة بينهما بسبب النكاح فاما الخلع فليس نصا في ايجاب
البراءة لأنه ليس في لفظه ما ينبئ عن البراءة وإنما تثبت البراءة مقتضاه والثابت بطريق الاقتضاء لا يكون ثابتا من جميع
الوجوه فثبتت البراءة بقدر ما وقعت التسمية لا غير ولأبي حنيفة ان الخلع في معنى المبارأة لان المبارأة مفاعلة من البراءة
151

والابراء اسقاط فكان اسقاطا من كل واحد من الزوجين الحقوق المتعلقة بالعقد المتنازع فيه كالمتخاصمين
في الديون إذا اصطلحا على مال سقط بالصلح جميع ما تنازعا كذا بالمبارأة والخلع مأخوذ من الخلع وهو النزع والنزع
اخراج الشئ من الشئ فمعنى قولنا خلعها أي أخرجها من النكاح وذلك باخراجها من سائر الأحكام بالنكاح وذلك أنما
يكون بسقوط الأحكام الثابتة بالنكاح وهو معنى البراءة فكان الخلع في معنى البراءة والعبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ
وقد خرج الجواب عما ذكره أبو يوسف وأما قول محمد انه لم يوجد منها اسقاط غير المسمى فنقول إن لم يوجد نصا فقد
وجد دلالة لما ذكرنا ان لفظ الخلع دليل عليه ولان قصدهما من الخلع قطع المنازعة وإزالة الخلف بينهما والمنازعة
والخلف إنما وقعا في حقوق النكاح ولا تندفع المنازعة والخلف الا باسقاط حقوقه فكان ذلك تسمية منها لسائر
الحقوق المتعلقة بالنكاح دلالة بخلاف سائر الديون لأنه لا تعلق لها بالنكاح ولم تقع المنازعة فيها ولا في سببها فلا ينصرف
الاسقاط إليها بخلاف الطلاق على مال لأنه لا يدل على اسقاط الحقوق الواجبة بالنكاح لا نصا ولا دلالة وأما نفقة
العدة فلأنها لم تكن واجبة قبل الخلع فلا يتصور اسقاطها بالخلع بخلاف النفقة الماضية لأنها كانت واجبة قبل الخلع
بفرض القاضي أو بالتراضي فكان الخلع اسقاطا بعد الوجوب فصح ولو خلعها على نفقة العدة صح ولا تجب النفقة ولو
أبرأت الزوج عن النفقة في حال قيام النكاح لا يصح الابراء وتجب النفقة لان النفقة في النكاح تجب شيئا فشيئا على
حسب حدوث الزمان يوما فيوما فكان الابراء عنها ابراء قبل الوجوب فلم يصح فاما نفقة العدة فإنما تجب عند الخلع
فكان الخلع على النفقة مانعا من وجوبها ولا يصح الخلع على السكنى والابراء عنه لان السكنى تجب حقا لله تعالى قال
الله تعالى ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة مبينة فلا يملك العبد اسقاطه والله تعالى أعلم
(فصل) وأما الطلاق على مال فهو في أحكامه كالخلع لان كل واحد طلاق بعوض فيعتبر في أحدهما ما يعتبر
في الآخر الا انهما يختلفان من وجه وهو ان العوض إذا أبطل في الخلع بان وقع الخلع على ما ليس بمال متقوم يبقى
الطلاق بائنا وفي الطلاق على مال إذا أبطل العوض بان سميا ما ليس بمال متقوم فالطلاق يكون رجعيا لأن الخلع
كناية والكنايات مبينات عندنا فأما الطلاق على مال فصريح وإنما تثبت البينونة بتسمية العوض إذا صحت التسمية
فإذا لم تصح التحقت بالعدم فبقي صريح الطلاق فيكون رجعيا ولو قال لها أنت طالق بألف درهم فقبلت طلقت وعليها
الف لان حرف الباء حرف الصاق فيقتضي الصاق البدل بالمبدل وكذلك لو قال أنت طالق على ألف درهم لان على
كلمة شرط يقال زرتك على أن تزورني أي بشرط أن تزورني وكذا قال لامرأته أنت طالق على أن تدخلين الدار كان
دخول الدار شرطا كما لو قال إن دخلت الدار وهي كلمة الزام أيضا فكان هذا ايقاع الطلاق بشرط ان تعطيه الألف
عقيب وقوع الطلاق ويلزمها الألف فيقع الطلاق بقبولها وتجب عليها الألف ولو قال أنت طالق وعليك ألف درهم
طلقت المرأة الرجعية ولا شئ عليها من الألف سواء قبلت أو لم تقبل في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد إذا قبلت
طلقت بائنة وعليها الألف وعلى هذا الخلاف إذا قالت المرأة لزوجها طلقني ولك ألف درهم فطلقها انه يقع طلقة رجعية
ولا يلزمها البدل في قول أبي حنيفة وعندهما يقع الطلاق وعليها الألف وعلى هذا الخلاف إذا قال لعبده أنت حر
وعليك ألف درهم انه يعتق سواء قبل أو لم يقبل في قول أبي حنيفة وعندهما إذا قبل يعتق وعليه الألف وجه قولهما ان
هذه الواو واو حال فيقتضي ان وجوب الألف حال وقوع الطلاق والعتاق ولأن هذه اللفظة تستعمل في الابدال فان
من قال لآخر احمل هذا الشئ إلى مكان كذا ولك درهم فحمل يستحق الأجرة كما لو قال له احمل بدرهم ولأبي حنيفة ان
كل واحدة من الكلامين كلام تام بنفسه أعني قوله أنت طالق وقوله وعليك ألف درهم لان كل واحد منهما مبتدأ
وخبر فلا يجعل الثاني متصلا بالأول الا لضرورة والضرورة فيما كان الغالب فيه أن يكون بعوض كما في قوله
احمل هذا إلى بيتي ولك ألف ولا ضرورة في الطلاق والعتاق لان الغالب وجودهما بغير عوض فلا يجعل الثاني
متصلا بالأول من غير ضرورة وأما قولهما الواو واو حال فممنوع بل واو عطف في الاخبار معناه أخبرك
152

انك طالق وأخبرك ان عليك ألف درهم ولو قالت المرأة لزوجها طلقني ثلاثا على ألف درهم فطلقها ثلاثا يقع عليها
ثلاث تطليقات بألف وهذا مما لا اشكال فيه ولو طلقها واحدة وقعت واحدة رجعية بغير شئ في قول أبي حنيفة وقال
أبو يوسف ومحمد يقطع واحدة بائنة بثلث الألف ولو قالت طلقني ثلاثا بألف درهم فطلقها ثلاثا يقع ثلاثة بألف درهم
لا شك فيه ولو طلقها واحدة وقعت واحدة بائنة بثلث الألف في قولهم جميعا (وجه) قولهما ان كلمة على في المعاملات
وحرف الباء سواء يقال بعت عنك بألف وبعت منك على ألف ويفهم من كل واحدة منهما كون الألف بدلا
وكذا قول الرجل لغيره احمل هذا الشئ إلى بيتي على درهم وقوله بدرهم سواء حتى يستحق البدل فيهما جميعا
والأصل أن اجزاء البدل تنقسم على أجزاء المبدل إذا كان متعددا في نفسه فتنقسم الألف على الثلاث فيقع واحدة
بثلث الألف كما لو ذكرت بحرف الباء فكانت بائنة لأنها طلاق بعوض ولأبي حنيفة ان كلمة على كلمة شرط فكان
وجود الطلقات الثلاث شرطا لوجوب الألف فكانت الطلقة الواحدة بعض الشرط والحكم لا يثبت بوجود بعض
الشرط فلما لم يطلقها ثلاثا لا يستحق شيئا من الألف بخلاف حرف الباء فإنه حرف مبادلة فيقتضي انقسام البدل على
المبدل فتنقسم الألف على التطليقات الثلاث فكان بمقابلة كل واحدة ثلث الألف ولا يشكل هذا القدر بما إذا
قال لها طلقي نفسك ثلاثا بألف فطلقت نفسها واحدة أنه لا يقع شئ لان الزوج لم يرض بالبينونة الا بكل الألف فلا
يجوز وقوع البينونة ببعضها فإذا أمرته بالطلاق فقالت طلقني ثلاثا بألف درهم فقد سألت الزوج ان يبينها بألف وقد
أبانها بأقل من ذلك فقد زادها خيرا والاشكال انها سألته الإبانة الغليظة بألف ولم يأت بها بل أتى بالخفيفة ولعل لها غرضا
في الغليظة والجواب ان غرضها في استيفاء مالها مع حصول البينونة التي وضع لها الطلاق أشد (وأما) قولهما ان كلمة
على تستعمل في الابدال فنعم لكن مجازا لا حقيقة ولا تترك الحقيقة الا لضرورة وفي البيع ونحوه ضرورة ولا ضرورة في
الطلاق على ما بينا على أن اعتبار الشرط يمنع الوجوب لما بينا واعتبار البدل يوجب فيقع الشك في الوجوب فلا يجب مع
الشك ولو قالت امرأتان له طلقنا بألف درهم أو على ألف درهم فطلقهما يقع الطلاق ثلاثا عليهما بالألف وهذا لا يشكل
ولو طلق إحداهما وقع الطلاق عليها بحصتها من الألف بالاجماع والفرق لأبي حنيفة بين هذه المسألة وبين مسألة
الخلاف انه لا غرض لكل واحدة من المرأتين في طلاق الأخرى فلم يعتبر معنى الشرط وللمرأة غرض في اجتماع
تطليقاتها لان ذلك أقوى للتحريم لثبوت البينونة الغليظة بها فاعتبر معنى الشرط ولو قالت طلقني واحدة بألف فقال
أنت طالق ثلاثا وقع الثلاث مجانا بغير شئ في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يقع ثلاث تطليقات كل واحدة
منها بألف وهذه فريعة أصل ذكرناه فيما تقدم وهو أن من أصل أبي حنيفة أن الثلاث لا تصلح جوابا للواحدة فإذا
قال ثلاثا فقد عدل عما سألته فصار مبتدئا بالطلاق فتقع الثلاث بغير شئ ومن أصلهما ان في الثلاث ما يصلح جوابا
للواحدة لان الواحدة توجد في الثلاث فقد أتى بما سألته وزيادة فيلزمها الألف كأنه قال أنت طالق واحدة وواحدة
وواحدة ولو طلقني واحدة بألف فقال أنت طالق ثلاثا بألف وقف على قبولها عند أبي حنيفة أن قبلت جاز والا بطل
لأنه عدل عما سألته فصار مبتدئا طلاقا بعوض فيقف على قبولها وعند أبي يوسف ومحمد يقع الثلاث واحدة منها
بألف كما سألت واثنتان بغير شئ وحكى الجصاص عن الكرخي أنه قال رجع أبو يوسف في هذه المسألة إلى قول أبي حنيفة
وذكر أبو يوسف في الأمالي ان الثلاث يقع واحدة منها بثلث الألف والاثنتان تقفان على قبول المرأة قال
القدوري وهذا صحيح على أصلهما لأنها جعلت في مقابلة الواحدة ألفا فإذا أوقعها بثلث الألف فقد زادها خيرا
وابتدأ تطليقتين بثلثي الألف فوقف ذلك على قبولها والله أعلم
(فصل) وأما الذي يرجع إلى نفس الركن فمنها أن لا يلحقه استثناء أصلا ورأسا سواء كان وضعيا أو عرفيا عند
عامة العلماء وعند مالك الاستثناء العرفي لا يمنع وقوع الطلاق وسنذكر المسألة إن شاء الله تعالى والكلام في هذا
الشرط يقع في مواضع في بيان أنواع الاستثناء وفي بيان ماهية كل نوع وفي بيان شرائط صحته أما الأول فالاستثناء في
153

الأصل نوعان استثناء وضعي واستثناء عرفي أما الوضعي فهو أن يكون بلفظ موضوع للاستثناء وهو كلمة الا وما
يجرى مجراها نحو سوى وغير وأشباه ذلك وأما العرفي فهو تعليق بمشيئة الله تعالى وأنه ليس باستثناء في الوضع
لانعدام كلمة الاستثناء بل الموجود كلمة الشرط الا انهم تعارفوا اطلاق اسم الاستثناء على هذا النوع قال الله تعالى
إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون أي لا يقولون إن شاء الله تعالى وبينه وبين الأول مناسبة في معنى ظاهر
لفظ الاستثناء وهو المنع والصرف دون الحقيقة فأطلق اسم الاستثناء عليه وبعض مشايخنا قال الاستثناء نوعان
استثناء تحصيل واستثناء تعطيل فسمى الأول استثناء تحصيل لأنه تكلم بالحاصل بعد الثنيا والثاني تعطيلا لما أنه
يتعطل الكلام به وأما الكلام في بيان ماهية كل نوع أما النوع الأول فهو تكلم بالباقي بعد الثنيا وهذه العبارة هي المختارة
دون قولهم استخراج بعض الجملة الملفوظة لان القدر المستثنى اما أن يدخل بعد نص المستثنى منه واما أن لا يدخل
فإن لم يدخل لا يتصور الاخراج وان دخل يتناقض الكلام لان نص المستثنى منه يثبت ونص الاستثناء ينفى
ويستحيل أن يكون الحكم الواحد في زمان مثبتا ومنفيا ولهذا فهم من قوله تعالى فلبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما
ما ذكرنا حتى يصير في التقدير كأنه قال فلبث فيهم تسعمائة وخمسين عاما لا معنى الاخراج لئلا يؤدى إلى
الخلف في خبر الله تعالى (وأما) النوع الثاني فهو تعليق بالشرط إذا كان مما يتوقف عليه ويعلم وجوده
ينزل المعلق عند وجوده وإن كان مما لا يعلم لا ينزل وهذا النوع من التعليق من هذا القبيل لما نذكره إن شاء الله تعالى
(وأما) شرط صحته فلصحة الاستثناء شرائط بعضها يعم النوعين وبعضها يخص أحدهما أما الذي يعمهما جميعا فهو أن
يكون الاستثناء موصولا بما قبله من الكلام عند عدم الضرورة حتى لو حصل الفصل بينهما بسكوت أو غير ذلك من
غير ضرورة لا يصح وهذا قول عامة الصحابة رضي الله عنهم وعامة العلماء لا شيئا روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
ان هذا ليس بشرط ويصح متصلا ومنفصلا واحتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
لأغزون قريشا ثم قال بعد سنة إن شاء الله تعالى ولو لم يصح لما قال ولان الاستثناء في معنى التخصيص لان كل واحد
منهما بيان ثم التخصيص يصح مقارنا ومتراخيا فكذا الاستثناء يجب أن يكون متصلا ومنفصلا ولنا أن الأصل في
كل كلام تام بنفسه فإن كان مبتدأ وخبرا أن لا يقف حكمه على غيره والوقف عند الوصل لضرورة وهي ضرورة
استدراك الغلط والضرورة تندفع بالموصول فلا يقف عند عدم الوصل ولهذا يقف على الشرط المنقطع فكذا على
الاستثناء المنقطع ولأنه عند عدم الوصول ليس باستثناء لغة لان العرب لم تتكلم به ومن تكلم به لا يعدونه استثناء بل
يسخرون منه وبهذا تبين أن الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما لا تكاد تصح لأنه كان اماما في اللغة كما كان اماما في
الشريعة وأما التخصيص المتراخي فعند بعض مشايخنا ليس ببيان بل هو فسخ فلا يلزم وعند بعضهم بيان لكن الحاق
البيان بالمجمل والعام الذي يمكن العمل بظاهره متراخيا مشهور عندهم وانه كثير النظير في كتاب الله عز وجل وأما الحديث
ففيه أنه قال بعد تلك المقالة بسنة إن شاء الله تعالى وليس فيه انه قصد به تصحيح الاستثناء فيحمل انه أراد به استدراك
الاستثناء المأمور به في الكتاب العزيز قال عز وجل ولا تقولن لشئ انى فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله أي الا أن
تقول إن شاء الله فنسي ذلك فتذكره بعد سنة فأمر باستدراكه بقوله سبحانه وتعالى واذكر ربك إذا نسيت ويحتمل
أنه عليه الصلاة والسلام أضمر في نفسه أمرا وأراد في قلبه وعزم عليه فأظهر الاستثناء بلسانه فقال إن شاء الله ومثل
هذا معتاد فيما بين الناس فلا يصح الاحتجاج به مع الاحتمال هذا الذي ذكرنا إذا كان الفصل من غير ضرورة فاما إذا
كان لضرورة التنفس فلا يمنع الصحة ولا يعد ذلك فصلا الا أن يكون سكتة هكذا روى هشام عن أبي يوسف لان هذا
النوع من الفصل مما لا يمكن التحرز عنه فلا يعتبر فصلا ويعطى له حكم الوصل للضرورة وأما كون الاستثناء مسموعا فهل
هو شرط ذكر الكرخي انه ليس بشرط حتى لو حرك لسانه وأتى بحروف الاستثناء يصح وان لم يكن مسموعا وذكر
الفقيه أبو جعفر الهندواني أنه شرط ولا يصح الاستثناء بدونه وجه ما ذكره الكرخي ان الكلام هو الحروف المنظومة
154

وقد وجدت فاما السماع فليس بشرط لكونه كلا فان الأصم يصح استثناؤه وإن كان لا يسمع والصحيح ما ذكره الفقيه
أبو جعفر لان الحروف المنظومة وإن كانت كلاما عند الكرخي وعندنا هي دلالة الكلام وعبارة عنه لا نفس الكلام
في الغائب والشاهد جميعا فلم توجد الحروف المنظومة ههنا لان الحروف لا تتحقق بدون الصوت فالحروف المنظومة
لا تتحقق بدون الأصوات المتقطعة بتقطيع خاص فإذا لم يوجد الصوت لم توجد الحروف فلم يوجد الكلام عنده
ولا دلالة الكلام عندنا فلم يكن استثناء والله الموفق وأما الذي يخص أحد النوعين وهو الاستثناء الوضعي فهو
أن يكون المستثنى بعض المستثنى منه لا كله لما ذكرنا ان الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا ولا يكون تكلما بالباقي الا أن يكون
المستثنى بعض المستثنى منه لا كله ولان الاستثناء يجرى مجرى التخصيص والتخصيص يرد على بعض أفراد
العموم لا على الكل لان ذلك يكون نسخا لا تخصيصا وكذا الاستثناء نسخ الحكم ونسخ الحكم يكون بعد ثبوته
والطلاق بعد وقوعه لا يحتمل النسخ فبطل الاستثناء ومن مشايخنا من قال إن استثناء الكل من الكل إنما يصبح لأنه
رجوع والطلاق مما لا يحتمل الرجوع عنه وكذا العتاق وكذا الاعتاق وكذا الاقرار وهذا غير سديد لأنه لو كان
كذلك لصح فيما يحتمل الرجوع وهو الوصية ومع هذا لا يصح حتى لو قال أوصيت لفلان بثلث مالي الا ثلث مالي
لم يصح الاستثناء وتصح الوصية فدل ان عدم الصحة ليس لمكان الرجوع بل لما قلنا إنه ليس باستثناء ويصح
استثناء البعض من الكل سواء كان المستثنى أقل من المستثنى منه أو أكثر عند عامة العلماء وعامة أهل اللغة وروى
عن أبي يوسف انه لا يصح استثناء الأكثر من الأقل وهو قول الفراء وجه قولهما ان الاستثناء من باب اللغة وأهل
اللغة لم يتكلموا باستثناء الأكثر من الأقل ولان الاستثناء وضع في الأصل لاستدراك الغلط والغلط يجرى في
الأقل لا في الأكثر ولنا ان أهل اللغة قالوا الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا من غير فصل بين الأقل والأكثر الا انه
قل استعمالهم الاستثناء في مثله لقلة حاجتهم إليه لقلة وقوع الغلط فيه وهذا لا يكون منهم اخراجا للفظ من أن يكون
استثناء حقيقة كمن أكل لحم الخنزير لا يمتنع أحد من أهل اللسان من اطلاق القول بأنه أكل لحم الخنزير وإن كان
يقل استعمال هذه اللفظة لكن قلة استعمالها لقلة وجود الاكل لا لانعدام معنى اللفظ حقيقة كذا هذا وعلى هذا
يخرج مسائل هذا النوع إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا الا واحدة يقع ثنتان لان هذا استثناء صحيح لكونه
تكلما بالباقي بعد الثنيا والباقي بعد استثناء الواحدة من الثلاث ثنتان الا ان للثنتين اسمين أحدهما ثنتان والآخر
ثلاث الا واحدة ولو قال الا اثنتين يقع واحدة لان استثناء الأكثر من الأقل استثناء صحيح أيضا لما ذكرنا ولو قال
الا ثلاثا وقع الثلاث لان الاستثناء لم يصح لأنه استثناء الكل من الكل ولو قال أنت طالق ثلاثا الا واحدة وواحدة
وواحدة وقع الثلاث وبطل الاستثناء في قول أبي حنفية ومحمد وقال أبو يوسف جاز استثناء الأولى والثانية وبطل
استثناء الثالثة وتلزمه واحدة وجه قوله إن استثناء الأولى والثانية استثناء البعض من الكل فصح الا انه لو سكت
عليه لجاز فأما استثناء الثالثة فاستثناء الكل من الكل فلم يصح فالتحق بالعدم فيقع واحدة ولأبي حنيفة ومحمد ان أول
الكلام في الاستثناء يقف على آخره فكان استثناء الكل من الكل فلا يصح كما لو قال ثلاثا الا ثلاثا ولأنه
لما قال الا واحدة وواحدة وواحدة فقد جمع بين الكل بحرف الجمع فصار كأنه قال الا ثلاثا ولو قال أنت طالق واحدة
وواحدة وواحدة الا ثلاثا يقع الثلاث ويبطل الاستثناء في قولهم جميعا لان الاستثناء إذا كان موصولا لا يقف أول
الكلام على آخره فكان الاستثناء راجعا إلى الكل فبطل ولأنه ذكر جملتين وجمع بين كل جملة بحرف الجمع فكان
استثناء الجملة من الجملة فلا يصح وإذا قال أنت طالق اثنتين واثنتين الا اثنتين يقع ثنتان في قول أبى يوسف ومحمد
وقال زفر يقع ثلاث كذا ذكر القدوري ولم يذكر قول أبي حنيفة وجه قول زفر ان الأصل في الاستثناء انه ينصرف
إلى ما يليه لأنه أقرب إليه وهو متصل به أيضا ولا ينصرف إلى غيره الا بدليل ومتى انصرف إلى ما يليه كان استثناء
الكل من الكل فلا يصح ولهما ان الاستثناء يصحح ما أمكن ولو جعلناه مما يليه لبطل ولو صرف إلى الجملتين يصح
155

لأنه يصر مستثنيا من كل ثنتين واحدة فبقي من كل جملة واحدة وروى هشام بن عبد الله الرازي عن محمد فيمن قال
أنت طالق اثنتين واثنتين الا ثلاثا انه يقع ثلاث لأنه لا يمكن تصحيح الاستثناء ههنا لان أول الكلام في كل واحدة
من الجملتين وقف على آخره فصار كأنه قال أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا لأنه لا يمكن ان يجعل الاستثناء في الجملتين على
السواء لأنه يصير مستثنيا من كل جملة تطليقة ونصفا وهذا استثناء جميع الجملة لان استثناء واحدة ونصف استثناء
ثنتين لان ذكر البعض فيما لا يتبعض ذكر لكله فكان استثناء الكل من الكل ولا يمكن ان يجعل من احدى الجملتين
لأنه يكون استثناء الكل من الكل وزيادة ولا يمكن ان يصرف اثنتان من الثلاث أو جملة واحدة إلى جملة أخرى لان
هذا خلاف تصرفه وانشاء تصرف آخر لم يوجد منه فتعذر تصحيح هذا الاستثناء من جميع الوجوه فبطل
والاشكال على القسم الأول ان ذكر البعض فيما لا يتبعض لا يكون ذكرا للكل في الاستثناء بل هو ملحق بالعدم
بدليل انه لو قال أنت طالق ثلاثا الا واحدة ونصفا يقع عليها ثنتان ولو كان ذكر بعض الطلاق ذكرا لكله في الاستثناء
لوقع عليه واحدة لأنه يصير كأنه قال أنت طالق ثلاثا الا اثنتين وكان الفقه في ذلك ان الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا
فينظر إلى الباقي والباقي ههنا تطليقة ونصف ونصف تطليقة تطليقة كاملة فيقع ثنتان كأنه قال أنت طالق اثنتين وإذا
لم يصر ذكر البعض ذكرا للكل في الاستثناء يصير مستثنيا من كل جملة تطليقة واحدة وتلغو واحدة من الاستثناء
وهذه أولى من الغاء الكل فيجب ان يقع ثنتان كما في المسألة الأولى عندهما وفي هذه المسألة اشكال على ما روى
هشام عن محمد وروى هشام أيضا عن محمد فيمن قال أنت طالق اثنتين وأربعا الا خمسا انها تطلق ثلاثا لأنه لا يمكن
تصحيح الاستثناء بالصرف إلى الجملتين على الشيوع ولا بالصرف إلى واحدة منهما ولا يصرف البعض عينا إلى
جملة والبعض إلى جملة أخرى لما قلنا والاشكال على القسم الأول على ما بينا وقال بشر عن أبي يوسف فيمن قال
لامرأته أنت طالق واحدة واثنتين الا اثنتين انه ثلاث وهو قول محمد والوجه فيه ما ذكرنا والاشكال على نحو ما بينا
هذا إذا كان لفظ الاستثناء من جنس المستثنى منه فإن كان شيئا خلاف جنسه يصح الاستثناء ولا تطلق وان أتى
على جميع المسمى نحو أن يقول نسائي طوالق الا هؤلاء وليس له نساء غيرهن فإنه يصح الاستثناء ولا تطلق واحدة
منهن لان الاستثناء يعتبر فيه اللفظ والإشارة مع التسمية مختلفان لفظا فصح الاستثناء بخلاف قوله نسائي طوالق
الا نسائي ولان عند اختلاف اللفظين يكون معناه نسائي غير هؤلاء طوالق وهذا إضافة الطلاق إلى غير هؤلاء وقيل
هذا إذا كان الأربع ما دون هؤلاء فإذا كن أربعا لا يصح الاستثناء ويطلقن كلهن لأنه لا يتصور استثناء غيرهن
فصار كما لو قال نسائي طوالق ولا نساء له وهناك لا يصح الاستثناء ويطلقن كلهن فيصير التقدير كأنه قال نسائي
الا نسائي طوالق ولو قال ذلك طلقن كذا هذا وكذا في العتاق إذا قال عبيدي كلهم أحرار الا عبيدي لم يصح
الاستثناء وعتقوا جميعا ولو قال عبيدي أحرار الا هؤلاء وليس له عبيد غير هؤلاء لم يعتق واحد منهم وكذلك هذا في
الوصية إذا قال أوصيت بثلث مالي لفلان أو أوصيت لفلان بثلث مالي الا ألف درهم ومات وثلث ماله ألف درهم
صح الاستثناء وبطلت الوصية ولو قال أوصيت بثلث مالي لا ثلث مالي لم يصح الاستثناء وكان للموصى له ثلث ماله
ولو قال أنت طالق عشرا الا تسعا يقع واحدة والأصل انه إذا تكلم بالطلاق بأكثر من الثلاث ثم استثنى منه فالاستثنى
يرجع إلى جملة الكلام لا إلى القدر الذي يصح وقوعه وهو الثلاث خاصة فيتبع اللفظ لا الحكم فلا يثبت الحكم في
القدر المستثنى ويثبت فيما بقي قدر ما يصح ثبوته لأنه تكلم بالباقي بعد الثنيا فإذا قال أنت طالق عشرا الا تسعا يقع
واحدة ولو قال الا ثمانيا يقع اثنتان وإذا قال الا سبعا يقع ثلاثا لما ذكرنا ان الاستثناء يتبع اللفظ لا الحكم فصح
الاستثناء ودخل على الجملة الملفوظة وعمل فيها فتبين ان القدر المستثنى لم يدخل في الجملة فلا يقع قدر ما دخل عليه
الاستثناء ويقع الباقي وهو الثلاث لأنه مما يصح وقوعه كذلك إذا قال الا ستا أو خمسا أو أربعا أو ثلاثا أو اثنتين أو
واحدة يقع ثلاث لان الثلاث هي التي يصح وقوعها مما بقي إذ لا يزيد الطلاق على الثلاث ولو قال أنت طالق ثلاثا
156

الا ثلاثا الا واحدة تقع واحدة والأصل في مسائل الاستثناء من الاستثناء ان لتخريجها طريقين أحدهما انه ينظر إلى
الاستثناء الأخير فيجعل استثناء مما يليه ثم ينظر إلى ما بقي منه فيجعل ذلك استثناء مما يليه هكذا إلى الاستثناء
الأول ثم ينظر إلى الباقي من الاستثناء الأول فيستثنى ذلك القدر من الجملة الملفوظة فما بقي منها فهو الواقع فإذا قال
أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا الا واحدة يستثنى الواحدة من الثلاثة يبقى اثنتان يستثنيهما من الثلاثة فتبقى واحدة كأنه قال
أنت طالق ثلاثا الا اثنتين فان قال أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا الا اثنتين يقع اثنتان لأنك تستثنى الاثنتين من الثلاثة
فتبقى واحدة تستثنيها من الثلاثة فيبقى اثنتان فان قال أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا الا اثنتين الا واحدة يقع واحدة لأنك
تستثنى الواحدة من اثنتين فيبقى واحدة تستثنيها من الثلاث فيبقى اثنتان تستثنيهما من الثلاث فيبقى واحدة هي الواقع
وكذلك إذا قال أنت طالق عشرا الا تسعا الا ثمانيا انك تستثنى ثمانيا من تسع فبقي واحدة تستثنيها من العشر فيبقى
تسع كأنه قال أنت طالق تسعا فيقع ثلاث فان قال أنت طالق عشرا الا تسعا الا واحدة يقع ثنتان لأنك إذا استثنيت
الواحدة من التسع يبقى ثمانية تستثنيها من العشر فيبقى اثنتان كأنه قال أنت طالق عشرا الا ثمانيا وعلى هذا جميع هذا
الوجه وقياسه والثاني يرجع إلى عقد اليد وهو أن تعقد العدد الأول بيمينك والثاني بيسارك والثالث تضمه إلى ما في
يمينك والرابع بيسارك تضمه إلى ما بيسارك ثم تطرح ما اجتمع في يسارك من جملة ما اجتمع في يمينك فما بقي في يمينك
فهو الواقع والله أعلم * وأما مسائل النوع الثاني من الاستثناء وهو تعليق الطلاق بمشيئة الله عز وجل فنقول إذا علق
طلاق امرأته بمشيئة الله يصح الاستثناء ولا يقع الطلاق سواء قدم الطلاق على الاستثناء في الذكر بان قال أنت
طالق إن شاء الله أو أخره عنه بان قال إن شاء الله تعالى فأنت طالق وهذا قول عامة العلماء وقال مالك لا يصح الاستثناء
والطلاق واقع وعلى هذا تعليق العتق والنذر واليمين بمشيئة الله سبحانه وتعالى وجه قوله إن هذا ليس تعليقا بشرط
لان الشرط ما يكون معدوما على خطر الوجود ومشيئة الله تعالى أزلية لا تحتمل العدم فكان هذا تعليقا بأمر كائن
فيكون تحقيقا لا تعليقا كما لو قال أنت طالق إن كانت السماء فوقنا ولنا قوله عز وجل خبرا عن موسى عليه
وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ستجدني إن شاء الله صابرا وصح استثناؤه حتى لم يصر بترك الصبر مخلفا
في الوعد ولولا صحة الاستثناء لصار مخلفا في الوعد بالصبر والخلف في الوعد لا يجوز والنبي معصوم وقال سبحانه
وتعالى ولا تقولن لشئ انى فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله أي الا أن تقول إن شاء الله ولو لم يحصل به صيانة الخبر عن
الخلف في الوعد لم يكن للامر به معنى وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف بطلاق أو عتاق
وقال إن شاء الله فلا حنث عليه وهذا نص في الباب وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال من استثنى فله ثنياه ولان
تعليق الطلاق بمشيئة الله تعالى تعليق بما لا يعلم وجوده لأنا لا ندري انه شاء وقوع هذا الطلاق أو لم يشأ على معنى
ان وقوع هذا الطلاق هل دخل تحت مشيئة الله تعالى أو لم يدخل فان دخل وقع وان لم يدخل لا يقع لان ما شاء الله
كان وما لم يشأ لم يكن فلا يقع بالشك وبه تبين ان هذا ليس تعليقا بأمر كائن ولان دخول الوقوع تحت مشيئة الله
تعالى غير معلوم وهذا هو تفسير تعليق الطلاق بمشيئة الله عز وجل ومن الناس من فرق بين الطلاق والعتاق فقال لا يقع
الطلاق ويقع العتاق وزعم بأنه لم توجد المشيئة في الطلاق ووجدت في العتاق لان الطلاق مكروه الشرع والعتق
مندوب إليه وهذا هو مذهب المعتزلة ان إرادة الله تعالى تتعلق بالقرب والطاعات لا بالمكان والمعاصي وان الله تعالى
أراد كل خير وصلاح من العبد ثم العبد قد لا يفعله لسوء اختياره وبطلان مذهبهم يعرف في مسائل الكلام ثم إنهم
ناقضوا حيث قالوا فيمن حلف فقال لأصومن غدا إن شاء الله تعالى أو قال لأصلين ركعتين أو لأقضين دين فلان
فمضى الغد ولم يفعل شيئا من ذلك أنه لا يحنث ولو شاء الله تعالى كل خير لحنث لأن هذه الأفعال خيرات وقد شاءها
عندهم وكذلك لو قال أنت طالق لو شاء الله تعالى أو قال إن لو يشاء الله تعالى لما قلنا وكذا لو قال الا أن يشاء الله لان
معناه الا أن يشاء الله أن لا يقع ذلك وذلك غير معلوم وكذا لو قال ما شاء الله تعالى لان معناه الذي شاءه الله تعالى ولو قال أنت
157

طالق ان لم يشاء الله تعالى يكون المستثنى كقوله إن شاء الله تعالى لان هذا في الحقيقة تعليق بعدم دخول الوقوع تحت
مشيئة الله تعالى وذلك غير معلوم ولو قال أنت طالق وإن شاء الله أو قال فإن شاء الله تعالى لم يكن استثناء عند أبي
يوسف لأنه حال بين الطلاق وبين الاستثناء حرف هو حشو فيصير فاصلا بمنزلة السكتة فيمنع التعليق بالشرط فيقع
في الحال ولو قال أنت طالق ثلاثا وثلاثا إن شاء الله تعالى لا يصح الاستثناء ويقع الثلاث في قول أبي حنيفة وقال أبو
يوسف ومحمد الاستثناء جائز وعلى هذا الخلاف إذا قال أنت طالق ثلاثا وواحدة إن شاء الله تعالى وجه قولهما ان في
الاستثناء الموصول يقف أول الكلام على آخره فكان قوله ثلاثا وثلاثا كلاما واحدا فيعمل فيه الاستثناء كما لو قال
أنت طالق ستا إن شاء الله تعالى ولأنه جمع بين الجملتين بحرف الجمع وهو حرف الواو فصار كما لو ذكرهما بلفظ واحد
فقال أنت طالق ستا إن شاء الله تعالى ولأبي حنيفة ان العدد الثاني وقع لغوا لأنه لا يتعلق به حكم إذ لا مزيد للطلاق على
الثلاث فصار فاصلا فمنع صحة الاستثناء كما لو سكت بخلاف ما لو قال أنت طالق ستا لأنه ذكر الكل جملة واحدة فلا
يمكن فصل البعض عن البعض ولو قال أنت طالق واحدة وثلاثا إن شاء الله تعالى جاز الاستثناء في قولهم جميعا لان
الكلام الثاني ههنا ليس بلغو لأنه جملة يتعلق بها حكم فلم يصر فاصلا بخلاف الفصل الأول ولو جمع بين جملتين بحرف
الواو ثم قال في آخرهما إن شاء الله تعالى بان قال امرأته طالق وعبده حر إن شاء الله تعالى انصرف الاستثناء إلى
الجملتين جميعا حيت لا يقع الطلاق والعتاق بالاتفاق وكذا إذا ذكر الشرط في آخر الجملتين بان قال إن دخلت الدار
أو ان كلمت فلانا ولو قال لزيد على ألف درهم ولعمر وعلى ألف درهم الا خمسمائة انصرف الاستثناء إلى الجملة الأخيرة
عند عامة العلماء وقال بعضهم ينصرف إلى جميع ما تقدم من الجمل وبه أخذ الشافعي وعلى هذا الأصل بنوا مسألة
المحدود في القذف إذا تاب وشهد لأنه قوله الا الذين تابوا منصرف إلى ما يليه عندنا وعندهم إلى جميع ما تقدم وجه قول
هؤلاء ان واو العطف إذا دخل بين الكلامين يجعلهما كلاما واحدا كما في قول القائل جاءني زيد وعمر ومعناه جاءاني
وكما إذا قال امرأته طالق وعبده حر إن شاء الله تعالى أو قال إن دخلت الدار انه يتعلق الأمران جميعا بالشرط وإن كان
كل واحد منهما جملة تامة لكن لما دخل بينهما واو العطف جعل كلاما واحدا وتعلقا جميعا بالشرط كذا هذا ولهذا
إذا كان المعطوف ناقصا شارك الأول في حكمه وجعل الكل كلاما واحدا بان قال لامرأته أنت طالق وفلانة حتى
يقع الطلاق عليهما كذا هذا ولنا ان الأصل في الاستثناء أن ينصرف إلى ما يليه لأنه أقرب إليه ومتصل به ولأنه
ليس بكلام مفيد بنفسه مستقل بذاته فلابد من ربطه بغيره ليصير مفيدا وهذه الضرورة تندفع بالصرف إلى ما يليه
فانصرف إلى غيره من الجمل المتقدمة بدخول حرف العطف بين الجملتين فيجعلهما كلاما واحدا وجملة واحدة
وإنما يجعل كلاما واحدا والجملتان جملة واحدة بواو العطف إذا كانت احدى الجملتين ناقصة بحيث لو فصلت
عن الجملة الأخرى لا تكون مفيدة فأما إذا كانت كاملة بحيث لو فصلت عن الأخرى كانت مفيدة فلا يجعلان
كلاما واحدا لان الجعل للعطف الموجب للشركة والشركة ثابتة بدون حرف الواو فكان الوصل والاشراك
بحرف الواو وعدمه سواء ولان جعل الكلامين كلاما واحدا خلاف الحقيقة فلا يصار إليه الا لضرورة وهي أن
تكون احدى الجملتين ناقصة اما صورة أو معنى كما في قول القائل جاءني زيد وعمر فان الجملة الثانية ناقصة لأنها
مبتدأ لا خبر له فجعلت كاملة بالاشراك بحرف الواو كما في قول الرجل لامرأتيه زينب طالق وعمرة لما قلنا أو تكون
ناقصة معنى في حق حصول غرض المتكلم كما في قوله امرأته طالق وعبده حر إن شاء الله تعالى أو ان دخلت الدار فان
هناك احدى الجملتين ناقصة في حق حصول غرضه أن يجعلهما جميعا جزاء واحدا للشرط
وإن كان كل واحد في نفسه يصلح جزاء تاما وهذا الغرض لا يحصل الا بالاشراك والوصل فيكون أحدهما بعض الجزاء
فكانت جملة ناقصة في المعنى وهو تحصيل غرضة فيجعل كأنه ناقص في أصل الإفادة ومثل هذه الضرورة لم توجد
ههنا فبقيت كل جملة منفردة بحكمها وإن كانت معطوفة بحرف الواو كما لو قال جاءني زيد وذهب عمر فان هذا
158

عطف جملة على جملة بحرف الواو ولم تثبت الشركة بينهما في الخبر لما قلنا كذا هذا ولو أدخل الاستثناء على جملتين كل
واحدة منهما يمين بان قال امرأتي طالق ان دخلت الدار وعبدي حر ان كلمت فلانا إن شاء الله تعالى انصرف
الاستثناء إلى ما يليه في قول أبى يوسف فتطلق امرأته ولا يعتق عبده وقال محمد ينصرف إلى الجملتين جميعا ولا يقع
الطلاق ولا العتاق وجه قول محمد على نحو ما ذكرنا ان الكلام معطوف بعضه على بعض بحرف العطف لأنه عطف
احدى الجملتين على الأخرى بحرف الواو فيجعلهما كلاما واحدا كما في التنجيز بأن يقول امرأته طالق وعبده حر
إن شاء الله تعالى وأي فرق بين التنجيز والتعليق وحجة أبى يوسف على نحو ما ذكرنا ان الأصل في الاستثناء أن ينصرف
لما يليه لما بينا وانصرافه إلى غيره لتتم الجملة الناقصة صورة ومعنى أو معنى على ما ذكرنا وههنا كل واحدة من الجملتين تامة
صورة ومعنى أما الصورة فظاهر وأما المعنى فلانه لما علق كل جزاء بشرط على حدة علم أن غرضه ليس جعلهما جميعا جزاء
واحدا فكان كل واحد منهما جملة واحدة فكان كل واحد منهما من الطلاق والعتاق جزاء تاما صورة ومعنى ولو قدم
الاستثناء فقال إن شاء الله تعالى فأنت طالق فهو استثناء صحيح لأنه وصل الطلاق بالاستثناء بحرف الوصل وهو
الفاء فيصح التعليق بمشيئة الله تعالى كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق وكذا لو قال إن شاء الله تعالى وأنت طالق
لان الواو للجمع فتصير الجملة كلاما واحدا ولو قال إن شاء الله تعالى أنت طالق جاز الاستثناء في قول أبي حنيفة
وأبى يوسف ولا يقع الطلاق وقال محمد هو استثناء منقطع والطلاق واقع في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله
عز وجل انه أراد به الاستثناء (وجه) قول محمد ان الجزاء إذا كان متأخرا عن الشرط لابد من ذكر حرف
الاتصال وهو حرف الفاء ليتصل الجزاء بالشرط وإذا لم يوجد لم يتصل فكان قوله إن شاء الله تعالى استثناء منقطعا
فلم يصح ويقع الطلاق كما إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق فإنه لا يتعلق لعدم حرف التعليق وهو حرف الفاء
فيبقى تنجيزا فيقع الطلاق كذا هذا ولهما ان الفاء يضمر في كلامه تصحيحا للاستثناء والاضمار في مثل هذا
الكلام جائز قال الشاعر
من يفعل الحسنات الله يشكرها * والشر بالشر عند الله مثلان
أي فالله يشكرها أو يجعل الكلام على التقديم والتأخير تصحيحا للاستثناء كأنه قال أنت طالق إن شاء الله تعالى
والتقديم والتأخير في الكلام جائز أيضا في اللغة وهذان الوجهان يصحان لتصحيح الاستثناء فيما بيه وبين الله تعالى
لا في القضاء لان كل واحد منهما خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي ألا ترى انه إذا قال إن دخلت الدار أنت طالق
لا يتعلق وان أمكن تصحيح التعليق بأحد هذين الطريقين لكن لما كان خلاف الظاهر لم يتعلق ولا يصدق انه
أراد به التعليق في القضاء وإنما يصدق فيما بينه وبين الله تعالى لا غير كذا هذا (ووجه) الفرق بين المسئلتين ان الحاجة
إلى ذكر حرف الفاء في التعليق بسائر الشروط إذا كان الجزاء متأخرا عن الشرط في الملك ليتصل الجزاء بالشرط
فيوجد عند وجود الشرط لأنه شرط يمكن الوقوف عليه والعلم به على تقدير وجوده فلا بد من وصل الجزاء بالشرط
بحرف الوصل بخلاف التعليق بمشيئة الله تعالى ووقوع هذا الطلاق مما لا سبيل لنا إلى الوقوف عليه رأسا حتى تقع
الحاجة إلى وصل الجزاء به ليوجد عند وجوده فكان تعطيلا في علمنا فلا حاجة إلى ذكر حرف الوصل قبل هذا
الشرط والدليل على التفرقة بين الشرطين انه إذا قال إن شاء الله تعالى وأنت طالق يصح الاستثناء ولو قال إن دخلت
الدار وأنت طالق لا يصح التعليق ويقع الطلاق للحال ولو قال عنيت به التعليق لا يصدق قضاء ولا ديانة لما ذكرنا
كذا هذا هذا كله إذا علق الطلاق بمشيئة الله تعالى فأما إذا علق الطلاق بمشيئة غير الله فان علق بمشيئة من يتوقف على
مشيئته من العباد بأن قال إن شاء زيد فالطلاق موقوف على مشيئته في المجلس الذي يعلم فيه بالتعليق لان هذا النوع
من التعليق تمليك لما نذكر فيتقيد بالمجلس كسائر التمليكات وان علقه بمشيئة من لا يوقف على مشيئته نحو أن يقول إن
شاء جبريل أو الملائكة أو الجن أو الشياطين فهو بمنزلة التعليق بمشيئة الله تعالى لأنه لا يتوقف على مشيئة هؤلاء كما
159

لا يتوقف على مشيئة الله عز وجل فصار كأنه قال إن شاء الله تعالى ولو جمع بين مشيئة الله تعالى وبين مشيئة العباد
فقال إن شاء الله تعالى وشاء زيد فشاء زيد لم يقع الطلاق لأنه علقه بشرطين لا يعلم وجود أحدهما والمعلق بشرطين
لا ينزل عند وجود أحدهما كما لو قال إن شاء زيد وعمر فشاء أحدهما والله الموفق (ومنها) أن لا يكون انتهاء الغاية
فإن كان لا يقع وهذا قول أبي حنيفة وزفر وقال أبو يوسف ومحمد هذا ليس بشرط ويقع وان جعل انتهاء الغاية وهل
يشترط أن لا يكون ابتداء الغاية قال أصحابنا الثلاثة لا يشترط وقال زفر يشترط والأصل في هذا ان عند زفر الغايتان
لا يدخلان ثم ينظر ان بقي بينهما شئ وقع والا فلا وعند أبي يوسف ومحمد الغايتان تدخلان وعند أبي حنيفة الأولى
تدخل لا الثانية وبيان هذه الجملة إذا قال لامرأته أنت طالق واحدة إلى اثنتين أو ما بين واحدة إلى اثنتين فهي
واحدة عند أبي حنيفة وعندهما هي اثنتان وعند زفر لا يقع شئ ولو قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث أو ما بين
واحدة إلى ثلاث فهي اثنتان في قول أبي حنيفة وعندهما هي ثلاث وعند زفر هي واحدة (وجه) قول زفر ان
كلمة من لابتداء الغاية وكلمة إلى لانتهاء الغاية يقال سرت من البصرة إلى الكوفة أي البصرة كانت ابتداء غاية
المسير والكوفة كانت انتهاء غاية المسير والغاية لا تدخل تحت ما ضربت له الغاية كما في البيع فإنه إذ قال بعت منك
من هذا الحائط إلى هذا الحائط فالحائطان لا يدخلان في البيع فكان هذا منه ايقاع ما ضربت له الغاية لا الغاية
فيقع ما ضربت له الغاية لا الغاية وكذا إذا قال بعتك ما بين هذا الحائط إلى هذا الحائط لا يدخل الحائطان في البيع
كذا ههنا ولهذا لم تدخل احدى الغايتين عند أبي حنيفة كذا الأخرى ولهما ان ما جعل غاية لابد من وجوده إذ
المعدوم لا يصلح غاية ومن ضرورة وجوده وقوعه ولهذا دخلت الغاية الأولى فكذا الثانية بخلاف البيع فان الغاية
هناك كانت موجودة قبل البيع فلم يكن وجودها بالبيع ليكون من ضرورة وجودها بالبيع دخولها فيه فلم تدخل
وأبو حنيفة بنى الامر في ذلك على العرف والعادة فان الرجل يقول في العرف والعادة لفلان على من مائة درهم إلى الف
ويريد به دخول الغاية الأولى لا الثانية وكذا يقال سن فلان من تسعين إلى مائة ويراد به دخول الغاية الأولى لا الثانية
وكذا إذا قيل ما بين تسعين إلى مائة وقيل إن الأصمعي ألزم زفر هذا الفصل على باب الرشيد فقال له كم سنك فقال من
سبعين إلى ثمانين وكان سنه أقل من ثمانين فتحير زفر ولان انتهاء الغاية قد تدخل تحت ما ضربت له الغاية وقد
لا تدخل قال الله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل والليل لم يدخل تحت الامر بالصوم فيه فوقع الشك في دخول الغاية
الثانية في كلامه فلا يدخل مع الشك فان نوى واحدة في قوله من واحدة إلى ثلاث كما قال زفر دين فيما بين وبين الله
تعالى لأنه نوى ما يحتمله كلامه ولا يدين في القضاء لأنه خلاف الظاهر وقياس ظاهر أصلهما في قوله أنت طالق
من واحدة إلى اثنتين انه يقع الثلاث لان الغايتين يدخلان عندهما الا أنه يحتمل انه جعل تلك الواحدة داخلة في
الثنتين ويحتمل انه جعلهما غير الثنتين فلا تقع الزيادة على الثنتين بالشك وروى عن أبي يوسف أنه قال في رجل قال
لامرأته أنت طالق اثنتين إلى اثنتين انه يقع ثنتان لأنه يحتمل أن يكون جعل الابتداء هو الغاية كأنه قال أنت طالق
من اثنتين إليهما وكذا روى عن أبي يوسف أنه قال إذا قال أنت طالق ما بين واحدة وثلاث فهي واحدة لأنه ما جعل
الثلاث غاية وإنما أوقع ما بين العددين وهو واحدة فتقع واحدة وان قال أنت طالق ما بين واحدة إلى أخرى أو من
واحدة إلى واحدة فهي واحدة أما على أصل أبي حنيفة فلان الغاية الأولى تدخل ولا تدخل الثانية فتقع واحدة
وأما على أصلهما فالغايتان وإن كانتا يدخلان جميعا لكن يحتمل أن يكون المراد من قوله من واحدة إلى واحدة أي
منها واليها فلا يقع أكثر من واحدة وأما على أصل زفر فالغايتان لا يدخلان ولم يبق بينهما شئ والله عز وجل أعلم
(ومنها) أن لا يكون مضروبا فيه فإن كان لا يقع ويقع المضروب وهذا قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر هذا ليس
بشرط ويقع المضروب والمضروب فيه وبيان ذلك فيمن قال لامرأته أنت طالق واحدة في اثنتين أو قال واحدة في
ثلاث أو اثنتين وجملة الجواب فيه انه ان نوى به الظرف والوعاء لا يقع الا المضروب لان الطلاق لا يصلح
160

ظرفا وان نوى مع يقع المضروب والمضروب فيه بقدر ما يصح وقوعه بلا خلاف وان نوى به الضرب والحساب ولم
تكن له نية يقع المضروب لا المضروب فيه عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر يقع المضروب والمضروب فيه بقدر ما يصح
وقوعه (وجه) قوله إن الواحد في اثنين اثنان على طريق الضرب والحساب والواحد في الثلاثة ثلاثة والاثنان
في الاثنين أربعة وهذا يقتضى وقوع المضروب والمضروب فيه كما لو جمع بينهما بلفظ واحد فقال أنت طالق اثنتين
أو ثلاثا أو أربعا لا أن العدد المجتمع له عبارتان إحداهما الاثنان والثلاثة والأربعة والأخرى واحد في اثنين وواحد
في ثلاثة واثنان في اثنين (ولنا) وجوه ثلاثة أحدهما ان الضرب إنما يتقدر فيما له مساحة فأما ما لا مساحة له فلا
يتقدر فيه الضرب لان تقدير ضرب الاثنين في الاثنين خطان يضم إليهما خطان آخران فمن هذا الوجه يقال الاثنان
في الاثنين أربعة والطلاق لا يحتمل المساحة فإذا نوى في عدد الطلاق الضرب فقد أراد محالا فبطلت نيته والثاني ان
الشئ لا يتعدد بالضرب وإنما يتكرر أجزاؤه فواحد في اثنين واحد له جزآن واثنان في اثنين اثنان له أربعة أجزاء
وطلاق له جزء وطلاق له جزآن وثلاثة وأربعة وأكثر من ذلك سواء والثالث انه جعل المضروب فيه ظرفا
للمضروب والطلاق لا يصلح ظرفا إذ ظرف الشئ هو المحتوى عليه ولا يتصور احتواء الطلاق على شئ لان
الاحتواء من خواص الأجسام فلا يصلح ظرفا للمضروب فلا يقع ولهذا لو قال لامرأته أنت طالق في دخولك الدار
أو قال لها أنت طالق في حيضتك لا يقع للحال لأنه جعل الدخول والحيض ظرفا وانهما لا يصلحان طرفا لاستحالة
تحقق معنى الظرف فيهما الا ان ثمة يتعلق الطلاق بالدخول والحيض ويجعل في بمعنى مع لمناسبة لان مع كملة مقارنة
والمظروف يقارن الظرف فصار كأنه قال أنت طالق مع دخول الدار أو مع حيضك وههنا لو أراد بفي مع في قوله في اثنين
أو في ثلاث يقع الثلاث وكذا لو أراد بكلمة في حرف الواو لان الواو للجمع والظرف يجامع المظروف من جميع
الجهات فيجوز استعماله كله والظرف على إرادة المقارنة أو الاجتماع من جهة واحدة والله تعالى الموفق
(فصل) وأما الذي يرجع إلى الوقت فهو مضى مدة الايلاء وهو شرط وقوع الطلاق بالايلاء حتى لا يقع
الطلاق قبل مضى المدة لان الايلاء في حق أحد الحكمين وهو البر طلاق معلق بشرط ترك الفئ في مدة الايلاء لقوله
عز وجل وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم وروى عن ابن عباس وعدة من الصحابة رضي الله عنهم ان عزم
الطلاق ترك الفئ إليها أربعة أشهر فقد جعل ترك الفئ أربعة أشهر شرط في وقوع الطلاق في الايلاء والكلام في
الايلاء يقع في مواضع في تفسير الايلاء لغة وشرعا وفي بيان ركن الايلاء وفي بيان شرائط الركن وفي بيان حكم الايلاء
وفي بيان ما يبطل به الايلاء أما تفسيره فالايلاء في اللغة عبارة عن اليمين يقال آلى أي حلف ولهذا سميت اليمين
ألية وجمعها ألايا قال الشاعر
قليل الالايا حافظ ليمينه * وان صدرت منه الالية برت
وفي حرف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وابن عباس رضي الله عنهما للذين يقسمون من نسائهم والقسم واليمين من
الأسماء المترادفة وقال الله تعالى ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أي ولا يحلف وفي الشريعة عبارة عن اليمين على
ترك الجماع بشرائط مخصوصة نذكرها في مواضعها إن شاء الله تعالى وأما ركنه فهو اللفظ الدال على منع النفس عن
الجماع في الفرج مؤكدا باليمين بالله تعالى أو بصفاته أو باليمين بالشرط والجزاء حتى لو امتنع من جماعها أو هجرها
سنة أو أكثر من ذلك لم يكن موليا ما لم يأت بلفظ يدل عليه لان الايلاء يمين لما ذكرنا واليمين تصرف قولي فلابد من القول
ولو أتى بلفظ يدل على نفى الجماع فيما دون الفرج لم يكن ذلك ايلاء في حق حكم البر لان حكم البر إنما يثبت لصيرورته ظالما
بترك الجماع في الفرج لان حقها فيه ولو ذكر لفظا يدل على منع نفسه عن الجماع في الفرج بطريق يؤكده باليمين لم يكن
ايلاء لان الظلم بالمنع والمنع لا يتأكد الا باليمين وقال الشافعي في القديم لا يكون موليا الا بالحلف بالله تعالى فظاهر الآية
الكريمة يدفع هذا القول لان الله تعالى قال للذين يؤلون من نسائهم فالايلاء في اللغة عبارة عن اليمين واسم اليمين يقع
161

على اليمين بالله تعالى ويقع على اليمين بالشرط والجزاء لتحقق معنى اليمين وهو القوة ولو حلف بغير الله عز وجل وبغير
الشرط والجزاء لا يكون موليا حتى لا تبين بمضي المدة من غير فئ ولا كفارة عليه ان قربها لأنه ليس بيمين لانعدام
معنى اليمين وهو القوة وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت فمن كان منكم حالفا فليحلف
بالله أو ليذر وروى من حلف بغير الله فقد أشرك أما الألفاظ الدالة على منع النفس عن الجماع فأنواع بعضها صريح
وبعضها يجرى مجرى الصريح وبعضها كناية أما الصريح فلفظ المجامعة بأن يحلف أن لا يجامعها وأما الذي يجرى
مجرى الصريح فلفظ القربان والوطئ والمباضعة والافتضاض في البكر بأن يحلف ان لا يقربها أو لا يطأها أو لا
يباضعها أو لا يفتضها وهي بكر لان القربان المضاف إلى المرأة يراد به الجماع في العرف قال الله تعالى ولا تقربوهن حتى
يطهرن وكذا الوطئ المضاف إليها غلب استعماله في الجماع قال النبي صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس ألا لا توطأ
الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة والمباضعة مفاعلة من البضع وهو الجماع أو الفرج والافتضاض
في العرف عبارة عن جماع البكر وهو كسر العذرة مأخوذ من الفض وهو الكسر وكذا إذا حلف لا يغتسل منها لان
الاغتسال منها لا يكون الا بالجماع فاما الجماع في غير الفرج فالاغتسال لا يكون منها وإنما يكون من الانزال ألا يرى أنه
ما لم ينزل لا يجب الغسل وفي الجماع في الفرج لا يقف وجوب الاغتسال على وجود الانزال ولو قال لم أعن به
الجماع لا يدين في القضاء لكونه خلاف الظاهر ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لان اللفظ يحتمله في الجملة وأما
الكناية فنحو لفظة الاتيان والإصابة بان حلف لا يأتيها أو لا يصيب منها يريد الجماع لأنهما من كنايات الجماع
لأنهما يستعملان في الجماع وفي غيره استعمالا على السواء الأبد من النية وكذا لفظة الغشيان بان حلف لا يغشاها
لان الغشيان يستعمل في الجماع قال الله تعالى فلما تغشاها أي جامعها ويستعمل في المجئ وفي الستر والتغطية قال
الله تعالى يوم يغشاهم العذاب قيل يأتيهم وقيل يسترهم ويغطيهم فلا بد من النية وكذا إذا حلف لا يمس جلده جلدها
وقال لم أعن به الجماع يصدق لأنه يحتمل الجماع ويحتمل المس المطلق فيحنث بغير الجماع والايلاء ما وقف الحنث
فيه على الجماع ولأنه يمكنه جماعها بغير مماسة الجلد بان يلف ذكره بحريرة فيجامعها وكذا إذا حلف لا يمسها لما
قلنا وكذا إذا حلف لا يضاجعها أو لا يقرب فراشها وقال لم أعن به الجماع فهو مصدق في القضاء لان هذا اللفظ
يستعمل في الجماع ويستعمل في غيره استعمالا واحدا ولأنه يمكنه جماعها من غير مضاجعة ولا قرب فراش ولو
حلف لا يجتمع رأسي ورأسك فان عنى به الجماع فهو مول لأنه يحتمل الجماع وان لم يعن به الجماع لم يكن موليا ولا
يجتمعان على فراش ولا مرفقة لئلا يلزمه الكفارة وله جماعها من غير اجتماع على الفراش ولا شئ يجمع رأسها عليه
ولو حلف لا يجمع رأسي ورأسك وسادة أولا يؤويني وإياك بيت أولا أبيت معك في فراش فان عنى به الجماع فهو
مول لأنه يحتمل الجماع فتصح نيته وكيفما جامعها فهو حانث وان لم يعن به الجماع فليس بمول ولا يأوى معها في
بيت ولا يبيت معها في فراش ولا يجتمعان على وسادة لئلا تلزمه الكفارة ويطؤها على الأرض والبوادي ولو حلف
لأسوئنك أو لأغيظنك لا يكون موليا الا إذا عنى به ترك الجماع لان المساءة قد تكون بترك الجماع وقد تكون بغيره
وكذا الغيظ فلا بد من النية وأما اليمين بالله تعالى وبصفاته فهي الحلف باسم من أسماء الله تعالى أو بصفة من صفاته
بلفظ لا يستعمل في غير الصفة أو يستعمل في الصفة وفي غيرها لكن على وجه لا يغلب استعماله في غير الصفة وموضع
معرفة هذه الجملة كتاب الايمان ثم الايلاء إذا كان بالله تعالى فالمولى لا يخلو اما أن أطلق الايلاء واما ان علقه بشرط
واما ان أضافه إلى وقت واما ان وقته إلى غاية فان أطلق بان قال لامرأته والله لا أقربك كان موليا للحال والأصل فيه
ان من منع نفسه عن قربان زوجته بما يصلح أن يكون مانعا وبما يحلف به عادة يصير موليا أو يقال من لا يمكنه قربان
زوجته في المدة من غير شئ يلزمه بسبب اليمين فهو مول وقد وجد ههنا لان ذكر اسم الله تعالى يصلح مانعا تحرزا عن
الهتك وهو ما يحلف به عادة وعرفا وكذا لا يمكنه قربان زوجته في المدة من غير شئ يلزمه وهو الكفارة فيصير موليا
162

وكذا إذا قال لامرأتين له والله لا أقربكما وههنا ثلاثة فصول أحدها أن يقول لامرأتيه والله لا أقربكما أو يقول لنسائه
الأربع والله لا أقربكن وهما فصل واحد والثاني أن يقول والله لا أقرب إحداكما أو إحداكن والثالث أن يقول
والله لا أقرب واحدة منكما أو واحدة منكن أما الأول إذا قال لامرأتين له والله لا أقربكما صار موليا منهما للحال حتى
لو مضت أربعة أشهر ولم يقربهما فيها بانتا جميعا ويبطل وكذا إذا قال لنسائه الأربع والله لا أقربكن صار موليا
منهن للحال حتى لو لم يقربهن حتى مضت أربعة أشهر بن جميعا وهذا قول أصحابنا الثلاثة وهو استحسان والقياس ان
لا يصير موليا في الأول ما لم يطأ واحدة منهما فيصير موليا من الأخرى وفي الثاني ما لم يطأ واحدة فيصير موليا من الأخرى
وفي الثالث ما لم يطأ الثالثة منهن فيصير موليا من الرابعة وهو قول زفر وجه القياس ان المولى من لا يمكنه قربان امرأته
من غير حنث يلزمه وههنا يمكنه في الصورة الأولى قربان إحداهما من غير حنث يلزمه لأنه لا يحنث بوطئ إحداهما
إذ جعل شرط الحنث قربانهما من غير شئ يلزمه ولم يوجد وفي الصورة الثانية يمكنه قربان الثلاث منهن من غير حنث
يلزمه ألا ترى انه لا يحنث بوطئ الثلاث منهن فلم يوجد حد المولى فلا يكون موليا وإذا وطئ إحداهما أو وطئ الثلاث
منهن فلا يمكنه وطئ الباقية الا بحنث يلزمه فوجد حد الايلاء فيصير موليا وجه الاستحسان ان المولى من لا يمكنه
وطئ امرأته في المدة من غير شئ يلزمه بسبب اليمين وههنا لا يمكنه وطؤها في المدة من غير شئ يلزمه بسبب اليمين
لأنه لو وطئ إحداهما أو الثلاث منهن لزمه تعيين الأخرى للايلاء وهذا شئ يلزمه بسبب اليمين وقد وجد حد
الايلاء فيكون موليا ولو قرب إحداهما لا كفارة عليه لعدم شرط الحنث وهو قربانهما ولكن يبطل ايلاؤه
منها لان ذلك يقف على القربان وقد وجد والايلاء في حق الباقية على حاله لانعدام المبطل في حقهما
وهو القربان ولو قربهما جميعا بطل ايلاؤهما وعليه كفارة اليمين لوجود المبطل لهما والموجب للكفارة وهو
قربانهما ولو ماتت إحداهما قبل مضى أربعة أشهر بطل ايلاؤها ولا تجب الكفارة وان وطئ الأخرى بعد ذلك
بالاجماع لان شرط وجوب الكفارة قربانهما ولم يوجد ولو طلق إحداهما لا يبطل الايلاء وأما الثاني وهو ما إذا
قال والله لا أقرب إحداكما فإنه يصير موليا من إحداهما حتى لو وطئ إحداهما لزمته الكفارة وبطل الايلاء لوجود
شرط الحنث وهو قربان إحداهما ولو ماتت إحداهما أو طلق إحداهما ثلاثا أو بانت بلا عدة تعينت الباقية للايلاء
لزوال المزاحمة ولو لم يقرب إحداهما حتى مضت المدة بانت إحداهما بغير عينها وله خيار أن يوقع الطلاق على أيتهما
شاء لان الايلاء في حق حكم البر تعليق الطلاق شرعا بشرط ترك القربان في المدة فيصير كأنه قال إن لم أقرب إحداكما
أربعة أشهر فإحداكما طالق بائن ولو نص على ذلك فمضت المدة ولم يقرب إحداهما طلقت إحداهما غير عين وله الخيار
يوقع على أيتهما شاء كذا هذا ولو أراد أن يعين الايلاء في إحداهما قبل مضى أربعة أشهر لا يملك ذلك حتى لو عين
إحداهما ثم مضت أربعة أشهر لم يقع الطلاق على المعينة بل يقع على إحداهما بغير عينها ويخير في ذلك لان اليمين
تعلقت بغير المعينة فالتعيين يكون تغيير اليمين فلا يملك ذلك لان تغيير اليمين ابطالها من وجه واليمين عقد لازم لا يحتمل
الطلاق فلا يحتمل التغيير ولان الايلاء في حق البر تعليق الطلاق بشرط عدم القربان في المدة ومتى علق الطلاق
المبهم بشرط ثم أراد تغيير التعليق قبل وجود الشرط لا يقدر على ذلك كما إذا قال لامرأتيه إذا جاء غد فإحداكما طالق
ثم أراد أن يعين إحداهما قبل مجئ الغد لا يملك ذلك كذا هذا فإذا مضت المدة وبانت إحداهما بغير عينها فله الخيار في
تعيين أيتهما شاء للطلاق لان الطلاق إذا وقع في المجهولة يتخير الزوج في التعيين فله أن يوقع الطلاق على إحداهما فلو لم
يوقع الطلاق على واحدة منهما حتى مضت أربعة أشهر أخرى وقعت تطليقة أخرى وبانت كل واحدة منهما
بتطليقة في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف أنه لا يقع الطلاق على الأخرى وجه رواية أبى يوسف أنه آلى من
إحداهما لا من كل واحدة منهما فلا يتناول الايلاء الا إحداهما وجه ظاهر الرواية ان اليمين باقية لعدم الحنث فكان
تعليق طلاق إحداهما بمضي المدة من غير فئ باقيا فإذا مضت أربعة أشهر ووقع الطلاق على إحداهما فقد زالت
163

مزاحمتهما واليمين باقية فتعينت الأخرى لبقاء اليمين في حقها وتعليق طلاقها كما لو زالت المزاحمة بعد مضى المدة قبل
اختيار الزوج بالموت بأن ماتت إحداهما أليس أنه تتعين الأخرى كذا ههنا وهل يتكرر الطلاق على المولى منها
بالايلاء السابق بتكرار المدة لا نص في هذه المسألة واختلف المشايخ فيه وترجيح بعض الأقاويل فيه على البعض
يعرف في الجامع الكبير وكذلك لو عين الطلاق في إحداهما بعد مضى أربعة أشهر ثم مضت أربعة أشهر أخرى
بانت الأخرى بتطليقة على جواب ظاهر الرواية وأما الثالث وهو ما إذا قال والله لا أقرب واحدة منكما فإنه يصير
موليا منهما جميعا حتى لو مضت مدة أربعة أشهر ولم يقربهما فيها بانتا جمعيا كذا ذكر المسألة في الجامع من غير خلاف
وهكذا ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي وذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي فقال على قول أبي حنيفة
وأبى يوسف يكون موليا منهما استحسانا وعلى قول محمد يكون موليا من إحداهما وهو القياس وجه القياس ان
قوله واحدة منكما لا يعبر به عنهما بل عن إحداهما فصار كقوله والله لا أقرب إحداكما والدليل عليه أنه إذا قرب
إحداهما يحنث وتلزمه الكفارة فدل ان اليمين تناولت إحداهما لا غير ووجه الاستحسان وهو الفرق بين المسئلتين
ان قوله إحداكما معرفة لأنه مضاف إلى الكناية والكنايات معارف بل أعرف المعارف والمضاف إلى المعرفة معرفة
والمعرفة تختص في النفي كما تختص في الاثبات وقوله واحدة منكما نكرة لأنها نكرة بنفسها ولم يوجد ما يوجب
صيرورتها معرفة وهو اللام أو الإضافة فبقيت نكرة وأنها في محل النفي فتعم والدليل على التفرقة بينهما أنه يستقيم
ادخال كلمة الإحاطة والاشتمال وهي كلمة كل على واحدة منكما ولا يستقيم إدخالها على إحداكما حتى يصح أن يقال
والله لا أقرب كل واحدة منكما ولا يصح أن يقال والله لا أقرب كل إحداكما فدل ان قوله واحدة منكما يصلح لهما
وقوله إحداكما لا يصلح لهما الا أنه إذا قال والله لا أقرب واحدة منكما فقرب إحداهما يبطل ايلاؤهما جميعا وتلزمه
الكفارة لوجود شرط الحنث وهو قربان واحدة منهما بخلاف ما إذا قال والله لا أقربكما فقرب واحدة منهما انه يبطل
ايلاؤهما ولا يبطل ايلاء الباقية حتى لا تجب عليه الكفارة أما بطلان ايلاء التي قربها فلوجود شرط البطلان وهو
القربان ولم يوجد القربان في الباقية فلا يبطل ايلاؤها وأما عدم وجوب الكفارة فلعدم شرط الوجوب وهو قربانهما
جميعا ولو قال لامرأته وأمته والله لا أقربكما لا يكون موليا من امرأته ما لم يقرب الأمة فإذا قرب الأمة صار موليا من
امرأته لان المولى من لا يمكنه قربان امرأته في المدة من غير شئ يلزمه وقبل أن يقرب الأمة يمكنه قربان امرأته من غير
حنث يلزمه لأنه علق الحنث بقربانهما فلا يثبت بقربان إحداهما فإذا قرب الأمة فقد صار بحال لا يمكنه قربان زوجته
من غير حنث يلزمه فصار موليا ولو قال والله لا أقرب إحداكما لم يكن موليا في حق البر لما ذكرنا ان قوله إحداكما معرفة
لكونه مضافا إلى المعرفة والمعرفة تخص ولا تعم سواء كان في محل الاثبات أو في محل النفي فلا يتناول الا إحداهما
والايلاء في حق البر تعليق الطلاق بشرط ترك القربان في المدة فصار كأنه قال إن لم أقرب إحداكما في المدة فإحداكما
طالق ولو قال ذلك لا يقع الطلاق الا إذا عنى امرأته وما عنى ههنا فلا يمكنه جعله ايلاء في حق البر ولو قرب إحداهما
تجب الكفارة لأنه بقي يمينا في حق الحنث وقد وجد شرط الحنث فتجب الكفارة كما لو قال لأجنبية والله لا أقربك
ثم قربها حنث ولا يكون ذلك ايلاء في حق البر كذا هذا ولو قال والله لا أقرب واحدة منكما كان موليا من امرأته لما
ذكرنا ان الواحدة نكرة مذكورة في محل النفي فتعم عموم الافراد كما لو قال لا أكلم واحدا من رجال حلب الا أنه لو قرب
إحداهما حنث لما ذكرنا ان شرط حنثه قربان واحدة منهما لا قربانهما وقد وجد ولو كان له امرأتان حرة وأمة فقال والله
لا أقربكما صار موليا منهما جميعا لان كل واحدة منهما محل الايلاء فإذا مضى شهران ولم يقربهما بانت الأمة لمضى مدتها
من غير قربان وإذا مضى شهران آخران بانت الحرة أيضا لتمام مدتها من غير فئ ولو قال والله لا أقرب إحداكما يكون
موليا من إحداهما بغير عينها لان كل واحدة منهما محل الايلاء وقد أضاف الايلاء إلى إحداهما بغير عينها فيصير موليا
من إحداهما غير عين ولو أراد أن يعين إحداهما قبل مضى الشهرين ليس له ذلك لما بينا فيما تقدم وإذا مضى شهران ولم
164

بقربهما بانت الأمة لا لأنها عينت للايلاء بل لسبق مدتها واستوثقت مدة الايلاء على الحرة فإذا مضت أربعة أشهر
ولم يقربها بانت الحرة لان اليمين باقية إذا لم يوجد الحنث فكان تعليق الطلاق على إحداهما باقيا فإذا مضى شهران وقع
الطلاق على الأمة فقد زالت مزاحمتها واليمين باقية فتعينت الحرة لبقاء الايلاء في حقها وتعليق طلاقها بمضي المدة وإنما
استوثقت مدة الايلاء عل الحرة لان ابتداء المدة انعقدت لإحداهما وقد تعينت الأمة للسبق فيبتدأ الايلاء على
الحرة من وقت بينونة الأمة بخلاف ما إذا قال لها والله لا أقربكما لان هناك انعقدت المدة لهما فإذا مضى شهران فقد
تمت مدة الأمة فتتم مدة الحرة بشهرين آخرين ولو ماتت الأمة قبل مضى الشهرين تعينت الحرة للايلاء من وقت
اليمين حتى إذا مضت أربعة أشهر من وقت اليمين تبين لزوال المزاحمة بموت الأمة ولو قال والله لا أقرب واحدة منكما
يكون موليا منهما جميعا حتى لو مضى شهران تبين الأمة ثم إذا مضى شهران آخران تبين الحرة كما في قوله والله لا أقربكما
الا أن ههنا إذا قرب إحداهما حنث وبطل الايلاء لما ذكرنا فيما قبل وان علقه بشرط يتعلق به بأن قال إن دخلت
هذه الدار وان كلمت فلانا فوالله لا أقربك وكذا إذا أضافه إلى الوقت بأن قال إذا جاء غد فوالله لا أقربك أو قال
إذا جاء رأس شهر كذا فوالله لا أقربك وإذا وجد الشرط أو الوقت فيصير موليا ويعتبر ابتداء المدة من وقت وجود
الشرط والوقت لان الايلاء يمين واليمين تحتمل التعليق بالشرط والإضافة إلى الوقت كسائر الايمان وان وقته إلى
غاية ينظر إن كان المجعول غاية لا يتصور وجوده في مدة الايلاء يكون موليا كما إذا قال وهو في شعبان والله لا أقربك
حتى أصوم المحرم لأنه منع نفسه عن قربانها بما يصلح مانعا لأنه لا يمكنه قربانها الا بحنث يلزمه وهو الكفارة ألا ترى
أنه لا يتصور وجود الغاية وهو صوم المحرم في المدة وكذلك يعد مانعا في العرف لأنه يحلف به عادة وكذا لو قال والله
لا أقربك الا في مكان كذا وبينه وبين ذلك المكان أربعة أشهر فصاعدا يكون موليا لأنه لا يمكنه قربانها من غير
حنث يلزمه وإن كان أقل من ذلك لم يكن موليا لامكان القربان من غير شئ يلزمه وكذا لو قال والله لا أقربك حتى
تفطمي صبيك وبينها وبين الفطام أربعة أشهر فصاعدا يكون موليا وإن كان أقل من ذلك لم يكن موليا لما
قلنا ولو قال والله لا أقربك حتى تخرج الدابة من الأرض أو حتى يخرج الدجال أو حتى تطلع الشمس من مغربها
فالقياس أن لا يكون موليا لتصور وجود الغاية في المدة ساعة فساعة فيمكنه قربانها في المدة من غير شئ يلزمه
فلا يكون موليا وفي الاستحسان يكون موليا لان حدوث هذه الأشياء لها علامات يتأخر عنها بأكثر من مدة
الايلاء على ما نطق به الاخبار فلا توجد هذه الغاية في زماننا في مدة أربعة أشهر عادة فلم تكن الغاية متصورة الوجود
عادة فلا يمكنه قربانها من غير حنث يلزمه عادة فيكون موليا ولان هذا اللفظ يذكر على إرادة التأبيد في العرف
فصار كأنه قال والله لا أقربك أبدا وكذا إذا قال والله لا أقربك حتى تقوم الساعة كان موليا وإن كان يمكن في العقل
قيام الساعة ساعة فساعة لكن قامت دلائل الكتاب العزيز والسنن المشهورة على أنها لا تقوم الا بعد تقدم أشراطها
العظام كطلوع الشمس من مغربها وخروج الدجال وخروج يأجوج ومأجوج ونحو ذلك ولم يوجد شئ من
ذلك في زماننا فلم تكن الغاية قبلها متصورة الوجود عادة على أن مثل هذه الغاية تذكر ويراد بها التأبيد في العرف والعادة
كما قال الله تعالى ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط أي لا يدخلونها أصلا ورأسا وكما يقال لا أفعل
كذا حتى يبيض القار ويشيب الغراب ونحو ذلك فإنه يصير كأنه قال والله لا أقربك حتى تموتي أو حتى أموت أو حتى
تقتلي أو حتى أقتل أو حتى أقبلك أو حتى تقبليني كان موليا وإن كان يتصور وجود هذه الأشياء في المدة لكن لا يتصور
بقاء النكاح بعد وجودها فيصير حاصل هذا الكلام كأنه قال والله لا أقربك ما دمت زوجك أو ما دمت زوجتي أو
ما دمت حيا أو ما دمت حية ولو قال ذلك كان موليا إذ لو لم يكن موليا لما تصور انعقاد الايلاء لان هذا التقدير ثابت في كل
الايلاء ولو قال لامرأته وهي أمة الغير والله لا أقربك حتى أملكك أو أملك شقصا منك يكون موليا لان النكاح
لا يبقى بعد ملكها أو شقصا منها فصار كأنه قال والله لا أقربك ما دمت زوجك أو ما دمت زوجتي ولو قال والله لا أقربك
165

حتى أشتريك لا يكون موليا لان النكاح لا يرتفع بمطلق الشراء لجواز أن يشتريها لغيره فلا يملكها فلا يرتفع النكاح
وكذا إذا قال حتى أشتريك لنفسي لأنه قد يشتريها شراء فاسدا فلا يرتفع النكاح فلا يملكها لأنه لا يملكها قبل
القبض ولو قال حتى أشتريك لنفسي وأقبضك كان موليا لان الملك في الشراء الفاسد يثبت بالقبض فيرتفع النكاح
فيصير تقديره والله لا أقربك ما دمت في نكاحي وإن كان مما يتصور بقاء النكاح مع وجوده فإن كان مما لو حلف به
لكان موليا يصير موليا إذا جعله غاية والا فلا هذا أصل أبي حنيفة ومحمد وأصل أبى يوسف انه ان أمكنه قربانها في
المدة من غير حنث يلزمه لم يكن موليا وعلى هذا يخرج ما إذا قال والله لا أقربك حتى أعتق عبدي فلانا أو حتى أطلق
امرأتي فلانة أو حتى أصوم شهرا انه يصير موليا في قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يكون موليا لأبي
يوسف انه يتصور وجود هذه الغايات قبل مضى أربعة أشهر فيمكنه قربانها من غير حنث يلزمه بسبب اليمين فلا
يكون موليا كما إذا قال والله لا أقربك حتى أدخل الدار أو حتى أكلم فلانا ولهما انه منع نفسه عن قربان زوجته بما
يصلح أن يكون مانعا وبما يحلف به في العرف والعادة وهو عتق عبده وطلاق امرأته وصوم الشهر ولهذا لو حلف
بهذه الأشياء لكان موليا فكذا إذا جعلها غاية وكذا لا يمكنه قربانها من غير شئ يلزمه بسبب اليمين أما وجوب
الكفارة أو عتق العبد أو طلاق المرأة أو صوم الشهر فيصير في التقدير كأنه قال إن قربتك فعبدي حر أو على كفارة
يمين ولو قال ذلك لكان موليا كذا هذا بخلاف الدخول والكلام ولو قال لا أقربك حتى أقتل عبدي أو حتى أشتم
عبدي أو حتى أشتم فلانا أو أضرب فلانا وما أشبه ذلك لم يكن موليا لأنه لم يحلف بهذه الأشياء عرفا وعادة ولهذا لو
حلف بشئ من ذلك لم يكن موليا فكذا إذا جعله غاية للايلاء وكذا إذا قال إن قربتك فعلى قتل عبدي أو ضرب
عبدي أو شتم عبدي أو قتل فلان أو ضرب فلان أو شتم فلان لم يكن موليا كما لو قال فعلى أن أدخل الدار أو أكلم
فلانا لما قلنا والله الموفق وأما اليمين بالشرط والجزاء فنحو قوله إن قربتك فامرأتي الأخرى طالق أو قال هذه طالق
أو قال فعبدي هذا حر أو فأنت علي كظهر أمي أو قال فعلى عتق رقبة أو فعلى حجة أو عمرة أو المشي إلى بيت الله أو فعلى
هدى أو صدقة أو صوم أو اعتكاف لان الايلاء يمين واليمين في اللغة عبارة عن القوة والحالف يتقوى بهذه الأشياء
على الامتناع من قربان امرأته في المدة لان كل واحد منهما يصلح مانعا من القربان في المدة لأنه يثقل على الطبع
ويشق عليه فكان في معنى اليمين بالله عز وجل لحصول ما وضع له اليمين وهو التقوى على الامتناع من مباشرة الشرط
وكذا يعد مانعا في العرف والعادة فان الناس تعارفوا الحلف بهذه الأشياء وكذا لبعضها مدخل في الكفارة وهو
العتق والصدقة وهي الاطعام والصوم والهدى والاعتكاف لا يصح بدون الصوم والحج والعمرة وان لم يكن لهما
مدخل في الكفارة فلهما تعلق بالمال فإنه لا يتوصل إليهما الا بمال غالبا فأشبه العتق والصدقة لتعلقهما بالمال وذكر
القدوري في شرح مختصر الكرخي خلاف أبى يوسف في قوله إن قربتك فعبدي حران على قول أبى يوسف
لا يكون موليا ولم يذكر القاضي الخلاف في شرحه مختصر الطحاوي وجه قول أبى يوسف ان المولى من لا يمكنه
قربان امرأته في المدة الا بحنث يلزمه وههنا يمكنه القربان من غير شئ يلزمه بان يبيع العبد قبل أن يقربها ثم يقربها فلا
يلزمه شئ فلا يكون موليا (وجه) قولهما انه منع نفسه من قربانها بما يصلح مانعا ويعد مانعا في العرف والعادة فكان
موليا وأما قوله يمكنه أن يبيع العبد قبل القربان فلا يلزمه شئ بالقربان فيكون الملك قائما للحال والظاهر بقاؤه والبيع
موهوم فكان الحنث عند القربان لازما على اعتبار الحال ظاهرا وغالبا ولو قال إن قربتك فكل مملوك أملكه فيما يستقبل
حر أو قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فهو مول في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا يكون موليا وجه قول
أبى يوسف انه علق اليمين بالقربان وعند وجود القربان لا يلزمه شئ وإنما يلزمه بعد التمليك والتزوج والجزاء المانع
من القربان ما يلزم عند القربان ولأنه يقدر على أن يمتنع عن التملك والتزوج فلا يلزمه شئ فلا يكون موليا وجه
قولهما انه جعل القربان شرط انعقاد اليمين وكون القربان شرط انعقاد اليمين يصلح مانعا له عن القربان لأنه إذا قربها
166

انعقدت اليمين واليمين إذا انعقدت يحتاج إلى منع النفس عن تحصيل الشرط خوفا عن نزول الجزاء وبه تبين انه
لا يمكنه قربانها من غير شئ يلزمه وقت القربان وهو انعقاد اليمين التي يلزم عند انحلالها حكم الحنث فيصير موليا
وقوله يمكنه أن لا يتملك فلا يلزمه شئ قلنا وقد يملك من غير تملك بالإرث فلا يمكنه الامتناع عنه ولو قال إن قربتك
فعلى صوم شهر كذا فإن كان ذلك الشهر يمضى قبل مضى الأربعة الأشهر لم يكن موليا لأنه إذا مضى يمكنه الوطئ في
المدة من غير شئ يلزمه وإن كان لا يمضى قبل مضى الأربعة الأشهر فهو مول لأنه لا يمكنه وطؤها في المدة الا بصيام
يلزمه ولو قال إن قربتك فعلى أن أصلي ركعتين أو على أن أغزو لم يكن موليا في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد
يكون موليا كذا ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي الخلاف بين
أبى يوسف ومحمد ولم يذكر قول أبي حنيفة (وجه) قول محمد ان الصلاة مما يصح ايجابها بالنذر كالصوم والحج
فيصير موليا كما لو قال على صوم أو حج وجه قولهما ان هذا لا يصلح مانعا لأنه لا يثقل على الطبع بل يسهل ولا يعد
مانعا في العرف أيضا ألا ترى ان الناس لم يتعارفوا الحلف بالصلاة والغزو بخلاف الحج والصوم فلا يصير موليا كما لو
قال لله على صلاة الجنازة أو سجدة التلاوة وكذا لا مدخل للصلاة في الكفارة ولا تعلق لها بالمال بخلاف الصوم
والحج ولو قال إن قربتك فعلى كفارة أو قال فعلى يمين فهو مول لان قوله فعلى كفارة التزام الكفارة نصا وقوله على يمين
موجب اليمين وهو الكفارة فكان بمنزلة قوله فعلى كفارة وقالوا فيمن قال إن قربتك فعلى نحر ولدى انه مول عند
أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر بناء على أن النذر بنحر الولد يصح ويجب ذبح شاة عندنا وعند زفر هو باطل لا يوجب شيئا ولو
قال إن قربتك فأنت على مثل امرأة فلان وفلان كان آلى من امرأته فان نوى الايلاء كان موليا لأنه شبهها بامرأة آلى
منها زوجها لاتيانه بلفظ موضوع للتشبيه فإذا نوى به الايلاء انصرف التشبيه إليه وان لم ينو التحريم ولا اليمين لم يكن
موليا لان التشبيه لا يقتضى المساواة في جميع الصفات وقالوا فيمن قال لامرأته أنا منك مول انه ان عنى به الخبر
بالكذب يصدق فيما بينه وبين الله ولا يكون موليا لان لفظه لفظ الخبر وخبر غير المعصوم يحتمل الكذب ولا
يصدق في القضاء لان خبره يحمل على الصدق ولا يكون صادقا الا بثبوت المخبر وان عنى به الايجاب كان
موليا في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى لان هذا اللفظ يستعمل في الايجاب في العرف ولو آلى من امرأته ثم
قال لامرأة له أخرى قد أشركتك في ايلائها كان باطلا لان الشركة في الايلاء لو صحت لثبتت الشركة في المدة فيصير
لكل واحدة منهما أقل من أربعة أشهر وهذا يمنع صحة الايلاء لما نذكر إن شاء الله تعالى ولو قال إن قربتك فأنت
على حرام فان نوى الطلاق فهو مول عندهم جميعا لأنه إذا نوى به الطلاق فقد جعل الطلاق جزاء مانعا من القربان
فيصير كأنه قال إن قربتك فأنت طالق ولو قال ذلك لصار موليا كذا هذا وان نوى اليمين فهو مول للحال عند أبي حنيفة
وعند أبي يوسف ومحمد لا يكون موليا ما لم يقربها (وجه) قولهما ان قوله أنت على حرام إذا نوى به اليمين أو لا نية له
يكون ايلاء بلا خلاف بين أصحابنا كأنه قال والله لا أقربك فصار الايلاء معلقا بالقربان كأنه قال إن قربتك فوالله
لا أقربك ولو قال ذلك لا يكون موليا حتى يقربها كذا هذا ولأبي حنيفة انه منع نفسه من قربان امرأته في المدة
بما لا يصلح مانعا وهو التحريم وهو حد المولى فيصير موليا كما لو قال إن قربتك فأنت على كظهر أمي ثم لابد من
معرفة مسألة الحرام أعني قوله لامرأته أنت على حرام من غير التعليق بشرط القربان ان حكمها ما هو وجملة الكلام
فيه ان الامر لا يخلو اما ان أضاف التحريم إلى شئ خاص نحو امرأته أو الطعام أو الشراب أو اللباس واما ان
أضافه إلى كل حلال على العموم فان أضافه إلى امرأته بان قال أنت على حرام أو قد حرمتك على أو أنا عليك حرام
أو قد حرمت نفسي عليك أو أنت محرمة على فان أراد به طلاقا فهو طلاق لأنه يحتمل الطلاق وغيره فإذا نوى
به الطلاق انصرف إليه وان نوى ثلاثا يكون ثلاثا وان نوى واحدة يكون واحده بائنة وان نوى اثنتين يكون
واحدة بائنة عندنا خلافا لزفر لأنه من جملة كنايات الطلاق وان لم ينو الطلاق ونوى التحريم أو لم يكن له نية فهو
167

يمين عندنا ويصير موليا حتى لو تركها أربعة أشهر بانت بتطليقة لان الأصل في تحريم الحلال أن يكون يمينا
لما تبين وان قال أردت به الكذب يصدق فيما بينه وبين الله تعالى ولا يكون شيئا ولا يصدق في نفى اليمين في
القضاء وقد اختلف السلف رضي الله عنهم في هذه المسألة روى عن أبي بكر وعمر و عبد الله بن مسعود وعبد الله بن
عباس وعائشة رضي الله عنهم انهم قالوا الحرام يمين حتى روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إذا حرم الرجل
امرأته فهو يمين يكفرها اما كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وروى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال
إن نوى طلاقا فطلاق وان لم ينو طلاقا فيمين يكفرها وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال فيه كفارة يمين
ومنهم من جعله طلاقا ثلاثا وهو قول علي رضي الله عنه ومنهم من جعله طلاقا رجعيا وعن مسروق أنه قال ليس
ذلك بشئ ما أبالي حرمتها أو قصعة من ثريد وقال الشافعي ليس بيمين وفيه كفارة يمين بنفس اللفظ ولقب المسألة
ان تحريم الحلال هل هو يمين عندنا يمين وعنده ليس بيمين (وجه) قوله إن تحريم الحلال تغيير الشرع والعبد
لا يملك تغيير الشرع ولهذا خرج قوله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك مخرج العتاب لرسول الله صلى الله عليه
وسلم فدل انه ليس لأحد ان يحرم ما أحل الله سبحانه وتعالى وبه تبين أن اليمين لا يحرم المحلوف عليه على الحالف
وإنما يمنعه منه بكونه حلالا (ولنا) الكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقوله عز وجل يا أيها النبي لم تحرم
ما أحل الله لك إلى قوله قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم قيل نزلت الآية في تحريم جاريته مارية القبطية لما قال صلى
الله عليه وسلم هي على حرام وسمى الله تعالى ذلك يمينا بقوله قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم أي وسع الله عليكم أو أباح
لكم ان تحلوا من أيمانكم بالكفارة وفي بعض القراءات قد فرض الله لكم كفارة أيمانكم والخطاب عام يتناول
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته وأما السنة فما روى ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ان النبي صلى
الله عليه وسلم جعل الحرام يمينا وأما الاجماع فما روى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه
وسلم جعل الحرام يمينا وبعضهم نص على وجوب كفارة اليمين فيه وكفارة اليمين ولا يمين لا تتصور فدل على أنه
يمين وقول من جعله طلاقا ثلاثا محمول على ما إذا نوى الثلاث لان الحرمة نوعان غليظة وخفيفة فكانت نية الثلاث
تعيين بعض ما يحتمله اللفظ فيصح وإذا نوى واحدة كانت واحدة بائنة لان اللفظ ينبئ عن الحرمة والطلاق الرجعي
لا يوجب الحرمة للحال واثبات حكم اللفظ على الوجه الذي ينبئ عنه اللفظ أولى ولان المخالف يوجب فيه
كفارة يمين وكفارة اليمين تستدعى وجود اليمين فدل ان هذا اللفظ يمين في الشرع فإذا نوى به الكذب لا يصدق
في ابطال اليمين في القضاء لعدوله عن الظاهر وأما قوله إن تحريم الحلال تغيير الشرع فالجواب عنه من وجهين
أحدهما ان هذا ليس بتحويم الحلال من الحالف حقيقة بل من الله سبحانه وتعالى لان التحريم اثبات الحرمة
كالتحليل اثبات الحل والعبد لا يملك ذلك بل الحرمة والحل وسائر الحكومات الشرعية ثبتت باثبات الله تعالى
لا صنع للعبد فيها أصلا إنما من العبد مباشرة سبب الثبوت هذا هو المذهب عند أهل السنة والجماعة فلم يكن هذا من
الزوج تحريم ما أحله الله تعالى بل مباشرة سبب ثبوت الحرمة أو منع النفس عن الانتفاع بالحلال لان التحريم في
اللغة عبارة عن المنع وقد يمنع المرء من تناول الحلال لغرض له في ذلك ويسمى ذلك تحريما قال الله تعالى وحرمنا
عليه المراضع من قبل والمراد منه امتناع سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام عن الارتضاع من غير ثدي أمه لا التحريم
الشرعي وعلى أحد هذين الوجهين يحمل التحريم المضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فان قيل لو كان الامر على
ما ذكرتم لم يكن ذلك منه تحريم الحلال حقيقة فما معنى الحاق العتاب به فالجواب عنه من وجهين أحدهما ان ظاهر
الكلام إن كان يوهم العتاب فليس بعتاب في الحقيقة بل هو تخفيف المؤنة عليه صلى الله عليه وسلم في حسن العشرة
والصحبة مع أزواجه لأنه كان مندوبا إلى حسن العشرة معهن والشفقة عليهن والرحمة بهن فبلغ من حسن العشرة
والصحبة مبلغا امتنع عن الامتناع بما أحل الله له يبتغى به حسن العشرة فخرج ذلك مخرج تخفيف المؤنة في حسن
168

العشرة معهن لا مخرج النهى والعتاب وإن كانت صيغته صيغة النهى والعتاب وهو كقوله تعالى فلا تذهب نفسك
عليهم حسرات والثاني إن كان ذلك الخطاب عتابا فيحتمل انه إنما عوتب لأنه فعل بلا اذن سبق من الله عز وجل
وإن كان ما فعل مباحا في نفسه وهو منع النفس عن تناول الحلال والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعاتبون على أدنى
شئ منهم يوجد مما لو كان ذلك من غيرهم لعد من أفضل شمائله كما قال تعالى عفا الله عنك لم أذنت لهم وقوله عبس
وتولى ان جاءه الأعمى ونحو ذلك والثاني إن كان هذا تحريم الحلال لكن لم قلت إن كل تحريم حلال من العبد تغيير
للشرع بل ذلك نوعان تحريم ما أحله الله تعالى مطلقا وذلك تغيير بل اعتقاده كفر وتحريم ما أحله الله مؤقتا إلى غاية
لا يكون تغييرا بل يكون بيان نهاية الحلال ألا ترى ان الطلاق مشروع وإن كان تحريم الحلال لكن لما كان الحل
مؤقتا إلى غاية وجود الطلاق لم يكن التطليق من الزوج تغيير للشرع بل كان بيان انتهاء الحل وعلى هذا سائر الأحكام
التي تحتمل الارتفاع والسقوط وعلى هذا سبيل النسخ فيما يحتمل التناسخ فكذا قوله لامرأته أنت على
حرام وان نوى بقوله أنت على حرام الظهار كان ظهارا عند أبي حنيفة وأبى يوسف وقال محمد لا يكون ظهارا (وجه)
قوله إن الظهار تشبيه الحلال بالحرام والتشبيه لا بد له من حرف التشبيه ولم يوجد فلا يكون ظهارا ولهما انه وصفها
بكونها محرمة والمرأة تارة تكون محرمة بالطلاق وتارة تكون محرمة بالظهار فأي ذلك نوى فقد نوى ما يحتمله كلامه
فيصدق به هذا إذا أضاف التحريم إلى المرأة فأما إذا أضافه إلى الطعام أو الشراب أو اللباس بان قال هذا الطعام
على حرام أو هذا الشراب أو هذا اللباس فهو يمين عندنا وعليه الكفارة إذا فعل وقال الشافعي إذا قال ذلك في غير
الزوجة والجارية لا يجب شئ وهي مسألة تحريم الحلال انه يمين أم لا وجه قول الشافعي في المسألة الأولى ما ذكرنا في
المسألة الأولى (ولنا) قوله عز وجل يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك قيل نزلت الآية في تحريم العسل وقد سماه
الله تعالى يمينا بقوله سبحانه وتعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فدل ان تحريم غير الزوجة والجارية يمين موجب
للكفارة لان تحلة اليمين هي الكفارة فان قيل فقد روى أنها نزلت في تحريم جاريته مارية فالجواب انه لا يمتنع أن تكون
الآية الكريمة نزلت فيهما لعدم التنافي ولأنه لو أضاف التحريم إلى الزوجة والجارية لكان يمينا فكذا إذا أضيف
إلى غيرهما كان يمينا كلفظ القسم إذا أضيف إلى الزوجة والجارية كان يمينا وإذا أضيف إلى غيرهما كان يمينا أيضا
كذا هذا فان فعل كان يمينا مما حرمه قليلا أو كثيرا حنث وانحلت اليمين لان التحريم المضاف إلى المعين يوجب
تحريم كل جزء من أجزاء المعين كتحريم الخمر والخنزير والميتة والدم فإذا تناول شيئا منه فقد فعل المحلوف عليه
فيحنث وتنحل اليمين بخلاف ما إذا حلف لا يأكل هذا الطعام فأكل بعضه انه لا يحنث لان الحنث هناك معلق
بالشرط وهو أكل كل الطعام والمعلق بشرط لا ينزل عند وجود بعض الشرط ولو قال نسائي علي حرام ولم ينو
الطلاق فقرب إحداهن كفر وسقطت اليمين فيهن جميعا لأنه أضاف التحريم إلى جمع فيوجب تحريم كل فرد من
أفراد الجمع فصار كل فرد من أفراد الجمع محرما على الانفراد فإذا قرب واحدة منهن فقد فعل ما حرمه على نفسه
فيحنث وتلزمه الكفارة وتنحل اليمين وان لم يقرب واحدة منهن حتى مضت أربعة أشهر بن جميعا لان حكم الايلاء
لا يثبت في حق كل واحدة منهن على انفرادها والايلاء يوجب البينونة بمضي المدة من غير فئ هذا إذا أضاف التحريم
إلى نوع خاص فاما إذا أضافه إلى الأنواع كلها بان قال كل حلال على حرام فإن لم تكن له نية فهو على الطعام والشراب
خاصة استحسانا والقياس ان يحنث عقيب كلامه وهو قول زفر وجه القياس ان اللفظ خرج مخرج العموم فيتناول
كل حلال وكما فرغ عن يمينه لا يخلو عن نوع حلال يوجد منه فيحنث وجه الاستحسان ان هذا عام لا يمكن العمل
بعمومه لأنه لا يمكن حمله على كل مباح من فتح عينه وغض بصره وتنفسه وغيرها من حركاته وسكناته المباحة لأنه
لا يمكنه الامتناع عنه والعاقل لا يقصد بيمينه منع نفسه عما لا يمكنه الامتناع عنه فلم يمكن العمل بعموم هذا اللفظ
فيحمل على الخصوص وهو الطعام والشراب باعتبار العرف والعادة لان هذا اللفظ مستعمل فيهما في العرف ونظيره
169

قوله تعالى لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة انه لما لم يمكن العمل بعمومه لثبوت المساواة بين المسلم والكافر في
أشياء كثيرة حمل على الخصوص وهو نفى المساواة بينهما في العمل في الدنيا أو في الجزاء في الآخرة كذا هذا فان
نوى مع ذلك اللباس أو امرأته فالتحريم واقع على جميع ذلك وأي شئ من ذلك فعل وحده لزمته الكفارة لان اللفظ
صالح لتناول كل المباحات وإنما حملناه على الطعام والشراب بدليل العرف فإذا نوى شيئا زائد على المتعارف نوى
بما يحتمله لفظه وفيه تشديد على نفسه فيقبل قوله فإذا نوى شيئا بعينه دون غيره بان نوى الطعام خاصة أو الشراب خاصة
أو اللباس خاصة أو امرأته خاصة فهو على ما نوى فيما بينه وبين الله تعالى وفي القضاء لما ذكرنا ان هذا اللفظ متروك
العمل بظاهر عمومه ومثله يحمل على الخصوص فإذا قال أردت واحدا بعينه دون غيره فقد ترك ظاهر لفظ هو متروك
الظاهر فلم يوجد منه العدول فيصدق وان قال كل حل على حرام ونوى امرأته كان عليها وعلى الطعام والشراب لان
الطعام والشراب دخلا تحت ظاهر هذا اللفظ ولم ينفهما بنيته فبقيا داخلين تحت اللفظ بخلاف الفصل الأول لأنه
هناك نوى امرأته خاصة ونفى الطعام والشراب بنيته فلم يدخلا وههنا لم ينف الطعام والشراب بنيته وقد دخلا تحت
اللفظ فبقيا كذلك ما لم ينفيا بالنية وان نوى في امرأته الطلاق لزمه الطعام فيها فان أكل أو شرب لم تلزمه الكفارة لان
اللفظ الواحد لا يجوز حمله على الطلاق واليمين لاختلاف معنييهما واللفظ الواحد لا يشتمل على معنيين مختلفين فإذا
أراد به في الزوجة الطلاق الذي هو أشد الامرين وأغلظهما لا يبقى الآخر مرادا وكذا روى عن أبي يوسف ومحمد
في رجل قال لامرأتين له أنتما على حرام يعنى في إحداهما الطلاق وفي الأخرى الايلاء فهما طالقان جميعا لما ذكرنا ان
اللفظ الواحد لا يحتمل معنيين مختلفين فإذا أرادهما بلفظ واحد يحمل على أغلظهما ويقع الطلاق عليهما ولو قال هذه
على حرام ينوى الطلاق وهذه على حرام ينوى الايلاء كان كما نوى لأنهما لفظان فيجوز ان يراد بأحدهما خلاف
ما يراد بالآخر وعن أبي يوسف فيمن قال لامرأتيه أنتما على حرام ينوى في إحداهما ثلاثا وفي الأخرى واحدة
انهما جميعا طالقان ثلاثا لان حكم الواحدة البائنة خلاف حكم الثلاث لان الثلاث يوجب الحرمة الغليظة واللفظ
الواحد لا يتناول معنيين مختلفين في حالة واحدة فإذا نواهما يحمل على أغلظهما وأشدهما وقال ابن سماعة في نوادره
سمعت أبا يوسف يقول في رجل قال ما أحل الله على حرام من مال وأهل ونوى الطلاق في أهله قال ولا نية له في
الطعام فان أكل لم يحنث لما قلنا قال وكذلك لو قال هذا الطعام على حرام وهذه ينوى الطلاق لان اللفظة واحدة
وقد تناولت الطلاق فلا تتناول تحريم الطعام وقالوا فيمن قال لامرأته أنت على كالدم أو الميتة أو لحم الخنزير أو كالخمر
انه يسئل عن نيته فان نوى كذبا فهو كذب لان هذا اللفظ ليس صريحا في التحريم ليجعل يمينا فيصدق انه أراد به
الكذب بخلاف قوله أنت على حرام فإنه صريح في التحريم فكان يمينا وان نوى التحريم فهو ايلاء لأنه شبهها بما
هو محرم فكأنه قال أنت حرام وان نوى الطلاق فالقول فيه كالقول فيمن قال لامرأته أنت على حرام ينوي الطلاق
وروى ابن سماعة عن محمد فيمن قال لامرأته ان فعلت كذا فأنت أمي يريد التحريم قال هو باطل لأنه لم يجعلها مثل
أمه ليكون تحرما وإنما جعلها أمه فيكون كذبا قال محمد ولو ثبت التحريم بهذا الثبت إذا قال أنت حواء وهذا لا يصح
وقال ابن سماعة عن محمد فيمن قال لامرأته أنت معي حرام فهو مثل قوله أنت على حرام لأن هذه الحروف يقام
بعضها مقام بعض والله تعالى أعلم
(فصل) وأما شرائط ركن الايلاء فنوعان نوع هو شرط صحته في حق حكم الحنث ونوع هو شرط صحته في حق
حكم البر وهو الطلاق أما الأول فموضع بيانه كتاب الايمان لان الايلاء يساوي سائر الايمان في حق أحد
الحكمين وهو حكم الحنث وإنما يخالفها في حق الحكم الآخر وهو حكم البر لأنه لا حكم لسائر الايمان عند تحقق البر
فيها وللايلاء عند تحقق البر حكم وهو وقوع الطلاق إذ هو تعليق الطلاق البائن شرعا بشرط البر كأنه قال إذا مضت
أربعة أشهر ولم أقربك فيها فأنت طالق بائن فنذكر الشرائط المختصة به في حق هذا الحكم وهو الطلاق فنقول لركن
170

الايلاء في حق هذا الحكم شرائط بعضها يعم كل يمين بالطلاق وبعضها يخص الايلاء أما الذي يعم فما ذكرنا من
الشرائط فيما تقدم من العقل والبلوغ وقيام ملك النكاح والإضافة إلى الملك حتى لا يصلح ايلاء الصبي والمجنون لأنهما
ليسا من أهل الطلاق وكذا لو آلى من أمته أو مدبرته أو أم ولده لم يصح ايلاؤه في حق هذا الحكم لان الله تعالى خص
الايلاء بالزوجات بقوله عز وجل للذين يؤلون من نسائهم والزوجة اسم للمملوكة بملك النكاح وشرع الايلاء في
حق هذا الحكم ثبت بخلاف القياس بهذه الآية الشريفة وانها وردت في الأزواج فتختص بهم ولان اعتبار الايلاء
في حق هذا الحكم لدفع الظلم عنها من قبل الزوج لمنع حقها في الجماع منعا مؤكدا باليمين ولا حق للأمة قبل مولاها
في الجماع فلم يتحقق الظلم فلا تقع الحاجة إلى الدفع لوقوع الطلاق ولان الفرقة الحاصلة بمضي المدة من غير فئ فرقة
بطلاق ولا طلاق بدون النكاح ولو آلى منها وهي مطلقة فإن كان الطلاق رجعيا فهو مول لقيام الملك من كل وجه ولهذا
صح طلاقه وظهاره ويتوارثان وإن كان بائنا أو ثلاثا لم يكن موليا لزوال الملك والمحل بالإبانة والثلاث والايلاء لا
ينعقد في غير الملك ابتداء وإن كان يبقى بدون الملك على ما نذكره إن شاء الله تعالى وعلى هذا يخرج ما إذا قال لأجنبية
والله لا أقربك ثم تزوجها انه لا يصير موليا في حق حكم البر حتى لو مضت أربعة أشهر فصاعدا بعد التزوج ولم يفئ
إليها لا يقع عليها شئ لانعدام الملك والإضافة إلى الملك ولو قربها بعد التزوج أو قبله تلزمه الكفارة لانعقاد اليمين في
حق الحنث ولو قال لها ان تزوجتك فوالله لا أقربك فتزوجها صار موليا عندنا لوجود الملك عند التزوج واليمين
بالطلاق يصح في الملك أو مضافا إلى الملك وههنا وجدت الإضافة إلى الملك فيصير موليا بخلاف الفصل الأول وكذا
جميع ما ذكرنا من شرائط صحة التطليق فهو من شرط صحة الايلاء في حق الطلاق وأما الذي يخص الايلاء فشيئان
أحدهما المدة وهي ان يحلف على أربعة أشهر فصاعدا في الحرة أو يحلف مطلقا أو مؤبدا حتى لو حلف على أقل من
أربعة أشهر لم يكن موليا في حق الطلاق وهذا قول عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم وقال بعض أهل العلم
ان مدة الايلاء غير مقدرة يستوى فيها القليل والكثير حتى لو حلف لا يقربها يوما أو ساعة كان موليا حتى لو تركها
أربعة أشهر بانت وكذا روى عن ابن مسعود رضي الله عنه وقال ابن عباس رضي الله عنهما ان الايلاء على الأبد
وقال الشافعي لا يكون موليا حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر وجه قول الأولين ما روى عن أنس بن مالك
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرا فلما كان تسعة وعشرين يوما ترك ايلاءهن فقيل
له انك آليت شهرا يا رسول الله فقال الشهر تسعة وعشرون يوما ولان الله تعالى لم يذكر في كتابه الكريم للايلاء مدة
بل أطلقه اطلاقا بقوله عز وجل للذين يؤلون من نسائهم فيجرى على اطلاقه وإنما ذكر المدة لثبوت البينونة حتى تبين
بمضي المدة من غير فئ لا ليصير ايلاء شرعا وبه نقول ولنا قوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ذكر
للايلاء في حكم الطلاق مدة مقدرة فلا يكون الحلف على ما دونها ايلاء في حق هذا الحكم وهذا لان الايلاء ليس
بطلاق حقيقة وإنما جعل طلاقا معلقا بشرط البر شرعا بوصف كونه مانعا من الجماع أربعة أشهر فصاعدا فلا يجعل
طلاقا بدونه ولان الايلاء هو اليمين التي تمنع الجماع خوفا من لزوم الحنث وبعد مضى يوم أو شهر يمكنه أن يطأها من
غير حنث يلزمه فلا يكون هذا ايلاء وأما قولهم إن المدة ذكرت لثبوت حكم الايلاء لا للايلاء فنقول ذكر المدة في
حكم الايلاء لا يكون ذكرا في الايلاء لان الحكم ثبت بالايلاء إذ به يتأكد المنع المحقق للظلم وأما الحديث فالمروي
ان النبي صلى الله عليه وسلم آلى ان لا يدخل على نسائه شهرا وعندنا من حلف لا يدخل على امرأته يوما أو شهرا أو
سنة لا يكون موليا في حق حكم الطلاق لان الايلاء يمين يمنع الجماع وهذا لا يمنع الجماع وقول عبد الله بن عباس
رضي الله عنهما الايلاء على الأبد محتمل يحتمل أن يكون معناه ان الايلاء إذا ذكر مطلقا عن الوقت يقع على الأبد وان لم
يذكر الأبد ونحن نقول به ويحتمل انه أراد به أن ذكر الأبد شرط صحة الايلاء في حق حكم الطلاق فيحمل على الأول
توفيقا بين الأقاويل والدليل عليه ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال كان ايلاء أهل الجاهلية السنة
171

والسنتين وأكثر من ذلك فوقته الله أربعة أشهر فمن كان ايلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بايلاء ولأنه ليس في
في النص شرط الأبد فيلزمه اثبات حكم الايلاء في حق الطلاق عند تربص أربعة أشهر فلا تجوز الزيادة الا بدليل
وأما الكلام مع الشافعي فمبنى على حكم الايلاء في حق الطلاق فعندنا إذا مضت أربعة أشهر تبين منه وعنده لا تبين
بل توقف بعد مضى هذه المدة ويخير بين الفئ والتطليق فلا بد وأن تزيد المدة على أربعة أشهر ونذكر المسألة في بيان
حكم الايلاء إن شاء الله تعالى وسواء كان الايلاء في حال الرضا أو الغضب أو أراد به اصلاح ولده في الرضاع أو
الاضرار بالمرأة عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم وهو الصحيح لان نص الايلاء لا يفصل بين حال
وحال ولان الايلاء يمين فلا يختلف حكمه بالرضا والغضب وإرادة الاصلاح والاضرار كسائر الايمان وأما مدة
ايلاء الأمة المنكوحة فشهران فصاعدا عندنا وعند الشافعي مدة ايلاء الأمة كمدة ايلاء الحرة واحتج بقوله تعالى
للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر من غير فصل بين الحرة والأمة والكلام من حيث المعنى مبنى على
اختلاف أصل نذكره في حكم الايلاء وهو ان مدة الايلاء ضربت أجلا للبينونة عندنا فأشبه مدة العدة فيتنصف
بالرق كمدة العدة وعنده ضربت لاظهار ظلم الزوج بمنع حقها عن الجماع في المدة وهذا يوجب التسوية بين الأمة
والحرة في المدة كاجل العنين ولا حجة له في الآية لأنها تناولت الحرائر لا الإماء لأنه سبحانه وتعالى ذكر عزم الطلاق
ثم عقبه بقوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وهي عدة الحرائر وسواء كان زوجها عبدا أو حرا
فالعبرة لرق المرأة وحريتها لا لرق الرجل وحريته لان الايلاء في حق أحد الحكمين طلاق فيعتبر فيه جانب النساء
ولو اعترض العتق على الرق بأن كانت مملوكة وقت الايلاء ثم أعتقت تحولت مدتها مدة الحرائر بخلاف العدة
فإنها إذا طلقت طلاقا بائنا ثم أعتقت لا تنقلب عدتها عدة الحرائر وفي الطلاق الرجعي تنقلب والفرق بين هذه الجملة
يعرف في موضعه إن شاء الله تعالى وعلى هذا يخرج ما إذا قال لامرأته الحرة والله لا أقربك أربعة أشهر الا يوما
لا يكون موليا لنقصان المدة ولو قال لها والله لا أقربك شهرين وشهرين بعد هذين الشهرين فهو مول لأنه جمع
بين شهرين وشهرين بحرف الجمع والجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع فصار كأنه قال والله لا أقربك أربعة
أشهر ولو قال لها والله لا أقربك شهرين فمكث يوما ثم قال والله لا أقربك شهرين بعد هذين الشهرين الأولين
لم يكن موليا لأنه إذا سكت يوما فقد مضى يوم من غير حكم الايلاء لان الشهرين ليسا بمدة الايلاء في حق الحرة
فإذا قال وشهرين بعد هذين الشهرين فقد جمع الشهرين الآخرين إلى الأوليين بعد ما مضى يوم من غير حكم الايلاء
فصار كأنه قال والله لا أقربك أربعة أشهر الا يوما ولو قال ذلك لم يكن موليا لنقصان المدة كذا هذا ولو قال والله
لا أقربك سنة الا يوما لم يكن موليا للحال في قول أصحابنا الثلاثة وعند زفر يكون موليا للحال حتى لو مضت السنة ولم
يقربها فيها لا تبين ولو قربها يوما لا كفارة عليه عندنا وعنده إذا مضت أربعة أشهر منذ قال هذه المقالة ولم يقربها فيها
تبين ولو قربها تلزمه الكفارة وجه قوله إن اليوم المستثنى ينصرف إلى آخر السنة كما في الإجارة فإنه لو قال أجرتك
هذه الدار سنة الا يوما انصرف اليوم إلى آخر السنة حتى صحت الإجارة كذا ههنا وإذا انصرف إلى آخر السنة كانت
مدة الايلاء أربعة أشهر وزيادة فيصير موليا ولأنه إذا انصرف إلى آخر السنة فلا يمكنه قربان امرأته في الأربعة
أشهر من غير حنث يلزمه وهذا حد المولى ولنا ان المستثنى يوم منكر فتعيين اليوم الا آخر تغيير الحقيقة ولا يجوز
تغيير الحقيقة من غير ضرورة فبقي المستثنى يوما شائعا في السنة فكان له أن يجعل ذلك اليوم أي يوم شاء فلا تكمل
المدة ولأنه إذا استثنى يوما شائعا في الجملة فلم يمنع نفسه عن قربان امرأته بما يصلح مانعا من القربان في المدة لان له أن
يعين يوما للقربان أي يوم كان فيقر بها فيه من غير حنث يلزمه فلم يكن موليا وفي باب الإجارة مست الضرورة إلى
تعيين الحقيقة لتصحيح الإجارة إذ لا صحة لها بدونه لان كون المدة معلومة في الإجارة شرط صحة الإجارة ولا تصير
معلومة الا بانصراف الاستثناء إلى اليوم الأخير وههنا لا ضرورة لان جهاله المدة لا تبطل اليمين فان قال ذلك ثم قربها
172

يوما ينظر إن كان قد بقي من السنة أربعة أشهر فصاعدا صار موليا لوجود كمال المدة ولوجود حد المولى وان بقي أقل من
ذلك لم يصر موليا لنقصان المدة ولانعدام حد الايلاء وعلى هذا الخلاف إذا قال والله لا أقربك سنة الا مرة غير أن
في قوله الا يوما إذا قربها وقد بقي من السنة أربعة أشهر فصاعدا لا يصير موليا ما لم تغرب الشمس من ذلك اليوم ويعتبر
ابتداء المدة من وقت غروب الشمس من ذلك اليوم لان اليوم اسم لجميع هذا الوقت من أوله إلى آخره فلا ينتهي الا
بغروب الشمس وفي قوله الا مرة يصير موليا عقيب القربان بلا فصل ويعتبر ابتداء من وقت فراغه من القربان
مرة لان المستثنى ههنا هو القربان مرة لا اليوم والمستثنى هناك هو اليوم لا المرة لذلك افترقا ثم مدة أشهر الايلاء تعتبر
بالأهلة أم بالأيام فنقول لا خلاف ان الايلاء إذا وقع في غرة الشهر تعتبر المدة بالأهلة وإذا وقع في بعض الشهر لم يذكر عن
أبي حنيفة نص رواية وقال أبو يوسف تعتبر بالأيام وذلك مائة وعشرون يوما وروى عن زفر انه يعتبر بقية الشهر
بالأيام والشهر الثاني والثالث بالأهلة وتكمل أيام الشهر الأول بالأيام من أول الشهر الرابع ويحتمل أن يكون هذا على
اختلافهم في عدة الطلاق والوفاة على ما نذكره هناك إن شاء الله تعالى والثاني ترك الفئ في المدة لان الله تعالى جعل
عزم الطلاق شرط وقوعه بقوله فان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم وكلمة ان للشرط وعزم الطلاق ترك الفئ في
المدة والكلام في الفئ يقع في مواضع في تفسير الفئ المذكور في الآية الكريمة انه ما هو وفي بيان شرط صحة الفئ وفي
بيان وقت الفئ انه في المدة أو بعد انقضائها أما الأول فالفئ عندنا على ضربين أحدهما بالفعل وهو الجماع في الفرج
حتى لو جامعها فيما دون الفرج أو قبلها بشهوة أو لمسها لشهوة أو نظر إلى فرجها عن شهوة لا يكون ذلك فيأ لان حقها في
الجماع في الفرج فصار ظالما بمنعه فلا يندفع الظلم الا به فلا يحصل الفئ وهو الرجوع عما عزم عليه عند القدرة الا به
بخلاف الرجعة انها تثبت بالجماع فيما دون الفرج وبالمس عن شهوة والنظر إلى الفرج عن شهوة لان البينونة هناك بعد
انقضاء العدة تثبت من وقت وجود الطلاق من وجه فلو لم تثبت الرجعة به لصار مرتكبا للحرام فجعل الاقدام عليه
دلالة الرجعة تحرزا عن الحرام وهذا المعنى لم يوجد ههنا لان البينونة بعد انقضاء المدة ثبتت مقصورة على الحال فلو لم
يجعل منه فيأ لم يصر مرتكبا للحرام لذلك فافترقا والثاني بالقول والكلام فيه يقع في موضعين أحدهما في صورة الفئ
بالقول والثاني في بيان شرط صحته أما صورته فهي أن يقول لها فئت إليك أو راجعتك وما أشبه ذلك وذكر الحسن
عن أبي حنيفة في صفة الفئ أن يقول الزوج اشهدوا اني قد فئت إلى امرأتي وأبطلت الايلاء وليس هذا من أبي
حنيفة شرط الشهادة على الفئ فإنه يصح بدون الشهادة وإنما ذكر الشهادة احتياطا لباب الفروج لاحتمال أن يدعى
الزوج الفئ إليها بعد مضي المدة فتكذبه المرأة فيحتاج إلى إقامة البينة عليه الا أن تكون الشهادة شرطا لصحة الفئ
وقد قال أصحابنا انه إذا اختلف الزوج والمرأة في الفئ مع بقاء المدة والزوج ادعى الفئ وأنكرت المرأة فالقول قول
الزوج لان المدة إذا كانت باقية فالزوج يملك الفئ فيها وقد دعى الفئ في وقت يملك انشاءه فيه فكان الظاهر
شاهدا له فكان القول قوله وان اختلفا بعد مضي المدة فالقول قول المرأة لان الزوج يدعى الفئ في وقت لا يملك انشاء
الفئ فيه فكان الظاهر شاهدا عليه للمرأة فكان القول قولها وأما شرط صحته فلصحة الفئ بالقول شرائط ثلاثة
أحدها العجز عن الجماع فلا يصح مع القدرة على الجماع لان الأصل هو الفئ بالجماع لان الظلم به يندفع حقيقة وإنما
الفئ بالقول خلف عنه ولا عبرة بالخلف مع القدرة على الأصل كالتيمم مع الوضوء ونحو ذلك ثم الشرط هو العجز عن
الجماع حقيقة أو مطلق العجز اما حقيقة واما حكما فجملة الكلام فيه أن العجز نوعان حقيقي وحكمي أما الحقيقي فنحو
أن يكون أحد الزوجين مريضا مرضا يتعذر معه الجماع أو كانت المرأة صغيرة لا يجامع مثلها أو رتقاء أو يكون الزوج
مجبوبا أو يكون بينهما مسافة لا يقدر على قطعها في مدة الايلاء أو تكون ناشزة محتجبة في مكان لا يعرفه أو يكون
محبوسا لا يقدر أن يدخلها وفيؤه في هذا كله بالقول كذا ذكره القدوري في شرحه مختصر الكرخي وذكر القاضي في
شرحه مختصر الطحاوي أنه لو آلى من امرأته وهي محبوسة أو هو محبوس أو كان بينه وبن امرأته مسافة أقل من
173

أربعة أشهر الا ان العدو أو السلطان منعه عن ذلك فان فيأه لا يكون الا بالفعل ويمكن أن يوفق بين القولين في الحبس
بان يحمل ما ذكره القاضي على أن يقدر أحدهما على أن يصل إلى صاحبه في السجن والوجه في المنع من العدو أو
السلطان ان ذلك نادر وعلى شرف الزوال فكان ملحقا بالعدم وأما الحكمي فمثل أن يكون محرما وقت الايلاء وبينه
وبين الحج أربعة أشهر وإذا عرف هذا فنقول لا خلاف في أنه إذا كان عاجزا عن الجماع حقيقة انه ينتقل الفئ بالجماع
إلى الفئ بالقول واختلف أصحابنا فيما إذا كان قادرا على الجماع حقيقة وعاجزا عنه حكما أنه هل يصح الفئ بالقول قال
أصحابنا الثلاثة لا يصح ولا يكون فيؤه الا بالجماع وقال زفر يصح وجه قوله إن العجز حكما كالعجز حقيقة في أصول
الشريعة كما في الخلوة فإنه يستوى المانع الحقيقي والشرعي في المنع من صحة الخلوة كذا هذا ولنا أنه قادر على الجماع
حقيقة فيصير ظالما بالمنع فلا يندفع الظلم عنها الا بايفائها حقها بالجماع وحق العبد لا يسقط لأجل حق الله تعالى في الجملة
لغنا الله عز وجل وحاجة العبد والثاني دوام العجز عن الجماع إلى أن تمضي المدة حتى لو قدر على الجماع في المدة بطل الفئ
بالقول وانتقل إلى الفئ بالجماع حتى لو تركها ولم يقربها في المدة حتى مضت تبين لما ذكرنا أن الفئ باللسان بدل عن الفئ
بالجماع ومن قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل بطل حكم البدل كالمتيمم إذا قدر على الماء في الصلاة وكذا إذا
آلى وهو صحيح ثم مرض فإن كان قدر مدة صحته ما يمكن فيه الجماع ففيؤه بالجماع لأنه كان قادرا على الجماع في مدة الصحة
فإذا لم يجامعها مع القدرة عليه فقد فرط في ايفاء حقها فلا يعذر بالمرض الحادث وإن كان لا يمكنه فيؤه بالجماع لقصره ففيؤه
بالقول لأنه إذا لم يقدر على الجماع فيه لم يكن مفرطا في ترك الجماع فكان معذورا ولو آلى وهو مريض فلم يفئ باللسان إليها
حتى مضت المدة فبانت ثم صح ثم مرض فتزوجها وهو مريض ففاء إليها باللسان صح فيؤه في قول أبي يوسف حتى لو
تمت أربعة أشهر من وقت التزوج لا تبين وقال محمد لا يصح (وجه) قوله أنه إذا صح في المدة الثانية فقد قدر على الجماع
حقيقة فسقط اعتبار الفئ باللسان في تلك المدة وإن كان لا يقدر على جماعها الا بمعصية كما إذا كان محرما ففاء بلسانه
أنه لم يصح فيؤه باللسان لكونه قادرا على الجماع حقيقة وإن كان لا يقدر عليه الا بمعصية كذا هذا ولأبي يوسف أن
الصحة إنما تمنع الفئ باللسان للقدرة على ايفائها حقها في الجماع ولا حق لها في حالة البينونة فلا تعتبر الصحة مانعة منه
والثالث قيام ملك النكاح وقت الفئ بالقول وهو أن تكون المرأة في حال ما يفئ إليها زوجته غير بائنة منه فإن كانت
بائنة منه ففاء بلسانه لم يكن ذلك فيأ ويبقى الايلاء لان الفئ بالقول حال قيام النكاح إنما يرفع الايلاء في حق حكم
الطلاق لحصول ايفاء حقها به ولا حق لها حالة البينونة على ما نذكره ولا يعتبر الفئ وصار وجودها والعدم بمنزلة فيبقى
الايلاء فإذا تزوجها ومضت المدة تبين منه بخلاف الفئ بالفعل وهو الجماع انه يصح بعد زوال الملك وثبوت البينونة
حتى لا يبقى الايلاء بل يبطل لأنه حنث بالوطئ فانحلت اليمين وبطلت ولم يوجد الحنث ههنا فلا تنحل اليمين فلا يرتفع
الايلاء ثم الفئ بالقول عندنا إنما يصح في حق حكم الطلاق حتى لا يقع الطلاق بمضي المدة الا في حق الحنث لان اليمين
في حق حكم الحنث باقية لأنها لا تنحل الا بالحنث والحنث إنما يحصل بفعل المحلوف عليه والقول ليس محلوفا عليه فلا
تنحل به اليمين هذا الذي ذكرنا مذهب أصحابنا وقال الشافعي لا فئ الا بالجماع واليه مال الطحاوي ووجهه ان الفئ
بالحنث ولا حنث باللسان فلا يحصل الفئ به وهذا لان الحنث هو فعل المحلوف عليه والمحلوف عليه هو القربان فلا
يحصل الفئ الا به ولنا اجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روى عن علي رضي الله عنه وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم
أنهم قالوا الفئ عند العجز بالقول وكذا روى عن جماعة من التابعين مثل مسروق والشعبي وإبراهيم النخعي
وسعيد بن جبير ولان الفئ في اللغة هو الرجوع يقال فاء الظل أي رجع ومعنى الرجوع في الايلاء هو أنه بالايلاء
عزم على منع حقها في الجماع وأكد العزم باليمين فبالفئ رجع عما عزم والرجوع كما يكون بالفعل يكون بالقول وهذا
لان وقوع الطلاق لصيرورته ظالما بمنع حقها والظلم عند القدرة على الجماع بمنع حقها في الجماع فيكون إزالة الظلم بإيفاء
حقها في الجماع فيكون إزالة هذا الظلم بذكر ايفاء حقها في الجماع أيضا وعند العجز عن الجماع يكون بايذائه إياها منع حقها
174

في الجماع ليكون إزالة هذا الظلم بقدر الظلم فيثبت الحكم على وفق العلة وأما وقت الفئ فالفئ عندنا في المدة وعند الشافعي
بعد مضي المدة ونذكر المسألة في بيان حكم الايلاء إن شاء الله تعالى وأما حرية المولى فليس بشرط لصحة ايلائه بالله
تعالى ومما لا يتعلق بالمال حتى لو قال العبد لامرأته والله لا أقربك أو قال إن قربتك فعلى صوم أو حج أو عمرة أو امرأتي
طالق يصح ايلاؤه حتى لو لم يقربها تبين منه في المدة ولو قربها ففي اليمين بالله تعالى تلزمه الكفارة بالصوم وفي غيرها يلزمه
الجزاء المذكور لان العبد أهل لذلك وإن كان يحلف بما يتعلق بالمال بأن قال إن قربتك فعلى عتق رقبة أو على أن
أتصدق بكذا لا يصح لأنه ليس من أهل ملك المال وأما اسلام المولى فهل هو شرط لصحة الايلاء فنقول
لا خلاف في أن الذمي إذا آلى من امرأته بالطلاق أو العتاق انه يصح ايلائه لان الكافر من أهل الطلاق والعتاق
ولا خلاف أيضا في أنه إذا آلى بشئ من القرب كالصوم والصدقة والحج والعمرة بأن قال لامرأته ان قربتك فعلى
صوم أو صدقة أو حجة أو عمرة أو غير ذلك من القرب لا يكون موليا لأنه ليس من أهل القربة فيمكنه قربان امرأته
من غير شئ يلزمه فلم يكن موليا وكذا إذا قال لامرأته ان قربتك فأنت على كظهر أمي أو فلانة على كظهر أمي لم يكن
موليا لان الكفر يمنع صحة الظهار عندنا وإذا لم يصح يمكنه قربانها من غير شئ يلزمه فلا يكون موليا واختلف فيما إذا
آلى بالله تعالى فقال والله لا أقربك تنعقد موجبة للكفارة على تقدير الحنث عند أبي حنيفة يكون موليا وقال أبو
يوسف ومحمد لا يكون موليا وجه قولهما ان اليمين بالله تعالى لا تنعقد من الذمي كما في غير الايلاء والجامع بينهما ان اليمين
بالله تعالى تنعقد موجبة للكفارة على تقدير الحنث والكافر ليس من أهل الكفارة ولأبي حنيفة عموم قوله تعالى
للذين يؤلون من نسائهم من غير تخصيص المسلم ولان الايلاء بالله يمين يمنع القربان خوفا من هتك حرمة اسم الله عز
وجل والذمي يعتقد حرمة اسم الله تعالى ولهذا يستحلف على الدعاوي كالمسلم ويتعلق حل الذبيحة بتسميته كما يتعلق
بتسمية المسلم فإنه إذا ذكر اسم الله عليها أكلت وان ترك التسمية لم تؤكل فيصح ايلاؤه كما يصح ايلاء المسلم وإذا صح
ايلاؤه بالله تعالى تثبت أحكام الايلاء في حقه كما تثبت في حق المسلم الا أنه لا يظهر في حق حكم الحنث وهو الكفارة
لان الكفارة عبادة وهو ليس من أهل العبادة فيظهر في حق حكم البر وهو الطلاق لأنه من أهله ولو آلى مسلم أو ظاهر
من امرأته ثم ارتد عن الاسلام ولحق بدار الحرب ثم رجع مسلما وتزوجها فهو مول ومظاهر في قول أبي حنيفة وقال
أبو يوسف يسقط عنه الايلاء والظهار (وجه) قوله إن الكفر يمنع صحة الايلاء والظهار ابتداء فيمنع بقاءهما على
الصحة لان حكم الايلاء وجوب الكفارة على تقدير الحنث وحكم الظهار حرمة مؤقتة إلى غاية التكفير والكافر
ليس من أهل وجوب الكفارة ولأبي حنيفة ان الكفر لما لم يمنع انعقاد الايلاء لما بينا فلان لا يمنع بقاءه أولى لان
البقاء أسهل ولان الايلاء قد انعقد لوجوده من المسلم والعارض هو الردة وأثرها في زوال ملك النكاح وزوال الملك
لا يوجب بطلان اليمين فتبقى اليمين فإذا عاد يعود حكم الايلاء ولان كل عارض على أصل يلتحق بالعدم من الأصل
إذا ارتفع ويجعل كأن لم يكن ولان الايلاء انعقد بيقين والعارض وهو الردة يحتمل الزوال والتصرف الشرعي إذا
انعقد بيقين لاحتمال الفائدة في البقاء واحتمال الفائدة ههنا ثابت لان رجاء الاسلام قائم والظهار قد انعقد موجبا حكمه
وهو الحرمة المؤقتة لصدوره من المسلم وبالردة زالت صفة الحكم وبقى الأصل وهو الحرمة إذ الكافر من أهل ثبوت
الحرمة وبقائها في حقه لان حكم الحرمة وجوب الامتناع وهو قادر على الامتناع بخلاف القربة ولهذا خوطب
بالحرمات دون القربات والطاعات على ما عرف في أصول الفقه والله الموفق
(فصل) وأما حكم الايلاء فنقول وبالله التوفيق انه يتعلق بالايلاء حكمان حكم الحنث وحكم البر أما حكم الحنث
فيختلف باختلاف المحلوف به فإن كان الحلف بالله تعالى فهو وجوب كفارة اليمين كسائر الايمان بالله وإن كان الحلف
بالشرط والجزاء فلزوم المحلوف به كسائر الايمان بالشرط والاجزية أو لزوم حكمه على تقدير وجوده على ما بينا وأما
حكم البر فالكلام فيه في مواضع في بيان أصل الحكم وفي بيان وصفه وفي بيان وقته وفي بيان قدره أما أصل الحكم فهو
175

وقوع الطلاق بعد مضي المدة من غير فئ لأنه بالايلاء عزم على منع نفسه من ايفاء حقها في الجماع في المدة وأكد العزم
باليمين فإذا مضت المدة ولم يفئ إليها مع القدرة على الفئ فقد حقق العزم المؤكد باليمين بالفعل فتأكد الظلم في حقها فتبين
منه عقوبة عليه جزاء على ظلمه ومرحمة عليها ونظرا لها بتخليصها عن حباله لتتوصل إلى ايفاء حقها من زوج آخر
وهذا عندنا وقال الشافعي حكم الايلاء في حق البر هو الوقف وهو أن يوقف الزوج بعد مضى المدة فيخير بين الفئ
إليها بالجماع وبين تطليقها فان أبى أجبره الحاكم على أحدهما فإن لم يفعل طلق عليه القاضي فاشتملت معرفة هذا الحكم
على معرفة مسئلتين مختلفتين أحداهما انه لا يوقف المولى بعد انقضاء المدة عندنا بل يقع الطلاق عقب انقضائها بلا
فصل وعنده يوقف ويخير بين الفئ والتطليق على ما بينا والثانية ان الفئ يجب أن يكون في المدة عندنا وعنده بعد
مضى المدة والمسئلتان مختلفتان بين الصحابة رضي الله عنهم احتج الشافعي بقوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم
تربص أربعة أشهر فان فاؤا فان الله غفور رحيم وان عزموا الطلاق خير سبحانه وتعالى المولى بين الفئ وبين العزم
على الطلاق بعد أربعة أشهر فدل ان حكم الايلاء في حق البر هو تخيير الزوج بين الفئ والطلاق بعد المدة لا وقوع
الطلاق عند مضى المدة وان وقت الفئ بعد المدة لا في المدة ولأنه قال عز وجل وان عزموا الطلاق فان الله سميع
عليم أي سميع للطلاق فلا بد وأن يكون الطلاق مسموعا وذلك بوجود صوت الطلاق إذ غير الصوت لا يحتمل
السماع ولو وقع الطلاق بنفس مضى المدة من غير قول وجد من الزوج أو من القاضي لم يتحقق صوت الطلاق فلا
ينعقد سماعه ولان الايلاء يمين يمنع من الجماع أربعة أشهر لان اللفظ يدل عليه فقط لا على الطلاق فالقول بوقوع
الطلاق بمضي المدة قول بالوقوع من غير ايقاع وهذا لا يجوز (ولنا) ان الله تعالى جعل مدة التربص أربعة أشهر
والوقف يوجب الزيادة على المدة المنصوص عليها وهي مدة اختيار الفئ أو الطلاق من يوم أو ساعة فلا تجوز الزيادة
الا بدليل ولهذا لما جعل الشرع لسائر المدة التي بين الزوجين مقدارا معلوما من المدة ومدة العنين لم تحتمل الزيادة
على ذلك القدر فكذا مدة الطلاق ولان الفئ نقض اليمين ونقضها حرام في الأصل قال الله تعالى ولا تنقضوا
الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا الا انه ثبت الاطلاق في المدة بقراءة عبد الله بن مسعود وأبي بن
كعب رضي الله عنهما فان فاؤا فيهن فبقي النقض حراما فيما وراءها فلا يحل للفئ فيما وراءها فلزم القول بالفئ في المدة
وبوقوع الطلاق بعد مضيها ولان الايلاء كان طلاقا معجلا في الجاهلية فجعله الشرع طلاقا مؤجلا والطلاق
المؤجل يقع بنفس انقضاء الأجل من غير ايقاع أحد بعده كما إذا قال لها أنت طالق رأس الشهر واما قوله إن الله تعالى
ذكر الفئ بعد الأربعة أشهر فنعم لكن هذا لا يوجب أن يكون الفئ بعد مضيها ألا ترى إلى قوله تعالى فإذا بلغن
أجلهن فامسكوهن بمعروف ذكر تعالى الامساك بمعروف بعد بلوغ الأجل وانه لا يوجب الامساك بعد مضى
الأجل وهو العدة بل يوجب الامساك وهو الرجعة في العدة والبينونة بعد انقضائها كذا ههنا وأما قوله تعالى وان
عزموا الطلاق فان الله سميع عليم فقد قال قوم من أهل التأويل ان المراد من قوله سميع في هذا الموضع أي سميع
بايلائه والايلاء مما ينطق به ويقال فيكون مسموعا وقوله تعالى عليم ينصرف إلى العزم أي عليم بعزمه الطلاق وهو
ترك الفئ ودليل صحة هذا التأويل انه تعالى ذكر قوله سميع عليم عقيب أمرين أحدهما يحتمل السماع وهو الايلاء
والآخر لا يحتمل وهو عزم الطلاق فينصرف كل لفظ إلى ما يليق به ليفيد فائدته وهي كقوله تعالى لتسكنوا فيه
ولتبتغوا من فضله عقيب ذكر الليل والنهار بقوله ومن رحمته جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا انه صرف
إلى كل ما يليق به ليفيد فائدته وهو السكون إلى الليل وابتغاء الفضل إلى النهار كذا ههنا ولأنه تعالى ذكر انه سميع عليم
وكل مسموع معلوم وليس كل معلوم مسموعا لان السماع لا يكون الا للصوت فلو كان الطلاق في الايلاء بالقول
لكان مسموعا والايلاء مسموع أيضا فوقعت الكفاية بذكر السميع فلا يتعلق بذكر العليم فائدة مبتدأة ولو كان
الامر على ما قلنا إن الطلاق يقع عند مضى المدة من غير قول يسمع لا نصرف ذكر العليم إليه لأنه ذلك ليس بمسموع
176

حتى يغنى ذكر السميع عن ذكر العليم فيتعلق بذكر العليم فائدة جديدة فكان ما قلناه أولى مع ما أنا لا نسلم أن سماع
الطلاق يقف على ذكر الطلاق بحروفه ألا ترى ان كنايات الطلاق طلاق وهي مسموعة وان لم يكن الطلاق
مسموعا مذكورا بحروفه وكذا طلاق الأخرس فلم يكن من ضرورة كون الايلاء طلاقا التلفظ بلفظ الطلاق فلا
يقف سماع صوت الطلاق عليه وقوله لفظ الايلاء لا يدل على الطلاق ممنوع بل يدل عليه شرعا فان الشرع جعل
الايلاء طلاقا معلقا بشرط البر فيصير الزوج بالاصرار على موجب هذه اليمين معلقا طلاقا بائنا بترك القربان أربعة
أشهر كأنه قال إذا مضت أربعة أشهر ولم أقربك فيها فأنت طالق بائن عرفنا ذلك بإشارة النص وهو قوله تعالى وان
عزموا الطلاق فان الله سميع عليم سمى ترك الفئ في المدة عزم الطلاق وأخبر سبحانه وتعالى انه سميع للايلاء
فدل ان الايلاء السابق يصير طلاق عند مضى المدة من غير فئ وبما ذكرنا من المعنى المعقول وأما صفته فقد قال
أصحابنا ان الواقع بعد مضى المدة من غير فئ طلاق بائن وقال الشافعي إذا خير بعد انقضاء العدة فاختار الطلاق
فهي واحدة رجعية بناء على أصله ان الطلاق بعد مضى المدة يقع بايقاع مبتدإ وهو صريح الطلاق فيكون رجعيا
(ولنا) اجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روى عن عثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وزيد بن ثابت
رضي الله عنهم انهم قالوا إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة ولان الطلاق إنما يقع عند مضى المدة دفعا للظلم فلا
يندفع الظلم عنها الا بالبائن لتتخلص عنه فتتمكن من استيفاء حقها من زوج آخر ولا يتخلص الا بالبائن ولان القول
بوقوع الطلاق الرجعي يؤدى إلى العبث لان الزوج إذا أبى الفئ والتطليق يقدم إلى الحاكم ليطلق عليه الحاكم
عنده ثم إذا طلق عليه الحاكم يراجعها الزوج فيخرج فعل الحاكم مخرج العبث وهذا لا يجوز وأما قدره وهو قدر
الواقع من الطلاق في الايلاء فالأصل ان الطلاق في الايلاء يتبع المدة لا اليمين فيتحد باتحاد المدة ويتعدد بتعددها
في قول أصحابنا الثلاثة وعند زفر يتبع اليمين فيتعدد بتعدد اليمين ويتحد باتحادها ولا خلاف في أن المعتبر في حق
حكم الحنث هو اليمين فينظر إلى اليمين في الاتحاد والتعدد لا إلى المدة وجه قول زفر ان وقوع الطلاق ولزوم الكفارة
حكم الايلاء والايلاء يمين فيدور الحكم مع اليمين فيتحد باتحادها ويتعدد بتعددها لان الحكم يتكرر بتكرر السبب
ويتحد باتحاده (ولنا) ان الايلاء إنما اعتبر طلاقا من الزوج لمنعه حقها في الجماع في المدة منعا مؤكدا باليمين إذ به
يصير ظالما والمنع يتحد باتحاد المدة فيتحد الظلم فيتحد الطلاق ويتعدد بتعددها فيتعدد الظلم فيتعدد الطلاق فاما
الكفارة فإنها تجب لهتك حرمة اسم الله عز وجل والهتك يتعدد بتعدد الاسم ويتحد باتحاده وعلى هذا الأصل
مسائل إذا قال لامرأته مرة واحدة والله لا أقربك فلم يقربها حتى مضت المدة بانت بتطليقة واحدة وان قربها لزمه
كفارة واحدة لاتحاد المدة واليمين جميعا ولو قال لها في مجلس واحد والله لا أقربك والله لا أقربك والله لا أقربك
فان عنى به التكرار فهو ايلاء واحد في حق حكم الحنث والبر جميعا حتى لو مضت أربعة أشهر ولم يقربها بانت بتطليقة
واحدة ولو قربها في المدة لا يلزمه الا كفارة واحدة لان مثل هذا يذكر للتكرار في العرف والعادة فإذا نوى به تكرار
الأول فقد نوى ما يحتمله كلامه فيصدق فيه وان لم تكن له نية فهو ايلاء واحد في حق حكم البر في قول أصحابنا الثلاثة
وثلاث في حق حكم الحنث بالاجماع حتى لو مضت أربعة أشهر ولم يقربها بانت بتطليقة واحدة في قول أصحابنا
الثلاثة ولو قربها في المدة فعليه ثلاث كفارات بالاجماع وعند زفر هو ثلاث ايلاءات في حق حكم الحنث والبر جميعا
وينعقد كل ايلاء من حين وجوده فإذا مضت أربعة أشهر ولم يفئ إليها بانت بتطليقة ثم إذا مضت ساعة بانت بتطليقة
أخرى ثم إذا مضت ساعة أخرى بانت بتطليقة واحدة أخرى وان قربها في المدة فعليه ثلاث كفارات وأصل هذه
المسألة ان من قال لامرأته إذا جاء غد فوالله لا أقربك قاله ثلاثا فجاء غد يصير موليا في حق حكم البر ايلاء واحدا عندنا
وعنده يصير موليا ثلاث ايلاءات في حق حكم الحنث وان أراد به التغليظ والتشديد فكذلك في قول أبي حنيفة وأبي
يوسف انه ايلاء واحد في حق حكم البر استحسانا وعند محمد وزفر هو ثلاث في حق البر والحنث جميعا وهو القياس
177

اما زفر فقد مر على أصله ان الحكم لليمين لا للمدة لان اليمن هي السبب الموجب للحكم وقد تعددت فيتعدد السبب
بتعدد الحكم وأما وجه القياس لمحمد ان المدة قد اختلفت لان كل واحدة من هذه الايمان وجدت في زمان
فكانت مدة كل واحدة منهما غير مدة الأخرى فصار كما لو آلى منها ثلاث مرات في ثلاث مجالس وجه
الاستحسان ان المدد وان تعددت حقيقة فهي متعددة حكما لتعذر ضبط الوقت الذي بين اليمينين عند مضى أربعة
أشهر فصارت مدة الايمان كلها مدة واحدة حكما والثابت حكما ملحق بالثابت حقيقة ولو قال إذا جاء غد فوالله
لا أقربك وإذا جاء بعد غد فوالله لا أقربك يصير موليا ايلاءين في حق الحنث والبر جميعا إذا جاء غد يصير موليا وإذا
جاء بعد غد يصير موليا ايلاء آخر وكذلك إذا آلى منها في مجلس ثم آلى منها في مجلس آخر بان قال والله لا أقربك
فمكث يوما ثم قال والله لا أقربك يصير موليا ايلاءين أحدهما في الحال والآخر في الغد في حق الحنث والبر جميعا
لان المدد قد تعددت حقيقة وحكما لاختلاف ابتداء كل مدة وانتهائها وامكان ضبط الوقت الذي بين اليمينين
ولو قال كلما دخلت هذه الدار فوالله لا أقربك أو قال والله ان دخلت هذه الدار فوالله لا أقربك أو قال والله لا أقربك
كلما دخلت هذه الدار يصير موليا ايلاءين في حق البر وايلاء واحدا في حق الحنث فإذا دخل الدار دخلتين ينعقد
الايلاء الأول عند الدخلة الأولى والثاني عند الدخلة الثانية حتى لو مضت أربعة أشهر من وقت الدخلة الأولى
بانت بتطليقة وإذا تمت أربعة أشهر من وقت الدخلة الثانية بانت بتطليقة أخرى ولو قربها بعد الدخلتين لا يلزمه الا
كفارة واحدة لتعدد المدة واتحاد اليمين في حكم الحنث والأصل فيه ان اليمن بالله تعالى متى علقت بشرط متكرر
لا يتكرر انعقادها بتكرر الشرط واليمين بما هو شرط وجزاء إذا علقت بشرط متكرر تتكرر بتكرار الشرط وقوله
والله لا أقربك يمين بالله تعالى في حق الحنث ويمين بالطلاق في حق البر ودليل هذا الأصل وبيان فروعه يعرف
في الجامع الكبير وكذلك إذا قال كلما دخلت واحدة من هاتين الدارين فوالله لا أقربك أو قال كلما كلمت واحدا
من هذين الرجلين فوالله لا أقربك فدخل إحداهما أو كلم أحدهما صار موليا وإذا دخل مرة أخرى أو كلمه أخرى
صار موليا ايلاء آخر في حق حكم البر وهو ايلاء واحد في حق حكم الحنث والله تعالى أعلم
(فصل) وأما بيان ما يبطل به الايلاء فيما يبطل به الايلاء نوعان نوع يبطل به أصلا في حق الحكمين جميعا
وهو البر والحنث ونوع يبطل به في حق أحد الحكمين وهو حكم البر ويبقى في حق الحكم الآخر وهو حكم الحنث أما
الذي يبطل به الايلاء في حق الحكمين جميعا فشئ واحد وهو الفئ بالجماع في الفرج في المدة لأنه يحنث به واليمين
لا يبقى بعد الحنث لأنه حنث اليمين نقضها والشئ لا يبقى مع وجود ما ينقضه وأما ما يبطل به في حق حكم البر دون
الحنث فشيئان أحدهما الفئ بالقول عن استجماع شرائطه التي وصفناها فيبطل به الايلاء في حق حكم البر حتى
لا تبين بمضي المدة لما ذكرنا ان ترك الفئ في المدة شرط وقوع الطلاق بعد مضيها إذ هو عزيمة الطلاق وانها شرط
بالنص لكنه يبقى في حق حكم الحنث حتى لو فاء إليها بالقول في المدة ثم قدر على الجماع بعد المدة فجامعها تلزمه
الكفارة لان وجوب الكفارة معلق بالحنث والحنث هو فعل المحلوف عليه والمحلوف عليه هو الجماع في الفرج فلا
يحصل الحنث بدونه والثاني الطلقات الثلاث حتى لو وقع عليها ثلاث تطليقات بالايلاء أو طلقها ثلاثا عقيب الايلاء
فتزوجت ثم عادت إليه فمضت أربعة أشهر لم يطأها فيها يقع عليها شئ عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر لا يبطل بها
الايلاء ويقع عليها الطلاق بالايلاء أبدا بناء على أن استيفاء طلاق الملك القائم للحال يبطل اليمين وعندنا وعنده
لا يبطلها وقد ذكرنا المسألة فيما تقدم ولو آلى منها ولم يفئ إليها حتى مضت أربعة أشهر فبانت منه بتطليقة وانقضت
عدتها فتزوجت بزوج آخر ثم عادت إلى الأول عاد حكم الايلاء بالاجماع لكن عند أبي حنيفة وأبى يوسف
بثلاث تطليقات وعند محمد بما بقي بناء على أن الزوج الثاني يهدم الطلقة والطلقتين عندهما وعنده لا يهدم والمسألة
قد مرت ولا يبطل بالإبانة حتى لو آلى منها ثم أبانها مضى المدة ثم تزوجها فمضت المدة من غير فئ تبين بتطليقة
178

أخرى بالايلاء السابق ولو أبانها ولم يتزوجها حتى مضت المدة وهي في العدة يقع عليها تطليقة أخرى عندنا وعند زفر
لا يقع وقد مرت المسألة وهل يبطل بمضي المدة من غير فئ فإن كان الايلاء مطلقا أو مؤبدا بان قال والله لا أقربك أبدا
أو قال والله لا أقربك ولم يذكر الوقت فمضت أربعة أشهر من غير فئ حتى بانت بتطليقة لا يبطل الايلاء حتى لو تزوجها
فمضت أربعة أشهر أخرى منذ تزوج يقع عليها تطليقة أخرى لان اليمين عقدت مطلقة أو مؤبدة والعارض ليس
الا البينونة وأثرها في زوال الملك لا يوجب بطلان اليمين بالطلاق لما عرف ان اليمين إذا انعقدت تبقى
لاحتمال الفائدة واحتمال الفائدة ثابت لاحتمال التزوج فيبقى اليمين الا انه لابد من الملك لانعقاد المدة الثانية فإذا
تزوجها عاد الملك فعاد حقها في الجماع فإذا مضت المدة الثانية من غير فئ إليها فقد منعها حقها فقد ظلمها فيقع تطليقة
أخرى جزاء على ظلمه وكذا إذا تزوجها بعدما بانت بتطليقة ثانية ومضت أربعة أشهر أخرى منذ تزوجها تبين
بثالثة لما قلنا فان تزوجت بزوج آخر ثم تزوجها الأول فمضت أربعة أشهر لم يقربها فيها لا يقع عليها شئ عند أصحابنا
الثلاثة خلافا لزفر ولو آلى منها مطلقا أو أبدا فمضت أربعة أشهر ولم يفئ إليها حتى بانت ثم لم يتزوجها حتى مضت
أربعة أشهر أخرى وهي في العدة لا يقع عليها تطليقة أخرى لان اليمين قد بطلت بل هي باقية لما بينا الا انها مبانة
لا تستحق الوطئ على الزوج فلا يصير الزوج بالامتناع عن قربانها في المدة ظالما ووقوع الطلاق كان لهذا المعنى
ولم يوجد فلا يقع لكن تبقى اليمين حتى لو تزوجها ومضت المدة من غير فئ يقع والأصل ان المدة المنعقدة لا تبطل
بالبينونة وإن كانت لا تنعقد على المبانة على طريق الاستئناف ولو قربها قبل ان يتزوجها فعليه بالكفارة لان اليمين
باقية وقد وجد شرط الحنث فيحنث ولو كان الايلاء مؤقتا إلى وقت معلوم أربعة أشهر أو أكثر فمضت المدة من غير
فئ حتى وقع الطلاق لا يبقى الايلاء وينتهي حتى لو قربها لا كفارة عليه ولو لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر لا يقع
عليها شئ لان المؤقت إلى وقت ينتهى عند وجود الوقت ولو حلف على قربان امرأته بعتق عبد له ثم باعه سقط
الايلاء لأنه صار بحال لا يلزمه شئ بقربانها ثم إذا دخل في ملكه بوجه من الوجوه قبل القربان عاد حكم الايلاء حتى
لو تركها أربعة أشهر لم يقربها فيها تبين لان الجزاء لا تتقيد بالملك القائم للحال كمن قال لعبده ان دخلت الدار فأنت حر
فباعه ثم اشتراه فدخل الدار انه يعتق ولو دخل في ملكه بعد القربان لا يعود الايلاء لبطلانه بالقربان وكذا إذا مات
العبد بطل الايلاء لان الجزاء صار بحال لا يتصور وجوده فبطلت اليمين ولو قال إن قربتك فعبدي هذان حران
فمات أحدهما أو باع أحدهما لا يبطل الايلاء لأنه يلزمه بالقربان عتق ولو ماتا جميعا بطل الايلاء وكذا لو باعهما
جميعا معا أو على التعاقب ولو باعهما ثم دخل أحدهما في ملكه بوجه من الوجوه قبل القربان عاد الايلاء فيه ثم إذا دخل
الآخر في ملكه عاد الايلاء فيه من وقت دخول الأول لان العائد عين الأول ولو قال لامرأته أنت طالق قبل أن
أقربك بشهر فقربها قبل تمام الشهر من وقت اليمين بطلت اليمين ولو لم يقربها حتى مضى شهر يصير موليا لان معنى هذا
الكلام إذا مضى شهر لم أقربك فيه فأنت طالق ان قربتك ولو قال ذلك ومضى شهر لم يقربها فيه لصار موليا لما
ذكرنا ان قوله أنت طالق ان قربتك ايلاء ألا ترى انه لا يمكنه قربانها من غير شئ يلزمه وهو الطلاق وهذا حد المولى
فإذا صار موليا فان قربها بعد ذلك وقع الطلاق لأنه علق الطلاق بالقربان وان لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت
بتطليقة لان هذا حكم الايلاء في حق البر ولو قال أنت طالق ثلاثا قبل أن أقربك ولم يقل بشهر لا يصير موليا ويقع
الطلاق من ساعته لأنه أوقع الطلاق في وقت هو قبل القربان وكما فرغ من كلامه فقد وجد هذا الوقت فيقع ولو قال
قبل أن أقربك يصير موليا لان قبل الشئ اسم لزمان متقدم عليه مطلقا وكما فرغ من هذه المقالة فقد وجد زمان
متقدم عليه متصل به فما لم يوجد القربان لا يعرف هذا الزمان فكان هذا تعليق الطلاق بالقربان كأنه قال إن قربتك
فأنت طالق فان قربها وقع الطلاق بعد القربان بلا فصل فان تركها حتى مضت أربعة أشهر بانت بالايلاء كما لو نص
على التعليق بالقربان والله الموفق
179

(فصل) وأما بيان حكم الطلاق فحكم الطلاق يختلف باختلاف الطلاق من الرجعي والبائن ويتعلق بكل واحد
منهما أحكام بعضها أصلى وبعضها من التوابع أما الطلاق الرجعي فالحكم الأصلي له هو نقصان العدد فاما زوال
الملك وحل الوطئ فليس بحكم أصلى له لأنه لازم حتى لا يثبت للحال وإنما يثبت في الثاني بعد انقضاء العدة فان طلقها
ولم يراجعها بل تركها حتى أنقضت عدتها بانت وهذا عندنا وعند الشافعي زوال حل الوطئ من أحكامه الأصلية
حتى لا يحل له وطؤها قبل الرجعة واليه مال أبو عبد الله البصري وأما زوال الملك فقد اختلف فيه أصحابنا قال بعضهم
الملك يزول في حق حل الوطئ لا غير وقال بعضهم لا يزول أصلا وإنما يحرم وطؤها مع قيام الملك من كل وجه
كالوطئ في حالة الحيض والنفاس وجه قوله إن الطلاق واقع للحال فلابد وأن يكون له أثر ناجز وهو زوال حل
الوطئ وزوال الملك في حق الحل وقد ظهر أثر الزوال في الأحكام حتى لا يحل له المسافرة بها والخلوة ويزول قسمها
والأقراء قبل الرجعة محسوبة من العدة ولهذا سمى الله تعالى الرجعة ردا في كتابه الكريم بقوله عز وجل
وبعولتهن أي أزواجهن أحق بردهن في ذلك والرد في اللغة عبارة عن إعادة الغائب فيدل على زوال الملك من وجه
(ولنا) قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن في ذلك وقوله تعالى وبعولتهن أي أزواجهن وقوله تعالى هن كناية عن
المطلقات سماه الله تعالى زوجها بعد الطلاق ولا يكون زوجا الا بعد قيام الزوجية فدل ان الزوجية قائمة بعد الطلاق
والله سبحانه وتعالى أحل للرجل وطئ زوجته بقوله عز وجل والذين هم لفروجهن حافظون الا على أزواجهم أو
ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين وقوله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم انى شئتم وقوله عز وجل هو الذي
خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ونحو ذلك من النصوص والدليل على قيام الملك من كل وجه انه يصح
طلاقه وظاهره وايلاؤه ويجرى اللعان بينهما ويتوارثان وهذه أحكام الملك المطلق وكذا يملك مراجعتها بغير رضاها
ولو كان ملك النكاح زائلا من وجه لكانت الرجعة انشاء النكاح على الحرة من غير رضاها من وجه وهذا لا يجوز
وأما قوله الطلاق واقع في الحال فمسلم لكن التصرف الشرعي قد يظهر أثره للحال وقد يتراخى عنه كالبيع بشرط الخيار
وكالتصرف الحسى وهو الرمي وغير ذلك فجاز أن يظهر أثر هذا الطلاق بعد انقضاء العدة وهو زوال الملك وحرمة
الوطئ على أن له أثرا ناجزا وهو نقصان عدد الطلاق ونقصان حل المحلية وغير ذلك على ما عرف في الخلافيات وأما
المسافرة بها فقد قال زفر من أصحابنا انه يحل له المسافرة بها قبل الرجعة وأما على قول أصحابنا الثلاثة فإنما لا تحل لا لزوال
الملك بل لكونها معتدة وقد قال الله تعالى في المعتدات ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا أن يأتين بفاحشة
مبينة نهى الرجال عن الاخراج والنساء عن الخروج فيسقط الزوج العدة بالرجعة لتزول الحرمة ثم يسافر وأما الخلوة
فإن كان من قصده الرجعة لا يكره وان لم يكن من قصده المراجعة يكره لكن لا لزوال النكاح وارتفاع الحل بل
للاضرار بها لأنه إذا لم يكن من قصده استيفاء النكاح بالرجعة فمتى خلا بها يقع بينهما المساس عن شهوة فيصير مراجعا
لها ثم يطلقها ثانيا فيؤدى إلى تطويل العدة عليها فتتضرر بذلك وهو معنى قوله تعالى ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا
وكذلك القسم لأنه لو ثبت القسم لخلا بها فيؤدى إلى ما ذكرنا إذا لم يكن من قصده أن يراجعها حتى لو كان من قصده
أن يراجعها لكان لها القسم وله الخلوة بها وإنما احتسبنا الأقراء من العدة لانعقاد الطلاق سببا لزوال الملك والحل
للحال على وجه يتم عليه عند انقضاء العدة وهو الجواب عن قوله إن الله تعالى سمى الرجعة ردا لأنه يجوز اطلاق اسم
الرد عند انعقاد سبب زوال الملك بدون الزوال كما في البيع بشرط خيار المتعاقدين انه يطلق اسم الرد عند اختيار
الفسخ وان لم يزل الملك عند البائع ولم يثبت للمشترى لانعقاد سبب الزوال بدون الزوال ويكون الرد فسخا للسبب
ومنعا له عن العمل في اثبات الزوال كذا ههنا ويستحب لها أن تتشوف وتتزين لان الزوجية قائمة من كل وجه
ويستحب لها ذلك لعل زوجها يراجعها وعلى هذا يبني حق الرجعة انه ثابت للزوج بالاجماع سواء كان الطلاق
واحد أو اثنين اما عندنا فلقيام الملك من كل وجه وأما عنده فلقيامه فيما وراء حل الوطئ ثم الكلام في الرجعة في
180

مواضع في بيان شرعية الرجعة وفي بيان ماهيتها وفي بيان ركنها وفي بيان شرائط جواز الركن أما الأول فالرجعة
مشروعة عرفت شرعيتها بالكتاب والسنة والاجماع والمعقول أما الكتاب العزيز فقوله تعالى وبعولتهن أحق
بردهن أي رجعتهن وقوله تعالى إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وقوله تعالى
الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان والامساك بالمعروف هو الرجعة وأما السنة فما روينا عن
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما طلق امرأته في حالة الحيض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه
مر ابنك يراجعها الحديث وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طلق حفصة رضي الله عنها جاءه جبريل صلى
الله عليه وسلم فقال له راجع حفصة فإنها صوامة قوامة فراجعها وكذا روى أنه صلى الله عليه وسلم طلق سودة بنت
زمعة رضي الله عنها ثم راجعها وعليه الاجماع وأما المعقول فلان الحاجة تمس إلى الرجعة لان الانسان قد يطلق
امرأته ثم يندم على ذلك على ما أشار الرب سبحانه وتعالى جل جلاله بقوله لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
فيحتاج إلى التدارك فلو لم تثبت الرجعة لا يمكنه التدارك لما عسى لا توافقه المرأة في تجديد النكاح ولا يمكنه الصبر
عنها فيقع في الزنا وأما بيان ماهية الرجعة فالرجعة عندنا استدامة الملك القائم ومنعه من الزوال وفسخ السبب المنعقد
لزوال الملك وعند الشافعي هي استدامة من وجه وانشاء من وجه بناء على أن الملك عنده قائم من وجه زائل من وجه
وهو عندنا قائم من كل وجه وعلى هذا ينبنى ان الشهادة ليست بشرط لجواز الرجعة عندنا وعنده شرط وجه البناء ان
الشهادة شرط ابتداء العقد وانشائه لا شرط البقاء والرجعة استيفاء العقد عندنا فلا يشترط له الشهادة وعنده هي
استيفاء من وجه وانشاء من وجه فيشترط لها الشهادة من حيث هي انشاء لا من حيث هي استيفاء فصح البناء ثم
الكلام فيه على وجه الابتداء احتج الشافعي بقوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم فظاهر الامر وجوب العمل
فيقتضى وجوب الشهادة ولنا نصوص الرجعة من الكتاب والسنة مطلقة عن شرط الاشهاد الا أنه يستحب
الاشهاد عليها إذ لو لم يشهد لا يأمن من أن تنقضي العدة فلا تصدقه المرأة في الرجعة ويكون القول قولها بعد انقضاء
العدة فندب إلى الاشهاد لهذا وعلى هذا تحمل الآية الكريمة وفي الآية ما يدل عليه لأنه سبحانه وتعالى قال فإذا بلغن
أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف جمع بين الفرقة والرجعة أمر سبحانه بالاشهاد بقوله وأشهدوا
ذوي عدل منكم ومعلوم ان الاشهاد على الفرقة ليس بواجب بل هو مستحب كذا على الرجعة أو تحمل على هذا
توفيقا بين النصوص بقدر الامكان وكذا لا مهر في الرجعة ولا يشترط فيها رضا المرأة لأنها من شرائط ابتداء العقد
لا من شرط البقاء وكذا اعلامها بالرجعة ليس بشرط حتى لو لم يعلمها بالرجعة جازت لان الرجعة حقه على الخلوص
لكونه تصرفا في ملكه بالاستيفاء والاستدامة فلا يشترط فيه اعلام الغير كالإجازة في الخيار لكنه مندوب إليه
ومستحب لأنه إذا راجعها ولم يعلمها بالرجعة فمن الجائز انها تتزوج عند مضى ثلاث حيض ظنا منها ان عدتها قد انقضت
فكان ترك الاعلام فيه تسببا إلى عقد حرام عسى فاستحب له أن يعلمها ولو راجعها ولم يعلمها حتى أنقضت مدة عدتها
وتزوجت بزوج آخر ثم جاء زوجها الأول فهي امرأته سواء كان دخل بها الثاني أو لم يدخل ويفرق بينها وبين الثاني
لان الرجعة قد صحت بدون علمها فتزوجها الثاني وهي امرأة الأول فلم يصح وعلى هذا تبنى الرجعة بالفعل بان جامعها انها
جائزة عندنا وعند الشافعي لا يجوز الرجعة الا بالقول وجه البناء على هذا الأصل ان الرجعة عنده انشاء النكاح من
وجه وانشاء النكاح من كل وجه لا يجوز الا بالقول فكذا انشاؤه من وجه وعندنا هي استدامة النكاح من كل وجه
فلا تختص بالقول ويبنى أيضا على حل الوطئ وحرمته وجه البناء ان الوطئ لما كان حلالا عندنا فإذا وطئها فلو لم
يجعل الوطئ دلالة الرجعة وربما لا يراجعها بالقول بل يتركها حتى تنقضي عدتها فيزول الملك عند انقضاء العدة
بالطلاق السابق لأنه لا فعل منه الا ذلك فيزول الملك مستندا إلى وقت وجود الطلاق فتبين ان الملك كان زائلا من
وقت الطلاق من وجه فيظهر ان الوطئ كان حراما فجعل الاقدام على الوطئ دلالة الرجعة صيانة له عن الحرام
181

وعنده لما كان الوطئ حراما لا يقدم عليه فلا ضرورة إلى جعله دلالة الرجعة ثم ابتداء الدليل في المسألة قوله تعالى
وبعولتهن أحق بردهن سمى الرجعة ردا والرد لا يختص بالقول كرد المغصوب ورد الوديعة قال النبي صلى الله عليه وسلم
على اليد ما أخذت حتى ترده وقوله تعالى فأمسكوهن بمعروف وقوله عز وجل فامساك بمعروف سمى الرجعة امساكا
والامساك حقيقة يكون بالفعل وكذا ان جامعته وهو نائم أو مجنون لان ذلك حلال لها عندنا فلو لم يجعل رجعة لصارت
مرتكبة للحرام على تقدير انقضاء العدة من غير رجعة من الزوج فجعل ذلك منها رجعة شرعا ضرورة التحرز عن الحرام
ولان جماعها كجماعه لها في باب التحريم فكذا في باب الرجعة وكذلك إذا لمسها لشهوة أو نظر إلى فرجها عن
شهوة فهو مراجع لما قلنا وان لمس أو نظر لغير شهوة لم يكن رجعة لان ذلك حلال في الجملة ألا ترى أن القابلة والطبيب
ينظران إلى الفرج ويمس الطبيب عند الحاجة إليه بغير شهوة فلا ضرورة إلى جعله رجعة وكذلك إذا نظر إلى غير
الفرج لشهوة لأنه ذلك أيضا مباح في الجملة ويكره التقبيل واللمس لغير شهوة إذا لم يرد به المراجعة وكذا يكره أن يراها
متجردة لغير شهوة كذا قال أبو يوسف لأنه لا يأمن من أن يشتهى فيصير مراجعا من غير اشهاد وذلك مكروه وكذا
لا يأمن من الاضرار بها لجواز أن يشتهى فيصير به مراجعا وهو لا يريد امساكها فيطلقها فتطول العدة عليها فتتضرر به
والله تعالى نهى عن ذلك بقوله ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا وكذا قال أبو يوسف ان الأحسن إذا دخل عليها أن
يتنحنح ويسمعها خفق نعليه ليس من أجل انها حرام ولكن لا يأمن من أن يرى الفرج بشهوة فيكون رجعة بغير
اشهاد وهذه عبارة أبى يوسف ولو نظر إلى دبرها موضع خروج الغائط بشهوة لم يكن ذلك رجعة كذا ذكر في
الزيادات وهو قول محمد الأخير وكأن يقول أو لا أنه يكون رجعة ثم رجع حكى إبراهيم بن رستم رجوعه وهو قياس
قول أبي حنيفة لان ذلك السبيل لا يجرى مجرى الفرج ألا ترى ان الوطئ فيه لا يوجب الحد عنده فكان النظر إليه
كالنظر إلى سائر البدن ولان النظر إلى الفرج بشهوة إنما كان رجعة لكون الوطئ حلالا تقريرا للحل صيانة عن الحرام
والنظر إلى هذا المحل عن شهوة مما لا يحتمل الحل بحال كما أن الفعل فيه لا يحتمل الحل بحال فلا يصلح دليلا على
الرجعة ولو نظرت إلى فرجه بشهوة قال أبو يوسف قياس قول أبي حنيفة أن يكون رجعة وهذا قبيح ولا يكون
رجعة وكذا قال أبو يوسف والصحيح قياس قول أبي حنيفة لما ذكرنا فيما إذا جامعته وهو نائم أو مجنون ولان النظر
حلال لها كالوطئ فيجعل رجعة تقريرا للحل وصيانة عن الحرمة ولان النظرين يستويان في التحريم ألا ترى أن
نظرها إلى فرجه كنظره إلى فرجها في التحريم فكذا في الرجعة ولو لمسته لشهوة مختلسة أو كان نائما أو اعترف الزوج
أنه كان بشهوة فهو رجعة في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف ليس برجعة فأبو حنيفة سوى بينها وبين الجارية
المشتراة بشرط الخيار للمشترى إذا لمست المشترى أنه يبطل خياره ومحمد فرق بينهما فقال ههنا يكون رجعة
وهناك لا يكون إجازة للبيع وعن أبي يوسف في الجارية روايتان في رواية فرق فقال ثمة يكون إجازة للبيع وههنا
لا يكون رجعة وفي رواية سوى بينهما فقال فعلها لا يكون رجعة ههنا ولا فعل الأمة يكون إجازة ثمة فعلى هذه الرواية
لا يحتاج إلى الفرق بين المسئلتين ووجه الفرق له على الرواية الأخرى ان بطلان الخيار لا يقف على فعل المشترى بل
قد يبطل بغير فعله كما إذا تعيبت في يده بآفة سماوية فأما الرجعة فلا يجوز أن تثبت الا باختيار الزوج حتى قال أبو يوسف
انها إذا لمسته فتركها وهو يقدر على منعها كان ذلك رجعة لأنه لما مكنها من اللمس فقد حصل ذلك باختياره فصار كأنه
لمسها وكذلك قال أبو يوسف إذا ابتدأت اللمس وهو مطاوع لها أنه يكون رجعة لما قلنا ووجه الفرق لمحمد ان
اسقاط الخيار ادخال الشئ في ملك المشتري والأمة لا تملك ذلك وليست الرجعة ادخال المرأة على ملك زوجها لأنها
على ملكه فلو جعلناه مراجعا بفعلها لم تملكه ما لم يكن ملكا له فصحت الرجعة ولأبي حنيفة على نحو ما ذكرنا وهو ان
اللمس حلال من الجانبين عندنا فلزم تعذر الحل فيه وصيانته عن الحرمة وذلك يجعله رجعة على ما سبق بيانه كما قال
في الجارية ان اللمس منها لو لم يجعل إجازة للبيع وربما يفسخ البيع فتبين ان اللمس حصل في ملك الغير من وجه وما
182

ذكره أبو يوسف ان الرجعة لا تعتبر بغير اختيار الزوج يشكل بما إذا جامعته وهو نائم انه تثبت الرجعة من غير اختيار
الزوج وما ذكر محمد ان اسقاط الخيار ادخال المبيع في ملك المشتري وليس بممنوع بل المبيع يدخل في ملكه
بالسبب السابق عند سقوط الخيار على أن هذا فرقا بين المسئلتين فيما وراء المعنى المؤثر والفرق بين المسئلتين فيما وراء
المعنى المؤثر لا يقدح في الجمع بينهما في المعنى المؤثر قال محمد ولو صدقها الورثة بعد موته أنها لمسته بشهوة لكان ذلك
رجعة لان الورثة قاموا مقامه فكان صدقها قبل موته قال ولو شهد الشهود أنها قبلته بشهوة لم تقبل شهادتهم لان الشهوة
معنى في القلب لا يقف عليه الشهود فلا تقبل شهادتهم فيه وان شهدوا على الجماع قبلت لان الجماع معنى يوقف عليه
ويشاهد ولا يحتاج إلى شرط الشهوة فتقبل فيه الشهادة وأما ركن الرجعة فهو قول أو فعل يدل على الرجعة أما القول
فنحو أن يقول لها راجعتك أو رددتك أو رجعتك أو أعدتك أو راجعت امرأتي أو راجعتها أو رددتها أو أعدتها ونحو
ذلك لان الرجعة رد وإعادة إلى الحالة الأولى ولو قال لها نكحتك أو تزوجتك كان رجعة في ظاهر الرواية وروى
عن أبي حنيفة انه لا يكون رجعة وجه هذه الرواية ان النكاح بعد الطلاق الرجعي قائم من كل وجه فكان قوله
نكحتك اثبات الثابت وأنه محال فلم يكن مشروعا فكان ملحقا بالعدم شرعا فلم يكن رجعة بخلاف قوله راجعتك لان
ذلك ليس باثبات النكاح بل هو استيفاء النكاح الثابت وأنه محل للاستيفاء لأنه انعقد سبب زواله والرجعة فسخ
السبب ومنع له عن العمل فيصح وجه ظاهر الرواية ان النكاح وإن كان ثابتا حقيقة لكن المحل لا يحتمل الاثبات
فيجعل مجازا عن استيفاء الثابت لما بينهما من المشابهة تصحيحا لتصرفه بقدر الامكان وقد قيل في أحد تأويلي
قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن في ذلك أي أزواجهن أحق بنكاحهن في العدة من غيرهم من الرجال والنكاح
المضاف إلى المطلقة طلاقا رجعيا فدل على ثبوت الرجعة بالنكاح وأما الفعل الدال على الرجعة فهو أن يجامعها أو
يمس شيئا من أعضائها لشهوة أو ينظر إلى فرجها عن شهوة أو يوجد شئ من ذلك ههنا على ما بينا ووجه دلالة هذه الأفعال
على الرجعة ما ذكرنا فيما تقدم وهذا عندنا فأما عند الشافعي فلا تثبت الرجعة الا بالقول بناء على أصل
ما ذكرناه والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما شرائط جواز الرجعة فمنها قيام العدة فلا تصح الرجعة بعد انقضاء العدة لان الرجعة استدامة الملك
والملك يزول بعد انقضاء العدة فلا تتصور الاستدامة إذ الاستدامة للقائم لصيانته عن الزوال لا للمزيل كما في البيع
بشرط الخيار للبائع إذا مضت مدة الخيار انه لا يملك استيفاء الملك في المبيع بزوال ملكه بمضي المدة كذا هذا ولو
طهرت عن الحيضة الثالثة ثم راجعها فهذا على وجهين إن كانت أيامها في الحيض عشر لا تصح الرجعة وتحل
للأزواج بمجرد انقطاع العدة لان انقضاءها بانقضاء الحيضة الثالثة وقد انقضت بيقين لانقطاع دم الحيض بيقين
إذ لا مزيد للحيض على عشرة ألا ترى أنها إذا رأت أكثر من عشرة لم يكن الزائد على العشرة حيضا فتيقنا بانقضاء
العدة ولا رجعة بعد انقضاء العدة وإن كانت أيامها دون العشرة فإن كانت تجد ماء فلم تغتسل ولا تيممت وصلت به ولا
مضى عليها وقت كامل من أوقات أدنى الصلوات إليها لا تنقطع الرجعة ولا تحل للأزواج وهذا عندنا وقال الشافعي
لا أعرف بعد الأقراء معنى معتبرا في انقضاء العدة وهذا خلاف الكتاب العزيز والسنة واجماع الصحابة رضي الله عنه
م أما الكتاب فقوله عز وجل ولا تقربوهن حتى يطهرن أي يغتسلن وأما السنة فما روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال الزوج أحق برجعتها ما دامت في مغتسلها وروى ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة وأما اجماع الصحابة
رضي الله عنهم فإنه روى علقمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال كنت عند عمر رضي الله عنه فجاء رجل
وامرأة فقال الرجل زوجتي طلقتها وراجعتها فقالت ما يمنعني ما صنع أن أقول ما كان انه طلقني وتركني حتى حضت
الحيضة الثالثة وانقطع الدم وغلقت بابي ووضعت غسلي وخلعت ثيابي فطرق الباب فقال قد راجعتك فقال عمر رضي الله عنه
قل فيها يا ابن أم عبد فقلت أرى ان الرجعة قد صحت ما لم تحل لها الصلاة فقال عمر لو قلت غير هذا لم أره صوابا
183

وروى عن مكحول أن أبا بكر وعمر وعليا وابن مسعود وأبا الدرداء وعبادة بن الصامت وعبد الله بن قيس الأشعري
رضي الله عنهم كانوا يقولون في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين انه أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة ترثه
ويرثها ما دامت في العدة فاتفقت الصحابة رضي الله عنهم على اعتبار الغسل فكان قوله مخالفا للحديث واجماع الصحابة
فلا يعتد به ولان أيامها إذا كانت أقل من عشرة لم تستيقن بانقطاع دم الحيض لاحتمال المعاودة في أيام الحيض إذ الدم
لا يدر درا واحدا ولكنه يدر مرة وينقطع أخرى فكان احتمال العود قائما والعائد يكون دم حيض إلى العشرة فلم
يوجد انقطاع دم الحيض بيقين فلا يثبت الطهر بيقين فتبقى العدة لأنها كانت ثابتة بيقين والثابت بيقين لا يزول بالشك
كمن استيقن بالحدث وشك في الطهارة بخلاف ما إذا كانت أيامها عشرا لأنه هناك لا يحتمل عود دم الحيض بعد
العشرة إذ العشرة أكثر الحيض فتيقنا بانقطاع دم الحيض فيزول الحيض ضرورة ويثبت الطهر وههنا بخلافه على
ما بينا والشافعي بنى قوله هذا على أصله ان العدة تنقضي بالأطهار لا بالحيض فإذا طعنت في أول الحيضة الثالثة فقد
انقضت العدة من غير حاجة إلى شئ آخر ويستدل على بطلان هذا الأصل في موضعه إن شاء الله تعالى فيبطل الفرع
ضرورة وإذا اغتسلت انقطعت الرجعة لأنه ثبت لها حكم من أحكام الطاهرات وهو إباحة أداء الصلاة إذ لا يباح أداؤها
للحائض فتقرر الانقطاح بقرينة الاغتسال فتنقطع الرجعة وكذا إذا لم تغتسل لكن مضى عليها وقت الصلاة تنقطع
الرجعة لأنه لما مضى عليها وقت الصلاة صارت الصلاة دينا في ذمتها وهذا من أحكام الطاهرات إذ لا تجب الصلاة
على الحائض فلا تصير دينا عليها فاستحكم الانقطاع بهذه القرينة فانقطعت الرجعة وكذلك إذا لم تجد الماء بأن كانت
مسافرة فتيممت وصلت لان صحة الصلاة حكم من أحكام الطاهرات إذ لا صحة لها مع قيام الحيض فقد يضاف إلى
الانقطاع حكم من أحكام الطاهرات فاستحكم الانقطاع فتنقطع الرجعة فاما إذا تيممت ولم تصل فهل تنقطع الرجعة
اختلف فيه أصحابنا قال أبو حنيفة وأبو يوسف لا تنقطع وقال محمد تنقطع (وجه) قوله أنها لما تيممت فقد ثبت لها حكم
من أحكام الطاهرات وهو إباحة الصلاة فلا يبقى الحيض ضرورة كما لو اغتسلت أو تيممت وصلت به (وجه) قولهما
على نحو ما ذكرنا أن أيامها إذا كانت دون العشرة لم تستيقن بانقضاء عدتها بنفس انقطاع الدم من غير قرينة تنضم إليه
لاحتمال ان يعاودها الدم في العشرة فتبين أنها حائض والحيض كان ثابتا بيقين فلا يحكم بزواله الا عند وجود الطهر
بيقين ولم يوجد وبقرينة التيمم لا تصير في حكم الطاهرات بيقين لأنه ليس بطهور حقيقة وإنما جعل طهورا شرعا عند
عدم الماء لقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا والدليل عليه أنها لو رأت الماء قبل الشروع في الصلاة أو بعد
ما شرعت فيها قبل الفراع منها بطل تيممها فكان التيمم طهارة مطلقة شرعا لكن حال عدم الماء واحتمال وجود الماء في كل
ساعة قائم فكان احتمال عدم الطهورية ثابتا فلم توجد الطهارة الحاصلة بيقين فتبقى نجاسة الحيض الا أنه أبيح لها أداء
الصلاة به لعدم الماء في الحالين من حيث الظاهر مع احتمال الوجود فإذا لم تجد الماء وصلت به وفرغت من الصلاة فقد
استحكم العدم فاستحكمت الطهارة الحاصلة بالتيمم فلا يبقى الحيض فاما قبل ذلك فاحتمال عدم الطهارة ثابت لاحتمال
وجود الماء فلا يكون طهارة شرعا بيقين بل مع الاحتمال فيبقى حكم الحيض الثابت بيقين بخلاف الاغتسال لأنه
طهارة بيقين لكون الماء طهورا مطلقا فإذا ثبتت الطهارة بيقين انتفى الحيض ضرورة لأنه ضدها بخلاف التيمم على
ما بيناه وبخلاف ما إذا مضى عليها وقت كامل من أوقات الصلاة لان الصلاة صارت دينا في ذمتها بيقين فقد ثبت في
حقها حكم من أحكام الطاهرات بيقين فلا يبقى الحيض بيقين فتنقضي العدة بيقين ولو اغتسلت بسؤر الحمار انقطعت
الرجعة بنفس الاغتسال بالاجماع ولكنها لا تحل للأزواج لان سؤر الحمار مشكوك فيه أما في طهوريته أو في طهارته
على اختلافهم في ذلك فإن كان ذلك طاهرا أو طهورا انقطعت الرجعة وتحل للأزواج لانقضاء العدة لتقرر الانقطاع
بالاغتسال وان لم يكن أو كان طاهرا غير طهور لا تنقطع الرجعة ولا تحل للأزواج فإذا وقع الشك لزم الاحتياط في ذلك
كله وذلك فيما قلنا وهو أن تنقطع الرجعة ولا تحل للأزواج أخذا بالثقة في الحكمين احترازا عن الحرمة في البابين ولا
184

تصلى بذلك الغسل ما لم تتيمم ولو اغتسلت المعتدة وبقى من بدنها شئ لم يصبه الماء فالباقي لا يخلو اما إن كان عضوا
كاملا واما إن كان أقل من عضو فإن كان عضوا كاملا فله الرجعة وإن كان أقل من عضو فلا رجعة له ثم اختلف أبو
يوسف ومحمد فقال أبو يوسف قوله لا رجعة له في الأقل هذا استحسان والقياس أن يكون له فيه الرجعة فمحمد قاس
المتروك إذا كان عضوا على ترك المضمضة والاستنشاق وقال رحمه الله هناك تنقطع الرجعة والقياس عليه أن تنقطع
هنا أيضا الا أنهم استحسنوا وقالوا لا تنقطع الرجعة لان العضو الكامل مجمع على وجوب غسله وهو مما لا يتغافل عنه
عادة فتنقطع الرجعة كما لو كان المتروك زائدا على عضو بخلاف المضمضة والاستنشاق لان ذلك غير مجمع على وجوبه
مجتهد فيه وأبو يوسف يقول المتروك وان قل فحكم الحدث باق ألا ترى أنه لا تباح معه وان قل ومع بقاء الحدث
لا تثبت الطهارة وهذا يوجب التسوية بين القليل والكثير الا أنهم استحسنوا في القليل وهو ما دون العضو فقالوا إنه
تنقطع الرجعة فيه لان هذا القدر مما يتغافل عنه عادة ويحتمل أيضا أنه أصابه الماء ثم جف فيحكم بانقطاع الرجعة
فيه ويبقى الامر في العضو التام على أصل القياس واختلفت الرواية عن أبي يوسف في المضمضة والاستنشاق روى
عنه أنه تنقطع الرجعة وروى عنه أيضا أنه لا تنقطع الرجعة وقال محمد تبين من زوجها ولكنها لا تحل للأزواج وجه
قوله وهو احدى الروايتين عن أبي يوسف في انقطاع الرجعة أن وجوب المضمضة والاستنشاق مختلف فيه
وموضع الاجتهاد موضع تعارض الأدلة فلا يخلو عن الشك والشبهة والرجعة يسلك بها مسلك الاحتياط فلا يجوز
بقاؤها بالشك فينقطع ولا يجوز اثبات حال التزوج بالشك أيضا لذلك لم يجزه محمد وجه الرواية الأخرى لأبي يوسف
أن الحديث قد بقي في عضو كامل فتبقى الرجعة هذا إذا كانت المطلقة مسلمة فاما إذا كانت كتابية فقد قالوا إن الرجعة
تنقطع عنها بنفس انقطاع الدم لأنها غير مخاطبة بالغسل ولا يلزمها فرض الغسل كالمسلمة إذا اغتسلت (ومنها) عدم
التطليق بشرط والإضافة إلى وقت في المستقبل حتى لو قال الزوج بعد الطلاق ان دخلت الدار فقد راجعتك
أو راجعتك ان دخلت الدار أو ان كلمت زيدا أو إذا جاء غد فقد راجعتك غدا أو رأس شهر كذا لم تصح الرجعة في
قولهم جميعا لان الرجعة استيفاء ملك النكاح فلا يحتمل التعليق بشرط والإضافة إلى وقت في المستقبل كما لا يحتملها
انشاء الملك ولان الرجعة تتضمن انفساخ الطلاق في انعقاده سببا لزوال الملك ومنعه عن عمله في ذلك فإذا علقها
بشرط أو أضافها إلى وقت في المستقبل فقد استبقى الطلاق إلى غاية واستبقاء الطلاق إلى غاية يكون تأبيدا له إذ هو
لا يحتمل التوقيت كما إذا قال لامرأته أنت طالق يوما أو شهرا أو سنة أنه لا يصح التوقيت ويتأبد الطلاق فلا تصح
الرجعة هذا إذا أنشأ الرجعة فاما إذا أخبر عن الرجعة في الزمن الماضي بان قال كنت راجعتك أمس فان صدقته
المرأة فقد ثبتت الرجعة سواء قال ذلك في العدة أو بعد انقضاء العدة بعد إن كانت المرأة في العدة أمس وان كذبته
فان قال ذلك في العدة فالقول قوله لأنه أخبر عما يملك انشاءه في الحال لان الزوج يملك الرجعة في الحال ومن أخبر
عن أمر يملك انشاءه في الحال يصدق فيه إذ لو لم يصدق ينشئه للحال فلا يفيد التكذيب فصار كالوكيل قبل العزل إذا
قال بعته أمس وان قال بعد انقضاء العدة فالقول قولها لأنه أخبر عما لا يملك انشاءه في الحال لأنه لا يملك الرجعة
بعد انقضاء العدة فصار كالوكيل بعد العزل إذا قال قد بعت وكذبه الموكل ولا يمين عليها في قول أبي حنيفة وعند أبي
يوسف ومحمد تستحلف وهذه من المسائل المعدودة التي لا يجرى فيها الاستحلاف عند أبي حنيفة نذكرها في كتاب
الدعوى فان أقام الزوج بينة قبلت بينة وتثبت الرجعة لان الشهادة قامت على الرجعة في العدة فتسمع ولو كانت
المطلقة أمة الغير فقال زوجها بعد انقضاء العدة كنت راجعتك وكذبته الأمة وصدقه المولى فالقول قولها عند أبي
حنيفة ولا تثبت الرجعة وعندهما القول قول الزوج والمولى وتثبت الرجعة لأنها ملك المولى ولأبي حنيفة أن انقضاء
عدتها اخبار منها عن حيضها وذلك إليها لا إلى المولى كالحرة فان قال الزوج لها قد راجعتك فقالت مجيبة له قد انقضت
عدتي فالقول قولها عند أبي حنيفة مع يمينها وقال أبو يوسف ومحمد القول قول الزوج وأجمعوا على أنها لو سكتت
185

ساعة ثم قالت انقضت عدتي يكون القول قول الزوج ولا خلاف أيضا في أنها إذا بدأت فقالت انقضت عدتي فقال
الزوج مجيبا لها موصولا بكلامها راجعتك يكون القول قولها وجه قولهما أن قول الزوج راجعتك وقع رجعة صحيحة
لقيام العدة من حيث الظاهر فكان القول قول المرأة انقضت عدتي اخبارا عن انقضاء العدة ولا عدة لبطلانها
بالرجعة فلا يسمع كما لو سكتت ساعة ثم قالت انقضت عدتي ولان قولها انقضت عدتي إن كان اخبارا عن انقضاء
العدة في زمان متقدم على قول الزوج لا يقبل منها بالاجماع كما لو أسندت الخبر عن الانقضاء إليه نصابان قالت كانت
عدتي قد انقضت قبل رجعتك لأنها متهمة في التأخير في الاخبار وإن كان ذلك اخبارا عن انقضاء العدة في زمان
مقارن لقول الزوج فهذا نادرا فلا يقبل قولهما ولأبي حنيفة أن المرأة أمينة في اخبارها عن انقضاء العدة فان الشرع
ائتمنها في هذا الباب قال الله تعالى ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر
قيل في التفسير انه الحيض والحبل نهاهن سبحانه وتعالى عن الكتمان والنهى عن الكتمان أمر بالاظهار إذ النهى عن
الشئ أمر بضده بالاظهار أمر بالقبول لتظهر فائدة الاظهار فلزم قبول قولها وخبرها بانقضاء العدة ومن ضرورة
قبول الاخبار بانقضاء العدة حلها للأزواج ثم إن كانت عدتها انقضت قبل قول الزوج راجعتك فقوله راجعتك يقع بعد
انقضاء عدتها فلا يصح وإن كانت انقضت حال قوله راجعتك فيقع حال قوله راجعتك حال انقضاء العدة وكما لا تصح
الرجعة بعد انقضاء العدة لا تصح حال انقضائها لأن العدة حال انقضائها منقضية فكان ذلك رجعة لمنقضية العدة فلا
تصح فان قيل يحتمل أنها انقضت حال اخبارها عن الانقضاء واخبارها متأخر عن قوله راجعتك فكان انقضاء العدة
متأخرا عنه ضرورة فتصح الرجعة فالجواب إذا احتمل ما قلنا واحتمل ما قلتم وقع الشك في صحة الرجعة والأصل ان
ما لم يكن ثابتا إذا وقع الشك في ثبوته لا يثبت مع الشك والاحتمال خصوصا فيما يحتاط فيه ولا سيما إذا كان جهة الفساد
آكد وههنا جهة الفساد آكد لأنها تصح من وجه وتفسد من وجهين فالأولى أن لا يصح والله عز وجل الموفق
ثم عند أبي حنيفة تستحلف وإذا نكلت يقضى بالرجعة وهذا يشكل على أصله لان الاستحلاف للنكول والنكول
بدل عنده والرجعة لا تحتمل البدل لكن الاستحلاف قد يكون للنكول ليقضى به وقد يكون لا للنكول بل لنفى التهمة
بالحلف ألا ترى أنه يستحلف عنده فيما لا يقضى بالنكول أصلا كما في دعوى القصاص في النفس نفيا للتهمة والمرأة
وإن كانت أمينة لكن الأمين قد يستحلف لنفى التهمة بالحلف فإذا نكلت فقد تحققت التهمة فلم يبق قولها حجة فبقيت
الرجعة على حالها حكما لاستصحاب الحال لعدم دليل الزوال لأنه جعل نكولها بدلا مع ما أنه يمكن تحقيق معنى البدل
ههنا لما ذكرنا أنها بالنكول صارت متهمة فخرج قولها من أن يكون حجة للتهمة فتبقى العدة وأثرها في المنع من الأزواج
والسكون في منزل الزوج فقط ثم يقضى بالرجعة حكما لاستصحاب الحال لأنها باخبارها بانقضاء عدتها حلت
للأزواج وإذا نكلت فقد بدلت الامتناع من الأزواج والسكون في منزل الزوج وهذا معنى يحتمل البدل ومنها عدم
شرط الخيار حتى لو شرط الخيار في الرجعة لم يصح لأنها استبقاء النكاح فلا يحتمل شرط الخيار كما لا يحتمل الانشاء
(ومنها) أن يكون أحد نوعي ركن الرجعة وهو القول منه لا منها حتى لو قالت للزوج راجعتك لم يصح لقوله سبحانه
وتعالى بعولتهن أحق بردهن أي أحق برجعتهن منهن ولو كانت لها ولاية الرجعة لم يكن الزوج أحق بالرجعة منها
فظاهر النص يقتضى ان لا يكون لها ولاية الرجعة أصلا الا أن جواز الرجعة بالفعل منها عرفناه بدليل آخر وهو ما بينا
وأما رضا المرأة فليس بشرط لجواز الرجعة وكذا المهر لقوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن مطلقا عن شرط الرضا
والمهر ولأنه لو شرط الرضا والمهر لم يكن الزوج أحق برجعتها منها لأنه لا يملك بدون رضاها والمهر فيؤدى إلى الخلف
في خبر الله عز وجل وهذا لا يجوز ولان الرجعة شرعت لامكان التدارك عند الندم فلو شرط رضاها لا يمكنه التدارك
لأنها عسى لا ترضى وعسى لا يجد الزوج المهر وكذا كون الزوج طائعا وجادا وعامدا ليس بشرط لجواز الرجعة
فتصح الرجعة مع الاكراه والهزل واللعب والخطأ لان الرجعة استبقاء النكاح وأنه دون الانشاء ولم تشترط هذه
186

الأشياء للانشاء فلان لا تشترط للاستبقاء أولى وقد روى في بعض الروايات ثلاث جدهن جد وهزلهن جد
النكاح والرجعة والطلاق
(فصل) وأما حكم الطلاق البائن فالطلاق البائن نوعان أحدهما الطلقات والثاني الطلقة الواحدة البائنة والثنتان
البائنتان ويختلف حكم كل واحد من النوعين وجملة الكلام فيه ان الزوجين إما إن كانا حرين وإما إن كانا مملوكين وإما
إن كان أحدهما حرا والآخر مملوكا فإن كانا حرين فالحكم الأصلي لما دون الثلاث من الواحدة البائنة والثنتين
البائنتين هو نقصان عدد الطلاق وزوال الملك أيضا حتى لا يحل له وطؤها الا بنكاح جديد ولا يصح ظهاره وايلاؤه
ولا يجرى اللعان بينهما ولا يجرى التوارث ولا يحرم حرمة غليظة حتى يجوز له نكاحها من غير أن تتزوج بزوج آخر
لان ما دون الثلاثة وإن كان بائنا فإنه يوجب زوال الملك لا زوال حل المحلية وأما الطلقات الثلاث فحكمها الأصلي
هو زوال الملك وزوال حل المحلية أيضا حتى لا يجوز له نكاحها قبل التزوج بزوج آخر لقوله عز وجل فان طلقها فلا
تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وسواء طلقها ثلاثا متفرقا أو جملة واحدة لان أهل التأويل اختلفوا في مواضع
التطليقة الثالثة من كتاب الله قال بعضهم هو قوله تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره بعد قوله
الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان وقالوا الامساك بالمعروف هو الرجعة والتسريح بالاحسان
هو أن يتركها حتى تنقضي عدتها وقال بعضهم هو قوله تعالى أو تسريح باحسان فالتسريح هو الطلقة الثالثة وعلى ذلك
جاء الخبر وكل ذلك جائز محتمل غير أنه إن كان التسريح هو تركها حتى تتقضى عدتها كان تقدير قوله سبحانه وتعالى فان
طلقها فلا تحل له أي طلقها تطليقة ثالثة وإن كان المراد من التسريح التطليقة الثالثة كان تقدير قوله تعالى فان طلقها أي
طلقها طلاقا ثلاثا فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وإنما تنتهى الحرمة وتحل للزوج الأول بشرائط منها
النكاح وهو أن تنكح زوجا غيره لقوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره نفى الحل وحد النفي إلى غاية التزوج بزوج آخر
والحكم الممدود إلى غاية لا ينتهى قبل وجود الغاية فلا تنتهى الحرمة قبل التزوج فلا تحل للزوج الأول قبله ضرورة
وعلى هذا يخرج ما إذا وطئها انسان بالزنا أو بشبهة أنها لا تحل لزوجها لعدم النكاح وكذا إذا وطئها المولى بملك اليمين
بأن حرمت أمته المنكوحة على زوجها حرمة غليظة وانقضت عدتها فوطئها المولى لا تحل لزوجها لان الله تعالى نفى
الحل إلى غاية فلا ينتهى النفي قبل وجود النكاح ولم يوجد وكذا روى عن علي رضي الله عنه أنه قال في هذه المسألة
ليس بزوج يعنى المولى وروى أن عثمان سئل عن ذلك وعنده علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما فرخص في ذلك
عثمان وزيد وقالا هو زوج فقام على مغضبا كارها لما قالا وقد روى أنه قال ليس بزوج وكذا إن اشتراها الزوج
قبل أن تنكح زوجا غيره لم تحل له بملك اليمين وكذا إذا أعتقت لما قلنا
(فصل) ومنها أن يكون النكاح الثاني صحيحا حتى لو تزوجت رجلا نكاحا فاسدا ودخل بها لا تحل للأول لان
النكاح الفاسد ليس بنكاح حقيقة ومطلق النكاح ينصرف إلى ما هو نكاح حقيقة ولو كان النكاح الثاني مختلفا في
فساده ودخل بها لا تحل للأول عند من يقول بفساده لما قلنا فان تزوجت بزوج آخر ومن نيتها التحليل فإن لم يشرطا
ذلك بالقول وإنما نويا ودخل بها على هذه النية حلت في قولهم جميعا لان مجرد النية في المعاملات غير معتبر فوقع
النكاح صحيحا لاستجماع شرائط الصحة فتحل للأول كما لو نويا التوقيت وسائر المعاني المفسدة وان شرط
الاحلال بالقول وأنه يتزوجها لذلك وكان الشرط منها فهو نكاح صحيح عند أبي حنيفة وزفر وتحل للأول ويكره
للثاني والأول وقال أبو يوسف النكاح الثاني فاسد وان وطئها لم تحل للأول وقال محمد النكاح الثاني صحيح ولا
تحل للأول (وجه) قول أبى يوسف ان النكاح تشرط الاحلال في معنى النكاح المؤقت وشرط التوقيت في
النكاح يفسده والنكاح الفاسد لا يقع به التحليل ولمحمد ان النكاح عقد مؤبد فكان شرط الاحلال استعجال
ما أخره الله تعالى لغرض الحل فيبطل الشرط ويبقى النكاح صحيحا لكن لا يحصل به الغرض كمن قتل مورثه أنه
187

يحرم الميراث لما قلنا كذا هذا ولأبي حنيفة ان عمومات النكاح تقتضي الجواز من غير فصل بين ما إذا شرط فيه
الاحلال أو لا فكان النكاح بهذا الشرط نكاحا صحيحا فيدخل تحت قوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره فتنتهي
الحرمة عند وجوده الا أنه كره النكاح بهذا الشرط لغيره وهو أنه شرط ينافي المقصود من النكاح وهو السكن
والتوالد والتعفف لان ذلك يقف على البقاء والدوام على النكاح وهذا والله أعلم معنى الحاق اللعن بالمحلل في قوله
صلى الله عليه وسلم لعن الله المحلل والمحلل له وأما الحاق اللعن بالزوج الأول وهو المحلل له فيحتمل أن يكون لوجهين
أحدهما أنه سبب لمباشرة الزوج الثاني هذا النكاح لقصد الفراق والطلاق دون الابقاء وتحقيق ما وضع
له والمسبب شريك المباشر في الاسم والثواب في التسبب للمعصية والطاعة والثاني أنه باشر ما يفضى إلى الذي
تنفر منه الطباع السليمة وتكرهه من عودها إليه من مضاجعة غيره إياها واستمتاعه بها وهو الطلقات الثلاث
إذ لولاها لما وقع فيه فكان الحاقه اللعن به لأجل الطلقات والله عز وجل أعلم وأما قول أبى يوسف ان
التوقيت في النكاح يفسد النكاح فنقول المفسد له هو التوقيت نصا ألا ترى أن كل نكاح مؤقت فإنه يتوقت
بالطلاق وبالموت وغير ذلك ولم يوجد التوقيت نصا فلا يفسد وقول محمد انه استعجال ما أجله الله تعالى ممنوع فان
استعجال ما أجله الله تعالى لا يتصور لان الله تعالى إذا ضرب لأمر أجلا لا يتقدم ولا يتأخر فإذا طلقها الزوج
الثاني تبين ان الله تعالى أجل هذا النكاح إليه ولهذا قلنا إن المقتول ميت بأجله خلافا للمعتزلة ومنها الدخول
من الزوج الثاني فلا تحل لزوجها الأول بالنكاح الثاني حتى يدخل بها وهذا قول عامة العلماء وقال سعيد بن
المسيب تحل بنفس العقد واحتج بقوله تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره والنكاح هو
العقد وإن كان يستعمل في العقد والوطئ جميعا عند الاطلاق لكنه يصرف إلى العقد عند وجود القرينة وقد وجدت
لأنه أصاف النكاح إلى المرأة بقوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره والعقد يوجد منها كما يوجد من الرجل فاما الجماع
فإنه يقوم بالرجل وحده والمرأة محله فانصرف إلى العقد بهذه القرينة فإذا وجد العقد تنتهى الحرمة بظاهر النص
ولنا قوله تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره والمراد من النكاح الجماع لان النكاح في اللغة هو
الضم حقيقة وحقيقة الضم في الجماع وإنما العقد سبب داعى إليه فكان حقيقة للجماع مجازا للعقد مع ما انا لو حملناه
على العقد لكان تكرارا لان معنى العقد يفيده ذكر الزوج فكان الحمل على الجماع أولى بقي قوله إنه أضاف
النكاح إليها والجماع مما تصح اضافته إلى الزوجين لوجود معنى الاجتماع منهما حقيقة فأما الوطئ ففعل الرجل
حقيقة لكن إضافة النكاح إليها من حيث هو ضم وجمع لا من حيث هو وطئ ثم إن كان المراد من النكاح في الآية
هو العقد فالجماع يضمر فيه عرفنا ذلك بالحديث المشهور وضرب من المعقول أما الحديث فما روينا عن عائشة رضي الله عنه
ا ان رفاعة القرظي طلق امرأته ثلاثا فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقالت إن رفاعة طلقني وبت طلاقي فتزوجني عبد الرحمن بن الزبير ولم يكن معه الا مثل هدبة الثوب فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي من عسيلته ويذوق من عسيلتك وعن ابن عمر وأنس
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث ولم يذكر قصة امرأة رفاعة وهو ما روى عنهما ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم سئل وهو على المنبر عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها غيره فأغلق الباب وأرخى الستر وكشف
الخمار ثم فارقها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر وأما المعقول فهو ان الحرمة
الغليظة إنما تثبت عقوبة للزوج الأول بما أقدم على الطلاق الثلاث الذي هو مكروه شرعا زجرا ومنعا له عن ذلك
لكن إذا تفكر في حرمتها عليه الا بزوج آخر الذي تنفر منه الطباع السليمة وتكرهه انزجر عن ذلك ومعلوم ان العقد
بنفسه لا تنفر عنه الطباع ولا تكرهه إذ لا يشتد على المرأة مجرد النكاح ما لم يتصل به الجماع فكان الدخول شرطا فيه
ليكون زجرا له ومنعا عن ارتكابه فكان الجماع مضمرا في الآية الكريمة كأنه قال عز وجل حتى تنكح زوجا غيره
188

ويجامعها وأما الانزال فليس بشرط للاحلال لان الله تعالى جعل الجماع غاية الحرمة والجماع في الفرج هو التقاء
الختانين فإذا وجد فقد انتهت الحرمة وسواء كان الزوج الثاني بالغا أو صبيا يجامع فجامعها أو مجنونا فجامعها لقوله تعالى
حتى تنكح زوجا غيره من غير فصل بين زوج وزوج ولان وطئ الصبي والمجنون يتعلق به أحكام النكاح من المهر
والتحريم كوطئ البالغ العاقل وكذلك الصغيرة التي يجامع مثلها إذا طلقها زوجها ثلاثا ودخل بها الزوج الثاني حلت
للأول لاطلاق قوله تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ولان وطأها يتعلق به أحكام الوطئ من
المهر والتحريم فصار كوطئ البالغة وسواء كان الزوج الثاني حرا أو عبدا قنا أو مدبرا أو مكاتبا بعد ان تزوج بإذن مولاه
ودخل بها لقوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره مطلقا من غير فصل ولان أحكام النكاح تتعلق بوطئ هؤلاء كما
تتعلق بوطئ الحر وكذا إذا كان مشلولا ينتشر له ويجامع لوجود الجماع في النكاح الصحيح وإنما الفائت هو الانزال
وذا ليس بشرط كالفحل إذا جامع ولم ينزل وأما المجبوب فإنه لا يحلها للأول لأنه لا يتحقق منه الجماع وإنما يوجد منه
السحق والملاصقة والتحليل يتعلق بالجماع وانه اسم لالتقاء الختانين ولم يوجد فلا تحل للأول وان حملت امرأة
المجبوب وولدت هل تحل للأول قال أبو يوسف حلت للأول وكانت محصنة وقال زفر لا تحل للأول ولا تكون
محصنة وهو قول الحسن وجه قول زفر ظاهر لان ثبوت النسب ليس بوطئ حقيقة بل يقام مقام الوطئ حكما
والتحليل يتعلق حقيقة لا حكما كالخلوة فإنها لا تفيد الحل وان أقيم مقام الوطئ حكما كذا هذا ولان النسب يثبت من
صاحب الفراش مع كون المرأة زانية حقيقة لكونه مولودا على الفراش والتحليل لا يقع بالزنا ولأبي يوسف ان
النسب ثابت منه وثبوت النسب حكم الوطئ في الأصل فصار كالدخول سواء وطئها الزوج الثاني في حيض أو
نفاس أو صوم أو احرام لوجود الدخول في النكاح الصحيح ولو كانت كتابية تحت مسلم طلقها ثلاثا فنكحت
كتابيا نكاحا يقر ان عليه لو أسلما ودخل بها فإنها تحل للزوج الأول لوجود الدخول في النكاح الصحيح في حقهم
لأنهم يقرون عليه بعد الاسلام فصار كنكاح المسلمين وسواء كانت المرأة مطلقة من زوج واحد أو من زوجين أو
أكثر من ذلك فالزوج الواحد إذا دخل بها تحل للزوجين أو أكثر من ذلك بان طلق الرجل امرأته ثلاثا فتزوجت
بزوج آخر فطلقها الثاني قبل ان يدخل بها ثلاثا ثم تزوجت زوجا ثالثا ودخل بها حلت للأولين لقوله تعالى فان طلقها
فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره جعل الزوج الثاني منهيا للحرمة من غير فصل بين ما إذا حرمت على زوج
واحد أو أكثر ثم وطئ الزوج الثاني هل يهدم ما كان في ملك الزوج الأول من الطلاق لا خلاف في أنه يهدم الثلاث
وهل يهدم ما دون الثلاث قال أبو حنيفة وأبو يوسف يهدم وقال محمد لا يهدم وبه أخذ الشافعي وقد ذكرنا الحجج
والشبه فيما تقدم وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا فغابت عنه مدة ثم أتته فقالت إن تزوجت زوجا غيرك ودخل بي
وطلقني وانقضت عدتي قال محمد لا بأس ان يتزوجها ويصدقها إذا كانت ثقة عنده أو وقع في قلبه انها صادقة لان
هذا من باب الديانة وخبر العدل في باب الديانة مقبول رجلا كان أو امرأة كما في الاخبار عن طهارة الماء ونجاسته وكما
في رواية الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فان تزوجها ولم تخبره بشئ فلما وقع قالت لم أتزوج زوجا غيرك
أو قالت تزوجت ولم يدخل بي أو قالت قد خلا بي وجامعني فيما دون الفرج وكذبها الأول وقال قد دخل بك الثاني
لم يذكر هذا في ظاهر الرواية وذكر الحسن بن زياد ان القول قول المرأة في ذلك كله لان هذا المعنى لا يعلم الا من جهتها
فكان القول قولها كما في الخبر عن الحيض والحبل وفيه اشكال وهو انه إنما يجعل القول قولها إذا لم يسبق منها
ما يكذبها وقد سبق منها ما يكذبها في قولها وهو اقدامها على النكاح من الزوج الأول لان شيئا من ذلك لا يجوز
الا بعد التزوج بزوج آخر والدخول بها فكان فعلها مناقضا لقولها فلا يقبل وإن كان الزوج هو الذي قال لها لم
تتزوجي أو قال لم يدخل بك الثاني وقالت المرأة قد دخل بي قال الحسن القول قول المرأة وهذا صحيح لما ذكرنا ان هذا
إنما يعلم من جهتها ولم يوجد منها دليل التناقض فكان القول قولها قال ويفسد النكاح بقول الزوج ولها نصف
189

المسمى إن كان لم يدخل بها والكل إن كان قد دخل بها لان الزوج معترف بالحرمة وقوله فيما يرجع إلى الحرمة
مقبول لأنه يملك انشاء الحرمة فكان اعترافه بفساد النكاح بمنزلة انشاء الفرقة فيقبل قوله فيه ولا يقبل في اسقاط حقها
من المهر والله عز وجل أعلم وإن كان الزوجان مملوكين فحكم الواحد البائنة لا يختلف وأما حكم الثنتين فحكمهما في
المملوكين ما هو حكم الثلاث في الحرين بلا خلاف لقوله صلى الله عليه وسلم طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان وقوله
صلى الله عليه وسلم يطلق العبد ثنتين وإن كان أحدهما حرا والاخر مملوكا فيعتبر فيه جانب النساء عندنا وعند الشافعي
جانب الرجال بناء على أن اعتبار الطلاق بهن عندنا وعنده بهم لا بهن والمسألة قد تقدمت والله عز وجل أعلم
(فصل) هذا الذي ذكرنا بيان الحكم الأصلي للطلاق وأما الذي هو من التوابع فنوعان نوع يعم الطلاق
المعين والمبهم ونوع يخص المبهم أما الذي يعم المعين والمبهم فوجوب العدة على بعض المطلقات دون بعض وهي
المطلقة المدخول بها والكلام في العدة في مواضع في تفسير العدة في عرف الشرع وبيان وقت وجوبها في بيان
أنواع العدد وسبب وجوب كل نوع وماله وجب وشرط وجوبه وفي بيان مقادير العدد وفي بيان انتقال العدة
وتغيرها وفي بيان أحكام العدة وفي بيان ما يعرف به انقضاء العدة وما يتصل بها أما تفسير العدة وبيان وقت وجوبها
فالعدة في عرف الشرع اسم لأجل ضرب لانقضاء ما بقي من آثار النكاح وهذا عندنا وعند الشافعي هي اسم لفعل
التربص وعلى هذا ينبنى العدتان إذا وجبتا انهما يتداخلان سواء كانتا من جنس واحد أو من جنسين وصورة
الجنس الواحد المطلقة إذا تزوجت في عدتها فوطئها الزوج ثم تاركا حتى وجبت عليها عدة أخرى فان العدتين
يتداخلان عندنا وصورة الجنسين المختلفين المتوفى عنها زوجها وإذا وطئت بشبهة تداخلت أيضا وتعتد بما رأته من
الحيض في الأشهر من عدة الوطئ عندنا وقال الشافعي تمضي في العدة الأولى فإذا انقضت استأنفت الأخرى
احتج بقوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وقوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا
يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا وقوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن في ذلك أي في التربص ومعلوم ان
الزوج إنما يملك الرجعة في العدة فدل ان العدة تربص سمى الله تعالى العدة تربصا وهو اسم للفعل وهو الكف
والفعلان وإن كانا من جنس واحد لا يتأديان بأحدهما كالكف في باب الصوم وغير ذلك ولنا قوله تعالى ولا
تعزموا عقد النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله سمى الله تعالى العدة أجلا والأجل اسم لزمان مقدر مضروب
لانقضاء أمر كآجال الديون وغيرها سميت العدة أجلا لكونه وقتا مضروبا لانقضاء ما بقي من آثار النكاح
والآجال إذا اجتمعت تنقضي بمدة واحدة كالآجال في باب الديون والدليل على أنها اسم للأجل لا للفعل انها
تنقضي من غير فعل التربص بأن لم تجتنب عن محظورات العدة حتى أنقضت المدة ولو كانت فعلا لما تصور
انقضاؤها مع ضدها وهو الترك وأما الآيات فالتربص هو التثبت والانتظار قال تعالى فتربصوا به حتى حين
وقال سبحانه وتعالى يتربص بكم الدوائر وقال سبحانه فتربصوا انا معكم متربصون والانتظار يكون في الآجال
المعتدة تنتظر انقضاء المدة المضروبة وبه تبين ان التربص ليس هو فعل الكف على أنا ان سلمنا انه كف لكنه
ليس بركن في الباب بل هو تابع بدليل انه تنقضي العدة بدونه على ما بينا وكذا تنقضي بدون العلم به ولو كان ركنا
لما تصور الانقضاء بدونه وبدون العلم به وعلى هذا يبنى وقت وجوب العدة انها تجب من وقت وجود سبب
الوجوب من الطلاق والوفاة وغير ذلك حتى لو بلغ المرأة طلاق زوجها أو موته فعليها العدة من يوم طلق أو مات
عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم وحكى عن علي رضي الله عنه أنه قال من يوم يأتيها الخبر وجه البناء على
هذا الأصل ان الفعل لما كان ركنا عنده فايجاب الفعل على من لا علم له به ولا سبب إلى الوصول إلى العلم به ممتنع
فلا يمكن ايجابه الا من وقت بلوغ الخبر لأنه وقت حصول العلم به ولما كان الركن هو الأجل عندنا وهو مضى الزمان
لا يقف وجوبه على العلم به كمضي سائر الأزمنة ثم قد بينا انه لا يقف على فعلها أصلا وهو الكف فإنها لو علمت فلم
190

تكف ولم تجتنب ما تجتنبه المعتدة حتى أنقضت المدة انقضت عدتها وإذا لم يقف على فعلها فلان لا يقف على علمها به
أولى وما روى عن علي رضي الله عنه محمول على أنها لم تعلم وقت الموت فأمرها بالاخذ باليقين وبه نقول وقد روى عنه
رضي الله عنه في العدة انها من يوم الطلاق مثل قول العامة فاما ان يحمل على الرجوع أو على ما قلنا وأما بيان أنواع العدد
فالعدد في الشرع أنواع ثلاثة عدة الأقراء وعدة الأشهر وعدة الحبل أما عدة الأقراء فلوجوبها أسباب منها الفرقة
في النكاح الصحيح سواء كانت بطلاق أو بغير طلاق وإنما تجب هذه العدة لاستبراء الرحم وتعرف براءتها عن
الشغل بالولد لأنها لو لم تجب ويحتمل انها حملت من الزوج الأول فتتزوج بزوج آخر وهي حامل من الأول فيطأها
الثاني فيصير ساقيا ماءه زرع غيره وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره وكذا إذا جاءت بولد يشتبه النسب فلا يحصل المقصود ويضيع
الولد أيضا لعدم المربى والنكاح سببه فكان تسببا إلى هلاك الولد وهذا لا يجوز فوجبت العدة ليعلم بها فراغ الرحم وشغلها
فلا يؤدى إلى هذه العواقب الوخيمة وشرط وجوبها الدخول أو ما يجرى مجرى الدخول وهو الخلوة الصحيحة
في النكاح الصحيح دون الفاسد فلا يجب بدون الدخول والخلوة الصحيحة لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا
نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها ولان وجوبها بطريق استبراء
الرحم على ما بينا والحاجة إلى الاستبراء بعد الدخول لا قبله الا ان الخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح أقيمت
مقام الدخول في وجوب العدة التي فيها حق الله تعالى لان حق الله تعالى يحتاط في ايجابه ولان التسليم بالواجب
بالنكاح قد حصل بالخلوة الصحيحة فتجب به العدة كما تجب بالدخول بخلاف الخلوة في النكاح الفاسد لان الخلوة
الصحيحة إنما أقيمت مقام الدخول في وجوب العدة مع أنها ليست بدخول حقيقة لكونها سبب مفضيا إليه فأقيمت
مقامه احتياطا إقامة للسبب مقام المسبب فيما يحتاط فيه والخلوة في النكاح الفاسد لا تفضى إلى الدخول لوجود المانع
وهو فساد النكاح وحرمة الوطئ فلم توجد الخلوة الحقيقة إذ هي لا تتحقق الا بعد انتفاء الموانع أو وجدت بصفة الفساد
فلا تقوم مقام الدخول وكذا التسليم الواجب بالعقد لم يوجد لان النكاح الفاسد لا يوجب التسليم فلا تجب العدة
وأما الخلوة الفاسدة في النكاح الصحيح فقد ذكرنا تفصيل الكلام فيها في كتاب النكاح وسواء كانت المطلقة
حرة أو أمة قنة أو مدبرة أو مكاتبة أو مستسعاة لا يختلف أصل الحكم باختلاف الرق والحرية لان ما وجب له لا يختلف
باختلافهما وإنما يختلف في القدر لما تبين والكلام في القدر يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وسواء كانت مسلمة أو
كتابية تحت مسلم الحرة كالحرة والأمة كالأمة لأن العدة تجب بحق الله وبحق الزوج قال تعالى فما لكم عليهن من عدة
تعتدونها والكتابية مخاطبة بحقوق العباد فتجب عليها العدة وتجبر عليها لأجل حق الزوج والوالد لأنها من أهل ايفاء
حقوق العباد وإن كانت تحت ذمي فلا عدة عليها في الفرقة ولا في الموت في قول أبي حنيفة إذا كان ذلك كذلك في دينهم
حتى لو تزوجت في الحال جاز وعند أبي يوسف ومحمد عليها العدة وذكر الكرخي في جامعه في الذمية تحت ذمي إذا
مات عنها أو طلقها فتزوجت في الحال جاز الا أن تكون حاملا فلا يجوز نكاحها وجه قولهما ان الذمية من أهل دار
الاسلام ألا ترى ان أهل الذمة يجرى عليهم سائر أحكام الاسلام كذا هذا الحكم ولأبي حنيفة انه لو وجبت عليها
العدة اما أن تجب بحق الله تعالى أو بحق الزوج ولا سبيل إلى ايجابها بحق الزوج لان الزوج لا يعتقد حقا لنفسه
ولا وجه إلى ايجابها بحق الله تعالى لأن العدة فيها معنى القربة وهي غير مخاطبة بالقربات الا انها إذا كانت حاملا تمنع
من التزويج لان وطئ الزوج الثاني يوجب اشتباه النسب وحفظ النسب حق الولد فلا يملك ابطال حقه فكان على
الحكم استيفاء حقه بالمنع من التزويج ولا عدة على المهاجرة في قول أبي حنيفة وعندهما عليها العدة والمسألة مرت
في كتاب النكاح فان جاء الزوج مسلما وتركها في دار الحرب فلا عدة عليها في قولهم جميعا لان على أصل أبي حنيفة
الكافرة تلزمها العدة لحق المسلم واختلاف الدارين يمنع ثبوت الحق لأحدهما على الآخر وعلى أصلهما وجوب
191

العدة على الكافرة لجريان حكمنا على أهل الذمة ولا يجري حكمنا على الحربية ولا عدة على الزانية حاملا كانت أو غير
حامل لان الزنا لا يتعلق به ثبوت النسب ومنها الفرقة في النكاح الفاسد بتفريق القاضي أو بالمتاركة وشرطها الدخول
لان النكاح الفاسد يجعل منعقدا عند الحاجة وهي عند استيفاء المنافع وقد مست الحاجة إلى الانعقاد لوجوب العدة
وصيانة للماء عن الضياع بثبوت النسب وتجب هذه العدة على الحرة والأمة والمسلمة والكتابية لان الموجب لا
يوجب الفصل ويستوى فيها الفرقة والموت لان وجوب هذه العدة على وجه الاستبراء وقد مست الحاجة في
الاستبراء لوجود الوطئ فأما عدة الوفاة فإنما تجب لمعنى آخر وهو اظهار الحزن على ما فاتها من نعمة النكاح على ما
نذكر إن شاء الله تعالى والنكاح الفاسد ليس بنكاح على الحقيقة فلم يكن نعمة ثم يعتبر الوجوب في الفرقة من وقت
الفرقة وفي الموت من وقت الموت عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر من آخر وطئ وطئها والمسألة مرت في كتاب
النكاح ومنها الوطئ عن شبهة النكاح بان زفت إليه غير امرأته فوطئها لان الشبهة تقام مقام الحقيقة في موضع الاحتياط
وايجاب العدة من باب الاحتياط ومنها عتق أم الولد ومنها موت مولاها بان أعتقها سيدها أو مات عنها وسبب
وجوب هذه العدة هو زوال الفراش وهذا عندنا وعند الشافعي لا عدة عليها وإنما عليها الاستبراء بحيضة واحدة
وسبب وجوبها عنده هو زوال ملك اليمين ونذكر المسألة في بيان مقادير العدد إن شاء الله تعالى
(فصل) وأما عدة الأشهر فنوعان نوع يجب بدلا عن الحيض ونوع يجب أصلا بنفسه أما الذي يجب بدلا
عن الحيض فهو عدة الصغيرة والآيسة والمرأة التي لم تحض رأسا في الطلاق وسبب وجوبها هو الطلاق وهو سبب
وجوب عدة الأقراء وانها تجب قضاء لحق النكاح الذي استوفي فيه المقصود وشرط وجوبها شيئان أحدهما
أحد الأشياء الثلاثة الصغر أو الكبر أو فقد الحيض أصلا مع عدم الصغر والكبر والأصل فيه قوله تعالى واللائي يئسن
من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن والثاني الدخول أو ما هو في معناه وهو الخلوة
الصحيحة في النكاح الصحيح لعموم قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن
تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها من غير تخصيص الا أن الخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح ألحقت
بالدخول في حق وجوب العدة لما ذكرنا انها ألحقت به في حق تأكيد كل المهر ففي وجوب العدة أولى احتياطا وتجب
هذه العدة على الحرة والأمة وأصل الوجوب ان ما وجبت له لا يختلف وهو ما بينا وإنما يختلفان في مقدار الواجب على
ما نذكر إن شاء الله تعالى وكذا يستوى فيها المسلمة والكتابية لعموم النص وكذا المعنى الذي له وجبت لا يوجب
الفصل وأما الذي يجب أصلا بنفسه فهو عدة الوفاة وسبب وجوبها الوفاة قال الله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون
أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا وانها تجب لاظهار الحزن بفوت نعمة النكاح إذا النكاح كان نعمة
عظيمة في حقها فان الزوج كان سبب صيانتها وعفافها وايفائها بالنفقة والكسوة والمسكن فوجبت عليها العدة اظهارا
للحزن بفوت النعمة وتعريفا لقدرها وشرط وجوبها النكاح الصحيح فقط فتجب هذه العدة على المتوفي عنها زوجها
سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها وسواء كانت ممن تحيض أو ممن لا تحيض لعموم قوله عز وجل والذين
يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ولما ذكرنا انها تجب اظهارا للحزن بفوت
نعمة النكاح وقد وجد وإنما شرطنا النكاح الصحيح لان الله تعالى أوجبها على الأزواج ولا يصير زوجا حقيقة الا
بالنكاح الصحيح وسواء كانت مسلمة أو كتابية تحت مسلم لعموم النص ولوجود المعنى الذي وجبت له وسواء
كانت حرة أو أمة أو مدبرة أو مكاتبة أو مستسعاة لا يختلف أصل الحكم لان ما وجبت له لا يختلف وإنما يختلف
القدر لما نذكر
(فصل) وأما عدة الحبل فهي مدة الحمل وسبب وجوبها الفرقة أو الوفاة والأصل فيه قوله تعالى وأولات
الأحمال أجلهن ان يضعن حملهن أي انقضاء أجلهن أن يضعن حملهن وإذا كان انقضاء أجلهن بوضع حملهن كان
192

أجلهن لان أجلهن مدة حملهن وهذه العدة إنما تجب لئلا يصير الزوج بها ساقيا ماءه زرع غيره وشرط وجوبها أن يكون
الحمل من النكاح صحيحا كان أو فاسدا لان الوطئ في النكاح الفاسد يوجب العدة ولا تجب على الحامل بالزنا لان
الزنا لا يوجب العدة الا أنه إذا تزوج امرأة وهي حامل من الزنا جاز النكاح عند أبي حنيفة ومحمد لا يجوز له أن يطأها ما لم
تضع لئلا يصير ساقيا ماءه زرع غيره
(فصل) وأما بيان مقادير العدة وما تنقضي به فأما عدة الأقراء فإن كانت المرأة حرة فعدتها ثلاثة قروء لقوله تعالى
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وسواء وجبت بالفرقة في النكاح الصحيح أو بالفرقة في النكاح الفاسد
أو بالوطئ عن شبهة النكاح لما ذكرنا أن النكاح الفاسد بعد الدخول يجعل منعقدا في حق وجوب العدة ويلحق
به فيه وشبهة النكاح ملحقة بالحقيقة فيما يحتاط فيه والنص الوارد في المطلقة يكون وارد فيها دلالة وكذلك أم الولد
إذا أعتقت باعتاق المولى أو بموته فإنها تعتد بثلاثة قروء عندنا وعند الشافعي تعتد بحيضة واحدة وجه قوله إن هذه
العدة لم تجب بزوال ملك النكاح لعدم النكاح وإنما وجبت بزوال ملك اليمين فكان وجوبها بطريق الاستبراء
فيكتفي بحيضة واحدة كما في استبراء سائر المملوكات (ولنا) ما روى عن عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم انهم
قالوا عدة أم الولد ثلاث حيض وهذا نص فيه وبه تبين أن الواجب عدة وليس باستبراء الا أنهم سموه عدة والعدة
لا تقدر بحيضة واحدة والدليل على أنه عدة انه يجب على الحرة والحرة لا يلزمها الاستبراء وإذا كان عدة لا يجوز
تقديرها بحيضة واحدة كسائر العدد ولأن هذه العدة تجب بزوال الفراش لان أم الولد لها فراش الا أن فراشها قبل
العتق غير مستحكم بل هو ضعيف لاحتماله النقل إلى غيره فإذا أعتقت فقد استحكم فالتحق بالفراش الثابت بالنكاح
والعدة التي تجب بزوال الفراش الثابت بالنكاح وهو النكاح الفاسد مقدرة بثلاثة قروء ولهذا استوى في الواجب عليها
الموت والعتق كما في النكاح الفاسد وعدة المستحاضة وغيرها سواء وهي ثلاثة أقراء لعموم النص وإن كانت أمة فقرءان
عند عامة العلماء وقال نفاة القياس ثلاثة قروء كعدة الحرة احتجوا بعموم قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة
قروء من غير تخصيص الحرة (ولنا) الحديث المشهور وهو ما روى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان وقال عمر رضي الله عنه عدتها حيضتان ولو استطعت
لجعلتها حيضة ونصفا وبه تبين أن الإماء مخصوصات من عموم الكتاب الكريم وتخصيص الكتاب بالخبر
المشهور جائز بالاجماع ولأن العدة حق من حقوق النكاح مقدر فيؤثر الرق في تنصيفه كالقسم كان ينبغي أن يتنصف
فتعتد حيضة ونصفا كما أشار إليه عمر رضي الله عنه الا أنه لا يمكن لان الحيضة الواحدة لا تتجزأ فتكاملت ضرورة
وسواء كان زوجها حرا أو عبدا بلا خلاف لأن العدة تعتبر بالنساء بالاجماع ويستوى في مقدار هذه العدة المسلمة
والكتابية الحرة كالحرة والأمة كالأمة لان الدلائل لا توجب الفصل ثم اختلف أهل العلم فيما تنقضي به هذه العدة انه
الحيض أم الأطهار قال أصحابنا الحيض وقال الشافعي الأطهار وفائدة الاختلاف ان من طلق امرأته في حالة الطهر
لا يحتسب بذلك الطهر من العدة عندنا حتى لا تنقضي عدتها ما لم تحض ثلاث حيض بعده وعنده يحتسب بذلك الطهر
من العدة فتنقضي عدتها بانقضاء ذلك الطهر الذي طلقها فيه وبطهر آخر بعده والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي الله عنه
م روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلى وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وأبي موسى الأشعري وأبي الدرداء
وعبادة بن الصامت وعبد الله بن قيس رضى الله تعالى عنهم أنهم قالوا الزوج أحق بمراجعتها ما لم تغتسل من الحيضة
الثالثة كما هو مذهبنا وعن زيد بن ثابت وحذيفة وعبد الله بن عمر وعائشة رضي الله عنهم مثل قوله وحاصل الاختلاف
راجع إلى أن القرء المذكور في قوله سبحانه ثلاثة قروء ما هو الحيض أم الطهر فعندنا الحيض وعنده الطهر ولا خلاف
بين أهل اللغة في أن القرء من الأسماء المشتركة يذكر ويراد به الحيض ويذكر ويراد به الطهر على طريق الاشتراك
فيكون حقيقة لكل واحد منهما كما في سائر الأسماء المشتركة من اسم العين وغير ذلك أما استعماله في الحيض فلقول
193

النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها أي أيام حيضها إذ أيام الحيض هي التي تدع الصلاة فيها
لا أيام الطهر وأما في الطهر فلما روينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ان من السنة
أن تستقبل الطهر استقبالا فتطلقها لكل قرء تطليقة أي طهر وإذا كان الاسم حقيقة لكل واحد منهما على سبيل
الاشتراك فيقع الكلام في الترجيح احتج الشافعي بقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم
العدة بالطهر في ذلك الحديث حيث قال فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء فدل أن العدة بالطهر لا بالحيض
ولأنه أدخل الهاء في الثلاثة بقوله عز وجل ثلاثة قروء وإنما تدخل الهاء في جمع المذكر لا في جمع المؤنث يقال ثلاثة
رجال وثلاث نسوة والحيض مؤنث والطهر مذكر فدل أن المراد منها الأطهار ولأنكم لو حملتم القرء المذكور على
الحيض للزمكم المناقضة لأنكم قلتم في المطلقة إذا كانت أيامها دون العشرة فانقطع دمها انه لا تنقضي عدتها ما لم تغتسل
من الحيضة الثالثة فقد جعلتم العدة بالطهر وهذا تناقض (ولنا) الكتاب والسنة والمعقول أما الكتاب الكريم
فقوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء أمر الله تعالى بالاعتداد بثلاثة قروء ولو حمل القرء على الطهر
لكان الاعتداد بطهرين وبعض الثالث لان بقية الطهر الذي صادفه الطلاق محسوب من الأقراء عنده والثلاثة
اسم لعدد مخصوص والاسم الموضوع لعدد لا يقع على ما دونه فيكون ترك العمل بالكتاب ولو حملناه على الحيض
يكون الاعتداد بثلاث حيض كوامل لان ما بقي من الطهر غير محسوب من العدة عندنا فيكون عملا بالكتاب فكان
الحمل على ما قلنا أولى ولا يلزم قوله تعالى الحج أشهر معلومات انه ذكر الأشهر والمراد منه شهران وبعض الثالث
فكذا القروء جائز أن يراد بها القرآن وبعض الثالث لان الأشهر اسم جمع لا اسم عدد واسم الجمع جاز أن يذكر
ويراد به بعض ما ينتظمه مجازا ولا يجوز أن يذكر الاسم الموضوع لعدد محصور ويراد به ما دونه لا حقيقة ولا مجازا
ألا ترى انه لا يجوز أن يقال رأيت ثلاثة رجال ويراد به رجلان وجاز أن يقال رأيت رجالا ويراد به رجلان مع ما ان
هذا إن كان في حد الجواز فلا شك انه بطريق المجاز ولا يجوز العدول عن الحقيقة من غير دليل إذ الحقيقة هي الأصل في
حق الأحكام للعمل بها وإن كان في حق الاعتقاد يجب التوقف لمعارضة المجاز الحقيقة في الاستعمال وفي باب الحج
قام دليل المجاز وقوله عز وجل واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر جعل سبحانه
وتعالى الأشهر بدلا عن الأقراء عند اليأس عن الحيض والمبدل هو الذي يشترط عدمه لجواز إقامة البدل مقامه
فدل ان المبدل هو الحيض فكان هو المراد من القرء المذكور في الآية كما في قوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا
طيبا لما شرط عدم الماء عند ذكر البدل وهو التيمم دل ان التيمم بدل عن الماء فكان المراد منه الغسل
المذكور في آية الوضوء وهو الغسل بالماء كذا ههنا وأما السنة فما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان ومعلوم انه لا تفاوت بين الحرة والأمة في العدة فيما يقع به الانقضاء إذ الرق أثره
في تنقيص العدة التي تكون في حق الحرة لا في تغيير أصل العدة فدل ان أصل ما تنقضي به العدة هو الحيض
وأما المعقول فهو ان هذه العدة وجبت للتعرف عن براءة الرحم والعلم ببراءة الرحم يحصل بالحيض لا بالطهر فكان
الاعتداد بالحيض لا بالطهر وأما الآية الكريمة فالمراد من العدة المذكورة فيها عدة الطلاق والنبي صلى الله
عليه وسلم جعل الطهر عدة الطلاق ألا ترى أنه قال فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء والكلام
في العدة عن الطلاق انها ما هي وليس في الآية بيانها وأما قوله أدخل الهاء في الثلاثة فنعم لكن هذا لا يدل
على أن المراد هو الطهر من القروء لان اللغة لا تمنع من تسمية شئ واحد باسم التذكير والتأنيث كالبر والحنطة
فيقال هذا البر وهذه الحنطة وإن كانت البر والحنطة شيئا واحدا فكذا القرء والحيض أسماء للدم والمعتاد واحد
الاسمين مذكر وهو القرء فيقال ثلاثة قروء والاخر مؤنث وهو الحيض فيقال ثلاث حيض ودعوى التناقض
ممنوعة فان في تلك الصورة الحيض باق وإن كان الدم منقطعا لان انقطاع الدم لا ينافي الحيض بالاجماع لان
194

الدم لا يدر في جميع الأوقات بل في وقت دون وقت واحتمال الدرور في وقت الحيض قائم فإذا لم يجعل ذلك الطهر
عدة لا يلزمنا التناقض وأما الممتد طهرها وهي امرأة كانت تحيض ثم ارتفع حيضها من غير حمل ولا يأس فانقضاء
عدتها في الطلاق وسائر وجوه الفرق بالحيض لأنها من ذات الأقراء الا أنه ارتفع حيضها لعارض فلا تنقضي
عدتها حتى تحيض ثلاث حيض أو حتى تدخل في حد الإياس فتستأنف عدة الآيسة ثلاثة أشهر وهو مذهب على
وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم وروى عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أنها تمكث تسعة أشهر فإن لم
تحض اعتدت ثلاثة أشهر بعد ذلك وهو قول مالك واحتجوا بقوله تعالى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان
ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر نقل الله العدة عند الارتياب إلى الأشهر والتي ارتفع حيضها فهي مرتابة فيجب أن تكون
عدتها بالشهور والجواب أنه ليس المراد من الارتياب المذكور هو الارتياب في اليأس بل المراد منه ارتياب المخاطبين
في عدة الآيسة قبل نزول الآية كذا روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أن الله تعالى لما بين لهم عدة ذات القروء وعدة
الحامل شكوا في الآيسة فلم يدروا ما عدتها فأنزل الله تعالى هذه الآية وفي الآية ما يدل عليه فإنه قال واللائي يئسن من
المحيض من نسائكم ولا يأس مع الارتياب إذ الارتياب يكون وقت رجاء الحيض والرجاء ضد اليأس وكذا قال
سبحانه ان ارتبتم ولو كان المراد منه الارتياب في الإياس لكان من حق الكلام أن يقول إن ارتبن فدل أنه سبحانه
وتعالى أراد به ما ذكرنا والله عز وجل أعلم وأما عدة الأشهر فالكلام فيها في موضعين أيضا في بيان مقدارها وما
تنقضي به وفي بيان كيفية ما يعتبر به الانقضاء أما الأول فما وجب بدلا عن الحيض وهو عدة الآيسة والصغيرة
والبالغة التي لم تر الحيض أصلا فثلاثة أشهر إن كانت حرة لقوله تعالى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم
فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ولان الأشهر في حق هؤلاء تدل على الأقراء والأصل مقدر بالثلاث كذا
البدل سواء وجبت الفرقة بطلاق أو بغير طلاق في النكاح الصحيح لعموم النص أو وجبت بالفرقة في النكاح
الفاسد أو بالوطئ عن شبهة لما ذكرنا في عدة الأقراء وكذا إذا وجبت على أم الولد بالعتق أو بموت المولى عندنا خلافا
للشافعي وإن كانت أمة فشهر ونصف لان حكم البدل حكم الأصل وقد تنصف المبدل فيتنصف البدل ولان الرق
متنصف والتكامل في عدة الأقراء ثبت لضرورة عدم التجزي والشهر متجزئ فبقي الحكم فيه على الأصل ولهذا
تتنصف عدتها في الوفاة وسواء كان زوجها حرا أو عبدا لما ذكرنا ان المعتبر في العدة جانب النساء وسواء كانت
قنة أو مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة أو مستسعاة عند أبي حنيفة لما ذكرنا في مدة الأقراء وكذا إذا وجبت على أم الولد
بالعتق أو بموت المولى عندنا خلافا للشافعي وما وجبت أصلا بنفسه وهو عدة المتوفى عنها زوجها فأربعة أشهر وعشر
وقيل إنما قدرت هذه العدة بهذه المدة إن كانت حرة لقوله عز وجل والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا وقيل إنما قدرت هذه العدة بهذه المدة لان الولد يكون في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم
أربعين يوما علقة ثم أربعين يوما مضغة ثم ينفخ فيه الروح في العشر فأمرت بتربص هذه المدة ليستبين الحبل إن كان
بها وإن كانت أمة فشهران وخمسة أيام لما بينا بالاجماع سواء كانت قنة أو مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة أو مستسعاة
عند أبي حنيفة والمسلمة والكتابية سواء كان في مقدار هاتين العدتين الحرة كالحرة والأمة كالأمة لان ما ذكرنا من
الدلائل لا يوجب الفصل بينهما وانقضاء هذه العدة بانقضاء هذه المدة في الحرة والأمة (وأما الثاني) وهو بيان كيفية
ما يعتبر به انقضاء هذه العدة فجملة الكلام فيه أن سبب وجوب هذه العدة من الوفاة والطلاق ونحو ذلك إذا اتفق في
غرة الشهر اعتبرت الأشهر بالأهلة وان نقصت عن العدد في قول أصحابنا جميعا لان الله تعالى أمر بالعدة بالأشهر بقوله
عز وجل فعدتهن ثلاثة أشهر وقوله عز وجل أربعة أشهر وعشرا فلزم اعتبار الأشهر والشهر قد يكون ثلاثين يوما وقد
يكون تسعة وعشرين يوما بدليل ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الشهر هكذا وهكذا وهكذا وأشار
بأصابع يديه كلها ثم قال الشهر هكذا وهكذا وهكذا وهكذا وحبس ابهامه في المرة الثالثة وإن كانت الفرقة في بعض الشهر
195

اختلفوا فيه قال أبو حنيفة يعتبر بالأيام فتعتد من الطلاق وأخواته تسعين يوما ومن الوفاة مائة وثلاثين يوما وكذلك
قال في صوم الشهرين المتتابعين إذا ابتدأ الصوم في نصف الشهر وقال محمد تعتد بقية الشهر بالأيام وباقي الشهور
بالأهلة ويكمل الشهر الأول من الشهر الأخير بالأيام وعن أبي يوسف روايتان في رواية مثل قول أبي حنيفة وفي
رواية مثل قول محمد وهو قوله الأخير (وجه) قولهما ان المأمور به هو الاعتداد بالشهر والأشهر اسم الأهلة فكان
الأصل في الاعتداد هو الأهلة قال الله تعالى يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج جعل الهلال لمعرفة
المواقيت وإنما يعدل إلى الأيام عند تعذر اعتبار الأهلة وقد تعذر اعتبار الهلال في الشهر الأول فعدلنا عنه إلى الأيام
ولا تعذر في بقية الأشهر فلزم اعتبارها بالأهلة ولهذا اعتبرنا كذلك في باب الإجارة إذا وقعت في بعض الشهر كذا
ههنا ولأبي حنيفة ان العدة يراعى فيها الاحتياط فلو اعتبرناها في الأيام لزادت على الشهور ولو اعتبرناها بالأهلة
لنقصت عن الأيام فكان ايجاب الزيادة أولى احتياط بخلاف الإجارة لأنها تمليك المنفعة والمنافع توجد شيئا فشيئا على
حسب حدوث الزمان فيصير كل جزء منها كالمعقود عليه عقدا مبتدأ فيصير عند استهلال الشهر كأنه ابتدأ العقد
فيكون بالأهلة بخلاف العدة فان كل جزء منها ليس كعدة مبتدأة وأما الايلاء في بعض الشهر فقد ذكرنا الاختلاف
بين أبى يوسف وزفر في كيفية اعتبار الشهر فيه ان على قول أبى يوسف يعتبر بالأيام فيكمل مائة وعشرين يوما ولا
ينظر إلى نقصان الشهر ولا إلى تمامه وعند زفر يعتبر بالأهلة (وجه) قول ان مدة الايلاء كمدة العدة لان كل واحد
منهما يتعلق به البينونة ولأبي يوسف ان اعتبار الأيام في مدة الايلاء يوجب تأخير الفرقة واعتبار الأشهر يوجب
التعجيل فوقع الشك في وقوع الطلاق فلا يقع بالشك كمن علق طلاق امرأته بمدة في المستقبل وشك في المدة بخلاف
العدة لان الطلاق هناك واقع بيقين وحكمه متأجل فإذا وقع الشك في التأجيل لا يتأجل بالشك وأما عدة الحبل
فمقدارها بقية مدة الحمل قلت أو كثرت حتى لو ولدت بعد وجوب العدة بيوم أو أقل أو أكثر انقضت به العدة لقوله
تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن من غير فصل وذكر في الأصل أنها لو ولدت والميت على سريره
انقضت به العدة على ما جاءت به السنة هكذا ذكر والسنة المذكورة هي ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال في المتوفى
عنها زوجها إذا ولدت وزوجها على سريره جاز لها أن تتزوج وشرط انقضاء العدة أن يكون ما وضعت قد استبان
خلقه أو بعض خلقه فإن لم يستبن رأسا بان أسقطت علقة أو مضغة لم تنقض العدة لأنه إذا استبان خلقه أو بعض
خلقه فهو ولد فقد وجد وضع الحمل فتنقضي به العدة وإذا لم يستبن لم يعلم كونه ولدا بل يحتمل أن يكون ويحتمل أن
لا يكون فيقع الشك في وضع الحمل فلا تنقضي العدة بالشك وقال الشافعي في أحد قوليه يرى للنساء وهذا ليس
بشئ لأنهن لم يشاهدن انخلاق الولد في الرحم ليقسن هذا عليه فيعرفن وقال في قول آخر يجعل في الماء الحار ثم
ينظر ان انحل فليس بولد وان لم ينحل فهو ولد وهذا أيضا فاسد لأنه يحتمل انه قطعة من كبدها أو لحمها انفصلت منها
وأنها لا تنحل بالماء الحار كما لا ينحل الولد فلا يعلم به أنه ولو ظهر أكثر الولد لم يذكر هذا في ظاهر الرواية وقد قالوا
في المطلقة طلاقا رجعيا انه إذا ظهر منها أكثر ولدها انها تبين فعلى هذا يجب أن تنقضي به العدة أيضا بظهور أكثر
الولد ويجوز أن يفرق بينهما فيقام الأكثر مقام الكل في انقطاع الرجعة احتياطا ولا يقام في انقضاء العدة حتى لا تحل
للأزواج احتياط أيضا ثم انقضاء عدة الحمل بوضع الحمل إذا كانت معتدة عن طلاق أو غيره من أسباب الفرقة بلا
خلاف لعموم قوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وكذلك إذا كانت متوفى عنها زوجها عند
عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم وروى عن عمر وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر
وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهم قالوا عدتها ما في بطنها وإن كان زوجها على السرير وقال علي رضي الله عنه
وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما ان الحامل إذا توفى عنها زوجها فعدتها أبعد الأجلين وضع الحمل
أو مضى أربعة أشهر وعشر أيهما كان أخيرا تنقضي به العدة (وجه) هذا القول إن الاعتداد بوضع الحمل إنما ذكر
196

في الطلاق لا في الوفاة بقوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن لأنه معطوف على قوله عز وجل واللائي
يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وذلك بناء على قوله تعالى يا أيها
النبي إذا طلقتم النساء فكان المراد من قوله واللائي لم يحضن المطلقات ولان في الاعتداد بأبعد الأجلين جمعا بين
الآيتين بالقدر الممكن لان فيه عملا بآية عدة الحبل إن كان أجل تلك العدة أبعد وعملا بآية عدة الوفاة إن كان أجلها
أبعد فكان عملا بهما جميعا بقدر الامكان وفيما قلتم عمل بإحداهما وترك العمل بالأخرى أصلا فكان ما قلنا أولى ولعامة
العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم قوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن من غير فصل بين المطلقة
والمتوفى عنها زوجها وقوله هذا بناء على قوله واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ممنوع بل هو ابتداء خطاب وفي
الآية الكريمة ما يدل عليه فإنه قال إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر ومعلوم أنه لا يقع الارتياب فيمن يحتمل القرء
وذلك لان الأشهر في الآيسات إنما أقيمت مقام الأقراء في ذوات الحيض وإذا كانت الحامل ممن تحيض لم يجز أن
يقع لها شك في عدتها ليسألوا عن عدتها وإذا كان كذلك ثبت أنه خطاب مبتدأ إذا كان خطابا مبتدأ تناول العدد
كلها وقوله الاعتداد بأبعد الأجلين عمل بالآيتين بقدر الامكان فيقام إنما يعمل بهما إذا لم يثبت نسخ إحداهما بالتقدم
والتأخر أو لم يكن إحداهما أولى بالعمل بها وقد قيل إن آية وضع الحمل آخرهما نزولا بما روى عن عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه أنه قال من شاء باهلته أن قوله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن نزل بعد قوله أربعة أشهر
وعشرا فأما نسخ الأشهر بوضع الحمل إذا كان بين نزول الآيتين زمان يصلح للنسخ فينسخ الخاص المتقدم بالعام
المتأخر كما هو مذهب مشايخنا بالعراق ولا يبنى العام على الخاص أو يعمل بالنص العام بعمومه ويتوقف في حق
الاعتقاد في التخريج على التناسخ كما هو مذهب مشايخنا بسمرقند ولا يبنى العام على الخاص على ما عرف في أصول
الفقه وروى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله حين نزول قوله وأولات الأحمال أجلهن
أن يضعن حملهن أنها في المطلقة أم في المتوفى عنها زوجها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما جميعا وقد روت أم
سلمة رضي الله عنها أن سبيعة بين الحارث الأسلمية وضعت بعد وفاة زوجها ببضع وعشرين ليلة فأمرها رسول الله
صلى الله عليه وسلم بأن تتزوج وروى أيضا عن أبي السنابل بن بعكل أن سبيعة بنت الحارث الأسلمية وضعت بعد
وفاة زوجها ببضع وعشرين ليلة فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تتزوج وروى أنها لما مات عنها زوجها
وضعت حملها وسألت أبا السنابل بن بعكل هل يجوز لها أن تتزوج فقال لها حتى يبلع الكتاب أجله فذكرت ذلك
لرسول الله صلى الله على وسلم فقال كذب أبو السنابل ابتغى الأزواج وهذا حديث صحيح وقد روى من طرق صحيحة
لا مساغ لاحد في العدول عنها ولان المقصود من العدة من ذوات الأقراء العلم ببراءة الرحم ووضع الحمل في الدلالة على
البراءة فوق مضى المدة فكان انقضاء العدة به أولى من الانقضاء بالمدة وسواء كانت المرأة حرة أو مملوكة قنة أو مدبرة
أو مكاتبة أو أم ولد أو مستسعاة مسلمة أو كتابية لعموم النص وقال أبو يوسف كذلك الا في امرأة الصغير في عدة
الوفاة بان مات صغيرا عن امرأته وهي حامل فان عدتها أربعة أشهر وعشر عند أبي يوسف وعند أبي حنيفة ومحمد
عدتها أن تضع حملها وجه قوله أن هذا الحمل ليس منه بيقين بدليل أنه لا يثبت نسبه منه فكان من الزنا فلا تنقضي به
العدة كالحمل من الزنا وكالحمل الحادث بعد موته ولهما عموم قوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وقوله
الحمل من الزنا لا تنقضي به العدة وهذا حمل من الزنا فيكون مخصوصا من العموم فنقول الحمل من الزنا قد تنقضي به العدة
على قياس قولهما ألا ترى أنه إذا تزوج امرأة حاملا من الزنا جاز نكاحها عندهما ولو تزوجها ثم طلقها فوضعت حملها
تنقضي عدتها عندهما بوضع الحمل وإن كان الحمل من الزنا ولان وجوب العدة للعلم بحصول فراغ الرحم والولادة دليل
فراغ الرحم بيقين والشهر لا يدل على الفراغ بيقين فكان ايجاب ما دل على الفراغ بيقين أولى ولا أثر للنسب في هذا
الباب وإنما الأثر لما بينا في الجملة فان مات وهي حائل ثم حملت بعد موته قبل انقضاء العدة فعدتها بالشهور أربعة أشهر
197

وعشر بالاجماع لعموم قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ولان
الحمل إذا لم يكن موجودا وقت الموت وجبت العدة بالأشهر فلا تتغير بالحمل الحادث وإذا كان موجودا وقت الموت
وجبت عدة الحبل فكان انقضاؤها بوضع الحمل ولا يثبت نسب الولد في الوجهين جميعا لان الولد لا يحصل عادة الا من
الماء والصبي لا ماء له حقيقة ويستحيل وجوده عادة فيستحيل تقديره وقال أبو يسوف ومحمد في زوجة الكبير تأتى
بولد بعد موته لأكثر من سنتين وقد تزوجت بعد مضى أربعة أشهر وعشر أن النكاح جائز لان إقدامها على النكاح
في هذه الحالة اقرار منها بانقضاء العدة لتحرز المسلمة عن النكاح في العدة ولم يرد على اقرارها ما يبطله ألا ترى أنها لو
جاءت بعد التزويج بولد لستة أشهر فصاعدا كان النكاح جائزا لما بينا فههنا أولى وإذا كانت المعتدة حاملا فولدت
ولدين انقضت عدتها بالأخير منهما عند عامة العلماء وقال الحسن البصري إذا وضعت أحد الولدين انقضت عدتها
واحتج بقوله سبحانه وتعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ولم يقل أحمالهن فإذا وضعت إحداهما فقد
وضعت حملها الا أن ما قاله لا يستقيم لوجهين أحدهما أنه قرئ في بعض الروايات أن يضعن أحمالهن والثاني أنه علق
انقضاء العدة بوضع الحمل لا بالولادة حيث قال سبحانه وتعالى يضعن حملهن ولم يقل يلدن والحمل اسم لجميع ما في بطنها
ووضع أحد الولدين وضع بعض حملها لا وضع حملها فلا تنقضي به العدة ولان وضع الحمل إنما تنقضي به العدة لبراءة
الرحم بوضعه وما دام في بطنها ولد لا تحصل البراءة منه فلا تنقضي العدة
(فصل) (وأما) بيان ما يعرف به انقضاء العدة فما يعرف به انقضاء العدة نوعان قول وفعل (أما) القول فهو اخبار
المعتدة بانقضاء العدة في مدة يحتمل الانقضاء في مثلها فلابد من بيان أقل المدة التي تصدق فيها المعتدة في اقرارها بانقضاء
عدتها وجملة الكلام فيه أن المعتدة إن كانت من ذوات الأشهر فإنها لا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر في عدة الطلاق
إن كانت حرة ومن شهر ونصف إن كانت أمة وفي عدة الوفاة لا تصدق في أقل من أربعة أشهر وعشر إن كانت حرة
ومن شهرين وخمسة أيام إن كانت أمة ولا خلاف في هذه الجملة وإن كانت من ذوات الأقراء فإن كانت معتدة من
وفاة فكذلك لا تصدق في أقل مما ذكرنا في الحرة والأمة وإن كانت معتدة من طلاق فان أخبرت بانقضاء عدتها في
مدة تنقضي في مثلها العدة يقبل قولها وان أخبرت في مدة لا تنقضي في مثلها العدة لا يقبل قولها الا إذا فسرت ذلك بان
قالت أسقطت سقطا مستبين الخلق أو بعضه فيقبل قولها وإنما كان كذلك لأنها أمينة في اخبارها عن انقضاء عدتها
فان الله تعالى ائتمنها في ذلك بقوله عز وجل ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن قيل في التفسير أنه الحيض
والحبل والقول قول الأمين مع اليمين كالمودع إذا قال رددت الوديعة أو هلكت فإذا أخبرت بالانقضاء في مدة تنقضي
في مثلها يقبل قولها ولا يقبل إذا كانت المدة مما لا تنقضي في مثلها العدة لان قول الأمين إنما يقبل فيما لا يكذبه الظاهر
والظاهر ههنا يكذبها فلا يقبل قولها الا إذا فسرت فقال أسقطت سقطا مستبين الخلق أو بعض الخلق مع يمينها
فيقبل قولها مع هذا التفسير لأن الظاهر لا يكذبها مع التفسير ثم اختلف في أقل ما تصدق فيه المعتدة بالأقراء قال أبو
حنيفة أقل ما تصدق فيه الحرة ستون يوما وقال أبو يوسف محمد تسعة وثلاثون يوما واختلف الرواية في تخريج قول
أبي حنيفة فتخريجه في رواية محمد أنه يبدأ بالظهر خمسة عشر يوما ثم بالحيض خمسة أيام ثم بالطهر خمسة عشر يوما ثم
بالحيض خمسة أيام ثم بالطهر خمسة عشر يوما ثم بالحيض خمسة أيام فتلك ستون يوما وتخريجه على رواية الحسن أنه يبدأ
بالحيض عشرة أيام ثم بالطهر خمسة عشر يوما ثم بالحيض عشرة أيام ثم بالطهر خمسة عشر يوما ثم بالحيض عشرة أيام فذلك
ستون يوما فاختلف التخريج مع اتفاق الحكم وتخريج قول أبى يوسف ومحمد أنه يبدأ بالحيض ثلاثة أيام ثم بالطهر خمسة
عشر يوما ثم بالحيض ثلاثة أيام ثم بالطهر خمسة عشر يوما ثم بالحيض ثلاثة أيام فذلك تسعة وثلاثون يوما وجه قولهما أن
المرأة أمينة في هذا الباب والأمين يصدق ما أمكن وأمكن تصديقها بان يحكم بالطلاق في آخر الطهر فيبدأ بالعدة
من الحيض فيعتبر أقله وذلك ثلاثة ثم أقل الطهر وهو خمسة عشر يوما ثم أقل الحيض ثم أقل الطهر ثم أقل الحيض
198

فتكون الجملة تسعة وثلاثين يوما وجه قول أبي حنيفة على تخريج محمد أن المرأة وإن كانت أمينة في الأقراء بانقضاء العدة
لكن الأمين إنما يصدق فيما لا يخالفه الظاهر فأما فيما يخالفه الظاهر فلا يقبل قوله كالوصي إذا قال أنفقت على اليتيم في يوم
واحد ألف دينار وما قالاه خلاف الظاهر لأن الظاهر أن من أراد الطلاق فإنما يوقعه فيه أول الطهر وكذا حيض ثلاثة
أيام نادر وحيض عشرة نادرا أيضا فيؤخذ بالوسط وهو خمسة واعتبار هذا التخريج يوجب ان أقل ما تصدق فيه
ستون يوما وأما الوجه على تخريج رواية الحسن فهو أن يحكم بالطلاق في آخر الطهر لان الايقاع في أول الطهر وإن كان
سنة لكن الظاهر هو الايقاع في آخر الطهر لأنه يجرب نفسه في أول الطهر هل يمكنه الصبر عنها ثم يطلق فكان الظاهر
هو الايقاع في آخر الطهر لا انه يعتبر مدة الحيض عشرة أيام وإن كانت أكثر المدة لأنا قد اعتبرنا في الطهر أقله فلو نقصنا
من العشرة في الحيض للزم النقص في العدة فيفوت حق الزوج من كل وجه فيحكم بأكثر الحيض وأقل الطهر رعاية
للحقين واعتبار هذا التخريج أيضا يوجب ما ذكرنا وهو أن يكون أقل ما تصدق فيه ستون وأما الأمة فعند أبي حنيفة
أقل ما تصدق فيه على رواية محمد عنه أربعون يوما وهو أن يقدر كأنه طلقها في أول الطهر فيبدأ بالطهر خمسة عشر يوما
ثم بالحيض خمسة أيام ثم بالطهر خمسة عشر يوما ثم بالحيض خمسة أيام فذلك أربعون يوما وأما على رواية الحسن فأقل
ما تصدق فيه خمسة وثلاثون يوما لأنه يجعل كان الطلاق وقع في آخر الطهر فيبدأ بالحيض عشرة ثم بالطهر خمسة عشر
يوما ثم بالحيض عشرة فذلك خمسة وثلاثون يوما فاختلف حكم روايتيهما في الأمة واتفق في الحرة وأما على قول أبى
يوسف ومحمد فأقل ما تصدق فيه احدى وعشرون يوما لأنهما يقدران الطلاق في آخر الطهر ويبتدئان بالحيض
ثلاثة أيام ثم بالطهر خمسة عشر يوما ثم بالحيض ثلاثة فذلك أحد وعشرون يوما والله الموفق وأما المعتدة إذا كانت
نفساء بان ولدت امرأته وطلقها عقيب الولادة ثم قالت انقضت عدتي قال أبو حنيفة في رواية محمد عنه لا تصدق الحرة
في أقل من خمسة وثمانين يوما لأنه يثبت النفاس خمسة وعشرين لأنه لو ثبت أقل من ذلك لاحتاج إلى أن يثبت بعده
خمسة عشر يوما طهرا ثم يحكم بالدم فيبطل الطهر لان من أصله أن الدمين في الأربعين لا يفصل بينهما طهر وان كثر
حتى لو رأت في أول النفاس ساعة دما وفي آخرها ساعة كان الكل نفاسا عنده فجعل النفاس خمسة وعشرين يوما
حتى يثبت بعده طهر خمسة عشر فيقع الدم بعد الأربعين فإذا كان كذلك كان بعد الأربعين خمسة حيضا وخمسة
عشر طهرا وخمسة حيضا وخمسة عشر طهرا وخمسة حيضا فذلك خمسة وثمانون وأما على رواية الحسن عنه فلا
تصدق في أقل من مائة يوم لأنه يثبت بعد الأربعين عشرة حيضا وخمسة عشر طهرا وعشرة حيضا وخمسة عشر طهرا
وعشرة حيضا فذلك مائة وقال أبو يوسف لا تصدق في أقل من خمسة وستين يوما لأنه يثبت أحد عشر يوما نفاسا
لان العادة ان أقل النفاس يزيد على أكثر الحيض ثم يثبت خمسة عشر يوما طهرا وثلاثة حيضا وخمسة عشر طهرا
وثلاثة حيضا وخمسة عشر طهرا وثلاثة حيضا فذلك خمسة وستون يوما وقال محمد لا تصدق في أقل من أربعة
وخمسين وساعة لان أقل النفاس ما وجد من الدم فيحكم بنفاس ساعة وبعده خمسة عشر يوما طهرا وثلاثة حيضا
وخمسة عشر يوما طهرا وثلاثة حيضا وخمسة عشر طهرا وثلاثة حيضا فذلك أربعة وخمسون وساعة وإن كانت أمة
فعلى رواية محمد عن أبي حنيفة لا تصدق في أقل من خمسة وستين يوما لأنه يثبت بعد الأربعين خمسة حيضا وخمسة
عشر طهرا وخمسة حيضا فذلك خمسة وستون وعلى رواية الحسن عنه لا تصدق في أقل من خمسة وسبعين لأنه يثبت
بعد الأربعين عشرة حيضا وخمسة عشر طهرا وعشرة حيضا فذلك خمسة وسبعون وقال أبو يوسف لا تصدق في
أقل من سبعة وأربعين لأنه يثبت أحد عشر يوما نفاسا وخمسة عشر طهرا وثلاثة حيضا وخمسة عشر طهرا وثلاثة
حيضا فذلك سبعة وأربعون يوما وقال محمد لا تصدق في أقل من ستة وثلاثين يوما وساعة لأنه يثبت ساعة نفاسا
وخمسة عشر طهرا وثلاثة حيضا وخمسة عشر طهرا وثلاثة حيضا فذلك ستة وثلاثون يوما وساعة وأما الفعل فنحو أن
تتزوج بزوج آخر بعدما مضت مدة تنقضي في مثلها العدة حتى لو قالت لم تنقض عدتي لم تصدق لا في حق الزوج
199

الأول ولا في حق الزوج الثاني ونكاح الزوج الثاني جائز لان اقدامها على التزوج بعد مضى مدة يحتمل الانقضاء في
مثلها دليل الانقضاء والله الموفق
(فصل) وأما بيان انتقال العدة وتغيرها أما انتقال العدة فضربان أحدهما انتقالها من الأشهر إلى الأقراء والثاني
انتقالها من الأقراء إلى الأشهر أما الأول فنحو الصغيرة اعتدت ببعض الأشهر ثم رأت الدم تنتقل عدتها من الأشهر
إلى الأقراء لان الشهر في حق الصغيرة بدل عن الأقراء وقد تثبت القدرة على المبدل والقدرة على المبدل قبل حصول
المقصود بالبدل يبطل حكم البدل كالقدرة على الوضوء في حق المتيمم ونحو ذلك فيبطل حكم الأشهر فانتقلت عدتها
إلى الحيض وكذا الآيسة إذا اعتدت ببعض الأشهر ثم رأت الدم تنتقل عدتها إلى الحيض كذا ذكر الكرخي
وذكر القدوري ان ما ذكره أبو الحسن ظاهر الرواية التي لم يقدروا للاياس تقديرا بل هو غالب على ظنها انها آيسة
لأنها لما رأت الدم دل على أنها لم تكن آيسة وانها أخطأت في الظن فلا يعتد بالأشهر في حقها لما ذكرنا انها بدل فلا
يعتبر مع وجود الأصل وأما على الرواية التي وقتوا للاياس وقتا إذا بلغت ذلك الوقت ثم رأت بعده الدم لم يكن ذلك
الدم حيضا كالدم الذي تراه الصغيرة التي لا تحيض مثلها وكذا ذكره الجصاص ان ذلك في التي ظنت انها آيسة فأما
الآيسة فما ترى من الدم لا يكون حيضا ألا ترى ان وجود الحيض منها كان معجزة نبي من الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام فلا يجوز أن يؤخذ الا على وجه المعجزة كذا علل الجصاص وأما الثاني وهو انتقال العدة من الأقراء إلى
الأشهر فنحو ذات القرء اعتدت بحيضة أو حيضتين ثم أيست تنتقل عدتها من الحيض إلى الأشهر فتستقبل العدة
بالأشهر لأنها لما أيست فقد صارت عدتها بالأشهر لقوله عز وجل واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم
فعدتهن ثلاثة أشهر والأشهر بدل عن الحيض فلو لم تستقبل وثبتت على الأول لصار الشئ الواحد أصلا وبدلا
وهذا لا يجوز فان قيل أليس ان من شرع في الصلاة بالوضوء ثم سبقه الحدث فلم يجد ماء انه يتيمم ويبنى على صلاته
وهذا جمع بين البدل والمبدل في صلاة واحدة فهلا جاز ذلك في العدة فالجواب ان الممتنع كون الشئ الواحد بدلا
وأصلا وههنا كذلك لأن العدة شئ واحد وفصل الصلاة ليس من هذا القبيل لان ذلك جمع بين البدل والمبدل
في شئ واحد وذلك غير ممتنع فان الانسان قد يصلى بعض صلاته قائما بركوع وسجود وبعضها بالايماء ويكون
جمعا بين البدل والمبدل في صلاة واحدة ومن هذا القبيل إذا طلق امرأته ثم مات فإن كان الطلاق رجعيا انتقلت
عدتها إلى عدة الوفاة سواء طلقها في حالة المرض أو الصحة وانهدمت عدة الطلاق وعليها ان تستأنف عدة الوفاة في
قولهم جميعا لأنها زوجته بعد الطلاق إذ الطلاق الرجعي لا يوجب زوال الزوجية وموت الزوج يوجب على زوجته
عدة الوفاة لقوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا كما لو مات قبل
الطلاق وإن كان بائنا أو ثلاثا فإن لم ترث بان طلقها في حالة الصحة لا تنتقل عدتها لان الله تعالى أوجب عدة الوفاة على
الزوجات بقوله عز وجل والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن وقد زالت الزوجية بالإبانة والثلاث فتعذر
ايجاب عدة الوفاة فبقيت عدة الطلاق على حالها وان ورثت بان طلقها في حالة المرض ثم مات قبل أن تنقضي العدة
فورثت اعتدت بأربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض حتى أنها لو لم تر في مدة الأربعة أشهر والعشر ثلاث حيض
تستكمل بعد ذلك وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وكذلك كل معتدة ورثت كذا ذكر الكرخي وعنى بذلك امرأة
المرتد بأن ارتد زوجها بعدما دخل بها ووجبت عليها العدة ثم مات أو قتل وورثته وذكر القدوري في امرأة المرتد
روايتين عن أبي حنيفة وقال أبو يوسف ليس عليها الا ثلاث حيض وجه قوله ما ذكرنا ان الشرع إنما أوجب عدة
الوفاة على الزوجات وقد بطلت الزوجية بالطلاق البائن الا انا بقيناها في حق الإرث خاصة لتهمة الفرار فمن ادعى
بقاءها في حق وجوب عدة الوفاة فعليه الدليل وجه قولهما ان النكاح لما بقي في حق الإرث فلان يبقى في حق وجوب
العدة أولى لأن العدة يحتاط في ايجابها فكان قيام النكاح من وجه كافيا لوجوب العدة احتياطا فيجب عليها الاعتداد
200

أربعة أشهر وعشرا فيها ثلاث حيض ولو حملت المعتدة في عدتها ذكر الكرخي ان من حملت في عدتها فالعدة أن تضع
حملها ولم يفصل بين المعتدة عن طلاق أو وفاة وقد فصل بينهما فإنه قال فيمن مات عن امرأته وهو صغير أو كبير ثم حملت
بعد موته فعدتها الشهور فهذا نص على أن عدة المتوفى عنها زوجها لا تنتقل بوجود الحمل من الأشهر إلى وضع الحمل قال
وإن كانت في عدة الطلاق فحبلت بعد الطلاق وعلم بذلك فعدتها أن تضع حملها وجه ما ذكره الكرخي ان وضع الحمل
أصل العدد لأن العدة وضعت لاستبراء الرحم ولا شئ أدل على براءة الرحم من وضع الحمل فيجب أن يسقط معه
ما سواه كما تسقط الشهور مع الحيض والصحيح ما ذكره محمد أن عدة المتوفى عنها زوجها لا تتغير بوجود الحمل
بعد الوفاة ولا تنتقل من الأشهر إلى وضع الحمل بخلاف عدة الطلاق وجه الفرق بين العدتين ان عدة الوفاة إنما
وجبت لاستبراء الرحم بدليل انها تتأدى بالأشهر مع وجود الحيض وكذا تجب قبل الدخول وإنما وجبت لاظهار
التأسف على فوت نعمة النكاح وكان الأصل في هذه العدة هو الأشهر الا إذا كانت حاملا وقت الوفاة فيتعلق
بوضع الحمل فإذا كانت حاملا بقيت على حكم الأصل فلا تتغير بوجود الحمل فلا تنتقل بخلاف عدة الطلاق فان
المقصود منها الاستبراء ووضع الحمل أصل في الاستبراء فإذا قدرت عليه سقط ما سواه أو يحمل ما ذكره الكرخي
على الخصوص وهي التي حبلت في عدة الطلاق وذكر العام على إرادة الخاص متعارف وقال محمد في عدة الطلاق انها
إذا حبلت فإن لم يعلم أنها حبلت بعد الطلاق ثم جاءت بولد لأكثر من سنتين فقد حكمنا بانقضاء عدتها بعد الوضع لستة
أشهر حملا لأمرها على الصلاح إذ الظاهر من حال المسلمة ان لا تتزوج في عدتها فيحكم بانقضاء عدتها قبل التزوج
والله الموفق
(فصل) وأما تغيير العدة فنحو الأمة إذا طلقت ثم أعتقت فإن كان الطلاق رجعيا تتغير عدتها إلى عدة الحرائر
لان الطلاق الرجعي لا يزيل الزوجية فهذه حرة وجبت عليها العدة وهي زوجته فتعتد عدة الحرائر كما إذا عتقها
المولى ثم طلقها الزوج وإن كانت بائنا لا تتغير عندنا وعند الشافعي تتغير فيهما جميعا وجه قوله أن الأصل في العدة هو
الكمال وإنما النقصان بعارض الرق فإذا أعتقت فقد زال العارض وأمكن تكميلها فتكلم ولنا ان الطلاق أوجب
عليها عدة الإماء لأنه صادفها وهي أمة والاعتاق وجد وهي مبانة فلا يتغير الواجب بعد البينونة كعدة الوفاة بخلاف
الطلاق الرجعي لأنه لا يوجب زوال الملك فوجد الاعتاق وهي زوجته فوجبت عليها العدة وهي حرة فتعتد عدة
الحرائر وهذا بخلاف الايلاء بأن كانت الزوجة مملوكة وقت الايلاء ثم أعتقت انه تنقلب عدتها إلى عدة الحرائر
وإن كان الايلاء طلاقا بائنا وقد سوى بينه وبين الرجعي في هذا الحكم وإنما كان كذلك لان البينونة في الايلاء
لا تثبت للحال وإنما تثبت بعد انقضاء المدة فكانت الزوجية قائمة للحال فأشبه الطلاق الرجعي بان طلقها الزوج
رجعيا ثم أعتقها المولى وهناك تنقلب عدتها عدة الحرائر فكذا مدتها ههنا بخلاف الطلاق البائن فإنه يوجب زوال
الملك للحال وقد وجبت عدة الإماء بالطلاق فلا تتغير بعد البينونة بالعتق والله الموفق وأما المطلقة الرجعية إذا راجعها
الزوج ثم طلقها قبل الدخول بها قال أصحابنا عليها عدة مستأنفة وقال الشافعي في أحد قوليه انها تكمل العدة وجه قوله إن
ها تعتد عن الطلاق الأول لا عن الثاني لان الثاني طلاق قبل الدخول فلا يوجب العدة ولنا ان الطلاق الثاني طلاق
بعد الدخول لان الرجعة ليست انشاء النكاح بل هي فسخ الطلاق ومنع عن العمل بثبوت البينونة بانقضاء العدة
فكانت مطلقة بالطلاق الثاني بعد الدخول فتدخل تحت قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولو
زوج أم ولده ثم مات عنها وهي تحت زوج أو في عدة من زوج فلا عدة عليها بموت المولى لأن العدة إنما تجب عليها
بموت المولى لزوال الفراش فإذا كانت تحت زوج أو في عدة من زوج لم تكن فراشا له لقيام فراش الزوج فلا
تجب عليها العدة فان أعتقها المولى ثم طلقها الزوج فعليها عدة الحرائر لان اعتاق المولى صادفها وهي فراش الزوج فلا
يوجب عليها العدة وطلاق الزوج صادفها وهي حرة فعليها عدة الحرائر ولو طلقها الزوج أولا ثم أعتقها المولى فان
201

كان الطلاق رجعيا تتغير عدتها إلى عدة الحرائر وإن كان بائنا لا تتغير لما ذكرنا فيما تقدم فان انقضت عدتها ثم مات
المولى فعليها بموت المولى ثلاث حيض لأنها لما انقضت عدتها من الزوج فقد عاد فراش المولى ثم زال بالموت فتجب
العدة لزوال الفراش كما إذا مات قبل أن يزوجها فان مات المولى والزوج فالامر لا يخلو اما ان علم أيهما مات أولا
واما ان لا يعلم وكل ذلك لا يخلو اما ان علم كم بين موتهما واما ان لم يعلم فان علم أن الزوج مات أولا وعلم أن بين موتيهما
أكثر من شهرين وخمسة أيام فعليها شهران وخمسة أيام مدة عدة الأمة في وفاة الزوج فإذا مات المولى فعليها ثلاث
حيض لأنه مات بعد انقضاء عدتها من الوفاة فعليها العدة من المولى وذلك ثلاث حيض وإن كان بين موتيهما أقل
من شهرين وخمسة أيام فكذلك عليها شهران وخمسة أيام مدة عدة وفاة الزوج فإذا مات المولى لا شئ عليها بموته
لأنه مات وهي في عدة الزوج وان علم أن المولى مات أولا فلا عدة عليها من المولى لأنها تحت زوج فلم تكن فراشا
للمولى فإذا مات الزوج فعليها أربعة أشهر وعشر عدة الوفاة من الزوج لأنها أعتقت بموت المولى وعدة الحرة في الوفاة
أربعة أشهر وعشر وان لم يعلم أيهما مات أولا فان علم أن بين موتيهما أكثر من شهرين وخمسة أيام فعليها أربعة
أشهر وعشر فيها ثلاث حيض وتفسيره انها إذا لم تر ثلاث حيض في هذه الأربعة الأشهر والعشر تستكمل بعد
ذلك لأنه ان مات الزوج أولا فقد وجب عليها شهران وخمسة أيام لأنها أمة وعدة الأمة من زوجها المتوفى هذا القدر
ثم مات المولى بعد انقضاء عدتها فوجب عليها ثلاث حيض عدة المولى وان مات المولى أولا فقد عتقت بموته ولا عدة
عليها منه لأنها ليست فراشا له وعدة أم الولد من مولاها تجب بزوال الفراش فلما مات الزوج بعد موت المولى فقد
مات الزوج وهي حرة فوجب عليها عدة الحرائر في الوفاة وهي أربعة أشهر وعشر فإذا في حال يجب عليها شهران
وخمسة أيام وثلاث حيض وفي حال يجب أربعة أشهر وعشر والشهران يدخلان في الشهور فيجب عليها أربعة
أشهر وعشر فيها ثلاث حيض على التفسير الذي ذكرنا احتياطا وان علم أنه بين موتيهما أقل من شهرين وخمسة أيام
فعليها أربعة أشهر وعشر في قولهم جميعا لأنه لا حال ههنا لوجوب الحيض لأنه ان مات المولى أولا لم يجب بموته شئ
لأنها تحت زوج فإذا مات وجب عليها أربعة أشهر وعشر لأنها عتقت بموت المولى وعدة الحرة في الوفاة أربعة
أشهر وعشر وان مات الزوج أولا وجب عليها شهران وخمسة أيام لأنها أمة فإذا مات المولى بعده لا يجب عليها شئ
بموته لان مات وهي في عدة الزوج فلم تكن فراشا له فإذا في حال يجب عليها أربعة أشهر وعشر فقط وفي حال
شهران وخمسة أيام فقط فأوجبنا الاعتداد بأكثر المدتين احتياطا فإذا لم يعلم أيهما مات أولا ولم يعلم أيضا كم بين
موتيهما فقد اختلف فيه قال أبو حنيفة عليها أربعة أشهر وعشر لا حيض فيها وقال أبو يوسف ومحمد عليهما
وقال أبو يوسف ومحمد عليها أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض وجه قولهما انه يحتمل ان الزوج مات أولا
وانقضت العدة ثم مات المولى بعد انقضاء العدة فيجب عليها ثلاث حيض ويحتمل أن يكون المولى مات أولا فعتقت
بموته ثم مات الزوج فيجب أربعة أشهر وعشر فيراعى فيه الاحتياط فيجمع بين الأربعة الأشهر والعشر
والحيض ولأبي حنيفة قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر
وعشرا وهذا تقدير لعدة الوفاة بأربعة أشهر وعشر فلا يجوز الزيادة عليه الا بدليل ولان الأصل في كل أمرين
حادثين لم يعلم تاريخ ما بينهما أن يحكم بوقوعهما معا كالغرقى والحرقى والهدمى وإذا حكم بموت الزوج مع موت
المولى فقد وجبت عليها العدة وهي حرة فكانت عدة الحرائر فلم يكن لايجاب الحيض حال فلا يمكن ايجابها والله عز
وجل أعلم وعلى هذا الأصل قال أبو يوسف إذا تزوج أم الولد بغير اذن مولاها ودخل بها الزوج ثم مات
الزوج والمولى ولا يعلم أيهما مات أولا ولا كم بين موتيها فعليها حيضتان في قياس قول أبي حنيفة لأنه يحكم بموتهما
معا وفي قول أبي يوسف يجب عليها ثلاث حيض في أربعة أشهر وعشر بناء على أصله في اعتبار الاحتياط لأنه
يحتمل ان المولى مات أولا فنفذ النكاح لموته لأنها عتقت فجاز نكاحها بعتقها ثم مات الزوج وهي حرة فوجب
202

عليها أربعة أشهر وعشر ويحتمل انه مات الزوج أولا وانقضت عدتها ثم مات المولى بعد انقضاء العدة فعليها عدة
المولى ثلاث حيض فوجب عليها أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض احتياط وان علم أن بين موتيهما ما لا تحيض
فيه حيضتين فعليها أربعة أشهر وعشر فيها حيضتان لان عدة المولى قد سقطت سواء مات أولا أو آخرا إذا كان
بين موتيهما ما لا تحيض فيه حيضتين ووقع التردد في عدة الزوج لأنه ان مات المولى أولا فعتقت نفذ نكاحها بعتقها
فوجب عليها عدة الحرائر بالوفاة وان مات الزوج أولا وجب عليها حيضتان فيجمع بينهما احتياطا ولو حاضت
حيضتين بين موتيهما فعليها أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض لأنه ان مات المولى أولا فعتقت فنفذ نكاحها فلما
مات الزوج وجب عليها عدة الشهور وان مات الزوج أولا ثم مات المولى بعد انقضاء العدة فيجب عليها ثلاث
حيض فيجمع بين الشهور والحيض احتياطا ولو اشترى الرجل زوجته وله منها ولد فأعتقها فعليها ثلاث حيض
حيضتان من النكاح تجتنب فيهما ما تجتنب المنكوحة وحيضة من العتق لا تجتنب فيها لأنه لما اشتراها فقد فسد
نكاحها ووجبت عليها العدة فصارت معتدة في حق غيره وان لم تكن معتدة في حقه بدليل انه لا يجوز له أن يزوجها
فإذا أعتقها صارت معتدة في حقه وفي حق غيره لان المانع من كونها معتدة في حقه هو إباحة وطئها وقد زال ذلك
بزوال ملك اليمين فزال المانع فظهر حكم العدة في حقه أيضا فيجب عليها حيضتان من فساد النكاح وهما معتبران
من الاعتاق أيضا وعدة النكاح يجب فيها الاحداد وأما الحيضة الثالثة فإنما تجب من العتق خاصة وعدة العتق لا
احداد فيها فإن كان طلقها قبل أن يشتريها تطليقة واحدة بائنة ثم اشتراها حل له وطؤها وكان لها أن تتزين لان ملك
اليمين سبب لحل الوطئ في الأصل لا لمانع وماؤه لا يصلح مانعا لوطئه فصار كما لو جدد النكاح فإذا حل له وطؤها
سقط عنها الاحداد فان حاضت ثلاث حيض قبل العتق ثم أعتقها فلا عدة عليها من النكاح وتعتد في العتق ثلاث
حيض لأنها وان لم تكن معتدة في حقه بعد الشراء فهي معتدة في حق غيره بدليل انه لا يجوز له أن يتزوجها فإذا مضت
الحيض بعد وجوب العدة بوجه من الوجوه تعتد بها فإذا أعتقها وجب عليها بالعتق مرة أخرى وهي عدة أم الولد ثلاث
حيض وإذا اشترى المكاتب زوجته ثم مات وترك وفاء فادت المكاتبة فسد النكاح قبل الموت بلا فصل ووجبت
عليها العدة من فساد النكاح حيضتان إذا كانت لم تلد منه وقد دخل بها أما فساد النكاح قبل موته بلا فصل فلان
المكاتب إذا مات وترك وفاء فادى يحكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته وإذا أعتق ملكها الآن ففسد نكاحها
وأما وجوب العدة عليها حيضتان فلأنها بانت وهي أمة فإن كانت ولدت فعليها تمام ثلاث حيض لأنها أم ولد فيجب
عليها حيضتان بالنكاح والعتق وحيضة بالعتق خاصة فإن لم يترك وفاء ولم تلد منه فعليها شهران وخمسة أيام دخل بها
أو لم يدخل بها إذا لم تكن ولدت منه لأنه لما مات عاجزا لم يفسد نكاحها لأنه مات عبدا فلم يملكها فمات عن منكوحته
وهي زوجته أمة فيجب عليها شهران وخمسة أيام عدة الأمة في الوفاة ويستوى فيه الدخول وعدم الدخول لأن العدة
عدة الوفاة فإن كانت ولدت منه سعت وسعى ولدها على نجومه فان عجزا فعدتها شهران وخمسة أيام لما بينا فان أديا
عتقا وعتق المكاتب فإن كان الأداء في العدة فعليها ثلاث حيض مستأنفة من يوم عتقا يستكمل فيها شهرين وخمسة
أيام من يوم مات المكاتب لان الأصل ان المكاتب إذا ترك ولدا ولم يترك وفاء فاكتسب الولد وأدى يحكم بعتق
المكاتب في الحال ويستند إلى ما قبل الموت من طريق الحكم لأنه إذا لم يترك وفاء فقد مات عاجزا في الظاهر فلم يحكم
بعتقه قبل موته مع العجز وإنما يحكم عند الأداء فيحكم بعتقه للحال ثم يستند فيعتق بعتقه ويجب عليها الحيض بعد
العتق بخلاف ما إذا ترك وفاء لأنه إذا كان له مال فالدين وهو بدل الكتابة ينتقل من ذمته إلى المال فيمنع ظهور العجز
فإذا أدى يحكم بسقوط الدين الكتابة عنه وسلامته للمولى في آخر جزء من أجزاء حياته فيعتق في ذلك الوقت
وعند زفر في الفصلين جميعا يحكم بعتقه قبل الموت ويجعل الولد إذا أدى كالكسب إذا أدى عنه والمسألة تعرف في
موضع آخر فان أديا فعتقا بعدما انقضت العدة بالشهرين وخمسة أيام فعليها ثلاث حيض مستقبلة لان عدة الوفاة لما
203

انقضت تجدد وجوب عدة أخرى بالعتق فكان عليها ان تعتد بها وذكر ابن سماعة في نوادره عن محمد إذا اشترى
المكاتب امرأته وولده منها ومات وترك وفاء من ديون له أو مال فعدتها ثلاث حيض في شهرين وخمسة أيام لأني
لا أعلم يؤدى المال فيحكم بعتقه أو يتوى فيحكم بعجزه فوجب الجمع بين العدتين ولو تزوج المكاتب بنت مولاه
ثم مات المولى ومات المكاتب وترك وفاء فعليها أربعة أشهر وعشر دخل بها أو لم يدخل بها لان النكاح عندنا
لا يفسد بموت المولى فإذا مات المكاتب عن منكوحته الحرة وجبت عليها عدة الحرائر وان لم يترك وفاء فعليها ثلاث
حيض إن كان قد دخل بها وان لم يكن دخل بها فلا عدة عليها لأنه مات عاجزا فملكته قبل موته وانفسخ النكاح
ووجبت عليها العدة بالفرقة في حال الحياة إن كان دخل بها والا فلا
(فصل) وأما أحكام العدة فمنها انه لا يجوز للأجنبي نكاح المعتدة لقوله تعالى ولا تعزموا عقدة النكاح حتى
يبلغ الكتاب أجله قيل أي لا تعزموا على عقدة النكاح وقيل أي لا تعقدوا عقد النكاح حتى ينقضي ما كتب الله
عليها من العدة ولان النكاح بعد الطلاق الرجعي قائم من كل وجه وبعد الثلاث والبائن قائم من وجه حال قيام العدة
لقيام بعض الآثار والثابت من وجه كالثابت من كل وجه في باب الحرمات احتياطا ويجوز لصاحب العدة أن
يتزوجها لان النهى عن التزوج للأجانب لا للأزواج لان عدة الطلاق إنما لزمتها حقا للزوج لكونها باقية على حكم
نكاحه من وجه فإنما يظهر في حق التحريم على الأجنبي لا على الزوج إذ لا يجوز أن يمنع حقه ومنها انه لا يجوز
للأجنبي خطبة المعتدة صريحا سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها أما للمطلقة طلاقا رجعيا فلأنها زوجة المطلق
لقيام ملك النكاح من كل وجه فلا يجوز خطبتها كما لا تجوز قبل الطلاق وأما المطلقة ثلاثا أو بائنا والمتوفى عنها زوجها
فلان النكاح حال قيام العدة قائم من كل وجه لقيام بعض آثاره كالثابت من كل وجه في باب الحرمة ولان التصريح
بالخطبة حال قيام النكاح من وجه وقوف موقف التهمة ورتع حول الحمى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم وقال صلى الله عليه وسلم من رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه فلا
يجوز التصريح بالخطبة في العدة أصلا وأما التعريض فلا يجوز أيضا في عدة الطلاق ولا بأس به في عدة الوفاة والفرق
بينهما من وجهين أحدهما انه لا يجوز للمعتدة من طلاق الخروج من منزلها أصلا بالليل ولا بالنهار فلا يمكن
التعريض على وجه لا يقف عليه الناس والاظهار بذلك بالحضور إلى بيت زوجها قبيح وأما المتوفى عنها زوجها
فيباح لها الخروج نهارا فيمكن التعريض على وجه لا يقف عليه سواها والثاني أن تعريض المطلقة اكتساب
عداوة وبغض فيما بينها وبين زوجها إذ العدة من حقه بدليل انه إذا لم يدخل بها لا تجب العدة ومعنى العداوة لا يتقدر
بينها وبين الميت ولا بينها وبين ورثته أيضا لأن العدة في المتوفى زوجها ليست لحق الزوج بدليل انها تجب قبل
الدخول بها فلا يكون التعريض في هذه العدة تسبيبا إلى العداوة والبغض بينها وبين ورثة المتوفى فلم يكن بها بأس
والأصل في جواز التعريض في عدة الوفاة قوله تعالى ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء واختلف أهل
التأويل في التعريض انه ما هو قال بعضهم هو أن يقول لها انك لجميلة وان فيك لراغب وانك لتعجبيني أو انى لأرجو
أن نجتمع أو ما أجاوزك إلى غيرك وانك لنافعة وهذا غير سديد ولا يحل لاحد أن يشافه امرأة أجنبية لا يحل له
نكاحها للحال بمثل هذه الكلمات لان بعضها صريح في الخطبة وبعضها صريح في اظهار الرغبة فلا يجوز شئ من ذلك
وإنما المرخص هو التعريض وهو أن يرى من نفسه الرغبة في نكاحها بدلالة في الكلام من غير تصريح به إذ
التعريض في اللغة هو تضمين الكلام في الدلالة على شئ من غير التصريح به بالقول على ما ذكر في الخبر أن فاطمة بنت
قيس لما استشارت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي معتدة فقال لها إذا انقضت عدتك فآذنيني فأذنته في
رجلين كانا خطباها فقال لها أما فلان فإنه لا يرفع العصا عن عاتقه وأما فلان فإنه صعلوك لا مال له فهل لك في أسامة بن
زيد فكان قوله صلى الله عليه وسلم آذنيني كناية عن خطاب إلى أن أشار عليه الصلاة والسلام إلى أسامة بن زيد
204

وصرح به وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال التعريض بالخطبة أن يقول لها أريد أن أتزوج امرأة من أمرها
كذا وكذا يعرض لها بالقول والله عز وجل أعلم ومنها حرمة الخروج من البيت لبعض المعتدات دون بعض
وجملة الكلام في هذا الحكم ان المعتدة لا يخلو اما أن تكون معتدة من نكاح صحيح واما أن تكون معتدة من نكاح
فاسد ولا يخلو اما أن تكون حرة وأما تكون أمة بالغة أو صغيرة عاقلة أو مجنونة مسلمة أو كتابية مطلقة أو متوفى عنها
زوجها والحال حال الاختيار أو حال الاضطرار فإن كانت معتدة من نكاح صحيح وهي حرة مطلقة بالغة عاقلة مسلمة
والحال حال الاختيار فإنها لا تخرج ليلا ولا نهارا سواء كان الطلاق ثلاثا أو بائنا أو رجعيا أما في الطلاق الرجعي
فلقوله تعالى ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا أن يأتين بفاحشة مبينة قيل في تأويل قوله عز وجل الا أن يأتين
بفاحشة مبينة الا أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها وقيل الفاحشة هي الخروج نفسه أي الا أن يخرجن فيكون
خروجهن فاحشة نهى الله تعالى الأزواج عن الاخراج والمعتدات عن الخروج وقوله تعالى أسكنوهن من حيث
سكنتم والامر بالاسكان نهى عن الاخراج والخروج ولأنها زوجته بعد الطلاق الرجعي لقيام ملك النكاح من كل
وجه فلا يباح لها الخروج كما قبل الطلاق الا أن بعد الطلاق لا يباح لها الخروج وان أذن لها بالخروج بخلاف
ما قبل الطلاق لان حرمة الخروج بعد الطلاق لمكان العدة وفي العدة حق الله تعالى فلا يملك ابطاله بخلاف ما قبل
الطلاق لان الحرم ثمة لحق الزوج خاصة فيملك ابطال حق نفسه بالاذن بالخروج ولان الزوج يحتاج إلى تحصين
مائة والمنع من الخروج طريق التحصين للماء لان الخروج يريب الزوج انه وطئها غيره فيشتبه النسب إذا حبلت
وأما في الطلاق الثلاث أو البائن فلعموم النهى ومساس الحاجة إلى تحصين الماء على ما بينا وأما المتوفى عنها زوجها
فلا تخرج ليلا ولا بأس بان تخرج نهارا في حوائجها لأنها تحتاج إلى الخروج بالنهار والاكتساب ما تنفقه لأنه لا نفقة لها
من الزوج المتوفى بل نفقتها عليها فتحتاج إلى الخروج لتحصيل النفقة ولا تخرج بالليل لعدم الحاجة إلى الخروج بالليل
بخلاف المطلقة فان نفقتها على الزوج فلا تحتاج إلى الخروج حتى لو اختلعت بنفقة عدتها بعض مشايخنا قالوا يباح لها
الخروج بالنهار للاكتساب لأنها بمعنى المتوفى عنها زوجها وبعضهم قالوا لا يباح لها الخروج لأنها هي التي أبطلت
النفقة باختيارها والنفقة حق لها فتقدر على ابطاله فاما لزوم البيت فحق عليها فلا تملك ابطاله وإذا خرجت بالنهار في
حوائجها لا تبيت عن منزلها الذي تعتد فيه والأصل فيه ما روى أن فريعة أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
لما قتل زوجها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنته في الانتقال إلى بنى خدرة فقال لها امكثي في بيتك حتى يبلغ
الكتاب أجله وفي رواية لما استأذنت أذن لها ثم دعاها فقال أعيدي المسألة فأعادت فقال لا حتى يبلغ الكتاب
أجله أفادنا الحديث حكمين إباحة الخروج بالنهار وحرمة الانتقال حيث لم ينكر خروجها ومنعها صلى الله عليه وسلم
من الانتقال فدل على جواز الخروج بالنهار من غير انتقال وروى علقمة أن نسوة من همدان نعى إليهن أزواجهن
فسألن ابن مسعود رضي الله عنه فقلن انا نستوحش فأمرهن أن يجتمعن بالنهار فإذا كان بالليل فلترح كل امرأة إلى
بيتها وروى عن محمد أنه قال لا بأس أن تنام عن بيتها أقل من نصف الليل لان البيتوتة في العرف عبارة عن الكون
في المبيت أكثر الليل فما دونه لا يسمى بيتوتة في العرف ومنزلها الذي تؤمر بالسكون فيه للاعتداد هو الموضع الذي
كانت تسكنه قبل مفارقة زوجها وقبل موته سواء كان الزوج ساكنا فيه أو لم يكن لان الله تعالى أضاف البيت إليها
بقوله عز وجل ولا تخرجوهن من بيوتهن والبيت المضاف إليها هو الذي تسكنه ولهذا قال أصحابنا انها إذا زارت أهلها
فطلقها زوجها كان عليها أن تعود إلى منزلها الذي كانت تسكن فيه فتعتد ثمة لان ذلك هو الموضع الذي يضاف إليها
وإن كانت هي في غيره وهذا في حالة الاختيار وأما في حالة الضرورة فان اضطرت إلى الخروج من بيتها بان خافت
سقوط منزلها أو خافت على متاعها أو كان المنزل بأجرة ولا تجد ما تؤديه في أجرته في عدة الوفاة فلا بأس عند ذلك أن
تنتقل وإن كانت تقدر على الاجزاء تنتقل وإن كان المنزل لزوجها وقد مات عنها فلها أن تسكن في نصيبها إن كان
205

نصيبها من ذلك ما تكتفى به في السكنى وتستتر عن سائر الورثة ممن ليس بمحرم لها وإن كان نصيبها لا يكفيها أو
خافت على متاعها منهم فلا بأس أن تنتقل وإنما كان كذلك لان السكنى وجبت بطريق العبادة حقا لله تعالى عليها
والعبادات تسقط بالاعذار وقد روى أنه لما قتل عمر رضي الله عنه نقل علي رضي الله عنه أم كلثوم رضي الله عنها لأنها
كانت في دار الإجارة وقد روى أن عائشة رضي الله عنها نقلت أختها أم كلثوم بنت أبي بكر رضي الله عنه لما قتل
طلحة رضي الله عنه فدل ذلك على جواز الانتقال للعذر وإذا كانت تقدر على أجرة البيت في عدة الوفاة فلا عذر فلا
تسقط عنها العبادة كالمتيمم إذا قدر على شرط الماء بان وجد ثمنه وجب عليه الشراء وان لم يقدر لا يجب لعذر العدم
كذا ههنا وإذا انتقلت لعذر يكون سكناها في البيت الذي انتقلت إليه بمنزلة كونها في المنزل الذي انتقلت منه في
حرمة الخروج عنه لان الانتقال من الأول إليه كان لعذر فصار المنزل الذي انتقلت إليه كأنه منزلها من الأصل
فلزمها المقام فيه حتى تنقضي العدة وكذا ليس للمعتدة من طلاق ثلاث أو بائن أن تخرج من منزلها الذي تعتد فيه
إلى سفر إذا كانت معتدة من نكاح صحيح وهي على الصفات التي ذكرناها ولا يجوز للزوج أن يسافر بها أيضا
لقوله تعالى ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن وقوله عز وجل هن كناية عن المعتدات ولان الزوجية قد زالت
بالثلاث والبائن فلا يجوز له المسافرة بها وكذا المعتدة من طلاق رجعي ليس لها أن تخرج إلى سفر سواء كان سفر
حج فريضة أو غير ذلك لا مع زوجها ولا مع محرم غيره حتى تنقضي عدتها أو يراجعها لعموم قوله تعالى ولا تخرجوهن
من بيوتهن ولا يخرجن من غير فصل بين خروج وخروج ولما ذكرنا ان الزوجية قائمة لان ملك النكاح قائم فلا
يباح لها الخروج لأن العدة لما منعت أصل الخروج فلان تمنع من خروج مديد وهو الخروج إلى السفر أولى وإنما
استوى فيه سفر الحج وغيره وإن كان حج الاسلام فرضا لان المقام في منزلها واجب لا يمكن تداركه بعد انقضاء
العدة وسفر الحج واجب يمكن تداركه بعد انقضاء العدة لان جميع العمر وقته فكان تقديم واجب لا يمكن تداركه بعد
الفوت جمعا بين الواجبين فكان أولى وليس لزوجها أن يسافر بها عند أصحابنا الثلاثة وقال زفر له ذلك واختلف
مشايخنا في تخريج قول زفر قال بعضهم إنما قال ذلك لأنه قد ثبت من أصل أصحابنا ان الطلاق الرجعي عدم في حق
الحكم قبل انقضاء العدة فكان الحال قبل الرجعة وبعدها سواء وقال بعضهم إنما قال ذلك لان المسافرة بها رجعة
عنده دلالة ووجهه ان اخراج المعتدة من بيت العدة حرام فلو لم يكن من قصده الرجعة لم يسافر بها ظاهرا تحرزا عن
الحرام فيجعل المسافرة بها رجعة دلالة حملا لامره على الصلاح صيانة له عن ارتكاب الحرام ولهذا جعلنا القبلة
واللمس عن شهوة رجعة كذا هذا ولنا قوله تعالى ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا أن يأتين بفاحشة مبينة
نهى الأزواج عن الاخراج والنساء عن الخروج وبه تبين فساد التخريج الأول لان نص الكتاب العزيز يقتضى
حرمة اخراج المعتدة وإن كان ملك النكاح قائما في الطلاق الرجعي فيترك القياس في مقابلة النص واليه أشار أبو
حنيفة فيما روى عنه أنه قال لا يسافر بها ليس من قبل انه غير زوج وهو زوج وهو بمنزلة المحرم لكن الله تعالى قال
ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن وأما التخريج الثاني وهو قولهم إن مسافرة الزوج بها دلالة الرجعة فممنوع وما
ذكروا أن الظاهر أنه يريد الرجعة تحرزا عن الحرام فذلك فيما كان النهى في التحريم ظاهرا فاما فيما كان خفيا فلا
وحرمة اخراج المعتدة عن طلاق رجعي مع قيام ملك النكاح من كل وجه مما لا يخفى عن الفقهاء فضلا عن العوام فلا
يثبت الامتناع عنه من طريق الدلالة مع ما ان الخلاف ثابت فيما إذا كان الزوج يقول إنه لا يراجعها نصا ولا معتبر
بالدلالة مع التصريح بخلافها وإذا لم تكن المسافرة بها دلالة الرجعة فلو أخرجها لاخرجها مع قيام العدة وهذا حرام
بالنص وقد قالوا فيمن خرجت محرمة فطلقها الزوج وبينها وبين مصرها أقل من ثلاثة أيام انها ترجع وتصير بمنزلة
المحصر لأنها صارت ممنوعة من المضي في حجها لمكان العدة فاما إذا راجعها الزوج فقد بطلت العدة وعادت الزوجية
فجاز له السفر بها ويستوى الجواب في حرمة الخروج والاخراج إلى السفر وما دون ذلك لعموم النهى الا ان النهى
206

عن الخرج والاخراج إلى ما دون السفر أخف لخفة الخروج والاخراج في نفسه وإذا خرج مع امرأته مسافرا
فطلقها في بعض الطريق أو مات عنها فإن كان بينها وبين مصرها الذي خرجت منه أقل من ثلاثة أيام وبينها
وبين مقصدها ثلاثة أيام فصاعدا رجعت إلى مصرها لأنها لو مضت لاحتاجت إلى إنشاء سفر وهي معتدة
ولو رجعت ما احتاجت إلى ذلك فكان الرجوع أولى كما إذا طلقت في المصر خارج بيتها انها تعود إلى بيتها
كذا هذا وإن كان بينها وبين مصرها ثلاثة أيام فصاعدا وبينها وبين مقصدها أقل من ثلاثة أيام فإنها تمضي
لأنه ليس في المضي انشاء سفر وفي الرجوع انشاء سفر والمعتدة ممنوعة عن السفر وسواء كان الطلاق في موضع
لا يصلح للإقامة كالمفازة ونحوها أو في موضع يصلح لها كالمصر ونحوها وإن كان بينها وبين مصرها ثلاثة أيام
وبينها وبين مقصدها ثلاثة أيام فصاعدا فإن كان الطلاق في المفازة أو في موضع لا يصلح للإقامة بان خافت على
نفسها أو متاعها فهي بالخيار ان شاءت مضت وان شاءت رجعت لأنه ليس أحدهما بأولى من الاخر سواء كان معها
محرم أو لم يكن وإذا عادت أو مضت فبلغت أدنى المواضع فهي بالخيار ان شاءت مضت وان شاءت رجعت إلى التي
تصلح للإقامة في مضيها أو رجوعها أقامت فيه واعتدت فيه ان لم تجد محرما بلا خلاف وان وجدت فكذلك عند أبي
حنيفة لأنه لو وجد الطلاق فيه ابتداء لكان لا يجوز لها ان تتجاوزه عنده وان وجدت محرما فكذا إذا وصلت
إليه وإن كان الطلاق في المصر أو في موضع يصلح للإقامة اختلف فيه قال أبو حنيفة تقيم فيه حتى تنقضي عدتها ولا
تخرج بعد انقضاء عدتها الا مع محرم حجا كان أو غيره وقال أبو يوسف ومحمد إن كان معها محرم مضت على سفرها
(وجه) قولهما ان حرمة الخروج ليست لأجل العدة بل لمكان السفر بدليل لأنه يباح لها الخروج إذا لم يكن بين
مقصدها ومنزلها مسيرة ثلاثة أيام ومعلوم ان الحرمة الثابتة للعدة لا تختلف بالسفر وغير السفر وإذا كانت الحرمة لمكان
السفر تسقط بوجود المحرم ولأبي حنيفة ان العدة مانعة من الخروج والسفر في الأصل الا ان الخروج إلى ما دون
السفر ههنا سقط اعتباره لأنه ليس بخروج مبتدأ بل هو خروج مبنى على الخروج الأول فلا يكون له حكم نفسه
بخلاف الخروج من بيت الزوج لأنه خروج مبتدأ فإذا كان من الجانبين جميعا مسيرة سفر كانت منشئة
للخروج باعتبار السفر فيتناوله التحريم وما حرم لأجل العدة لا يسقط بوجود المحرم (وأما) المعتدة في النكاح
الفاسد فلها أن تخرج لان أحكام العدة مرتبة على أحكام النكاح بل هي أحكام السابق في الحقيقة بقيت
بعد الطلاق والوفاة والنكاح الفاسد لا يفيد المنع من الخروج فكذا العدة الا إذا منعها الزوج لتحصين مائة فله
ذلك وأما الأمة والمدبرة وأم الولد والمكاتبة والمستسعاة على أصل أبي حنيفة فيخرجن في ذلك كله من الطلاق والوفاة
أما الأمة فلما ذكرنا ان حال العدة مبنية على حال النكاح ولا يلزمها المقام في منزل زوجها في حال النكاح كذا في حال
العدة ولان خدمتها حق المولى فلو منعناها من الخروج لأبطلنا حق المولى في الخدمة من غير رضاه وهذا لا يجوز الا
إذا بوأها مولاها منزلا فحينئذ لا تخرج ما دامت على ذلك لأنه رضى بسقوط حق نفسه وان أراد المولى أن يخرجها
فله ذلك لان الخدمة للمولى وإنما كان أعارها للزوج وللمعير ان يسترد العارية ولما ذكرنا ان حال العدة معتبرة بحال
النكاح مرتبة عليها ولو بوأها المولى في حال النكاح كان للزوج أن يمنعها من الخروج حتى يبدو للمولى فكذا
في حال العدة وروى ابن سماعة عن محمد في الأمة إذا طلقها زوجها وكان المولى مستغنيا عن خدمتها فلها ان تخرج وان
لم يأمرها لأنه قال إذا جاز لها ان تخرج باذنه جاز لها ان تخرج بكل وجه ألا ترى ان حرمة الخروج لحق الله تعالى
فلو لزمها لم يسقط باذنه وكذلك المدبرة لما قلنا وكذلك أم الولد إذا طلقها زوجها أو مات عنها لأنها أمة المولى وكذا إذا
عتقت أو مات عنها سيدها لها ان تخرج لان عدتها عدة وطئ فكانت كالمنكوحة نكاحا فاسدا وأما المكاتبة فلان
سعايتها حق المولى إذ بها يصل المولى إلى حقه فلو منعناها من الخروج لتعذرت عليها السعاية والمعتق بعضها بمنزلة
المكاتبة عند أبي حنيفة وعندهما حرة ولو أعتقت الأمة في العدة يلزمها فيما بقي من عدتها ما يلزم الحرة لان المانع من
207

الخروج قد زال وأما الصغيرة فلها أن تخرج من منزلها إذا كانت الفرقة لا رجعة فيها سواء أذن الزوج لها أو لم
يأذن لان وجوب السكنى في البيت على المعتدة لحق الله تعالى وحق الزوج وحق الله عز وجل لا يجب على الصبي
وحق الزوج في حفظ الولد ولا ولد منها وإن كانت الفرقة رجعية فلا يجوز لها الخروج بغير اذن الزوج لأنها
زوجته وله أن يأذن لها بالخروج وكذا المجنونة لها ان تخرج من منزلها لأنها غير مخاطبة كالصغيرة الا ان لزوجها
ان يمنعها من الخروج لتحصين مائه بخلاف الصغيرة فان الزوج لا يملك منعها لان المنع في حق المجنونة لصيانة الماء
لاحتمال الحبل والصغيرة لا تحبل والمنع من الطلاق الرجعي لكونها زوجته وأما الكتابية فلها ان تخرج لان السكنى
في العدة حق الله تعالى من وجه فتكون عبادة من هذا الوجه والكفار لا يخاطبون بشرائع هي عبادات الا إذا منعها
الزوج من الخروج لتحصين مائه لان الخروج حق في العدة وهو صيانة مائه عن الاختلاط فان أسلمت الكتابية
في العدة لزمها فيما بقي من العدة ما يلزم المسلمة لان المانع من اللزوم وهو الكفر وقد زال بالاسلام وكذا المجوسية إذا
أسلم زوجها وأبت الاسلام حتى وقعت الفرقة ووجبت العدة فإن كان الزوج قد دخل بها لها أن تخرج لما قلنا الا
إذا أراد الزوج منعها من الخروج لتحصين مائه فإذا طلب منها ذلك يلزمها لان حق الانسان يجب ابقاؤه عند طلبه ولو
قبلت المسلمة ابن زوجها حتى وقعت الفرقة ووجبت العدة إذا كان بعد الدخول فليس لها أن تخرج من منزلها لان
السكنى في العدة فيها حق الله تعالى وهي مخاطبة بحقوق الله عز وجل وأما بعد انقضاء العدة فلها أن تخرج إلى ما دون
مسيرة سفر بلا محرم لأنها تحتج إلى ذلك فلو شرط له المحرم لضاق الامر عليها وهذا لا يجوز ولا يجوز لها أن تخرج
إلى مسيرة سفر الا مع المحرم والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تسافر المرأة فوق ثلاثة
أيام الا ومعها زوجها أو ذو رحم محرم منها وسواء كان المحرم من النسب أو الرضاع أو المصاهرة لان النص وان ورد
في ذي الرحم المحرم فالمقصود هو المحرمية وهو حرمة المناكحة بينهما على التأبيد وقد وجد فكان النص الوارد في ذي
الرحم المحرم وارادا في المحرم بلا رحم دلالة ومنها وجوب الاحداد على المعتدة والكلام في هذا الحكم في ثلاثة مواضع
أحدها في تفسير الاحداد والثاني في بيان ان الاحداد واجب في الجملة أولا والثالث في بيان شرائط وجوبه أما
الأول فالاحداد في اللغة عبارة عن الامتناع من الزينة يقال أحدت على زوجها وحدت أي امتنعت من الزينة وهو
ان تجتنب الطيب ولبس المطيب والمعصفر والمزعفر وتجتنب الدهن والكحل ولا تختضب ولا تمتشط ولا تلبس
حليا ولا تتشوف أما الطيب فلما روت أم سلمة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى المعتدة ان تختضب
بالحناء وقال صلى الله عليه وسلم الحنا طيب فيدل على وجوب اجتناب الطيب ولان الطيب فوق الحناء فالنهي عن الحناء
يكون نهيا عن الطيب دلالة كالنهي عن التأفيف نهى عن الضرب والفتل دلالة وكذا لبس الثوب المطيب والمصبوغ
بالعصفر والزعفران له رائحة طيبة فكان كالطيب وأما الدهن فلما فيه من زينة الشعر وفي الكحل زينة العين
ولهذا حرم على المحرم جميع ذلك وهذا في حال الاختيار فاما في حال الضرورة فلا بأس به بان اشتكت عينها فلا باس
بان تكتحل أو اشتكت رأسها فلا بأس ان تصب فيه الدهن أو لم يكن لها الا ثوب مصبوغ فلا بأس ان تلبسه لكن لا
تقصد به الزينة لان مواضع الضرورة مستثناة وقال أبو يوسف لا بأس ان تلبس القصب والخز الأحمر وذكر في
الأصل وقال ولا تلبس قصبا ولا خزا تتزين به لان الخز والقصب قد يلبس للزينة وقد يلبس للحاجة والرفاء فاعتبر فيه
القصد فان قصد به الزينة لم يجز وان لم يقصد به جاز وأما الثاني وهو بيان انه واجب أم لا فنقول لا خلاف بين الفقهاء
ان المتوفى عنها زوجها يلزمها الاحداد وقال نفاة القياس لا احداد عليها وهم محجوجون بالأحاديث واجماع
الصحابة رضي الله عنهم أما الأحاديث فمنها ما روى أن أم حبيبة رضي الله عنها لما بلغها موت أبيها أبي سفيان
انتظرت ثلاثة أيام ثم دعت بطيب وقالت مالي إلى الطيب من حاجة لكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تحد على ميت فوق ثلاثة أيام الا على زوجها أربعة أشهر وعشرا وروى
208

ان امرأة مات زوجها فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذنه في الانتقال فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ان إحداكن كانت تمكث في شر أحلاسها إلى الحول ثم تخرج فتلقى البعرة أفلا أربعة أشهر وعشرا فدل الحديث
ان عدتهن من قبل نزول هذه الآية كانت حولا وانهن كن في شر أحلاسهن مدة الحول ثم انتسخ ما زاد على هذه المدة
وبقى الحكم فيما بقي على ما كان قبل النسخ وهو ان تمكث المعتدة هذه المدة في شر أحلاسها وهذا تفسير الحداد وأما
الاجماع فإنه روى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم عبد الله بن عمر وعائشة وأم سلمة وغيرهم رضي الله عنهم
مثل قولنا وهو قول السلف واختلف في المطلقة ثلاثا أو بائنا قال أصحابنا يلزمها الحداد وقال الشافعي لا يلزمها الحداد وجه
قوله إن الحداد في المنصوص عليه إنما وجب لحق الزوج تأسفا على ما فاتها من حسن العشرة وإدامة الصحبة إلى وقت
الموت وهذا المعنى لم يوجد في المطلقة لان الزوج أوحشها بالفرقة وقطع الوصلة باختيار ولم يمت عنها فلا يلزمها التأسف
ولنا ان الحداد إنما وجب على المتوفى عنها زوجها لفوات النكاح الذي هو نعمة في الدين خاصة في حقها لما فيه من قضاء
شهوتها وعفتها عن الحرام وصيانة نفسها عن الهلاك بدرور النفقة وقد انقطع ذلك كله بالموت فلزمها الاحداد اظهارا
للمصيبة والحزن وقد وجد هذا المعنى في المطلقة الثلاث والمبانة فيلزمها الاحداد وقوله الاحداد في عدة الوفاة وجب
لحق الزوج لا يستقيم لأنه لو كان لحق الزوج لما زاد على ثلاثة أيام كما في موت الأب وأما الثالث في شرائط وجوبه فهي
أن تكون المعتدة بالغة عاقلة مسلمة من نكاح صحيح سواء كانت متوفى عنها زوجها أو مطلقة ثلاثا أو بائنا فلا يجب على
الصغيرة والمجنونة الكبيرة والكتابية والمعتدة من نكاح فاسد والمطلقة طلاقا رجعيا وهذا عندنا وقال الشافعي يجب
على الصغيرة والكتابية وجه قوله إن الحداد من أحكام العدة وقد لزمتها العدة فيلزمها حكمها ولنا ان الحداد عبادة بدنية
فلا تجب على الصغيرة والكافرة كسائر العبادات البدنية من الصوم والصلاة وغيرهما بخلاف العدة فإنها اسم لمضى
زمان وذا لا يختلف بالاسلام والكفر والصغر والكبر على أن بعض أصحابنا قالوا لا تجب عليهما العدة وإنما يجب
علينا أن لا نتزوجهما ولا احداد على أم الولد إذا أعتقها مولاها أو مات عنها لأنها تعتد من الوطئ كالمنكوحة نكاحا
فاسدا ولا احداد على المعتدة من نكاح فاسد فكذا عليها ولا احداد على المطلقة طلاقا رجعيا لأنه يجب اظهارا
للمصيبة على فوت نعمة النكاح والنكاح بعد الطلاق الرجعي غير فائت بل هو قائم من كل وجه فلا يجب الحداد بل
يستحب لها أن تترين لتحسن في عين الزوج فيراجعها ولا احداد في النكاح الفاسد لان النكاح الفاسد ليس بنعمة
في الدين لأنه معصية ومن المحال ايجاب اظهار المصيبة على فوات المعصية بل الواجب اظهار السرور والفرح على
فواتها وأما الحرية فليست بشرط لوجوب الاحداد فيجب على الأمة والمدبرة وأم الولد إذا كان لها زوج فمات عنها
أو طلقها والمكاتبة والمستسعاة لان ما وجب له الحداد لا يختلف بالرق والحرية فكانت الأمة فيه كالحرة والله أعلم
ومنها وجوب النفقة والسكنى وهو مؤنة السكنى لبعض المعتدات دون بعض وجملة الكلام ان المعتدة اما إن كانت
عن طلاق أو عن فرقة بغير طلاق واما إن كانت عن وفاة ولا يخلو من أن تكون معتدة من نكاح صحيح أو فاسدا وما
هو في معنى النكاح الفاسد فإن كانت معتدة من نكاح صحيح عن طلاق فإن كان الطلاق رجعيا فلها النفقة والسكنى
بلا خلاف لان ملك النكاح قائم فكان الحال بعد الطلاق كالحال قبله ولما نذكر من دلائل أخر وإن كان الطلاق
ثلاثا أو بائنا فلها النفقة والسكنى إن كانت حاملا بالاجماع لقوله تعالى وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن
حملهن وإن كانت حائلا فلها النفقة والسكنى عند أصحابنا وقال الشافعي لها السكنى ولا نفقة لها وقال ابن أبي ليلى لا نفقة
لها ولا سكنى واحتجا بقوله تعالى وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن خص الحامل بالامر
بالانفاق عليها فلو وجب الانفاق على غير الحامل لبطل التخصيص وروى عن فاطمة بنت قيس انها قالت طلقني
زوجي ثلاثا فلم يجعل لي النبي صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى ولان النفقة تجب بالملك وقد زال الملك بالثلاث
والبائن الا أن الشافعي يقول عرفت وجوب السكنى في الحامل بالنص بخلاف البائن ولنا قوله تعالى أسكنوهن من
209

حيث سكنتم من وجدكم وفي قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من
وجدكم ولا اختلاف بين القراءتين لكن إحداهما تفسير الأخرى كقوله عز وجل والسارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما وقراءة ابن مسعود رضي الله عنه أيمانهما وليس ذلك اختلاف القراءة بل قراءته تفسير القراءة الظاهرة كذا
هذا ولان الامر بالاسكان أمر بالانفاق لأنها إذا كانت محبوسة ممنوعة عن الخروج لا تقدر على اكتساب النفقة
فلو لم تكن نفقتها على الزوج ولا مال لها لهلكت أو ضاق الامر عليها وعسر وهذا لا يجوز وقوله تعالى لينفق ذو سعة
من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله من غير فصل بين ما قبل الطلاق وبعده في العدة ولان النفقة وإنما
وجبت قبل الطلاق لكونها محبوسة عن الخروج والبروز لحق الزوج وقد بقي ذلك الاحتباس بعد الطلاق
في حالة العدة وتأبد بانضمام حق الشرع إليه لان الحبس قبل الطلاق كان حقا للزوج على الخلوص وبعد الطلاق
تعلق به حق الشرع حتى لا يباح لها الخروج وان أذن الزوج لها بالخروج فلما وجبت به النفقة قبل التأكد فلان
تجب بعد التأكد أولى وأما الآية ففيها أمر بالانفاق على الحامل وانه لا ينفى وجوب الانفاق على غير الحامل ولا
يوجبه أيضا فيكون مسكونا موقوفا على قيام الدليل وقد قام دليل الوجوب وهو ما ذكرنا وأما حديث فاطمة بنت
قيس فقد رده عمر رضي الله عنه فإنه روى أنها لما روت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة
قال عمر رضي الله عنه لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت وفي بعض الروايات
قال لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا ونأخذ بقول امرأة لعلها نسيت أو شبه لها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لها السكنى والنفقة وقول عمر رضي الله عنه لا ندع كتاب ربنا يحتمل انه أراد به قوله عز وجل أسكنوهن من
حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم كما هو قراءة ابن مسعود رضي الله عنه ويكون هذا قراءة عمر أيضا ويحتمل
انه أراد قوله عز وجل لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله مطلقا ويحتمل انه أراد بقوله
لا ندع كتاب ربنا في السكنى خاصة وهو قوله عز وجل أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم كما هو القراءة الظاهرة
وأراد بقوله رضي الله عنه سنة نبينا ما روى عنه رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
لها النفقة والسكنى ويحتمل أن يكون عند عمر رضي الله عنه في هذا تلاوة رفعت عينها وبقى حكمها فأراد بقوله لا ندع
كتاب ربنا تلك الآية كما روى عنه أنه قال في باب الزنا كنا نتلوا في سورة الأحزاب الشيخ والشيخة إذا زنيا
فارجموهما نكالا من الله والله عزيز حكيم ثم رفعت التلاوة وبقى حكمها كذا ههنا وروى أن زوجها أسامة بن زيد
كان إذا سمعها تتحدث بذلك حصبها بكل شئ في يده وروى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت لها لقد فتنت الناس
بهذا الحديث وأقل أحوال انكار الصحابة على راوي الحديث أن يوجب طعنا فيه ثم قد قيل في تأويله انها كانت
تبذ وعلى احمائها أي تفحش عليهم باللسان من قولهم بذوت على فلان أي فحشت عليه أي كانت تطيل لسانها عليهم
بالفحش فنقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت ابن أم مكتوم ولم يجعل لها نفقة ولا سكنى لأنها صارت كالناشزة
إذ كان سبب الخروج منها وهكذا تقول فيمن خرجت من بيت زوجها في عدتها أو كان منها سبب أوجب
الخروج انها لا تستحق النفقة ما دامت في بيت غير الزوج وقيل إن زوجها كان غائبا فلم يقض لها بالنفقة والسكنى
على الزوج لغيبته إذ لا يجوز القضاء على الغائب من غير أن يكون عنه خصم حاضر فان قيل روى أن زوجها خرج
إلى الشام وقد كان وكل أخاه فالجواب أنه إنما وكله بطلاقها ولم يوكله بالخصوصة وقولهما ان النفقة تجب لها بمقابلة الملك
ممنوع فان للملك ضمان آخر وهو المهر على ما نذكر إن شاء الله تعالى وإنما تجب بالاحتباس وقد بقي بعد الطلاق الثلاث
والبائن فتبقى النفقة وسواء كانت المعتدة عن طلاق كبيرة أو صغيرة مسلمة أو كتابية لان ما ذكرنا من الدلائل لا يوجب
الفصل ولا نفقة ولا سكنى للأمة المعتدة عن طلاق إذا لم يبوئها المولى بيتا لأنه إذا لم يبوئها المولى بيتا فحق الحبس لم يثبت
للزوج ألا ترى ان لها أن تخرج فإن كان المولى قد بوأها بيتا فلها السكنى والنفقة لثبوت حق الحبس للزوج وكذلك
210

المدبرة وأم الولد إذا طلقهما وبوأهما المولى بيتا أو لم يبوئهما لان كل واحدة منهما أمة وكذا المكاتبة والمستسعاة
على أصل أبي حنيفة وان أعتقت أم الولد أو مات عنها مولاها فلا نفقة لها ولا سكنى لأنها غير محبوسة ألا ترى ان لها
أن تخرج فلا تجب لها النفقة والسكنى كالمعتدة من نكاح فاسد لان عدتها كعدة المنكوحة نكاحا فاسدا هذا
إذا كانت معتدة عن طلاق من نكاح صحيح فإن كانت معتدة من نكاح فاسد فلا سكنى لها ولا نفقة لما ذكرنا
ان حال العدة معتبرة بحال انكاح ولا سكنى ولا نفقة في النكاح الفاسد فكذا في العدة منه هذا إذا كانت معتدة
عن طلاق فإن كانت معتدة عن فرقة بغير طلاق من نكاح صحيح فإن كانت الفرقة من قبله فلها النفقة والسكنى
كيفما كانت الفرقة وإن كانت من قبلها فإن كانت بسبب ليس بمعصية كالأمة إذا أعتقت فاختارت نفسها
وامرأة العنين إذا اختارت الفرقة فلها السكنى والنفقة وإن كانت بسبب هو معصية كالمسلمة قبلت ابن زوجها
بشهوة قالوا لا نفقة لها ولها السكنى لان السكنى فيها حق الله تعالى وهي مسلمة مخاطبة بحقوق الله تعالى وأما النفقة
فتجب حقا لها على الخلوص فإذا وقعت الفرقة من قبلها بغير حق فقد أبطلت حق نفسها بخلاف المعتقة وامرأة العنين
لان الفرقة وقعت من قبلهما بحق فلا تسقط النفقة هذا إذا كانت معتدة عن طلاق أو عن فرقة بغير طلاق فإن كانت
معتدة عن وفاة فلا سكنى لها ولا نفقة في مال الزوج سواء كانت حائلا أو حاملا فأن النفقة في باب النكاح لا تجب
بعقد النكاح دفعة واحدة كالمهر وإنما تجب شيئا فشيئا على حسب مرور الزمان فإذا مات الزوج انتقل ملك أمواله
إلى الورثة فلا يجوز ان تجب النفقة والسكنى في مال الورثة وسواء كانت حرة أو أمة وكبيرة أو صغيرة مسلمة أو كتابية
لان الحرة المسلمة الكبيرة لما لم تستحق النفقة والسكنى في عدة الوفاة فهؤلاء أولى وكذا المعتدة من نكاح فاسد في
الوفاة لا سكنى لها ولا نفقة لأنهما لا يستحقان بالنكاح الصحيح في هذه العدة فبالنكاح الفاسد أولى والله أعلم
ومنها ثبوت النسب إذا جاءت بولد والكلام في هذا الموضع في موضعين في الأصل أحدهما في بيان ما يثبت فيه
نسب ولد المعتدة من المدة والثاني في بيان ما يثبت به نسبه من الحجة أي يظهر به أما الأول فالأصل فيه ان أقل مدة
الحمل ستة أشهر لقوله عز وجل وحمله وفصاله ثلاثون شهرا جعل الله تعالى ثلاثين شهرا مدة الحمل والفصال جميعا ثم
جعل سبحانه وتعالى الفصال وهو الفطام في عامين بقوله تعالى وفصاله في عامين فيبقى للحمل ستة أشهر وهذا
الاستدلال منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنه روى أن رجلا تزوج امرأة فجاءت بولد لستة أشهر فهم
عثمان رضي الله عنه برجمها فقال لابن عباس رضي الله عنهما اما انه لو خاصمتكم بكتاب الله لخصمتكم قال الله تعالى
وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وقال سبحانه وفصاله في عامين أشار إلى ما ذكرنا فدل ان أقل مدة الحمل ستة أشهر
وأكثرها سنتان عندنا وعند الشافعي أربع سنين وهو محجوج بحديث عائشة رضي الله عنها انها قالت لا يبقى الولد
في رحم أمه أكثر من سنتين ولو بفلكة مغزل والظاهر أنها قالت ذلك سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لان
هذا باب لا يدرك بالرأي والاجتهاد ولا يظن بها انها قالت ذلك جزافا وتخمينا فتعين السماع واصل آخر إن كان مطلقة
لم تلزمها العدة بان لم تكن مدخولا بها فنسب ولدها لا يثبت من الزوج الا إذا علم يقينا انه منه وهو ان تجئ به لأقل من
ستة أشهر وكل مطلقة عليها العدة فنسب ولدها يثبت من الزوج الا إذا علم يقينا انه ليس منه وهو ان تجئ به لأكثر
من سنتين وإنما كان كذلك لان الطلاق قبل الدخول يوجب انقطاع الناكح بجميع علائقه فكان النكاح من
كل وجه زائلا بيقين وما زال بيقين لا يثبت الا بيقين مثله فإذا جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم الطلاق فقد
تيقنا ان العلوق وجد في حال الفراش وانه وطئها وهي حامل منه إذ لا يحتمل أن يكون بوطئ بعد الطلاق لأن المرأة
لا تلد لأقل من ستة أشهر فكان من وطئ وجد على فراش الزوج وكون العلوق في فراشه يوجب ثبوت النسب منه
فإذا جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا لم يستيقن بكونه مولودا على الفراش لاحتمال أن يكون بوطئ بعد الطلاق
والفراش كان زائلا بيقين فلا يثبت مع الشك وعلى هذا يخرج ما إذا طلق امرأته قبل الدخول بها فجاءت بولد لأقل
211

من ستة أشهر مذ طلقها انه يلزمه لتيقننا بعلوقه حال قيام النكاح وإذا جاءت به لستة أشهر أو أكثر لا يلزمه لعدم التيقن
بذلك ويستوى في هذا الحكم ذوات الأقراء وذوات الأشهر لما قلنا وعلى هذا يخرج ما إذا قال كل امرأة أتزوجها
فهي طالق فتزوج امرأة فطلقت فجاءت بولدانها ان جاءت به لستة أشهر من وقت النكاح يثبت النسب لأنها إذا
جاءت به لستة أشهر من وقت النكاح كان لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق لان الطلاق يقع عقيب النكاح
لان الحالف أوقعه كذلك ألا ترى أنه قال فهي طالق والفاء للتعقيب بلا تراخى وقال زفر لا يثبت النسب وروى أن
محمدا كأن يقول مثل قوله ثم رجع وجه قول زفر ان اثبات النسب بعقد امكان بوطئ ولم يوجد إذ ليس بين النكاح
والطلاق زمان يسع فيه الوطئ بل كما وجد النكاح وقع الطلاق عقيبه بلا فصل فلا يتصور الوطئ فلا يثبت
النسب وانا نقول يمكن تصوره بأن كان يخالط امرأة فدخل الرجال عليه فتزوجها وهم يسمعون كلامه وأنزل من
ساعته وإذا تصور الوطئ فالنكاح قائم مقام الوطئ المنزل عند تصوره شرعا لقوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش
وان جاءت لأقل من ستة أشهر من وقت النكاح لا يثبت النسب لأنا علمنا يقينا انه لوطئ وجد قبل النكاح ثم
إذا جاءت به لستة أشهر من وقت النكاح حتى يثبت النسب يجب على الزوج مهر كامل كذا ذكر في ظاهر الرواية
لأنها صارت في حكم المدخول بها وذكر أبو يوسف في الأمالي ان القياس ان يجب عليه مهر ونصف مهر نصف مهر
بالطلاق قبل الدخول ومهر كامل بالدخول ووجهه ان يجعل الطلاق واقعا كما تزوج فيجب نصف مهر لوجود
الطلاق قبل الدخول ثم يجعل واجبا بعد الدخول بناء على أن عنده ان الطلاق غير واقع لأنه يرى أن تعليق النكاح
بالملك لا يصلح كما هو مذهب الشافعي فيجب المهر بهذا الوطئ ويثبت النسب لان المسألة مجتهد فيها فلا يكون فعله
زنا الا ان أبا حنيفة استحسن وقال لا يجب الا مهر واحد لأنها كالمدخول بها من طريق الحكم فيتأكد المهر وان طلقها
بعد الدخول بها فجاءت بولد فجملة الكلام في المعتدة ان يقال المعتدة لا يخلو اما إن كانت معتدة عن طلاق أو غيره
من أسباب الفرقة واما إن كانت معتدة من وفاة وكل واحدة منهما لا يخلو من أن تكون من ذوات الأقراء أو من
ذوات الأشهر كانت أقرت بانقضاء العدة أو لم تقر فإن كانت معتدة عن طلاق فالطلاق لا يخلو اما أن يكون بائنا
واما أن يكون رجعيا فإن كان بائنا وهي من ذوات الأقراء ولم تكن أقرت بانقضاء العدة فجاءت بولد فان جاءت به إلى
سنتين عند الطلاق لزمه لأنه لا يحتمل أن يكون العلوق من وطئ حادث بعد الطلاق ويحتمل أن يكون من وطئ
وجد في حال قيام النكاح وكانت حاملا وقت الطلاق لان الولد يبقى في البطن إلى سنتين بالاتفاق وهذا ظهر
الاحتمالين إذا الظاهر من حال المسلمة أن لا تتزوج في العدة وحمل أمور المسلمين على الصلاح والسداد واجب ما
أمكن فيحمل عليه أو نقول النكاح كان قائما بيقين والفراش كان ثابتا بيقين لقيام النكاح والثابت بيقين لا يزول
الا بيقين مثله فإذا كان احتمال العلوق على الفراش قائما لم نستيقن بانقضاء العدة وزوال النكاح من كل وجه فلم نستيقن
بزوال الفراش فلا نحكم بالزوال بالشك وان جاءت به لأكثر من سنتين لم يلزمه ان أنكره لأنا تيقنا انه ليس منه لان
الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين فلا يثبت نسبه منه ما لم يدع فإذا ادعى ثبت النسب منه وهل يشترط تصديقها
فيه روايتان واختلف في انقضاء عدتها قال أبو حنيفة ومحمد يحكم بانقضائها قبل الولادة بستة أشهر وترد ما أخذت
من نفقته هذه المدة وقال أبو يوسف انقضاء عدتها بوضع الحمل ولا ترد شيئا من النفقة وجه قوله إنه يحتمل انه وطئها
أجنبي بشبهة ويحتمل ان الزوج وطئها بشبهة فلا ترد النفقة بالشك ولهما ان الولد لا بد وأن يكون من وطئ حادث
بعد الطلاق لان الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين فلا يجوز ان يحمل على أن الزوج وطئها لأنه حرام ولا على أن
أجنبيا وطئها بشبهة لان ذلك حرام أيضا وظاهر حال المسلم التحرج عن الحرام فتعين الحمل على وطئ حلال وهو
الوطئ في نكاح صحيح فيحمل على أن عدتها قد انقضت وتزوجت وأقل مدة الحمل ستة أشهر فوجب رد نفقة
ستة أشهر لأنه تبين انها لم تكن عليه وقد خرج الجواب عما ذكره أبو يوسف على أنا ان حملنا على أن أجنبيا وطئها
212

بشبهة تسقط النفقة عن زوجها لأنهم قالوا في المنكوحة إذا تزوجت فحملت من غير زوجها انه لا نفقة لها عليه وإن كان
ت أقرت بانقضاء العدة وذلك في مدة تنقضي في مثلها العدة ثم جاءت بولد في سنتين فان جاءت به لأقل من
ستة أشهر من يوم أقرت لزمه أيضا وان جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا من وقت الاقرار لم يلزمه لان الأصل
ان المعتدة مصدقة في الاخبار عن انقضاء عدتها إذ الشرع ائتمنها على ذلك فتصدق ما لم يظهر غلطها أو كذبها
بيقين فإذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الاقرار ظهر غلطها أو كذبها لأنه تبين انها كانت معتدة وقت
الاقرار إذ المرأة لا تلد لأقل من ستة أشهر فاقرارها بانقضاء العدة وهي معتدة يكون غلطا أو يكون كذبا إذ هو اخبار عن
الخبر لا على ما هو به وهذا حد الكذب فالتحق اقرارها بالعدم وإذا جاءت به لستة أشهر أو أكثر لم يظهر كذبها
لاحتمال انها تزوجت بعد اقرارها بانقضاء العدة فجاءت منه بولد فلم يكن ولد زنا لكن ليس له نسب معروف فلزم
تصديقها في اخبارها بانقضاء عدتها على الأصل فلم يكن الولد من الزوج وهذا الذي ذكرنا مذهبنا وقال الشافعي إذا
أقرت ثم جاءت بولد لتمام ستة أشهر يثبت نسبه ما لم تتزوج وجه قوله إن اقرارها بانقضاء عدتها يتضمن ابطال حق
الصبي وهو تضييع نسبه لان النسب يثبت حقا للصبي فلا يقبل ولنا ما ذكرنا ان الشرع ائتمنها في الاخبار بانقضاء
عدتها حيث نهاها عن كتمان ما في رحمها والنهى عن الكتمان أمر بالاظهار وانه أمر بالقبول وقوله يتضمن ابطال
حق الصبي في النسب ممنوع فان ابطال الحق بعد ثبوته يكون والنسب ههنا غير ثابت لما ذكرنا في الطلاق البائن وان
جاءت به لأكثر من سنتين لزم الزوج أيضا وصار مراجعا لها وإنما كان كذلك لان العلوق حصل من وطئ بعد
الطلاق ويمكن حمله على الوطئ الحلال وهو وطئ الزوج لان الطلاق الرجعي لا يحرم الوطئ فيملك وطأها ما لم تقر
بانقضاء العدة فوجب حمله عليه ومتى حمل عليه صار مراجعا بالوطئ فيثبت النسب وان طال الزمان لجواز أن تكون
ممتدة الطهر فوطئها في آخر الطهر فعلقت فصار مراجعا فان قيل هلا حمل عليه فيما إذا جاءت به لأقل من سنتين ليصير
مراجعا لها فالجواب ان هناك لا يمكن الحمل عليه لأنه لو حمل عليه للزم اثبات الرجعة بالشك لان الامر محتمل يحتمل
أن يكون العلوق من وطئ بعد الطلاق فيكون رجعة ويحتمل أن يكون من وطئ قبله فلا يكون رجعة فلا تثبت الرجعة مع
الشك أما ههنا فلا يحتمل أن يكون العلوق من وطئ قبل الطلاق لان الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين فتعين أن
يكون من وطئ بعد الطلاق وأمكن حمله على الوطئ الحلال فيحمل عليه فيصير مراجعا بالوطئ فافترقا وإن كانت أقرت
بانقضاء العدة في مدة تنقضي في مثلها العدة فان جاءت به لأقل من ستة أشهر مذ أقرت لزمه وان جاءت به لستة أشهر أو
أكثر من وقت الاقرار لا يلزمه لما ذكرنا في الطلاق البائن هذا إذا كانت المعتدة من طلاق من ذوات الأقراء فاما إذا
كانت من ذوات الأشهر فإن كانت آيسة فجاءت بولد فإن كانت لم تقر بانقضاء العدة فحكمها حكم ذوات الأقراء وقد
ذكرناه سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا فإنها إذا جاءت بولد إلى سنتين من وقت الطلاق يثبت نسبه من الزوج لأنها لما
ولدت علم أنها ليست بآيسة بل هي من ذوات الأقراء وإن كانت أقرت بانقضاء عدتها فإن كانت أقرت به مفسرا
بثلاثة أشهر فكذلك لأنه لما تبين انها لم تكن آيسة تبين ان عدتها لم تكن بالأشهر فلم يصح اقرارها بانقضاء عدتها بالأشهر
فالتحق اقرارها بالعدم فجعل كأنها لم تقر أصلا وإن كانت أقرت به مطلقا في مدة تصلح لثلاثة اقراء فان ولدت لأقل من
ستة أشهر منذ أقرت يثبت النسب والا فلا لأنه لما بطل اليأس بعذر حمل اقرارها على الأقراء بالانقضاء بالأشهر
لبطلان الاعتداد بالأشهر فيحمل على الأقراء بالانقضاء بالأقراء حملا لكلام العاقلة المسلمة على الصحة عند الامكان
وإن كانت صغيرة فجاءت بولد فالامر لا يخلو من ثلاثة أوجه اما إن كانت أقرت بانقضاء العدة بعد مضى ثلاثة أشهر
واما إن كانت لم تقر ولكنها أقرت انها حامل في مدة العدة وهي الثلاثة الأشهر واما ان سكتت وكل وجه على وجهين
اما إن كان الطلاق بائنا واما إن كان رجعيا فإن كانت أقرت بانقضاء العدة عند مضى ثلاثة أشهر ثم جاءت بولد
فان جاءت به لأقل من ستة أشهر مذ أقرت ثبت النسب وان جاءت به لستة أشهر أو أكثر لا يثبت لان اقرار الصغيرة
213

بانقضاء عدتها مقبول في الظاهر لأنها أعرف بعدتها من غيرها ولهذا لو أقرت بالبلوغ يقبل اقرارها غير أنها لما جاءت به
لأقل من ستة أشهر من وقت الاقرار فقد ظهر كذبها في اقرارها لأنه تبين انها كانت معتدة وقت الاقرار فالحق اقرارها
بالعدم وإذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا لم يظهر كذبها في اقرارها لجواز انها تزوجت بعد انقضاء عدتها وهذا الولد
منه والطلاق البائن والرجعي في هذا الوجه سواء وان لم تكن أقرت بانقضاء العدة ولكنها أقرت بالحمل في مدة
العدة فإن كان الطلاق بائنا يثبت النسب إلى سنتين من وقت الطلاق وإن كان رجعيا يثبت إلى سبعة وعشرين شهرا
لأنها لما أقرت بالحمل في مدة العدة فقد حكمنا ببلوغها فصار حكمها حكم البالغة فإذا جاءت بولد يثبت النسب إلى
سنتين من وقت الطلاق وإن كان الطلاق بائنا لما مر انه يحكم بالعلوق قبل الطلاق فإذا جاءت به لأكثر من سنتين
لا يثبت لأنه يحمل على علوق حادث بعد الطلاق وإن كان الطلاق رجعيا يثبت النسب إلى سنتين وثلاثة
أشهر لأنه ظهر ان العلوق كان في العدة وعدتها ثلاثة أشهر والمعتدة من طلاق رجعي إذا علقت في العدة يصير
الزوج مراجعا لها وان جاءت به لأكثر من سبعة وعشرين شهرا لا يثبت النسب لأنه تبين ان العلوق كان بعد
مضى الثلاثة الأشهر ولان الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين فلا يصير مراجعا لها وان لم يقر بشئ اختلف
فيه قال أبو حنيفة ومحمد سكوتها كاقرارها بانقضاء العدة انها ان جاءت لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق يثبت
النسب وان جاءت به لستة أشهر أو أكثر لا يثبت سواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا وقال أبو يوسف سكوتها كاقرارها
بالحمل أو دعوى الحمل انه إن كان الطلاق بائنا يثبت النسب إلى سنتين وإن كان رجعيا يثبت إلى سبعة وعشرين
شهرا وجه قوله إن المراهقة يحتمل أن تكون عدتها بوضع الحمل لاحتمال انها حبلت ولم تعلم بذلك فما لم تقر بانقضاء
عدتها لا يحكم بالانقضاء كالمتوفى عنها زوجها ولهما ان عدة الصغيرة ذات جهة واحدة وهي ثلاثة أشهر على اعتبار
الأصل إذ الأصل فيها عدم البلوغ فكان انقضاؤها بانقضاء ثلاثة أشهر كاقرارها بانقضاء عدتها ولو أقرت بانقضاء
عدتها كان الجواب ما ذكرنا كذا هذا بخلاف المتوفى عنها زوجها انه لا يحكم بانقضاء عدتها بمضي الشهور لان
عدتها ذات جهتين يحتمل أن تكون بالشهور ويحتمل أن تكون بوضع الحمل فما لم تقر بانقضاء العدة لا يحكم بأحد
الامرين هذا الذي ذكرنا حكم المعتدة عن طلاق وكل جواب عرفته في المعتدة من طلاق فهو الجواب في المعتدة من
غير طلاق من أسباب الفرقة وأما المتوفى عنها زوجها وهي مدخول بها فإن كانت من ذوات الأقراء فجاءت بولد فان
جاءت به ما بينها وبين سنتين ولم تكن أقرت بانقضاء العدة يثبت نسب ولدها من الزوج عند أصحابنا الثلاثة وقال
زفر إذا لم تدع الحمل في مدة العدة ثم جاءت به لعشرة أشهر وعشرة أيام لا يثبت النسب وجه قوله إن عدة المتوفى عنها
زوجها هي الأشهر عند عدم الحمل والأصل عدم الحمل فإذا مضت أربعة أشهر وعشر يحكم بانقضاء عدتها فصار كأنها
أقرت بانقضاء العدة ثم جاءت بولد بعد ذلك وهناك لو جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الاقرار يثبت
النسب وان جاءت به لستة أشهر فصاعدا لا يثبت كذا هذا ولهذا كان الحكم في الصغيرة ما وصفنا كذا في الكبيرة
ولنا ما ذكرنا ان عدة المتوفى عنها زوجها ذات جهتين لجواز أن تكون حاملا ولا يعلم ذلك فلا تنقضي عدتها بالأشهر
فما لم تقر بانقضاء عدتها لا يحكم بالانقضاء كالمعتدة من الطلاق وان جاءت به لأكثر من سنتين لا يثبت لما مر في عدة
الطلاق بخلاف الصغيرة فان عدتها ذات جهة واحدة لان الأصل فيها عدم الحبل لان المحل لا يحتمل وإنما يصير
محلا بالبلوغ وفيه شك فيبقى حكم الأصل فأما عدة الكبيرة فذات جهتين لما قررنا من الاحتمال والتردد فلا يحكم
بالانقضاء بالأشهر مع الاحتمال وان أقرت بانقضاء عدتها ثم أتت بولد فان أتت به لأقل من ستة أشهر مذ أقرت
يثبت النسب وان جاءت به لتمام ستة أشهر فهو على الاختلاف الذي ذكرناه في عدة الطلاق انه لا يثبت النسب
عندنا وعند الشافعي ثبت ما لم تتزوج وإن كانت من ذوات الأشهر فإن كانت آيسة أو صغيرة فحكمها في الفوات ما هو
حكمها في الطلاق وقد ذكرناه هذا الذي ذكرناه كله في عدة الطلاق وغيره من الفراق وعدة الوفاة إذا جاءت المعتدة
214

بولد قبل التزوج بزوج آخر فاما إذا تزوجت بزوج آخر ثم جاءت بولد فالامر لا يخلو من ربعة أوجه اما ان جاءت به لأقل
من سنتين مذ طلقها الأول أو مات ولأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني واما ان جاءت به لأكثر من سنتين منذ طلقها
الأول أو مات ولستة أشهر فصاعدا منذ تزوجها الثاني واما ان جاءت به لأقل من سنتين منذ طلقها الأول أو مات
ولستة أشهر فصاعدا منذ تزوجها الثاني واما أن جاءت به لأكثر من سنتين منذ طلقها الأول أو مات ولأقل من ستة
أشهر مذ تزوجها الثاني فالولد للأول لأنه لا يحتمل أن يكون من الثاني إذ المرأة لا تلد لأقل من ستة أشهر ويحتمل أن يكون
من الأول لان الولد يبقى في بطن أمه إلى سنتين وفي الحمل عليه حمل أمرها على الصلاح وانه واجب ما أمكن وان جاءت
به لأكثر من سنتين منذ طلقها الأول أو مات ولستة أشهر فصاعدا منذ تزوجها الثاني فهو للثاني لأنه لا يحتمل أن
يكون من الأول إذ الظاهر من حال العاقلة المسلمة ان لا تتزوج وهي معتدة الغير فصح نكاح الثاني فكان مولودا على
فراش صحيح فيثبت نسبه منه وان جاءت به لأكثر من سنتين منذ طلقها الأول أو مات ولأقل من ستة أشهر منذ
تزوجها الثاني لم يكن للأول ولا الثاني لان الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين والمرأة لا تلد لأقل من ستة أشهر
وهل يجوز نكاح الثاني في قول أبي حنيفة ومحمد جائز وعند أبي يوسف فاسد لأنه إذا لم يثبت النسب من الأول ولا
من الثاني كان هذا الحمل من الزنا فيكون بمنزلة رجل تزوج امرأة وهي حامل من الزنا وذلك على هذا الاختلاف على
قول أبي حنيفة ومحمد جاز نكاحها ولكن لا يقربها حتى تضع وعلى قول أبى يوسف لا يجوز النكاح ما لم تضع حملها
هذا إذا لم يعلم وقت التزوج أنها تزوجت في عدتها فان علم ذلك وقع النكاح الثاني فاسدا فجاءت بولد فان النسب يثبت
من الأول ان أمكن اثباته منه بان جاءت به لأقل من سنتين مند طلقها الأول أو مات عنها ولستة أشهر فصاعدا منذ
تزوجها الثاني لان النكاح الثاني فاسد ومهما أمكن إحالة النسب إلى الفراش الصحيح كان أولى وان لم يكن اثباته
منه وأمكن اثباته من الثاني فالنسب يثبت من الثاني بان جاءت به لأكثر من سنتين منذ طلقها الأول أو مات ولستة
أشهر فصاعدا منذ تزوجها الثاني لان النكاح الثاني وإن كان فاسدا لكن لما تعذر اثبات النسب من النكاح الصحيح
فاثباته من الناكح الفاسد أولى من الحمل على الزنا والله الموفق وإذا نعى إلى المرأة زوجها فاعتدت وتزوجت وولدت
ثم جاء زوجها الأول فهي امرأته لأنها كانت منكوحته ولم يعترض على النكاح شئ من أسباب الفرقة فبقيت على
النكاح السابق ولكن لا يقر بها حتى تنقضي عدتها من الثاني وأما الولد فقد اختلف فيه قال أبو حنيفة هو للأول وقال
أبو يوسف إن كانت ولدته لأقل من ستة أشهر من حين وطئها الثاني فهو للأول وإن كانت ولدته لستة أشهر أو
أكثر فهو للثاني وقال محمد إن كانت ولدته لسنتين من حين وطئها الثاني فهو للأول وإن كانت ولدته لأكثر من
سنتين فهو للثاني وجه قول محمد انها إذا كانت ولدته لسنتين من حين وطئها الثاني أمكن حمله على الفراش
الصحيح لان الولد يبقى في البطن إلى سنتين فيحمل عليه وإذا كانت ولدته إلى سنتين فيحمل عليه وإذا كانت
ولدته لأكثر من سنتين لم يمكن حمله على الفراش الصحيح لان الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين فيحمل
على الفراش الفاسد ضرورة وجه قول أبى يوسف انها إذا ولدت لأقل من ستة أشهر من حين وطئها الثاني تيقنا انه
ليس من الثاني لأن المرأة لا تلد لأقل من ستة أشهر وأمكن حمله على الفراش فيحمل عليه وإذا ولدت لستة أشهر
أو أكثر فالظاهر أنه من الثاني وجه قول أبي حنيفة ان الفراش الصحيح للأول فيكون الولد للأول لقول
النبي صلى الله عليه وسلم الولد للفراش ومطلق الفراش ينصرف إلى الصحيح والله الموفق للصواب وأما الثاني وهو
بيان ما يثبت نسب ولد المعتدة أي يظهر به فجملة الكلام فيه ان المرأة إذا ادعت انها ولدت هذا الولد لستة أشهر فان
صدقها الزوج فقد ثبت ولادتها سواء كانت منكوحة أو معتدة وان كذبها تثبت ولادتها بشهادة امرأة واحدة
ثقة عند أصحابنا ويثبت نسبه منه حتى لو نفاه يلاعن وقال الشافعي لا يثبت الا بشهادة أربع نسوة ثقات
(وجه) قوله إن هذا نوع شهادة فلا بد من اعتبار العدد فيه كسائر أنواع الشهادات فيقام كل اثنتين منهن
215

مقام رجل فإذا كن أربعا يقمن مقام رجلين فيكمل العدد (ولنا) ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز
شهادة القابلة في الولادة فدل على جواز شهادتها في الولادة من غير اعتبار العدد ولان الأصل فيما يقبل فيه قول النساء
بانفرادهن انه لا يشترط فيه العدد منهن على هذا أصول الشرع كما في رواية الاخبار والاخبار عن طهارة الماء
ونجاسته وعن الوكالة وغير ذلك من الديات والمعاملات وقد خرج الجواب عما ذكره المخالف ان العدد شرط
لان العدد إنما يشترط فيما لا يقبل فيه قول النساء بانفرادهن وههنا يقبل فلا يشترط العدد فيهن ولو نفى الولد يلاعن لأنه
يثبت نسب الولد بالنكاح لا بشهادة القابلة وإنما الثابت بشهادتها الولادة وتعين أي الذي ولدته هذا الجواز انها ولدت
ميتا أو حيا ثم مات فإذا نفى الولد فقد صار قاذفا لامه بالزنا وقذف الزوجة بالزنا يوجب اللعان وكذلك إذا قال لامته إن كان
في بطنك ولد فهو منى فشهدت امرأة على الولادة تصير الجارية أم ولد لان النسب يثبت بفراش الملك عند الدعوة
وقوله إن كان في بطنك ولد فهو منى دعوى النسب والحاجة بعد ذلك إلى الولادة وتعين الولد وذلك يثبت بشهادة القابلة
وإذا ثبت النسب صارت الجارية أم ولد له ضرورة لان أمية الولد من ضرورات ثبوت النسب ولو قال لامرأته إذا
ولدت فأنت طالق فقالت ولدت وأنكر الزوج الولادة فشهدت قابلة على الولادة يثبت النسب بالاجماع وان لم
يكن الزوج أقر بالحبل ولا كان الحبل ظاهرا فهل يقع الطلاق قال أبو حنيفة لا يقع ما لم يشهد على الولادة رجلان أو
رجل وامرأتان وقال أبو يوسف ومحمد يقع بشهادة القابلة إذا كانت عدلة (وجه) قولهما ان الولادة قد تثبت
بشهادة القابلة بالاجماع ولهذا ثبت النسب ومن ضرورة ثبوت الولادة وقوع الطلاق لأنه معلق بها ولأبي حنيفة
ان شهادة القابلة حجة ضرورية لأنها شهادة فرد ثم هو أنثى فيظهر فيما فيه الضرورة وفيما هو من ضرورات تلك
الضرورة والضرورة في الولادة فيظهر فيها فتثبت الولادة ووقوع الطلاق ليس من ضرورات الولادة لتصور
الولادة بدون الطلاق في الجملة فلا ضرورة إلى اثبات الولادة في حق وقوع الطلاق فلا بثبت في حقه والنسب ما
ثبت بالشهادة وإنما يثبت بالفراش لقيام النكاح إنما الثابت بالشهادة الولادة وتعين الولد ووقوع الطلاق ليس
من ضرورات الولادة ولا من ضرورات ثبوت النسب أيضا فلم يكن من ضرورة الولادة وثبوت النسب وقوع
الطلاق وإن كان الزوج قد أقر بالحبل أو كان الحبل ظاهرا يقع الطلاق بمجرد قولها وان لم تشهد القابلة في قول أبي حنيفة
وعندهما لا يقع الا بشهادة القابلة ولا خلاف في أن النسب لا يثبت بدون شهادة القابلة (وجه) قولهما
ان المرأة تدعى وقوع الطلاق والأصل ان المدعى لا يعطى شيئا بمجرد الدعوى لان دعوى المدعى عارضها انكار
المنكر وقد قال صلى الله عليه وسلم لو أعطى الناس بدعواهم الحديث الا فيما لا يوقف عليه من جهة غيره فيجعل القول
فيه قوله للضرورة كما في الحيض والولادة أمر يمكن الوقوف عليه من جهة غيرها فلا يقبل قولها فيه ولهذا لم يثبت
النسب بقولها بدون شهادة القابلة كذا وقوع الطلاق لأنها تدعى وهو ينكر والقول قول المنكر حتى يقيم للمدعى
حجته وجه قول أبي حنيفة انه قد ثبت الحبل وهو كون الولد في البطن باقرار الزوج بالحبل أو يكون الحبل ظاهرا وانه
يفضى إلى الولادة لا محالة لان الحمل بوضع لا محالة فكانت الولادة أمرا كائنا لا محالة فيقبل فيه قولها كما في دم
الحيض حتى لو قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق فقالت حضت يقع الطلاق كذا ههنا الا انه لم يقبل قولها في حق
اثبات النسب بدون شهادة القابلة لأنها متهمة في تعيين الولد فلا تصدق على التعيين في حق ثبات النسب ولا تهمة في
التعيين في حق وقوع الطلاق فتصدق فيه من غير شهادة القابلة ونظيره ما إذا قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق
وامرأتي الأخرى فلانة معك فقالت حضت وكذبها الزوج تطلق هي ولا تطلق ضرتها ويثبت حيضها في حقها ولا
يثبت في حق ضرتها الا بتصديق الزوج لكونها متهمة في حق ضرتها وانتفاء التهمة في حق نفسها كذا ههنا والله
أعلم وإن كانت معتدة من طلاق بائن أو من وفاة فجاءت بولد إلى سنتين فأنكر الزوج الولادة أو ورثته بعد وفاته
وادعت هي فإن لم يكن الزوج أقر بالحبل ولا كان الحبل ظاهرا لا يثبت النسب الا بشهادة رجلين أو رجل
216

وامرأتين على الولادة في قول أبي حنيفة وعندهما يثبت بشهادة القابلة وجه قولهما ان النكاح بعد الطلاق البائن
والوفاة باق في حق الفراش فلا حاجة إلى ما يثبت به النسب كما في حال قيام النكاح وإنما الحاجة إلى الولادة
وتعيين الولد وذلك يثبت بشهادة القابلة كما في حال قيام النكاح ولأبي حنيفة ان الفراش لا يبقى بعد الولادة
لانقطاع النكاح بجميع علائقه بانقضاء العدة بالولادة وتصير أجنبية فكان القضاء بثبوت الولادة بشهادة القابلة
قضاء بثبوت النسب لولد الأجنبية بشهادة النساء ولا يجوز ذلك ولا يثبت الا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين
وإن كان الزوج قد أقر بالحبل أو كان الحبل ظاهرا فالقول قولها في الولادة وان لم تشهد لها قابلة في قول أبي حنيفة
وعندهما لا تثبت الولادة بدون شهادة القابلة والكلام في الطرفين على النحو الذي ذكرنا وإن كانت معتدة من
طلاق رجعي فكذلك ذكره في كتاب الدعوى وسوى بين الرجعي والبائن لأنها بعد انقضاء العدة أجنبية في
الفصلين جميعا فلا تصدق على الولادة الا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين عند أبي حنيفة إذا لم يكن الزوج مقرا بالحبل
ولا كان الحبل ظاهرا وإن كان قد أقر بالحبل أو كان الحبل ظاهرا فهو على الاختلاف الذي ذكرنا ولو مات
الزوج وأتت امرأته بولد بعد وفاته ما بينها وبين سنتين ولم يشهد على الولادة أحد لا القابلة ولا غيرها ولكن صدقها
الورثة في أنها ولدته ذكر في الجامع الصغير أنه يثبت نسبه بقولهم وذكر في كتاب الدعوى أن نسب الولد يثبت إن كان
ورثته ابنين أو ابنا وبنتين واختلاف العبارتين يرجع إلى أن ثبوت نسبه بتصديقهم من طريق الشهادة أو من طريق
الاقرار فما ذكر في كتاب الدعوى يدل على أنه من طريق الشهادة حيث شرط أن يكون الورثة ابنين أو ابنا وبنتين
وما ذكر في الجامع يدل على أنه من طريق الاقرار لأنه قال فصدقها الورثة والشهادة لا تسمى تصديقا في العرف وكذا
الحاجة إلى الشهادة عند المنازعة ولا منازع ههنا ومن هذا انشاء الاختلاف بين مشايخنا فاعتبر بعضهم التصديق منه
شهادة وبعضهم اقرارا فمن اعتبره شهادة قال لا يثبت نسبه الا إذا كانت الورثة رجلين أو رجلا وامرأتين ويشترط
لفظ الشهادة ومجلس الحكم وإذا صدقها البعض وجحد البعض فان صدقها رجلان منهم أو رجل وامرأتان يشارك
الولد المقرين منهم والمنكرين جميعا منهم في الميراث لان الشهادة حجة مطلقة فكانت حجة على الكل فيظهر نسبه في
حقهم الكل ومن اعتبره اقرارا قال يثبت نسبه إذا صدقها جميع الورثة سواء كانوا ذكورا أو إناثا ولا يراعى لفظ
الشهادة ومجلس الحكم فإذا صدقها بعض الورثة وجحد الباقون يثبت نسبه في حقهم ويشاركهم في نصيبهم من
الميراث ولا يثبت في حق غيرهم لان اقرارهم حجة في حقهم لا في حق غيرهم ومن هذا أيضا انشاء الخلاف فيما إذا كان
الوارث واحدا فصدقها في الولادة فقال الكرخي ان نسبه يثبت باقراره في قولهم جميعا وذكر الطحاوي فيه
الاختلاف فقال لا يثبت نسبه في قول أبي حنيفة ومحمد وفي قول أبى يوسف يثبت كأنهما اعتبرا قوله شهادة وشهادة
الفرد لا تقبل واعتبره أبو يوسف اقرارا واقرار الفرد مقبول هذا إذا صدقها الورثة أو بعضهم فأما إذا لم يصدقها أحد
منهم فهو على الاختلاف والتفصيل الذي ذكرنا ان الزوج إذا لم يكن أقر بالحمل ولا كان الحمل ظاهرا لا يثبت نسبه الا
بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين على الولادة عند أبي حنيفة وعندهما لا يثبت نسبه بشهادة القابلة وإذا كان
الزوج أقر بالحبل أو كان ظاهرا تثبت الولادة بمجرد قولها ولدت عند أبي حنيفة وعندهما لا تثبت من غير شهادة
القابلة وقد مر الكلام في ذلك كله فيما تقدم والله تعالى الموفق (رجل) قال لغلام هذا ابني ثم مات فجاءت أم الغلام
فقالت أنا امرأته لاشك ان الغلام يرثه لأنه ثبت نسبه منه باقراره وهل ترثه هذه أم لا ذكر في النوادر أنها ترثه استحسانا
والقياس أن لا يكون لها الميراث (وجه) القياس أنه يحتمل أن تكون أم الغلام حرة ويحتمل أن تكون أمة ولو كانت
حرة فيحتمل أن تكون هذه المرأة ويحتمل أن تكون غيرها ولو كانت هذه المرأة فيحتمل أن يكون وطئها بنكاح
صحيح ويحتمل بنكاح فاسد أو بشبهة نكاح فيقع الشك في الإرث فلا ترث بالشك (وجه) الاستحسان ان سبب
الاستحقاق للإرث في حقها يثبت باقراره بنسب الولد وهو النكاح الصحيح لان المسألة مفروضة في امرأة معروفة
217

بالحرية وبأمومة هذا الولد فإذا أقر بنسب الولد أنه منه والنسب لا يثبت الا بالفراش والأصل في الفراش هو النكاح
الصحيح فكان دعوى نسب الولد اقرارا منه أنه من النكاح الصحيح فإذا صدقها يثبت النكاح ظاهرا فترثه لان
العمل بالظاهر واجب فأما إذا لم تكن معروفة بذلك وأنكرت الورثة كونها حرة أو اما له فلا ميراث لها لان الامر
يبقى محتملا فلا ترث بالشك والاحتمال والله الموفق ومما يتصل بحال قيام العدة عن طلاق من الأحكام منها الإرث
عند الموت وجملة الكلام فيه ان المعتدة لا تخلو اما إن كانت من طلاق رجعي واما إن كانت من طلاق بائن أو ثلاث
والحال لا يخلو اما إن كانت حال الصحة واما إن كانت حال المرض فإن كانت العدة من طلاق رجعي فمات أحد
الزوجين قبل انقضاء العدة ورثه الآخر بلا خلاف سواء كان الطلاق في حال المرض أو في حال الصحة لان الطلاق الرجعي
منه لا يزيل النكاح فكانت الزوجية بعد الطلاق قبل انقضاء العدة قائمة من كل وجه والنكاح القائم من
كل وجه سبب لاستحقاق الإرث من الجانبين كما لو مات أحدهما قبل الطلاق وسواء كان الطلاق بغير رضاها
أو برضاها فان ما رضيت به ليس بسبب لبطلان النكاح حتى يكون رضا ببطلان حقها في الميراث وسواء كانت
المرأة حرة مسلمة وقت الطلاق أو مملوكة أو كتابية ثم أعتقت أو أسلمت في العدة لان النكاح بعد الطلاق قائم من
كل وجه ما دامت العدة قائمة وأنه سبب لاستحقاق الإرث وإن كانت من طلاق بائن أو ثلاث فإن كان ذلك في
حال الصحة فمات أحدهما لم يرثه صاحبه سوا كان الطلاق برضاها أو بغير رضاها وإن كان في حال المرض فإن كان
برضاها لا ترث بالاجماع وإن كان بغير رضاها فإنها ترث من زوجها عندنا وعند الشافعي لا ترث ومعرفة هذه
المسألة مبنية على معرفة سبب استحقاق الإرث وشرط الاستحقاق ووقته أما السبب فنقول لا خلاف ان سبب
استحقاق الإرث في حقها النكاح فان الله عز وجل أدار الإرث فيما بين الزوجين على الزوجية بقوله سبحانه
وتعالى ولكم نصف ما ترك أزواجكم إلى آخر ما ذكر سبحانه من ميراث الزوجين ولان سبب الإرث في الشرع
ثلاثة لا رابع لها القرابة والولاء والزوجة واختلف في الوقت الذي يصير النكاح سببا لاستحقاق الإرث
وعند الشافعي هو وقت الموت فإن كان النكاح قائما وقت الموت ثبت الإرث والا فلا واختلف مشايخنا قال
بعضهم هو وقت مرض الموت والنكاح كان قائما من كل وجه من أول مرض الموت ولا يحتاج إلى ابقائه من وجه
إلى وقت الموت ليصير سببا وتفسير الاستحقاق عندهم هو ثبوت الملك من كل وجه للوارث من وقت المرض
بطريق الظهور ومن وجه وقت الموت مقصورا عليه وهو طريق الاستناد وهما طريقتا مشايخنا المتقدمين وقال
بعضهم وهو طريق المتأخرين منهم ان النكاح القائم وقت مرض الموت سبب لاستحقاق الإرث وهو ثبوت حق
الإرث من غير ثبوت الملك للوارث أصلا من كل وجه ولا من وجه (وجه) قول الشافعي ان الإرث لا يثبت الا عند
الموت لان المال قبل الموت ملك المورث بدليل نفاذ تصرفاته فلا بد من وجود السبب عند الموت ولا سبب ههنا الا
النكاح وقد زال بالإبانة والثلاث فلا يثبت الإرث ولهذا لا يثبت بعد انقضاء العدة ولا يرث الزوج منها بلا خلاف
ولو كان الناكح قائما في حق الإرث لورث لان الزوجية لا تقوم بأحد الطرفين فدل أنها زائلة ولنا اجماع الصحابة
رضي الله عنهم والمعقول أما الاجماع فإنه روى عن ابن سيرين أنه قال كانوا يقولون ولا يختلفون من فر من كتاب الله
تعالى رد إليه أي من طلق امرأته ثلاثا في مرضه فإنها ترثه ما دامت في العدة وهذا منه حكاية عن اجماع الصحابة رضي الله عنهم
ومثله لا يكذب كذا روى توريث امرأة الفار عن جماعة من الصحابة من غير نكير مثل عمر وعثمان وعلى وعائشة
وأبي بن كعب رضي الله عنهم فإنه روى عن إبراهيم النخعي أنه قال جاء عروة البارقي إلى شريح بخمس خصال من عند
عمر رضي الله عنه منهن ان الرجل إذا طلق امرأته وهو مريض ثلاثا ورثت منه ما دامت في عدتها وروى عن
الشعبي أنه قال إن أم البنين بنت عيينة بن حصين كانت تحت عثمان رضي الله عنه فلما احتضر طلقها وقد كان أرسل
إليها بشرى فلما قتل أتت عليا رضي الله عنه فذكرت له ذلك فقال علي رضي الله عنه تركها حتى إذا أشرف على
218

الموت طلقها فورثها وروى أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته تماضر الكلبية في مرضه آخر تطليقاتها الثلاث
وكانت تحته أم كلثوم بنت عقبة أخت عثمان بن عفان فورثها عثمان رضي الله عنه وروى أنه قال ما اتهمه ولكن
أريد أن تكون سنة وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت إن المطلقة ثلاثا وهو
مريض ترثه ما دامت في العدة وروى عن أبي بن كعب ترثه ما لم تتزوج فان قيل إن أبن الزبير مخالف فإنه
روى عنه أنه قال في قصة تماضر ورثها عثمان بن عفان رضي الله عنه ولو كنت أنا لم أورثها فكيف ينعقد الاجماع
مع مخالفته فالجواب ان الخلاف لا يثبت بقوله هذا لأنه محتمل يحتمل أن يكون معنى قوله لو كنت أنا لما ورثتها
أي عندي أنها لا ترث ويحتمل أن يكون معناه أي ظهر له من الاجتهاد والصواب ما لو كنت مكانه لكان
لا يظهر لي فكان تصويبا له في اجتهاده وان الحق في اجتهاده فلا يثبت الاختلاف مع الاحتمال بل حمله على
الوجه الذي فيه تحقيق الموافقة أولى ويحتمل أنها كانت سألت الطلاق فرأى عثمان رضي الله عنه توريثها
مع سؤالها الطلاق فيرجع قوله لو كنت أنا لما ورثتها إلى سؤالها الطلاق فلما ورثها عثمان رضي الله عنه مع مسئلتها
الطلاق فعند عدم السؤال أولى على أنه روى أن ابن الزبير رضي الله عنه إنما قال ذلك في ولايته وقد كان انعقد
الاجماع قبله منهم على التوريث فخلافه بعد وقوع الاتفاق منهم لا يقدح في الاجماع لان انقراض العصر
ليس بشرط لصحة الاجماع على ما عرف في أصول الفقه وأما المعقول فهو ان سبب استحقاق الإرث وجد
مع شرائط الاستحقاق فيستحق الإرث كما إذا طلقها طلاقا رجعيا ولا كلام في سبب الاستحقاق وشرائطه
وإنما الكلام في وقت الاستحقاق فنقول وقت الاستحقاق هو مرض الموت أما على التفسير الأول والثاني وهو
ثبوت الملك من كل وجه أو من وجه فالدليل عليه النص واجماع الصحابة رضي الله عنهم ودلالة الاجماع
والمعقول أما النص فما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم في
آخر أعماركم زيادة على أعمالكم أي تصدق باستيفاء ملككم عليكم في ثلث أموالكم زيادة على أعمالكم أخبر عن
منة الله تعالى على عباده انه استبقى لهم الملك في ثلث أموالهم ليكون وسيلة إلى الزيادة في أعمالهم بالصرف إلى وجوه
الخير لان مثل هذا الكلام يخرج مخرج الاخبار عن المنة وآخر أعمارهم مرض الموت فدل على زوال ملكهم عن
الثلثين إذ لو لم يزل لم يكن ليمن عليهم بالتصديق بالثلث بل بالثلثين إذ الحكيم في موضع بيان المنة لا يترك أعلى المنتين ويذكر
أدناهما وإذا زال ملكه عن الثلثين يؤول إلى ورثته لأنهم أقرب الناس إليه فيرضى بالزوال إليهم لرجوع معنى الملك إليه
بالدعاء والصدقة وأنواع الخير بخلاف الأحاديث وأما اجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روى عن أبي بكر رضي الله عنه
أنه قال في مرض موته لعائشة رضي الله عنها انى كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي بالعالية وانك لم تكوني
حزتيه ولا قبضتيه وإنما هو اليوم مال الوارث ولم تدع عائشة رضي الله عنها ولا أنكر عليه أحد وكان ذلك بمحضر من
الصحابة رضي الله عنهم فيكون اجماعا منهم على أن مال المريض في مرض موته يصير ملك الوارث من كل وجه أو
من وجه وأما دلالة الاجماع فهي انه لا ينفذ تبرعه فيما زاد على الثلث في حق الأجانب وفي حق الورثة لا ينفذ بشئ
أصلا ورأسا حتى كان للورثة ان يأخذوا الموهوب من يد الموهوب له من غير رضاه إذا لم يدفع القيمة ولو نفذ لما كان
لهم الاخذ من غير رضاه فدل عدم النفاذ على زوال الملك وإذا زال يزول إلى الورثة لما بينا وأما المعقول فهو ان المال
الفاضل عن حاجة الميت يصرف إلى الورثة بلا خلاف والكلام فيما إذا فضل ووقع من وقت المرض الفراغ عن
حوائج الميت فهذه الدلائل تدل على ثبوت الملك من كل وجه للوارث في المال الفاضل عن حوائج الميت فيدل على
ثبوت الملك من وجه لا محالة وأما على التفسير الثالث وهو ثبوت حق الملك رأسا فلدلالة الاجماع والمعقول أما دلالة
الاجماع فهو ان ينقض تبرعه بعد الموت ولولا تعلق حق الوارث بماله في مرض موته لكان التبرع تصرفا من أهل في
محل مملوك له لا حق للغير فيه فينبغي ان لا ينقض فدل حق النقض على تعلق الحق وأما المعقول فهو ان النكاح
219

حال مرض الموت صار وسيلة إلى الإرث عند الموت ووسيلة حق الانسان حقه لأنه ينتفع به والطلاق البائن
والثلاث ابطال لهذه الوسيلة فيكون ابطالا لحقها وذلك اضرار بها فيرد عليه ويلحق بالعدم في حق ابطال الإرث
في الحال عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا اضرار في الاسلام فلم يعمل الطلاق في الحال في ابطال
سببية النكاح لاستحقاق الإرث وكونه وسيلة إليه دفعا للضرر عنها وتأخر عمله فيه إلى ما بعد انقضاء العدة وكذلك
إذا أبانها بغير طلاق بخيار البلوغ بأن اختار نفسه وتقبيل ابنتها أو أمها وردته ان ذلك إن كان في الصحة لا ترث هي منه
ولا هو منها بالاجماع كما لو ابانها بالطلاق بانعدام سبب الاستحقاق في وقت الاستحقاق وهو مرض الموت الا في
الردة بأن ارتد الزوج في حال صحته فمات على الردة أو قتل أو لحق بدار الحرب وهي في العدة فإنها ترث منه لان الردة من
الزوج في معنى مرض الموت لما نذكر إن شاء الله تعالى وإن كانت هذه الأسباب في حال المرض فهو على الاختلاف
الذي ذكرنا في الطلاق انها ترث منه عندنا خلافا للشافعي ولا يرث هو منها بالاجماع ولو جامعها ابنه مكرهة أو مطاوعة
لا ترث أما إذا كانت مطاوعة فلأنها رضيت بابطال حقها وإن كانت مكرهة فلم يوجد من الزوج ابطال حقها المتعلق
بالإرث لوقوع الفرقة بفعل غيره وإن كانت البينونة من قبل المرأة كما إذا قبلت ابن زوجها أو أباه بشهوة طائعة أو
مكرهة أو اختارت نفسها في خيار الادراك أو العتاق أو عدم الكفاءة فإن كان ذلك في حال الصحة فإنهما لا يتوارثان
بالاجماع كما إذا كانت البينونة من قبل الزوج وكذا إذا ارتدت بخلاف ردة الزوج في حال صحته ووجه الفرق
ان ردة الزوج في معنى مرض موته لأنها تفضى إلى الموت الا ان احتمال الصحة باحتمال الاسلام قائم فإذا قتل على
الردة أو مات عليها فقد زال الاحتمال وكذا إذا لحق بدار الحرب لأن الظاهر أنه لا يعود فتقرر المرض فتبين ان سبب
الاستحقاق كان ثابتا في وقت الاستحقاق وهو مرض الموت وان سبب الفرقة وجد في مرض الموت فترث
منه كما لو كان مريضا حقيقة فأما ردتها فليست في معنى مرض موتها ليقال ينبغي أن يرث الزوج منها وإن كانت
هي لا ترث منه لأنها لا تفضى إلى الموت لأنها لا تقتل عندنا فلم يكن النكاح القائم حال ردتها سببا لاستحقاق الإرث
في حقه لانعدامه وقت الاستحقاق وهو مرض الموت لذلك افترقا والله عز وجل أعلم وإن كان في حال المرض فإن كان
في حال مرض الزوج لا ترث منه وإن كانت في العدة لعدم شرط الإرث وهو عدم رضاها بسبب الفرقة
ولحصول الفرقة بفعل غير الزوج ويرث الزوج منها إن كان سبب الفرقة منها في مرضها وماتت قبل انقضاء
عدتها لوجوب سبب الاستحقاق في حقه وهو النكاح في وقت الاستحقاق وهو مرض موتها ولوجود سبب ابطال
حقه منها في حال المرض والقياس فيما إذا ارتدت في مرضها ثم ماتت في العدة ان لا يرثها زوجها وإنما يرثها استحسانا
وجه القياس ان الفرقة لم تقع بفعلها لان فعلها الردة والفرقة لا تقع بها وإنما تقع باختلاف الدينين ولا صنيع لها في ذلك
فلم يوجد منها في مرضها ابطال حق الزوج ليرد عليها فلا يرث منها وجه الاستحسان ما ذكرنا ولسنا نسلم ان الفرقة
لم تقع بفعلها فان الردة من أسباب الفرقة وقد حصلت منها في حال تعلق حقه بالإرث وهو مرض موتها فيرث منها والله
عز وجل أعلم وأما شرائط الاستحقاق فنوعان نوع يعم أسباب الإرث كلها ونوع يخص النكاح أما الذي يعم
الأسباب كلها فمنها شرط الأهلية وهو ان لا يكون الوارث مملوكا ولا مرتدا ولا قاتلا فلا يرث المملوك ولا المرتد من
أحد ولا يرث القاتل من المقتول ودلائل هذه الجملة تذكر في كتاب الفرائض إن شاء الله تعالى ويعتبر وجود الأهلية
منها وقت الطلاق ودوامها إلى وقت الموت حتى لو كانت مملوكة أو كتابية وقت الطلاق لا ترث وان أعتقت أو
أسلمت في العدة لان السبب لا ينعقد مفيدا للحكم بدون شرطه فإذا لم يكن وقت صيرورة النكاح سببا للاستحقاق
وهو مرض الموت من أهل الميراث لم ينعقد سببا فلا يعتبر حدوثا الأهلية بعد ذلك ولو كانت مسلمة وقت الطلاق ثم
ارتدت في عدتها ثم أسلمت فلا ميراث لها وإن كانت من أهل الميراث وقت الطلاق أما على طريق الاستناد فلان
الحكم من وجه يثبت عند الموت فلا بد من قيام السبب من وجه عنده ليثبت ثم يستند وقد بطل السبب بالردة رأسا
220

فتعين الاستناد وكذا من يقول بثبوت الحل في المرض دون الملك يعتبر قيام النكاح في حق الإرث عند الموت ولم
يبق لبطلانه بالردة وأما على طريق الظهور والمحض فيشكل تخريج هذه المسألة لأنه تبين ان الملك من كل وجه كان
ثابتا للوارث وقت المرض والنكاح كان قائما من كل وجه في ذلك الوقت والأهلية كانت موجودة وبقاء السبب
ليس بشرط لبقاء الحكم وكذا الأهلية شرطا الثبوت لا شرط البقاء هذا بخلاف ما إذا طلقها في مرضه ثم قبلت ابن
زوجها أو أباه بشهوة في عدتها ترث لأنها بالتقبيل لم تخرج عن أهلية الإرث إذ ليس تحت التقبيل الا التحريم والتحريم
لا يبطل أهلية الإرث بخلاف الردة فإنها مبطلة للأهلية ومنها شرط المحلية وهو أن يكون المتروك مالا فاضلا فارغا
عن حوائج الميت حاجة أصلية فلا يثبت الإرث في المال المشغول بحاجته الأصلية ومنها اتحاد الدين ومنها اتحاد
الدار لما نذكر إن شاء الله تعالى في كتاب الفرائض وأما الذي يخص النكاح فشرطان أحدهما قيام العدة حتى لو مات
الزوج بعد انقضاء عدتها لا ترث وهذا قول عامة العلماء وقال ابن أبي ليلى هذا ليس بشرط وترث بعد انقضاء العدة
ما لم تتزوج والصحيح قول العامة لان جريان الإرث بعد الإبانة والثلاث ثبت بخلاف القياس باجماع الصحابة وهم
شرطوا قيام العدة على ما روينا عنهم فصار شرطا بالاجماع غير معقول فيتبع معقد الاجماع ولأن العدة إذا كانت قائمة
كان بعض أحكام النكاح قائما من وجوب النفقة والسكنى والفراش وغير ذلك فأمكن ابقاؤه في حق
حكم الإرث فالتوريث يكون موافقا للأصول وإذا انقضت العدة لم يبق شئ من علائق النكاح فكان القول
بالتوريث نصب شرع بالرأي وهذا لا يحوز وقالوا فيمن طلق زوجته في مرضه ودام به المريض أكثر
من سنتين فمات ثم جاءت بولد بعد موته بشهر أنه لا ميراث لها في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لها الميراث
بناء على انقضاء عدتها بالأقراء وبوضع الحمل عندهما بالأقراء وعنده بوضع الحمل قول أبى يوسف ان الحمل
حادث لان الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين فيحمل على أنها وطئت بشبهة فلا يحكم بانقضاء عدتها الا
بوضع الحمل فلم تكن مقضية العدة عند موت الزوج فترث وهما يقولان لا شك ان الولد حصل بوطئ حادث بعد
الطلاق فلا يخلو اما ان يحمل على أن الزوج وطئها أو غيره لا سبيل إلى الأول لان وطأه إياها حرام والظاهر من حاله
انه لا يرتكب الحرام ولا وجه للثاني لان غير الزوج اما ان وطئها بنكاح أو بشبهة والوطئ بشبهة حرام أيضا
فتعين حمل أمرها على النكاح الصحيح وهو ان عدتها انقضت قبل التزوج بستة أشهر ثم تزوجت فكانت عدتها
منقضية قبل موت الزوج فلا ترث ولهذا قال أبو حنيفة ومحمد انها ترد نفقة ستة أشهر وقال أبو يوسف لا ترد والله
عز وجل أعلم والثاني عدم الرضا منها بسبب الفرقة وشرطها فان رضيت بذلك لا ترث لأنها رضيت ببطلان حقها
والتوريث ثبت نظرا لها لصيانة حقها فإذا رضيت باسقاط حقها لم تبق مستحقة للنظر وعلى هذا تخريج ما إذا قال
لها في مرضه أمرك بيدك أو اختاري فاختارت نفسها أو قال لها طلقي نفسك ثلاثا ففعلت أو قالت لزوجها طلقني
ثلاثا ففعل أو اختلعت من زوجها ثم مات الزوج وهي في العدة انها لا ترث لأنها رضيت بسبب البطلان أو بشرطه
أما إذا اختارت نفسها فلا شك فيه لأنها باشرت سبب البطلان بنفسها وكذا إذا أمرها بالطلاق فطلقت وكذا إذا
سألته الطلاق فطلقها لأنها رضيت بمباشرة السبب من الزوج وفي الخلع باشرت الشرط بنفسها فكل ذلك دليل
الرضا ولو قالت لزوجها طلقني للرجعة فطلقها ثلاثا ورثت لان ما رضيت به وهو الطلاق الرجعي ليس بسبب
لبطلان الإرث وما هو سبب البطلان وهو ما أتى به الزوج ما رضيت به فترث وعلى هذا يخرج ما إذا علق الطلاق
في مرضه أو صحته بشرط وكان الشرط في المرض وجملة الكلام فيه ان الامر لا يخلو اما إن كان التعليق ووجود
الشرط جميعا في الصحة واما إن كانا جميعا في المرض واما إن كان أحدهما في الصحة والاخر في المرض ولا يخلو
اما أن علق بفعل نفسه أو بفعلها أو بفعل أجنبي أو بأمر سماوي فإن كان التعليق ووجود الشرط جميعا في الصحة
لا شك انها لا ترث أي شئ كان المعلق به لانعدام سبب استحقاق الإرث في وقت الاستحقاق وهو وقت مرض
221

الموت وإن كانا جميعا في المرض فإنها ترث أي شئ كان المعلق به لوجود سبب الاستحقاق في وقته وانعدام الرضا
منها ببطلان حقها الا إذا كان التعليق بفعلها الذي لها منه بد فإنها لا ترث لوجود الرضا منها بالشرط لأنها فعلت من
اختيار ولو أجل العنين وهو مريض ومضى الأجل وهو مريض وخيرت المرأة فاختارت نفسها فلا ميراث لها
لان الفرقة وقعت باختيارها لأنها تقدر ان تصبر عليه فإذا لم تصبر واختارت نفسها وقد باشرت سبب بطلان حقها
باختيارها ورضاها فلا ترث ولو آلى منها وهو مريض وبانت بالايلاء وهو مريض ورثت ما دامت في العدة لوجود
سبب الاستحقاق في وقته مع شرائطه ولو كان صحيحا وقت الايلاء وانقضت مدة الايلاء وهو مريض لم ترث
لعدم سبب الاستحقاق في وقته لأنه باشر الطلاق في صحته ولم يصنع في المرض شيئا ولو قذف امرأته في المرض أو
لاعنها في المرض ورثت في قولهم جميعا لان سبب الفرقة وجد في وقت تعلق حقها بالإرث ولم يوجد منها دليل الرضا
ببطلان حقها لكونها مضطرة إلى المطالبة باللعان لدفع الشين عن نفسها والزوج هو الذي اضطرها بقذفه فيضاف
فعلها إليه كأنه أكرهها عليه وإن كان القذف في الصحة واللعان في المرض ورثت في قول أبي حنيفة وأبي يوسف
وعند محمد لا ترث وجه قوله إن سبب الفرقة وجد من الزوج في حال لم يتعلق حقها بالإرث وهو حال الصحة والمرأة
مختارة في اللعان فلا يضاف إلى الزوج ولهما ان فعل المرأة يضاف إلى الزوج لأنها مضطرة في المطالبة باللعان
لاضطرارها إلى دفع العار عن نفسها والزوج هو الذي ألجأها إلى هذا فيضاف فعلها إليه كأنه أوقع الفرقة في المرض
والله عز وجل أعلم وإن كان أحدهما في الصحة والاخر في المرض فإن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض
فإن كان التعليق بأمر سماوي بان قال لها إذا جاء رأس شهر كذا فأنت طالق فجاء وهو مريض ثم مات وهي في العدة
لا ترث عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر ترث وجه قوله إن المعلق بالشرط كالمنجز عند الشرط فيصير قائلا عند الشرط
أنت طالق ثلاثا وهو مريض (ولنا) ان الزوج لم يصنع في مرض موته شيئا لا السبب ولا الشرط ليرد عليه فعله فلم يصر
فارا وقوله المعلق بالشرط يجعل منجزا عند الشرط ممنوع بل يقع لاطلاق بالكلام السابق من غير أن يقدر باقيا إلى
وقت وجود الشرط على ما عرف في مسائل الخلاف وكذا إن كان بفعل أجنبي سواء كان منه بد كقدوم زيد
أو لابد منه كالصلاة المفروضة والصوم المفروض ونحوهما لما قلنا إنه لم يوجد من الزوج صنع في المرض لا بمباشرة
السبب ولا بمباشرة الشرط وإن كان بفعل نفسه ترث سواء كان فعلا له منه بد كما إذا قال لها ان دخلت الدار فأنت
طالق أو لابد منه كما إذا قال إن صليت أنا الظهر فأنت طالق لأنه باشر شرط بطلان حقها فصار متعديا عليها مضرابها
لمباشرة الشرط فيرد عليه رفعا للضرر عنها لان العذر لا يعتبر في موضع التعدي والضرر كمن أتلف مال غيره نائما أو
خاطئا أو أصابته مخمصة فأكل طعام غيره حتى يجب عليه الضمان ولم يجعل معذورا في مباشرة الفعل الذي لابد له منه
لما قلنا كذا هذا وإن كان بفعل المرأة فإن كان فعلا لها منه بد كدخول الدار وكلام زيد ونحو ذلك لا ترث لأنها
رضيت ببطلان حقها حيث باشرت شرط البطلان من غير ضرورة وإن كان فعلا لابد لها منه كالأكل والشرب
والصلاة المفروضة والصوم المفروض وحجة الاسلام وكلام أبويها واقتضاء الديون من غريمها فإنه ترث في قول
أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد لا ترث وكذا إذا علق بدخول دار لا غنى لها عن دخولها فهو على هذا الخلاف
كذا روى عن أبي يوسف وجه قول محمد انه لم يوجد من الزوج مباشرة بطلان حقها ولا شرط البطلان فلا يصير
فارا كما لو علق بأمر سماوي أو بفعل أجنبي أو بفعلها الذي لها منه بد وجه قولهما ان المرأة فيما فعلت من الشرط
عاملة للزوج من وجه لان منفعة عملها عائدة عليه لأنه منعها عما لو امتنعت عنه لحق الزوج مأثم فإذا لم تمتنع وفعلت لم
يلحقه مأثم فكانت منفعة فعلها عائدة عليه فجعل ذلك فعلا له من وجه فوجب ابطال فعله صيانة لحقها ومن الوجه
الذي بقي مقصورا عليها ليس بدليل للرضا لأنها فعلته مضطرة لدفع العقوبة عن نفسها في الآخرة لا برضاها
وقالوا فيمن فوض طلاق امرأته إلى الأجنبي في الصحة فطلقها في المرض ان التفويض إن كان على وجه لا يملك
222

عزله عنه بان ملكه الطلاق لا ترث لأنه لما لم يقدر على فسخه بعد مرضه صار الايقاع في المرض كالايقاع في
الصحة وإن كان التفويض على وجه يمكنه العزل عنه فطلق في المرض ورثت لأنه لما أمكنه عزله بعد مرضه فلم
يفعل وصار كأنه أنشأ التوكيل في المرض لان الأصل في كل تصرف غير لازم أن يكون لبقائه حكم الابتداء والله
عز وجل الموفق وعلى هذا إذا قال في صحته لامرأته ان لم آت البصرة فأنت طالق ثلاثا فلم يأتها حتى مات ورثته لأنه
علق طلاقها بعدم اتيانه البصرة فلما بلغ إلى حالة وقع اليأس له عن اتيانه البصرة فقد تحقق العدم وهو مريض في
ذلك الوقت فقد باشر شرط بطلان حقها في الميراث فصار فارا فترثه وان ماتت هي وبقى الزوج ورثها لأنها ماتت
وهي زوجته لان الطلاق لم يقع لعدم شرط الوقوع وهو عدم اتيانه البصرة لجواز ان يأتيها بعد موتها فلم يقع الطلاق
فماتت وهي زوجته فيرثها ولو قال لها ان لم تأت البصرة فأنت طالق ثلاثا فلم تأتها حتى مات الزوج ورثته لأنه مات
وهو زوجها لعدم وقوع الطلاق لانعدام شرط وقوعه لأنها ما دامت حية يرجى منها الاتيان وان ماتت هي وبقى
الزوج لم يرثها لأنه لم يوجد منها سبب الفرقة في مرضها فلم تصر فارة فلا يرثها ولو قال لها ان لم أطلقك فأنت طالق ثلاثا
فلم يطلقها حتى مات ورثته لأنه علق طلاقها بشرط عدم التطليق منه وقد تحقق العدم إذا صار إلى حالة لا يتأتى
منه التطليق وهو مريض في تلك الحالة فيصير فارا بمباشرة شرط بطلان حقها فترثه ولو ماتت هي وبقى الزوج لم
يرثها لأنها لم تصر فارة لانعدام سبب الفرقة منها في مرضها فلا يرثها وكذلك لو قال لها ان لم أتزوج عليك فأنت
طالق ثلاثا فلم يفعل حتى مات ورثته وان ماتت هي وبقى الزوج لم يرثها لما ذكرنا في الحلف بالطلاق ولو قال لامرأتين
له في صحته إحداكما طالق ثم مرض فعين الطلاق في إحداهما ثم مات ورثته المطلقة لان وقوع الطلاق المضاف
إلى المبهم معلق بشرط البيان هو الصحيح لما نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى والصحيح إذا علق طلاق
امرأته بفعل ففعل في مرضه فإنها ترثه والله عز وجل اعلم وقالوا فيمن قال في صحته لامتين تحته إحداكما طالق ثنتين
فاعتقتا ثم اختار الزوج أن يوقع على إحداهما في مرضه فلا ميراث للمطلقة ولا يملك الزوج الرجعة وهو الجواب
عن قول من يقول إن الطلاق واقع في المعين والبيان تعيين من وقع عليه الطلاق لا شرط وقوع الطلاق ويقال إنه قول
محمد لان الايقاع والوقوع حصلا في حال لاحق لواحدة منهما وهي حالة الصحة فلا ترث ولا يملك الزوج الرجعة
لان الايقاع صادفها وهي أمة وطلاق الأمة ثنتان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فتثبت الحرمة الغليظة فلا
يملك الرجعة وأما على قول من يقول الطلاق غير واقع للحال بل معلق وقوعه بالاختيار وهو تفسير الايقاع في الذمة
ويقال إنه قول أبى يوسف فينبغي أن ترث ويملك الرجعة لان وقوع الطلاق تعلق بشرط اختياره والصحيح إذا
علق طلاق امرأته بفعله ففعل وهو مريض ثم مات وهو في العدة ترثه سواء كان فعلا له منه بدأ ولابد له منه كما إذا قال
وهو صحيح ان دخلت أنا الدار فأنت طالق فدخلها وهو مريض يملك الرجعة لان الطلاق واقع عليها وهي حرة فلا
تحرم حرمة غليظة فيملك مراجعتها ولو كانت إحداهما حرة فقال في صحته إحداكما طالق ثنتين فأعتقت الأمة ثم مرض
الزوج فبين الطلاق في الأمة فالطلاق رجعي وللمطلقة الميراث في قول أبى يوسف الأول وهو قول محمد ثم رجع أبو
يوسف وقال إذا اختار أن يوقع على التي كانت أمة فإنها لا تحل له الا بعد زوج وذكر هذه المسألة في الزيادات وقال في
جوابها انها لا تحل له الا بعد زوج ولها الميراث ولم يذكر خلافا واختلاف الجواب بناء على اختلاف الطريق فمن
جعل الطلاق واقع في الجملة وجعل البيان تعيين من وقع عليه الطلاق يقول لا يملك الرجعة لأنه وقع الطلاق عليها
وهي أمة فحرمت حرمة غليظة فكان ينبغي أن لا ترث لان الايقاع والوقوع كل ذلك وجد في حال الصحة لأنه إنما
قال بالتوريث لكون الزوج متهما في البيان لجواز انه كان في قلبه الأخرى وقت الطلاق فبين في هذه فكان متهما
في البيان فترث فأما من لا يرى الطلاق واقعا قبل الاختيار يقول يملك الرجعة لان الطلاقين وقعا وهي حرة فلا
تحرم حرمة غليظة وترث لان الطلاق رجعي وإن كان التعليق في المرض والشرط في الصحة بان طلقها ثلاثا أو بائنا
223

وهو مريض ثم صح ثم مات لم ترث لأنه لما صح تبين ان ذلك المرض لم يكن مرض الموت فلم يوجد الايقاع ولا الشرط
في المرض فكان هذا والايقاع في حال الصحة سواء ولهذا كان هذا المرض والصحة سواء في جميع الأحكام وأما
وقت الاستحقاق فهو وقت مرض الموت عندنا لما ذكرنا فيما تقدم فلابد من معرفة مرض الموت لتفريق الأحكام
المتعلقة به فنقول وبالله التوفيق ذكر الكرخي ان المريض مرض الموت هو الذي أضناه المرض وصار صاحب فراش
فأما إذا كان يذهب ويجئ وهو مع ذلك يحم فهو بمنزلة الصحيح وذكر الحسن بن زياد عن أبي حنيفة المريض الذي
إذا أطلق امرأته كان فارا هو أن يكون مضنى لا يقوم الا بشدة وهو في حال يعذر في الصلاة جالسا والحاصل ان مرض
الموت هو الذي يخاف منه الموت غالبا ويدخل في هذه العبارة ما ذكره الحسن عن أبي حنيفة وما ذكره الكرخي لأنه إذا
كان مضنى لا يقدر على القيام الا بشدة يخشى عليه الموت غالبا وكذا إذا كان صاحب فراش وكذا إذا كان يذهب
ويجئ ولا يخشى عليه الموت غالبا وإن كان يحم فلا يكون ذلك مرض الموت وكذلك صاحب الفالج والسل
والنقرس ونحوها إذا طال به ذلك فهو في حكم الصحيح لان ذلك إذا طال لا يخاف منه الموت غالبا فلم يكن مرض الموت
الا إذا تغير حاله من ذلك ومات من ذلك التغير فيكون حال التغير مرض الموت لأنه إذا تغير يخشى منه الموت غالبا
فيكون مرض الموت وكذا الزمن والمقعد ويابس الشق وعلى هذه قالوا في المحصور والواقف في صف القتال ومن
وجب عليه القتل في حد أو قصاص فحبس ليقتل انه كالصحيح لان ليس الغالب من هذه الأحوال الموت فان
الانسان يتخلص منها غالبا لكثرة أسباب الخلاص ولو قدم ليقتل أو بارز قرنه وخرج من الصف فهو كالمريض
إذ الغالب من هذه الحالة الهلاك فترتب عليه أحكام المريض إذا مات في ذلك الوجه ولو كان في السفينة فهو كالصحيح
الا إذا هاجت الأمواج فيصير في حكم المريض في تلك الحالة لأنه يخشى عليه منها الموت غالبا ولو أعيد المخرج إلى القتل
أو إلى الحبس أو رجع المبارز بعد المبارزة إلى الصف أو سكن الموج صار في حكم الصحيح كالمريض إذا برأ من
مرضه والمرأة إذا ما أخذها الطلق فهي في حكم المريض إذا ماتت من ذلك لان الغالب منه خوف الهلاك وإذا سلمت
من ذلك فهي في حكم الصحيح كما إذا كانت مريضة ثم صحت ولو طلقها وهو مريض ثم صح وقام من مرضه وكان
يذهب ويجئ ويقوى على الصلاة قائما ثم نكس فعاد إلى حالته التي كان عليها ثم مات لم ترثه في قول أصحابنا الثلاثة
وقال زفر ترثه وجه قوله إن وقت تعلق الحق بالإرث ووقت الموت وقت ثبوت الإرث والمرض قد أحاط بالوقتين
جميعا فانقطاعه فيما بين ذلك لا يعتبر لأنه ليس وقت التعليق ولا وقت الإرث ولنا انه لما صح بعد المرض تبين ان ذلك لم
يكن مرض الموت فلم يوجد الطلاق في حال المرض فلا ترث والله عز وجل أعلم وأما الذي يخص الطلاق المبهم فهو
أن يكون لفظ الطلاق مضافا إلى مجهولة فجملة الكلام فيه ان الجهالة اما إن كانت أصلية واما إن كانت طارئة أما الجهالة
الأصلية فهي أن يكون لفظ الطلاق من الابتداء مضافا إلى المجهول وجهالة المضاف إليه يكون لمزاحمة غيره إياه في
الاسم والمزاحم إياه في الاسم لا يخلو اما أن يكون محتملا للطلاق واما أن لا يكون محتملا له والمحتمل للطلاق لا يخلو اما
أن يكون ممن يملك الزوج طلاقه أو لا يملك طلاقه فإن كان ممن يملك طلاقه صحت الإضافة بالاجماع نحو أن يقول
لنسائه الأربع إحداكن طالق ثلاثا أو يقول لامرأتين له إحداكما طالق ثلاثا والكلام فيه يقع في موضعين أحدهما
في بيان كيفية هذا التصرف أعني قوله لامرأتيه إحداكما طالق والثاني في بيان الأحكام المتعلقة به أما الأول فقد
اختلف مشايخنا في كيفية هذا التصرف قال بعضهم هو ايقاع الطلاق في غير المعين على معنى انه يقع الطلاق للحال
في واحدة منهما غير عين واختيار الطلاق في إحداهما وبيان الطلاق فيها تعيين لمن وقع عليها الطلاق ويقال إن هذا
قول محمد وقال بعضهم هو ايقاع الطلاق معلقا بشرط البيان معنى ومعناه ان قوله إحداكما طالق ينعقد سببا للحال
لوقوع الطلاق عند البيان والاختيار للحال بمنزلة تعليق الطلاق بسائر الشروط من دخول الدار وغيره غير أن
هناك الشرط يدخل على السبب والحكم جميعا وههنا يدخل على الحكم لا على السبب كما في البيع بشرط الخيار فإذا
224

اختار طلاق إحداهما فقد وجد شرط وقوع الطلاق في حقها فيقع الطلاق عليها بالكلام السابق عند وجود شرط
الوقوع وهو الاختيار كأنه علقه به نصا فقال إن اخترت طلاق إحداكما فهي طالق ويقال إن هذا قول أبى يوسف
والمسائل متعارضة في الظاهر بعضها يؤيد القول الأول وبعضها ينصر القول الثاني ونحن نشير إلى ذلك ههنا ونذكر
وجه كل واحد من القولين وترجيح أحدهما على الاخر وتخريج المسائل عليه في كتاب العتاق إن شاء الله تعالى
وقال بعضهم البيان اظهار من وجه وانشاء من وجه وزعموا أن المسائل تخرج عليه وانه كلام لا يعقل بل هو
محال والبناء على المحال محال وأما الأحكام المتعلقة به فنوعان نوع يتعلق به في حال حياة الزوج ونوع يتعلق به بعد
مماته أما النوع الأول فنقول إذا قال لامرأتيه إحداكما طالق ثلاثا فله خيار التعيين يختار أيهما شاء للطلاق لأنه إذا
ملك الابهام ملك التعيين ولو خاصمتاه واستعدتا عليه القاضي حتى يبين اعدى عليه وكلفه البيان ولو امتنع أجبره عليه
بالحبس لان لكل واحدة منهما حقا اما استيفاء حقوق النكاح منه واما التوصل إلى زوج آخر وحق الانسان يجب
ايفاؤه عند طلبه وإذا امتنع من عليه الحق يجبره القاضي على الايفاء وذلك بالبيان ههنا فكان البيان حقها لكونه
وسيلة إلى حقها وسيلة حق الانسان حقه والجبر على البيان يؤيد القول الأول لان الوقوع لو كان معلقا بشرط
البيان لما أجبر إذ الحالف لا يجبر على تحصيل الشرط ولان البيان اظهار الثابت واظهار الثابت ولا ثابت محال ثم البيان
نوعان نص ودلالة اما النص فنحو أن يقول إياها عنيت أو نويت أو أردت أو ما يجرى مجرى هذا ولو قال إحداكما
طالق ثلاثا ثم طلق إحداهما عينا بأن قال لها أنت طالق وقال أردت به بيان الطلاق الذي لزمني لا طلاقا مستقبلا كان
القول قوله لان البيان واجب عليه وقوله أنت طالق يحتمل البيان لأنه ان جعل انشاء في الشرع لكنه يحتمل الاخبار
فيحتمل البيان إذ هو اخبار عن كائن وهذا أيضا ينصر القول الأول لان الطلاق لو لم يكن واقعا لم يصدق في إرادة البيان
للواقع وأما الدلالة فنحو أن يفعل أو ما يدل على البيان نحو أن يطأ إحداهما أو يقبلها أو يطلقها أو يحلف
بطلاقها أو يظاهر منها لان ذلك كله لا يجوز الا في المنكوحة فكان الاقدام عليه تعيينا لهذه بالنكاح وإذا تعينت هي
للنكاح تعينت الأخرى للطلاق ضرورة انتفاء المزاحم وإذا كن أربعا أو ثلاثا تعينت الباقيات لبيان الطلاق في
واحدة منهن نصا أو دلالة بالفعل أو بالقول بان يطأ الثانية والثالثة فتتعين الرابعة للطلاق أو يقول هذه منكوحة وهذه
الرابعة ان كن أربعا وان كن ثلاثا تتعين الثالثة للطلاق بوطئ الثانية أو بقوله للثانية هذه منكوحة وكذلك إذا ماتت
إحداهما قبل البيان طلقت الباقية لان التي ماتت خرجت عن احتمال البيان فيها لان الطلاق يقع عند البيان وقد
خرجت عن احتمال الطلاق فخرجت عن احتمال البيان فتعينت الباقية للطلاق وهو يؤيد القول الثاني لان الطلاق
لو كان وقع في غير المعين لما افترقت الحال في البيان بين الحياة والموت إذ هو اظهار ما كان فرق بين هذا وبين ما إذا باع
أحد عبديه على أن المشترى بالخيار يأخذ أيهما شاء ويرد الاخر فمات أحدهما قبل البيان انه لا يتعين الباقي منهما
للبيع بل يتعين الميت للبيع ويصير المشترى مختارا للبيع في الميت قبيل الموت ويجب عليه رد الباقي إلى البائع
ووجه الفرق ان هناك وجد المبطل للخيار قبيل الموت وهو حدوث عيب لم يكن وقت الشراء وهو المرض إذ لا يخلو
الانسان عن مرض قبيل الموت عادة وحدوث العيب في المبيع الذي فيه خيار مبطل للخيار فبطل الخيار قبيل
الموت ودخل العبد في ملك المشتري فتعين الاخر للرد ضرورة وهذا المعنى لم يوجد في الطلاق لان حدوث العيب
في المطلقة لا يوجب بطلان الخيار ولو ماتت إحداهما قبل البيان فقال الزوج إياها عنيت لم يرثها وطلقت الباقية لأنها
كما ماتت تعينت الباقية للطلاق فإذا قال عنيت الأخرى فقد أراد صرف الطلاق عن الباقية فلا يصدق فيه
ويصدق في ابطال الإرث لان ذلك حقه والانسان في اقراره بابطال حق نفسه مصدق لانتفاء التهمة وكذلك
إذا ماتتا جميعا أو إحداهما بعد الأخرى ثم قال عنيت التي ماتت أولا لم يرث منهما أما من الثانية فلتعينها للطلاق بموت
الأولى وأما من الأولى فلاقراره انه لا حق له في ميراثها وهو مصدق على نفسه ولو ماتتا جميعا بان سقط عليهما حائط
225

أو غرقتا يرث من كل واحدة منهما نصف ميراثها لأنه لا يستحق ميراث كل واحدة منهما في حال ولا يستحقه في حال
فينتصف كما هو أصلنا في اعتبار الأحوال وكذلك إذا ماتتا جميعا أو إحداهما بعد الأخرى لكن لا يعرف التقدم
والتأخر فهذا بمنزلة موتهما معا ولو ماتتا معا ثم عين إحداهما بعد موتهما وقال إياها عنيت لا يرث منها ويرث من
الأخرى نصف ميراث زوج لأنهما لما ماتتا فقد استحق من كل واحدة منهما نصف ميراث لما بينا فإذا أراد
إحداهما عينا فقد أسقط حقه من ميراثها وهو النصف فيرث من الأخرى النصف ولو ارتدتا جميعا قبل البيان
فانقضت عدتهما وبانتا لم يكن له أن يبين الطلاق الثلاث في إحداهما أما البينونة فلان الملك قد زال من كل وجه
بالردة وانقضاء العدة وإذا زال الملك لا يملك البيان وهذا يدل على أن الطلاق لم يقع قبل البيان إذ لو وقع لصح البيان بعد
البينونة لان البيان حينئذ يكون تعيين من وقع عليه الطلاق فلا تفتقر صحته إلى قيام الملك ولو كانتا رضيعتين فجاءت امرأة
فأرضعتهما قبيل البيان بانتا وهذا دليل ظاهر على صحة القول الثاني لأنه لو وقع الطلاق على إحداهما لصارت أجنبية
فلا يتحقق الجمع بين الأختين بالرضاع نكاحا فينبغي أن لا تبينا وقد بانتا وإذا بانتا بالرضاع لم يكن له أن يبين الطلاق في
إحداهما لما قلنا وهو دليل على ما قلنا ولو بين الطلاق في إحداهما تجب عليها العدة من وقت البيان كذا روى عن أبي
يوسف حتى لو راجعها بعد ذلك صحت رجعته وكذا إذا بين الطلاق في إحداهما وقد كانت حاضت قبل البيان
ثلاث حيض لا تعتد بما حاضت قبل وتستأنف العدة من وقت البيان وهذا يدل على أن الطلاق لم يكن واقعا قبل البيان وروى عن محمد انه تجب العدة من وقت الارسال وتنقضي إذا حاضت ثلاث حيض من ذلك الوقت ولا
تصح الرجعة بعد ذلك وهذا يدل على أن الطلاق نازل في غير المعين ومن هذا حقق القدوري الخلاف بين أبى يوسف
ومحمد في كيفية هذا التصرف على ما ذكرنا من القولين واستدل على الخلاف بمسألة العدة ولو قال لامرأتين له
إحداكما طالق واحدة والأخرى طالق ثلاثا فحاضت إحداهما ثلاث حيض بانت بواحدة والأخرى طالق ثلاثا
لان كل واحدة منهما مطلقة الا أن إحداهما بواحدة والأخرى بثلاث فإذا حاضت إحداهما ثلاث حيض فقد
زال ملكه عنها بيقين فخرجت عن احتمال بيان الثلاث فيها فتعينت الأخرى للثلاث ضرورة ولو كان تحته أربع
نسوة لم يدخل بهن فقال إحداكن طالق ثلاثا ثم تزوج أخرى جاز له وإن كان مدخولا بهن فتزوج أخرى لم يجز وهذا
حجة القول الأول لان الطلاق لو لم يكن واقعا في إحداهن لما جاز نكاح امرأة أخرى في الفصل الأول لأنه يكون
نكاح الخامسة ولجاز في الفصل الثاني لأنه يكون نكاح الرابعة ولما كان الامر على القلب من ذلك دل ان الطلاق
لم يكن واقعا قبل البيان ولو قال لامرأتين له في الصحة إحداكما طالق ثم بين في إحداهما في مرضه يصير فارا وترثه
المطلقة مع المنكوحة ويكون الميراث بينهما نصفين وهذا حجة القول الثاني لان الطلاق لو كان واقعا في إحداهما غير
عين لكان وقوع الطلاق في الصحة فينبغي أن لا يصير فارا كما إذا طلق واحدة منهما عينا والله عز وجل أعلم وأما
الذي يتعلق بما بعد موت الزوج فأنواع ثلاثة حكم المهر وحكم الميراث وحكم العدة إذا مات قبل البيان أما حكم المهر فإن
كانتا مدخولا بهما فلكل واحد منهما جميع المهر لان كل واحدة منهما تستحق جميع المهر منكوحة كانت أو مطلقة
أما المنكوحة فلا شك فيها وأما المطلقة فلأنها مطلقة بعد الدخول وإن كانتا غير مدخول بهما فلهما مهر ونصف مهر
بينهما لكل واحدة منهما ثلاثة أرباع المهر لان كل واحدة منهما يحتمل أن تكون منكوحة ويحتمل أن تكون مطلقة
فإن كانت منكوحة تستحق جميع المهر لان الموت بمنزلة الدخول وإن كانت مطلقة تستحق النصف لان النصف
قد سقط بالطلاق قبل الدخول فلكل واحدة منهما كل المهر في حال والنصف في حال وليست إحداهما بأولى من
الأخرى فيتنصف فيكون لكل واحدة ثلاثة أرباع مهر هذا إذا كان قد سمى لهما مهرا فإن كان لم يسم لهما مهرا
فلهما مهر ومتعة بينهما لان كل واحدة منهما إن كانت منكوحة فلها كمال مهر المثل وإن كانت مطلقة فلها كمال المتعة
فكل واحدة منهما تسحق كمال مهر المثل في حال ولا تستحق شيئا من مهر المثل في حال وكذا المتعة فتتنصف كل واحدة
226

منهما فيكون لهما مهر ومتعة بينهما لكل واحدة منهما نصف مهر المثل ونصف متعة وإن كان سمى لإحداهما مهرا ولم
يسم للأخرى فللمسمى لها ثلاثة أرباع وللتي لم يسم لها مهرا نصف مهر المثل لان المسمى لها إذا كانت منكوحة فلها
جميع المسمى وإن كانت مطلقة فلها النصف فيتنصف كل ذلك فيكون لها ثلاثة أرباع المهر المسمى والتي لم يسم لها إن كان
ت منكوحة فلها جميع مهر المثل وإن كانت مطلقة فليس لها من مهر المثل شئ فاستحقت في حال ولم تستحق
شيئا منه في حال فيكون لها نصف مهر المثل والقياس أن يكون لها نصف المتعة أيضا وهو قول زفر وفي الاستحسان
ليس لها الا نصف مهر المثل (وجه) القياس انها إن كانت منكوحة فلها كمال مهر المثل وإن كانت مطلقة فلها كمال
المتعة فكان لها كمال مهر المثل في حال وكمال المتعة في حال فيتنصف كل واحدة منهما فيكون لها نصف مهر مثلها ونصف
متعتها وجه الاستحسان ان نصف مهر المثل إذا وجب لها امتنع وجوب المتعة لان المتعة بدل عن نصف مهر المثل
والبدل والمبدل لا يجتمعان هذا إذا كانت المسمى لها مهر المثل معلومة فإن لم تكن معلومة فلها مهر وربع مهر إذا كان
مهر مثلها سواء ويكون بينهما لان كل واحدة منهما يحتمل أن تكون هي المسمى لها المهر فيكون لها ثلاثة أرباع المهر
لما ذكرنا ويحتمل أن تكون غير المسمى لها المهر فيكون لها نصف مهر المثل ففي حال يجب ثلاثة أرباع المهر وفي حال
يجب نصف المهر فيتنصف كل ذلك فيكون لهما مهر وربع مهر بينهما لكل واحد منهما نصف مهر وثمن مهر نصف
مهر المسمى وثمن مهر المثل ولا تجب المتعة استحسانا والقياس ان يجب نصف المتعة أيضا ويكون بيتهما وهو قول زفر
وجه القياس والاستحسان على نحو ما ذكرنا والله عز وجل أعلم وهذه المسائل تدل على أن الطلاق قد وقع
في إحداهما غير عين وقت الارسال حيث شاع فيهما بعد الموت إذ الواقع يشيع والله عز وجل الموفق وأما حكم
الميراث فهو أنهما يرثان منه ميراث امرأة واحدة ويكون بينهما نصفين في الأحوال كلها لان إحداهما منكوحة بيقين
وليست إحداهما بأولى من الأخرى فيكون قدر ميراث امرأة واحدة بينهما فإن كان للزوج امرأة أخرى سواهما لم
يدخلها في الطلاق فلها نصف ميراث النساء ولهما النصف لأنه لا يزاحمها الا واحدة منهما لان المنكوحة واحدة منهما
والأخرى مطلقة فكان لها النصف ثم النصف الثاني يكون بين الأخريين نصفين إذ ليست إحداهما بأولى من
الأخرى وأما حكم العدة فعلى كل واحدة منهما عدة الوفاة وعدة الطلاق لان إحداهما منكوحة والأخرى مطلقة
وعلى المنكوحة عدة الوفاة لا عدة الطلاق وعلى المطلقة عدة الطلاق لا عدة الوفاة فدارت كل واحدة من العدتين في حق
كل واحدة من المرأتين بين الوجوب وعدم الوجوب والعدة يحتاط في ايجابها ومن الاحتياط القول بوجوبها على كل
واحدة منهما والله تعالى الموفق وإن كان ممن لا يملك طلاقها لا تصح الإضافة بالاجماع بان جمع بين امرأته وبين أجنبية
فقال إحداكما طالق حتى لا تطلق زوجته لان هذا الكلام يستعمل للانشاء ويستعمل للاخبار ولو حمل على الاخبار
لصح لأنه يخبر ان إحداهما طالق والامر على ما أخبر ولو حمل على الانشاء لم يصح لان إحداهما وهي الأجنبية لا تحتمل
الانشاء لعدم النكاح ولا طلاق قبل النكاح على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان حمله على الاخبار أولى
هذا إذا كان المزاحم في الاسم محتملا للطلاق فاما إذا لم يكن نحو ما إذا جمع بين امرأته وبين حجر أو بهيمة فقال إحداكما
طالق فهل تصح الإضافة اختلف فيه قال أبو حنيفة وأبو يوسف تصح حتى يقع الطلاق على امرأته وقال محمد لا تصح
ولا تطلق امرأته وجه قوله إن الجمع بين المنكوحة وغير المنكوحة يوجب شكا في ايقاع الطلاق على المنكوحة كما لو
جمع بين امرأة وبين أجنبية وقال إحداكما طالق فلا يقع مع الشك ولهما انه إذا جمع بين من يحتمل الطلاق وبين من لا
يحتمل الطلاق في الاسم وأضاف الطلاق إليهما فالظاهر أنه أراد به من يحتمل الطلاق لا من لا يحتمل الطلاق لان
إضافة الطلاق إلى من لا يحتمله سفه فانصرف مطلق الإضافة إلى زوجته بدلالة الحال بخلاف ما إذا جمع بينها وبين
أجنبية لان الأجنبية محتملة للطلاق في الجملة وهي محتملة للطلاق في الحال اخبار إن كانت لا تحتمله انشاء وفي
الصرف إلى الاخبار صيانة كلامه عن اللغو فصرف إليه ولو جمع بين زوجته وبين رجل فقال إحداكما طالق لم يصح
227

في قول أبي حنيفة حتى لا تطلق زوجته وقال أبو يوسف يصح وتطلق زوجته وجه قول أبى يوسف أن الرجل
لا يحتمل الطلاق ألا ترى أنه لو قال لامرأته أنا منك طالق لم يصح فصار كما إذا جمع بين امرأته وبين حجر أو بهيمة
وقال إحداكما طالق ولأبي حنيفة ان الرجل يحتمل الطلاق في الجملة ألا ترى أنه يحتمل البينونة حتى لو قال لامرأته
أنا منك بائن ونوى الطلاق يصح والإبانة من ألفاظ الطلاق فان الطلاق نوعان رجعي وبائن وإذا كان محتملا
للطلاق في الجملة حمل كلامه على الاخبار كما إذا جمع بينها وبين أجنبية وقال إحداكما طالق ولو جمع بين امرأته وبين
امرأة ميتة فقال أنت طالق أو هذه وأشار إلى الميتة لم تصح الإضافة بالاجماع حتى لا تطلق زوجته الحية لان
الميتة من جنس ما يحتمل الطلاق وقد كانت محتملة للطلاق قبل موتها فصار كما لو جمع بينها وبين أجنبية والله عز وجل
الموفق وأما الجهالة الطارئة فهي أن يكون الطلاق مضافا إلى معلومة ثم تجهل كما إذا طلق الرجل امرأة بعينها من نسائه
ثلاثا ثم نسي المطلقة والكلام في هذا الفصل في موضعين أيضا أحدهما في بيان كيفية هذا التصرف والثاني في بيان
أحكامه أما الأول فلا خلاف في أن الواحدة منهن طالق قبل البيان لأنه أضاف الطلاق إلى معينة وإنما طرأت الجهالة
بعد ذلك والمعينة محل لوقوع الطلاق فيكون البيان ههنا اظهارا أو تعيينا لمن وقع عليها الطلاق وأما الأحكام
المتعلقة به فنوعان أيضا على ما مر أما الذي يتعلق به في حال حياة الزوج فهو أنه لا يحل له أن يطأ واحدة منهن حتى
يعلم التي طلق فيجتنبها لان إحداهن محرمة بيقين وكل واحدة منهما يحتمل أن تكون هي المحرمة فلو وطئ واحدة منهما
وهو لا يعلم بالمحرمة فربما وطئ المحرمة والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لوابصة بن مجد
الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك ولا يجوز أن تطلق واحدة منهن
بالتحري والأصل فيه أن كل ما لا يباح عند الضرورة لا يجوز فيه التحري والفرج لا يباح عند الضرورة فلا يجوز فيه
التحري بخلاف الذكية إذا اختلطت بالميتة أنه يجوز التحري في الجملة وهي ما إذا كانت الغلبة للذكية عندنا لان الميتة
مما تباح عند الضرورة فان جحدت كل واحدة منهن أن تكون المطلقة فاستعدين عليه الحاكم في النفقة والجماع اعدى
عليه وحبسه على بيان التي طلق منهن والزمه النفقة لهن لان لكل واحدة منهن حق المطالبة بحقوق النكاح ومن عليه
الحق إذا امتنع من الايفاء مع قدرته عليه يحبس كمن امتنع من قضاء دين عليه وهو قادر على قضائه فيحبسه الحاكم
ويقضى بنفقتهن عليه لان النفقة من حقوق النكاح فان ادعت كل واحدة منهن أنها هي المطلقة ولا بينة لها وجحد
الزوج فعليه اليمين لكل واحدة منهن لان الاستخلاف للنكول والنكول بذل أو اقرار والطلاق يحتمل البذل
والاقرار فيستحلف فيه فان أبى أن يحلف فرق بينه وبينهن لأنه بذل الطلاق لكل واحدة منهن أو أقر به والطلاق
يحتمل كل واحدة منهن وان حلف لهن لا يسقط عنه البيان بل لابد أن يبين لان الطلاق لا يرتفع باليمين فبقي على ما كان
عليه فيؤخذ بالبيان وروى ابن سماعة عن محمد أنه قال إذا كانتا امرأتين فحلف للأولى طلقت التي لم يحلف لها لأنه لما
أنكر للأولى أن تكون مطلقة تعينت الأخرى للطلاق وضرورة وان لم يحلف للأولى طلقت لأنه بالنكول بذل الطلاق
لها أو أقر به فان تشاحنا على اليمين حلف لهما جميعا بالله تعالى ما طلق واحدة منهما لأنهما استويا في الدعوى ويمكن
ايفاء حقهما في الحلف فيحلف لهما جميعا فان حلف لهما جميعا حجب عنهما حتى يبين لان إحداهما قد بقيت مطلقة
بعد الحلف إذ الطلاق لا يرتفع باليمين فكانت إحداهما محرمة فلا يمكن منها إلى أن يبين فان وطئ إحداهما فالتي لم
يطأها مطلقة لان فعله محمول على الجواز ولا يجوز الا بالبيان فكان الوطئ بيانا أن الموطوءة منكوحة فتعينت الأخرى
للطلاق ضرورة انتفاء المزاحم كما لو قال إحداكما طالق ثم وطئ إحداهما وإذا طلق واحدة من نسائه بعينها فنسيها ولم
يتذكر فينبغي فيما بينه وبين الله تعالى أن يطلق كل واحدة منهن تطليقة رجعية ويتركها حتى تنقضي عدتها فتبين لأنه
لا يجوز له أن يمسكهن فيقر بهن جميعا لان إحداهن محرمة بيقين ولا يجوز له أن يطأ واحدة منهن بالتحري لأنه لا مدخل
للتحري في الفرج ولا يجوز له أن يتركهن بغير بيان لما فيه من الاضرار بهن بابطال حقوقهن من هذا الزوج ومن غيره
228

بالنكاح إذ لا يحل لهن النكاح لان كل واحدة منهن يحتمل أن تكون منكوحة فيوقع على كل واحدة منهن تطليقة رجعية
ويتركها حتى تنقضي عدتها فتبين وإذا نقضت عدتهن وبن فأراد أن يتزوج الكل في عقدة واحدة قبل أن يتزوجن
لم يجز لان واحدة منهن مطلقة ثلاثة بيقين وان أراد ان يتزوج واحدة منهن فالأحسن أن لا يتزوجها الا بعد أن
يتزوجن كلهن بزوج آخر لجواز أن تكون التي يتزوجها هي المطلقة ثلاثا فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فإذا تزوجن
بغيره فقد حللن بيقين فلو أنه تزوج واحدة منهن قبل أن يتزوجن بغيره جاز نكاحها لان فعله يحمل على الجواز والصحة
ولا يصح الا بالبيان فكان اقدامه على نكاحها بيانا أنها ليست بمطلقة بل هي منكوحة وكذا إذا تزوج الثانية والثالثة
جاز لما قلنا وتعينت الرابعة للطلاق وضرورة انتفاء المزاحم وكذا إذا كانتا اثنتين فتزوج إحداهما تعينت الأخرى
للطلاق لأنا نحمل نكاح التي تزوجها على الجواز ولا جواز له الا بتعيين الأخرى للطلاق فتتعين الأخرى للطلاق
ضرورة هذا إذا كان الطلاق ثلاثا فإن كان بائنا ينكحهن جميعا نكاحا جديدا ولا يحتاج إلى الطلاق وإن كان رجعيا
يراجعهن جميعا وإذا كان الطلاق ثلاثا فماتت واحدة منهن قبل البيان فالأحسن أن لا يطأ الباقيات الا بعد بيان المطلقة
لجواز أن تكون المطلقة فيهن وان وطئهن قبل البيان جاز لان فعل العاقل المسلم يحمل على وجه الجواز ما أمكن وههنا
أمكن بان يحمل فعله على أنه تذكر أن الميتة كانت هي المطلقة إذ البيان في الجهالة الطارئة اظهار وتعيين لمن وقع عليها
الطلاق بلا خلاف فلا تكون حياتها شرطا لجواز بيان الطلاق فيها وإذا تعينت هي للطلاق تعينت الباقيات
للنكاح فلا يمنع من وطئهن بخلاف الجهالة الأصلية إذا ماتت واحدة منهن أنها لا تتعين للطلاق لان الطلاق هناك
يقع عند وجود الشرط وهو البيان مقصورا عليه والمحل ليس بقابل لوقوع الطلاق وقت البيان ثم البيان
ضربان نص ودلالة أما النص فهو أن يبين المطلقة نصا فيقول هذه هي التي كنت طلقتها وأما الدلالة فهي أن يفعل أو
يقول ما يدل على البيان مثل أن يطأ واحدة أو يقبلها أو يطلقها أو يحلف بطلاقها أو يظاهر منها فإن كانتا اثنتين تعينت
الأخرى للطلاق لان فعله أو قوله يحمل على الجواز ولا يجوز الا بتعيين الأخرى للطلاق فكان الاقدام عليه تعيينا
للأخرى للطلاق ضرورة وكذا إذا قال هذه منكوحة وأشار إلى إحداهما تتعين الأخرى للطلاق ضرورة وكذا
إذا قال هذه منكوحة وان كن أربعا أو ثلاثا تعينت الباقيات لكون المطلقة فيهن فتتعين بالبيان نصا أو دلالة بالفعل
أو بالقول على ما مر بيانه في الفصل الأول ولو كن أربعا ولم يكن دخل بهن فتزوج أخرى قبل البيان جاز لان الطلاق
واقع في إحداهن فكان هذا نكاح الرابعة فلا يتحقق الجمع بين الخمس فيجوز وان كن مدخولا بهن لا يجوز لأنه
يتحقق الجمع لقيام النكاح من وجه القيام والعدة ولو كان الطلاق في الصحة فبين في واحدة منهن في مرضه ثم مات لم
ترثه لان البيان ههنا اظهار وتعيين لمن وقع عليه الطلاق والوقوع كان في الصحة فلا ترث بخلاف الفصل الأول
(واما) الذي يتعلق به بعد موت الزوج فأحكامه ثلاثة حكم المهر وحكم الميراث وحكم العدة وقد بيناها في الفصل
الأول والفصلان لا يختلفان في هذه الأحكام فما عرفت من الجواب في الأول فهو الجواب في الثاني والله تعالى أعلم
(كتاب الظهار)
يحتاج في هذا الكتاب معرفة ركن الظهار وإلى معرفة شرائط الركن والى معرفة حكم الظهار والى معرفة ما ينتهى
به حكمه والى معرفة كفارة الظهار أما ركن الظهار فهو اللفظ الدال على الظهار والأصل فيه قول الرجل لامرأته
أنت على كظهر أمي يقال ظاهر الرجل من امرأته وأظاهر وتظاهر وأظهر وتظهر أي قال لها أنت على كظهر أمي
ويلحق به قوله أنت على كبطن أمي أو فخذ أمي أو فرج أمي ولان معنى الظاهر تشبيه الحلال بالحرام ولهذا وصفه الله
تعالى بكونه منكرا من القول وزورا فقال سبحانه وتعالى في آية الظهار وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا وبطن الام
وفخذها في الحرمة مثل ظهرها ولفرجها مزيد حرمة فتزداد جنايته في كون قوله منكرا وزورا فيتأكد الجزاء وهو الحرمة
229

(فصل) وأما الشرائط فأنواع بعضها يرجع إلى المظاهر وبعضها يرجع إلى المظاهر منه وبعضها يرجع إلى المظاهر
به أما الذي يرجع إلى المظاهر فأنواع منها أن يكون عاقلا اما حقيقة أو تقديرا فلا يصح ظهار المجنون والصبي الذي
لا يعقل لان حكم الحرمة وخطاب التحريم لا يتناول من لا يعقل ومنها أن لا يكون معتوها ولا مدهوشا ولا مبرسما
ولا مغمى عليه ولا نائما فلا يصح ظهار هؤلاء كما لا يصح طلاقهم وظهار السكران كطلاقه وهو على التفصيل الذي
ذكرناه في كتاب الطلاق ومنها أن يكون بالغا فلا يصح ظهار الصبي وإن كان عاقلا لما مر في ظهار المجنون ولان
الظهار من التصرفات الضارة المحضة فلا يملكه الصبي كما لا يملك الطلاق والعتاق وغيرهما من التصرفات التي هي
ضارة محضة ومنها أن يكون مسلما فلا يصح ظهار الذمي وهذا عندنا وعند الشافعي اسلام المظاهر ليس بشرط
لصحة ظهاره ويصح ظهار الذمي واحتج بعموم قوله عز وجل والذين يظاهرون من نسائهم من غير فصل بين المسلم
والكافر ولان الكافر من أهل الظهار لان حكمه الحرمة والكفار مخاطبون بشرائع هي حرمات ولهذا كان أهلا
للطلاق فكذا للظهار ولنا ان عمومات النكاح لا تقتضي حل وطئ الزوجات على الأزواج نحو قوله تعالى والذين
هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين وقوله عز وجل نساؤكم حرث لكم
فأتوا حرثكم أنى شئتم والظهار لا يوجب زوال النكاح والزوجية لان لفظ الظهار لم ينبئ عنه ولهذا لا يحتاج إلى
تجديد النكاح بعد الكفارة لان المسلم صار مخصوصا فمن ادعى تخصيص الذمي يحتاج إلى الدليل ولان حكم الظهار
حرمة مؤقتة بالكفارة أو بتحرير يخلفه الصوم والكافر ليس من أهل هذا الحكم فلا يكون من أهل الظهار وقد
خرج الجواب عما ذكره من المعنى وأما آية الظهار فإنها تتناول المسلم لدلائل أحدها ان أول الآية خاص في حق
المسلمين وهو قوله عز وجل والذين يظاهرون منكم فقوله تعالى منكم كناية عن المسلمين ألا ترى إلى قوله سبحانه
وتعالى وان الله لغفور رحيم والكافر غير حائز المغفرة وقوله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم بناء على الأول
والثاني ان فيها أمرا بتحرير يخلفه الصيام إذا لم يجد الرقبة والصيام يخلفه الطعام إذا لم يستطع وكل ذلك لا يتصور الا
في حق المسلم والثالث ان المسلم مراد من هذه الآية بلا شك والمذهب عندنا ان العام يبنى على الخاص ومتى بنى
العام على الخاص خرج المسلم عن عموم الآية ولم يقل به أحد وأما كونه حرا فليس بشرط لصحة الظهار فيصح
ظهار العبد لان الظهار تحريم والعبد من أهل التحريم ألا ترى أنه يملك التحريم بالطلاق فكذا بالظهار ولعموم
قوله عز وجل والذين يظاهرون من نسائهم فان قيل هذه الآية لا تتناول العبد لأنه جعل حكم الظهار التحرير بقوله
تعالى فتحرير رقبة والعبد ليس من أهل التحرير فلا يكون من أهل حكم الظهار فلا يكون من أهل الظهار فلا يتناوله
نص الظهار فالجواب أنه ممنوع أنه جعل حكم الظهار التحرير على الاطلاق بل جعل حكمه في حق من وجد فأما
في حق من لم يجد فإنما جعل حكمه الصيام بقوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين والعبد غير واجد لأنه لا يكون
واجدا الا بالملك والعهد ليس من أهل الملك فلا يكون واجدا فلا يكون الاعتاق حكم الظهار في حقه إذ لا عتق فيما
لا يملكه ابن آدم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز له التكفير بالاعتاق وكذا بالاطعام إذ الاطعام
على وجه التمليك أو الإباحة والإباحة لا تتحقق بدون الملك ولو كفر العبد بهما بإذن مولاه أو المولى كفر عنه بهما لم يجز
لان الملك لم يثبت له فلا يقع الاعتاق والاطعام عنه بخلاف الفقير إذا أعتق عنه غيره أو أطعم فإنه يجوز لان الفقير من
أهل الملك فثبت الملك له أولا ثم يؤدى عنه بطريق النيابة والعبد ليس من أهل الملك فلا يملك المؤدى فلا يجزيه في
الكفارة الا الصيام وليس لمولاه أن يمنعه من صيام الظهار بخلاف صيام النذر وكفارة اليمين لان للمولى أن يمنعه عن
ذلك لان صوم الظهار قد تعلق به حق المرأة لأنه يتعلق به استباحة وطئها الذي استحقه بعقد النكاح فكان منعه
إياها عن الصيام منعا له عن ايفاء حق مستحق للغير فلا يملك ذلك بخلاف صوم النذر وكفارة اليمين لأنه لم يتعلق به حق
أحد فكان العبد بالصوم متصرفا في المنافع المملوكة لمولاه من غير اذنه لا حق لاحد فيه فكان له منعه عن ذلك سواء
230

كان العبد قنا أو مدبرا أو أم ولد أو مكاتبا أو مستسعى على أصل أبي حنيفة لما قلنا وكذا كونه جادا فليس بشرط
لصحة الظهار حتى يصح ظهار الهازل كما يصح طلاقه وكذا كونه طائعا أو عامدا ليس بشرط عندنا فيصح ظهار
المكره والخاطئ كما يصح طلاقهما وعند الشافعي شرط فلا يصح ظهارهما كما لا يصح طلاقهما وهذه من
مسائل الاكراه وكذا التكلم بالظهار ليس بشرط حتى يصير مظاهرا بالكتابة المستبينة والإشارة المعلومة من
الأخرس وكذا الخلو عن شرط الخيار ليس بشرط فيصح ظهار شارط الخيار لما ذكرنا في كتاب الطلاق وأما
كون المظاهر رجلا فهل هو شرط صحة الظهار قال أبو يوسف ليس بشرط وقال محمد شرط حتى لو قالت المرأة
لزوجها أنت على كظهر أمي تصير مظاهرة عند أبي يوسف وعليها كفارة الظهار وعند محمد لا تصير مظاهرة ولما
حكى قولهما للحسن بن زياد فقال هما شيخا الفقه أخطأ عليهما كفارة اليمين إذا وطئها زوجها (وجه) قول الحسن
ان الظهار تحريم فتصير كأنه قالت لزوجها أنت على حرام ولو قالت ذلك تلزمها الكفارة إذا وطئها كذا هذا (وجه)
قول محمد ان الظهار تحريم بالقول والمرأة لا تملك التحريم بالقول ألا ترى أنها لا تملك الطلاق فكذا الظهار ولأبي
يوسف ان الظهار تحريم يرتفع بالكفارة وهي من أهل الكفارة فكانت من أهل الظهار والله أعلم ومنها النية عند أبي
حنيفة وأبى يوسف في بعض أنواع الظهار دون بعض وبيان ذلك أنه لو قال لامرأته أنت على كظهر أمي كان مظاهرا
سواء نوى الظهار أو لا نية له أصلا لان هذا صريح في الظهار إذ هو ظاهر المراد مكشوف المعنى عند السماع بحيث
يسبق إلى أفهام السامعين فكان صريحا لا يفتقر إلى النية كصريح الطلاق في قوله أنت طالق وكذا إذا نوى به
الكرامة أو المنزلة أو الطلاق أو تحريم اليمين لا يكون الا ظهارا لان هذا اللفظ صريح في الظهار فإذا نوى به غيره
فقد أراد صرف اللفظ عما وضع له إلى غيره فلا ينصرف إليه كما إذا قال لامرأته أنت طالق ونوى به الطلاق
عن الوثاق أو الطلاق عن العمل أنه لا ينصرف إليه ويقع الطلاق لما قلنا كذا هذا ولو قال أردت به الاخبار
عما مضى كذا لا يصدق في القضاء لأنه خلاف الظاهر لان هذا اللفظ في الشرع جعل انشاء فلا يصدق في إرادة
الاخبار عنه كقوله أنت طالق إذا أراد به الاخبار عن الماضي كاذبا ولا يسع للمرأة ان تصدقه كما لا يسع للقاضي لان
القاضي إنما لا يصدقه لادعائه خلاف الظاهر وهذا موجود في حق المرأة ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى
ما يحتمله كلامه وكذا إذا قال أنا منك مظاهرا وقد ظاهرتك فهو مظاهر نوى به الظهار أو لا نية له لان هذا اللفظ
صريح في الظهار أيضا إذ هو مكشوف المراد عن السامع فلا يفتقر إلى النية وأي شئ نوى لا يكون الا ظهارا وان أراد
به الخبر عن الماضي كاذبا لا يصدق قضاء ويصدق ديانة لما قلنا كما لو قال أنت مطلقة أو قد طلقتك وكذا لو قال أنت
على كبطن أمي أو كفخذ أمي أو كفرج أمي فهذا وقوله أنت على كظهر أمي على السواء لأنه يجرى مجرى الصريح
لما ذكرنا فيما تقدم ولو قال لها أنت على كأمي أو مثل أمي يرجع إلى نيته فان نوى به الظهار كان مظاهرا وان نوى به
الكرامة كان كرامة وان نوى به الطلاق كان طلاقا وان نوى به اليمين كان ايلاء لان اللفظ يحتمل كل ذلك إذ هو
تشبيه المرأة بالأم فيحتمل التشبيه في الكرامة والمنزلة أي أنت على في الكرامة والمنزلة كأمي ويحتمل التشبيه في
الحرمة ثم يحتمل ذلك حرمة الظهار ويحتمل حرمة الطلاق وحرمة اليمين فأي ذلك نوى فقد نوى ما يحتمله لفظه
فيكون على ما نوى وان لم يكن له نية لا يكون ظهارا عند أبي حنيفة وهو قول أبى يوسف الا ان عند أبي حنيفة لا يكون
شيئا وعند أبي يوسف يكون تحريم اليمين وعند محمد يكون ظهارا احتج محمد بقوله تعالى في آية الظهار ردا على المظاهرين
ما هن أمهاتهم وذكر الله سبحانه وتعالى الام ولم يذكر ظهر الام فدل ان تشبيه المرأة وهو قوله أنت على كأمي ظهار
حقيقة كقوله أنت على كظهر أمي بل أولى لان قوله أنت على كظهر أمي تشبيه المرأة بعضو من أعضائها وقوله أنت
كأمي تشبيه بكلها ثم ذاك لما كان ظهارا فهذا أولى ولان كاف التشبيه تختص بالظهار فعند الاطلاق تحمل عليه
ولأبي حنيفة وأبى يوسف ان هذا اللفظ يحتمل الظهار وغيره احتمالا على السواء لما ذكرنا فلا يتعين الظهار الا بدليل
231

معين ولم يوجد الا ان أبا يوسف يقول يحمل على تحريم اليمين لأن الظاهر أنه أراد بهذا التشبيه في التحريم وذلك
يحتمل تحريم الطلاق وتحريم اليمين الا ان تحريم اليمين أدنى فيحمل عليه والجواب انا لا نسلم انه أراد به التشبيه في
التحريم بل هو محتمل يحتمل الحرمة وغيرها فلا يتغير التحريم من غير دليل مع ما ان معنى الكرامة والمنزلة أدنى فيحمل
مطلق التشبيه عليه وما ذكره محمد ان الله تعالى ذكر الأمهات لا ظهورهن قلنا هذا لا يدل على أن التشبيه بالأم ظهار
حقيقة لأنه لو كان حقيقة لقال ما هن كأمهاتهم لأنه أثبت الأمومية لها ولو قال أنت على حرام كأمي حمل على نيته
لأنه إذا ذكر مع التشبيه التحريم لم يحتمل معنى الكرامة فتعين التحريم ثم هو يحتمل تحريم الظهار ويحتمل
تحريم الطلاق والايلاء فيرجع إلى نيته فإن لم يكن له نية يكون ظهارا لان حرف التشبيه يختص بالظهار فمطلق التحريم
يحمل عليه ولو قال أنت على حرام كظهر أمي فان نوى الظهار أو لا نية له أصلا فهو ظهار وان نوى الطلاق لم يكن
الا ظهارا في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يكون طلاقا روى عن أبي يوسف أنه يكون ظهارا وطلاقا معا
وجه قولهما ان قوله أنت على حرام يحتمل الطلاق كما يحتمل الظهار فإذا نوى به الطلاق فقد نوى ما يحتمله لفظه
فصحت نيته وأبو حنيفة يقول لما قال بعد قوله حرام كظهر أمي فقد فسر التحريم بتحريم الظهار فزال الاحتمال فكان
صريحا في الظهار فلا تعمل فيه النية وما روى عن أبي يوسف غير سديد لأنه حمل اللفظ الواحد على معنيين واللفظ
الواحد لا ينتظم معنيين مختلفين ولو قال أنت على كالميتة أو كالدم أو كالخمر أو كلحم الخنزير يرجع إلى نيته ان نوى
الطلاق كان طلاقا وان نوى التحريم أو لا نية له يمينا ويصير موليا وان قال عنيت به الكذب لم يكن شيئا ولا
يصدق في نفى اليمين في القضاء وقد ذكرنا هذه المسألة في كتاب الطلاق في فصل الايلاء
(فصل) وأما الذي يرجع إلى المظاهر منه فمنها أن تكون زوجته وهي أن تكون مملوكة له بملك النكاح فلا يصح
الظهار من الأجنبية لعدم الملك ويصح ظهار زوجته تنجيزا وتعليقا وإضافة إلى وقت بان قال لها أنت على كظهر أمي
إلى رأس شهر كذا لقيام الملك وتعليقا في الملك بان قال لها ان دخلت الدار أو ان كلمت فلانا فأنت على كظهر أمي لوجود
الملك وقت اليمين وأما تعليقه بالملك وهو اضافته إلى سبب الملك فصحيح عندنا خلافا للشافعي بان قال لأجنبية ان
تزوجتك فأنت على كظهر أمي حتى لو تزوجها صار مظاهرا عندنا لوجود الإضافة إلى سبب الملك وعنده لا يصح لعدم
الملك للحال ولو قال لأجنبية ان دخلت الدار فأنت على كظهر أمي لا يقع الظهار حتى لو تزوجها فدخلت الدار لا يصير
مظاهرا بالاجماع لعدم الملك والإضافة إلى سبب الملك وعلى هذا يخرج الظهار من الأمة والمدبرة وأم الولد والمكاتبة
والمستسعاة على أصل أبي حنيفة انه لا يصح لعدم الزوجية ثم إنما كانت الزوجية شرطا لصحة الاظهار لان ثبوت
الحرمة بالظهار أمر ثبت تعبدا غير معقول المعنى لان قوله أنت على كظهر أمي تشبيه المرأة بالأم وانه محتمل يحل التشبيه
في الكرامة والمنزلة ويحتمل التشبيه في الحرمة ثم التشبيه في الحرمة محتمل أيضا يحتمل حرمة الظهار وهي الحرمة المؤقتة
بالكفارة ويحتمل حرمة الطلاق وحرمة اليمين وهذه الوجوه كلها في احتمال اللفظ سواء فلا يجوز تنزيله على بعض
الوجوه من غير دليل معين الا ان هذه الحرمة تثبت شرعا غير معقول فيقصر على مورد الشرع وهي الزوجية قال الله
تعالى والذين يظاهرون من نسائهم والمراد منه الزوجات كما في قوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم وقوله تعالى وأمهات
نسائكم وقوله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ونحو ذلك وسواء كانت الزوجة حرة أو أمة قنة أو
مدبرة وأم ولد أو ولد أم ولد أو مكاتبة أو مستسعاة على أصل أبي حنيفة لعموم قوله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم
ومنها قيام ملك النكاح من كل وجه فلا يصح الظهار من المطلقة ثلاثا ولا المبانة والمختلعة وإن كانت في العدة بخلاف
الطلاق لان المختلعة والمبانة يلحقهما صريح الطلاق لان الظهار تحريم وقد ثبتت الحرمة بالإبانة والخلع وتحريم المحرم
محال ولأنه لا يفيد لان الثاني لا يفيد الا ما أفاده الأول فيكون عبثا لخلوه عن العاقبة الحميدة بخلاف الطلاق ولان
الطلاق إزالة حل المحلية وانه قائم بعد الإبانة فلم يكن اثبات الثابت فلم يكن مستحيلا وكذا الثاني يفيد غير ما أفاده
232

الأول وهو نقصان العدد فهو الفرق بين الفصلين وكذا إذا علق الطلاق بشرط ثم أبانها قبل وجود الشرط ثم وجد
الشرط وهي في العدة انه لا ينزل الظهار بخلاف ما إذا علق الإبانة بشرط فنجز الإبانة ثم وجد الشرط وهي في العدة انه
يلحقها البائن المعلق لما ذكرنا ان الظهار تحريم والمبانة محرمة فلو لحقها الظهار بيمين كان قبل الإبانة لكان تحريم المحرم
وهو مستحيل ثم هو غير مفيد فاستوى فيه الظهار المبتدأ والمعلق بشرط بخلاف البينونة المعلقة بشرط لان ثبوتها بعد
تنجيز الإبانة غير مستحيل وهو مفيد أيضا وهو نقصان العدد والله عز وجل الموفق ومنها أن يكون الظهار مضافا إلى
بدن الزوجة أو إلى عضو منها جامع أو شائع وهذا عندنا وعند الشافعي ليس بشرط وتصح الإضافة إليها أو إلى كل عضو
منها وعلى هذا يخرج ما إذا قال لها رأسك على كظهر أمي أو وجهك أو رقبتك أو فرجك انه يصير مظاهرا لأن هذه
الأعضاء يعبر بها عن جميع البدن فكانت الإضافة إليها إضافة إلى جميع البدن وكذا إذا قال لها ثلثك على كظهر أمي
أو ربعك أو نصفك ونحو ذلك من الاجزاء الشائعة ولو قال يدك أو رجلك أو أصبعك لا يصير مظاهرا عندنا خلافا
للشافعي واختلف مشايخنا في الظهر والبطن وهذه الجملة قد مرت في كتاب الطلاق
(فصل) وأما الذي يرجع إلى المظاهر به فمنها أن يكون من جنس النساء حتى لو قال لها أنت على كظهر أبى أو ابني
لا يصح لان الظهار عرفا موجبا بالشرع والشرع إنما ورد بها فيما إذا كان المظاهر به امرأة منها أن يكون عضوا لا يحل
له النظر إليه من الظهر والبطن والفخذ والفرج حتى لو شبهها برأس أمه أو بوجهها أو يدها أو رجلها لا يصير مظاهرا لأن هذه
الأعضاء من أمه يحل له النظر إليها ومنها أن تكون هذه الأعضاء من امرأة يحرم نكاحها عليه على التأبيد سواء
حرمت عليه بالرحم كالأم والبنت والأخت وبنت الأخ والأخت والعمة والخالة أو بالرضاع أو بالصهرية كامرأة
أبيه وحليلة ابنه لأنه يحرم عليه نكاحهن على التأييد وكذا أم امرأته سواء كانت امرأته مدخولا بها أو غير مدخول بها
لان نفس العقد على البنت محرم للام فكانت محرمة عليه على التأبيد وأما بنت امرأته فإن كانت امرأته مدخولا
بها فكذلك لأنه إذا دخل بها فقد حرمت عليه ابنتها على التأبيد وإن كانت غير مدخول بها لا يصير مظاهرا لعدم
الحرمة على التأبيد ولو شبهها بظهر امرأة زنى بها أبوه أو ابنه قال أبو يوسف هو مظاهر وقال محمد ليس بمظاهر بناء
على أن قاضيا لو قضى بجواز نكاح امرأة زنى بها أبوه أو ابنه لا ينفذ قضاؤه عند أبي يوسف حتى لو رفع قضاؤه إلى قاض
آخر أبطله فكانت محرمة النكاح على التأبيد وعند محمد ينفذ قضاؤه وليس للقاضي الثاني ان يبطله إذا رفع إليه فلم
تكن محرمة على التأبيد (وجه) قول أبى يوسف ان حرمة نكاح موطوءة الأب منصوص عليها قال الله تعالى
ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء لان النكاح في اللغة الضم وحقيقة الضم في الوطئ فلم يكن هذا محل الاجتهاد
إذ الاجتهاد المخالف للنصوص باطل فالقضاء بالجواز يكون مخالفا للنص فكان باطلا بخلاف ما إذا شبهها بامرأة قد
فرق بينه وبينها باللعان انه لا يكون مظاهرا وإن كان لا يجوز له نكاحها عندي لأنه لو حكم حاكم بجواز نكاحها جاز لان
حرمة نكاحها غير منصوص عليه فلم تكن محرمة على التأبيد وجه قول محمد أن جواز نكاح هذه المرأة مجتهد فيه
ظاهر الاجتهاد وانه جائز عند الشافعي وقد ظهر الاختلاف فيه في السلف فكان محل الاجتهاد وظاهر النص محتمل
التأويل فكان للاجتهاد فيه مساغا وللرأي مجالا ولو شبهها بظهر امرأة هي أم المزني بها أو بنت المزني بها لم يكن مظاهرا
لان هذا فصل مجتهد فيه ظاهر الاجتهاد في السلف فلم تكن المرأة المظاهر بها محرمة على التأبيد ولو قبل أجنبية بشهوة
أو نظر إلى فرجها بشهوة ثم شبه زوجته بابنتها لم يكن مظاهرا عند أبي حنيفة قال ولا يشبه هذا الوطئ الوطئ أبين
وأظهر عنى بذلك أنه لو شبه زوجته ببنت موطوءته فلا يصير مظاهرا فهذا أولى لان التقبيل واللمس والنظر إلى
الفرج سبب مفض إلى الوطئ فكان دون حقيقة الوطئ فلما لم يصر مظاهرا بذلك فبهذا أولى وعند أبي يوسف
يكون مظاهرا لان الحرمة بالنظر منصوص عليها قال النبي صلى الله عليه وسلم من كشف خمار امرأة أو نظر إلى
فرجها حرمت عليه أمها وابنتها وعلى هذا يخرج ما إذا شبهها بامرأة محرمة عليه في الحال وهي ممن تحل له في حال
233

أخرى كأخت امرأته أو امرأة لها زوج أو مجوسية أو مرتدة أنه لا يكون مظاهرا لأنها غير محرمة على التأبيد
والله أعلم
(فصل) وأما حكم الظهار فللظهار أحكام منها حرمة الوطئ قبل التكفير لقوله عز وجل والذين يظاهرون من
نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا أي فليحرروا كما في قوله سبحانه وتعالى والوالدات يرضعن
أولادهن أي ليرضعن وقوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن أي ليتربصن أمر المظاهر بتحرير رقبة قبل المسيس
فلو لم يحرم الوطئ قبل المسيس لم يكن للامر بتقديم التحرير قبل المسيس معنى وهو كقوله عز وجل يا أيها الذين آمنوا إذا
ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة وانه يدل على حرمة النجوى قبل الصدقة إذ لو لم يحرم لم يكن للامر
بتقديم الصدقة على النجوى معنى فكذا هذا وروى أن مسلمة بن صخر البياضي ظاهر من امرأته ثم أبصرها في ليلة
قمراء وعليها خلخال فضة فأعجبته فوطئها فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم استغفر الله ولا تعد حتى تكفر أمره صلى الله عليه وسلم بالاستغفار والاستغفار إنما يكون عن الذنب
فدل على حرمة الوطئ وكذا نهى المظاهر عن العود إلى الجماع ومطلق النهى للتحريم فيدل على حرمة الجماع قبل
الكفارة وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إذا قال أنت على كظهر أمي لم تحل له حتى يكفر ومنها حرمة
الاستمتاع بها من المباشرة والتقبيل واللمس عن شهوة والنظر إلى فرجها عن شهوة قبل أن يكفر لقوله عز وجل من
قبل أن يتماسا وأخف ما يقع عليه اسم المس هو اللمس باليد إذ هو حقيقة لهما جميعا أعني الجماع واللمس باليد لوجود
معنى المس باليد فيهما ولان الاستمتاع داع إلى الجماع فإذا حرم الجماع حرم الداعي إليه إذ لو لم يحرم لأدى إلى
التناقض ولهذا حرم في الاستبراء وفي الاحرام بخلاف باب الحيض والنفاس لان الاستمتاع هناك لا يفضى إلى
الجماع لوجود المانع وهو استعمال الأذى فامتنع عمل الداعي للتعارض فلا يفضى إلى الجماع ولأن هذه الحرمة إنما
حصلت بتشبيه امرأته بأمه فكانت قبل انتهائها بالتكفير وحرمة الام سواء وتلك الحرمة تمنع من الاستمتاع كذا
هذه ولان الظهار كان طلاق القوم في الجاهلية فنقله الشرع من تحريم المحل إلى تحريم الفعل فكانت حرمة الفعل في
المظاهر منها مع بقاء النكاح كحرمة الفعل في المطلقة بعد زوال النكاح وتلك الحرمة تعم البدن كله كذا هذه ولا ينبغي
للمرأة إذا طاهر منها زوجها أن تدعه يقربها بالوطئ والاستمتاع حتى يكفر لان ذلك حرام عليه والتمكين من الحرام
حرام ومنها ان للمرأة أن تطالبه بالوطئ وإذا طالبته به فعلى الحاكم أن يجبره حتى يكفر ويطأ لأنه بالتحريم بالظهار
أضر بها حيث منعها حقها في الوطئ مع قيام الملك فكان لها المطالبة بإيفاء حقها ودفع التضرر عنها وفي وسعه ايفاء
حقها بإزالة الحرمة بالكفارة فيجب عليه ذلك ويجبر عليه لو امتنع ويستوى في هذه الأحكام جميع أنواع الكفارات
كلها من الاعتاق والصيام والطعام أعني كما أنه لا يباح له وطؤها والاستمتاع بها قبل التحرير والصوم لا يباح له قبل
الاطعام وهذا قول عامة العلماء وقال مالك إن كانت كفارته الاطعام جاز له أن يطأها قبله لان الله تعالى ما شرط
تقديم هذا النوع على المسيس في كتابه الكريم ألا ترى انه لم يذكر فيه من قبل أن يتماسا وإنما شرط سبحانه
وتعالى في النوعين الأولين فقط فيقتصر الشرط على الموضع المذكور ولنا انه لو أبيح له الوطئ قبل الاطعام فيطؤها
ومن الجائز انه يقدر على الاعتاق والصيام في خلال الاطعام فتنتقل كفارته إليه فتبين ان وطأه كان حراما فيجب
صيانته عن الحرام بايجاب تقديم الاطعام احتياطا وعلى هذا يخرج ما إذا ظاهر الرجل من أربع نسوة له ان عليه
أربع كفارات سواء ظاهر منهن بأقوال مختلفة أو بقول واحد وقال الشافعي إذا ظاهر بكلمة واحدة فعليه كفارة
واحدة وجه قوله إن الظهار أحد نوعي التحريم فيعتبر بالنوع الآخر وهو الايلاء وهناك لا يجب الا كفارة واحدة
بان قال لنسائه الأربع والله لا أقربكن فقربهن فكذا ههنا (ولنا) الفرق بين الظهار وبين الايلاء وهو ان الظهار
وإن كان بكلمة واحدة فإنها تتناول كل واحدة منهن على حيالها فصار مظاهرا من كل واحدة منهن والظهار تحريم
234

لا يرتفع الا بالكفارة فإذا تعدد التحريم تتعد الكفارة بخلاف الايلاء لان الكفارة ثمة تجب لحرمة اسم الله تعالى
جبرا لهتكه والاسم اسم واحد فلا تجب الا كفارة واحدة وكذا إذا ظاهر من امرأة واحدة بأربعة أقوال يلزمه
أربع كفارات لأنه أتى بأربع تحريمات ولو ظاهر من امرأة واحدة في مجلس واحد ثلاثا أو أربعا فإن لم يكن له نية
فعليه لكل ظهار كفارة لان كل ظهار يوجب تحريما لا يرتفع الا بالكفارة فان قيل إنها إذا حرمت بالظهار الأول
فكيف تحرم بالثاني وانه اثبات الثابت وانه محال ثم هو غير مفيد فالجواب أن الثاني إن كان لا يفيد تحريما جديدا فإنه
يفيد تأكيد الأول فلئن تعذر اظهاره في التحريم أمكن اظهاره في التكفير فكان مفيدا فائدة التكفير وان نوى به
الظهار الأول فعليه كفارة واحدة لان صيغته الخبر وقد يكرر الانسان اللفظ على إرادة التغليظ والتشديد دون
التجديد والظهار لا يوجب نقصان العدد في الطلاق لأنه ليس بطلاق ولا يوجب البينونة وان طالت المدة لأنه
لا يوجب زوال الملك وإنما يحرم الوطئ قبل التكفير مع قيام الملك وان جامعها قبل أن يكفر لا يلزمه كفارة
أخرى وإنما عليه التوبة والاستغفار ولا يجوز له أن يعود حتى يكفر لما روينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لذلك الرجل الذي ظاهر من امرأته فواقعها قبل أن يكفر استغفر الله ولا تعد حتى تكفر فأمره صلى الله
عليه وسلم بالاستغفار لما فعل لا بالكفارة ونهاه صلى الله عليه وسلم عن العود إليه الا بتقديم الكفارة عليه
والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما بيان ما ينتهى به حكم الظهار أو يبطل فحكم الظهار ينتهى بموت أحد الزوجين لبطلان محل حكم
الظهار ولا يتصور بقاء الشئ في غير محله وينتهى بالكفارة بالوقت إن كان موقتا وبيان ذلك ان الظهار لا يخلو اما إن كان
مطلقا واما إن كان موقتا فالمطلق كقوله أنت على كظهر أمي وحكمه لا ينتهى الا بالكفارة لقوله صلى الله عليه
وسلم لذلك المظاهر استغفر الله ولا تعد حتى تكفر نهاه عن الجماع ومد النهى إلى غاية التكفير فيمتد إليها ولا يبطل
ببطلان ملك النكاح ولا ببطلان حل المحلية حتى لو ظاهر منها ثم طلقها طلاقا بائنا ثم تزوجها لا يحل له وطؤها
والاستمتاع بها حتى يكفر وكذا إذا كانت زوجته أمة فظاهر منها ثم اشتراها حتى بطل النكاح بملك اليمين وكذا لو
كانت حرة فارتدت عن الاسلام ولحقت بدار الحرب فسبيت ثم اشتراها وكذا إذا ظاهر منها ثم ارتدت عن
الاسلام في قول أبي حنيفة واختلفت الرواية عن أبي يوسف على ما ذكرنا في الايلاء وكذا إذا طلقها ثلاثا فتزوجت
بزوج آخر ثم عادت إلى الأول لا يحل له وطؤها بدون تقديم الكفارة عليه لان الظهار قد انعقد موجبا حكمه وهو
الحرمة والأصل أن التصرف الشرعي إذا انعقد مفيد الحكمة وفي بقائه احتمال الفائدة أو وهم الفائدة يبقى لفائدة
محتملة أو موهومة أصله الإباق الطارئ على البيع واحتمال العود ههنا قائم فيبقى وإذا بقي يبقى على ما انعقد عليه وهو
ثبوت حرمة لا ترتفع الا بالكفارة وإن كان موقتا بأن كان قال لها أنت على كظهر أمي يوما أو شهرا أو سنة صح
التوقيت وينتهى بانتهاء الوقت بدون الكفارة عند عامة العلماء وهو أحد قولي الشافعي وفي قوله الاخر وهو قول مالك
يبطل التأقيت ويتأبد الظهار وجه قوله أن الظهار أخو الطلاق إذ هو أحد نوعي التحريم ثم تحريم الطلاق لا يحتمل
التأقيت كذا تحريم الظهار ولنا أن تحريم الظهار أشبه بتحريم اليمين من الطلاق لان الظهار تحله الكفارة كاليمين
يحله الحنث ثم اليمين تتوقت كذا الظهار بخلاف الطلاق لأنه لا يحله شئ فلا يتوقت والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما بيان كفارة الظهار فالكلام فيه يقع في مواضع في تفسير كفارة الظهار وفي بيان سبب وجوبها وفي بيان
شرط وجوبها وفي بيان شرط جوازها أما تفسيرها فما ذكره الله عز وجل في كتابه العزيز من أحد الأنواع الثلاثة
لكن على الترتيب الاعتاق ثم الصيام ثم الاطعام وأما سبب وجوب الكفارة فلا خلاف في أن الكفارة لا تجب الا
بعد وجود العود والظهار لقوله عز وجل والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا
غير أنه اختلف في العود قال أصحاب الظواهر هو أن يكون لفظ الظهار وقال الشافعي هو امساك المرأة على النكاح بعد
235

الظهار وهو ان يسكت عن طلاقها عقيب الظهار مقدار ما يمكنه طلاقها فيه فإذا أمسكها على النكاح عقيب الظهار مقدار
ما يمكنه طلاقها فيه فلم يطلقها فقد وجبت عليه الكفارة على وجه لا يحتمل السقوط بعد ذلك سواء غابت أو ماتت
وإذا غاب فسواء طلقها أو لم يطلقها راجعها أو لم يراجعها ولو طلقها عقيب الظهار بلا فصل يبطل الظهار فلا تجب
الكفارة لعدم امساك المرأة عقيب الظهار وقال أصحابنا العود هو العزم على وطئها عزما مؤكدا حتى لو عزم ثم بدا له في
أن لا يطأها لا كفارة عليه لعدم العزم المؤكد لا أنه وجبت الكفارة بنفس العزم ثم سقطت كما قال بعضهم لان
الكفارة بعد سقوطها لا تعود الا بسبب جديد وجه قول أصحاب الظواهر التمسك بظاهر لفظة العود لان العود في
القول عبارة عن تكراره قال الله تعالى ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه فكان معنى قوله ثم يعودون
لما قالوا أي يرجعون إلى القول الأول فيكررونه وجه قول الشافعي أن قوله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم ثم
يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل يقتضى وجوب الكفارة بعد العود وذلك فيما قلنا لا فيما قلتم لان عندكم
لا تجب الكفارة وإنما يحرم الوطئ إلى أن يؤدى الكفارة فترتفع الحرمة وهذا خلاف النص ولنا أن قول القائل
قال فلان كذا ثم عاد قال في اللغة يحتمل أن يكون معناه عاد إلى ما قال وفيما قال أي كرره ويحتمل أن يكون معناه
عاد لنقض ما قال فإنه حكى أن اعرابيا تكلم بين يدي الأصمعي بأنه كان يبنى بناء ثم يعود له فقال له الأصمعي ما أردت
بقولك أعود له فقال أنقضه ولا يمكن حمله على الأول وهو التكرار لان القول لا يحتمل التكرار لان التكرار إعادة عين
الأول ولا يتصور ذلك في الاعراض لكونها مستحيلة البقاء فلا يتصور اعادتها وكذا النبي صلى الله عليه وسلم
لما أمر أويسا بالكفارة لم يسأله أنه هل كرر الظهار أم لا ولو كان ذلك شرط لسأله إذ الموضع موضع الاشكال وكذا
الظهار الذي كان متعارفا بين أهل الجاهلية لم يكن فيه تكرار القول وإذا تعذر حمله على الوجه الأول يحمل على
الثاني وهو العود لنقض ما قالوا وفسخه فكان معناه ثم يرجعون عما قالوا وذلك بالعزم على الوطئ لان ما قاله المظاهر
هو تحريم الوطئ فكان العود لنقضه وفسخ استباحة الوطئ وبهذا تبين فساد تأويل الشافعي العود بامساك المرأة
واستبقاء النكاح لان امساك المرأة لا يعرف عودا في اللغة ولا امساك في شئ من الأشياء يتكلم فيه بالعود ولان
الظاهر ليس يرفع النكاح حتى يكون العود لما قال استبقاء للنكاح فبطل تأويل العود بالامساك على النكاح والدليل على
بطلان هذا التأويل ان الله تعالى قال ثم يعودون لما قالوا وثم للتراخي فمن جعل العود عبارة عن استبقاء النكاح
وامساك المرأة عليه فقد جعله عائدا عقيب القول بلا تراخى وهذا خلاف النص أما قوله إن النص يقتضى وجوب
الكفارة وعندكم لا تجب الكفارة فليس كذلك بل عندنا تجب الكفارة إذا عزم على الوطئ كأنه قال تعالى
إذا عزمت على الوطئ فكفر قبله كما قال سبحانه وتعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وقوله سبحانه إذا ناجيتم
الرسول فقدموا ونحو ذلك واختلف أيضا في سبب وجوب هذه الكفارة قال بعضهم انها تجب بالظهار والعود جميعا
لان الله تعالى علقها بهما بقوله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة وقال بعضهم سبب
الوجوب هو الظهار والعود شرط لان الظهار ذنب ألا ترى أن الله تعالى جعله منكرا من القول وزورا والحاجة إلى رفع
الذنب والزجر عنه في المستقبل ثابتة فتجب الكفارة لأنها رافعة للذنب وزاجرة عنه والدليل عليه أنه تضاف الكفارة
إلى الظهار لا إلى العود يقال كفارة الظهار والأصل أن الأحكام تضاف إلى أسبابها لا إلى شروطها وقال بعضهم سبب
الوجوب هو العود والظهار شرط لان الكفارة عبادة والظهار محظور محض فلا يصلح سببا لوجوب العبادة وقال
بعضهم كل واحد منهما شرط وسبب الوجوب أمر ثالث هو كون الكفارة طريقا متعينا لايفاء الواجب وكونه قادرا
على الايفاء لان ايفاء حقها في الوطئ واجب ويجب عليه في الحكم إن كانت بكرا أو ثيبا ولم يطأها مرة وإن كانت ثيبا
وقد وطئها مرة لا يجب فيما بينه وبين الله تعالى اتصال ذلك أيضا لايفاء حقها وعند بعض أصحابنا يجب في الحكم أيضا
حتى يجبر عليه ولا يمكنه ايفاء الواجب الا برفع الحرمة ولا ترتفع الحرمة الا بالكفارة فتلزمه الكفارة ضرورة ايفاء
236

الواجب على الأصل المعهود أن ايجاب الشئ ايجاب له ولما لا يتوصل إليه الا به كالأمر بإقامة الصلاة يكون أمرا
بالطهارة ونحو ذلك والله أعلم (وأما) شرط وجوبها فالقدرة على أدائها لاستحالة وجوب الفعل بدون القدرة عليه
فلا يجب على غير القادر وكذا العود أو الظهار أو كلاهما على حسب اختلاف المشايخ فيه على ما مر وأما شرط جوازها
فلجواز هذه الكفارة من الأنواع الثلاثة أعني الاعتاق والصيام والاطعام شرائط نذكرها في كتاب الكفارات إن شاء الله
تعالى والله عز وجل أعلم
(كتاب اللعان)
الكلام في اللعان يقع في مواضع في بيان صورة اللعان وكيفيته وفي بيان صفة اللعان وفي بيان سبب وجوبه وفي بيان
شرائط الوجوب والجواز وفي بيان ما يظهر به سبب الوجوب عند القاضي وفي بيان معنى اللعان وماهيته شرعا وفي
بيان حكم اللعان وفي بيان ما يسقط اللعان بعد وجوبه وفي بيان حكمه إذا سقط أو لم يجب أصلا مع وجود القذف
(أما) صورة اللعان وكيفيته فالقذف لا يخلو اما أن يكون بالزنا أو بنفي الولد فإن كان بالزنا فينبغي للقاضي أن يقيمهما
بين يديه متماثلين فيأمر الزوج أولا أن يقول أربع مرات أشهد بالله انى لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا ويقول
في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا ثم يأمر المرأة أن تقول أربع مرات أشهد بالله انه لمن
الكاذبين فيما رماني به من الزنا وتقول في الخامسة غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا هكذا ذكر
في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يحتاج إلى لفظ المواجهة فيقول الزوج فيما رميتك به من الزنا وتقول
المرأة فيما رميتني به من الزنا وهو قول زفر ووجه أن خطاب المعاينة فيه احتمال لأنه يحتملها ويحتمل غيرها ولا احتمال
في خطاب المواجهة فالاتيان بلفظ لا احتمال فيه أولى والجواب أنه لما قال أشهد بالله انى لمن الصادقين فيما رميتها
به من الزنا وأشار إليها فقد زال الاحتمال لتعيينها بالإشارة فكان لفظ المواجهة والمعاينة فيه سواء وإن كان اللعان
بنفي الولد فقد ذكر الكرخي أن الزوج يقول في كل مرة فيما رميتك به من نفى ولدك وتقول المرأة فيما رميتني به من نفى
ولدى وذكر الطحاوي ان الزوج يقول في كل مرة فيما رميتها به من الزنا في نفي ولدها وتقول المرأة فيما رماني به من الزنا
في نفى ولده وروى هشام عن محمد أنه قال إذا لا عن الرجل بولد فقال في اللعان أشهد بالله انى لمن الصادقين فيما رميتها
به من الزنا في نفى ولدها بأن هذا الولد ليس منى وتقول المرأة أشهد بالله انك لمن الكاذبين فيما رميتني به من الزنا
بأن هذا الولد ليس منك وذكر ابن سماعة عن محمد في نوادره أنه قال إذا نفى الولد يشهد بالله الذي لا إله إلا هو انه لصادق
فيما رماها به من الزنا ونفى هذا الولد قال القدوري وهذا ليس باختلاف رواية وإنما هو اختلاف حال القذف
فإن كان القذف من الزوج بقوله هذا الولد ليس منى يكتفى في اللعان أن يقول فيما رميتك به من نفى الولد لأنه ما قذفها
الا بنفي الولد وإن كان القذف بالزنا ونفى الولد لابد من ذكر الامرين لأنه قذفها بالامرين جميعا وإنما بدئ بالرجل
لقوله سبحانه وتعالى والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء الا أنفسهم فشهادة أحدهم والفاء للتعقيب فيقتضى
أن يكون لعان الزوج عقيب القذف فيقع لعان المرأة بعد لعانه وكذا روى أنه لما نزلت آية اللعان وأراد رسول الله صلى
الله عليه وسلم ان يجرى اللعان على ذينك الزوجين بدأ بلعان الرجل وهو قدوة لان لعان الزوج وجب حقا لها
لان الزوج ألحق بها العار بالقذف فهي بمطالبتها إياه باللعان تدفع العار عن نفسها ودفع العار عن نفسها حقها وصاحب
الحق إذا طالب من عليه الحق بإيفاء حقه لا يجوز له التأخير كمن عليه الدين فان أخطأ الحاكم فبدأ بالمرأة ثم بالرجل ينبغي
له ان يعيد اللعان على المرأة لان اللعان شهادة والمرأة بشهادتها تقدح في شهادة الزوج فلا يصح قبل وجود شهادته
ولهذا في باب الدعاوى يبدأ بشهادة المدعى ثم بشهادة المدعى عليه بطريق الدفع له كذا ههنا فإن لم يعد لعانها حتى فرق
بينهما نفذت الفرقة لان تفريقه صادف محل الاجتهاد لأنه يزعم أن اللعان ليس بشهادة بل هو يمين ويجوز تقديم
237

احدى اليمينين على الأخرى كتحالف المتداعيين انه لا يلزم مراعاة الترتيب فيه بل يجوز تقديم أحدهما أيهما
كان فكان تفريقه في موضع الاجتهاد فنفذ والقيام ليس بشرط كذا روى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال لا يضره قائما
لاعن أو قاعدا لان اللعان اما ان يعتبر فيه معنى الشهادة واما ان يعتبر فيه معنى اليمين أو يعتبر فيه المعنيان جميعا والقيام
ليس بلازم فيهما الا انه يندب إليه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب عاصما وامرأته إليه فقال يا عاصم قم فاشهد
بالله وقال لامرأته قومي فاشهدي بالله ولان اللعان من جانبه قائم مقام حد القذف ومن جانبها قائم مقام حد الزنا والسنة
في الحدود اقامتها على الاشهاد والاعلان والقيام أقرب إلى ذلك والله الموفق
(فصل) وأما صفة اللعان فله صفات منها انه واجب عندنا وقال الشافعي ليس بواجب إنما الواجب على
الزوج بقذفها هو الحد الا ان له ان يخلص نفسه عنه بالبينة أو باللعان والواجب على المرأة إذا لاعن الزوج هو حد الزنا
ولها أن تخلص نفسها عنه باللعان حتى أن للمرأة أن تخاصمه إلى الحاكم وتطالبه باللعان عندنا وإذا طالبته يجبره عليه ولو
امتنع يحبس لامتناعه عن الواجب عليه كالممتنع من قضاء الدين فيحبس حتى يلاعن أو يكذب نفسه وعنده ليس لها
ولاية المطالبة باللعان ولا يجبر عليه ولا يحسب إذا امتنع بل يقام عليه الحد وكذا إذا التعن الرجل تجبر المرأة على اللعان
ولو امتنعت تحبس حتى تلاعن أو تقر بالزنا عندنا وعنده لا تجبر ولا تحبس بل يقام عليها الحد احتج الشافعي بقوله
عز وجل والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة أوجب سبحانه وتعالى الجلد
على القاذف من غير فصل بين الزوج وغيره الا ان القاذف إذا كان زوجا له ان يدفع الحد عن نفسه بالبينة إن كانت له
بينة وان لم تكن له بينة يدفعه باللعان فكان اللعان مخلصا له عن الحد وقوله تعالى ويدرأ عنها العذاب ان تشهد أربع
شهادات بالله جعل سبحانه وتعالى لعانها دفعا لحد الزنا عنها إذ الدرء هو الدفع لغة فدل ان الحد وجب عليها بلعانه
ثم تدفعه بلعانها ولان بلعانه يظهر صدقه في القذف لأن الظاهر أنه لا يلاعن الا وأن يكون صادقا في قذفه فيجب عليها
الحد الا ان لها ان تخلص نفسها عنه باللعان لأنها إذا لاعنت وقع التعارض فلا يظهر صدق الزوج في القذف فلا
يقام عليها الحد ولنا قوله تعالى والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء الا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات
بالله أي فليشهد أحدهم أربع شهادات بالله جعل سبحانه وتعالى موجب قذف الزوجات اللعان فمن أوجب الحد
فقد خالف النص ولان الحد إنما يجب لظهور كذبه في القذف وبالامتناع من اللعان لا يظهر كذبه إذ ليس كل من امتنع
من الشهادة أو اليمين يظهر كذبه فيه بل يحتمل انه امتنع منه صونا لنفسه عن اللعن والغضب والحد لا يجب مع الشبهة
فكيف يجب مع الاحتمال ولان الاحتمال من اليمين بدل وإباحة والإباحة لا تجرى في الحدود فان من أباح للحاكم ان
يقيم عليه الحد لا يجوز له أن يقيم وأما آية القذف فقد قيل إن موجب القذف في الابتداء كان هو الحد في الأجنبيات
والزوجات جميعا ثم نسخ في الزوجات وجعل موجب قذفهن اللعان بآية اللعان والدليل عليه ما روى عن عبد الله بن
مسعود أنه قال كنا جلوسا في المسجد ليلة الجمعة فجاء رجل من الأنصار فقال يا رسول الله أرأيتم الرجل يجد مع امرأته
رجلا فان قتله قتلتموه وان تكلم به جلدتموه وان أمسك أمسك على غيظ ثم جعل يقول اللهم افتح فنزلت آية اللعان دل
قوله وان تكلم به جلدتموه على أن موجب قذف الزوجة كان الحد قبل نزول آية اللعان ثم نسخ في الزوجات بآية اللعان
فينسخ الخاص المتأخر العام المتقدم بقدره هكذا هو مذهب عامة مشايخنا وعند الشافعي يبنى العام على الخاص
ويتبين ان المراد من العام ما وراء قدر الخاص سواء كان الخاص سابقا أو لاحقا وسواء علم التاريخ وبينهما زمان
يصلح للنسخ أو لا يصلح أو جهل التاريخ بينهما فلم تكن الزوجات داخلات تحت آية القذف على قوله فكيف
يصح احتجاجه بها وأما قوله تعالى ويدرأوا عنها العذاب فلا حجة له فيه لان دفع العذاب يقتضى توجه العذاب
لا وجوبه لأنه حينئذ يكون رفعا لا دفعا على أنه يحتمل أن يكون المراد من العذاب هو الحبس إذ الحبس يسمى عذابا
قال الله تعالى في قصة الهدهد لأعذبنه عذابا شديدا قيل في التفسير لأحبسنه وهذا لان العذاب ينبئ عن معنى المنع
238

في اللغة يقال أعذب أي منع وأعذب أي امتنع يستعمل لازما ومتعديا ومعنى المنع يوجد في الحبس وهذا هو
مذهبنا انها إذا امتنعت من اللعان تحبس حتى تلاعن أو تقر بالزنا فيدرأ عنها العذاب وهو الحبس باللعان فاذن قلنا
بموجب الآية الكريمة ومنها انه لا يحتمل العفو والابراء والصلح لأنه في جانب الزوج قائم مقام حد القذف وفي جانبها
قائم مقام حد الزنا وكل واحد منهما لا يحتمل العفو والابراء والصلح لما نذكر إن شاء الله تعالى في الحدود وكذا لو عفت
عنه قبل المرافعة أو صالحته على مال لم يصح وعليها رد بدل الصلح ولها أن تطالبه باللعان بعد ذلك كما في قذف الأجنبي
ومنها ان لا تجرى فيه النيابة حتى لو وكل أحد الزوجين باللعان لا يصح التوكيل لما ذكرنا انه بمنزلة الحد فلا يحتمل النيابة
كسائر الحدود ولأنه شهادة أو يمين وكل واحد منهما لا يحتمل النيابة فاما التوكيل باثبات القدف بالبينة فجائز عند أبي
حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يجوز ونذكر المسألة في كتاب الوكالة إن شاء الله تعالى
(فصل) وأما بيان سبب وجوب اللعان فسبب وجوبه القذف بالزنا وانه نوعان أحدهما بغير نفى الولد والثاني بنفي
الولد أما الذي بغير نفى الولد فهو أن يقول لامرأته يا زانية أو زنيت أو رأيتك تزنين ولو قال لها جومعت جماعا حراما
أو وطئت وطأ حرام فلا لعان ولا حد لعدم القذف بالزنا ولو قذفها بعمل قوم لوط فلا لعان ولا حد في قول أبي حنيفة
وعند أبي يوسف ومحمد يجب اللعان بناء على أن هذا الفعل ليس بزنا عنده فلم يوجب القذف بالزنا وعندهما هو زنا
والمسألة تأتى في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى ولو كان له أربع نسوة فقذفهن جميعا بالزنا في كلام واحد أو قذف
كل واحدة بالزنا بكلام على حدة فإن كان الزوج وهن من أهل اللعان يلاعن في كل قذف مع كل واحدة على حدة
لوجود سبب وجوب اللعان في حق كل واحدة منهن وهو القذف بالزنا وان لم يكن الزوج من أهل اللعان يحد حد
القذف ويكتفى بحد واحد عن الكل لان حد القذف يتداخل ولو كان الزوج من أهل اللعان والبعض منهن ليس
من أهل اللعان يلاعن منهن من كانت من أهل اللعان لا غير ولو قال لامرأته يا زانية بنت الزانية وجب عليه اللعان
والحد لأنه قذف زوجته وقذف أمها وقذف الزوجة يوجب اللعان وقذف الأجنبية يوجد الحد ثم إنهما
إذا اجتمعا على مطالبة الحد بدئ بالحد لأجل الام لان في البداية اسقاط اللعان لأنه يصير محدودا في القذف فلم يبق
من أهل الشهادة واللعان شهادة والأصل ان الحدين إذا اجتمعا وفى البداية بأحدهما اسقاط الآخر بدئ بما فيه
اسقاط الآخر لقوله صلى الله عليه وسلم ادرؤا الحدود ما استطعتم وقد استطعنا درء الحد بهذا الطريق وان لم تطالبه
الام وطالبته المرأة يلاعن بينهما ويقام حد القذف للام بعد ذلك ان طالبته به كذا ذكر في ظاهر الرواية وذكر
الطحاوي انه لا يقام الحد للام بعد اللعان وهذا غير سديد لان المانع من إقامة اللعان في المسألة الأولى هو خروج
الزوج من أهلية اللعان لصيرورته محدودا في القذف ولم يوجد ههنا وكذلك لو كانت أمها ميتة فقال لها يا زانية
بنت الزانية كان لها المطالبة والخصومة في القذفين لوجوب اللعان والحد ثم إن خاصمته في القذفين جميعا يبدأ بالحد
فيحد للام حد القذف لما فيه من اسقاط اللعان وان لم تخاصم في قذف أمها ولكنها خاصمت في قذف نفسها يلاعن
بينهما ويحد للام لما ذكرنا وكذلك الرجل إذا قذف أجنبية بالزنا ثم تزوجها وقذفها بالزنا بعد التزوج وجب عليه
الحد واللعان لوجود سبب وجوب كل واحد منهما ثم إن خاصمته في القذفين جميعا يبدأ بحد القذف حتى يسقط اللعان
ولو لم تخاصم في حد القذف وخاصمت في اللعان يلاعن بينهما ثم إذا خاصمت في الحد يحد لما قلنا والله أعلم وأما الذي
بنفي الولد فهو أن يقول لامرأته هذا الولد من الزنا أو يقول هذا الولد ليس منى فان قيل قوله هذا الولد ليس منى لا يكون
قذفا لها بالزنا لجواز أن لا يكون ابنه بل يكون ابن غيره ولا تكون هي زانية بأن كانت وطئت بشبهة فالجواب نعم
هذا الاحتمال ثابت لكنه ساقط الاعتبار بالاجماع لان الأمة أجمعت على أنه ان نفاه عن الأب المشهور بان قال له
لست بأبيك يكون قاذفا لامه حتى يلزمه حد القذف مع وجود هذا الاحتمال ولو جاءت زوجته بولد فقال لها لم تلديه لم
يجب اللعان لعدم القذف لأنه أنكر الولادة وانكار الولادة لا يكون قذفا فان أقر بالولادة أو شهدت القابلة على
239

الولادة ثم قال بعد ذلك ليس بابنى وجب اللعان لوجود القذف ولو قال لامرأته وهي حامل ليس هذا الحمل منى لم
يجب اللعان في قول أبي حنيفة لعدم القذف بنفي الولد وقال أبو يوسف ومحمد ان جاءت بولد لأقل من ستة أشهر
من وقت القذف وجب اللعان وان جاءت به لأكثر من ستة أشهر لم يجب وجه قولهما انها إذا جاءت به لأقل من
ستة أشهر من وقت القذف فقد تيقنا بوجوده في البطن وقت القذف ولهذا لو أوصى لحمل امرأته فجاءت به لأقل من
ستة أشهر استحق الوصية وإذا تيقنا بوجوده وقت النفي كان محتملا للنفي إذ الحمل تتعلق به الأحكام فان الجارية ترد
على بائعها ويجب للمعتدة النفقة لأجل حملها فإذا نفاه يلاعن فإذا جاءت به لأكثر من ستة أشهر لم تتيقن بوجوده
عند القذف لاحتمال انه حادث ولهذا لا تستحق الوصية ولأبي حنيفة ان القذف بالحمل لو صح اما أن يصح باعتبار
الحال أو باعتبار الثاني لا وجه للأول لأنه لا يعلم وجوده للحال لجواز انه ريح لا حمل ولا سبيل إلى الثاني لأنه يصير
في معنى التعليق بالشرط كأنه قال إن كنت حاملا فأنت زانية والقذف لا يحتمل التعليق بالشرط بخلاف الرد بعيب
الحبل لأنه يمكن القول بالرد على اعتبار الحال لوجود العيب ظاهرا واحتمال الريح خلاف الظاهر فلا يورث الا شبهة
والرد بالعيب لا يمتنع بالشبهات بخلاف القذف والنفقة لا يختص وجوبها بالحمل عندنا فإنها تجب لغير الحامل ولا يقطع
نسب الحمل قبل الولادة بلا خلاف بين أصحابنا أما عند أبي حنيفة فظاهر لأنه لا يلاعن وقطع النسب من أحكام
اللعان وأما عندهما فلان الأحكام إنما تثبت للولد لا للحمل وإنما يستحق اسم الولد بالانفصال ولهذا لا يستحق
الميراث والوصية الا بعد الانفصال وعند الشافعي يلاعن ويقطع نسب الحمل واحتج بما روى أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم لاعن بين هلال بن أمية وبين امرأته وهي حامل والحق الولد بها فدل ان القذف بالحمل يوجب اللعان
وقطع نسب الحمل ولا حجة له فيه لان هلالا لم يقذفها بالحمل بل بصريح الزنا وذكر الحمل وبه نقول إن من قال لزوجته
زنيت وأنت حامل يلاعن لأنه لم يعلق القذف بالشرط وأما قطع النسب فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم من
طريق الوحي ان هناك ولدا الا ترى أنه قال صلى الله عليه وسلم ان جاءت به على صفة كذا فهو لكذا وان جاءت
به على صفة كذا فهو لكذا ولا يعلم ذلك الا بالوحي ولا طريق لنا إلى معرفة ذلك فلا ينفى الولد والله الموفق
(فصل) وأما شرائط وجوب اللعان وجوازه فأنواع بعضها يرجع إلى القاذف خاصة وبعضها يرجع إلى
المقذوف خاصة وبعضها يرجع إليهما جميعا وبعضها يرجع إلى المقذوف به وبعضها يرجع إلى المقذوف فيه وبعضها
يرجع إلى نفس القذف أما الذي يرجع إلى القاذف خاصة فواحد وهو عدم إقامة البينة لان الله تعالى شرط ذلك
في آية اللعان بقوله عز وجل والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء الا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع
شهادات بالله الآية حتى لو أقام أربعة من الشهود على المرأة بالزنا لا يثبت اللعان ويقام عليها حد الزنا لأنه قد ظهر زناها
بشهادة الشهود ولو شهد أربعة أحدهم الزوج فإن لم يكن من الزوج قذف قبل ذلك تقبل شهادتهم ويقام عليها
الحد عندنا وعند الشافعي لا تقبل شهادة الزوج عليها وجه قول الشافعي ان الزوج متهم في شهادته لاحتمال انه حمله
الغيظ على ذلك ولا شهادة للمتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه يدفع المغرم عن نفسه وهو اللعان
ولا شهادة لدافع المغرم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنا ان شهادته بالقبول أولى من شهادة الأجنبي لأنها
أبعد من التهمة إذ العادة ان الرجل يستر على امرأته ما يلحقه به شين فلم يكن متهما في شهادته فتقبل كشهادة
الوالد على ولده وقوله إنه يدفع المغرم عن نفسه بهذه الشهادة ممنوع فإنه لم يسبق منه قذف يوجب اللعان فإنه لم يسبق
هذه الشهادة قذف ليدفع اللعان بها فصار كشهادة الأجنبي فإنها تقبل ولا تجعل دافعا للحد عن نفسه كذا هذا وإن كان
الزوج قذفها أولا ثم جاء بثلاثة سواه فشهدوا فهم قذفه يحدون وعلى الزوج اللعان لأنه ما سبق منه القذف
فقد وجب عليه اللعان فهو بشهادته جعل دافعا للضرر عن نفسه فلا تقبل شهادته والزنا لا يثبت بشهادة ثلاثة فصار
قذفه فيحدون حد القذف ويلاعن الزوج لقذف زوجته فان جاء هو وثلاثة شهدوا انها قد زنت فلم يعدلوا فلا
240

حد عليها لان زناها لم يثبت الا بشهادة الفساق ولا حد عليهم لان الفاسق من أهل الشهادة ألا ترى ان تعالى أمر
بالتوقيف في بيانه فقد وجد اتيان أربعة شهداء فكيف يجب عليهم الحد ولا لعان على الزوج لأنه شاهد وليس
بقاذف فان شهدوا معه ثلاثة عمى حد وحدوا أي يلاعن الزوج ويحدون حد القذف لان العميان لا شهادة لهم قطعا
فلم يكن قولهم حجة أصلا فكانوا قذفة فيحدون حد القذف ويلاعن الزوج لان قذف الزوج يوجب اللعان إذا لم
يأت بأربعة شهداء ولم يأت بهم وأما الذي يرجع إلى المقذوف خاصة فشيئان أحدهما انكارها وجود الزنا منها حتى
لو أقرت بذلك لا يجب اللعان ويلزمها حد الزنا وهو الجلد إن كانت غير محصنة والرجم إن كانت محصنة لظهور زناها
باقرارها والثاني عفتها عن الزنا فإن لم تكن عفيفة لا يجب اللعان بقذفها كما لا يجب الحد في قذف الأجنبية إذا لم تكن
عفيفة لأنه إذا لم تكن عفيفة فقد صدقته بفعلها فصار كما لو صدقته بقولها ولما نذكر في كتاب الحدود ونذكر تفسير
العفة عن الزنا فيه إن شاء الله تعالى وعلى هذا قالوا في المرأة إذا وطئت بشبهة ثم قذفها زوجها انه لا يجب عليه اللعان
ولو قذفها أجنبي لا يجب عليه الحد لأنها وطئت وطأ حراما فذهبت عفتها ثم رجع أبو يوسف وقال يجب بقذفها
الحد واللعان لان هذا وطئ يتعلق به ثبوت النسب ووجوب المهر فكان كالموجود في النكاح فلا يزيل العفة عن
الزنا والجواب ان الوطئ حرام لعدم النكاح إنما الموجود شبهة النكاح فكان ينبغي أن يجب الحد عليها الا انه سقط
للشبهة فلان يسقط الحد واللعان عن القاذف لمكان الحقيقة أولى وأما الذي يرجع إليهما جميعا فهو أن يكونا زوجين
حرين عاقلين بالغين مسلمين ناطقين غير محدودين في القذف أما اعتبار الزوجية فلان الله تبارك وتعالى خص
اللعان بالأزواج بقوله تعالى والذين يرمون أزواجهم وانه حكم ثبت تعبدا غير معقول المعنى فيقتصر على مورد التعبد
وإنما ورد التعبد به في الأزواج فيقتصر عليهم وعلى هذا قال أصحابنا من تزوج امرأة نكاحا فاسدا ثم قذفها لم يلاعنها
لعدم الزوجية إذ النكاح الفاسد ليس بنكاح حقيقة وقال الشافعي يلاعنها إذا كان القذف بنفي الولد لان القذف إذا
كان بنفي الولد تقع الحاجة إلى قطع النسب والنسب يثبت بالنكاح الفاسد كما يثبت بالنكاح الصحيح فيشرع اللعان
لقطع النسب والجواب ان قطع النسب يكون بعد الفراغ من اللعان ولا لعان الا بعد وجوبه ولا وجوب لعدم شرطه وهو الزوجية ولو طلق امرأته طلاقا بائنا أو ثلاثا ثم قذفها بالزنا لا يجب اللعان لعدم الزوجية لبطلانها بالإبانة والثلاث
ولو طلقها طلاقا رجعيا ثم قذفها يجب اللعان لان الطلاق الرجعي لا يبطل الزوجية ولو قذف امرأته بزنا كان قبل
الزوجية فعليه اللعان عندنا وعند الشافعي عليه حد القذف واحتج بآية القذف وهي قوله تعالى والذين يرمون
المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولنا آية اللعان وهي قوله تعالى والذين يرمون أزواجهم ولم
يكن لهم شهداء الا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله من غير فصل بين ما إذا كان القذف بزنا بعد الزوجية
أو قبلها والدليل على أنه قذف زوجته انه أضاف القذف إليها وهي للحال زوجته الا انه قذفها بزنا متقدم وبهذا لا تخرج
من أن تكون زوجته في الحال كما إذا قذف أجنبية بزنا متقدم حتى يلزمه القذف كذا ههنا وأما آية القذف فهي
متقدمة على آية اللعان فيجب تخريجها على التناسخ فينسخ الخاص المتأخر العام المتقدم بقدره عند عامة مشايخنا
وعنده يقضى العام على الخاص بطريق التخصيص على ما مر ولو قذف امرأته بعد موتها لم يلاعن عندنا وعند
الشافعي يلاعن علي قبرها واحتج بظاهر قوله عز وجل في آية اللعان فشهادة أحدهم من غير فصل بين حال الحياة
والموت ولنا قوله عز وجل والذين يرمون أزواجهم الآية خص سبحانه وتعالى اللعان بالأزواج وقد زالت الزوجية
بالموت فلم يوجد قذف الزوجة فلا يجب اللعان وبه تبين ان الميتة لم تدخل تحت الآية لان الله تعالى أوجب هذه
الشهادة بقذف الأزواج بقوله والذين يرمون أزواجهم وبعد الموت لم تبق زوجة له وأما اعتبار الحرية والعقل
والبلوغ والاسلام والنطق وعدم الحد في القذف فالكلام في اعتبار هذه الأوصاف شرطا لوجوب اللعان فرع
الكلام في معنى اللعان وما يثبته شرعا وقد اختلف فيه قال أصحابنا ان اللعان شهادة مؤكدة بالايمان مقرونة باللعن
241

وبالغضب وانه في جانب الزوج قائم مقام حد القذف وفي جانبها قائم مقام حد الزنا وقال الشافعي اللعان ايمان
بلفظ الشهادة مقرونة باللعن والغضب فكل من كان من أهل الشهادة واليمين كان من أهل اللعان ومن لا فلا عندنا
وكل من كان من أهل اليمين فهو من أهل اللعان عنده سواء كان من أهل الشهادة أو لم يكن ومن لم يكن من أهل الشهادة
واليمين كان من أهل اللعان احتج الشافعي بقوله تعالى في تفسير اللعان فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله فسر الله
تعالى اللعان بالشهادة بالله والشهادة بالله يمين الا ترى ان من قال أشهد بالله يكون يمينا الا انه يمين بلفظ الشهادة ولان
اللعان لو كان شهادة لما قرنه بذكر اسم الله تعالى لان الشهادة لا تفتقر إلى ذلك وإنما اليمين هي التي تفتقر إليه ولأنه لو
كانت شهادة لكانت شهادة على النصف من شهادة الرجل كما في سائر المواضع التي للمرأة فيها شهادة فينبغي ان تشهد
المرأة عشرة مرات فلما لم يكن ذلك دل انه ليس بشهادة والدليل على أنه يمين ما روى أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما فرق بين المتلاعنين وكانت المرأة حبلى فقال لها إذا ولدت ولدا فلا ترضعيه حتى تأتيني به فلما انصرفوا عنه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ولدته أحمر مثل الدبس فهو يشبه أباه الذي نفاه وان ولدته أسودا أدعج جعدا
قططا فهو يشبه الذي رميت به فلما وضعت وأتت به رسول الله صلى الله وسلم نظر إليه فإذا هو أسود أدعج جعد
قطط على ما نعته رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم لولا الايمان التي سبقت لكان لي فيها رأى
وفي بعض الروايات لكان لي ولها شأن فقد سمى صلى الله عليه وسلم اللعان أيمانا لا شهادة فدل انه يمين لا شهادة (ولنا)
قوله تعالى والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء الا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله والاستدلال
بالآية الكريمة من وجهين أحدهما انه تعالى سمى الذين يرمون أزواجهم شهداء لأنه استثناهم من الشهداء
بقوله تعالى ولم يكن لهم شهداء الا أنفسهم والمستثنى من جنس المستثنى منه والثاني انه سمى اللعان شهادة نصا بقوله عز
وجل فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله والخامسة أي الشهادة الخامسة وقال تعالى في جانبها ويدرأ عنها العذاب
ان تشهد أربع شهادات بالله والخامسة أي الشهادة الخامسة الا انه تعالى سماه شهادة بالله تأكيدا للشهادة باليمين فقوله
أشهد يكون شهادة وقوله بالله يكون يمينا وهذا مذهبنا انه شهادات مؤكدة بالايمان وهو أولى مما قاله المخالف لأنه
عمل باللفظين في معنيين وفيما قاله حمل اللفظين على معنى واحد فكان ما قلناه أولى والدليل على أنه شهادة انه شرط فيه
لفظ الشهادة وحضرة الحاكم وأما قوله لو كان شهادة لكان في حق المرأة على النصف من شهادة الرجل فنقول هو
شهادة مؤكدة باليمين فيراعى فيه معنى الشهادة ومعنى اليمين وقد راعينا معنى الشهادة فيه باشتراط لفظة الشهادة فيراعى
معنى اليمين بالتسوية بين الرجل والمرأة في العدد عملا بالشبهين جميعا ولا حجة له في الحديث لأنه روى في بعض الروايات
لولا ما مضى من الشهادات وهذا حجة عليه حيث سماه شهادة ثم نقول بموجبه انه يمين لكن هذا لا ينفى أن يكون شهادة
فهو شهادة مؤكدة باليمين والله تعالى الموفق وإذا عرف هذا الأصل تخرج عليه المسائل أما اعتبار العقل والبلوغ فلان
الصبي والمجنون ليسا من أهل الشهادة واليمين فلا يكونان من أهل اللعان بالاجماع وأما الحرية فالمملوك ليس من أهل
الشهادة فلا يكون من أهل اللعان بالاجماع وأما الاسلام فالكافر ليس من أهل الشهادة على المسلم وإن كان
المسلم من أهل الشهادة على الكافر وإذا كانا كافرين فالكافر وإن كان من أهل الشهادة على الكافر فليس من أهل
اليمين بالله تعالى لأنه ليس من أهل حكمها وهو الكفارة ولهذا لم يصح ظهار الذمي عندنا واللعان عندنا شهادات
مؤكدة بالايمان فمن لا يكون من أهل اليمين لا يكون من أهل اللعان وأما اعتبار النطق فلان الأخرس لا شهادة له لأنه
لا يتأتى منه لفظة الشهادة ولان القذف منه لا يكون الا بالإشارة والقذف بالإشارة يكون في معنى القذف بالكتابة
وانه لا يوجب اللعان كما لا يوجب الحد لما نذكره في الحدود إن شاء الله تعالى وأما المحدود في القذف فلا شهادة له
لان الله تعالى رد شهادته على التأبيد ولا يلزم على هذا الأصل قذف الفاسق والأعمى فإنه يوجب اللعان ولا شهادة
لهما لان الفاسق له شهادة في الجملة ولهما جميعا أهلية الشهادة ألا ترى أن القاضي لو قضى بشهادتهما جاز قضاؤه ومعلوم
242

انه لا يجوز القضاء بشهادة من ليس من أهل الشهادة كالصبي والمجنون والمملوك الا انه لا تقبل شهادة الأعمى في سائر
المواضع لأنه لا يميز بين المشهود له والمشهود عليه لا لأنه ليس من أهل الشهادة ثم هذه الشرائط كما هي شرط وجوب
اللعان فهي شرط صحة اللعان وجوازه حتى لا يجرى اللعان بدونها وعند الشافعي يجرى اللعان بين المملوكين
والأخرسين والمحدودين في القذف لان هؤلاء من أهل اليمين فكانوا من أهل اللعان وكذا بين الكافرين لان يمين
الكافر صحيحة عنده لا من أهل الاعتاق والكسوة والاطعام ولهذا قال يجوز ظهار الذمي وعلى هذا يخرج قول
أبي حنيفة وأبى يوسف انهما إذا التعنا عند الحاكم ولم يفرق بينهما حتى عزل أو مات فالحاكم الثاني يستقبل اللعان
بينهما لان اللعان لما كان شهادة فالشهود إذا شهدوا عند الحاكم فمات أو عزل قبل القضاء بشهادتهم لم يعتد الحاكم
بتلك الشهادة وعند محمد لا يستقبل اللعان وقوله لا يخرج على هذا الأصل ولكن الوجه له ان اللعان قائم
مقام الحد فإذا التعنا فكأنه أقيم الحد والحد بعد اقامته لا يؤثر فيه العزل والموت والجواب ان حكم القذف
لا يتناهى الا بالتفريق فيؤثر العزل والموت قبله ثم ابتداء الدليل لنا في المسألة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال أربعة لا لعان بينهم وبين أزواجهم لا لعان بين المسلم والكافرة والعبد والحرة والحر والأمة والكافر
والمسلمة وصورته الكافر أسلمت زوجته فقبل ان يعرض الاسلام على زوجها قذفها بالزنا (ولنا) أصل
آخر لتخريج المسائل عليه وهو ان كل قذف لا يوجب الحد لو كان القاذف أجنبيا لا يوجب اللعان إذا كان القاذف
زوجا لان اللعان موجب القذف في حق الزوج كما أن الحد موجب القذف في الأجنبي وقذف واحد ممن ذكرنا
لا يوجب الحد لو كان أجنبيا فإذا كان زوجا لا يوجب اللعان وابتداء ما يحتج به الشافعي عموم آية اللعان الا من
خص بدليل ولا حجة له فيها لان الله تعالى سمى الذين يرمون أزواجهم شهداء في آية اللعان واستثناهم من الشهداء
المذكورين في آية القذف ولم يدخل واحد ممن ذكرنا في المستثنى منهم فكذا في المستثنى لان الاستثناء استخراج
من تلك الجملة وتحصيل منها وأما الذي يرجع إلى المقذوف به والمقذوف فيه ونفس القذف فنذكره في كتاب
الحدود إن شاء الله تعالى
(فصل) وأما بيان ما يظهر به سبب وجوب اللعان وهو القذف عند القاضي فسبب ظهور القذف نوعان
أحدهما البينة إذا خاصمت المرأة فأنكر القذف والأفضل للمرأة ان تترك الخصومة والمطالبة لما فيها من إشاعة الفاحشة وكذا تركها من باب الفضل والاكرام وقد قال الله تعالى ولا تنسوا الفضل بينكم فإن لم تترك وخاصمته إلى
القاضي يستحسن للقاضي ان يدعوهما إلى الترك فيقول لها اتركي وأعرضي عن هذا لأنه دعاء إلى ستر الفاحشة وانه
مندوب إليه فان تركت وانصرفت ثم بدا لها ان تخاصمه فلها ذلك وان تقادم العهد لان ذلك حقها وحق العبد لا يسقط
بالتقادم فان خاصمته وادعت عليه انه قذفها بالزنا فجحد الزوج لا يقبل منها في اثبات القذف الا بشهادة رجلين عدلين
ولا تقبل شهادة النساء ولا الشهادة على الشهادة ولا كتاب القاضي إلى القاضي كما لا يقبل في اثبات القذف على
الأجنبي لان اللعان قائم مقام حد القذف وأسباب الحدود ولا يقبل في اثباتها شهادة النساء على النساء ولا الشهادة على
الشهادة ولا كتاب القاضي إلى القاضي لتمكن زيادة شبهة ليست في غيرها والحدود وتدرأ بالشبهات والثاني الاقرار
بالقذف وشرط ظهور القذف بالبينة والاقرار هو الخصومة والدعوى لما نذكر في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى
(فصل) وأما بيان ما يسقط اللعان بعد وجوبه وبيان حكمه إذا سقط أو لم يجب أصلا فنقول وبالله التوفيق
كل ما يمنع وجوب اللعان إذا اعترض بعد وجوبه يسقط كما إذا جنى بعد القذف أو جن أحدهما أو ارتدا
أو ارتد أحدهما أو خرسا أو خرس أحدهما أو قذف أحدهما انسانا فحد حد القذف أو وطئت المرأة وطأ حراما
فلا يجب عليه الحد وكذا إذا أبانها بعد القذف فلا حد ولا لعان أما عدم وجوب الحد فلان القذف أوجب اللعان
فلا يوجب الحد وأما عدم وجوب اللعان فلزوال الزوجية وقيام الزوجية شرط جريان اللعان لان الله سبحانه
243

وتعالى خص اللعان بالأزواج ولو طلقها طلاقا رجعيا لا يسقط اللعان لان الطلاق الرجعي لا يبطل الزوجية ولو قال
لها يا زانية أنت طالق ثلاثا فلا حد ولا لعان لان قوله يا زانية أوجب اللعان لا الحد لأنه قذف الزوجة ولما قال أنت
طالق ثلاثا فقد أبطل الزوجية واللعان لا يجرى في غير الأزواج ولو قال لها أنت طالق ثلاثا يا زانية يجب الحد
ولا يجب اللعان لأنه قذفها بعد الإبانة وهي أجنبية بعد الإبانة وقذف الأجنبية يوجب الحد لا اللعان ولو أكذب
الزوج نفسه سقط اللعان لتعذر الاتيان به إذ من المحال أن يؤمر ان يشهد بالله انه لمن الصادقين وهو يقول إنه كاذب
ويجب الحد لما نذكر في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى ولو أكذبت المرأة نفسها في الانكار وصدقت
الزوج في القذف سقط اللعان لما قلنا ولا حد لما نذكر إن شاء الله تعالى ولو لم ينعقد القذف موجبا للعان أصلا لفوات
شرط من شرائط الوجوب فهل يجب الحد فمشايخنا أصلوا في ذلك أصلا فقالوا إن كان عدم وجوب اللعان
أو سقوطه بعد الوجوب لمعنى من جانبها فلا حد ولا لعان وإن كان القذف صحيحا وإن كان لمعنى من جانبه فإن لم يكن
القذف صحيحا فكذلك وإن كان صحيحا يحدو على هذا الأصل خرجوا جنس هذه المسائل فقال إذا أكذب
نفسه يحد لان سقوط اللعان لمعنى من جانبه وهو اكذابه نفسه والقذف صحيح لأنه قذف عاقل بالغ فيجب الحد ولو
أكذبت نفسها في الانكار وصدقت الزوج في القذف فلا حد ولا لعان وإن كانت على صفة الالتعان لان سقوط
اللعان لمعنى من جانبها وهو اكذابها نفسها ولو كانت المرأة على صفة الالتعان والزوج عبد أو كافر أو محدود في
قذف فعليه الحد لان قذفها قذف صحيح وإنما سقط اللعان لمعنى من جهته وهو انه على صفة لا يصح منه اللعان ولو
كان الزوج صبيا أو مجنونا فلا حدود ولا لعان وإن كانت المرأة على صفة الالتعان لان قذف الصبي والمجنون ليس
بصحيح ولو كان الزوج حرا عاقلا بالغا مسلما غير محدود في قذف والزوجة لا بصفة الالتعان بأن كانت كافرة أو
مملوكة أو صبية أو مجنونة أو زانية فلا حد على الزوج ولا لعان لان قذفها ليس بقذف صحيح ألا ترى ان أجنبيا لو
قذفها لا يحد ولو كانت المرأة مسلمة حرة عاقلة بالغة عفيفة الا انها محدودة في القذف فلا حد ولا لعان لان القذف وإن كان
صحيحا لكن سقوط اللعان لمعنى من جانبها وهو انها ليست من أهل الشهادة فلا يجب اللعان ولا الحد كما لو صدقته
وإن كان كل واحد من الزوجين محدودا في قذف فقذفها فعليه الحد لان القذف صحيح وسقوط اللعان لمعنى في
الزوج ولا يقال إنه سقط لمعنى في المرأة بدليل ان الزوج لو لم يكن محدودا والمرأة محدودة لا يجب اللعان لاعتبار جانبها
وإن كان السقوط لمعنى من جانبها فينبغي ان لا يجب اللعان ولا الحد لأنا نقول القذف الصحيح إنما تعتبر فيه صفات
المرأة إذا كان الزوج من أهل اللعان فاما إذا لم يكن من أهل اللعان لا تعتبر وإنما تعتبر صفات الزوج فيعتبر المانع
بما فيه لا بما فيها فكان سقوط اللعان لمعنى في الزوج بعد صحة القذف فيحد والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما حكم اللعان فالكلام في هذا الفصل في موضعين أحدهما في بيان حكم اللعان والثاني في بيان
ما يبطله حكمه أما بيان حكم اللعان فللعان حكمان أحدهما أصلى والاخر ليس بأصلي أما الحكم الأصلي للعان فنذكر
أصل الحكم ووصفه أما الأول فنقول اختلف العلماء فيه قال أصحابنا الثلاثة هو وجوب التفريق ما داما على حال
اللعان لا وقوع الفرقة بنفس اللعان من غير تفريق الحاكم حتى يجوز طلاق الزوج وظهاره وايلاؤه ويجرى التوارث
بينهما قبل التفريق وقال زفر والشافعي هو وقوع الفرقة بنفس اللعان الا ان عند زفر لا تقع الفرقة ما لم يلتعنا وعند
الشافعي تقع الفرقة بلعان الزوج قبل ان تلتعن المرأة وجه قول الشافعي ان الفرقة أمر يختص بالزوج ألا ترى انه هو
المختص بسبب الفرقة فلا يقف وقوعها على فعل المرأة كالطلاق واحتج زفر بما روى عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال المتلاعنان لا يجتمعان أبدا وفي بقاء النكاح اجتماعهما وهو خلاف النص ولنا ما روى نافع عن ابن عمر
رضي الله عنهما ان رجلا لاعن امرأته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق النبي صلى الله عليه
وسلم بينهما والحق الولد بالمرأة وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم لما لاعن بين عاصم بن عدي
244

وبين امرأته فرق بينهما وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وبين امرأته فلما فرغا من
اللعان فرق بينهما ثم قال عليه الصلاة والسلام الله يعلم أن أحدكما لكاذب فهل منكما تائب قال ذلك ثلاثا فأبيا ففرق
بينهما فدلت الأحاديث على أن الفرقة لا تقع بلعان الزوج ولا بلعانها إذ لو وقعت لما احتمل التفريق من رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعد وقوع الفرقة بينهما بنفس اللعان ولان ملك النكاح كان ثابتا قبل اللعان والأصل ان الملك متى
ثبت لانسان لا يزول الا بإزالته أو بخروجه من أن يكون منتفعا به في حقه لعجزه عن الانتفاع به ولم توجد الإزالة من
الزوج لان اللعان لا ينبئ عن زوال الملك لأنه شهادة مؤكدة باليمين أو يمين وكل واحد منهما لا ينبئ عن زوال الملك ولهذا
لا يزول بسائر الشهادات والايمان والقدرة على الامتناع ثابتة فلا تقع الفرقة بنفس اللعان وقد خرج الجواب عما
ذكره الشافعي ثم قول الشافعي مخالف لا آية اللعان لان الله تعالى خاطب الأزواج باللعان بقوله عز وجل والذين
يرمون أزواجهم إلى آخر ما ذكر فلو ثبتت الفرقة بلعان الزوج فالزوجة تلاعنه وهي غير زوجة وهذا خلاف النص
وأما زفر فلا حجة له في الحديث لان المتلاعن متفاعل من اللعن وحقيقة المتفاعل المتشاغل بالفعل فبعد الفراغ منه لا
يبقى فاعلا حقيقة فلا يبقى ملاعنا حقيقة فلا يصح التمسك به لاثبات الفرقة عقيب اللعان فلا تثبت الفرقة عقيبه وإنما
الثابت عقيبه وجوب التفريق فان فرق الزوج بنفسه والا ينوب القاضي منابه في التفريق فإذا فرق بعد تمام
اللعان وقعت الفرقة فان أخطأ القاضي ففرق قبل تمام اللعان ينظران إن كان كل واحد منهما قد التعن أكثر اللعان نفذ
التفريق وان لم يلتعنا أكثر اللعان أو كان أحدهما لم يلتعن أكثر اللعان لم ينفذ وإنما كان كذلك لان تفريق
القاضي إذا وقع بعد أكثر اللعان فقد قضى بالاجتهاد في موضع يسوغ الاجتهاد فيه فينفذ قضاؤه كما في سائر
المجتهدات والدليل على أن تفريقه صادف محل الاجتهاد وجوه ثلاثة أحدهما انه عرف أن الأكثر يقوم مقام الكل
في كثير من الأحكام فاقتضى اجتهاده إلى أن الأكثر يقوم مقام الكل في اللعان والثاني انه اجتهد ان التكرار في
اللعان للتأكيد والتغليظ وهذا المعنى يوجد في الأكثر والثالث انه زعم أنه لما ساغ للشافعي الاقتصار على لعان
الزوج إذا قذف المجنونة أو الميتة فلان يسوغ له الاجتهاد بعد اكمال الزوج لعانه واتيان المرأة بأكثر اللعان
أولى فثبت ان قضاء القاضي صادف محل الاجتهاد فينفذ فان قيل شرط جواز الاجتهاد ان لا يخالف النص وهذا قد
خالف النص من الكتاب والسنة لان كتاب الله ورد باللعان بعدد مخصوص وكذا النبي صلى الله عليه وسلم لاعن
بين الزوجين على ذلك العدد وإذا كان العدد منصوصا عليه فالاجتهاد إذا خالف النص باطل فالجواب ممنوع ان
اجتهاد القاضي خالف النص فان التنصيص على عدد لا ينفى جواز الأكثر وإقامته مقام الكل ولا يقتضى الجواز
أيضا فلم يكن الحكم منصوصا عليه بل كان مسكوتا عنه فكان محل الاجتهاد وفائدته التنصيص على العدد المذكور
والتنبيه على الأصل والأولى وهذا لا ينفى الجواز وأما الثاني فقد اختلف العلماء فيه أيضا قال أبو حنيفة ومحمد
الفرقة في اللعان فرقة بتطليقة بائنة فيزول ملك النكاح وتثبت حرمة الاجتهاد والتزوج ما داما على حالة اللعان فان
أكذب الزوج نفسه فجلد الحد أو أكذبت المرأة نفسها بان صدقته جاز النكاح بينهما ويجتمعان وقال أبو يوسف
وزفر والحسن بن زياد هي فرقة بغير طلاق وانها توجب حرمة مؤبدة كحرمة الرضاع والمصاهرة واحتجوا بقول
النبي صلى الله عليه وسلم المتلاعنان لا يجتمعان أبدا وهو نص في الباب وكذا روى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم
مثل عمر وعلي وعبد الله بن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم انهم قالوا المتلاعنان لا يجتمعان أبدا ولأبي حنيفة
ومحمد ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما لاعن بين عويمر العجلاني وبين امرأته فقال عويمر كذبت عليها
يا رسول الله ان أمسكتها فهي طالق ثلاثا وفي بعض الروايات كذبت عليها ان لم أفارقها فهي طالق ثلاثا فصار طلاق
الزوج عقيب اللعان سنة المتلاعنين لان عويمر طلق زوجته ثلاثا بعد اللعان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
فانفذها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجب على كل ملاعن ان يطلق فإذا امتنع ينوب القاضي منابه في
245

التفريق فيكون طلاقا كما في العنين ولان سبب هذه الفرقة قذف الزوج لأنه يوجب اللعان واللعان يوجب
التفريق والتفريق يوجب الفرقة فكانت الفرقة بهذه الوسائط مضافة إلى القذف السابق وكل فرقة تكون من
الزوج أو يكون فعل الزوج سببها تكون طلاقها كما في العنين والخلع والايلاء ونحو ذلك وهو قول السلف ان كل
فرقة وقعت من قبل الزوج فهي طلاق من نحو إبراهيم والحسن وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم رضي الله عنهم وأما
الحديث فلا يمكن العمل بحقيقته لما ذكرنا ان حقيقة المتفاعل هو المتشاغل بالفعل وكما فرغا من اللعان ما بقيا متلاعنين
حقيقة فانصرف المراد إلى الحكم وهو أن يكون حكم اللعان فيهما ثابتا فإذا أكذب الزوج نفسه وحد حد القذف
بطل حكم اللعان فلم يبق متلاعنا حقيقة وحكما فجاز اجتماعهما ونظيره قوله تعالى في قصة أصحاب الكهف انهم ان
يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا أي ما داموا في ملتهم ألا ترى انهم إذا لم يفعلوا يفلحوا
فكذا هذا وأما الحكم الذي ليس بأصلي للعان فهو وجوب قطع النسب في أحد نوعي القذف وهو القذف بالولد لما
روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما لاعن بين هلال بن أمية وبين زوجته وفرق بينهما نفى الولد عنه والحقه
بالمرأة فصار النفي أحد حكمي اللعان ولان القذف إذا كان بالولد فغرض الزوج ان ينفى ولدا ليس منه في زعمه فوجب
النفي تحقيقا لغرضه وإذا كان وجوب نفيه أحد حكمي اللعان فلا يجب قبل وجوده وعلى هذا ان القذف إذا لم
ينعقد موجبا للعان أو سقط بعد الوجوب ووجب الحد أو لم يجب أو لم يسقط لكنهما لم يتلاعنا بعد لا ينقطع نسب
الولد وكذا إذا نفى نسب ولد حرة فصدقته لا ينقطع نسبه لتعذر اللعان لما فيه من التناقض بحيث تشهد بالله انه لمن
الكاذبين وقد قالت إنه صادق وإذا تعذر قطع النسب لأنه حكمه ويكون ابنهما لا يصدقان على نفيه لان
النسب قد ثبت والنسب الثابت بالنكاح لا ينقطع الا باللعان ولم يوجد ولا يعتبر تصادقهما على النفي لان النسب يثبت
حقا للولد وفي تصادقهما على النفي ابطال حق الولد وهذا لا يجوز وعلى هذا يخرج ما إذا كان علوق الولد في حال
لا لعان بينهما فيها ثم صارت بحيث يقع بينهما اللعان نحو ما إذا علقت وهي كتابية أو أمة ثم أعتقت الأمة أو أسلمت
الكتابية فولدت فنفاه انه لا ينقطع نسبه لأنه لا تلاعن بينهما لعدم أهلية اللعان وقت العلوق وقطع النسب حكم اللعان
ثم لوجود قطع النسب شرائط منها التفريق لان النكاح قبل التفريق قائم فلا يجب النفي ومنها أن يكون القذف بالنفي
بحضرة الولادة أو بعدها بيوم أو بيومين أو نحو ذلك من مدة توجد فيها لتهنئة أو ابتياع آلات الولادة عادة فان نفاه بعد
ذلك لا ينتفى ولم يوقت أبو حنيفة لذلك وقتا وروى عن أبي حنيفة انه وقت له سبعة أيام وأبو يوسف ومحمد وقتاه بأكثر
النفاس وهو أربعون يوما واعتبر الشافعي الفور فقال إن نفاه على الفور انتفى والا لزمه وجه قوله إن ترك النفي على
الفور اقرار منه دلالة فكان كالاقرار نصا وجه قولهما ان النفاس أثر الولادة فيصح نفى الولد ما دام أثر الولادة ولأبي
حنيفة ان هذا أمر يحتاج إلى التأمل فلابد له من زمان التأمل وانه يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فتعذر
التوقيت فيه فيحكم فيه العادة من قبول التهنئة وابتياع آلات الولادة أو مضى مدة يفعل ذلك فيها عادة فلا يصح نفيه
بعد ذلك وبهذا يبطل اعتبار الفور لان معنى التأمل والتروي لا يحصل بالفور وعلى هذا قالوا في الغائب عن امرأته
إذا ولدت ولم يعلم بالولادة حتى قدم أو بلغه الخبر وهو غائب انه له ان ينفى عند أبي حنيفة في مقدار تهنئة الولد وابتياع
آلات الولادة وعندهما في مقدار مدة النفاس بعد القدوم أو بلوغ الخبر لان النسب لا يلزم الا بعد العلم به فصار حال
القدوم وبلوغ الخبر كحال الولادة على المذهبين جميعا وروى عن أبي يوسف أنه قال إن قدم قبل الفصال فله ان ينفيه
في مقدار مدة النفاس وان قدم بعد الفصال فليس له ان ينفيه ولم يرو هذا التفصيل عن محمد كذا ذكره القدوري ووجهه
ان الولد قبل الفصال لم ينتقل عن غذائه الأول فصار كمدة النفاس وبعد الفصال انتقل عن ذلك الغذاء وخرج عن حال
الصغر فلو احتمل النفي بعد ذلك لاحتمل بعدما صار شيخا وذلك قبيح وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي
انه ان بلغه الخبر في مدة النفاس فله ان ينفى إلى تمام مدة النفاس وان بلغه الخبر بعد أربعين فقد روى عن أبي يوسف
246

أنه قال له أن ينفى إلى تمام سنتين لأنه لما مضى وقت النفاس يعتبر وقت الرضاع ومدته سنتان عندهما ولو بلغه
الخبر بعد حولين فنفاه ذكر في غير رواية الأصول عن أبي يوسف انه لا يقطع النسب ويلاعن وعن محمد أنه قال
ينتفى الولد إذا نفاه بعد بلوغ الخبر إلى أربعين يوما ومنها أن لا يسبق النفي عن الزوج ما يكون اقرارا منه بنسب
الولد لا نصا ولا دلالة فان سبق لا يقطع النسب من الأب لان النسب بعد الاقرار به لا يحتمل النفي بوجه
لأنه لما أقر به فقد ثبت نسبه والنسب حق الولد فلا يملك الرجوع عنه بالنفي فالنص نحو أن يقول
هذا ولدى أو هذا الولد منى والدلالة هي ان يسكت إذا هنئ ولا يرد على المهنئ لان العاقل لا يسكت عند التهنئة بولد
ليس منه عاد فكان السكوت والحالة هذه اعترافا بنسب الولد فلا يملك نفيه بعد الاعتراف وروى ابن رستم عن محمد
انه إذا هنئ بولد الأمة فسكت لم يكن اعترافا وان سكت في ولد الزوجة كان اعترافا ووجه الفرق ان نسب ولد الزوجة
قد ثبت بالفراش الا ان له غرضية النفي من الزوج فإذا سكت عند التهنئة دل على أنه لا ينفيه فبطلت الغرضية فتقرر
النسب فاما ولد الأمة فلا يثبت نسبه الا بالدعوة ولم توجد فان جاءت بولدين في بطن فاقر بأحدهما ونفى الآخر فان
أقر بالأول ونفى الثاني لاعن ولزمه الولدان جميعا اما لزوم الولدين فلان اقراره بالأول اقرار بالثاني لان الحمل حمل
واحد فلا يتصور ثبوت بعض نسب الحمل دون بعض كالواحد انه لا يتصور ثبوت نسب بعضه دون بعض فإذا
نفى الثاني فقد رجع عما أقر به والنسب المقربة لا يحتمل الرجوع عنه فلم يصح نفيه فيثبت نسبهما جميعا ويلاعن
لان من أقر بنسب ولد ثم نفاه يلاعن وإن كان لا يقطع نسبه لان قطع النسب ليس من لوازم اللعان بل ينفصل عنه في
الجملة ألا ترى انه شرع في المقذوفة بغير ولد ثم إنما وجب اللعان لأنه لما أقر بالأول فقد وصف امرأته بالعفة ولما
نفى الولد فقد وصفها بالزنا ومن قال لامرأته أنت عفيفة ثم قال لها أنت زانية يلاعن وان نفى الأول وأقر بالثاني حد
ولا لعان ويلزمانه جميعا أما ثبوت نسب الولدين فلان نفى الأول وان تضمن نفى الثاني فالاقرار بالثاني يتضمن الاقرار
بالأول فيصير مكذبا نفسه ومن وجب عليه اللعان إذا أكذب نفسه يحد وإذا حد لا يلاعن لأنهما لا يجتمعان ولأنه لما
نفى الأول فقد قذفها بالزنا فلما أقر بالثاني فقد وصفها بالعفة ومن قال لامرأته أنت زانية ثم قال لها أنت عفيفة بحد حد
القذف ولا يلاعن ومنها أن يكون الولد حيا وقت قطع النسب وهو وقت التفريق فإن لم يكن لا يقطع نسبه من الأب
حتى لو جاءت بولد فمات ثم نفاه الزوج يلاعن ويلزمه الولد لان النسب يتقرر بالموت فلا يحتمل الانقطاع ولكنه
يلاعن لوجود القذف بنفي الولد وانقطاع النسب ليس من لوازم اللعان وكذلك إذا جاءت بولدين أحدهما ميت
فنفاهما يلاعن ويلزمه الولدان لما قلنا وكذلك إذا جاءت بولد فنفاه الزوج ثم مات الولد قبل اللعان يلاعن الزوج
ويلزمه الولد لما قلنا وكذا لو جاءت بولدين فنفاهما ثم ماتا قبل اللعان أو قتلا يلاعن ويلزمه الولدان لان النسب بعد
الموت لا يحتمل القطع ويلاعن لما قلنا وكذا لو نفاهما ثم مات أحدهما قبل اللعان أو قتل لزمه الولدان لان نسب
الميت منها لا يحتمل القطع لتقرره بالموت فكذا نسب الحي لأنهما توأمان وأما اللعان فقد ذكر الكرخي انه يلاعن ولم
يذكر الخلاف وكذا ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي وذكر ابن سماعة الخلاف في المسألة فقال عند أبي
يوسف يبطل اللعان وعند محمد لا يبطل وجه قول محمد ان اللعان قد وجب بالنفي فلو بطل إنما يبطل لامتناع قطع
النسب وامتناعه لا يمنع بقاء اللعان لان قطع النسب ليس من لوازم اللعان ولأبي يوسف ان المقصود من اللعان
الواجب بهذا القذف أعني القذف بنفي الولد هو نفى الولد فإذا تعذر تحقيق هذا المقصود لم يكن في بقاء اللعان فائدة فلا
ينفى الولد ولو ولدت ولدا فنفاه ولاعن الحاكم بينهما وفرق والزم الولد أمه أو لزمها بنفس التفريق ثم ولدت ولد آخر
من الغد لزمه الولدان جميعا واللعان ماض لأنه قد ثبت نسب الولد الثاني إذ لا يمكن قطعه بما وجد من اللعان لان حكم
اللعان قد بطل بالفرقة فيثبت نسب الولد الثاني وان قال الزوج هما ابناي لا حد عليه لأنه صادق في اقراره بنسب
الولدين لكونهما ثابتي النسب منه شرعا فان قيل أليس انه أكذب نفسه بقوله هما ابناي لأنه سبق منه نفى الولد ومن
247

نفى الولد فلوعن ثم اكذب نفسه فيقام عليه الحد كما إذا جاءت بولد واحد فقال هذا الولد ليس منى فلاعن الحاكم بينهما ثم
قال هو ابني فالجواب ان قوله هما ابناي يحتمل الاكذاب ويحتمل الاخبار عن حكم لزمه شرعا وهو ثبوت نسب
الولدين فلا يجعل اكذابا مع الاحتمال بل حمله على الاخبار أولى لأنه لو جعل اكذابا للزمه الحد ولو جعل اخبارا عما قلنا
لا يلزمه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ادرؤا الحدود بالشبهات وقال ادرؤا الحدود ما استطعتم حتى لو قال كذبت
في اللعان وفيما قذفتها به من الزنا يحد لأنه نص على الاكذاب فزال الاحتمال وقد قال مشايخنا ان الاقرار بالولد بعد
النفي إنما يكون اكذابا إذا كان المقر بحال لو لم يقر به للوعن به إذا كان من أهل اللعان وههنا لم يوجد لأنه لو لم يقر بهما لم
يلاعن بخلاف الفصل الأول فإنه لو لم يقربهما للوعن به وعلى هذا قالوا لو ولدت امرأته ولدا فقال هو ابني ثم ولدت آخر
فنفاه ثم أقر به لاحد عليه لأنه لم يصر مكذبا نفسه بهذا الاقرار ألا ترى انه لو لم يقر به لا يلاعن بنفي الولد لثبوت نسب
الولدين ولو قال ليسا بابني كانا ابنيه ولا حد عليه لأنه أعاد القذف الأول وكرره لتقدم القذف منه واللعان والملاعن إذا
كرر القذف لا يجب عليه الحد ولو طلق امرأته طلاقا رجعيا فجاءت بولد لأقل من سنتين بيوم فنفاه ثم جاءت بولد بعد
سنتين بيوم فاقر به فقد بانت ولا لعان ولا حد في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وقال محمد هذه رجعية وعلى الزوج الحد
فنذكر أصلهما وأصله وتخرج المسألة عليه فمن أصلهما ان الولد الثاني يتبع الولد الأول لأنها جاءت به في مدة يثبت
نسبه فيها وهكذا هو سابق في الولادة فكان الثاني تابعا له فجعل كأنها جاءت بهما لأقل من سنتين فلا تثبت الرجعة
فتبين بالولد الثاني فتصير أجنبية فيتعذر اللعان ومن أصله ان الولد الأول يتبع الثاني لان الثاني حصل من وطئ حادث
بعد الطلاق بيقين إذا الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين والأول يحتمل انه حصل من وطئ حادث أيضا واننا نرد
المحتمل إلى المحكم فجعل الأول تابعا للثاني فصار كأنها ولدتهما بعد سنتين والمطلقة طلاقا رجعيا إذا جاءت بولد لأكثر
من سنتين ثبتت الرجعة لأنه يكون من وطئ حادث بعد الطلاق بيقين فيصير مراجعا لها بالوطئ فإذا أقر بالثاني بعد
نفى الأول فقد أكذب نفسه فيحد وإن كان الطلاق بائنا والمسألة بحالها يحد ويثبت نسب الولدين عندهما وعند
محمد لا حد ولا لعان ولا يثبت نسب الولدين لان من أصلهما ان الولد الثاني يتبع الأول فتجعل كأنها جاءت بهما لأقل
من سنتين فيثبت نسبهما ولا يجب اللعان لزوال الزوجية ويجب الحد لا كذاب نفسه ومن أصله ان الأول يتبع
الثاني وتجعل كأنها جاءت به لأكثر من سنتين والمرأة مبتوتة والمبتوتة إذا جاءت بولد لأكثر من سنتين لا يثبت نسب
الولد ولا يحد قاذفها لان معها علامة الزنا وهو ولد غير ثابت النسب فلم تكن عفيفة فلا يجب الحد على قاذفها ومنها ان
لا يكون نسب الولد محكوما بثبوته شرعا كذا ذكر الكرخي فإن كان لا يقطع نسبه فصورته ما روى عن أبي يوسف أنه قال
في رجل جاءت امرأته بولد فنفاه ولم يلاعن حتى قذفها أجنبي بالولد الذي جاءت به فضرب القاضي الأجنبي الحد
فان نسب الولد يثبت من الزوج ويسقط اللعان لان القاضي لما حد قاذفها بالولد فقد حكم بكذبه والحكم بكذبه حكم
بثبوت نسب الولد والنسب المحكوم بثبوته لا يحتمل النفي باللعان كالنسب المقر به وإنما سقط اللعان لان الحاكم لما حد
قاذفها فقد حكم باحصانها في عين ما قذفت به ثم إذا قطع النسب من الأب والحق الولد بالأم يبقى النسب في حق سائر الأحكام
من الشهادة والزكاة والقصاص وغيرها حتى لا يجوز شهادة أحدهما للآخر وصرف الزكاة إليه ولا يجب
القصاص على الأب بقتله ونحو ذلك من الأحكام الا انه لا يجرى التوارث بينهما ولا نفقة على الأب لأن النفي باللعان
يثبت شرعا بخلاف الأصل بناء على زعمه وظنه مع كونه مولودا على فراشه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم الولد
للفراش فلا يظهر في حق سائر الأحكام
(فصل) وأما بيان ما يبطل به حكم اللعان فكل ما يسقط اللعان بعد وجوبه يبطل الحكم بعد وجوده قبل التفريق
وهو ما ذكرنا من جنونهما بعد اللعان قبل التفريق أو جنون أحدهما أو خرسهما أو خرس أحدهما أو ردتهما أو ردة
أحدهما أو صيرورة أحدهما محدودا في قذف أو صيرورة المرأة موطوءة وطأ حراما واكذاب أحدهما نفسه حتى
248

لا يفرق الحاكم بينهما ويكونان على نكاحهما والأصل ان بقاءهما على حال اللعان شرط بقاء حكم اللعان فان بقيا على
حال اللعان بقي حكم اللعان والا فلا وإنما كان كذلك لان اللعان شهادة ولابد من بقاء الشاهد على
صفة الشهادة إلى أن يتصل القضاء بشهادته حتى يجب القضاء بها وقد زالت صفة الشهادة بهذه
العوارض فلا يجوز للقاضي التفريق ولو لاعنها بالولد ثم قذفها هو أو غيره لا يجب الحد
ولو لاعنها بغير الولد ثم قذفها هو أو غيره يجب عليه الحد والفرق ان
اللعان لا يوجب تحقيق الزنا منها فلا تزول عفتها باللعان الا ان
في اللعان بالولد قذفها ومعها علامة الزنا وهو الولد بغير أب فلم
تكن عفيفة فلا يقام الحد على قاذفها ولم يوجد ذلك في اللعان
بغير ولد فبقيت عفتها فيجب الحد على قاذفها ولو
أكذب نفسه بعد اللعان بولد أو بغير ولد ثم
قذفها هو أو غيره يجب الحد لان اللعان لا
يحقق الزنا والولد بلا أب مع الاكذاب
لا يكون علامة الزنا فتكون عفتها
قائمة فيحد قاذفها والله
عز وجل
أعلم
(تم الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع وأوله كتاب الرضاع)
249