الكتاب: بدائع الصنائع
المؤلف: أبو بكر الكاشاني
الجزء: ٥
الوفاة: ٥٨٧
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٩ - ١٩٨٩ م
المطبعة:
الناشر: المكتبة الحبيبية - باكستان
ردمك:
ملاحظات:

الجزء الخامس من
كتاب بدائع الصنائع
في
ترتيب الشرائع
تأليف
الامام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي
الملقب بملك العلماء المتوفى سنة 587 هجرية
(الطبعة الأولى)
1409 ه‍ 1989 م‍
الناشر
المكتبة الحبيبية
كانسي رود حاجي غيبي چوك كوئته
باكستان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب الاستصناع)
يحتاج لمعرفة مسائل هذا الكتاب إلى بيان صورة الاستصناع ومعناه والى بيان جوازه والى بيان حكمه والى
بيان صفته.
(فصل) أما صورة الاستصناع فهي أن يقول إنسان لصانع من خفاف أو صفار أو غيرهما اعمل لي خفا أو آنية
من أديم أو نحاس من عندك بثمن كذا ويبين نوع ما يعمل وقدره وصفته فيقول الصانع نعم وأما معناه فقد اختلف
المشايخ فيه قال بعضهم هو مواعدة وليس ببيع وقال بعضهم هو بيع لكن للمشترى فيه خيار وهو الصحيح بدليل
ان محمدا رحمه الله ذكر في جوازه القياس والاستحسان وذلك لا يكون في العدات وكذا أثبت فيه خيار الرؤية وأنه
يختص بالبياعات وكذا يجرى فيه التقاضي وإنما يتقاضى فيه الواجب لا الموعود ثم اختلفت عباراتهم عن هذا
النوع من البيع قال بعضهم هو عقد على مبيع في الذمة وقال بعضهم هو عقد على مبيع في الذمة شرط فيه العمل
وجه القول الأول ان الصانع لو احضر عينا كان عملها قبل العقد ورضى به المستصنع لجاز ولو كان شرط العمل من
نفس العقد لما جاز لان الشرط يقع على عمل في المستقبل لا في الماضي والصحيح هو القول الأخير لان الاستصناع
طلب الصنع فما لم يشترط فيه العمل لا يكون استصناعا فكان مأخذ الاسم دليلا عليه ولأن العقد على مبيع في الذمة
يسمى سلما وهذا العقد يسمى استصناعا واختلاف الأسامي دليل اختلاف المعاني في الأصل واما إذا أتى
الصانع بعين صنعها قبل العقد ورضى به المستصنع فإنما جاز لا بالعقد الأول بل بعقد آخر وهو التعاطي بتراضيهما
(فصل) واما جوازه فالقياس ان لا يجوز لأنه بيع ما ليس عند الانسان لا على وجه السلم وقد نهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص في السلم ويجوز استحسانا لاجماع الناس على ذلك لأنهم يعملون
2

ذلك في سائر الأعصار من غير نكر وقد قال عليه الصلاة والسلام لا تجتمع أمتي على ضلالة وقال عليه الصلاة والسلام
ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح والقياس يترك بالاجماع ولهذا ترك
القياس في دخول الحمام بالاجر من غير بيان المدة ومقدار الماء الذي يستعمل وفى قطعه الشارب للسقاء من غير بيان قدر
المشروب وفى شراء البقل وهذه المحقرات كذا هذا ولان الحاجة تدعو إليه لان الانسان قد يحتاج إلى خف أو نعل
من جنس مخصوص ونوع مخصوص على قدر مخصوص وصفة مخصوصة وقلما يتفق وجوده مصنوعا فيحتاج إلى أن
يستصنع فلو لم يجز لوقع الناس في الحرج وقد خرج الجواب عن قوله إنه معدوم لأنه ألحق بالموجود لمساس الحاجة
إليه كالمسلم فيه فلم يكن بيع ما ليس عند الانسان على الاطلاق ولان فيه معنى عقدين جائزين وهو السلم والإجارة لان
السلم عقد على مبيع في الذمة واستئجار الصناع يشترط فيه العمل وما اشتمل على معنى عقدين جائزين كان جائزا
(فصل) واما شرائط جوازه (فمنها) بيان جنس المصنوع ونوعه وقدره وصفته لأنه لا يصير معلوما بدونه (ومنها)
أن يكون مما يجرى فيه التعامل بين الناس من أواني الحديد والرصاص والنحاس والزجاج والخفاف والنعال ولجم
الحديد للدواب ونصول السيوف والسكاكين والقسي والنبل والسلاح كله والطشت والقمقمة ونحو ذلك ولا يجوز
في الثياب لان القياس يأبى جوازه وإنما جوازه استحسانا لتعامل الناس ولا تعامل في الثياب (ومنها) أن لا يكون
فيه أجل فان ضرب للاستصناع أجلا صار سلما حتى يعتبر فيه شرائط السلم وهو قبض البدل في المجلس ولا خيار
لواحد منهما إذا سلم الصانع المصنوع على الوجه الذي شرط عليه في السلم (وهذا) قول أبي حنيفة رحمه الله وقال
أبو يوسف ومحمد هذا ليس بشرط وهو استصناع على كل حال ضرب فيه اجلا أو لم يضرب ولو ضرب للاستصناع
فيما لا يجوز فيه الاستصناع كالثياب ونحوها اجلا ينقلب سلما في قولهم جميعا (وجه) قولهما ان العادة جارية بضرب
الأجل في الاستصناع وإنما يقصد به تعجيل العمل لا تأخير المطالبة فلا يخرج به عن كونه استصناعا أو يقال قد
يقصد بضرب الأجل تأخير المطالبة وقد يقصد به تعجيل العمل فلا يخرج العقد عن موضوعه مع الشك والاحتمال
بخلاف ما لا يحتمل الاستصناع لان ما لا يحتمل الاستصناع لا يقصد بضرب الأجل فيه تعجيل العمل فتعين أن يكون
لتأخير المطالبة بالدين وذلك بالسلم ولأبي حنيفة رضي الله عنه انه إذا ضرب فيه أجلا فقد أتى بمعنى السلم إذ هو
عقد على مبيع في الذمة مؤجلا والعبرة في العقود لمعانيها لا لصورة الألفاظ ألا ترى ان البيع ينعقد بلفظ التمليك وكذا
الإجارة وكذا النكاح على أصلنا (ولهذا) صار سلما فيما لا يحتمل الاستصناع كذا هذا ولان التأجيل يختص
بالديون لأنه وضع لتأخير المطالبة وتأخير المطالبة إنما يكون في عقد فيه مطالبة وليس ذلك الا السلم إذا لا دين في
الاستصناع ألا ترى ان لكل واحد منهما خيار الامتناع من العمل قبل العمل بالاتفاق ثم إذا صار سلما يراعى فيه
شرائط السلم فان وجدت صح والا فلا.
(فصل) وأما حكم الاستصناع فهو ثبوت الملك للمستصنع في العين المبيعة في الذمة وثبوت الملك للصانع في
الثمن ملكا غير لازم على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
(فصل) وأما صفة الاستصناع فهي انه عقد غير لازم قبل العمل في الجانبين جميعا بلا خلاف حتى كان لكل
واحد منهما خيار الامتناع قبل العمل كالبيع المشروط فيه الخيار للمتبايعين ان لكل واحد منهما الفسخ لان القياس
يقتضى أن لا يجوز لما قلنا وإنما عرفنا جوازه استحسانا لتعامل الناس فبقي اللزوم على أصل القياس (وأما) بعد
الفراغ من العمل قبل أن يراه المستصنع فكذلك حتى كان للصانع ان يبيعه ممن شاء كذا ذكر في الأصل لأن العقد
ما وقع على عين المعمول بل على مثله في الذمة لما ذكرنا انه لو اشترى من مكان آخر وسلم إليه جاز ولو باعه الصانع
وأراد المستصنع ان ينقض البيع ليس له ذلك ولو استهلكه قبل الرؤية فهو كالبائع إذا استهلك المبيع قبل التسليم
كذا قال أبو يوسف فأما إذا احضر الصانع العين على الصفة المشروطة فقد سقط خيار الصانع وللمستصنع الخيار لان
3

الصانع بائع ما لم يره فلا خيار له واما المستصنع فمشترى ما لم يره فكان له الخيار وإنما كان كذلك لان المعقود عليه وإن كان
معدوما حقيقة فقد الحق بالموجود ليمكن القول بجواز العقد ولان الخيار كان ثابتا لهما قبل الاحضار لما ذكرنا ان العقد
غير لازم فالصانع بالاحضار اسقط خيار نفسه فبقي خيار صاحبه على حاله كالبيع الذي فيه شرط الخيار للعاقدين إذا
أسقط أحدهما خياره انه يبقى خيار الاخر كذا هذا (هذا) جواب ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد
رضي الله عنهم وروى عن أبي حنيفة رحمه الله ان لكل واحد منهما الخيار وروى عن أبي يوسف انه لا خيار لهما
جميعا (وجه) رواية أبى يوسف ان الصانع قد أفسد متاعه وقطع جلده وجاء بالعمل على الصفة المشروطة فلو كان
للمستصنع الامتناع من اخذه لكان فيه اضرار بالصانع بخلاف ما إذا قطع الجلد ولم يعمل فقال المستصنع لا أريد لأنا
لا ندري ان العمل يقع على الصفة المشروطة أو لا فلم يكن الامتناع منه اضرار بصاحبه فثبت الخيار (وجه) رواية أبي حنيفة
رحمه الله ان في تخيير كل واحد منهما دفع الضرر عنه وانه واجب والصحيح جواب ظاهر الرواية لان في
اثبات الخيار للصانع ما شرع له الاستصناع وهو دفع حاجة المستصنع لأنه متى ثبت الخيار للصانع فكل ما فرع عنه
يتبعه من غير المستصنع فلا تندفع حاجة المستصنع وقول أبى يوسف ان الصانع يتضرر باثبات الخيار للمستصنع مسلم
ولكن ضرر المستصنع بابطال الخيار فوق ضرر الصانع باثبات الخيار للمستصنع لان المصنوع إذا لم يلائمه وطولب
بثمنه لا يمكنه بيع المصنوع من غيره بقيمة مثله ولا يتعذر ذلك على الصانع لكثرة ممارسته وانتصابه لذلك ولان
المستصنع إذا غرم ثمنه ولم تندفع حاجته لم يحصل ما شرع له الاستصناع وهو اندفاع حاجته فلا بد من اثبات الخيار له
والله سبحانه وتعالى الموفق فان سلم إلى حداد حديدا ليعمل له اناء معلوما بأجر معلوم أو جلدا إلى خفاف ليعمل
له خفا معلوما بأجر معلوم فذلك جائز ولا خيار فيه لان هذا ليس باستصناع بل هو استئجار فكان جائزا فان عمل كما
امر استحق الاجر وان أفسد فله ان يضمنه حديدا مثله لأنه لما أفسده فكأنه اخذ حديدا له واتخذ منه آنية من
غير اذنه والاناء للصانع الآن المضمونات تملك بالضمان.
(كتاب الشفعة)
الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان سبب ثبوت حق الشفعة وفي بيان شرائط ثبوت حق الشفعة وفي بيان
ما يتأكد به حق الشفعة ويستقر وفي بيان ما يبطل به حق الشفعة بعد ثبوته وفي بيان ما يملك به المشفوع فيه وفي بيان
طريق التمليك وبيان كيفيته وفي بيان شرط التملك وفي بيان ما يتملك به وفي بيان المتملك وفي بيان المتملك منه وفي بيان حكم اختلاف الشفيع والمشترى وفي بيان الحيلة في ابطال الشفعة وفي بيان انها مكروهة أم لا (اما) سبب وجوب
الشفعة فالكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان ماهية السبب والثاني في بيان كيفيته (اما) الأول فسبب وجوب
الشفعة أحد الأشياء الثلاثة الشركة في ملك المبيع والخلطة وهي الشركة في حقوق الملك والجوار وان شئت قلت
أحد الشيئين الشركة والجوار ثم الشركة نوعان شركة في ملك المبيع وشركة في حقوقه كالشرب والطريق وهذا عند
أصحابنا رضي الله عنهم وقال الشافعي السبب هو الشركة في ملك المبيع لا غير فلا تجب الشفعة عنده بالخلطة ولا
بالجوار احتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إنما الشفعة في ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود
وصرفت الطرق فلا شفعة فصدر الحديث اثبات الشفعة في غير المقسوم ونفيها في المقسوم لان كلمة إنما لاثبات المذكور
ونفى ما عداه وآخره نفى الشفعة عند وقوع الحدود وصرف الطرق والحدود بين الجارين واقعة والطرق مصروفة
فكانت الشفعة منفية ولان الاخذ بالشفعة تملك مال المشترى من غير رضاه وعصمة ملكه وكون التملك اضرارا
يمنع من ذلك فكان ينبغي ان لا بثبت حق الاخذ أصلا الا انا عرفنا ثبوته فيما لم يقسم بالنص غير معقول المعنى فبقي الامر
في المقسوم على الأصل أو ثبت معلولا بدفع ضرر خاص وهو ضرر القسمة لكونه ضررا لازما لا يمكن دفعه الا
4

بالشفعة فأما ضرر الجوار فليس بلازم بل هو ممكن الدفع بالرفع إلى السلطان والمقابلة بنفسه فلا حاجة إلى دفعه بالشفعة
(ولنا) ما روى أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ارض بيعت وليس لها شريك ولها جار فقال عليه الصلاة
والسلام الجار أحق بشفعتها وهذا نص في الباب وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الجار أحق بصقبه
والصقب الملاصق أي أحق بما يليه وبما يقرب منه وروى الجار أحق بشفعته وهذا نص في الباب ولان حق الشفعة
بسبب الشركة إنما يثبت لدفع اذى الدخيل وضرره وذلك متوقع الوجود عند المجاورة فورود الشرع هناك يكون
ورودا هنا دلالة وتعليل النص بضرر القسمة غير سديد لان القسمة ليست بضرر بل هي تكميل منافع الملك وهي
ضرر غير واجب الدفع لان القسمة مشروعة ولهذا لم تجب الشفعة بسبب الشركة في العروض دفعا لضرر القسمة
(وأما) قوله يمكن دفع الضرر بالمقابلة بنفسه والمرافعة إلى السلطان فنقول وقد لا يندفع بذلك ولو اندفع فالمقابلة
والمرافعة في نفسها ضرر وضرر الجار السوء يكثر وجوده في كل ساعة فيبقى في ضرر دائم واما الحديث فليس في صدره
نفى الشفعة عن المقسوم لان كلمة إنما لا تقتضي نفى غير المذكور قال الله تبارك وتعالى إنما انا بشر مثلكم وهذا لا ينفى
أن يكون غيره عليه الصلاة والسلام بشرا مثله وآخره حجة عليه لأنه علق عليه الصلاة والسلام سقوط الشفعة
بشرطين وقوع الحدود وصرف الطرق والمعلق بشرطين لا يترك عند وجود أحدهما وعنده يسقط بشرط واحد وهو
وقوع الحدود وان لم تصرف الطرق ثم هو مؤول وتأويله فإذا وقعت الحدود فتباينت وصرفت الطرق فتباعدت فلا
شفعة أو لا شفعة مع وجود من لم ينفصل حده وطريقه أو فلا شفعة بالقسمة كما لا شفعة بالرد بخيار الرؤية لان في
القسمة معنى المبادلة فكان موضع الاشكال فأخبر انه لا شفعة ليزول الاشكال والله سبحانه وتعالى اعلم بالصواب
(وأما) بيان كيفية السبب فالكلام فيه في موضعين أحدهما يعم حال انفراد الأسباب واجتماعها والثاني يخص
حالة الاجتماع (اما) الذي يعم الحالين جميعا فهو ان السبب أصل الشركة لا قدرها واصل الجوار لا قدره حتى لو كان للدار
شريك واحدا وجار واحد اخذ كل الدار بالشفعة كثر شركته وجواره أو قل وعلى هذا يخرج قول أصحابنا رضي الله عنهم
في قسمة الشفعة بين الشركاء عند اتحاد السبب وهو الشركة أو الجوار انها تقسم على عدد الرؤوس لا على
قدر الشركة وعند الشافعي رحمه الله على قدر الشركة في ملك المبيع حتى لو كانت الدار بين ثلاثة نفر لأحدهم نصفها
وللآخر ثلثها ولآخر سدسها فباع صاحب النصف نصيبه كانت الشفعة بين الباقين نصفين عندنا على
عدد الرؤس وعنده اثلاث ثلثاه لصاحب الثلث وثلثه لصاحب السدس على قدر الشركة (وجه) قوله إن حق
الشفعة من حقوق الملك لأنه ثبت لتكميل منافع الملك فيتقدر بقدر الملك كالثمرة والغلة (ولنا) ان السبب في موضع
الشركة أصل الشركة وقد استويا فيه فيستويان في الاستحقاق والدليل على أن السبب أصل الشركة دلالة الاجماع
والمعقول اما دلالة الاجماع فلان الشفيع إذا كان واحدا يأخذ كل الدار بالشفعة ولو كان السبب قدر الشركة لتقدر
حق الاخذ بقدرها واما المعقول فلان حق الشفعة إنما يثبت لدفع اذى الدخيل وضرره والضرر لا يندفع الا بأخذ
كل الدار بالشفعة فدل ان سبب الاستحقاق في الشركة هو أصل الشركة وقد استويا فيه فبعد ذلك لا يخلو اما ان
يأخذ أحدهما الكل دون صاحبه واما ان يأخذ كل واحد منهما الكل لا سبيل إلى الأول لأنه ليس أحدهما
بأولى من صاحبه ولا سبيل إلى الثاني لاستحالة تملك دار واحدة في زمان واحد من اثنين على الكمال فتنصف بينهما
عملا بكمال السبب بقدر الامكان ومثل هذا جائز فان من هلك عن ابنين كان ميراثه بينهما نصفين لان بنوة كل واحد
منهما سبب لاستحقاق كل الميراث الا انه لا يمكن اثبات الملك في مال واحد لكل واحد منهما على الكمال لتضايق
المحل فينصف بينهما فكذا هذا وكذلك إذا كان لدار واحدة شفيعان جاران جوارهما على التفاوت بأن كان جوار
أحدهما بخمسة أسداس الدار وجوار الاخر لسدسها كانت الشفعة بينهما نصفين لاستوائهما في سبب الاستحقاق
وهو أصل الجوار وعلى هذا يخرج ما إذا كان للدار شفيعان فأسقط أحدهما الشفعة ان للآخر ان يأخذ كل الدار
5

بالشفعة لوجود سبب الاستحقاق للكل في حق كل واحد منهما وإنما القسمة للتزاحم والتعارض على ما بينا فإذا
اسقط أحدهما زال التزاحم والتعارض فظهر حق الآخر في الكل فيأخذ الكل وكذلك لو كان الشفعاء جماعة فأسقط
بعضهم حقه فللباقين ان يأخذوا الكل بالشفعة لما قلنا ولو كان للدار شفيعان وأحدهما غائب فللحاضر ان يأخذ
كل الدار بالشفعة لان سبب ثبوت الحق على الكمال وجد في حقه وقد تأكد حقه بالطلب ولم يعرف تأكد حق
الغائب لأنه محتمل يحتمل ان يطلب ويحتمل ان لا يطلب أو يعرض فلم يقع التعارض والتزاحم فلا يمنع الحاضر من
استيفاء حقه الثابت المتأكد بحق يحتمل التأكد والعدم بل يقضى له بالكل عملا بكمال السبب من غير تعارض بخلاف
ما إذا كان لرجلين على رجل ألف درهم فهلك الرجل وترك ألف درهم واحد صاحبي الدين غائب انه لا يسلم إلى الحاضر
الا خمسمائة لان هناك حق كل واحد منهما يساوى حق الآخر في التأكد فيقسم بينهما على السوية لوقوع التعارض
والتزاحم وكذلك لو كان للدار شفعاء بعضهم غائب وبعضهم حاضر يقضى بالدار بين الحضور على عدد رؤسهم
لما قلنا ولو جعل بعضهم نصيبه لبعض لم يصح جعله في حق غيره وسقط حق الجاعل وقسمت على عدد رؤس من
بقي لان حق الشفعة مما لا يحتمل النقل لأنه ليس بأمر ثابت في المحل فبطل الجعل في حق غيره وسقط حقه لكون
الجعل دليل الاعراض وبقى كل الدار بين الباقين فيقسمونها على عدد الرؤس لما ذكرنا ولو كان أحدهم حاضرا
فقضى له بكل الدار ثم جاء آخر يقضى له بنصف ما في يد الحاضر فان جاء ثالث يقضى له بثلث ما في يد كل منهما لوقوع
التعاض والتزاحم لاستواء الكل في سبب ثبوت الحق وتأكده فيقسم بينهم على السوية ولو اخذا الحاضر الكل ثم
قدم الغائب وأراد ان يأخذ النصف فقال له الحاضر انا أسلم لك الكل فاما ان تأخذ أو تدع فليس له ذلك وللذي
قدم ان يأخذ النصف لان القاضي لما قضى للحاضر بكل الدار تضمن قضاؤه بطلان حق الغائب عن النصف
وصار الغائب مقضيا عليه في ضمن القضاء للحاضر بالكل فبعد ذلك وان بطل القضاء لكن الحق بعد ما بطل لا يتصور
عوده ولو قضى بالدار للحاضر ثم وجد به عيبا فرده ثم قدم الغائب فليس له ان يأخذ بالبيع الأول الا نصف الدار سواء
كان الرد بالعيب بقضاء أو بغير قضاء وسواء كان قبل القبض أو بعده لما ذكرنا انه لما قضى القاضي للحاضر بكل الدار
بالشفعة فقد أبطل حق الغائب عن النصف وصار هو مقضيا عليه ضرورة القضاء على المشترى فبطلت شفعته في هذا
النضف فلا يحتمل العود سواء كان الرد بالعيب بقضاء أو بغير قضاء لأنه إنما بطل حقه في النصف بالقضاء بالشفعة
وبالرد بالعيب لا يتبين ان القضاء بالشفعة لم يكن وكذا يستوى فيه الرد قبل القبض وبعده لما قلنا ولو أراد الغائب أن
يأخذ كل الدار بالشفعة برد الحاضر بالعيب ويدع البيع الأول ينظر إن كان الرد بغير قضاء فله ذلك لان الرد بغير قضاء
بيع مطلق فكان بيعا جديدا في حق الشفعة فيأخذ الكل بالشفعة كما يأخذ بالبيع المبتدأ هكذا ذكر محمد وأطلق
الجواب ولم يفصل بينما إذا كان الرد بالعيب قبل القبض أو بعده من مشايخنا من قال ما ذكر من الجواب محمول على
ما بعد القبض لان الرد قبل القبض بغير قضاء بيع جديد وبيع العقار قبل القبض لا يجوز على أصله وإنما يستقيم
اطلاق الجواب على أصل أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله (ومنهم) من قال يستقيم على مذهب الكل لان رضا
الشفيع ههنا غير معتبر لكونه مجبورا في التمليك فكان رضاه ملحقا بالعدم وإن كان بقضاء فليس له ان يأخذ لأنه فسخ
مطلق ورفع العقد من الأصل كأنه لم يكن والاخذ بالشفعة يختص بالبيع ولو اطلع الحاضر على عيب قبل ان يقضى له
بالشفعة فسلم الشفعة ثم قدم الغائب فان شاء اخذ الكل وان شاء ترك لان القاضي إذا لم يقض بالشفعة للحاضر لم يبطل
حق الغائب بل بقي في كل الدار لوجود سبب استحقاق الكل الا انه لم يظهر لمزاحمة الحاضر في الكل وبالتسليم زالت
المزاحمة فظهر حق الغائب في كل الدار ولو رد الحاضر الدار بالعيب بعد ما قضى له بالشفعة ثم حضر شفيعان اخذا ثلثي
الدار بالشفعة والحكم في الاثنين والثلاث سواء يسقط حق الغائب بقدر حصة الحاضر لما قلنا وكذا لو كان الشفيع
الحاضر اشترى الدار من المشترى ثم حضر الغائب فان شاء اخذ كل الدار بالبيع الأول وان شاء اخذ كلها بالبيع
6

الثاني (أما) الاخذ بالبيع الأول فلان حق الحاضر في الشفعة قد بطل بالشراء من المشترى لكون الشراء منه دليل
الاعراض فزالت المزاحمة الموجبة للقسمة فبقي حق الغائب في كل الدار فيأخذ الكل بالبيع الأول ان شاء بخلاف
الشفيع إذا اشترى الدار المشفوعة من صاحبها انه لا تبطل شفعته لان البطلان بالاقدام على الشراء ولا حق له قبل
الشراء ليبطل به (واما) الاخذ بالبيع الثاني فلان البيع الثاني وجد ولا حق للحاضر في الشفعة لصيرورته معرضا
بالشراء فيظهر حق الاخذ بالكل ولو كان المشترى الأول شفيعا للدار فاشتراها الشفيع الحاضر منه ثم قدم الغائب
فان شاء اخذ نصف الدار بالبيع الأول وان شاء اخذ كلها بالبيع الثاني (اما) اخذ النصف بالبيع الأول فلان
المشترى الأول لم يثبت له حق قبل الشراء حتى يكون بشرائه معرضا عنه فإذا باعه من الشفيع الحاضر لم يثبت للغائب
الا مقدار ما كان يخصه بالمزاحمة مع الأول وهو النصف وأما أخذ الكل بالعقد الثاني فلان السبب عند البيع الأول
أوجب الشفعة للكل في الدار وقد بطل حق الشفيع الحاضر بالشراء لكون الشراء دليل الاعراض فبقي حق
المشترى الأول والغائب في كل الدار فيقسم بينهما للتزاحم فيأخذ الغائب نصف الدار بالبيع الأول ان شاء وان شاء
اخذ الكل بالعقد الثاني لان السبب عند العقد الثاني أوجب للشفيع حق الشفعة ثم بطل حق الشفيع الحاضر عند العقد
الأول ولم يتعلق باقدامه على الشراء الثاني بعقده حق لاعراضه فكان للغائب ان يأخذ كل الدار بالعقد الثاني ولو
كان المشترى الأول أجنبيا اشتراها بألف فباعها من أجنبي بألفين ثم حضر الشفيع فالشفيع بالخيار ان شاء اخذ
بالبيع الأول وان شاء اخذ بالبيع الثاني لوجود سبب الاستحقاق وشرطه عند كل واحد من البيعين فكان له
الخيار فان اخذ بالبيع الأول سلم الثمن إلى المشترى الأول والعهدة عليه وينفسخ البيع الثاني ويسترد المشترى الثاني
الثمن من الأول وان أخذ بالبيع الثاني تم البيعان جميعا والعهدة على الثاني غير أنه ان وجد المشترى الثاني والدار في يده
فله ان يأخذ بالبيع الثاني سواء كان المشترى الأول حاضرا أو غائبا وان أراد أن يأخذ بالبيع الأول فليس له ذلك حتى
يحضر المشترى الأول والثاني هكذا ذكر القاضي الامام الاسبيجابي عليه الرحمة في شرحه مختصر الطحاوي
ولم يحك خلافا وذكر الكرخي عليه الرحمة ان هذا قول أبي حنيفة ومحمد عليهما الرحمة وعند أبي يوسف رحمه الله
حضرة الأول ليست بشرط وللشفيع ان يأخذ من الذي في يده ويدفع إليه ألفا ويقال له اتبع الأول وخذ منه ألفا وإن كان
الثاني اشتراه بألف يؤخذ منه ويدفع إليه ألفا (وجه) قول أبى يوسف ان حق الشفعة حق متعلق بعين الدار فلا
يشترط لاستيفائه حضرة المشترى (وجه) قولهما أن الاخذ من غير حضرة المشترى الأول يكون قضاء على الغائب
لان الاخذ بالبيع الأول يوجب انفساخ البيع الأول على المشترى الأول على ما نذكره في موضعه إن شاء الله تبارك
وتعالى فيكون قضاء على الغائب من غير أن يكون عنه خصم حاضر وانه لا يجوز وقوله حق الشفعة متعلق بالعين ممنوع
بل لا حق في العين وإنما الثابت حق التمليك على المشترى فلا بد من حضرته ولو كان المشترى باع نصف الدار ولم يبع
جميعها فجاء الشفيع وأراد أن يأخذ بالبيع الأول اخذ جميع الدار ويبطل البيع في النصف الثاني من المشترى الثاني
لان سبب استحقاق الجميع وشرطه موجود عند البيع الأول فإذا أخذ الكل بالبيع الأول انفسخ البيع في النصف
الثاني من المشترى لأنه تبين انه تقدم على حق الشفيع في قدر النصف وان أراد ان يأخذ النصف بالبيع الثاني فله
ذلك لان شرط الاستحقاق وهو البيع وجد في النصف وبطلت شفعته في النصف الذي في يد المشترى الأول
لوجود دليل الاعراض ولو كان المشترى لم يبع الدار ولكنه وهبها من رجل أو تصدق بها على رجل وقبضها
الموهوب له أو المتصدق عليه ثم حضر الشفيع والمشترى والموهوب له حاضران اخذها الشفيع بالبيع لا بالهبة لان كون
العقد معاوضة من شرائط الاستحقاق على ما نذكره إن شاء الله تعالى ولا بد من حضرة المشترى حتى لو حضر الشفيع
ووجد الموهوب له فلا خصومة معه حتى يجد المشترى فيأخذها بالبيع الأول والثمن للمشترى وتبطل الهبة كذا
ذكر القاضي من غير خلاف وأما الكرخي فقد جعله على الخلاف الذي ذكرنا ان الذي في يده الدار وهو الموهوب له
7

لم يكن خصما عندهما وعند أبي يوسف يكون خصما كما في البيع ولو وهب المشترى نصف الدار مقسوما وسلمه
إلى الموهوب له ثم حضر الشفيع وأراد أن يأخذ النصف الباقي بنصف الثمن ليس له ذلك ولكنه يأخذ جميع الدار
بجميع الثمن أو يدع لان في اخذ البعض دون البعض تفريق الصفقة على المشترى وإذا اخذ الكل بطلت الهبة وكان
الثمن كله للمشترى لا للموهوب له ولو اشترى دارا بألف ثم باعها بألفين فعلم الشفيع بالبيع الثاني ولم يعلم بالبيع الأول
فأخذها بقضاء أو بغير قضاء ثم علم أن البيع الأول كان بألف فليس له ان ينقض اخذه لأنه لما اخذها بالبيع الثاني
فقد ملكها وحق التمليك بالبيع الأول بعد ثبوت الملك له لا يتصور فسقط حقه في الشفعة في البيع الأول ضرورة ثبوت
الملك له والثابت ضرورة يستوى فيه العلم والجهل فان اشتراها بألف ثم زاده في الثمن ألفا فعلم الشفيع بالألفين ولم يعلم أن
الألف زيادة فأخذها بألفين فإذا اخذ بقضاء القاضي أبطل القاضي الزيادة وقضى له بالألف لان الزيادة غير
ثابتة شرعا في حق الشفيع فكان القضاء بالزيادة قضاء بما ليس بثابت فيبطلها القاضي وان اخذها بغير قضاء فليس
له ان ينقض اخذه لان الاخذ بغير قضاء بمنزلة شراء مبتدأ فسقط حقه في الشفعة ولو كان المشترى حين اشتراه
بألف ناقضه البيع ثم اشتراه بألفين فأخذ الشفيع بألفين ولم يعلم بالبيع الأول ثم علم به لم يكن له ان ينقضه سواء كان
بقضاء أو بغير قضاء لأنه اجتمع بيعان لا يمكن الاخذ بهما فإذا اخذ بأحدهما انتقض الاخر والله عز وجل أعلم
وإذا كان للدار جاران أحدهما غائب والاخر حاضر فخاصم الحاضر إلى قاض لا يرى الشفعة بالجوار فأبطل شفعته
ثم حضر الغائب فخاصمه إلى قاض يرى الشفعة قضى له بجميع الدار لان قضاء القاضي الأول صادف محل الاجتهاد
فنفذ وبطلت شفعة الحاضر فبقي حق الغائب في كل الدار لوجود سبب استحقاق الكل فيأخذ الكل بالشفعة ولو كان
القاضي الأول قال أبطلت كل الشفعة التي تتعلق بهذا البيع لم تبطل شفعة الغائب كذا قاله محمد وهو صحيح لأنه قضاء
على الغائب وانه لا يجوز والله سبحانه وتعالى اعلم (وأما) الذي يخص حالة الاجتماع فهو ان أسباب استحقاق
الشفعة إذا اجتمعت يراعى فيها الترتيب فيقدم الأقوى فالأقوى فيقدم الشريك على الخليط والخليط على الجار لما
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الشريك أحق من الخليط والخليط أحق من غيره ولان المؤثر في ثبوت
حق الشفعة هو دفع ضرر الدخيل واذاه وسبب وصول الضرر والأذى هو الاتصال والاتصال على هذه المراتب
فالاتصال بالشركة في عين المبيع أقوى من الاتصال بالخلط والاتصال بالخلط أقوى من الاتصال بالجوار والترجيح
بقوة التأثير ترجيح صحيح فان سلم الشريك وجبت للخليط وان اجتمع خليطان يقدم الأخص على الأعم وان سلم
الخليط وجبت للجار لما قلنا وهذا جواب ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف انه إذا سلم الشريك فلا شفعة لغيره
(وجه) رواية أبي يوسف ان الحق عند البيع كان للشريك لا لغيره الا ترى أن غيره لا يملك المطالبة فإذا سلم سقط
الحق أصلا والصحيح جواب ظاهر الرواية لان كل واحد من هذه الأشياء الثلاثة سبب صالح للاستحقاق الا
أنه يرجح البعض على البعض لقوة في التأثير على ما بينا فإذا سلم الشريك التحقت شركته بالعدم وجعلت كأنها لم تكن
فيراعى الترتيب في الباقي كما لو اجتمعت الخلطة والجوار ابتداء وبيان هذا في مسائل دار بين رجلين في سكة غير نافذة
طريقها من هذه السكة باع أحدهما نصيبه فالشفعة لشريكه لان شركته في عين الدار وشركة أهل السكة في الحقوق
فكان الشريك في عين الدار أولى بالشفعة فإذا سلم فالشفعة لأهل السكة كلهم يستوى فيه الملاصق وغير الملاصق
لأنهم كلهم خلطاء في الطرق فان سلموا فالشفعة للجار الملاصق وعلى ما روى عن أبي يوسف إذا سلم الشريك
سقطت الشفعة أصلا ولو انشعبت من هذه السكة سكة أخرى غير نافذة فبيعت دار فيها فالشفعة لأهل هذه السكة
خاصة لان خلطة أهل هذه السكة السفلى أخص من خلطة أهل السكة العليا ولو بيعت دار في السكة العليا استوى في
شفعتها أهل السكة العليا وأهل السكة السفلى لان خلطتهم في السكة العليا سواء فيستوون في الاستحقاق وقال محمد
رحمه الله أهل الدرب يستحقون الشفعة بالطريق إذا كان ملكهم أو كان فناء غير مملوك اما إذا كان ملكا لهم فظاهر
8

لوجود الخلطة وهي الشركة في الطريق واما إذا كان فناء غير مملوك فلأنهم أخص به من غيرهم فكان في معنى المملوك
وإن كانت السكة نافذة فبيعت دار فيها فلا شفعة الا للجار الملاصق لان الشركة العامة إباحة معنى لما قلنا وإن كان
مملوكا فهو في حكم غير النافذ والطريق النافذ الذي لا يستحق به الشفعة ما لا يملك أهله سده لأنه إذا كان كذلك يتعلق
به حق جميع المسلمين فكانت شركته عامة فيشبه الإباحة وعلى هذا يخرج النهر إذا كان صغيرا يسقى منه أراضي
معدودة أو كروم معدودة فبيع أرض منها أو كرم ان الشركاء في النهر كلهم شفعاء يستوى الملاصق وغير الملاصق
لاستوائهم في الخلطة وهي الشركة في الشرب وإن كان النهر كبيرا فالشفعة للجار الملاصق بمنزلة الشوارع واختلف
في الحد الفاصل بين الصغير والكبير قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله إذا كان تجرى فيه السفن فهو كبير وإن كان
لا تجرى فهو صغير وروى عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال لا أستطيع ان أحد هذا بحد هو عندي على ما أرى حين
يقع ذلك وروى عن أبي يوسف رحمه الله رواية أخرى انه إن كان يسقى منه مراحان أو ثلاثة أو بستانان أو ثلاثة
ففيه الشفعة وما زاد على ذلك فلا كذا ذكر الكرخي رضي الله عنه الاختلاف بين أصحابنا والقاضي لم يذكر
خلافهم وإنما ذكر اختلاف المشايخ رحمهم الله قال بعضهم إن كان شركاء النهر بحيث يحصون فهو صغير وإن كانوا
لا يحصون فهو كبير وقال بعضهم إن كانوا مائة فما دونهم فهو صغير وإن كانوا أكثر من مائة فهو كبير وقال بعضهم
هو مفوض إلى رأى القاضي فان رآه صغير اقضي بالشفعة لأهله وان رآه كبيرا قضى بها للجار الملاصق ولو نزع من
هذا النهر نهرا آخر فيه ارضون أو بساتين وكروم فبيع ارض أو بستان شربه من هذا النهر النازع فأهل هذا النهر
أحق بالشفعة من أهل النهر الكبير ألا ترى انهم مختصون بشرب النهر النازع فكانوا أولى كما في السكة المنشعبة
من سكة غير نافذه ولو بيعت ارض على النهر الكبير كان أهله وأهل النهر النازع في الشفعة سواء لاستوائهم في الشرب
قال محمد رحمه الله في قراح واحد في وسط ساقية جارية شرب هذا القراح منها من الجانبين فبيع القراح فجاء شفيعان
أحدهما يلي هذه الناحية في القراح والاخر يلي الجانب الآخر قال هما شفيعان في القراح وليست الساقية بحائلة لان
الساقية من حقوق هذا القراح فلا يعتبر فاصلا كالحائط الممتد ولو كانت هذه الساقية بجوار القراح ويشرب منها ألف
جريب من هذا القراح فأصحاب الساقية أحق بالشفعة من الجار لأنهم شركاء في الشرب والشريك مقدم على الجار
لما مر والله سبحانه وتعالى اعلم وعلى هذا يخرج ما روى عن أبي يوسف أنه قال في دار بين رجلين ولرجل
فيها طريق فباع أحدهما نصيبه من الدار ان الشريك أحق بالشفعة من صاحب الطريق لان الشريك في عين
العقار أحق من الخليط وكذا إذا كانت الدار بين رجلين ولأحدهما حائط بأرضه في الدار بينه وبين آخر فباع
الذي له شركة في الحائط نصيبه من الدار والحائط فالشريك في الدار أحق بشفعة الدار والشريك في الحائط أولى
بالحائط لان الشريك في الحائط ليس بشريك في الدار بل هو جار لبقية الدار والشريك مقدم على الجار وكذلك دار
بين رجلين ولأحدهما بئر في الدار بينه وبين آخر فباع الذي له شركة في البئر نصيبه من الدار والبئر فالشريك في
الدار أحق بشفعة الدار والشريك في البئر أحق بالبئر لما ذكرنا ان الشريك في البئر جار لبقية الدار والشريك مقدم على
الجار وكذلك سفل بين رجلين ولأحدهما علو عليه بينه وبين آخر فباع الذي له نصب في السفل والعلو نصيبه
فلشريكه في السفل الشفعة في السفل ولشريكه في العلو الشفعة في العلو ولا شفعة لشريكه في السفل في العلو ولا لشريكه
في العلو في السفل لان شريكه في السفل جار العلو وشريكه في حقوق العلو وإن كان طريق العلو فيه ليس بشريك له في
العلو والشريك في عين البقعة أو ما هو في معنى البقعة مقدم على الجار والشريك في الحقوق وشريكه في العلو جار للسفل
أو شريكه في الحقوق إذا كان طريق العلو في تلك الدار ولا شركة له في عين البقعة فكان الشريك في عين البقعة أولى ولو
كان لرجل علو على دار وطريقه فيها وبقية الدار لاخر فباع صاحب العلو العلو بطريقه فالقياس ان لا شفعة لصاحب
السفل في العلو وفى الاستحسان تجب (وجه) القياس ان من شرائط وجوب الشفعة أن يكون المبيع عقار أو العلو
9

منقول فلا تجب فيه الشفعة كما لا تجب في سائر المنقولات (وجه) الاستحسان ان العلو في معنى العقار لان حق
البناء على السفل حق لازم لا يحتمل البطلان فأشبه العقار الذي لا يحتمل الهلاك فكان ملحقا بالعقار فيعطى حكمة
ولو كان طريق هذا العلو في دار رجل آخر فبيع العلو فصاحب الدار التي فيها الطريق أولى بشفعة العلو من صاحب
الدار التي عليها العلو لان صاحب الدار التي فيها الطريق شريك في الحقوق وصاحب الدار التي عليها العلو جار والشريك
مقدم على الجار فان سلم صاحب الطريق الشفعة فإن لم يكن للعلو جار ملاصق اخذه صاحب الدار التي عليها العلو
بالجوار لأنه جاره وإن كان للعلو جار ملاصق اخذه بالشفعة مع صاحب السفل لأنهما جاران وان لم يكن جار العلو
ملاصقا وبين العلو وبين مسكنه طائفة من الدار فلا شفعة له لأنه ليس بجار ولو باع صاحب السفل للسفل كان
صاحب العلو شفيعا لأنه جاره وليس شريكه وهو كدارين متجاورتين لأحدهما خشب على حائط الاخر ان
صاحب الخشب لا يستحق الا بالجوار ولا يستحق بالخشب شيئا ولو بيعت الدار التي فيها طريق العلو فصاحب
العلو أولى بشفعة الدار من الجار لأنه شريك في الحقوق فكان مقدما على الجار وروى عن أبي يوسف أنه قال في
بيت عليه غرفتان أحدهما فوق الأخرى ولكل غرفة طريق في دار أخرى وليس بينهما شركة في الطريق فباع
صاحب البيت الأوسط بيته وسلم صاحب الطريق فالشفعة لصاحب العلو ولصاحب السفل جميعا لاستوائهما
في الجوار فان باع صاحب العلو كانت الشفعة للأوسط دون الأسفل لان الجوار له لا للأسفل وعلى هذا يخرج
ما روى عن أبي يوسف أنه قال في دار فيها مسيل ماء لرجل آخر فبيعت الدار كانت له الشفعة بالجوار لا بالشركة
وليس المسيل كالشرب لان صاحب المسيل مختص بمسيل الماء لا شركة للاخر فيه فصار كحائط لصحاب احدى
الدارين في الأخرى ولو أن حائطا بين داري رجلين والحائط بينهما فصاحب الشرك في الحائط أولى بالحائط من
الجار وبقية الدار يأخذها بالجوار مع الجار بينهما هكذا روى عن أبي يوسف وزفر رحمهما الله وروى عن أبي
يوسف رواية أخرى ان الشريك في الحائط أولى بجميع الدار (وجه) هذه الرواية ان الشريك في الحائط
شريك في بعض المبيع فكان أولى من الجار الذي لا شركة له كالشريك في الشرب والطريق (وجه) الرواية الأولى
ان الشريك في الحائط شريك لكن في بقعة معينة وهي ما تحت الحائط لا في بقية الدار بل هو جار في بقية الدار
فكان أولى بما هو شريك فيه وبقية الدار بينه وبين الجار الاخر لاستوائهما في الجوار وكذلك الدار لرجل
فيها بيت بينه وبين غيره فباع الرجل الدار وطلب الجار الشفعة وطلبها الشريك في البيت فصاحب الشركة في البيت
أولى بالبيت وبقية الدار بينهما نصفان قال الكرخي عليه الرحمة وأصح الروايات عن أبي يوسف ان الشريك في
الحائط أولى ببقية الدار من الجار لما ذكرنا من تحقق الشركة في نفس المبيع والشريك مقدم على الجار قال وعن محمد
مسألة تدل على أن الشريك في الحائط أولى فإنه قال في حائط بين دارين لكل واحد منهما عليه خشبة ولا يعلم أن
الحائط بينهما الا بالخشبة فبيعت احدى الدارين قال فان أقام الاخر بينة ان الحائط بينهما فهو أحق من الجار لأنه
شريك وان لم يقم بينة لم أجعله شريكا وقوله أحق من الجار أي أحق بالجميع لا بالحائط خاصة وهذا هو مقتضى ظاهر هذا
الاطلاق وروى عن أبي يوسف فيمن اشترى حائطا بأرضه ثم اشترى ما بقي من الدار ثم طلب جار الحائط الشفعة
فله الشفعة في الحائط ولا شفعة له فيما بقي من الدار لأنه لم يكن جارا لبقية الدار وقت البيع إذ الحائط حائل بين ملكه
وبقية الدار فلا تجب الشفعة له وروى عن أبي يوسف في دار بين رجلين لرجل فيها طريق فباع أحدهما نصيبه من
الدار فشريكه في الدار أحق بالشفعة في الدار ولصاحب الطريق الشفعة في الطريق لان الطريق إذا كان معينا كان
بمنزلة الحائط على ما ذكرنا وهذا على الرواية التي تقول الشريك في الحائط جار في بقية الدار على ما ذكرنا فيما تقدم
والله أعلم.
(فصل) وأما شرائط وجوب الشفعة فأنواع (منها) عقد المعاوضة وهو البيع أو ما هو في معناه فلا تجب الشفعة
10

فيما ليس ببيع ولا بمعنى البيع حتى لا تجب بالهبة والصدقة والميراث والوصية لان الاخذ بالشفعة يملك على المأخوذ منه
بمثل ما ملك هو فإذا انعدم معنى المعاوضة فلو اخذ الشفيع فاما ان يأخذ بالقيمة واما ان يأخذ مجانا بلا عوض
لا سبيل إلى الأول لان المأخوذ منه لم يملكه بالقيمة ولا سبيل إلى الثاني لان الحد على التبرع ليس بمشروع فامتنع
الاخذ أصلا وإن كانت الهبة بشرط العوض فان تقابضا وجبت الشفعة لوجود معنى المعاوضة عند التقابض وان
قبض أحدهما دون الاخر فلا شفعة عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر تجب الشفعة بنفس العقد وهذا بناء على أصل
وهو ان الهبة بشرط العوض عندنا تبرع ابتداء معاوضة انتهاء وعنده معاوضة ابتداء وانتهاء ودلائل هذا الأصل في
كتاب الهبة نذكرها هناك إن شاء الله تعالى ولو وهب عقارا من غير شرط العوض ثم إن الموهوب له عوضه من ذلك
دارا فلا شفعة في الدارين لا في دار الهبة ولا في دار العوض لان اعطاء دار العوض هبة مبتدأة الا انها اختصت
بالمنع من الرجوع الا أن تكون عوضا حقيقة بدليل انه لو وهب عشرة دراهم فعوضه بخمسة جاز ولو كان عوضا حقيقة
لما جاز لأنه يكون ربا دل ان الثاني ليس بعوض عن الأول حقيقة فلم يكن هذا معاوضة بل كان هبة مبتدأة فلم تجب به
الشفعة وتجب الشفعة في الدار التي هي بدل الصلح سواء كان الصلح على الدار عن اقرار أو انكار أو سكوت لوجود
معنى المعاوضة (أما) في الصلح عن اقرار فظاهر لان المدعى ملك المدعى في حق المدعى والمدعى عليه فكانت الدار
التي هي بدل الصلح عوضا عن ملك ثابت في حقهما جميعا فيتحقق معنى المعاوضة في هذا الصلح (وأما) في الصلح عن
انكار فلان عند المدعى انه أخذ الدار عوضا عن ملكه الثابت فكان الصلح معاوضة في حقه وكان للشفيع فيها حق
الشفعة وكذا في الصلح عن سكوت المدعى عليه لان المدعى إن كان محقا في دعواه كان بدل الصلح عوضا عن ملكه
حقيقة وإن كان مبطلا كان عوضا عن ملكه في زعمه فيتحقق معنى المعاوضة في زعمه وكذا تجب الشفعة في الدار
المصالح عنها عن اقرار لوجود معنى المعاوضة في هذا الصلح من الجانبين جميعا (وأما) عن انكار فلا تجب به الشفعة
لان في زعم المدعى عليه ان الدار المدعاة ملكه وإنما بذل المال لدفع الخصومة الباطلة فلا يتحقق معنى المعاوضة في
حقه فلم يكن للشفيع أن يأخذها منه بالشفعة للحال ولكنه يقوم مقام المدعى في إقامة الحجة فان أقام البينة على صاحب
اليد ان الدار كانت للمدعى أو حلف المدعى عليه فنكل فله الشفعة لأنه تبين ان الصلح وقع معاوضة حقيقة وان لم تقم
له الحجة فلا شفعة له وكذلك لا تجب الشفعة في الدار المصالح عنها عن سكوت لان المدعى إن كان محقا في دعواه كان
الصلح معاوضة فتجب الشفعة وإن كان مبطلا لم يكن معاوضة في حق المدعى عليه فلا تجب الشفعة مع الاحتمال
لان الحكم كما لا يثبت بدون شرطه لا يثبت مع وجود الشك في شرطه لان غير الثابت بيقين لا يثبت بالشك ولو
كان بدل الصلح منافع فلا شفعة في الدار المصالح عنها سواء كان الصلح عن انكار أو اقرار لان بدل الصلح ليس بعين
مال فلم يكن هذا الصلح معاوضة عين المال بعين المال وهذا من شرائط ثبوت الشفعة على ما نذكره إن شاء الله تعالى
ولو اصطلحا على أن يأخذ المدعى عليه الدار ويعطيه دار أخرى فإن كان الصلح عن انكار تجب في كل واحدة
من الدارين الشفعة بقيمة الدار الأخرى لان الصلح إذا كان عن انكار كان الصلح على معاوضة دار بدار وإن كان
عن اقرار لا يصح الصلح ولا تجب الشفعة في الدارين جميعا لأنهما جميعا ملك المدعى ولو اشترى دارا فسلم
الشفيع الشفعة ثم رد المشترى الدار بخيار الرؤية أو شرط قبل القبض أو بعده فأراد الشفيع ان يأخذ الدار
بالشفعة بسبب الرد لم يكن له ذلك لان الرد بخيار الرؤية والشرط ليس في معنى البيع الا ترى انه يرد من غير رضا
البائع بل هو فسخ محض في حق الكل ورفع العقد من الأصل كأنه لم يكن فيعود إليه قديم ملكه فلم يتحقق معنى
البيع فلا تجب الشفعة وكذا لو رد عليه بعيب قبل القبض أو بعده بقضاء القاضي لان الرد بقضاء القاضي فسخ
مطلق وإن كان بغير قضاء القاضي فللشفيع الشفعة لان الرد بغير قضاء بيع جديد في حق ثالث وكذا الإقالة قبل
القبض أو بعده لأنها بيع جديد في حق ثالث ولا تجب الشفعة في القسمة وإن كان فيها معنى المعاوضة لأنها ليست
11

بمعاوضة محضة بل فيها معنى الاقرار والتمييز ألا ترى انه يجرى فيها الجبر فلم تكن معاوضة مطلقة فلا تجب فيها الشفعة
كما إذا صالح عن دم عمد على دار انه لا تجب الشفعة (ومنها) معاوضة المال بالمال فلا تجب في معاوضة المال بغير المال
لان الاخذ بالشفعة تملك بمثل ما تملك به المشترى فلو وجبت في معاوضة المال بغير المال فاما أن يأخذ بما تملك به المشترى
ولا سبيل إليه لأنه تملك بالقصاص واما ان يأخذ بقيمة الدار ولا سبيل إليه أيضا لان المشترى لم يتملك به فامتنع التملك
أصلا وعلى هذا يخرج ما إذا صالح عن دم العمد على دار انه لا تجب الشفعة لان القصاص ليس بمال فلم توجد معاوضة
المال بالمال وكذا لو صالح من جناية توجب القصاص فيما دون النفس على دار لما قلنا ولو صالح من جناية توجب
الأرش بدون القصاص على دار تجب فيها الشفعة بالأرش لوجود معاوضة المال بالمال وكذا لو أعتق عبدا على دار لان
العتق ليس بمال فلم توجد معاوضة بالمال (ومنها) معاوضة عين المال بعين المال فلا تجب في معاوضة عين
المال بما ليس بعين المال لما ذكرنا ان التملك بما تملكه به المشترى غير ممكن والتملك بعين المال ليس تملكا بما تملك
به المشترى فامتنع أصلا وعلى هذا يخرج ما إذا جعل الدار مهرا بأن تزوج على دار أو جعلها بدل الخلع بأن خالع امرأته
على دار أو جعلها اجرة في الإجارات بأن استأجر بدار لان هذا معاوضة المال بالمنفعة لان حكم الإجارة ثبت في
المنفعة وكذا حكم النكاح وهو الصحيح على ما عرف في مسائل النكاح من الخلاف والمنفعة ليست بمال وهذا
عند أصحابنا رحمهم الله وقال الشافعي رحمه الله هذا ليس بشرط وتجب الشفعة في هذه المواضع فيأخذها الشفيع
بقيمة البضع وهي مهر المثل في النكاح والخلع وفى الإجارة بأجرة المثل (وجه) قوله إن الاخذ بالشفعة تملك بمثل
ما تملك به المشترى عند الامكان وعند التعذر تقام قيمته مقامه الا ترى انه لو اشترى دارا بعبد فالشفيع يأخذها بقيمة
العبد لتعذر الاخذ بمثله إذ لا مثل له فتقوم قيمته مقامه كذا ههنا والمنافع تتقوم بالعقد بلا خلاف فتقام قيمة العوض
مقامه (ولنا) انا المنافع في الأصل لا قيمة لها على أصول أصحابنا والأصل فيها أن لا تكون مضمونة لان الشئ
يضمن بمثله في الأصل والعرض لا يماثل العين ولهذا قالوا إنها لا تضمن بالغصب والاتلاف الا انها تتقوم بالعقد
بطريق الضرورة ولحاجة الناس فبقي ما وراء ذلك على الأصيل فلا يظهر تقومها في حق الشفيع ولو تزوج امرأة
على دار على أن ترد المرأة عليه ألفا فلا شفعة في شئ من الدار عند أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد
رحمهما الله تجب الشفعة في حصة الألف (وجه) قولهما ان الدار بعضها مهر وبعضها مبيع فلئن تعذر ايجاب
الشفعة في حصة المهر أمكن ايجابها في حصة المبيع فتجب في حصته (وجه) قول أبي حنيفة رحمه الله انه لا يمكن
ايجاب الشفعة في حصة المبيع الا بعد قسمة الدار وفى قسمتها تقويم المنافع ولا قيمة لها الا عند الضرورة على ما بينا
ولان المهر في الدار هو الأصل لأنها إنما دفعت الألف لتسلم لها الدار فإذا لم تثبت الشفعة في الأصل فكيف تجب
في التابع ولو تزوجها على مهر مسمى ثم باع داره من المرأة بذلك المهر أو تزوجها بغير مهر مسمى ثم باع داره من
المرأة بمهر المثل تجب فيها الشفعة لان هذا مبيع مبتدأ فتجب به الشفعة ولو تزوجها على دار أو تزوجها على غير مسمى ثم
فرض لها داره مهرا لا تجب فيها الشفعة لان الغرض منه ليس ببيع بل هو تقدير المهر فلا تجب الشفعة (ومنها) أن
يكون المبيع عقارا أو ما هو بمعناه فإن كان غير ذلك فلا شفعة فيه عند عامة العلماء رضي الله عنهم وقال مالك رضي الله عنه
هذا ليس بشرط وتجب الشفعة في السفن (وجه) قوله إن السفينة أحد المسكنين فتجب فيها الشفعة كما
تجب في المسكن الاخر وهو العقار ولنا ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا شفعة الا في ربع أو
حائط لان الشفعة في العقار ما وجبت لكونه مسكنا وإنما وجبت لخوف اذى الدخيل وضرره على سبيل
الدوام وذلك لا يتحقق الا في العقار ولا تجب الا في العقار أو ما في معناه وهو العلو على ما نذكره إن شاء الله تعالى سواء
كان العقار مما يحتمل القسمة أو لا يحتملها كالحمام والرحاء والبئر والنهر والعين والدور الصغار عند أصحابنا رحمهم
الله وقال الشافعي رحمه الله لا تجب الشفعة الا في عقار يحتمل القسمة والكلام فيه يرجع إلى أصل تقدم ذكره وهو
12

ان الشفعة عندنا وجبت معلولة بدفع ضرر الدخيل واذاه على سبيل اللزوم وذلك يوجد فيما يحتمل القسمة وفيما
لا يحتمل القسمة على السواء وعنده وجبت معلولة بدفع ضرر خاص وهو ضرر القسمة فلا يتعدى إلى ما لا يحتمل
القسمة وهذا مع أنه تعليل لمنع التعدية قد أبطلناه فيما تقدم وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال إنما الشفعة
فيما لم يقسم من غير فصل وإذا بيع سفل عقار دون علوه أو علوه دون سفله أو بيعا جميعا وجبت الشفعة اما السفل فلا
شك فيه لأنه عقار وأما العلو بدون السفل فتجب فيه الشفعة إذا كان العلو قائما استحسانا لان حق البناء على السفل
متعلق به على سبيل التأبيد فصار بمعنى العقار فتجب فيه الشفعة ولو انهدم العلو ثم بيع السفل وجبت الشفعة لصاحب
العلو عند أبي يوسف وعن محمد لا شفعة له ذكره محمد في الزيادات (وجه) قول أبى يوسف ان البناء وان بطل
فحق البناء قائم وانه حق متعلق بالبقعة على سبيل الاستقرار والتأبيد فكان بمنزلة البقعة (وجه) قول محمد ان الشفعة
إنما تجب اما بالشركة في الملك أو الحقوق أو بجوار الملك ولم يوجد شئ من ذلك أما الشركة فظاهر الانتفاء وكذا الجوار
لان الجوار كان بالبناء وقد زال البناء فلا تجب الشفعة وذكر في الزيادات فيمن باع علو فاحترق قبل التسليم بطل
البيع هكذا ذكر ولم يحك خلافا من مشايخنا رحمهم الله من قال هذا قوله (فأما) على أصل أبى يوسف ينبغي أن
لا يبطل لأنه يجعل في حق البناء بمنزلة العرصة فصار كأنه باع العرصة مع البناء فاحترق البناء (ومنها) زوال ملك البائع
عن المبيع لان الشفيع يملك المبيع على المشترى بمثل ما ملك به فإذا لم يزل ملك البائع استحال تملك المشتري فاستحال
تملك الشفيع فلا تجب الشفعة في المبيع بشرط خيار البائع لان خياره يمنع زوال المبيع عن ملكه حتى لو اسقط خياره
وجبت الشفعة لأنه تبين ان المبيع زال عن ملكه من حين وجود المبيع ولو كان الخيار للمشترى تجب الشفعة لان خياره
لا يمنع زوال المبيع عن ملك البائع وحق الشفعة يقف عليه ولو كان الخيار لهما لم تجب الشفعة لأجل خيار البائع ولو
شرط البائع الخيار للشفيع فلا شفعة له لان شرط الخيار للشفيع شرط لنفسه وانه يمنع وجوب الشفعة فان أجاز الشفيع
البيع جاز البيع ولا شفعة له لان البيع تم من جهته فصار كأنه باع ابتداء وان فسخ البيع فلا شفعة له لان ملك البائع لم
يزل والحيلة للشفيع في ذلك أن لا يفسخ ولا يجيز حتى يجيز البائع أو يجوز هو بمضي المدة فتكون له الشفعة وخيار العيب
والرؤية لا يمنع وجوب الشفعة لأنه لا يمنع زوال ملك البائع (ومنها) زوال حق البائع فلا تجب الشفعة في المشترى شراء
فاسد الا ان للبائع حق النقض والرد إلى ملكه رد للفساد وفى ايجاب الشفعة تقرير الفساد حتى لو سقط حق الفسخ
بأسباب مسقطة للفسخ كالزيادة وزوال ملك المشتري ونحو ذلك كان للشفيع ان يأخذ بالشفعة لان المانع قيام الفسخ
وقد زال كما لو باع بشرط الخيار له ثم اسقط الخيار وجبت الشفعة لزوال المانع من الوجوب وهو الخيار فكذا هذا ولو
باعها المشترى شراء فاسدا بيعا صحيحا فجاء الشفيع فهو بالخيار ان شاء اخذها بالبيع الأول وان شاء اخذها بالبيع
الثاني لان حق الشفيع ثابت عند كل واحد من البيعين لوجود سبب الثبوت عند كل واحد منهما وشرائطه فكان له
الخيار غير أنه ان أخذ بالبيع الثاني أخذ بالثمن وان اخذ بالبيع الأول اخذ بقيمة المبيع يوم القبض لان الشفيع يتملك بما
تملك به المشترى والمشترى الثاني تملك بالثمن لان البيع الثاني صحيح والبيع الصحيح يفيد الملك بالمسمى وهو الثمن
والمشترى الأول تملك المبيع بقيمته لان البيع الفاسد يفيد الملك بقيمة المبيع لا بالثمن وإنما تعتبر قيمته يوم القبض لأن المبيع
بيعا فاسدا مضمون بالقبض كالمغصوب وعلى هذا الأصل يخرج قول أبي حنيفة رضي الله عنه فيمن اشترى
أرضا شراء فاسدا فبنى عليها انه يثبت للشفيع حق الشفعة لان حق البائع في القبض قد زال بالبناء وبطل فزال المانع
من وجوب الشفعة وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لا يثبت لان حق البائع لم يبطل بالبناء فكان المانع قائما وعلى
هذا يخرج قول أبي حنيفة رحمه الله في المريض إذا باع الدار من وارثه بمثل قيمتها وشفيعها أجنبي انه لا شفعة له لان
بيع المريض مرض الموت عينا من أعيان ماله لوارثه فاسد عنده الا إذا أجاز الورثة وإن كان بمثل القيمة ولا شفعة له في
البيع الفاسد الا إذا أجاز فتجب الشفعة ولو باعها من أجنبي بمثل قيمتها والوارث شفيعها لا شفعة للوارث عنده
13

أيضا لأنه يصير كأنه باعها من الوارث ابتداء لتحول ملك الصفقة إليه أو لتقدير صفقة أخرى مع الوارث وذلك فاسد
عنده وعندهما تجب الشفعة للوارث لأن العقد جائز هذا إذا باع بمثل القيمة فأما إذا باع وحابى بأن باعها بألفين
وقيمتها ثلاثة آلاف فان باعها من الوارث وشفيعها أجنبي فلا شك انه لا شفعة عند أبي حنيفة عليه الرحمة لان بيعها
من الوارث بمثل القيمة فاسد عنده فبالمحاباة أولى ولا شفعة في البيع الفاسد وعندهما البيع جائز ولكن يدفع قدر المحاباة
فتجب الشفعة ولو باع من أجنبي فكذلك لا شفعة للوارث عند أبي حنيفة رحمه الله لان الشفيع يأخذها بتلك
الصفقة بالتحول إليه أو بصفقة مبتدأة مقدرة بينهما فكان بيعا من الوارث بالمحاباة وسواء أجازت الورثة أو لم يجيزوا لان
الإجازة محلها العقد الموقوف والشراء وقع نافذا من المشترى لان المحاباة قدر الثلث وهي نافذة من الأجنبي فلغت
الإجازة في حق المشترى فتلغو في حق الشفيع أيضا واما عندهما فقد اختلفت الروايات فيه في رواية كتاب الشفعة
من الأصل والجامع لا شفعة له وفى رواية كتاب الوصايا له الشفعة وهي من مسائل الجامع تعرف ثمة إن شاء الله تعالى
(ومنها) ملك الشفيع وقت الشراء في الدار التي يأخذها بالشفعة لان سبب الاستحقاق جوار الملك ولا سبب إنما
ينعقد سببا عند وجود الشرط والانعقاد امر زائد على الوجود فإذا لم يوجد عند البيع كيف ينعقد سببا فلا شفعة له
بدار يسكنها بالإجارة والإعارة ولا بدار باعها قبل الشراء ولا بدار جعلها مسجدا ولا بدار جعلها وقفا وقضى القاضي
بجوازه أو لم يقض على قول من يجيز الوقف لأنه زال ملكه عنها لا إلى أحد ومنها ظهور ملكه للمشترى عند الانكار
بحجة مطلقة وهي البينة وهذا في الحقيقة شرط ظهور الحق لا شرط ثبوته وعلى هذا يخرج ما إذ أنكر المشترى كون
الدار التي يشفع بها مملوكة للشفيع انه ليس له أن يأخذ بالشفعة حتى يقيم البينة انها داره وهذا قول أبي حنيفة ومحمد
واحدى الروايتين عن أبي يوسف وروى عنه رواية أخرى ان هذا ليس بشرط والقول قول الشفيع ولا يحتاج
إلى إقامة البينة وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله (وجه) هذه الرواية ان الملك كان ثابتا للشفيع في هذه الدار لوجود
سبب الثبوت وما ثبت يبقى إلى أن يوجد المزيل ولان اليد دليل الملك ألا ترى ان من رأى شيئا في يد انسان حل له
أن يشهد له بالملك دل ان اليد دليل الملك من حيث الظاهر فكان الملك ثابتا للشفيع ظاهرا (وجه) ظاهر الرواية ان
سبب ثبوت الحكم لا يوجب بقاءه وإنما البقاء بحكم استصحاب الحال لا يصلح للالزام على الغير كحياة المفقود
وحرية الشهود ونحو ذلك والحاجة ههنا إلى الزام المشترى فلا يظهر الملك في حق المشترى وقوله اليد دليل الملك
قلنا إن سلم ذلك فالثابت باليد ملك يظهر في حق الدفع لا في حق الاستحقاق على الغير والحاجة ههنا إلى الاستحقاق
على المشترى فلا يكفي الملك الثابت بظاهر اليد وذكر عن أبي يوسف في من ادعى على آخر دارا وأقام البينة على أن
هذه الدار كانت في يد أبيه مات وهي في يده أنه يقضى له بالدار فان جاء يطلب بها شفعة دار أخرى إلى جنبها لم يقض
له بالشفعة حتى يقيم البينة على الملك لم يجعل القضاء باليد قضاء بالملك على الاطلاق حيث لم يوجب به الشفعة وعلى هذا
يخرج ما ذكر عن محمد أنه قال في حائط بين دارين لكل واحد منهما عليه خشبة ولا يعلم أن الحائط بينها الا بالخشبة
فبيعت احدى الدارين انه ان أقام الآخر بينة ان الحائط بينهما فهو أحق من الجار لأنه شريك وان لم يقم بينة لم
أجعله شريكا لان ملك الحائط بينها لم يثبت الا بظاهر الاستعمال بالخشبة والملك الثابت بمثل هذا الظاهر لا يكفي
لاستحقاق الشفعة قال ولو أقر البائع قبل البيع ان الحائط بينهما لم أجعل له بهذا شفعة بمنزلة دار في يد رجل أقر أنها
لاخر فبيعت إلى جنبها دار فطلب المقر له الشفعة فلا شفعة له حتى يقيم البينة ان الدار داره لان الملك في الموضعين
جميعا ثبت بالاقرار وانه حجة قاصرة فيظهر في حق المقر في المسألة الأولى وفى المسألة الثانية يظهر في حق المقر له خاصة
ولا يتعدى إلى المشترى وذكر في المنتقى عن أبي يوسف في رجل في يده دار عرف القاضي انها له فبيعت دار إلى جنب
داره فقال الشفيع بعد بيع الدار التي فيها الشفعة داري هذه لفلان وقد بعتها منه منذ سنة وقال هذا في وقت يقدر على
الاخذ بالشفعة أو طلبها لنفسه قال لا شفعة له في الدار حتى يقيم المقر له بينة على المشترى (أما) المقر فلا شك انه لا شفعة له
14

لأنه لا ملك له وقت البيع في الدار باقراره بالبيع قبله (واما) المقر له فلما ذكرنا ان الملك الثابت بالاقرار ليس بثابت بحجة
مطلقة لكون الاقرار حجة قاصرة فلا يظهر في حق الاستحقاق على المشترى وذكر الخصاف في اسقاط الشفعة ان
البائع إذا أقر بسهم من الدار للمشترى ثم باع منه بقية الدار ان الجار لا يستحق الشفعة لان المشترى صار شريك البائع
في ذلك السهم والشريك مقدم على الجار ومن أصحابنا من خطأ الخصاف في هذا وقال تجب الشفعة للجار لان شركة
المشترى لم تثبت الا بالاقرار من البائع والاقرار حجة قاصرة فلا يظهر في حق الجار فكان على شفعته وكان يستدل
بمسألة الحائط والله سبحانه وتعالى أعلم (ومنها) أن لا تكون الدار المشفوعة ملكا للشفيع وقت البيع فإن كانت
لم تجب الشفعة لاستحالة تملك الانسان مال نفسه وعلى هذا يخرج ما إذا باع المأذون دارا والمولى شفيعها انه ان
لم يكن عليه دين فلا شفعة للمولى لأنها ملك المولى والعبد كالوكيل عنه بالبيع فلا تثبت له الشفعة وإن كان عليه دين
فله الشفعة لان المولى لا يملك كسب عبده المأذون المديون فكان بمنزلة الأجنبي وكذا إذا باع المولى دارا والمأذون
شفيعها وعليه دين فله الشفعة لان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء من المشترى وشراء كل واحد منهما من صاحبه جائز
وان لم يكن عليه دين فلا يتصور الاخذ بالشفعة لان الاخذ يقع تملكا للمولى وتملك المولى محال ولو اشترى المأذون
دارا والمولى شفيعها فإن كان عليه دين فلمولاه الشفعة لان الملك بالشراء لم يقع للمولى وان يكن عليه دين فلا
يستحق الاخذ بالشفعة لان الملك يقع له وكذا إذا اشترى المولى دارا والمأذون شفيعها فإن كان عليه دين فله
الشفعة وان لم يكن فلا يتصور الاخذ بالشفعة لما قلنا (وأما) المكاتب إذا باع أو اشترى دارا والمولى شفيعها فله
أن يأخذ بالشفعة سواء كان عليه دين أو لم يكن لأنه فيما يبيع ويشترى مع المولى بمنزلة الأجنبي لأنه حر يدا ألا ترى
انه لا سبيل لمولاه على ما في يده فكان في حق ما في يده ملحقا بسائر الأجانب والله سبحانه وتعالى أعلم (ومنها) عدم
الرضا من الشفيع بالبيع وحكمه فان رضى بالبيع أو بحكمه فلا شفعة له لان حق الشفعة إنما يثبت له دفعا لضرر
المشترى فإذا رضى بالشراء أو بحكمه فقد رضى بضرر جواره فلا يستحق الدفع بالشفعة ثم الرضا قد يكون صريحا
وقد يكون دلالة (أما) الصريح فلا يشكل (وأما) الدلالة فنحو ان يبيع الشفيع الدار المشفوع فيها بأن وكله
صاحب الدار ببيعها فباعها فلا شفعة له لان بيع الشفيع دلالة الرضا بالعقد وثبوت حكمه وهو الملك للمشترى وكذلك
المضارب إذا باع دارا من مال المضاربة ورب المال شفيعها بدار له أخرى فلا شفعة لرب الدار سواء كان في الدار ربح
أو لم يكن (أما) إذا لم يكن فيها ربح فلان المضارب وكيله بالبيع والرضا بالتوكيل بالبيع رضا بالبيع وحكمه ضرورة
وانه يمنع وجوب الشفعة وإن كان فيها ربح (أما) في حصة رب المال فلما ذكرنا من وجود دلالة الرضا بالبيع في
حصته (وأما) في حصة المضارب فلانه متى امتنع الوجوب في حصة رب المال فلو ثبت في حصة المضارب لأدى
إلى تفريق الصفقة على المشترى وانه لا يجوز ولان المشترى صار شريكا للمضارب والشريك مقدم على الجار ولو
كان الشفيع وكيلا بشراء الدار المشفوع فيها فاشترى لموكله فللشفيع الشفعة لأن الشراء لغيره لا يكون فوق الشراء
لنفسه والشراء لنفسه لا يمنع وجوب الشفعة حتى لو اشترى الدار المشفوع فيها ثم حضر شفيع آخر كان له أن يأخذ
النصف بالشفعة فالشراء لغيره لان لا يمنع الوجوب أولى ولو باع رب المال دارا لنفسه والمضارب شفيعها بدار
من المضاربة فإن كان في يده من مال المضاربة وفاء بثمن الدار لم تجب الشفعة لان الاخذ إذ ذاك يقع لرب المال
وقد وجد منه دلالة الرضا بثبوت الملك للمشترى وانه يمنع وجوب الشفعة ولو لم يكن في يده وفاء فإن لم يكن في الدار
ربح فلا شفعة أيضا لان الاخذ يقع لرب المال وإن كان فيها ربح فللمضارب أن يأخذها بالشفعة لنفسه لان له نصيبا
في ذلك ولم يوجد منه الرضا سقوط حقه ولو اشترى أجنبي دار إلى جنب دار المضاربة فإن كان في يد المضارب وفاء
بالثمن فله أن يأخذها بالشفعة للمضاربة وله أن يسلم الشفعة لان حق الاخذ له فيملك تسليمه وان لم يكن في يده وفاء
فإن كان في الدار ربح فالشفعة لرب المال والمضارب جميعا لان الدار مشتركة بينهما وان لم يكن فيها ربح فالشفعة لرب
15

المال خاصة لان الدار ملكه خاصة والشفعة من حقوق الملك وعلى هذا يخرج ما إذا باع الدار على أن يضمن له
الشفيع الثمن من المشترى فضمن وهو حاضر حتى جاز البيع انه لا شفعة للشفيع لان ضمان الثمن من المشترى دلالة
الرضا بالشراء وحكمه لان تمام العقد وإبرامه يتعلق به فكان دليل الرضا وكذا لو اشترى المشترى الدار على أن
يضمن الشفيع الدرك عن البائع فضمن وهو حاضر حتى جاز البيع انه لا شفعة للشفيع لأنه لما ضمن الدرك فقد صار
راضيا بالعقد وحكمه وهو الملك للمشترى فلم تجب الشفعة وأما اسلام الشفيع فليس بشرط لوجوب الشفعة فتجب
لأهل الذمة فيما بينهم وللذمي على المسلم لان هذا حق التملك على المشترى بمنزلة الشراء منه والكافر والمسلم في ذلك
سواء لأنه من الأمور الدنيوية وروى عن شريح انه قضى بالشفعة لذمي على مسلم فكتب إلى سيدنا عمر رضى الله
تعالى عنه فأجازه وكان ذلك بمحضر من الصحابة الكرام رضى الله تعالى عنهم فيكون ذلك اجماعا ولو اشترى ذمي من
ذمي دارا بخمر أو خنزير وشفيعها ذمي أو مسلم وجبت الشفعة عند أصحابنا رحمهم الله وقال الشافعي رحمه الله لا تجب
بناء على أن ذلك ليس بمال عنده أصلا حتى لم يكن مضمونا بالاتلاف أصلا ومن شرط وجوب الشفعة معاوضة
المال بالمال وعندنا هو مال متقوم في حق أهل الذمة بمنزلة الخل والشاة لنا ثم إذا وجبت الشفعة فإن كان الشفيع ذميا
أخذ الدار بمثل الخمر وبقيمة الخنزير لان الخمر عندهم من ذوات الأمثال كالخل والخنزير ليس من ذوات الأمثال بل
من ذوات القيم كالشاة وإن كان مسلما اخذها بقيمة الخمر والخنزير لان الاخذ تملك والمسلم ليس من أهل تملك الخمر
والخنزير ومتى تعذر عليه التملك بالعين تملك بالقيمة كما لو كان الشراء بالعرض انه يأخذها بقيمة العرض كذا هذا
وكذا الحرية والذكورة والعقل والبلوغ والعدالة فتجب الشفعة للمأذون والمكاتب ومعتق البعض والنسوان
والصبيان والمجانين وأهل البغي لأنه حق مبنى على الملك وهؤلاء من أهل ثبوت الملك لهم الا أن الخصم فيما يجب
للصبي أو عليه وليه الذي يتصرف في ماله من الأب ووصيه والجد لأب ووصيه والقاضي ووصى القاضي فإذا بيعت
دار والصبي شفيعها كان لوليه أن يطالب بالشفعة ويأخذ له لان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء من المشترى والولي يملك
ذلك كما يملك الشراء فان سلم الشفعة صح التسليم ولا شفعة للصبي إذا بلغ عند أبي حنيفة وأبى يوسف رضي الله عنهما
وعند محمد وزفز رحمهما الله لا يصح تسليمه والصبي على شفعته إذا بلغ (وجه) قوله إن هذا حق ثبت للصبي نظرا
فابطاله لا يكون نظرا في حقه ومثل هذا لا يدخل تحت ولاية الولي كالعفو عن قصاص وجب للصبي على إنسان
والابراء عن كفالته بنفس أو مال ولأبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ما ذكرنا ان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء
فتسليمه امتناع من الشراء وللولي ولاية الامتناع من الشراء ألا ترى ان من قال بعت هذا الشئ لفلان الصبي لا يلزم
الولي القبول وهذا لان الولي يتصرف في مال الصبي على وجه المصلحة والمصلحة قد تكون في الشراء وقد تكون في
تركه والولي أعلم بذلك فيفوض إليه وعلى هذا الخلاف إذا سكت الولي أو الوصي عن الطلب انه يبطل حق الشفعة
عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وعند محمد وزفر رحمهما الله لا يبطل وذكر في نوادر أبى يوسف رحمه الله فيمن
اشترى دارا وابنه الصغير شفيعها كان له أن يأخذ لابنه الصغير بالشفعة فإن لم يأخذ وسلم لنفسه جاز لأن الشراء لا ينافي
الاخذ بالشفعة لان كل واحد منهما تملك بعوض ولهذا لو كان وكيلا بالشراء لغيره كان له ان يأخذ بالشفعة لنفسه فلان
يملك الاخذ لابنه أولى وإذا ملك الاخذ ملك التسليم لأنه امتناع عن الاخذ ولو باع دارا لنفسه وابنه شفيعها لم يكن له
ان يأخذ بالشفعة لان الاخذ بالشفعة تملك والبيع تمليك فينافى التملك ولهذا لا يملك الوكيل بالبيع لغيره أن يأخذ بالشفعة
وإذا لم يملك الاخذ لم يملك التسليم فلم يصح تسليمه وتوقف إلى حين بلوغ الصبي كما إذا لم يكن له ولى وأما الوصي إذا
اشترى دارا لنفسه والصبي شفيعها لم يكن له أن يأخذ بالشفعة للصغير ولو سلم الشفعة فالصغير على شفعته وكذا إذا باع
لأنه ملك الدار بالشراء لنفسه فبالأخذ بالشفعة للصغير يريد تمليك ما ملكه من الصغير والوصي لا يملك تمليك مال
الصغير الا إذا كان فيه نفع ظاهر له وإذا لم يملك الاخذ بالشفعة لم يكن سكوته عن الطلب تسليما للشفعة فبقي حق الصغير
16

في الشفعة يأخذه إذا بلغ والله سبحانه وتعالى أعلم.
(فصل) وأما بيان ما يتأكد به حق الشفعة ويستقر فنقول وبالله تعالى التوفيق انه يتأكد ويستقر بالطلب
والكلام في الطلب في مواضع في بيان وقت الطلب وفي بيان شروطه وفي بيان كيفيته وفي بيان حكمه (أما) وقته
فالطلب نوعان طلب مواثبة وطلب تقرير (أما) طلب المواثبة فوقته وقت علم الشفيع بالبيع حتى لو سكت عن
الطلب بعد البيع قبل العلم به لم تبطل شفعته لأنه ترك الطلب قبل وقت الطلب فلا يضره ثم علمه بالبيع قد يحصل بسماعه
بالبيع بنفسه وقد يحصل باخبار غيره لكن هل يشترط فيه العدد والعدالة اختلف أصحابنا رحمهم الله فيه فقال أبو
حنيفة رضي الله عنه يشترط أحد هذين اما العدد في المخبر رجلان أو رجلا وامرأتان واما العدالة وقال أبو يوسف
ومحمد لا يشترط فيه العدد ولا العدالة حتى لو أخبره واحد بالشفعة عدلا كان أو فاسقا حرا أو عبد مأذونا بالغا أو صبيا
ذكر أو أنثى فسكت ولم يطلب على فور الخبر على رواية الأصل أو لم يطلب في المجلس على رواية محمد بطلت شفعته
عندهما إذا ظهر كون الخبر صدقا وهذا على اختلافهم عن عزل الوكيل وعن جناية العبد وعن عجز المولى على ما نذكر
في كتاب الوكالة فهما يقولان العدد والعدالة ساقطا الاعتبار شرعا في المعاملات وهذا من باب المعاملة فلا يشترط
فيه العدد ولا العدالة ولأبي حنيفة رضي الله عنه ان هذا اخبار فيه معنى الالزام ألا ترى ان حق الشفيع يبطل لو لم
يطلب بعد الخبر فأشبه الشهادة فيعتبر فيه أحد شرطي الشهادة وهو العدد أو العدالة ولو أخبر المشترى الشفيع بنفسه
فقال قد اشتريته فلم يطلب شفعته وان لم يكن المشترى عدلا كذا روى عن أبي حنيفة لان المشترى خصم وعدالة
الخصم ليست بشرط في الخصومات وقالوا في المخيرة إذا بلغها التخيير انه لا يشترط في المخبر العدد ولا العدالة والفرق
لأبي حنيفة رحمه الله ان الاخبار عن التخيير ليس في معنى الشهادة لخلوه عن الزام حكم فلم يعتبر فيه أحد شرطي الشهادة
بخلاف الاخبار عن البيع في باب الشفعة على ما بينا والله سبحانه وتعالى أعلم وأما شرطه فهو أن يكون على فور العلم
بالبيع إذا كان قادرا عليه حتى لو علم بالبيع وسكت عن الطلب مع القدرة عليه بطل حق الشفعة في رواية الأصل
وروى عن محمد رحمه الله انه على المجلس كخيار المخيرة وخيار القبول ما لم يقم عن المجلس أو يتشاغل عن الطلب بعمل
آخر لا تبطل شفعته وله ان يطلب وذكر الكرخي رحمه الله ان هذا أصح الروايتين (وجه) هذه الرواية ان حق
الشفعة ثبت نظرا للشفيع دفعا للضرر عنه فيحتاج إلى التأمل ان هذه الدار هل تصلح بمثل هذا الثمن وانه هل يتضرر
بجوار هذا المشترى فيأخذ بالشفعة أو لا يتضرر فيترك وهذا لا يصح بدون العلم بالبيع والحاجة إلى التأمل شرط
المجلس في جانب المخيرة والقبول كذا ههنا (وجه) رواية الأصل ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
الشفعة لمن واثبها وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال إنما الشفعة كنشط عقال إن قيد مكانه ثبت والا ذهب
وفى بعض الروايات إنما الشعفة كحل عقال إن قيد مكانه ثبت والا فاللوم عليه ولأنه حق ضعيف متزلزل لثبوته على
خلاف القياس إذا الاخذ بالشفعة تملك مال معصوم بغير اذن مالكه لخوف ضرر يحتمل الوجود والعدم فلا يستقر الا
بالطلب على المواثبة (وأما) الاشهاد فليس بشرط لصحة الطلب حتى لو طلب على المواثبة ولم يشهد صح طلبه فيما بينه
وبين الله سبحانه وتعالى جلت عظمته وإنما الاشهاد للاظهار عند الخصومة على تقدير الانكار لان من الجائز أن
المشترى لا يصدق الشفيع في الطلب أو لا يصدق في الفور ويكون القول قوله فيحتاج إلى الاظهار بالبينة عند القاضي
على تقدير عدم التصديق لأنه شرط صحة الطلب ونظيره من أخذ لقطة ليردها على صاحبها فهلكت في يده لا ضمان عليه
فيما بينه وبين الله تبارك وتعالى وإنما الحاجة إلى الاشهاد عند أبي حنيفة رضي الله عنه لتوثيق الاخذ للرد على تقدير
الانكار الا أنه شرط البراءة عن الضمان حتى لو صدقه صاحبها في ذلك ثم طلب منه الضمان ليس له ذلك بالاجماع كذا هذا
وإذا طلب على المواثبة فإن كان هناك شهود أشهدهم وتوثق الطلب وان لم يكن بحضرته من يشهده فبعث في طلب
شهود لم تبطل شفعته لما قلنا أن الاشهاد لاظهار الطلب عند الحاجة لكن يصح الاشهاد على الطلب على رواية الفور
17

فبطلت الشهادة على الفور ضرورة وعلى رواية المجلس إذا قال وهو في المجلس ادعو إلى شهود اشهدهم فجاء الشهود
فأشهدهم صح وتوثق الطلب لان المجلس قائم ولو أخبر ببيع الدار فقال الحمد لله قد ادعيت شفعتها أو سبحان الله قد
ادعيت شفعتها فهو على شفعته على رواية محمد لان هذا يذكر لافتتاح الكلام تبركا به فلا يكون دليل الاعراض عن
الطلب وكذا إذا سلم أو شمت العاطس لان ذلك ليس بعمل يدل على الاعراض ولهذا لم يبطل به خيار المخيرة
وكذلك إذا قال من ابتاعها وبكم بيعت لان الانسان قد يرضى بمجاورة انسان دون غيره وقد تصلح له الدار بثمن دون
غيره فكان السؤال عن حال الجار ومقدار الثمن من مقدمات الطلب لا اعراضا عنه وهذا كله على رواية اعتبار المجلس
فاما على رواية اعتبار الفور تبطل شفعته في هذه المواضع لانقطاع الفور من غير ضرورة ولو أخبر بالبيع وهو في الصلاة
فمضى فيها فالشفيع لا يخلو من أن يكون في الفرض أو في الواجب أو في السنة أو في النفل المطلق فإن كان في الفرض
لا تبطل شفعته لان قطعها حرام فكان معذورا في ترك الطلب وكذا إذا كان في الواجب لان الواجب ملحق
بالفرض في حق العمل وإن كان في السنة فكذلك لأن هذه السنن الراتبة في معنى الواجب سواء كانت السنة ركعتين
أو أربعا كالأربع قبل الظهر حتى لو أخبر بعد ما صلى ركعتين فوصل بهما الشفع الثاني لم تبطل شفعته لأنها بمنزلة صلاة
واحدة واجبة وقال محمد إذا بلغ الشفيع البيع فصلى بعدا الجمة أربعا لم تبطل شفعته وان صلى أكثر من ذلك بطلت شفعته
لان الأربع بتسليمة واحدة سنة فصار كالركعتين والزيادة عليها ليست بسنة وذكر محمد رحمه الله في المخيرة إذا كانت
في صلاة النفل فزادت على ركعتين بطل خيارها لان كل شفع من التطوع صلاة على حدة والغائب إذا علم بالشفعة
فهو مثل الحاضر في الطلب والاشهاد لأنه قادر على الطلب الذي يتأكد به الحق وعلى الاشهاد الذي يتوثق به الطلب
ولو وكل الغائب رجلا ليأخذ له بالشفعة فذلك طلب منه لان في التوكيل طلبا وزيادة وإذا طلب الغائب على المواثبة
وأشهد فله بعد ذلك من الأجل مقدار المسافة التي يأتي إلى حيث البائع أو المشترى أو الدار لا زيادة عليه لان تأجيل
هذا القدر للضرورة ولا ضرورة للزيادة (أما) طلب التقرير فشرطه أن يكون على فور الطلب الأول والاشهاد
عليه فإذا طلب على المواثبة وأشهد على فوره ذلك شخصا إلى حيث البائع أو المشترى أو الدار إذا كان قادرا عليه
وتفصيل الكلام فيه ان المبيع اما أن يكون في يد البائع واما أن يكون في يد المشترى فإن كان في يد البائع فالشفيع بالخيار
ان شاء طلب من البائع وان شاء طلب من المشترى وان شاء طلب عند الدار (أما) الطلب من البائع والمشترى فلان
كل واحد منهما خصم البائع باليد والمشترى بالملك فكان كل واحد منهما خصما فصح الطلب من كل واحد منهما
(وأما) الطلب عند الدار فلان الحق متعلق بها فان سكت عن الطلب من أحد المتبايعين وعند الدار مع القدرة عليه
بطلت شفعته لأنه فرط في الطلب وإن كان في يد المشترى فان شاء طلب من المشترى وان شاء عند الدار ولا يطلب
من البائع لأنه خرج من أن يكون خصما لزوال يده ولا ملك له فصار بمنزلة الأجنبي ولو لم يطلب من المشترى ولا عند
الدار وشخص إلى البائع للطلب منه والاشهاد بطلت شفعته لوجود دليل الاعراض وفى الحقيقة لوجود دليل الرضا
ولو تعاقد البائع والمشترى في غير الموضع الذي فيه الدار فليس على الشفيع أن يأتيهما ولكنه يطلب عند الدار ويشهد
عليه لان الشفيع إذا كان بجنب الدار والعاقدان غائبان تعينت الدار للطلب عندها والاشهاد فإن لم يطلب عندها
وشخص إلى العاقدين بطلت شفعته لوجود الاعراض عن الطلب هذا إذا كان قادرا على الطلب من المشترى أو
البائع أو عند الدار فاما إذا كان هناك حائل بأن كان بينهما نهر مخوف أو أرض سبعة أو غير ذلك من الموانع لا تبطل
شفعته بترك المواثبة إلى أن يزول الحائل (وأما) الاشهاد على هذا الطلب فليس بشرط لصحته كما ليس بشرط
لصحة طلب المواثبة وإنما هو لتوثيقه على تقدير الانكار كما في الطلب الأول وكذا تسمية المبيع وتحديده ليس
بشرط لصحة الطلب والاشهاد في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف أنه شرط لا الطلب لا يصح الا بعد العلم
والعقار لا يصير معلوما الا بالتحديد فلا يصح الطلب والا شهاد بدونه (وأما) بيان كيفية الطلب فقد اختلف فيه
18

عبارات المشايخ عن محمد بن مقاتل الرازي رحمه الله ان الشفيع يقول طلبت الشفعة واطلبها وأنا طالبها وعن محمد بن
سلمة رضي الله عنه انه كأن يقول طلبت الشفعة فحسب وعن الفقيه أبى جعفر الهندواني رحمه الله انه لا يراعى فيه
ألفاظ الطلب بل لو أتى بلفظ يدل على الطلب أي لفظ كان يكفي نحو أن يقول ادعيت الشفعة أو سألت الشفعة ونحو
ذلك مما يدل على الطلب وهو الصحيح لان الحاجة إلى الطلب ومعنى الطلب يتأدى بكل لفظ يدل عليه سواء كان
بلفظ الطلب أو بغيره (وأما) حكم الطلب فهو استقرار الحق فالشفيع إذا أتى بطلبين صحيحين استقر الحق على
وجه لا يبطل بتأخير المطالبة بالاخذ بالشفعة أبدا حتى يسقطها بلسانه وهو قول أبي حنيفة واحدى الروايتين عن أبي
يوسف وفى رواية أخرى قال إذا ترك المخاصمة إلى القاضي في زمان يقدر فيه على المخاصمة بطلت شفعته ولو يؤقت
فيه وقتا وروى عنه انه قدره بما يراه القاضي وقال محمد وزفر رحمهما الله إذا مضى شهر بعد الطلب ولم يطلب من غير عذر
بطلت شفعته وهو رواية عن أبي يوسف أيضا (وجه) قول محمد وزفر ان حق الشفعة ثبت لدفع الضرر عن الشفيع
ولا يجوز دفع الضرر عن الانسان على وجه يتضمن الاضرار بغيره وفى ابقاء هذا الحق بعد تأخير الخصومة أبدا اضرار
بالمشترى لأنه لا يبنى ولا يغرس خوفا من النقض والقلع فيتضرر به فلابد من التقدير بزمان لئلا يتضرر به فقدرنا
بالشهر لأنه أدنى الآجال فإذ مضى شهر ولم يطلب من غير عذر فقد فرط في الطلب فتبطل شفعته (وجه) قول أبي حنيفة
عليه الرحمة ان الحق للشفيع قد ثبت بالطلبين والأصل ان الحق متى ثبت لانسان لا يبطل الا بابطال ولم يوجد
لان تأخير المطالبة منه لا يكون ابطالا كتأخير استيفاء القصاص وسائر الديون وقوله يتضرر المشترى ممنوع فإنه
إذا علم أن للشفيع أن يأخذ بالشفعة فالظاهر أن يمتنع من البناء والغرس خوفا من النقض والقلع فلئن فعل فهو الذي أضر
بنفسه فلا يضاف ذلك إلى الاخذ بالشفعة ولهذا لم يبطل حق الشفعة بغيبة الشفيع ولا يقال إن فيه ضررا بالمشترى
بالامتناع من البناء والغرس لما قلنا كذا هذا.
(فصل) وأما بيان ما يبطل به حق الشفعة بعد ثبوته فنقول وبالله التوفيق ما يبطل به حق الشفعة بعد ثبوته في
الأصل نوعان اختياري وضروري والاختياري نوعان صريح وما يجرى مجرى الصريح ودلالة أما الأول فنحو أن يقول
الشفيع أبطلت الشفعة أو أسقطتها أو أبرأتك عنها أو سلمتها ونحو ذلك لان الشفعة خالص حقه فيملك التصرف
فيها استيفاء واسقاطا كالابراء عن الدين والعفو عن القصاص ونحو ذلك سواء علم الشفيع بالبيع أو لم يعلم بعد أن كان
بعد البيع لان هذا اسقاط الحق صريحا وصريح الاسقاط يستوى فيه العلم والجهل كالطلاق والابراء عن الحقوق
بخلاف الاسقاط من طريق الدلالة فإنه لا يسقط حقه ثمة الا العلم والفرق يذكر بعد هذا ولا يصح تسليم الشفعة قبل
البيع لأنه اسقاط الحق واسقاط الحق قبل وجوبه ووجود سبب وجوبه محال ولو أخبر بالبيع بقدر من الثمن أو
جنس منه أو من فلان فسلم فظهر بخلافه هل يصح تسليمه فالأصل في جنس هذه المسائل انه ينظر إن كان لا يختلف
غرض الشفيع في التسليم صح التسليم وبطلت شفعته وإن كان يختلف غرضه لم يصح وهو على شفعته لان غرضه في
التسليم إذا لم يختلف بين ما أخبر به وبين ما بيع به وقع التسليم محصلا لغرضه فصح وإذا اختلف غرضه في التسليم لم يقع
التسليم محصلا لغرضه فلم يصح التسليم وبيان هذا في مسائل إذا أخبر ان الدار بيعت بألف درهم فسلم ثم تبين انها بيعت
بألفين فلا شفعة له لان تسليمه كان لاستكثاره الثمن فإذا لم تصلح له بأقل الثمنين فبأكثرهما أولى فحصل غرضه
بالتسليم فبطلت شفعته لو أخبر انها بيعت بألف فسلم ثم تبين انها بيعت بخمسمائة فله الشفعة لان التسليم عند كثرة الثمن
لا يدل على التسليم عند قلته فلم يحصل غرضه بالتسليم فبقي على شفعته ولو أخبر انها بيعت بألف درهم ثم تبين انها بيعت
بمائة دينار فإن كانت قيمتها ألفا أو أكثر فلا شفعة له وإن كانت أقل فهو على شفعته عند أصحابنا الثلاثة رضي الله عنهم
وقال زفر رحمه الله له الشفعة في الوجهين جمعيا (وجه) قول زفر ان الدراهم والدنانير جنسان مختلفان حقيقة
واعتبار الحقائق هو الأصل والغرض يختلف باختلاف الجنس لأنه قد يتيسر عليه جنس ويتعذر عليه الاخر فلم يقع
19

التسليم محصلا لغرضه فيبقى على شفعته كما لو أخبر انها بيعت بحنطة فسلم ثم تبين انها بيعت بشعير قيمته مثل قيمة الحنطة
(ولنا) ان الدراهم والدنانير في حق الثمنية كجنس واحد لأنها أثمان الأشياء وقيمتها تقوم الأشياء بها تقويما واحدا
أعني انها تقوم بهذا مرة وبذاك أخرى وإنما يختلفان في القدر لا غير فوجب اعتبار قدر قيمتهما في الكثرة والقلة كما إذا
أخبر انها بيعت بألف درهم أو بمائة دينار فسلم ثم تبين انها بيعت بأكثر أو بأقل على ما بينا كذا هذا بخلاف ما إذا أخبر
انها بيعت بحنطة فسلم ثم تبين انها بيعت بشعير قيمته مثل قيمة الحنطة أو أقل أو أكثر لان هناك اختلف إذ الحنطة
والشعير جنسان مختلفان على الاطلاق واختلاف الجنس يوجب اختلاف الغرض فلم يصح التسليم ولو أخبر انها
بيعت بألف درهم فسلم ثم تبين انها بيعت بمكيل أو بموزون سوى الدرهم والدنانير أو عددي متقارب فالشفعة قائمة
لان الثمن الذي وقع به البيع إذا كان من ذوات الأمثال فالشفيع يأخذ بمثله وانه جنس آخر غير الجنس الذي أخبر به
الشفيع فاختلف الغرض ولو أخبر انها بيعت بألف فسلم ثم تبين انها بيعت بعرض وما ليس من ذوات الأمثال فإن كانت
قيمته مثل الألف أو أكثر صح تسليمه وإن كانت أقل لم يصح تسليمه وله الشفعة لان الشفيع ههنا يأخذ
الدار بقيمة العرض لأنه لا مثل له وقيمته دراهم أو دنانير فكان الاختلاف راجعا إلى القدر فأشبه آلاف والألفين
والألف وخمسمائة على ما مر ولو أخبر بشراء نصف الدار فسلم ثم تبين انه اشترى الجميع فله الشفعة ولو أخبر بشراء
الجميع فسلم ثم تبين انه اشترى النصف فالتسليم جائز ولا شفعة له هذا هو الرواية المشهورة في الفصلين وقد روى
الجواب فيهما على القلب وهو ان التسليم في النصف يكون تسليما في الكل والتسليم في الكل لا يكون تسليما في النصف
(وجه) هذه الرواية ان تسليم النصف لعجزه عن الثمن ومن عجز عن القليل كان عن الكثير أعجز فأما العجز عن الكثير
لا يدل على العجز عن القليل (وجه) الرواية المشهورة ان التسليم في النصف للاحتراز عن الضرر وهو ضرر الشركة
وهذا لا يوجد في الكل فاختلف الغرض فلم يصح التسليم فبقي على شفعته وإذا صح تسليم الكل فقد سلم البعض
ضرورة لأنه داخل في الكل فصار بتسليم الكل مسلما للنصف لان الشركة عيب فكان التسليم بدون العيب تسليما مع
العيب من طريق الأولى ولو أخبر ان المشترى زيد فسلم ثم تبين انه عمرو فهو على شفعته لان التسليم للأمن عن الضرر
والامن عن ضرر زيد لا يدل على الامن عن ضرر عمرو لتفاوت الناس في الجوار ولو أخبر أن المشترى زيد فسلم ثم
تبين انه زيد وعمرو كان له أن يأخذ نصيب عمرو لأنه سلم نصيب زيد لا نصيب عمرو فبقي له الشفعة في نصيبه ولو أخبر
ان الدار بيعت بألف درهم فسلم ثم إن البائع حط عن المشترى خمسمائة وقبل المشترى الحط كان له الشفعة لان الحط
يلتحق بأصل العقد فتبين ان البيع كان بخمسمائة فصار كما إذا أخبر انها بيعت بألف فسلم ثم تبين انها بيعت بخمسمائة ولو لم
يقبل الحط لم تجب الشفعة لان الحط لم يصح إذا لم يقبل فلم يتبين انها بيعت بأنقص من الف فلم تجب الشفعة ولو باع
الشفيع داره التي يشفع بها بعد شراء المشترى هل تبطل شفعته فهذا لا يخلو اما إن كان البيع باتا واما إن كان فيه شرط
الخيار فإن كان باتا لا يخلو اما ان باع كل الدار واما ان باع جزأ منها فان باع كلها بطلت شفعته لان سبب الحق هو
جوار الملك وقد زال سواء علم بالشراء أو لم يعلم لان هذا في معنى صريح الاسقاط لان ابطال سبب الحق ابطال الحق
فيستوى فيه العلم والجهل فان رجعت الدار إلى ملكه بعيب بقضاء أو بغير قضاء أو بخيار رؤية أو بخيار شرط للمشترى
فليس له أن يأخذ بالشفعة لان الحق قد بطل فلا يعود الا بسبب جديد وكذلك لو باعها الشفيع بيعا فاسدا وقبضها
المشترى بطلت شفعته لزوال سبب الحق وهو جوار الملك فان نقض البيع فلا شفعة له لما ذكرنا ان الحق بعد ما بطل
لا يعود الا بسبب جديد وان باع جزأ من داره فان باع جزأ شائعا منها فله الشفعة بما بقي لان ما بقي يصلح لاستحقاق
الشفعة ابتداء فأولى أن يصلح للبقاء لان البقاء أسهل من الابتداء وان باع جزأ معينا بيتا أو حجرة فإن كان ذلك لا يلي
الدار التي فيها الشفعة فكذلك لان السبب وهو جوار الملك قائم وإن كان مما يلي تلك الدار فان استغرق حدود الدار التي
فيها الشفعة بطلت الشفعة لان الجوار قد زال وان بقي من حدها شئ ملاصق لما بقي من الدار فهو على شفعته لما ذكرنا ان
20

هذا القدر يصلح للاستحقاق ابتداء فلان يصلح لبقاء المستحق أولى وإن كان فيه خيار الشرط فإن كان الخيار
للبائع وهو الشفيع فهو على شفعته ما لم يوجب البيع لان السبب وهو جوار الملك قائم لان خيار البائع يمنع زوال المبيع
عن ملكه فان طلب الشفعة في مدة الخيار كان ذلك منه نقضا للبيع لان طلب الشفعة دليل استبقاء الملك في المبيع
وذلك اسقاط للخيار ونقض للبيع وإن كان الخيار للمشترى بطلت شفعته لان الدار خرجت على ملكه بلا خلاف
فزال سبب الحق وهو جوار الملك وإن كان الشفيع شريكا وجارا فباع نصيبه الذي يشفع به كان له أن يطلب الشفعة
بالجوار لأنه ان بطل أحد السببين وهو الشركة فقد بقي الآخر وهو الجوار ولهذا استحق به ابتداء فلان يبقى به
الاستحقاق أولى ولو صالح المشترى الشفيع من الشفعة على مال لم يجز الصلح ولم يثبت العوض وبطل حق الشفعة
أما بطلان الصلح فلانعدام ثبوت الحق في المحل لان الثابت للشفيع حق التملك وانه عبارة عن ولاية التملك وانها معنى
قائم بالشفيع فلم يصح الاعتياض عنه فبطل الصلح ولم يجب العوض وأما بطلان حق الشفيع في الشفعة فلانه
أسقطه بالصلح فالصلح وان لم يصح فاسقاط حق الشفعة صحيح لان صحته لا تقف على العوض بل هو شئ من
الأموال لا يصلح عوضا عنه فالتحق ذكر العوض بالعدم فصار كأنه سلم بلا عوض وعلى هذا إذا قال الزوج للمخيرة
اختاريني بألف درهم فقالت اخترتك لم يجب العوض وبطل خيارها وكذلك العنين إذا قال لامرأته بعد ما أخبرت
بسبب العنة اختاري ترك الفسخ بالعنة بألف فقالت اخترت بطل خيارها ولم يجب العوض وفى الكفالة بالنفس إذا
أسقطها بعوض روايتان في رواية لا يجب العوض وتبطل الكفالة كما في الشفعة وفى رواية لا تبطل الكفالة (وجه)
الرواية الأولى انه أسقط الكفالة بعوض فالاعتياض ان لم يصح فالاسقاط صحيح لان صحته لا تقف على العوض
(وجه) الرواية الأخرى انه ما رضى بالسقوط الا بعوض ولم يثبت العوض فلا يسقط وأما بطلان الشفعة من
طريق الدلالة فهو ان يوجد من الشفيع ما يدل على رضاه بالعقد وحكمه للمشترى وهو ثبوت الملك له لان حق الشفعة
مما يبطل بصريح الرضا فيبطل بدلالة الرضا أيضا وذلك نحو ما إذا علم بالشراء فترك الطلب على الفور من غير عذر أو قام
عن المجلس أو تشاغل عن الطلب بعمل آخر على اختلاف الروايتين لان ترك الطلب مع القدرة عليه دليل الرضا بالعقد
وحكمه للدخيل وكذا إذا ساوم الشفيع الدار من المشترى أو سأله أن يوليه إياها أو استأجرها الشفيع من المشترى
أو أخذها مزارعة أو معاملة وذلك كله بعد علمه بالشراء لان ذلك كله دليل الرضا أما المساومة فلأنها طلب تمليك بعقد
جديد وانه دليل الرضا بملك المتملك وكذلك التولية لأنها تملك بمثل الثمن الأول من غير زيادة ولا نقصان وانها دليل
الرضا بملك المتملك وأما الاستئجار والاخذ معاملة أو مزارعة فلأنها تقرير لملك المشتري فكانت دليل الرضا بملكه
فرق بين هذا وبين الفصل الأول حيث شرط ههنا على الشفيع بالشراء لبطلان حق الشفعة وهناك لم يشترط وإنما كان
كذلك لان السقوط في الفصل الأول بصريح الاسقاط والاسقاط تصرف في نفس الحق فيستدعى ثبوت الحق
لا غير كالطلاق والعتاق والابراء عن الديون والسقوط ههنا بطريق الدلالة وهي دلالة الرضا لا بالتصرف في محل الحق
بل في محل آخر والتصرف في محل آخر لا يصلح دليل الرضا الا بعد العلم بالبيع إذ الرضا بالشئ بدون العلم به محال والله
عز وجل اعلم ولو سلم الشفعة في النصف بطلت في الكل لأنه لما سلم في النصف بطل حقه في النصف المسلم فيه بصريح
الاسقاط وبطل حقه في النصف الباقي لأنه لا يملك تفريق الصفقة على المشترى فبطلت شفعته في الكل ولو طلب
نصف الدار بالشفعة هل يكون ذلك تسليما منه للشفعة في الكل اختلف فيه أبو يوسف ومحمد قال أبو يوسف لا يكون
تسليما وقال محمد يكون تسليما في الكل الا أن يكون سبق منه طلب الكل بالشفعة فلم يسلم له المشترى فقال له حينئذ
أعطني نصفها على أن أسلم لك النصف الباقي فان هذا لا يكون تسليما (وجه) قول محمد انه لما طلب النصف بالشفعة فقد
أبطل حقه في النصف الآخر لأنه ترك الطلب فيه مع القدرة عليه وذا دليل الرضا فبطل حقه فيه فيبطل حقه في
النصف المطلوب ضرورة تعذر تفريق الصفقة على المشترى بخلاف ما إذا كان سبق منه الطلب في الكل لأنه لما طلب
21

في الكل فقد تقرر حقه في الكل ولم يكن قوله بعد ذلك أعطني النصف على أن أسلم لك النصف الباقي تسليما بخلاف
ما إذا قال ابتداء لان الحق لم يتقرر بعد (وجه) قول أبى يوسف ان الحق ثبت له في كل الدار والحق إذا ثبت لا يسقط
الا بالاسقاط ولم يوجد فبقي كما كان ان شاء أخذ الكل بالشفعة وان شاء ترك وجواب محمد رحمه الله عن هذا انه وجد
منه الاسقاط في النصف الذي لم يطلبه من طريق الدلالة على ما بينا والله سبحانه وتعالى أعلم وأما الضروري فنحو أن
يموت الشفيع بعد الطلبين قبل الاخذ بالشفعة فتبطل شفعته وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله لا تبطل ولوارثه
حق الاخذ ولقب المسألة ان خيار الشفعة هل يورث عندنا لا يورث وعنده يورث والكلام فيه من الجانبين على نحو
الكلام في خيار الشرط وسيأتي ذكره في كتاب البيوع ولا يبطل بموت المشترى وللشفيع ان يأخذ من وارثه لان
الشفعة حق على المشترى ألا ترى انه مجبور عليه في التملك فلا يسقط بموته كحق الرد بالعيب والله سبحانه وتعالى أعلم
(فصل) وأما بيان ما يملك به المشفوع فيه فنقول وبالله التوفيق المشفوع فيه يملك بالتملك وهو تفسير الاخذ
بالشفعة فلا ملك للشفيع قبل الاخذ بل حق الاخذ والتملك قبل الاخذ للمشترى لوجود سبب الملك فيه وهو الشراء
فله أن يبنى ويغرس ويهدم ويقلع ويؤاجر ويطيب له الاجر ويأكل من ثمار الكرم ونحو ذلك وكذا له أن يبيع ويهب
ويوصي وإذا فعل ينفذ الا ان للشفيع أن ينقض ذلك بالاخذ بالشفعة لان حقه سابق على تصرف المشترى فيمتنع
اللزوم ولو جعل المشترى الدار مسجدا أو مقبرة فللشفيع أن يأخذها بالشفعة وينقض ما صنع المشترى كذا ذكر في
الأصل وقال الحسن بن زياد بطلت شفعته (وجه) قوله إن المشترى تصرف في ملك نفسه فينفذ كما لو باع الا أن البيع
ونحوه مما يحتمل النقض بعد وجوده فنفذ ولم يلزم وهذه التصرفات مما لا يحتمل الانتقاض كالاعتاق فكان نفاذها
لزومها ولنا ان تعلق حق الشفيع بالمبيع يمنع من صيرورته مسجد الا ان المسجد ما يكون خالصا لله تعالى وتعلق حق العبد
به يمنع خلوصه لله عز وجل فيمنع صيرورته مسجدا وله أن يأخذ الدار المشتراة بالشفعة لوجود السبب وهو جوار الملك
أو الشركة في ملك المبيع وعلى هذا يخرج ما إذا اشترى دارا ولها شفيع فبيعت دار إلى جنب هذه الدار فطالب
المشترى بالشفعة وقضى له بها ثم حضر الشفيع يقضى له بالدار التي بجواره ويمضى القضاء في الثانية للمشترى أما للشفيع
فظاهر وأما للمشترى فلان الجوار كان ثابتا له وقت البيع والقضاء بالشفعة الا انه بطل بعد ذلك بأخذ الشفيع للدار
بالشفعة وهذا لا يوجب بطلان القضاء لأنه تبين ان جوار الملك لم يكن ثابتا كمن اشترى دارا ولها شفيع فقضى له
بالشفعة ثم باع داره التي بها يشفع انه لا يبطل القضاء بالشفعة لما قلنا كذا هذا ولو كان الشفيع جارا للدارين فالمسألة
بحالها فيقضى له بكل الدار الأولى وبالنصف من الثانية لأنه جار خاص للدار الأولى فيختص بشفعتها وهو مع المشترى
جاران للدار الثانية فيشتركان في شفعتها وشراء المشترى لا يبطل حقه في الشفعة ولأنه لا ينافيه بل يقرر على ما بينا فيما
تقدم وروى عن أبي يوسف رحمه الله فيمن اشترى نصف دار ثم اشترى رجلا آخر نصفها الآخر فخاصمه
المشترى الأول فيقضى له بالشفعة بالشركة ثم خاصمه الجار في الشفعتين جميعا ان الجار أحق بشفعة النصف الأول
ولا حق له في النصف الثاني لأنه جار للنصف الأول فيأخذه بالجوار والمشترى شريك عند بيع النصف الثاني لثبوت
الملك له في النصف الأول بسبب الشراء وثبوت الحق للشفيع في النصف الأول لا يمنع ثبوت الملك للمشترى فيه
فكان شريكا عند بيع النصف الثاني والشريك مقدم على الجار وكذلك لو اشترى نصفها ثم اشترى نصفها الاخر
رجل آخر فلم يخاصمه فيه حتى أخذ الجار النصف الأول فالجار أحق بالنصف الثاني لان الملك وان ثبت للمشترى
الأول في النصف الأول لكنه قد بطل بأخذ الجار بالشفعة فبطل حقه في الشفعة ولو ورث رجل دارا فبيعت دار
بجنبها فاخذها بالشفعة ثم بيعت دار إلى جنب الثانية فاخذها بالشفعة ثم استحقت الدار الموروثة وطلب المستحق
الشفعة فان المستحق يأخذ الدار الثانية والوارث أحق بالثالثة لان بالاستحقاق تبين ان الدار التي يشفع بها الوارث
كانت ملك المستحق فتبين انه أخذ الثانية بغير حق إذ تبين انه لم يكن جارا فكانت الشفعة في الثانية للمستحق والوارث
22

يكون أحق بالثالثة لان الملك كان ثابتا للوارث عند بيع الثالثة فكان السبب وهو جوار الملك ثابتا له عنده ثم بطل
الاستحقاق وبطلان الملك لا يوجب بطلان الشفعة وليس للشفيع أن ينقض قسمة المشترى حتى لو اشترى نصف
دار من رجل مشاعا وقاسم المشترى البائع ثم حضر الشفيع فالقسمة ماضية ليس للشفيع أن ينقضها ليأخذ نصفها
مشاعا سواء كانت قسمته بقضاء أو بغير قضاء لان القسمة من تمام القبض ولهذا لم تصح هبة المشاع فيما يحتمل القسمة
لان القبض شرط صحة الهبة والقبض على التمام لا يتحقق مع الشياع وإذا كانت القسمة من تمام القبض فالشفيع
لا يملك نقض القبض بأن اشترى دارا وقبضها ثم حضر الشفيع وأراد أن ينقض قبضه ليأخذها من البائع لم يملك ذلك
وإذا لم يملك نقض القبض لا يملك نقض ما به تمام القبض وهو القسمة بخلاف ما إذا كانت الدار مشتركة بين اثنين باع
أحدهما نصيبه من رجل فقاسم المشترى الشريك الذي لم يبع ثم حضر الشفيع له أن ينقض القسمة لان القسمة هناك
ليست من جملة القبض لأنها من حكم البيع الأول إذ البيع الأول كما أوجب الملك أوجب القسمة في المشاع والبيع
الأول لم يقع مع هذا المشترى الذي قاسم فلم تكن هذه القسمة بحكم العقد بل بحكم الملك والتصرف بحكم الملك يملك الشفيع
نقضه كالبيع والهبة وللشفيع أن يأخذ النصف الذي أصاب المشترى بالشفعة سواء وقع نصيب المشترى من جانب
الشفيع أو من جانب آخر لان الشفعة وجبت له في النصف المشترى والنصف الذي أصاب المشترى هو المشترى
لان القسمة افراز ولو وقع نصيب البائع من جانب الشفيع فباعه بعد القسمة قبل طلب الشفيع الشفعة الأولى ثم
طلب الشفيع فان قضى القاضي بالشفعة الأخيرة جعل نصف البائع بين الشفيع وبين المشترى وقضى بالشفعة
الأولى وهي نصف المشترى للشفيع لان الشفيع مع المشترى جاران لنصف البائع والشفيع جار خاص لنصف
المشترى ولو بدأ فقضى للشفيع بالشفعة الأولى قضى له بالأخيرة أيضا لأنه لما قضى له بالشفعة الأولى بطل حق جوار
المشترى فلم يبق له حق الاخذ بالشفعة وللشفيع أن يرد المشفوع فيه بخيار الرؤية والعيب وللمشتري حق الحبس
لاستيفاء الثمن لان الملك فيه لما كان يثبت بالتملك ببدل كان الاخذ بالشفعة شراء فيراعى فيه أحكام البيع والشراء والله
سبحانه وتعالى أعلم.
(فصل) وأما بيان طريق التملك بالشفعة وبيان كيفيته فالتملك بالشفعة يكون بأحد طريقين اما بتسليم المشترى
واما بقضاء القاضي أما التملك بالتسليم بالبيع فظاهر لان الاخذ بتسليم المشترى برضاه يبدل يبدله الشفيع وهو الثمن
يفسر الشراء والشراء تملك وأما بقضاء القاضي فالكلام فيه في ثلاثة مواضع في بيان كيفية التملك بالقضاء بالشفعة وفي بيان شرط جواز القضاء بالشفعة وفي بيان وقت القضاء بالشفعة أما الأول فالمبيع لا يخلو ما أن يكون في يد البائع
واما أن يكون في يد المشترى فإن كان في يد البائع ذكر الكرخي رحمه الله أن القاضي إذا قضى بالشفعة ينتقض البيع
الذي كان بين البائع وبين المشترى في المشهور من قولهم وروى عن أبي يوسف رحمه الله انه لا ينقض واختلف
المشايخ فيه قال بعضهم البيع لا ينتقض بل تتحول الصفة إلى الشفيع وقال بعضهم ينتقض البيع الذي جرى بين البائع
والمشترى وينعقد للشفيع بيع آخر كأنه كان من البائع ايجابان أحدهما مع المشترى والاخر مع الشفيع فإذا قضى
القاضي بالشفعة فقد قبل الشفيع الايجاب الذي أضيف إليه وانتقض ما أضيف إلى المشترى سواء قبل المشترى
الايجاب المضاف إليه أو لم يقبل (وجه) قول من قال بالتحول لا بالانتقاض أن البيع لو انتقض لتعذر الاخذ بالشفعة
لأنه من شرائط وجوب الشفعة فإذا انتقض لم يجب فتعذر الاخذ (وجه) قول من قال إنه ينتقض نص محمد والمعقول
والأحكام أما الأول فقد ذكر محمد رحمه الله وقال انتقض البيع فيما بين البائع والمشترى وهذا نص في الباب وأما المعقول
فمن وجهين أحدهما ان القاضي إذا قضى بالشفعة قبل القبض فقد عجز المشترى عن قبض المبيع والعجز عن قبض
المبيع يوجب بطلان البيع لخلوه عن الفائدة كما إذا هلك المبيع قبل القبض والثاني ان الملك قبل الاخذ بالشفعة
للمشترى لوجود آثار الملك في حقه على ما بينا فيما تقدم ولو تحول الملك إلى الشفيع لم يثبت الملك للمشترى وأما الأحكام
23

فان للشفيع أن يرد الدار على من اخذها منه بخيار الرؤية وإذا رد عليه لا يعود شراء المشترى ولو تحولت الصفة إلى
الشفيع لعاد شراء المشترى لان التحول كان لضرورة مراعاة حق الشفيع ولما رد فقد زالت الضرورة فينبغي أن يعود
الشراء ولأنها لو تحولت إليه لصار المشترى وكيلا للشفيع لان عقده يقع له ولو كان كذلك لما ثبت للشفيع خيار الرؤية إذا
كان المشترى رآها قبل ذلك ورضى بها لان خيار الرؤية يبطل برؤية الوكيل ورضاه وكذلك لو كان الشراء بثمن مؤجل
فأراد الشفيع أن يأخذها للحال يأخذ بثمن حال ولو تحولت الصفقة إليه لاخذها بثمن مؤجل وكذا لو اشتراها على أن البائع
برئ من كل عيب بها عند البيع ثم اخذها الشفيع فوجد بها عيبا فله أن يردها على من أخذها منه ولو تحولت تلك الصفقة
إلى الشفيع لما ثبت له حق الرد كما لم يثبت للمشترى فدلت هذه المسائل على أن شراء المشترى ينتقض ويأخذها الشفيع
بشراء مبتدأ بعد ايجاب مبتدأ مضاف إليه وقد خرج الجواب عن قولهم إن البيع لو انتقض لتعذر الاخذ بالشفعة لأنه
لا يأخذ بذلك العقد لانتقاضه بل بعقد مبتدأ مقرر بين البائع وبين الشفيع على ما بينا تقريره والله سبحانه وتعالى أعلم
وإن كان المبيع في يد المشترى أخذه منه ودفع الثمن إلى المشترى والبيع الأول صحيح لان التملك وقع على المشترى
فيجعل كأنه اشترى منه ثم إذا أخذ الدار من يد البائع يدفع الثمن إلى البائع وكانت العهدة عليه ويسترد المشترى الثمن من
البائع إن كان قد نقد وان أخدها من يد المشترى دفع الثمن إلى المشترى وكانت العهدة عليه لان العهدة هي حق الرجوع
بالثمن عند الاستحقاق فيكون على من قبض الثمن وروى عن أبي يوسف رحمه الله أن المشترى إذا كان نقد الثمن ولم
يقبض الدار حتى قضى للشفيع بمحضر منهما أن الشفيع يأخذ الدار من البائع وينقد الثمن للمشترى والعهدة على
المشترى وإن كان لم ينقد دفع الشفيع الثمن إلى البائع والعهدة على البائع لأنه إذا كان نقد الثمن للبائع فالملك لا يقع على
البائع أصلا لأنه لا ملك له ولابد أيضا لبطلان حق الحبس بنقد الثمن بل يقع على المشترى فيكون الثمن له والعهدة عليه
وإذا كان لم ينقد فللبائع حق الحبس فلا يتمكن الشفيع من قبض الدار الا بدفع الثمن إلى البائع فكانت العهدة على البائع
وأما شرط جواز القضاء بالشفعة فحضرة المقضى عليه لان القضاء على الغائب لا يجوز وجملة الكلام فيه ان المبيع اما أن
يكون في يد البائع واما أن يكون في يد المشترى فإن كان في يد البائع فلابد من حضرة البائع والمشترى جميعا لان كل
واحد منهما خصم أما البائع فباليد واما المشترى فبالملك فكان كل واحد منهما مقضيا عليه فيشترط حضرتهما لئلا
يكون قضاء على الغائب من غير أن يكون عنه خصم حاضر وأما إن كان في يد المشترى فحضرة البائع ليست بشرط
ويكتفى بحضرة المشترى لان البائع خرج من أن يكون خصما لزوال ملكه ويده عن المبيع فصار كالأجنبي وكذا
حضرة الشفيع أو وكيله شرط جواز القضاء له بالشفعة لان القضاء على الغائب كما لا يجوز فالقضاء للغائب لا يجوز أيضا ثم
القاضي إذا قضى بالشفعة يثبت الملك للشفيع ولا يقف ثبوت الملك له على التسليم لان الملك للشفيع يثبت بمنزلة الشراء
والشراء الصحيح يوجب الملك بنفسه وأما وقت القضاء بالشفعة فوقته وقت المنازعة والمطالبة بها فإذا طالبه بها الشفيع
يقضى القاضي له بالشفعة سواء حضر الثمن أو لا في ظاهر الرواية وللمشتري أن يحبس الدار حتى يستوفى الثمن من
الشفيع وكذا الورثة لان التملك بالشفعة بمنزلة الشراء من المشترى وللبائع حق حبس المبيع لاستيفاء الثمن فان أبى أن
ينقد حبسه القاضي لأنه ظهر ظلمه بالامتناع من ايفاء حق واجب عليه فيحبسه ولا ينقض الشفعة كالمشترى إذا امتنع
من ايفاء الثمن أنه يحبس ولا ينقض البيع وان طلب اجلا لنقد الثمن أجله يوما أو يومين أو ثلاثة أيام لأنه لا يمكنه النقد
للحال فيحتاج إلى مدة يتمكن فيها من النقد فيمهله ولا يحبسه لان الحبس جزاء الظلم بالمطل ولم يظهر مطله فان مضى
الأجل ولم ينقد حبسه وقال محمد رحمه الله ليس ينبغي للقاضي أن يقضى بالشفعة حتى يحضر الشفيع المال فان طلب
أجلا أجله يوما أو يومين أو ثلاثة أيام ولم يقض له بالشفعة فان قضى بالشفعة ثم أبي الشفيع أن ينقد حبسه وهذا عندي
ليس باختلاف على الحقيقة وللقاضي أن يقضى بالشفعة قبل احضار الثمن بلا خلاف لان لفظ محمد رحمه الله ليس
ينبغي للقاضي أن يقضى بالشفعة حتى يحضر الشفيع المال لا يدل على أنه ليس له أن يقضى بل هو إشارة إلى نوع احتياط
24

واختيار الأول لا تستعمل لفظة لا ينبغي الا في مثله ولهذا لو قضى جاز ونفذ قضاؤه نص عليه محمد وليس ذلك لكونه
محل الاجتهاد ولان القضاء بمذهب المخالف في المجتهدات إنما ينفذ بشريطة اعتقاد اصابته فيه وافضاء اجتهاده إليه
وقد أطلق القضية في النفاذ من غير هذا الشرط فدل انه لا خلاف في المسألة على التحقيق ثم إن ثبت الخلاف
(فوجه) قول محمد ان حق الشفعة إنما يثبت لدفع ضرر الدخيل عن الشفيع والقضاء قبل احضار الثمن يتضمن
الضرر بالمشترى لاحتمال افلاس الشفيع ودفع الضرر عن الانسان باضرار غيره متناقض فلا يقضى قبل الاحضار
ولكن يؤجله يومين أو ثلاثة ان طلب التأجيل تمكينا له من نقد الثمن (وجه) ظاهر الرواية ان الشفيع يصير متملكا
المشفوع فيه بمقتضى القضاء بالشفعة كان اشتراه منه والتملك بالشراء لا يقف على احضار الثمن كما في الشراء المبتدأ
وقال محمد رحمه الله لو ضرب له القاضي أجلا فقال له ان لم تأت بالثمن إلى وقت كذا فلا شفعة لك فلم يأت به بطلت
شفعته وكذا إذا قال الشفيع ان لم أعطك الثمن إلى وقت كذا فأنا برئ من الشفعة لان هذا تعليق اسقاط حق الشفعة
بالشرط والاسقاطات مما يحتمل التعليق بالشرط كالطلاق والعتاق ونحو ذلك.
(فصل) وأما بيان شرط التملك فالتملك بالشفعة له شرطان أحدهما رضا المشترى أو قضاء القاضي لان تملك
مال الغير مما لا سبيل إليه في الشرع الا بالتراضي أو بقضاء القاضي فلا يثبت التملك بدونهما والثاني أن لا يتضمن التملك
تفريق الصفقة على المشترى فان تضمن ليس له أن يتملك لان في التفريق ضررا بالمشترى وهو ضرر الشركة ودفع
الضرر بالضرر متناقض وعلى هذا يخرج ما إذا أراد الشفيع أن يأخذ بعض المشترى بالشفعة دون بعض أنه هل يملك
ذلك فجملة الكلام فيه ان المشترى لا يخلو اما أن يكون بعضه ممتازا عن البعض واما أن لا يكون فإن لم يكن بأن اشترى
دارا واحدة فأراد الشفيع أن يأخذ بعضها بالشفعة دون البعض أو يأخذ الجانب الذي يلي الدار دون الباقي ليس له
ذلك بلا خلاف بين أصحابنا ولكن يأخذ الكل أو يدع لأنه لو اخذ البعض دون البعض لتفرقت الصفقة على
المشترى لان الملك له في كل الدار ثبت بقول واحد فكان اخذ البعض تفريقا فلا يملكه الشفيع وسواء اشترى واحد
من واحدا أو واحد من اثنين أو أكثر حتى لو أراد الشفيع ان يأخذ نصيب أحد البائعين ليس له لما قلنا سواء كان
المشترى قبض أو لم يقبض في ظاهر الرواية عن أصحابنا وروى عنهم أن للشفيع أن يأخذ نصيب أحد البائعين قبل
القبض وليس له أن يأخذ من المشترى نصيب أحدهما بعد القبض (وجه) هذه الرواية ان التملك قبل القبض
لا يتضمن معنى التفريق لان التملك يقع على البائع وقد خرج نصيبه عن ملكه فلا يلزمه ضرر التفريق وهو ضرر الشركة
بخلاف ما بعد القبض لان التملك بعد القبض يقع على المشترى الا ترى ان العهدة عليه وفيه تفريق ملكه والصحيح
جواب الرواية لان الملك قبل القبض للمشترى بصفقة واحدة فبملك نصيب أحد البائعين تفريق ملكه فيلزمه ضرر
الشركة ولو اشترى رجلان من رجل دارا فللشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين في قولهم جميعا لان الاخذ هنا
لا يتضمن التفريق لان الصفقة حصلت متفرقة وقت وجودها إذ الملك في نصيب كل واحد منهما ثبت بقوله فلم تتحد
الصفقة فلا يقع الاخذ تفريقا لحصول التفريق قبله وسواء كان بعد القبض أو قبله في ظاهر الرواية وروى أنه ليس
للشفيع أن يأخذ قبل القبض الا الكل وبعد القبض له أن يأخذ نصيب أحد المشتريين (وجه) هذه الرواية أن اخذ
البعض قبل القبض يتضمن تفريق اليد على البائع والتملك قبل القبض لا يتضمن التفريق لان التملك يقع على البائع
وانه لا يجوز الا ترى ان أحد المشتريين لو أراد أن يقبض حصته دون صاحبه ليس له ذلك (وجه) ظاهر الرواية
ما ذكرنا ان الصفقة حصلت متفرقة من الابتداء فلا يكون أخذ البعض تفريقا لحصول التفريق قبل الاخذ وقوله
فيه تفريق اليد وهو القبض ممنوع فالشفيع يتملك نصيب أحد المشتريين بالشفعة ولكنه لا يفرق اليد حتى لو نقد الثمن
ليس له ان يقبض أحد النصفين ما لم ينقد الآخر كيلا يتفرق القبض وسواء سمى لكل نصف ثمنا على حدة أو سمى
للجملة ثمنا واحدا فالعبرة لاتحاد الصفقة وتعددها لا لاتحاد الثمن وتعدده لان المانع من التفريق هو الضرر والضرر
25

ينشأ عن اتحاد الصفقة لا عن اتحاد الثمن وسواء كان المشترى عاقد لنفسه أو لغيره في الفصلين جميعا حتى لو وكل رجلان
جميعا رجلا واحدا بالشراء فاشترى الوكيل من رجلين فجاء الشفيع ليس له أنه يأخذ نصيب أحد البائعين بالشفعة ولو
وكل رجل واحد رجلين فاشتريا من واحد فللشفيع ان يأخذ ما اشتراه أحد الوكيلين وكذا لو كان الوكلاء عشرة
اشتروا لرجل واحد فللشفيع أن يأخذ من واحد أو من اثنين أو من ثلاثة قال محمد رحمه الله وانا انظر في هذا إلى
المشترى ولا أنظر إلى المشترى له وهو نظر صحيح لان الاخذ بالشفعة من حقوق البيع وانها راجعة إلى الوكيل
فكانت العبرة لاتحاد الوكيل وتعدده دون الموكل والله سبحانه وتعالى أعلم وإن كان المشترى بعضه ممتازا عن البعض
بأن اشترى دارين صفقة واحدة فأراد الشفيع أن يأخذ أحدهما دون الأخرى فإن كان شفيعا لهما جميعا فليس له
ذلك ولكن يأخذهما جميعا أو يدعهما وهذا قول أصحابنا الثلاثة رضى الله تعالى عنهم وقال زفر رحمه الله له أن يأخذ
أحدهما بحصتها من الثمن (وجه) قوله إن المانع من اخذ البعض دون البعض هو لزوم ضرر الشركة ولم يوجد ههنا
لانفصال كل واحدة من الدارين عن الأخرى (ولنا) ان الصفقة وقعت مجتمعة لان المشترى ملك الدارين بقبول
واحد فلا يملك الشفيع تفريقها كما في الدار الواحدة وقوله ليس فيه ضرر الشركة مسلم لكن فيه ضرر آخر وهو ان الجمع
بين الجيد والردئ في الصفقة معتاد فيما بين الناس فلو ثبت له حق أخذ أحدهما لاخذ الجيد فيتضرر له المشترى لان
الردئ لا يشترى وحده بمثل ما يشترى مع الجيد فيتضرر به وسواء كانت الداران متلاصقتين أو متفرقتين في مصر
واحد أو مصرين فهو على الاختلاف لما ذكرنا من المعنى في الجانبين فإن كان الشفيع شفيعا لإحداهما دون الأخرى
ووقع البيع صفقة واحدة فهل له أن يأخذ الكل بالشفعة روى عن أبي حنيفة انه ليس له أن يأخذ الا التي تجاوره بالحصة
وكذا روى عن محمد في الدار بين المتلاصقين إذا كان الشفيع جارا لإحداهما انه ليس له الشفعة الا فيما يليه وكذا قال
محمد في الأقرحة المتلاصقة وواحد منها يلي أرض انسان وليس بين الأقرحة طريق ولا نهر إنما هي منساة انه
لا شفعة له الا في القراح الذي يليه خاصة وكذلك في القرية إذا بيعت بدورها وأراضيها ان لكل شفيع أن يأخذ
القراح الذي يليه خاصة وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنه ان للشفيع أن يأخذ الكل في ذلك كله بالشفعة
قال الكرخي رواية الحسن تدل على أن قول أبي حنيفة كان مثل قول محمد رحمه الله ثم رجع عن ذلك فجعله كالدار
الواحدة (وجه) الرواية الأولى ان سبب ثبوت الحق وهو الجوار وجد في أحدهما وهو ما يليه فلا يملك الا اخذ
أحدهما والصفقة وان وقعت مجتمعة ولكنها أضيفت إلى شيئين أحدهما ثبت فيه حق الشفعة والآخر لم يثبت فيه
حق الشفعة فله أن يأخذ ما ثبت فيه الحق كما إذا اشترى عقارا أو منقولا صفقة واحدة انه يأخذ العقار خاصة كذا
هذا (وجه) الرواية الأخرى ان سبب الوجوب وان وجد فيما يليه دون الباقي لكن لا سبيل إلى أخذه خاصة بدون
الباقي لما فيه من تفريق الصفقة فيأخذ ما يليه قضية للسبب ويأخذ الباقي ضرورة التحرز عن تفريق الصفقة
(فصل) واما بيان ما يتملك به فنقول وبالله التوفيق ثمن المشترى لا يخلو اما أن يكون مما له مثل كالمكيلات
والموزونات والعدديات المتقاربة واما أن يكون مما لا مثل له كالمزروعات والمعدودات المتفاوتة كالثوب والعبد
ونحو ذلك فإن كان مما له مثل فالشفيع يأخذ بمثله لان فيه تحقيق معنى الاخذ بالشفعة إذ هو تمليك بمثل ما تملك به
المشترى وإن كان مما لامثل له يأخذ بقيمته عند عامة العلماء وقال أهل المدينة يأخذ بقيمة المشترى (وجه) قولهم إن
المصير إلى قيمة المبيع عند تعذر ايجاب المسمى من الثمن هو الأصل في الشريعة كما في البيع الفاسد وههنا تعذر
الاخذ بالمسمى فصار إلى قيمة الدار والعقار ولنا ان الاخذ بالشفعة يملك بمثل ما تملك به المشترى فإن كان الثمن
الذي تملك به المشترى من ذوات الأمثال كان الاخذ به تملكا بالمثل صورة ومعنى وان لم يكن من ذوات الأمثال
كان الاخذ بقيمته تملكا بالمثل معنى لان قيمته مقدار ماليته بتقويم المقومين لهذا سميت قيمته لقيامه مقامه
فكان مثله معنى واما قيمة الدار فلا تكون مثل العبد والثوب لا صورة ولا معنى فالتملك بها لا يكون تملكا بالمثل فلا
26

يتحقق معنى الاخذ بالشفعة ولو تبايعا دارا بدار فلشفيع كل واحدة من الدارين ان يأخذها بقيمتها لان الدار
ليست من ذوات الأمثال فلا يمكن الاخذ بمثلها فيأخذ بقيمتها كالعبد والثوب وعلى هذا يخرج ما لو اشترى
دارا بعرض ولم يتقابضا حتى هلك العرض بطل البيع فيما بين البائع والمشترى وللشفيع الشفعة وكذلك لو كان
المشترى قبض الدار ولم يسلم العرض حتى هلك أما بطلان البيع فيما بين البائع والمشترى فلان العرض مبيع إذ المبيع
في الأصل ما يتعين بالتعيين في البيع والعرض بتعيين بالتعيين في البيع فكان مبيعا وهلاك المبيع قبل القبض يوجب
بطلان البيع لتعذر التسليم بعد الهلاك فلم يكن في ابقاء العقد فائدة فيبطل وأما بقاء الشفعة للشفيع فلان الواجب عليه
قيمة العرض لا عينه والقيمة مقدور التسليم في حقه فكان بقاء العرض في حق الشفيع وهلاكه بمنزلة واحدة ثم
الشفيع إنما يأخذ بما وجب بالعقد لا بما أعطى بدلا من الواجب لما ذكرنا ان الاخذ بالشفعة يملك بمثل ما تملك به المشترى
والمشترى تملك المبيع بالمسمى وهو الواجب بالعقد فيأخذه الشفيع به حتى لو اشترى الدار بالدراهم والدنانير ثم دفع
مكانها عرضا فالشفيع يأخذ بالدراهم والدنانير لا بالعرض لان الدراهم والدنانير هي الواجبة بالعقد وأما العرض
فإنما اخذه البائع بعقد آخر وهو الاستبدال فلم يكن واجبا بالعقد فصار كان البائع اشترى بالثمن عرضا ابتداء ثم
حضر الشفيع ولو كان كذلك لكان يأخذ بالثمن لا بالعرض كذا هذا والله عز وجل اعلم ولو زاد المشترى البائع
في الثمن فالزيادة لا تلزم الشفيع لان الشفيع إنما يأخذ بما وجب بالعقد والزيادة ما وجبت بالعقد في حق الشفيع
لانعدامها وقت العقد حقيقة الا انها جعلت موجودة عند العقد في حق المتعاقدين تصحيحا لتصرفهما فلا يظهر الوجود
في حق الشفيع فلم تكن الزيادة ثمنا في حقه بل كانت هبة مبتدأة فلا تتعلق بها الشفعة كالهبة المبتدأة ولو حط البائع عن
المشترى أو أبراه عن البعض فالشفيع يأخذ بما بقي لان حط بعض الثمن يلتحق بأصل العقد ويظهر في حق الشفيع
كان العقد ما ورد الا على هذا القدر بخلاف الزيادة فان التحاقها لا يظهر في حق الشفيع لما بينا ولان في تصحيح الزيادة
ثمنا في حق الشفيع ضررا به ولا ضرر عليه في الحط ولو حط جميع الثمن يأخذ الشفيع بجميع الثمن ولا يسقط عنه شئ
لان حط كل الثمن لا يلتحق بأصل العقد لأنه لو التحق لبطل البيع لأنه يكون بيعا بلا ثمن فلم يصح الحط في حق الشفيع
والتحق في حقه بالعدم فيأخذ بجميع الثمن ولا يسقط عنه شئ لان حط كل الثمن لا يلتحق بأصل العقد وصح في حق
المشترى وإن كان ابراء له عن الثمن ولو اشترى دارا بثمن مؤجل فالشفيع بالخيار ان شاء أخذها بثمن حال وان شاء
انتظر مضى الأجل فأخذ عند ذلك وليس له أن يأخذها للحال بثمن مؤجل لان الشفيع إنما يأخذ بما وجب بالبيع
والأجل لم يجب بالبيع وإنما وجب بالشرط والشرط لم يوجد في حق الشفيع ولهذا لم يثبت خيار المشترى للشفيع بأن
اشترى على أنه بالخيار لان ثبوته بالشرط ولم يوجد من الشفيع وكذا البراءة عن العيب لا تثبت في حق الشفيع لان
ثبوتها بالشرط ولم يوجد مع الشفيع كذا هذا وله أن يمتنع من الاخذ في الحال لان الشفيع غير مجبور على الاخذ بالشفعة
ولو اختار الشفيع أخذ الدار بثمن حال كان الثمن للبائع على المشترى إلى أجل لان الاخذ من المشترى تملك منه بمنزلة
التملك المبتدأ كأنه اشترى منه فلا يوجب بطلان البيع الأول فبقي الأول على حاله فكان الثمن على حاله إلى أجله
وروى عن أبي يوسف في شراء الدار بثمن مؤجل انه يجب على الشفيع ان يطلب عند علمه بالبيع فان سكت إلى
حين محل الأجل فذلك تسليم منه ثم رجع وقال إذا طلب عند حل الأجل فله الشفعة وان لم يطلب عند علمه بالبيع
(وجه) قوله الأول ان وقت الطلب هو وقت العلم بالبيع لا وقت حل الأجل فقد اخره عن وقته من غير عذر فبطل
الحق (وجه) قوله الاخر ان الطلب لا يراد لعينه بل لتأكيد الحق واستقراره والتأكيد لا يراد لنسفه بل لامكان
الاخذ وله ان لا يأخذ قبل حل الأجل فله أن لا يطلب قبل حله أيضا والله تعالى أعلم.
(فصل) وأما بيان ما يتملك بالشفعة فالذي يتملكه الشفيع بالشفعة هو الذي ملكه المشترى بالشراء سواء ملكه
أصلا أو تبعا بعد أن يكون متصلا وقت التملك بالشفعة وذلك نحو البناء والغرس والزرع والثمر وهذا استحسان
27

والقياس ان لا يؤخذ البناء والغرس والزرع والثمر بالشفعة (وجه) القياس ان الشفيع إنما يتملك ما يثبت له فيه حق
الشفعة وانه يثبت في العقار لا في المنقول وهذه الأشياء منقولة فلم يثبت فيها الحق فلا تتملك بالشفعة وخاصة الزرع
والثمر لأنهما مبيعان ومقصود ان لا يدخلان في العقد من غير تسمية فلم يثبت الحق فيهما لا أصلا ولا تبعا ولنا ان الحق
إذا ثبت في العقار يثبت فما هو تبع له لان حكم التبع حكم الأصل وهذه الأشياء تابعة للعقار حالة الاتصال أما البناء
والغرس فظاهران لان قيامهما بالأرض وكذلك الزرع والثمر لان قيام الزرع وقيام الثمر بالشجر وقيام الشجر
بالأرض فكان تبعا للأرض بواسط الشجر فيثبت الحق فيهما تبعا فيملكهما بالشفعة بطريق التبعية الا انهما
لا يدخلان في العقد الا بالتسمية مع وجود التبعية حقيقة بالنص وهو ما سنروي في كتاب البيوع عن سيدنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع الا أن يشترطها المبتاع فما دام البناء والشجر متصلا
بالأرض فللشفيع أن يأخذ الأرض معه بالثمن الأول وكذا له أن يأخذ الأرض مع الثمر والزرع بالثمن الأول بقلا كان
الزرع أو مستحصدا إذا كان متصلا فأما إذا زال الاتصال ثم حضر الشفيع فلا سبيل للشفيع عليه وإن كان عينه
قائمة سواء كان الزوال بآفة سماوية أو بصنع المشترى أو الأجنبي لان حق الشفعة في هذه الأشياء إنما ثبت معدولا
به عن القياس معلولا بالتبعية وقد زالت التبعية بزوال الاتصال فيرد الحكم فيه إلى أصل القياس وهل يسقط عن
الشفيع حصته من الثمن هذا لا يخلو اما إن كان مما يدخل في العقد من غير تسمية واما إن كان مما لا يدخل فيه الا بالتسمية
فإن كان مما يدخل في العقد من غير تسمية كالبناء والشجر ينظر إن كان زوال الاتصال بآفة سماوية بأن احترق البناء
أو غرق أو جف شجر البستان لا يسقط شئ من الثمن والشفيع يأخذ الأرض بجميع الثمن أن شاء اخذ وان شاء ترك
وكذلك لو انهدمت الدار سواء بقي عين النقض أو هلك كذا ذكر القدوري رحمه الله في مختصره وسوى بينه وبين
الغرق والحرق وفرق الكرخي رحمه الله فقال إن احترق أو غرق ولم يبق منه شئ لا يسقط شئ من الثمن وان انهدم
يسقط عن الشفيع حصته من الثمن وسوى بينه وبين ما إذا انهدم بفعل المشترى أو الأجنبي لكنه فرق بينهما من
وجه آخر وهو ان هناك تعتبر قيمته متصلا فيقسم الثمن على قيمة البناء مبنيا وعلى قيمة الأرض فيأخذ الأرض
بحصتها من الثمن وههنا يعتبر منفصلا ساقطا ويسقط ذلك القدر من الثمن والصحيح ما ذكره القدوري رحمه الله
لان البناء تبع والاتباع لا حصة لها من الثمن الا ان تصير مقصودة بالفعل وهو الاتلاف والقبض ولم يوجد وهذا لو
احترق أو غرق لا يسقط شئ من الثمن كذا هذا وإن كان زوال الاتصال بفعل المشترى أو أجنبي بأن انهدم البناء أو
قطع الشجر تسقط حصته من الثمن لأنه صار مقصودا بالاتلاف فصار له حصة من الثمن كاطراف العبد ويقسم الثمن
على البناء مبنيا وعلى قيمة الأرض لأنه إنما يسقط حصة البناء فصار مضمونا عليه بفعله وهو الهدم والهدم صادفه
وهو مبنى فتعتبر قيمته مبنيا بخلاف ما إذا انهدم بنفسه على رواية الكرخي رحمه الله لأنه انهدم لا بصنع أحد فيعتبر حاله
يوم الانهدام ولو لم يهدم المشترى البناء لكنه باعه بغير أرض ثم حضر الشفيع كان أحق بالبناء والأرض فيأخذ
وينتقض البيع في البناء لأنه باع البناء وحق الشفيع متعلق به تبعا للأرض لوجود الاتصال فكان سبيل من ابطال
البيع كما لو باع الأصل وهو الأرض ثم حضر الشفيع ان له أن يأخذ وينتقض البيع كما قلنا كذا هذا وإن كان مما
لا يدخل في العقد الا بالتسمية كالثمر والزرع يسقط عن الشفيع حصته من الثمن سواء كان زوال الاتصال بصنع
العبد أو بآفة سماوية بخلاف الفصل الأول إذا احترق البناء أو غرق أو انهدم على رواية القدوري رحمه الله انه
لا يسقط شئ من الثمن لان البناء مبيع تبعا لا مقصودا لثبوت حكم البيع فيها تبعا لا مقصودا بالتسمية والاتباع
ما لها حصة من الثمن الا إذا صارت مقصودة بالفعل ولم يوجد فأما الثمر والزرع فكل واحد منهما مبيع مقصود
ألا يرى أنه لا يدخل في العقد من غير تسمية فلابد وان يخصه شئ من الثمن فان هلك يهلك بحصته من الثمن سواء هلك
بنفسه أو بالاستهلاك لما قلنا وتعتبر قيمته يوم العقد لأنه أخذ الحصة بالعقد فتعتبر قيمته يوم العقد فيقسم الثمن على قيمة
28

الأرض وعلى قيمة الزرع وقت العقد لكنه كيف تعتبر قيمتها يوم العقد مفصولا مجذوذا أم قائما روى عن أبي
يوسف انه تعتبر قيمة الزرع وهو بقل مفصول ومجذوذ فيسقط عنه ذلك القدر وروى عن محمد في النوادر أنه يعتبر
قيمته قائما فتقوم الأرض وفيها الزرع والثمر وتقوم وليس فيها الزرع والثمر فيسقط عن الشفيع ما بين ذلك (وجه)
قول محمد ان الزرع دخل في العقد وهو متصل ويثبت الحق فيه وهو منفصل وكذا الثمر فتعتبر قيمتها على صفة
الاتصال على أن في اعتبار حالة الانفصال اضرارا بالشفيع إذ ليس للمفصول والثمر المجذوذ كثير قيمة فيتضرر به
الشفيع (وجه) قول أبى يوسف ان حق الشفيع إنما سقط بعد زوال الاتصال فتعتبر قيمتها منفصلا لا متصلا
وكذا لو كانت الأرض مبذورة ولم يطلع الزرع بعد ثم طلع فقصله المشترى عند أبي يوسف يقسم الثمن على قيمة
البذر وعلى قيمة الأرض فيسقط قدر قيمة البذر عن الثمن وعند محمد تقوم الأرض مبذورة وغير مبذورة فيسقط
عنه ما بين ذلك إذا آجر الشفيع الأرض مع الشجر بحصتها من الثمن وبقيت الثمرة في يد البائع هل يثبت الخيار
للمشترى ذكر محمد ان الثمرة لازمة للمشترى ولا خيار له ولو كان البائع اتلف الثمرة قبل أن يأخذ الشفيع الأرض
بالشفعة فالمشترى بالخيار ان شاء اخذ الأرض بحصتها من الثمن وان شاء ترك لأنه لما أتلف الثمرة فقد فرق الصفقة
على المشترى قبل التمام من غير رضاه وانه يوجب الخيار بخلاف ما إذا كان الشفيع اخذ الأرض بالشفعة لان التفريق
هناك حصل برضا المشترى لان حق الشفيع كان ثابتا في المأخوذ وانه حق لازم فكان التفريق هناك لضرورة حق
ثابت لازم شرعا فكان المشترى راضيا به والتفريق المرضى به لا يوجب الخيار والله سبحانه وتعالى اعلم هذا إذا كانت
هذه الأشياء موجودة عند العقد متصلة بالعقار ودام الاتصال إلى وقت التملك بالشفعة أو زال ثم حضر الشفيع فاما إذا
لم تكن موجودة عند العقد ووجدت بعده ثم حضر الشفيع فإن كان الحادث مما يثبت حكم البيع فيه تبعا وهو الثمر
بأن وقع البيع ولا ثمر في الشجر ثم أثمر بعده ثم حضر الشفيع فما دام متصلا يأخذه الشفيع مع الأرض بالثمن الأول
استحسانا لأنه ثبت حكم البيع فيه تبعا لثبوته في الأرض بواسطة الشجر فكان مبيعا تبعا فيثبت حق الشفعة تبعا
سواء حدث في يد المشترى أو في يد البائع لان الشفعة موجودة في الحالين فان زال الاتصال فحضر الشفيع فإن كان
حدث في يد المشترى فالشفيع يأخذ الأرض والشجر بالثمن الأول ان شاء وان شاء ترك ولا يسقط شئ من الثمن
وسواء كان زواله بآفة سماوية وهو قائم بعد الزوال أو هالك أو كان زواله بفعل أحد أما إذا كان بآفة سماوية وهو قائم
أو هالك لأنه كان تبعا حالة الاتصال ولم يرد عليه فعل يصير به مقصودا والتبع لا يصير له حصة من الثمن بدونه واما إذا كان
الزوال بصنع العبد بان جده المشترى وهو قائم أو هالك فلانه لم يرد عليه العقد ولا القبض وإن كان حدث في يد البائع فإن كان
الزوال بآفة سماوية وهو قائم أو هالك فكذلك أخذ الشفيع الأرض والشجر بجميع الثمن أن شاء لأنه لم يوجد
فعل يصير به مقصودا فيقابله الثمن وإن كان بفعل البائع بأن استهلكه يسقط عن الشفيع حصته من الثمن لصيرورته
مقصودا بالاتلاف وإن كان الحادث مما لم يثبت فيه حكم البيع رأسا لا أصلا ولا تبعا بأن بنى المشترى بناء أو غرس أو
زرع ثم حضر الشفيع يقضى له بشفعة الأرض ويجبر المشترى على قلع البناء والغرس وتسليم الساحة إلى الشفيع الا إذا
كان في القلع نقصان الأرض فللشفيع الخيار ان شاء اخذ الأرض بالثمن والبناء والغرس بقيمته مقلوعا وان شاء أجبر
المشترى على القلع وهذا جواب ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف انه لا يجبر المشترى على قلع البناء والغرس
ولكنه يأخذ الأرض بثمنها والبناء والغرس بقيمته قائما غير مقلوع ان شاء وان شاء ترك وبه أخذ الشافعي رضي الله عنه
واجمعوا على أن المشترى لو زوع في الأرض ثم حضر الشفيع انه لا يجبر المشترى على قلعه ولكنه ينتظر ادراك
الزرع ثم يقضى له بالشفعة فيأخذ الأرض بجميع الثمن (وجه) رواية أبى يوسف رحمه الله ان في الجبر على النقض
ضررا بالمشترى وهو ابطال تصرفه في ملكه وفيما قلنا مراعاة الجانبين (أما) جانب المشترى فظاهر لان فيه صيانة حقه
عن الابطال (وأما) جانب الشفيع فلانه يأخذ البناء بقيمته وأخذ الشئ بقيمته لا ضرر فيه على أحد (وجه) ظاهر
29

الرواية ان حق الشفيع كان متعلقا بالأرض قبل البناء ولم يبطل ذلك بالبناء بل بقي فإذا قضى له بالشفعة فقد صار ذلك
الحق ملكا له فيؤمر بتسليم ملكه إليه ولا يمكنه التسليم الا بالنقض فيؤمر بالنقض ولهذا أمر الغاصب والمشترى عند
الاستحقاق بالنقض كذا هذا قوله في النقض ضرر بالمشترى قلنا إن كان فيه ضرر به فهو الذي أضر بنفسه حيث بنى
على محل تعلق به حق غيره ولو اخذ الشفيع الأرض بالشفعة وبنى عليها ثم استحقت وامر الشفيع بنقض البناء فان
الشفيع يرجع على المشترى بالثمن ولا يرجع عليه بقيمة البناء إن كان اخذ منه ولا على البائع أيضا إن كان اخذ منه في
ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف رحمه الله انه يرجع عليه (وجه) هذه الرواية ان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء
من المشترى ولو كان اشتراه لرجع عليه كذا إذا اخذه بالشفعة له الرجوع بقيمة البناء في الشراء لوجود الغرور من
البائع وضمان السلامة للمشترى لان كل بائع مخير للمشترى انه يبيع ملك نفسه وشارط سلامة ما يبنى فيه دلالة فإذا
لم يسلم يدفع بحكم الضمان المشروط دلالة إذ ضمان الغرور ضمان الكفالة في الحقيقة ولا غرور من المشترى في حق
الشفيع لأنه مجبور على التملك منه وحق الرجوع بضمان الغرور على المختار لا على المجبور كالجارية المأسورة إذا
اشتراها رجل فأخذها المالك القديم بالثمن واستولدها ثم استحقت من يده وقضى عليه بالعقر وقيمة الولد فإنه يرجع على
المشترى بالثمن الذي دفعه إليه ولا يرجع عليه بقيمة الولد ومثله إذا استولد جارية بالشراء ثم استحقت فان المشترى
يرجع على بائعه بالثمن وبقيمة الولد لصيرورته مغرورا من جهته ولا غرور من المشترى من الحربي لكونه مجبورا
في التملك عليه بما اخذه من الحربي كذا هذا والله سبحانه وتعالى اعلم.
(فصل) وأما بيان من يتملك منه الشص المشفوع فيه فالشفيع يتملك من الذي في يده إن كان في يد البائع اخذه منه
ونقده الثمن والعهدة عليه وإن كان في يد المشترى اخذه ودفع الثمن إليه والعهدة عليه سواء كان المشترى عاقدا لنفسه أو
لغيره بأن كان وكيلا بالشراء وقبض الدار ثم حضر الشفيع وهذا جواب ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف رحمه
الله انه لا يأخذها من يد الوكيل (وجه) هذه الرواية ان الوكيل لم يشتر لنفسه وإنما اشترى لموكله فلم يكن هو خصما
بل الخصم الموكل فلا يأخذ منه ولكن يقال له سلم الدار إلى الموكل فإذا سلم يأخذها الشفيع منه (وجه) ظاهر الرواية
ان الشفعة من حقوق العقد وانها راجعة إلى الوكيل والوكيل في الحقوق أصل بمنزلة المشترى لنفسه فكان خصم الشفيع
فيأخذ الدار منه بالثمن وكانت العهدة عليه وإن كان الوكيل سلم الدار إلى الموكل ثم حضر الشفيع فإنه يأخذ الدار من
الموكل ويدفع الثمن إليه وكانت العهدة عليه ولا خصوصة للشفيع مع الوكيل لأنه بالتسليم إلى الموكل زالت يده عن الدار
فخرج من أن يكون خصما بمنزلة البائع إذا سلم الدار إلى المشترى انه لا خصوصة للشفيع مع البائع لما قلنا كذا هذا غير أن
الدار إذا كانت في يد البائع لم يكن خصما ما لم يحضر المشترى وإذا كانت في يد الوكيل يكون خصما وان لم يحضر الموكل
لان الوكيل بالتوكيل قام مقام الموكل والبائع ليس بقائم مقام المشترى لانعدام ما يوجب ذلك ولو قال المشترى قبل أن
يخاصمه الشفيع في الشفعة إنما اشتريت لفلان وسلم إليه ثم حضر الشفيع فلا خصومة بينه وبين المشترى لأنه أقر قبل
أن يكون خصما للشفيع فصح اقراره لانعدام التهمة فصار كما لو كانت الوكالة معلومة ولو أقر بذلك بعد ما خاصمه
الشفيع لم تسقط الخصومة عنه لأنه متهم في هذا الاقرار لصيرورته خصما للشفيع فلا يقبل في ابطال حقه ولو أقام بينة
أنه قال قبل الشراء إنما اشترى لفلان لم تقبل بينته لأن هذه البينة لو صدقت لم تدفع الخصومة عنه لأنه لا يثبت بها الا
الشراء لفلان وبهذا الا تندفع عنه الخصوصة وروى عن محمد انها لا تقبل لاثبات الملك للغائب وتقبل لدفع الخصومة
بينه وبين الشفيع حتى يحضر المقر له.
(فصل) وأما بيان حكم اختلاف الشفيع والمشترى فاختلافهما لا يخلو اما ان يرجع إلى الثمن واما ان يرجع
إلى المبيع واما أن يرجع إلى صفة المبيع أما الذي يرجع إلى الثمن فلا يخلو اما أن يقع الاختلاف في جنس الثمن
واما ان يقع في قدره وأما يقع في صفته وان وقع في الجنس بأن قال المشترى اشتريت بمائة دينار وقال الشفيع لا بل
30

بألف درهم فالقول قال المشترى لان الشفيع يدعى عليه التملك بهذا الجنس وهو ينكر فكان القول قول المنكر مع
يمينه ولان المشترى اعرف بجنس الثمن من الشفيع لأن الشراء وجد منه لا من الشفيع فكان اعرف به من الشفيع
فيرجع في معرفة الجنس إليه وان وقع الاختلاف في قدر الثمن بأن قال المشترى اشتريت بألفين وقال الشفيع بألف
فالقول قول المشترى مع يمينه وعلى الشفيع البينة انه اشتراه بألف لان الشفيع يدعى التملك على المشترى بهذا
القدر من الثمن والمشترى ينكر فكان القول قول المنكر ولو صدق البائع الشفيع بان قال بعت بألف ينظر في ذلك
إن كان البائع ما قبض الثمن فالقول قول البائع والشفيع يأخذ بالألف سواء كان المبيع في يد البائع أو في يد المشترى
إذا لم يكن نقد الثمن لان البائع إذا لم يكن قبض الثمن فالتملك يقع عليه بتمليكه فيرجع في مقدار ما ملك به إلى قوله
ولأن الشراء لو وقع بألف كما قاله البائع اخذ الشفيع به وان وقع بألفين كما قاله المشترى كان قول البائع بعت بألف
حط بعض الثمن عن المشترى وحط بعض الثمن يصح ويظهر في حق الشفيع على ما مر وإن كان البائع قبض
الثمن لا يلتفت إلى تصديقه والقول قول المشترى لأنه إذا قبض الثمن لم يبق له حق في المبيع أصلا وصار أجنبيا
فالتحق تصديقه بالعدم وقيل إنه يراعى التقديم والتأخير في تصديق البائع فان بدأ بالاقرار بالبيع بأن قال بعت الدار
بألف وقبضت الثمن فالشفيع يأخذها بألف وان بدأ بالاقرار بقبض الثمن بأن قال قبضت الثمن وهو الألف
لا يلتفت إلى قوله لأنه لما بدأ بالاقرار بالبيع فقال بعت بألف فقد تعلق به حق الشفعة فهو بقوله قبضت الثمن يريد
اسقاط حق متعلق بقوله فلا يصدق وإذا بدأ بالاقرار بقبض الثمن فقد صار أجنبيا فلا يقبل قوله في مقدار الثمن وروى
الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهما ان المبيع إذا كان في يد البائع فأقر بقبض الثمن وزعم أنه ألف فالقول قوله لأن المبيع
إذا كان في يد البائع فالتملك يقع عليه فكان القول قوله في مقدار الثمن ولو اختلف البائع مع المشترى والشفيع
والدار في يد البائع أو المشترى لكنه لم ينقد الثمن فالقول في ذلك قول البائع والبائع مع المشترى يتحالفان ويترادان
والشفيع يأخذ الدار بما قال البائع ان شاء اما التحالف والتراد فيما بين البائع والمشترى فلقوله عليه الصلاة والسلام
إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا وأما أخد الشفيع بقول البائع ان شاء فلانه إذا لم يقبض الثمن فالتملك يقع عليه فكان
القول في مقدار الثمن في حق الشفيع قوله وإن كان البائع قد قبض الثمن فلا يلتفت إلى قوله لأنه صار أجنبيا على ما بينا
هذا إذا لم يكن لأحدهما بينة لا للشفيع ولا للمشترى فان قامت لأحدهما بينة قبلت بينته وان أقاما جميعا البينة فالبينة
بينة الشفيع عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف البينة بينة المشترى (وجه) قوله إن بينة المشترى تظهر زيادة فكانت
أولى بالقبول كما إذا اختلف البائع والمشترى في مقدار الثمن فقال البائع بعت بألفين وقال المشترى بألف وأقاما جميعا
البينة فالبينة بينة البائع لما قلنا والجامع بينهما من وجهين أحدهما ان الزيادة التي تظهرها احدى البينتين لا معارض لها
فتقبل في قدر الزيادة لخلوها عن المعارض ولا يمكن الا بالقبول في الكل فتقبل في الكل ضرورة والثاني ان البينة
المظهرة للزيادة مثبتة والأخرى نافية والمثبت يترجح على النافي ولأبي حنيفة رضي الله عنه طريقتان أحدهما ذكرها
أبو يوسف لأبي حنيفة ولم يأخذ بها والثانية ذكرها محمد وأخذ بها أما الأولى فهي ان البينة جعلت حجة للمدعى قال
النبي عليه الصلاة والسلام البينة على المدعى والمدعى ههنا هو الشفيع لأنه غير مجبور على الخصومة في الشفعة بل إذا تركها
ترك والمشترى مجبور على التملك عليه بحيث لو ترك الخصومة لا يترك فكان المدعى منهما هو الشفيع فكانت البينة حجته
وأما الثانية فهي ان البينة حجة من حجج الشرع فيجب العمل بها ما أمكن وههنا أمكن العمل بالبينتين في حق الشفيع
بأن يجعل كأنه وجد عقدان أحدها بألف والاخر بألفين لان البيع الثاني لا يوجب انفساخ البيع الأول في حق
الشفيع وإن كان يوجب ذلك في حق العاقدين الا ترى انه لو باع بألف ثم باع بألفين ثم حضر الشفيع كان له أن يأخذ
الدار بألف دل ان البيعين قائما في حق الشفيع وان الفسخ الأول في حقهما فأمكن تقدير عقدين بخلاف ما إذا
اختلف البائع والمشترى في مقدار الثمن وأقاما البينة أن البينة بينة البائع أما على الطريق الأولى فلان البائع هناك هو
31

المدعى فكانت البينة حجته الا ترى انه لا يجبر على الخصومة والمشترى مجبور عليها وههنا بخلافه على ما بينا وأما على
الطريق الثانية فلان تقدير عقدين هنا متعذر لان البيع الثاني يوجب انفساخ الأول في حق العاقدين فكان العقد
واحدا والترجيح بجانب البائع لانفراد بينته باظهار فضل فكانت أولى بالقبول الله سبحانه وتعالى أعلم ولو اشترى
دارا بعرض ولم يتقابضا حتى هلك العرض وانتقض البيع فيما بين البائع والمشترى أو كان المشترى قبض الدار ولم يسلم
العرض حتى هلك وانتقض البيع فيما بينهما وبقى للشفيع حق الشفعة بقيمة العرض على ما بينا فيما تقدم ثم اختلف
الشفيع والبائع في قيمة العرض فالقول قول البائع مع يمينه لان الشفيع يدعى عليه التملك بهذا القدر من الثمن وهو ينكر
فان أقام أحدهما بينة قبلت بينته وان أقاما جميعا البينة فالقول قول البائع عند أبي يوسف ومحمد وهو قول أبي حنيفة
على قياس العلة التي ذكرها محمد لأبي حنيفة رحمه الله في تلك المسألة أما عند أبي حنيفة فظاهر لان بينة البائع انفردت
باثبات زيادة وكذلك عند محمد على قياس ما ذكره لأبي حنيفة في تلك المسألة وأخذ به لان تقدير عقدين ههنا غير
ممكن لأن العقد وقع على عرض بعينه وإنما اختلفا في قيمة ما وقع عليه العقد فكان العقد واحدا فلا يمكن العمل
بالبينتين فيعمل بالراجح منهما وهو بينة البائع لانفرادها باظهار الفضل وكذلك عند أبي حنيفة على قياس ما علل
له محمد واما على قياس ما علل له أبو يوسف فينبغي أن تكون البينة بينة الشفيع لأنه هو المدعى وهكذا ذكر
الطحاوي رحمه الله والله سبحانه وتعالى اعلم ولو هدم المشترى بناء الدار حتى سقط عن الشفيع قدر قيمته من الثمن
ثم اختلفا في قيمة البناء فهذا لا يخلو (أما) ان اختلفا في قيمة البناء واتفقا على قيمة الساحة واما ان اختلفا في قيمة
البناء والساحة جميعا فان اختلفا في قيمة البناء لا غير فالقول قول المشترى مع يمينه لان الشفيع يدعى على المشترى
زيادة في السقوط وهو ينكر وان اختلفا في قيمة البناء والساحة جميعا فان الساحة تقوم الساعة والقول في قيمة
البناء قول المشترى (أما) تقوم الساحة الساعة فلانه يمكن معرفة قيمتها للحال فيستدل بالحال على الماضي ولا يمكن
تحكيم الحال في البناء لأنه تغير عن حاله والقول قول المشترى لما قلنا فان قامت لأحدهما بينة قبلت بينته وان أقاما جميعا
البينة قال أبو يوسف البينة بينة الشفيع على قياس قول أبي حنيفة رحمه الله وقال محمد البينة بينة المشترى على قياس قول
أبي حنيفة وقال أبو يوسف من تلقاء نفسه البينة بينة المشترى لأنها تظهر زيادة وإنما اختلفا في القياس على قول
أبي حنيفة لاختلاف الطريقين اللذين ذكرناهما له في تلك المسألة فطريق أبى يوسف ان الشفيع هو المدعى والبينة
حجة المدعى وهذا موجود ههنا وطريق محمد رحمه الله العمل بالبينتين بتقدير عقدين وهذا التقدير منعدم هنا فيعمل
بإحدى البينتين وهي بينة المشترى لانفرادها باظهار زيادة والله سبحانه وتعالى اعلم وان اختلفا في صفة الثمن بأن قال
المشترى اشتريت بثمن معجل وقال الشفيع لا بل اشتريته بثمن مؤجل فالقول قول المشترى لان الحلول في الثمن
أصل والأجل عارض فالمشترى بتمسك بالأصل فيكون القول قوله ولان العاقد أعرف بصفة الثمن من غيره ولان
الأجل يثبت بالشرط فالشفيع يدعى عليه شرط التأجيل وهو ينكر فكان القول قوله (وأما) الذي يرجع إلى المبيع
فهو ان يختلفا فيما وقع عليه البيع انه وقع عليه بصفقة واحدة أم بصفقتين نحو ما إذا اشترى دارا فقال المشترى اشتريت
العرصة على حدة بألف والبناء بألف وقال الشفيع لا بل اشتريتهما جميعا بألفين والدار لي ببنيانها فالقول قول الشفيع
لان افراد كل واحد منهما بالصفقة حالة الاتصال ليس بمعتاد بل العادة بيعهما صفقة واحدة فكان الظاهر شاهدا
للشفيع فكان القول قوله ولان سبب وجوب الشفعة في العرصة يقتضى الوجوب في البناء تبعا له حالة الاتصال
وشرط الوجوب هو الشراء وقد أقر المشترى بالشراء الا انه يدعى زيادة أمر وهو تفريق الصفقة فلا يصدق الا
بتصديق الشفيع أو ببينة ولم توجد وأيهما أقام البينة قبلت بينته وان أقاما جميعا البينة ولم يؤقتا وقتا فالبينة بينة المشترى
عند أبي يوسف وعند محمد البينة بينة الشفيع (وجه) قول محمد ان بينة الشفيع أكثر اثباتا لأنها تثبت زيادة استحقاق
وهو استحقاق البناء فكانت أولى بالقبول ولان العمل بالبينتين ههنا ممكن بأن يجعل كأنه باعهما بصفقتين ثم باعهما
32

بصفقة واحدة فكان للشفيع أن يأخذها بأيهما شاء (وجه) قول أبى يوسف ان بينة المشترى أكثر اثباتا لأنها
تثبت زيادة صفقة فكانت أولى بالقبول فأبو يوسف نظر إلى زيادة الصفقة ومحمد نظر إلى زيادة الاستحقاق وقال أبو
يوسف إذا ادعى المشترى انه أحدث البناء في الدار وقال الشفيع لا بل اشتريتها والبناء فيها ان القول قول المشترى
لأنه لم يوجد من المشترى الاقرار بشراء البناء والشفيع يدعى عليه استحقاق البناء وهو ينكر ولو اشترى دارين
ولهما شفيع ملاصق فقال المشترى اشتريت واحدة بعد واحدة وانا شريكك في الثانية وقال الشفيع لا بل
اشتريتهما صفقة واحدة ولى الشفعة فيهما جميعا فالقول قول الشفيع لان سبب الاستحقاق ثابت فيهما جميعا وهو
الجوار على سبيل الملاصقة وقد أقر المشترى بشرط الاستحقاق وهو شراؤهما الا انه بدعوى تفريق الصفقة يدعى
البطلان بعد وجود السبب وشرطه من حيث الظاهر فلا يصدق الا ببينة وأيهما أقام بينة قبلت بينته وان أقاما جميعا
البينة فهو على الاختلاف الذي ذكرنا بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ولو قال المشترى وهب لي هذا البيت
مع طريقه من هذه الدار ثم اشتريت بقيتها وقال الشفيع لا بل اشتريت الكل فللشفيع الشفعة فيما أقر انه اشترى ولا
شفعة له فيما ادعى من الهبة لأنه وجد سبب الاستحقاق وهو الجوار ووجد شرطه وهو الشراء باقراره فهو بدعوى
الهبة يريد بطلان حق الشفيع فلا يصدق وللشفيع الشفعة فيما أقر بشرائه ولا شفعة له في الموهوب لأنه لم يوجد من
المشترى الاقرار بشرط الاستحقاق على الموهوب وأيهما أقام البينة قبلت بينته وان أقاما جميعا البينة فالبينة بينة
المشترى عند أبي يوسف رحمه الله لأنها تثبت زيادة الهبة وينبغي أن تكون البينة بينة الشفيع عند محمد رحمه الله لأنها
تثبت زيادة الاستحقاق وروى عن محمد فيمن اشترى دارا وطلب الشفيع الشفعة فقال المشترى اشتريت
نصفا ثم نصفا فلك النصف الأول وقال الشفيع لا بل اشتريت الكل صفقة واحدة ولى الكل فالقول قول الشفيع
لان سبب ثبوت الحق في الكل كان موجودا وقد أقر بشرط الثبوت وهو الشراء ولكنه يدعى امرا زائدا وهو
تفريق الصفقة فلا يقبل ذلك منه الا ببينة فان قال المشترى اشتريت ربعا ثم ثلاثة أرباع فلك الربع فقال الشفيع
لا بل اشتريت ثلاثة أرباع ثم ربعا فالقول قول الشفيع لان السبب كان موجودا وقد أقر المشترى بشراء ثلاثة
أرباع الا انه يدعى أمرا زائدا وهو سبق الشراء في الربع فلا يثبت الا ببينة فان قال المشترى اشتريت صفقة
واحدة وقال الشفيع اشتريت نصفا ثم نصفا فأنا آخذ النصف فالقول قول المشترى يأخذ الشفيع الكل أو يدع لان
الشفيع يريد تفريق الصفة وفيه ضرر الشركة فلا يقبل قوله الا ببينة والله سبحانه وتعالى أعلم وأما الذي يرجع إلى صفة
البيع فهو أن يختلفا في البتات والخيار أو في الصحة والفساد بأن اشترى دارا بألف درهم وتقابضا فأراد الشفيع اخذها
بالشفعة فقال البائع والمشترى البيع كان بخيار البائع ولم يمض فلا شفعة لك وانكر الشفيع الخيار فالقول قول البائع
والمشترى وعلى الشفيع البينة ان البيع كان باتا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو احدى الروايتين عن أبي يوسف
رحمه الله وروى عن أبي يوسف رواية أخرى ان القول قول الشفيع (وجه) هذه الرواية ان الظاهر شاهد للشفيع
لان البتات أصل في البيع والخيار فيه عارض فكان القول قول من يتمسك بالأصل (وجه) ظاهر الرواية ان الشفيع
يدعى ثبوت حق الشفعة وهما ينكران ذلك بقولهما كان فيه خيار لان حق الشفعة لا يجب في بيع فيه خيار فكان
القول قول المنكر ولان البيع يقوم بالعاقدين فكانا اعرف بصفقته من الشفيع والرجوع في كل باب إلى من هو أعرف
به ولهذا لو تصادقا على أن الثمن كان دنانير والشفيع يدعى انه كان دراهم كان القول قولهما كذا هذا ولو كان البائع غائبا
والدار في يد المشترى فأراد الشفيع أن يأخذ منه فقال المشترى كان للبائع فيه خيار وكذبه الشفيع فالقول قول المشترى
أيضا لما ذكرنا من المعنين وان اختلف العاقدان فيما بينهما فادعى البائع الخيار وقال المشترى لم يكن فيه خيار كان القول
قول المشترى ويأخذ الشفيع الدار في الرواية المشهورة وروى عن أبي يوسف ان القول قول البائع (وجه) هذه الرواية
ان البائع بدعوى الخيار منكر للبيع حقيقة لان البيع بشرط الخيار غير منعقد في حق الحكم وخيار البائع يمنع زوال المبيع
33

عن ملكه والمشترى والشفيع يدعيان الزوال عن ملكه فكان القول قول البائع كما لو وقع الاختلاف بينهم في أصل
العقد (وجه) ظاهر الرواية ان الخيار لا يثبت الا باشتراطهما فالبائع بدعوى الخيار يدعى الاشتراط على المشترى
وهو ينكر فكان القول قوله كما لو ادعى المشترى الشراء بثمن مؤجل وادعى البائع التعجيل فالقول قول البائع لما ان
التأجيل لا يثبت الا بشرط يوجد من البائع وهو منكر للشرط فكان القول قوله كذا هذا بخلاف ما لو أنكر البائع البيع
والمشترى يدعيه ان القول قول البائع لان أنكر زوال ملكه ولم يدع على المشترى فعلا فكان القول قوله ولو أراد الشفيع
ان يأخذ الدار المشتراة بالشفعة فقال البائع والمشترى كان البيع فاسدا فلا شفعة لك وقال الشفيع كان جائزا ولى الشفعة
فهو على اختلافهم في شرط الخيار للبائع في قول أبي حنيفة ومحمد واحدى الروايتين عن أبي يوسف القول قول
العاقدين ولا شفعة للشفيع وفى رواية عن أبي يوسف القول قول الشفيع وله الشفعة فأبو يوسف يعتبر الاختلاف
بينهم في الصحة والفساد باختلاف المتعاقدين فيما بينهما لو اختلفا فيما بينهما في الصحة والفساد كان القول قول من يدعى
الصحة كذا هذا والجامع أن الصحة أصل في العقد والفساد عارض وهما يعتبران اختلافهم في هذا باختلافهم في
البتات والخيار للبائع والجامع أن الشفيع بدعوى البتات والصحة يدعى عليهما حق التمليك وهما بدعوى الخيار
والفساد ينكران ذلك فكان القول قولهما وكذا هما اعرف بصفة العقد الواقع منهما لقيامه بهما فكان القول في ذلك
قولهما والله سبحانه وتعالى اعلم.
(فصل) وأما بيان الحيلة في اسقاط الشفعة فقد ذكروا لاسقاط الشفعة حيلا بعضها يعم الشفعاء كلهم وبعضها
يخص البعض دون البعض اما الذي يعم كل الشفاء فنحو ان يشترى الدار بأكثر من قيمتها بأن كانت قيمتها ألفا
فيشتريها بألفين وينقد من الثمن ألفا الا عشرة ثم يبيع المشترى من البائع عرضا قيمته عشرة بألف درهم وعشرة فتحصل
الدار للمشترى بألف لا يأخذها الشفيع الا بألفين وهذه الحيلة ليست بمسقطة للشفعة شرعا لكنها مانعة من الاخذ
بالشفعة عادة الا ترى أن للشفيع أن يأخذها بألفين ويلتزم الضرر (وأما) الذي يخص بعض الشفعاء دون بعض فأنواع
منها أن يبيع دارا الا ذراعا منها في طول الحد الذي يلي دار الشفيع فالشفيع لا يستحق الشفعة اما في قدر الذراع فلانعدام
الشرط وهو البيع وأما فيما وراء ذلك فلانعدام السبب وهو الجوار ومنها ان يهب البائع الحائط الذي بينه وبين الجار
مع أصله للمشترى مقسوما ويسلمه إليه أو يهب له من الأرض قدر ذراع من الجانب الذي يلي دار الشفيع ويسلمه
إليه ثم يبيع منه البقية بالثمن فلا شفعة للجار لا في الموهوب ولا في المبيع (اما) في الموهوب فلانعدام شرط وجوب
الشفعة وهو البيع وأما في المبيع فلانعدام سبب الوجوب وهو الجوار ومنها ان يبيع الدار نصفين فيبيع الحائط بأصله
أولا بثمن كثير ثم يبيع بقية الدار بثمن قليل فلا شفعة للشفيع شرعا فيما وراء الحائط لانعدام السبب وهو الجوار ولا
يأخذ الحائط عادة لكثرة الثمن ومنها يبيع الدار والأرض في صفقتين فيبيع من الدار بناها ومن الأرض أشجارها
أولا بثمن قليل ثم يبيع الأرض بثمن كثير فلا شفعة للشفيع في البناء والشجر شرعا لانفرادهما بالصفقة ولا يأخذ
الأرض بذلك الثمن عادة ليضمن تكثير الثمن ومنها أن يبيع الدار نصفين فيبيع عشرا منها بثمن كثير ثم يبيع البقية
بثمن قليل فلا يأخذ الشفيع العشر بثمنه عادة لما فيه من الضرر ولا شفعة له في تسعة أعشارها شرعا لأنه حين اشترى
البقية كان شريك البائع بالعشر والشريك في البقعة مقدم على الجار والخليط وهذا النوع من الحيلة لا يصلح للشريك
لان الشفيع إذا كان شريكا له أن يأخذ نصف البقعة بقليل الثمن أيضا ولو كانت الدار لصغير فلا تباع بقية الدار
بقليل الثمن لأنه لا يجوز إذ هو بيع مال الصغير بأقل من قيمته مقدار ما يتغابن الناس في مثله عادة والولي لا يملك ذلك
فالسبيل فيه ان تباع بقية الدار بثمن مثله (ومنها) ما ذكره الخصاف رحمه الله أن يقر البائع بسهم من الدار للمشترى ثم
يبيع بقية الدار منه فلا يستحق الشفيع الشفعة أما في القدر المقر به فلانعدام شرط الاستحقاق وهو البيع وأما
فيما ورواء ذلك فلان المشترى صار شريك البائع في ذلك السهم والشريك في البقعة مقدم على الجار والخليط ومن
34

مشايخنا من كان يفتى بوجوب الشفعة في هذه الصورة ويخطئ الخصاف لان الشركة في السهم المقر به لم تثبت الا
باقراره فلا يظهر في حق الشفيع على ما بينا فيما تقدم والله عز وجل أعلم.
(فصل) وأما الكلام في كراهة الحيلة للاسقاط وعدمها فالحيلة اما إن كانت بعد وجوب الشفعة واما إن كانت
قبل الوجوب فإن كانت بعد الوجوب قيل إنها مكروهة بلا خلاف وذلك بأن يقول المشترى للشفيع صالحتك على
كذا كذا درهما على أن تسلم لي شفعتك فيقبل فتبطل شفعته ولا يستحق بدل الصلح أو يقول له اشتر الدار منى
بكذا فيقول اشتريت فتبطل شفعته ونحو ذلك وإن كانت قبل الوجوب فقد اختلف فيه قال أبو يوسف رحمه الله
لا تكره وقال محمد رحمه الله تكره (وجه) قول محمد ان شرع الحيلة يؤدى إلى سد باب الشفعة وفيه ابطال هذا الحق
أصلا ورأسا (وجه) قول أبى يوسف ان الحيلة قبل الوجوب منع من الوجوب بمباشرة سبب الامتناع شرعا وهذا
جائز كالشراء والهبة وسائر التمليكات فان المشترى يمنع حدوث الملك للبائع في المبيع بمباشرة سبب الامتناع شرعا
وهو الشراء وكذا الهبة والصدقة وسائر التمليكات وقد خرج الجواب عن قول محمد رحمه الله ان هذا ابطال لحق
الشفعة لان ابطال الشئ بعد ثبوته ضرر والحق ههنا لم يثبت بعد ذلك فلا تكون الحيلة ابطالا له بل هو منع من الثبوت
بمباشرة سبب الامتناع شرعا وانه جائز فما ذكره أبو يوسف رحمه الله هو الحكم المر وما ذكره محمد رحمه الله احتياطا
والأصل في شرع الحيلة قول سبحانه وتعالى في قصة سيدنا أيوب عليه الصلاة والسلام وخذ بيدك ضغثا فاضرب
به ولا تحنث والله سبحانه وتعالى اعلم.
(كتاب الذبائح والصيود)
يحتاج في هذا الكتاب إلى بيان المأكول وغير المأكول من الحيوانات والى بيان المكروه منها والى بيان شرائط حل
الاكل في المأكول والى بيان ما يحرم أكله من أجزاء الحيوان المأكول أما الأول فالحيوان في الأصل نوعان نوع
يعيش في البحر ونوع يعيش في البر أما الذي يعيش في البحر فجميع ما في البحر من الحيوان محرم الاكل الا السمك
خاصة فإنه يحل أكله الا ما طفا منه وهذا قول أصحابنا رضى الله تعالى عنهم وقال بعض الفقهاء وابن أبي ليلى رحمهم
الله انه يحل أكل ما سوى السمك من الضفدع والسرطان وحية الماء وكلبه وخنزيره ونحو ذلك لكن بالذكاة وهو قول
الليث بن سعد رحمه الله الا في إنسان الماء وخنزيره انه لا يحل وقال الشافعي رحمه الله يحل جميع ذلك من غير ذكاة واخذه
ذكاته ويحل أكل السمك الطافي أما الكلام في المسألة الأولى فهم احتجوا بظاهر قوله تبارك وتعالى أحل لكم صيد
البحر واسم الصيد يقع على ما سوى السمك من حيوان البحر فيقتضى أن يكون الكل حلالا وبقول النبي عليه
الصلاة والسلام حين سئل عن البحر فقال هو الطهور ماؤه والحل ميتته وصف ميتة البحر بالحل من غير فصل بين
السمك وغيره ولنا قوله تبارك وتعالى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزيز من غير فصل بين البري والبحري وقوله عز
شأنه ويحرم عليهم الخبائث والضفدع والسرطان والحية ونحوها من الخبائث وروى عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم سئل عن ضفدع يجعل شحمه في الدواء فنهى عليه الصلاة والسلام عن قتل الضفادع وذلك نهى عن أكله
وروى أنه لما سئل عنه فقال عليه الصلاة والسلام خبيثة من الخبائث ولا حجة لهم في الآية لان المراد من الصيد المذكور
هو فعل الصيد وهو الاصطياد لأنه هو الصيد حقيقة لا المصيد لأنه مفعول فعل الصيد واطلاق اسم الفعل يكون مجازا
ولا يجوز العدول عن حقيقة اللفظ من غير دليل ولان الصيد اسم لما يتوحش ويمتنع ولا يمكن أخذه الا بحيلة اما لطيرانه
أو لعدوه وهذا إنما يكون حالة الاصطياد لا بعد الاخذ لأنه صار لحما بعده ولم يبق صيدا حقيقة لانعدام معنى الصيد
وهو التوحش والامتناع والدليل عليه انه عطف عليه قوله عز شأنه وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما والمراد منه
الاصطياد من المحرم لا أكل الصيد لان ذلك مباح للمحرم إذا لم يصطده بنفسه ولا غيره بأمره فثبت انه لا دليل في الآية
35

على إباحة الاكل بل خرجت للفصل بين الاصطياد في البحر وبين الاصطياد في البر للمحرم والمراد من قول النبي
عليه الصلاة والسلام والحل ميتة السمك خاصة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم أحلت لنا ميتتان ودمان الميتتان
السمك والجراد والدمان الكبد والطحال فسر عليه الصلاة والسلام بالسمك والجراد فدل ان المراد منها السمك
ويحمل الحديث على السمك وتخصيصه بما تلونا من الآية وروينا من الخبر (وأما) المسألة الثانية وهي مسألة الطافي
فالشافعي رحمه الله احتج بقوله تعالى وطعامه متاعا لكم معطوفا على قوله أحل لكم صيد البحر أي أحل لكم طعامه وهذا
يتناول ما صيد منه وما لم يصد والطافي لم يصد فيتناوله بقوله عليه الصلاة والسلام في صفة البحر هو الطهور ماؤه والحل
ميتته وأحق ما يتناوله اسم الميتة الطافي لأنه الميت حقيقة وبقوله عليه الصلاة والسلام أحلت لنا ميتتان ودمان الميتتان
السمك والجراد فسر النبي عليه الصلاة والسلام الميتة بالسمك من غير فصل بين الطافي وغيره ولنا ما روى عن جابر
ابن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه نهى عن أكل الطافي وعن سيدنا علي رضي الله عنه
أنه قال لا تبيعوا في أسواقنا الطافي وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ما دسره البحر فكله وما وجدته يطفو
على الماء فلا تأكله واما الآية فلا حجة له فيها لان المراد من قوله تعالى وطعامه ما قدفه البحر إلى الشط فمات كذا قال
أهل التأويل وذلك حلال عندنا لأنه ليس بطاف إنما الطافي اسم لما مات في الماء من غير آفة وسبب حادث
وهذا مات بسبب حادث وهو قذف البحر فلا يكون طافيا والمراد من الحديثين غير الطافي لما ذكرنا ثم السمك الطافي
الذي لا يحل أكله عندنا هو الذي يموت في الماء حتف أنفه بغير سبب حادث منه سواء علا على وجه الماء أو لم يعل
بعد أن مات في الماء حتف أنفه من غير سبب حادث وقال بعض مشايخنا هو الذي يموت في الماء بسبب حادث
ويعلو على وجه الماء فإن لم يعل يحل والصحيح هو الحد الأول وتسميته طافيا لعلوه على وجه الماء عادة وروى
هشام عن محمد رحمهما الله في السمك إذا كان بعضها في الماء وبعضها على الأرض إن كان رأسها على الأرض أكلت
وإن كان رأسها أو أكثره في الماء لم تؤكل لان رأسها موضع نفسها فإذا كان خارجا من الماء فالظاهر أنه مات بسبب
حادث وإذا كان في الماء أو أكثره فالظاهر أنه مات في الماء بغير سبب وقالوا في سمكة ابتلعت سمكة أخرى انها تؤكل
لأنها ماتت بسبب حادث ولو مات من الحر والبرد وكدر الماء ففيه روايتان في رواية لا يؤكل لان الحر والبرد وكدر
الماء ليس من أسباب الموت ظاهرا فلم يوجد الموت بسبب حادث يوجب الموت ظاهرا وغالبا فلا يؤكل وفى رواية
يؤكل لأن هذه أسباب الموت في الجملة فقد وجد الموت بسبب حادث فلم يكن طافيا فيؤكل ويستوى في حل الاكل
جميع أنواع السمك من الجريث والمار ما هي وغيرهما لان ما ذكرنا من الدلائل في إباحة السمك لا يفصل بين سمك
وسمك الا ما خص بدليل وقد روى عن سيدنا على وابن عباس رضي الله عنهما إباحة الجريث والسمك الذكر ولم
ينقل عن غيرهما خلاف ذلك فيكون اجماعا (أما) الذي يعيش في البر فأنواع ثلاثة ما ليس له دم أصلا وما ليس له دم
سائل وما له دم سائل مثل الجراد والزنبور والذباب والعنكبوت والعضابة والخنفساء والبغاثة والعقرب ونحوها لا يحل
أكله الا الجراد خاصة لأنها من الخبائث لاستبعاد الطباع السليمة إياها وقد قال الله تبارك وتعالى ويحرم عليهم
الخبائث الا أن الجراد خص من هذه الجملة بقوله عليه الصلاة والسلام أحلت لنا ميتتان فبقي على ظاهر العموم
وكذلك ما ليس له دم سائل مثل الحية والوزغ وسام أبرص وجميع الحشرات وهو أم الأرض من الفأر والقراد
والقنافذ والضب واليربوع وابن عرس ونحوها والاختلاف في حرمة هذه الأشياء الا في الضب فإنه حلال عند
الشافعي واحتج بما روى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال أكلت على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم ضب
وعن ابن سيدنا عمر رضى الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنه لم يكن بأرض قومي فأجد نفسي تعافه
فلا آكله ولا أحرمه وهذا نص على عدم الحرمة الشرعية وإشارة إلى الكراهة الطبيعية (ولنا) قوله تبارك وتعالى
ويحرم عليهم الخبائث والضب من الخبائث وروى عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها ان النبي عليه الصلاة والسلام
36

أهدى إليه لحم ضب فامتنع أن يأكله فجاءت سائلة فأرادت سيدتنا عائشة رضي الله عنها أن تطعمها إياه فقال لها
رسول الله صلى الله عليه وسلم أتطعمين ما لا تأكلين ولا يحتمل أن يكون امتناعه لما أن نفسه الشريفة عافته لأنه لو كان
كذلك لما منع من التصدق به كشاة الأنصار انه لما امتنع من أكلها أمر بالتصديق بها ولان الضب من جملة المسوخ
والمسوخ محرمة كالدب والقرد والفيل فيما قيل والدليل عليه ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن
الضب فقال عليه الصلاة والسلام ان أمة مسخت في الأرض وانى أخاف أن يكون هذا منها وهكذا روى عن بعض
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال كنا في بعض المغازي فاصابتنا مجاعة فنزلنا في أرض كثيرة الضباب
فنصبنا القدور وكانت القدور تغلي إذ جاء النبي عليه الصلاة والسلام فقال ما هذا قلنا الضب يا رسول الله فقال عليه
الصلاة والسلام ان أمة مسخت فأخاف أن يكون هذا منها فأمر بالقاء القدور وما روى عن ابن عباس رضي الله عنه
ما وما روينا فهو خاطر والعمل بالخاطر أولى وماله دم سائل نوعان مستأنس ومستوحش اما المستأنس من البهائم
فنحو الإبل والبقر والغنم بالاجماع وبقوله تبارك وتعالى والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون وقوله
سبحانه وتعالى الله الذي جعل لكم الانعام لتركبوا منها ومنها تأكلون واسم الانعام يقع على هذه الحيوانات بلا خلاف
بين أهل اللغة ولا تحل البغال والحمير عند عامة العلماء رحمهم الله تعالى وحكى عن بشر المريسي رحمه الله أنه قال لا بأس
بأكل الحمار واحتج بظاهر قوله عز وجل قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة أو دما
مسفوحا أو لحم خنزير ولم يذكر الحمير الانسية وروى أن رجلا جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال إنه فنى مالي
ولم يبق الا الحمر الأهلية فقال عليه الصلاة والسلام كل من سمين مالك فانى إنما كنت نهيتكم عن جلال القرية
وروى عن جوال القرى بتشديد اللام وروى فإنما قذرت لكم جالة القرية (ولنا) قوله تبارك وتعالى والخيل
والبغال والحمير لتركبوها وزينة وسنذكر وجه الاستدلال بالآية إن شاء الله تعالى وروى أبو حنيفة عن نافع عن
ابن سيدنا عمر رضي الله عنهما أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وعن
متعة النساء وروى أن سيدنا عليا رضي الله عنه قال لابن عباس رضي الله عنهما وهو يفتى الناس في المتعة ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر فرجع ابن عباس رضي الله عنهما عن ذلك
وروى أنه قيل للنبي عليه الصلاة والسلام يوم خيبر أكلت الحمر فأمر أبا طلحة رضي الله عنه ينادى ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم ينهاكم عن لحوم الحمر فإنها رجز وروى فإنها رجس وهذه اخبار مستفيضة عرفها الخاص والعام
وقبلوها وعملوا بها وظهر العمل بها وأما الآية فقد اختص منها أشياء غير مذكورة فيها فيختص المتنازع فيه بما ذكرنا
من الدلائل مع ما ان ما روينا من الاخبار مشهورة ويجوز نسخ الكتاب بالخبر المشهور وعلى أن في الآية الشريفة
أنه لا يحل سوى المذكور فيها وقت نزولها لان الأصل في الفعل هو الحال فيحتمل انه لم يكن وقت نزول الآية تحريم
سوى المذكور فيها ثم حرم ما حرم بعد على أنا نقول بموجب الآية لا محرم سوى المذكور فيها ونحن لا نطلق اسم
المحرم على لحوم الحمر الأهلية إذ المحرم المطلق ما تثبت حرمته بدليل مقطوع به فأما ما كانت حرمته محل الاجتهاد فلا
يسمى محرما على الاطلاق بل نسميه مكروها فنقول بوجوب الامتناع عن أكلها عملا مع التوقف في اعتقاد الحل
والحرمة وأما الحديث فيحتمل أن يكون المراد من قوله عليه الصلاة والسلام كل من سمين مالك أي من أثمانها
كما يقال فلان أكل عقاره أي ثمن عقاره ويحتمل أن يكون ذلك اطلاقا للانتفاع بظهورها بالاكراء كما يحمل على
شئ مما ذكرنا عملا بالدلائل كلها ويحتمل انه كان قبل التحريم فانفسخ بما ذكرنا وان جهل التاريخ فالعمل
بالخاطر أولى احتياطا فان قيل ما رويتم يحتمل أيضا انه عليه الصلاة والسلام نهى عن أكل الحمر يوم خيبر لأنها
كانت غنيمة من الخمس أو لقلة الظهر أو لأنها كانت جلالة فوقع التعارض والجواب ان شيئا من ذلك لا يصلح محملا
(أما) الأول فلان ما يحتاج إليه الجند لا يخرج منه الخمس كالطعام والعلف (وأما) الثاني فلان المروى أن رسول الله
37

صلى الله عليه وسلم أمر باكفاء القدور يوم خيبر ومعلوم ان ذلك مما لا ينتفع به في الظهر (وأما) الثالث فلانه عليه
الصلاة والسلام خص النهى بالحمر الأهلية وهذا المعنى لا يختص بالحمر بل يوجد في غيرها (وأما) لحم الخيل فقد قال
أبو حنيفة رضي الله عنه يكره وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله لا يكره وبه أخذ الشافعي رحمه الله واحتجا بما
روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال أكلنا لحم فرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عن جابر
رضي الله عنه أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في الخيل وروى أنه قال أطعمنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر وروى عنه أنه قال كنا قد جعلنا في قدورنا لحم الخيل
ولحم الحمار فنهانا النبي عليه الصلاة والسلام أن نأكل لحم الحمار وأمرنا أن نأكل لحم الخيل وعن سيدتنا أسماء بنت
سيدنا أبى بكر الصديق رضي الله عنهما أنها قالت نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه ولأبي
حنيفة رضي الله عنه الكتاب والسنة ودلالة الاجماع (أما) الكتاب العزيز فقوله جل شأنه والخيل والبغال والحمير
لتركبوها وزينة (ووجه) الاستدلال به ما حكى عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنه روى أنه سئل عن لحم الخيل
فقرأ بهذه الآية الشريفة وقال ولم يقل تبارك وتعالى لتأكلوها فيكره أكلها وتمام هذا الاستدلال ان الله تبارك وتعالى
ذكر الانعام فيما تقدم ومنافعها وبالغ في ذلك بقوله تعالى والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها
جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الأنفس ان ربكم لرؤف رحيم
وكذا ذكر فيما بعد هذه الآية الشريفة متصلا بها منافع الماء المنزل من السماء والمنافع المتعلقة بالليل والنهار والشمس
والقمر والنجوم والمنافع المتعلقة بالبحر على سبيل المبالغة بيان شفاء لا بيان كفاية وذكر في هذه الآية انه سبحانه
وتعالى خلق الخيل والبغال والحمير للركوب والزينة ذكر منفعة الركوب والزينة ولم يذكر سبحانه وتعالى منفعة الاكل
فدل انه ليس فيها منفعة أخرى سوى ما ذكرناه ولو كان هناك منفعة أخرى سوى ما ذكرنا لم يحتمل ان لا نذكرها
عند ذكر المنافع المتعلقة بها على سبيل المبالغة والاستقصاء وقوله عز وجل يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث
ولحم الخيل ليس بطيب بل هو خبيث لان الطباع السليمة لا تستطيبه بل تستخبثه حتى لا تجد أحدا ترك بطبعه الا
ويستخبثه وينقى طبعه عن أكله وإنما يرغبون في ركوبه الا يرغب طبعه فيما كان مجبولا عليه وبه تبين ان الشرع
إنما جاء باحلال ما هو مستطاب في الطبع لا بما هو مستخبث ولهذا لم يجعل المستخبث في الطبع غذاء اليسر وإنما جعل
ما هو مستطاب بلغ في الطيب غايته (وأما) السنة فما روى عن جابر رضي الله عنه أنه قال لما كان يوم خيبر أصاب
الناس مجاعة فأخذوا الحمر الأهلية فذبحوها فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الانسية ولحوم الخيل
والبغال وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وحرم الخلسة والنهبة وعن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه
قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير وعن المقدام بن معدي كرب أن النبي
عليه الصلاة والسلام قال حرم عليكم الحمار الأهلي وخيلها وهذا نص على التحريم وعن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال الخيل لثلاثة فهي لرجل ستر ولرجل أجر ولرجل وزر ولو صلحت للاكل لقال عليه الصلاة والسلام
الخيل لأربعة لرجل ستر ولرجل أجر ولرجل وزر ولرجل طعام (وأما) دلالة الاجماع فهي أن البغل حرام بالاجماع وهو
ولد الفرس فلو كانت أمه حلالا لكان هو حلالا أيضا الآن حكم الولد حكم أمه لأنه منها وهو كبعضها ألا ترى ان حمار
وحش لو نزى على حمارة أهلية فولدت لم يؤكل ولدها ولو نزا حمار أهلي على حمارة وحشية وولدت يؤكل ولدها ليعلم أن
حكم الوليد حكم أمه في الحل والحرمة دون الفحل فلما كان لحم الفرس حراما كان لحم البغل كذلك وما روى في بعض
الروايات عن جابر وما في رواية سيدتنا أسماء رضي الله عنها يحتمل أنه كان ذلك في الحال التي كان يؤكل فيها الحمر
لان النبي عليه الصلاة والسلام إنما نهى عن أكل لحوم الحمر يوم خيبر وكانت الخيل تؤكل في ذلك الوقت ثم
حرمت يدل عليه ما روى عن الزهري أنه قال ما علمنا الخيل أكلت الا في حصار وعن الحسن رضي الله عنه أنه قال
38

كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكلون لحوم الخيل في مغازيهم فهذا يدل على أنهم كانوا يأكلونها في
حال الضرورة كما قال الزهر رحمه الله أو يحمل على هذا عملا بالدليل صيانة لها عن التناقض أو يترجح الحاضر على
المبيح احتياطا وهذا الذي ذكرنا حجج أبي حنيفة رضي الله عنه على رواية الحسن انه يحرم أكل لحم الخيل (وأما)
على ظاهر الرواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه يكره أكله ولم يطلق التحريم لاختلاف الأحاديث المروية في
الباب واختلاف السلف فكره أكل لحمه احتياطا لباب الحرمة وأما المتوحش منها نحو الظباء وبقر الوحش وحمر
الوحش وابل الوحش فحلال باجماع المسلمين ولقوله تبارك وتعالى يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات
وقوله عز شأنه ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وقوله سبحانه وتعالى كلوا من طيبات ما رزقناكم ولحوم هذه
الأشياء من الطيبات فكان حلالا وروى أنه لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر فقال
الأهلية فقيل نعم فدل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على اختلاف حكم الأهلية والوحشية وقد ثبت أن الحكم في
الأهلية الحرمة لما ذكرنا من الدلائل فكان حكم الوحشية الحل ضرورة وروى أن رجلا من فهر جاء إلى النبي عليه
الصلاة والسلام وهو بالروحاء ومع الرجل حمار وحشي عقره فقال هذه رميتي يا رسول الله وهي لك فقبله النبي عليه
الصلاة والسلام وأمر سيدنا أبا بكر رضي الله عنه فقسمه بين الرفاق والحديث وان ورد في حمار الوحش لكن احلال
الحمار الوحشي احلال للظبي والبقر الوحشي والإبل الوحشي من طريق الأولى لان الحمار الوحشي ليس من جنسه من
الأهلي ما هو حلال بل هو حرام وهذه الأشياء من جنسها من الأهلي ما هو حلال فكانت أولى بالحل وأما المستأنس
من السباع وهو الكلب والسنور الأهلي فلا يحل وكذلك المتوحش منها المسمى بسباع الوحش والطير وهو كل
ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير لما روى في الخبر المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه نهى عن
أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وعن الزهري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم كل ذي ناب من السباع حرام فذو الناب من سباع الوحش مثل الأسد والذئب والضبع والنمر والفهد
والثعلب والسنور البري والسنجاب والفنك والسمور والدلق والدب والقرد والفيل ونحوها فلا خلاف في هذه
الجملة أنها محرمة الا الضبع فإنه حلال عند الإمام الشافعي رحمه الله واحتج بما روى عن عطاء عن جابر رضي الله عنهما
أنه قال في الضبع كبش فقلت له أهو صيد فقال نعم فقلت يؤكل فقال نعم فقلت أسمعته من رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال نعم (ولنا) ان الضبع سبع ذو ناب فيدخل تحت الحديث المشهور وما روى ليس بمشهور فالعمل بالمشهور
أولى على أن ما روينا محرم وما رواه محلل والمحرم يقضى على المبيح احتياطا ولا بأس بأكل الأرنب لما روى عن ابن
عباس رضي الله عنهما أنه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدى له اعرابي أرنبة مشوية فقال لأصحابه
كلوا وعن محمد بن صفوان أو صفوان بن محمد أنه قال أصبت أرنبتين فذبحتهما بمروة وسألت عن ذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأمرني بأكلهما وذو المخلب من الطير كالبازي والباشق والصقر والشاهين والحدأة والنعاب
والنسر والعقاب وما أشبه ذلك فيدخل تحت نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن كل ذي مخلب من الطير وروى أنه
نهى عن كل ذي خطفة ونهبة ومجثمة وعن كل ذي ناب من الطير والمجثمة روى بكسر الثاء وفتحها من الجثوم وهو
تلبد الطائر الذي من عادته الجثوم على غيره ليقتله وهو السباع من الطير فيكون نهيا على أكل كل طير هذا عادته وبالفتح
هو الصيد الذي يجثم عليه طائر فيقتله فيكون نهيا عن أكل كل طير قتله طير آخر بجثومه عليه وقيل بالفتح هو الذي
يرمى حتى يجثم فيموت وما لا مخلب له من الطير فالمستأنس منه كالدجاج والبط والمتوحش كالحمام والفاختة والعصافير
والقبج والكركي والغراب الذي يأكل الحب والزرع والعقعق حلال بالاجماع
(فصل) وأما بيان ما يكره من الحيوانات فيكره أكل لحوم الإبل الجلالة وهي التي الأغلب من أكلها النجاسة
لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الإبل الجلالة ولأنه إذا كان الغالب من أكلها النجاسات
39

يتغير لحمها وينتن فيكره أكله كالطعام المنتن وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلالة أن تشرب ألبانها
لان لحمها إذا تغير يتغير لبنها وما روى أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن أن يحج عليها وان يعتمر عليها وان يغزى وأن
ينتفع بها فيما سوى ذلك فذلك محمول على أنها انتنت في نفسها فيمتنع من استعمالها حتى لا يتأذى الناس بنتنها كذا
ذكره القدوري رحمه الله في شرحه مختصر الكرخي وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه لا يحل الانتفاع بها
من العمل وغيره الا ان تحبس أياما وتعلف فحينئذ تحل وما ذكر القدوري رحمه الله أجود لان النهى ليس لمعنى يرجع
إلى ذاتها بل لعارض جاورها فكان الانتفاع بها حلالا في ذاته الا انه يمنع عنه لغيره ثم ليس لحبسها تقدير في ظاهر الرواية
هكذا روى عن محمد رحمه الله أنه قال كان أبو حنيفة رضي الله عنه لا يوقت في حبسها وقال تحبس حتى تطيب وهو
قولهما أيضا وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة عليه الرحمة انها تحبس ثلاثة أيام وروى ابن رستم رحمه الله عن محمد في
الناقة الجلالة والشاة والبقر الجلال انها إنما تكون جلالة إذا تفتتت وتغيرت ووجد منها ريح منتنة فهي الجلالة حينئذ لا
يشرب لبنها ولا يؤكل لحمها وبيعها وهبتها جائز هذا إذا كانت لا تخلط ولا تأكل الا العذرة غالبا فان خلطت فليست
جلالة فلا تكره لأنها لا تنتن ولا يكره أكل الدجاج المحلى وإن كان يتناول النجاسة لأنه لا يغلب عليه أكل النجاسة
بل يخلطها بغيرها وهو الحب فيأكل ذا وذا وقيل إنما لا يكره لأنه لا ينتن كما ينتن الإبل والحكم متعلق بالنتن ولهذا قال
أصحابنا في جدي ارتضع بلبن خنزير حتى كبر انه لا يكره أكله لان لحمه لا يتغير ولا ينتن فهذا يدل على أن الكراهة في
الجلالة لمكان التغير والنتن لا لتناول النجاسة ولهذا إذا خلطت لا يكره وان وجد تناول النجاسة لأنها لا تنتن فدل ان
العبرة للنتن لا لتناول النجاسة والأفضل ان تحبس الدجاج حتى يذهب ما في بطنها من النجاسة لما روى أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يحبس الدجاج ثلاثة أيام ثم يأكله وذلك على طريق التنزه وهو رواية أبى يوسف عن أبي
حنيفة عليهما الرحمة انها تحبس ثلاثة أيام كأنه ذهب إلى ذلك للخبر ولما ذكرنا ان ما في جوفها من النجاسة يزول في هذه
المدة ظاهرا وغالبا ويكره الغراب الأسود الكبير لما روى عن عروة عن أبيه أنه سئل عن أكل الغراب فقال من يأكل
بعد ما سماه الله تبارك وتعالى فاسقا عنى بذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس من الفواسق يقتلهن المحرم في
الحل والحرم ولان غالب أكلها الجيف فيكره أكلها كالجلالة ولا بأس بغراب الزرع لأنه يأكل الحب والزرع ولا
يأكل الجيف هكذا روى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال سألت أبا حنيفة عليه الرحمة عن أكل الغراب فرخص
في غراب الزرع وكره الغداف فسألته عن الأبقع فكره ذلك وإن كان غرابا يخلط فيأكل الجيف ويأكل الحب لا
يكره في قول أبي حنيفة عليه الرحمة قال وإنما يكره من الطير ما لا يأكل الا الجيف ولا بأس بالعقعق لأنه ليس بذى
مخلب ولا من الطير الذي لا يأكل الا الحب كذا روى أبو يوسف أنه قال سألت أبا حنيفة رحمه الله في أكل العقعق
فقال لا بأس به فقلت انه يأكل الجيف فقال إنه يخلط فحصل من قول أبي حنيفة ان ما يخلط من الطيور لا يكره أكله
كالدجاج وقال أبو يوسف رحمه الله يكره لان غالب أكله الجيف
(فصل) وأما بيان شرط حل الاكل في الحيوان المأكول فشرط حل الاكل في الحيوان المأكول البري هو الذكاة
فلا يحل أكله بدونها لقوله تبارك وتعالى حرمت عليكم الميتة والدم إلى قوله عز شأنه وما أكل السبع الا ما ذكيتم استثنى
سبحانه وتعالى الذكي من المحرم والاستثناء من التحريم إباحة ثم الكلام في الذكاة في الأصل في ثلاثة مواضع في بيان
ركن الذكاة وفي بيان شرائط الركن وفي بيان ما يستحب من الذكاة وما يكره منها فالذكاة نوعان اختيارية وضرورية
أما الاختيارية فركنها الذبح فيما يذبح من الشاة والبقرة ونحوهما والنحر فيما ينحر وهو الإبل عند القدرة على الذبح
والنحر لا يحل بدون الذبح والنحر لان الحرمة في الحيوان المأكول لمكان الدم المسفوح وأنه لا يزول الا بالذبح والنحر
ولان الشرع إنما ورد باحلال الطيبات قال الله تبارك وتعالى يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وقال
سبحانه وتعالى ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ولا يطيب الا بخروج الدم المسفوح وذلك بالذبح والنحر
40

ولهذا حرمت الميتة لان المحرم وهو الدم المسفوح فيها قائم ولذا لا يطيب معه قيامه ولهذا يفسد في أدنى مدة ما يفسد في
مثلها المذبوح وكذا المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة لما قلنا والذبح هو فرى الأوداج ومحله ما بين اللبة واللحيين
لقول النبي عليه الصلاة والسلام الذكاة ما بين اللبة واللحية أي محل الذكاة ما بين اللبة واللحيين وروى الذكاة في الحلق
واللبة والنحر فرى الأوداج ومحله آخر الحلق ولو نحر ما يذبح وذبح ما ينحر يحل لوجود فرى الأوداج ولكنه يكره
لان السنة في الإبل النحر وفى غيرها الذبح ألا ترى ان الله تعالى ذكر في الإبل النحر وفى البقر والغنم الذبح فقال
سبحانه وتعالى فصل لربك وانحر قيل في التأويل أي انحر الجزور وقال الله عز شأنه ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة
وقال تعالى وفديناه بذبح عظيم والذبح بمعنى المذبوح كالطحن بمعنى المطحون وهو الكبش الذي فدى به سيدنا
إسماعيل أو سيدنا إسحاق صلوات الله عليهما على اختلاف أصل القصة في ذلك وكذا النبي عليه الصلاة والسلام
نحر الإبل وذبح البقر والغنم فدل أن ذلك هو السنة وذكر محمد رحمه الله في الأصل وقال بلغنا ان أصحاب النبي
عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم كانوا ينحرون الإبل قياما معقولة اليد اليسرى فدل ذلك على أن النحر في الإبل
هو السنة لان الأصل في الذكاة إنما هو الأسهل على الحيوان وما فيه نوع راحة له فيه فهو أفضل لما روى عن النبي عليه
الصلاة والسلام قال إن الله تعالى كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة
وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته والأسهل في الإبل النحر لخلو لبتها عن اللحم واجتماع اللحم فيما سواه من خلفها والبقر
والغنم جميع حلقها لا يختلف فان قيل أليس انه روى عن جابر رضي الله عنه أنه قال نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة أي ونحرنا البقرة عن سبعة لأنه معطوف على الأول فكان خبر الأول خبرا
للثاني كقولنا جاءني زيد وعمرو فالجواب ان الذبح مضمر فيه ومعناه وذبحنا البقرة على عادة العرب في الشئ إذا
عطف على غيره وخبر المعطوف عليه لا يحتمل الوجود في المعطوف أو لا يوجد عادة أن يضمر المعارف المعتاد كما قال
الشاعر ولقيت زوجك في الوغى * متقلدا سيفا ورمحا
أي متقلدا سيفا ومعتقلا رمحا وقال آخر * علفتها تبنا وماء باردا *
أي علفتها تبنا وسقيتها ماء باردا لان الرمح لا يحتمل التقلد أو لا يتقلد عادة والماء لا يعلف بل يسقى كذا ههنا الذبح في
البقر هو المعتاد فيضمر فيه فصار كأنه قال نحرنا البدنة وذبحنا البقرة وهذا الذي ذكرنا قول عامة العلماء رضى الله تعالى
عنهم وقال مالك رحمه الله إذا ذبح البدنة لا تحل لان الله تبارك وتعالى أمر في البدنة بالنحر بقوله عز شأنه فصل
لربك وانحر فإذا ذبح فقد ترك المأمور به فحلا يحل ولنا ما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال ما أنهر الدم وفرى
الأوداج فكل وبه تبين ان الامر بالنحر في البدنة ليس لعينه بل لأنهار الدم وافراء الأوداج وقد وجد ذلك ولا
بأس في الحلق كله أسفله أو أوسطه أو أعلاه لقوله عليه الصلاة والسلام الذكاة ما بين اللبة واللحيين وقوله عليه
الصلاة والسلام الذكاة في الحلق واللبة من غير فصل ولان المقصود اخراج الدم المسفوح وتطييب اللحم وذلك يحصل
بقطع الأوداج في الحلق كله ثم الأوداج أربعة الحلقوم والمرئ والعرقان اللذان بينهما الحلقوم والمرئ فإذا فرى ذلك
كله فقد أتى بالذكاة بكمالها وسننها وان فرى البعض دون البعض فعند أبي حنيفة رضي الله عنه إذا قطع أكثر الأوداج
وهو ثلاثة منها أي ثلاثة كانت وترك واحدا يحل وقال أبو يوسف رحمه الله لا يحل حتى يقطع الحلقوم والمرئ وأحد
العرقين وقال محمد رحمه الله لا يحل حتى يقطع من كل واحد من الأربعة أكثره وقال الشافعي رحمه الله إذا قطع الحلقوم
والمرئ حل إذا استوعب قطعهما (وجه) قول الشافعي رضي الله عنه ان الذبح إزالة الحياة والحياة لا تبقى بعد قطع
الحلقوم والمرئ عادة وقد تبقى بعد قطع الودجين إذ هما عرقان كسائر العروق والحياة تبقى بعد قطع عرقين من سائر
العروق (ولنا) ان المقصود من الذبح إزالة المحرم وهو الدم المسفوح ولا يحصل الا بقطع الودج (وجه) قول محمد عليه
الرحمة انه إذا قطع الأكثر من كل واحد من الأربعة فقد حصل المقصود بالذبح وهو خروج الدم لأنه يخرج ما يخرج
41

بقطع الكل (وجه) قول أبى يوسف ان كل واحد من العروق يقصد بقطعه غير ما يقصد به الاخر لان الحلقوم
مجرى النفس والمرئ مجرى الطعام والودجين مجرى الدم فإذا قطع أحد الودجين حصل بقطعه المقصود منهما وإذا
ترك الحلقوم لم يحصل بقطع ما سواه المقصود منه ولذلك اختلفا ولأبي حنيفة عليه الرحمة انه قطع الأكثر من العروق
الأربعة وللأكثر حكم الكل فيما بنى على التوسعة في أصول الشرع والذكاة بنيت على التوسعة حيث يكتفى فيها
بالبعض بلا خلاف بين الفقهاء وإنما اختلقوا في الكيفية فيقام الأكثر فيها مقام الجميع ولو ضرب عنق جزور أو بقرة
أو شاة بسيفه وابائها وسمى فإن كان ضربها من قبل الحلقوم تؤكل وقد أساء أما حل الاكل فلانه أتى بفعل الذكاة وهو
قطع العروق وأما الإساءة فلانه زاد في ألمها زيادة لا يحتاج إليها في الذكاة فيكره ذلك وان ضربها من القفا فان ماتت قبل
القطع بأن ضرب على التأني والتوقف لا تؤكل لأنها ماتت قبل الذكاة فكانت ميتة وان قطع العروق قبل موتها تؤكل
لوجود فعل الذكاة وهي حية الا أنه يكره ذلك لأنه زاد في ألمها من غير حاجة وان أمضى فعله من غير توقف تؤكل لأن الظاهر أن
موتها بالذكاة وعلى هذا يخرج ما إذا ذبح بالمروة أو بليطة القصب أو بشقة العصا أو غيرها من الآلات
التي تقطع انه يحل لوجود معنى الذبح وهو فرى الأوداج وجملة الكلام فيه ان الآلة على ضربين آلة تقطع وآلة تفسخ
والتي تقطع نوعان حادة وكليلة أما الحادة فيجوز الذبح بها حديدا كانت أو غير حديد والأصل في جواز الذبح بدون
الحديد ما روى عن عدى بن حاتم رضي الله عنه أنه قال قلت يا رسول الله أرأيت أحدنا أصاب صيدا وليس معه
سكين أيذكى بمروة أو بشقة العصا فقال عليه الصلاة والسلام أنهر الدم بما شئت واذكر اسم الله تعالى وروى أن
جارية لكعب بن مالك رضي الله عنه ذبحت شاة بمروة فسأل كعب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمر
بأكلها ولأنه يجوز بالحديد والجواز ليس لكونه من جنس الحديد بل لوجود معنى الحديد بدليل انه لا يجوز بالحديد
الذي لا حد له فإذا وجد معنى الحد في المروة والليطة جاز الذبح بهما وأما الكليلة فإن كانت تقطع يجوز لحصول معنى
الذبح لكنه يكره لما فيه من زيادة إيلام لا حاجة إليها ولهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحديد الشفرة
وإراحة الذبيحة وكذلك إذا جرح بظفر منزوع أو سن منزوع جاز الذبح بهما ويكره وقال الشافعي رحمه الله لا يجوز
واحتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إنهر الدم بما شئت الا ما كان من سن أو ظفر فان الظفر مدى
الحبشة والسن عظم من الانسان استثنى عليه الصلاة والسلام الظفر والسن من الإباحة والاستثناء من الإباحة يكون
حظرا وعلل علية الصلاة والسلام بكون الظفر مدى الحبشة وكون السن عظم الانسان وهذا خرج مخرج الانكار
ولنا انه لما قطع الأوداج فقد وجد الذبح بهما فيجوز كما لو ذبح بالمروة وليطة القصب وأما الحديث فالمراد السن القائم
والظفر القائم لان الحبشة إنما كانت تفعل ذلك لاظهار الجلادة وذاك بالقائم لا بالمنزوع والدليل عليه انه روى في بعض
الروايات الا ما كان قرضا بسن أو حزا بظفر والقرض إنما يكون بالسن القائم وأما الآلة التي تفسخ فالظفر القائم والسن
القائم ولا يجوز الذبح بهما بالاجماع ولو ذبحهما كان ميتة للخبر الذي روينا ولان الظفر والسن إذا لم يكن منفصلا فالذابح
يعتمد على الذبيح فيخنق وينفسخ فلا يحل أكله حتى قالوا لو أخذ غيره يده فأمر يده كما امر السكين وهو ساكت يجوز
ويحل أكله وعلى هذا يخرج الجنين إذا خرج بعد ذبح أمه ان خرج حيا فذكى يحل وان مات قبل الذبح لا يؤكل
بلا خلاف وان خرج ميتا فإن لم يكن كامل الخلق لا يؤكل أيضا في قولهم جميعا لأنه بمعنى المضغة وإن كان كامل الخلق
اختلف فيه قال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يؤكل وهو قول زفر والحسن بن زياد رحمهم الله وقال أبو يوسف ومحمد
والشافعي رحمهم الله لا بأس بأكله واحتجوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام ذكاة الجنين بذكاة أمه فيقتضى انه
يتذكى بذكاة أمه ولأنه تبع لامه حقيقة وحكما (أما) الحقيقة فظاهر وأما الحكم فلانه يباع ببيع الام ويعتق بعتقها
والحكم في التبع يثبت بعلة الأصل ولا يشترط له علة على حدة لئلا ينقلب التبع أصلا ولأبي حنيفة قوله تعالى حرمت
عليكم الميتة والدم والجنين ميتة لأنه لا حياة فيه والميتة ما لا حياة فيه فيدخل تحت النص فان قيل الميتة اسم لزائل الحياة
42

فيستدعى تقدم الحياة وهذا لا يعلم في الجنين فالجواب ان تقدم الحياة ليس بشرط لاطلاق اسم الميت قال الله تبارك
وتعالى وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم على أنا ان سلمنا ذلك فلا بأس به لأنه يحتمل انه كان حيا فمات بموت الام
ويحتمل انه لم يكن فيحرم احتياطا ولأنه أصل في الحياة فيكون له أصل في الذكاة والدليل على أنه أصل في الحياة انه
يتصور بقاؤه حيا بعد ذبح الام ولو كان تبعا للام في الحياة لما تصور بقاؤه حيا بعد زوال الحياة عن الام وإذا كان أصلا
في الحياة يكون أصلا في الذكاة لان الذكاة تفويت الحياة ولأنه إذا تصور بقاؤه حيا بعد ذبح الام لم يكن ذبح الام سببا
لخروج الدم عنه إذ لو كان لما تصور بقاؤه حيا بعد ذبح الام إذ الحيوان الدموي لا يعيش بدون الدم عادة فبقي الدم
المسفوح فيه ولهذا إذا جرح يسيل منه الدم وانه حرم بقوله سبحانه وتعالى دما مسفوحا وقوله عز شأنه حرمت عليكم
الميتة والدم ولا يمكن التمييز بين لحمه ودمه فيحرم لحمه أيضا وأما الحديث فقد روى بنصب الذكاة الثانية معناه كذكاة
أمه إذ التشبيه قد يكون بحرف التشبيه وقد يكون بحذف حرف التشبيه قال الله تعالى وهي تمر مر السحاب وقال عز
شأنه ينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت أي كنظر المغشى عليه وهذا حجة عليكم لان تشبيه ذكاة الجنين بذكاة أمه
يقتضى استواءهما في الافتقار إلى الذكاة ورواية الرفع تحتمل التشبيه أيضا قال الله سبحانه وتعالى وجنة عرضها
السماوات والأرض أي عرضها كعرض السماوات فيكون حجة عليكم ويحتمل الكناية كما قالوا فلا تكون حجة مع
الاحتمال مع أنه من أخبار الآحاد ورد فيما تعم به البلوى وانه دليل عدم الثبوت إذ لو كان ثابتا لاشتهر وإذا خرجت
من الدجاجة الميتة بيضة تؤكل عندنا سواء اشتد قشرها أو لم يشتد وعند الشافعي رحمه الله ان اشتد قشرها تؤكل والا
فلا (وجه) قوله أنه إذا لم يشتد قشرها فهي من أجزاء الميتة فتحرم بتحريم الميتة وإذا اشتد قشرها فقد صار شيئا آخر
وهو منفصل عن الدجاجة فيحل (ولنا) انه شئ طاهر في نفسه مودع في الطير منفصل عنه ليس من اجزائه فتحريمها
لا يكون تحريما له كما إذا اشتد قشرها ولو ماتت شاة وخرج من ضرعها لبن يؤكل عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف
ومحمد لا يؤكل وهو قول الشافعي رحمهم الله جميعا الا ان عند الشافعي لا يؤكل لكونه ميتة وعندهما لا يؤكل لنجاسة
الوعاء ولأبي حنيفة عليه الرحمة قوله تبارك وتعالى وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا
خالصا سائغا للشاربين والاستدلال بالآية من وجوه أحدها انه وصفه بكونه خالصا فيقتضى ان لا يشوبه شئ من
النجاسة والثاني أنه سبحانه وتعالى وصفه بكونه سائغا للشاربين والحرام لا يسوغ للمسلم والثالث انه سبحانه وتعالى
من علينا بذلك إذ الآية خرجت مخرج المنة والمنة بالحلال لا بالحرام وعلى هذا الخلاف الإنفحة إذا كانت مائعة وإن كان
ت صلبة فعند أبي حنيفة رحمه الله تؤكل وتستعمل في الأدوية كلها وعندهما يغسل ظاهرها وتؤكل وعند الشافعي
لا تؤكل أصلا (وأما) الاضطرارية فركنها العقر وهو الجرح في أي موضع كان وذلك في الصيد وما هو في معنى الصيد
وإنما كان كذلك لان الذبح إذا لم يكن مقدورا ولابد من اخراج الدم لإزالة المحرم وتطبيب اللحم وهو الدم المسفوح على
ما بينا فيقام سبب الذبح مقامه وهو الجرح على الأصل المعهود في الشرع من إقامة السبب مقام المسبب عند العذر
والضرورة كما يقام السفر مقام المشقة والنكاح مقام الوطئ والنوم مضطجعا أو متوركا مقام الحدث ونحو ذلك وكذلك
ما ند من الإبل والبقر والغنم بحيث لا يقدر عليها صاحبها لأنها بمعنى الصيد وإن كان مستأنسا وقد روى أن بعيرا ند على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرماه رجل فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لهذه الإبل أوابد كأوابد
الوحش فإذا غلبكم منها شئ فاصنعوا به هكذا وسواء ند البعير والبقر في الصحراء أو في المصر فذكاتهما العقر كذا روى
عن محمد لأنهما يدفعان عن أنفسهما فلا يقدر عليهما قال محمد والبعير الذي ند على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان بالمدينة فدل ان ند البعير في الصحراء والمصر سواء في هذا الحكم (وأما) الشاة فان ندت في الصحراء فذكاتها العقر
لأنه لا يقدر عليها وان ندت في المصر لم يجز عقرها لأنه يمكن أخذها إذ هي لا تدفع عن نفسها فكان الذبح مقدورا عليه
فلا يجوز العقر وهذا لان العقر خلف من الذبح والقدرة على الأصل تمنع المصير إلى الخلف كما في التراب مع الماء والأشهر
43

مع الأقراء وغير ذلك وكذلك ما وقع منها في قليب فلم يقدر على اخراجه ولا على مذبحه ولا منحره فان ذكاته ذكاة
الصيد لكونه في معناه لتعذر الذبح والنحر وذكر في المنتقى في البعير إذا صال على رجل فقتله وهو يريد الذكاة حل
أكله إذا كان لا يقدر على اخذه وضمن قيمته لأنه إذا كان لا يقدر على أخذه صار بمنزلة الصيد فجعل الصيال منه
كنده لأنه يعجز عن أخذه فيعجز عن نحره فيقام الجرح فيه مقام النحر كما في الصيد ثم لا خلاف في الاصطياد
بالسهم والرمح والحجر والخشب ونحوها انه إذا لم يجرح لا يحل وأصله ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
سئل عن صيد المعراض فقال عليه والسلام إذا خرق فكل وان اصابه بعرض فلا تأكل فإنه وقيذ (وأما)
الاصطياد بالجوارح من الحيوانات اما بناب كالكلب والفهد ونحوهما واما بالمخلب كالبازي والشاهين ونحوهما
فكذلك في الرواية المشهورة انه إذا لم يجرح لا يحل حتى لو خنق أو صدم ولم يجرح ولم يكسر عضوا منه لا يحل في ظاهر
الرواية وروى عن أبي حنيفة وأبى يوسف انه يحل (وجه) هذه الرواية ان الكلب يأخذ الصيد على حسب ما يتفق له
فقد يتفق له الاخذ بالجرح وقد يتفق بالخنق والصدم والحال حال الضرورة فيوسع الامر فيه ويجعل الخنق والصدم
كالجرح كما وسع في الذبح (وجه) ظاهر الرواية قوله تعالى يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من
الجوارح وهي من الجراحة فيقتضى اعتبار الجرح ولان الركن هو اخراج الدم وذلك بالذبح في حال القدرة وفى حال
العجز أقيم الجرح مقامه لكونه سببا في خروج الدم ولا يوجد ذلك في الخنق وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم في صيد المعراض إذا خرق فكل وان أصاب بعرضه فلا تأكل فإنه وقيد وروى أنه عليه الصلاة والسلام قال
ما أصبت بعرضه فلا تأكل فهو وقيذ وما أصبت بحده فكل أراد عليه الصلاة والسلام الحل والحرمة على الجرح
وعدم الجرح وسمى عليه الصلاة والسلام غير المجروح وقيذا وانه حرام بقوله تبارك وتعالى والموقوذة ولأنها
منخنقة وانها محرمة بقوله عز وجل والمنخنقة فإن لم يجرحه ولم يخنقه ولكنه كسر عضوا منه فمات فقد ذكر الكرخي
رحمه الله انه لم يحك عن أبي حنيفة رحمه الله فيه شئ مصرح وذكر محمد في الزيادات وأطلق انه إذا لم يجرح لم يؤكل وهذا
الاطلاق يقتضى انه لا يحل بالكسر وقال أبو يوسف إذا جرح بناب أو مخلب أو كسر عضوا فقتله فلا بأس بأكله
فقد جعل الكسر جراحة باطنه فيلحق بالجراحة لظاهره في حكم بنى على الضرورة والعذر (وجه) رواية محمد رحمه
الله وهي الصحيحة ان الأصل هو الذبح وإنما أقيم الجرح مقامه في كونه سببا لخروج الدم وذلك لا يوجد في الكسر
فلا يقام مقامه ولهذا لم يقم الخنق مقامه وقد قالوا إذا أصاب السهم ظلف الصيد فان وصل إلى اللحم فأدماه حل والا
فلا وهذا تفريع على رواية اعتبار الجرح ولو ذبح شاة ولم يسل منها دم قيل وهذا قد يكون في شاة اعتلفت العناب
اختلف المشايخ فيه قال أبو القاسم الصفار رحمه الله لا تؤكل لقوله عليه الصلاة والسلام ما فرى الأوداج وانهر الدم
فكل يؤكل بشرط انهار الدم ولم يوجد ولان الذبح لم يشرط لعينه بل لاخراج الدم المحرم وتطيب اللحم ولم يوجد
فلا يحل وقال أبو بكر الإسكاف والفقيه أبو جعفر الهندواني رحمهما الله يؤكل لوجود الذبح وهو فرى الأوداج وانه
سبب لخروج الدم عادة لكنه امتنع لعارض بعد وجود السبب فصار كالدم الذي احتبس في بعض العروق عن
الخروج بعد الذبح وذا لا يمنع الحل كذا هذا وعلى هذا يخرج ما إذا قطع من الية الشاة قطعة أو من فخذها انه لا يحل
المبان وان ذبحت الشاة بعد ذلك لان حكم الذكاة لم يثبت في الجزء المبان وقت الإبانة لانعدام ذكاة الشاة لكونها حية
وقت الإبانة وحال فوات الحياة كان الجزء منفصلا وحكم الذكاة لا يظهر في الجزء المنفصل وروى أن أهل الجاهلية
كانوا يقطعون قطعة من الية الشاة ومن سنام البعير فيأكلونها فلما بعث النبي المكرم عليه الصلاة والسلام نهاهم عن ذلك
فقال عليه الصلاة والسلام ما أبين من الحي فهو ميت والجزء المقطوع مبان من حي وبائن منه فيكون ميتا وكذلك إذا
قطع ذلك من صيد لم يؤكل المقطوع وان مات الصيد بعد ذلك لما قلنا وقال الشافعي رحمه الله يؤكل إذا مات الصيد
بذلك وسنذكر المسألة إن شاء الله تعالى وان قطع فتعلق العضو بجلده لا يؤكل لان ذلك القدر من التعلق لا يعتبر
44

فكان وجوده والعدم بمنزلة واحدة وإن كان متعلقا باللحم يؤكل الكل لان العضو المتعلق باللحم من جملة الحيوان وذكاة
الحيوان تكون لما اتصل به ولو ضرب صيدا بسيف فقطعه نصفين يؤكل النصفان عندنا جميعا وهو قول إبراهيم
النخعي لأنه وجد قطع الأوداج لكونها متصلة من القلب بالدماغ فأشبه الذبح فيؤكل الكل وان قطع أقل من النصف
فمات فإن كان مما يلي العجز لا يؤكل المبان عندنا وقال الشافعي يؤكل (وجه) قوله إن الجرح في الصيد إذا اتصل
به الموت فهو ذكاة اضطرارية وانها سبب الحل كالذبح (ولنا) قول النبي عليه الصلاة والسلام ما أبين من الحي فهو
ميت والمقطوع مبان من الحي فيكون ميتا واما قوله إن الجرح الذي اتصل به الموت ذكاة في الصيد فنعم لكن حال
فوات الحياة عن المحل وعند الإبانة المحل كان حيا فلم يقع الفعل ذكاة له وعند ما صار ذكاة كان الجزء منفصلا وحكم
الذكاة لا يلحق الجزء المنفصل وإن كان مما يلي الرأس يؤكل الكل لوجود قطع الأوداج فكان الفعل حال وجوده
ذكاة حقيقة فيحل به الكل وان ضرب رأس صيد فأبانه نصفين طولا أو عرضا يؤكل كله في قول أبي حنيفة ومحمد
وهو قول أبى يوسف الأول ثم رجع وقال لا يؤكل النصف البأس ويؤكل ما بقي من الصيد والأصل فيه ما ذكرنا أن
الأوداج متصلة بالدماغ فتصير مقطوعة بقطع الرأس وكان أبو يوسف على هذا ثم ظن أنها تكون الا فيما يلي البدن
من الرأس وإن كان المبان أكثر من النصف فكذلك يؤكل الكل لأنه إذا قطع العروق فلم يكن ذلك ذبحا بل كان جرحا
وأنه لا يبيح المبان لما ذكرنا (وأما) شرائط ركن الذكاة فأنواع بعضها يعم نوعي الذكاة الاختيارية والاضطرارية
وبعضها يخص أحدهما دون الآخر أما الذي يعمهما فمنها أن يكون عاقلا فلا تؤكل ذبيحة المجنون والصبي الذي
لا يعقل والسكران الذي لا يعقل لما نذكر ان القصد إلى التسمية عند الذبح شرط ولا يتحقق القصد الصحيح ممن
لا يعقل فإن كان الصبي يعقل الذبح ويقدر عليه تؤكل ذبيحته وكذا السكران (ومنها) أن يكون مسلما أو كتابيا فلا
تؤكل ذبيحة أهل الشرك والمجوسي والوثني وذبيحة المرتد أما ذبيحة أهل الشرك فلقوله تعالى وأهل لغير الله وقوله عز
وجل وما ذبح على النصب أي للنصب وهي الأصنام التي يعبدونها وأما ذبيحة المجوس فلقوله عليه الصلاة والسلام
سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم ولان ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة من
شرائط الحل عندنا لما نذكر ولم يوجد وأما المرتد فلانه لا يقر على الدين الذي انتقل إليه فكان كالوثني الذي لا يقر على
دينه ولو كان المرتد غلاما مراهقا لا تؤكل ذبيحته عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف تؤكل بناء على أن ردته
صحيحة عندهما وعنده لا تصح وتؤكل ذبيحة أهل الكتاب لقوله تعالى وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم
والمراد منه ذبائحهم إذ لو لم يكن المراد ذلك لم يكن للتخصيص بأهل الكتاب معنى لان غير الذبائح من أطعمة الكفرة
مأكول ولان مطلق اسم الطعام يقع على الذبائح كما يقع على غيرها لأنه اسم لما يتطعم والذبائح مما يتطعم فيدخل تحت
اطلاق اسم الطعام فيحل لنا أكلها ويستوى فيه أهل الحرب منهم وغيرهم لعموم الآية الكريمة وكذا يستوى فيه
نصارى بنى تغلب وغيرهم لأنهم على دين النصارى الا انهم نصارى العرب فيتناولهم عموم الآية الشريفة وقال سيدنا
علي رضي الله عنه لا تؤكل ذبائح نصارى العرب لأنهم ليسوا بأهل الكتاب وقرأ قوله عز شأنه ومنهم أميون
لا يعلمون الكتاب الا أماني وقال ابن عباس رضي الله عنهما تؤكل وقرأ قوله عز وجل ومن يتولهم منكم فإنه منهم
والآية الكريمة التي تلاها سيدنا علي رضي الله عنه دليل على أنهم من أهل الكتاب لأنه قال عز وجل ومنهم أميون
لا يعلمون الكتاب أي من أهل الكتاب وكلمة من للتبعيض الا أنهم يخالفون غيرهم من النصارى في بعض شرائعهم
وذا يخرجهم عن كونهم نصارى كسائر النصارى فان انتقل الكتابي إلى دين أهل الكتاب من الكفرة لا تؤكل
ذبيحته لان المسلم لو أنتقل إلى ذلك الدين لا تؤكل ذبيحته فالكتابي أولى ولو أنتقل غير الكتابي من الكفرة إلى دين
أهل الكتاب تؤكل ذبيحته والأصل انه ينظر إلى حاله ودينه فيه انه ينظر إلى حاله ودينه وقت ذبيحته دون ما سواه
وهذا أصل أصحابنا ان من أنتقل من ملة يقر عليها يجعل كأنه من أهل تلك الملة من الأصل على ما ذكرنا في كتاب
45

النكاح والمولود بين كتابي وغير كتابي تؤكل ذبيحته أيهما كان الكتابي الأب أو الام عندنا وقال مالك يعتبر الأب فإن كان
كتابيا تؤكل والا فلا وقال الشافعي لا تؤكل ذبيحته رأسا والصحيح قولنا لان جعل الوليد تبعا للكتابي منهما
أولى لأنه خيرهما دينا بالنسبة فكان باتباعه إياه أولى وأما الصابئون فتؤكل ذبائحهم في قول أبي حنيفة رضي الله عنه
وعند أبي يوسف ومحمد لا تؤكل واختلاف الجواف لاختلاف تفسيرهم في الصابئين انهم ممن هم وقد ذكرنا ذلك في
كتاب النكاح ثم إنما تؤكل ذبيحة الكتابي إذا لم يشهد ذبحه ولم يسمع منه شئ أو سمع وشهد منه تسمية الله
تعالى وحده لأنه إذا لم يسمع منه شيئا يحمل على أنه قد سمى الله تبارك وتعالى وجرد التسمية تحسينا للظن به كما بالمسلم
ولو سمع منه ذكر اسم الله تعالى لكنه عنى بالله عز وجل المسيح عليه الصلاة والسلام قالوا تؤكل لأنه أظهر تسمية
هي تسمية المسلمين الا إذا نص فقال بسم الله هو ثالث ثلاثة فلا تحل وقد روى عن سيدنا علي رضي الله عنه انه
سئل عن ذبائح أهل الكتاب وهم يقولون فقال رضي الله عنه قد أحل الله ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون فاما إذا
سمع منه أنه سمى المسيح عليه الصلاة والسلام وحده أو سمى الله سبحانه وتعالى وسمى المسيح لا تؤكل ذبيحته
كذا روى سيدنا علي رضي الله عنه ولم يرو عنه غيره خلافه فيكون اجماعا ولقوله عز وجل وما أهل لغير الله وهذا أهل لغير
الله عز وجل به فلا يؤكل ومن أكلت ذبيحته ممن ذكرنا أكل صيده الذي صاده بالسهم أو بالجوارح ومن لا فلا لان
أهلية المذكى شرط في نوعي الذكاة الاختيارية والاضطرارية جميعا (ومنها) التسمية حالة الذكر عندنا وعند
الشافعي ليست بشرط أصلا وقال مالك رحمه الله انها شرط حالة الذكر والسهو حتى لا يحل متروك التسمية
ناسيا عنده والمسألة مختلفة بين الصحابة رضى الله تعالى عنهم أما الكلام مع الشافعي رحمه الله فإنه احتج بقوله
تبارك وتعالى قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أمر
النبي عليه الصلاة والسلام أن يقول إنه لا يجد فيما أوحى إليه محرما سوى الأشياء الثلاثة ومتروك التسمية لم يدخل
فيها فلا يكون محرما ولا يقال يحتمل انه لم يكن المحرم وقت نزول الآية الكريمة سوى المذكور فيها ثم حرم بعد ذلك
متروك التسمية بقوله عز وجل ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه لأنه قيل إن سورة الأنعام نزلت جملة واحدة ولو كان
متروك التسمية محرما لكان واجدا له فيجب ان يستثنيه كما استثنى الأشياء الثلاثة (ولنا) قوله عز وجل ولا تأكلوا مما
لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق والاستدلال بالآية من وجهين أحدهما ان مطلق النهى للتحريم في حق العمل
والثاني انه سمى اكل ما لم يذكر اسم الله عليه فسقا بقوله عز وجل وانه لفسق ولا فسق الا بارتكاب المحرم ولا تحمل
الا على الميتة وذبائح أهل الشرك بقول بعض أهل التأويل في سبب نزول الآية الكريمة لان العام لا يخص بالسبب
عندنا بل يعمل بعموم اللفظ لما عرف في أصول الفقه مع ما ان الحمل على ذلك حمل على التكرار لان حرمة الميتة وذبائح
أهل الشرك ثبتت بنصوص أخر وهي قوله عز وجل حرمت عليكم الميتة وقوله عز وجل وما أهل لغير الله به وقوله عز
وجل وما ذبح على النصب فالحمل على ما قاله يكون حملا على ما قلنا ويكون حملا على فائدة جديدة فكان أولى وقوله عز
وجل فاذكروا اسم الله عليها صواف ومطلق الامر للوجوب في حق العمل ولو لم يكن شرطا لما وجب وروى الشعبي
عن عدى بن حاتم رضي الله عنهما قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد الكلب فقال ما أمسك عليك ولم
يأكل منه فكله فأن اخذه ذكاته فان وجدت عند كلبك غيره فحسبت أن يكون أخذه معه وقد قتله فلا تأكل لأنك إنما
ذكرت اسم الله تعالى على كلبك ولم تذكره على كلب غيرك نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الاكل وعلل بترك
التسمية فدل انها شرط (وأما) الآية الكريمة ففيها انه كان يجد وقت نزول الآية الشريفة محرما سوى المذكور فيها
فاحتمل انه كان كذلك وقت نزول الآية الشريفة وجد تحريم متروك التسمية بعد ذلك لما تلونا كما كان لا يجد تحريم
كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وتحريم الحمار والبغل عند نزولها ثم وجد بعد ذلك بوحي متلو أو غير
متلو على ما ذكرنا (وأما) ما يروى أن سورة الأنعام نزلت كلها جملة واحدة فمروى على طريق الآحاد فلا يقبل
46

في إبطال حرمة ثبتت بالكتاب على أن المذكور فيها من جملة المستثنى الميتة فما الدليل على أن متروك التسمية عمدا ليس
بميتة بل هو ميتة عندنا مع أنه لا يجد فيما أوحى إليه محرما سوى المذكور ونحن لا نطلق اسم المحرم على متروك التسمية إذ
المحرم المطلق ما ثبتت حرمته بدليل مقطوع به ولم يوجد ذلك في محل الاجتهاد إذا كان الاختلاف بين أهل الديانة وإنما
نسميه مكروها أو محرما في حق الاعتقاد قطعا على طريق التعيين بل على الابهام ان ما أراد الله عز وجل من هذا النهى
فهو حق لكنا نمتنع عن أكله احتياطا وهو تفسير الحرمة في حق العمل (وأما) الكلام مع مالك رحمه الله فهو احتج
بعموم قوله تبارك وتعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه من غير فصل بين العمد والسهو ولان التسمية لما كانت
واجبة حالة العمد فكذا حالة النسيان لان النسيان لا يمنع الوجوب والحظر كالخطأ حتى كان الناسي والخاطئ جائز
المؤاخذة عقلا ولهذا استوى العمد والسهو في ترك تكبيرة الافتتاح والطهارة وغيرها من الشرائط والكلام في الصلاة
عمدا أو سهوا عندكم كذا ههنا (ولنا) ما روى عن راشد بن سعد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال ذبيحة المسلم
حلال سمى أو لم يسم ما لم يتعمد وهذا نص في الباب وأما الآية فلا تتناول متروك التسمية لوجهين أحدهما أنه قال
عز وجل وانه لفسق أي ترك التسمية عند الذبح فسق وترك التسمية سهوا لا يكون فسقا وكذا كل متروك التسمية
سهوا لا يلحقه سمة الفسق لان المسألة اجتهادية وفيها اختلاف الصحابة فدل ان المراد من الآية الكريمة متروك
التسمية عمدا لا سهوا والثاني ان الناسي لم يترك التسمية بل ذكر اسم الله عز وجل والذكر قد يكون باللسان وقد يكون
بالقلب قال الله تعالى ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا والناسي ذاكر بقلبه لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما
انه سئل عن رجل ذبح ونسي أن يذكر اسم الله عليه فقال رضي الله عنه اسم الله عز وجل في قلب كل مسلم فليأكل
وعنه في رواية أخرى قال إن المسلم ذكر الله في قلبه وقال كما لا ينفع الاسم في الشرك لا يضر النسيان في الاسلام وعنه
رضي الله عنه في رواية أخرى قال في المسلم اسم الله تعالى فإذا ذبح ونسي ان يسمى فكل وإذا ذبح المجوسي وذكر اسم الله
تعالى فلا تطعمه وعن سيدنا علي رضي الله عنه سئل عن هذا فقال إنما هي علة المسألة فثبت ان الناسي ذاكر فكانت
ذبيحته مذكور التسمية فلا تتناولها الآية الكريمة واما قوله إن النسيان لا يدفع التكليف ولا يدفع الحظر حتى لم
يجعل عذرا في بعض المواضع على ما ضرب من الأمثلة فنقول النسيان جعل عذرا مانعا من التكليف والمؤاخذة فيما
يغلب وجوده ولم يجعل عذرا فيما لا يغلب وجوده لأنه لو لم يجعل عذرا فيما يغلب وجوده لوقع الناس في الحرج والحرج
مدفوع والأصل فيه ان من لم يعود نفسه فعلا يعذر في تركه واشتغاله بضده سهوا لان حفظ النفس عن العادة التي هي
طبيعة خامسة خطب صعب وأمر أمر فيكون النسيان فيه غالب الوجود فلو لم يعذر للحقه الحرج وليس كذلك إذا لم
يعود نفسه مثاله ان الأكل والشرب من الصائم سهوا جعل عذرا في الشرع حتى لا يفسد صومه لأنه عود نفسه ذلك ولم
يعودها ضده وهو الكف عن الأكل والشرب ولم يجعل ذلك عذرا في المصلى لأنه لم يعود نفسه ذلك في كل زمان بل في
وقت معهود وهو الغداة والعشي خصوصا في حال الصلاة التي تخالف أوقات الأكل والشرب فكان الأكل والشرب
فيها في غاية الندرة فلم يجعل عذرا والكلام في الصلاة من هذا القبيل لان حالة الصلاة تمنع من ذلك عادة فكان النسيان
فيها نادرا فلم يجعل عذرا وكذلك ترك تكبيرة الافتتاح سهوا لان الشروع في الصلاة يكون بها وتركها سهوا عند تصميم
العزم على الشروع فيها مما يندر فلم يعذر وكذا ترك الطهارة عند حضور وقت الصلاة سهوا لان المسلم على استعداد
الصلاة عند هجوم وقتها عادة فالشروع في الصلاة من غير طهارة سهوا يكون نادرا فلا يعذر ويلحق بالعدم فأما ذكر
اسم الله تعالى فأمر لم يعوده الذابح نفسه لان الذبح على مجرى العادة يكون من القصابين ومن الصبيان الذين لم يعودوا
أنفسهم ذكر الله عز وجل فترك التسمية منهم سهوا لا يندر وجوده بل يغلب فجعل عذرا دفعا للحرج فهو الفرق بين
هذه الجملة والله سبحانه وتعالى هو الموفق وإذا ثبت ان التسمية حالة الذكر من شرائط الحل عندنا فبعد ذلك يقع الكلام
في بيان ركن التسمية وفي بيان شرائط الركن وفي بيان وقت التسمية أما ركنها فذكر اسم الله عز وجل أي اسم كان
47

لقوله تبارك وتعالى فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ان كنتم بآياته مؤمنين ومالكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله من غير فصل
بين اسم واسم وقوله عز شأنه ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه لأنه إذا ذكر اسما من أسماء الله تبارك وتعالى لم يكن
المأكول مما لم يذكر اسم الله عليه فلم يكن محرما وسواء قرن بالاسم الصفة بان قال الله أكبر الله أجل الله أعظم الله الرحمن
الله الرحيم ونحو ذلك أو لم يقرن بان قال الله أو الرحمن أو الرحيم أو غير ذلك لأنه المشروط بالآية عز شأنه وقد وجد
وكذا في حديث عدى بن حاتم رضي الله عنهما إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل من غير فصل بين
اسم واسم وكذا التهليل والتحميد والتسبيح سواء كان جاهلا بالتسمية المعهودة أو عالما بها لما قلنا وهذا ظاهر على
أصل أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهما في تكبيرة الافتتاح انه يصير شارعا في الصلاة بلا إله إلا الله أو الحمد لله أو سبحان
الله فههنا أولى وأما على أصل أبى يوسف رحمه الله فلا يصير شارعا بهذه الألفاظ وتصح بها عنده فيحتاج هو إلى الفرق
والفرق له أن الشرع من ورد هناك الا بلفظ التكبير وههنا ورد بذكر الله اسم الله تعالى وسواء كانت التسمية بالعربية أو
بالفارسية أو أي لسان كان وهو لا يحسن العربية أو يحسنها كذا روى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله لو أن رجلا
سمى على الذبيحة بالرومية أو بالفارسية وهو يحسن العربية أو لا يحسنها أجزأه ذلك عن التسمية لان الشرط في
الكتاب العزيز والسنة ذكر اسم الله تعالى مطلقا عن العربية والفارسية وهذا ظاهر على أصل أبي حنيفة رحمه الله في
اعتباره المعنى دون اللفظ في تكبيرة الافتتاح فيستوى في الذبح الكبيرة العربية والعجمية من طريق الأولى فأما على
أصلهما فهما يحتاجان إلى الفرق بين التكبير والتسمية حيث قالا في التسمية انها جائزة بالعجمية سواء كان يحسن
العربية أو لا يحسن وفى التكبير لا يجوز بالعجمية الا إذا كان لا يحسن العربية لان المشروط ههنا ذكر اسم الله تعالى وانه
يوجد بكل لسان والشرط هناك لفظة التكبير لقوله عليه الصلاة والسلام لا تقبل صلاة امرئ حتى يضع الطهور
مواضعه ويستقبل القبلة ويقول الله أكبر نفى عليه الصلاة والسلام القبول بدون لفظ التكبير ولا يوجد ذلك بغير لفظ
العربية وأما شرائط الركن فمنها أن تكون التسمية من الذابح حتى لو سمى غيره والذابح ساكت وهو ذاكر غير ناس
لا يحل لان المراد من قوله تبارك وتعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه أي لم يذكر اسم الله عليه من الذابح فكانت
مشروط فيه (ومنها) أن يريد بها التسمية على الذبيحة فان من أراد بها التسمية لافتتاح العمل لا يحل لان الله سبحانه
وتعالى أمر بذكر اسم الله تعالى عليه في الآيات الكريمة ولا يكون ذكر اسم الله عليه الا وأن يراد بها التسمية على
الذبيحة وعلى هذا إذا قال الحمد لله ولم يرد به الحمد على سبيل الشكر لا يحل وكذا لو سبح أو هلل أو كبر ولم يرد به التسمية
على الذبيحة وإنما أراد به وصفه بالوحدانية والتنزه عن صفات الحدوث لا غير لا يحل لما قلنا (ومنها) تجريد اسم الله
سبحانه وتعالى عن اسم غيره وإن كان اسم النبي عليه الصلاة والسلام حتى لو قال بسم الله واسم الرسول لا يحل لقوله
تعالى وما أهل لغير الله به وقول النبي عليه الصلاة والسلام موطنان لا أذكر فيهما عند العطاس وعند الذبح وقول عبد
الله بن مسعود رضي الله عنهما جردوا التسمية عند الذبح ولان المشركين يذكرون مع الله سبحانه وتعالى غيره فتجب
مخالفتهم بالتجريد ولو قال بسم الله ومحمد رسول الله فان قال ومحمد بالجر لا يحل لأنه أشرك في اسم الله عز شأنه اسم
غيره وان قال محمد بالرفع يحل لأنه لم يعطفه بل استأنف فلم يوجد الاشراك الا انه يكره لوجود الوصل من حيث الصورة
فيتصور بصورة الحرام فيكره وان قال ومحمدا بالنصب اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يحل لأنه ما عطف بل استأنف
الا انه أخطأ في الاعراب وقال بعضهم لا يحل لان انتصابه بنزع الحرف الخافض كأنه قال ومحمد فيتحقق الاشراك
فلا يحل هذا إذا ذكر الواو فإن لم يذكر بأن قال بسم الله محمد رسول الله محمد رسول الله فإنه يحل كيفما كان لعدم الشركة (ومنها) أن
يقصد بذكر اسم الله تعالى تعظيمه على الخلوص ولا يشوبه معنى الدعاء حتى لو قال اللهم اغفر لي لم يكن ذلك تسمية
لأنه دعاء والدعاء لا يقصد به التعظيم المحض فلا يكون تسمية كما لا يكون تكبيرا وفى قوله اللهم اختلف المشايخ كما في
التكبير (أما) وقت التسمية فوقتها في الذكاة الاختيارية وقت الذبح لا يجوز تقديمها عليه الا بزمان قليل لا يمكن
48

التحرز عنه لقوله تبارك وتعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله تعالى عليه والذبح مضمر فيه معناه ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم
الله تعالى عليه من الذبائح ولا يتحقق ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة الا وقت الذبح وكذا قيل في تأويل الآيتين
الأخريين أن الذبح مضمر فيهما أي فكلوا مما ذبح بذكر اسم الله عليه ومالكم ألا تأكلوا مما ذبح بذكر اسم الله تعالى عليه
فكان وقت التسمية الاختيارية وقت الذبح (وأما) الذكاة الاضطرارية فوقتها وقت الرمي والارسال لا وقت
الإصابة لقول النبي عليه الصلاة والسلام لعدي بن حاتم رضي الله عنه حين سأله عن صيد المعراض والكلب إذا
رميت بالمعراض وذكرت اسم الله عليه فكل وقوله عليه أي على
المعراض والكلب ولا تقع التسمية على السهم والكلب الا عند الرمي والارسال فكان وقت التسمية فيها هو وقت
الرمي والارسال والمعنى هكذا يقتضى وهو أن التسمية شرط والشرائط يعتبر وجودها حال وجود الركن لان عند
وجودها يصير الركن علة كما في سائر الأركان مع شرائطها هو المذهب الصحيح على ما عرف في أصول الفقه والركن في
الذكاة الاختيارية هو الذبح وفى الاضطرارية هو الجرح وذلك مضاف إلى الرمي والمرسل وإنما السهم والكلب
آلة الجرح والفعل يضاف إلى مستعمل الآلة لا إلى الآلة لذلك اعتبر وجود التسمية وقت الذبح والجرح وهو وقت
الرمي والارسال ولا يعتبر وقت الإصابة في الذكاة الاضطرارية لان الإصابة ليست من صنع العبد لا مباشرة ولا
سببا بل محض صنع الله عز وجل يعنى به مصنوعه هو مذهب أهل السنة والجماعة وهي المسألة المعروفة بالمتولدات
وهذا لان فعل العبد لابد وأن يكون مقدور العبد ومقدور العبد ما يقوم بمحل قدرته وهو نفسه وذلك هو الرمي السابق
والارسال السابق فتعتبر التسمية عندهما على أن الإصابة قد تكون وقد لا تكون فلا يمكن ايقاع التسمية عليها وعلى
هذا يخرج ما روى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى أنه قال لو أن رجلا أضجع شاة ليذبحها وسمى ثم بدا له
فأرسلها وأضجع أخرى فذبحها بتلك التسمية لم يجزه ذلك ولا تؤكل لعدم التسمية على الذبيحة عند الذبح ولو رمى
صيدا فسمى فأخطأ وأصاب آخر فقتله فلا بأس بأكله وكذلك إذا أرسل كلبا على صيد فأخطأ فأخذ غير الذي
أرسله عليه فقتله لوجود التسمية على السهم والكلب عند الرمي والارسال وذكر في الأصل أرأيت الذابح يذبح الشاتين
والثلاثة فيسمى على الأولى ويدع التسمية على غير ذلك عمدا قال يأكل الشاة التي سمى عليها ولا يأكل ما سوى ذلك
لما بينا ولو أضجع شاة ليذبحها وسمى عليها ثم ألقى السكين وأخذ سكينا آخر فذبح به يؤكل لان التسمية في الذكاة
الاختيارية تقع على المذبوح لا على الآلة والمذبوح واحد فلا يعتبر اختلاف الآلة بخلاف ما إذا سمى على سهم ثم
رمى بغيره انه لا يؤكل لان التسمية في الذكاة الاضطرارية تقع على السهم لا على المرمى إليه وقد اختلف إليهم فالتسمية
على أحدهما لا تكون تسمية على الاخر ولو أضجع شاة ليذبحها وسمى عليها فكلمه انسان فأجابه أو استسقى ماء
فشرب أو أخذ السكين فإن كان قليلا ولم يكثر ذلك منه ثم ذبح على تلك التسمية تؤكل وان تحدث وأطال الحديث
أو أخذ في عمل آخر أو حد شفرته أو كانت الشاة قائمة فصرعها ثم ذبح لا تؤكل لان زمان ما بين التسمية والذبح إذا كان
يسيرا لا يعتد به لأنه لا يمكن التحرز عنه فيلحق بالعدم ويجعل كان سمى مع الذبح وإذا كان طويلا يقع فاصلا بين
التسمية والذبح فيصير كأنه سمى في يوم وذبح في يوم آخر فلم توجد التسمية عند الذبح متصلة به ولو سمى ثم انقلبت الشاة
وقامت من مضجعها ثم أعادها إلى مضجعها فقد انقطعت التسمية وعلى هذا يخرج ما إذا رمى صيدا ولم يسم متعمدا ثم
سمى بعد ذلك أو أرسل كلبا وترك التسمية متعمدا فلما مضى الكلب في تبع الصيد سمى أنه لا يؤكل لان التسمية لم
توجد وقت الرمي والارسال وكذا لو مضى الكلب إلى الصيد فزجره وسمى وانزجر بزجره انه لا يؤكل أيضا وفرق
بين هذا وبين ما إذا تبع الكلب الصيد بنفسه من غير أن يرسله أحد ثم زجره مسلم انه ان انزجر بزجره فأخذ الصيد
فقتله يؤكل وان لم ينزجر لا يؤكل (ووجه) الفرق نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى ولو رمى أو ارسل وهو مسلم ثم ارتد
أو كان حلالا فأحرم قبل الإصابة وأخذ الصيد يحل ولو كان مرتدا ثم أسلم وسمى لا يحل لان المعتبر وقت الرمي
49

والارسال كما بينا فتراعى الأهلية عند ذلك وعلى هذا الأصل ينبنى شرط تعيين المحل بالتسمية في الذكاة الاختيارية
وهو بيان القسم الثاني من الشرائط التي تخص أحد النوعين دون الآخر وهي أنواع يرجع بعضها إلى المذكى وبعضها
يرجع إلى محل الذكاة وبعضها يرجع إلى آلة الذكاة أما الذي يرجع إلى المذكى فهو أن يكون حلالا وهذا في الذكاة
الاضطرارية دون الاختيارية حتى أن المحرم إذا قتل صيد البر وسمى لا يؤكل لأنه ممنوع عن قتل الصيد لحق
الاحرام لقوله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم أي وأنتم محرمون وقوله جل شأنه أحلت
لكم بهيمة الأنعام الا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم معناه والله سبحانه وتعالى أعلم أحلت لكم بهيمة الأنعام
والصيد الا ما يتلى عليكم من الميتة والدم ولحم الخنزير إلى آخره غير محلى الصيد وأنتم حرم لأنه استثنى سبحانه وتعالى
الصيد بقوله تبارك وتعالى غير محلى الصيد وإنما يستثنى الشئ من الجملة المذكورة فجعل مذكورا بطريق الاضمار
والاستثناء من الإباحة تحريم فكان اصطياد المحرم محرما فكان صيدة ميتة كصيد المجوسي سواء اصطاد بنفسه أو
اصطيد له بأمره لان ما صيد له بأمره فهو صيده معنى وتحل ذبيحة المستأنس لان التحريم خص بالصيد فبقي غيره
على عموم الإباحة ويحل له صيد البحر لقوله تبارك وتعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه وقد مر ذلك وأما الذي
يرجع إلى محل الذكاة فمنها تعيين المحل بالتسمية في الذكاة الاختيارية ولا يشترط ذلك في الذكاة الاضطرارية وهي
الرمي والارسال إلى الصيد لان الشرط في الذكاة الاختيارية ذكر اسم الله تبارك وتعالى على الذبيح لما تلونا من
الآيات ولا يتحقق ذلك الا بتعيين الذبيح بالتسمية ولان ذكر الله تبارك وتعالى لما كان واجبا فلا بد وأن يكون
مقدورا والتعين في الصيد ليس بمقدور لان الصائد قد يرمى ويرسل على قطيع من الصيد وقد يرمى ويرسل على
حس الصيد فلا يكون التعيين واجبا والمستأمن مقدور فيكون واجبا وعلى هذا يخرج ما إذا ذبح شاة وسمى ثم ذبح
شاة أخرى يظن أن التسمية الأولى تجزى عنهما لم تؤكل ولابد من أن يجدد لكل ذبيحة تسمية على حدة ولو رمى
سهما فقتل به من الصيد اثنين لا بأس بذلك وكذلك لو أرسل كلبا أو بازيا وسمى فقتل من الصيد اثنين فلا بأس بذلك
لان التسمية تجب عند الفعل وهو الذبح فإذا تجدد الفعل تجدد التسمية فأما الرمي والارسال فهو فعل واحد وإن كان
يتعدى إلى مفعولين فتجزى فيه تسمية واحدة ووزان الصيد من المستأنس ما لو أضجع شاتين وأمر السكين عليهما
معا أنه تجرى في ذلك تسمية واحدة كما في الصيد فان قيل هلا جعل ظنه ان التسمية على الشاة الأولى تجزئ عن
الثانية عذرا كنسيان التسمية فالجواب ان هذا ليس من باب النسيان بل من الجهل بحكم الشرع والجهل بحكم الشرع
ليس بعذر والنسيان عذر ألا ترى ان من ظن أن الاكل لا يفطر الصائم فأكل بطل صومه ولو أكل ناسيا لا يبطل فان
نظر إلى جماعة من الصيد فرمى بسهم وسمى وتعمدها ولم يتعمد واحدا بعينه فأصاب منها صيدا فقتله لا بأس بأكله
وكذلك الكلب والبازي ولو أن رجلا نظر إلى غنمه فقال بسم الله أخذ واحدة فأضجعها وذبحها وترك التسمية
عامدا وظن أن تلك التسمية تجزيه لا تؤكل لأنه لم يسم عند الذبح والشرط هو التسمية على الذبيحة وذلك بالتسمية
عند الذبح نفسه لا عند النظر وتعيين الذبيحة مقدور فيمكن أن يجعل شرطا وتعيين الصيد بالرمي والارسال متعذر لما
بينا فلم يمكن أن يجعل شرطا ولو رمى صيدا بعينه أو أرسل الكلب أو البازي على صيد بعينه فأخطأ فأصاب غيره يؤكل
وكذا لو رمى ظبيا فأصاب طيرا أو أرسل على ظبي فأخذ طيرا لان التعيين في الصيد ليس بشرط (ومنها) قيام أصل
الحياة في المستأمن وقت الذبح قلت أو كثرت في قول أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لا يكتفى
بقيام أصل الحياة بل تعتبر حياة مقدورة كالشاة المريضة والوقيذة والنطيحة وجريحة السبع إذا لم يبق فيها الا حياة
قليلة عرف ذلك بالصياح أو بتحريك الذنب أو طرف العين أو التنفس وأما خروج الدم فلا يدل على الحياة الا إذا
كان يخرج كما يخرج من الحي المطلق فإذا ذبحها وفيها قليل حياة على الوجه الذي ذكرنا تؤكل عند أبي حنيفة رضي الله عنه
وعن أبي يوسف روايتان في ظاهر الرواية عنه انه إن كان يعلم أنها لا تعيش مع ذلك فذبحها لا تؤكل وإن كان
50

يعلم أنها تعيش مع ذلك فذبحها تؤكل وفى رواية قال إن كان لها من الحياة مقدار ما تعيش به أكثر من نصف يوم فذبحها
تؤكل والا فلا وقال محمد رحمه الله إن كان لم يبق من حياتها الا قدر حياة المذبوح بعد الذبح أو أقل فذبحها لا تؤكل وإن كان
أكثر من ذلك تؤكل وذكر الطحاوي قول محمد مفسرا فقال إن على قول محمد ان لم يبق معها الا الاضطراب
للموت فذبحها فإنها لا تحل وإن كانت تعيش مدة كاليوم أو كنصفه حلت (وجه) قولهما انه إذا لم يكن لها حياة
مستقرة على الوجه الذي ذكرنا كانت ميتة معنى فلا تلحقها الذكاة كالميتة حقيقة ولأبي حنيفة رضي الله عنه قوله
تعالى حرمت عليكم الميتة إلى قوله تعالى والمنخنقة والموقوذة والمتردية النطيحة وما أكل السبع الا ما ذكيتم استثنى
سبحانه وتعالى المذكى من الجملة المحرمة والاستثناء من التحريم إباحة وهذه مذكاة لوجود فرى الأوداج مع قيام
الحياة فدخلت تحت النص وأما الصيد إذا جرحه السهم أو الكلب فأدركه صاحبه حيا فان ذكاه يؤكل بلا خلاف
بين أصحابنا كيف ما كان سواء كانت فيه حياة مستقرة أو لم تكن وخرج الجرح من أن يكون ذكاة في حقه وصار
ذكاته الذبح في الحياة المستقرة ذكاة مطلقة فيدخل تحت النص وان لم يكن فيه حياة مستقرة فعلى أصل أبي حنيفة رحمه
الله ذكاته الذبح وقد وجد لوجود أصل الحياة فصار مذكى وعلى أصلهما لا حاجة إلى الذبح لأنه صار مذكى بالجرح
فالذبح بعد ذلك لا يضر إن كان لا ينفع وان لم يذكه وهو قادر على ذبحه فتركه حتى مات فإن كانت فيه حياة مستقرة
لا يؤكل لان ذكاته تحولت من الجرح إلى الذبح فإذا لم يذبح كان ميتة وإن كانت حياته غير مستقرة يؤكل عند أبي حنيفة
رضي الله عنه وان قلت من غير ذكاة بخلاف المستأنس عنده والفرق له أن الرمي والارسال إذا اتصل به الجرح كان
ذكاة في الصيد فلا تعتبر هذه الحياة بعد وجود الذكاة ولم تتقوم ذكاة في المستأمن فلا بد من اعتبار هذا القدر من الحياة
لتحقق الذكاة وأما عندهما فكذلك لكن على اختلاف تفسيرهما للحياة المستقرة وغير المستقرة على ما ذكرنا في
المستأمن هكذا ذكر عامة المشايخ رحمهم الله وذكر الجصاص رحمه الله وقال يجب أن يكون قول أبي حنيفة رحمه الله
في الصيد مثل قوله في المستأنس على أن قوله يجب الذبح في جميع الأحوال لا يحل بدونه سواء كانت الحياة مستقرة
أو غير مستقرة وقد ذكرنا وجه الفرق له على قول عامة المشايخ رحمهم الله وان مات قبل أن يقدر على ذبحه لضيق الوقت
أو لعدم آلة الذكاة ذكر القدوري عليه الرحمة انه لا يؤكل عندنا وعند محمد بن شجاع البلخي ومحمد بن مقاتل الرازي
رحمهما الله يؤكل استحسانا أشار إلى أن القول بالحرمة قياس ومن مشايخنا رحمهم الله من جعل جواب الاستحسان
مذهبنا أيضا وتركوا القياس (وجه) القياس انه لما ثبتت يده عليه فقد خرج من أن يكون صيدا لزوال معنى الصيد
وهو التوحش والامتناع فيزول الحكم المختص بالصيد وهو اعتبار الجرح ذكاة وصار كالشاة إذا مرضت وماتت
في وقت لا يتسع لذبحها انها لا تؤكل كذا هذا (وجه) الاستحسان ان الذبح هو الأصل في الذكاة وإنما يقام الجرح
مقامه خلفا عنه وقد وجد شرط بخلافه وهو العجز عن الأصل فيقام الخلف مقامه كما في سائر الاخلاف مع أصولها
وقال أصحابنا رحمهم الله لو جرحه السهم أو الكلب فأدركه لكن لم يأخذه حتى مات فإن كان في وقت لو أخذه
يمكنه ذبحه فلم يأخذه حتى مات لم يؤكل لان الذبح صار مقدورا عليه فخرج الجرح من أن يكون ذكاة وإن كان
لا يمكنه ذبحه أكل لأنه إذا لم يأخذه ولم يتمكن من ذبحه لو أخذه بقي ذكاته الجرح السابق ودلت هذه المسألة على أن
جواب الاستحسان في المسألة المتقدمة مذهب أصحابنا جميعا لأنه لا فرق بين المسألتين سوى أن هناك أخد وههنا
لم يأخذ وما يصنع بالاخذ إذا لم يقدر على ذكاته وجواب القياس عن هذا ان حقيقة القدرة والتمكن لا عبرة بها لان
الناس مختلفون في ذلك فان منهم من يتمكن من الذبح في زمان قليل لهدايته في ذلك ومنهم من لا يتمكن الا في زمان
طويل لقلة هدايته فيه فلا يمكن بناء الحكم على حقيقة القدرة والتمكن فيقام السبب الظاهر وهو ثبوت اليد مقامها كما في
السفر مع المشقة وغير ذلك وذكر ابن سماعة في نوادره رحمه الله عن أبي يوسف لو أن رجلا قطع شاة نصفين ثم إن رجلا
فرى أوداجها والرأس يتحرك أو شق بطنها فأخرج ما في جوفها وفرى رجل آخر الأوداج فان هذا لا يؤكل لان
51

الأول قاتل وذكر القدوري رحمه الله ان هذا على وجهين إن كانت الضربة مما يلي العجز لم تؤكل الشاة وإن كانت
مما يلي الرأس أكلت لان العروق المشروطة في الذبح متصلة من القلب إلى الدماغ فإذا كانت الضربة مما يلي
الرأس فقد قطعها فحلت وإن كانت مما يلي العجز فلم يقطعها فلم تحل وأما خروج الدم بعد الذبح فيما لا يحل الا بالذبح فهل
هو من شرائط الحل فلا رواية فيه واختلف المشايخ على ما ذكرنا فيما تقدم وكذا التحرك بعد الذبح هل هو شرط ثبوت
الحل فلا رواية فيه أيضا عن أصحابنا وذكر في بعض الفتاوى انه لابد من أحد شيئين اما التحرك واما خروج
الدم فإن لم يوجد لا يحل كأنه جعل وجود أحدهما بعد الذبح علامة الحياة وقت الذبح فإذا لم يوجد لم تعلم حياته وقت
الذبح فلا يحل وقال بعضهم ان علم حياته وقت الذبح بغير التحرك يحل وان لم يتحرك بعد الذبح ولا خرج منه الدم والله
أعلم (ومنها) ما يخص الذكاة الاضطرارية وهو أن لا يكون صيد الحرم فإن كان لا يؤكل ويكون ميتة سواء كان
المذكى محرما أو حلالا لان التعرض الصيد الحرم بالقتل والدلالة والإشارة محرم حقا لله تعالى قال الله تعالى أو لم يروا أنا
جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم وقال النبي عليه الصلاة والسلام في صفة الحرم ولا ينفر صيده والفعل في
المحرم شرعا لا يكون ذكاة وسواء كان مولده الحرم أو دخل من الحل إليه لأنه يضاف إلى الحرم في الحالين فيكون صيد
الحرم وأما الذي يرجع إلى آلة الذكاة (فمنها) أن يكون ما يصطاد به من الجوارح من الحيوانات من ذي الناب من السباع
وذي المخلب من الطير معلما لقوله تعالى وما علمتم من الجوارح معطوفا على قوله سبحانه وتعالى يسئلونك ماذا أحل لهم
قل أحل لكم الطيبات أي أحل لكم الطيبات وأحل لكم ما علمتم من الجوارح أي الاصطياد بما علمتم من الجوارح
كأنهم سألوا النبي عليه الصلاة والسلام عما يحل لهم الاصطياد به من الجوارح أيضا مع ما ذكر في بعض القصة ان
النبي عليه الصلاة والسلام لما أمر بقتل الكلاب أتاه ناس فقالوا ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فنزل قوله
تعالى جل شأنه يسألونك الآية ففي الآية الكريمة اعتبار الشرطين وهما الجرح والتعليم حيث قال عز شأنه وما
علمتم من الجوارح لان الجوارح هي التي تجرح مأخوذ من الجرح وقيل الجوارح الكواسب قال الله عز شأنه ويعلم
ما جرحتم بالنهار أي كسبتم والحمل على الأول أولى لأنه حمل على المعنيين لأنها بالجراحة تكسب وقوله تعالى مكلبين
قرئ بالخفض والنصب وقيل بالخفض صاحب الكلب يقال كلاب ومكلب وبالنصب الكلب المعلم وقيل المكلبين
بالخفض الكلاب التي يكالبن الصيد أي يأخذنه عن شدة فالكلب هو الاخذ عن شدة ومنه الكلوب للآلة التي
يؤخذ بها الحديد وقوله جلت عظمته تعلمونهن أي تعلمونهن ليمسكن الصيد لكم ولا يأكلن منه وهذا حد التعليم في
الكلب عندنا على ما نذكره إن شاء الله تعالى فدلت الآية الكريمة على أن كون الكلب معلما شرط لإباحة أكل
صيده فلا يباح أكل صيد غير المعلم وإذا ثبت هذا الشرط في الكلب بالنص ثبت في كل ما هو في معناه من كل ذي ناب
من السباع كالفهد وغيره مما يحتمل التعلم بدلالة النص لان فعل الكلب إنما يضاف إلى المرسل بالتعلم إذا المعلم هو
الذي يعمل لصاحبه فيأخذ لصاحبه ويمسك على صاحبه فكان فعله مضافا إلى صاحبه فأما غير المعلم فإنما يعمل
لنفسه لا لصاحبه فكان فعله مضافا إليه لا إلى المرسل لذلك شرط كونه معلما ثم لابد من معرفة حد التعليم في الجوارح
من ذي الناب كالكلب ونحوه وذي المخلب كالبازي ونحوه أما تعليم الكلب فهو انه إذا أرسل اتبع الصيد وإذا أخذه
أمسكه على صاحبه ولا يأكل منه شيئا وهذا قول عامة العلماء وقال مالك رحمه الله تعليمه أن يتبع الصيد إذا أرسل
ويجيب إذا دعى وهو أحد قول الشافعي رحمه الله حتى لو إخذ صيدا فأكل منه لا يؤكل عندنا وعنده يؤكل (وجه)
قوله إن كونه معلما إنما شرط للاصطياد فيعتبر حالة الاصطياد وهي حالة الاتباع فاما الامساك على صاحبه وترك
الاكل يكون بعد الفراغ عن الاصطياد فلا يعتبر في الحد ولنا الكتاب والسنة والمعقول أما الكتاب فقوله عز وجل
تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم في الآية الكريمة إشارة إلى أن حد تعليم الكلب وما هو في معناه ما قلنا
وهو الامساك على صاحبه وترك الأكل منه لأنه شرط التعليم ثم أباح أكل ما امسك علينا فكان هذا إشارة إلى أن
52

التعليم هو أن يمسك علينا الصيد ولا يأكل منه يقرره ان الله تعالى إنما أباح أكل صيد المعلم من الجوارح الممسك على
صاحبه ولو لم يكن ترك الأكل من حد التعليم وكان ما أكل منه حلالا لاستوى فيه المعلم وغير المعلم والممسك على
صاحبه وعلى نفسه لان كل كلب يطلب الصيد ويمسه لنفسه حتى يموت ان أرسلت عليه واغريته الا المعلم وأما
السنة فما روى عن عدى بن حاتم الطائي أنه قال قلت يا رسول الله انا قوم نتصيد بهذه الكلاب والبزاة فما يحل لنا منها
فقال عليه الصلاة والسلام يحل لكم ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن ما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم مما
علمتموهن من كلب أو باز وذكرتم اسم الله عليه قلت فان قتل قال عليه الصلاة والسلام إذا قتله ولم يأكل منه فكل فإنما
أمسك عليك وان اكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه فقلت يا رسول الله أرأيت ان خالط كلابنا كلاب أخرى
قال عليه الصلاة والسلام ان خالطت كلابك كلاب أخرى فلا تأكل فإنك إنما ذكرت اسم الله تعالى على كلبك ولم
تذكره على كلب غيرك وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إذا أكل الكلب من الصيد فليس بمعلم وعنه أيضا أنه قال
إذا أكل الكلب فلا تأكل وإذا أكل الصقر فكل لان الكلب يستطيع أن تضربه الصقر لا وعن ابن سيدنا
عمر رضي الله عنهما أنه قال إذا أكل الكلب من الصيد فلا تأكل واضربه واما المعقول فمن وجهين أحدهما ان
أخذ الصيد وقتله مضاف إلى المرسل وإنما الكلب آلة الاخذ والقتل وإنما يكون مضافا إليه إذا أمسك لصاحبه
لا لنفسه لان العامل لنفسه يكون عمله مضاف إليه الا إلى غيره والامساك على صاحبه أن يترك الأكل منه وهو حد
التعليم والثاني ان تعليم الكلب ونحوه هو تبديل طبعه وفطامه عن العادة المألوفة ولا يتحقق ذلك الا بامساك الصيد
لصاحبه وترك الأكل منه لان الكلب ونحوه من السباع من طباعهم انهم إذا أخذوا الصيد فإنما يأخذونه لأنفسهم
ولا يصبرون على أن لا يتناولوا منه فإذا أخذ واحد منهم الصيد ولم يتناول منه دل انه ترك عادته حيث أمسك لصاحبه
ولم يأكل منه فإذا أكل منه دل انه على عادته سواء اتبع الصيد إذا أغرى واستجاب إذا دعى أو لا لأنه ألوف في الأصل
يجيب إذا دعى ويتبع إذا أغرى فلا يصلح ذلك دليلا على تعلمه فثبت أن معنى التعلم لا يتحقق الا بما قلنا وهو أن
يمسك الصيد على صاحبه ولا يأكل منه ثم في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه لا توقيت في تعليمه انه إذا أخذ
صيدا ولم يأكل منه هل يصير معلما أم يحتاج فيه إلى التكرار وكأن يقول إذا كان معلما فكل كذا ذكر في الأصل وهكذا
روى بشر بن الوليد رحمه الله عن أبي يوسف قال سألت أبا حنيفة رحمه الله ما حد تعليم الكلب قال إن يقول أهل العلم
بذلك أنه معلم وذكر الحسن بن زياد في المجرد عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال لا يأكل ما يصيد أولا ولا الثاني ولو أكل
الثالث وما بعده وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قدراه بالثلاث فقالا إذا أخذ صيدا فلم يأكل ثم صاد ثانيا فلم يأكل ثم صاد
ثالثا فلم يأكل فهذا معلم فأبو حنيفة رضي الله عنه على الرواية المشهورة عنه أنما رجع في ذلك إلى أهل الصناعة ولم يقدر فيه
تقديرا لان حال الكلب في الامساك وترك الأكل يختلف فقد يمسك للتعليم وقد يمسك للشبع ففوض ذلك إلى أهل
العلم بذلك وعلى الرواية الأخرى جعل أصل التكرار دلالة التعلم لان الشبع لا يتفق في كل مرة فدل تكرار الترك على
التعلم وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قدرا التكرار بثلاث مرات لما أن الثلاث موضوعة لابداء الاعذار أصله
قضية سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام مع العبد الصالح حيث قال له في المرة الثالثة ان سألتك
على شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا وروى عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال من اتجر في شئ
ثلاث مرات فلم يربح فلينتقل إلى غيره ثم إذا صار معلما في الظاهر على اختلاف الأقاويل وصاد به صاحبه ثم أكل
بعد ذلك فما صاد قبل ذلك لا يؤكل شئ منه إن كان باقيا في قول أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما
الله يؤكل كله (وجه) قولهما أن أكل الكلب يحتمل أن يكون لعدم التعلم ويحتمل أن يكون مع التعلم لفرط الجوع
ويحتمل أن يكون للنسيان لان المعلم قد ينسى فلا يحرم ما تقدم من الصيود بالشك والاحتمال ولأبي حنيفة رحمه الله
ان علامة التعلم لما كانت ترك الأكل فإذا أكل بعد ذلك علم أنه لم يكن معلما وان امساكه لم يكن لصيرورته معلما بل
53

لشبعه في الحال إذ غير المعلم قد يمسكه بشبعه للحال إلى وقت الحاجة فاستدللنا بأكله بعد ذلك على أن امساكه في الوقت
الذي قبله كان على غير حقيقة التعليم أو يحتمل ذلك فلا تحل مع الاحتمال احتياطا ومن المشايخ من حمل جواب أبي حنيفة
رحمه الله على ما إذا كان زمان الاكل قريبا من زمان التعليم لأنه إذا كان كذلك فالاكل يدل على عدم التعلم
وانه إنما ترك الأكل فيما تقدم للشبع لا للتعليم لان المدة القصيرة لا تتحمل النسيان في مثلها فإذا طالت المدة فيجوز أن
يقال إنه يؤكل ما بقي من الصيود المتقدمة لأنه يحتمل أن يكون الاكل للنسيان لا لعدم التعلم لوجود مدة لا يندر
النسيان في مثلها الا أن ظاهر الرواية عنه مطلق عن هذا التفصيل واطلاق الرواية يقتضى أنه لا يؤكل على كل حال
والوجه ما ذكرنا وأما قولهم إن النسيان لا يندر عند طول المدة فنقول من تعلم حرفة بتمامها وكمالها فالظاهر أنه لا ينساها
بالكلية وان طالت مدة عدم الاستعمال لكن ربما يدخلها خلل كصنعة الكتابة والخياطة والرمي إذا تركها صاحبها
مدة طويلة فلما أكل وحرفته ترك الأكل دل انه لم يكن تعلم الحرفة من الأصل وانه إنما لم يأكل قبل ذلك لا للتعلم بل
لشبعه في الحال فلا تحل صيوده المتقدمة وأما في المستقبل فلا يحل صيده الا بتعليم مستأنف بلا خلاف فاما على قول
أبي حنيفة رضى اله عنه فلانه تبين بالاكل انه لم يكن معلما وان ترك الأكل لم يكن للتعلم بل لشبعه للحال وأما على قولهما
فلانه يحتمل أن يكون لم يتعلم كما قال أبو حنيفة رحمه الله ويحتمل انه نسي وكيف ما كان لا يحل صيده في المستقبل
الا بتعليم مبتدأ وتعليمه في الثاني بما به تعليمه في الأول وقد ذكرنا الاختلاف فيه ولو جرح الكلب الصيد وولغ في دمه
يؤكل لأنه قد امسك الصيد على صاحبه وإنما لو ولغ فيما أمسك على صاحبه لكان لا يأكله صاحبه وذلك من غاية تعلمه
حيث تناول الخبيث وأمسك الطيب على صاحبه وذكر في الأصل في رجل أرسل كلبه على صيد وهو معلم فأخذ
صيدا فقتله وأكل منه ثم اتبع آخر فقتله ولم يأكل منه قال لا يؤكل واحد منهما لأنه لما أكل دل على عدم التعلم أو على
النسيان فلا يحل صيده بعد ذلك فان اخذ الكلب المعلم صيدا فأخذه منه صاحبه وأخذ صاحب الكلب من الصيد
قطعة فألقاها إلى الكلب فأكلها الكلب فهو على تعلمه لان ترك الأكل إنما يعتبر حال أخذه الصيد فاكله باطعام صاحبه
بعد الاخذ لا يقدح في التعلم مع ما ان من عادة الصائد بالكلب انه إذا أخذ الكلب الصيد أن يطعمه من لحمه ترغيبا له
على الصيد فلا يكون أكله باطعامه دليلا على عدم التعلم وكذلك لو كان صاحب الكلب أخذ الصيد من الكلب ثم
وثب الكلب على الصيد فأخذ منه قطعة فأكلها وهو في يد صاحبه فإنه على تعلمه لان الاكل بعد ثبوت يد الادمى
عليه بمنزلة الاكل من غيره فلا يقدح في التعليم وكذلك قالوا لو سرق الكلب من الصيد بعد دفعه إلى صاحبه لأنه إنما
يفعل ذلك للجوع لان هذا الاكل لم يدخل في التعليم وان أرسل الكلب المعلم على صيد فتبعه فنهشه فقطع منه قطعة
فأكلها ثم اخذ الصيد بعد ذلك فقتله ولم يأكل منه شيئا لا يؤكل لان الاكل منه في حال الاصطياد دليل على عدم التعلم
فان نهشه فألقى منه بضعة والصيد حي ثم اتبع الصيد بعد ذلك فأخذه فقتله ولم يأكل منه شيئا يؤكل لأنه لم يوجد منه
ما يدل على عدم التعليم لأنه إنما قطع قطعة منه ليثخنه فيتوصل به إلى اخذه فكان بمنزلة الجرح وان اخذ صاحب الكلب
الصيد من الكلب بعد ما قطعه ثم رجع الكلب بعد ذلك فمر بتلك القطعة فأكلها يؤكل صيده لأنه لو أكل من نفس
الصيد في هذه الحالة لا يضر فإذا أكل مما بان منه أولى وان اتبع الصيد فنهشه فأخذ منه بضعة فأكلها وهو حي فانفلت
الصيد منه ثم أخذ الكلب صيدا آخر في فوره فقتله ولم يأكل منه ذكر في الأصل وقال أكره أكله لان الاكل في حالة
الاصطياد يدل على عدم التعليم فلا يؤكل ما اصطاده بعده والله تعالى عز شأنه أعلم وأما تعليم ذي المخلب كالبازي
أو نحوه فهو أن يجيب صاحبه إذا دعاه ولا يشترط فيه الامساك على صاحبه حتى لو أخذ الصيد فأكل منه فلا بأس
بأكل صيده بخلاف الكلب ونحوه والفرق من وجوه أحدها ان التعلم بترك العادة والطبع والبازي من عادته
التوحش من الناس والتنفر منهم بطبعه فألفه بالناس واجابته صاحبه إذا دعاه يكفي دليلا على تعلمه بخلاف الكلب
فإنه ألوف بطبعه يألف بالناس ولا يتوحش منهم فلا يكفي هذا القدر دليل التعلم في حقه فلا بد من زيادة أمر وهو ترك
54

الاكل والثاني ان البازي إنما يعلم بالاكل فلا يحتمل أن يخرج بالاكل عن حد التعليم بخلاف الكلب والثالث ان
الكلب يمكن تعليمه بترك الأكل بالضرب لان جثته تتحمل الضرب والبازي لا لان جثته لا تتحمل وقد روى
عن سيدنا على وابن عباس وسلمان الفارسي رضي الله عنهم انهم قالوا إذا أكل الصقر فكل وان أكل الكلب فلا
تأكل ومنها الارسال أو الزجر عند عدمه على وجه ينزجر بالزجر فيما يحتمل ذلك وهو الكلب وما في معناه حتى لو يرسل
بنفسه ولم يزجره صاحبه فيما ينزجر بالزجر لا يحل صيده الذي قتله لان الارسال في صيد الجوارح أصل ليكون القتل
والجرح مضافا إلى المرسل الا أن عند عدمه يقام الزجر مقام الانزجار فيما يحتمل قيام ذلك مقامه فإذا لم يوجد فلا
تثبت الإضافة فلا يحل ولو أرسل مسلم كلبه وسمى فزجره مجوسي فانزجر يؤكل صيده ولو ارسل مجوسي كلبه
فزجره مسلم فانزجر لا يؤكل صيده وكذلك لو أرسل مسلم كلبه وترك التسمية عمدا فاتبع الصيد ثم زجره فانزجر
لا يؤكل صيده ولو لم يرسله أحد وانبعث بنفسه فاتبع الصيد فزجره مسلم وسمى فانزجر يؤكل صيده وان لم ينزجر
لا يؤكل وإنما كان كذلك لان الارسال هو الأصل والزجر كالخلف عنه والخلف يعتبر حال عدم الأصل لا حال
وجوده ففي المسائل الثلاث وجد الأصل فلا يعتبر الخلف الا أن في المسألة الأولى المرسل من أهل الارسال فيؤكل
صيده وفى المسألة الثانية لا فلا يؤكل وفى المسألة الرابعة لم يوجد الأصل فيعتبر الخلف فيؤكل صيده ان انزجر وان لم
ينزجر لا يؤكل لان الزجر بدون الانزجار لا يصلح خلفا عن الارسال فكان ملحقا بالعدم فيصير كأنه يرسل بنفسه من
غير ارسال ولا زجر ولو أرسله مسلم وسمى وزجره رجل ولم يسم على زجره فأخذ الصيد وقتله يؤكل لما ذكرنا ان
العبرة للارسال فيعتبر وجود التسمية عنده وأصل آخر لتخريج هذه المسائل ما ذكره بعض مشايخنا ان الدلالة لا تعتبر
إذا وجد الصريح وإذا لم يوجد تعتبر ففي المسائل الثلاث وجد من الكلب صريح الطاعة بالارسال حيث عدا بارساله
وانزجاره طاعة للزاجر بطريق الدلالة فلا يعتبر في مقابلة الصريح وفى المسألة الرابعة لم يوجد الصريح فاعتبرت الدلالة
وعلى هذا يخرج بقية المسائل ومنها بقاء الارسال وهو أن يكون أخذ الكلب أو البازي الصيد في حال فور الارسال
لا في حال انقطاعه حتى لو أرسل الكلب أو البازي على صيد وسمى فاخذ صيدا وقتله ثم أخذ آخر على فوره ذلك
وقتله ثم وثم يؤكل ذلك كله لان الارسال لم ينقطع فكان الثاني كالأول مع ما بينا ان التعيين ليس بشرط في الصيد لأنه
لا يمكن فكان أخذ الكلب أو البازي الصيد في فور الارسال كوقوع السهم بصيدين فان أخذ صيدا وجثم عليه
طويلا ثم مر به آخر فاخذه وقتله لم يؤكل الا بارسال مستقبل أو بزجره وتسمية على وجه ينزجر فيما يحتمل الزجر
لبطلان الفور وكذلك ان ارسل كلبه أو بازه على صيد فعدل عن الصيد يمنة أو يسرة وتشاغل بغير طلب الصيد وفتر عن
سننه ذلك ثم تبع صيدا آخر فاخذه وقتله لا يؤكل الا بارسال مستأنف أو أن يزجره صاحبه ويسمى فينزجر فيما
يحتمل الزجر لأنه لما تشاغل بغير طلب الصيد فقد انقطع حكم الارسال فإذا صاد صيدا بعد ذلك فقد ترسل بنفسه فلا
يحل صيده الا أن يزجره صاحبه فيما يحتمل الزجر لما بينا وإن كان الذي أرسل فهدا والفهد إذا أرسل كمن ولا يتبع حتى
يستمكن فيمكث ساعة ثم يأخذ الصيد فيقتله فإنه يؤكل وكذلك الكلب إذا أرسل فصنع كما يصنع الفهد فلا بأس
بأكل ما صاد لان حكم الارسال لم ينقطع بالكمون لأنه إنما يكمن ليتمكن من الصيد فكان ذلك من أسباب الاصطياد
ووسيلة إليه فلا ينقطع به حكم الارسال كالوثوب والعدو وكذلك البازي إذا أرسل فسقط على شئ ثم طار فاخذ الصيد
فإنه يؤكل لأنه إنما يسقط على شئ ليتمكن من الصيد فكان سقوطه بمنزلة كمون الفهد وكذلك الرامي إذا رمى صيدا
بسهم فما اصابه في سننه ذلك ووجهه أكل لأنه إذا مضى في سننه فلم ينقطع حكم الرمي فكان ذهابه بقوة الرامي فكان
قتله مضافا إليه فيحل فان أصاب واحدا ثم نفذ إلى آخر وآخر أكل الكل لما قلنا مع ما أن تعيين الصيد ليس بشرط فان
أمالت الريح السهم إلى ناحية أخرى يمينا أو شمالا فأصاب صيدا آخر لم يؤكل لان السهم إذا تحول عن سننه فقد
انقطع حكم الرمي فصارت الإصابة بغير فعل الرامي فلا يحل كما لو كان على جبل سيف فألقته الريح على صيد فقتله انه
55

لا يؤكل كذا هذا فإن لم ترده الريح عن وجهه ذلك أكل الصيد لأنه إذا مضى في وجهه كان مضيه بقوة الرامي وإنما
الريح اعانته ومعونة الريح السهم مما لا يمكن الاحتراز عنه فكان ملحقا بالعدم فان أصابت الريح السهم وهي ريح
شديدة فدفعته لكنه لم يتغير عن وجهه فأصاب السهم الصيد فإنه يؤكل لأنه مضى في وجهه ومعونة الريح إذا لم تعدل
السهم عن وجهه لا يمكن التحرز عنه فلا يعتبر ولو أصاب السهم حائطا أو صخرة فرجع فأصاب صيدا فإنه لا يؤكل لان
فعل الرامي انقطع وصارت الإصابة في غير جهة الرمي فان مر السهم بين الشجر فجعل يصيب الشجر في ذلك الوجه
لكن السهم على سننه فأصاب صيدا فقتله فإنه يؤكل فان رده شئ من الشجر يمنة أو يسرة لا يؤكل لما بينا فان مر
السهم فحجشه حائط وهو على سننه ذلك فأصاب صيدا فقلته أكل لان فعل الرامي لم ينقطع وأنما أصاب السهم الصيد
والحائط وذلك لا يمنع الحل وروى عن أبي يوسف رحمه الله ان حكم الارسال لا ينقطع بالتغيير عن سننه يمينا وشمالا
الا إذا رجع من ورائه ولو أن رجلا رمى بسهم وسمى ثم رمى رجل آخر بسهم وسمى فأصاب السهم الأول السهم
الثاني قبل أن يصيب الصيد فرده عن وجهه ذلك فأصاب صيد فقتله فإنه لا يؤكل لأنه لما رده السهم الثاني عن سننه
انقطع حكم الرمي فلا يتعلق به الحل قال القدوري وهذا محمول على أن الرامي الثاني لم يقصد الاصطياد لان القتل
حصل بفعله وهو لم يقصد الاصطياد فلا يحل فاما إذا كان الثاني رمى للاصطياد فيحل أكل الصيد وهو للثاني لأنه مات
بفعله وان لم يقصده بالرمي وتعيين المرمى إليه ليس بشرط ولو أن رجلين رمى كل واحد منهما صيدا بسهم فأصابا الصيد
جميعا ووقعت الرميتان بالصيد معا فمات فإنه لهما ويؤكل (أما) حل الاكل فظاهر (وأما) كون الصيد لهما فلأنهما
اشتركا في سبب الاستحقاق وتساويا فيه فيتساويان في الاستحقاق فان أصابه سهم الأول فوقذه ثم أصابه سهم
الآخر فقتله قال أبو يوسف رحمه الله يؤكل والصيد للأول وقال زفر رحمه الله لا يؤكل وهذا فرع اختلافهم في أن
المعتبر في الرمي حال الرمي أو حال الإصابة فعند أصحابنا الثلاثة المعتبر حال الرمي وعند زفر حال الإصابة (ووجه)
البناء على هذا الأصل ان المعتبر لما كان حال الرمي عندنا فقد وجد الرمي منهما والصيد ممتنع فلا يتعلق بالسهم الثاني
حظر الا ان الملك للأول لان سهمه أخرجه من حيز الامتناع فصار السهم الثاني كأنه وقع بصيد مملوك فلا يستحق به
شئ فكان الاعتبار بحال الرمي في حق الحل والإصابة في حق الملك لان الحل يتعلق بالفعل والملك يتعلق بالمحل ولما
كان الاعتبار بحال الإصابة عنده فقد أصابه الثاني والصيد غير ممتنع فصار كمن رمى إلى شاة فقتلها (وجه) قول
زفر رحمه الله الاعتبار حال الإصابة ان الملك يقف ثبوته على الإصابة فإنه لو لم يصب لا يملك فدل ان المعتبر هو وقت
الإصابة ولنا أن حال الرمي هو الذي يفعله والتسمية معتبرة عند فعله فكان الاعتبار بحال الرمي وكذلك ان رمى
أحدهما بعد الآخر قبل إصابة الأول فهو كرميهما معا في القولين لان رمى الثاني وجد والصيد ممتنع فصار كما لو رميا معا
فان أصابه سهم الأول ولم يخرجه من الامتناع فأصابه الثاني فقتله فهو للثاني لان الأول إذا لم يخرجه عن حد الامتناع
ففعل الاصطياد وجد من الثاني وللأول تسبب في الصيد فصار كمن أثار صيدا وأخذه غيره ان الصيد يكون للآخذ
لا للمثير كذا هذا وإن كان سهم الأول وقذه وأخرجه عن الامتناع ثم أصابه سهم الثاني فهذا على وجوه ان مات من
الأول أكل وعلى الثاني ضمان ما نقصته جراحته لان السهم الأول وقع به وهو صيد فإذا قتله حل وقد ملكه الأول
بالإصابة فالحجرة الثانية نقص في ملك الأول فيضمنها الثاني وان مات من الجراحة الثانية لم يؤكل لان الثاني رمى إليه
وهو غير ممتنع فصار كالرمي إلى الشاة ويضمن الثاني ما نقصته جراحته لأنه نقص دخل في ملك الغير بفعله ثم يضمن
قيمته مجروحا بجراحتين لأنه أتلف بفعله الا أنه غرم نقصان الجرح الثاني فلا يضمنه ثانيا والجرح الأول نقص
حصل بفعل المالك للصيد فلا يضمنه الثاني وان مات من الجراحتين لم يؤكل لان أحد الرميين حاضر والآخر
مبيح فالحكم للحاظر احتياطا والصيد للأول لانفراده بسبب ملكه وهو الجراحة المخرجة له من الامتناع وعلى الثاني
للأول نصف قيمته مجروحا بالجراحتين ويضمن نصف ما نقصته الجراحة الثانية لأنه مات بفعلهما قسقط نصف
56

الضمان وثبت نصفه والجراحة الثانية يضمنها الثاني لأنها حصلت في ملك غيره ولأنه أتلف على شريكه نصيبه حين
أخرجه من الإباحة إلى الحظر فيلزمه الضمان ان لم يعلم بأي الجراحتين مات فهو كما لو علم أنه مات منهما لان كل
واحدة من الجراحتين سبب القتل في الظاهر والله عز وجل أعلم ولو أرسل كلبا على صيد وسمى فأدرك الكلب
الصيد فضربه فوقذه ثم ضربه ثانيا فقتله أكل وكذلك لو أرسل كلبين على صيد فضربه أحدهما فوقده ثم ضربه
الكلب الآخر فقتله فإنه يؤكل لان هذا لا يدخل في تعليم الكلب إذ لا يمكن أن يعلم بترك الجرح بعد الجرح الأول
فلا يعتبر فكأنه قتله بجرح واحد ولو أرسل رجلان كل واحد منهما كلبه على صيد فضربه كلب أحدهما فوقذه ثم
ضربه كلب الآخر فقتله فإنه يؤكل لما ذكرنا ان جرح الكلب بعد الجرح مما لا يمكن التحفظ عنه فلا يوجب
الحظر فيؤكل ويكون الصيد لصاحب الأول لان جراحة كلبه أخرجته عن حد الامتناع فصار ملكا له فجراحة
كلب الثاني لا تزيل ملكه عنه ومنها أن يكون الارسال والرمي على الصيد واليه حتى لو ارسل على غير صيد أو رمى
إلى غير صيد فأصاب صيدا لا يحل لان الارسال إلى غير الصيد والرمي إلى غيره لا يكون اصطيادا فلا يكون قتل
الصيد وجرحه مضافا إلى المرسل والرامي فلا تتعلق به الإباحة وعلى هذا يخرج ما إذا سمع حسا فظنه صيدا فأرسل
عليه كلبه أو بازه أو رماه بسهم فأصاب صيدا أو بان له ان الحس الذي سمعه لم يكن حسن صيد وإنما كان شاة أو بقرة
أو آدميا انه لا يؤكل الصيد الذي أصابه في قولهم جميعا لأنه تبين انه أرسل على ما ليس بصيد ورمى إلى ما ليس بصيد
فلا يتعلق به الحل لما بينا من الفقه وصار كأنه رمى إلى آدمي أو شاة أو بقرة وهو يعلم به فأصاب صيدا انه لا يؤكل كذا
هذا وإن كان الحس حس صيد فأصاب صيدا يؤكل سواء كان ذلك الحس حس صيد مأكول أو غير مأكول بعد
أن كان المصاب صيدا مأكولا وهذا أقول أصحابنا الثلاثة وقال زفر إن كان ذلك الحس حس صيد لا يؤكل لحمه
كالسباع ونحوها لا يؤكل وروى عن أبي يوسف رحمه الله انه إن كان حس ضبع يؤكل الصيد وإن كان حس خنزير
لا يؤكل الصيد (وجه) قول زفر ان السبع غير مأكول فالرمي إليه لا يثبت به حل الصيد المأكول كما لو كان حس آدمي
فرمى إليه فأصاب صيدا ولنا أن الارسال إلى الصيد اصطياد مباح مأكولا كان الصيد أو غير مأكول فتتعلق به إباحة
الصيد المأكول لان حل الصيد المأكول يتعلق بالارسال فإذا كان الارسال حلالا يثبت حله الا أنه لا يثبت بحل
الارسال حل حكم المرسل إليه لان حرمته ثبتت لمعنى يرجع إلى المحل فلا تتبدل بالفعل ولان المعتبر في الارسال هو
قصد الصيد فأما التعيين فليس بشرط لما بينا فيما تقدم وقد قصد الصيد حلالا كان أو حراما بخلاف ما إذا كان الحس
حس آدمي لان الارسال على الآدمي ليس باصطياد فضلا عن أن يكون حلالا إذ لا يتعلق حل الصيد بما ليس
باصطياد وعلى الوجه الثاني لم يوجد منه قصد الصيد فلا يتعلق به الحل (وجه) رواية أبى يوسف رحمه الله في فصله بين
سائر السباع وبين الخنزير أن الخنزير محرم العين حتى لا يجوز الانتفاع به بوجه فسقط اعتبار الارسال عليه والتحق
بالعدم فأما سائر السباع فجائز الانتفاع بها في غير جهة الاكل فكان الارسال إليها معتبرا وان سمع حسا ولكنه لا يعلم أن
ه حس صيد أو غيره فأرسل فأصاب صيدا لم يؤكل لأنه إذا لم يعلم استوى الحظر والإباحة فكان الحكم للحظر
احتياطا وذكر في الأصل فيمن رمى خنزيرا أهليا فأصاب صيدا قال لا يؤكل لان الخنزير الأهلي ليس بصيد لعدم
التوحش والامتناع فكان الرمي إليه كالرمي إلى الشاة فلا يتعلق به حل الصيد وان أصاب صيدا مأكولا وقد قالوا
فيمن سمع حسا فظنه آدميا فرماه فأصاب الحس نفسه فإذا هو صيد أكل لأنه رمى إلى المحسوس المعين وهو الصيد
فصح ونظيره ما إذا قال لامرأته وأشار إليها هذه الكلبة طالق انها تطلق وبطل الاسم وقالوا لو رمى طائرا فأصاب
صيدا وذهب المرمى إليه ولم يعلم أو حشي أو مستأنس أكل الصيد لان الأصل في الطير التوحش فيجب التمسك
بالأصل حتى يعلم الاستئناس ولو علم أن المرمى إليه داجن تأوى البيوت لا يؤكل الصيد لان الداجن يأويه البيت
وتثبت اليد عليه فكان الرمي إليه كالرمي إلى الشاة وذلك لا يتعلق به الحل كذا هذا وقالوا لو رمى بعيرا فأصاب صيدا
57

وذهب البعير فلم يعلم أناد أو غير ناد لم يؤكل الصيد حتى يعلم أن البعير كان نادا لان الأصل في الإبل الاستئناس فيتمسك
بالأصل حتى يظهر الامر بخلافه واختلفت الرواية عن أبي يوسف رحمه الله فيمن رمى سمكة أو جرادة فأصاب
صيدا فقال في رواية لا يؤكل لان السمك والجراد لا ذكاة لهما وروى عنه أنه يؤكل لان المرمى إليه من جملة الصيد
وإن كان لا ذكاة له وقالوا لو أرسل كلبه على ظبي موثق فأصاب صيدا لم يؤكل لان الموثق ليس بصيد لعدم معنى الصيد
فيه وهو الامتناع فأشبه شاة ولو أرسل بازه على ظبي وهو لا يصيد الظبي فأصاب صيدا لم يؤكل لان هذا ارسال لم
يقصد به الاصطياد فصار كمن أرسل كلبا على قتل رجل فأصاب صيدا (ومنها) أن لا يكون ذو الناب الذي يصطاد به
من الجوارح محرم العين فإن كان محرم العين وهو الخنزير فلا يؤكل صيده لان محرم العين محرم الانتفاع به والاصطياد به
انتفاع به فكان حراما فلا يتعلق به الحل (وأما) ما سواه من ذي الناب من السباع فقد قال أصحابنا جميعا كل ذي
مخلب وذي ناب علم فتعلم ولم يكن محرم العين فصيد به كان صيده حلالا لعموم قوله عز شأنه وما علمتم من الجوارح
وقالوا في الأسد والذئب انه لا يجوز الصيد بهما لا لمعنى يرجع إلى ذاتهما بل لعدم احتمال التعلم لان التعلم بترك العادة
وذلك بترك الأكل وقيل إن من عادتهما انهما إذا أخذا صيدا لا يأكلانه في الحال فلا يمكن الاستدلال بترك الأكل
فيهما على التعلم حتى لو تصور تعليمهما يجوز وذكر هشام وقال سألت محمدا عن الذئب إذا علم فصاد فقال هذا أرى
انه لا يكون فإن كان فلا بأس به وقال سألته عن صيد ابن عرس فأخبرني أن أبا حنيفة رحمه الله قال إذا علم فتعلم فكل
مما صاد فصار الأصل ما ذكرنا ان ما لا يكون محرم العين من الجوارح إذا علم فتعلم يؤكل صيده والله جل شأنه اعلم
(ومنها) أن يعلم أن تلف الصيد بارسال أو رمى هو سبب الحل من حيث الظاهر فان شاركهما معنى أو سبب يحتمل
حصول التلف به والتلف به مما لا يفيد الحل لا يؤكل الا إذا كان ذلك المعنى مما لا يمكن الاحتراز عنه لأنه إذا
احتمل حصول التلف بما لا يثبت به الحل فقد احتمل الحل والحرمة فيرجح جانب الحرمة احتياطا لأنه ان أكل
عسى انه أكل الحرام فيأثم وان لم يأكل فلا شئ عليه والتحرز عن الضرر واجب عقلا وشرعا والأصل فيه ما روى عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لوابصة بن معبد رضي الله عنه الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات
فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ما اجتمع الحلال والحرام في شئ الا وقد غلب
الحرام الحلال وعلى هذا يخرج ما إذا رمى صيدا وهو يطير فأصابه فسقط على جبل ثم سقط منه على الأرض فمات انه
لا يؤكل وهو تفسير المتردى لأنه يحتمل أنه مات من الرمي ويحتمل أنه مات بسقوطه عن الجبل وكذلك لو كان على
جبل فأصابه فسقط منه شئ على الجبل ثم سقط على الأرض فمات أو كان على سطح فأصابه فهوى فأصاب حائط
السطح ثم سقط على الأرض فمات أو كان على نخلة أو شجرة فسقط منها على جذع النخلة أو ند من الشجرة ثم سقط
على الأرض فمات أو وقع على رمح مركوز في الأرض وفيه سنان فوقع على السنان ثم وقع على الأرض فمات أو نشب
فيه السنان فمات عليه أو أصاب سهمه صيدا فوقع في الماء فمات فيه لا يحل لأنه يحتمل انه مات بالرمي ويحتمل أنه
مات بهذه الأسباب الموجودة بعده وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وان وقع في الماء فلا تأكله
فلعل الماء قتله بين عليه الصلاة والسلام الحكم وعلل بما ذكرنا من احتمال موته بسبب آخر وهو وقوعه في الماء
والحكم المعلل بعلة يتعمم بعموم العلة ولو أصابه السهم فوقع على الأرض فمات فالقياس ان لا يؤكل لجواز موته بسبب
وقوعه على الأرض وفى الاستحسان يؤكل لأنه لا يمكن الاحتراز عن وقوع المرمى إليه على الأرض فلو اعتبر هذا
الاحتمال لوقع الناس في الحرج وذكر في المنتقى في الصيد إذا وقع على صخرة فانشق بطنه أو انقطع رأسه انه لا يؤكل قال
الحاكم الجليل الشهيد المروزي وهذا خلاف جواب الأصل قال القدوري رحمه الله وعنى به أنه خلاف عموم جواب
الأصل لأنه ذكر في الأصل لو وقع على آجرة موضوعة في الأرض أكل ولم يفصل بين أن يكون انشق بطنه أو لم
ينشق فهذا يقتضى أن يؤكل في الحالين فيجوز أن يجعل في المسألة روايتان ويجوز أن يفرق بين الحالين من حيث أن
58

لو أنشق بطنه أو انقطع رأسه فالظاهر أن موته بهذا السبب لا بالرمي فكان احتمال موته بالرمي احتمال خلاف الظاهر
فلا يعتبر وإذا لم ينشق ولم ينقطع فموته بكل واحد من السببين محتمل احتمالا على السواء الا أن التحرز غير ممكن فسقط
اعتبار موته بسبب العارض ويجوز أن يكون المذكور في المنتقى تفسيرا لما ذكر في الأصل فيكون معناه أنه يؤكل
إذا لم ينشق بطنه أو لم ينقطع رأسه فيحمل المطلق على المقيد ويجعل المقيد بيانا للمطلق عند تعذر العمل بهما ولو وقع على
حرف آجرة أو حرف حجر ثم وقع على الأرض فمات لم يؤكل لما قلنا ولو كانت الآجرة منطرحة على الأرض فوقع
عليها ثم مات أكل لان الآجرة المنطرحة كالأرض فوقوعه عليها كوقوعه على الأرض ولو وقع على جبل فمات
عليه أكل لان استقراره على الجبل كاستقراره على الأرض وذكر في المنتقى عن أبي يوسف رحمه الله لو رمى صيدا على
قلة جبل فأثخنه حتى صار لا يتحرك ولم يستطع أن يأخذه فرماه فقتله ووقع لم يأكله لأنه خرج عن كونه صيد بالرمي
الأول لخروجه عن حد الامتناع فالرمي الثاني لم يصادف صيدا فلم يكن ذكاة له فلا يؤكل وعلى هذا يخرج ما إذا اجتمع
على الصيد معلم وغير معلم أو مسمى عليه وغير مسمى انه لا يؤكل لاجتماع سببي الحظر والإباحة ولم يعلم أيهما قتله ولو
أرسل مسلم كلبه فاتبع الكلب كلب آخر غير معلم لكنه لم يرسله أحد ولم يزجره بعد انبعاثه أو سبع من السباع أو ذو
مخلب من الطير مما يجوز ان يعلم فيصاد به فرد الصيد عليه ونهشه أو فعل ما يكون معونة للكلب المرسل فاخذه الكلب
المرسل وقتله لا يؤكل لان رد الكلب ونهشه مشاركة في الصيد فأشبه مشاركة المعلم غير المعلم والمسمى عليه غير
المسمى عليه بخلاف ما إذا رد عليه آدمي أو بقرة أو حمار أو فرس أو ضب لان فعل هؤلاء ليس من باب الاصطياد فلا
يزاحم الاصطياد في الإباحة فكان ملحقا بالعدم فان تبع الكلب الأول كلب غير معلم ولم يرد عليه ولم يهيب الصيد
ولكنه اشتد عليه وكان الذي أخذ وقتل الكلب المعلم لا بأس بأكله لأنهما ما اشتركا في الاصطياد لعدم المعاونة فيحل
أكله والله جل شأنه أعلم (ومنها) أن يلحق المرسل أو الرامي الصيد أو من يقوم مقامه قبل التواري عن عينه أو قبل
انقطاع الطلب منه إذا لم يدرك ذبحه فان توارى عن عينه وقعد عن طلبه ثم وجده لم يؤكل فاما إذا لم يتوار عنه أو توارى
لكنه لم يقعد عن الطلب حتى وجده يؤكل استحسانا والقياس انه لا يؤكل (وجه) القياس انه يحتمل ان الصيد
مات من جراحة كلبه أو من سهمه ويحتمل انه مات بسبب آخر فلا يحل أكله بالشك (وجه) الاستحسان
ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالروحاء على حمار وحش عقير فتبادر أصحابه إليه فقال دعوه فسيأتي
صاحبه فجاء رجل من فهر فقال هذه رميتي يا رسول الله وأنا في طلبها وقد جعلتها لك فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
سيدنا أبا بكر رضي الله عنه فقسمه بين الرفاق ولان الضرورة توجب ذلك لان هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه
في الصيد فان العادة ان السهم إذا وقع بالصيد تحامل فغاب وإذا أصاب الكلب الخوف منه غاب فلو اعتبرنا ذلك لأدى
ذلك إلى انسداد باب الصيد ووقوع الصيادين في الحرج فسقط اعتبار الغيبة التي لا يمكن التحرز عنها إذا لم يوجد من
الصائد تفريط في الطلب لمكان الضرورة والحرج وعند قعوده في الطلب لا ضرورة فيعمل بالقياس وقد روى أن
رجلا أهدى إلى النبي عليه الصلاة والسلام صيدا فقال له من أين لك هذا فقال رميته بالأمس وكنت في طلبه حتى
هجم على الليل فقطعني عنه ثم وجدته اليوم ومزراقى فيه فقال عليه الصلاة والسلام انه غاب عنك ولا أدرى لعل بعض
الهوام أعانك عليه لا حاجة لي فيه بين عليه الصلاة والسلام الحكم وعلة الحكم وهو ما ذكرنا من احتمال موته بسبب
آخر وهذا المعنى لا يتحقق فيه إذا لم يقعد عن الطلب وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما انه سئل عن ذلك فقال
كل ما أصميت ودع ما أنميت قال أبو يوسف رحمه الله الاصماء ما عاينه والانماء ما توارى عنه وقال هشام عن محمد
رحمه الله الاصماء ما لم يتوار عن بصرك والانماء ما توارى عن بصرك الا أنه أقيم الطلب مقام البصر للضرورة ولا
ضرورة عند عدم الطلب ولأنه إذا قعد عن طلبه فمن الجائز انه لو كان طلبه لأدركه حيا فيخرج الجرح من أن يكون
ذكاة فلا يحل بالشك بخلاف ما إذا لم يقعد عن طلبه لأنه لم يدركه حيا فبقي الجرح ذكاة له والله تعالى عز وجل أعلم وأما
59

ما يستحب من الذكاة وما يكره منها (فمنها) ان المستحب أن يكون الذبيح بالنهار ويكره بالليل والأصل فيه ما روى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه نهى عن الأضحى ليلا وعن الحصاد ليلا وهو كراهة تنزيه ومعنى الكراهة
يحتمل أن يكون لوجوه أحدها ان الليل وقت أمن وسكون وراحة فايصال الألم في وقت الراحة يكون أشد والثاني
انه لا يأمن من أن يخطئ فيقطع يده ولهذا كره الحصاد بالليل والثالث ان العروق المشروطة في الذبح لا تتبين في الليل
فربما لا يستوفى قطعها (ومنها) انه يستحب في الذبح حالة الاختيار أن يكون ذلك بآلة حادة من الحديد كالسكين
والسيف ونحو ذلك ويكره بغير الحديد وبالكليل من الحديد لان السنة في ذبح الحيوان ما كان أسهل على الحيوان
وأقرب إلى راحته والأصل فيه ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله تعالى عز شأنه كتب
الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته
وفى بعض الروايات وليشد قوائمه وليلقه على شقه الأيسر وليوجهه نحو القبلة وليسم الله تعالى عليه والذبح بما قلنا
أسهل على الحيوان وأقرب إلى راحته (ومنها) التذفيف في قطع الأوداج ويكره الابطاء فيه لما روينا عن النبي
عليه الصلاة والسلام أنه قال وليرح ذبيحته والاسراع نوع راحة له (ومنها) الذبح في الشاة والبقرة والنحر في الإبل
ويكره القلب من ذلك لما ذكرنا فيما تقدم والله عز شأنه اعلم ومنهم أن يكون ذلك من قبل الحلقوم ويكره من قبل
القفا لما مر (ومنها) قطع الأوداج كلها ويكره قطع البعض دون البعض لما فيه من ابطاء فوات حياته (ومنها)
الاكتفاء بقطع الأوداج ولا يبلغ به النخاع وهو العرق الأبيض الذي يكون في عظم الرقبة ولا يبان الرأس ولو فعل
ذلك يكره لما فيه من زيادة ايلام من غير حاجة إليها وفى الحديث ألا لا تنخعوا الذبيحة والنخع القتل الشديد حتى
يبلغ النخاع (ومنها) أن يكون الذابح مستقبل القبلة والذبيحة موجهة إلى القبلة لما روينا ولما روى أن الصحابة
رضي الله عنهم كانوا إذا ذبحوا استقبلوا القبلة فإنه روى عن الشعبي أنه قال كانوا يستحبون ان يستقبلوا بالذبيحة
القبلة وقوله كانوا كناية عن الصحابة رضي الله عنهم ومثله لا يكذب ولان المشركين كانوا يستقبلون بذبائحهم إلى
الأوثان فتستحب مخالفتهم في ذلك باستقبال القبلة التي هي جهة الرغبة إلى طاعة الله عز شأنه ويكره أن يقول عند
الذبح اللهم تقبل من فلان وإنما يقول ذلك بعد الفراغ من الذبح أو قبل الاشتغال بالذبح هكذا روى أبو يوسف عن
أبي حنيفة رحمهما الله عن حماد عن إبراهيم وكذلك قال أبو يوسف أدع بالتقبل قبل الذبح ان شئت أو بعده
وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال موطنان لا أذكر فيهما عند العطاس وعند الذبح وروينا
عن ابن مسعود رضى عنهما أنه قال جردوا التسمية عند الذبح ولو قال ذلك لا تحرم الذبيحة لأنه ما ذكر اسم غير الله
عز شأنه على سبيل الاشراك لكنه يكره لتركه التجريد من حيث الصورة فان قيل أليس انه روى أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته فالجواب انه ليس فيه انه ذكر مع
اسم الله تعالى جل شأنه نفسه عليه الصلاة والسلام أو أمته فيحتمل انه ضحى أحدهما وذكر اسم الله تعالى ونوى
بقلبه أن يكون عنه وضحى الآخر وذكر اسم الله تعالى ونوى بقلبه أن يكون عن أمته وهذا لا يوجب الكراهة
ويكره له بعد الذبح قبل أن تبرد أن ينخعها أيضا وهو أن ينحرها حتى يبلغ النخاع وأن يسلخها قبل أن تبرد لان فيه زيادة
ايلام لا حاجة إليها فان نخع أو سلخ قبل أن تبرد فلا بأس بأكلها لوجود الذبح بشرائطه ويكره جرها برجلها إلى المذبح
لأنه الحاق زيادة ألم بها من غير حاجة إليها في الذكاة وروى عن ابن سيرين عن سيدنا عمر رضي الله عنهما أنه
رأى رجلا يسوق شاة ليذبحها سوقا عنيفا فضربه بالدرة ثم قال له سقها إلى الموت سوقا جميلا لا أم لك ويكره أن
يضجعها ويحد الشفرة بين يديها لما روى أن رسول الله صلى اله عليه وسلم رأى رجلا أضجع شاة وهو يحد الشفرة
وهي تلاحظه فقال عليه الصلاة والسلام أوددت أن تميتها موتات الا حددت الشفرة قبل أن تضجعها وروى عن
سيدنا عمر رضي الله عنه انه رأى رجلا وقد أضجع شاة ووضع رجله على صفحة وجهها وهو يحد الشفرة فضربه
60

بالدرة فهرب الرجل وشردت الشاة ولان البهيمة تعرف الآلة الجارحة كما تعرف المهالك فتتحرز عنها فإذا أحد
الشفرة وقد أضجعها يزداد ألمها وهذا كله لا تحرم به الذبيحة لان النهى عن ذلك ليس لمعنى في المنهى بل لما يلحق
الحيوان من زيادة ألم لا حاجة إليه فكان النهى عنه لمعنى في غير المنهى وانه لا يوجب الفساد كالذبح بسكين مغصوب
والاصطياد بقوس مغصوب ونحو ذلك.
(فصل) وأما بيان ما يحرم أكله من أجزاء الحيوان المأكول فالذي يحرم أكله منه سبعة الدم المسفوح والذكر
والأنثيان والقبل والغدة والمثانة والمرارة لقوله عز شأنه ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وهذه الأشياء
السبعة مما تستخبثه الطباع السليمة فكانت محرمة وروى عن مجاهد رضي الله عنه أنه قال كره رسول الله صلى الله
عليه وسلم من الشاة الذكر والأنثيين والقبل والغدة والمرارة والمثانة والدم فالمراد منه كراهة التحريم بدليل انه جمع بين
الأشياء الستة وبين الدم في الكراهة والدم المسفوح محرم والمروى عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال الدم حرام
وأكره الستة أطلق اسم الحرام على الدم المسفوح وسمى ما سواه مكروها لان الحرام المطلق ما ثبتت حرمته بدليل
مقطوع به وحرمة الدم المسفوح قد ثبتت بدليل مقطوع به وهو النص المفسر من الكتاب العزيز قال الله تعالى عز
شأنه قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما إلى قوله عز شأنه أو دما مسفوحا أو لحم خنزير وانعقاد الاجماع أيضا على حرمته
فأما حرمة ما سواه من الأشياء الستة فما ثبتت بدليل مقطوع به بل بالاجتهاد أو بظاهر الكتاب العزيز المحتمل
للتأويل أو الحديث لذلك فصل بينهما في الاسم فسمى ذلك حراما وذا مكروها والله عز اسمه أعلم.
(كتاب الاصطياد)
قد بينا في كتاب الذبائح والصيود ما يؤكل من الحيوانات وما يحرم أكله منها وما يكره والآن نبين في كتاب الاصطياد
ما يباح اصطياده وما لا يباح ومن يباح له الاصطياد ومن لا يباح له فقط أما الأول فيباح اصطياد ما في البحر والبر مما
يحل أكله وما لا يحل أكله غير أن ما يحل أكله يكون اصطياده للانتفاع بلحمه وما لا يحل أكله يكون اصطياده للانتفاع
بجلده وشعره وعظمه أو لدفع أذيته الا صيد الحرم فإنه لا يباح اصطياده الا المؤذى منه لقوله عز شأنه أو لم يروا انا جعلنا
حرما آمنا وقول النبي عليه الصلاة والسلام في صيد الحرم في حديث فيه طول ولا ينفر صيده وخص منه المؤذيات
بقوله عليه الصلاة والسلام خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم وأما الثاني فيباح اصطياد ما في البحر للحلال
والمحرم ولا يباح اصطياد ما في البر للمحرم خاصة لقوله تعالى أحل لكم صيد البحر إلى قوله تعالى وحرم عليكم صيد
البر ما دمتم حرما والفصل بين صيد البر والبحر وغير ذلك من المسائل بيناه في كتاب الحج والله عز شأنه الموفق
(كتاب التضحية)
يحتاج لمعرفة مسائل هذا الكتاب إلى بيان صفة التضحية انها واجبة أو لا والى بيان شرائط الوجوب لو كانت واجبة
والى بيان وقت الوجوب والى بيان كيفية الوجوب والى بيان محل إقامة الواجب والى بيان شرائط جواز إقامة
الواجب والى بيان ما يستحب أن يفعل قبل التضحية وعندها وبعدها وما يكره كراهة تحريم أو تنزيه أما صفة التضحية
فالتضحية نوعان واجب وتطوع والواجب منها أنواع منها ما يجب على الغنى والفقير ومنها ما يجب على الفقير دون الغنى
ومنها ما يجب على الغنى دون الفقير أما الذي يجب على الغنى والفقير فالمنذور به بأن قال لله على أن أضحى شاة أو بدنة
أو هذه الشاة أو هذه البدنة أو قال جعلت هذه الشاة ضحية أو أضحية وهو غنى أو فقير لأن هذه قربة لله تعالى عز شأنه
من جنسها ايجاب وهو هدى المتعة والقران والاحصار وفداء إسماعيل عليه الصلاة والسلام وقيل هذه القربة
تلزم بالنذر كسائر القرب التي لله تعالى عز شأنه من جنسها ايجاب من الصلاة ونحوهما والوجوب بسبب
61

النذر يستوى فيه الفقير والغنى وإن كان الواجب يتعلق بالمال كالنذر بالحج أنه يصح من الغنى والفقير جميعا وأما الذي
يجب على الفقير دون الغنى فالمشترى للأضحية إذا كان المشترى فقيرا بان اشترى فقير شاة ينوى أن يضحى بها وقال
الشافعي رحمه الله لا تجب وهو قول الزعفراني من أصحابنا وإن كان غنيا لا يجب عليه بالشراء شئ بالاتفاق (وجه)
قول الشافعي رحمه الله ان الايجاب من العبد يستدعى لفظا يدل على الوجوب والشراء بنية الأضحية لا يدل على
الوجوب فلا يكون ايجابا ولهذا لم يكن ايجابا من الغنى (ولنا) ان الشراء للأضحية ممن لا أضحية عليه يجرى مجرى
الايجاب وهو النذر بالتضحية عرفا لأنه إذا اشترى للأضحية مع فقره فالظاهر أنه يضحى فيصير كأنه قال جعلت هذه
الشاة أضحية بخلاف الغنى لان الأضحية واجبة عليه بايجاب الشرع ابتداء فلا يكون شراؤه للأضحية ايجابا بل
يكون قصد إلى تفريغ ما في ذمته ولو كان في ملك انسان شاة فنوى أن يضحى بها أو اشترى شاة ولو ينو الأضحية وقت
الشراء ثم نوى بعد ذلك أن يضحى بها لا يجب عليه سواء كان غنيا أو فقيرا لأن النية لم تقارن الشراء فلا تعتبر (وأما) الذي
يجب على الغنى دون الفقير فما يجب من غير نذر ولا شراء للأضحية بل شكرا لنعمة الحياة واحياء لميراث الخليل عليه
الصلاة والسلام حين أمره الله تعالى عز اسمه بذبح الكبش في هذه الأيام فداء عن ولده ومطية على الصراط ومغفرة
للذنوب وتكفيرا للخطايا على ما نطقت بذلك الأحاديث وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وزفر والحسن بن زياد واحدى
الروايتين عن أبي يوسف رحمهم الله وروى عن أبي يوسف رحمه الله انها لا تجب وبه أخذ الشافعي رحمه الله وحجة
هذه الرواية ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاث كتبت على ولم تكتب عليكم الوتر والضحى
والأضحى وروى ثلاث كتبت على وهي لكم سنة وذكر عليه الصلاة والسلام الأضحية والسنة غير الواجب في
العرف وروى أن سيدنا أبا بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان السنة والسنتين وروى عن أبي مسعود
الأنصاري رضي الله عنه أنه قال قد يروح على ألف شاة والا أضحى بواحدة مخافة أن يعتقد جارى انها واجبة ولأنها
لو كانت واجبة لكان لا فرق فيها بين المقيم والمسافر لأنهما لا يفترقان في الحقوق المتعلقة بالمال كالزكاة وصدقة الفطر ثم
لا تجب على المسافر فلا تجب على المقيم (ولنا) قوله عز وجل فصل لربك وانحر قيل في التفسير صل صلاة العيد وانحر
البدن بعدها وقيل صل الصبح بجمع وانحر بمنى ومطلق الامر للوجوب في حق العمل ومتى وجب على النبي عليه
الصلاة والسلام يجب على الأمة لأنه قدوة للأمة فان قيل قد قيل في بعض وجوه التأويل لقوله عز شأنه وانحر أي ضع
يديك على نحرك في الصلاة وقيل استقبل القبلة بنحرك في الصلاة فالجواب ان الحمل على الأول أولى لأنه حمل اللفظ
على فائدة جديدة والحمل على الثاني حمل على التكرار لان وضع اليد على النحر من أفعال الصلاة عندكم يتعلق به كمال
الصلاة واستقبال القبلة من شرائط الصلاة لا وجود للصلاة شرعا بدونه فيدخل تحت الامر بالصلاة فكان الامر
بالصلاة أمرا به فحمل قوله عز شأنه وانحر عليه يكون تكرارا والحمل على ما قلناه يكون حملا على فائدة جديدة فكان
أولى وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال ضحوا فإنها سنة أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام أمر عليه
الصلاة والسلام بالتضحية والامر المطلق عن القرينة يقتضى الوجوب في حق العمل وروى عنه عليه الصلاة
والسلام أنه قال على أهل كل بيت في كل عام اضحاة وعتيرة وعلى كلمة ايجاب ثم نسخت العتيرة فثبتت الاضحاة
وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال من لم يضح فلا يقربن مصلانا وهذا خرج مخرج الوعيد على ترك الأضحية
ولا وعيد الا بترك الواجب وقال عليه الصلاة والسلام من ذبح قبل الصلاة فليعد أضحيته ومن لم يذبح فليذبح بسم الله
أمر عليه الصلاة والسلام بذبح الأضحية واعادتها إذا ذبحت قبل الصلاة وكل ذلك دليل الوجوب ولان إراقة الدم
قربة والوجوب هو القرية في القربات (وأما) الحديث فنقول بموجبه ان الأضحية ليست بمكتوبة علينا ولكنها
واجبة وفرق ما بين الواجب والفرض كفرق ما بين السماء والأرض على ما عرف في أصول الفقه وقول هي لكم سنة
ان ثبت لا ينفى الوجوب إذ السنة تنبئ عن الطريقة أو السيرة وكل ذلك لا ينفى الوجوب (وأما) حديث سيدنا أبى
62

بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما فيحتمل أنهما كانا لا يضحيان السنة والسنتين لعدم غناهما لما كان لا يفضل رزقهما
الذي كان في بيت المال عن كفايتهما والغنى شرط الوجوب في هذا النوع وقول أبى مسعود رضي الله عنه لا يصلح
معارضا للكتاب الكريم والسنة مع ما أنه يحتمل انه كان عليه دين فخاف على جاره لو ضحى ان يعتقد وجوب
الأضحية مع قيام الدين ويحتمل انه أراد بالوجوب الفرض إذا هو الواجب المطلق فخاف على جاره اعتقاد الفرضية
لو ضحى فصان اعتقاده بترك الأضحية فلا يكون حجة مع الاحتمال أو يحمل على ما قلنا توفيقا بين الدلائل صيانة لها
عن التناقض والاستدلال بالمسافر غير سديد لان فيه ضرورة لا توجد في حق المقيم على ما نذكر في بيان الشرائط إن شاء الله
تعالى عز شأنه ولو نذر أن يضحى بشاة وذلك في أيام النحر وهو موسر فعليه أن يضحى بشاتين عندنا شاة لأجل
النذر وشاة بايجاب الشرع ابتداء الا إذا عنى به الاخبار عن الواجب عليه بايجاب الشرع ابتداء فلا يلزمه الا التضحية
بشاة واحدة ومن المشايخ من قال لا يلزمه الا التضحية بشاة واحدة لأن هذه الصيغة حقيقتها للاخبار فيكون اخبارا
عما وجب عليه بايجاب الشرع فلا يلزمه التضحية بأخرى ولنا ان هذه الصيغة في عرف الشرع جعلت انشاء كصيغة
الطلاق والعتاق لكنها تحتمل الاخبار فيصدق في حكم بينه وبين ربه عز شأنه ولو قال ذلك قبل أيام النحر يلزمه
التضحية بشاتين بلا خلاف لان الصيغة لا تحتمل الاخبار عن الواجب إذ لا وجوب قبل الوقت والاخبار عن
الواجب ولا واجب يكون كذبا فتعين الانشاء مراد أيها وكذلك لو قال ذلك وهو معسر ثم أيسر في أيام النحر فعليه أن
يضحى بشاتين لأنه لم يكن وقت النذر أضحية واجبة عليه فلا يحتمل الاخبار فيحمل على الحقيقة الشرعية وهو
الانشاء فوجب عليه أضحية بنذره وأخرى بايجاب الشرع ابتداء لوجود شرط الوجوب وهو الغنى (وأما) التطوع
فأضحية المسافر والفقير الذي لم يوجد منه النذر بالتضحية ولا الشراء للأضحية لانعدام سبب الوجوب وشرطه
(فصل) وأما شرائط الوجوب فاما في النوعين الأولين فشرائط أهلية النذر وقد ذكرناها في كتاب النذر وأما
في النوع الثالث فمنها الاسلام فلا تجب على الكافر لأنها قربة والكافر ليس من أهل القرب ولا يشترط وجود
الاسلام في جميع الوقت من أوله إلى آخره حتى لو كان كافرا في أول الوقت ثم أسلم في آخره تجب عليه لان وقت
الوجوب يفضل عن أداء الواجب فيكفي في وجوبها بقاء جزء من الوقت كالصلاة ومنها الحرية فلا تجب على العبد
وإن كان مأذونا في التجارة أو مكاتبا لأنه حق مالي متعلق بملك المال ولهذا لا تجب عليه زكاة ولا صدقة الفطر ولا يشترط
أن يكون حرا من أول الوقت إلى آخره بل يكتفى بالحرية في آخر جزء من الوقت حتى لو أعتق في آخر الوقت وملك
نصابا تجب عليه الأضحية لما قلنا في شرط الاسلام ومنها الإقامة فلا تجب على المسافر لأنها لا تتأدى بكل مال ولا في
كل زمان بل بحيوان مخصوص في وقت مخصوص والمسافر لا يظفر به في كل مكان في وقت الأضحية فلو أوجبنا
عليه لاحتاج إلى حمله مع نفسه وفيه من الحرج ما لا يخفى أو احتاج إلى ترك السفر وفيه ضرر فدعت الضرورة إلى
امتناع الوجوب بخلاف الزكاة لان الزكاة لا يتعلق وجوبها بوقت مخصوص بل جميع العمر وقتها فكان جميع
الأوقات وقتا لأدائها فإن لم يكن في يده شئ للحال يؤديها إذا وصل إلى المال وكذا تتأدى بكل مال فايجابها عليه لا
يوقعه في الحرج وكذلك صدقة الفطر لأنها تجب وجوبا موسعة كالزكاة وهو الصحيح وعند بعضهم وإن كانت تتوقف
بيوم الفطر لكنها تتأدى بكل مال فلا يكون في الوجوب عليه حرج وذكر في الأصل وقال ولا تجب الأضحية على
الحاج وأراد بالحاج المسافر فاما أهل مكة فتجب عليهم الأضحية وان حجوا لما روى نافع عن ابن سيدنا عمر رضي الله عنهم
ا إن كان يخلف لمن لم يحج من أهله أثمان الضحايا ليضحوا عنه تطوعا ويحتمل أنه ليضحوا عن أنفسهم لا عنه
فلا يثبت الوجوب مع الاحتمال ولا تشترط الإقامة في جميع الوقت حتى لو كان مسافر في أول الوقت ثم أقام في آخره
تجب عليه لما بينا في شرط الحرية والاسلام ولو كان مقيما في أول الوقت ثم سافر في آخره لا تجب عليه لما ذكرنا هذا
إذا سافر قبل ان يشترى أضحية فان اشترى شاة للأضحية ثم سافر ذكر في المنتفى ان له بيعها ولا يضحي بها وهكذا
63

روى عن محمد رحمه الله انه يبيعها من المشايخ من فصل بين الموسر والمعسر فقال إن كان موسرا فالجواب كذلك لأنه ما
أوجب بهذا الشراء شيئا على نفسه وإنما قصد به اسقاط الواجب عن نفسه فإذا سافر تبين أنه لا وجوب عليه فكان
له ان يبيعها كما لو شرع في العبادة على ظن أنها عليه ثم تبين أنها ليست عليه أنه لا يلزمه الاتمام وإن كان معسرا ينبغي أن
تجب عليه ولا تسقط عنه بالسفر لان هذا ايجاب من الفقير بمنزلة النذر فلا يسقط بالسفر كما لو شرع في التطوع أنه يلزمه
الاتمام القضاء بالافساد كذا ههنا وان سافر بعد دخول الوقت قالوا ينبغي أن يكون الجواب كذلك لما ذكرنا ومنها
الغنى لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من وجد سعة فليضح شرط عليه الصلاة والسلام السعة وهي
الغنى ولأنا أوجبناها بمطلق المال ومن الجائز أن يستغرق الواجب جميع ماله فيؤدى إلى الحرج فلابد من اعتبار الغنى
وهو أن يكون في ملكه مائتا درهم أو عشرون دينارا أو شئ تبلغ قيمته ذلك سوى مسكنه وما يتأثث به وكسوته
وخادمه وفرسه وسلاحه وما لا يستغنى عنه وهو نصاب صدقة الفطر وقد ذكرناه وما يتصل به من المسائل في صدقة
الفطر ولو كان عليه دين بحيث لو صرف إليه بعض نصابه لا ينقص نصابه لا تجب لان الدين يمنع وجوب الزكاة فلان
يمنع وجوب الأضحية أولى لان الزكاة فرض والأضحية واجبة والفرض فوق الواجب وكذا لو كان له مال غائب
لا يصل إليه في أيام النحر لأنه فقير وقت غيبة المال حتى تحل له الصدقة بخلاف الزكاة فإنها تجب عليه لان جميع
العمر وقت الزكاة وهذه قربة موقتة فيعتبر الغنى في وقتها ولا يشترط أن يكون غنيا في جميع الوقت حتى لو كان فقيرا في
أول الوقت ثم أيسر في آخره يجب عليه لما ذكرنا ولو كان له مائتا درهم فحال عليها الحول فزكاها بخمسة دراهم ثم حضرت
أيام النحر وماله مائة وخمسة وتسعون لا رواية فيه وذكر الزعفراني أنه تجب عليه الأضحية لان النصاب وان انتقص
لكنه انتقص بالصرف إلى جهة هي قربة فيجعل قائما تقديرا حتى لو صرف خمسة منها إلى النفقة لا تجب لانعدام
الصرف إلى جهة القربة فكان النصاب ناقصا حقيقة وتقديرا فلا يجب ولو اشترى الموسر شاة للأضحية فضاعت
حتى أنتقص نصابه وصار فقيرا فجاءت أيام النحر فليس عليه أن يشترى شاة أخرى لان النصاب ناقص وقت
الوجوب فلم يوجد شرط الوجوب وهو الغنى فلو أنه وجدها وهو معسر وذلك في أيام النحر فليس عليه أن يضحى بها
لأنه معسر وقت الوجوب ولو ضاعت ثم اشترى أخرى وهو موسر فضحى بها ثم وجد الأولى وهو معسر لم يكن عليه
أن يتصدق بشئ لما قلنا وجميع ما ذكرنا من الشروط يستوى فيها الرجل والمرأة لان الدلائل لا تفصل بينهما وأما
البلوغ والعقل فليسا من شرائط الوجوب في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد وزفر هما من شرائط الوجوب
حتى تجب الأضحية في مال الصبي والمجنون إذا كانا موسرين عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله حتى لو ضحى
الأب أو الصبي من مالهما لا يضمن عندهما وعند محمد وزفر رحمهما الله يضمن وهو على الاختلاف الذي ذكرنا في
صدقة الفطر والحج ذكرت هنالك ومن المتأخرين من قال لا خلاف بينهم في الأضحية انها لا تجب في مالهما لان
القربة في الأضحية هي إراقة الدم وانها اتلاف ولا سبيل إلى اتلاف مال الصغير والتصدق باللحم تطوع ولا يجوز ذلك
في مال الصغير والصغير في العادة لا يقدر على أن يأكل جميع اللحم ولا يجوز بيعه ولا سبيل للوجوب رأسا والصحيح أنه على
الاختلاف وتجب الأضحية عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ولا يتصدق باللحم لما قلنا لكن يأكل منها الصغير
ويدخر له قدر حاجته ويبتاع بالباقي ما ينتفع بعينه كابتياع البالغ بجلد الأضحية ما ينتفع بعينه والذي يجن ويفيق يعتبر
حاله في الجنون والإفاقة فإن كان مجنونا في أيام النحر فهو على الاختلاف وإن كان مفيقا يجب بلا خلاف وقيل إن
حكمه حكم الصحيح كيف ما كان وما بلغ من الصغار في أيام النحر وهو موسر يجب عليه باجماع بين أصحابنا لان
الأهلية من الحرفي آخر الوقت لا في أوله كما لا يشترط اسلامه وحريته وإقامته في أول الوقت لما بينا ولا يجب على
الرجل أن يضحى عن عبده ولا عن ولده الكبير وفى وجوبها عليه من ماله لولده الصغير روايتان كذا ذكره القدوري
رحمه الله وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انها لا تجب في ظاهر الرواية ولكن الأفضل أن يفعل ذلك وأطلق
64

الطحاوي رحمه الله ما يدل على الوجوب فإنه قال ويجب على الرجل أن يضحى عن أولاده الصغار (وجه) رواية
الوجوب ان ولد الرجل جزؤه فإذا وجب عليه أن يضحى عن نفسه فكذا عن ولده ولهذا وجب عليه أن يؤدى عنه
صدقة الفطر ولان له على ولده الصغير ولاية كاملة فيجب كصدقة الفطر بخلاف الكبير فإنه لا ولاية له عليه (وجه)
ظاهر الرواية ان الأصل ان لا يجب على الانسان شئ على غيره خصوصا في القربات لقول الله تعالى وأن ليس
للانسان الا ما سعى وقوله جل شأنه لها ما كسبت ولهذا لم تجب عليه عن عبده وعن ولده الكبير الا ان صدقة الفطر
خصت عن النصوص فبقيت الأضحية على عمومها ولان سبب الوجوب هناك رأس يمونه ويلي عليه وقد وجد
في الولد الصغير وليس السبب الرأس ههنا ألا ترى أنه يجب بدونه وكذا لا يجب بسبب العبد وأما الوجوب عليه من
ماله لولد ولده إذا كان أبوه ميتا فقد روى الحسن عن أبي حنيفة رحمة الله عليه أن يضحى عنه قال القدوري رحمه
الله ويجب أن يكون هذا على روايتين كما قالوا في صدقة الفطر وقد مر وجه الروايتين في صدقة الفطر وأما المصر فليس
بشرط الوجوب فتجب على المقيمين في الأمصار والقرى والبوادي لان دلائل الوجوب لا توجب الفصل والله أعلم
(فصل) وأما وقت الوجوب فأيام النحر فلا تجب قبل دخول الوقت لان الواجبات الموقتة لا تجب قبل أوقاتها
كالصلاة والصوم ونحوهما وأيام النحر ثلاثة يوم الأضحى وهو اليوم العاشر من ذي الحجة والحادي عشر والثاني
عشر وذلك بعد طلوع الفجر من اليوم الأول إلى غروب الشمس من الثاني عشر وقال الشافعي رحمه الله تعالى أيام النحر
أربعة أيام العاشر من ذي الحجة والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والصحيح قولنا لما روى عن سيدنا عمر
وسيدنا على وابن عباس وابن سيدنا عمر وأنس بن مالك رضى الله تعالى عنهم أنهم قالوا أيام النحر ثلاثة أولها أفضلها
والظاهر أنهم سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لان أوقات العبادات والقربات لا تعرف الا بالسمع فإذا
طلع الفجر من اليوم الأول فقد دخل وقت الوجوب فتجب عند استجماع شرائط الوجوب ثم لجواز الأداء بعد ذلك
شرائط أخر نذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى فان وجدت يجوز والا فلا كما تجب الصلاة بدخول وقتها ثم إن
وجدت شرائط جواز أدائها جازت والا فلا والله تعالى أعلم.
(فصل) وأما كيفية الوجوب فأنواع (منها) انها تجب في وقتها وجوبا موسعا ومعناه انها تجب في جملة الوقت غير عين
كوجوب الصلاة في وقتها ففي أي وقت ضحى من عليه الواجب كان مؤديا للواجب سواء كان في أول الوقت أو وسطه
أو آخره كالصلاة والأصل ان ما وجب في جزء من الوقت غير عين يتعين الجزء الذي أدى فيه الوجوب أو آخر الوقت
كما في الصلاة وهو الصحيح من الأقاويل على ما عرف في أصول الفقه وعلى هذا يخرج ما إذا لم يكن أهلا للوجوب في
أول الوقت ثم صار أهلا في آخره بأن كان كافرا أو عبدا أو فقيرا أو مسافر في أول الوقت ثم أسلم أو أعتق أو أيسر أو أقام في
آخره أنه يجب عليه ولو كان أهلا في أوله ثم لم يبق أهلا في آخره بان ارتد أو أعسر أو سافر في آخره لا يجب عليه ولو ضحى
في أول الوقت وهو فقير ثم أيسر في آخر الوقت فعليه أن يعيد الأضحية عندنا وقال بعض مشايخنا ليس عليه الإعادة
والصحيح هو الأول لأنه لما أيسر في آخر الوقت تعين آخر الوقت للوجوب عليه وتبين ان ما أداه وهو فقير كان تطوعا
فلا ينوب عن الواجب وما روى عن الكرخي رحمه الله في الصلاة المؤداة في أول الوقت انها نفل مانع من الوجوب في
آخر الوقت فاسد عرف فساده في أصول الفقه ولو كان موسرا في جميع الوقت فلم يضح حتى مضى الوقت ثم صار فقيرا
صار قيمة شاة صالحة للأضحية دينا في ذمته يتصدق بها متى وجدها لان الوجوب قد تأكد عليه بآخر الوقت فلا
يسقط بفقره بعد ذلك كالمقيم إذا مضى عليه وقت الصلاة ولم يصل حتى سافر لا يسقط عنه شطر الصلاة وكالمرأة إذا
مضى عليها وقت الصلاة وهي طاهرة ثم حاضت لا يسقط عنها فرض الوقت حتى يجب عليها القضاء إذا طهرت من
حيضها كذا ههنا ولو مات الموسر في أيام النحر قبل أن يضحى سقطت عنه الأضحية وفى الحقيقة لم تجب لما ذكرنا ان
الوجوب عند الأداء أو في آخر الوقت فإذا مات قبل الأداء مات قبل أن تجب عليه كمن مات في وقت الصلاة قبل أن
65

يصليها أنه مات ولا صلاة عليه كذا ههنا وعلى هذا تخرج رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله ان الرجل الموسر إذا
ولد له ولد في آخر أيام النحر أنه يجب عليه أن يذبح عنه وهي احدى الروايتين اللتين ذكرناهما انه كما يجب على الانسان
إذا كان موسرا ان يذبح عن نفسه يجب عليه أن يذبح عن ولده الصغير لأنه ولد وقت تأكد الوجوب بخلاف صدقة
الفطر أنه إذا ولد له ولد بعد طلوع الفجر من يوم الفطر أنه لا تجب عليه صدقة فطره لان الوجوب هناك تعلق بأول اليوم
فلا يجب بعد مضى جزء منه وههنا بخلافه وعلى هذا يخرج ما إذا اشترى شاة للأضحية وهو موسر ثم إنها ماتت أو
سرقت أو ضلت في أيام النحر أنه يجب عليه أن يضحى بشاة أخرى لان الوجوب في جملة الوقت والمشترى لم يتعين
للوجوب والوقت باق وهو من أهل الوجوب فيجب الا إذا كان عينها بالنذر بان قال لله تعالى على أن أضحى بهذه
الشاة وهو موسر أو معسر فهلكت أو ضاعت أنه تسقط عنه التضحية بسبب النذر لان المنذور به معين لإقامة الواجب
فيسقط الواجب بهلاكه كالزكاة تسقط بهلاك النصاب عندنا غير أنه إن كان الناذر موسرا تلزمه شاة أخرى بايجاب
الشرع ابتداء لا بالنذر وإن كان معسرا فاشترى شاة للأضحية فهلكت في أيام النحر أو ضاعت سقطت عنه وليس
عليه شئ آخر لما ذكرنا ان الشراء من الفقير للأضحية بمنزلة النذر فإذا هلكت فقد هلك محل إقامة الواجب فيسقط
عنه وليس عليه شئ آخر بايجاب الشرع ابتداء لفقد شرط الوجوب وهو اليسار ولو اشترى الموسر شاة للأضحية
فضلت فاشترى شاة أخرى ليضحي بها ثم وجد الأولى في الوقت فالأفضل أن يضحى بهما فان ضحى بالأولى
أجزأه ولا تلزمه التضحية بالأخرى ولا شئ عليه غير ذلك سواء كانت قيمة الأولى أكثر من الثانية أو أقل والأصل
فيه ما روى عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها انها ساقت هديا فضاع فاشترت مكانه آخر ثم وجدت الأول فنحرتهما
ثم قالت الأول كان يجزئ عنى قبلت الجواز بقولها والفضيلة بفعلها رضي الله عنها ولان الواجب في ذمته ليس الا
التضحية بشاة واحدة وقد ضحى وان ضحى بالثانية أجزأه وسقطت عنه الأضحية وليس عليه أن يضحى بالأولى
لان التضحية بها لم تجب بالشراء بل كانت الأضحية واجبة في ذمته بمطلق الشاة فإذا ضحى بالثانية فقد أدى الواجب
بها بخلاف المتنفل بالأضحية إذا ضحى بالثانية أنه يلزمه التضحية بالأولى أيضا لأنه لما اشتراها للأضحية فقد وجب
عليه التضحية بالأولى أيضا بعينها فلا يسقط بالثانية بخلاف الموسر فإنه لا يجب عليه التضحية بالشاة المشتراة بعينها وإنما
الواجب في ذمته وقد أداه بالثانية فلا تجب عليه التضحية بالأولى وسواء كانت الثانية مثل الأولى في القيمة أو فوقها أو
دونها لما قلنا غير أنها إن كانت دونها في القيمة يجب عليه أن يتصدق بفضل ما بين القيمتين لأنه بقيت له هذه الزيادة سالمة
من الأضحية فصار كاللبن ونحوه ولو لم يتصدق بشئ ولكنه ضحى بالأولى أيضا وهو في أيام النحر أجزأه وسقطت
عنه الصدقة لان الصدقة إنما تجب خلفا عن فوات شئ من شاة الأضحية فإذا أدى الأصل في وقته سقط عنه الخلف
وأما على قول أبى يوسف رحمه الله فإنه لا تجزيه التضحية الا بالأولى لأنه يجعل الأضحية كالوقف ولو لم يذبح الثانية
حتى مضت أيام النحر ثم وجد الأولى ذكر الحسن بن زياد في الأضاحي ان عليه أن يتصدق بأفضلهما ولا يذبح وذكر
فيها أنه قول زفر وأبى يوسف والحسن بن زياد رحمهم الله لأنه لم يجب عليه في آخر الوقت الا التضحية بشاة فإذا خرج
الوقت تحول الواجب من الإراقة إلى التصدق بالعين ولو اشترى شاة للأضحية وهو معسر أو كان موسرا فانتقص
نصابه بشراء الشاة ثم ضلت فلا شئ عليه ولا يجب عليه شئ آخر أما الموسر فلفوات شرط الوجوب وقت الوجوب
وأما المعسر فلهلاك محل إقامة الواجب فلا يلزمه شئ آخر (ومنها) أن لا يقوم غيرها مقامها حتى لو تصدق بعين الشاة
أو قيمتها في الوقت لا يجزيه عن الأضحية لان الوجوب تعلق بالإراقة والأصل ان الوجوب إذا تعلق بفعل معين أنه
لا يقوم غيره مقامه كما في الصلاة والصوم وغيرهما بخلاف الزكاة فان الواجب أداء جزء من النصاب ولو أدى من مال
آخر جاز لان الواجب هناك ليس جزأ من النصاب عند أصحابنا بل الواجب مطلق المال وقد أدى وعند بعضهم وإن كان
الواجب أداء جزء من النصاب لكن من حيث إنه مال لا من حيث إنه جزء من النصاب لان مبنى وجوب
66

الزكاة على التيسير والتيسير في الوجوب من حيث إنه مال لا من حيث إنه العين والصورة وههنا الواجب في الوقت
إراقة الدم شرعا غير معقول المعنى فيقتصر الوجوب على مورد الشرع وبخلاف صدقة الفطر أنها تتأدى بالقيمة عندنا
لان الواجب هناك معلول بمعنى الاغناء قال النبي عليه الصلاة والسلام اغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم والاغناء
يحصل بأداء القيمة والله عز شأنه أعلم (ومنها) أنه تجزئ فيها النيابة فيجوز للانسان أن يضحى بنفسه وبغيره باذنه
لأنها قربة تتعلق بالمال فتجزئ فيها النيابة كأداء الزكاة وصدقة الفطر ولان كل أحد لا يقدر على مباشرة الذبح بنفسه
خصوصا النساء فلو لم تجز الاستنابة لأدى إلى الحرج وسواء كان المأذون مسلما أو كتابيا حتى لو أمر مسلم كتابيا أن
يذبح أضحيته يجزيه لان الكتابي من أهل الذكاة الا أنه يكره لان التضحية قربة والكافر ليس من أهل القربة لنفسه
فتكره انابته في إقامة القربة لغيره وسواء كان الاذن نصا أو دلالة حتى لو اشترى شاة للأضحية فجاء يوم النحر فاضجعها
وشد قوائمها فجاء انسان وذبحها من غير أمره أجزأه استحسانا والقياس أنه لا يجوز وأن يضمن الذابح قيمتها وهو
قول زفر رحمه الله وقال الشافعي يجزيه عن الأضحية ويضمن الذابح أما الكلام مع زفر فوجه القياس أنه ذبح شاة
غيره بغير أمره فلا يجزى عن صاحبها ويضمن الذابح كما لو غصب شاة وذبحها وهو وجه الشافعي في وجوب الضمان
على الذابح وجه الاستحسان أنه لما اشتراها للذبح وعينها لذلك فإذا ذبحها غيره فقد حصل غرضه واسقط عنه مؤنة
الذبح فالظاهر أنه رضى بذلك فكان مأذونا فيه دلالة فلا يضمن ويجزيه عن الأضحية كما لو أذن له بذلك نصا وبه تبين
وهي قول الشافعي رحمه الله أنه يجزيه عن الأضحية ويضمن الذابح لان كون الذبح مأذونا فيه يمنع وجوب الضمان
كما لو نص على الاذن وكما لو باعها باذن صاحبها ولو لم يرض به وأراد الضمان يقع عن المضحي وليس للوكيل أن يضحى
ما وكل بشرائه بغير أمر موكله ذكره أبو يوسف رحمه الله في الاملاء فان ضحى جاز استحسانا لأنه أعانه على ذلك فوجد
الاذن منه دلالة الا أن يختار أن يضمنه فلا يجزى عنه وعلى هذا إذا غلط رجلان فذبح كل واحد منها أضحية صاحبه
عن نفسه أنه يجزى كل واحد منهما أضحيته عنه استحسانا ويأخذها من الذابح لما بينا ان كل واحد منهما يكون راضيا
بفعل صاحبه فيكون مأذونا فيه دلالة فيقع الذبح عنه ونية صاحبه تقع لغوا حتى لو تشاحا وأراد كل واحد منهما الضمان
تقع الأضحية له وجازت عنه لأنه ملكه بالضمان على ما نذكره في الشاة المغصوبة إن شاء الله تعالى وذكر هشام عن أبي
يوسف رحمهما الله في نوادره في رجلين اشتريا أضحيتين فذبح كل منهما أضحية صاحبه غلطا عن نفسه واكلها قال
يجزى كل واحد منهما في قول أبي حنيفة رحمه الله وقولنا ويحلل كل واحد منهما صاحبه فان تشاحا ضمن كل واحد
منهما لصاحبه قيمة شاته فإن كان قد انقضت أيام النحر يتصدق بتلك القيمة اما جواز احلالهما فلانه يجوز لكل واحد
منهما أن يطعمها لصاحبه ابتداء قبل الاكل فيجوز ان يحلله بعد الاكل وله أن يضمنه لان من اتلف لحم الأضحية
يضمن ويتصدق بالقيمة لان القيمة بدل عن اللحم فصار كما لو باعه قال وسألت أبا يوسف رحمه الله عن البقرة
إذا ذبحها سبعه في الأضحية أيقتسمون لحمها جزفا أو وزنا قال بل وزنا قال قلت فان اقتسموها مجازفة وحلل بعضهم
بعضا قال أكره ذلك قال قلت فما تقول في رجل باع درهما بدرهم فرجح أحدهما فحلل صاحبه الرجحان قال هذا
جائز لأنه لا يقسم معناه أنه هبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة وهو الدرهم الصحيح أما عدم جواز القسمة مجازفة
فلان فيها معنى التمليك واللحم من الأموال الربوية فلا يجوز تمليكه مجازفة كسائر الأموال الربوية وأما عدم
جواز التحليل فلان الربوي لا يحتمل الحل بالتحليل ولأنه في معنى الهبة وهبة المشاع فيما يحتمل القسمة لا تصح
بخلاف ما إذا رجح الوزن (ومنها) انها تقضى إذا فاتت عن وقتها والكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان انها
مضمونة بالقضاء في الجملة والثاني في بيان ما تقضى به أما الأول فلان وجوبها في الوقت إما لحق العبودية
أو لحق شكر النعمة أو لتكفير الخطايا لان العبادات والقربات إنما تجب لهذه المعاني وهذا لا يوجب
الاختصاص بوقت دون وقت فكان الأصل فيها أن تكون واجبة في جميع الأوقات وعلى الدوام بالقدر الممكن الا
67

أن الأداء في السنة مرة واحدة في وقت مخصوص أقيم مقام الأداء في جميع السنة تيسيرا على العباد فضلا من الله عز
وجل ورحمة كما أقيم صوم شهر في السنة مقام جميع السنة وأقيم خمس صلوات في يوم وليلة مقام الصلاة آناء الليل
وأطراف النهار فإذا لم يؤد في الوقت بقي الوجوب في غيره لقيام المعنى الذي له وجبت في الوقت وأما الثاني فنقول إنها
لا تقضى بالإراقة لان الإراقة لا تعقل قربة وإنما جعلت قربة بالشرع في وقت مخصوص فاقتصر كونها قربة على
الوقت المخصوص فلا تقضى بعد خروج الوقت ثم قضاؤها قد يكون بالتصدق بعين الشاة حية وقد يكون بالتصدق
بقيمة الشاة فإن كان أوجب التضحية على نفسه بشاة بعينها فلم يضحها حتى مضت أيام النحر يتصدق بعينها حية
لان الأصل في الأموال التقرب بالتصدق بها لا بالاتلاف وهو الإراقة الا أنه نقل إلى الإراقة مقيدا في وقت
مخصوص حتى يحل تناول لحمه للمالك والأجنبي والغنى والفقير لكون الناس أضياف الله عز شأنه في هذا الوقت فإذا
مضى الوقت عاد الحكم إلى الأصل وهو التصدق بعين الشاة سواء كان موسرا أو معسرا لما قلنا وكذلك المعسر إذا
اشترى شاة ليضحى بها فلم يضح حتى مضى الوقت لأن الشراء للأضحية من الفقير كالنذر بالتضحية وأما الموسر إذا
اشترى شاة للأضحية فكذلك الجواب ومن المشايخ من قال هذا الجواب في المعسر لان الشاة المشتراة للأضحية من
المعسر تتعين للأضحية فاما من الموسر فلا تتعين بدليل أنه يجوز له التضحية بشاة أخرى في الوقت مع بقاء الأولى
وتسقط عنه الأضحية والصحيح أنها تتعين من الموسر أيضا بلا خلاف بين أصحابنا فان محمدا رحمه الله ذكر عقيب
جواب المسألة وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقولنا (ووجهه) ان نية التعيين قارنت الفعل وهو
الشراء فأوجبت تعين المشترى للأضحية الا أن تعيينه للأضحية لا يمنع جواز التضحية بغيرها كتعيين النصاب لأداء
الزكاة منه لا يمنع جواز الأداء بغيره وتسقط عنه الزكاة وهذا لان المتعين لا يزاحمه غيره فإذا ضحى بغيره أو أدى الزكاة
من غير النصاب لم يبق الأول متعينا فكانت الشاة متعينة للتضحية ما لم يضح بغيرها كالزكاة وإن كان لم يوجب على
نفسه ولا اشترى وهو موسر حتى مضت أيام النحر تصدق بقيمة شاة تجوز في الأضحية لأنه إذا لم يوجب ولم يشتر لم
يتعين شئ للأضحية وإنما الواجب عليه إراقة دم شاة فإذا مضى الوقت قبل أن يذبح ولا سبيل إلى التقرب بالإراقة بعد
خروج الوقت لما قلنا انتقل الواجب من الإراقة والعين أيضا لعدم التعيين إلى القيمة وهو قيمة شاة يجوز ذبحها
في الأضحية ولو صار فقيرا بعد مضى أيام النحر لا يسقط عنه التصدق بعين الشاة أو بقيمتها لأنه إذا مضى الوقت صار
ذلك دينا في ذمته فلا يسقط عنه لفقره بعد ذلك ولو وجب عليه التصدق بعين الشاة فلم يتصدق ولكن ذبحها يتصدق
بلحمها ويجزيه ذلك ان لم ينقصها الذبح وان نقصها يتصدق باللحم وقيمة النقصان ولا يحل له أن يأكل منها وان أكل
منها شيئا غرم قيمته ويتصدق بها لما يذكر في موضعه وكذلك لو أوجب على نفسه أن يتصدق بها لا يأكل منها إذا ذبحها
بعد وقتها أو في وقتها فهو سواء ومن وجبت عليه الأضحية فلم يضح حتى مضت أيام النحر ثم حضرته الوفاة فعليه أن
يوصى بان يتصدق عنه بقيمة شاة من ثلث ماله لأنه لما مضى الوقت فقد وجب عليه التصدق بقيمة شاة فيحتاج إلى
تخليص نفسه عن عهدة الواجب والوصية طريق التخليص فيجب عليه أن يوصى كما في الزكاة والحج وغير ذلك ولو
أوصى بان يضحى عنه ولم يسم شاة ولا بقرة ولا غير ذلك ولم يبين الثمن أيضا جاز ويقع على الشاة بخلاف ما إذا وكل رجلا
أن يضحى عنه ولم يسم شيئا ولا ثمنا أنه لا يجوز والفرق ان الوصية تحتمل من الجهالة شيئا لا تحتمله الوكالة فان الوصية
بالمجهول وللمجهول تصح ولا تصح الوكالة ولو أوصى بان يشترى له شاة بعشرين درهما فيضحى عنه ان مات فمات
وثلثه أقل من ذلك فإنه يضحى عنه بما يبلغ الثلث على قياس الحج إذا أوصى بان يحج عنه بمائة وثلثه أقل من مائة فإنه يحج
بمائة بخلاف العتق إذا أوصى بان يعتق عنه عبد بمائة وثلثه أقل ان عند أبي حنيفة رحمه الله تبطل الوصية وعندهما يعتق
عنه بما بقي لأنه أوصى بمال مقدر فيما هو قربة فتنفذ الوصية فيما أمكن كما في الحج (ووجه) الفرق لأبي حنيفة رحمه
الله أن مصرف الوصية في العتق هو العبد فكأنه أوصى بعبد موصوف بصفة وهو أن يكون ثمنه مائه فإذا اشترى بأقل
68

كان هذا غير ما أوصى به فلا يجوز بخلاف الحج والأضحية فان المصرف ثمة هو الله عز شأنه فسواء كان قيمة الشاة
أقل أو مثل ما أوصى به يكون المصرف والمقصود بالكل واحد وهو القربة وذلك حاصل فيجوز (ومنها) أن
وجوبها نسخ كل دم كان قبلها من العقيقة والرجبية والعتيرة كذا حكى أبو بكر الكيساني عن محمد رحمه الله أنه قال قد
كانت في الجاهلية ذبائح يذبحونها (منها) العقيقة كانت في الجاهلية ثم فعلها المسلمون في أول الاسلام فنسخها ذبح
الأضحية فمن شاء فعل ومن شاء لم يفعل (ومنها) شاة كانوا يذبحونها في رجب تدعى الرجبية كان أهل البيت يذبحون
الشاة فيأكلون ويطبخون ويطعمون فنسخها ذبح الأضحية (ومنها) العتيرة كان الرجل إذا ولدت له الناقة أو الشاة
ذبح أول ولد تلده فاكل وأطعم قال محمد رحمه الله هذا كله كان يفعل في الجاهلية فنسخه ذبح الأضحية وقيل في تفسير
العتيرة كان الرجل من العرب إذا نذر نذرا أنه إذا كان كذا أو بلغ شاة كذا فعليه أن يذبح من كل عشر منها كذا في رجب
والعقيقة الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه وإنما عرفنا انتساخ هذه الدماء بما روى عن سيدتنا عائشة رضي الله عنه
ا انها قالت نسخ صوم رمضان كل صوم كان قبله ونسخت الأضحية كل ذبح كان قبلها ونسخ غسل الجنابة كل
غسل كان قبله والظاهر أنها قالت ذلك سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لان انتساخ الحكم مما لا يدرك بالاجتهاد
ومنهم من روى هذا الحديث مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسخت الزكاة كل صدقة كانت قبلها وكذا
قال أهل التأويل في قوله عز شأنه أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا
الصلاة وآتوا الزكاة ان ما أمروا به من تقديم الصدقة على النجوى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسخ بقوله جل
شأنه وآتوا الزكاة وذكر محمد رحمه الله في العقيقة فمن شاء فعل ومن شاء لم يفعل وهذا يشير إلى الإباحة فيمنع كونه سنة
وذكر في الجامع الصغير ولا يعق عن الغلام ولا عن الجارية وانه إشارة إلى الكراهة لان العقيقة كانت فضلا ومتى نسخ
الفضل لا يبقى الا الكراهة بخلاف الصوم والصدقة فإنهما كانا من الفرائض لا من الفضائل فإذا نسخت منهما
الفرضية يجوز التنفل بهما وقال الشافعي رحمه الله العقيقة سنة عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة واحتج بما روى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين رضي الله عنهما كبشا كبشا وانا نقول إنها كانت ثم نسخت
بدم الأضحية بحديث سيدتنا عائشة رضي الله عنها وكذا روى عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال نسخت
الأضحية كل دم كان قبلها والعقيقة كانت قبلها كالعتيرة وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن
العقيقة فقال إن الله تعالى لا يحب العقوق من شاء فليعق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة وهذا ينفى كون العقيقة سنة
لأنه عليه الصلاة والسلام علق العق بالمشيئة وهذا امارة الإباحة والله عز شأنه أعلم.
(فصل) وأما محل إقامة الواجب فهذا الفصل يشتمل على بيان جنس المحل الذي يقام منه الواجب ونوعه
وجنسه وسنه وقدره وصفته أما جنسه فهو أن يكون من الأجناس الثلاثة الغنم أو الإبل أو البقر ويدخل في كل جنس
نوعه والذكر والأنثى منه والخصي والفحل لانطلاق اسم الجنس على ذلك والمعز نوع من الغنم والجاموس نوع من
البقر بدليل أنه يضم ذلك إلى الغنم والبقر في باب الزكاة ولا يجوز في الأضاحي شئ من الوحش لان وجوبها عرف
بالشرع والشرع لم يرد بالايجاب الا في المستأنس فإن كان متولدا من الوحشي والإنسي فالعبرة بالأم فإن كانت
أهلية يجوز والا فلا حتى أن البقرة الأهلية إذا نزا عليها ثور وحشي فولدت ولدا فإنه يجوز أن يضحى به وإن كانت
البقرة وحشية والثور أهليا لم يجز لان الأصل في الولد الام لأنه ينفصل عن الام وهو حيوان متقوم تتعلق به الأحكام
وليس ينفصل من الأب الا ماء مهين لا حضر له ولا يتعلق به حكم ولهذا يتبع الولد الام في الرق والحرية الا أنه يضاف
إلى الأب في بني آدم تشريفا للولد وصيانة له عن الضياع والا فالأصل أن يكون مضافا إلى الام وقيل إذا نزا ظبي
على شاة أهلية فان ولدت شاة تجوز التضحية بها وان ولدت ظبيا لا تجوز وقيل إن ولدت الرمكة من حمار وحشي
حمارا لا يؤكل وان ولدت فرسا فحكمه حكم الفرس وان ضحى بظبية وحشية ألفت أو ببقرة وحشية ألفت لم يجز لأنها
69

وحشية في الأصل والجوهر فلا يبطل حكم الأصل بعارض نادر والله عز شأنه الموفق واما سنه فلا يجوز شئ مما
ذكرنا من الإبل والبقر والغنم من الأضحية الا الثنى من كل جنس الا الجذع من الضأن خاصة إذا كان عظيما لما
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ضحوا بالثنايا لا أن يعز على أحدكم فيذبح الجدع في الضأن وروى عنه
عليه الصلاة والسلام أنه قال يجزى الجذع من الضان عما يجزى فيه الثنى من المعز وروى أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم خرج إلى المصلى فشم قتارا فقال ما هذا فقالوا أضحية أبى بردة فقال عليه الصلاة والسلام تلك شاة لحم فجاء أبو
بردة فقال يا رسول الله عندي عناق خير من شاتي لحم فقال عليه الصلاة والسلام تجزى عنك ولا تجزى عن أحد
بعدك وروى عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد فقال إن أول
نسككم هذه الصلاة ثم الذبح فقام إليه خالي أبو بردة بين دينار فقال يا رسول الله كان يومنا تشتهى فيه اللحم فعجلنا
فذبحنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبدها فقال يا رسول الله عندي ماعز جذع فقال هي لك وليست لاحد
بعدك وروى أن رجلا قدم المدينة بغنم جذاع فلم تنفق معه فذكر ذلك لأبي هريرة رضي الله عنه فقال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول نعمت الأضحية الجذغ من الضان وروى الجذع السمين من الضأن فلما سمع الناس
هذا الحديث انتهبوها أي تبادروا إلى شرائها وتخصيص هذه القربة بسن دون سن أمر لا يعرف الا بالتوقيف فيتبع
ذلك (وأما) معاني هذه الأسماء فقد ذكر القدوري رحمه الله ان الفقهاء قالوا الجذع من الغنم ابن ستة أشهر والثنى منه
ابن سنة والجذع من البقر ابن سنة والثنى بن سنتين والجذع من الإبل ابن أربع سنين والثنى منها ابن خمس وذكر
القاضي في شرحه مختصر الطحاوي في الثنى من الإبل ما تم له أربع سنين وطعن في الخامسة وذكر الزعفراني في
الأضاحي الجذع ابن ثمانية أشهر أو تسعة أشهر والثنى من الشاة والمعز ما تم له حول وطعن في السنة الثانية ومن
البقر ما تم لو حولان وطعن في السنة الثالثة ومن الإبل ما تم له خمس سنين وطعن في السنة السادسة وتقدير هذه الأسنان
بما قلنا لمنع النقصان لا لمنع الزيادة حتى لو ضحى بأقل من ذلك سنا لا يجوز ولو ضحى بأكبر من ذلك سنا يجوز
ويكون أفضل ولا يجوز في الأضحية حمل ولا جدي ولا عجل ولا فصيل لان الشرع إنما ورد بالأسنان التي
ذكرناها وهذه لا تسمى بها وأما قدره فلا يجوز الشاة والمعز الا عن واحد وإن كانت عظيمة سمينة تساوى شاتين
مما يجوز أن يضحى بهما لان القياس في الإبل والبقر ان لا يجوز فيهما الاشتراك لان القربة في هذا الباب إراقة الدم
وانها لا تحتمل التجزئة لأنها ذبح واحد وإنما عرفنا جواز ذلك بالخبر فبقي الامر في الغنم على أصل القياس فان قيل أليس
انه روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه والآخر عمن لا يذبح من أمته
فكيف ضحى بشاة واحدة عن أمته عليه الصلاة والسلام (فالجواب) أنه عليه الصلاة والسلام إنما فعل ذلك لأجل
الثواب وهو انه جعل ثواب تضحيته بشاة واحدة لامته لا للاجزاء وسقوط التعبد عنهم ولا يجوز بعير واحد ولا
بقرة واحدة عن أكثر من سبعة ويجوز ذلك عن سبعة أو أقل من ذلك وهذا قول عامة العلماء وقال مالك رحمه الله
يجزى ذلك عن أهل بيت واحد وان زادوا على سبعة ولا يجزى عن أهل بيتين وإن كانوا أقل من سبعة والصحيح
قول العامة لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم البدنة تجزى عن سبعة والبقرة تجزى عن سبعة وعن جابر
رضي الله عنه قال نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة من غير فصل بين أهل بيت
وبيتين ولان القياس يأبى جوازها عن أكثر من واحد لما ذكرنا ان القربة في الذبح وانه فعل واحد لا يتجزأ لكنا
تركنا القياس بالخبر المقتضى للجواز عن سبعة مطلقا فيعمل بالقياس فيما ورواءه لان البقرة بمنزلة سبع شياه ثم جازت
التضحية بسبع شياه عن سبعة سواء كانوا من أهل بيت أو بيتين فكذا البقرة ومنهم من فصل بين البعير والبقرة
فقال البقرة لا تجوز عن أكثر من سبعة فأما البعير فإنه يجوز عن عشرة ورووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
البدنة تجزى عن عشرة ونوع من القياس يؤيده وهو ان الإبل أكثر قيمة من البقر ولهذا فضلت الإبل على البقر
70

في باب الزكاة والديات فتفضل في الأضحية أيضا (ولنا) ان الاخبار إذا اختلفت في الظاهر يجب الاخذ بالاحتياط
وذلك فيما قلنا لأن جوازه عن سبعة ثابت بالاتفاق وفى الزيادة اختلاف فكان الاخذ بالمتفق عليه أخذ بالمتيقن وأما
ما ذكروا من القياس فقد ذكرنا ان الاشتراك في هذا الباب معدول به عن القياس واستعمال القياس فيما هو معدول به
عن القياس ليس من الفقه ولا شك في جواز بدنة أو بقرة عن أقل من سبعة بان اشتراك اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة
أو ستة في بدنة أو بقرة لأنه لما جاز السبع فالزيادة أولى وسواء اتفقت الأنصباء في القدر أو اختلفت بأن يكون
لأحدهم النصف وللآخر الثلث ولآخر السدس بعد ان لا ينقص عن السبع ولو اشترك سبعة في خمس بقرات أو
في أكثر فذبحوها أجزأهم لان لكل واحد منهم في كل بقرة سبعها ولو ضحوا ببقرة واحدة أجزأهم فالأكثر أولى
ولو اشترك ثمانية في سبع بقرات لم يجزهم لان كل بقرة بينهم على ثمانية أسهم فيكون لكل واحد منهم أنقص من السبع
وكذلك إذا كانوا عشرة أو أكثر فهو على هذا ولو اشترك ثمانية في ثمانية من البقر فضحوا بها لم تجزهم لان كل بقرة تكون
بينهم على ثمانية أسهم وكذلك إذا كان البقر أكثر لم تجزهم ولا رواية في هذه الفصول وإنما قيل إنه لا يجوز بالقياس
ولو اشترك سبعة في سبع شياه بينهم فضحوا بها القياس أن لا تجزئهم لان كل شاة تكون بينهم على سبعة أسهم وفى
الاستحسان يجزيهم وكذلك لو اشترى اثنان شاتين للتضحية فضحيا بهما بخلاف عبدين بين اثنين عليهما كفارتان
فأعتقاهما عن كفارتيهما انه لا يجوز لان الأنصباء تجتمع في الشاتين ولا تجتمع في الرقيق بدليل انه يجبر على القسمة
في الشاة ولا يجبر في الرقيق ألا ترى انها لا تقسم قسمة جمع في قول أبي حنيفة رضي الله عنه وعلى هذا ينبغي أن يكون
في الأول قياس واستحسان والمذكور جواب القياس وأما صفته فهي أن يكون سليما عن العيوب الفاحشة
وسنذكرها في بيان شرائط الجواز بعون الله تعالى والله الموفق
(فصل) وأما شرائط جواز إقامة والواجب وهي التضحية فهي في الأصل نوعان نوع يعم ذبح كل حيوان
مأكول ونوع يخص التضحية أما الذي يعم ذبح كل حيوان مأكول فقد ذكرناه في كتاب الذبائح وأما الذي
يخص التضحية فأنواع بعضها يرجع إلى من عليه التضحية وبعضها يرجع إلى وقت التضحية وبعضها يرجع إلى
محل التضحية أما الذي يرجع إلى من عليه التضحية فمنها نية الأضحية لا تجزى الأضحية بدونها لان الذبح قد يكون
للحم وقد يكون للقربة والفعل لا يقع قربة بدون النية قال النبي عليه الصلاة والسلام لا عمل لمن لا نية له والمراد منه عمل
هو قربة وللقربة جهات من المتعة والقران والاحصار وجزاء الصيد وكفارة الحلق وغيره من المحظورات فلا تتعين
الأضحية الا بالنية وقال النبي عليه الصلاة والسلام إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرى ما نوى ويكفيه ان
ينوى بقلبه ولا يشترط أن يقول بلسانه ما نوى بقلبه كما في الصلاة لأن النية عمل القلب والذكر باللسان دليل عليها
ومنها أن لا يشارك المضحي فيما يحتمل الشركة من لا يريد القربة رأسا فان شارك لم يجز عن الأضحية وكذا هذا في سائر
القرب سوى الأضحية إذا شارك المتقرب من لا يريد القربة لم يجز عن القربة كما في دم المتعة والقران والاحصار
وجزاء الصيد وغير ذلك وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله هذا ليس بشرط حتى لو اشترك سبعة في بعير أو بقرة
كلهم يريدون القربة الأضحية أو غيرها من وجوه القرب الا واحد منهم يريد اللحم لا يجزى واحدا منهم من
الأضحية ولا من غيرها من وجوه القرب عندنا وعنده يجزى (وجه) قوله إن الفعل إنما يصير قربة من كل واحد
بنيته لا بنية صاحبه فعدم النية من أحدهم لا يقدح في قربة الباقين (ولنا) ان القربة في إراقة الدم وانها لا تتجزأ لأنها
ذبح واحد فإن لم يقع قربة من البعض لا يقع قربة من الباقين ضرورة عدم التجزؤ ولو أرادوا القربة الأضحية أو
غيرها من القرب أجزأهم سواء كانت القربة واجبة أو تطوعا أو وجبت على البعض دون البعض وسواء اتفقت
جهات القربة أو اختلفت بان أراد بعضهم الأضحية وبعضهم جزاء الصيد وبعضهم هدى الاحصار وبعضهم
كفارة شئ اصابه في احرامه وبعضهم هدى التطوع وبعضهم دم المتعة والقران وهذا قول أصحابنا الثلاثة وقال
71

زفر رحمه الله لا يجوز الا إذا اتفقت جهات القربة بأن كان الكل بجهة واحدة (وجه) قوله إن القياس يأبى الاشتراك
لان الذبح فعل واحد لا يتجزأ فلا يتصور أن يقع بعضه عن جهة وبعضه عن جهة أخرى لأنه لا بعض له الا عند
الاتحاد فعند الاتحاد جعلت الجهات كجهة واحدة وعند الاختلاف لا يمكن فبقي الامر فيه مردود إلى القياس (ولنا)
ان الجهات وان اختلفت صورة فهي في المعنى واحد لان المقصود من الكل التقرب إلى الله عز شأنه وكذلك ان
أراد بعضهم العقيقة عن ولد ولد له من قبل لان ذلك جهة التقرب إلى الله تعالى عز شأنه بالشكر على ما أنعم عليه من الولد
كذا ذكر محمد رحمه الله في نوادر الضحايا ولم يذكر ما إذا أراد أحدهم الوليمة وهي ضيافة التزويج وينبغي ان يجوز لأنها
إنما تقام شكر الله تعالى عز شأنه على نعمة النكاح وقد وردت السنة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان قال أولم
ولو بشاة فإذا قصد بها الشكر أو إقامة السنة فقد أراد بها التقرب إلى الله عز شانه وروى عن أبي حنيفة رحمه الله كره
الاشتراك عند اختلاف الجهة وروى عنه أنه قال لو كان هذا من نوع واحد لكان أحب إلى وهكذا قال أبو يوسف
رحمه الله ولو كان أحد الشركاء ذميا كتابيا أو غير كتابي وهو يريد اللحم أو أراد القربة في دينه لم يجزهم عندنا لان الكافر
تتحقق منه القربة فكانت نيته ملحقة بالعدم فكان مريد اللحم والمسلم لو أراد اللحم لا يجوز عندنا فالكافر أولى وكذلك إذا
كان أحدهم عبدا أو مدبر أو يريد الأضحية لان نيته باطلة لأنه ليس من أهل هذه القربة فكان نصيبه لحما فيمتنع الجواز
أصلا وإن كان أحد الشركاء ممن يضحى عن ميت جاز وروى عن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يجوز وذكر في الأصل
إذا اشترك سبعة في بدنة فمات أحدهم قبل الذبح فرضى ورثته أن يذبح عن الميت جاز استحسانا والقياس أن لا يجوز
(وجه) القياس انه لما مات أحدهم فقد سقط عنه الذبح وذبح الوارث لا يقع عنه إذ الأضحية عن الميت لا تجوز
فصار نصيبه اللحم وانه يمنع من جواز ذبح الباقين من الأضحية كما لو أراد أحدهم اللحم في حال حياته (وجه)
الاستحسان أن الموت لا يمنع التقرب عن الميت بدليل أنه يجوز أن يتصدق عنه ويحج عنه وقد صح أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أحدهما عن نفسه والآخر عمن لا يذبح من أمته وإن كان منهم من قد مات قبل
أن يذبح فدل ان الميت يجوز أن يتقرب عنه فإذا ذبح عنه صار نصيبه للقربة فلا يمنع جواز ذبح الباقين ولو اشترى رجل
بقرة يريد أن يضحى بها ثم أشرك فيها بعد ذلك قال هشام سألت أبا يوسف فأخبرني ان أبا حنيفة رحمه الله قال أكره
ذلك ويجزيهم أن يذبحوها عنهم قال وكذلك قول أبى يوسف قال قلت لأبي يوسف ومن نيته أن يشرك فيها قال
لا أحفظ عن أبي حنيفة رحمه الله فيها شيئا ولكن لا أرى بذلك بأسا وقال في الأصل قال أرأيت في رجل اشترى
بقرة يريد أن يضحى بها عن نفسه فأشرك فيها بعد ذلك ولم يشركهم حتى اشتراها فأتاه انسان بعد ذلك فأشركه حتى
استكمل يعنى انه صار سابعهم هل يجزى عنهم قال نعم استحسن وان فعل ذلك قبل ان يشتريها كان أحسن وهذا
محمول على الغنى إذا اشترى بقرة لأضحيته لأنها لم تتعين لوجوب التضحية بها وإنما يقيمها عند الذبح مقام ما يجب عليه
أو واجب عليه فيخرج عن عهدة الواجب بالفعل فيما يقيمه فيه فيجوز اشتراكهم فيها وذبحهم الا أنه يكره لأنه لما اشتراها
ليضحى بها فقد وعد وعدا فيكره أن يخلف الوعد فأما إذا كان فقيرا فلا يجوز له أن يشرك فيها لأنه أوجبها على نفسه
بالشراء للأضحية فتعينت للوجوب فلا يسقط عنه ما أوجبه على نفسه وقد قالوا في مسألة الغنى إذا أشرك بعد
ما اشتراها للأضحية انه ينبغي أن يتصدق بالثمن وان لم يذكر ذلك محمد رحمه الله لما روى أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم دفع إلى حكيم بن حزام دينارا وأمره أن يشترى له أضحية فاشترى شاة فباعها بدينارين واشترى بأحدهما
شاة وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام بشاة ودينار وأخبره بما صنع فقال له عليه الصلاة والسلام بارك الله في
صفقة يمينك وأمر عليه الصلاة والسلام أن يضحى بالشاة ويتصدق بالدينار لما أنه قصد اخراجه للأضحية كذا
ههنا (ومنها) أن تكون نية الأضحية مقارنة للتضحية كما في باب الصلاة لأن النية معتبرة في الأصل فلا يسقط اعتبار
القران الا لضرورة كما في باب الصوم لتعذر قران النية لوقت الشروع لما فيه من الحرج (ومنها) اذن صاحب
72

الأضحية بالذبح اما نصا أو دلالة إذا كان الذابح غيره فإن لم يوجد لا يجوز لان الأصل فيما يعلمه الانسان أن يقع للعامل
وإنما يقع لغيره باذنه وأمره فإذا لم يوجد لا يقع له وعلى هذا يخرج ما إذا غصب شاة انسان فضحى بها عن صاحبها من
غير اذنه واجازته انه لا يجوز ولو اشترى شاة للأضحية فأضجعها وشد قوائمها في أيام النحر فجاء انسان فذبحها جاز
استحسانا لوجود الاذن منه دلالة لما بينا فيما تقدم وأما الذي يرجع إلى وقت التضحية فهو انها لا تجوز قبل دخول
الوقت لان الوقت كما هو شرط الوجوب فهو شرط جواز إقامة الواجب كوقت الصلاة فلا يجوز لاحد أن يضحى
قبل طلوع الفجر الثاني من اليوم الأول من أيام النحر ويجوز بعد طلوعه سواء كان من أهل المصر أو من أهل القرى
غير أن للجواز في حق أهل المصر شرطا زائدا وهو أن يكون بعد صلاة العيد لا يجوز تقديمها عليه عندنا وقال الشافعي
رحمه الله إذا مضى من الوقت مقدار ما صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العيد جازت الأضحية وان لم
يصل الامام والصحيح قولنا لما روينا عن رسول الله عليه وسلم أنه قال من ذبح قبل الصلاة فليعد أضحيته
وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال أول نسكنا في يومنا هذا الصلاة ثم الذبح وروى عنه عليه الصلاة والسلام
أنه قال في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه من كان منكم ذبح قبل الصلاة فإنما هي غدوة أطعمه الله تعالى إنما
الذبح بعد الصلاة فقد رتب النبي عليه الصلاة والسلام الذبح على الصلاة وليس لأهل القرى صلاة العيد فلا يثبت
الترتيب في حقهم وان أخر الامام صلاة العيد فليس للرجل أن يذبح أضحيته حتى يتنصف النهار فان اشتغل الامام
فلم يصل العيد أو ترك ذلك متعمدا حتى زالت الشمس فقد حل الذبح بغير صلاة في الأيام كلها لأنه لما زالت الشمس
فقد فات وقت الصلاة وإنما يخرج الامام في اليوم الثاني والثالث على وجه القضاء والترتيب شرط في الأداء لا في
القضاء كذا ذكره القدوري رحمه الله وإن كان يصلى في المصر في موضعين بأن كان الامام قد خلف من يصلى
بضعفة الناس في الجامع وخرج هو بالآخرين إلى المصلى وهو الجبانة ذكر الكرخي رحمه الله انه إذا صلى أهل أحد
المسجدين أيهما كان جاز ذبح الأضاحي وذكر في الأصل إذا صلى أهل المسجد فالقياس أن لا يجوز ذبح الأضحية
وفى الاستحسان يجوز (وجه) القياس ان صلاة العيد لما كانت شرطا لجواز الأضحية في حق أهل المصر فاعتبار
صلاة أهل أحد الموضعين يقتضى أن يجوز واعتبار صلاة أهل الموضع الآخر يقتضى أن لا يجوز فلا يحكم بالجواز
بالشك بل يحكم بعدم الجواز احتياطا (وجه) الاستحسان ان الشرط صلاة العيد والصلاة في المسجد الجامع تجزى
عن صلاة العيد بدليل أنهم لو اقتصروا عليها جاز ويقع الاكتفاء بذلك فقد وجد الشرط فجاز وكذا في الحديث الذي
روينا ترتيب الذبح على الصلاة مطلقا وقد وجدت ولو سبق أهل الجبانة بالصلاة قبل أهل المسجد لم يذكر هذا في
الأصل وقيل لا رواية في هذا وذكر الكرخي رحمه الله هذا كصلاة أهل المسجد فعلى قوله يكون فيه قياس
واستحسان كما إذا صلى أهل المسجد واختلف المتأخرون منهم من قال يجب أن يكون هذا جائز قياسا واستحسانا
لان الأصل في صلاة العيد صلاة من في الجبانة وإنما يصلى من يصلى في المسجد لعذر فوجب اعتبار الأصل دون
غيرهم ومنهم من أثبت فيه القياس والاستحسان كما في المسألة الأولى ووجهها ما ذكرنا ومنهم من قال لا تجوز
الأضحية بصلاة أهل الجبانة حتى يصلى أهل المسجد لان الصلاة في المسجد هل الأصل بدليل سائر الصلوات وإنما
يخرج الامام إلى الجنابة لضرروة ان المسجد لا يتسع لهم فيجب اعتبار الأصل ولو ذبح والامام في خلال الصلاة
لا يجوز وكذا إذ ضحى قبل ان يقعد قدر التشهد ولو ذبح بعدما قعد قدر التشهد قبل السلام قالوا على قياس قول أبي حنيفة
رحمه الله لا يجوز كما لو كان في خلال الصلاة وعلى قياس قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يجوز بناء على أن
خروج المصلى من الصلاة بصفة فرض عندهم وعندهما ليس بفرض ولو ضحى قبل فراغ الامام من الخطبة أو قبل
الخطبة جاز لان النبي عليه الصلاة والسلام رتب الذبح على الصلاة لا على الخطبة فيما روينا من الأحاديث فدل ان
العبرة للصلاة لا للخطبة ولو صلى الامام صلاة العيد وذبح رجل أضحيته ثم تبين انه يوم عرفة فعلى الامام أن يعيد
73

الصلاة من الغد وعلى الرجل أن يعيد الأضحية لأنه تبين ان الصلاة والأضحية وقعنا قبل الوقت فلم يجز وان تبين
ان الامام كان على غير وضوء فان علم ذلك قبل ان يتفرق الناس يعيد بهم الصلاة باتفاق الروايات وهل يجوز ما ضحى
قبل الإعادة ذكر في بعض الروايات انه يجوز لأنه ذبح بعد صلاة يجيرها بعض الفقهاء وهو الشافعي رحمه الله لان فساد
صلاة الامام لا يوجب فساد صلاة المقتدى عنده فكانت تلك صلاة معتبرة عنده فعلى هذا يعيد الامام وحده ولا يعيد
القوم وذلك استحسانا وذكر في اختلاف زفر رحمه الله أنه يعيد بهم الصلاة ولا يجوز ما ضحى قبل إعادة الصلاة وان
تفرق الناس عن الامام ثم علم بعد ذلك فقد ذكر في بعض الروايات ان الصلاة لا تعاد وقد جازت الأضحية عن
المضحي لأنها صلاة قد جازت في قول بعض الفقهاء فترك اعادتها بعد تفرق الناس أحسن من أن ينادى الناس أن
يجتمعوا ثانيا وهو أيسر من أنه تبطل أضاحيهم وروى عن أبي حنيفة رحمه الله انه تعاد الأضحية ولا تعاد بهم الصلاة
لان إعادة الأضحية أيسر من إعادة الصلاة وروى أيضا أنه ينادى بهم حتى يجتمعوا ويعيد بهم الصلاة قال البلخي
رحمه الله فعلى هذا القياس لا تجزى ذبيحة من ذبح قبل إعادة الصلاة الا أن تكون الشمس قد زالت فتجزى ذبيحة
من ذبح في قولهم جميعا وسقطت عنهم الصلاة ولو شهد ناس عند الامام بعد نصف النهار وبعد ما زالت الشمس ان
ذلك اليوم هو العاشر من ذي الحجة جاز لهم ان يضحوا ويخرج الامام من الغد فيصلى بهم صلاة العيد وان علم في صدر
النهار انه يوم النحر فشعل الامام عن الخروج أو غفل فلم يخرج ولم يأمر أحدا يصلى بهم فلا ينبغي لاحد أن يضحى
حين يصلى الامام إلى أن تزول الشمس فإذا زالت قبل أن يخرج الامام ضحى الناس وان ضحى أحد قبل ذلك لم يجز
ولو صلى الامام صلاة العيد وذبح رجل أضحيته ثم تبين للامام ان يوم العيد كان بالأمس جازت الصلاة وجاز للرجل
أضحيته ولو وقعت فتنة في مصر ولم يكن لها امام من قبل السلطان يصلى بهم صلاة العيد فالقياس في ذلك أن يكون
وقت النحر في ذلك المصر بعد طلوع الفجر يوم النحر بمنزلة القرى التي لا يصلى فيها ولكن يستحسن أن يكون
وقت نحرهم بعد زوال الشمس من يوم النحر لان الموضع موضع الصلاة ألا ترى ان الامام لو كان حاضرا كان عليهم
أن يصلوا الا أنه امتنع أداؤها العارض فلا يتغير حكم الأصل كما لو كان الامام حاضرا فلم يصل لعارض أسباب من
مرض أو غير ذلك وهناك لا يجوز الذبح الا بعد الزوال كذا ههنا ولو ذبح أضحيته بعد الزوال من يوم عرفة ثم ظهر
ان ذلك اليوم كان يوم النحر جازت الأضحية عندنا لان الذبح حصل في وقته فيجزيه والله عز شأنه أعلم هذا إذا
كان من عليه الأضحية في المصر والشاة في المصر فإن كان هو في المصر والشاة في الرستاق أو في موضع لا يصلى فيه
وقد كان أمر أن يضحوا عنه فضحوا بها بعد طلوع الفجر قبل صلاة العيد فإنها تجزيه وعلى عكسه لو كان هو في
الرستاق والشاة في المصر وقد أمر من يضحى عنه فضحوا بها قبل صلاة العيد فإنها لا تجزيه وإنما يعتبر في هذا مكان
الشاة لامكان من عليه هكذا ذكر محمد عليه الرحمة في النوادر وقال إنما أنظر إلى محل الذبح ولا أنظر إلى موضع
المذبوح عنه وهكذا روى الحسن عن أبي يوسف رحمه الله يعتبر المكان الذي يكون فيه الذبح ولا يعتبر المكان الذي
يكون فيه المذبوح عنه وإنما كان كذلك لان الذبح هو القربة فيعتبر مكان فعلها لامكان المفعول عنه وإن كان الرجل
في مصر وأهله في مصر آخر فكتب إليهم أن يضحوا عنه روى عن أبي يوسف أنه اعتبر مكان الذبيحة فقال ينبغي
لهم أن لا يضحوا عنه حتى يصلى الامام الذي فيه أهله وان ضحوا عنه قبل أن يصلى لم يجزه وهو قول محمد عليه الرحمة
وقال الحسن بن زياد انتظرت الصلاتين جميعا وان شكوا في وقت صلاة المصر الآخر انتظرت به الزوال فعنده لا
يذبحون عنه حتى يصلوا في المصرين جميعا وان وقع لهم الشك في وقت صلاة المصر الآخر لم يذبحوا حتى تزول الشمس
فإذا زالت ذبحوا عنه (وجه) قول الحسن انه فيما قلنا اعتبار الحالين حال الذبح وحال المذبوح عنه فكان أولى ولأبي
يوسف ومحمد رحمهما الله ان القربة في الذبح والقربات المؤقتة يعتبر وقتها في حق فاعلها لا في حق المفعول عنه ويجوز
الذبح في أيام النحر نهرها ولياليها وهما ليلتان ليلة اليوم الثاني وهي ليلة الحادي عشر وليلة اليوم الثالث وهي ليلة الثاني
74

عشر ولا يدخل فيها ليلة الأضحى وهي ليلة العاشر من ذي الحجة لقول جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أيام النحر
ثلاثة وذكر الأيام يكون ذكر الليالي لغة قال الله عز شأنه في قصة زكريا عليه الصلاة والسلام ثلاثة أيام الا رمزا
وقال عز شأنه في موضع آخر ثلاث ليال سويا والقصة قصة واحدة الا انه لم يدخل فيها الليلة العاشرة من ذي الحجة لأنه
استتبعها النهار الماضي وهو يوم عرفة بدليل ان من أدركها فقد أدرك الحج كما لو أدرك النهار وهو يوم عرفة فإذا جعلت
تابعة للنهار الماضي لا تتبع النهار المستقبل فلا تدخل في وقت التضحية وتدخل الليلتان بعدها غير أنه يكره الذبح بالليل
لا لأنه ليس بوقت للتضحية بل لمعنى آخر ذكرناه في كتاب الذبائح والله عز شأنه أعلم وأما الذي يرجع إلى محل
التضحية فنوعان أحدهما سلامة المحل عن العيوب الفاحشة فلا تجوز العمياء ولا العوراء البين عورها والعرجاء البين
عرجها وهي التي لا تقدر تمشى برجلها إلى المنسك والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقى وهي المهزولة التي لا نقى لها
وهو المخ ومقطوعة الاذن والألية بالكلية والتي لا أذن لها في الخلقة وسئل محمد رحمه الله عن ذلك فقال أيكون ذلك فإن كان
لا يجزى ويجزى السكاء وهي صغيرة الاذن ولا يجوز مقطوعة احدى الاذنين بكمالها والتي لها أذن واحدة
خلقة والأصل في اعتبار هذه الشروط ما روى عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول لا تجزى من الضحايا أربع العوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها والمريضة البين مرضها
والعجفاء التي لا تنقى وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال استشرفوا العين والاذن أي تأملوا سلامتهما عن
الآفات وروى أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يضحى بعضباء الاذن ولو ذهب بعض هذه الأعضاء دون بعض
من الاذن والالية والذنب والعين ذكر في الجامع الصغير ينظر فإن كان الذاهب كثيرا يمنع جواز التضحية وإن كان
يسيرا الا يمنع لان اليسير مما لا يمكن التحرز عنه إذ الحيوان لا يخلوا عن عادة فلو اعتبر مانعا لضاق الامر على الناس ووقعوا
في الحرج واختلف أصحابنا في الحد الفاصل بين القليل والكثير فعن أبي حنيفة رحمه الله أربع روايات روى محمد رحمه
الله عنه في الأصل وفى الجامع الصغير أنه إن كان ذهب الثلث أو أقل جاز وإن كان أكثر من الثلث لا يجوز وروى أبو
يوسف رحمه الله أنه إن كان ذهب الثلث لا يجوز وإن كان أقل من ذلك جاز وقال أبو يوسف رحمه الله ذكرت قولي
لأبي حنيفة رحمه الله فقال قولي مثل قولك وقول أبى يوسف أنه إن كان الباقي أكثر من الذاهب يجوز وإن كان أقل منه
أو مثله لا يجوز وروى أبو عبد الله البلخي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه إذا ذهب الربع لم يجزه وذكر الكرخي قول محمد
مع قول أبي حنيفة في روايته عنه في الأصل وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي قوله مع قول أبى يوسف (وجه)
قول أبى يوسف وهو احدى الروايات عن أبي حنيفة ان القليل والكثير من الأسماء الإضافية فما كان مضافه أقل منه
يكون كثيرا وما كان أكثر منه يكون قليلا الا انه قد قال بعدم الجواز إذا كانا سواء احتياطا لاجتماع جهة الجواز وعدم
الجواز الا أنه يعتبر بقاء الأكثر للجواز ولم يوجد وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام انه نهى عن العضباء قال سعيد
ابن المسيب العضباء التي ذهب أكثر أذنها فقد اعتبر النبي عليه الصلاة والسلام الأكثر وأما وجه رواية اعتبار الربع
كثيرا فلانه يلحق بالكثير في كثير من المواضع كما في مسح الرأس والحلتى في حق المحرم ففي موضع الاحتياط أولى
وأما وجه رواية اعتبار الثلث كثيرا فلقول النبي عليه الصلاة والسلام في باب الوصية الثلث والثلث كثير جعل عليه
الصلاة والسلام الثلث كثيرا مطلقا واما وجه رواية اعتباره قليلا فاعتباره بالوصية لان الشرع جوز الوصية بالثلث ولم
يجوز بما زاد على الثلث فدل أنه إذا لم يزد على الثلث لا يكون كثيرا وأما الهتماء وهي التي لا أسنان لها فإن كانت ترعى
وتعتلف جازت والا فلا وذكر في المنتقى عن أبي حنيفة رحمه الله أنه إن كان لا يمنعها عن الاعتلاف تجزيه وإن كان
يمنعها عن الاعتلاف الا ان يصب في جوفها صبا لم تجزه وقال أبو يوسف في قول لا تجزى سواء اعتلفت أو لم تعتلف
وفى قول ان ذهب أكثر أسنانها لا تجزى كما قال في الاذن والالية والذنب وفى قول ان بقي من أسنانها قدر ما تعتلف
تجزى والا فلا وتجوز الثولاء وهي المجنونة الا إذا كان ذلك يمنعها عن الرعى والاعتلاف فلا تجوز لأنه يفضى إلى
75

هلاكها فكان عيبا فاحشا وتجوز الجرباء إذا كانت سمينة فإن كانت مهزولة لا تجوز وتجزي الجماء وهي التي لا
قرن لها خلقة وكذا مكسورة القرن تجزى لما روى أن سيدنا عليا رضي الله عنه سئل عن القرن فقال لا يضرك أمرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والاذن وروى أن رجلا من همذان جاء إلى سيدنا علي رضي الله عنه
فقال يا أمير المؤمنين البقرة عن كم قال عن سبعة ثم قال مكسورة القرن قال لا ضير ثم قال عرجاء فقال إذا بلغت المنسك
ثم قال سيدنا علي كرم الله وجهه أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم انا نستشرف العين والاذن فان بلغ الكسر
المشاش لا تجزيه والمشاش رؤس العظام مثل الركبتين والمرفقين وتجزي الشرقاء وهي مشقوقة الأذن طولا وما
روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحى بالشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة فالخرقاء هي مشقوقة الأذن
والمقابلة التي يقطع من مقدم أذنها شئ ولا يبان بل يترك معلقا والمدابرة أن يفعل ذلك بمؤخر الاذن من
الشاة فالنهي في الشرقاء والمقابلة والمدابرة محمول على الندب وفى الخرقاء على الكثير على اختلاف الأقاويل في حد
الكثير على ما بينا ولا بأس بما فيه سمة في اذنه لان ذلك لا يعد عيبا في الشاة أو لأنه عيب يسير أو لان السمة لا يخلو عنها
الحيوان ولا يمكن التحرز عنها ولو اشترى رجل أضحية وهي سمينة فعجفت عنده حتى صارت بحيث لو اشتراها على
هذه الحالة لم تجزه لم تجزه إن كان موسرا وإن كان معسرا أجزأته لان الموسر تجب عليه الأضحية في ذمته وإنما أقام ما اشترى
لها مقام ما في الذمة فإذا نقصت لا تصلح أن تقام مقام ما في الذمة فبقي ما في ذمته بحاله وأما الفقير فلا أضحية في ذمته فإذا
اشتراها للأضحية فقد تعينت الشاة المشتراة للقربة فكان نقصانها كهلاكها حتى لو كان الفقير أوجب على نفسه أضحية
لا تجوز هذه لأنها وجبت عليه بايجابه فصار كالغنى الذي وجبت عليه بايجاب الله عز شأنه ولو اشترى أضحية وهي
صحيحة ثم اعورت عنده وهو موسرا وقطعت أذنها كلها أو أليتها أو ذنبها أو انكسرت رجلها فلم تستطع أن تمشى لا
تجزى عنه وعليه مكانها أخرى لما بينا بخلاف الفقير وكذلك ان ماتت عنده أو سرقت ولو قدم أضحية ليذبحها
فاضطربت في المكان الذي يذبحها فيه فانكسرت رجلها ثم ذبحها على مكانها أجزأه وكذلك إذا انقلبت منه الشفرة
فأصابت عينها فذهبت والقياس أن لا يجوز (وجه) القياس ان هذا عيب دخلها قبل تعيين القربة فيها فصار كما لو كان
قبل حال الذبح (وجه) الاستحسان ان هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه لان الشاة تضطرب فتلحقها العيوب من
اضطرابها وروى عن أبي يوسف أنه قال لو عالج أضحية ليذبحها فكسرت أو اعورت فذبحها ذلك اليوم أو من الغد
فإنها تجزى لان ذلك النقصان لما لم يعتد به في الحال لو ذبحها فكذا في الثاني كالنقصان اليسير والله عز شأنه أعلم والثاني
ملك المحل وهو أن يكون المضحي ملك من عليه الأضحية فإن لم يكن لا تجوز لان التضحية قربة ولا قربة في الذبح
بملك الغير بغير اذنه وعلى هذا يخرج ما إذا اغتصب شاة انسان فضحى بها عن نفسه أنه لا تجزيه لعدم الملك ولا عن
صاحبها لعدم الاذن ثم إن أخذها صاحبها مذبوحة وضمنه النقصان فكذلك لا تجوز عن التضحية وعلى كل واحد
منهما أن يضحى بأخرى لما قلنا وان ضمنه صاحبها قيمتها حية فإنها تجزى عن الذابح لأنه ملكها بالضمان من وقت
الغصب بطريق الظهور والاستناد فصار ذابحا شاة هي ملكه فتجزيه لكنه يأثم لان ابتداء فعله وقع محظورا فتلزمه
التوبة والاستغفار وهذا قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر لا تجزى عن الذابح أيضا بناء على أن المضمومات تملك بالضمان
عندنا وعند زفر لا تملك وبه أخذ الشافعي وأصل المسألة في كتاب الغصب وكذلك إذا اغتصب شاة انسان كان
اشتراها للأضحية فضحاها عن نفسه بغير امره لما قلنا وكذلك الجواب في الشاة المستحقة بان اشترى شاة ليضحى
بها فضحى بها ثم استحقها رجل بالبينة أنه ان أخذها المستحق مذبوحة لا تجزى عن واحد منهما وعلى كل واحد منهما
أن يضحى بشاة أخرى ما دام في أيام النحر وان مضت أيام النحر فعلى الذابح أن يتصدق بقيمة شاة وسط ولا يلزمه
التصدق بقيمة تلك الشاة المشتراة لأنه بالاستحقاق تبين ان شراءه إياها للأضحية والعدم بمنزلة بخلاف ما إذا اشترى
شاة للأضحية ثم باعها حيث يلزمه التصدق بقيمتها لان شراءه إياها للأضحية قد صح لوجود الملك فيجب عليه
76

التصدق بقيمتها وان تركها عليه وضمنه قيمتها جاز الذبح عندنا كما في الغصب ولو أودع رجل رجلا شاة يضحى بها
المستودع عن نفسه يوم النحر فاختار صاحبها القيمة ورضى بها فاخذها فإنها لا تجزى المستودع من أضحيته بخلاف
الشاة المغصوبة والمستحقة ووجه الفرق ان سبب وجوب الضمان ههنا هو الذبح والملك ثبت بعد تمام السبب وهو الذبح
فكان الذبح مصادفا ملك غيره فلا يجزيه بخلاف الغاصب فإنه كان ضامنا قبل الذبح لوجود سبب وجوب الضمان وهو
الغصب السابق فعند اختيار الضمان أو أدائه يثبت الملك له من وقت السبب وهو الغصب فالذبح صادف ملك نفسه
فجاز وكل جواب عرفته في الوديعة فهو الجواب في العارية والإجارة بان استعار ناقة أو ثورا أو بعيرا أو استأجره
فضحى به أنه لا يجزيه عن الأضحية سواء أخذها المالك أو ضمنه القيمة لأنها أمانة في يده وإنما يضمنها بالذبح فصار
كالوديعة ولو كان مرهونا ينبغي أن يجوز لأنه يصير ملكا له من وقت القبض كما في الغصب بل أولى ومن المشايخ من
فصل في الرهن تفصيلا لا بأس به فقال إن كان قدر الرهن مثل الدين أو أقل منه يجوز فاما إذا كانت قيمته أكثر من
الدين فينبغي أن لا يجوز لأنه إذا كان كذلك كان بعضه مضمونا وبعضه أمانة ففي قدر الأمانة إنما يضمنه بالذبح فيكون
بمنزلة الوديعة ولو اشترى شاة بيعا فاسدا فقبضها فضحى بها جاز لأنه يملكها بالقبض وللبائع ان يضمنه قيمتها حية ان
شاء وان شاء أخدها مذبوحة لان الذبح لا يبطل حقه في الاسترداد فان ضمنه قيمتها حية فلا شئ على المضحي وان
أخذها مذبوحة فعلى المضحي أن يتصدق بقيمتها مذبوحة لأنه بالرد أسقط الضمان عن نفسه فصار كأنه باعها بمقدار
القيمة التي وجبت عليه وكذلك لو وهب له شاة هبة فاسدة فضحى بها فالواهب بالخيار ان شاء ضمنه قيمتها حية
وتجوز الأضحية ويأكل منها وان شاء استردها واسترد قيمة النقصان ويضمن الموهوب له قيمتها فيتصدق
بها إذا كان بعد مضى وقت الأضحية وكذلك المريض مرض الموت لو وهب شاة من رجل في مرضه وعليه
دين مستغرق فضحى بها الموهوب له فالغرماء بالخيار ان شاؤوا استردوا عينها وعليه أن يتصدق بقيمتها وان شاؤوا
ضمنوه قيمتها فتجوز الأضحية لان الشاة كانت مضمونة عليه فإذا ردها فقد أسقط الضمان عن نفسه كما قلنا
في البيع الفاسد ولو اشترى شاة بثوب فضحى بها المشترى ثم وجد البائع بالثوب عيبا فرده فهو بالخيار ان شاء
ضمنه قيمة الشاة ولا يتصدق المضحي ويجوز له الاكل وان شاء استردها ناقصة مذبوحة فبعد ذلك ينظر إن كانت
قيمة الثوب أكثر يتصدق بالثوب كأنه باعها بالثوب وإن كانت قيمة الشاة أكثر يتصدق بقيمة الشاة
لان الشاة كانت مضمونة عليه فيرد ما أسقط الضمان عن نفسه كأنه باعها بثمن ذلك القعد من قيمتها فيتصدق
بقيمتها ولو وجد بالشاة عيبا فالبائع بالخيار ان شاء قبلها ورد الثمن ويتصدق المشترى بالثمن الاحصة النقصان لأنه
لم يوجب حصة النقصان على نفسه وان شاء لم يقبل ورد حصة العيب ولا يتصدق المشترى بها لان ذلك النقصان لم
يدخل في القربة وإنما دخل في القربة ما ذبح وقد ذبح ناقصا الا في جزاء الصيد فإنه ينظر ان لم يكن مع هذا
العيب عدلا للصيد فعليه أن يتصدق بالفضل لما نذكر ولو وهب لرجل شاة فضحى بها الموهوب له أجزأته عن
الأضحية لأنه ملكها بالهبة والقبض فصار كما لو ملكها بالشراء فلو أنه ضحى بها ثم أراد الواهب أن يرجع في هبته فعند أبي
يوسف رحمه الله ليس له ذلك بناء على أن الأضحية بمنزلة الوقف عنده فإذا ذبحها الموهوب له عن أضحيته أو
أوجبها أضحية لا يملك الرجوع فيها كما لو أعتق المرهوب له العبد أنه ينقطع حق الواهب عن الرجوع كذا ههنا
وعند محمد عليه الرحمة له ذلك لان الذبح نقصان والنقصان لا يمنع الرجوع ولا يجب على المضحي أن يتصدق بشئ
لان الشاة لم تكن مضمونة عليه فصار في الحكم بمنزلة ابتداء الهبة ولو وهبها أو استهكلها لا شئ عليه هذا ولو كان هذا في
جزاء الصيد أو في كفارة الحلق أو في موضع يجب عليه التصدق باللحم فإذا رجع الواهب في الهبة فعليه أن يتصدق
بقيمتها لان التصدق واجب عليه فصار كما إذا استهلكها ولأنه ذبح شاة لغيره حق الرجوع فيها فصار كأنه هو الذي
دفع إليه والرجوع في الهبة بقضاء وبغير قضاء سواء في هذا الفصل يفترق الجواب بين ما يجب صدقة وبين ما لا يجب
77

وفى الفصول الأول يستوى الجواب بينهما ولو وهب المريض مرض الموت شاة لانسان وقبضها الموهوب له
فضحاها ثم مات الواهب من مرضه ذلك ولا مال له غيرها فالورثة بالخيار ان شاؤوا ضمنوا للموهوب له ثلثي قيمتها حية
وان شاؤوا أخذوا ثلثيها مذبوحة فان ضمنوه ثلثي قيمتها حية فلا شئ على الموهوب له لأنها لو كانت مغصوبة فضمن
قيمتها لا شئ عليه غير ذلك فهذه أولى وان أخذوا ثلثيها اختلف المشايخ فيه قال بعضهم القياس أن يتصدق بثلثي قيمتها
حية لان الموهوب له قد ضمن ثلثي قيمتها حية ثم سقط عنه ثلث قيمتها حية يأخذ الورثة منه ثلثي الشاة مذبوحة فصار
كأنه باعها بذلك وقضى دينا عليه بثلثي الشاة فعليه أن يتصدق بذلك القدر وقال بعضهم لا شئ عليه الا ثلثي قيمتها
مذبوحة لان الورثة لما أخذوا ثلثيها مذبوحة فقد أبرأوا الموهوب له من فضل ما بين ثلثي قيمتها حية إلى ثلثي قيمتها
مذبوحة فلا يجب على الموهوب له الا ثلثا قيمتها مذبوحة وهكذا ذكر في نوادر الضحايا عن محمد عليه الرحمة في هذه
المسألة ان الورثة بالخيار ان شاؤوا ضمنوا ثلثي قيمية الشاة وسلموا له لحمها وان شاؤوا أخذوا ثلثي لحمها وكانوا شركاءه فيها
فان ضمنوا ثلثي القيمة أجزأت عنه الأضحية وان شاركوه فيها وأخذوا ثلثي لحمها فعليه أن يتصدق بثلثي قيمتها
مذبوحة وقد أجزأت عنه من قبل أنه ذبحها هو يملكها والله عز شأنه أعلم.
(فصل) وأما بيان ما يستحب قبل التضحية وعندها وبعدها وما يكره أما الذي هو قبل التضحية فيستحب أن
يربط الأضحية قبل أيام النحر بأيام لما فيه من الاستعداد للقربة واظهار الرغبة فيها فيكون له فيه أجر وثواب وأن
يقلدها ويجللها اعتبارا بالهدايا والجامع أن ذلك يشعر بتعظيمها قال الله تعالى ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى
القلوب وأن يسوقها إلى المنسك سوقا جميلا لا عنيفا وان لا يجر برجلها إلى المذبح كما ذكرنا في كتاب الذبائح ولو اشترى
شاة للأضحية فيكره ان يحلبها أو يجز صوفها فينتفع به لأنه عينها للقربة فلا يحل له الانتفاع بجزء من أجزائها قبل إقامة
القربة فيها كما لا يحل له الانتفاع بلحمها إذا ذبحها قبل وقتها ولان الحلب والجز يوجب نقصا فيها وهو ممنوع عن
ادخال النقص في الأضحية ومن المشايخ من قال هذا في الشاة المنذور بها بعينها من المعسر أو الموسر أو الشاة المشتراة
للأضحية من المعسر فأما المشتراة من الموسر للأضحية فلا بأس أن يحلبها ويجز صوفها لان في الأول تعينت الشاة
لوجوب التضحية بها بدليل أنه لا تقوم التضحية بغيرها مقامها وإذا تعينت لوجوب التضحية بها بتعيينه لا يجوز له
الرجوع في جزء منها وفى الثاني لم تتعين للوجوب بل الواجب في ذمته وإنما يسقط بها ما في ذمته بدليل أن غيرها يقوم
مقامها فكانت جائزة الذبح لا واجبة الذبح والجواب على نحو ما ذكرنا فيما تقدم أن المشتراة للأضحية متعينه للقربة
إلى أن يقام غيرها مقامها فلا يحل الانتفاع بها ما دامت متعينة ولهذا لا يحل له لحمها إذا ذبحها قبل وقتها فإن كان في ضرعها
لبن وهو يخاف عليها ان لم يحلبها نضح ضرعها بالماء البارد حتى يتقلص اللبن لأنه لا سبيل إلى الحلب ولا وجه لابقائها
كذلك لأنه يخاف عليها الهلاك فيتضرر به فتعين نضح الضرع بالماء البارد لينقطع اللبن فيندفع الضرر فان حلب
تصدق باللبن لأنه جزء من شاة متعينة للقربة ما أقيمت فيها القربة فكان الواجب هو التصدق به كما لو ذبحت قبل
الوقت فعليه أن يتصدق بمثله لأنه من ذوات الأمثال وان تصدق بقيمته جاز لان القيمة تقوم مقام العين وكذلك
الجواب في الصوف والشعر والوبر ويكره له بيعها لما قلنا ولو باع جاز في قول أبي حنيفة ومحمد عليهما الرحمة لأنه بيع
مال مملوك منتفع به مقدور التسليم وغير ذلك من الشرائط فيجوز وعند أبي يوسف رحمه الله لا يجوز لما روى عنه
انه بمنزلة الوقف ولا يجوز بيع الوقف ثم إذا جاز بيعها على أصلهما فعليه مكانها مثلها أو أرفع منها فيضحى بها فان فعل
ذلك فليس عليه شئ آخر وان اشترى دونها فعليه أن يتصدق بفضل ما بين القيمتين ولا ينظر إلى الثمن وإنما ينظر
إلى القيمة حتى لو باع الأولى بأقل من قيمتها واشترى الثانية بأكثر من قيمتها وثمن الثانية أكثر من ثمن الأولى يجب
عليه أن يتصدق بفضل قيمة الأولى فان ولدت الأضحية ولدا يذبح ولدها مع الام كذا ذكر في الأصل وقال أيضا
وان باعه يتصدق بثمنه لان الام تعينت للأضحية والولد يحدث على وصف الام في الصفات الشرعية فيسرى إلى
78

الولد كالرق والحرية ومن المشايخ من قال هذا في الأضحية الموجبة بالنذر كالفقير إذا اشترى شاة للأضحية فأما
الموسر إذا اشترى شاة للأضحية فولدت لا يتبعها ولدها لان في الأول تعين الوجوب فيسرى إلى الولد وفى الثاني لم
يتعين لأنه لا تجوز التضحية بغيرها فكذا ولدها وذكر القدوري رحمه الله وقال كان أصحابنا يقولون يجب ذبح
الولد ولو تصدق به جاز لان الحق لم يسر إليه ولكنه متعلق به فكان كجلالها وخطامها فان ذبحه تصدق بقيمته وان باعه
تصدق بثمنه ولا يبيعه ولا يأكله وقال بعضهم لا ينبغي له أن يذبحه وقال بعضهم انه بالخيار ان شاء ذبحه أيام النحر وأكل
منه كالأم وان شاء تصدق به فان أمسك الولد حتى مضت أيام النحر تصدق به لأنه فات ذبحه فصار كالشاة المنذورة
وذكر في المنتقى إذا وضعت الأضحية فذبح الولد يوم النحر قبل الام أجزأه فان تصدق به يوم الأضحى قبل أن يعلم
فعليه أن يتصدق بقيمته قال القدوري رحمه الله وهذا على أصل محمد عليه الرحمة ان الصغار تدخل في الهدايا ويجب
ذبحها ولو ولدت الأضحية تعلق بولدها من الحكم ما يتعلق بها فصار كما فات بمضي الأيام ويكره له ركوب الأضحية
واستعمالها والحمل عليها فان فعل فلا شئ عليه الا أن يكون نقصها ذلك فعليه أن يتصدق بنقصانها ولو آجرها صاحبها
ليحمل عليها قال بعض المشايخ ينبغي أن يغرم ما نقصها الحمل فإنه ذكر في المنتفى في رجل أهدى ناقة ثم آجرها ثم حمل
عليها فان صاحبها يغرم ما نقصها ذلك ويتصدق بالكراء كذا ههنا (وأما) الذي هو في حال التضحية فبعضها يرجع إلى
نفس التضحية وبعضها يرجع إلى من عليه التضحية وبعضها يرجع إلى الأضحية وبعضها يرجع إلى وقت التضحية
وبعضها يرجع إلى آلة التضحية أما الذي يرجع إلى نفس التضحية فما ذكرنا في كتاب الذبائح وهو ان المستحب هو
الذبح في الشاة والبقر والنحر في الإبل ويكره القلب من ذلك وقطع العروق الأربعة كلها والتذفيف في ذلك وأن
يكون الذبح من الحلقوم لا من القفا (وأما) الذي يرجع إلى من عليه التضحية فالأفضل أن يذبح بنفسه ان قدر عليه لأنه
قربة فمباشرتها بنفسه أفضل من توليتها غيره كسائر القربات والدليل عليه ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ساق مائة بدنة فنحر منها نيفا وستين بيده الشريفة عليه الصلاة والسلام ثم أعطى المدية سيدنا عليا رضي الله عنه
فنحر الباقين وهذا إذا كان الرجل يحسن الذبح ويقدر عليه فأما إذا لم يحسن فتوليته غيره فيه أولى وقدر روى عن أبي
حنيفة رضي الله عنه أنه قال نحرت بدنة قائمة معقولة فلم أشق عليها فكدت أهلك ناسا لأنها نفرت فاعتقدت أن
لا أنحرها الا باركة معقولة وأولى من هو أقدر على ذلك منى وفى حديث أنس رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة
والسلام ضحى بكبشين أملحين أقرنين قال أنس فرأيت النبي عليه الصلاة والسلام واضعا قدمه على صفاحهما
أي على جوانب عنقهما وهو يذبحهما بيده عليه الصلاة والسلام مستقبل القبلة فذبح الأول فقال بسم الله والله أكبر
اللهم هذا عن محمد وعن آل محمد ثم ذبح الآخر وقال عليه الصلاة والسلام اللهم هذا عمن شهد لك بالتوحيد وشهد
لي بالبلاغ ويستحب أن يكون الذابح حال الذبح متوجها إلى القبلة لما روينا وإذا لم يذبح بنفسه يستحب له أن يأمر
مسلما فان أمر كتابيا يكره لما قلنا ويستحب أن يحضر الذبح لما روى عن سيدنا علي رضي الله عنه أن النبي عليه
الصلاة والسلام قال لسيدتنا فاطمة رضي الله عنها يا فاطمة بنت محمد قومي فاشهدي ضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة
تقطر من دمها مغفرة لكل ذنب أما انه يجاء بدمها ولحمها فيوضع في ميزانك وسبعون ضعفا فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه
يا نبي الله هذا لآل محمد خاصة فإنهم أصل لما خصوا به من الخير أم لآل محمد وللمسلمين عامة فقال هذا لآل
محمد خاصة وللمسلمين عامة وفى حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها كل ذنب عملتيه وقولي ان صلاتي ونسكي
ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وان يدعو فيقول اللهم منك ولك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين لما روينا وأن يقول ذلك قبل التسمية أو بعدها لما روى عن
جابر رضي الله عنه قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين فقال حين وجههما وجهت وجهي للذي فطر
79

السماوات والأرض حنيفا مسلما اللهم منك ولك عن محمد وأمته بسم الله والله أكبر وروى عن الحسن بن المعتم
الكناني قال خرجت مع سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم الأضحى إلى عيد فلما صلى قال يا قنبر ادن منى أحد
الكبشين فاخذ بيده فأضجعه ثم قال وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ان
صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين بسم الله اللهم منك ولك
بسم الله والله أكبر اللهم تقبل من على فذبحه ثم دعا بالثاني ففعل به مثل ذلك ويستحب أن يجرد التسمية عن الدعاء فلا
يخلط معها دعاء وإنما يدعو قبل التسمية أو بعدها ويكره حالة التسمية (وأما) الذي يرجع إلى الأضحية فالمستحب أن
يكون أسمنها وأحسنها وأعظمها لأنها مطية الآخرة قال عليه الصلاة والسلام عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط
مطاياكم ومهما كانت المطية أعظم وأسمن كانت على الجواز على الصراط أقدر وأفضل الشاء أن يكون كبشا أملح
أقرن موجوءا لما روى جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين موجوأين
عظيمين سمينين والأقرن العظيم القرن والأملح الأبيض وروى عليه الصلاة والسلام أنه قال دم العفراء يعدل عند
الله مثل دم السوداوين وان أحسن اللون عند الله البياض والله خلق الجنة بيضاء والموجوء قيل هو مدقوق الخصيتين
وقيل هو الخصي كذا روى عن أبي حنيفة رحمه الله فإنه روى عنه أنه سئل عن التضحية بالخصي فقال ما زاد في لحمه
أنفع مما ذهب من خصيتيه (وأما) الذي يرجع إلى وقت التضحية فالمستحب هو اليوم الأول من أيام النحر لما روينا عن
جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم قالوا أيام النحر ثلاثة أولها أفضلها ولأنه مسارعة إلى الخير وقد مدح الله جل
شأنه المسارعين إلى الخيرات السابقين لها بقوله عز شأنه أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون وقال عز شأنه
وسارعوا إلى مغفرة من ربكم أي إلى سبب المغفرة ولان الله جل شأنه أضاف عباده في هذه الأيام بلحوم القرابين
فكانت التضحية في أول الوقت من باب سرعة الإجابة إلى ضيافة الله جل شأنه والمستحب أن تكون بالنهار ويكره
أن تكون بالليل لما ذكرنا في كتاب الذبائح والصيود وأفضل وقت التضحية لأهل السواد ما بعد طلوع الشمس لان
عنده يتكامل آثار أول النهار والله عز وجل أعلم (وأما) الذي يرجع إلى آلة التضحية فما ذكرنا في كتاب الذبائح وهو
أن تكون آلة الذبح حادة من الحديد (وأما) الذي هو بعد الذبح فالمستحب أن يتربص بعد الذبح قدر ما يبرد ويسكن
من جميع أعضائه وتزول الحياة عن جميع جسده ويكره أن ينخع ويسلخ قبل أن يبرد لما ذكرنا في كتاب الذبائح
ولصاحب الأضحية أن يأكل من أضحيته لقوله تعالى فكلوا منها ولأنه ضيف الله جل شأنه في هذه الأيام كغيره فله
أن يأكل من ضيافة الله عز شأنه وجملة الكلام فيه ان الدماء أنواع ثلاثة نوع يجوز لصاحبه أن يأكل منه بالاجماع
ونوع لا يجوز له أن يأكل منه بالاجماع ونوع اختلف فيه فالأول دم الأضحية نفلا كان أو واجبا منذورا كان أو
واجبا مبتدأ والثاني دم الاحصار وجزاء الصيد ودم الكفارة الواجبة بسبب الجناية على الاحرام كحلق الرأس
ولبس المخيط والجماع بعد الوقوف بعرفة وغير ذلك من الجنايات ودم النذر بالذبح والثالث دم المتعة والقران فعندنا
يؤكل وعند الشافعي رحمه الله لا يؤكل وهي من مسائل المناسك ثم كل دم يجوز له أن يأكل منه لا يجب عليه أن
يتصدق به بعد الذبح إذ لو وجب عليه التصدق لما جاز له أن يأكل منه وكل دم لا يجوز له أن يأكل منه يجب عليه أن
يتصدق به بعد الذبح إذ لو لم يجب لأدى إلى التسييب ولو هلك اللحم بعد الذبح لا ضمان عليه في النوعين جميعا أما في النوع
الأول فظاهر وأما في الثاني في فلانه هلك عن غير صنعه فلا يكون مضمونا عليه وان استهلكه بعد الذبح إن كان من النوع
الثاني يغرم قيمته لأنه أتلف مالا متعينا للتصدق به فيغرم قيمته ويتصدق بها وإن كان من النوع الأول لا يغرم شيئا
ولو باعه نقذ بيعه سواء كان من النوع الأول أو الثاني فعليه أن يتصدق بثمنه ويستحب له أن يأكل من أضحيته لقوله
تعالى عز شأنه فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال إذا ضحى أحدكم
فليأكل من أضحيته ويطعم منه غيره وروى عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال لغلامه قنبر حين ضحى بالكبشين
80

يا قنبر خذ لي من كل واحد منهما بضعة وتصدق بهما بجلودهما وبرؤوسهما وبأكارعهما والأفضل أن يتصدق
بالثلث ويتخذ الثلث ضيافة لأقاربه وأصدقائه ويدخر الثلث لقوله تعالى فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر وقوله عز
شأنه فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير وقول النبي عليه الصلاة والسلام كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فكلوا منها
وادخروا فثبت بمجموع الكتاب العزيز والسنة ان المستحب ما قلنا ولأنه يوم ضيافة الله عز وجل بلحوم القرابين
فيندب اشراك الكل فيها ويطعم الفقير والغنى جميعا لكون الكل أضياف الله تعالى عز شأنه في هذه الأيام وله أن
يهبه منهما جميعا ولو تصدق بالكل جاز ولو حبس الكل لنفسه جاز لان القربة في الإراقة (وأما) التصدق باللحم
فتطوع وله أن يدخر الكل لنفسه فوق ثلاثة أيام لان النهى عن ذلك كان في ابتداء الاسلام ثم نسخ بما روى عن
النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال إني كنت نهيتكم عن امساك لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام الا فامسكوا ما بدا
لكم وروى أنه عليه الصلاة والسلام قال إنما نهيتكم لأجل الرأفة دون حضرة الأضحى الا أن اطعامها والتصدق
أفضل الا أن يكون الرجل ذا عيال وغير موسع الحال فان الأفضل له حينئذ أن يدعه لعياله ويوسع به عليهم لان
حاجته وحاجة عياله مقدمة على حاجة غيره قال النبي عليه الصلاة والسلام ابدأ بنفسك ثم بغيرك ولا يحل بيع جلدها
وشحمها ولحمها وأطرافها ورأسها وصوفها وشعرها ووبرها ولبنها الذي يحلبه منها بعد ذبحها بشئ لا يمكن الانتفاع به
الا باستهلاك عينه من الدراهم والدنانير والمأكولات والمشروبات ولا أن يعطى أجر الجزار والذابح منها لما روى
عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال من باع جلد أضحية فلا أضحية له وروى أن النبي عليه الصلاة والسلام
قال لعلي رضي الله عنه تصدق بجلالها وخطامها ولا تعطى أجر الجزار منها وروى عن سيدنا علي كرم الله وجهه أنه
قال إذا ضحيتم فلا تبيعوا لحوم ضحاياكم ولا جلودها وكلوا منها وتمتعوا ولأنها من ضيافة الله عز شأنه التي أضاف بها
عباده وليس للضيف أن يبيع من طعام الضيافة شيئا فان باع شيئا من ذلك نفذ عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف
لا ينفذ لما ذكرنا فيما قبل الذبح ويتصدق بثمنه لان القربة ذهبت عنه فيتصدق به ولأنه استفاده بسبب محظور وهو
البيع فلا يخلو عن خبث فكان سبيله التصدق وله أن ينتفع بجلد أضحيته في بيته بأن يجعله سقاء أو فروا أو غير ذلك
لما روى عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها أنها اتخذت من جلد أضحيتها سقاء ولأنه يجوز الانتفاع بلحمها فكذا
بجلدها وله أن يبيع هذه الأشياء بما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه من متاع البيت كالجراب والمنخل لان البدل
الذي يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه يقوم مقام المبدل فكان المبدل قائما معنى فكان الانتفاع به كالانتفاع بعين
الجلد بخلاف البيع بالدراهم والدنانير لان ذلك مما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه فلا يقوم مقام الجلد فلا يكون
الجلد قائما معنى والله تعالى عز شأنه أعلم.
(كتاب النذر)
الكلام في هذا الكتاب في الأصل في ثلاثة مواضع في بيان ركن النذر وفي بيان شرائط الركن وفي بيان حكم النذر
أما الأول فركن النذر هو الصيغة الدالة عليه وهو قوله لله عز شأنه على كذا أو على كذا أو هذا هدى أو صدقة أو مالي
صدقة أو ما أملك صدقة ونحو ذلك.
(فصل) وأما شرائط الركن فأنواع بعضها يتعلق بالناذر وبعضها يتعلق بالمنذور به وبعضها يتعلق بنفس
الركن أما الذي يتعلق بالناذر فشرائط الأهلية (منها) العقل (ومنها) البلوغ فلا يصح نذر المجنون والصبي الذي
لا يعقل لان حكم النذر وجوب المنذور به وهما ليسا من أهل الوجوب وكذا الصبي العاقل لأنه ليس من أهل
وجوب الشرائع ألا ترى انه لا يجب عليهما شئ من الشرائع بايجاب الشرع ابتداء فكذا بالنذر إذ الوجوب عند
81

وجود الصيغة من الأهل في المحل بايجاب الله تعالى لا بايجاب العبد إذ ليس للعبد ولاية الايجاب وإنما الصيغة علم على
ايجاب الله تعالى (ومنها) الاسلام فلا يصح نذر الكافر حتى لو نذر ثم أسلم لا يلزم الوفاء به وهو ظاهر مذهب الشافعي
رحمه الله لان كون المنذور به قربة شرط صحة النذر وفعل الكافر لا يوصف بكونه قربة (وأما) حرية الناذر
فليست من شرائط الصحة فيصح نذر المملوك ثم أن كان المنذور به من القرب الدينية كالصلاة والصوم ونحوهما
يجب عليه للحال ولو كان من القرب المالية كالاعتاق والاطعام ونحو ذلك يجب عليه بعد العتاق لأنه ليس من أهل الملك
للحال ولو قال إن اشتريت هذه الشاة فهي هدى أو ان اشتريت هذا العبد فهو حر فعتق لم يلزمه حتى يضيفه إلى ما بعد
العتق في قياس قول أبي حنيفة وقد ذكرناه في كتاب العتاق (وأما) الطواعية فليست بشرط عندنا خلافا للشافعي رحمه
الله كما في اليمين وكذا الجد والهزل والله عز شأنه أعلم (وأما) الذي يرجع إلى المنذور به فأنواع (منها) أن يكون
متصور الوجود في نفسه شرعا فلا يصح النذر بما لا يتصور وجوده شرعا كمن قال لله تعالى على أن أصوم ليلا أو نهارا
أكل فيه وكالمرأة إذا قالت لله على أن أصوم أيام حيضي لان الليل ليس محل الصوم والاكل مناف للصوم حقيقة
والحيض مناف له شرعا إذ الطهارة عن الحيض والنفاس شرط وجود الصوم الشرعي ولو قالت لله على أن أصوم غدا
فحاضت في غد أو قالت لله على أن أصوم يوم يقدم فلان فقدم في يوم حاضت فيه لا شئ عليها عند محمد وعند أبي يوسف
عليها قضاء ذلك اليوم وهي من مسائل الصوم وعلى هذا يخرج ما إذا قال لله تعالى على أن أصوم اليوم الذي يقدم
فيه فلان فقدم في النهار انه ان قدم قبل الزوال أو قبل أن تناول شيئا من المفطرات يلزمه صومه وان قدم بعد الزوال
أو بعد ما تناول شيئا من المفطرات لا يلزمه شئ لأنه أوجب على نفسه صوم يوم موصوف بأنه يوجد فيه قدوم فلان
ولا علم له لهذا اليوم قبل القدوم ولا دليل العلم ولا وجوب لهذا الصوم بدون العلم أو دليله لان ما ثبت أداؤه على قصد
المؤدى في تحصيله لا يجب أداؤه الا بعد العلم بوجوبه أو دليل العلم فلم يجب الصوم ما لم يوجد اليوم الموصوف ولا وجود
الا بالقدوم فصار الوجوب على هذا التخريج متعلقا بالقدوم ووجوب صوم يوم لم تزل فيه الشمس ولم يتناول شيئا من
المفطرات متصور كما لو أنشأ النذر فوجب عليه للحال ولا تصور له بعد التناول وبعد الزوال فلا يجب عليه شئ بخلاف
اليمين بأن قال والله لأصومن اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم بعد ما أكل أو بعد الزوال حنث في يمينه والفرق ان في
باب النذر يجب الفعل حقا لله تعالى لان الوجوب بايجاب الله تعالى عند مباشرة سبب الوجوب من العبد فصار هذا
وسائر العبادات المقصودة على السواء (وأما) في باب اليمين فالفعل في نفسه غير واجب بل الواجب هو الامتناع عن
هتك حرمة اسم الله تعالى عز شأنه وإنما وجب الفعل لضرورة حصول البر وحصول البر أيضا لضرورة الامتناع عن
الهتك فوجوبه لا يفتقر إلى العلم فكان وجوب تحصيل البر والامتناع ثابتا قبل وجود دليل الوجوب وهو القدوم
فوجب عليه البر من أول وجود هذا اليوم الذي حلف أن يصومه وان لم يكن له به علم فإذا لم يصم بأن أكل أو امتنع
من النذر حتى زالت الشمس حنث في يمينه لفوات البر والله عز شأنه أعلم (ومنها) أن يكون قربة فلا يصح النذر
بما ليس بقربة رأسا كالنذر بالمعاصي بأن يقول لله عز شأنه على أن أشرب الخمر أو أقتل فلانا أو أضربه أو أشتمه
ونحو ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام لا نذر في معصية الله تعالى وقوله عليه الصلاة والسلام من نذر أن يعصى الله
تعالى فلا يعصه ولان حكم النذر وجوب المنذور به ووجوب فعل المعصية محال وكذا النذر بالمباحات من الأكل والشرب
والجماع ونحو ذلك لعدم وصف القربة لاستوائهما فعلا وتركا وكذا لو قال على طلاق امرأتي لان
الطلاق ليس بقربة فلا يلزم بالنذر وهل يقع الطلاق به فيه كلام نذكره إن شاء الله تعالى (ومنها) أن يكون قربة
مقصوده فلا يصح النذر بعيادة المرضى وتشييع الجنائز والوضوء والاغتسال ودخول المسجد ومس المصحف
والاذان وبناء الرباطات والمساجد وغير ذلك وإن كانت قربا لأنها ليست بقرب مقصودة ويصح النذر بالصلاة
والصوم والحج والعمرة والاحرام بهما والعتق والبدنة والهدى والاعتكاف ونحو ذلك لأنها قرب مقصودة
82

وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام من نذر أن يطيع الله تعالى فليطعه وقال عليه الصلاة والسلام من نذر وسمى
فعليه وفاؤه بما سمى الا أنه خص منه المسمى الذي ليس بقربة أصلا والذي ليس بقربة مقصودة فيجب العمل
بعمومه فيما وراءه ومن مشايخنا من أصل في هذا أصلا فقال ما له أصل في الفروض يصح النذر به ولا شك أن
ما سوى الاعتكاف من الصلاة والصوم وغيرهما له أصل في الفروض والاعتكاف له أصل أيضا في الفروض
وهو الوقوف بعرفة وما لا أصل له في الفروض لا يصح النذر به كعيادة المرضى وتشييع الجنازة ودخول المسجد
ونحوها وعلل بأن النذر ايجاب العبد فيعتبر بايجاب الله تعالى ولو قال لله على أن أصوم يوم النحر أو أيام التشريق
يصح نذره عند أصحابنا الثلاثة ويفطر ويقضى وقال زفر رحمه الله والشافعي لا يصح نذره لهما أنه نذر بما هو
معصية لكون الصوم في أيام التشريق منهيا عنه لقوله عليه الصلاة والسلام ألا لا تصوموا في هذه الأيام فإنها أيام
أكل وشرب والمنهى عنه يكون معصية والنذر بالمعاصي لا يصح لما بينا والدليل عليه أن الصوم في هذه الأيام لا يلزم
بالشروع ولا يضمن بالقضاء عند الافساد بأن أصبح صائما ثم أفطر (ولنا) أنه نذر بقربة مقصودة فيصح النذر
كما لو نذر بالصوم في غير هذه الأيام ودلالة الوصف النص والمعقول (أما) النص فقوله عليه الصلاة والسلام خبرا عن
الله تعالى جل شأنه الصوم لي وأنا أجزى به من غير فصل (وأما) المعقول فهو أنه سبب التقوى والشكر ومواساة
الفقراء لان الصائم في زمان الصوم يتقى الحلال فالحرام أولى ويعرف قدر نعم الله تعالى جل شأنه عليه بما تجثم من مرارة
الجوع والعطش فيحمله ذلك على الشكر وعلى الاحسان إلى الفقراء لما عرف قدر مقاساة المبتلى بالجوع والفقر
وهذه المعاني موجودة في الصوم في هذه الأيام وأنها معان مستحسنة عقلا والنهى لا يرد عما عرف حسنه عقلا لما فيه من
التناقض فيحمل على غير مجاور له صيانة لحجج الله تعالى عن التناقض عملا بالدلائل بقدر الامكان (وأما) فصل
الشروع والقضاء فممنوع عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وعند أبي حنيفة عليه الرحمة إنما يلزم بالشروع ولا
يجب القضاء بالافطار لان لزوم الاتمام في صوم التطوع لضرورة صيانة المؤادى عن الابطال لان ابطال العمل حرام
وههنا صاحب الحق وهو الله تعالى جلت عظمته رضى بابطال حقه فلا يحرم الابطال فلا يلزم الاتمام ووجوب
القضاء ضرورة لزوم الاتمام فإذا لم يلزم لا يجب ولو قال على المشي إلى بيت الله تعالى أو إلى الكعبة أو إلى مكة أو إلى بكة
فعليه حجة أو عمرة ماشيا وان شاء ركب وعليه ذبح شاة لركوبه وجملة الكلام فيه أن المكان نوعان مكان يصح الدخول
فيه بغير احرام وهو ما سوى الحرم كمسجد المدينة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ومسجد بيت المقدس وغيرهما
من سائر المساجد والأماكن ومكان لا يصح الدخول فيه بغير احرام وهو الحرم والحرم مشتمل على مكة ومكة على
المسجد الحرام والمسجد الحرام على الكعبة فالناذر إما أن يسمى في النذر الكعبة أو بيت الله أو مكة أو بكة
أو الحرم أو المسجد الحرام والافعال التي يوجبها على نفسه شبه ألفاظ المشي والخروج والسفر والركوب والذهاب
والاياب فان أوجب على نفسه شيئا من هذه الأفعال وأضافه إلى مكان يصح دخوله فيه بغير احرام لا يصح ايجابه
لأنه أوجب على نفسه التحول من مكان إلى مكان وذا ليس بقربة مقصودة ولا يصح النذر بما ليس بقربة والدليل
عليه ما روى أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله انى نذرت أن فتح لك مكة أن
أصلى مائتي ركعة في مائة مسجد فقال عليه الصلاة والسلام صلى في مسجد واحد فلم يصحح عليه الصلاة والسلام
نذرها بالصلاة في كل مسجد والنذر بخلاف اليمين فان اليمين تنعقد بهذه الألفاظ بأن يقول والله لأذهبن إلى موضع
كذا أو لأسافرن أو غيرهما من الألفاظ لان اليمين لا يقف انعقادها على كون المحلوف عليه قربة بل ينعقد على القربة
وغيرها بخلاف النذر وأن أضاف ايجاب شئ من هذه الأفعال إلى المكان الذي لا يصح الدخول فيه بغير احرام
ينظر فان أضاف ايجاب ما سوى المشي إليه لا يصح ولا يلزمه شئ لما ذكرنا أن التحول من مكان إلى مكان ليس بقربة
في نفسه وأن أضاف ايجاب المشي إليه فان ذكر سوى ما ذكرنا من الأمكنة من الكعبة وبيت الله تعالى ومكة وبكة
83

والمسجد الحرام والحرم بأن أوجب على نفسه المشي إلى الصفا والمروة ومسجد الخيف وغيرها من المساجد التي في
الحرم لا يصح نذره بلا خلاف وان ذكر الكعبة وبيت الله عز شأنه أو مكة أو بكة يصح نذره ويلزمه حجة أو عمرة
ماشيا وان شاء ركب وذبح لركوبه شاة وهذا استحسان والقياس أن لا يصح ولا يلزمه شئ (وجه) القياس ان
من شرط صحة النذر أن يكون المنذور به قربة مقصودة ولا قربة في نفس المشي وإنما القربة في الاحرام وانه ليس
بمذكور ولهذا لم يصح بسائر الألفاظ سوى لفظ المشي (وجه) الاستحسان ان هذا الكلام عندهم كناية عن التزام
الاحرام يستعملونه لالتزام الاحرام بطريق الكناية من غير أن يعقل فيه وجه الكناية بمنزلة قوله لله على أن أضرب
بثوبي حطيم الكعبة كناية عن التزام الصدقة باصطلاحهم والاحرام يكون بالحجة أو بالعمرة فيلزمه أحدهما بخلاف
سائر الألفاظ فإنها ما جرت عادتهم بالتزام الاحرام بها والمعتبر في الباب عرفهم وعادتهم ولا عرف هناك فيلزمه ذلك
ماشيا لأنه التزم المشي وفيه زيادة قربة قال النبي عليه الصلاة والسلام من حج ماشيا فله بكل خطوة حسنة من
حسنات الحرم قيل وما حسنات الحرم قال عليه الصلاة والسلام واحدة بسبعمائة فجاز التزامه بالنذر كصفة التتابع في
الصوم فيمشي حتى يطوف طواف الزيارة لان بذلك يقع الفراغ من أركان الحج الا أن له أن يركب ويذبح لركوبه شاة
لما روى أن أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما نذرت ان تحج ماشية فقال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي
سعيد الخدري ان الله تعالى غنى غن تعذيب أختك مرها فلتركب ولترق دما وما روى في بعض الروايات أن عقبة بن
عامر الجهني سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أن أختي نذرت أن تحج البيت ماشية غير مختمرة فقال عليه
الصلاة والسلام ان الله غنى عن تعذيب أختك فلتركب ولتهد شاة وفى بعضها ان أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشى
إلى بيت الله تعالى حافية حاسرة فذكر ذلك عقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام ان الله تعالى
غنى عن عناء أختك مرها فلتركب ولتهد شاة وتحرم ان شاءت بحجة وان شاءت بعمرة وروى عن سيدنا علي رضي الله عنه
أنه قال من جعل على نفسه الحج ماشيا حج وركب وذبح لركوبه شاة رواه في الأصل وإنما استوى فيه لفظ
الكعبة وبيت الله ومكة وبكة لا ن كل واحد من هذه الألفاظ يستعمل عند استعمال الآخر يقال فلان مشى إلى
بيت الله والى الكعبة والى مكة والى بكة ولا يقال مشى إلى الصفا والمروة وان ذكر المسجد الحرام أو الحرم قال أبو
حنيفة رحمه الله لا يصح نذره ولا يلزمه شئ وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يلزمه حجة أو عمرة (وجه) قولهما
أن الحرم مشتمل على البيت وعلى مكة فصار كأنه قال على المشي إلى بيت الله والى مكة ولأبي حنيفة رحمه الله أن
القياس أن لا يجب شئ بايجاب المشي المضاف إلى مكان ما لما ذكرنا أن المشي ليس بقربة مقصودة إذ هو انتقال من
مكان إلى مكان فليس في نفسه قربة ولهذا لا يجب بسائر الألفاظ الا أنا أوجبنا عليه الاحرام في لفظ المشي إلى
بيت الله أو إلى الكعبة أو إلى مكة أو إلى بكة للعرف حيث تعارفوا استعمال ذلك كناية عن التزام الاحرام ولم يتعارفوا
استعمال غيرها من الألفاظ الا ترى أنه يقال مشى إلى مكة والكعبة وبيت الله ولا يقال مشى إلى الحرم أو المسجد
الحرام كما يقال مشى إلى الصفا والمروة والكناية يتبع فيها عين اللفظ لا المعنى بخلاف المجاز فإنه يراعى فيه المعنى اللازم
المشهور في محل الحقيقة لان الكناية ثابتة بالاصطلاح كالأسماء الموضوعة فيتبع فيها العرف واستعمال اللفظ بخلاف
المجاز ولو قال على المشي إلى بيت الله وهو ينوى مسجدا من مساجد الله سوى المسجد الحرام لم يلزمه شئ لأنه نوى
ما يحتمله لفظه لان كل مسجد بيت الله تعالى فصحت نيته على أن الظاهر إن كانت إرادة الكعبة من هذا الكلام
لا غير لكن هذا أمر بينه وبين الله تعالى فيكتفى فيه باحتمال اللفظ إياه في الجملة ولو قال أنا أحرم أو أنا محرم أو أهدى
أو أمشى إلى البيت فان نوى به الايجاب يكون ايجابا لأنه يذكر ويراد به الايجاب كقولنا أشهد أن لا إله إلا الله أنه
يكون توحيدا وكقول الشاهد عند القاضي أشهد أنه يكون شهادة فقد نوى ما يحتمله لفظه وان نوى أن يعد من
نفسه عدة ولا يوجب شيئا كان عدة ولا شئ عليه لان اللفظ يحتمل العدة لأنه يستعمل في العدات وان لم يكن له نية
84

فهو على الوعد لأنه غلب استعماله فيه فعند الاطلاق يحمل عليه هذا إذا لم يعلقه بالشرط فان علقه بالشرط بأن قال إن
فعلت كذا فانا أحرم فهو على الوجوه التي بينا أنه ان نوى الايجاب يكون ايجابا وان نوى الوعد يكون وعدا لما قلنا
وان لم يكن له نية فهو على الايجاب بخلاف الفصل الأول لان العدات لا تتعلق بالشروط وان الواجبات تتعلق بها
فالمعرفة إلى الايجاب بقرينة التعليق بالشرط ولم توجد القرينة في الفصل الأول فصار الحاصل ان هذا اللفظ في غير
المعين بالشرط على الوعد الا أن ينوى به الايجاب وفى المعلق يقع على الايجاب الا أن ينوى به الوعد ولو قال لله تعالى
على أن أنحر ولدى أو أذبح ولدى يصح نذره ويلزمه الهدى وهو نحر البدنة أو ذبح الشاة والأفضل هو الإبل ثم البقر
ثم الشاة وإنما ينحر أو يذبح في أيام النحر سواء كان في الحرم أو لا وهذا استحسان وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
والقياس أن لا يصح نذره وهو قول أبى يوسف وزفر والشافعي رحمهم الله (وجه) القياس أنه نذر بما هو معصية والنذر
بالمعاصي غير صحيح ولهذا لم يصح بلفظ القتل (وجه) الاستحسان قول النبي عليه الصلاة والسلام من نذر أن
يطيع الله فليطعه وقوله عليه الصلاة والسلام من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى والمراد من الحديثين النذر بما هو
طاعة مقصودة وقربة مقصودة وقد نذر بما هو طاعة مقصودة وقربة مقصودة لأنه نذر بذبح الولد تقديرا بما هو خلف
عنه وهو ذبح الشاة فيصح النذر بذبح الولد على وجه يظهر أثر الوجوب في الشاة التي هي خلف عنه كالشيخ الفاني إذا
نذر أن يصوم رجب أنه يصح نذره وتلزمه الفدية خلفا عن الصوم ودليل ما قلنا الحديث وضرب من المعقول (أما)
الحديث فقول النبي عليه الصلاة والسلام أنا ابن الذبيحين أراد أول آبائه من العرب وهو سيدنا إسماعيل عليه الصلاة
والسلام وآخر آبائه حقيقة وهو عبد الله بن عبد المطلب سماهما عليه الصلاة والسلام ذبيحين ومعلوم انهما ما كانا
ذبيحين حقيقة فكانا ذبيحين تقديرا بطريق الخلافة لقيام الخلاف مقام الأصل (وأما) المعقول فلان المسلم إنما يقصد
بنذره التقرب إلى الله تعالى الا انه عجز عن التقرب بذبح الولد تحقيقا فلم يكن ذلك مرادا من النذر وهو قادر على ذبحه
تقديرا بذبح الخلف وهو ذبح الشاة فكان هذا نذرا بذبح الولد تقديرا بذبح ما هو خلف عنه حقيقة كالشيخ الفاني إذا
نذر بالصوم وإنما لا يصح بلفظ القتل لان التعيين بالنذر وقع للواجب على سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام
والواجب هناك بالايجاب المضاف إلى ذبح الولد بقوله تعالى عز شأنه إني أرى في المنام أنى أذبحك على أن هذا حكم ثبت
استحسانا بالشرع والشرع إنما ورد بلفظ القتل ولا يستقيم لان لفظ القتل لا يستعمل في
تفويت الحياة على سبيل القربة والذبح يستعمل في ذلك ألا ترى أنه لو نذر بقتل شاة لا يلزمه ولو نذر بذبحها لزمه ولو
نذر بنحر نفسه لم يذكر في ظاهر الروايات وذكر في نوادر هشام أنه على الاختلاف الذي ذكرنا ولو نذر بنحر ولد
ولده ذكر في شرح الآثار أنه على الاختلاف ولو نذر بنحر والديه أو جده أو جدته يصح نذره عند أبي حنيفة رحمه
الله وعند الباقين لا يصح ولو نذر بذبح عبده عند محمد رحمه الله يصح وعند الباقين لا يصح وإنما اختلف أبو حنيفة
ومحمد فيما بينهما مع اتفاقهما في الولد لاختلافهما في المعنى في الولد فالمعنى في الولد عند أبي حنيفة رحمه الله هو أنه نذر
بالتقرب إلى الله تعالى بذبح ما هو أعز الأشياء عنده وهذا المعنى يوجد في الوالدين ولا يوجد في العبد وعند محمد رحمه الله
المعنى في الولد ان النذر بذبحه تقرب إلى الله تعالى بما هو من مكاسبه والولد في معنى المملوك له شرعا قال النبي عليه الصلاة
والسلام ان أطيب ما أكل الرجل من كسبه وان ولده من كسبه فعدى الحكم إلى المملوك حقيقة وهو العبد والى النفس
وولد ولده لكونهما في معنى المملوك له ولم يعد إلى الوالدين لانعدام هذا المعنى وعلى هذا القياس ينبغي أن يصح نذر الجد
بذبح الحافد وعند محمد لا يصح وإذا أوجب على نفسه الهدى فهو بالخيار بين الأشياء الثلاثة ان شاء أهدى شاة وان
شاء بقرة وان شاء إبلا وأفضلها أعظمها لان اسم الهدى يقع على كل واحد منهم ولو أوجب على نفسه بدنة فهو بالخيار
بين شيئين الإبل والبقر والإبل أفضل لان اسم البدانة يقع على كل واحد منهما ولو أوجب جزورا فعليه الإبل
خاصة لان اسم الجزور يقع عليه خاصة ولا يجوز فيهما الا ما يجوز في الأضاحي وهو الثنى من الإبل والبقر والجذع من
85

الضأن إذا كان ضخما ولا يجوز ذبح الهدى الذي أوجب الا في الحرم لقوله تعالى ثم محلها إلى البيت العتيق ولم يرد به
نفس البيت بل البقعة التي هو فيها وهي الحرم لان الدم لا يراق في البيت والمراد من قوله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق
نفس البيت لأنه هناك ذكر الطواف بالبيت وههنا اضافه إلى البيت لذلك افترقا ولان الهدى اسم لما يهدى إلى مكان
الهدايا ومكان الهدايا هو الحرم ولا يحل له الانتفاع بها ولا بشئ منها الا في حال الضرورة فان اضطر إلى ركوبها ركبها
ويضمن ما نقص ركوبه عليها وهذه من مسائل المناسك ولو أوجب على نفسه أن يهدى مالا بعينه فإن كان مما لا
يحتمل الذبح يلزمه أن يتصدق به أو بقيمته على فقراء مكة وإن كان مما يذبح ذبحه في الجرم وتصدق بلحمه على فقراء
مكة ولو تصدق به على فقراء الكوفة جاز كذا ذكر في الأصل ولو أوجب بدنة فذبحها في الحرم وتصدق على الفقراء جاز
بالاجماع ولو ذبح في غير الحرم وتصدق باللحم على الفقراء جاز عن نذره في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وعند أبي
يوسف رحمه الله لا يجوز ولو أوجب جزورا فله أن ينحره في الحل والحرم ويتصدق بلحمه وهذه من مسائل الحج
ولو قال ما أملك هدى أو قال ما أملك صدقة يمسك بعض ماله ويمضى الباقي لأنه أضاف الهدى والصدقة إلى جميع
ما يملكه فيتناول كل جنس من جنس أمواله ويتناول القليل والكثير الا أنه يمسك بعضه لأنه لو تصدق بالكل لاحتاج
إلى أن يتصدق عليه فيتضرر بذلك وقد قال عليه الصلاة والسلام ابدأ بنفسك ثم بمن تعول فكان له أن يمسك مقدار
ما يعلم أنه يكفيه إلى أن يكتسب فإذا اكتسب مالا تصدق بمثله لأنه انتفع به مع كونه واجب الاخراج عن ملكه لجهة
الصدقة فكان عليه عوضه كمن أنفق ماله بعد وجوب الزكاة عليه ولو قال مالي صدقة فهذا على الأموال التي فيها الزكاة
من الذهب والفضة وعروض التجارة والسوائم ولا يدخل فيه ما لا زكاة فيه فلا يلزم ان يتصدق بدور السكنى وثياب
البدن والأثاث والعروض التي لا يقصد بها التجارة والعوامل وأرض الخراج لأنه لا زكاة فيها ولا فرق بين مقدار
النصاب وما دونه لأنه مال الزكاة ألا ترى أنه إذا انضم إليه غيره تجب فيه الزكاة ويعتبر فيه الجنس لا القدر ولهذا قالوا إذا
نذر أن يتصدق بماله وعليه دين محيط أنه يلزمه أن يتصدق به لأنه جنس مال تجب فيه الزكاة وان لم تكن واجبة فان
قضى دينه به لزمه التصدق بمثله لما ذكرنا فيما تقدم وهذا الذي ذكرنا استحسان والقياس أن يدخل فيه جميع الأموال
كما في فصل الملك لان المال اسم لما يتمول كما أن الملك اسم لما يملك فيتناول جميع الأموال كالملك (وجه) الاستحسان
ان النذر يعتبر بالامر لان الوجوب في الكل بايجاب الله جل شأنه وإنما وجد من العبد مباشرة السبب الدال على ايجاب
الله تعالى ثم الايجاب المضاف إلى المال من الله تعالى في الامر وهو الزكاة في قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة وقوله عز
شأنه وفى أموالهم حق معلوم ونحو ذلك تعلق بنوع دون نوع فكذا في النذر وقد قال أبو يوسف رحمه الله قياس قول
أبي حنيفة عليه الرحمة إذا حلف لا يملك مالا ولا نية له وليس له مال تجب فيه الزكاة يحنث لأن اطلاق اسم المال
لا يتناول ذلك وقال أبو يوسف ولا أحفظ عن أبي حنيفة إذا نوى بهذا النذر جميع ما يملك داره تدخل في نذره لان
اللفظ يحتمله وفيه تشديد على نفسه وقال أبو يوسف ويجب عليه أن يتصدق بما دون النصاب ولا أحفظه عن أبي
حنيفة رحمه الله والوجه ما ذكرنا وإذا كانت له ثمرة عشرية أو غلة عشرية تصدق بها في قولهم لان هذا مما يتعلق به حق
الله تعالى وهو العشر وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا تدخل الأرض في النذر وقال أبو يوسف يتصدق بها لأبي
يوسف انها من جملة الأموال النامية التي يتعلق حق الله تعالى بها فتدخل في النذر ولأبي حنيفة رضي الله عنه ان حق الله
تعالى لا يتعلق بها وإنما يتعلق بالخارج منها فلا تدخل قال بشر عن أبي يوسف إذا جعل الرجل على نفسه أن يطعم عشرة
مساكين ولم يسم فعليه ذلك فان أطعم خمسة لم يجزه لان النذر يعتبر بأصل الايجاب ومعلوم ان ما أوجبه ينبغي أن يكون
لعدد من المساكين لا يجوز دفعه إلى بعضهم الا على التفريق في الأيام فكذا النذر ولو قال لله على أن أتصدق بهذه
الدراهم على المساكين فتصدق بها على واحد أجزأه لأنه يجوز دفع الزكاة إلى مسكين واحد وإن كان المذكور فيها
جميع المساكين لقول الله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين كذلك النذر ولو قال لله على أن أطعم هذا المسكين هذا
86

الطعام بعينه فأعطى ذلك الطعام غيره أجزأه لان الصدقة المتعلقة بمال متعين لا يتعين فيها المسكين لأنه لما عين المال
صار هو المقصود فلا يعتبر تعيين الفقير والأفضل أن يعطى الذي عينه ولو قال لله على أن أطعم هذا المسكين شيئا سماه ولم
يعينه فلابد أن يعطيه الذي سماه لأنه إذا لم يعين المنذور صار تعيين الفقير مقصودا فلا يجوز أن يعطى غيره ولو قال لله على
اطعام عشرة مساكين وهو لا ينوى أن يطعم عشرة مساكين إنما نوى أن يطعم واحدا ما يكفي عشرة أجزأه لان الطعام
اسم للمقدار فكأنه أوجب مقدار ما يطعم عشرة فيجوز أن يطعم بعضهم ولو قال لله على أن أتصدق بهذه الدراهم يوم
يقدم فلان ثم قال أن كلمت فلانا فعلى أن أتصدق بهذه الدراهم فكلم فلانا وقدم فلان أجزأه ان يتصدق بتلك الدراهم
عنهما جميعا ولا يلزمه غير ذلك وكذلك الصيام إذا سمى يوما بعينه لأنه علق وجوب شئ واحد بشرطين لكل واحد
منهما بحياله فان وجد الشرطان معا وجبت بالايجابين جميعا لان اجتماع سببين على حكم واحد جائز فان وجدا على
التعاقب وجبت بالأول ولا يتعلق بالثاني حكم نظيره إذا قال لعبده ان دخل زيد هذه الدار فأنت حر ثم قال أن دخلها
عمرو فأنت حر فان دخلا معا عتق العبد بالايجابين وان دخلا على التعاقب عتق بالأول ولا يتعلق بالثاني حكم كذا هذا
ولو قال إن كلمت فلانا فعلى أن أتصدق بهذه الدراهم فكلم فلانا وجب عليه أن يتصدق بها لأنه أوجب على نفسه
التصدق بها فيجب عليه ذلك فان أعطى ذلك من كفارة يمينه أو من زكاة ماله فعليه لنذره مثل ما أعطى لأنه لما أعطى
تعين للاخراج بجهة النذر ولم يتعين للاخراج بجهة الزكاة فإذا أخرجه بحق لم يتعين فيه صار مستهلكا له فيضمن مثله كما لو
أنفقه بخلاف الفصل الأول لان مثال الواجب تعين لكل واحد عن النذرين فجاز عنهما ولو قال إن قدم فلان فلله على
أن أصوم يوم الخميس ثم صام يوم الخميس عن قضاء رمضان أو كفارة يمين أو تطوعا فقدم فلان يومئذ بعد ارتفاع النهار
فعليه يوم مكانه لقدوم فلان لأنه وجب عليه صوم ذلك اليوم عن جهة النذر لوجود شرط وجوبه وهو قدوم فلان فيه
فإذا صام عن غيره فقد منع وقوعه عن النذر فصار كأنه قدم بعد ما أكل فيلزمه صوم يوم آخر مكانه لقدوم فلان ولو كان
أراد بهذا القول اليمين لم يحنث في يمينه لوجود شرط البر وهو صوم اليوم الذي حلف على صومه وجهات الصوم لم
تتناولها اليمين ولو كان قدم فلان بعد الظهر لم يكن عليه قضاؤه لأنه لما قدم بعد الظهر لم يجب الصوم عن النذر كما لو أنشأ
النذر بعد الزوال فقال لله على أن أصوم هذا اليوم فلا يجب قضاؤه وان قدم فلان قبل الزوال في يوم قد أكل فيه فعليه
أن يقضى لان القدوم حصل في زمان يصح ابتداء النذر فيه وإنما امتنع الصوم لوجود المنافى له وهو الاكل فلا يمنع
صحة النذر كما لو أوجب ثم أكل ولو قال لله على أن أصوم الشهر الذي يقدم فيه فلان فقدم في رمضان فصامه في رمضان
أجزأ عن رمضان ولا يلزمه صوم آخر بالنذر لان شهر رمضان في حال الصحة والإقامة يتعين لصومه لا يحتمل غيره
فلم يتعلق بهذا النذر حكم ولا كفارة عليه إن كان أراد به اليمين لتحقق البر وهو الصوم واليمين انعقدت على الصوم دون
غيره وقد صام ولو قال لله على أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان شكرا لله تطوعا لقدومه ونوى به اليمين فصامه عن
كفارة يمين ثم قدم فلان ذلك اليوم عند ارتفاع النهار فعليه قضاؤه والكفارة (اما) القضاء فلانه نذر أن يصوم ذلك
اليوم للقدوم وذلك اليوم غير متعين لصوم الكفارة فإذا صام عن جهة يتعين الوقت لها لزمه القضاء (وأما) الكفارة فلانه
لم يحلف على مطلق الصوم بل على أن يصوم عن القدوم فإذا صام عن غيره لم يوجد فيحنث ولو كان في رمضان
فلا قضاء عليه وعليه الكفارة (اما) عدم وجوب القضاء فلان زمان رمضان يتعين لصوم رمضان فلا يصح ايجاب
الصوم فيه لغيره (واما) وجوب الكفارة فيه فلانه لم يصم لما حلف عليه فلم يوجد البر وان صامه ينوى الشكر على
قدوم فلان ولا ينوى رمضان بر في يمينه وأجزأه عن رمضان (اما) الجواز عن رمضان فلان صوم رمضان لا يعتبر فيه
تعيين النية لكون الزمان متعينا له فوقع عنه (وأما) بره في يمينه فلانه حلف على الصوم بجهة وقد قصد تلك الجهة الا انه
وقع عن غيره حكما من غير قصد ولو قال لله على أن أصوم هذا اليوم شهرا فإنه يصوم ذلك اليوم حتى يستكمل منه ثلاثين يوما
فإنه تعذر حمله على ظاهره إذا اليوم الواحد لا يوجب شهرا لأنه إذا مضى لا يعود ثانيا فيحمل على التزام صوم اليوم المسمى
87

بذلك اليوم الذي هو فيه من الاثنين أو الخميس كلما تجدد إلى أن يستكمل شهرا ثلاثين يوما حملا للكلام على وجه
الصحة ولو قال لله على أن أصوم هذا الشهر يوما نظر إلى ذلك الشهر أنه رجب أو شعبان أو غيره ويصير كأنه قال لله على
أن أصوم رجب أو شعبان في وقت من الأوقات إذ الشهر لا يوجد في يوم واحد فلا يمكن حمله على ظاهره وقد قصد
تصحيح نذره فيحمل على وجه يصح وهو حمل اليوم على الوقت وقد يذكر اليوم ويراد به مطلق الوقت قال الله تعالى
وتلك الأيام نداولها بين الناس وقال تعالى ومن يولهم يومئذ دبره ويقال في العرب يوما لنا ويوما علينا على إرادة مطلق
الوقت ولو قال لله على أن أصوم هذا اليوم غدا فعليه أن يصوم اليوم الذي قال فيه هذا القول إن قال ذلك قبل الزوال
وقبل أن يتناول ما ينقض صومه ويبطل قوله غدا لأنه ركب اسما على اسم لا بحرف النسق فبطل التركيب لأنه
يكون ايجاب صوم هذا اليوم غدا وهذا اليوم لا يوجد في غد فلا يكون الغد ظرفا له بطل قوله غدا وبقى قوله لله على
أن أصوم هذا اليوم فينظر في ذلك اليوم فإن كان قابلا للايجاب صح والا بطل بخلاف الفصل الأول لان اليوم قد
يعتد به عن مطلق الوقت (وأما) الغد فلا يصلح عبارة عن مطلق الوقت ولا يعبر به الا عن عين الغد ولو قال لله على أن
أصوم غدا اليوم فعليه أن يصوم غدا وقوله اليوم حشو من كلامه لأنه أوجب على نفسه صوم الغد وذلك صحيح
ولم يصح قوله اليوم لأنه ركبه على الغد لا بحرف النسق فبطل لان صوم غد لا يتصور وجوده في اليوم فلغى قوله اليوم
وبقى قوله لله على أن أصوم غدا ولو قال لله على صوم أمس غدا لم يلزمه شئ لان أمس لا يمكن أن يصام فيه لأنه
لا يعود ثانيا فبطل الالتزام فيه فلا يلزمه بقوله غدا لأنه لم يوجب صوم غد وإنما جعل الغد ظرفا للأمس وانه لا يصلح
ظرفا له فلغت تسمية الغد أيضا والأصل في هذا النوع ان اللفظ الثاني يبطل في الأحوال كلها لما ذكرنا وإذا بطل
هذا ينظر إلى اللفظ الأول فان صلح صح النذر به والا بطل ولو قال لله على صوم كذا كذا يوما ولا نية له فعليه صوم أحد
عشر يوم لأنه جمع بين عددين مفردين مجملين لا بحرف النسق فانصرف إلى أقل عددين مفردين يجمع بينهما
لا بحرف النسق وذلك أحد عشر لان الأقل متيقن به والزيادة مشكوك فيها وان نوى شيئا فهو على ما نوى يوما كان
أو أكثر لان حمل هذه اللفظ على التكرار جائز في اللغة يقال صوم يوم يوم ويراد به تكرار يوم وإذا جاز هذا فقد نوى
ما يحتمله كلامه فعلمت نيته ولو قال لله على صوم كذا وكذا يوما فعليه صوم أحد وعشرين يوما أن لم يكن له نية لأنه
جمع بين عددين مفردين على الاكمال بحرف النسق فحمل على أقل ذلك وأقله أحد وعشرون يوما وإن كانت له نية
فهو على ما نوى واحدا أو أكثر لان هذا مما يحتمل التكرار يقال صوم يوم يوم ويراد به تكرار يوم واحد ولو قال
لله على صوم بضعة عشر يوم ولا نية له كان عليه صوم ثلاثة عشر يوما لان البضع عند العرب عبارة عن ثلاثة
فما فوقها إلى تمام العقد وهو عشرة وعشرون وثلاثون وأربعون ونحو ذلك فإذا لم يكن له نية صرف إلى أقله وذلك
ثلاثة عشر إذ الأقل متيقن ولو قال لله على صوم سنين فهو على ثلاث سنين لان الثلاث مستحقة هذا الاسم بيقين
ولو قال السنين فهو على عشر سنين في قول أبي حنيفة رضي الله عنه وعندهما على الأبد ولو قال على صوم الشهور فهو
على عشرة أشهر عند أبي حنيفة رحمه الله إذا لم يكن له نية وعندهما على اثنى عشر شهرا ولو قال صوم شهور فهو على
ثلاثة أشهر بلا خلاف وكذا هذا في الأيام وأياما منكرا ومعرفا وعندهما المعرف يقع على الأيام السبعة وقد ذكرناه في
كتاب الايمان ولو قال لله على صوم جمع هذا الشهر فعليه صوم كل يوم جمعة في ذلك الشهر إذا لم يكن له نية لان هذا
اللفظ يراد به في ظاهر العادة عين يوم الجمعة ولو قال لله على صوم أيام الجمعة فعليه صوم سبعة أيام لان أيام الجمعة سبعة
في تعارف الناس ولو قال لله على صوم جمعة فإن كانت له نية فهو على ما نوى ان نوى عين يوم الجمعة أو نوى أيامها لان
ظاهر لفظه يحتمل كلاهما وان لم يكن له نية فهو على أيامها لأنه يراد به في أغلب العادات أيامها والله عز شأنه أعلم ولو
نذر بقربة مقصودة من صلاة أو صوم فقال رجل آخر على مثل ذلك يلزمه وكذا إذا قال على المشي إلى بيت الله
عز شأنه وكل مملوك لي حر وكل امرأة لي طالق إذا دخلت الدار فقال رجل آخر على مثل ذلك ان دخلت الدار ثم
88

دخل الثاني الدار فاته يلزمه المشي ولا يلزمه العتاق والطلاق ثم قال الا ترى أنه لو قال على طلاق امرأتي فان الطلاق
لا يقع عليها وهذا يدل على أن من قال الطلاق على واجب انه لا يقع طلاقه قال القدوري رحمه الله وكان أصحابنا
بالعراق يقولون فيمن قال الطلاق لي لازم يقع الطلاق لعرف الناس أنهم يريدون به الطلاق وكان محمد بن سلمة يقول إن
الطلاق يقع بكل حال وحكى الفقيه أبو جعفر الهندواني عن علي بن أحمد بن نصير بن يحيى عن محمد بن مقاتل
رحمهم الله أنه قال المسألة على الخلاف قال أبو حنيفة عليه الرحمة إذا قال الطلاق لي لازم أو على واجب لم يقع وقال
محمد يقع في قوله لازم ولا يقع في قوله واجب وحكى ابن سماعة في نوادره عن أبي يوسف في رجل قال ألزمت نفسي
طلاق امرأتي هذه أو الزمت نفسي عتق عبدي هذا قال إن نوى به الطلاق والعتاق فهو واقع والا لم يلزمه وكذلك
لو قال ألزمت نفسي طلاق امرأتي هذه أن دخلت الدار أو عتق عبدي هذا فدخل الدار وقع الطلاق والعتاق ان نوى
ذلك وان لم ينو فليس بشئ جعله بمنزلة كنايات الطلاق وجه قول محمد عليه الرحمة ان الوقوع للعادة والعادة في
اللزوم لأنهم يذكرونه على إرادة الايقاع ولا عادة في الايجاب فلا يقع به شئ ولأبي يوسف رحمه الله ان الظاهر
الالزام والايجاب للنذر ويحتمل أن يراد به التزام حكم الطلاق الواقع فيقف على النية كسائر كنايات الطلاق ولأبي
حنيفة رحمه الله ان الطلاق لا يحتمل الايجاب والالزام لأنه ليس بقربة فبطل وروى ابن سماعة عن أبي يوسف
إذا قال رجل امرأة زيد طالق ثلاثا ورقيقه أحرار وعليه المشي إلى بيت الله جل شأنه ان دخل هذه الدار فقال زيد
نعم كان كأنه قد حلف بذلك كله لان نعم جواب لا يستقل بنفسه فيتضمن اضمار ما خرج جوابا له كما في قوله عز شأنه
فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم تقديره نعم وجدنا ما وعدنا ربنا حقا وكالشهود إذا قرأوا على المشهود عليه كتاب
الوثيقة فقالوا نشهد عليك بما فيه فقال نعم ان لهم أن يشهدوا لان تقديره نعم اشهدوا على بما في الكتاب ولو لم يكن
قال نعم ولكنه قال أجزت ذلك فهذا لم يحلف على شئ لان قوله أجزت ليس بايجاب والتزام فلا يلزمه شئ فان قال
قد أجزت ذلك على أن دخلت الدار أو قال ألزمت نفسي ذلك ان دخلت الدار كان لازما له لأنه التزم ما قاله فلزمه
ولو أن رجلا قال امرأة زيد طالق فقال زيد قد أجزت لزمه الطلاق وكذلك لو قال قد رضيت ما قال أو ألزمته
نفسي لان هذا ليس بيمين بل هو ايقاع فيقف على الإجازة فأما اليمين فيحتاج إلى الالتزام ليجوز على الحالف وينفذ
عليه فلا بد من لفظا الالتزام ولو أن رجلا قال إن بعت هذا المملوك من زيد فهو حر فقال زيد قد أجزت ذلك أو رضيت
ذلك ثم اشتراه لم يعتق لان الحالف أعتق عبده بشرط فوجد الشرط في غير ملكه فلم يحنث ولا يتعلق بالإجازة حكم
لان البائع لم يوقت اليمين وإنما حلف في ملك نفسه ولو كان البائع قال إن اشترى زيد هذا العبد فهو حر فقال نعم ثم
اشتراه عتق عليه لان البائع لم يعقد اليمين في ملك نفسه وإنما أضافها إلى ملك المشتري فصار عاقد اليمين موقوفة وقد
أجازها من وقفت عليه فتعلق الحكم بها وقال ابن سماعة عن أبي يوسف لو أن رجلا طلق امرأته فقال آخر على مثل ذلك
فان هذا لا يلزم الثاني وكذلك لو قال على مثل هذا الطلاق لان قوله على مثل ذلك ايجاب الطلاق على نفسه والطلاق
لا يحتمل الايجاب ولو حلف رجل بطلاق امرأته لا يدخل هذه الدار فقال آخر على مثل ذلك ان دخلتها فان دخلها
الثاني لم يلزمه طلاق امرأته لأنه أوجب على نفسه الطلاق ان دخل الدار والطلاق لا يحتمل الايجاب والالزام لأنه
ليس بقربة فان أراد بهذا الايجاب اليمين فليست بطلاق حتى تطلق فإن لم يفعل حتى مات أحدهما حنث لان النذر إذا
أريد به اليمين صار كأنه قال لا طلقتها ولو قال ذلك لا يحنث حتى يموت أحدهما كذا هذا ولو قال عبدي هذا حر ان
دخلت هذه الدار فقال آخر على مثل ذلك أن دخلت هذه الدار فدخل الثاني لم يعتق عبده لأنه أوجب على نفسه
بدخول الدار عتقا غير معين فكان له أن يخرج منه بشراء عبد يعتقه فلا يتعلق العتق بعبيده الموجودين لا محالة وإذا لم
يتعلق بهم لا يلزمه عتق في ذمته لأنه لو لزمه لم يكن ذلك مثل ما فعله الحالف ولو أن رجلا قال لله على نسمة ان دخلت
هذه الدار فقال آخر على مثل ذلك أن دخلت فهذا لازم للأول ولازم للثاني أيهما دخل لزمه نسمة لان الأول أوجب
89

عتقا في ذمته وذلك مما يجب بالنذر وإذا أوجب آخر مثله وجب عليه بخلاف الفصل الأول لان ثمة ما أوجب العتق
بل علق فلا يكون على الثاني ايجاب لأنه ليس بمثل ولو قال كل مالي هدى وقال آخر وعلى مثل ذلك فعليه أن يهدى
جميع ماله سواء كان أقل من مال الأول أو أكثر الا أن يعنى مثل قدره فيلزمه مثل ذلك إن كان مال الثاني أكثر
وإن كان مال الثاني أقل يلزمه في ذمته تمام مال الأول لان مطلق الايجاب يضاف إلى هدى جميع ماله كما أوجب
الأول فإذا أراد القدر فقد نوى ما يحتمله الكلام فيحمل عليه فان قال رجل كل مال أملك إلى سنة فهو هدى فقال آخر
على مثل ذلك لم يلزمه شئ لان الثاني لم يضف الهدى إلى الملك فلا تثبت الإضافة بالاضمار والله عز شأنه أعلم (ومنها)
أن يكون المنذور به إذا كان مالا مملوك الناذر وقت النذر أو كان النذر مضافا إلى الملك أو إلى سبب الملك حتى لو نذر
بهدى ما لا يملكه أو بصدقة ما لا يملكه للحال لا يصح لقوله عليه الصلاة والسلام لا نذر فيما لا يملكه ابن آدم الا إذا
أضاف إلى الملك أو إلى سبب الملك بأن قال كل مال أملكه فيما استقبل فهو هدى أو قال فهو صدقة أو قال كلما اشتريته
أو أرثه فيصح عند أصحابنا خلافا للشافعي رحمه الله والصحيح قولنا لقوله عز وجل ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من
فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين إلى قوله تعالى فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما
كانوا يكذبون دلت الآية الشريفة على صحة النذر المضاف لان الناذر بنذره عاهد الله تعالى الوفاء بنذره وقد لزمه
الوفاء بما عهد والمؤاخذة على ترك الوفاء به ولا يكون ذلك الا في النذر الصحيح (ومنها) أن لا يكون مفروضا
ولا واجبا فلا يصح النذر بشئ من الفرائض سواء كان عينا كالصلوات الخمس وصوم رمضان أو فرض كفاية
كالجهاد وصلاة الجنازة ولا بشئ من الواجبات سواء كان عينا كالوتر وصدقة الفطر والعمرة والأضحية أو على
سبيل الكفاية كتجهيز الموتى وغسلهم ورد السلام ونحو ذلك لان ايجاب الواجب لا يتصور (وأما) الذي يرجع
إلى نفس الركن فخلوه عن الاستثناء فان دخله أبطله.
(فصل) (وأما) حكم النذر فالكلام فيه في مواضع الأول في بيان أصل الحكم والثاني في بيان وقت ثبوته والثالث
في بيان كيفية ثبوته أما أصل الحكم فالناذر لا يخلو من أن يكون نذر وسمى أو نذر ولم يسم فان نذر وسمى فحكمه
وجوب الوفاء بما سمى بالكتاب العزيز والسنة والاجماع والمعقول (أما) الكتاب الكريم فقوله عز شأنه وليوفوا
نذورهم وقوله تعالى وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا وقوله سبحانه وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم والنذر نوع عهد من
الناذر مع الله جل وعلا فيلزمه الوفاء بما عهد وقوله جلت عظمته وأوفوا بالعقود أي العهود وقوله عز شأنه ومنهم من عاهد
الله لئن آتانا من فضله لنصدقن إلى قوله تعالى بما أخلفوا الله ما وعدوه ألزم الوفاء بعهده حيث أوعد على ترك الوفاء
(وأما) السنة فقول النبي عليه الصلاة والسلام من نذر أن يطيع الله تعالى فليطعه وقوله عليه الصلاة والسلام من نذر
وسمى فعليه الوفاء بما سمى وعلى كلمة ايجاب وقوله عليه الصلاة والسلام المسلمون عند شروطهم والناذر شرط الوفاء
بما نذر فيلزمه مراعاة شرطه وعليه اجماع الأمة (وأما) المعقول فهو أن المسلم يحتاج إلى أن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى
بنوع من القرب المقصودة التي له رخصة تركها لما يتعلق به من المعاقبة الحميدة وهي نيل الدرجات العلى والسعادة العظمى
في دار الكرامة وطبعه لا يطاوعه على تحصيله بل يمنعه عنه لما فيه من المضرة الحاضرة وهي المشقة ولا ضرورة في الترك
فيحتاج إلى اكتساب سبب يخرجه عن رخصة الترك ويلحقه بالفرائض الموظفة وذلك يحصل بالنذر لان الوجوب
يحمله على التحصيل خوفا من مضرة الترك فيحصل مقصوده فثبت ان حكم النذر الذي فيه تسمية هو وجوب
الوفاء بما سمى وسواء كان النذر مطلقا أو مقيدا معلقا بشرط بأن قال أن فعلت كذا فعلى لله حج أو عمرة أو صوم أو
صلاة أوما أشبه ذلك من الطاعات حتى لو فعل ذلك يلزمه الذي جعله على نفسه ولم يجز عنه كفارة وهذا قول أصحابنا
رضي الله عنهم وقال الشافعي رحمه الله أن علقه بشرط يريد كونه لا يخرج عنه بالكفارة كما إذا قال إن شفى الله
مريضي أو إن قدم غائبي فعلى كذا وان علقه بشرط لا يريد كونه بأن قال إن كلمت فلانا أو قال إن دخلت الدار فلله على
90

كذا يخرج عنه بالكفارة وهو بالخيار ان شاء وفى بالنذر وان شاء كفر وأصحاب الشافعي رحمه الله يسمون هذا
يمين الغصب وروى عامر عن علي بن معبد عن محمد رحمهم الله أنه رجع عن ذلك وقال يجزى فيه كفارة اليمين وروى
عبد الله بن المبارك وغيره عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يجزيه كفارة اليمين وروى أن أبا حنيفة عليه الرحمة رجع إلى
الكفارة في آخر عمره فإنه روى عن عبد العزيز بن خالد أنه قال قرأت على أبي حنيفة رحمه الله كتاب الايمان فلما
انتهيت إلى هذه المسألة قال قف فان من رأيي أن أرجع إلى الكفارة قال فخرجت حاجا فلما رجعت وجدت
أبا حنيفة عليه الرحمة قد مات فأخبرني الوليد بن أبان أن أبا حنيفة رجع عن الكفارة والمسألة مختلفة بين الصحابة
رضي الله عنهم روى عن علي و عبد الله بن عباس رضي الله عنهم ان عليه الوفاء بما سمى وعن سيدنا عمر وعبد الله بن
سيدنا عمر وسيدتنا عائشة وسيدتنا حفصة رضي الله عنهم ان عليه الكفارة احتج من قال بوجوب الكفارة
بقوله جلت عظمته ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان وقوله جل شأنه ذلك كفارة أيمانكم وهذا يمين لان اليمين بغير
الله تعالى جل شأنه شرط وجزاء وهذا كذلك وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال النذر يمين وكفارته
كفارة اليمين وهذا نص ولان هذا في معنى اليمين بالله تعالى جل شأنه لا المقصد من اليمين بالله تعالى الامتناع من
المخلوف عليه أو تحصيله خوفا من لزوم الحنث وهذا موجود ههنا لأنه ان قال إن فعلت كذا فعلى حجة فقد قصد الامتناع
من تحصيل الشرط وان قال إن لم أفعل كذا فعلى حجة فقد قصد تحصيل الشرط وكل ذلك خوفا من الحنث فكان
في معنى اليمين بالله تعالى فتلزمه الكفارة عند الحنث (ولنا) قوله جل شأنه ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله
الآية وغيرها من نصوص الكتاب العزيز والسنة المقتضية لوجوب الوفاء بالنذر عاما مطلقا من غير فصل بين
المطلق والمعلق بالشرط والوفاء بالنذر هو فعل ما تناوله النذر لا الكفارة ولان الأصل اعتبار التصرف على الوجه
الذي أوقعه المتصرف تنجيزا كان أو تعليقا بشرط والمتصرف أوقعه نذرا عليه عند وجود الشرط وهو ايجاب
الطاعة المذكورة لا ايجاب الكفارة واحتج أبو يوسف رحمه الله في ذلك وقال القول بوجوب الكفارة يؤدى
إلى وجوب القليل بايجاب الكثير ووجوب الكثير بايجاب القليل لأنه لو قال إن فعلت كذا فعلى صوم سنة أو
اطعام ألف مسكين لزمه صوم ثلاثة أيام أو اطعام عشرة مساكين ولو قال أن فعلت كذا فعلى صوم يوم أن اطعام مسكين
لزمه اطعام عشرة مساكين أو صوم ثلاثة ولا حجة لهم بالآية الكريمة لان المراد بها اليمين بالله عز شأنه لان الله تعالى
أثبت باليمين المعقودة ما نفاه بيمين اللغو بقوله تعالى جلت كبرياؤه لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم
بما عقدتم الايمان والمراد من النفي اليمين بالله تعالى كذا في الاثبات والحديث محمول على النذر المبهم توفيقا بين الدلائل
صيانة لها عن التناقض وأما قولهم إن هذا في معنى اليمين بالله تعالى ممنوع بأن النذر المعلق بالشرط صريح في الايجاب عند
وجود الشرط واليمين بالله تعالى ليس بصحيح في الايجاب وكذا الكفارة في اليمين بالله تعالى تجب جبرا لهتك حرمة اسم
الله عز اسمه الحاصل بالحنث وليس في الحنث ههنا هتك حرمة اسم الله تعالى وإنما فيه ايجاب الطاعة فلم يكن في معنى
اليمين بالله تعالى ثم الوفاء بالمنذور به نفسه حقيقة إنما يجب عند الامكان فاما عند التعذر فإنما يجب الوفاء به تقديرا بخلفه
لان الخلف يقوم مقام الأصل كأنه هو كالتراب حال عدم الماء والأشهر حال عدم الأقراء حتى لو نذر الشيخ الفاني
بالصوم يصح نذره وتلزمه الفدية لأنه عاجز عن الوفاء بالصوم حقيقة فيلزمه الوفاء به تقديرا بخلفه ويصير كأنه صام وعلى
هذا يخرج أيضا النذر بذبح الولد أنه يصح عند أبي حنيفة عليه الرحمة ومحمد رحمه الله ويجب ذبح الشاة لأنه ان عجز عن
تحقيق القربة بذبح الولد حقيقة لم يعجز عن تحقيقها بذبحه تقديرا بذبح خلفه وهو الشاة كما في الشيخ الفاني إذا نذر
بالصوم (وأما) وجوب الكفارة عند فوات المنذور به إذا كان معينا بأن نذر صوم شهر بعينه ثم أفطر فهل هو من
حكم النذر فجملة الكلام فيه أن الناذر لا يخلو اما ان قال ذلك ونوى النذر ولم يخطر بباله اليمين أو نوى النذر ونوى
أن لا يكون يمينا أو لم يخطر بباله شئ لا النذر ولا اليمين أو نوى اليمين ولم يخطر بباله النذر أو نوى اليمين ونوى أن لا يكون
91

نذرا أو نوى النذر واليمين جميعا فإن لم يخطر بباله شئ لا النذر ولا اليمين أو نوى النذر ولم يخطر يباله اليمين أو نوى النذر
ونوى أن لا يكون يمينا يكون نذرا بالاجماع وان نوى اليمين ونوى أن لا يكون نذرا يكون يمينا ولا يكون نذرا
بالاتفاق وان نوى اليمين ولم يخطر بباله النذر أو نوى النذر واليمين جميعا كان نذرا ويمينا في قول أبي حنيفة ومحمد
وعند أبي يوسف يكون يمينا ولا يكون نذرا والأصل عند أبي يوسف لا يتصور أن يكون الكلام الواحد نذرا
ويمينا بل إذا بقي نذرا لا يكون يمينا وإذا صار يمينا لم يبق نذرا وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يجوز أن يكون الكلام
الواحد نذر أو يمينا (وجه) قول أبى يوسف ان الصيغة للنذر حقيقة وتحتمل اليمين مجازا لمناسبة بينهما بكون كل
واحد منهما سببا لوجوب الكف عن فعل أو الاقدام عليه فإذا بقيت الحقيقة معتبرة لم يثبت المجاز وإذا انقلب مجازا لم
تبق الحقيقة لان الكلام الواحد لا يشتمل على الحقيقة والمجاز لما بينهما من التنافي إذ الحقيقة من الأسامي ما تقرر في
المحل الذي وضع له والمجاز ما جاوز محل وضعه وانتقل عنه إلى غيره لضرب مناسبة بينهما ولا يتصور أن يكون الشئ
الواحد في زمان واحد متقررا في محله ومنتقلا عنه إلى غيره (ولهما) أن النذر فيه معنى اليمين لان النذر وضع لايجاب
الفعل مقصودا تعظيما لله تعالى وفى اليمين وجوب الفعل المحلوف عليه الا أن اليمين ما وضعت لذلك بل لتحقيق الوعد
والوعيد ووجوب الفعل لضرورة تحقق الوعد والوعيد لا أنه يثبت مقصودا باليمين لأنها ما وضعت لذلك وإذا كان
وجوب الفعل فيها لغيره لم يكن الفعل واجبا في نفسه ولهذا تنعقد اليمين في الافعال كلها واجبة كانت أو محظورة أو
مباحة ولا ينعقد النذر الا فيما لله تعالى من جنسه ايجاب ولهذا لم يصح اقتداء الناذر بالناذر لتغاير الواجبين لان صلاة
كل واحد منهما وجبت بنذره فتتغاير الواجبات ولم يصح الاقتداء ويصح اقتداء الحالف بالحالف لان المحلوف
عليه إذا لم يكن واجبا في نفسه كان في نفسه نفلا كان اقتدى المتنفل بالمتنفل فصح وإذا ثبت أن المنذور واجب في نفسه
والمحلوف واجب لغيره فلا شك ان ما كان واجبا في حق نفسه كان في حق غيره واجبا فكان معنى اليمين وهو
الوجوب لغيره موجود في النذر فكان كل نذر فيه معنى اليمين الا أنه لا يعتبر لوقوع النسبة بوجوبه في حق نفسه عن
وجوبه في حق غيره فإذا نواه فقد اعتبره فصار نذرا ويمينا وبه تبين أن ليس هذا من باب الجمع بين الحقيقة والمجاز في
لفظ واحد لان المجاز ما جاوز محل الحقيقة إلى غيره لنوع مناسبة بينهما وهذا ليس من هذا القبيل بل هو من
جعل ما ليس بمعتبر في محل الحقيقة مع وجوده وتقرره معتبرا بالنسبة فلم يكن من باب المجاز والدليل على أنه يجوز
اشتمال لفظ واحد على معنيين مختلفين كالكتابة والاعتاق على مال ان كل واحد منهما يشتمل على معنى اليمين ومعنى
المعاوضة على ما ذكرنا في كتاب العتاق والمكاتب (وأما) النذر الذي لا تسمية فيه فحكمه وجوب ما نوى إن كان الناذر
نوى شيئا سواء كان مطلقا عن شرط أو معلقا بشرط بأن قال لله على نذر أو قال إن فعلت كذا فلله على نذر فان نوى
صوما أو صلاة أو حجا أو عمرة لزمه الوفاء به في المطلق للحال وفى المعلق بالشرط عند وجود الشرط ولا تجزيه الكفارة في
قول أصحابنا على ما بينا وان لم تكن له نية فعليه كفارة اليمين غير أنه إن كان مطلقا يحنث للحال وإن كان معلقا بشرط يحنث
عند الشرط لقوله عليه الصلاة والسلام النذر يمين وكفارته كفارة اليمين والمراد منه النذر المبهم الذي لا نية للناذر فيه
وسواء كان الشرط الذي علق به هذا النذر مباحا أو معصية بأن قال إن صمت أو صليت فلله على نذر ويجب عليه أن
يحنث نفسه ويكفر عن يمينه لقوله عليه الصلاة والسلام من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو
خير وليكفر عن يمينه ولو نوى في النذر المبهم صياما ولم ينو عددا فعليه صيام ثلاثة أيام في المطلق للحال وفى المعلق إذا وجد
الشرط وان نوى طعاما ولم ينو عددا فعليه طعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة لأنه لو لم يكن له نية
لكان عليه كفارة اليمين لما ذكرنا ان النذر المبهم يمين وان كفارته كفارة يمين بالنص فلما نوى به الصيام انصرف إلى
صيام الكفارة وهو صيام ثلاثة أيام وانصرف الاطعام إلى طعام الكفارة وهو اطعام عشرة مساكين ولو قال لله على
صدقة فعليه نصف صاع ولو قال لله على صوم فعليه صوم يوم ولو قال لله على صلاة فعليه ركعتان لان ذلك أدنى ما ورد
92

الامر به والنذر يعتبر بالامر فإذا لم ينو شيئا ينصرف إلى أدنى ما ورد به الامر في الشرع (وأما) وقت ثبوت هذا الحكم
فالنذر لا يخلو اما أن يكون مطلقا وأما أن يكون معلقا بشرط أو مقيدا بمكان أو مضافا إلى وقت والمنذور لا يخلو اما إن كان
قربة بدنية كالصوم والصلاة واما إن كان مالية كالصدقة فإن كان النذر مطلقا عن الشرط والمكان والزمان فوقت
ثبوت حكمه وهو وجوب المنذور به هو وقت وجود النذر فيجب عليه في الحال مطلقا عن الشرط والمكان والزمان
لان سبب الوجوب وجد مطلقا فيثبت الوجوب مطلقا وإن كان معلقا بشرط نحو أن يقول إن شفى الله مريضي أو ان
قدم فلان الغائب فلله على أن أصوم شهرا أو أصلى ركعتين أو أتصدق بدرهم ونحو ذلك فوقته وقت الشرط فما لم يوجد
الشرط لا يجب بالاجماع ولو فعل ذلك قبل وجود الشرط يكون نفلا لان المعلق بالشرط عدم قبل وجود الشرط وهذا
لان تعليق النذر بالشرط هو اثبات النذر بعد وجود الشرط كتعليق الحرية بالشرط اثبات الحرية بعد وجود الشرط فلا
يجب قبل وجود الشرط لانعدام السبب قبله وهو النذر فلا يجوز تقديمه على الشرط لأنه يكون أداء قبل الوجوب وقبل
وجود سبب الوجوب فلا يجوز كما لا يجوز التكفير قبل الحنث لأنه شرط أن يؤديه بعد وجود الشرط فيلزمه مراعاة
شرطه لقوله عليه الصلاة والسلام المسلمون عند شروطهم وإن كان مقيدا بمكان بان قال لله على أن أصلى ركعتين في
موضع كذا أو أتصدق على فقراء بلد كذا يجوز أداؤه في غير ذلك المكان عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله وعند زفر رحمه الله
لا يجوز الا في المكان المشروط (وجه) قوله أن أوجب على نفسه الأداء في مكان مخصوص فإذا أدى في غيره لم يكن
مؤديا ما عليه فلا يخرج عن عهدة الواجب ولان ايجاب العبد يعتبر بايجاب الله تعالى وما أوجبه الله تعالى مقيدا
بمكان لا يجوز أداؤه في غيره كالنحر في الحرم والوقوف بعرفة والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة كذا ما أوجبه
العبد (ولنا) ان المقصود والمبتغى من النذر هو التقرب إلى الله عز وجل فلا يدخل تحت نذره الا ما هو قربة وليس في عين
المكان وإنما هو محل أداء القربة فيه فلم يكن بنفسه قربة فلا يدخل المكان تحت نذره فلا يتقيد به فكان ذكره
والسكوت عنه بمنزلة وإن كان مضافا إلى وقت بان قال لله على أن أصوم رجب أو أصلى ركعتين يوم كذا أو أتصدق
بدرهم في يوم كذا فوقت الوجوب في الصدقة هو وقت وجود النذر في قولهم جميعا حتى يجوز تقديمها على الوقت بلا
خلاف بين أصحابنا واختلف في الصوم والصلاة قال أبو يوسف وقت الوجوب فيهما وقت وجود النذر وعند محمد
عليه الرحمة وقت مجئ الوقت حتى يجوز تقديمه على الوقت في قول أبى يوسف ولا يجوز في قول محمد رحمه الله (وجه)
قول محمد ان النذر ايجاب ما شرع في الوقت نفلا ألا ترى ان النذر بما ليس بمشروع نفلا وفى وقت لا يتصور كصوم
الليل وغيره لا يصح والناذر أوجب على نفسه الصوم في وقت مخصوص فلا يجب عليه قبل مجيئه بخلاف الصدقة
لأنها عبادة مالية لا تعلق لها بالوقت بل بالمال فكان ذكر الوقت فيه لغوا بخلاف العبادة البدنية (وجه) قول أبى يوسف
ان الوجوب ثابت قبل الوقت المضاف إليه النذر فكان الأداء قبل الوقت المذكور أداء بعد الوجوب فيجوز والدليل
على تحقق الوجوب قبل الوقت المعين وجهان أحدهما ان العبادات واجبة على الدوام بشرط الامكان وانتفاء
الحرج بالنصوص والمعقول (أما) النصوص فقوله عز شأنه يا أيها الناس اعبدوا ربكم وافعلوا الخير وقوله تعالى اعبدوا
الله ولا تشركوا به شيئا ونحو ذلك (وأما) المعقول فهو ان العبادة ليست الا خدمة المولى وخدمة المولى على العبد مستحقة
والتبرع من العبد على المولى محال والعبودية دائمة فكان وجوب العبادة عليه دائما ولان العبادات وجبت شكرا
للنعمة والنعمة دائمة فيجب أن يكون شكرها دائما حسب دوام النعمة الا ان الشرع رخص للعبد تركها في بعض
الأوقات فإذا نذر فقد اختار العزيمة وترك الرخصة فيعود حكم العزيمة كالمسافر إذا اختار صوم رمضان فصام سقط
عنه الفرض لان الواجب عليه هو الصوم الا أنه رخص له تركه لعذر السفر فإذا صام فقد اختار العزيمة وترك الرخصة
فعاد حكم العزيمة لهذا المعنى كان الشروع في نقل العبادة اللزوم في الحقيقة بما ذكرنا من الدلائل بالشروع الا أنه لما
شرع فقد اختار العزيمة وترك الرخص فعاد حكم العزيمة كذا في النذر والثاني أنه وجه سبب الوجوب للحال وهو
93

النذر وإنما الأجل ترفيه يترفه به في التأخير فإذا عجل فقد أحسن في اسقاط الأجل فيجوز كما في الإقامة في حق المسافر
لصوم رمضان وهذا لان الصيغة صيغة ايجاب أعني قوله لله على أن أصوم والأصل في كل لفظ موجود في زمان
اعتباره فيه فيما يقتضيه في وضع اللغة ولا يجوز ابطاله ولا تغييره إلى غير ما وضع له الا بدليل قاطع أو ضرورة داعية
ومعلوم أنه لا ضرورة إلى ابطال هذه الصيغة ولا إلى تغييرها ولا دليل سوى ذكر الوقت وانه محتمل قد يذكر
للوجوب فيه كما في باب الصلاة وقد يذكر لصحة الأداء كما في الحج والأضحية وقد يذكر للترفيه والتوسعة كما في
وقت الإقامة للمسافر والحول في باب الزكاة فكان ذكر الوقت في نفسه محتملا فلا يجوز ابطال صيغة الايجاب
الموجودة للحال مع الاحتمال فبقيت الصيغة موجبة وذكر الوقت للترفيه والتوسعة كيلا يؤدى إلى ابطال الثابت بيقين
إلى أمر محتمل وبه تبين ان هذا ليس بايجاب صوم رجب عينا بل هو ايجاب صوم مقدر بالشهر أي شهر كان فكان
ذكر رجب لتقرير الواجب لا للتعيين فأي شهر اتصل الأداء به تعين ذلك الشهر للوجوب فيه وان لم يتصل به الأداء
إلى رجب تعين رجب لوجود الأداء فيه فكان تعيين كل شهر قبل رجب باتصال الأداء به وتعيين رجب بمجيئة قبل
اتصال الأداء بشهر قبله كما في باب الصلاة انها تجب في جزء من الوقت غير عين وإنما يتعين الوجوب بالشروع ان شرع
فيها وان لم يشرع إلى آخر الوقت تعين آخر الوقت للوجوب وهو الصحيح من الأقاويل على ما عرف في أصول
الفقه وكما في النذر المطلق عن الوقت وسائر الواجبات المطلقة عن الوقت من قضاء رمضان والكفارة وغيرهما انها
تجب في مطلق الوقت في غير عين وإنما يتعين الوجوب اما باتصال الأداء به واما بآخر العمر إذا صار إلى حال لو لم يؤد لفات
بالموت (وأما) كيفية ثبوته فالنذر لا يخلو اما أن أضيف إلى وقت مبهم واما أن أضيف إلى وقت معين فأن أضيف
إلى وقت مبهم بان قال لله على أن أصوم شهرا ولا نية له فحكمه هو حكم الامر المطلق عن الوقت واختلف أهل الأصول
في ذلك ان حكمه وجوب الفعل على الفور أم على التراخي حكى الكرخي رحمه الله عن أصحابنا أنه على الفور وروى ابن
شجاع البلخي عن أصحابنا أنه يجب وجوبا موسعا فظهر الاختلاف بين أصحابنا في الحج فعند أبي يوسف يجب
على الفور وعند محمد على التراخي وروى عن أبي حنيفة عليه الرحمة مثل قول أبى يوسف وقال عامة مشايخنا بما وراء
النهر انه على التراخي وتفسير الواجب على التراخي عندهم انه يجب في جزء من عمره غير عين واليه خيار التعيين ففي أي
وقت شرع فيه تعين ذلك الوقت للوجوب وان لم يشرع يتضيق الوجوب في آخر عمره إذا بقي من آخر عمره قدر ما
يمكنه الأداء فيه بغالب ظنه حتى لو مات قبل الأداء يأثم بتركه وهو الصحيح لان الامر بالفعل مطلق عن الوقت فلا
يجوز تقييده الا بدليل فكذلك النذر لان النصوص المقتضية لوجوب الوفاء بالنذر مطلقة عن الوقت فلا يجوز تقييدها
الا بدليل وكذا سبب الوجوب وهو النذر وجد مطلقا عن الوقت والحكم يثبت على وفق السبب فيجب عليه أن
يصوم شهرا من عمره غير عين وخيار التعيين إليه إلى أن يغلب على ظنه الفوت لو لم يصم فيضيق الوقت حينئذ وكذا
حكم الاعتكاف المضاف إلى وقت مبهم بان قال لله على أن أعتكف شهرا ولا نية له وهذا بخلاف اليمين بالكلام بأن
قال والله لا أكلم فلانا شهرا انه يتعين الشهر الذي يلي اليمين وكذا الإجارة بأن آجر داره أو عبده شهرا فإنه يتعين الشهر
الذي يلي العقد لأنه أضاف النذر إلى شهر منكر والصرف إلى الشهر الذي يلي النذر يعين المنكر ولا يجوز تعيين المنكر
الا بدليل هو الأصل وقد قام دليل التعيين في باب اليمين والإجارة لان غرض الحالف منع نفسه عن الكلام والانسان
إنما يمنع نفسه عن الكلام مع غيره لاهانته والاستخفاف به لداع يدعوه إلى ذلك الحال والإجارة تنعقد للحاجة إلى
الانتفاع بالمستأجر والحاجة قائمة عقيب العقد فيتعين الزمان المتعقب للعقد لثبوت حكم الإجارة ويجوز تعيين المبهم عند
قيام الدليل المعين ولو نوى شهرا معينا صحت نيته لأنه نوى ما يحتمله لفظه وفيه تشديد عليه ثم في النذر المضاف إلى
وقت مبهم إذا عين شهرا للصوم فهو بالخيار ان شاء تابع وان شاء فرق بخلاف الاعتكاف انه إذا عين شهر للاعتكاف
فلا بد وأن يعتكف متتابعا في النهار والليالي جميعا لان الايجاب في النوعين حصل مطلقا عن صفة التتابع الا أن في
94

ذات الاعتكاف ما يوجب التتابع وهو كونه لبثا على الدوام فكان مبناه على الاتصال والليالي والنهر قابلة لذلك فلا بد
من التتابع ومبنى الصوم ليس على التتابع بل على التفريق لما بين كل يومين ما لا يصلح له وهو الليل فبقي له الخيار وان
أضيف إلى وقت معين بأن قال لله على أن أصوم غدا يجب عليه صوم الغد وجوبا مضيقا ليس له رخصة التأخير من
غير عذر وكذا إذا قال لله على صوم رجب فلم يصم فيما سبق من الشهور على رجب حتى هجم رجب لا يجوز له التأخير
من غير عذر لأنه إذا لم يصم قبله حتى جاء رجب تعين رجب لوجوب الصوم فيه على التضييق فلا يباح له التأخير ولو
صام رجب وأفطر منه يوما لا يلزمه الاستقبال ولكنه يقضى ذلك اليوم من شهر آخر بخلاف ما إذا قال لله على أن
أصوم شهرا متتابعا أو قال أصوم شهر أو نوى التتابع فأفطر يوما انه يستقبل لان هناك أوجب على نفسه صوما
موصوفا بصفة التتابع وصح الايجاب لان صفة التتابع زيادة قربة لما يلحقه بمراعاتها من زيادة مشقة وهي صفة معتبرة
شرعا ورد الشرع بها في كفارة القتل والظهار والافطار واليمين عندنا فيصح التزامه بالنذر فيلزمه كما التزم فإذا ترك فلم
يأت بالملتزم فيستقبل كما في صوم كفارة الظهار والقتل فأما ههنا فما أوجب على نفسه صوما متتابعا وإنما وجب عليه
التتابع لضرورة تجاور الأيام لان أيام الشهر متجاورة فكانت متتابعة فلا يلزمه الا قضاء ما أفطر كما لو أفطر يوما من
رمضان لا يلزمه الا قضاؤه وإن كان صوم شهر رمضان متتابعا لما قلنا كذا هذا ولأنا لو ألزمناه الاستقبال لوقع أكثر
الصوم في غير ما أضيف إليه النذر ولو أتم وقضى يوم لكان مؤديا أكثر الصوم في الوقت المعين فكان هذا أولى ولو
أفطر رجب كله قضى في شهر آخر لأنه فوت الواجب عن وقته فصار دينا عليه والدين مقضى على لسان رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولهذا وجب قضاء رمضان إذا فات عن وقته ولان الوجوب عند النذر بايجاب الله عز شأنه
فيعتبر بالايجاب المبتدأ وما أوجبه الله تعالى عز شأنه على عباده ابتداء لا يسقط عنه الا بالأداء أو بالقضاء كذا هذا
والله تعالى عز شأنه أعلم.
(كتاب الكفارات)
الكلام في الكفارات في مواضع في بيان أنواعها وفي بيان وجوب كل نوع وفي بيان كيفية وجوبه وفي بيان
شرط وجوبه وفي بيان شرط جوازه (أما) الأول فالكفارات المعهودة في الشرع خمسة أنواع كفارة اليمين وكفارة
الحلق وكفارة القتل وكفارة الظهار وكفارة الافطار والكل واجبة الا أن أربعة منها عرف وجوبها بالكتاب العزيز
وواحدة منها عرف وجوبها بالسنة (أما) الأربعة التي عرف وجوبها بالكتاب العزيز فكفارة اليمين وكفارة الحلق
وكفارة القتل وكفارة الظهار قال الله تعالى عز شأنه في كفارة اليمين لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما
عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد
فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم والكفارة في عرف الشرع اسم للواجب وقال جل شأنه في كفارة
الحلق فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك أي فعليه فدية من صيام أو صدقة
أو نسك وقال تعالى في كفارة القتل ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة إلى قوله تعالى فإن كان من قوم عدو لكم
وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم
يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله أي فعليه تحرير رقبة مؤمنة وعليه ذلك وعليه صوم شهرين متتابعين لان
صيغته وإن كانت صيغة الخبر لكن لو حمل على الخبر لأدى إلى الخلف في خبر من لا يحتمل خبره الخلف فيحمل على
الايجاب والامر بصيغة الخبر كثير النظير في القرآن قال الله والوالدات يرضعن أولادهن أي ليرضعن وقال عز
شأنه والمطلقات يتربصن بأنفسهن أي ليتربصن ونحو ذلك وقال الله تعالى في كفارة الظهار والذين يظاهرون من
نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا إلى قوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل
95

أن يتماسا فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا أي فعليهم ذلك لما قلنا (وأما) كفارة الافطار فلا ذكر لها في الكتاب
العزيز وإنما عرف وجوبها بالسنة وهو ما روى أن اعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله
هلكت وأهلكت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا صنعت فقال واقعت امرأتي في شهر رمضان متعمدا
فقال النبي عليه الصلاة والسلام أعتق رقبة قال ليس عندي ما أعتق فقال له عليه الصلاة والسلام صم شهرين
متتابعين قال لا أستطيع فقال له عليه الصلاة والسلام أطعم ستين مسكينا فقال لا أجد ما أطعم فأمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعرق فيه خمسة عشر صاعا من تمر فقال خذها وفرقها على المساكين فقال أعلى أهل بيت أحوج منى
والله ما بين لابتي المدينة أحد أحوج منى ومن عيالي فقال له النبي عليه الصلاة والسلام كلها وأطعم عيالك تجزيك
ولا تجزى أحدا بعدك وفى بعض الروايات ان الاعرابي لما قال ذلك تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت
نواجذه ثم قال عليه الصلاة والسلام كلها وأطعم عيالك تجزيك ولا تجزى أحدا بعدك فقد أمر عليه الصلاة والسلام
بالاعتاق ثم بالصوم ثم بالاطعام ومطلق الامر محمول على الوجوب والله عز شأنه أعلم.
(فصل) وأما بيان كيفية وجوب هذه الأنواع فلوجوبها كيفيتان إحداهما ان بعضها واجب على التعيين مطلقا
وبعضها على التخيير مطلقا وبعضها على التخيير في حال والتعيين في حال (أما) الأول فكفارة القتل والظهار والافطار
لان الواجب في كفارة القتل التحرير على التعيين لقوله عز شأنه ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة إلى قوله جل
شأنه فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين والواجب في كفارة الظهار والافطار ما هو الواجب في كفارة القتل وزيادة
الاطعام إذا لم يستطع الصيام لقوله عز شأنه فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا وكذا الواجب في كفارة الافطار لما روينا
من الحديث (وأما) الثاني فكفارة الحلق لقوله عز شأنه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك وأما الثالث فهو كفارة اليمين
لان الواجب فيها أحد الأشياء الثلاثة باختياره فعلا غير عين وخيار التعيين إلى الحالف يعين أحد الأشياء الثلاثة
باختياره فعلا وهذا مذهب أهل السنة والجماعة في الامر بأحد الأشياء أنه يكون أمرا بواحد منها غير عين وللمأمور
خيار التعيين وقالت المعتزلة يكون أمر بالكل على سبيل البدل وهذا الاختلاف بناء على أصل مختلف بيننا وبينهم
معروف يذكر في أصول الفقه والصحيح قولنا لان كلمة أو إذا دخلت بين أفعال يراد بها واحد منها لا الكل في الاخبار
والايجاب جميعا يقال جاءني زيد أو عمرو ويراد به مجئ أحدهما ويقول الرجل لآخر بع هذا أو هذا ويكون توكيلا
ببيع أحدهما فالقول بوجوب الكل يكون عدولا عن مقتضى اللغة ولدلائل آخر عرفت في أصول الفقه فإن لم يجد
شيئا من ذلك فعليه صيام ثلاثة أيام على التعيين لقوله عز شأنه فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم
والثانية أن الكفارات كلها واجبة على التراخي هو الصحيح من مذهب أصحابنا في الامر المطلق عن الوقت حتى
لا يأثم بالتأخير عن أول أوقات الامكان ويكون مؤديا لا قضايا ومعنى الوجوب على التراخي هو أن يجب في جزء من
عمره غير عين وإنما يتعين بتعيينه فعلا أو في آخر عمره بأن أخره إلى وقت يغلب على ظنه انه لو لم يؤد فيه لفات فإذا أدى
فقد أدى الواجب وان لم يؤد حتى مات أثم لتضييق الوجوب عليه في آخر العمر وهل يؤخذ من تركته ينظر إن كان لم
يوص لا يؤخذ ويسقط في حق أحكام الدنيا عندنا كالزكاة والنذر ولو تبرع عنه ورثته جاز عنه في الاطعام والكسوة
وأطعموا في كفارة اليمين عشرة مساكين أو كسوتهم وفى كفارة الظهار والافطار أطعموا ستين مسكينا ولا يجبرون
عليه ولا يجوز أن يعتقوا عنه لان التبرع بالاعتاق عن الغير لا يصح ولا أن يصوموا عنه لأنه عبادة بدنية محضة فلا
تجرى فيه النيابة وقد روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد
وإن كان أوصى بذلك يؤخذ من ثلث ماله فيطعم الوصي في كفارة اليمين عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة لأنه
لما أوصى فقد بقي ملكه في ثلث ماله وفى كفارة القتل والظهار والافطار تحرير رقبة ان بلغ ثلث ماله قيمة الرقبة وان لم
يبلغ أطعم ستين مسكينا في كفارة الظهار والافطار ولا يجب الصوم فيها وان أوصى لأن الصوم نفسه لا يحتمل النيابة
96

ولا يجوز الفداء عنه بالطعام لأنه في نفسه بدل والبدل لا يكون له بدل ولو أوصى أن يطعم عنه عشرة مساكين عن كفارة
يمينه ثم مات فغدى الوصي عشرة ثم ماتوا يستأنف فيغدى ويعشي غيرهم لأنه لا سبيل إلى تفريق الغداء والعشاء على
شخصين لما نذكر ولا يضمن الوصي شيئا لأنه غير متعد إذ لا صنع له في الموت ولو قال أطعموا عنى عشرة مساكين
غداء وعشاء ولم يسم كفارة فغدوا عشرة ثم ماتوا يعشوا عشرة غيرهم لأنه لم يأمر بذلك على وجه الكفارة ألا ترى انه لم
يسم كفارة فكان سببه النذر فجاز التفريق والله تعالى عز شأنه أعلم
(فصل) وأما شرائط وجوب كل نوع فكل ما هو شرط انعقاد سبب وجوب هذه الكفارة من اليمين والظهار
والافطار والقتل فهو شرط وجوبها لان الشروط كلها شروط العلل عندنا وقد ذكرنا ذلك في كتاب الايمان والظهار
والصوم والجنايات ومن شرائط وجوبها القدرة على أداء الواجب وهذا شرط معقول لاستحالة وجوب فعل بدون
القدرة عليه غير أن الواجب إذا كان معينا تشترط القدرة على أدائه عينا كما في كفارة القتل والظهار والافطار فلا يجب
التحرير فيها الا إذا كان واجدا للرقبة وهو أن يكون له فضل مال على كفايته يؤخذ به رقبة صالحة للتكفير فإن لم يكن
لا يجب عليه التحرير لقوله جل وعلا فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين شرط سبحانه وتعالى عدم وجدان الرقبة
لوجوب الصوم فلو لم يكن الوجود شرطا لوجوب التحرير وكان يجب عليه وجد أو لم يجد لم يكن لشرط عدم وجدان
الرقبة لوجوب الصوم معنى فدل ان عدم الوجود شرط الوجوب فإذا كان في ملكه رقبة صالحة للتكفير يجب عليه
تحريرها سواء كان عليه دين أو لم يكن لأنه واجد حقيقة فكذا إذا لم يكن في ملكه عين رقبة وله فضل مال على كفايته
يجب رقبة صالحة للتكفير لأنه يكون واجدا من حيث المعنى فأما إذا لم يكن له فضل مال على قدر كفاية ما يتوصل به إلى
الرقبة ولا في ملكه عين الرقبة لا يجب عليه التحرير لان قدر الكفارة مستحق الصرف إلى حاجته الضرورية
والمستحق كالمصروف فكان ملحقا بالعدم كالماء المحتاج إليه للشرب في السفر حتى يباح له التيمم ويدخل تحت
قوله عز شأنه فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا وإن كان موجودا حقيقة لكنه لما كان مستحق الصرف إلى
الحاجة الضرورية الحق بالعدم شرعا كذا هذا وإن كان الواجب واحدا منها كما في كفارة اليمين تشترط القدرة على
أداء الواجب على الابهام وهو أن يكون في ملكه فضل على كفاية ما يجد به أحد الأشياء الثلاثة لأنه يكون واجدا
معنى أو يكون في ملكه واحد من المنصوص عليه عينا من عبد صالح للتكفير أو كسوة عشرة مساكين أو
اطعام عشرة مساكين لأنه يكون واجدا حقيقة وكذا لا يجب الصيام ولا الاطعام فيما للطعام فيه مدخل الا على
القادر عليهما لان ايجاب الفعل على العاجز ممتنع ولقوله عز اسمه في كفارة الظهار فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا
شرط سبحانه وتعالى عدم استطاعة الصيام لوجوب الاطعام فدل ان استطاعة الصوم شرط لوجوبه ولا يجب
على العبد في الأنواع كلها الا الصوم لأنه لا يقدر الا عليه لأنه ليس من أهل ملك المال لأنه مملوك في نفسه فلا يملك
شيئا ولو أعتق عنه مولاه أو أطعم أو كسا لا يجوز لأنه لا يملك وان ملك وكذا المكاتب لأنه عبد ما بقي عليه
درهم وكذا المستسعى في قول أبي حنيفة رضي الله عنه لأنه بمنزلة المكاتب (ومنها) العجز عن التحرير عينا في الأنواع
الثلاثة شرط لوجوب الصوم فيها لقوله عز شأنه في كفارة القتل والظهار فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين أي
من لم يجد رقبة شرط سبحانه وتعالى عدم وجود الرقبة لوجوب الصوم فلا يجب الصوم مع القدرة على التحرير
(وأما) في كفارة اليمين فالعجز عن الأشياء الثلاثة شرط لوجوب الصوم فيها لقوله تعالى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام أي
فمن لم يجد واحدا منها فعليه صيام ثلاثة أيام فلا يجب الصوم مع القدرة على واحد منها (وأما) العجز عن الصيام فشرط
لوجوب الاطعام فيما للاطعام فيه مدخل لقوله جل وعلا فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا أي من لم يستطع الصيام
فعليه اطعام ستين مسكينا فلا يجب الاطعام مع استطاعة الصيام ثم اختلف في أن المعتبر هو القدرة والعجز وقت
الوجوب أم وقت الأداء قال أصحابنا رحمهم الله وقت الأداء وقال الشافعي رحمه الله وقت الوجوب حتى لو كان
97

موسرا وقت الوجوب ثم أعسر جاز له الصوم عندنا وعنده لا يجوز ولو كان على القلب لا يجوز عندنا وعنده يجوز
(وجه) قوله إن الكفارة وجبت عقوبة فيعتبر فيها وقت الوجوب كالحد فان العبد إذا زنا ثم أعتق يقام عليه حد العبيد
(والدليل) على أنها وجبت عقوبة ان سبب وجوبها الجناية من الظهار والقتل والافطار والحنث وتعليق الوجوب
بالجناية تعليق الحكم بوصف مناسب مؤثر فيحال عليه وربما قالوا هذا ضمان يختلف باليسار والاعسار فيعتبر فيه
حال الوجوب كضمان الاعتاق (ولنا) ان الكفارة عبادة لها بدل ومبدل فيعتبر فيها وقت الأداء لا وقت الوجوب
كالصلاة بان فاتته صلاة في الصحة فقضاها في المرض قاعدا أو بالايماء انه يجوز (والدليل) على أنها عبادة وان لها
بدلا ان الصوم بدل عن التكفير بالمال والصوم عبادة وبدل العبادة عبادة وكذا يشترط فيها النية وانها لا تشترط الا
في العبادات وإذا ثبت انها عبادة لها بدل ومبدل فهذا يوجب أن يكون المعتبر فيها وقت الأداء لا وقت الوجوب لأنه
إذا أيسر قبل الشروع في الصيام أو قبل تمامه فقد قدر على المبدل قبل حصول المقصود بالبدل فيبطل البدل وينتقل
الامر إلى المبدل كالمتيمم إذا وجد الماء قبل الشروع في الصلاة أو بعده قبل الفراغ منها عندنا وكالصغيرة إذا اعتدت
بشهر ثم حاضت انه يبطل الاعتداد بالأشهر وينتقل الحكم إلى الحيض وذا أعسر قبل التكفير بالمال فقد عجز عن
المبدل قبل حصول المقصود به وقدر على تحصيله بالبدل كواجد الماء إذا لم يتوضأ حتى مضى الوقت ثم عدم الماء
ووجد ترابا نظيفا انه يجوز له أن يتيمم ويصلى بل يجب عليه ذلك كذا ههنا بخلاف الحدود لان الحد ليس بعبادة
مقصودة بل هو عقوبة ولهذا لا يفتقر إلى النية وكذا لا بدل له لان حد العبيد ليس بدلا عن حد الأحرار بل هو أصل
بنفسه ألا ترى أنه يحد العبيد مع القدرة على حد الأحرار ولا يجوز المصير إلى البدل مع القدرة على المبدل كالتراب مع
الماء وغير ذلك بخلاف الصلاة إذا وجبت على الانسان وهو مقيم ثم سافر أو مسافر ثم أقام انه يعتبر في قضائها وقت
الوجوب لان صلاة المسافر ليست بدلا عن صلاة المقيم ولا صلاة المقيم بدل عن صلاة المسافر بل صلاة كل واحد
منهما أصل بنفسها ألا ترى انه يصلى إحداهما مع القدرة على الأخرى وبخلاف ضمان الاعتاق لأنه ليس بعبادة
وكذا السعاية ليست ببدل عن الضمان على أصل أبي حنيفة رحمه الله لان الشريك مخير عندهم بين التضمين والاستسعاء
ولا يخير بين البدل والمبدل في الشريعة (وأما) قوله إن سبب وجوب الكفارة الجناية فممنوع بل سبب وجوبها ما هو
سبب وجوب التوبة إذ هي أحد نوعي التوبة وإنما الجناية شرط كما في التوبة هذا قول المحققين من مشايخنا وعلى
هذا يخرج ما إذا وجب عليه التحرير أو أحد الأشياء الثلاثة بأن كان موسرا ثم أعسر انه يجزئه الصوم ولو كان معسرا
ثم أيسر لم يجزه الصوم عندنا وعند الشافعي لا يجزئه في الأول ويجزئه في الثاني لأن الاعتبار لوقت الأداء عندنا لا لوقت
الوجوب وهو في الأول يعتبر وقت الأداء فوجد شرط جواز الصوم ووجوبه هو عدم الرقبة فجاز بل وجب وفى
الثاني لم يوجد الشرط فلم يجز وعنده لما كان المعتبر وقت الوجوب فيراعى وجود الشرط للجواز وعدمه وقت
الوجوب ولم يوجد في الأول ووجد في الثاني ولو شرع في الصوم ثم أيسر قبل تمامه لم يجز صومه ذكر هذا في الأصل
بلغنا ذلك عن عبد الله بن عباس وإبراهيم لما ذكرنا انه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل فلا يعتبر البدل
والأفضل ان يتم صوم ذلك اليوم فلو أفطر لا يلزمه القضاء عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله وعند زفر رحمه الله يقضى
وأصل هذه المسألة في كتاب الصوم وهو من شرع في صوم على ظن أنه عليه ثم تبين أنه ليس عليه فالأفضل له أن يتم
الصوم ولو أفطر فهو على الاختلاف الذي ذكرنا وعلى قياس قول الشافعي رحمه الله يمضى على صومه لان العبرة في
باب الكفارات لوقت الوجوب عنده ووقت الوجوب كان معسرا ولو أيسر بعد الاتمام جاز صومه لأنه قدر على
المبدل بعد حصول المقصود بالبدل فلا يبطل البدل بخلاف الشيخ الفاني إذا فدى ثم قدر على الصوم انه تبطل الفدية
ويلزمه الصوم لان الشيخ الفاني هو الذي لا ترجى له القدرة على الصوم فإذا قدر تبين انه لم يكن شيخا فانيا ولان الفدية
ليست ببدل مطلق لأنها ليست بمثل للصوم صورة ومعنى فكانت بدلا ضروريا وقد ارتفعت الضرورة فبطلت القدرة
98

فاما الصوم فبدل مطلق فلا يبطل بالقدرة على الأصل بعد حصول المقصود به والله عز شأنه أعلم
(فصل) وأما شرط جواز كل نوع فلجواز هذه الأنواع شرائط بعضها يعم الأنواع كلها وبعضها يخص البعض
دون البعض (أما) الذي يعم الكل فنية الكفارة حتى لا تتأدى بدون النية والكلام في النية في موضعين أحدهما
في بيان ان نية الكفارة شرط جوازها والثاني في بيان شرط صحة النية (اما) الأول فلان مطلق الفعل يحتمل
التكفير ويحتمل غيره فلا بد من التعيين وذلك بالنية ولهذا لا يتأدى صوم الكفارة بمطلق النية لان الوقت يحتمل
صوم الكفارة وغيره فلا يتعين الا بالنية كصوم قضاء رمضان وصوم النذر المطلق ولو أعتق رقبة واحدة عن كفارتين
فلا شك انه لا يجوز عنهما جميعا لان الواجب عن كل كفارة منهما اعتاق رقبة كاملة ولم يوجد وهل يجوز عن إحداهما
فالكفارتان الواجبتان لا يخلو (اما) وجبتا بسببين من جنسين مختلفين واما ان وجبتا بسببين من جنس واحد
(فان) وجبتا بسببين من جنسين مختلفين كالقتل والظهار فأعتق رقبة واحدة ينوى عنهما جميعا لا يجوز عن إحداهما
بلا خلاف بين أصحابنا وعند الشافعي رحمه الله يجوز (وان) وجبتا بسببين من جنس واحد كظهارين أو قتلين
يجوز عن إحداهما عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله استحسانا وهو قول الشافعي رحمه الله والقياس أن لا يجوز وهو
قول زفر رحمه الله وهذا الاختلاف مبنى على أن نية التعيين والتوزيع هل تقع معتبرة أم تقع لغوا فعند أصحابنا معتبرة
في الجنسين المختلفين وعند الشافعي رحمه الله لغو فيهما جميعا (وأما) في الجنس الواحد فهي لغو عند أصحابنا الثلاثة رضي الله عنهم
وعند زفر معتبرة قياسا (اما) الكلام مع الشافعي فوجه قوله إن الكفارات على اختلاف أسبابها جنس واحد
ونية التعيين في الجنس الواحد لغو لما ذكر (ولنا) ان التعيين في الأجناس المختلفة محتاج إليه وذلك بالنية فكان نية
التعيين محتاجا إليها عند اختلاف الجنس فصادفت النية محلها فصحت ومتى صحت أوجبت انقسام عين رقبة
واحدة على كفارتين فيقع عن كل واحد منهما عتق نصف رقبة فلا يجوز لا عن هذه ولا عن تلك (وأما) قوله
الكفارتان جنس واحد فنعم من حيث هما كفارة لكنهما اختلفا سببا وقدرا وصفة (اما) السبب فلا شك فيه (واما)
القدر فان الطعام يدخل في إحداهما وهي كفارة الظهار ولا يدخل في الأخرى وهي كفارة القتل (واما) الصفة فان
الرقبة في كفارة الظهار مطلقة عن صفة الايمان وفى كفارة القتل مقيدة بها وإذا اختلفا من هذه الوجوه كان التعيين
بالنية محتاجا إليه فصادفت النية محلها فصحت فانقسم عتق رقبة بينهما فلم يجز عن إحداهما حتى لو كانت الرقبة كافرة
وتعذر صرفها إلى الكفارة للقتل انصرفت بالكلية إلى الظهار وجازت عنه كذا قال بعض مشايخنا بما وراء النهر
(ونظيره) ما إذا جمع بين امرأة وابنتها أو أمها أو أختها وتزوجهما في عقدة واحدة فإن كانتا فارغتين لا يجوز وإن كانت
إحداهما منكوحة والأخرى فارغة يجوز نكاح الفارغة (واما) الكلام بين أصحابنا فوجه القياس في ذلك أنه أوقع
عتق رقبة واحدة عن كفارتين على التوزيع والانقسام فيقع عن كل واحدة منهما عتق نصف رقبة فلا يجوز عن
واحدة منهما لان المستحق عليه عن كل واحدة منهما اعتاق رقبة كاملة ولم يوجد وبهذا لم يجز عن إحداهما عند
اختلاف الجنس (ولنا) ان نية التعيين لم تصادف محلها لان محلها الأجناس المختلفة إذ لا تقع الحاجة إلى التعيين الا عند
اختلاف الجنس فإذا اتحد الجنس لم تقع الحاجة إليها فلغت نية التعيين وبقى أصل النية وهي نية الكفارة فتقع عن
واحدة منهما كما في قضاء صوم رمضان إذا كان عليه صوم يومين فصام يوما ينوى قضاء صوم يومين تلغو نية التعيين
وبقيت نية ما عليه كذا هذا بخلاف ما إذا اختلف الجنس لان باختلاف الجنس تقع الحاجة إلى التعيين فلا تلغو نية
التعيين بل تعتبر ومتى اعتبرت يقع عن كل جنس نصف رقبة فلا يجوز عنه كما إذا كان عليه صوم يوم من قضاء رمضان
وصوم يوم من كفارة اليمين فنوى من الليل أن يصوم غدا عنهما كانت نية التوزيع معتبرة حتى لا يصير صائما عن
أحدهما لان الانقسام يمنع من ذلك والله تعالى أعلم ولو أطعم ستين مسكينا كل مسكين صاعا من حنطة عن ظهارين لم يجز
الا عن أحدهما في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله يجزئه عنهما وقال زفر رحمه الله لا يجزئه
99

عنهما وكذلك لو أطعم عشرة مساكين كل مسكين صاعا عن يمينين فهو على هذا الاختلاف ولو كانت الكفارتان من
جنسين مختلفين جاز فيهما بالاجماع (وأما) وجه قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله فلما ذكرنا من أصل أصحابنا
الثلاثة ان الكفارتين إذا كانتا من جنس واحد لا يحتاج فيهما إلى نية التعيين بل تلغو نية التعيين ههنا ويبقى أصل النية
وهو نية الكفارة يدفع ستين صاعا إلى ستين مسكينا من غير تعين ان نصفه عن هذا ونصفه عن ذاك ولو لم يعين لم يجز الا
عن أحدهما كذا هذا الا ان محمدا يقول إن نية التعيين إنما تبطل لأنه لا فائدة فيها وههنا في التعيين فائدة وهي جواز ذلك
عن الكفارتين فوجب اعتبارها ويقول اطعام ستين مسكينا يكون عن كفارة واحدة والكفارة الواحدة منهما مجهول
ولهذا قال إذا أعتق رقبة واحدة عنهما لا يجوز عن واحدة منهما بخلاف ما إذا كانت الكفارتان من جنسين لأنه
قد صح من أصل أصحابنا جميعا ان نية التعيين عند اختلاف الجنس معتبرة وإذا صح التعيين والمؤدى يصلح عنهما جميعا
وقع المؤدى عنهما فجاز عنهما جميعا والله تعالى أعلم (وأما) شرط جواز النية فهو أن تكون النية مقارنة لفعل التكفير فإن لم
تقارن الفعل رأسا أو لم تقارن فعل التكفير بأن تأخرت عنه لم يجز لان اشتراط النية لتعيين المحتمل وايقاعه على بعض
الوجوه ولن يتحقق ذلك الا إذا كانت مقارنة للفعل ولأن النية هي الإرادة والإرادة مقارنة للفعل كالقدرة الحقيقية لان
بها يصير الفعل اختياريا وعلى هذا يخرج ما إذا اشترى أباه أو ابنه ينوى به العتق عن كفارة يمينه أو ظهاره أو افطاره أو
قتله أجزأه عندنا استحسانا والقياس أن لا يجزيه وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله بناء على أن شراء القريب اعتاق
عندنا فإذا اشتراه ناويا عن الكفارة فقد قارنت النية الاعتاق فجاز وعندهما العتق يثبت بالقرابة والشراء شرط فلم
تكن النية مقارنة لفعل الاعتقاق فلا يجوز (وجه) القياس ان الشراء ليس باعتاق حقيقة ولا مجازا أما الحقيقة فلا شك
في انتفائها لان واضع اللغة ما وضع الشراء للاعتاق (وأما) المجاز فلان المجاز يستدعى المشابهة في المعنى اللازم المشهور
في محل الحقيقة ولا مشابهة ههنا أصلا لأن الشراء تملك والاعتاق إزالة الملك وبينهما مضادة (ولنا) ما روى أبو داود
في سننه باسناد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لن يجزى ولد والدا الا أن يجده
مملوكا فيشتريه فيعتقه سماه معتقا عقيب الشراء ولا فعل منه بعد الشراء فعلم أن الشراء وقع اعتاقا منه عقلنا وجه ذلك أو لم
نعقل فإذا نوى عند الشراء الكفارة فقد اقترنت النية بفعل الاعتاق فجاز وقولهما الشراء ليس باعتاق حقيقة ممنوع
بل هو اعتاق حقيقة لكن حقيقة شرعية لا وضعية والحقائق أنواع وضعية وشرعية وعرفية على ما عرف في أصول
الفقه وكذلك إذا وهب له أو أوصى له به فقبله لأنه يعتق بالقبول فقارنت النية فعل الاعتاق وان ورثه ناويا عن
الكفارة لم يجز لان العتق ثبت من غير صنعه رأسا فلم يوجد قران النية الفعل فلا يجوز وعلى هذا يخرج ما إذا قال لعبد
الغير أن اشتريتك فأنت حر فاشتراه ناويا عن الكفارة لم يجز لان العتق عند الشراء يثبت بالكلام السابق ولم تقارنه
النية حتى لو قال إن اشتريت فلانا فهو حر عن كفارة يميني أو ظهاري أو غير ذلك يجزيه لقران النية كلام الاعتاق
ولو قال إن اشتريت فلانا فهو حر عن ظهاري ثم قال بعد ذلك ما اشتريته فهو حر عن كفارة قتلى ثم اشتراه فهو حر عن
الظهار لأنه لما قال إن اشتريته فهو حر عن كفارة قتلى فقد أراد فسخ الأول واليمين لا تحتمل الفسخ وكذلك لو قال إن
اشتريته فهو حر تطوعا ثم قال إن اشتريته فهو حر عن ظهاري ثم اشتراه كان تطوعا لأنه بالأول علق عتقه تطوعا
بالشراء ثم أراد بالثاني فسخ الأول واليمين لا يلحقها الفسخ والله عز شأنه أعلم (وأما) الذي يخص البعض دون البعض
فأما كفارة اليمين فيبدأ بالاطعام ثم بالكسوة ثم بالتحرير لان الله تعالى عز شأنه بدأ بالاطعام في كتابه الكريم وقد
قال النبي عليه الصلاة والسلام ابدؤا بما بدأ الله به فنقول لجواز الاطعام شرائط بعضها يرجع إلى صفة الاطعام وبعضها
يرجع إلى مقدار ما يطعم وبعضها يرجع إلى محل المصروف إليه الطعام أما الذي يرجع إلى صفة الاطعام فقد قال
أصحابنا انه يجوز فيه التمليك وهو طعام الإباحة وهو مروى عن سيدنا علي كرم الله وجهه وجماعة من التابعين مثل محمد
ابن كعب والقاسم وسالم والشعبي وإبراهيم وقتادة ومالك والثوري والأوزاعي رضي الله عنهم وقال الحكم وسعيد بن
100

جبير لا يجوز الا التمليك وبه أخذ الشافعي رحمه الله فالحاصل أن التمليك ليس بشرط الجواز الاطعام عندنا بل الشرط
هو التمكين وإنما يجوز التمليك من حيث هو تمكين لا من حيث هو تمليك وعند الشافعي رحمه الله التمليك شرط الجواز
لا يجوز بدونه (وجه) قوله أن التكفير مفروض فلا بد وأن يكون معلوم القدر ليتمكن المكلف من الاتيان به لئلا
يكون تكليف ما لا يحتمله الوسع وطعام الإباحة ليس له قدر معلوم وكذا يختلف باختلاف حال المسكين من الصغر
والكبر والجوع والشبع يحققه ان المفروض هو المقدر إذ الفرض هو التقدير يقال فرض القاضي النفقة أي قدر
قال الله سبحانه وتعالى فنصف ما فرضتم لهن أي قدرتم فطعام الإباحة ليس بمقدر ولان المباح له يأكل على ملك
المبيح فيهلك المأكول على ملكه ولا كفارة بما يهلك في ملك المكفر وبهذا شرط التمليك في الزكاة والعشر
وصدقة الفطر (ولنا) أن النص ورد بلفظ الاطعام قال الله عز شأنه فكفارته اطعام عشرة مساكين والاطعام في
متعارف اللغة اسم للتمكين من المطعم لا التمليك قال الله عز شأنه ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا والمراد
بالاطعام الإباحة الا التمليك وقال النبي عليه الصلاة والسلام أفشوا السلام وأطعموا الطعام والمراد منه الاطعام على
وجه الإباحة وهو الامر المتعارف بين الناس يقال فلان يطعم الطعام أي يدعو الناس إلى طعامه والدليل عليه قوله
سبحانه وتعالى من أوسط ما تطعمون أهليكم وإنما يطعمون على سبيل الإباحة دون التمليك بل لا يخطر ببال أحد
في ذلك التمليك فدل أن الاطعام هو التمكين من التطعم الا أنه إذا ملك جاز لان تحت التمليك تمكينا لأنه إذا ملكه فقد
مكنه من التطعم والاكل فيجوز من حيث هو تمكين وكذا إشارة النص دليل على ما قلنا لأنه قال اطعام عشرة مساكين
والمسكنة هي الحاجة واختصاص المسكين للحاجة إلى أكل الطعام دون تملكه تعم المسكين وغيره فكان في إضافة
الاطعام إلى المساكين إشارة إلى أن الاطعام هو الفعل الذي يصير المسكين به متمكنا من التطعم لا التمليك بخلاف
الزكاة وصدقة الفطر والعشر أنه لا يجوز فيه طعام الإباحة لان الشرع هناك لم يرد بلفظ الاطعام وإنما ورد بلفظ الايتاء
والأداء قال الله تعالى في الزكاة وآتوا الزكاة وقال تعالى في العشر وآتوا حقه يوم حصاده وقال النبي عليه الصلاة
والسلام في صدقة الفطر أدوا عن كل حر وعبد الحديث والايتاء والأداء يشعران بالتمليك على أن المراد من الاطعام
المذكور في النص إن كان هو التمليك كان النص معلولا بدفع حاجة المسكين وهذا يقتضى جواز التمكين على طريق
الإباحة بل أولى من وجهين أحدهما أنه أقرب إلى دفع الجوع وسد المسكنة من التمليك لأنه لا يحصل معنى الدفع
والسد بتمليك الحنطة الا بعد طول المدة والا بعد تحمل مؤن فكان الاطعام على طريق الإباحة أقرب إلى حصول
المقصود من التمليك فكان أحق بالجواز والثاني أن الكفارة جعلت مكفرة للسيئة بما أعطى نفسه من الشهوة التي لم
يؤذن له فيها حيث لم يف بالعهد الذي عهد مع الله تعالى عز شأنه فحرج فعله مخرج ناقض العهد ومخلف الوعد فجعلت
كفارته بما تنفر عنه الطباع وتتألم ويثقل عليها ليذوق ألم اخراج ماله المحبوب عن ملكه فيكفر ما أعطى نفسه من
الشهوة لأنه من وجه أذن له فيها ومعنى تألم الطبع فيما قلنا أكثر لان دعاء المساكين وجمعهم على الطعام وخدمتهم والقيام
بين أيديهم أشد على الطبع من التصدق عليهم لما جبل طبع الأغنياء عل النفرة من الفقراء ومن الاختلاط معهم
والتواضع لهم فكان هذا أقرب إلى تحقيق معنى التكفير فكان تجويز التمليك تكفيرا تجويزا لطعام الإباحة تكفيرا من
طريق الأولى (وأما) قوله إن الكفارة مفروضة فلا بد وأن تكون معلومة القدر فنقول هي مقدرة بالكفارة لان
الله عز شأنه فرض هذا الاطعام وعرف المفروض باطعام الأهل بقوله عز شأنه من أوسط ما تطعمون أهليكم فلا بد
وأن يكون الأهل معلوما والمعلوم من طعام الأهل هو طعام الإباحة دون التمليك فدل على أن طعام الإباحة معلوم القدر
وقدره الكفارة بطعام الأهل فجاز أن يكون مفروضا كطعام الأهل فيمكنه الخروج عن عهدة الفرض وأما قوله أن
الطعام يهلك على ملك المكفر فلا يقع عن التكفير فممنوع بل كما صار مأكولا فقد زال ملكه عنه الا أنه يزول لا إلى أحد
وهذا يكفي لصيرورته كفارة كالاعتاق (وأما) الذي يرجع إلى مقدار ما يطعم فالمقدار في التمليك هو نصف صاع
101

من حنطة أو صاع من شعير أو صاع من تمر كذا روى عن سيدنا عمر وسيدنا على وسيدتنا عائشة رضى الله تعالى عنهم
وذكر في الأصل بلغنا عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال ليرفأ مولاه إني أحلف على قوم لا أعطيهم ثم
يبدو لي فأعطهم فإذ انا فعلت ذلك فأطعم عشرة مساكين كل مسكين نصف صاع من حنطة أو صاعا من تمر وبلغنا عن
سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال في كفارة اليمين اطعام عشرة مساكين نصف صاع من حنطة وبه قال جماعة من التابعين
سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وإبراهيم ومجاهد والحسن وهو قول أصحابنا رضي الله عنهم وروى عن ابن عباس
رضي الله عنهما وابن سيدنا عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ومن التابعين عطاء وغيره لكل مسكين مد من حنطة وبه
أخذ مالك والشافعي رحمهما الله والترجيح لقول سيدنا عمر وسيدنا على وسيدتنا عائشة رضوان الله عليهم لقوله
تعالى عز اسمه من أوسط ما تطعمون أهليكم والمد ليس من الأوسط بل أوسط طعام الأهل يزيد على المد في الغالب
ولأن هذه صدقة مقدرة بقوت مسكين ليوم فلا تنقص عن نصف صاع كصدقة الفطر والأذى فان أعطى عشرة
مساكين كل مسكين مدا من حنطة فعليه أن يعيد عليهم مدا مدا فإن لم يقدر عليهم استقبل الطعام لان المقدار ان لكل
مسكين في التمليك مدا فلا يجوز أقل من ذلك ويجوز في التمليك الدقيق والسويق ويعتبر فيه تمام الكيل ولا يعتبر فيه
القيمة كالحنطة لأنه حنطة الا أنه فرقت أجزاؤها بالطحن وهذا التفريق تقريب إلى المقصود منها فلا تعتبر فيه القيمة
ويعتبر في تمليك المنصوص عليه تمام الكيل ولا يقوم البعض مقام بعض باعتبار القيمة إذا كان أقل من كيله حتى لو
أعطى نصف صاع من تمر تبلغ قيمته قيمة نصف صاع من حنطة لا يجوز لأنه منصوص عليه فيقع عن نفسه لا عن
غيره فأما الأرز والذرة والجاورس فلا يقوم مقام الحنطة والشعير في الكيل لأنه غير منصوص عليه وإنما جوازه
باعتبار القيمة فتعتبر قيمته كالدراهم والدنانير وهذا عند أصحابنا رحمهم الله وعند الشافعي رحمه الله لا يجوز الا إذا عين
المنصوص عليه ولا يجوز دفع القيم والابدال كما في الزكاة وعندنا يجوز (وجه) قوله إن الله تعالى أمر بالاطعام بقوله جل
شأنه فكفارته اطعام عشرة مساكين فالقول بجواز أداء القيمة يكون تغييرا لحكم النص وهذا لا يجوز (ولنا) ما ذكرنا
ان اطعام المسكين اسم لفعل يتمكن المسكين به من التطعم في متعارف اللغة لما ذكرنا فيما تقدم وهذا يحصل بتمليك القيمة
فكان تمليك القيمة من الفقير اطعاما له فيتناول النص وجواز التمليك من حيث هو تمكين لا من حيث هو تمليك على ما
مر ان الاطعام إن كان اسما للتمليك فجوازه معلول بدفع الحاجة وهو المسألة عرفنا ذلك بإشارة النص وضرب
من الاستنباط على ما بينا والقيمة في دفع الحاجة مثل الطعام فورود الشرع بجواز الطعام يكون ورودا بجواز القيمة
بل أولى لان تمليك الثمن أقرب إلى قضاء حاجة المسكين من تمليك عين الطعام لان به يتوصل إلى ما يختاره من الغذاء
الذي اعتاد الاغتذاء به فكان أقرب إلى قضاء حاجته فكان أولى بالجواز ولما ذكرنا أن التكفير بالاطعام يحمل
مكروه الطبع بإزاء ما نال من الشهوة وذلك المعنى يحصل بدفع القيمة ولان الكفارة جعلت حقا للمسكين فمتى أخرج
من عليه الطعام إلى المستحق بدله وقبله المستحق عن طوع فقد استبدل حقه به فيجب القول بجواز هذا الاستبدال
بمنزلة التناول في سائرا الحقوق (وأما) المقدار في طعام الإباحة فأكلتان مشبعتان غداء وعشاء وهذا قول عامة العلماء
وعن ابن سيرين وجابر بن زيد ومكحول وطاوس والشعبي انه يطعمهم أكلة واحدة وقال الحسن وجبة واحدة
والصحيح قول العامة لان الله عز وجل عرف هذا الاطعام باطعام الأهل بقوله تعالى من أوسط ما تطعمون أهليكم
وذلك أكلتان مشبعتان غداء وعشاء كذا هذا ولان الله جل شأنه ذكر الأوسط والأوسط ما له حاشيتان متساويتان
وأقل عدد له حاشيتان متساويتان ثلاثة وذلك يحتمل أنواعا ثلاثة أحدهما الوسط في صفات المأكول من الجودة
والرداءة والثاني الوسط من حيث المقدار من السرف والقتر والثالث الوسط من حيث أحوال الاكل من مرة
ومرتين وثلاث مرات في يوم واحد ولم يثبت بدليل عقلي ولا بسمعي تعيين بعض هذه الأنواع فيحمل على الوسط
من الكل احتياطا ليخرج عن عهدة الفرض بيقين وهو أكلتان في يوم بين الجيد والردئ والسرف والفتر ولان
102

أقل الاكل في يوم مرة واحدة وهو المسمى بالوجبة وهو في وقت الزوال إلى زوال يوم الثاني منه والأكثر ثلاث مرات
غداء وعشاء وفى نصف اليوم والوسط مرتان غداء وعشاء وهو الاكل المعتاد في الدنيا وفى الآخرة أيضا قال الله
سبحانه وتعالى في أهل الجنة ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا فيحمل مطلق الاطعام على المتعارف وكذلك إذا غداهم
وسحرهم أو عشاهم وسحرهم أو غداهم غداءين أو عشاهم عشاءين أو سحرهم سحورين لأنهما أكلتان مقصودتان
فإذا غداهم في يومين أو عشاهم في يومين كان كأكلتين في يوم واحد معنى الا ان الشرط أن يكون ذلك في عدد واحد
حتى لو غدى عدد أو عشى عددا آخر لم يجزه لأنه لم يوجد في حق كل مسكين أكلتان ولهذا لم يجز مثله في التمليك بان
فرق حصة مسكين على مسكينين فكذا في التمكين وسواء كان الطعام مأدوما أو غير مأدوم حتى لو غداهم وعشاهم
خبزا بلا إدام أجزأه لقول الله تبارك وتعالى فكفارته اطعام عشرة مساكين مطلقا من غير فصل بين المأدوم وغيره
وقد أطعم ولان الله عز شأنه عرف الاطعام على وجه الإباحة باطعام الأهل وذلك قد يكون مأدوما وقد يكون غير
مأدوم فكذا هذا وكذلك لو أطعم خبز الشعير أو سويقا أو تمرا أجزأه لان ذلك قد يؤكل وحده في طعام الأهل
وروى ابن سماعة عن أبي يوسف أنه قال إذا أطعم مسكينا واحدا غداء وعشاء أجزاه من اطعام مساكين وان لم
يأكل الا رغيفا واحد لان المعتبر هو الكفاية والكفاية قد تحصل برغيف واحد فلا يعتبر القلة والكثرة فان
ملكه الخبز بان أعطاه أربعة أرغفة فإن كان يعدل ذلك قيمة نصف صاع من حنطة أجزأه وان لم يعدل لم يجزه لان
الخبز غير منصوص عليه فكان جوازه باعتبار القيمة وقال أبو يوسف رحمه الله لو غدى عشرة مساكين في يوم ثم
أعطاهم مدا مدا أجزأه لأنه جمع بين التمليك والتمكين وكل واحد منهما جائز حال الانفراد كذا حال الاجتماع ولان
الغداء مقدر بنصف كفاية المسكين والمد مقدر بنصف كفايته فقد حصلت له كفاية يوم فيجوز فان أعطى غيرهم مدا
مدا لم يجز لأنه فرق طعام العشرة على عشرين فلم يحصل لكل واحد منهم مقدار كفايته ولو غداهم وأعطى قيمة العشاء
فلوسا أو دراهم أجزأه عندنا خلافا للشافعي رحمة الله لان القيمة في الكفارة تقوم مقام المنصوص عليه عندنا وعنده
لا تقوم (وأما) الذي يرجع إلى المحل المصروف إليه الطعام فمنها أن يكون فقيرا فلا يجوز اطعام الغنى عن الكفارة
تمليكا وإباحة لان الله تبارك وتعالى أمر باطعام عشرة مساكين بقوله سبحانه فكفارته اطعام عشرة مساكين ولو كان
له مال وعليه دين له مطالب من جهة العباد يجوز اطعامه لأنه فقير بدليل انه يجوز اعطاء الزكاة إياه فالكفارة أولى
ومنها أن يكون ممن يستوفى الطعام وهذا في اطعام الإباحة حتى لو غدى عشرة مساكين وعشاهم وفيهم صبي أو فوق
ذلك لم يجز وعليه اطعام مسكين واحد لقوله جل جلاله من أوسط ما تطعمون أهليكم وذلك ليس من أوسط ما يطعم
حتى لو كان مراهقا جاز لان المراهق يستوفى الطعام فيحصل الاطعام من أوسط ما يطعم ومنها أن لا يكون مملوكه
لان الصرف إليه صرف إلى نفسه فلم يجز ومنها أن لا يكون من الوالدين والمولودين فلا يجوز اطعامهم تمليكا وإباحة
لان المنافع بينهم متصلة فكان الصرف إليهم صرفا إلى نفسه من وجه ولهذا لم يجز صرف الزكاة إليهم ولا تقبل شهادة
البعض للبعض ولما ذكرنا ان الواجب بحق التكفير لما اقترف من الذنب بما أعطى نفسه مناها وأوصلها إلى هواها
بغير اذن من الآذن وهو الله سبحانه جلت عظمته ففرض عليهم الخروج عن المعصية بما تتألم به النفس وينفر عنه
الطبع ليذيق نفسه المرارة بمقابلة اعطائها من الشهوة وهذا المعنى لا يحصل باطعام هؤلاء لان النفس لا تتألم به بل تميل إليه
لما جعل الله سبحانه الطبائع بحيث لا تحتمل نزول البلاء والشدة بهم وبحيث يجتهد كل في دفع الحاجة عنهم مثل
الدفع عن نفسه ولو أطعم أخاه أو أخته وهو فقير جاز لان هذا المعنى لا يوجد في الأخ والأخت فدخل تحت عموم قوله
تعالى فكفارته اطعام عشرة مساكين ولو أطعم ولده أو غنيا على ظن أنه أجنبي أو فقير ثم تبين أجزأه في قول أبي حنيفة
ومحمد وعند أبي يوسف لا يجوز وهو على الاختلاف الذي ذكرنا في الزكاة وقد مر الكلام فيه ومنها ان لا يكون هاشميا
لان الله تبارك وتعالى كره لهم غسالة أيدي الناس وعوضهم بخمس الخمس من الغنيمة ولو دفع إليه على ظن أنه ليس
103

بهاشمي ثم ظهر أنه هاشمي فهو على الاختلاف ومنها ان لا يكون زوجا أو زوجة له لان ما شرع له الكفارة وهو تألم
الطبع ونفاره بالبذل والاخراج لا يوجد بين الزوجين لما يوجد البذل بينهما شهوة وطبيعة ويكون التناكح لمثله في
العرف والشرع على ما روى تنكح المرأة لمالها وجمالها وعلى ما وضع النكاح للمودة والمحبة ولا يتحقق ذلك الا بالبذل
ودفع الشح ولهذا لا تقبل شهادة أحدهما للآخر لان أحدهما ينتفع بمال صاحبه فتتمكن التهمة في الشهادة ومنها ان لا
يكون حربيا وإن كان مستأمنا لان الله تعالى عز شأنه نهانا عن البر بهم والاحسان إليهم بقوله تعالى إنما ينهاكم الله عن
الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم ولان في الدفع إلى الحربي إعانة له على الحراب مع المسلمين وقد قال الله
سبحانه وتعالى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ويجوز اعطاء فقراء أهل الذمة من الكفارات والنذور وغير ذلك الا
الزكاة في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله لا يجوز الا النذور والتطوع ودم المتعة (وجه)
قوله إن هذه صدقة وجبت بايجاب الله عز شأنه فلا يجوز صرفها إلى الكافر كالزكاة بخلاف النذر لأنه وجب بايجاب
العبد والتطوع ليس بواجب أصلا والتصدق بلحم المتعة غير واجب لان معنى القربة في الإراقة (ولهما) عموم قوله
تعالى فكفارته اطعام عشرة مساكين من غير فصل بين المؤمن والكافر الا أنه خص منه الحربي بما تلونا فبقي الذمي على
عموم النص فكان ينبغي أن يجوز صرف الزكاة إليه الا ان الزكاة خصت بقول النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ حين
بعثه إلى اليمن خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم أمر عليه الصلاة السلام برد الزكاة إلى من أمر بالاخذ من أغنيائهم
والمأخوذ منه المسلمون فكذا المردود عليهم وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام قال أمرت أن آخذ الصدقة من
أغنيائهم وأردها في فقرائهم (ووجه) الاستدلال ما ذكرنا ولان الكفارة وجبت لدفع المسكنة والمسكنة موجودة
في الكفرة فيجوز صرف الصدقة إليهم كما يجوز صرفها إلى المسلم بل أولى لان التصدق عليهم بعض ما يرغبهم إلى
الاسلام ويحملهم عليه ولما ذكرنا ان الكفارات وجبت بما اختار من اعطاء النفس شهوتها فيما لا يحل له فتكون كفارتها
بكف النفس عن شهوتها فيما يحل له وبذل ما كان في طبعه منعه وهذا المعنى يحصل بالصرف إلى الكافر بخلاف الزكاة
لأنها ما وجبت بحق التكفير بل بحق الشكر ألا ترى انها تجب بلا كسب من جهة العبد وحق الشكر الانفاق في طاعة
المنعم والصرف إلى المؤمن أنفاق على من يصرفه إلى طاعة الله جل شأنه فيخرج مخرج المعونة على الطاعة فيحصل
معنى الشكر على الكمال والكافر لا يصرفه إلى طاعة الله عز شأنه فلا يتحقق معنى الشكر على التمام فأما الكفارات فما
عرف وجوبها شكرا بل تكفيرا لاعطاء النفس شهوتها باخراج ما في شهوتها المنع وهذا المعنى في الصرف إلى الكافر
موجود على الكمال والتمام لذلك افترقا وهل يشترط عدد المساكين صورة في الاطعام تمليكا وإباحة قال أصحابنا ليس
بشرط وقال الشافعي رحمه الله شرط حتى لو دفع طعام عشرة مساكين وذلك خمسة أصوع إلى مسكين واحد في عشرة
أيام كل يوم نصف صاع أو غدى مسكينا واحدا أو عشاه عشرة أيام أجزأه عندنا وعنده لا يجزيه الا عن واحد واحتج
بظاهر قوله جل شأنه فكفارته اطعام عشرة مساكين نص على عدد العشرة فلا يجوز الاقتصار على ما دونه كسائر
الاعداد المذكورة في القرآن العظيم كقوله عز شأنه فاجلدوهم ثمانين جلدة وقوله جل شأنه يتربصن بأنفسهن أربعة
أشهر وعشرا ونحو ذلك والدليل عليه أنه لو دفع طعام عشرة مساكين إلى مسكين واحد دفعة واحدة في يوم واحد لا يجوز
(ولنا) ان في النص اطعام عشرة مساكين واطعام عشرة مساكين قد يكون بأن يطعم عشرة مساكين وقد يكون بأن يكفي
عشرة مساكين سواء أطعم عشرة مساكين أو لا فإذا أطعم مسكينا واحد عشرة أيام قدر ما يكفي عشرة مساكين فقد
وجد اطعام عشرة مساكين فخرج عن العهدة على أن معنى اطعام مساكين إن كان هو بأن يطعم عشرة مساكين لكن
اطعام عشرة مساكين على هذا التفسير قد يكون صورة ومعنى بأن يطعم عشرة من المساكين عددا في يوم واحد أو في
عشرة أيام وقد يكون معنى لا صورة وهو ان يطعم مسكينا واحدا في عشرة أيام لان الاطعام لدفع الجوعة وسد المسكنة وله
كل يوم جوعة ومسكنة على حدة لان الجوع يتجدد والمسكنة تحدث في كل يوم ودفع عشر جوعات عن مسكين
104

واحد في عشرة أيام في معنى دفع عشر جوعات عن عشرة مساكين في يوم واحد أو في عشرة أيام فكان هذا اطعام
عشرة مساكين معنى فيجوز ونظير هذا ما روى في الاستنجاء بثلاثة أحجار ثم استنجى بالمدر أو بحجر له ثلاثة
أحرف جاز لحصول المقصود منه وهو التطهير كذا هذا ولان ما وجبت له هذه الكفارة يقتضى سقوط اعتبار عدد
المساكين وهو ما ذكرنا من إذاقة النفس مرارة الدفع وإزالة الملك لابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى لتكفير ما أتبعها هواها
وأوصلها إلى مناها كما خالف الله عز وجل في فعله بترك الوفاء بعهد الله سبحانه وتعالى وهذا المعنى في بذل هذا القدر من
المال تمليكا وإباحة لا في مراعاة عدد المساكين صورة بخلاف ذكر العدد في باب الحد والعدة لان اشتراط العدد
هناك ثبت نصا غير معقول المعنى فلا يحتمل التعدية وههنا معقول على ما بينا وبخلاف الشهادات حيث لا تجوز إقامة
الواحد فيها في يومين أو في دفعتين مقام شهادة شاهدين لان هناك المعنى الذي يحصل بالعدد لا يحصل بالواحد وهو
انتفاء التهمة ومنفعة التصديق ونفاذ القول على ما نذكره في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى وههنا معنى التكفير
ودفع الحاجة وسد المسكنة لا يختلف لما بينا (وأما) إذا دفع طعام عشرة مساكين إلى مسكين واحد في يوم واحد دفعة
واحدة أو دفعات فلا رواية فيه واختلف مشايخنا قال بعضهم يجوز وقال عامة مشايخنا لا يجوز الا عن واحد لان
ظاهر النص يقتضى الجواز على الوجه الذي بينا الا أنه مخصوص في حق يوم واحد لدليل كما صار مخصوصا في حق
بعض المساكين من الوالدين والمولودين ونحوهم فيجب العمل به فيما وراء المخصوص ولما ذكرنا ان الأصل في
الطعام هو طعام الإباحة إذ هو المتعارف في اللغة وهو التغدية والتعشية لدفع الجوع وإزالة المسكنة وفى الحاصل دفع
عشر جوعات وهذا في واحد في حق مسكين واحد لا يكون فلا بد من تفريق الدفع على الأيام ويجوز أن يختلف
حكم التفريق المجتمع كما في رمى الجمار انه إذا رمى بالحصا متفرقا جاز ولو رمى مجتمعا دفعة واحدة لا يجوز الا عن
واحدة ووجد في مسئلتنا فجاز وكذلك لو غدى رجلا واحدا عشرين يوما أو عشى رجلا واحدا في رمضان
عشرين يوما أجزأه عندنا لما ذكرنا وعند الشافعي لا يجوز لان عدد المساكين عنده شرط ولم يوجد والله سبحانه
وتعالى أعلم (وأما) الكسوة فالكلام فيها في ثلاثة مواضع في بيان قدرها وفي بيان صفتها وفي بيان مصرفها (أما)
الأول فأدنى الكسوة ثوب واحد جامع لكل مسكين قميص أو رداء أو كساء أو ملحفة أو جبة أو قباء أو ازار كبير
وهو الذي يستر البدن لان الله تعالى ذكر الكسوة ولم يذكر فيه التقدير فكلما يسمى لابسه مكتسيا يجزى وما لا فلا
ولابس ما ذكرنا يسمى مكتسيا فيجزى عن الكفارة ولا تجزى القلنسوة والخفان والنعلان لان لابسهما لا يسمى
مكتسيا إذا لم يكن عليه ثوب ولا هي تسمى كسوة في العرف وأما السراويل والعمامة فقد اختلفت الروايات فيها
روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمهم الله انه إذا أعطى مسكينا قباء أو كساء أو سراويل أو عمامة سابغة يجوز
وروى عن أبي يوسف أنه لا تجزى السراويل والعمامة وهو رواية عن محمد في الاملاء وروى هشام رحمه الله عنه
أن السراويل تجزيه وهذا لا يوجب اختلاف الرواية في العمامة لان في رواية الحسن شرط في العمامة أن تكون
سابغة فتحمل رواية عدم الجواز فيها على ما إذا لم تكن سابغة وهي أن لا تكفى تقميص واحد (وأما) السراويل
(فوجه) رواية الجواز تجوز فيه الصلاة فيجزى عن الكفارة كالقميص (ووجه) رواية عدم الجواز وهي التي صححها
القدوري رحمه الله أن لابس السراويل لا يسمى مكتسيا عرفا وعادة بل يسمى عريانا فلا يدخل تحت مطلق
الكسوة وذكر الطحاوي انه إذا كسا امرأة فإنه يزيد فيه الخمار وهذا اعتبار جواز الصلاة في الكسوة على ما روى
عن محمد لان رأسها عورة لا تجوز صلاتها مع انكشافه ولو أعطى كل مسكين نصف ثوب لم يجزه من الكسوة
ولكنه يجزى من الطعام عندنا إذا كان يساوى نصف صاع من حنطة (أما) عدم جوازه من الكسوة فلان
الواجب هو الكسوة ونصف ثوب لا يسمى كسوة لا يجوز أن تعتبر قيمته عن كسوة رديئة لان الشئ لا يكون بدلا
عن نفسه (وأما) جوازه عن الطعام إذا بلغ قيمته نصف صاع فلان القيمة تجوز بدلا عن الكسوة عندنا كما تجوز بدلا
105

عن الطعام والوجه فيه على نحو ما ذكرنا في الطعام وهل تشترط نية البدلية قال أبو يوسف تشترط ولا تجزى الكسوة
عن الطعام الا بالنية وقال محمد لا تشترط ونية التكفير كافية (وجه) قول محمد ان الواجب عليه ليس الا التكفير
فيستدعى نية التكفير وقد وجدت فيجزيه كما لو أعطى المساكين دراهم بنية الكفارة وهي لا تبلغ قيمة الكسوة وتبلغ
قيمة الطعام جازت عن الطعام ولو كانت لا تبلغ قيمة الطعام وتبلغ قيمة الكسوة جازت عن الكسوة من غير نية البدلية
كذا هذا (وجه) قول أبى يوسف ان المؤدى يحتمل الجواز عن نفسه لأنه يمكن تكميله بضم الباقي إليه فلا يصير بدلا
الا بجعله بدلا وذلك بالنية بخلاف الدراهم لأنه لا جواز لها عن نفسها لأنها غير منصوص عليها فكانت متعينة للبدلية فلا
حاجة إلى التعيين وكذلك لو كسا كل مسكين قلنسوة أو خفين أو نعلين لم يجزه في الكسوة وأجزأه في الطعام إذا كان
يساويه في القيمة عند أصحابنا لما قلنا وكذا لو أعطى عشرة مساكين ثوبا واحدا بينهم كثير القيمة نصيب كل مسكين
منهم أكثر من قيمة ثوب لم يجزه في الكسوة وأجزأه في الطعام لما ذكرنا ان الكسوة منصوص عليها فلا تكون بدلا عن
نفسها وتصلح بدلا عن غيرها كما لو أعطى كل مسكين ربع صاع من حنطة وذلك يساوى صاعا من تمر انه لا يجزى
عن الطعام وإن كان مد من حنطة يساوى ثوبا يجزى عن الكسوة لان الطعام يجوز أن يكون قيمة عن الثوب ولا
يجوز أن يكون قيمة عن الطعام لان الطعام كله شئ واحد لان المقصود منه واحد فلا يجوز بعضه عن بعض بخلاف
الطعام مع الكسوة لأنهما متغايران ذاتا ومقصودا فجاز أن يقوم أحدهما مقام الآخر وكذا لو أعطى عشرة مساكين
دابة أو عبدا وقيمته تبلغ عشرة أثواب جاز في الكسوة وان لم تبلغ قيمته عشرة أثواب وبلغت قيمة الطعام أجزأه عنه
عندنا لان دفع البدل في باب الكفارة جائز عندنا قال أبو يوسف لو أن رجلا عليه كفارة يمين فأعطى عشرة مساكين
مسكينا نصف صاع من حنطة ومسكينا صاعا من شعير ومسكينا ثوبا وغدى مسكينا وعشاه لم يجزه ذلك حتى يكمل
عشرة من أحد النوعين لان الله تبارك وتعالى جعل الكفارة أحد الأنواع الثلاثة من الاطعام أو الكسوة أو التحرير
بقوله تبارك وتعالى فكفارته اطعام عشرة مساكين إلى قوله تعالى أو كسوتهم وأو تتناول أحدها فلا تجوز الجمع بينها
لأنه يكون نوعا رابعا وهذا لا يجوز لكنه إذا اختار الطعام جاز له أن يعطى مسكينا حنطة ومسكينا شعيرا ومسكينا تمرا لان
اسم الطعام يتناول الكل ولو أعطى نصف صاع من تمر جيد يساوى نصف صاع من بر لم يجز الا عن نفسه بقدره لان
التمر منصوص عليه في الاطعام كالبر فلا يجزى أحدهما عن الآخر كما لا يجوز الثمن عن التمر ويجزى التمر عن الكسوة
لان المقصود من كل واحد منهما غير المقصود من الآخر فجاز اخراج أحدهما عن الآخر بالقيمة والله سبحانه وتعالى
أعلم (وأما) صفة الكسوة فهي انها لا تجوز الا على سبيل التمليك بخلاف الاطعام عندنا لان الكسوة لدفع حاجة الحر
والبرد وهذه الحاجة لا تندفع الا بتمليك لأنه لا ينقطع حقه الا به فأما الاطعام فلدفع حاجة الجوع وذلك يحصل بالطعم
لان حقه ينقطع به ويجوز أداء القيمة عن الكسوة كما يجوز عن الطعام عندنا خلافا للشافعي رحمه الله ولو دفع كسوة
عشرة مساكين إلى مسكين واحد في عشرة أيام جاز عندنا وعند الشافعي لا يجوز الا عن مسكين واحد كما في الاطعام
ولو أطعم خمسة مساكين على وجه الإباحة وكسا خمسة مساكين فان أخرج ذلك على وجه المنصوص عليه لا يجوز لما
ذكرنا أن الله تبارك وتعالى أوجب أحد شيئين فلا يجمع بينهما وان أخرجه على وجه القيمة فإن كان الطعام أرخص
من الكسوة أجزأه وإن كانت الكسوة أرخص من الطعام لم يجزه لان الكسوة تمليك فجاز أن تكون بدلا عن الطعام
ثم إذا كانت قيمة الكسوة مثل قيمة الطعام فقد أخرج الطعام وإن كانت أعلى فقد أخرج قيمة الطعام وزيادة فجاز
وصار كما لو أطعم خمسة مساكين طعام الإباحة وأدى قيمة طعام خمسة مساكين طعام الإباحة وأداء قيمة طعام خمسة
مساكين أو أكثر جائز عندنا كذا هذا وإذا كانت قيمة الكسوة أرخص من قيمة الطعام لا يكون الطعام بدلا عنه
لان طعام الإباحة ليس بتمليك فلا يقوم مقام التمليك وهو الكسوة لان الشئ لا يقوم مقام ما هو فوقه ولو أعطى خمسة
مساكين وكسا خمسة جاز وجعل أغلاهما ثمنا بدلا عن أرخصهما ثمنا أيهما كان لان كل واحد منهما تمليك فجاز أن
106

يكون أحدهما بدلا عن الآخر (وأما) مصرف الكسوة فمصرفها هو مصرف الطعام وقد ذكرناه (وأما) التحرير فلجوازه
عن التكفير شرائط تختص به (فمنها) ملك الرقبة حتى لو أعتق انسان عبده عن كفارة الغير لا يجوز وان أجاز ذلك الغير لان
الاعتاق وقع عنه فلا توقف على غيره وكذا لو قال لغيره أعتق عبدك عن كفارتي فأعتق لم يجز عن كفارته وعتق العبد
ولو قال أعتق عبدك على ألف درهم عن كفارة يميني فأعتقه أجزأه عند أصحابنا الثلاثة لان العتق يقع عن الآخر
وعند زفر رحمه الله لا يجزيه لان العتق عن المأمور ولو قال أعتق عبدك عنى عن كفارة يميني ولم يذكر البدل لم يجزه عن
الكفارة في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لان العتق يقع عن الآمر والمسألة قد مرت في كتاب الولاء فرق بين هذا
وبين الكسوة والاطعام ان هناك يجزيه عن الكفارة وان لم يذكر البدل وعن الاعتاق لا يجوز عندهما (ووجهه)
أن التمليك بغير بدل هبة ولا جواز لها بدون القبض ولم يوجد القبض في الاعتاق ووجد في الاطعام والكسوة لان
قبض الفقير يقوم مقام قبض المكفر (ومنها) أن تكون الرقبة كاملة للمعتق وهو أن تكون كلها ملك المعتق
وان شئت قلت ومنها حصول كمال العتق للرقبة بالاعتاق لان التحرير المطلق مضافا إلى الرقبة لا يتحقق بدونه وعلى
هذا يخرج ما إذا أعتق عبدين بينه وبين رجل انه لا يجزئه عن الكفارة لان اعتاق عبدين بين رجلين يوجب تفريق
العتق في شخصين فلا يحصل لكل واحد منهما عتق كامل لانعدام كمال الملك له في كل واحد منهما فالواجب
عليه صرف عتق كامل إلى شخص واحد فإذا فرقه لا يجوز كما لو أعطى طعام مسكين واحد إلى مسكينين
بخلاف شاتين بين رجلين ذكياهما عن نسكيهما أجزأهما لان الشركة في النسك جائزة إذا صاب كل واحد منهما
مقدار شاة بدليل انه يجوز بدنة واحدة لسبعة فكان الشرط في باب النسك أن يكون مقدار شاة وقد وجد وعلى
هذا يخرج ما إذا أعتق عبدا بينه وبين غيره وهو موسر أو معسر انه لا يجوز عن الكفارة عند أبي حنيفة رضي الله عنه
لنقصان الملك والعتق لان العتق يتجزأ عنده وعندهما إن كان موسرا يجوز وإن كان معسرا لا يجوز لأنه تجب
السعاية على العبد إذا كان معسرا فيكون اعتاقا بعوض وإذا كان موسرا لا سعاية على العبد (ومنها) أن تكون الرقبة
كاملة الرق لان المأمور به تحرير رقبة مطلقا والتحرير تخليص عن الرق فيقتضى كون الرقبة مرقوقة مطلقة ونقصان
الرق فوات جزء منه فلا تكون الرقبة مرقوقة مطلقة فلا يكون تحريرها مطلقا فلا يكون آتيا بالواجب وعلى هذا
يخرج تحرير المدبر وأم الولد عن الكفارة وانه لا يجوز لنقصان رقهما لثبوت الحرية من وجه أو حق الحرية بالتدبير
والاستيلاد حتى امتنع مليكها بالبيع والهبة وغيرهما (وأما) تحرير المكاتب عن الكفارة فجائز استحسانا إذا كان
لم يؤد شيئا من بدل الكتابة والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله ولو كان أدى شيئا من بدل
الكتابة لا يجوز تحريره عن الكفارة في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهما انه يجوز
ولو عجز عن أداء بدل الكتابة ثم أعتقه جاز بلا خلاف سواء كان أدى شيئا من بدل الكتابة أو لم يؤد (وجه)
القياس ان الاعتاق إزالة الملك وملك المولى من المكاتب زائل إذ الملك عبارة عن القدرة الشرعية على التصرفات
الحسية والشرعية من الاستخدام والاستفراش والبيع والهبة والإجارة ونحوها وهذه القدرة زائلة عن المولى
في حق المكاتب فإنه لا يملك شيئا من ذلك عليه والدليل انه لو قال كل مملوك لي حر لا يدخل فيه المكاتب
وكذا لو وطئت المكاتبة بشبهة كان العقر لها لا للمولى وإذا جنى على المكاتب كان الأرش له لا للمولى فدل ان ملكه
زائل فلا يجوز اعتاقه في الكفارة ولهذا نسلم له الأولاد والاكساب ولا يسلم ذلك بالاعتاق المبتدأ فدل ان
العتق يثبت بجهة الكتابة (ولنا) لبيان ان الملك ملك المولى النص ودلالة الاجماع والمعقول (اما) النص فقول النبي
عليه الصلاة والسلام المكاتب عبد ما بقي عليه درهم والعبد المضاف إلى العباد اسم للمملوك من بني آدم في عرف اللغة
والشرع ولهذا لو قال كل عبد لي فهو حر دخل فيه المكاتب والله جل وعلا أعلم (وأما) دلالة الاجماع فإنه لو أدى
بدل الكتابة أو أبرأه المولى عن البدل يعتق ولا عتق فيما لا يملكه ابن آدم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم
107

(وأما) المعقول فهو ان الملك كان ثابتا له فيه قبل العقد والعارض ليس الا لفظ الكتابة وليس فيه ما ينبئ عن زوال الملك
لان الكتابة تستعمل في الفرض والتقدير وفى الكتابة المعروفة وشئ من ذلك لا ينبئ عن زوال الملك فيبقى الملك
على ما كان قبل العقد (وأما) قوله إن الملك هو القدرة الشرعية على التصرفات الحسية والشرعية وهي غير ثابتة للمولى
فممنوع ان الملك هو القدرة بل هو اختصاص المالك بالمملوك فملك العين هو اختصاص المالك بالعين وكونه أحق
بالعين من غيره ثم قد يظهر أثره في جواز التصرفات وقد لا يظهر مع قيامه في نفسه لقيام حق الغير في المحل حقا محترما
كالمرهون والمستأجر وإنما لا يدخل في اطلاق قوله كل مملوك لي فهو حر لا لخلل في الملك لأنه لا خلل فيه كما بينا بل
لخلل في الإضافة لكونه حرا يدا فلم يدخل تحت مطلق الإضافة حتى لو نوى يدخل وسلامة الأولاد والاكساب
ممنوعة في الفرع والرواية فيما أدى بدل الكتابة أو أبرأه عنها كذا قال أستاذ أستاذي الشيخ الامام فخر الاسلام
علي بن محمد البزدوي ولئن سلمنا سلامة الاكساب والأولاد ولكن لم قلتم ان السلامة تثبت حكما لثبوت العتق بجهة
الكتابة السابقة بل تثبت حكما لثبوت العتق بالاعتاق الموجود في حال الكتابة بدليل انه يسقط عنه بدل الكتابة
وبدل الكتابة لا يسقط بثبوت العتق بجهة الكتابة بل يتقرر به (وأما) إذا كان أدى بعض بدل الكتابة فاعتقه
عن الكفارة فممنوع على رواية الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنه (وأما) التخريج على ظاهر الرواية فظاهر أيضا
لأنه لما أدى بعض بدل الكتابة فقد حصل للمولى عوضا عن بعض رقبته فيكون في معنى الاعتاق بعوض وذا
لا يجزئ عن التكفير كذا هذا والله عز وجل أعلم وعلى هذا يخرج ما إذا أعتق نصف عبده عن كفارة ثم أعتق
النصف الآخر عنها انه يجزئه (أما) على أصل أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فظاهر لان اعتاق النصف اعتاق الكل
لان العتق لا يتجزأ فلم يتطرق إلى الرق نقصان (واما) على أصل أبي حنيفة رضي الله عنه فالعتق وإن كان متجزئا
وحصل باعتاق النصف الأول نقصان لكن النقصان حصل مصروفا إلى الكفارة في رق النصف الآخر
لاستحقاقه حق الحرية بتخريجه إلى الاعتاق لأنه حين ما أعتق النصف الأول كان النصف الآخر على ملكه
فأمكن صرف النقصان إلى الكفارة فصار كأنه أعتق النصف وبعض النصف الكامل وهو ما انتقص منه ثم أعتق
البقية في المرة الثانية بخلاف ما إذا أعتق نصف عبد بينه وبين آخر وهو موسر فضمنه صاحبه نصف قيمته ثم أعتق
النصف الآخر انه لا يجوز عند أبي حنيفة رضي الله عنه لان اعتاق النصف الأول أوجب نقصانا في النصف
الباقي ولا يمكن أن يجعل كأنه صرف ذلك النقصان إلى الكفارة لأنه لا ملك له في ذلك النصف فبطل قدر النقصان
ولم يقع عن الكفارة ثم بعد أداء النصف الباقي صرفه إلى الكفارة وهو ناقص فيصير في الحقيقة معتقا عن الكفارة
عبدا الا قدر النقصان (وأما) على أصلهما فيجوز في المسئلتين لان العتق عندهما لا يتجزأ فكان اعتاق البعض
اعتاق الكل دفعة واحدة فلا يتمكن نقصان الرق في الرقبة فيجوز ولو أعتق عبدا حلال الدم جاز لان حل الدم
لا يوجب نقصانا في الرق فكان كامل الرق وإنما وجب عليه حق فأشبه العبد المديون (ومنها) أن تكون كاملة
الذات وهو أن لا يكون جنس من أجناس منافع أعضائها فائتا لأنه إذا كان كذلك كانت الذات هالكة من وجه
فلا يكون الموجود تحرير رقبة مطلقة فلا يجوز عن الكفارة وعلى هذا يخرج ما إذا أعتق عبدا مقطوع اليدين أو
الرجلين أو مقطوع يد واحدة ورجل واحدة من جانب واحد أو يابس الشق مفلوجا أو مقعد أو زمنا أو أشل اليدين
أو مقطوع الابهامين من اليدين أو مقطوع ثلاثة أصابع من كل يد سوى الابهامين أو أعمى أو مفقود العينين أو
معتوها مغلوبا أو أخرس أن لا يجوز عن الكفارة لفوات جنس من أجناس المنفعة وهي منفعة البطش بقطع اليدين
وشللهما وقطع الابهامين لان قطع الابهامين يذهب بقوة اليد فكان كقطع اليدين وقطع ثلاثة أصابع من كل يد لان
منفعة البطن تفوت به ومنفعة المشي بقطع الرجلين وبقطع يد ورجل من جانب والزمانة والفلج ومنعه النظر بالعمى
وفق ء العينين ومنفعة الكلام بالخرس ومنفعة العقل بالجنون ويجوز اعتاق الأعور ومفقود احدى العينين والأعشى
108

ومقطوع يد واحدة أو رجل واحدة ومقطوع يد ورجل من خلاف وأشل يد واحدة ومقطوع الإصبعين من كل
يد سوى الابهامين والعينين والخصي والمجبوب والخنثى والأمة الرتقاء والقرناء وما يمنع من الجماع لان منفعة الجنس
في هذه الأعضاء قائمة ويجوز مقطوع الاذنين لان منفعة السمع قائمة وإنما الاذن الشاخصة للزينة وكذا مقطوع
الانف لان الفائت هو الجمال (واما) منفعة الشم فقائمة وكذا ذاهب شعر الرأس واللحية والحاجبين لان الشعر
للزينة وكذا مقطوع الشفتين إذا كان يقدر على الاكل لان منفعة الجنس قائمة وإنما عدمت الزينة ولا يجزئ
ساقط الأسنان لأنه لا يقدر على الاكل ففاتت منفعة الجنس (وأما) الأصم فالقياس أن لا يجوز لفوات جنس المنفعة
وهي منفعة السمع فأشبه الأعمى ويجوز استحسانا لان أصل المنفعة لا يفوت بالصمم وإنما ينقص لان ما من أصم الا
ويسمع إذا بولغ في الصياح الا إذا كان أخرس كذا قيل فلا يفوت بالصمم أصل المنفعة بل ينتقص ونقصان منفعة
الجنس لا يمنع جواز التكفير وقيل هذا إذا كان في اذنه وقر فاما إذا كان بحال لو جهر بالصوت في اذنه لا يسمع لا يجوز
لو أعتق جنينا لم يجزه عن الكافرة وإن كان ولد بعد يوم جنايته لان المأمور به تحرير رقبة والجنين لا يسمى رقبة
ولأنه لا يبصر فأشبه الأعمى (ومنها) أن يكون الاعتاق بغير عوض فإن كان بعوض لا يجوز لان الكفارة عبارة
عما يكون شاقا على البدن فإذا قابله عوض لا يشق عليه اخراجه عن ملكه ولما ذكرنا ان كفارة اليمين إنما تجب لإذاقة
النفس مرارة زوال الملك بمقابلة ما استوفت من الشهوات في غير حلها وهذا المعنى لا يحصل إذا كان بعوض لأن الزائل
إلى عوض قائم معنى فلا يتحقق ما وضعت له هذه الكفارة وعلى هذا يخرج ما إذا أعتق عبده على مال عن
كفارته انه لا يجوز وان أبرأه بعد ذلك عن العوض لا يجوز أيضا لأنه وقع لا عن جهة التكفير ومضى على وجه فلا
ينقلب كفارة بعد ذلك كما لو أعتق بغير نية الكفارة ثم نوى بعد العتق ولو كان العبد بين رجلين أعتقه أحدهما وهو
معسر عن كفارته لا يجزيه لان للشريك أن يستسعى العبد في نفسه بالاتفاق فيصير في معنى الاعتاق بعوض ولو كان
في رقبة العبد دين فأعتقه المولى عن كفارته فاختار الغرماء استسعاء العبد أجزأه عن الكفارة لان السعاية ليست
بعوض عن الرق وإنما هي لدين لزم العبد قبل الحرية فيسعى وهو حر فلا يمنع جواز الاعتاق عن الكفارة وكذا
لو أعتق عبدا رهنا فسعى العبد في الدين فإنه يرجع على المولى ويجوز عن الكفارة لان السعاية ليست بدل الرق
لأنها ما وجبت للتخريج إلى الاعتاق لحصول العتق بالاعتاق السابق وإنما هي لدين لزمه عن المولى وإن كان موسرا
لا يجوز عند أبي حنيفة رضي الله عنه لنقصان الملك والرق أيضا على ما بينا ألا ترى أنه لا يعتق الا نصفه عنده
لتجزى العتق عنده وعندهما لا يجوز لان العتق لا يتجزأ عندهما فيتكامل ولا يتكامل الملك فيتملك نصيب الشريك
بمقتضى الاعتاق ويسار المعتق يمنع استسعاء العبد عندهما فعرى الاعتاق عن العوض فجاز ولو أعتق عبدا في مرض
موته عن الكفارة وليس له مال غيره لم يجزه عن الكفارة لأنه يعتق ثلثه ويسعى في ثلثيه فيصير بعضه ببدل
وبعضه بغير بدل فلم يجز والله سبحانه وتعالى أعلم (ومنها) الحنث في كفارة اليمين فلا يجوز تكفير اليمين قبل الحنث
وهو قول الشافعي رحمه الله في التكفير بالصوم (وأما) التكفير بالمال فجائز عنده والمسألة مرت في كتاب الايمان
(وأما) الموت فليس بشرط في كفارة القتل حتى يجوز التكفير فيها بعد الجرح قبل الموت وقد ذكرنا وجه
الفرق بين الكفارتين في كتاب الايمان والله عز وجل الموفق ويستوى في التحرير الرقبة الكبيرة والصغيرة
والذكر والأنثى لاطلاق اسم الرقبة في النصوص فان قيل الصغير لا منافع لأعضائه فينبغي أن لا يجوز اعتاقه عن
الكفارة كالذمي وكذا لا يجزى اطعامه عن الكفارة فكذا اعتاقه فالجواب عن الأول أن أعضاء الصغير سليمة
لكنها ضعيفة وهي بعرض أن تصير قوية فأشبه المريض وهذا لان سلامة الأعضاء إذا كانت ثابتة يشق عليه
اخراجه عن ملكه أكثر مما يشق عليه اخراج فائت جنس المنفعة وذا جائز فهذا أولى (وأما) اطعامه عن الكفارة
فجائز على طريق التمليك وإنما لا يجوز على سبيل الإباحة لأنه لا يأكل أكلا معتادا ويستوى فيه الرقبة المؤمنة
109

والكافرة وكذا في كفارة الظهار عندنا (وأما) في كفارة القتل فلا يجوز فيها الا المؤمنة بالاجماع وقال
الشافعي رضي الله عنه لا يجوز في الكفارات كلها الا المؤمنة والأصل فيه أن النص الوارد في كفارة اليمين وكفارة
الظهار مطلق عن قيد ايمان الرقبة والنص الوارد في كفارة القتل مقيد بقيد الايمان فحمل الشافعي رحمه الله المطلق على
المقيد ونحن أجرينا المطلق على اطلاقه والمقيد على تقييده (وجه) قوله أن المطلق في معنى المجمل والمقيد في معنى
المفسر والمجمل يحمل على المفسر ويصير النصان في معنى كنص المجمل والمفسر ولهذا حمل المطلق على المقيد في باب
الشهادة والزكاة وكفارة اليمين حتى شرطت العدالة لوجوب قبول الشهادة والاسامة لوجوب الزكاة وشرط التتابع
في صوم كفارة اليمين كذا ههنا (ولنا) وجهان أحدهما طريق مشايخنا بسمرقند وهو ان حمل المطلق على المقيد
ضرب النصوص بعضها في بعض وجعل النصين كنص واحد مع امكان العمل بكل واحد منهما وهذا لا يجوز
بخلاف المجمل لأنه غير ممكن العمل بظاهره والثاني طريق مشايخ العراق وهو أن حمل المطلق على المقيد نسخ للاطلاق
لان بعد ورود النص المقيد لا يجوز العمل بالمطلق بل ينسخ حكمه وليس النسخ الا بيان منتهى مدة الحكم الأول ولا
يجوز نسخ الكتاب بالقياس ولا بخبر الواحد وقوله المطلق في معنى المجمل ممنوع لان المجمل لا يمكن العمل بظاهره
والمطلق يمكن العمل بظاهره إذ هو اسم لما يتعرض للذات دون الصفات فيمكن العمل باطلاقه من غير الحاجة إلى
البيان فلا ضرورة إلى حمل المطلق على المقيد وفى الموضع الذي حمل إنما حمل لضرورة عدم الامكان وذلك عند اتحاد
السبب والحكم لاستحالة ثبوت حكم واحد في زمان واحد مطلقا ومقيدا فيخرج على البيان وعلى الناسخ وعلى
الاختلاف المعروف بين مشايخنا أن تقييد المطلق بيان أو نسخ وعند اختلاف السبب لا ضرورة فلا يحمل والله عز
وجل أعلم وبه تبين أن شرط الايمان في كفارة القتل ثبت نصا غير معقول المعنى فيقتصر على مورد النص ويمكن
أن يقال إن تحرير رقبة موصوفة بصفة الايمان في باب القتل ما وجب بطريق التكفير لان الكفارة كاسمها ستارة
للذنوب والمؤاخذات في الآخرة والله سبحانه وتعالى وضع المؤاخذة في الخطأ بدعاء النبي عليه أشرف التحية ربنا لا
تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا وقال النبي عليه الصلاة والسلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه
وإنما وجبت بطريق الشكر لسلامة نفسه في الدنيا عن القصاص وفى الآخرة عن العقاب لان حفظ النفس عن
الوقوع في الخطا مقدور في الجملة بالجهد والجد والتكلف فجعل الله سبحانه وتعالى تحرير رقبة موصوفة بكونها مؤمنة
شكرا لتلك النعمة والتحرير في اليمين والظهار يجب بطريق التكفير إذا لم يعرف ارتفاع المؤاخذة الثابتة ههنا فوجب
التحرير فيهما تكفيرا فلا يستقيم القياس فان قيل إذا حنث في يمينه خطأ كان التحرير شكرا على ما قلتم فينبغي أن
يقاس على القتل في ايجاب تحرير رقبة مؤمنة فالجواب أنه لا يمكن القياس في هذه الصورة أيضا لما ذكرنا أن تحرير
المؤمن جعل شكرا لنعمة خاصة وهي سلامة الحياة في الدنيا مع ارتفاع المؤاخذة في الآخرة وفى باب اليمين النعمة
هي ارتفاع المؤاخذة في الآخرة فحسب إذ ليس ثمة موجب دنيوي يسقط عنه فكانت النعمة في باب القتل فوق
النعمة في باب اليمين وشكر النعمة يجب على قدر النعمة كالجزاء على قدر الجناية ولا يعلم مقدار الشكر الا من علم مقدار
النعمة وهو الله سبحانه وتعالى فلا تمكن المقايسة في هذه الصورة أيضا والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) كفارة
الظهار والافطار والقتل فأما التحرير فجميع ما ذكرنا أنه شرط جوازه في كفارة اليمين فهو شرط جوازه في كفارة الظهار
والافطار والقتل وما ليس بشرط لجواز التحرير في كفارة اليمين فليس بشرط لجوازه في تلك الكفارات الا ايمان الرقبة
خاصة فإنه شرط الجواز في كفارة القتل بالاجماع وكذا كمال العتق قبل المسيس في كفارة الظهار وهذا تفريع على
مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه خاصة حتى لو أعتق نصف عبده ثم وطئ ثم أعتق ما بقي فعليه أن يستقبل عتق الرقبة
في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان العتق يتجزأ عند أبي حنيفة عليه الرحمة فلم يوجد تحرير كامل قبل المسيس فيلزمه
الاستقبال (وأما) الصوم فقدر الصوم في كفارة اليمين ثلاثة أيام لقوله سبحانه وتعالى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام وكذا
110

في كفارة الحلق لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه ذكرناه في كتاب الحج وفى القتل والظهار والافطار صوم
شهرين لورود النص به (وأما) شرط جواز هذه الصيامات فلجواز صيام الكفارة شرائط مخصوصة منها النية من
الليل حتى لا يجوز بنية من النهار بالاجماع لأنه صوم غير عين فيستدعى وجوب النية من الليل لما ذكرنا في كتاب الصوم
(ومنها) التتابع في غير موضع الضرورة في صوم كفارة الظهار والافطار والقتل بلا خلاف لان التتابع منصوص
عليه في هذه الكفارات الثلاثة قال الله تبارك وتعالى في كفارتي القتل والافطار فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين
وقال النبي عليه الصلاة والسلام للاعرابي صم شهرين متتابعين بخلاف صوم قضاء رمضان لان الله سبحانه وتعالى
أمر به من غير شرط التتابع بقوله تبارك وتعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر (وأما) صوم
كفارة اليمين فيشترط فيه التتابع أيضا عندنا وعند الشافعي لا يشترط بل هو بالخيار ان شاء تابع وان شاء فرق واحتج
بظاهر قوله تبارك وتعالى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام من غير شرط التتابع (ولنا) قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
ما فصيام ثلاثة أيام متتابعات وقراءته كانت مشهورة في الصحابة رضى الله تعالى عنهم فكانت بمنزلة الخبر المشهور
لقبول الصحابة رضي الله عنهم إياها تفسيرا للقرآن العظيم ان لم يقبلوها في كونها قرآنا فكانت مشهورة في حق حكم
الصحابة رضي الله عنهم إياها في حق وجوب العمل فكانت بمنزلة الخبر المشهور والزيادة على الكتاب الكريم
بالخبر المشهور جائزة بلا خلاف ويجوز بخبر الواحد وكذا عند بعض مشايخنا على ما عرف في أصول الفقه وعلى هذا
يخرج ما إذا أفطر في خلال الصوم انه يستقبل الصوم سواء أفطر لغير عذر أو لعذر مرض أو سفر لفوت شرط التتابع
وكذلك لو أفطر يوم الفطر أو يوم النحر أو أيام التشريق فإنه يستقبل الصيام سواء أفطر في هذه الأيام أو لم يفطر لأن الصوم
في هذه الأيام لا يصلح لاسقاط ما في ذمته لان ما في ذمته كامل والصوم في هذه الأيام ناقص لمجاورة المعصية
إياه والناقص لا ينوب عن الكامل ولو كانت امرأة فصامت عن كفارة الافطار في رمضان أو عن كفارة القتل
فحاضت في خلال ذلك لا يلزمها الاستقبال لأنها لا تجد صوم شهرين لا تحيض فيهما فكانت معذورة وعليها أن تصلى
أيام القضاء بعد الحيض بما قبله حتى لو لم تصلى وأفطرت يوما بعد الحيض استقبلت لأنها تركت التتابع من غير ضرورة
ولو نفست تستقبل لعدم الضرورة لأنها تجد شهرين لا نفاس فيهما ولو كانت في صوم كفارة اليمين فحاضت في
خلال ذلك تستقبل لأنها تجد ثلاثة أيام لا حيض فيها فلا ضرورة إلى سقوط اعتبار الشرط ولو جامع امرأته التي لم
يظاهر منها بالنهار ناسيا أو بالليل عامدا أو ناسيا أو أكل بالنهار ناسيا لا يستقبل لأن الصوم لم يفسد فلم يفت شرط التتابع
(ومنها) عدم المسيس في الشهرين في صوم كفارة الظهار سواء فسد الصوم أو لا في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو
يوسف الشرط عدم فساد الصوم حتى لو جامع امرأته التي ظاهر منها بالليل عامد أو ناسيا أو بالنهار ناسيا استقبل
عندهما وعند أبي يوسف يمضى على صومه وبه أخذ الشافعي (وجه) قول أبى يوسف ان هذا الجماع لا ينقطع به
التتابع لأنه لا يفسد الصوم فلا يجب الاستقبال كما لو جامع امرأة أخرى ثم ظاهر منها والصحيح قولنا لان المأمور
به صوم شهرين متتابعين لا مسيس فيهما بقوله فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فإذا جامع في
خلالهما فلم يأت بالمأمور به ولو جامعها بالنهار عامدا استقبل بالاتفاق (أما) عندهما فلوجود المسيس (وأما) عنده
فلانقطاع التتابع لوجود فساد الصوم (وأما) وجوب كفارة الحلق فصاحبه بالخيار ان شاء فرق لاطلاق قوله
تبارك وتعالى ففدية من صيام أو صدقة أو نسك من غير فصل (وأما) الاطعام في كفارتي الظهار والافطار فالكلام
في جوازه صفة وقدرا ومحلا كالكلام في كفارة اليمين وقد ذكرناه وعدم المسيس في خلال الاطعام في كفارة الظهار
ليس بشرط حتى لو جامع في خلال الاطعام لا يلزمه الاستئناف لان الله تبارك وتعالى لم يشترط ذلك في هذه الكفارة
لقوله سبحانه وتعالى فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا من غير شرط ترك المسيس الا أنه منع من الوطئ قبله لجواز أن
يقدر على الصوم أو الاعتكاف فتنتقل الكفارة إليهما فيتبين ان الوطئ كان حراما على ما ذكرنا في كتاب الظهار
111

والكلام في الاطعام في كفارة الحلق كالكلام في كفارة اليمين الا في عدد من يطعم وهم ستة مساكين لحديث كعب
ابن عجرة رضي الله عنه فأما في الصفة والقدر والمحل فلا يختلفان حتى يجوز فيه التمليك والتمكين وهذا قول أبى
يوسف وقال محمد لا يجوز فيها الا التمليك كذا حكى الشيخ القدوري رحمه الله الخلاف وذكر القاضي في شرحه مختصر
الطحاوي رحمه الله قول أبي حنيفة مع أبي يوسف (وجه) قول محمد رحمه الله ان جواز التمكين في طعام كفارة
اليمين لورود النص بلفظ الاطعام إذ هو في عرف اللغة اسم لتقديم الطعام على وجه الإباحة والنص ورد ههنا بلفظ
الصدقة وانها تقتضي التمليك لكنه معلل بدفع الحاجة والتصدق تمليك فأشبه الزكاة والعشر (ولهما) ان النص وان ورد
بلفظ الصدقة وانها تقتضي التمليك لكنه معلل بدفع الحاجة وذا يحصل بالتمكين فوق ما يحصل بالتمليك على ما بينا ولهذا
جاز دفع القيمة وان فسرت الصدقة بثلاثة أصوع في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه ولو وجب عليه كفارة
يمين فلم يجد ما يعتق ولا ما يكسو ولا ما يطعم عشرة مساكين وهو شيخ كبير لا يقدر على الصوم فأراد أن يطعم ستة
مساكين عن صيام ثلاثة أيام لم يجز الا أن يطعم عشرة مساكين لأن الصوم بدل والبدل لا يكون له بدل فإذا عجز عن
البدل تأخر وجوب الأصل وهو أحد الأشياء الثلاثة إلى وقت القدرة وإن كان عليه كفارة القتل أو الظهار أو
الافطار ولم يجد ما يعتق وهو شيخ كبير لا يقدر على الصوم ولا يجد ما يطعم في كفارة الظهار والافطار يتأخر الوجوب
إلى أن يقدر على الاعتاق في كفارة القتل وعلى الاعتاق أو الاطعام في كفارة الظهار والافطار لان ايجاب الفعل على
العاجز محال والله أعلم.
(كتاب الأشربة)
الكلام في هذا الكتاب في مواضع في بيان أسماء الأشربة المعروفة المسكرة وفي بيانها معانيها وفي بيان أحكامها وفي بيان حد السكر (أما) أسماؤها فالخمر والسكر والفضيح ونقيع الزبيب والطلاء والباذق والمنصف والمثلث والجمهوري
وقد يسمى أبوسقيا والخليطان والمزر والجعة والبتع (أما) بيان معاني هذه الأسماء أما الخمر فهو اسم للنئ من ماء العنب إذا
غلا واشتد وقذف بالزبد وهذا عند أبي حنيفة عليه الرحمة وعند أبي يوسف ومحمد عليهما الرحمة ماء العنب إذا غلا
واشتد فقد صار خمرا أو ترتب عليه أحكام الخمر قذف بالزبد أو لم يقذف به (وجه) قولهما أن الركن فيها معنى الاسكار
وذا يحصل بدون القذف بالزبد (وجه) قول أبي حنيفة رحمه الله أن معنى الاسكار لا يتكامل الا بالقذف بالزبد فلا
يصير خمرا بدونه (وأما) السكر فهو اسم للنئ من ماء الرطب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد أو لم يقذف على الاختلاف
وأما التفضيخ فهو اسم للنئ من ماء البسر المنضوخ وهو المدقوق إذا غلا واشتد وقذف بالزبد أولا على الاختلاف
(وأما) نقيع الزبيب فهو اسم للنئ من ماء الزبيب المنقوع في الماء حتى خرجت حلاوته إليه واشتد وقذف بالزبد
أولا على الخلاف (وأما) الطلاء فهو اسم للمطبوخ من ماء العنب إذا ذهب أقل من الثلثين وصار مسكرا ويدخل
تحت الباذق والمنصف لان الباذق هو المطبوخ أدنى طبخة من ماء العنب والمنصف هو المطبوع من ماء العنب إذا
ذهب نصفه وبقى النصف وقيل الطلاء هو المثلث وهو المطبوخ من ماء العنب حتى ذهب ثلثاه وبقى معتقا وصار
مسكرا (وأما) الجمهوري فهو المثلث يصب الماء بعد ما ذهب ثلثاه بالطبخ قدر الذاهب وهو الثلثان ثم يطبخ أدنى
طبخة ويصير مسكرا (وأما) الخليطان فهما التمر والزبيب أو البسر والرطب إذا خلطا ونبذا حتى غليا واشتدا (وأما)
المزر فهو اسم لنبيذ الذرة إذ صار مسكرا (وأما) الجعة فهو اسم لنبيذ الحنطة والشعير إذا صار مسكرا (وأما) البتع
فهو اسم لنبيذ العسل إذا صار مسكرا هذا بيان معاني هذه الأسماء (وأما) بيان أحكام هذه الأشربة أما الخمر فيتعلق
بها أحكام (منها) انه يحرم شرب قليلها وكثيرها الا عند الضرورة لأنها محرمة العين فيستوى في الحرمة قليلها وكثيرها
(والدليل) على أنها محرمة العين قوله سبحانه وتعالى رجس من عمل الشيطان وصف سبحانه وتعالى الخمر بكونها رجسا
112

وغير المحرم لا يوصف به فهذا يدل على كونها محرمة في نفسها وقوله عز من قائل إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة
الآية فدل على حرمة السكر فحرمت عينها والسكر منها وقال عليه الصلاة والسلام حرمت الخمر لعينها قليلها وكثيرها
والسكر من كل شراب الا أنه رخص شربها عند ضرورة العطش أو لاكراه قدر ما تندفع به الضرورة ولان حرمة
قليلها ثبتت بالشرع المحض فاحتمل السقوط بالضرورة كحرمة الميتة ونحو ذلك وكذا لا يجوز الانتفاع بها للمداواة
وغيرها لان الله تعالى لم يجعل شفاءنا فيما حرم علينا ويحرم على الرجل أن يسقى الصغير الخمر فإذا سقاه فالاثم عليه دون
الصغير لان خطاب التحريم يتناوله (ومنها) انه يكفر مستحلها لان حرمتها ثبتت بدليل مقطوع به وهو نص
الكتاب الكريم فكان منكر الحرمة منكر للكتاب (ومنها) انه يحد شاربها قليلا أو كثيرا لاجماع الصحابة
رضى الله تعالى عنهم على ذلك ولو شرب خمر ممزوجا بالماء إن كانت الغلبة للخمر يجب الحد وان غلب الماء عليها حتى
زال طعمها وريحها لا يجب لان الغلبة إذا كانت للخمر فقد بقي اسم الخمر ومعناها وإذا كانت الغلبة للماء فقد زال الاسم
والمعنى الا أنه يحرم شرب الماء الممزوج بالخمر لما فيه من أجزاء الخمر حقيقة وكذا يحرم شرب الخمر المطبوخ لان
الطبخ لا يحل حراما ولو شربها يجب الحد لبقاء الاسم والمعنى بعد الطبخ ولو شرب دردى الخمر لا حد عليه الا إذا
سكر لأنه لا يسمى خمرا ومعنى الخمرية فيه ناقص لكونه مخلوطا بغيره فأشبه المنصف وإذا سكر منه يجب حد السكر
كما في المنصف ويحرم شربه لما فيه من أجزاء الخمر ومن وجد منه رائحة الخمر أو قاء خمرا لا حد عليه لأنه يحتمل انه
شربها مكرها فلا يجب مع الاحتمال ولا حد على أهل الذمة وان سكروا من الخمر لأنها حلال عندهم وعن الحسن بن
زياد رحمه الله انهم يحدون إذا سكروا لان السكر حرام في الأديان كلها (ومنها) ان حد شرب الخمر وحد السكر
مقدر بثمانين جلدة في الأحرار لاجماع الصحابة رضي الله عنهم وقياسهم على حد القذف حتى قال سيدنا علي رضي الله عنه
إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وحد المفترين ثمانون وبأربعين في العبيد لان الرق منصف للحد كحد القذف
والزنا قال الله تعالى جل وعلا فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب (ومنها) انه يحرم على
المسلم تمليكها وتملكها بسائر أسباب الملك من البيع والشراء وغير ذلك لان كل ذلك انتفاع بالخمر وانها محرمة الانتفاع
على المسلم وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال يا أهل المدينة ان الله تبارك وتعالى قد أنزل تحريم الخمر فمن
كتب هذه الآية وعنده شئ منها فلا يشربها ولا يبيعها فسكبوها في طرق المدينة الا أنها تورث لان الملك في الموروث
ثبت شرعا من غير صنع العبد فلا يكون ذلك من باب التمليك والتملك والخمر لم تكن متقومة فهي مال عندنا فكانت
قابلة للملك في الجملة (ومنها) انه لا يضمن متلفها إذا كانت لمسلم لأنها ليست متقومة في حق المسلم وإن كانت مالا في
حقه واتلاف مال غير متقوم لا يوجب الضمان وإن كانت لذمي يضمن عندنا خلافا للشافعي رحمه الله وهي من مسائل
الغصب (ومنها) أنها نجسة غليظة حتى لو أصاب ثوبا أكثر من قدر الدرهم يمنع جواز الصلاة لان الله تبارك وتعالى
سماها رجسا في كتابه الكريم بقوله رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ولو بل بها الحنطة فغسلت وجففت وطحنت
فإن لم يوجد منها طعم الخمر ورائحتها يحل أكله وان وجد لا يحل لان قيام الطعم والرائحة دليل بقاء أجزاء الخمر
وزوالها دليل زوالها ولو سقيت بهيمة منها ثم ذبحت فان ذبحت ساعة ما سقيت به تحل من غير كراهة لأنها في
أمعائها بعد فتطهر بالغسل وان مضى عليها يوم أن أكثر تحل مع الكراهة لاحتمال أنها تفرقت في العروق والأعصاب
(ومنها) إذا تخللت بنفسها يحل شرب الخل بلا خلاف لقوله عليه الصلاة والسلام نعم الادام الخل وإنما يعرف التخلل
بالتغير من المرارة إلى الحموضة بحيث لا يبقى فيها مرارة أصلا عند أبي حنيفة رضي الله عنه حتى لو بقي فيها بعض
المرارة لا يحل وعند أبي يوسف ومحمد تصير خلا بظهور قليل الحموضة فيها لان من أصل أبي حنيفة رحمه الله ان العصير
من ماء العنب لا يصير خمرا الا بعد تكامل معنى الخمرية فيه فكذا الخمر لا يصير خلا الا بعد تكامل معنى الخلية فيه
وعندهما يصير خمرا بظهور دليل الخمرية ويصير خلا بظهور دليل الخلية فيه هذا إذا تخللت بنفسها فاما إذا خللها
113

صاحبها بعلاج من خل أو ملح أو غيرهما فالتخليل جائز والخل حلال عندنا وعند الشافعي لا يجوز التخليل
ولا يحل الخل وان خللها بالنقل من موضع إلى موضع فلا شك أنه يحل عندنا وللشافعي رحمه الله قولان واحتج
بما روى أن بعد نزول تحريم الخمر كانت عند أبي طلحة الأنصاري رحمه الله خمور لأيتام فجاء إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقال ما نصنع بها يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام ارقها فقال أبو طلحة أفلا أخللها قال عليه
الصلاة والسلام لا نص عليه الصلاة والسلام على النهى عن التخليل وحقيقة النهى للتحريم ولان في الاشتغال
بالتخليل احتمال الوقوع في الفساد ويتجنس الظاهر منه ضرورة وهذا لا يجوز بخلاف ما إذا تخللت بنفسها (ولنا) ما
روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال أيما اهاب دبغ فقد طهر كالخمر إذا تخلل فيحل فحقق عليه الصلاة والسلام
التخليل وأثبت حل الخل شرعا ولان التخليل سبب لحصول الحل فيكون مباحا استدلالا بما إذا أمسكها حتى
تخللت والدليل على أنه سبب لحصول الحل ان بهذا الصنع صار المائع حامضا بحيث لا يبين في الذوق أثر المرارة فلا
يخلوا ما إن كان ذلك لغلبة الحموضة المرارة مع بقائها في ذاتها واما إن كان لتغير الخمر من المرارة إلى الحموضة لا سبيل إلى
الأول لأنه لا حموضة في الملح لتغلب المرارة وكذا بالقاء حلو قليل يصير حامضا في مدة قليلة لا تتخلل بنفسها عادة
والقليل لا يغلب الكثير فتعين ان ظهور الحموضة باجراء الله تعالى العادة على أن مجاوزة الخل يغيرها من المرارة إلى الحموضة
في مثل هذا الزمان فثبت ان التخليل سبب لحصول الحل فيكون مباحا لأنه حينئذ يكون اكتساب مال
متقوم عندنا وعنده يكون اكتساب المال وكل ذلك مشروع (وأما) الحديث فقد روى أن أبا طلحة رحمه الله لما قال
أفلا أخللها قال عليه الصلاة والسلام نعم فتعارضت الروايتان فسقط الاحتجاج على أنه يحمل على النهى عن التخليل
لمعنى في غيره وهو دفع عادة العامة لان القوم كانوا حديثي العهد بتحريم الخمر فكانت بيوتهم لا تخلو عن خمر وفى البيت
غلمان وجواري وصبيان وكانوا ألفوا شرب الخمر وصار عادة لهم وطبيعة والنزوع عن العادة أمر صعب فقيم البيت
إن كان ينزجر عن ذلك ديانة فقل ما يسلم الاتباع عنها لو أمر بالتخليل إذ لا يتخلل من ساعتها بل بعد وقت معتبر
فيؤدى إلى فساد العامة وهذا لا يجوز وقد انعدم ذلك المعنى في زماننا ليقرر التحريم ويألف الطبع تحريمها حملناه على
هذا دفعا للتناقض عن الدليل وبه تبين ان ليس فيما قلناه احتمال الوقوع في الفساد وقوله تنجيس الظاهر من غير
ضرورة نعم لكن لحاجة وانه لجائز كدبغ جلد الميتة والله سبحانه وتعالى أعلم ثم لا فرق في ظاهر الرواية بين ما إذا
القى فيها شيئا قليلا من الملح أو السمك أو الخل أو كثيرا حتى تحل في الحالين جميعا وروى عن أبي يوسف أنه إن كان
الخل كثيرا لا يحل (وجه) رواية أبى يوسف رحمه الله ان الملقى من الخل إذا كان قليلا فهذا تخليل لظهور الحموضة
فيها بطريق التغيير فاما إذا كان كثير فهذا ليس بتخليل بل هو تغليب لغلبة الحموضة المرارة فصار كما لو القى فيها كثيرا
من الحلاوات حتى صار حلو أنه لا يحل بل يتنجس الكل فكذا هذا (وجه) ظاهر الرواية ان كل ذلك تخليل أما إذا
لكان قليلا فظاهر وكذلك إذا كان كثيرا لما ذكرنا ان ظهور الحموضة عند القاء الملح والسمك لا يكون بطريق
التغليب لانعدام الحموضة فيهما فتعين أن يكون بطريق التغيير وفى الكثير يكون أسرع والله سبحانه وتعالى أعلم
(وأما) السكر والفضيخ ونقيع الزبيب فيحرم شرب قليلها وكثيرها لما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال
الخمر من هاتين الشجرتين وأشار عليه الصلاة والسلام إلى النخلة والكرمة والتي ههنا هو المستحق لاسم الخمر فكان
حراما وسئل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن التداوي بالسكر فقال إن الله تبارك وتعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم
عليكم وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال السكر هي الخمر ليس لها كنية وروى أنه لما سئل عن نقيع الزبيب قال
الخمر أحيتها أشار إلى علة الحرمة وهي أن ايقاع الزبيب في الماء احياء للخمر لان الزبيب إذا نقع في الماء يعود عنبا
فكان نقيعه كعصير العنب ولان هذا لا يتخذ الا للسكر فيحرم شرب قليلها وكثيرها فان قيل أليس أن الله تبارك وتعالى
قال ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا وهذا خرج مخرج تذكير النعمة والتنبيه على
114

شكرها فيدل على حلها فالجواب قيل إن الآية منسوخة بآية تحريم الخمر فلا يصح الاحتجاج بها والثاني ان لم تكن
منسوخة فيحتمل ان ذلك خرج مخرج التغيير أي انكم تجعلون ما أعطاكم الله تعالى من ثمرات النخيل والأعناب
التي هي حلال بعضها حراما وهو الشراب والبعض حلالا وهو الدبس والزبيب والخل ونحو ذلك نظيره قوله تعالى
قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا وعلى هذا كانت الآية حجة عليكم لان التغيير على
الحرام لا على الحلال ولا يكفر مستحلها ولكن يضلل لان حرمتها دون حرمة الخمر لثبوتها بدليل غير مقطوع به من
أخبار الآحاد وآثار الصحابة رضي الله عنهم على ما ذكرنا ولا يحد بشرب القليل منها لان الحد إنما يجب بشرب
القليل من الخمر ولم يوجد بالسكر لان حرمة السكر من كل شراب كحرمة الخمر لثبوتها بدليل مقطوع به وهو نص
الكتاب العزيز قال الله تعالى جل شأنه في الآية الكريمة إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر
والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون وهذه المعاني تحصل بالسكر من كل شرب فكانت
حرمة السكر من كل شراب ثابتة بنص الكتاب العزيز كحرمة الخمر ولهذا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
الحرمتين في قوله عليه الصلاة والسلام حرمت عليكم الخمر لعينها قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب ومعلوم أنه
عليه الصلاة والسلام ما أراد به أصل الحرمة لان ذلك لا يقف على السكر في كل شراب دل ان المراد منه الحرمة
الكاملة التي لا شبهة فيها كحرمة الخمر وكذا جمع سيدنا علي رضي الله عنه بينهما في الحد فقال فيما أسكر من النبيذ ثمانون
وفى الخمر قليلها وكثيرها ثمانون ويجوز بيعها عند أبي حنيفة مع الكراهة وعند أبي يوسف ومحمد لا يجوز أصلا
(وجه) قولهما ان محل البيع هو المال وانه اسم لما يباح الانتفاع به حقيقة وشرعا ولم يوجد فلا يكون مالا
فلا يجوز بيعها كبيع الخمر (وجه) قول أبي حنيفة رضي الله عنه ان البيع مبادلة شئ مرغوب فيه بشئ مرغوب
فيه قال الله تبارك وتعالى أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين وقد وجد ههنا
لان الأشربة مرغوب فيها والمال اسم لشئ مرغوب فيه الا أن الخمر مع كونها مرغوبا فيها لا يجوز بيعها بالنص الذي
روينا والنص ورد باسم الخمر فيقتصر على مورد النص وعلى هذا الخلاف إذا أتلفها انسان يضمن عنده وعندهما
لا يضمن (ومنها) حكم نجاستها فقد روى عن أبي حنيفة رضي الله عنه انها لو أصابت الثوب أكثر من قدر الدرهم
تمنع جواز الصلاة لأنه يحرم شرب قليلها وكثيرها كالخمر فكانت نجاستها غليظة كنجاسة الخمر وروى أنها لا تمنع
أصلا لان نجاسة الخمر إنما ثبتت بالشرع بقوله عز شأنه رجس من عمل الشيطان فيختص باسم الخمر وعن أبي
يوسف رحمه الله انه اعتبر فيها الكثير الفاحش كما في النجاسة الحقيقية لأنها وإن كانت محرمة الانتفاع لكن
حرمتها دون حرمة الخمر حتى لا يكفر مستحلها ولا يحد بشرب القليل منها فأوجب ذلك خفة في نجاستها هذا الذي
ذكرنا حكم النئ من عصير العنب ونبيذ التمر ونقيع الزبيب (وأما) حكم المطبوخ منها اما عصير العنب إذا طبخ أدنى
طبخة وهو الباذق أو ذهب نصفه وبقى النصف وهو المنصف فيحرم شرب قليله وكثيره عند عامة العلماء رضي الله عنه
م وروى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله الأول أنه مباح وهو قول حماد بن أبي سليمان ويصح قول العامة لأنه
إذا ذهب أقل من الثلثين بالطبخ فالحرام فيه بان وهو ما زاد على الثلث والدليل على أن الزائد على الثلث حرام ما روى
عن سيدنا عمر رضي الله عنه انه كتب إلى عمار بن ياسر رضي الله عنه انى أتيت بشراب من الشام طبخ حتى ذهب ثلثاه
وبقى ثلثه يبقى حلاله ويذهب حرامه وريح جنونه فمر من قبلك فليتوسعوا من أشربتهم نص على أن الزائد على الثلث
حرام وأشار إلى أنه ما لم يذهب ثلثاه فالقوة المسكرة فيه قائمة وكان ذلك بمحضر من الصحابة الكرام رضي الله عنهم ولم
ينقل عنهم خلافه فكان اجماعا منهم ولا يحد شاربه ما لم يسكر وإذا سكر حدولا يكفر مستحله لما مر ويجوز معه عند
أبي حنيفة وإن كان لا يحل شربه وعندهما لا يحل شربه ولا يجوز بيعه على ما ذكرنا هذا إذا طبخ عصير العنب فإذا
طبخ العنب كما هو فقد حكى أبو يوسف عن أبي حنيفة رضي الله عنهما ان حكمه حكم العصير لا يحل حتى يذهب ثلثاه
115

وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهما ان حكمه حكم الزبيب حتى لو طبخ أدنى طبخة يحل بمنزلة الزبيب (وأما)
المطبوخ من نبيذ التمر ونقيع الزبيب أدنى طبخة والمنصف منهما فيحل شربه ولا يحرم الا السكر منه وهو طاهر يجوز
بيعه ويضمن متلفه وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف رضي الله عنهما وعن محمد رحمه الله روايتان في رواية لا يحل شربه
لكن لا يجب الحد الا بالسكر وفى رواية قال لا أحرمه ولكن لا أشرب منه والحجج تذكر في المثلث فأبو حنيفة وأبو
يوسف رحمهما الله يحتاجان إلى الفرق بين المطبوخ أدنى طبخة والمنصف من عصير العنب (ووجه) الفرق لهما أن
طبخ العصير على هذا الحد وهو أن يذهب أقل من ثلثيه لا أثر له في العصر لان بعد الطبخ بقيت فيه قوة الاسكار بنفسه
الا ترى أنه لو ترك يغلى ويشتد من غير أن يخلط بغيره كما كان قبل الطبخ لم يعمل فيه هذا النوع من الطبخ فبقي على حاله
بخلاف نبيذ التمر ونقيع الزبيب لأنه ليس فيه قوة الاسكار بنفسه ألا ترى أنه لو ترك على حاله ولا يخلط به الماء لم يحتمل
الغليان أصلا كعصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقى ثلثه الماء يغلى ويسكر إذا خلط فيه الماء وإذا لم يكن مسكرا
بنفسه بل بغيره جاز أن يتغير حاله بالطبخ بخلاف العصير على ما ذكرنا والى هذا أشار سيدنا عمر رضي الله عنه فيما روينا
عنه من قوله يذهب حرامه وريح جنونه يعنى إذا كان يغلى بنفسه من غير صب الماء عليه فقد بقي سلطانه وإذا صار
بحيث لا يغلى بنفسه بأن طبخ حتى ذهب ثلثاه فقد ذهب سلطانه والله سبحانه وتعالى أعلم هذا إذا نقع الزبيب المدقوق
في الماء ثم طبخ نقيعه أدنى طبخة فأما إذا نقع الزبيب كما هو وصفى ماؤه ثم طبخ أدنى طبخة فقد روى محمد عن أبي
حنيفة وأبى يوسف رحمهم الله أنه لا يحل حتى يذهب بالطبخ ثلثاه ويبقى ثلثه ووجهه ما ذكرنا أن انقاع الزبيب
احياء للعنب فلا يحل به عصيره الا بما يحل به عصير العنب وروى عن أبي يوسف رحمه الله أنه يعتبر في ذلك أدنى طبخة
لأنه زبيب انتفخ بالماء فلا يتغير حكمه والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) المثلث فنقول لا خلاف في أنه ما دام حلوا
لا يسكر يحل شربه (وأما) المعتق المسكر فيحل شربه للتداوي واستمراء الطعام والتقوى على الطاعة عند أبي
حنيفة وأبى يوسف رضي الله عنهما وروى محمد رحمه الله أنه لا يحل وهو قول الشافعي رحمه الله وأجمعوا على أنه لا
يحل شربه للهو والطرب كذا روى أبو يوسف رحمه الله في الأمالي وقال لو أراد أن يشرب المسكر فقليله وكثيره
حرام وقعوده لذلك والمشي إليه حرام (وجه) قول محمد والشافعي رحمهما الله ما روى عن سيدتنا عائشة رضي الله عنه
ا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أسكر كثيره فقليله حرام وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال كل
مسكر من عصير العنب إنما سمى خمرا لكونه مخامرا للعقل ومعنى المخامرة يوجد في سائر الأشربة المسكرة وأبو حنيفة
وأبو يوسف رضي الله عنهما احتجا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة الكرام رضي الله عنهم
(أما) الحديث فما ذكره الطحاوي رحمه الله في شرح الآثار عن عبد الله بن سيدنا عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبي عليه
الصلاة والسلام اتى بنبيذ فشمه فقطب وجهه لشدته ثم دعا بماء فصبه عليه وشرب منه (وأما) الآثار فمنها ما
روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه كان يشرب النبيذ الشديد ويقول إنا لننحر الجزور وأن العتق منها لا آل عمر ولا
يقطعه الا النبيذ الشديد (ومنها) ما روينا عنه أنه كتب إلى عمار بن ياسر رضي الله عنهما أنى أتيت بشراب من الشام
طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقى ثلثه يبقى حلاله ويذهب حرامه وريح جنونه فمر من قبلك فليتوسعوا من أشربتهم نص
على الحل ونبه على المعنى وهو زوال الشدة المسكرة بقوله ويذهب ريح جنونه وندب إلى الشرب بقوله فليتوسعوا من
أشربتهم (ومنها) ما روى عن سيدنا على رضى الله تعالى عنه أنه أضاف قوما فسقاهم فسكر بعضهم فحده فقال الرجل
تسقيني ثم تحدني فقال سيدنا علي رضي الله عنه إنما أحدك للسكر وروى هذا المذهب عن عبد الله بن عباس
و عبد الله بن سيدنا عمر رضى الله تعالى عنهما أنه قال حين سئل عن النبيذ اشرب الواحد والاثنين والثلاثة فإذا خفت
السكر فدع وإذا ثبت الاحلال من هؤلاء الكبار من الصحابة الكرام رضى الله تعالى عنهم فالقول بالتحريم يرجع
إلى تفسيقهم وأنه بدعة ولهذا عد أبو حنيفة رضي الله عنه احلال المثلث من شرائط مذهب السنة والجماعة فقال في
116

بيانها أن يفضل الشيخين ويحب الختنين وأن يرى المسح على الخفين وأن لا يحرم نبيذ الخمر لما أن في القول بتحريمه
تفسيق كبار الصحابة رضى الله تعالى عنهم والكف عن تفسيقهم والامساك عن الطعن فيهم من شرائط السنة
والجماعة (وأما) ما ورد من الاخبار ففيها طعن ثم بها تأويل ثم قول بموجبها (أما) الطعن فان يحيى بن معين رحمه الله قد
ردها وقال لا تصح عن النبي عليه الصلاة والسلام وهو من نقلة الأحاديث فطعنه يوجب جرحا في الحديثين (وأما)
التأويل فهو أنها محمولة على الشرب للتلهي توفيقا بين الدلائل صيانة لها عن التناقض (وأما) القول بالموجب فهو أن
المسكر عندنا حرام وهو القدح الأخير لان المسكر ما يحصل به الاسكار وأنه يحصل بالقدح الأخير وهو حرام قليله
وكثيره وهذا قول بموجب الأحاديث ان ثبتت بحمد الله تعالى (وأما) قولهم إن هذه الأشربة خمر لوجود معنى الخمر
فيها وهو صفة مخامرة العقل قلنا اسم الخمر للنئ من ماء العنب إذا صار مسكرا حقيقة ولسائر الأشربة مجاز لان معنى
الاسكار والمخامرة فيه كامل وفى غيره من الأشربة ناقص فكان حقيقة له مجازا لغيره وهذا لأنه لو كان حقيقة لغيره
لكان الامر لا يخلو من أحد وجهين اما أن يكون اسما مشتركا وأما أن يكون اسما عاما لا سبيل إلى الأول لان شرط
الاشتراك اختلاف المعنى فالاسم المشترك ما يقع على مسميات مختلفة الحدود والحقائق كاسم العين ونحوها وههنا
ما اختلف ولا سبيل إلى الثاني لان من شرط العموم أن تكون أفراد العموم متساوية في قبول المعنى الذي وضع له
اللفظ لا متفاوتة ولم يوجد التساوي ههنا وإذا لم يكن بطريق الحقيقة تعين أنه بطريق المجاز فلا يتناولها مطلق اسم الخمر
والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) الجمهوري فحكمه حكم المثلث لأنه مثلث يرق بصب الماء عليه ثم يطبخ أدنى طبخة لئلا
يفسد (وأما) الخليطان فحكمهما عند الاجتماع ما هو حكمهما عند الانفراد من النئ عنهما والمطبوخ وقد ذكرناه
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن شرب التمر والزبيب جميعا والزهو والرطب جميعا وهو محمول
على النئ والسكر منه والله عز وجل أعلم وروى أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن نبيذ البسر والتمر والزبيب جميعا
ولو طبخ أحدهما ثم صب قدح من النئ فيه أفسده سواء كان من جنسه أو خلاف جنسه لأنه اجتمع الحلال
والحرام فيغلب الحرام الحلال ولو خلط العصير بالماء فان ترك حتى اشتد لا شك أنه لا يحل وان طبخ حتى ذهب
ثلثاه ففيه نظر إن كان الماء هو الذي يذهب أولا بالطبخ يطبخ حتى يذهب قدر الماء ثم يطبخ العصير حتى يذهب ثلثاه
فيحل وإن كان الماء والعصير يذهبان معا بالطبخ حتى يذهب ثلثا الجملة فلا يحل والله عز وجل أعلم (وأما) المزر والجعة
والبتع وما يتخذ من السكر والتين ونحو ذلك فيحل شربه عند أبي حنيفة رضي الله عنه قليلا كان أو كثيرا مطبوخا
كان أو نيأ ولا يحد شاربه وان سكر وروى عن محمد رحمه الله أنه حرام بناء على أصله وهو أن ما أسكر كثيره فقليله
حرام كالمثلث وقال أبو يوسف رحمه الله ما كان من هذه الأشربة يبقى بعد ما يبلغ عشرة أيام ولا يفسد فانى أكرهه
وكذا روى عن محمد ثم رجع أبو يوسف عن ذلك إلى قول أبي حنيفة رضي الله عنه (وجه) قول أبى يوسف الأول
ان بقاءه وعدم فساده بعد هذه المدة دليل شدته وشدته دليل حرمته (وجه) قول أبي حنيفة رحمه الله ان الحرمة
متعلقة بالخمرية لا تثبت الا بشدة والشدة لا توجد في هذه الأشربة فلا تثبت الحرمة والدليل على انعدام الخمرية أيضا
ما روينا عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال الخمر من هاتين الشجرتين ذكر عليه الصلاة والسلام الخمر بلام
الجنس فاقتضى اقتصار الخمرية على ما يتخذ من الشجرتين وإنما لا يجب الحد وان سكر منه لأنه سكر حصل بتناول
شئ مباح وأنه لا يوجب الحد كالسكر الحاصل من تناول البنج والخبز في بعض البلاد بخلاف ما إذا سكر بشرب المثلث
أنه يجب الحد لان السكر هناك حصل بتناول المحظور وهو القدح الأخير (وأما) ظروف الأشربة المحرمة فيباح
الشرب منها إذا غسلت الا الخزف الجديد الذي يتشرب فيها على الاختلاف الذي عرف في كتاب الصلاة والأصل
فيه قول النبي عليه الصلاة والسلام انى كنت نهيتكم عن الشرب في الدباء والحنتم والمزفت الا فاشربوا في كل ضرف
فان الظروف لا تحل شيئا ولا تحرمه (وأما) بيان حد السكر الذي يتعلق به وجوب الحد فقد اختلف في حده قال
117

أبو حنيفة رضي الله عنه السكران الذي يحد هو الذي لا يعقل قليلا ولا كثيرا ولا يعقل الأرض من السماء والرجل من
المرأة وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى ومحمد رحمه الله السكران هو الذي يغلب على كلامه الهذيان وروى عن أبي
يوسف أن يمتحن بقل يا أيها الكافرون فيستقرأ فإن لم يقدر على قراءتها فهو سكران لما روى أن رجلا صنع طعاما
فدعى سيدنا أبا بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا عليا وسيدنا سعد بن أبي وقاص رضى الله تعالى عنهم
فأكلوا وسقاهم خمرا وكان قبل تحريم الخمر فحضرتهم صلاة المغرب فأمهم واحد منهم فقرأ قل يا أيها الكافرون على طرح
لا أعبد ما تعبدون فنزل قوله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون
وهذا الامتحان غير سديد لان من السكارى من لم يتعلم هذه السورة من القرآن أصلا ومن تعلم فقد يتعذر عليه قراءتها
في حالة الصحو خصوصا من لا اعتناء له بأمر القرآن فكيف في حالة السكر وقال الشافعي رحمه الله إذا شرب حتى ظهر
أثره في مشيه وأطرافه وحركاته فهو سكران وهذا أيضا غير سديد لان هذا أمر لا ثبات له لأنه يختلف باختلاف
أحوال الناس منهم من يظهر ذلك منه بأدنى شئ ومنهم من لا يظهر فيه وان بلغ به السكر غايته (وجه) قولهما شهادة
العرف والعادة فان السكران في متعارف الناس اسم لمن هذى واليه أشار سيدنا علي رضي الله عنه بقوله إذا سكر هذى
وإذا هذى افترى وحد المفترى ثمانون وأبو حنيفة عليه الرحمة يسلم ذلك في الجملة فيقول أصل السكر يعرف بذلك
لكنه اعتبر في باب الحدود ما هو الغاية في الباب احتيالا للدرء المأمور به بقوله صلى الله عليه وسلم ادرؤا الحدود ما
استطعتم ولا يعرف بلوغ السكر غايته الا بما ذكر والله عز وجل أعلم.
(كتاب الاستحسان)
وقد يسمى كتاب الحظر والإباحة وقد يسمى كتاب الكراهة والكلام في هذا الكتاب في الأصل في موضعين
في بيان معنى اسم الكتاب وفي بيان أنواع المحظورات والمباحات المجموعة فيه (أما) الأول فالاستحسان يذكر
ويراد به كون الشئ على صفة الحسن ويذكر ويراد به فعل المستحسن وهو رؤية الشئ حسنا يقال استحسنت
كذا أي رأيته حسنا فأحتمل تخصيص هذا الكتاب بالتسمية بالاستحسان لاختصاص عامة ما أورد فيه من
الأحكام بحسن ليس في غيرها ولكونها على وجه يستحسنها العقل والشرع (وأما) التسمية بالحظر والإباحة فتسمية
طابقت معناها ووافقت مقتضاها لاختصاصه ببيان جملة من المحظورات والمباحات وكذا التسمية بالكراهة لان
الغالب فيه بيان المحرمات وكل محرم مكروه في الشرع لان الكراهة ضد المحبة والرضا قال الله تبارك وتعالى وعسى أن
تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والشرع لا يحب الحرام ولا يرضى به الا أن ما تثبت حرمته
بدليل مقطوع به من نص الكتاب العزيز أو غير ذلك فعادة محمد أنه يسميه حراما على الاطلاق وما تثبت حرمته
بدليل غير مقطوع به من أخبار الآحاد وأقاويل الصحابة الكرام رضي الله عنهم وغير ذلك يسميه مكروها وربما
يجمع بينهما فيقول حرام مكروه اشعارا منه ان حرمته ثبتت بدليل ظاهر لا بدليل قاطع (وأما) بيان أنواع المحرمات
والمحللات المجموعة فيه فنقول وبالله تعالى التوفيق المحرمات المجموعة في هذا الكتاب في الأصل نوعان نوع ثبتت
حرمته في حق الرجال والنساء جميعا ونوع ثبتت حرمته في حق الرجال دون النساء (أما) الذي ثبتت حرمته في
حق الرجال والنساء جميعا فبعضها مذكور في مواضعه في الكتب فلا نعيده ونذكر ما لا ذكر له في الكتب ونبدأ بما
بدأ به محمد رحمه الله الكتاب وهو حرمة النظر والمس والكلام فيها في ثلاث مواضع أحدها في بيان ما يحل من ذلك
ويحرم للرجل من المرأة والمرأة من الرجل والثاني في بيان ما يحل ويحرم للرجل من الرجل والثالث في بيان ما يحل
ويحرم للمرأة من المرأة (أما) الأول فلا يمكن الوصول إلى معرفته الا بعد معرفة أنواع النساء فنقول وبالله تعالى التوفيق
النساء في هذا الباب سبعة أنواع نوع منهن المنكوحات ونوع منهن المملوكات ونوع منهن ذوات الرحم المحرم
118

وهو الرحم المحرم للنكاح كالأم والبنت والعمة والخالة ونوع منهن ذوات الرحم بلا محرم وهن المحارم من جهة الرضاع
والمصاهرة ونوع منهن مملوكات الاغيار ونوع منهن من لا رحم لهن أصلا ولا محرم وهن الأجنبيات الحرائر ونوع
منهن ذوات الرحم بلا محرم وهو الرحم الذي لا يحرم النكاح كبنت العم والعمة والخال والخالة (أما) النوع الأول وهو
المنكوحات فيحل للزوج النظر إلى زوجته ومسها من رأسها إلى قدمها لأنه يحل له وطؤها لقوله تعالى والذين هم
لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين وانه فوق النظر والمس فكان احلالا لهما
من طريق الأولى إلى أنه لا يحل له وطؤها في حالة الحيض لقوله تبارك وتعالى ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى
فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فصارت حالة الحيض مخصوصة عن عموم النص الذي تلونا وهل
يحل الاستمتاع بها فيما دون الفرج اختلف فيه قال أبو حنيفة وأبو يوسف رضي الله عنهما لا يحل الاستمتاع بما فوق
الإزار وقال محمد رحمه الله يجتنب شعار الدم وله ما سوى ذلك واختلف المشايخ في تفسير قولهما بما فوق الإزار قال
بعضهم المراد منه ما فوق السرة فيحل الاستمتاع بما فوق سرتها ولا يباح بما تحتها إلى الركبة وقال بعضهم المراد منه مع
الإزار فيحل الاستمتاع بما تحت سرتها سوى الفرج لكن مع المئزر لا مكشوفا ويمكن العمل بعموم قولهما بما فوق
الإزار لأنه يتناول ما فوق السرة وما تحتها سوى الفرج مع المئزر إذ كل ذلك فوق الإزار فيكون عملا بعموم اللفظ والله
سبحانه وتعالى أعلم (وجه) قول محمد ظاهر قوله تبارك وتعالى ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى جعل الحيض أذى
فتختص الحرمة بموضع الأذى وقد روى أن سيدتنا عائشة رضي الله عنها سئلت عما يحل للرجل من امرأته
الحائض فقالت يتقى شعار الدم وله ما سوى ذلك (ووجه) قولهما ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
لنا ما تحت السرة وله ما فوقها وروى أن أزواج النبي عليه الصلاة والسلام كن إذا حضن أمرهن أن يتزرن ثم يضاجعهن
ولان الاستمتاع بها بما يقرب من الفرج سبب الوقوع في الحرام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ان لكل ملك
حمى وان حمى الله محارمه فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه وفى رواية من رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه
والمستمتع بالفخذ يحوم حول الحمى ويرتع حوله فيوشك ان يقع فيه دل ان الاستمتاع به سبب الوقوع في الحرام
وسبب الحرام حرام أصله الخلوة بالأجنبية (وأما) الآية الكريمة فحجة عليه لان ما حول الفرج لا يخلو عن الأذى
عادة فكان الاستمتاع به استعمال الأذى وقول سيدتنا عائشة رضي الله عنها له ما سوى ذلك أي مع الإزار فحمل على
هذا توفيقا بين الدلائل صيانة لها عن التناقض وكذلك المرأة يحل لها النظر إلى زوجها واللمس من فرقه إلى قدمه لأنه
حل لها ما هو أكثر من ذلك وهو التمكين من الوطئ فهذا أولى ويحل النظر إلى عين فرج المرأة المنكوحة لان الاستمتاع
به حلال فالنظر إليه أولى الا أن الأدب غض البصر عنه من الجانبين لما روى عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت
قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نظرت إلى ما منه ولا نظر إلى ما منى ولا يحل اتيان الزوجة في دبرها لان الله
تعالى عز شأنه نهى عن قربان الحائض ونبه على المعنى وهو كون المحيض أذى والأذى في ذلك المحل أفحش وأذم
فكان أولى بالتحريم وروى عن سيدنا علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أتى حائضا
أو امرأة في دبرها أو أتى كاهنا فصدقة فيما يقول فهو كافر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم نهى عن اتيان النساء في
محاشهن أي أدبارهن وعلى ذلك جاءت الآثار من الصحابة الكرام رضي الله عنهم انها سميت اللوطية
الصغرى ولان حل الاستمتاع في الدنيا لا يثبت لحق قضاء الشهوات خاصة لان لقضاء الشهوات خاصة دار أخرى
وإنما يثبت لحق قضاء الحاجات وهي حاجة بقاء النسل إلى انقضاء الدنيا الا أنه ركبت الشهوات في البشر للبعث على
قضاء الحاجات وحاجة النسل لا تحتمل الوقوع في الادبار فلو ثبت الحل لثبت لحق قضاء الشهوة خاصة والدنيا لم تخلق
له (وأما) النوع الثاني وهن المملوكات فحكمهم حكم المنكوحات فيحل للمولى النظر إلى سائر بدن جاريته ومسها من
رأسها إلى قدمها لأنه حل له ما هو أكثر منه لقوله عز وجل أو ما ملكت أيمانكم الآية الا أن حالة الحيض صارت
119

مخصوصة فلا يقربها في حالة الحيض ولا يأتي في دبرها لما ذكرنا من الدلائل وفى الاستمتاع بها فيما دون الفرج على
الاختلاف وكذا إذا ملكها بسائر أسباب الملك لا يحل له أن يقربها قبل أن يستبرئها والأصل فيه ما روى عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في سبايا أوطاس الا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة ولان
فيه خوف اختلاف المياه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه
زرع غيره وكذا فيه وهم ظهور الحبل بها فيدعيه ويستحقها فيتبين انه يستمتع بملك الغير (وأما) الدواعي من القبلة
والمعانقة والنظر إلى الفرج عن شهوة فلا يحل عند عامة العلماء الا في المسببة وقال مكحول رحمه الله يحل (وجه) قوله أن
الملك في الأصل مطلق التصرف ولهذا لم تحرم الدواعي في المسببة ولا على الصائم فكان ينبغي أن لا يحرم القربان أيضا
الا أن الحرمة عرفناها بالنص فتقتصر الحرمة على مورد النص على أن النص إن كان معلولا بخوف اختلاط المياه فهذا
معنى لا يحتمل التعدية إلى الدواعي فلا يتعدى إليها (وجه) قول العامة ان حرمة القربان إنما تثبت خوفا عن توهم
العلوق وظهور الحبل وعند الدعوة والاستحقاق يظهر ان الاستمتاع صادف ملك الغير وهذا المعنى موجود في
الدواعي من المستبرأة ونحوها فيتعدى إليها ولا يتعدى في المسببة فيقتصر الحكم فيها على مورد النص ولان الاستمتاع
بالدواعي وسيلة إلى القربان والوسيلة إلى الحرام حرام أصله الخلوة وهذا أولى لان الخلوة في التوسل إلى الحرام دون
المس فكان تحريمها تحريما للمس بطريق الأولى كما في تحريم التأفيف من الضرب والشتم ومن اعتمد على هذه
النكتة منع فضل المسبية وزعم أن لا نص فيها عن أصحابنا وهو غير سديد فان حل الدواعي من المسبية منصوص
عليه من محمد رحمه الله فلا يستقيم المنع فكان الصحيح هو العلة الأولى وحرمة الدواعي في باب الظهار والاحرام
ثبت لمعنى آخر ذكرناه في كتاب الحج والظهار (وأما) النوع الثالث وهو ذات الرحم المحرم فيحل للرجل
النظر من ذوات محارمه إلى رأسها وشعرها وأذنيها وصدرها وعضدها وثديها وساقها وقدمها لقوله تبارك
وتعالى ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن أو آبائهن الآية نهاهن سبحانه وتعالى عن ابداء الزينة مطلقا واستثنى سبحانه
ابداءها للمذكورين في الآية الكريمة منهم ذو الرحم المحرم والاستثناء من الحظر إباحة في الظاهر والزينة نوعان
ظاهر وهو الكحل في العين والخاتم في الإصبع والفتخة للرجل وباطنة وهو العصابة للرأس والعقاص للشعر
والقرط للاذن والحمائل للصدر والدملوج للعضد والخلخال للساق والمراد من الزينة مواضعها لا نفسها لان
ابداء نفس الزينة ليس بمنهى وقد ذكر سبحانه وتعالى الزينة مطلقة فيتناول النوعين جميعا فيحل النظر إليها بظاهر
النص ولان المخالطة بين المحارم للزيارة وغيرها ثابتة عادة فلا يمكن صيانة مواضع الزينة عن الكشف الا بحرج
وانه مدفوع شرعا وكل ما جاز النظر إليه منهن من غير حائل جاز مسه لان المحرم يحتاج إلى اركابها وانزالها في المسافرة
معها وتتعذر صيانة هذه المواضع عن الانكشاف فيتعذر على المحرم الصيانة عن مس المكشوف ولان حرمة النظر
إلى هذه المواضع ومسها من الأجنبيات إنما ثبت خوفا عن حصول الشهوة الداعية إلى الجماع والنظر إلى هذه
الأعضاء ومسها في ذوات المحارم لا يورث الشهوة لأنهما لا يكونان للشهوة عادة بل للشفقة ولهذا جرت العادة
فيما بين الناس بتقبيل أمهاتهم وبناتهم وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من الغزو قبل
رأس السيدة فاطمة رضي الله عنها وهذا إذا لم يكن النظر والمس عن شهوة ولا غلب على ظنه انه لا يشتهى فاما إذا
كان يشتهى أو كان غالب ظنه وأكبر رأيه انه لو نظر أو مس اشتهى لم يجز له النظر والمس لأنه يكون سببا للوقوع في
الحرام فيكون حراما ولا بأس أن يسافر بها إذا أمن الشهوة لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثا فما فوقها الا ومعها زوجها أو ذو رحم محرم منها ولان الذي
يحتاج المحرم إليه في السفر مسها في الحمل والانزال ويحل له مسها فتحل المسافرة معها وكذا لا بأس أن يخلو بها إذا
أمن على نفسه لأنه لما حل المس فالخلوة أولى فان خاف على نفسه لم يفعل لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
120

أنه قال لا يخلون الرجل وان قبل حموها الا حموها الموت وهو محمول على حالة الخوف أو يكون نهى ندب وتنزيه
والله سبحانه وتعالى أعلم ولا يحل النظر إلى بطنها وظهرها والى ما بين السرة والركبة منها ومسها لعموم قوله تبارك
وتعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم الآية الا انه سبحانه وتعالى رخص النظر للمحارم إلى مواضع الزينة
الظاهرة والباطنة بقوله عز شأنه ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن أو آبائهن الآية فبقي غض البصر عما وراءها مأمورا
به وإذا لم يحل النظر فالمس أولى لأنه أقوى ولان رخصة النظر إلى مواضع الزينة للحاجة التي ذكرناها ولا حاجة إلى
النظر إلى ما وراءها فكان النظر إليها بحق الشهوة وانه حرام ولان الله تبارك وتعالى جعل الظهار منكرا من القول
وزورا والظهار ليس الا تشبيه المنكوحة بظهر الام في حق الحرمة ولو لم يكن ظهر الام حرام النظر والمس لم يكن
الظهار منكرا من القول وزورا فيؤدى إلى الخلف في خبر من يستحيل عليه الخلف هذا إذا كانت هذه الأعضاء
مكشوفة فاما إذا كانت مستورة بالثياب واحتاج ذو الرحم المحرم إلى اركابها وانزالها فلا بأس بان يأخذ بطنها أو ظهرها
أو فخذها من وراء الثوب إذا كان يأمن على نفسه لما ذكرنا ان مس ذوات الرحم المحرم لا يورث الشهوة عادة
خصوصا من وراء الثوب حتى لو خاف الشهوة في المس لا يمسه وليجتنب ما استطاع وكل ما يحل للرجل من ذوات
الرحم المحرم منه من النظر والمس يحل للمرأة ذلك من ذي رحم محرم منها وكل ما يحرم عليه يحرم عليها والله عز وجل
أعلم (وأما) النوع الرابع وهو ذوات المحرم بلا رحم فحكمهن حكم ذوات الرحم المحرم وقد ذكرناه والأصل فيه قول
النبي عليه الصلاة والسلام يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وروى أن أفلح بن أبي القعيس رحمه الله استأذن
أن يدخل على سيدتنا عائشة رضى الله تعالى عنها فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال عليه الصلاة
والسلام ليلج عليك فإنه عمك أرضعتك امرأة أخيه (وأما) النوع الخامس وهو مملوكات الاغيار فحكمهن أيضا
في حل النظر والمس وحرمتهما حكم ذوات الرحم المحرم فيحل النظر إلى مواضع الزينة منهن ومسها ولا يحل ما سوى
ذلك والأصل فيه ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مس ناصية أمة ودعا لها بالبركة وروى أن سيدنا عمر
رضى الله تعالى عنه رأى أمة متقنعة فعلاها بالدرة وقال القى عنك الخمار يادفار أتتشبهين بالحرائر فدل على حل النظر إلى
رأسها وشعرها وأذنها وروى عن سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه انه مر بجارية تعرض على البيع فضرب بيده على
صدرها وقال اشتروا ولو كان حراما لم يتوهم منه رضي الله عنه أن يمسها ولان بالناس حاجة إلى النظر إلى هذه المواضع
ومسها عند البيع والشراء لمعرفة بشرتها من اللين والخشونة ونحو ذلك لاختلاف قيمتها باختلاف أطرافها فألحقت
بذوات الرحم المحرم دفعا للحرج عن الناس ولهذا يحل بهن المسافرة بلا محرم ولا حاجة إلى المس والنظر إلى غيرها لأنها
تصير معلومة بالنظر إلى الأطراف ومسها وهذا إذا أمن على نفسه الشهوة فإن لم يأمن وخاف على نفسه أن يشتهى لو نظر
أو مس فلا بأس أن ينظر إليها وان اشتهى إذا أراد أن يشتريها فلابد له من النظر لما قلنا فيحتاج إلى النظر فصار النظر
من المشترى بمنزلة النظر من الحاكم والشاهد والمتزوج فلا بأس بذلك وإن كان عن شهوة فكذا هذا وكذا لا بأس
له أن يمس وان اشتهى إذا أراد أن يشتريها عند أبي حنيفة رضي الله عنه وروى عن محمد رحمه الله انه يكره للشاب مس
شئ من الأمة والصحيح قول أبي حنيفة رضي الله عنه لان المشترى يحتاج إلى العلم ببشرتها ولا يحصل ذلك الا باللمس
فرخص للضرورة وكذا يحل للأمة النظر والمس من الرجل الأجنبي ما فوق السرة ودون الركبة الا ان تخاف
الشهوة فتجتنب كالرجل وكل جواب عرفته في القنة فهو الجواب في المدبرة وأم الولد لقيام الرق فيهما (وأما) النوع
السادس وهو الأجنبيات الحرائر فلا يحل النظر للأجنبي من الأجنبية الحرة إلى سائر بدنها الا الوجه والكفين
لقوله تبارك وتعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم الا ان النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة وهي الوجه والكفان
رخص بقوله تعالى ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها والمراد من الزينة مواضعها ومواضع الزينة الظاهرة الوجه
والكفان فالكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف ولأنها تحتاج إلى البيع والشراء والاخذ والعطاء ولا يمكنها
121

ذلك عادة الا بكشف الوجه والكفين فيحل لها الكشف وهذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه وروى الحسن عن
أبي حنيفة رحمهما الله انه يحل النظر إلى القدمين أيضا (وجه) هذه الرواية ما روى عن سيدتنا عائشة رضى الله تعالى عنها
في قوله تبارك وتعالى الا ما ظهر منها القلب والفتخة وهي خاتم أصبع الرجل فدل على جواز النظر إلى القدمين ولان
الله تعالى نهى عن ابداء الزينة واستثنى ما ظهر منها والقدمان ظاهرتان ألا ترى انهما يظهران عند المشي فكانا من
جملة المستثنى من الحظر فيباح ابداؤهما (وجه) ظاهر الرواية ما روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال في
قوله جل شأنه الا ما ظهر منها انه الكحل والخاتم وروى عنه في رواية أخرى أنه قال الكف والوجه فيبقى ما وراء
المستثنى على ظاهر النهى ولان إباحة النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها للحاجة إلى كشفها في الاخذ والعطاء ولا حاجة
إلى كشف القدمين فلا يباح النظر إليهما ثم إنما يحل النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منها من غيرة شهوة فاما عن شهوة
فلا يحل لقوله عليه الصلاة والسلام العينان تزنيان وليس زنا العينين الا النظر عن شهوة ولان النظر عن شهوة سبب
الوقوع في الحرام فيكون حراما الا في حالة الضرورة بان دعى إلى شهادة أو كان حاكما فأراد أن ينظر إليها ليجيز اقرارها
عليها فلا بأس أن ينظر إلى وجهها وإن كان لو نظر إليها لاشتهى أو كان أكبر رأيه ذلك لان الحرمات قد يسقط
اعتبارها لمكان الضرورة ألا ترى انه خص النظر إلى عين الفرج لمن قصد إقامة حسبة الشهادة على الزنا ومعلوم ان
النظر إلى الفرج في الحرمة فوق النظر إلى الوجه ومع ذلك سقطت حرمته لمكان الضرورة فهذا أولى وكذا إذا أراد
أن يتزوج امرأة فلا بأس أن ينظر إلى وجهها وإن كان عن شهوة لان النكاح بعد تقديم النظر أدل على الألفة
والموافقة الداعية إلى تحصيل المقاصد على ما قال النبي عليه الصلاة والسلام للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه حين أراد
أن يتزوج امرأة اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أو يدوم بينكما دعاه عليه الصلاة والسلام إلى النظر مطلقا وعلل
عليه الصلاة والسلام بكونه وسيلة إلى الألفة والموافقة (وأما) المرأة فلا يحل لها النظر من الرجل الأجنبي ما بين السرة
إلى الركبة ولا بأس أن تنظر إلى ما سوى ذلك إذا كانت تأمن على نفسها والأفضل للشاب غض البصر عن وجه
الأجنبية وكذا الشابة لما فيه من خوف حدوث الشهوة والوقوع في الفتنة يؤيده المروى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم
ا أنه قال في قوله تبارك وتعالى الا ما ظهر منها انه الرداء والثياب فكان غض البصر وترك النظر أزكى وأطهر
وذلك قوله عز وجل قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم وروى أن أعميين دخلا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده بعض أزواجه سيدتنا عائشة رضي الله عنها وأخرى فقال لهما قوما فقالتا
انهما أعميان يا رسول الله فقال لهما اعميا وان أنتما الا إذا لم يكونا من أهل الشهوة بأن كان شيخين كبيرين لعدم احتمال
حدوث الشهوة فيهما والعبد فيما ينظر إلى مولاته كالحر الذي لا قرابة بينه وبينها سواء وكذا الفحل والخصي والعنين
والمخنث إذا بلغ مبلغ الرجال سواء لعموم قوله تبارك وتعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم واطلاق قوله عز شأنه
ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها ولان الرق والخصاء لا يعدمان الشهوة وكذا العنة والخنوثة (أما) الرق فظاهر (وأما)
الخصاء فان الخصي رجل الا أنه مثل به إلى هذا أشارت سيدتنا عائشة رضي الله عنها فقالت إنه رجل مثل به أفتحل له
المثلة ما حرم الله تبارك وتعالى على غيره (وأما) العنة والخنوثة فالعنين والمخنث رجلان فان قيل أليس ان المملوك بملك
اليمين للمرأة مستثنى من قوله جل وعلا ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن إلى قوله عز شأنه الا ما ملكت أيمانهن من غير
فصل بين العبد والأمة والاستثناء من الحظر إباحة فالجواب ان قوله سبحانه وتعالى الا ما ملكت أيمانهن ينصرف إلى
الإماء لان حكم العبيد صار معلوما بقوله سبحانه وتعالى أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال إذ العبد من جملة التابعين
من الرجال فكان قوله عز شأنه الا ما ملكت ايمانهن مصروفا إلى الإماء لئلا يؤدى إلى التكرار فان قيل حكم الإماء
صار معلوما بقوله تبارك وتعالى أو التابيعن فالصرف إليهن يؤدى إلى التكرار أيضا فالجواب ان المراد بالنساء الحرائر
فوقعت الحاجة إلى تعريف حكم الإماء فأبان بقوله جل شأنه أو ما ملكت أيمانهن ان حكم الحرة والأمة فيه سواء
122

وروى عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها انها قالت كان يدخل على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا
يعدونه من غير أولى الإربة فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو ينعت امرأة فقال لا أرى هذا يعلم
ما ههنا لا يدخل عليكن فحجبوه وكذا روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة رضي الله عنها وعندها
مخنث فاقبل على أخي أم سلمة فقال يا عبد الله ان فتح الله عليكم غدا الطائف دللتك علي بنت غيلان فإنها تقبل بأربع
وتدبر بثمان فقال عليه الصلاة والسلام لا أرى يعرف هذا ما ههنا لا يدخلن عليكم هذا إذا بلغ الأجنبي مبلغ الرجال
فإن كان صغيرا لم يظهر على عورات النساء ولا يعرف العورة من غير العورة فلا بأس لهن من ابداء الزينة لهم لقوله جل
وعلا أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء مستثنى من قوله عز شأنه ولا يبدين زينتهن الا لمن ذكر والطفل في
اللغة الصبي ما بين أن يولد إلى يحتلم وأما الذي يعرف التمييز بين العورة وغيرها وقرب من الحلم فلا ينبغي لها أن
تبدي زينتها له ألا ترى ان مثل هذا الصبي أمر بالاستئذان في بعض الأوقات بقوله تبارك وتعالى والذين لم يبلغوا
الحلم منكم ثلاث مرات الا إذا لم يكونا من أهل الشهوة بأن كانا شيخين كبيرين لعدم احتمال حدوث الشهوة فيهما
وروى أن أعميين دخلا على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده بعض أزواجه سيدتنا عائشة وأخرى فقال
لهما قوما فقالتا انهما أعميان يا رسول الله فقال اعميا وان أنتما هذا حكم النظر إلى الوجه والكفين وأما حكم مس هذين
العضوين فلا يحل مسهما لان حل النظر للضرورة التي ذكرناها ولا ضرورة إلى المس مع ما ان المس في بعث الشهوة
وتحريكها فوق النظر وإباحة أدنى الفعلين لا يدل على أعلاهما هذا إذا كان شابين فإن كانا شيخين كبيرين فلا
بأس بالمصافحة لخروج المصافحة منهما من أن تكون مورثة للشهوة لانعدام الشهوة وقد روى أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يصافح العجائز ثم إنما يحرم النظر من الأجنبية إلى سائر أعضائها سوى الوجه والكفين أو القدمين
أيضا على اختلاف الروايتين إذا كانت مكشوفة فاما إذا كانت مستورة بالثوب فإن كان ثوبها صفيقا لا يلتزق
ببدنها فلا بأس أن يتأملها ويتأمل جسدها لان المنظور إليه الثوب دون البدن وإن كان ثوبها رقيقا يصف ما تحته
ويشف أو كان صفيقا لكنه يلتزق ببدنها حتى يستبين له جسدها فلا يحل له النظر لأنه إذا استبان جسدها كانت
كاسية صورة عارية حقيقة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله الكاسيات العاريات وروى عن سيدتنا
عائشة رضي الله عنها انها قالت دخلت على أختي السيدة أسماء وعليها ثياب شامية رقاق وهي اليوم عندكم صفاق فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه ثياب تمجها سورة النور فامر بها فأخرجت فقلت يا رسول الله زارتني أختي فقلت
لها ما قلت فقال يا عائشة ان المرأة إذا حاضت لا ينبغي أن يرى منها الا وجهها وكفاها فان ثبت هذا من النبي عليه الصلاة
والسلام كان تفسيرا لقوله عز وجل الا ما ظهر منها فدل على صحة الرواية ان الحرة لا يحل النظر منها الا إلى وجهها
وكفيها والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) النوع السابع وهو ذوات الرحم بلا محرم فحكمهن حكم الأجنبيات
الحرائر لعموم الامر بغض البصر والنهى عن ابداء زينتهن الا للمذكورين في محل الاستثناء وذو الرحم بلا محرم غير
مذكور في المستثنى فبقيت منهية عن ابداء الزينة له والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) الثاني وهو ما يحل من ذلك ويحرم
للرجل من الرجل فنقول وبالله التوفيق يحل للرجل أن ينظر من الرجل الأجنبي إلى سائر جسده الا ما بين السرة
والركبة الا عند الضرورة فلا بأس أن ينظر الرجل من الرجل إلى موضع الختان ليختنه ويداويه بعد الختن وكذا إذا
كان بموضع العورة من الرجل قرح أو جرح أو وقعت الحاجة إلى مداواة الرجل ولا ينظر إلى الركبة ولا بأس بالنظر
إلى السرة فالركبة عورة والسرة ليست بعورة عندنا وعند الشافعي على العكس من ذلك والصحيح قولنا لما روى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ما تحت السرة عورة والركبة ما تحتها فكانت عورة الا ان ما تحت الركبة صار
مخصوصا فبقيت الركبة تحت العموم ولان الركبة عضو مركب من عظم الساق والفخذ على وجه يتعذر تمييزه والفخذ
من العورة والساق ليس من العورة فعند الاشتباه يجب العمل بالاحتياط وذلك فيما قلنا بخلاف السرة لأنه اسم لموضع
123

معلوم لا اشتباه فيه وقد روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه كان إذا اتزر أبدى سرته ولو كانت عورة لما احتمل منه
كشفها هذا حكم النظر (وأما) حكم المس فلا خلاف في أن المصافحة حلال لقوله عليه الصلاة والسلام تصافحوا تحابوا
وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال إذا لقى المؤمن أخاه فصافحه تناثرت ذنوبه ولان الناس يتصافحون في سائر الأعصار
في العهود والمواثيق فكانت سنة متوارثة واختلف في القبلة والمعانقة قال أبو حنيفة رضي الله عنه ومحمد رحمه
الله يكره للرجل أن يقبل فم الرجل أو يده أو شيئا منه أو يعانقه وروى عن أبي يوسف رحمه الله أنه لا بأس به (ووجهه)
ما روى أنه لما قدم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه من الحبشة عانقه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل بين
عينيه وأدنى درجات فعل النبي الحل وكذا روى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا رجعوا من أسفارهم
كان يقبل بعضهم بعضا ويعانق بعضهم بعضا واحتجا بما روى أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل أيقبل
بعضنا بعضا فقال لا فقيل أيعانق بعضنا بعضا فقال عليه الصلاة والسلام لا فقيل أيصافح بعضنا بعضا فقال عليه
الصلاة والسلام نعم وذكر الشيخ أبو منصور رحمه الله ان المعانقة إنما تكره إذا كانت شبيهة بما وضعت للشهوة في
حالة التجرد فاما إذا قصد بها المبرة والاكرام فلا تكره وكذا التقبيل الموضوع لقضاء الوطر والشهوة هو المحرم فإذا
زال عن تلك الحالة أبيح وعلى هذا الوجه الذي ذكره الشيخ يحمل الحديث الذي احتج به أبو يوسف رحمه الله والله
أعلم بالصواب (وأما) الثالث وهو بيان ما يحل من ذلك وما يحرم للمرأة من المرأة فكل ما يحل للرجل أن ينظر إليه من
الرجل يحل للمرأة أن تنظر إليه من المرأة وكل ما لا يحل له لا يحل لها فتنظر المرأة من المرأة إلى سائر جسدها الا ما بين
السرة والركبة لأنه ليس في نظر المرأة إلى المرأة خوف الشهوة والوقوع في الفتنة كما ليس ذلك في نظر الرجل إلى الرجل
حتى لو خافت ذلك تجتنب عن النظر كما في الرجل ولا يجوز لها أن تنظر ما بين سرتها إلى الركبة الا عند الضرورة بأن كانت
قابلة فلا بأس لها أن تنظر إلى الفرج عند الولادة وكذا لا بأس أن تنظر إليه لمعرفة البكارة في امرأة العنين والجارية
المشتراة على شرط البكارة إذا اختصما وكذا إذا كان بها جرح أو قرح في موضع لا يحل للرجال النظر إليه فلا بأس أن
تداويها إذا علمت المداواة فإن لم تعلم تعلم ثم تداويها فإن لم توجد امرأة تعلم المداواة ولا امرأة تتعلم وخيف عليها الهلاك
أو بلاء أو وجع لا تحتمله يداويها الرجل لكن لا يكشف منها لا موضع الجرح ويغض بصره ما استطاع لان
الحرمات الشرعية جاز أن يسقط اعتبارها شرعا لمكان الضرورة كحرمة الميتة وشرب الخمر حالة المخمضة والاكراه
لكن الثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة لأن علة ثبوتها الضرورة والحكم لا يزيد على قدر العلة هذا الذي ذكرنا
حكم النظر والمس (وأما) حكم الدخول في بيت الغير فالداخل لا يخلو اما أن يكون أجنبيا أو من محارمه فإن كان أجنبيا فلا
يحل له الدخول فيه من غير استئذان لقوله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا
وتسلموا على أهلها قيل تستأنسوا أي تستأذنوا وقيل تستعلموا وهما متقاربان لان الاستئذان طلب الاذن
والاستعلام طلب العلم والاذن اعلام وسواء كان السكن في البيت أو لم يكن لقوله تعالى فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا
تدخلوها حتى يؤذن لكم وهذا يدل على أن الاستئذان ليس للسكان أنفسهم خاصة بل لأنفسهم ولأموالهم لان
الانسان كما يتخذ البيت سترا لنفسه يتخذه سترا لأمواله وكما يكره اطلاع الغير على نفسه يكره اطلاعه على أمواله وفى
بعض الأخبار ان من دخل بيتا بغير اذن قال له الملك الموكل به عصيت وآذيت فيسمع صوته الخلق كلهم الا الثقلين
فيصعد صوته إلى السماء الدنيا فتقول ملائكة السماء أف لفلان عصى ربه وأذى وإذا استأذن فأذن له حل له الدخول
يدخل ثم يسلم ولا يقدم التسليم على الدخول كما قال بعض الناس لقوله سبحانه وتعالى فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على
أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة ولأنه لو سلم قبل الدخول فإذا دخل يحتاج إلى التسليم ثانيا وان لم يؤذن له بالدخول
وقيل له ارجع فليرجع ويكره له أن يقعد على الباب لقوله عز وجل وان قيل لكم ارجعوا فارجعوا وفى بعض الأخبار
الاستئذان ثلاث مرات من لم يؤذن له فيهن فليرجع أما الأول فيسمع الحي وأما الثاني فيأخذوا حذرهم وأما
124

الثالث فان شاؤوا أذنوا وان شاؤوا ردوا فإذا استأذن ثلاث مرات ولم يؤذن له ينبغي أن يرجع ولا يقعد على الباب
لينتظر لان للناس حاجات وأشغالا في المنازل فلو قعد على الباب وانتظر لضاق ذرعهم وشغل قلوبهم ولعل لا تلتئم
حاجاتهم فكان الرجوع خيرا له من القعود وذلك قوله تعالى هو أزكى لكم هذا إذا كان الدخول للزيارة ونحوها فأما
إذا كان الدخول لتغيير المنكر بأن سمع في دار صوت المزامير والمعازف فليدخل عليهم بغير اذنهم لان تغيير المنكر
فرض فلو شرط الاذن لتعذر التغيير والله سبحانه وتعالى أعلم وإن كان من محارمه فلا يدخل بغير استئذان أيضا وإن كان
يجوز له النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة والباطنة لعموم النص الذي تلونا ولو دخل عليها من غير استئذان فربما
كانت مكشوفة العورة فيقع بصره عليها فيكرهها ذلك وهكذا روى أن رجلا سأل النبي عليه الصلاة والسلام
وقال أنا أخدم أمي وأفرشها إلى أستأذن عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فسأله ثلاثا فقال عليه الصلاة
والسلام يسرك أن تراها عريانة فقال لا قال استأذن عليها وكذا روى عن حذيفة رضي الله عنه أن رجلا سأله فقال
أستأذن على أختي فقال رضي الله عنه أن لم تستأذن رأيت ما يسوءك الا أن الامر في الاستئذان على المحارم أيسر
وأسهل لان المحرم مطلق النظر إلى موضع الزينة منها شرعا هذا الذي ذكرنا حكم الأحرار البالغين (وأما) حكم
المماليك والصبيان أما المملوك فيدخل في بيت سيده من غير استئذان الا في ثلاثة أوقات قبل صلاة الفجر وعند
الظهر وبعد صلاة العشاء الآخرة لقوله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم
يبلغوا الحلم إلى قوله تعالى ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض ولأن هذه أوقات
التجرد وظهور العورة في العادة (أما) قبل صلاة الفجر فوقت الخروج من ثياب النوم ووقت الظهيرة وقت وضع
الثياب للقيلولة وأما بعد صلاة العشاء فوقت وضع ثياب النهار للنوم ولا كذلك بعد هذه الأوقات الثلاث لان
العورات بعدها تكون مستورة عادة والعبد والأمة في ذلك سواء وسواء كان المملوك صغيرا أو كبيرا بعد أن كان يعرف
العورة من غير العورة لأن هذه أوقات غرة وساعات غفلة فربما يكون على حالة يكره أن يراه أحد عليها وهذا المعنى
يستوى فيه الذكر والأنثى والكبير والصغير بعد أن يكون من أهل التمييز ويكون الخطاب في الصغار للسادات بالتعليم
والتأديب كما في الاباء مع الأبناء الصغار (وأما) الصبيان فإن كان الصغير ممن لا يميز بين العورة وغيرها فيدخل في
الأوقات كلها وإن كان من أهل التمييز بأن قرب من البلوغ يمنعه الأب من الدخول في الأوقات الثلاثة تأديبا وتعليما
لأمور الدين كالأمر بالصلاة إذا بلغ سبعا وضربه عليها إذا بلغ عشرا والتفريق بينهم في المضاجع والله عز وجل أعلم هذا
إذا كان البيت مسكونا بأن كان له ساكن وأما إذا لم يكن كالخانات والرباطات التي تكون للمارة والخربات التي تقضى
فيها حاجة البول والغائط فلا بأس أن يدخله من غير استئذان لقوله سبحانه وتعالى ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا
غير مسكونة فيها متاع لكم أي منفعة لكم وهي منفعة دفع الحر والبرد في الخانات والرباطات ومنفعة قضاء الحاجة من
البول والغائط في الخربات والله سبحانه وتعالى أعلم وروى في الخبر انه لما نزلت آية الاستئذان قال سيدنا أبو بكر
رضي الله عنه يا رسول الله فكيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة وبين المدينة والشام ليس فيها ساكن فأنزل الله تعالى عز
وجل قوله ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله عز وجل الموفق هذا الذي ذكرنا حكم الدخول
(وأما) حكم ما بعد الدخول وهو الخلوة فإن كانت في البيت امرأة أجنبية أو ذات رحم محرم لا يحل للرجل أن يخلوا بها
لان فيه خوف الفتنة والوقوع في الحرام وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يخلون رجل بامرأة
فان ثالثهما الشيطان وإن كانت المرأة ذات رحم محرم منه فلا بأس بالخلوة والأفضل أن لا يفعل لما روى عن عبد الله بن
مسعود رضي الله عنهما أنه قال ما خلوت بامرأة قط مخافة أن أدخل في نهى النبي عليه الصلاة والسلام ويكره للمرأة
أن تصل شعر غيرها من بني آدم بشعرها لقوله عليه الصلاة والسلام لعن الله الواصلة والمستوصلة ولان الآدمي
بجميع أجزائه مكرم والانتفاع بالجزء المنفصل منه إهانة له ولهذا كره بيعه ولا بأس بذلك من شعر البهيمة وصوفها لأنه
125

انتفاع بطريق التزين بما يحتمل ذلك ولهذا احتمل الاستعمال في سائر وجوه الانتفاع فكذا في التزين ولا بأس
للرجل ان يعزل عن أمته بغير اذنها (وأما) المنكوحة فإن كانت حرة يكره له العزل من غير اذنها بالاجماع لان لها في الولد
حقا وفى العزل فوت الولد ولا يجوز تفويت حق الانسان من غير رضاه فإذا رضيت جاز وإن كانت أمة فلابد من
الاذن أيضا بلا خلاف لكن الكلام في أن الاذن بذلك إلى المولى أم إليها قال أبو حنيفة رحمه الله الاذن فيه إلى مولاها
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إليها (وجه) قولهما ان لها حقا في قضاء الشهوة والعزل يوجب نقصانا فيه ولا يجوز
ابطال حق الانسان من غير رضاه (وجه) قول أبي حنيفة رضي الله عنه ان الكراهة في الحرة لمكان خوف فوت الولد
الذي لها فيه حق والحق ههنا في الولد للمولى لا للأمة وقولهما فيه نقصان قضاء الشهوة فنعم لكن حقها في أصل قضاء
الشهوة لا في وصف الكمال ألا ترى ان من الرجال من لا ماء له وهو يجامع امرأته من غير أنزال ولا يكون لها حق
الخصومة دل ان حقها في أصل قضاء الشهوة لا في وصف الكمال والله سبحانه وتعالى أعلم ويكره للرجل أن يقول في
دعائه أسألك بحق أنبيائك ورسلك وبحق فلان لأنه لا حق لاحد على الله سبحانه وتعالى جل شأنه وكذا يكره
أن يقول في دعائه أسألك بمعقد العز من عرشك وروى عن أبي يوسف انه لا بأس بذلك لورود الحديث وهو
ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه كأن يقول في دعائه اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك ومنتهى
الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم وجدك الاعلى وكلماتك التامة (وجه) ظاهر الرواية ان ظاهر هذا اللفظ
يوهم التشبيه لان العرش خلق من خلائق الله تبارك وتعالى جل وعلا فاستحال أن يكون عز الله تبارك وتعالى معقودا
به وظاهر الخبر الذي هو في حد الآحاد إذا كان موهما للتشبيه فالكف عن العمل به أسلم ويكره حمل الخرقة لمسح
العرق والامتخاط ترفعا بها وتكبرا لان التكبر من المخلوق مذموم وكذا هو تشبيه بزي العجم وقال سيدنا عمر رضي الله عنه
إياكم وزي العجم فأما لحاجة فلا بأس به لأنه لو لم يحمل لاحتاج إلى الاخذ بالكم والذيل وفيه افساد ثوبه ولا بأس
بربط الخيط في الإصبع أو الخاتم للحاجة لان فيه استعانة على قضاء حاجة المسلم بالتذكير ودفع النسيان وانه امر مندوب
إليه وروى أن رسول صلى الله عليه وسلم أمر بعض الصحابة بذلك ويكره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء لما
روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال إذا أتيتم الغائط فعظموا قبلة الله تبارك وتعالى فلا تستقبلوها ولا تستدبروها
ولكن شرقوا أو غربوا وهذا بالمدينة (وأما) الاستدبار فعن أبي حنيفة رضي الله عنه فيه روايتان في رواية يكره وفى
رواية لا يكره لما روى عبد الله بن سيدنا عمر رضي الله عنهما أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام مستقبل الشام مستدبر
القبلة ولان فرجه لا يوازى القبلة حالة الاستدبار وإنما يوازى الأرض بخلاف حالة الاستقبال هذا إذا كان في
الفضاء فإن كان في البيوت فكذلك عندنا وعند الشافعي عليه الرحمة لا بأس بالاستقبال في البيوت واحتج بما
روى عبد الله بن سيدنا عمر رضي الله عنهما سئل عن ذلك فقال إنما ذلك في الفضاء (ولنا) ما روينا من حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلقا من غير فصل بين الفضاء والبيوت والعمل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
أولى من العمل بقول الصحابي ولان الفارق بين الفضاء وبين البيوت إن كان وجود الحائل من الجدار ونحوه فقد
وجد الحائل في الفضاء وهو الجبال وغيرها ولم يمنع الكراهة فكذا هذا ويكره أن تكون قبلة المسجد إلى متوضأ أو
مخرج أو حمام لان فيه ترك تعظيم المسجد وأما مسجد البيت وهو الموضع الذي عينه صاحب البيت للصلاة فلا بأس
بذلك لأنه ليس بمسجد حقيقة فلا يكون له حكم المسجد وتكره التصاوير في البيوت لما روى عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن سيدنا جبريل عليه الصلاة والسلام أنه قال لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة ولان امساكها تشبه
بعبدة الأوثان الا إذا كانت على البسط أو الوسائد الصغار التي تلقى على الأرض ليجلس عليها تكره لان دوسها
بالأرجل إهانة لها فامساكها في موضع الإهانة لا يكون تشبها بعبدة الأصنام الا أن يسجد عليها فيكره لحصول معنى
التشبه ويكره على الستور وعلى الأزر المضروبة على الحائط وعلى الوسائد الكبار وعلى السقف لما فيه من تعظيمها
126

أو لم يكن لها رأس فلا بأس لأنها لا تكون صورة بل تكون نقشا فان قطع رأسه بان خاط على عنقه خيطا فذاك
ليس بشئ لأنها لم تخرج عن كونها صورة بل ازدادت حلية كالطوق لذوات الأطواق من الطيور ثم المكروه صورة
ذي الروح فاما صورة ما لا روح له من الأشجار والقناديل ونحوها فلا بأس به ويكره التعشير والنقط في المصحف
لقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما جردوا مصاحفكم وذلك في ترك التعشير والنقط ولان ذلك يؤدى إلى
الخلل في تحفظ القرآن لأنه يتكل عليه فلا يجتهد في التحفظ بل يتكاسل لكن قيل هذا في بلادهم فاما في بلاد
العجم فلا يكره لان العجم لا يقدرون على تعلم القرآن بدونه ولهذا جرى التعارف به في عامة البلاد من غير نكير
فكان مسنونا لا مكروها ولا بأس بنقش المسجد بالجص والساج وماء الذهب لان تزيين المسجد من باب تعظيمه
سكن مع هذا تركه أفضل لان صرف المال إلى الفقراء أولى واليه أشار عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما حين رأى
مالا ينقل إلى المسجد الحرام فقال المساكين أحوج من الأساطين وكان لمسجد رسول صلى الله عليه وسلم جريد
النخل وهذا إذا نقش من مال نفسه فاما من مال المسجد فلا ينبغي أن يفعل ولو فعل القيم من مال المسجد قيل إنه
يضمن ولا يعق عن الغلام والجارية عندنا وعند الشافعي رحمه الله العقيقة سنة واحتج بما روى أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم عق عن سيدنا الحسن وسيدنا الحسين رضي الله عنهما كبشا كبشا (ولنا) ما روى عن سيدنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال نسخت الأضحية كل دم كان قبلها ونسخ صوم رمضان كل صوم كان قبله
ونسخت الزكاة كل صدقة كانت قبلها والعقيقة كانت قبل الأضحية فصارت منسوخة بها كالعتيرة والعقيقة
ما كانت قبلها فرضا بل كانت فضلا وليس بعد نسخ الفضل الا الكراهة بخلاف صوم عاشوراء وبعض
الصدقات المنسوخة حيث لا يكره التنفل بها بعد النسخ لان ذلك كان فرضا وانتساخ الفرضية لا يخرجه عن كونه
قربة في نفسه والله سبحانه وتعالى أعلم ويكره للرجل أن يجعل الراية في عنق عبده ولا بأس بان يقيده اما الراية وهي
الغل فلانه شئ أحدثته الجبابرة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل
ضلالة في النار فاما التقييد فليس بمحدث بل كان يستعمله الصحابة الكرام رضى الله تعالى عنهم روى أن عبد الله
بن عباس رضي الله عنهما قيد عبدا له يعلمه تأويل القرآن وبه جرت العادة في سائر الأعصار من غير نكير فيكون اجماعا
ولان ضرب الراية على العبد لابقاء التمكن من الانتفاع مع الامن عن الإباق الا ان لا يحصل بالراية لان كل أحد إذا
رآه يمشى مع الراية يظنه آبقا فيصرفه عن وجهه ويرده إلى مولاه فلا يمكنه الانتفاع به فلم يكن ضرب الراية عليه مفيدا
ولا بأس بالحقنة لأنها من باب التداوي وأنه أمر مندوب إليه قال النبي عليه الصلاة والسلام تداووا فان الله تعالى لم
يخلق داء الا وقد خلق له دواء الا السام والهرم ويكره اللعب بالنرد والشطرنج والأربعة عشر وهي لعب تستعمله اليهود
لأنه قمار أو لعب وكل ذلك حرام (أما) القمار فلقوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام
رجس) وهو القمار كذا روى ابن عباس وابن سيدنا عمر رضي الله عنهم وروى عن مجاهد وسعيد بن جبير والشعبي
وغيرهم رضي الله عنهم أنهم قالوا الميسر القمار كله حتى الجوز الذي يلعب به الصبيان وعن سيدنا علي رضي الله عنه أنه
قال الشطرنج ميسر الأعاجم وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما ألهاكم عن ذكر الله فهو ميسر (وأما) اللعب فلقوله
عليه الصلاة والسلام كل لعب حرام الا ملاعبة الرجل امرأته وقوسه وفرسه وقوله عليه الصلاة والسلام ما أنا من رد
ولا رد منى وحكى عن الشافعي رحمه الله أنه رخص في اللعب بالشطرنج وقال لان فيه تشحيذ الخاطر وتذكية الفهم
والعلم بتدابير الحرب ومكايده فكان من باب الأدب فأشبه الرماية والفروسية وبهذا لا يخرج عن كونه قمارا ولعبا
وكل ذلك حرام لما ذكرنا وكره أبو يوسف التسليم على اللاعبين بالشطرنج تحقيرا لهم لزجرهم عن ذلك ولم يكره أبو
حنيفة رضي الله عنه لان ذلك يشغلهم عماهم فيه فكان التسليم بعض ما يمنعهم عن ذلك فلا يكره ولا بأس بعيادة اليهود
والنصارى لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد يهوديا فقال له قل لا إله إلا الله محمد رسول الله فنظر إلى أبيه
127

فقال له أبوه أجب محمدا فأسلم ثم مات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي أنقذ بي نسمة من النار ولان
عيادة الجار قضاء حق الجوار وأنه مندوب إليه قال الله تبارك وتعالى والجار الجنب من غير فصل مع ما في العيادة من
الدعوة إلى الايمان رجاء الايمان فكيف يكون مكروها ويكره الابتداء بالتسليم على اليهودي والنصراني لان السلام
اسم لكل بر وخير ولا يجوز مثل هذا الدعاء للكافر الا أنه إذا سلم لا بأس بالرد عليه مجازاة له ولكن لا يزيد على قوله
وعليك لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول السلام عليكم فقولوا
وعليك ولا بأس بدخول أهل الذمة المساجد عندنا وقال مالك رحمه الله والشافعي لا يحل لهم دخول المسجد الحرام
احتج مالك رحمه الله بقوله عز وجل إنما المشركون نجس وتنزيه المسجد عن النجس واجب يحققه أنه يجب تنزيه
المسجد عن بعض الطاهرات كالنخامة ونحوها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان المسجد لينزوي من النخامة
كما تنزوي الجلدة من النار فعن النجاسة أولى واحتج الشافعي رحمه الله بقوله جل وعلا (فلا يقربوا المسجد بعد عامهم
هذا) خص المسجد الحرام بالنهي عن قربانه فيدل على اختصاص حرمة الدخول به ليكون التخصيص مفيدا
(ولنا) أن المشركين من وفود العرب وغيرهم كانوا يدخلون المسجد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه روى أن
أبا سفيان دخل المسجد عام الحديبية وكذا وفد ثقيف دخلوا المسجد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة
من دخل المسجد فهو آمن جعل عليه الصلاة والسلام المسجد مأمنا ودعاهم إلى دخوله وما كان عليه الصلاة والسلام
ليدعوا إلى الحرام (وأما) الآية الكريمة فالمراد أنهم نجس الاعتقاد والافعال لا نجس الأعيان إذ لا نجاسة على أعيانهم
حقيقة وقوله عز وجل (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) نهى عن دخول مكة للحج لا عن دخول المسجد
الحرام نفسه لقوله تعالى (وان خفتم عليلة فسوف يغنيكم الله من فضله ان شاء) ومعلوم ان خوف العيلة إنما يتحقق بمنعهم
عن دخول مكة لا عن دخول المسجد الحرام نفسه لأنهم إذا دخلوا مكة ولم يدخلوا المسجد الحرام لا يتحقق خوف
العيلة ولما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سيدنا عليا رضي الله عنه ينادى الا لا يحجن بعد هذا العام مشرك
فثبت ان هذا نهى عن دخول مكة للحج الا أنه سبحانه وتعالى ذكر المسجد الحرام لما أن المقصد من اتيان مكة البيت
والبيت في المسجد والله سبحانه وتعالى أعلم مسلم باع خمرا وأخذ ثمنها وعليه دين يكره لصاحب الدين أن يأخذه منه
ولو كان البائع نصرانيا فلا بأس بأخذه (ووجه) الفرق أن بيع الخمر من المسلم باطل لأنها ليست بمتقومة في حق المسلم
فلا يملك ثمنها فبقي على حكم ملك المشتري فلا يصح قضاء الدين به وإن كان البائع نصرانيا فالبيع صحيح لكونها
مالا متقوما في حقه فملك ثمنها فصح قضاء الدين منه والله عز وجل أعلم رجل دعى إلى وليمة أو طعام وهناك لعب أو غناء
جملة الكلام فيه ان هذا في الأصل لا يخلو من أحد وجهين أما أن يكون عالما ان هناك ذاك واما أن لم يكن عالما به فإن كان
عالما به فإن كان من غالب رأيه أنه يمكنه التغيير يجيب لان إجابة الدعوى مسنونة قال النبي عليه الصلاة والسلام إذا دعى
أحدكم إلى وليمة فليأتها وتغيير المنكر مفروض فكان في الإجابة إقامة الفرض ومراعاة السنة وإن كان في غالب رأيه أنه
لا يمكنه التغيير لا بأس بالإجابة لما ذكرنا ان إجابة الدعوة مسنونة ولا تترك السنة لمعصية توجد من الغير ألا ترى أنه
لا يترك تشييع الجنازة وشهود المأتم وإن كان هناك معصية من النياحة وشق الجيوب ونحو ذلك كذا ههنا وقيل هذا
إذا كان المدعو اماما يقتدى به بحيث يتحرم ويحتشم منه فإن لم يكن فترك الإجابة والقعود عنها أولى وان لم يكن عالما حتى
ذهب فوجد هناك لعبا أو غناء فان أمكنه التغيير غير وان لم يمكنه ذكر في الكتاب وقال لا بأس بان يقعد ويأكل قال
أبو حنيفة رضي الله عنه ابتليت بهذا مرة لما ذكرنا أن إجابة الدعوة أمر مندوب إليه فلا يترك لأجل معصية توجد
من الغير هذا إذا لم يعلم به حتى دخل فان علمه قبل الدخول يرجع ولا يدخل وقيل هذا إذا لم يكن اماما يقتدى به فإن كان
لا يمكث بل يخرج لان في المكث استخفافا بالعلم والدين وتجرئة لأهل الفسق على الفسق وهذا لا يجوز وصبر أبي حنيفة
رحمه الله محمول على وقت لم يصر فيه مقتدى به على الاطلاق ولو صار لما صبر ودلت المسألة على أن مجرد الغناء
128

معصية وكذا الاستماع إليه وكذا ضرب القصب والاستماع إليه الا ترى ان أبا حنيفة رضي الله عنه سماه ابتلاء
ويكره الاحتكار والكلام في الاحتكار في موضعين أحدهما في تفسير الاحتكار وما يصير به الشخص محتكرا
والثاني في بيان حكم الاحتكار (أما) الأول فهو أن يشترى طعاما في مصر ويمتنع عن بيعه وذلك يضر بالناس
وكذلك لو اشتراه من مكان قريب يحمل طعامه إلى المصر وذلك المصر صغير وهذا يضر به يكون محتكرا وإن كان
مصرا كبيرا لا يضر به لا يكون محتكرا ولو جلب إلى مصر طعاما من مكان بعيد وحبسه لا يكون احتكارا وروى عن أبي
يوسف رحمه الله أنه يكون احتكارا لان كراهة الاحتكار بالشراء في المصر والامتناع عن البيع لمكان الاضرار
بالعامة وقد وجد ههنا ولأبي حنيفة رضي الله عنه قول النبي عليه الصلاة والسلام الجالب مرزوق وهذا جالب
ولان حرمة الاحتكار بحبس المشترى في المصر لتعلق حق العامة به فيصير ظالما بمنع حقهم على ما نذكر ولم يوجد ذلك في
المشترى خارج المصر من مكان بعيد لأنه متى اشتراه ولم يتعلق به حق أهل المصر فلا يتحقق الظلم ولكن مع هذا الأفضل
له أن لا يفعل ويبيع لان في الحبس ضررا بالمسلمين وكذلك ما حصل له من ضياعه بان زرع أرضه فأمسك
طعامه فليس ذلك باحتكار لأنه لم يتعلق به حق أهل المصر لكن الأفضل أن لا يفعل ويبيع لما قلنا ثم الاحتكار
يجرى في كل ما يضر بالعامة عند أبي يوسف رحمه الله قوتا كان أو لا وعند محمد رحمه الله لا يجرى الاحتكار الا في
قوت الناس وعلف الدواب من الحنطة والشعير والتبن وألقت (وجه) قول محمد رحمه الله ان الضرر في الأعم الأغلب
إنما يلحق العامة بحبس القوت والعلف فلا يتحقق الاحتكار الا به (وجه) قول أبى يوسف رحمه الله ان الكراهة
لمكان الاضرار بالعامة وهذا لا يختص بالقوت والعلف (وأما) حكم الاحتكار فنقول يتعلق بالاحتكار أحكام
(منها) الحرمة لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال المحتكر ملعون والجالب مرزوق ولا يلحق اللعن الا
بمباشرة المحرم وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه
ومثل هذا الوعيد لا يلحق الا بارتكاب الحرام ولان الاحتكار من باب الظلم لان ما بيع في المصر فقد تعلق به حق
العامة فإذا امتنع المشترى عن بيعه عند شدة حاجتهم إليه فقد منعهم حقهم ومنع الحق عن المستحق ظلم وانه حرام وقليل
مدة الحبس وكثيرها سواء في حق الحرمة لتحقق الظلم (ومنها) أن يؤمر المحتكر بالبيع إزالة للظلم لكن إنما يؤمر
ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله فإن لم يفعل وأصر على الاحتكار ورفع إلى الامام مرة أخرى وهو مصر عليه
فان الامام يعظه ويهدده فإن لم يفعل ورفع إليه مرة ثالثة يحبسه ويعزره زجرا له عن سوء صنعه ولا يجبر على البيع
وقال محمد يجبر عليه وهذا يرجع إلى مسألة الحجر على الحر لان الجبر على البيع في معنى الحجر وكذا لا يسعر لقوله عز
وجل يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم وقوله عليه الصلاة
والسلام لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب من نفسه وروى أن السعر علا في المدينة وطلبوا التسعير من رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلم يسعر وقال إن الله تبارك وتعالى هو المسعر القابض الباسط (ومنها) انه إذا خاف الامام الهلاك
على أهل المصر أخذ الطعام من المحتكرين وفرقه عليهم فإذا وجدوا ردوا عليهم مثله لأنهم اضطروا إليه ومن اضطر إلى
مال الغير في مخمصة كان له أن يتناوله بالضمان لقوله تعالى فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم وكذا
يكره تلقى الركبان إذا كان يضر بأهل المصر لما روى أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن تلقى الركبان ولان فيه
اضرار بالعامة فيكره كما يكره الاحتكار ويكره خرق الزق الذي فيه خمر لمسلم عند أبي حنيفة رحمه الله ولو خرق
يضمن وعند أبي يوسف ومحمد لا يكره ولا يضمن وعلى هذا الخلاف كسر آلات الملاهي من البربط والعود
والزمارة ونحوها والمسألة تعرف في كتاب البيوع رجل ابتلع درة رجل فمات المبتلع فان ترك مالا كانت قيمة
الدرة في تركته وان لم يترك مالا لا يشق بطنه لان الشق حرام وحرمة النفس أعظم من حرمة المال وعليه قيمة الدرة
لأنه استهلكها وهي ليست من ذوات الأمثال فكانت مضمونة بالقيمة فان ظهر له مال في الدنيا قضى منه والا فهو
129

مأخوذ به في الآخرة حامل ماتت فاضطرب في بطنها ولد فإن كان في أكبر الرأي انه حي يشق بطنها لأنا ابتلينا
ببليتين فنختار أهونهما وشق بطن الام الميتة أهون من اهلاك الولد الحي رجل له ورثة صغار فأراد أن يوصى نظر
في ذلك فإن كان أكبر رأيه انه تقع الكفاية لهم بما سوى ثلث الوصية من المتروك فالوصية بالثلث أفضل لأنه فيه رعاية
الجانبين وإن كان أكبر رأيه انه لا تقع الكفاية لهم الا بكل المتروك فالمتروك لهم أفضل من الوصية لما روى أن
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بكم يوصى الرجل من ماله فقال عليه
الصلاة السلام بالثلث والثلث كثير لان تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس رجل رأى
رجلا قتل أباه وادعى القاتل انه قتله بقصاص أو ردة ولم يعلم الابن من ذلك شيئا وسع الابن أن يقتله لأنه عاين السب
الموجب للقصاص في الأصل وهو القتل العمد لقوله عليه الصلاة والسلام العمد قود الا أن يعفى أو يفادى والقاتل
يدعى أمرا عارضا فلا يسمع الا بحجة وكذلك إذا أقر بالقتل في السر ثم ادعى انه قتله بقصاص أو بردة كان الابن
في سعة من قتله لان الاقرار بالقتل العمد اقرار بالسبب الموجب للقصاص في الأصل على ما بينا ولو لم يعاين القتل ولا
أقر به عنده ولكن شهد عنده شاهدان عدلان على معاينة القتل أو على الاقرار به لم يسعه قتله حتى يقضى القاضي
بشهادتهما فرقا بين الاقرار وبين الشهادة ووجه الفرق بينهما ظاهر لان الشهادة ليست بحجة بنفسها بل بقضاء
القاضي لما فيها من تهمة جر النفع فلا تندفع التهمة الا بقضاء القاضي (فاما) الاقرار فحجة بنفسه إذ الانسان غير متهم
في الاقرار على نفسه فهو الفرق وكذلك يحل لمن عاين القتل أو سمع اقرار به أن يعين الولي على قتله لأنه إعانة
لصاحب الحق على استيفاء حقه ظاهرا ولو شهد عند الابن اثنان بما يدعيه القاتل مما يحل دمه من القتل والردة فإن كان
ا ممن يقضى القاضي بشهادتهما لو شهدا عنده لا ينبغي للابن أن يعجل بالقتل لجواز أن يتصل القضاء بشهادتهما
فيتبين انه قتله بغير حق والامتناع عن المباح أولى من ارتكاب المحظور وإن كانا ممن لا يقضى القاضي بشهادتهما
لو شهدا عنده كالمحدودين في القذف والنساء وحدهن كان في سعة من قتله لما ذكرنا ان الشهادة ليست بحجة بنفسها
بل بقضاء القاضي فإن كانت ممن لا يتصل بها القضاء كان وجودها وعدمها بمنزلة واحدة ولكن مع هذا ان توقف في
ذلك فهو أفضل لاحتمال اتصال القضاء به في الجملة أو لاحتمال أن يكون صدقا حقيقة عند الله عز وجل ولو شهد عنده
رجل واحد عدل غير محدود في القذف ينبغي أن يتوقف في القتل لجواز أن ينضم إليه شاهد آخر ولهذا لو شهد عند
القاضي لتوقف أيضا فكان الانتظار أفضل ولو لم ينتظر واستعجل في قتله كان في سعة منه لان الموجود احدى شطرى
الشهادة وانه لا يعتبر بدون الشطر الآخر ولو عاين الوارث رجلا أخذ مالا من أبيه أو أقر عنده انه أخذ مالا من أبيه
وادعى انه كان وديعة له عند أبيه أو كان دينا له عليه اقتضاه منه وسعه أن يأخذه منه لأنه لما عاين أخذ المال منه فقد عاين
السبب الموجب للضمان في الأصل وهو الاخذ لان الاخذ في الأصل سبب لوجوب ضمان المأخوذ وهو رد عينه إن كان
قائما ورد بدله إن كان هالكا لقوله عليه الصلاة والسلام على اليد ما أخذت حتى ترده ودعوى الايداع والدين أمر
عارض فلا يسمع الا بحجة وله أن يأخذه منه ولو امتنع عن الدفع يقاتله عليه لقوله عليه الصلاة والسلام قاتل دون
مالك وكذا إذا أقر بذلك لأنه أقر بالسبب الموجب للضمان على ما بينا فله أن يأخذه منه وكذلك يسع لمن عاين
ذلك أو سمع اقراره أن يعينه على الاخذ منه لكونه إعانة على استيفاء الحق ظاهرا ولو لم يعاين ذلك ولا أقر به عنده
ولكن شهد شاهدان عدلان عنده ان هذا الشئ الذي في يد فلان ملك ورثته عن أبيك لا يسعه أخذه منه حتى
يقضى القاضي بخلاف الاقرار وقد مر الفرق بينهما في فصل القتل والله عز وجل أعلم (وأما) الذي ثبت حرمته في
حق الرجال دون النساء فثلاثة أنواع منها لبس الحرير المصمت من الديباج والقز لما روى أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم خرج وبإحدى يديه حرير وبالأخرى ذهب فقال هذان حرامان على ذكور أمتي حل لإناثها
* وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه حلة فقال يا رسول الله كسوتني حلة
130

وقد قلت في حلة عطارد إنما يلبسه من لا خلاق له في الآخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى لم أكسكها
لتلبسها وفى رواية إنما أعطيتك لتكسو بعض نسائك * فان قيل أليس روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج وعليه قباء من ديباج قيل نعم ثم نسخ لما روى عن أنس رضي الله عنه أنه قال لبس رسول الله صلى الله عليه
وسلم جبة حرير أهداها له أكيدر رومة وذلك قبل أن ينهى عنه كذا قال إنس وهذا في غير حال الحرب (وأما)
في حال الحرب فكذلك عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا يكره لبس الحرير في حال الحرب وجه قولهما
ان في لبس الحرير في حال الحرب ضرورة لأنه يحتاج إلى دفع ضرر السلاح عنه والحرير أدفع له وأهيب للعدو
وأيضا فرخص للضرورة ولأبي حنيفة رضي الله عنه اطلاق التحريم الذي روينا من غير فصل بين حال الحرب
وغيرها وما ذاكره من الضرورة يندفع بلبس ما لحمته حرير وسداه غير حرير لان دفع ضرر السلاح وتهيب العدو
يحصل به فلا ضرورة إلى لبس الحرير الخالص فلا تسقط الحرمة من غير ضرورة ولا فرق بين الكبير والصغير في
الرحمة بعد إن كان ذكرا لان النبي عليه الصلاة والسلام أدار هذا الحكم على الذكورة بقوله عليه الصلاة والسلام
هذان حرامان على ذكور أمتي الا ان اللابس إذا كان صغيرا فالاثم على من ألبسه لا عليه لأنه ليس من أهل التحريم
عليه كما إذا سقى خمرا فشربها كان الاثم على الساقي لا عليه كذا ههنا هذا إذا كان كله حريرا وهو المصمت فإن كانت
لحمته حريرا وسداه غير حرير لا يكره لبسه في حال الحرب بالاجماع لما ذكرنا من ضرورة دفع مضرة السلاح وتهييب
العدو فاما في غير حال الحرب فمكروه لانعدام الضرورة وإن كان سداه حريرا ولحمته غير حرير لا يكره في حال الحرب
وغيرها وههنا نكتتان أحدهما ان الثوب يصير ثوبا باللحمة لأنه إنما يصير ثوبا بالنسج والنسج تركيب اللحمة بالسدى
فكانت اللحمة كالوصف الأخير فيضاف الحكم إليه وهذه النكتة تقتضي إباحة لبس الثياب العتابي والنكتة الثانية
وهي نكتة الشيخ أبى منصور ان السدى إذا كان حرير أو اللحمة غير حرير يصير السدى مستورا باللحمة فأشبه الحشو
وهذه النكتة تقتضي أن لا يباح لبس العتابي لان سداه ظاهر غير مستور والصحيح هو النكتة الأولى لان رواية
الإباحة في لبس مطلق ثوب سداه حرير ولحمته غير حرير منصوصة فتجرى على اطلاقها فلا تناسبها الا النكتة الأولى
ولو جعل حشو القباء حريرا أو قزا لا يكره لأنه مستور بالظهارة فلم يحصل معنى التزين والتنعم الا يرى أن لابس هذا
الثوب لا يسمى لابس الحرير والقز ولو جعل الحرير بطانة يكره لأنه لابس الحرير حقيقة وكذا معنى التنعم حاصل
للتزين بالحرير ولطفه هذا إذا كان الحرير كثيرا فإن كان قليلا كاعلام الثياب والعمائم قدر أربعة أصابع فما دونها
لا يكره وكذا العلم المنسوج بالذهب لأنه تابع والعبرة للمتبوع ألا ترى أن لابسه لا يسمى لابس الحرير والذهب وكذا
جرت العادة بتعمم العمائم ولبس الثياب المعلمة بهذا القدر في سائر الأعصار من غير نكير فيكون اجماعا وكذا الثوب
والقلنسوة الذي جعل على أطرافها حرير لا يكره إذا كان قدر أربعة أصابع فما دونها لما قلنا وروى أن النبي عليه
الصلاة والسلام لبس فروة وعلى أطرافها حرير وعن محمد انه لا يسع ذلك في القلنسوة وإن كان أقل من أربعة أصابع
وإنما رخص أبو حنيفة رضي الله عنه إذا كان في عرض الثوب وذكر في نوادر هشام عن محمد رحمه الله انه يكره تكة
الديباج والإبريسم لأنه استعمال الحرير مقصودا لا بطريق التبعية فيكره وان قل بخلاف العلم ونحوه هذا الذي
ذكرنا حكم لبس الحرير (فأما) حكم التوسد به والجلوس والنوم عليه فغير مكروه عند أبي حنيفة عليه الرحمة وعند أبي
يوسف ومحمد مكروه (لهما) اطلاق التحريم الذي روينا من غير فصل بين اللبس وغيره ولان معنى التزين والتنعم كما
يحصل باللبس يحصل بالتوسد والجلوس والنوم ولأبي حنيفة ما روى أنه كان على بساط عبد الله بن عباس رضي الله عنه
ما مرفقة من حرير وروى أن أنسا رضي الله عنه حضر وليمة فجلس على وسادة حرير عليها طيور فدل فعليه رضي الله عنه
على رخصة الجلوس على الحرير وعلى الوسادة الصغيرة التي عليها صورة وبه تبين ان المراد من التحريم في
الحديث تحريم اللبس فيكون فعل الصحابي مبينا لقول النبي عليه الصلاة والسلام لا مخالفا له والقياس باللبس غير
131

سديد لان التزين بهذه الجهات دون التزين باللبس لأنه استعمال فيه إهانة المستعمل بخلاف اللبس فيبطل
الاستدلال به (وأما) المرأة فيحل لها لبس الحرير المصمت والديباج والقز لان النبي عليه الصلاة والسلام أحل هذا
للإناث بقوله عليه الصلاة والسلام حل لإناثها (ومنها) الذهب لان النبي عليه الصلاة والسلام جمع بين الذهب وبين
الحرير في التحريم على الذكور بقوله عليه الصلاة والسلام هذان حرامان على ذكور أمتي فيكره للرجل التزين بالذهب
كالتختم ونحوه ولا يكره للمرأة لقوله عليه الصلاة والسلام حل لإناثها روى عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه
قال اتخذت خاتما من ذهب فدخلت على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مالك اتخذت حلي أهل الجنة قبل
أن تدخلها فرميت ذلك واتخذت خاتما من حديد فدخلت عليه فقال مالك اتخذت حلي أهل النار فاتخذت خاتما من
نحاس فدخلت عليه فقال إني أجد منك ريح الأصنام فقلت كيف أصنع يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام اتخذه
من الورق ولا تزد على المثقال والأصل ان استعمال الذهب فيما يرجع إلى التزين مكروه في حق الرجل دون المرأة
لما قلنا واستعماله فيما ترجع منفعته إلى البدن مكروه في حق الرجل والمرأة جميعا حتى يكره الأكل والشرب والادهان
والتطيب من مجامر الذهب للرجل والمرأة لقول النبي عليه الصلاة السلام ان الذي يشرب من آنية الفضة إنما يجر جر
في بطنه نار جهنم ومعلوم ان الذهب أشد حرمة من الفضة ألا يرى أنه رخص عليه الصلاة والسلام التختم بالفضة
للرجال ولا رخصة في الذهب أصلا فكان النص الوارد في الفضة واردا في الذهب دلالة من طريق الأولى كتحريم
التأفيف مع تحريم الضرب والشتم وكذلك الاكتحال بمكحلة الذهب أو بميل من ذهب مكروه للرجل والمرأة جميعا
لان منفعته عائدة إلى البدن فأشبه الأكل والشرب (وأما) الاناء المضبب بالذهب فلا بأس بالأكل والشرب فيه عند
أبي حنيفة رضي الله عنه وهو قول محمد ذكره في الموطأ وعند أبي يوسف يكره (وجه) قول أبى يوسف ان استعمال
الذهب حرام بالنص وقد حصل باستعمال الاناء فيكره (وجه) قولهما أن هذا القدر من الذهب الذي عليه هو تابع له
والعبرة للمتبوع دون التباع كالثوب المعلم والجبة المكفوفة بالحرير وعلى هذا الخلاف الجلوس على السرير المضبب
والكرسي والسرج واللجام والركاب والتفر المضببة وكذا المصحف المضبب على هذا الخلاف وكذا حلقة المرأة
إذا كانت من الذهب ولبس ثوب فيه كتابة بذهب على هذا الاختلاف (وأما) السيف المضبب والسكين فلا
بأس به بالاجماع وكذلك المنطقة المضببة لورود الآثار بالرخصة بذلك في السلاح ولا بأس بشد الفص بمسمار الذهب
لأنه تبع للفص والعبرة للأصل دون التبع كالعلم للثوب ونحوه (وأما) شد السن المتحرك بالذهب فقد ذكر الكرخي
رحمه الله أنه يجوز ولم يذكر خلافا وذكر في الجامع الصغير أنه يكره عند أبي حنيفة وعند محمد رحمهما الله لا يكره ولو شدها
بالفضة لا يكره بالاجماع وكذا لو جدع أنفه فاتخذ أنفا من ذهب لا يكره بالاتفاق لان الانف ينتن بالفضة فلا بد من
اتخاذه من ذهب فكان فيه ضرورة فسقط اعتبار حرمته وقد روى أن عرفجة أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من
ورق فانتن فأمره سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب وبهذا الحديث يحتج محمد على ما ذكر
في الجامع لجواز تضبيب السن بالذهب ولأنه يباح له أن يشده بالفضة فكذا بالذهب لأنهما في حرمة الاستعمال على
السواء ولأنه تبع للسن والتبع حكمه حكم الأصل وهذا يوافق أصل أبي حنيفة رضي الله عنه وحجة ما ذكر أبو حنيفة
رضي الله عنه في الجامع اطلاق التحريم من غير فصل ولا يرخص مباشرة المحرم الا لضرورة وهي تندفع بالأدنى وهو
الفضة فبقي الذهب على أصل التحريم والاستدلال بالفضة غير سديد لتفاوت بين الحرمتين على ما مر ولو سقط
سنه يكره أن يأخذ سن ميت فيشدها مكان الأولى بالاجماع وكذا يكره أن يعيد تلك السن الساقطة مكانها عن أبي
حنيفة ومحمد رحمهما الله ولكن يأخذ سن شاة ذكية فيشدها مكانها وقال أبو يوسف رحمه الله لا بأس بسنه ويكره
سن غيره قال ولا يشبه سنه سن ميت استحسن ذلك وبينهما عندي فصل ولكن لم يحضرني (ووجه) الفصل له
من وجهين أحدهما ان سن نفسه جزء منفصل للحال عنه لكنه يحتمل أن يصير متصلا في الثاني بأن يلتئم فيشتد
132

بنفسه فيعود إلى حالته الأولى وإعادة جزء منفصل إلى مكانه ليلتئم جائز كما إذا قطع شئ من عضوه فأعاده إلى مكانه فأما
سن غيره فلا يحتمل ذلك والثاني ان استعمال جزء منفصل عن غيره من بني آدم إهانة بذلك الغير والآدمي بجميع
أجزائه مكرم ولا إهانة في استعمال جزء نفسه في الإعادة إلى مكانه (وجه) قولهما ان السن من الآدمي جزء منه
فإذا انفصل استحق الدفن ككله والإعادة صرف له عن جهة الاستحقاق فلا تجوز وهذا لا يوجب الفصل بين سنه
وسن غيره (ومنها) الفضة لان النص الوارد بتحريم الذهب على الرجال يكون واردا بتحريم الفضة دلالة فيكره
للرجال استعمالها في جميع ما يكره استعمال الذهب فيه الا التختم به إذا ضرب على صيغة ما يلبسه الرجال ولا يزيد
على المثقال لما روينا من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنها وكذا المنطقة وحلية السيف والسكين من الفضة
لما مر وما لا يكره استعمال الذهب فيه لا يكره استعمال الفضة من طريق الأولى لأنها أخف حرمة من الذهب
وقد ذكرنا جميع ذلك على الاتفاق والاختلاف فلا نعيده (وأما) التختم بما سوى الذهب والفضة من الحديد
والنحاس والصفر فمكروه للرجال والنساء جميعا لأنه زي أهل النار لما روينا من الحديث (وأما) الأواني المموهة
بماء الذهب والفضة الذي لا يخلص منه شئ فلا بأس بالانتفاع بها في الأكل والشرب وغير ذلك بالاجماع وكذا
لا بأس بالانتفاع بالسرج والركاب والسلاح السرير والسقف المموه لان التمويه ليس بشئ الا يرى أنه لا يخلص
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
(كتاب البيوع)
الكلام في هذا الكتاب في الأصل في مواضع في بيان ركن البيع وفي بيان شرائط الركن وفي بيان أقسام البيع
وفي بيان ما يكره من البياعات وما يتصل بها وفي بيان حكم البيع وفي بيان ما يرفع حكم البيع (أما) ركن البيع فهو
مبادلة شئ مرغوب بشئ مرغوب وذلك قد يكون بالقول وقد يكون بالفعل (أما) القول فهو المسمى بالايجاب
والقبول في عرف الفقهاء والكلام في الايجاب والقبول في موضعين أحدهما في صيغة الايجاب والقبول والثاني في صفة
الايجاب والقبول (أما) الأول فنقول وبالله التوفيق الايجاب والقبول قد يكون بصيغة الماضي وقد يكون بصيغة
الحال (أما) بصيغة الماضي فهي أن يقول البائع بعت ويقول المشترى اشتريت فيتم الركن لأن هذه الصيغة وإن كان
ت للماضي وضعا لكنها جعلت ايجابا للحال في عرف أهل اللغة والشرع والعرف قاض على الوضع وكذا إذا
قال البائع خذ هذا الشئ بكذا أو أعطيتكه بكذا أو هو لك بكذا أو بذلتكه بكذا وقال المشترى قبلت أو أخذت أو رضيت
أو هويت ونحو ذلك فإنه يتم الركن لان كل واحد من هذه الألفاظ يؤدى معنى البيع وهو المبادلة والعبرة للمعنى
لا للصورة (وأما) صيغة الحال فهي أن يقول البائع للمشترى أبيع منك هذا الشئ بكذا ونوى الايجاب فقال المشترى
اشتريت أو قال المشترى اشترى منك هذا الشئ بكذا ونوى الايجاب وقال البائع أبيعه منك بكذا وقال المشترى
اشتريه ونويا الايجاب يتم الركن وينعقد وإنما اعتبرنا النية ههنا وإن كانت صيغة افعل للحال هو الصحيح لأنه غلب
استعمالها للاستقبال اما حقيقة أو مجازا فوقعت الحاجة إلى التعيين بالنية ولا ينعقد بصيغة الاستفهام بالاتفاق بأن
يقول المشترى للبائع أتبيع منى هذا الشئ بكذا أو أبعته منى بكذا فقال البائع بعت لا ينعقد ما لم يقل المشترى اشتريت
وكذا إذا قال البائع للمشترى اشتر منى هذا الشئ بكذا فقال اشتريت لا ينعقد ما لم يقل البائع بعت وهل ينعقد بصيغة
الاستقبال وهي صيغة الامر بأن يقول المشترى للبائع بع عبدك هذا منى بكذا فيقول البائع بعت قال أصحابنا رحمهم الله
لا ينعقد ما لم يقل المشترى اشتريت وكذا إذا قال البائع للمشترى اشتر منى هذا الشئ بكذا فقال اشتريت لا ينعقد ما لم
يقل البائع بعت عندنا وقال الشافعي رحمه الله ينعقد (وجه) قوله إن هذه الصيغة تصلح شطر العقد في الجملة ألا ترى أن
من قال لآخر تزوج ابنتي فقال المخاطب تزوجت أو قال زوج ابنتك منى فقال زوجت ينعقد النكاح فإذا
133

صلحت هذا الصيغة شطرا في النكاح صلحت شطرا في البيع لان الركن في كل واحد منهما هو الايجاب والقبول
ولنا ان قوله بع أو اشتر طلب الايجاب والقبول وطلب الايجاب والقبول لا يكون ايجابا وقبولا فلم يوجد الا
أحد الشطرين فلا يتم الركن ولهذا لا ينعقد بلفظ الاستفهام لكون الاستفهام سؤال الايجاب والقبول لا ايجابا و
قبولا كذا هذا وهذا هو القياس في النكاح الا انا استحسنا في النكاح بنص خاص وهو ما روى أبو يوسف
ان بلالا خطب إلى قوم من الأنصار فأبوا أن يزوجوه فقال لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن
أخطب إليكم لم أخطب فقالوا له أملكت ولم ينقل ان بلالا رضي الله عنه قال قبلت فتركنا القياس هناك بالنص ولا
نص في البيع فوجب العمل بالقياس ولأن هذه الصيغة مساومة حقيقة فلا تكون ايجابا وقبولا حقيقة بل هي طلب
الايجاب والقبول فلا بد للايجاب والقبول من لفظ آخر يدل عليهما ولا يمكن حمل هذه الصيغة على المساومة في باب
النكاح لان المساومة لا توجد في النكاح عادة فحملت على الايجاب والقبول على أن الضرورة توجب أن يكون قول
القائل زوج ابنتك منى شطر العقد فلو لم تجعل شطر العقد لتضرر به الولي لجواز ان يزوج ولا يقبل المخاطب فيلحقه
الشين فجعلت شطرا لضرورة دفع الضرر عن الأولياء وهذا المعنى في باب البيع منعدم فبقيت سؤالا فلا يتم به الركن
ما لم يوجد الشطر الآخر (وأما) صفة الايجاب والقبول فهو أن أحدهما لا يكون لازما قبل وجود الآخر فأحد
الشطرين بعد وجوده لا يلزم قبل وجود الشطر الآخر حتى إذا وجد أحد الشطرين من أحد المتبايعين فللاخر خيار
القبول وله خيار الرجوع قبل قبول الآخر لما روى عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال البيعان
بالخيار ما لم يفترقا عن بيعهما والخيار الثابت لهما قبل التفرق عن بيعهما هو خيار القبول وخيار الرجوع ولان أحد
الشطرين لو لزم قبل وجود الآخر لكان صاحبه مجبورا على ذلك الشطر وهذا لا يجوز (وأما) المبادلة بالفعل فهي
التعاطي ويسمى هذا البيع بيع المراوضة وهذا عندنا وقال الشافعي رحمه الله لا يجوز البيع بالتعاطي لان البيع في
عرف الشرع كلام ايجاب وقبول فاما التعاطي فلم يعرف في عرف الشرع بيعا وذكر القدوري ان التعاطي يجوز
في الأشياء الخسيسة ولا يجوز في الأشياء النفيسة ورواية الجواز في الأصل مطلق عن هذا التفصيل وهي الصحيحة
لان البيع في اللغة والشرع اسم للمبادلة وهي مبادلة شئ مرغوب بشئ مرغوب وحقيقة المبادلة بالتعاطي وهو الاخذ
والاعطاء وإنما قول البيع والشراء دليل عليهما والدليل عليه قوله عز وجل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم والتجارة
عبارة عن جعل الشئ للغير ببدل وهو تفسير التعاطي وقال سبحانه وتعالى أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما
ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين أطلق سبحانه وتعالى اسم التجارة على تبادل ليس فيه قول البيع وقال الله عز وجل ان
الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة سمى سبحانه وتعالى مبادلة الجنة بالقتال في سبيل الله تعالى اشتراء
وبيعا لقوله تعالى في آخر الآية فاستبشروا ببيعكم الذين بايعتم به وان لم يوجد لفظ البيع وإذا ثبت ان حقيقة المبادلة بالتعاطي
وهو الاخذ والاعطاء فهذا يوجد في الأشياء الخسيسة والنفيسة جميعا فكان التعاطي في كل ذلك بيعا فكان جائزا
(فصل) وأما شرائط الركن فلا يمكن الوصول إلى معرفتها الا بعد معرفة أقسام البياعات لان منها ما يعم البياعات
كلها (ومنها) ما يخص البعض دون البعض فنقول البيع في القسمة الأولى ينقسم قسمين قسم يرجع إلى البدل وقسم
يرجع إلى الحكم (أما) الذي يرجع إلى البدل فينقسم قسمين آخرين أحدهما يرجع إلى البدلين والآخر يرجع إلى
أحدهما وهو الثمن أما الأول فنقول البيع في حق البدلين ينقسم أربعة أقسام بيع العين بالعين وهو بيع السلع بالسلع
ويسمى بيع المقايضة وبيع العين بالدين وهو بيع السلع بالأثمان المطلقة وهي الدراهم والدنانير وبيعها
بالفلوس النافقة وبالمكيل الموصوف في الذمة والموزون الموصوف والعددي المتقارب الموصوف وبيع الدين
بالعين وهو السلم وبيع الدين بالدين وهو بيع الثمن المطلق بالثمن المطلق وهو الصرف (فاما) الذي يرجع إلى
أحد البدلين وهو الثمن فينقسم في حق البدل وهو الثمن أقسام بيع المساومة وهو مبادلة المبيع بأي ثمن اتفق
134

وبيع المرابحة وهو مبادلة المبيع بمثل الثمن الأول وزيادة ربح وبيع التولية وهو المبادلة بمثل الثمن الأول من غير
زيادة ولا نقصان وبيع الاشتراك وهو التولية لكن في بعض المبيع ببعض الثمن وبيع الوضيعة وهو المبادلة بمثل
الثمن الأول مع نقصان شئ منه وأما القسم الذي يرجع إلى الحكم فنذكره في باب حكم البيع إن شاء الله تعالى
وإذا عرفت أقسام البياعات فنذكر شرائطها وهي أنواع بعضها شرط الانعقاد وبعضها شرط النفاذ وهو ما لا يثبت
الحكم بدونه وإن كان قد ينعقد التصرف بدونه وبعضها شرط الصحة وهو ما لا صحة له بدونه وإن كان قد ينعقد
وينقد بدونه وبعضها شرط اللزوم وهو ما لا يلزم البيع بدونه وإن كان قد ينعقد وينفذ بدونه (أما) شرائط الانعقاد
فأنواع بعضها يرجع إلى العاقد وبعضها يرجع إلى نفس العقد وبعضها يرجع إلى مكان العقد وبعضها يرجع إلى المعقود
عليه (أما) الذي يرجع إلى العاقد فنوعان أحدهما أن يكون عاقلا فلا ينعقد بيع المجنون والصبي الذي لا يعقل لان أهلية
المتصرف شرط انعقاد التصرف والأهلية لا تثبت بدون العقل فلا يثبت الانعقاد بدونه فاما البلوغ فليس بشرط
لانعقاد البيع عندنا حتى لو باع الصبي العاقل مال نفسه ينعقد عندنا موقوفا على إجازة وليه وعلى إجازة نفسه بعد
البلوغ وعند الشافعي شرط فلا تنعقد تصرفات الصبي عنده أصلا وكذا ليس بشرط النفاذ في الجملة حتى لو توكل عن
غيره بالبيع والشراء ينفذ تصرفه وعنده لا ينفذ وهي مسألة كتاب المأذون وكذا الحرية ليست بشرط لانعقاد البيع
ولا لنفاذه حتى ينفذ بيع العبد المأذون بالاجماع وينعقد بيع العبد المحجور إذا باع مال مولاه موقوفا على اجازته عندنا
وكذا الملك أو الولاية ليس بشرط لانعقاد البيع عندنا بل هو شرط النفاذ حتى يتوقف بيع الفضولي وعنده شرط حتى
لا يتوقف أصلا والمسألة تأتى في موضعها وكذا اسلام البائع ليس بشرط لانعقاد البيع ولا لنفاذه ولا لصحته
بالاجماع فيجوز بيع الكافر وشراؤه وقال الشافعي اسلام المشترى شرط جواز شراء الرقيق المسلم والمصحف حتى
لا يجوز ذلك من الكافر (وجه) قوله إن في تملك الكافر المسلم اذلالا بالمسلم وهذا لا يجوز ولهذا يجبر على بيعه عندكم
ولنا عمومات البيع من غير فصل بين بيع العبد المسلم من المسلم وبين بيعه من الكافر فهو على العموم الا حيث ما خص
بدليل ولان الثابت للكافر بالشراء ليس الا الملك في المسلم والكافر من أهل ان يثبت الملك له على المسلم الا ترى ان الكافر
يرث العبد المسلم من أبيه وكذا إذا كان له عبد كافر فأسلم بقي ملكه فيه وهو في الحقيقة ملك مبتدأ لان الملك عرض لا
بقاء له فدل ان الكافر من أهل ثبوت الملك له في المسلم وقوله فيه اذلال بالمسلم قلنا الملك عندنا لا يظهر فيما فيه اذلال بالمسلم
فإنه لا يظهر في حق الاستخدام والوطئ والاستمتاع بالجارية المسلمة وإنما يظهر فيما لا ذل فيه من الاعتاق والتدبير
والكتابة والبيع وبه تبين ان الجبر على البيع ليس لدفع الذل إذ لا ذل على ما بينا ولكن لاحتمال وجود فعل لا يحل
ذلك في الاسلام لعداوة بين المسلم والكافر وإذا جاز شراء الذمي العبد المسلم فيجوز اعتاقه وتدبيره واستيلاده وكتابته
لأن جواز هذه التصرفات مبنى على الملك وقد وجد الا انه إذا دبره يسعى العبد في قيمته لأنه لا سبيل إلى ابقائه على
ملكه ولا سبيل إلى الإزالة بالبيع لأنه بيع المدبر وانه لا يجوز فتعليت الإزالة بالسعاية وكذا إذا كانت أمة فاستولدها
فإنها تسعى في قيمتها لما قلنا ويوجع الذمي ضربا لوطئه المسلمة لأنه حرام عليه فيستحق التعزير إذا كاتبه
لا يعترض عليه لأنه أزال يده عنه حتى لو عجز ورد في الرق يجبر على بيعه وكذا الذمي إذا ملك شقصا فالحكم في
البعض كالحكم في الكل ولو اشتراه مسلم من الكافر شراء فاسدا فإنه يجبر على الرد لان رد الفساد واجب حقا للشرع
ثم يجبر الكافر على بيعه والله سبحانه وتعالى أعلم وكذا النطق ليس بشرط لانعقاد البيع والشراء ولا لنفاذهما
وصحتهما فيجوز بيع الأخرس وشراؤه إذا كانت الإشارة مفهومة في ذلك لأنه إذا كانت الإشارة مفهومة
في ذلك قامت الإشارة مقام عبارته هذا إذا كان الخرس أصليا بان ولد أخرس فاما إذا كان عارضا بان طرأ عليه
الخرس فلا الا إذا دام به حتى وقع اليأس من كلامه وصارت الإشارة مفهومة فيلحق بالأخرس الأصلي والثاني
العدد في العاقد فلا يصلح الواحد عاقد من الجانبين في باب البيع الا الأب فيما يبيع مال نفسه من ابنه الصغير بمثل
135

قيمته أو بما يتغابن الناس فيه عادة أو يشترى مال الصغير بذلك عند أصحابنا الثلاثة استحسانا والقياس أن لا يجوز
ذلك أيضا وهو قول زفر رحمه الله وجه القياس ان الحقوق في باب البيع ترجع إلى العاقد وللبيع حقوق متضادة
مثل التسليم والتسلم والمطالبة فيؤدى إلى أن يكون الشخص الواحد في زمان واحد مسلما ومتسلما طالبا ومطالبا
وهذا محال ولهذا لم يجز أن يكون الواحد وكيلا من الجانبين في باب البيع لما ذكرنا من الاستحالة ويصلح رسولا من
الجانبين لان الرسول لا تلزمه الحقوق فلا يؤدى إلى الاستحالة وكذا القاضي يتولى العقد من الجانبين لان الحقوق
لا ترجع إليه فكان بمنزلة الرسول وبخلاف الوكيل في باب النكاح لان الحقوق لا ترجع إليه فكان سفيرا محضا بمنزلة
الرسول وجه الاستحسان قوله تبارك وتعالى ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن فيملكه الأب وكذا
البيع والشراء بمثل قيمته وبما يتغابن الناس فيه عادة قد يكون قربانا على وجه الأحسن بحكم الحال والظاهر أن الأب
لا يفعل ذلك الا في تلك الحال لكمال شفقته فكان البيع والشراء بذلك قربانا على وجه الأحسن وقوله يؤدى إلى
الاستحالة قلنا ممنوع فإنه يجعل كأن الصبي باع أو اشترى بنفسه وهو بالغ فتعدد العاقد حكما فلا يؤدى إلى الاستحالة
(وأما) الوصي إذا باع مال نفسه من الصغير أو اشترى ما الصغير لنفسه فإن لم يكن فيه نفع ظاهر لا يجوز بالاجماع وإن كان
فيه نفع ظاهر جاز عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد لا يجوز لان القياس يأبى جوازه أصلا من الأب
والوصي جميعا لما ذكرنا من الاستحالة الا ان الأب لكمال شفقته جعل شخصه المتحد حقيقة متعددا ذاتا ورأيا
وعبارة والوصي لا يساويه في الشفقة فبقي الامر فيه على أصل القياس ولأبي حنيفة وأبى يوسف رضي الله عنهما
ان تصرف الوصي إذا كان فيه نفع ظاهر لليتيم قربان ماله على وجه الأحسن فيملكه بالنص قوله لا يمكن الحاق الوصي
بالأب لقصور شفقته قلنا الوصي له شبهان شبه بالأب وشبه بالوكيل اما شبهه بالوكيل فلكونه أجنبيا وشبهه بالأب
لكونه مرضى الأب فالظاهر أنه ما رضى به الا لوفور شفقته على الصغير فأثبتنا له الولاية عند ظهور النفع عملا بشبه
الأب وقطعنا ولايته عند عدمه عملا بشبه الوكيل عملا بالشبهين بقدر الامكان.
(فصل) وأما الذي يرجع إلى نفس العقد فهو أن يكون القبول موافقا للايجاب بأن يقبل المشترى ما أوجبه
البائع وبما أوجبه فان خالفه بان قبل غير ما أوجبه أو بعض ما أوجبه أو بغير ما أوجبه أو ببعض ما أوجبه لا ينعقد من
غير ايجاب مبتدأ موافق بيان هذه الجملة إذا أوجب البيع في العبد فقبل في الجارية لا ينعقد وكذا إذا أوجب في
العبدين فقبل في أحدهما بان قال بعت منك هذين العبدين بألف درهم فقال المشترى قبلت في هذا العبد وأشار إلى
واحد معين لا ينعقد لان القبول في أحدهما تفريق الصفقة على البائع والصفقة إذا وقعت مجتمعة من البائع لا يملك
المشترى تفريقها وقبل التمام لان من عادة التجار ضم الردئ إلى الجيد ترويجا للردئ بواسطة الجيد فلو ثبت للمشترى
ولاية التفريق لقبل في الجيد دون الردئ فيتضرر به البائع والضرر منفى ولان غرض الترويج لا يحصل الا بالقبول
فيهما جميعا فلا يكون راضيا بالقبول في أحدهما ولان القبول في أحدهما يكون اعراضا عن الجواب بمنزلة القيام عن
المجلس وكذا لو أوجب البيع في كل العبد فقبل المشترى في نصفه لان ينعقد لان البائع يتضرر بالتفريق لأنه يلزمه عيب
الشركة ثم إذا قبل المشترى بعض ما أوجبه البائع كان هذا شراء مبتدأ من البائع فان اتصل به الايجاب من البائع في
المجلس فينظر إن كان للبعض الذي قبله المشترى حصة معلومة من الثمن جاز والا فلا بيانه إذا قال بعت منك هذين
الكرين بعشرين درهما فقبل المشترى في أحدهما وأوجب البائع جاز لان الثمن ينقسم على المبيع باعتبار الاجزاء فيما له
مثل فكان بيع الكرين بعشرين بيع كل كر بعشرة لتماثل قفزان الكرين وكذلك إذا قال بعت منك هذين العبدين
بألف درهم فقبل المشترى في أحدهما وبين ثمنه فقال البائع بعت يجوز فاما إذا لم يبين ثمنه لا يجوز وان ابتدأ البائع
الايجاب بخلاف مسألة الكرين وسائر الأشياء المتماثلة لما ذكرنا ان الثمن في المثليات ينقسم على المبيع باعتبار الاجزاء
فكان حصة كل واحد معلوما وفيما لامثل له لا ينقسم الثمن على المبيع باعتبار الاجزاء لانعدام تماثل الاجزاء وإذا لم
136

ينقسم بقيت حصة كل واحد منهما من الثمن مجهولة وجهالة الثمن تمنع صحة البيع هذا إذا لم يبين البائع حصة كل واحد من
العبدين بأن قال بعت منك هذين العبدين بألف درهم فاما إذا بين بأن قال بعت منك هذين العبدين هذا بألف وهذا
بخمسمائة فقبل المشترى في أحدهما دون الآخر جاز البيع لانعدام تفريق الصفقة من المشترى بل البائع هو الذي فرق
الصفقة حيث سمى لكل واحد منهما ثمنا على حدة وعلم أنه لا ضرر له فيه ولو كان فهو ضرر مرضى به وانه غير
مدفوع * وكذا إذا أوجب البيع في شئ بألف فقبل فيه بخمسمائة لا ينعقد وكذا لو أوجب بجنس ثمن فقبل بجنس
آخر الا إذا رضى البائع به في المجلس وعلى هذا إذا خاطب البائع رجلين فقال بعتكما هذا العبد أو هذين العبدين فقبل
أحدهما دون الآخر لا ينعقد لأنه أضاف الايجاب في العبدين أو عبد واحد إليهما جميعا فلا يصلح جواب أحدهما
جوابا للايجاب وكذا لو خاطب المشترى رجلين فقال اشتريت منكما هذا العبد بكذا فأوجب في أحدهما لم ينعقد لما قلنا
(فصل) وأما الذي يرجع إلى مكان العقد فواحد وهو اتحاد المجلس بأن كان الايجاب والقبول في مجلس واحد
فان اختلف المجلس لا ينعقد حتى لو أوجب أحدهما البيع فقام الاخر عن المجلس قبل القبول أو اشتغل بعمل آخر
يوجب اختلاف المجلس ثم قبل لا ينعقد لان القياس أن لا يتأخر أحد الشطرين عن الآخر في المجلس لأنه كما وجد
أحدهما انعدم في الثاني من زمان وجوده فوجد الثاني والأول منعدم فلا ينتظم الركن الا ان اعتبار ذلك يؤدى إلى أن
سداد باب البيع فتوقف أحد الشطرين على الآخر حكما وجعل المجلس جامعا للشطرين مع تفرقهما للضرورة
وحق الضرورة يصير مقضيا عند اتحاد المجلس فإذا اختلف لا يتوقف وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله الفور مع
ذلك شرط لا ينعقد الركن بدونه (وجه) قوله ما ذكرنا ان القياس أن لا يتأخر أحد الشطرين عن الآخر والتأخر لمكان
الضرورة وانها تندفع بالفور (ولنا) ان في ترك اعتبار الفور ضرورة لان القابل يحتاج إلى التأمل ولو اقتصر على الفور
لا يمكنه التأمل وعلى هذا إذا تبايعا وهما يمشيان أو يسيران على دابتين أو دابة واحدة في محمل واحد فان خرج
الايجاب والقبول منهما متصلين انعقد وإن كان بينهما فصل وسكوت وان قل لا ينعقد لان المجلس تبدل بالمشي
والسير وان قل ألا ترى انه لو قرأ آية سجدة وهو يمشى على الأرض أو يسير على دابة لا يصلى عليها مرارا يلزمه لكل
قراءة سجدة وكذا لو خير امرأته وهي تمشى على الأرض أو تسير على دابة لا يصلى عليها فمشت أو سارت يبطل
خيارها لتبدل المجلس وان اختارت نفسها متصلا بتخيير الزوج صح اختيارها لان المجلس لم يتبدل فكذا ههنا ولو
تبايعا وهما واقفان انعقد لاتحاد المجلس ولو أوجب أحدهما وهما واقفان فسار الآخر قبل القبول أو سارا جميعا ثم قبل
لا ينعقد لأنه لما سارا وسارا فقد تبدل المجلس قبل القبول فلم يجتمع الشطران في مجلس واحد ولو وقفا فخير امرأته
ثم سار الزوج وهي واقفة فالخيار في يدها ولو سارت هي والزوج واقف بطل خيارها فالعبرة لمجلسها لا لمجلس الزوج
وفى باب البيع يعتبر مجلسهما جميعا لان التخيير من قبل الزوج لازم ألا ترى انه لا يملك الرجوع عنه فلا يبطل
بالاعراض وأحد الشطرين في باب البيع لا يلزم قبل قبول الآخر فاحتمل البطلان بالاعراض ولو تبايعا وهما في
سفينة ينعقد سواء كانت واقفة أو جارية خرج الشطران متصلين أو منفصلين بخلاف المشي على الأرض والسير على
الدابة لان جريان السفينة بجريان الماء لا باجرائه ألا ترى ان راكب السفينة لا يملك وقفها فلم يكن جريانها مضافا إليه
فلم يختلف المجلس فأشبه البيت بخلاف المشي والسير أما المشي فظاهر لأنه فعله وكذا سير الدابة مضاف إليه ألا ترى
انه لو سيرها سارت ولو وقفها وقفت فاختلف المجلس بسيرها ولهذا لو كرر آية السجدة في السفينة وهي جارية لا يلزمه
الا سجدة واحدة كما لو كررها في بيت واحد وكذا لو خير امرأته في السفينة وهي جارية فهي على خيارها ما لم يوجد منها
دليل الاعراض وعلى هذا إذا أوجب أحدهما البيع والآخر غائب فبلغه فقبل لا ينعقد بان قال بعت عبدي هذا من
فلان الغائب بكذا فبلغه فقبل ولو قبل عنه قابل ينعقد والأصل في هذا ان أحد الشطرين من أحد العاقدين في باب
البيع يتوقف على الاخر في المجلس ولا يتوقف على الشطر الآخر من العاقد الآخر فيما وراء المجلس بالاجماع الا إذا
137

كان عنه قابل أو كان بالرسالة أو بالكتابة اما الرسالة فهي أن يرسل رسولا إلى رجل ويقول للرسول انى بعت
عبدي هذا من فلان الغائب بكذا فاذهب إليه وقل له ان فلانا أرسلني إليك وقال لي قل له انى قد بعت عبدي هذا من
فلان بكذا فذهب الرسول وبلغ الرسالة فقال المشترى في مجلسه ذلك قبلت انعقد البيع لان الرسول سفير ومعبر عن
كلام المرسل ناقل كلامه إلى المرسل إليه فكأنه حضر بنفسه فأوجب البيع وقبل الاخر في المجلس وأما الكتابة
فهي أن يكتب الرجل إلى رجل أما بعد فقد بعت عبدي فلانا منك بكذا فبلغه الكتاب فقال في مجلسه اشتريت
لان خطاب الغائب كتابه فكأنه حضر بنفسه وخاطب بالايجاب وقبل الآخر في المجلس ولو كتب شطر العقد
ثم رجع صح رجوعه لان الكتاب لا يكون فوق الخطاب ولو خاطب ثم رجع قبل قبول الاخر صح رجوعه فههنا
أولى وكذا لو أرسل رسولا ثم رجع لان الخطاب بالرسالة لا يكون فوق المشافهة وذا محتمل للرجوع فههنا أولى
وسواء علم الرسول رجوع المرسل أو لم يعلم به بخلاف ما إذا وكل انسانا ثم عزله بغير علمه لا يصح عزله لان الرسول
يحكى كلام المرسل وينقله إلى المرسل إليه فكان سفيرا ومعبرا محضا فلم يشترط علم الرسول بذلك فاما الوكيل فإنما
يتصرف عن تفويض الموكل إليه فشرط علمه بالعزل صيانة له عن التعزير على ما نذكره في كتاب الوكالة وكذا هذا
في الإجارة والكتابة ان اتحاد المجلس شرط للانعقاد ولا يتوقف أحد الشطرين من أحد العاقدين على وجود الشطر
الآخر إذا كان غائبا لان كل واحد منهما عقد معاوضة الا إذا كان عن الغائب قابل أو بالرسالة أو بالكتابة كما في البيع
وأما في النكاح فهل يتوقف بأن يقول رجل للشهود اشهدوا أنى قد تزوجت فلانة بكذا وبلغها فأجازت أو قالت
امرأة اشهدوا أنى زوجت نفسي من فلان بكذا فبلغه فأجاز عند أبي حنيفة ومحمد لا يتوقف أيضا الا إذا كان عن
الغائب قابل وعند أبي يوسف يتوقف وان لم يقبل عنه أحد وكذا الفضولي من الجانبين بان قال زوجت فلانة من
فلان وهما غائبان فبلغهما فأجازا لم يجز عندهما وعند أبي يوسف يجوز وهذه مسألة كتاب النكاح والفضولي من
الجانبين في باب البيع إذا بلغهما فأجازا لم يجز بالاجماع والله سبحانه وتعالى أعلم وأما الشطر في باب الخلع فمن جانب
الزوج يتوقف بالاجماع حتى لو قال خالعت امرأتي الغائبة على كذا فبلغها الخبر فقبلت جاز وأما من جانب المرأة فلا
يتوقف بالاجماع حتى لو قالت اختلعت من زوجي فلان الغائب على كذا فبلغه الخبر فأجاز لم يجز ووجه الفرق أن الخلع
في جانب الزوج يمين لأنه تعليق الطلاق بقبول المال فكان يمينا ولهذا لا يملك الرجوع عنه وتصح فيه الإضافة
إلى الوقت والتعليق بالشرط بأن يقول الزوج خالعتك غدا وان قدم فلان فقد خالعتك على كذا وإذا كان يمينا فغيبة
المرأة لا تمنع صحة اليمين كما في التعليق بدخول الدار وغير ذلك وأما من جانب المرأة فهو معاوضة ولهذا لا يصح تعليقه
بالشرط من جانبها ولا تصح اضافته إلى وقت وتملك الرجوع قبل إجازة الزوج وإذا كان معاوضة فالشطر في
المعاوضات لا يتوقف كما في البيع وغيره وكذا الشطر في اعتاق العبيد على مال من جانب المولى يتوقف إذا كان العبد
غائبا ومن جانب العبد لا يتوقف إذا كان المولى غائبا لأنه من جانبه تعليق العتق بالشرط ومن جانب العبد معاوضة
والأصل ان في كل موضع لا يتوقف الشطر على ما وراء المجلس يصح الرجوع عنه ولا يصح تعليقه بالشرط واضافته
إلى الوقت كما في البيع والإجارة والكتابة وفى كل موضع يتوقف الشطر على ما وراء المجلس لا يصلح الرجوع عنه
ويصح تعليقه بالشرط واضافته إلى الوقت كما في الخلع من جانب الزوج والاعتاق على مال من جانب المولى والله
سبحانه وتعالى أعلم.
(فصل) وأما الذي يرجع إلى المعقود عليه فأنواع (منها) أن يكون موجودا فلا ينعقد بيع المعدوم وماله خطر
العدم كبيع نتاج النتاج بان قال بعت ولد ولد هذه الناقة وكذا بيع الحمل لأنه ان باع الولد فهو بيع المعدوم وان باع الحمل
فله خطر المعدوم وكذا بيع اللبن في الضرع لأنه له خطر لاحتمال انتفاخ الضرع وكذا بيع الثمر والزرع قبل ظهوره
لأنهما معدوم وإن كان بعد الطلوع جاز وإن كان قبل بدو صلاحهما إذا لم يشترط الترك ومن مشايخنا من قال لا يجوز
138

الا إذا صار بحال ينتفع به بوجه من الوجوه فإن كان بحيث لا ينتفع به أصلا لا ينعقد واحتجوا بما روى عن النبي عليه
الصلاة والسلام أنه نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها ولأنه إذا لم يبد صلاحها لم تكن منتفعا بها فلا تكون مالا
فلا يجوز بيعها وهذا خلاف الرواية فان محمدا ذكر في كتاب الزكاة في باب العشر أنه لو باع الثمار في أول ما تطلع وتركها
بأمر البائع حتى أدركت فالعشر على المشترى ولو لم يجز بيعها حين ما طلعت لما وجب عشرها على المشترى والدليل
على جواز بيعه ما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال من باع نخلا مؤبرة فثمرته للبائع الا أن يشترطها
المبتاع جعل الثمرة للمشترى بالشرط من غير فصل بين ما إذا بدا صلاحها أو لا دل أنها محل البيع كيف ما كان والمعنى
فيه وهو أنه باع ثمرة موجودة وهي بعرض أن تصير منتفعا بها في الثاني وان لم يكن منتفعا بها في الحال فيجوز بيعها كبيع
جرو الكلب على أصلنا وبيع المهر والجحش والأرض السبخة والنهى محمول على بيع الثمار مدركة قبل ادراكها
بان باعها ثمرا وهي بسر أو باعها عنبا وهي حصرم دليل صحة هذا التأويل قوله عليه الصلاة والسلام في سياق
الحديث أرأيت ان منع الله الثمرة بم يستحل أحدكم مال صاحبه ولفظة المنع تقتضي أن لا يكون ما وقع عليه البيع موجودا
لان المنع منع الوجود وما يوجد من الزرع بعضه بعد بعض كالبطيخ والباذنجان فيجوز بيع ما ظهر منه ولا
يجوز بيع ما لم يظهر وهذا قول عامة العلماء رضي الله عنهم وقال مالك رحمه الله إذا ظهر فيه الخارج الأول يجوز بيعه
لان فيه ضرورة لأنه لا يظهر الكل دفعة واحدة بل على التعاقب بعضها بعد بعض فلو لم يجز بيع الكل عند ظهور
البعض لوقع الناس في الحرج (ولنا) أن ما لم يظهر منه معدوم فلا يحتمل البيع ودعوى الضرورة والحرج ممنوعة فإنه
يمكنه أن يبيع الأصل بما فيه من الثمر وما يحدث منه بعد ذلك يكون ملك المشتري وقد روى أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم نهى عن بيع الحبل وحبل الحلب وروى حبل الحبلة وهو بمعنى الأول وإنما زيادة الهاء للتأكيد
والمبالغة وروى حبل الحبلة بحفظ الهاء من الكلمة الأخيرة والحبلة هي الحبلى فكان نهيا عن بيع ولد الحبلى
وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن بيع اللبن في الضرع وبيع عسب الفحل لان عسب الفحل ضرابه
وهو عند العقد معدوم وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل ولا يمكن حمل النهى على
نفس العسب وهو الضراب لان ذلك جائز بالإعارة فيحمل على البيع والإجارة الا أنه حذف ذلك واضمره فيه
كما في قوله تعالى واسأل القرية وغير ذلك ولا يجوز بيع الدقيق في الحنطة والزيت في الزيتون والدهن في السمسم
والعصير في العنب والسمن في اللبن ويجوز بيع الحنطة وسائر الحبوب في سنابلها لان بيع الدقيق في الحنطة
والزيت في الزيتون ونحو ذلك بيع المعدوم لأنه لا دقيق في الحنطة ولا زيت في الزيتون لان الحنطة اسم للمركب
والدقيق اسم للمتفرق فلا دقيق في حال كونه حنطة ولا زيت حال كونه زيتونا فكان هذا بيع المعدوم فلا ينعقد
بخلاف بيع الحنطة في سنبلها لان ما في السنبل حنطة إذ هي اسم للمركب وهي في سنبلها على تركيبها فكان بيع
الموجود حتى لو باع تبن الحنطة في سنبلها دون الحنطة لا ينعقد لأنه لا يصير تبنا الا بالعلاج وهو الدق فلم يكن تبنا قبله
فكان بيع المعدوم فلا ينعقد وبخلاف بيع الجذع في السقف والآجر في الحائط وذراع من كرباس أو ديباج أنه
ينعقد حتى لو نزع وقطع وسلم إلى المشترى يجبر على الاخذ وههنا لا ينعقد أصلا حتى لو طحن أو عصر وسلم لا يجبر
المشترى على القبول لأن عدم النفاذ هناك ليس لخلل في الركن ولا في العاقد والمعقود عليه بل لمضرة تلحق العاقد بالنزع
والقطع فإذا نزع وقطع فقد زال المانع فنفذ اما ههنا فالمعقود عليه معدوم حالة العقد ولا يتصور انعقاد العقد بدونه فلم ينعقد
أصلا فلا يحتمل النفاذ فهو الفرق وكذا بيع البزر في البطيخ الصحيح لأنه بمنزلة الزيت في الزيتون وبيع النوى في
التمر وكذلك بيع اللحم في الشاة الحية لأنها إنما تصير لحما بالذبح والسلخ فكان بيع المعدوم فلا ينعقد وكذا بيع الشحم
الذي فيها وأليتها وأكارعها ورأسها لما قلنا وكذا بيع البحير في السمسم لأنه إنما يصير بحيرا بعد العصر وعلى هذا
يخرج ما إذا قال بعتك هذا الياقوت بكذا فإذا هو زجاج أو قال بعتك هذا الفص على أنه ياقوت بكذا فإذا هو زجاج
139

أو قال بعتك هذا الثوب الهروي بكذا فإذا هو مروى أو قال بعتك هذا الثوب على أنه مروى فإذا هو هروى لا ينعقد
البيع في هذه المواضع لأن المبيع معدوم والأصل في هذا أن الإشارة مع التسمية إذا اجتمعتا في باب البيع فيما يصلح
محل البيع ينظر إن كان المشار إليه من خلاف جنس المسمى فالعبرة للتسمية ويتعلق العقد بالمسمى وإن كان من جنسه
لكن يخالفه في الصفة فان تفاحش التفاوت بينهما فالعبرة للتسمية أيضا عندنا ويلحقان بمختلفي الجنس وان قل
التفاوت فالعبرة للمشار إليه ويتعلق العقد به وإذا عرف هذا فنقول الياقوت مع الزجاج جنسان مختلفان وكذا الهروي
مع المروى نوعان مختلفان فيتعلق العقد فيه بالمسمى وهو معدوم فيبطل ولا ينعقد ولو قال بعتك هذا العبد فإذا هو جارية
لا ينعقد عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله وعند زفر رحمه الله يجوز (وجه) قوله أن المسمى ههنا من جنس المشار إليه أعني
العبد والجارية وإنما يختلفان في صفة الذكورة والأنوثة وهذا لا يمنع تعلق العقد بالمشار إليه كما إذا قال بعتك هذه الشاة
على أنها نعجة فإذا هي كبش (ولنا) انهما جنسان مختلفان في المعنى لاختلاف جنس المنفعة المطلوبة اختلافا فاحشا
فالتحقا بمختلفي الجنس حقيقة بخلاف النعجة مع الكبش لأنهما اتفقا جنسا ذاتا ومعنى اما ذاتا فظاهر لان اسم الشاة
يتناولهما وأما معنى فلان المطلوب من كل واحد منهما منفعة الاكل فتجانسا ذاتا ومنفعة فتعلق العقد بالمشار إليه وهو
موجود محل للبيع فجاز بيعه ولكن المشترى بالخيار لأنه فاتته صفة مرغوبة فأوجب ذلك خللا في الرضا فيثبت له
الخيار وكذا لو باع دارا على أن بناءها آجر فإذا هو لبن لا ينعقد لأنهما يتفاوتان في المنفعة تفاوتا فاحشا فكانا كالجنسين
المختلفين وكذا لو باع ثوبا على أنه مصبوغ بعصفر فإذا هو مصبوغ بزعفران لا ينعقد لان العصفر مع الزعفران يختلفان
في اللون اختلافا فاحشا وكذا لو باع حنطة في جولق فإذا هو دقيق أو شرط الدقيق فإذا هو خبز لا ينعقد لان الحنطة
مع الدقيق جنسان مختلفان وكذا الدقيق مع الخبز ألا ترى ان من غصب من آخر حنطة وطحنها ينقطع حق الملك
دل انها تصير بالطحن شيئا آخر فكان بيع المعدوم فلا ينعقد وان قال بعتك هذه الشاة على أنها ميتة فإذا هي ذكية
جاز بالاجماع لان الميتة ليست بمحل للبيع فلغت التسمية وبقيت الإشارة إلى الذكية ولو قال بعتك هذا الثوب
القز فإذا هو ملحم ينظر إن كان سداه من القز ولحمته من غيره لا ينعقد وإن كان لحمته من القز فالبيع جائز لان الأصل في
الثوب هو اللحمة لأنه إنما يصير ثوبا بها فإذا كانت لحمته من غير القز فقد اختلف الجنس فكانت العبرة للتسمية والمسمى
معدوم فلم ينعقد البيع وإذا كانت من القز فالجنس لم يختلف فتعتبر الإشارة والمشار إليه موجود فكان محلا للبيع الا انه
يثبت الخيار للمشترى لان كون السدى منه أمر مرغوب فيه وقد فات فوجب الخيار وكذلك إذا قال بعتك هذا
الثوب الخز بكذا فإذا هو ملحم فهو على التفصيل الا أن لحمته إذا كانت خزا وسداه من غيره حتى جاز البيع فقد قيل إنه
ينبغي أن لا يثبت الخيار للمشترى ههنا لان الخز هكذا ينسج بخلاف القز ولو باع جبة على أن بطانتها وظهارتها كذا
وحشوها كذا فإن كانت الظهارة من غير ما شرط لا ينعقد البيع وإن كانت البطانة والحشو مما شرط وإن كانت
الظهارة مما شرط جاز البيع وإن كانت البطانة والحشو من غير ما شرط لان الأصل هو الظهارة ألا ترى انه ينسب الثوب
إليها ويختلف الاسم باختلافها وإنما البطانة تجرى مجرى التابع لها وكذا الحشو فكان المعقود عليه هو الظهارة
وما سواها جاريا مجرى الوصف لها ففواته لا يمنع الجواز ولكنه يوجب الخيار لأنه فات شئ مرغوب فيه ولو قال بعتك
هذه الدار على أن فيها بناء فإذا لا بناء فيها فالبيع جائز والمشترى بالخيار ان شاء أخذ بجميع الثمن وان شاء ترك فرق بين
هذا وبين ما إذا قال بعتك هذه الدار على أن بناءها آجر فإذا هو لبن انه لا ينعقد (ووجه) الفرق ان الآجر مع اللبن
يتفاوتان في المنفعة تفاوتا فاحشا فالتحقا بمختلفي الجنس على ما بينا فيما تقدم (ومنها) أن يكون مالا لان البيع مبادلة
المال بالمال فلا ينعقد بيع الحر لأنه ليس بمال وكذا بيع أم الولد لأنها حرة من وجه لما روى عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنه قال أعتقها ولدها وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في أم الولد لا تباع ولا توهب وهي حرة من
الثلث نفى عليه الصلاة والسلام جواز بيعها مطلقا وسماها حرة فلا تكون مالا على الاطلاق خصوصا على أصل أبى
140

حنيفة رضي الله عنه لان الاستيلاد يوجب سقوط المالية عنده حتى لا تضمن بالغصب والبيع الفاسد والاعتاق
وإنما تضمن بالقتل لا غير لان ضمان القتل ضمان الدم لا ضمان المال والمسألة تأتى في موضعها إن شاء الله تعالى ولا بيع
المدبر المطلق عندنا وقال الشافعي عليه الرحمة بيع المدبر جائز واحتج بما روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن
النبي عليه الصلاة والسلام أجاز بيع المدبر وعن سيدتنا عائشة رضي الله عنها أنها دبرت مملوكة لها فغضبت عليها
فباعتها ولان التدبير تعليق العتق بالموت والمعلق بالشرط عدم قبل وجود الشرط فلم يكن العتق ثابتا أصلا قبل الموت
فيجوز بيعه كما إذا علق عتق عبده بدخول الدار ونحو ذلك ثم باعه قبل أن يدخل الدار وكما في المدبر المقيد (ولنا) ما روى
أبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع المدبر
ومطلق النهى محمول على التحريم وروى عن عبد الله بن سيدنا عمر رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام
قال المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر من الثلث وهذا نص في الباب ولأنه حر من وجه فلا يجوز بيعه كأم الولد
والدليل على أنه حر من وجه الاستدلال بضرورة الاجماع وهو انه يعتق بعد الموت بالاجماع والحرية لابد لها من
سبب وليس ذلك الا الكلام السابق وليس هو بتحرير بعد الموت لان التحرير فعل اختياري وانه لا يتحقق من الميت
فكان تحريرا من حين وجوده فكان ينبغي أن تثبت به الحرية من كل وجه للحال الا أنها تأخرت من وجه إلى آخر
جزء من أجزاء حياته بالاجماع ولا اجماع على التأخير من وجه فبقيت الحرية من وجه ثابتة للحال فلا يكون مالا
مطلقا فلا يجوز بيعه وحديث جابر وسيدتنا عائشة رضي الله عنهما حكاية فعل يحتمل انه أجاز عليه الصلاة والسلام
بيع مد مقيد أو باع مدبرا مقيدا ويحتمل أن يكون المراد منه الإجارة لان الإجارة بلغة أهل المدينة تسمى بيعا
ويحتمل انه كان في ابتداء الاسلام حين كان بيع المدبر مشروعا ثم نسخ فلا يكون حجة مع الاحتمال (وأما) المدبر
المقيد فهناك لا يمكن أن يجعل الكلام السابق ايجابا من حين وجوده لأنه علق عتقه بموت موصوف بصفة واحتمل أن
يموت من ذلك المرض والسفر أو لا فكان الخطر قائما فكان تعليقا فلم يكن ايجابا ما دام الخطر قائما ومتى اتصل به الموت
يظهر انه كان تحريرا من وجه من حين وجوده لكن لا يتعلق به حكم والله سبحانه وتعالى أعلم ولا بيع المكاتب لأنه
حر يدا فلا تثبت يد تصرف الغير عليه ولا بيع معتق البعض موسرا كان المعتق أو معسرا عند أصحابنا الثلاثة رضي الله عنه
م لأنه بمنزلة المكاتب عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعندهما هو حر عليه دين (وأما) عند الشافعي رضي الله عنه
فإن كان المعتق معسرا فلشريكه الساكت أن يبيع نصيبه بناء على أصله أن المعتق إن كان معسرا فالاعتاق منجز فبقي
نصيب شريكه على ملكه فيجوز له بيعه وكل جواب عرفته في هؤلاء فهو الجواب في الأولاد من هؤلاء لان الولد
يحدث على وصف الام ولهذا كان ولد الحرة حرا وولد الأمة رقيقا وكما لا ينعقد بيع المكاتب وولده المولود في الكتابة
لا ينعقد بيع ولده المشترى في الكتابة ووالدته لأنهم تكاتبوا بالشراء (وأما) من سواهم من ذوي الأرحام إذا اشتراهم يجوز
بيعهم عند أبي حنيفة رضي الله عنه لأنهم لم يتكاتبوا بالشراء وعند أبي يوسف ومحمد لا يجوز لأنهم تكاتبوا وهي مسألة
كتاب المكاتب ولا ينعقد بيع الميتة والدم لأنه ليس بمال وكذلك ذبيحة المجوسي والمرتد والمشرك لأنها ميتة وكذا
متروك التسمية عمدا عندنا خلافا للشافعي وهي مسألة كتاب الذبائح وكذا ذبيحة المجنون والصبي الذي لا يعقل
لأنها في معنى الميتة وكذا ما ذبح من صيد الحرم محرما كان الذابح أو حلالا وما ذبحه المحرم من الصيد سواء كان صيد
الحرم أو الحل لان ذلك ميتة ولا ينعقد بيع صيد الحرم محرما كان البائع أو حلالا لأنه حرام الانتفاع به شرعا فلم يكن
مالا ولا بيع صيد المحرم سواء كان صيد الحرم أو الحل لأنه حرام الانتفاع به في حقه فلا يكون مالا في حقه ولو وكل
محرم حلالا ببيع صيد فباعه فالبيع جائز عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد باطل وهو على اختلافهم في مسلم
وكل ذميا ببيع خمر فباعها (وجه) قولهما ان البائع هو الموكل معنى لان حكم البيع يقع له والمحرم ممنوع عن تمليك
الصيد وتملكه (وجه) قول أبي حنيفة رضي الله عنه أن البائع في الحقيقة هو الوكيل لان بيعه كلامه القائم به حقيقة
141

ولهذا ترجع حقوق العقد إليه الا أن الموكل يقوم مقامه شرعا في نفس الحكم مع اقتصار نفس التصرف على مباشرته
حقيقة والحرم من أهل ثبوت الملك له في الصيد حكما لا يتملكه حقيقة ألا يرى أنه يرثه وهذا لان المنع إنما يكون عما
للعبد فيه صنع ولا صنع له فيما يثبت حكما فلا يحتمل المنع ولو باع حلال حلالا صيدا ثم أحرم أحدهما قبل القبض
يفسخ البيع لان الاحرام كما يمنع البيع والشراء يمنع التسليم والقبض لأنه عقد من وجه على ما عرف فيلحق به في حق
الحرمة احتياطا ولو وكل حلال حلالا ببيع صيد فباعه ثم أحرم الموكل قبل قبض المشترى فعلى قياس قول أبي حنيفة
رحمه الله جاز البيع وعلى قياس قولهما يبطل لان الاحرام القائم لا يمنع من جواز التوكيل عنده فالطارئ لا يبطله
وعندهما القائم يمنع فالطارئ يبطله حلا لان تبايعا صيدا في الحل وهما في الحرم جاز عن أبي حنيفة وعند محمد لا يجوز
(وجه) قول محمد ان كون الحرم مأمنا يمنع من التعرض للصيد سواء كان المتعرض في الحرم أو الحل بعد إن كان
المتعرض في الحرم ألا ترى أنه لا يحل للحلال الذي في الحرم أن يرمى إلى الصيد الذي في الحل كما لا يحل له أن يرمى
إليه إذا كان في الحرم (وجه) قول أبي حنيفة رضي الله عنه ان كونه في الحرم يمنع من التعرض لصيد الحل لكن
حسا لا شرعا بدليل ان الحلال في الحرم إذا أمر حلالا آخر بذبح صيد في الحل جاز ولو ذبح حل أكله ومعلوم ان
الامر بالذبح في معنى التعرض للصيد فوق البيع والشراء فلما لم يمنع من ذلك فلان لا يمنع من هذا أولى وهذا لان المنع
من التعرض إنما كان احتراما للحرم فكل ما فيه ترك احترامه يجب صيانة الحرم عنه وذلك بمباشرة سبب الايذاء في
الحرم ولم يوجد في البيع والله سبحانه وتعالى أعلم ولا بيع لحم السبع لأنه لا يباح الانتفاع به شرعا فلم يكن مالا
وروى عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه يجوز بيعه إذا ذبح لأنه صار طاهرا بالذبح وأما جلد السبع والحمار
والبغل فإن كان مدبوغا أو مذبوحا يجوز بيعه لأنه مباح الانتفاع به شرعا فكان مالا وان لم يكن مدبوغا ولا مذبوحا
لا ينعقد بيعه لأنه إذا لم يدبغ ولم يذبح بقيت رطوبات الميتة فيه فكان حكمه حكم الميتة ولا ينعقد بيع جلد الخنزير
كيف ما كان لأنه نجس العين بجميع أجزائه وقيل إن جلده لا يحتمل الدباغ وأما عظم الميتة وعصبها وشعرها
وصوفها وبرها وريشها وخفها وظلفها وحافرها فيجوز بيعها والانتفاع بها عندنا وعند الشافعي رحمه الله لا يجوز
بناء على أن هذه الأشياء طاهرة عندنا وعنده نجسة واحتج بقوله سبحانه وتعالى حرمت عليكم الميتة وهذه من أجزاء
الميتة فتكون حراما فلا يجوز بيعها وقال عليه الصلاة والسلام لا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب (ولنا) قوله
سبحانه وتعالى والله جعل لكم من بيوتكم سكنا إلى قوله عز وجل ومن أصوافها وأوبارها الآية أخبر سبحانه وتعالى
انه جعل هذه الأشياء لنا ومن علينا بذلك من غير فصل بين الذكية والميتة فيدل على تأكد الإباحة ولان حرمة الميتة
ليست لموتها فان الموت موجود في السمك والجراد وهما حلالان قال عليه الصلاة والسلام أحل لنا ميتتان ودمان
بل لما فيها من الرطوبات السيالة والدماء النجسة لانجمادها بالموت ولهذا يظهر الجلد بالدباغ حتى يجوز بيعه لزوال
الرطوبة عنه ولا رطوبة في هذه الأشياء فلا تكون حراما ولا حجة له في هذا الحديث لان الإهاب اسم لغير المدبوغ لغة
والمراد من العصب حال الرطوبة يحمل عليه توفيقا بين الدلائل وأما عظم الخنزير وعصبه فلا يجوز بيعه لأنه نجس
العين وأما شعره فقد روى أنه طاهر يجوز بيعه والصحيح انه نجس لا يجوز بيعه لأنه جزء منه الا أنه رخص في
استعماله للخرازين للضرورة وأما عظم الآدمي وشعره فلا يجوز بيعه لا لنجاسته لأنه طاهر في الصحيح من الرواية
لكن احتراما له والابتذال بالبيع يشعر بالإهانة وقد روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لعن الله الواصلة
والمستوصلة وأما عظم الكلب وشعره فقد اختلف المشايخ فيه على الأصل الذي ذكرنا وروى عن أبي حنيفة وأبى
يوسف رحمهما الله انه لا بأس ببيع عظم الفيل والانتفاع به وقال محمد رحمه الله عظم الفيل نجس لا يجوز بيعه ولا
الانتفاع به ذكره في العيون ويجوز بيع كل ذي مخلب من الطير معلما كان أو غير معلم بلا خلاف وأما بيع كل ذي
ناب من السباع سوى الخنزير كالكلب والفهد والأسد والنمر والذئب والهر ونحوها فجائز عند أصحابنا وعند الشافعي
142

رحمه الله لا يجوز ثم عندنا لا فرق بين المعلم وغير المعلم في رواية الأصل فيجوز بيعه كيف ما كان وروى عن أبي
يوسف رحمه الله انه لا يجوز بيع الكلب العقور احتج الشافعي رحمه الله بما روى عن النبي المكرم عليه الصلاة
والسلام أنه قال ومن السحت مهر البغي وثمن الكلب ولو جاز بيعه لما كان ثمنه سحتا ولأنه نجس العين فلا يجوز بيعه
كالخنزير الا أنه رخص الانتفاع به بجهة الحراسة والاصطياد للحاجة والضرورة وهذا لا يدل على جواز البيع كما في
شعر الخنزير (ولنا) ان الكلب مال فكان محلا للبيع كالصقر والبازي والدليل على أنه مال انه منتفع به حقيقة مباح
الانتفاع به شرعا على الاطلاق فكان مالا ولا شك انه منتفع به حقيقة والدليل على أنه مباح الانتفاع به شرعا على
الاطلاق ان الانتفاع به بجهة الحراسة والاصطياد مطلق شرعا في الأحوال كلها فكان محلا للبيع لان البيع إذا
صادف محلا منتفعا به حقيقة مباح الانتفاع به على الاطلاق مست الحاجة إلى شرعه لان شرعه يقع سببا ووسيلة
للاختصاص القاطع للمنازعة إذ الحاجة إلى قطع المنازعة فيما يباح الانتفاع به شرعا على الاطلاق لا فيما يجوز (وأما)
الحديث فيحتمل انه كان في ابتداء الاسلام لأنهم كانوا ألفوا اقتناء الكلاب فأمر بقتلها ونهى عن بيعها مبالغة في
الزجر أو يحمل على هذا توفيقا بين الدلائل قوله إنه نجس العين قلنا هذا ممنوع فإنه يباح الانتفاع به شرعا على الاطلاق
اصطيادا وحراسة ونجس العين لا يباح الانتفاع به شرعا الا في حالة الضرورة كالخنزيز ولا ينعقد بيع الخنزير من
المسلم لأنه ليس بمال في حق المسلمين فأما أهل الذمة فلا يمنعون من بيع الخمر والخنزير أما على قول بعض مشايخنا
فلانه مباح الانتفاع به شرعا لهم كالخل وكالشاة لنا فكان مالا في حقهم فيجوز بيعه وروى عن سيدنا عمر بن
الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عشاره بالشام أن ولوهم بيعها وخذوا العشر من أثمانها ولو لم يجز بيع الخمر منهم لما أمرهم
بتوليتهم البيع وعن بعض مشايخنا حرمة الخمر والخنزير ثابتة على العموم في حق المسلم والكافر لان الكفار
مخاطبون بشرائع هي حرمات هو الصحيح من مذهب أصحابنا فكانت الحرمة ثابتة في حقهم لكنهم لا يمنعون عن
بيعها لأنهم لا يعتقدون حرمتها ويتمولونها ونحن أمرنا بتركهم وما يدينون ولو باع ذمي من ذمي خمرا أو خنزيرا ثم
أسلما أو أسلم أحدهما قبل القبض يفسخ البيع لأنه بالاسلام حرم البيع والشراء فيحرم القبض والتسليم أيضا لأنه
يشبه الانشاء أو انشاء من وجه فيلحق به في باب الحرمات احتياطا وأصله قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله
وذروا ما بقي من الربا أن كنتم مؤمنين والامر بترك ما بقي من الربا هو النهى عن قبضته يؤيده قوله تعالى في آخر الآية
الشريفة وان تبتم فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإذا حرم القبض والتسليم لم يكن في بقاء العقد فائدة
فيبطله القاضي كمن باع عبدا فأبق قبل القبض ولو كان اسلامهما أو اسلام أحدهما بعد القبض مضى البيع لان الملك
قد ثبت على الكمال بالعقد والقبض في حالة الكفر وإنما يوجد بعد الاسلام دوام الملك والاسلام لا ينافي ذلك فان
من تخمر عصيره لا يؤمر بابطال ملكه فيها ولو أقرض الذمي ذميا خمرا ثم أسلم أحدهما فان أسلم المقرض سقطت الخمر
ولا شئ له من قيمة الخمر على المستقرض أما سقوط قيمة الخمر فلان العجز عن قبض المثل جاء من قبله فلا شئ له
وان أسلم المستقرض روى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله انه تسقط الخمر وليس عليه قيمة الخمر أيضا
كما لو أسلم المقرض وروى محمد وزفر وعافية بن زياد القاضي عن أبي حنيفة رضي الله عنهم ان عليه قيمة الخمر وهو
قول محمد رحمه الله (وجه) هذه الرواية ان امتناع التسليم من المستقرض إنما جاء لمعنى من قبله وهو اسلامه
فكأنه استهلك عليه خمره والمسلم إذا استهلك خمرا لذمي يضمن قيمته (وجه) رواية أبى يوسف رحمه الله انه
لا سبيل إلى تسليم المثل لأنه يمنع منه ولا إلى القيمة لان ذلك يوجب ملك المستقرض والاسلام يمنع منه والله
سبحانه وتعالى أعلم وأما الفرد فعن أبي حنيفة رضي الله عنه روايتان (وجه) رواية عدم الجواز انه غير منتفع به شرعا
فلا يكون مالا كالخنزير (وجه) رواية الجواز انه ان لم يكن منتفعا به بذاته يمكن الانتفاع بجلده والصحيح هو الأول
لأنه لا يشترى للانتفاع بجلده عادة بل للهو به وهو حرام فكان هذا بيع الحرام للحرام وانه لا يجوز ويجوز بيع الفيل
143

بالاجماع لأنه منتفع به حقيقة مباح الانتفاع به شرعا على الاطلاق فكان مالا ولا ينعقد بيع الحية والعقرب وجميع
هوام الأرض كالوزغة والضب والسلحفاة والقنفذ ونحو ذلك لأنها محرمة الانتفاع بها شرعا لكونها من الخبائث فلم
تكن أموالا فلم يجز بيعها وذكر في الفتاوى انه يجوز بيع الحية التي ينتفع بها للأدوية وهذا غير سديد لان المحرم شرعا
لا يجوز الانتفاع به للتداوي كالخمر والخنزير وقال النبي عليه الصلاة والسلام لم يجعل شفاؤكم فيما حرم عليكم فلا تقع
الحاجة إلى شرع البيع ولا ينعقد بيع شئ مما يكون في البحر كالضفدع والسرطان الا السمك وما يجوز الانتفاع
بجلده أو عظمه لان ما لا يجوز الانتفاع بجلده ولا به ولا بعظمه لا يكون مالا فلا يكون محلا للبيع وقد روى أن
النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن الضفدع يجعل في دواء فنهى عنه وقال خبيثة من الخبائث وذكر أبو بكر
الإسكاف رحمه الله انه لا يجوز وذكر في الفتاوى انه يجوز لأنه الناس ينتفعون به ولا ينعقد بيع النحل الا
إذا كان في كوارته عسل فباع الكوارة بما فيها من العسل والنحل وروى هشام عن محمد انه يجوز بيعه منفردا
من غير كوارته إذا كان مجموعا وهو قول الشافعي رحمه الله لان النحل حيوان منتفع به فيجوز بيعه (ولنا)
انه ليس بمنتفع به فلم يكن مالا بنفسه بل بما يحدث منه وهو معدوم حتى لو باعه مع الكوارة وفيها عسل يجوز بيعه تبعا
للعسل ويجوز ان لا يكون الشئ محلا للبيع بنفسه مفردا ويكون محلا للبيع مع غيره كالشرب وأنكر الكرخي
رحمه الله هذا فقال إنما يدخل فيه تبعا إذا كان من حقوقه كما في الشرب مع الأرض وهذا ليس من حقوقه وعلى
هذا بيع دود القز لا ينعقد الا إذا كان معه قز وروى محمد انه يجوز بيعه مفردا والحجج على نحو ما ذكرنا في النحل
ولا ينعقد بيع بذر الدود عند أبي حنيفة رحمه الله كما لا ينعقد بيع الدود وعندهما يجوز بيعه (ووجه) الكلام
فيه على نحو ما ذكرنا في بيع النحل والدود ويجوز بيع السرقين والبعر لأنه مباح الانتفاع به شرعا على الاطلاق
فكان مالا ولا ينعقد بيع العذرة الخالصة لأنه لا يباح الانتفاع بها بحال فلا تكون مالا الا إذا كان مخلوطا بالتراب
والتراب غالب فيجوز بيعه لأنه يجوز الانتفاع به وروى عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال كل شئ أفسده الحرام
والغالب عليه الحلال فلا بأس ببيعه ونبين ذلك وما كان الغالب عليه الحرام لم يجز بيعه ولا هبته كالفأرة إذا وقعت
في العجين والسمن المائع وكذلك قال محمد في الزيت إذا وقع فيه ودك الميتة انه إن كان الزيت غالبا يجوز بيعه وإن كان
الودك غالبا لا يجوز بيعه لان الحلال إذا كان هو الغالب يجوز الانتفاع به استصحابا ودبغا على ما ذكرنا في
كتاب الطهارات فكان مالا فيجوز بيعه وإذا كان الحرام هو الغالب لم يجز الانتفاع به بوجه فلم يكن مالا فلا يجوز
بيعه ويجوز بيع آلات الملاهي من البربط والطبل والمزمار والدف ونحو ذلك عند أبي حنيفة لكنه يكره وعند أبي
يوسف ومحمد لا ينعقد بيع هذه الأشياء لأنها آلات معدة للتلهي بها موضوعة للفسق والفساد فلا تكون أموالا فلا
يجوز بيعها ولأبي حنيفة رحمه الله أنه يمكن الانتفاع بها شرعا من جهة أخرى بان تجعل ظروفا لأشياء ونحو ذلك من
المصالح فلا تخرج عن كونها أموالا وقولهما انها آلات التلهي والفسق بها قلنا نعم لكن هذا لا يوجب سقوط ماليتها
كالمغنيات والقيان وبدن الفاسق وحياته وماله وهذا لأنها كما تصلح للتلهي تصلح لغيره على ماليتها بجهة اطلاق
الانتفاع بها لا بجهة الحرمة ولو كسرها انسان ضمن عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما لا يضمن وعلى هذا الخلاف
بيع النرد والشطرنج والصحيح قول أبي حنيفة رضي الله عنه لان كل واحد منهما منتفع به شرعا من وجه آخر بان يجعل
صنجات الميزان فكان مالا من هذا الوجه فكان محلا للبيع مضمونا بالاتلاف ويجوز بيع ما سوى الخمر من
الأشربة المحرمة كالسكر ونقيع الزبيب والمنصف ونحوها عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا يجوز لأنه إذا
حرم شربها لم تكن مالا فلا تكون محلا للبيع كالخمر ولان ما حرم شربه لا يجوز بيعه لما روى عن النبي عليه
الصلاة والسلام أنه قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وان الله تعالى إذا حرم شيئا حرم بيعه
وأكل ثمنه ولأبي حنيفة رحمه الله ان حرمة هذه الأشربة ما ثبتت بدليل متيقن مقطوع به لكونها محل الاجتهاد
144

والمالية قبل حدوث الشدة كانت ثابتة بيقين فلا تبطل بحرمة ثابتة بالاجتهاد فبقيت أموالا وبه تبين ان المراد من
الحديث محرم ثبتت حرمته بدليل مقطوع به ولم يوجد ههنا بخلاف الخمر لان حرمتها ثبتت بدليل مقطوع به فبطلت
ماليتها والله سبحانه وتعالى أعلم ولا ينعقد بيع الملاقيح والمضامين الذي ورد النهى عنه لان المضمون ما في صلب
الذكر والملقوح ما في رحم الأنثى وذلك ليس بمال وعلى هذا أيضا يخرج بيع عسب الفحل لان العسب هو الضرب
وانه ليس بمال وقد يخرج على هذا بيع الحمل انه لا ينعقد لان الحمل ليس بمال ولا ينعقد بيع لبن المرأة في قدح عندنا
وقال الشافعي رحمه الله يجوز بيعه (وجه) قوله إن هذا مشروب طاهر فيجوز بيعه كلبن البهائم والماء (ولنا) ان اللبن
ليس بمال فلا يجوز بيعه والدليل على أنه ليس بمال اجماع الصحابة رضي الله عنهم والمعقول اما اجماع الصحابة رضى
الله تعالى عنهم فما روى عن سيدنا عمر وسيدنا على رضى الله تعالى عنهما حكما في ولد المغرور بالقيمة وبالعقر
بمقابلة الوطئ وما حكما بوجوب قيمة اللبن بالاستهلاك ولو كان مالا لحكما لان المستحق يستحق بدل اتلاف ماله
بالاجماع ولكان ايجاب الضمان بمقابلته أولى من ايجاب الضمان بمقابلة منافع البضع لأنها ليست بمال فكانت حاجة
المستحق إلى ضمان المال أولى وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكر عليهما أحد فكان اجماعا
(وأما) المعقول فهو لأنه لا يباح الانتفاع به شرع على الاطلاق بل لضرورة تغذية الطفل وما كان حرام الانتفاع به شرعا
الا لضرورة لا يكون مالا كالخمر والخنزير والدليل عليه ان الناس لا يعدونه مالا ولا يباع في سوق ما من الأسواق دل
انه ليس بمال فلا يجوز بيعه ولأنه جزء من الآدمي والآدمي بجميع أجزائه محترم مكرم وليس من الكرامة
والاحترام ابتذاله بالبيع والشراء ثم لا فرق بين لبن الحرة وبين لبن الأمة في ظاهر الرواية وعند أبي يوسف رحمه الله
انه يجوز بيع لبن الأمة لأنه جزء من آدمي هو مال فكان محلا للبيع كسائر أجزائه (ولنا) ان الآدمي لم يجعل محلا
للبيع الا بحلول الرق فيه والرق لا يحل الا في الحي واللبن لا حياة فيه فلا يحله الرق فلا يكون محلا للبيع سفل وعلو بين
رجلين انهدما فباع صاحب العلو علوه لم يجز لان الهواء ليس بمال ولو جمع بين ما هو مال وبين ما ليس بمال في البيع بان
جمع بين حر وعبد أو بين عصير وخمر أو بين ذكية وميتة وباعهما صفقة واحدة فإن لم يبين حصة كل واحد منهما من
الثمن لم ينعقد العقد أصلا بالاجماع وان بين فكذلك عند أبي حنيفة وعندهما يجوز في العصير والعبد والذكية ويبطل في
الحر والخمر والميتة ولو جمع بين قن ومدبر أو أم ولد ومكاتب أو بين عبده وعبد غيره وباعهما صفقة واحدة جاز
البيع في عبده بلا خلاف (وجه) قولهما ان الفساد بقدر المفسد لان الحكم يثبت بقدر العلة والمفسد خص أحدهما
فلا يتعمم الحكم مع خصوص العلة فلو جاء الفساد إنما يجئ من قبل جهالة الثمن فإذا بين حصة كل واحد منهما من
الثمن فقد زال هذا المعنى أيضا ولهذا جاز بيع القن إذا جمع بينه وبين المدبر أو المكاتب أو أم الولد وباعهما صفقة
واحدة كذا هذا ولأبي حنيفة رضي الله عنه ان الصفقة واحدة وقد فسدت في أحدهما فلا تصح في الآخر
والدليل على أن الصفقة واحدة ان لفظ البيع والشراء لم يتكرر والبائع واحد والمشترى واحد وتفريق الثمن وهو
التسمية لكل واحد منهما لا يمنع اتحاد الصفقة دل ان الصفقة واحدة وقد فسدت في أحدهما بيقين لخروج الحر والخمر
والميتة عن محلية البيع بيقين فلا يصح في الآخر لاستحالة كون الصفقة الواحدة صحيحة وفاسدة ولهذا لم يصح إذا
لم يسم لكل واحد منهما ثمنا فكذا إذا سمى لان التسمية وتفريق الثمن لا يوجب تعدد الصفقة لاتحاد البيع والعاقدين
بخلاف الجمع بين العبد والمدبر لان هناك الصفقة ما فسدت في أحدهما بيقين بل بالاجتهاد الذي يحتمل الصواب
والخطأ فاعتبر هذا الاحتمال في تصحيح الإضافة إلى المدبر ليظهر في حق القن ان لم يكن اظهاره في حقه ولأنه لما جمع
بينهما في الصفقة فقد جعل قبول العقد في أحدهما شرط القبول في الآخر بدليل انه لو قبل العقد في أحدهما دون
الآخر لا يصح الحر لا يحتمل قبول العقد فيه فلا يصح القبول في الآخر بخلاف المدبر لأنه محل لقبول العقد فيه في
الجملة فصح قبول العقد فيه الا انه تعذر اظهاره فيه بنوع اجتهاد فيجب اظهاره في القن ولان في تصحيح العقد في
145

أحدهما تفريق الصفقة على البائع قبل التمام لأنه أوجب البيع فيهما فالقبول في أحدهما يكون تفريقا وهذا لا يجوز
بخلاف ما إذا جمع بين القن المدبر لان المدبر محل لقبول البيع فيه لكونه مملوكا له الا انه لم ينفذ للحال مع احتمال النفاذ في
الجملة بقضاء القاضي لحق المدبر وهذا يمنع محلية القبول في حق نفسه لا في صاحبه فيجعل محلا في حق صاحبه والدليل
على التفرقة بين الفصلين ان الحكم ههنا يختلف بين ان يسمى لكل واحد منهما ثمنا أو لا يسمى وهناك لا يختلف دل
ان الفرق بينهما لما ذكرنا وعلى هذا الخلاف إذا جمع بين شاة ذكية وبين متروك التسمية عمدا ثم إذا جاز البيع في
أحدهما عندهما فهل يثبت الخيار فيه ان علم بالحرام يثبت لان الصفقة تفرقت عليه وان لم يعلم لا لأنه رضى بالتفريق
والله سبحانه وتعالى أعلم (ومنها) أن يكون مملوكا لان البيع تمليك فلا ينعقد فيما ليس بمملوك كمن باع الكلأ في
أرض مملوكة والماء الذي في نهره أو في بئره لان الكلأ وإن كان في أرض مملوكة فهو مباح وكذلك الماء ما لم يوجد
الاحراز قال النبي صلى الله عليه وسلم الناس شركاء في ثلاث والشركة العامة هي الإباحة وسواء خرج الكلأ بماء
السماء من غير مؤنة أو ساق الماء إلى أرض ولحقه مؤنة لان سوق الماء إليه ليس باحراز فلم يوجد سبب الملك فيه
فبقي مباحا كما كان وكذا بيع الكمأة وبيع صيد لم يوجد في أرضه لا ينعقد لأنه مباح غير مملوك لانعدام
سبب الملك فيه وكذا بيع الحطب والحشيش والصيود التي في البراري والطير الذي لم يصد في الهواء والسمك
الذي لم يوجد في الماء وعلى هذا يخرج بيع رباع مكة واجارتها انه لا يجوز عند أبي حنيفة رضي الله عنه وروى
عنه أنه يجوز وبه أخذ الشافعي رحمه الله لعمومات البيع من غير فصل بين أرض الحرم وغيرها ولان
الأصل في الأراضي كلها أن تكون محلا للتمليك الا أنه امتنع تملك بعضها شرعا لعارض الوقف كالمساجد ونحوها
ولم يوجد في الحرم فبقي محلا للتمليك (ولنا) ما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عن النبي عليه الصلاة
والسلام أنه قال إن الله تبارك وتعالى حرم مكة يوم خلقها لم تحل لاحد قبلي ولا تحل لاحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة
من نهار لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا يحتش حشيشها أخبر عليه الصلاة والسلام أن مكة
حرام وهي اسم للبقعة والحرام لا يكون محلا للتمليك وروى عن عبد الله بن سيدنا عمر رضى الله تعالى عنهما عن النبي
عليه الصلاة والسلام أنه قال مكة حرام وبيع رباعها حرام وهذا نص في الباب ولان الله تبارك وتعالى وضع للحرم
حرمة وفضيلة ولذلك جعله سبحانه وتعالى مأمنا قال الله تبارك وتعالى جل شأنه أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا فابتذاله
بالبيع والشراء والتمليك امتهان وهذا لا يجوز بخلاف سائر الأراضي وقيل إن بقعة مكة وقف حرم سيدنا
إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولا حجة في العمومات لأنه خص منها الحرم بالحديث المشهور ويجوز بيع بناء بيوت
مكة لان الحرم للبقعة لا للبناء وروى عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال كره إجارة بيوت مكة في الموسم من الحاج
والمعتمر فاما من المقيم والمجاور فلا بأس بذلك وهو قول محمد رحمه الله ويجوز بيع أراضي الخراج والقطيعة والمزارعة
والإجارة والاكارة والمراد من الخراج أرض سواد العراق التي فتحها سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه لأنه من عليهم
وأقرهم على أراضيهم فكانت ميقاة على ملكهم فجاز لهم بيعها وأرض القطيعة هي الأرض التي قطعها الامام لقوم
وخصهم بها فملكوها بجعل الامام لهم فيجوز بيعها وأرض المزارعة أن يدفع الانسان أرضه إلى من يزرعها ويقوم
بها وبهذا لا تخرج عن كونها مملوكة وأرض الإجارة هي الأرض التي يأخذها الانسان من صاحبها ليعمرها ويزرعها
وأرض الاكارة التي في أيدي الاكرة فيجوز بيع هذه الأرض لأنها مملوكة لأصحابها وأما ارض الموات التي
أحياها رجل بغير اذن الامام فلا يجوز بيعها عند أبي حنيفة رضي الله عنه لأنها لا تملك بدون اذن الامام وعندهما يجوز
بيعها لأنها تملك بنفس الاحياء والمسألة تذكر في كتاب احياء الموات وذكر القدوري رحمه الله أنه لا يجوز
بيع دور بغداد وحوانيت السوق التي للسلطان عليها غلة لأنها ليست بمملوكة لما روى أن المنصور أذن للناس في بنائها
ولم يجعل البقعة ملكا لهم والله سبحانه وتعالى أعلم (ومنها) وهو شرط انعقاد البيع للبائع أن يكون مملوكا للبائع عند
146

البيع فإن لم يكن لا ينعقد وان ملكه بعد ذلك بوجه من الوجوه الا السلم خاصة وهذا بيع ما ليس عنده ونهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص في السلم ولو باع المغصوب فضمنه المالك قيمته نفذ
بيعه لان سبب الملك قد تقدم فتبين أنه باع ملك نفسه وههنا تأخر سبب الملك فيكون بائعا ما ليس عنده فدخل تحت
النهى والمراد منه بيع ما ليس عنده ملكا لان قصة الحديث تدل عليه فإنه روى أن حكيم بن حزام كان يبيع
الناس أشياء لا يملكها ويأخذ الثمن منهم ثم يدخل السوق فيشترى ويسلم إليهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال لا تبع ما ليس عندك ولان بيع ما ليس عنده بطريق الأصالة عن نفسه تمليك ما لا يملكه بطريق الأصالة
وأنه محال وهو الشرط فيما يبيعه بطريق الأصالة عن نفسه فاما ما يبيعه بطريق النيابة عن غيره ينظر إن كان البائع
وكيلا وكفيلا فيكون المبيع مملوكا للبائع ليس بشرط وإن كان فضوليا فليس بشرط للانعقاد عندنا بل هو من شرائط
النفاذ فان بيع الفضولي عندنا منعقد موقوف على إجازة المالك فان أجاز نفذ وان رد بطل وعند الشافعي رحمه الله هو
شرط الانعقاد لا ينعقد بدونه وبيع الفضولي باطل عنده وسيأتي إن شاء الله تعالى (ومنها) أن يكون مقدور التسليم عند
العقد فإن كان معجوز التسليم عنده لا ينعقد وإن كان مملوكا له كبيع الآبق في جواب ظاهر الروايات حتى لو ظهر يحتاج
إلى تجديد الايجاب والقبول الا إذا تراضيا فيكون بيعا مبتدأ بالتعاطي فإن لم يتراضيا وامتنع البائع من التسليم لا يجبر على
على التسليم ولو سلم وامتنع المشترى من القبض لا يجبر على القبض وذكر الكرخي رحمه الله أنه ينعقد بيع الآبق
حتى لو ظهر وسلم يجوز ولا يحتاج إلى تجديد البيع الا إذا كان القاضي فسخه بان رفعه المشترى إلى القاضي فطالبه
بالتسليم وعجز عن التسليم ففسخ القاضي البيع بينهما ثم ظهر العبد وجه قول الكرخي رحمه الله ان الإباق لا يوجب
زوال الملك الا ترى أنه لو أعتقه أو دبره ينفذ ولو وهبه من ولده الصغير يجوز وكان ملكا له فقد باع مالا مملوكا له الا أنه لم
ينفذ للحال للعجز عن التسليم فان سلم زال المانع فينفذ وصار كبيع المغصوب الذي في يد الغاصب إذا باعه المالك لغيره
أنه ينعقد موقوفا على التسليم لما قلنا كذا هذا وجه ظاهر الروايات ان القدرة على التسليم لذا العاقد شرط انعقاد العقد
لأنه لا ينعقد الا لفائدة ولا يفيد إذا لم يكن قادرا على التسليم والعجز عن التسليم ثابت حالة العقد وفى حصول القدرة بعد
ذلك شك واحتمال قد يحصل وقد لا يحصل وما لم يكن منعقدا بيقين لا ينعقد لفائدة تحتمل الوجود والعدم على الأصل
المعهود ان ما لم يكن ثابتا بيقين أنه لا يثبت بالشك والاحتمال بخلاف ما إذا أبق بعد البيع قبل القبض أنه لا ينفسخ
لان القدرة على التسليم كانت ثابتة لذا العقد فانعقد ثم زالت على وجه يحتمل عودها فيقع الشك في زوال المنعقد بيقين
والثابت باليقين لا يزول بالشك فهو الفرق بخلاف بيع المغصوب من غير الغاصب أنه ينعقد موقوفا على التسليم حتى لو
سلم ينفذ ولان هناك المالك قادر على التسليم بقدرة السلطان والقاضي وجماعة المسلمين الا أنه لم ينفذ للحال لقيام يد
الغاصب صورة فإذا سلم زال المانع فينفذ بخلاف الآبق لأنه معجوز التسليم على الاطلاق إذ لا تصل إليه يد أحد
لما أنه لا يعرف مكانه فكان العجز متقررا والقدرة محتملة موهومة فلا ينعقد مع الاحتمال فأشبه بيع الآبق بيع الطير
الذي لم يوجد في الهواء وبيع السمك الذي لم يوجد في الماء وذلك باطل كذا هذا ولو جاء انسان إلى مولى العبد فقال إن
عبدك عند فلان فبعه منى وأنا أقبضه منه فصدقه وباعه منه لا ينفذ لما فيه من عذر القدرة على القبض على القبض لكنه ينعقد حتى
لو قبضه ينفذ بخلاف الفصل المتقدم لان القدرة على القبض ههنا ثابتة في زعم المشترى الا ان احتمال المنع قائم فانعقد
موقوفا على قبضه فإذا قبضه تحقق ما زعمه فينفذ بخلاف الفصل الأول لان العجز عن التسليم للحال متحقق فيمنع
الانعقاد ولو أخذه رجل فجاء إلى مولاه فاشتراه منه جاز الشراء لان المانع هو العجز عن التسليم ولم يوجد في حقه وهذا
البيع لا يدخل تحت النهى لان النهى عن بيع الآبق وهذا ليس بآبق في حقه ثم إذا اشترى منه لا يخلو اما ان
احضر العبد مع نفسه واما ان لم يحضره فان أحضره صار قابضا له عقيب العقد بلا فصل وان لم يحضره مع نفسه ينظر إن كان
أخذه ليرده على صاحبه وأشهد على ذلك لا يصير قابضا له ما لم يصل إليه لان قبضه قبض أمانة وقبض الأمانة
147

لا ينوب عن قبض الضان فلا بد من التجديد بالوصول إليه حتى لو هلك العبد قبل الوصول يهلك على البائع ويبطل
العقد لأنه مبيع هلك قبل القبض وإذا وصل إليه صار قابضا له بنفس الوصول ولا يشترط القبض بالبراجم لان معنى
القبض هو التمكين والتخلي وارتفاع الموانع عرفا وعادة حقيقة وإن كان أخذه لنفسه لا ليرده على صاحبه صار قابضا له
عقيب العقد بلا فصل حتى لو هلك قبل الوصول إليه يهلك على المشترى لان قبضه قبض ضمان وقبض الشراء أيضا
قبض الضمان فتجانس القبضان فتناوبا ولو كان أخذه ليرده ولكنه لم يشهد على ذلك فهو على الاختلاف المعروف بين
أبي حنيفة وصاحبيه عند أبي حنيفة عليه الرحمة يصير قابضا له عقيب العقد لان هذا قبض ضمان عنده وعندهما
لا يصير قابضا الا بعد الوصول إليه لان هذا قبض أمانة عندهما وهي من مسائل كتاب الإباق واللقطة وعلى هذا
بيع الطائر الذي كان في يده وطار أنه لا ينعقد في ظاهر الرواية وعلى قياس ما ذكره الشافعي رحمه الله ينعقد وعلى هذا
بيع السمكة التي أخذها ثم ألقاها في حظيرة سواء استطاع الخروج عنها أو لا بعد إن كان لا يمكنه أخذها بدون
الاصطياد وإن كان يمكنه أخذها من غير اصطياد يجوز بيعها بلا خلاف لأنه مقدور التسليم كذا البيع وعلى هذا
يخرج بيع اللبن في الضرع لان اللبن لا يجتمع في الضرع دفعة واحدة بل شيئا فشيئا فيختلط المبيع بغيره على وجه
يتعذر التمييز بينهما فكان المبيع معجوز التسليم عند البيع فلا ينعقد وكذا بيع الصوف على ظهر الغنم في ظاهر الرواية
لأنه ينمو ساعة فساعة فيختلط الموجود عند العقد بالحادث بعده على وجه لا يمكن التمييز بينهما فصار معجوز التسليم
بالجز والنتف استخراج أصله وهو غير مستحق بالعقد وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي عليه الصلاة
والسلام انه نهى عن بيع الصوف على ظهر الغنم وروى عن أبي يوسف انه جوز بيعه والصلح عليه لأنه يجوز جره
قبل الذبح فيجوز بيعه كبيع الفصيل في الأرض (ووجه) الفرق بين الفصيل والصوف لظاهر الرواية ان الصوف
لا يمكن جزه من أصله من غير ضرر يلحق الشاة بخلاف الفصيل ولا ينعقد بيع الدين من غير من عليه الدين لان الدين
اما أن يكون عبارة عن مال حكمي في الذمة واما أن يكون عبارة عن فعل تمليك المال وتسليمه وكل ذلك غير مقدور
التسليم في حق البائع ولو شرط التسليم على المديون لا يصح أيضا لأنه شرط التسليم على غير البائع فيكون شرطا فاسدا
فيفسد البيع ويجوز بيعه ممن عليه لان المانع هو العجز عن التسليم ولا حاجة إلى التسليم ههنا ونظير بيع المغصوب
انه يصح من الغاصب ولا يصح من غيره إذا كان الغاصب منكرا ولا بينة للمالك ولا يجوز بيع المسلم فيه لان المسلم
فيه مبيع ولا يجوز بيع المبيع قبل القبض وهل يجوز بيع المجمد فنقول لا خلاف في أنه إذا سلم المجمدة أولا إلى
المشترى انه يجوز اما إذا باع ثم سلم قال بعض مشايخنا لا يجوز لأنه إلى أن يسلم بعضه يذوب فلا يقدر على تسليم
جميعه إلى المشترى وقال بعضهم يجوز وقال الفقيه أبو جعفر الهندواني رحمه الله إذا باعه وسلمه من يومه ذلك يجوز
وان سلمه بعد أيام لا يجوز وبه أخذ الفقيه أبو الليث عليه الرحمة لأنه في اليوم لا ينقص نقصانا له حصة من الثمن
(وأما) الذي يرجع إلى النفاذ فنوعان أحدهما الملك أو الولاية أما الملك فهو أن يكون المبيع مملوكا للبائع فلا ينفذ
بيع الفضولي للانعدام الملك والولاية لكنه ينعقد موقوفا على إجازة المالك وعند الشافعي رحمه الله هو شرط
الانعقاد أيضا حتى لا ينعقد بدونه وأصل هذا ان تصرفات الفضولي التي لها مجيز حالة العقد منعقدة موقوفة على
إجازة المجيز من البيع والإجارة والنكاح والطلاق ونحوها فان أجاز ينفذ والا فيبطل وعند الشافعي رحمه الله تصرفاته
باطلة (وجه) قول الشافعي رحمه الله ان صحة التصرفات الشرعية بالملك أو بالولاية ولم يوجد أحدهما فلا تصح وهذا
لان صحة التصرف الشرعي هو اعتباره في حق الحكم الذي وضع له شرعا لا يعقل للصحة معنى سوى هذا (فأما)
الكلام الذي لا حكم له لا يكون صحيحا شرعا والحكم الذي وضع له البيع شرعا وهو الملك لا يثبت حال وجوده لعدم
شرطه وهو الملك أو الولاية فلم يصح ولهذا لم يصح شراؤه فكذا بيعه (ولنا) عمومات البيع من نحو قوله تبارك وتعالى
وأحل البيع وقوله عز شأنه يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض عنكم
148

وقوله سبحانه وتعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله شرع سبحانه وتعالى البيع
والشراء والتجارة وابتغاء الفضل من غير فصل بين ما إذا وجد من المالك بطريق الأصالة وبين ما إذا وجد من الوكيل
في الابتداء أو بين ما إذا وجدت الإجارة من المالك في الانتهاء وبين وجود الرضا في التجارة عند العقد أو بعده
فيجب العمل باطلاقها الا ما خص بدليل وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام انه دفع دينارا إلى حكيم بن حزام
رضي الله عنه وأمره أن يشترى له أضحية فاشترى شاتين ثم باع إحداهما بدينار وجاء بدينار وشاة إلى النبي عليه الصلاة
والسلام فدعا له بالبركة وقال عليه الصلاة والسلام بارك الله في صفقة يمينك ومعلوم انه لم يكن حكيم مأمورا ببيع الشاة فلو
لم ينعقد تصرفه لما باع ولما دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير والبركة على ما فعل ولا نكر عليه لان الباطل
ينكر ولان تصرف العاقل محمول على الوجه الأحسن ما أمكن وقد أمكن حمله على الأحسن ههنا وقد قصد البر به
والاحسان إليه بالإعانة على ما هو خير للمالك في زعمه لعلمه بحاجته إلى ذلك لكن لم يتبين إلى هذه الحالة لموانع وقد
يغلب على ظنه زوال المانع فأقدم عليه نظرا لصديقه واحسانا إليه لبيان المحمدة والثناء لتحمل مؤنة مباشرة التصرف
الذي هو محتاج إليه والثواب من الله عز وجل بالإعانة على البر والاحسان قال الله تبارك وتعالى وتعاونوا على البر
والتقوى وقال تعالى جل شأنه وأحسنوا ان الله يحب المحسنين الا أن في هذه التصرفات ضررا في الجملة لان للناس
رغائب في الأعيان وقد يقدم الرجل على شئ ظهرت له الحاجة عنه بإزالته عن ملكه لحصول غرضه بدون ذلك ونحو
ذلك فيتوقف على إجازة المالك حتى لو كان الامر على ما ظنه مباشر التصرف إجازة وحصل له النفع من جهته فينال
الثواب والثناء والا فلا يجيزه ويثنى عليه بقصد الاحسان وايصال النفع إليه فلا يجوز القول باهدار هذا التصرف
والحاق كلامه وقصده بكلام المجانين وقصدهم مع ندب الله عز وجل إلى ذلك وحثه عليه لما تلونا من الآيات وقوله
صحة التصرف عبارة عن اعتباره في حق الحكم قلنا نعم وعندنا هذا التصرف مفيد في الجملة وهو ثبوت الملك فيما يتضرر
المالك بزواله موقوفا على الإجازة اما من كل وجه أو من وجه لكن لا يظهر شئ من ذلك عند العقد وإنما يظهر عند
الإجازة وهو تفسير التوقف عندنا أن يتوقف في الجواب في الحال انه صحيح في حق الحكم أم لا ولا يقطع القول به للحال
ولكن يقطع القول بصحته عند الإجازة وهذا جائز وله نظائر في الشرع وهو البيع بشرط الخيار للبائع أو المشترى على
ما عرف (وأما) شراء الفضولي ففيه تفصيل نذكره إن شاء الله تعالى في موضعه ثم الإجازة إنما تلحق تصرف
الفضولي عندنا بشرائط (منها) أن يكون له مجيز عند وجوده فما لا مجيز له عند وجوده لا تلحقه الإجازة لان ماله مجيز
متصور منه الاذن للحال وبعد وجود التصرف فكان الانعقاد عند الاذن القائم مفيدا فينعقد وما لا مجيز له لا يتصور
الاذن به للحال والاذن في المستقل قد يحدث وقد لا يحدث فان حدث كان الانعقاد مفيدا وان لم يحدث لم يكن مفيدا
فلا ينعقد مع الشك في حصول الفائدة على الأصل المعهود ان ما لم يكن ثابتا بيقين لا يثبت مع الشك وإذا لم ينعقد لا تلحقه
الإجازة لان الإجازة للمنعقد وعلى هذا يخرج ما إذا طلق الفضولي امرأة البالغ أو أعتق عبده أو وهب ماله أو تصدق
به انه ينعقد موقوفا على الإجازة لان البالغ يملك هذه التصرفات بنفسه فكان لها مجيزا حال وجودها فيتوقف على إجازة
المالك وبمثله لو فعل ذلك على الصبي لا ينعقد لان الصبي ليس من أهل هذه التصرفات بنفسه ألا ترى لو فعل ذلك
بنفسه لا تنعقد فلم يكن لها مجيز حال وجودها فلم تنعقد وكذلك الصبي المحجور عليه إذا باع مال نفسه أو اشترى أو تزوج
امرأة أو زوج أمته أو كاتب عبده أو فعل بنفسه ما لو فعل عليه وليه لجاز عليه يتوقف على إجازة وليه ما دام صغيرا أو على
اجازته بنفسه بعد البلوغ ان لم يوجد من وليه في حال صغره حتى لو بلغ الصبي قبل إجازة الولي فأجاز بنفسه جاز ولا
يتوقف على نفس البلوغ من غير إجازة لأن هذه التصرفات لها مجيز حال وجودها ألا ترى انه لو فعلها وليه جازت
فاحتمل التوقف على الإجازة وإنما يتوقف على اجازته بنفسه أيضا بعد البلوغ كما يتوقف على إجازة وليه في حال
صغره لأنه لما بلغ فقد ملك الانشاء فأولى أن يملك الإجازة ولان ولايته على نفسه فوق ولاية وليه عليه في حال صغره فلما
149

جاز بإجازة وليه فلان يجوز بإجازة نفسه أولى ولا يجوز بمجرد البلوغ لان الإجازة لها حكم الانشاء من وجه وانه
فعل فاعل مختار والبلوغ ليس صنعه فلا يعقل إجازة وكذا إذا وكل الصبي وكيلا بهذه التصرفات ففعل الوكيل قبل
بلوغ الصبي أو بعده توقف على اجازته بعد البلوغ الا التوكيل بالشراء فإنه لا يتوقف بل ينفذ على الوكيل لأن الشراء
وجد نفاذا على الوكيل فلا يتوقف الا إذا بلغ الصبي قبل أن يشترى الوكيل فأجاز التوكيل ثم اشترى الوكيل بعد ذلك
فيكون الشراء للصبي لا للوكيل لان إجازة الوكالة منه بعد البلوغ بمنزلة انشاء التوكيل ولو وكله ابتداء لكان الشراء له
لا للوكيل كذا هذا وبمثله إذا طلق الصبي امرأته أو خالعها أو أعتق عبده على غير مال أو على مال أو وهب ماله أو تصدق
به أو زوج عبده امرأة أو باع ماله بمحاباة أو اشترى شيئا بأكثر من قيمته قدر ما لا يتغابن الناس في مثله عادة أو غير ذلك
من التصرفات مما لو فعله وليه في حال صغره لا يجوز عليه لا ينعقد حتى لو أجاز وليه أو الصبي بعد البلوغ لا يصح لأن هذه
التصرفات ليس لها مجيز حال وجودها فلا تحتمل التوقف على الإجازة الا إذا أجازه الصبي بعد البلوغ بلفظ
يصلح للانشاء بأن يقول بعد البلوغ أوقعت ذلك الطلاق أو ذلك العتاق فيجوز ويكون ذلك انشاء الإجازة ولو
وكل الصبي وكيلا بهذه التصرفات ففعل الوكيل ينظر ان فعل قبل البلوغ لا يتوقف وهو باطل لان فعل الوكيل كفعل
الموكل ولو فعل الصبي بنفسه لا يتوقف فكذا إذا فعله الوكيل وان فعل بعد البلوغ يتوقف على اجازته بمنزلة
الفضولي على البائع وان بلغ الصبي فأجاز التوكيل بعد البلوغ قبل أن يفعل الوكيل شيئا ثم فعل جاز لان إجازة التوكيل
منه بمنزلة انشائه وكذا وصية الصبي لا تنعقد لأنها تصرف لا مجيز له حال وجوده ألا ترى انه لو فعل الولي لا يجوز عليه
فلا يتوقف وسواء أطلق الوصية أو أضافها إلى حال البلوغ لما قلنا حتى لو أوصى ثم مات قبل البلوغ أو بعده
لا تجوز وصيته الا إذا بلغ وأجاز تلك الوصية بعد البلوغ فتجوز لان الإجازة منه بمنزلة انشاء الوصية ولو أنشأ الوصية
بعد البلوغ صح كذا هذا وعلى هذا تصرف المكاتب والعبد المأذون ان ما له مجيز حال وجوده يتوقف على إجازة المولى
وما لا مجيز له حالة وجوده يبطل ولا يتوقف لما ذكرنا من الفقه الا أن بين المكاتب والعبد المأذون والصبي فرقا من
وجه وهو ان المكاتب أو المأذون إذا فعل ما يتوقف على الإجازة بان زوج نفسه امرأة ثم عتق ينفذ بنفس الاعتاق
وفى الصبي لا ينفذ بنفس البلوغ ما لم توجد الإجازة (ووجه) الفرق أن العبد بعد الاذن يتصرف بمالكية نفسه
على ما عرف فكان ينبغي أن ينفذ للحال الا أنه توقف لحق المولى فإذا عتق فقد زال المانع فنفذ بخلاف الصبي فان في
أهليته قصورا لقصور عقله فانعقد موقوفا على الإجازة والبلوغ ليس بإجازة على ما مر (وأما) حكم شراء الفضولي فجملة
الكلام فيه أن الفضولي إذا اشترى شيئا لغيره فلا يخلو ما ان أضاف العقد إلى نفسه واما أن أضافه إلى الذي اشترى
له فان أضافه إلى نفسه كان المشترى له سواء وجدت الإجازة من الذي اشترى له أو لم توجد لأن الشراء إذا وجد نفاذا
على العاقد نفذ عليه ولا يتوقف لان الأصل أن يكون تصرف الانسان لنفسه لا لغيره قال الله تعالى عز من قائل لها
ما كسبت وقال عز من قائل وأن ليس للانسان الا ما سعى وشراء الفضولي كسبه حقيقة فالأصل أن يكون له الا إذا
جعله لغيره أو لم يجد نفاذا عليه لعدم الأهلية فيتوقف على إجازة الذي اشترى له بأن كان الفضولي صبيا محجورا أو عبدا
محجورا فاشترى لغيره يتوقف على إجازة ذلك الغير لأن الشراء لم يجد نفاذا عليه فيتوقف على إجازة الذي اشترى له
ضرورة فان أجاز نفذ وكانت العهدة عليه لا عليهما لأنهما ليسا من أهل لزوم العهدة وان أضاف العقد إلى الذي
اشترى له بان قال الفضولي للبائع بع عبدك هذا من فلان بكذا فقال بعت وقبل الفضولي البيع فيه لأجل فلان أو قال
البائع بعت هذا العبد من فلان بكذا وقبل المشترى الشراء منه لأجل فلان فإنه يتوقف على إجازة المشترى له لان
تصرف الانسان وإن كان له على اعتبار الأصل الا أن له أن يجعله لغيره بحق الوكالة وغير ذلك وههنا جعله لغيره فينعقد
موقوفا على اجازته ولو قال الفضولي للبائع اشتريت منك هذا العبد بكذا لأجل فلان فقال بعت أو قال البائع
للفضولي بعت منك هذا العبد بكذا لفلان فقال اشتريت لا يتوقف وينفذ الشراء عليه لأنه لم توجد الإضافة إلى فلان
150

في الايجاب والقبول وإنما وجدت في أحدهما وأحدهما شطر العقد فلا يتوقف لما ذكرنا ان الأصل ان لا يتوقف
وإنما توقف لضرورة الإضافة من الجانبين فإذا لم يوجد يجب العمل بالأصل وهذا بخلاف الوكيل بالشراء انه إذا
اشترى شيئا يقع شراؤه للموكل وان أضاف العقد إلى نفسه لا إلى الموكل لأنه لما أمره بالشراء فقد أنابه مناب نفسه
فكان تصرف الوكيل كتصرفه بنفسه ولو اشترى بنفسه كان المشترى له كذا هذا والله تعالى أعلم ولو اشترى
الفضولي شيئا لغيره ولم يضف المشترى إلى غيره حتى لو كان الشراء له فظن المشترى والمشترى له ان المشترى يكون
للمشترى له فسلم إليه بعد القبض بالثمن الذي اشتراه به وقبل المشترى له صح ذلك ويجعل ذلك تولية كأنه ولاه منه بما
اشترى ولو علم المشترى بعد ذلك ان الشراء نفذ عليه والمشترى له فأراد أن يسترد من صاحبه بغير رضاه لم يكن له ذلك
لان التولية منه قد صحت فلا يملك الرجوع كمن اشترى منقولا فطلب جاره الشفعة فظن المشترى ان له شفعة فسلم إليه
ثم أراد أحدهما أن ينقض ذلك من غير رضا الآخر لم يكن له ذلك لأنه لما سلم إليه صار ذلك بيعا بينهما ولو اختلفا فقال
المشترى له كنت أمرتك بالشراء وقال المشترى اشتريته لك بغير أمرك فالقول قول المشترى له لان المشترى لما قال
اشتريته لك كان ذلك اقرارا منه بأنه اشتراه بأمره لأن الشراء له لا يكون الا بأمره عادة فكان القول قوله ثم إن أخذه
بقضاء القاضي لا يحل له ذلك الا إذا كان صادقا في كلامه فيما بينه وبين الله جل شانه وان أخذه بغير قضاء طاب له
لأنه أخذه برضاه فصار ذلك بيعا منهما بتراضيهما (ومنها) قيام البائع والمشترى حتى لو هلك أحدهما قبل الإجازة
من المالك لا تلحقه الإجازة (ومنها) قيام المالك حتى لو هلك المالك قبل اجازته لا يجوز بإجازة ورثته (ومنها) قيام
المبيع حتى لو هلك قبل إجازة المالك لا يجوز بإجازة المالك غير أنه ان هلك في يد المالك يملك بغير شئ وان هلك بعد التسليم
إلى المشترى فالمالك بالخيار ان شاء ضمن البائع وان شاء ضمن المشترى لوجود سبب الضمان من كل واحد منهما
وهو التسليم من البائع والقبض من المشترى لان تسليم مال الغير وقبضه بغير اذن صاحبه كل واحد منهما سبب
لوجوب الضمان وأيهما اختار تضمينه برئ الآخر ولا سبيل عليه بحال لأنه لما ضمن أحدهما فقد ملك المضمون
فلا يملك تمليكه من غيره لما فيه من الاستحالة وهو تمليك شئ واحد في زمان واحد من اثنين على الكمال فان اختار
تضمين المشترى رجع المشترى بالثمن على البائع وبطل البيع وليس له أن يرجع عليه بما ضمن كما في المشترى من
الغاصب وان اختار تضمين البائع ذكر الطحاوي رحمه الله أنه ينظر إن كان قبض البائع قبض ضمان بأن كان
مغصوبا في يده نفذ بيعه لأنه لما ضمنه فقد ملك المغصوب من وقت الغصب فتبين انه باع ملك نفسه فينفذ وإن كان
قبضه قبض أمانة بأن كان وديعة عنده فباعه وسلمه إلى المشترى لا ينفذ بيعه لأن الضمان إنما وجب عليه بسبب
متأخر عن البيع وهو التسليم فيملك المضمون من ذلك الوقت لا من وقت البيع فيكون بائعا مال غيره بغير اذنه فلا ينفذ
وذكر محمد رحمه الله في ظاهر الرواية وقال يجوز البيع بتضمين البائع قيل هذا محمول على ما إذا سلمه البائع أولا
ثم باعه لأنه إذا سلمه أولا فقد صار مضمونا عليه بالتسليم فتقدم سبب الضمان البيع فتبين انه باع مال نفسه فينفذ ثم
إن كان قيام الأربعة التي ذكرنا شرطا للحوق الإجازة لان الإجازة إنما تلحق القيام وقيام العقد بهذه الأربعة ولان
الإجازة لها حكم الانشاء من وجه ولا يتحقق الانشاء بدون العاقدين والمعقود عليه لذلك كان قيامها شرطا للحوق
الإجازة فان وجد صحت الإجازة وصار البائع بمنزلة الوكيل إذ الإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة ويكون الثمن
للمالك إن كان قائما لأنه بدل ملكه وان هلك في يد البائع يهلك أمانة كما إذا كان وكيلا في الابتداء وهلك الثمن في
يده ولو فسخه البائع قبل الإجازة انفسخ واسترد المبيع إن كان قد سلم ويرجع المشترى بالثمن على البائع إن كان
قد نقده وكذا إذا فسخه المشترى ينفسخ وكذا إذا فسخه الفضولي فمحمد يحتاج إلى الفرق بين البيع والنكاح
فان الفضولي من جانب الرجل في باب النكاح إذا زوجت المرأة نفسها لا يملك الفسخ عنده (ووجه) الفرق له ان
البيع الموقوف لو اتصلت به الإجازة فالحقوق ترجع إلى العاقد فهو بالفسخ يدفع العهدة عن نفسه فله ذلك بخلاف
151

النكاح لان الحقوق في باب النكاح لا ترجع إلى العاقد بل هو سفير ومعبر فإذا فرغ عن السفارة والعبارة التحق
بالأجانب وأما قيام الثمن في يد البائع هل هو شرط لصحة الإجازة أم لا فالامر لا يخلو اما إن كان الثمن دينا كالدراهم
والدنانير والفلوس النافقة والموزون الموصوف والمكيل الموصوف في الذمة واما إن كان عينا كالعروض فإن كان
دينا فقيامه في يد البائع ليس بشرط للحوق الإجازة لان الدين لا يتعين بالتعيين فكان قيامه بقيام الذمة وإن كان
عينا فقيامه شرط للحوق الإجازة فصار الحاصل ان قيام الأربعة شرط صحة الإجازة إذا كان الثمن دينا وإذا كان عينا
فقيام الخمس شرط فان وجدت الإجازة عند قيام الخمس جاز ويكون الثمن للبائع لا للمالك لان الثمن إذا كان عينا
كان البائع مشتريا من وجه والشراء لا يتوقف على الإجازة بل ينفذ على المشترى إذا وجد نفاذا عليه بأن كان أهلا وهو
أهل والمالك يرجع على بقيمة ماله ان لم يكن له مثل وبمثله إن كان له مثل لأنه عقد لنفسه ونقد الثمن من مال غيره
فيتوقف النقد على الإجازة فإذا جازه مالكه بعد النقد فيرجع عليه بمثله أو بقيمته بخلاف ما إذا كان الثمن دينا لأنه إذا
كان دينا كان العاقد بائعا من كل وجه ولا يكون مشتريا لنفسه أصلا فتوقف على إجازة المالك فإذا أجاز كان مجيزا
للعقد فكان بدله له ولو هلكت العين في يد الفضولي بطل العقد ولا تلحقه الإجازة ويرد المبيع إلى صاحبه ويضمن
للمشترى مثله إن كان له مثل وقيمته ان لم يكن له مثل لأنه قبضه بعقد فاسد ولو تصرف الفضولي في العين قبل الإجازة
ينظر ان تصرف فيه قبل القبض فتصرفه باطل لان الملك في العقد الفاسد يقف على القبض وان تصرف فيه بعد ما قبض
باذن المشترى صريحا أو دلالة يصح تصرفه لأنه تصرف في ملك نفسه وعليه مثله أو قيمته لان المقبوض بالبيع الفاسد
مضمون به ولا تلحقه الإجازة لأنه ملك بجواز تصرفه فيه فلا يحتمل الإجازة بعد ذلك ولو تصرف المشترى في
المبيع قبل الإجازة لا يجوز تصرفه سواء كان قبض المبيع أو لم يقبضه لعدم اذن مالكه والله تعالى أعلم (وأما) الولاية
فالولاية في الأصل نوعان نوع يثبت بتولية المالك ونوع يثبت شرعا لا بتولية المالك أما الأول فهو ولاية الوكيل
فينفذ تصرف الوكيل وان لم يكن المحل مملوكا له لوجود الولاية المستفادة من الموكل وأما الثاني فهو ولاية الأب والجد
أب الأب والوصي والقاضي وهو نوعان أيضا ولاية النكاح وولاية غيره من التصرفات أما ولاية النكاح فموضع
بيانها كتاب النكاح وأما ولاية غيره من المعاملات فالكلام فيه في مواضع في بيان سبب هذه الولاية وفي بيان
شرائطها وفي بيان ترتيب الولاية أما الأول فسبب هذا النوع من الولاية في التحقيق شيئان أحدهما الأبوة
والثاني القضاء لان الجد من قبل الأب أب لكن بواسطة ووصى الأب والجد استفاد الولاية منهما فكان ذلك ولاية
الأبوة من حيث المعنى ووصى القاضي يستفيد الولاية من القاضي فكان ذلك ولاية القضاء معنى أما الأبوة فلأنها
داعية إلى كمال النظر في حق الصغير لوفور شفقة الأب وهو قادر على ذلك لكمال رأيه وعقله والصغير عاجز عن النظر
لنفسه بنفسه وثبوت ولاية النظر للقادر على العاجز عن النظر أمر معقول مشروع لأنه من باب الإعانة على البر ومن
باب الاحسان ومن باب إعانة الضعيف وإغاثة اللهفان وكل ذلك حسن عقلا وشرعا ولان ذلك من باب شكر
النعمة وهي نعمة القدرة إذا شكر كل نعمة على حسب النعمة فشكر نعمة القدرة معونة العاجز وشكر النعمة واجب
عقلا وشرعا فضلا عن الجواز ووصى الأب قائم مقامه لأنه رضيه واختاره فالظاهر أنه ما اختاره من بين سائر الناس
الا لعلمه بان شفقته على ورثته مثل شفقته عليهم ولولا ذلك لما ارتضاه من بين سائر الناس فكان الوصي خلفا عن الأب
وخلف الشئ قائم مقامه كأنه هو والجد له كمال الرأي ووفور الشفقة الا أن شفقته دون شفقة الأب فلا جرم تأخرت
ولايته عن ولاية الأب وولاية وصيه ووصى وصيه أيضا لان تلك ولاية الأب من حيث المعنى على ما ذكرنا ووصى
الجد قائم مقامه لأنه استفاد الولاية من جهته وكذا وصى وصيه وأما القضاء فلان القاضي لاختصاصه بكمال العلم
والعقل والورع والتقوى والخصال الحميدة أشفق الناس على اليتامى فصلح وليا وقد قال عليه الصلاة والسلام
السلطان ولى من لا ولى له الا أن شفقته دون شفقة الأب والجد لان شفقتهما تنشأ عن القرابة وشفقته لا وكذا وصيه
152

فتأخرت ولايته عن ولايتهما
(فصل) وأما شرائطها فأنواع بعضها يرجع إلى الولي وبعضها يرجع إلى المولى عليه وبعضها يرجع إلى المولى
فيه أما الذي يرجع إلى الولي فأشياء (منها) أن يكون حرا فلا تثبت ولاية العبد لقوله سبحانه وتعالى ضرب الله
مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ ولأنه لا ولاية له على نفسه فكيف تثبت له الولاية على غيره (ومنها) أن يكون عاقلا فلا
ولاية للمجنون لما قلنا (ومنها) اسلام الولي إذا كان المولى عليه مسلما فإن كان كافرا لا تثبت له عليه الولاية لقوله
عز وجل ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ولان تنفيذ الولاية للكافر على المسلم يشعر بالذل به وهذا لا يجوز
(وأما) الذي يرجع إلى المولى عليه فالصغر فلا تثبت الولاية على الكبير لأنه يقدر على دفع حاجة نفسه فلا حاجة إلى
اثبات الولاية عليه لغيره وهذا لان الولاية على الحر تثبت مع قيام المنافى للضرورة ولا ضرورة حالة القدرة فلا تثبت
(وأما) الذي يرجع إلى المولى فيه فهو أن لا يكون من التصرفات الضارة بالمولى عليه لقوله عليه الصلاة والسلام
لا ضرر ولا اضرار في الاسلام وقال عليه الصلاة والسلام من لم يرحم صغيرنا فليس منا والاضرار بالصغير ليس من
المرحمة في شئ فليس له أن يهب مال الصغير من غيره بغير عوض لأنه إزالة ملكه من غير عوض فكان ضررا محضا وكذا
ليس له أن يهب بعوض عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد له ذلك (وجه) قوله أن الهبة بعوض معاوضة المال
بالمال فكان في معنى البيع فملكها كما يملك البيع (ولهما) أنها هبة ابتداء بدليل أن الملك فيها يقف على القبض وذلك
من أحكام الهبة وإنما تصير معاوضة في الانتهاء وهو لا يملك الهبة فلم تنعقد هبته فلا يتصور أن تصير معاوضة بخلاف
البيع لأنه معاوضة ابتداء وانتهاء وهو يملك المعاوضة وليس له أن يتصدق بماله ولا ان يوصى به لان التصدق
والوصية إزالة الملك من غير عوض مالي فكان ضررا فلا يملكه وليس له أن يطلق امرأته لان الطلاق من التصرفات
الضارة المحضة ليس له أن يعتق عبده سواء كان بعوض أو بغير عوض أما بغير عوض فلانه ضرر محض وكذا بعوض
لأنه لا يقابله العوض للحال لان العتق معلق بنفس القبول وإذا عتق بنفس القبول يبقى الدين في ذمة المفلس وقد يحصل
وقد لا يحصل فكان الاعتاق ضررا محضا للحال وكذا ليس له أن يقرض ماله لان القرض إزالة الملك من غير عوض للحال
وهو معنى قولهم القرض تبرع وهو لا يملك سائر التبرعات كذا هذا بخلاف القاضي فإنه يقرض مال اليتيم (ووجه)
الفرق ان الاقراض من القاضي من باب حفظ الدين لان توى الدين بالافلاس أو بالانكار والظاهر أن القاضي يختار
أملى الناس وأوثقهم وله ولاية التفحص عن أحوالهم فيختار من لا يتحقق افلاسه ظاهرا وغالبا وكذا القاضي يقضى
بعلمه فلا يتحقق التوى بالانكار وليس لغير القاضي هذه الولاية فبقي الاقراض منه إزالة الملك من غير أن يقابله عوض
للحال فكان ضررا فلا يملكه وله ان يدين ماله من غيره وصورة الاستدانة أن يطلب انسان من غير الأب أو الوصي
أن يبيعه شيئا من أموال الصغير بمثل قيمته حتى يجعل أصل الشئ ملكه وثمن المبيع دينا عليه ليرده فان باعه منه بزيادة
على قيمته فهو عينه وإنما ملك الإدانة ولم يملك القرض لان الإدانة بيع ماله بمثل قيمته وليس له أن يزوج عبده لأنه
يتعلق المهر برقبته وفيه ضرر وليس له أن يبيع ماله بأقل من قيمته قدر ما لا يتغابن الناس فيه عادة ولو باع لا ينفذ بيعه
لأنه ضرر في حقه وكذا ليس له ان يؤاجر نفسه أو ماله بأقل من أجرة المثل قدر ما لا يتغابن الناس فيه عادة وليس له أن
يشترى بماله شيئا بأكثر من قيمته قدر ما لا يتغابن الناس فيه عادة لما قلنا ولو اشترى ينفذ عليه ويكون المشترى له لأن الشراء
وجد نفاذا على المشترى وله أن يقبل الهبة والصدقة والوصية لان ذلك نفع محض فيملكه الولي وقال عليه
الصلاة والسلام خير الناس من ينفع الناس وهذا يجرى مجرى الحث على النفع والحث على النفع ممن لا يملك النفع
عبث وله أن يزوج أمته لأنه نفع وله أن يبيع ماله بأكثر من قيمته ويشترى له شيئا بأقل من قيمته لما قلنا وله أن يبيعه
بمثل قيمته وبأقل من قيمته مقدار ما يتغابن الناس فيه عادة وله أن يشترى له شيئا بمثل قيمته وبأكثر من قيمته قدر
ما يتغابن الناس فيه عادة وكذا له أن يؤاجر نفسه وماله بأكثر من أجر مثله أو بأجر مثله أو بأقل منه قدر ما يتغابن الناس
153

فيه عادة وكذا له أن يستأجر له شيئا بأقل من أجر المثل أو بأجر المثل أو بأكثر منه قدر ما يتغابن الناس فيه عادة ولو أجر
نفسة أو ماله ثم بلغ الصبي في المدة فله الخيار في إجارة النفس ان شاء مضى عليها وان شاء أبطلها ولا خيار له في إجارة
المال (ووجه) الفرق ان إجارة مال الصغير تصرف في ماله على وجه النظر فيقوم الأب فيه مقامه فلا يثبت له خيار
الابطال بالبلوغ فأما إجارة نفسه فتصرف على نفسه بالا ضرار وكان ينبغي أن لا يملكه الأب الا أنه ملكها من حيث إنها
نوع رياضة وتهذيب للصغير وتأديب له والأب يلي تأديب الصغير فوليها على أنها تأديب فإذا بلغ فقد انقطعت ولاية
التأديب وهو الفرق وله أن يسافر بماله وله أن يدفع ماله مضاربة وله أن يبضع وله أن يوكل بالبيع والشراء والإجارة
والاستئجار لأن هذه الأشياء من توابع التجارة فكل من ملك التجارة يملك ما هو من توابعها ولهذا ملكها المأذون
وله أن يعير ماله استحسانا والقياس أن لا يجوز (وجه) القياس ان الإعارة تمليك المنفعة بغير عوض فكان ضررا
(وجه) الاستحسان ان هذا من توابع التجارة وضروراتها فتملك بملك التجارة ولهذا ملكها المأذون وله أن يودع
ماله لان الايداع من ضرورات التجارة وله أن يأذن له بالتجارة عندنا إذا كان يعقل البيع والشراء لان الاذن بالتجارة
دون التجارة فإذا ملك التجارة بنفسه فلان يملك الاذن بالتجارة أولى وله أن يكاتب عبده لان المكاتبة عقد معاوضة
فكان في معنى البيع وله أن يرهن ماله بدينه لان الرهن من توابع التجارة لان التاجر يحتاج إليه ولأنه قضاء الدين
وهو يملك قضاء دينه من ماله فيملك الرهن بدينه أيضا وله أن يرهن ماله بدين نفسه أيضا لان عين المرهون تحت يد
المرتهن الا أنه إذا هلك يضمن مقدار ما صار مؤديا من ذلك دين نفسه وله أن يجعل ماله مضاربة عند نفسه وينبغي أن
يشهد على ذلك في الابتداء ولو لم يشهد يحل له الربح فيما بينه وبين الله تعالى ولكن القاضي لا يصدقه وكذلك إذا شارك
ورأس ماله أقل من مال الصغير فان أشهد فالربح على ما شرط وان يشهد يحل فيما بينه وبين الله تعالى ولكن القاضي
لا يصدقه ويجعل الربح على قدر رأس مالهما وما عرفت من الجواب في الأب فهو الجواب في وصيه حال عدمه
وفى الجد ووصيه حال عدمه الا أن بين الأب ووصيه وبين الجد ووصيه فرقا من وجوه مخصوصة (منها) ان
الأب أو الجد إذا اشترى مال الصغير لنفسه أو باع مال نفسه من الصغير بمثل قيمته أو بأقل جاز ولو فعل الوصي ذلك
لا يجوز عند محمد أصلا وعند أبي حنيفة وأبى يوسف إن كان خيرا لليتيم جاز والا فلا (ومنها) ان لهما ولاية
الاقتصاص لأجل الصغير في النفس وما دونها وللوصي ولاية الاقتصاص فيما دون النفس وليس له ولاية
الاقتصاص في النفس (ومنها) ان له ولاية الصلح في النفس وما دونها وعلى قدر الدية من غير حط بلا خلاف وليس
لهما ولاية العفو وفى جواز الصلح من الوصي روايتان وقد ذكرنا الوجه في ذك في كتاب الصلح ثم ولى اليتيم هل
يأكل من مال اليتيم فنقول لا خلاف في أنه إذا كان غنيا لا يأكل لقوله تعالى ومن كان غنيا فليستعفف فاما إذا كان
فقيرا فهل له أن يأكل على سبيل الإباحة أوليس له أن يأكل الا قرضا اختلف فيه الصحابة رضي الله عنهم روى
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ان له أن يأكل على سبيل الإباحة لكن بالمعروف من غير اسراف وهو قول
سيدتنا عائشة رضي الله عنها وروى عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه يأكل قرضا فإذا أيسر قضى وهو احدى
الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما احتج هؤلاء بقوله تعالى فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم أمر سبحانه
وتعالى بالاشهاد على الأيتام عند دفع المال إليهم ولو كان المال في أيدي الأولياء بطريق الأمانة لكان لا حاجة إلى
الاشهاد لان القول قول الولي إذا قال دفعت المال إلى اليتيم عند انكاره وإنما الحاجة إلى الاشهاد عند الاخذ قرضا
ليأكل منه لان في قضاء الدين القول قول صاحب الدين لا قول من يقضى الدين وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه
انه فسر قوله عز وجل ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قال قرضا احتج الأولون بظاهر قوله عز شأنه ومن كان فقيرا
فليأكل بالمعروف أطلق الله عز شأنه لولي اليتيم أن يأكل من مال اليتيم بالمعروف وهو الوسط من غير اسراف وروى أن
رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ليس لي مال ولى يتيم فقال عليه الصلاة والسلام كل من مال يتيمك
154

غير مسرف ولا متأثل مالك بماله وذكر محمد ومالك في الموطأ ان الأفضل هو الاستعفاف من ماله لما روى أن رجلا
أتى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال له أوصى إلى يتيم فقال عبد الله لا تشتر من ماله شيئا ولا تستقرض من ماله
شيئا والله سبحانه وتعالى أعلم
(فصل) وأما ترتيب الولاية فأولى الأولياء الأب ثم وصيه ثم وصى وصيه ثم الجد ثم وصيه ثم وصى وصيه ثم
القاضي ثم من نصبه القاضي وهو وصى القاضي وإنما تثبت الولاية على هذا الترتيب لان الولاية على الصغار باعتبار
النظر لهم لعجزهم عن التصرف بأنفسهم والنظر على هذا الترتيب لان ذلك مبنى على الشفقة وشفقة الأب فوق شفقة
الكل وشفقة وصيه فوق شفقة الجد لأنه مرضى الأب ومختاره فكان خلف الأب في الشفقة وخلف الشئ قائم
مقامه كأنه هو وشفقة الجد فوق شفقة القاضي لان شفقته تنشأ عن القرابة والقاضي أجنبي ولا شك ان شفقة
القريب على قريبه فوق شفقة الأجنبي وكذا شفقة وصيه لأنه مرضى الجد وخلفه فكان شفقته مثل شفقته وإذا
كان ما جعل له الولاية على هذا الترتيب كانت الولاية على هذا الترتيب ضرورة لان ترتيب الحكم على حسب
ترتيب العلة والله سبحانه وتعالى أعلم وليس لمن سوى هؤلاء من الام والأخ والعم وغيرهم ولاية التصرف على
الصغير في ماله لان الأخ والعم قاصرا الشفقة وفى التصرفات تجرى جنايات لا يهتم لها الا ذو الشفقة الوافرة والام
وإن كانت لها وفور الشفقة لكن ليس لها كمال الرأي لقصور عقل النساء عادة فلا تثبت لهن ولاية التصرف في المال
ولا لوصيهن لان الوصي خلف الموصى قائم مقامه فلا يثبت له الا قدر ما كان للموصى وهو قضاء الدين والحفظ لكن
عند عدم هؤلاء ولوصي الام والأخ ان يبيع المنقول والعقار لقضاء دين الميت والباقي ميراث للصغير ثم ينظر إن كان
واحد ممن ذكرنا حيا حاضرا فليس له ولاية التصرف أصلا في ميراث الصغير لان الموصى لو كان حيا لا يملكه في حال
حياته فكذا الوصي وان لم يكن فله ولاية الحفظ لا غير الا انه يبيع المنقول لما ان بيع المنقول من باب الحفظ لان حفظ
الثمن أيسر وليس له أن يبيع العقار لاستغنائه عن الحفظ لكونه محفوظا بنفسه وكذا لا يبيع الدراهم والدنانير لأنها
محفوظة وليس له أن يشترى شيئا على سبيل التجارة وله أن يشترى ما لا بد منه للصغير من طعامه وكسوته وما استفاد
الصغير من المال من جهة أخرى سوى الإرث بان وهب له شئ أو أوصى له به فليس له ولاية التصرف فيه أصلا عقارا
كان أو منقولا لأنه لم يكن للموصى عليه ولاية فكذا الوصي (وأما) وصى المكاتب فله أن يبيع المنقول والعقار لقضاء
دين المكاتب ولقضاء دين الكتابة لان المكاتب كان يملكه بنفسه فكذا وصيه وما فضل من كسبه يكون ميراثا لورثته
(اما) الأحرار منهم فلا شك وكذا الولد المولود في الكتابة ومن كوتب معه لأنه عتق في آخر جزء من أجزاء حياته
بعتق أبيه وإذا صار الفاضل من كسبه ميراثا لورثته فهل يملك التصرف في مالهم ذكر في الزيادات انه لا يملك الا الحفظ
وجعله بمنزلة وصى الام والأخ والعم وفى كتاب القسمة الحقه بوصي الأب فإنه أجاز قسمته في العقارات والقسمة في
معنى البيع فمن جازت قسمته يجوز بيعه فكان فيه روايتان وهذا إذا مات قبل أداء بدل الكتابة فاما إذا أدى بدل
الكتابة في حال حياته وعتق ثم مات كان وصيه كوصي الحر بلا خلاف والثاني أن لا يكون في المبيع حق لغير البائع
فإن كان لا ينعقد كالمرهون والمستأجر لان فيه ابطال حق المرتهن والمستأجر وهذا لا يجوز وقد اختلفت عبارات
الكتب في هذه المسألة في بعضها ان البيع فاسد وفى بعضها انه موقوف وهو الصحيح لان ركن البيع صدر من أهله
مضافا إلى مال متقوم مملوك له مقدور التسليم من غير ضرر يلزمه والدليل على أنه مقدور التسليم انه يمكنه أن يفتك
الرهن بقضاء الدين فيسلمه إلى المدين وكذا احتمال الإجازة من المرتهن والمستأجر ثابت في البابين جميعا الا انه لم ينفذ
للحال لتعلق حقهما فتوقف ويمكن التوفيق بين الروايتين بان يحمل قوله فاسد على أنه لا حكم له ظاهر وهو تفسير
الموقوف عندنا فإذا توقف على اجازتهما فان أجازا جاز ونفذ وهل يملكان المطالبة بالفسخ ذكر القدوري رحمه الله
في شرحه وقال اما المستأجر فلا يملك واما المرتهن فيجوز أن يقال يملك فرق بينهما من حيث إن حق المستأجر في
155

المنفعة لا في العين إذ الإجارة عقد على المنفعة لا على العين والبيع عقد على العين فلم يكن البيع تصرفا في محل حق المستأجر
فلا يثبت له الخيار وحق المرتهن في العين لأنه يستوفى الدين من بدل العين بالبيع عند عدم الافتكاك من الراهن ولهذا
لو أجاز البيع كان الثمن رهنا عنده فكان البيع تصرفا في محل حقه فيثبت له الخيار وهل يثبت للمشترى خيار الفسخ
فإن لم يعلم أنه مرهون أو مؤجر يثبت لأن العقد المطلق يقتضى التسليم للحال وقد فات فيثبت له خيار الفسخ وان علم
فلا خيار له لأنه رضى بالتسليم في الجملة ولو باع عبده الذي وجب عليه القود نفذ لأنه لا حق لولي القتيل في نفس القاتل
وإنما له ولاية استيفاء القصاص وانها لا تبطل بالبيع فيجوز البيع ولا يصير المولى بالبيع مختارا للفداء سواء علم بالجناية
أو لم يعلم لان حق الولي في القصاص والبيع لا يبطل القصاص وكذلك لو أعتقه أو دبره أو كاتب أمة فاستولدها لما قلنا
وكذا لو باع عبده الذي هو حلال الدم بالردة لان الردة توجب إباحة الدم لا غير والبيع لا يبطلها وكذا لو أعتقه أو دبره
وكذا لو باع عبده الذي وجب قطع يده بالسرقة أو وجب عليه حد من الحدود كحد الزنا والقذف والشرب لان
الواجب بهذه الجنايات ولاية استيفاء القطع والحد والبيع لا يبطلها ولو باع عبده الذي وجب دفعه بالجناية يجوز علم
المولى بالجناية أو لا ولا سبيل لولي الجناية على العبد ولا على المشترى لأنه لا حق له في نفس العبد وإنما يخاطب المولى
بالدفع الا أن يختار الفداء غير أنه إن كان عالما بالجناية يلزمه أرش الجناية بالغا ما بلغ لان اقدامه على البيع بعد العلم بالجناية
اختيار للفداء إذ لو لم يختر لما باعه لما فيه من ابطال حق ولى الجناية في الدفع والظاهر أنه لا يرضى به وعلى تقدير الاختيار
كان البيع ابطالا لحقهم إلى بدل وهو الفداء فكان الاقدام على البيع اختيارا للفداء بخلاف ما إذا كان عليه قتل أو
قطع بسبب السرقة أو حد لان البيع لا يوجب بطلان هذه الحقوق فلم يكن الاقدام على البيع اختيارا للفداء فلا تسقط
هذه الحقوق بل بقيت على حالها وإن كان عالما بالجناية يلزمه الأقل من قيمته ومن أرش الجناية لأنه إذا لم يكن عالما بالجناية
كان البيع استهلاكا للعبد من غير اختياره فعليه الأقل من قيمته ومن أرش الجناية لأنه ما أتلف على ولى الجناية
الا قدر الأرش الا إذا كان أقلهما عشرة آلاف درهم فينقص منها عشرة دراهم لان قيمة قتل العبد خطأ إذا بلغ عشرة
آلاف درهم ينقص منها عشرة دراهم وكذلك لو أعتقه المولى أو دبره أو كاتب أمة فاستولدها جاز ولا سبيل لولي
الجناية على العبد والمدبر وأم الولد غير أنه ان علم بالجناية كان ذلك اختيارا منه للفداء وان لم يعلم فعليه الأقل من قيمته
ومن الدين وما زاد على هذا نذكره في كتاب جنايات العبيد في آخر كتاب الجنايات إن شاء الله تعالى
(فصل) وأما شرائط الصحة فأنواع بعضها يعم البياعات كلها وبعضها يخص البعض دون البعض اما الشرائط
العامة (فمنها) ما ذكرنا من شرائط الانعقاد والنفاذ لان ما لا ينعقد ولا ينفذ البيع بدونه لا يصح بدونه ضرورة إذ الصحة
أمر زائد على الانعقاد والنفاذ فكل ما كان شرط الانعقاد والنفاذ كان شرط الصحة ضرورة وليس كل ما يكون
شرط الصحة يكون شرط النفاذ والانعقاد عندنا فان البيع الفاسد ينعقد وينفذ عند اتصال القبض به عندنا وان لم
يكن صحيحا (ومنها) أن يكون المبيع معلوما وثمنه معلوما علما يمنع من المنازعة فإن كان أحدهما مجهولا جهالة مفضية إلى
المنازعة فسد البيع وإن كان مجهولا جهالة لا تفضى إلى المنازعة لا يفسد لان الجهالة إذا كانت مفضية إلى المنازعة
كانت مانعة من التسليم والتسلم فلا يحصل مقصود البيع وإذا لم تكن مفضية إلى المنازعة لا تمنع من ذلك فيحصل
المقصود وبيانه في مسائل إذا قال بعتك شاة من هذا القطيع أو ثوبا من هذا العدل فالبيع فاسد لان الشاة من القطيع
والثوب من العدل مجهول جهالة مفضية إلى المنازعة لتفاحش التفاوت بين شاة وشاة وثوب وثوب فيوجب فساد
البيع فان عين البائع شاة أو ثوبا وسلمه إليه ورضى به جاز ويكون ذلك ابتداء بيع بالمراضاة ولان البياعات للتوسل
إلى استيفاء النفوس إلى انقضاء آجالها والتنازع يفضى إلى التفاني فيتناقض ولان الرضا شرط البيع والرضا لا يتعلق الا
بالمعلوم والكلام في هذا الشرط في موضعين أحدهما ان العلم بالمبيع والثمن علما مانعا من المنازعة شرط صحة البيع
* والثاني في بيان ما يحصل به العلم بهما (اما) الأول فبيانه في مسائل وكذا إذا قال بعتك أحد هذه الأثواب الأربعة
156

بكذا وذكر خيار التعيين أو سكت عنه أو قال بعتك أحد هذين الثوبين أو أحد هذه الأثواب الثلاثة بكذا وسكت عن
الخيار فالبيع فاسد لأن المبيع مجهول ولو ذكر الخيار بان قال على أنك بالخيار تأخذ أيها شئت بثمن كذا وترد الباقي
فالقياس أن يفسد البيع وفى الاستحسان لا يفسد (وجه) القياس ان المبيع مجهول لأنه باع أحدهما غير عين وهو غير
معلوم فكان المبيع مجهولا فيمنع صحة البيع كما لو باع أحد الأثواب الأربعة وذكر الخيار (وجه) الاستحسان
الاستدلال بخيار الشرط والجامع بينهما مساس الحاجة إلى دفع الغبن وكل واحد من الخيارين طريق إلى دفع الغبن
وورود الشرع هناك يكون ورودا ههنا والحاجة تندفع بالتحري في ثلاثة لاقتصار الأشياء على الجيد والوسط
والردئ فيبقى الحكم في الزيادة مردودا إلى أصل القياس ولان الناس تعاملوا هذا البيع لحاجتهم إلى ذلك فان كل
أحد لا يمكنه أن يدخل السوق فيشترى ما يحتاج إليه خصوصا الأكابر والنساء فيحتاج إلى أن يأمر غيره ولا تندفع
حاجته بشراء شئ واحد معين من ذلك الجنس لما عسى لا يوافق الآمر فيحتاج إلى أن يشترى أحد اثنين من ذلك
الجنس فيحملهما جميعا إلى الآمر فيختار أيهما شاء بالثمن المذكور ويرد الباقي فجوزنا ذلك لتعامل الناس ولا تعامل
فيما زاد على الثلاثة فبقي الحكم فيه على أصل القياس وقوله المعقود عليه مجهول قلنا هذا ممنوع فإنه إذا شرط الخيار بان
قال على أن تأخذ أيهما شئت فقد انعقد البيع موجبا للملك عند اختياره لا للحال والمعقود عليه عند اختياره معلوم مع ما
ان هذه جهالة لا تفضى إلى المنازعة لأنه فوض الامر إلى اختيار المشترى يأخذ أيهما شاء فلا تقع المنازعة وهل
يشترط بيان المدة في هذا الخيار اختلف المشايخ فيه لاختلاف ألفاظ محمد في هذه المسألة في الكتب فذكر في الجامع
الصغير على أن يأخذ المشترى أيهما شاء وهو فيه بالخيار ثلاثة أيام وذكر في الأصل على أن يأخذ أيهما شاء بألف ولم
يذكر الخيار فقال بعضهم لا يجوز هذا البيع الا بذكر مدة خيار الشرط وهو ثلاثة أيام فما دونها عند أبي حنيفة رحمه الله
وعندهما الثلاث وما زاد عليها بعد أن يكون معلوما وهو قول الكرخي والطحاوي رحمهما الله وقال بعضهم يصح من غير
ذكر المدة (وجه) قول الأولين ان المبيع لو كان ثوبا واحدا معينا وشرط فيه الخيار كان بيان المدة شرط الصحة بالاجماع
فكذا إذا كان واحدا غير معين والجامع بينهما ان ترك التوقيت تجهيل لمدة الخيار وانه مفسد للبيع لان للمشترى أن
يردهما جميعا والثابت بخيار التعيين رد أحدهما وهذا حكم خيار الشرط فلا بد من ذكر مدة معلومة (وجه) قول
الآخرين ان توقيت الخيار في المعين إنما كان شرطا لان الخيار فيه يمنع ثبوت الحكم للحاجة إلى دفع الغبن بواسطة
التأمل فكان في معنى الاستثناء فلا بد من التوقيت ليصح استثناء ذلك في الوقت عن ثبوت حكم البيع فيه وخيار
التعيين لا يمنع ثبوت الحكم بل يثبت الحكم في أحدهما غير عين وإنما يمنع تعين المبيع لا غير فلا يشترط له بيان المدة
والله سبحانه وتعالى أعلم والدليل على التفرقة بينهما أن خيار الشرط لا يورث على أصل أصحابنا وخيار التعيين
يورث بالاجماع الا أن للمشترى أن يردهما جميعا لا حكما لخيار الشرط المعهود ليشترط له بيان المدة بل لان البيع المضاف
إلى أحدهما غير لازم فكان محلا للفسخ كالبيع بشرط خيار معهود على ما نذكر إن شاء الله تعالى وعلى هذا يخرج ما إذا
اشترى ثوبين أو عبدين أو دابتين على أن المشترى أو البائع بالخيار في أحدهما ثلاثة أيام ولم يعين الذي فيه الخيار من
الذي لا خيار فيه ولا بين حصة كل واحد منهما من الثمن أن البيع فاسد فيهما جميعا لجهالة المبيع والثمن (أما) جهالة
المبيع فلأن العقد في أحدهما بات وفى الآخر خيار ولم يعين أحدهما من الآخر فكان المبيع مجهولا وأما جهالة الثمن
فلانه إذا لم يسم لكل واحد منهما ثمنا فلا يعرف ذلك الا بالحرز والظن فكان الثمن مجهولا والمبيع مجهولا وجهالة
أحدهما تمنع صحة البيع فجهالتهما أولى وكذا إذا عين الذي فيه الخيار لكن لم يبين حصة كل واحد منهما من الثمن لان
الثمن مجهول وكذا إذا بين ثمن كل واحد منهما لكن لم يعين الذي فيه الخيار من صاحبه لأن المبيع مجهول ولو عين وبين
جاز البيع فيهما جميعا لأن المبيع والثمن معلومان ويكون البيع في أحدهما باتا من غير خيار وفى الآخر فيه خيار لأنه
هكذا فعل فإذا أجاز من له الخيار البيع فيما له فيه الخيار أو مات أو مضت مدة الخيار من غير فسخ حتى تم البيع ولزم
157

المشترى ثمنهما ليس له أن يأخذ أحدهما أو كلاهما ما لم ينقد ثمنهما جميعا لان الخيار لما سقط ولزم العقد صار كأنه اشتراهما
جميعا شراء باتا ولو كان كذلك كان الامر على ما وصفنا فكذا هذا ولو اشترى ثوبا واحدا أو دابة واحدة بثمن معلوم
على أن المشترى أو البائع بالخيار في نصفه ونصفه بات جاز البيع لان النصف معلوم وثمنه معلوم أيضا والله سبحانه
وتعالى أعلم ولو باع عددا من جملة المعدودات المتفاوتة كالبطيخ والرمان بدرهم والجملة أكثر مما سمى فالبيع فاسد
لجهالة المبيع جهالة مفضية إلى المنازعة فان عزل ذلك القدر من الجملة بعد ذلك أو تراضيا عليه فهو جائز لان ذلك بيع
مبتدأ بطريق التعاطي واليه أشار في الكتاب فقال وإنما وقع البيع على هذا المعزول حين تراضيا وهذا نص على
جواز البيع بالمراوضة ولو قال بعت هذا العبد بقيمته فالبيع فاسد لأنه جعل ثمنه قيمته وانها تختلف باختلاف تقويم
المقومين فكان الثمن مجهولا وكذلك إذا اشترى من هذا اللحم ثلاثة أرطال بدرهم ولم يبين الموضع فالبيع فاسد وكذلك
إذا بين الموضع بان قال زن لي من هذا الجنب رطلا بكذا أو من هذا الفخذ على قياس قول أبي حنيفة في السلم وعلى
قياس قولهما يجوز وكذا روى عن محمد رحمه الله أنه يجوز وكذا إذا باع بحكم المشترى أو بحكم فلان لأنه لا يدرى
بماذا يحكم فلان فكان الثمن مجهولا وكذا إذ قال بعتك هذا بقفيز حنطة أو بقفيزي شعير لان الثمن مجهول وقيل هو البيعان
في بيع وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعين في بيع وكذا إذا قال بعتك هذا العبد بألف درهم
إلى سنة أو بألف وخمسمائة إلى سنتين لان الثمن مجهول وقيل هو الشرطان في بيع وقد روى أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نهى عن شرطين في بيع ولو باع شيئا بربح ده بازده ولم يعلم المشترى رأس ماله فالبيع فاسد حتى يعلم فيختار
أو يدع هكذا روى ابن رستم عن محمد لأنه إذا لم يعلم رأس ماله كان ثمنه مجهولا وجهالة الثمن تمنع صحة البيع فإذا علم
ورضى به جاز البيغ لان المانع من الجواز هو الجهالة عند العقد وقد زالت في المجلس وله حكم حالة العقد فصار كأنه كان
معلوما عند العقد وان لم يعلم به حتى إذ افترقا تقرر الفساد ولو هلك المبيع قبل العلم بعد القبض فعليه قيمته لان هذا حكم
البيع الفاسد وقد تقرر الفساد بالهلاك لان بالهلاك خرج البيع عن احتمال الإجازة والرضا لان الإجازة إنما تلحق
القائم دون الهالك فتقرر الفساد فلزمته القيمة وروى ابن شجاع عن محمد أن البيع جائز ومعناه أنه موقوف على الإجازة
واليه أشار أبو يوسف رحمه الله فإنه قال صح وهذه أمارة البيع الموقوف فان مات البائع قبل أن يرضى المشترى وقد
قبض أو لم يقبض انتقض البيع ولو كان المبيع عبدا فقبضه ثم أعتقه أو باعه أو مات قبل العلم جاز العتق والبيع وعليه
قيمته لوجود الهلاك حقيقة بالموت وبالاعتاق في المبيع فخرج البيع عن احتمال الإجازة فتأكد الفساد فيلزمه القيمة
ولو أعتقه بعد ما علم برأس المال فعليه الثمن لان اقدامه على الاعتاق دليل الإجازة ولو عتق بالقرابة قبل العلم بالثمن بعد
القبض فعليه قيمته لأنه لا صنع له في القرابة فلم يوجد دليل الإجازة فكان العتق بها بمنزلة هلاك العبد قبل العلم وهناك
تجب القيمة كذا ههنا وكذا إذا باع الشئ برقمه أو رأس ماله ولم يعلم المشترى رقمه ورأس ماله فهو كما إذا باع شيئا بربح
ده بازده ولم يعلم ما اشترى به ولو قال بعتك قفيزا من هذه الصبرة صح وإن كان قفيزا من صبرة مجهولا لكن هذه جهالة
لا تفضى إلى المنازعة لان الصبرة الواحدة متماثلة القفزان بخلاف الشاة من القطيع وثوب من الأربعة لان بين شاة
وشاة تفاوتا فاحشا وكذا بين ثوب وثوب والله سبحانه وتعالى أعلم ولو باع شيئا بعشرة دراهم أو بعشرة دنانير وفى البلد
نقود مختلفة انصرف إلى النقد الغالب لان مطلق الاسم ينصرف إلى المتعارف خصوصا إذا كان فيه صحة العقد وإن كان
في البلد نقود غالبة فالبيع فاسد لان الثمن مجهول إذ البعض ليس بأولى من البعض وعلى هذا يخرج أصل أبي حنيفة
عليه الرحمة أن جملة الثمن إذا كانت مجهولة عند العقد في بيع مضاف إلى جملة فالبيع فاسدا لا في القدر الذي جهالته
لا تفضى إلى المنازعة وجملة الكلام فيه أن المبيع لا يخلو اما إن كان من المثليات من المكيلات والموزونات
والعدديات المتقاربة واما أن يكون من غيرها من الذرعيات والعدديات المتفاوتة ولا يخلو اما ان سمى جملة الكيل
والوزن والعدد والذرع في البيع واما ان لم يسم اما المكيلات فإن لم يسم جملتها بان قال بعت منك هذه الصبرة كل قفيز منها
158

بدرهم لم يجز البيع الا في قفيز منها بدرهم ويلزم البيع فيه عند أبي حنيفة ولا يجوز في الباقي الا إذا علم المشترى جملة القفران
قبل الافتراق بان كالها فله الخيار ان شاء أخذ كل قفيز بدرهم وان شاء ترك وان لم يعلم حتى افترقا عن المجلس تقرر الفساد
وعند أبي يوسف ومحمد يلزمه البيع في كل الصبرة كل قفيز منها بدرهم سواء علم أو لم يعلم وعلى هذا الخلاف إذا قال كل
قفيز منها بدرهمين أو كل ثلاثة أقفزة منها بثلاثة دراهم وعلى هذا الخلاف الوزن الذي لا ضرر في تبعيضه كالزيت وتبر
الذهب والفضة والعددي المتقارب كالجوز واللوز إذا لم يسم جملتها (وأما) الذرعيات فإن لم يسم جملة الذرعان بان قال
بعت منك هذا الثوب أو هذه الأرض أو هذه الخشبة كل ذراع منها بدرهم فالبيع فاسد في الكل عند أبي حنيفة
رحمه رحمه الله الا إذا علم المشترى جملة الذرعان في المجلس فله الخيار ان شاء أخذ وان شاء ترك وان لم يعلم حتى إذا تفرقا تقرر
الفساد وعند أبي يوسف ومحمد يجوز البيع في الكل ويلزمه كل ذراع منه بدرهم وعلى هذا الخلاف إذا قال كل
ذراعين بدرهمين أو كل ثلاثة أذرع بثلاثة دراهم وعلى هذا الخلاف العدديات المتفاوتة كالأغنام والعبيد بأن قال
بعت منك هذا القطيع من الغنم كل شاة منها بعشرة دراهم ولم يسم جملة الشياه وعلى هذا الخلاف الوزني الذي في
تبعيضه ضرر كالمصوغ من الأواني والقلب ونحو ذلك (وجه) قولهما في مسائل الخلاف أن جملة البيع معلومة وجملة
الثمن ممكن الوصول إلى العلم بالكيل الوزن والعدد والذرع فكانت هذه جهالة ممكنة الرفع والإزالة ومثل هذه الجهالة
لا تمنع صحة البيع كما إذا باع بوزن هذا الحجر ذهبا ولأبي حنيفة رحمه الله أن جملة الثمن مجهولة حالة العقد جهالة مفضية
إلى المنازعة فتوجب فساد العقد كما إذا باع الشئ برقمه ولا شك أن جهالة الثمن حالة العقد مجهولة لأنه باع كل قفيز من
الصبرة بدرهم وجملة القفزان ليست بمعلومة حالة العقد فلا تكون جملة الثمن معلومة ضرورة وكذلك هذا في الموزون
والمعدود والمذروع وقولهما يمكن رفع هذه الجهالة مسلم لكنها ثابتة للحال إلى أن ترتفع وعندنا إذا ارتفعت في المجلس
ينقلب العقد إلى الجواز لان المجلس وان طال فله حكم ساعة العقد والبيع بوزن هذا الحجر ذهبا ممنوع على أصل أبي حنيفة
رحمه الله وإنما اختلف جواب أبي حنيفة بين المثليات وغيرها من وجه حيث جواز البيع في واحد في باب
الأمثال ولم يجز في غيرها أصلا لان المانع من الصحة جهالة الثمن لكونها مفضية إلى المنازعة وجهالة قفيز من صبرة
غير مانعة مع الصحة لأنها لا تفضى إلى المنازعة الا ترى لو اشترى قفيزا من هذه الصبرة ابتداء جاز فإذا تعذر العمل
بعموم كلمة كل صرفت إلى الخصوص لأنه ممكن على الأصل المعهود في صيغة العام إذا تعذر العمل بعمومها أنها
تصرف إلى الخصوص عند امكان الصرف إليه بخلاف الأشياء المتفاوتة لان جهالة شاة من قطيع وذراع من ثوب
جهالة مفضية إلى المنازعة الا ترى أن بيع ذراع من ثوب وشاة من قطيع لا يجوز ابتداء فتعذر العمل بعموم كلمة كل
ففسد البيع في الكل ولو قال بعت منك هذا القطيع من الغنم كل شاتين بعشرين درهما فالبيع فاسد في الكل بالاجماع
وان علم المشترى عدد الجملة في المجلس واختار البيع فرق بين المعدود المتفاوت وبين المذروع والمكيل والموزون
والمعدود المتقارب أن الواحد والاثنين هناك على الاختلاف وإذا علم في المجلس واختار البيع يجوز بلا خلاف
وههنا لا يجوز في الاثنين بلا خلاف وان علم واختار البيع (ووجه) الفرق أن المانع هناك جهالة الثمن وهي محتملة
الارتفاع والزوال ثمة بالعلم في المجلس فكان المانع يحتمل الزوال والجهالة ههنا لا تحتمل الارتفاع أصلا لان ثمة كل
واحد منهما مجهول لا يدرى كم هو ولو قال بعت منك هذه الصبرة بمائة درهم كل قفيز بدرهم ولم يسم جملة الصبرة ولكنه
سمى جملة الثمن لم يذكر هذا في الأصل وذكر الطحاوي رحمه الله انه يجوز وهو صحيح لان المانع جهالة الثمن ولم
توجد حيث سماها وصارت تسمية جملة الثمن بمنزلة تسمية جملة المبيع ولو سمى جملة المبيع لجاز على ما نذكره كذا
هذا هذا الذي ذكرنا إذا لم يسم جملة المبيع من المكيلات والموزونات والمذروعات والمعدودات فأما إذا سماها
بان قال بعت منك هذه الصبرة على أنها مائة قفيز كل قفيز بدرهم أو قال على أنها مائة قفيز بمائة درهم سمى لكل واحد
من القفزان ثمنا على حدة أو سمى للكل ثمنا واحدا هما سواء فلا شك في جواز البيع لان جملة المبيع معلومة وجملة الثمن
159

معلومة ثم إن وجدها كما سمى فالامر ماض ولا خيار للمشترى وان وجدها أزيد من مائة قفيز فالزيادة لا تسلم
للمشترى بل ترد إلى البائع ولا يكون للمشترى الا قدر ما سمى وهو مائة قفيز ولا خيار له وان وجدها أقل من
مائة قفيز فالمشترى بالخيار ان شاء أخذها بحصتها من الثمن وطرح حصة النقصان وان شاء تركها وأصل هذا
أن الزيادة فيما لا ضرر في تبعيضه لا تجرى مجرى الصفة بل هي أصل فلا بد وان يقابله الثمن ولا ثمن للزيادة فلا يدخل في
البيع فكان ملك البائع فيرد إليه والنقصان فيه نقصان الأصل لا نقصان الصفة فإذا وجدها أنقص مما سمى نقص
من الثمن حصة النقصان وان شاء ترك لان الصفقة تفرقت عليه لأنها وقعت على مائة قفيز ولم تسلم له فأوجب
خللا في الرضا فيثبت له خيار الترك وكذا الجواب في الموزونات التي ليس في تنقيصها ضرر لان الزيادة فيها لا تجرى
مجرى الصفة بل هي أصل بنفسها وكذلك المعدودات المتقاربة (وأما) المذروعات من الثوب والأرض
والخشب وغيرها فان سمى لجملة الذرعان ثمنا واحدا ولم يسم لكل ذراع منها على حدة بان قال بعت منك هذا
الثوب على أنه عشرة أذرع بعشرة دراهم فالبيع جائز لأن المبيع وثمنه معلومان ثم إن وجده مثل ما سمى لزمه الثوب
بعشرة دراهم ولا خيار له وان وجده أحد عشر ذراعا فالزيادة سالمة للمشترى وان وجده تسعة أذرع لا يطرح
لا جل النقصان شيئا من الثمن وهو بالخيار ان شاء أخذه بجميع الثمن وان شاء ترك فرق بينهما وبين المكيلات
والموزونات التي ليس في تنقيصها ضرر والعدديات المتقاربة (ووجه) الفرق ان زيادة الذرع في الذرعيات جارية
مجرى الصفة كصفة الجودة والكتابة والخياطة ونحوها والثمن يقابل الأصل لا الصفة والدليل على أنها جارية مجرى
الصفة ان وجودها يوجب جودة في الباقي وفواتها يسلب صفة الجودة ويوجب الرداءة فتلحق الزيادة بالجودة
والنقصان بالرداءة حكما والجودة والرداءة صفة والصفة ترد على الأصل دون الصفة الا أن الصفة تملك تبعا للموصوف
لكونها تابعة قائمة به فإذا زاد صار كأنه اشتراه رديئا فإذا هو جيد كما إذا اشترى عبدا على أنه ليس بكاتب أوليس
بخياط فوجده كاتبا أو خياطا أو اشترى عبدا على أنه أعور فوجده سليم العينين أو اشترى جارية على أنها ثيب فوجدها
بكرا تسلم له ولا خيار للبائع كذا هذا وإذا نقص صار كأنه اشتراه على أنه جيد فوجده رديئا أو اشترى عبدا على أنه
كاتب أو خباز أو صحيح العينين فوجده غير كاتب ولا خباز ولا صحيح العينين أو اشترى جارية على أنها بكر فوجدها
ثيبا لا يطرح شيئا من الثمن لكن يثبت له الخيار كذا هذا بخلاف المكيلات والموزونات التي لا ضرر فيها إذا نقصت
والمعدودات المتقاربة لان الزيادة فيها غير ملحقة بالأوصاف لأنها أصل بنفسها حقيقة والعمل بالحقيقة واجب
ما أمكن الا أنها ألحقت بالصفة في المذروعات ونحوها لان وجودها يوجب الجودة والكمال للباقي وفواتها يوجب
النقصان والرداءة له وهذا المعنى ههنا منعدم فبقيت أصلا بنفسها حقيقة وان سمى لكل ذراع منها ثمنا على حدة بأن
قال بعت منك هذا الثوب على أنه عشرة أذرع كل ذراع بدرهم فالبيع جائز لما قلنا ثم إن وجده مثل ما سمى فالامر
ماض ولزمه الثوب كل ذراع بدرهم وان وجده أحد عشر ذراعا فهو بالخيار ان شاء أخذ كله بأحد عشر درهما وان شاء
ترك وان وجده تسعة أذرع فهو بالخيار ان شاء طرح حصة النقصان درهما وأخذه بتسعة دراهم وان شاء ترك
لتفرق الصفقة عليه وهذا يشكل على الأصل الذي ذكرنا ان زيادة الذرع في المذروعات تجرى مجرى الصفة لها لان
الثمن يقابل الأصل دون الوصف فينبغي أن تكون الزيادة سالمة للمشترى ولا خيار له ولا يطرح لأجل النقصان شيئا
كما في الفصل الأول لان الثمن يقابل الأصل دون الصفة بمنزلة زيادة الجودة ونقصان الرداءة على ما ذكرنا وحل هذا
الاشكال ان الذرع في المذروعات إنما يجرى مجرى الصفة على الاطلاق إذا لم يفرد كل ذراع بثمن على حدة (فأما)
إذا أفرد به فلا يجرى مجرى الصفة مطلقا بل يكون أصلا من وجه وصفة من وجه فمن حيث إن التبعيض فيها يوجب
تعيب الباقي كانت الزيادة صفة بمنزلة صفة الجودة ومن حيث إنه سمى لكل ذراع ثمنا على حدة كان كل ذراع معقودا
عليه فكانت الزيادة أصلا من وجه صفة من وجه فمن حيث إنها صفة كانت للمشترى لان الثمن يقابل الأصل
160

لا الصفة وإنما يدخل في البيع تبعا على ما بينا ومن حيث إنها أصل لا يسلم له الا بزيادة ثمن اعتبارا للجهتين جميعا بقدر
الامكان فله الخيار في اخذ الزيادة وتركها لأنه لو لزمه الاخذ لا محالة يلزمه زيادة ثمن لم يكن لزومها ظاهرا عند العقد
واختل رضاه فوجب الخيار وفى النقصان ان شاء طرح قدر النقصان وأخذ الباقي اعتبارا لجهة الأصالة وان شاء ترك
لان الصفقة تفرقت عليه وأوجب خللا في الرضا وذا يوجب الخيار هذا إذا كانت الزيادة والنقصان ذراعا تاما فأما
إذا كانت دون ذراع لم يذكر هذا في ظاهر الروايات وذكر في غير رواية الأصول اختلاف أقاويل أصحابنا الثلاثة في
كيفية الخيار فيه فأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله فرقا بين الزيادة والنقصان غير أن أبا حنيفة جعل زيادة نصف ذراع بمنزلة
زيادة ذراع كامل فقال إن شاء أخذه بأحد عشر درهما وان شاء ترك وجعل نقصان نصف ذراع كلا نقصان لكن
جعل له الخيار فقال إن شاء أخذه بعشرة دراهم وان شاء ترك ولا يطرح من الثمن شيئا لأجل النقصان ومحمد جعل على
القلب من ذلك فجعل زيادة نصف ذراع كلا زيادة فقال يأخذ المشترى بجميع الثمن ولا خيار له وجعل نقصان نصف
ذراع كنقصان ذراع كامل وقال إن شاء أخذ بتسعة دراهم وان شاء ترك (وأما) أبو يوسف رحمه الله فسوى بين
الزيادة والنقصان فقال في زيادة نصف ذراع يزاد على الثمن نصف درهم وله الخيار ان شاء أخذه بعشرة دراهم ونصف
وان شاء ترك وقال في نقصان نصف ذراع ينقص من الثمن نصف درهم وله الخيار ان شاء أخذه بتسعة دراهم ونصف
وان شاء ترك والقياس ما قاله أبو يوسف وهو اعتبار الجزء بالكل الا أنهما كأنهما استحسنا لتعامل الناس فجعل أبو
حنيفة زيادة نصف ذراع بمنزلة ذراع تام ونقصان نصف ذراع كلا نقصان لان الناس في العادات في بياعاتهم
وأشريتهم لا يعدون نقصان نصف ذراع نقصانا بل يحسبونه ذراعا تاما فبنى الامر في ذلك على تعامل الناس وجعل
محمد الامر في ذلك على القلب من ذلك لما أن الباعة يسامحون في زيادة نصف على القدر المسمى في البيع عادة ولا يعدونه
زيادة فكانت تلك الزيادة ملحقة بالعدم عادة كأنه لم يزد وكذا يسامحون فيعدون نقصان نصف ذراع في العادات
نقصان ذراع كامل فتركنا القياس بتعامل الناس ويجوز أن يكون اختلاف جوابهما لاختلاف عادات الناس والله
سبحانه وتعالى أعلم وعلى هذا جميع المذروعات من الأرض والخشب وغيرهما انه ان لم يسم لكل ذراع ثمنا بأن قال
بعت منك هذه الأرض على أنها الف ذراع بألف درهم فالبيع جائز لما قلنا ثم إن وجدها مثل ما سمى فالامر ماض
ويلزمه الأرض كل ذراع بدرهم وان وجدها أزيد فالزيادة سالمة له ولا خيار وان وجدها أنقص فهو بالخيار ان شاء
أخذها بجميع الثمن وان شاء ترك لما ذكرنا ان زيادة الذرع في الذرعيات جارية مجرى الصفات والثمن يقابل
الأصل دون الصفة وان سمى لكل ذراع ثمنا على حدة بأن قال كل ذراع بكذا فالبيع جائز لما ذكرنا ثم إن وجدها
مثل ما سمى فالامر ماض وان وجدها أزيد فهو بالخيار ان شاء أخذ الزيادة بثمنها وان شاء ترك لأنه يلزمه زيادة ثم لم
يلتزمه لذا العقد وان وجده أنقص تسقط حصته من الثمن وله الخيار لتفرق الصفقة على ما ذكرنا في الثوب وعلى هذا
الخشب وغيره من الذرعيات وعلى هذا الموزونات التي في تبعيضها ضرر بأن قال بعت منك هذه السبيكة من الذهب
على أنها مثقالان لكذا فالبيع جائز ثم إن وجد على ما سمى فالامر ماض وان وجده أزيد أو أنقص فهو على التفصيل
الذي ذكرنا في الذرعيات وعلى هذا إذا باع مصوغا من نحاس أو صفر أو ما أشبه ذلك على أن فيه كذا منا بكذا درهما
فوجده أكثر أو أقل فهو على التفصيل الذي ذكرنا لان الوزن في مثله يكون ملحقا بالصفة بمنزلة الذرع في الذرعيات
لان تبعيضه يوجب تعييب الباقي وهذا حد الصفة في هذا الباب ولو باع مصوغا من الفضة على أن وزنه مائة بعشرة
دنانير ولم يسم لكل عشرة ثمنا على حدة بان قال بعشرة دنانير ولم يقل كل وزن عشرة بدينار وتقابضا وافترقا فالبيع جائز
ثم إن وجده على ما سمى فالامر ماض ولا خيار وان وجده أزيد بأن كان مائتي درهم مثلا فالكل للمشترى بعشرة
دنانير ولا يزاد في الثمن شئ لان الزيادة فيه بمنزلة الصفة والصفات المحضة لا يقابلها الثمن وان وجده تسعين أو
ثمانين فهو بالخيار على ما ذكرنا وان سمى لكل عشرة ثمنا على حدة بان قال بعت منك على أن وزنه مائة بعشرة دنانير كل
161

وزن عشرة بدينار وتقابضا فالبيع جائز ثم إن وجده على ما سمى فالامر ماض ولا خيار وان وجد وزنه أزيد بأن كان
مائة وخمسين نظر في ذلك ان علم ذلك قبل التفرق فله الخيار ان شاء زاد في الثمن خمسة دنانير وأخذ كله بخمسة
عشر دينارا وان شاء ترك لان ساعات المجلس لها حكم ساعة العقد وان علم بعد التفرق بطل البيع في ثلث المصوغ
لانعدام التقابض فيه وله الخيار في الباقي ان شاء رضى به بعشرة دنانير وان شاء رد الكل واسترد الدنانير لان
الشركة في الأعيان عيب وان وجد وزنه خمسين وعلم ذلك قبل التفرق أو بعده فله الخيار ان شاء رده وان شاء
رضى به واسترد من الثمن خمسة دنانير وكذلك لو باع مصوغا من ذهب بدراهم فهو على هذا التفصيل ولو باع
مصوغا من الفضة بجنسها أو باع مصوغا من الذهب بجنسه مثل وزنه على أن وزنه مائة بمائة ثم وجده أزيد مما
سمى فان علم بالزيادة قبل التفرق فله الخيار ان شاء زاد في الثمن قدر وزن الزيادة وأخذ الكل وان شاء ترك
لان المجلس له حكم حالة العقد وان علم بها بعد التفرق بطل البيع في الزيادة لان التقابض شرط بقاء الصرف
على الصحة ولم يوجد في قدر الزيادة وان وجد أقل مما سمى فله الخيار ان شاء رضى بحصته من الثمن واسترد فضل
الثمن وان شاء رد الكل واسترد جميع الثمن سواء سمى الجملة أو سمى لكل وزن درهم درهما لان عند اتحاد الوزن
والجنس لا يجوز البيع الا سواء بسواء فصار كأنه سمى ذلك وان لم يسم حقيقة الا الجملة (وأما) العدديات المتفاوتة
كالغنم والعبيد ونحوها بان قال بعت منك هذا القطيع من الغنم على أنها مائة شاة بكذا فان وجده على ما سمى فالبيع
جائز وان وجده أزيد فالبيع فاسد في الكل سواء ذكر للكل ثمنا واحد بان قال بعت منك هذا القطيع على أنها مائة
شاة بألف درهم أو ذكر لكل شاة فيها ثمنا على حدة بأن قال كل شاة بعشرة دراهم لان كل شاة أصل في كونها معقودا
عليها والزيادة لم تدخل تحت العقد لأنه لا يقابلها ثمن فلم تكن مبيعة وهي مجهولة فكان الباقي مجهولا ضرورة جهالة
الزيادة فيصير بائعا مائة شاة من مائة شاة وواحدة فكان المبيع مجهولا وجهالة المبيع تمنع صحة البيع سمى له ثمنا أو لم
يسم وان وجده أقل مما سمى فإن كان لم يسم لكل واحدة منها ثمنا فالبيع فاسد لان الثمن مجهول لأنه يحتاج إلى طرح
ثمن شاة واحدة من جملة الثمن المسمى وهو مجهول التفاوت فاحش بين شاة وشاة فصار ثمن الباقي مجهولا ضرورة جهالة
حصة الشاة الناقصة وان سمى لكل واحدة منها ثمنا على حدة فالبيع جائز بحصة الباقي منها لان حصته الزائدة
معلومة وحصة الباقي معلوم فالفساد من أين من أصحابنا من قال هذا مذهبهما فاما عند أبي حنيفة عليه الرحمة فالبيع
فاسد في الكل بناء على أن المذهب عنده ان الصفقة إذا أضيفت إلى ما يحتمل العقد والى ما لا يحتمله فالفساد يشيع في
الكل وأكثر أصحابنا على أن هذا بلا خلاف وهكذا ذكر في الأصل ولم يذكر الخلاف وهو الصحيح لأن العقد المضاف
إلى موجود يجوز أن يفسد لمعنى يوجب الفساد ثم يتعدى الفساد إلى غيره وأما المعدوم فلا يحتمل العقد أصلا لأنه ليس
بشئ فلا يوصف العقد المضاف إليه بالفساد ليتعدى إلى غيره بل لم تصح الإضافة إليه فيبقى مضافا إلى الموجود فيصح
لكن للمشترى الخيار ان شاء أخذ الباقي بما سمى من الثمن وان شاء ترك لتفرق الصفقة عليه وعلى هذا جميع
العدديات المتفاوتة ولو قال بعت منك هذا القطيع من الغنم على أنها مائة كل شاتين منها بعشرين درهما فالبيع فاسد
وان وجده على ما سمى لان ثمن كل واحدة من الشاتين مجهول لأنه لا يعرف حصة كل شاة منها من الثمن الا بعد ضم
شاة أخرى إليها ولا يعلم أية شاة يضم إليها ليعلم حصتها لأنه ان ضم إليها أردأ منها كانت حصتها أكثر وان ضم إليها أجود
منها كانت حصتها أقل لذلك فسد البيع والله سبحانه وتعالى أعلم وعلى هذا يخرج قول أبي حنيفة رحمه الله فيمن
باع عشرة أذرع من مائة ذراع من هذه الدار أو من هذا الحمام أو من هذه الأرض ان البيع فاسد وقال أبو يوسف
ومحمد جائز ولو باع عشرة أسهم من مائة سهم جاز بالاجماع والكلام فيه يرجع إلى معرفة معنى الذراع فقالا انه
اسم في العرف للسهم الشائع ولو باع عشرة أسهم من مائة سهم من هذه الأشياء جاز فكذا هذا وأبو حنيفة رحمه الله
يقول الذراع في الحقيقة اسم لما يذرع به وإنما سمى المذروع ذراعا مجاز اطلاقا لاسم الفعل على المفعول فكان
162

بيع عشرة أذرع من دار معناه بيع قدر عشرة أذرع مما يحله الذراع الحقيقي لأنه لا يحل الا محلا معينا فكان المبيع قدر
عشرة أذرع معين من الدار وهو الذي يحله الذراع الحقيقي وذلك مجهول في نفسه قبل الحلول فكان المبيع مجهولا
جهالة مفضية إلى المنازعة فيوجب فساد البيع بخلاف السهم لأنه اسم للشائع وهو جزء معلوم من الثلث والربع والعشر
ونحو ذلك فبيع عشرة أسهم من مائة سهم من الدار هو بيع عشرة أجزاء من مائة جزء منها وهو عشرها فقد باع جزأ
معلوما منها فيجوز بخلاف الذراع فان قدر عشرة أذرع لا يصير معلوما الا بالحلول على ما مر فقبله يكون مجهولا فكان
المبيع مجهولا فلم يصح فوضح الفرق بينهما لأبي حنيفة وعلى هذا يخرج ضربة الغائص وهو أن يقول الغائص للتاجر
أغوص لك غوصة فما أخرجته فهو لك بكذا وهو فاسد لأن المبيع مجهولا وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى عن ضربة الغائص وعلى هذا يخرج أجناس هذه المسائل وبيع رقبة الطريق وهبته منفردا جائز وبيع مسيل
الماء وهبته منفردا فاسد (ووجه) الفرق ان الطريق معلوم الطول والعرض فكان المبيع معلوما فجاز بيعه بخلاف المسيل
فإنه مجهول القدر لان القدر الذي يشغل الماء من النهر غير معلوم فكان المبيع مجهولا فلم يجز (وأما) العلم بأوصاف
المبيع والثمن فهل هو شرط لصحة البيع بعد العلم بالذات والجهل بها هل هو مانع من الصحة قال أصحابنا ليس بشرط
الصحة والجهل بها ليس بمانع من الصحة لكنه شرط اللزوم فيصح بيع ما لم يره المشترى لكنه لا يلزم وعند
الشافعي رحمه الله كون المبيع معلوم الذات والصفة من شرائط الصحة حتى لا يجوز بيع ما لم يره المشترى عنده (وجه)
قوله إن جهالة الذات إنما منعت صحة العقد لافضائها إلى المنازعة لان الأعيان تختلف رغبات الناس فيها
لاختلاف ماليتها فالبائع إذا سلم عينا فمن الجائز أن يطلب المشترى عينا أخرى أجود منها باسم الأولى فيتنازعان وجهالة
الوصف مفضية إلى المنازعة أيضا لان الغائب عن المجلس إذا أحضره البائع فمن الجائز أن يقول المشترى هذا ليس عين
المبيع بل مثله من جنسه فيقعان في المنازعة بسبب عدم الرؤية ولأن عدم الرؤية يوجب تمكن الغرر في البيع ونهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فيه غرر وبيان تمكن الغرر ان الغرر هو الخطر وفى هذا البيع خطر من وجوه
أحدهما في أصل المعقود عليه والثاني في وصفه لان دليل الوجود إذا كان غائبا هو الخبر وخبر الواحد يحتمل الصدق
والكذب فيتردد المعقود عليه بأصله ووصفه بين الوجود والعدم والثالث في وجود التسليم وقت وجوبه لان وقت
الوجوب وقت نقد الثمن وقد يتفق النقد وقد لا يتفق والغرر من وجه واحد يكفي لفساد العقد فكيف من وجوه
ثلاثة وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لا تبع ما ليس عندك وعند كلمة حضرة والغيبة تنافيها والخلاف
في البيع والشراء خلاف واحد (ولنا) عمومات البيع من غير فصل ونص خاص وهو ما روى عن النبي عليه
الصلاة والسلام أنه قال من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه ولا خيار شرعا الا في بيع مشروع ولان ركن البيع
صدر من أهله مضافا إلى محل هو خالص ملكه فيصح كشراء المرئى وهذا لان وجود التصرف حقيقة بوجود ركنه
ووجوده شرعا لصدوره من أهله وحلوله في محله وقوله جهالة الوصف تفضى إلى المنازعة ممنوع لأنه صدقه في خبره
حيث اشتراه فالظاهر أنه لا يكذبه ودعوى الغرر ممنوعة فان الغرر هو الخطر الذي استوى فيه طرف الوجود والعدم
بمنزلة الشك وههنا ترجح جانب الوجود على جانب العدم بالخبر الراجح صدقه على كذبه فلم يكن فيه غرر على أنا ان
سلمنا ان الغرر اسم لمطلق الخطر لكن لم قلتم ان كل غرر يفسد العقد وأما الحديث فيحتمل أن يكون الغرر هو الخطر
ويحتمل أن يكون من الغرر فلا يكون حجة مع الاحتمال أو نحمله على الغرر في صلب العقد بالتعليق بشرط أو
بالإضافة إلى وقت عملا بالدلائل كلها وأما الحديث الثاني فيحتمل أن يكون المراد منه بيع ما ليس بمملوك له عن
نفسه لا بطريق النيابة عن مالكه أو بيع شئ مباح على أن يستولي عليه فيملكه فيسلمه وهذا يوافق ما روى عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال بيع السمك في الماء غرر وعلى هذا الخلاف إذا باع شيئا لم يره البائع انه يجوز
عندنا وعنده لا يجوز وإذا جاز عندنا فهل يثبت الخيار للبائع فعن أبي حنيفة روايتان نذكر ذلك في موضعه إن شاء الله
163

تعالى وعلى هذا الخلاف شراء الأعمى وبيعه جائز عندنا وقال الشافعي إذا ولد أعمى لا يجوز بيعه وشراؤه وإن كان
بصيرا فرأى الشئ ثم عمى فاشتراه جاز وما قاله مخالف للحديث والاجماع (اما) الأول فإنه روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه
ان النبي عليه الصلاة والسلام حين قال لحبان بن منقد إذا بايعت فقل لا خلابة ولى الخيار ثلاثة أيام وكان حبان
ضريرا (وأما) الاجماع فان العميان في كل زمان من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمنعوا من بياعاتهم وأشريتهم
بل بايعوا في سائر الأعصار من غير إنكار وإذا جاز شراؤه وبيعه فله الخيار فيما اشترى ولا خيار له فيما باع في أصح
الروايتين كالبصير ثم بماذا يسقط خياره نذكره في موضعه وعلى هذا الخلاف إذا اشترى شيئا مغيبا في الأرض
كالجزر والبصل والفجل ونحوها انه يجوز عندنا وعنده لا يجوز ويثبت له الخيار إذا قلعه وعنده لا يجوز أصلا وأما
بيان ما يحصل به العلم بالمبيع والثمن فنقول العلم بالمبيع لا يحصل الا بالإشارة إليه لان التعيين لا يحصل الا بها الا إذا كان
دينا كالمسلم فيه فيحصل العلم به بالتسمية والعلم بالثمن لا يحصل الا بالتسمية والإشارة إليه عندنا مجاز عن تسمية جنس
المشار إليه ونوعه وصفته وقدره على ما يعرف في موضعه إن شاء الله تعالى غير أن المبيع إن كان أصلا لابد من الإشارة
إليه بطريق الأصالة ليصير معلوما وإن كان تبعا يصير معلوما بالإشارة إلى الأصل لان البيع كما لا يفرد بعلة على حدة
لا يفرد بشرط على حدة إذ لو أفرد لانقلب أصلا وهذا قلب الحقيقة وبيان ذلك في مسائل إذا باع جارية حاملا
من غير مولاها أو بهيمة حاملا دخل الحمل في البيع تبعا للام كسائر أطرافها وان لم يسمه ولا أشار إليه ولو باع عقارا
دخل ما فيها من البناء والشجر بنفس البيع ولا يدخل الزرع والثمر الا بقرينة وجملة الكلام في بيع العقار ان المبيع
لا يخلو من أن يكون أرضا أو كرما أو دارا أو منزلا أو بيتا وكل ذلك لا يخلو اما ان لم يذكر في بيعه الحقوق ولا المرافق ولا
ذكر كل قليل وكثير منها واما ان ذكر شيئا من ذلك فإن كان المبيع أرضا ولم يذكر شيئا من القرائن دخل ما فيها من الأبنية
والأشجار ولم يدخل الزرع والثمار عند عامة العلماء وقال مالك رحمه الله ثمار سائر الأشجار كذلك وكذلك ثمر
النخل إذا أبر فاما إذا لم يؤبر يدخل واحتج بما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال من باع نخلا قد أبرت فثمرتها
للبائع الا أن يشترطها المبتاع قيد عليه الصلاة والسلام ملك البائع في الثمرة بوصف التأبير ولو لم يكن يختلف الحكم لم يكن
للتقييد فائدة (ولنا) ما روى عن محمد رحمه الله في كتاب الشفعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من اشترى
أرضا فيها نخل فالثمرة للبائع الا أن يشترطها المبتاع جعل عليه الصلاة والسلام الثمرة للبائع مطلقا عن وصف وشرط
فدل ان الحكم لا يختلف بالتأبير وعدمه ولان النخل اسم لذات الشجرة فلا يدخل ما عداه الا بقرينة زائدة ولهذا لم
يدخل ثمار سائر الأشجار ولا حجة له فيما روى لان تقييد الحكم بوصف لا يدل على أن الحكم في غير الموصوف
بخلافه بل يكون الحكم فيه مسكوتا موقوفا على قيام الدليل وقد قام وهو ما روينا ولا يحمل المطلق على المقيد عندنا لما
فيه من ضرب النصوص بعضها في بعض وهذا لا يجوز لما عرف في أصول الفقه وكذلك إن كان كرما يدخل في
بيعه ما فيه من الزراعة والعرايش والحوائط من غير ذكر قرينة ولا تدخل الفواكه والبقول والأصل ان كل ما ركب
في الأرض يدخل وما لم يركب فيها أو ركب لا للبقاء بل لوقت معلوم لا يدخل وكذا يدخل الطريق إلى الطريق
الأعظم والطريق إلى سكة غير نافذة من غير ذكر قرينة وان ذكر شيئا من القرائن فان ذكر الحقوق أو المرافق دخل فيها
الشرب ومسيل الماء والطريق الخاص الذي يكون في ملك انسان وهو حق المرور في ملكه ولا يدخل الزرع
والثمر لأنها أعيان قائمة بنفسها فلا يتناولها اسم الحقوق والمرافق بخلاف الشرب والمسيل والتطرق فإنها عبارة عن حق
الشرب والسقي والتسييل والمرور فيتناولها الاسم وان ذكر القليل والكثير بان قال بعتها منك بكل قليل وكثير هو
فيها ومنها فهل يدخل الزرع والثمر ينظر ان قال في آخره من حقوقها فلا يدخلان لان قوله من حقوقها خرج تفسيرا
لأول الكلام فكأنه نص على البيع بحقوقها وان لم يقل في آخره من حقوقها دخل فيه الزرع والثمر وكل ما كان متصلا
به لان اسم القليل والكثير فيه ومنه يتناول ذلك وأما المنفصل عنها كالثمار المجذوذة والزرع المحصود والحطب
164

واللبن والقصب الموضوع فلا يدخل في البيع الا بالتسمية فرق بين البيع والإجارة ان الشرب والمسيل والطريق
الخاص في ملك انسان يدخل في الإجارة من غير ذكر الحقوق والمرافق وفى البيع لا يدخل بدونه والقياس ان
لا يدخل في البابين جميعا الا بالتسمية الا أنهم استحسنوا في الإجارة لأنها تعقد للانتفاع بالمستأجر ولا يمكن الانتفاع
به بدون الحقوق فصارت الحقوق مذكورة بذكر المستأجر دلالة بخلاف البيع فإنه يعقد للملك والانتفاع ليس من
ضرورات الملك فإنه يثبت الملك فيما لا ينتفع به وكذا فرق بين البيع والرهن فان من رهن عند رجل أرضا فيها زرع
وأشجار عليها ثمار وسلمها إليه أنه يدخل في الرهن كل ما كان متصلا بها من غير تسمية الحقوق والقليل والكثير
(ووجه) الفرق ان تمييز الرهن من غيره شرط صحة الرهن على ما نذكر في كتابه فمتى أقدما على عقد الرهن فقد قصدا
صحته ولا صحة له الا بدخول ما كان متصلا بالمرهون فدخل فيه تصحيحا للتصرف إذ لا صحة له بدونه بخلاف البيع
فان تمييز المبيع من غيره ليس بشرط لصحة البيع فلا ضرورة في الدخول بغير التسمية فلا يدخل بدونها هذا إذا كان
المبيع أرضا أو كرما فإن كان دارا يدخل في بيعها جميع ما كان منها من بيت ومنزل وعلو وسفل وجميع ما تجمعه الحدود
الأربعة من غير ذكر قرينة وتدخل أغاليق الدار ومفاتيح أغاليقها أما الأغاليق فلأنها ركبت للبقاء لا لوقت معلوم
فتدخل كالميزاب وأما المفاتيح فلان مفتاح الغلق من الغلق ألا ترى انه لو اشترى الغلق دخل المفتاح فيه من غير
تسمية فيدخل في البيع بدخول الغلق ويدخل طريقها إلى طريق العامة وطريقها إلى سكة غير نافذة كما يدخل في
الأرض والكرم ويدخل الكنيف والشارع والجناح كل ذلك يدخل من غير قرينة وهل تدخل الظلة ينظر ان لم
يكن مفتحها إلى الدار لا تدخل بالاتفاق وإن كان مفتحها إلى الدار لا تدخل أيضا عند أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي
يوسف ومحمد رحمهما تدخل (وجه) قولهما أن الظلة إذا كانت مفتحها إلى الدار كانت من أجزاء الدار فتدخل
ببيع الدار كالجناح والكنيف ولأبي حنيفة ان ظلة الدار خارجة عن حدودها فإنها اسم لما يظل عند باب الدار
خارجا منها فلا تدخل تحت بيع الدار كالطريق الخارج وبهذا لو حلف لا يدخل هذه الدار فدخل ظلتها لا يحنث
وأما ما كان لها من بستان فينظر إن كان داخل حد الدار يدخل وإن كان يلي الدار لا يدخل من غير تسمية وقال
بعضهم إن كانت الدار صغيرة يدخل وإن كانت كبيرة لا يدخل لأنها إذا كانت صغيرة يمكن أن يجعل تبعا للدار وإذا
كانت كبيرة لا يمكن وقال بعضهم يحكم الثمن فان صلح لهما يدخل والا فلا يدخل وأما مسيل الماء والطريق الخاص في
ملك انسان وحق القاء الثلج فان ذكر الحقوق والمرافق يدخل وكذا ان ذكر كل قليل وكثير هو فيها ومنها سواء ذكر في
آخره من حقوقها أو لم يذكر وتدخل الظلة أيضا بلا خلاف إذا كان مفتحها إلى الدار وإذا كان المبيع بيتا فيدخل في
بيعه حوائطه وسقفه وبابه والطريق إلى الطريق العامة والطريق إلى سكة غير نافذة من غير ذكر قرينة وأما الطريق
الخاص في ملك انسان فلا يدخل الا بذكر أحد القرائن الثلاث ولا يدخل بيت العلو إن كان على علوه بيت وان ذكر
القرائن لان العلو بيت مثله فكان أصلا بنفسه فلا يكون تبعا له وان لم يكن على علوه بيت كان له أن يبنى على علوه
وإن كان البيت في داره فباعه من رجل لا يدخل في البيع طريقه في الدار الا بذكر الحقوق ثم إن كان البيت يلي
الطريق الأعظم يفتح له بابا إليه وإن كان لا يلي الطريق الأعظم لا يبطل البيع وله أن يستأجر الطريق إليه أو يستعير
من صاحب الدار فرق بين هذا وبين القسمة إذا أصاب أحد الشريكين في الدار بيت أو منزل أو ناحية منها بغير
طريق انه ينظر ان أمكنه فتح الباب إلى الطريق ليس له أن يتطرق في نصيب شريكه سواء ذكروا في القسمة
الحقوق والمرافق أو لا وكذا إذا كان مسيل مائه في نصيب شريكه قبل القسمة انقطع ذلك الحق ان أمكنه تسييل
في نصيب نفسه ليس له أن يسيل في نصيب شريكه وان لم يمكنه تسييل الماء ولا فتح الباب في نصيب نفسه ويمكنه
ذلك في نصيب شريكه فإنه ينظر ان ذكروا في القسمة الحقوق أو المرافق فالطريق والمسيل يدخلان في القسمة ولا
تبطل القسمة وان لم يذكروا ذلك فلا يدخلان وتبطل القسمة (ووجه) الفرق أن القسمة لتتميم المنفعة وتكميلها
165

فإذا أدت إلى تفويتها بطلت والبيع للملك لا للانتفاع بالمملوك على ما ذكرنا ويجوز بيع بيت العلو دون السفل
إذا كان على العلو بناء وان لم يكن عليه بناء لا يجوز لأنه بيع الهواء على الانفراد وانه لا يجوز ثم إذا باع العلو وعليه بناء
حتى جاز البيع فطريقه في الدار لا يدخل الطريق الا بذكر الحقوق ويجوز بيع السفل سواء كان مبنيا أو غير مبنى
لأنه بيع الساحة وذلك جائز وان لم يكن عليه بناء وإن كان المبيع منزلا يدخل في بيعه بيت السفل ولا يدخل بيت العلو
ولا الطريق الخاص الا بذكر الحقوق أو المرافق أو بذكر القليل والكثير لان المنزل أعم من البيت وأخص من الدار
فكان بين الدار والبيت فيعطى له حكم بين حكمين فلم يدخل العلو في بيع المنزل من غير قرينة اعتبارا للخصوص
ويدخل فيه بقرينة اعتبارا للعموم عملا بالجهتين بقدر الامكان والله سبحانه وتعالى أعلم ثم إذا لم تدخل الثمرة بنفس
البيع يجير البائع على قطعها من الشجرة وليس له أن يتركها على الشجرة إلى وقت الادراك وكذا الزرع عندنا وعند
الشافعي لا يجير وله أن يترك الثمرة على الشجرة إلى وقت الادراك ويترك الزرع إلى أن يستحصد (وجه) قوله إن الجبر
على القطع والقلع لوجوب التسليم ووقت وجوب التسليم هو وقت الادراك لأنه لا يقطع ولا يقلع الا بعد الادراك
عادة فلا يجب عليه التسليم قبله كما إذا انقضت مدة الإجارة والزرع لم يستحصد أنه لا يجير على القلع بل يترك إلى أن
يستحصد (ولنا) ان البيع يوجب تسليم المبيع عقيبه بلا فصل لأنه عقد معاوضة تمليك بتمليك وتسليم بتسليم
فالقول بتأخير التسليم بغير مقتضى العقد وقوله العادة ان الثمرة تترك على الشجرة إلى وقت الادراك قلنا العادة هذا
قبل البيع أما بعده فممنوع بل تقطع بعده ولا تترك لان ملك المشتري مشغول بملك البائع فلا بد من إزالة الشغل
وذلك بقطع الثمرة هكذا نقول في مسألة الإجارة انه يجب تسليم الأرض عند انتهاء المدة وإنما تترك بإجارة جديدة
بأجرة أخرى وهذا حجة عليه لأنه لو ترك بالعقد الأول لما وجب أجرة أخرى وسواء أبر أو لم يؤبر بأن كان المبيع
نخلا بعد ان ظهرت الثمرة من الشجرة وبانت منها ليس له أن يتركها على شجرة المشترى الا برضاه لما قلنا ولو تركها على
الشجرة إلى أن أدركت فإن كان الترك باذن المشترى طالب له الفضل وإن كان بغير اذن المشترى ينظر إن كان قد
تناهى عظمها يطيب له الفضل أيضا لأنها لا تزداد بعد ذلك بل تنتقص وإن كان صغارا لم يتناه عظمها لا يطيب له الفضل
لأنه تولد من أصل مملوك لغيره ولو استأجر البائع الشجرة ليترك الثمر عليها إلى وقت الجذاذ لم تجز هذه الإجارة لأن جواز
الإجارة مع أن القياس يأباها لكونها بيع المعدوم لتعامل الناس والناس ما تعاملوا هذا النوع من الإجارة كما لم يتعاملوا
استئجار الأشجار لتجفيف الثياب وتجفيف اللحم لكن لو فعل يطيب له الفضل لأنه ترك باذن المشترى وهذا بخلاف
الإجارة إذا انقضت مدتها والزرع بقل لم يستحصد بعد ان يترك فيه إلى وقت الحصاد بالأجرة لان الترك بالأجرة
هناك مما جرى به التعامل فكان جائزا هذا إذا لم يسم الثمرة في بيع الشجر فأما إذا سمى دخل الثمر مع الشجر في البيع
وصار للثمرة حصة من الثمن وينقسم الثمن عليها يوم العقد لأنه لما سماها فقد صارت مبيعا مقصودا لورود فعل البيع عليه
حتى لو هلك الثمن قبل القبض بآفة سماوية أو بفعل البائع تسقط حصته من الثمن عن المشترى كما لو هلك الشجر قبل
القبض والمشترى بالخيار ان شاء أخذ الشجر بحصته من الثمن وان شاء ترك لان الصفقة تفرقت عليه ولو جذه البائع
والمجذوذ قائم بعينه ينطر ان جذه في حينه ولم ينقصه الجذاذ فلا خيار للمشترى ويقبضهما بجميع الثمن ولو قبضهما بعد
جذاذ البائع ثم وجد بأحدهما عيبا له ان يرد المعيب خاصة لأنه قبضهما وهما متفرقان وقت القبض فصارا كأنهما
كانا متفرقين وقت العقد بخلاف ما إذا جذه المشترى بعد القبض ثم وجد بأحدهما عيبا أنه ليس له أن يرد المعيب خاصة
بل يردهما جميعا أو يمسكهما لأنهما كانا مجتمعين عند البيع وعند القبض جميعا فافراد أحدهما بالرد يكون تفريق
الصفقة بعد وقوعها مجتمعة وهذا لا يجوز هذا إذا لم ينقصه الجذاذ بأن جذه البائع في حينه وأوانه فأما إذا نقصه بأن
جذه في غير حينه تسقط عن المشترى حصة النقصان لأنه لما نقصه الجذاذ فقد أتلف بعض المبيع قبل القبض
فتسقط عن المشترى حصته من الثمن وله الخيار في الباقي لتفرق الصفقة عليه وإذا قبضهما المشترى بعد جذاذ البائع ثم
166

وجذ بأحدهما عيبا له أن يرد المعيب خاصة لأنه قبضهما وهما متفرقان فصارا كأنهما كانا متفرقين عند العقد وعلى هذا
يخرج ما إذا اشترى شجرة أنه هل يدخل في شرائها أصلها وعروقها وأرضها فجملة الكلام فيه أن هذا لا يخلو من ثلاثة
أوجه (اما) ان اشتراها بغير أرضها للقلع (واما) ان اشتراها بقرارها من الأرض للترك لا للقلع (واما) ان اشتراها ولم
يذكر شيئا فان اشتراها بغير أرضها للقلع دخل فيها أصلها ويجبر المشترى على القلع وله أن يقلعها بأصلها لكن قلعا معتادا
متعارفا وليس له أن يحفر الأرض إلى ما يتناهى إليه العروق لان المعروف بالعرف كالمشروط بالشرط الا إذا شرط البائع
القطع على وجه الأرض فلا يدخل فيه أصلها أو لم يشترط لكن في القطع من أصلها ضرر بالبائع بأن كان بقرب حائطه
أو على حافة نهره فيخاف الخلل على الحائط أو الشق في النهر فقطعها على وجه الأرض دون أصلها لان الضرر
لا يستحق بالعقد فان قلع أو قطع ثم نبت من أصلها أو عروقها شجرة أخرى فهي للبائع لا للمشترى لأنه رضى أن يكون
المبيع القدر المقطوع فيكون الباقي للبائع الا إذا قطع من أعلى الشجرة فالنابت يكون للمشترى لأنه نماء ملكه
وان اشتراها بقرارها من الأرض للترك لا للقلع فيدخل فيها أرضها ولا يجبر على القلع لأنه ملك الشجرة مع موضعها
فلم يكن ملك البائع مشغولا به فلا يملك اجباره على القلع وله أن يغرس مكانها أخرى لأنه يغرس في ملك نفسه (وأما)
إذا اشتراها من غير شرط القلع ولا الترك لم يذكر هذا في ظاهر الرواية وذكر في غير رواية الأصول اختلافا بين
أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فقال على قول أبى يوسف لا تدخل الأرض في البيع وعلى قول محمد تدخل (وجه)
قول محمد ان المسمى في البيع هو الشجرة وهي اسم للقائم على أرضها بعروقها فاما بعد القلع فهي خشب لا شجر فلا بد
وأن تدخل الأرض فيه ولهذا دخلت في الاقرار بالاجماع بأن أقر لرجل بشجر في أرضه حتى كانت الشجرة مع
أرضها للمقر له كذا هذا ولأبي يوسف ان الأرض أصل والشجرة تابعة لها ألا ترى انها تدخل في بيع الأرض من
غير شرط تبعا للأرض فلو دخلت في بيع الشجرة لاستتبع التبع الأصل وهذا قلب الحقيقة وإنما دخلت في الاقرار
بالشجرة لان الاقرار اخبار عن كائن فلا بد من كون سابق على الاقرار وهو قيامها في الأرض التي هي قرارها وذلك
دليل كون الأرض للمقر له بسبب سابق فكان الاقرار بكون الشجرة له اقرارا بكون الأرض له أيضا ومثل هذه
الدلالة لم توجد في البيع فلا يدخل والله سبحانه وتعالى أعلم ولو اشترى صدفة فوجد فيها لؤلؤة فهي للمشترى
لأنها تتولد من الصدفة بمنزلة البيضة تتولد من الدجاجة فكانت بمنزلة أجزائها فتدخل في بيعها كما تدخل البيضة في بيع
الدجاجة وكذلك إذا اشترى سمكة فوجد فيها لؤلؤة لان السمك يأكل الصدفة فصار كما لو اشترى سمكة فوجد
فيها سمكة أخرى ان الثانية تكون له ولو اشترى دجاجة فوجد فيها لؤلؤة فهي للبائع لان اللؤلؤ لا يتولد من
الدجاج ولا هو من علفها فلا يدخل في بيعها وروى عن أبي يوسف رحمه الله ان كل شئ يوجد في حوصلة الطير إن كان
مما يأكله الطير فهو للمشترى لأنه يكون بمنزلة العلف له وإن كان مما لا يأكله الطير فهو للبائع وعلى هذا يخرج
ما إذا باع رقيقا وله مال ان ماله لا يدخل في البيع ويكون للبائع الا ان يشترطه المبتاع لما روى عن النبي عليه
الصلاة والسلام أنه قال من باع عبدا وله مال فماله للبائع الا أن يشترط المبتاع وهذا نص في الباب ولان العبد وما في
يده لمولاه لأنه مملوك لا يقدر على شئ والمولى ما باع ما في يد العبد لان الداخل تحت البيع هو العبد فلا يدخل في بيعه
ما ليس منه والقياس أن لا تدخل ثياب بدنه كما لا يدخل اللجام والسرج والعذار في بيع الدابة لما قلنا لكنهم استحسنوا
في ثياب البذلة والمهنة وهي التي يلبسها في اليوم والليلة لتعامل الناس وتعارفهم وأما الثياب النفيسة التي لا يلبسها الا وقت
العرض للبيع فلا تدخل في البيع لانعدام التعارف في ذلك فبقي على أصل القياس وهذا مما يختلف باختلاف عرف
الناس وعاداتهم في كل بلد فبنى الامر فيه على ذلك وكذا لو أعتق عبده على مال فماله لمولاه لما قلنا وكذا لو أعتق مدبره
أو أم ولده لأنه مرقوق مملوك فلا يكون له مال ولو كاتب عبده فما كان له من المال وقت الكتابة يكون لمولاه لأنه كسب
القن وما اكتسب بعد الكتابة يكون له لأنه كسب المكاتب ولأنه حر يدا فكان كسبه له والله سبحانه وتعالى أعلم
167

(ومنها) أن يكون مقدور التسليم من غير ضرر يلحق البائع فإن لم يمكن تسليمه الا بضرر يلزمه فالبيع فاسد لان الضرر
لا يستحق بالعقد ولا يلزم بالتزام العاقد الا ضرر تسليم المعقود عليه فاما ما وراءه فلا وعلى هذا يخرج ما إذا باع جذعا له في
سقف أو آجرا له في حائط أو ذراعا في ديباج أو كرباس أنه لا يجوز لأنه لا يمكنه تسليمه الا بالنزع والقطع وفيه ضرر
بالبائع والضرر غير مستحق بالعقد فكان هذا على هذا التقدير بيع ما لا يجب تسليمه شرعا فيكون فاسدا فان نزعه البائع
أو قطعه وسلمه إلى المشترى قبل أن يفسخ المشترى البيع جاز البيع حتى يجبر المشترى على الاخذ لان المانع من الجواز
ضرر البائع بالتسليم فإذا سلم باختياره ورضاه فقد زال المانع فجاز البيع ولزم فرق بين هذا وبين بيع الألية في الشاة
الحية والنوى في التمر والزيت في الزيتون والدقيق في الحنطة والبزر في البطيخ ونحوها أنه لا ينعقد أصلا حتى لو سلم لم
يجز وقد ذكرنا وجه الفرق فيما تقدم والأصل المحفوظ ان ما لا يمكن تسليمه الا بضرر يرجع إلى قطع اتصال ثابت بأصل
الخلقة فبيعه باطل وما لا يمكن تسليمه الا بضرر يرجع إلى قطع اتصال عارض فبيعه فاسد الا ان يقطع باختياره ويسلم
فيجوز والقياس على هذا الأصل ان يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم لأنه يمكن تسليمه من غير ضرر يلزمه بالجز الا
انهم استحسنوا عدم الجواز للنص وهو ما روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولان الجز من أصله لا يخلو عن الاضرار بالحيوان وموضع الجز فيما فوق ذلك غير معلوم فتجرى فيه المنازعة فلا
يجوز ولو باع حلية سيف فإن كان يتخلص من غير ضرر يجوز وإن كان لا يتخلص الا بضرر فالبيع فاسد الا إذا
فصل وسلم وعلى هذا بناء بين رجلين والأرض لغيرهما فباع أحدهما نصيبه من البناء لغير شريكه لم يجز لأنه لا يمكن
تسليمه الا بضرر وهو نقض البناء وكذا زرع بين رجلين أو ثمار بينهما في أرض لهما حق الترك فيها إلى وقت
الادراك فباع أحدهما نصيبه قبل الادراك لم يجز لأنه لا يمكن تسليمه الا بضرر صاحبه لأنه يجبر على القلع للحال وفيه
ضرر به ولو باع بعد الادراك جاز لانعدام الضرر وكذا إذا كان الزرع كله لرجل ولم يدرك فباع الزرع لم يجز لأنه لا يمكن
تسليمه الا بقطع الكل وفيه ضرر ولو كان بعد الادراك جاز لانعدام الضرر دار أو أرض بين رجلين مشاع غير مقسوم
فباع أحدهما بيتا منها بعينه قبل القسمة أو باع قطعة من الأرض بعينها قبل القسمة لم يجز لا في نصيبه ولا في نصيب
صاحبه أما في نصيبه خاصة فظاهر وأما في نصيب صاحبه فلان فيه اضرارا بصاحبه باحداث زيادة شركة ولو باع جميع
نصيبه من الدار والأرض جاز لأنه لم يحدث زيادة شركة وإنما قام المشترى مقام البائع ولو باع اللؤلؤة في الصدفة ذكر
الكرخي رحمه الله انه لا يجوز لأنه لا يمكن تسليمها الا بشق الصدفة وانه ضرر فيما وراء المعقود فصار كبيع الجذع في
السقف وروى عن أبي يوسف انه يجوز لأنه لا يتضرر بشق الصدفة لان الصدف لا ينتفع به الا بالشق ولو باع قفيزا من
هذه الصبرة أو عشرة دراهم من هذه النقرة جاز لأنه لا يتضرر بالفصل والتمييز وكذا لو باع القوائم على رؤس الأشجار أو
باع الثمار على رؤس الأشجار بشرط القطع أو مطلقا جاز لما قلنا وكذا لو باع بناء الدار دون العرصة أو الأشجار القائمة
على الأرض دون الأرض أو الزرع أو البقول القائمة قبل الجذ انه يجوز لأنه يمكنه تسليم هذه الأشياء من غير ضرر والله
سبحانه وتعالى أعلم (ومنها) الخلو عن الشروط الفاسدة وهي أنواع منها شرط في وجوده غرر نحو ما إذا اشترى ناقة
على أنها حامل لان المشروط لا يحتمل الوجود والعدم ولا يمكن الوقوف عليه للحال لان عظم البطن والتحرك يحتمل
أن يكون لعارض داء أو غيره فكان في وجوده غرر فيوجب فساد البيع لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
نهى عن بيع وغرر والمنهى عنه فاسد وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رضي الله عنهما ان البيع بهذا الشرط
جائز لان كونها حاملا بمنزلة شرط كون العبد كاتبا أو خياطا ونحو ذلك وذا جائر فكذا هذا ولو اشترى جارية على أنها
حامل الا رواية فيه عن أصحابنا واختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يجوز البيع قياسا على البهائم واليه أشار
محمد رحمه الله في البيوع فإنه قال لو باع وتبرأ من حملها جاز البيع وليس هذا كالشرط وظاهر قوله وليس هذا
كالشرط يشير إلى أن شرط الخيار فيه مفسد وقال بعضهم يجوز لان الحبل في الجواري عيب بدليل أنه لو اشترى
168

جارية فوجدها حاملا له أن يردها فكان ذكر الحبل في الجواري ابراء عن هذا العيب بخلاف البهائم لان الحبل فيها
زيادة الا ترى أنه لو اشترى بهيمة فوجدها حاملا ليس له حق الرد فكان ذكر الحبل فيها شرطا في وجوده غرر فيفسد
البيع وبعضهم فصل فيه تفصيلا فقال إن اشتراها ليتخذها ظئرا فالبيع فاسد لأنه شرط زيادة في وجودها خطر
وهي مجهولة أيضا فأشبه اشتراط الحبل في بيع الناقة وان لم يرد بالشراء ذلك جاز البيع لان ذكره يكون ابراء عن هذا
العيب على ما بينا ولو اشترى ناقة وهي حامل على أنها تضع حملها إلى شهر أو شهرين فالبيع فاسد لان في وجود هذا
الشرط غررا وكذا لو اشترى بقرة على أنها تحلب كذا كذا رطلا لما قلنا ولو اشترى بقرة على أنها حلوبة لم يذكر
هذا في ظاهر الرواية وروى الحسن في المجرد عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يجوز وهو قياس روايته في شرط الحبل
(ووجهه) ان شرط كونها حلوبة شرط زيادة صفة فأشبه شرط الطبخ والخبز في الجواري وروى ابن سماعة
في نوادره عن محمد رحمهما الله أنه لا يجوز وهو اختيار الكرخي رحمه الله (ووجهه) أن هذا شرط زيادة فيجرى في
وجودها غرر وهو مجهول وهو اللبن فلا يصلح شرطا في البيع وكونها حلوبة إن كان صفة لها لكنها لا توصف به الا
بوجود اللبن وفى وجوده غرر وجهالة على ما ذكرنا فيوجب فساد البيع ولو اشترى بقرة على أنها لبون ذكر الطحاوي
أن هذا الشرط لا يفسد البيع والجواب فيه كالجواب في الحلوبة والله سبحانه وتعالى أعلم ولو اشترى قمرية على أنها
تصوت أو طيرا على أنه يجئ من مكان بعيد أو كبشا على أنه نطاح أو ديكا على أنه مقاتل فالبيع فاسد عند أبي حنيفة رحمه
الله وهو احدى الروايتين عن محمد رحمه الله لأنه شرط فيه غرر والوقوف عليه غير ممكن لأنه لا يحتمل الجبر عليه فصار
كشرط الحبل ولأن هذه صفات يتلهى بها عادة والتلهي محظور فكان هذا شرطا محظورا فيوجب فساد البيع وروى
عن محمد رحمه الله أنه إذا باع قمرية على أنها تصوت فإذا صوتت جاز البيع لأنها لما صوتت علم أنها مصوتة فلم يتحقق
غرر العدم وعلى هذه الرواية قالوا في المحرم إذا قتل قمرية مصوتة أنه يضمن قيمتها مصوتة ولو اشترى جارية على
أنها مغنية على سبيل الرغبة فيها فالبيع فاسد لان التغنية صفة محظورة لكونها لهوا فشرطها في البيع يوجب فساده
ولو اشترى جارية على أنها مغنية على وجه اظهار العيب جاز البيع لان هذا بيع بشرط البراءة عن هذا العيب فصار
كما لو باعها بشرط البراءة عن عيب آخر فان وجدها لا تغنى لا خيار له لان الغناء في الجواري عيب فصار كما لو اشترى
على أنه معيب فوجده سيما ولو اشترى كلبا أو فهدا على أنه معلم قال أبو يوسف يجوز البيع وهو احدى الروايتين عن محمد
لان هذا شرط يمكن الوقوف عليه بان يأخذ المصيد فيمسكه على صاحبه وذا ليس بشرط محظور لان تعليم الكلب
والاصطياد به مباح فأشبه شرط الكتابة في العبد والطبخ في الجارية وروى عن محمد أن البيع فاسد لأنه شرط فيه
غرر إذ لا يمكن الوقوف عليه الا بالاصطياد والجبر عليه غير ممكن ولو اشترى بردونا على أنه هملاج فالبيع جائز لأنه
شرط يمكن الوقوف عليه بالتسيير فلم يكن في وجوده غرر ولا خطر أيضا وان شئت أفردت لجنس هذا المسائل شرطا
على حدة وخرجتها إليه فقلت ومنها أن لا يكون المشروط محظورا فافهم (ومنها) شرط لا يقتضيه العقد وفيه
منفعة للبائع أو للمشترى أو للمبيع إن كان من بني آدم كالرقيق وليس بملائم للعقد ولا مما جرى به التعامل بين الناس
نحو ما إذا باع دارا على أن يسكنها البائع شهرا ثم يسلمها إليه أو أرضا على أن يزرعها سنة أو دابة على أن يركبها شهرا أو ثوبا
على أن يلبسه أسبوعا أو على أن يقرضه المشترى قرضا أو على أن يهب له هبة أو يزوج ابنته منه أو يبيع منه كذا ونحو
ذلك أو اشترى ثوبا على أن يخيطه البائع قميصا أو حنطة على أن يطحنها أو ثمرة على أن يجذها أو ربطة قائمة على الأرض
على أن يجذها أو شيئا له حمل ومؤنة على أن يحمله البائع إلى منزله ونحو ذلك فالبيع في هذا كله فاسد لان زيادة منفعة
مشروطة في البيع تكون ربا لأنها زيادة لا يقابلها عوض في عقد البيع وهو تفسير الربا والبيع الذي فيه الربا فاسد
أو فيه شبهة الربا وانها مفسدة للبيع كحقيقة الربا على ما نقرره إن شاء الله تعالى وكذا لو باع جارية على أن يدبرها
المشترى أو على أن يستولدها فالبيع فاسد لأنه شرط فيه منفعة للمبيع وأنه مفسد وكذا لو باعها بشرط أن يعتقها
169

المشترى فالبيع فاسد في ظاهر الرواية عن أصحابنا وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهما أنه جائز وبه
أخذ الشافعي رحمه الله (ووجه) هذه الرواية أن شرط الاعتقاد مما يلائم العقد لان الا عتاق انهاء الملك وانهاء الملك
تقرير له فكان ملائما والدليل على أن الاعتاق انهاء للملك أن البيع ثبت مقتضى الامر بالاعتاق في قول الرجل أعتق
عبدك عنى على ألف درهم فاعتق حتى يقع العتق عن الآمر ولا عتق الا بالملك ولا ملك الا بالتمليك فلو كان الاعتاق
إزالة الملك لما تصور وجود الاعتاق مقتضاه لأنه ضده والشئ لا يقتضى ضده وإذا كان انهاء الملك كان تقريرا له فكان
ملائما للعقد فلا يوجب فساده ولظاهر الرواية وجهان أحدهما يعم الكل والثاني يخص أبا حنيفة عليه الرحمة
أما الأول فهو ان شرط العتق شرط لا يلائمه العقد لأن العقد يقتضى الملك والملك يقتضى اطلاق التصرف في المملوك
تحصيلا وتركا وشرط الاعتاق يقتضى الاستحقاق واللزوم لا محالة فلا يلائمه بل يضاده وأما الثاني فلان هذا الشرط
يلائم العقد من وجه ولا يلائمه من وجه وهذا يوجب الفساد على ما نذكر تقريره ثم إذا باع بهذا الشرط فاعتقه المشترى
انقلب العقد جائزا بالاعتاق عند أبي حنيفة استحسانا حتى يجب على المشترى الثمن سواء أعتقه بعد القبض أو قبله
هكذا روى ابن شجاع عن أبي حنيفة رحمهما الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله لا ينقلب جائزا حتى تلزمه قيمة
الجارية وهو القياس وهكذا روى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله (ووجهه) ظاهر لان البيع وقع فاسدا من
حين وجوده وبالاعتاق لا ينعدم الفساد بل يتقرر لأنه انهاء للملك وأنه تقرير فيوجب تقرر الفساد للفاسد والفاسد
يفيد الملك بالقيمة لا بالثمن ولهذا لو هلك العبد في يده قبل الاعتاق تلزمه القيمة وكذا لو باعه من رجل أو وهبه فعليه
قيمته كذا ههنا ولأبي حنيفة رحمه الله ما ذكرنا أن شرط الاعتاق يلائم العقد من وجه ولا يلائمه من وجه لأنه انهاء
من وجه وإزالة من وجه فمن حيث إنه انهاء كان يلائمه لأنه تقرير لكن من حيث إنه إزالة لا يلائمه لأنه تغيير موجب
العقد فيجب العمل بالشبهين فعملنا بشبه الإزالة فقلنا بفساد العقد في الابتداء وعملنا بشبه الانهاء فقلنا بجوازه
في الانتهاء عملا بالشبهين بقدر الامكان فان قيل لم لا يعمل بهما على القلب مما قلتم قيل لأنه لا يمكن لأنا لم نجد جائزا
انقلب فاسدا في أصول الشريعة ووجدنا فاسدا انقلب جائزا كما في بيع الرقم ونحوه بخلاف ما إذا باع أو وهب لان
ذلك ليس انهاء الملك وبخلاف ما إذا باع بشرط التدبير أو الاستيلاد فدبرها المشترى أو استولدها أن البيع
لا ينقلب إلى الجواز لان التدبير والاستيلاد لا يوجبان انهاء الملك بيقين لاحتمال قضاء القاضي بجواز بيع المدبر
وبجواز بيع أم الولد في الجملة فكان ذلك شرطا لا يلائم العقد أصلا فأوجب لزوم الفساد وكذا لو باع عبدا أو جارية
بشرط أن لا يبيعه وأن لا يهبه وأن لا يخرجه عن ملكه فالبيع فاسد لان هذا شرط ينتفع به العبد والجارية بالصيانة
عن تداول الأيدي فيكون مفسدا للبيع (وأما) فيما سوى الرقيق إذا باع ثوبا على أن لا يبيعه المشترى أو لا يهبه أو
دابة على أن لا يبيعها أو يهبها أو طعاما على أن يأكله ولا يبيعه ذكر في المزارعة ما يدل على جواز البيع فإنه قال لو شرط
أحد المزارعين في المزارعة على أن لا يبيع الآخر نصيبه ولا يهبه فالمزارعة جائزة والشرط باطل وهكذا روى
الحسن في المجرد عن أبي حنيفة رحمه الله وفى الاملاء عن أبي يوسف أن البيع بهذا الشرط فاسد (ووجهه) أنه
شرط لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ولا جرى به التعارف بين الناس فيكون مفسدا كما في سائر الشرائط المفسدة
والصحيح ما ذكر في المزارعة لان هذا شرط لا منفعة فيه لاحد فلا يوجب الفساد وهذا لان فساد البيع في مثل هذه
الشروط لتضمنها الربا وذلك بزيادة منفعة مشروطة في العقد لا يقابلها عوض ولم يوجد في هذا الشرط لأنه لا منفعة فيه
لاحد الا أنه شرط فاسد في نفسه لكنه لا يؤثر في العقد فالعقد جائز والشرط باطل ولو باع ثوبا على أن يحرقه المشترى
أو دارا على أن يخربها فالبيع جائز والشرط باطل لان شرط المضرة لا يؤثر في البيع على ما ذكرنا ولو باع جارية على أن
لا يطأها المشترى ذكر ذلك في الاختلاف بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله اختلافا ولم يذكر قول أبي حنيفة عليه
الرحمة فقال البيع فاسد والشرط باطل عند أبي يوسف وعند محمد البيع جائز والشرط باطل ولو باع بشرط أن
170

يطأها جاز البيع والشرط في قولهم جميعا وروى عن أبي حنيفة رحمه الله أن البيع فاسد في الموضعين جميعا (وجه)
قول محمد أن هذا شرط لا منفعة فيه لاحد فلا يؤثر في فساد البيع كما لو باع ما سوى الرقيق على أن لا يبيع أو لا يهب
الا أنه نوع مضرة للمشترى فكان باطلا والبيع صحيحا (وجه) قول أبى يوسف ان هذا شرط يخالف مقتضى العقد
لان حل الوطئ أمر يقتضيه العقد وهذا الشرط ينفيه بخلاف ما إذا باع بشرط أن يطأها لان ذلك شرط يقرر مقتضى
العقد لان إباحة الوطئ مما يقتضيه العقد ولأبي حنيفة رحمه الله على ما روى عنه ان شرط الوطئ مما لا يقتضيه العقد أيضا
بل ينفيه لان البيع يقتضى الحل لا الاستحقاق وقضية الشرط الاستحقاق واللزوم وهما مما لا يقتضيه العقد
بل ينفيه (وأما) الشرط الذي يقتضيه العقد فلا يوجب فساده كما إذا اشترى بشرط أن يتملك المبيع أو باع
بشرط أن يتملك الثمن أو باع بشرط أن يحبس المبيع أو اشترى على أن يسلم المبيع أو اشترى جارية على أن تخدمه أو
دابة على أن يركبها أو ثوبا على أن يلبسه أو حنطة في سنبلها وشرط الحصاد على البائع ونحو ذلك فالبيع جائز لان البيع
يقتضى هذه المذكورات مان غير شرط فكان ذكرها في معرض الشرط تقريرا لمقتضى العقد فلا توجب فساد العقد
ولو اشترى شيئا بشرط أن يوفيه في منزله فهذا لا يخلو اما أن يكون المشترى والبائع بمنزلهما في المصر واما أن يكون أحدهما
في المصر والآخر خارج المصر فإن كان كلاهما في المصر فالبيع بهذا الشرط جائز عند أبي حنيفة وأبى يوسف استحسانا
الا إذا كان في تصحيح هذا الشرط تحقيق الربا كما إذا تبايعا حنطة بحنطة وشرط أحدهما على صاحبه الايفاء في
منزله وعند محمد البيع بهذا الشرط فاسد وهو القياس لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة للمشترى فأشبه ما إذا
اشترى بشرط الحمل إلى منزله أو بشرط الايفاء في منزله وأحدهما في المصر والآخر خارج المصر (ولهما) ان الناس
تعاملوا البيع بهذا الشرط إذا كان المشترى في المصر فتركنا القياس لتعامل الناس ولا تعامل فيما إذا لم يكونا في المصر ولا في
شرط الحمل إلى المنزل فعملنا بالقياس فيه وكذلك الشرط الذي لا يقتضيه العقد لكنه ملائم للعقد لا يوجب فساد العقد
أيضا لأنه مقرر لحكم العقد من حيث المعنى مؤكدا إياه على ما نذكر إن شاء الله تعالى فيلحق بالشرط الذي هو من مقتضيات
العقد وذلك نحو ما إذا باع على أن يعطيه المشترى بالثمن رهنا أو كفيلا والرهن معلوم والكفيل حاضر فقبل وجملة
الكلام في البيع بشرط اعطاء الرهن ان الرهن لا يخلو اما أن يكون معلوما أو مجهولا فإن كان معلوما فالبيع جائز
استحسانا والقياس ان لا يجوز لان الشرط الذي يخالف مقتضى العقد مفسد في الأصل وشرط الرهن والكفالة مما
يخالف مقتضى العقد فكان مفسدا الا انا استحسنا الجواز لان هذا الشرط لو كان مخالفا مقتضى العقد صورة فهو
موافق له معنى لان الرهن بالثمن شرع توثيقا للثمن وكذا الكفالة فان حق البائع يتأكد بالرهن والكفالة فكان كل
واحد منهما مقررا لمقتضى العقد معنى فأشبه اشتراط صفة الجودة للثمن وانه لا يوجب فساد العقد فكذا هذا ولو
قبل المشترى المبيع على هذا الشرط ثم امتنع من تسليم الرهن لا يجبر على التسليم عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر يجبر عليه
(وجه) قوله إن الرهن إذا شرط في البيع فقد صار حقا من حقوقه والجبر على التسليم من حقوق البيع فيجبر عليه (ولنا)
ان الرهن عقد تبرع في الأصل واشتراطه في البيع لا يخرجه عن أن يكون تبرعا والجبر على التبرع ليس بمشروع فلا يجبر
عليه ولكن يقال له اما أن تدفع الرهن أو قيمته أو تؤدى الثمن أو يفسخ البائع البيع لان البائع لم يرض بزوال المبيع عن
ملكه الا بوثيقة الرهن أو بقيمته لان قيمته تقوم مقامه ولان الدين يستوفى من مالية الرهن وهي قيمته وإذا أدى
الثمن فقد حصل المقصود فلا معنى للفسخ ولو امتنع المشترى من هذه الوجوه فللبائع أن يفسخ البيع لفوات الشرط
والغرض وإن كان الرهن مجهولا فالبيع فاسد لأن جواز هذا الشرط مع أن القياس يأباه لكونه ملائما للعقد مقررا
لمقتضاه معنى لحصول معنى التوثق والتأكد للثمن ولا يحصل ذلك الا بالتسليم وانه لا يتحقق في المجهول ولو اتفقا على
تعيين رهن في المجلس جاز البيع لان المانع هو جهالة الرهن وقد زال فكأنه كان معلوما معينا من الابتداء لان المجلس له
حكم حالة واحدة وان افترقا عن المجلس تقرر الفساد وكذا إذا لم يتفقا على تعيين الرهن ولكن المشترى نقد الثمن جاز
171

البيع أيضا لان المقصود من الرهن هو الوصول إلى الثمن وقد حصل فيسقط اعتبار الوثيقة وكذلك البيع بشرط
اعطاء الكفيل ان الكفيل إن كان حاضرا في المجلس وقبل جاز البيع استحسانا وإن كان غائبا فالبيع فاسد وكذا إذا
كان حاضرا ولم يقبل لان الجواز على مخالفة القياس ثبت لمعنى التوثيق وتوكيد الثمن لما فيه من تقرير موجب العقد
على ما بينا فإذا كان الكفيل غائبا أو حاضرا ولم يقبل لم تصح الكفالة فلم يحصل معنى التوثيق فبقي الحكم على ما يقتضيه
القياس وكذا إذا كان الكفيل مجهولا فالبيع فاسد لان كفالة المجهول لا تصح ولو كان الكفيل معينا وهو غائب ثم
حضر وقبل الكفالة في المجلس جاز البيع لأنه جازت الكفالة بالقبول في المجلس وإذا حضر بعد الافتراق تأكد الفساد
ولو شرط المشترى على البائع أن يحيله بالثمن على غريم من غرمائه أو على أن يضمن الثمن لغريم من غرماء البائع فالبيع
فاسد لان شرط الحوالة والضمان شرط لا يقتضيه العقد والشرط الذي لا يقتضيه العقد مفسد في الأصل الا إذا كان
فيه تقرير موجب العقد وتأكيده والحوالة ابراء عن الثمن واسقاط له فلم يكن ملائما للعقد بخلاف الكفالة والرهن
وكذلك إن كان مما لا يقتضيه العقد ولا يلائم العقد أيضا لكن للناس فيه تعامل فالبيع جائز كما إذا اشترى نعلا على أن
يحدوه البائع أو جرابا على أن يخرزه له خفا أو ينعل خفه والقياس ان لا يجوز وهو قول زفر رحمه الله (وجه) القياس
ان هذا شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لاحد العاقدين وانه مفسد كما إذا اشترى ثوبا بشرط أن يخيطه البائع له قميصا
ونحو ذلك (ولنا) ان الناس تعاملوا هذا الشرط في البيع كما تعاملوا الاستصناع فسقط القياس بتعامل الناس كما سقط
في الاستصناع ولو اشترى جارية على أنها بكرا وطباخة أو خبازة أو غلاما على أنه كاتب أو خياط أو باع عبدا بألف
درهم على أنها صحاح أو على أنها جياد نقد بيت المال أو اشترى على أنها مؤجلة فالبيع جائز لان المشروط صفة للمبيع
أو الثمن صفة محضة لا يتصور انقلابها أصلا ولا يكون لها حصة من الثمن بحال ولو كان موجودا عند العقد يدخل فيه
من غير تسمية وانها صفة مرغوب فيها لا على وجه التلهي والمشروط إذا كان هذا سبيله كان من مقتضيات العقد
واشتراط شرط يقتضيه العقد لا يوجب فساد العقد كما إذا اشترى بشرط التسليم وتملك المبيع والانتفاع به ونحو ذلك
بخلاف ما إذا اشترى ناقة على أنها حامل ان البيع يفسد في ظاهر الرواية لان الشرط هناك عين وهو الحمل فلا يصلح
شرطا وكون الناقة حاملا وإن كان صفة لها لكن لا تحقق له الا بالحمل وهو عين في وجوده غرر ومع ذلك مجهول فأوجب
ذلك فساد البيع ويخرج على هذا أيضا ما ذكرنا من المسائل إذا اشترى ناقة على أنها تحلب كذا وكذا رطلا أو على أن
ها حلوبة أو على أنها لبون ان ان البيع بهذه الشروط فاسد لان المشروط في هذه المواضع عين فلا يصلح شرطا وعلى
هذا يخرج ما إذا اشترى جارية على أنها مغنية على سبيل الرغبة فيها لان جهة الغناء جهة التلهي فاشتراطها في البيع
يوجب الفساد وكذا إذا اشترى قمرية على أنها تصوت أو طوطيا على أنه يتكلم أو حمامة على أنها تجئ من مكان بعيد
أو كبشا على أنه نطاح أو ديكا على أنه مقاتل لأن هذه الجهات كلها جهات التلهي بخلاف ما إذا اشترى كلبا على أنه
معلم أو اشترى دابة على أنها هملاج لأنه صفة لا حظر فيها بوجه والله عز شأنه الموفق ويجوز البيع بشرط البراءة
عن العيب عندنا سواء عم العيوب كلها بأن قال بعت على أنى برئ من كل عيب أو خص بأن سمى جنسا من
العيوب وقال الشافعي رحمه الله ان خص صح وان عم لا يصح وإذا لم يصح الابراء عنده هل يصح العقد له فيه قولان
في قول يبطل العقد أيضا وفى قول يصح العقد ويبطل الشرط وعلى هذا الخلاف الابراء عن الحقوق المجهولة ولو شرط
على أنى برئ من العيب الذي يحدث روى عن أبي يوسف رحمه الله ان البيع بهذا الشرط فاسد (وجه) قول
الشافعي رحمه الله ان الابراء عن كل عيب ابراء عن المجهول فلا يصح ولا شك انه ابراء عن المجهول والدليل على أن
الابراء عن كل عيب ابراء عن المجهول غير صحيح ان الابراء اسقاط فيه معنى التمليك بدليل أنه يرتد بالرد وهذا آية التمليك
إذ الاسقاط لا يحتمل ذلك وتمليك المجهول لا يصح كالبيع ونحوه (ولنا) ان الابراء وإن كان فيه معنى التمليك لكن
الجهالة لا تمنع صحة التمليك لعينها بل لافضائها إلى المنازعة ألا ترى أنها لا تمنع في موضع لا يفضى إلى المنازعة كما
172

إذا باع قفيزا من هذه الصبرة أو عشرة دراهم من هذه النقرة وهذا النوع من الجهالة ههنا لا يفضى إلى المنازعة لان
قوله كل عيب يتناول العيوب كلها فإذا سمى جنسا من العيوب لا جهالة له أصلا مع ما ان التمليك في الابراء يثبت
ضمنا وتبعا للاسقاط لان اللفظ ينبئ عن الاسقاط لا عن التمليك فيعتبر التصرف اسقاط لا تمليكا والجهالة لا تمنع
صحة الاسقاطات والدليل على جواز الابراء عن الحقوق المجهولة ما روى أن رجلين اختصما إلى النبي عليه
الصلاة والسلام في مواريث قد درست فقال لهما عليه الصلاة والسلام استهما وأوجبا الحق وليحلل كل واحد
منكما صاحبه وعلى هذا اجماع المسلمين من استحلال معاملاتهم في آخر أعمارهم في سائر الأعصار من غير إنكار
وأما بيع الثمر على الشجر بعد ظهوره وبيع الزرع في الأرض بشرط الترك فجملة الكلام فيه انه لا يخلو اما إن كان
لم يبد صلاحه بعد ان صار منتفعا به بوجه من الوجوه واما إن كان قد بد اصلاحه بان صار منتفعا به وكل ذلك لا يخلو
من أن يكون بشرط القطع أو مطلقا أو بشرط الترك حتى يبلغ فإن كان لم يبد صلاحه فباع بشرط القطع جاز وعلى
المشترى أن يقطع للحال وليس له أن يترك من غير اذن البائع ومن مشايخنا من قال لا يجوز بيعه قبل بدو صلاحه
وهو خلاف ظاهر الرواية على ما ذكرنا ولو باع مطلقا عن شرط جاز أيضا عندنا وعند الشافعي رحمه الله لا يجوز
(وجه) قوله إن المطلق ينصرف إلى المتعارف والمتعارف هو الترك فمكان هذا بيعا بشرط الترك دلالة فصار كما لو شرط
الترك نصا (ولنا) ان الترك ليس بمشروط نصا إذ العقد مطلق عن الشرط أصلا فلا يجوز تقييده بشرط الترك من غير دليل
خصوصا إذا كان في التقييد فساد العقد وان اشترى بشرط الترك فالعقد فاسد بالاجماع لأنه شرط لا يقتضيه العقد
وفيه منفعة لاحد المتعاقدين ولا يلائم العقد ولا جرى به التعامل بين الناس ومثل هذا الشرط مفسد للبيع لما ذكرنا
ولأنه لا يتمكن من الترك الا بإعارة الشجرة والأرض وهما ملك البائع فصار بشرط الترك شارطا الإعارة فكان شرطه
صفقة في صفقة وانه منهى هذا إذا لم يبد صلاحه وكذا إذا بدا صلاحه فباع بشرط القطع أو مطلقا فأما إذا باع بشرط
الترك فإن لم يتناه عظمه فالبيع فاسد بلا خلاف لما قلنا وكذا إذا تناهى عظمه فالبيع فاسد عند أبي حنيفة وأبى
يوسف وقال محمد يجوز استحسانا لتعارف الناس وتعاملهم ذلك ولهما ما ذكرنا أن شرط الترك شرط فيه منفعة
للمشترى والعقد لا يقتضيه وليس بملائم للعقد أيضا ومثل هذا الشرط يكون مفسدا كما إذا اشترى حنطة على أن
يتركها في دار البائع شهرا قوله الناس تعاملوا ذلك قلنا دعوى تعامل الناس شرط الترك في المبيع ممنوعة وإنما التعامل
بالمسامحة بالترك من غير شرط في عقد البيع ولو اشترى مطلقا عن شرط فترك فإن كان قد تناهى عظمه ولم يبق الا
النضج لم يتصدق بشئ سواء ترك باذن البائع أو بغير اذنه لأنه لا يزداد بعد التناهي وإنما يتغير إلى حال النضج وإن كان
لم يتناه عظمه ينظر إن كان الترك باذن البائع جاز وطاب له الفضل وإن كان بغير اذنه تصدق بما زاد في ذاته على
ما كان عند العقد لان الزيادة حصلت بجهة محظورة فأوجبت خبثا فيها فكان سبيلها التصدق فان استأجر المشترى
من البائع الشجر للترك إلى وقت الادراك طاب له الفضل لان الترك حصل باذن البائع ولكن لا تجب الأجرة لأن هذه
الإجارة باطلة لأن جوازها ثبت على خلاف القياس لتعامل الناس فما لم يتعاملوا فيه لا تصح فيه الإجارة ولهذا لم
تصح إجارة الأشجار لتجفيف الثياب وإجارة الأوتاد لتعليق الأشياء عليها وإجارة الكتب للقراءة ونحو ذلك
حتى لم تجب الأجرة لما قلنا كذا هذا ولو أخرجت الشجرة في مدة الترك ثمرة أخرى فهي للبائع سواء كان الترك باذنه
أو بغير اذنه لأنه نماء ملك البائع فيكون له ولو حللها له البائع جاز وان اختلط الحادث بعد العقد بالموجود عنده حتى
لا يعرف ينظر إن كان قبل التخلية بطل البيع لأن المبيع صار معجوز التسليم بالاختلاط للجهالة وتعذر التميز فأشبه
العجز عن التسليم بالهلاك وإن كان بعد التخلية لم يبطل لان التخلية قبض وحكم البيع يتم ويتناهى بالقبض والثمرة
تكون بينهما لاختلاط ملك أحدهما بالآخر اختلاطا لا يمكن التمييز بينهما فكان الكل مشتركا بينهما والقول قول
المشترى في المقدار لأنه صاحب يد لوجود التخلية فكان الظاهر شاهدا له فكان القول قوله ولو اشترى ثمرة بدا صلاح
173

بعضها دون بعض بان أدرك البعض دون البعض بشرط الترك فالبيع فاسد على أصلهما لأنه لو كان أدرك الكل
فاشتراها بشرط الترك فالبيع فاسد عندهما فبادراك البعض أولى (وأما) على أصل محمد رحمه الله وهو اختيار
العادة فإن كان صلاح الباقي متقاربا جاز لان العادة في الثمار أن لا يدرك الكل دفعة واحدة بل يتقدم ادراك البعض على
البعض ويلحق بعضها بعضا فصار كأنه اشتراها بعد ادراك الكل ولو كان كذلك لصح الشراء عنده بشرط الترك كذا
هذا وإن كان يتأخر ادراك البعض عن البعض تأخيرا فاحشا كالعنب ونحوه يجوز البيع فيما أدرك ولا يجوز فيما لم
يدرك لان عند التأخر الفاحش يلتحقان بجنسين مختلفين (ومنها) شرط الأجل في المبيع العين والثمن العين وهو أن
يضرب لتسليمها أجل لان القياس يأبى جواز التأجيل أصلا لأنه تغيير مقتضى العقد لأنه عقد معاوضة تمليك
بتمليك وتسليم بتسليم والتأجيل ينفى وجوب التسليم للحال فكان مغيرا مقتضى العقد الا أنه شرط نظر لصاحب الأجل
لضرورة العدم ترفيها له وتمكينا له من اكتساب الثمن في المدة المضروبة ولا ضرورة في الأعيان فبقي التأجيل فيها تغييرا
محضا لمقتضى العقد فيوجب فساد العقد ويجوز في المبيع الدين وهو السلم بل لا يجوز بدونه عندنا على ما نذكره في
موضعه وكذا يجوز في الثمن الدين وهو بيع الدين بالدين لان التأجيل يلائم الديون ولا يلائم الأعيان لمساس حاجة
الناس إليه في الديون لا في الأعيان على ما بينا (ومنها) شرط خيار مؤبد في البيع (ومنها) شرط خيار مؤقت بوقت
مجهول جهالة متفاحشة كهبوب الريح ومجئ المطر وقدوم فلان وموت فلان ونحو ذلك أو متقاربة كالحصاد
والدياس وقدوم الحاج ونحوها (ومنها) شرط خيار غير مؤقت أصلا والأصل فيه ان شرط الخيار يمنع انعقاد العقد في
حق الحكم للحال فكان شرطا مغيرا مقتضى العقد وأنه مفسد للعقد في الأصل وهو القياس الا أنا عرفنا جوازه استحسانا
بخلاف القياس بالنص وهو ما روى أن حبان بن منقد كان يغبن في التجارات فشكا أهله إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال له إذا بايعت فقل لا خلابة ولى الخيار ثلاثة أيام فبقي ما وراء المنصوص عليه على أصل القياس (ومنها)
شرط خيار مؤقت بالزائد على ثلاثة أيام عند أبي حنيفة وزفر وقال أبو يوسف ومحمد هذا الشرط ليس بمفسد
واحتجا بما روى أن عبد الله بن سيدنا عمر رضي الله عنهما شرط الخيار شهرين ولان النص الوارد في خيار ثلاثة
أيام معلول بالحاجة إلى دفع الغبن بالتأمل والنظر وهذا لا يوجب الاقتصار على الثلاث كالحاجة إلى التأجيل
ولأبي حنيفة ان هذا الشرط في الأصل مما يأباه القياس والنص أما القياس فما ذكرنا انه شرط مغير مقتضى العقد
ومثل هذا الشرط مفسد للعقد في الأصل وأما النص فما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه نهى عن بيع
الغرر وهذا بيع الغرر لأنه تعلق انعقاد العقد على غرر سقوط الخيار الا أنه ورد نص خاص بجوازه فيتبع مورد
النص وانه ورد بثلاثة أيام فصار ذلك مخصوصا عن النص العام وترك القياس فيه فيعمل بعموم النص ومقتضى
القياس فيما وراء هذا والعمل بقول سيد البشر عليه أفضل الصلاة والسلام أولى من العمل بقول عبد الله بن سيدنا
عمر وقولهما النص معلول بالحاجة إلى دفع الغبن قلنا لو كان كذلك فالثلاث مدة صالحة لدفع الغبن لكونها صالحة
للتأمل وما وراء ذلك لا نهاية له (وأما) شرط خيار مؤقت بالثلاث فما دونها فليس بمفسد استحسانا لحديث حبان
ابن منقد ولمساس الحاجة إليه لدفع الغبن والتدارك عند اعتراض الندم وسواء كان الشرط للعاقد أو لغيره بأن شرط
الخيار لثالث عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله وقال زفر رحمه الله لا يجوز شرط الخيار لغير العاقد (وجه) قوله إن اشتراط
الخيار للعاقد مع أن القياس يأباه ثبت بالنص فبقي اشتراطه لغيره على أصل القياس (ولنا) ان النص معلول بالحاجة إلى
التأمل لدفع الغبن والناس يتفاوتون في البصارة بالسلع فمن الجائز أن يكون المشروط له الخيار أبصر منه ففوض الخيار إليه
ليتأمل في ذلك فان صلح أجازه والا فسح وإذا جاز هذا الشرط ثبت الخيار للمشروط له وللعاقد أيضا ولما نذكر ولكل
واحد منهما ولاية الإجازة والفسخ وسواء كان العاقد مالكا أو وصيا أو وليا أو وكيلا فيجوز شرط الخيار فيه لنفسه أو
لصاحبه الذي عاقده (أما) الأب أو الوصي فلان اشتراط الخيار منهما من باب النظر للصغير فيملكانه (واما)
174

الوكيل فلانه يتصرف بأمر الموكل وقد أمره بالبيع والشراء مطلقا فيجرى على اطلاقه وكذلك المضارب أو الشريك
شركة عنان أو مفاوضة يملك شرط الخيار لما قلنا ولو اشترى شيئا على أنه لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما
فالقياس أن لا يجوز هذا البيع وهو قول زفر رحمه الله وفى الاستحسان جائز (وجه) القياس ان هذا بيع علقت
اقالته بشرط عدم نقد الثمن إلى ثلاثة أيام وتعليق الإقالة بالشرط فاسد فكان هذا بيعا دخله شرط فاسد فيكون
فاسدا كسائر الأنواع التي دخلتها شروط فاسدة (وجه) الاستحسان ان هذا البيع في معنى البيع بشرط الخيار
لوجود التعليق بشرط في كل واحد منهما وتحقق الحاجة المستدعية للجواز أما التعليق فإنه علق إقالة هذا البيع
وفسخ بشرط عدم النقد إلى ثلاثة أيام وفى البيع بشرط الخيار علق انعقاده في حق الحكم بشرط سقوط الخيار واما
الحاجة فان المشترى كما يحتاج إلى التأمل في المبيع انه هل يوافقه أم لا فالبائع يحتاج إلى التأمل انه هل يصل الثمن إليه في
الثلاث أم لا وكذا المشترى يحتاج إلى التأمل انه هل يقدر على النقد في الثلاث أم لا فكان هذا بيعا مست الحاجة إلى
جوازه في الجانبين جميعا فكان أولى بالجواز من البيع بشرط الخيار فورود الشرع بالجواز هناك يكون ورودا ههنا دلالة
ولو اشترى على أنه ان لم ينقد الثمن إلى أربعة أيام لم يجز عند أبي حنيفة كما لا يجوز شرط الخيار أربعة أيام أو أكثر بعد أن
يكون معلوما الا أن أبا يوسف يقول ههنا لا يجوز كما قال أبو حنيفة فأبو حنيفة مر على أصله ولم يجز في الموضعين ومحمد مر
على أصله وأجاز فيهما وأبو يوسف فرق بينهما (ووجه) الفرق له ان القياس يأبى الجواز في الموضعين جميعا الا أن
الجواز في شرط الخيار عرفناه بأثر ابن سيدنا عمر رضي الله عنهما فبقي هذا على أصل القياس والله سبحانه عز شأنه
أعلم ويتصل بالشروط المفسدة ما إذا باع حيوانا واستثنى ما في بطنه من الحمل ان البيع فاسد لان بيع الحمل
بانفراده لا يجوز فكان استثناؤه بمنزلة شرط فاسد أدخل في البيع فوجب فساد البيع وكذلك هذا في عقد الإجارة
والكتابة والرهن بخلاف النكاح والخلع والصلح عن دم العمد والهبة والصدقة لان استثناء الحمل في هذا العقود
لا يبطلها وكذلك في الاعتاق لما أن استثناء ما في البطن بمنزلة شرط فاسد والبيع وأخواته تبطلها الشروط الفاسدة
فكان الشرط فاسدا والعقد فاسدا فأما النكاح ونحوه فلا تبطله الشروط الفاسدة فجاز العقد وبطل الشرط فيدخل
في العقد الام والولد جميعا وكذا في العتق وكذا إذا باع حيوانا واستثنى شيئا من أطرافه فالبيع فاسد ولو باع صبرة
واستثنى قفيزا منها فالبيع جائز في المستثنى منه وكذا إذا باع صبرة واستثنى جزأ شائعا منها ثلثها أو ربعها أو نحو ذلك
ولو باع قطيعا من الغنم واستثنى شاة منها بغير عينها فالبيع فاسد ولو استثنى شاة منها بعينها فالبيع جائز والأصل في
هذا ان من باع جملة واستثنى منها شيئا فان استثنى ما يجوز افراده بالبيع فالبيع في المستثنى منه جائز وان استثنى ما لا
يجوز افراده بالبيع فالبيع في المستثنى منه فاسد ولو باع الثمرة على رؤس النخل واستثنى منها صاعا ذكر القاضي في
شرحه مختصر الطحاوي انه يجوز لأنه استثنى ما يجوز افراده بالبيع فأشبه ما إذا باع جزء مشاعا منه من الثلث والربع
وكذا لو كان الثمر مجذوذا فباع الكل واستثنى صاعا يجوز وأي فرق بين المجذوذ وغير المجذوذ وذكر الطحاوي في
مختصره انه لا يجوز واليه أشار محمد في الموطأ فإنه قال لا بأس بان يبيع الرجل ثمرة ويستثنى منها بعضها إذا استثنى شيئا
في جملته ربعا أو خمسا أو سدسا قيد الجواز بشرط أن يكون المستثنى مشاعا في الجملة فلو ثبت الجواز في المعين لم يكن
لتقييده بهذا الشرط معنى وكذا روى الحسن بن زياد أنه قال لا يجوز وكذا ذكر القدوري رحمه الله في مختصره
ثم فساد العقد بما ذكرنا من الشروط مذهب أصحابنا وقال ابن أبي ليلى البيع جائز والشرط باطل وقال ابن شبرمة
البيع جائز والشرط جائز والصحيح قولنا لما روى أبو حنيفة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط والنهى يقتضى فساد المنهى فيدل على فساد كل بيع وشرط الا ما خص
عن عموم النص ولأن هذه الشروط بعضها فيه منفعة زائدة ترجع إلى العاقدين أو إلى غيرهما وزيادة منفعة مشروطة
في عقد البيع تكون ربا والربا حرام والبيع الذي فيه ربا فاسد وبعضها فيه غرر ونهى رسول الله صلى الله عليه
175

وسلم عن بيع فيه غرر والمنهى عنه فاسد وبعضها شرط التلهي وانه محظور وبعضها يغير مقتضى العقد وهو معنى
الفساد إذ الفساد هو التغيير والله سبحانه وتعالى أعلم ثم قران الشرط الفاسد بالعقد والحاقه به سواء عند أبي حنيفة رحمه
الله حتى لو باع بيعا صحيحا ثم ألحق به شيئا من هذه الشروط المفسدة يلتحق به ويفسد العقد وعندهما لا يلتحق به ولا
يفسد العقد وأجمعوا على أنه لو ألحق بالعقد الصحيح شرطا صحيحا كالخيار الصحيح في البيع البات ونحو ذلك يلتحق
به (وجه) قولهما ان الحاق الشرط الفاسد بالعقد يغير العقد من الصحة إلى الفساد فلا يصح فبقي العقد صحيحا كما كان
لأن العقد كلام لا بقاء له والالتحاق بالمعدوم لا يجوز فكان ينبغي أن لا يصح الالحاق أصلا الا أن الحاق الشرط
الصحيح بأصل العقد ثبت شرعا للحاجة إليه حتى صح قرانه بالعقد فيصح الحاقه به فلا حاجة إلى الحاق الشرط الفاسد
في الأصل وقولهما الالحاق تغيير للعقد قلنا إن كان تغييرا فلهما ولاية التغيير ألا ترى أن لهما ولاية التغيير بالزيادة
في الثمن والمثمن والحط عن الثمن وبالحاق الشرط الصحيح وإن كان تغييرا ولأنهما يملكان الفسخ فالتغيير أولى لان
التغيير تبديل الوصف والفسخ رفع الأصل والوصف والله سبحانه أعلم (ومنها) الرضا لقول الله تعالى الا أن تكون
تجارة عن تراض منكم عقيب قوله عز اسمه يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وقال عليه الصلاة
والسلام لا يحل مال امرء مسلم الا بطيب من نفسه فلا يصح بيع المكره إذا باع مكرها وسلم مكرها لعدم الرضا فأما إذا
باع مكرها وسلم طائعا فالبيع صحيح على ما نذكره في كتاب الاكراه ولا يصح بيع الهازل لأنه متكلم بكلام البيع
لا على إدارة حقيقته فلم يوجد الرضا بالبيع فلا يصح بخلاف طلاق الهازل انه واقع لان الفائت بالاكراه ليس الا
الرضا والرضا ليس بشرط لوقوع الطلاق بخلاف البيع على أن الهزل في باب الطلاق ملحق بالجد شرعا قال عليه
الصلاة والسلام ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والعتاق الحق الهازل بالجاد فيه ومثل هذا لم يرد في
البيع وعلى هذا يخرج بيع المنابذة والملامسة والحصاة الذي كان يفعله أهل الجاهلية كان الرجلان يتساومان السلعة
فإذا أراد أحدهما الزام البيع نبذ السلعة إلى المشترى فيلزم البيع رضى المشترى أم سخط أو لمسها المشترى أو وضع
عليها حصاة فجاء الاسلام فشرط الرضا وأبطل ذلك كله وعلى هذا يخرج بيع التلجئة وهي ما لجأ الانسان إليه
بغير اختياره اختيار الايثار وجملة الكلام فيه أن التلجئة في الأصل لا تخلو اما أن تكون في نفس البيع واما أن تكون
في الثمن فإن كانت في نفس البيع فاما أن تكون في إنشاء البيع واما أن تكون في الاقرار به فإن كانت في إنشاء البيع بان
تواضعوا في السر لأمر ألجأهم إليه على أن يظهر البيع ولا بيع بينهما حقيقة وإنما هو رياء وسمعة نحو أن يخاف رجل
السلطان فيقول الرجل انى أظهر أنى بعت منك داري وليس بيع في الحقيقة وإنما هو تلجئة فتبايعا فالبيع باطل
في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وهو قول أبى يوسف ومحمد لأنهما تكلما بصيغة البيع لا على قصد الحقيقة وهو
تفسير الهزل والهزل يمنع جواز البيع لأنه يعدم الرضا بمباشرة السبب فلم يكن هذا بيعا منعقدا في حق الحكم وروى
أبو يوسف عن أبي حنيفة ان البيع جائز لان ما شرطاه في السر لم يذكراه في العقد وإنما عقدا عقدا صحيحا بشرائط فلا
يؤثر فيه ما تقدم من الشرط كما إذا اتفقا على أن يشترطا شرطا فاسدا عند البيع ثم باعا من غير شرط والجواب ان الحكم
ببطلان هذا البيع لمكان الضرورة فلو اعتبرنا وجود الشرط عند البيع لا تندفع الضرورة ولو أجاز أحدهما دون
الآخر لم يجز وان أجازاه جاز كذا ذكر محمد لان الشرط السابق وهو المواضعة منعت انعقاد العقد في حق الحكم بمنزلة
شرط خيار المتبايعين فلا يصح الا بتراضيهما ولا يملكه المشترى بالقبض حتى لو كان المشترى عبدا فقبضه وأعتقه
لا ينفذ اعتاقه بخلاف المكره على البيع والتسليم إذا باع وسلم فأعتقه المشترى انه ينفذ اعتاقه لان بيع المكره انعقد
سببا للحكم لوجود الرضا بمباشرة السبب عقلا لما فيه من صيانة نفسه عن الهلاك فانعقد السبب الا أنه فسد لانعدام
176

الرضا طبعا فتأخر الملك فيه إلى وقت القبض أما ههنا فلم يوجد الرضا بمباشرة السبب في الجانبين أصلا فلم ينعقد السبب
في حق الحكم فتوقف على أحدهما فأشبه البيع بشرط خيار المتبايعين هذا إذا كانت التلجئة في إنشاء البيع فاما إذا
كانت في الاقرار به فان اتفقا على أن يقرا بيع لم يكن فأقرا بذلك ثم اتفقا على أنه لم يكن فالبيع باطل حتى لا يجوز
بإجازتهما لان الاقرار اخبار وصحة الاخبار بثبوت المخبر به حال وجود الاخبار فإن كان ثابتا كان الاخبار صدقا والا
فيكون كذبا والمخبر به ههنا وهو البيع ليس بثابت فلا يحتمل الإجازة لأنها تلحق الموجود لا المعدوم هذا كله إذا كانت
التلجئة في نفس البيع انشاء كان أو اقرارا فاما إذا كانت في الثمن فهذا أيضا لا يخلو من أحد وجهين اما إن كانت في قدر
الثمن واما إن كانت في جنسه فإن كانت في قدره بان تواضعا في السر والباطن على أن يكون الثمن ألفا ويتبايعان في الظاهر
بألفين فإن لم يقولا عند المواضعة ألف منهما رياء وسمعة فالثمن ما تعاقدا عليه لان الثمن اسم للمذكور عند العقد والمذكور
عند العقد ألفان فإن لم يذكرا ان أحدهما رياء وسمعة صحت تسمية الألفين وان قالا عند المواضعة ألف منهما رياء
وسمعة فالثمن ثمن السر والزيادة باطلة في ظاهر الرواية عند أبي حنيفة وهو قول أبى يوسف ومحمد وروى عن أبي
يوسف ان الثمن ثمن العلانية (وجه) هذه الرواية ان الثمن هو المذكور في العقد والألفان مذكوران في العقد وما ذكرا
في المواضعة لم يذكراه في العقد فلا يعتبر (وجه) ظاهر الرواية ان ما تواضعا عليه في السر هو ما تعاقدا عليه في العلانية الا
انهما زادا عليه ألفا أخرى والمواضعة السابقة أبطلت الزيادة لأنهما في هزلانها حيث لم يقصداها فلم يصح ذكر الزيادة
في البيع فيبقى البيع بما تواضعا عليه وهو الألف وإن كانت في جنسه بان اتفقا في السر على أن الثمن ألف درهم لكنهما
يظهرا ان البيع بمائة دينار فإن لم يقولا في المواضعة ان ثمن العلانية رياء وسمعة فالثمن ما تعاقدا عليه لما قلنا وان قالا
ذلك فالقياس ان يبطل العقد وفى الاستحسان يصح بمائة دينار (وجه) القياس ان ثمن السر لم يذكراه في العقد وثمن
العلانية لم يقصداه فقد هزلا به فسقط وبقى بيعا بلا ثمن فلا يصح (وجه) الاستحسان انهما لم يقصدا بيعا باطلا بل
بيعا صحيحا فيجب حمله على الصحة ما أمكن ولا يمكن حمله على الصحة الا بثمن العلانية فكأنهما انصرفا عما شرطاه في
الباطن فتعلق الحكم بالظاهر كما لو اتفقا على أن يبيعاه بيع تلجئة فتواهبا بخلاف الألف والألفين لان الثمن المذكور
المشروط في السر مذكور في العقد وزيادة فتعلق العقد به هذا إذا تواضعا في السر ولم يتعاقدا في السر فاما إذا تعاقدا في
السر بثمن ثم تواضعا على أن يظهر العقد بأكثر منه أو بجنس آخر فإن لم يقولا ان العقد الثاني رياء وسمعة فالعقد الثاني
يرفع العقد الأول والثمن هو المذكور في العقد الثاني لان البيع يحتمل الفسخ والإقالة فشروعهما في العقد الثاني ابطال
للأول فبطل الأول وانعقد الثاني بما سمى عنده وان قالا رياء وسمعة فإن كان الثمن من جنس آخر فالعقد هو العقد
الأول لأنهما لم يذكرا الرياء والسمعة فقد أبطلا المسمى في العقد الثاني فلم يصح العقد الثاني فبقي العقد الأول وإن كان من
جنس الأول فالعقد هو العقد الثاني لان البيع يحتمل الفسخ فكان العقد هو العقد الثاني لكن بالثمن الأول والزيادة باطلة
لأنهما أبطلاها حيث هزلا بها هذا إذا تواضعا واتفقا في التلجئة في البيع فتبايعا وهما متفقان على ما تواضعا فاما إذا
اختلفا فادعى أحدهما التلجئة وأنكر الآخر وزعم أن البيع بيع رغبة فالقول قول منكر التلجئة لأن الظاهر شاهد له
فكان القول قوله مع يمينه على ما يدعيه صاحبه من التلجئة إذا طلب الثمن وان أقام المدعى البينة على التلجئة تقبل بينته
لأنه أثبت الشرط بالبينة فتقبل بينته كما لو أثبت الخيار بالبينة ثم هذا التفريع على ظاهر الرواية عن أبي حنيفة رحمه الله
لأنه يعتبر المواضعة السابقة فانا على رواية أبى يوسف عنه فلا يجئ هذا التفريع لأنه يعتبر العقد الظاهر فلا يلتفت إلى
هذه الدعوى لأنها وان صحت لا تؤثر في البيع الظاهر وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي الخلاف بين أبي حنيفة
صاحبيه فقال على قول أبي حنيفة القول قول من يدعى جواز البيع وعلى قولهما القول قول من يدعى التلجئة والعقد
فاسد ولو اتفقا على التلجئة ثم قالا عند البيع كل شرط كان بيننا فهو باطل تبطل التلجئة ويجوز البيع لأنه شرط فاسد
زائد فاحتمل السقوط بالاسقاط ومتى سقط صار العقد جائزا الا إذا اتفقا عند المواضعة وقالا ان ما نقوله عند البيع ان
177

كل شرط بيننا فهو باطل فذلك القول منا باطل فإذا قالا ذلك لا يجوز العقد لأنهما اتفقا على أن ما يبطلانه من الشرط عند
العقد باطل الا إذا حكيا في العلانية ما قالا في السر فقالا انا شرطنا كذا وكذا وقد أبطلنا ذلك ثم تبايعا فيجوز البيع ثم كما
لا يجوز بيع التلجئة لا يجوز الاقرار بالتلجئة بأن يقول لآخر انى أقر لك في العلانية بمالي أو بداري وتواضعا على
فساد الاقرار لا يصح اقراره حتى لا يملكه المقر له والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) الذي يخص بعض البياعات دون
بعض فأنواع أيضا (منها) أن يكون الأجل معلوما في بيع فيه أجل فإن كان مجهولا يفسد البيع سواء كانت الجهالة
متفاحشة كهبوب الريح ومطر السماء وقدوم فلان وموته والميسرة ونحو ذلك أو متقاربة كالحصاد والدياس والنيروز
والمهرجان وقدوم الحاج وخروجهم والجذاذ والجزار والقطاف والميلاد وصوم النصارى وفطرهم قبل دخولهم في
صومهم ونحو ذلك لان الأول فيه غرر الوجود والعدم والنوع الثاني مما يتقدم ويتأخر فيؤدى إلى المنازعة فيوجب
فساد البيع ولو باع العين بثمن دين إلى اجل مجهول جهالة متقاربة ثم أبطل المشترى الأجل قبل محله وقبل أن يفسخ
العقد بينهما لأجل الفساد جاز العقد عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر لا يجوز ولو لم يبطل حتى حل الأجل وأخذ الناس في
الحصاد ثم أبطل لا يجوز العقد بالاجماع وإن كانت الجهالة متفاحشة فأبطل المشترى الأجل قبل الافتراق ونقد الثمن
جاز البيع عندنا وعند زفر لا يجوز ولو افترقا قبل الابطال لا يجوز بالاجماع وعلى هذا إذا باع بشرط الخيار ولم يوقت
للخيار وقتا معلوما بأن قال أبدا أو أياما أو لم يذكر الوقت حتى فسد البيع بالاجماع ثم إن صاحب الخيار أبطل خياره
قبل مضى ثلاثة أيام قبل أن يفسح العقد بينهما جاز البيع عندنا خلافا لزفر رحمه الله وان أبطل بعد مضى الأيام الثلاثة
لا يجوز العقد عند أبي حنيفة رحمه الله وزفر وعند أبي يوسف ومحمد يجوز وان وقت وقتا معلوما بان قال أربعة أيام
أو شهرا فأبطل الخيار قبل مضى ثلاثة أيام وقبل أن يفسخ العقد بينهما لأجل الفساد جاز عندنا وعند زفر لا يجوز
وعندهما هذا الخيار جائز ولو مضت الأيام الثلاثة ثم أبطل صاحب الخيار خياره لا يجوز البيع بالاجماع وعلى هذا
لو عقدا عقد السلم بشرط الخيار حتى فسد السلم ثم إن صاحب الخيار أبطل خياره قبل الافتراق جاز السلم عندنا إذا
كان رأس المال قائما في يده ولو افترقا قبل الابطال ثم أبطل لا يجوز بالاجماع وعلى هذا إذا اشترى ثوبا برقمه ولم يعلم
المشترى رقمه حتى فسد البيع ثم علم رقمه فان علم قبل الافتراق واختار البيع جاز البيع عندنا وعند زفر لا يجوز وإن كان
بعد الافتراق لا يجوز بالاجماع والأصل عند زفر ان البيع إذا انعقد على الفساد لا يحتمل الجواز بعد ذلك برفع
المفسد والأصل عندنا أنه ينظر إلى الفساد فإن كان قويا بان دخل في صلب العقد وهو البدل أو المبدل لا يحتمل الجواز
برقع المفسد كما قال زفر إذا باع عبدا بألف درهم ورطل من خمر فحط الخمر عن المشترى وإن كان ضعيفا لم يدخل في
صلب العقد بل في شرط جائز يحتمل الجواز برفع المفسد كما في البيع بشرط خيار لم يوقت أو وقت إلى وقت
مجهول كالحصاد والدياس أو لم يذكر الوقت كما في بيع الدين بالدين إلى أجل مجهول على ما ذكرنا ثم اختلف مشايخنا
في العبارة عن هذا العقد قال مشايخ العراق انه انعقد فاسدا لكن فسادا غير متقرر فان أبطل الشرط قبل تقرره بأن لم
يدخل وقت الحصاد أو اليوم الرابع ينقلب إلى الجواز وان لم يبطل حتى دخل تقرر الفساد وهو قول بعض مشايخنا
بما وراء النهر وقال مشايخ خراسان وبعض مشايخنا بما وراء النهر العقد موقوف ان اسقط الشرط قبل وقت الحصاد
واليوم الرابع تبين أنه كان جائزا من الأصل وان لم يسقط حتى دخل اليوم الرابع أو أوان الحصاد تبين أنه وقع فاسدا
من حين وجوده وذكر عن الحسن بن زياد رحمه الله أنه قال قال أبو حنيفة لو أن رجلا اشترى عبدا على أنه بالخيار
أكثر من ثلاثة أيام فالبيع موقوف فان قال المشترى قبل مضى الثلاث انا أبطل خياري واستوجب المبيع قبل أن
يقول البائع شيئا كان له ذلك وتم البيع وعليه الثمن ولم يكن للبائع ان يبطل البيع وان قال البائع قد أبطلت البيع قبل أن
يبطل المشترى خياره بطل البيع ولم يكن للمشترى أن يستوجبه بعد ذلك وأن يبطل خياره فقد نص على التوقف
وفسره حيث جعل للبائع حق الفسخ قبل إجازة المشترى وهذا أمارة البيع الموقوف أن يكون لكل
178

واحد من العاقدين حق الفسخ (وجه) قول زفر ان هذا بيع انعقد بوصف الفساد من حين وجوده فلا يتصور أن
ينقلب جائزا لما فيه من الاستحالة ولهذا لم ينقلب إلى الجواز إذا دخل اليوم الرابع أو وقت الحصاد والدياس (ولنا)
طريقان أحدهما ان هذا العقد موقوف للحال لا يوصف بالفساد ولا بالصحة لان الشرط المذكور يحتمل أن يكون
مفسدا حقيقة ويحتمل أن لا يكون فإذا سقط قبل دخول أوان الحصاد واليوم الرابع تبين انه ليس بمفسد لأنه تبين
أنه ما شرط الأجل والخيار الا إلى هذا الوقت فتبين ان العقد وقع صحيحا مفيدا للملك بنفسه من حين وجوده كما لو
أسقط الأجل الصحيح والخيار الصحيح وهو خيار ثلاثة أيام بعد مضى يوم وان لم يسقط حتى مضت الأيام الثلاثة
ودخل الحصاد تبين ان الشرط كان إلى هذا الوقت وأنه شرط مفسد والثاني ان العقد في نفسه مشروع لا يحتمل
الفساد على ما عرف وكذا أصل الأجل والخيار لأنه ملائم للعقد وأنه يوصف العقد بالفساد للحال لا لعينه بل لمعنى مجاور
له زائد عليه وعلى أصل الأجل والخيار وهو الجهالة وزيادة الخيار على المدة المشروعة فان سقط قبل دخول وقت
الحصاد أو اليوم الرابع فقد اسقط المفسد قبل تقرره فزال الفساد فبقي العقد مشروعا كما كان من غير وصف الفساد وإذا
دخل الوقت فقد تقرر المفسد فتقرر الفساد والفساد بعد تقرره لا يحتمل الزوال وقوله العقد ما وقع فاسدا من حين
وجوده قلنا على الطريق الأول ممنوع بل هو موقوف وعلى الطريق الثاني مسلم لكن لا لعينه بل لغيره وهو الشرط
المجاور المفسد وقد أسقط المفسد قبل تقرره فزال الفساد الثابت لمعنى في غيره فبقي مشروعا والله سبحانه وتعالى الموفق
ولو باع بثمن حال ثم أخر إلى الآجال المتقاربة جاز التأخير ولو أخر إلى الآجال المتفاحشة لم يجز والدين على حاله حال
فرق بين التأجيل والتأخير لم يجوز التأجيل إلى هذه الآجال أصلا وجوز التأخير إلى المتقارب منها ووجه الفرق ان
التأجيل في العقد جعل الأجل شرطا في العقد وجهالة الأجل المشروط في العقد وإن كانت متقاربة توجب فساد العقد
لأنها تفضى إلى المنازعة فاما التأخير إلى الآجال المجهولة جهالة متقاربة فلا تفضى إلى المنازعة لان الناس يؤخرون
الديون إلى هذه الآجال عادة ومبنى التأخير على المسامحة فالظاهر أنهم يسامحون ولا ينازعون وما جرت العادة منهم
بالتأخير إلى آجال تفحش جهالتها بخلاف التأجيل لان ما جعل شرطا في البيع مبناه على المضايقة فالجهالة فيها وان
قلت تفضى إلى المنازعة ولهذا لا يجوز البيع إلى الآجال المتقاربة وجازت الكفالة إليها لان مبنى الكفالة على المسامحة
فان المكفول له لا يضيق الامر على الكفيل عادة لان له سبيل الوصول إلى الدين من جهة الأصيل فالتأجيل إليها
لا يفضى إلى المنازعة بخلاف البيع فان الجهالة في باب البيع مفضية إلى المنازعة فكانت مفسدة للبيع ولو اشترى
عينا بثمن دين على أن يسلم إليه الثمن في مصر آخر فهذا لا يخلو اما أن يكون الثمن مما لا حمل له ولا مؤنة واما أن يكون مما له
حمل ومؤنة وعلى كل ذلك لا يخلو من أن ضرب له الأجل أو لم يضرب فإن لم يضرب له الأجل فالبيع فاسد سواء
كان الثمن له حمل ومؤنة أو لم يكن لأنه إذا لم يضرب له الأجل كان شرط التسليم في موضع على سبيل التأجيل وانه أجل
مجهول فيوجب فساد العقد وروى عن أبي يوسف رحمه الله ان الثمن إذا كان لا حمل له ولا مؤنة فالبيع جائز لان شرط
التأجيل في مكان آخر ليس بتأجيل حقيقة بل هو تخصيص التسليم بمكان آخر فيجوز البيع ويجبر المشترى على
تسليم الثمن في أي موضع طالبه وان ضرب له أجلا على أن يسلم إليه الثمن بعد محل الأجل في مصر آخر فإن كان الأجل
مقدار ما لا يمكن الوصول إلى الموضع المشروط في قدر تلك المدة فالبيع فاسد أيضا لأنه إذا كان لا يمكن الوصول فيه
إلى الموضع المشروط صار كان لم يضرب وإن كان ضرب أجلا يمكن الوصول فيه إلى المكان المشروط فالبيع
صحيح والتأجيل صحيح لأنه إذا ضرب له أجلا يمكن الوصول فيه إلى ذلك المكان علم أن شرط التسليم في ذلك المكان
لم يكن على سبيل التأجيل بل على تخصيص ذلك المكان بالتسليم فيه فإذا حل الأجل وطالبه البائع بالثمن في غير المكان
المشروط ينظر إن كان الثمن مما ليس له حمل ولا مؤنة يجبر المشترى على تسليمه في أي موضع طالبه البائع بعد حل
الأجل وإن كان الثمن له حمل ومؤنة لا يجبر على تسليمه الا في الموضع المشروط وكذلك لو أراد المشترى ان يسلمه في
179

غير المكان المشروط وأبى البائع ذلك الا في الموضع المشروط فهو على هذا التفصيل ولو كان الثمن عينا فشرط تسليمه
في مصر آخر فالبيع فاسد سواء شرط الأجل أو لم يشرط لان فيه غررا والله سبحانه وتعالى أعلم (ومنها) القبض في
بيع المشترى المنقول فلا يصح بيعه قبل القبض لما روى أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع ما لم يقبض والنهى
يوجب فاسد المنهى ولأنه بيع فيه غرر الانفساخ بهلاك المعقود عليه لأنه إذا هلك المعقود عليه قبل القبض يبطل
البيع الأول فينفسخ الثاني لأنه بناه على الأول وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فيه غرر وسواء
باعه من غير بائعه أو من بائعه لان النهى مطلق لا يوجب الفصل بين البيع من غير بائعه وبين البيع من بائعه وكذا معنى
الغرر لا يفصل بينهما فلا يصح الثاني والأول على حاله ولا يجوز اشراكه وتوليته لان كل ذلك بيع ولو قبض
نصف المبيع دون النصف فاشرك رجلا لم يجز فيما لم يقبض وجاز فيما قبض لان الاشراك نوع بيع والمبيع منقول فلم
يكن غير المقبوض محلا له شرعا فلم يصح في غير المقبوض وصح في قدر المقبوض وله الخيار لتفرق الصفقة عليه ولا تجور
اجارته لان الإجارة تمليك المنفعة بعوض وملك المنفعة تابع لملك العين ولا يجوز فيه تمليك العين فلا يجوز تمليك المنفعة
ولان الإجارة عقد يحتمل الفسخ فيتمكن فيه غرر الانفساخ بهلاك المعقود عليه ولان ما روينا من النهى يتناول
الإجارة لأنها نوع بيع وهو بيع المنفعة ويجوز اعتاقه بعوض وغير عوض وكذا تدبيره واستيلاده بأن كانت أمة
فاقر انها كانت ولدت له لأن جواز هذه التصرفات يعتمد قيام ملك الرقبة وقد وجد بخلاف البيع فان صحته تفتقر
إلى ملك الرقبة واليد جميعا لافتقاره إلى التسليم وكذا الإجارة بخلاف الاعتاق والتدبير ولان المانع هو القبض وبهذه
التصرفات يصير قابضا على ما نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى ولان الفساد لتمكن الغرر وهو غرر انفساخ العقد
بهلاك المعقود عليه لما نذكره وهذا التصرفات مما لا يحتمل الانفساخ فلم يوجد فلزم الجواز بدليله وهل تجوز كتابته
لا رواية فيه عن أصحابنا فاحتمل أن يقال لا يجوز قياسا على البيع لان كل واحد منهما مما يحتمل الفسخ والإقالة
وجائز أن يقال يجوز فرقا بينها وبين البيع لأنها أوسع اضرارا من البيع وروى عن أبي يوسف إذا كاتبه المشترى
قبل القبض فللبائع أن يبطله فإن لم يبطله حتى نقد المشترى الثمن جازت الكتابة ذكرها في العيون ولو وهبه من البائع
فإن لم يقبله لم تصح الهبة والبيع على حاله لان الهبة لا تصح بدون القبول فان قبله البائع لم تجز الهبة لأنها تمليك المبيع قبل
القبض وأنه لا يجوز كالبيع وانفسخ البيع بينهما ويكون إقالة للبيع فرق بين الهبة من البائع وبين البيع منه حيث
جعل الهبة منه إقالة دون البيع منه (ووجه) الفرق أن بين الهبة والإقالة مقاربة فان كل واحد منهما يستعمل في
الحاق ما سلف بالعدم يقال وهبت منك جريمتك كما يقال أقلت عثرتك أو جعلت ذلك كالعدم في حق المؤاخذة به
ألا ترى أنه يستعمل كل واحد منهما مكان الآخر فأمكن جعل الهبة مجازا عن الإقالة عند تعذر العمل بالحقيقة
بخلاف البيع فإنه لا مقاربة بينه وبين الإقالة فتعذر جعله مجازا عنها فوقع لغوا وكذلك لو تصدق به عليه فهو على
التفصيل الذي ذكرنا ولو وهب لغير البائع أو تصدق به على غير البائع وأمر بالقبض من البائع أو رهنه عند آخر
وأمره أن يقبض من البائع فقبضه بأمره أو أقرضه وأمره بالقبض لم يجز هذه العقود كلها عند أبي يوسف وعند محمد
جازت (وجه) قول محمد ان صحة هذه العقود بالقبض فإذا أمره بالقبض فقد أنابه مناب نفسه في القبض فصار
بمنزلة الوكيل له فإذا قبض بأمره يصير قابضا عنه أولا بطريق النيابة ثم لنفسه فيصح ولأبي يوسف أن جواز هذه
العقود مبنى على الملك المطلق وهو ملك الرقبة واليد جميعا لان به يقع الامن عن غرر الانفساخ بهلاك المعقود عليه
وغرر الانفساخ ههنا ثابت فلم يكن الملك مطلقا فلم يجز ولو أوصى به لرجل قبل القبض ثم مات جازت الوصية لان
الوصية أخت الميراث ولو مات قبل القبض صار ذلك ميراثا لورثته كذا الوصية ولو قال المشترى للبائع بعه لي
لم يكن نقضا بالاجماع وان باعه لم يجز بيعه ولو قال بعه لنفسك كان نقضا بالاجماع ولو قال بعه مطلقا كان تقضا عند أبي
حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يكون نقضا (وجه) قوله أن اطلاق الامر بالبيع ينصرف إلى البيع للآمر
180

لا للمأمور لان الملك له لا للمأمور فصار كأنه قال له بعه لي ولو نص عليه لا يكن نقضا للبيع لأنه أمره ببيع فاسد
فكذا هذا ولهما أن مطلق الامر بالبيع يحمل على بيع صحيح يصح ولو حملناه على البيع للآمر لما صح لأنه يكون
أمرا ببيع من لا يملك بنفسه فلا يصح فيحمل على البيع لنفسه كأنه نص عليه فقال بعه لنفسك ولا يتحقق البيع لنفسه
الا بعد انفساخ البيع الأول فيتضمن الامر بالبيع لنفسه انفساخ البيع الأول فينفسخ مقتضى الامر كما في قول
الرجل لغيره أعتق عبدك عنى على ألف درهم ولو قال المشترى للبائع أعتقه فاعتقه البائع فاعتاقه جائز عن نفسه
عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف اعتاقه باطل (وجه) قول أبى يوسف أن مطلق الامر بالاعتاق ينصرف
إلى الاعتاق عن الآمر لا عن نفسه لان الملك للآمر والاعتاق عنه بمنزلة القبض والبائع لا يصلح نائبا عن المشترى
في القبض عنه فلا يصلح نائبا عنه في الاعتاق ولأبي حنيفة رحمه الله أن الامر بالاعتاق يحمل على وجه يصح ولو حمل
على الاعتاق عن الآمر لم يصح لما ذكرتم فيحمل على الاعتاق عن نفسه فإذا أعتق يقع عنه (وأما) بيع المشترى
العقار قبل القبض فجائز عند أبي حنيفة وأبى يوسف استحسانا وعند محمد وزفر والشافعي رحمهم الله لا يجوز
قياسا واحتجوا بعموم النهى الذي روينا ولان القدرة على القبض عند العقد شرط صحة العقد لما ذكرنا ولا قدرة
الا بتسليم الثمن وفيه غرر ولهما عمومات البياعات من الكتاب العزيز من غير تخصيص ولا يجوز تخصيص عموم
الكتاب بخبر الواحد عندنا أو نحمله على المنقول توفيقا بين الدلائل صيانة لها عن التناقض ولان الأصل في ركن
البيع إذا صدر من الأهل في المحل هو الصحة والامتناع لعارض الغرر وهو غرر انفساخ العقد بهلاك المعقود عليه
ولا يتوهم هلاك العقار فلا يتقرر الغرر فيبقى بيعه على حكم الأصل وكما لا يجوز بيع المشترى المنقول قبل القبض
لا يجوز بيع الأجرة المنقولة قبل القبض إذا كانت عينا وبدل الصلح المنقول إذا كان عينا والأصل أن كل
عوض ملك بعقد ينسخ فيه العقد بهلاكه قبل القبض لا يجوز التصرف فيه كالمبيع والأجرة وبدل الصلح إذا كان
منقولا معينا وكل عوض ملك بعقد لا ينفسخ العقد فيه بهلاكه قبل القبض يجوز التصرف فيه كالمهر وبدل الخلع
وبدل العتق وبدل الصلح عن دم العمد وفقه هذا الأصل ما ذكرنا ان الأصل هو الصحة في التصرف الصادر من
الأهل المضاف إلى المحل والفساد بعارض غرر الانفساخ ولا يتوهم ذلك في هذه التصرفات لأنها لا تحتمل الفسخ
فكان القول بجواز هذه التصرفات عملا بالأصل وأنه واجب وكذلك الميراث يجوز التصرف فيه قبل القبض لان
معنى الغرر لا يتقرر فيه ولان الوارث خلف الميت في ملك الموروث وخلف الشئ قائم مقامه كأنه هو فكان المورث
قائم ولو كان قائما لجاز تصرفه فيه كذا الوارث وكذلك الموصى به بان أوصى إلى إنسان بشئ ثم مات الموصى
فللموصى له أن يتصرف قبل القبض لان الوصية أخت الميراث ويجوز التصرف في الميراث قبل القبض فكذا في
الموصى به وهل يجوز بيع المقسوم بعد القسمة قبل القبض ينظر ان كن ما وقع عليه القسمة مما يجبر عليه الشركاء إذا
طلبها واحد منهم جاز لواحد منهم أن يبيع نصيبه بعد القسمة قبل القبض سواء كان منقولا أو غير منقول لان القسمة
في مثله افراز وإن كان مما لا يجبر عليه الشركاء عند طلب واحد منهم كالأشياء المختلفة والرقيق على قول أبي حنيفة
لا يجوز بيعه قبل القبض إن كان منقولا وإن كان عقارا فعلى الاختلاف الذي ذكرنا لان قسمة هذه الأشياء فيها
معنى المبادلة فتشبه البيع والله عز اسمه أعلم (وأما) بيع الدين قبل القبض فنقول وبالله التوفيق الديون أنواع
(منها) مالا يجوز بيعه قبل القبض ومنها ما يجوز أما الذي لا يجوز بيعه قبل القبض فنحو رأس مال السلم لعموم
النهى ولان قبضه في المجلس شرط وبالبيع يفوب القبض حقيقة وكذا المسلم فيه لأنه مبيع لم يقبض وكذا
لو باع رأس مال السلم بعد الإقالة قبل القبض لا يجوز استحسانا والقياس أن يجوز وهو قول زفر (وجه) القياس
أن عقد السلم ارتفع بالإقالة لأنها فسخ وفسخ العقد رفعه من الأصل وجعله كأنه لم يكن وإذا ارتفع العقد من الأصل
عاد رأس المال إلى قديم ملك رب المال فكان محلا للاستبدال كما كان قبل السلم ولهذا يجب قبض رأس المال بعد
181

الإقالة في مجلس الإقالة (وجه) الاستحسان عموم النهى الذي روينا الا من حيث خص بدليل وفى الباب نص
خاص وهو ما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال رب السلم لا تأخذ
الا سلمك أو رأس مالك وفى رواية خذ سلمك أو رأس مالك نهى النبي عليه الصلاة والسلام رب السلم عن الاخذ
عاما واستثنى أخذ السلم أو رأس المال فبقي أخذ ما رواءهما على أصل النهى وكذا إذا انفسخ السلم بعد صحته لمعنى
عارض نحو ذمي أسلم إلى ذمي عشرة دراهم في خمر ثم أسلما أو أسلم أحدهما قبل قبض الخمر حتى بطل السلم ووجب
على المسلم إليه رد رأس المال لا يجوز لرب السلم الاستبدال استحسانا لما روينا ولو كان السلم فاسدا من الأصل
ووجب على المسلم إليه رد رأس المال لفساد السلم يجوز الاستبدال لان السلم إذا كان فاسدا في الأصل لا يكون له
حكم السلم فكان رأس مال السلم بمنزلة سائر الديون من القرض وثمن المبيع وضمان الغصب والاستهلاك (وأما)
بدل الصرف فلا يجوز بيعه قبل القبض في الابتداء وهو حال بقاء العقد ويجوز في الانتهاء وهو ما بعد الإقالة
بخلاف رأس مال السلم فإنه لا يجوز بيعه في الحالين (ووجه) الفرق أن القياس جواز الاستبدال بعد الإقالة
في الناس جميعا لما ذكرنا ان الإقالة فسخ وفسخ العقد رفعه من الأصل كان لم يكن ولو لم يكن العقد لجاز الاستبدال فكذا
إذا رفع والحق بالعدم فكان ينبغي أن يجوز الاستبدال فيهما جميعا الا أن الحرمة في باب السلم ثبتت نصا بخلاف القياس
وهو ما روينا والنص ورد في السلم فبقي جواز الاستبدال بعد الإقالة في الصرف على الأصل وكذا الثياب الموصوفة
في الذمة المؤجلة لا يجوز بيعها قبل القبض للنهي سواء كان ثبوتها في الذمة بعقد السلم أو غيره لان الثياب كما تثبت
في الذمة مؤجلة بطريق السلم تثبت دينا في الذمة مؤجلة لا بطريق السلم بان باع عبدا بثوب موصوف في الذمة مؤجل
فإنه يجوز بيعه ولا يكون جوازه بطريق السلم بدليل ان قبض العبد ليس بشرط وقبض رأس مال السلم شرط جواز
السلم وكذا إذا أجر داره بثوب موصوف في الذمة مؤجل جازت الإجارة ولا يكون سلما وكذا لو ادعى
عينا في يد رجل فصالحه من دعواه على ثوب موصوف في الذمة مؤجل جاز الصلح ولا يكون هذا سلما ولا يجوز
الاستبدال به كما لا يجوز بالمسلم فيه وان لم يكن ثبوته بعقد السلم فهذه جملة الديون التي لا يجوز بيعها قبل
القبض وما سواها من ثمن المبيع والقرض وقيمة المغصوب والمستهلك ونحوها فيجوز بيعها ممن عليه قبل القبض
وقال الشافعي رحمه الله ثمن المبيع إذا كان عينا لا يجوز بيعه قبل القبض قولا واحدا وإن كان دينا لا يجوز في أحد
قوليه أيضا بناء على أن الثمن والمثمن عنده من الأسماء المترادفة يقعان على مسمى واحد فكان كل واحد منهما مبيعا
فكان بيع المبيع قبل القبض وكذا النهى عن بيع ما لم يقبض عام لا يفصل بين المبيع والثمن وأما على أصلنا فالمبيع
والثمن من الأسماء المتباينة في الأصل يقعان على معنيين متباينين على ما نذكره إن شاء الله تعالى في موضعه ولا حجة له في
عموم النهى لان بيع ثمن المبيع ممن عليه صار مخصوصا بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما على ما نذكره (وأما) بيع
هذه الديون من غير من عليه والشراء بها من غير من عليه فينظر ان أضاف البيع والشراء إلى الدين لم يجز بأن يقول لغيره
بعت منك الدين الذي في ذمة فلان بكذا أو يقول اشتريت منك هذا الشئ بالدين الذي في ذمة فلان لان ما في
ذمة فلان غير مقدور التسليم في حقه والقدرة على التسليم شرط انعقاد العقد على ما مر بخلاف البيع والشراء بالدين
ممن عليه الدين لان ما في ذمته مسلم له وان لم يضف العقد إلى الدين الذي عليه جاز ولو اشترى شيئا بثمن دين ولم يضف
العقد إلى الدين حتى جاز ثم أحال البائع على غريمه بدينه الذي له عليه جازت الحوالة سواء كان الدين الذي أحيل به
دينا يجوز بيعه قبل القبض أو لا يجوز كالسلم ونحوه وذكر الطحاوي رحمه الله انه لا تجوز الحوالة بدين لا يجوز بيعه
قبل القبض وهذا غير سديد لان هذا توكيل بقبض الدين فان المحال له يصير بمنزلة الوكيل للمحيل بقبض دينه من
المحتال له والتوكيل بقبض الدين جائز أي دين كان ويكون قبض وكيله كقبض موكله ولو باع هذا الدين ممن عليه
الدين جاز بأن اشترى منه شيئا بعينه بدينه الذي له في ذمته لأنه باع ما هو مقدور التسليم عند الشراء لان ذمته في
182

يده بخلاف الأول وكذا إذا صالح معه من دينه على شئ بعينه جاز الصلح والله سبحانه وتعالى اعلم (ومنها) أن يكون
البدل منطوقا به في أحد نوعي المبادلة وهي المبادلة القولية فإن كان مسكوتا عنه فالبيع فاسد بأن قال بعت منك هذا
العبد وسكت عن ذكر الثمن فقال المشترى اشتريت لما ذكرنا ان البيع في اللغة مبادلة شئ مرغوب بشئ مرغوب
وفى الشرع مبادلة المال بالمال فإذا لم يكن البدل منطوقا به ولا بيع بدون البدل إذ هو مبادلة كان بدله قيمته فكان
هذا بيع العبد بقيمته وانه فاسد وهكذا السبيل في البياعات الفاسدة انها تكون بيعا بقيمة المبيع على ما نذكر في
موضعه هذا إذا سكت عن ذكر الثمن فاما إذا نفاه صريحا بأن قال بعتك هذا العبد بغير ثمن أو بلا ثمن فقال المشترى
اشتريت اختلف المشايخ فيه قال بعضهم هذا والسكوت عن الثمن سواء والبيع فاسد وقال بعضهم البيع باطل
(وجه) قوله الأولين ان قوله بلا ثمن باطل لان البيع عقد مبادلة فكان ذكره ذكرا للبدل فإذا قال بغير ثمن فقد نفى
ما أثبتته فبطل قوله بلا ثمن وبقى قوله بعت مسكوتا عن ذكر الثمن فكأنه باع وسكت عن ذكر الثمن (وجه) قول
الآخرين ان عند السكوت عن ذكر الثمن يصير البدل مذكورا بطريق الدلالة فإذا نص على نفى الثمن بطلت الدلالة
فلم يكن هذا بيعا أصلا والله سبحانه وتعالى أعلم (ومنها) الخلو عن الربا وان شئت قلت ومنها المماثلة بين البدلين
في أموال الربا حتى لو انتفت فالبيع فاسد لأنه بيع ربا والبيع الذي فيه ربا فاسد لان الربا حرام بنص الكتاب
الكريم قال الله عز وجل وحرم الربا والكلام في مسائل الربا في الأصل في ثلاثة مواضع أحدها في بيان الربا في
عرف الشرع انه ما هو والثاني في بيان علته انها ما هي والثالث في بيان شرط جريان الربا (أما) الأول فالربا في
عرف الشرع نوعان ربا الفضل وربا النساء (أما) ربا الفضل فهو زيادة عين مال شرطت في عقد البيع على المعيار
الشرعي وهو الكيل أو الوزن في الجنس عندنا وعند الشافعي هو زيادة مطلقة في المطعوم خاصة عند اتحاد الجنس
خاصة (وأما) ربا النساء فهو فضل الحلول على الأجل وفضل العين على الدين في المكيلين أو الموزونين عند
اختلاف الجنس أو في غير المكيلين أو الموزونين عند اتحاد الجنس عندنا وعند الشافعي رحمه الله هو فضل الحلول
على الأجل في المطعومات والأثمان خاصة والله تعالى أعلم (وأما) الثاني وهو بيان العلة فنقول الأصل المعلول في
هذا الباب باجماع القائسين الحديث المشهور وهو ما روى أبو سعيد الخدري وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما
عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال الحنطة بالحنطة مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا والشعير بالشعير مثلا بمثل يدا
بيد والفضل ربا والتمر بالتمر مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا والفضة بالفضة
مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا والذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا أي بيعوا الحنطة بالحنطة مثلا بمثل
يدا بيد وروى مثل بمثل بالرفع أي بيع الحنطة بالحنطة مثل بمثل يد بيد جائز فهذا النص معلول باتفاق الاقئسين غير أنهم
اختلفوا في العلة قال أصحابنا علة ربا الفضل في الأشياء الأربعة المنصوص عليها الكيل مع الجنس وفى الذهب
والفضة الوزن مع الجنس فلا تتحقق العلة الا باجتماع الوصفين وهما القدر والجنس وعلة ربا النساء هي أحد وصفى علة
ربا الفضل اما الكيل أو الوزن المتفق أو الجنس وهذا عندنا وعند الشافعي علة ربا الفضل في الأشياء الأربعة الطعم وفى
الذهب والفضة الثمنية في قول وفى قول هما غير معلولين وعلة ربا النساء ما هو علة ربا الفضل وهي الطعم في المطعومات
والثمنية في الأثمان دون الجنس إذ الأصل عنده حرمة بيع المطعوم بجنسه (وأما) التساوي في المعيار الشرعي مع
اليد مخلص من الحرمة بطريق الرخصة احتج الشافعي لاثبات هذا الأصل بما روى عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال لا تبيعوا الطعام بالطعام الا سواء بسواء هذا الأصل يدل على أن الأصل حرمة بيع المطعوم بجنسه وإنما
الجواز بعارض التساوي في المعيار الشرعي لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الطعام بالطعام مطلقا واستثنى حالة
المساواة فيدل على أن الحرمة هي الأصل في بيع المطعوم بالمطعوم من غير فصل بين القليل والكثير وفيه دليل أيضا على
جعل الطعم علية لأنه أثبت الحكم عقيب اسم مشتق من معنى والأصل ان الحكم إذا ثبت عقيب اسم مشتق من معنى
183

يصير موضع الاشتقاق علة للحكم المذكور كقوله تعالى جل وعلا والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وقوله سبحانه
وتعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة والطعام اسم مشتق من الطعم فيدل على كون الطعم علة ولان
العلة اسم لوصف مؤثر في الحكم ووصف الطعم مؤثر في حرمة بيع المطعوم والحكم متى ثبت عقيب وصف مؤثر يحال
إليه كما في الزنا والسرقة ونحو ذلك وبيان تأثير الطعم انه وصف ينبئ عن العزة والشرف لكونه متعلق البقاء وهذا يشعر
بعزته وشرفه فيجب اظهار عزته وشرفه وذلك في تحريم بيع المطعوم بجنسه وتعليق جوازه بشرطي التساوي في المعيار
الشرعي واليد لان في تعلقه بشرطين تضييق طريق اصابته وما ضاق طريق اصابته يعز وجوده فيعز امساكه ولا
يهون في عين صاحبه فكان الأصل فيه هو الحظر ولهذا كان الأصل في الابضاع الحرمة والحظر والجواز بشرطي
الشهادة والولي اظهارا لشرفها لكونها منشأ البشر الذين هم المقصودون في العالم وبهم قوامها والابضاع وسيلة إلى
وجود الجنس والفوت وسيلة إلى بقاء الجنس فكان الأصل فيها الحظر والجواز بشرطين ليعز وجوده ولا تتيسر
اصابته فلا يهون امساكه فكذا هذا وكذا الأصل في بيع الذهب والفضة بجنسهما هو الحرمة لكونها أثمان الأشياء
فيها وعليها فكان قوام الأموال والحياة بها فيجب اظهار شرفها في الشرع بما قلنا (ولنا) في اثبات الأصل إشارات
النصوص من الكتاب العزيز والسنة والاستدلال (أما) الكتاب فقوله تعالى أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين
وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين وقال سبحانه وتعالى ويا قوم
أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها جعل حرمة الربا
بالمكيل والموزون مطلقا عن شرط الطعم فدل على أن العلة هي الكيل والوزن وقال سبحانه وتعالى ويل للمطففين
الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألحق الوعيد الشديد بالتطفيف في الكيل
والوزن مطلقا من غير فصل بين المطعوم وغيره (وأما) السنة فما روى أن عامل خيبر أهدى إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم تمرا جنيبا فقال أو كل تمر خيبر هكذا فقال لا ولكني أعطيت صاعين وأخذت صاعا فقال عليه الصلاة
والسلام أربيت هلا بعت تمرك بسلعة ثم ابتعت بسلعتك تمرا وكذلك الميزان وأراد به الموزون بطريق الكناية
لمجاورة بينهما مطلقا من غير فصل بين المطعوم وغير المطعوم وكذا روى مالك بن أنس ومحمد بن إسحاق الحنظلي
باسنادهما الحديث المشهور الذي رواه محمد في كتاب البيوع عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في آخره
وكذلك كل ما يكال أو يوزن (وأما) الاستدلال فهو ان الفضل على المعيار الشرعي من الكيل والوزن في الجنس إنما
كان ربا في المطعومات والأثمان من الأشياء الستة المنصوص عليها لكونه فضل مال خال عن العوض يمكن التحرز
عنه في عقد المعاوضة وقد وجد في الجص والحديد ونحوهما فورود الشرع ثمة يكون ورودا هنها دلالة وبيان ذلك
ان البيع لغة وشرعا مبادلة المال بالمال وهذا يقتضى التساوي في البدلين على وجه لا يخلو كل جزء من البدل من هذا
الجانب عن البدل من ذلك الجانب لان هذا هو حقيقة المبادلة ولهذا لا يملك الأب والوصي بيع مال اليتيم بغبن فاحش
ولا يصح من المريض الا من الثلث والقفيز من الحنطة مثل القفيز من الحنطة صورة ومعنى وكذلك الدينار مع الدينار
(أما) الصورة فلأنهما متماثلان في القدر وأما معنى فان المجانسة في الأموال عبارة عن تقارب المالية فكان القفيز
مثلا للقفيز والدينار مثلا للدينار ولهذا لو أتلف على آخر قفيزا من حنطة يلزمه قفيز مثله ولا يلزمه قيمته وإذا كان القفيز
من الحنطة مثلا للقفيز من الحنطة كان القفيز الزائد فضل مال خال عن العوض يمكن التحرز عنه في عقد المعاوضة
فكان ربا وهذا المعنى لا يخص المطعومات والأثمان بل يوجد في كل مكيل بجنسه وموزون بمثله فالشرع الوارد هناك
يكون واردا ههنا دلالة (وأما) قوله الأصل حرمة بيع المطعوم بجنسه فممنوع ولا حجة له في الحديث لأنه عليه الصلاة
والسلام ما اقتصر على النهى عن بيع الطعام بالطعام ليجعل الحظر فيه أصلا بل قرن به الاستثناء فقال عليه الصلاة
والسلام الا سواء بسواء فلا يدل على كون الحرمة فيه أصلا وقوله جعل الطعم علة دعوى ممنوعة أيضا والاسم
184

المشتق من معنى إنما يجعل علة للحكم المذكور عقيبه عندنا إذا كان له أثر كالزنا والسرقة ونحوهما فلم قلتم بأن للطعم أثرا وكونه
متعلق البقاء لا يكون أثره في الاطلاق أولى من الحظر فان الأصل فيه هو التوسيع دون التضييق على ما عرف والله
سبحانه وتعالى أعلم وعلى هذا الأصل تبنى مسائل الربا نقدا ونسيئة وفروع الخلاف بيننا وبين الشافعي أما ربا النقد
ففائدة الخلاف فيه تظهر في موضعين أحدهما في بيع مكيل بجنسه غير مطعوم أو موزون بجنسه غير مطعوم ولا ثمن
كبيع قفيز جص بقفيزي جص وبيع من حديد بمنوى حديد عندنا لا يجوز لأنه بيع ربا لوجود علة الربا وهو الكيل
مع الجنس أو الوزن مع الجنس وعنده يجوز لان العلة هي الطعم أو الثمنية ولم يوجد وعلى هذا الخلاف بيع كل مقدر
بجنسه من المكيلات والموزونات غير المطعومات والأثمان كالنورة والزرنيخ والصفر والنحاس ونحوها (وأما)
بيع المكيل المطعوم بجنسه متفاضلا وبيع الموزون المطعوم بجنسه متفاضلا كبيع قفيز أرز بقفيزي أرز وبيع من
سكر بمنوى سكر فلا يجوز بالاجماع أما عندنا فلوجود القدر والجنس وعنده لوجود الطعم والجنس وكذا كل
موزون هو مأكول أو مشروب كالدهن والزيت والخل ونحوها ويجوز بيع المكيل بغير جنسه متفاضلا مطعوما
كان أو غير مطعوم بعد أن يكون يدا بيد كبيع قفيز حنطة بقفيزي شعير وبيع قفيز جص بقفيزي نورة ونحو ذلك لأن علة
الربا الفضل مجموع الوصفين وقد انعدم أحدهما وهو الجنس وكذا بيع الموزون بغير جنسه متفاضلا جائز ثمنين
كانا أو مثمنين بعد أن يكون يدا بيد كبيع دينار بمائة درهم وبيع من حديد بمنوى نحاس أو رصاص ونحو ذلك لما قلنا
ويجوز بيع المذروعات والمعدودات المتفاوتة واحدا باثنين يدا بيد كبيع ثوب بثوبين وعبد بعبدين وشاة بشاتين
ونصل بنصلين ونحو ذلك بالاجماع أما عندنا فلانعدام أحد الوصفين وهو الكيل والوزن وعنده لانعدام الطعم
والثمنية (وأما) بيع الأواني الصفرية واحدا باثنين كبيع قمقمة بقمقمتين ونحو ذلك فإن كان مما يباع عددا
يجوز لان العد في العدديات ليس من أوصاف علة الربا فلا يتحقق الربا وإن كان مما يباع وزنا لا يجوز لأنه بيع مال
الربا بجنسه مجازفة ويجوز بيع المعدودات المتقاربة من غير المطعومات بجنسها متفاضلا عند أبي حنيفة وأبى
يوسف بعد أن يكون يدا بيد كبيع الفلس بالفلسين بأعيانهما وعند محمد لا يجوز (وجه) قوله أن الفلوس أثمان
فلا يجوز بيعها بجنسها متفاضلا كالدراهم والدنانير ودلالة الوصف عبارة عما تقدر به مالية الأعيان ومالية الأعيان
كما تقدر بالدراهم والدنانير تقدر بالفلوس فكانت أثمانا ولهذا كانت أثمانا عند مقابلتها بخلاف جنسها وعند مقابلتها
بجنسها حالة المساواة وإن كانت ثمنا فالثمن لا يتعين وان عين كالدراهم والدنانير فالتحق التعيين فيهما بالعدم فكان
بيع الفلس بالفلسين بغير أعيانهما وذا لا يجوز ولأنها إذا كانت أثمانا فالواحد يقابل الواحد فبقي الآخر فضل مال
لا يقابله عوض في عقد المعاوضة وهذا تفسير الربا (ولهما) أن علة ربا الفضل هي القدر مع الجنس وهو الكيل أو
الوزن المتفق عند اتحاد الجنس والمجانسة ان وجدت ههنا فلم يوجد القدر فلا يتحقق الربا وقوله الفلوس أثمان قلنا
ثمنيتها قد بطلت في حقهما قبل البيع فالبيع صادفها وهي سلع عددية فيجوز بيع الواحد بالاثنين كسائر السلع
العددية كالقماقم العددية وغيرها الا أنها بقيت أثمانا عند مقابلتها بخلاف جنسها وبجنسها حالة المساواة لان
خروجها عن وصف الثمنية كان لضرورة صحة العقد وجوازه لأنهما قصدا الصحة ولا صحة الا بما قلنا ولا ضرورة ثمة
لان البيع جائز في الحالين بقيت على صفة الثمنية أو خرجت عنها والثاني في بيع مطعوم بجنسه ليس بمكيل ولا موزون
كبيع حفنة حنطة بحفنتين منها أو بطيخة ببطيختين أو تفاحة بتفاحتين أو بيضة ببيضتين أو جوزة بجوزتين يجوز
عندنا لعدم العلة وبقى الكيل مع الجنس والوزن وعنده لا يجوز لوجود الطعم والجنس وكذا لو باع خفنة بخفنة
أو تفاحة بتفاحة أو بيضة ببيضة يجوز عندنا لما قلنا وعنده لا يجوز لوجود الطعم لان حرمة بيع المطعوم بجنسه هو
العزيمة عنده والتساوي في الكيل أو الوزن مخلص عن الحرمة بطريق الرخصة ولم يوجد المخلص فبقي على أصل
الحرمة (وأما) ربا النساء وفروعه وفائدة الاختلاف فيه فالأصل فيه ما روى عن إبراهيم النخعي أنه قال أسلم
185

ما يكال فيما يوزن وأسلم ما يوزن فيما يكال ولا تسلم ما يكال فيما يكال ولا ما يوزن فيما يوزن وإذا اختلف النوعان مما
يكال أو يوزن فلا بأس به اثنان بواحد يدا بيد ولا خير فيه نسيئة ولا بد من شرح هذه الجملة وتفصيل ما يحتاج منها إلى
التفصيل لأنه رحمه الله أجرى القضية فيها عامة ومنها ما يحتمل العموم ومنها ما لا يحتمل فلا بد من بيان ذلك فنقول
وبالله التوفيق لا يجوز اسلام المكيلات في المكيلات على العموم سواء كانا مطعومين كالحنطة في الحنطة أو في الشعير
أو غير مطعومين كالجص في الجص أو في النورة وكذلك بيع المكيل بالمكيل حالا لا سلما لكن دينا موصوفا في الذمة
لا يجوز سواء كانا من جنس واحد أو من جنسين مطعومين كانا أو غير مطعومين عندنا لان أحد وصفى علة ربا الفضل
جمعهما وهو الكيل وعند الشافعي رحمه الله إن كانا مطعومين فكذلك وان لم يكونا مطعومين جاز لان العلة عنده الطعم
(وأما) اسلام الموزونات في الموزونات ففيه تفصيل إن كانا جميعا مما يتعينان في العقد لا يجوز أيضا سواء كانا مطعومين
كالسكر في الزعفران أو غير مطعومين كالحديد في النحاس لوجود أحد وصفى علة ربا الفضل الذي هو علة تامة لربا
النساء وعند الشافعي يجوز في غير المطعوم ولا يجوز في المطعوم لما قلنا ون كانا مما لا يتعينان في العقد كالدراهم في الدنانير
والدنانير في الدراهم أو الدراهم في الدراهم والدنانير في الدنانير أو لا يتعين المسلم فيه كالحديد في الدراهم والدنانير لا يجوز
لان المسلم فيه مبيع لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص في السلم
فهذا يقتضى أن يكون السلم بيع ما ليس عند الانسان لأنه رخص في بعض ما دخل تحت النهى والداخل تحت النهى
هو البيع دل ان السلم نوع بيع ليستقيم اثبات الرخصة فيه فكان المسلم فيه مبيعا والمبيع مما يتعين بالتعيين والدراهم
والدنانير لا يحتملان التعيين شرعا في عقود المعاوضات فلم يكونا متعينين فلا يصلحان مسلما فيهما وإن كان رأس المال
مما لا يتعين والمسلم فيه مما يتعين كما لو أسلم الدراهم أو الدنانير في الزعفران أو في القطن أو الحديد وغيرها من سائر
الموزونات فإنه يجوز لانعدام العلة وهي القدر المتفق أو الجنس أما المجانسة فظاهرة الانتفاء وأما القدر المتفق فلان وزن
الثمن يخالف وزن المثمن ألا ترى أن الدراهم بالمثاقيل والقطن والحديد يوزنان بالقبان فلم يتفق القدر فلم توجد
العلة فلا يتحقق الربا هذا إذا أسلم الدراهم أو الدنانير في سائر الموزونات فاما إذا أسلم نقرة فضة أو تبر ذهب أو
المصوغ فيها فهل يجوز ذكر الاختلاف فيه بين أبى يوسف وزفر على قول أبى يوسف يجوز وعلى قول زفر
لا يجوز (وجه) قول زفر أنه وجد علة ربا النساء وهي أحد وصفى علة ربو الفضل وهو الوزن في المالين فيتحقق
الربا (وجه) قول أبى يوسف ان أحد الوصفين الذي هو علة القدر المتفق لا مطلق القدر ولم يوجد لان النقرة أو التبر
من جنس الأثمان وأصل الأثمان ووزن الثمن يخالف وزن المثمن على ما ذكرنا فلم يتفق القدر فلم توجد العلة فلا
يتحقق الربا كما إذا أسلم فيها الدراهم والدنانير ولو أسلم فيها الفلوس جاز لان الفلس عددي والعدد في العدديات
ليس من أوصاف العلة ولو أسلم فيها الأواني الصفرية ينظر إن كانت تباع وزنا لم يجز لوجود الوزن الذي هو أحد
وصفى علة ربا الفضل وإن كانت تباع عددية جاز لانعدام العلة وأما اسلام المكيلات في الموزونات فهو أيضا على
التفصيل فإن كان الموزون مما يتعين بالتعيين يجوز سواء كانا مطعومين كالحنطة في الزيت أو الزعفران أو غير مطعومين
كالجص في الحديد عندنا لعدم العلة وعند الشافعي لا يجوز في المطعومين لوجود العلة وإن كان مما لا يتعين بالتعيين وهو
الدراهم والدنانير لا يجوز لما مر ان شرط جواز السلم أن يكون المسلم فيه مبيعا والدراهم والدنانير أثمان أبدا بخلاف
سائر الموزونات ثم إذا لم يجز هذا العقد سلما هل يجوز بيعا ينظر إن كان بلفظ البيع يجوز ويكون بيعا بثمن مؤجل لأنه ان
تعذر تصحيحه أمكن تصحيحه سلما بيعا بثمن مؤجل فيجعل بيعا به وإن كان بلفظ السلم اختلف المشايخ فيه قال بعضهم
لا يجوز لان السلم يخالف مطلق البيع في الأحكام والشرائط فإذا لم يصح سلما بطل رأسا وقال بعضهم يجوز لان
السلم نوع بيع ألا ترى ان النبي عليه الصلاة والسلام سماه بيعا حين نهى عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص في
السلم ولهذا ينعقد بلفظ البيع الا أنه اختص بشرائط مخصوصة فإذا تعذر تصحيحه بيعا هو سلم يصحح بيعا بثمن
186

مؤجل تصحيحا للتصرف بالقدر الممكن وأما اسلام الموزونات في المكيلات فجائز على العموم سواء كان
الموزون الذي جعله رأس المال عرضا يتعين بالتعيين أو ثمنا لا يتعين بالتعيين وهو الدراهم والدنانير لأنه لم يجمعها أحد
الوصفين وهو القدر المتفق أو الجنس فلم توجد العلة ولو أسلم جنسا في جنسه وغير جنسه كما إذا أسلم مكيلا في مكيل
وموزون لم يجز السلم في جميعه عند أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يجوز في حصة خلاف الجنس
وهو الموزون وهو على اختلافهم فيمن جمع بين حر وعبد وباعهما صفقة واحدة وقد ذكرناه فيما تقدم (وأما) اسلام غير
المكيل والموزون في جنسه من الذرعيات والعدديات كالهروي في الهروي والمروى في المروى والحيوان في الحيوان
فلا يجوز عندنا وعند الشافعي رحمه الله يجوز ولقب هذه المسألة أن الجنس بانفراده يحرم النساء عندنا وعنده لا يحرم
فلا يجوز اسلام الجوز في الجوز والبيض في البيض والتفاح في التفاح والحفنة في الحفنة بالاجماع لوجود الجنس
عندنا ولوجود الطعم عنده وأجمعوا على أنه يجوز اسلام الهروي في المروى لانعدام أحد الوصفين عندنا وعنده
لانعدام الطعم والثمنية ويجوز اسلام الجوز في البيض والتفاح في السفرجل والحيوان في الثوب عندنا لما قلنا وعنده
لا يجوز في المطعوم لوجود الطعم ولو أسلم الفلوس في الفلوس لا يجوز عندنا لوجود الجنس وعنده لوجود الثمنية وكذا
إذا أسلم الأواني الصفرية في جنسها وهي تباع عددا لا يجوز عندنا لوجود المجانسة وعنده لوجود الثمنية والكلام في
مسألة الجنس بانفراده مبنى على الكلام في مسألة الربا وأصل الشافعي فيها ما ذكرنا ان حرمة بيع المطعوم بجنسه
وحرمة بيع الأثمان بجنسها هي الأصل والتساوي في المعيار الشرعي مع اليد مخلص عن الحرمة بطريق الرخصة أو
ربا النساء عنده هو فضل الحلول على الأجل في المطعومات والثمنية في الأثمان وقد ذكرنا ما له من الدليل على صحة هذا
الأصل فيما تقدم والكلام لأصحابنا في هذه المسألة على نحو ما ذكرنا في علة ربا الفضل وهو ان السلم في المطعومات
والأثمان إنما كان ربا لكونه فضلا خاليا عن العوض يمكن التحرز عنه في عقد المعاوضة لان البيع عقد مبادلة على
طريق المقابلة والمساواة في البدلين ولهذا لو كانا نقدين يجوز ولا مساواة بين النقد والنسيئة لأن العين خير من
الدين والمعجل أكثر قيمة من المؤجل فكان ينبغي أن يكون كل فضل مشروط في البيع ربا سواء كان الفضل من
حيث الذات أو من حيث الأوصاف الا ما لا يمكن التحرز عنه دفعا للحرج وفضل التعيين يمكن التحرز عنه بأن يبيع
عينا بعين وحالا غير مؤجل وهذا المعنى موجود في غير المطعوم والأثمان فورود الشرع ثمة يكون ورودا ههنا دلالة
وابتداء الدليل لنا في المسألة ما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لا ربا الا في النسيئة وروى أنما الربا في
النسيئة حقق عليه الصلاة والسلام الربا في النسيئة من غير فصل بين المطعوم والأثمان وغيرها فيجب القول بتحقيق
الربا فيها على الاطلاق والعموم الا ما خص أو قيد بدليل والربا حرام بنص الكتاب العزيز وإذا كان الجنس أحد
وصفى علة ربا الفضل وعلة ربا النسيئة عندنا وشرط علة ربا الفضل عنده فلا بد من معرفة الجنس من كل ما يجرى فيه
الربا فنقول وبالله التوفيق الحنطة كلها على اختلاف أنواعها وأوصافها وبلدانها جنس واحد وكذلك الشعير
وكذلك دقيقهما وكذا سويقهما وكذلك التمر وكذلك الملح وكذلك العنب وكذلك الزبيب وكذلك الذهب
والفضة فلا يجوز بيع كل مكيل من ذلك بجنسه متفاضلا في الكيل وان تساويا في النوع والصفة بلا خلاف واما
متساويا في الكيل متفاضلا في النوع والصفة فنقول لا خلاف في أنه يجوز بيع الحنطة بالحنطة السقية بالسقية
والنحسية بالنحسية وإحداهما بالأخرى والجيدة بالجيدة والرديئة بالرديئة وإحداهما بالأخرى والجديدة بالجديدة
والعتيقة بالعتيقة وإحداهما بالأخرى والمقلوة بالمقلوة وكذلك الشعير على هذا وكذلك دقيق الحنطة ودقيق الشعير
فيجوز بيع دقيق الحنطة وسويق الحنطة بسويق الحنطة وكذا دقيق الشعير وسويقه وكذا التمر
بالتمر البرنى بالمعقلى والجيد بالردئ والجديد بالجديد والعتيق بالعتيق وأحدهما بالآخر وكذلك العنب بالعنب والزبيب
اليابس بالزبيب اليابس ولا خلاف في أنه لا يجوز بيع حنطة مقلية بحنطة غير مقلية والمطبوخة بغير مطبوخة وبيع
187

الحنطة بدقيق الحنطة وبسويق الحنطة وبيع تمر مطبوخ بتمر غير مطبوخ متفاضلا في الكيل أو متساويا فيه لان
المقلية ينضم بعض أجزائها إلى بعض يعرف ذلك بالتجربة فيتحقق الفضل من حيث القدر في الكيل فيتحقق الربا
وكذا المطبوخة بغير المطبوخة لان المطبوخ ينتفخ بالطبخ فكان غير المطبوخة أكثر قدرا عند العقد فيتحقق الفضل
وكذلك بيع الحنطة بدقيق الحنطة لان في الحنطة دقيقا الا انه مجتمع لوجود المانع من التفرق وهو التركيب وذلك
أكثر من الدقيق المتفرق عرف ذلك بالتجربة الا ان الحنطة إذا طحنت ازداد دقيقها على المتفرق ومعلوم ان الطحن
لا أثر له في زيادة القدر فدل انه كان أزيد في الحنطة فيتحقق الفضل من حيث القدر بالتجربة عند العقد فيتحقق الربا
وأما بيع الحنطة المبلولة أو الندية بالندية أو الرطبة بالرطبة أو المبلولة بالمبلولة أو اليابسة باليابسة وبيع التمر بالرطب
والرطب بالرطب أو بالتمر والمنقع بالمنقع والعنب بالزبيب اليابس واليابس بالمنقع والمنقع بالمنقع متساويا في الكيل فهل
يجوز قال أبو حنيفة رحمه الله كل ذلك جائز وقال أبو يوسف رحمه الله كله جائز الا بيع التمر بالرطب وقال محمد
رحمه الله كله فاسد الا بيع الرطب بالرطب والعنب بالعنب وقال الشافعي رحمه الله كله باطل ويجوز بيع الكفرى
بالتمر والرطب بالبسر متساويا ومتفاضلا بالاجماع لعدم الجنس والكيل إذ هو اسم لوعاء الطلع فأبو حنيفة رحمه الله
يعتبر المساواة في الحال عند العقد ولا يلتفت إلى النقصان في المآل ومحمد رحمه الله يعتبرها حالا ومآلا واعتبار أبى
يوسف مثل اعتبار أبي حنيفة الا في الرطب بالتمر فإنه يفسده بالنص وأصل الشافعي رحمه الله ما ذكرنا في مسألة علة
الربا ان حرمة بيع المطعوم بجنسه هي الأصل والتساوي في المعيار الشرعي مع اليد مخلص الا انه يعتبر التساوي ههنا في
المعيار الشرعي في أعدل الأحوال وهي حالة الجفاف واحتج أبو يوسف ومحمد بما روى عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الرطب بالتمر وقال عليه الصلاة والسلام انه ينقص إذا جف
بين عليه الصلاة والسلام الحكم وعلته وهي النقصان عند الجفاف فمحمد عدى هذا الحكم إلى حيث تعدت العلة وأبو
يوسف قصره على محل النص لكونه حكما ثبت على خلاف القياس ولأبي حنيفة رحمه الله الكتاب الكريم والسنة
المشهورة اما الكتاب فعمومات البيع من نحو قوله تعالى وأحل الله البيع وقوله عز شأنه يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم فظاهر النصوص يقتضى جواز كل بيع الا ما خص بدليل
وقد خص البيع متفاضلا على المعيار الشرعي فبقي البيع متساويا على ظاهر العموم وأما السنة المشهورة فحديث أبي
سعيد الخدري وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما حيث جوز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الحنطة بالحنطة
والشعير بالشعير والتمر بالتمر مثلا بمثل عاما مطلقا من غير تخصيص وتقييد ولا شك ان اسم الحنطة والشعير يقع على كل
جنس الحنطة والشعير على اختلاف أنواعهما وأوصافهما وكذلك اسم التمر يقع على الرطب والبسر لأنه اسم لتمر النخل
لغة فيدخل فيه الرطب واليابس والمذنب والبسر والمنقع وروى أن عامل خيبر أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم تمرا جنيبا فقال عليه الصلاة والسلام أو كل تمر خيبر هكذا وكان أهدى إليه رطبا فقد أطلق عليه الصلاة
والسلام اسم التمر على الرطب وروى أنه نهى عليه الصلاة والسلام عن التمر حتى يزهو أي يحمر أو يصفر
وروى حتى يحمار أو يصفار والاحمرار والاصفرار من أوصاف البسر فقد أطلق عليه الصلاة والسلام اسم التمر
على البسر فيدخل تحت النص وأما الحديث فمداره على زيد بن عياش وهو ضعيف عند النقلة فلا يقبل في معارضة
الكتاب والسنة المشهورة ولهذا لم يقبله أبو حنيفة رحمه الله في المناظرة في معارضة الحديث المشهور مع أنه كان من
صيارفة الحديث وكان من مذهبه تقديم الخبر وإن كان في حد الآحاد على القياس بعد إن كان راويه عدلا ظاهر العدالة
أو بأدلة فيحمله على بيع الرطب بالتمر نسيئة أمر تمرا من مال اليتيم توفيقا بين الدلائل صيانة لها عن التناقض والله
سبحانه وتعالى أعلم وكذلك الذهب والفضة لا يجوز بيع كل بجنسه متفاضلا في الوزن سواء اتفقا في النوع والصفة
بأن كانا مضروبين دراهم أو دنانير أو مصوغين أو تبرين جيدين أو رديئين أو اختلفا للحديث المشهور مثلا بمثل والفضل
188

ربا واما متساويا في الوزن متفاضلا في النوع والصفة كالمصوغ بالتبر والجيد بالردئ فيجوز عندنا وقال الشافعي
رحمه الله لا يجوز بيع الجيد بالردئ واحتج بالحديث المشهور مثلا بمثل ولا مماثلة بين الجيد والردئ في القيمة
وأما الحديث المشهور مثلا يمثل فالمراد منه المماثلة في الوزن وكذا روى في بعض الروايات وزنا بوزن وقوله عليه
الصلاة والسلام جيدها ورديئها سواء وبه تبين ان الجودة عند المقابلة بجنسها لا قيمة لها شرعا فلا يظهر الفضل واللحوم
معتبرة بأصولها فان تجانس الأصلان تجانس اللحمان فتراعى فيه المماثلة ولا يجوز الا متساويا وأن اختلف
الأصلان اختلف اللحمان فيجوز بيع أحدهما بالآخر متساويا ومتفاضلا بعد أن يكون يدا بيد ولا يجوز نسيئة
لوجود أحد وصفى علة ربا الفضل وهو الوزن إذا عرف هذا فنقول لحوم الإبل كلها على اختلاف أنواعها من لحوم
العراب والبخاتي والهجين وذى السنامين وذى سنام واحد جنس واحد لان الإبل كلها جنس واحد فكذا لحومها
وكذا لحوم البقر والجواميس كلها جنس واحد ولحوم الغنم من الضأن والنعجة والمعز والتيس جنس واحد اعتبارا
بالأصول وهذا عندنا وقال الشافعي رحمه الله اللحوم كلها جنس واحد اتحدت أصولها أو اختلفت حتى لا يجوز
بيع لحم الإبل بالبقر والبقر بالغنم متفاضلا (وجه) قوله إن اللحمين استويا اسما ومنفعة وهي التغذى والتقوى فاتحد
الجنس فلزم اعتبار المماثلة في بيع بعضها ببعض (ولنا) ان أصول هذه اللحوم مختلفة الجنس فكذا اللحوم لأنها فروع
تلك الأصول واختلاف الأصل يوجب اختلاف الفرع قوله الاسم شامل والمقصود متحد قلنا المعتبر في اتحاد
الجنس اتحاد المقصود الخاص لا العام ألا ترى ان المطعومات كلها في معنى الطعم متحدة ثم لا يجعل كلها جنسا واحدا
كالحنطة مع الشعير ونحو ذلك حتى يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا مع اتحادهما في معنى الطعم لكن لما كان ذلك
معنى عاما لم يوجب اتحاد الجنس كذا هذا وروى عن أبي يوسف انه يجوز بيع الطير بعضه ببعض متفاضلا وإن كان
ا من جنس واحد لأنه لا يوزن عادة وعلى هذا الباب هذه الحيوانات حكمها حكم أصولها عند الاتحاد والاختلاف
لأنها متفرعة من الأصول فكانت معتبرة بأصولها وكذا خل الدقل مع خل العنب جنسان مختلفان اعتبارا بأصلهما
واللحم مع الشحم جنسان مختلفان لاختلاف الاسم والمنافع وكذا مع الالية والالية مع الشحم جنسان مختلفان لما قلنا
وشحم البطن مع شحم الظهر جنسان مختلفان وكذا مع الالية بمنزلة اللحم مع شحم البطن والالية لأنه لحم سمين وصوف
الشاة مع شعر المعز جنسان مختلفان لاختلاف الاسم والمنفعة وكذا غزل الصوف مع غزل الشعر والقطن مع الكتان
جنسان مختلفان وكذا غزل القطن مع غزل الكتان ولا يجوز بيع غزل القطن بالقطن متساويا لان القطن ينقص
بالغزل فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر كبيع الدقيق بالحنطة (وأما) الحيوان مع اللحم فان اختلف الأصلان فهما
جنسان مختلفان كالشاة الحية مع لحم الإبل والبقر فيجوز بيع البعض بالبعض مجاذفة نقدا ونسيئة لانعدام الوزن
والجنس فلا يتحقق الربا أصلا وان اتفقا كالشاة الحية مع لحم الشاة من مشايخنا من اعتبرهما جنسين مختلفين وبنوا عليه
جواز بيع لحم الشاة بالشاة الحية مجازفة عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعللوا لهما بأنه باع الجنس بخلاف الجنس
(ومنهم) من اعتبرهما جنسا واحدا وبنوا مذهبهما على أن الشاة ليست بموزونة وجريان ربا الفضل يعتمد اجتماع
الوصفين الجنس مع القدر فيجوز بيع أحدهما بالآخر مجازفة ومفاضلة بعد أن يكون يدا بيد وهو الصحيح على ما عرف
في الخلافيات وقال محمد لا يجوز الا على وجه الاعتبار على أن يكون وزن اللحم الخالص أكثر من اللحم الذي في الشاة
الحية بالحزر والظن فيكون اللحم بإزاء اللحم والزيادة بإزاء اخلاف الجنس من الأطراف والسقط من الرأس والأكارع
والجلد والشحم فإن كان اللحم الخالص مثل قدر اللحم الذي في الشاة الحية أو أقل أو لا يدرى لا يجوز وعلى هذا الخلاف
إذا باع الشاة الحية بشحم الشاة أو باليتها وهذا مذهب أصحابنا وقال الشافعي رحمه الله اللحوم كلها جنس واحد
فلا يجوز بيع اللحم بالحيوان كيف ما كان سواء اتفق الأصلان أو اختلفا باع مجازفة أو على طريق الاعتبار وأجمعوا
على أنه لا يجوز بيع الشاة بلحم الشاة نسيئة لوجود الجنس المحرم للنساء لان اللحم الخالص من جنس اللحم الذي في الشاة
189

واجمعوا على أنه لا يجوز بيع دهن السمسم بالسمسم الا على طريق الاعتبار وهو أن يكون الدهن الخالص أكثر من
الدهن الذي في السمسم حتى يكون الدهن بإزاء الدهن والزائد بإزاء خلاف جنسه وهو الكسب وكذلك دهن
الجوز بلب الجوز (وأما) دهن الجوز بالجوز فقد اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يجوز مجازفة وقال بعضهم لا يجوز
الا على طريق الاعتبار وأجمعوا على أن بيع النصال بالحديد غير المصنوع جائز مجازفة بعد أن يكون يدا بيد أما الكلام
مع الشافعي رحمه الله فهو بنى مذهبه على أصل له ذكرناه غير مرة وهو ان حرمة بيع مأكول بجنسه هو العزيمة والجواز
عند التساوي في المعيار الشرعي رخصة ولا يعرف التساوي بين اللحم الخالص وبين اللحم الذي في الشاة فيبقى على
أصل الحرمة وقد أبطلنا هذا الأصل في علة الربا (وأما) الكلام مع أصحابنا (فوجه) قول محمد رحمه الله أن في تجويز
المجازفة ههنا احتمال الربا فوجب التحرز عنه ما أمكن وأمكن بمراعاة طريق الاعتبار فلزم مراعاته قياسا على بيع
الدهن بالسمسم والدليل على أن فيه الربا أن اللحم موزون فيحتمل أن يكون اللحم المنزوع أقل من اللحم الذي في
الشاة وزنا فيكون شئ من اللحم مع السقط زيادة ويحتمل أن يكون مثله في الوزن فيكون السقط زيادة فوجب
مراعاة طريق الاعتبار تحرزا عن الربا عند الامكان ولهذا لم يجز بيع الدهن بالسمسم والزيت بالزيتون الا على
طريق الاعتبار كذا هذا ولهذا قلنا إن هذا بيع الموزون بما ليس بموزون يدا بيد فيجوز مجازفة ومفاضلة استدلالا
ببيع الحديد الغير المصنوع بالنصال مجازفة ومفاضلة يدا بيد ودلالة الوصف أن اللحم المنزوع وإن كان موزونا
فاللحم الذي في الشاة ليس بموزون لان الموزون ماله طريق إلى معرفة مقدار ثقله ولا طريق إلى معرفة ثقل اللحم الذي
في الشاة لان الطريق اما أن يكون الوزن بالقبان واما أن يكون الاستدلال بالتجربة واما أن يكون بالحزر
والتخمين من غير تفاوت فاحش وشئ من ذلك لا يصلح طريقا لمعرفة مقدار اللحم الذي في الشاة (اما) الوزن بالقبان
فلان الشاة لا توزن بالقبان عرفا ولا عادة ولو صلح الوزن طريقا لوزن لان امكان الوزن ثابت والحاجة إلى معرفة
مقدار اللحم الذي فيها ماسة حتى يتعرف المشترى ذلك بالجس والمس باليد والرفع من الأرض ونحو ذلك ولان الحي
يثقل بنفسه مرة ويخف أخرى فيختلف وزنه فدل أن الوزن لا يصلح طريق المعرفة (وأما) التجربة فان ذلك
بالذبح ووزن المذبوح ليعرف اللحم الذي كان فيها عند العقد بطريق الظهور لا يمكن لان الشاة تحتمل الزيادة والنقصان
والسمن والهزال ساعة فساعة فلا يعرف به مقدار ثقله حالة العقد بالتجربة (وأما) الحزر والظن فإنه لا حرز لمن
لا بصارة له في هذا الباب بل يخطئ لا محالة ومن له بصارة يغلط أيضا ظاهرا وغالبا ويظهر تفاوت فاحش فدل أنه
لا طريق لمعرفة اللحم الذي في الشاة الحية فلم يكن موزونا فلا يكون محلا لربا الفضل بخلاف بيع دهن السمسم بالسمسم
لان ذلك بيع الموزون بالموزون لأنه يمكن معرفة مقدار الدهن في السمسم بالتجربة بان يوزن قدر من السمسم
فيستخرج دهنه فيظهر وزن دهنه الذي في الجملة بالقياس عليه أو يعصر الجملة فيظهر قدر الدهن الذي كان فيها حالة
العقد أو يعرف بالحرز والتخمين انه كم يخرج من الدهن من هذا القدر من غير ت فاوت فاحش يلحق الضرر بأحد
العاقدين فكان ذلك بيع الموزون بالموزون مجازفة فلم يجز لاحتمال الربا والله سبحانه وتعالى أعلم ولو باع شاة مذبوحة
غير مسلوخة بلحم شاة لا يجوز الا على طريق الاعتبار بالاجماع لان اللحم الذي في الشاة المذبوحة موزون فقد باع
الموزون بجنسه وبخلاف جنسه فيراعى فيه طريق الاعتبار بخلاف اللحم الذي في الشاة الحية فإنه غير موزون لما قلنا فلم
يتحقق الربا فجازت المجازفة فيه ولو باع شاة حية بشاة مذبوحة غير مسلوخة مجازفة جاز بالاجماع اما عندهما فظاهر
لأنه باع الموزون بما ليس بموزون فلا يتحقق الربا كما لو باع شاة حية بلحم الشاة وأما عند محمد فلان اللحم يقابل اللحم
وزيادة اللحم في إحداهما مع سقطها يكون بمقابلة سقط الأخرى فلا يتحقق الربا وكذلك لو باع شاتين حيتين بشاة
واحدة مذبوحة غير مسلوخة جاز بالاجماع على اختلاف الأصلين ولو باع شاتين مذبوحتين غير مسلوختين بشاة
واحدة مذبوحة غير مسلوخة يجوز ويكون اللحم بمقابلة اللحم وزيادة اللحم في أحد الجانبين مع السقط يكون بمقابلة سقط
190

الأخرى ولو باع شاتين مذبوحتين مسلوختين بشاة واحدة مذبوحة غير مسلوخة يجوز ويقابل اللحم باللحم ومقابلة
اللحم من المسلوختين بمقابلة سقط الأخرى ولو باع شاتين مذبوحتين غير مسلوختين بشاة مذبوحة مسلوخة لا يجوز
لان زيادة اللحم من غير المسلوختين مع السقط لا يقابله عوض فيكون ربا ولو باع شاتين مسلوختين بشاة مسلوخة
لا يجوز لأنهما مالان جمعهما الوزن فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر مفاضلة ومجازفة حتى لو كانا مستويين في الوزن
يجوز يدا بيد ولا يجوز بيع الزيت بالزيتون ودهن الكتان بالكتان والعصير بالعنب والسمن بلبن فيه سمن
والصوف بشاة على ظهرها صوف واللبن بحيوان في ضرعه لبن من جنسه والتمر بأرض ونخل عليه تمر والحنطة
بأرض فيها زرع قد أدرك ونحو ذلك من أموال الربا حتى يكون المفرد أكثر من المجموع ليكون المثل بالمثل والزيادة
بمقابلة خلاف الجنس وسنذكر أجناس هذه المسائل في مواضعها إن شاء الله تعالى هذا إذا قوبل بدل من جنس
ببدل من جنسه أو ببدلين من جنسه أو من خلاف جنسه فاما إذا قوبل ابدال من جنسين مختلفين بابدال من جنسين
مختلفين فإن كان من غير أموال الربا فلا شك أنه يجوز وتقسم الابدال من أحد الجانبين بالابدال من الجانب الآخر
قسمة توزيع وإشاعة من حيث التقويم وإن كان من أموال الربا فيجوز أيضا عند أصحابنا الثلاثة ويصرف الجنس إلى
خلاف الجنس فيقسم قسمة تصحيح لا قسمة إشاعة وتوزيع وعند زفر والشافعي لا يجوز ويقسم قسمة توزيع
وإشاعة من حيث القيمة كما في غير أموال الربا وبيان ذلك في مسائل إذا باع كر حنطة وكر شعير بكرى حنطة وكرى
شعير جاز عند علمائنا الثلاثة وتصرف الحنطة إلى الشعير والشعير إلى الحنطة وعندهما لا يجوز وكذلك إذا باع درهما
ودينارا بدرهمين ودينارين ويصرف الدرهم إلى الدينارين والدينار إلى الدرهمين (وجه) قول زفر والشافعي أن هذا
بيع ربا فلا يجوز كبيع الدرهم بالدرهمين والدينار بالدينارين ودلالة الوصف أنه قابل الجملة بالحملة مطلقا ومطلق مقابلة
الجملة بالجملة يقتضى انقسام كل بدل من أحد الجانبين بجميع الابدال من الجانب الآخر على سبيل الشيوع من حيث
القيمة إذا كانت الابدال مختلفة القيم استدلالا بسائر البياعات في غير أموال الربا فإنه إذا باع عبدا وجارية بفرس
وثوب وقيمتهما مختلفة يقسم العبد على قيمة الفرس والثوب وكذا لجارية حتى لو وجد بواحد من الجملة عيبا يرده
بحصته من البدلين وكذا لو استحق واحد منهما يرده بحصته من البدلين على البائع وكذا لو كان أحد البدلين دارا
فالشفيع يأخذها بحصتها من البدلين فكان التقسيم على الوجه الذي قلنا هو الموجب الأصلي في البياعات كلها
والانقسام على هذا الوجه في أموال الربا يحقق الربا لأنه يصير بائعا كر حنطة وكرى شعير بكرى شعير وبكر حنطة
فيتحقق الربا على أنه ان لم يتحقق الربا ففيه احتمال الربا وأنه مفسد للعقد كبيع الصبرة بالصبرة مجازفة (ولنا) عمومات
البيع من غير فصل فمن ادعى التخصيص فعليه الدليل ولان المتعاقدين أطلقا مقابلة الجملة بالجملة والمطلق يتعرض
للذات لا للصفات والجهات فلا يكون مقابلة الجنس بالجنس عينا ولا مقابلة الجنس بخلاف الجنس عينا فلا يتحقق
الربا لأنه اسم لفضل مال في مقابلة الجنس بالجنس عينا ولم يوجد أو نقول مطلق المقابلة تحتمل مقابلة الجنس
بالجنس على سبيل الشيوع من حيث القيمة كما قلتم وتحتمل مقابلة الجنس بخلاف الجنس لان كل ذلك مقابلة
الجملة بالجملة الا انا لو حملناه على الأول يفسد العقد ولو حملناه على الثاني لصح فالحمل على ما فيه الصحة أولى
وقوله موجب البيع المطلق المشتمل على ابدال من الجانبين انقسام كل بدل من أحد الجانبين على جميع
الابدال من الجانب الآخر على الشيوع من حيث التقويم قلنا ممنوع لان هذا موجب العقد المطلق في موضع
في مسائل البياعات في غير أموال الربا ما ثبت الانقسام موجبا له بل بحكم المعاوضة والمساواة في الابدال لأنهما لما
أطلقا البيع وهو يشتمل على ابدال من الجانبين من غير تعيين مقابلة البعض بالبعض وليس البعض بأولى من البعض في
التعيين فلزم القول بالإشاعة والتقسيم من حيث القيمة حكما للمعاوضة والمساواة وعند تحقق الضرورة وهي ضرورة
الرد بالعيب بالإشاعة والرجوع عند الاستحقاق ونحو ذلك فلا يثبت الانقسام عند القيمة قبل تحقق الضرورة على
191

ما عرف وقوله فيه احتمال الربا قلنا احتمال الربا ههنا يوجب فساد العقد عند مقابلة الجنس بالجنس عينا كما في بيع الصبرة
بالصبرة لا على الاطلاق لان عند مقابلة الجنس بالجنس يلزم رعاية المماثلة المشروطة ولم توجد ههنا فلا توجب الفساد
وعلى هذا إذا باع دينارا ودرهمين بدرهمين ودينارين انه يجوز عندنا ويكون الدينار بالدرهمين والدرهمان بالدينارين
وكذا إذا باع درهمين ودينارا بدينارين ودرهم يجوز عندنا بأن يجعل الدرهمان بالدينارين والدينار بالدرهم وكذا إذا
باع عشرة دراهم ودينار انه جائز عندنا وتكون الخمسة بمقابلة الخمسة والخمسة الأخرى بمقابلة الدينار
وكذلك إذا باع أحد عشر درهما بعشرة دراهم ودينار جاز عندنا وكانت العشرة بمثلها ودينار بدرهم وكذلك قال أبو
حنيفة عليه الرحمة انه إذا باع مائة درهم ودينار بألف درهم يجوز ولا بأس به وتكون المائة بمقابلة المائة والتسعمائة
بمقابلة الدينار فلا يتحقق الربا وكذا روى عن محمد أنه قال إذا باع الدراهم بالدراهم وفى أحدهما فضل من حيث الوزن
وفى الجانب الذي لا فضل فيه فلوس فهو جائز في الحكم ولكني أكرهه فقيل كيف تجده في قلبك قال أجده مثل
الجبل والحاصل انه ينظر إلى ما يقابل الزيادة من حيث الوزن من خلاف الجنس ان بلغت قيمته قيمة الزيادة
أو كانت أقل منها مما يتغابن الناس فيه عادة جاز البيع من غير كراهة وإن كانت شيئا قليل القيمة كفلس وجوزة ونحو
ذلك يجوز مع الكراهة وإن كان شيئا لا قيمة له أصلا ككف من تراب ونحوه لا يجوز البيع أصلا لان الزيادة
لا يقابلها عوض فيتحقق الربا
(فصل) وأما شرائط جريان الربا (فمنها) أن يكون البدلان معصومين فإن كان أحدهما غير معصوم لا يتحقق
الربا عندنا وعند أبي يوسف هذا ليس بشرط ويتحقق الربا وعلى هذا الأصل يخرج ما إذا دخل مسلم دار الحرب
تاجرا فباع حربيا درهما بدرهمين أو غير ذلك من سائر البيوع الفاسدة في حكم الاسلام انه يجوز عند أبي حنيفة ومحمد
وعند أبي يوسف لا يجوز وعلى هذا الخلاف المسلم الأسير في دار الحرب أو الحربي الذي أسلم هناك ولم يهاجر الينا
فبايع أحدا من أهل الحرب (وجه) قول أبى يوسف ان حرمة الربا كما هي ثابتة في حق المسلمين فهي ثابتة في حق
الكفار لأنهم مخاطبون بالحرمات في الصحيح من الأقوال فاشتراطه في البيع يوجب فساده كما إذا بايع المسلم الحربي
المستأمن في دار الاسلام (ولهما) ان مال الحربي ليس بمعصوم بل هو مباح في نفسه الا أن المسلم المستأمن منع
من تملكه من غير رضاه لما فيه من الغدر والخيانة فإذا بدله باختياره ورضاه فقد زال هذا المعنى فكان الاخذ استيلاء
على مال مباح غير مملوك وانه مشروع مفيد للملك كالاستيلاء على الحطب والحشيش وبه تبين ان العقد ههنا ليس
بتملك بل هو تحصيل شرط التملك وهو الرضا لان ملك الحربي لا يزول بدونه وما لم يزل ملكه لا يقع الاخذ تملكه لكنه
إذا زال فالملك للمسلم يثبت بالاخذ والاستيلاء لا بالعقد فلا يتحقق الربا لان الربا اسم لفضل يستفاد بالعقد بخلاف
المسلم إذا باع حربيا دخل دار الاسلام بأمان لأنه استفاد العصمة بدخوله دار الاسلام بأمان والمال المعصوم
لا يكون محلا للاستيلاء فتعين التملك فيه بالعقد وشرط الربا في العقد مفسد وكذلك الذمي إذا دخل دار الجرب فباع
حربيا درهما بدرهمين أو غير ذلك من البيوع الفاسدة في الاسلام فهو على هذا الخلاف الذي ذكرنا لان ما جاز من
بيوع المسلمين جاز من بيوع أهل الذمة وما يبطل أو يفسد من بيوع المسلمين يبطل أو يفسد من بيوعهم الا الخمر
والخنزير على ما نذكر إن شاء الله تعالى (ومنها) أن يكون البدلان متقومين شرعا وهو أن يكونا مضمونين حقا للعبد فإن كان
أحدهما غير مضمون حقا للعبد لا يجرى فيه الربا وعلى هذا الأصل يخرج ما إذا دخل المسلم دار الحرب فبايع
رجل أسلم في دار الحرب ولم يهاجر الينا درهما بدرهمين أو غير ذلك من البيوع الفاسدة في دار الاسلام انه يجوز عند
أبي حنيفة وعندهما لا يجوز لان العصمة وإن كانت ثابتة فالتقوم ليس بثابت عنده حتى لا يضمن نفسه بالقصاص
ولا بالدية عنده وكذا ماله لا يضمن بالاتلاف لأنه تابع للنفس وعندهما نفسه وماله معصومان متقومان والمسألة
تأتى في كتاب السير ولو دخل مسلمان دار الحرب فتبايعا درهما بدرهمين أو غيره من البيوع الفاسدة في دار الاسلام
192

لا يجوز لان مال كل واحد منهما معصوم متقوم فكان التملك بالعقد فيفسد بالشرط الفاسد ولو أسلم الحربي الذي
بايع المسلم ودخل دار الاسلام أو أسلم أهل الدار فما كان من ربا مقبوض أو بيع فاسد مقبوض فهو جائز ماض
وما كان غير مقبوض يبطل لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين أمرهم
سبحانه وتعالى بترك ما بقي من الربا والامر بترك ما بقي من الربا نهى عن قبضه فكأنه تعالى قال اتركوا قبضه فيقتضى
حرمة القبض وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال كل ربا في الجاهلية فهو موضوع تحت قدمي والوضع
عبارة عن الحط والاسقاط وذلك فيما لم يقبض ولان بالاسلام حرم ابتداء العقد فكذا القبض بحكم العقد لأنه
تقرير العقد وتأكيده فيشبه العقد فيلحق به إذ هو عقد من وجه فيلحق بالثابت من كل وجه في باب الحرمات احتياطا
ومتى حرم القبض لم يكن في بقاء العقد فائدة (ومنها) أن لا يكون البدلان ملكا لاحد المتبايعين فإن كان لا يجرى الربا
وعلى هذا يخرج العبد المأذون إذا باع مولاه درهما بدرهمين وليس عليه دين انه يجوز لأنه إذا لم يكن عليه دين فما في يده
لمولاه فكان البدلان ملك المولى فلا يكون هذا بيعا فلا يتحقق الربا إذ هو مختص بالبياعات وكذلك المتعاوضان إذا
تبايعا درهما بدرهمين يجوز لان البدل من كل واحد منهما مشترك بينهما فكان مبادلة ماله بماله فلا يكون بيعا ولا مبادلة
حقيقة وكذلك الشريكان شركة العنان إذا تبايعا درهما بدرهمين من مال الشركة جاز لما قلنا ولو تبايعا من غير مال الشركة
لا يجوز لأنهما في غير مال الشركة أجنبيان ولو كان على العبد المأذون دين فباعه مولاه درهما بدرهمين لا يجوز بالا جماع
(أما) عند أبي حنيفة رحمه الله فظاهر لان المولى لا يملك كسب عبده المأذون المديون عنده فلم يجتمع البدلان في ملك
واحد وعندهما وإن كان يملك لكن ملكا محجورا عن التصرف فيه لتعلق حق الغرماء به فكان المولى كالأجنبي عنه
وكذلك المولى إذا عاقد مكاتبه عقد الربا لم يجز لان المكاتب في حق الاكتساب ملحق بالاحرار لانقطاع تصرف
المولى عنها فأشبه الأجانب (وأما) اسلام المتبايعين فليس بشرط لجريان الربا فيجرى الربا بين أهل الذمة وبين
المسلم والذمي لان حرمة الربا ثابتة في حقهم لان الكفار مخاطبون بشرائع هي حرمات ان أم يكونوا مخاطبين بشرائع
هي عبادات عندنا قال الله تعالى وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وروى أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كتب إلى محبوس هجر إما أن تذروا الربا أو تأذنوا بحرب من الله ورسوله وهذا في نهاية الوعيد فيدل
على نهاية الحرمة والله سبحانه وتعالى أعلم (ومنها) الخلو عن احتمال الربا فلا تجوز المجازفة في أموال الربا بعضها
ببعض لان حقيقة الربا كما هي مفسدة للعقد فاحتمال الربا مفسد له أيضا لقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ما اجتمع
الحلال والحرام في شئ الا وقد غلب الحرام الحلال والأصل فيه ان كلما جازت فيه المفاضلة جاز فيه المجازفة وما
لا فلا لان التماثل والخلو عن الربا فيما يجرى فيه الربا لما كان شرط الصحة فلا يعلم تحقيق المماثلة بالمجازفة فيقع الشك
في وجود شرط الصحة فلا تثبت الصحة على الأصل المعهود في الحكم المعلق على شرط إذا وقع الشك في وجود شرطه
انه لا يثبت لان غير الثابت بيقين لا يثبت بالشك كما أن الثابت بيقين لا يزول بالشك وبيان هذا الأصل في مسائل
إذا تبايعا حنطة بحنطة مجازفة فإن لم يعلما كيلهما أو علم أحدهما دون الآخر أو علما كيل أحدهما دون الآخر
لا يجوز لما قلنا وان علم استواؤهما في الكيل فان علم في المجلس جاز البيع لان المجلس وان طال فله حكم حالة العقد فكأنه
عند العقد وان علم بعد الافتراق لم يجز وقال زفر يجوز علم قبل الافتراق أو بعده (وجه) قوله إن الحاجة إلى الكيل
عند العقد لتحقق المساواة المشروطة وقد تبين انها كانت ثابتة عنده (ولنا) ان علم المتعاقدين بالمساواة عند العقد
شرط الصحة ولم يوجد والدليل على أن العلم عند العقد شرط الصحة ان الشرع ألزم رعاية المماثلة عند البيع بقوله عليه
الصلاة والسلام الحنطة بالحنطة مثلا بمثل أي بيعوا الحنطة بالحنطة مثلا بمثل أمر المتبايعين بالبيع بصفة المماثلة فلا بد
وأن تكون المماثلة معلومة لهما عند البيع لتمكنهما من رعاية هذا الشرط وكذا لو كان بين رجلين حنطة فاقتسماها مجازفة
لا يجوز لان القسمة فيها معنى المبادلة فيشبه البيع ولا يجوز البيع فيها مجازفة فكذا القسمة ولو تبايعا حنطة بحنطة
193

وزنا بوزن متساويا في الوزن لم يجز لان الحنطة مكيلة والتساوي في الكيل شرط جواز البيع في المكيلات ولا تعلم
المساواة بينهما في الكيل فكان بيع الحنطة بالحنطة مجازفة وروى عن أبي يوسف رحمه الله انه إذا غلب استعمال
الوزن فيها تصير وزنية ويعتبر التساوي فيها بالوزن وإن كانت في الأصل كيلية وعلى هذا تخرج المزابنة والمحاقلة
انهما لا يجوزان لان المزابنة تبيع التمر على رؤس النخل بمثل كيله من التمر خرصا لا يدرى أيهما أكثر والزبيب بالعنب
لا يدرى أيهما أكثر والمحاقلة بيع الحب في السنبل بمثل كيله من الحنطة خرصا لا يدرى أيهما أكثر فكان هذا بيع
مال الربا مجازفة لأنه لا تعرف المساواة بينهما في الكيل وقد روى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المزابنة والمحاقلة وفسر محمد رحمه الله المزابنة والمحاقلة في الموطأ بما قلنا وهو كان
اماما في اللغة كما كان اماما في الشريعة وقال كذلك الجواب إذا كان أكثر من خمسة أوسق أما ما دون خمسة
أوسق فلا بأس بما روى أبو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا بالتمر فيما دون خمسة
أوسق فقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم من جملة ما حرم والمزابنة ما دون خمسة والمرخص من جملة
ما حرم يكون مباحا وتفسير العرية عندنا ما ذكره مالك بن انس في الموطأ رضي الله عنه وهو أن يكون لرجل نخيل
فيعطى رجلا منها ثمرة نخلة أو نخلتين يلقطهما لعياله ثم يثقل عليه دخوله حائطه فيسأله أن يتجاوز له عنها على أن يعطيه
بمكيلتها تمرا عند اصرام النخل وذلك ما لا بأس به عندنا لأنه لا بيع هناك بل التمر كله لصاحب النخل فان شاء سلم له
ثمر النخل وان شاء أعطاه بمكيلتها من التمر الا انه سماه الراوي بيعا لتصوره بصور البيع لا أن يكون بيعا حقيقة بل هو
عطية الا ترى انه لم يملكه المعرى له لانعدام القبض فكيف يجعل بيعا ولأنه لو جعل بيعا لكان بيع التمر بالتمر إلى أحل
وانه لا يجوز بلا خلاف دل أن العرية المرخص فيها ليست ببيع حقيقة بل هي عطية ولان العرية هي العطية لغة قال
حسان بن ثابت رضي الله عنه
ليست بسنهاء ولا رجبية * ولكن عرايا في السنين الجوائح
ولو اشترى بكر من تمر نخلا عليها ثمر وسمى التمر أو ذكر كل قليل وكثير هو منه حتى دخل في البيع يراعى في جوازه
طريق الاعتبار وهو أن يكون كيل التمر أكثر من كيل الثمر ليكون الثمر بمثله والزيادة بإزاء النخل فإن كان أقل لا يجوز
لان التمر يكون بمثل كيله وزيادة التمر مع النخل تكون زيادة لا يقابلها عوض فيكون ربا وكذا كان مثله لان النخل
يكون فضلا لا يقابله عوض في عقد المعاوضة وكذا إذا كان لا يدرى عندنا خلافا لزفر وسنذكر المسألة إن شاء الله
تعالى ثم إنما يجوز على طريق الاعتبار إذا كان التمر نقدا فإن كان نسيئة لم يجز لتحقق ربا النساء هذا إذا كان ثمر النخل
بسرا أو رطبا أو تمرا يابسا عند العقد فإن كان كفرى جاز البيع كيف ما كان من غير شرط الاعتبار لأنه بيع الكفرى
بالتمر وانه جائز كيف ما كان ولو لم يكن التمر موجودا عند العقد ثم أثمر النخل قبل القبض كرا أو أكثر من الكر لا يفسد
البيع بخلاف ما إذا كان التمر موجودا عند العقد ثم أثمر النخل قبل القبض فباعه مع النخل بالتمر وكيل التمر مثل كيل ثمر
النخل أو أقل حيث يفسد البيع لان العاقدين أدخلا الربا في العقد لأنهما قابلا الثمن بكل المبيع فانقسم الثمن عليهما
وبعض المبيع مال الربا فدخل الربا في العقد باشتراطهما واشتراط الربا في العقد مفسد له وههنا البيع كان صحيحا في
الأصل لان الثمن خلاف جنس المبيع إذ المبيع هو النخل وحد الا انه إذا زاد فقد صار مبيعا في حال البقاء لا بصنعهما
فبقي البيع صحيحا والزيادة ملك المشتري وينقسم الثمن على قيمة النخل وقيمة الزيادة لكن تعتبر قيمة النخل وقت
العقد وقيمة الزيادة وقت القبض فيطيب له من التمر قدر حصته من الثمن لان فضل له ذلك القدر ببدل ولا يطيب له
الفضل ويتصدق به لأنه ربح ما لم يضمن ولو قضى الثمن من التمر الحادث ينظر ان قضاه منه قبل القبض فقضاؤه باطل
لان القضاء منه تصرف في المبيع قبل القبض وانه لا يجوز وجعل كأنه لم يقبض حتى لو هلك الثمن في يد البائع بآفة
سماوية لا يسقط شئ من الثمن وان أكله البائع تسقط حصته من الثمن وإن كان المشترى قبض الثمن ثم قضى منه جاز
194

القضاء لأنه تصرف في المبيع بعد القبض وانه جائز وعليه أن يتصدق بما زاد على حصته من الثمن والله سبحانه
وتعالى أعلم وعلى هذا بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والقيمة فيهما مجازفة ولو تبايعا حنطة بشعيرا وذهبا بفضة
مجازفة جاز لان المماثلة في بيع الجنس بخلاف الجنس غير مشروطة ولهذا جازت المفاضلة فيه فالمجازفة أولى وكذلك
القيمة وعلى هذا يخرج بيع الموزون بجنسه وغير جنسه كما إذا اشترى فضة مع غيرها بفضة مفردة بأن اشترى سيفا
محلى بفضة مفردة أو منطقة مفضضة أو لجاما أو سرجا أو سكينا مفضضا أو جارية في عنقها طوق من فضة أو اشترى
ذهبا وغيره بذهب مفرد كما إذا اشترى ثوبا منسوجا بالذهب بذهب مفرد أو جارية مع حليتها وحليها ذهب بذهب
مفرد ونحو ذلك أنه لا يجوز مجازفة عندنا بل يراعى فيه طريق الاعتبار وهو أن يكون وزن الفضة المفردة أو الذهب
المفرد أكثر من المجموع مع غيره ليكون قدر وزن المفرد بمثله من المجموع والزيادة بخلاف جنسه فلا يتحقق الربا
فإن كان وزن المفرد أقل من وزن المجموع لم يجز لان زيادة وزن المجموع مع خلاف الجنس لا يقابله عوض في عقد
البيع فيكون ربا وكذلك إذا كان مثله في الوزن لأنه يكون الفضة بمثلها والذهب بمثله فالفضل يكون ربا وإن كان من
خلاف جنسه وكذلك إذا كان لا يعلم وزنه انه أكثر أو مثله أو أقل أو اختلف أهل النظر فيه فقال بعضهم الثمن أكثر
وقال بعضهم هو مثله لا يجوز عندنا وعند زفر يجوز (وجه) قوله إن الأصل في البيع جوازه والفساد بعارض
الربا وفى وجوده شك فلا يثبت الفساد بالشك لان جهة الفساد في هذا العقد أكثر من جهة الجواز لان وزن المفرد
لو كان أقل يفسد وكذلك لو كان مثله ولو كان أكثر يجوز فجاز من وجه وفسد من وجهين فكانت الغلبة لجهة الفساد
والحكم للغالب ثم إذا كان وزن المفرد أكثر حتى جاز البيع فيجتمع في هذا العقد صرف وهو بيع الفضة بالفضة
أو الذهب بالذهب والبيع مطلق وهو بيع الذهب أو الفضة بخلاف جنسها فيراعى في الصرف شرائطه وسنذكر
شرائط الصرف في موضعه إن شاء الله تعالى وإذا فات شئ من الشرائط حتى فسد الصرف هل يتعدى الفساد إلى
البيع المطلق فيه تفصيل نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى هذا إذا اشترى فضة مع غيرها بفضة مفردة أو ذهبا مع
غيره بذهب مفرد فاما إذا اشترى ذهبا مع غيره بفضة مفرده أو فضة مع غيرها بذهب مفرد فالبيع جائز لأنه لا ربا عند
اختلاف الجنس غير أنه يقسم المفرد على قيمة المجموع وقيمة ذلك الغير فما كان بمقابلة الذهب أو الفضة يكون صرفا
فيراعى فيه شرائط الصرف وما كان بمقابلة غيرة يكون بيعا مطلقا على ما نذكره في بيان شرائط الصرف وعلى هذا
الأصل يخرج بيع تراب معدن الفضة والذهب أما تراب معدن الفضة فلا يخلو اما أن يكون باعه بفضة وأما أم يكون
باعه بغيرها فان باعه بفضة لم يجز لان البيع يقع على ما في التراب من الفضة لا على التراب لأنه لا قيمة له والمماثلة بين
الفضتين ليست بمعلومة فكان هذا البيع بيع الفضة بالفضة مجازفة فلا يجوز وان باعه بذهب جاز لان الربا لا يتحقق
عند اختلاف الجنس ويراعى فيه شرائط الصرف ثم ينظر ان لم يخلص منه شئ تبين أن البيع كان فاسدا لأنه تبين أنه
باع ما ليس بمال فصار كما لو اشترى شخصا على أنه عبد ثم تبين أنه حر أو اشترى شاه مسلوخة على أنها مذبوحة ثم
تبين أنها ميتة فان خلص منه شئ فالامر ماض والمشترى بالخيار لأنه اشترى شيئا لم يره فأشبه ما لو اشترى ثوبا
في سقط أو سمكة في جب ولو باعه بعوض جاز أيضا لما قلنا ثم ينظر ان خلص منه شئ أو لم يخلص على ما ذكرنا ولو
باعه بتراب معدن مثله من الفضة لم يجز لان البيع يقع على ما فيها من الفضة ولا يعلم تساويهما في الوزن فكان بيع
الفضة بالفضة مجازفة ولو باعه بتراب معدن الذهب جاز لاختلاف الجنس ويراعى فيه شرائط الصرف ثم إن لم
يخلص منه شئ تبين أن البيع كان فاسدا لأنه تبين أنه باع ما ليس بمال وكذا ان خلص من أحدهما ولم يخلص من
الآخر لأنه تبين أنه باع المال بما ليس بمال وان خلص من كل واحد منهما فالامر ماض ولهما خيار الرؤية لان كل
واحد منهما مشتر ما لم يره وكذلك لو كان تراب معدن الفضة بين رجلين فاقتسماه يجز لان القسمة فيها معنى البيع
فلا يحتمل المجازفة كالبيع ولو باع منه قفيزا بغير عينه بذهب أو بعرض لم يجز لأن المبيع ما في التراب من الفضة وانه
195

مجهول القدر لأنه متقاوت منه قفيز يخلص منه خمسة ومنه قفيز يخلص منه عشرة فكان المبيع مجهولا جهالة مفضية إلى
المنازعة بخلاف بيع القفيز من صبرة لان قفزان الصبرة الواحدة متماثلة فلم يكن المبيع مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة
ولو باع نصف جملة التراب أو ثلثها أو ربعها شائعا بذهب أو عرض جاز لان الجنس مختلف فلا يتحقق الربا الا إذا لم
يخلص منه شئ فتبين أن البيع كان فاسدا لما قلنا وان خلص منه شئ فيكون ما خلص مشتركا بينها وله الخيار إذا رآه
ولو استقرض تراب المعدن جاز وعلى المستقرض مثل ما خلص منه وقبض لان القرض وقع على ما يخلص منه
والقول قول القابض في قدر ما قبض وخلص ولو استأجره بنصف هذا التراب أو بثلثه أو بربعه يجوز ان خلص
منه شئ كما يجوز لو بيع منه شئ فتبين أن البيع كان فاسدا لما قلنا وان خلص منه شئ فيكون اجره مما ما خلص
ولو استأجر أجيرا بتراب المعدن بعينه جازت الإجارة ان خلص منه شئ لأنه استأجره بمال والأجير بالخيار لأنه آجر
نفسه بما لم يره فان شاء رضى به ولا شئ له غيره وان شاء رده ورجع على المستأجر باجر مثله بالغا ما بلغ ولو استأجره
بقفيز من تراب بغير عينه لا تجوز الإجارة لان الأجرة ما في التراب من الفضة وأنه مجهول القدر ولهذا لم يجز بيعه ويكون
بينهما وله الخيار وان لم يخلص لا يجوز وله أجر مثله وعلى هذا حكم تراب معدن الذهب في جميع ما ذكرنا والله
سبحانه وتعالى أعلم (وأما) تراب الصاغة فإن كان فيه فضة خالصة فحكمه حكم تراب معدن الفضة وإن كان فيه ذهب
خالص فحكمه حكم تراب معدن الذهب وإن كان في ذهب وفضة فان اشتراه بذهب أو فضة لم يجز لاحتمال أيكون
ما فيه من الذهب أو الفضة أكثر أو أقل أو مثله فيتحقق الربا ولو اشتراه بذهب وفضة جاز لأنه اشترى ذهبا وفضة
بذهب وفضة فيجوز ويصرف الجنس إلى خلاف الجنس ويراعى فيه شرائط الصرف ولو اشتراه بعرض جاز
لانعدام احتمال الربا وهذا كله إذا خلص منه شئ فإن لم يخلص تبين أن البيع كان فاسدا وعلى هذا الأصل يخرج
بيع الدراهم المغشوشة التي الغش فيها هو الغالب بفضة خالصة انه لا يجوز الا على طريق الاعتبار وجملة الكلام فيه أن
الدراهم المضروبة أقسام ثلاثة اما أن تكون الفضة فيها هي الغالبة واما أن يكون الغش فيها هو الغالب واما أن يكون
الفضة والغش فيها على السواء فإن كانت الفضة فيها الغالبة بأن كان ثلثاها فضة وثلثها صفرا أو كان ثلاثة
أرباعها فضة وربعها صفرا ونحو ذلك فحكمها حكم الفضة الخالصة لا يجوز بيعها بالفضة الخالصة الا سواء سواء
كذا بيع بعضها ببعض لا يجوز الا مثلا بمثل لان اعتبار الغالب والحاق المغلوب بالعدم هو الأصل في أحكام
الشرع ولان الدراهم الجياد لا تخلو عن قليل غش لان الفضة لا تنطبع بدونه على ما قيل فكان قليل الغش مما لا يمكن
التحرز عنه فكانت العبرة للغلبة وإن كان الغش فيها هو الغالب فإن كانت الفضة لا تخلص بالذوب والسبك بل تحترق
ويبقى النحاس فحكمها حكم النحاس الخالص لان الفضة فيها إذا كانت مستهلكة كانت ملحقة بالعدم فيعتبر كله نحاسا
لا يباع بالنحاس الا سواء بسواء يدا بيد وإن كانت تخلص من النحاس ولا تحترق ويبقى النحاس على حاله أيضا فإنه
يعتبر فيه كل واحد منهما على حاله ولا يجعل أحدهما تبعا للآخر كأنهما منفصلان ممتازان أحدهما عن صاحبه لأنه إذا
أمكن تخليص أحدهما من صاحبه على وجه يبقى كل واحد منهما بعد الذوب والسبك لم يكن أحدهما مستهلكا فلا يجوز
بيعها بفضة خالصة الا على طريق الاعتبار وهو أن تكون الفضة الخالصة أكثر من الفضة المخلوطة يصرف إلى الفضة
المخلوطة مثلها من الفضة الخالصة والزيادة إلى الغش كما لو باع فضة وصفرا ممتازين بفضة خالصة فإن كانت الفضة
الخالصة أقل من المخلوطة لم يجز لان زيادة الفضة المخلوطة مع الصفر يكون فضلا خاليا من العوض في عقد المعاوضة
فيكون ربا وكذا إذا كانت مثلها لان الصفر يكون فضلا لا يقابله عوض وكذا إذا كان لا يدرى قدر الفضتين أيهما
أكثر أو هما سواء لا يجوز عندنا وعند زفر يجوز وقد ذكرنا الحجج فيما قبل وذكر في الجامع إذا كانت الدراهم ثلثاها
صفرا وثلثها فضة ولا يقدر أن يخلص الفضة من الصفر ولا يدرى إذا خلصت أيبقى الصفر أم يحترق أنه يراعى في بيع
هذه الدراهم بفضة خالصة طريق الاعتبار ثم إذا كانت الفضة الخالصة أكثر حتى جاز البيع يكون هذا صرفا وبيعا
196

مطلقا فيراعى في الصرف شرائطه وإذا فسد بفوات شرط منه يفسد البيع في الصفر لأنه لا يمكن تميزه الا بضرر وبيع
ما لا يمكن تميزه عن غيره الا بضرر فاسد على ما ذكرنا ولو بيعت هذه الدراهم بذهب جاز لان المانع هو الربا واختلاف
الجنس يمنع تحقق الربا لكن يراعى فيه شرائط الصرف لأنه صرف وإذا فات شرط منه حتى فسد يفسد البيع في الصفر
أيضا لما قلنا ولو بيعت بجنسها من الدراهم المغشوشة جاز متساويا ومتفاضلا نص عليه محمد في الجامع ويصرف الجنس
إلى خلاف الجنس كما لو باع فضة منفصلة وصفرا منفصلا بفضة وصفر منفصلين وقالوا في الستوقة إذا بيع بعضها
ببعض متفاضلا أنه يجوز ويصرف الجنس إلى خلاف الجنس ومشايخنا لم يفتوا في ذلك الا بالتحريم احترازا عن فتح
باب الربا وقالوا في الدراهم القطريفينه يجوز بيع واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة منها بدرهم فضة لان ما فيها من
الفضة يكون بمثل وزنها من الفضة الخالصة وزيادة الفضة تكون بمقابلة الصفر ولا يجوز بيع ستة منها بدرهم فضة لان
الصفر الذي فيها يبقى فضلا خاليا عن العوض في عقد المعاوضة فيكون ربا وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل
رحمه الله لا يفتى بجواز هذا وإن كانت الفضة والغش فيها سواء فلم يقطع محمد الجواب فيه في الجامع لكنه بناه على قول
الصيارفة وحكى عنهم انهم قالوا إن الفضة والصفر إذا خلطا لا تتميز الفضة من الصفر حتى يحترق الصفر لأنهما لا يتميزان
الا بذهاب أحدهما والصفر أسرعهما ذهابا فقال في هذه الدراهم إن كانت الفضة هي الغالبة أي على ما يقوله الصيارفة
ان الصفر يتسارع إليه الاحتراق عند الإذابة والسبك فلا يجوز بيعها بالفضة الخالصة ولا بيع بعضها ببعض الا سواء
بسواء كبيع الزيوف بالجياد لان الصفر إذا كان يتسارع إليه الاحتراق كان مغلوبا مستهلكا فكان ملحقا بالعدم وان لم
يغلب أحدهما على الآخر وبقيا على السواء يعتبر كل واحد منهما على حياله كأنهما منفصلان ويراعى في بيعهما بالفضة
الخالصة طريق الاعتبار كما في النوع الأول ويجوز بيع بعضها ببعض متساويا ومتفاضلا ويصرف الجنس إلى خلاف
الجنس كما في النوع الأول والله سبحانه وتعالى أعلم وهل يجوز استقراض الدراهم المغشوشة عددا (أما) النوع
الأول وهو ما كانت فضته غالبة على غشه فلا يجوز استقراضه الا وزنا لان الغش إذا كان مغلوبا فيه كان بمنزلة الدراهم
الزائفة ولا يجوز بيع الدراهم الزائفة بعضها ببعض عددا لأنها وزنية فلم يعتبر العدد فيها فكان بيع بعضها ببعض مجازفة
فلم يجز فلا يجوز استقراضها أيضا لأنها مبادلة حقيقة أو فيها شبهة المبادلة فيجب صيانتها عن الربا وعن شبهة الربا ولهذا
لم يجز استقراض الكيلي وزنا لما ان الوزن في الكيلي غير معتبر فكان اقراضه مبادلة الشئ بمثله مجازفة أو شبة المبادلة
فلم يجز كذا هذا وكذلك النوع الثالث وهو ما إذا كان نصفه فضة ونصفه صفرا لان الغلبة إذا كانت الفضة على اعتبار
بقائها وذهاب الصفر في المآل على ما يقوله أهل الصنعة كان ملحقا بالدراهم الزيوف فلا يجوز استقراضه عددا وإن كان
لا يغلب أحدهما على الآخر ويبقيان بعد السبك على حالهما كان كل واحد منهما أصلا بنفسه فيعتبر كل واحد
منهما على حياله فكان استقراض الفضة والصفر جملة عددا وهذا لا يجوز لان اعتبار الصفر إن كان يوجب الجواز
لان الفلس عددي فاعتبار الفضة يمنع الجواز لان الفضة وزنية فالحكم بالفساد عند تعارض جهتي الجواز والفساد
أحوط وأما النوع الثاني ما كان الغش فيه غالبا والفضة مغلوبة فإنه ينظر إن كان الناس يتعاملون به وزنا لا عددا
لا يجوز استقراضه عددا لان العدد في الموزون باطل فكان استقراضه مبادلة الموزون بجنسه مجازفة أو شبهة المبادلة
وأنه لا يجوز وإن كانوا يتعاملون به عددا يجوز استقراضه عددا لأنهم إذا تعاملوا به عددا فقد ألحقوه بالفلوس وجعلوا
الفضة التي فيه تبعا للصفر وأنه ممكن لأنها قليلة وقد يكون في الفلوس في الجملة قليل فضة فثبتت التبعية بدلالة التعامل
ومثل هذه الدلالة لم توجد فيما إذا تعاملوا بها وزنا لا عددا فبقيت وزنية فلا يجوز استقراضه عددا وان تعامل الناس بها
عددا لان هناك لا يمكن جعل الفضة تبعا للغش لأنها أكثر منه أو مثله والكثير لا يكون تبعا للقليل ومثل هذا الشئ
لا يكون تبعا أيضا فبقيت على الصفة الأصلية الثابتة لها شرعا وهي كونها وزنية فلا يجوز استقراضها مجازفة كما لا يجوز
بيع بعضها ببعض مجازفة وكذا الشراء بالدراهم المغشوشة من الأنواع الثلاثة عددا حكمه حكم الاستقراض سواء
197

فلا يجوز الشراء بالنوع الأول الا وزنا لأنها في حكم الجياد وانها وزنية فلم يجز الشراء بها الا وزنا إذا لم يكن مشار إليها
وكذلك بالنوع الثالث لما ذكرنا في الاستقراض وأما النوع الثالث فالامر فيه على التفصيل الذي ذكرناه في
الاستقراض ان الناس إن كانوا يتبايعون بها وزنا لا عددا لا يجوز لاحد أن يبتاع بها عددا لان الوزن صفة أصلية
للدراهم وإنما تصير عددية بتعامل الناس فان جرى التعامل بها وزنا لا عددا فقد تقررت الصفة الأصلية وبقيت وزنية
فإذا اشترى بها عددا على غير وزن والعدد هدر ولم توجد الإشارة فقد بقي الثمن مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة لأنه
لا يدرى ما وزن هذا القدر من العدد المسمى فيوجب فساد العقد بخلاف ما إذا اشترى بها عددا على غير وزن ولكن
أشار إليها فيما يكتفى فيه بالإشارة حيث يجوز لان مقدار وزنها وإن كان مجهولا بعد الإشارة إليها لكن هذه جهالة لا تفضى
إلى المنازعة لأنه يمكن معرفة مقدار المشار إليه بالوزن إذا كان قائما فلا يمنع جواز العقد وإن كانوا يتبايعون بها عددا جاز
لأنها صارت عددية بتعامل الناس وصارت كالفلوس الرائجة هذا إذا اشترى بالأنواع الثلاثة عددا على وزن ولم يعينها
فاما إذا عينها واشترى بها عرضا بأن قال اشتريت هذا العرض بهذه الدراهم وأشار إليها فلا شك في جواز الشراء بها
ولا تتعين بالإشارة إليها ولا يتعلق العقد بعينها حتى لو هلكت قبل أن ينقدها المشترى لا يبطل البيع ويعطى مكانها مثلها
من جنسها ونوعها وقدرها وصفتها (أما) النوع الأول فلأنها بمنزلة الدراهم الجياد وانها لا تتعين بالإشارة إليها ولا يبطل
البيع بهلاكها فكذا هذه (وأما) النوع الثاني فلان الصفة فيها إن كانت هي الغالبة على ما يقوله السباكون فهي
في حكم النوع الأول وان لم يغلب أحدهما على الآخر يعتبر كل واحد منهما بحياله فلا يبطل البيع أيضا لان اعتبار
الفضة لا يوجب البطلان لأنها لا تتعين واعتبار الصفر يوجب لأنه يتعين فلا يبطل بالشك (وأما) النوع الثالث
فلان الناس إن كانوا يتعاملون بها وزنا فهي وسائر الدراهم سواء فلا تتعين بالإشارة ويتعلق العقد بمثلها في الذمة لا بعينها
فلا يبطل البيع بهلاكها وإن كانوا يتعاملون بها عددا فهي بمنزلة الفلوس الرائجة وأنها إذا قوبلت بخلاف جنسها في
المعاوضات لا تتعين ولا يتعلق العقد بعينها بل بمثلها عددا ولا يبطل بهلاكها كذا هذا ولو كسد هذا النوع من الدراهم
وصارت لا تروج بين الناس فهي بمنزلة الفلوس الكاسدة والستوق والرصاص حتى تتعين بالإشارة إليها ويتعلق
العقد بعينها حتى يبطل العقد بهلاكها قبل القبض لأنها صارت سلعة لكن قالوا هذا إذا كان العاقدان عالمين بحال هذه
ويعلم كل واحد منهما ان الآخر يعلم بذلك فاما إذا كانا لا يعلمان أو يعلم أحدهما ولم يعلم الآخر أو يعلمان لكن لا
يعلم كل واحد منهما ان صاحبه يعلم قان العقد لا يتعلق بالمشار إليه ولا بجنسا وإنما يتعلق بالدراهم الرائجة التي عليها تعامل
الناس في تلك البلد هذا إذا صارت بحيث لا تروج أصلا فاما إذا كانت يقبلها البعض دون البعض فحكمها حكم الدراهم
الزائفة فيجوز الشراء بها ولا يتعلق العقد بعينها بل يتعلق بجنس تلك الدراهم الزيوف إن كان البائع يعلم بحالها خاصة لأنه
رضى بجنس الزيوف وإن كان البائع لا يعلم لا يتعلق العقد بجنس المشار إليه وإنما يتعلق بالجيد من نقد تلك البلد لأنه لم
يرض الا به إذا كان لا يعلم بحالها والله سبحانه وتعالى أعلم ثم إنما لا يبطل البيع بهلاك الدراهم في الأنواع الثلاثة بعد
الإشارة إليها إذا كان علم عددها أو وزنها قبل الهلاك لأنه إذا كان علم ذلك يمكن اعطاء مثلها بعد هلاكها فاما
إذا كان لم يعلم لا عددها ولا وزنها حتى هلكت يبطل البيع لان الثمن صار مجهولا إذ المشترى لا يمكنه اعطاء
مثل الدراهم المشار إليها (ومنها) الخلو من شبهة الربا لان الشبهة ملحقة بالحقيقة في باب الحرمات احتياطا وأصله
ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لوابصة بن معبد رضي الله عنه الحلال بين والحرام بين
وبينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك وعلى هذا يخرج ما إذا باع رجل شيئا نقدا أو نسيئة وقبضه
المشترى ولم ينقد ثمنه انه لا يجوز لبائعه ان يشتريه من مشتريه بأقل من ثمنه الذي باعه منه عندنا وعند الشافعي
رحمه الله يجوز (وجه) قوله إن هذا بيع استجمع شرائط جوازه وخلا عن الشروط المفسدة إياه فلا معنى للحكم
بفساده كما إذا اشتراه بعد نقد الثمن ولنا ما روى أن امرأة جاءت إلى سيدتنا عائشة رضي الله عنها وقالت انى ابتعت
198

خادما من زيد بن أرقم بثمانمائة ثم بعتها منه بستمائة فقالت سيدتنا عائشة رضي الله عنها بئس ماشريت وبئس
ما اشتريت أبلغي زيد ان الله تعالى قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لم يتب (ووجه) الاستدلال
به من وجهين أحدهما انها ألقت بزيد وعيدا لا يوقف عليه بالرأي وهو بطلان الطاعة بما سوى الردة فالظاهر أنها
قالته سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يلتحق الوعيد الا بمباشرة المعصية فدل على فساد البيع لان البيع
الفاسد معصية والثاني انها رضي الله عنها سمت ذلك بيع سوء وشراء والفاسد هو الذي يوصف بذلك
لا الصحيح ولان في هذا البيع شبهة الربا لان الثمن الثاني يصير قصاصا بالثمن الأول فبقي من الثمن الأول زيادة
لا يقابلها عوض في عقد المعاوضة وهو تفسير الربا الا أن الزيادة ثبتت بمجموع العقدين فكان الثابت بأحدهما
شبهة الربا والشبهة في هذا الباب ملحقة بالحقيقة بخلاف ما إذا نقد الثمن لان المقاصة لا تتحقق فلا تتمكن
الشبهة بالعقد ولو نقد الثمن كله الا شيئا قليلا فهو على الخلاف ولو اشترى ما باع بمثل ما باع قبل نقد الثمن جاز بالاجماع
لانعدام الشبهة وكذا لو اشتراه بأكثر مما باع قبل نقد الثمن ولان فساد العقد معدول به عن القياس وإنما عرفناه بالأثر
والأثر جاء في الشراء بأقل من الثمن الأول فبقي ما وراءه على أصل القياس هذا إذا اشتراه بجنس الثمن الأول فان
اشتراه بخلاف الجنس جاز لان الربا لا يتحقق عند اختلاف الجنس الا في الدراهم والدنانير خاصة استحسانا
والقياس أن لا يجوز لأنهما جنسان مختلفان حقيقة فالتحقا بسائر الأجناس المختلفة (وجه) الاستحسان انهما في
الثمنية كجنس واحد فيتحقق الربا بمجموع العقدين فكان في العقد الثاني شبهة الربا وهي الربا من وجه ولو تعيب
المبيع في يد المشترى فباعه من بائعه بأقل مما باعه جاز لان نقصان الثمن يكون بمقابلة نقصان العيب فيلتحق النقصان
بالعدم كأنه باعه بمثل ما اشتراه فلا تتحقق شبهة الربا ولو خرج المبيع من ملك المشتري فاشتراه البائع من المالك الثاني
بأقل مما باعه قبل نقد الثمن جاز لان اختلاف الملك بمنزلة اختلاف العين فيمنع تحقق الربا ولو مات المشترى فاشتراه
البائع من وارثه بأقل مما باع قبل نقد الثمن لم يجز لان الملك هناك لم يختلف وإنما قام الوارث مقام المشترى بدليل انه
يرد بالعيب ويرد عليه وكذا لو كان المبيع جارية فاستولدها الوارث أو كان دارا فبنى عليها ثم ورد الاستحقاق
فأخذ منه قيمة الولد ونقض عليه البناء كان للوارث أن يرحع على بائع المورث بقيمة الولد وقيمة البناء كما كان يرجع
المشترى لو كان حيا لان الوارث قائم مقام المشترى فكان الشراء منه بمنزلة الشراء من المشترى فرق بين هذا وبين
ما إذا مات البائع فاشترى وارثه من المشترى بأقل مما باع قبل نقد الثمن أنه يجوز إذا كان الوارث ممن تجوز شهادته
للبائع في حال حياله (ووجه) الفرق أن الوارث يقوم مقام المورث فيما ورثه ووارث المشترى ورث عين المبيع فقام
مقامه في عينه فكان الشراء منه كالشراء من المشترى فلم يجز ووارث البائع ورث الثمن والثمن في ذمة المشتري وما
عين في ذمة المشتري لا يحتمل الإرث فلم يكن ذلك عين ما ورثه عن البائع فلم يكن وارث البائع مقامه فيما ورثه وروى
عن أبي يوسف رحمة الله انه لا يجوز الشراء من وارث البائع كما لا يجوز الشراء من وارث المشترى لان الوارث خلف
المورث فالمشترى قائم مقامه كأنه هو ولو باعه المشترى من غيره فعاد المبيع إلى ملكه فاشتراه بأقل مما باع فهذا لا يخلو
اما ان عاد إليه بملك جديد واما ان عاد إليه على حكم الملك فان عاد إليه بملك جديد كالشراء والهبة والميراث والإقالة
قبل القبض وبعده والرد بالعيب بعد القبض بغير قضاء القاضي ونحو ذلك من أسباب تجديد الملك جاز الشراء منه بأقل
مما باع لان اختلاف الملك بمنزلة اختلاف العين وان عاد إليه على حكم الملك الأول كالرد بخيار الرؤية والرد بخيار الشرط
قبل القبض وبعده بقضاء القاضي وبغير قضاء القاضي والرد بخيار العيب قبل القبض بقضاء القاضي وبغير قضاء
القاضي وبعد القبض بقضاء القاضي لا يجوز الشراء منه بأقل مما باع لان الرد في هذه المواضع يكون فسخا والفسخ
يكون رفعا من الأصل وإعادة إلى قديم الملك كأنه لم يخرج عن ملكه أصلا ولو كان كذلك لكان لا يجوز له الشراء
فكذا هذا ولو لم يشتره البائع لكن اشتراه بعض من لا تجوز شهادته له كالوالدين والمولودين والزوج والزوجة
199

لا يحوز عند أبي حنيفة رحمه الله كما لا يجوز من البائع وعند أبي يوسف ومحمد يجوز كما يجوز من الأجنبي (وجه)
قولهما ان كل واحد منهما أجنبي عن ملك صاحبه لانفصال ملكه عن ملك صاحبه فيقع عقد كل واحد منهما له
لا لصاحبه كسائر الأجانب ثم شراء الأجنبي لنفسه جائز فكذا شراؤه لصاحبه ولأبي حنيفة رحمه الله ان كل واحد
منهما يبيع بمال صاحبه عادة حتى لا تقبل شهادة أحدهما لصاحبه فكان معنى ملك كل واحد منهما ثابتا لصاحبه
فكان عقده واقعا لصاحبه من وجه فيؤثر في فساد العقد احتياطا في باب الربا ولو باع المولى ثم اشتراه مدبره أو مكاتبه
أو بعض مماليكه ولا دين عليه أو عليه دين بأقل مما باع المولى لا يجوز كما لا يجوز عن المولى وكذا لو باع المدبر أو
المكاتب أو بعض مماليكه ثم اشتراه المولى لا يجوز لان عقد هؤلاء يقع للمولى من وجه ولو كان وكيلا فباع واشترى
بأقل مما باع قبل نقد الثمن لا يجوز كما لو باع واشترى الموكل لنفسه لان المانع تمكن شبهة الربا وأن لا يفصل بين
الوكيل والموكل ولذا سيدتنا عائشة رضي الله عنها لم تستفسر السائلة انها مالكة أو وكيلة ولو كان الحكم يختلف
لاستفسرت وكذا لو باع الوكيل ثم اشتراه الموكل لم يجز لأنه لو اشتراه وكيله لم يجز فإذا اشتراه بنفسه أولى أن لا يجوز
وكذا لو باعه الوكيل ثم اشتراه بعض من لا تجوز شهادة الوكيل له أو بعض من لا تجوز شهادة الموكل له لم يجز عند أبي
حنيفة رحمه الله وعندهما يجوز على ما مر ولو باع ثم وكل بنفسه انسانا بان يشترى له ذلك الشئ بأقل مما باع قبل نقد
الثمن فاشتراه الوكيل فهو جائز للوكيل والثمنان يلتقيان قصاصا والزيادة من الثمن الأول لا تطيب للبائع ويكون ملكا
له وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف التوكيل فاسد ويكون الوكيل مشتريا لنفسه وقال محمد التوكيل صحيح الا
انه إذا اشتراه الوكيل يكون مشتريا للبائع شراء فاسدا ويملكه البائع ملكا فاسدا وهذا بناء على أصل لهم فأصل أبي حنيفة
انه ينظر إلى العاقد ويعتبر أهليته ولا يعتبر أهلية من يقع له حكم العقد ولهذا قال إن المسلم إذا وكل ذميا بشراء الخمر أو
بيعها انه يجوز وكذا المحرم إذا وكل حلالا ببيع صيد له أو بشراء صيد جاز التوكيل عنده وتعتبر أهلية الوكيل وأصل
أبى يوسف ومحمد انهما يعتبران أهلية العقد للعقد والمعقود له جميعا حتى لم يجز التوكيل عندهما في المسئلتين الا أن محمدا
خالف أبا يوسف في هذه المسألة وترك أصله حيث قال بصحة التوكيل ولم ينظر إلى الموكل وعلى هذا الخلاف إذا
وكل المسلم ذميا بان يشترى له من ذمي عبده بخمر وغير ذلك العبد ففعل الوكيل صح الشراء عند أبي حنيفة ويكون العبد
للموكل وعلى الوكيل للبائع الخمر وهو يرجع بقيمة الخمر على موكله وعند أبي يوسف التوكيل فاسد ويكون الوكيل
مشتريا لنفسه وعند محمد التوكيل صحيح ويكون مشتريا للموكل شراء فاسدا ولو باع بألف درهم حالة ثم اشتراه بألف
درهم مؤجلة فالشراء فاسد لأنه اشترى ما باع بأقل مما باع من حيث المعنى لان الحالة خير من المؤجلة وكذا لو باع
بألف مؤجلة ثم اشتراه بألف مؤجلة إلى أبعد من ذلك الأجل فهو فاسد لما قلنا ولو باع عبدا بألف وقبضه المشترى
ثم اشتراه البائع وعبدا آخر قبل نقد الثمن فان الثمن يقسم عليهما على قدر قيمتيهما ثم ينظر فإن كانت حصة العبد الذي
باعه مثل ثمنه أو أكثر جاز الشراء فيهما جميعا أما في الذي لم يبعه فظاهر وكذا في الذي باعه لأنه اشترى ما باع بمثل
ما باع أو بأكثر مما باع قبل نقد الثمن وانه جائز وإن كان أقل من ثمنه يفسد البيع فيه ولا يفسد في الآخر لان
الفساد لكونه شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن وذلك وجد في أحدهما دون الآخر وهذا على أصلهما ظاهر
وكذا على أصل أبي حنيفة فكان ينبغي أن يفسد فيهما لان من أصله ان الصفقة متى اشتملت على ابدال وفسدت في
بعضها أن يتعدى الفساد إلى الكل كما إذا جمع بين حر وعبد وباعهما جميعا صفقة واحدة وإنما لم يفسد فيهما لان
الفساد هناك باعتبار انه لما جمع بين الحر والعبد وباعهما صفقة واحدة فقد جعل قبول العقد في أحدهما شرطا لقبول
العقد في الآخر والحر ليس بمحل لقبول العقد فيه بيقين فلا يصح القبول فيه فلا يصح في الآخر فلم ينعقد العقد أصلا
والفساد ههنا باعتبار شراء ما باع بأقل مما باع وذلك وجد في أحدهما دون الآخر فيفسد في أحدهما دون الآخر لان
الأصل اقتصار الفساد على قدر المفسد ولهذا لو جمع بين عبدين وباع أحدهما إلى الحصاد أو الدياس أن البيع يفسد فيما
200

في بيعه أجل ولا يفسد في الآخر وكذا لو جمع بين قن ومدبر وباعهما صفقة واحدة يصح البيع في القن ويفسد
في المدبر لوجود المفسد في أحدهما دون الآخر كذا هذا (ومنها) قبض رأس المال في بيع الدين بالعين وهو السلم
والكلام في السلم في الأصل في ثلاثة مواضع أحدها في بيان ركنه والثاني في بيان شرائط الركن والثالث في بيان
ما يجوز من التصرف في المسلم فيه وما لا يجوز أما ركن السلم فهو لفظ السلم والسلف والبيع بأن يقول رب السلم أسلمت
إليك في كذا أو أسلفت لان السلم والسلف مستعملان بمعنى واحد يقال سلفت وأسلفت وأسلمت بمعنى واحد
فإذا قال المسلم إليه قبلت فقد تم الركن وكذا إذا قال المسلم إليه بعت منك كذا وذكر شرائط السلم فقال رب
السلم قبلت وهذا قول علمائنا الثلاثة وقال زفر لا ينعقد الا بلفظ السلم لان القياس أن لا ينعقد أصلا لأنه بيع
ما ليس عند الانسان وانه منهى عنه الا ان الشرع ورد بجوازه بلفظ السلم بقوله ورخص في السلم (ولنا) ان
السلم بيع فينعقد بلفظ البيع والدليل على أنه بيع ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند
الانسان ورخص في السلم نهى عليه الصلاة والسلام عن بيع ما ليس عند الانسان عاما ورخص السلم بالرخصة فيه
فدل ان السلم بيع ما ليس عند الانسان ليستقيم تخصيصه عن عموم النهى بالترخص فيه
(فصل) وأما شرائط الركن فهي في الأصل نوعان نوع يرجع إلى نفس العقد ونوع يرجع إلى البدل (أما)
الذي يرجع إلى نفس العقد فواحد وهو أن يكون العقد باتا عاريا عن شرط الخيار للعاقدين أو لأحدهما لأن جواز البيع
مع شرط الخيار في الأصل ثبت معدولا به عن القياس لأنه شرط يخالف مقتضى العقد بثبوت الحكم للحال
وشرط الخيار يمنع انعقاد العقد في حق الحكم ومثل هذا الشرط مفسد للعقد في الأصل الا انا عرفنا جوازه بالنص
والنص ورد في بيع العين فبقي ما وراءه على أصل القياس خصوصا إذا لم يكن في معناه والسلم ليس في معنى بيع العين
فيما شرع له الخيار لأنه شرع لدفع الغبن والسلم مبناه على الغبن ووكس الثمن لأنه بيع المفاليس فلم يكن في معنى مورد
النص فورود النص هناك لا يكون ورودا ههنا دلالة فبقي الحكم فيه للقياس ولان قبض رأس المال من شرائط
الصحة على ما نذكره ولا صحة للقبض الا في الملك وخيار الشرط يمنع ثبوت الملك فيمنع المستحق صحة القبض بخلاف
المستحق انه لا يبطل السلم حتى لو استحق رأس المال وقد افترقا عن القبض وأجاز المستحق فالسلم صحيح لأنه لما أجاز
تبين ان العقد وقع صحيحا من حين وجوده وكذا القبض إذ الإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة وبخلاف خيار
الرؤية والعيب لأنه لا يمنع ثبوت الملك فلا يمنع صحة القبض ولو أبطل صاحب الخيار خياره قبل الافتراق بأبدانهما
ورأس المال قائم في يد المسلم إليه ينقلب العقد جائزا عندنا خلافا لزفر وقد مرت المسألة وإن كان هالكا أو مستهلكا
لا ينقلب إلى الجواز بالاجماع لان رأس المال يصير دينا على المسلم إليه والسلم لا ينعقد برأس مال دين فلا ينعقد عليه
أيضا (وأما) الذي يرجع إلى البدل فأنواع ثلاثة نوع يرجع إلى رأس المال خاصة ونوع يرجع إلى المسلم فيه خاصة
ونوع يرجع إليهما جميعا (أما) الذي يرجع إلى رأس المال فأنواع (منها) بيان جنسه كقولنا دراهم أو دنانير أو حنطة أو
تمر (ومنها) بيان نوعه إذا كان في البلد نقود مختلفة كقولنا دراهم فتحية أو دنانير نيسابورية أو حنطة سقية أو تمر برنى
(ومنها) بيان صفته كقولنا جيدا ووسط أو ردئ لان جهالة الجنس والنوع والصفة مفضية إلى المنازعة وانها
مانعة صحة البيع لما ذكرنا من الوجوه فيما تقدم (ومنها) بيان قدره إذا كان مما يتعلق العقد بقدره من المكيلات
والموزونات والمعدودات المتقاربة ولا يكتفى بالإشارة إليه وهذا قول أبي حنيفة وسفيان الثوري وأحد قولي
الشافعي وقال أبو يوسف ومحمد ليس بشرط والتعيين بالإشارة كاف وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله ولو كان رأس
المال مما لا يتعلق العقد بقدره من الذرعيات والعدديات المتفاوتة لا يشترط اعلام قدره ويكتفى بالإشارة بالاجماع
وكذا اعلام قدر الثمن في بيع العين ليس بشرط والإشارة كافية بالاجماع وصورة المسألة إذا قال أسلمت إليك هذه
الدراهم أو هذه الدنانير ولا يعرف وزنها أو هذه الصبرة ولم يعرف كيلها لا يجوز عند أبي حنيفة وعندهما يجوز ولو قال
201

أسلمت إليك هذا الثوب ولم يعرف ذرعه أو هذا القطيع من الغنم ولم يعرف عدده جاز بالاجماع (وجه) قولهما ان
الحاجة إلى تعيين رأس المال وانه حصل بالإشارة إليه فلا حاجة إلى اعلام قدره ولهذا لم يشترط اعلام قدر الثمن في
بيع العين ولا في السلم إذا كان رأس المال مما يتعلق العقد بقدره ولأبي حنيفة رحمه الله ان جهالة قدر رأس المال
تؤدى إلى جهالة قدر المسلم فيه وانها مفسدة للعقد فيلزم اعلام قدره صيانة للعقد عن الفساد ما أمكن كما إذا أسلم في
المكيل بمكيال نفسه بعينه ودلالة انها تؤدى إلى ما قلنا إن الدراهم على ما عليه العادة لا تخلو عن قليل زيف وقد يرد
الاستحقاق على بعضها فإذا رد الزائف ولم يستبدل في مجلس الرد ولم يتجوز المستحق ينفسخ السلم في المسلم فيه بقدر
المردود والمستحق ويبقى في الباقي وذلك غير معلوم فيصير المسلم فيه مجهول القدر ولهذا لم يصح السلم في المكيلات
بقفيز بعينه لأنه يحتمل هلاك القفيز فيصير المسلم فيه مجهول القدر فلم يصح كذا هذا بخلاف بيع العين فان الزيف
والاستحقاق هناك لا يؤثر في العقد لان قبض الثمن غير مستحق وبخلاف الثياب والعدديات المتفاوتة لان القدر
فيها ملحق بالصفة الا ترى انه لو قال أسلمت إليك هذا الثوب على أنه عشرة أذرع فوجده المسلم إليه أحد عشر سلمت
الزيادة له فثبت ان الزيادة فيها تجرى مجرى الصفة واعلام صفة رأس المال ليس بشرط لصحة السلم إذا كان معينا
مشارا إليه وعلى هذا الخلاف إذا كان رأس المال جنسا واحدا مما يتعلق العقد على قدره فأسلمه في جنسين مختلفين
كالحنطة والشعير أو نوعين مختلفين من جنس واحد كالهروي والمروى ولم يبين حصة كل واحد منهما فالسلم فاسد
عند أبي حنيفة وعندهما جائز ولو كان جنسا واحدا مما لا يتعلق العقد على قدره كالثوب والعددي المتفاوت فأسلمه
في شيئين مختلفين ولم يبين حصة كل واحد منهما من ثمن رأس المال فالثمن جائز بالاجماع ولو كان رأس المال من
جنسين مختلفين أو نوعين مختلفين فأسلمهما في جنس واحد فهو على الاختلاف والكلام في هذه المسألة بناء على
الأصل الذي ذكرنا ان كون رأس المال معلوم القدر شرط لصحة السلم عند أبي حنيفة وعندهما ليس بشرط (ووجه)
البناء على هذا الأصل ان اعلام القدر لما كان شرطا عنده فإذا كان رأس المال واحدا وقوبل بشيئين مختلفين كان
انقسامه عليهما من حيث القيمة لا من حيث الاجزاء وحصة كل واحد منهما من رأس المال لا تعرف الا بالحزر
والظن فيبقى قدر حصة كل واحد منهما من رأس المال مجهولا وجهالة قدر رأس المال مفسدة للسلم عنده وعندهما
اعلام قدره ليس بشرط فجهالته لا تكون ضارة ولو أسلم عشرة دراهم في ثوبين جنسهما واحد ونوعهما واحد
وصفتهما واحدة وطولهما واحد ولم يبين حصة كل واحد منهما من العشرة فالسلم جائز بالاجماع (اما عندهما) فظاهر
لان اعلام قدر رأس المال ليس بشرط وأما عنده فلان حصة كل واحد منهما من رأس المال تعرف من غير حزر
وظن فكان قدر رأس المال معلوما وصار كما إذا أسلم عشرة دراهم في قفيزي حنطة ولم يبين حصة كل قفيز من رأس
المال انه يجوز لما قلنا كذا هذا ولو قبض الثوبين بعد محل الأجل ليس له أن يبيع أحدهما مرابحة على خمسة دراهم
عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد له ذلك وله أن يبيعهما جميعا مرابحة على عشرة بالاجماع وكذا لو كان بين حصة
كل ثوب خمسة دراهم له أن يبيع أحدهما على خمسة مرابحة بلا خلاف ونذكر دلائل هذه الجملة في مسائل المرابحة إن شاء الله
تعالى (ومنها) أن يكون مقبوضا في مجلس السلم لان المسلم فيه دين والافتراق لا عن قبض رأس المال يكون
افتراقا عن دين بدين وانه منهى عنه لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ أي
النسيئة بالنسيئة ولان مأخذ هذا العقد دليل على هذا الشرط فإنه يسمى سلما وسلفا لغة وشرعا تقول العرب أسلمت
وأسلفت بمعنى واحد وفى الحديث من أسلم فليسلم في كيل معلوم وروى من سلف فليسلف في كيل معلوم والسلم
ينبئ عن التسليم والسلف ينبئ عن التقدم فيقتضى لزوم تسليم رأس المال ويقدم قبضه على قبض المسلم فيه فان قيل
شرط الشئ يسبقه أو يقارنه والقبض يعقب العقد فكيف يكون شرطا فالجواب ان القبض شرط بقاء العقد على
الصحة لا شرط الصحة فان العقد ينعقد صحيحا بدون قبض ثم يفسد بالافتراق لا عن قبض وبقاء العقد صحيحا يعقب
202

العقد ولا يتقدمه فيصلح القبض شرطا له وسواء كان رأس المال دينا أو عينا عند عامة العلماء استحسانا والقياس ان
لا يشترط قبضه في المجلس إذا كان عينا وهو قول مالك رحمه الله (وجه) القياس ان اشتراط القبض للاحتراز عن
الافتراق عن دين بدين وهذا افتراق عن عين بدين وانه جائز (وجه) الاستحسان ان رأس مال السلم يكون دينا عادة
ولا تجعل العين رأس مال السلم الا نادرا والنادر حكمه حكم الغالب فيلحق بالدين على ما هو الأصل في الشرع في الحاق
المفرد بالجملة ولان مأخذ العقد في الدلالة على اعتبار هذا الشرط لا يوجب الفصل بين الدين والعين على ما ذكرنا وسواء
قبض في أول المجلس أو في آخره فهو جائز لان ساعات المجلس لها حكم ساعة واحدة وكذا لو لم يقبض حتى قاما يمشيان
فقبض قبل أن يفترقا بأبدانهما جاز لان ما قبل الافتراق بأبدانهما له حكم المجلس وعلى هذا يخرج الابراء عن رأس
مال السلم انه لا يجوز بدون قبول رب السلم لان قبض رأس المال شرط صحة السلم فلو جاز الابراء من غير قبوله وفيه
اسقاط هذا الشرط أصلا لكان الابراء فسخا معنى وأحد العاقدين لا ينفرد بفسخ العقد فلا يصح الابراء وبقى عقد
السلم على حاله وإذا قبل جاز الابراء لان الفسخ حينئذ يكون بتراضيهما وانه جائز وإذا جاز الابراء وانه في معنى الفسخ
انفسخ العقد ضرورة بخلاف الابراء عن المسلم فيه انه جائز من غير قبول المسلم إليه لأنه ليس في الابراء عنه اسقاط
شرط لان قبض المسلم فيه ليس بشرط فيصح من غير قبول وبخلاف الابراء عن ثمن المبيع انه يصح من غير قبول
المشترى الا انه يرتد بالرد لان قبض الثمن ليس بشرط لصحة البيع الا انه يرتد بالرد لان في الابراء معنى التمليك على
سبيل التبرع فلا يلزم دفعا لضرر المنة ولا يجوز الابراء عن المبيع لأنه عين والابراء اسقاط واسقاط الأعيان
لا يعقل وعلى هذا يخرج الاستبدال برأس مال السلم في مجلس العقد انه لا يجوز وهو ان يأخذ برأس مال السلم شيئا
من غير جنسه لان قبض رأس المال لما كان شرطا فبالاستبدال يفوت قبضه حقيقة وإنما يقبض بدله وبدل الشئ
غيره وكذلك الاستبدال ببدل الصرف لما قلنا فان أعطى رب السلم من جنس رأس المال أجود أو أردأ أو رضى
المسلم إليه بالأردأ جاز لأنه قبض جنس حقه وإنما اختلف الوصف فإن كان أجود فقد قضى حقه وأحسن في القضاء
وإن كان أردأ فقد قضى حقه أيضا لكن على وجه النقصان فلا يكون أخذ الأجود والأردأ استبدالا الا انه لا يجبر على
أخذ الأردأ لان فيه فوات حقه عن صفة الجودة فلا بد من رضاه وهل يجبر على الاخذ إذا أعطاه أجود من حقه قال
علماؤنا الثلاثة رحمهم الله يجبر عليه وقال زفر لا يجبر (وجه) قوله إن رب السلم في اعطاء الزيادة على حقه متبرع والمتبرع
عليه لا يجبر على قبول التبرع لما فيه من الزام المنة فلا يلزمه من غير التزامه (ولنا) ان اعطاء الأجود مكان الجيد في قضاء
الديون لا يعد فضلا وزيادة في العادات بل يعد من باب الاحسان في القضاء ولواحق الايفاء فإذا أعطاه الأجود فقد
قضى حق صاحب الحق وأجمل في القضاء فيجبر على الاخذ (وأما) الاستبدال بالمسلم فيه بجنس آخر فلا يجوز أيضا
لكن بناء على أصل آخر ذكرناه فيما تقدم وهو ان المسلم فيه مبيع منقول وبيع المبيع المنقول قبل القبض لا يجوز وان
أعطى أجود أو أردأ فحكمه حكم رأس المال وقد ذكرناه (وأما) استبدال رأس مال السلم بجنس آخر بعد الإقالة أو
بعد انفساخ السلم العارض فلا يجوز عندنا خلافا لزفر ويجوز استبدال بدل الصرف بعد الإقالة بالاجماع وقد مر
الكلام فيه والفرق فيما تقدم وتجوز الحوالة برأس مال السلم على رجل حاضر والكفالة به لوجود ركن هذه العقود مع
شرائط فيجوز كما في سائر العقود فلو امتنع الجواز فإنما يمتنع لمكان الخلل في شرط عقد السلم وهو القبض وهذه
العقود لا تخل بهذا الشرط بل تحققه لكونها وسائل إلى استيفاء الحق فكانت مؤكدة له هذا مذهب أصحابنا الثلاثة
رحمهم الله وقال زفر لا يجوز لأن هذه العقود شرعت لتوثيق حق يحتمل التأخر عن المجلس فلا يحصل ما شرع له
العقد فلا يصح وهذا غير سديد لان معنى التوثيق يحصل في الحقين جميعا فجاز العقد فيهما جميعا ثم إذا جازت الحوالة
والكفالة فان قبض المسلم إليه رأس مال السلم من المحال عليه أو الكفيل أو من رب السلم فقد تم العقد بينهما إذا كانا في
المجلس سواء بقي الحويل والكفيل أو افترقا بعد إن كان العاقدان في المجلس وان افترقا العاقدان بأنفسهما قبل القبض
203

بطل السلم وبطلت الحوالة والكفالة وان بقي المحال عليه والكفيل في المجلس فالعبرة لبقاء العاقدين وافتراقهما لا لبقاء
الحويل والكفيل وافتراقهما لان القبض من حقوق العقد وقيام العقد بالعاقدين فكان المعتبر مجلسهما وعلى هذا
الحوالة والكفالة ببدل الصرف انهما جائزان لما قلنا لكن التقابض من الجانبين قبل تفرق العاقدين بأبدانهما شرط
وافتراق المحال عليه والكفيل لا يضر لما ذكرنا فان افترق العاقدان بأبدانهما قبل التقابض من الجانبين بطل الصرف
وبطلت الحوالة والكفالة كما في السلم (وأما) الرهن برأس مال السلم فان هلك الرهن في المجلس وقيمته مثل رأس المال
أو أكثر فقد تم العقد بينهما لأنه حصل مستوفيا لرأس المال لان قبض الرهن قبض استيفاء لأنه قبض مضمون وقد
تقرر الضمان بالهلاك وعلى الراهن مثله من جنسه في المالية فيتقاصان فحصل الافتراق عن قبض رأس المال فتم عقد
السلم وإن كانت قيمته أقل من رأس المال تم العقد بقدره ويبطل في الباقي لأنه استوفى من رأس المال بقدره وان لم
يهلك الرهن حتى افترقا بطل السلم لحصول الافتراق لا عن قبض رأس المال وعليه رد الرهن على صاحبه وكذا هذا
الحكم في بدل الصرف إذا أخذ به رهنا انه ان هلك الرهن قبل افتراق العاقدين بأبدانهما تم عقد الصرف لأنه بالهلاك
صار مستوفيا وان لم يهلك حتى افترقا بطل الصرف لفوات شرط الصحة وهو القبض كما في السلم والله سبحانه وتعالى
أعلم وعلى هذا يخرج ما إذا كان رأس المال دينا على المسلم إليه أو على غيره فاسلمه انه لا يجوز لان القبض شرط ولم
يوجد حقيقة فيكون افتراقا عن دين بدين وانه منهى فان نقده في المجلس جاز إن كان الدين على المسلم إليه ولان المانع
ههنا ليس الا انعدام القبض حقيقة وقد زال وإن كان على غيره لا يجوز وان نقده في المجلس لكن هناك مانع آخر وهو
العجز عن التسليم لان ما في ذمة الغير لا يكون مقدور التسليم والقدرة على التسليم عند العقد من شرائط الصحة على
ما مر وهذا المانع منعدم في الفصل الأول لان ذمة المسلم إليه في يده فكان قادرا على التسليم عند العقد وإنما لم يجز
لعدم القبض وإذا وجد جاز ولو أسلم دينا وعينا وافترقا جاز في حصة العين وبطل في حصة الدين لان الأصل ان الفساد
بقدر المفسد والمفسد عدم القبض وانه يخص الدين فيفسد السلم بقدره كما لو اشترى عبدين ولم يقبضهما حتى هلك
أحدهما قبل القبض انه يبطل العقد في الهالك ويبقى في الآخر لما قلنا كذا هذا وعلى هذا يخرج ما إذا قبض رأس
المال ثم انتقص القبض فيه بمعنى أوجب انتقاصه انه يبطل السلم وبيان ذلك ان جملة رأس المال لا تخلو اما أن تكون
عينا وهو ما يتعين بالتعيين واما أن تكون دينا وهو ما لا يتعين بالتعيين والعين لا تخلو اما أن توجد مستحقا أو معيبا والدين
لا يخلو اما أن يوجد مستحقا أو زيوفا أو نبهرهة أو ستوقا أو رصاصا وكل ذلك لا يخلو اما أن يكون قبل الافتراق أو
بعده وجد كله كذلك أو بعضه دون بعض وكذلك أحد المتصارفين إذا وجد بدل الصرف كذلك فهو على
التفاصيل التي ذكرنا فإن كان رأس المال عينا فوجده المسلم إليه مستحقا أو معيبا فإن لم يجز المستحق ولم يرض المسلم إليه
بالعيب يبطل السلم سواء كان بعد الافتراق أو قبله لأنه انتقض القبض فيه بالاستحقاق والرد بالعيب ولا يمكن إقامة
غيره مقامه في القبض لأنه معين فيحصل الافتراق لا عن قبض رأس المال في المجلس فيبطل السلم وان أجاز
المستحق ورضى المسلم إليه بالعيب جاز السلم سواء كان قبل الافتراق أو بعده لأنه تبين ان قبضه وقع صحيحا فحصل
الافتراق عن قبض رأس المال أولا ولا سبيل للمستحق على المقبوض لأنه لما أجاز فقد صار المقبوض ملكا للمسلم
إليه وله أن يرجع على الناقد بمثله إن كان مثليا وبقيمته ان لم يكن مثليا لأنه أتلف عليه ماله بالتسليم وكذا في الصرف غير
أن هناك إذا كان البدل المستحق أو المعيب عينا كالتبر والمصوغ من الفضة ولم يجز المستحق ولا رضى القابض
بالمعيب حتى بطل الصرف يرجع على قابض الدينار بعين الدينار إن كان قائما وبمثله إن كان هالكا ولا خيار لقابض
الدينار في ظاهر الرواية كما في بيع العين إذا استحق المبيع وأخذه المستحق ولو كان قابض الدينار تصرف فيه وأخرجه
من ملكه لا يفسخ عليه تصرفه وعليه مثله كما في المقبوض بعقد فاسد هذا إذا كان رأس المال عينا فاما إذا كان دينا
فان وجده مستحقا وأجاز المستحق فالسلم ماض سواء كان قبل الافتراق أو بعده لأنه ظهر ان القبض كان صحيحا ولا
204

سبيل للمشترى على المقبوض ويرجع على الناقد بمثله لأنه أتلفه بالتسليم وهو مثلي فيرجع عليه بمثله وان لم يجز فإن كان
قبل الافتراق واستبدل في المجلس فالسلم ماض لان رأس المال إذا كان دينا كان الواجب في ذمة رب السلم مثل
المستحق لا عينه فقبض المستحق ان لم يصح أو انتقض بالاستحقاق وعدم الإجازة يقوم قبض مثله مقامه فيرجع عليه
بمثله ويلحق ذلك الذي كان بالعدم كأنه لم يقبض وأخر القبض فيه إلى آخر المجلس بخلاف ما إذا كان عينا لان
المستحق هناك قبض العين وقد انتقض القبض فيه بالاستحقاق وتعذر إقامة قبض غيره مقامه فجعل الافتراق لا عن
قبض فيبطل العقد وإن كان بعد الافتراق يبطل السلم لأنه تبين ان الافتراق حصل لا عن قبض رأس المال هذا إذا
وجده مستحقا فاما إذا وجده زيوفا أو نبهرجة فان تجوز المسلم إليه فالسلم ماض على الصحة سواء وجده قبل الافتراق
أو بعده لان الزيوف من جنس حقه لأنها دراهم لكنها معيبة بالزيافة وفوات صفة الجودة فإذا تجوز به فقد أبرأه عن
العيب ورضى بقبض حقه مع النقصان بخلاف الستوق فإنه لا يجوز وان تحوز به لأنه ليس من جنس الدراهم على
ما نذكره وان لم يتجوز به ورده فإن كان قبل الافتراق واستبدله في المجلس فالعقد ماض وجعل كأنه أخر القبض إلى
آخر المجلس وإن كان بعد الافتراق بطل السلم عند أبي حنيفة وزفر سواء استبدل في مجلس الرد أو لا وعند أبي يوسف
ومحمد ان لم يستبدل في مجلس الرد فكذلك وان استبدل لا يبطل السلم (وجه) قولهما ان قبض الزيوف وقع صحيحا
لأنه قبض جنس الحق الا يرى أنه لو تجوز بها جاز ولو لم يكن من جنس حقه لما جاز كالستوق الا انه فاتته صفة الجودة
بالزيافة فكانت من جنس حقه أصلا لا وصفا فكانت الزيافة فيها عيبا والمعيب لا يمنع صحة القبض كما في بيع العين إذا
كان المبيع معيبا وبالرد ينتقض القبض لكن مقصورا على حالة الرد ولا يستند الانتقاض إلى وقت القبض فيبقى
القبض صحيحا كان ينبغي ان لا يشترط قبض بدله في مجلس الرد لان المستحق بعقد السلم القبض مرة واحدة الا انه
شرط لان للرد شبها بالعقد حيث لا يجب القبض في مجلس الرد الا بالرد كما لا يجب القبض في مجلس العقد الا بالعقد
فالحق مجلس الرد بمجلس العقد (وجه) قول أبي حنيفة وزفر رحمهما الله ان الزيوف من جنس حق المسلم إليه لكن
أصلا لا وصفا ولهذا ثبت له حق الرد بفوات حقه عن الوصف فكان حقه في الأصل والوصف جميعا فصار بقبض
الزيوف قابضا حقه من حيث الأصل لا من حيث الوصف الا انه الا إذا رضى به فقد أسقط حقه عن الوصف
وتبين ان المستحق هو قبض الأصل دون الوصف لابرائه إياه عن الوصف فإذا قبضه فقد قبض حقه فيبطل
المستحق وان لم يرض به تبين انه لم يقبض حقه لان حقه في الأصل والوصف جميعا فتبين ان الافتراق حصل لا عن
قبض رأس مال السلم هذا إذا وجده زيوفا أو نبهرجة فاما إذا وجده ستوقا أو رصاصا فان وجده بعد الافتراق بطل
السلم لان الستوق ليس من جنس الدراهم الا يرى أنها لا تروج في معاملات الناس فلم تكن من جنس حقه أصلا
ووصفا فكان الافتراق عن المجلس لا عن قبض رأس المال فيبطل السلم وسواء تجوز به أو لا لأنه إذا لم يكن من جنس
حقه كان التجوز به استبدالا برأس مال السلم قبل القبض وانه لا يجوز بخلاف الزيوف فإنها من جنس حقه على
ما بينا وان وجده في المجلس فاستبدل فالسلم ماض لان قبضه وان لم يصح فقد بقي الواجب في ذمة رب السلم دراهم
هي حق المسلم إليه فإذا قبضها فقد قبض حقه في المجلس والتحق قبض الستوق بالعدم كأنه لم يقبض أصلا وأخر قبض
رأس المال إلى آخر المجلس وكذا في الصرف غير أن هناك إذا ظهر ان الدراهم ستوقة أو رصاص بعد الافتراق عن
المجلس حتى بطل الصرف فقابض الدينار يسترد دراهمه الستوقة وقابض الدراهم يسترد من قابض الدينار
عين ديناره إن كان قائما ومثله إن كان هالكا ولا خيار لقابض الدينار كذا ذكر محمد في الأصل لأنه إذا ظهر ان
المقبوض ستوقة أو رصاص فقد ظهر ان قبضه لم يصح فتبين ان الافتراق حصل لا عن قبض فيبطل السلم وبقى
الدينار في يده من غير سبب شرعي فأشبه يد الغصب واستحقاق المبيع في بيع العين وهناك يسترد عينه إن كان قائما
كذا ههنا وطعن عيسى بن أبان وقال ينبغي أن يكون قابض الدينار بالخيار ان شاء رد عين الدينار وان شاء
205

رد مثله ولا يستحق عليه رد عين الدينار وإن كان قائما لأنه لم يكن متعينا في العقد فلا يكون متعينا في الفسخ والاعتبار
باستحقاق المبيع غير سديد لان هناك ظهر بطلان العقد من الأصل لأنه إذا لم يجز المستحق تبين ان العقد وقع باطلا
من حين وجوده وهناك العقد وقع صحيحا وإنما بطل في المستقبل لعارض طرأ عليه بعد الصحة فلا يظهر بطلانه من
الأصل وبعض مشايخنا أخذوا بقول عيسى ونصروه وحملوا جواب الكتاب على ما إذا اختار قابض الدينار رد
عين الدينار والله سبحانه وتعالى أعلم هذا الذي ذكرنا إذا وجد المسلم إليه كل رأس المال مستحقا أو معيبا أو زيوفا
أو ستوقا فأما إذا وجد بعضه دون بعض ففي الاستحقاق إذا لم يجز المستحق ينقص العقد بقدر المستحق سواء كان
رأس المال عينا أو دينا بلا خلاف لان القبض انتقص فيه بقدره وكذا في الستوق والرصاص فبطل العقد بقدره
قليلا كان أو كثيرا بالاجماع لما قلنا وكذا هذا في الصرف غير أن هناك قابض الستوقة يصير شريكا لقابض الدينار
في الدينار الذي دفعه بدلا عن الدراهم فيرجع عليه بعينه وعلى قول عيسى قابض الدينار بالخيار على ما ذكرنا وأما في
الزيوف والنبهرجة فقياس قول أبي حنيفة رحمه الله أن ينقص العقد بقدره إذا لم يتجوز ورده استبدل في
مجلس الرد أو لا وهو قول زفر لأنه تبين ان قبض المردود لم يصح فتبين ان الافتراق حصل لا عن قبض رأس المال في
قدر المردود فيبطل السلم بقدره الا أنه استحسن في القليل وقال إن كان قليلا فرده واستبدل في ذلك المجلس فالعقد
ماض في الكل وإن كان كثيرا يبطل العقد بقدر المردود لان الزيافة في القليل مما لا يمكن التحرز عنه لان الدراهم لا تخلو
عن ذلك فكانت ملحقة بالعدم بخلاف الكثير واختلفت الرواية عن أبي حنيفة في الحد الفاصل بين القليل والكثير
مع اتفاق الروايات على أن الثلث قليل وفى رواية عنه ان ما زاد على الثلث يكون كثيرا وفى رواية النصف وفى رواية
عنه الزائد على النصف وكذا هذا في الصرف غير أن هناك إذا كثرت الزيوف فرد حتى بطل العقد في قدر المردود
عند أبي حنيفة يصير شريكا لقابض الدينار فيسترد منه عينه وعلى قول عيسى قابض الدينار بالخيار على ما بينا ولو كان
تصرف فيه أو أخرجه عن ملكه لا يفسخ عليه تصرفه وعليه مثله كما في البيع الفاسد على ما مر وكل جواب عرفته في
السلم والصرف فهو الجواب في عقد تتعلق صحته بالقبض قبل الافتراق مما سوى الصرف والسلم كمن كان له على آخر
دنانير فصالح منها على دراهم أو كان له على آخر مكيل أو موزون موصوف في الذمة أو غيرهما مما يثبت مثله في الذمة دينا
فصالح منها على دراهم أو نحو ذلك من العقود مما يكون قبض الدراهم فيه قبل الافتراق عن المجلس شرطا لصحة العقد
فقبض الدراهم ثم وجدها مستحقة أو زيوفا أو نبهرجة أو ستوقة أو رصاصا كلها أو بعضها قبل الافتراق أو بعده والله
سبحانه تعالى أعلم وعلى هذا تخرج مقاصة رأس مال السلم بدين آخر على المسلم إليه بان وجب على المسلم إليه دين
مثل رأس المال انه هل يصير رأس المال قصاصا بذلك الدين أم لا فهذا لا يخلو اما ان وجب دين آخر بالعقد واما ان
وجب بعقد متقدم على عقد السلم واما ان وجب بعقد متأخر عنه فان وجب بعقد متقدم على السلم بأن كان رب السلم
باع المسلم إليه ثوبا بعشرة دراهم ولم يقبض العشرة حتى أسلم إليه عشرة دراهم في كر حنطة فان جعلا الدينين قصاصا أو
تراضيا بالمقاصة يصير قصاصا وان أبى أحدهما لا يصير قصاصا وهذا استحسان والقياس أن لا يصير قصاصا كيف
ما كان وهو قول زفر (وجه) قوله إن قبض رأس المال شرط والحاصل بالمقاصة ليس بقبض حقيقة فكان الافتراق
حاصلا لا عن قبض رأس المال فبطل السلم (ولنا) ان العقد ينعقد موجبا للقبض حقيقة لولا المقاصة فإذا تقاصا
تبين ان العقد انعقد موجبا قبضا بطريق المقاصة وقد وجد ونظيره ما قلنا في الزيادة في الثمن والمثمن أنها جائزة استحسانا
وتلتحق بأصل العقد لان بالزيادة تبين ان العقد وقع على المزيد عليه وعلى الزيادة جميعا كذا هذا وان وجب بعقد
متأخر عن السلم لا يصير قصاصا وان جعلاه قصاصا الا رواية عن أبي يوسف شاذة لان بالمقاصة لا يتبين ان العقد وقع
موجبا قبضا بطريق المقاصة من حين وجوده لان المقاصة تستدعى قيام دينين ولم يكن عند عقد السلم الا دين واحد
فانعقد موجبا حقيقة القبض وانه لا يحصل بالمقاصة هذا إذا وجب الدين بالعقد فأما إذا وجب بالقبض كالغصب
206

والقرض فإنه يصير قصاصا سواء جعلاه قصاصا أو لا بعد إن كان وجوب الدين الآخر متأخرا عن العقد لأن العقد
ان انعقد موجبا قبضا حقيقة فقد وجد ههنا لكن قبض الغصب والقرض قبض حقيقة فيجعل عن قبض رأس المال
لأنه واجب وقبض الغصب محظور وقبض القرض ليس بواجب فكان ايقاعه عن الواجب أولى بخلاف ما تقدم
لان هناك لم يوجد القبض حقيقة والقبض بطريق المقاصة يمكن في أحد الفصلين دون الآخر على ما بينا والله عز
وجل أعلم هذا إذا تساوى الدينان فاما إذا تفاضلا بأن كان أحدهما أفضل والاخر أدون فرضى أحدهما
بالقصاص وأبى الآخر فإنه ينظر ان أبى صاحب الأفضل لا يصير قصاصا لان حقه في الجودة معصوم محترم فلا
يجوز ابطاله عليه من غير رضاه وان أبى صاحب الأدون يصير قصاصا لأنه لما رضى به صاحب الأفضل فقد أسقط
حقه عن الفضل كأنه قضى دينه فأعطاه أجود مما عليه وهناك يجبر على الاخذ كذا هذا والله سبحانه وتعالى أعلم
وكذلك المقاصة في ثمن الصرف تخرج على هذه التفاصيل التي ذكرناها في رأس مال السلم فافهم والله الموفق للصواب
ثم ما ذكرنا من اعتبار هذا الشرط وهو قبض رأس المال حال بقاء العقد فأما بعد ارتفاعه بطريق الإقالة أو بطريق آخر
فقبضه ليس بشرط في مجلس الإقالة بخلاف القبض في مجلس العقد وقبض بدل الصرف في مجلس الإقالة انه شرط
لصحة الإقالة كقبضهما في مجلس العقد (ووجه) الفرق أن القبض في مجلس العقد في البابين ما هو شرط لعينه وإنما
هو شرط للتعيين وهو أن يصير البدل معينا بالقبض صيانة عن الافتراق عن دين بدين على ما بينا ولا حاجة إلى التعيين في
مجلس الإقالة في السلم لأنه لا يجوز استبداله فيعود إليه عينه فلا تقع الحاجة إلى التعيين بالقبض فكان الواجب نفس
القبض فلا يراعى له المجلس بخلاف الصرف لان التعيين لا يحصل الا بالقبض لان استبداله جائز فلا بد من شرط
القبض في المجلس ليتعين والله سبحانه وتعالى أعلم
(فصل) وأما الذي يرجع إلى المسلم فيه فأنواع أيضا (منها) أن يكون معلوم الجنس كقولنا حنطة أو شعير أو
تمر (ومنها) أن يكون معلوم النوع كقولنا حنطة سقية أو نحسية تمر برنى أو فارسي هذا إذا كان مما يختلف نوعه
فإن كان مما لا يختلف فلا يشترط بيان النوع (ومنها) أن يكون معلوم الصفة كقولنا جيد أو وسط أو ردئ
(ومنها) أن يكون معلم القدر بالكيل أو الوزن أو العد أو الذرع لان جهالة النوع والجنس والصفة والقدر جهالة
مفضية إلى المنازعة وانها مفسدة للعقد وقال النبي عليه الصلاة والسلام من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ووزن
معلوم إلى أجل معلوم (ومنها) أن يكون معلوم القدر بكيل أو وزن أو ذرع يؤمن عليه فقده عن أيدي الناس فإن كان
لا يؤمن فالسلم فاسد بان أعلم قدره بمكيال لا يعرف عياره بان قال بهذا الاناء ولا يعلم كم يسع فيه أو بحجر لا يعرف
عياره بان قال بهذا الحجر ولا يعلم كم وزنه أو بخشبة لا يعرف قدرها بان قال بهذه الخشبة ولا يعرف مقدارها أو بذراع
يده ولو كان هذا في بيع العين بان قال بعتك من هذه الصبرة ملء هذا الاناء بدرهم أو من هذا الزيت وزن هذا الحجر
بدرهم يجوز في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله انه لا يجوز في بيع العين أيضا كما لا يجوز في
السلم وروى عن أبي يوسف انه كأن يقول أولا لا يجوز ثم رجع وقال يجوز (وجه) هذه الرواية ان هذا البيع
مكايلة والعلم بمقدار المبيع في بيع المكايلة شرط الصحة ولم يوجد فيفسد كما لو باع قفزانا من هذه الصبرة ولظاهر
الرواية الفرق بين السلم وبين بيع العين (ووجه) الفرق بينهما من وجهين أحدهما ان التسليم في باب السلم
لا يجب عقيب العقد وإنما يجب بعد محل الأجل فيحتمل أن يملك الاناء قبل محل الأجل وهذا الاحتمال ان لم يكن
غالبا فليس بنادر أيضا وإذا هلك يصير المسلم فيه مجهول القدر بخلاف بيع العين لأنه يوجب التسليم عقيب العقد
وهلاك القفيز عقيب العقد بلا فصل نادر والنادر ملحق بالعدم فلا يصير المبيع مجهول القدر والثاني ان القدرة على تسليم
المبيع شرط انعقاد العقد وصحته والقدرة على التسليم عند العقد فائتة في باب السلم لان السلم بيع المفاليس وفى ثبوت
القدرة عند محل الأجل شك قد تثبت وقد لا تثبت لأنه ان بقي المكيال والحجر والخشبة تثبت وان لم يبق لا يقدر فوقع
207

الشك في ثبوت القدرة فلا تثبت بالشك على الأصل المعهود في غير الثابت بيقين إذا وقع الشك في ثبوته انه لا يثبت
بخلاف بيع العين لان هناك القدرة على التسليم ثابتة عند العقد وفى فواتها بالهلاك شك فلا تفوت بالشك على الأصل
المعهود في الثابت بيقين إذا وقع الشك في زواله أنه لا يزول بالشك وأما قوله إن العلم بمقدار المبيع في بيع المكايلة شرط
الصحة فنقول العلم بذلك لا يشترط لعينه بل لصيانة العقد عن الجهالة المفضية إلى المنازعة وهذا النوع من الجهالة
لا يفضى إلى المنازعة لامكان الوصول إلى العلم بقدر المبيع بالكيل للحال بخلاف بيع قفزان من الصبرة لان هناك
لا طريق للوصول إلى العلم بمقدار المبيع فالمشترى يطلبه بزيادة والبائع لا يعطيه فيتنازعان فكانت الجهالة مفضية
إلى المنازعة فهو الفرق بين الفصلين وقيل إنما يجوز هذا في بيع العين إذا كان الاناء من خزف أو خشب أو حديد أو
نحو ذلك لأنه لا يحتمل الزيادة والنقصان وأما إذا كان مثل الزنبيل والجوالق والغرارة ونحو ذلك فلا يجوز لأنه يحتمل
الزيادة والنقصان والله سبحانه وتعالى أعلم ولو كان المسلم فيه مكيلا فاعلم قدره بالوزن المعلوم أو كان موزونا فاعلم قدره
بالكيل المعلوم جاز لان الشرط كونه معلوم القدر بمعيار يؤمن فقده وقد وجد بخلاف ما إذا باع المكيل بالمكيل وزنا
بوزن متساويا في الوزن أو باع الموزون بالموزون كيلا بكيل متساويا في الكيل انه لا يجوز ما لم يتساويا في الكيل
أو الوزن لان شرط جواز السلم كون المسلم فيه معلوم القدر والعلم بالقدر كما يحصل بالكيل يحصل بالوزن فأما شرط
الكيل والوزن في الأشياء التي ورد الشرع فيها باعتبار الكيل والوزن في بيع العين ثبت نصا فكان بيعها بالكيل
أو الوزن مجازفة فلا يجوز أما في باب السلم فاعتبار الكيل والوزن لمعرفة مقدار المسلم فيه وقد حصل والله عز وجل
أعلم (ومنها) أن يكون مما يمكن أن يضبط قدره وصفته بالوصف على وجه لا يبقى بعد الوصف الا تفاوت يسير
فإن كان مما لا يمكن ويبقى بعد الوصف تفاوت فاحش لا يجوز السلم فيه لأنه إذا لم يمكن ضبط قدره وصفته
بالوصف يبقى مجهول القدر أو الوصف جهالة فاحشة مفضية إلى المنازعة وانها مفسدة للعقد وبيان ذلك أنه
يجوز السلم في المكيلات والموزونات التي تحتمل التعيين والعدديات المتقاربة أما المكيلات والموزونات
فلأنها ممكنة الضبط قدرا وصفة على وجه لا يبقى بعد الوصف بينه وبين جنسه ونوعه الا تفاوت يسير لأنها من
ذوات الأمثال وكذلك العدديات المتقاربة من الجوز والبيض لان الجهالة فيها يسيرة لا تفضى إلى المنازعة
وصغير الجوز والبيض وكبيرهما سواء لأنه لا يجرى التنازع في ذلك القدر من التفاوت بين الناس عادة
فكان ملحقا بالعدم فيجوز السلم فيها عددا وكذلك كيلا وهذا عندنا وقال زفر لا يجوز (وجه) قوله إن الجوز والبيض
مما يختلف ويتفاوت في الصغر والكبر حتى يشترى الكبير منها بأكثر مما يشترى الصغير فأشبه البطيخ والرمان (ولنا) ان
التفاوت بين صغير الجوز وكبيره يسيرا عرض الناس عن اعتباره فكان ساقط العبرة ولهذا كان مضمونا بالمثل عند
الاتلاف بخلاف الرمان والبطيخ فان التفاوت بين آحاده تفاوت فاحش ولهذا كان مضمونا بالقيمة (وأما) السلم
في الفلوس عددا فجائز عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد لا يجوز بناء على أن الفلوس أثمان عنده فلا يجوز السلم فيها
كما لا يجوز السلم في الدراهم والدنانير وعندهما ثمنيتها ليست بلازمة بل تحتمل الزوال لأنها ثبتت بالاصطلاح فتزول
بالاصطلاح واقدام العاقدين على عقد السلم فيها مع علمهما أنه لا صحة للسلم في الأثمان اتفاق منهما على اخراجها عن
صفة الثمنية فتبطل ثمنيتها في حق العاقدين سابقا على العقد وتصير سلعا عددية فيصح السلم فيها كما في سائر السلع العددية
كالنصال ونحوها (وأما) الذرعيات كالثياب والبسط والحصير والبواري ونحوها فالقياس أن لا يجوز السلم فيها لأنها
ليست من ذوات الأمثال لتفاوت فاحش بين ثوب وثوب ولهذا لم تضمن بالمثل في ضمان العدديات بل بالقيمة فأشبه
السلم في اللآلئ والجواهر الا انا استحسنا الجواز لقوله عز وجل في آية الدين ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى
أجله والمكيل والموزون لا يقال فيه الصغير والكبير وإنما يقال ذلك في الذرعيات والعدديات ولان الناس تعاملوا
السلم في الثياب لحاجتهم إلى ذلك فيكون اجماعا منهم على الجواز فيترك القياس بمقابلته ولأنه إذا بين جنسه وصفته ونوعه
208

ورفعته وطوله وعرضه يتقارب التفاوت فيلحق بالمثل في باب السلم شرعا لحاجة الناس ولا حاجة إلى الالحاق بالمثل في
باب الاستهلاك مع ما ان هذا الاعتبار غير سديد لأنه قد يحتمل في المعاملات من التفاوت اليسير ما لا يحتمل مثله في
الاتلافات فان الأب إذا باع مال ولده بغبن يسير جاز ولا يضمن ولو أتلف عليه شيئا يسيرا من ماله يضمن فلا يستقيم
الاستبدال هذا إذا أسلم في ثوب الكرباس أو الكتان فاما إذا أسلم في ثوب الحرير فهل يشترط فيه بيان الوزن بعد
بيان الجنس والنوع والصفة والرفعة والطول والعرض إن كان مما تختلف قيمته باختلاف وزنه من القلة والكثرة
بعد التساوي في الجنس والنوع والصفة والرفعة والطول والعرض يشترط لان بعد بيان هذه الأشياء تبقى جهالته
مفضية إلى المنازعة وإن كان مما لا يختلف يجوز لان جهالة الوزن فيه لا تفضى إلى المنازعة ولا يجوز السلم في العدديات
المتفاوتة من الحيوان والجواهر واللآلئ والجوز والجلود والأدم والرؤس والاركاع والبطيخ والقثاء والرمان
والسفرجل ونحوها من العدديات المتفاوتة لأنه لا يمكن ضبطها بالوصف إذ يبقى بعد بيان جنسها ونوعها وصفتها وقدرها
جهالة فاحشة مفضية إلى المنازعة لتفاوت فاحش بين جوهر وجوهر ولؤلؤ ولؤلؤ وحيوان وحيوان وكذا بين جلد
وجلد ورأس ورأس في الصغر والكبر والسمن والهزال وقال الشافعي رحمه الله يجوز السلم في الحيوان (وجه) قوله إن
المانع من الجواز هنا جهالة المسلم فيه وقد زالت ببيان الجنس والنوع والصفة والسن لان الحيوان معلوم الجنس
والنوع والصفة فكان مضبوط الوصف والتفاوت فيما وراء ذلك لا يعتبر ولهذا وجب دينا في الذمة في النكاح
فأشبه الثياب (ولنا) ان بعد بيان هذه الأشياء يبقى بين فرس وفرس تفاوت فاحش في المالية فتبقى جهالة مفضية إلى
المنازعة وانها مانعة صحة العقد لما ذكرنا من الوجوه فيما قبل وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان والسلف والسلم واحد في اللغة والاعتبار بالنكاح غير سديد لأنه
يتحمل جهالة لا يتحملها البيع ألا ترى أنه يصح من غير ذكر البدل وببدل مجهول وهو مهر المثل ولا يصح البيع الا
ببدل معلوم فلا يستقيم الاستدلال ولا يجوز السلم في التبن أحمالا أو أوقارا لان التفاوت بين الحمل والحمل والوقر
والوقر مما يفحش الا إذا أسلم فيه بقبان معلوم من قبابين التجار فلا يختلف فيجوز ولا يجوز السلم في الحطب حزما ولا
أوقارا للتفاوت الفاحش بين حزمة وحزمة ووقر ووقر وكذا في القصب والحشيش والعيدان الا إذا وصفه بوصف
يعرف ويتقارب التفاوت فيجوز ويجوز السلم في اللبن والآجر إذا سمى ملبنا معلوما لا يختلف ولا يتفاوت الا يسيرا
وكذا في الطوابيق إذا وصفها بوصف يعرف على وجه لا يبقى بعد الوصف جهالة مفضية إلى المنازعة لان الفساد
للجهالة فإذا صار معلوما بالوصف جاز وكذا في طشت أو قمقمة أو خفين أو نحو ذلك إن كان يعرف يجوز وإن كان لا
يعرف لا يجوز لان المسلم فيه دين حقيقة والدين يعرف بالوصف فإن كان مما يحصل تمام معرفته بالوصف بان لم تبق فيه
جهالة مفضية إلى المنازعة جاز السلم فيه والا فلا ولو استصنع رجل شيئا من ذلك بغير أجل جاز استحسانا والكلام في
الاستصناع في مواضع في بيان جوازه انه جائز أم لا وفي بيان شرائط جوازه وفي بيان كيفية جوازه وفي بيان حكمه
(أما) الأول فالقياس يأبى جواز الاستصناع لأنه بيع المعدوم كالسلم بل هو أبعد جوازا من السلم لان المسلم فيه تحتمله
الذمة لأنه دين حقيقة والمستصنع عين توجد في الثاني والأعيان لا تحتملها الذمة فكان جواز هذا العقد أبعد عن القياس
عن السلم وفى الاستحسان جاز لان الناس تعاملوه في سائر الأعصار من غير نكير فكان اجماعا منهم على الجواز فيترك
القياس ثم هو بيع عند عامة مشايخنا وقال بعضهم هو عدة وليس بسديد لان محمدا ذكر القياس والاستحسان في
جوازه وذكر القياس والاستحسان لا يليق بالعدات وكذا ثبت خيار الرؤية للمستصنع وأنه من خصائص البيوع
وكذا من شرط جوازه أن يكون فيما للناس فيه تعامل والعدات لا يتقيد جوازها بهذه الشرائط فدل ان جوازه جواز
البياعات لا جواز العدات والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) شرائط جوازه (فمنها) بيان جنس المستصنع ونوعه
وقدره وصفته لأنه مبيع فلا بد وأن يكون معلوما والعلم أنما يحصل بأشياء (منها) أن يكون ما للناس فيه تعامل كالقلنسوة
209

والخف والآنية ونحوها فلا يجوز فيما لا تعامل لهم فيه كما إذا أمر حائكا أن يحوك له ثوبا بغزل نفسه ونحو ذلك مما لم تجر
عادات الناس بالتعامل فيه لأن جوازه مع أن القياس يأباه ثبت بتعامل الناس فيختص بما لهم فيه تعامل ويبقى الامر فيما
وراء ذلك موكولا إلى القياس (وأما) كيفية جوازه فهي أنه عقد غير لازم في حق كل واحد منهما قبل رؤية المستصنع
والرضا به حتى كان للصانع أن يمتنع من الصنع وأن يبيع المصنوع قبل أن يراه المستصنع وللمستصنع أن يرجع أيضا
لان القياس أن لا يجوز أصلا الا ان جوازه ثبت استحسانا بخلاف القياس لحاجة الناس وحاجتهم قبل الصنع أو بعده
قبل رؤية المستصنع والرضا به أقرب إلى الجواز دون اللزوم فيبقى اللزوم قبل ذلك على أصل القياس (وأما) حكم
الاستصناع فحكمه في حق المستصنع إذا أتى الصانع بالمستصنع على الصفة المشروطة ثبوت ملك غير لازم في حقه
حتى يثبت له خيار الرؤية إذا رآه ان شاء أخذه وان شاء تركه وفى حق الصانع ثبوت ملك لازم إذا رآه المستصنع
ورضى به ولا خيار له وهذا جواب ظاهر الرواية وروى عن أبي حنيفة أنه غير لازم في حق كل واحد منهما حتى يثبت
لكل واحد منهما الخيار وروى عن أبي يوسف رحمه الله أنه لازم في حقهما حتى لا خيار لأحدهما لا للصانع ولا
للمستصنع أيضا (وجه) رواية أبى يوسف ان في اثبات الخيار للمستصنع اضرارا بالصانع لأنه قد أفسد متاعه وفرى
جلده وأتى بالمستصنع على الصفة المشروطة فلو ثبت له الخيار لتضرر به الصانع فيلزم دفعا للضرر عنه (وجه) الرواية
الأولى ان في اللزوم اضرارا بهما جميعا أما اضرار الصانع فلما قال أبو يوسف وأما ضرر المستصنع فلان الصانع متى لم
يصنعه واتفق له مشتر يبيعه فلا تندفع حاجة المستصنع فيتضرر به فوجب ان يثبت الخيار لهما دفعا للضرر عنهما
(وجه) ظاهر الرواية وهو اثبات الخيار للمستصنع لا للصانع ان المستصنع مشتر شيئا لم يره لان المعقود عليه وهو
المستصنع وإن كان معدوما حقيقة لكنه جعل موجودا شرعا حتى جاز العقد استحسانا ومن اشترى شيئا لم يره فهو
بالخيار إذا رآه والصانع بائع شيئا لم يره فلا خيار له ولان الزام حكم العقد في جانب المستصنع اضرار لان من الجائز أن
لا يلائمه المصنوع ولا يرضى به فلو لزمه وهو مطالب بثمنه فيحتاج إلى بيعه من غيره ولا يشترى منه بمثل قيمته فيتضرر
به وليس في الالزام في جانب الصانع ضرر لأنه ان لم يرض به المستصنع يبيعة من غيره بمثل قيمته وذلك ميسر عليه
لكثرة ممارسته هذا إذا استصنع شيئا ولم يضرب له أجلا فاما إذا ضرب له أجلا فإنه ينقلب سلما عند أبي حنيفة فلا يجوز
الا بشرائط السلم ولا خيار لواحد منهما كما في السلم وعندهما هو على حاله استصناع وذكره الأجل للتعجيل ولو ضرب
الأجل فيما لا تعامل فيه ينقلب سلما بالاجماع (وجه) قولهما ان هذا استصناع حقيقة فلو صار سلما إنما يصير بذكره
المدة وأنه قد يكون للاستعجال كما في الاستصناع فلا يخرج عن كونه استصناعا مع الاحتمال ولأبي حنيفة ان الأجل
في البيع من الخصائص اللازمة للسلم فذكره يكون ذكر للسلم معنى وان لم يذكره صريحا كالكفالة بشرط براءة
الأصيل انها حوالة معنى وان لم يأت بلفظ الحوالة وقوله ذكر الوقت قد يكون للاستعجال قلنا لو حمل على الاستعجال
لم يكن مفيدا لان التعجيل غير لازم ولو حمل على حقيقة التأجيل لكان مفيدا لأنه لازم فكان الحمل عليه أولى ولا
يجوز السلم في اللحم في قول أبى حنفية وقال أبو يوسف ومحمد يجوز إذا بين جنسه ونوعه وصفته وقدره وسنه
وموضعه لان الفساد لمكان الجهالة وقد زالت ببيان هذه الأشياء ولهذا كان مضمونا بالمثل في ضمان العدوان ولأبي
حنيفة ان الجهالة تبقى بعد بيان ما ذكرناه من وجهين (أحدهما) من جهة الهزال والسمن (والثاني) من جهة قلة
العظم وكثرته وكل واحدة منهما مفضية إلى المنازعة وقياس الوجه الثاني أنه لو أسلم في منزوع العظم يجوز وهو رواية
الكرخي عن أبي حنيفة رحمهما الله وقياس الوجه الأول أنه لا يجوز كيف ما كان وهو ظاهر الرواية عن أبي
حنيفة وهو الصحيح لأنه ان زالت الجهالة من إحدى الجهتين بقيت من جهة أخرى وهي جهالة السمن والهزال
فكان المسلم فيه مجهولا فلا يصح السلم إلا أنه جعل مثلا في ضمان العدوان وسقط اعتبار التفاوت فيه شرعا تحقيقا لمعنى
الزجر من وجه لان ذلك لا يحصل بالقيمة لان للناس رغائب في الأعيان ما ليس في قيمتها ويجوز السلم في الالية
210

والشحم وزنا لأنه لا تختلف بالسمن والهزال الا يسيرا بخلاف اللحم فان التفاوت بين غير السمين والسمين والمهزول
وغير المهزول تفاوت فاحش (وأما) السلم في السمك فقد اختلفت عبارات الأصل في ذلك والصحيح أنه يجوز
السلم في الصغار منه كيلا ووزنا مالحا كان أو طريا بعد أن كان في حيزه لان الصغار منه لا يتحقق فيه اختلاف السمن
والهزال ولا اختلاف العظم بخلاف اللحم عند أبي حنيفة وفى الكبار عن أبي حنيفة روايتان في رواية لا يجوز
طريا كان أو مالحا كالسلم في اللحم لاختلافها بالسمن والهزال كاللحم وفى رواية يجوز كيف ما كان وزنا لان التفاوت
بين سمينه ومهزوله لا يعد تفاوتا عادة لقلته وعند أبي حنيفة ومحمد لا يجوز بخلاف اللحم عندهما والفرق لهما
ان بيان الموضع من اللحم شرط الجواز عندهما وذلك لا يتحقق في السمك فأشبه السلم في المساليخ والله سبحانه
وتعالى أعلم (وأما) السلم في الخبز عددا فلا يجوز بالاجماع لتفاوت فاحش بين خبز وخبز في الصغر والكبر (وأما)
وزنا فقد ذكر الكرخي أن السلم في الخبز لا يجوز في قولهم لتفاوت فاحش بين خبز وخبز في الخبز والخفة والثقل
فتبقى جهالة مفضية إلى المنازعة ولأن جواز السلم ثبت بخلاف القياس بتعامل الناس ولا تعامل في الخبز وذكر
في نوادر ابن رستم أنه لا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يجوز (ومنها) أن يكون موجودا من وقت
العقد إلى وقت الأجل فإن لم يكن موجودا عند العقد أو عند حل الأجل أو كان موجودا فيهما لكنه انقطع من
أيدي الناس فيما بين ذلك كالثمار والفواكه واللبن وأشباه ذلك لا يجوز السلم وهذا عندنا وقال الشافعي رحمه الله
الشرط وجوده عند محل الأجل لا غير (وجه) قوله إن اعتبار هذا الشرط وهو الوجود ليس لعينه بل للقدرة على التسليم
فيعتبر وقت وجوب التسليم وذلك عند محل الأجل فاما قبل ذلك فالوجود فيه والعدم بمنزلة واحدة ونظير هذا في
الغقليات ما قلنا في استطاعة الفعل أنها مع الفعل لا تتقدمه لان وجودها للفعل فيجب وجودها عند الفعل لا سابقا عليه
كذا هذا (ولنا) ان القدرة على التسليم ثابتة للحال وفى وجودها عند المحل شك لاحتمال الهلاك فان بقي حيا إلى وقت
المحل ثبتت القدرة وان هلك قبل ذلك لا تثبت والقدرة لم تكن ثابتة فوقع الشك في ثبوتها فلا تثبت مع الشك ولو كان
موجودا عند العقد ودام وجوده إلى محل الأجل فحل الأجل ولم يقبضه حتى أنقطع عن أيدي الناس لا ينفسخ السلم
بل هو على حاله صحيح لان السلم وقع صحيحا لثبوت القدرة على التسليم لكون المسلم فيه موجودا وقت العقد ودام
وجوده إلى محل الأجل الا أنه عجز عن التسليم للحال لعارض الانقطاع مع عرضية حدوث القدرة ظاهرا بالوجود
فكان في بقاء العقد فائدة والعقد إذا انعقد صحيحا يبقى لفائدة محتملة الوجود والعدم على السواء كبيع الآبق إذا أبق قبل
القبض فلان يبقى لفائدة عود القدرة في الثاني ظاهرا أولى لكن يثبت الخيار لرب السلم ان شاء فسخ العقد وان شاء
انتظر وجوده لان الانقطاع قبل القبض بمنزلة تغير المعقود عليه قبل القبض وأنه يوجب الخيار ولو أسلم في حنطة حديثة
قبل حدوثا لا يصح عندنا لأنه أسلم في المنقطع وعلى هذا يخرج ما إذا أسلم في حنطة موضع أنه إن كان مما لا يتوهم
انقطاع طعامه جاز السلم فيه كما إذا أسلم في حنطة خراسان أو العراق أو فرغانة لان كل واحد منها اسم لولاية فلا يتوهم
انقطاع طعامها وكذا إذا أسلم في طعام بلدة كبيرة كسمرقند وبخارى أو كاشان جاز لأنه لا ينفد طعام هذه البلاد الا على
سبيل الندرة والنادر ملحق بالعدم ومن مشايخنا من قال لا يجوز الا في طعام ولاية لان وهم الانقطاع فيما وراء ذلك
ثابت والسلم عقد جوز بخلاف القياس لكونه بيع المعدوم فتجب صيانته عن غرر الانقطاع ما أمكن والصحيح ان
الموضع المضاف إليه الطعام وإن كان مما لا ينفد طعامه غالبا يجوز السلم فيه سواء كان ولاية أو بلدة كبيرة لان الغالب في
أحكام الشرع ملحق بالمتيقن وإن كان مما لا يحتمل ان ينقطع طعامه فلا يجوز فيه السلم كأرض بعينها أو قرية بعينها لأنه
إذا احتمل الانقطاع لا على سبيل الندرة لا تثبت القدرة على التسليم لما ذكرنا انه لا قدرة له للحال لأنه بيع المفاليس وفى
ثبوت القدرة عند محل الأجل شك لاحتمال الانقطاع فلا تثبت القدرة مع الشك وقد روى أن زيد بن شعبة لما أراد
أن يسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أسلم إليك في تمر نخلة بعينها فقال عليه الصلاة والسلام أما في تمر نخلة
211

بعينها فلا وذكر في الأصل إذا أسلم في حنطة هراة لا يجوز وأراد قرية من قرى الفرات المسماة بهراة لأنه مما يحتمل
انقطاع طعامه ثم لو أسلم في ثوب هراة وذكر شرائط السلم يجوز (ووجه) الفرق بينهما ظاهر لان إضافة الثوب إلى
هراة ذكر شرط من شرائط السلم لا جواز له بدونه وهو بيان النوع لا تخصيص الثوب بالمكان المذكور بدليل ان
المسلم إليه لو أتى بثوب نسج في غير هراة لكن على صفة ثوب هراة يجبر رب السلم على القبول فإذا ذكر النوع وذكر
الشرائط الأخر كان هذا عقدا استجمع شرائطه فيجوز فاما إضافة الطعام إلى هراة فليس يفيد شرطا لا جواز للسلم
بدونه ألا ترى أنه لو ترك الإضافة أصلا جاز السلم فبقيت الإضافة لتخصيص الطعام بموضع معين يحتمل انقطاع
طعامه فلم يجز والله عز وجل أعلم (ومنها) أن يكون مما يتعين بالتعيين فإن كان مما لا يتعين بالتعيين كالدراهم والدنانير لا يجوز
السلم فيه لان المسلم فيه بيع لما روينا ان النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص في
السلم سمى السلم بيعا فكان المسلم فيه مبيعا والمبيع مما يتعين بالتعيين والدراهم والدنانير لا تتعين في عقود المعاوضات فلم
تكن مبيعة فلا يجوز السلم فيها وهل يجوز السلم في التبر والنقرة والمصوغ فعلى رواية كتاب الصرف لا يجوز لأنه
جعلها بمنزلة الدراهم والدنانير المضروبة وعلى رواية كتاب المضاربة يجوز لأنه جعلها بمنزلة العروض حيث لم يجوز
المضاربة بها فتتعين بالتعيين فكانت مبيعة فيجوز السلم فيها وعلى هذا أيضا يخرج السلم في الفلوس عددا انه جائز عند أبي
حنيفة رحمه الله وأبى يوسف لان الفلوس مما تتعين بالتعيين في الجملة عندهما حتى جوز بيع فلس بفلس بأعيانهما وعند
محمد لا يجوز السلم فيها كما لا يجوز في الدراهم والدنانير لأنها أثمان عنده ولهذا لم يجز بيع واحد منها باثنين بأعيانهما
ويجوز السلم في القماقم والأواني الصفرية التي تباع عددا لأنها تتعين بالتعيين فكانت مبيعة وإن كانت تباع وزنا لا يجوز
السلم فيها ما لم يعرف وزنها لأنها مجهولة القدر والله عز وجل أعلم (ومنها) أن يكون مؤجلا عندنا حتى لا يجوز السلم
في الحال وعند الشافعي هذا ليس بشرط وسلم الحال جائز (وجه) قوله إن الأجل شرع نظرا للمسلم إليه
تمكينا له من الاكتساب فلا يكون لازما كما في بيع العين (ولنا) ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم أوجب عليه الصلاة والسلام مراعاة الأجل في
السلم كما أوجب مراعاة القدر فيه فيدل على كونه شرطا فيه كالقدر ولان السلم حالا يفضى إلى المنازعة لان السلم
بيع المفاليس فالظاهر أن يكون المسلم إليه عاجزا عن تسليم المسلم فيه ورب السلم يطالب بالتسليم فيتنازعان على وجه
تقع الحاجة إلى الفسخ وفيه الحاق الضرر برب السلم لأنه سلم رأس المال إلى المسلم إليه وصرفه في حاجته فلا يصل إلى
المسلم فيه ولا إلى رأس المال فشرط الأجل حتى لا يملك المطالبة الا بعد حل الأجل وعند ذلك يقدر على التسليم ظاهرا
فلا يؤدى إلى المنازعة المفضية إلى الفسخ والاضرار برب السلم ولأنه عقد لم يشرع الا رخصة لكونه بيع ما ليس
عند الانسان لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص في السلم فهذا الحديث
يدل على أن بيع ما ليس عند الانسان لم يشرع الا رخصة وان السلم بيع ما ليس عند الانسان أيضا على ما ذكرنا من
قبل والرخصة في عرف الشرع اسم لما يغير عن الامر الأصلي بعارض عذر إلى تخفيف ويسر كرخصة تناول الميتة
وشرب الخمر بالاكراه والمخمصة ونحو ذلك فالترخص في السلم هو تغيير الحكم الأصلي وهو حرمة بيع ما ليس عند
الانسان إلى الحل بعارض عذر العدم ضرورة الافلاس فحالة الوجود والقدرة لا يلحقها اسم قدرة الرخصة فيبقى
الحكم فيها على العزيمة الأصلية فكانت حرمة السلم الحال على هذا التقرير مستفادة من النص كان ينبغي أن لا يجوز
السلم من القادر على تسليم المسلم فيه للحال الا أنه صار مخصوصا عن النهى العام فألحق بالعاجز عن التسليم للحال على اعتبار
الأصل والحاق النادر بالعدم في أحكام الشرع والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب (ومنها) أن يكون مؤجلا
بأجل معلوم فإن كان مجهولا فالسلم فاسد سواء كانت الجهالة متفاحشة أو متقاربة لان كل ذلك يفضى إلى المنازعة
212

وانها مفسدة للعقد لجهالة القدر وغيرها على ما ذكرنا (وأما) مقدار الأجل فلم يذكر في الأصل وذكر الكرخي ان
تقدير الأجل إلى العاقدين حتى لو قدرا نصف يوم جاز وقال بعض مشايخنا أقله ثلاثة أيام قياسا على خيار الشرط
وهذا القياس غير سديد لان أقل مدة الخيار ليس بمقدر والثلاث أكثر المدة على أصل أبي حنيفة فلا يستقيم القياس
وروى عن محمد انه قدر بالشهر وهو الصحيح لان الأجل إنما شرط في السلم ترفيها وتيسيرا على المسلم إليه ليتمكن من
الاكتساب في المدة والشهر مدة معتبرة يمكن فيها من الاكتساب فيتحقق معنى الترفيه فأما ما دونه ففي حد القلة فكان
له حكم الحلول والله عز وجل أعلم ولو مات المسلم إليه قبل الأجل حل الدين وكذلك كل دين مؤجل سواه إذا مات
من عليه الدين والأصل في هذا ان موت من عليه الدين يبطل الأجل وموت من له الدين لا يبطل لان الأجل حق
المديون لا حق صاحب الدين فتعتبر حياته وموته في الأجل وبطلانه والله عز وجل أعلم (ومنها) بيان مكان ايفائه إذا
كان له حمل ومؤنة عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد ليس بشرط وعلى هذا الخلاف بيان مكان الأجرة في
الإجارات إذا كان لها حمل ومؤنة وعلى هذا الخلاف إذا جعل المكيل الموصوف أو الموزون الموصوف ثمنا في بيع
العين انه لا بد من بيان مكان التسليم عنده خلافا لهما كذا أطلقه الكرخي ولم يفصل بين ما إذا كان مؤجلا أو غير
مؤجل ومن أصحابنا من فرقوا فقالوا إذا كان حالا يتعين مكان العقد للتسليم بالاجماع وحاصل الاختلاف راجع إلى
مكان العقد هل يتعين للايفاء عنده لا يتعين وعندهما يتعين لأنه إذا لم يتعين مكان العقد للايفاء عنده ولم يوجد منهما
تعيين مكان آخر بقي مكان الايفاء مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة فيفسد العقد ولما تعين مكان العقد للايفاء عندهما
صار مكان الايفاء معلوما فيصح (وجه) قولهما ان سبب وجوب الايفاء هو العقد والعقد وجد في هذا المكان
فيتعين مكان العقد لوجوب الايفاء فيه كما في بيع العين إذا كان المسلم فيه شيئا له حمل ومؤنة فإنه يتعين مكان العقد
لوجوب الايفاء فيه لما قلنا كذا هذا (ولأبي حنيفة رحمه الله) أن العقد وجد مطلقا عن تعيين مكان فلا يتعين مكان العقد
للايفاء والدليل على اطلاق العقد عن تعيين مكان الحقيقة والحكم (أما) الحقيقة فلانه لم يوجد ذكر المكان في العقد
نصا فالقول بتعيين مكان العقد شرعا من غير تعيين العاقدين تقييد المطلق فلا يجوز الا بدليل (وأما) الحكم فان العاقدين
لو عينا مكانا آخر جاز ولو كان تعيين مكان العقد من مقتضيات العقد شرعا لكان تعيين مكان آخر تغييرا لمقتضى العقد
وانه يعتبر فيه حكم الشرع فينبغي أن لا يجوز وإذا لم يتعين مكان العقد للايفاء بقي مكان الايفاء مجهولا جهالة مفضية
إلى المنازعة لان في الأشياء التي لها حمل ومؤنة تختلف باختلاف الأمكنة لما يلزم في حملها من مكان إلى مكان آخر من
المؤنة فيتنازعان (وأما) قولهما سبب وجوب التسليم هو العقد في هذا المكان قلنا ليس كذلك فان العقد قائم
بالعاقدين لا بالمكان فلم يوجد العقد في هذا المكان وإنما هذا مكان المتعاقدين على أن العقد ليس بسبب لوجوب التسليم
للحال وإنما يصير سببا عند حل الأجل مقصورا عليه وعند ذلك مكان العاقدين ليس بمتحد بل مختلف فيتنازعان
(وأما) المسلم فيه إذا لم يكن له حمل ومؤنة فعن أبي حنيفة فيه روايتان في رواية لا يتعين مكان العقد هناك أيضا وهو رواية
كتاب الإجارات ويوفيه في أي مكان شاء وهذا لا يوجب الفساد لان الفساد ههنا لمكان الجهالة المفضية إلى
المنازعة لاختلاف القيمة باختلاف الأمكنة وما لا حمل له ولا مؤنة لا تختلف قيمته باختلاف الأماكن فلم تكن
جهالة مكان الايفاء مفضية إلى المنازعة وفى رواية يتعين مكان العقد للايفاء وهو قول أبى يوسف ومحمد وهو رواية
الجامع الصغير ورواية البيوع من الأصل ومن مشايخنا من أول هذه الرواية وقال هي معنى قوله يوفيه في المكان
الذي أسلم فيه إذا لم يتنازعا فإذا تنازعا يأخذه بالتسليم حيث ما لقيه ولو شرط رب السلم التسليم في بلد أو قرية فحيث سلم
إليه في ذلك الموضع فهو جائز وليس لرب السلم ان يتخير مكانا لان المشروط هو التسليم في مكان منه مطلقا وقد وجد
وان سلم في غير المكان المشروط فلرب السلم ان يأبى لقوله عليه الصلاة والسلام المسلمون عند شروطهم فان أعطاه
على ذلك أجرا لم يجز له أخذ الأجر عليه لأنه لما قبض المسلم فيه فقد تعين ملكه في المقبوض فتبين انه أخذ الأجر على
213

نقل ملك نفسه فلم يجز فيرد الاجر وله أن يرد المسلم فيه حتى يسلم في المكان المشروط لان حقه في التسليم فيه ولم يرض
ببطلان حقه الا بعوض ولم يسلم له فبقي حقه في التسليم في المكان المشروط وهذا بخلاف ما إذا صالح الشفيع من
الشفعة التي وجبت له على مال انه لا يصح الصلح ويسقط حقه في الشفعة وعليه رد بدل الصلح وإذا رده لا يعود حقه
في الشفعة لأنه ليس للشفيع حق ثابت في المحل قبل التمليك بالشفعة وإنما له حق أن يتملك وهذا ليس بحق ثابت في
المحل فلا يحتمل الاعتياض وبطل حقه من الشفعة باعراضه عن الطلب باسقاطه صريحا ولرب السلم حق ثابت في
التسليم في المكان المشروط فإذا لم يصح الاعتياض عنه التحق الاعتياض بالعدم وبقى الحق على ما كان والذي
يدل على التفرقة بينهما انه لو قال أسقطت حقي في الشفعة يسقط ولو قال أسقطت حقي في التسليم في ذلك المكان
لا يسقط والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما الذي يرجع إلى البدلين جميعا فهو أن لا يجمعهما أحد وصفى علة ربا الفضل وذلك اما الكيل واما
الوزن واما الجنس لان أحد وصفى علة ربا الفضل هو علة ربا النساء فإذا اجتمع أحد هذين الوصفين في البدلين
يتحقق ربا النساء والعقد الذي فيه ربا فاسد وعلى هذا يخرج اسلام المكيل في المكيل أو الموزون في الموزون
والمكيل في الموزون والموزون في المكيل وغير المكيل والموزون بجنسهما من الثياب والعدديات المتقاربة وقد
ذكرنا جملة ذلك وتفصيله فيما تقدم في مسائل ربا النساء والله تعالى الموفق
(فصل) وأما بيان ما يحوز من التصرف في المسلم فيه وما لا يجوز فنقول وبالله التوفيق لا يجوز استبدال المسلم فيه
قبل قبضه بان يأخذ رب السلم مكانه من غير جنسه لما ذكرنا أن المسلم فيه وإن كان دينا فهو مبيع ولا يجوز بيع المبيع
المنقول قبل القبض ويجوز الابراء عنه لان قبضه ليس بمستحق على رب السلم فكان هو بالابراء متصرفا في خالص
حقه بالاسقاط فله ذلك بخلاف الابراء عن رأس المال لأنه مستحق القبض حقا للشرع فلا يملك اسقاطه بنفسه
بالابراء على ما ذكرنا وتجوز الحوالة بالمسلم فيه لوجود ركن الحوالة مع شرائطه وكذلك الكفالة به لما قلنا الا أن في الحوالة
يبرأ المسلم إليه وفى الكفالة لا يبرأ ورب السلم بالخيار ان شاء طالب المسلم إليه وان شاء طالب الكفيل لان الحوالة
مبرئة والكفالة ليست بمبرئة الا إذا كانت بشرط براءة المكفول عنه لأنها حوالة معنى على ما ذكرنا ولا يجوز لرب
السلم الاستبدال مع الكفيل كما لا يجوز ذلك مع المسلم إليه لأنه كفيل بما على المسلم إليه لا بدين آخر إذ الدين واحد
وإنما تعددت المطالبة بالكفالة وهو الصحيح على ما يجئ في كتاب الكفالة ويجوز للكفيل أن يستبدل مع المسلم
إليه عند الرجوع فيأخذ بدل ما أدى إلى رب السلم لان الكفالة إذا كانت بأمر المكفول عنه كانت اقراضا
واستقراضا كان الكفيل اقرض المسلم إليه واستبدال القرض قبل القبض جائز ويجوز الرهن بالمسلم فيه لأنه دين
حقيقة والرهن بالدين أي دين كان جائز والإقالة جائزة في المسلم فيه كما تجوز في بيع العين لقوله عليه الصلاة والسلام
من أقال نادما أقال الله عثراته يوم القيامة مطلقا من غير فصل ولان الإقالة في بيع العين إنما شرعت نظرا للعاقدين دفعا
لحاجة الندم واعتراض الندم في السلم ههنا أكثر لأنه بيع بأوكس الأثمان فكان أدعى إلى شرع الإقالة فيه ثم جملة
الكلام في الإقالة في السلم انه لا يخلو اما ان تقايلا السلم في كل المسلم فيه واما ان تقايلا في بعض دون بعض فان تقايلا
في كل المسلم فيه جازت الإقالة لما قلنا سواء كانت الإقالة بعد حل الأجل أو قبله لان نص الإقالة مطلق لا يفصل بين
حال وحال وكذا جواز اعتراض الندم قائم في الحالين وسواء كان رأس المال قائما في يد المسلم إليه أو هالكا أما إذا
كان قائما فلا شك فيه وكذا إذا كان هالكا لان رأس مال السلم ثمن والمبيع هو المسلم فيه وقيام الثمن ليس بشرط
لصحة الإقالة إنما الشرط قيام المبيع وقد وجد ثم إذا جازت الإقالة فإن كان رأس المال مما يتعين بالتعيين وهو قائم
فعلى المسلم إليه رد عينه إلى رب السلم لقوله عليه الصلاة والسلام من وجد عين ماله فهو أحق به وإن كان هالكا فإن كان
مما له مثل فعليه رد مثله وإن كان مما لا مثل له فعليه رد قيمته وإن كان رأس المال مما لا يتعين بالتعيين فعليه رد مثله هالكا
214

كان أو قائما لأنه قبضه عن عقد صحيح وكذلك إذا قبض رب السلم المسلم فيه ثم تقايلا والمقبوض قائم في يده جازت
الإقالة وعلى رب السلم رد عين ما قبض لان المقبوض في يده بعد السلم كأنه عين ما ورد عليه عقد السلم ألا ترى انه يجوز
لرب السلم أن يبع المقبوض مرابحة على رأس المال وان تقايلا السلم في بعض المسلم فيه فإن كان بعد حل الأجل
جازت الإقالة فيه بقدره إذا كان الباقي جزأ معلوما من النصف والثلث ونحو ذلك من الاجزاء المعلومة لما ذكرنا أن
الإقالة شرعت نظرا وفى إقالة البعض دون البعض ههنا نظر من الجانبين لان السلم بيع بأنجس الأثمان لهذا سماه ابن
عباس رضي الله عنهما حسنا جميلا فقال رضي الله عنه ذلك المعروف الحسن الجميل والسلم في الباقي إلى أجله عند عامة
العلماء وقال ابن أبي ليلى ينفسخ العقد في الكل والصحيح قول العامة لان الإقالة وجدت في البعض لا في الكل فلا
توجب انفساخ العقد في الكل لان الحكم يثبت بقدر العلة هذا هو الأصل وإن كان قبل حل الأجل ينظر ان لم يشترط
في الإقالة تعجيل الباقي من المسلم جازت الإقالة أيضا والسلم في الباقي إلى أجله وان اشترط فيها تعجيل الباقي لم يصح
الشرط والإقالة صحيحة (أما) فساد الشرط فلانه اعتياض عن الأجل وانه لا يجوز لان الأجل ليس بمال فلا
يجوز الاعتياض عنه (وأما) صحة الإقالة فلان الإقالة لا تبطلها الشروط الفاسدة فبطل الشرط وصحت الإقالة وهذا
على قياس قول أبي حنيفة ومحمد لان الإقالة عندهما فسخ (وأما) على قياس قول أبى يوسف فتبطل الإقالة والسلم
على حاله إلى أجله لان الإقالة عنده بيع جديد والبيع تبطله الشروط الفاسدة والله عز وجل أعلم (ومنا) قبض
البدلين في بيع الدين بالدين وهو عقد الصرف والكلام في الصرف في الأصل في موضعين أحدهما في تفسير الصرف
في عرف الشرع والثاني في بيان شرائطه (أما) الأول فالصرف في متعارف الشرع اسم لبيع الأثمان المطلقة بعضها
ببعض وهو بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة واحد الجنسين بالآخر فاحتمل تسمية هذا النوع من البيع صرفا
لمعنى الرد والنقل يقال صرفته عن كذا إلى كذا سمى صرفا لاختصاصه برد البدل ونقله من يد إلى يد ويحتمل أن تكون
التسمية لمعنى الفضل إذ الصرف يذكر بمعنى الفضل كما روى في الحديث من فعل كذا لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا
فالصرف الفضل وهو النافلة والعدل الفرض سمى هذا العقد صرفا لطلب التاجر الفضل منه عادة لما يرغب في عين
الذهب والفضة
(فصل) وأما الشرائط (فمنها) قبض البدلين قبل الافتراق لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المشهور
والذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد والفضة بالفضة مثلا بمثل يدا بيد وروى عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال لا تبيعوا الورق بالورق الا مثلا بمثل ولا تسقوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز
وروى عن عبد الله بن سيدنا عمر عن أبيه رضي الله عنهما أنه قال لا تبيعوا الذهب بالذهب الا مثلا بمثل ولا تبيعوا
الورق بالورق الا مثلا بمثل ولا تبيعوا الذهب بالورق أحدهما غائب والآخر ناجز وان استنظرك حتى يلج بيته فلا
تنظره انى أخاف عليكم الرماء أي الربا فدلت هذه النصوص على اشتراط قبض البدلين قبل الافتراق وتفسير
الافتراق هو أن يفترق العاقدان بأبدانهما عن مجلسهما فيأخذ هذا في جهة وهذا في جهة أو يذهب أحدهما ويبقى
الآخر حتى لو كانا في مجلسهما لم يبرحا عنه لم يكونا مفترقين وان طال مجلسهما لانعدام الافتراق بأبدانهما وكذا إذا ناما في
المجلس أو أغمي عليهما لما قلنا وكذا إذا قاما عن مجلسهما فذهبا معا في جهة واحدة وطريق واحدة ومشيا ميلا أو
أكثر ولم يفارق أحدهما صاحبه فليسا بمفترقين لان العبرة لتفرق الأبدان ولم يوجد فرق بين هذا وبين خيار المخيرة
إذا قامت عن مجلسها أو اشتغلت بعمل آخر يخرج الامر من يدها لان خيار المخيرة يبطل بالاعراض عما فوض
إليها والقيام عن مجلس أو الاشتغال بعمل آخر دليل الاعراض وههنا لا عبرة بالاعراض إنما العبرة للافتراق بالأبدان
ولم يوجد وروى عن محمد أنه ألحق هذا بخيار المخيرة حتى لو نام طويلا أو وجد ما يدل على الاعراض يبطل الصرف
كالخيار وروى عن محمد في رجل له على إنسان ألف درهم وكذلك الرجل عليه خمسون دينارا فأرسل إليه رسولا فقال
215

بعتك الدنانير التي لي عليك بالدراهم التي لك على وقال قبلت فهو باطل لان حقوق العقد لا تتعلق بالرسول بل بالمرسل
وهما مفترقان بأبدانهما وكذلك لو نادى أحدهما صاحبه من وراء جدار أو ناداه من بعيد لم يجز لأنهما مفترقان بأبدانهما
عند العقد بخلاف البيع المطلق إذا ارسل رسولا إلى إنسان فقال بعت عبدي الذي في مكان كذا منك بكذا فقبل
ذلك الرجل فالبيع جائز لان التقابض في البيع المطلق ليس بشرط لصحة العقد ولا يكون الافتراق مفسدا له ثم المعتبر
افتراق المتعاقدين سواء كانا مالكين أو نائبين عنهما كالأب والوصي والوكيل لان القبض من حقوق العقد وحقوق
العقد تتعلق بالعاقدين فيعتبر افتراقهما ثم إنما يعتبر التفرق بالأبدان في موضع يمكن اعتباره فإن لم يمكن اعتباره يعتبر المجلس
دون التفرق بالأبدان بان قال الأب اشهدوا انى اشتريت هذا الدينار من ابني الصغير بعشرة دراهم ثم قام قبل أن يزن
العشرة فهو باطل كذا روى عن محمد لان الأب هو العاقد فلا يمكن اعتبار التفرق بالأبدان فيعتبر المجلس والله سبحانه
وتعالى أعلم ثم بيع الجنس بالجنس وبخلاف الجنس كالذهب بالفضة سواء لا يختلفان في حكم القبض لان كل ذلك
صرف فيشترط فيه التقابض وإنما يختلفان في جوز التفاضل وعدمه فلا يجوز التفاضل عند اتحاد الجنس ويجوز عند
الاختلاف ولكن يجب التقابض اتحد الجنس أو اختلف لما ذكرنا من الدلائل ولو تصارفا ذهبا بذهب أو فضة بفضة
مثلا بمثل وتقابضا وتفرقا ثم زاد أحدهما صاحبه شيئا أو حط عنه شيئا وقبل الآخر فسد البيع عند أبي حنيفة وأبى
يوسف الزيادة والحط باطلان والعقد الأول صحيح وعند محمد الزيادة باطلة والحط جائز بمنزلة الهبة المستقبلة
واختلافهم في هذه المسألة فرع اختلافهم في أصل ذكرناه فيما تقدم وهو أن الشرط الفاسد المتأخر عن العقد في الذكر
إذا الحق به هل يلتحق به أم لا فمن أصل أبي حنيفة فيه أنه يلتحق بأصل العقد ويفسد العقد والزيادة والحط يلتحقان
بأصل العقد على أصل أصحابنا كان العقد ورد على المزيد عليه والزيادة جميعا فيتحقق التفاضل والجنس متحد فيتحقق
الربا فكانت الزيادة والحط بمنزلة شرط فاسد ملتحق بالعقد فيتأخر عنه فيلتحق به ويوجب فساده ومن أصل أبى
يوسف ومحمد أن الشرط الفاسد المتأخر عن العقد لا يلتحق بالعقد فطرد أبو يوسف هذا الأصل وقال تبطل الزيادة
والحط جميعا ويبقى البيع الأول صحيحا ومحمد فرق بين الزيادة والحط وقال الزيادة باطلة والحط جائز لان الزيادة لو
صحت لالتحقت بأصل العقد فيوجب فساده فبطلت الزيادة وليس من شرط صحة الحط ان يلتحق بالعقد الا ترى أنه لو
حط جميع الثمن صح ولا يلتحق إذ لو التحق لكان البيع واقعا بلا ثمن فيجعل حطا للحال بمنزلة هبة مستأنفة ولو تبايعا
الجنس بخلاف الجنس بان تصارفا دينارا بعشرة دراهم ثم زاد أحدهما صاحبه درهما وقبل الآخر أو حط عنه درهما
من الدينار جازت الزيادة والحط بالاجماع لان المانع من الجواز والالتحاق تحقق الربا واختلاف الجنس يمنع تحقق
الربا الا أن في الزيادة يشترط قبضها قبل الافتراق حتى لو افترقا قبل القبض بطل البيع في حصة الزيادة لان الزيادة لما
التحقت بأصل العقد صار كان العقد ورد على الزيادة والأصل جميعا الا أنه جاز التفاضل لاختلاف الجنس فإذا لم يقبض
الزيادة قبل الافتراق بطل العقد بقدرها (وأما) الحط فجائز سواء كان قبل التفرق أو بعده لان الحط وإن كان يلتحق
بأصل العقد فيؤدى إلى التفاضل لكن التفاضل عند اختلاف الجنس جائز ولا زيادة ههنا حتى يشترط قبضها فصح
الحط ووجب عليه رد المحطوط لان الحط لما التحق بأصل العقد تبين أن العقد لم يقع على قدر المحطوط من الابتداء
فيجب رده ولو حط مشترى الدينار قيراطا منه فبائع الدينار يكون شريكا له في الدينار لأنه تبين أن العقد وقع على ما سوى
القيراط ولو اشترى سيفا محلى بفضة وحليته خمسون درهما بمائة درهم وتقابضا ثم زاده دينارا في الثمن دفعه إليه قبل أن
يفارقه أو بعد ما فارقه يجوز كذا روى عن محمد وتصرف الزيادة إلى النصل والجفن والحمائل لأنها تلحق بأصل العقد
فصار كان العقد ورد على الأصل والزيادة جميعا ولو كان كذلك لكان الامر على ما وصفنا كذا هذا بخلاف بيع المرابحة
فإنه يقسم على جميع الثمن لما نذكر في مسائل المرابحة وسواء كان دينا بدين وهو الدراهم والدنانير أو عينا بعين وهو التبر
والمصوغ أو دينا بعين وهو الدرهم والدنانير بالتبر والمصوغ لان ما ذكرنا من الدلائل لا يوجب الفصل بين الدين والعين
216

وسواء كان مفردا أو مجموعا مع غيره كما إذا باع ذهبا وثوبا بفضة مفردة لان الفضة تنقسم على الذهب والثوب فما قابل
الذهب يكون صرفا فيشترط فيهما القبض وما يقابل الثوب يكون بيعا مطلقا فلا يشترط فيه القبض وكذا إذا باع ذهبا
وثوبا بذهب والذهب أكثر حتى جاز البيع أنه في حصة الذهب يكون صرفا وفى حصة الثوب يكون بيعا مطلقا وكذا
إذا باع سيفا محلى بالفضة مفردة أو منطقة مفضضة أو لجاما أو سرجا أو سكينا مفضضة أو جارية على عنقها طوق فضة
بفضة مفردة والفضة المفردة أكثر حتى جاز البيع كان بحصة الفضة صرفا ويراعى فيه شرائط الصرف وبحصة الزيادة
التي هي من خلاف جنسها بيعا مطلقا فلا يشترط له ما يشترط للصرف فان وجد التقابض وهو القبض من الجانبين
قبل التفرق بالأبدان تم الصرف والبيع جميعا وان لم يوجد أو وجد القبض من أحد الجانبين دون الآخر بطل الصرف
لوجود الافتراق من غير قبض وهل يبطل البيع المطلق ينظر إن كانت الفضة المجموعة مع غيرها يمكن فصلها وتخليصها
من غير ضرر كالجارية مع الطوق وغير ذلك فالبيع جائز وفساد الصرف لا يتعدى إلى البيع لأنه إذ أمكن تخليصها من
غير ضرر جاز لأنهما شيئان منفصلان ولهذا جاز بيع أحدهما دون الآخر ابتداء فلان يبقى جائزا انتهاء أولى لان
البقاء أسهل من الابتداء وإن كان لا يمكن فصلها وتخليصها الا بضرر بطل البيع أيضا لأنه بيع ما لا يمكن تسليمه الا
بضرر وأنه لا يجوز ابتداء كبيع الجذع في السقف ونحو ذلك فكذا في حالة البقاء فإذا بطل العقد في قدر الصرف يبطل في
البيع أيضا والله عز وجل أعلم هذا إذا انعقد العقد على الصحة ثم فسد في قدر الصرف بطريان المفسد عليه وهو الافتراق
من غير تقابض فأما إذا انعقد على الفساد من الابتداء بان شرطا الخيار أو أدخلا الأجل فيه لم يصح الصرف بالاجماع
وهل يصح البيع المطلق اختلف فيه قال أبو حنيفة عليه الرحمة لا يصح سواء كان يتخلص من غير ضرر أو لا
يتخلص الا بضرر وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله هذا والأول سواء إن كان يتخلص من غير ضرر يصح وإن كان
لا يتخلص الا بضرر لا يصح وكذا إذا اشترى دينارا بعشرة دراهم نسيئة ثم نقد بعض العشرة دون البعض في
المجلس فسد الصرف في الكل عنده وعندهما يصح بقدر ما قبض وهذا بناء على أصل مختلف بينهم وهو ان الصفقة
إذا اشتملت على الصحيح والفاسد يتعدى الفساد إلى الكل عنده وعندهما لا يتعدى فهما سويا بين الفساد
الطارئ والمقارن وأبو حنيفة فرق بينهما (ووجه) الفرق ما ذكرنا من قبل ان الفساد إذا كان مقارنا يصير قبول العقد
في الفاسد شرط قبول العقد في الآخر وهذا شرط فاسد فيؤثر في الكل ولم يوجد هذا المعنى في الطارئ فاقتصر
الفساد فيه على قدر المفسد ثم إذا كانت الفضة المفردة فيه أكثر ولم يوجد فيه شرط الخيار ولا الأجل حتى جاز العقد
ثم نقد قدر الفضة المجموعة من المفردة دون غيرها وتفرقا عن قبض من الجانبين بان باع سيفا محلا بمائة درهم وحليته
خمسون فنقده المشترى خمسين فالقدر المنقود من الفضة المفردة يقع عن الصرف حتى لا يبطل بالافتراق أو عن البيع
حتى يبطل الصرف بالافتراق من غير قبض فهذا لا يخلو من خمسة أوجه إما ان ذكر أن المنقود من ثمن الحلية وإما ان
ذكر انه من ثمن الجفن والنصل وإما ان ذكر أنه من ثمنهما جميعا وإما ان ذكر انه من ثمن السيف وإما ان سكت ولم
يذكر شيئا فان ذكر أنه من ثمن الحلية يقع عنها ويجوز الصرف والبيع جميعا وهذا ظاهر وكذا إذا ذكر انه من ثمنهما فإنه
يقع عن الحلية أيضا وجاز البيع والصرف لان قبض التصرف مستحق حقا للشرع وقبض البيع ليس بمستحق
فيصرف إلى جهة الاستحقاق ويمكن ايقاع المنقود كله عن هذه الجهة وان أضافه إليهما لان ذكر شيئين على إرادة
أحدهما جائز في اللغة قال الله تعالى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وإنما يخرج من أحدهما وهو المالح وكذا إذا لم
يذكر شيئا يقع عن الصرف لان أمور المسلمين محمولة على الصحة والسداد ما أمكن وذلك فيما قلنا لان قبض حصة
الحلية مستحق فعند الاطلاق يصرف إلى جهة الاستحقاق وكذا إذا ذكر أنه من ثمن السيف يقع عن الحلية لان
الحلية تدخل في اسم السيف وان ذكر انه من ثمن الجفن والنصل ينظر ان أمكن تخليص الفضة من غيرها من غير ضرر
يقع عن ثمن المذكور ويبطل الصرف بالافتراق قبل القبض لأنه قصد جواز البيع وصرف بفساد الصرف وإذا أمكن
217

تخليصها من غير ضرر أمكن القول بجواز البيع مع فساد الصرف ألا ترى انه يجوز بيع السيف بانفراده فيجوز البيع
ويبطل الصرف وان لم يمكن تخليصها الا بضرر فالمنقود يقع عن ثمن الصرف ويجوز البيع والصرف جميعا لأنه قصد
جواز البيع ولا يجوز الا بجواز الصرف لان بيع السيف بدون الحلية لا يجوز إذا لم يمكن تخليصها من غير ضرر فان أمكن
تخليصها من غير ضرر فيجوزان جميعا والله عز وجل أعلم وكذاك في السيف المحلى إذا لم يكن من جنس الحلية فإن كانت
حيلة السيف ذهبا اشتراه مع حليته بفضة مفردة فحكمه وحكم الجنس سواء في جميع ما وصفنا لأنهما في حكم
القبض وما يتعلق به لا يختلفان وقد ذكرنا جملة ذلك وتفصيله على الاتفاق والاختلاف وعلى هذا يخرج الابراء عن
بدل الصرف وهبته ممن عليه والتصدق به عليه انه لا يصح بدون قبوله وان قبل انتقض الصرف وان لم يقبل لم يصح
ويبقى الصرف على حاله لان قبض البدل مستحق والابراء عن الدين اسقاطه والدين بعد ما سقط لا يتصور قبضه
فكان الابراء عن البدل جعل البدل بحال لا يتصور قبضه فكان في معنى الفسخ فلا يصح الا بتراضيهما كصريح
الفسخ وإذا لم يصح بقي عقد الصرف على حاله فيتم بالتقابض قبل الافتراق بأبدانهما ولو أبى المبرئ أو الواهب أو
المتصدق أن يأخذ ما أبرأ أو وهبه أو تصدق يجبر على القبض لأنه بالامتناع عن القبض يريد فسخ العقد وأحد العاقدين
لا ينفرد بالفسخ وعلى هذا يخرج الاستبدال ببدل الصرف انه لا يجوز والصرف على حاله يقبض البدل قبل الافتراق
ويتم العقد لان قبض البدل شرط بقاء العقد على الصحة وبالاستبدال يفوت قبضه حقيقة لأنه يقبض بدله وبدله
غيره وقال زفر ان الاستبدال جائز لأن الشراء لا يقع بعين ما في الذمة لان ما في الذمة من الدراهم لا يحتمل التعيين
بلا خلاف فكان مشتريا بمثل ما في الذمة فيجب لمن عليه الدين في ذمة المشتري دراهم مثل ما في ذمته في النوع والصفة
فلا يفوت قبض البدل بالاستبدال بل يصير قابضا بطريق المعاوضة فيصح الاستبدال (والجواب) عنه ان الدراهم
والدنانير وإن كانت لا تتعين بالعقد ولكنها تتعين بالقبض وقبضها واجب وبالمقاصة يفوت القبض حقيقة فلم تصح
المقاصة فبقي الشراء بها اسقاطا للقبض المستحق حقا للشرع فلا يصح الشراء وبقى الصرف صحيحا موقوفا بقاؤه على
الصحة على القبض قبل الافتراق وان أعطاه صاحبه دراهم أجود أو أردأ من حقه فرضى به والمقبوض مما يجرى مجرى
الدراهم الواجبة بالعقد في المعاوضات بين الناس جاز لان المقبوض من جنسه أصلا وإنما يخالفه في الوصف فإذا رضى
به فقد اسقط حقه فكان استيفاء لا استبدالا وتجوز الحوالة ببدل الصرف إذا كان المحتال عليه حاضرا وكذلك
الكفالة وكذلك الرهن به والصرف على حاله فان قبض من المحتال عليه أو من الكفيل أو هلك الرهن في يد المرتهن
في المجلس فالصرف ماض على الصحة وان افترق المتصارفان قبل القبض وهلك الرهن بطل الصرف وعند زفر
لا تجوز الحوالة والكفالة ببدل الصرف وقد مرت المسألة في السلم والعبرة لبقاء العاقدين في المجلس وافتراقهما عنه
لا لبقاء المحال عليه والكفيل وافتراقهما لما ذكرنا أن القبض من حقوق العقد فيتعلق بالعاقدين فيعتبر مجلسهما وكذلك
لو وكل كل واحد من العاقدين رجلا أن ينقد عنه يعتبر مجلس الموكلين بقاء وافتراقا لا مجلس الوكيل لما قلنا والله سبحانه
وتعالى أعلم وعلى هذا تخرج المقاصة في ثمن الصرف إذا وجب الدين بعقد متأخر عن عقد الصرف انه لا يصير قصاصا
ببدل الصرف وان تراضيا بذلك وقد ذكرنا جملة الكلام في ذلك وتفصيله في السلم وعلى هذا يخرج ما إذا قبض بدل
الصرف ثم انتقض بدل الصرف ثم انتقض القبض فيه بمعنى أوجب انتقاضه انه يبطل الصرف وقد مر الكلام فيه جملة
وتفصيلا في السلم ثم قبض الصرف في المجلس كما هو شرط بقاء العقد على الصحة فقبضهما في مجلس الإقالة شرط بقاء
الإقالة على الصحة أيضا حتى لو تقايلا الصرف وتقابضا قبل الافتراق مضت الإقالة على الصحة وان افترقا قبل
التقابض بطلت الإقالة أما على أصل أبى يوسف فظاهر لان الإقالة على أصله بيع جديد فكانت مصارفة مبتدأة
فلا بد من التقابض في المجلس وعلى أصلهما إن كانت فسخا في حق المتعاقدين فهي بيع جديد في حق ثالث
واستحقاق القبض حق للشرع ههنا ثالث فيعتبر بيعا جديدا في حق هذا الحكم فيشترط فيه التقابض بخلاف السلم
218

فان قبض رأس مال السلم في مجلس الإقالة ليس بشرط لصحة الإقالة وقد ذكرنا وجه الفرق بينهما فيما تقدم ولو وجد
ببدل الصرف عيبا وهو عين كما إذا اشترى قلب فضة بذهب فرده ثم افترقا قبل قبض الثمن أن رده عليه بقضاء القاضي
فالرد صحيح على حاله وإن كان بغير قضاء القاضي يكون
فسخا في حق الكل ورفعا للعقد عن الأصل كأنه لم يكن وإعادة المالك إلى قديم ملكه كأنه لم يزل عن ملكه فلا حاجة
إلى القبض والرد بغير قضاء يكون فسخا في حق المتعاقدين بيعا جديدا في حق ثالث وحق الشرع وهو القبض يعتبر ثالثا
فيجعل بيعا جديدا في حق هذا الحكم وأما التقابض في بيع المطعوم بالمطعوم بجنسه أو بغير جنسه بان باع قفيز حنطة
بقفيز حنطة أو بقفيزي شعير وعينا البدلين بالإشارة إليهما فهل هو شرط اختلف فيه قال أصحابنا ليس بشرط وقال
الشافعي رحمه الله شرط حتى لو افترقا من غير قبض عندنا يثبت الملك وعنده لا يثبت ما لم يتقابضا في المجلس احتج
بقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المشهور الحنطة مثلا بمثل يدا بيد وبقوله عليه والصلاة والسلام لا تبيعوا
الطعام بالطعام الا سواء بسواء يدا بيد ولان الافتراق من غير تقابض في بيع المطعوم بجنسه لا يخلو عن الربا لجواز أن
يقبض أحد المتعاقدين دون الآخر فيتحقق الربا لان للمقبوض فضلا على غير المقبوض فأشبه فضل الحلول
على الأجل وإنما يقع التحرز عنه بوجوب التقابض ولهذا صار شرطا في الصرف كذا هذا (ولنا) عمومات البيع من
نحو قوله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم وقوله عز
شأنه وأحل الله البيع وحرم الربا وغير ذلك نهى عن الاكل بدون التجارة عن تراض واستثنى التجارة عن تراض
فيدل على إباحة الاكل في التجارة عن تراض من غير شرط القبض وذلك دليل ثبوت الملك بدون التقابض لان أكل
مال الغير ليس بمباح وأما الحديث فظاهر قوله عليه الصلاة والسلام يدا بيد غير معمول به لان اليد بمعنى الجارحة ليس
بمراد بالاجماع فلان حملها على القبض لأنها آلة القبض فنحن نحملها على التعيين لأنها آلة التعيين لان الإشارة باليد
سبب التعيين وعندنا التعيين شرط فسقط احتجاجه بالحديث بحمد الله تعالى على أن الحمل على ما قلنا أولى لان فيه
توفيقا بين الكتاب والسنة وهكذا نقول في الصرف ان الشرط هناك هو التعيين لا نفس القبض الا أنه قام الدليل
عندنا ان الدراهم والدنانير لا تتعين بالتعيين وإنما تتعين بالقبض فشرطنا التقابض للتعيين لا للقبض وههنا التعيين حاصل
من غير تقابض فلا يشترط التقابض والله عز وجل أعلم وقوله المقبوض خير من غير المقبوض فيتحقق الربا قلنا
هذا إنما يستقيم ان لو قلنا بوجوب تسليم أحدهما دون الآخر وليس كذلك (ومنها) أن يكون خاليا عن شرط
الخيار فان شرط الخيار فيه لهما أو لأحدهما فسد الصرف لان القبض في هذا العقد شرط بقائه على الصحة وخيار
العقد يمنع انعقاد العقد في حق الحكم فيمنع صحة القبض ولو أبطل صاحب الخيار خياره قبل الافتراق ثم افترقا عن
تقابض ينقلب إلى الجواز عندنا خلافا لزفر ولو لم يبطل حتى افترقا تقدر الفساد وقد ذكرنا جنس هذه المسائل بدلائلها
فيما تقدم (ومنها) أن يكون خاليا عن الأجل لهما أو لأحدهما فان شراطاه لهما أو لأحدهما فسد الصرف لان قبض
البدلين مستحق قبل الافتراق والأجل يعدم القبض فيفسد العقد فان أبطل صاحب الأجل أجله قبل الافتراق
فنقد ما عليه ثم افترقا عن تقابض ينقلب جائزا عندنا خلافا لزفر وهاتان الشريطتان على الحقيقة فريعتان لشريطة
القبض الا أن إحداهما تؤثر في نفس القبض والأخرى في صحته على ما بينا وأما خيار العيب وخيار الرؤية فيثبتان
في هذا العقد لأنهما لا يمنعان حكم العقد فلا يمنعان صحة القبض لان خيار الرؤية يثبت في العين وهو التبر والنقرة
والمصوغ ولا يثبت في الدين وهو الدراهم والدنانير المضروبة لأنه لا فائدة في الرد إذ العقد لا ينفسح بالرد لأنه ما ورد
على عين المردود وقيام العقد يقتضى ولاية المطالبة بمثله فإذا قبض يرده فيطالبه بآخر هكذا إلى ما لا يتناهى وكذا خيار
الرؤية لأنه لا يثبت في سائر العقود لما قلنا بخلاف ما إذا كان ثمن الصرف عينا لان هناك ينفسخ العقد
بالرد فلا يملك المطالبة بعين أخرى فكان الرد مفيدا والله سبحانه وتعالى أعلم وأما خيار العيب فيثبت في الوجهين جميعا
219

لان السلامة عن العيب مطلوبة عادة ففواتها يوجب الخيار كما في سائر البياعات الا أن بدل الصرف إذا كان عينا فرده
بالعيب يفسخ العقد سواء رده في المجلس أو بعد الافتراق ويرجع على البائع بما نقد وإن كان دينا بان وجد الدراهم
المقبوضة زيوفا أو كاسدة أو وجدها رائجة في بعض التجارات دون البعض وذلك عيب عند التجار فردها في المجلس
ينفسخ العقد بالرد حتى لو استبدل مكانه مضى الصرف وان ردها بعد الافتراق بطل الصرف عند أبي حنيفة وزفر
لحصول الافتراق لا عن قبض وعند أبي يوسف ومحمد لا يبطل إذا استبدل في مجلس الرد على ما ذكرنا في السلم
وخيار المستحق لا يبطل الصرف أيضا ولأنه لا يمنع صحة القبض على تقدير الإجازة واحتمال الإجازة قائم فلا يبطل
العقد المنعقد ظاهرا بالشك ثم إذا استحق أحد بدلي الصرف بعد الافتراق فإن كان أجاز المستحق والبدل قائم أو
ضمن الناقد وهو هالك جاز الصرف لأنه إذا كان قائما كان بمحل الإجازة والإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة وإذا
كان هالكا ضمن الناقذ المضمون بالضمان فتبين انه سلم ملك نفسه وان استرده وهو قائم أو ضمن القابض قيمته وهو
هالك بطل الصرف لأنه نقض قبضه أو تبين انه لم يصح بخلاف الأول لأنه سلم له القبض فجاز الصرف والله سبحانه
وتعالى أعلم (ومنها) أن يكون الثمن الأول معلوما في بيع المرابحة والتولية والاشراك والوضيعة والأصل في هذه
العقود عمومات البيع من غير فصل بين بيع وبيع وقال الله عز شأنه وابتغوا من فضل الله وقال عز وجل ليس
عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم والمرابحة ابتغاء للفضل من البيع نصا وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما أراد الهجرة اشترى سيدنا أبو بكر رضي الله عنه بعيرين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولى أحدهما فقال
سيدنا أبو بكر رضي الله عنه هو لك بغير شئ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بغير بمن فلا فدل طلب التولية على
جوازها وروى أن سيدنا أبا بكر رضي الله عنه اشترى بلالا فاعتقه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم الشركة
يا أبا بكر فقال يا رسول الله قد أعتقته لو لم تكن الشركة مشروعة لم يكن ليطلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا الناس
توارثوا هذه البياعات في سائر الأعصار من غير نكير وذلك اجماع على جوازها * ثم الكلام في المرابحة في مواضع في
تفسير بيع المرابحة وفي بيان شرائطه وفي بيان رأس المال انه ما هو وفي بيان ما يلحق برأس المال وما لا يلحق به وفي بيان
ما يجب بيانه عند المرابحة مما ترك بيانه يكون خيانة وما لا يجب بيانه وترك بيانه لا يكون خيانة وفي بيان حكم الخيانة
إذا ظهرت أما تفسيره فقد ذكرناه في أول الكتاب وهو أنه بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح وأما شرائطه (فمنها)
ما ذكرنا وهو أن يكون الثمن الأول معلوما للمشترى الثاني لان المرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح والعلم بالثمن الأول
شرط صحة البياعات كلها لما ذكرنا فيما تقدم فإن لم يكن معلوما له فالبيع فاسد إلى أن يعلم في المجلس فيختار ان شاء فيجوز
أو يترك فيبطل أما الفساد للحال فلجهالة الثمن لان الثمن للحال مجهول وأما الخيار فللخلل في الرضا لان الانسان قد يرضى
بشراء شئ بثمن يسير ولا يرضى بشرائه بثمن كثير فلا يتكامل الرضا الا بعد معرفة مقدار الثمن فإذا لم يعرف اختل
رضاه واختلال الرضا يوجب الخيار ولو لم يعلم حتى افترقا عن المجلس بطل العقد لتقرر الفساد وقد ذكرنا اختلاف
عبارات الرواية عن أصحابنا عن هذا النوع من البيع كبيع الشئ برقمه ونحو ذلك في بعضها انه فاسد وفى بعضها انه
موقوف على الإجازة والاختيار إذا علم وكذلك التولية والاشراك والوضيعة في اعتبار هذا الشرط والمرابحة سواء
لان التولية بيع بمثل الثمن الأول فلابد أن يكون الثمن الأول معلوما والاشراك تولية لكنه تولية بعض المبيع ببعض
الثمن والعلم بالثمن كله شرط صحة البيع والوضيعة بيع بمثل الثمن الأول مع نقصان شئ معلوم منه فلابد وأن يكون الثمن
الأول معلوما ليعلم قدر النقصان منه وعلى هذا يخرج ما إذا اشترى رجلان جملة مما له مثل فاقتسماها ثم أراد كل
واحد منهما أن يبيع حصته مرابحة انه يجوز لان القسمة وإن كانت لا تخلو عن معنى المبادلة حقيقة لكن معنى المبادلة
في قسمة المتماثلات ساقط شرعا بل بعد القسمة فيها تمييزا للنصيب وافرازا محضا وإذا كان كذلك فما يصل إلى كل
واحد منهما كأنه عين ما كان له قبل القسمة فكان يجوز له أن يبيع له نصيبه مرابحة قبل القسمة كذا بعدها وان اشتريا
220

جملة مما لا مثل له فاقتسماه لا يجوز لأحدهما أن يبيع حصته مرابحة لان معنى المبادلة في قسمة هذا النوع معتبرة إذ
الأصل اعتبار الحقيقة فكان ما يصيب كل واحد منهما بالقسمة نصفه ملكه ونصفه بدل ملكه كأنه اشتراه به فلا يجوز
بيعه مرابحة كما إذا اشترى عرضا بعرض ثم أراد أن يبيعه مرابحة والله سبحانه وتعالى أعلم ولو أسلم عشرة دراهم في
ثوبين متفقين من جنس واحد ونوع واحد وصفة واحدة وطول واحد حتى جاز السلم بالاجماع ولم يبين حصة كل
واحد منهما من رأس المال فحل الأجل له أن يبيعهما جميعا مرابحة على العشرة بلا خلاف فان باع أحدهما مرابحة على
خمسة لم يجز عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يجوز ولو كان بين حصة كل واحد من الثوبين من رأس المال
جاز أن يبيع أحدهما مرابحة على خمسة بالاجماع لهما ان المقبوض هو المسلم فيه والملك في المسلم فيه يثبت بعقد السلم
وعقد السلم أوجب انقسام الثمن وهو رأس المال على الثوبين المقبوضين على السواء لاتفاقهما في الجنس والنوع
والصفة والقدر فكانت حصة كل واحد منهما معلومة فتجوز المرابحة عليهما كما إذا أسلم عشرة دراهم في كرى حنطة
فحل السلم وقبضهما ثم باع أحدهما مرابحة ولأبي حنيفة أن المقبوض ليس عين المسلم فيه لان المسلم فيه دين حقيقة
وقبض الدين لا يتصور فلم يكن المقبوض مملوكا بعقد السلم بل بالقبض فكان القبض بمنزلة انشاء العقد كأنه اشتراهما
جميعا ابتداء ولم يبين حصة كل واحد منهما ثم أراد أن يبيع أحدهما مرابحة وذلك لا يجوز فيما لا مثل له ويجوز فيما له مثل
على ما ذكرنا كذا هذا (ومنها) أن يكون الربح معلوما لأنه بعض الثمن والعلم بالثمن شرط صحة البياعات (ومنها) أن يكون
رأس المال من ذوات الأمثال وهو شرط جواز المرابحة على الاطلاق وكذلك التولية وبيان ذلك أن رأس المال
لا يخلو اما أن يكون مما له مثل كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة واما أن يكون مما لا مثل له من الذرعيات
والمعدودات المتفاوتة فإن كان مما له مثل يجوز بيعه مرابحة عل الثمن الأول وتولية مطلقا سواء باعه من بائعه أو من غيره
وسواء جعل الربح من جنس رأس المال في المرابحة أو من خلاف جنسه بعد إن كان الثمن الأول معلوما والربح معلوما
وإن كان مما لا مثل له من العروض لا يجوز بيعه مرابحة ولا تولية ممن ليس ذلك العرض في ملكه لان المرابحة بيع بمثل
الثمن الأول وكذلك التولية فإذا لم يكن الثمن الأول مثل جنسه فاما أن يقع البيع على غير ذلك العرض واما أن يقع على
قيمته وعينه ليس في ملكه وقيمته مجهولة تعرف بالحزر والظن لاختلاف أهل التقويم فيها ويجوز بيعه تولية ممن
العرض في ملكه ويده وأما بيعه مرابحة ممن العرض في ملكه ويده فينظر ان جعل الربح شيئا مفردا عن رأس المال
معلوما كالدراهم وثوب معين ونحو ذلك جاز لان الثمن الأول معلوم والربح معلوم وان جعل الربح جزأ من رأس المال
بأن قال بعتك الثمن الأول بربح ده يازده لا يجوز لأنه جعل الربح جزأ من العرض والعرض ليس متماثل الاجزاء وإنما
يعرف ذلك بالتقوم والقيمة مجهولة لان معرفتها بالحزر والظن وأما بيعه مواضعة ممن العرض في يده وملكه فالجواب
فيها على العكس من المرابحة وهو أنه ان جعل الوضيعة شيئا منفردا عن رأس المال معلوما كالدراهم ونحوه لا يجوز لأنه
يحتاج إلى وضع ذلك القدر عن رأس المال وهو مجهول وان جعلها من جنس رأس المال بان باعه بوضع ده يازده جاز
البيع بعشرة أجزاء من أحد عشر جزأ من رأس المال لان الموضوع جزء شائع من رأس مال معلوم (ومنها) أن
لا يكون الثمن في العقد الأول مقابلا بجنسه من أموال الربا فإن كان بان اشترى المكيل أو الموزون بجنسه مثلا بمثل لم
يجز له أن يبيعه مرابحة لان المرابحة بيع بالثمن الأول وزيادة والزيادة في أموال الربا تكون ربا لا ربحا وكذا لا يجوز بيعه
مواضعة لما قلنا وله أن يبيعه تولية لان المانع هو تحقق الربا ولم يوجد في التولية ولأنه بيع بالثمن الأول من غير زيادة
ولا نقصان وكذا الاشراك لأنه تولية لكن ببعض الثمن والله سبحانه وتعالى أعلم (وأما) عند اختلاف الجنس
فلا بأس بالمرابحة حتى لو اشترى دينارا بعشرة دراهم فباعه بربح درهم أو ثوب بعينه جاز لان المرابحة بيع بالثمن الأول
وزيادة ولو باع دينارا بأحد عشر درهما أو بعشرة دراهم وثوب كان جائزا كذا هذا ولو باع الدينار بربح ذهب بان قال
بعتك هذا الدينار الذي اشتريته بربح قيراطين لم يجز عند أبي يوسف وعند محمد جاز (وجه) قوله إن المرابحة بيع بالثمن
221

الأول وزيادة كأنه باع دينارا بعشرة دراهم وقيراطين وذلك جائز وطريق جوازه أن يكون القيراطان بمثلهما من
الدينار والعشرة ببقية الدينار كذا هذا ولأبي يوسف ان في تجويز هذا تغيير المرابحة لان المتصارفين جعلا العشرة
رأس المال والدراهم ربحا فلو جوزنا على ما قاله محمد لصار القيراط رأس مال وبعض العشرة ربحا وفيه تغيير المقابلة
وأخرجها عن كونها مرابحة فلا يصح ولو اشترى سيفا محلى بفضة وحليته خمسون بمائة درهم ثم باعه مرابحة
بربح درهم أو بربح دينار أو بربح ثوب بعينه لا يجوز لان المرابحة بيع بالثمن الأول وزيادة ربح والربح ينقسم على كل
الثمن لأنه جعل ربح كل الثمن فلابد وأن ينقسم على كله ليكون مرابحة على كل الثمن ومتى انقسم على الكل كان
للحلية حصة من الربح لا محالة فيتحقق الربا ولا يصح العقد والله سبحانه وتعالى أعلم (ومنها) أن يكون العقد الأول
صحيحا فإن كان فاسدا لم يجز بيع المرابحة لان المرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح والبيع الفاسد وإن كان يفيد
الملك في الجملة لكن بقيمة المبيع أو بمثله لا بالثمن لفساد التسمية والله عز وجل أعلم
(فصل) واما بيان رأس المال فرأس المال ما لزم المشترى بالعقد لا ما نقده بعد العقد لان المرابحة بيع بالثمن الأول
والثمن الأول هو ما وجب بالبيع فأما ما نقده بعد البيع فذلك وجب بعقد آخر وهو الاستبدال فيأخذ من المشترى
الثاني الواجب بالعقد لا المنقود بعده وكذلك التولية وبيان هذا الأصل إذا اشترى ثوبا بعشرة دراهم ونقد مكانها
دينارا أو ثوبا فراس المال هو العشرة لا الدينار والثوب لان العشرة هي التي وجبت بالعقد وإنما الدينار أو الثوب بدل
الثمن الواجب وكذلك لو اشترى ثوبا بعشرة دراهم جياد ونقد مكانها الزيوف وتجوز بها البائع الأول فعلى المشترى
نقد الجياد لما قلنا ولو اشترى ثوبا بعشرة هي خلاف نقد البلد ثم باعه مرابحة فان ذكر الربح مطلقا بأن قال أبيعك بالثمن
الأول وربح درهم كان على المشترى الثاني عشرة من جنس ما نقد والربح من دراهم نقد البلد لان المرابحة تبيع بالثمن
الأول والثمن الأول هو الواجب بالعقد الأول وهو عشرة وهي خلاف نقد البلد فيجب بالعقد الثاني مثلها والربح من نقد
البلد لأنه أطلق الربح وما أضافه إلى رأس المال والمطلق ينصرف إلى المتعارف وهو نقد البلد وان أضاف الربح إلى
العشرة بأن قال أبيعك بربح العشرة أو بربح ده يازده فالعشرة والربح من جنس الثمن الأول أما إذا قال بربح العشرة فلانه
أضاف الربح إلى تلك العشرة إذا كان من جنسها وأما إذا قال بربح ده يازده فلانه جعل الربح جزأ من العشرة فكان
من جنسها ضرورة وعلى هذا يخرج ما إذا زاد المشترى البائع الأول في الثمن الأول وقبل انه يبيعه مرابحة وتولية
على الأصل والزيادة جميعا لان الزيادة تلتحق بأصل العقد فيصير في التقدير كان العقد على الأصل والزيادة جميعا فكان
الأصل مع الزيادة رأس المال لوجوبهما بالعقد تقديرا فيبيعه مرابحة عليهما وكذا لو حط البائع الأول عن المشترى
بعض الثمن فإنه يبيعه مرابحة على الثاني بعد الحط لان الحط أيضا يلتحق بأصل العقد فكان الباقي بعد الحط رأس
المال وهو الثمن الأول فيبيعه مرابحة عليه ولو حط البائع الأول عن المشترى بعد ما باعه المشترى حط المشترى
الأول ذلك القدر عن المشترى الثاني مع حصته من الربح لما ذكرنا ان الحط يلتحق بأصل العقد فيصير رأس المال
وهو الثمن الأول ما وراء قدر المحطوط فيحط المشترى الأول عن المشترى الثاني ذلك القدر ويحط حصته من
الربح أيضا لان قدر الربح ينقسم على جميع الثمن فإذا حط شيئا من ذلك الثمن لا بد من حط حصته من الربح بخلاف
ما إذا باع مساومة ثم حط عن المشترى الأول شئ من الثمن أنه لا يحط ذلك عن المشترى الثاني لان الثمن الأول أصل
في بيع المرابحة ولا عبرة به في بيع المساومة ألا ترى انه لو اشترى عبدين قيمتهما سواء أحدهما بألف والاخر
بخمسمائة ثم باعهما مساومة انقسم الثمن عليهما على القيمة نصفين ولو باعهما مرابحة أو تولية انقسم الثمن عليهما على قدر
الثمن الأول أثلاثا لا على قدر القيمة دل ان الأول أصل في بيع المرابحة ولا عبرة به في بيع المساومة فالحط عن الثمن
الأول في بيع المرابحة يوجب الحط عن الثمن الثاني ولا يوجب في المساومة وهذا الذي ذكرنا على أصل أصحابنا
الثلاثة لان الزيادة على الثمن تلتحق بأصل العقد وكذا الحط عنه ويصير كأن العقد في الابتداء وقع على هذا القدر
222

(فأما) على أصل زفر والشافعي فالزيادة والحط كل واحد منهما لا يصح زيادة في الثمن وحطا عنه وإنما يصح هبة
مبتدأة والمسألة تأتى في موضعها إن شاء الله تعالى
(فصل) وأما بيان ما يلحق برأس المال وما لا يلحق به فنقول لا بأس بأن يلحق برأس المال أجرة القصار
والصباغ والغسال والفتال والخياط والسمسار وسائق الغنم والكراء ونفقة الرقيق من طعامهم وكسوتهم وما لابد لهم
منه بالمعروف وعلف الدواب ويباع مرابحة وتولية على الكل اعتبارا للعرف لان العادة فيما بين التجار انهم يلحقون
هذه المؤن برأس المال ويعدونها منه وعرف المسلمين وعادتهم حجة مطلقة قال النبي عليه الصلاة والسلام ما رآه
المسلمون حسنا فهو عند الله حسن الا أنه لا يقول عند البيع اشتريته بكذا ولكن يقول قام على بكذا لان الأول
كذب والثاني صدق وأما أجرة الراعي والطبيب والحجام والختان والبيطار وجعل الآبق والفداء عن الجناية وما
أنفق على نفسه وعلى الرقيق من تعليم صناعة أو قرآن أو شعر فلا يلحق برأس المال ويباع مرابحة وتولية على الثمن
الأول الواجب بالعقد الأول لا غير لان العادة ما جرت من التجار بالحاق هذه المؤن برأس المال وقال عليه الصلاة
والسلام ما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح وكذا المضارب ما أنفق على الرقيق من طعامهم وكسوتهم وما لابد
لهم منه بالمعروف يلحق برأس المال لجريان العادة بذلك وما أنفق على نفسه في سفره لا يلحق به لأنه لا عادة فيه
والتعويل في هذا الباب على العادة والله سبحانه وتعالى أعلم
(فصل) وأما بيان ما يجب بيانه في المرابحة وما لا يجب فالأصل فيه ان بيع المرابحة والتولية بيع أمانة لان
المشترى أئتمن البائع في إخباره عن الثمن الأول من غير بينة ولا استحلاف فتجب صيانتها عن الخيانة وعن سبب
الخيانة والتهمة لان التحرز عن ذلك كله واجب ما أمكن قال الله تعالى عز شأنه يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول
وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون وقال عليه الصلاة والسلام ليس منا من غشنا وقال عليه الصلاة والسلام لوابصة بن
معبد رضي الله عنه الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك وروى عنه عليه
الصلاة والسلام أنه قال الا ان لكل ملك حمى وان حمى الله محارمه فمن حام حول الحمى يوشك ان يقع فيه وقال عليه
الصلاة والسلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم والاحتراز عن الخيانة وعن شبهة الخيانة
والتهمة إنما يحصل ببيان ما يجب بيانه فلابد من بيان ما يجب بيانه وما لا يجب فنقول وبالله التوفيق إذا حدث
بالسلعة عيب في يد البائع أو في يد المشترى فأراد أن يبيعها مرابحة ينظر ان حدث بآفة سماوية له أن يبيعها مرابحة
بجميع الثمن من غير بيان عندنا وقال زفر والشافعي رحمهما الله لا يبيعها مرابحة حتى يبين وان حدث بفعله أو بفعل
أجنبي لم يبعه مرابحة حتى يبين بالاجماع (وجه) قولهما ان البيع من غير بيان حدوث العيب لا يخلو من شبهة
الخيانة لان المشترى لو علم أن العيب حدث في يد المشترى لكان لا يربحه فيه ولأنه لما باعه بعد حدوث العيب في يده
فقد احتبس عنده جزأ منه فلا يملك بيع الباقي من غير بيان كما لو احتبس بفعله أو بفعل أجنبي (ولنا) أن الفائت جزء
لا يقابله ثمن بدليل انه لو فات بعد العقد قبل القبض لا يسقط بحصته شئ من الثمن فكان بيانه والسكوت عنه بمنزلة
واحدة وما يقابله الثمن قائم بالكلية فله أن يبيعه مرابحة من غير بيان لأنه يكون بائعا ما بقي بجميع الثمن بخلاف ما إذا فات
بفعله أو بفعل أجنبي لان الفائت صار مقصودا بالفعل وصار مقابله الثمن فقد حبس المشترى جزأ يقابله الثمن فلا
يملك بيع الباقي مرابحة الا ببيان والله سبحانه وتعالى أعلم ولو حدث من المبيع زيادة كالولد والثمرة والصوف واللبن
والعقر لم يبعه مرابحة حتى يبين لان الزيادة المتولدة من المبيع مبيعة عندنا حتى تمنع الرد بالعيب وان لم يكن لها حصة
من الثمن للحال فهذا حبس بعض المبيع وباع الباقي فلا يجوز من غير بيان وكذا لو هلك بفعله أو بفعل أجنبي ووجب
الأرش لأنه صار مبيعا مقصودا يقابله الثمن ثم المبيع بيعا غير مقصود لم يبعه مرابحة من غير بيان فالمبيع مقصودا أولى
ولو هلك بآفة سماوية له أن يبيعه مرابحة من غير بيان لأنه ان هلك طرف من أطرافه بآفة سماوية باعه مرابحة من غير
223

بيان على ما مر فالولد أولى لأنه ملحق بالطرف ولو استغل الولد والأرض جاز له أن يبيعه مرابحة من غير بيان لان
الزيادة التي ليست بمتولدة من المبيع لا تكون مبيعة بالاجماع ولهذا لا يمنع الرد بالعيب فلم يكن ببيع الدار أو الأرض
حابسا جزأ من المبيع فكان له أن يبيعه مرابحة من غير بيان وكذلك لو كان المشترى جارية ثيبا فوطئها جاز له أن يبيعها
مرابحة من غير بيان فان الوطئ استيفاء المنفعة حقيقة والمنفعة ليست بجزء لها حقيقة فاستيفاؤها لا يوجب نقصانا في
الذات الا أنه ألحق بالجزء عند عدم الملك اظهارا لخطر الابضاع ولا حاجة إلى ذلك في الملك فبقيت مبيعة حقيقة
ووطئ الثيب إنما منع الرد بالعيب عندنا لا لأنه اتلاف جزء من العين بل لمعنى آخر نذكره في موضعه ولو كانت
الجارية بكرا فافتضها المشترى لم يبعها مرابحة حتى يبين لان الافتضاض إزالة العذرة وهي عضو منها فكان اتلافا
لجزئها فأشبه اتلاف سائر الأجزاء ولو أتلف منها جزأ آخر لكان لا يبيعها مرابحة حتى يبين كذا هذا ولو اشترى
شيئا نسيئة لم يبعه مرابحة حتى يبين لان للأجل شبهة المبيع وان لم يكن مبيعا حقيقة لأنه مرغوب فيه ألا ترى ان الثمن
قد يزاد لمكان الأجل فكان له شبهة أن يقابله شئ من الثمن فيصير كأنه اشترى شيئين ثم باع أحدهما مرابحة على ثمن
الكل لان الشبهة ملحقة بالحقيقة في هذا الباب فيجب التحرز عنها بالبيان ولو اشترى من إنسان شيئا بدين له عليه له
أن يبيعه مرابحة من غير بيان ولو أخذ شيئا صلحا من دين له على إنسان لا يبيعه مرابحة حتى يبين (ووجه) الفرق
أن مبنى الصلح على الحط والاغماض والتجوز بدون الحق فلا بد من البيان ليعلم المشترى أنه سامح أم لا فيقع التحرز
عن التهمة ومبنى الشراء على المضايقة والمماكسة فلا حاجة إلى البيان وفرق آخر ان في الشراء لا تتصور الخيانة
لأن الشراء لا يقع بذلك الدين بعينه بل بمثله وهو أن يجب على المشترى مثل ما في ذمة المديون فيلتقيان قصاصا لعدم
الفائدة والدليل على أنه كذلك أنه لو اشترى ثم تصادقا على أنه لم يكن عليه دين لم يبطل الشراء ولو وقع الشراء بذلك
الدين بعينه لبطل الشراء وإذا لم يقع الشراء بذلك الدين بعينه لا تتقدر الخيانة كما إذا اشترى منه ثوبا بعشرة دراهم
ابتداء بخلاف الصلح فإنه يقع بما في الذمة على البدل المذكور ألا ترى انهما لو تصادقا بعد عقد الصلح على أنه لم
يكن عليه دين يبطل الصلح فاحتمل تهمة المسامحة والتجوز بدون الحق فوجب التحرز عن ذلك بالبيان ولو اشترى
ثوبا بعشرة دراهم ورقمه اثنى عشر فباعه مرابحة على الرقم من غير بيان جاز إذا كان الرقم معلوما والربح معلوما ولا يكون
خيانة لأنه صادق لكن لا يقول اشتريته بكذا لأنه يكون كاذبا فيه وروى عن أبي يوسف ان المشترى إذا كان
لا يعلم عادة التجار وعنده ان الرقم هو الثمن لم يبعه مرابحة على ذلك من غير بيان وكذلك لو ورث مالا فرقمه ثم باعه
مرابحة على رقمه يجوز لما قلنا ولو اشترى شيئا ثم باعه بربح ثم اشتراه فأراد أن يبيعه مرابحة فإنه يطرح كل ربح كان
قبل ذلك فيبيعه مرابحة على ما يبقى من رأس المال بعد الطرح فإن لم يبق منه شئ بان استغرق الربح الثمن لم يبعه مرابحة
وهذا عند أبي حنيفة (وأما) عند أبي يوسف ومحمد يبيعه مرابحة على الثمن الأخير من غير بيان ولا عبرة بالعقود
المتقدمة ربح فيها أو خسر وبيان ذلك إذا اشترى ثوبا بعشرة فباعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة قانه يبيعه مرابحة على
خمسة عنده وعندهما على عشرة ولو باعه بعشرين ثم اشتراه بعشرة لم يبعه مرابحة أصلا وعندهما يبيعه مرابحة على
عشرة (وجه) قولهما ان العقود المتقدمة لا عبرة بها لأنها ذهبت وتلاشت بنفسها وحكمها فأما العقد الأخير فحكمه
قائم وهو الملك فكان هذا المعتبر فيبيعه مرابحة على الثمن الأخير ولأبي حنيفة عليه الرحمة ان الشراء الأخير كما أوجب
ملك الثوب فقد أكد الربح وهو خمسة لأنه كان يحتمل البطلان بالرد بالعيب أو بغيره من أسباب الفسخ فإذا اشترى
فقد خرج عن احتمال البطلان فتأكد وللتأكد شبهة الاثبات فكان مشتريا للثوب وخمسة الربح بعشرة من وجه
فكان فيه شبهة انه اشترى شيئين ثم باع أحدهما مرابحة على ثمن الكل وذا لا يجوز من غير بيان لان الشبهة في هذا
الباب لها حكم الحقيقة ألا ترى انه لو اشترى ثوبا بعشرة نسيئة ثم أراد أن يبيعه مرابحة على عشرة نقد لم يبعه مرابحة من
غير بيان احترازا عن الشبهة لان للأجل شبهة أن يقابله الثمن على ما مر فوجب التحرز عنه بالبيان كذا هذا فإذا باعه
224

بعشرين ثم اشتراه بعشرة صار كأنه اشترى ثوبا وعشرة بعشرة فيكون العشرة بالعشرة ويبقي الثوب خاليا عن العوض
في عقد المعاوضة فيتمكن فيه شبهة الربا فلم يبعه مرابحة والله سبحانه وتعالى أعلم ولو اشترى ممن لا تجوز شهادته له
كالوالدين والمولودين والزوج والزوجة لم يجز له أن يبعه مرابحة حتى يبين عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد له
ذلك من غير بيان ولو اشترى من مكاتبه أو عبده المأذون وعليه دين أو لا دين عليه لم يبعه مرابحة من غير بيان
بالاجماع (وجه) قولهما انه لا خلل في الشراء الأول لان ملك كل واحد منهما ممتاز عن ملك صاحبه منفصل عنه
فصح الشراء الأول فلا يجب البيان كما إذا اشترى من الأجنبي ولأبي حنيفة رحمه الله ان تهمة المسامحة في الشراء
الأول قائمة لان الناس في العادات لا يماكسون في الشراء من هؤلاء فكانت التهمة وهي الشراء بزيادة الثمن قائمة
فلا بد من البيان كما في المكاتب والمأذون ولان للشراء من هؤلاء شبهة عدم الصحة لان كل واحد منهما يبيع بمال
صاحبه عادة ولهذا لا تقبل شهادة أحدهما لصاحبه لكونها شهادة لنفسه من وجه فكان مال كل واحد منهما بعد
البيع والشراء قائما معنى فكان لهذا الشراء شبهة عدم الصحة والشبهة في هذا الباب ملحقة بالحقيقة فتؤثر في المرابحة
كما في المكاتب والعبد المأذون ولو اشترى سلعة من رجل بألف درهم ثم اشترى منه من لا تقبل شهادته له بألف درهم
وخمسمائة فإنه يبيعه مرابحة على أقل الثمنين وذلك ألف ولا يبيعه مرابحة على ألف وخمسمائة الا ببيان عند أبي حنيفة
وعندهما يبيعه مرابحة على ألف وخمسمائة من غير بيان لما ذكرنا وأجمعوا على أنه لو اشترى عبدا بخمسمائة فباعه من
المكاتب المديون أو لا دين عليه بألف انه لا يبيعه مرابحة على أكثر الثمنين وكذا لو اشترى المكاتب أو المأذون عبدا
بخمسمائة فباعه من المولى بألف لما قلنا ولو اشترى من مضاربه أو اشترى مضاربه منه فإنه يبيعه مرابحة على أقل الثمنين
وحصة المضارب من الربح إن كان فيه ربح وان لم يكن ربح يبيعه مرابحة على أقل الثمنين بيان ذلك إذا دفع ألفا مضاربة
فاشترى رب المال عبدا بخمسمائة فباعه من المضارب بألف فان المضارب يبيعه مرابحة على خمسمائة لأن جواز بيع
رب المال من المضارب والمضارب من رب المال ليس بمقطوع به بل هو محل الاجتهاد فان عند زفر لا يجوز وهو
القياس لأنه بيع مال نفسه على نفسه والشراء من الانسان بماله الا انا استحسنا الجواز بالاجتهاد مع احتمال الخطا فكان
شبهة عدم الجواز قائمة فتلتحق بالحقيقة في المنع من المرابحة من غير بيان ولأنه يحتمل أن رب المال باعه من المضارب
بأكثر من قيمته لكن ساهله المضارب لأنه ما اشتراه بمال نفسه بل بمال رب المال فتمكنت التهمة في هذا البيع
فلا يبيعه مرابحة بأوفر الثمنين الا ببيان ولو اشترى المضارب عبدا بألف فباعه من رب المال بألف ومائتين فان لرب
المال بيعه مرابحة على ألف ومائة إن كانت المضاربة بالنصف لان المائتين ربح وهي بينهما الا أن حصة رب المال
فيها شبهة وتهمة على ما ذكرنا فيطرح ذلك القدر من بيع المرابحة وأما حصة المضارب فلا شبهة فيها ولا تهمة إذ لا حق
فيها لرب المال فيبيعه مرابحة على الف ومائة وكذلك لو اشترى رب المال عبدا بألف فباعه من المضارب بمائة باعه
المضارب مرابحة على مائة وكذلك لو اشترى المضارب بألف فباعه من رب المال بمائة باعه رب المال مرابحة على
مائة وهي أقل الثمنين لأنه لا تهمة في الأقل وفى الأكثر تهمة على ما بينا ولو اشترى رب المال بخمسمائة فباعه من
المضارب بألف ومائة باعه المضارب مرابحة على خمسمائة وخمسين لان الخمسمائة أقل الثمنين والخمسون قدر حصة
المضارب من الربح فتضم إلى الخمسمائة والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما حكم الخيانة إذا ظهرت فنقول وبالله التوفيق إذا ظهرت الخيانة في المرابحة لا يخلو اما ان ظهرت
في صفة الثمن واما ان ظهرت في قدره فان ظهرت في صفة الثمن بأن اشترى شيئا بنسيئة ثم باعه مرابحة على الثمن الأول
ولم يبين أنه اشتراه بنسيئة أو باعه تولية ولم يبين ثم علم المشترى فله الخيار بالاجماع ان شاء أخذه وان شاء رده لان المرابحة
عقد بنى على الأمانة لان المشترى اعتمد البائع وائتمنه في الخبر عن الثمن الأول فكانت الأمانة مطلوبة في هذا العقد
فكانت صيانته عن الخيانة مشروطة دلالة ففواتها يوجب الخيار كفوات السلامة عن العيب وكذا لو صالح من دين
225

الف له على إنسان على عبد ثم باعه مرابحة على الألف ولم يبين للمشترى أنه كان بدل الصلح فله الخيار لما قلنا وان
ظهرت الخيانة في قدر الثمن في المرابحة والتولية بأن قال اشتريت بعشرة وبعتك بربح ده يازدة أو قال اشتريت بعشرة
ووليتك بما توليت ثم تبين أنه كان اشتراه بتسعة فقد اختلف في حكمه قال أبو حنيفة عليه الرحمة المشترى بالخيار في
المرابحة ان شاء أخذه بجميع الثمن وان شاء ترك وفى التولية لا خيار له لكن يحط قدر الخيانة ويلزم العقد بالثمن الباقي وقال
أبو يوسف لا خيار له ولكن يحط قدر الخيانة فيهما جميعا وذلك درهم في التولية ودرهم في المرابحة وحصة من الربح
وهو جزء من عشرة أجزاء من درهم وقال محمد رحمه الله له الخيار فيهما جميعا ان شاء أخذه بجميع الثمن وان شاء رده على
البائع (وجه) قول محمد رحمه الله ان المشترى لم يرض بلزوم العقد الا بالقدر المسمى من الثمن فلا يلزم بدونه ويثبت له
الخيار لفوات السلامة عن الخيانة كما يثبت الخيار بفوات السلامة عن العيب إذا وجد المبيع معيبا (وجه) قول أبى
يوسف رحمه الله ان الثمن الأول أصل في بيع المرابحة والتولية فإذا ظهرت الخيانة تبين ان تسمية قدر الخيانة لم تصح
فلغت تسميته وبقى العقد لازما بالثمن الباقي ولأبي حنيفة الفرق بين المرابحة والتولية وهو ان الخيانة في المرابحة لا توجب
خروج العقد عن كونه مرابحة لان المرابحة بيع بالثمن الأول وزيادة ربح وهذا قائم بعد الخيانة لان بعض الثمن رأس
مال وبعضه ربح فلم يخرج العقد عن كونه مرابحة وإنما أوجب تغييرا في قدر الثمن وهذا يوجب خللا في الرضا فيثبت
الخيار كما إذا ظهرت الخيانة في صفة الثمن بأن ظهر ان الثمن كان نسيئة ونحو ذلك على ما ذكرنا بخلاف التولية لان الخيانة
فيها تخرج العقد عن كونه تولية لان التولية بيع بالثمن الأول من غير زيادة ولا نقصان وقد ظهر النقصان في الثمن الأول
فلو أثبتنا الخيار لأخرجناه عن كونه تولية وجعلناه مرابحة وهذا وانشاء عقد آخر لم يتراضيا عليه وهذا لا يجوز فحططنا قدر
الخيانة وألزمنا العقد بالثمن الباقي والله سبحانه وتعالى أعلم هذا إذا كان المبيع عند ظهور الخيانة بمحل الفسخ فاما إذا لم
يكن بأن هلك أو حدث به ما يمنع الفسخ بطل خياره ولزمه جميع الثمن لأنه إذا لم يكن بمحل الفسح لم يكن في ثبوت الخيار
فائدة فيسقط كما في خيار الشرط وخيار الرؤية والله سبحانه وتعالى أعلم
(فصل) وأما الاشراك فحكمه حكم التولية لا انه تولية حقيقة لكنه تولية بعض المبيع ببعض الثمن وقد ذكرنا ما
يتعلق بالتولية من الشرائط والأحكام والذي يختص بالاشراك بيان القدر الذي تثبت فيه الشركة فنقول وبالله
التوفيق المشترى لا يخلو إما أن يكون لواحد وإما أن يكون لاثنين أو أكثر فإن كان لواحد فأشرك فيه غيره فلا يخلو
إما أن يشركه في قدر معلوم كالنصف والثلث والربع ونحو ذلك واما ان أطلق الشركة فان أشركه في قدر معلوما فله ذلك
القدر لا شك فيه لان حكم التصرف فيه يثبت في قدر ما أضيف إليه هو الأصل فان أطلق الشركة بأن قال أشركتك في
هذا الكر فله نصف الكر كما لو قال أشركتك في نصف الكر لان الشركة المطلقة تقتضي المساواة فتقتضى أن
يكون نصيب الرجل مثل نصيبه ولو أشرك رجلا في نصفه فلم يقبضه حتى هلك نصفه فالرجل بالخيار ان شاء أخذ
نصف ما بقي وهو ربع الكر وان شاء ترك لأنه كان له نصف شائع من ذلك فما هلك هلك على الشركة وما بقي بقي على
الشركة وله الخيار إذا كان قبل القبض لان الصفقة قد تفرقت عليه وكذلك لو باع رجلا نصف الكر ثم هلك نصفه
قبل القبض لما قلنا ولو كان مكان الهلاك استحقاق بأن استحق نصف الكر فههنا يختلف حكم الشركة والبيع فيكون
النصف الباقي للمشترى خاصة في البيع وفى الشركة يكون بينهما وإنما كان كذلك لان البيع أضيف إلى نصف
شائع وتعذر تنفيذه في النصف المستحق لانعدام الملك وأمكن تنفيذه في نصف المملوك فيجب تنفيذه فيه وكذلك
في الشركة الا ان تنفيذه في النصف المملوك يقتضى المساواة بينهما في ذلك النصف وذلك بأن يكون نصفه للرجل
ونصفه له ولو اشترى عبدا فقال له رجل أشركني في هذا العبد فقال قد أشركتك ثم قال له رجل آخر مثل ذلك فاشركه
فيه إن كان الثاني علم بمشاركة الأول فله الربع وللمشتري الربع والنصف للأول وإن كان لم يعلم بمشاركته فالنصف له
والنصف للأول ولا شئ للمشترى لأنه إذا علم الثاني بمشاركة الأول فلم يطلب الشركة منه الا في نصيبه خاصة
226

والشركة في نصيبه تقتضي المساواة بين النصيبين وهي أن يكون لكل واحد منهما الربع وإذا لم يعلم بالشركة فقوله أشركني
طلب الشركة في الكل والاشراك في الكل أن يكون نصفه له والأول قد استحق النصف بالمشاركة فيستحق الثاني
النصف الباقي تحقيقا للشركة المقتضية للمساواة ولو قال لرجل اشتر جارية فلان بيني وبينك فقال المأمور نعم ثم لقيه
غيره فقال له مثل ما قال الأول فقال المأمور نعم ثم اشترى الجارية فالجارية بين الآمرين ولا شئ منها للمأمور لان
الأول وكله بشراء نصف الجارية وبقبول الوكالة الثانية لا يخرج عن كونه وكيلا للأول لأنه لا يمكن اخراج نفسه عن
الوكالة من غير محضر من الموكل فبقي وكيلا له بشراء النصف فإذا قبل الوكالة من الثاني صار وكيلا في شراء النصف الآخر
فإذا اشترى الجارية فقد اشتراها لموكليه فكانت بينهما ولو لقيه ثالثا فقال له مثل ما قال الأولان فقال نعم ثم
اشتراها كانت الجارية للأولين ولا شئ للثالث لأنه قد بقي وكيلا للأولين إذ لا يملك اخراج نفسه عن وكالتهما حال
غيبتهما فلم يصح قبوله الوكالة من الثالث شريكان شركة عنان في الرقيق أمر أحدهما صاحبه أن يشترى عبد فلان
بينه وبين المأمور ثم أمره آخر بمثل ذلك فاشتراه فالنصف للأجنبي والنصف للشريكين لان كل واحد من
الشريكين يملك شراء الرقيق بعقد الشركة من غير أمر فكان الامر سفها فلم يصح وصح من الأجنبي فاستحق النصف
واستحقاق النصف تقضية الشركة والله عز وجل أعلم هذا إذا كان المشترى لواحد فاشركه فإن كان لاثنين فلا يخلو اما
أن يكون أشرك أحدهما رجلا واما ان أشركاه جميعا فان أشركه أحدهما فاما ان أشرك في نصيبه خاصة بأن قال
أشركتك في نصيبي وإما ان أشركه في نصفه بأن قال أشركتك في نصفي وإما أن أشركه مطلقا بأن قال أشركتك في
هذا العبد وإما ان أشركه في نصيبه ونصيب صاحبه وإما ان أشركه في نصفه بأن قال أشركتك في نصف هذا العبد
فان أشركه في نصيبه خاصة فله النصف من نصيبه لان الشركة المطلقة في نصيبه تقتضي أن يكون نصيبه فيه مثل نصيبه
لأنها تقتضي المساواة وكذا لو أشركه في نصفه لان الشركة المطلقة في نصفه تقتضي المساواة فيه وان أشركه مطلقا فان
أجاز شريكه فله النصف كاملا والنصف لهما وان لم يجز فالربع له لما ذكرنا أن الشركة المطلقة تقتضي المساواة فتقتضي
أن يكون نصيبه وحده مثل نصيبهما جميعا الا أنة إذا لم يجز تعذر تنفيذ الاشراك في نصيبه فينفذ في نصيب صاحبه
فيكون له الربع وإذا أجاز أمكن اجراء الشركة على اطلاقها وهي باطلاقها تقتضي المساواة وذلك أن يكون له النصف
ولكل واحد منهما الربع وان أشركه في نصيبه ونصيب صاحبه فكذلك في ظاهر الرواية أنه ان أجاز صاحبه فله
النصف والنصف الآخر لهما وان لم يجز فله الربع وروى عن أبي يوسف في النوادر أنه ان أجاز كان بينهما أثلاثا وان
أبى أن يجيز كان له ثلث ما في يد الذي أشركه وهو سدس الكل (وجه) هذه الرواية ان اشراك أحدهما وإجازة الاخر
بمنزلة اشراكهما معا لان الإجازة تستند إلى حال العقد فكأنهما أشركاه معا ولان الإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة
فصار كان العاقد أشرك بوكالة صاحبه (وجه) ظاهر الرواية ان الاشراك والإجازة تثبت على التعاقب لوجود الاشراك
والإجازة على التعاقب والحكم يثبت على وفق العلة فصار كما لو أشرك كل واحد منهما على التعاقب قوله الإجازة تستند
إلى حالة العقد قلنا نعم لكن الثابت بطريق الاستناد يثبت للحال ثم يستند فكان حكم الإجازة متأخرا عن حكم
الاشراك ثبوتا وان أشركه في نصف العبد فأجاز شريكه فله نصف ما في يد هذا ونصف ما في يد الآخر وان لم يجز فله
نصف ما في يد الذي أشركه لما قلنا هذا إذا أشركه أحدهما فاما إذا أشركاه جميعا فلا يخلو اما أن أشركاه معا واما ان
أشركاه على التعاقب فان أشركاه معا فالقياس أن يكون له النصف كاملا ولكل واحد منهما الربع وفى الاستحسان يكون
بينهم أثلاثا وان أشركاه على التعاقب مطلقا ولم يبينا قدر الشركة أو أشركاه في نصيبهما بأن قال كل واحد منهما
أشركتك في نصيبي ولم يبين في كم أشركه كان له النصف وللأولين النصف (وجه) القياس أنه لما أشركه كل واحد
منهما فقد استحق نصف نصيبه فكان النصف له والنصف لهما جميعا كما لو أشركاه على التعاقب (وجه) الاستحسان
وهو الفرق بين حالة الاجتماع والافتراق ان الاشراك المطلق من كل واحد منهما إياه في زمان واحد يقتضى المساواة في
227

أنصباء الكل وهو أن يكون نصيب كل واحد منهم مثل نصيب الآخر في أن يكون المشترى بينهم أثلاثا بخلاف
الاشراك على التعاقب لان الاشراك من أحدهما مطلقا في زمان يقتضى أن يكون نصيبه مثل نصيبه وكذلك الاشراك
الآخر في الزمان الثاني فيجتمع له ربعان وهو النصف لكل واحد منهما الربع والله سبحانه وتعالى أعلم
(فصل) وأما المواضعة فهي بيع بمثل الثمن الأول مع نقصان شئ معلوم منه ويعتبر لها من الشرائط والأحكام
ما يعتبر للمرابحة وقد ذكرنا ذلك كله والأصل في معرفة مقدار الثمن في المواضعة أن يضم قدر الوضيعة إلى رأس المال ثم
يطرح منه فما بقي بعد الطرح فهو الثمن مثاله إذا قال اشتريت هذا بعشرة وبعتك بوضيعة ده يازدة فإذا أردت أن تعرف
الثمن أنه كم هو فسبيلك أن تجعل كل درهم من العشرة التي هي رأس المال أحد عشر جزأ فيكون الكل أحد عشرا طرح
منها درهما يكون الثمن تسعة دراهم وجزأ من أحد عشر جزأ من درهم وعلى هذا القياس تجرى مسائل المواضعة والله
الموفق الصواب
(فصل) وأما شرائط لزوم البيع بعد انعقاده ونفاذه وصحته فواحد وهو أن يكون خاليا عن خيارات أربعة خيار
التعيين وخيار الشرط وخيار العيب وخيار الرؤية فلا يلزم مع أحد هذه الخيارات وهذا عندنا وقال الشافعي رحمه الله
افتراق العاقدين مع الخلو عن الخيارين وهو خيار الشرط وخيار العيب شرط أيضا ولقب المسألة ان خيار المجلس ليس
بثابت عندنا وعنده ثابت احتج الشافعي رحمه الله بقوله عليه الصلاة والسلام المتبايعات بالخيار ما لم يفترقا وهذا نص
في الباب ولان الانسان قد يبيع شيئا ويشترى ثم يبدو له فيندم فيحتاج إلى التدارك بالفسخ لكان ثبوت الخيار في
المجلس من باب النظر للمتعاقدين (ولنا) ظاهر قوله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا
أن تكون تجارة عن تراض منكم أباح الله سبحانه وتعالى الاكل بالتجارة عن تراض مطلقا عن قيد التفرق عن مكان
العقد وعنده إذا فسخ أحدهما العقد في المجلس لا يباح الاكل فكان ظاهر النص حجة عليه ولان البيع من العاقدين
صدر مطلقا عن شرط والعقد المطلق يقتضى ثبوت الملك في العوضين في الحال فالفسخ من أحد العاقدين يكون تصرفا
في العقد الثابت بتراضيهما أو في حكمه بالرفع والابطال من غير رضا الآخر وهذا لا يجوز ولهذا لم ينفرد أحدهما بالفسخ
والإقالة بعد الافتراق كذا هذا (وأما) الحديث فان ثبت مع كونه في حد الآحاد مخالفا لظاهر الكتاب فالخيار
المذكور فيه محمول على خيار الرجوع والقبول ما داما في التبايع وهو ان البائع إذا قال لغيره بعت منك كذا فله أن يرجع
ما لم يقل المشترى اشتريت وللمشتري أن لا يقبل أيضا وإذا قال المشترى اشتريت منك بكذا كان له أن يرجع ما لم
يقل البائع بعت وللبائع أن لا يقبل أيضا وهذا النوع من التأويل للخبر نقله محمد في الموطأ عن إبراهيم النخعي رحمهما الله
وأنه موافق لرواية أبي حنيفة لما روى عن ابن سيدنا عمر رضي الله عنهما البيعان بالخيار ما لم يتفرقا عن بيعهما حملناه
على هذا توفيقا بين الدلائل بقدر الامكان والله تعالى جل شأنه أعلم
(فصل) وأما بيان ما يكره من البياعات وما يتصل بها فاما البياعات المكروهة (فمنها) التفريق بين الرفيق
في البيع والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا توله والدة عن ولدها والتفرق بينهما توليه
فكان منهيا وروى أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى امرأة والهة في السبي فسأل عن شأنها فقيل قد بيع ولدها
فامر بالرد وقال عليه الصلاة والسلام من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة وهذا خرج
مخرج الوعيد وروى أنه قال عليه الصلاة والسلام لا يجتمع عليهم السبي والتفريق حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية
ونهى عن التفريق في حال الصغر وروى أنه عليه الصلاة والسلام وهب من سيدنا علي رضي الله عنه غلامين
صغيرين فباع أحدهما فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فقال بعت أحدهما فقال عليه الصلاة والسلام
بعهما أو رد والامر بالجمع بينهما في البيع أو رد البيع فيهما دليل على كراهة التفريق ولان التفريق بين الصغير
والكبير نوع اضرار بهما لان الصغير ينتفع بشفقة الكبير ويسكن إليه والكبير يستأنس بالصغير وذا يفوت
228

بالتفريق فيلحقهما الوحشة فكان التفريق اضرارا بهما بالحاق الوحشة وكذا بين الصغيرين لأنهما يأتلفان ويسكن
قلب أحدهما بصاحبه فكان التفريق بينهما ايحاشا بهما فكره ولان الصبا من أسباب الرحمة قال عليه الصلاة
والسلام من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا فليس منا وفى التفريق ترك الرحمة فكان مكروها ثم الكلام في كراهة التفريق
في مواضع في بيان شرائط الكراهة وفي بيان ما يحصل به التفريق وفي بيان صفة ما يحصل به التفريق انه جائز أم لا
(اما) شرائط الكراهة (فمنها) صغر أحدهما وهو أن يكون أحدهما صغيرا أو يكونا صغيرين فإن كانا كبيرين لا يكره
التفريق بينهما لما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لا يجتمع عليهم السبي والتفريق حتى يبلغ الغلام
وتحيض الجارية مد عليه الصلاة والسلام النهى عن التفريق إلى غاية البلوغ فدل على اختصاص الكراهة بحالة
الصغر وزوالها بعد البلوغ ولان الكراهة معلولة بالاضرار بزوال الاستئناس والشفقة وترك الرحم وكل ذلك
يختص بحالة الصغر (ومنها) الرحم وهو القرابة فإن كانا أجنبيين لم يكره التفريق بينهما (ومنها) المحرمية وهو أين يكونا
ذوي رحم محرم بأن كان بينهما قرابة محرمة للنكاح فلا يكره التفريق بين ابني العم ونحو ذلك لان القربة المحرمة للنكاح
محرمة القطع مفترضة الوصل فكانت منشأ الشفقة والانس بخلاف سائر القرابات وكذا المحرمية بدون الرحم
لا تحرم التفريق كحرمة الرضاع والمصاهرة لانعدام معنى الشفقة والانس لعدم دليلهما وهو القرابة (ومنها)
أن يكون مالكهما واحدا باي سبب ملكهما بشراء أو هبة أو ميراث أو صدقة أو وصية حتى لو كان أحدهما في
ملكه والآخر في ملك ولده الصغير فلا بأس أن يبيع أحدهما دون الآخر وكذا لو كان له ولدان صغيران أحد
المملوكين في ملك أحدهما والآخر في ملك الآخر لا بأس للأب أن يبيع أحدهما لان الكراهة في التفريق
أن يكونا في ملك واحد وان لم يجمعهما ملك مالك واحد لا يقع البيع تفريقا لأنهما كانا متفرقين قبل البيع وكذا
إذا كان أحدهما في ملكه والآخر في ملك مكاتبه لأنهما لم يجتمعا في ملك شخص واحد لان المكاتب فيما يرجع
إلى الكسب ملحق بالاحرار فاختلف المالك وإن كان أحدهما في ملكه والاخر في ملك عبده المأذون فإن كان
عليه دين مستغرق فلا بأس للمولى أن يبيع العبد الذي عنده فأما على أصل أبي حنيفة فظاهر لان المولى لا يملك
كسب المأذون المديون فلم يجود بالاجتماع في ملك مالك واحد وعندهما وإن كان يملكه لكنه ملك تعلق به
حق الغرماء فكان كالأجنبي عنه فلم يوجد الاجتماع معنى وان لم يكن عليه دين يكره للمولى أن يبيع أحدهما لوجود
الاجتماع في ملك شخص واحد ولو كان أحدهما في ملكه والآخر في ملك مضاربه فلا بأس بالتفريق لان
مال المضارب وان لم يكن ملك المضارب لكن له حق قوى فيه حتى جاز بيع المضارب من رب المال وبيع رب
المال من المضارب استحسانا فكان رب المال بمنزلة الأجنبي فلم يوجد الاجتماع في ملك رجل واحد وعلى هذا
يخرج ما إذا باع جارية كبيرة على أنه بالخيار فيها ثلاثة أيام ثم ملك والدها الصغير في مدة الخيار انه يكره ايجاب البيع
في الجارية بالإجازة أو بالترك حتى تمضى المدة بل يفسخ البيع حتى لا يحصل التفريق لان خيار البائع يمنع زوال
السلعة عن ملكه فكانت الجارية على ملكه فإذا ملك ولدها الصغير فقد اجتمعا في ملك شخص واحد فكانت الإجارة
تفريقا فيكره ولو باع الجارية على أن المشترى بالخيار ثلاثة أيام ثم ملك البائع والدها الصغير في المدة فلا بأس للمشترى
أن يجيز البيع أو يفسخ لان الجارية خرجت عن ملك البائع بلا خلاف لان خيار المشترى لا يمنع خروج السلعة عن
ملك البائع بلا خلاف بين أصحابنا وإنما الخلاف في دخولها في ملك المشتري فلم يجتمع المملوكان في ملك شخص
واحد فلم تكن الإجازة تفريقا ولو كان الخيار للمشترى ولها ابن عند المشترى لا تكره الإجازة بلا اشكال لان
الإجازة لا تكون تفريقا بل تكون جمعا (وأما) الفسخ فكذلك لا يكره أيضا (اما) على أصل أبي حنيفة رحمه الله فلا
يشكل أيضا لان الجارية لم تدخل في ملك المشتري لان خيار المشترى يمنع دخول السلعة في ملكه على أصله فلم يقع
الفسخ تفريقا لانعدام الاجتماع في ملكه (واما) عندهما فالجارية وان دخلت في ملكه لكن الفسخ حقه فالاجبار
229

على الإجازة ابطال لحقه وهذا لا يجوز فكان له أن يفسخ والله سبحانه وتعالى أعلم (ومنها) أن يملكهما على المكال
فان ملك من كل واحد منهما شقصا منه لم يكره أن يبيع نصيبه من أحدهما دون الآخر لان البيع ههنا لا يقع تفريقا
مطلقا لحصول التفريق قبله من وجه فلا يدخل تحت النهى عن التفريق على الاطلاق (ومنها) أن يكون كل واحد
منهما محلا للبيع عند البيع فان خرج أحدهما عن محلية البيع بالتدبير أو الاستيلاد فلا بأس من بيع الآخر وإن كان
فيه تفريق لأنه تعذر عليه بيعهما جميعا فلو منع عن بيع الآخر لتضرر به المالك وكراهة التفريق شرعا لدفع ضرر
زائد فلا يجوز دفعه بالحاق ضرر فوقه بالمالك (ومنها) ان لا يتعلق بأحدهما حق فان تعلق بان لحق أحدهما دين بان
استهلك مال انسان أو جنى جناية علي بني آدم أو اشتراهما رجل فوجد بأحدهما عيبا لم يكره التفريق بل يباع بالدين
ويدفع بالجناية ويرد بالعيب لان في المنع من التفريق دفع ضرر زائد بضرر أقوى منه وهو ابطال الحق وهذا لا يجوز
وروى عن أبي حنيفة رحمه الله انه إذا جنى أحدهما يستحب للمالك أن يفدى لما فيه من مراعاة الحقين ودفع
الضرر من الجانبين وانه حسن عقلا وشرعا وروى عن أبي يوسف انه إذا اشتراهما رجل فوجد بأحدهما عيبا
يردهما جميعا أو يمسكهما وليس له أن يرد المعيب خاصة لان رده خاصة تفريق وانه اضرار فصار كما إذا اشترى مصراعي
باب أو زوجي خف أو نعل ثم وجد بأحدهما عيبا انه ليس له أن يرد المعيب خاصة لكونه اضرارا بالبائع خاصة كذا
هذا (ومنها) أن يكون مالكهما مسلما فإن كان كافرا لا يكره التفريق وسواء كان المالك حرا أو مكاتبا أو مأذونا عليه
دين أو لا دين عليه صغيرا أو كبيرا وسواء كان المملوكان مسلمين أو كافرين أو أحدهما مسلما والآخر كافر الآن
ما ذكرنا من الدلائل الموجبة لكراهة التفريق من النصوص والمعقول لا يوجب الفصل ولو دخل حربي دار الاسلام
بأمان ومعه عبدان صغيران أو أحدهما صغير والآخر كبير وهما ذوا رحم محرم أو اشتراهما في دار الاسلام من صاحبه
الذي دخل معه بأمان فأراد أن يبيع أحدهما فلا بأس للمسلم أن يشتريه ولو اشتراهما من مسلم في دار الاسلام أو ذمي
أو حربي دخل بأمان من ولاية أخرى لا من ولايته يكره للمسلم أن يشترى أحدهما (ووجه) الفرق ان الضرورة
دفعت الكراهة في الفصل الأول لأنه لو لم يشتر لأدخلهما دار الحرب فيصير عونا لهم على المسلمين وهذه الضرورة
تنعدم في هذا الفصل لأنه يجبر على بيعهما ولا يمكن من الحاقهما بدار الحرب فلم تتحقق الضرورة (ومنها) أن لا يرضيا
بالتفريق فان رضيا لا يكره بأن كان الصبي مراهقا ورضى بالبيع ورضيت أمه فبيع برضاهما لان كراهة التفريق
لمكان الضرر فإذا رضيا به علم أنه لا ضرر فلا يكره والله سبحانه وتعالى أعلم هذا إذا اجتمع مع الصغير في ملك
شخص واحد قريب واحد هو ذو رحم محرم منه فاما إذا كان معه عدد من الأقارب كل واحد ذو رحم محرم من الصغير
فلا يخلو اما إن كانا أبوين أو غيرهما من ذوي الأرحام فإن كانا أبوين يكره التفريق بينه وبين أحدهما بلا خلاف وإن كان
ا ممن سواهما من ذوي الرحم المحرم فاما إن كان أحدهما أقرب من الصغير والآخر أبعد منه واما إن كانا في القرب منه
على السواء فإن كان أحدهما أقرب لا بأس بالتفريق بين الصغير وبين الابعد منهما لان شفقة الأقرب تغنى عن شفقة
الابعد فلم يكن التفريق اضرارا بالصغير سواء اتفقت قرابة الكبيرين كالأب مع الجد والام مع الجدة أو الخالة أو الخال
أو اختلفت كالأم مع العمة أو العم وروى عن أبي يوسف انه يكره التفريق بينه وبين أحدهما كيف ما كان لان كل
واحد منهما له شفقة على الصغير وتزول بالتفريق وإن كان الكبيران في القرب من الصغير شرعا سواء ينطر ان اتفقت
جهة قرابتهما كالعمتين والخالتين والأخوين لأب وأم أو لأب أو لام فالقياس أن يكره التفريق بين الصغيرين وبين
أحدهما وكذا روى عن أبي يوسف وفى الاستحسان لا يكره إذا بقي مع الصغير قريب واحد لان لكل واحد منهما
شفقة على حدة على الصغير فلا تقوم شفقة أحدهما مقام الآخر وكذا قد يختص أحدهما بزيادة شفقة أحدهما مقام الآخر وكذا قد يختص أحدهما بزيادة شفقة ليست في
الآخر فكان التفريق اضرارا بتفويت شفقته من حيث الأصل أو من حيث القدر فيكره (وجه) الاستحسان ان
كراهة التفريق للاضرار بالصغير بتفويت النظر وعند اتحاد جهة القرابة والتساوي في القرب من الصغير كان معنى
230

النظر حاصلا ببقاء أحدهما بخلاف ما إذا اختلفت الجهة لان عند اختلاف الشفقة فيحصل من
كل واحد منهما ما لا يحصل بالآخر فكان التفريق اضرارا وكذلك لو ملك ستة أخوة أو ستة أخوات ثلاثة منهم
كبار وثلاثة صغار لا بأس ببيع كل صغير مع كل كبير لما قلنا ولو كان مع الصغير أبوان حكما بان ادعياه حتى ثبت نسبه
منهما ثم اجتمعوا في ملك شخص واحد فالقياس أن لا يكره بيع أحدهما لاتحاد جهة القرابة وهي قرابة الأبوة كالعمين
والخالين ونحو ذلك وفى الاستحسان يكره لان أباه أحدهما حقيقة فكان الثابت قرابة أحدهما حقيقة الا انا حكمنا
بثبات نسبه منهما لاستوائهما في الدعوة ولكن الأب في الحقيقة أحدهما فلو باع أحدهما لاحتمل انه باع الأب
فيتحقق التفريق بخلاف ما إذا كان للصغير أب وأم حيث يكره بيع أحدهما لان قرابة كل واحد منهما متحققة فكان
البيع تفريقا بين الصغير وبين أحد أبويه بيقين فيكره وان اختلفت جهة قرابة الكبيرين كالعمة مع الخالة والعم مع
الخال والأخ لأب مع الأخ لام وما أشبه ذلك يكره التفريق لان من يدلى بقرابة الأب إلى الصغير يقوم مقام الأب
والذي يدلى إليه بقرابة الام يقوم مقام الام فصار كما لو كان مع الصغير أبا وأما ولو كان كذلك يكره التفريق كذا هذا
امرأة سبيت وفى حجرها بنت صغيرة وقعتا في سهم رجل واحد والمرأة تزعم أنها بنتها يكره التفريق بينهما وإن كان
لا يثبت نسبها بمجرد دعواها في سائر الأحكام لان الاخبار في كراهة التفريق وردت في حق السبايا ولا يظهر كون
الصغير ولد المسبية الا بقولها فيدل على قبول قولها في حق كراهة التفريق ولان هذا من باب الديانة وقول المرأة
الواحدة في الديانات مقبول خصوصا فيما يسلك فيه طريق الاحتياط ولو كبرت الصغيرة في يد السابي وقد كان
وطئ الكبيرة ولم يعلم من المرأة المسبية ارضاع الصغيرة لا ينبغي له أن يقرب البنت وان لم يثبت نسبها منها لدعوتها
لاحتمال انها بنتها من النسب أو الرضاع فلا يقربها احتياطا ولكن لا يمنع من قربانها في الحكم لان قول المرأة الواحدة
في حقوق العباد غير مقبول وان لم تكن الصغيرة في حجرها وقت السبي فلا بأس بالتفريق والجمع بينهما في الوطئ لأنه إذا
لم تكن في حجرها عند السبي فلا دليل على كونها ولدا لها في حق الحكم فلا يقبل قولها أصلا ولو ادعى رجل من السبايا
صغيرا أو صغيرة انه ولده قبل قوله ويثبت نسبه منه سواء كان قبل الاحراز بدار الاسلام أو بعده بعد أن يكون قبل
القسمة أو قبل الدخول في ملك خاص بالبيع وغيره لان دعوى الرجل صحيحة ألا ترى انه يثبت نسبه منه فيظهر في
حق كراهة التفريق سواء كان الولد وقت السبي في يده أو لم يكن بخلاف دعوة المرأة وكذلك لو ادعت المرأة ان الولد
معها من هذا الرجل وهو زوجها وصدقها تثبت بينهما الزوجية بتصادقهما ويثبت نسب الولد منهما ويكره التفريق
بين الصغير وبين أحدهما لأنه ولدهما باقرارهما ولو ادعى واحد من الغانمين ولدا صغيرا من السبي انه ولده قبل القسمة
أو البيع صحت دعوته ويكون ولده ثم ينظر إن كان معه علامة الاسلام كان مسلما ولا يسترق وان لم يكن معه علامة
الاسلام يثبت نسبه من المدعى ولكنه يسترق لان دعوته وان صحت في حق ثبات النسب واستندت إلى وقت
العلوق لكنها لم تصح ولم تستند في حق الاسترقاق لان فيه ابطال حق الغانمين فلا يصدق في ابطال حق الغير ويجوز
أن يصدق الانسان في اقراره في حق نفسه ولا يصدق في حق غيره إذا تضمن ابطال حتى الغير كمن أقر بحرية عبد
انسان ثم اشتراه صح الشراء وعتق عليه وكذا لو اشتراه ثم أقر بحريته صح اقراره في حقه حتى يعتق عليه ولا يصح
في حق بائعه حتى لم يكن له أن يرجع بالثمن على بائعه ولهذا نظائر والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما ما يحصل به التفريق فهو التمليك بالبيع لأنه تنقطع به منفعة الانس والشفقة وكذا القسمة في الميراث
والغنائم لان القسمة لا تخلو عن معنى التمليك خصوصا فيما لا مثل له فيحصل بها التفريق فيكره ولا بأس أن يعتق
أحدهما أو يكاتبه لان الاعتاق ليس بتمليك بل هو إزالة الملك أو انهاؤه فلا يتحقق به التفريق لأنه إذا أعتق يمكنه
الاستئناس بصاحبه والاحسان إليه فلم يكن الاعتاق تفريقا وكذلك الكتابة لان المكاتب حر يدا فلا تنقطع بها
منفعة الانس ونحو ذلك فلا يكون تفريقا والله عز وجل أعلم ولئن كان تفريقا فيقع الاعتاق فوق ضرر التفريق فلا
231

يكون ضررا معنى ولو باع أحدهما نسمة للعتق يكره عند أبي حنيفة وعند محمد لا يكره (وجه) قوله إن الوفاء بالوعد من
مكارم الأخلاق فالظاهر من حالة المشترى انجاز ما وعد فيخرج التفريق من أن يكون ضررا لأنه يقابله نفع أعظم منه
وهو العتق (وجه) قول أبي حنيفة عليه الرحمة ان العتق ليس بمشروط في البيع ولو كان مشروطا لأوجب فساد البيع
فبقي قصد الاعتاق وتنفيذ هذا القصد ليس بلازم فبقي البيع تفريقا فيكره حتى لو كان قال المشترى ان اشتريته فهو
حر ثم اشتراه قالوا لا يكره بالاجماع لأنه يعتق بعد الشراء لا محالة فيخرج البيع من أن يكون ضررا
(فصل) وأما صفة البيع الذي يحصل به التفريق انه جائز أم لا فقد اختلف العلماء فيه فقال أبو حنيفة ومحمد
رحمهما الله البيع جائز مفيد للحكم بنفسه لكنه مكروه والبائع بالتفريق آثم وقال أبو يوسف رحمه الله البيع فاسد في
الوالدين والمولودين وفى سائر ذوي الأرحام جائز وقال الشافعي رحمه الله البيع باطل في الكل واحتج بما روينا
من الأحاديث الواردة للنهي عن التفريق أو ما يجرى مجرى النهى والبيع تفريق فكان منهيا والنهى لا يصلح سببا
لثبوت الملك كسائر البياعات التي ورد النهى عنها على أصله فأبو يوسف إنما خص البيع في الوالدين والمولودين
بالفساد لورود الشرع بتغليظ الوعيد بالتفريق فيهم وهو ما روينا ولهما ان قوله تعالى وأحل الله البيع ونحوه من
نصوص البيع يقتضى شرعية البيع على العموم والاطلاق فمن ادعى التخصيص أو التقييد فعليه الدليل وأما
الأحاديث فهي محمولة على النهى عن غير البيع وهو الاضرار فلا يخرج البيع عن أن يكون مشروعا كالنهي عن البيع
وقت النداء وإنما حملناه على غير البيع اما حملا لخبر الواحد على موافقة الكتاب الكريم واما لان النهى لا يرد عما
عرف حسنه عقلا على ما عرف (ومنها) البيع وقت النداء وهو أذان الجمعة لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نودي
للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع أمر بترك البيع عند النداء نهيا عن البيع لكن لغيره وهو ترك
السعي فكان البيع في ذاته مشروعا جائزا لكنه يكره لأنه اتصل به غير مشروع وهو ترك السعي (ومنها) بيع الحاضر
للباد وهو أن يكون لرجل طعام وعلف لا يبيعهما الا لأهل البادية بثمن غال لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ولو باع جاز البيع لان النهى لمعنى في غير البيع وهو
الاضرار باهل المصر فلا يوجب فساد البيع كالبيع وقت النداء وهذا إذا كان ذلك يضر باهل البلد بأن كان أهله في قحط
من الطعام والعلف فإن كانوا في خصب وسعة فلا بأس به لانعدام الضرر (ومنها) بيع متلقى السلع واختلف في تفسيره.
قال بعضهم هو ان يسمع واحد خبر قدوم قافلة بميرة عظمة فيتلقاهم الرجل ويشترى جميع ما معهم من الميرة ويدخل
المصر فيبيع على ما يشاء من الثمن وهذا الشراء مكروه لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تتلقوا
السلع حتى تسبط الأسواق وهذا إذا كان يضر بأهل البلد بأن كان أهله في جدب وقحط فإن كان لا يضرهم لا بأس
وقال بعضهم تفسيره هو ان يتلقاهم فيشترى منهم بأرخص من سعر البلد وهم لا يعلمون سعر البلد وهذا أيضا مكروه
سواء تضرر به أهل البلد أم لا لأنه غرهم والشراء جائز في الصورتين جميعا لان البيع مشروع في ذاته والنهى في غيره
وهو الاضرار بالعامة على التفسير الأول وتغرير أصحاب السلع على التفسير الثاني (ومنها) بيع المستام على سوم أخيه
وهو أن يساوم الرجلان فطلب البائع بسلعته ثمنا ورضى المشترى بذلك الثمن فجاء مشتر آخر ودخل على سوم الأول
فاشتراه بزيادة أو بذلك الثمن لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يستام الرجل على سوم أخيه ولا
يخطب على خطبة أخيه وروى لا يسوم الرجل على سوم أخيه والنهى لمعنى في غير البيع وهو الايذاء فكان نفس
البيع مشروعا فيجوز شراؤه ولكنه يكره وهذا إذا جنح البائع للبيع بالثمن الذي طلبه المشترى الأول فإن كان لم
يجنح له فلا بأس للثاني أن يشتريه لان هذا ليس استياما على سوم أخيه فلا يدخل تحت النهى ولانعدام معنى الايذاء
أيضا بل هو بيع من يزيد وانه ليس بمكروه لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع قدحا وحلسا له بيع من
يزيد وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبيع بيعا مكروها وكذا في النكاح إذا خطب رجل امرأة وركن قلبها
232

إليه يكره لغيره أن يخطبها لما روينا وان لم يركن فلا بأس به (ومنها) بيع السلاح من أهل الفتنة وفى عساكرهم لان بيعه
منهم من باب الإعانة على الاثم والعدوان وانه منهى ولا يكره بيع ما يتخذ منه السلاح منهم كالحديد وغيره لأنه ليس
معدا للقتال فلا يتحقق معنى الإعانة ونظيره بيع الخشب الذي يصلح لاتخاذ المزمار فإنه لا يكره وان كره بيع المزامير
(وأما) ما يكره مما يتصل بالبيوع (فمنها) الاحتكار وقد ذكرنا جملة الكلام فيه في باب الكراهية والحاقه بهذا الموضع
أولى (ومنها) النجش وهو ان يمدح السعلة ويطلبها بثمن ثم لا يشتريه بنفسه ولكن ليسمع غيره فيزيد في ثمنه وانه مكروه
لما روى عن رسول الله عليه وسلم انه نهى عن النجش ولأنه احتيال للاضرار بأخيه المسلم وهذا إذا كان
المشترى يطلب السلعة من صاحبها بمثل ثمنها فاما إذا كان يطلبها بأقل من ثمنها فنجش رجل سلعة حتى تبلغ إلى ثمنها فهذا
ليس بمكروه وإن كان الناجش لا يريد شراءها والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما حكم البيع فلا يمكن الوقوف عليه الا بعد الوقوف على تسمية البياعات في حق الحكم فنقول وبالله
التوفيق البيع في حق الحكم لا يخلو اما أن يكون صحيحا واما أن يكون فاسدا واما أن يكون باطلا واما أن يكون موقوفا
والصحيح لا يخلو اما أن يكون فيه خيار أو لا خيار فيه اما البيع الصحيح الذي لا خيار فيه فله أحكام لكن بعضها
أصل وبعضها من التوابع (اما) الحكم الأصلي فالكلام فيه في موضعين في بيان أصل الحكم وفي بيان صفته (اما)
الأول فهو ثبوت الملك للمشترى في المبيع وللبائع في الثمن للحال فلا بد من معرفة المبيع والثمن لمعرفة حكم البيع
والأحكام المتعلقة بهما فيقع الكلام في موضعين أحدهما في تفسير المبيع والثمن والثاني في بيان الأحكام المتعلقة
بهما (اما) اما الأول فنقول ولا قوة الا بالله المبيع والثمن على أصل أصحابنا من الأسماء المتباينة الواقعة على معان
مختلفة فالمبيع في الأصل اسم لما يتعين بالتعيين والثمن في الأصل ما لا يتعين بالتعيين وان احتمل تغير هذا الأصل
بعارض بأن يكون ما لا يحتمل التعيين مبيعا كالمسلم فيه وما يحتمله ثمنا كرأس مال السلم إذا كان عينا على ما نذكره إن شاء الله
تعالى (وأما) على أصل زفر رحمه الله وهو قول الشافعي رحمه الله فالمبيع والثمن من الأسماء المترادفة الواقعة على مسمى
واحد وإنما يتميز أحدهما عن الآخر في الأحكام بحرف الباء وإذا عرف هذا فالدراهم والدنانير على أصل أصحابنا أثمان
لا تتعين في عقود المعاوضات في حق الاستحقاق وان عينت حتى لو قال بعت منك هذا الثوب بهذه الدراهم أو بهذه
الدنانير كان للمشترى أن يمسك المشار إليه ويرد مثله ولكنها تتعين في حق ضمان الجنس والنوع والصفة والقدر حتى
يجب عليه رد مثل المشار إليه جنسا ونوعا وقدرا وصفة ولو هلك المشار إليه لا يبطل العقد وعلى أصلهما يتعين حتى
يستحق البائع على المشترى الدراهم المشار إليها كما في سائر الأعيان المشار إليها ولو هلك قبل القبض يبطل العقد كما لو
هلك سائر الأعيان (وجه) قولهما ان المبيع والثمن يستعملان استعمالا واحدا قال الله تعالى ولا تشتروا بآياتي ثمنا
قليلا سمى سبحانه وتعالى المشترى وهو المبيع ثمنا دل على أن الثمن مبيع والمبيع ثمن ولهذا جاز أن يذكر الشراء بمعنى
البيع يقال شريت الشئ بمعنى بعته قال الله تعالى وشروه بثمن بخس دراهم أي وباعوه ولان ثمن الشئ قيمته وقيمة الشئ
ما يقوم مقامه ولهذا سمى قيمة لقيامه مقام غيره والثمن والمثمن كل واحد منهما يقوم مقام صاحبه فكان كل واحد
منهما ثمنا ومبيعا دل انه لا فرق بين الثمن والمبيع في اللغة والمبيع يحتمل التعين بالتعيين فكذا الثمن إذ هو مبيع على ما بينا
(ولنا) ان الثمن في اللغة اسم لما في الذمة هكذا نقل عن الفراء وهو امام في اللغة ولان أحدهما يسمى ثمنا والآخر مبيعا في
عرف اللغة والشرع واختلاف الأسامي دليل اختلاف المعاني في الأصل الا انه يستعمل أحدهما مكان صاحبه
توسعا لان كل واحد منهما يقابل صاحبه فيطلق اسم أحدهما على الآخر لوجود معنى المقابلة كما يسمى جزاء السيئة
سيئة وجزاء الاعتداء اعتداء (فاما) الحقيقة فما ذكرنا وإذا كان الثمن اسما لما في الذمة لم يكن محتملا للتعيين بالإشارة فلم
يصح التعيين حقيقة في حق استحقاق العين فجعل كناية عن بيان الجنس المشار إليه ونوعه وصفته وقدره تصحيحا
لتصرف العاقل بقدر الامكان ولان التعيين غير مفيد لان كل عوض يطلب من المعين في المعاوضات يمكن استيفاؤه من
233

مثله فلم يكن التعيين في حق استحقاق العين مفيدا فيلغو في حقه ويعتبر في بيان حق الجنس والنوع والصفة والقدر لان
التعيين في حقه مفيد ثم الدراهم والدنانير عندنا أثمان على كل حال أي شئ كان في مقابلتها وسواء دخله حرف الباء
فيهما أو فيما يقابلهما لأنها لا تتعين بالتعيين بحال فكانت أثمانا على كل حال (وأما) ما سواهما من الأموال فإن كان مما
لا مثل له من العدديات المتفاوتة والذرعيات فهو مبيع على كل حال لأنها تتعين بالتعيين بل لا يجوز بيعها الا عينا الا
الثياب الموصوفة المؤجلة سلما فإنها تثبت دينا في الذمة مبيعة بطريق السلم استحسانا بخلاف القياس لحاجة الناس إلى
السلم فيها وكذا الموصوف المؤجل فيها لا بطريق السلم يثبت دينا في الذمة ثمنا استحسانا وإن كان مما له مثل كالمكيلات
والموزونات والعدديات المتقاربة فإن كان في مقابلة المكيل أو الموزون دراهم أو دنانير فهو مبيع وإن كان في مقابلته
ما لا مثل له من الأعيان التي ذكرنا فإنه ينظر إن كان المكيل أو الموزون معينا فهو مبيع وان لم يكن معينا يحكم فيه حرف
الباء فما دخله فهو ثمن والآخر مبيع وإن كان أحدهما معينا والآخر موصوفا أو كان كل واحد منهما موصوفا فإنه يحكم
فيه حرف الباء فما صحبه فهو الثمن والآخر المبيع (وأما) الفلوس الرائجة فان قوبلت بخلاف جنسها فهي أثمان وكذا
ان قوبلت بجنسها متساوية في العدد وان قوبلت بجنسها متفاضلة في العدد فهي مبيعة عند أبي حنيفة وأبى يوسف
وعند محمد هي أثمان على كل حال والله عز وجل أعلم (وأما) بيان ما يتعلق بهما من الأحكام (فمنها) انه لا يجوز التصرف
في المبيع المنقول قبل القبض بالاجماع وفى العقار اختلاف ويجوز التصرف في الأثمان قبل القبض الا الصرف والسلم
وقال الشافعي رحمه الله إن كان الثمن عينا لا يجوز التصرف فيها قبل القبض وهذا على أصله مستقيم لان الثمن والمبيع
عنده من الأسماء المترادفة الواقعة على مسمى واحد فكان كل واحد منهما مبيعا ولا يجوز بيع المبيع قبل القبض وإن كان
دينا فله فيه قولان في قول لا يجوز أيضا لما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام انه نهى عن بيع ما لم يقبض
فيتناول العين والدين (ولنا) ما روى عن عبد الله بن سيدنا عمر رضي الله عنهما أنه قال يا رسول الله انا نبيع الإبل بالبقيع
ونأخذ مكان الدراهم الدنانير ومكان الدنانير الدراهم فقال عليه الصلاة والسلام لا بأس إذا كان بسعر يومهما وافترقتما
وليس بينكما شئ وهذا نص على جواز الاستبدال من ثمن المبيع ولان قبض الدين بقبض العين لان قبض نفس
الدين لا يتصور لأنه عبارة عن مال حكمي في الذمة أو عبارة عن الفعل وكل ذلك لا يتصور فيه قبضه حقيقة فكان
قبضه بقبض بدله وهو قبض الدين فتصير العين المقبوضة مضمونة على القابض وفى ذمة المقبوض منه مثلها في المالية
فيلتقيان قصاصا هذا هو طريق قبض الديون وهذا المعنى لا يوجب الفصل بين أن يكون المقبوض من جنس ما عليه
أو من خلاف جنسه لان المقاصة إنما تتحقق بالمعنى وهو المالية والأموال كلها في معنى المالية جنس واحد وبه تبين
ان المراد من الحديث العين لا الدين لان النهى عن بيع ما لم يقبض يقتضى أن يكون المبيع شيئا يحتمل القبض ونفس
الدين لا يحتمل القبض على ما بينا فلا يتناوله النهى بخلاف السلم والصرف (اما) الصرف فلان كل واحد من بدلي
الصرف مبيع من وجه وثمن من وجه لان البيع لا بدله من مبيع إذ هو من الأسماء الإضافية وليس أحدهما بجعله مبيعا
أولى من الآخر فيجعل كل واحد منهما مبيعا من وجه وثمنا من وجه فمن حيث هو ثمن يجوز التصرف فيه قبل القبض
كسائر الأثمان ومن حيث هو مبيع لا يجوز فرجحنا جانب الحرمة احتياطا (وأما) المسلم فيه فلانه مبيع بالنص
والاستبدال بالمبيع المنقول قبل القبض لا يجوز ورأس المال الحق بالمبيع العين في حق حرمة الاستبدال
شرعا فمن ادعى الالحاق في سائر الأموال فعليه الدليل وكذا يجوز التصرف في القرض قبل القبض وذكر الطحاوي
رحمه الله انه لا يجوز وفرق بين القرض وسائر الديون (ووجه) الفرق ان الاقراض إعارة لا مبادلة ألا ترى انه لا يلزم
الأجل فيه كما في العارية ولو كان مبادلة للزم فيه الأجل وكذا لا يملكه الأب والوصي والمكاتب والمأذون وهؤلاء
يملكون المبادلة ولأنه لو جعل مبادلة لما جاز لأنه يتمكن فيه الربا وهو فضل العين على الدين دل انه إعارة والواجب
في العارية رد العين وأنه لا يحصل بالاستبدال (وجه) ظاهر الرواية ان الاقراض في الحقيقة مبادلة الشئ بمثله فان
234

الواجب على المستقرض مثل ما استقرض دينا في ذمته لا عينه فكان محتملا للاستبدال كسائر الديون ولهذا اختص
جوازه بما له مثل من المكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة دل ان الواجب على المستقرض تسليم مثل ما
استقرض لا تسليم عينه الا أنه أقيم تسليم المثل فيه مقام تسليم العين كأنه انتفع بالعين مدة ثم ردها إليه فأشبه دين
الاستهلاك وغيره والله عز وجل أعلم (ومنها) أنه لا يجوز بيع ما ليس عند البائع الا السلم خاصة لما روى أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص في السلم ويجوز الشراء بثمن ليس عند المشترى لما
روى أن النبي عليه الصلاة والسلام اشترى من يهودي طعاما بثمن ليس عنده ورهنه درعه وعلى هذا يخرج ما إذا
قال اشتريت منك هذه الحنطة بدرهم أو دينار إلى شهر أو قال اشتريت منك درهما أو دينارا إلى شهر بهذه الحنطة أنه
يجوز لما ذكرنا ان الدراهم والدنانير أثمان على كل حال فكان ما يقابلها مبيعا فيكون مشتريا بثمن ليس عنده وأنه جائز ولو
قال بعت منك قفيز حنطة بهذا الدرهم أو بهذا الدينار ووصف الحنطة لكنه لم يذكر شرائط السلم أو قال بعت منك هذا
الدرهم أو هذا الدينار بقفيز من حنطة ووصفها ولم يذكر شرائط السلم لا يجوز لان الدراهم والدنانير أثمان بأي شئ
قوبلت فكان ما في مقابلتها مبيعا فيكون بائعا ما ليس عنده ولا يجوز بيع ما ليس عند الانسان الا السلم خاصة ولم يذكر
شرائط السلم فلو ذكر في هذا البيع شرائط السلم جاز عند أصحابنا الثلاثة وان لم يذكر لفظ السلم وعند زفر لا يجوز ما لم
يذكر لفظ السلم والصحيح قولنا لما ذكرنا ان السلم نوع بيع الا أنه بيع اختص بشرائط فإذا أتى بها فقد أتى بالسلم وان
لم يتلفظ به ولو تصارفا دينارا بدينار أو عشرة دراهم بعشرة دراهم أو دينارا بعشرة بغير أعيانها وليس عندهما شئ من ذلك
فاستقرضا في المجلس ثم تقابضا وافترقا جاز لان الدراهم والدنانير أثمان على كل حال فكان كل واحد منهما مشتريا بثمن
ليس عنده لا بائعا وانه جائزا لا أنه لابد من التقابض لأنه صرف ولو تبايعا تبرا بتبر بغير أعيانهما وليس عندهما شئ من
ذلك ثم استقرضا قبل الافتراق فتقابضا ثم افترقا ففيه روايتان ذكر في الصرف أنه يجوز وجعله بمنزلة الدراهم والدنانير
المضروبة وذكر في المضاربة وجعله بمنزلة العروض حيث قال لا تجوز المضاربة فعلى هذه الرواية لا يجوز البيع
ويحتمل ان يوفق بين الروايتين بأن تحمل رواية كتاب الصرف على موضع يروج التبر فيه رواج الدراهم والدنانير
المضروبة ورواية كتاب المضاربة على موضع لا يروج رواجها وعلى هذا يخرج ما إذا قال بعت منك هذا العبد
بكذا كر حنطة ووصفها أنه يجوز لأنه جعل الحنطة الموصوفة ثمنا حيث أدخل فيها حرف الباء فيكون الآخر مبيعا
فكان هذا بيع العبد بحنطة موصوفة في الذمة فيجوز ولو قال اشتريت منك كذا كر حنطة ووصفها بهذا العبد لا يجوز
الا بطريق السلم لأنه جعل العبد ثمنا بدلالة حرف الباء فكانت الحنطة مبيعة فكان بائعا ما ليس عنده فلا يجوز الا
بشرائط السلم من الأجل وبيان مكان الايفاء وقبض رأس المال ونحو ذلك عندنا وعند زفر لا يجوز ما لم يذكر لفظ
السلم على ما مر وعلى هذا يخرج ما إذا قال بعت منك هذه الحنطة على أنها قفيز بقفيز حنطة ووصفها أو قال بعت منك
هذه الحنطة على أنها قفيز بقفيزي شعير ووصفهما ما ان البيع جائز لأنه جعل العين منهما مبيعا والدين الموصوف في الذمة
ثمنا بادخال حرف الباء عليه فيجوز لكن قبض الدين منهما قبل الافتراق بشرط لان من شرط جواز البيع أن يكون
الافتراق فيه عن عين بعين وذلك بقبض الدين منهما لان الدين لا يتعين الا بالقبض ولو قبض الدين منهما ثم افترقا
عن المجلس قبل قبض العين جاز لأنهما افترقا عن عين بعين ولو قال اشتريت منك قفيز حنطة ووصفها بهذا القفيز
من الحنطة أو قال اشتريت منك قفيزي شعير ووصفهما بهذه الحنطة على أنها قفيز لا يجوز وان احضر الموصوف
في المجلس لأنه جعل الموصوف منهما مبيعا والآخر ثمنا بقرينة حرف الباء فيكون بائعا ما ليس عنده وبيع ما ليس عند
الانسان لا يكون الا بطريق السلم ولا سبيل إلى تجويزه سلما لان اسلام المكيل لا يجوز ولو تبايعا مكيلا
موصوفا بمكيل موصوف أو موزونا موصوفا بموزون موصوف مما يتعين بالتعيين بأن قال بعت منك قفيز حنطة
ووصفها بقفيز حنطة ووصفها أو بقفيزي شعير ووصفهما أو قال بعت منك من سكر ووصفه بمن سكر ووصفه وليس
235

عندهما شئ من ذلك ثم استقرضا وتقابضا ثم افترقا لا يجوز البيع لان الذي صحبه منهما حرف الباء يكون ثمنا والآخر
مبيعا فيكون بائعا ما ليس عنده فلا يجوز الا سلما والسلم في مثله لا يجوز لأنه اسلام المكيل في المكيل واسلام الموزون
الذي يتعين في الموزون الذي يتعين وكل ذلك لا يجوز والله عز وجل أعلم وعلى هذا يخرج الشراء بالدين ممن عليه
الدين شيئا بعينه أو بغير عينه قبضه أو لم يقبضه وجملة الكلام فيه ان الدين لا يخلو من أن يكون دراهم أو دنانير أو فلوسا
أو مكيلا أو موزونا أو قيمة المستهلك فإن كان دراهم أو دنانير فاشترى به شيئا بعينه جاز الشراء وقبض المشترى ليس
بشرط لأنه يكون افتراقا عن عين بدين وأنه جائز فيما لا يتضمن ربا النساء ولا يتضمن ههنا وكذلك إن كان الدين مكيلا
أو موزونا أو قيمة المستهلك لما قلنا ولو اشترى بدينه وهو دراهم شيئا بغير عينه بأن اشترى بها دينارا أو فلوسا أو هو
فلوس فاشترى بها دراهم أو دنانير أو فلوسا جاز الشراء لكن يشترط قبض المشترى في المجلس حتى لا يحصل الافتراق
عن دين بدين لان المشترى لا يتعين الا بالقبض ولو كان دينه دراهم أو دنانير أو فلوسا فاشترى بها مكيلا موصوفا أو
موزونا موصوفا أو ثيابا موصوفة مؤجلة لم يجز الشراء لان الدراهم والدنانير أثمان على كل حال وكذا الفلوس عند
المقابلة بخلاف جنسها فلم تكن مبيعة فكان الآخر مبيعا بائعا ما ليس عند الانسان ولا يجوز بيع ما ليس عند الانسان
الا بطريق السلم ولا سبيل إلى تجويزه بطريق السلم لان رأس المال دين بخلاف الفصل الأول لان كل واحد
منهما ثمنا فكان مشتريا بثمن ليس عنده وأنه جائز لكن لابد من التسليم كيلا يكون الافتراق عن دين بدين وإن كان
الدين مكيلا أو موزونا فباعه بدراهم أو بدنانير أو بفلوس أو اشترى هذه الأشياء بدينه جاز لان الدراهم والدنانير
أثمان على كل حال وكذا الفلوس عند مقابلتها بخلاف جنسها فكان من عليه الدين مشتريا بثمن ليس عنده وذلك
جائز لكن يشترط القبض في المجلس لئلا يؤدى إلى الافتراق عن دين بدين ولو اشترى بالدين الذي هو مكيل أو
موزون مكيلا أو موزونا من خلاف جنسه ينطر ان جعل الدين منهما مبيعا والآخر ثمنا بأن أدخل فيه حرف
الباء وإن كان بغير عينه جاز لأنه يكون مشتريا بثمن ليس عنده الا ان القبض في المجلس شرط فلا يكون افتراقا عن دين
بدين وان جعل الدين منهما ثمنا بأن أدخل حرف الباء فيه والآخر مبيعا لم يجز الشراء وان أحضر في المجلس لأنه بائع
ما ليس عنده وبيع ما ليس عند الانسان لا يجوز الا بطريق السلم وإذا كان رأس المال دينا لا يجوز السلم وإن كان
الدين قيمة المستهلك فإن كان المستهلك مما له مثل فهذا والأول سواء لان الواجب باستهلاكه مثله فإذا
اشترى به شيئا من خلاف جنسه فحكمه ما ذكرنا وإن كان مما لا مثل له فاشترى به شيئا بعينه جاز وقبض المشترى
ليس بشرط لان الواجب باستهلاكه القيمة والقيمة دراهم أو دنانير فصار مشتريا بدين الدراهم والدنانير شيئا بعينه
فيجوز ولا يشترط قبض المشترى لأنه يحصل الافتراق عن عين بدين ولا بأس به فيما لا يتضمن ربا النساء ولو اشترى
به شيئا بغير عينه من المكيل أو الموزون ينظر ان جعل ما عليه مبيعا وهذا ثمنا بان أدخل عليه حرف الباء يجوز
الشراء لأنه اشترى بثمن ليس عنده فيجوز لكن لابد من القبض في المجلس وان جعل ما عليه ثمنا بان صحبه حرف
الباء لا يجوز وان أحضر في المجلس لأنه باع ما ليس عند الانسان فلا يجوز الا بطريق السلم ولا سبيل إليه لان
رأس ماله دين ولو وقع الصلح عن المستهلك على الدراهم أو الدنانير وقضى به الحاكم جاز ولا يكون القبض شرطا لان
هذا ليس شراء بالدين بل هو نفس حقه ولو صالح على دراهم أو دنانير أكثر من قيمة المستهلك جاز الصلح عند أبي
حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يجور بقدر القيمة والفضل على القيمة باطل وهي من مسائل الغصب نذكرها إن شاء الله
تعالى ولو تبايعا عينا بفلوس بأعيانها بان قال بعت منك هذا الثوب أو هذه الحنطة بهذه الفلوس جاز ولا يتعين وان
عينت بالإشارة إليها حتى كان المشترى ان يمسكها ويرد مثلها ولو هلكت قبل القبض لا يبطل البيع لأنها وان لم
تكن في الوضع ثمنا فقد صارت ثمنا باصطلاح الناس ومن شأن الثمن أن لا يتعين بالتعيين وكذا إذا تبايعا درهما بعينه أو
دينارا بعينه بفلوس بأعيانها فإنها لا تتعين أيضا كما لا تتعين الدراهم والدنانير لما قلنا الا ان القبض في المجلس ههنا شرط
236

بقاء العقد على الصحة حق لو افترقا من غير تقابض أصلا يبطل العقد لحصول الافتراق عن دين بدين ولو لم يوجد القبض
الا من أحد الجانبين دون الآخر فافترقا مضى العقد على الصحة لان المقبوض صار عينا بالقبض فكان افتراقا عن عين
بدين وانه جائز إذا لم يتضمن ربا النساء ولم يتضمن ههنا لانعدام القدر المتفق والجنس وكذا إذا تبايعا فلسا بعينه بفلس
بعينه فالفلسان لا يتعينان وان عينا الا أن القبض في المجلس شرط حتى يبطل بترك التقابض في المجلس لكونه افتراقا
عن دين بدين ولو قبض أحد البدلين في المجلس فافترقا قبل قبض الآخر ذكر الكرخي أنه لا يبطل العقد لان
اشتراط القبض من الجانبين من خصائص الصرف وهذا ليس بصرف فيكتفى فيه بالقبض من أحد الجانبين لان به
يخرج عن كونه افتراقا عن دين بدين وذكر في بعض شروح مختصر الطحاوي رحمه الله أنه يبطل لا لكونه صرفا بل
لتمكن ربا النساء فيه لوجود أحد وصفى علة ربا الفضل وهو الجنس وهو الصحيح ولو تبايعا فلوسا بدراهم على أن
كل واحد منهما بالخيار وتقابضا وافترقا بطل البيع لان الخيار يمنع انعقاد العقد في حق الحكم فيمنع صحة التقابض
فيحصل الافتراق لا عن قبض أصلا فيبطل البيع ولو كان الخيار لأحدهما فكذلك عند أبي حنيفة وعندهما
يجوز بناء على أن شرط الخيار يعمل في الجانبين جميعا عنده وينعدم القبض من الجانبين وعندهما لا يعمل الا من
جانب واحد فينعدم القبض من أحد الجانبين وهذا لا يمنع جواز العقد والأصل المحفوظ أن العقد في حق القبض على
مراتب منها ما يشترط فيه التقابض وهو القبض من الجانبين وهو الصرف ومنها ما لا يشترط فيه القبض أصلا
كبيع العين بالعين مما سوى الذهب والفضة وبيع العين بالدين مما لا يتضمن ربا النساء كبيع الحنطة بالدراهم ونحوها
ومنها ما يشترط فيه القبض من أحد الجانبين كبيع الدراهم بالفلوس وبيع العين بالدين مما يتضمن ربا النساء كبيع
المكيل بالمكيل والموزون بالموزون إذا كان الدين منهما ثمنا وبيع الدين بالعين وهو السلم ولو تبايعا فلسا بعينه
بفلسين بأعيانهما جاز عند أبي حنيفة وأبى يوسف ويتعين كل واحد منهما حتى لو هلك أحدهما قبل القبض
بطل العقد وكذا إذا رد بالعيب أو استحق ولو أراد أحدهما أن يدفع مثله ليس له ذلك وعند محمد لا يتعين ولا يجوز
البيع وقد ذكرنا المسألة مع دلائلها فيما تقدم ولو تبايعا فلسا بغير عينه بفلسين بغير أعيانهما أو عين أحدهما ولم يعين
الاخر لا يجوز في الرواية المشهورة عنهم وعن أبي يوسف أنه يجوز والصحيح جواب ظاهر الرواية لان الفلس
في هذه الحالة لا يخلو من أن يكون من العروض أو من الأثمان فإن كان من العروض فالتعيين في العروض شرط
الجواز ولم يوجد وإن كان من الأثمان فالمساواة فيما شرط الجواز ولم يوجد ولان تجويز هذا البيع يؤدى إلى ربح
ما لم يضمن لان مشترى الفلسين يقبضهما وينقد أحدهما ويبقى الآخر عن غير ضمان فيكون ربح ما لم يضمن
وانه منهى ولو تبايعا فلسا بفلسين وشرطا الخيار ينبغي أن يجوز على قولهما لان الفلوس في هذه الحالة
كالعروض وعندهما لا يشترط فيها فلم يكن الخيار مانعا والله عز وجل أعلم ولو اشترى شيئا بفلوس كاسدة في موضع
لا تنفق فإن كانت بأعيانها جاز وان لم تكن معينة لم يجز لأنها في ذلك الموضع عروض والتعيين شرط الجواز في بيع
العروض ومنها أن للبائع حق حبس المبيع حتى يقبض الثمن إذا كان الثمن حالا وليس للمشترى أن يمتنع من تسليم
الثمن إلى البائع حتى يقبض المبيع إذا كان المبيع حاضرا لان البيع عقد معاوضة والمساواة في المعاوضات مطلوبة
المتعاوضين عادة وحق المشترى في المبيع قد تعين بالتعيين في العقد وحق البائع في الثمن لم يتعين بالعقد لان الثمن في
الذمة فلا يتعين بالتعيين الا بالقبض فيسلم الثمن أولا ليتعين فتتحقق المساواة وإن كان المبيع غائبا عن حضرتهما
فللمشتري أن يتمنع عن التسليم حتى يحضر المبيع لان تقديم تسليم الثمن لتتحقق المساواة وإذا كان المبيع غائبا
لا تتحقق المساواة بالتقديم بل يتقدم حق البائع ويتأخر حق المشترى حيث يكون الثمن بالقبض عينا مشارا إليه
والمبيع لا ولان من الجائز أن المبيع قد هلك وسقط الثمن عن المشترى فلا يؤمر بالتسليم الا بعد احضار المبيع سواء
كان المبيع في ذلك المصر أو في موضع آخر بحيث تلحقه المؤنة بالاحضار فرق بين هذا وبين الرهن فان الراهن إذا
237

امتنع من قضاء الدين لاحضار الرهن ينظر في ذلك إن كان الرهن في ذلك المصر بحيث لا يلحق المرتهن مؤنة في
الاحضار يؤمر باحضاره أولا كما في البيع لجواز أن الرهن قد هلك وسقط الدين عن المرتهن بقدره وإن كان في
موضع يلحقه المؤنة في الاحضار لا يؤمر المرتهن بالاحضار أولا بلا يؤمر الراهن بقضاء الدين أولا إن كان مقر ان
الرهن قائم ليس بهالك وان ادعى أنه هالك وقال المرتهن هو قائم فالقول قول المرتهن مع يمينه فإذا حلف يؤمر بقضاء
الدين (ووجه) الفرق بينهما ان البيع عقد معاوضة ومبنى المعاوضة على المساواة ولا تتحقق المساواة الا بالاحضار
على ما مر بخلاف الرهن فإنه عقد ليس بمعاوضة بل هو عقد أمانة بمنزلة عقد الوديعة كان المرهون أمانة في يد المرتهن الا
أنه إذا هلك يسقط الدين عن الراهن لا لكونه مضمونا بل لمعنى آخر على ما عرف وإذا لم يكن معاوضة لم يكن الدين
عوضا عن الرهن فلا يلزم تحقيق المساواة بينهما باحضار الرهن إذا كان بحيث تلحقه المؤنة بالاحضار لا ولو تبايعا عينا
بعين سلما معا لما ذكرنا ان المساواة في عقد المعاوضة مطلوبة للمتعاوضين عادة وتحقيق المساواة ههنا في التسليم معا
ولان تسليم المبيع مستحق وليس أحدهما بتقديم التسليم أولى من الآخر لان كل واحد منهما مبيع فيسلما معا
وكذا لو تبايعا دينا بدين سلما معا تحقيقا للمساواة التي هي مقتضى المعاوضات المطلقة ولاستواء كل واحد منهما في استحقاق التسليم بخلاف ما إذا تبايعا عينا بدين لان الدين لا يصير عينا الا بالقبض فلا تتحقق المساواة الا بتسليمه
أولا على ما بينا والله عز وجل أعلم (ومنها) ان هلاك المبيع قبل القبض يوجب انفساخ البيع وجملة الكلام فيه ان
المبيع لا يخلو اما أن يكون أصلا واما أن يكون تبعا وهو الزوائد المتولدة من المبيع فإن كان أصلا فلا يخلو اما ان هلك
كله واما ان هلك بعضه ولا يخلو اما ان هلك قبل القبض واما ان هلك بعده وكل ذلك لا يخلو اما ان هلك بآفة سماوية
واما ان هلك بفعل البائع أو بفعل المشترى أو بفعل أجنبي فان هلك كله قبل القبض بآفة سماوية انفسخ البيع لأنه
لو بقي أوجب مطالبة المشترى بالثمن وإذا طالبه بالثمن فهو يطالبه بتسليم المبيع وأنه عاجز عن التسليم فتمتنع المطالبة
أصلا فلم يكن في بقاء البيع فائده فينفسخ وإذا انفسخ البيع سقط الثمن عن المشترى لان انفساخ البيع ارتفاعه من
الأصل كأن لم يكن وكذا إذا هلك بفعل المبيع بأن كان حيوانا فقتل نفسه لان فعله على نفسه هدر فكأنه هلك
بآفة سماوية وكذا إذا هلك بفعل البائع يبطل البيع ويسقط الثمن عن المشترى عندنا وقال الشافعي رحمه الله
لا يبطل وعلى البائع ضمان القيمة أو المثل (وجه) قوله إنه أتلف مالا مملوكا للغير بغير اذنه فيجب عليه ضمان المثل أو
القيمة كما لو أتلفه بعد القبض ولا فرق سوى أن المبيع قبل القبض في يده وهذا لا يمنع وجوب الضمان كالمرتهن إذا
أتلف المرهون في يده (ولنا) ان المبيع في يد البائع مضمون بأحد الضمانين وهو الثمن ألا ترى لو هلك في يده سقط
الثمن عن المشترى فلا يكون مضمونا بضمان آخر إذ المحل الواحد لا يقبل الضمانين بخلاف الرهن فان المضمون بالرهن
على المرتهن معنى المرهون لا عينه بل عينه أمانة حتى كان كفنه ونفقته على الراهن والمضمون بالاتلاف عينه فايجاب
ضمان القيمة لا يؤدى إلى كون المحل الواحد مضمونا بضمانين لاختلاف محل الضمان بخلاف البيع وسواء كان
البيع باتا أو بشرط الخيار لأن المبيع في يد البائع مضمون بالثمن في الحالين فيمنع كونه مضمونا بضمان آخر وان هلك
بفعل المشترى لا ينفسخ البيع وعليه الثمن لأنه بالاتلاف صار قابضا كل المبيع لأنه لا يمكنه اتلافه الا بعد اثبات يده
عليه وهو معنى القبض فيتقرر عليه الثمن وسواء كان البيع باتا أو بشرط الخيار للمشترى لان خيار المشترى لا يمنع
زوال البيع عن ملك البائع بلا خلاف فلا يمنع صحة القبض فلا يمنع تقرر الثمن وإن كان البيع بشرط الخيار للبائع أو كان
البيع فاسدا فعليه ضمان مثله إن كان مما له مثل وإن كان مما لا مثل له فعليه قيمته لان خيار البائع يمنع زوال السلعة عن
ملكه بلا خلاف فكان المبيع على حكم ملك البائع وملكه مضمون بالمثل أو القيمة وكذا المبيع بيعا فاسدا مضمون
بالمثل أو القيمة وان هلك بفعل أجنبي فعليه ضمانه لاشك فيه لأنه أتلف مالا مملوكا لغيره وبغير اذنه ولا يد له عليه فيكون
مضمونا عليه بالمثل أو القيمة والمشترى بالخيار ان شاء فسخ البيع فيعود المبيع إلى ملك البائع فيتبع الجاني فيضمنه
238

مثله إن كان من ذوات الأمثال وقيمته ان لم يكن من ذوات الأمثال وان شاء اختار البيع فاتبع الجاني بالضمان
واتبعه البائع بالثمن لأن المبيع قد تعين في ضمان البائع لأنه كان عينا فصار قيمة وتعين المبيع في ضمان البائع يوجب الخيار
ثم إن اختار الفسخ وفسخ واتبع البائع الجاني بالضمان وضمنه ينظر إن كان الضمان من جنس الثمن وفيه فضل على الثمن
لا يطيب له الفضل لان الفضل ربح ما لم يملك لزوال المبيع عن ملكه بنفس البيع وربح ما لم يضمن لا يطيب لنهى
النبي عليه الصلاة والسلام عن ربح ما لم يضمن ولما فيه من شبهة الربا فربح ما لم يضمن أولى وإن كان الضمان من
خلاف جنس الثمن طاب الفضل لان الربا لا يتحقق عند اختلاف الجنس وان اختار البيع واتبع الجاني بالضمان
وضمنه فإن كان الضمان من جنس الثمن لا يطيب له الفضل لأنه ربح ما لم يضمن في حقه لا ربح ما لم يملك لأن المبيع
ملكه وإن كان من خلاف جنسه طاب الفضل له لما قلنا ولو كان المشترى عبدا فقتله أجنبي قبل القبض فإن كان
القتل خطأ لا ينفسح البيع وللمشتري خيار الفسخ والبيع لما قلنا الا أن ههنا إذا اختار الفسخ وفسخ البيع اتبع
البائع عاقلة القاتل فأخذ قيمته في ثلاث سنين وان اختار المبيع اتبع العاقلة بقيمته في ثلاث سنين ولو كان القتل
عمدا اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال قال أبو حنيفة عليه الرحمة أن المشترى بالخيار ان شاء فسخ البيع وللبائع أن يقتص
القاتل بعبده وان شاء اختار البيع وله أن يقتص القاتل بعبده وعليه جميع الثمن وقال أبو يوسف رحمه الله المشترى
بالخيار ان شاء فسخ البيع ويعود المبيع إلى ملك البائع وليس للبائع أن يقتص ولكنه يأخذ من مال القاتل القيمة في
ثلاث سنين وان شاء اختار البيع وللمشتري أن يقتص وعليه جميع الثمن وقال محمد لا قصاص على القاتل بحال
والمشترى بالخيار ان شاء فسخ البيع والبائع يأخذ القيمة من القاتل في ثلاث سنين وان شاء اختار البيع واتبع القاتل
بالقيمة في ثلاث سنين (وجه) قول محمد رحمه الله ان العبد لم يكن على ملك البائع وقت القتل بل كان على ملك المشتري
فلم ينعقد السبب موجبا للقصاص للبائع وملك المشتري لم يكن مستقرا بل كان محتملا للعود إلى ملك البائع بالفسخ
فلا تثبت ولاية الاقتصاص لأحدهما (وجه) قول أبى يوسف انه لا سبيل إلى اثبات ولاية الاقتصاص للبائع لما قاله
محمد وهو ان القتل صادف محلا ليس بمملوك للبائع عند القتل فاما الملك فثابت للمشترى وقت القتل وقد لزم وتقرر
باختيار المشترى فتثبت له ولاية الاستيفاء ولأبي حنيفة رضي الله عنه انه أمكن القول بثبوت ولاية الاستيفاء لهما
على اعتبار اختيار الفسخ وعلى اعتبار اختيار البيع أما على اعتبار اختيار البيع فلما قاله أبو يوسف وأما على اعتبار
اختيار الفسخ فلان فسخ العقد رفعه من الأصل وجعله كان لم يكن فتبين ان الجناية وردت على ملك البائع
فثبتت له ولاية الاقتصاص هذا إذا هلك المبيع كله قبل القبض فأما إذا هلك كله بعد القبض فان هلك بآفة
سماوية أو بفعل المبيع أو بفعل المشترى لا ينفسح البيع والهلاك على المشترى وعليه الثمن لان البيع تقرر بقبض
المبيع فتقرر الثمن وكذلك ان هلك بفعل أجنبي لما قلنا يرجع المشترى على الأجنبي بضمانه ويطيب له الفضل
لان هذا الفضل ربح ما قد ضمن وان هلك بفعل البائع ينظر إن كان المشترى قبضه باذن البائع أو بغير اذنه لكن الثمن
منقود أو مؤجل فاستهلاكه واستهلاك الأجنبي سواء وإن كان قبضه بغير اذن البائع صار مستردا للبيع بالاستهلاك
فحصل الاستهلاك في ضمانه فيوجب بطلان البيع وسقوط الثمن كما لو استهلك وهو في يده والله عز وجل أعلم هذا
إذا هلك كل المبيع قبل القبض أو بعده فأما إذا هلك بعضه فإن كان قبل القبض وهلك بآفة سماوية ينظر إن كان
النقصان نقصان قدر بأن كان مكيلا أو موزونا أو معدودا ينفسخ العقد بقدر الهالك وتسقط حصته من الثمن لان
كل قدر من المقدرات معقود عليه فيقابله شئ من الثمن وهلاك كل المعقود عليه يوجب انفساخ البيع في الكل
وسقوط كل الثمن فهلاك بعضه يوجب انفساخ البيع وسقوط الثمن بقدره والمشترى بالخيار في الباقي ان شاء
أخذه بحصته من الثمن وان شاء ترك لان الصفقة قد تفرقت عليه وإن كان النقصان وصف وهو كل ما يدخل
في البيع من غير تسمية كالشجر والبناء في الأرض وأطراف الحيوان والجودة في المكيل والموزون لا ينفسخ البيع
239

أصلا ولا يسقط عن المشترى شئ من الثمن لان الأوصاف لا حصة لها من الثمن الا إذا ورد عليها القبض أو الجناية
لأنها تصير مقصودة بالقبض والجناية فالمشترى بالخيار ان شاء أخذه بجميع الثمن وان شاء ترك لتعيب المبيع قبل
القبض وان هلك بفعل المبيع بان جرح نفسه لا ينفسخ البيع ولا يسقط عن المشترى شئ من الثمن لان جنايته على
نفسه هدر فصار كما لو هلك بعضه بآفة سماوية وهلاك بعضه نقصان الوصف والأوصاف لا تقابل بالثمن فلا يسقط
شئ من الثمن ولكن المشترى بالخيار ان شاء أخذه بجميع الثمن وان شاء ترك لتغير المبيع ولو كان المشترى حيوانين
سوى بني آدم فقتل أحدهما صاحبه قبل القبض تسقط حصته من الثمن والمشترى بالخيار ان شاء أخذ الباقي بحصته
من الثمن وان شاء ترك لان فعل العجماء جبار فكأنه اشترى حيوانين ثم مات أحدهما قبل القبض حتف أنفه ولو
كان المشترى عبدين فقتل أحدهما صاحبه قبل القبض أو كانت جارية فولدت قبل القبض فكبر الولد ثم قتل
أحدهما صاحبه قبل القبض فالمشترى بالخيار ان شاء فسخ البيع في الباقي وبطلت الجناية لان الفسخ إعادة إلى
ملك البائع فتبين ان القتل حصل في ملك البائع فبطل وان شاء أخذ القاتل منهما بجميع الثمن ولا يسقط عن
المشترى شئ من الثمن لأنه لو اخذه بحصته من الثمن لصار آخذا بجميع الثمن في الانتهاء فيخير في الابتداء قصرا
للمسافة ان شاء أخذ الحي منهما بجميع الثمن وان شاء ترك بيان ذلك أنه لو أخذ القاتل منهما بحصته من الثمن
لا ينفسخ البيع في المقتول وانفساخ البيع ارتفاع من الأصل وعودة إلى ملك البائع فتبين ان عبد المشترى قتل
عبد البائع فيخاطب بالدفع أو بالفداء وأيهما فعل قام مقام المقتول فيحيا المقتول معنى فيأخذه ببقية الثمن فصار في أخذ
الباقي منهما بحصته من الثمن في الحال آخذا بجميع الثمن في المآل فخيرناه في الابتداء للاخذ بجميع الثمن والفسخ
هذا وان هلك بفعل البائع يبطل البيع بقدره ويسقط عن المشترى حصة الهالك من الثمن وهو قدر النقصان اعتبارا
للبعض بالكل سواء كان النقصان نقصان قيمة أو نقصان وصف لان الأوصاف لها حصة من الثمن عند ورود
الجناية عليها لأنها تصير أصلا بالفعل فتقابل بالثمن والمشترى بالخيار في الباقي ان شاء أخذه بحصته من الثمن وان شاء ترك
لتفرق الصفقة عليه ولو اختار المشترى الاخذ فلم يقبضه حتى مات من تلك الجناية أو من غيرها مات على البائع
ويسقط الثمن عن المشترى لأن المبيع إنما يدخل في ضمان المشترى بالقبض ولم يوجد فان قبضه المشترى فمات من
جناية البائع أو غيرها سقطت عن المشترى حصة جناية البائع ولزمه ما بقي من الثمن أما إذا مات من الجناية فلان قبض
الباقي وجد من المشترى فتقرر قبضه فتقرر عليه ثمنه وكذا إذا مات من جناية البائع لان المشترى قبض الباقي حقيقة
وقبض المبيع يوجب تقرر الثمن في الأصل الا إذا وجد من البائع ما ينقصه فيصير مستردا والسراية ليست فعله حقيقة
وإنما هي صنع الله تعالى يعنى مصنوعه فبقي المقبوض على حكم قبض المشترى فتقرر عليه ثمنه ولان قبض المشترى
بمنزلة انشاء العقد فيه لان للقبض شبها بالعقد وانشاء الشراء قاطع للسراية كما لو اشتراه منه بعد جنايته وقبضه ثم سرت
إلى النفس ومات فكذلك القبض والله عز وجل أعلم وإذا هلك بفعل المشترى لا يبطل البيع ولا يسقط عنه شئ
من الثمن لأنه صار قابضا للكل باتلاف البعض أو لا يتمكن من اتلاف البعض الا باثبات اليد على الكل وهو تفسير
القبض أو صار قابضا قدر المتلف بالاتلاف والباقي بالتعييب فتقرر عليه كل الثمن ولو مات في يد البائع بعد جناية
المشترى ينظر ان مات من تلك الجناية مات على المشترى وعليه الثمن لأنه لما مات من جنايته تبين ان فعله السابق
وقع اتلافا للكل فتقرر كل الثمن سواء منعه البائع بعد جناية المشترى أو لم يمنعه لان منع البائع بعد وجود الاتلاف
من المشترى هدر وان مات من غير الجناية فإن كان البائع لم يمنعه مات من مال المشترى أيضا وعليه كل الثمن لما
ذكرنا انه بالجناية صار قابضا لكل المبيع ولم يوجد ما ينقض قبضه فبقي حكم ذلك القبض وإن كان منعه لزم المشترى
حصة ما استهلك وسقط عنه ثمن ما بقي لان البائع لما منع فقد نقض قبض المشترى في قدر القائم فصار مستردا إياه
فإذا هلك فقد هلك في ضمانه فيهلك عليه ولو جنى عليه البائع ثم جنى عليه المشترى سقط عن المشترى حصة جناية
240

البائع لما قلنا ولزمه ثمن ما بقي لأنه صار قابضا للباقي بجنايته فتقرر عليه ثمنه لان جنايته دليل الرضا بتعييب البائع فان ابتدأ
المشترى بالجناية ثم جنى البائع قبل قبض الثمن فان برأ العبد من الجنايتين فالمشترى بالخيار ان شاء أخذه وسقطت عنه
حصة جناية البائع من الثمن وان شاء ترك لان المشترى صار قابضا بالجناية لكن الجناية فيه قبض بغير اذن البائع
والثمن غير منقود فلما جنى عليه البائع فقد استرد ذلك القدر فحصلت جنايته تعييبا للمبيع وحدوث العيب في المبيع
قبل القبض يوجب الخيار فان شاء فسخ وان شاء ترك وعليه ثلاثة أرباع الثمن وسقطت عنه جناية البائع من
الثمن وهو الربع لان النصف هلك بجناية المشترى فتقرر عليه الثمن وربع منه قائم فيأخذه بثمنه أيضا والربع هلك
بجناية البائع قبل القبض فيسقط عنه ثمنه وان مات العبد في البائع بعد الجنايتين بأن كان المشترى قطع يده ثم قطع
البائع رجله من خلاف ثم مات في يد البائع من الجنايتين فعلى المشترى خمسة أثمان الثمن وسقط عنه ثلاثة أثمان الثمن
لان المشترى لما قطع يده فقد تقرر عليه نصف الثمن لأنه صار قابضا بالقطع ولما قطع البائع رجله استرد نصف
القائم من العبد وهو الربع فبقي هناك ربع قائم من العبد فإذا سرت الجناية فقد هلك ذلك الربع من سراية الجنايتين
فينقسم ذلك الربع بينهما نصفين فانكسر الحساب بالارباع فيجعل كل سهم أربعة فيصير ثمانية فلذلك جعلنا
الحساب من ثمانية فهلك بجناية المشترى النصف وهو أربعة وبسراية جنايته سهم فيتقرر عليهم ثمنه فذلك خمسة
أثمان الثمن وهلك بجناية البائع سهمان وبسراية جنايته سهم فذلك ثلاثة أثمان الثمن يسقط عنه لان هلاك هذا
القدر يسقط عنه والله عز وجل أعلم هذا إذا جنى المشترى أولا ثم جنى البائع فبرأت الجراحة أو سرت (فأما)
إذا جنى البائع أولا ثم المشترى فان برأ العبد فلا خيار للمشترى ههنا لما ذكرنا ان اقدامه على الجناية بعد جناية البائع
دليل الرضا بتعييبه فبطل خياره ويلزمه ثمن ما بقي لأنه صار قابضا لما بقي وان مات العبد من الجنايتين فالجواب ههنا
على القلب من الجواب في المسألة المتقدمة وهو ان على المشترى ثلاثة أثمان وسقط عنه خمسة أثمان الثمن فحكم
جناية المشترى ههنا كحكم جناية البائع هناك لما ذكرنا فافهم ولو كان الثمن مقبوضا والعبد في يد البائع فجنى عليه
البائع يسقط عن المشترى حصته من الثمن أيضا لما ذكرنا فإن كان المشترى جنى عليه أولا ثم جنى البائع يلزم البائع
من القيمة ما يلزم الأجنبي لان المشترى صار قابضا بالجناية ولا يملك البائع نقض القبض والاسترداد ههنا لان الثمن
مقبوض فصارت جنايته وجناية الأجنبي سواء ولو كان البائع جنى أولا ثم جنى المشترى فما هلك بجناية البائع
سقط حصته من الثمن وما هلك بسراية جنايته فعليه قيمته لان ما هلك بجنايته بعد جناية المشترى تجب قيمته على
ما ذكرنا فكذا ما هلك بسراية جنايته والله عز وجل أعلم وان هلك بفعل أجنبي فعليه ضمانه لا شك فيه والمشترى
بالخيار ان شاء فسخ البيع واتبع البائع الا جنى بضمان ما جنى وان شاء اختار البيع واتبع الجاني بالضمان وعليه جميع
الثمن وأيهما اختار فالحكم فيه بعد ذلك على ما ذكرنا في اتلاف الأجنبي كل المبيع والله عز وجل أعلم هذا إذا
هلك بعض المبيع قبل القبض فأما إذا هلك بعض المبيع بعد القبض فان هلك بآفة سماوية أو بفعل المبيع أو بفعل
المشترى فالهلاك على المشترى لأن المبيع خرج عن ضمان البائع بقبض المشترى فتقرر عليه الثمن وكذا إذا هلك
بفعل أجنبي فالهلاك على المشترى لما قلنا ويرجع بالضمان على الأجنبي لاشك فيه وان هلك بفعل البائع ينظر ان
لم يكن له حق الاسترداد للحبس لاستيفاء الثمن بأن كان المشترى قبضه باذنه أو كان الثمن منقودا أو مؤجلا
فهذا وما لو أتلفه أجنبي سواء وقد ذكرنا حكمه وإن كان له حق الاسترداد بأن كان قبضه بغير اذنه والثمن حال غير
منقود ينفسخ البيع في قدر المتلف ويسقط عن المشترى حصته من الثمن لأنه صار مستردا لذلك القدر بالاتلاف
فتلف ذلك القدر في ضمانه فيسقط قدره من الثمن ولا يكون مستردا لأنه لم يوجد منه اتلاف الباقي لأنه لو هلك الباقي في
يد المشترى فعليه حصته من الثمن الا إذا هلك الباقي من سراية جناية البائع فيصير مستردا ويسقط عن المشترى جميع
الثمن لان تلف الباقي حصل مضافا إلى فعله فصار مستردا للكل فتلف الكل في ضمانه فيسقط كل الثمن ولو اختلف
241

البائع والمشترى في هلاك المبيع فقال البائع هلك بعد القبض ولى عليك الثمن وقال المشترى هلك قبل القبض ولا ثمن
لك على فالقول قول المشترى مع يمينه لان البائع يدعى عليه القبض ولا ثمن وهو ينكر ولأن الظاهر شاهد للمشترى
لأن المبيع كان في يد البائع والظاهر بقاء ما كان على ما كان والبائع يدعى أمرا عارضا وهو الزوال والانتقال فكان
المشترى متمسكا بالأصل الظاهر فكان القول وان قام أحدهما البينة قبلت بينته ولو أقاما جميعا البينة يقضى ببينة
البائع لأنها تثبت أمرا بخلاف الظاهر وما شرعت البينات الا لهذا ولأنها أكثر اظهارا لأنها تظهر القبض والثمن
فكانت أولى بالقبول وكذلك لو اختلفا في الاستهلاك فادعى البائع على المشترى أنه استهلكه وادعى المشترى على
البائع أنه استهلكه فالقول قول المشترى لما قلنا هذا إذا لم يكن للبينتين تاريخ فأما إذا كان لهما تاريخ وتاريخ أحدهما
أسبق فالأسبق أولى بالهلاك والاستهلاك جميعا هذا إذا لم يكن قبض المشترى المبيع ظاهرا فاما إذا كان ظاهرا فادعيا
الاستهلاك فإن لم يكن لهما بينة فالقول قول البائع لأن الظاهر شاهد له لأن المبيع في يد المشترى وأيهما أقام البينة
قبلت بينته وان أقاما جميعا البينة فالبينة بينة المشترى لأنه هو المدعى ألا ترى أنه يدعى أمرا باطنا ليزيل به ظاهرا وهو
الاستهلاك من البائع والمبيع في يده وكذا المشترى لو ترك الدعوى ترك ولا يجبر عليها والبائع لو ترك الدعوى
لا يترك بل يجبر عليها وهذه عبارة مشايخنا في تحديد المدعى والمدعى عليه وإذا قامت بينة المشترى ينظر إن كان في
موضع للبائع حق الاسترداد للحبس لاستيفاء الثمن بأن كان المشترى قبضه بغير اذن البائع والثمن حال غير منقود
يسقط الثمن عن المشترى لأنه بالاستهلاك صار مستردا وانفسخ البيع وإن كان في موضع ليس له حق الاسترداد
للحبس بأن كان المشترى قبض المبيع باذن البائع أو بغير اذنه لكن الثمن منقود أو مؤجل فللمشتري أن يضمن البائع
قيمة المبيع لأنه إذا لم يكن له حق الاسترداد لم يكن بالاستهلاك مستردا ولا ينفسخ البيع فلا يحصل الاستهلاك في
ضمان البائع فتلزمه القيمة كما لو استهلكه أجنبي والله عز وجل أعلم ولو اشترى بفلوس نافقة ثم كسدت قبل القبض
انفسخ عند أبي حنيفة رحمه الله وعلى المشترى رد المبيع إن كان قائما وقيمته أو مثله إن كان هالكا وعند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله لا يبطل البيع والبائع بالخيار ان شاء فسخ البيع وان شاء أخذ قيمة الفلوس (وجه) قولهما أن
الفلوس في الذمة وما في الذمة لا يحتمل الهلاك فلا يكون الكساد هلاكا بل يكون عيبا فيها فيوجب الخيار ان شاء
فسخ البيع وان شاء أخذ قيمة الفلوس كما إذا كان الثمن رطبا فانقطع قبل القبض ولأبي حنيفة ان الفلوس بالكساد
خرجت عن كونها ثمنا لان ثمنيتها ثبتت باصطلاح الناس فإذا ترك الناس التعامل بها عددا فقد زال عنها صفة الثمنية
ولا بيع بلا ثمن فينفسخ ضرورة ولو لم تكسد ولكنها رخصت قيمتها أو غلت لا ينفسخ البيع بالاجماع وعلى
المشترى أن ينقد مثلها عددا ولا يلتفت إلى القيمة ههنا لان الرخص أو الغلاء لا يوجب بطلان الثمنية ألا ترى ان
الدراهم قد ترخص وقد تغلو وهي على حالها أثمان ثم اختلف أبو يوسف ومحمد فيما بينهما في وقت اعتبار القيمة
فاعتبر أبو يوسف وقت العقد لأنه وقت وجوب الثمن واعتبر محمد وقت الكساد وهو آخر يوم ترك الناس التعامل
بها لأنه وقت العجز عن التسليم ولو استقرض فلوسا نافقة وقبضها فكسدت فعليه رد مثل ما قبض من الفلوس
عددا في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وفى قول محمد عليه قيمتها (وجه) قولهما ان الواجب بقبض القرض رد
مثل المقبوض وبالكساد عجز عن رد المثل لخروجها عن رد الثمنية وصيرورتها سلعة فيجب عليه قيمتها كما لو
استقرض شيئا من ذوات الأمثال وقبضه ثم انقطع عن أيدي الناس ولأبي حنيفة رحمه الله ان أثر الكساد في بطلان
الثمنية وانه لا يمنع جواز الرد بدليل انه لو استقرضها بعد الكساد جاز ثم اختلفا في وقت اعتبار القيمة على ما ذكرنا ولو
لم تكسد ولكنها رخصت أو غلت فعليه رد مثل ما قبض بلا خلاف لما ذكرنا أن صفة الثمنية باقية ولو اشترى بدرهم
فلوسا وتقابضا وافترقا ثم استحقت الفلوس من يده وأخذها المستحق لا يبطل العقد لان بالاستحقاق وان انتقض
القبض والتحق بالعدم فيصير كان الافتراق حصل عن قبض الدراهم دون الفلوس وهذا لا يوجب بطلان العقد وعلى
242

بائع الفلوس أن ينقد مثلها وكذلك ان استحق بعضها وأخذ قدر المستحق لا يبطل البيع لما قلنا وعلى بائع الفلوس
أن ينقد مثل القدر المستحق وكذلك إذا وجد المشترى الفلوس من الفلوس الكاسدة لا يبطل البيع لان قبض أحد
البدلين فيما لا يتضمن يكفي لبقاء العقد على الصحة وقد وجد قبض أحدهما وهو الدراهم ولو كان المشترى قبض
الفلوس ولم ينقد الدراهم وافترقا ثم استحقت الفلوس فالمستحق بالخيار ان شاء أجاز نقد البائع فيجوز العقد لان
الإجازة استندت إلى حالة العقد فجاز النقد والعقد ويرجع المستحق على بائع الفلوس بمثلها وينقد المشترى الدراهم لبائع
الفلوس وان شاء لم يجز وأخذ الفلوس وبطل العقد لأنه لما لم يجز وأخذ الفلوس فقد انتقض القبض والتحق بالعدم
فتبين أن افتراقهما حصل لا عن قبض أصلا فبطل العقد وكذلك لو استحق بعض الفلوس فحكم البعض كحكم الكل
وقد ذكرناه ولو وجد الفلوس كاسدة لا تروج بطل العقد لأنه ظهر انهما افترقا من غير قبض وان وجدها تروج في
بعض التجارة ولا تروج في البعض أو يأخذها البعض دون البعض فحكمها حكم الدراهم الزائفة ان تجوز بها المشترى
جاز لأنها من جنس حقه أصلا وان لم يتجوز بها فالقياس أن يبطل العقد في المردود قل أو كثر وهو قول زفر وعند أبي
يوسف ومحمد ان لم يستبدل في مجلس الرد يبطل وان استبدل لا يبطل وعند أبي حنيفة أن كان قليلا فاستبدل
لا يبطل وإن كان كثيرا يبطل على ما ذكرنا في السلم والله عز وجل أعلم (وأما) بيان صفة الحكم فله صفتان إحداهما
اللزوم حتى لا ينفرد أحد العاقدين بالفسخ سواء كان بعد الافتراق عن المجلس أو قبله عندنا وعند الشافعي رحمه الله
لا يلزم الا بعد الافتراق عن المجلس وقد ذكرنا الكلام فيه من الجانبين فيما تقدم والثانية الحلول وهو ثبوت الملك في
البدلين للحال لأنه تمليك بتمليك وهو ايجاب الملك من الجانبين للحال فيقتضى ثبوت الملك في البدلين في الحال بخلاف
البيع بشرط الخيار لان الخيار يمنع انعقاد العقد في حق الحكم فيمنع وقوعه تمليكا للحال وبخلاف البيع الفاسد فان
ثبوت الملك فيه موقوف على القبض فيصير تمليكا عنده والله عز وجل أعلم (وأما) الأحكام التي هي من التوابع للحكم
الأصلي للبيع (فمنها) وجوب تسليم المبيع والثمن والكلام في هذا الحكم في مواضع أحدها في بيان وجوب
تسليم البدلين وما هو من توابع تسليمهما والثاني في بيان وقت وجوب تسليمهما والثالث في تفسير التسليم والقبض
والرابع في بيان ما يصير به المشترى قابضا للمبيع من التصرفات وما لا يصير (أما) الأول فتسليم البدلين واجب
على العاقدين لأن العقد أوجب الملك في البدلين ومعلوم أن الملك ما ثبت لعينه وإنما ثبت وسيلة إلى الانتفاع بالمملوك
ولا يتهيأ الانتفاع به الا بالتسليم فكان ايجاب الملك في البدلين شرعا ايجابا لتسليمهما ضرورة ولان معنى البيع لا يحصل
الا بالتسليم والقبض لأنه عقد مبادلة وهو مبادلة شئ مرغوب بشئ مرغوب وحقيقة المبادلة في التسليم والقبض لأنها
أخذ بدل واعطاء بدل وإنما قول البيع والشراء وهو الايجاب والقبول جعل دليلا عليهما ولهذا كان التعاطي بيعا
عندنا على ما ذكرنا والله عز وجل أعلم وعلى هذا تخرج أجرة الكيال والوزان والعداد والذراع في بيع المكيل
والموزون والمعدود والمذروع مكايلة وموازنة ومعاددة ومذارعة انها على البائع أما أجرة الكيال والوزان فلأنها
من مؤنات الكيل والوزن والكيل والوزن فيما بيع مكايلة وموازنة من تمام التسليم على ما نذكر والتسليم على البائع
فكانت مؤنة التسليم عليه والعدد في المعدود الذي بيع عددا بمنزلة الكيل والوزن في المكيل والموزون عند أبي
حنيفة فكان من تمام التسليم فكانت على من عليه التسليم وعندهما هو من باب تأكيد التسليم فكان من توابعه
كالذرع فيما بيع مذارعة فكانت مؤنته على من عليه التسليم وهو البائع وكذا أجرة وزان الثمن على المشترى لما
قلنا (وأما) أجرة ناقد الثمن فعن محمد فيه روايتان روى إبراهيم بن رستم عنه أنها على البائع لان حقه في الجيد والنقد
لتمييز حقه فكانت مؤنته عليه وروى ابن سماعة عنه ان البائع إن كان لم يقبض الدراهم فعلى المشترى لان عليه تسليم
ثمن جيد فكانت مؤنة تسليمه عليه ولو كان قد قبضها فعلى البائع لأنه قبض حقه ظاهرا فإنما يطلب بالنقد إذا أدى
فكان الناقد عاملا له فكانت أجرة عمله عليه (وأما) بيان وقت الوجوب فالوجوب على التوسع ثبت عقيب
243

العقد بلا فصل وأما على التضييق فان تبايعا عينا بعين وجب تسليمهما معا إذا طالب كل واحد منهما صاحبه بالتسليم
لما ذكرنا أن المساواة في عقد المعاوضة مطلوبة المتعاقدين عادة وتحقيق التساوي ههنا في التسليم معا لما ذكرنا انه ليس
أحدهما بالتقديم أولى من الآخر وكذلك ان تبايعا دينا بدين لما قلنا وان تبايعا عينا يراعى فيه الترتيب عندنا
فيجب على المشترى تسليم الثمن أولا إذا طالبه البائع ثم يجب على البائع تسليم المبيع إذا طالبه المشترى لان تحقيق
التساوي فيه على ما بينا فيما تقدم (وأما) تفسير التسليم والقبض فالتسليم والقبض عندنا هو التخلية والتخلي وهو أن يخلى
البائع بين المبيع وبين المشترى برفع الحائل بينهما على وجه يتمكن المشترى من التصرف فيه فيجعل البائع مسلما للمبيع
والمشترى قابضا له وكذا تسليم الثمن من المشترى إلى البائع وقال الشافعي رحمه الله القبض في الدار والعقار والشجر
بالتخلية وأما في الدراهم والدنانير فتناولهما بالبراجم وفى الثياب بالنقل وكذا في الطعام إذا اشتراه مجازفة فإذا اشتراه
مكايلة فبالكيل وفى العبد والبهيمة بالسير من مكانه (وجه) قوله أن الأصل في القبض هو الاخذ بالبراجم لأنه القبض
حقيقة الا أن فيما لا يحتمل الاخذ بالبراجم أقيم النقل مقامه فيما يحتمل النقل وفيما لا يحتمله أقيم التخلية مقامه (ولنا) أن
التسليم في اللغة عبارة عن جعله سالما خالصا يقال سلم فلان لفلان أي خلص له وقال الله تعالى ورجلا سلما لرجل أي
سالما خالصا لا يشركه فيه أحد فتسليم المبيع إلى المشترى هو جعل المبيع سالما للمشترى أي خالصا له بحيث لا ينازعه
فيه غيره وهذا يحصل بالتخلية فكانت التخلية تسليما من البائع والتخلي قبضا من المشترى وكذا هذا في تسليم الثمن إلى
البائع لان التسليم واجب ومن عليه الواجب لابد وأن يكون له سبيل الخروج عن عهدة ما وجب عليه والذي في
وسعه هو التخلية ورفع الموانع فأما الاقباض فليس في وسعه لان القبض بالبراجم فعل اختياري للقابض فلو تعلق
وجوب التسليم به لتعذر عليه الوفاء بالواجب وهذا لا يجوز ثم لا خلاف بين أصحابنا في أن أصل القبض يحصل
بالتخلية في سائر الأموال واختلقوا في أنها هل هي قبض تام فيها أم لا وجملة الكلام فيه أن المبيع لا يخلو اما أن يكون
مما له مثل واما أن يكون مما لا مثل له فإن كان مما لا مثل له من المذروعات والمعدودات المتفاوتة فالتخلية فيها قبض تام بلا
خلاف حتى لو اشترى مذروعا مذارعة أو معدودا معاددة ووجدت التخلية يخرج عن ضمان البائع ويجوز له بيعه
والانتفاع به قبل الذرع والعد بلا خلاف وإن كان مما له مثل فان باعه مجازفة فكذلك لأنه لا يعتبر معرفة القدر في بيع
المجازفة وإن باع مكايلة أو موازنة في المكيل والموزون وخلى فلا خلاف في أن المبيع يخرج عن ضمان البائع ويدخل
في ضمان المشترى حتى لو هلك بعد التخلية قبل الكيل والوزن يملك على المشترى وكذا لا خلاف في أنه لا يجوز
للمشترى بيعه والانتفاع به قبل الكيل والوزن وكذا لو اكتاله المشترى أو اتزنه من بائعه ثم باعه مكايلة أو موازنة من
غيره لم يحل للمشترى منه أن يبيعه أو ينتفع به حتى يكيله أو يزنه ولا يكتفى باكتيال البائع أو اتزانه من بائعه وإن كان
ذلك بحضرة هذا المشترى لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجرى فيه صاعان
صاع البائع وصاع المشترى وروى أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الطعام حتى يكال لكن اختلفوا في أن
حرمة التصرف قبل الكيل أو الوزن لانعدام القبض بانعدام الكيل أو الوزن أو شرعا غير معقول المعنى مع حصول
القبض بتمامه بالتخلية قال بعض مشايخنا انها تثبت شرعا غير معقول المعنى وقال بعضهم الحرمة لمكان انعدام
القبض على التمام بالكيل أو الوزن وكما لا يجوز التصرف في المبيع المنقول بدون قبضه أصلا لا يجوز بدون قبضه بتمامه
(وجه) قول الأولين ما ذكرنا أن معنى التسليم والتسلم يحصل بالتخلية لان المشترى يصير سالما خالصا للمشترى على
وجه يتهيأ له تقليبه والتصرف فيه على حسب مشيئته وارادته ولهذا كانت التخلية تسليما وقبضا فيما لا مثل له وفيما له مثل
إذا بيع مجازفة ولهذا يدخل المبيع في ضمان المشترى بالتخلية نفسها بلا خلاف دل أن التخلية قبض الا أن حرمة
التصرف مع وجود القبض بتمامه ثبت تعبدا غير معقول المعنى والله عز وجل أعلم (وجه) قول الآخرين تعليل محمد
رحمه الله في هذه المسألة في كتاب البيوع فإنه قال ولا يجوز للمشترى ان يتصرف فيه قبل الكيل لأنه باعه قبل أن
244

يقبضه ولم يرد به أصل القبض لأنه موجود وإنما أراد به تمام القبض والدليل على أن الكيل والوزن في المكيل
والموزون الذي بيع مكايلة وموازنة من تمام القبض أن القدر في المكيل والموزون معقود عليه ألا ترى أنه لو كيل
فازداد لا تطيب له الزيادة بل ترد أو يفرض لها ثمن ولو نقص يطرح بحصته شئ من الثمن ولا يعرف القدر فيهما
الا بالكيل والوزن لاحتمال الزيادة والنقصان فلا يتحقق قبض قدر المعقود عليه الا بالكيل والوزن فكان الكيل
والوزن فيه من تمام القبض ولا يجوز بيع المبيع المنقول قبل قبضه بتمامه كما لا يجوز قبل قبضه أصلا ورأسا بخلاف
المذروعات لان القدر فيها ليس معقود عليه بل هو جار مجرى الوصف والأوصاف لا تكون معقودا عليها ولهذا
سلمت الزيادة للمشترى بلا ثمن وفى النقصان لا يسقط عنه شئ من الثمن فكانت التخلية فيها قبضا تاما فيكتفى بها
في جواز التصرف قبل الذرع بخلاف المكيلات والموزونات على ما بينا الا أنه يخرج عن ضمان البائع بالتخلية نفسها
لوجود القبض بأصله والخروج عن ضمان البائع يتعلق بأصل القبض لا بوصف الكمال فأما جواز التصرف فيه
فيستدعى قبضا كاملا لورود النهى عن بيع ما لم يقبض والقبض المطلق هو القبض الكامل والله عز وجل أعلم
(وأما) المعدودات المتقاربة إذا بيعت عدا لا جزافا فحكما حكم المكيلات والموزونات عند أبي حنيفة حتى
لا يجوز بيعها الا بعد العد وعند أبي يوسف ومحمد حكمها حكم المذروعات فيجوز بيعها قبل العد (وجه) قولهما ان
العددي ليس من أموال الربا كالذرع ولهذا لم تكن المساواة فيها شرطا لجواز العقد كما لا تشترط في المذروعات
فكان حكمه كحكم المذروع ولأبي حنيفة رحمه الله ان القدر في المعدود معقود عليه كالقدر فيه المكيل والموزون ألا
ترى انه لو عده فوجده زائدا لا تطيب الزيادة له بلا ثمن بل يردها أو يأخذها بثمنها ولو وجد ناقصا يرجع بقدر النقصان
كما في المكيل والموزون دل أن القدر فيه معقود عليه واحتمال الزيادة والنقصان في عدد المبيع ثابت فلا بد من معرفة
قدر المعقود عليه وامتيازه من غيره ولا يعرف قدره الا بالعد فأشبه المكيل والموزون ولهذا كان العد فيه بمنزلة المكيل
والموزون في ضمان العدوان الا أنه لم يجز فيه الربا لان المساواة بين واحد وواحد في العد ثبتت باصطلاح الناس
واهدارهم التفاوت بينهما في الصغر والكبر لكن ما ثبت باصطلاح الناس جاز أن يبطل باصطلاحهم ولما تبايعا
واحدا باثنين فقد اهدر اصطلاح الاهدار واعتبر الكبر لأنهما قصد البيع الصحيح ولا صحة الا باعتبار الكبر
وسقوط العد فكان أحدهما من أحد الجانبين بمقابلة الكبير من الجانب الآخر فلا يتحقق الربا أما ههنا فلا بد من
اعتبار العد إذا بيع عدد أو إذا اعتبر العد لا يجوز التصرف فيه قبل القبض كما في المكيل والموزون بخلاف المذروع فان
القدر فيه ليس بمعقود عليه على ما بينا فكانت التخلية فيه قبضا تاما فكان تصرفا في المبيع المنقول بعد القبض وانه
جائز والله عز وجل أعلم ولو كاله البائع أو وزنه بحضرة المشترى كان ذلك كافيا ولا يحتاج إلى إعادة الكيل لان
المقصود يحصل بكيله مرة واحدة بحضرة المشترى وما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع
الطعام حتى يجرى فيه صاعان صاع البائع وصاع المشترى محمول على موضع مخصوص وهو ما إذا اشترى مكيلا
مكايلة فاكتاله ثم باعه من غيره مكايلة لم يجز لهذا المشترى التصرف فيه حتى يكيله وإن كان هو حاضرا عند اكتيال
بائعه فلا يكتفى بذلك وكذلك إذا أسلم إلى رجل في حنطة فلما حل الأجل اشترى المسلم إليه قدر المسلم فيه من رجل
مكايلة وأمر رب السلم باقتضائه فإنه لا يجوز له التصرف فيه ما لم يكله مرتين مرة للمسلم إليه ومرة لنفسه بالنص ولو كان
مكان السلم قرض بأن استقرض المستقرض كرا من إنسان وأمر المقرض بقبض الكر فإنه يكتفى فيه بكيل
واحد للمشترى والمستقرض (ووجه) الفرق ان الكيل والوزن فيما عقد بشرط الكيل والوزن في المكيل
والموزون شرط جواز التصرف فهما لأنه من تمام القبض على ما بينا والسلم عقد بشرط الكيل والمسلم إليه اشترى
بشرط الكيل فلا بد من أن يكيل رب السلم أولا للمسلم إليه ليصير قابضا له فيجعل كان المسلم إليه قبضه بنفسه من
البائع ثم يكيل لنفسه ليصير قابضا لنفسه من المسلم إليه فاما قبض بدل القرض فليس بشرط لجواز التصرف فيه لان
245

القبض بالكيل في باب البيع لاندفاع جهالة المعقود عليه بتمييز حق المشترى عن حق البائع والقرض يقبل نوع جهالة
فلا يشترط له القبض ولان الاقراض إعارة عندنا فالمقبول من بدل القرض كأنه عين حقه فصار كما لو أعار عينا ثم
استردها فيصح قبضه بدون الكيل وإنما يجب كيل واحد للمشترى لا غير والله عز وجل أعلم (وأما) بيان ما يصير
به المشترى قابضا للمبيع من التصرفات وما لا يصير به قابضا فنقول وبالله التوفيق المبيع لا يخلو إما أن يكون في يد
البائع وإما أن يكون في يد المشترى فإن كان في يد البائع فاتلفه المشترى صار قابضا له لأنه صار قابضا بالتخلية
فبالاتلاف أولى لان التخلية تمكين من التصرف في المبيع والاتلاف تصرف فيه حقيقة والتمكين من التصرف
دون حقيقة التصرف وكذلك لو قطع يده أو شج رأسه وكل تصرف نقص شيئا لان هذا الافعال في الدلالة على
التمكين فوق التخلية ثم بالتخلية صار قابضا فبها أولى وكذلك لو فعل البائع شيئا من ذلك بأمر المشترى لان فعله
بأمر المشترى بمنزلة فعل المشترى بنفسه ولو أعتقه المشترى يصير قابضا لان لاعتاق اتلاف حكما فيلحق
بالاتلاف حقيقة وكذا لو دبره أو استولد الجارية أي أقرانها أم ولد له لان التدبير أو الاستيلاد تنقيص حكما
فكان ملحقا بالتنقيص حقيقة ولو زوج المبيع بأن كان جارية أو عبدا فالقياس ان يصير قابضا وهو رواية عن أبي
يوسف وفى الاستحسان لا يصير قابضا (وجه) القياس أن التزوج تعييب الا ترى أن الزوجية عيب يرد بها
وإذا كانت الزوجية عيبا كان التزوج تعييبا والتعييب قبض (وجه) الاستحسان أنه تعييب حكما لا حقيقة لأنه
لا يوجب نقصان المحل ولا نقصان الملك فيه فلا يصير به قابضا وكذا لو أقر عليه بالدين فالقياس أن يصير قابضا
لان الدين عيب حتى يرد به وفى الاستحسان لا يصير قابضا لأنه تعييب حكمي وانه لا يوجب النقصان فلا يكون
قبضا ولو وطئها الزوج في يد البائع صار المشترى قابضا لان الوطئ اثبات اليد على الموطوءة وانه حصل من
الزوج بتسليط المشترى فكان من حيث إنه اثبات اليد مضافا إلى المشترى فكان قابضا من المشترى ولو أعار
المشترى المبيع للبائع أو أودعه أو آجره لم يكن شئ من ذلك قبضا لأن هذه التصرفات لم تصح من المشترى لان
يد الحبس بطريق الأصالة ثابتة للبائع فلا يتصور اثبات يد النيابة له بهذه التصرفات فلم تصح والتحقت بالعدم
ولو أعاره أو أودعه أجنبيا صار قابضا لان الإعارة والايداع إياه صحيح فقد أثبت يد النيابة لغيره فصار قابضا
ولو أرسل المشترى العبد المبيع إلى حاجة صار قابضا لان ارساله في الحاجة استعمال له بدليل أنه صار راضيا به
واستعماله إياه اثبات يده عليه وهو معنى القبض ولو جنى أجنبي على المبيع فاختار المشترى اتباع الجاني
بالضمان كان اختياره بمنزلة القبض عند أبي يوسف وعند محمد يكون حتى لو توى الضمان على الجاني بان مات
مفلسا كان التوى على المشترى ولا يبطل البيع عند أبي يوسف ويتقرر عليه الثمن وعند محمد يبطل البيع والتوى
على البائع ويسقط الثمن عن المشترى وكذا لو استبدل المشترى الضمان ليأخذ مكانه من الجاني شيئا آخر جاز عند أبي
يوسف وعند محمد لا يجوز لان هذا تصرف في المعقود عليه قبل القبض لان القيمة قائمة مقام العين المستهلكة
والتصرف في المعقود عليه قبل القبض لا يجوز لا من البائع ولا من غيره وكذا المبيع إذا كان مصوغا من فضة
اشتراها بدينار فاستهلك المصوغ أجنبي قبل القبض فاختار المشترى أن يتبع الجاني بالضمان ونقد الدينار البائع فافترقا
قبل قبض ضمان المستهلك لا يبطل الصرف بينهما عند أبي يوسف لان اختياره تضمين المستهلك بمنزلة القبض عنده
وعند محمد يبطل الصرف لعدم القبض (وجه) قول محمد ان الضمان حكم العين لان قيمة العين قائمة مقامها ولهذا بقي
العقد على القيمة بعد استهلاك العين ثم العين لو كانت قائمة فهلكت قبل القبض كان الهلاك على البائع ويبطل
البيع ويسقط الثمن عن المشترى فكذا القيمة ولأبي يوسف ان جناية الأجنبي حصلت باذن المشترى وأمره
دلالة فيصير قابضا كما لو فعل بنفسه وبيان ذلك أن اختيار المشترى اتباع الجاني بالضمان تمليك من المضمون لان
المضمونات تملك باختيار الضمان مستندا إلى وقت سبب الضمان فيصير كان الجناية حصلت بأمر المشترى فيصير
246

قابضا لان فعل الأجنبي بأمر المشترى بمنزلة فعل المشترى بنفسه ولو أمر المشترى البائع أن يعمل في المبيع عملا فإن كان
عملا لا ينقصه كالقصارة والغسل بأجر أو بغير أجر لا يصير قابضا لان التصرف الذي لا يوجب نقصان المحل مما
يملكه البائع باليد الثابتة كما إذا نقله من مكان إلى مكان فكان الامر به استيفاء لملك اليد فلا يصير به قابضا وتجب
الأجرة على المشترى إن كان بأجر لان الإجارة قد صحت لان العمل على البائع ليس بواجب فجاز أن تقابله الأجرة
وإن كان عملا ينقصه يصير قابضا لان تنقيصه اتلاف جزء منه وقد حصل بأمره فكان مضافا إليه كأنه فعله بنفسه
والله عز وجل أعلم وعلى هذا يخرج ما إذا أسلم في كر حنطة فلما حل الأجل أمر رب السلم المسلم إليه أن يكيله في غرائر
المسلم إليه أو دفع إليه غرائره وأمره أن يكيله فيها ففعل أنه إن كان رب السلم حاضرا يصير قابضا بالتخلية وان غائبا
لا يصير قابضا لان الحنطة التي يكيلها المسلم إليه لملكه لا ملك رب السلم لان حقه في الدين لا في العين فلم يصح أمر
المشترى إياه بكيلها فلم يصر وكيلا له فلا تصير يده يد رب السلم سواء كانت الغرائر للمسلم إليه أو لرب السلم لان يد رب
السلم عن الغرائر قد زالت فإذا كال فيها الحنطة لم تصر في يد رب السلم فلا يصير قابضا وكذا لو استقرض من رجل كرا
ودفع إليه غرائره ليكيله فيها ففعل وهو غائب لا يصير قابضا لان القرض لا يملك قبل القبض فكان الكر على ملك
المقرض فلم يصح أمر المستقرض إياه بكيله فلا يصير وكيلا له فلا تصير يده يد المستقرض كما في السلم ولو اشترى من
انسان كرا بعينه ودفع غرائر وأمره بأن يكيل فيها ففعل صار قابضا سواء كان المشترى حاضرا أو غائبا لان المعقود عليه
معين وقد ملكه المشترى بنفس العقد فصح أمر المشترى لأنه تناول عينا هو ملكه فصح أمره وصار البائع وكيلا له
وصارت يده يد المشترى وكذلك الطحن إذا طحنه المسلم إليه بأمر رب السلم لم يصر قابضا ولو طحنه البائع بأمر
المشترى صار قابضا لان الطحن بمنزلة الكيل في الغرائر ولو استعار المشترى من البائع غرائره وأمره بأن يكيله فيها
ففعل فإن كان المشترى حاضرا يصير قابضا بالتخلي بالاجماع وإن كان غائبا لا يصير قابضا عند محمد ما لم يسلم الغرائر إليه
سواء كانت الغرائر بغير عينها أو بعينها وقال أبو يوسف إن كانت بعينها صار المشترى قابضا بنفس الكيل فيها وإن كان
ت بغير عينها بأن قال أعرني غرارة وكل فيها لا يصير قابضا (وجه) قول محمد ان الغرائر عارية في الوجهين جميعا
ولم يقبضها والعارية لا حكم لها بدون القبض فبقيت في يد البائع فبقي ما فيها في يد البائع أيضا فلا يصير في يد المشترى
قابضا الا بتسليم الغرائر إليه ولأبي يوسف الفرق بين حالة التعيين وعدم التعيين وهو أن الغرائر إذا كانت معينة مشارا
إليها فإن لم يمكن تصحيح التعيين من حيث كونه استعارة يمكن تصحيحه من حيث اقامتها مقام يده وإذا لم تكن متعينة
فلا وجه للإعارة بوجه وقول محمد أظهر والله عز وجل أعلم ولو اشترى كرا بعينه وله على البائع كر دين فأعطاه جولقا
وقال له كلهما فيه ففعل صار قابضا لهما سواء كان المبيع أولا أو الدين وهذا قول أبى يوسف وقال محمد إن كان
المبيع أولا يصير قابضا لهما كما قال أبو يوسف وإن كان الدين أولا لم يصر قابضا للدين وكان قابضا للعين وكانا شركين
فيه (وجه) قول محمد ان نفس الكيل في الدين ليس بقبض لما ذكرنا فإذا بدأ بكيله لم يصر المشترى قابضا له فإذا
كاله بعده فقد خلط ملك المشتري بملك نفسه فيشتركان في المخلوط ونفس الكيل في العين قبض فإذا بدأ بكيله صار
المشترى قابضا له ثم إذا كان الدين بعده فقد استهلك العين بالخلط فقام ذك الدين مقام العين فصار قابضا له (وجه)
قول أبى يوسف ان البائع خلط ملك المشتري بملك نفسه في الحال بأمر المشترى فكان مضافا إلى المشترى والخلط
من أسباب التملك في الجملة فيملك المشتري الدين بالخلط وقد جعله في غرائره بأمره فصار قابضا له والله عز وجل أعلم
ولو باع قطنا في فراش أو حنطة في سنبل وسلم كذلك فان أمكن المشترى قبض القطن أو الحنطة من غير فتق الفراش
أو دق السنبل صار قابضا له لحصول معنى القبض وهو التخلي والتمكن من التصرف وان لم يمكنه الا بالفتق والدق لم
يصر قابضا له لأنه لا يملك الفتق أو الدق لأنه تصرف في ملك البائع وهو لا يملك التصرف في ملكه فلم يحصل التمكن
والتخلي فلا يصير قابضا ولو باع الثمرة على الشجرة وسلم كذلك صار قابضا لأنه يمكنه الجذاذ من غير تصرف في ملك
247

البائع فحصل التخلي بتسليم الشجر فكان قبضا بخلاف بيع القطن في الفراش والحنطة في السنبل ولهذا قالوا إن أجرة
الجذاذ على المشترى وأجرة الفتق والدق على البائع إذا كان المشترى لا يمكنه القبض الا به لأنه صار قابضا للثمن
بتسليم الشجر فكان الجاذ عاملا للمشترى فكانت الأجرة عليه ولم يحصل القبض بتسليم الفراش والسنبل فكان
الفتق والدق على البائع مما يتحقق به التسليم فكانت أجرته عليه هذا إذا كان المبيع في يد البائع وقت البيع فأما إذا
كان في يد المشترى فهل يصير قابضا للبيع بنفس العقد أم يحتاج فيه إلى تجديد القبض فالأصل فيه أن الموجود وقت
العقد إن كان مثل المستحق بالعقد ينوب منابه وان لم يكن مثله فإن كان أقوى من المستحق ناب عنه وإن كان دونه لا
ينوب لأنه إذا كان مثله أمكن تحقيق التناوب لان المتماثلين غير أن ينوب كل واحد منهما مناب صاحبه ويسد مسده
وإن كان أقوى منه يوجد فيه المستحق وزيادة وإن كان دونه لا يوجد فيه الا بعض المستحق فلا ينوب عن كله وبيان
ذلك في مسائل وجملة الكلام فيها أن يد المشترى قبل الشراء إما إن كانت يد ضمان وإما إن كانت يد أمانة فإن كانت
يد ضمان فاما إن كانت يد ضمان بنفسه وإما إن كانت يد ضمان بغيره فإن كانت يد ضمان بنفسه كيد الغاصب يصير
المشترى قابضا للمبيع بنفس العقد ولا يحتاج إلى تجديد القبض سواء كان المبيع حاضرا أو غائبا لان المغصوب
مضمون بنفسه والمبيع بعد القبض مضمون بنفسه فتجانس القبضان فناب أحدهما عن الآخر لان التجانس
يقتضى التشابه والمتشابهان ينوب كل واحد منهما مناب صاحبه ويسد مسده سواء كان المبيع حاضرا أو غائبا لان
يد الغاصب في الحالين يد ضمان وإن كانت يده يد ضمان لغيره كيد الرهن بأن باع الراهن المرهون من المرتهن فإنه لا يصير
قابضا الا أن يكون الرهن حاضرا أو يذهب إلى حيث الرهن ويتمكن من قبضه لان المرهون ليس بمضمون بنفسه بل
بغيره وهو الدين والمبيع مضمون بنفسه فلم يتجانس القبضان فلم يتشابها فلا ينوب أحدهما عن الآخر ولان الرهن
أمانة في الحقيقة فكان قبضه قبض أمانة وإنما يسقط الدين بهلاكه لمعنى آخر لا لكونه مضمونا على ما عرف وإذا
كان أمانة فقبض الأمانة لا ينوب عن قبض الضمان كقبض العارية والوديعة وإن كانت يد المشترى يد أمانة كيد
الوديعة والعارية لا يصير قابضا الا أن يكون بحضرته أو يذهب إلى حيث يتمكن من قبضه بالتخلي لان يد الأمانة
ليست من جنس يد الضمان فلا يتناوبان والله عز وجل أعلم ولو اختلف البائع والمشترى في قبض المبيع فقال البائع
قبضته وقال المشترى لم أقبضه فالقول قول المشترى لان البائع يدعى عليه وجود القبض وتقرر الثمن وهو ينكر ولان
عدم القبض أصل والوجود عارض فكان المشترى متمسكا بالأصل والبائع يدعى أمرا عارضا فكان الظاهر شاهدا
للمشترى فكان القول قول قوله مع يمينه وكذا إذا قبض بعضه واختلفا في قدر المقبوض فالقول قول المشترى لما قلنا ولو
اختلفا في قبض الثمن فالقول قول البائع لما قلنا في قبض المبيع والله عز وجل أعلم ولو اختلفا فقال البائع للمشتري قطعت
يده فصرت قابضا وقال المشترى للبائع أنت قطعت يده وانفسخ البيع فيه لم يقبل قول كل واحد منهما على صاحبه
ويجعل كان يده ذهبت بآفة سماوية لتعارض الدعوتين وانعدام دليل الترجيح لأحدهما فلا يكون قول أحدهما بالقبول
على صاحبه أولى من قول الآخر فلا يقبل ويجعل كأنها ذهبت بآفة سماوية ويخير المشترى لتغير المبيع قبل القبض فان
شاء أخذ الباقي بجميع الثمن وان شاء رده على البائع فان اختار الاخذ يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه
ويأخذ كذا ذكر القدوري رحمه الله في شرحه أما تحليف البائع فلا اشكال فيه لان المشترى يدعى عليه سقوط بعض
الثمن وهو ينكر فيحلف لأنه إذا حلف لا يسقط عن المشترى شئ من الثمن فكان تحليفه مفيدا (وأما) تحليف المشترى
فمشكل لأنه لا يفيد شيئا لأنه يأخذه بعد الحلف بكل الثمن وهذا فيما إذا اختار المشترى الرد على البائع لأنه لا يحلف
البائع بل يحلف المشترى وحده لان تحليف البائع لا يفيده شيئا حيث يرده عليه وكذلك لو كان المبيع مما يكال أو
يوزن فذهب بعضه فاختلفا فقال البائع للمشترى أنت أكلت وقال المشترى للبائع مثل ذلك أنه لا يقبل قول واحد
منهما على صاحبه ويجعل كأنه ذهب بعضه بآفة سماوية لما قلنا ويخير المشترى لتفرق الصفقة الا أن هناك ان اختار
248

الاخذ أخذ الباقي بما بقي من الثمن لان القدر في المكيل والموزون معقود عليه فكان له حصة من الثمن والأطراف من
الحيوان جارية مجرى الأوصاف فلا يقابلها الثمن الا إذا صارت مقصودة بالقبض أو بالجناية على ما بينا فيما تقدم
وذكر القدوري رحمه الله ههنا أيضا أنه يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه ويأخذ ولا اشكال ههنا في تحليف
المشترى لان التحليف مفيد في حقه لان البائع يدعى عليه كل الثمن وهو ينكر فيندفع عنه لزوم كل الثمن بالحلف فكان
مفيدا (وأما) تحليف البائع ففيه اشكال لان المشترى يدعى عليه سقوط بعض الثمن وذا حاصل له من غير تحليفه
فلم يكن تحليفه مفيدا في حقه فينبغي أن لا يحلف وان اختار الرد على البائع حلف المشترى وحده دون البائع لما قلنا فان
أقام أحدهما البينة قبلت بينته لأنها قامت على أمر جائز الوجود وان أقاما البينة فالبينة بينة البائع لأنها مثبتة الا ترى أنها
توجب دخول السلعة في ضمان المشترى وتقرر الثمن عليه وبينة المشترى نافية فالمثبتة أولى والله عز وجل أعلم (ومنها)
ثبوت حق الحبس للمبيع لاستيفاء الثمن وهذا عندنا وقال الشافعي رحمه الله في قول يسلمان معا وفى قول يسلم المبيع
أولا ثم يسلم الثمن أما قوله الأول فبناء على أصله الذي ذكرنا فيما تقدم وهو أن الثمن والمبيع من الأسماء المترادفة عنده
ويتعين كل واحد منهما بالتعيين فكان كل ثمن مبيعا وكل مبيع ثمنا (وأما) قوله الثاني وهو أن في تقديم تسليم المبيع
صيانة العقد عن الانفساخ بهلاك المبيع وليس ذلك في تقديم تسليم الثمن لأنه لو هلك المبيع قبل القبض ينفسخ العقد
وان قبض الثمن فكان تقديم تسليم المبيع أولى صيانة للعقد عن الانفساخ ما أمكن (ولنا) قوله عليه الصلاة
والسلام الدين مقضى وصف عليه الصلاة والسلام الدين بكونه مقضيا عاما أو مطلقا فلو تأخر تسليم الثمن عن تسليم
المبيع لم يكن هذا الدين مقضيا وهذا خلاف النص وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال ثلاث لا يؤخرن
الجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفأ والدين إذا وجدت ما يقضيه وتقديم تسليم المبيع تأخير الدين وانه
منفى بظاهر النص ولان المعاوضات مبناها على المساواة عادة وحقيقة ولا تتحقق المساواة الا بتقديم تسليم الثمن لأن المبيع
متعين قبل التسليم والثمن لا يتعين الا بالتسليم على أصلنا فلا بد من تسليمه أولا تحقيقا للمساواة وقوله فيما قلته
صيانة العقد عن الانفساخ بهلاك المبيع قلنا هلاكه قبل تسليم الثمن نادر والنادر ملحق بالعدم فيلزم اعتبار معنى
المساواة ثم الكلام في هذا الحكم في موضعين أحدهما في بيان شرط ثبوت هذا الحكم والثاني في بيان ما يبطل
به بعد ثبوته أما شرط ثبوته فشيئان أحدهما أن يكون أحد البدلين عينا والاخر دينا فإن كانا عينين أو دينين فلا
يثبت حق الحبس بل يسلمان معا لما ذكرنا فيما تقدم والثاني أن يكون الثمن حالا فإن كان مؤجلا لا يثبت حق الحبس
لأن ولاية الحبس تثبت حقا للبائع لطلبه المساواة عادة لما بينا ولما باع بثمن مؤجل فقد أسقط حق نفسه فبطلت الولاية
ولو كان الثمن مؤجلا في العقد فلم يقبض المشترى المبيع حتى حل الأجل فله أن يقبضه قبل نقد الثمن وليس للبائع
حق الحبس لأنه أسقط حق نفسه بالتأجيل والساقط متلاشى فلا يحتمل العود وكذلك لو طرأ الأجل على
العقد بأن أخر الثمن بعد العقد فلم يقبض البائع حتى حل الأجل له أن يقبضه قبل نقد الثمن ولا يملك البائع حبسه لما قلنا
ولو باع بثمن مؤجل فلم يقبض المشترى حتى حل الأجل هل له أجل آخر في المستقبل ينظر ان ذكرا أجلا مطلقا بأن
ذكرا سنة مطلقة غير معينة فله أجل آخر هو سنة أخرى من حين يقبض المبيع عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف
ومحمد الثمن حال وليس له أجل آخر وان ذكرا أجلا بعينه بأن باعه إلى رمضان فلم يقبضه المشترى حتى مضى رمضان
صار الثمن حالا بالاجماع (وجه) قولهما ان السنة المطلقة تنصرف إلى سنة تعقب العقد بلا فصل فإذا مضت انتهى
الأجل كما لو عين الأجل نصا ولأبي حنيفة رحمه الله ان الأصل في الثمن شرع نظرا للمشترى لينتفع بالمبيع في الحال
مع تأخير المطالبة بالثمن ولن يحصل هذا الغرض له الا وأن يكون اعتبار الأجل من وقت قبض المبيع فكان هذا تأجيلا
من هذا الوقت دلالة بخلاف ما إذا عين الأجل لأنه نص على تعينه فوجب اعتبار المنصوص عليه إذ لا دلالة مع
النص بخلافها ولو كان في البيع خيار الشرط لهما أو لأحدهما والأجل مطلق فابتداء الأجل من حين وجوب العقد
249

وهو وقت سقوط الخيار لا من حين وجوده لان تأجيل الثمن هو تأخيره عن وقت وجوبه ووقت وجوبه هو وقت
وجوب العقد وانبرامه لا قبله إذ لا وجوب للثمن قبله والله عز وجل أعلم (وأما) بيان ما يبطل به حق الحبس بعد
ثبوته وما لا يبطل فنقول وبالله التوفيق إذا أخر الثمن بعد العقد بطل حق الحبس لأنه أخر حق نفسه في قبض الثمن فلا
يتأخر حق المشترى في قبض المبيع وكذا المشترى إذا نقد الثمن كله أو أبرأه البائع عن كله بطل حق الحبس لان
حق الحبس لاستيفاء الثمن ولا ثمن محال ولو نقد الثمن كله الا درهما كان له حق حبس المبيع جميعه
لاستيفاء الباقي لأن المبيع في استحقاق الحبس بالثمن لا يتجزأ فكان كل المبيع محبوسا بكل جزء من أجزاء الثمن
وكذلك لو باع شيئين صفقة واحدة وسمى لكل واحد منهما ثمنا فنقد المشترى حصة أحدهما كان للبائع حبسهما حتى
يقبض حق الاخر لما قلنا ولان قبض أحدهما دون الآخر تفريق الصفقة الواحدة في حق القبض والمشترى
لا يملك تفريق الصفقة الواحدة في حق القبول بأن يقبل الايجاب في أحدهما دون الآخر فلا يملك التفريق في حق
القبض أيضا لان للقبض شبها بالعقد وكذلك لو أبرأه من حصة أحدهما فله حبس الكل لاستيفاء الباقي لما ذكرنا
وكذلك لو باع من اثنين فنقد أحدهما حصته كان له حق حبس المبيع حتى يقبض ما على الاخر وروى عن أبي
يوسف رحمه الله في النوادر انه إذا نقد أحدهما نصف الثمن يأخذ نصف المبيع (ووجهه) ان الواجب على كل
واحد منهما نصف الثمن فإذا أدى النصف فقد أدى ما وجب عليه فلا معنى لتوقف حقه في قبض المبيع على أداء
صاحبه ولأنه لو توقف وصاحبه مختار في الأداء قد يؤدى وقد لا يؤدى فيفوت حقه أصلا ورأسا وهذا لا يجوز
ولهذا جعل التخلية والتخلي تسليما وقبضا في الشرع على ما ذكرنا فيما تقدم (وجه) ظاهر الرواية على نحو ما ذكرنا ان
المبيع في حق الاستحقاق لحبس الثمن لا يحتمل التجزي فكان استحقاق بعضه استحقاق كله وما ذكرنا ان الصفقة
واحدة فلا تحتمل التفريق في البعض كما لا تحتمله في القبول فان غاب أحدهما لم يجبر الآخر على تسليم كل الثمن لان
الواجب على كل واحد منهما نصف الثمن لا كله فلا يؤاخذ بتسليم كله فان اختار الحاضر ذلك ونقد كل الثمن وقبض
المبيع هل يكون متبرعا فيما تقدم أم لا اختلف فيه قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله لا يكون متبرعا فيما نقد وله أن يحبسه
عن الشريك الغائب حتى يستوفى ما نقد عنه وقال أبو يوسف رحمه الله هو متبرع في حصته (وجه) قوله ظاهر
لأنه قضى دين غيره بغير امره فكان متبرعا كما في سائر الديون ولهما انه قضى دين صاحبه بأمره دلالة فلا يكون
متبرعا كما لو قضاه بأمره نصا ودلالة ذلك أنه لما غاب قبل نقد الثمن مع علمه ان صاحبه استحق قبض نصيبه من
المبيع بتسليم حصته من الثمن ولا يمكنه الوصول إليه الا بتسليم كل الثمن كان اذنا له بتسليم حصته من الثمن فكان قاضيا
دينه بأمره دلالة فلم يكن متطوعا وصار هذا كمن أعار ماله انسانا ليرهنه بدينه فرهن ثم افتكه الغير من مال نفسه
لا يكون متبرعا ويرجع على الراهن لان الراهن لما علم أنه علق مال الغير بدينه ولا يزول العلوق الا بانفكاكه فكان
اذنا له بالفكاك دلالة كذا هذا وله حق حبس العبد إلى أن يستوفى ما نقد عنه كما لو نقد بأمره نصا ولو أدى جميع الثمن
وقبض العبد ثم هلك في يده قبل الحبس يرجع على شريكه بنصف الثمن لأنه أدى عنه بأمره دلالة على ما ذكرنا والله
عز وجل أعلم والرهن بالثمن والكفالة به لا يبطلان حق الحبس لأنهما لا يسقطان الثمن عن ذمة المشتري ولا حق
المطالبة به فكانت الحاجة إلى تعيينه بالقبض قائمة فيبقى حق الحبس لاستيفائه (وأما) الحوالة بالثمن فهل تبطل
حق الحبس قال أبو يوسف تبطل سواء كانت الحوالة من المشترى بان أحال المشترى البائع بالثمن على إنسان وقبل
المحال عليه الحوالة أو من البائع بأن أحال البائع غريما له على المشترى وقال محمد إن كانت الحوالة من المشترى لا تبطل
وللبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفى الثمن من المحال عليه وإن كانت من البائع فإن كانت مطلقة لا تبطل أيضا وإن كان
ت مقيدة بما عليه تبطل فأبو يوسف أراد بقاء الحبس على بقاء الدين في ذمة المشتري وذمته برئت من دين
المحيل بالحوالة فيبطل حق الحبس ومحمد اعتبر بقاء حق المطالبة لبقاء حق الحبس وحق المطالبة لم يبطل بحوالة
250

المشترى ألا ترى ان له أن يطالب المحال عليه فلم يبطل حق الحبس وبطلت حوالة البائع إذا كانت مقيدة بما على
المحال عليه فبطل حق الحبس والصحيح اعتبار محمد لان حق الحبس في الشرع يدور مع حق المطالبة بالثمن لا مع
قيام الثمن في ذاته بدليل أن الثمن إذا كان مؤجلا لا يثبت حق الحبس والثمن في ذمة المشتري قائم وإنما سقطت المطالبة
دل ان حق الحبس يتبع حق المطالبة بالثمن لا قيام الثمن في ذاته وحق المطالبة في حوالة المشترى وحوالة البائع إذا
كانت مطلقة فكان حق الحبس ثابتا وفى حوالة البائع في البائع إذا كانت مقيدة ينقطع فلم ينقطع حق الحبس وعلى هذا
الخلاف إذا أحال الراهن المرتهن بدينه على رجل أو أحال المرتهن غريما له بدينه على الراهن حوالة مطلقة أو مقيدة انه
يبطل حق المرتهن في حق حبس الرهن عند أبي يوسف وعند محمد لا يبطل في حوالة الراهن وكذا في حوالة المرتهن
إذا كانت مطلقة وإن كانت مقيدة تبطل ولو أعار البائع المبيع للمشترى أو أودعه بطل حق الحبس حتى لا يملك
استرداده في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف انه لا يبطل وللبائع أن يسترده (وجه) هذا الرواية ان عقد
الإعارة والايداع ليس بعقد لازم فكان له ولاية الاسترداد كالمرتهن إذا أعار الرهن من الراهن أو أودعه إياه له أن
يسترده لما قلنا كذا هذا (وجه) ظاهر الرواية ان الإعارة والايداع أمانة في يد المشترى وهو لا يصلح نائبا عن
البائع في اليد لأنه أصل في الملك فكان أصلا في اليد فإذا وقعت العارية أو الوديعة في يده وقعت بجهة الأصالة وهي يد
الملك ويد الملك يد لازمة فلا يملك ابطالها بالاسترداد وبخلاف الرهن فان المرتهن في اليد الثابتة بعقد الرهن بمنزلة
الملك فيمكن تحقيق معنى الإنابة ويد النيابة لا تكون لازمة فملك الاسترداد ولو قبض المشترى المبيع باذن البائع بطل
حق الحبس حتى لا يملك الاسترداد لأنه أبطل حقه بالاذن بالقبض ولو قبض بغير اذنه لم يبطل وله أن يسترده لان
حق الانسان لا يجوز ابطاله عليه من غير رضاه ولو كان المشترى تصرف فيه نظر في ذلك إن كان تصرفا يحتمل الفسخ
كالبيع والهبة والرهن والإجارة والامهار فسخه واسترده لأنه تعلق به حقه وإن كان تصرفا يحتمل الفسخ
كالاعتاق والتدبير والاستيلاد لا يملك الاسترداد لان الاسترداد والإعارة إلى الحبس اما إن كان مع نقض هذه
التصرفات واما إن كان مع قيامها لا سبيل إلى الأول لأن هذه التصرفات لا تحتمل النقض ولا سبيل إلى الثاني لأنها
إذا بقيت كانت الإعادة إلى الحبس حبس الجزء من كل وجه أو من وجه دون وجه وكل ذلك لا يجوز فبطل حق
الحبس أصلا ولو نقد المشترى الثمن فوجده البائع زيوفا أو ستوقا أو مستحقا أو وجد بعضه كذلك فهذا لا يخلو اما أن
يكون المشترى قبض المبيع واما أن يكون لم يقبض فإن كان لم يقبضه كان له حق الحبس في الفصول كلها لأنه تبين انه
ما استوفى حقه وإن كان قبضه المشترى ينظر إن كان قبضه بغير اذن البائع فللبائع أن يسترده في الفصول كلها لما قلنا
وكذلك إن كان المشترى تصرف في المبيع فللبائع أن يفسخ تصرفه ويسترد المبيع الا إذا كان تصرفا لا يحتمل
الفسخ فلا يفسخ ويطالب المشترى بالثمن فلو نقد المشترى الثمن قبل أن يفسخ التصرف الذي يحتمل الفسخ لا يفسخ
لأنه لما نقد الثمن فقد بطل حقه في الحبس فبطل حق الفسخ والاسترداد وإن كان قبضه باذن البائع ينظر ان وجده
زيوفا فردها لا يملك استرداد المبيع عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر له ان يسترد وهو قول أبى يوسف (وجه) قول زفر ان
البائع ما رضى بزوال حق الحبس الا بوصول حقه إليه وحقه في الثمن السليم لا في المعيب فإذا وجده معيبا فلم يسلم له
حقه فكان له أن يسترد المبيع حتى يستوفى حقه كالراهن إذا قضى دين المرتهن وقبض الرهن ثم إن المرتهن وجد
المقبوض زيوفا كان له أن يرده ويسترد الرهن لما قلنا كذا هذا (ولنا) أن البائع يسلم المبيع بعد استيفاء جنس
حقه فلا يملك الاسترداد بعد ما استوفى حقه ودلالة ذلك أن الزيوف جنس حقه من حيث الأصل وإنما الفائت صفة
الجودة بدليل انه لو تجوز به في الصرف والسلم جاز ولو لم يكن من جنس حقه لما جاز لأنه يكون استبدالا ببدل الصرف
والسلم وانه لا يجوز وإذا كان المقبوض جنس حقه فتسلم المبيع بعد استيفاء جنس الحق يمنع من الاسترداد بخلاف
الرهن لان الارتهان استيفاء لحقه من الرهن والافتكاك ايفاء من مال آخر فإذا وجد زيوفا تبين انه ما استوفى حقه
251

فكان له ولاية الاسترداد والدليل على التفرقة بين الرهن والبيع انه لو أعار المبيع المشترى بطل حق الحبس حتى
لا يملك استرداده ولو أعار المرهون الراهن لا يبطل حق الحبس وله أن يسترده فان وجده ستوقا أو رصاصا أو مستحقا
وأخذ منه له أن يرد بخلاف الزيوف لان البائع إنما أذن للمشترى بالقبض على أنه استوفى حقه وتبين انه لم يستوف
أصلا ورأسا لان الستوق والرصاص ليسا من جنس حقه ألا ترى انه لو تجوز بها في الصرف والسلم لا يجوز وإن كان
الاذن بالقبض على تقدير استيفاء الحق وقد تبين انه لم يستوف فتبين انه لم يكن آذنا له بالقبض ولا راضيا به فكان له
ولاية الاسترداد ولو كان المشترى تصرف فيه فلا سبيل للبائع عليه سواء كان تصرفا يحتمل الفسخ كالبيع والرهن
والإجارة ونحوها أو لا يكون كالاعتاق ونحوه بخلاف ما إذا قبضه بغير اذن البائع قبل نقد الثمن وتصرف فيه تصرفا
يحتمل الفسخ انه يفسخ ويسترد لان هناك لم يوجد الاذن بالقبض فكن التصرف في المبيع ابطالا لحقه فيرد عليه
إذا كان محتملا للرد وههنا وجد الاذن بالقبض فكان تصرف المشترى حاصلا عن تسليط البائع فنفذ وبطل حقه
في الاسترداد كالمقبوض على وجه البيع الفاسد إذا تصرف فيه المشترى انه يبطل حق البائع في الفسخ الا أن في البيع
الفاسد إذا أجر المبيع تفسخ الإجارة وههنا لا تفسخ لان الإجارة تفسخ بالعذر وقد تحقق العذر في البيع الفاسد لأنه
مستحق الفسخ حقا للشرع دفعا للفساد فجعل استحقاق الفسخ بسبب الفساد عذرا في فسخ الإجارة ولا فساد ههنا
فلا عذر في الفسخ ولو كان مكان البيع كتابة فادى المكاتب بدل الكتابة فعتق ثم وجد المولى المقبوض
زيوفا أو مستحقا فالعتق ماض فان وجده ستوقا أو رصاصا لا يعتق لما ذكرنا أن الزيوف من جنس حقه فصار
بقبضها قابضا أصل حقه وكذا قبض الدراهم المستحقة وقع صحيحا ظاهر أو احتمال الإجازة بعد ظهور الاستحقاق
ثابت أيضا والعتق بعد ثبوته ظاهرا لا يحتمل الفسخ بخلاف ما إذا وجدها ستوقا أو رصاصا لان ذلك ليس من جنس
حق أصلا ورأسا فلم يوجد أو أبدل الكتابة فلا يعتق يحقق الفرق بينهما إذا حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفى حقه
فقبض ثم وجد المقبوض بعد الافتراق زيوفا أو مستحقا فرد الزيوف أو أخذ المالك المستحقة بر في يمينه وان وجده
ستوقا أو رصاصا حنث في يمينه والله عز وجل أعلم ولو قبض المشترى المبيع باذن البائع ثم أفلس أو مات قبل نقد
الثمن أو بعد ما نقد منه شيئا وعليه ديون لأناس شتى هل يكون البائع أحق به من سائر الغرماء اختلف فيه قال
أصحابنا لا يكون له بل الغرماء كلهم أسوة فيه فيباع ويقسم ثمنه بينهم بالحصص وقال الشافعي رحمه الله البائع أحق به
وان لم يكن قبضه حتى أفلس أو مات فإن كان الثمن مؤجلا فهو على هذا الاختلاف وإن كان حالا فالبائع أحق
به بالاجماع احتج الشافعي بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أفلس المشترى فوجد البائع متاعه
عنده فهو أحق به وهذا نص في الباب ولان العجز عن تسليم المبيع يوجب حق الفسخ للمشترى بالاجماع فان من
باع عبدا فأبق قبل القبض أو غصب أو كانت دابة فضلت للمشترى ان يفسخ البيع والعجز عن تسليم الثمن يوجب
الفسخ للبائع أيضا لان البيع عقد معاوضة ومبنى المعاوضات على المساواة (ولنا) ما روى عن النبي عليه الصلاة
والسلام أنه قال من باع بيعا فوجده وقد أفلس الرجل فهو ماله بين غرمائه وهذا نص وهو عين مذهبنا ولان البائع لم
يكن له حق حبس المبيع حال كون المشترى حيا مليا فلا يكون أحق بثمنه بعد موته وافلاسه لان الثمن بدل المبيع قائم
مقامه واعتبار الثمن بالمبيع غير سديد لان بينهما مفارقة في الأحكام ألا ترى ان ملك المبيع شرط جواز العقد وملك
الثمن ليس بشرط فإنه لو اشترى شيئا بدراهم لا يملكها جاز ولو باع شيئا لا يملكه لا يجوز وكذا لا يجوز التصرف في
المبيع المنقول قبل القبض والتصرف في الثمن قبل القبض جائز وغير ذلك من الأحكام فكان اعتبار الثمن بالمبيع
على الاطلاق فاسد والحديث محمول على ما إذا قبض المبيع بغير اذن البائع وعندنا البائع أحق به في هذه الحالة الا أنه
ذكر الافلاس وإن كان حق الاسترداد لا يتقيد به لان الملئ يتمكن من دفع الاسترداد بنقد الثمن والمفلس لا يتمكن
من ذلك فكان ذكر الافلاس مفيدا فحملناه على ما قلنا توفيقا بين الدلائل والله عز وجل الموفق (ومنها) وجوب
252

الاستبراء في شراء الجارية وجملة الكلام فيه ان الاستبراء نوعان نوع هو مندوب ونوع هو واجب (أما)
المندوب إليه فهو استبراء البائع إذا وطئ جارية وأراد أن يبيعها أو يخرجها عن ملكه بوجه من الوجوه عند عامة العلماء
وقال مالك رحمه الله هو واجب (وجه) قوله أنه يحتمل شغل الرحم بماء البائع فيلزمه التعرف عن ذلك بالاستبراء
كما في جانب المشترى (ولنا) أن سبب الوجوب لم يوجد في حق البائع على ما نذكر والاعتبار بالمشترى غير سديد
لان الوجوب عليه لصيانة مائه عن الاختلاط بماء البائع والخلط يحصل بفعل المشترى لا بفعل البائع فتجب
الصيانة عليه بالاستبراء لا على البائع الا انه يندب إليه لتوهم اشتغال رحمها بمائه فيكون البيع قبل الاستبراء مباشرة
شرط الاختلاط فكان الاستبراء مستحبا وكذا إذا وطئ أمته أو مدبرته أو أم ولده ثم أراد أن يزوجها من غيره
يستحب أن لا يفعل حتى يستبرئها لما قلنا وإذا زوجها قبل الاستبراء أو بعده فللزوج أن يطأها من غير استبراء وقال
محمد رحمه الله أحب إلى أن يستبرئها بحيضة ولست أوجبه عليه وكذلك الرجل إذا رأى امرأة تزني ثم تزوجها له أن
يطأها من غير استبراء وقال محمد أحب إلى أن لا يطأها حتى يستبرئها ويعلم فراغ رحمها والله عز وجل أعلم (وأما)
الاستبراء الواجب فهو استبراء المشترى وكل من حدث له حل الاستمتاع بالجارية بحدوث ملك اليمين مطلقا
والكلام فيه في مواضع في بيان وجوب هذا النوع من الاستبراء وفي بيان سبب وجوبه وفي بيان ما يقع به
الاستبراء (أما) الأول فالأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في سبايا أوطاس ألا
لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة والنص الوارد في السبي يكون واردا في سائر أسباب
الملك دلالة ولان الاستبراء طلب براءة الرحم وانه واجب على المشترى لان به يقع الصيانة عن الخلط والخلط حرام
لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره والصيانة
عن الحرام تكون واجبة ولا تقع الصيانة الا بالاستبراء فيكون واجبا ضرورة فلا يحل له وطؤها قبل الاستبراء
ولا أن يلمسها بشهوة أو ينظر إلى فرجها عن شهوة لان كل ذلك داع إلى الوطئ والوطئ إذا حرم حرم بدواعيه
كما في باب الظهار وغيره بخلاف الحائض حيث لم تحرم الدواعي منها لان المحرم هناك ليس هو الوطئ بل استعمال
الأذى والوطئ حرام لغيره وهو استعمال ولا يجوز ذلك في الدواعي فلا يجوز والله عز وجل أعلم (وأما)
سبب وجوبه فهو حدوث حل الاستمتاع بحدوث ملك اليمين مطلقا يعنى به ملك الرقبة واليد باي سبب
حدث الملك من الشراء والسبي والصدقة والهبة والإرث ونحوها فلا يجب الاستبراء على البائع لانعدام السبب
وهو حدوث الحل ويجب على المشترى لوجود سببه سواء كان بائعه ممن يطأ أو ممن لا يطأ كالمرأة والصبي
الذي لا يعقل سواء كانت الجارية بكرا أو ثيبا في ظاهر الرواية لما قلنا وروى عن أبي يوسف انه إذا علم
المشترى انها لم توطأ لا يجب الاستبراء لان الاستبراء طلب براءة الرحم وفراغها عما يشغلها ورحم البكر برية فارغة عن الشغل فلا معنى لطلب البراءة والفراغ (والجواب) أن الوقوف على حقيقة الشغل والفراغ متعذر
فتعلق الحكم بالسبب الظاهر وهو حدوث حل الاستمتاع بحدوث ملك اليمين مطلقا قد وجد ولا يجب على من
حرم عليه فرج أمته بعارض الحيض والنفاس والردة والكتابة والتزويج إذا زالت هذه العوارض بان طهرت
وأسلمت وعجزت فطلقها الزوج قبل الدخول بها لان حل الاستمتاع لم يحدث بل كان ثابتا لكن منع منه لغيره
وقد زال بزوال العوارض وكذا لم يحدث ملك اليمين فلم يوجد السبب ولا يجب بشراء جارية لا يحل فرجها بملك
اليمين بان وطئها أبوه أو ابنه أو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها لا بشهوة أو كان هو وطئ أمها أو ابنتها أو نظر إلى فرجها عن
شهوة أو كانت مرتدة أو مجوسية ونحو ذلك من الفروج التي لا تحل بملك اليمين لان فائدة الاستبراء التمكن من
الاستمتاع بعد حصول انعدام مانع معين منه وهو اختلاط الماءين والاستبراء في هذه المواضع لا يفيد
التمكن من الاستمتاع لوجود مانع آخر وهو ان المحل لا يحتمل الحل ولا يجب على العبد والمكاتب والمدبر لانعدام
253

حدوث حل الاستمتاع بملك اليمين لعدم الملك لهم قال النبي عليه الصلاة والسلام لا يتسرى العبد ولا يسريه مولاه ولا
يملك العبد ولا المكاتب شيئا الا الطلان ولو اشترى جارية من عبده المأذون ينظر ان لم يكن على العبد دين أصلا أو
عليه دين غير مستغرق لا يجب عليه ان يستبرئها إذا كانت حاضت عند العبد ويجتزى بتلك الحيضة لان كسب
المأذون الذي لا دين عليه أو عليه دين غير مستغرق ملك المولى فقد حاضت في ملك نفسه فيجتزى بها عن الاستبراء
وإن كان عليه دين مستغرق رقبته وكسبه يجب عليه الاستبراء عند أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما
الله لا يجب عليه بناء على أن المولى كسب عبده المأذون المديون دينا مستغرقا عنده وعندهما يملكه ولو تبايعا
بيعا صحيحا ثم تقايلا فإن كانت الإقالة قبل القبض فالقياس ان يجب الاستبراء على البائع وهو رواية أبى يوسف عن
أبي حنيفة رحمهما الله وفى الاستحسان لا يجب وهو رواية محمد عن أبي حنيفة رحمهما الله وهو قول أبى يوسف ومحمد
رحمهما الله (وجه) القياس أنه وجد سبب الوجوب في حقه وهو حدوث حل الاستمتاع بحدوث ملك اليمين
حقيقة وانكار الحقائق مكابرة (وجه) الاستحسان ان الإقالة قبل القبض فسخ والفسخ رفع من الأصل وإعادة
إلى قديم الملك كأنه لم يزل عن ملك البائع فلم يوجد السبب مع ما ان الملك قبل القبض غير متأكد والتأكيد اثبات من
وجه فلم يتكامل الملك للمشترى فلم يحدث ملك اليمين للبائع على الاطلاق فلم يتكامل السبب وإن كانت الإقالة بعد
القبض يجب (أما) عند أبي يوسف فلان الإقالة بيع جديد فكانت استحداثا للملك مطلقا (وأما) عند أبي
حنيفة ومحمد رحمهما الله وإن كانت فسخا لكن في حق العاقدين فاما في حق ثالث فبيع جديد والاستبراء يجب حقا
للشرع فاعتبر حق الشرع ثالثا في حق وجوب الاستبراء احتياطا ولو رد الجارية بعيب أو خيار رؤية يجب
الاستبراء على البائع لوجود السبب وهو حدوث حل الاستمتاع بحدوث ملك اليمين لان خيار الرؤية وخيار العيب
لا يمنع ثبوت الملك للمشترى (وأما) الرد بخيار الشرط فينظر فيه إن كان الخيار للبائع فلا يجب الاستبراء بالاجماع لان
خياره لا يمنع زوال السلعة عن ملكه فلم يوجد حدوث حل الاستمتاع بحدوث ملك اليمين وإن كان الخيار للمشترى
لا يجب الاستبراء على البائع عند أبي حنيفة رحمه الله سواء كان الرد قبل القبض أو بعده بناء على أن خيار المشترى يمنع
دخول السلعة في ملكه عند أبي حنيفة وإذا لم تدخل في ملك المشتري وان خرجت عن ملك البائع فلأنها لم تخرج
وبقيت على ملكه فلم يوجد سبب الوجوب (وأما) عندهما فإن كان الرد قبل القبض فالقياس أن يجب لأنها زالت
عن ملك البائع ودخلت في ملك المشتري فإذا ردت عليه فقد وجد سبب الوجوب في حق البائع وفى الاستحسان
لا يجب لان الرد قبل القبض فسخ محض ورفع للعقد من الأصل كأنه لم يكن وإن كان بعد القبض يجب الاستبراء قياسا
واستحسانا لأنها دخلت في ملك المشتري وإن كان المبيع فاسدا ففسخ وردت الجارية إلى البائع فإن كان قبل
القبض فلا استبراء على البائع لأنها على ملكه فلم يحدث له الحل وإن كان بعده فعليه الاستبراء بالاجماع لوجود السبب
ولو أسر العدو الجارية ثم عادت إلى المالك فإن كان قبل الاحراز بدار الحرب فلا استبراء على المالك لانعدام
السبب وهو حدوث الحل بحدوث الملك وإن كان بعد الاحراز بدارهم وجب لوجود السبب ولو أبقت من دار
الاسلام إلى دار الحرب وأخذها الكفار ثم عادت إلى صاحبها بوجه من الوجوه فلا استبراء عليه عند أبي حنيفة
لأنهم لم يملكوها فلم يوجد السبب وعندهما عليه الاستبراء لأنهم ملكوها لوجود السبب ولو اشترى جارية مع غيره
فلا استبراء عليهما لانعدام السبب وهو حدوث الحل إذ لا تحل لأحدهما ولو اشترى جارية ولها زوج فقبضها
وطلقها الزوج قبل الدخول بها فلا استبراء على المشترى لأنه لم يوجد السبب وهو حدوث حل الاستمتاع بحدوث
ملك اليمين وقت الشراء لقيام فراش الزوج وبعد زوال الفراش لم يحدث سبب حدوث الحل وهو ملك اليمين وذكر
الكرخي رحمه الله ان على قول أبى يوسف يجب الاستبراء على المشترى ومن هذا استخرجوا لاسقاط الاستبراء
حيلة وهي أن يزوج البائع الجارية ممن يجوز له نكاحها ولم يكن تحته حرة ونحو ذلك من الشرائط ثم يبيعها ويسلمها إلى
254

المشترى ثم يطلقها الزوج قبل الدخول بها فتحل للمشترى من غير استبراء وان طلقها الزوج قبل القبض ثم قبضها
المشترى لا يحل له وطؤها حتى يستبرئها وحيلة أخرى لاسقاط الاستبراء أن يزوجها البائع من المشترى قبل الشراء
والمشترى ممن يجوز له نكاحها بان لم يكن تحته حرة ونحو ذلك ثم يشتريها فيفسد النكاح ويحل له وطؤها من غير استبراء
وهذا الوجه الثاني أولى لأنه يسقط عنه جميع المهر وفى الوجه الأول على الزوج المطلق نصف المهر للبائع فيحتاج إلى
ابرائه عنه ولو كانت الجارية في عدة من زوجها عدة طلاق أو عدة وفاة فاشتراها وقبضها ثم انقضت عدتها فلا استبراء
عليه لان قيام العدة بمنزلة قيام النكاح ولو كانت منكوحة فطلقها قبل الدخول بها لم يجب الاستبراء كذا هذا وعلى ما
ذكره الكرخي رحمه الله على قول أبى يوسف يجب الاستبراء فان انقضت عدتها قبل القبض لم يعتد بذلك ولا تحل له
حتى يستبرئها بعد القبض بحيضة أخرى في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف أنه يعتد بذلك كما يعتد بالحيضة قبل
القبض عنده وعلى هذا يخرج عدم وجوب الاستبراء في النكاح حتى أن من تزوج جارية فللزوج أن يطأها من غير
استبراء لان السبب لم يوجد وهو حدوث حل الاستمتاع بملك اليمين وقال محمد أحب إلى أن يستبرئها بحيضة ولست
أوجبها عليه وذكر الكرخي رحمه الله وقال لا استبراء عليه في قول أبي حنيفة رضي الله عنه وقال أبو يوسف استبرأ بها
الزوج استحسانا (وجه) قول أبى يوسف ان المعنى الذي له وجب الاستبراء في ملك اليمين موجود في ملك النكاح
وهو التعرف عن براءة الرحم فوجب الاستبراء في الملكين ولأبي حنيفة أن جواز نكاحها دليل براءة رحمها شرعا فلا
حاجة إلى التعرف بالاستبراء وما ذكره محمد نوع احتياط وهو حسن وعلى هذا يخرج ما إذا اشترى جارية فلم يقبضها
حتى حاضت في يد البائع حيضة أنه لا يجتزى بها في الاستبراء في ظاهر الرواية حتى لو قبضها لا تحل له حتى يستبرئها
بحيضة أخرى لأنه لم يحدث له حل الاستمتاع قبل القبض ولا حدث له ملك اليمين على الاطلاق لانعدام اليد وهذا
لان الملك قبل القبض غير متأكد والتأكد اثبات من وجه فكان له حكم العدم من وجه فلم يجب به الاستبراء وروى عن أبي
يوسف أنه يجتزى بها ولا استبراء لان الحيضة قبل القبض تصلح دليلا على فراغ رحمها فحصل المقصود من
الاستبراء فيكتفى بها (وأما) بيان ما يقع به الاستبراء فنقول وبالله التوفيق الجارية في الأصل لا يخلو اما إن كانت
ممن تحيض واما إن كانت ممن لا تحيض فإن كانت ممن تحيض فاستبراؤها بحيضة واحدة عند عامة العلماء وعامة
الصحابة رضي الله عنهم وعن معاوية رضي الله عنه ان استبراءها بحيضتين لان الاستبراء أخت العدة وعدتها
حيضتان والصحيح قول العامة لما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في سبايا أوطاس ألا لا توطأ الحبالى
حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة والفعلة للمرة والتقدير الشرعي يمنع من الزيادة عليه الا بدليل ولان ما
شرع له الاستبراء وهو حصول العلم بطهارة الرحم يحصل بحيضة واحدة فكان ينبغي أن لا يشترط العدد في باب العدة
أيضاء الا أنا عرفنا ذلك نصا بخلاف القياس فيقتصر على مورد النص وإن كانت ممن لا تحيض فلا يخلو اما إن كانت
لا تحيض لصغر أو لكبر واما إن كانت لا تحيض لعلة وهي الممتد طهرها (واما) إن كانت لا تحيض لحبل فإن كانت
لا تحيض لصغر أو لكبر فاستبراؤها بشهر واحد لان الأشهر أقيمت مقام الأقراء في حق الآيسة والصغيرة في العدة
فكذا في باب الاستبراء وإن كانت لا تحيض لعلة فقد اختلفوا فيه قال أبو حنيفة عليه الرحمة لا يطؤها حق يعلم أنها غير
حامل ولم يوقت في ذلك وقتا وقال أبو يوسف يستبرئها بثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وعن محمد روايتان في رواية قال
يستبرئها بشهرين خمسة أيام عدة الإماء وفى رواية قال يستبرئها بأربعة أشهر وعشر مدة عدة الحرائر وقال زفر يستبرئها
بسنتين لان الولد الموجود في البطن لا يبقى أكثر من سنتين فإذا مضت سنتان ولم يظهر بها حمل علم أنها غير حامل ويحتمل
أن يكون هذا تفسير قول أبي حنيفة لا يطؤها حتى يعلم أنها غير حامل هو اختيار الطحاوي ويحتمل أن يكون ما قاله أبو
يوسف تفسيرا لقوله لأنها مدة يعلم فيها أنها ليست بحامل لان الحبل يظهر في مثل هذه المدة لو كان لظهور آثاره من انتفاخ
البطن وغير ذلك فيدل عدم الظهور على براءة رحمها وإن كانت لا تحيض لحبل بها فاستبراؤها بوضع الحمل بعد القبض
255

لان وضع الحمل في الدلالة على فراغ رحمها فوق الحيضة فإذا وضعت حملها حل له أن يستمتع بها فيها سوى الجماع
ما دامت في نفاسها كما في الحائض فان وضعت حملها قبل القبض ثم قبضها لا يطؤها حتى يستبرئها ولا يجتزى بوضع الحمل
قبل القبض كما يجتزى بالحيضة قبل القبض وعلى قياس ما روى عن أبي يوسف يجتزى به كما يجتزى بالحيضة قبل
القبض والله عز وجل أعلم ثم ما ذكرنا من الحكم الأصلي للبيع وما يجرى مجرى التوابع للحكم الأصلي كما يثبت في المبيع
يثبت في زوائد المبيع عندنا وعند الشافعي رحمه الله لا يثبت شئ من ذلك في الزوائد والكلام فيه مبنى على أصل وهو
أن زوائد المبيع عندنا سواء كانت منفصلة أو متصلة متولدة من الأصل أو غير متولدة منه الا الهبة والصدقة
والكسب وعنده ليست بمبيعة أصلا وإنما تملك بملك الأصل لا بالبيع السابق (وجه) قول الشافعي رحمه الله في
اثبات هذا الأصل ان المبيع ما أضيف إليه البيع ولم توجد الإضافة إلى الزوائد لكونها منعدمة عند البيع فلا تكون
مبيعة ولهذا لم يكن الكسب مبيعا ولأن المبيع ما يقابله ثمن إذ البيع مقابلة المبيع بالثمن والزيادة لا يقابلها ثمن لان كل
الثمن مقابل بالأصل فلم تكن كالكسب ولهذا لم تجز الزيادة عنده في المبيع والثمن (ولنا) ان المبيع ما يثبت فيه
الحكم الأصلي للبيع والحكم الأصلي للبيع يثبت في الزوائد بالبيع السابق فكانت مبيعة وبيان ذلك ان الحكم الأصلي
للبيع هو الملك والزوائد مملوكة بلا خلاف والدليل على أنها مملوكة بالبيع السابق ان البيع السابق أوجب الملك في
الأصل ومتى ثبت الملك في الأصل ثبت في التبع فكان ملك الزيادة بواسطة ملك الأصل مضافا إلى البيع السابق
فكانت الزيادة مبيعة ولكن تبعا لثبوت الحكم الأصلي فيها تبعا وعلى هذا الأصل مسائل بيننا وبين الشافعي رحمه
الله (منها) ان للبائع حق حبس الزوائد لاستيفاء الثمن كما له حق حبس الأصل عندنا وعنده ليس له أن يحبس الزوائد
(ومنها) ان البائع إذا أتلف الزيادة سقطت حصتها من الثمن عن المشترى عندنا كما لو أتلف جزأ من المبيع وعنده
لا يسقط شئ من الثمن وعليه ضمانها كما لو أتلفها أجنبي ولا خيار للمشترى عند أبي حنيفة وعندهما يثبت على ما مر
وكذا إذا أتلف الأرش أو العقر قبل القبض عندنا لأنه بدل الجزء الفائت فكان حكمه حكم الجزء ولو هلكت الزيادة
بآفة سماوية لا يسقط شئ من الثمن بالاجماع وإن كانت مبيعة عندنا لأنها مبيعة تبعا بمنزلة أطراف الام لا مقصودا
والأطراف كالأوصاف لا يقابلها شئ من الثمن الا ان تصير مقصودة بالفعل من القبض أو الجناية ولم يوجد ولا خيار
للمشترى لان الصفقة لم تتفرق عليه لأن العقد ما أضيف إليها وإنما يثبت حكم العقد فيها تبعا فلا يثبت الخيار الا في ولد
الجارية إذا هلك قبل القبض بآفة سماوية قانه يثبت الخيار للمشترى لا لهلاك الزيادة بل لحدوث نقصان في الام
بسبب الولادة وكذا لا خيار بحدوث زيادة ما قبل القبض الا في ولد الجارية لأجل نقصان الام بالولادة لا لحدوث
الزيادة (ومنها) ان المشترى إذا قبض الزوائد يصير لها حصة من الثمن بالقبض عندنا فيقسم الثمن على قيمة الأصل يوم
العقد وعلى قيمة الزيادة يوم القبض حتى لو اطلع المشترى على عيب بالأصل يرد بحصته من الثمن لا بجميع الثمن
عندنا وعنده لا حصة للزيادة من الثمن بحال وعند ظهور العيب بالأصل يرد بكل الثمن ولا يكون بإزاء الزيادة شئ وكذا
إذا وجد بالزيادة عيبا يردها بحصتها من الثمن وعنده لا يردها بالعيب أصلا وكذا المشترى إذا أتلف الزيادة قبل القبض
يصير لها حصة من الثمن عندنا لأنه صار قابضا له بالاتلاف وبالقبض يصير لها حصة من الثمن على ما ذكرنا وعنده
لا حصة لها من الثمن بحال ولو هلك الأصل وبقيت الزيادة يبقى العقد في قدر الزيادة عندنا ويصير لها حصة من الثمن
فينقسم الثمن على الأصل يوم العقد وعلى الزيادة يوم الهلاك فيبطل ملك الثمن بقدر قيمة الأصل ويبقى بحصة الزيادة
بخلاف ما إذا هلك قبل حدوث الزيادة حيث ينفسخ العقد أصلا ورأسا ويسقط كل الثمن لان هناك لا فائدة
في بقاء العقد إذ لو بقي لطلب البائع من المشترى الثمن فيطلب المشترى منه تسليم المبيع ولا يمكنه تسليمه فينفسخ
ضرورة لانعدام فائدة البقاء وإذا بقيت الزيادة كان في بقاء العقد في الزيادة فائدة لامكان تسليمها فبقي العقد فيها وصار
لها حصة من الثمن فينقسم على الأصل والزيادة على ما ذكرنا وعنده إذا هلك الأصل انفسخ العقد أصلا ورأسا (ومنها)
256

انه إذا أتلفها أجنبي وضمنها بلا خلاف فالمشترى بالخيار عندنا ان شاء اختار الفسخ ويرجع البائع على الجاني بضمان
الجناية وان شاء اختار المبيع واتبع الجاني بالضمان وعليه جميع الثمن كما لو أتلف الأصل وعنده عليه الضمان ولا خيار
للمشترى (ومنها) إذا اشترى نخلا بكر من تمر فلم يقبض النخل حتى أثمر النخل كرا فقبض النخل مع الكر الحادث
لا يطيب الكر وعليه ان يتصدق به عندنا لان التمر الحادث عندنا زيادة متولدة من المبيع فكان مبيعا وله عند القبض
حصة من الثمن كما لغيره من الزوائد والثمر من جنسه زيادة عليه فلو قسم على النخل والكر الحادث يصير ربا فيفسد
البيع في الكر الحادث ولا يفسد في النخل بخلاف ما إذا باع نخلا وكرا من تمر بكر من تمر ان العقد يفسد في التمر والنخل
جميعا لان هناك الربا دخل في القعد باشتراطهما وصنعهما لان بعض المبيع مال الربا وهو التمر والتمر مقسوم عليها
فيتحقق الربا وادخال الربا في العقد يفسد العقد كله وههنا البيع كان صحيحا في الأصل لان الثمن خلاف جنس المبيع
وهو النخل وحده الا انه لما زاد بعد العقد صار مبيعا في حال البقاء لا بصنعهما فيفسد في الكر الحادث ويقتصر الفساد
عليه (ومنها) إذا اشترى عبدا بألف درهم يساوى ألفين فقتل قبل القبض فاختار البيع واتباع الجاني فأخذ قيمته
ألفين يتصدق بالألف الزائد عندنا لأنه ربح ما لم يضمن وعنده لا يتصدق بشئ والله عز وجل أعلم (ومنها) إذا غصب
كر حنطة فابتلت في يد الغاصب وانتفخت حتى صارت كرا ونصف كر ضمن للمالك كرا مثله فإنه يملك ذلك الكر
ونصف الكر عندنا لكن يتصدق بنصف الكر الزائد وطاب له ما بقي لان الملك عندنا يثبت من وقت الغصب
بالضمان والزيادة بالانتفاخ حصلت بعد ذلك فتعتبر بالزيادة المتولدة وعند الشافعي رحمه الله في هذا الفصل يرد الكل
لان المضمونات عنده لا تملك بالضمان (ومنها) ان الزوائد الحادثة بعد القبض مبيعة أيضا عندنا حتى لو وجد المشترى
بالأصل عيبا فالزيادة تمنع الرد والفسخ بالعيب وبسائر أسباب الفسخ على ما نذكره في خيار العيب في بيان الأسباب
المانعة من الرد بالعيب إن شاء الله تعالى وعنده ليست بمبيعة في أي حال حدثت ولا تمنع رد الأصل بالعيب بكل الثمن
ولو اشترى أرضا فيها أشجار مثمرة فإن كان عليها ثمر وسماه حتى دخل في البيع فالثمر له حصة من الثمن بلا خلاف
حتى لو كانت قيمة الأرض خمسمائة وقيمة الشحر خمسمائة وقيمة والثمر كذلك فان الثمن يقسم على الكل أثلاثا
بالاجماع لان الكل معقود عليه مقصودا لورود فعل العقد على الكل فإن كان للثمر حصة من الثمن حتى لو هلك بآفة
سماوية أو بفعل البائع بأن أكله يسقط عن المشترى ثلث الثمن وله الخيار ان شاء أخذ الأرض والشجر بثلثي الثمن
وان شاء ترك لان الثمن لما كان مبيعا مقصودا بهلاكه تفرقت الصفقة على المشترى قبل التمام فيثبت الخيار وان لم
يكن الثمر موجودا وقت العقد وحدث بعده قبل القبض فأكله البائع فقد صار له حصة من الثمن عندنا لصيرورته مبيعا
مقصورا بالاتلاف على ما بينا لكن الكلام في كيفية أخذ الحصة فاختلف أصحابنا فيها قال أبو حنيفة ومحمد يأخذ
الحصة من الشجر والأرض جميعا فيقسم الثمن على الشجر والأرض والثمر أثلاثا فيسقط ثلث الثمن باتلاف البائع
وقال أبو يوسف يأخذ الحصة من الشجر خاصة فيقسم الثمن على قيمة الأرض والشجر ثم ما أصاب الشجر يقسم
عليه يوم العقد وعلى قيمة الثمر يوم الاتلاف فيسقط بيانه إذا كانت قيمة الأرض ألفا وقيمة الأشجار ألفا وقيمة
الثمر كذلك فأكل البائع الثمن قبل القبض يسقط عن المشترى ثلث الثمن عندهما ويأخذ الأرض والأشجار بثلثي
الثمن ولا خيار له عند أبي حنيفة خاصة وعند محمد له الخيار ان شاء أخذ الأرض والشجر بثلثي القيمة وان شاء ترك
وعند أبي يوسف يسقط عن المشترى ربع الثمن فيقسم الثمن على الأشجار والأرض نصفين ثم ما أصاب الشجر
يقسم عليه وعلى الثمر نصفين فكان حصة الثمر ربع الثمن فيسقط ذلك كله وله الخيار ان شاء أخذ الأرض والشجر
بثلاثة أرباع الثمن وان شاء ترك (وجه) قول أبى يوسف ان الثمر تابع للشجر لان الثمر متولد منها فيأخذ الحصة
منها كما لو اشترى جارية مع ولدها فولدت مع ولدها ولدا آخر فالولد الثاني يكون له حصة من الولد الأول ولهما ان
الشجر تابع للأرض في البيع بدليل انه يدخل في الأرض من غير تسمية ولو هلكت بعد ما دخلت قبل القبض
257

لا يسقط شئ من الثمن دل انها تابعة وما كان تابعا لغيره في حكم لا يستتبع غيره في ذلك الحكم فكان نظير مسئلتنا ما لو
اشترى جارية فولدت ولدا قبل القبض ثم ولد ولدها ولدا لا يكون للولد الثاني حصة من الولد الأول لان الأول في
نفسه تابع فلا يستتبع غيره كذا ههنا والله عز وجل أعلم ويتصل بما ذكرنا الزيادة في المبيع والثمن والحط عن الثمن
والكلام فيهما في ثلاثة مواضع أحدها في أصل الجواز انهما جائزان أم لا والثاني في شرائط الجواز والثالث في
كيفية الجواز (أما) الأول فقد اختلف العلماء فيه قال أصحابنا الثلاثة الزيادة في المبيع والثمن جائزة مبيعا وثمنا كأن
العقد ورد على المزيد عليه والزيادة جميعا من الابتداء وقال زفر لا تجوز الزيادة مبيعا وثمنا ولكن تكون هبة مبتدأة فان
قبضها صارت ملكا له والا تبطل وأظهر أقوال الشافعي رحمه الله مثل قولنا إن كان في مجلس العقد وإن كان بعد الافتراق
فقوله مثل قول زفر وصورة المسألة إذا اشترى رجل عبدا بألف ودرهم وقال المشترى زدتك خمسمائة أخرى ثمنا وقبل
البائع أو قال البائع زدتك هذا العبد الآخر أو قال هذا الثوب مبيعا وقبل المشترى جازت الزيادة كان الثمن في الأصل
ألف وخمسمائة والمبيع في الأصل عبدان أو عبد وثوب سواء كان ذلك قبل القبض أو بعده وكذلك إذا اشترى عبدين
بألف درهم ثم زاد المشترى في الثمن مائة درهم جازت الزيادة كان الثمن في الأصل ألف ومائة تنقسم الزيادة على
قيمتهما وكذلك لو كان لعبد ثمن مسمى أو كان لكل واحد منهما ثمن مسمى وزاد المشترى في الثمن مائة مطلقا انقسمت
الزيادة على قدر القيمتين وعلى هذا الخلاف الزيادة في القيمتين من الوارثين بعد موت العاقدين لان الوارث خلف
المورث في ملكه القائم بعد موته ألا ترى أنه يرد بالعيب ويرد عليه كان الوارث حي قائم فزاد وعلى هذا الخلاف
الزيادة من الوكيل لأنه ينصرف بتولية مستفادة من قبل الموكل وأما الموكل وأما الزيادة من الأجنبي فلا شك ان عندهما لا تجوز
وأما عندنا فان زاد بأمر العاقد جاز لأنه وكيله في الزيادة وان زاد بغير أمره وقفت الزيادة على اجازته ان أجاز جازت
وان رد بطلت الا أن يضمن الزائد الزيادة فيجوز ولا يتوقف على إجازة العاقد وان لم يحصل للأجنبي بمقابلة الزيادة
شئ وعلى هذا قالوا فيمن اشترى عبدا بألف درهم على أن خمسمائة سوى الألف على رجل ضمنه وقبل فالعبد
للمشترى والخمسمائة على الثالث من غير أن يستحق شيئا بالخمسمائة وذكر في الجامع الصغير إذا قال الرجل بع هذه الدار
من فلان بألف درهم على أنى ضامن لك من الثمن خمسمائة ان البيع على هذا الشرط صحيح والخمسمائة على الأجنبي
ولو قال على أنى ضامن لك خمسمائة ولم يقل من الثمن كان باطلا لا يلزمه شئ وعلى هذا الخلاف الزيادة في المهر
المسمى في النكاح وأما الزيادة في المنكوحة بالمهر الأول فلا تجوز بالاجماع وعلى هذا الخلاف الزيادة في رأس
مال السلم وأما الزيادة في المسلم فيه فلا تجوز بالاجماع وعلى هذا الخلاف الزيادة في الرهن وأما الزيادة في الدين فلا
تجوز عند أبي حنيفة ومحمد استحسانا وعند أبي يوسف جائز قياسا والفرق لأبي حنيفة ومحمد بين الزيادة في الرهن
وبين الزيادة في الدين نذكره في كتاب الرهن وعلى هذا الخلاف حط بعض الثمن أنه جائز عندنا ويلتحق بأصل
العقد والثمن هذا القدر من الابتداء حتى أن المبيع إذا كان دارا فالشفيع يأخذها بالشفعة بما بقي بعد الحط وعندهما
هو هبة مبتدأة الا أن قيام الدين عليه أو كونه قابلا لاستئناف العقد ليس بشرط لصحة الحط بلا خلاف بين أصحابنا
وفى الزيادة خلاف نذكره إن شاء الله تعالى (وجه) قول زفر والشافعي رحمهما الله ان الثمن والمبيع من الأسماء
الإضافية المتقابلة فلا يتصور مبيع بلا ثمن ولا ثمن بلا مبيع فالقول بجواز المبيع والثمن مبيعا وثمنا قول بوجود المبيع
ولا ثمن والثمن ولا مبيع لأن المبيع اسم لمال يقابل ملك المشتري وهو الثمن والثمن اسم لمال يقابل ملك البائع وهو
المبيع فالزيادة من البائع لو صحت مبيعا لا تقابل ملك المشتري بل تقابل ملك نفسه لأنه ملك جميع الثمن ولو صحت من
المشترى ثمنا لا تقابل ملك البائع بل تقابل ملك نفسه لأنه ملك جميع المبيع فلا تكون الزيادة مبيعا وثمنا لانعدام حقيقة
المبيع والثمن فيجعل منه هبة مبتدأة ولان كل المبيع لما صار مقابلا بكل الثمن وكل الثمن مقابل بكل المبيع فالزيادة
لو صحت مبيعا وثمنا لخلت عما يقابله فكانت فضل مال خال عن العوض في عقد المعاوضة وهذا تفسير الربا (ولنا)
258

في الزيادة في المهر قوله تعالى فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة أي من بعد
تلك الفريضة لان النكرة إذا أعيدت معرفة يراد بالثاني غير الأول أمر الله سبحانه وتعالى بايتاء المهور المسماة في
النكاح وأزال الجناح في الزيادة على المسمى لان ما يتراضاه الزوجان بعد التسمية هو الزيادة في المهر فيدل على جواز
الزيادة وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال للوازن زن وأرجح فانا معاشر الأنبياء هكذا نزن وهذا زيادة
في الثمن وقد ندب عليه الصلاة والسلام إليها بالقول والفعل وأقل أحوال المندوب إليه الجواز وروى عن النبي
عليه الصلاة والسلام أنه قال المسلمون عند شروطهم فظاهره يقتضى لزوم الوفاء لكل شرط الا ما خص بدليل لأنه
يقتضى أن يكون كل مسلم عند شرطه وإنما يكون كذلك إذا لزمه الوفاء به وإنما يلزمه إذا صحت الزيادة مبيعا وثمنا فاما
إذا كانت هبة مبتدأة فلا يلزمه الوفاء لان العاقدين أوقعا الزيادة مبيعا وثمنا كما لو تبايعا ابتداء وهذا لان الأصل ان
تصرف الانسان يقع على الوجه الذي أوقعه إذا كان أهلا للتصرف والمحل قابلا وله ولاية عليه وقد وجد وقولهما ان
الثمن اسم لمال يقابل ملك البائع والمبيع اسم لمال يقابل ملك المشتري قلنا هذا ممنوع بل الثمن اسم لما أزال المشترى
ملكه ويده عنه بمقابلة مال أزال البائع ملكه ويده عنه فيملك كل واحد منهما المال الذي كان ملك صاحبه بعد
زوال ملكه عنه شرعا على ما عرف ثم نقول ما ذكراه حد المبيع والثمن بطريق الحقيقة والزيادة في المبيع والثمن
مبيع وثمن من حيث الصورة والتسمية ربح بطريق الحقيقة لان الربح حقيقة ما يملك بعقد المعاوضة لا بمقابلة ما هو
مال حقيقة بل من حيث الصورة والتسمية والزيادة ههنا كذلك فكانت ربحا حقيقة فكان من شرطها أن لا تكون
مقابلة بملك البائع الا تسمية وشرط الشئ كيف يمنع صحته على أنه أمكن تحقيق معنى المقابلة والزيادة لان الموجب
الأصلي في البيع هو قيمة المبيع وهو ماليته لان البيع معاوضة بطريق المعادلة عرفا وحقيقة والمقابلة عند التساوي في
المالية ولهذا لو فسدت التسمية تجب القيمة عندنا والثمن تقدير لمالية المبيع باتفاق العاقدين وإذا زاد في المبيع أو الثمن
علم أيهما أخطأ في التقدير وغلط فيه وما هو الموجب الأصلي قد ثبت بالبيع فإذا بينا التقدير كان ذلك بيانا للموجب
الأصلي الا أنه ابتداء ايجاب فكان عوضا عن ملك العين لا عن ملك نفسه وهذا الكلام في المهر أغلب لان الموجب
الأصلي فيه هو مهر المثل على ما عرفت على أنه إن كان لا يمكن تحقيق معنى المقابلة مع بقاء العقد على حاله يمكن تحقيقه مع
تغيير العقد من حيث الوصف بأن يجعل الألف بعد الزيادة بمقابلة نصف العبد ليخلو النصف عن الثمن فتجعل الألف
الزيادة بمقابلة النصف الخالي وهذا وإن كان تغييرا ولكنهما قصدا تصحيح التصرف ولا صحة الا بالتغيير ولهما
ولاية التغيير ألا ترى ان لهما ولاية الفسخ وانه فوق التغيير أولى لان الفسخ رفع الأصل والوصف والتغيير تبديل الوصف
مع بقاء أصل العقد فلما ثبت لهما ولاية الفسخ فولاية التغيير ولهما حاجة إلى التغيير لدفع الغبن أو لمقصود آخر فمتى
اتفقا على الزيادة وقصد الصحة ولا صحة الا بهذا الشرط يثبت هذا الشرط مقتضى تصرفهما تصحيحا له كما في قول
الرجل لغيره أعتق عبدك عنى بألف درهم وأما شرائط الجواز فمنها القبول من الآخر حتى لو زاد أحدهما ولم يقبل
الآخر لم تصح الزيادة (ومنها) المجلس حتى لو افترقا قبل القبول بطلت الزيادة لان الزيادة في المبيع والثمن ايجاب
البيع فيهما فلا بد من القبول في المحلس كما في أصل الثمن والمبيع وأما الحط فلا يشترط له المجلس ولا القبول لأنه
تصر ف في الثمن بالاسقاط والابراء عن بعضه فيصح من غير قبول الا أنه يرتد بالرد كالابراء عن الثمن كله وأما كون
الزيادة والمزيد عليه من غير أموال الربا فهل هو شرط لصحة الزيادة ثمنا ومبيعا وكذا كون الحط من غير أموال الربا
هل هو شرط لصحته حطا وهل يؤثران في فساد العقد على قول أبي حنيفة ليس بشرط ويؤثران فيه وعلى قول أبى
يوسف شرط فيبطلان ولا يؤثران في العقد وعلى قول محمد شرط في الزيادة لا في الحط على ما نذكر ولا يشترط قبض
المبيع والثمن لصحة الزيادة فتصح الزيادة سواء كانت قبل قبض المبيع والثمن أو بعده وكذلك الحط لان دليل جواز
الزيادة والحط لا يوجب الفصل وأما قيام البيع وقت الزيادة فهل هو شرط لصحة الزيادة ذكر في الجامع الكبير انه
259

شرط ولم يذكر الخلاف وروى أبو يوسف ومحمد عن أبي حنيفة رحمهم الله في غير رواية الأصول انه ليس بشرط
عنده حتى لو هلك المبيع في يد المشترى أو استهلكه أو أعتقه أو دبره أو استولدها أو كان عصيرا فتخمر أو أخرجه
المشترى عن ملكه جازت الزيادة عنده وعندهما لا تجوز (وجه) قولهما ان الزيادة تصرف في العقد بالتغيير والعقد
منعدم حقيقة الا أنه يعطي له حكم القيام لقيام أثره وهو الملك ولم يبق بهلاك العين حقيقة أو حكما فلم يبق العقد حقيقة وحكما
فلا يحتمل التغيير بالزيادة لان الزيادة تثبت عندنا بطريق الاستناد والمستند يثبت للحال ثم يستد فلا بد وأن يجعل شيئا
من المبيع بمقابلة الزيادة للحال ولا يتصور ذلك بعد هلاك المبيع فلا يحتمل الاستناد ولان الزيادة لابد وأن يكون لها
حصة ولا يتحقق ذلك بعد الهلاك ولأبي حنيفة ما ذكرنا ان الزيادة في الثمن والمبيع لا تستدعى المقابلة لأنها ربح في
الحقيقة وإن كانت مبيعا وثمنا صورة وتسمية ومن شأن الربح أن لا يقابله شئ فلا يكون قيام المبيع شرطا لصحتها وقوله
العقد منعدم عند الزيادة قلنا الزيادة عندنا تجعل كالموجود عند العقد والعقد عند وجوده يحتمل التغيير إن كانت الزيادة
تغييرا على أنا لا نسلم ان قيام البيع شرط لبقاء البيع فان البيع بعد هلاك المبيع يحتمل الانتقاض في الجملة بالرد بالعيب
فان المشترى إذا اطلع على عيب كان به قبل الهلاك يرجع عليه بالنقصان والرجوع بالنقصان فسخ للبيع في قدر الفائت
بالعيب بعد هلاكه وهلاك جميع المعقود عليه دل ان العقد يجوز أن يبقى بعد هلاك المعقود عليه في الجملة إذا كان في بقائه
فائدة وههنا في بقائه فائدة فيبقى في حقه كما في حق الرجوع بنقصان العيب وعلى هذا الخلاف الزيادة في مهر المرأة
بعد موتها انها جائزة عندنا وعنده لا تجوز ولو اشترى عبدا بجارية وتقابضا ثم مات أحدهما ثم زاد أحدهما صاحبه
جازت الزيادة عند أبي حنيفة وأبى يوسف أما عند أبي حنيفة رحمه الله فظاهر لان هلاك المبيع عنده لا يمنع الزيادة
وأما عند أبي يوسف فلأنهما تبايعا عينا بعين والعقد عنده إذا وقع على عين بعين فهلاك أحد العينين لا يمنع صحة الإقالة
فلا يمنع صحة الزيادة ولو كان المبيع قائما لكن قطع رجل يده عند المشترى فاخذ أرشها ثم زاد المشترى في الثمن
شيا جازت الزيادة (أما) عند أبي حنيفة فظاهر لان هلاك جميع المعقود عليه لا يمنع الزيادة فهلاك البعض
أولى (وأما) عندهما فلان المعقود عليه قائم فكان العقد قائما فكان محتملا للتغيير بالزيادة ولو رهن المبيع أو آجره
ثم زاد المشترى في الثمن جازت الزيادة بلا خلاف بين أصحابنا على اختلاف الأصلين على ما ذكرنا وقال محمد لو اشترى
جارية وقبضها فماتت في يده وزاد البائع المشترى جارية أخرى فالزيادة جائزة لان زيادة المبيع تثبت بمقابلة الثمن
والثمن قائم ولو زاد المشترى البائع لم يجز لان زيادة الثمن تثبت مقابلة بالمبيع وأنه هالك وهذا على قياس قولهما ان قيام
المبيع شرط لجواز الزيادة فهلاكه يكون مانعا أما على أصل أبي حنيفة فالزيادة في الحالين جائزة لان قيام لمبيع عنده
ليس بشرط لصحة الزيادة فلا يكون هلاكه مانعا والله عز وجل أعلم (وأما) قيام المعقود عليه فليس بشرط لصحة
الحط بالاجماع (أما) عند أبي حنيفة فظاهر لأنه ليس بشرط لصحة الزيادة فالحط أولى (وأما) عندهما فلانه
ليس من شرط صحة الحط أن يلتحق بأصل العقد لا محالة ألا ترى أنه يصح الحط عن جميع الثمن فلا يلتحق إذ لو التحق
لعرى العقد عن الثمن فلم يلتحق واعتبر حطا للحال ولان الحط ليس تصرف مقابلة ليشترط له قيام المحل القابل بل هو
تصرف في الثمن باسقاط شطره فلا يراعى له قيام المعقود عليه بخلاف الزيادة فلذلك اختلفا ثم الزيادة مع الحط يختلفان
في حكم آخر وهو أن الزيادة تنقسم على قدر قيمة البيع والحط لا ينقسم كما لو اشترى عبدين من رجل بألف درهم
وزاده المشترى مائة درهم فان الزيادة تنقسم على قدر قيمتهما سواء اشترى ولم يسم لكل واحد منهما ثمنا أو سمى وان
حط البائع عن المشترى مائة درهم كان الحط نصفين وإنما كان كذلك لان الثمن يقابل المبيع فإذا زاد في ثمن المبيعين
مطلقا فلا بد وان تقابلهما الزيادة كأصل الثمن والمقابلة في غير أموال الربا تقتضي الانفساخ من حيث القيمة
حكما للمعاوضة والمزاحمة كمقابلة أصل الثمن على ما بينا فيما تقدم بخلاف الحط فإنه لا تعلق له بالمبيع لأنه تصرف في
المبيع خاصة باسقاط بعضه فإذا حط من ثمنهما مطلقا فقد سوى بينهما في الحط فكان الحط بينهما نصفين وإن كان
260

ثمن أحدهما أكثر ولا يلتفت إلى زيادة قدر الثمن لان الحط غير مقابل بالثمن حتى تعتبر قيمة القدر والله عز وجل
أعلم (وأما) كيفية الجواز فالزيادة في المبيع والثمن عندنا تلتحق بأصل العقد كان العقد من الابتداء ورد على
الأصل والزيادة جميعا إذا لم يتضمن الالتحاق فساد أصل العقد بلا خلاف بين أصحابنا وكذلك الحط فاما إذا
تضمن ذلك بأن كانت الزيادة في الأموال الربوية فهل يلتحق به ويفسده أم لا يلتحق به وكذلك الحط اختلف
أصحابنا في ذلك قال أبو حنيفة رضي الله عنه الزيادة والحط يلتحقان بأصل العقد ويفسدانه وقال أبو يوسف
يبطلانه ولا يلتحقان بأصل وأصل العقد صحيح على حاله وقال محمد الزيادة باطلة والعقد على حاله والحط جائز هبة
مبتدأة وهذا بناء على أصل ذكرناه فيما تقدم ان الشرط الفاسد المتأخر عن العقد الصحيح إذا ألحق به هل يلتحق به
ويؤثر في فساده أم لا وهو على الاختلاف الذي ذكرنا ان الزيادة بمنزلة شرط فاسد متأخر عن العقد الصحيح ألحق
به فأبو يوسف يقول لا تصح الزيادة والحط في أموال الربا لان ذلك لو صح لالتحق بأصل العقد ولو التحق بأصل العقد
لأوجب فساد أصل العقد لتحقق الربا فلم يصح فبقي أصل العقد صحيحا كما كان محمد يقول لا تصح الزيادة لما قاله
أبو يوسف فلم تؤثر في أصل العقد فبقي على حاله ويصح الحط لان الالتحاق من لوازم الزيادة فما ما ليس من لوازم
الزيادة فلا يصح الحط على ما ذكرنا فيما تقدم وأبو حنيفة يقول الزيادة والحط صحيحان زيادة وحطا لان العاقدين
أوقعاهما زيادة وحطا ولهما ولاية ذلك فيقعان زيادة وحطا ومن شأن الزيادة والحط الالتحاق بأصل العقد فيلتحقان به
فكانت الزيادة والحط ولهما ابطالا للعقد السابق ولهما ولاية الابطال بالفسخ وكذا بالزيادة والحط والله عز وجل أعلم
(وأما) البيع الذي فيه خيار فلا يمكن معرفة حكمه الا بعد معرفة أنواع الخيارات فنقول وبالله التوفيق الخيارات نوعان
نوع يثبت شرطا ونوع يثبت شرعا لا شرطا والشرط لا يخلو اما أن يثبت نصا واما أن يثبت دلالة (أما) الخيار الثابت
بالشرط فنوعان أحدهما يسمى خيار التعيين والثاني خيار الشرط (أما) خيار التعيين فالكلام فيه في جواز البيع الذي
فيه خيار التعيين قد ذكرناه في موضعه وإنما الحاجة ههنا إلى بيان حكم هذا البيع والى بيان صفة الحكم والى بيان ما يبطل
به الخيار بعد ثبوته ويلزم (أما) الأول فحكمه ثبوت الملك للمشترى في أحد المذكورين غير عين وخيار التعيين إليه
عرف ذلك بنص كلامهما حيث قال البائع بعت منك أحد هذين الثوبين أو هذين العبدين أو الدابتين أو غيرهما من
الأشياء المتفاوتة على أن تأخذ أيهما شئت وقبل المشترى وهذا يوجب ثبوت الملك للمشترى في أحدهما وثبوت
خيار التعيين له والآخر يكون ملك البائع أمانة في يده إذا قبضه لأنه قبضه بإذن المالك لا على وجه التمليك ولا على وجه
الثبوت فكان أمانة وليس للمشترى أن يأخذهما جميعا لأن المبيع أحدهما ولو هلك أحدهما قبل القبض لا يبطل
البيع لأنه يحتمل أن يكون الهالك هو المبيع فيبطل البيع بهلاكه ويحتمل أن يكون غيره فلا يبطل والبيع قد صح
بيقين ووقع في بطلانه فلا يبطل بالشك ولكن المشترى بالخيار ان شاء أخذ الباقي بثمنه وان شاء ترك لأن المبيع
قد تغير قبل القبض بالتعيين فيوجب الخيار وكذلك لو كان اشترى أحد الأثواب الثلاثة فهلك واحد منها وبقى اثنان
لا يبطل لما قلنا وللمشتري أن يأخذ أيهما شاء لان المالك إذا لم يعين المبيع كان المبيع أحد الباقين فكان له أن
يأخذ أيهما شاء وله أن يتركهما كما لو اشترى أحدهما من الابتداء ولو هلك الكل قبل القبض بطل البيع لأن المبيع قد
هلك بيقين فيبطل البيع والله عز وجل أعلم (وأما) صفة هذا الحكم فهو ان الملك الثابت بهذا البيع قبل الاختيار ملك
غير لازم وللمشتري أن يردهما جميعا لان خيار التعيين يمنع لزوم العقد كخيار العيب وخيار الرؤية فيمنع لزوم الملك
لكان محتملا للفسخ وهذا لأن جواز هذا النوع من البيع إنما يثبت بتعامل الناس لحاجتهم إلى ذلك لما بينا فيما تقدم
ولا تنعدم حاجتهم الا بعد اللزوم لأنه عسى لا يوافقه كلاهما جميعا فيحتاج إلى ردهما (وأما) بيان ما به الخيار ويلزم
البيع فيقول وبالله التوفيق ما يبطل به الخيار ويلزم البيع في الأصل نوعان اختياري وضروري والاختياري نوعان
أحدهما صريح الاختيار وما يجرى مجرى الصريح والثاني الاختيار من طريق الدلالة (أما) الصريح فهو أن يقول
261

اخترت هذا الثوب أو شئته أو رضيت به أو اخترته وما يجرى هذا المجرى لأنه لما اختار أحدهما فقد عين ملكه فيه
فيسقط خيار التعيين ولزم البيع (وأما) الاختيار من طريق الدلالة فهو أن يوجد منه فعل في أحدهما يدل على تعيين
الملك فيه وهو كل تصرف هو دليل اختيار الملك في الشراء بشرط الخيار وسيذكر ذلك في البيع بشرط الخيار إن شاء الله
تعالى ولو تصرف البائع في أحدهما فتصرفه موقوف ان تعين ما تصرف فيه للبيع لم ينفذ تصرفه لأنه تبين انه تصرف
في ملك غيره وان تعين ما تصرف فيه للأمانة نفذ بصرفه لأنه ظهر انه تصرف في ملك نفسه فينفذ (وأما) الضروري
فنحو أن يهلك أحدهما بعد القبض فيبطل الخيار لان الهالك منها تعين للبيع ولزمه ثمنه وتعين الآخر الأمانة لان
أحدهما مبيع والآخر أمانة والأمانة منهما مستحق الرد على البائع وقد خرج الهالك عن احتمال الرد فيه فتعين الباقي
للرد فتعين الهالك للبيع ضرورة ولو هلكا جميعا قبل القبض فلا يخلو اما ان هلكا على التعاقب واما ان هلكا معا فان
هلكا على التعاقب فالأول يهلك مبيعا والآخر أمانة لما ذكرنا وان هلكا معا لزمه ثمن نصف كل واحد منها لأنه ليس
أحدهما بالتعيين أولى من الآخر فشاع البيع فيهما جميعا ولو هلكا على التعاقب لكنهما اختلفا في ترتيب الهلاك
فإن كان ثمنهما متساويا فلا فائدة في هذا الاختلاف لان أيهما هلك أولا فثمن الآخر مثله فلا يقيد الاختلاف وإن كان
متفاوتا بأن كان ثمن أحدهما أكثر فادعى البائع هلاك أكثرهما ثمنا وادعى المشترى هلاك أقلهما ثمنا كان أبو
يوسف أولا يقول يتحالفان وأيهما نكل لزمه دعوى صاحبه وان حلفا جميعا يجعل كأنهما هلكا معا ويلزمه ثمن
نصف كل واحد منهما ثم رجع وقال القول قال المشترى مع يمينه وهو قول محمد لأنهما اتفقا على أصل الدين واختلفا
في قدره والأصل ان الاختلاف متى وقع بين صاحب الدين وبين المديون في قدر الدين أو في جنسه أو نوعه أو صفته
كان القول قال المديون مع يمينه لان صاحب الدين يدعى زيادة وهو ينكر فكان القول قوله مع يمينه لأنه
صاحب الدين وأيهما أقام البينة قبلت بينته وسقطت اليمين وان أقاما البينة فالبينة بينة البائع لأنها تظهر زيادة ولو
تعيب أحدهما فإن كان قبل القبض لا يتعين المعيب للبيع لان التعيين لم يوجد لا نصا ولا دلالة ولا ضرورة إلى التعيين
أيضا لامكان الرد والمشترى على خياره وان شاء أخذ المعيب منهما وان شاء أخذ الآخر وان شاء تركهما كما لو لم
يتعيب أصلا فان أخذ المعيب منهما أخذه بجميع ثمنه لأنه تبين انه هو المبيع من الأصل وكذلك لو تعيبا جميعا فالمشترى
على خياره لما قلنا وإن كان بعد القبض تعين المعيب للبيع ولزمه ثمنه وتعين الآخر للأمانة كما إذا هلك أحدهما بعد
القبض لان تعيب المبيع هلاك بعضه فلهذا منع الرد ولزم البيع في المبيع المعين فكذا في غير المعين يمنع الرد وتعين
المبيع ولو تعيبا جميعا فإن كان على التعاقب تعين الأول للبيع ولزمه ثمنه ويرد الاخر لما قلنا ولا يغرم بحدوث العيب
شيئا لما قلنا إنه أمانة وان تعيبا معا لا يتعين أحدهما للبيع لأنه ليس أحدهما بالتعيين أولى من الآخر وللمشتري أن
يأخذ أيهما شاء بثمنه لأنه إذا لم يتعين أحدهما للبيع بقي المشترى على خياره الا انه ليس له أن يردهما جميعا لان البيع
قد لزم في أحدهما بتعيينهما في يد المشترى وبطل خيار الشرط وهذا يؤيد قول من يقول من المشايخ ان هذا البيع
فيه خياران خيار التعيين وخيار الشرط ولا بد له من رتبة معلومة إذ لو لم يكن لملك ردهما جميعا كما لو لم يتعيب أحدهما
أصلا لكنه لم يملك لان ردهما جميعا قبل التعييب ثبت حكما لخيار الشرط وقد بطل خيار الشرط بعد تعينهما معا فلم
يملك ردهما وبقى خيار التعيين فيملك رد أحدهما ولو ازداد عيب أحدهما أو حدث معه غيره لزمه ذلك لأن عدم
التعيين للمزاحمة وقد بطلت بزيادة عيب أحدهما أو حدوث عيب آخر معه ولا يبطل هذا الخيار بموت المشترى
بل يورث بخلاف خيار الشرط لان خيار التعيين إنما يثبت للمورث لثبوت الملك له في أحدهما غير عين وقد قام
الوارث مقامه في ذلك الملك فله أن يختار أيهما شاء دون الآخر الا انه ليس له أن يردهما جميعا وقد كان للمورث ذلك
وهذا يؤيد قول أولئك المشايخ انه لابد من خيارين في هذا البيع وقد بطل أحدهما وهو خيار الشرط بالموت لأنه
لا يورث على أصل أصحابنا فبطل الحكم المختص به وهو ولاية ردهما جميعا هذا إذا اشترى أحدهما شراء صحيحا
262

(فاما) إذا اشترى أحدهما شراء فاسدا بأن قال البائع بعت منك أحد هذين العبدين بكذا ولم يذكر الخيار أصلا فان
المشترى لا يملك واحدا منهما قبل القبض لان البيع الفاسد لا يفيد الملك قبل القبض فان قبضهما ملك أحدهما ملكا
فاسدا وأيهما هلك لزمته قيمته لأنه تعين للبيع والبيع الفاسد يوجب الملك بالقيمة ولو هلكا فإن كان على التعاقب
لزمته قيمة الهالك الأول لأنه تعين للبيع وانه بيع فاسد فيفيد الملك بالقيمة وان هلكا معا لزمه نصف قيمة كل واحد
منهما لأنه ليس أحدهما بتعيينه للبيع أولى من الآخر فشاع البيع فيهما ولو تعيب أحدهما فعليه أن يردهما جميعا اما
غير المعيب فلانه أمانة وأما المعيب فلانه تعين للبيع والمشترى شراء فاسد واجب الرد فيردهما ويرد معهما نصف
نقصان العيب لان المتعيب يحتمل أن يكون هو المبيع فيجب نقصان العيب ويحتمل أن يكون هو الأمانة فلا يجب
شئ ولا دلالة على التعيين فيتنصف الواجب ولو تعيب الآخر بعد ذلك وكذا الجواب في نقصان الاخر لان
أحدهما أمانة والاخر مضمون بالقيمة ولو تعيبا معا فكذلك يردهما مع نصف نقصان كل واحد منهما لان أحدهما
ليس بأولى من الاخر في التعيين للبيع ولو تصرف المشترى في أحدهما يجوز تصرفه فيه ولزمته قيمته ولا يجوز
تصرفه في الآخر بعد ذلك لان المتصرف فيه تعين للبيع ولو تصرف البائع في أحدهما فتصرفه موقوف ان رد ذلك
عليه نفذ تصرفه فيه لأنه تبين انه تصرف في ملك نفسه وان لم يرد عليه وتصرف فيه المشترى نفذ تصرفه فيه ولزمته قيمته
وبطل تصرف البائع فيه وكذلك إذا هلك في يد المشترى والأصل ان في كل موضع يلزم المشترى الثمن في البيع
الصحيح تلزمه القيمة في البيع الفاسد والله عز وجل أعلم هذا إذا كان الخيار للمشترى أما إذا كان الخيار للبائع فلا
يزول أحدهما عن ملكه بنفس البيع وله أن يلزم المشترى أن ثوب شاء قبضه للخيار وليس للمشترى خيار الترك
لان البيع بات في جانبه وللبائع أن يفسخ البيع لأنه غير لازم وليس للبائع أن يلزمهما المشترى لأن المبيع أحدهما ولو
هلك أحدهما قبل القبض لا يبطل البيع ويهلك أمانة لما ذكرنا في خيار المشترى وخيار البائع على حاله ان شاء ألزم
المشترى الباقي منهما لأنه تعين للبيع وان شاء فسخ البيع فيه لأنه غير لازم وليس له أن يلزمه الهالك لأنه هلك أمانة وان
هلكا جميعا قبل القبض بطل البيع بهلاك المبيع قبل القبض بيقين وان هلك أحدهما بعد القبض كان الهالك أمانة
أيضا كما لو هلك قبل القبض والزمه الباقي منهما ان شاء وان شاء فسخ البيع فيه لان خيار البائع يمنع زوال السلعة عن
ملكه فيهلك على ملك البائع وله الخيار لما قلنا. وان هلكا جميعا فإن كان هلاكهما على التعاقب فالأول يهلك أمانة
وعليه قيمة أخرهما هلاكا لأنه تعين للبيع انه مبيع هلك في يد المشترى وفيه خيار للبائع فتجب قيمته وان هلكا معا
لزمه نصف قيمة كل واحد منهما لأنه ليس أحدهما بالتعيين أولى من الآخر ولو تعيب أحدهما أو تعيبا معا قبل
القبض أو بعده فخيار البائع عل حاله لان المعيب لم يتعين للعيب لانعدام المعين فكان البائع على خياره له أن يلزم المشترى
أيهما شاء كما قبل التعيب ثم إذا لزمه أحدهما ينظر إن كان ذلك غير المتعيب منهما لزمه ما لزمه ولا خيار للمشترى في
تركه لانعدام التعيين فيه وإن كان ما لزمه هو المتعيب فان تعيب قبل القبض فالمشترى بالخيار لأن المبيع قد تغير قبل
القبض وتغير المبيع قبل القبض يوجب الخيار للمشترى وان تعيب بعد القبض فلا خيار له لان التعين بعد القبض
لا يثبت الخيار وان شاء البائع فسخ البيع واستردهما لان البيع غير لازم فله ولاية الفسخ ثم ينظر إن كان تعيبهما في يد
البائع فلا شئ له لأنهما تعيبا لا في ضمان المشترى وإن كان تعيبهما في يد المشترى فللبائع أن يأخذ من المشترى نصف
نقصان كل واحد منهما لان أحدهما مضمون عنده بالقيمة والآخر عنده أمانة ولا يعلم أحدهما من الآخر ولا يجوز
للمشترى أن يتصرف فيهما أو في أحدهما لان أحدهما ليس بمبيع بيقين والآخر مبيع لكن لبائعه فيه خيار وخيار
البائع يمنع زوال المبيع عن ملكه ولو تصرف البائع في أحدهما جاز تصرفه فيه ويتعين الآخر للبيع وله خيار الالزام
فيه والفسخ ولو تصرف فيهما جميعا جاز تصرفه فيهما ويكون فسخا للبيع لان تصرفه فيهما دليل اقرار الملك فيهما
فيضمن فسخ البيع كما في المبيع المعين والله عز وجل أعلم (واما) خيار الشرط فالكلام في جواز البيع بشرط الخيار
263

وشرائه قد مر في موضعه وإنما الحاجة ههنا إلى بيان صفة هذا البيع والى بيان حكمه والى بيان ما يسقط به الخيار ويلزم
البيع والى بيان ما ينفسخ به البيع (اما) صفته فهي انه بيع غير لازم لان الخيار يمنع لزوم الصفقة قال سيدنا عمر
رضي الله عنه البيع صفقة أو خيار ولان الخيار هو التخيير بين البيع والإجازة وهذا يمنع اللزوم كخيار العيب وخيار
الرؤية ثم الخيار كما يمنع لزوم الصفقة فعدم القبض يمنع تمام الصفقة لان الثابت بنفس البيع ملك غير متأكد وإنما
التأكد بالقبض وعلى هذا يخرج ما إذا كان المبيع شيئا واحد أو أشياء انه ليس لمن له الخيار أن يجيز البيع في البعض
دون البعض من غير رضا الآخر سواء كان الخيار للبائع أو للمشترى وسواء كان البيع مقبوضا أو غير مقبوض لان
الإجازة في البعض دون البعض تفريق الصفقة في اللزوم وكما لا يجوز تفريق أصل الصفقة وهو الايجاب والقبول
الا برضا العاقدين بان يقبل البيع في بعض المبيع دون البعض بعد إضافة الايجاب والقبول إلى الجملة ويوجب البيع بعد
إضافة القبول إلى جملته لا يجوز في وصفها وهو ان يلزم البيع في البعض دون البعض الا برضاهما ولو هلك أحد
العبدين في يد البائع والخيار له لم يكن له أن يجيز البيع في الباقي الا برضا المشترى لان البيع انفسخ في قدر الهالك فالإجازة
في الباقي تكون تفريق الصفقة على المشترى فلا يجوز من غير رضاه ولو هلك أحدهما في يد المشترى فللبائع أن يجيز
البيع في الباقي في قياس قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله ينتقض البيع وليس له أن يجيز
البيع في الباقي وإن كان المبيع مما له مثل من المكيل والموزون والعددي المتقارب فهلك بعضه فللبائع أن يجيز البيع في
الباقي بلا خلاف (وجه) قول محمد ان الإجازة ههنا بمنزلة انشاء التمليك لان خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه
فكان للإجازة حكم الانشاء والهالك منهما خرج عن احتمال الانشاء والانشاء في الباقي تمليك بحصته من الثمن وهي
مجهولة فيما لا مثل له فلم يحتمل الانشاء وفيما له مثل معلومة فاحتمل الانشاء (وجه) قولهما ان هذه الإجازة تظهر ان العقد
من حين وجوده انعقد في حق الحكم فلم يكن الهلاك مانعا من الإجازة وقوله الإجازة ههنا انشاء قلنا ممنوع فان العقد
ينعقد في حق الحكم بدون الإجازة من انقضاء المدة وبموت من له الخيار ولو كانت الإجازة انشاء لتوقف حكم العقد
على وجودها وهذا بخلاف بيع الفضولي إذا هلك المبيع قبل الإجازة ثم أجازه المالك لم يجز وههنا جاز فهلاك المبيع
في بيع الفضولي يمنع من الإجازة وههنا لا يمنع (ووجه) الفرق ان بيع الفضولي يثبت بطريق الاستناد والمستند ظاهر
من وجه مقتصر من وجه فكانت الإجازة اظهارا من وجه انشاء من وجه فمن حيث إنها اظهار كان لا يقف صحته
على قيام المحل ومن حيث إنها انشاء يقف عليه (فاما) في البيع بشرط الخيار فالحكم يثبت عند الإجازة بطريق الظهور
المحض فكانت الإجازة اظهارا ان العقد من وقت وجوده انعقد في حق الحكم والمحل كان قابلا وقت العقد فهلاكه
بعد ذلك لا يمنع من الإجازة والله عز وجل اعلم وعلى هذا يخرج قول أبي حنيفة في رجلين اشتريا شيئا على أنهما بالخيار
فيه ثلاثة أيام فاختار انه يلزم البيع حتى لا يملك الاخر الفسخ احترازا عن تفريق الصفقة في اللزوم وسنذكر المسألة
في خيار العيب إن شاء الله تعالى (وأما) حكم هذا البيع فقد اختلف العلماء فيه قال أصحابنا لا حكم له للحال والخيار يمنع
انعقاد العقد في الحكم للحال لمن له الخيار بل هو للحال موقوف على معنى انه لا يعرف حكمه للحال وإنما يعرف عند سقوط
الخيار لأنه لا يدرى انه يتصل به الفسخ أو الإجازة فيتوقف في الجواب للحال وهذا تفسير التوقف عندنا وقال الشافعي
رحمه الله في قول مثل قولنا وفى قول هو منعقد مفيد للتملك لكن ملكا مسلطا على فسخه بالخيار (وجه) قوله إن البيع
بشرط الخيار لا يفارق البيع البات الا في الخيار والخيار لا يمنع ثبوت الملك كخيار العيب بالاجماع وخيار الرؤية على
أصلكم (ولنا) ان جواز هذا البيع مع أنه معدول به عن القياس لحاجة إلى دفع الغبن ولا اندفاع لهذه الحاجة الا بامتناع
ثبوت الملك للحال لان من الجائز أن يكون المشترى قريب المشترى فلو ملكه للحال لعتق عليه للحال فلا تندفع حاجته ثم
الخيار لا يخلو اما إن كان للبائع والمشترى جميعا واما إن كان للبائع وحده واما إن كان للمشترى وحده واما إن كان لغيرهما
بان شرط أحدهما الخيار لثالث فإن كان الخيار لهما فلا ينعقد العقد في حق الحكم في البدلين جميعا فلا يزول المبيع عن
264

ملك البائع ولا يدخل في ملك المشتري وكذا لا يزول الثمن عن ملك المشتري ولا يدخل في ملك البائع لان المانع من
الانعقاد في حق الحكم موجود في الجانبين جميعا وهو الخيار وإن كان البائع وحده فلا ينعقد في حق الحكم في حقه حتى
لا يزول المبيع عن ملكه ولا يجوز للمشترى ان يتصرف فيه ويخرج الثمن عن ملك المشتري لان البيع بات في حقه
وهل يدخل في ملك البائع عند أبي حنيفة لا يدخل وعند أبي يوسف ومحمد يدخل وإن كان للمشترى وحده لا ينعقد
في حق الحكم في حقه حتى لا يزول الثمن عن ملكه ولا يجوز للبائع أن يتصرف فيه إذا كان عينا ولا يستحقه على
المشترى إذا كان دينا ويخرج المبيع عن ملك البائع حتى لا يجوز له التصرف فيه لان البيع بات في حقه وهل يدخل في
ملك المشتري عند أبي حنيفة لا يدخل وعندهما يدخل وجه قولهما ان ثبوت الحكم عند وجود المستدعى هو الأصل
والامتناع بعارض والمانع ههنا هو الخيار وانه وجد في أحد الجانبين لا غير فيعمل في المنع فيه لا في الجانب الآخر ألا
ترى كيف خرج المبيع عن ملك البائع إذا كان الخيار للمشترى والثمن عن ملك المشتري إذا كان الخيار للبائع فدل
ان البيع بات في حق من لا خيار له فيعمل في بتات هذا الحكم الذي وضع له (وجه) قول أبي حنيفة رحمه الله ان الخيار
إذا كان للبائع فالمبيع لم يخرج عن ملكه وإذا كان للمشترى فالثمن لم يخرج عن ملكه وهذا يمنع دخول الثمن في ملك
البائع في الأول ودخول المبيع في ملك المشتري في الثاني لوجهين أحدهما انه جمع بين البدل والمبدل في عقد المبادلة
وهذا لا يجوز والثاني ان في هذا ترك التسوية بين العاقدين في حكم المعاوضة وهذا لا يجوز لأنهما لا يرضيان بالتفاوت
وقولهما البيع بات في حق من لا خيار له قلنا هذا يوجب البتات في حق الزوال لا في حق الثبوت لان الخيار من أحد
الجانبين له أثر في المنع من الزوال وامتناع الزوال من أحد الجانبين يمنع الثبوت من الجانب الآخر إن كان لا يمنع
الزوال لما ذكرنا من الوجهين ويتفرع على هذا الأصل بين أبي حنيفة وصاحبيه مسائل (منها) إذا اشترى ذا رحم
محرم منه على أنه بالخيار ثلاثة أيام لا يعتق عليه عند أبي حنيفة رحمه الله لأنه لم يدخل في ملكه عنده ولا عتق بدون الملك
وهو على خياره ان شاء فسخ البيع وان شاء أجازه فان فسخ لا يعتق لان العبد عاد إلى ملك البائع وان اجازه عتق لأنه
سقط الخيار ولزم العقد فيلزمه الثمن وعندهما يعتق عليه بنفس الشراء ويلزمه الثمن ويبطل خياره لأنه دخل في ملكه
ولو قال لعبد الغير أن اشتريتك فأنت حر فاشتراه على أنه بالخيار ثلاثة أيام عتق عليه بالاجماع (اما) عندهما فظاهر لأنه
ملكه بنفس الشراء فوجد شرط الحنث فعتق (واما) عند أبي حنيفة فلان المعلق بالشرط كالمنجز عند وجود الشرط
ولو نجز عتقه بعد شرائه بشرط الخيار عتق وسقط خياره لكون الاعتاق إجازة واختيارا للملك على ما نذكر كذا هذا
والله عز وجل أعلم (ومنها) إذا اشترى جارية قد ولدت منه بالنكاح على أنه بالخيار ثلاثة أيام لا تصير أم ولد له عند أبي
حنيفة لأنها لم تدخل في ملكه وهو على خياره ان شاء فسخ البيع وعادت إلى ملك البائع وان شاء أجازه وصارت أم
ولد له ولزمه الثمن وعندهما صارت أم ولده بنفس الشراء لأنها دخلت في ملكه فبطل خياره ولزمه الثمن (ومنها)
إذا اشترى زوجته بشرط الخيار ثلاثة أيام لا يفسد النكاح عند أبي حنيفة لأنها لم تدخل في ملكه عنده وعندهما
فسد لدخولها في ملكه وملك أحد الزوجين رقبة صاحبه أو شقصا منها يرفع النكاح فان وطئها في مدة الخيار فإن كانت
بكرا كان إجازة بالاجماع (اما) عند أبي حنيفة فلأجل النقصان بإزالة البكارة وهي العذرة لا لأجل الوطئ لان
ملك النكاح قائم فكان حل الوطئ قائما فلا حاجة إلى ملك اليمين (واما) عندهما فلأجل النقصان والوطئ جميعا فإن كانت
ثيبا لا يبطل خياره عند أبي حنيفة لان بطلان الخيار لضرورة حل الوطئ ولا ضرورة لان ملك النكاح قائم
فكان حل الوطئ ثابتا فلا ضرورة إلى ملك اليمين بحل الوطئ فلم يبطل الخيار وعندهما يبطل خياره لضرورة حل
الوطئ بملك اليمين لارتفاع النكاح بنفس الشراء بخلاف ما إذا لم تكن الجارية زوجة له ووطئها أنه يكون إجازة سواء
كانت بكرا أو ثيبا لان حل الوطئ هناك لا يثبت الا بملك اليمين لانعدام النكاح فكان اقدامه على الوطئ اختيارا
للملك فيبطل الخيار (ومنها) إذا اشترى جارية على أنه بالخيار ثلاثة أيام وقبضها فحاضت عنده في مدة الخيار حيضة
265

كاملة أو بعض حيضة في مدة الخيار فاختار البيع لا تجزى تلك الحيضة في الاستبراء عند أبي حنيفة وعليه ان يستبرئها
بحيضة أخرى لأنها لم تدخل في ملكه عنده ولم يوجد سبب وجوب الاستبراء وعندهما يحتسب بها لأنها دخلت في
ملكه فكانت الحيضة بعد وجود سبب وجوب الاستبراء فكانت محسوبة منه ولو اختار فسخ البيع ورد الجارية فلا
استبراء على البائع عند أبي حنيفة سواء كان الرد قبل القبض أو بعده وعندهما قبل القبض القياس ان يجب وفى
الاستحسان لا يجب وبعد القبض يجب قياسا واستحسانا على ما ذكرنا في مسائل الاستبراء وإن كان الخيار للبائع
ففسخ العقد لا يجب عليه الاستبراء لأنها لم تخرج عن ملكه وان أجازه فعلى المشترى أن يستبرئها بعد الإجازة والقبض
بحيضة أخرى بالاجماع لأنه ملكها بعد الإجازة وبعد القبض ملكا مطلقا (ومنها) إذا اشترى شيئا بعينه على أنه
بالخيار ثلاثة أيام فقبضه باذن البائع ثم أودعه في مدة الخيار فهلك في مدة الخيار أو بعدها يهلك على البائع ويبطل
البيع عند أبي حنيفة لأنه لم يدخل في ملك المشتري ولما دخل رده على البائع فقد ارتفع قبضه فهلك المبيع قبض القبض
وعندهما يهلك على المشترى ويلزمه الثمن لأنه دخل في ملكه أعني المشترى فقد أودع ملك نفسه ويد المودع يده
فهلاكه في يده كهلاكه في يد نفسه ولو كان الخيار للبائع فسلمه إلى المشترى ثم إن المشترى أودعه البائع في مدة الخيار
فهلك في يد البايع قبل جواز البيع أو بعده بطل البيع بالاجماع ولو كان البيع باتا فقبضه المشترى باذن البائع أو بغير اذنه
والثمن منقود أو مؤجل وله خيار رؤية أو عيب فأودعه البائع فهلك عند البائع يهلك على المشترى ويلزمه الثمن بالاجماع
لان خيار الرؤية والعيب لا يمنع انعقاد العقد في حق الحكم فكان مودعا ملك نفسه والله عز وجل أعلم (ومنها) إذا اشترى
ذمي من ذمي خمرا أو خنزيرا على أنه بالخيار ثلاثة أيام وقبضه ثم أسلم المشترى بطل العقد عند أبي حنيفة لأنه لم يدخل
في ملك المشتري والمسلم ممنوع عن تملك الخمر بالبيع وعندهما يلزم العقد ولا يبطل لأنه دخل في ملك المشتري والاسلام
يمنع من اخراجه عن ملكه ولو أسلم البائع لا يبطل البيع بالاجماع لان البيع بات في جانبه والاسلام في البيع البات
لا يوجب بطلانه إذا كان بعد القبض والمشترى على خياره فان أجاز البيع جاز ويلزمه الثمن وان فسخه انفسخ وصار
الخمر للبائع حكما والمسلم من أهل ان يتملك الخمر حكما ألا ترى أنه يتملكها بالميراث ولو كان الخيار للبائع فاسلم البائع بطل
الخيار لان خيار البائع يمنع خروج السلعة عن ملكه والاسلام يمنع اخراج الخمر عن ملكه بالعقد فبطل العقد ولو أسلم
المشترى لا يبطل البيع لان البيع بات في جانبه والبائع على خياره فان فسخ البيع عادت الخمر إليه وان أجازه صار
الخمر للمشترى حكما والمسلم من أهل أن يتملكها حكما كما في الإرث ولو كان البيع باتا فأسلما أو أسلم أحدهما لا يبطل
البيع لان الاسلام متى ورد والحرام مقبوض يلاقيه بالعفو لأنه لم يثبت بعد الاسلام ملك مبتدأ لثبوتها بالعقد والقبض
على الكمال وإنما يوجد بعد الاسلام دوام الملك والاسلام لا ينافيه فان المسلم إذا تخمر عصيره فلا يؤمر بابطال حقه
فيها هذا كله إذا أسلما أو أسلم أحدهما بعد القبض فاما إذا كان قبل القبض بطل البيع كيف ما كان سواء كان
البيع باتا أو بشرط الخيار لهما أو لأحدهما لان الاسلام متى ورد والحرام غير مقبوض يمنع من قبضه بحكم العقد
لما في القبض من معنى انشاء العقد من وجه فيلحق به في باب الحرمات احتياطا على ما ذكرنا فيما تقدم وقد تظهر فوائد
هذا الأصل في فروع أخر يطول ذكرها وإن كان المبيع دارا فإن كان الخيار للبائع لا يثبت للشفيع فيها حق الشفعة
لأن المبيع لم يخرج عن ملك البائع وإن كان للمشترى يثبت للشفيع حق الشفعة بالاجماع (أما) على أصلهما فظاهر
لأن المبيع في ملك المشتري (وأما) على أصل أبي حنيفة فالمبيع وان لم يدخل في ملك المشتري لكنه قد زال عن
ملك البائع بالاجماع وحق الشفعة يعتمد زوال ملك البائع لا ثبوت ملك المشتري والله عز وجل أعلم ولو تبايعا عبدا
بجارية والخيار للبائع فاعتق البائع العبد نفذ اعتاقه وانفسخ البيع لان خيار البائع يمنع زوال العبد عن ملكه فقد أعتق
ملك نفسه فنفذ وان أعتق الجارية نفذ أيضا ولزم البيع (أما) على أصلهما فظاهر لأنه ملكها فاعتق ملك نفسه (وأما)
على أصل أبي حنيفة وان لم يملكها بالعقد لكن الاقدام على الاعتاق دليل عقد الملك إذ لا وجود للعتق الا بالملك ولا
266

ملك الا بسقوط الخيار فتضمن اقدامه على الاعتاق اسقاط الخيار ولو أعتقهما معا نفذ اعتاقهما جميعا وبطل البيع
وعليه قيمة الجارية وعندهما نفذ اعتاقهما ولا شئ عليه أما نفوذ اعتاقهما (أما) العبد فلا شك فيه لأنه لم يخرج عن ملك
البائع بلا خلاف (وأما) الجارية فكذلك على أصلهما لأنها دخلت في ملكه وعند أبي حنيفة وان لم تدخل في
ملكه بنفس العقد فقد دخلت بمقتضى الاقدام على اعتاقهما على ما بينا فاعتاقهما صادف محلا مملوكا للمعتق فنفذ
(وأما) لزوم قيمة الجارية عند أبي حنيفة فلان العبد بدل الجارية وقد هلك قبل التسليم بالاعتاق وهلاك المبيع قبل
التسليم يوجب بطلان البيع وإذا بطل البيع وجب رد الجارية وقد عجز عن ردها بسبب العتق فيغرم قيمتها ولو أعتق
المشترى العبد أو الجارية لم ينفذ اعتاقه (أما) العبد فلانه لم يدخل في ملكه (وأما) الجارية فلأنها خرجت عن
ملكه والله عز وجل أعلم (وأما) بيان ما يسقط به الخيار ويلزم البيع فنقول وبالله التوفيق أما خيار البائع فما
يسقط به خياره ويلزم البيع نوعان في الأصل أحدهما اختياري والآخر ضروري أما الاختياري فالإجازة لان
الأصل هو لزوم البيع والامتناع بعارض الخيار وقد بطل بالإجازة فيلزم البيع والإجازة نوعان صريح وما هو في
معنى الصريح ودلالة (أما) الأول فنحو أن يقول البائع أجزت البيع أو أوجبته أو أسقطت الخيار أو أبطلته وما
يجرى هذا المجرى سواء علم المشترى الإجازة أو لم يعلم (وأما) الإجازة بطريق الدلالة فهي أن يوجد منه تصرف في الثمن
يدل على الإجازة وايجاب البيع فالاقدام عليه يكون إجازة للبيع دلالة والأصل فيهما روى أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لبريرة حين عتقت ملكت بضعك فاختاري وان وطئك زوجك فلا خيار لك فقد جعل النبي عليه
الصلاة والسلام تمكينها من الوطئ دليل بطلان الخيار فصار ذلك أصلا لان الخيار كما يسقط بصريح الاسقاط
يسقط بالاسقاط من طريق الدلالة وعلى هذا يخرج ما إذا كان الثمن عينا فتصرف البائع فيه تصرف الملاك بأن باعه
أو ساومه أو أعتقه أو دبره أو كاتبه أو آجره أو رهنه ونحو ذلك لان ذلك يكون إجازة للبيع (أما) على أصلهما فلان الثمن
دخل في ملك البائع فكان التصرف فيه دليل تقرر ملكه وأنه دليل إجازة البيع (وأما) على أصل أبي حنيفة
فالاقدام على التصرف يكون دليل اختيار الملك فيه وذا دليل الإجازة وكذا لو كان الثمن دينا فابرأ البائع المشترى من
الثمن أو اشترى به شيئا منه أو وهبه من المشترى فهو إجازة للبيع لما قلنا ويصح شراؤه وهبته لان هبة الدين والشراء
به ممن عليه الدين وأنه جائز وكذا لو ساومه البائع بالثمن الذي في ذمته شيئا لأنه قصد تملك ذلك الشئ ولا يمكنه التملك
الا بثبوت ملكه في الثمن أو تقرره فيه ولو اشترى بالثمن شيئا من غيره لم يصح الشراء وكان إجازة (أما) عدم صحة
الشراء فلانه شراء بالدين من غير من عليه الدين (وأما) كونه إجازة للبيع فلأن الشراء به من غيره وان لم يصح لكنه قصد
التملك وذا دليل الإجازة كما إذا ساومه بل أولى لأن الشراء به في الدلالة على قصده التملك فوق المساومة فلما كانت
المساومة إجازة فالشراء أولى بخلاف ما إذا كان البائع قبض الثمن الذي هو دين فاشترى به شيئا أنه لا يكون إجازة
للبيع لان عين المقبوض ليس بمستحق الرد عند الفسخ لان الدراهم والدنانير لا يتعينان عندنا في الفسخ كما لا يتعينان في
العقد فلم يكن المقبوض فيه مستحق الرد فلا يكون التصرف فيه دليل الإجارة بخلاف ما إذا اشترى به قبل القبض لأنه
أضاف الشراء إلى عين ما هو مستحق بالعقد فكان دليل القصد إلى الملك أو تقرر الملك فيه على ما قلنا ولو كان الخيار
للمشترى فأبرأه البائع من الثمن قال أبو يوسف رحمه الله لا يصح الابراء لان خيار المشترى يمنع وجوب الثمن والابراء
اسقاط واسقاط ما ليس بثابت لا يتصور وروى عن محمد رحمه الله أنه إذا أجاز البيع نفذ الابراء لان الملك يثبت مستندا
إلى وقت البيع فتبين ان الثمن كان واجبا فكان ابراؤه بعد الوجوب فينفذ والله عز وجل أعلم (وأما) الضروري
فثلاثة أشياء (أحدهما) مضى مدة الخيار لان الخيار مؤقت به والمؤقت إلى غاية ينتهى عند وجود الغاية لكن هل
تدخل الغاية في شرط الخيار بان شرط الخيار إلى الليل أو إلى الغد هل يدخل الليل أو الغد قال أبو حنيفة عليه الرحمة
تدخل وقال أبو يوسف ومحمد لا تدخل (وجه) قولهما ان الغاية لا تدخل تحت ما ضربت له الغاية كما في قوله تعالى عز
267

شأنه أتموا الصيام إلى الليل حتى لا يجب الصوم في الليل وكما في التأجيل إلى غاية ان الغاية لا تدخل تحت الأجل كذا
هذا ولأبي حنيفة ان الغايات منقسمة غاية اخراج وغاية اثبات فغاية الاخراج تدخل تحت ما ضربت له الغاية كما في قوله
تعالى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق والغاية ههنا في معنى غاية الاخراج ألا ترى أنه لو لم يذكر الوقت أصلا
لاقتضى ثبوت الخيار في الأوقات كلها حتى لم يصح لأنه يكون في معنى شرط خيار مؤبد بخلاف التأجيل إلى غاية فإنه
لولا ذكر الغاية لم يثبت الأجل أصلا فكانت الغاية غاية اثبات فلم تدخل تحت ما ضربت له الغاية والثاني موت البائع
في مدة الخيار عندنا وقال الشافعي رحمه الله لا يبطل الخيار بموته بل يقوم وارثه مقامه في الفسخ والإجازة والله عز
وجل أعلم ولقب هذه المسألة ان خيار الشرط هل يورث أم لا عندنا يورث وعنده لا يورث وأجمعوا على أن خيار
القبول لا يورث وكذا خيار الإجازة في بيع الفضولي لا يورث بالاجماع وكذا الأجل لا يورث بالاتفاق وأجمعوا
على أن خيار العيب وخيار التعيين يورث (وأما) خيار الرؤية فلم يذكر في الأصل وذكر في الحيل أنه لا يورث
وكذا روى ابن سماعة عن محمد أنه لا يورث احتج الشافعي رحمه الله بظواهر آيات المواريث حيث أثبت الله عز
وجل الإرث في المتروك مطلقا والخيار متروك فيجرى فيه الإرث وبما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال
من ترك مالا أو حقا فلورثته والخيار حق تركه فيكون لورثته ولأنه حق ثبت بالبيع فيجرى فيه الإرث كالملك
الثابت وهذا لان الإرث كما يثبت في الاملاك يثبت في الحقوق الثابتة بالبيع ولهذا يثبت في خيار العيب وخيار
التعيين كذا هذا ولنا ان الخيار لو ثبت للوارث لم يخل من أن يثبت ابداء أو بطريق الإرث لا سبيل إلى الأول لان
الشرط لم يوجد من الوارث ابتداء واثبات الخيار له من غير وجود شرط الخيار منه خلاف الحقيقة ولا سبيل إلى الثاني
لان الوارث يعتمد الباقي بعد موت المورث وخياره لا يبقى بعد موته لان خياره يخيره بين الفسح والإجازة ولا يتصور
ذلك منه بعد موته فلا يورث بخلاف خيار العيب والتعيين لان الموروث هناك محتمل للإرث وهو العين المملوكة
(وأما) الآية والحديث فنقول بموجبهما لكن لم قلتم ان الخيار متروك وهذا لان المتروك عين تبقى والخيار عرض لا
يبقى فلم يكن متروكا فلا يورث والله عز وجل أعلم (والثالث) إجازة أحد الشريكين عند أبي حنيفة رحمه الله بان
تبايعا على أنهما بالخيار فأجاز أحدهما بطل الخيار ولزم البيع عنده حتى لا يملك صاحبه الفسخ وعندهما لا يبطل
وخيار الآخر على حاله وسنذكر المسألة في خيار العيب ولو بلغ الصبي في مدة خيار الشرط للأب أو الوصي لنفسه في
بيع مال لا صبي هل يبطل الخيار قال أبو يوسف يبطل ويلزم العقد وقال محمد تنقل الإجازة إلى الصبي فلا يملك
الولي الإجازة لكنه يملك الفسخ (وجه) قوله محمد ان الولي يتصرف في مال الصغير بطريق النيابة عنه
شرعا لعجزه عن التصرف بنفسه وقد زال العجز بالبلوغ فتنتقل الإجازة إليه الا أنه يملك الفسخ لأنه من باب
دفع الحق فيملكه كالفضولي في البيع انه يملك الفسخ قبل إجازة المالك وان لم يملك الإجازة (وجه) قول أبى
يوسف ان الخيار يثبت للولي وهو ولاية الفسخ والإجازة وقد بطل بالبلوغ فلا يحتمل الانتقال إلى الصبي ولهذا لم
ينتقل إلى الوارث بموت من له الخيار ولو عجز المكاتب في مدة خيار شرطه لنفسه في البيع بطل الخيار ولزم البيع في
قولهم جميعا لأنه لما عجز ورد إلى الرق لم يبق له ولاية الفسخ والإجازة فيسقط الخيار ضرورة كما يسقط بالموت وكذا
العبد المأذون إذا حجر عليه المولى في مدة الخيار بطل خياره عند أبي يوسف واحدى الروايتين عن محمد لما قلنا ولو
اشترى الأب أو الوصي شيئا بدين في الذمة وشرط الخيار لنفسه ثم بلغ الصبي جاز العقد عليهما والصبي بالخيار ان شاء
أجاز البيع وان شاء فسخ (أما) الجواز عليهما فلان ولايتهما قد انقطعت بالبلوغ فلا يملكان التصرف بالفسخ
والإجازة فيبطل خيارهما وجاز العقد في حقهما (وأما) خيار الصبي فلان الجواز واللزوم لم يثبت في حقه وإنما
يثبت في حقهما فكان له خيار الفسخ والإجازة (وأما) خيار المشترى فيسقط بما يسقط خيار البائع وبغيره أيضا
فيسقط بمضي المدة وبموت من له الخيار عندنا وإجازة أحد الشركين عند أبي حنيفة والإجازة صريح وما هو في معنى
268

الصريح ودلالة وهو أن يتصرف المشترى في المبيع تصرف الملاك كالبيع والمساومة والا عتاق والتدبير والكتابة
والإجارة والهبة والرهن سلم أو لم يسلم لأن جواز هذه التصرفات يعتمد الملك فالاقدام عليها يكون دليل قصد التملك
أو تقرر الملك على اختلاف الأصلين وذا دليل الإجازة وكذا الوطئ منه والتقبيل بشهوة والمباشرة لشهوة والنظر
إلى فرجها لشهوة يكون إجازة منه لأنه تصرف لا يحل الا بملك اليمين وأما المس عن غير شهوة والنظر إلى فرجها بغير
شهوة فلا يكون إجازة لان ذلك مباح في الجملة بدون الملك للطبيب والقابلة وأما الاستخدام فالقياس أن يكون إجازة
بمنزلة المس عن شهوة والنظر إلى الفرج عن شهوة وفى الاستحسان لا يكون إجازة لأنه لا يختص بالملك ولأنه يحتاج
إليه للتجربة والامتحان لينظر انه يوافقه أم لا على أن فيه ضرورة لان الاحتراز عن ذلك غير ممكن بأن يسأله ثوبه عند
اوادة الرد فيرده أو يستسرجه دابته ليركبها فيرده فسقط اعتباره لمكان الضرورة ولو قبلت الجارية المشترى بشهوة أو
باشرته فإن كان ذلك بتمكين بأن علم ذلك منها وتركها حتى فعلت يسقط خياره وكذا هذا في حق خيار الرؤية إذا
قبلته بعد الرؤية وكذا في خيار العيب إذا وجد بها عيبا ثم قبلته وكذا في الطلاق إذا فعلت ذلك كان رجعة وان
اختلست اختلاسا من غير تمكين المشترى والزوج وهو كاره لذلك فكذلك عند أبي حنيفة وروى عن أبي
يوسف انه لا يكون ذلك رجعة ولا إجازة للبيع وقال محمد لا يكون فعلها إجازة للبيع كيف ما كان وأجمعوا على أنها
لو باضعته وهو نائم بأن أدخلت فرجه فرجها انه يسقط الخيار ويكون رجعة (وجه) قول محمد ان الخيار حق شرط
له ولم يوجد منه ما يبطله نصا ولا دلالة وهو فعل يدل عليه فلا يبطل ولأبي حنيفة رحمه الله ان الاحتياط يوجب
سقوط الخيار إذ لو لم يسقط ومن الجائز أن يفسخ البيع لتبيين ان المس عن شهوة والتمكين من المس عن شهوة حصل
في غير ملك وكل ذلك حرام فكان سقوط الخيار وثبوت الرجعة بطريق الصيانة عن ارتكاب الحرام وانه واجب
ولان المس عن شهوة يفضى إلى الوطئ والسبب المفضى إلى الشئ يقوم مقامه خصوصا في موضع الاحتياط فأقيم
ذلك مقام الوطئ من المشترى ولهذا يثبت حرمة المصاهرة بالمس عن شهوة من الجانبين لكونه سببا مفضيا إلى الوطئ
فأقيم مقامه كذا هذا ولو قبل المشترى الجارية ثم قال قبلتها لغير شهوة فالقول قوله كذا روى عن محمد لان الخيار كان
ثابتا له فهو بقوله كان لغير شهوة ينكر سقوطه فكان القول قوله وكذلك قال أبو حنيفة في الجارية إذا قبلت المشترى
بشهوة انه إنما يسقط الخيار ويلزمه العقد إذا أقر المشترى انها فعلت بشهوة (فأما) إذا أنكر أن يكن ذلك بشهوة
فلا يسقط لان حكم فعلها يلزم المشترى بسقوط حقه فيتوقف على اقراره ولو حدث في المبيع في يد المشترى ما يمنع
الرد على البائع بطل خياره لان فائدة الخيار هو التمكن من الفسخ والرد فإذا خرج عن احتمال الرد لم يكن في بقاء الخيار
فائدة فلا يبقى وذلك نحو ما إذا هلك في يده أو انتقص بأن تعيب بعيب لا يحتمل الارتفاع سواء كان ذلك فاحشا أو
يسيرا وسواء كان ذلك بفعل المشترى أو بفعل البائع أو بآفة سماوية أو بفعل المبيع أو بفعل أجنبي لان حدوث
هذه المعاني في يد المشترى يمنع الرد (أما) الهلاك فظاهر وكذا النقصان لفوات شرط الرد وهو أن يكون ما قبض
كما قبض لأنه إذا انتقص شئ منه فقد تعذر رد القدر الفائت فتقرر على المشترى حصته من الثمن لان فواته حصل في
ضمان المشترى فلو رد الباقي كان ذلك تفريق الصفقة على البائع قبل التمام وهذا لا يجوز وإذا امتنع الرد بطل الخيار
لما قلنا وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبى يوسف أيضا الا في خصلة واحدة وهي ما إذا انتقص بفعل البائع
فان المشترى فيهما على خياره عنده ان شاء رد عليه وان شاء أمسكه وأخذ الأرش من البائع كذا ذكر القاضي في
شرحه مختصر الطحاوي الاختلاف وذكر الكرخي رحمه الله الاختلاف بين أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم
الله وإن كان العيب مما يحتمل الارتفاع كالمرض فالمشترى على خياره ان شاء فسخ وان شاء أجاز لان كل عارض
على أصل إذا ارتفع يلحق بالعدم ويجعل كأنه لم يكن هذا هو الأصل وليس له أن يفسخ الا أن يرتفع العيب في مدة الخيار
فان مضت المدة والعيب قائم بطل حق الفسخ ولزم البيع لتعذر الرد والله عز وجل أعلم وعلى هذا يخرج ما إذا ازداد
269

المبيع زيادة متصلة غير متولدة من الأصل كما إذا كان ثوبا فصبغه أو سويقا فلته بسمن أو كان أرضا فبنى عليها أو غرس
فيها انه يبطل خياره لأن هذه الزيادة مانعة من الرد بالاجماع فكانت مسقطة للخيار ولو كانت الزيادة متصلة متولدة من
الأصل كالحسن والجمال والسمن والبراء من المرض وانجلاء البياض من العين ونحو ذلك فكذلك عند أبي حنيفة
وأبى يوسف وعند محمد لا يبطل بناء على أن هذه الزيادة تمنع الرد عندهما كما في العيب في المهر في النكاح وعنده لا تمنع
والمسألة تأتى في موضعها إن شاء الله تعالى وإن كانت الزيادة منفصلة متولدة من الأصل كالولد والثمر واللبن ونحوها أو
كانت غير متولدة من الأصل لكنها بدل الجزء الفائت كالأرش أو بدل ما هو في معنى الجزء كالعقر يبطل خياره لأنها
مانعة من الرد عندنا وإن كانت منفصلة غير متولدة من الأصل ولا هي بدل الجزء الفائت أو ما هو في معنى الجزء كالصدقة
والكسب والغلة لا يبطل خياره لأن هذه الزيادة لا تمنع الرد فلا يبطل الخيار فان اختار البيع فالزوائد له مع الأصل
لأنه تبين انها كسب ملكه فكانت ملكه وان اختار الفسخ رد الأصل مع الزوائد عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف
ومحمد الزوائد تكون له بناء على أن ملك المبيع كان موقوفا فإذا فسخ تبين انه لم يدخل في ملكه فتبين أن الزيادة
حصلت على ملك البائع فيردها إليه مع الأصل وعندهما المبيع دخل في ملك المشتري فكانت الزوائد حاصلة على
ملكه والفسخ يظهر في الأصل لا في الزيادة فبقيت على حكم ملك المشتري ولو كان المبيع دابة فركبها فان ركبها لحاجة
نفسه كان إجازة وان ركبها ليسقيها أو يشترى لها علفا أو ليردها على بائعها فالقياس أن يكون إجازة لأنه يمكنه أن يفعل
ذلك قودا وفى الاستحسان لا يكون إجازة وهو على خياره لان ذلك مما لا بد منه خصوصا إذا كانت الدابة صعبة
لا تنقاد بالقود فكان ذلك من ضرورات الرد فلا يجعل إجازة ولو ركبها لينظر إلى سيرها لا يبطل خياره لأنه لا بد له
من ذلك للاختبار بخلاف خيار العيب انه إذا ركبها بعد ما علم بالعيب انه يبطل خياره لان له منه بدا ولا حاجة إلى
الركوب هناك لمعرفة سيرها فكان دليل الرضا بالعيب ولو كان المبيع ثوبا فلبسه لينظر إلى قصره من طوله وعرضه
لا يبطل خياره لان ذلك لا يحتاج إليه للتجربة والامتحان أنه يوافقه أم لا فلم يكن منه بد ولو ركب الدابة ليعرف
سيرها ثم ركبها مرة أخرى ينظر ان ركبها لمعرفة سير أخرى غير الأول بأن ركبها مرة ليعرف انها هملاج ثم ركبها ثانيا
ليعرف سرعة عدوها فهو على خياره لان معرفة السير مقصودة تقع الحاجة إليها في بعض الدواب وان ركبها لمعرفة
السير الأول قالوا يسقط وكذا في استخدام الرقيق إذا استخدمه في نوع ثم استخدمه في ذلك النوع قالوا
يسقط خياره وبعض مشايخنا قالوا لا يسقط لان الاختبار لا يحصل بالمرة الواحدة لجواز ان الأول وقع اتفاقا فيحتاج
إلى التكرار لمعرفة العادة وفى الثوب إذا لبسه مرة لمعرفة الطول والعرض ثم لبسه ثانيا يسقط خياره لأنه لا حاجة إلى
تكرار اللبس في الثوب لحصول المقصود باللبس مرة واحدة ولو حمل على الدابة علفا فهو إجازة لأنه يمكنه حمل العلف
على غيرها ولو قص حوافرها أو أخذ من عرفها شيئا فهو على خياره لأنه تصرف لا يختص بالملك إذ هو من باب اصلاح
الدابة فيملكه كل واحد ويكون مأذونا فيه دلالة كما إذا علفها أو سقاها ولو ودجها أو بزغها فهو إجازة لأنه تصرف
فيها بالتنقيص فإن كان شاة فجلبها أو شرب لبنها فهو إجازة لأنه لا يحل الا بالملك أو الاذن من المالك ولم يوجد الاذن
فكان دليلا على قصد التملك أو التقرير فيكون إجازة ولو كان المبيع دارا فسكنها المشترى أو أسكنها غيره باجر أو بغير
أجر أو رم شيئا منها أو جصصها أو طينها أو أحدث فيها شيئا أو هدم فيها شيئا فذلك كله إجازة لأنه دليل اختيار الملك
أو تقريره فكان إجازة دلالة وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي في سكنى المشترى روايتان ووفق بينهما فحمل
إحداهما على ابتداء السكنى والأخرى على الدوام عليه ولو كان فيها ساكن باجر فباعها البائع برضا المستأجر وشرط
الخيار للمشترى فتركه المشترى فيها أو استأوى الغلة فهو إجازة لان الأجرة بدل المنفعة فكان أخذها دلالة قصد تملك
المنفعة أو تقرير ملك المنفعة وذلك قصد تملك الدار أو تقرر ملكه فيها فكان إجازة ولو كان المبيع أرضا فيها حرث
فسقاه أو حصده أو قصل منه شيئا فهو إجازة لان السقي تصرف في الحرث بالتزكية فكافى دليل اختيار البيع وايجابه
270

وكذلك القصل تصرف فيه بالتنقيص فكان دليل قصد التملك أو التقرر ولو شرب من نهر تلك الأرض أو سقى منه
دوابه لا يكون إجازة لان هذا تصرف لا يختص بالملك لأنه مباح ولو كان المبيع رحى فطحن فيها فان هو طحن
ليعرف مقدار طحنها فهو على خياره لأنه تحقق ما شرع له الخيار ولو دام على ذلك كان إجازة لأنه لا حاجة إلى الزيادة
للاختيار فكان دليل الرضا بوجوب البيع (وأما) خيار البائع والمشترى جميعا فيسقط بما يسقط به حالة الانفراد فأيهما
أجاز صريحا أو ما يجرى مجرى الصريح أو فعل ما يدل على الإجازة بطل خياره ولزم البيع من جانبه والآخر على خياره
ان شاء أجاز وان شاء فسخ وأيهما فسخ صريحا أو ما يجرى مجرى الصريح أو فعل ما يدل على الفسخ انفسخ أصلا
ورأسا ولا تلحقه الإجازة من صاحبه بعد ذلك وإنما اختلف حكم الفسخ والإجازة لان الفسخ تصرف في العقد
بالابطال والعقد بعدما بطل لا يحتمل الإجازة لان الباطل متلاشى (وأما) الإجازة فهي تصرف في العقد بالتغيير وهو
الالزام لا بالاعدام فلا يخرجه عن احتمال الفسخ والإجازة ولو أجاز أحدهما وفسخ الآخر انفسخ العقد سواء كان
على التعاقب أو على القران لان الفسخ أقوى من الإجازة ألا ترى انه يلحق الإجازة فان المجاز يحتمل الفسخ فأما
الإجازة فلا تلحق الفسخ فان المفسوخ لا يحتمل الإجازة فكان الفسخ أقوى من الإجازة فكان أولى ولو اختلفا
في الفسخ والإجازة فقال أحدهما فسخنا البيع وقال الآخر لا بل أجزنا البيع جميعا فاختلافهما لا يخلو من أن يكون
في مدة الخيار أو بعد مضى المدة فإن كان في المدة فالقول قول من يدعى الفسخ لان أحدهما ينفرد بالفسخ وأحدهما
لا ينفرد بالإجازة ولو قامت لهما بينة فالبينة بينة من يدعى الإجازة لأنه المدعى وإن كان بعد مضى المدة فقال أحدهما
مضت المدة بعد الفسخ وقال الآخر بعد الإجازة فالقول قول من يدعى الإجازة لان الحال حال الجواز وهو ما بعد
انقضاء المدة فترجح جانبه بشهادة الحال فكان القول قوله ولو قامت لهما بينة فالبينة بينة مدعى الفسخ لأنها تثبت أمرا
بخلاف الظاهر والبينات شرعت له وإن كان الخيار لأحدهما واختلفا في الفسخ والإجازة في مدة الخيار فالقول قول
من له الخيار سواء ادعى الفسخ أو الإجازة لأنه يملك الامرين جميعا والبينة بينة الآخر لأنه هو المدعى ولو كان
اختلافهما بعد مضى مدة الخيار فالقول قول من يدعى الإجازة أيهما كان لان الحال حال الجواز وهي ما بعد مضى المدة
ولو أرخت البينات في هذا كله فاسبقهما تاريخا أولى سواء قامت على الفسخ أو على الإجازة والله عز وجل أعلم وإن كان
خيار الشرط لغير العاقدين بان شرط أحدهما الخيار لأجنبي فقد ذكرنا ان ذلك جائز وللشارط والمشروط له
خيار الفسخ والإجازة وأيهما أجاز جاز وأيهما فسخ انفسخ لأنه صار شارطا لنفسه مقتضى الشرط لغيره وصار
المشروط له بمنزلة الوكيل للشارط في الفسخ والإجازة فان أجاز أحدهما وفسخ الاخر فإن كانا على التعاقب فأولهما
أولى فسخا كان أو إجازة لان الثابت بالشرط أحد الامرين فأيهما سبق وجوده بطل الآخر وإن كانا معا ذكر في
البيوع أن تصرف المالك عن ولاية الملك أولى نقضا كان أو إجازة وذكر في المأذون أن النقض أولى من أيهما كان
(وجه) رواية البيوع ان تصرف المال صدر عن ولاية الملك فلا يعارضه الصادر عن ولاية النيابة (وجه)
رواية المأذون ان النقض أولى من الإجازة لان المجاز يحتمل الفسخ أما المفسوخ فلا يحتمل الإجازة فكان الرجحان
في المأذون للنقض من أيهما كان وقيل ما روى في البيوع قول محمد لأنه يقدم ولاية الملك على ولاية النيابة وما ذكر في
المأذون قول أبى يوسف لأنه لا يرى تقديم ولاية الملك وأصله ما ذكر في النوادر ان الوكيل بالبيع إذا باع من إنسان
وباع المالك من غيره وخرج الكلامان مع أن بيع الموكل أولى عند محمد وعند أبي يوسف يجعل العبد بينهما
نصفين ويخير كل واحد من المشتريين والله عز وجل أعلم (وأما) بيان ما ينفسخ به فالكلام فيه في موضعين
أحدهما في بيان ما ينفسخ به والثاني في بيان شرائطه فنقول وبالله التوفيق ما ينفسخ به في الأصل نوعان اختياري
وضروري والاختياري نوعان أيضا صريح وما هو في معنى الصريح ودلالة (أما) الأول فنحو أن يقول من
له الخيار فسخت البيع أو نقضته أو أبطلته وما يجرى هذا المجرى فينفسخ البيع سواء كان الخيار للبائع أو
271

للمشترى أو لهما أو لغيرهما ولا يشترط له التراضي ولا قضاء القاضي لان الفسخ حصل بتسليط صاحبه عليه
(وأما) الفسخ من طريق الدلالة فهو أن يتصرف من له الخيار تصرف الملاك إن كان الخيار للبائع وفى الثمن إن كان
عينا إذا كان الخيار للمشترى لان الخيار إذا كان للبائع فتصرفه في المبيع تصرف الملاك دليل استيفاء ملكه
فيه وإذا كان للمشترى فتصرفه في الثمن إذا كان عينا تصرف الملاك دليل استيفاء ملكه فيه ولا يكون ذلك
الا بالفسخ فالاقدام عليه يكون فسخا للعقد دلالة والحاصل ان وجد من البائع في المبيع ما لو وجد منه في الثمن
لكان إجازة للبيع يكون فسخا للبيع وقد ذكرنا ذلك كله وهذا النوع من الفسخ لا يقف على علم صاحبه
بلا خلاف بخلاف النوع الأول لأن الانفساخ ههنا لا يثبت بالفسخ مقصودا وإنما يثبت ضمنا لغيره فلا
يشترط له ما يشترط للفسخ مقصودا كبيع الشرب والطريق أنه لا يجوز مقصودا ويجوز تبعا للأرض والله عز
وجل أعلم (وأما) الضروري فنحو ان يهلك المبيع قبل القبض فيبطل البيع سواء كان الخيار للبائع أو للمشترى
أو لهما جميعا لأنه لو كان باتا لبطل فإذا كان فيه خيار الشرط أولى لأنه أضعف منه وان هلك بعد القبض فإن كان
الخيار للبائع فكذلك يبطل البيع ولكن تلزمه القيمة ان لم يكن له مثل والمثل إن كان له مثل اما بطلان البيع فلأن المبيع
صار بحال لا يحتمل انشاء العقد عليه فلا يحتمل الإجازة فينفسخ العقد ضرورة وأما لزوم القيمة فقول عامة العلماء
وقال ابن أبي ليلى انه يهلك أمانة (وجه) قوله إن الخيار منع انعقاد العقد في حق الحكم فكان المبيع على حكم ملك
البائع أمانة في يد المشترى فيهلك هلاك الأمانات (ولنا) ان البيع وان لمن ينعقد في حق الحكم لكن المبيع في قبض
المشترى على حكم البيع فلا يكون دون المقبوض على سوم الشراء بل هو فوقه لان هناك لم يوجد العقد لا بنفسه ولا
بحكمه وههنا ان لم يثبت حكم العقد فقد وجد بنفسه وذلك مضمون بالقيمة أو بالمثل فهذا أولى وإن كان الخيار للمشترى
لا يبطل البيع ولكن يبطل الخيار ويلزم البيع وعليه الثمن اما على أصلهما فظاهر لان المشترى ملكه بالعقد فإذا
قبضه فقد تقرر عليه الثمن فإذا هلك يهلك مضمونا بالثمن كما كان في البيع البات (واما) على أصل أبي حنيفة فالمشترى
وان لم يملكه فقد اعترض عليه في يده قبل القبض ما يمنع الرد وهو التعيب بعيب لم يكن عند البائع لان الهلاك في يده لا
يخلو عن تقدم عيب عادة لأنه لا يخلو عن سبب موته في الهلاك عادة وأنه يكون عيبا وتعيب المبيع في يد المشترى يمنع
الرد ويلزم البيع لما ذكرنا فيما تقدم فإذا هلك يهلك بالثمن ولو استهلك المبيع أجنبي والخيار للبائع لا ينفسخ البيع والبائع
على خياره لأنه يهلك إلى خلف وهو الضمان لوجود سبب الوجوب للضمان وهو اتلاف مال متقوم مملوك لغيره لان
خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه والهالك إلى خلف قائم معنى فكان المبيع قائما فكان محتملا للإجازة سواء
كان المبيع في يد المشترى أو في يد البائع لأنه مضمون بالاتلاف في الحالين جميعا فان شاء فسخ البيع واتبع الجاني
بالضمان وكذلك لو استهلكه المشترى لأنه وجب الضمان عليه بالاستهلاك لوجود سبب الوجوب والضمان بدل
المضمون فيقوم مقامه فكان المبيع قائما معنى فكان الخيار على حاله ان شاء فسخ واتبع المشترى بالضمان وان
شاء اجازه واتبعه بالثمن ولو تعيب المبيع في يد البائع فإن كان بآفة سماوية أو بفعل المبيع يبطل البيع وهو على خياره لان
ما انتقص منه من غير فعله فهو غير مضمون عليه حيث لا يسقط بحصته شئ من الثمن فلا ينفسح البيع في قدر الضمان
بابقاء الخيار لأنه يؤدى إلى تفريق الصفقة على المشترى فان شاء فسخ البيع وان شاء أجازه فان أجازه فالمشترى بالخيار
ان شاء أخذه بجميع الثمن وان شاء ترك لتغير المبيع قبل القبض وإن كان بفعل البائع بطل البيع لان ما انتقص بفعله
فهو مضمون عليه حتى يسقط عن المشترى حصة قدر النقصان من الثمن فالإجازة تتضمن تفريق الصفقة على
المشترى قبل التمام وإن كان بفعل أجنبي لم يبطل البيع وهو على خياره لان قدر النقصان هلك إلى خلف وهو الضمان
فكان قائما معنى ولم يبطل البيع في قدر الهالك فكان البائع على خياره ان شاء فسخ البيع واتبع الجاني بالأرش وان
شاء أجاز واتبع المشترى بالثمن والمشترى يتبع الجاني بالأرش وكذلك لو تعيب بفعل المشترى لا يبطل البيع والبائع
272

على خياره لأن المبيع على ملك البائع فكان قدر النقصان مضمونا على المشترى فكان هلاكا إلى خلف فكان
البيع على حاله والبائع على خياره ان شاء فسخ البيع واتبع المشترى بالضمان وان شاء أجازه واتبع المشترى بالثمن
وكذلك إذا تعيب في يد المشترى بفعل أجنبي أو بفعل المشترى أو بآفة سماوية فالبائع على خياره فان شاء أجاز البيع
وان شاء فسخه فان أجاز أخذ من المشترى جميع الثمن سواء كان التعيب بفعل المشترى أو بفعل الأجنبي أو بآفة
سماوية لان البيع جاز في الكل ولا يكون للمشترى خيار الرد بحدوث التغير في المبيع لأنه حدث في يده في ضمانه غير أنه
إن كان التعييب بفعل المشترى فلا سبيل له على أحد وإن كان بفعل الأجنبي فللمشتري أن يتبع الجاني بالأرش لأنه
ملك العبد بإجازة البائع من وقت البيع فتبين أن الجناية حصلت على ملكه وان فسخ ينظر إن كان التعيب بفعل
المشترى فان البائع يأخذ الباقي ويأخذ أرش الجناية من المشترى لان العبد كان مضمونا على المشترى بالقيمة الا ترى
أنه لو هلك في يده لزمته قيمته وبالفسخ وجب عليه رده وقد عجز عن رد قدر الفائت فيلزمه رد قيمته وكذا إذا تعيب بآفة
سماوية لما قلنا وإن كان التعيب بفعل أجنبي فالبائع بالخيار ان شاء اتبع الأجنبي بالأرش لان الجناية حصلت على
ملكه وان شاء اتبع المشترى لان الجناية حصلت في ضمان المشترى فان اختار اتباع الأجنبي فالأجنبي لا يرجع
على أحد لأنه ضمن بفعل نفسه وان اختار اتباع المشترى فالمشترى يرجع بما ضمن من الأرش على الأجنبي لان
المشترى قام مقام البائع في حق ملك بدل الفائت وان لم يقم مقامه في حق ملك نفس الفائت كغاصب المدبر إذا قتل
المدبر في يده وضمنه للمالك ان له ان يرجع بما ضمن على القاتل وان لم يملك نفس المدبر كذا هذا والله عز وجل أعلم
(وأما) شرائط جواز الفسخ فمنها قيام الخيار لان الخيار إذا بطل فقد لزم البيع فلا يحتمل الفسخ ومنها علم صاحبه
بالفسخ عند أبي حنيفة ومحمد حتى لو فسخ بغير علمه كان فسخه موقوفا عندهما ان علم صاحبه بفسخه في مدة الخيار
نفذ وان لم يعلم حتى مضت المدة لزم العقد وكذا لو أجاز الفاسخ العقد نفذ فسخه قبل علم صاحبه وجازت اجازته ولزم
العقد وبطل فسخه وهو قول أبى يوسف الأول ثم رجع وقال علم صاحبه ليس بشرط حتى لو فسخ يصح فسخه علم
صاحبه بالفسخ أو لا وروى عن أبي يوسف أنه فصل بين خيار البائع وخيار المشترى فلم يشترط العلم في خيار البائع
وشرط في خيار المشترى (وأما) خيار الرؤية فهو على هذا الاختلاف ذكره الكرخي ولا خلاف بين أصحابنا في
خيار العيب ان العلم بالفسخ فيه شرط سواء كان بعد القضاء أو قبله وأجمعوا على أن عزل الموكل وكيله بغير علمه وان
فسخ أحد الشريكين الشركة أو نهى رب المال المضارب عن التصرف بغير علمه لا يصح (وجه) قول أبى يوسف
انه يملك الإجازة بغير علم صاحبه فيملك الفسخ والجامع بينهما ان كل واحد منهما حصل بتسليط صاحبه عليه ورضاه
فلا معنى للتوقف على علمه كالوكيل بالبيع إذا باع من غير علم الموكل (وجه) قولهما ان الفسخ لو نفذ بغير علم صاحبه
لتضرر به صاحبه فلا ينفذ دفعا للضرر عنه كالموكل إذا عزل وكيله بغير علمه وبيان الضرر ان صاحبه إذا لم يعلم بالفسخ
فتصرف في المبيع بعد مضى مدة الخيار على ظن أنه ملكه فلو جاز الفسخ من غير علمه لتبين أنه تصرف في ملك غيره
وأنه سبب لوجوب الضمان فيتضرر به ولهذا لم يجز عزل الوكيل بغير علمه كذا هذا بخلاف الإجازة أنه يصح من غير
علمه لأنه لا ضرر فيه كذا لا ضرر في بيع الوكيل بغير علم الموكل ومنها أن لا يكون في الفسخ تفريق الصفقة حتى لا
يملك الإجازة في البعض دون البعض لأنه تفريق الصفقة قبل تمامها وأنه باطل (وأما) الخيار الثابت بالشرط دلالة
فهو خيار العيب والكلام في بيع المعيب في مواضع في بيان حكمه وفي بيان صفة الحكم وفي بيان تفسير العيب
الذي يوجب الخيار وتفصيل المفسر وفي بيان شرائط ثبوت الخيار وفى طريق اثبات العيب وفي بيان كيفية الرد
والفسخ بالعيب بعد ثبوته وفي بيان من تلزمه الخصومة في العيب ومن لا تلزمه وفي بيان ما يمنع الرد بالعيب وفي بيان
ما يسقط بالخيار بعد ثبوته ويلزم البيع وفي بيان ما يمنع الرجوع بنقصان العيب وما لا يمنع وفي بيان طريق
الرجوع (أما) حكمه فهو ثبوت الملك للمشترى في المبيع للحال لان ركن البيع مطلق عن الشرط والثابت بدلالة
273

النص شرط السلامة لا شرط السبب ولا شرط الحكم وأثره في منع اللزوم لا في منع أصل الحكم بخلاف البيع
بشرط الخيار لان الشرط المنصوص عليه هناك دخل على السبب فيمنع انعقاده في حق الحكم في مدة الخيار (وأما)
صفته فهي أنه ملك غير لازم لان السلامة شرط في العقد دلالة فما لم يسلم المبيع لا يلزم البيع فلا يلزم حكمه والدليل على
أن السلامة مشروطة في العقد دلالة ان السلامة في البيع مطلوبة المشترى عادة إلى آخره لان غرضه الانتفاع بالمبيع
ولا يتكامل انتفاعه الا بقيد السلامة ولأنه لم يدفع جميع الثمن الا ليسلم له جميع المبيع فكانت السلامة مشروطة في
العقد دلالة فكانت كالمشروطة نصا فإذا فاتت المساواة كان له الخيار كما إذا اشترى جارية على أنها بكر أو على أنها
طباخة فلم يجدها كذلك وكذا السلامة من مقتضيات العقد أيضا لأنه عقد معاوضة والمعاوضات مبناها على المساواة
عادة وحقيقة وتحقيق المساواة في مقابلة البدل بالمبدل والسلامة بالسلامة فكان اطلاق العقد مقتضيا للسلامة
فإذا لم يسلم المبيع للمشترى يثبت له الخيار لان المشترى يطالبه بتسليم قدر الفائت بالعيب بحكم العقد وهو عاجز عن
تسلميه فيثبت الخيار ولان السلامة لما كانت مرغوبة المشترى ولم يحصل فقد اختل رضاه وهذا يوجب الخيار لان
الرضا شرط صحة البيع قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض
منكم فانعدام الرضا يمنع صحة البيع واختلاله يوجب الخيار فيه اثباتا للحكم على قدر الدليل والأصل في شرعية هذا الخيار
ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من اشترى شاة محفلة فوجدها مصراة فهو بخير النظرين ثلاثة أيام
وفى رواية فهو بأحد النظرين إلى ثلاثة ان شاء أمسك وان شاء رد ورد معها صاعا من تمر والنظران المذكوران هما نظر
الامساك والرد وذكر الثلاث في الحديث ليس للتوقيت لان هذا النوع من الخيار ليس بموقت بل هو بناء الامر على
الغالب المعتاد لان المشترى إن كان به عيب يقف عليه المشترى في هذه المدة عادة فيرخى به فيمسكه أو لا يرضى به فيرده
والصاع من التمر كأنه قيمة اللبن الذي حلبه المشترى علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق المشاهدة والله عز وجل
أعلم (وأما) تفسير العيب الذي يوجب الخيار وتفصيل المفسر فكل ما يوجب نقصان الثمن في عادة التجار نقصانا
فاحشا أو يسيرا فهو عيب يوجب الخيار وما لا فلا نحو العمى والعور والحول والقبل وهو نوع من الحول مصدر
الاقبل وهو الذي كأنه ينظر إلى طرف أنفه والسبل وهو زيادة في الأجفان والعشا مصدر الأعشى وهو الذي لا يبصر
بالليل والخوص مصدر الأخوص وهو غائر العين والحوص مصدر الأحوص وهو الضيق مؤخر العين والغرب
وهو ورم في الآماق وهي أطراف العين التي تلي الانف وقيل هو درور الدمع دائما والظفرة وهي التي يقال لها بالفارسية
ناخنه والشتر وهو انقلاب جفن العين والبرص والقرع والسلع والشلل والزمانة والفدع وهو اعوجاج في الرسغ
من اليد أو الرجل والفجج مصدر الافجج وهو الذي يتدانى عقباه وينكشف ساقاه في المشي والصكك مصدر
الاصك وهو الذي يصكك ركبتاه والحنف مصدر الأحنف وهو الذي أقبلت احدى ابهام رجليه على الأخرى
والبزى مصدر الابزى وهو خروج الصدر والعسر مصدر الأعسر وهو الذي يعمل بشماله والإصبع الزائدة
والناقصة والسن الشاغية والسوداء والناقصة والظفر الأسود والبخر وهو نتن الفم في الجواري لا في العبيد الا أن
يكون فاحشا لأنه حينئذ يكون عن داء والزفر وهو نتن الإبط في الجارية لا في الغلام الا أن يفحش فيكون عيبا فيهما
جميعا والادر مصدر الادرة وهو الذي به أدرة يقال لها بالفارسية فتح والرتق وهو انسداد فرج الجارية والفتق وهو
انفتاح فرجها والقرن وهو في النساء كالادرة في الرجال والشمط والشيب في الجواري والعبيد والسلول والقروح
والشجاج والأمراض كلها والحبل في الجواري لا في البهائم لأنه زيادة في البهيمة وحذف الحروف في المصحف
الكريم أو في بعضه والزنا في الجارية لا في الغلام لأنه يفسد الفراش وقد يقصد الفراش في الإماء بخلاف الغلام الا
إذا فحش وصار اتباع النساء عادة له فيكون عيبا فيه أيضا لأنه يوجب تعطيل منافعه على المولى وكذا إذا ظهر وجوب
الخد عليه فهو عيب وقال بعض مشايخنا ببلخ الزنا يكون عيبا في الغلام أيضا لأنه لا يؤتمن على أهل البيت فلا يستخدم
274

وهذا ليس بسديد لان الغلام الكبير لا يشترى للاستخدام في البيت بل للأعمال الخارجة وكون المشترى ولد الزنا في
الجارية لا في العبيد لما ذكرنا أنه قد يقصد الفراش من الجواري فإذا جاءت بولد يعير ولده بأمه بخلاف الغلام لأنه
يشترى للخدمة عادة والكفر في الجارية والغلام عيب لان الطبع السليم ينفر عن صحبة الكافر (وأما) الاسلام
فليس بعيب بأن اشترى نصراني عبدا فوجده مسلما لان الاسلام زيادة والنكاح في الجارية والغلام لان منافع
البضع مملوكة للزوج والعبد يباع في المهر والنفقة فيوجب ذلك نقصانا في ثمنهما والعدة من طلاق رجعي لا من طلاق
بائن أو ثلاث لان الرجعي لا يوجب زوال الملك بخلاف البائن والثلاث واحتباس الحيضة في الجارية البالغة
مدة طويلة شهران فصاعدا والاستحاضة لان ارتفاع الحيض في أوانه لا يكون الا لداء عادة وكذا استمرار الدم
في أيام الطهر والاحرام في الجارية ليس بعيب لان المشترى يملك ازالته فان له ان يحللها والحرمة بالرضاع أو الصهرية
ليس بعيب فيها لان الجواري لا يشترين للاستمتاع عادة بل للاستخدام في البيت وهذه الحرمة لا تقدح في ذلك
بخلاف النكاح حيث يكون عيبا وان لم يثبت به الا حرمة الاستمتاع لأنه يخل بالاستخدام والثيابة في الجارية ليس
بعيب الا أن يكون اشتراها على شرط البكارة فيردها بعد الشرط والدين والجناية لأنه يدفع بالجناية ويباع بالدين
والجهل بالطبخ والخبز في الجارية ليس بعيب لأنه لا يوجب نقصان الثمن في عادة التجار بل هو حرفة بمنزلة الخياطة
ونحوها فانعدامه لا يكون عيبا الا أن يكون ذلك مشروطا في العقد فيردها لفوات الشرط لا للعيب ولو كانت تحسن
الطبخ والخبز في يد البائع ثم نسيت في يده فاشتراها فوجدها لا تحسن ذلك ردها وان لم يكن ذلك مشروطا في العقد
لأنها إذا كانت تحسن ذلك في يد البائع وهي صفة مرغوبة تشترى لها الجارية عادة فالظاهر أنه إنما اشتراها رغبة فيها
فصارت مشروطة دلالة فيردها لانعدام المشروط كما لو شرط ذلك نصار وانعدام الختان في الغلام والجارية إذا كانا
مولودين كبيرين فإن كانا مولودين صغيرين فليس بعيب لان الختان في حالة الكبر فيه زيادة ألم وهذا الذي ذكر في
الجارية في عرف بلادهم لأنهم يختنون الجواري فاما في عرف ديارنا فالجارية لا تختن فعدم الختان فيها لا يكون عيبا
أصلا وإن كان الغلام كبيرا حربيا لا يكون عيبا لان فيه ضرورة لان أكثر الرقيق يؤتى به من دار الحرب وأهل
الحرب لا ختان لهم فلو جعل ذلك عيبا يرد به لضاق الامر على الناس ولان الختان إذا لم يكن من فعل أهل دار الحرب
وعادتهم ومع ذلك اشتراه كان ذلك منه دلالة الرضا بالعيب والإباق والسرقة والبول في الفراش والجنون لان كل
واحد منهما يوجب النقصان في الثمن في عادة التجار نقصانا فاحشا فكان عيبا الا أنه هل يشترط في هذه العيوب
الأربعة اتحاد الحالة وهل يشترط ثبوتها عند المشترى بالحجة لثبوت حق الرد فسنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى
والحنف مصدر الأحنف من الخيل وهو الذي احدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء والصدف مصدر
الاصدف وهو الدابة التي يتدانى فخذاها ويتباعد حافراها ويلتوى رسغاها والعزل مصدر الأعزل وهو من الدواب
الذي يقع ذنبه من جانب عادة لا خلقة والمشش وهو ارتفاع العظم لآفة اصابته والجرد مصدر الاجرد وهو من
الإبل الذي أصابه انقطاع عصب من يده أو رجله فهو ينقصها إذا سار والحران والحرون مصدر الحرون وهو
الذي يقف ولا ينقاد للسائق ولا للقائد والجماح والجموح مصدر الجموح وهو أن يشتد الفرس فيغلب راكبه وخلع
الرسن ظاهر وبل المخلاة كذلك والهشم في الأواني والصدع في الحوائط والجدوع ونحوها من العيوب فأنواع
العيوب فيها كثيرة لا وجه لذكرها ههنا كلها والتعويل في الباب على عرف التجار فما نقص الثمن في عرفهم فهو عيب
يوجب الخيار وما لا فلا والله عز وجل أعلم وأما شرائط ثبوت الخيار (فمنها) ثبوت العيب عند البيع أو بعده قبل
التسليم حتى لو حدث بعد ذلك لا يثبت الخيار لان ثبوته لفوات صفة السلامة المشروطة في العقد دلالة وقد حصلت
السلعة سليمة في يد المشترى (ومنها) ثبوته عند المشترى بعد ما قبض المبيع ولا يكتفى بالثبوت عند البائع لثبوت
حق الرد في جميع العيوب عند عامة المشايخ وقال بعضهم فيما سوى العيوب الأربعة من الإباق والسرقة والبول في
275

الفراش والجنون فكذلك فأما في العيوب الأربعة فثبوتها عند المشترى ليس بشرط بل الثبوت عند البائع كاف
وبعضهم فصل في العيوب الأربعة فقال لا يشترط في الجنون ويشترط في غيره من العيوب الثلاثة (وجه) قول من
فصل هذه العيوب الأربعة من سائرها في اعتبار هذا الشرط ان هذه العيوب عيوب لازمة لا زوال لها إذا ثبتت في
شخص إلى أن يموت فثبوتها عند البائع يدل على بقائها عند المشترى فكان له حق الرد من غير أن يظهر عنده بخلاف
سائر العيوب فإنها ليست بلازمة (وجه) قول من فرق بين الجنون وغيره من الأنواع الثلاثة ان الجنون لفساد في
محل العقد وهو الدماغ وهذا مما لا زوال له عادة إذا ثبت ولهذا قال محمد ان الجنون عيب لازم بخلاف الإباق والبول في
الفراش انها ليست بلازمة بل تحتمل الزوال لزوال أسبابها (وجه) قول العامة قول محمد نصا في الجامع الصغير فإنه
ذكر فيه أنه لا يثبت للمشترى حق الرد في هذه العيوب الأربعة الا بعد ثبوتها عنده فكان المعنى فيه ان الثابت عند
البائع محتمل الزوال قابل الارتفاع فاما ما سوى العيوب الأربعة لا شك فيه وكذلك العيوب الأربعة لان حدوثها
في الذات للأسباب الموجبة للحدوث وهي محتملة للزوال فكانت هي محتملة للزوال لاحتمال زوال أسبابها فان
بقيت يثبت حق الرد وان ارتفعت لا يثبت فلا يثبت حق الرد بالاحتمال فلابد من ثبوتها عند المشترى ليعلم أنها قائمة
وقول القائل الجنون إذا ثبت لا يزول عادة ممنوع فان المجنون قد يفيق ويزول جنونه بحيث لا يعود إليه فما لم يوجد
عند المشترى لا يعلم بقاؤه كما في الأنواع الأخر الا أن الفرق بين الجنون وغيره من الأنواع الثلاثة من وجه آخر وهو
ان هناك يشترط اتحاد الحالة لثبوت حق الرد وهو أن يكون وجودها عند البائع والمشترى في حالة الصغر أو في حال
الكبر حتى لو أبق أو سرق أو بال في الفراش عند البائع وهو صغير عاقل ثم كان ذلك في يد المشترى بعد البلوغ لا يثبت له
حق الرد وفى الجنون اتحاد الحالة ليس بشرط وإنما كان كذلك لان اختلاف الحال في العيوب الثلاث يوجب
اختلاف السبب لان السبب البول على الفراش في حال الصغر هو ضعف في المثانة وفى الكبر هو داء في الباطن
والسبب في الإباق والسرقة في الصغر هو الجهل وقلة التميز وفى الكبر الشرارة وخبث الطبيعة واختلاف السبب
يوجب اختلاف الحكم فكان الموجود في يد المشترى بعد البلوغ غير الموجود في يد البائع فكان عيبا حادثا وانه يمنع
الرد بالعيب بخلاف الجنون لان سببه في الحالين واحد لا يختلف وهو فساد في محل العقل وهو الدماغ فكان الموجود
في حالة الكبر عين الموجود في حالة الصغر وهذا والله عز وجل أعلم معنى قول محمد في الكتاب الجنون عيب لازم أبدا
لا ما قاله أولئك والله عز وجل الموفق (ومنها) عقل الصبي في الإباق والسرقة والبول على الفراش حتى لو أبق أو
سرق أو بال على الفراش في يد البائع وهو صغير لا يعقل ثم كان ذلك في يد المشترى وهو كذلك لا يثبت له حق الرد وهذا
إذا فعل ذلك في يد البائع وهو صغير لا يعقل ثم وجد ذلك في يد المشترى بعد ما عقل لان الموجود في يد البائع ليس بعيب
ولا بد من وجود العيب في يده (ومنها) اتحاد الحال في العيوب الثلاثة فان اختلف لم يثبت حق الرد بان أبق أو سرق
أو بال على الفراش في يد البائع وهو صغير عاقل ثم كان ذلك في يد المشترى بعد البلوغ لان اختلاف الحال دليل
اختلاف سبب العيب على ما بينا واختلاف سبب العيب يوجب اختلاف العيب فكان الموجود بعد البلوغ عيبا
حادثا عند الرد والله عز وجل أعلم (ومنها) جهل المشترى بوجود العيب عند العقد والقبض فإن كان عالم به عند أحدهما
فلا خيار له لان الاقدام على الشراء مع العلم بالعيب رضا به دلالة وكذا إذا لم يعلم عند العقد ثم علم بعده قبل القبض لان
تمام الصفقة متعلق بالقبض فكان العلم عند القبض كالعلم عند العقد (ومنها) عدم اشتراط البراءة عن العيب في البيع
عندنا حتى لو شرط فلا خيار للمشترى لان شرط البراءة عن العيب في البيع عندنا صحيح فإذا أبرأه فقد أسقط حق
نفسه فصح الاسقاط فيسقط ضرورة ثم الكلام في البيع بشرط البراءة في الأصل في موضعين أحدهما في جوازه
والثاني في بيان ما يدخل تحت البراءة من العيب أما الكلام في جوازه فقد مر في موضعه وإنما الحاجة ههنا إلى بيان
ما يدخل تحت البراءة من العيب فنقول وبالله التوفيق البراءة لا تخلو اما إن كانت عامة بان قال بعت على أنى برئ من
276

العيوب أو قال من كل عيب واما إن كانت خاصة بان قال من عيب كذا وسماه وكل ذلك لا يخلو من ثلاثة أوجه إما ان
قيد البراءة بعيب قائم حالة العقد واما ان أطلقها اطلاقا واما ان أضافها إلى عيب يحدث في المستقبل فان قيدها بعيب قائم
حالة العقد لا يتناول العيب الحادث بعد البيع قبل القبض بلا خلاف سواء كانت البراءة عامة بان قال أبرأتك من كل
عيب به أو خاصة بان قال أبرأتك مما به من عيب كذا لان اللفظ المقيد بوصف لا يتناول غير الموصوف بتلك الصفة
وان أطلقها اطلاقا دخل فيه القائم والحادث عند أبي يوسف وعند محمد لا يدخل فيه الحادث وله أن يرده وهو قول زفر
(وجه) قول محمد ان الابراء عن العيب يقتضى وجود العيب لان الابراء عن المعدوم لا يتصور والحادث لم يكن
موجودا عند البيع فلا يدخل تحت الابراء فلو دخل إنما يدخل بالإضافة إلى حالة الحدوث والابراء لا يحتمل
الإضافة لان فيه معنى التمليك حتى يرتد بالرد ولهذا لم يدخل الحادث عند الإضافة إليه نصا فعند الاطلاق أولى (وجه)
قول أبى يوسف ان لفظ الابراء يتناول الحادث نصا ودلالة (أما) النص فإنه عم البراءة عن العيوب كلها أو خصها
بجنس من العيوب على الاطلاق نصا فتخصيصه أو تقييده بالموجود عند العقد لا يجوز الا بدليل (وأما) الدلالة
فهي ان غرض البائع من هذا الشرط هو انسداد طريق الرد ولا ينسد الا بدخول الحادث فكان داخلا فيه دلالة
(وأما) قول محمد ان هذا ابراء عما ليس بثابت فعبارة الجواب عن هذا الحرف من وجهين أحدهما أن يقال هذا
ممنوع بل هو ابراء عن الثابت لكن تقديرا وبيانه من وجهين أحدهما ان العيب الحادث قبل القبض كالموجود عند
العقد ولهذا يثبت حق الرد به كما يثبت بالموجود عند العقد ولما ذكرنا ان القبض حكم العقد فكان هذا ابراء عن حق
ثابت تقديرا والثاني ان سبب حق الرد موجود وهو البيع لان البيع يقتضى تسليم المعقود عليه سليما عن العيب فإذا
عجز عن تسليمه بصفة السلامة يثبت له حق الرد ليسلم له الثمن فكان وجود تسليم المبيع سببا لثبوت حق الرد والبيع
سبب لوجود تسليم المبيع فكان ثبوت حق الرد بهذه الوسائط حكم البيع السابق والبيع سبب فكان هذا ابراء
عن حق الرد بعد وجود سببه وسبب الشئ إذا وجد يجعل هو ثبوتا تقديرا لاستحالة الحكم خلو الحكم عن السبب فكان
ابراء عن الثابت تقديرا ولهذا صح الابراء عن الجراحة لكون الجرح سبب السراية فكان ابراء عما يحدث من
الجرح تقديرا وكذا الابراء عن الأجرة قبل استيفاء المنفعة يصح وإن كانت الأجرة لا تملك عندنا بنفس العقد لما
قلنا كذا هذا والثاني ان هذا ابراء عن حق ليس بثابت لكن بعد وجود سببه وهو البيع وانه صحيح كالابراء عن
الجرح والابراء عن الأجرة على ما بينا بخلاف الابراء عن كل حق له أنه لا يتناول الحادث لان الحادث معدوم للحال
بنفسه وبسببه فلو أنصرف إليه الابراء لكان ذلك ابراء عما ليس بثابت أصلا لا حقيقة ولا تقديرا لانعدام سبب
الحق فلم ينصرف إليه وقوله لو تناول الحادث لكان هذا تعليق البراءة بشرط أو الإضافة إلى وقت ممنوع بل هذا ابراء
عن حق ثابت وقت الابراء تقديرا لما بينا من الوجهين فلم يكن هذا تعليقا ولا إضافة فيصح والله عز وجل أعلم وان
أضافها إلى عيب حادث بان قال على أنى برئ من كل عيب يحدث بعد البيع فالبيع بهذا الشرط فاسد عندنا لان
الابراء لا يحتمل الإضافة لأنه وإن كان اسقاطا ففيه معنى التمليك ولهذا لا يحتمل الارتداد بالرد ولا يحتمل الإضافة
إلى زمان في المستقبل نصا كما لا يحتمل التعليق بالشرط فكان هذا بيعا أدخل فيه شرطا فاسدا فيوجب فساد البيع
ولو اختلفا في عيب فقال البائع هو كان موجودا عند العقد فدخل تحت البراءة وقال المشترى بل هو حادث لم يدخل
تحت البراءة فإن كانت البراءة مطلقة فهذا لا يتفرع على قول أبى يوسف لان العيب الحادث داخل تحت البراءة
المطلقة عنده فأما على قول محمد فالقول قول البائع مع يمينه وقال زفر والحسن بن زياد القول قول المشترى (وجه)
قولهما ان المشترى هو المبرى لان البراءة تستفاد من قبله فكان القول فيما أبرأ قوله (وجه) قول محمد ان البراءة عامة
والمشترى يدعى حق الرد بعد عموم البراءة عن حق الرد بالعيب والبائع ينكر فكان القول قوله كما لو أبرأه عن الدعاوى
كلها ثم ادعى شيئا مما في يده وهو ينكر كان القول قوله دون المشترى لما قلنا كذا هذا ولو كانت مقيدة بعيب يكون
277

عند العقد فاختلف البائع والمشترى على نحو ما ذكرنا فالقول قول المشترى لان البراءة المقيدة بحال العقد لا تتناول الا
الموجود حالة العقد والمشترى يدعى العيب لأقرب الوقتين والبائع يدعيه لأبعدهما فكان الظاهر شاهدا للمشترى
وهذا لأن عدم العيب أصل والوجود عارض فكان إحالة الموجود إلى أقرب الوقتين أقرب إلى الأصل والمشترى
يدعى ذلك فكان القول قوله ولو اشترى عبدا وقبضه فساومه رجل فقال المشترى اشتره فإنه لا عيب به ثم لم ينفق البيع
بينهما ثم وجد المشترى به عيبا وأقام البينة على أن هذا العيب كان عند البائع فقال له البائع انك أقررت أنه لا عيب به فقد
أكدت شهودك لا يبطل بهذا الكلام حقه في الرد بالعيب وله أن يرده لان مثل هذا الكلام في المتعارف لا يراد به
حقيقة وإنما يذكر لترويج السلعة ولان ظاهره كذب لأنه نفى عنه العيوب كلها والآدمي لا يخلو عن عيب فالتحق
بالعدم وصار كأنه لم يتكلم به ولو عين نوعا من العيوب بان قال اشتره فإنه ليس به عيب كذا ثم وجد به عيبا وأراد الرد فإن كان
ذلك نوعا آخر سوى النوع الذي عينه له أن يرده لأنه لا اقرار منه بهذا النوع وإن كان من النوع الذي عين
ينظر إن كان مما يحدث مثله في تلك المدة ليس له حق الرد لان مثل هذا الكلام يراد به التحقيق في المتعارف
لا ترويح السلعة فصار مناقضا ولان الآدمي يخلو عن عيب معين فلم يتعين بكذبه وإن كان مما لا يحدث مثله في مثل
تلك المدة له حق الرد لأنا تيقنا بكذبه حقيقة فالتحق كلامه بالعدم ولو أبرأه عن عيب واحد شجة أو جرح فوجد
شجتين أو جرحين فعلى قول أبى يوسف الخيار للبائع يبرأ من أيهما شاء وعلى قول محمد الخيار للمشترى يرد أيهما
شاء وفائدة هذا الاختلاف إنما تظهر عند امتناع الرد باعتراض أسباب الامتناع من هلاك المبيع أو حدوث
عيب آخر في يد المشترى أو غير ذلك من الأسباب المانعة من الرد وأراد الرجوع بنقصان العيب فأما عند امكان الرد
فلا تظهر فائدة في هذا الاختلاف (وجه) قول محمد ان الابراء يستفاد من قبل المشترى والاحتمال جاء من قبله
حيث أطلق البراءة إلى شجة واحدة غير عين وإذا كان الاجمال منه كان البيان إليه (وجه) قول أبى يوسف ان
الابراء وإن كان من المشترى لكن منفعة الابراء عائدة إلى البائع فصار كان المشترى فوض التعيين إليه فكان الخيار له
ولو أبرأه من كل داء روى الحسن عن أبي حنيفة انه يقع عن الباطن لأن الظاهر يسمى مرضا لأداء وروى عن أبي
يوسف انه يقع عن الظاهر والباطن جميعا لان الكل داء ولو أبرأه من كل غائلة فهي على السرقة والإباق والفجور
وكل ما كان من فعل الانسان مما يعده التجار عيبا كذا روى عن أبي يوسف لان الغائلة هي الجناية وهي التي
تكتب في عهدة المماليك لا داء ولا غائلة على ما كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما اشترى عبدا أو أمة
وهذا ما اشترى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من القد بن خالد بن هوذة عبدا أو أمة لا داء به ولا غائلة بيع المسلم
من المسلم والله عز وجل أعلم (وأما) طريق اثبات العيب فلا يمكن الوصول إلى معرفة أقسام العيوب لان طريق
اثبات العيب يختلف باختلاف العيب فنقول وبالله التوفيق العيب لا يخلو (أما) أن يكون ظاهرا شاهدا يقف عليه كل
أحد كالإصبع الزائدة والناقصة والسن الشاغية والساقطة وبياض العين والعور والقروح والشجاج ونحوها
(أما) أن يكون باطنا خفيا لا يقف عليه الا الخواص من الناس وهم الأطباء والبياطرة (وأما) يكون مما لا يقف
عليه الا النساء بأن كان على فرج الجارية أو مواضع العورة منها واما أن يكون مما لا يقف عليه النساء بأن كان داخل
الفرج واما أن يكون مما لا يقف عليه الا الجارية المشتراة كارتفاع الحيض والاستحاضة واما أن يكون مما لا يوقف
عليه الا بالتجربة والامتحان عند الخصومة كالإباق والسرقة والبول على الفراش والجنون والمشترى لا يخلو اما أن
يريد اثبات كون العيب في يده للحال واما أن يريد اثبات كونه في يد البائع عند البيع والقبض فان أراد اثبات كونه للحال
فإن كان يوقف عليه بالحس والعيان فإنه يثبت بنظر القاضي أو أمينه لان العيان لا يحتاج إلى البيان وإن كان لا يقف
عليه الا الأطباء والبياطرة فيثبت لقوله عز وجل فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون وهم في هذا الباب من أهل
الذكر فيسئلون وهل يشترط فيه العدد ذكر الكرخي في مختصره انه يشترط فلا يثبت الا بقول اثنين منهم من أهل
278

الشهادة وهكذا ذكر القاضي الاسبيجابي في شرحه مختصر الطحاوي وذكر شيخي الإمام الزاهد علاء الدين محمد
ابن أحمد السمرقندي رحمه الله في بعض مصنفاته انه ليس بشرط ويثبت بقول مسلم عدل منهم وكذا ذكر الشيخ
الإمام الزاهد أبو المعين في الجامع الكبير من تصانيفه (وجه) هذا القول إن هذه الشهادة لا يتصل بها القضاء وإنما
تصح بها الخصومة فقط فلا يشترط فيها العدد وهذا لان شرط العدد في الشهادة ثبت تعبدا غير معقول المعنى لان
رجحان جانب الصدق على جانب الكذب في خبر المسلم لا يقف على عدد بل يثبت بنفس العدالة الا أن الشرع
ورد به تعبدا فيراعى فيه مورد التعبد وهو شهادة يتصل بها القضاء وهذه شهادة لا يتصل بها القضاء فبقيت على أصل
القياس وحجة القول الأول النصوص المقتضية لاعتبار العدد في عموم الشهادة والمعقول الذي ذكرناه في كتاب
الشهادات ولأن هذه الشهادة وإن كان لا يتصل بها القضاء لكنها من ضرورات القضاء لا وجود للقضاء بدونها ألا
ترى انه ما لم يثبت العيب عند البائع والمشترى فالقاضي لا يقضى بالرد فكان من ضرورات القضاء فيشترط فيها العدد
كما يشترط في الشهادة على اثبات العيب عند البائع وإن كان مما لا يطلع عليه الا النساء فالقاضي يريهن ذلك لقوله
عز وجل فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون والنساء فيما لا يطلع عليه الرجال أهل الذكر ولا يشترط العقد منهن
بل يكتفى بقول امرأة واحدة عدل والثنتان أحوط لان قولها فيما لا يطلع عليه الرجال حجة في الشرع كشهادة القابلة في
النسب لكن لابد من العدالة لان هذا يرجح جانب الصدق على جانب الكذب في الخبر ولا يثبت بقول المشترى
وإن كان يطلع عليه لان النظر إلى موضع العيب مباح له لأنه متهم في هذا الباب ولا تهمة فيهن ورخصة النظر ثابتة لهن
حالة الضرورة على ما ذكرنا في كتاب الاستحسان فيلحق هذا بما لا يطلع عليه الا النساء لما قلنا وإن كان لا يطلع
عليه الا الجارية المشتراة فلا يثبت بقولها لكونها متهمة وإن كان في داخل فرجها فلا طريق للوقوف عليه أصلا
فكان الطريق في هذين النوعين هو استحلاف البائع بالله عز وجل ليس به للحال هذا العيب (وأما) الإباق والسرقة
والبول في الفراش والجنون فلا يثبت الا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين لان هذا مما لا يوقف عليه الا بالخبر ولا
ضرورة فيه فلا بد من اعتبار العدد فيه كما في سائر الشهادات فإن لم يقم للمشترى حجة على اثبات العيب للحال في هذه
العيوب الأربعة هل يستحلف البائع لم يذكر في الأصل وذكر في الجامع أنه يستحلف في قول أبى يوسف ومحمد
وسكت عن قول أبي حنيفة عن المشايخ من قال يستحلف بلا خلاف بينهم والتنصيص على قولهما لا يدل على أن أبا
حنيفة مخالفهما ومنهم من قال المسألة على الاختلاف ذكرت في النوادر وذكر الطحاوي أيضا ان عند أبي حنيفة
لا يستحلف وعندهما يستحلف (وجه) قولهما ان المشترى يدعى حق الرد ولا يمكنه الرد الا باثبات العيب عند
نفسه وطريق الاثبات البينة أو نكول البائع فإذا لم تقم له بينة يستحلف لينكل البائع فيثبت العيب عند نفسه ولهذا
يستحلف عند عدم البينة على اثبات العيب عند البائع كذا هذا ولأبي حنيفة ان الاستحلاف يكون عقيب الدعوى
على البائع ولا دعوى له على البائع الا بعد ثبوت العيب عند نفسه ولم يثبت فلم تثبت دعواه على البائع فلا يستحلف
وقولهما له طريق الاثبات وهو النكول قلنا النكول بعد الاستحلاف وانعدام الدعوى يمنع الاستحلاف لان
استحلاف البائع في هذه العيوب على العلم لا على البتات بالله ما يعلم أن هذا العبد أبق عند المشترى ولا سرق ولا بال
على الفراش ولا جن ولا يحلف على البتات لأنه حلف على غير فعله ومن حلف على غير فعله يحلف على العلم لأنه
لا علم له بما ليس بفعله ومن حلف على فعل نفسه يحلف على البتات أصله خبر المثنوى فان حلف لم يثبت العيب عند
المشترى وان نكل يثبت عنده فيحتاج إلى الاثبات عنده وإذا أراد اثبات العيب عند البائع فينظر إن كان العيب
مما لا يحتمل الحدوث أصلا كالإصبع الزائدة ونحوها أو لا يحتمل حدوث مثله في مثل تلك المدة كالسن الشاغية
ونحوها ثبت كونه عند البائع بثبوت كونه عند المشترى لأنه إذا لم يحتمل الحدوث أو لا يحتمل حدوث مثله في مثل
تلك المدة فقد تيقنا بكونه عند البائع وإن كان مما يحتمل حدوث مثله في مثل تلك المدة لا يكتفى بثبوت كونه عند
279

المشترى بل يحتاج المشترى إلى اثبات كونه عند البائع لأنه إذا احتمل حدوث مثله في مثل تلك المدة احتمل أنه لم
يكن عند المشترى فلا يثبت حق الرد بالاحتمال فلا بد من اثباته عند البائع بالبينة وهي شهادة رجلين
أو رجل وامرأتين طبيبتين كانا أو غير طبيبتين وإنما شرط العدد في هذه الشهادة لأنها شهادة يقضى بها على الخصم
فكان العدد فيها شرطا كسائر الشهادات التي يقضى بها على الخصوم وروى عن أبي يوسف ان فيما لا يطلع عليه
الا النساء يرد بثبوته عند المشترى ولا يحتاج إلى الاثبات عند البائع والمشهور من مذهب أبي يوسف ومحمد رحمهما
الله انه لا يكتفى بالثبوت المشترى بل لابد من اثباته عند البائع وهو الصحيح لان قول النساء في هذا الباب حجة
ضرورة والضرورة في القبول حق ثبوته عند المشترى لتوجه الخصومة وليس من ضرورة ثبوته عند البائع
لاحتمال الحدوث فيقبل قولهما في حق توجه الخصومة لان حق الرد على البائع وإذا كان الثبوت عند البائع فيما
يحدث مثله شرطا لثبوت حق الرد فيقول القاضي هل كان هذا العيب عندك فان قال نعم رد عليه الا أن يدعى الرضا
أو الابراء وان قال لا كان القول قوله الا أن يقيم المشترى البينة لان المشترى يدعى عليه حق الرد وهو ينكر فان أقام
المشترى البينة على ذلك رده على البائع الا أن يدعى الدفع أو الابراء ويقيم البينة على ذلك فتندفع دعوى
المشترى وان لم يكن له بينة فطلب يمين المشترى حلفه القاضي بالله سبحانه وتعالى ما رضى بهذا العيب والا أبرأه عنه
ولا عرضه على البيع منذ رآه وان لم يدع الدفع بالرضا والابراء فان القاضي يقضى بفسخ العقد ولا يستحلف المشترى
على الرضا والابراء والعرض على البيع عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يفسخ ما لم يستحلفه بالله تعالى ما رضى
بهذا العيب ولا أبرأه عنه ولا عرضه على البيع بعدما علم به من العيب (وجه) قول أبى يوسف ان القاضي لو قضى
بالفسخ قبل الاستحلاف فمن الجائز أن يدعى البائع على المشترى بالدفع بدعوى الرضا والابراء بعد القضاء بالفسخ
ويقيم البينة علية فيفسخ قضاؤه فكان الاستحلاف قبل الفسخ فيه صيانة للقضاء عن النقض وانه واجب (وجه)
قولهما ان البائع إذا لم يطلب يمين المشترى فتحليف القاضي من غير طلب الخصم انشاء الخصومة والقاضي نصب لقطع
الخصومة لا لانشائها وقال أبى يوسف ان في هذا صيانة قضاء القاضي عن الفسخ فنقول الصيانة حاصلة بدونه
لأن الظاهر أن البائع لم يعلم بوجود الرضا من المشترى إذ لو علم لادعى الدفع بدعوى ولما سكت عن دعوى الدفع عند
قيام البينة دل انه لم يظهر له الرضا من المشترى فلا يدعى الدفع بعد ذلك وان لم يقم المشترى بينة على اثبات العيب عند
البائع وطلب المشترى يمينه ففيما سوى العيوب الأربعة يستحلف على البتات بالله تعالى لقد بعته وسلمته وما به هذا
العيب وإنما يجمع بين البيع والتسليم في الاستحلاف لان الاقتصار على البيع يوجب بطلان حق المشترى في
بعض الأحوال لجواز أن يحدث العيب بعد البيع قبل التسليم فيبطل حقه فكان الاحتياط هو الجمع بينهما ومنهم من
قال لا احتياط في هذا لأنه لو استحلف على هذا الوجه فمن الجائز حدوث العيب بعد البيع قبل التسليم فيكون البائع
صادقا في يمينه لان شرط حنثه وجود العيب عند البيع والتسليم جميعا فلا يحنث بوجوده في أحدهما فيبطل حق
المشترى فكان الاحتياط في هذا الاستحلاف على حاصل الدعوى بالله عز وجل ما له حق الرد بهذا العيب الذي
ذكره ومنهم من قال يستحلف بالله تعالى لقد سلمته وما به هذا العيب الذي يدعى وهو صحيح لأنه يدخل فيه الموجود
عند البيع والحادث قبل التسليم وإنما لم يستحلف على البتات لأنه استحلف على فعل نفسه وهو البيع والتسليم
بصفة السلامة ثم إذا حلف فان حلف برئ ولا يرد عليه وان نكل يرد عليه ويفسخ العقد الا إذا ادعى البائع على
المشترى الرضا بالعيب أو الابراء عنه أو العرض على البيع بعد العلم به ويقيم البينة فيبرأ ولا يرد عليه وان لم يكن له بينة
وطلب تحليف المشترى يحلف عليه وان لم يطلب يفسخ العقد ولا يحلفه عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف على
ما تقدم (وأما) في العيوب الأربعة ففي الثلاثة منها وهي الإباق والسرقة والبول في الفراش يستحلف بالله تعالى
ما أبق عندك منذ بلغ مبلغ الرجال وفى الجنون بالله عز وجل ما جن عندك قط وإنما اختلفت هذه العيوب في كيفية
280

الاستحلاف لما ذكرنا فيما تقدم ان اتحاد الحالة في العيوب الثلاثة شرط ثبوت حق الرد وليس بشرط في الجنون بل هو
عيب لازم أبدا وأما كيفية الرد والفسخ بالعيب بعد ثبوته فالمبيع لا يخلو اما أن يكون في يد البائع أو في يد المشترى فإن كان
في يد البائع ينفسخ البيع بقول المشترى رددت ولا يحتاج إلى قضاء القاضي ولا إلى التراضي بالاجماع وإن كان في
يد المشترى لا ينفسخ الا بقضاء القاضي أو بالتراضي عندنا وعند الشافعي رحمه الله ينفسخ بقوله رددت من غير
الحاجة إلى القضاء ولا إلى رضا البائع وأجمعوا على أن الرد بخيار الشرط يصح من غير قضاء ولا رضاء وكذلك الرد
بخيار الرؤية متصلا بلا خلاف بين أصحابنا (وجه) قول الشافعي رحمه الله ان هذا نوع فسخ فلا تفتقر صحته إلى
القضاء ولا إلى الرضا كالفسخ بخيار الشرط بالاجماع وبخيار الرؤية على أصلكم ولهذا لم يفتقر إليه قبل القبض وكذا
بعده (ولنا) أن الصفقة تمت بالقبض وأحد العاقدين لا ينفرد بفسخ الصفقة بعد تمامها كالإقالة وهذا لان الفسخ
يكون على حسب العقد لأنه يرفع العقد ثم العقد لا ينعقد بأحد العاقدين فلا ينفسخ بأحدهما من غير رضا الآخر ومن
غير قضاء القاضي بخلاف ما قبل القبض لان الصفقة قبل القبض ليست بتامة بل تمامها بالقبض فكان بمنزلة القبول
كأنه لم يسترد بخلاف الرد بخيار الشرط لان الصفقة غير منعقده في حق الحكم مع بقاء الخيار فكان الرد في معنى الدفع
والامتناع من القبول وبخلاف الرد بخيار الرؤية لأن عدم الرؤية منع تمام الصفقة لأنه أوجب خللا في الرضا فكان
الرد كالدفع أما ههنا إذ الصفقة قد تمت بالقيض فلا تحتمل الانفساخ بنفس الرد من غير قرينة القضاء أو الرضا والله عز
وجل أعلم وأما بيان من تلزمه الخصومة في العيب فنقول وبالله التوفيق الخصومة في البيع تلزم البائع سواء كان حكم
العقد له أو لغيره بعد إن كان من أهل ان تلزمه الخصومة الا القاضي أو أمينه كالوكيل والمضارب والشريك والمكاتب
والمأذون والأب والوصي لان الخصومة في العيب من حقوق العقد وحقوق العقد في هذا الباب راجعة إلى العاقد إذا
كان أهلا فإن لم يكن بأن كان صبيا أو محجورا أو عبدا محجورا فالخصومة لا تلزمه وإنما تلزم الموكل على ما ذكرنا
في كتاب الوكالة وأما القاضي أو أمينه فالخصومة لا تلزمه لان الولاية للقاضي إنما ثبتت شرعا نظرا لمن وقع له العقد فلو
لزمه العهدة لامتنع عن النظر خوفا من لزوم العهدة فكان القاضي في هذا الباب بمنزلة الرسول فيه والوكيل في باب
النكاح وما يلزم الوكيل من العهدة يرجع بها على الموكل والمكاتب والمأذون لا يرجعان على المولى لان الوكيل يتصرف
للموكل نيابة عنه وتصرف النائب كتصرف المنوب عنه وأما المكاتب والمأذون فإنما يتصرفان بطريق الأصالة
لأنفسهما لا بطريق النيابة عن المولى لما عرف ان الاذن فك الحجر وإزالة المانع فإذا زال الحجر فالعبد يتصرف
بمالكية نفسه فكان عاقدا لنفسه لا لمولاه والذي يقع للمولى هو حكم التصرف لا غير وإذا كان عاقدا لنفسه كانت
العهدة عليه ولو رد المبيع على الوكيل هل له أن يرده على موكله فهذا لا يخلو من ثلاثة أوجه (اما) أن يرده عليه ببينة
قامت على العيب واما أن يرده عليه بنكوله واما أن يرده عليه باقراره بالعيب فان رده عليه ببينة قامت على العيب يرده
على الموكل لان البينة حجة مطلقة وهو نائب عنه فيلزم الموكل وان رده عليه بنكوله فكذلك لان نكوله مضاف إلى
الموكل لكونه مضطرا ملجأ إليه ألا ترى انه لا يملكه في الخصومة وإنما جاء هذا الاضطرار من ناحية الموكل لأنه هو
الذي أوقعه فيه فكان مضافا إليه وان رده عليه باقراره بالعيب ينظر إن كان عيبا لا يحدث مثله يرد على الموكل لأنه علم
بثبوته عند البيع بيقين وأما إن كان عيبا يحدث مثله لا يرد على الموكل حتى يقيم البينة فإن كان رد عليه بقضاء القاضي
باقراره لا يرد لان اقرار المقر يلزمه دون غيره لأنه حجة قاصرة فكان حجة في حقه خاصة لا في حق موكله وان رد عليه بغير
قضاء لزم الوكيل خاصة سواء كان العيب يحدث مثله أو لا يحدث مثله لان الرد بغير قضاء وإن كان فسخا في حق
العاقدين فهو بيع جديد في حق غيرهما فلا يملك الرد على الموكل كما لو اشتراه فاما المضارب والشريك فبقبولهما يلزم
رب المال والشريك الآخر لان حكم شركتهما تلزمهما بخلاف الوكيل والله عز وجل أعلم وأما بيان ما يمنع الرد
بالعيب يسقط به الخيار بعد ثبوته ويلزمه البيع وما لا يسقط ولا يلزم فنقول وبالله التوفيق الرد يمتنع بأسباب (منها)
281

الرضا بالعيب بعد العلم به لان حق الرد لفوات السلامة المشروطة في العقد دلالة ولما رضى بالعيب بعد العلم به دل انه
ما شرط السلامة ولأنه ثبت نظرا للمشترى دفعا للضرر عنه فإذا رضى بالعيب فلم ينظر لنفسه ورضى بالضرر ثم الرضا
نوعان صريح وما هو في معنى الصريح ودلالة أما الأول فنحو قوله رضيت بالعيب أو أجزت هذا البيع أو أوجبته وما
يجرى هذا المجرى وأما الثاني فهو أن يوجد من المشترى بعد العلم بالعيب تصرف في المبيع يدل على الرضا بالعيب نحو ما
إذا كان ثوبا فصبغه أو قطعه أو سويقا فلته بسمن أو أرضا فبنى عليها أو حنطة فطحنها أو لحما فشواه ونحو ذلك أو تصرف
تصرفا أخرجه عن ملكه وهو عالم بالعيب أوليس بعالم أو باعه المشترى أو وهبه وسلمه أو أعتقه أو كاتبه أو دبره أو
استولده لان الاقدام على هذه التصرفات مع العلم بالعيب دليل الرضا بالعيب ويكون العلم بالعيب وكل ذلك يبطل
حق الرد ولو باعه المشترى ثم رد عليه بعيب فإن كان قبل القبض له أن يرده على بائعه سواء كان الرد بقضاء القاضي
أو بالتراضي بالاجماع وإن كان بعد القبض فإن كان بقضاء القاضي له أن يرده على بائعه بلا خلاف وإن كان قبله البائع
بغير قضاء ليس له أن يرده عندنا وعند الشافعي رحمه الله له أن يرده (وجه) قوله إن المانع من الرد خروج السلعة
عن ملكه فإذا عادت إليه فقد زال المانع وصار كأنه لم يخرج ولهذا إذا رد عليه بقضاء له أن يرده على بائعه وكذا إذا رد عليه
بخيار شرط أو بخيار رؤية على أصلكم (ولنا) أن القبول بغير قضاء فسخ في حق العاقدين بيع جديد في حق غيرهما فصار
كما لو عاد إليه بشراء ولو اشتراه لم يملك الرد على بائعه كذا هذا والدليل على أن القبول بغير قضاء بيع جديد في حق غير
العاقدين ان معنى البيع موجود فكان شبهة الشراء قائمة فكان الرد عند التراضي بيعا لوجود معنى البيع فيه الا انه أعطى
له حكم الفسخ في حق العاقدين فبقي بيعا جديدا في حقهما بمنزلة الشراء المبتدأ ولهذا يثبت للشفيع حق الشفعة
وحق الشفعة إنما يثبت بالبيع بخلاف الرد بقضاء القاضي لأنه لم يوجد فيه معنى البيع أصلا لانعدام التراضي فكان
فسخا والفسخ رفع العقد من الأصل وجعله كان لم يكن ولهذا لم يثبت للشفيع حق الشفعة وبخلاف ما قبل القبض لان
الصفقة لا تمام لها قبل القبض ألا ترى أن حدوث العيب قبل القبض كوجوده قبل البيع فكان الرد قبل القبض في
معنى الامتناع عن القبول كان المشترى رد ايجاب البائع ولم يقبله ولهذا لم يفتقر الرد قبل القبض إلى القاضي بخلاف
ما إذا رد عليه بخيار شرط أو رؤية انه يرده على بائعه لان معنى البيع لم يوجد في هذا الرد ألا ترى انه يرد على بائعه من
غير رضاه فكان فسخا ورفعا للعقد من الأصل كأنه لم يكن وكذا لو وطئ الجارية المشتراة أو لمسها لشهوة أو نظر إلى
فرجها بشهوة مع العلم بالعيب لما قلنا وكذا بدون العلم بالعيب وقال الشافعي رحمه الله إن كانت الجارية بكرا فوطئها
المشترى فكذلك وأما إذا كانت ثيبا فوطئها بدون العلم بالعيب لا تمنع الرد بالعيب وستأتي المسألة إن شاء الله تعالى
ولو قبلت الجارية المشترى لشهوة فقد مر تفصيل الكلام فيه في شرط الخيار ولو استخدم المشترى بعدما علم بالعيب
فالقياس ان يسقط خياره وفى الاستحسان لا يسقط وقد ذكرنا وجه القياس والاستحسان في خيار الشرط ولو كان
المشترى دابة فركبها بعد العلم بالعيب فان ركبها لحاجة نفسه يسقط خياره وان ركبها ليسقيها أو ليردها على البائع
أو ليشترى لها علفا ففيه قياس واستحسان كما في الاستخدام وقد ذكرنا ذلك في خيار الشرط ولو ركبها لينظر إلى
سيرها بعد العلم بالعيب يكون رضا يسقط خياره وفى شرط الخيار لا يسقط والفرق بينهما قد تقدم في خيار الشرط
وكذا لو اشترى ثوبا فلبسه بعد العلم لينظر إلى طوله وعرضه بطل خياره وفى خيار الشرط لا يبطل (ووجه) الفرق
بينهما قد ذكرناه في شرط الخيار وإن كان المشترى دارا فسكنها بعدما علم بالعيب أو رم منها شيئا أو هدم يسقط خياره
وذكر في بعض شروح مختصر الطحاوي في السكنى روايتان والحاصل ان كل تصرف يوجد من المشترى في المشترى
بعد العلم بالعيب يدل على الرضا بالعيب يسقط الخيار ويلزم البيع والله عز وجل أعلم (ومنها) اسقاط الخيار صريحا
أو ما هو في معنى الصريح نحو أن يقول المشترى أسقطت الخيار أو أبطلته أو ألزمت البيع أو أوجبته وما يجرى هذا
المجرى لان خيار العيب حقه والانسان بسبيل من التصرف في حقه استيفاء واسقاطا (ومنها) ابراء المشترى عن
282

العيب لان الابراء اسقاط وله ولاية الاسقاط لان الخيار حقه والمحل قابل للسقوط ألا ترى كيف احتمل السقوط
بالاسقاط صريحا فإذا أسقطه يسقط (ومنها) هلاك المبيع لفوات محل الرد (ومنها) نقصانه وجملة الكلام فيه
ان نقصان المبيع لا يخلو اما أن يكون قبل القبض واما أن يكون بعده وكل ذلك لا يخلو اما أن يكون بآفة سماوية أو بفعل
المشترى أو بفعل البائع أو بفعل المبيع أو بفعل أجنبي فإن كان قبل القبض بآفة سماوية أو بفعل المبيع فهذا وما إذا لم
يكن به عيب سواء وقد ذكرنا حكمه في بيع البات فيما تقدم ان المشترى بالخيار ثم إن كان النقصان نقصان قدر فان شاء
أخذ الباقي بحصته من الثمن وان شاء ترك وإن كان نقصان وصف فان شاء أخذه بجميع الثمن وان شاء ترك لما ذكرنا
هنالك وإن كان بفعل البائع فكذلك الجواب فيه وفيما إذا لم يكن به عيب سواء وهو ان المشترى بالخيار ان شاء أخذه
وطرح عنه قدر النقصان الذي حصل بفعل البائع من الثمن وان شاء ترك كما إذا لم يجد عيبا وإن كان بفعل المشترى
لاخيار له ويصير قابضا بالجناية ويتقرر على جميع الثمن أن لم يجد به عيبا كان عند البائع على ما ذكرنا فيما تقدم وان وجد
عيبا كان عند البائع فان شاء رجع بنقصان العيب وان شاء رضى به وان قال البائع انا آخذ مع النقصان ليس للمشترى
ان يحبسه ويرجع عليه بالنقصان بل يرده عليه ويسقط جميع الثمن وسنذكر الأصل في جنس هذه المسائل في بيان
ما يمنع الرجوع بنقصان العيب وما لا يمنع هذا إذا لم يوجد من البائع منع المبيع لاستيفاء الثمن بعد ما صار المشترى
قابضا بالجناية فاما إذا وجد منه منع بعد ذلك ثم وجد المشترى به عيبا له أن يرده على البائع ويسقط عن المشترى جميع
الثمن لأنه بالمنع صار مستردا للمبيع ناقضا ذلك القبض فانتقض وجعل كان لم يكن له فكان حق الرد على البائع ويسقط
عنه جميع الثمن الا قدر ما نقص بفعله وإن كان بفعل أجنبي فالمشترى بالخيار ان شاء رضى به بجميع الثمن واتبع الجاني
بالأرش وان شاء ترك ويسقط عنه جميع الثمن واتبع البائع الجاني بالأرش كما إذا لم يجد المشترى بها عيبا هذا إذا حدث
النقصان قبل القبض ثم وجد به عيبا فاما إذا حدث بعد القبض ثم وجد به عيبا فان حدث بآفة سماوية أو بفعل المبيع
أو بفعل المشترى لم يكن له أن يرده بالعيب عند عامة العلماء وقال مالك رحمه الله له أن يرده ويرد معه أرش العيب الحادث
(وجه) قوله إن حق الرد بالعيب ثبت نظرا للمشترى فلو امتنع إنما يمتنع نظرا للبائع والمشترى باستحقاق النظر أولى من
البائع لأنه لم يدلس العيب والبائع قد دلس (ولنا) ان شرط الرد أن يكون المردود عند الرد على الصفة التي كان عليها عند
القبض ولم يوجد لأنه خرج عن ملك البائع معيبا بعيب واحد ويعود على ملكه معيبا بعيبين فانعدم شرط الرد فلا
يرد ولو كان المبيع جارية فوطئها المشترى ثم اطلع على عيب بها فإن كانت بكرا لم يردها بالاجماع وإن كانت ثيبا فكذلك
عندنا وقال الشافعي رحمه ترد (وجه) قوله إنه وجد سبب ثبوت حق الرد مع شرطه وما بعد السبب وشرطه الا
الحكم (أما) السبب فهو العيب وقد وجد (وأما) الشرط فهو أن يكون المردود وقت الرد كما كان وقت القبض
وقد وجد لان الوطئ لا يوجب نقصان العين إذ هو استيفاء منافع البضع فأشبه الاستخدام بخلاف وطئ البكر
لان العذرة عضو منها وقد أزالها بالوطئ ولنا ان منافع البضع لها حكم الاجزاء والأعيان بدليل أنها مضمونة بالعين وغير
العين لا يضمن بالعين هو الأصل وإذ قام الدليل على أن المنافع لا تضمن بالاتلاف عندنا أصلا فكان استيفاؤها في حكم
اتلاف الاجزاء والأعيان فانعدم شرط الرد فيمتنع الرد كما إذا قطع طرفا منها وكما في وطئ البكر بخلاف الاستخدام
لأنه استيفاء منفعة محضة ما لها حكم الجزاء والعين ولأنه لو رد الجارية وفسخ العقد رفع من الأصل من كل وجه أو من
وجه فتبين ان الوطئ صادف ملك البائع من كل وجه أو من وجه وانه حرام فكان المنع من الرد طريق الصيانة عن
الحرام وانه واحد وعلى هذا يخرج ما قاله أبو حنيفة رحمه الله فيما إذا اشترى رجلان شيئا ثم اطلعا على عيب به كان عند
البائع أنه لا ينفرد أحدهما بالفسخ دون صاحبه وعند أبي يوسف ومحمد ينفرد أحدهما بالفسخ وعلى هذا الخلاف لو
اشتريا شيئا على أنهما بالخيار فيه ثلاثة أيام أو اشتريا شيئا لم يرياه (وجه) قولهما انه رد المشترى كما اشترى فيصح كما إذا
اشترى عبدا على أنه بالخيار في نصفه ثلاثة أيام فرد النصف ودلالة الوصف انه اشترى النصف لأنهما لما اشتريا العبد جملة
283

واحدة كان كل واحد منهما مشتريا نصفه وقد رد النصف فقد رد ما اشترى كما اشترى ولأبي حنيفة رحمه الله انه لم يوجد
شرط الرد وثبوت حق الرد عند انعدام شرطه ممتنع والدليل على أنه لم يوجد شرط الرد أن الشرط أن يكون المردود على
الوصف الذي كان مقبوضا ولم يوجد لأنه قبضه غير معيب بعيب زائد فلو رده لرده وهو معيب بعيب زائد وهو عيب
الشركة لان الشركة في الأعيان عيب لان نصف العين لا يشترى بالثمن الذي يشترى به لو لم يكن مشتركا فلم يوجد رد
ما اشترى كما اشترى فلا يصح الرد دفعا للضرر عن البائع ولهذا لو أوجب البائع البيع في عبد لاثنين فقبل أحدهما دون
الآخر لم يصح لان البائع لم يرض بزوال ملكه الا عن الجملة فإذا قبل أحدهما دون الآخر فقد فرق الصفقة على البائع
فلم يصح دفعا للضرر عنه كذا هذا وكذلك لو كان النقصان بفعل أجنبي أو بفعل البائع بان قطع يده ووجب الأرش أو
كانت جارية فوطئها ووجب العقر لم يكن له ان يرد بالعيب لما قلنا ولمعنى آخر يختص به وهو ان النقصان بفعل الأجنبي
أو بفعل البائع يؤخذ الأرش والعقر للمشترى وأنه زيادة ولهذا يمنع الرد بالعيب على ما سنذكره إن شاء الله تعالى ولو
اشترى مأكولا في جوفه كالبطيخ والجوز والقثاء والخيار والرمان والبيض ونحوها فكسره فوجده فاسدا فهذا في
الأصل لا يخلو عن أحد وجهين اما ان وجده كله فاسدا واما ان وجد البعض صحيحا فان وجده كله
فاسدا فإن كان مما لا ينتفع به أصلا فالمشترى يرجع على البائع بجميع الثمن لأنه تبين ان البيع وقع باطلا لأنه بيع ما ليس
بمال وبيع ما ليس بمال لا ينعقد كما إذا اشترى عبدا ثم تبين أنه حر وإن كان مما يمكن الانتفاع به في الجملة ليس له ان يرده
بالعيب عندنا وعند الشافعي رحمه الله له أن يرده (وجه) قوله إنه لما باعه منه فقد سلطه على الكسر فكان الكسر حاصلا
بتسليط البائع فلا يمنع الرد ولنا ما ذكرنا فيما تقدم ان شرط الرد أن يكون المردود وقت الرد على الوصف الذي كان عليه
وقت القبض ولم يوجد لأنه تعيب بعيب زائد بالكسر فلو رد عليه لرد معيبا بعيبين فانعدم شرط الرد وأما قوله البائع سلطه
على الكسر فنعم لكن بمعنى انه مكنه من الكسر باثبات الملك له فيكون هو بالكسر متصرفا في ملك نفسه لا في ملك البائع
بأمره ليكون ذلك منه دلالة الرضا بالكسر وان وجد بعضه فاسدا دون البعض ينظر إن كان الفاسد كثيرا يرجع على
البائع بجميع الثمن لأنه ظهر ان البيع وقع في القدر الفاسد باطلا لأنه تبين انه ليس بمال وإذا بطل في ذلك القدر يفسد في
الباقي كما إذا جمع بين حر وعبد وباعهما صفقة واحده وإن كان قليلا فكذلك في القياس وفى الاستحسان صح البيع
في الكل وليس له أن يرد ولا ان يرجع فيه بشئ لان قليل الفساد فيه مما لا يمكن التحرز عنه إذ هذه الأشياء في العادات
لا تخلو عن قليل فساد فكان فيه ضرورة فيلتحق ذلك القدر بالعدم ومن مشايخنا من فصل تفصيلا آخر فقال إذا وجد
كله فاسد فإن لم يكن لقشره قيمة فالبيع باطل لأنه تبين انه ما ليس بمال وإن كان لقشره قيمة كالرمان ونحوه فالبيع
لا يبطل لأنه إذا كان لقشره قيمة كان القشر مالا ولكن البائع بالخيار ان شاء رضى به ناقصا وقبل قشره ورد جميع الثمن
وان شاء لم يقبل لأنه تعيب بعيب زائد ورد على المشترى حصة المعيب جبرا لحقه وان وجد بعضه فاسدا فعلى هذا
التفصيل أيضا لأنه ان لم يكن لقشرة قيمة رجع على البائع بحصته من الثمن وإن كان لقشرة قيمة رجع بحصة العيب دون
القشر اعتبارا للبعض بالكل الا إذا كان الفاسد منه قليلا قدر ما لا يخلو مثله عن مثله فلا يرد ولا يرجع بشئ والله عز
وجل أعلم (ومنها) الزيادة المنفصلة المتولدة من المبيع وجملة الكلام في الزيادة أنها لا تخلو اما ان حدثت قبل
القبض واما ان حدثت بعده وكل واحدة من الزيادتين لا تخلو من أن تكون متصلة أو منفصلة والمتصلة لا تخلو من أن
تكون متولدة من الأصل كالحسن والجمال والكبر والسمن والسمع وانجلاء بياض احدى العينين ونحو ذلك أو غير
متولدة منه كالصبغ في الثوب والسمن أو العسل الملتوت بالسويق والبناء في الأرض ونحوها وكذلك المنفصلة لا تخلو
من أن تكون متولدة من الأصل كالولد والثمرة واللبن ونحوها أو غير متولدة من الأصل كالكسب والصدقة والغلة
والبيع لا يخلو اما أن يكون صحيحا أو فاسدا (أما) الزيادة في البيع الفاسد فحكمها نذكره في بيان حكم البيع الفاسد
إن شاء الله تعالى (وأما) في البيع الصحيح فان حدثت الزيادة قبل القبض فإن كانت متصلة متولدة من الأصل
284

فإنها لا تمنع الرد بالعيب لأن هذه الزيادة تابعة للأصل حقيقة لقيامها بالأصل فكانت مبيعة تبعا والأصل ان ما كان
تابعا في العقد يكون تابعا في الفسخ لان الفسخ رفع العقد فينفسخ العقد في الأصل بالفسخ فيه مقصودا وينفسخ في
الزيادة تبعا للانفساخ في الأصل وإن كانت متصلة غير متولدة من الأصل فإنها تمنع الرد بالعيب لأن هذه الزيادة
ليست بتابعة بل هي أصل بنفسها ألا ترى أنه لا يثبت حكم البيع فيها أصلا ورأسا فلو رد المبيع لكان لا يخلو اما ان يرده
وحده بدون الزيادة واما أن يرده مع الزيادة لا سبيل إلى الأول لأنه متعذر لتعذر الفصل ولا سبيل إلى الثاني لان
الزيادة ليست بتابعة في العقد فلا تكون تابعة في الفسخ ولان المشترى صار قابضا للمبيع باحداث هذه الزيادة فصار
كأنها حدثت بعد القبض وحدوثها بعد القبض يمنع الرد بالعيب والله عز وجل أعلم وإن كانت منفصلة متولدة من
الأصل لا تمنع الرد فان شاء المشترى ردهما جميعا وان شاء رضى بهما بجميع الثمن بخلاف ما بعد القبض عندنا انها تمنع
الرد بالعيب وسنذكر الفرق إن شاء الله تعالى ولو لم يجد بالأصل عيبا ولكن وجد بالزيادة عيبا ليس له أن يردها لأن هذه
الزيادة قبل القبض مبيعة تبعا والمبيع تبعا لا يحتمل فسخ العقد فيه مقصودا الا إذا كان حدوث هذه الزيادة قبل
القبض مما يوجب نقصانا في المبيع كولد الجارية فله خيار الرد لكن لا للزيادة بل للنقصان ولو قبض الأصل والزيادة
جميعا ثم وجد بالأصل عيبا له ان يرده خاصة بحصته من الثمن بعد ما قسم على قدر الأصل وقت البيع وعلى قيمة
الزيادة وقت القبض لان الزيادة إنما تأخذ قسطا من الثمن بالقبض كذلك يعتبر قبضها وقت القبض ولو لم يجد بالأصل
عيبا ولكنه وجد بالزيادة عيبا فله أن يردها خاصة بحصتها من الثمن لأنه صار لها حصة من الثمن بالقبض فيردها بحصتها
من الثمن فإن كانت الزيادة منفصلة من الأصل فإنها لا تمنع الرد بالعيب لأن هذه الزيادة ليست بمبيعة لانعدام ثبوت حكم
البيع فيها وإنما هي مملوكة بسبب على حدة أو بملك الأصل فبالرد ينفسخ العقد في الأصل وتبقى الزيادة مملوكة بوجود
سبب الملك فيه مقصودا أو بملك الأصل لا بالبيع فكانت ربحا لا ربا لاختصاص الربا بالبيع لأنه فضل مال قصد
استحقاقه بالبيع في عرف الشرع ولم يوجد ثم إذا رد الأصل فالزيادة تكون للمشترى بغير ثمن عند أبي حنيفة لكنها
لا تطيب له لأنها حدثت على ملكه الا انها ربح ما لم يضمن فلا تطيب وعند أبي يوسف ومحمد الزيادة تكون للبائع
لكنها لا تطيب له وهذا إذا اختار المشترى الرد بالعيب فان رضى بالعيب واختار البيع فالزيادة لا تطيب له بلا خلاف
لأنها ربح ما لم يضمن ونهى رسول الله صلى الله على وسلم عن ذلك ولأنها زيادة لا يقابلها عوض في عقد البيع وأنه
تفسير الربا ولو قبض المشترى المبيع مع هذه الزيادة ثم وجد بالمبيع عيبا فإن كانت الزيادة هالكة له ان يرد المبيع خاصة
بجميع الثمن بلا خلاف وإن كانت قائمة فكذا عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يرد معه الزيادة (وجه) قولهما
ان هذه زيادة حدثت قبل القبض فيردها مع الأصل ولأبي حنيفة ان هذه الزيادة لا تتبع الأصل في حكم العقد فلا
تتبعه في حكم الفسخ ولو وجد بالزيادة عيبا ليس له أن يردها لأنه لا حصة لهذه الزيادة من الثمن فلا تحتمل الرد بالعيب
لأنها لو ردت لردت بغير شئ هذا إذا حدثت الزيادة قبل القبض فاما إذا حدثت بعد القبض فإن كانت متصلة متولدة
من الأصل فإنها لا تمنع الرد ان رضى المشترى بردها مع الأصل بلا خلاف لأنها تابعة حقيقة وقت الفسخ فبالرد
ينفسخ العقد في الأصل مقصودا وينفسخ في الزيادة تبعا وان أبى أن يرده وأراد أن يأخذ نقصان العيب من البائع
وأبى البائع الا الرد مع العيب ودفع جميع الثمن اختلف فيه قال أبو حنيفة رحمه الله وأبو يوسف للمشترى ان يأخذ
نقصان العيب من البائع وليس للبائع ان يأبى ذلك ويطلب الرد ويقول لا أعطيك نقصان العيب ولكن رد على
المبيع معيبا لأدفع إليك جميع الثمن وقال محمد رحمه الله ليس للمشترى أن يرجع بالنقصان على البائع إذا أبى ذلك وللبائع
أن يقول له رد على المبيع حتى أرد إليك الثمن كله ولقب المسألة ان الزيادة المتصلة المتولدة من الأصل بعد القبض هل
تمنع الرد بالعيب إذا لم يرض صاحب الزيادة وهو المشترى برد الزيادة ويريد الرجوع بنقصان العيب عندهما يمنع
وعنده لا يمنع وأصل المسألة في النكاح إذا ازداد المهر زيادة متصلة متولدة من الأصل بعد القبض ثم ورد الطلاق قبل
285

الدخول انها هل تمنع التنصيف عندهما تمنع وعليها نصف القيمة يوم قبضت وعنده لا تمنع ونذكر المسألة في النكاح
وإن كانت متصلة غير متولدة من الأصل تمنع الرد بالاجماع ويرجع بنقصان العيب لما ذكرنا انه لو رد الأصل فاما أن
يرده وحده واما أن يرده مع الزيادة والرد وحده لا يمكن والزيادة ليست بتابعة في العقد فلا يمكن ان يجعلها تابعة في الفسخ
الا إذا تراضيا على الرد لأنه صار بمنزلة بيع جديد وإن كانت الزيادة منفصلة متولدة من الأصل فإنها تمنع
الرد بالعيب عندنا وعند الشافعي رحمه الله لا تمنع ويرد الأصل بدون الزيادة وكذلك هذه الزيادة تمنع الفسخ
عندنا من الإقالة والرد بخيار الشرط وخيار الرؤية والكلام فيه مبنى على أصل ذكرناه فيما تقدم وهو أن الزيادة
عندنا مبيعة تبعا لثبوت حكم الأصل فيه تبعا وبالرد بدون الزيادة ينفسخ العقد في الأصل مقصودا وتبقى الزيادة
في يد المشترى مبيعا مقصودا بلا ثمن ليستحق بالبيع وهذا تفسير الربا في عرف الشرع بخلاف الزيادة قبل القبض
لأنها لا ترد بدون الأصل أيضا احترازا عن الربا بل ترد مع الأصل وردها مع الأصل لا يتضمن الربا ثم إنما لا يرد
الأصل مع الزيادة ههنا ورد هناك اما امتناع رد الأصل بدون الزيادة فلما قلنا إنه يؤدى إلى الربا (وأما) رده مع الزيادة
فلانه يؤدى إلى أن يكون الولد التابع بعد الرد ربح ما لم يضمن لأنه ينفسخ العقد في الزيادة ويعود إلى البائع ولم يصل إلى
المشترى بمقابلته شئ من الثمن في الفسخ لأنه لا حصة له من الثمن فكان الولد للبائع ربح ما لم يضمن لأنه حصل في
ضمان المشترى فاما الولد قبل القبض فقد حصل في ضمان البائع فلو انفسخ العقد فيه لا يكون ربح ما لم يضمن بل ربح ما
ضمن وإن كانت منفصلة غير متولدة من الأصل لا يمتنع الرد بالعيب ويرد الأصل على البائع والزيادة للمشترى طيبة له
لما مر ان هذه الزيادة ليست بمبيعة أصلا لانعدام ثبوت حكم البيع فيها بل ملكت بسبب على حدة فأمكن اثبات حكم
الفسخ فيه بدون الزيادة فيرد الأصل وينفسخ العقد فيه وتبقى الزيادة مملوكة للمشترى بوجود سبب الملك فيها شرعا
فتطيب له هذا إذا كانت الزيادة قائمة في يد المشترى فاما إذا كانت هالكة فهلاكها لا يخلو من أن يكون بآفة سماوية أو
بفعل المشترى أو بفعل أجنبي فإن كان بآفة سماوية له أن يرد الأصل بالعيب وتجعل الزيادة كأنها لم تكن وإن كان بفعل
المشترى فالبائع بالخيار ان شاء قبل ورد جميع الثمن وان شاء لم يقبل ويرد نقصان العيب سواء كان حدوث ذلك أوجب
نقصانا في الأصل أو لم يوجب نقصانا فيه لان اتلاف الزيادة بمنزلة اتلاف جزء متصل بالأصل لكونها متولدة من الأصل
وذا يوجب الخيار للبائع وإن كان بفعل أجنبي ليس له أن يرد لأنه يجب ضمان الزيادة على الأجنبي فيقوم الضمان مقام
العين فكان عينه قائمة فيمتنع الرد ويرجع بنقصان العيب والله عز وجل أعلم (وأما) بيان ما يفسخ به العقد فالكلام ههنا
يقع في موضعين أحدهما في بيان ما ينفسخ به والثاني في بيان شرائط جواز الفسخ أما الأول فنوعان اختياري
وضروري فالاختياري نحو قوله فسخته أو نقضته أو رددته وما هو في معناه والضروري هلاك المعقود عليه قبل
القبض (وأما) شرائط جواز الفسخ فمنها سقوط الخيار لان البيع يلزم بسقوط الخيار فيخرج عن احتمال الفسخ
ومنها علم صاحبه بالفسخ بلا خلاف بين أصحابنا سواء كان بعد القضاء أو قبله بخلاف خيار الشرط والرؤية وهل
يشترط له القضاء أو الرضا إن كان قبل القبض لا يشترط له قضاء القاضي ولا رضا البائع وإن كان بعد القبض يشترط
له القضاء أو الرضا وقد ذكرنا الفرق فيما تقدم ومنها أن لا يتضمن الفسخ تفريق الصفقة على البائع قبل التمام فان تضمن
لا يجوز الا أن يرضى به البائع لان تفريق الصفقة على البائع قبل التمام اضرار به على ما نذكر والضرر واجب الدفع ما أمكن
الا أن يرضى به البائع لان الضرر المرضى به من جهة المتضرر لا يجب دفعه وعلى هذا يخرج ما إذا وجد المشترى المبيع
معيبا فأراد رد بعضه دون بعض قبل القبض وجملة الكلام فيه ان المبيع لا يخلو أما أن يكون شيئا واحدا حقيقة وتقديرا
كالعبد والثوب والدار والكرم والمكيل والموزون والمعدود المتقارب في وعاء واحد أو صبرة واحدة واما أن يكون
أشياء متعددة كالعبدين والثوبين والدابتين والمكيل والموزون والمعدود في وعاءين أو صبرتين وكل شيئين ينتفع
بأحدهما فيما وضع له بدون الآخر (وأما) أن يكون شيئين حقيقة وشيئا واحد تقديرا كالخفين والنعلين والمكعبين
286

ومصراعي الباب وكل شئ لا ينتفع بأحدهما فيما وضع له بدون الآخر فلا يخلو اما أن يكون المشترى قبض كل المبيع
واما ان لم يقبض شيئا منه واما ان قبض البعض دون البعض والحادث في المبيع لا يخلو اما أن يكون عيبا أو استحقاقا
اما العيب فان وجده ببعض المبيع قبل القبض لشئ منه فالمشترى بالخيار ان شاء رضى بالكل ولزمه جميع الثمن وان
شاء رد الكل وليس له أن يرد المعيب خاصة بحصته من الثمن سواء كان المبيع شيئا واحدا أو أشياء لان الصفقة لا تمام
لها قبل القبض وتفريق الصفقة قبل تمامها باطل والدليل على أن الصفقة لا تتم قبل القبض ان الموجود قبل القبض
أصل العقد والملك لا صفة التأكيد ألا ترى انه يحتمل الانفساخ بهلاك المعقود عليه وهو انه عدم التأكيد وإذا قبض
وقع الامر عن الانفساخ بالهلاك فكان حصول التأكيد بالقبض والتأكيد اثبات من وجه أو له شبهة الاثبات
وكذا ملك التصرف يقف على القبض فيدل على نقصان الملك قبل القبض ونقصان الملك دليل نقصان العقد وكذا
المشترى إذا وجد بالمبيع عيبا ينفسخ البيع بنفس الرد من غير الحاجة إلى قضاء القاضي ولا إلى التراضي ولو كانت
الصفقة تامة قبل القبض لما احتمل الانفساخ بنفس الرد كما بعد القبض فيثبت بهذه الدلائل ان الصفقة ليست بتامة
قبل القبض والدليل على أنه لا يجوز تفريق الصفقة على البائع قبل تمامها ان التفريق اضرار بالبائع والضرر واجب
الدفع ما أمكن وبيان الضرر ان المبيع لا يخلو اما أن يكون شيئا واحد واما أن يكون أشياء حقيقة شيئا واحدا تقديرا
والتفريق تضمن الشركة والشركة في الأعيان عيب فكان التفريق عيبا وانه عيب زائد لم يكن عند البائع فيتضرر به
البائع وإن كان المبيع أشياء فالتفريق يتضمن ضررا آخر وهو لزوم البيع في الجيد بثمن الردئ لان ضم الردئ
إلى الجيد والجمع بينهما في الصفقة من عادة التجار ترويجا للردئ بواسطة الجيد فمن الجائز أن يرى المشترى العيب
بالردئ فيرده فيلزم البيع في الجيد بثمن الردئ فيتضرر به البائع فدل ان في التفريق ضررا فيجب دفعه ما أمكن ولهذا
لم يجز التفريق في القبول بأن أضاف الايجاب إلى جملة فقبل المشترى في البعض دون البعض دفعا للضرر عن البائع
بلزوم حكم البيع في البعض من غير إضافة الايجاب إليه لأنه ما أوجب البيع الا في الجملة فلا يصح القبول الا في الجملة
لئلا يزول ملكه من غير ازالته فيتضرر به على أن تمام الصفقة لما تعلق بالقبض كان القبض في معنى القبول من وجه
فكان رد البعض وقبض البعض تفريقا في القبول من وجه فلا يملك الا أن يرضى البائع برد المعيب عليه فيأخذه ويدفع
حصته من الثمن فيجوز ويأخذ المشترى الباقي بحصته من الثمن لان امتناع الرد كان لدفع الضرر عنه نظرا له فإذا
رضى به فلم ينظر لنفسه وإن كان المشترى قبض بعض المبيع دون البعض فوجد ببعضه عيبا فكذلك لا يملك رد
المعيب خاصة بحصته من الثمن سواء كان المبيع شيئا واحد أو أشياء وسواء وجد العيب بغير المقبوض أو بالمقبوض
في ظاهر الرواية لان الصفقة لا تتم الا بقبض جميع المعقود عليه فكان رد البعض دون البعض تفريق الصفقة قبل
التمام وانه باطل وروى عن أبي يوسف أنه إذا وجد العيب بغير المقبوض فكذلك فاما إذا وجد بالمقبوض فله أن يرده
خاصة بحصته من الثمن فهو نظر إلى المعيب منهما أيهما كان واعتبر الآخر به فإن كان المعيب غير المقبوض اعتبر
الآخر غير مقبوض فكأنهما لم يقبضا جميعا وإن كان المعيب مقبوضا اعتبر الآخر مقبوضا فكأنه قبضهما جميعا
لكن هذا الاعتبار ليس بسديد لأنه في حد التعارض إذ ليس اعتبار غير المعيب بالمعيب في القبض وعدمه أولى من
اعتبار المعيب بغير المعيب في القبض بل هذا أولى لان الأصل عدم القبض والعمل بالأصل عند التعارض أولى
هذا إذا كان المشترى لم يقبض شيئا من المبيع أو قبض البعض دون البعض فإن كان قبض الكل ثم وجد به عيبا فإن كان
المبيع شيئا واحدا حقيقة وتقديرا فكذلك الجواب ان المشترى ان شاء رضى بالكل بكل الثمن وان شاء رد
الكل واسترد جميع الثمن وليس له أن يرد قدر المعيب خاصة بحصته من الثمن لما ذكرنا ان فيه الزام عيب الشركة وانها
عيب حادث مانع من الرد وإن كان أشياء حقيقة شيئا واحد تقديرا فكذلك لان افراد أحدهما بالرد اضرار بالبائع
إذ لا يمكن الانتفاع بأحدهما فيما وضع له بدون الآخر فكانا فيما وضعا له من المنفعة كشئ واحد فكان المبيع شيئا
287

واحدا من حيث المعنى فبالرد تثبت الشركة من حيث المعنى والشركة في الأعيان عيب وإذا كان يمكن الانتفاع
بأحدهما بدون صاحبه فيما وضع له كان التفريق تعييبا فيعود المبيع إلى البائع بعيب زائد حادث لم يكن عنده وإن كان
أشياء حقيقة وتقديرا فليس له ان يرد الكل الا عند التراضي وله أن يرد المعيب خاصة بحصته من الثمن عند أصحابنا
الثلاثة وعند زفر والشافعي رحمهما الله ليس له ذلك بل يردهما أو يمسكهما (وجه) قولهما ان في التفريق بينهما في الرد
اضرارا بالبائع لما ذكرنا أن ضم الردئ إلى الجيد في البيع من عادة التجار ليروج الردئ بواسطة الجيد وقد يكون
العيب بالردئ فيرده على البائع ويلزمه البيع في الجيد بثمن الردئ وهذا اضرار بالبائع ولهذا امتنع الرد قبل القبض فكذا
هذا (ولنا) ان ما ثبت له حق الرد وجد في أحدهما فكان له ان يرد أحدهما وهذا لان حق الرد إنما يثبت لفوات
السلامة المشروطة في العقد دلالة والثابتة مقتضى العقد على ما بينا والسلامة فاتت في أحدهما فكان له رده خاصة فلو امتنع
الرد إنما يمتنع لتضمنه تفريق الصفقة وتفريق الصفقة باطل قبل التمام لا بعده والصفقة قد تمت بقبضهما فزال المانع
(وأما) قولهما يتضرر البائع برد الردئ خاصة فنعم لكن هذا ضرر مرضى به من جهته لان اقدامه على بيع المعيب
وتدليس العيب مع علمه ان الظاهر من حال المشترى أنه لا يرضى بالعيب دلالة الرضا بالرد لخلاف ما قبل القبض لأنه
لا تمام للعقد قبل القبض فلا يكون قبل القبض دلالة الرضا بالرد فكان الرد ضررا غير مرضى به فيجب دفعه وهذا
بخلاف خيار الشرط وخيار الرؤية ان المشترى لا يملك رد البعض دون البعض سواء قبض الكل أو لم يقبض شيئا أو
قبض البعض دون البعض وسواء كان المعقود عليه شيئا واحدا أو أشياء لان خيار الشرط والرؤية يمنع تمام الصفقة
بدليل أنه يرده بغير قضاء ولا رضا سواء كان قبل القبض أو بعده ولو تمت الصفقة لما احتمل الرد الا بقضاء القاضي
أو التراضي دل أن هذا الخيار يمنع تمام الصفقة ولا يجوز تفريق الصفقة قبل التمام وههنا بخلافه ولو قال
المشترى انا أمسك المعيب وآخذ النقصان ليس له ذلك لان قوله أمسك المعيب دلالة الرضا بالمعيب وانه يمنع الرجوع
بالنقصان وكذلك لو كان المبيع أشياء فوجد بالكل عيبا فأراد رد البعض دون البعض ان المردود إن كان مما لو كان
العيب به وحده لكان له رده وحده كالعبدين والثوبين فله ذلك لأنه إذا أمسك البعض فقد رضى بعيبه فبطل حق
الرد فيه لأنه تبين ان صفة السلامة لم تكن مشروطة ولا مستحقة بالعقد فيه فصار كأنه كان صحيحا في الأصل ووجد
بالآخر عيبا فيرده وإن كان المردود مما لو كان العيب به وحده لكان لا يرده كالخفين والنعلين ونحوهما ليس له ذلك
لما ذكرنا ان التفريق بينها تعييب ولو اشترى عبدين فوجد بأحدهما عيبا قبل القبض فقبض المعيب وهو عالم
بالعيب لم يكن له ان يرد وسقط خياره ولزمه العبدان لان قبض المعيب مع العلم بالعيب دليل الرضا وللقبض شبه بالعقد
فكان الرضا به عند القبض كالرضا به عند العقد ولو رضى به عند العقد يسقط خياره فلزماه جميعا كذا هذا ولو قبض
الصحيح منهما ولو كانا معيبين فقبض أحدهما لم يسقط خياره لأنه قبض بعض المعقود عليه والصفقة لا تتم بقبض
بعض المعقود عليه وإنما تتم بقبض الكل فلو لزمه العقد في المقبوض دون الآخر لتفرقت الصفقة على البائع قبل التمام
وتفريق الصفقة قبل التمام باطل ولا يمكن اسقاط حقه عن غير المقبوض لأنه لم يرض به فبقي له الخيار على ما كان والله
عز وجل أعلم (وأما) الاستحقاق فان استحق بعض المعقود عليه قبل القبض ولم يجز المستحق بطل العقد في
القدر المستحق لأنه تبين ان ذلك القدر لم يكن ملك البائع ولم توجد الإجازة من المالك فبطل وللمشتري الخيار في الباقي
ان شاء رضى به بحصته من الثمن وان شاء رده سواء كان استحقاق ما استحقه يوجب العيب في الباقي أو لا يوجب
لأنه إذا لم يرض المستحق فقد تفرقت الصفقة على المشترى قبل التمام فصار كعيب ظهر بالسلعة قبل القبض وذلك
يوجب الخيار فكذا هذا وإن كان الاستحقاق بعد قبض البعض دون البعض فكذلك الجواب سواء ورد
الاستحقاق على المقبوض وعلى غير المقبوض فإن كان قبض الكل ثم استحق بعضه بطل البيع في القدر المستحق
لما قلنا ثم ينظر إن كان استحقاق ما استحق يوجب العيب في الباقي بأن كان المعقود عليه شيئا واحدا حقيقة وتقديرا
288

كالدار والكرم والأرض والعبد ونحوها فالمشترى بالخيار في الباقي ان شاء رضى به بحصته من الثمن وان شاء رد
لان الشركة في الأعيان عيب وكذلك إن كان المعقود عليه شيئين من حيث الصورة شيئا واحدا من حيث المعنى
فاستحق أحدهما فله الخيار في الباقي وإن كان استحقاق ما استحق لا يوجب العيب في الباقي بأن كان المعقود
عليه شيئين صورة ومعنى كالعبدين فاستحق أحدهما أو كان صبرة حنطة أو جملة وزنى فاستحق بعضه فإنه يلزم
المشترى الباقي بحصته من الثمن لأنه لا ضرر في تبعيضه فلم يكن له خيار الرد والله عز وجل أعلم (وأما) بيان ما يمنع
الرجوع بنقصان العيب وما لا يمنع فالكلام في حق الرجوع بالنقصان في موضعين أحدهما في بيان شرائط ثبوت
حق الرجوع والثاني في بيان ما يبطل به هذا الحق بعد ثبوته وما لا يبطل (أما) الشرائط (فمنها) امتناع الرد
وتعذره فلا يثبت مع امكان الرد حتى لو وجد به عيبا ثم أراد المشترى أن يمسك المبيع مع امكان رده على البائع ويرجع
بالنقصان ليس له ذلك لان حق الرجوع بالنقصان كالخلف عن الرد والقدرة على الأصل تمنع المصير إلى الخلف
ولان امساك المبيع المعيب مع علمه بالعيب دلالة الرضا بالعيب والرضا بالعيب يمنع الرجوع بالنقصان كما يمنع الرد
(ومنها) أن يكون امتناع الرد لا من قبل المشترى فإن كان من قبله لا يرجع بالنقصان لأنه يصير حابسا المبيع بفعله
ممسكا عن الرد وهذا يوجب بطلان الحق أصلا ورأسا وعلى هذا يخرج ما إذا هلك المبيع أو انتقص بآفة سماوية
أو بفعل المشترى ثم علم أنه يرجع بالنقصان لان امتناع الرد في الهلاك لضرورة فوات المحل وفى النقصان لأمر يرجع
إلى البائع وهو دفع ضرر زائد يلحقه بالرد ألا ترى ان للبائع أن يقول أنا أقبله مع النقصان فأدفع إليك جميع الثمن وإذا
كان امتناع الرد لأمر يرجع إليه وهو لزوم الضرر إياه بالرد فإذا دفع الضرر عنه بامتناع الرد لا بد من دفع الضرر عن
المشترى بالرجوع بالنقصان وسواء كان النقصان يرجع إلى الذات بفوات جزء من العين أو لا يرجع إليه كما إذا
كان المبيع جارية ثيبا فوطئها المشترى أو قبلها بشهوة ثم علم بالعيب لان الرد امتنع لا من قبل المشترى بل من قبل البائع
ألا ترى أن له أن يقبلها موطوءة ولو كان لها زوج عند البائع فوطئها زوجها في يد المشترى فإن كان زوجها قد وطئها
في يد البائع لم يرجع بالنقصان لان هذا الوطئ لا يمنع الرد وامكان الرد يمنع الرجوع بالنقصان وإن كان لم يطأها عند
البائع فوطئها عند المشترى فإن كانت بكرا يرجع بالنقصان لان وطئ البكر يمنع الرد بالعيب لأنه يوجب نقصان
العين بإزالة العذرة والامتناع ههنا ليس لمعنى من قبل المشترى بل من قبل البائع فلا يمنع الرجوع بالنقصان وإن كانت
ثيبا لم يذكر في الأصل انه يمنع الرد أم لا وقيل لا يمنع فلا يرجع بالنقصان مع امكان الرد وكذا لو كان المبيع قائما حقيقة
هالكا تقديرا بأن أعطى له حكم الهلاك كما إذا كان المبيع ثوبا فقطعه وخاطه أو حنطة فطحنها أو دقيقا فخبزه أو لحما
فشواه فإنه يرجع بالنقصان لان امتناع الرد في هذه المواضع من قبل البائع ولو حدث في المبيع أو بسببه زيادة مانعة من
الرد كالولد والثمرة واللبن والأرش والعقر يرجع بالنقصان لان امتناع الرد ههنا لا من قبل المشترى بل من قبل الشرع
لما ذكرنا فيما تقدم انه لو رد الأصل بدون الزيادة لبقيت الزيادة مبيعا مقصودا بلا ثمن وهذا تفسير الربا في متعارف
الشرع وحرمة الربا تثبت حقا للشرع ولهذا لو تراضيا على الرد لا يقضى بالرد لان الحرمة الثابتة حقا للشرع لا تسقط
برضا العبد وإذا كان امتناع الرد لمعنى يرجع إلى الشرع لا إلى المشترى بقي حق المشترى في وصف السلامة واجب
الرعاية فكان له أن يرجع بالنقصان جبرا لحقه ولو كانت الزيادة المانعة سمنا أو عسلا لته بسويق أو عصفرا أو
زعفرانا صبغ به الثوب أو بناء على الأرض يرجع بالنقصان لان التعذر ليس من قبل المشترى ولا من قبل البائع بل
من قبل الشرع ألا ترى انه ليس للبائع أن يقول أنا آخذه كذلك وتعذر الرد لحق الشرع لا يمنع الرجوع بالنقصان
لما ذكرنا ولو باعه المشترى أو وهبه ثم علم بالعيب لم يرجع بالنقصان لان امتناع الرد ههنا من قبل المشترى لأنه بالبيع
صار ممسكا عن الرد لان المشترى قام مقامه فصار مبطلا للرد الذي هو الحق فلا يرجع بشئ وكذلك لو كاتبه لأنها
توجب صيرورة العبد حرا يدا فصار بالكتابة ممسكا عن الرد فأشبه البيع وكذلك لو أعتقه على مال ثم وجد به عيبا لان
289

الاعتاق على مال في حق المعتق في معنى البيع لأنه أخذ العوض بمقابلته والبيع يمنع الرجوع بالنقصان كذا هذا
وروى عن أبي يوسف رحمه الله لا يمنع ولو أعتقه على غير مال ثم وجد به عيبا فالقياس أن لا يرجع وهو قول
الشافعي رحمه الله وفى الاستحسان يرجع (وجه) القياس أن الرد امتنع بفعله وهو الاعتاق فأشبه البيع
أو الكتابة (وجه) الاستحسان أن تعذر الرد ههنا ليس من قبل المشترى لان الاعتاق ليس بإزالة الملك بل الملك
ينتهى بالاعتاق وهذا لان الأصل في الآدمي عدم الملك والمالية إذ الأصل فيه أن يكون حرا لان الناس كلهم أولاد
آدم وحواء عليهما الصلاة والسلام والمتولد من الحرين يكون حرا الا أن الشرع ضرب الملك والمالية عليه بعارض
الكفر مؤقتا إلى غاية الاعتاق والمؤقت إلى غاية ينتهى عند وجود الغاية فينتهي الملك والمالية عند الاعتاق فصار كما
لو انتهى بالموت وبه تبين ان الاعتاق ليس بحبس بخلاف البيع لأنه لما أخذ العوض فقد أقام المشترى مقام نفسه
فكأنه استبقاه على ملكه فصار حابسا إياه بفعله ممسكا عن الرد فلم يرجع بالنقصان وكذلك لو دبره أو استولده ثم وجد
به عيبا يرجع بالنقصان لان الرد لم يمتنع من قبل المشترى بل من قبل الشرع ولو قتله المشترى لم يرجع بالنقصان في ظاهر
الرواية وروى عن أبي يوسف انه يرجع لان المقتول ميت بأجله فتنتهي حياته عند القتل كما تنتهى عند الموت فصار
كما لو مات حتف أنفه وهناك يرجع بالنقصان كذا ههنا (وجه) ظاهر الرواية ان فوات الحياة ان لم يكن أثر فعل
القاتل حقيقة فهو أثر فعله عادة فجعل في حق القاتل كأنه تفويت الحياة حقيقة وازالتها وإن كان انتهاء حقيقة كالاعتاق
على مال انه ألحق بالبيع في حق المعتق وان لم يكن كذلك في حق العبد فصار حابسا للعبد بصنعه ممسكا ولو كان
المبيع طعاما فأكله المشترى أو ثوبا فلبسه حتى تخرق لم يرجع بالنقصان في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد
يرجع (وجه) قولهما ان أكل الطعام ولبس الثوب استعمال الشئ فيما وضع له وانه انتفاع لا اتلاف بخلاف
القتل فإنه إزالة الحياة في حق القاتل فكان حبسا وامساكا (وجه) قول أبي حنيفة عليه الرحمة ان المشترى بأكل
الطعام ولبس الثوب أخرجهما عن ملكه حقيقة إذ الملك فيهما ثبت مطلقا لا مؤقتا بخلاف العبد فأشبه القتل ولو
استهلك الطعام أو الثوب بسبب آخر وراء الاكل واللبس ثم وجد به عيبا لم يرجع بالنقصان بلا خلاف لان
استهلاكهما في غير ذلك الوجه ابطال محض فيشبه القتل ولو أكل بعض الطعام ثم وجد به عيبا ليس له أن يرد الباقي
ولا ان يرجع بالنقصان عند أبي حنيفة لان الطعام كله شئ واحد بمنزلة العبد وقد امتنع رد بعضه بمعنى من قبل المشترى
فيبطل حقه أصلا في الرد والرجوع كما لو باع بعض الطعام دون بعض وروى عن أبي يوسف أنه قال يرد الباقي
ويرجع بأرش الكل المأكول والباقي الا إذا رضى البائع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن وروى عن محمد أنه قال يرد
الباقي ويرجع بنقصان العيب فيما أكل لأنه ليس في تبعيض الطعام ضرر فيمكن رد البعض فيه دون البعض وليس
للبائع ان يمتنع عن ذلك وبه كان يفتى الفقيه أبو جعفر وهو اختيار الفقيه أبى الليث ولو باع بعض الطعام دون البعض
لم يرد الباقي ولا يرجع بالنقصان عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر يرد الباقي ويرجع بنقصان العيب الا إذا رضى البائع أن
يأخذ الباقي بحصته من الثمن (وجه) قول زفر أن امتناع الرد والرجوع بالنقصان لأجل البيع وانه وجد في البعض
دون البعض فيمتنع في البعض دون البعض لان الأصل أن يكون الامتناع بقدر المانع (ولنا) ما ذكرنا أن الطعام
كله شئ واحد كالعبد فالامتناع في البعض لمعنى من قبل المشترى يوجب الامتناع في الكل ولو كان المبيع دارا
فبناها مسجدا ثم اطلع على عيب لم يرجع بالنقصان لأنه لما بناها مسجدا فقد أخرجها عن ملكه فصار كما لو باعها ولو
اشترى ثوبا وكفن به ميتا ثم اطلع على عيب به فإن كان المشترى وارث الميت وقد اشترى من التركة يرجع بالنقصان
لان الملك في الكفن لم يثبت للمشترى وإنما يثبت للميت لان الكفن من الحوائج الأصلية للميت وقد امتنع رده
بالعيب لا من قبل المشترى فكان له أن يرجع بالنقصان وإن كان المشترى أجنبيا فتبرع بالكفن لم يرجع بالنقصان
لان الملك في المشترى وقع له فإذا كفن به فقد أخرجه عن ملكه بالتكفين فأشبه البيع والله عز وجل أعلم (ومنها)
290

عدم وصول عوض المبيع إلى المشترى مع تعذر الرد في ظاهر الرواية فان وصل إليه عوضه بأن قتله أجنبي في يده
خطأ لا يرجع بالنقصان وان تعذر رده على البائع وروى عن أبي يوسف ومحمد انه يرجع بالنقصان لأنه لم يصل إليه
حقيقة العيب وإنما وصل إليه قيمة المعيب فكان له أن يرجع بمقدار العيب والصحيح جواب ظاهر الرواية لأنه لما
وصل إليه قيمته قامت القيمة مقام العين فكأنها قائمة في يده لما وصل إليه عوضه فصار كأنه باعه ولو باعه المشترى ثم
اطلع على عيب به لم يرجع بالنقصان كذا هذا ومنها عدم الرضا بالعيب صريحا ودلالة وهي أن يتصرف في المبيع بعد
العلم بالعيب تصرفا يدل على الرضا بالعيب فان ذلك يمنع ثبوت حق الرد والرجوع جميعا وقد ذكرنا التصرفات التي هي
دليل الرضا بالعيب بعد العلم بالعيب فيما تقدم ولو لم يعلم بالعيب حتى تصرف فيه تصرفا يمنع الرد ثم علم فإن كان التصرف
مما لا يخرج السلعة عن ملكه يرجع بالنقصان الا الكتابة لانعدام دلالة الرضا وفى الكتابة يرجع لأنها في معنى البيع
على ما مر وإن كان التصرف مما يخرج السلعة عن ملكه كالبيع ونحوه لا يرجع بالنقصان الا الاعتاق لا على مال
استحسانا على ما ذكرنا فيما تقدم (وأما) بيان ما يبطل به حق الرجوع بعد ثبوته وما لا يبطل فحق الرجوع يبطل بصريح
الابطال وما يجرى مجرى الصريح نحو قوله أبطلته أو أسقطته أو أبرأتك عنه وما يجرى هذا المجرى لان خيار الرجوع
حقه كخيار الرد لثبوته بالشرط وهي السلامة المشروطة في العقد دلالة بخلاف خيار الرؤية والانسان بسبيل من
التصرف في حقه استيفاء واسقاطا ويسقط أيضا بالرضا بالعيب وهو نوعان صريح وما يجرى مجرى الصريح ودلالة
فالصريح هو أن يقول رضيت بالعيب الذي به أو اخترت أو أجزت البيع وما يجرى مجراه والدلالة هي أن يتصرف في
المبيع بعد العلم بالعيب تصرفا يدل على الرضا بالعيب كما إذا انتقص المبيع في يد المشترى وامتنع الرد بسبب النقصان
ووجب الأرش ثم تصرف فيه تصرفا أخرجه عن ملكه بأن باعه أو وهب وسلم أو أعتق أو دبر أو استولد مع العلم بالعيب
لان التصرف المخرج عن الملك مع العلم بالعيب دلالة الامساك عن الرد وذا دليل الرضا بالعيب فيبطل حق الرجوع
ولو امتنع الرد بسبب الزيادة المنفصلة المتولدة من الأصل كالولد وغيره أو الحاصلة بسبب الأصل غير المتولدة منه
كالأرش والعقر والزيادة المتصلة غير المتولدة كالصبغ ونحو ذلك ثم تصرف تصرفا أخرجه عن ملكه لا يبطل حق
الرجوع بالأرش بل يبقى الأرش على حاله لان التصرف في هذه الصورة لم يقع دلالة على الامساك عن الرد لان امتناع
الرد كان ثابتا قبله ألا ترى انه ليس للبائع خيار الاسترداد بأن يقول أنا أقبله كذلك مع العيب وأرد إليك جميع الثمن
وإذا كان الرد ممتنعا قبل التصرف لم يكن هو بالتصرف ممسكا عن الرد فلا يكون دليل الرضا فبقي الأرش واجبا كما كان
بخلاف الفصل الأول لان هناك لم يكن الرد ممتنعا حتما ألا ترى ان للبائع أن يقبله ناقصا مع العيب فكان المشترى
بتصرفه مفوتا على نفسه حق الرد فكان حابسا للمبيع بفعله ممسكا إياه عن الرد وانه دليل الرضا بالعيب فيبطل حق
الرجوع فصار الأصل في هذا الباب أن وجوب الأرش إذا لم يكن ثابتا على سبيل الحتم والالزام بل كان خيار
الاسترداد للبائع مع العيب فتصرف المشترى بعد ذلك تصرفا مخرجا عن الملك يوجب بطلان الأرش وإن كان وجوبه
ثابتا حتما بان لم يكن للبائع خيار الاسترداد فتصرف المشترى لا يبطل الأرش (وجه) الفرق بين الفصلين على ما نحو
ما بينا والله عز وجل أعلم وأما بيان طريق معرفة نقصان العيب فطريقه أن تقوم السلعة وليس بها ذلك العيب وتقوم
وبها ذلك فينظر إلى نقصان ما بين القيمتين فيرجع على بائعه بقدر ما نقصه العيب من حصته من الثمن إن كانت قيمته
مثل ثمنه وان اختلفا فإن كان النقصان قدر عشر القيمة يرجع على بائعه بعشر الثمن وإن كان قدر خمسها يرجع بخمس
الثمن مثاله إذا اشترى ثوبا قيمته عشرة بعشرة فاطلع على عيب به ينقصه عشر قيمته وهو درهم يرجع على بائعه بعشر الثمن
وهو درهم ولو اشترى ثوبا قيمته عشرون بعشرة فاطلع على عيب به ينقصه عشر القيمة وذلك درهمان فإنه يرجع على
البائع بعشر الثمن وذلك درهم واحد ولو كانت قيمته عشرة وقد اشتراه بعشرين والعيب ينقصه عشر القيمة وذلك
درهم واحد يرجع على بائعه بعشر الثمن وذلك درهمان على هذا القياس فافهم والله عز وجل أعلم (وأما) الخيار
291

الثابت شرعا لا شرطا فهو خيار الرؤية والكلام فيه في مواضع في بيان شرعية البيع الذي فيه خيار الرؤية وفي بيان
صفته وفي بيان حكمه وفي بيان شرائط ثبوت الخيار وفي بيان وقت ثبوته وفي بيان كيفية ثبوته وفي بيان ما يسقط
به الخيار بعد ثبوته ويلزم البيع وما لا يسقط ولا يلزم (أما) الكلام في شرعيته فقد مر في موضعه (وأما) صفته فهي
ان شراء ما لم يره المشترى غير لازم لأن عدم الرؤية يمنع تمام الصفقة لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه ولان جهالة الوصف تؤثر في الرضا فتوجب خللا فيه واختلال الرضا
في البيع يوجب الخيار ولان من الجائز اعتراض الندم لما عسى لا يصلح له إذا رآه فيحتاج إلى التدارك فيثبت الخيار
لامكان التدارك عند الندم نظرا له كما ثبت خيار الرجعة شرعا نظرا للزوج تمكينا له من التدارك عند الندم كما قال
تبارك وتعالى لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا (وأما) بيع ما لم يره البائع فهل يلزم روى عن أبي حنيفة
رحمه الله انه كأن يقول أولا لا يلزم ويثبت له الخيار ثم رجع وقال يلزم ولا يثبت له الخيار (وجه) قوله الأول ان ما ثبت
له في شراء ما لم يره المشترى وهو ما ذكرنا من المعاني موجود في بيع ما لم يره البائع فورود الشرع بالخيار ثمة يكون
ورودا ههنا دلالة (وجه) قوله الآخر ما روى أن سيدنا عثمان بن سيدنا عفان رضي الله عنهما باع أرضا له من
طلحة بن عبد الله رضي الله عنهما ولم يكونا رأياها فقيل لسيدنا عثمان رضي الله عنه غبنت فقال لي الخيار لأني بعت ما لم
أره وقيل لطلحة مثل ذلك فقال لي الخيار لأني اشتريت ما لم أره فحكما في ذلك جبير بن مطعم فقضى بالخيار لطلحة رضي الله عنه
وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكر عليه أحد منهم فكان اجماعا منهم على ذلك والاعتبار
بجانب المشترى ليس بسديد لان مشترى ما لم يره مشترى على أنه خير مما ظنه فيكون بمنزلة مشترى شئ على أنه جيد
فإذا هو ردئ ومن اشترى شيئا على أنه جيد فإذا هو ردئ فله الخيار وبائع شئ لم يره يبيع على أنه أدون مما ظنه
فكان بمنزلة بائع شئ على أنه ردئ فإذا هو جيد ومن باع شيئا على أنه ردئ فإذا هو جيد لا خيار للبائع فلهذا افترقا
(وأما) حكمه فحكم المبيع الذي لا خيار فيه وهو ثبوت الحل للمشترى في المبيع وثبوت الملك للبائع في الثمن للحال
لان ركن البيع صدر مطلقا عن شرط كان ينبغي ان يلزم الا انه ثبت الخيار شرعا لا شرطا بخلاف البيع بشرط الخيار
لان الخيار ثبت بنص كلام العاقدين فأثر في الركن بالمنع من الانعقاد في حق الحكم على ما مر والله عز وجل أعلم (وأما)
شرائط ثبوت الخيار (فمنها) أن يكون المبيع مما يتعين بالتعيين فإن كان مما لا يتعين بالتعيين لا يثبت فيه الخيار حتى أنهما
لو تبايعا عينا بعين يثبت الخيار لكل واحد منهما ولو تبايعا دينا بدين لا يثبت الخيار لواحد منهما ولو اشترى عينا
بدين فللمشتري الخيار ولا خيار للبائع وإنما كان كذلك لأن المبيع إذا كان مما لا يتعين بالتعيين لا ينفسخ العقد
برده لأنه إذا لم يتعين للعقد لا يتعين للفسخ فيبقى العقد وقيام العقد يقتضى ثبوت حق المطالبة بمثله فإذا قبض يرده هكذا
إلى ما لا نهاية له فلم يكن الرد مفيدا بخلاف ما إذا كان عينا لأن العقد ينفسخ برده لأنه يتعين بالعقد فيتعين في الفسخ
أيضا فكان الرد مفيدا ولان الفسخ إنما يرد على المملوك بالعقد وما لا يتعين بالتعيين لا يملك بالعقد وإنما يملك بالقبض
فلا يرد عليه الفسخ ولهذا يثبت خيار الرؤية في الإجارة والصلح عن دعوى المال والقسمة ونحو ذلك لأن هذه
العقود تنفسخ برد هذه الأشياء فيثبت فيها خيار الرؤية ولا يثبت في المهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد ونحو
ذلك لأن هذه العقود لا تحتمل الانفساخ برد هذه الأموال فصار الأصل ان كل ما ينفسخ العقد فيه برده يثبت فيه
خيار الرؤية وما لا فلا والفقه ما ذكرنا والله عز وجل أعلم (ومنها) عدم الرؤية فان اشتراه وهو يراه فلا خيار له لان
الأصل هو لزوم العقد وانبرامه لان ركن العقد وجد مطلقا عن شرط الا أنا عرفنا ثبوت الخيار شرعا بالنص والنص ورد
بالخيار فيما لم يره المشترى لقوله عليه الصلاة والسلام من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه فبقي الخيار عند الرؤية
مبقيا على الأصل وإن كان المشترى لم يره وقت الشراء ولكن كان قد رآه قبل ذلك نظر في ذلك إن كان المبيع وقت
الشراء على حاله التي كان عليها لم تتغير فلا خيار له لان الخيار ثبت معدولا به عن الأصل بالنص الوارد في شراء ما لم يره
292

وهذا قد اشترى شيئا قد رآه فلا يثبت له الخيار وإن كان قد تغير عن حاله فله الخيار لأنه إذا تغير عن حاله فقد صار شيئا آخر
فكان مشتريا شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه ولو اختلفا في التغير وعدمه فقال البائع لم يتغير وقال المشترى قد تغير فالقول قول
البائع لان الأصل عدم التغير والتغير عارض فكان البائع متمسكا بالأصل والمشترى مدعيا أمرا عارضا فكان القول
قول البائع لكن مع يمينه لان حق الرد أمر يجرى فيه البدل والاقرار فيجرى فيه الاستحلاف ولان المشترى
بدعوى التغير يدعى حق الرد والبائع ينكر فكان القول قول المنكر ولو اختلفا فقال البائع للمشترى رأيته وقت الشراء
وقال المشترى لم أره فالقول قول المشترى لأن عدم الرؤية أصل والرؤية عارض فكان الظاهر شاهدا للمشترى فكان
القول قوله مع يمينه ولان البائع بدعوى الرؤية يدعى عليه الزام العقد والمشترى ينكر فكان القول قوله ولو أراد المشترى
الرد فاختلفا فقال البائع ليس هذا الذي بعتك وقال المشترى هو ذاك بعينه فالقول قوله أنه بعينه وكذلك هذا في خيار
الشرط بخلاف خيار العيب فان القول قول البائع (ووجه) الفرق ان المشترى في خيار الرؤية والشرط بقوله هذا مالك
لا يدعى ثبوت حق الرد عليه لان حق الرد ثابت له حتى يرد عليه من غير قضاء ولا رضا ولكنه يدعى ان هذا الذي قبضه
منه فكان اختلافهما في الحقيقة راجعا إلى المقبوض والاختلاف متى وقع في تعيين نفس المقبوض فان القول فيه قول
القابض وإن كان قبضه بغير حق كقبض الغصب ففي القبض الحق أولى بخلاف العيب لان المشترى لا ينفرد بالرد في
خيار العيب ألا ترى انه لا يملك الرد الا بقضاء القاضي أو التراضي فكان هو بقوله هذا مالك بعينه مدعيا حق الرد في
هذا المعين والبائع ينكر ثبوت حق الرد فيه فكان القول قوله هذا إذا كان المشترى بصيرا فاما إذا كان أعمى فشرط
ثبوت الخيار له عدم الجس فيما يجس والذوق فيما يذاق والشم فيما يشم والوصف فيما يوصف وقت الشراء لأن هذه
الأشياء في حقه بمنزلة الرؤية في حق البصير فكان انعدامها شرطا لثبوت الخيار له فان وجد شئ منه وقت الشراء
فاشتراه فلا خيار له وكذا إذا وجدت قبل القبض ثم قبض فلا خيار له لان وجود شئ من ذلك عند القبض في حقه
بمنزلة وجوده عند العقد كالرؤية في حق البصير بأن رآه قبل القبض ثم قبضه لان كل ذلك دلالة الرضا بلزوم العقد على
ما نذكره إن شاء الله تعالى هذا الذي ذكرنا إذا رأى المشترى كل المبيع وقت الشراء (فاما) إذا رأى بعضه دون
البعض فجملة الكلام في جنس هذه المسائل ان المبيع لا يخلو اما أن يكون شيئا واحدا واما أن يكون أشياء فإن كان شيئا
واحدا فرأى بعضه لا يخلو (اما) إن كان ما رآه منه مقصودا بنفسه وما لم يره منه تبعا (واما) إن كان كل واحد منهما
مقصودا بنفسه فإن كان ما لم يره تبعا لما رآه فلا خيار له سواء كان رؤية ما رآه تفيد له العلم بحال ما لم يره أو لا تفيد لان حكم
التبع حكم الأصل فكان رؤية الأصل رؤية التبع وإن كان مقصودا بنفسه ينظر في ذلك أن كان رؤية ما رأى تفيد له
العلم بحال ما لم يره فلا خيار له لان المقصود العلم بحال الباقي فكأنه رأى الكل وإن كان لا يفيد له العلم بحال الباقي فله الخيار
لان المقصود لم يحصل برؤية ما رأى فكأنه لم ير شيئا منه أصلا فعلى هذا الأصل تخرج المسائل إذا اشترى عبدا أو
جارية فرأى وجهه دون سائر أعضائه لا خيار له وإن كانت رؤية الوجه لا تفيد له العلم بما وراءه لان الوجه أصل في
الرؤية في بني آدم وسائر الأعضاء تبع له فيها ولو رأى سائر أعضائه دون الوجه فله الخيار لان رؤية التبع لا تكون
رؤية الأصل فكأنه لم ير شيئا منه ولو اشترى فرسا أو بغلا أو حمارا أو نحو ذلك فرأى وجهه لا غير روى ابن سماعة عن
محمد انه يسقط خياره وسوى بينه وبين الرقيق وروى عن أبي يوسف ان له الخيار ما لم ير وجهه ومؤخره وهو
الصحيح لان الوجه والكفل كل واحد منهما عضو مقصود في الرؤية في هذا الجنس فما لم يرهما فهو على خياره وان
اشترى شاة فإن كانت نعجة حلوبا اشتراها للقنية أو اشترى بقرة حلوبا أو ناقة حلوبا اشتراها للقنية لا بد من النظر إلى
ضرعها وان اشترى شاة للحم لا بد من الجس حتى لو رآها من بعيد فهو على خياره لان اللحم مقصود من شاة اللحم والضرع
مقصود من الحلوب والرؤية من بعيد لا تفيد العلم بهذين المقصودين والله عز وجل أعلم (وأما) البسط فإن كان مما
يختلف وجهه وظهره فرأى وجهه دون ظهره كالمغافر ونحوها لا خيار له وان رأى الظهر دون الوجه فله الخيار كذا
293

روى الحسن عن أبي حنيفة ولو اشترى ثوبا واحدا فرأى ظاهره مطويا ولم ينشره فإن كان ساذجا ليس بمنقش ولا
بذى علم فلا خيار له لان رؤية ظاهره مطويا تفيد العلم بالباقي وإن كان منقشا فهو على خياره ما لم ينشره ويرى نقشه لان
النقش في الثوب المنقش مقصود وان لم يكن منقشا ولكنه ذو علم فرأى علمه فلا خيار له وان لم ير كله ولو رأى كله الا
علمه فله الخيار لان العلم في الثوب المعلم مقصود كالنقش ولو اشترى دارا فرأى خارجها أو بستانا فرأى
خارجه ورؤس الأشجار فلا خيار له كذا ذكر في ظاهر الرواية لان الدار شئ واحد وكذا البستان فكان رؤية البعض
رؤية الكل الا ان مشايخنا قالوا إن هذا مؤول وتأويله ان لا يكون في داخل الدار بيوت وأبنية فيحصل المقصود برؤية
الخارج فاما إذا كان داخلها أبنية فله الخيار ما لم ير داخلها لان الداخل هو المقصود من الدار والخارج كالتابع له بمنزلة
الثوب المعلم إذا رأى كله الا علمه كان له الخيار لان العلم هو المقصود منه وذكر الكرخي ان أبا حنيفة عليه الرحمة أجاب
على عادة أهل الكوفة في زمنه فان دورهم في زمنه كانت لا تختلف في البناء وكانت على تقطيع واحد وهيئة واحدة
وإنما كانت تختلف في الصغر والكبر والعلم به يحصل برؤية الخارج وأما الآن فلابد من رؤية داخل الدار وهو
الصحيح لاختلاف الأبنية في داخل الدور في زماننا اختلافا فاحشا فرؤية الخارج لا تفيد العلم بالداخل والله عز وجل
أعلم هذا إذا كان المشترى شيئا واحدا فرأى بعضه فاما إن كان أشياء فرأى وقت الشراء بعضها دون البعض فلا يخلو
اما إن كان من المكيلات أو الموزونات فرأى بعضها وقت الشراء فإن كان في وعاء واحد فلا خيار له لان رؤية البعض
فيها تفيد العلم بالباقي فكان رؤية البعض كرؤية الكل الا إذا وجد الباقي بخلاف ما رأى فيثبت له الخيار لكن خيار
العيب لا خيار الرؤية وإن كان في وعاءين فإن كان الكل من جنس واحد وعلى صفة واحدة اختلف المشايخ فيه قال
مشايخ بلخ له الخيار لان اختلاف الوعاءين جعلهما كجنسين وقال مشايخ العراق لا خيار له وهو الصحيح لان رؤية
البعض من هذا الجنس تفيد العلم بالباقي سواء كان في وعاء واحد أو في وعاءين بعد إن كان الكل من جنس واحد وعلى
صفة واحدة فإن كان من جنسين أو من جنس واحد على صفتين فله الخيار بلا خلاف لان رؤية البعض من جنس
وعلى وصف لا تفيد العلم بجنس آخر وعلى وصف آخر وإن كان من العدديات المتفاوتة كالعبيد والدواب والثياب
بان اشترى جماعة عبيدا وجواري أو إبل أو بقر أو قطيع غنم أو جراب هروى فرأى بعضها أو كلها الا واحدا فله
الخيار بين أن يرد الكل أو يمسك الكل لان رؤية البعض من هذا الجنس لا تفيد العلم بما وراءه فكأنه لم ير شيئا منه
بخلاف المكيل والموزون لان رؤية البعض منه تفيد العلم بالباقي ولو اشترى جماعة ثياب في جراب ورأي أطراف
الكل أو طي الكل لا خيار له الا إذا كانت معلمة أو منقشة لأنها إذا لم تكن معلمة ولا منقشه لم يكن البعض من كل واحد
منها مقصودا والبعض تبعا ورؤية البعض تفيد العلم بحال الباقي فكان رؤية البعض رؤية الكل كما إذا اشترى
البطيخ في السريجة والرمان في القفة فرأى البعض فله الخيار لان البعض منها ليس تبعا للبعض بل كل واحد منها
مقصود بنفسه فرؤية البعض منها لا تفيد العلم بالباقي لكونها متفاوتة تفاوتا فاحشا فكان له الخيار وإن كان من العدديات
المتقاربة كالجوز والبيض فرأى البعض منها ذكر الكرخي ان له الخيار والحقه بالعدديات المتفاوتة لاختلافها في
الصغر والكبر كالبطيخ والرمان وذكر القاضي الامام الاسبيجابي رحمه الله في شرحه مختصر الطحاوي انه لا خيار
له وهو الصحيح لان التفاوت بين صغير البيض والجوز وكبيرهما متقارب ملحق بالعدم عرفا وعادة وشرعا ولهذا الحق
بالعدم في السلم حتى جاز السلم فيها عددا عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر فكان رؤية بعضه معرفا حال الباقي ويحتمل أن
يكون الجواب على ما ذكره الكرخي ويفرق بين هذا وبين السلم وهو ان البيض والجوز مما يتفاوت في الصغر والكبر
حقيقة والأصل في الحقائق اعتبارها الا ان الشرع أهدر هذا التفاوت والحقه بالعدم في السلم لحاجة الناس ولا حاجة
إلى الاهدار في اسقاط الخيار فبقي التفاوت فيه معتبرا فرؤية البعض لا تحصل المقصود وهو العلم بحال الباقي فبقي الخيار
والله عز وجل أعلم ولو اشترى دهنا في قارورة فرأى خارج القارورة فعن محمد روايتان روى ابن سماعة عنه انه
294

لا خيار له لان الرؤية من الخارج تفيد العلم بالداخل فكأنه رآه وهو خارج وروى عنه ان له الخيار لان العلم بما في
داخل القارورة لا يحصل بالرؤية من خارج القارورة لان ما في الداخل يتلون بلون القارورة فلا يحصل المقصود
من هذه الرؤية وقالوا في المشترى إذا رأى المبيع في المرآة ان له الخيار وكذا في الماء وقالوا لأنه لم ير عينه وإنما رأى
مثاله والصحيح انه رأى عين المبيع لا ان غير المبيع في المرآة والماء بل يراه حيث هو لكن لا على الوجه المعتاد بخلق
الله تعالى فيه الرؤية وهذا ليس ببعيد لان المقابلة ليست من شرط الرؤية فانا نرى الله تعالى عز شأنه بلا مقابلة ولكن
قد لا يحصل له العلم بهيئته لتفاوت المرآة فيعلم بأصله لا بهيئته فلذلك يثبت له الخيار لا لما قالوا والله عز وجل أعلم على أن
في العرف لا يشترى الانسان شيئا لم يره ليراه في المرأة أو في الماء ليحصل له العلم بهذا الطريق فلا تكون رؤيته في
المرآة وان رأى عينه مسقطة للخيار وعلى هذا قالوا فيمن رأى فرج أم امرأته في الماء أو في المرآة فنظر إليه بشهوة
لا تثبت له حرمة المصاهرة وكذا لا يصير مراجعا للمرأة المطلقة طلاقا رجعيا لما قلنا ولو اشترى سمكا في دائرة يمكن
أخذه من غير اصطياد وحيلة حتى جاز البيع فرآه في الماء ثم أخذه قال بعضهم لا خيار له لأنه رأى عين السمك في الماء
وقال بعضهم له الخيار لان ما رآه كما هو لان الشئ لا يرى في الماء كما هو بل يرى أكثر مما هو فلم يحصل المقصود بهذه
الرؤية وهو معرفته كما هو فله الخيار (وأما) بيان وقت ثبوت الخيار فوقت ثبوت الخيار هو وقت الرؤية لا قبلها حتى لو
أجاز قبل الرؤية ورضى به صريحا بأن قال أجزت أو رضيت أو ما يجرى هذا المجرى ثم رآه له أن يرده لما روى عن النبي
عليه الصلاة والسلام انه أثبت الخيار للمشترى بعد الرؤية فلو ثبت له خيار الإجازة قبل الرؤية وأجاز لم يثبت له الخيار
بعد الرؤية وهذا خلاف النص ولان المعقود عليه قبل الرؤية مجهول الوصف والرضا بالشئ قبل العلم به والعلم بوجود
سببه محال فكان ملحقا بالعدم (وأما) الفسخ قبل الرؤية فقد اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يجوز لأنه لا خيار قبل
الرؤية ولهذا لم تجز الإجازة فلا يجوز الفسخ وقال بعضهم يجوز وهو الصحيح لان هذا عقد غير لازم فكان محل الفسخ
كالعقد الذي فيه خيار العيب وعقد الإعارة والايداع وقد خرج الجواب عن قولهم إنه لا خيار قبل الرؤية لان ملك
الفسخ لم يثبت حكما للخيار وإنما يثبت حكما لعدم لزوم العقد والله عز وجل أعلم (وأما) بيان كيفية ثبوت الخيار فقد
اختلف المشايخ فيه قال بعضهم ان خيار الرؤية بعد الرؤية يثبت مطلقا في جميع العمر إلى أن يوجد ما يبطله فيبطل
حينئذ والا فيبقى على حاله ولا يتوقف بامكان الفسخ وهو اختيار الكرخي لان سبب ثبوت هذا الخيار هو اختلال
الرضا والحكم يبقى ما بقي سببه وقال بعضهم انه يثبت موقتا إلى غاية امكان الفسخ بعد الرؤية حتى لو رآه وأمكنه الفسخ
ولم يفسخ يسقط خياره وان لم توجد الأسباب المسقطة للخيار على ما نذكرها إن شاء الله تعالى لان من الأسباب
المسقطة للخيار الرضا والإجازة والامتناع من الفسخ بعد الامكان دليل الإجازة والرضا والله عز وجل أعلم (وأما)
بيان ما يسقط بالخيار بعد ثبوته ويلزم البيع وما لا يسقط ولا يلزم فنقول وبالله التوفيق ما يسقط به الخيار بعد
ثبوته ويلزم البيع في الأصل نوعان اختياري وضروري والاختياري نوعان صريح وما يجرى مجرى الصريح
ودلالة (أما) الصريح وما في معناه فنحو أن يقول أجزت البيع أو رضيت أو اخترت أو ما يجرى هذا المجرى سواء
علم البائع بالإجازة أو لم يعلم لان الأصل في البيع المطلق هو اللزوم والامتناع لخلل في الرضا فإذا أجاز ورضى فقد زال
المانع فيلزم (وأما) الدلالة فهو أن يوجد من المشترى تصرف في المبيع بعد الرؤية يدل على الإجازة والرضا نحو ما إذا
قبضه بعد الرؤية لان القبض بعد الرؤية دليل الرضا بلزوم البيع لان للقبض شبها بالعقد فكان القبض بعد الرؤية
كالعقد بعد الرؤية وذاك دليل الرضا كذا هذا وسواء قبضه بنفسه أو وكيله بالقبض بأن قبضه الوكيل وهو ينظر
إليه وكانت رؤيته كرؤية الموكل عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا يسقط خياره بقبض الوكيل مع
رؤيته ولقب المسألة ان الوكيل بالقبض يملك اسقاط خيار الرؤية عنده وعندهما لا يملك وأجمعوا على أن الرسول
بالقبض لا يملك وأجمعوا على أن الوكيل بالشراء يملك وكانت رؤيته رؤية الموكل وأجمعوا على أن الرسول بالشراء
295

لا يملك ولا تكون رؤيته رؤية المرسل ويثبت الخيار للمرسل إذا لم يره (وجه) قولهما ان الوكيل متصرف بحكم
الامر والمتصرف بحكم الامر لا يتعدى إلى مورد الامر وهو وكيل بالقبض لا باسقاط الخيار فلا يملك اسقاطه ولهذا
لا يملك اسقاط خيار العيب ولا خيار الشرط وكذا الرسول لا يملك فكذا الوكيل ولأبي حنيفة أنه وكيل بالقبض
لكن بقبض تام لان الوكيل بالشئ وكيل باتمام ذلك الشئ ولهذا كان الوكيل بالخصومة وكيلا بالقبض وتمام القبض
باسقاط الخيار لان خيار الرؤية يمنع تمام القبض ولهذا لا يملك التفريق بعد القبض لأنه غير مقبوض وقد خرج
الجواب عن قولهما انه وكيل بالقبض لا بابطال الخيار لان الوكيل عنده لا يملك ابطال الخيار مقصودا لان الموكل
لا يملك ذلك فكيف يملكه الوكيل وإنما يبطل في ضمن القبض بأن قبضه وهو ينظر إليه حتى لو قبضه مستورا
ثم أراد بطلان الخيار لا يملكه والشئ قد يثبت ضمنا لغيره وإن كان لا يثبت مقصودا كعزل الوكيل وغيره بخلاف
خيار العيب لأنه لا يمنع تمام القبض الا ترى أنه يملك التفريق بعد القبض وكذا الرد بعد القبض بغير قضاء لم يكن
رفعا للعقد من الأصل بخلاف الرد قبل القبض وبخلاف خيار الشرط لأنه يثبت للاختبار والقبض وسيلة
إلى الاختبار فلم يصلح القبض دليل الرضا وخيار الرؤية إنما يثبت بخلل في الرضا والقبض مع الرؤية دليل الرضا
على الكمال فأوجب بطلان الخيار وبخلاف الرسول بالقبض لأنه نائب في القبض عن المرسل فكان قبضه
قبض المرسل فكان اتمام القبض إلى المرسل (وأما) الوكيل فأصل في نفس القبض وإنما الواقع للموكل حكم
فعله فكان الاتمام إلى الوكيل وكذا إذا تصرف فيه تصرف الملاك بأن كان ثوبا فقطعه أو صبغه أحمر أو أصفر أو
سويقا فلته سمن أو عسل أو أرضا فبنى عليها أو غرس أو زرع أو جارية فوطئها أو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها
عن شهوة أو دابة فركبها لحاجة نفسه ونحو ذلك لان الاقدام على هذه التصرفات دلالة الإجازة والرضا بلزوم البيع
والملك به إذ لو لم يكن به وفسخ البيع لتبين أنه تصرف في ملك الغير من كل وجه أو من وجه وانه حرام فجعل ذلك إجازة
منه صيانة له عن ارتكاب الحرام وكذا إذا عرضه على البيع باع أو لم يبع لأنه لما عرضه على البيع فقد قصد اثبات
الملك اللازم للمشترى ومن ضرورته لزوم الملك له ليمكنه اثباته لغيره ولو عرض بعضه على البيع سقط خياره
عند أبي يوسف وعند محمد لا يسقط والصحيح قول أبى يوسف لان سقوط الخيار ولزوم البيع بالعرض
لكون العرض دلالة الإجازة والرضا ودلالة الإجازة دون صريح الإجازة ثم لو صرح بالإجازة في البعض لم يجز ولم
يسقط خياره لما فيه من تفريق الصفقة على البائع قبل التمام فلان لا يسقط بدلالة الإجازة أولى وكذا لو وهبه سلم
أو لم يسلم لان الثابت بالهبة لا يعود إليه الا بقرينة القضاء أو الرضا فكان الاقدام عليها دلالة قصد اثبات الملك اللازم
فيقتضى لزم الملك للواهب وكذا إذا رهنه وسلم أو آجره لان كل واحد منهما عقد لازم في نفسه والثابت بهما حق
لازم للغير وكذا إذا كاتبه لان الكتابة عقد لازم في جانب المكاتب والثابت بها حق لازم في حقه وكذا إذا باعه
أو وهبه وسلم وكذا إذا أعتقه أو دبره أو استولده لأن هذه تصرفات لازمة والثابت بها ملك لازم أو حق لازم
فالاقدام عليها يكون إجازة والتزاما للعقد دلالة ولو باع بشرط الخيار لنفسه لا يسقط خياره في رواية وفى رواية
يسقط وهي الصحيحة لان البيع بشرط الخيار لا يكون أدنى من العرض على البيع بل فوقه ثم العرض على البيع
يسقط الخيار فهذا أولى وكذا لو أخرج بعضه عن ملكه يسقط خياره عن الباقي ولزم البيع فيه لان رد الباقي تفريق
الصفقة على البائع قبل التمام لان خيار الرؤية يمنع تمام الصفقة لأنه يمنع تمام الرضا وكذا إذا انتقص المعقود عليه بفعله
والله عز وجل أعلم (وأما) الضروري فهو كل ما يسقط بالخيار ويلزم البيع من غير صنعه نحو موت المشترى
عندنا خلافا للشافعي رحمه الله والمسألة قد مرت في خيار الشرط وكذا إجازة أحد الشركين فيما اشترياه ولم يرياه دون
صاحبه عند أبي حنيفة وقد ذكرنا المسألة في خيار العيب وكذا إذا هلك بعضه أو انتقص بأن تعيب بآفة سماوية أو
بفعل أجنبي أو بفعل البائع عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله أو ازداد في يد المشترى زيادة منفصلة أو متصلة متولدة
296

أو غير متولدة على التفصيل والاتفاق والاختلاف الذي ذكرنا في خيار الشرط والعيب والأصل ان كل ما يبطل
خيار الشرط والعيب يبطل خيار الرؤية الا أن خيار الشرط والعيب يسقط بصريح الاسقاط وخيار الرؤية لا يسقط
بصريح الاسقاط لا قبل الرؤية ولا بعدها أما قبلها فلما ذكرنا فيما تقدم أنه لا خيار قبل الرؤية لان أوان ثبوت الخيار
هو أوان الرؤية فقبل الرؤية لا خيار واسقاط الشئ قبل ثبوته وثبوت سببه محال وأما بعد الرؤية فلان الخيار ما ثبت
باشتراط العاقدين لان ركن العقد مطلق عن الشرط نصا ودلالة وإنما يثبت شرعا لحكمة فيه فكان ثابتا حقا لله تعالى
(وأما) خيار الشرط والعيب فثبت باشتراط العاقدين أما خيار الشرط فظاهر لأنه منصوص عليه في العقد
(وأما) خيار العيب فلان السلامة مشروطة في العقد دلالة والثابت بدلالة النص كالثابت بصريح النص فكان
ثابتا حقا للعبد وما ثبت حقا للعبد يحتمل السقوط باسقاطه مقصودا لان الانسان يملك التصرف في حق نفسه
مقصودا استيفاء واسقاطا فأما ما ثبت حقا لله تعالى فالعبد لا يملك التصرف فيه اسقاطا مقصودا لأنه لا يملك التصرف
في حق غيره مقصودا لكنه يحتمل السقوط بطريق الضرورة بأن يتصرف في حق نفسه مقصودا ويتضمن ذلك
سقوط حق الشرع فيسقط حق الشرع في ضمن التصرف في حق نفسه كما إذا أجاز المشترى البيع ورضى به بعد
الرؤية نصا أو دلالة بمباشرة تصرف يدل على الرضا والإجازة لأنه وان ثبت حقا للشرع لكن الشرع أثبته نظر للعبد
حتى إذا رآه وصلح له أجازه وان لم يصلح له رده إذ الخيار هو التخيير بين الفسخ والإجازة فكان المشترى بالإجازة
والرضا متصرفا في حق نفسه مقصودا ثم من ضرورة الإجازة لزوم العقد ومن ضرورة لزوم العقد سقوط الخيار فكان
سقوط الخيار من طريق الضرورة لا بالاسقاط مقصودا ويجوز ان يثبت الشئ بطريق الضرورة وإن كان لا يثبت
مقصودا كالوكيل بالبيع إذا عزله الموكل ولم يعلم به فإنه لا ينعزل ولو باع الموكل بنفسه ينعزل الوكيل كذا هنا ولو باع
بشرط الخيار قبل الرؤية أو عرضه على البيع أو وهبه ولم يسلم أو كان للمشترى دارا فبيعت دار بجنبها فأخذها بالشفعة
فهو على خياره لأن هذه التصرفات دلالة الرضا وهذا الخيار قبل الرؤية لا يسقط بصريح الرضا فبدلالة الرضا أولى
أن لا يسقط وإنما يسقط بتعذر الفسخ بأن أعتق أو دبر أو باع أو آجر أو رهن وسلم أما الاعتاق والتدبير فلان كل واحد
منهما وقع صحيحا لمصادفته محلا مملوكا وكل واحد منهما تصرف لازم لا يحتمل النقض والفسخ فتعذر فسخ البيع لتعذر
فسخهما (وأما) البيع والإجارة والرهن فلأنها تصرفات لازمة أوجب بها ملكا لازما أو حقا لازما للغير على وجه
لا يملك الاسترداد فتعذر الفسخ وتعذر فسخ العقد يوجب لزومه لان الفسخ إذا تعذر لم يكن في بقاء العقد فائدة فيسقط
ضرورة ولو باع أو رهن أو آجر ثم رد عليه بعيب بقضاء القاضي أو افتك الرهن أو انقضت مدة الإجارة لا يعود
الخيار كذا روى عن أبي يوسف لان خيار الرؤية بعد ما سقط لا يعود الا سبب جديد بخلاف خيار العيب
وعلى هذا إذا كاتبه أو وهبه وسلمه أو باعه بشرط الخيار للمشترى قبل الرؤية يلزم البيع لأن هذه عقود لازمة
أوجبت حقوقا لازمة (أما) الكتابة فلأنها عقد لازم في حق المكاتب حتى لا يملك الفسخ من غير رضا المكاتب
وكذا البيع بشرط الخيار للمشترى لأنه لازم في جانب البائع (وأما) الهبة فلان الملك الثابت بها ملك لا يحتمل
العود إليه الا بقضاء أو رضا فكان في معنى اللازم وإذا تعذر الفسخ بسبب هذه التصرفات وتعذر الفسخ يوجب
اللزوم ويسقط الخيار ضرورة عدم الفائدة بخلاف ما إذا باع بشرط الخيار لنفسه لأنه ليس بتصرف لازم في حقه
وكذا الهبة من غير تسليم والعرض على البيع والله عز وجل أعلم ثم ما ذكرنا من سقوط الخيار ولزوم البيع برضا
المشترى إذا رأى كل المبيع فرضى به فأما إذا رأى بعضه دون بعض فهل يسقط خياره فتفصيل الكلام فيه على
النحو الذي ذكرنا فيما إذا رأى بعض المبيع دون بعض وقت الشراء فكل ما يمنع ثبوت الخيار هناك يسقط بعد ثبوته
ههنا ومالا فلا وفيما وراء ذلك لا يختلفان والله عز وجل أعلم وعلى ذلك يخرج ما إذا اشترى مغيبا في الأرض كالجزر
والبصل والثوم والسلق والفجل ونحوها من المغيبات في الأرض فقلع بعضه ورضى بالمقلوع انه لا يسقط خياره عند
297

أبي حنيفة حتى إنه إذا قلع الباقي كان على خياره أن شاء رد الكل وان شاء أمسك الكل وقال أبو يوسف ومحمد إذا
قلع شيئا مما يستدل به على الباقي في عظمه ورضى به المشترى فهو لازم (وجه) قولهما انه إذا قلع ما يستدل به على الباقي
كان رؤية بعضه كرؤية كله فكأنه قلع الكل ورضى به كما إذا اشترى صبرة فرأى ظاهرها يسقط خياره كذا هذا
(وجه) قول أبي حنيفة ان هذه المغيبات مما تختلف بالصغر والكبر والجودة والرداءة اختلافا فاحشا فرؤية البعض
منها لا تفيد العلم بحال البقية فأشبه الثياب وسائر العدديات المتفاوتة ولو قطع المشترى الكل بغير اذن البائع سقط
خياره لأنه نقص المعقود عليه بالقلع لأنه كان ينمو في الأرض ويزيد ولا يتسارع إليه الفساد وبعد القلع لا ينمو ويتسارع
إليه الفساد وانتقاص المعقود عليه في يد المشترى بغير صنعه يسقط الخيار ويلزم البيع فبصنعه أولى وكذا إذا قلع
بعضه بغير اذنه لأنه نقص بعض المبيع وانتقاص بعض المبيع بنفسه يمنع رد الباقي فبصنعه أولى وان قلع كله باذن
البائع أو بعضه أو قلع الباقي بنفسه لم يذكر الكرخي هذا الفصل وينبغي أن لا يختلف الجواب فيه على قياس قول
أبي حنيفة ومحمد كما في البيع بشرط الخيار للمشترى إذا انتقص المبيع بفعل البائع انه يسقط خيار المشترى عندهما وهو
قول أبى يوسف الأول وفى قوله الآخر لا يسقط وروى بشر عن أبي يوسف ان المشترى إذا قلع البعض باذن البائع
أو قلع البائع بعضه أنه ينظر إن كان المغيب مما يباع بالكيل أو الوزن بعد القلع فقلع قدر ما يدخل تحت الكيل أو الوزن
ورضى به يلزم البيع ويسقط خياره لان الرضا ببعض المكيل بعد رؤيته رضا بالكل لان رؤية بعضه تعرف حال
الباقي الا إذا كان المقلوع قليلا لا يدخل تحت الكيل فلا يسقط خياره لان قلعه والترك بمنزلة واحدة فكأنه لم يقلع
منه شيئا وإن كان مما يباع عددا كالسلق والفجل ونحوها فقلع بعضا منه فهو على خياره لان رؤية البعض منه لا تفيد
العلم بحال الباقي للتفاوت الفاحش بين الصغير والكبير من هذا الجنس فلا يحصل المقصود برؤية البعض فيبقى على
خياره وقال أبو يوسف إذا اختلف البائع والمشترى في القلع فقال المشترى انى أخاف ان قلعته لا يصلح لي ولا أقدر
على الرد وقال البائع انى أخاف ان قلعته لا ترضى به فمن تطوع منهما بالقلع جاز وان تشاحا على ذلك فسخ القاضي العقد
بينهما لأنهما إذا تشاحا فلا سبيل إلى الاجبار لما في الاجبار من الاضرار فتعذر التسليم فلم يكن في بقاء العقد فائدة
فيفسخ والله عز وجل أعلم هذا الذي ذكرنا بيان ما يسقط به الخيار بعد ثبوته في حق البصير فأما الأعمى إذا اشترى
شيئا وثبت له الخيار فان خياره يسقط بما ذكرنا من الأسباب المسقطة لكن بعدما وجد منه ما يقوم مقام الرؤية وهو
الجس فيما يجس والذوق فيما يذاق والشم فيما يشم والوصف فيما يوصف كالدار والعقار والثمار على رؤس الأشجار
ونحوها إذا كان الموصوف على ما وصف وكان ذلك في حقه بمنزلة الرؤية في حق البصير وروى عن الحسن بن زياد
أنه قال يوكل بصيرا بالرؤية وتكون رؤية الوكيل قائمة مقام رؤيته وروى هشام عن محمد أنه يقوم من المبيع في موضع
لو كان بصيرا لرآه ثم يوصف له لان هذا أقصى ما يمكن ولو وصف له فرضى به ثم أبصر لا يعود الخيار لان الوصف في
حقه كالخلف عن الرؤية لعجزه عن الأصل والقدرة على الأصل بعد حصول المقصود بالخلف لا يبطل حكم الخلف
كمن صلى بطهارة التيمم ثم قدر على الماء ونحو ذلك ولو اشترى البصير شيئا لم يره حتى ثبت له الخيار ثم عمى فهذا والأعمى
عند الشراء سواء لأنه ثبت له خيار الرؤية وهو أعمى فكانت رؤيته رؤية العميان وهي ما ذكرنا والله عز وجل أعلم
(وأما) بيان ما ينفسخ به العقد فالكلام في هذا الفصل في موضعين أحدهما في بيان ما ينفسخ به العقد والثاني
في بين شرائط صحة الفسخ أما الأول فما ينفسخ به العقد نوعان اختياري وضروري فالاختياري هو أن يقول
فسخت العقد أو نقضته أو رددته وما يجرى هذا المجرى والضروري أن يهلك المبيع قبل القبض (وأما) شرائط
صحته فمنها قيام الخيار لان الخيار إذا سقط لزم العقد والعقد اللازم لا يحتمل الفسخ ومنها أن لا يتضمن الفسخ
تفريق الصفقة على البائع وان تضمن بأن رد بعض المبيع دون البعض لم يصح وكذا إذا رد البعض وأجاز البيع في
البعض لم يجز سواء كان قبل قبض المعقود عليه أو بعده لان خيار الرؤية يمنع تمام الصفقة فكان هذا تفريق الصفقة
298

على البائع قبل تمامها وانه باطل ومنها علم البائع بالفسخ عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف ليس بشرط وقد ذكرنا
دلائل المسألة في خيار الشرط وأما قضاء القاضي أو التراضي فليس بشرط لصحة الفسخ بخيار الرؤية كما لا يشترط
لصحة الفسخ بخيار الشرط فيصح من غير قضاء ولا رضا قبل القبض وبعده بخلاف خيار العيب وقد ذكرنا الفرق فيما
تقدم والله عز وجل أعلم (وأما) البيع الفاسد فهو كل بيع فاته شرط من شرائط الصحة وقد ذكرنا شرائط الصحة
في مواضعها (وأما) حكمه فالكلام في حكمه يقع في ثلاث مواضع أحدها في بيان أصل الحكم والثاني في بيان صفته
والثالث في بيان شرائطه أما أصل الحكم فهو ثبوت الملك في الجملة عندنا وقال الشافعي رحمه الله لا حكم للبيع الفاسد
فالبيع عنده قسمان جائز وباطل لا ثالث لهما والفاسد والباطل سواء وعندنا الفاسد قسم آخر وراء الجائز والباطل
وهذا على مثال ما يقول في أقسام المشروعات ان الفرض والواجب سواء وعندنا هما قسمان حقيقة على ما عرف في
أصول الفقه (وجه) قوله إن هذا بيع منهى عنه فلا يفيد الملك قياسا على بيع الخمر والخنزير والميتة والدم ودلالة
الوصف ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين ولا الصاع بالصاعين وروى أن
ه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع وشرط وروى أنه عليه الصلاة والسلام قال لعتاب بن أسيد حين بعثه إلى مكة
انههم عن أربع عن بيع ما لم يقبضوا وعن ربح ما لم يضمنوا وعن شرطين في بيع وعن بيع وسلف وروى أنه عليه
الصلاة والسلام قال لا تبيعوا الطعام بالطعام الا سواء بسواء ونحو ذلك والمنهى عنه يكون حراما والحرام لا يصلح
سببا لثبوت الملك لان الملك نعمة والحرام لا يصلح سببا لاستحقاق النعمة ولهذا بطل بيع الخمر والخنزير والميتة
والدم فكذا هذا (ولنا) ان هذا بيع مشروع فيفيد الملك في الجملة استدلالا بسائر البياعات المشروعة والدليل
على أنه بيع ان البيع في اللغة مبادلة شئ مرغوب بشئ مرغوب مالا كان أو غير مال قال الله سبحانه وتعالى أولئك
الذين اشتروا الضلالة بالهدى سمى مبادلة الضلالة بالهدى اشتراء وتجارة فقاله سبحانه وتعالى فما ربحت تجارتهم
والتجارة مبادلة المال بالمال قال الله عز شأنه ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة سمى سبحانه
وتعالى مبادلة الأنفس والأموال بالجنة اشتراء وبيعا حيث قال تعالى في آخر الآية فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به
وفى عرف الشرع هو مبادلة مال متقوم بمال متقوم وقد وجد فكان بيعا والدليل على أنه مشروع النصوص العامة
المطلقة في باب البيع من نحو قوله تعالى عز وجل وأحل الله البيع وقوله عز شأنه يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم ونحو ذلك مما ورد من النصوص في هذا الباب عاما مطلقا فمن ادعى
التخصيص والتقييد فعليه الدليل (ولنا) الاستدلال بدلالة الاجماع أيضا وهو أنا أجمعنا على أن البيع الخال عن
الشروط الفاسدة مشروع ومفيد للملك وقران هذه الشروط بالبيع ذكرا لم يصح فالتحق ذكرها بالعدم إذ الموجود
الملحق بالعدم شرعا والعدم الأصلي سواء وإذا ألحق بالعدم في نفس البيع خاليا عن المفسد والبيع الخالي عن المفسد
مشروع ومفيد للملك بالاجماع وهذا استدلال قوى (وأما) النهى فالجواب عن التعلق به ان هذا نهى عن غير
البيع لا عن عينه لوجوه ثلاثة أحدها أن شرعية أصل البيع وجنسه ثبت معقول المعنى وهو أنه سبب لثبوت
الاختصاص واندفاع المنازعة وانه سبب بقاء العالم إلى حين إذ لا قوام للبشر الا بالأكل والشرب والسكنى واللباس
ولا سبيل إلى استبقاء النفس بذلك الا بالاختصاص به واندفاع المنازعة وذلك سبب الاختصاص واندفاع المنازعة
وهو البيع ولا يجوز ورود الشرع عما عرف حسنه أو حسن أصله بالعقل لأنه يؤدى إلى التناقض ولهذا لم يجز النهى
عن الايمان بالله عز وجل وشكر النعم وأصل العبادات لثبوت حسنها بالعقل فيحمل النهى المضاف إلى البيع على غيره
ضرورة والثاني ان سلم جواز ورود النهى عن البيع في الجملة لكن حمله على الغير ههنا أولى من وجهين أحدهما أنه
عمل بالدلائل بقدر الامكان والثاني ان في الحمل على البيع نسخ المشروعية وفى الحمل على غيره ترك العمل بحقيقة
الكلام والحمل على المجاز ولا شك أن الحمل على المجاز أولى من الحمل على التناسخ لان الحمل على المجاز من باب نسخ
299

الكلام ونسخ المشروعية نسخ الحكم والحكم هو المقصود والكلام وسيلة ونسخ الوسيلة أولى من نسخ المقصود
والله عز وجل أعلم (وأما) صفة هذا الحكم فنقول له صفات منها انه ملك غير لازم بل هو مستحق الفسخ فيقع
الكلام في هذه الصفة في مواضع في بيان ان الثابت بهذا البيع مستحق الفسخ وفي بيان من يملك الفسخ وفي بيان ما
يكون فسخا وفي بيان شرط صحة الفسخ وفي بيان ما يبطل به حق الفسخ بعد ثبوته اما بيان ان الثابت بهذا البيع
أوجب الفسخ فهو ان البيع وإن كان مشروعا في ذاته فالفساد مقترن به ذكرا ودفع الفساد واجب ولا يمكن الا بفسخ
العقد فيستحق فسخه لكن لغيره لا لعينه حتى لو أمكن دفع الفساد بدون فسخ البيع لا يفسخ كما إذا كان الفساد لجهالة
الأجل فأسقطاه يسقط ويبقى البيع مشروعا كما كان ولان اشتراط الربا وشرط الخيار مجهول وادخال الآجال
المجهولة في البيع ونحو ذلك معصية والزجر عن المعصية واجب واستحقاق الفسخ يصلح زاجرا عن المعصية لأنه
إذا علم أنه يفسخ فالظاهر أنه يمتنع عن المباشرة (وأما) بيان من يملك الفسخ فنقول وبالله التوفيق الفساد
لا يخلو اما أن يكون راجعا إلى البدل بان باع بالخمر والخنزير واما ان لم يكن راجعا إليه كالبيع بشرط منفعة زائدة لاحد
العاقدين أو إلى أجل مجهول والحال لا يخلو اما إن كان قبل القبض واما إن كان بعده فإن كان قبل القبض فكل
واحد من العاقدين يملك الفسخ من غير رضا الاخر كيف ما كان الفساد لان البيع الفاسد لا يفيد الملك قبل القبض
فكان الفسخ قبل القبض بمنزلة الامتناع عن القبول والايجاب فيملكه كل واحد منهما كالفسخ بخيار شرط العاقدين
وإن كان بعد القبض فإن كان الفساد راجعا إلى البدل فالجواب فيه وفيما قبل القبض سواء لان الفساد الراجع إلى البدل
فساد في صلب العقد ألا ترى أنه لا يمكن تصحيحه بخلاف هذا المفسد لما أنه لا قوام للعقد الا بالبدلين فكان الفساد قويا
فيؤثر في صلب العقد بسلب اللزوم عنه فيظهر عدم اللزوم في حقهما جميعا ولو لم يكن راجعا إلى البدل فقد ذكر الامام
الاسبيجابي في شرحه مختصر الطحاوي ان ولاية الفسخ لصاحب الشرط لا لصاحبه ولم يحك خلافا لان الفساد
الذي لا يرجع إلى البدل لا يكون قويا لكونه محتملا للحذف والاسقاط فيظهر في حق صاحب الشرط لا غير ويؤثر في
سلب اللزوم في حقه لا في حق صاحبه وذكر الكرخي الاختلاف في المسألة فقال في قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله يملك كل واحد منهما الفسخ وعلى قول محمد رحمه الله حق الفسخ لمن شرط له المنفعة لا غير (وجه) قوله على
نحو ما ذكرنا ان من له شرط المنفعة قادر على تصحيح العقد بحذف المفسد واسقاطه فلو فسخه الآخر لأبطل حقه عليه
وهذا لا يجوز (وجه) قولهما ان العقد في نفسه غير لازم لما فيه من الفساد بل هو مستحق الفسخ في نفسه رفعا للفساد
وقوله المفسد ممكن الحذف فنعم لكنه إلى أن يحذف فهو قائم وقيامه يمنع لزوم العقد وبه تبين ان الفسخ من صاحبه ليس
بابطال لحق صاحب الشرط لان ابطال الحق قبل ثبوته محال (وأما) بيان ما يكون فسخا لهذا العقد ففسخه بطريقين
قول وفعل فالقول هو أن يقول من يملك الفسخ فسخت أو نقضت أو رددت ونحو ذلك فينفسخ بنفس الفسخ ولا
يحتاج إلى قضاء القاضي ولا إلى رضا البائع سواء كان قبل القبض أو بعده لان هذا البيع إنما استحق الفسخ حقا لله
عز وجل لما في الفسخ من رفع الفساد ورفع الفساد حق الله تعالى على الخلوص فيظهر في حق الكل فكان فسخا في
حق الناس كافة فلا تقف صحته على القضاء ولا على الرضا والفعل هو أن يرد المبيع على بائعه على أي وجه مارده ببيع
أو هبة أو صدقة أو إعارة أو ايداع بان باعه منه أو وهبه أو تصدق عليه أو أعاره منه أو أودعه إياه يبرأ المشترى عن
الضمان لأنه يستحق الرد على البائع فعلى أي وجه مارده يقع عن جهة الاستحقاق بمنزلة رد العارية والوديعة أنه يكون
فسخا والوديعة باي طريق كان الرد لما قلنا كذا هذا وكذا لو باعه المشترى من وكيل البائع وسلمه إليه لان حكم البيع
يقع لموكله وهو البائع فكأنه باعه للبائع ولو باعه المشترى من عبد بائعه وهو مأذون له في التجارة فإن لم يكن عليه دين كان
فسخا للبيع ولا يبرأ عن المشترى ضمانه حتى يصل إلى البائع لأنه إذا لم يكن عليه دين فحكم تصرفه وقع للمولى فكان
بيعا من المولى وإن كان عليه دين لا يكون فسخا للبيع ويتقرر الضمان على المشترى لأنه إذا كان عليه دين فحكم تصرفه
300

لا يقع للمولى فلم يكن ذلك بيعا من المولى فصار كما إذا باعه من أجنبي ولو اشترى من عبد مأذون لانسان شيئا منه شراء
فاسدا وقبضه ثم إنه باعه من مولاه فإن لم يكن عليه دين كان فسخا للبيع لأنه يكون مشتريا من المولى كأنه اشتراه من
مولاه ثم باعه منه فإن كان عليه دين لم يكن فسخا لأنه يكون مشتريا منه لا من مولاه فكأنه اشترى من أجنبي وباعه من
مولاه ولو باعه المشترى من مضارب البائع لم يكن فسخا للبيع وتقرر الضمان على المشترى بخلاف ما إذا باعه من وكيل
بائعه بالشراء أنه يكون فسخا (ووجه) الفرق ان الوكيل بالشراء يتصرف لموكله لا لنفسه ألا ترى ان حكم تصرفه يقع
لموكله لا له فنزل منزلة البيع من الموكل وذلك فسخ فاما المضارب فمتصرف لنفسه ألا ترى ان الربح مشترك بينهما فكان
بمنزلة الأجنبي ولو كان البائع وكيلا لغيره بالشراء فاشترى المشترى شراء فاسدا لموكله لم يكن فسخا للبيع لان حكم الشراء
يقع لموكله لا له ووجب عليه الثمن للمشترى وتقرر على المشترى ضمان القيمة ويلتقيان قصاصا لعدم الفائدة في الاستيفاء
ويترادان الفضل إن كان في أحدهما فضل والله عز وجل أعلم (وأما) شرط صحة الفسخ فهو أن يكون الفسخ
بمحضر من صاحبه ذكره الكرخي ولم يذكر الاختلاف فيه وذكر القاضي الامام الاسبيجابي رحمه الله في شرحه
مختصر الطحاوي ان هذا شرط عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف ليس بشرط وجعله على الاختلاف في خيار
الشرط والرؤية وقد ذكرنا المسألة فيما تقدم (وأما) بيان ما يبطل به حق الفسخ ويلزم البيع ويتقرر الضمان وما
لا يبطل ولا يلزم ولا يتقرر فنقول وبالله التوفيق الفسخ في البيع الفاسد يبطل بصريح الابطال والاسقاط بأن يقول
أبطلت أو أسقطت أو أوجبت البيع أو ألزمته لان وجوب الفسخ عنه ثبت حقا لله تعالى دفعا للفساد وما ثبت حقا
لله تعالى خالصا لا يقدر العيد على اسقاطه مقصودا كخيار الرؤية لكن قد يسقط بطريق الضرورة بان يتصرف العبد
في حق نفسه مقصودا فيتضمن ذلك سقوط حق الله عز وجل بطريق الضرورة أو يفوت محل الفسخ أو غير ذلك
وبيان ذلك في مسائل المشترى شراء فاسدا إذا باع المشترى أو وهبه أو تصدق به بطل حق الفسخ وعلى المشترى
القيمة أو المثل لأنه تصرف في محل مملوك له فنفذ تصرفه ولا سبيل للبائع على بعضه لأنه حصل عن تسليط منه ويطيب
للمشترى الثاني لأنه ملكه بعقد صحيح بخلاف المشترى الأول لأنه لا يطيب له لأنه ملكه بعقد فاسد فرق بين هذا
وبين ما إذا دخل مسلم دار الحرب بأمان فاخذ شيئا من أموالهم بغير اذنهم وأخرجه إلى دار الاسلام ثم باعه انه يصح بيعه
لكن لا يطيب للمشترى كما لا يطيب للآخذ (ووجه) الفرق ان عدم الطيب في المأخوذ من الحربي بغير اذنه
لكونه مأخوذا على وجه الغدر والخيانة والمأخوذ على هذا الوجه واجب الرد على صاحبه ردا للخيانة وبالبيع لم يخرج
عن استحقاق الرد على مالكه لحصوله لا بتسليط من جهته فبقي واجب الرد كما كان وهذا يمنع الطيب بخلاف البيع
الفساد لان انعدام الطيب للمشترى ههنا لقران الفساد به ذكرا لا حقيقة ولم يوجد ذلك في البيع الثاني وخرج
المبيع من أن يكون مستحق الرد على البائع لحصول البيع من المشترى بتسليطه والله عز وجل أعلم ولو باعه فرد عليه
بخيار شرط أو رؤية أو عيب بقضاء قاض وعاد على حكم الملك الأول عاد حق الفسخ لان الرد بهذه الوجوه فسخ محض
فكان دفعا للعقد من الأصل وجعلا له كان لم يكن ولو اشتراه ثانيا أو عاد إليه بسبب مبتدأ لا يعود الفسخ لان الملك
اختلف لاختلاف السبب فكان اختلاف الملكين بمنزلة اختلاف العقدين ولو أعتقه المشترى أو دبره بطل حق
الفسخ لما قلنا ولان الاعتاق والتدبير كل واحد منهما تصرف لا يحتمل الفسخ بعد صحته فيوجب بطلان حق الاسترداد
والفسخ ضرورة وكذلك لو استولدها لما قلنا وتصير الجارية أم ولد المشترى لان الاستيلاد قد صح لحصوله في
ملكه وعلى المشترى قيمة الجارية لتعذر الرد بالاستيلاد فصار كما لو هلكت في يده وهل يغرم العقر ذكر في البيوع أنه
لا يغرم وفى الشرب روايتان والصحيح أنه لا يضمن العقر لأنه وطئ ملك نفسه وقد تقرر ملكه بالاستيلاد لتعذر
الرد ولو وطئها المشترى ولم يعلقها لا يبطل حق الفسخ وللبائع أن يسترد الجارية مع عقرها باتفاق الروايات فرق بين
هذا وبين الجارية الموهوبة إذا وطئها الموهوب له وأعلقها ثم رجع الواهب في هبته وأخذ الجارية ان الموهوب له لا
301

يضمن العقر (ووجه) الفرق ان الثابت بالهبة ملك محلل للوطئ وبالرجوع لم يتبين ان حل الوطئ لم يكن فكان
مستمتعا بملك نفسه فلا عقر عليه بخلاف البيع الفاسد لان الملك الثابت به لا يظهر في حق حل الوطئ فكان الوطئ
حراما الا أنه سقط عنه الحد للشبهة فوجب العقد وكذلك لو كاتبه لان الكتابة قد صحت لوجودها في الملك ولا سبيل
للبائع إلى نقضها لحصولها من المشترى بتسليط البائع فلا يكون له حق النقض عليه وعلى المشترى قيمة العبد فان
أدى بدل الكتابة وعتق تقرر على المشترى ضمان القيمة وان عجز ورد في الرق ينظر إن كان ذلك قبل القضاء بالقيمة
على المشترى فللبائع أن يسترده لأنه كان مستحق الرد قبل الكتابة لعدم لزوم الملك الا انه امتنع الرد لعارض الكتابة
فان عجز ورد في الرق قبل القضاء بالقيمة فقد زال العارض والتحق بالعدم كأنه لم يكن فعاد مستحق الرد على المشترى كما
كان وإن كان بعدما قضى عليه بالقيمة لا سبيل للبائع على العبد لأنه بالقضاء بالقيمة تقرر ملك المشتري في العبد ولزم من
وقت وجوده فيعود إليه لازما والملك اللازم لا يحتمل الفسخ والله عز وجل أعلم وكذلك لو رهنه المشترى بطل حق
الفسخ وولاية الاسترداد لما ذكرنا ولو افتكه المشترى فهو على التفصيل الذي ذكرنا في الكتابة ولو أجره صحت الإجارة
لما قلنا ولكن لا يبطل حق الفسخ لان الإجارة وإن كانت عقدا لازما الا انها تفسخ بالعذر ولا عذر أقوى من رفع
الفساد فتنفسخ به وسلمت الأجرة للمشترى لان المنافع على أصل أصحابنا لا تتقوم الا بالعقد والعقد وجد من المشترى
فكانت الأجرة له وهل تطيب له ينظر إن كان قد أدى ضمان القيمة ثم آجر طابت الأجرة له لأن الضمان بدل
المضمون قائم مقامه فكانت الأجرة ربح ما قد ضمن وان آجر ثم أدى الضمان لا تطيب له لأنها ربح ما لم يضمن ولو
أوصى به صحت الوصية لما قلنا ثم إن كان الموصى حيا بعد فللبائع حق الاسترداد لان الوصية تصرف غير لازم حال حياة
الموصى بل محتمل وان مات بطل حقه لان الثابت للموصى له ملك جديد بخلاف الثابت للوارث بأن مات
المشترى شراء فاسدا لأنه لا يبطل حق الفسخ وللبائع أن يسترد من ورثته وكذا إذا مات البائع فلورثته ولاية
الاسترداد لان الثابت للوارث عين ما كان للمورث وإنما هو خلفه قائم مقامه ولهذا يرد الوارث بالعيب
ويرد عليه وملك المورث مضمون الرد مستحق الفسخ بخلاف الموصى له فان الثابت ملك جديد حصل
بسبب جديد ولهذا لم يرد بالعيب ولا يرد عليه وأنه لم يكن مستحق الفسخ ولو ازداد المبيع في يد المشترى
فإن كانت الزيادة متصلة متولدة من الأصل كالسمن والجمال فإنها لا تمنع الفسخ لأن هذه الزيادة
تابعة للأصل حقيقة والأصل مضمون الرد فكذلك التبع كما في الغصب وإن كانت غير متولدة من الأصل
كما إذا كان المبيع سويقا فلته المشترى بعسل أو سمن فإنها تمنع الفسخ لأنه لو فسخ اما ان يفسخ على الأصل
وحده واما ان يفسخ على الأصل والزيادة جميعا لا سبيل إلى الأول لتعذر الفصل ولا سبيل إلى الثاني لان الزيادة
لم تدخل تحت البيع لا أصلا ولا تبعا فلا تدخل تحت الفسخ وإن كانت منفصلة فإن كانت متولدة من الأصل
كالولد واللبن والثمرة لا تمنع الفسخ وللبائع أن يسترد الأصل مع الزيادة لأن هذه الزيادة تابعة للأصل لكونها متولدة
منه والأصل مضمون الرد فكذا الزيادة كما في باب الغصب وكذا لو كانت الزيادة أرشا أو عقرا لان الأرش بدل
جزء فائت من الأصل حقيقة كالمتولد من الأصل والعقر بدل حاله حكم الجزء والعين فكأنه متولد من العين ثم في فصل
الولد إذا كانت الجارية في يد المشترى فان نقصتها الولادة وبالولد وفاء بالنقصان ينجبر النقصان بالولد عند أصحابنا الثلاثة
خلافا لزفر كما في الغصب وسنذكر المسألة في كتاب الغصب إن شاء الله تعالى وان لم تنقصها الولادة استردها البائع
ولا شئ على البائع وان نقصتها وليس بالولد وفاء بالنقصان ردها مع ضمان النقصان كما في الغصب وان هلك الولد قبل
الرد لا ضمان على المشترى بالزيادة كما في الغصب وعليه ضمان نقصان الولادة كما في الغصب ولو استهلك المشترى
الزيادة ضمن كما في الغصب ولو هلك المبيع والزيادة قائمة فللبائع أن يسترد الزيادة ويضمن قيمة المبيع وقت القبض
لأنهما كانا مضموني الرد الا انه تعذر استرداد المبيع لفوات المحل وصار مضمون القيمة فبقي الولد على حاله مضمون
302

الرد كما كان وإن كانت الزيادة غير متولدة من الأصل كالهبة والصدقة والكسب فإنها لا تمنع الرد وللبائع أن يسترد
الأصل مع الزيادة لان الأصل مضمون الرد وبالرد ينفسخ العقد من الأصل فتبين ان الزيادة حصلت على ملكه الا
انها لا تطيب له لأنها لم تحدث في ضمانه بل في ضمان المشترى فكانت في معنى ربح ما لم يضمن ولو هلكت هذه الزيادة
في يد المشترى لا ضمان عليه لأن المبيع بيعا فاسدا مضمون بالقبض والقبض لم يرد على الزيادة لا أصلا ولا تبعا اما
أصلا فلانعدامها عند القبض واما تبعا فلأنها ليست بتابعة حقيقة بل هي أصل بنفسها ملكت بسبب على حدة
لا بسبب الأصل وان استهلكها المشترى فكذلك عند أبي حنيفة لا ضمان عليه وعندهما يضمن وأصل المسألة في
الغصب انه إذا استهلك الغاصب هذه الزيادة هل يضمن عنده لا يضمن وعندهما يضمن ونذكر المسألة في كتاب
الغصب إن شاء الله تعالى ولو هلك المبيع وهذه الزيادة قائمة في يد المشترى تقرر عليه ضمان قيمة المبيع والزيادة
للمشترى تقرر ضمان القيمة بخلاف المتولد كما في الغصب والفرق بين الزيادتين يذكر في الغصب إن شاء الله تعالى هذا
إذا زاد المبيع في يد المشترى شراء فاسدا (فاما) إذا انتقص في يده فإن كان النقصان بآفة سماوية فإنه لا يمنع الاسترداد
وللبائع أن يأخذه مع أرش النقصان ان المبيع بيعا فاسدا يضمن بالقبض كالمغصوب والقبض ورد عليه بجميع
اجزائه فصار مضمونا بجميع اجزائه والأوصاف تضمن بالقبض وإن كانت لا تضمن بالعقد كما في قبض المغصوب
وكذلك إذا كان النقصان بفعل المبيع لان هذا والنقصان بآفة سماوية سواء وإن كان النقصان بفعل المشترى
فكذلك لأنه لو أنتقص بغير صنعه كان مضنونا عليه فبصنعه أولى وإن كان بفعل أجنبي فالبائع بالخيار ان شاء أخذ
الأرش من المشترى والمشترى يرجع به على الجاني وان شاء اتبع الجاني وهو لا يرجع على المشترى كما في الغصب
لأنه لما أخذ قيمة النقصان من المشترى فقد تقرر ملكه في ذلك الجزء من وقت البيع فيه فتبين ان الجناية حصلت على
ملك متقرر له فيرجع عليه والأجنبي لم يملك فلا يرجع ولو قتله أجنبي فللبائع أن يضمن المشترى قيمته حالة القبض ولا
سبيل له على القاتل ويرجع المشترى على عاقلة القاتل بقيمته في ثلاث سنين فرق ههنا بين البيع وبين الغصب فإنه لو
قتل المغصوب في يد الغاصب قاتل فاما لك بالخيار ان شاء ضمن الغاصب قيمته حالة الغصب والغاصب يرجع على
عاقلة القاتل في ثلاث سنين وان شاء ضمن عاقلة القاتل قيمته في ثلاث سنين وهم لا يرجعون على الغاصب (ووجه)
الفرق ان الأجنبي جنى على ملك المشتري لأنه ملك المبيع بالقبض وتقرر ملكه فيه بالجناية لا على ملك البائع فلا يملك
البائع تضمينه بخلاف الغصب فان الغاصب لا يملك المغصوب الا بتضمين المغصوب منه إياه فقبله لا ملك له فيه فكان
القتل جناية على ملك المالك والقبض جناية على ملكه أيضا فكان له خيار التضمين وإن كان النقصان بفعل البائع
لا شئ على المشترى لأنه صار مستردا بفعله حتى أنه لو هلك المبيع في يد المشترى ولم يوجد منه حبس على البائع يهلك
على البائع وان وجد منه حبس ثم هلك ينظر ان هلك من سراية جناية البائع لا ضمان على المشترى أيضا لأنه صار
مستردا بفعله وان هلك لا من سراية جناية البائع فعلى المشترى ضمانه لكن يطرح منه حصة النقصان بالجناية لأنه استرد
ذلك القدر بجناية ولو قبله البائع لا ضمان على المشترى لأنه استرده بالقتل وكذلك لو حفر البائع بئرا فوقع فيه ومات لان
ذلك في معنى القتل فيصير مستردا والله عز وجل أعلم ولو كان المبيع ثوبا فقطعه المشترى وخاطه قميصا أو بطنه وحشاه
بطل حق الفسخ وتقرر عليه قيمته يوم القبض والأصل في هذا ان المشترى إذا أحدث في المبيع صنعا لو أحدثه
الغاصب في المغصوب لا يقطع حق المالك يبطل حق الفسخ ويتقرر حقه في ضمان القيمة أو المثل كما إذا كان المبيع
قطنا فغزله أو غزلا فنسجه أو حنطة فطحنها أو سمسما أو عنبا فعصره أو ساحة فبنى عليها أو شاة فذبحها وشواها أو
طبخها ونحو ذلك وإنما كان كذلك لان القبض في البيع الفاسد كقبض الغصب ألا ترى ان كل واحد منهما
مضمون الرد حال قيامه ومضمون القيمة أو المثل حال هلاكه فكل ما يوجب انقطاع حق المالك هناك يوجب
انقطاع حق البيع للبائع ههنا ولو كان المبيع ثوبا فصبغه المشترى بصبغ يزيد من الأحمر والأصفر ونحوهما ذكر
303

الكرخي انه ينقطع حق البائع عنه إلى القيمة وروى عن محمد ان البائع بالخيار ان شاء أخذه وأعطاه ما زاد الصبغ فيه
وان شاء ضمنه قيمته وهو الصحيح لان القبض بحكم البيع الفاسد كقبض الغصب ثم الجواب في الغصب هكذا
ان المالك بالخيار ان شاء أخذ الثوب وأعطى الغاصب ما زاد الصبغ فيه وان شاء ضمنه قيمته فكذا هذا والله
عز وجل أعلم ولو كان المبيع أرضا فبنى عليها بطل حق الفسخ عند أبي حنيفة وعلى المشترى ضمان قيمتها وقت القبض
وعندهما لا يبطل وينقض البناء (وجه) قولهما ان هذا القبض معتبر بقبض الغصب ثم هناك ينقض البناء فكذا
ههنا ولان البناء ينقض بحق الشفيع بالاجماع وحق البائع أولى (وجه) قول أبي حنيفة انه لو ثبت للبائع
حق الاسترداد لكان لا يخلو اما أن يسترده مع البناء أو بدون البناء لا سبيل إلى الثاني لأنه لا يمكن ولا سبيل إلى الأول
لان البناء من المشترى تصرف حصل بتسليط البائع وانه يمنع النقض كتصرف البيع والهبة ونحو ذلك بخلاف
الغصب والشفعة لان هناك لم يوجد التسليط على البناء وكذا لا يمنعان نقض البيع والهبة (ومنها) ان الثابت بالبيع
الفاسد ملك مضمون بالقيمة أو بالمثل لا بالمسمى بخلاف البيع الصحيح لان القيمة هي الموجب الأصلي في البياعات
لأنها مثل المبيع في المالية الا انه يعدل عنها إلى المسمى إذا صحت التسمية فإذا لم تصح وحب المصير إلى الموجب الأصلي
خصوصا إذا كان الفساد من قبل المسمى لان التسمية إذا لم تصح لم يثبت المسمى فصار كأنه باع وسكت عن ذكر
الثمن ولو كان كذلك كان بيعا بقيمة المبيع لان البيع مبادلة بالمال فإذا لم يذكر البدل صريحا صارت القيمة أو المثل
مذكورا دلالة فكان بيعا بقيمة المبيع أو بمثله إن كان من قبيل الأمثال (ومنها) ان هذا الملك يفيد المشترى
انطلاق تصرف ليس فيه انتفاع بعين المملوك بلا خلاف بين أصحابنا كالبيع والهبة والصدقة والاعتاق والتدبير
والكتابة والرهن والإجارة ونحو ذلك مما ليس فيه انتفاع بعين المبيع (وأما) التصرف الذي فيه انتفاع بعين
المملوك كأكل الطعام ولبس الثوب وركوب الدابة وسكنى الدار والاستمتاع بالجارية فالصحيح انه لا يحل لان
الثابت بهذا البيع ملك خبيث والملك الخبيث لا يفيد اطلاق الانتفاع لأنه واجب الرفع وفى الانتقاع به تقرر له
وفيه تقرير الفساد ولهذا لم يفد الملك قبل القبض تحرزا عن تقرير الفساد بالتسليم على ما نذكره في موضعه إن شاء الله
تعالى ولو كان المشترى دارا لا يثبت للشفيع فيها حق الشفعة وإن كان يفيد الملك للمشترى لان حق
البائع لم ينقطع والشفعة إنما تجب بانقطاع حق البائع لا بثبوت الملك للمشترى الا ترى ان من أقر ببيع دار من فلان
وفلان منكر تثبت الشفعة وان لم يثبت الملك للمشترى لانقطاع حق البائع باقراره وههنا حق البائع غير منقطع فلا
تثبت الشفعة حتى لو وجد ما يوجب انقطاع حقه تجب الشفعة ولو بيعت دار بجنب الدار المشتراة شراء فاسدا تثبت
الشفعة لان هذا الشراء صحيح فيوجب انقطاع حق البائع فيثبت حق الشفعة والله عز وجل أعلم ولو وطئ الجارية
المشتراة شراء فاسدا فإن لم يعلقها فلا عقر عليه قبل الفسخ وان فسخ العقد فعليه العقر وان أعلقها وضمن قيمة الجارية
ففي وجوب العقر روايتان على ما ذكرنا (وأما) شرائطه فاثنان أحدهما القبض فلا يثبت الملك قبل القبض لأنه
واجب الفسخ رفعا للفساد وفى وجوب الملك قبل القبض تقرر الفساد لأنه إذا ثبت الملك قبل القبض يجب على
البائع تسليمه إلى المشترى وفى التسليم تقرير الفساد وايجاب رفع الفساد على وجه فيه رفع الفساد متناقض والثاني أن
يكون القبض باذن البائع فان قبض بغير اذنه أصلا لا يثبت الملك بأن نهاه عن القبض أو قبض بغير محضر منه من غير
اذنه فإن لم ينهه ولا اذن له في القبض صريحا فقبضه بحضرة البائع ذكر في الزيادات انه يثبت الملك وذكر الكرخي
في الرواية المشهورة انه لا يثبت (وجه) رواية الزيادات انه إذا قبضه بحضرته ولم ينهه كان ذلك اذنا منه بالقبض دلالة
مع ما ان العقد الثابت دلالة الاذن بالقبض لأنه تسليط له على القبض فكأنه دليل الاذن بالقبض والاذن بالقبض
قد يكون صريحا وقد يكون دلالة كما في باب الهبة إذا قبض الموهوب له بحضرة الواهب فلم ينهه صح قبضه كذا ههنا
304

(وجه) الرواية المشهورة ان الاذن بالقبض لم يوجب نصا ولا سبيل إلى اثباته بطريق الدلالة لما ذكرنا ان في القبض
تقرير الفساد فكان الاذن بالقبض اذنا بما فيه تقرير الفساد فلا يمكن اثباته بطريق الدلالة وبه تبين ان العقد الفاسد
لا يقع تسليطا على القبض لوجود المانع من القبض على ما بينا بخلاف الهبة لان هناك لا مانع من القبض فأمكن اثباته
بطريق الدلالة ما دام المجلس قائما وإنما شرط المجلس لان القبض بالهبة بمنزلة الركن فيشترط له المجلس كما يشترط
للقبول والله عز وجل أعلم (وأما) البيع الباطل فهو كل بيع فاته شرط من شرائط الانعقاد من الأهلية والمحلية وغيرهما
وقد ذكرنا جملة ذلك في صدر الكتاب ولا حكم لهذا البيع أصلا لان الحكم للموجود ولا وجود لهذا البيع الا من
حيث الصورة لان التصرف الشرعي لا وجود له بدون الأهلية والمحلية شرعا كما لا وجود للتصرف الحقيقي الا من
الأهل في المحل حقيقة وذلك نحو بيع الميتة والدم والعذرة والبول وبيع الملاقيح والمضامين وكل ما ليس بمال وكذا
بيع صيد الحرم والاحرام لأنه بمنزلة الميتة وكذا بيع الحر لأنه ليس بمال وكذا بيع أم الولد والمدبر والمكاتب
والمستسعى لان أم الولد حرة من وجه وكذا المدبر فلم يكن مالا مطلقا والمكاتب حر يد فلم يكن مالا على الاطلاق
والمستسعى عند أبي حنيفة بمنزلة المكاتب وعندهما حر عليه دين وكذا بيع الخنزير من المسلم لأنه ليس بمال في حق
المسلم وكذا بيع الخمر لأنها ليست بمتقومة في حق المسلم لان الشرع أسقط تقومها في حق المسلمين حيث أهانها
عليهم فيبطل ولا ينعقد لأنه لو أنعقد اما أن ينعقد بالمسمى واما أن ينعقد بالقيمة لا سبيل إلى الأول لان التسمية لم تصح
ولا سبيل إلى الثاني لأنه لا قيمة له إذ التقويم يبنى عن العزة والشرع أهان المسمى على المسلم فكيف ينعقد بقيمته ولا
قيمة له وإذا لم ينعقد يبطل ضرورة ومن مشايخنا من فصل في بيع الخمر تفصيلا فقال إن كان الثمن دينا بأن باعها بدراهم
فالبيع باطل وإن كان عينا بأن باعها بثوب ونحوه فالبيع فاسد في حق الثوب وينعقد بقيمة الثوب لان مقصود
العاقدين ليسن هو تملك الخمر وتمليكها لأنها لا تصلح للتملك والتمليك في حق المسلم مقصود بل تمليك الثوب وتملكه
لان الثوب يصلح مقصودا بالتملك والتمليك فالتسمية ان لم تظهر في حق الخمر تظهر في حق الثوب ولا مقابل له فيصير
كان المشترى باع الثوب ولم يذكر الثمن فينعقد بقيمته بخلاف ما إذا كان الثمن دينا لان الثمن يكون في الذمة وما في الذمة
لا يكون مقصودا بنفسه بل يكون وسيلة إلى المقصود فتصير الخمر مقصودة بالتمليك والتملك فيبطل أصلا (أما) بيع
الخمر والخنزير فلا يبطل بل يفسد وينعقد بقيمة العبد لان العبد مال متقوم وكذا الخمر والخنزير في حق أهل الذمة
والخمر مال في حقنا الا انه لا قيمة لها شرعا فإذا جعل الخمر والخنزير ثمنا فقد ذكر ما هو مال وكون الثمن مالا في الجملة أو
مرغوبا فيه عند الناس بحيث لا يؤخذ مجانا بلا عوض يكفي لانعقاد العقد لان البيع مبادلة المال بالمال أو مبادلة شئ
مرغوب بشئ مرغوب الا ان كون المعقود عليه متقوما شرط الانعقاد وقد وجد وكذا بيع العبد والمدبر وأم الولد
والمكاتب والمستسعى لأن هذه الأموال في الجملة مرغوب فيها فينعقد العقد بقيمة العبد وكذا بيع العبد بما يرعى إبله
من أرضه من الكلأ أو بما يشرب من ماء بئره لان المذكور ثمنا مال متقوم الا انه مباح غير مملوك وكذا هو مجهول أيضا
فانعقد بوصف الفساد بقيمة المبيع واختلف مشايخنا في بيع العبد بالميتة والدم قال عامتهم يبطل وقال بعضهم يفسد
والصحيح انه يبطل لان المسمى ثمنا ليس بمال أصلا وكون الثمن مالا في الجملة شرط الانعقاد وكذا اختلفوا فيما
إذا قال بعت بغير ثمن قال بعضهم يبطل واليه ذهب الكرخي من أصحابنا وقال بعضهم يفسد ولا يبطل كما إذا باع
وسكت عن ذكر الثمن وقد ذكرنا وجه كل واحد من القولين فيما تقدم ثم إذا باع مالا بما ليس بمال حتى بطل البيع
فقبض المشترى المال باذن البائع هل يكون مضمونا عليه أو يكون أمانة اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يكون أمانة
لأنه مال قبضه باذن صاحبه في عقد وجد صورة لا معنى فالتحق العقد بالعدم وبقى اذنه بالقبض وقال بعضهم يكون
مضمونا عليه لان المقبوض على حكم هذا البيع لا يكون دون المقبوض على سوم الشراء وذلك مضمون فهذا أولى
(وأما) البيع الموقوف فهو بيع مال الغير بغير اذن صاحبه وهو المسمى ببيع الفضولي ولا حكم له يعرف للحال لاحتمال
305

الإجازة والرد من المالك فيتوقف في الجواب في الحال لا أن يكون التوقف حكما شرعيا وقد ذكرنا حكم تصرفات
الفضولي ما يبطل منها وما يتوقف فيما تقدم والله عز وجل أعلم
(فصل) وأما بيان ما يرفع حكم البيع فنقول وبالله التوفيق حكم البيع نوعان نوع يرتفع بالفسخ وهو الذي يقوم برفعة
أحد العاقدين وهو حكم كل بيع غير لازم كالبيع الذي فيه أحد الخيارات الأربع والبيع الفاسد ونوع لا يرتفع
الا بالإقالة وهو حكم كل بيع لازم وهو البيع الصحيح الخالي عن الخيار والكلام في الإقالة في مواضع في بيان ركن
الإقالة وفي بيان ماهية الإقالة وفي بيان شرائط صحة الإقالة وفي بيان حكم الإقالة (أما) ركنها فهو الايجاب من أحد
العاقدين والقبول من الآخر فإذا وجد الايجاب من أحدهما والقبول من الآخر بلفظ يدل عليه فقد تم الركن لكن
الكلام في صيغة اللفظ الذي ينعقد به الركن فنقول لا خلاف انه ينعقد بلفظين يعبر بهما عن الماضي بأن يقول أحدهما
أقلت والآخر قبلت أو رضيت أو هويت ونحو ذلك وهل تنعقد بلفظين يعبر بأحدهما عن الماضي وبالاخر عن
المستقبل بان قال أحدهما لصاحبه أقلني فيقول أقلتك أو قال له جئتك لتقيلني فقال أقلت فقال أبو حنيفة وأبو يوسف
رحمهما الله ينعقد كما في النكاح وقال محمد رحمه الله لا ينعقد الا بلفظين يعبر بهما عن الماضي كما في البيع (وجه) قوله إن
ركن الإقالة هو الايجاب والقبول كركن البيع ثم ركن البيع لا ينعقد الا بلفظين يعبر بهما عن الماضي فكذا ركن الإقالة
ولهما القرق بين الإقالة وبين البيع وهو ان لفظة الاستقبال للمساومة حقيقة والمساومة في البيع معتاد فكانت اللفظة
محمولة على حقيقتها فلم تقع ايجابا بخلاف الإقالة لان هناك لا يمكن حمل اللفظ على حقيقتها لان المساومة فيها ليست
بمعتادة فيحمل على الايجاب ولهذا حملناها على الايجاب في النكاح كذا هذا (وأما) بيان ماهية الإقالة وعملها فقد
أختلف أصحابنا في ماهيتها قال أبو حنيفة عليه الرحمة الإقالة فسخ في حق العاقدين بيع جديد في حق ثالث سواء كان
قبل القبض أو بعده وروى عن أبي حنيفة رحمه الله أنها فسخ قبل القبض بيع بعده وقال أبو يوسف أنها بيع جديد
في حق العاقدين وغيرهما الا أن لا يمكن أن تجعل بيعا فتجعل فسخا وقال محمد انها فسخ الا أن لا يمكن أن تجعل فسخا
فتجعل بيعا للضرورة وقال زفر انها فسخ في حق الناس كافة (وجه) قول زفر ان الإقالة في اللغة عبارة عن الرفع
يقال في الدعاء اللهم أقلني عثراتي أن ارفعها وفى الحديث من أقال نادما أقال الله عثراته يوم القيامة وعن النبي عليه
الصلاة والسلام أنه قال أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم الا في حد والأصل أن معنى التصرف شرعا ما ينبئ عنه اللفظ
لغة ورفع العقد فسخه ولان البيع والإقالة اختلفا اسما فيختلفان حكما هذا هو الأصل فإذا كانت رفعا لا تكون بيعا لان
البيع اثبات والرفع نفى وبينهما تناف فكانت الإقالة على هذا التقدير فسخا محضا فتظهر في حق كافة الناس (وجه) قول
محمد ان الأصل فيها الفسخ كما قال زفر الا انه إذا لم يمكن ان تجعل فسخا فتجعل بيعا ضرورة (وجه) قول أبى يوسف أن
معنى البيع هو مبادلة المال بالمال وهو أخذ بدل واعطاء بدل وقد وجد فكانت الإقالة بيعا لوجود معنى البيع فيها والعبرة
للمعنى لا للصورة ولهذا أعطى حكم البيع في كثير من الأحكام على ما نذكر وكذا اعتبر بيعا في حق الثالث عند أبي
حنيفة (وجه) قول أبي حنيفة رحمه الله في تقرير معنى الفسخ ما ذكرناه لزفر انه رفعا لغة وشرعا ورفع الشئ فسخه وأما
تقرير معنى البيع فيه فما ذكرنا لأبي يوسف ان كل واحد يأخذ رأس ماله ببدل وهذا معنى البيع الا انه لا يمكن اظهار
معنى البيع في الفسخ في حق العاقدين للتنافي فأظهرناه في حق الثالث فجعل فسخا في حقهما بيعا في حق ثالث وهذا
ليس بممتنع الا ترى انه لا يمتنع أن يجعل الفعل الواحد من شخص واحد طاعة من وجه ومعصية من وجه فمن
شخصين أولى والدليل عليه أنها لا تصح من غير تسمية ولا صحة للبيع من غير تسمية الثمن وثمرة هذا الاختلاف
إذا تقايلا ولم يسميا الثمن الأول أو سميا زيادة على الثمن الأول أو أنقص من الثمن الأول أو سميا جنسا أخر سوى
الجنس الأول قل أو كثر أو أجلا الثمن الأول فالاقالة على الثمن الأول في قول أبي حنيفة رحمه الله وتسمية الزيادة
والنقصان والأجل والجنس الآخر باطلة سواء كانت الإقالة قبل القبض أو بعدها والمبيع منقول أو غير منقول
306

لأنها فسخ في حق العاقدين والفسخ رفع العقد والعقد وقع بالثمن الأول فيكون فسخه بالثمن ضرورة لأنه فسخ
ذلك العقد وحكم الفسخ لا يختلف بين ما قبل القبض وبين ما بعده وبين المنقول وغير المنقول وتبطل تسمية
الزيادة والنقصان والجنس الآخر والأجل وتبقى الإقالة صحيحة لأن اطلاق تسمية هذه الأشياء يؤثر في الإقالة
لان الإقالة لا تبطلها الشروط الفاسدة وبخلاف البيع لان الشرط الفاسد إنما يؤثر في البيع لأنه يمكن الربا فيه والإقالة
رفع البيع فلا يتصور تمكن الربا فيه فهو الفرق بينهما وفى قول أبى يوسف إن كان بعد القبض فالاقالة على ما سميا لأنها
بيع جديد كأنه باعه فيه ابتداء وإن كان قبل القبض والمبيع عقارا فكذلك لأنه يمكن جعله بيعا لان بيع العقار قبل
القبض جائز عنده وإن كان منقولا فالاقالة فسخ لأنه لا يمكن جعلها بيعا لان بيع المبيع المنقول قبل القبض لا يجوز
وروى عن أبي يوسف ان الإقالة بيع على كل حال فكل ما لا يجوز بيعا لا تجوز اقالته فعلى هذه الرواية لا تجوز الإقالة
عنده في المنقول قبل القبض لأنه لا يجوز بيعه وعند محمد إن كان قبل القبض فالاقالة تكون على الثمن الأول وتبطل
تسمية الزيادة على الثمن الأول والجنس الآخر والنقصان والأجل يكون فسخا كما قاله أبو حنيفة رحمه الله لأنه
لا يمكن جعلها قبل القبض بيعا لكن بيع المبيع قبل القبض لا يجوز عنده منقولا كان أو عقارا وإن كان بعد القبض
فان تقايلا من غير تسمية الثمن أصلا أو سميا الثمن الأول من غير زيادة ولا نقصان أو نقصا عن الثمن الأول فالاقالة
على الثمن الأول وتبطل تسمية النقصان وتكون فسخا أيضا كما قال أبو حنيفة رحمه الله أنها فسخ في الأصل ولا
مانع من جعلها فسخا فتجعل فسخا وان تقايلا عن الزيادة أو على الثمن الأول أو على جنس آخر سوى جنس الثمن
الأول قل أو كثر فالاقالة على ما سميا ويكون بيعا عنده لأنه لا يمكن جعلها فسخا ههنا لان من شأن الفسخ أن يكون
بالثمن الأول وإذا لم يمكن جعلها فسخا تجعل بيعا بما سميا بخلاف ما إذا تقايلا على أنقص من الثمن الأول ان الإقالة
تكون بالثمن الأول عنده وتجعل فسخا ولا تجعل بيعا عنده لان هذا سكوت عن نقص الثمن وذلك نقص الثمن
والسكوت عن النقص لا يكون أعلى من السكوت عن الثمن الأول وهناك يجعل فسخا لا بيعا فههنا أولى والله عز
وجل أعلم وعلى هذا يخرج ما إذا كان المشترى دارا ولها شفيع فقضى له بالشفعة ثم طلب منه المشترى أن يسلم الشفعة
بزيادة على الثمن الأول أو بجنس آخر أن الزيادة باطلة وكذا تسمية الجنس الآخر عند أبي حنيفة ومحمد وزفر رحمهم
الله لأنه لما قضى للشفيع بالشفعة فقد انتقلت الصفقة إليه بالثمن الأول فالتسليم بالزيادة على الثمن الأول أو بجنس آخر
يكون إقالة على الزيادة على الثمن الأول أو على جنس آخر فتبطل التسمية ويصح التسليم بالثمن الأول عندهما وإنما اتفق
جوابهما ههنا على أصل محمد لأنه لا يرى جواز بيع المبيع العقار قبل القبض فيبقى فسخا على الأصل وعند أبي يوسف
الزيادة صحيحة وكذا تسمية جنس آخر لان الإقالة عنده بيع ولا مانع من جعلها بيعا فتبقى بيعا على الأصل ولو تقايلا
البيع في المنقول ثم إن البائع باعه من المشترى ثانيا قبل أن يسترده من يده يجوز البيع وهذا يطرد على أصل أبي حنيفة
ومحمد وزفر فلان الإقالة فسخ مطلق في حق الكل وعلى أصل أبي حنيفة فسخ في حق العاقدين
والمشترى أحد المتعاقدين وعلى أصل محمد فسخ عند عدم المانع من جعله فسخا ولا مانع ههنا من جعله فسخا بل وجد
المانع من جعله بيعا لان بيع المبيع المنقول قبل القبض لا يجوز فكانت الإقالة فسخا عندهم فلم يكن هذا بيع المبيع
المنقول قبل القبض فجاز وأما على أصل يوسف فلا يطرد لان الإقالة عنده بعد القبض بيع مطلق وبيع المبيع
المنقول قبل القبض لا يجوز بلا خلاف بين أصحابنا فكان هذا الفعل حجة عليه الا أن يثبت عنه الخلاف فيه ولو
باعه من غير المشترى لا يجوز وهذا على أصل أبي حنيفة وأبى يوسف يطرد أما على أصل أبى يوسف فلان الإقالة بعد
القبض بيع جديد في حق العاقدين وغيرهما الا لمانع ولا مانع من جعلها بيعا ههنا لأنا لو جعلناها بيعا لا تفسد الإقالة لأنها
حصلت بعد القبض فتجعل بيعا فكان هذا بيع المنقول قبل القبض فلم يجز وأما على أصل أبي حنيفة فهي وإن كان
ت فسخا لكن في حق العاقدين وأما في حق غيرهما فهي بيع والمشترى غيرهما فكان بيعا في بيعه فيكون بيع
307

المبيع المنقول قبل القبض وأما على أصل محمد وزفر فلا يطرد لأنها عند زفر فسخ في حق العاقدين وغيرهما وعند
محمد الأصل فيها الفسخ الا لمانع ولم يوجد المانع فبقي فسخا في حق الكل ولم يكن هذا بيع المنقول قبل القبض فينبغي
أن يجوز وإن كان المبيع غير منقول والمسألة بحالها جاز بيعه من غير المشترى أيضا على أصل أبي حنيفة وأبى يوسف
وكذا على قياس أصل محمد لان على أصله الإقالة بيع في حق الكل الا أن لا يمكن وههنا يمكن لما قلنا وعلى أصل
أبي حنيفة بيع في حق غير العاقدين فكان هذا بيع المبيع العقار قبل القبض وأنه جائز عندهما وعلى أصل محمد فسخ
الا عند التعذر ولا تعذر ههنا لأنها حصلت بعد القبض على الثمن الأول فبقيت فسخا فلم يكن هذا بيع المبيع قبل
القبض بل بيع المفسوخ فيه البيع قبل القبض وهذا جائز عنده منقولا كان أو غير منقول وعند زفر هو فسخ على
الاطلاق فلم يكن بيعه بيع المبيع المنقول قبل القبض فيجوز وعلى هذا يخرج ما إذا اشترى دارا ولها شفيع فسلم الشفعة
ثم تقايلا البيع أو اشتراها ولم يكن بجنبها دار ثم بنيت بجنبها دار ثم تقايلا البيع فان الشفيع يأخذها بالشفعة عند أبي حنيفة
وأبى يوسف لان الإقالة بيع جديد في حق الكل على أصل أبى يوسف ولا مانع من جعلها بيعا وعلى أصل
أبي حنيفة بيع في حق غير العاقدين والشفيع غيرهما فيكون بيعا في حقه فيستحق وأما على قياس أصل محمد وزفر
لا يثبت حق الشفعة لأنها فسخ مطلق على أصل زفر وعلى أصل محمد فسخ ما أمكن وههنا ممكن والشفعة تتعلق بالبيع
لا بالفسخ كالرد بخيار الشرط والرؤية ونحو ذلك ولو تقايلا ثم وهب البائع المبيع من المشترى قبل الاسترداد وقبل
المشترى جازت الهبة وملكه المشترى ولا تنفسخ الإقالة ولو كان هذا في البيع لا تجوز الهبة وينفسخ البيع بان وهب
المشترى المبيع قبل القبض من البائع وقبله البائع وهذا يشكل على أصل أبى يوسف لأنه أجرى الإقالة بعد
القبض مجرى البيع ولو كانت كذلك لما جازت الهبة ولكانت فسخا للإقالة كما كانت فسخا للبيع ثم الفرق
على أصل من يجعلها فسخا ظاهر لان الفسخ لا يحتمل الفسخ فلا يمكن جعل الهبة مجازا عن الإقالة فلا تنفسخ
الإقالة بخلاف البيع فإنه يحتمل الفسخ فأمكن جعل الهبة مجازا عن إقالة البيع ولو كان المبيع مكيلا أو موزونا بيع
مكايلة أو موازنة فتقايلا البيع فاسترده البائع من غير كيل أو وزن صح قبضه وهذا لا يطرد على أصل أبى يوسف
لان الإقالة لو كانت بيعا لما صح قبضه من غير كيل أو وزن كما في البيع ولو تقايلا قبل قبض المبيع أو بعده ثم وجد
البائع به عيبا كان عند بائعه ليس له أن يرده عليه وهذا على أصل أبي حنيفة وأبى يوسف يطرد لان الإقالة على أصل
أبى يوسف بيع في حق الكل وعلى أصل أبي حنيفة بيع في حق ثالث فكان بيعا في حقه فيصير كأنه اشتراه ثانيا
أو ورثه من المشترى وعلى أصل محمد وزفر يشكل لان الإقالة فسخ على أصلهما فينبغي ان لا يمنع الرد ولو اشترى
شيئا وقبضه قبل نقد الثمن ثم باعه من أجنبي ثم تقايلا وعاد المبيع إلى المشترى ثم إن بائعه اشتراه بأقل مما باعه بالثمن الأول
قبل النقد يجوز وهذا على أصل أبي حنيفة وأبى يوسف صحيح لان الإقالة على أصل أبى يوسف بيع في حق
العاقدين وغيرهما وعلى أصل أبي حنيفة في حق ثالث والبائع الأول ههنا ثالث فكانت الإقالة بيعا في حقه كان
المشترى الأول اشتراه ثانيا ثم باعه من بائعه بأقل من الثمن الأول قبل العقد وذلك جائز كذا هذا وأما على أصل محمد وزفر
فلا يطرد لأنهما يجعلان الإقالة فسخا فكانت إعادة إلى قديم الملك فينبغي ان لا يجوز وأما شرائط صحة الإقالة (فمنها)
رضا المتقايلين أما على أصل أبى يوسف فظاهر لأنه بيع مطلق والرضا شرط صحة البياعات وأما على أصل
أبي حنيفة ومحمد وزفر فلأنها فسخ العقد والعقد لم ينعقد على الصحة الا بتراضيهما أيضا (ومنها) المجلس لما ذكرنا
ان معنى البيع موجود فيها فيشترط لها المجلس كما يشترط للبيع (ومنها) تقابض بدلي الصرف في إقالة الصرف
وهذا على أصل أبى يوسف ظاهر وكذلك على أصل أبي حنيفة لان قبض البدلين إنما وجب حقا لله تعالى
الا ترى أنه لا يسقط باسقاط العبد والإقالة على أصله وإن كانت فسخا في حق العاقدين فهي بيع جديد في حق
ثالث فكان حق الشرع في حكم ثالث فيجعل بيعا في حقه (ومنها) أن يكون المبيع بمحل الفسخ بسائر أسباب
308

الفسخ كالرد بخيار الشرط والرؤية والعيب عند أبي حنيفة وزفر فإن لم يكن بان ازداد زيادة تمنع الفسخ بهذه الأسباب
لا تصح الإقالة عندهما وعند أبي يوسف ومحمد هذا ليس بشرط أما على أصل أبي حنيفة وزفر فظاهر لان الإقالة
عندهما فسخ للعقد فلابد وأن يكون المحل محتملا للفسخ فإذا خرج عن احتمال الفسخ خرج عن احتمال الإقالة ضرورة
(وأما) على أصل أبى يوسف فلأنها بعد القبض بيع مطلق وهو بعد الزيادة محتمل للبيع فبقي محتملا للإقالة (وأما)
على أصل محمد وإن كانت فسخا لكن عند الامكان ولا امكان ههنا لأنا لو جعلناها فسخا لم يصح ولو جعلناها بيعا
لصحت فجعل بيعا لضرورة الصحة فلهذا اتفق جواب محمد مع جواب أبى يوسف في هذا الفصل (ومنها) قيام
المبيع وقت الإقالة فإن كان هالكا وقت الإقالة لم تصح فاما قيام الثمن وقت الإقالة فليس بشرط (ووجه) الفرق
ان إقالة البيع رفعه فكان قيامها بالبيع وقيام البيع بالمبيع لا بالثمن لأنه هو المعقود عليه على معنى ان العقد ورد عليه لا على
الثمن لأنه يرد على المعين والمعين هو المبيع لا الثمن لأنه لا يحتمل التعيين وان عين لأنه اسم لما في الذمة فلا يتصور ايراد
العقد عليه دل ان قيام البيع بالمبيع لا بالثمن فإذا هلك لم يبق محل حكم البيع فلا يبقى حكمه فلا يتصور الإقالة التي هي رفع
حكم البيع في الحقيقة وإذا هلك الثمن فمحل حكم البيع قائم فتصح الإقالة وعلى هذا يخرج ما إذا تبايعا عينا بدين كالدراهم
والدنانير عينا أو لم يعينا والفلوس والمكيل والموزون والعدديات المتقاربة الموصوفة في الذمة ثم تقايلا أنهما أن تقايلا
والعين قائمة في يد المشترى صحت الإقالة سواء كان الثمن قائما في يده أو هالكا لقيام حكم البيع بقيام المعقود عليه وان
تقايلا بعد هلاك العين لم تصح وكذا إن كانت قائمة وقت الإقالة ثم هلكت قبل الرد على البائع بطلت الإقالة سواء
كان الثمن قائما أو هالكا لان الإقالة فيها معنى البيع الا ترى ان بعد الإقالة وجب على كل واحد منهما رد ما في يده
على صاحبه فكان هلاك البيع بعد الإقالة قبل القبض كهلاكه بعد البيع قبل القبض فإنه يوجب بطلان البيع كذا
هذا سواء بقي الثمن أو هلك لأنه إذا لم يتعين فقيامه وهلاكه بمنزلة واحدة كذا إذا كان المبيع عبدين وتقابضا
ثم هلكا ثم تقايلا أنه لا تصح الإقالة لما ذكرنا أن المعقود عليه إذا هلك لم يبق محل الفسخ بالإقالة وكذا لو كان
أحدهما هالكا وقت الإقالة والآخر قائما وصحت الإقالة ثم هلك القائم قبل الرد بطلت الإقالة لأنه هلك
المعقود عليه قبل القبض على ما بينا ولو تبايعا عينا بعين وتقابضا ثم هلكت إحداهما في يد مشتريها ثم تقايلا
صحت الإقالة وعلى مشترى الهالك قيمة الهالك ان لم يكن له مثل ومثله إن كان له مثل فيسلمه إلى صاحبه ويسترد
منه العين لان كل واحد منهما مبيع على حدة لقيام العقد في كل واحد منهما ثم خرج الهالك من أن يكون قيام العقد
به فيقوم بالآخر وإذا بقي المبيع بقي محل الفسخ فيصح أو نقول المبيع أحدهما والآخر ثمن إذ المبيع لا بد له من الثمن
فإذا هلك أحدهما تعين الهالك للثمن والقائم للمبيع لما فيه من تصحيح العقد وفى القلب افساده فكان التصحيح
أولى فبقي البيع ببقاء المبيع فاحتمل الإقالة وكذلك لو تقايلا والعينان قائمتان ثم هلك أحدهما بعد الإقالة قبل الرد
لا تبطل الإقالة لان هلاك إحداهما قبل الإقالة لما لم يمنع صحة الإقالة فهلاكها بعد الإقالة لا يمنع بقاءها على الصحة من
طريق الأولى لان البقاء أسهل من الابتداء وهذا بخلاف بيع العرض بالعرض انه لا ينعقد بأحد العرضين ابتداء
وإذا انعقد بهما ثم هلك أحدهما قبل القبض يبطل البيع لان البيع مبادلة المال بالمال فلا ينعقد بأحد البدلين ويبطل
بهلاك أحد العرضين قبل القبض لان كل واحد من العرضين مبيع وهلاك المبيع قبل القبض يبطل البيع (فأما)
الإقالة فرفع البيع فتستدعى بقاء حكم البيع وقد بقي ببقاء أحدهما وعلى هذا تخرج إقالة السلم قبل قبض المسلم فيه
انها جائزة سواء كان رأس المال دينا أو عينا وسواء كان قائما في يد المسلم إليه أو هالكا لأن المبيع هو المسلم فيه وانه
قائم وهذا لان المسلم فيه وإن كان دينا حقيقة فله حكم العين حتى لا يجوز استبداله قبل القبض فكان كالمعقود عليه وانه
قائم فوجد شرط صحة الإقالة وإذا صحت فإن كان رأس المال عين مال قائمة رد المسلم إليه بعينه وإن كانت هالكة فإن كان
مما له مثل رد مثله وإن كان مما لا مثل له رد قيمته وإن كان دينا رد مثله قائما كان أو هالكا لأنه لا يتعين بالتعيين
309

فهلاكه وقيامه سواء وكذلك لو كانت الإقالة بعد قبض المسلم فيه وانه قائم في يد رب السلم أنه تصح الإقالة ثمة لأنها
صحت حال كونه دينا حقيقة فحال صيرورته عينا بالقبض أولى وإذا صحت فعلى رب السلم رد عين
المقبوض لان المقبوض بعقد السلم كأنه عين ما ورد عليه العقد بدليل انه يجوز بيعه مرابحة على رأس
المال والمرابحة بيع ما اشتراه البائع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح وإذا كان المقبوض عين ما ورد
عليه العقد في التقدير والحكم وجب رد عينه في الإقالة ولو اشترى عبدا بنقرة أو بمصوغ
وتقابضا ثم هلك العبد في يد المشترى ثم تقايلا والفضة قائمة في يد البائع صحت الإقالة
لان كل واحد منهما مبيع لتعينه بالتعيين فكان معقودا عليه فيبقى البيع
ببقاء أحدهما وعلى البائع رد عين الفضة ويسترد من المشترى قيمة العبد
لكن ذهبا لا فضة لان الإقالة وردت على قيمة العبد فلو استرد قيمته
فضة والقيمة تختلف فتزداد أو تنقص فيؤدى إلى الربا ولو
كان العبد قائما وقت الإقالة ثم هلك قبل الرد على البائع
فعلى البائع أن يرد الفضة ويسترد قيمة العبد ان شاء
ذهبا وان شاء فضة لان الإقالة ههنا وردت
على عين العبد ثم وجبت القيمة على
المشترى بدلا للعبد ولا
ربا بين العبد وقيمته
والله تعالى أعلم
(تم الجزء الخامس ويليه الجزء السادس وأوله كتاب الكفالة)
310