الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ١٧
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٦ - ١٩٨٦ م
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء السابع عشر من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(باب الرجوع عن الشهادة في الطلاق والنكاح)
(قال رحمه الله وإذا شهد رجل وامرأتان علي طلاق امرأة ورجل وامرأتان على دخوله
بها فقضى القاضي بالصداق والطلاق ثم رجعوا فعلى شهود الدخول ثلاثة أرباع المهر وعلى
شهود الطلاق ربع المهر) لان شهود الطلاق ألزموه نصف المهر بدليل أنهم لو انفردوا قضى
القاضي على الزوج بنصف المهر وشهود الدخول ألزموه جميع المهر بدليل أنهم لو انفردوا قضي
القاضي عليه بجميع المهر فنصف المهر اختص بشهود الدخول بايجابه على الزوج فعند الرجوع
ضمانه عليهم ونصف المهر اشتركوا فيه فضمانه عند الرجوع على كلا الفريقين نصفان فان (قيل)
لا كذلك بل جميع المهر واجب على الزوج بالعقد فما ألزمه واحد من الفريقين شيئا من المهر
بما شهدوا به (قلنا) نعم وجب جميع المهر بالعقد ولكن بمقابلة البضع على أنه فوت تسليم
البضع على وجه لا ينتهى به النكاح فلا شئ على الزوج منه وقد تحقق ذلك بالفرقة بينهما
ولولا شهادة شهود الطلاق لم يكن عليه نصف المهر ولولا شهادة شهود الدخول لم يكن
عليه جميع المهر ولكنهما حين شهدا بوجود التسليم قبل ظهور الفرقة فكأنهما ألزماه جميع
المهر وحين شهدا الآخران بالفرقة قبل التسليم مضافا إلى الزوج فكأنهما ألزماه نصف المهر
فيحب ضمان ذلك عند الرجوع عليهم لأنهم حالوا بينه وبين المهر بشهادتهم فكلهم غصبوه
ذلك أحد الفريقين النصف والفريق الآخر الكل. ولو رجع شاهد الدخول وحده ضمن
ربع المهر لان النصف الذي اختص شهود الدخول بالزامه بقي فيه امرأتان على الشهادة
وببقائهما يبقى نصف ذلك النصف فيجب على الراجع نصف ذلك النصف وفي النصف الآخر
قد بقي على الشهادة حجة تامة ولو رجع شاهد الطلاق وحده لم يضمن شيئا لان في النصف
الذي لزم بشهادة شهود الطلاق قد بقي على الشهادة حجة كاملة ولو رجع شهود الدخول
كلهم ضمنوا النصف لان النصف الآخر قد بقي على الشهادة حجة كاملة ولو كان شهود
2

الطلاق هم الذين رجعوا لم يضمنوا شيئا لأنه بقي على الشهادة بجميع المهر حجة تامة وهم شهود
الدخول ولو رجعت امرأة من شهود الطلاق وامرأة من شهود الدخول فعلى الراجعة من
شهود الدخول ثمن المهر لان النصف الذي اختص به شهود الدخول بقي علي الشهادة فله رجل
وامرأة فبقي الحجة في ثلاثة أرباعه بتفاوتهما ويجب على الراجعة ربع ذلك النصف ولا ضمان
على شاهد الطلاق لأنه بقي على الشهادة في ذلك النصف حجة كاملة بعد رجوعها. ولو شهد
شاهدان أنه طلق امرأته واحدة وآخران أنه طلقها ثلاثا ولم يكن دخل بها فقضى بالفرقة
وبنصف المهر لها ثم رجعوا جميعا فضمان نصف المهر على شهود الثلث ولا ضمان على شهود
الواحدة لان أصحاب الثلث هم الذين قطعت بشهادتهم (ألا ترى) انها لا تحل له قبل
الزوج ومعنى هذا ان بالثلث يثبت في المحل صفة الحرمة وشئ من تلك الحرمة لا يثبت
بالواحدة لان حرمة المحل لا تحتمل التجزي وإنما قضى القاضي بحرمة المحل وذلك من
موجبات ما شهد به شهود الثلث خاصة فعرفنا ان القضاء كان بشهادتهم فالضمان عند الرجوع
عليهم وهو نظير ما ذكر بعده ولو شهد شاهدان انه حلف لا يقربها يوم النحر وآخران انه
طلقها يوم النحر فأبانها القاضي منه ولم يكن دخل بها وألزمه نصف المهر ثم رجعوا فالضمان
على شهود الطلاق دون شهود الايلاء لأنه إنما قضى بالفرقة بشهادة شهود الطلاق دون
شهادة شهود الايلاء وهذه المسألة حجة لأبي حنيفة رحمه الله في أن الثلاث غير الواحدة وقد
بيناه فيما إذا شهد أحد الشاهدين بتطليقه والاخر بثلاث. وإذا شهد على رجل انه تزوج
امرأة على ألف درهم وهي مهر مثلها قضي بذلك ونقدها الألف ثم رجعا لم يضمنا شيئا أيهما
كان المدعى في ذلك لأنه ان كانت المرأة هي المدعية فقد ألزما الزوج الألف وأدخلا في
ملكه البضع بمقابلته والبضع عند دخوله في ملك الزوج متقوم لأنه يتملك البضع ومن ضرورة
التملك يقوم المملوك به كالاستيلاء لما كان يتملك به الحربي يتقوم به نفسه وقد بينا ان الاتلاف
بعوض يعدله لا يوجب الضمان ولو كان الزوج هو المدعى فقد أثبتنا عليه الملك وعوضاها
بمقابلته ما يعدله وهو الألف فإن كان مهر مثلها خمسمائة وكان الزوج منكرا ضمنا له الفضل
لأنهما ألزماه الألف وعوضاه ما يتقوم بخمسمائة فقيمة البضع مهر المثل فالخمسمائة الأخرى
أتلفاها عليه بغير عوض وإن كان المدعي هو الزوج فلا ضمان عليهما سواء كان مهر مثلها أقل
أو أكثر لأنهما أتلفا البضع عليهما بغير عوض دون قيمة البضع ولكن البضع لا يتقوم على المتلف
3

وإنما يتقوم على المتملك لضرورة التملك فلم يضمن الشاهدان لهما شيئا وعند الشافعي رحمه الله
يضمنان ما زاد على الألف إلى تمام مهر مثلها وأصل المسألة ما إذا شهد شاهدان بالتطليقات
الثلاث بعد الدخول ثم رجعا بعد القضاء بالفرقة لم يضمنا شيئا عندنا وعند الشافعي رحمه الله
يضمنان للزوج مهر المثل وكذلك أن قتل المرأة رجل لم يضمن القاتل للزوج شيئا من المهر
عندنا وعند الشافعي يضمن مهر المثل وكذلك لو ارتدت المرأة بعد الدخول لم يغرم للزوج
شيئا عندنا وعند الشافعي للزوج مهر المثل على القاتل وعليها وان ارتدت لان البضع متقوم
بدليل أنه متقوم عند دخوله في ملك الزوج فيقوم عند خروجه من ملكه أيضا لأنه إنما
يخرج من ملكه عين ما دخل في ملكه فمن ضرورة التقوم في احدى الحالتين التقوم في الحالة
الأخرى كملك اليمين فإنه يتقوم عند ثبوته ابتداء ويتقوم أيضا عند الإزالة بطريق الابطال
وهو العتق حتى يضمن شهود العتق القيمة إذا رجعوا والدليل عليه أن شهود الطلاق قبل
الدخول إذا رجعوا ضمنوا نصف المهر فلو لم يكن البضع متقوما عند الطلاق لما ضمنوا شيئا
وإذا ثبت التقوم قلنا المتقوم مضمون بالاتلاف مالا أو غير مال كالنفس * وحجتنا في ذلك
أن البضع غير متقوم بالمال عند الاتلاف لان ضمان الاتلاف يتقدر بالمثل ولا مماثلة بين
البضع والمال صورة ومعنى فاما عند دخوله في ملك الزوج المتقوم هو المملوك دون الملك
الوارد عليه وكان تقومه لاظهار خطر ذلك المحل حتى يكون مصونا عن الابتذال ولا يملك
مجانا فان ما يملكه المرء مجانا لا يعظم خطره عنده وذلك محل له خطر مثل خطر النفوس لان
النسل يحصل به وهذا المعنى لا توجد في طرف الإزالة فإنها لا تتملك على الزوج شيئا ولكن
يبطل ملك الزوج عنها (ألا ترى) ان ما هو مشروط لمعنى الخطر عند التملك كالشهود
والولي لا يشترط شيئا منه عند الإزالة وأن الأب لو زوج ابنه الصغير بماله يصح ذلك ولو
خلع ابنته الصغيرة بمالها من زوجها لم يصح ذلك وهذا بخلاف ملك اليمين فهو ملك مال
والمال مثل المال صورة ومعنى فعند الاتلاف يضمن بالمال وهذا بخلاف ما إذا شهدا بالطلاق
قبل الدخول لأنهما لا يغرمان هناك قيمة البضع فقيمة البضع مهر المثل ولا يغرمان شيئا
من ذلك عندنا وإنما يغرمان نصف الصداق لأنهما أكدا على الزوج ما كان على شرف
السقوط فان المرأة إذا ارتدت يسقط عنه المهر وكذلك إذا قتلت ابن زوجها فهما أكدا عليه
ما كان على شرف السقوط فكأنهما ألزماه ذلك هو عبارة المتقدمين رحمهم الله ولا وجه أن
4

نقول وقوع الفرقة قبل الدخول مسقط جميع الصداق إذا لم يكن مضافا إلى الزوج ولا
كان متهيئا للنكاح للفقه الذي ذكرنا في أول الباب فهما بإضافة الفرقة منعا العلة المسقطة من
أن يعمل عليها في النصف فكأنهما ألزما الزوج ذلك النصف بشهادتهما فيضمنان له ذلك
عند الرجوع وفي هذا أيضا نوع من الشبهة فان الابن إذا أكره امرأة أبيه حتى زنا بها قبل
الدخول يغرم الأب نصف المهر ويرجع به على الابن ولم يوجد منه ما تصير به الفرقة مضافة
إلى الأب ولكنا نقول هو باكراهه إياها منع صيرورة الفرقة مضافة إليها وذا موجب نصف
الصداق على الأب فكأنه ألزمه ذلك وعلى هذا الخلاف شهود العفو عن القصاص إذا
رجعوا لم يضمنوا شيئا عندنا وعند الشافعي رحمه الله يضمنون الدية لان القصاص ملك متقوم
للولي (ألا ترى) أن القاتل إذا صالح في مرضه على الدية يعتبر ذلك من جميع المال وقد أتلفوا
عليه ذلك بشهادتهم فيضمنون عند الرجوع وإن لم يكن مالا كما تضمن النفس بالاتلاف
حالة الخطأ ولكنا نقول ملك القصاص كملك البضع للزوج من حيث إنه لا يظهر الا في
حق الاستيفاء وقد بينا ان ملك البضع غير متقوم وإنما المتقوم المحل المملوك فكذلك ملك
القصاص إلا أن بالصلح القاتل إنما يلتزم الدية بمقابلة ما هو من أصول حوائجه فهو محتاج إلى
هذا الصلح لابقاء نفسه وحاجته مقدمة على حق الوارث فيعتبر من جميع المال لهذا والمريضة
إذا اختلعت فإنما التزمت المال لا بمقابلة ما هو من أصول حوائجها فاعتبر من الثلث كذلك
ولأنه يسلم للقاتل المحل المملوك وهو نفسه وذلك متقوم وهنا بالطلاق بطل ملك الزوج من
غير أن يسلم لها شئ كان قد أشرف على الزوال عنها وقد بينا أنه لا قيمة للملك الوارد على
المحل فاما تقوم النفس بالدية عند الاتلاف فللصيانة عن الهدر واظهار خطر المحل وهذا لا
يوجد في ملك القصاص فالعفو مندوب إليه فيكون اهداره حسنا بهذا الطريق لان القصاص
حياة حكما وفي العفو حياة حقيقة فلا يمكن ايجاب الضمان على المتلف هنا بمعنى الصيانة ولو لم
يكن فرض الزوج لها مهرا فشهدا بالطلاق قبل الدخول وقضى القاضي لها بالمتعة ثم رجعا
غرما المتعة له لان المتعة في نكاح لا تسمية فيه بمنزلة نصف الصداق في نكاح فيه تسمية فكما
أن هناك عند الرجوع يغرمان للزوج ما قضى به القاضي وهو نصف المهر فكذلك هنا
يغرمان له ما قضى به القاضي وهو المتعة وزفر رحمه الله يقول في الفصلين لا يغرمان شيئا
لان جميع المهر وجب على الزوج بالعقد وإنما يسقط عنه نصفه بالطلاق قبل الدخول فهما
5

أسقطا عنه البعض وما أوجبا عليه شيئا وإنما ضمنا فإنما ينبغي أن يضمنا لها لأنهما أتلفا ملكها
في بعض الصداق وفيما قررنا جواب عن كلام زفر رحمه الله ولو شهد شاهدان على رجل أنه
تزوج امرأة على الف والزوج يجحد ومهر مثلها خمسمائة وشهد آخران أنه طلق قبل الدخول
فقضى بذلك ثم رجعوا فعلى شاهدي النكاح مائتان
وخمسون لان ما زاد علي الخمسمائة إلى تمام الف ألزمه شهود العقد من غير عوض بمقابلته وقد
سقط عنه نصف ذلك بالطلاق وبقي النصف فيغرمان له ذلك عند الرجوع وذلك مائتان
وخمسون ومقدار الخمسمائة ألزماه بعوض فلا ضمان عليهما في ذلك ولكن شهود الطلاق
قبل الدخول كأنهما ألزماه نصف ذلك النصف تمنعهما العلة المسقطة من أن يعمل عملها حين
أضافا الفرقة إلى الزوج فيضمنان ذلك عند الرجوع ولو شهد آخران أيضا بالدخول فألزمه
القاضي ألف درهم ثم رجعوا فعلى شاهدي النكاح خمسمائة الفضل على مهر مثلها لأنهما ألزماه
ذلك بغير عوض وأما الخمسمائة الأخرى ألزماه بعوض يعدله فلا يضمنان له شيئا من ذلك
ولكن بقي في ذلك شاهدا الدخول وشاهدا التطليق فثلاثة أرباعه على شاهدي الدخول
وربعه علي شاهدي الطلاق بمنزلة جميع المسمى في مسألة أول الباب على ما قررنا. وإذا شهد
شاهدان على امرأة أنها اختلعت من زوجها قبل أن يدخل بها علي ان برأته من المهر والزوج
يدعى ذلك وهي تجحد فقضى بذلك ثم رجعا ضمنا نصف المهر لأنه لولا شهادتهما لكان لها
نصف المهر لوقوع الفرقة قبل الدخول باقرار الزوج فهما أتلفا عليهما ذلك النصف بشهادتهما
ولو كان دخل بها بعد الزوج والمهر عليه ضمنا لها جميع المهر لأنه لولا شهادتهما لكان لها جميع
المهر على الزوج لان الفرقة وقعت باقراره بعد الدخول فهما أتلفا جميع المهر عليها بشهادتهما
بالخلع والابراء من المهر فيضمنان ذلك لها عند الرجوع كشاهدي الابراء في سائر الديون. ولو
ادعي رجل أنه تزوج امرأة على مائة درهم وقالت المرأة بل تزوجني على ألف درهم وذلك
مهر مثلها فأقام الزوج شاهدين بما ادعى وقضى بذلك وقد دخل بها ثم رجعا ضمنا لها تسعمائة في
قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما ولم يضمنا لها شيئا في قول أبى يوسف رحمه الله وهو بناء على مسألة
كتاب النكاح إذا اختلفا الزوجان في المهر ومهر المثل مثل ما تقوله المرأة فعندهما القول قولها
وعنده القول قول الزوج ولولا شهادة الشاهدين لكان يقضى لها على الزوج بالألف فهما
أتلفا عليها بشهادتهما مقدار تسعمائة فيضمنان لها ذلك عند الرجوع وعند أبي يوسف رحمه
6

الله القول قول الزوج في المهر فالشاهدان لم يتلفا على المرأة شيئا فبهذا يتبين أن الصحيح
في معنى المستنكر عند أبي يوسف رحمه الله أن يدعى الزوج دون العشرة فاما إذا ادعى
نقصانا كثيرا عن مهر المثل فالقول قوله كما فسره في هذه المسألة ولو طلقها قبل الدخول
لم يضمنا لها شيئا بالاتفاق لان القول قول الزوج بعد الطلاق كما ذكره في كتاب النكاح
فلا يضمنان لها شيئا لذلك وذكر في بعض نسخ الأصل يضمنان لها أربعمائة وخمسين درهما
وهذا ان صح فهو بناء على ما ذكره في الجامع من تحكيم المتعة بعد الطلاق عندهما أن تكون
متعتها خمسمائة فقد أتلفا عليها ما زاد على الخمسين وذلك أربعمائة وخمسون فيضمنان ذلك لها
وكذلك أن كانت لم تقر بالنكاح لم يضمنا لها شيئا لأنهما ما أتلفا عليها شيئا من المال إنما أتلفا عليها
ملك البضع بشهادتهما وقد بينا أن البضع لا يتقوم على غير المتملك ولو ادعت امرأة علي
زوجها أنه صالح من نفقتها على عشرة دراهم كل شهر فقال الزوج صالحتك على خمسة فشهد
شاهدان أنه صالحها على عشرة فقضى بها ثم رجعا فإن كانت نفقة مثلها عشرة أو أكثر فلا
ضمان عليهما لان القول قولها في مقدار نفقة مثلها فالشهود ما ألزموا الزوج شيئا بغير عوض
وان كانت نفقة مثلها أقل من عشرة ضمنا الفضل للزوج فيما مضى لأنه لولا شهادتهما لكان
القول قول لزوج في انكاره الفضل على نفقة مثلها فإنما ألزماه ذلك بشهادتهما. وإذا قضى
القاضي لامرأة بمهر أو متعة أو نفقة فمضت مدة ثم شهد شاهدان عليها بالاستيفاء وقضى به
ثم رجعا ضمنا ذلك للمرأة لان ذلك كان دينا مستحقا لها على الزوج فنفقة الزوجة تصير
دينا بقضاء القاضي وقد بينا أن الشهادة باستيفاء الدين موجب الضمان عند الرجوع وكذلك
الولد وكل ذي رحم محرم ممن فرض له القاضي النفقة وهذا على رواية الجامع حيث يقول
أن نفقة ذوي الأرحام تصير دينا بقضاء القاضي فاما علي رواية كتاب النكاح يقول لا تصير
ذلك دينا بعد مضي المدة وان قضي القاضي فعلى تلك الرواية شهود الاستيفاء لا يضمنون
شيئا وقد بينا وجه التوفيق بين الروايتين فيما أملينا من شرح الجامع. ولو شهد رجلان
على الطلاق ورجلان على الدخول ثم رجع شاهد الطلاق وأحد شاهدي الدخول ضمنوا
جميعا نصف المهر على شاهد الدخول من ذلك نصفه والنصف الباقي عليهم أثلاثا لان في
النصف الذي لزمه بشهادة شاهدي الدخول خاصة بقي أحدهما على الشهادة فتبقى الحجة في
نصف ذلك النصف ببقائه فعلى الراجع منهما نصف ذلك النصف وفي النصف الباقي يبقى نصفه
7

أيضا ببقائه على الشهادة وإنما انعدمت الحجة في نصف ذلك النصف وقد كان ثبت بشهادتهم
جميعا فعند الرجوع يجب ضمان ذلك النصف عليهم أثلاثا. وإذا طلق الرجل امرأته ولم يدخل
بها ولم يفرض لها مهر فشهد شاهدان أنه صالحها من المتعة على عبد ودفعه إليها وقبضته وهي
تنكر ذلك ثم رجعا عن شهادتهما فإنهما يضمنا المتعة لها وهي ثلاثة أثواب مثل كسوتها في بيتها
ولا يضمنان لها العبد لان أصل حقها هو المتعة وقد أتلفا بشهادتهما ذلك عليها فاما العبد كان
ملكا للزوج لولا شهادتهما فلا يضمنان لها العبد وان شهدا عليها بقبضه لان وجوب ذلك
لها بشهادتهما وهي تنكر فلا يكون لها أن تضمنهما قيمة العبد مع ما سبق من انكارها وإنما
تضمنهما أصل حقها وهو المتعة فإن كان مهر مثلها عشرة دراهم ضمنا له خمسة دراهم لأنه
لا يراد بالمتعة على نصف مهر المثل فلولا شهادتهما كان لها هذه الخمسة فلهذا ضمنا لها عند
الرجوع الخمسة. ولو شهد شاهدان على الطلاق وشاهدان على الدخول ولم يكن سمى لها مهرا
فقضي بذلك ثم رجعوا ضمن شاهدا الطلاق نصف المتعة وشاهدا الدخول بقية المهر لان
المتعة في نكاح لا تسمية فيه كنصف المسمى في نكاح فيه تسمية المهر وقد بينا أن هناك
شهود الطلاق يغرمون ربع المسمى فكذلك هنا يغرمون نصف المتعة وما زاد على ذلك إلى
تمام مهر المثل ثابت بشهادة شهود الدخول فيغرمون ذلك عند الرجوع. ولو شهد شاهدان على
مائة درهم بعينها في يد رجل أنها لرجل آخر وآخران على مائة منها أنها له فقضى له بذلك ثم
رجع أحد شاهدي المائتين ضمن خمسين لان مقدار المائة استحق بشهادته وشهادة صاحبه
خاصة وقد بقي نصفه ببقاء صاحبه على الشهادة فيغرم نصفه وذلك خمسون وان رجع أحد
شاهدي المائة أيضا لم يضمن شيئا لان مقدار المائة ثبت بشهادة الأربع وقد بقي اثنان على
الشهادة بتلك المائة فلا يغرم الراجعان شيئا من ذلك والله أعلم بالصواب
(باب عن الرجوع عن الشهادة أيضا)
(قال رحمه الله وإذا شهد شاهدان ذميا لذمي على ذمي بمال أو خمر أو خنزير فقضي
بذلك ثم رجعا ضمنا المال وقيمة الخمر مثل قيمة الخنزير) لان ضمان الرجوع بمنزلة ضمان الغصب
والاتلاف وأهل الذمة في ذلك يستوون بالمسلمين ويضمنون في الخمر المثل وفي الخنزير القيمة
وإن كان الشاهدان أسلما ثم رجعا عن شهادتهما ضمنا قيمة الخنزير لان الخنزير ليس من
8

ذوات الأمثال وكان الواجب عليهما ضمان القيمة بنفس الاتلاف واسلامهما لا يمنع نفوذ ذلك
وفي الخمر عند محمد رحمه الله يضمنان القيمة وعند أبي يوسف رحمه الله لا يضمنان شيئا بناء
على اسلام المسلمين المطلوب بعد اتلاف الخمر وقد بيناه في الغصب ولو لم يسلم الشاهدان وأسلم
المشهود عليه ثم رجعا ضمنا قيمة الخنزير ولم يضمنا الخمر لان الواجب عليهما مثل الخمر واسلام
الطالب يسقط الخمر لا إلى بدل فالمشهود عليه في حقهما طالب فاما اتلاف الخنزير يوجب
القيمة واسلام الطالب لا يمنع بقاءها واستيفاءها ولو شهد ذميان بمال على ذمي وأسلم المشهود
عليه قبل أن يقضي القاضي بشهادتهما لم يقض بها لان اسلام المشهود عليه لو اقترن بشهادتهما
منع العمل بها فكذلك إذا طرأ قبل القضاء وهذا لان القاضي لا يقضى الا بحجة وشهادة
أهل الذمة لا تكون حجة على المسلمين. وإذا شهد محدودان بقذف بشهادة ولم يعلم القاضي
بذلك حتى قضى بشهادتهما ثم علم بذلك وليس من رأيه امضاؤه فإنه يرد القضاء ويأخذ المال
من المقضى له لأنه ظهر له الخطأ في قضائه وهذا بناء على أن قضاء القاضي في المجتهدات إنما
ينفذ إذا صدر عن اجتهاد فأما إذا لم يكن عن اجتهاد وإنما كان عن تلبيس واشتباه لم ينفذ
وهو ظاهر المذهب على ما أشار إليه في الجامع ذكره الخصاف وقد روى عن أبي حنيفة
رحمه الله ان قضاءه في المجتهدات نافذ وإن لم يكن عن اجتهاد منه لأنه لا ينقض قضاءه ما لم
يتبين له الخطأ بيقين وفي الاجتهاد لا يتبين ذلك فعلى تلك الرواية لا ينقض القضاء. هنا أيضا
(قال) وكذلك لو علم أنهما عبدان أو كافران أو أعميان أما في العبدين والكافرين فقد ظهر أن
قضاءه كان بخلاف الاجماع فهو باطل وفي الأعميين الجواب مثل الجواب في المحدودين في
القذف لان قضاءه حصل فيما هو مجتهد فيه وإن لم يقصد الاجتهاد وقد نص على أنه قول
أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله يعنى رد القضاء وأخذ المال من المقضى له. وإذا شهد
شاهدان على رجل انه أعتق عبده وقضي القاضي بذلك ثم رجعا ضمنا قيمة العبد لأنهما أتلفا
عليه ملكا هو مال متقوم ولا يمنع وجوب الضمان عليهما بثبوت الولاء للمولى لان الولاء ليس
بمال متقوم بل هو كالنسب فلا يكون عوضا عما أتلفا عليه من ملك المال ولو شهدا عليه أنه دبره
فقضى القاضي بذلك ثم رجعا ضمنا ما نقصه التدبير لأنهما أوجبا حق العتق للعبد بذلك ثم
رجعا ضمنا ما نقصه التدبير لأنهما أوجبا حق العتق للعبد وبذلك ينقض ملك المالية للمولى
فيضمنان ذلك النقصان وقد بينا في كتاب العتاق مقدار نقصان التدبير فان مات المولى يخرج
9

العبد من ثلثه عتق وضمن الشاهدان قيمته مدبرا لان تلف ما بقي من المال عند موت المولى
حصل بشهادتهما فالتدبير موجب حق العتق في الحال وحقيقة العتق في الثلث بعد الموت
وقد كان ضمنا ما أتلفاه معجلا وما زاد على ذلك كان مؤجلا فيضمنان ذلك عند تحقق الاتلاف
وذلك بعد موت المولى وإن لم يكن له مال غيره عتق ثلثه ويسعى في ثلثي قيمته ويضمن
الشاهدان ثلث القيمة إذا عجل العبد الثلثين فان بدل ما زاد على الثلث قد سلم للورثة من جهة
العبد فاتلاف الشاهدين لذلك حصل بعوض فلا يضمنانه عند الرجوع فاما مقدار الثلث
أتلفاه على الورثة بغير عوض فيضمنان ثلث قيمته مدبرا ولا يرجعان بذلك الثلث على العبد
لان رجوعهما غير مقبول في حق العبد وإن لم يعجل العبد الثلثين من القيمة وعجز عنها فللورثة
ان يرجعوا به على الشاهدين لأنهما حالا بين الورثة وبين ذلك القدر من ماليته بشهادتهما
والعوض في ذمة المفلس فكأنهما أتلفا ذلك بغير عوض فيضمنان للورثة كالثلث ويرجع الشاهدان
بذلك على العبد لأنهما قاما مقام الورثة حين ضمنا ذلك وقد كان للورثة حق الرجوع على العبد
بذلك فكذلك لمن قام مقامه بخلاف ثلث القيمة وحالهما في الثلثين كحال شهود الكتابة فإنهما
لو شهدا عليه أنه كاتب عبده على ألف درهم إلى سنة فقضى بذلك ثم رجعا وهو يساوي ألفين
أو ألفا فإنهما يضمنان قيمته لأنهما حالا بين المولى وبين مالية العبد بشهادتهما عليه بالكتابة
فكانا بمنزلة الغاصبين ضامنين للقيمة ثم يتبعان المكاتب بالمكاتبة على نحوهما لأنهما قاما مقام
المولى في ذلك حين ضمنا قيمته ولا يعتق المكاتب حتى يؤدى ما عليه لأنه قبل رجوع
الشاهدين ما كان يعتق الا بعد أداء جميع الألف إلى المولى فكذلك حاله مع الشاهدين بعد
ما ضمنا القيمة فإذا أداه عتق والولاء للذي كاتبه لان الشاهدين قاما مقام المولى في قبض
بدل الكتابة منه فأداؤه إليهما كأدائه إلى المولى وهذا لان رجوعهما في حق المكاتب غير صحيح
وقد استحق المكاتب ان يعتق على المولى ويكون ولاؤه له فلا يبطل ذلك الحق برجوع
الشاهدين وان عجز ورد في الرق كان لمولاه لان رقبته لم تصر مملوكة للشاهدين فالمكاتب
ليس بمحل النقل من ملك إلى ملك فرجوعهما غير صحيح في حقه ويرد المولى ما أخذ من الشهود
عليهم لان الحيلولة قد زالت بعجز المكاتب فهو نظير غاصب المدبر إذا ضمن القيمة بعد
ما أبق ثم رجع فيكون مردودا على مولاه ويرد المولى على الغاصب ما أخذ منه. ولو شهد
شاهدان أنه حلف بعتقه ان دخل هذه الدار وشهد آخران أنه قد دخلها فقضي بعتقه ثم
10

رجعوا جميعا ضمن شاهد اليمين قيمة العبد ولا ضمان على شاهدي الدخول عندنا وقال زفر
رحمه الله الضمان عليهم جميعا لان تلف المال حصل بشهادة الفريقين جميعا ولكنا نقول شهود اليمين أثبتوا بشهادتهم العلة الموجبة للعتق وهو قوله أنت حر وشهود الدخول إنما أثبتوا
شرط العتق والشرط لا يعارض العلة في إحالة الحكم عليه فالحكم يضاف إلى علته حقيقة لأنه
واجب بها شرعا والى الشرط مجازا لأنه موجود عند الشرط لا به والمجاز لا يعارض الحقيقة بل متى كانت العلة صالحة لإضافة الحكم إليها لا يضاف شئ إلى الشرط وهو نظير حافر البئر
مع الملقي فان الضمان على الملقى دون الحافر وعلى القائد دون الممسك لهذا المعنى وقد بينا هذا في
مسألة شهود الاحصان في كتاب الحدود ولم يذكر هنا أن اليمين لو كانت ثابتة باقرار المولى
وشهد شاهدان بالشرط ثم رجعا ظن بعض مشايخنا رحمهم الله أنهما يضمنان في هذا الفصل وقالوا
ان العلة لا تصلح لإضافة الحكم إليها هنا فإنها ليست تتعدى فيكون الحكم مضافا إلى الشرط
علي أن الشرط يجعل حلفا عن العلة هنا باعتبار أن الحكم يضاف إليه وجودا عنده وشبه هذا حفر
البئر وهو غلط بل الصحيح من المذهب أن شهود الشرط لا يضمنون بحال نص عليه في
لزيادات وهذا لان قوله أنت حر مباشرة الاتلاف للمالية وعند وجود مباشرة الاتلاف
الحكم يضاف إليه دون الشرط سواء كان بطريق التعدي بخلاف مسألة الحفر فالعلة هناك ثقل
الماشي وذلك ليس من مباشرة الاتلاف في شئ فلهذا يجعل الاتلاف مضافا إلى الشرط وهو
إزالة المسكة بحفر البئر الذي في الطريق. ولو شهد شاهدان على رجل انه أعتق عبده عن
مدبر منه وآخران انه أعتق عبده البتة فقضى به ثم رجعوا فضمان القيمة على شاهدي العتق ولا
ضمان على شاهدي التدبير لان القضاء كان بشهادة شاهدي العتق فمنع جر العتق المضاف
إلى ما بعد الموت. ولو شهد شاهدا التدبير فقضى القاضي به ثم شهد شاهدا العتق فقضى به
ثم رجعوا فعلى شاهدي التدبير لان ضمان ما نقصه التدبير ذلك الجر تلف بشهادتهما حين
قضي بها القاضي ويضمن شاهدا العتق قيمته مدبرا لأنهما أتلفا مالية المولى بشهادتهما وعند
شهادتهما كان هو مدبرا فيضمنان ذلك عند الرجوع ولو كان شاهدا العتق على الثياب شهدا
أنه أعتقه قبل التدبير فأعتقه القاضي ثم رجعوا ضمن شاهدا العتق قيمته ولا ضمان على شاهدي
التدبير لأنه تبين أن شاهدي التدبير ما أتلفا عليه شيئا وأن القاضي أخطأ في قضائه بالتدبير حين
قامت الحجة على الحرية قبل ذلك فإنما حصل تلف المالية بشهادة شاهدي العتق فالضمان عليهما
11

عند الرجوع (ألا تري) أنهما لو شهدا أنه باع عبده من هذا بألف درهم ووقتا لذلك وقتا قبل
التدبير فان القاضي يبطل التدبير وينفذ البيع فان رجعوا بعد ذلك لم يضمن شهود التدبير شيئا
وضمن شهود البيع فضل القيمة على الثمن لان الاتلاف في الفضل حصل بشهادتهم بغير عوض
وان كانت القيمة أقل من الثمن والمشترى هو المنكر ضمنا للمشترى فضل الثمن على القيمة لأنهما
أتلفا عليه الفضل بغير عوض ولو كان سواء وشهدا أنه نقد الثمن والبائع منكر ثم رجعا عن البيع
ولم يرجعا عن نقد الثمن لم يضمنا شيئا لأنهما بالشهادة على البيع أزال ملكه عن العبد بعوض يعدله
وهما ثابتان على شاهدتهما بنقد الثمن فهو وما لو شهد به غيرهما سواء ولو رجع عن نقد الثمن ضمن
الثمن لأنهما أقرا بالرجوع أنهما أتلفا ملك البائع في الثمن بشهادتهما عليه باستيفاء ولو كان البائع
هو المدعى والمشترى يجحد لم يضمنا شيئا لأنهما أدخلا في ملك المشتري ما يعدل ما ألزماه من
الثمن. ولو شهد شاهدان على رجل أنه كاتب عبده على ألف درهم إلى سنة وقيمته خمسمائة
فأجاز القاضي ذلك ثم رجعا فاختار المولي ضمان الشاهدين فله ذلك لأنهما حالا بينه وبين مالية
العبد بشهادتهما وبدل الكتابة في ذمة العبد المفلس كالتاوي فان قبض المولى منهما القيمة لم يعتق
المكاتب حتى يؤدي ألف درهم إلى الشاهدين لأنهما قاما مقام المولى في استيفاء بدل الكتابة حين
ضمنهما القيمة ويتصدقان بالفضل لان ذلك ربح حصل لهما بكسب خبيث وهو شهادة الزور
وإن لم يجبر المولى يضمنهما ولكن جعل يتقاضى المكاتب حتى قبض منه مائة درهم أو لم
يقبضها غير أنه علم برجوع الشاهدين فهذا اختيار للمكاتبة ولا يضمن الشاهدان شيئا أبدا
ما خلا خصلة واحدة وهي أن تكون المكاتبة أقل من القيمة فان هنا له أن يأخذ المكاتب
بالمكاتبة ويرجع على الشاهدين بفضل القيمة لأنه بعد ما علم برجوع الشاهدين كان مخيرا بين
تضمين الشاهدين القيمة ومطالبة المكاتب ببدل الكتابة فاختاره اتباع المكاتب بالتقاضي
منه يتضمن براءة الشاهدين كما في الغصب مع غاصب الغاصب ولكن هذا في مقدار بدل
الكتابة فأما ما زاد عليه إلى تمام القيمة فحقه فيه قبل الشاهدين خاصة فلا يكون اختياره اتباع
المكاتب ببدل الكتابة أبرأ الشاهدين عن ذلك الفضل فلهذا يرجع عليهما به ولو شهدا أنه
باع عبده من رجل بألف درهم إلى سنة وقيمته خمسمائة والمشترى يدعي ذلك والبائع يجحد
فأجاز القاضي ثم رجعا فهو مخير بين أن يبيع المشترى الثمن وبين أن يضمن الشاهدين القيمة
لاتيانهما الحيلولة بينه وبين ملكه في الحال والبدل لا يصل إليه الا بعد مضي الاجل فان
12

ضمن الشاهدين القيمة قاما مقامه في الرجوع على المشترى بالثمن وتصدقا بالفضل لأنه حصل
لهما بكسب خبيث ولأنه من وجه كالملك للثمن منهما فان استوفى منهما من القيمة وتمليك
الألف بالخمسمائة ربا فلشبهه بالربا يلزمهما التصدق بالفضل وان اختار المولى ابتاع المشتري
بالثمن لم يرجع على الشاهدين بشئ أبدا لان ذلك منه رضا بالبيع بالثمن المؤجل. وكذلك لو
تقاضى المشترى بعد رجوعهما فذلك منه رضا بالثمن في ذمة المشتري فيكون مبرئا لهما باختيار
اتباع المشترى فلا يتبع الشاهدين بشئ بعده أبدا نوي ماله على المشترى أو خرج. وإذا شهد
رجلان على رجل أنه حلف بعتق عبده ان في قيده عشرة أرطال وحلف الرجل بعتقه بين
يدي القاضي أن لا يحل القيد أبدا فشهد شاهدان على المولى أن في قيده خمسة أرطال فأعتقه
القاضي بشهادتهما ثم أطلقه من القيد ثم نظر إلى القيد فإذا فيه عشرة أرطال فان أبا حنيفة
رحمه الله قال على الشاهدين قيمة العبد وهو قول أبى يوسف الأول رحمه الله وفي قوله
الاخر لا ضمان على الشاهدين وهو قول محمد رحمه الله وهو بناء علي ما تقدم من اختلافهم
في نفوذ قضاء القاضي شهادة الزور باطنا فعند أبي حنيفة رحمه الله لما نفذ قضاؤه ظاهرا
وباطنا فإنما عتق بشهادتهما قبل أن يحل القيد وعندهما لم ينفذ قضاؤه باطنا فإنما عتق بحل
القيد لا بشهادتهما والشهود في الصورة يشهدون بالشرط ولكن في المعنى يشهدون بتنجيز
العتق لان تعليق العتق بشرط موجود تنجيز ولا يقال كيف ينفذ قضاء القاضي باطنا وظاهرا هنا
وقد تيقنا بكذبهم بمعرفة وزن القيد فيكون هذا بمنزلة ما لو ظهر نص بخلاف قضاء القاضي
أو ظهران الشهود عبيد أو كفار وهذا لان القاضي حين قضى بالعتق لم يكن مخاطبا بمعرفة
وزن القيد حقيقة لأنه لا طريق إليه ما لم يحل القيد وحل القيد معتق للعبد وقضاؤه إنما ينفذ
باطنا باعتبار انه سقط عنه تعرف مالا طريق له إلى معرفته وهذا موجود هنا ولو لم يحله وعلم
أنهما شهدا بباطل رد في الرق عندهما لان قضاء القاضي لم ينفذ باطنا وكذلك لو هلك العبد
وأقر أنهما شهدا بزور فهو وما سبق سواء لأنهما رجعا عن شهادتهما في مجلس القاضي فذلك
كمعرفة القاضي كذبهما أو أقوى منه في ايجاب الضمان عليهما. ولو شهد رجلان على رجل أنه
أعتق عبده عام أول في من رمضان فأجاز القاضي شهادتهما وأعتقه ثم رجعا وضمنهما القيمة أو لم
يضمنهما حتى شهد شاهدان انه أعتقه عام أول في شوال فإنه لا تقبل شهادة الآخرين لأنه
حكم بعتقه بشهادة الأولين في أول يوم من رمضان (ألا ترى) ان حكمه في ذلك الوقت في جزاء
13

جنايته وحدوده وغير ذلك حكم الأحرار فالفريق الثاني إنما شهدوا باعتاق من هو محكوم بحريته
وذلك لغو وعلى الأولين ضمان القيمة يوم أعتقه القاضي لأنهما بالرجوع أقرا أنهما أتلفا عليه ماليته
حين أعتقه القاضي بشهادتهما بالزور واقرارهما حجة عليهما فيضمنان قيمته في ذلك الوقت وكذلك
لو شهدا على أن مولاه أقر به حين ولد أنه لهذا الرجل وأنكر المولى وشهد يوم شهدوا
والعبد رجل شاب ثم قضي به القاضي ثم رجعا ضمنا قيمته يوم قضى القاضي لأنهما أتلفا عليه
ماليته فيه يومئذ ولو شهدا عليه انه أعتق عبده عام أول في رمضان فقضى به القاضي ثم رجعا
ثم شهد آخران أنه أعتقه أول يوم من رمضان أول من عام الأول فان شهادة الآخرين
مقبولة ولا ضمان على الأولين وهذا قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فاما عند أبي حنيفة
رحمه الله لا تقبل شهادة الفريق الثاني لان من أصله أن الشهادة على عتق العبد لا تقبل من
غير دعوى ولا مدعى لما شهد به الفريق الثاني لان العبد محكوم بحريته فلا يمكنه ان يدعى
بشهادتهما والفريق الأول لا تصح منهم الدعوى لان كلامهم متناقض وعند أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله الشهادة على عتق العبد مقبولة من غير دعوى فيثبت بشهادة الفريق الثاني في عتقه
في وقت سابق على الوقت الذي شهد به الفريق الأول ويتبين به انهما شهدا بأنه أعتق حرا
فيسقط الضمان عنهما كذلك بخلاف ما إذا كانت شهادة الفريق الثاني بالعتق بعد وقت العتق
الأول حتى قالوا إذا كان هناك من يدعي حريته في وقت سابق على الوقت الذي شهد به
الفريق الأول بان كان يدعى عليه حدا أو قصاصا في الطريق فان شهادة الفريق الثاني مقبولة
ويسقط به الضمان عن الفريق الأول لوجود المدعى لما شهد به الفريق الثاني ولو شهدوا عليه
انه طلق امرأته عام أول في رمضان قبل أن يدخل بها فقضى به القاضي وألزمه بنصف المهر ثم
رجعا فضمنهما القاضي بنصف المهر ثم شهد شاهدان انه طلقها عام أول في شوال قبل أن يدخل
بها لم يقبل ذلك ولم ينتفع به الأولان لأنها صارت مطلقة بقضاء القاضي في وقت سابق على
الوقت الذي شهد به الفريق الثاني فإنما شهد به الفريق الثاني بطلاق من هي أجنبية منه في
الحكم فكان ذلك لغوا ولو أقر الزوج بذلك عند القاضي لم يكن على الشاهدين ضمان ورد
عليهما ما كان ضمنا له. وكذلك اقرار المولى في العتق لان المولى باقراره يزعم أنه تلف المالية
عليه وتقرر نصف الصداق كان بمباشرته الطلاق والعتاق لا بشهادتهما ومباشرة ذلك رضا
منه ضرورة واقراره حجة عليه فتبين به ان الشهود ما أتلفوا عليه شيئا حين قضى القاضي
14

بشهادتهم بخلاف البينة فإنها لا تكون الا بقضاء القاضي والقاضي لا يقضى بشهادة الفريق الثاني
بعد ما قضى بالطلاق والعتاق في وقت متقدم بشهادة الفريق الأول ولو شهد الفريق الثاني
بالطلاق في وقت متقدم على الوقت الذي شهد به الفريق الأول قبلت الشهادة لان الشهادة على
الطلاق تقبل حسبة من غير دعوى وتبين بهذه الشهادة ان الفريق الأول ما أكد عليه شيئا
من الصداق بشهادتهما فيسقط الضمان عنهما ولو شهدا عليه انه حلف بعتق عبده انه لا يدخل
هذه الدار وأنكر ذلك المولى ثم دخل العبد الدار فقضى القاضي بعتقه ثم رجعا عن شهادتهما
ضمنا قيمته لأنهما أثبتا سبب اتلاف المالية بشهادتهما وهو اليمين فعند وجود الشرط إنما يعتق
العبد باليمين لا بوجود الشرط ولو ادعى العبد أن مولاه كاتبه على ألف درهم وهي قيمته
وقال المولى كاتبته على ألفين وأقام البينة فقضى القاضي بذلك على المكاتب فأداها ثم رجعا
فان القاضي يضمنهما ألف درهم للمكاتب لأنه لولا شهادتهما لكان القول قول المكاتب لانكاره
الزيادة في قول أبي حنيفة رحمه الله الآخر فما زاد على الألف إنما لزمه بشهادتهما فيضمنان
له ذلك عند الرجوع ولو كان المكاتب لم يدع المكاتبة وقال مولاه كاتبته على ألفين فجحد
المكاتب ذلك وأقام المولى بينة فإنه لا تقبل بينته على ذلك لان البينة إنما تقبل إذا كانت
ملزمة وهذه بينة لا يلزم العبد شيئا فإنه يتمكن من أن يعجز نفسه ليفسخ الكتابة فلا معنى
لقبول البينة من المولى على ذلك ولكن يقال للمكاتب إن شئت فامض على الكتابة وإن شئت
فدعها وكن رقيقا بخلاف الأول فهناك يدعى العبد الكتابة فند دعواه الكتابة إنما يلزمه
مقدار الألفين بشهادتهما فلهذا وجب قبول شهادتهما فإن كان المكاتب يدعى أنه حر فجاء المولى
بشاهدين فشهدا أنه كاتبه على ألفين فقضى عليه بذلك وأدى المال ثم رجعا ضمنا الألفين للمكاتب
وان كانت قيمته أقل من ذلك لأنهما ألزماه الألفين بشهادتهما فإنه لولا شهادتهما لكان القول
قول من يدعى أنه حر وقد أقر بالرجوع انهما ألزماه الألفين بغير حق بشهادتهما فيضمنان
له ذلك. ولو شهد شاهدان على رجل انه عبد لهذا الرجل فقضى القاضي به ثم أعتقه على مال
ثم رجعا عن شهادتهما لم يضمنا للمشهود عليه شيئا لأنهما ما ألزماه مالا بالشهادة إنما أبطلا
حريته وألزماه لرق بشهادتهما وذلك ليس بمال وقد بينا أن ما ليس بمال لا يضمن بالمال
بالشهادة الباطلة ثم العبد التزم المال باختياره حين قبل العتق بجعل وذلك لا يوجب الضمان على
الشهود بخلاف الأول فقد ألزمه المال هناك * يوضحه أنهما لو ضمنا إنما يضمنان باعتبار قضاء
15

القاضي برقه فذلك الضمان يكون للمولى لأنه محكوم بأنه عبده فماله يكون لمولاه والمولى
يكذبهما في الرجوع بخلاف مسألة المكاتب فهناك إنما يضمنان المال للمشهود عليه لا لمولاه وهو
مصدق لهما في الرجوع. ولو شهدا على رجل انه أعتق عبده على خمسمائة وقيمته ألف درهم فأعتقه
القاضي ثم رجعا فالمشهود عليه مخير ان شاء ضمن الشاهدين الألف ويرجعان على العبد بخمسمائة
لأنهما قاما مقام المولى في ذلك وان شاء رجع على العبد بخمسمائة وأيهما ما اختار ضمانه لم يكن
له أن يرجع على الآخر بعد ذلك بشئ أبدا بمنزلة الغاصب مع غاصب الغاصب إذا اختار
المغصوب منه تضمين أحدهما والله أعلم بالصواب
(باب الرجوع عن الشهادة في النسب والولاء والمواريث)
(قال رحمه الله وإذا ادعى رجل انه ابن رجل والأب يجحد فأقام البينة انه ابنه ولد
على فراشه وأنه وارثه فقضى بذلك ثم رجعوا عن شهادتهم فلا ضمان عليهم) لأنهم لم يشهدوا
عليه بمال إنما ألزموه النسب بشهادتهم والنسب ليس بمال ولا يدرى أيهما يموت قبل الآخر
فيرثه الآخر وكذلك لو أقام شاهدين أن هذا مولاه أعتقه وهو يملكه وقال المشهود عليه أنا
حر الأصل ثم رجعوا بعد القضاء بشهادتهم لم يضمنوا شيئا لأنهم ألزموه الولاء بشهادتهم
والولاء كالنسب ليس بمال ولو مات فورثه ثم رجعوا عن شهادتهم لم يضمنوا شيئا أبدا لان
شهادتهم بالنسب أو الولاء كانت في حال الحياة وذلك لا يكون شهادة بالميراث وهذا لان
استحقاق الميراث بالنسب والموت جميعا فكان حكما متعلقا بعلة ذات وصفين فإنما يحال به على
آخر الوصفين وجودا لان العلة تتم به وثبوت الحكم باعتبار كمال العلة وهذا بخلاف ما إذا شهد
واحد ثم آخر فقضى القاضي ثم رجعا فإنهما يضمنان ولا يحال بالاتلاف على شهادة الثاني لان
الشهادة لا توجب شيئا بدون القضاء وإنما يقضى القاضي بشهادتهما جميعا فهو وما لو شهدا معا
سواء وهنا السبب قد ثبت قبل الموت ثم الموت لم يكن مشهودا به واستحقاق الميراث به لأنه
آخر الوصفين وجودا ولو شهدا على رجل أنه ابن هذا القتيل لا وارث له غيره والقاتل يقر
أنه قتله عمدا يقضي القاضي بالقصاص وقتله الابن ثم رجعوا عن شهادتهم فلا ضمان عليهم في
القصاص لان القصاص ليس بمال فلا يضمنونه للورثة المعروفين وان أتلفوه بشهادتهم عليهم
كما لو شهدوا بالعفو عن القصاص على المولى يضمنون كل مال ورثه هذا الابن من القتيل لورثته
16

المعروفين لأنهم شهدوا بالنسب بعد الموت فكان المشهود به متمما علة استحقاق الميراث فإنما يحال
باستحقاق الميراث على شهادتهم وقد أقروا بالرجوع ثم أنهم أتلفوه على الورثة المعروفين بغير
حق ولو رجع شهود العفو قبل أن يقضى القاضي بها كان القصاص واجبا على حاله لان
الشهادة لا توجب شيئا ما لم يقض القاضي بها ولا يتمكن القاضي من القضاء بها بعد ما رجعوا
ولو شهدوا لرجل مسلم كان أبوه كافرا أن أباه مات مسلما وللميت ابن كافر فقضى القاضي
بمال ابنه للمسلم ثم رجعوا عن شهادتهم ضمنوا الميراث كله للكافر لأنه لولا شهادتهم لكان
القول قول الابن الكافر والميراث كله له لأنه عرف كفر أبيه في الأصل فإنما صار الميراث
كله مستحقا للابن المسلم بشهادتهما فعند الرجوع يضمنان ذلك. ولو أسلم كافر ثم مات وله
ابنان مسلمان كل واحد منهما يدعى أنه أسلم قبل موت أبيه وأقام كل واحد منهما شاهدين
فورثهما القاضي ثم رجع شهود أحدهما ضمنوا جميع ما ورثه الآخر لان الآخر ببينته أثبت
استحقاق جميع الميراث لنفسه لولا شهادتهما فالمشهود له إنما أخذ نصف ذلك بشهادتهما
له وقد أقر بالرجوع انهما شهدا بغير حق وكذلك أن مات رجل عن أخ معروف فادعى
آخر أنه ابنه وشهد له به شاهدان وحكم له بالميراث ثم رجعا ضمنا جميع ذلك للأخ لان الأخ
كان مستحقا بجميع الميراث لولا شهادتهما بنسب الابن وقد أقر بالرجوع أنهما أتلفا ذلك عليه
بغير حق. ولو كان صبي في يد رجل لا يعرف أنه حر أو عبد فشهد شاهدان على اقراره انه
ابنه فاثبت القاضي نسبه منه ثم مات الرجل فقضى له بميراثه ثم رجعا لم يضمنا شيئا لأنهما شهدا
بالنسب في حياته واستحقاق الميراث إنما يحال به على آخر الوصفين وجودا وهو الموت دون
ما شهدا به وكذلك لو شهدا لامرأة بالنكاح على مهر مثلها فقضى به ثم مات الرجل فورثت
منه ثم رجعا فلا ضمان عليهما ولو كانت الشهادة بعد الموت ضمنا جميع ما أخذته المرأة لان
آخر الوصفين ما شهد به الشهود هنا وبه يتم علة استحقاق الميراث. ولو كان في يد رجل عبد
صغير وأمة فشهد شاهدان أنه أقر أن الصبي ابنه وشهد آخران أنه أعتق هذه الأمة ثم تزوجها
على ألف درهم وهو يجحد ذلك فقضى القاضي بجميع ذلك ثم مات الرجل عن بنتين سوى
الصبي فقضى القاضي للمرأة بالمهر وقسم المال بينهم على الميراث ثم رجع الشهود عن شهادتهم
فان شهود الابن يضمنون قيمة الابن للورثة الا نصيب الابن منها لأنهم أتلفوا ملكه في
العبد بشهادتهم فإنه لولا شهادتهم لكان القول قوله أن الصغير عبده فإنه لا يعبر عن نفسه
17

وقد أقر عند الرجوع أنهما أتلفا عليه ذلك بغير حق فيضمنان قيمته للمولى ويصير ذلك ميراثا
عنه لورثته لا أنه يطرح عنهما حصة الابن المشهود له لأنه يكذبهما في الرجوع ويزعم أنهما
كانا صادقين في الشهادة بنسبه وانه لا ضمان عليهما وزعمه معتبر في نصيبه ويضمن شهود الأمة
قيمة الأمة الا ميراث الأمة منها لهذا المعنى لا يضمنون غير ذلك إلا أن يكون المهر أكثر من
مهر مثلها فيضمنون الفضل لإقرارهم أنهم ألزموه ذلك الفضل بغير عوض ولكن يطرح من
ذلك حصتها منه بميراثها لأنها تكذبهم في الرجوع وتصدقهم في الشهادة فيعتبر زعمها في حصتها
ولا ضمان علي أحد من الشهود فيما أخذ المشهود له من الميراث لما بينا أنهم شهدوا بالنسب
والنكاح في حالة الحياة. وإذا مات الرجل فادعى رجل أنه أوصى له بالثلث من كل شئ وأقام
شاهدين فقضى له ثم رجعا عن شهادتهما ضمنا الثلث لان المشهود له استحق الثلث بشهادتهما
فكذلك لو شهدوا أنه أوصى له بالثلث في حياة الميت ولم يختصموا في ذلك حتى مات وفي هذا
نوع اشكال فالوصية أخت الميراث وقد بينا أنهم لو شهدوا بالنسب في حال الحياة لم يضمنوا شيئا
بعد الموت. وإذا شهدوا بالوصية ضمنوا لان استحقاق الوصية عند الموت بالعقد لا بالموت فان
الملك للموصى له ملك متجدد ثابت بالعقد بخلاف الميراث فإنه خلافه على معنى أنه يبقى للوارث
من الملك ما كان ثابتا للمورث وهذه الخلافة لا تتحقق الا بالموت * يوضح الفرق أن الشهادة
بالنسب في حالة الحياة وان كانت توجب الميراث بعد الموت ففيها معنى المعاوضة لجواز أن
يموت المشهود له أولا فيرثه المشهود عليه فلهذا لا يجب الضمان على الشهود ولا تتحقق مثل
هذه المعاوضة في الشهادة بالوصية بالثلث فكان هذا بمنزلة الشهادة على النسب بعد الموت
فيكون موجبا للضمان عليهما إذا رجعا ولو شهدا بعد موته أنه أوصى بهذه الجارية لهذا المدعى
وهي تخرج من ثلثه فقضى له بها فاستولدها ثم رجعا عن الشهادة ضمنا قيمتها يوم قضي بها
ولم يضمنا العقر ولا قيمة الولد لأنهما أتلفا ملك الرقبة على الورثة بشهادتهما الملك للموصى
له فيضمان قيمة الرقبة كذلك بمنزلة ما لو شهدا بالهبة والتسليم في حياة صاحبها وكذلك لو ولدت
من غيره لم يضمنا للورثة شيئا من قيمة الولد لأنهم ما استحقوا الولد لاستحقاق لا يثبت
الا بعد الوجود وعند وجود لولد هي مملوكة للموصى له بحكم الحاكم دون الورثة وان كانت
ميتة فالقول في قيمتها قول الشاهدين في قيمتها لانكارهما الزيادة؟ وان كانت حية فقال الشاهدان
قد ازدادت قيمتها لم يصدقا على ذلك وضمنا قيمتها اليوم إلا أن يقيم البينة علي ما قالا لان قيمتها
18

في الحال دليل ظاهر على قيمتها فيما مضى والبناء على الظاهر واجب وعلى من يدعى خلاف
الظاهر إقامة البينة فان أقام البينة أخذ بذلك إلا أن تقيم الورثة البينة على أن قيمتها يوم شهدا
أكثر مما قال شهودهما فيؤخذ ببينة الورثة لما فيها من اثبات الزيادة. ولو شهدا ان الميت أوصى
إلى هذا في تركته فقضى القاضي بذلك ثم رجعا لم يضمنا شيئا لأنهما ما أتلفا على الميت ولا على
الورثة شيئا بشهادتهما إنما نصبا من يحفظ المال عليهم ويقوم التصرف فيه لهم وذلك غير
موجب اتلاف شئ عليهم فان استهلك الوصي المال فهو ضامن لأنه كان أمانة في يده ولا
ضمان على الشاهدين لأنهما لم يشهدا على استحقاق في علمه المال بعينه وإنما أتلف المال باستهلاك
الوصي باختياره فيكون ضمانه عليه والله أعلم
(باب الرجوع عن الشهادة على الشهادة)
(قال رحمه الله وإذا شهد شاهدان علي شهادة أربعة وشاهدان على شهادة شاهدين بحق
فقضي به ثم رجعوا فعلى الشاهدين الذين شهدوا على شهادة الأربعة الثلثان وعلى الشاهدين
الآخرين الثلث في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله الضمان علي
الفريقين نصفين) لان شهادة كل فريق على شهادة غيره في حكم الضمان عند الرجوع بمنزلة
شهادته على شهادة نفسه (ألا ترى) ان الاتلاف يحصل بشهادة كل فريق إذا انفرد سواء شهد
على شهادة نفسه أو على شهادة غيره وسواء شهد على شهادة شاهدين أو شهادة أربعة فلما
استويا في علة الاتلاف يستويان في الضمان عند الرجوع وهذا لان شهادة الاثنين على
شهادة الأربعة أضعف من شهادتهما على الحق بعينه لأنهما في الشهادة على الحق بعينه يشهدان
على معاينة وفي الشهادة على شهادة الأربعة يشهدان عن خبر ثم لو شهدا على الحق بعينه
وشهد آخران كذلك ثم رجعوا كان الضمان على الفريقين نصفين كذا هنا وأبو حنيفة وأبو
يوسف رحمهما الله قال اللذان شهدا على شهادة الأربعة في الصورة اثنان وفي المعنى أربعة لان
القضاء يكون بشهادة الأصول لا بشهادة الفروع ولهذا يعتبر عدالة الأصول وهذا لان
الفروع ينقلون شهادة الأصول إلى مجلس القاضي فكان الأصول حضروا بأنفسهم وشهدوا
وإذا ثبت هذا كان بمنزلة ما لو شهد أربعة على الحق واثنان على الحق ثم رجعوا جميعا بعد القضاء
فيكون الضمان عليهم أسداسا ثم ما يجب على الأربعة لو حضروا وشهدوا يقضى به على من
19

أثبت شهادتهم في مجلس القاضي بشهادته وهما اللذان شهدا على شهادة الأربعة قال (ألا ترى)
أن أربعة لو شهدوا على شهادة اثنين وشهد اثنان على شهادة اثنين ثم رجعوا بعد القضاء أن
نصف الضمان على الأربعة ونصفه على الاثنين وما كان ذلك الا باعتبار عدد الأصول دون
الفروع وكذلك في الفصل الأول إلا أن محمدا رحمه الله يفرق بينهما ويقول شهادة الأربعة
على شهادة المثنى أضعف من شهادتهم على الحق بعينه فلهذا لا يجب عليهم ما يلزمهم أن لو شهدوا
على الحق بعينه وفي الأول كذلك يقول شهادة الاثنين على شهادة الأربعة أضعف من شهادتهما
على الحق فلا يجوز أن يلزمهما به أكثر مما يلزمهما أن لو شهدوا على الحق بعينه فإنما أنظر في
الوجهين إلى الأقل مما يلزم الشهود بشهادتهم وشهادة من شهدوا على شهادته فألزمهم الأقل من
ذلك وهذا نوع استحسان فيه والقياس ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله. وإذا
شهد شاهدان على شهادة شاهدين وشاهدان على شهادة شاهدين فقضى القاضي بذلك ثم
رجع واحد من هؤلاء وواحد من هؤلاء فعلى الراجعين ربع المال لان ببقاء أحد الشاهدين
من أحد الفريقين يبقى نصف المال فإنه مع صاحبه كان حجة تامة في جميع المال فيبقى ببقائه
نصف المال وكذلك بقاء الواحد من الفريق الآخر يبقى نصف المال إلا أن هذا النصف شائع
نصفه مما هو باق بشهادة الواحد من الفريق الأول فإنما يعتبر بقاء نصف هذا النصف ببقائه
على الشهادة وإنما انعدمت الحجة في ربع المال فيضمن الراجعان ذلك (وقع) في بعض النسخ
فعلى كل واحد من الراجعين ربع المال ووجهه أنهم لو رجعوا جميعا ضمن كل واحد منهم
ربع المال وبقاء المثنى هنا على الشهادة لم تبق الحجة بجميع المال فيجب على الراجعين ما يلزمهما
لو رجعوا وذلك نصف المال وقيل هذا قول أبى يوسف رحمه الله فأما عند محمد رحمه الله على
الراجعين ثمنان ونصف على ما ذكره في الجامع وهي مسألة الفئة معروفة بناء على اعتبار حال
من بقي على الشهادة في القوة والضعف فقد ذكر هناك مسألة الرجوع لا كمال الحجة فيها وجه
واحد وأوجب على الراجعين ثلاثة أثمان المال وذكر مسألة لا كمال الحجة فيها ثلاثة وجوه
وأوجب على الراجعين ثمني المال ثم قال في هذه المسألة لاكمال الحجة وجهان أن يشهد واحد
على شهادة هذين أو يشهد واحد على شهادة الآخرين فكان حال من بقي على الشهادة في
هذا الفصل دون حاله في الوجه الثاني وفوق حاله في الوجه الأول فباعتبار ذلك أوجب على
الراجعين ثمنين ونصفا وقد بينا ذلك فيما أمليناه من شرح الجامع. وإذا شهد شاهدان على
20

شهادة شاهدين فقضى به القاضي ثم إن الشاهدين الأولين أتيا القاضي فقالا لم نشهدهم على
شهادتنا فقضاء القاضي ماض على حاله لان انكارهما الاشهاد خبر متمثل بين الكذب
والصدق فلا يبطل قضاء القاضي كما لو شهدا بأنفسهما وقضى القاضي ثم رجعا ولكن لا ضمان
عليهما هنا لأنهما ينكران سبب الاتلاف وهو الاشهاد على شهادتهما ولو قال كنا أشهدناهم
على شهادتنا ولكنا رجعنا عن ذلك فكذلك الجواب عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله
وقال محمد رحمه الله هما ضامنان للمال لان الفرعين قاما مقامهما في نقل شهادتهما إلى مجلس
القاضي فاما القضاء حصل بشهادة الأصلين ولهذا تعتبر عدالتهما فكأنهم حضرا بأنفسهما وشهدا
ثم رجعا فيلزمهما الضمان وهما قال الموجود منهما شهادة في غير مجلس القضاء والشهادة في
غير مجلس القضاء لا تكون سببا لاتلاف شئ فلا يلزمهما الضمان وان رجعا عن ذلك لان
الشهادة تختص بمجلس القضاء كالرجوع وقد بينا أن الرجوع في غير مجلس القضاء لا يوجب
الضمان على الشهود فكذلك الشهادة في غير مجلس القضاء ولا نقول أن الفروع نائبون عن
الأصول في نقل شهادتهم إلى مجلس القاضي فإنهم بعد الاشهاد لو منعوهم عن أداء الشهادة كان
عليهم الأداء إذا طلب المدعى ولو كانوا نائبين عن الأصول لما كان لهم ذلك إذا منعهم الأصول
عن الأداء ولكنهم يشهدون على ما تحملوا وهو اشهاد الأصول إياهم على شهادتهم ولو شهدوا
على الحق بعينه ما كانوا نائبين فيه عن أحد فكذلك إذا شهدوا على شهادة الأصول ولو رجع
الفروع والأصول جميعا فالضمان على الفروع خاصة في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما
الله لما بينا أن سبب الاتلاف الشهادة القائمة في مجلس القاضي وإنما وجد ذلك من الفروع دون
الأصول فالضمان عليهم عند الرجوع وعند محمد رحمه الله المشهود عليه بالخيار ان شاء ضمن
الفروع وان شاء ضمن الأصول لان كل واحد من الفريقين لو رجع وحده كان ضامنا للمال
المقضى به عند محمد رحمه الله فإذا رجع الفريقان يجعل في حق كل فريق كأنه هو المنفرد
بالرجوع ويتخير المشهود عليه لأنه لا يجانس بين شهادة الفريقين فقد كانت شهادة الأصول
على أصل الحق وشهادة الفروع على شهادة الأصول ولا مجانسة بينهما ليجعل الكل في حكم
شهادة واحدة فيكون الضمان عليهم جميعا بل يجعل كل فريق كالمنفرد للمشهود عليه بالخيار
يضمن أي الفريقين شاء كالغاصب مع غاصب الغاصب للمغصوب منه أن يضمن أيهما شاء
والله أعلم
21

(باب الرجوع عن الشهادة في الحدود وغيرها)
(قال رحمه الله وإذا شهد شاهدان على رجل بسرقة ألف درهم بعينها فقطعت يده ثم رجعا
ضمنا دية اليد في مالهما ولا قصاص عليهما عندنا) لان لوجوب منهما بسبب القصاص والقصاص
يعتمد المساواة ولا مساواة بين المباشرة والسبب ولان اليدين لا يقطعان بيد واحدة هكذا
ذكره إبراهيم رحمه الله عن علي رضي الله عنه قال لا يقطع يدان بيد فإذا امتنع وجوب القود
عليهما ضمنا دية اليد في مالهما لان رجوعهما عن الشهادة قول وهو ليس بحجة في حق العاقلة
وضمنا الألف أيضا لأنهما أتلفاه على المشهود عليه وكذلك كل قصاص في نفس أو دونها والشافعي
رحمه الله يوجب القود على الشهود عند الرجوع والمسألة في الديات. ولو شهد أربعة على رجل
بالزنا ولم يحصن فجلده الامام وجرحته السياط ثم رجعوا عن الشهادة فعند أبي حنيفة رحمه الله
ليس عليهم أرش الجراحة خلافا لهما وقد بينا في الحدود. ولو لم تجرحه السياط فلا ضمان عليهم
بالاتلاف كما لو باشروا ضربا غير مؤثر وعلى هذا حد القذف وحد الخمر والتعزير. ولو شهد
رجلان على رجل انه أعتق عبده وشهد عليه أربعة بالزنا والاحصان فأجاز القاضي شهادتهم
وأعتقه ورجمه ثم رجعوا فعلى شهود العتق قيمة العبد لمولاه لأنهم أتلفوا مالية المولى فيه بشهادتهم
بالعتق وعلى شهود الزنا الدية لمولاه أيضا إن لم يكن له وارث غيره لأنهم أتلفوا نفسه بشهادتهم
عليه بالزنا والاحصان بغير حق فان (قيل) المولى كان جاحدا للعتق فكيف يضمنون الشهود
الدية (قلنا) لان القاضي حكم بعتقه وزعم المولى بخلاف ما قضى القاضي بعد قضائه غير معتبر فان
(قيل) كيف يجب للمولى بدلان عن نفس واحدة (قلنا) وجوب القيمة على شهود العتق
بدل عن المالية ووجوب الدية باعتبار النفسية ثم الدية لا تجب للمولى ولكن للمقتول حتى تنفذ
منه وصاياه ويقضى ديونه (ألا ترى) انه لو كان له ابن حر كانت الدية له دون مولاه أرأيت لو
شهدوا أنه ابنه وشهد آخرون بالزنا والاحصان ثم رجعوا أما كان على شهود النسب القيمة وعلى
شهود الزنا الدية وكذلك لو كان شاهدا العتق بعض شهود الزنا فعليهما من القيمة حصتهما
من الدية لان المشهود به مختلف فاتحاد الشهود في ذلك واختلافهم سواء. وكذلك لو كان
شهود العتق رجلا وامرأتين لان العتق ليس بسبب للحد وهما مما يثبت مع الشبهات
فشهادة رجل وامرأتين به كشهادة رجلين ولو شهد أربعة على العتق والزنا والاحصان
22

فأمضى القاضي ذلك كله ثم رجعوا عن العتق ضمنوا القيمة لإقرارهم بالرجوع لأنهم أتلفوا
مالية المولى فيه بغير حق ولا شئ عليهم من الدية لأنهم مصرون على الشهادة عليه بالزنا
وفي حق العتق هم بمنزلة شهود لاحصان ورجوع شهود الاحصان لا يوجب الضمان عليهم
عندنا ولو رجع اثنان عن الزنا واثنان آخران عن العتق فلا ضمان على شهود العتق لأنه قد
بقي على العتق حجة كاملة وعلى اللذين رجعا عن الزنا نصف الدية لان الباقي على الشهادة
في حكم الرجم نصف الحجة فيجب على الراجعين نصف الدية وحد القذف. ولو شهد أربعة
على رجل بالزنا والاحصان فقضى القاضي بذلك وأمر برجمه فرجعوا عن الشهادة وقد
جرحته الحجارة وهو حي فان القاضي يدرأ عنه الرجم بمنزلة ما لو رجعوا قبل أن يأخذوا
في رجمه وهذا لان الامام لا يتمكن من استيفاء الحد الا بحجة قائمة ولم تبق الحجة بعد
رجوعهم وهم ضامنون أرش جراحته لان ذلك مما استحق بشهادتهم فضمانه عليهم عند
الرجوع. ولو شهدا أنه صالحه من دم عمدا على ألف درهم ثم رجعا لم يضمنا شيئا أيهما كان
المنكر للصلح لأنه إذا كان المنكر للصلح هو المولى فقد شهدا عليه بسقوط حقه بعوض وقد
بينا أنهما لو شهدا عليه بالعفو بغير عوض ثم رجعا لم يضمنا فهذا أولى وإن كان المنكر هو
القاتل فقد سلم له بنفسه وما ألزماه من العوض دون بدل نفسه وقد بينا تقوم النفس في
حقه ولهذا لو صالح في مرضه على قدر الدية أو دونه اعتبر من جميع المال فلا يضمنان له شيئا
لذلك. ولو شهدا أنه صالحه على عشرين ألفا والقاتل يجحد ثم رجعا عن شهادتهما ضمنا الفضل
على الدية لأنهما ألزماه ما زاد على الدية بغير عوض. وكذلك هذا فيما دون النفس ان شهدوا
على الصلح على مقدار الأرش أو دونه لم يضمنا عند الرجوع شيئا وان شهدا على الصلح على
أكثر من الأرش ضمنا الفضل للجارح إذا كان جاحدا لذلك. ولو قال الطالب صالحتك على
ألف درهم وقال المدعى عليه بل على خمسمائة فالقول قوله مع يمينه لانكاره الزيادة فان أقام
الطالب بينة على ألف درهم فقضى له بها ثم رجع شهوده ضمنوا الخمسمائة التي وجبت بشهادتهم
لأنه لولا شهادتهم لكان القول قول المنكر فإنما لزمته تلك الزيادة بشهادتهم. وإذا شهد
شاهدان على رجل أنه عفا عن دم خطأ أو جراحة خطأ أو عمدا فيها أرش فقضى بذلك ثم.
رجعا ضمن الدية وأرش تلك الجراحة لأنهما أتلفا على المشهود عليه المال بشهادتهما فالخطأ
موجب للضمان فيضمنان ذلك عند الرجوع ولكن بالصفة التي كانت واجبة وقد كانت
23

الدية واجبة مؤجلة في ثلاث سنين فيجب عليهما ضمانها في ثلاث سنين أيضا وما بلغ من
أرش الجراحة خمسمائة فصاعدا إلى ثلث الدية في سنة وما زاد على ذلك إلى الثلث ففي سنة
أخرى وإن كان الأرش أقل من خمسمائة ضمناه حالا. وكذلك الدية ان كانت قد وجبت
حالة ولم يؤخذ منها شئ فشهدا أنه أبرأه منها وقضي بالبراءة ثم رجعا ضمنا ذلك حالا لأنهما
كذلك أتلفاه بشهادتهما على المشهود عليه (ألا ترى) أنهما يضمنان الجيد بمثله والردئ
بمثله وهذا لان وجوب الضمان عليهما بطريق الجبران وإنما يتحقق ذلك إذا كان الضمان نصفه
الفائت. وإذا شهد شاهدان على عبد في يد رجل أنه لفلان فقضى القاضي له به والذي في
يده العبد يجحد ذلك ثم رجعا وضمنهما القاضي القيمة فأدياها أو لم يؤدها حتى وهب المشهود
له العبد من المشهود عليه وقبضه فان الشاهدين يبرآن من الضمان ويرجعان فيما أديا لان
وجوب الضمان عليهما لأجل الجبران وقد انعدمت الحاجة إلى ذلك برجوع العبد إلى يد
المولى من غير عوض وهو يزعم أن العبد سلم له بملكه القديم لا بالهبة التي باشرها المشهود له
فزعمه معتبر في حقه فان رجع الواهب في العبد وقبضه رجع المشهود عليه بالضمان على
الشاهدين لان فوات ملكه ويده كان بسبب شهادتهما لولا ذلك لما تمكن المشهود له من
استرداد العبد منه ولان الهبة لما انفسخت بالرجوع صارت كأن لم تكن. وان مات المشهود
له فورث المشهود عليه منه العبد رجع عليه الشاهدان بما أعطياه من القيمة لأنه يزعم أن
وصول العبد إلى يده بقديم ملكه لا بالموت. وكذلك لو كان العبد قتل فاخذ المشهود له القيمة
فورث المشهود عليه منه تلك القيمة لان عود بدل العبد إليه كعود عينه، وكذلك لو ورث
مثلها من تركته لان في زعمه أن القيمة دين له على المشهود وانه استوفى تركته بحساب الدين دون
الميراث وكذلك أن كان معه وارث آخر وفي حصته من تركة الميت وفاء بالقيمة ففي حقه يجعل
ذلك سالما له بجهة دينه كما يزعم وينعدم النقصان بسببه فلا يجب ضمانه على المشهود بطريق
الجبران. ولو شهد شاهدان على رجل انه تزوج هذه المرأة على ألف درهم وهي مهر مثلها
والزوج يجحده فقضى القاضي بذلك ثم طلقها عند القاضي ثم رجعا فلا شئ عليها لأنهما أدخلا
في ملكه ما هو مثل لما ألزماه فالبضع عند دخوله في ملك الزوج تقوم ثم تقرر نصف الصداق
على الزوج كان بايقاعه الطلاق باختياره. ولو كان الزوج قال تزوجتها بغير تسمية مهر كان
على الشاهدين فضل ما بين المتعة إلى الخمسمائة التي غرمها الزوج لان النكاح قد ثبت هنا
24

بتصادقهما والقول قول المنكر للتسمية لولا شهادتهما ولا يلزمه أكثر من المتعة عند الطلاق
فما زاد على المتعة إلى تمام الخمسمائة إنما لزمه بشهادتهما فيضمنان ذلك له عند الرجوع ولو
شهد آخران على الدخول قبل الطلاق ثم رجعوا فعلى شهود الدخول خمسمائة خاصة لان
تلك الخمسمائة إنما لزمته قبل الطلاق بشهادتهما عليه بالدخول وعليهما وعلى الشاهدين بالألف
فضل ما بين المتعة والخمسمائة نصفان لان لزوم ذلك القدر إياه بشهادة الفريقين جميعا. ولو شهد
آخران أيضا على الطلاق فقضى القاضي بجميع ذلك ثم رجعوا فعلى شاهدي الدخول خمسمائة
لان لزوم ذلك بشهادتهما خاصة وعليهما أيضا وعلى شاهدي التسمية فضل ما بين المتعة إلى نصف
الأول وعلى شاهدي الدخول وشاهدي التسمية وشاهدي الطلاق قدر المتعة أثلاثا على كل
شاهدين ثلث ذلك لان تقرر ذلك القدر كان بشهادتهم جميعا ولو شهد شاهدان على رجل انه
تزوج امرأة على ألف درهم ومهر مثلها خمسمائة وشهد آخران على الدخول وآخران على الطلاق
والزوج يجحد ذلك كله ثم رجعوا فعلى شاهدي النكاح خمسمائة لأنهما ألزماه ألفا وعوضاه
من ذلك ما يساوى خمسمائة فما زاد على ذلك أتلفاه بغير عوض فيضمنان ذلك له وليس عليهما
غير ذلك (ألا ترى) أنهما لو شهدا عليه بالنكاح بخمسمائة لم يضمنا شيئا فاما في الخمسمائة الباقية
فيضيف ذلك على شاهدي الدخول خاصة لان ذلك أنما لزمه بشهادتهما على الدخول فالخمسمائة
التي ضمنهما شهود العفو شائعة فكذلك الخمسمائة الأخرى تكون شائعة نصف ذلك مما
يتقرر عليه بالدخول فيجب ضمان ذلك على شاهدي الدخول ونصف هذه الخمسمائة عليهما
وعلى شاهدي الطلاق نصفان لان تقرر ذلك عليه بشهادة الفريقين وإذا شهد أربعة نفر على
رجل بحق فشهد عليه اثنان بخمسمائة واثنان بألف فقضى به القاضي ثم رجع أحد شاهدي
الألف فعليه ربع الألف لان نصف الألف ثبت بشهادته وشهادة صاحبه على الشهادة
وإنما انعدمت الحجة في نصفه فان رجع معه شاهد الخمسمائة كان على شاهدي الألف ربع
الألف كما بينا وعليه أيضا وعلى الآخرين ربع سهم أثلاثا لان الشهود على النصف الآخر
كانوا أربعة وقد بقي نصفه ببقاء الواحد على الشهادة فيجب على الذين رجعوا نصف ذلك
النصف بينهم أثلاثا وان رجع أحد شاهدي الخمسمائة وحده أو هما جميعا فلا شئ عليهما
لأنه قد بقي على الشهادة بتلك الخمسمائة من يتم الحجة بشهادته وان رجعوا جميعا كان
على شاهدي الألف خمسمائة خاصة لان ذلك يستحق بشهادتهما خاصة والخمسمائة الأخرى عليهم
25

أثلاثا أرباعا لأنها ثابتة بشهادة الأربعة فعند الرجوع ضمانها عليهم أرباعا وان رجع شاهدا
الألف وأحد شاهدي الخمسمائة فنصف الألف على شاهدي الألف خاصة والربع عليهم
أثلاثا لان الحجة بقيت في ربع الألف ببقاء أحد شاهدي الخمسمائة على شهادته وإذا شهد
على مجهول الحال انه عبد لهذا الرجل فقضى بشهادتهما ثم رجعا فلا شهادة عليهما للعبد لأنهما
أبطلا عليه الحرية الثابتة له باعتبار الظاهر والحربة ليست بمال ولأنهما لو ضمنا إنما يضمنان
للعبد وما يكون للعبد فهو لمولاه منكرا لرجوعهما فإن كان العبد كاتب نفسه على مال أو
اشترى نفسه بمال ثم رجع فلا شئ له على الشاهدين لأنهما لو رجعا قبل العتق والمكاتبة لم
يضمنا شيئا فكذلك بعده ولان هذا المال التزمه العبد باختياره فلا يستوجب الرجوع به
على الشاهدين. رجل مات وترك عبدين وأمة ومالا فشهد شاهدان أن هذا الرجل أخوه
لأبيه وأمه ووارثه لا وارث له غيره فقضي بالمال له والعبدين والأمة ثم شهد شاهدان بعد
ذلك أن أحد العبدين بعينه ابن الميت فأجاز القاضي شهادتهما وأعطاه الميراث كله ثم شهد
آخران أن العبد الثاني ابن الميت فقضي به أيضا ثم شهد آخران أن الميت أعتق هذه الأمة
وتزوجها في حياته وصحته فقضى بذلك وجعلها وارثة معهم ثم رجع اللذان شهدا للعبد الأول
ضمنا قيمته بين الابن الآخر والمرأة أيمانا لأنه لولا شهادتهما لكانت رقبة المشهود له بين
الآخر والمرأة على ثمانية فإنما تلف ذلك عليهما بشهادتهما فقد أقرا بالرجوع أنهما أتلفا ذلك
بغير عوض وكذلك لو لم يرجع ورجع شهود الابن الثاني ضمنا قيمته بين الابن الأول والمرأة
أثمانا لما قلنا ويضمنان ميراثه لأخته دون المرأة لان جميع الميراث كان مستحقا له بقضاء
القاضي قبل شهادتهما فإنما أتلفا عليه ذلك بشهادتهما وما أتلفا شيئا من الميراث على المرأة
بشهادتهما لان استحقاقها عند الشهادة لم يكن ثابتا وإنما ثبت بالبينة على نكاحها بعد ذلك
ولهذا في الفصل الأول لا يضمن الشهود شيئا مما يورث الابن الأول لأنهما لم يثبتا استحقاق
ذلك على الابن الثاني والمرأة بشهادتهما فالاستحقاق لم يكن ظاهرا عند شهادتهما وإنما
ثبت بثبوت سببه بعد ذلك ولا يضمنان للأخ أيضا لان ما استحق بشهادتهما على الأخ
مستحق عليه بشهادة غيرهما ففي حق الأخ بقيت الشهادة حجة تامة في حق استحقاق الميراث
عليه ولو لم يرجع هذان ورجع شاهدا المرأة ضمنا قيمتها وميراثها بين الابنين لأنهما أتلفا
بشهادتهما ملك الابنين في رقبتها وأثبت استحقاقها الميراث عليهما بشهادتهما بالنكاح وقد
26

أقرا بالرجوع أنهما شهدا بذلك كله بغير حق وإن كان الشاهدان للمرأة هما الشاهدان على
نسب الابن الأول والابن الآخر ثم رجعوا عن الشهادة كلها كان الضمان عليهم كذلك
لان المشهود به مختلف فلا فرق بين اتحاد المشهود واختلافهم في ذلك وسواء رجعوا معا
أو متفرقين لان أصل الشهادة كان مختلفا بعضها قبل بعض والضمان عليهم عند الرجوع باعتبار
الشهادة السابقة. ولو شهد شاهدان على ذلك كله معا وبعضهم لا يصدق بعضا ثم رجعا ضمنا
ثمن المرأة وقيمتها بين الاثنين لأنهما أتلفا على الاثنين فلولا شهادتهما بذلك لكان ذلك
مستحقا للاثنين بقضاء القاضي بينهما ويضمنان من قيمة كل ابن لصاحبه سبعة أسهم من
ثمانية أسهم وللمرأة الثمن كما لو شهد بكل شئ شاهدان آخران وكذلك لو رجعا عن الشهادة
واحد بعد واحد كان الحكم كما بينا والله أعلم
(باب من الرجوع أيضا)
(قال رحمه الله رجل له جاريتان لكل واحدة منهما ولد ولدته في ملكه فشهد شاهدان
لا حد الابنين أن الرجل أعاده وهو منكر وشهد آخران للولد الآخر بمثل ذلك فقضي
القاضي بأيهما أتياه وجعل الأمتين كالولد ثم رجعوا عن شهادتهم والولد حي ضمن كل شاهدين
منه قيمة الولد الذي شهدوا له وبين قيمتها أمة إلى قيمتها أم ولد لأنهما أتلفا عليه ذلك القدر
بشهادتهما فالثابت في شهادتهما في حياته حرية الولد ونقصان الاستيلاء في الأم فإذا غرما ذلك
واستهلكه الأب ثم مات ولا وارث له غيرهما وكل واحد من الاثنين يجحد صاحبه ضمن
كل شاهدين للولد الآخر نصف قيمة أم الولد الذي شهدوا له لأنها عتقت عند الموت بشهادتهما
فيضمنان ما بقي من قيمتها إلا أن ذلك ميراث بين الابنين نصفان والابن المشهود له يصدقهما
في الشهادة ويكذبهما في الرجوع فسقطت حصته من ذلك فإنما يبقى على كل فريق حصة الابن
الآخر لأنه مدعى لذلك عليهما ويرجع شاهدا كل ولد في الميراث الذي ورثه الولد الذي
شهدا له بجميع ما أخذ منهما الوالد في حياته لان المشهود له يقران ذلك دينا لهما على الأب
وانه قد استوفى ذلك منهما بغير حق لأنهما صادقان في الشهادة وأحد الوارثين إذا أقر بدين
على الميت يستوفي جميع ذلك من نصيبه ولا يرجعان في نصيبه بما ضمنهما أخوه من نصف
قيمة أمه لأنهما يزعمان أنهما شهدا بغير حق فكانا ضامنين جميع ذلك له وإذا شهد شاهدان
27

على الرجل بطلاق وهو يجحده فقضى القاضي بالفرقة وبنصف المهر لها ثم مات الرجل ثم رجعا
عن شهادتهما غرما لورثة الزوج نصف المهر الذي أخذته المرأة لأنهما لو رجع في حياة الزوج
كان ضامنين ذلك له وقد نبه بعد موته أنهم يحلفونه فيضمنون ذلك للورثة إذا رجعوا بعد الموت أيضا
ولا ميراث للمرأة منه ان كانت ادعت الطلاق أو لم تدع ان أقر الورثة أنه طلقها أو لم يطلقها
لأنها قد بانت في حياته وإنما تستحق الميراث بالنكاح إذا انتهى بالوفاة فإذا بانت في حياته وصحته
بقضاء القاضي لم تكن هي وارثة له فلا ينفعها قول الورثة والشهود ما أتلفوا عليها شيئا من الميراث
لأنهم شهدوا بالفرقة في حياة الزوج ولم تكن هي مستحقة للميراث عند ذلك لجواز ان
تموت قبله ولو كان شهدا بذلك بعد موت الزوج وادعى ذلك الورثة فقضى القاضي لها بنصف
المهر في ماله ثم رجعا عن شهادتهما ضمنا للمرأة نصف المهر والميراث لان حقها في جميع المهر
قد تقرر بموت الزوج واستحقت الميراث أيضا فإنما بطل حقها عن نصف المهر وعن الميراث
بشهادتهما بالفرقة في حال الحياة فيضمنان ذلك عند الرجوع ولا يضمنان لسائر الورثة شيئا
لأنهما لم يتلفا على سائر الورثة شيئا قد تقرر حقها في جميع المهر بموت الزوج قبل ظهور
الفرقة فهما نفعا للورثة باسقاط نصف مهرها وميراثها عنهم فلهذا لم يضمنا للورثة شيئا والله
أعلم بالصواب
(كتاب الدعوى)
(قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل
السرخي إملاء اعلم بان الله تعالى خلق الخلق أطوارا علومهم شتى متباينة ولتباين الهمم تقع
الخصومات بينهم فالسبيل في الخصومة قطعها) لما في امتدادها من الفساد والله تعالى لا يحب
الفساد وطريق فصل الخصومات للقضاة بما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البينة
على المدعي واليمين على المدعى عليه وهذا وإن كان من اختيار الآحاد فقد تلقته العلماء رحمهم الله
بالقبول والعمل به فصار في حيز التواتر وعد هذا من جوامع الكلم على ما قال عليه الصلاة
والسلام أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصارا فقد تكلم كلمتين استنبط العلماء
رحمهم الله منهما ما بلغ دفاتر فقال قتادة في قوله تعالى وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ان
الحكمة النبوة وفصل الخطاب البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه فهذا دليل على أن
28

ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان في شريعة من قبله وفى هذا الحديث بيان
ان المدعي غير المدعى عليه لأنه صلى الله عليه وسلم ميز بينهما وذلك تنصيص على المغايرة
كما في قوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر يكون تنصيصا على أن العاهر
غير صاحب الفراش والمدعى لغة من يقصد ايجاب حق على غيره فالمدعى فعل يتعدى مفعوله
فيكون المدعى اسما لفاعل الدعوى كالضارب والقاتل الا ان اطلاق اسم المدعي في عرف
اللسان يتناول من لا حجة له ولا يتناول من له حجة فان القاضي يسميه مدعيا قبل إقامة
البينة فاما بعد إقامة البينة يسميه محقا لا مدعيا ويقال لمسيلمة مدعي النبوة ولا يقال لرسول
الله صلى الله عليه وسلم يدعى النبوة لأنه قد أثبته بالمعجزة فعرفنا ان اطلاق الاسم على من
لا حجة له عرفا وهذا الحديث يشتمل على أحكام بعضها يعرف عقلا وبعضها شرعا فقوله
صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي يدل على أنه لا يستحق بمجرد الدعوى وهذا معقول
لأنه خبر متمثل بين الصدق والكذب والمحتمل لا يكون حجة فدل على أنه يستحق بالبينة
وهذا شرعي وفي خبر الشهود الاحتمال قائم ولا يزول بظهور العدالة لان العدل غير معصوم
عن الكذب أو القصد إلى الكذب فحصول البينات أو الاستحقاق بشهادتهم شرعي وكذلك
قوله صلى الله عليه وسلم اليمين على المدعى عليه ففيه دليل على أن القول قوله وهذا معقول
لأنه متمسك بالأصل فالأصل براءة ذمته وانتفاء حق الغير عما في يده وفيه دليل توجه اليمين
عليه وهذا شرعي وكان المعنى فيه والله أعلم أن المدعى يزعم أنه صار متويا حقه بإنكاره
فالشرع جعل له حق استحلافه حتى أن كان الامر كما زعم فاليمين العمومي مهلكة للمدعى
عليه فيكون أتوا بمقابلة اتواء وهو مشروع وإن كان بخلاف ما زعم نال المدعى عليه الثواب
بذكر اسم الله تعالى على سبيل التعظيم صادقا ولا يتضرر به وفيه دليل على أن حبس البينات
في جانب المدعيين لا دخال الألف واللام في البينة فلا تبقى بينة في جانب المدعى عليه لان
مطلق التقسيم يقتضى انتفاء مشاركة كل واحد منهما عن قسم صاحبه فيكون حجة لنا ان
بينة ذي اليد على اثبات الملك لنفسه غير مقبولة في معارضة بينة الخارج ويدل على أن جنس
الايمان في جانب المدعى عليه ولا يمين في جانب المدعى فيكون دليلا لنا في أنه لا يرد اليمين على
المدعي عند نكول المدعى عليه وهكذا ذكره عن إبراهيم رحمه الله في الكتاب فقال كأن لا يرد
يعنى عملا بالحديث كأن لا يرد اليمين ويكون حجة لنا في أنه لا يجوز القضاء بشاهد واحد مع
29

يمين المدعى إذ لا يمين في جانب المدعى ولأنه جعل الفاصل للخصومة سببين بينة في جانب المدعى
ويمينا في جانب المدعى عليه والشاهد واليمين ليست بينة ولا يمين المدعى عليه فكون أثبات
طريق ثالث وهو مخالف لهذا الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم المدعي عام لم يدخله خصوص
فالمدعى لا يستحق بنفس الدعوى ويستحق بالبينة في الخصومات كلها وقوله صلى الله عليه
وسلم واليمين على المدعي عليه عام دخله خصوص وهو مالا يجرى فيه الاستحلاف من الحدود
وغيرها (قال) وإذا كانت الدار في يدي رجل فادعى رجل كلها أو طائفة منها فالبينة على المدعي
واليمين على من الدار في يديه ويحتاج هنا إلى معرفة أشياء أحدها أن الدعوى نوعان صحيحة
وفاسدة فالصحيحة ما يتعلق بها أحكامها وهو احتضار الخصم والمطالبة بالجواب واليمين إذا
أنكر ومثل هذه الدعوى يمكن اثباتها بالبينة والدعوى الفاسدة ما لا يتعلق بها لاحكام التي
بيناها وفساد الدعوى بأحد معينين اما أن لا يكون ملزما لخصم شيئا وإنما ثبتت كمن ادعى
على غيره أنه وكيله أو أن يكون مجهولا في نفسه فالمجهول لا يمكن اثباته بالبينة فان القاضي
لا يتمكن من القضا بالمجهول بينة المدعي ولا بنكول المدعي عليه ثم الدعوى الصحيحة لا توجب
استحقاق المدعى للمدعى بنفسها فان النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أعطى الناس بدعواهم لادعى
قوم دماء قوم وأموالهم لكن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وفي رواية على من أنكر
ولان على القاضي تحسين الظن بكل واحد فلو جعلنا نفس الدعوى موجبة استحقاق المدعى
للمدعى فيه إساءة الظن بالآخر وذلك لا يجوز ولكن على المدعي البينة لاثبات استحقاقه
بها فيطالبه القاضي بذلك لا على وجه الالزام عليه بل على وجه التذكير له فلعله يغفل عن ذلك
وفيه نظر للآخر أيضا فإنه لو حلفه ثم أقام المدعى البينة افتضح باليمين الكاذبة فلهذا بدأ بطلب
البينة من المدعى فإذا لم يكن له بينة فاليمين على ذي اليد لأنه منكر واليمين على من أنكر
وهذه اليمين حق المدعي فإذا لم يكن له بينة فاليمين على ذي اليد وهذه حق لا يستوفى الا
بطلبه هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الحضرمي والكندي للمدعى منهما
ألك بينة فقال لا قال عليه الصلاة والسلام لك يمين فقال يحلف ولا يبالي فقال صلوات الله
عليه ليس لك الا هذا شاهداك أو يمينه فذلك تنصيص على أن اليمين حق المدعى فان (قيل)
كيف يستحقها بنفس الدعوى (قلنا) كما يستحق الاحضار والجواب وذلك ثابت بالنص قال
الله تعالى وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم الآية فقد ألحق الوعيد بمن امتنع من الحضور
30

بعد ما طولب به وذلك دليل أن الحضور مستحق عليه والضرر عليه في الحضور والانقطاع
عن أشغاله فوق الضرر عليه في الجواب واليمين فإذا ثبت ذلك بالنص ثبت هذا بطريق الأولى
مع أن دعوى المدعى وانكار المدعى عليه خبران قد تعارضا ولا يتمكن القاضي من تركهما
على ذلك لما فيه من امتداد الخصومة بينهما فلا بد من طلب رجحان جانب الصدق في خبر
أحدهما وذلك في بينة المدعي أو يمين المدعى عليه وهذا يدل على أن هذه اليمين حق للمدعى
عليه لان ما ترجح صدقه يكون حقا له إلا أنه لما كأن لا يستحق الا بطلب المدعى
فذلك دليل على أنه حق المدعى ومعنى حقه فيه أنه يوصله إلى حقه عند نكول المدعي عليه
ويرجح معنى الصدق في جانبه فلهذا يصير القاضي إليه بمجرد طلب المدعى ويستوى
فيما ذكرنا صنوف الاملاك وأنواع المدعيين من حر أو عبد مسلم أو ذمي مستأمن أو
مرتد فالقاضي مأمور بالعدالة والانصاف في حق كل واحد. وكذلك إذا ادعاه شراء من
ذي اليد أو هبة أو صدقة أو إجارة أو رهنا لأنه يدعى استحقاق ملك العين أو المنفعة واليد
على ذي اليد ببعض هذه الأسباب فكان مدعيا ولا يتوصل إلى اثبات ما ادعاه الا باثبات
سببه فيصير السبب مقصودا بالاثبات بالبينة لان مالا يتوصل إلى المطلوب الا به يكون
مقصودا قال وأصل معرفة المدعى من المدعا عليه أن ينظر إلى المنكر منهما فهو المدعى
عليه والآخر المدعى وهذا أهم ما يحتاج إلى معرفته في هذا الكتاب وما ذكره في الكتاب
كلام صحيح فان النبي صلى الله عليه وسلم جعل المدعى عليه المنكر بقوله صلى الله عليه وسلم
واليمين على من أنكر ولكن تمام بيان الحد لا يحصل بها فقد يكون مدعيا صورة واليمين في
جانبه كالمودع يدعي رد الوديعة أو هلاكها وذو اليد إذا قال العين لي فهو مدع صورة ولا
يخرج من أن يكون مدعيا عليه ولكن الفرق بينهما على ما قاله بعض أصحابنا رحمهم الله أن
المدعى من يستدعى على الغير بقوله وإذا ترك الخصومة يترك والمدعى عليه من يستدعى عليه
بقول الغير وإذا ترك الخصومة لا يترك وقيل المدعى من يشتمل كلامه على الاثبات ولا يصير
خصما بالتكلم بالنفي فان الخارج لو قال لذي اليد هذا الشئ ليس لك لا يكون خصما
مدعيا ما لم يقل هو لي والمدعى عليه من يشتمل كلامه على النفي فيكتفى به منه فان ذا اليد إذا
قال ليس هذا لك كان خصما بهذا القدر وقوله هو لي فصل من الكلام غير محتاج إليه وقيل
المدعى من لا يستحق الا بحجة كالخارج والمدعى عليه من يكون مستحقا بقوله من غير
31

حجة كذى اليد فإنه إذا قال هو لي كان مستحقا له ما لم يثبت الغير استحقاقه فاما المودع
يدعى رد لوديعة أو هلاكها فهو مقبول القول في ذلك لان الخصم سلطه على ذلك فيثبت
بمجرد قوله فكان مدعى عليه أو لأنه منكر الضمان في ذمته فكان مدعا عليه فعلى الوجه
الأول يحلف لنفى التهمة وعلى الوجه الآخر يحلف لانكاره الضمان (ألا ترى) أن الرد
لا يثبت بيمينه حتى لو ادعى الرد على الوصي لا يكون الوصي ضامنا وإن كان الذي في يديه
ادعى أنه باعه من هذا الرجل أو أجره فهو المدعى وعليه البينة لأنه يدعى سبب نقل الملك
في العين أو المنفعة إليه واستحقاقه العوض عليه فيكون مدعيا محتاجا إلى اثبات صدقه وعلى
الآخر اليمين لانكاره قال وان ادعى دينا على رجل بوجه من الوجوه فأنكر الآخر فالبينة على
المدعى بدعواه أمرا عارضا وهو اشتغال ذمة الغير بحقه والمدعى عليه هو المنكر لتمسكه بالأصل
وهو براءة ذمته فان أقر بالدين وقال قد قبضته إياه كان هو المدعى لان القضاء يعترض
الوجوب فهو الذي يدعى الآن أمرا عارضا وكذلك أن ادعى الابراء أو التأجيل فهو المدعى لان
الابراء مفرغ لذمته بعد اشتغالها باتفاقهما والتأجيل يؤخر المطالبة بعد تقر السبب بوجه المطالبة
باتفاقهما فهو الذي يدعى أمرا عارضا فعليه البينة ويدعى الآخر اليمين قال دار في يد رجلين كل واحد
منهما يدعى أنها له وكل واحد منهما يدعي لما في يد صاحبه لان في يد كل واحد منهما نصف
الدار فكأن الدار الواحدة بمنزلة دارين في يد كل واحد منهما أو أحدهما وكل واحد منهما يدعيها
فكان كل واحد منهما مدعيا لما في يد صاحبه فعليه البينة ومنكر الدعوى صاحبه فيما في يده
فان أقاما البينة قضى لكل واحد منهما بالنصف الذي في يد صاحبه فرجحنا بينة الخارج
على بينة ذي اليد في دعوى الملك المطلق فلو لم يقم لهما بينة يحلف كل واحد منهما على دعوى
صاحبه وأيهما حلف برئ منهما وأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه لان نكوله قائم
مقام اقراره لما ادعاه صاحبه فقد أسلمت هذه البينة على فصلين أحدهما ان بينة الخارج
وبينة ذي اليد إذا تعارضتا على الملك المطلق فبينة الخارج أولى بالقبول عندنا وفي أحد قولي
الشافعي تتهاتر البينتان ويكون المدعى لذي اليد كان في يده لا قضائه له وفي القول الآخر
ترجح بينة ذي اليد فيقضى به لذي اليد فقضاء ملك بالبينة وطريقه على القول الأول أن
بينة الخارج حجة يجوز دفعها بالطعن فيها فيجوز دفعها بالمعارضة كالأدلة الشرعية فإذا تحقق
التعارض فالقاضي تيقن بكذب أحدهما لأن العين الواحدة في وقت واحد لا تكون كلها
32

ملكا لكل واحد منهما فبطلت البينتان وبقي اليمين في يد ذي اليد بحكم يده وطريقه على
القول الآخر أن ذا اليد له نوعان من الحجة اليد والبينة وللخارج نوع واحد وذو الحجتين
يترجح على ذي حجة واحدة كما في دعوى النكاح وما في معناه وكما لو ادعيا تلقى الملك من
واحد وأحدهما قابض فأقاما البينة وهذا لان بينة ذي اليد وجب قبولها الآن لصيرورته
محتاجا إلى اقامتها بإقامة الخارج البينة ولنا في المسألة طريقان أحدهما أن بينة ذي اليد تقوم
على ما شهد له الظاهر به فلا تكون حجة كبينة المدين على أن لا دين عليه (ألا ترى) أنه
لو أقامها قبل إقامة الخارج البينة لم تقبل وهو محتاج إليها في اسقاط اليمين عن نفسه والبينة
تقبل لهذه الحاجة كما لو أقام المودع البينة على رد الوديعة أو هلاكها فكذلك بعد إقامة
الخارج البينة وهذا لان شهود ذي اليد يشهدون له باعتبار يده القائمة ولا طريق لمعرفة الملك
الا اليد وبينة الخارج لا تندفع بيد ذي اليد وإن كان القاضي يعاينها فكذلك لا تندفع ببينة
تعتمد تلك اليد بخلاف النتاج فان باعتبار اليد لا يجوز لهم الشهادة على النتاج وإنما اعتمدوا
سببا آخر ذلك غير ظاهر عند القاضي فلا بد من قبول البينة عليه وبخلاف بينة مجهول الحال
على حريته لان الشهود لا يجوز لهم ان يشهدوا بحريته بسبب الدار فإنما اعتمدوا شيئا آخر
ذلك غير ظاهر عند القاضي وكذلك شهود الشراء لذي اليد الذي اعتمدوا سببا ذلك غير
ظاهر أيضا عند القاضي فوجب قبول بينته ثم يترجح بيده والطريق الآخر ان البينات تترجح
بزيادة الاثبات والاثبات في بينة الخارج أكثر لأنه يثبت الملك على خصم هو مالك وبينة
ذي اليد لا تثبت الملك على خصم هو مالك لان بمجرد إقامة الخارج البينة لم تثبت الاستحقاق
له قبل القضاء فلا يصير هو مقضيا عليه لو قضى ببينة ذي اليد وإذا قضى ببينة الخارج صار ذو
اليد مقضيا عليه فلزيادة الاثبات رجحنا بينة الخارج بخلاف دعوى الخارج فان كل واحد
من البينتين هناك يثبت أولية المالك لصاحبه وذلك لا يكون استحقاقا على غيره ولهذا
لا يصير ذو اليد مقضيا عليه إذا أقام البينة على النتاج حتى لو أقام ذو اليد البينة على النتاج
بعد قضاء القاضي للخارج وجب قبول بينته فلما استويا في الاثبات رجحنا بينة ذي اليد
وكذلك إذا دعيا تلقى الملك من واحد فقد استوت البينات في الاثبات لان استحقاق
كل واحد منهما على البائع فرجحنا بينة ذي اليد لتأكيد شرائه بالقبض وهذا بخلاف الأدلة
الشرعية فإنها حجة في النفي والاثبات فيتحقق التعارض وهنا البينتان للاثبات لا للنفي وحاجة
33

ذي اليد إلى استحقاق الخارج فلم يتحقق التعارض والفصل الثاني أن يكون المدعى عليه عن
اليمين موجب للقضاء عليه بالمال عندنا ولكن ينبغي للقاضي ان يعرض عليه اليمين ثلاث مرات
ويخبره في كل مرة ان من رأيه القضاء بالنكول إيلاء لعذره فإن لم يحلف قضى عليه وعند
الشافعي رحمة الله يرد اليمين على المدعى فان حلف أخذ المال وان أبى انقطعت المنازعة بينهما
وحجته في منع القضاء بالنكول انه سكوت في نفسه فلا يكون حجة للقضاء عليه كسكوته
عن الجواب في الابتداء وهذا لأنه محتمل قد يكون للتورع عن اليمين الكاذبة وقد يكون
للترفع عن اليمين الصادقة كما فعله عثمان رضي الله عنه وقال خشيت ان يوافق قدر يميني فيقال
أصيب بيمينه والمحتمل لا يكون حجة وحجته في رد اليمين على المدعى على ما روى أن عثمان رضي الله عنه
ادعى مالا على المقداد بن الأسود الكندي رضي الله عنه بين يدي عمر رضى الله عنة الحديث
إلى أن قال المقداد رضي الله عنه ليحلف عثمان رضي الله عنه ليحلف عثمان رضي الله عنه ويأخذ
حقه فقال عمر رضي الله عنه لقد أنصف المقداد وعن علي رضي الله عنه أنه حلف المدعى بعد
نكول المدعى عليه والمعنى فيه أن اليمين في جانب المدعى عليه في الابتداء لكون الظاهر
شاهد له وبنكوله صار الظاهر شاهدا للمدعي فيعود اليمين إلى جانبه ولهذا بدأنا في اللعان
بايمان الخروج لشهادة الظاهر له فإنه لا يلوث فراشه كاذبا وبدأت أنا في القيامة بيمين
الولي للشهادة الظاهرة فان المسألة فيما إذا كانت العداوة ظاهرة بين القيل وأهل المحلة وكان
العهد قريبا بدخولهم في محلتهم إلى أن وجد قتيلا ولنا في المسألة حديث عمر رضي الله عنه فإنه
قضى على الزوج بالطلاق في قوله حملك على غاربك عند نكوله عن اليمين على إرادة الطلاق
وقضى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه لصحة الرجعة عند نكولها عن اليمين على أنها كانت
بعد حل الصلاة لها وقال أبن مليكة رضي الله عنه كنت قاضيا بالبصرة فاختصم إلى امرأتان في
سوار فطلبت البينة من المدعية فلم أجد وعرضت اليمين على الأخرى فنكلت فكتبت إلى أبي
موسى رضي الله عنه فورد كتابه ان أحضرهما واتل عليهما قوله تعالى ان الذين يشترون بعهد
الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية ثم أعرض اليمين على المدعية عليها فان نكلت فأقضى عليها وقضي
شريح رحمه الله بالنكول بين يدي علي رضي الله عنه فقال له (قالون) وهي بالغة العربية أصبت
وما روى عن علي رضي الله عنه انه حلف المدعي فبناء على مذهبه لأنه كان يحلف مع تمام حجة
القضاء بالبينة ولسنا نأخذ بذلك وتأويل حديث المقداد رضي الله عنه أنه ادعى الايفاء على
34

عثمان رضي الله عنه وبه نقول ومن حيث المعنى اما طريقان أحدهما أن حق المدعى قبل المدعى
عليه هو الجواب وهو جواب يوصله إلى حقه وهو الاقرار فإذا فوت عليه ذلك بإنكاره
حوله الشرع إلى اليمين خلفا عن أصل حقه فإذا منعه الحلف يعود إليه أصل حقه لأنه لا يتمكن
من منع الحلف شرعا الا بإيفاء ما هو أصل الحق وهذا الطريق علي قولهما وأنهما يجعلان النكول
بمنزلة الاقرار والطريق الآخر أن الدعوة لما صحت من المدعي يخير المدعا عليه بين بدل المال
وبين اليمين فإذا امتنع منهما وأحدهما تجرى فيه النيابة دون الآخر ناب القاضي منابه فيما تجري
فيه النيابة وهذا لان تمكنه من المنازعة شرعا بشرط ان يحلف فإذا أبى ذلك صار تاركا للمنازعة
بتفويت شرطها فكأنه قال لا أنازعك في هذا المال فيتمكن المدعى من أخذه لأنه يدعيه ولا منازع له فيه وهذا الطريق على أصل أبي حنيفة رحمه الله حيث جعل النكول بدلا ولا
عبرة للاحتمال في النكول لان الشرع ألزمه التورع عن اليمين الكاذبة دون الترفع عن الصادقة
فيترجح هذا الجانب في نكوله ولأنه لا يتمكن من الترفع عن اليمين الا ببدل المال فإنه إنما
يرتفع ملتزما الضرر على نفسه لا ملحقا الضرر بالغير بمنع الحق والذي قال من شهادة الظاهر
للمدعى عند نكول المدعى عليه لا يكون ذلك الا بترجح جانب الصدق في دعوى المدعي
وذلك موجب للقضاء ثم اليمين مشروعة للنفي لا للاثبات وحاجة المدعي إلى الاثبات فلا
تكون اليمين حجة له هذا معنى تعليل محمد رحمه الله لا أحول اليمين عن موضعه وهذا لأنها
في النفي لا توجب النفي حتى تقبل بينة المدعى بعد يمين المدعى عليه ففي غير موضعه وهو الاثبات
أولى أن لا يوجب الاثبات والشهادات للاثبات ثم لا يستحق المدعى بشهادته لنفسه شيئا
بحال فلأن لا يستحق بيمينه لنفسه وهو في غير موضع الاثبات كان أولي وإذا تنازع رجلان
في دار كل واحد منهما يدعى أنها في يده فعلى كل واحد منهما البينة لان دعوى اليد مقصودة
كما أن دعوى الملك مقصودة لان باليد يتوصل إلى الانتفاع بالملك والتصرف فيه فان أقام كل
واحد منهما البينة انها في يديه جعل يد كل واحد منهما نصفها لتعارض البينتين وتساويهما
فالمساواة في سبب الاستحقاق توجب المساواة في الاستحقاق فإن كان المدعي قابلا للاشتراك
يقضى لكل واحد منها بالنصف لمعنى الضيق والمزاحمة في المحل قال فإذا أقام أحدهما البينة أنها
له قضيت بها له لأنه استحق بالبينة الملك فيما في يد صاحبه ولم يعامله صحابه بمثله ولا منافاة بين
القضاء باليد لصاحبه والملك له بالبينة وقد كان أصحابنا رحمهم الله يقولون إذا قال المدعى هذا
35

الشئ ملكي وفى يدي لم يسمع القاضي دعواه وقال له إذا كان ملك في يدك فماذا تطلب مني
فتأويل تلك المسألة أن الخصم لا يدعى إليه لنفسه وهنا الخصم يدعى اليد لنفسه فلهذا قبل
دعوى اليد لنفسه وقضى له بها عند إقامة البينة. وذكر الخصاف رحمه الله أن من ادعى دارا
في يد غيره وانها له وأقام البينة فما لم يشهد الشهود أنها في يد المدعى عليه تقبل بينته لجواز
أن يكون تواضعا في محدود في يد ثالث على أن يدعيه أحدهما ويقر الآخر بأنه في يده ليقيم
البينة عليه بذلك وهو في يد غيرهما ولكن تأويل تلك المسألة أن الخصم الآخر لم يثبت يده
بالبينة وهنا قد أثبت كل واحد منهما يد البينة فلهذا قبلنا بينة أحدهما على صاحبه باثبات الملك
له وإن لم يقم لهما بينة على اليد وطلب كل واحد منهما يمين صاحب ما هي في يده فعلى كل واحد
منهما أن يحلف البينة ما هي في يد صاحبه لأنه لو أقر لصاحبه بما ادعى لزمه حقه فإذا أنكر
حلف عليه وإن لم يجعلها القاضي في يد واحد منهما لان حجة القضاء باليد لم تقم لواحد منهما
ولكن يمنعهما من المنازعة والخصومة من غير حجة فأيهما نكل عن اليمين لم يجعلها في يده
لان صاحبه قد حلف ولم يجعلها في يد الذي حلف بنكول هذا الناكل أيضا لجواز أن تكون
في يد ثالث وأنهما تواضعا للتلبيس على القاضي وذلك يمنع الناكل عن منازعة الآخر لان
نكوله حجة عليه فان وجدها في يد آخر لم ينزعها من يده الذي أنفذه بين هذين لان نكولهما
ليس بحجة على غيرهما والقضاء بحسب الحجة. قال عبد في يدي رجلين ادعاه آخر وأقام البينة
أنه كان في يده أمس لم يقبل ذلك منه لأنهم شهدوا بعد عرف القاضي زوالهما ولم يثبت سبب
الزوال ومثل هذه الشهادة لا تكون مقبولة لان الشهادة على ما كان في الزمان الماضي إنما
تقبل بطريق أن ما عرف ثبوته فالأصل بقاؤه واستصحاب الحال إنما يجوز بقاؤه والعمل
به فيما لم يتيقن بزواله وروي أصحاب الاملاء عن أبي يوسف رحمه الله أن الشهادة تقبل بناء
على أصله أنهم لو شهدوا أنه كان في ملكه أمس عنده تقبل ولكن هذا القياس غير صحيح فان
الملك غير معاين ولا يتيقن القاضي بزوال ما شهدوا به في الحال فكأن لاستصحاب الحال طريقان
بخلاف اليد فإنه معاين قد علم القاضي انفساخ يده باليد الظاهرة للغير فلا طريق لاستصحاب
الحال فيه ولو أقر ذو اليد أنه كان في يد المدعى أمس أمر بالرد عليه لان الاقرار ملزم بنفسه
قبل اتصال القضاء به فيظهر باقراره يد المدعى أمس فيؤمر بالرد عليه ما لم يثبت حقا لنفسه
فاما الشهادة لا توجب الحق الا باتصال القضاء بها ويتعذر على القاضي القضاء بشئ يعلم والحال
36

خلافه وكذلك لو شهدوا على اقرار ذي اليد انه كان في يد المدعى أمس أمر بالرد عليه لان
الثابت من اقراره بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو أقام المدعى البينة أن هذا العبد أخذه منه هذا
أو انتزعه منه أو غصبه منه أو غلبه عليه فأخذه منه أو أرسله في حاجته فاعترضه هذا في الطريق
أو أبق منى هذا فأخذه هذا الرجل فهذه الشهادة جائزة ويقضى بالعبد له لأنهم أثبتوا سبب
زوال يده فصار ذلك كالمعاين للقاضي وأثبتوا أن وصوله إلى يد ذي اليد كان بأخذ المدعى عليه
منه فعليه رده لقوله صلى الله عليه وسلم على اليد ما أخذت حتى ترد واحدة من غير حق ظاهر
له في المأخوذ عدوان والفعل الذي هو عدوان واجب الفسخ شرعا وذلك بالرد. قال ولو
ادعى عينا في يد رجل أنه له وقال الذي هو في يديه أودعينه فلان أو أعارينه أو وكلني بحفظه
لم يخرج من خصومة المدعى إلا أن يقيم البينة على ما قال عندنا وقال ابن أبي ليلى رحمه الله يخرج
من خصومته بمجرد قوله من غير بينة وقال ابن شبرمة لا يخرج من خصومته وان أقام البينة
على ما قال أما ابن أبي ليلى رحمه الله فان كلام ذي اليد اقرار منه بالملك للغائب والاقرار يوجب
الحق بنفسه لقوله تعالى بل الانسان على نفسه بصيرة ولأنه لا تهمة فيما يقر به على نفسه فيثبت
ما أقر به بنفس الاقرار ويتبين ان يده يد حفظ لا يد خصومة والدليل على صحة هذه القاعدة
ان من أقر بعين لغائب ثم أقر به لحاضر فرجع الغائب وصدقه يؤمر بالتسليم إليه وكذلك
لو أقر لغيره بشئ ثم مرض فصدقه المقر له كان اقراره اقرار صحة وأما ابن شبرمة رحمه
الله فقال إنه بهذه البينة يثبت الملك للغائب وهو ليس بخصم في اثبات الملك لغيره لأنه لا
ولاية لاحد على غيره في ادخال شئ في ملكه بغير رضاه ثم خروجه عن الخصومة في ضمن
اثبات الملك لغيره فإذا لم يثبت ما هو الأصل لا يثبت ما في ضمنه كالوصية بالمحاباة إذا ثبت
في ضمن البيع فيبطلان البيع بطلب الوصية ولنا ان هذه البينة تثبت أمرين أحدهما الملك
للغائب والحاضر ليس بخصم فيه والثاني دفع خصومة المدعى عنه وهو خصم في ذلك فكانت
مقبولة فيما وجدت فيكون خصما فيه كمن وكل وكيلا بنقل امرأته أو أمته وقامت البينة أن
الزوج طلقها ثلاثا وان المولى أعتقها تقبل هذه البينة في أقصر يد الوكيل عنها ولا تقبل في
وقوع الطلاق والعتاق ما لم يحضر الغائب وهذا لان مقصود ذي اليد ليس هو اثبات الملك
للغائب إنما مقصوده اثباته ان يده يد حفظ وليست بيد خصومة وفى هذا المدعى خصم له
فيجعل اثباته عليه بالبينة بمنزلة اقرار خصمه به وهذا بخلاف ما إذا ادعى غصبا على ذي اليد
37

حيث لا تندفع الخصومة عنه بهذه البينة لان هناك إنما صار خصما بدعوى الفعل عليه دون
اليد فاما في الملك المطلق إنما صار خصما بيده (ألا ترى) أن دعوى الغصب مسموعة على غير
ذي اليد ودعوى الملك غير مسموعة فإذا أثبت أن يده غيره التحق في الحكم بما ليس في يده
فلهذا قلنا إن بمجرد قوله قبل إقامة البينة لا تندفع الخصومة عنه لان المدعى استحق عليه
الجواب فصار هو خصما له بظهور الشئ في يده فلا يملك اسقاطه بمجرد قوله وهو لا يثبت
اقراره بالبينة كما زعم هو إنما يثبت عليه اسقاط حق مستحق عليه عن نفسه وهو جواب الخصم
وعن أبي يوسف رحمه الله إن كان ذو اليد رجلا معروفا بالحيل لم تندفع الخصومة عنه بإقامة
البينة وإن كان صالحا تندفع الخصومة عنه رجع إلى هذا حين ابتلى بالقضاء وعرف أحوال
الناس فقال قد يحتال المحتال ويدفع ماله إلى من يريد شراء ويأمر من يودعه علانية حتى إذا
ادعاه انسان يقيم البينة على أنه مودع ليدفع الخصومة عن نفسه ومقصوده من ذلك الاضرار
بالمدعى ليتعذر عليه اثبات حقه بالبينة فلا تندفع الخصومة عنه إذا كان متهما بمثل هذه الحيلة فان
شهد شهود ذي اليد أنه أودعه رجل لا يعرفه لم تندفع الخصومة عنه فلعل ذلك الرجل هو
الذي حضر ينازعه وليس في هذه الشهادة ما يوجب دفع الخصومة والثاني أن الخصومة إنما
تندفع عن ذي اليد إذا حوله إلى غيره بالبينة والتحويل إنما يتحقق إذا أحاله على رجل يمكنه اتباعه
ليخاصمه فإذا أحاله إلى مجهول ولا يمكنه اتباع المجهول كان ذلك باطلا لا يجوز وان قال الشهود
أودعه رجل نعرفه بوجهه إذا رأيناه ولا نعرفه باسمه ونسبه فعلى قول محمد رحمه الله لا تندفع
الخصومة عنه وعند أبي حنيفة رحمه الله تندفع الخصومة عنه ذكره في الجامع وجه قول محمد
رحمه الله انه أحاله على مجهول لا يمكنه اتباعه ليخاصمه فكان هذا بمنزلة قولهم أودعه رجل لا نعرفه
وهذا لان المعرفة بالوجه لا تكون معرفة على ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
لرجل أتعرف فلانا فقال نعم قال صلى الله عليه وسلم هل يعرف اسمه قال لا قال صلوات الله
عليه إذا لا تعرفه ومن حلف لا يعرف فلانا وهو يعرف وجهه دون اسمه ونسبه لا يحنث
وأبو حنيفة رحمه الله قال قد أثبت ببينته انه ليس بخصم للمدعى فانا نعلم أن مودعه ليس هو
المدعى لان الشهود يعرفون المودع بوجهه ويعلمون أنه غير هذا المدعى ومقصود ذي اليد اثبات
ان يده يد حفظ وانه ليس بخصم لهذا الحاضر وهذه البينة كافية في هذا المقصود ثم إن تضرر
المدعى بأن لم يقدر على اتباع خصمه فذلك الضرر يلحقه من قبل أنه جهل خصمه لا من جهة
38

ذي اليد ونحن نسلم ان المعرفة بالوجه لا تكون معرفة تامة فان الغائب لا يمكن استحضاره به
ولكن ليس على ذي اليد تعريف خصم المدعى له وإنما عليه ان يثبت انه ليس بخصم له وهذا كله
بناء على أصلنا ان القضاء على الغائب بالبينة لا يجوز فلا بد من خصم حاضر للمدعى ليقيم عليه
البينة فاما عند الشافعي رحمه الله القضاء على الغائب بالبينة جائز ويستوى في ذلك أن كان غائبا
عن البلدة أو عن مجلس الحكم حاضرا في البلدة وهو الصحيح من قوله وإنما يحضره القاضي
لرجاء اقراره حتى يقصر به المسافة عليه ولا يحتاج المدعى إلى تكلف البينة واحتج بقوله صلى
الله عليه وسلم البينة على المدعي فاشتراط حضور الخصم لإقامة البينة تكون زيادة ولما قالت
هند لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي
فقال صلوات الله عليه وسلامه خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف من مال أبي سفيان فقد
قضى رسول الله صلى الله وسلم بالنفقة وهو غائب ولأن هذه بينة عادلة مسموعة فيجب
القضاء بها كما لو كان الخصم حاضرا وبيان الوصف ان عندكم تسمع هذه البينة للكتاب بها
وتأثيره ان بغيبة الخصم ما فات الا انكاره وانكاره غير مؤثر في ايصال المدعي إلى حقه ولان
الأصل هو الانكار فيجب التمسك به وإذا ثبت انكاره بهذا الطريق قبلت البينة عليه ولو كان
مقرا كان القضاء متوجها عليه لإجماعنا ان القضاء على الغائب بالاقرار جائز فعليه نقيس فعله انه
احدى حجتي القضاء ولنا قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لا تقض لاحد الخصمين
حتى تسمع كلام الآخر فإنك إذا سمعت كلام الآخر علمت كيف تقضى فبين ان الجهالة تمنعه
من القضاء وانها لا ترتفع الا بسماع كلامهما فاما قوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي فدليلنا
أن البينة اسم لما يحصل به البيان وليس المراد في حق المدعى لأنه حاصل بقوله ولا في حق
القاضي لأنه حاصل بقول المدعى إذا لم يكن له منازع إنما الحاجة إلى البيان في حق الخصم الجاحد
وذلك لا يكون الا بحضوره (ألا ترى) أنه جعل البينة على المدعي في حال لو ادعي عدمها استحلف
الخصم فقال واليمين على من أنكر وذلك لا يكون الا بمحضر منه وهذا لان البينة اسم
للحجة ولا تكون حجة عليه ما لم يظهر عجزه عن الدفع والطعن والقرآن صار حجة على الناس
حين ظهر عجزهم عن المعارضة وظهور عجزه لا يكون الا بمحضر منه ولا حجة في حديث
هند لان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عالما بسبب استحقاق النفقة علي أبي سفيان
وهو النكاح الظاهر (ألا تري) أنها لم تقم البينة والمعنى فيه أنه أحد المتداعين فيشترط
39

حضوره للقضاء بالبينة كالمدعى بل أولى فان المدعى ينتفع بالقضاء والمدعي عليه يتضرر به
وتأثيره أن دعوى المدعى وإن كان الخصم شرط للعمل بالبينة حتى لا يسمع البينة على المقر
ولا يقضى بها إذا اعترض الاقرار قبل القضاء بها وبغيبة المدعى يفوت أحد الشرطين وهو
الدعوى وبغيبة المدعى عليه يفوت الشرط الآخر وهو الانكار وفوات شرط الشئ كفوات
ركنه في امتناع العمل به وانكاره إن كان ثابتا بطريق الظاهر فالشرط بطريق الظاهر لا يثبت
عندنا ما لم يتقين به ولهذا إذا قال لعبده إن لم أدخل الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم فقال
قد دخلت وقال العبد لم تدخل لم يعتق وإن كان عدم الدخول ثابتا بطريق الظاهر وعلى هذا
قال أبو يوسف رحمه الله لو حضر وأنكر فأقيم عليه البينة ثم غاب يقضى عليه لان انكاره
سمع نصا وقال محمد رحمه الله لا يقضى عليه لان اصراره على الانكار إلى وقت القضاء شرط
وذلك ثابت بعد غيبته باستصحاب الحال لا بالنص وقوله أنها مسموعة عندنا غير مسموعة للقضاء
حتى أن الخصم وان حضر لا يجوز القضاء بها إنما هي مسموعة لنقلها إلى قاضي تلك البلدة
بالكتاب بمنزلة شهادة الأصول عند الفروع مسموعة لنقل شهادتهم لا للقضاء بها واعتبار
البينة بالاقرار فاسد لان الاقرار موجب للحق بنفسه دون القضاء بخلاف البينة (ألا ترى)
أن الاقرار للغائب صحيح بخلاف البينة وهذا لأنه ليس للمقر حق الطعن في اقرار نفسه
فليس في القضاء عليه مع غيبته بالاقرار تفويت حق الطعن عليه بخلاف البينة. قال دار في يد
رجل ادعاها رجل انها له آجرها من ذي اليد وادعى آخر انها له أودعها إياه وأقام البينة
قضي بها بينهما نصفين لان كل واحد منهما أثبت ببينته أن وصولها إلى يد ذي اليد من جهته
فتتحقق المساواة بينهما في سبب الاستحقاق وذلك يوجب المساواة في الاستحقاق عندنا على
ما نبينه في الباب الثاني إن شاء الله تعالى. قال وإذا كان العبد في يد رجل الدعي انه غصبه إياه
أو أقام البينة وادعى آخر أنه له وديعة في يد ذي اليد قضى به لصاحب الغصب لان بينته
طاعنة في البينة الأخرى فإنه يثبت بها أن يد ذي اليد كانت غصبا من جهته وذلك يتقى
كونه وديعة للآخر فلهذا رجحنا بينة الغصب وقضينا به لصاحبها والله أعلم
(باب الدعوى في الميراث)
(قال رحمه الله عبد في يد رجل فأقام رجل البينة أن أباه مات وتركه ميراثا له لا يعلمون
40

له وارثا غيره وأقام آخر البينة أن أباه مات وتركه ميراثا له لا يعلمون له وارثا غيره فإنه يقضى بالعبد
بينهما نصفان) لان كل واحد من الوارثين خصم عن مورثه فكأن المورثين حيان وأقام البينة
على ملك مطلق لهما في يد ثالث وفي هذا يقضى بالملك بينهما نصفان عندنا وعلى قول مالك
رحمه الله يقضي بأعدل البينتين وعند الأوزاعي رحمه الله يقضي لأكثرهما عددا في الشهود وفي
أحد قولي الشافعي رحمه الله تهاتر البينتان وفى القول الآخر يقرع بينهما ويقضى لمن خرجت
قرعته فمالك يقول الشهادة إنما تصير حجة بالعدالة فالأعدل في كونه حجة أقوى والضعيف
لا يزاحم القوى والأوزاعي رحمه الله يقول طمأنينة القلب إلى قول الجماعة أكثر منه إلى قول
المثنى فيترجح أكثرهما شهودا بزيادة طمأنينة القلب في قولهم والشافعي على القول الذي يقول
بالتهاتر يقول قد تيقن القاضي بكذب أحد الفريقين ولا يعرف الصادق من الكاذب فيمتنع
العمل بهما كما لو شهد شاهدان أنه طلق امرأته يوم النحر بمكة وآخران أنه أعتق عبده بالكوفة
في ذلك اليوم وهذا لان تهمة الكذب تمنع العمل بالشهادة فالتيقن بالكذب أولى واستدل
بملك النكاح فإنه لو تنازع اثنان في امرأة وأقام كل واحد منهما البينة أنها امرأته لم يقضى القاضي
بواحدة منهما وعلى القول الذي يقول بالقرعة استدل بحديث سعيد بن المسيب رضي الله عنه
أن رجلين تنازعا في أمة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام كل واحد منهما البينة انها
أمته فاقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال اللهم أنت تقضى بين عبادك بالحق ثم
قضى بها لمن خرجت قرعته وروي أن رجلين تنازعا في بغلة بين يدي علي رضي الله عنه فأقام
أحدهما شاهدين والآخر خمسة من الشهود فقال علي رضي الله عنه لأصحابه ماذا ترون فقالوا
يعطى لأكثرهما شهودا فقال فلعل الشاهدين خير من خمسة ثم قال في هذا قضاء وصلح
أما الصلح أن يجعل البغلة بينهما سهاما على عدد شهودهما وأما القضاء أن يحلف أحدهما ويأخذ
البغلة فان تشاحا على الحلف أقرعت بينهما وقضيت بها لمن خرجت قرعته ولان استعمال القرعة
لتعيين المستحق أصل في الشرع كما في قسمة المال المشترك ولنا حديث تميم بن طرفة رضي الله عنه
أن رجلين تنازعا في عين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام البينة فقضى
به رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رجلين اختصما
في شئ بين يديه وأقام البينة فقال ما أحوجكما إلى سلسلة كسلسلة بني إسرائيل كان داود
عليه السلام إذا جلس لفصل الخصومات نزلت سلسلة من السماء فأخذت بعنق الظالم ثم
41

قضى بينهما نصفين وما روى من استعمال القرعة فقد كان في وقت كان القمار مباحا ثم انتسخ
ذلك بحرمة القمار لان تعيين المستحق بمنزلة الاستحقاق ابتداء فكما أن تعليق الاستحقاق
بخروج القرعة يكون قمارا فكذلك تعيين المستحق بخلاف قسمة المال المشترك فللقاضي هنا
ولاية التعيين من غير قرعة وإنما يقرع تطبيبا لقلوبهما ونفيا لتهمة الميل عن نفسه فلا يكون
ذلك في معنى القمار وحديث علي رضي الله عنه يعارضه ما روى عن عمر وعلي رضي الله عنهما
في رجلين تنازعا في ولد أنهما قضيا بأنه ابنيهما ولم يستعملا القرعة فيه وقد كان علي رضى عنه
استعمل القرعة في مثل هذه الحادثة واليمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل أنه
عرف انتساخ ذلك الحكم بحرمة القمار والمعنى فيه أنهما استويا في سبب الاستحقاق والمدعى
قابل للاشتراك فيستويان في الاستحقاق كالغريمين في التركة إذا كانت التركة بقدر حق
أحدهما والموصى لهما كل واحد منهما بالثلث يقتسمان الثلث بينهما نصفين وبيان الوصف
أن المدعي يقبل الاشتراك وهو ملك العين بخلاف ملك النكاح فإنه لا يحتمل الاشتراك
وهذا لان البينات حجج فيجب العمل بها بحسب الامكان وكيف يترك في يد ذي اليد وقد
اتفق الفريقان على استحقاق الملك عليه وقوله القاضي تيقن بكذب أحد الفريقين ضعيف
فكل واحد منهما اعتمد سببا أطلق به أداء الشهادة وهو معاينة اليد لمن شهد له وبه فارق
مسألة مكة والكوفة فقد علمنا هناك أن أحدهما كاذب بيقين لان الشخص الواحد في
يوم واحد لا يكون بمكة والكوفة وقد تتوالى يدان لشخصين على عين واحدة في وقتين
فلهذا أوجبنا القضاء هنا بحسب الامكان وكذلك لو وقت شهود أحدهما سنة ولم يوقت
شهود الآخر فقضى به بينهما نصفين لان تنصيص أحدهما على التوقيت لا يدل على سبق
ملكه على الآخر فلعل ملك الآخر أسبق منه وإن لم تؤقت شهوده وذكر المسألة في النوادر
في دعوى الملك من خارجين إذا وقت شهود أحدهما ولم يوقت شهود الآخر عند أبي حنيفة
رحمه الله يقضى به بينهما نصفين وعند أبي يوسف رحمه الله يقضي به للذي وقت شهوده
وعند محمد رحمه الله يقضى به للذي لم يوقت شهوده * وجه قول أبي حنيفة رحمه الله ما بينا أن
التاريخ ليس بسبب للملك وتنصيص أحدهما عليه لا يبقى مساواة الآخر أو سفه عليه فكان
ذكره وجودا وعدما بمنزلة وأبو يوسف يقول قيام المنازعة بينهما في الملك للحال والذي وقت
شهوده ثبت الملك له من حين أرخ شهوده ولا منازعة له في ذلك الوقت فلا يستحق عليه
42

الملك بعد ذلك الا بسبب من جهته كما لو أقام البينة على النتاج ومحمد رحمه الله يقول البينة
على الملك المطلق تثبت الاستحقاق من الأصل ولهذا تستحق به الزوائد ويرجع الباعة بعضهم
على البعض بالثمن فكان التاريخ الذي لم يوقت شهوده أسبق من هذا الوجه ولكن يبطل
هذا بفصلين أحدهما إذا أقام أحدهما البينة على النتاج والآخر على الملك المطلق فصاحب النتاج
أولى فلو كانت البينة على الملك المطلق تثبت الاستحقاق من الأصل لاستويا والثاني إذا ادعى
عبد على مولاه أنه مملوكه أعتقه وادعى رجل انه ملكه وأقام البينة فبينة العتق أولى ولو كان
الاستحقاق يثبت لمدعى الملك المطلق من الأصل لصار هو أولى من مدعى العتق وان وقتت
بينة أحدهما سنة وبينة الآخر سنتين قضى بالعبد لصاحب السنتين في قول أبى يوسف الآخر
وهو قول محمد رحمه الله وفي قوله الأول العبد بينهما نصفان والوقت وغير الوقت في ذلك
سواء هكذا ذكر في نسخ أبى حفص رحمه الله وقال في نسخ أبى سليمان رحمه الله على وقت
أبي حنيفة وأبى يوسف الآخر رحمهما الله يقضى به لصاحب السنتين وعلى قول أبي يوسف
الأول وهو قول محمد رحمهما الله يقضي به بينهما نصفين فاشتبه مذهب محمد رحمه الله
لاختلاف النسخ وجه قول أبى يوسف الآخر أن صاحب التاريخ السابق أثبت الملك لنفسه
في وقت لا منازع له فيه فيثبت ملكه في ذلك الوقت ثم لا يستحق عليه الملك الا لسبب
من جهته والآخر لا يدعي الملك بسبب من جهته وهو نظير ما لو ادعا الملك بالشراء كل
واحد منهما من رجل أو من واحد وأرخا وأحدهما أسبق تاريخا كان صاحب أسبق التاريخين
أولى فهذا مثله * وجه قوله الأول أن التاريخ ليس بسبب للملك فوجود ذكره كعدمه ثم كل
واحد منهما ينتصب خصما عن مورثه في اثبات الملك له ولا تاريخ في ملك المورثين فيقضى
به بينهما نصفين حتى لو أرخا ملك المورثين وتاريخ أحدهما أسبق كان هو أولى هكذا ذكر
هشام في نوادره عن محمد رحمهما الله فاما مسألة الشراء فقد ذكر في الاملاء عن محمد رحمه
الله أنهما إذا لم يؤرخوا ملك البائعين يقضى به بينهما نصفين فعلى هذه الرواية لا فرق بين
الفصلين فاما على ظاهر الرواية الفرق بينهما أن ملك المشتري لا ينبنى على ملك البائع ولكن
يحدث للمشتري ملك جديد بسبب جديد وهو الشراء فأسبقهما تاريخا أثبت ملكا متجددا
لنفسه في وقت لا ينازعه فيه غيره فكان هو أولى فاما ملك الوارثين ينبنى على ملك المورثين
لان الوراثة خلافة ولا تاريخ في ملك المورثين فاستويا لهذا. قال وان أقام رجل البينة ان أباه
43

مات وتركه ميراثا منذ سنة وأقام ذو اليد البينة ان أباه مات وتركه ميراثا له منذ سنة أو لم
يوقتوا وقتا أو وقتوا أقل من سنة فإنه يقضى به للخارج أما إذا وقت شهود ذي اليد أقل مما
وقت شهود الخارج أو لم يوقتوا فلا شك فيه لان الخارج أثبت ملكه في وقت لا ينازعه فيه
ذو اليد وان وقت شهود ذي اليد مثل ما وقت شهود الخارج فقد استوت البينتان ومن أصلنا
ان بينة الخارج تترجح على بينة ذي اليد عند التساوي في دعوى الملك وذكر التاريخ لم
يفد شيئا هنا فكأنهما لم يذكراه وان وقت شهود ذي اليد سنتين فهو لذي اليد في قول أبي حنيفة
وأبى يوسف الآخر وهو قول محمد رحمهم الله وفي قوله الأول هو للمدعى وهذا
الخلاف بناء على الفصل الأول وقد ذكرنا هناك أن على قول أبى يوسف الأول لا غيره
للتاريخ وكأنهما لم يذكراه فكذلك هنا لان غيره للتاريخ فيقضي به للخارج وفي قوله
الآخر صاحب أسبق التاريخين أثبت الملك لنفسه في وقت لا ينازعه فيه غيره فهو أولى
خارجا كان أو صاحب يد وهذا لان يد ذي اليد تدل على الملك ولكن لا تدل على سبق
التاريخ فوجب قبول بينته على التاريخ كما يجب قبول بينته على النتاج وإذا وجب قبول بينته
وتاريخه أسبق كان هو أولى وذكر ابن سماعة رحمه الله في نوادره أن محمدا رحمه الله رجع
عن هذا القول بعد انصرافه من الرقة قال لا أقبل من ذي اليد بينة على تاريخ ولا غيره
الا النتاج وما في معناه لان التاريخ ليس بسبب لأولية الملك بخلاف النتاج. قال ولو كانت
أرض في يد رجل أقام رجل البينة ان أباه مات وهي في يديه لا يعلمون له وارثا غيره وأقام
آخر البينة ان أباه مات وتركها ميراثا له لا يعلمون له وارثا غيره قضى بها بينهما نصفين لان
شهادة شهود الأول انه مات وهي في يديه مثل شهادتهم انه مات وتركها ميراثا له فإنهم شهدوا
بيد مجهولة له عند الموت والأيدي المجهولة عند الموت تنقلب يد ملك ولهذا إذا مات المودع
مجهولا للوديعة صار متملكا ضامنا والملك إذا ثبت له عند الموت ينتقل إلى ورثته فكان هو
وشهادتهم بأنه تركها ميراثا له سواء. وكذلك أن أقام أحدهما البينة فان أباه مات وتركها ميراثا
وأقام آخر البينة انها له قضى بها بينهما نصفين لان الوارث ينتصب خصما عن مورثه فكأن
مورثه كان حيا مدعيا للملك والآخر خصما عن نفسه في دعوى الملك فاستويا فكان المدعى
بينهما نصفين فان أقام أحدهما البينة ان أباه مات وتركها ميراثا له وأقام آخر البينة انه اشتراها
من أب المدعى بمائة درهم ونقده الثمن قضي بها للمشترى لان الوارث خصم عن مورثه في
44

اثبات الشراء عليه وما يثبت شراؤه منه في حياته لا يصير ميراثا لوارثه بعد موته إنما يخلفه
الوارث في ملك قائم عند الموت فكان بينة مدعي الشراء طاعنة في بينة مدعي الميراث فجعل
هو أولى فكذلك لو ادعى صدقة أو هبة مقبوضة من الميت في صحته فأقام البينة لما بينا انه أثبت
خروجه عن ملك مورثه في حياته إليه وكذلك لو أقام البينة ان أب هذا تزوج أمة عليها وأن
أمه ماتت وتركها ميراثا له لأنه خصم عن أمه وقد أثبت سبب تملكها على أب آخر في حياته
وهو النكاح فلا يتصور أن يكون ميراثا له عن أبيه وقد ثبت خروجه من ملك أبيه في
حياته. قال وان ادعاها انها له فشهد شاهدان أنها لأبيه ولم يشهدوا أنه مات وتركها ميراثا لم
يقض له بها لان الدعوى خالفت الشهادة فإنه ادعى الملك لنفسه والشهود شهدوا بالملك لابنه
وهذا اللفظ يوجب ان الأب حي فالميت ليس باهل للملك ولا حق له في ملك الأب في حياته
وإن كان الأب ميتا فقد شهدوا بملك عرف القاضي زواله فلا تقبل شهادتهم لهذا وكذلك لو
شهدوا انها كانت لأبيه حين مات في قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبى يوسف الأول رحمهم
الله ثم رجع فقال شهادتهم مقبولة لأنهم أثبتوا ملك الأب في الزمان الماضي وما عرف ثبوته
فالأصل بقاؤه إلا أن يتبين سبب زواله ولم يتبين لزوال ملكه سببا سوى الموت وهو ناقل
إلى الوارث فكانت هذه الشهادة بالملك له من هذا الوجه فيجب قبولها كما لو صرحوا بهذا لان
الثابت لمقتضى الكلام فيما يرجع إلى تصحيح الكلام كالمصرح به * يوضحه أنه لو أقر ذو اليد انها
كانت لأبيه أو قامت البينة على اقراره بذلك أمر بالتسليم إليه فكذلك إذا ثبت بالبينة وجه
قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله انهم شهدوا بملك عرف القاضي زواله ولم يبينوا سبب الزوال
فلا تقبل شهادتهم كما لو ادعى ملكا بالشراء فشهدوا انها كانت لبائعه وهذا لان القاضي لا يتمكن
في الحال من أن يقضي بالملك لابنه لعلمه بزوال ملكه فلا يمكنه ان يقضى بالملك للمدعى لان
خلافته لأبيه بطريق الميراث ابقاء له ما كان ثابتا لأبيه لا أن يوجب اثبات الملك ابتداء ولان
قيام ملك الأب وقت الموت شرط الانتقال إلى الوارث وقد بينا ان الشرط لا يثبت بالظاهر
بل بالنص فإذا نص الشهود على انتقاله بالميراث يثبت بالشرط وإن لم ينصوا عليه لم يثبت
ما هو الشرط والملك الذي كان له في حياته لا يكون دليل ملكه عند الموت نصا بخلاف
الاقرار فإنه يوجب الحق بنفسه وقد بينا هذا الفرق في اليد للمدعى أمس فكذلك هنا ثم على
قول أبى يوسف الآخر رحمه الله ما لم يقم المدعي البينة على عدد الورثة لم ينفذ القضاء لاحتمال أن
45

تكون الورثة عددا فلا يرث هو الكل ولو أقام البينة أن أباه مات وتركها ميراثا ولم يعرفوا
الورثة فان القاضي يقول قد ثبت بهذه البينة الملك لفلان وقت الموت وذلك يوجب الانتقال إلى
ورثته ولكن لم يثبت عندي انكم ورثته فهاتوا بينة أنكم ولده وانه لا وارث للميت غيركم فإذا
أقاموا البينة على هذا قضى بها لهم ولو لم يقيموا البينة على أنهم لا يعلمون له وارثا غيرهم بتأني
القاضي في ذلك ثم يدفع إليهم لان وراثتهم قد ثبتت ووجود مزاحم لهم في الميراث محتمل
فعلى القاضي أن يتأنى لكيلا يبتلى بالخطأ ولا يحتاج إلى نقض قضائه ولم يتبين في الكتاب
مدة التأني وذلك على حسب ما يراه القاضي لان ذلك يختلف باختلاف أحوال الميت في الشهرة
والخمولة وباختلاف أحوال ورثته في الغيبة والحضور وذكر الطحاوي أن التقدير لمدة التأني
أن التقدير لمدة التأني الحول فان المقصود إيلاء العذر في حق وارث غائب عسى والحول مدة
تامة لايلاء العذر قال القائل * إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر *
وهو نظير أجل العنين ويأخذ منهم كفيلا بما دفع إليهم وهذا قول أبى يوسف ومحمد رحمهما
الله فما عند أبي حنيفة رحمه الله لا يأخذ منهم كفيلا وقال في الجامع الصغير هذا شئ احتاطته
القضاة وهو ظلم * وجه قولهما أن القاضي مأمور بالنظر لكل من عجز عن النظر لنفسه ومن
الجائز أن للميت غريما أو وارثا غائبا فلو لم يأخذ من الحاضر كفيلا بما يدفع إليه يفوت حق
الغائب ففي أخذ الكفيل نظر للغائب ولا ضرر فيه للحاضر وهو نظير الآبق واللقطة إذا دفعها
القاضي إلى رجل أثبت عنده أنه صاحبها أخذ منه كفيلا بها لهذا المعنى ولان عليه صيانة
قضاء نفسه وهذه الصيانة إنما تتحقق بأخذ الكفيل حتى إذا حضر غريم أو وارث لا يتعذر
عليه ايصاله إلى حقه وأبو حنيفة رحمه الله يقول حق الحاضر ثابت معلوم وحق الغائب
موهوم ولا يقابل الموهوم المعلوم فلا يؤخر القاضي تسليم حقه إليه إلى اعطاء الكفيل
أرأيت لو لم يجد كفيلا أكان يمنعه حقه هذا ظلم منه وما ذكر في الآبق واللقطة قولهما لا قول
أبي حنيفة رحمه الله ولأنه لو أخذ الكفيل إنما يأخذ المجهول والكفالة للمجهول لا تصح ولا
يقال يأخذ الكفيل لنفسه لأنه ليس بخصم ولا يقال يأخذه للميت لان حق الميت في تسليم
ماله إلى وارثه وقد أثبت الحاضر ورثته فلا معنى للاشتغال بأخذ الكفيل ولو أقام البينة أنها
كانت لجده مات وتركها ميراثا له لم يقض له حتى يشهدوا أنه وارث جده لا يعلمون له
إرثا غيره ولو شهدوا ان الجد مات وتركها ميراثا لابنه لم يقض له حتى يشهدوا أنه وارث
46

وجده لا يعلمون له وارثا غيره أو شهدوا ان الجد مات وتركها ميراثا لأبيه ثم مات أبوه وتركها
ميراثا له لا يعلمون له وارثا غيره في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف أقضى
بها للجد وأضعها على يدي عدل حتى يصححوا عدد ورثة الجد وهو قول ابن أبي ليلى رحمه الله
وهذا نظير الفصل الأول أن عند أبي يوسف رحمه الله يجب القضاء بما لو قامت البينة عليه
وعندهما لم يجيزا الميراث إليه لا يظهر استحقاقه وكونه خصما في اثبات ملك الجد فلا يقضى
القاضي بشئ الا ان يخيروا الميراث كما بينا قال دار في يدي رجل أقام رجل البينة أن أباه مات
وتركها ميراثا له ولأخيه فلأن لا وارث له غيرهما وأخوه غائب قضي القاضي بحصته لأنه أثبت
استحقاقه بالحجة وهو خصم عن الميت في اثبات ملكه فاما نصيب الغائب يترك في يدي
ذي اليد حتى يحضر في قول أبي حنيفة رحمه الله وهو القياس في قول أبى يوسف ومحمد
رحمهما الله إن كان ذو اليد منكرا أخرج القاضي نصيب الغائب من يده ووضعه على يد عدل
ولو كان مقرا ترك نصيب الغائب في يده وهذا استحسانا * ووجهه ان القاضي مأمور بالنظر
للغائب فإذا كان ذو اليد مقرا فالنظر في تركه في يده لظهور أمانته عنده وإذا كان منكرا
فليس من النظر تركه في يده لأنه قد ظهرت خيانته مرة بالجحود فلا يأمن بان يجحده فيتعذر
على الغائب إذا حضر استيفاء حقه منه لان الحجة لا توجد في كل وقت فكان النظر في
اخراجه من يده ووضعه على يدي عدل ولان ذ اليد إذا كان منكرا لا يمتنع من التصرف
فيه عدلا كان أو غير عدل فإنه يزعم أنه مالك والعدل لا يمتنع من التصرف فيما عنده أنه
ملكه وإذا كان مقرا يمتنع من التصرف فيه فيجوز تركه في يده وأبو حنيفة رحمه الله يقول
الحاضر ليس بخصم عن الغائب في استيفاء ملكه فيجعل في حق الغائب وجود حضوره كعدمه
وقد عرفها القاضي في يد ذي اليد فلا يتعرض لها الا بخصم يحضر لأنه لو أخرجها من يده احتاج
إلى وضعها في يد آخر مثل هذا أو دوله ولان هذا مختار الميت في حفظها والذي يضعه على يده
ليس بمختار الميت ولا مختار وارثه فصار هذا نظير الاقرار والفرق الذي ذكره ساقط فإنه بعد
ما صار مسجلا مبينا في خريطة القاضي يؤمن جحود ذي اليد لعلمه أنه لا يلتفت إلى ذلك ويؤمن
بتصرفه فيه لعلمه أن القاضي لا يمكنه فيه بخلاف ما إذا كان في الابتداء ثم إذا تركها في يد ذي اليد
والمدعي منقول بقي مضمونا عليه والعقار كذلك على قول من يرى الضمان فيها بالغصب ويضمن
بالجحود عند الكل وإذا وضعه على يد عدل كان العدل أمينا فيه والنظر في تركه في يد ذي اليد
47

للغائب أكثر فيترك في يده فإذا حضر الغائب قال بعض مشايخنا رحمهم الله يحتاج على قول
أبي حنيفة رحمه الله إلى إعادة البينة بالقياس على مسألة القصاص والأصح أنه لا يحتاج إلى ذلك
لان الحاضر أثبت الملك للميت في الكل بما أقام من البينة فان أحد الورثة خصم عن الميت
فيما يدعى له وعليه فلا يحتاج الثاني إلى إقامة البينة بخلاف القصاص فإنه يثبت للوارث بعد
موت المورث فمن هذا الوجه كان الحق يثبت فيه للوارث ابتداء فلا بد للذي يحضر من
إعادة البينة على حقه (ألا ترى) أن هناك لم يتمكن الحاضر من استيفاء نصيبه بما أقام من البينة
وهنا قد تمكن من ذلك. قال دار في يدي رجل وابن أخيه فادعى العم أن أباه مات وتركها
ميراثا ولا وارث له غيره وادعي ابن الأخ أن أباه مات وتركها ميراثا له لا وارث له غيره وأقام
البينة قضى بها بينهما نصفان لان كل واحد منهما خصم عن مورثه فكأنهما حيان أثبت كل
واحد منهما الملك لنفسه والأب مع الابن في الخصومة في الملك بمنزلة الأجنبيين فإذا تساويا
في سبب الاستحقاق وجب القضاء بينهما نصفان وان قال كانت الدار بين أخي وأبي نصفين
وصدقه ابن الأخ بذلك ثم أقام البينة أن أخاه مات قبل ابنه وأقام ابن الأخ البينة أن جده
مات قبل أبيه ثم مات أبوه فورثه فإنه يقضى لكل واحد منهما بالنصف الذي كأن لأبيه
لان معنى هذه المنازعة أن العم يقول مات أخي أولا عن ابن وأب فللأب السدس من نصيبه
والباقي للابن ثم مات أبى عن ابن وابن ابن فكان ماله لابنه فلي سبعة أسهم من أثني عشر سهما
من سهم الدار وابن الأخ يقول مات الجد أولا عن ابنين فصار نصيبه بينهما نصفين ثم مات
أبى عن ابن وأخ فصار نصيبه لي وذلك ثلاثة أرباع الدار فإذا ظهرت هذه المنازعة بينهما
ووقع التعارض بين البينتين في اثبات التاريخ لموت كل واحد منهما ولا ترجيح لأحدهما
على الآخر يجعل كأنهما ماتا معا لتعذر اثبات والترتيب التاريخ من غير حجة ولو ماتا معا لم يرث
واحد منهما من صاحبه لان بقاء الوارث حيا بعد موت المورث شرط لاثبات الخلافة في
ملكه فصار نصيب كل واحد منهما لوارثه الحي فلهذا قضى بالدار بينهما نصفين والله
أعلم بالصواب
(باب شهادة أهل الذمة في الميراث)
(قال رحمه رجل مات وله ابنان أحدهما مسلم والآخر كافر فزعم كل واحد منهما
48

أن الأب مات على دينه وأن ميراثه له فالقول قول المسلم) لأنه يخبر بأمر ديني وهو وجوب
الصلاة عليه ووجوب دفنه في مقابر المسلمين والدعاء له بالخير وخبر الواحد في أمور
الدين حجة كما لو روي خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا صلينا عليه فقد حكمنا
باسلامه عند موته وذلك يمنع كون ميراثه للابن الكافر فلهذا قضينا بالميراث للابن المسلم ولما
ترجح جانبه بهذا السبب كان بمنزلة ترجح جانبه بشهادة الظاهر له والقول قوله مع يمينه على ما
ادعاه خصمه وأيهما أقام البينة على ما ادعاه وجب قبول بينته لأنه نور دعواه بها والبينة العادلة
لا تعارضها الدعوى ممن شهد له الظاهر أولا يشهد فان أقاما جميعا البينة فالبينة بينة المسلم عندنا
وقال الشافعي رحمه الله تبطل البينات للمنافات بينهما كما هو أصله لان كل واحد منهما يدعى
خلافة الميت عن أمواله ملكا وفي دعوى الملك لا تترجح البينة بالدين كما لو ادعى كافر ومسلم
ملكا في يد ثالث فأقام كل واحد منهما البينة لا يترجح المسلم ولنا أن احدى الحجتين توجب
اسلام الميت عند موته والأخرى توجب كفره فيترجح الموت الموجب للاسلام كالمولود بين
مسلم وكافر يجعل مسلما عملا بقوله صلى الله عليه وسلم الاسلام يعلو ولا يعلا عليه ولأنه لا بد من
الصلاة لان هذا الحكم ثبت بخبر الواحد فكيف لا يثبت بالحجة وان وقع التعارض بين البينتين
بقي خبر المدعي بالاسلام حجة في الصلاة عليه وذلك يوجب ترجيح بينة المسلم وانقطاع منازعة
الكافر عن ميراثه فان (قيل) من أصلكم أن البينة تترجح بزيادة الاثبات وبالحاجة إليها وهذا في
بينة الكافر لان المسلم متمسك بما هو الأصل وهو أن من كان في دار الاسلام فالظاهر أنه
مسلم ولا حاجة به إلى البينة لأنا جعلنا القول قوله فينبغي ان تترجح بينة الآخر (قلنا) موضوع
هذه المسألة فيما إذا كان الأب في الأصل كافرا فان أحد وارثيه مقر على الكفر ولا يقر الولد
الآخر على الكفر بخلاف ما إذا كان الأب في الأصل مسلما لأنه حينئذ إذا يكون مرتدا وإذا
كان في الأصل كافرا فشهود الكافر يتمسكون بالأصل وشهود المسلم يثبتون اسلامه العارض
فكان زيادة الاثبات من هذا الجانب وإنما جعلنا القول قوله عند عدم البينة لا للتمسك بالأصل
بل لاخباره بأمر ديني ولو كان شهود الذمي مسلمين وشهود المسلم ذميين جعلتها للمسلم أيضا لان
كل واحد منهما أقام من الحجة ما هو حجة على خصمه فكان هذا بمنزلة ما لو كان الفريقان
مسلمين وهذه المسائل إنما تنبنى على قولنا ان شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض مقبولة ولا
تقبل على المسلمين اعتبارا بالولاية وعند ابن أبي ليلى رحمه الله كذلك إذا اتفقت مللهم وان
49

اختلفت لا تقبل شهادة بعضهم على بعض فإنهم عنده أهل ملل مختلفة والولاية تنقطع بينهم
باختلاف الملل وعند الشافعي رحمه الله لا شهادة لبعضهم على البعض لنقصان الكفر الذي هو
أكثر تأثيرا من نقصان الرق والصغر وهي مسألة الشهادات ولو قال أحد الابنين كنت مسلما
وكان أبى مسلما وقال الآخر صدقت وقد كنت أيضا أسلمت في حياته وكذبه الآخر وقال
أسلمت بعد موته فالميراث الذي اجتمعا على اسلامه في حياته لان الابن الآخر في حياته
أقر بسبب حرمانه وهو كفره في حياة أبيه ثم ادعى ما يزيله وهو اسلامه قبل موت الأب
فلا يصدق في ذلك الا بحجة وهذا لان اسلامه حادث والحوادث إنما يحال بحدوثها على أقرب
الأوقات فمن ادعى تاريخا سابقا فعليه اثباته بالحجة والأصل في جنس هذه المسائل أن سبب
الاستحقاق متى ثبت بتصادقهما وادعى أحدهما ما يزيله وأنكر الآخر فالقول قول المنكر
ومتى أقر بسبب الحرمان ثم ادعى زواله بسبب حادث لم يقبل قوله الا بحجة والقول قول
خصمه ومن ادعى الاستحقاق وسبب الحرمان فيه قائم في الحال لا يثبت استحقاقه الا بحجة
والقول قول خصمه كمن جاء وهو مرتد يطلب ميراث أبيه المسلم ويزعم أنه ارتد بعد موته
لا يقبل قوله لان ما يحرمه الإرث وهو الردة قائمة فيه في الحال فمتى وقع الاشتباه في الزمان
الماضي بحكم الحال كالمستأجر مع صاحب الرحا إذا تنازعا في جريان الماء في المدة فإن كان الماء
للحال جاريا فالقول قول من يدعي أنه كان جاريا فيما مضى وإن كان للحال منقطعا فالقول
قول من يدعى أنه كان منقطعا فيما مضى فان (قيل) فإذا كان الابن مسلما في الحال ينبغي ان
يجعل مسلما فيما مضى حتى يرث أباه المسلم (قلنا) هذا ظاهر يعارضه ظاهر آخر وهو أنه لما ثبت
كفره فيما مضى فالظاهر بقاؤه حتى يظهر اسلامه ثم موافقته إياه في الدين عند الموت شرط
للإرث والشرط لا يثبت فالظاهر إنما يثبت بالنص لان الاستحقاق يثبت عند وجوده
والظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا لاثباته (ألا ترى) ان ذا اليد يستحق الملك لما في يده
بالظاهر ولا تثبت به الزوائد التي في يد غيره وكذلك لو كان الاختلاف في العتق والميراث
الذي اجتمعا على عتقه في حياة الأب لان عتق الآخر بعد ثبوت رقه حادث على ما بينا. قال
دار في يد ذمي أقام مسلم بينة من أهل الذمة أن أباه مات وتركها ميراثا له لا وارث له غيره
وأقام ذمي بينة من أهل الذمة على مثل ذلك فإنه يقضى بها للمسلم لان المسلم أقام ما هو
حجة على ذي اليد وعلى خصمه الذمي وأقام الذي ما هو حجة على ذي اليد وليس بحجة على
50

خصمه المسلم فلا تتحقق المعارضة بين الحجتين فصار في حق المسلم كأنه لا حجة للذمي فلهذا
قضى للمسلم وان كانت بينة الذمي مسلمين فهو بينهما نصفين لان كل واحد منهما أقام ما هو
حجة على ذي اليد وعلى خصمه فاستويا فيقضى بينهما نصفان فان (قيل) الاستحقاق بشهادة
المسلمين ثبت للذمي في الكل فلو بطل في النصف إنما يبطل بشهادة أهل الذمة والاستحقاق
بشهادة المسلمين لا يجوز ابطالها بشهادة أهل الذمة (قلنا) نحن لا نبطل شيئا من ذلك الاستحقاق
فكل واحد منهما يستحق الكل كما شهد به شهوده ولكن القضاء نصفين لضيق المحل ثم
هذا إنما يستقيم أن لو كانت الشهود خصما فيها وليس كذلك فالخصم لا يكون شاهدا. قال
دار في يد مسلم فقال مات أبى وهو مسلم فتركها ميراثا لي وقال أخو الميت مات أخي وهو
على ديني فالقول قول الابن والميراث له لأنه لو كان مدعى الكفر ابنا آخر كان القول قول
المسلم فكيف إذا كان أخاه ولو كان الأخ هو المسلم المدعي لاسلامه والابن كافر يدعى كفره
فالقول قول الابن لان الأخ محجوب بالابن فهو كأجنبي آخر فان (قيل) أليس أنه يخبر بالصلاة
عليه وهو ديني (قلنا) اخباره بهذا كاخبار أجنبي آخر حين لم يكن هو من ورثته ظاهرا فلا
يكون من ضرورته استحقاقه للميراث وان أقاما البينة أخذت بينة الابن المسلم لان فيها اثبات
اسلامه وان أقام الأخ بينة من أهل الذمة على ما قال ولم يقم الابن بينة لم أجز شهادتهم على المسلم
لان الأخ ببينته يبطل استحقاق المسلم لميراثه بعد أن ثبت استحقاقه بقوله وبينة أهل الذمة
على الاستحقاق الثابت للمسلم لا تكون مقبولة. وان قالت امرأة الميت وهي مسلمة مات زوجي
وهو مسلم وقال أولاده وهو كفار بل توفى أبونا وهو كافر وصدق أخو الميت المرأة وهو مسلم
قضيت بالميراث للمرأة والأخ لأن المرأة لا تحجب عن الميراث بأحد فهي وارثة على كل حال
فكانت بمنزلة ابن وابنة تدعى اسلامه فالقول قوله وإذا حكمنا باسلامه بقولها وجعلنا الميراث لها
والأولاد كفار لا يرثون منه شيئا فلا (يحجبون؟) الأخ فكان الباقي للأخ وقد سعد بالمرأة فإنها
لو لم تكن ما كان قول الأخ مقبولا وكذلك لو ترك ابنا وابنتا وأخا فقالت الابنة وهي مسلمة
مات أبى مسلما وصدقها الأخ وهو مسلم وقال الابن وهو كافر مات أبى كافرا فالميراث للابنة
والأخ لأنها غير محجوبة بالابن فترجح قولها في دعوى الاسلام سعد الأخ بها كما بينا فإن كان
له ابنة وأخ أحدهما مسلم والآخر كافر فالقول قول المسلم منهما أيهما كأن لان كل واحد منهما
وارث مع صاحبه بخلاف الابن والأخ فالأخ محجوب بالابن لا قول له وهذا كله إذا لم يقر
51

المسلم أن الأب كان كافرا فان أقر بذلك وادعى أنه أسلم قبل موته لم يصدق الا بحجة لان ما ثبت
من كفره يبقى إلى أن يظهر ما يزيله ولم يظهر ذلك بمجرد قوله لأنه عارض يدعيه ولا ميراث
له. ولو أقرت زوجة الرجل بعد موته أنه طلقها في الصحة واحدة وأقرت بانقضاء العدة
وزعمت أنه راجعها وكذبتها الورثة فالقول قول الورثة لأنها أقرت بسبب الحرمان وهو ارتفاع
النكاح بانقضاء العدة ثم ادعت بعد ذلك سببا حادثا للاستحقاق فلا يظهر السبب بمجرد
قولها بخلاف ما إذا ادعت الورثة أنه طلقها وانقضت عدتها وهي تنكر فالقول قولها لان سبب
استحقاقها ثابت باتفاقهم فالورثة يدعون عليها سبب الحرمان حادثا وهي تنكر وهذا الفصل
إنما أورده ايضاحا لما سبق فيما إذا لم يقر الابن المسلم بكفر أبيه أو أقر به وادعى اسلامه بعد
موته. قال زوجان ذميان مات ابن لهما عن ابن فقالا مات ابننا كافرا وقال الابن وهو مسلم
مات أبى مسلما فالقول قول الابن ولا ميراث للأبوين لان الولد مع الأبوين وارث غير
محجوب فكان القول قوله في اسلام الميت كما لو كانت المنازعة بين اثنين وقد قررناه فيما سبق.
قال رجل مات وترك ميراثا في يدي رجل فأقام ابنه البينة أنه ابنه ووارثه ولم تشهد شهوده
أنه لا وارث له غيره وقال ذو اليد له ولد غير هذا أو قال لا أدرى أله ولد سوي هذا أم لا
تلوم القاضي في ذلك زمانا رجاء أن يحضر وارث آخر فإذا لم يحضر قضى بالميراث له لان سبب
استحقاقه قد ثبت بالحجة وقد تيقنا بكونه وارثا خليفة للميت في ملكه فيدفع ماله إليه
ويستوثق منه بكفيل من أصحابنا رحمهم الله من قال أخذ الكفيل هنا قولهم جميعا بخلاف ما قال
أبو حنيفة رحمه الله فيما سبق لان هنا الشهود لم يشهدوا بانتفاء ورث آخر فكان الموضع موضع
الاحتياط لاخذ الكفيل والأصح أنه على الخلاف كما بينا وقد ذكرنا أيضا مدة التلوم وعن أبي
يوسف رحمه الله أنه قدر ذلك بشهر لان ما وراء الشهر في حكم الاجل فيتضرر به الوارث
بتأخير حقه وفيما دون الشهر ليس له كثير ضرر. وكذلك لو كان الابن كافرا وقال مات
أبي كافرا وكذلك هذا الجواب في كل من لا يحجب عن الميراث بآخر إذا ثبتت قرابته
يقضى له بالمال بعد التلوم إذا لم تشهد الشهود انه لا وارث له غيره حتى لو كانت أما أو بنتا
يقضى لها بجميع ماله لأنه لا عصبة للميت ظاهرا فكان جميع الميراث لها فرضا وردا فاما
إذا كان من يثبت وراثته ممن يحجب بغيره كالجد والجدة والأخ والأخت فإنه لا يعطى
شيئا ما لم تقم البينة على عدد الورثة أو يشهدوا أنهم لا يعلمون له وارثا غير هذا لان استحقاق
52

الأخ للميراث يتعلق بشرط أن يكون الميت كلالة قال الله تعالى وإن كان رجل يورث كلالة
الآية وقال الله تعالى يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة والكلالة من ليس له ولد ولا والد
فما لم يثبت هذا الشرط بالنص من الشهود لا يكون هو وارثا وما لم يثبت وراثته لا يدفع
المال إليه بخلاف ما سبق فإنه وارث بنسبه غير محجوب بأحد فان (قيل) كيف يثبت استحقاقه
بقول الشهود لا وارث له غيره أو لا نعلم له وارثا غيره وهذه شهادة على النفي (قلنا) أما إذا
قالوا لا وارث له غيره فعند ابن أبي ليلى رحمه الله هذا لا تقبل لتيقن القاضي أنهم جازفوا
إذ لا طريق لهم إلى معرفة نفى الوارث وعندنا تقبل بناء على العادة ان مراد الناس من هذا
لا نعلم له وارثا غيره وهذه شهادة منهم على اثبات شرط الوراثة الا ان الشرط نفى والشرط
يجوز اثباته بالبينة نفيا كان أو إثباتا كما لو قال لعبده إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فأقام
العبد البينة أنه لم يدخلها فاما الزوج والزوجة إذا أثبت أحدهما سبب ارثه بالبينة ولم يثبت
أنه لا وارث للميت غيره فعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يقضى لهما بأكثر النصيبين
بعد البلوغ للزوج بالنصف وللمرأة بالربع وعند أبي يوسف رحمه الله يقضي لهما بأقل النصيبين
للزوج بالربع وللمرأة بالثمن قال لان استحقاق الزوج والزوجة لأكثر النصيبين يتعلق بشرط
عدم الولد بالنص قال الله تعالى ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد وقد بينا
أن الشرط لا يثبت باعتبار الظاهر وإنما يثبت بنص من الشهود فإذا لم يوجد لا يقضى لهما
الا بالمتيقن ولان الزوجية في استحقاق الميراث بها دون الاخوة فبالاخوة تستحق جميع
المال ولا تستحق ذلك بالزوجية بحال ثم الأخ لا يستحق شيئا ما لم يقم البينة أنه لا وارث
له غيره لأنه لا تيقن باستحقاق شئ له فكذلك الزوج فيما لا يتيقن باستحقاقه بمنزلة الأخ
في الكل أو دونه وحجتهما في ذلك أنه أثبت سبب الوراثة من لا يحجب عن الميراث بأحد
فيستحق جميع ميراثه بعد التلوم كالأب والولد وهذا لان حرمانه عن أكثر النصيبين بولد
يحجبه وهذا الحاجب غير ظاهر فيبقى مستحقا بما أثبت من السبب وصار الزوج في استحقاق
ما زاد على لربع كالأبوين في استحقاق ما زاد على السدس وكل واحد منهما يتعلق بشرط
عدم الولد قال الله تعالى ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد الآية ثم
هناك يقضى لهما بالجميع لان الولد الحاجب غير ظاهر هناك كذلك هنا وعن أبي يوسف
رحمه الله يعطى للمرأة ربع الثمن لان أقل نصيبها هذا فلعل للمرء ثلاث نسوة سواها وهذا ليس
53

بقوي فالزوجية سبب تام لاستحقاق الثمن لها بيقين وإنما يقسم الثمن بين الزوجات للمزاحمة
ولا مزاحم لها هنا فكيف ينقص حقها من الثمن وعن الحسن بن زياد رحمه الله قال يقضى لها
بربع التسع وللزوج بالخمس لان المتيقن هذا المقدار فمن الجائز ان الرجل مات عن أبوين
وابنين وأربع نسوة وهي المتبرئة التي قال فيها علي رضي الله عنه في البديهية حين سئل وهو
على المنبر انقلب ثمنها تسعا فان أصل الفريضة من أربعة وعشرين للنسوة الثمن ثلاثة وللأبوين
الثلث لكل واحد سدس ثمانية وللابنتين الثلثان ستة عشر تعول بثلاثة فكانت من سبعة
وعشرين فللنسوة ثلاثة وهي التسع حظ الواحدة الربع من ذلك فيقضى لها بهذا القدر
واليقين في جانب الزوج في الخمس لجواز أن يكون تركة أبوين وابنتين وزوجا فللزوج الربع
وللأبوين السدسان وللابنتين الثلثان أصله من اثنى عشر وتعول بثلاثة فللزوج ثلاثة من خمسة
عشر وذلك الخمس ولكن هذا ليس بقوي فان اعتبار العول لمعنى المزاحمة والضيق في المحل
فكيف يثبت ذلك عند عدم ظهور وارث آخر سوى الزوج أو الزوجة والمعلوم لا يقابل
الموهوم فدل أن الصحيح ما قاله أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله والله أعلم
(باب اختلاف الأوقات في الدعوى وغير ذلك)
(قال رحمه الله دار في يدي رجل فادعى رجل أنها له منذ سنتين وأقام البينة وادعى ذو اليد
انها في يده منذ سنتين وأقام البينة ولم يشهدوا أنها له قضيت بها للمدعي) لان شهود المدعي شهدوا
له بالملك نصا وشهود ذي اليد إنما شهدوا له باليد والا يدي تنوعت إلى يد أمانة ويد ضمان ويد
ملك فلا تعارض بينته بينة الخارج ولان الثابت من يده بالبينة كالثابت بالمعاينة وذلك لا يمنع
القضاء بالملك للمدعى إذا أثبتها بالبينة في الحال فكذلك في الوقت الذي أسند شهوده إليه. قال
دابة في يد رجل فأقام آخر البينة أنها له منذ عشر سنين فنظر القاضي في سنها فإذا هي ابنة
ثلاث سنين يعرف ذلك فبينته باطلة لان القاضي تيقن بمجازفة الشهود في شهادتهم فإنهم شهدوا
بالملك له فيها في وقت يتيقن أنها لم تكن موجودة فيه والملك لا يسبق الوجود ولأنه لا يمكنه
القضاء بالملك في الحال لأنه خلاف الشهادة ولا في الوقت المضاف إليه لأنه محال. قال وإذا
كانت الدار في يدي رجل أقام آخر البينة أنها له منذ سنة وأقام آخر البينة انها له اشتراها من
آخر منذ سنتين وهو يملكها يومئذ فاني أقضى بها لصاحب الشراء لأنه أسبق تاريخا وقد أثبت
54

الملك لنفسه في وقت لا ينازعه الآخر فيه وهو خصم عن بائعه في اثبات الملك له في الوقت
الذي أرخ شهوده فكان هو أولى بها وكذلك لو شهدوا أنها له اشتراها من فلان منذ سنتين
فشهادتهم بالملك للمشتري بمنزلة شهادتهم بالملك للبائع إذا شهدوا بالشراء. وكذلك لو لم يشهدوا
بالملك للبائع ولا للمشتري ولكن شهدوا أن فلانا باعها منه وسلمها إليه من سنتين أو أنه اشتراها
من فلان منذ سنتين وقبضها فهذا وشهادتهم بالملك له سواء لان البائع في الظاهر إنما يتمكن
من التسليم إذا كان مالكا للمبيع وكذلك المشترى إنما يتمكن من القبض إذا اشتراها من المالك
ولان سبب الملك يتأكد بالتسليم فشهادتهم على سبب ملك متأكد بمنزلة الشهادة على الملك
ولو شهدوا أن فلانا باعها منه واستوفى الثمن أو أنه اشتراها ونقد البائع الثمن ولم يشهدوا بالقبض
والتسليم لم يقض لمدعي الشراء بشئ لأنهم شهدوا بمجرد العقد وذلك يتحقق من غير المالك
موقوفا على إجازة المالك فلا يوجب الملك للمشترى قبل الإجازة فلم يكن في هذه الشهادة
اثبات الملك للمشترى نصا ولا دلالة فلا يقضي بها له وفي كل موضع قضينا بالملك للمشترى
إذا حضر البائع وأنكر أن يكون باعه لم يلتفت إلى انكاره لان ذا اليد انتصب خصما عن
البائع في انكاره للبائع البيع والمشترى لا يتوصل إلى اثبات الملك لنفسه الا باثبات سببه وهو
الشراء من الغائب ومتى كان حق الحاضر متصلا بحق الغائب انتصب الحاضر خصما عن الغائب
فقد اتصل القضاء ببينة قامت على خصم فلا حاجة إلى اعادتها بعد ذلك. قال دار في يدي رجل
أقام رجل البينة أنها له ولم يوقت شهوده وأقام ذو اليد البينة أنها له منذ سنة فاني أقضي بها
للمدعى لان تاريخ ذي اليد ليس بدليل سبق ملكه فلعل شهود المدعي لو أرخوا ذكروا
تاريخا سابقا فلا يستحق ذو اليد الترجيح بما هو محتمل في نفسه والتحق بما لو لم يذكر الوقت
فتترجح بينة المدعي. ولو أقام المدعي البينة أنها له منذ سنة أو سنتين شك الشهود في ذلك وأقام
ذو اليد البينة انها له منذ سنتين قضيت بها لذي اليد لان شهود الخارج شكوا فيما زاد على السنة
ومع الشك لا يمكن اثبات التاريخ فإنما يثبت من تاريخهم ما يتفقوا به وذلك سنة فصار تاريخ
ذي اليد أسبق فتترجح بينته وقد بينا اختلاف الروايات فيه فيما سبق ولو وقت شهود المدعي
سنة ووقت شهود ذو اليد سنة أو سنتين شكوا في ذلك فهو للمدعي لان ما شك فيه شهود
ذي اليد لم يثبت وفيما اتفقوا فيه استوى تاريخ ذي اليد والخارج فتترجح بينة المدعى ولو
شهد شهود المدعى انها كانت له عام أول وشهود ذي اليد انها له منذ العام قضيت بها للمدعي
55

لان تاريخ شهوده أسبق ولو شهد شهود المدعي انها له منذ العام وشهود ذي اليد انها له عام
أول قضيت بها لذي اليد لان شهوده شهدوا بتاريخ أسبق من تاريخ المدعى فثبت ملكه في
ذلك الوقت وبعد ثبوت ملكه لا يستحقه الغير الا من جهته، قال دار في يد رجلين أقام
أحدهما البينة أنها له منذ سنة وأقام الآخر البينة أنها له منذ سنتين قضيت بها لصاحب السنتين
لان في يد كل واحد منهما نصف الدار ففي النصف الذي في يد من أرخ شهوده سنة بينة الخارج
قامت بتاريخ سابق فكان هو أولى وفي النصف الذي في يد من أرخ شهوده بسنتين بينة
ذي اليد قامت على تاريخ سابق على بينة الخارج فيستحق الترجيح به أيضا ولو أقام أحدهما
البينة أن له ثلثها منذ سنة وأقام الآخر البينة ان له ثلثها منذ سنين فاني أقضي بالثلثين لصاحب
السنتين لان دعواه تنصرف إلى ما في يده أو لا ثم فيما يفضل على ما في يده ينصرف دعواه إلى
ما في يد صاحبه لان يده يدا محقة تحسينا للظن بالمسلم وحملا لفعله على الصحة ولو صرفنا دعواه
إلى ما في يد غيره لم تكن يده يدا محقة وفى يده نصف الدار فما زاد على النصف إلى تمام الثلثين
وهو السدس اجتمع فيه بينة الخارج وبينة ذي اليد وتاريخ الخارج أسبق فهو أولى ولان
الآخر ليس يدعي إلى الثلث ودعواه منصرفة إلى ما في يده فما زاد على الثلث هو لا ينازع الاخر
فيه وقد أثبت الآخر استحقاقه بالبينة على ما في يده فيقضى له به وترك الثلث في يد صاحب
الثلث فيكون ذلك له قضاء ترك لان بينته لم تقم على منازع له فيه يد ولا ملكا فهذا الطريق فيما
إذا كان من أرخ سنة يدعى ثلثها والطريق الأول فيما إذا كان يدعى نصفها وقد اختلفت النسخ
في وضع هذه المسألة. قال أمة في يد رجل فأقام رجل البينة أنها أمته منذ ستة أشهر وأنه أعتقها
البتة منذ شهر وأقام آخر البينة أنها أمته منذ سنة وأنه أعتقها عن دبر منه منذ سنة فإنه يقضى بها
مدبرة لمدعى التدبير لان تاريخ شهوده أسبق فإنهم أثبتوا الملك والتدبير له منذ سنة والملك
المتأكد بالتدبير لا يحتمل النقض فشهود الآخر إنما شهدوا بالعتق فيمن لا يملكها وذلك غير
مفيد ذكره في بعض النسخ وفي قول أبى يوسف رحمه الله الأول البينة بينة مدعى العتق وهي
حرة البتة وهذا بناء على ما سبق أن الخارجين إذا أرخا الملك بتاريخين في قوله الأول يقضي بها
بينهما نصفان ولا يترجح أحدهما لسبق التاريخ وقد بينا هذا في باب دعوى الميراث فهنا لما
استويا في اثبات الملك على هذا القول بقي الترجيح بما أثبتوا من العتق والعتق والتدبير إذا
اجتمعا يترجح العتق لاستحالة أن يوطأ بملك اليمين وقد قامت البينة على حريتها من جهة من
56

أثبت ملكه فيها بالحجة. قال دار في يد رجل ادعى رجل أنه اشتراها منه بمائة درهم ونقده
الثمن وادعى آخر أنه اشتراها منه بمائتي درهم ونقده الثمن ولم توقت واحدة من البينتين وقتا
فكل واحد منهما بالخيار ان شاء أخذ نصفه بنصف الثمن الذي بين شهوده وان شاء ترك
لأنهما تصادقا على أن الملك في الأصل كان لذي اليد وادعى كل واحد منهما التملك عليه بسبب
الشراء وقد استويا في ذلك ولو استويا في إقامة البينة على الملك المطلق عليه قضي به بينهما
نصفان فكذلك هنا فان (قيل) قد تيقن القاضي بكذب أحد الفريقين لان التعين على دار
واحدة من رجلين من كل واحد منهما بكماله لا يتصور في وقت واحد فينبغي أن تبطل البينتان
(قلنا) الشهود شهدوا بنفس البيع لا بصحته ولم يشهدوا بوقوع البيعين معا ويتصور بيعان في
وقتين من واحد لعين واحدة من كل واحد منهما وكل واحد منهما اعتمد سببا أطلق له
الشهادة فيجب العمل بها بحسب الامكان ولان البيعين يتصور وقوعهما في وقت واحد من
وكيل المالك ويضاف عقد الوكيل إلى الموكل مجازا فلعل الوكيلين باعا معا فيقضى لكل واحد
من المشتريين بنصفها ويخير كل واحد منهما لتفرق الصفقة عليه فإنه أثبت عقده في الكل
فلتبعض الملك حين لم يسلم له الا النصف خيرهما فان رضيا به فعلى كل واحد منهما من الثمن
بقدر ما يسلم له من البيع وذلك النصف فان رضي به أحدهما وأبى الآخر فليس للذي رضي
به الا نصفه لان القاضي حين خيرهما فقد فسخ بيع كل واحد منهما في النصف حين قضى به
لصاحبه فلا يعود بيع أحدهما بترك صاحبه المزاحمة معه إلا أن يكون ترك المزاحمة قبل أن
يقضى القاضي بشئ فحينئذ تكون الدار للآخر بجميع الثمن فإنه أثبت شراءه في الكل ولم
يفسخ القاضي بيعه في شئ وإنما كان القضاء له بالنصف لمزاحمة صاحبه معه فإذا زالت المزاحمة
قضى له بالكل كالشفيعين إذا أسلم أحدهما قبل قضاء القاضي لهما يقضى للآخر بجميع الدار
بخلاف ما لو كان تسليمه بعد القضاء فإنه لا يكون للآخر الا نصف الدار ولو وقتت كل واحدة
من البينتين وقتا قضيت بها لصاحب الوقت الأول لأنه أثبت شراءه في وقت لا ينازعه الآخر
فيه فاستحقها من ذلك الوقت فيتبين أن الآخر اشتراها من غير المالك فكان شراؤه باطلا
وان وقتت إحداهما ولم توقت الأخرى قضيت بها لصاحب الوقت لان شراءهما حادث فإنما
يحال بحدوثه على أقرب الأوقات ما لم يثبت التاريخ فإنما يثبت شراء الذي لم توقت شهوده
في الحال وقد أثبت الآخر شراءه سابقا فكان هو أولى وهذا بخلاف ما إذا ادعى الشراء من
57

رجلين ووقته أحدهما ولم يوقت الآخر يقضى بها بينهما نصفين لان كل واحد منهما هناك خصم
عن تابعه في اثبات الملك له وتوقيت أحدهما لا يدل على سبق ملك بائعه فلعل ملك البائع
الآخر أسبق فلهذا قضينا به بينهما فاما هنا اتفقا على الملك لبائع واحد فإنما حاجة كل واحد
منهما إلى اثبات سبب الانتقال إليه لا إلى اثبات الملك للبائع وسبب الملك في حق الذي وقت
شهوده أسبق فكان هو بالدار أحق وإن لم يوقت واحد منهما وكانت الدار في يد أحدهما
وقد قبضها قضيت بها لذي اليد لان قبضه صادر عن العقد الذي أثبته بالبينة حملا لفعله على
الصحة فكان شراؤه متأكدا بالقبض فيترجح به لمعنيين أحدهما أنه قبضه اقترن بعقد الآخر
وهو صادر عن عقده فلا بد من أن يكون عقد سابقا ولأنه يحتاج إلى اثبات الاستحقاق
علي البائع فقط وذلك في بينته فاما الخارج يحتاج إلى اثبات الاستحقاق على ذي اليد كما يحتاج
إلى اثباته على البائع وليس في بينته ما يوجب الاستحقاق على ذي اليد لجواز أن يكون عقد
ذي اليد سابقا وهذا بخلاف ما إذا ادعيا الشراء من اثنين وأحدهما قابض فان الخارج أولى هناك
لان كل واحد منهما يحتاج إلى اثبات الملك لبائعه أولا فاجتمع في حق البائعين ببينة الخارج
وبينة ذي اليد فكانت بينة الخارج أولى فاما هنا لا يحتاج إلى اثبات الملك للبائع بل هو ثابت
بتصادقهما عليه إنما حاجتها إلى اثبات سبب الاستحقاق وسبب القابض أقوى فكان هو
أولي فان شهد شهود الخارج على وقت لم ينتفع به لان تمكن القابض من القبض دليل سبق
عقده وهو دليل معاين والتاريخ في حق الخارج مخبر به وليس الخبر كالمعاينة ثم يد ذي اليد
ثابتة بيقين فلا ينقض الا بيقين مثله وبذكر الوقت من شهود الخارج لا يزيل احتمال سبق عقد
ذي اليد فلا ينقض قبضه إلا أن يشهدوا أن بيع الخارج كان قبل بيع ذي اليد فحينئذ يكون
بيع الخارج أولى لان تقدم العقد ثبت بنص من شهوده وتبين أن القابض اشترى من غير
المالك وإن كان المدعيان أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من رجل آخر والدار في يد
المدعى عليه قضى بها بينهما نصفين لان كل واحد منهما ثبت الملك لبائعه أولا وقد استوت
البينتان في اثبات الملك للبائع فيقضى بها بينهما نصفين ويتخير كل واحد من المشتريين لما بينا وإذا اختار الاخذ رجع كل واحد منهما على بائعه بنصف الثمن أن كان نقده إياه لأنه لم يسلم له
الا نصف المبيع ولو وقتا وقتين كان صاحب الوقت الأول أولى لاثباته الملك لبائعه في وقت
لا ينازعه الآخر فيه ويرجع الآخر بالثمن على بائعه لاستحقاق المبيع من يده. ولو أقام أحدهما
58

البينة أنه اشتراها من فلان بثمن مسمى وهو يملكها وأقام الآخر البينة أن فلانا آخر وهبها له
وقبضها منه وهو يومئذ يملكها قضى بها بينهما نصفين لان كل واحد منهما ينتصب خصما
عمن ملكه في اثبات الملك له أولا ثم لنفسه فالحجتان في اثبات الملك لهما سواء فيقضى بها
بينهما نصفين وكذلك لو أقام ثالث البينة على الصدقة من ثالث مع القبض وأقام رابع البينة
على ارثه من أبيه قضى بينهم أرباعا لما بينا أن كل واحد منهما خصم عمن ملكه فان (قيل) إنما
وضع المسألة في الدار فكيف يجوز القضاء بالهبة والصدقة في جزء منهما مشاعا (قلنا) قيل
موضوع هذه المسألة في الدابة ولئن كان في الدار فكل واحد منهما أثبت استحقاقه في
الكل إلا أنه لأجل المزاحمة يسلم له البعض وهذه المزاحمة بعد القبض فكان شيوعا طارئا
وذلك لا يبطل الهبة والصدقة وهذا بخلاف ما إذا كانت الدار في يد رجل فأقام آخر البينة
انه اشتراها من فلان بثمن مسمى وتقابضا وأقام آخر البينة أن فلانا ذلك وهبها منه وقبضها
قضي بها لصاحب الشراء لأنهما لا يحتاجان هنا إلى اثبات الملك لمن ملكها فإنه ثابت بتصادقهما
وإنما الحاجة إلى اثبات سبب الملك عليه والشراء أقوى من الهبة لأنه عقد ضمان يوجب الملك
في العوضين والهبة تبرع لأن الشراء يوجب الملك بنفسه والهبة لا توجب الملك الا بعد القبض
فكان ملك مدعى الشراء سابقا فلهذا جعل أولى وكذلك لو ادعى أحدهما الشراء والآخر
الصدقة وادعى أحدهما الشراء والآخر الرهن فالشراء أولى لما بينا وإذا ادعى رجل الشراء
وادعت المرأة أن فلانا ذلك تزوجها عليها فعلى قول أبى يوسف رحمه الله يقضي لكل واحد منهما
بالنصف ثم للمرأة نصف القيمة على الزوج ويرجع المشترى بنصف الثمن أن كان نقده إياه
وقال محمد رحمه الله يقضى بها لصاحب الشراء وللمرأة على الزوج قيمة الدابة * وجه قول محمد
رحمه الله أن تصحيح البينات والعمل بها واجب ما أمكن لأنها حجج وهنا يمكن تصحيح
البينتين بان يجعل الشراء سابقا فان تسمية ملك الغير صداقا تسمية صحيحة موجبة لقيمة المسمى
عند تعذر تسليم عينه فلهذا جعلنا الشراء سابقا ولان الشراء مبادلة مال بمال موجب الضمان في
العوضين والنكاح مبادلة مال بما ليس بمال غير موجب للضمان في المنكوحة فكان الشراء
أقوى من هذا الوجه فجعل أولى وأبو يوسف رحمه الله يقول كل واحد من البينتين يثبت
الملك لنفسها فتتحقق المساواة بينهما في الاستحقاق كما في دعوى الشرائين ومن وجه النكاح
أقوى لان الملك في الصداق يثبت بنفس العقد متأكدا حتى لا يبطل بالهلاك قبل التسليم بخلاف
59

الملك في المشترى ويجوز التصرف في الصداق قبل القبض بخلاف المشترى فإن لم يترجح
جانب النكاح بهذا فلا أقل من المساواة وفيما قال محمد رحمه الله اثبات تاريخ لم يشهد به الشهود
والتاريخ بين العقدين يثبت من غير حجة فإذا قضينا به بينهما نصفين استحق على المرأة نصف
الصداق فيرجع بقيمة المستحق واستحق على المشتري نصف المبيع فيرجع بثمنه وان ادعى
أحدهما الرهن والقبض والآخر الهبة والقبض فالرهن أولى وذكر في كتاب الشهادات أن
الهبة أولى في القياس ووجهه أن الهبة تفيد ملك العين والرهن لا يوجب فكان السبب الموجب
لملك العين أقوى وجه الاستحسان أن الرهن عقد ضمان والهبة عقد تبرع وعقد الضمان أقوى
من عقد التبرع ولأنه يثبت بدلين المرهون والدين والهبة لا تثبت الا بدلا واحدا فكان الرهن
أولى من الهبة وكذلك الرهن أولى من الصدقة والنكاح أولى من الهبة والصدقة لأنه يوجب
الملك بنفسه كالشراء فأما الهبة والصدقة سواء حتى لو ادعى أحدهما الهبة والآخر الصدقة
يستويان لان كل واحد منهما تبرع لا يتم الا بالقبض فان (قيل) الصدقة لا رجوع فيها بخلاف
الهبة فكانت الصدقة أقوى (قلنا) امتناع الرجوع لحصول المقصود بها وهو الثواب لا لقوة
السبب ولو حصل المقصود بالهبة وهو صلة الرحم لم يرجع فيها أيضا. قال دار في يد رجل فأقام
آخر البينة أنه اشتراها من ذي اليد بألف درهم ونقده الثمن وأقام ذو اليد البينة أنه اشتراها
من المدعى ونقده الثمن فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تتهاتر البينتان جميعا سواء
شهدوا بالقبض أو لم يشهدوا ويترك الدار في يد ذي اليد وعند محمد رحمه الله يقضي بالبينتين
جميعا فإن لم تشهد الشهود بالقبض يجعل شراء ذي اليد سالما فيأمن بتسليمه إلى الخارج وان
شهدوا بالقبض يجعل شراء الخارج سابقا فيسلم لذي اليد وجه قول محمد رحمه الله أن البينات
حجج فمهما أمكن العمل بالبينتين لا يجوز ابطال شئ منها كالحجج الشرعية وهنا العمل
بالبينتين ممكن أما إذا لم تشهد الشهود بالقبض فامكان العمل بها في جعل شراء ذي اليد سابقا
لأنا لو جعلنا شراء الخارج سابقا لم يصح بيعه من بائعه قبل القبض ولان قبض ذي اليد
صادر عن عقده الذي أثبته بالبينة وذلك دليل سبق عقده فان شهد الشهود بالقبض يجعل عقد
الخارج سابقا لان انقضاء قبضه دليل سبق عقده وقيام قبض الآخر دليل تأخر عقده ولأنا
لو جعلنا عقد ذي اليد سابقا كان قبضه غصبا حراما ولو جعلنا عقده متأخرا كان قبضه بحق
فلهذا أثبتنا التاريخ بين العقدين بهذه الصفة وهذا عمل بالدليل وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله
60

قال كل واحد منهما بدعوى الشراء أثبت اقرار صاحبه بالملك له فكل بائع مقر بوقوع الملك
للمشترى فكان هذا بمنزلة ما لو أقام كل واحد منهما البينة على اقرار صاحبه بالملك له ولو كان
كذلك تهاتر الاقرار لان الثابت من الاقرارين بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو عاين اقرار كل
واحد منهما بالملك لصاحبه معا بطل الاقراران جميعا فهذا مثله لمعنى أن شهود كل واحد
منهما لم يشهدوا بالتاريخ فكل أمرين ظهر أولا يعرف سبق أحدهما جعل كأنهما وقعا معا
فلا يجوز اثبات التاريخ بينهما لأنه قضاء بما لم تشهد به الشهود فإذا جعلنا كالواقع معا بطلا
للمنافاة بينهما وإنما يعتبر امكان العمل بالبينتين بما شهدوا به دون ما لم يشهدوا به فان وقت
الشهود وقتين فهذا على وجهين إما أن يكون وقت الخارج سابقا أو وقت ذي اليد وكل
وجه على وجهين اما أن تشهد الشهود بالقبض أو لم يشهدوا به فإن كان وقت الخارج سابقا فإن لم
تشهد الشهود بالقبض قضى بها لذي اليد عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله لان شراءه
ثبت سابقا ثم اشتراه منه ذو اليد قبل التسليم وبيع العقار قبل القبض عندهما جائز وعند
محمد رحمه الله يقضي بها للخارج لأنه لا يجوز بيع العقار قبل القبض وان شهد الشهود بالقبض
يقضى بها لذي اليد عندهم جميعا لان الخارج باعها من بائعه بعد ما قبضها وذلك صحيح وإن كان
وقت ذي اليد سابقا يقضى بها للخارج سواء كان الشهود شهدوا بالقبض أو لم يشهدوا أما إذا
شهدوا بالقبض فلا اشكال وكذلك إن لم يشهدوا به لان ذا اليد قابض وقد ثبت شراؤه
سابقا فيجعل قبضه صادرا لا عن عقده ثم الخارج إنما اشتراها منه بعد قبضه فيؤمر بتسليمها
إليه. قال أمة في يد رجل فأقام رجل البينة على الشراء منه وأقامت الأمة البينة على العتق أو التدبير
فان بينتها أولى لان كل واحد من البينتين موجب للحق بنفسه والعتق أقوى فإنه لا يحتمل النقض
بعد وقوعه وكذلك التدبير بخلاف الشراء ولان العبد بالعتق يصير قابضا لنفسه ولان العتق
ينفرد به المعتق والشراء لا يتم الا بالايجاب والقبول وكان العتق والتدبير سابقا من هذا الوجه
ولو استويا لم يمكن القضاء بالشراء لاقران العتق به فان معتق البعض لا يحتمل البيع فلهذا جعلنا
بينتها أولى وان وقتت البينتان فأولهما أولاهما إن كان العتق أولا فغير مشكل وإن كان
الشراء أولا فلان المشترى أثبت الملك لنفسه في وقت لا تنازعه الأمة فيه ثم هي أثبتت العتق
والتدبير من غير المالك وذلك لا يوجب لها حقا ولو وقتت بينة الشراء ولم توقت بينة العتق
أو التدبير كان العتق والتدبير أولى لما بينا أن العتق والتدبير يقع مسلما بنفسه فوجد القبض
61

في أحد الجانبين والوقت في الجانب الآخر وكان القبض أولى فإن كان المشتري قد قبضه
فهو أولى لان تمكنه من القبض دليل سبق عقده ولان قبضه معاين وقبض الآخر ثابت
حكما فكان المعاين أولى وحمل فعل المسلم على الصحة والحل واجب ما أمكن إلا أن تقوم
البينة أن العتق أول أو وقتوا وقتا يعرف أنه أول فحينئذ يكون العتق أولي لانعدام مزاحمة
المشترى في ذلك الوقت وكذلك إن لم يوقت بينة الشراء إلا أن المشترى قد قبضه فهو أولى
لما بينا أن قبضه دليل تقدم عقده إلا أن تقوم البينة أن العتق أول وكذلك الهبة والصدقة
مع العتق في جميع ما ذكرنا من التفريع لان الهبة والصدقة مع القبض موجبة للملك
كالشراء، ولو كانت الدار أو الأمة في يد رجل فأقام آخر البينة أن ذا اليد وهبها له وقبضها
منه وأقام ذو اليد البينة على المدعي بمثل ذلك فإنه يقضى بها لذي اليد أما عند أبي حنيفة
وأبي يوسف رحمهما الله لتهاتر البينتين كما بينا وعند محمد رحمه الله لان الشهود شهدوا بالقبض
فانقضى وقبض الخارج دليل سبق عقده وقيام قبض ذي اليد دليل بآخر عقده. ولو ادعى
رجل أنه اشترى الأمة من ذي اليد بألف درهم وانه أعتقها وأقام البينة وأقام آخر البينة على
الشراء منه أيضا فإنه يقضى بها لصاحب العتق لأنه سببه يتأكد بالعتق حتى لا يحتمل
النقض ولان العتق قبض منه فان المشترى إذا أعتق المبيع قبل القبض يصير قابضا وقد بينا
أن أحد المشتريين إذا أثبت القبض كان هو أولى ولو ادعى رجل هبة مقبوضة وادعى
الآخر صدقة مقبوضة وأقام البينة فان وقتت احدى البينتين ولم توقت الأخرى قضيت
بها لصاحب الوقت لان كل واحد منهما أثبت سبب ملك حادث فإنما يحال بحدوثه على
أقرب الأوقات وقد أثبت أحدهما تاريخا سابقا بالتوقيت فيقضى بها له وان كانت في يد
من لم يوقت شهوده قضيت بها له لان قبضه دليل سبق عقده وهو دليل معاين والوقت
في حق الآخر مخبر به وليس الخبر كالمعاينة إلا أن يقيم الآخر البينة أنه أول فحينئذ يكون
هو أولى لا ثبات الملك في وقت لا ينازعه فيه صاحبه وإن لم يكن هناك تاريخ ولا قبض
معاين لأحدهما ففيما لا يقسم يقضي بينهما نصفان لاستوائهما في سبب الاستحقاق وفيما
يحتمل القسمة كالدار ونحوه تبطل البينتان جميعا إذا لم يكن فيها ما يرجح إحداهما من قبض
أو تاريخ لأنا لو عملنا بها قضينا لكل واحد منهما بالنصف الآخر والهبة والصدقة في مشاع
تحتمل القسمة لا تجوز قيل هذا على قول أبي حنيفة رحمه الله فأما على قول أبى يوسف
62

ومحمد رحمهما الله ينبغي أن يقضى لكل واحد منهما بالنصف على قياس هبة الدار من رجلين
وقيل ينبغي على قولهم جميعا أن يقضي لكل واحد منهما بالنصف لان كل واحد منهما
أثبت قبضه في الكل ثم الشيوع بعد ذلك طارئ وذلك لا يمنع صحة الهبة والصدقة والأصح
أن المذكور في الكتاب قولهم جميعا لأنا لو قضينا لكل واحد منهما بالنصف إنما يقضى
بالعقد الذي شهد به شهوده وعند اختلاف العقدين لا تجوز الهبة من رجلين عندهم جميعا
وإنما يثبت الملك بقضاء القاضي ويمكن الشيوع في الملك المستفاد بالهبة مانع صحتها. وإذا
اختصم رجلان في دابة أو عرض من العروض كائنا ما كان وهو قائم بعينه فان القاضي
لا يسمع من واحد منهما البينة والدعوى حتى يحضرا ذلك الذي اختصما فيه لان اعلام
المدعي شرط لصحة الدعوى والشهادة وتمام الاعلام بالإشارة إلى العين واحضار ما ينقل يتسر
فيؤمر ذو اليد باحضاره ولا يقال كيف كلف احضاره ولم يثبت الاستحقاق عليه لان بالاجماع
يكلف الحضور بنفسه وإن لم يثبت عليه شئ بعد نظرا للمدعى ليتمكن من اثبات حقه فكذلك
يكلف باحضار العين إذ ليس عليه فيه كثير ضرر إلا أن يكون المدعى عقارا فحينئذ احضاره
متعذر فيقام ذكر الحدود في الدعوى والشهادة مقام الإشارة إلى العين لأنه هو المتيسر
والواجب من التعريف في كل محل القدر المتيسر وهو نظير ذكر الاسم والنسب في حق
الغائب والميت وإن كان العين المدعى مستهلكا فحينئذ يتعذر احضاره فيقام ذكر الوصف والقيمة
مقام الإشارة إلى العين في صحة الدعوى والشهادة ولان المدعى هنا في الحقيقة دين في الذمة
وهو القيمة فاعلامه بذكر صفته وقيمته والله أعلم
(باب الدعوى في النتاج)
(قال رحمه الله دابة في يد رجل ادعاها آخر أنها دابته نتجها عنده وأقام البينة على ذلك
وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك قضى بها لذي اليد استحسانا) وفى القياس يقضى بها للخارج
وهو قول ابن أبي ليلى رحمه الله ووجهه أن مقصود كل واحد منهما اثبات الملك حتى لا يصير
خصما الا بدعوى الملك لنفسه وفيما هو المقصود بينة ذي اليد لا تعارض بينة الخارج كما بينا
في دعوى الملك المطلق ولا فرق بينهما فان إقامة البينة على الملك المطلق توجب الاستحقاق من
الأصل كإقامة البينة على النتاج الا انا استحسنا للأثر وهو ما رواه أبو حنيفة رحمه الله عن
63

الهيثم عن رجل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رجلا ادعى ناقة بين يدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم على رجل وأقام البينة انها ناقته نتجها وأقام ذو اليد البينة انها دابته نتجها
فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها للذي هي في يديه ولان يد ذي البينة لا تدل على
أولوية الملك فهو يثبت ببينته ما ليس بثابت فوجب بظاهر يده فوجب قبول البينة ثم تترجح
بيده بخلاف الملك المطلق فان هناك لا يثبت ببينته الا ما هو ثابت له بظاهر يده فوجب
قبول بينته ومعنى هذا الكلام وهو أن حاجة ذي اليد إلى دفع بينة الخارج وفى اقامته البينة
على النتاج ما يدفع بينة الخارج لان النتاج لا يتكرر فإذا أثبت أنه نتجها اندفع استحقاق
الخارج ضرورة فاما في الملك المطلق فليس في بينته ما يدفع بينة الخارج لان ملكه في الحال
لا يبقى ملكا كان للخارج فيه من قبل فلهذا عملنا بينة الخارج هناك وكان عيسى بن ابان رحمه
الله يقول الطريق عندي في النتاج تهاتر البينتين لتيقن القاضي بكذب أحدهما إذ لا تصور
لنتاج دابة من دابتين فإنما يقضى بها لذي اليد فصار ترك لتهاتر البينتين وهذا ليس بصحيح
فقد ذكر في الخارجين أقام كل واحد منهما البينة على النتاج إنما يقضى بها بينهما نصفين ولو
كان الطريق ما قال لكان يترك في يد ذي اليد وكذلك لو كانت الشاة المذبوحة في يد أحدهما
وسقطها في يد الآخر وأقام كل واحد منهما البينة على النتاج فيما يقضى بها وبالسقط لمن في
يده أصل الشاة ولو كان الطريق تهاتر البينتين لكان يترك في يد كل واحد منهما ما في يده
ولا معنى لقوله بان القاضي تيقن بكذب أحد الفريقين لان الشهادة على النتاج ليس بمعاينة
الانفصال في الأم بل بدونه الفصيل يتبع الناقة فكل واحد من الفريقين اعتمد سببا صحيحا
لأداء الشهادة فيجب العمل بها ولا يصار إلى التهاتر بمنزلة شهادة الفريقين على الملكين. وكذلك
لو كانت الدعوى في العبد والأمة وأقام كل واحد منهما البينة على الولادة في ملكه فهذا
والنتاج في الدابة سواء. وكذلك إذا أقام كل واحد منهما البينة انه ثوبه نسجه فان النسج في
الثوب يوجب أولوية الملك فيه وهو لا يتكرر كالنتاج في الدابة إلا أن يكون الثوب بحيث
ينسج مرة بعد مرة كالخز ينسج ثم ينكث فيغزل ثانيا فحينئذ يقضى به للخارج والحاصل أن
النتاج مخصوص من القياس بالسنة فلا يلحق به الا ما في معناه من كل وجه فاما ما ليس في معناه
الا من بعض الوجوه لا يلحق به لأنه لو ألحق به كان بطريق القياس ولا يقاس على المخصوص
من القياس لان قياس الأصل يعارضه وكل قياس لا ينفك عما يعارضه فهو باطل إذا ثبت هذا
64

فنقول ما لا يتكرر فهو في معنى النتاج من كل وجه فيلتحق به ويكون اثبات الحكم فيه
بدلالة النص وما يتكرر ليس في معنى النتاج من كل وجه فيعاد فيه إلى أصل القياس. قال
ولو ادعى الدابة خارجان أقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها عنده ويقضى بها بينهما
نصفين لاستوائهما في سبب الاستحقاق فان وقتت بينة أحدهما ولم توقت بينة الآخر وهي
مشكلة السن قضى بها بينهما نصفين لان الذي لم يوقت أثبت ملكه فيها من حين وجدت
والملك لا يسبق الوجود فلم يكن التوقيت مفيدا شيئا في حق من وقته إذا كانت مشكلة
السن فكان ذكره كعدم ذكره فإن كان السن على أحد الوقتين وقد وقتت بينة كل واحد
منهما وقتا قضيت بها لمن وافق توقيته سن الدابة ولا عبرة بالأول والآخر لان علامة الصدق
ظهرت في شهادة من وافق سن الدابة توقيته وعلامة الكذب تظهر في شهادة الفريق الآخر
فيقضى بالشهادة التي ظهر فيها علامة الصدق وان كانت على غير الوقتين أو كانت مشكلة
قضيت بها بينهما نصفين من مشايخنا رحمهم الله من قال جمع في السؤال بين الفصلين ثم أجاب
عن أحدهما وهو ما إذا كانت مشكلة فأما إذا كان سنها على غير الوقتين يعلم ذلك ظهر بطلان
البينتين على قياس ما تقدم إذا كان المدعى واحدا ووقت شهوده الملك منذ عشر سنين وهي
بنت ثلاثين سنة أن بينته باطلة فكذلك هنا إذا كان سنها على غير الوقتين فقد علم القاضي بمجازفة
الفريقين وكذبهما في الشهادة وقد فعل محمد رحمه الله مثل هذا في الكتب جمع بين السؤالين
ثم أجاب عن أحدهما وترك الآخر في النكاح والإجارات وغيرهما أو يكون معنى قوله أو
كانت مشكله أو تأتي بمعنى الواو قال الله تعالى أو يزيدون معناه ويزيدون فهنا أيضا معناه إذا
كان علي غير الوقتين وكانت مشكله فحينئذ الجواب صحيح والأصح أن يقول جوابه صحيح
للفصلين أما إذا كانت مشكلة فلا شك فيه وكذلك إذا كانت على غير الوقتين لان اعتبار ذكر
الوقت لحقهما وفى هذا الموضع في اعتباره ابطال حقهما فيسقط اعتبار ذكر الوقت أصلا وينظر
إلي مقصودهما وهي اثبات الملك في الدابة وقد استويا في ذلك فوجب القضاء به بينهما نصفان
لأنا لو اعتبرنا التوقيت بطلت البينتان وبقيت في يد ذي اليد وقد اتفق الفريقان على
استحقاقهما على ذي اليد فكيف يترك في يده مع قيام حجة الاستحقاق عليه وان أقام ذو اليد
البينة على النسج والثياب والنتاج والملك له وأقام الخارج البينة على مثل ذلك قضيت بها لذي
اليد على المدعى لان البينتين استويا فيترجح ذو اليد بحكم يده وان وقتت البينتان في الدابة
65

وقتين فإن كانت الدابة علي وقت بينة المدعى قضيت بها له لان علامة الصدق ظهرت في
شهادة شهوده وعلامة الكذب ظهرت في شهادة شهود ذي اليد وان كانت الدابة على وقت
بينة ذي اليد أو كانت مشكلة قضيت بها لذي اليد إما لظهور علامة الصدق في شهوده أو
لسقوط اعتبار التوقيت إذا كانت مشكلة. قال وإذا كان الثوب في يد رجل فأقام خارج
البينة أن ثوبه نسجه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك فإن كان يعلم أن مثل هذا لا ينسج الا مرة
فهو لذي اليد وإن كان يعلم أنه ينسج مرة بعد مرة فهو للخارج لان هذا ليس في معنى النتاج
وإن كان مشكلا لا يستبين أنه ينسج مرة أو مرتين قضيت به للمدعى وهذا قول محمد رحمه
الله وفى بعض نسخ الأصل. قال وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله ولا خلاف بينهم في الحاصل
وكان المعنى فيه أنه ليس في معنى النتاج لان النتاج يعلم أنه لا يكون الا مرة فما يكون الا
مشكلا لا يكون في معنى ما هو معلوم حقيقة من كل وجه فيؤخذ فيه بأصل القياس
ويقضى به للمدعى. وكذلك أن كانت المنازعة في نصل سيف وأقام كل واحد منهما البينة أنه
سيفه ضربه فإنه يسأل أهل العلم بذلك من الصياقلة لان هذا مشكل على القاضي فيسأل
عنه من له علم به لقوله تعالى فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون وقال النبي صلى الله عليه
وسلم لا تنازعوا الامر أهله فان قالوا لا يضرب الا مرة يقضى به لذي اليد وان قالوا يضرب
مثله مرتين أو أشكل عليهم فلم يعرفوا يقضى به للمدعي لان هذا ليس في معنى النتاج من كل
وجه. قال ولو كانت الدعوى في غزل بين امرأتين يقضي به للذي هو في يديها لان القطن
لا يغزل الا مرة فكان هذا في معنى النتاج وبهذه المسألة استدلوا على أن من غصب قطنا فغزله
بملكه فان المذكور في كتاب الغصب إذا غزله ونسجه ولم يذكر هذا الفصل ولما جعله هنا
في معنى النتاج من كل وجه والنتاج سبب لأولية الملك في الدابة عرفنا أن الغزل سبب
لأولية الملك في المغزول للذي غزله وفى الشعر إذا كان مما ينقض ويغزل يقضى به للمدعى
وكذلك المرعزى لأنه ليس في معنى النتاج وكذلك في الحلي يقضى به للمدعى لأنه يصاغ
مرتين فان أقاما البينة على خطة الدار قضيت بها للمدعى لان الخطة قد تكون غير مرة فإنه
عبارة عن قسمة الامام عند الفتح يخط لكل واحد من الغانمين خطا في موضع معلوم يملكه
ذلك بالقسمة فيكون خطه له وهذا وهذا قد يكون غير مرة بان يرتد أهلها وتصير محكومة
بأنها دار الشرك لوجود شرائطها ثم يظهر عليها المسلمون ثانية فيقسمها الامام بالخط لكل واحد
66

منهم كما بينا. قال وان كانت الدعوى في صوف فأقام كل واحد منهما البينة أن له جزة من
غنمه فإنه يقضى به لذي اليد لان الجز لا يكون الا مرة واحدة وكذلك المرغزى والجز
والشعر فكان هذا في معنى النتاج فان (قيل) كيف يكون الجز في معنى النتاج وهو ليس بسبب
لأولية الملك فان الصوف وهو على ظهر الشاة كان مملوكا له فكان مالا ظاهرا قبل الجز
(قلنا) نعم ولكن كان وصفا للشاة ولم يكن مالا مقصودا الا بعد الجز ولهذا لا يجوز بيعه قبل
الجز وأن ما تنازعا فيه مال مقصود قال وإذا كانت الأرض والنخل في يد رجل فأقام آخر
البينة أنه نخله وأرضه وانه غرس هذا النخل فيها وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك يقضى
بها للمدعى وكذلك الكروم والشجر لان أصل المنازعة في ملك الأرض فان النخل بمنزلة
البيع للأرض حتى يدخل في بيع الأرض من غير ذكر وليس لواحد منهما في الأرض معين
النتاج ولان النخل يفرس غير مرة فقد يغرس الثالثة انسان ثم يقلعها غيره ويغرسها فلم يكن
في معنى النتاج وان كانت الدعوى في الحنطة وأقام كل واحد منهما البينة انها حنطة زرعها
في أرضه قضيت بها للمدعي لان الزرع قد يكون غير مرة فان الحنطة قد تزرع في الأرض
ثم يغربل التراب فيميز الحنطة ثم تزرع ثانية فلم يكن هذا في معنى النتاج. وكذلك لو كانت
أرض فيها زرع فأقام كل واحد منهما البينة أن الأرض والزرع له وانه زرعها يقضى بها
للمدعى لان أصل المنازعة في ملك الأرض وليس لواحد منهما فيها معنى النتاج. وكذلك قطن
أو كتان في يد رجل أقام هو مع خارج كل واحد منهما البينة أنه له زرعه في أرضه فإنه
يقضى به للمدعي لما بينا أن الزرع قد يكون غير مرة. وكذلك كل ما يزرع مما يكال أو يوزن
قال وهذا لا يشبه الصوف والمرعزى لان الرجل قد يزرع في أرضه غيره ويكون للزارع
ولا يستحقه رب الأرض بخروجه من أرضه وأما الصوف والمرعزى لا يكون الا لصاحب
الغنم فمن ضرورة كون الشاة التي في يد ذي اليد مملوكة له أن يكون الذي جز منها مملوكا له
وليس من ضرورة كون الزرع في أرض هي مملوكة لذي اليد أن يكون الزرع مملوكا له
ولان الجز في معنى النتاج والزرع ليس في معناه لاحتمال التكرر فلهذا قضينا به للمدعى
. قال ولو كان القطن شجرا ثابتا في أرض في يد رجل فأقام آخر البينة أنها أرضه وانه زرع
هذا القطن فيها وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك يقضى بها للمدعى لان أصل المنازعة في
الأرض وليس لواحد منهما فيها معنى النتاج وكذلك لو كانت هذه المنازعة في دار وأقام كل
67

واحد منهما البينة انها داره بناها بماله يقضى بها للمدعى لان البناء يكون مرة بعد مرة ولم
يكن في معنى النتاج قال ولو كانت أمة في يد رجل ادعاها آخر أنها أمته وانها ولدت عنده
في ملكه من أمته في يديه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك يقضى بها لذي اليد لان الولادة
في بني آدم كالنتاج في البهائم ولو كان المدعى أقام البينة على أمها التي عند المدعى عليه أنها أمته
وأنها ولدت هذه في ملكه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك قضيت بها وبأمها للمدعى لان
أصل الدعوى في الأم وليس لواحد منهما فيها معني النتاج فوجب القضاء بها للمدعي ثم الولد
يملك بملك الأم وكان من ضرورة القضاء بالأم للمدعى القضاء بالولد له وكذلك لو كانت
الدعوى في صوف فأقام المدعى البينة انه جزه من شاته هذه وهي في ملكه وأقام ذو اليد
البينة على مثل ذلك من شاة أخرى في يده قضيت بها لذي اليد ولو أقام المدعي البينة على
الشاة انها في يد المدعى عليه أنها شاته وانه جز هذا الصوف في ملكه منها وأقام ذو اليد
البينة علي مثل ذلك قضيت بها للمدعى لان الدعوى في أصل الشاة فإنما أثبت كل واحد
منهما بالبينة الملك المطلق فيها فتترجح بينة المدعى ثم الصوف يملك بملك الأصل فان (قيل) قد
يكون الصوف والولد لغير صاحب الأصل بأن يوصى بما في بطن جاريته للانسان وبرقبتها
لآخر أو يوصى بالشاة لإنسان وبصوفها لآخر (قلنا) لا كذلك فالولد والصوف يملك بملك الأصل
إلا أن يملك غيره بسبب ينشئه مالك الأصل من وصية أو غيره قال عبد في يدي رجل فأقام
آخر البينة أنه عبده ولد في ملكه من أمته هذه ومن عبده هذا وأقام ذو اليد البينة على
مثل ذلك فإنه يقضي به للذي هو في يديه لاثباته أولية الملك لنفسه فيه فيكون ابن عبده
وأمته دون ابن عبد الآخر وأمته لان بينته لما ترجحت بالقضاء بالملك صارت البينة الأخرى
مدفوعة لا يقضي بها بالنسب كما لا يقضى بها بالملك وان أقام الخارج البينة أنه عبده اشتراه
من فلان وأنه ولد في ملك بائعه وأقام ذو اليد البينة أنه عبده اشتراه من فلان آخر وأنه
ولد في ملكه قضى به لذي اليد لان كل واحد منهما خصم في اثبات نتاج بائعه كما هو
خصم في اثبات ملك بائعه ولو حضر البائعان وأقام البينة على النتاج كان ذو اليد أولى فهذا
مثله وكذلك لو أقام الخارج البينة على نتاج بائعه وأقام ذو اليد البينة على النتاج في ملكه
فبينة ذي اليد أولى لما بينا وكذلك لو أقام البينة على وراثة أو وصية أو هبة مقبوضة من
رجل وأنه ولد في ملك ذلك الرجل لأنه يتلقى الملك من جهة مورثه وموصيه فيكون خصما
68

عنه في اثبات نتاجه ولو كان عبد في يدي رجل فأقام آخر البينة انه عبده ولد في ملكه
ولم يسموا أمه وأقام آخر البينة انه عبده ولد عنده من أمه هذه فإنه يقضى للذي أمه في
يديه لان البينات تترجح بزيادة الاثبات وفي بينة من عين أمه زيادة وهو اثبات نسبه من
أمه فيترجح بذلك فان شهد الشهود لذي اليد أنه له ولد في ملكه من أمته هذه لامة أخرى
قضى به لذي اليد لان بينة الخارج في الولادة لا تعارض بينة ذي اليد سواء حصل من
واحدة أو من اثنتين فأما أمه فإنه يقضى بها للذي العبد في يده الذي أقام البينة عليه لأنه لا مزاحم
له في الأم بحجة يقيمها على اثبات الملك فيه فلهذا قضيت بها للذي العبد في يديه الذي أقام البينة
قال وإن كان عبد في يد رجل فأقام آخر البينة أنه عبده ولد في ملكه من أمته هذه ومن عبده
هذا وأقام آخر البينة على مثل ذلك فإنه يقضى بها بينهما نصفان لاستوائهما في الحجة على الولادة
في الملك ثم قال ويكون الابن من الأمتين والعبدين جميعا فاما ثبوت نسبه من العبدين فهو على
قول علماؤنا وعلى قول الشافعي رحمه الله لا يثبت نسب الولد من رجلين بحال حرين كان أو
عبدين ادعيا لقيطا أو ولد جارية بينهما ولكنه يرجع إلى قول القائف فإنهما قالا القائف انه ابنه
يثبت النسب منه وإن كان موضعا لا يوجد القائف فيه يقرع بينهما ويقضى بالنسب لمن خرجت
قرعته واحتج في المنع من ثبوت النسب من اثنين أن ثبوت نسب المولود من الوالد بكونه
مخلوقا من مائه ونحن نتيقن أنه غير مخلوق من ماء رجلين لان كل واحد منهما أصل للولد
كالأم بمنزلة البيض للفرخ والحب للحنطة فكما لا يتصور فرخ واحد من سنبلة واحدة من
حبتين فكذلك لا يتصور ولد واحد من مائين وهذا لان وصول المائين إلى الرحم في وقت
واحد لا يتصور وإذا وصل أحد المائين في الرحم ينسد فم الرحم فلا يخلص إليه الماء الثاني فإذا
تعذر القضاء بالنسب منهما جميعا يرجع إلى قول القائف لحديث عائشة رضي الله عنها قالت دخل
على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسارير وجهه تبرق من السرور وقال أما ترين يا عائشة
أن مجزر المدلجي مر بأسامة وزيد وهما نائمان تحت لحاف واحد قد غطيا رؤسهما وبدت اقدامهما
فقال هذه الاقدام بعضها من بعض فسرور رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول القائف دليل
على أن قوله حجة في النسب ولان القائف يعتبر الشبه وللشبه في الدعاوى عبرة كما قلتم في متاع
البيت إذا اختصم فيه الزوجان فما يصلح للرجال فهو للرجل وما يصلح للنساء فهو للمرأة وكذلك
إذا اختلف الآجر والمستأجر في ملك لوح موضوع في الدار فإن كان تصاويره تشبه تصاوير
69

ما في السقف وموضعه ظاهر فالقول قول الآجر وإن كان يخالف ذلك فالقول قول المستأجر
وفي الموضع الذي لا يوجب القائف يسار إلى الاقراع كما هو مذهبه في جواز استعمال القرعة
لتعيين المستحق عند الاقرار وقد استعمله علي رضي الله عنه في دعوى النسب حين كان
باليمن * وحجتنا في ابطال المصير إلى قول القائف ان الله تعالى شرع حكم اللعان بين الزوجين
عند نفى النسب ولم يأمر بالرجوع إلى قول الفائق فلو كان قوله حجة لامر بالمصير إليه عند
الاشتباه ولان قول القائف رجم بالغيب ودعوى لما استأثر الله عز وجل بعلمه وهو ما في
الأرحام كما قال الله تعالى ويعلم ما في الأرحام ولا برهان له على هذه الدعوى وعند انعدام
البرهان كان في قوله قذف المحصنات ونسبة الأولاد إلى غير الآباء ومجرد الشبه غير معتبر
فقد يشبه الولد أباه الأدنى وقد يشبه الأب الأعلى الذي باعتباره يصير منسوبا إلى الأجانب
في الحال واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه رجل فقال أنا أسود شديد
السواد وقد ولدت امرأتي ولد أبيض فليس منى فقال صلى الله عليه وسلم هل لك من
إبل فقال نعم فقال صلى الله عليه وسلم ما لونها قال حمر فقال صلى الله عليه وسلم هل فيها من
أورق فقال نعم فقال صلى الله عليه وسلم من ذاك فقال لعل عرق نزع أو فقال صلى الله
عليه وسلم ولعل هذا عرقا نزع فبين النبي صلى الله عليه وسلم انه لا عبرة للشبه وفى متاع البيت
عندنا الترجيح بالاستعمال لا بالشبه وفى اللوح الترجيح بالظاهر لا بالشبه (ألا ترى) أن إسكافا
وعطارا لو تنازعا في أداة الأساكفة لا يترجح الإسكاف بالشبه وثبوت نسب أسامة رضي الله عنه
كان بالفراش لا بقول القائف إلا أن المشركين كانوا يطعنون في ذلك لاختلاف لونهما
وكانوا يعتقدون ان عند القافة علم بذلك وان بنى المدلج هم المختصون بعمل القيافة ومجز ريشهم
فلما قال ما قال كان قوله رد الطعن المشركين فإنما سر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا لا لان
قول القائف حجة في النسب شرعا فاما الدليل على اثبات النسب منهما حديث عمر وعلي رضي الله عنه
ما حين قال في هذه الحادثة ان لبسا فلبس عليهما ولو بينا لبين لهما هو أبنهما يرثهما
ويرثانه وهو للباقي منهما والمعنى فيه أنهما استويا في سبب الاستحقاق والمدعى قابل للاشتراك
فيستويان في الاستحقاق وبيان ذلك أن ثبوت النسب من الرجل باعتبار الفراش لا بحقيقة
انخلاقه من مائه لان ذلك لا طريق إلى معرفته ولا باعتبار الوطئ لأنه سر عن غير الواطئين
فأقام الشرع الفراش مقامه تيسيرا فقال صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وكل واحد من البينتين
70

يعتمد على ما علم به من الفراش والحكم المطلوب من النسب الميراث والنفقة والحضانة والتربية
وهو يحتمل الاشتراك فيقضي به بينهما وهو الجواب عن قوله انه لا يتصور خلاق الولد
من المائين فان السبب الظاهر متى أقيم مقام المعنى الخفي تيسيرا سقط اعتبار معنى الباطن
مع أن ذلك يتصور بأن يطأها أحدهما فلا يخلص الماء إلى أحدهما حتى يطأها الثاني فيخلص
الماءان إلى الرحم معا ويختلط الماءان فيتخلق منهما الولد بخلاف البيضتين والحبتين لأنه لا
تصور للاختلاط فيهما. قال وإن كان المدعى للنسب أكثر من اثنين فعلى قول أبي حنيفة
رحمة الله يثبت منهم وان كثروا أخذا بالقياس كما قررنا وعند أبي يوسف رحمه الله لا يثبت
فيما زاد على المثنى لان ثبوته من اثنين بحديث عمر وعلي رضي الله عنهما ففيما زاد على ذلك
يوجد بأصل القياس الذي قرره الخصم لاستحالة اثبات نسب من عشرة أو أكثر ومحمد
رحمه الله يقول يثبت من ثلاثة لأنها أدنى الجمع ولا نهاية للزيادة على الثلاثة فالقول به يؤدى
إلى التفاحش فاعتبرت أدنى الجمع وقلت يثبت من ثلاثة ولا يثبت من أكثر من ذلك فأما
في الأمتين يثبت النسب عند أبي حنيفة رحمه الله وكذلك من الحرتين إذا ادعتا لقيطا
وأقامتا البينة وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لا يثبت النسب من المرأتين بحال وحجتهما في
ذلك أن ثبوت النسب من المرأة بسبب انفصال الولد عنها ولهذا يثبت من الزانية وهذا
سبب معاين يوقف عليه فيعتبر حقيقته ولا تصور لانفصال ولد واحد من المرأتين فيتيقن
بكذب أحد الفريقين ولا يعرف الصادق من الكاذب فتبطل البينتان بخلاف الرجلين
فسبب ثبوت النسب من الرجل الفراش على ما قررنا وأبو حنيفة رحمه الله يقول نعم حقيقة
هذا النسب من امرأتين محال ولكن المقصود من النسب حكمه لا عينه وهو الحضانة
والتربية من جانب الأم وهذا الحكم قابل للاشترك فيقبل البينتان لاثبات الحكم ويكون
ذكر السبب كناية عن الحكم مجازا وهو نظير ما قاله أبو حنيفة رحمه الله فيمن قال لعبده
وهو أكبر سنا منه هذا ابني يعتق عليه وإن كان صريح كلامه محالا ولكن يجعل كناية عن
حكمه مجازا وما قالا يبطل بدعوى النتاج فان ولادة شاة واحدة من شاتين حقيقة محال ومع
ذلك إذا أثبت الخارجان ذلك بالبينة يقضى بالحكم المطلوب وهو الملك لأنه قابل للاشتراك
فهذا مثله. قال وإذا كان قباء محشوا في يد رجل فأقام رجل البينة أنه له قطعه وحشاه وخاطه في
ملكه وأقام ذو اليد البينة علي مثل ذلك فإنه يقضى به للمدعى لان الحشو والخياطة قد تكون
71

غير مرة فلم تكن في معنى النتاج وكذلك الحبة المحشوة والفرو وكل ما يقطع من الثياب والبسط
والأنماط والوسائد لان هذا مما يتكرر وكذلك الثوب المصبوغ بالعصفر أو الزعفران أو الورس
إذا أقام الخارج وذو اليد كل واحد منهما البينة على أن له صبغه في ملكه لان الثوب يصبغ
غير مرة وقد يصبغ على لون ثم يصبغ على لون آخر فلم يكن ذلك في معنى النتاج وكذلك
أواني الصفر والحديد يقضى به للمدعى إلا أن يعلم أنه لا يصبغ الا مرة فحينئذ يكون في معنى
النتاج وكذلك الأبواب والسرر والكراسي إذا أقام كل واحد منهما البينة انه يجره في ملكه فإن كان
ذلك لا يكون الا مرة واحدة يقضي به لذي اليد لأنه يكون في معنى النتاج فإن كأن يكون
غير مرة أولا يعلم يقضي بها للمدعي لأنه ليس في معنى النتاج وعلى هذا الخفاف والنعال
والقلانس قال ولو كانت الدعوى في سمن أو زيت أو دهن وأقام كل واحد منهما البينة
انه له عصره وسلاه في ملكه فإنه يقضى به لذي اليد لان هذا لا يكون الا مرة واحدة فهو
في معنى النتاج وكذلك السويق والعصير والخل والجبن وأشباه ذلك وأما الشاة المسلوقة إذا
أقام كل واحد منهما البينة انها شاته ضحى بها وسلخها فإنه يقضى بها للمدعى لان الذبح والسلخ
ليس بسبب للملك (ألا ترى) ان الغاصب لا يملك به فلم يكن هذا في معنى النتاج في اثبات
أولية الملك به فلهذا قضينا به للمدعى. قال وان أقام خارجان البينة دعوى الدابة أحدهما على الملك
المطلق والآخر على النتاج فإنه يقضى بها لصاحب النتاج لاثباته أولية الملك لنفسه فإنها لا تتملك
الا من جهته والآخر لا يدعي تملكها من جهته وفي الكتاب قال عن شريح رحمه الله الناتج
أحق من العارف يعنى بالعارف الخارج الذي يدعى ملكا مطلقا ولو كانت الدعوى في لحم
مشوي أو سمكه مشوية وأقام الخارج وذو اليد كل واحد منهما البينة أنه شواه في ملكه
يقضى بها للمدعي لان الشئ قد يكون غير مرة فان اللحم يشوى ثم يعاد ثانيا فلم يكن في
معنى النتاج وكذلك المصحف إذا أقام كل واحد منهما البينة انه مصحفه كتبه في ملكه
يقضى به للمدعى لان الكتابة ليست بسبب للملك ولكنه قد يتكرر يكتب ثم يمحى ثم يكتب
فلهذا قضينا به للمدعى. قال ولو كانت الدعوى في أمة فأقام أحد الخارجين البينة أنها أمته
ولدت في ملكه وأقام آخر البينة أنها أمته سرقت منه فإنه يقضى بها لصاحب الولادة وكذلك
لو شهد شهود السرقة أنها أمته أبقت منه أو غصبها إياه ذو اليد فهي لصاحب الولادة لان
في بينته اثبات أولية الملك وليس في البينة الأخرى ذلك فكان استحقاقه سابقا وكذلك في
72

الدابة إذا شهد شهود أحدهما بالنتاج وشهود الآخر أنها دابته أجرها من ذي اليد أو أعارها
أو رهنها إياه فهي لصاحب النتاج لان في شهادة شهوده دليل سبق ملكه. قال وإذا كان الثوب
في يد رجل فأقام آخر البينة انه نسجه ولم يشهدوا انه له لم يقض له به لأنه لم يشهدوا له بالملك
نصا فقد ينسج الانسان ثوب الغير بإذنه ولا يملكه كالنساج ينسج ثياب الناس. وكذلك لو
أقام البينة في دابة انها نتجت عنده أو في أمة انها ولدت عنده فليست هذه اللفظة شهادة بالملك
للمدعى فلا يستحق به شيئا. وكذلك لو شهدوا انها ابنت أمته فليس في هذا اللفظ شهادة
بالملك له إنما فيه شهادة بالنسب (ألا ترى) انه قد يشترى أمة ولها ابنت في يد غيره فهي
ابنت أمته ولا تكون مملوكة له أو بشئ بعد الانفصال عنها فهي ابنت أمته ولا تكون
مملوكة له. وكذلك لو شهدوا على ثوب انه غزل من قطن فلان ونسج لم يقض له به لان ملك
القطن لا يكون سببا لملك الغزل والثوب وان الغاصب إذا غزل القطن ونسجه كان الثوب
مملوكا له وإن لم يكن مالكا للقطن والمغصوب منه كان مالكا للقطن ولا يملك الثوب به فليس
في هذا اللفظ شهادة بالملك له نصا فان قال أنا أمرته أن يغزل وينسج قضى له بالثوب
لان عمل الغير بأمره كعمله بنفسه والذي غزله ونسجه بإنكاره الامر يدعى بملكه عليه فلا
يصدق الا بحجة. ولو شهدوا ان هذه الحنطة من زرع حصد من أرض فلان فأراد صاحب
الأرض أخذ الحنطة لم يكن له ذلك وفي رواية أبى حفص رحمه الله قال له أن يأخذ الحنطة
لأنهم أضافوا الأرض إليه ملكا ويدا فما في أرضه من الزرع يكون في يده وهذا بمنزلة شهادتهم
أنه أخذها من يده فيؤمر بالرد عليه وجه رواية أبى سليمان رحمه الله انهم ما شهدوا بالملك له
في الزرع إنما أضافوا الأرض إليه بالملكية وقد تكون الأرض مملوكة له والزرع الذي فيها
لغيره كمن غصب أرضا فزرعها وكذلك ما شهدوا باليد في الزرع ولا في الأرض نصا فإنه ليس
من ضرورة كون الأرض مملوكة له أن تكون في يده فلهذا لا يستحق شيئا. وكذلك لو
شهدوا أن هذه الحنطة من زرع كان في أرضه أو أن هذا التمر من نخل كان في أرضه وان
هذا الزبيب من كرم كان في أرضه لأنهم ما أضافوا ما وقع فيه الدعوى إليه ملكا ولا يدا وقد
يكون النخل والكرم في الأرض لغير صاحب الأرض ملكا ويدا ولو أقر بذلك الذي في
يديه أخذ به لإقراره بالأخذ من ملكه والاقرار بالأخذ من ملكه بمنزلة الاقرار بالأخذ من
يده فيؤمر بالرد عليه وهذا لان الاقرار يوجب الملك بنفسه قبل أن يتصل به القضاء فنوع
73

احتماله فيه لا يمنعنا من العمل بظاهره فأما الشهادة لا توجب الحق الا بقضاء القاضي وإنما
يقضى القاضي بالمشهود به فإذا لم يكن في الشهادة تنصيص علي ملك أو يد للمدعي فالمدعى
لا يقضى به له * توضيح الفرق ان في اقراره بيان انه كان في يده فكأنه قال كان في يد هذا
أمس فيؤمر بالرد عليه وفى الشهادة كذلك ولكن لو شهدوا أنه كان في يده أمس لا يستحق
به شيئا. قال وان شهدوا ان هذا التمر أخذه هذا من نخل فلان قضى له به بمنزلة ما لو شهدوا
أنه أخذه من يد فلأن لان المتصل بنخله من الثمر يكون في يده. ولو شهدوا انه خرج من
نخل فلان وهو يملكه أو أن هذا العبد ولدته أمة فلان وهو يملكها قضي له بجميع ذلك لأنهم
صرحوا بالولد من ملكه والمتولد من ملك الانسان يكون مملوكا له إلى أن يتملكه الغير بسبب
عارض من وصية أو غيرها فكان هذا وشهادتهم بالملك له في المدعا سواء وكذلك لو شهدوا
أن هذه الحنطة من زرع هذا لأنهم أضافوا إليه بالملكية وشهدوا أن هذه الحنطة جزء
منه فان من للتبعيض فكان هذا تنصيصا على الشهادة بالملك له في الحنطة وكذلك لو شهدوا
أن هذا الزبيب من كرم هذا وهذا التمر من نخل هذا قضى له به لشهادتهم بالتولد من
ملكه. ولو شهدوا أن فلانا غزل هذا الثوب من قطن فلان وهو يملك القطن ونسج الثوب
فانى أقضى علي الذي غزل مثل ذلك القطن لما بينا ان ملك القطن ليس بسبب لملك الثوب
ولكن من غزل قطن الغير ونسجه فالثوب له وهو ضامن لمثل ذلك القطن وان قال
صاحب القطن أمرته بذلك أخذ الثوب لأنهما اتفقا على أنه كان مالكا للقطن والذي غزل
ونسج يدعى تملكه عليه بالضمان وهو منكر لذلك فكان القول قوله كما لو ادعى التملك عليه
بالبيع فأنكره. وكذلك لو شهدوا ان فلانا طحن هذا الدقيق من حنطة فلان وهو يملكها قضى
عليه بحنطة مثلها وان قال رب الحنطة أنا أمرته أخذ الدقيق لما بينا. قال وإذا كان الدجاج أو
الشئ من الطيور في يد رجل فأقام رجل البينة انه له فرخ في ملكه وأقام ذو اليد البينة على
مثل ذلك قضي به لذي اليد لان هذا في معنى النتاج لا يتكرر ولو أقام المدعى البينة ان البيضة التي
خرجت هذه الدجاجة منها كانت له لم يقض له بالدجاجة ولكن يقضي على صاحب الدجاجة
ببيضة مثلها لصاحبها لان ملك البيضة ليس بسبب لملك الدجاجة فان من غصب بيضة
وحضنها ذلك تحت دجاجة كان الفرخ للغاصب وعليه بيضة مثل المغصوبة وهذا لا يشبه
الولادة والنتاج لان من غصب أمة أو دابة فولدت عنده لا يملك الولد بل هو لصاحب
74

الأصل وهذا لان البيضة بالحضانة تصير مستهلكة فيحال بحدوث الفرخ على عمل الحضانة
بخلاف الدابة والأمة فإنها لا تصير مستهلكة بالولادة فيكون مملوكا لصاحب الأصل لتولده
من ملكه. قال ولو غصب دجاجة فباضت عنده فالبيضة لصاحبها لتولدها من ملكه فان
باضت بيضتين فحضنت الدجاجة نفسها على أحدهما فخرج منها فرخ وحضنها الغاصب على
الأخرى فخرج منها فرخ فالفرخ الأول للمغصوب منه مع الدجاجة والفرخ الآخر للغاصب
لان ما حصل بفعله يصير مملوكا له وما حصل بفعل الدجاجة نفسها لا صنع للغاصب فيه فلا
يملكه بل يكون لمالك الأصل كما قلنا فيمن غصب حنطة وزرعها كان الزرع له ولو هبت الريح
بالحنطة فجعلتها مزروعة في الأرض كان الزرع لصاحب الحنطة لان بناء الحكم على فعل الريح
غير ممكن فيجعل مملوكا لصاحب الأصل ولان ما حضنها الغاصب صار مستهلكا بفعله فيكون
ضامنا لمثله ويصير مملوكا له بالضمان فإنما يتولد الفرخ من ملكه فأما ما حضنت الدجاجة
بنفسها لم تصر مضمونة على الغاصب فلا يملكها فبقي ذلك الفرخ لصاحب الأصل. قال ثوب
مصبوغ بعصفر في يد رجل فشهد شاهدان أن هذا العصفر الذي في هذا الثوب لفلان صبغ
به هذا الثوب فلا يدرى من صبغه وجحد ذلك صاحب الثوب فادعى صاحب العصفر أن
رب الثوب الذي فعل ذلك فإنه لا يصدق عليه لأنه يدعى ضمان قيمة العصفر دينا في ذمته
وهو منكر وليس في شهادة شهوده ما يوجب ذلك فان ثوب الغير إذا هبت به الريح وألقته
في صبغ انسان فانصبغ كان الصبغ لصاحبه في الثوب الآخر وليس له أن يضمن صاحب
الثوب شيئا ولكن يقوم الثوب أبيض ويقوم مصبوغا فان صاحب الثوب يضمن له ما زاد
العصفر في ثوبه والا بيع الثوب فيصرف فيه صاحب الثوب بقيمة ثوبه أبيض وصاحب
العصفر ما زاد العصفر في ثوبه لأنهما شريكان في الثوب المصبوغ أحدهما بالثوب والآخر
بالعصفر ولكن الثوب أصل والعصفر فيه وصف فكان الخيار لصاحب الأصل دون صاحب
الوصف. قال وان كانت الدعوى في لبن فأقام الخارج وذو اليد كل واحد منهما البينة أنه له
ضربه في ملكه يقضي به للمدعى لان اللبن يضرب غيره مرة بان يضرب ثم يكسر ثم يضرب
فلم يكن في معنى النتاج فلهذا قضي به للمدعى. قال وان كانت الدعوى في جبن فأقام الخارج
وذو اليد كل واحد منهما البينة أنه جبنه صنعه في ملكه فهو للذي في يديه لان الجبن لا يصنع
الا مرة وهو سبب لأولية الملك بمنزلة النتاج فهذه المسألة على خمسة أوجه أحدها ما بينا والثاني
75

إذا أقام كل واحد منهما البينة أن اللبن الذي صنع منه هذا الجبن ملكه فيقضى به للمدعى
لان أصل المنازعة في اللبن وبينة كل واحد منهما فيه قامت علي الملك المطلق والثالث أن يقيم
كل واحد منهما البينة ان حلب اللبن الذي صنع منه هذا الجبن من شاته في ملكه
فيقضى لذي اليد لان الحلب في اللبن لا يتكرر فكان في معنى النتاج والرابع إذا أقام كل واحد
منهما البينة أن الشاة التي حلب منها اللبن الذي صنع منه هذا الجبن ملكه فيقضى به للمدعى
لان المنازعة في ملك الشاة وبينة كل واحد منهما فيها قامت على المطلق والخامس أن يقيم كل
واحد منهما أن الشاة التي حلب منهما اللبن الذي صنع منه هذا الجبن شاته ولدت في ملكه
من شاته فالبينة بينة ذي اليد لان الحجتين قامتا على النتاج في الشاة التي كانت المنازعة فيها.
قال ولو كانت الدعوى في آجر أو جص أو نورة وأقام كل واحد منهما البينة أنه له صنعه
في ملكه قضيت به لذي اليد وكان ينبغي أن يقضى بالآجر للخارج ويجعل هذا بمنزلة الشئ
في اللحم ولكنه قال طبخ الآجر لا يتكرر فإنه بالطبخ الأول يحدث له اسم الآجر فان
أعيد طبخه بعد ذلك لا يحدث به اسم آخر فعرفنا أنه مما لا يتكرر. وكذلك طبخ الجص والنورة
فكان هذا في معنى النتاج. قال فإن كانت الدعوى في جلد شاة وأقام كل واحد منهما البينة
أنه جلده سلخه في ملكه قضي به لذي اليد لان سلخ الجلد لا يتكرر فكان قي معنى النتاج
ولو لم يقم البينة على ذلك لهما ولكن المدعى أقام البينة أنه جلد شاته ولم يشهدوا له به لم يقض
له بالملك. وكذلك لو شهدوا على صوف أنه صوف شاته أو على لحم أنه لحم شاته قال عيسى
رحمه الله هذا غلط وأرى جواب محمد رحمه الله في هذه الفصول لا يستمر على أصل واحد
وقد قال قبل هذا إذا قالوا هذه الحنطة من زرع هذا أو هذا الزبيب من كرمه أو هذا التمر
من نخلة قضى له به وأي فرق بين تلك المسائل وبين هذه المسائل بل الجلد والصوف واللحم
في كونه مملوكا بملك الأصل أبلغ من ملك الزرع والتمر والزبيب بملك الأصل فان (قيل)
ان هنا قد ينفصل ملك الصوف عن ملك الأصل بالوصية فكذلك في تلك المسائل ولكن
ما ذكره محمد رحمه الله صحيح لأنهم ما جعلوا المدعا هنا في شهادتهم من ملكه إنما نسبوه إلى
شاة ثم نسبوا إليه الشاة بالملكية فلم يكن شهادة بالملك في المدعا نصا فأما هناك شهدوا أن المدعاة
من ملكه وذلك شهادة بالملك له في المدعا نصا. قال ولو كانت شاة مسلوخة في يد رجل
وجلدها ورأسها وسقطها في يد آخر فأقام ذو اليد في الشاة البينة أن الشاة والجلد والرأس
76

والسقط له وأقام الذي في يديه السقط البينة على مثل ذلك فإنه يقضى لكل واحد منهما بما
في يدي صاحبه لان كل واحد منهما أثبت فيما في يد صاحبه ملكا مطلقا بالبينة وبينة الخارج
في دعوى الملك المطلق تترجح ولو أقام كل واحد منهما البينة أن الشاة شاته نتجت عنده في
ملكه فذبحها وسلخها وان له جلدها ورأسها وسقطها يقضى بالكل للذي الشاة في يده لأنه أثبت
بينته النتاج في الشاة فاستحق القضاء بأولية الملك له فيها وجلدها ورأسها وسقطها ببيعها فلهذا
قضينا بالملك لذي اليد. قال ولو كانت شاة في يدي رجل وشاة أخرى في يد آخر فأقام كل
واحد منهما البينة على شاة صاحبه الذي في يديه انها شاته ولدت في ملكه من هده الشاة
القائمة في يده فإنه يقضي لكل واحد منهما بشاة صاحبه التي في يديه وتأويل هذه المسألة فيما
إذا كان سن الشاتين مشكلا فاما إذا كان معلوما وأحدهما تصلح أما للأخرى والأخرى
لا تصلح أمالها وكانت علامة الصدق ظاهرة في شهود أحدهما وعلامة الكذب ظاهرة في
شهادة شهود الآخر يقضي بها بما ظهر فيه علامة الصدق فاما عند الاشكال لا تظهر علامة
الصدق ولا الكذب في شهادة أحدهما وكل واحد منهما فيما في يده أقام البينة على الملك المطلق
وصاحبه أقام البينة على النتاج وبينة الخارج على النتاج أولى من بينة ذي اليد في الملك المطلق
فلهذا قضينا لكل واحد منها بما في يد صاحبه وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يبطل البينتان جميعا
لتيقننا بكذب أحدهما فان كل واحد منهما لا يتصور أن تكون والدة لصاحبتها ومولودة منهما
ولو أقام البينة أن الشاة التي في يده شاته ولدت في ملكه وان شاة صاحبه ولدتها شاته هذه
في ملكه وأقام الآخر البينة على مثل ذلك يقضى لكل واحد منهما بما في يديه لان كل واحد
منهما فيما في يده أقام البينة على النتاج وبينة ذي اليد على النتاج مقدمة على بينة الخارج ولو أقام
أحدهما البينة أن الشاة التي في يده شاته ولدت في ملكه وان شاة صاحبه له ولدتها شاته في
ملكه وأقام الآخر البينة على مثل ذلك فهذا والأول سواء يقضى لكل واحد منهما بما في يده
لاثباته النتاج فيها. قال ولو كانت شاتان في يد رجل أحدهما بيضاء والأخرى سوداء فادعاهما
رجل وأقام البينة أنهما له وأن هذه البيضاء ولدت هذه السوداء في ملكه وأقام ذو اليد البينة
أنهما له وان هذه السوداء ولدت هذه البيضاء في ملكه فإنه يقضى لكل واحد منهما بالشاة
التي ذكر شهوده أنها ولدت في ملكه لأنه أثبت النتاج فيها بالبينة وصاحبه أثبت فيها ملكا
مطلقا والبينة على النتاج أولى من البينة على الملك المطلق سواء كان من ذي اليد الخارج. قال
77

وإذا كانت شاة في يد رجل فأقام رجل البينة انها شاته ولدت في ملكه فقضى القاضي له بها ثم
جاء آخر وأقام البينة انها شاته ولدت في ملكه وقال ذو اليد للقاضي قد قضيت لي بالولادة
بالبينة فان اكتفيت بذلك والا أعدتها فإنه يأمره أن يعيد بينته لان القضاء بالبينة الأولى
كان على خصمه خاصة فيجعل اقامتها في حق الثاني وجودا وعدما بمنزلة لان المقضي به للملك
وثبوت الملك بالبينة في حق شخص لا يقتضى ثبوته في حق شخص آخر (ألا ترى) أن في
الملك المطلق يصير ذو اليد مقضيا عليه دون غيره من الناس فان إعادة بينة قضي بها له تقديما لبينة
ذي اليد على بينة الخارج في النتاج وإن لم يعدها قضي بها للمدعى فان قضي بها للمدعى ثم أقام
المقضي له الأول شهوده على الولادة فان القاضي يقبل بينته ويبطل قضاءه للآخر وهذا استحسان
وفى القياس لا تقبل بينته لأنه صار مقضيا عليه بالملك فلا تقبل بينته الا ان يدعى تلقي الملك
من جهة المقضى له ووجه الاستحسان ان من يقيم البينة على النتاج يثبت أولية الملك لنفسه
وان هذا العين حادث على ملكه فلا يتصور استحقاق هذا الملك على غيره فلم يصر ذو اليد به
مقضيا عليه وقد تبين بإقامة البينة ان القاضي أخطأ في قضائه وان أولية الملك لذي اليد فلهذا
انقضى قضاؤه بخلاف الملك المطلق فان (قيل) القضاء ببينة الخارج مع بينة ذي اليد على النتاج
مجتهد فيه فعند ابن أبي ليلى رحمه الله بينة الخارج أولى فينبغي أن لا ينقض قضاء القاضي
لمصادقته موضع الاجتهاد (قلنا) إنما يكون قضاؤه عن اجتهاد إذا كانت بينة ذي اليد قائمة
عنده وقت القضاء فتترجح باجتهاده بينة الخارج عليها وهذه البينة ما كانت قائمة عند قضائه
فلم يكن قضاؤه على اجتهاد بل كان لعدم ما يدفع من ذي اليد فإذا أقام حجة الدفع انتقض
القضاء الأول وعلى هذا لو أقام الخارج البينة علي الملك المطلق وقضى القاضي بها له ثم أقام
ذو اليد البينة على النتاج يقضى بها له وينتقض القضاء الأول لما بينا. قال أمة في يد رجل أقام
رجل البينة ان قاضي بلد كذا قضى له بها على هذا الرجل بشهادة شهود شهدوا عنده وأقام
ذو اليد البينة أنها أمته ولدت في ملكه فهذه المسألة على ثلاثة أوجه في وجه منها يقضى
القاضي بها للمدعى بالاتفاق وهو إذا شهد شهود المدعي ان قاضي بلد كذا قضى له بها مطلقا
ولم يزيدوا على هذا شيئا لان من الجائز ان ذلك القاضي إنما قضي له بها بشهادة شهود شهدوا
عنده أنه اشتراها من ذي اليد أو وهبها له فلا تكون بينة ذي اليد على الولادة في ملكه مبطلا
لذلك وكذلك القضاء بل يكون مقررا له. وكذلك أن فسر شهود القضاء بهذا التفسير فهو آكد في
78

تنفيذ ذلك القضاء والوجهان الآخران أن يشهد شهود المدعى ان قاضي بلد كذا قضى له
بها بشهادة شهود شهدوا عنده انها مملوكته أو بشهادة شهود شهدوا عنده أنها أمته ولدت
في ملكه فعلي قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله بينة المدعي أولى في هذين الفصلين
ولا ينقض القاضي الثاني قضاء الأول وعلى قول محمد رحمه الله بينة ذي اليد على الولادة
في ملكه أولى فيقضي بها له * وجه قوله ان ذا اليد لو أقام هذه البينة عند القاضي الأول نقض
الأول قضاءه وقضى بها لذي اليد فكذلك إذا أقامها عند الثاني لان ثبوت قضاء الأول عند
الثاني بالبينة لا يكون أقوى من مباشرته القضاء بنفسه وهذا لان الشهود لما بينوا سبب
العقار إلى احتمال التملك علي اليد بسبب من جهته * وجه قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما
الله ان قضاء القاضي الأول نفذ بيقين فليس للثاني أن يبطله مع الاحتمال كما في الفصل الأول
وبيان الاحتمال هنا إذا قالوا بشهادة شهود شهدوا عنده انها مملوكته فيحتمل أنها مملوكته
اشتراها من ذي اليد ولكنهم تركوا هذه الزيادة للتلبس على القاضي بأن قالوا بشهادة شهود
شهدوا عنده انها ولدت في ملكه فيحتمل أن ذو اليد كان أقام هذه البينة عند ذلك القاضي
فتترجح شهادة بينة الخارج وقضي بها له وكان ذلك قضاء نافذا لا يجوز ابطاله بعد ذلك فلهذا
لا ينقض الثاني قضاء الأول مع الاحتمال ومثل هذا الاحتمال لا يوجد إذا أقام ذو اليد بينة
على الولادة عند القاضي الأول وكذلك لو تنازعا فيها خارجان أقام كل واحد منهما البينة انها أمته
قضى له بها قاضي بلد كذا بشهادة شهود شهدوا عنده انها له على هذا وأقام آخر البينة انها
أمته ولدت في ملكه فعند محمد رحمه الله يقضى بها لصاحب الولادة وعندهما يقضى بها لصاحب
القضاء لان مع الاحتمال لا يجوز نقض القضاء كما بينا. قال محمد رحمه الله عبد في يد رجل
فأقام آخر البينة أنه عبده ولد في ملكه ووقتوا وقتا فكان العبد أكثر من ذلك أو أصغر
معروف فشاهدة الشهود باطلة ليتقن القاضي بمجازفتهم فيها وهذا يبين لك أن الصواب في القضاء
نصفان في قوله فإن كانت الدابة على غير الوقتين أو كانت مشكلة أنه في أحد الفصلين فاما
إذا كانت على غير الوقتين فالجواب بطلان الشهادتين والله أعلم بالصواب
(باب الشهادة في الولادة والنسب)
(قال رحمه الله عبد صغير في يد رجل يدعى أنه عبده فالقول قوله) لان من لا يعبر عن
79

نفسه بمنزلة المتاع وقول ذي اليد فيما في يده حجة للدفع فان ادعى آخر أنه ابنه فعليه البينة
لأنه يدعى نسب ملك الغير فلا يقبل قوله الا بحجة فان أقام البينة أنه ابنه قضى انه ابن له
لاثباته دعواه بالحجة وجعل حرا لان في الحكم بثبوت النسب حكما بأنه مخلوق من مائه
وماء الحر جزء منه فيكون حراما لم يتصل برحم الأمة وحين لم يسموا أمة في الشهادة لم
يظهر اتصال مائه برحم الأمة فبقي على الحرية فهذه موجبة البينة حرية الولد فلا يعارضها قول
ذي اليد في اثبات رقه. وكذلك لو كان الذي في يديه يدعى أنه ابنه فالمدعى الذي أقام البينة أولى
بالقضاء بالنسب له لان البينة لا يعارضها اليد ولا قول ذي اليد. وكذلك لو كان المدعى ذميا
أو عبدا يثبت النسب منه لاثباته دعواه بالحجة والعبد والذمي من أهل النسب كالحر المسلم فان
أقام ذو اليد البينة انه ابنه وأقام الخارج البينة أنه ابنه قضيت بنسبه لذي اليد لان هذا في معنى
النتاج وقد بينا أن بينة ذي اليد هناك تترجح على بينة الخارج. وكذلك أن أقام كل واحد
منهما البيبة أنه ابنه من امرأته هذه قضى بنسبه من ذي اليد ومن امرأته وان جحدت
هي ذلك لان السبب هو الفراش بينهما قائم والحكم متى ظهر عقيب سبب ظاهر يحال به على
ذلك السبب وذلك الفراش بينهما يثبت النسب منهما فمن ضرورة ثبوته من أحدهما بذلك
السبب ثبوته من الآخر فلا ينتفى بجحودها وكذلك لو جحد الأب وادعت الأم. قال ولو كان
الصبي في يد عبد وامرأته الأمة وأقاما البينة أنه ابنهما وأقام آخر من العرب أو من الموالي
أو من أهل الذمة أنه ابنه من امرأته هذه وهي مثله فإنه يقضى بينة الخارجين لان في بينتهما
زيادة اثبات الحرية للولد والبينات للاثبات فتترجح بزيادة الاثبات. قال ولو كان الصبي في يد
رجل فأقام رجل البينة أنه ابنه من امرأته هذه وهما حران وأقام ذو اليد البينة انه ابنه ولم ينسبوه
إلى أمه فإنه يقضي به للمدعى لزيادة الاثبات في بينته وهو ثبوت النسب من أمه فصارت الزيادة
في اثبات النسب كزيادة اثبات الحرية وكذلك أن كانت الأم هي المدعية فان ثبوت النسب
بالفراش بينهما فيكون أحدهما خصما عن الآخر في لا أثبات ولو أقام الخارج البينة انه ابنه
وشهد شهود ذي على اقراره أنه ابنه قضى به للمدعى لان ثبوت اقرار ذي اليد بالبينة لا
يكون أقوى من سماع القاضي اقراره وذلك يندفع ببينة الخارج ثم أعاد مسألة الرجلين والمرأتين
وقد بيناه (فرع) عليه ما لم وقت كل واحد منهما وقتا قال ينظر إلى سن الصبي فإن كان مشكلا
فهو وما لم يوقتا سواء يقض به لهما وإن كان مشكلا في أحدهما وهو أكبر سنا من الآخر أو أصغر
80

معروف قضيت به للمشكل لان علامة الكذب ظهرت في شهادة الآخرين ولم تظهر في
شهادة هؤلاء لكونه محتملا للوقت الذي وقتوه قال ولو كان الصبي في يد رجل فأقامت
امرأة شاهدين انه ابنها قضيت بالنسب منها لاثباتها الدعوى بالحجة وإن كان ذو اليد يدعيه
لم يقض له به لان مجرد الدعوى لا يعارض البينة فان (قيل) لا منافاة بين ثبوته منه ومنها
(قلنا) نعم ولكن لا يمكن اثبات النسب منهما الا بالقضاء بالفراش بينهما ومجرد قوله ليس بحجة
عليها في اثبات الفراش في النكاح بينهما ولو لم تقم المرأة الا امرأة واحدة شهدت انها ولدت
فإن كان ذو اليد يدعى أنه ابنه أو عبده لم يقض للمرأة بشئ لان الاستحقاق الثابت باليد لا
يبطل بشهادة المرأة الواحدة فإنها ليست بحجة في ابطال حق ثابت للغير وإن كان الذي في يديه
لا يدعيه فانى أقضى به للمرأة بشهادة امرأة واحدة وهذا استحسان وفى القياس لا يقضى لان
اليد في اللقيط مستحق لذي اليد حتى لو أراد غيره ان ينزعه من يده لم يملك فلا يبطل ذلك
بشهادة امرأة واحدة وفى الاستحسان تمحض هذا منفعة للولد في اثبات نسبه وحريته وليس
فيه ابطال حق لذي اليد لأنه لا يدعى في الولد شيئا إنما يده فيه مصيالة عن ضياعه فلهذا أثبتنا
النسب منها بشهادة القابلة. قال عبد في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده ولد في ملكه وانه
أعتقه وأقام ذو اليد البينة أنه عبده ولد في ملكه فانى أقضى به للذي أعتقه لان في هذه البينة زيادة
الحرية فلو رجحنا بينة ذي اليد جعلناه مملوكا له وكيف يجعل مملوكا وقد قامت البينة على الحرية
ولو كان المدعى دبره أو كاتبه لم يستحق بهذا شيئا أما في الكتابة لا اشكال لأنه عقد محتمل
للفسخ كالبيع والإجارة فكأنه أقام البينة علي تصرفه فيه ببيع أو إجارة فلا يترجح به وأما
في التدبير فقد أعاد المسألة في آخر الكتاب وجعله كالعتق ففيه روايتان، وجه تلك الرواية أن
بالتدبير يثبت له حق عتق لا يحتمل الفسخ فكان معتبرا بحقيقة العتق لأنه يثبت الولاء على
العبد ببينته في الموضعين جميعا وإذا كان الولاء هو المقصود والملك بيع فتترجح بينة الخارج
لهذا وجه هذه الرواية أن التدبير لا يخرجه من أن يكون مملوكا كالكتابة فكان الملك هو
المقصود بالاثبات لكونه قائما فتترجح بينة ذي اليد لاثبات الولادة في ملكه بخلاف العتق
فان الملك لا يبقى بعد العتق فيكون المقصود هناك اثبات الولاء ولو أقام الخارج البينة انه ابنه
ولد في ملكه وأقام ذو اليد البينة انه عبده ولد في ملكه قضى به للمدعي لان في بينته اثبات
الحرية فان المولود من أمته في ملكه حر الأصل وإذا كان يترجح عنده اثبات حرية العتق
81

فعند اثبات حرية الأصل أولى. قال صبي في يد امرأة فأقامت شاهدة أنه ابنها وأقامت التي
هو في يديها شهادة انه ابنها قضيت به للذي هو في يديها لان الحجتين استويا في دعوى النسب
فيترجح جانب ذي اليد وكذلك لو شهد لكل واحدة منهما رجلان وللتي هو في يديها امرأة
قضيت به للمدعية لان شهادة المرأة الواحدة لا تقابل شهادة رجلين لان شهادة رجلين حجة
تامة على الاطلاق وشهادة المرأة حجة ضرورية قال ولو كان الصبي في يد رجل وامرأة يدعيان
انه ابنهما فشهدت لهما امرأة واحدة وأقام رجل آخر شاهدين انه ابنه من امرأته هذه قضيت
به للمدعى لان شهادة المرأة الواحدة لا تقابل شهادة رجلين لان شهادة رجلين حجة تامة على
الاطلاق وشهادة المرأة حجة ضرورية. قال ولو كان الصبي في يد رجل وامرأتان تدعيان انه ابنهما
فشهدت لهما امرأة واحدة وأقام رجل آخر شاهدين انه ابنه من امرأته هذه قضيت به للمدعى
لان شهادة المرأة الواحدة لا تعارض شهادة رجلين فسقط اعتباره وبقي اليد في أحد الجانبين
والبينة في الجانب الآخر واليد لا تعارض البينة. قال ولو كان صبي في يد ذمي فشهد له ذميان
أنه ابنه وأقام مسلم شاهدين مسلمين انه ابنه قضيت به للمسلم لان بينة المسلم حجة على خصمه
الذمي وبينة الذمي ليست بحجة على خصمه المسلم. وكذلك لو كان شهود المسلم من أهل
الذمة فإن كان شهود الذمي من المسلمين وشهود المسلم من أهل الذمة أو من أهل الاسلام
قضيت به لذي اليد لان بينة كل واحد منهما حجة على خصمه فلما استويا ترجح ذو اليد بهذه
البينة لان هذا في معنى النتاج لا يتكرر وإن كان الصبي في يد ثالث مسلم أو ذمي قضيت به
للمسلم لان في بينته اثبات الزيادة وهو اسلام الولد ولان أحد البينتين يوجب كفره والأخرى
توجب اسلامه فيترجح الموجب للاسلام علي الموجب للكفر. قال ولو كان الصبي في يد رجل
وامرأته فقال الرجل هو ابني من فلانة لامرأة غيرها وقالت المرأة هو ابني من زوج فلان
وأقام كل واحد منهما البينة جعلته ابن هذين اللذين في يدهما لان سبب النسب فيما بينهما
ظاهرا وهو الفراش فيحال به على هذا السبب ويثبت النسب منهما ولان أكثر ما في الباب
ان كل واحد من الحاضرين ينصب خصما عن كل واحد من الغائبين والغائبان الخارجان
لو أقاما البينة بأنفسهما ترجحت بينة ذي اليد على بينتهما فكذلك هنا. قال صبي في يد رجل
فأقام مسلم البينة انه ابنه من امرأته هذه الحرة وأقام عبد البينة انه ابنه ولد على فراشه من
هذه الأمة وأقامت مكاتبة البينة انه ابنه ولد على فراشه من هذه المكاتبة فانى أقضى به للحر
82

لان البينات استوت في اثبات النسب وفى الحر زيادة اثبات الحرية للولد فإن لم يدعه الحر
وإنما ادعاه العبد والمكاتب فانى أقضى به للمكاتب لان في بينته زيادة فان ولد المكاتبة يكون
مكاتبا والكتابة تفسد العتق ويثبت به للمكاتب ملك اليد والمكاتب فكان المثبت للزيادة
من البينتين أولى. قال ولو ادعى نصراني ويهودي ومجوسي وأقام كل واحد منهم البينة
قضيت به لليهودي والنصراني لان دين اليهودي والنصراني إذا قوبل بدين المجوسي فدين
المجوسي شر منه (ألا ترى) أن ذبائح اليهود والنصارى تحل وكذلك مناكحتهن ولا تحل ذبائح
المجوسي ومناكحتهن للمسلمين فكان حال اليهودي والنصراني مع المجوسي كحال المسلم مع
اليهودي ولهذا قلنا إن المولود بين المجوسي والكتابي يكون بمنزلة الكتابي تحل ذبيحته وعلى
قول زفر والشافعي رحمهما الله لا تترجح البينة في هذه المواضع بالدين اعتبار الدعوى النسب
بدعوى الملك. ولو ادعى مسلم وكافر ملكا وأقاما البينة أو كتابي أو مجوسي وأقاما البينة لم تترجح
أحدهما ولكنا نقول في دعوى الملكين ليس في بينة أحدهما زيادة لان المسلم والكافر
يستويان فأما في النسب في احدى البينتين زيادة منفعة للولد فتترجح تلك البينة لهذا. قال
ولو ادعى عبد مسلم انه ابنه ولد على فراشه من هذه الأمة وادعى حر ذمي انه ابنه ولد على
فراشه من امرأته هذه يقضى للحر الذمي لان في بينته اثبات الحرية للولد وذلك منفعة
عاجلا ولأنه إذا بلغ لا يمكنه اكتساب الحرية لنفسه ولعل الله تعالى يهديه فيسلم بنفسه
وكان ترجيح جانب الحرية أولى في حقه. قال صبي في يد رجل لا يدعيه فأقامت امرأة البينة
انه ابنها ولدته وأقام رجل البينة انه ابنه ولد على فراشه ولم يسموا أمه جعلته ابن الرجل
والمرأة لان العمل بالبينتين ممكن فان الولد يكون ثابت النسب من الرجل والمرأة جميعا
وكذلك لو كان في يد المرأة وليس في قبول بينتها ما يدفع بينة الرجل فقضينا بالنسب منهما ومن
ضرورته القضاء بالفراش بينهما وما ثبت لضرورة الشهادة فهو كالمشهود به والله أعلم بالصواب
(باب دعوى الرهط في الدار)
(قال رحمه الله دار في يد رجل ادعاها رجل جميعا وأقام البينة وادعى آخر نصفها وأقام البينة
قال أبو حنيفة رحمه الله يقسم بين المدعيين على طريق المنازعة أرباعا ثلاثة أرباعها لمدعي الجميع
وربعها لمدعي النصف. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يقسم على طريق العول والمضاربة
83

أثلاثا) ولهذا نظائر وأضداد ومن نظائرها الموصى له بجمع المال وبنصفه عند إجازة الورثة والموصي
له بعين مع الموصى له بنصف ذلك العين إذا لم يكن للميت سواه ومن أضدادها العبد المأذون
المشترك إذا أدانه أحد الموليين مائة وأجنبي مائة ثم بيع بمائة فالقسمة بين المدين والأجنبي
عند أبي حنيفة رحمه الله بطريق العول أثلاثا وعندهما بطريق المنازعة أرباعا وكذلك المدبر
إذا قتل رجلا خطأ وفقأ عين آخر وغرم المولي قيمته لهما وكذلك العبد إذا قتل رجلا عمدا
وآخر خطأ وللمقتول عمدا ابنان فعفا أحدهما ثم دفع العبد بالجنايتين ومما اتفقوا على أن القسمة
فيه بطريق العول التركة بين الورثة والغرماء وضاقت التركة عن ايفاء حقوقهم والموصى له
بالثلث والموصى له بالسدس إذا لم تجز الورثة ومما اتفقوا على أن القسمة فيه بطريق المنازعة
فضولي باع عبد رجل بغير أمره وباع فضولي آخر نصفه فأجاز المولى البيعين فالقسمة بين
المشتريين بطريق المنازعة أرباعا وأصل أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ان قسمة العين متى وجبت
بسبب حق في العين كانت السقمة على طريق العول فالتركة بين الورثة ومتى وجبت بسبب
حق كان في العين كالأصل فالقسمة على طريق المنازعة كما في بيع الفضولي فان حق كل واحد
من المشتريين كان في الثمن يتحول بالشراء إلى المبيع وفى مسألة الدعوى حق كل واحد من
المدعيين في العين فكانت القسمة علي طريق العول لمعنى ان حق كل واحد منهما شائع في العين
فما من جزء منه الا وصاحب القليل مزاحم فيه صاحب الكثير بنصيبه فلهذا كانت القسمة
بطريق العول والأصل عند أبي حنيفة رحمه الله ان كل واحد منهما إذا كان يدلى بسبب
صحيح معلوم فالقسمة على طريق العول كالورثة في التركة وإذا كان يدلي لا بسبب صحيح
ثابت فالقسمة على طريق المنازعة ومالا منازعة فيه لصاحب القليل يسلم لصاحب الكثير في بيع
الفضولين فان بيع كل واحد منهما غير صحيح قبل إجازة المالك وهذا لان المضاربة إنما يصار
إليها عند الضرورة وذلك عند قوة السبب واستواء السببين في صفة الصحة ففي مسألة الدعوى
سبب استحقاق كل واحد منهما الشهادة وهي لا توجب شيئا قبل اتصال القضاء فلم يكن
كل واحد من السببين معلوم الصحة فلهذا كانت القسمة على طريق المنازعة وما قال يبطل
بحق الغرماء في التركة فان قسمة العين بسبب حق كان في الذمة ومع ذلك كانت القسمة
عوليا. قال فإن كان المدعون ثلاثة يدعى أحدهم جميعها والآخر نصفها والآخر ثلثها
وأقاموا البينة فعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله القسمة بطريق العول فتكون أصل المسألة
84

من ستة يضرب مدعي الكل بسهام الدار ستة ومدعي الثلثين بسهام الثلثين أربعة ومدعي النصف
بثلاثة فيقسم الدار بينهم على ثلاثة عشر سهما وعند أبي حنيفة رحمه الله القسمة بطريق
المنازعة ولا منازعة لصاحب النصف والثلثين فيما زاد على الثلثين وصاحب الجميع يدعي ذلك
فيسلم له بلا منازعة وما زاد على النصف إلى تمام الثلثين لا منازعة فيه لصاحب النصف فيكون
بين صاحب الجميع والثلثين نصفين يبقى ستة استوت منازعتهم فيه فكان بينهم أثلاثا فيسلم
لمدعي النصف سدس الدار ولمدعى الثلثين ربع الدار ولمدعي الجميع ما بقي وذلك سبعة أسهم من
اثنى عشر. قال ولو كانت الدار في يد رجلين فادعى أحدهما نصفها والاخر جميعها فالبينة على
مدعى الجميع لان دعوى كل واحد منهما منصرف إلى ما في يده أولا ليكون يده محقة في
حقه وهذا لان حمل أمور المسلمين على الصحة واجب فصاحب النصف لا يدعى شيئا مما في
يد صاحب الجميع وصاحب الجميع يدعى شيئا مما في يد صاحب النصف فعليه اثباته بالبينة فان
أقاما البينة فالدار كلها لصاحب الجميع لأنه ان اجتمع بينة الخارج وبينة ذي اليد فيما في يد
صاحب النصف فبينة الخارج أولى بالقبول. قال ولو كانت الدار في يد ثلاثة نفر فادعى
أحدهم جميعها والآخر ثلثيها والآخر نصفها وأقاموا البينة واستحلف كل واحد منهم ونكل
فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله القسمة على طريق المنازعة بينهم فتكون من أربعة وعشرين
سهما لان في يد كل واحد منهم ثلث الدار ودعوى كل واحد منهم ينصرف إلى ما في يده ثم
فيما فضل في ذلك إلى ما في يد صاحبه لأنه ليس أحدهما بأولى به من الآخر ولا بينة لكل
واحد منهم فيما في يده فأما الثلث الذي في يد صاحب النصف لا بينة له في ذلك وصاحب
الجميع يدعى الجميع وصاحب النصف يدعى الثلثين لأنه يدعى الثلثين ثلث في يده وثلث في
يد صاحبه فيكون دعواه فيما في يد كل واحد منهما نصف الثلث فيسلم نصف هذا الثلث
لصاحب الجميع بلا منازعة والنصف الآخر بينهما نصفان لاستواء منازعتهما فيه فصار هذا
الثلث على أربعة والثلث الذي في يد صاحب الثلثين صاحب الجميع يدعى جميعه وصاحب
النصف يدعى ربعه لأنه يدعى النصف والثلث في يده فإنما بقي الثلث في يد صاحبه فكان دعواه
في يد كل واحد منهما نصف السدس وذلك ربع ما في يديه فثلاثة أرباع ما في يده سالم
لصاحب الجميع واستوت منازعتهما في الربع فكان بينهما نصفين وما في يد صاحب الجميع
يدعى صاحب الثلثين نصفه وصاحب النصف ربعه وفى المال سعة فيأخذ كل واحد منهما
85

بقدر ما ادعاه فان جعلت سهام الدار على أربعة وعشرين كان في يد كل واحد منهم ثمانية
والسالم لصاحب الجميع مما في يد صاحب النصف ستة ثلاثة أرباع ما في يده وله مما في يد صاحب
الثلثين سبعة ويبقى له مما كان في يده سهمان فجملة ما سلم له خمسة عشر وصاحب الثلثين أخذ مما في
يد صاحب الجميع أربعة ومما يد صاحب النصف سهمين وذلك ستة فهو له وصاحب النصف
أخذ مما في يد صاحب الجميع سهمين ومما في يد صاحب الثلثين سهما فإذا جمعت بين هذه السهام
كانت أربعة وعشرين وعندهما القسمة على طريق العول فصاحب الجميع يضرب فيما في يد
صاحب النصف بالجميع وصاحب الثلثين بالنصف فصار هذا الثلث أثلاثا وصاحب الجميع فيما
في يد صاحب الثلثين بالجميع وصاحب النصف بالربع فصار هذا الثلث أخماسا وصاحب النصف
يأخذ مما في يد صاحب الجميع الربع وصاحب الثلثين يأخذ النصف فصار هذا الثلث أرباعا
فقد وقع الكسر بالأثلاث والأرباع والأخماس فاضرب خمسة في ثلاثة فيكون خمسة عشر
ثم في أربعة فيكون ستين فصار كل ثلث من الدار على ستين سهما فيكون جميعها مائة
وثمانين فما في يد صاحب النصف وذلك ستون سهما لصاحب الجميع ثلثاه أربعون وصاحب
الثلثين عشرون وما في يد صاحب الثلثين لصاحب النصف خمسة وذلك اثنا عشر ولصاحب
الثلث أربعة أخماسه ثمانية وأربعون ويأخذ صاحب النصف مما في يد صاحب الجميع ربعه خمسة
عشر وصاحب الثلثين النصف ثلاثين فيبقى في يد صاحب الجميع خمسة عشر وقد وصل إليه
من يد الآخرين ثمانية وثمانون وذلك مائة وثلاثة أسهم فذلك نصيبه وصاحب الثلاثين
أخذ من يد صاحب الجميع ثلاثين ومن يد صاحب النصف عشرين وذلك خمسون وصاحب
النصف أخذ من يد صاحب الثلثين اثنى عشر ومن يد صاحب الجميع خمسة عشر فيكون
سبعة وعشرون فإذا جمعت بين هذه السهام كانت مائة وثمانين مثل سهام الدار فاستقام. قال
دار في يدر رجل منها منزل وفى يد آخر منها منزل فادعى أحدهما الدر بينهما نصفين وقال
الآخر هي كلها لي وأقاما البينة فلمدعى الكل المنزل الذي في يده ونصف المنزل الذي في يد
الآخر لان دعوى الآخر في نصف شائع فإنما يدعى هو نصف ما في يده ولا دعوى له في
النصف الآخر ومدعى الجميع يدعى ذلك لنفسه فيأخذه لأنه لا منازع له ومدعي النصف يدعى
نصف المنزل الذي في يد مدعى الجميع وهو ينازعه في ذلك فلا يستحقه الا بحجة. قال ولو
كانت الدار كلها في أيديهما ولم يعرف شئ منها في يد واحد منهما فهي بينهما نصفان لان
86

مدعي النصف تنصرف دعواه الا ما في يده فلا يستحق الآخر عليه شيئا من ذلك الا بحجة
وإن كان سفلها في يد رجل وعلوها في يد آخر وطريق العلو في الساحة فادعى كل واحد منهما
أن الدار له فالدار لصاحب السفل الا العلو وطريقه فإنه لصاحب العلو لان العلو في يد صاحب
العلو وكذلك طريقه في السفل فإنه مستعمل له بالتطرق فيه إلى علوه فأما السفل والساحة
ففي يد صاحب السفل لان هو المستعمل للساحة بوضع أمتعته وصب وضوئه وكسر حطبه
فيه فالقول فيه قوله وان أقاما البينة فلكل واحد منهما ما في يد صاحبه ترجيحا لبينة الخارج
على بينة ذي اليد في دعوى الملك. قال ولو كانت الدار في يد ثلاثة فادعى أحدهم النصف
والآخر الثلث والثالث السدس وجحد بعضهم دعوى البعض فان في يد كل واحد منهم
الثلث فالثلث الذي في يد مدعي السدس له نصفه لأنه لا يدعى أكثر من ذلك والصنف الآخر
موقوف عنده فان قامت البينة لصاحب النصف أخذ من يد كل واحد من صاحبيه نصف
سدس الدار لأنه يدعى النصف وفي يده الثلث فما زاد عليه إلى تمام النصف وهو السدس
يدعيه وفي يد صاحبيه إذ ليس أحدهما يصرف دعواه إلى ما في يده بأولى من الآخر فإذا أثبت
ذلك بالبينة أخذ من يد كل واحد منهما نصف السدس ولا يقال أن نصف ما في يد مدعى
السدس هو لا يدعيه فينبغي أن ينصرف دعوى مدعي النصف إليه حتى يأخذ كل ذلك السدس
من غير إقامة البينة عليه لوجهين أحدهما أنه يدعى بعض ذلك في يد صاحب الثلث فكيف
يأخذه من يد مدعى السدس وهو إنما يدعيه في يد غيره والثاني أن باعتبار دعواه شيئا مما في
يد صاحب الثلث كان صاحب الثلث منازعا له في هذا السدس الذي في يد صاحب السدس
وهو لا يدعيه ومع تمكن المنازعة لا يتمكن من أخذه الا بحجة والله أعلم بالصواب
(باب دعوى الحائط والطريق)
(قال رحمه وإذا كان الحائط بين دارين فادعاه صاحب كل واحد من الدارين فإن كان
لأحدهما عليه جذوع وليس للآخر عليه جذوع فهو لصاحب الجذوع عندنا وقال
الشافعي رحمه الله لا يستحق بوضع الجذوع ترجيحا على صاحبه) لان وضع الجذوع محتمل
قد يكون عن ملك وقد يكون عن استعارة وقد يكون عن غصب والمحتمل لا يكون حجة
ولنا أن واضع الجذوع مستعمل للحائط بوضع حمله عليه والاستعمال يد وعند تعارض
87

الدعوتين القول قول صاحب اليد كما لو تنازعا في دابة لأحدهما عليها حمل كان هو أولى
بها ولان الظاهر شاهد له ولان وضعه الجذوع دليل على أنه بنى الحائط لحاجته إذا وضع حمله
عليه ومثل هذه العلامة تثبت الترجيح كما إذا اختلف الزوجان في متاع البيت يجعل ما
يصلح للرجل للرجل وما يصلح للنساء للمرأة وان كأن لأحدهما عليه هو أدى أو بواري لا يستحق
به شيئا لان هذا ليس بجهل مقصود بنى الحائط لأجله فلا يثبت به الترجيح كما لو تنازعا في
دابة ولا حدهما عليه مخلاة علقها لا يستحق به الترجيح بخلاف الجذوع فإنه حمل مقصود يبنى
الحائط لأجله فيثبت له اليد باعتباره وكذلك إن كان لأحدهما عليه جذوع أو اتصال وللآخر
بواري فهو لصاحب الجذوع والاتصال وان كأن لأحدهما عليه جذوع وللآخر اتصال
فصاحب الجذع أولى ومراده من هذا مداخلة انصاف اللبن بعضها في بعض إذا كان من
أحد الجانبين هذا النوع من الاتصال ببناء أحدهما لان وضع الجذوع استعمال للحائط
والاتصال مجاورة واليد تثبت بالاستعمال دون المجاورة فكان صاحب الجذوع أولى كما لو
تنازعا في دابة وأحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها فالراكب أولى وذكر الطحاوي رحمه
الله أن صاحب الاتصال أولى لان الكل صار في حكم حائط واحد فهذا النوع من الاتصال
في بعضه متفق عليه لأحدهما فيرد المختلف فيه إلى المتفق عليه ولان الظاهر أنه هو الذي
بناه مع حائطه فمداخلة انصاف للبن لا يتصور إلا عند بناء لحائطين معا فكان هو أولى. قال
في الكتاب إلا أن يكون اتصال تربيع بيت أو دار فيكون لصاحب الاتصال حينئذ وكان
الكرخي رحمه الله يقول صفة هذا الاتصال أن يكون هذا الحائط المتنازع من الجانبين جميعا
متصلا بحائطين لأحدهما والحائطان متصلان بحائط له بمقابلة الحائط المتنازع حتى يصير
مربعا شبه القبة فحينئذ يكون الكل في حكم شئ واحد فصاحب الاتصال أولى والمروى
عن أبي يوسف رحمه الله أن المعتبر اتصال جانبي الحائط المتنازع بحائطين لأحدهما فأما
اتصال الحائطين بحائط أخرى غير معتبر وعليه أكثر مشايخنا رحمهم الله لان الترجيح إنما يقع له
يكون ملكه محيطا بالحائط المتنازع من الجانبين وذلك يتم بالاتصال بجانبي الحائط المتنازع
ولصاحب الجذوع موضع جذوعه لان استحقاق صاحب الاتصال بالظاهر وهو حجة لدفع
الاستحقاق لا للاستحقاق على الغير فلا يستحق به على صاحب الجذوع رفع جذوعه فان
(قيل) لما قضى بالحائط لصاحب الاتصال فينبغي أن يأمر الآخر برفع الجذع لأنه حمل موضوع
88

له في ملك الغير بغير سبب ظاهر لاستحقاقه كما لو تنازعا في دابة ولأحدهما عليها حمل وللاخر
مخلاة يقضى لصاحب الحمل ويؤمر الآخر برفع المخلاة قلنا لان وضع المخلاة على دابة الغير لا
يكون مستحقا له في الأصل بسبب فكان من ضرورة القضاء بالدابة لصاحب الحمل أمر الآخر
برفع المخلاة فأما هنا فقد يثبت له حق وضع الجذوع على حائط لغيره بأن كان ذلك مشروطا
في أصل القسمة فليس من ضرورة الحكم لصاحب الاتصال استحقاق رفع الجذوع على
الآخر وهذا بخلاف ما لو أقام أحدهما البينة وقضي له به يؤمر الآخر برفع جذوعه لان البينة
حجة للاستحقاق فيستحق صاحبها رفع جذوعه عن ملكه وإن لم يكن متصلا ببناء أحدهما
ولم يكن عليه جذوع فهو بينهما نصفان لاستوائهما فيه في اليد حكما فإنه بكونه بين داريهما
يثبت لكل واحد منهما عليه اليد حكما وان كأن لأحدهما عليه عشر خشبات وللآخر عليه
خشبة واحدة فلكل واحد منهما ما تحت خشبته ولا يكون بينهما نصفان استحسن ذلك في الخشبة والخشبتين وهكذا ذكر في كتاب الصلح. وقال في كتاب الاقرار الحائط كله
لصاحب عشر خشبات الا موضع الخشبة فإنه لصاحبها وروى بشر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله ان الحائط بينهما نصفان وهو قول أبى يوسف رحمه الله
وهو القياس ووجهه
ان الاستعمال بموضوع الخشبة يثبت يد صاحبها عليه فصاحب القليل فيه يستوى بصاحب
الكثير كما لو تنازعا في ثوب عامته في يد أحدهما فطرف منه في يد الآخر كان بينهما نصفين
ووجه رواية كتاب الاقرار لصاحب العشر خشبات عليه حمل مقصود يبنى الحائط لأجله
وليس لصاحب الخشبة الواحدة مثل ذلك ولان الحائط لا يبنى لأجل خشبة واحدة عادة
وإنما ينصب لأجلها أسطوانة فكان صاحب العشر خشبات أولى به كما في الدابة إذا كان
لأحدهما عليها حمل مقصود وللآخر مخلاة يقضى بها لصاحب الحمل إلا أنه لا يرفع خشبة
الآخر لان استحقاق صاحب الخشبات باعتبار الظاهر يستحق به رفع الخشبة على الآخر وأما
وجه رواية كتاب الدعوى ان الاستحقاق باعتبار وضع الخشبة فيثبت لكل واحد منهما
الملك فيما تحت خشبته لوجود سبب الاستحقاق به في ذلك الموضع فأما ما بين الخشبات لم
يذكر في الكتاب انه يقضى به لأيهما لان من أصحابنا رحمهم الله من قال يقضى بالكل بينهما
على احدى عشر سهما عشرة لصاحب الخشبات وسهم لصاحب الخشبة الواحدة اعتبار لما بين
الخشبات بما هو تحت كل خشبة من الحائط وأكبرهم على أنه يقضى به لصاحب العشر
89

خشبات لان استحقاق الآخر بالخشبة لا بعلامة يستدل بها على أنه هو الذي بنى الحائط أو
للآخر عليه علامة يستدل بها على أنه هو الذي بنى الحائط فان الحائط يبنى لوضع عشر خشبات
لا لوضع خشبة واحدة فلهذا كان الكل لصاحب الخشبات الا موضع الخشبة الواحدة
لضرورة استعمال صاحبها والثابت بالضرورة لا يعدو مواضعها وان كأن لأحدهما عليه عشر
خشبات وللآخر ثلاث خشبات فصاعدا قضى به بينهما نصفان اعتبارا لأدنى الجمع بأقصاه
وهذا لان لكل واحد منهما عليه حمل مقصود يبنى الحائط لأجله فلا يعتبر التفاوت بعد ذلك
في القلة والكثرة كما لو تنازعا في دابة ولأحدهما عليه خمسون منا وللآخر مائة من كانت بينهما
نصفين وان كأن لأحدهما عليه خشب وللآخر عليه حائط سترة فالحائط الأسفل لصاحب
الخشب لكونه مستعملا له بوضع حمل مقصود عليه ولصاحب السترة السترة على حالها لان
بالظاهر لا يستحق رفعه سترة الآخر بمنزلة سفل لأحدهما وعليه علو لآخر وان كأن لأحدهما
عليه سترة وليس للآخر عليه شئ يقضى به لصاحب السترة لان الحائط قد يبنى لأجل السترة
فكانت هذه علامة لاستحقاق صاحبها وهذا بخلاف الهوادي فان الحائط لا يبنى لأجله فلا
يستحق صاحبه به الترجيح. قال وإذا كان جص بين دارين يدعيه كل واحد من صاحبي
الدارين والقمط إلى أحدهما قضى به بينهما نصفان في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف
ومحمد رحمهما الله يقضي لمن عليه القمط واستدل بحديث دهيم بن قران ان رجلين اختصما في
جص فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ليقضى بينهما فقضى
بالجص لمن إليه القمط ثم أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصوبه وأبو حنيفة
رحمه الله احتج فقال نفس القمط متنازع فيه فلا يجوز أن يجعل ذلك دليل الملك لأحدهما وهو
المتنازع فيه بعينه ولان الانسان قد يتخذ جصا ويجعل القمط إلى جانب جاره ليكون جانبه مستويا
فيطينه ويجصصه وتأويل الحديث ان صاحب القمط أقام البينة حين تحاكما فقضى له حذيفة
رضي الله عنه بالبينة وذكر القمط علي سبيل التعريف كما يقال قضى لصاحب العمامة والطيلسان
وكذلك لو اختلفا في حائط ووجهه إلى أحدهما وظهره إلى الآخر فهو بينهما عند أبي حنيفة
رحمه الله وعندهما يقضي لمن كان إليه ظهر البناء وانصاف اللبن لان العادة ان الانسان يجعل
ظهر البناء إلى جانب نفسه ليكون مستويا وأبو حنيفة رحمه الله يقول هذه العادة مشتركة
قد يجعلها إلى جانب جاره وقد يجعلها إلى الطريق فلا يكون ذلك دليل انعدام ملكه في الحائط
90

وكذلك أن كانت الطاقات إلى أحدهما فالحاصل ان ظهر البناء كله متنازع فلا يمكن جعله دليلا
للحكم به لأحدهما. قال وإذا كان سفل الحائط لرجل وعلوه لاخر فأراد صاحب السفل أن يهدم
السفل فليس له ذلك لان السفل فيه حق لصاحب العلو من حيث قرار بنائه عليه فلا يكون
له أن يبطل حق الغير عن ملك نفسه وكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله ليس له أن يفتح فيه
بابا ولا كوة ولا يدخل فيه جذعا لم يكن قبل ذلك الا برضاء صاحب العلو وعلي قول أبى
يوسف ومحمد رحمهما الله له أن يفتح ذلك إذا كأن لا يضر بصاحب العلو فإن كان شئ من
ذلك يضر به لم يكن له أن يفعله وكذلك لم يحفر في سفله بئرا وكذلك لو أراد صاحب العلو
أن يحدث على علوه بناء أو يضع عليه جذوعا أو يشرع فيه كنيفا لم يكن له ذلك في قول
أبي حنيفة رحمه الله أضر بالسفل أو لم يضر وعندهما ان أضر بالسفل منع من ذلك أو لم يضر
بالسفل لم يمنع * حجتهما ان كل واحد منهما إنما يتصرف في خالص حقه فلا يمنع من ذلك
إلا أن يلحق الضرر بمن له فيه حق كالموصي له بالخدمة على الموصى له بالرقبة فإنه لا يمنع الموصي له
بالرقبة من التصرف في ملكه الا ما يضر بالموصى له بالخدمة وأبو حنيفة رحمه الله يقول لصاحب
العلو حق بناء قدر معلوم على بناء السفل وإذا أراد أن يزيد علي ذلك منع منه كما لو استأجر
دابة ليحمل عليها حملا معلوما فليس له أن يحمل أكثر من ذلك وإن لم يضر بالدابة وكذلك
صاحب العلو له حق في بناء السفل من حيث قرار علوه عليه وفتح الباب والكوة يوهن البناء
وكذلك حفر البئر في ساحة السفل يوهن البناء فلا يكون له أن يفعل ذلك الا برضا صاحب
العلو (ألا ترى) أن كل واحد منهما يمنع من التصرف الذي يضر بصاحبه فلو كان الملك لكل واحد منهما خالصا لم يمنع أحدهما من التصرف وان أدى إلى الاضرار بصاحبه كالجارين. قال
وإذا كان الحائط بين رجلين فأقام رجل البينة على أحدهما انه أقر أن الحائط له قضيت له بحصته
من الحائط لان ثبوت اقراره بالبينة كثبوته بالمعاينة واقرار أحد الشريكين في نصيب نفسه
صحيح لان الاضرار فيه علي الشريك فلا فرق في حقه بين أن يشاركه في الحائط المقر أو المقر
له فإن كان الحائط في يد رجل وله جذوع شاخصة فيه على دار رجل آخر فأراد أن يجعل
الدار فكما لا يكون لغيره أن يحدث في ساحة داره عليه كنيفا فلصاحب الدار أن يمنعه من
ذلك لان هواء الدار حق لصاحبها كساحة بناه بغير رضاه فكذلك لا يكون له احداث البناء
في هواء داره بغير رضاه والجذوع الشاخصة نوع ظاهر يدفع به الاستحقاق فلا يستحق
91

به شيئا وليس لصاحب الدار أن يقطع الجذوع لأنها وجدت كذلك ويحتمل أن تكون
حجة لذلك إلا أن تكون نفس الجذوع بحق مستحق لصاحبها فلا يكون لصاحب الدار
أن يقطعها الا بحجة والظاهر لا يصلح حجة كذلك إلا أن تكون جذوعا لا يحمل على مثلها
شيئا إنما هو أطراف جذوع خارجة في داره فحينئذ يكون له أيقطعها لان عين الجذوع غير
مقصوده بعينها إنما المقصود هو البناء عليها فما لا يبنى على مثله لا يجوز أن يكون مستحقا له في
ملك الغير فكان لصاحب الدار أن يقطعها وما يبنى عليه يجوز أن يكون مستحقا له بسبب فلا
يكون له قطعها ما لم يتبين أنه أحدث نصبها غصبا. قال وإذا كان السفل لرجل والعلو لآخر
فانهدم لم يجبر صاحب السفل علي بناء السفل لأنه ملكه ولا يجبر صاحب الملك على بناء ملكه
فله حق التدبير في ملك نفسه كانشاء بيع أو بناء بخلاف ما إذا كان صاحب السفل هو الذي
هدمه لأنه صار متعديا بالهدم لما لصاحب العلو في بناء السفل من حق قرار العلو عليه فيجبر
على بنائه بحقه كالراهن إذا قبل المرهون أو المولى قبل عبده المديون فاما عند الانهدام لم
يوجد من صاحب السفل فعل هو عدوان ولكن لصاحب العلو أن يبنى السفل ثم يبني عليه
العلو لأنه لا يتوصل إلى بناء ملكه الا ببناء السفل فكان له أن يتطرق ببناء السفل ليتوصل
إلى حقه ثم يمنع صاحب السفل من أن يسكن سفله حتى يرد علي صاحبه العلو قيمة البناء لأنه
مضطر إلى بناء السفل ليتوصل إلى منفعة ملكه فلا يكون متبرعا فيه والبناء ملك الثاني فكان
له أن يمنعه من الانتفاع بالبناء حتى يتملكه عليه بأداء القيمة وذكر الخصاف رحمه الله أنه إنما
يرجع على صاحب السفل بما أنفق في بناء السفل ووجهه أنه مأذون في هذا الانفاق شرعا
فيكون كالمأمور به من صاحب السفل لان للشرع عليه ولاية * ووجه هذه الرواية أن البناء
ملكه فيتملكه عليه صاحب السفل بقيمته كثوب الغير إذا انصبغ بصبغ غيره فأراد صاحب
الثوب أن يأخذ ثوبه يعطى صاحب الثوب ما زاد الصبغ في الثوب لان الصبغ ملك صاحب
الصبغ في ثوبه وذكر في الأمالي عن أبي يوسف رحمه الله أن السفل كالمرهون في يد صاحب
العلو ومراده من ذلك منع صاحب السفل من الانتفاع بسفله بمنزلة الرهن. قال ولو كان بيت
بين رجلين أو دار فانهدمت لم يكن لأحدهما أن يجبر صاحبه علي البناء لان تمييز نصيب
أحدهما من نصيب الآخر بقسمة الساحة ممكن فان بناها أحدهما لم يرجع على شريكه بشئ
لأنه غير مضطر في هذا البناء فإنه يتمكن من مطالبة صاحبه بالقسمة ليبنى في نصيب نفسه
92

بخلاف العلو والسفل وكذلك الحائط إن لم يكن عليه جذوع لان أس الحائط محتمل للقسمة
بينهما إلا أن يكون بحيث لا يحتمل القسمة نحو الحائط المبنى بالخشبة فحينئذ يجبر أحدهما على
بنائه وإذا بناه أحدهما مع صاحبه من الانتفاع به حتى يرد عليه قيمة نصيبه كالعبد المشترك إذا
كان عاجزا عن الكسب وامتنع أوحد الشريكين من الانفاق عليه كان لصاحبه أن يجبره على
ذلك وإن كان على الحائط جذوع لهما فلأحدهما أن يجبر صاحبه على المساعدة معه في بنائه وإن لم
يساعده على ذلك بناه بنفسه ثم يمنع صاحبه من وضع جذوعه عليه حتى يرد عليه قيمة حصته
من البناء لان لكل واحد منهما حق في نصيب صاحبه من حيث وضع الجذوع عليه وذلك
يبطل بقسمة أس الحائط بينهما فإن كان الجذوع علي الحائط لأحدهما دون الآخر فلصاحب
الجذوع ان يبين الحائط ولا يشاجر صاحبه على المطالبة بقسمة الحائط لان له حق وضع
الجذوع على نصيب صاحبه فإن كان هو الذي يطالب بالقسمة فليس له أن يمتنع من ذلك لان
ترك القسمة كان لحقه وقد رضي هو بسقوط حقه وصار هو في حق الآخر كأنه ليس لواحد
منهما عليه جذوع وكذلك الحمام المشترك إذا انهدم فهو بمنزلة الدار لان قسمة الساحة ممكن
فإذا بناه أحدهما لم يرجع على صاحبه بشئ. قال وإذا كان لرجل باب من داره في دار رجل
فأراد أن يمر في داره من ذلك الباب فمنعه صاحب الدار فصاحب الباب هو المدعى للطريق
في دار الغير فعليه اثباته بالبينة ورب الدار هو المنكر فالقول قوله مع يمينه وبفتح الباب لا
يستحق شيئا لان فتح الباب رفع جزء من الحائط ولو رفع جميع حائطه لا يستحق به في
ملك الغير شيئا فكذلك إذا فتح بابا وقد يكون فتح الباب لدخول الضوء والريح وقد يكون
للاستئناس بالجار والتحدث معه فلا يكون ذلك دليلا على طريق له في الدار فان أقام البينة انه
كان يمر في هذه الدار من هذا الباب لم يستحق بهذه الشهادة شيئا لأنهم شهدوا بيد كانت له
في هذا الطريق فيما مضى وبهذه الشهادة لا يستحق المدعى شيئا (ألا ترى) انا لو عايناه مر
فيه مرة لم يستحق به شيئا إلا أن يشهدوا ان له فيها طريقا ثابتا فحينئذ الثابت بالبينة كالثابت
باقرار الخصم والطريق يجوز أن يكون مستحقا له في دار الخار في أصل القسمة أو أوصى
له به فتقبل البينة على اثباته وإن لم يجدوا الطريق ولم يسموا ذرع العرض والطول بعد أن يقولوا
ان له طريقا في هذه الدار من هذا الباب إلى باب الدار فالشهادة مقبولة ومن أصحابنا رحمهم
الله من يقول تأويله ا ذا شهدوا على اقرار الخصم بذلك فالجهالة لا تمنع صحة الاقرار فأما إذا
93

شهدوا على الثبات لا تقبل شهادتهم لجهالة في المشهود به والا صح انها تكون مقبولة لان الجهالة
إنما تمنع قبول الشهادة إذا تعذر علي القاضي القضاء بها وهنا لا يتعذر فان عرض الباب يجعل
حكما فيكون عرض الطريق له بذلك القدر وطوله إلى باب الدار. قال في بعض النسخ فإن لم
يجدوا الطريق فذلك أحور للشهادة وفي بعضها قال وان سموا الطول والعرض فذلك
أحور للشهادة وهذا ظاهر لان الجهالة ترتفع به وأما اللفظ الأول فوجهه انه لا حاجة إلى
التحديد للعمل بالشهادة وربما يمتنع بذكرها العمل بها فان من العلماء من يقدر الطريق بسبعة
أذرع لحديث روى فيه فلو بين الشهود عرض الطريق ربما يذكرون أقل من ذلك أو
أكثر والقاضي يذهب إلى ذلك المذهب فيرد شهادتهم وإذا أطلقوا عمل القاضي بشهادتهم
فكان ترك التحديد أنفذ للشهادة ومعنى قوله أحور أي نفذ وكذلك لو قالوا مات أبوه وترك
هذا الطريق ميراثا لأنهم بينوا سبب ملكه وذلك لا يقدح في شهادتهم. قال ولو كان لرجل
ميزاب في دار رجل فأراد أن يسيل فيه الماء فمنعه رب الدار فليس له أن يسيل فيه الماء حتى
يقيم البينة ان له في هذه الدار مسيلا لان الميزاب مركب في ملكه كالباب فلا يستحق به
حقا في دار الغير الا بحجة فان أقام البينة انهم قد رأوه يسيل فيه الماء لم يستحق بهذه الشهادة
شيئا لما بينا أنهم شهدوا بيد كانت له فيما مضى وقد ذكر في كتاب الشرب أنهما لو تنازعا في
نهر واحدها يسيل فيه ماءه فالقول قوله لان يده قائمة في النهر باستعماله بتسييل الماء فيه فأما
هنا ليس له يد قائمة في الدار بتسييل الماء في الميزاب في وقت سابق وبعض مشايخنا من
المتأخر رحمهم الله قالوا إذا كان مسيل الماء إلى جانب الميزاب ويعلم أنه قديم لم يحدث صاحب
السطح فإنه يستحق تسييل الماء فيه من غير بينة لأن الظاهر شاهد له فان الانسان لا يجعل
سطحه إلى جانب ميزاب الا بعد أن يكون له حق تسييل الماء فيه بعمله أما إذ امتنع من تسييل
الماء فيه يتعذر عليه تغييره إلى جانب آخر فان شهد الشهود ان له مسيل ماء فيها من هذا الميزاب
قبلت الشهادة لان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم في حقه فان شهدوا أنه لماء المطر فهو
لماء المطر وان شهدوا انه لصب الوضوء فيه فهو لذلك لأنهم بينوا صفة ما شهدوا به من الحق
وإن لم يفسروا شيئا من ذلك فالقول قول رب الدار في ذلك مع يمينه لان أصل الحق ثابت
بالشهادة ولا يثبت صفته فالقول قول صاحب الدار لان ضرر ذلك يختلف في حقه فان المسيل
لماء المطر يكون ضرورة في وقت خاص ولصب الوضوء فيه يكون الضرر في كل وقت فيكون
94

القول في البيان قول صاحب الدار وعليه اليمين على جحوده دعوى صاحبه اعتبارا للصفة
بالأصل وان كانت الدار التي ادعى الطريق أو المسيل فيها بين الورثة فأقر بعضهم بالطريق
والمسيل وجحد ذلك البعض لم يكن للمدعى أن يمر فيه ولا يسيل ماءه بقول بعضهم لأنه
لا يتوصل إلى الانتفاع الا بنصيب الجاحدين واقرار المقر ليس بحجة في حقهم فلا يتمكن من
التطرق أو بسيل الماء في نصيب المقر خاصة لأنه غير متميز عن نصيب شركائه وهذا بخلاف
الاقرار بالملك فان اقرار أحد الشركاء في نصيبه يجعل المقر أحق بنصيب المقر من حيث
التصرف فيه والانتفاع به لتمكنه من ذلك في نصيب المقر على أن يكون قائما مقامه وقد ذكر
في موضع آخر فان وقع ذلك الموضع في نصيب المقر تطرق فيه المقر له ويسيل ماءه
وان وقع في نصيب غيره يضرب المقر له بالطريق أو المسيل في نصيب المقر بقدر ذلك
ويضرب المقر بحصته سوي الطريق والمسيل فيكون بينهما علي ذلك عند أبي حنيفة وأبى
يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله ان كانت الورثة ثلاثة ضرب المقر بثلث المسيل وإنما
أراد به إذا أقر له بملك الطريق أو المسيل وأصله فيما ذكر في كتاب الاقرار دار مشتركة بين
اثنين أقر أحدهما ببيت بعينه لإنسان وسنذكر ذلك في موضعه في كتاب الاقرار إن شاء الله تعالى. قال وإذا كان مسيل الماء في قناة فأراد أن يجعله ميزابا لم يكن له ذلك الا برضاء
أصل أهل الدار الذين عليهم المسيل وكذلك لو كان ميزابا فأراد أن يجعله قناة لم يكن له
ذلك الا برضاهم لان في القناة الماء لا يفيض على وجه الأرض ولكنه مغور يسيل الماء في
بطنه وفي الميزاب يسيل الماء على وجه الأرض فإذا أراد أن يجعل القناة ميزابا ففيه زيادة
ضرر على أهل الدار بأن يفيض الماء في ساحة الدار وإذا أراد أن يجعل الميزاب قناة يحتاج
إلي حفر ساحة الدار وفيه ضرر على صاحب الدار وإنما يثبت له من الحق قدرا معلوما فلا
يكون له أن يلحق الضرر بهم في الزيادة الا برضاهم وقيل هذا إذا لم يكن ذلك الموضع
مملوكا له وإنما له حق تسييل الماء فيه فأما إذا كان الموضع مملوكا له فله أن يجعل القناة ميزابا
والميزان قناة لأنه يتصرف في خالص ملكه فلا يمنعه منه ضرر يلحق جاره. قال أرأيت لو
جعل ميزابا أطول من ميزابه أو أعرض كان له ذلك لأنه ان جعله أطول كان انصباب
الماء فيه من غير الموضع الذي كان حقه فيه وان جعله أعرض ينصب الماء فيه أكثر مما هو
حقه ولو أراد أن يسيل فيه ماء سطح آخر لم يكن له ذلك لأنه لم يكن لذلك السطح حق
95

تسييل الماء في هذا الدار وفيه زيادة ضرر على صاحب الدار وكذلك لو أراد أن ينقل الميزاب
عن موضعه لأنه ينصب الماء فيه في غير الموضع الذي هو حقه وكذلك لو أراد أن يرفعه
أو يسفله ففي كل ذلك نوع ضرر علي صاحب الدار سوى ما كان مستحقا لصاحب الميزاب
فلا يملكه الا برضاه. قال ولو أراد أهل الدار أن يبنوا حائطا ليسد مسيله لم يكن لهم ذلك لأنهم
قصدوا منع حق مستحق للغير في دارهم وان أرادوا أن يبنوا بناء يسيل ميزابه على سطحه
كان لهم ذلك لأنه لا ضرر فيه على صاحب الميزاب إذا لا فرق في حقه بين أن ينصب ماء المطر
في ساحة الدار أو على ظهر بيت يبنونه في ذلك الموضع وليس لهم أن يبنوا في ساحة الدار
ما يمنع صاحب الطريق من التطرق فيه ولكنهم إذا أرادوا أن يبنوا الساحة ينبغي لهم أن يتركوا
من الساحة بقدر الطريق ويثبتون ما سوى ذلك لأنه لا حق له الا في موضع الطريق فان وقعت
المنازعة بينهم في عرض ما يتركون له من الطريق جعلوه قدر عرض باب الدار لان ذلك
متفق عليه فيرد عليهم المختلف فيه ولأنه لا منفعة لصاحب الطريق في الزيادة على ذلك فإنه لا
يحتمل مع نفسه في الطريق الا ما يتمكن من ادخاله في باب الدار ويتمكن لذلك في طريق عرضه
مثل عرض باب الدار والله أعلم
(باب الدعوى في شئ واحد من وجهين)
(قال رحمه الله دار في يد رجل ادعى رجل أن أباه مات وتركها ميراثا له منذ سنة
جاء بشاهدين فشهدا أنه اشتراها من ذي اليد منذ سنتين لم تقبل هذه البينة لان شرط قبول
البينة تقديم الدعوى فان حقوق العباد إنما يجب بقاؤها عند طلب صاحب الحق أو من يقوم
مقامه وما شهد به شهوده لم يتقدم الدعوى به منه ولا يتمكن من أن يدعيه لان دعواه
الأول يناقص دعواه الثاني فان بما ورثه عن أبيه منذ سنة لا يتصور أن يكون مشتريا له من
ذي اليد منذ سنتين والتناقض يعدم ميراثا قد أكذب شهوده على الشراء فلهذا لا تقبل
شهادتهم له وكذلك لو شهدوا بهبة أو صدقة له من ذي اليد منذ سنتين ولو كان المدعى ادعى
أن ذي اليد تصدق بها عليه منذ سنة وشهد الشهود على الشراء منذ سنتين لم تقبل أيضا لان
بعد دعواه الأولى لا يمكنه دعوى الشراء منذ سنتين فلانعدام الدعوى أولا كذلك شهوده
تمنع العمل بشهادتهم وكذلك لو ادعى الشراء أولا منذ سنة ثم أقام البينة على الصدقة منذ سنتين
96

ولو ادعى الصدقة منذ سنة ثم أقام البينة على الشراء منذ شهر لم تقبل إلا أن يوفق فيقول جحدني
الصدقة فاشتريتها منه فحينئذ يقضى بها له لان من حيث الظاهر الشهادة مخالفة للدعوى
إلا أن التوفيق ممكن فقد يجحد المتصدق الصدقة فيشتريها منه المتصدق عليه بعد ذلك فتقبل
البينة عند التوفيق كما لو ادعى ألفا وشهد له الشهود بألف وخمسمائة لم تقبل إلا أن يوفق المدعي
فيقول كان حقي ألفا وخمسمائة ولكني استوفيت منه خمسمائة ولم يعلم به الشهود بخلاف
ما تقدم فان هناك لا يمكنه أن يوفق فيقول جحدني الصدقة منذ سنة فاشتريتها منه منذ سنتين
وكذلك لو ادعى الشراء منذ سنة ثم أقام البينة على الصدقة منذ شهر وقال جحدني الشراء
فسألته فتصدق على بها بعد ذلك فهذا توفيق صحيح ينعدم به التناقض وإكذاب الشهود
وكذلك لو ادعي الميراث من أبيه منذ سنة وشهد الشهود على شرائها من ذي اليد منذ شهر
فقال جحدني ذلك ولم يكن له بينة فاشتريتها منه منذ شهر فهذا توفيق صحيح. وكذلك لو ادعى
أمة في يدي رجل فقال اشتريتها منه بعبدي هذا منذ سنة ثم جاء بالبينة انه اشتراها منذ سنة
وجاء بشاهدين فشهدا أنه اشتراها منه بألف درهم مطلقا أو منذ شهر تقبل الشهادة إذا
وفق أو قال حين جحدني الشراء بالعبد فاشتريتها بألف درهم بعد ما قمنا من مجلسك أيها
القاضي والبيع الثاني ينقض البيع الأول فيتمكن القاضي من القضاء بالعقد الذي شهدوا به
عند هذا التوفيق ولو شهدوا أنه اشتراها بألف درهم منذ سنة أو أكثر لم أقبل شهادتهما
لان اختلاف اليد يوجب اختلاف العقد فالتوفيق غير ممكن ان شهدوا بالشراء منه منذ
سنة لأنه لا تاريخ بين العقد المدعا والمشهود به وان شهدوا بالشراء بألف منذ أكثر من سنة
لا يتمكن القاضي من القضاء بالعقد الذي شهدوا به لأن العقد المدعا كان بعده بزعم المدعى
وهو ينقض العقد الأول فلا يمكنه القضاء بالعقد المدعا لان الحجة لم تقم به فلهذا لا تقبل الشهادة
. قال فان ادعى عينا في يد رجل أنه له وشهد شهوده أنه اشتراه من ذي اليد ونقده الثمن أو
وهبه ذو اليد أو تصدق به عليه أو أنه ورثه من أبيه قبلت الشهادة لان المعتبر الموافقة بين
الدعوى والشهادة معنى لا لفظا (ألا ترى) أن المدعى يقول ادعي عليه كذا والشاهد يقول أشهد
عليه بكذا والموافقة معنى موجود هنا لأنه ادعي الملك وقد شهدوا له بالملك مع بيان سببه
ولا بد للملك من سبب فبيان سبب الملك من الشهود في الشهادة إن لم يؤكد شهادتهم بالملك
لا تندفع بها وهذا بخلاف ما إذا ادعى الشراء من ذي اليد وشهد له الشهود بالملك مطلقا لان
97

الشهادة هناك أزيد من الدعوى فان الملك بالشراء حادث والشهادة على الملك المطلق تثبت
الاستحقاق من الأصل حتى يرجع الباعة بعضهم علي بعض بالثمن فاما إذا ادعى ملكا مطلقا وشهد الشهود بالشراء فالملك به دون المدعا فذلك لا يمنع قبول الشهادة كما لو ادعى ألفا وشهد
له الشهود بخمسمائة تقبل ولو ادعى خمسمائة وشهد له الشهود بألف لا تقبل وكذلك لو ادعى أنه
له ثم ادعى أنه لفلان وكله بالخصومة فيه وأقام البينة على ذلك تقبل بينته لأنه لا منافاة بين
الدعوتين فالوكيل بالخصومة قد نصف العين إلى نفسه على معنى أن له حق المطالبة به فيتمكن
القاضي من القضاء بما شهد به الشهود بعد دعواه الأول ولو ادعى أول مرة انه لفلان وكله
بالخصومة فيه ثم أقام البينة انه له لم أقبل بينته لان ما هو مملوك له لا يضاف إلى غيره عند
الخصومة فلا يتمكن القاضي من القضاء بالمشهود به وهو الملك له بعد ما أقر أنه وكيل فيه
بالخصومة بما ادعاه الأول ولا يتمكن من القضاء بالملك لان الشهود لم يشهدوا به وكذلك أن
أقام البينة أنه لفلان آخر وكله بالخصومة فيه لا اقبل ذلك منه لان الوكيل بالخصومة في العين
من جهة زيد لا بصفة إلى غيره فيتمكن من التناقض بين الدعوتين على وجه لا يمكن التوفيق بينهما. قال ولو ادعاه لرجل زعم أنه وكله فيه بالخصومة ثم قال بعد ذلك أنه باعه من فلان وهو يملكه وكلني فلان المشترى بالخصومة وجاء بالبينة على ذلك قبلت بينته وقضيت به للموكل
الآخر لأنه وفق بين الدعوتين بتوفيق ممكن لو عاينا ذلك صححنا دعواه الثانية فكذلك إذا
وفق بتلك الصفة ويقضى به للموكل الآخر وتأويل هذا إذا شهدوا الشهود بالملك بالشراء
فاما إذا شهدوا بالملك المطلق لا تقبل الشهادة. قال ولو ادعي القاضي في صك جاء باسمه ثم جاء
بالبينة أن ذلك المال لغيره وانه قد وكله بالخصومة فيه قبلت ذلك منه لما بينا أن الوكيل
بالخصومة قد يضيف المال إلى نفسه على معنى أن له حق المطالبة به فيتمكن القاضي من القضاء
بالشهادة والله أعلم بالصواب
(باب ادعاء الولد)
(قال رحمه الله ذكر عن شريح رحمه الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إليه
إذا أقر الرجل بولده لم يكن له أن ينفيه وهكذا عن علي رضي الله عنه وبقولهما نأخذ أنه متى
ثبت النسب باقراره لم يكن له أن ينفيه بعد ذلك)
لان النسب لا يحتمل النقض والنسخ
98

ولا يتصور تحويله من شخص إلى شخص وباقراره ثبت منه لكون الاقرار حجة عليه فان
(قيل) أليس أن النسب يثبت من الزوج بفراش النكاح ثم يملك نفيه باللعان (قلنا) لان ثبوته
هناك بحكم الفراش على احتمال أن لا يكون منه فيتصور نفيه اما هنا بثبوت النسب منه
بتنصيصه على أنه مخلوق من مائه فلا يبقي بعده احتمال النفي كالمشترى إذا أقر بالملك للبائع ثم
استحق من يده ورجع بالثمن لم يبطل اقراره حتى إذا عاد إلى يده يوما يؤمر بتسليمه إلى البائع
بخلاف ما إذا اشتراه ولم يقر له بالملك لان نفس الشراء وإن كان اقرار بالملك فالاحتمال فيه
باق بخلاف الاقرار به نصا وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال مر عمر رضي الله عنه علي جارية
تسقى مع رجل من بئر فقال لمن هذه فقالوا لفلان قال ولعله يطأها قالوا نعم قال أما انها لو
ولدت ألزمته ولدها وبظاهره يأخذ الشافعي رحمه الله فنقول الأمة تصير فراشا بنفس الوطئ
ولا حجة له فيه لان عنده الفراش إنما يثبت باقرار المولى وهنا الاقرار في الجانب وبه لا
يثبت الفراش فأما ان يحمله على أنه عرف انها أم ولده أو يحمل علي ان مراده من ذلك حث
الناس على تحصين الجواري ومنعهن عن الاختلاط بالرجال فقد ظهر أن عمر رضي الله عنه
ما يخالف هذا على ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه كان له جارية وكان يطأها فجاءت بولد
ونفاه وقال اللهم لا يلحق بآل عمر من لا يشبههم فأقرت أنه من فلان الراعي وعن زيد بن
ثابت رضي الله عنه أنه كان يطأ جاريته فجاءت بولد فنفاه فقال كنت أطأها ولا أبغي ولدها
أي أعزل عنها وهكذا نقل عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما والذي ذكر في الكتاب
عن ابن عمر رضي الله عنهما ان عمر رضي الله عنه قال من وطئ وليدة له فضيعها فالولد منه
والضياع عليه لا حجة فيه للخصم لان الوليدة اسم لام الولد فإنه فعيل بمعين فاعل أي والده
وذكر عن عمر رضي الله عنه قال حصنوهن أو لا تحصنوهن إنما رجل وطئ جارية فجاءت
بولد ألزمته إياه وإنما قال ذلك على سبيل الحث للناس على تحصين السراري ومنعهن عن
الخروج ثم لا خلاف بين العلماء رحمهم الله ان النسب يثبت بالفراش والفراش تارة يثبت
بالنكاح وتارة يثبت بملك اليمين فأما الفراش في النكاح الصحيح يثبت بنفسه إذا جاءت بالولد
لمدة يتوهم ان العلوق بعد النكاح ثبت النسب على وجه لا ينتفى الا باللعان إذا كان من أهل
اللعان وكذلك النسب يثبت بشبهة النكاح إذا اتصل به الدخول وهذه الشبهة تثبت بالنكاح
الفاسد تارة وباخبار المخبر انها امرأته تارة لان الشبهة تعمل عمل الحقيقة فيما هو مبنى على
99

الاحتياط وأمر النسب مبنى على الاحتياط (ألا ترى) ان في حق وجوب المهر والعدة
جعلت الشبهة بمنزلة حقيقة النكاح فكذلك في النسب ومتى ثبت النسب بالشبهة لا يمكن
نفيه بحال لان نفى النسب بعد ثبوته لا يكون الا باللعان ولا يجرى اللعان في النكاح الفاسد
والوطئ بالشبهة واما بملك اليمين لا خلاف أن النسب لا يثبت بنفس الملك ولا بالوطئ بشبهة
الملك بدون الدعوة وإنما الخلاف في أن بنفس الوطئ بملك اليمين هل يصير فراشا حتى لا يثبت
النسب به عندنا الا ان يقر المولى بالنسب وعند الشافعي يثبت بنفس الوطئ ولكن إذا كان
المولى يطأها ويمنعها من الخروج فالأولى له ان يدعى ولدها ولا ينفيه فان الميرة في هذا ولكن
لا يلزمه حكما الا بالدعوة واحتج الشافعي بما روي عن عبد الله بن زمعة وسعد بن أبي وقاص
رضي الله عنهما اختصما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ولد ولدته زمعة فقال عبد
ولد أبى ولد على فراش أبى وقال سعد رضي الله عنه ابن أخي عهد إلي فيه أخي وامرأتي أن
أضمه إلى نفسي فقال صلى الله عليه وسلم هو لك يا عبد الولد للفراش وللعاهر الحجر فقد أثبت
النسب من زمعة باقرار من يخلفه بوطئه إياها ولم يسبق من زمعة دعوة النسب فدل أن الفراش
يثبت بنفس الوطئ والمعنى فيه أنه وضع ماءه حيث له وضعه فيثبت النسب منه كما في فراش
النكاح وهذا لان الوطئ بملك اليمين ينزل منزلة عقد النكاح (ألا ترى) أنه تثبت به حرمة
المصاهرة كما يثبت بالنكاح بل أقوى فحرمة الربيبة تثبت بالوطئ ولا يثبت بنفس النكاح وكذلك يحرم الجمع بين الأختين وطئا بملك اليمين كما يحرم الجمع بينهما نكاحا ثم الفراش في
حق النسب يثبت بالنكاح فكذلك بالوطئ بملك اليمين ولنا ان وطئ الأمة كملكها وبملكها
لا يثبت الفراش لأنه محتمل قد يكون لبيعها وقد يكون لوطئها فكذلك وطئه إياها محتمل قد
يكون للاستفراش وقد يكون لقضاء الشهوة وتحقيق ذلك بالعزل عنها عادة وينفرد بذلك
شرعا والمحتمل لا يكون حجة فلا يثبت النسب منه الا بالدعوة التي لا يبقى بعدها احتمال بخلاف
النكاح فإنه لا يكون الا للفراش عادة (ألا ترى) ان التمكن من الوطئ هناك جعل بمنزلة حقيقة
الوطئ وهنا بالتمكن من الوطئ لا يثبت النسب بالاتفاق للاحتمال فكذلك بحقيقة الوطئ ولان
هناك لا يبطل بثبوت النسب ملكا باتا للزوج وهنا يبطل ملك المالية والتصرف فيها بثبوت
نسب ولدها والمحتمل لا يكون حجة في ابطال الملك المتحقق به وبه فارق حرمة المصاهرة
فليس في اثباتها ابطال الملك بل باب الحرمة مبنى علي الاحتياط فيجوز اثباته مع الاحتمال ولان
100

ثبوته باعتبار الاتحاد بين الواطئين حسا حتى تصير أمهاتها وبناتها كأمهاته وبناته وذلك حاصل
بملك اليمين (ألا ترى) ان الرضاع في اثباته الحرمة جعل كالنسب ولم يجعل كهو في ابطال الملك
به يعنى بالعتق عليه وكذلك حرمة الجمع بين الأختين نكاحا للتحرز عن قطيعة الرحم بينهما
وذلك يحصل بالوطئ بملك اليمين فأما حديث عبد فقد ذكر أبو يوسف رحمه الله في الأمالي ان
وليده زمعة كانت أم ولد له وفى بعض الروايات في الحديث زيادة قال ولد أبى ولد على فراش
أبى لأني أقربه أبى وعندنا إذا أقر المولى بالنسب يثبت النسب منه على أن قوله صلى الله عليه
وسلم هو لك يا عبد ليس بقضاء بالنسب بل هو قضاء بالملك له لكونه ولد أمة أبيه ثم أعتقه
عليه باقراره بنسبه (ألا ترى) أنه عليه الصلاة والسلام قال لسودة فأما أنت يا سودة فاحتجبي
منه فإنه ليس بأخ لك والمراد من قوله صلى الله عليه وسلم للفراش تأكيد نفى النسب
عن عتبة بن أبي وقاص رضي الله عنه لأنه كان عاهرا لا الحاق النسب بزمعة قال وإذا حبلت
الأمة عند رجل ثم باعها وقبض ثمنها فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر فادعاه البائع ثبت النسب
منه وقضى بأنها أم ولد له ولدها حر الأصل وعليه رد الثمن على المشترى عندنا استحسانا وفى
القياس لا يثبت النسب منه ما لم يصدقه المشترى وبه أخذ زفر والشافعي رحمهما الله * وجه القياس
في ذلك أن البائع مناقض في كلامه ساع في نقض ما قد تم به وهو البيع فلا يقبل قوله كما
لو قال كنت أعتقتها أو دبرتها قبل أن أبيعها وهذا لان اقدامه على بيعها اقرار منه أنها ليست
بأم ولد له ولنا انا تيقنا بحصول العلوق في ملكه وذلك ينزل منزلة البينة في ابطال حق الغير
عنها كالمريض إذا جاءت جاريته بولد في ملكه فادعي نسبه نزل ذلك منزلة البينة في ابطال
حق الغرماء والورثة عنها وعن ولدها وتفسير الوصف أن أدنى مدة الحبل ستة أشهر فإذا
جاءت بولد من ذلك فقد تيقنا بحصول العلوق قبل البيع وتأثيره وهو أن بحصول العلوق
في ملكه يثبت له حق استلحاق النسب بالدعوة وذلك لا يحتمل الابطال وإنما يبطل البيع
ما كان محتملا للابطال فأما فيما لا يحتمل الا ابطال الحال بعد البيع وقبله سواء فإذا بقي حق
استلحاق النسب له بقي ما كان ثابتا وهو التفرد به من غير حاجة إلى تصديق المشترى وخفاء
أمر العلوق يكون عذرا له في اسقاط اعتبار التناقض وقبول قوله في ابطال البيع كما أن
الزوج إذا كذب نفسه بعد قضاء القاضي بنفي النسب ثبت منه وبطل حكم الحاكم ولا ينظر
إلى التناقض وهذا لان الانسان قد يعلم تدينا أن العلوق ليس منه ثم يتبين له أنه منه ولا
101

يوجد مثل هذا في دعوى العتق والتدبير فلهذا لا يقبل قول البائع فيه فان ادعاه المشترى
بعد ذلك فعلى طريق القياس يثبت النسب منه لان دعوة البائع لم تصح وعلى طريقة
الاستحسان لما ثبت النسب من البائع لا تصح دعوة المشترى لان البيع قد انتقض فصار
هو كأجنبي آخر ولان الولد قد استغنى عن النسب بثبوت نسبه من البائع وإن كان المشتري
ادعاه أولا ثبت النسب منه لأنها مملوكته في الحال يملك اعتاقها واعتاق ولدها فتصح دعوته
أيضا لحاجة الولد إلى النسب والحرية ويثبت لها أمية الولد باقراره ثم لا تصح دعوة البائع
بعد ذلك لان الولد قد استغنى عن النسب حين ثبت نسبه من المشترى ولأنه قد يثبت فيه
ما لا يحتمل الابطال وهو حقيقة النسب فيبطل به حق الاستلحاق الذي كان ثابتا للبائع
ضرورة فان ادعياه معا ثبت النسب من البائع عندنا وقال إبراهيم النخعي رحمه الله يثبت
النسب من المشترى لان للمشترى حقيقة الملك فيها وفى ولدها وللبائع حق والحق لا يعارض
الحقيقة كما لو جاءت جارية رجل بولد فادعاه هو وأبوه معا ثبت النسب من المولى لان له
حقيقة الملك فيها وللأب حق فيسقط اعتبار الحق في مقابلة الحقيقة ولنا ان دعوة البائع دعوة
استيلاء لان أصل العلوق في ملكه ودعوة المشترى دعوة تجويز فان أصل العلوق لم يكن
في ملكه ولا يعارض دعوة التجويز دعوة الاستيلاد كما لا يعارض نفس الاعتاق دعوة
الاستيلاد بمعنى أن دعوة الاستيلاد لا تقتصر علي الحال بل تستند إلى وقت العلوق ودعوة
التحرير تقتصر على الحال فدعوة البائع سابقة معنى فكأنها سبقت صورة بخلاف دعوة
المولى مع أبيه فان شرط صحة دعوة الأب بملك الجارية من وقت العلوق إذ ليس له في مال
ولده ملك ولا حق الملك فاقتران دعوة المولى بدعوة الأب يمنع تحصيل هذا الشرط فلهذا
أثبتنا النسب من المولى دون أبيه ولو أن المشترى أعتق الأم أو استولدها أو دبرها ثم ادعى
البائع الولد ثبت نسبه منه لان الولد يحتاج إلى النسب بعد عتق الأم وهو مقصود بالدعوة
وحق الاستيلاد في الأم يثبت تبعا فلا يمتنع ثبوت الأصل بامتناع ثبوت البيع إذ ليس من
ضرورة ثبوت نسب الولد ثبوت أمية الولد للأم كما في ولد المغرور يثبت نسب الولد ولا
تصير الأم أم ولد للمغرور ثم يرد البائع حصة الولد من الثمن دون الأم لأنه تعذر فسخ
البيع في الأم لما جرى فيها من عتق المشترى فإنه لا يجوز أن يرد أمه توطأ بالملك بعد ما نفذ
العتق فيها ولم يتعذر الفسخ في الولد وقد صار الولد مقصودا بهذا الاسترداد فتصير له حصة
102

من الثمن فلهذا يسترد المشترى حصة الولد من الثمن ولو ماتت الأم ثم ادعي البائع نسب
الولد صحت دعوته لما بينا ويرد البائع جميع الثمن في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف
ومحمد رحمها الله يمسك حصة الأم من الثمن لأنه تعذر فسخ البيع فيها بالموت كما في الفصل
الأول وهذه المسألة في الحقيقة تنبني على المسألة الخلافية المعروفة بين أبي حنيفة وصاحبيه
رحمهم الله في مالية أم الولد فعند أبي حنيفة رحمه الله لا قيمة لرقها حتى لا يضمن بالغصب
فكذلك لا يكون لها حصة من الثمن وقد زعم البائع انها أم ولد وزعمه حجة عليه وعلى
قولهما لرقها قيمة حتى يضمن بالغصب فيمسك حصتها من الثمن ثم الفرق لأبي حنيفة رحمه الله
بين هذا والأول أن هناك القاضي كذب البائع فيما زعم حين جعلها معتقة من جهة المشترى
أو مدبرة أو أم ولد فلم يبق لزعمه غيره فاما هنا بموتها لم يجز الحكم بخلاف ما زعم البائع فبقي
زعمه معتبرا في حقه فلهذا رد جميع الثمن ولو كان المشتري باع الأم أو وهبها أو رهنها أو
أجرها أو كاتبها أبطلت جميع ذلك ورددتها على البائع لان هذا التصرفات محتملة للنقض
كالبيع الأول فكما يجوز نقض البيع الأول بدعوة الاستيلاء من البائع فكذلك يجوز نقض
هذه التصرفات ولو كان المشترى أعتق الولد أو دبره ثم ادعى البائع نسبه لم يصدق في ذلك
إذا أكذبه المشتري لان الولد مقصود بالدعوة وقد ثبت المشترى فيه مالا يحتمل النقض وهو
الولاء فيبطل به حق الاستلحاق الذي كان للبائع لان الولاء كالنسب وقد بينا أنه لو ثبت
النسب من المشترى لم يكن للبائع حق الدعوة بعد ذلك فكذلك إذا ثبت الولاء له وكذلك
لو قبل الولد عنده وأخذ قيمته ثم ادعاه البائع لم تصح دعوته كما لو مات الولد وهذا لأنه بالموت
أو القتل قد استغنى عن النسب وصحة دعوة البائع لحاجة الولد إلى النسب ثم لا يرد الأم على
البائع لان حقها تبع لحق الولد في النسب ولم يثبت ما هو الأصل فلا يثبت ما هو بيع لأنه
لو ثبت كان مقصودا لا تبعا ولو قطعت يد الولد فاخذ المشترى نصف قيمته ثم ادعاه البائع
صحت دعوته لان الولد الأقطع محتاج إلى النسب محل لانتقاص البيع فيه ولكن الأرش يبقى
سالما للمشترى لان إبانة اليد كانت على حكم ملكه ودعوة البائع إنما تعمل في القائم دون اليد
المبانة وليس من ضرورة ثبوت نسب الولد بطلان حق المشترى عن الأرش لأنه ينفصل
عنه في الجملة لان الأرش مال ليس من النسب في شئ فيرد الجارية مع ولدها على البائع بجميع
الثمن الا حصة اليد فقد احتبس بدلها عند المشترى فلا يسلم له مجانا ولكن حصته من الثمن
103

تسلم للبائع كما ذكرنا فيما إذا احتبست الأم عنده وكذلك لو كان القطع في الأم لان المعنى
الذي أشرنا إليه يجمع الكل ولو فقأ رجل عيني الولد فدفعه المشترى إلى الجاني وأخذ قيمته
ثم ادعى البائع نسبه صحت دعوته لان المفقوءة عيناه يحتاج إلى النسب ودفعه بالجناية محتمل
للنقض فلا يمنع صحة دعوة البائع فيرد الأم والولد على البائع ويرد جميع الثمن على المشترى عند
أبي حنيفة رحمه الله لان من أصله أن الجاني يرجع على المشترى بجميع القيمة فان الجثة العمياء
إذا لم تسلم للجاني لا يلزمه شئ عند أبي حنيفة رحمه الله حتى لو أعاد المولى إمساك الجثة والرجوع
بنقصان القيمة لم يكن له ذلك عنده فإذا لم يسلم للمشترى شئ من بدل العينين رد البائع جميع
الثمن وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله المشترى يرجع على الجاني بنقصان العينين لان
في الابتداء لو أراد إمساك الجثة والرجوع بنقصان العينين كان له ذلك فكذلك في الانتهاء
وإذا كان للمشتري نقصان العينين رد البائع عليه جميع الثمن الا حصة النقصان وكذلك لو فقئت
عينا الأم فهو على ما بينا. قال ولو ادعى البائع نسب الولد وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر
وكذبه المشترى ثم قتل الولد بعد ذلك أو قطعت يده فعلى الجاني من ذلك ما عليه بالجناية
على الأحرار لان بمجرد الدعوى ثبت النسب وصار الولد حرا فإنه لا عبرة لتكذيب المشترى
فإنما حصلت الجناية بعد ذلك علي حر وان كانت الجناية على الأم كان عليه ما في جناية أم الولد
لان حق أمية الولد قد ثبت له بثبوت نسب الولد وحاصل هذا انه لا حاجة إلى قضاء القاضي
في ابطال هذا البيع وعودهما إلى البائع لأنه قد ثبب فيها وفى ولدها بنفس الدعوة ما هو مناف
للبيع وان جنى الولد كانت جنايته كجناية الحر وجناية أمه كجناية أم الولد لثبوت ذلك فيها
بنفس الدعوة وان كانت الجناية منهما قبل الدعوة فهو علي البائع دون المشترى لان البائع
بالدعوة قد صار مبطلا ملك المشتري فيهما بغير صنع من المشترى فليس على المشترى من
موجب جنايتهما شئ ولكن البائع مختار إن كان عالما بالجناية لأنه بالدعوة أثبت الحرية للولد
وحق الحرية للأم فيكون كالمنشئ لذلك بعد الجناية فلهذا صار مختارا ولو كانت الجارية لم تلد
بعد فأدعي البائع أن حبلها منه وقال المشترى ليس بها حبل وأراها النساء فقلنا هي حبلى أو قال
المشترى بها حبل ولكنه ليس منك فالبائع لا يصدق في الدعوة حتى تضع لأنه لا طريق
لمعرفة الحبل حقيقة فإنه مما استأثر الله تعالى بعلمه لقوله تعالى ويعلم ما في الأرحام ولان شرط
صحة دعوة البائع ان تلد لأقل من ستة أشهر من وقت البيع حتى يعلم يقينا أن العلوق كان في
104

ملكه ولا يدرى أنها هل تضع لأقل من ستة أشهر أم لا فلعلها تسقط سقطا غير مستبين الخلق
أو يضع الولد أكثر من ستة أشهر فلهذا لا تصح دعوة البائع فان جاء به لأقل من ستة أشهر
الآن تصح تلك الدعوة كما لو أنشأها بعد الوضع لان تيقنا أن العلوق حصل في ملكه فلو
جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر فادعاه البائع وقال أصل الحبل كان عندي وقال المشترى لم
يكن عندك إنما كان العلوق قبل شرائك فالقول قول البائع لأنهما تصادقا على اتصال العلوق
بملك البائع فكان الظاهر شاهدا للبائع ولان المشتري يدعى تاريخا سابقا في العلوق على ملك
البائع فلا يصدق على ذلك فان أقاما جميعا البينة فالبينة بينة البائع لأنه يثبت تاريخا سابقا في ملكه
على العلوق وملكه حقه فبينته على سبق التاريخ فيه مقبولة ولا شك في هذا عند أبي يوسف
رحمه الله واختلف المشايخ على قول محمد رحمه الله منهم من يقول قوله هكذا ومنهم من يقول
البينة بينة المشترى عنده لأنه هو المحتاج إلى إقامة البينة وأصل هذا فيما إذا قال المشترى اشتريتها
منك منذ سنة وقال البائع إنما بعتها منك منذ شهر فالقول قول البائع لان المشتري يدعى زيادة
تاريخ في شرائه فلا يصدق علي ذلك الا بحجة فان أقاما جميعا البينة فالبينة بينة البائع عند أبي
يوسف رحمه الله لأنه يثبت ببينته حصول العلوق في ملكه وثبوت حق استلحاق النسب له
وعند محمد رحمه الله البينة بينة المشترى لأنه هو المحتاج إلى اثبات التاريخ في شرائه بالبينة
فيثبت ببينته ان شراءه كان منذ سنة وذلك مانع من صحة دعوة البائع فلهذا قبلت بينته. قال وان
كانت ولدت الجارية المبيعة بنتا لأقل من ستة أشهر ثم ولدت ابنتها ابنا فأعتق المشترى الابن
ثم ادعى البائع الابنة فهي ابنته لان العلوق بها كان في ملكه ودعوته فيها دعوة استيلاد ويثبت
حرية الأصل فيها ومن ضرورته ابطال عتق المشترى على ابنها لان العتق يطرأ على الرق
ومن ضرورة كونها حرة الأصل أن ينفصل الولد منها حرا وكذلك أن كانت الابنة ولدت
ابنتا قال (ألا ترى) ان رجلا لو ولدت جاريته عنده غلاما ثم ولد للغلام ابن فباع المولى ابن
الولد الذي ولد عنده فأعتقه المشترى ثم ادعى الولد الذي كان العلوق به في ملكه صحت دعوته
ويبطل بيع الابن وعتق المشترى إياه لأنه تبين بصحة دعوته حرية الأصل للأب وذلك
يوجب حرية الابن لان الابن مولود من أمة كانت لمدعى الأب فتبين أنه كان ملك ابن
ابنه وعتق عليه قبل أن يبيعه وبطل به بيع المشترى وعتقه قال وهذا بمنزلة التوأم وفى بعض
النسخ التوأمين وكلاهما صحيح عند أهل اللغة منهم من قال التوأم أفصح كما يقال هما زوج
105

ومنهم من قال التوأمان أفصح كما يقال هما كفؤان واخوان وبيانه جارية ولدت ولدين في
بطن واحد من علوق كان في ملك مولاها فباع المولى أحدهما وأعتقه المشترى ثم إن
البائع ادعى نسب الذي عنده يثبت نسبهما منه لأنهما خلقا من ماء واحد فلا ينفصل أحدهما عن
الآخر نسبا وقد كان العلوق بهما في ملكه فيثبت حرية الأصل للذي عند البائع ومن
ضرورته ثبوت حرية الأصل للآخر وكان ذلك بمنزلة إقامة البينة في ابطال عتق المشترى
وشرائه في الآخر فكذلك فيما سبق وهذا بخلاف ما تقدم إذا أعتق المشترى الأم ثم ادعى
البائع نسب الولد لم يبطل عتق المشترى في الأم لأنه ليس من ضرورية حرية الأصل للولد
ثبوت أمية الولد للأم في ولد المغرور ولان هناك لو أبطلنا عتق المشتري فيها رددناها من
حالة الحرية إلى حالة الرق وذلك لا يجوز لان العتق أسقط الرق والمسقط متلاشي لا يتصور
عوده وهنا لو أبطلنا عتق المشترى رددناه إلي حال حرية الأصل وذلك مستقيم ولان فيه
ابطال الولاء الثابت للمشترى والولاء أثر من آثار الملك فلم يجز اسقاطه إلا عند قيام
الحجة فلهذا أبطلنا عتق المشتري في هذه الفصول ولو لم يبع ابن الابن ولكنه باع الابن
فأعتقه المشترى ثم ادعاه لم تجز دعوته لان المقصود بالدعوة الابن وقد اتصل به من جهة
المشترى مالا يحتمل النقض وهو الولاء فيبطل به حق الاستلحاق الذي كان ثابتا للبائع فيه
وعتق ابن الابن الذي في يده لأنه أقر له بالحرية حين زعم أنه ابن ابنه والاقرار بالنسب وإن لم
يعمل في اثبات النسب لمانع كان عاملا في الحرية كما لو قال لعبده وهو معروف النسب
من الغير هو ابني يعتق عليه وكذلك لو مات عند المشترى لأنه بالموت استغنى عن النسب
وخرج البيع من أن يكون محتملا للنقض فيه فلم يعمل دعوة البائع في حقه وعتق ابن الابن
باقراره كما بينا ولو كان مكان الابن ابنتا فماتت عند المشترى ثم ادعى البائع نسبها لم تصح
دعوته في حقها ولا في حق ابنتها وهذا والملاعنة سواء في قول أبي حنيفة رحمه الله إذا كان
ولد الملاعنة ابنتا فولدت ابنا ثم ماتت الأم ثم أكذب الملاعن نفسه لم يعمل اكذابه في اثبات
نسبها مع بقاء ابن يخلفها فكذلك هنا والمعنى فيهما سواء وهو أن ينسب الولد القائم إلى أبيه
دون أمه فيجعل أمه كالميتة لا عن ولد وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله يفرقان بين هذه وولد
الملاعنة فان عندهما هناك ولدا لابنه كولد الابن في قيامه مقام ولد الملاعنة حتى يصح
اكذاب الملاعن نفسه ويثبت نسب ولد الملاعنة وإن كان ميتا لان هناك أصل النسب كان
106

ثابتا بالفراش فاستتر باللعان وبقي موقوفا علي حقه حتى لو ادعاه غيره لم يصح فيجعل بقاء ولده
كبقائه في صحة الاظهار بالدعوة وأما نسب ولد المبيعة ما كان ثابتا من البائع ولا موقوفا
علي حقه حتى لو ادعاه المشترى ثبت نسبه منه فلا تعمل دعوته في الاثبات ابتداء الا في
حال بقائه أو بقاء من ينسب إليه وولد الابن ينتسب إليه بالبنوة دون ولد الابنة فلهذا لا
يثبت النسب بعد موت الا بنت بالدعوة. قال وإذا حبلت الأمة فولدت في يد مولاها ثم
باعها فزوجها المشترى من عبده فولدت له ولدا ثم مات العبد عنها فاستولدها المشترى ثم
ادعى البائع الولد الذي عنده ثبت نسبه منه لان العلوق به كان في ملكه فدعوته فيه دعوة
استيلاد ويرد إليه ابن العبد بحصته من الثمن لأنه ولد أم ولد في حقه وهو ثابت النسب من
غيره وولد أم الولد بمنزلة أمه ولو لم يستولد المشترى الأم كانا جميعا مردودين عليه فاستيلاده
الأم يثبت فيها ما لا يتحمل النقض وهو حق العتق للمشترى فنزل ذلك منزلة حقيقة العتق
وذلك لا يمنع رد الولد إليه لان أحدهما ينفصل عن صاحبه فان (قيل) هذا الولد في حكم أمية
الولد تبع للأم ولا يثبت البائع حق أمية الولد في الأم فكيف يثبت في ولدها (قلنا) لا
كذلك بل هما جميعا بائعان للولد الذي عنده لان الأم بيع ولا بيع للتبع فتعذر رد أحدهما عليه
لا يمنع رد الآخر بحصته من الثمن ويعتبر في الانقسام قيمتها وقت البيع وقيمة الولد الثاني
وقت الانفصال لأنه كما حدث فحق أمية الولد فيه ثابت للبائع إلا أنه لما صار متقوما عند
الانفصال فيعتبر في الانقسام قيمته في ذلك الوقت ويعتق بموت البائع من جميع ماله لأنه أبن
أم ولده فان ادعى البائع ابن العبد انه ابنه عتق عليه ولم يثبت نسبه منه لأنه يملكه ولكنه
معروف النسب من الغير فدعوته إياه كاعتاقه. قال ولو باعها وهي حبلى فولدت عند المشترى
بعد البيع بيوم ثم ولدت ولدا آخر بعد سنة من غير زوج فادعى البائع والمشترى الولدين معا
فهما ابنا البائع أما الأكبر منهما فلان العلوق به كان في ملك البائع يثبت نسبه منه ويبطل البيع
فيه وفي أمه لأنه تبين انها أم ولده من حين علقت والولد الثاني مردود عليه أيضا لأنه ابن أم
ولده فهو إنما يدعى ملك نفسه والمشترى يدعى ملك الغير فلهذا كان دعوة البائع أولى فيهما
ولو بدأ المشترى فادعى الولد الآخر أنه ابنه ثبت نسبه منه لان العلوق به حصل في ملكه
وهو محتاج إلى النسب وصارت الجارية أم ولد له فان ادعى البائع بعده الولد الأول ثبت
نسبه منه بحصول العلوق به في ملكه ويرد إليه الولد خاصة بحصته من الثمن لأنه تعذر فسخ
107

البيع في الأم لما ثبت للمشترى فيها من حق أمية الولد ولو لم يدع واحد منهما شيئا حتى لو
ادعى البائع الولد الآخر لم يصدق لان العلوق بالولد الآخر لم يكن في ملكه وهو للحال
مملوك للمشترى فلا دعوة له فيه مقصودة وكذلك لو مات الأول ثم ادعاهما البائع لان دعوته
في الذي مات لم تصح لاستغنائه عن النسب فلو صح كان الآخر مقصودا والعلوق به لم يحصل
في ملكه. قال وان ولدت الأمة المبيعة ولدين في بطن واحد كلاهما أو أحدهما لأقل من ستة
أشهر فجنى على أحد الولدين جناية وأخذ المشترى الأرش ثم ادعاهما البائع فدعوته جائزة
فيهما لأنا تيقنا بحصول العلوق بهما في ملكه فإنهما خلق من ماء واحد والتي ولدت لأقل من
ستة أشهر يتيقن أن العلوق كان في ملكه فيتبين أيضا أن العلوق الثاني كان في ملكه وان
ولدت لأكثر من ستة أشهر فلهذا ثبت نسبهما وبطل البيع فيهما وفى الأم ولكن الأرش
يبقى سالما للمشترى لما بينا في الولد الواحد أن الدعوة في اليد المبانة لا تعمل فيبقى الأرش للمشترى
كما كان قبل الدعوة وكذلك أن اكتسب أحدهما كسبا فقد كان قبل الدعوة الكسب ملكا
للمشترى وليس من ضرورة صحة الدعوة بطلان ملكه في الكسب فيبقي سالما له ولو كان
قتل أحدهما ثم ادعاه البائع كان قيمة الموصول لورثة المقتول لان بثبوت حرية الأصل
لأحدهما يثبت مثله للآخر فيكون بدله لورثته ضرورة وهذا بخلاف الأرش والكسب
لان التوأم لا ينفصل أحدهما عن الآخر في النسب والحرية وأعمال ذلك في الأقطع ممكن فلا
حاجة بنا إلى إعماله في إبطال ملك المشتري في الأرش والكسب فأما الواجب على القاتل بدل
النفس ومن ضرورة ابطال البيع فيه عند بقاء ما يخلفه أنه لا يبقى للمشترى حقا في بدل نفسه
فكان ذلك لورثة المقتول قال في بعض النسخ ويصدق البائع في بدل النفس وفى بعض النسخ
قال لا يصدق في بدل النفس وليس هذا باختلاف الرواية ولكن حيث قال يصدق يعنى في حق
المشترى حتى يبطل حقه عن القيمة لان من ضرورة ثبوت الحرية للمقتول في الأصل أن
لا يملك بدل نفسه بملك الأصل وحيث قال لا يصدق يعنى في حق الجاني حتى لا يجب عليه
الدية بل يكون الواجب عليه القيمة كما كأن لأنه ليس من ضرورة ثبوت الحرية فيه وجوب
الدية على قاتله فكم من قتل غير موجب للدية وما كان ثبوته بطريق الضرورة تعتبر فيه الجملة
دون الأحوال. قال ولو كان المشترى أعتق أحدهما ثم قتل وترك ميراثا وأخذ المشتري ديته
وميراثه بالولاء ثم ادعى البائع الولدين ثبت نسبهما منه وأخذ الدية والميراث من المشتري لان
108

حرية الأصل قد ثبت للمقتول ضرورة ثبوتها في الآخر وذلك مناف لولاء المشترى فإنما
أخذ ميراثه بالولاء فإذا ظهر المنافى للولاء وجب رده ولو أعادهما المشترى أولا فإنهما ابناه
لأنهما مملوكان له محتاجان إلى النسب فان ادعاهما البائع بعد ذلك لم يصدق لوقوع الاستغناء
لهما عن النسب بثبوت نسبهما من المشترى. قال أمة حبلت في ملك رجل فولدت غلاما وكبر
فزوجه المولى أمة له فولدت غلاما ثم باع الأسفل وأعتقه المشتري ثم ادعى البائع الابن
الأول فهو ابنه لان العلوق به كان في ملكه وينتقض بيع المشترى وعتقه في ابن الابن
لأنه تبين انه كان حرا قبل بيعه فإنه إنما ولد من أمة المولى ومن ملك ابن ابنه فعتق عليه وكان
ذلك سابقا على بيعه فيبطل به البيع وعتق المشترى إياه ضرورة وهو بمنزلة التوأم كما قررنا
ولو لم بدع البائع الذي عنده ولكن ادعى الذي باع انه ابنه كانت دعوته باطلة لأنه وان
حصل العلوق في ملكه فقد نفذ فيه من جهة المشترى مالا يحتمل الابطال وهو العتق فلهذا
لا تصح دعوته فيها. قال أمة ولدت ولدين في بطن واحد ولم يكن أصل الحبل عند هذا المولى
فباع أحدهما وأعتقه المشترى ثم ادعاهما البائع فهما ابناه لأنه لما بقي أحد الولدين عنده فدعوته
فيه صادفت ملكه فيثبت نسبه منه ومن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت نسب الاخر
ولكن لا ينتقض عتق المشترى ولا البيع لان أصل العلوق بهما لم يكن في ملك البائع
فدعوته دعوة التحرير فينزل منزلة الاعتاق والتوأمان ينفصل أحدهما عن الآخر في الاعتاق
فليس من ضرورة عتق أحدهما بدعوة البائع ابطال البيع وعتق المشترى في الآخر بخلاف
ما إذا كان العلوق بهما في ملك البائع فان دعوته هناك دعوة استيلاد يستند إلى وقت العلوق
فيثبت به حرية الأصل للذي بقي عنده ومن ضرورته حرية الأصل للآخر فلهذا بطل البيع
والعتق (ألا ترى) ان الجارية المشتركة بين اثنين إذا ولدت فادعاه أحدهما فإن كان أصل
العلوق في ملكهما لم يضمن من قمية الولد لشريكه شيئا وإن لم يكن أصل العلوق في
ملكهما ضمن نصف قيمة الولد لشريكه إن كان موسرا لان دعوته دعوة تحرير فيجعل
بمنزلة اعتاقه الولد مقصودا. قال أمة في يد رجل وفي يده ولد لها وفى يد رجل آخر ولد لها
فادعى الذي في يده الولد أن الولدين جميعا ابناه ولد من هذه الأمة في بطن واحد أو في
بطنين وان الأمة أمته وأقام البينة علي ذلك وادعى الذي في يديه مثل ذلك وأقام البينة علي
ذلك فإنه يقضى بالأمة والولدين جميعا للذي الأمة في يديه لان كل واحد منهما يدعى حق
109

العتق فيها بسبب أمية الولد فكان دعواه حقيقة العتق فيها والبينة بينة ذي اليد لان كل
واحدة من البينتين قامت لاثبات الولاء والولاء بمنزلة النسب فيترجح بينة ذي اليد فإذا
قضينا بالأمة له أثبتنا نسب الولدين منه لأنهما ولد أم ولده قد ادعاهما وأجنبي ادعى نسب
ولد أم ولد الغير وهذا لان استحقاق الأصل بالبينة توجب استحقاق الزوائد المنفصلة قال
ولو كانت أمة في يد رجل وفي يديه ولد لها فجاء آخر يدعيها ولا يدعى ولدها وفى يده
ولد لها آخر يدعيه وأقام البينة على دعواه وأقام الذي هو في يديه البينة أن الأمة أمته ولدت
الابن الذي في يديه منه ولا يعرف أي الولدين أكبر وقد ولدتهما في بطنين قضيت بالأمة
للذي في يديه لدعواه أمته الولد فيها وقضيت لكل واحد منهما بالابن الذي ادعاه وهو في
يديه لان كل واحد منهما يدعى نسبت أحد الولدين وخصمه لا ينازعه في ذلك وكل واحد
من الولدين محتاج إلى النسب وذلك كافي للقضاء بنسبه منه بمجرد الدعوة فكيف ذا أثبته
بالبينة بخلاف ما سبق فان المنازعة بينهما هناك في نسب الولدين فرجحنا المقضي له بالجارية
لان استحقاقه الأصل شاهد له فيما يدعى من نسب الولد ولأنا قضينا له بالفراش حين قضينا
بأمية الولد من جهته في الأم وثبوت النسب باعتبار الفراش فإذا ادعاه كان أولى به وإذا نفاه
ثبت من الذي ادعاه لإقامة البينة عليه واحتمال أن يكون لما ادعاه سببا صحيحا. قال أمة في
يد رجل له منها ولد فادعى آخر أن الذي الأمة في يديه زوجها منه وولدت على فراشه هذا
الولد وأقام الذي في يديه البينة الأمة ان الأمة لهذا المدعى وانه زوجها منه وولدت على
فراشه هذا الولد فالأمة بمنزلة أم موقوفة في يدعى الذي هي في يديه لا يطأها واحد منهما
لان كل واحد منهما أقر بولادتها منه والملك فيها لأحدهما فيثبت أمية الولد فيها ثم كل واحد
منهما ينفيها عن نفسه ويقول إنها في ملك صاحبي وقد ادعى نسب ولدها فصارت بمنزلة أم
الولد له فبقيت موقوفة لا يطأها واحد منهما كمن اشتري عبدا ثم إن البائع أعتقه وجحد
البائع ذلك كان موقوفا الولاء فأيها مات عتقت هي لان الحي منهما قد أقر بعتقها بموت
صاحبه وصاحبه كان مقرا بأن اقرار الحي فيهما كان نافذا فلهذا تعتق بموت أحدهما والولد
للذي هو في يديه لان دعواهما فيه دعوى النسب وبينة ذي اليد في دعوى النسب تترجح
علي جانب الخارج. قال أمة في يدي رجل وفي يده ولد لها فادعى آخر أنه تزوجها بعد اذن
مولاه فولدت له على فراشه هذا الولد الذي في يد مولاها وأقام البينة على ذلك وأقام المولى
110

البينة أنه ابنه ولد على فراشه من أمته هذه فانى أقضى بالولد للزوج وأثبت نسبه منه لان
ثبوت النسب باعتبار الفراش وفراش النكاح أقوى في اثبات النسب من فراش الملك
(ألا ترى) أن النسب الذي يثبت بالنكاح لا ينتفى بمجرد النفي والذي يثبت بملك اليمين ينتفى
بمجرد النفي والضعيف لا يظهر في مقابلة القوى فلهذا أثبتنا النسب من الزوج ولكنه يعتق
باقرار المولى لأنه قد أقر بحريته حين ادعى نسبه وكذلك الأمة بمنزلة أم الولد للمولى لأنه كما
أقر للولد بالحرية فقد أقر لها بحق الحرية بسبب هو محتمل في نفسه فيثبت لها حق أمية
الولد حتى إذا مات المولى عتقت وهذا لأنه إنما يمتنع العمل باقراره في ابطال ما صار مستحقا
لغيره وهو النسب فأما فيما وراء ذلك يجعل هو كالمقر بالحق لأنه ليس فيه ابطال حق لاحد.
قال حرة ولدت ولدين في بطن واحد فكبرا واكتسبا مالا ثم مات أحدهما عن ابنين ثم
ادعى رجل أنه تزوج المرأة وانهما ابناه منها وأقرت المرأة وحدها بذلك فإنها لا تصدق على
غيرها لان الولد الثاني كبير يعبر عن نفسه فلا يثبت نسبه من الغير بدعواه إلا عند تصديقه
وكذلك الميت منهما ابناه قائمان مقامه فلا يثبت نسبه بدعواه الا بتصديقهما ولم يوجد واقرار
المرأة ليس بحجة على أحد منهم ولكنه حجة عليها فيشركها في نصيبها من ميراث ابنها لأنها
زعمت أن الميت منهما خلف ابنين وأبوين فللأبوين السدسان والباقي للابنين فقد أقرت بان
حق الأب وحقها في تركته سواء فيقسم ما في يدها بينهما نصفان وليس من ضرورة الشركة
في الميراث في نصيب المقر ثبوت النسب فان المال يستحق بأسباب وأصله في أحد
الأخوين إذا أقر بأخ ثالث فان أقر الابن الثاني بذلك ثبت نسبهما جميعا منه لان نسب المقر
قد ثبت بتصديقه ومن ضرورة ثبوت نسب الآخر فإنهما توأم وان أقر ابن الميت بذلك
وهو محتمل ثبت نسبهما منه لان ابن الميت قائم مقام الميت وهو في حياته لو صدق ثبت
نسبهما منه فكذلك إذا صدقه من يخلفه. قال أمة ولدت غلاما فأقر المولى ان هذا الولد
من زوج حر أو عبد معروف فان صدقه المقر له أو كان ميتا أو غائبا ثم ادعى المولى انه ابنه
عتق بدعواه لإقراره بحريته ولا يثبت نسبه منه لأنه ثابت من المقر له بحكم اقراره وعند
التصديق غير مشكل وعند غيبته وهو موقوف علي حقه فلا يملك أن يدعيه على نفسه
وإن كان المقر له حاضرا فكذبه ثم ادعاه المقر بعد ذلك لنفسه قال أبو حنيفة رحمه الله لا يثبت
نسبه منه وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يثبت نسبه منه لان اقرار المقر قد بطل بتكذيب
111

المقر له وبقي الولد محتاجا إلى النسب فإذا ادعاه المولى في حال حاجته وليس فيه ابطال حق غيره
يثبت منه (ألا ترى) أن المشترى للعبد إذا أقر بالولاء للبائع وكذبه البائع ثم ادعاه لنفسه
ثبت الولاء منه والولاء بمنزلة النسب في أنه لا يحتمل الابطال بعد ثبوته ثم هناك بالتكذيب
يبطل اقراره لغيره ويصير كأن لم يكن فكذلك هنا وأبو حنيفة رحمه الله يقول في كلامه
الأول اقرار بشيئين أحدهما ثبوت النسب من الغير والاخر خروجه من دعوى هذا
النسب أصلا وبتكذيب المقر له إنما يبطل ما هو من حقه فأما مالا حق له فيه لا يبطل الاقرار
فيه بتكذيب وخروج المقر من دعوى هذا النسب ليس بحق للمقر له فيبقى الحال فيه
بعد التكذيب على ما كان قبله والدليل عليه أن بتكذيبه لا يبطل الاقرار لان النسب مما لا يحتمل
الابطال أصلا بل بقي موقوفا على حقه حتى لو ادعاه ثبت منه فلا يملك المولى دعواه لنفسه في
حال توقفه علي حق الغير كولد الملاعنة إذا ادعى غير الملاعن نسبه لا يثبت منه لأنه يبقى موقوفا
علي حق الملاعن فيمنع ذلك صحة دعوة غيره وهذا بخلاف الولاء فإنه أثر من أثر الملك وأصل
الملك محتمل النقل من شخص إلى شخص فكذلك أثره إلا أنه إنما لا يحتمل الابطال بعد
تقرر سببه وهو العتق من واحد لعدم تصور ذلك السبب من غيره حتى لو تصور بأن
كانت أمة فارتدت ولحقت بدار الحرب وسبيت فملكها رجل وأعتقها كان ولاؤها له دون
الأول وهنا السبب كان موقوفا لم يتقرر للبائع ويحتمل تقرره من قبل المشترى بدعواه
لنفسه فلهذا يثبت الولاء له بخلاف النسب ولو لم يقر المولي بشئ منه من ذلك ولكن أجنبي
قال هذا الولد ابن المولى فأنكره المولى ثم اشتراه الأجنبي أو ورثه فادعى أنه ابنه عتق ولم
يثبت نسبه منه في قول أبي حنيفة رحمه الله وهذا والأول سواء لان الاقرار بالنسب في
حق المقر يعتبر فيما لا يتناول حق المقر مالكا كان أو أجنبيا وكذلك لو شهد شاهدين بنسب
لغيره ثم ادعى لنفسه ثم لم يثبت نسبه في قول أبي حنيفة رحمه الله لما بينا أن بشهادته لغيره قد
أخرج نسبه من ذلك النسب فلا يمكنه أن يدعيه لنفسه بعد ذلك قال ولو شهدت امرأة على
صبي انه ابن هذه المرأة ولم تقبل شهادتهما بالنسب ثم ادعت الشاهدة أن الصبي ابنها وأقامت علي
ذلك شاهدين لم يقبل ذلك منها لأنها بشهادتها قد أخرجت نفسها من دعوى نسب هذا الولد
فان الولد لا يثبت نسبه من المرأة الا بانفصاله عنها وبعدما زعمت أنه انفصل من المشهود
لها لا يمكنها أن تدعى انفصاله منها والبينة على النسب بدون الدعوى لا تكون مقبولة ولو
112

كبر الصبي فادعى انه ابنها وأقام علي ذلك شاهدين قضى القاضي بنسبه منها لان الابن يدعى
ما هو من حقه فان نسبه وإن كان ثابتا إلى أبيه فإذا كان ثابت النسب من أمه يكون كريم
الطرفين ولم يسبق منه ما يناقض ويمنعه من هذه الدعوى فوجب قبول بينته (ألا ترى)
أن الأم لو كانت جاحدة أصلا قبلت بينة الابن عليها فكذلك إذا كانت مناقضة في قولها
وكذلك لو ادعى رجل صبيا في يد امرأة انه ابنه وهي تنكر فشهد له شاهد فلم يقبل
القاضي شهادته ثم إن الشاهد ادعي الصبي انه ابنه وان المرأة امرأته وأقام البينة على ذلك لم
تقبل بينته لان بشهادته صار مخرجا نفسه من هذه الدعوى ولو ادعته المرأة عليه وأقامت
البينة قبلت بينتها لأنها تدعى ما هو من حقها فان في ثبوت نسب ولدها من رجل دفع تهمة
الزنا عنها حتى تكون محصنة ولم يسبق منها ما يمنعها من هذه الدعوى فوجب قبول بينتها عليه
قال ولو ادعي رجلان صبيا في يد امرأة كل واحد منهما يقول هو ابني منها بنكاح وهي
ينكر ثم ادعت المرأة علي آخر أنه تزوجها وهذا الصبي لها منه وشهد لها بذلك الرجلان
المدعيان للصبي لم أقبل شهادتهما لأنهما بالدعوى الأولى صار مناقضين في هذه الشهادة وتأثير
التناقض في الشهادة أكثر منه في الدعوى فإذا كان هذا النوع من التناقض يمنعه الدعوى فلان
يمنعه من الشهادة كان أولى وكذلك صبي في يد امرأة شهد رجل أنه ابن فلان ورد القاضي
شهادته ثم شهد هو وآخر أنه ابن رجل آخر لم تقبل هذه الشهادة لكونه أحد الشهادتين
متناقضا فيها. قال وإذا أقر الرجل ان أمته حبلي من رجل قد مات ثم ادعى انه منه فولدت
لأقل من ستة أشهر عتق لإقراره بحريته ولم يثبت نسبه منه لان تيقنا بوجوده في بطن الأم
حين أقر بنسبه لغيره وثبوت النسب من وقت العلوق والاقرار به حال كونه موجودا في
البطن والاقرار به بعد الانفصال سواء فلا تسمع منه الدعوى لنفسه بعد الاقرار الأول وهذه
هي الحيلة أن يشترى جارية حاملا إذا أراد أن يتحرز عن دعوى البائع بأمره بأن يقر أن الحبل
بها من فلان الميت ثم يشتريها المشترى فإذا ادعاه البائع بعد ذلك لنفسه لا يسمع دعواه ولا
يبطل ملك المشتري فيها ولا في ولدها ولو أقر أن الحبل بها من زوج ثم مكث سنة ثم قال
هي حامل منى فولدت لأقل من ستة أشهر من الاقرار الاخر فهو ابن المولى ثابت النسب
منه لأنه لم يسبق منه ما يخرجه من دعوى نسبه الآخر فإنه لم يكن موجودا في البطن عند
كلامه الأول إنما هو من علوق حادث فان (قيل) هو مالك لام الولد وقد أقر أنها منكوحة
113

الغير وفراش النكاح للغير عليها يمنع المولى من دعوى نسبها (قلنا) ذلك الاقرار ليس بموجب
لنكاح الغير عند العلوق بالثاني لان بقاء ما عرف ثبوته لعدم الدليل المزيل لا لوجود الدليل المنفى
ودعواه نسب الولد الثاني تنصيص منه على كونها فراشا له حين علقت بالثاني فهذا دليل موجب
لفراشه فلا يعارضه ما كان ثابتا لعدم الدليل المزيل حتى يكون دافعا له. قال رجل قال لامته
الحامل إن كان حملها غلاما فهو منى وإن كان جارية فهو من زوج زوجتها إياه أو قال إن كانت
جارية فليست منى فولدت غلاما وجارية لأقل من ستة أشهر فهما ولداه لان كلامه يشتمل
على شيئين أحدهما معتبر والآخر لغو فالمعتبر دعواه نسب ما في بطنها واللغو التقسيم فيما بين
الغلام والجارية نفيا واثباتا فان هذا رجم بالغيب ولا طريق له إلى معرفته فاعتبر من كلامه ما
أمكن اعتباره وقد تيقنا بوجودهما في البطن حين ادعى نسب أحدهما وهما توأم فدعواه نسب
أحدهما كدعواه نسبهما فلهذا قضى بأنهما ولداه ولو أقر أنه زوج أمته رجلا غائبا وهو حي
لم يمت ثم جاءت بولد بعد قوله لستة أشهر فادعاه المولى لم يصدق لان اقراره بالنكاح بزوج
معروف اقرار صحيح فيثبت به نكاح الغائب في حقه فدعواه بعد ذلك في ابطال حق ذلك
الغائب غير مسموع بخلاف ما تقدم من اقراره أنه من زوج لان ذلك اقرار بالنكاح للمجهول
والاقرار للمجهول باطل وليس في دعواه نسب ولد علق بعد ذلك ابطال حق ثابت لغيره
فلهذا أثبتنا النسب منه. قال ولو أقر أنه ولد مكاتبه من زوج ثم ادعي هو نسبته لم يصدق عليه
لان بالكلام الأول أخرج نفسه من دعوى نسب هذا الولد ولكن يعتق عليه لان ولد
المكاتبة مكاتب مع أمه فكان مملوكا للمولى كالأمة حتى يملك اعتاقه فكذلك يملك اقراره
فيه بما يوجب الحرية ولا يضمن للمكاتبة شيئا لأنه حصل بعض مقصودها فإنها إنما تسعى لتحصيل
الحرية لنفسها ولأولادها وكذلك ولد المدبرة وأم الولد فيما ذكرنا وكذلك أمة بين رجلين
ولدت فأقر كل واحد منهما انه ابن الآخر ثم ادعاه أحدهما بعد ذلك لم يصدق على النسب
لأنه أقر بأنه ابن لشريكه وذلك يخرجه من دعوى نسبه فلا تصح دعواه لنفسه بعد ذلك
وقد عتق الولد بقول الأول منهما لاتفاقهما على حريته سواء كان ابنها لهذا أو لذاك وصارت
الأم بمنزله أم الولد موقوفة لتصادقهما على ثبوت حق أمية الولد لها ونفى كل واحد منهما
ذلك عن نفسه فأيهما مات عتقت لان الحي منهما يزعم أنها أم ولد للميت وقد عتقت بموته
والميت كان مقرا بنفوذ اقرار الحي فيها لأنها أم ولده فلهذا عتقت بموت أحدهما. قال رجل
114

علقت جاريته في ملكه فولدت فادعى الولد أبوه ثبت نسب الولد منه وصارت الجارية أم ولد
له وعليه للمولى قيمة الولد للجارية لان الشرع أضاف مال الولد إلى الأب بقوله صلى الله عليه
وسلم أنت ومالك لأبيك وأثبت له حق تملك المال على ولده عند الحاجة ولهذا كان له أن ينفق
من ماله بالمعروف وحاجته إلى النفقة لابقاء نفسه إلى الاستيلاد لابقاء نسله فان بقاءه معني
ببقاء نسله إلا أن الحاجة إلى ابقاء النفس أصلى فيثبت له ولاية صرف مال الولد إلى حاجته من
غير عوض وحاجته إلى ابقاء نسله ليس من أصول الحوائج فلا يبطل حق الولد عن مالية الجارية
فكان له أن يتملكها بضمان القيمة نظرا من الجانبين وروى عن بشر رحمه الله أنه قال آخر ما
استقر عليه قول أبى يوسف رحمه الله ان الجارية لا تصير أم ولد للأب ولكن الولد حر بالقيمة
بمنزلة ولد المغرور فيغرم الأب عقرها وقيمة ولدها لان حق ملك الأب في مال ولده لا يكون
أقوى من حق ملك المولى في كسب مكاتبه فإنه يملك رقبة المكاتب ولا يملك رقبة ولده ثم
لو ادعى ولد جارية مكاتبه لا تصير الجارية أم ولد له ولكن ان صدقه المكاتب فالولد حر
بالقيمة فكذلك هنا الا ان هناك يحتاج إلى تصديق المكاتب لان المولى حجر على نفسه عن
التصرف في كسب مكاتبه ودعوة النسب تصرف منه فلا ينفذ الا بتصديقه * ووجه ظاهر
الرواية ان للمولى في كسب المكاتب حق الملك وذلك كاف لثبات النسب فلا حاجة به إلي تملك
الجارية وإذا لم يتملكها لا تصير أم ولد له وليس للوالد في مال ولده حق الملك بدليل انه يباح
للابن أن يطأ جارية نفسه فلا يمكن اثبات النسب فيه الا بتقديم بملك الجارية فيه على الاستيلاد
صيانة لمائه من الضياع وإذا صار متملكا لها فإنما استولد ملك نفسه فتصير أم ولد له فلهذا
لا يلزمه قيمة الولد لأنه علق حر الأصل ولا عقر عليه عندنا وقال زفر والشافعي رحمهما الله
عليه العقر لان وطأه حصل في ملك الغير فلا يخلو عن ايجاب حد وعقر وقد سقط الحد لشبهة
فيجب العقر كما لو وطئها فلم تحبل وهذا لان ملكه إياها أن يقدم على العلوق ولكن لا يضيع
ماءه فيبقى أصل الوطئ حاصلا في ملك الغير (ألا ترى) انه يسقط به احصان الأب ولنا
ان ملكه إياها مقدم على فعل الاستيلاد وأصل الوطئ إذا اتصل به العلوق يكون استيلادا
كالجرح إذا اتصل به زهوق الروح يكون قتلا من الأصل فإذا تقدم ملكه إياها على فعل
الاستيلاد كان واطئا ملك نفسه فلا يلزمه العقر غير أن تقديم هذا الملك ضرورة تصحيح
الاستيلاد فلا يعد وموضع الضرورة ففي حكم الاحصان لا يظهر هذا الملك لانعدام الضرورة
115

فيه ولان المستوفي في حكم جزء من عينها وقد غرم بفعله جميع بدل نفسها ويسقط اعتبار بدل
الجزء كمن قطع يد انسان خطأ ثم قتله خطأ قبل البرء أما إذا اشتراها الابن حاملا فولدت بعد
الشراء بيوم فادعاه أبوه لم يثبت النسب منه إذا أكذبه الابن لان ثبوت النسب من الأب
بشرط تملكها على الابن من وقت العلوق وقد تعذر ايجاد هذا الشرط هنا لأنها عند العلوق
ما كانت في ملك الابن ولا كان للأب فيها ولاية النقل إلى نفسه لحاجة ولان دعوته هنا دعوة
التحرير فيقتصر علي الحال ولا كان للأب فيها ولاية ويكون بمنزلة الاعتاق وليس للأب ولاية
الاعتاق في مال ولده بخلاف الأولى فان دعوته دعوة الاستيلاد والى هذا أشار فقال لو جعلته
ابنه لم أضمنه قيمة الأم لتعذر تملكه عليه إياها من وقت العلوق وكل ولد لا يضمن الأب فيه
قيمة الأم فهو غير مصدق عليه إلا أن يصدقه الابن فحينئذ يثبت النسب منه بمنزلة أجنبي
آخر إذا ادعاه فصدقه المولى وهذا لان الحق لهما فما تصادقا عليه محتمل فيجعل كأنه حق
وكذلك أن باعها الابن قبل أن تلد ثم ولدت فادعاه أب البائع لم تصح دعوته لتعذر ايجاد
شرطه وهو يملك الأم عليه حين لم يكن في ملك الولد وقت الدعوة وكذلك أن باعها بعد
العلوق ثم اشتراها فولدت لان شرط صحة دعوته تملكها عليه مستند إلى وقت العلوق وقد
تعذر ذلك لما تخلل من زوال ملك الابن وكذلك المدبرة بحبل في ملك مولاها وتلد فادعى
الولد الأول أبوه لم يثبت نسبه منه لان ما هو الشرط وهو النقل إلى ملك الأب بضمان
القيمة متعذر في المدبرة وكذلك أم الولد إذا ولدت ولدا فنفاه المولى فادعاه أبوه وروى ابن
سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله في المدبرة ان دعوة الأب صحيحة يثبت نسب الولد منه يضمن
عقرها وقيمة الولد مدبرا وهذا على الأصل الذي ذكرنا لأبي يوسف رحمه الله انه لا يتملك
الجارية ولكنه بمنزلة المغرور في دعوى النسب وفى هذا القنة والمدبرة سواء إلا أنه يضمن
قيمته مدبرا لأنه كما انفصل عن أمه انفصل مدبرا فإنما يضمن قيمته على الوجه الذي أتلفه
بدعوته وفرق على هذه الرواية بين ولد المدبرة وولد أم الولد فقال ولد أم الولد ثابت النسب
من مولاها لماله عليها من الفراض فيمنع ذلك صحة دعوة الأب وان نفاه المولى كما في ولد
الملاعنة فأما ولد المدبرة غير ثابت النسب من مولاها فتصح دعوة أبيه فيه وكذلك ولد المكاتبة
يدعيه أب مولاها فإنه غير مصدق على ذلك لتعذر شرط صحة الدعوة وهو يملكها عليه بضمان
القيمة فان ولدته وهي مكاتبة أو كاتبها بعدما ولدت أو كاتب الولد لم تصح دعوة الأب
116

في الفصول كلها لان الولد هو المقصود وقد تقرر فيه من جهة الابن ما يمنع نقله إلى الأب
فلهذا لم تصح دعوته وان كاتب الأم بعد الولادة ثم ادعى الأب نسب الولد قال في هذا الموضع
لا تصح دعوته وقال بعد هذا تصح دعوته ويثبت نسب الولد منه ولا يصدق في حق الأم
وما ذكر هنا قول محمد رحمه الله وما ذكر بعد هذا قول أبى يوسف رحمه الله نص علي الخلاف
في الجامع في البيع إذا باع الأم بعد الولادة ثم ادعي أبوه نسب الولد يثبت نسبه في قول
أبى يوسف ولم يثبت في قول محمد فكذلك إذا كاتبها * وجه قول محمد رحمه الله ان شرط
صحة الدعوة يملكها عليه بضمان القيمة وقد تعذر ذلك حين كاتبها أو باعها فلم تصح دعوته
كولد المدبرة وأم الولد * وجه قول أبى يوسف رحمه الله ان الولد هو المقصود بالدعوة وقد
ثبت الأب حق استلحاق نسبه بالدعوة قبل كتابة الأم فلا يتعين بذلك كتابة الأم بخلاف
ولد المدبرة وأم الولد فان المانع هناك في الولد موازاته ما نحن فيه أن لو كاتبها جميعا قال وان
ادعى ولد جارية ابنه والابن حر مسلم والأب عبد أو مكاتب أو كافر لم تصح دعوته لان
شرط ثبوت النسب ولاية النقل فيها إلى نفسه بضمان القيمة والرقيق والكافر لا ولاية له على
ولده فلم تصح دعوته لتعذر اتحاد شرطه فلو كان الأب مسلما والابن كافرا صحت دعوته
وطعن عيسى رحمه الله في هذا الحرف فقال كما ليس للكافر ولاية على ولده المسلم فليس
للمسلم ولاية على ولده الكافر حتى لا يرث أحدهما صاحبه ولا يثبت له ولاية التزويج
والتصرف في ماله في صغره فلا يتملكه بالاستيلاد والصحيح ما ذكر في بعض ظاهر الرواية
والفرق من وجهين أحدهما ان التملك بالاستيلاد ابقاء أثر الولاية التي كانت ثابتة في حال
الصغر فإذا كان الأب مسلما فلا يكون الابن مقرا على كفره الا بعد أن يكون اسلام الأب
طارئا وقد كانت ولايته قبل اسلامه فيبقى أثره حق الملك بالاستيلاد فأما الابن إذا كان
مسلما فهو مسلم أصلى باسلام أمه ولم يكن للكافر عليه ولاية قط فلا يبقى أثر ولابنه في
الاستيلاد ولان التملك بالاستيلاد لكرامة الأب فيثبت للمسلم على الكافر الولاية التي
يرجع إلى كرامة المسلم كولاية الشهادة ولا يثبت للكافر على المسلم مثل هذه الولاية فلهذا
افترقا ولو كانا جميعا من أهل الذمة ومللهما مختلفة جازت دعوة الأب فيه لان لبعضهم على
البعض ولاية مع اختلاف الملل. قال ولا تجوز دعوة الجد إذا كان الأب حيا لأنه ليس
له ولاية على النافلة ولا في ماله في حياة الأب فكان هو كسائر الأجانب فإن كان الأب
117

ميتا فالجد في الولاية قائم مقام الأب بعد وفاته لصحة دعوة النسب منه وإن كان الجد من
قبل الأم لم تجز دعوته في الوجهين جميعا لأنه لا ولاية له على ولد ابنته ولا في ماله فلا يمكن
ايجاد شرط الدعوة وهو تملك الجارية عليه بالاستيلاد وإن كان قد وطئ جاريته ثم ولدت
فلم تدعه وادعاه أبوه جازت دعوته لان موطوءة الابن محتملة للنقل إلى الأب بالعوض وان
كانت لا تحل له فيتحقق فيها ما هو شرط الدعوة. قال وإذا ادعى الأب نسب ولد جارية الابن
فضمن قيمتها للابن ثم استحقها رجل بالبينة فإنه يأخذها وعقرها وقيمة ولدها لان الأب
هنا بمنزلة المغرور لأنها مملوكة الابن ظاهرا وللأب حق الاستيلاد في ملك الابن فإذا
ظهر الاستحقاق تبين انه كان مغرورا فيغرم عقرها وقيمة ولدها ويرجع على الابن بما أدى
إليه من قيمتها لأنه تبين انه لم يتملكها على أبيه وأنه استوفى القيمة منه بغير حق وكذلك لو
وطئ أمة مكاتبة فولدت وادعاه المولى وصدقه المكاتب ثم استحقها رجل قضى للمستحق
عليه بالعقر وقيمة الولد لأنه بمنزلة المغرور فان له في كسب المكاتب حق ملك يكفي لصحة
استيلاده وبالاستحقاق تبين أنه كان مغرورا فيغرم للمستحق عقرها وقيمة ولدها ويرجع
على المكاتب بما غرم له من العقر وقيمة الولد لأنه ما أتلف على المكاتب شيئا فلا يسلم
للمكاتب شئ من قيمته والله أعلم بالصواب
(باب الحميل والمملوك والكافر)
قال رضي الله عنه الأصل ان اقرار الرجل يصح بأربعة نفر بالأب والابن والمرأة
ومولى العتاقة واقرار المرأة يصح من ثلاثة نفر بالأب والزوج ومولى العتاقة ولا يصح
اقرارها بالولد) لان اقرار المرء علي نفسه مقبول. قال الله تعالى بل الانسان على نفسه بصيرة
وعلى الغير مردود للتهمة فالرجل بالاقرار مقر بالولد على نفسه لان الولد ينسب إليه والمرأة
تقر على الغير وهو صاحب الفراش لان الولد ينسب إليه لا إليها فلم يصح اقرارها بالولد لهذا
وفى الثلاثة هي مقرة علي نفسها كالرجل فيصح الاقرار والاقرار بما سوى هذه الأربعة من
القرابات كالأخوات والأعمام لا يصح لأنه يحمل نسبه على غيره فان ثبوت النسب بينهما
لا يكون الا بواسطة وفي تلك الواسطة اقرار على الغير فلم يكن صحيحا والأصل فيه حديث
عمر رضي الله عنه لا يورث الحميل الا ببينة وأصل هذه ما روي عن الشعبي رحمه الله ان امرأة
118

سبيت ومعها صبي فأعتقا وكبر الصبي واكتسب مالا ثم مات فقالوا للمرأة خذي ميراث
ابنك فقالت ليس هو ابني ولكنه ابن دهقان القرية وكنت ظئرا له فكتب بذلك إلى عمر
رضي الله عنه فكتب أن لا يورث الحميل الا ببينة قال محمد رحمه الله الحميل عندنا كل نسب كان
في أهل الحرب وليس هذا بشئ يختص بأهل الحرب فان الحميل من يحمل النسب على
الغير فعيل بمعنى فاعل أو من بحمل نسبه على الغير فعيل بمعنى مفعول كالقتيل بمعنى مقتول
إلا أنه إنما وضعه في أهل الحرب بناء على العادة لأنه لا يمكن اثبات أنسابهم بالبينة في دار
الاسلام وقل ما يتعذر ذلك فيما بين المسلمين فلهذا وضعه في أهل الحرب فقال إذا سبى
صبيان فأعتقا وكبرا فأقر كل واحد منهما أن الآخر أخوه لأبيه وأمه لم يصدقا في ذلك
لأنهما يحملان النسب على الأب فالاخوة بينهما لا تثبت الا بواسطة الأب والأم لان
الاخوة عبارة عن مجاورة في صلب أو رحم وكذلك لو كان مع المسبي امرأة فأعتقت وادعت
انه ابنها وصدقها في ذلك لم يصدقا بخلاف ما إذا كان مع المسبي رجل فأعتق ثم ادعا أن الصبي
ابنه يثبت نسبه منه لأنه يقر بالنسب علي نفسه ولان سبب ثبوت النسب من الرجل خفى
لا يقف عليه غيره فمجرد قوله فيه مقبول وسبب ثبوت النسب من المرأة ولادة يطلع عليها
غيرها فلا يقبل بمجرد قولها فإن كان الصبي ممن يعبر عن نفسه أو كان بالغا لم يثبت النسب
الا بتصديقه لان الاقرار يتوقف على تصديق المقر له إذا كان التصديق متأتيا ولأنه من
وجه يدعي عليه وجوب الانتساب إليه قال صلى الله عليه وسلم من انتسب إلي غير أبيه
أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا
عدلا فلا يثبت المدعى عليه الا بتصديقه وإنما يثبت عند التصديق إذا كان محتملا في نفسه
وإن لم يكن الولد معروف النسب من غيره ثم إذا أقرت المرأة بولد وصدقها لم يثبت النسب
ولكنهما يتوارثان إن لم يكن لهما وارث معروف لان المقر يعامل في حق نفسه كان ما أقربه
حق وإنما لا يصدق في حق الغير لتمكن التهمة فإذا كان هناك وارث معروف تتمكن بينهما
تهمة المواضعة على ابطال حق الوارث المعروف وإذا لم يكن هناك وارث معروف لا تتمكن
تهمة المواضعة بينهما لان كل واحد منهما متمكن من انشاء سبب يجعل ماله لصاحبه كالوصية
في عقد الموالاة فلا تتمكن فيه التهمة وقد ينفصل حكم الميراث عن النسب ولهذا قال أبو حنيفة
رحمه الله لم يستحلف في النسب ويستحلف في المال المدعا به وهو الميراث فان شهدت لها امرأة
119

على ذلك وقد صدقها الولد ثبت نسبه منها لان شهادة القابلة تظهر النسب وهو الولادة فإنه
مما لا يطلع عليه الرجال ولكن يشترط تصديق الولد لأنه إذا كان مكذبا لهما لم يثبت النسب
الا بحجة تامة وشهادة المرأة الواحدة ليست بحجة تامة وإن لم يشهد لها امرأة وصدقها زوجها
انه منه ثبت النسب منهما اما من الزوج باقراره فإنه يقر على نفسه وإذا ثبت منه ثبت
منهما تبعا لان الفراش له عليها وهو سبب لثبوت النسب منهما وإنما يحال النسب علي هذا
النسب الظاهر. قال وإذا اشتري العبد المأذون أمه فوطئها فولدت فادعي ولدها ثبت نسبه
منه لان كسب العبد مضاف إليه شرعا قال صلى الله عليه وسلم من باع عبدا وله مال وهذه
الإضافة تؤثر في تصحيح الدعوة كما في دعوة الأب ولد جارية ابنه ولان من العلماء من
يقول كسب العبد مملوكا له لأنه يملك التصرف فيه وملك التصرف باعتبار ملك محله ولان
حق صاحبه فيه مقدم على حق المولى حتى يصرف إلى ديته ولا يسلم للمولى ما لم يفرغ من
دينه فتصير هذا شبهة وأدنى الشبهة تكفى لتصحيح دعوة النسب وكذلك مولاه لو سبق
بالدعوة ثبت النسب منه لأنه مالك لكسب العبد حقيقة إن لم يكن عليه دين فإن كان عليه
دين فهو يملك استخلاصها لنفسه بقضاء القاضي فيصير بدعوة النسب كأنه استخلصها لنفسه
. قال ولو زوج المولى هذه الأمة من عبده صح النكاح كما لو زوجه أمة أخرى له وثبت
النسب منه إذا ولدت وكذلك لو تزوجها بغير إذن المولى ثبت نسب الولد منه إذا أقر به لأنه
بدون شبهة النكاح يثبت النسب عند اقراره فعند شبهة النكاح أولى وكذلك لو تزوجها
المولي فولدت لان النكاح لغو منه فيها فيثبت النسب عند اقراره بالولد كما لو لم يسبق النكاح
وكذلك لو ادعى العبد ولد امرأة حرة بنكاح فاسد أو جائز لان العبد من أهل أن يثبت
النسب منه واقراره بالنسب لا يمس حق المولي وفيما لا يتناول حق المولى اقرار العبد به
كاقرار الحر كما في الاقرار بالقود والطلاق وفى كل شئ لا يصدق فيه الحر ما لم يملك الولد
فكذلك العبد لا يصدق فيه ما لم يملك بعد عتقه فإذا ملكه بعد العتق عتق وثبت نسبه منه لان
الاقرار بمال لا يحتمل الابطال يبقى موقوفا على ظهور حكمه بملك المحل وعند ذلك يصير
كالمجدد للاقرار فيثبت حكمه في حقه وكذلك العبد المديون إذا ادعى ولد أمة اشتراها يثبت
النسب منه لأنه كسبه وليس في اقراره ابطال حق الغرماء فإنه متمكن من بيعها وبيع ولدها
بعد ثبوت النسب وكذلك لو ادعي أن مولاها أحلها له وكذبه المولى لأن لا معتبر باحلال
120

المولى فيما هو كسب العبد فعند تكذيب المولى تصير دعوى الاحلال كالمعدوم وبدونه يثبت
النسب من العبد. قال وان ادعى ولدا من أمة لمولاه لم يكن من تجارته فادعى أن مولاه
أحلها له أو زوجها إياه فان كذبه المولى في ذلك لم يثبت النسب منه لأنه لا حق له في جارية
المولى فهو في هذه الدعوة كأجنبي آخر الا انه إذا أعتق فملكه يثبت النسب منه بمنزلة حر
يدعيه ثم يملكه يثبت النسب منه في دعوى النكاح قياسا واستحسانا وفي دعوى الاستحلال
استحسانا وفى القياس دعوى الاستحلال ليس بشئ لان هذا المحل غير قابل للاحلال
والاحلال ليس بعقد بل هو بمنزلة الرضا فكأنه ادعى أنه زنا بها برضاء مولاها وبهذا لا يثبت
النسب ولكنه استحسن فقال الاحلال من وجه كالنكاح فان ملك النكاح يسمى ملك الحل
ولا يثبت له بالنكاح ملك عينها ومنافعها إنما يحل له أن يطأها فكان الاحلال مورثا شبهة
من هذا الوجه والنسب يثبت في موضع الشبهة فان صدق المولى عبده في ذلك ثبت النسب
منه إلا أن في دعوى النكاح يحتاج إلى التصديق في النكاح خاصة وفى دعوى الاحلال
يحتاج إلى التصديق في شيئين في أنه أحلها له وانها ولدت منه لان الاحلال أضعف من المتعة
والمتعة عقد والاحلال ليس بعقد فلضعفه قلنا لا يثبت النسب منه الا باقرار بهما وهذا
لأن العقد ثبت في المحل فبعد ثبوته لا يحتاج إلي اقرار المولى بالولادة فأما الاجلال لا يثبت
في المحل فلا يثبت النسب ما لم ينضم إليه الاقرار بان الولد منه قال ودعوة المكاتب ولد أمته
جائزة لان حقه في كسبه أقوى من حق العبد المأذون فان للمكاتب حق الملك في كسبه
وينقلب ذلك حقيقة الملك بعتقه وليس للعبد المأذون مثله فإذا صحت الدعوة من المأذون
فدعوة المكاتب أولى ولا يحتاج المكاتب إلى تصديق المولى إياه بخلاف المولى إذا ادعاه فإنه
لا يثبت النسب منه الا بتصديق المكاتب وإن كان لكل واحد منهما حق الملك لوجهين
أحدهما أن المكاتب مستند بملك التصرف في كسبه والدعوى من باب التصرف وهو مما يحتاج
إليه لصيانة مائه مستند به والثاني أن المولى حجر على نفسه عن التصرف في كسب المكاتب
فلا تنفذ دعوته بسبب الحجر الذي ألزمه نفسه ما لم يصدقه المكاتب ولم يوجد مثل ذلك
الحجز في جانب المكاتب فيثبت النسب منه بالدعوة وإن لم يصدقه المولى وكذلك لو ادعى
ولدا من امرأة حرة بنكاح فاسد أو جائز وصدقته المرأة لأنه في دعوى النسب كالحر
قال ولو ادعى ولد أمة رجل بنكاح أو ملك وكذبه الرجل لم يصدق المكاتب كالحر إذا
121

ادعاه فان عتق فملكه يوما ثبت نسبه منه وكان كالمجدد لإقراره حين ملكه. قال وإذا باع
المكاتب أمة فولدت لأقل من ستة أشهر فادعي الولد صحت دعوته لأنه في حق استلحاق
النسب كالحر وإذا حصل العلوق في ملكه كان له حق الدعوة ويرد إليه الولد مع أهله لان
استيلاده في كسبه يمنعه من بيع الأم والولد فان الولد يدخل في كتابته تبعا له وثبوت حق
الأم بثبوت حق الولد فيمنع بيعها فكان هو كالحر في هذا بخلاف العبد المأذون فان هناك
بثبوت النسب الولد منه لا يمتنع بيع الأم والولد عليه فكذلك لا يرد إليه الولد ولا أمه إذا ادعى
نسبه. قال وان وطئ المكاتب أمة ابنه وهو حر أو مكاتب بعقد على حدة لم يثبت النسب
منه إذا كذبه الابن لان ثبوت دعوة الأب شرطه ولأنه نقل الجارية إلى نفسه بضمان
القيمة وليس للمكاتب هذه الولاية فان ملكه يوما ثبت نسبه لان امتناع ثبوت النسب منه
بدعوته لعدم ملك المحل وقد زال ذلك حين ملكه وان كانت الجارية لابن له ولد في
مكاتبته أو اشتراه فولدت فادعاه المكاتب جازت دعوته وصارت الأم أم ولد له ولم يضمن
مهرا ولا قيمة لان كسب المولود في كتابته ومن يكاتب عليه بشرائه بمنزلة كسبه (ألا ترى)
أنه يتمكن من أخذ ذلك كل ليستعين به على أداء المكاتبة وكانت هذه الأمة في حقه بمنزلة
أمته فلهذا ثبت النسب منه ولم يضمن عقرا ولا قيمة. قال رجل إذا ادعا ولد جارية مكاتب
له لم يصدق الا بتصديق المكاتب لأنه بعقد الكتابة جعل نفسه في التصرف في كسبه بمنزلة
الأجنبي والدعوة من باب التصرف فان صدقه المكاتب ثبت النسب وكان حرا بالقيمة
استحسانا وفى القياس هو عبد للمكاتب لان المولى في هذه الدعوة كالأجنبي لأنه لو اشترى
ابن مولاه وهو معروف لم يمتنع عليه بيع فكذلك إذا ادعى نسب ولد جاريته ولكنه استحسن
فقال المولى بمنزلة المغرور لان له في كسب مكاتبه حق الملك وحق الملك من وجه بمنزلة
حقيقة الملك فكانت بمنزلة الثابت للمغرور في الجارية المستحقة ولا ولد هناك يكون
حرا بالقيمة نظرا من الجانبين فهذا مثله فال ولو ادعى الحر ولد مكاتبته وكذبته فهو ابنه لان
رقبة المكاتب مملوكة لمولاها فكذلك ولدها يكون مملوكا له ودعوته في ملك نفسه دعوة
صحيحة بخلاف ولد أمه المكاتب فان المولي غير مالك للأمة ولا لولدها (ألا ترى) أن عتقه
هناك لا ينفذ فيها ولا في ولدها وهنا ينفذ عتقه فيها وفي ولدها ولان الأمة مع ولدها
موقوفة على أن يتم الملك فيهما للمكاتب بالعتق فلا ينفرد المولي بابطال ذلك على المكاتب
122

بالدعوة فأما ولد المكاتبة ليس بموقوف على أن يتم الملك فيه للمكاتبة وليس في تصحيح
دعوته ابطال حق المكاتب بل فيه تحصيل بعض مقصودها فلهذا ثبت النسب وعتق الولد ولا
ضمان على المولى في ذلك. قال ولو ادعى ولد ومكاتبه لم تصح دعوته الا بتصديق المكاتبة
لأنها أبعد من المولى من أمة المكاتب فان سبب بعدها عن المولى عقد الكتابة وفى أمة
المكاتب للعبد سبب واحد في مكاتبة المكاتب بعدها من المولى بسببين فإذا لم تصح دعوته
في أمة المكاتب الا بالتصديق ففي مكاتبة المكاتب أولى غير أن التصديق يكون إلى المكاتبة
دون المكاتب الأعلى لان المكاتبة صارت أحق بنفسها وولدها والمكاتب حجر على نفسه عن
التصرف فيها وفى ولدها فلهذا كان التصديق إليها دون المكاتب. قال وان ادعى ولد أمة مكاتب
مكاتبة وكذبه مولاها وصدقه المكاتب الا على لم يصدق لان الحق في هذه الأمة وولدها
للمكاتب الأسفل والمكاتب الأعلى منها كالأجنبي (ألا ترى) أنه لو كان هو المدعى للولد لم تصح
دعوته الا بتصديق الأسفل فكذلك إذا كان المدعى هو المولى لم تصح الا بتصديق الأسفل
فان عجز الأسفل صارت الأمة للمكاتب الأعلى فيعمل تصديقه الآن لان المولى مدع لولد
أمته وقد صدقته في ذلك فيثبت النسب منه ويكون حرا بالقيمة وان صدقه المكاتب
الأسفل ثبت النسب ولا يأخذه المولى بالقيمة لان معنى الغرور لا يتمكن هنا فإنه غير
مالك لرقبة الأمة ولا لرقبة مولاها بخلاف أمة مكاتبه فان هناك يملك رقبة مولاها والكسب
يملك الأصل فيتمكن الغرور بملكه رقبة مولاها وهناك لا يتمكن الغرور ولان أسباب
بعدها عن المولى هنا قد كبرت وكان هو منها بمنزلة الأجنبي وفي أمة المكاتب سبب البعد
واجب فبقيت الشبهة المثبتة لحكم الغرور وهو نظير ما قيل في ابن الأخ مع ابن العم فان
قرابة ابن الأخ قرابة قربية لان البعد سبب الشغب في ابن الأخ من جانب واحد وفى
ابن العم التشغب من الجانبين فنزل كل واحد منهما من صاحبه بمنزلة الأجنبي ولو ادعى ولد
مكاتبته ولها زوج لم يصدق على النسب صدقها زوجها أو كذبه لان النسب قد ثبت من
الزوج بالفراش الثابت له عليها وملك الرقبة غير معتبر في اثبات النسب مع فراش النكاح
ولكن الولد يعتق باقراره لان ولد المكاتبة مثل أمه فإنه داخل في كتابتها لو أعتقه المولى نفذ
عتقه فيه فكذلك إذا ادعى نسبه كان اقرارا منه بالحرية وإن لم يثبت النسب لثبوته من الزوج
ويستوى إن كان الزوج حرا أو مكاتبا للمولى أو عبدا له لان فراش النكاح مثبت للنسب
123

من هؤلاء بصفة واحدة. قال أمة بين رجلين علقت فباع أحدهما نصيبه من صاحبه ثم وضعت
لأقل من ستة أشهر فادعاه المشترى ثبت نسبه وبطل البيع لان دعوته دعوة استيلاد فيستند
إلى وقت العلوق ويثبت لها حق أمية الولد من ذلك الوقت فتبين انه اشترى أم ولده من
غيره وكذلك يثبت للولد حقيقة الحرية من ذلك الوقت فيتبين انه اشتراها من صاحبها وفي
بطنها ولد حر فكان الشراء باطلا والثمن منه ثم يغرم له نصف قيمتها ونصف عقرها لأن الشراء
صار كأن لم يكن وأحد الشريكين إذا استولد الجارية المشتركة يتملك على صاحبه
نصيبه لان أمية الولد لا يحتمل بالتجزء فان سببه نسب الولد وهو غير متجزئ فصار متملكا
نصيب شريكه من حين علقت بنصف القيمة لان تملك مال الغير عليه لا يكون مجانا وضمان
التملك لا يختلف باليسار والاعسار ويغرم نصف عقرها أيضا لأنه حين وطئها كان النصف
مملوكا للشريك فيلزمه ضمان نصف العقر له وهو بخلاف ما تقدم في الأب يدعى نسب جارية
ابنه لأنه ليس للأب في جارية ابنه مما يمكن تصحيح الاستيلاد باعتباره فلا بد من تقديم
الملك على الاستيلاد وإذا قدمناه صار وطؤه في ملك نفسه فلا يجب العقر وهنا المستولد ملك
نصفها عند الاستيلاد وذلك كاف لتصحيح الاستيلاد فلا يقدم الملك في نصيب شريكه له
على الاستيلاد فيبقى وطؤه حاصلا في ملك الشريك وحقيقة المعنى أن بملك الأب رقبة الجارية
هناك شرط الاستيلاد وشرط الشئ يسبقه وهنا يملك نصيب شريكه بحكم الاستيلاد لان
أمية الولد لا يحتمل التجزؤ وحكم الشئ يعقبه ولا يقترن به وكذلك لو كان البائع هو الذي
ادعاه لان قيام الملك له في نصفها عند العلوق كقيام الملك في جميعها في حق استلحاق النسب
به فلا يبطل ذلك بالبيع ولكن البيع يبطل بدعوته فصار كأن لم يكن فهو يدعى نسب ولد
جارية مشتركة بينهما وقد بينا الحكم فيها فيه. قال أمة بين مسلمين أو بين مسلم وذمي
كاتب أحدهما نصيبه ثم جاءت بولدها فادعاه الآخر ثبت نسبه منه لأنه مالك لنصيبه منها
بعد كتابة الشريك وقد عرف الجواب في الكتابة من أحد الشريكين انها تتجزى عند
أبي حنيفة رحمه الله سواء كان باذن الشريك وبغير إذنه ولا تتجزى عندهما سواء كان باذن
الشريك أو بغير إذنه إلا أنه إذا كان بغير إذنه فله حق النقض لأنه يتضرر به في الثاني وهو
عند الأداء وعقد الكتابة محتمل للفسخ فإذا تصرف أحد الشريكين تصرفا يحتمل النقض وفيه
ضرر علي شريكه كان له أن ينقضه لدفع الضرر عن نفسه وإن لم ينقضه حتى اتصل بها الأداء
124

عتقت لوجود شرط العتق ولا يتمكن الشريك من الفسخ بعد ذلك لان العتق لا يحتمل الفسخ
بعد الوقوع إذا عرفنا هذا فنقول نصيب المدعي منها يصير أم ولد له فأما نصيب المكاتب لا يصير
أم ولد له في قول أبي حنيفة رحمه الله ما بقيت الكتابة وعندهما الكل صار أم ولد المستولد
وأصل في مكاتبته بين شريكين استولدها أحدهما عند أبي حنيفة رحمه الله يقتصر الاستيلاد على
نصيبه لان المكاتبة لا تحتمل النقل من ملك إلى ملك واثبات أمية الولد في نصيب الشريك
غير ممكن الا بالنقل إليه فإذا تعذر ذلك لا تثبت أمية الولد في نصيب الشريك كالمدبرة بين اثنين
استولدها أحدهما يقتصر الاستيلاد على نصيبه وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يصير
الكل أم ولد للمستولد لان التملك بالاستيلاد حكمي والمكاتب محلا له (ألا ترى) أن
مكاتب المكاتب ينقل إلى المولي عند الأداء حتى يكون ولاؤه للمولى إذا أدى قبل أداء
المكاتب الأعلى وكذلك المرتد إذا عاد من دار الحرب مسلما وقد كاتب الوارث عبدا له
يعاد ذلك العبد إليه مكاتبا ولان الكتابة محتملة للفسخ فيفسخ في نصيب الشريك لضرورة
الحاجة إلى تحليل الاستيلاد لان ابقاءها لحقها وفي هذا توفير الحق عليها بخلاف التدبير
فإنه غير محتمل للفسخ فلهذا صار الكل أم ولد للمستولد عندهما إذا عرفنا هذا فنقول فيما
نحن فيه إذا كاتب الكتابة باذن المستولد فان شأت عجزت نفسها فكانت أم ولد لمدعى الولد
لان بالعجز انفسخت الكتابة فزال المانع من تملك المستولد نصيب شريكه وإن شاءت مضت
على الكتابة فإذا أدت عتق تصيب الذي كاتب منها ومن ولدها لأنه يلقيها جهة حرية أحدهما
عاجل بعوض والآخر آجل بغير عوض فكان لها أن تختار أي الجهتين شاءت فإذا عتقت
عتق نصيب المستولد أيضا من الجارية والولد ولا يسعى له في شئ لان نصيبه منها أم ولد
له ومن أصل أبي حنيفة رحمه الله ان رق أم الولد لا يتقوم وانها لا تسعى لمولاها عند العتق
في شئ كما قال في أم ولد بين شريكين أعتقها أحدهما فإن كانت الكتابة بغير إذنه ينقضها
القاضي لما بينا أنها غير لازم في حق الشريك فإذا نقضها صارت أم ولد للمستولد لأنه
يملك نصيب شريكه منها بسبب الاستيلاد عند زوال المانع وإن لم ينقضها حتى أدت عتق
نصيب المكاتب منها ومن ولدها لوجود الشرط وهو الأداء ويعتق نصيب المستولد منها
أيضا ولا يسعى له في شئ لما بينا في الفصل الأول واقدام الشريك الاخر على الاستيلاد
لا يكون نقضا منه لكتابة شريكه وإن كان له حق النقض لأنه لا منافاة بينهما فكل واحد
125

منهما تصرف من المتصرف في نصيب نفسه فلا يكون تعرضا منه لنصيب شريكه. قال أمة
بين مسلم وذمي علقت ثم أسلم الذمي ثم ادعيا الولد معا فهو ابنهما كما لو كانا مسلمين في
الأصل لان ترجيح دعوة المسلم لما فيه من اسلام الولد فيكون ذلك عند الدعوة والشريك
عند ذلك مسلم فدعوته توجب اسلام الولد وإن لم يكن مسلما وقت العلوق كدعوة شريكه فلما
استويا من كل وجه ثبت نسب الولد منهما وصارت الجارية أو ولد لهما وان كانت بين
مسلمين علقت ثم ارتد أحدهما ثم ادعيا الولد فهو ابن المسلم لان المرتد كافر ودعوة الكافر لا
تعارض دعوة المسلم ولان الدعوة تصرف وتصرف المسلم في ملكه أنفذ من تصرف المرتد
(ألا ترى) ان اعتاق المرتد نصيبه يتوقف عند أبي حنيفة رحمه الله فلهذا دعوة المسلم ترجح.
قال ولو كانت بين مسلم وذمي فارتد المسلم ثم ادعيا الولد فهو ابن المرتد لأنه أقرب إلى أحكام
الاسلام من الذمي (ألا ترى) انه يجبر على الاسلام غير مقر على ما يعتقده وأن تصرفه في
الخمر والخنزير لا ينفذ بخلاف الذمي فلقربه من الاسلام جعل في حكم الدعوة كالمسلم فتترجح
دعوته علي دعوة الذمي ولان ترجيح دعوة المسلم لما فيه من ثبوت حكم الاسلام للولد
وهذا موجود في دعوة المرتد فالدعوة من التصرفات التي لا توقف من المرتد فإنها لا تستدعى
حقيقة الملك وتوقف تصرفه لتوقف ملكه فإذا كان هو في الدعوة كالمسلم ترجح علي الذمي
فصارت الجارية أم ولد له لان الاستيلاد ينبنى علي ثبوت نسب الولد وقد ثبت ذلك بدعوته
ويضمن نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه ويضمن الذمي أيضا له نصف العقر لإقراره بوطئها
فصار نصف العقر بنصف العقر قصاصا. قال أمة بين رجلين ولدت فادعياه جميعا وقد ملك
أحدهما نصيبه منذ شهر والآخر منذ ستة أشهر أو أكثر فالدعوة دعوة المالك الأول لان
دعوته دعوة استيلاد فيستند إلى حالة العلوق ودعوة الآخر دعوة الاعتاق لان أصل
العلوق لم يكن في ملكه فتكون دعوة الاستيلاد سابقة معنى ويضمن نصف عقرها ونصف
قيمتها لأنه قد يملك نصيب صاحبه بدعوة الاستيلاد ولم يتبين أنه لمن يغرم قالوا وانها يغرم ذلك
للبائع لا لشريكه المشترى لان دعوته استندت إلى حالة العلوق والملك فيها في ذلك الوقت
كان للبائع فإنما يصير متملكا عليه فيضمن له نصف قيمتها ونصف عقرها ويرجع المشترى
على البائع بالثمن لبطلان البيع فيما اشترى وإن لم يعلم صاحب الملك الأول فهو ابنهما والجارية
أم ولد لهما لأنهما استويا في الدعوة فكان العلوق حاصلا في ملكهما ولا عقر على واحد منهما
126

اما لصاحبه فغير مشكل لأنا نتيقن بان الوطئ من كل واحد منهما حصل في ملك شريكه
واما لغيره فلان وجوب العقر على من كان ملكه فيها ثابتا وقت العلوق لبائع شريكه ومن
وجب عليه العقر منهما مجهول والمال لا يجب على المجهول قال أمة لذي باع نصفها من مسلم ثم
ولدت لأقل من ستة أشهر فادعياه فهو ابن الذمي ويبطل البيع لان بيعه نصفها لا يكون أعلي
من بيعه جميعها وهو أولى بالدعوة بعد بيع الجميع لتيقننا بحصول العلوق في ملكه فبعد بيع
النصف أولى. قال أمة بين رجل وامرأة صغيرة أو كبيرة فولدت فادعاه الرجل وأب المرأة
فان النسب يثبت من صاحب الرقبة لأنه يملك نصفها حقيقة وأب المرأة ليس له فيها حقيقة
ملك ولا حق ملك إنما له مجرد التأويل والتأويل لا يعارض حقيقة الملك ولان صحة دعوة
أبى المرأة باعتبار تملك نصيب ولده عليها من وقت العلوق وذلك متعذر لثبوت أمية الولد من
الشريك فيها من وقت العلوق ودعوة الشريك دعوة صحيحة من غير شرط تقديم الملك فكان
هو أولى. قال أمة بين رجلين ولدت ولدا ميتا فادعاه أحدهما فهو ابنه وهي أم ولد له لان ثبوت
النسب من وقت العلوق وفي هذا المنفصل ميتا والمنفصل حيا سواء والولد الميت كالحي في أن
الجارية تصير أم ولد كما لو كانت لرجل واحد فكذلك لو أسقطت سقطا قد استبان خلقه أو
بعض خلقه ولمثله حكم الولد (ألا ترى) أن العدة تنقضي به والمرأة تصير به نفساء فكذلك
الجارية تصير به أم ولد. قال ولو كانت جارية بين رجل وابنه فولدت فادعياه فهو ابن الأب
استحسانا وفى القياس يثبت النسب منهما لان كل واحد منهما يملك نصفها حقيقة وصحة
الدعوة هنا باعتبار ملك الرقبة وقد استويا في ذلك والحق غير معتبر في معارضة الحقيقة كما لو
كانت الجارية كلها للابن فادعيا الولد كان دعوة الابن أولى من دعوة الأب وجه الاستحسان
في ذلك أن جانب الأب يترجح لان له في نصفها حقيقة الملك وفى النصف الآخر حق
التملك علي ولده بالاستيلاد وليس للابن في نصيب الأب ملك ولا حق ملك ولا تأويل ملك
فكان جانب الأب أرجح والترجيح عند المعارضة يحصل بما لا يكون عليه الاثبات ابتداء
كالأخوين أحدهما لأب وأم والآخر لأب ترجح الأخ لأب وأم في العصوبة بقرابة الأم
وهي ليست بعلة الاستحقاق للعصوبة فإذا صحت دعوة الأب وصارت أم ولد له ضمن
نصف قيمتها ونصف عقرها بخلاف ما إذا كان الكل للابن لما بينا أن تملك الأب نصيب الابن
هنا حكم الاستيلاد لا شرطه فان قيام الملك له في النصف كاف لصحة الاستيلاد فلهذا غرم
127

نصف عقرها وضمن الابن نصف العقر لابنه أيضا لإقراره بوطئها فكان نصف العقر بنصف
العقر قصاصا والجد أب الأب بعد موت الأب في هذا بمنزلة الأب فأما الأخ والعم والأجنبي
فهم كلهم سواء لأنه ليس للبعض هنا تأويل الملك في مال البعض ولاحق التملك بالاستيلاد
. قال وإذا كان أحد الأبوين مسلما فالولد الصغير مسلم هكذا روى عن عمر رضي الله عنه
وشريح وإبراهيم رحمهما الله وكان المعنى فيه أن اعتبار جانبه يوجب اسلام الولد واعتبار
جانب الذمي يوجب كفره فيترجح موجب الاسلام توفيرا لمنفعة الولد وعملا بقوله صلى الله عليه
وسلم الاسلام يعلو ولا يعلا عليه قال وان كانت الأمة بين رجلين ولدت فادعياه فهو ابنهما
فان ولدت بعد ذلك آخر لم يثبت نسبه منهما ولا من أحدهما الا بالدعوة لان قيام الشركة
بينهما في رقبتها تمنع الفراش المثبت للنسب لهما أو لأحدهما عليها فان ثبوت نسب ولد أم الولد
من مولاها لتحسين الظن بها حتى لا تكون مقدمة علي التمكن من فعل حرام وهذا غير
موجود هنا فان وطئها غير مملوك لواحد من الشريكين فلهذا لا يثبت النسب منهما ولا من
أحدهما إلا أن يدعيه أحدهما فحينئذ يثبت النسب منه بالدعوة لقيام الملك في نصفها ونصف
ولدها ويغرم لشريكه نصف عقرها ولا يغرم من قيمة الولد شيئا في قول أبي حنيفة رحمه الله
وفى قولهما يغرم لشريكه نصف قيمته إن كان موسرا وإن كان معسرا سعي الولد للشريك
في نصف قيمته وهذا لان ولد أم الولد بمنزلة أمه فدعوة أحدهما للولد كاعتاقه ولو أعتق الأم
أحد الشريكين لم يضمن لشريكه شيئا عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يضمن أن كان موسرا
ويسعى له إن كان معسرا فكذلك في الولد لما صار المدعى نسبه كالمعتق له حارية بين مسلم
وذمي ولدت فادعياه فهو ابن المسلم عندنا وقال زفر رحمه الله هو ابنهما ولكن يكون مسلما لان
صحة دعواهما باعتبار الملك وهما في الملك يستويان فكذلك فيما ينبنى عليه إلا أن الولد يكون
مسلما لان تبعية أحد الوالدين يوجب اسلامه فيحكم باسلامه وإن كان النسب ثابتا منهما
كالمولود بين كافر ومسلم * وحجتنا في ذلك أن دعوة المسلم أنفع للولد لأنه يثبت له النسب
والإسلام وعند تعارض الدعوة يترجح أحد الجانبين لمنفعة الولد كما لو كان في أحد الجانبين
حرية الولد يترجح به فكذلك هنا. قال وإذا التقط الرجل لقيطا فادعاه عبد انه ابنه من
زوجته هذه الأمة وصدقه المولى وقال هو عبدي ثبت النسب منهما وكان عبدا للمولى عند أبي
يوسف رحمه الله وعند محمد رحمه الله يثبت النسب منهما وكان حرا أما ثبوت النسب
128

بدعواهما استحسانا وفي القياس لا يثبت لان اليد ثابت للملتقط فهما بمجرد الدعوى يريدان
ابطال اليد الثابت له فلا يصدقان على ذلك وفى الاستحسان قال اعتبار يد الملتقط لمنفعة الولد
حتى يكون محفوظا عنده لا لحق الملتقط وفى اثبات النسب ممن ادعا توفير المنفعة على الولد
وقد بينا أن العبد في دعوة النسب كالحر فلهذا ثبت النسب من العبد والأمة بالدعوة فأما
حجة محمد رحمه الله ان اللقيط حر باعتبار الدار وفي اثبات نسبه من المملوكين توفير المنفعة
على الولد وفى اثبات الرق اضرار بالولد وليس من ضرورة ثبوت النسب ثبوت الرق فبقي
على ما كان من الحرية فسقط اعتبار قولهما فيما يضر بالولد كما لو ادعاه ذمي وقد وجد في مصر
من أمصار المسلمين يثبت النسب منه بالدعوة ويكون مسلما دفعا للضرر عن الولد وتوفير
للمنفعة عليه في ثبوت نسبه وحجة أبى يوسف رحمه الله انه لما حكمنا بثبوت النسب منهما
فقد حكمنا بأنه مخلوق من ماء رقيقين والمخلوق من ماء رقيقين لا يكون حرا لان الولد من
الأصلين فإذا كانا رقيقين وليس هنا سبب يمكن الحكم بحرية الولد بذلك السبب ولا وجه
لاثبات الحكم بدون السبب يكون الولد رقيقا يقرره ان ولد الأمة مملوك لمولاها لأنه
جزء من أجزائها الا إذا تمكن هناك غرور في جانب الفحل وهو حر فحينئذ يبقى صفة
الحرية لمائه ولا غرور هنا فكان الولد رقيقا وفى الحقيقة هذه المسألة نظير ما ذكرنا في كتاب
النكاح العبد إذا صار مغرورا بأمة فولدت يكون الولد رقيقا عند أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله خلافا لمحمد رحمه الله ونظير ما في كتاب الاقرار مجهولة الحال إذا أقرت بالرق ثم
ولدت لأكثر من ستة أشهر بعد اقرارهما كان الولد رقيقا عند أبي يوسف خلافا لمحمد رحمه
الله. قال فان ادعى اللقيط رجلان كل واحد منهما يدعي أنه ابنه ووصف أحدهما علامات
في جسده ولم يصف الآخر شيئا جعلته ابن صاحب الصفة لان الترجيح عند تعارض الدعوة
تقع بالعلامة كما إذا وقع الاختلاف بين الزوجتين في متاع البيت ولان إصابة العلامة دليل
سبق يده إليه ودليل كونه ابنا له لان الانسان أعرف بعلامات ولده من غيره وهو نظير
مدعى اللقطة إذا أصاب في العلامات يوم التقط فيما بينه وبين ربه بالدفع إليه ولو أصاب في
بعض العلامات وأخطأ في البعض فهذا وما لم يذكر شيئا من العلامة سواء لان اعتبار ما
أصاب يدل على صدقه واعتبار ما أخطأ يدل على كذبه فإذا وقع التعارض بينهما صار كأنه لم
يذكر من العلامات شيئا وإذا لم يصف واحد منهما من العلامات فهو ابنهما لاستوائهما في
129

الدعوى ولو قال أحدهما هو غلام من صفة جسده كذا وقال الآخر هي جارية من صفة جسدها
كذا فأيهما أصاب ذلك فهو أحق به لظهور علامة الصدق في كلامه وظهور دليل الكذب
في كلام خصمه ولو ادعاه واحد وقال هو غلام فإذا هي جارية لم يصدق على ذلك لظهور دليل
الكذب في دعواه ولو كان سبب قضاء الشهادة لم يقض بها مع ظهور دليل الكذب فكذلك
إذا كان سبب القضاء الدعوى لا يقضى بها مع ظهور دليل الكذب ولأنه يدعى نسب الغلام
وليس هنا غلام حاضر ودعوة المعدوم باطل. قال فإن كان اللقيط في يد مسلم وادعاه ذمي فالقياس لا يثبت النسب منه وهذا غير القياس الأول في دعوة اللقيط لأنا قد حكمنا باسلام
الولد هنا باعتبار الدار ولا قول للذمي في دعوة نسب الولد المسلم ولكنه استحسن فقال في
دعواه شيئان أحدهما ثبوت نسب الولد وفيه منفعة والآخر كفر الولد وفيه ضرر عليه فتصح
دعوته فيما ينفع الولد دون ما يضره إذ ليس من ضرورة النسب تبعة الأبوين في الدين كالصغير
إذا سبى وليس معه واحد من أبويه يكون ثابت النسب من الحربي بيقين محكوم باسلامه
ثم المسألة على أربعة أوجه أما أن يكون الملتقط مسلما وقد وجد في مصر من أمصار المسلمين
فيكون محكوما له بالاسلام أو وجده ذمي في بيعة أو كنيسة أو قرية من قرى أهل الذمة
فيكون كافرا فأما إذا وجده مسلم في بيعة أو كنيسة أو وجده ذمي في مسجد من مساجد
المسلمين قال في كتاب اللقيط العبرة للمكان وقال في كتاب الدعوى العبرة للواحد وروى
ابن سماعة عن محمد رحمهما الله أنه يحكم لذي اللقيط وسماه وجه رواية كتاب اللقيط ان المكان
إليه أسبق من يد الواحد والحكم للسابق لأن الظاهر أن أهل الذمة يضعون أولادهم
في مساجد المسلمين وان المسلمين لا يضعون أولادهم في البيع والكنائس والحكم بالظاهر
واجب عند تعذر الوقوف على الحقيقة * ووجه رواية هذا الكتاب ان اللقيط في حكم المباح
فمن سبقت يده إليه صار محرزا له وكان الحكم ليده إذ ليس للمكان يد معتبرة (ألا ترى)
ان المباح يملك بالاحراز باليد دون المكان * ووجه رواية ابن سماعة رحمه الله ان الحكم بالزي
والسيماء واجب كالبالغ الذي يوجد في دار إذا قال أنا مسلم فإن كان عليه سيما المسلمين قبل قوله
والأصل فيه قوله تعالى يعرف المجرمون بسيماهم وتفسير هذه الرواية ذكره ابن سماعة رحمه
الله أنه إذا كان في عنقه صليب وعليه ثوب ديباج ووسط رأسه محرز فالظاهر أنه من أولاد
النصارى فلا يحكم له باسلامه يقول في الكتاب فإن كان في يد مسلم فدعاه ذمي وأقام
130

شاهدين ذميين فانى استحسن ان أجعله ابنه وأجعله مسلما وإذا وجد في بيعة أو كنيسة
وهذه الرواية وهو قوله واجعله مسلما ذكره في رواية أبى سليمان رحمه الله ولم يذكر في رواية
أبى حفص رحمه الله والحاكم رحمه الله في المختص صحح رواية أبى حفص رحمه الله وقال
الحاكم باسلامه عند مجرد الدعوى فأما مع إقامة البينة فلا يحكم باسلامه ولكن ما ذكره في نسخ
أبى سليمان رحمه الله وقال هو الأصح لأنا إذا حكمنا باسلامه علي هذه الرواية باعتبار التبعية
للواحد وشهادة أهل الذمة ليست بحجة على الواحد ولا على من حكم باسلامه تبعا للواحد
فكان وجوده كعدمه فلهذا جعلناه مسلما وان أثبتنا نسبه من الذمي. قال وإذا وجدته في مصر
من أمصار المسلمين جعلته حرا مسلما ولا أقبل شهادة أهل الذمة عليه يريد به في حق الدين
فاما في حق النسب فهو ثابت من الذمي كما بينا وان أقام رجل البينة أنه ابنه وأقام آخر البينة
انه عبده قضيت به للذي يدعى أنه ابنه لان في بينته اثبات نسبه وحريته وفى بينة الاخر
اثبات رقه فتترجح بينة الحرية لمنفعة الصبي فان أقام أحدهما البينة انه ابنه من امرأته هذه
الحرة وأقام آخر البينة أنه ابنه من هذه الأمة قضيت به انه ابن الحر والحرة لان المولود
من الأمة بالنكاح يكون رقيقا فتترجح بينة المثبت للحرية ولو أقام كل واحد منهما البينة
انه ابنه من امرأته الحرة ووقت كل واحد منهما وقتا فان عرف أن الصبي على أحدهما فهو
لصاحب ذلك الوقت لظهور علامة الصدق في شهوده باعتبار سن الصبي وإن لم يعرف أنه
على أي الوقتين فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله يقضى به لأسبق الوقتين لأنه لما تعذر الوقوف
على سن الصغير ليعرف به الصادق من الكاذب بقيت العبرة للتاريخ فصاحب أسبق التاريخين
يثبت النسب منه في وقت لا ينازعه الآخر فيه وبعد ما ثبت النسب منه لا يمكن اثباته من
غيره وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يقضى به بينهما لان كل واحد منهما يثبت
النسب منه من وقت العلوق والنسب لا يسبق وقت العلوق فلا فائدة في اعتبار سبق التاريخ
بعد ذلك وصار كأن الشهود لم يوقتوا شيئا فيقضى به للرجلين هكذا ذكر هذا الخلاف في
رواية أبى سليمان رحمه الله وفي رواية أبى حفص رحمه الله قال جعلته ابنهما في قولهم جميعا
وإنما أشار إلى الخلاف في كونه ابن المرأتين وقد بيناه فيما سبق. قال وان أقام أحدهما البينة
انه ابنه وادعي الآخر انها ابنته وأقام البينة على ذلك فاذن اللقيط خنثى فإن كان يبول من
مبال الرجال حكم بأنه ابن فيثبت نسبه من أثبت بنوته وإن كان يبول من مبال النساء يثبت
131

النسب من الآخر وإن كان يبول منهما فالعبرة لأسبقهما خروجا وإن كان يخرج منهما جميعا
معا فعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله العبرة لأكثرهما وعند أبي حنيفة رحمه الله لا عبرة
لكثرة البول وقلته فيكون ثبوت النسب منهما لأنه لا يترجح جانب أحدهما على صاحبه بإصابة
العلامة فاستويا قال فان ادعى اللقيط مسلم وذمي وأقام البينة قضيت به للمسلم لان في بينته
اثبات اسلام الولد وهو منفعة في حقه وكذلك أن كان شهود المسلم من أهل الذمة وشهود
الذمي مسلمين لان بينة كل واحد منهما حجة على صاحبه فيترجح ما كان موجبا اسلام
الولد. قال وإذا ارتد أحد الزوجين والعياذ بالله فان الولد يلزم الزوج إلى سنتين لان الفرقة
وقعت بردة أحدهما بعد الدخول وهو موجب للعدة عليها فإذا جاءت بولد في مدة يتوهم
أن العلوق حصل في حال النكاح يثبت النسب منه كما لو وقعت الفرقة بالطلاق وكذلك لو
لحق بدار الحرب مرتدا لأن المرأة لما بقيت في دارنا فهي مؤاخذة باحكام الاسلام فعليها
العدة إلا أن نسب ولدها لا يثبت من الزوج عند أبي حنيفة رحمه الله بشهادة القابلة ما لم
يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان لان المقصود هو الميراث ولا يثبت الميراث بشهادة
المرأة الواحدة وعندهما شهادة القابلة كافية وأصله في مسألة كتاب الطلاق إذا لم يكن
هناك حبل ظاهر ولا فراش قائم ولا اقرار من الزوج بالحبل لا يثبت النسب عند أبي
حنيفة رحمه الله الا بشهادة شاهدين وعندهما يثبت بشهادة امرأة واحدة وكذلك أن حلف
المرتد اللاحق بدار الحرب بأنها أم ولد هنا فان لحوقه بدار الحرب موت حكمي تعتق به أم
الولد عند قضاء القاضي ويجب عليها العدة والجواب فيه وفي ولد المنكوحة سواء ولو كانت
هي المرتدة اللاحقة بدار الحرب لم يلزم الزوج إلا أن يأتي به لأقل من ستة أشهر منذ يوم ارتدت
لأن العدة لم تجب عليها فلا يثبت النسب إلا عند التيقن بحصول العلوق في حالة النكاح كالمطلقة
قبل الدخول وهذا لأنها صارت حربية فلا تؤاخذ باحكام المسلمين وكما لا يكون للمسلم
على الحربية عصمة النكاح فكذلك لا يكون له عليها عصمة العدة. قال ولو أسلمت امرأة
الحربي فدخلت دار الاسلام لم يلزم الحربي ولدها الا بأن يأتي به لأقل من ستة أشهر في
قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يلزمه إلى سنتين وهي فرع مسألة النكاح ان المهاجرة
لا عدة عليها عنده وعندهما يلزمه العدة وان سبيت المرتدة وهي حامل فولدت لأقل من
ستة أشهر منذ سبيت يثبت نسبه من الزوج المسلم لتيقننا بحصول العلوق قبل السبي والتقدير
132

لستة أشهر لان السبي كما يبطل عصمة النكاح يبطل العدة والولد رقيق مع المرأة وإن كان
مسلما تبعا لأبيه لأنه ما دام في البطن فهو جزء منها وهي صارت رقيقة بجميع أجزائها بالسبي
فكذلك الولد الذي في بطنها عندنا. قال وإذا تزوج المرتد مسلمة أو تزوجت المرتدة مسلما
فولدت منه يثبت نسبه منهما لان النكاح الفاسد إذا اتصل به الدخول فهو بمنزلة الصحيح
في اثبات النسب أو أقوي ويرثهما هذا الولد بمنزلة المولود قبل الردة لأنه مسلم تبعا للمسلم
منهما والمرتد يرثه وارثه المسلم وهذا لان ابتداء سبب التوريث وإن كان هو الردة فتمامه
يكون بالموت فيجعل الحادث بعد انعقاد السبب لاتمامه كالموجود عند ابتداء السبب اعتبارا
بولد المبيعة قبل القبض يجعل كالمولود عند ابتداء العقد في انقسام الثمن عليه. قال وإذا تزوج
المرتد كتابية فولدت لا يرث الولد واحدا منهما لان هذا الولد غير محكوم باسلامه فان
واحدا من أبويه ليس بمسلم وكونه في يد الأبوين يمنع ثبوت تبعية الدار في حقه كالصغير
إذا سبى مع أحد الأبوين والمرتد إنما يرثه وارثه المسلم والكتابية لا يرثها المرتد وهذا الولد
بمنزلة المرتد لأنه أقرب إلى حكم الاسلام فيجعل الولد تبعا له وكذلك أن ولدت أمة المرتد
منه وهي مرتدة أو كتابية لان النسب وان ثبت منه بالدعوة لم يثبت حكم الاسلام لهذا
الولد وان كانت الأمة مسلمة ورث الولد أباه لأنه مسلم تبع لها. قال رجل مات وترك امرأة
وأم ولد له فأقرت الورثة ان كل واحدة منهما قد ولدت هذا الغلام من الميت أثبت نسبه بعد
أن تكون الورثة ابنته أو اخوته أو ابنا وابنتين لأنهم لو شهدوا بهذا النسب في حالة الحياة
عليه كانت شهادتهم حجة تامة فإذا أقروا به بعد الموت يكون قولهم أيضا حجة تامة في
اثبات النسب إلا أن في حالة الحياة هناك خصم جاحد فلا بد من لفظة الشهادة وليس بعد الموت
خصم جاحد فلا حاجة إلى لفظة الشهادة ولان في حالة الحياة كلامه إلزام للغير والملزوم للغير
شرعا الشهادة فلا بد من لفظ الشهادة فيه فأما بعد الموت كلامه إلزام للغير من وجه والتزام
من وجه لأنه يشاركهم في الميراث المستحق لهم وما أخذ شبها من أصلين توفر حظه عليها
فشبهه بالالزام شرطنا العدد فيه حتى لا يثبت النسب باقرار الوارث الواحد ولشبهه بالالتزام
أسقطنا اعتبار لفظة الشهادة. قال وإذا تزوج المجوسي أمه أو ابنته أو أخته فولدت له ولدا
فهو ابنه ادعاه أو نفاه لأن هذه الأنكحة فيما بينهم حكم الصحة عند أبي حنيفة رحمه الله ولهذا
لا يسقط به الاحصان عنده وعندهما هو فاسد والنكاح الفاسد والصحيح يثبت النسب بهما
133

ثم لا ينتفى الا باللعان ولا لعان بينهما لان الكافرة غير محصنة وكذلك العبد يتزوج الأمة أو
المسلم يتزوج المجوسية فان النسب يثبت لهذا النكاح مع فساده لان مجرد الشبهة يكفي لاثبات
النسب ثم لا ينتفى الا باللعان ولا لعان بينهما هنا قال وإذا أسلم الزوجان الكافران وأعتق المملوكة
ثم جاءت بولد فنفاه الزوج يلاعنها لأنه قذفها وهي محصنة وهما من أهل الشهادة في الحال
فيجرى اللعان بينهما فان جاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ عتقا أو أسلما لزم الولد أباه
لأنا تيقنا بحصول العلوق في حال لم يكونا من أهل اللعان فلزمه النسب علي وجه لا ينتفى
بالنفي ثم لا يتغير ذلك بصيرورتهما من أهل اللعان وان جاءت به لأكثر من ستة أشهر لزم
الولد أمه لتوهم ان العلوق حصل بعد صيرورتها من أهل اللعان فان (قيل) فكذلك يتوهم
حصول العلوق قبل العتق والإسلام لان الولد قد يبقى في البطن إلى سنتين (قلنا) نعم ولكن
قطع النسب باللعان في موضع الاشتباه والاشتباه يمنع قطع النسب وهذا لان سبب قطع
النسب هو اللعان وقد تحقق فما لم يظهر المانع وجب العمل به ولان الحل قائم بينهما ومتى
كان الحل قائما يستند العلوق إلى أقرب الأوقات وإن كان للمسلم امرأة كتابية فولدت
فنفاه فهو ابنه ولا حد عليه ولا لعان لأنها غير محصنة ونسب الولد قد يثبت بالنكاح فلا
ينقطع بدون اللعان. قال وان أسلمت المرأة والزوج كافر ثم بقي ولده فعليه الحد لأنها
محصنة وقد قذفها بالزنا ولا لعان بينهما لأنه ليس من أهل الشهادة فمتى تعذر جريان اللعان
بينهما من جهة الزوج يلزم الحد ولا يقطع النسب عنه لنقرر سببه وهو العلوق وان أسلما
جميعا ثم طلقها ثم تزوجها ثم جاءت بولد فنفاه فنقول هذه المسألة تشتمل على فصلين أحدهما
حكم اثبات النسب والآخر حكم النفي اما حكم اثبات النسب فهو على ثلاثة أوجه ان جاءت
به لأكثر من ستة أشهر منذ تزوجها أخيرا ثبت النسب منه بحصول العلوق في النكاح
الثاني وان نفاه لاعنها ولزم الولد أمه لكونهما من أهل اللعان عند العلوق وان جاءت به
لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها أخيرا أو لأقل من سنتين منذ أنها ثبت النسب منه لتوهم
ان العلوق كان قبل الطلاق فان نفاه لاعنها ولزم الولد أباه لان حصول البينونة بعد العلوق
يمنع قطع النسب باللعان وان جاءت به لأكثر من ستة أشهر منذ تزوجها أخيرا ولسنتين
فصاعدا منذ طلقها لم يثبت النسب منه لان حصول العلوق كان بعد الطلاق قبل النكاح الثاني
ويصح النكاح الثاني عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله خلافا لأبي يوسف رحمه الله وهي
134

فرع مسألة الجامع الصغيران الحبل من الزنا لا يمنع من النكاح عندهما ويمنع عند أبي يوسف
رحمه الله وكذلك أم الولد إذ أعتقها مولاها ثم تزوجها قبل الاقرار بانقضاء العدة فهو على
الأوجه الثلاثة كما بيناه. قال ولو ولدت امرأة الرجل غلاما وأمته غلاما ثم ماتتا فقال
أحدهما ابني لم يثبت نسب واحد منهما لان النسب في المجهول لا يمكن اثباته والمقصود
هو الشرف بالانتساب وذلك لا يحصل في المجهول ولأنه صادق في مقالته فان أحدهما ابنه
وهو ولد المنكوحة فإذا لم يكن معينا لم يثبت نسب واحد منهما بعينه ويعتقان ويسعى كل
واحد منهما في نصف قيمته لان أحدهما حر وعند الاشتباه ليس أحدهما بأولى من الآخر
فيعتق كل واحد منهما نصفه ومعنى قوله أن أحدهما حر أن ولد المنكوحة حر فأما ولد
الأمة لا يعتق الا إذا ادعاه بعينه ولم يوجد وكذلك رجل له عبدان فقال أحدهما ابني أو قال
هذا ابني أو هذا لم يثبت نسب واحد منهما للجهالة ولكن لا يعتق أحدهما بغير عينه لان
دعوة النسب اقرار بالحرية والاقرار بالعتق للمجهول صحيح فيسع العتق فيهما عند فوت
البيان بالموت والله أعلم
(باب نفى الولد من زوجة مملوكة وغيرها)
(قال رحمه الله رجل تحته أمة فأعتقت ثم جاءت بولد لستة أشهر بعد العتق فنفاه فلم
يلاعنها حتى اختارت نفسها فالولد لازم له ولا حد عليه ولا لعان) لان نسب الولد قد ثبت
منه بالفراش فلا ينتفى الا باللعان وباختيارها نفسها بالعتق ثابت منه فلا يجرى اللعان بينهما
بعد البينونة كما لو أبان امرأته بعد ما قذفها لان المقصود باللعان قطع النكاح الذي هو سبب
المنازعة بينهما وقد انقطع ولا حد عليه لان قذفه إياه كان موجبا للعان بكونهما من أهل
اللعان حين قذفها فلا يكون موجبا للحد لأنهما لا يجتمعان بقذف واحد. قال رجل اشتري
امرأته وهي أمة فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر فنفاه فهو لازم له لأنا تيقنا أن العلوق بهذا
الولد حصل من فراش النكاح فلزمه نسبه علي وجه لا ينتفى بنفيه وصار ارتفاع النكاح بينهما
بالشراء كارتفاعه بالطلاق قبل الدخول وهناك إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر لزمه نسبه
فكذلك هنا وان جاءت به لستة أشهر فصاعدا فله أن ينفيه وهذا بمنزلة أم الولد له أن ينفيه ما لم
يقر به ثم قال بعد هذا بأسطر لا يثبت نسبه منه إلا أن يقر به فوجهه ما قال بعد هذا أن
135

النكاح بالشراء ارتفع لا إلى عدة لأن العدة حق من حقوق النكاح فكما ينافي ملك اليمين
أصل النكاح فكذلك ينافي حقوقه فكان هذا نظير الفرقة بالطلاق قبل الدخول وقد
جاءت بالولد من مدة يتوهم أن الولد من علوق حادث فلا يثبت نسبه منه وفي الكتاب
علل فقال لأنها أمة يحل فرجها بالملك وحل فرجها بملك اليمين مع حق النكاح لا يجتمعان
فيتبين أنه لا عدة عليها وصار كأنه لم يدخل بها في فراش النكاح ونسب ولد الأمة لا يثبت
من المولى الا بالدعوة * ووجه هذه الرواية انها كانت فراشا له وملك اليمين لا ينافي
الفراش فيبقى بعد الشراء من الفراش بقدر ما يجامع ملك اليمين لان الارتفاع بالمنافي فبقدر
المنافى يرتفع وملك اليمين إنما ينافي الفراش الملزم المثبت للنسب فان أم الولد مملوكة وللمولى
عليها فراش مثبت للنسب إلا أن ينفيه فيبقى ذلك القدر هنا له. قال فان أعتقها بعد ما اشتراها
وقد كان دخل بها فجاءت بولد لزمه ما بينه وبين سنتين من يوم اشتراها وان نفاه فعليه الحد
وهذا قول أبى يوسف الأول وهو قول محمد رحمهما الله وفى قول أبى يوسف الآخر رحمه
الله ان جاءت به لأقل من ستة أشهر منذ اشتراها فكذلك الجواب وان جاءت به لأكثر
من ستة أشهر لم يلزم إلا أن يدعيه فان ادعاه لزمه وان كذبته المرأة أما وجوب الحد عليه
فلانه قذفها وهي في الحال محصنة ثم وجه قول محمد رحمه أن يقول بان النكاح ارتفع بالشراء
بعد الدخول فيكون موجبا العدة الا ان هذه العدة لا تظهر في حقه لأنها تحل له بالملك
وهي ظاهرة في حق الغير حتى لو أراد أن يزوجها من غيره لم يجز فإذا أعتقها زال المانع من
ظهور العدة في حقه وظهرت العدة في حقه أيضا والمعتدة إذا لم تقر بانقضاء العدة حتى جاءت
بالولد لأقل من سنتين يثبت النسب ولأنا قد بينا ان قدر الفراش الذي يثبت للمولى على أم
ولده باق بعد الشراء وبالعتق زال هذا الفراش وزوال الفراش بالعتق يوجب العدة كما في حق
أم الولد فكان ينبغي على هذا الطريق انها إذ جاءت بالولد لأقل من سنتين منذ أعتقها انه
يثبت النسب كما في أم الولد ولكن هذا الفراش اثر الدخول الحاصل في النكاح لا في
الملك فاعتبرنا مدة السنتين من وقت انقطاع النكاح بالفراش * ووجه قول أبى يوسف
الاخر رحمه الله ان النكاح ارتفع بالشراء لا إلي عدة لما بينا أن ملك اليمين ينافي حقوق
النكاح (الا ترى) أن قبل العتق لو جاءت بالولد لأكثر من ستة أشهر لا يلزمه نسبه فبعد
136

العتق كذلك لا يلزمه لأنها بالعتق ازدادت بعدا منه ولهذا لو ادعاه ثبت نسبه منه وان كذبته
المرأة لان هذا القدر كان ثابتا قبل العتق فيبقى بعده ودعواه بقاء الفراش بعد الشراء
ليس بقوى لأنه لابد للفراش من سبب وملك اليمين بدون الدخول فيه لا يوجب الفراش
وكذلك بعد الدخول ما لم يدع نسب الولد وفراش النكاح من حقوقه فلا يبقى بعد الشراء
وإن كان لم يدخل بها فان جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر بعد الشراء فهو ابنه لتيقننا
بحصول العلوق في النكاح وان نفاه فعليه الحد لأنها محصنة بعد العتق وان جاءت به لأكثر
من ستة أشهر لم يلزمه نسبه لجواز أن يكون من علوق حادث بعد ارتفاع النكاح وهذا
والطلاق قبل الدخول سواء وان نفاه فلا حد عليه لأنه صادق في ذلك ولان في حجرها
ولدا لا يعرف له والد فلا تكون محصنة ولو لم يعتقها حين اشتراها ولكنه باعها وقد كان دخل
بها في النكاح فان جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ اشتراها لزمه الولد وبطل البيع لأنا
تيقنا بحصول العلوق في النكاح وانها صارت أم ولد له حين اشتراها لان في بطنها ولدا ثابت
النسب منه فإنما باع أم ولد وبيع أم الولد باطل وان جاءت به لأكثر من ستة أشهر منذ
اشتراها ولأقل من ستة أشهر منذ باعها فان ادعاه ثبت نسبه منه وبطل البيع أيضا لأنه لو لم
يسبق النكاح كان هذا الحكم ثابتا بدعوته فعند سبق النكاح أولى وان جاءت به لأقل من
سنتين منذ اشتراها ولأكثر من ستة أشهر منذ باعها فكذلك الجواب عند محمد رحمه الله
وفى قول أبى يوسف الآخر لا يثبت النسب منه ولا يبطل البيع وهذا بناء علي الفصل
الأول فان زوال ملكه بالبيع عنها كزواله بالعتق وقد بينا هناك أن عند أبي يوسف لا يثبت
النسب إذا جاءت به لأكثر من ستة أشهر فهنا كذلك إلا أن هناك لم يثبت فيها حق لغيره
فإذا ادعى ثبت النسب منه وهنا قد ثبت فيها حق لغيره وهو المشترى الثاني فلا يثبت النسب
منه وان ادعاه لان في ثبوته ابطالا للبيع وقوله غير مقبول في ابطال البيع وعلى قول محمد رحمه
الله هناك حكم ثبوت النسب منه يبقى إلى سنتين وان زال الملك بالعتق لظهور العدة في حقه
على ما بينا فكذلك هنا يبقى حكم ثبوت النسب منه وان زال الملك بالبيع وإذا ثبت النسب
منه انتقض البيع ضرورة لأنه تبين أنه باع أم ولده إلا أن محمدا رحمه الله هنا يشترط الدعوة
منه لان اقدامه على البيع دليل النفي والقدر الباقي من الفراش بعد الشراء مثبت للنسب علي
وجه ينتفى بالنفي فلا بد من الدعوى بعد ذلك ليبطل به دليل حكم النفي بخلاف العتق فإنه
137

ليس لدليل النفي وإن كان المشتري الآخر قد أعتق الولد ثم ادعاه المشترى الأول فان جاءت
به لأقل من ستة أشهر منذ اشتراها الأول بطل بيع المشترى وعتقه لتيقننا بأنه باع أم ولده
وان الولد كان حرا قبل بيعه وان جاءت لستة أشهر فصاعدا بعد الشراء الأول لم تصح دعوة
الشراء الأول لما بعد عتق المشترى الآخر فيه فقد بينا أن عتق المشترى الولد يمنع صحة دعوة
البائع وإن لم يكن أعتق الولد ولكنه أعتق أمة فقد بينا أن اعتاق الأم لا يمنع صحة دعوة
البائع في الولد فكان هذا وما لم يعتقها سواء في حق الولد علي ما بينا من الخلاف. قال وإذا
أعتق أم ولده ثم نزوجها فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا فان نفاه لاعن ولزم الولد أمه لأنها
إنما جاءت به من علوق بعد النكاح فان الحل قائم بينهما فيستند العلوق إلى أقرب الأوقات
وهما من أهل اللعان في الحال فيقطع النسب عنه باللعان وان جاءت به لأقل من ستة أشهر
منذ تزوجها لا عن ولزم الولد أباه أما اللعان فإنهما من أهل اللعان في الحال وأما النسب فلانا
تيقنا أن العلوق حصل قبل النكاح فلا يمكن قطع النسب باللعان وتأويل هذه المسألة إذا
كأن لأقل من سنتين منذ عتقها حتى يثبت النسب من المولى باعتبار زوال الفراش إلى عدة.
قال رجل أعتق أمة ولها زوج حر فجاءت بولد بعد العتق لستة أشهر فنفاه الزوج لا عن ولزم
الولد أمه وان جاءت به لأقل من ستة أشهر لاعن ولزم الولد أباه لأنهما لم يكونا من أهل
اللعان حين علق وولاء الولد لمولى الأم في الوجهين جميعا أما إذا جاءت به لأكثر من ستة
أشهر فلانه لا نسب له فهو لمولى الأم وان جاءت به لأقل من ستة أشهر فلانه كان مقصودا
بالعتق لأنا حكمنا بوجوده في البطن حين أعتقت. قال رجل طلق امرأته تطليقة بائنة وهي
أمة ثم أعتقت بالولد فان جاءت بالولد إلي سنتين من وقت الطلاق فالنسب ثابت من الزوج
لا ينتفى بنفيه ويضرب الحد لأنه قذفها وهي محصنة ونسب الولد ثابت لتوهم حصول العلوق
بالنكاح فإنها لم تقر بانقضاء العدة وولاء الولد لموالي الأم لأنا حكمنا بوجوده في البطن في
حين أعتقت فصار الولد مقصودا بالعتق ولو مات الأب فجاءت بالولد ما بينها وبين سنتين
وقد أعتقت بعده بيوم فالولد ثابت النسب وولاؤه لموالي الأم إذ لا فرق بين ارتفاع النكاح
بالموت وبين ارتفاعه بالطلاق البائن فإنه يعقب العدة في الوجهين جميعا. قال وإذا اشترى
امرأته وقد ولدت فأعتقها وتزوجها ثم جاءت بولد لستة أشهر منذ تزوجها فنفاه لا عن ولزم
الولد أمه وان جاءت به لأقل من سنة أشهر منذ تزوجها أخيرا أو لأكثر من ستة أشهر منذ
138

اشتراها فنفاه لاعن ولزم الولد أباه لأنها بالشراء صارت أم ولد له وبالعتق صارت محصنة فإذا
جاءت به لأقل من ستة أشهر من النكاح الآخر عرفنا أن العلوق كان سابقا على هذا
النكاح فلا ينقطع السبب باللعان ولكن يجرى اللعان بينهما لكونها محصنة في الحال ولو لم يتزوجها
لزمه الولد ما بينها وبين سنتين من وقت العتق لأنها معتدة فان نفاه ضرب الحد لأنه قذفها
وهي محصنة. قال وان كانت هذه الأمة كتابية فحكم النسب على ما بينا ولكن لا حد عليه
بالنفي لأنها غير محصنة وان صدقته ان الولد ليس منه لم يصدقا على الولد لان النسب من حق الولد
فإنه يتصرف به فلا يصدقان على ابطال حقه. قال رجل مات عن أم ولده فجاءت بولد ما بينها
وبين سنتين فنفاه الورثة لم يثبت النسب في قول أبي حنيفة رحمه الله من الميت ولم يرث
بشهادة القابلة ما لم يشهد به شاهدان لأنه ليس هنا حبل ظاهر ولا فراش قائم إلا أن يكون
المولى قد أقر بأنها حبلي منه فحينئذ يثبت النسب بشهادة القابلة وان أقر به الورثة واقرارهم
كاقرار الميت لأنهم خلفاؤه وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يثبت النسب في جميع ذلك
بشهادة القابلة وقد بينا هذا الخلاف في المنكوحة بعد موت الزوج فكذلك في أم الولد
فإن كان المولي كافرا فشهادة الكتابية في ذلك مقبولة وإن كان مسلما لم تقبل الا شهادة مسلمة
لأن هذه الشهادة تقوم علي حق المسلم فان النسب يلزمه فيراعى فيه شهادة شرائطه
(باب من دعوة البائع أيضا وغيره)
قال رحمه الله رجل اشترى أمة وولدها أو اشتراها وهي حامل ثم باعها ثم اشتراها
من ذلك الرجل أو من غيره فادعى ولدها فالدعوة جائزة إذا كان الولد يوم يدعى في
ملكه) لأنه ادعى نسب مملوكه في حال حياته إلى النسب فيثبت النسب منه ولا ينفسخ شئ
من البيوع والعقد الذي جرى فيه وفي أمه لان أصل العلوق لم يكن في ملكه فكانت
دعوته دعوة التحرير بمنزلة الاعتاق فلو أعتقه لم يبطل به شئ من العقود المتقدمة فكذلك
هنا وإن كان أصل الحبل عنده بطلت العقود كلها لان دعوته دعوة استيلاد فيستند إلى
وقت العلوق فيتبين به ان البيوع والأشرية كانت في أم ولده فكانت باطلة. قال رجل اشترى
عبدين توأمين ولدا في ملك غيره فباع أحدهما ثم ادعى نسبهما ثبت نسبهما منه ولان أحدهما
في ملكه فيصح دعوة النسب فيه ومن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت نسب الآخر
139

لأنهما توأم ولكن لا ينقض البيع في الآخر لان دعوة التحرير بمنزلة الاعتاق وأحدهما
ينفصل عن الآخر في العتق وكذلك لو ادعاهما المشترى ثبت نسبهما منه لقيام ملكه في
المشترى وقت الدعوة والذي عند البائع يبقى مملوكا له كما كان قال ولو اشترى رجل عبدا
واشترى أبوه أخ ذلك العبد وهما توأم فادعى أحدهما الذي في يديه ثبت نسبهما منه لان
أحدهما في ملكه فصحت دعوته فيه وبثبوت نسب أحدهما ثبت نسب الآخر ضرورة
ويعتق الذي في يد الآخر إن كان الأب هو المدعى فلان الابن ملك أخاه وإن كان الابن
هو المدعى فلان الأب ملك ابن ابنه فيعتق عليه بالقرابة ولا ضمان لواحد منهما علي صاحبه
لان عتقه كان بسبب مقصود عليه غير معتد إلى صاحبه. قال ولو اشترى جارية على أنه بالخيار
فيها ثلاثة أيام فولدت عنده في الثلاثة ولدا فادعاه المشترى صحت دعوته لأنه صار أحق بها
حق ينفذ عتقه فيها وفى ولدها فكذلك يثبت نسب الولد منه بالدعوة ويسقط خياره لان
الولد قد عتق وصارت أم ولد له فتعذر ردها بحكم الخيار فلهذا سقط خياره كما لو أعتقها
ولو كان الخيار للبائع فادعي المشترى الولد فالبائع على خياره لأنها باقية على ملكه في مدة
خياره فان أجاز البيع أثبت النسب من المشترى كما لو جدد الدعوة بعد الإجازة فانقض
البائع البيع بطلت دعوة المشترى لأنه لم يملكها ولا ولدها ودعوة التحرير بمنزلة الاعتاق فان
(قيل) أليس انه لو أعتقها المشترى ثم أجاز البيع لم ينفذ عتقه فلما ذي لا يجعل دعوة التحرير مثله
(قلنا) ذاك ان شاء العتق فإذا بطل لعدم تمام السبب في المحل لا ينفذ باعتبار ملك يحدث وهذا
اقرار بالعتق فيتوقف علي وجود الملك في المحل كمن أقر بحرية عبد انسان ثم أخذ الرجل
من الرجل أمتين علي انه بالخيار يأخذ أيتهما شاء بألف درهم فولدتا عنده وأقر بأنهما منه
فاقراره صحيح في أحدهما وهو الذي تناوله البيع منهما لان خيار المشتري لا يمنع صحة دعوته
ولكن بالبيع تناول أحدهما بغير عينها ويتبين باختيار المشتري فيؤمر بالبيان بعد هذا إلا أنه
قبل الاستيلاد كان متمكنا من ردها والآن لا يملك رد المشتراة لثبوت أمية الولد فيها فإن لم
يتبين أيتهما أولي حتى مات فالبيان إلى الورثة لأنهم قائمون مقامه وعليهم بمن مات أصاب
أم ولد للمشترى من تركته فكان بيانها إليهم فان قالوا لا ندري أيتهما كان عتق نصف كل
واحدة منهما ونصف ولدهما وتسعى كل واحدة منهما ومن ولدهما في نصف القيمة للبائع
لأنه ليس لأحدهما ثبوت الحرية فيه ولا احدى الأمتين لثبوت أمية الولد فيها بالولي من
140

الأخرى فيسع فيهما ويجب على الورثة نصف ثمن كل واحد منهما من التركة وان اختلفت
الورثة في الأول منهما فالقول قول الأول منهم لان كل واحد وارث قائم مقام مورثه لتمام
علة الخلافة له فالذي قال منهم أولا هذه التي كانت استولدها المشتري أولا تعينت للاستيلاد
ووجب قيمتها في التركة وتعينت الأخرى للرد وترد هي وولدها إلى البائع واستدل فيه
بحديث قروة بن عمير قال زوج أبى عبدا له يقال له كيسان أمة له فولدت فادعاه ثم مات
أبى فكتب إلى عثمان رضي الله عنه أن يوافي بابي الموسم فكتب إليه أن أبى قد مات فكتب
أن ابعثوا بابنه إلى فذهب به إليه فقال ما يقول ابن كيسان فقالت قد ادعاه أبى فإن كان
صدق فقد صدق وإن كان كذب فقد كذب فقال لو قلت غيرها لأوجعتك وأعتقه بالدعوة
وجعله ابن العبد بالفراش فيما يعلم أبو يوسف رحمه الله وإنما أورد هذا الحديث ليبين أن
أقر أحد الورثة بدعوة الأب كاقرار الأب به فكذلك تعيين أحد الورثة كتعيين الموروث
بنفسه قال مكاتب اشترى عبدا فادعاه المولى لم تجز دعوته فيه لان دعوة التحرير كالاعتاق
والمولى لا يملك اعتاق كسبه فلا تصح دعوته وكذلك لو اشترى الابن عبدا لم تجز دعوة
الأب فيه لهذا قال زوج أمته عبده بشهود فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا فهو ابن الزوج
لأنها أتت به على فراشه وان نفاه لم ينتف عنه لان النسب متى يثبت بفراش النكاح
لا ينقطع الا باللعان ولا لعان بين المماليك ولو جاءت به لأقل من ستة أشهر لم يثبت نسبه
من لزوج لأنا تيقنا أن العلوق سبق فراش النكاح لان دعوة المولى استندت إلى حال
العلوق فتبين أنه تزوجها وفي بطنها ولد ثابت النسب من المولى وكان النكاح باطلا ولو كان
زوجها من عبد غيره بإذن مولاه أو من حر فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا فادعاه المولى
صدقه الزوج أو كذبه فهو ابن الزوج لأنها علقت في فراشه ولكنه يعتق على المولى باقراره
أنه ابنه وإن لم يثبت النسب وتكون أمه بمنزلة أم ولد له لأنه أقر لها بحق الحرية كما أقر
للولد بحقيقة الحرية ولو زوجها ثم باعها ثم جاءت بالولد لستة أشهر بعد النكاح ولأقل من
ستة أشهر بعد البيع فادعاه البائع أو المشترى لم يصدقا على ذلك لثبوت النسب من صاحب
الفراش ولم يبطل البيع لان دعوة النسب إذا لم تعمل في اثبات النسب كان بمنزلة الاقرار
بالعتق واقرار البائع بالعتق بعد البيع غير مقبول في ابطال البيع. قال ولو تزوجت أمته
بغير إذنه ثم ولدت لستة أشهر فادعاه الزوج والمولى لان النكاح الفاسد عند اتصال الدخول
141

في حكم النسب كالنكاح الصحيح فكما أن هناك يثبت النسب من الزوج دون المولى فكذلك
هنا (ألا ترى) أن النسب يثبت بفراش النكاح على وجه لا ينتفى بمجرد النفي فاسدا كان
النكاح أو جائزا بخلاف ملك اليمين ولكنه يعتق بدعوة المولى لأنه صار مقرا بحريته وكذلك
أم ولد رجل تزوجت بغير إذنه ودخل بها الزوج فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا فادعياه
أو نفياه أو نفاه أحدهما وادعاه الاخر فهو ابن الزوج على كل حال لان فراش النكاح وإن كان
فسادا فهو أقوى من فراش الملك علي ما بينا وكذلك لو تزوج أمة ابنه بغير إذنه
فولدت فادعاه الزوج والمولى فهو ابن الزوج لما له عليها من فراش النكاح وهو أقوى من
اثبات النسب من فراش الملك والله أعلم
(باب دعوة أحدي الإماء)
(قال رحمه الله قال أمة لها ثلاثة أولاد ولدتهم في بطون مختلفة وليس لهم نسب معروف
فقال المولى في صحته أحد هؤلاء ابني ثم مات قبل أن يثبت نسب واحد منهم) لان المدعى
نسبه مجهول ونسب المجهول لا يمكن اثباته من أحد إنما يثبت في المجهول ما يحتمل التعليق
بالشرط ليكون منقطعا بخطر البيان والنسب لا يحتمل التعليق بالشرط فلا يثبت بالمجهول
والجارية تعتق لأنها أقر لها بأمية الولد وهو معلوم وأم الولد تعتق بموت مولاها من جميع
المال وتعتق من كل واحد من الأولاد ثلاثة في قول أبي حنيفة رحمه الله لان دعوة النسب
إذا لم يعمل في اثبات النسب كانت اقرارا بالحرية فكأنه قال أحدهم حر فيعتق ثلث كل
واحد منهم من جميع المال وعلي قول محمد رحمه الله يعتق من الأكبر ثلثه ومن الأوسط
نصفه والأصغر كله لان الأكبر إن كان هو المقصود بالدعوة فهو حر فإن كان المقصود هو
الأوسط أو الأصغر لم يعتق الأكبر فهو حر في حال عبد في حالين فيعتق ثلثه واما الأوسط
فإن كان المقصود فهو حر وإن كان المقصود هو الأكبر لأنه ولد أم الولد فيعتق بموت المولى
كما تعتق أمه وإن كان المقصود هو الأصغر لم يعتق الأوسط فهو يعتق في حالين ولا يعتق في
حال وأحوال الإصابة حالة واحدة في الروايات الظاهرة الا فيما ذكر في الزيادات بخلاف حال
الحرمان فلهذا يعتق نصفه فأما الأصغر فهو حر بيقين سواء كان المقصود هو الأوسط أو
الأكبر إلا أن أبا حنيفة رحمه الله لم يعتبر هذه الأحوال لأنه مبنى على ثبوت النسب ولم يثبت
142

النسب ولان جهة الحرية مختلفة وحكمه مختلف فإنه إن كان مقصودا بالدعوة كان حر
الأصل وإذا كان المقصود غيره كانت حريته بطريق التبعية للأم بعد موت المولى وبين
كونه مقصودا وتبعا منافاة وكذلك بين حرية الأصل وحرية العتق منافاة ولا يمكن
اعتبار الجهتين جميعا فلهذا يعتق من كل واحد منهم ثلثه وقد روى عن أبي يوسف مثل
قول محمد رحمهما الله الا في حرف واحد وهو أنه قال يعتق من الأكبر نصفه لان حاله تتردد
بين شيئين فقط اما أن يكون ثابت النسب من المولى فيكون حرا كله أولا يكون ثابت
النسب منه فلا يعتق منه شئ فلهذا عتق نصفه ويسعى في نصف قيمته ثم استشهد بقول
أبي حنيفة رحمه الله بما لو كان لها ولد واحد فقال المولى قد ولدت هذه الأمة مني ولدا ولم
يتبين هذا هو أو غيره لا يثبت نسب هذا معرف والمولى إنما أقر بنسب المنكر والمنكر
غير المعرف وتصير الجارية بمنزلة أم الولد لإقراره بأمية الولد لها فيكون الولد عبدا لا يعتق
بعتق أمه لأنه ما أقر بنسبه ولا باقصائه عن الأم بعد أمية الولد فيها والرق فيها ثابت بيقين
فلا يبطل بالاحتمال ومن قال بقول محمد رحمه الله يلزمه أن يقول هنا بعتق من الولد نصفه
باعتبار الأحوال وهذا قبيح من طريق المعنى أرأيت لو قال قد أسقطت هذه الأمة منى
سقطا مستبين الخلق أكان يعتق به شيئا من ابنه الكبير لا يعتق شئ منه فكذلك ما سبق
وكذلك لو كان كل واحد من هؤلاء الأولاد لام معروف كان لها فإنه يعتق من كل ولد
ثلثه لان النسب لما لم يثبت بدعوته كان هذا اقرارا بالعتق لأحدهم فيعتق من كل واحد منهم
ثلثه وهذا على أصل الكل لان اعتبار الأحوال هنا غير ممكن. قال وإذا ولدت أمة ولدا
من غير زوج فلم يدعيه المولى حتى كبر وولد له ولد من أمه للمولى ثم مات الابن الأول
ثم ادعى المولى أحدهما فقال أحد هذين ابني يعنى الميت وابنه فإنه يعتق الأصل كله على
اختلاف الأصلين أما عند أبي حنيفة رحمه الله لان دعوته لما لم يعمل في حق النسب انقلب
اقرار بالعتق فكأنه قال أحدهما حر ومن جمع بين حي وميت وقال أحدهما حر عتق الحي
منهما عنده وأما عند محمد رحمه الله فلانا تيقنا بحرية الأسفل لأنه إن كان هو المقصود فهو
حر وإن كان المقصود الأكبر عتق الأسفل أيضا لأنه من أمة المولى فيكون مملوكا له ومن
ملك ابن ابنه عتق عليه وتسعى أمة في نصف قيمتها لأنه إن كان المقصود هو الأسفل فأمه
أم ولد يعتق بموت المولى وإن كان هو الأكبر لم يعتق هذه فلهذا عتق نصفها وسعت في
143

نصف قيمتها وكذلك الجدة تسعى في نصف قيمتها لهذا. قال أمة لرجل ولدت ابنتا ثم ولدت
ابنتها ابنتا فقال المولى في صحته احدى هؤلاء الثلاثة ولدى ثم مات قبل أن يبين فإنه يعتق
نصف العليا وجميع الوسطى وجميع السفلى لان العليا تعتق في حالين فإنها إذا كانت مقصودة
بالدعوة فهي حرة وإن كان المقصود ابنتها فهي أم ولد تعتق بموت المولى وإن كان المقصود
أسفلها فهي أمة فلهذا عتق نصفها فأما الوسطى فهي حرة بيقين ان كانت هي المقصودة فهي
حرة بالنسب وان كانت ابنتها فهي حرة بأمية الولد وإن كان المقصود أمها فهي حرة فهي
ابنت ابنت المولي وكذلك السفلى حرة بيقين ولم يذكر قول أبي حنيفة رحمه الله في هذا
الفصل وقيل علي قوله يعتق ثلث كل واحدة منهن لان هذا عنده بمنزلة قوله أحدا كن حرة
وقيل بل الجواب قولهم لان العتق هنا بجهة النسب كيف ما كان وهو مقصود فيه سواء
كان بأمية الولد فوجب اعتبار الجهات هنا بخلاف الفصل الأول على ما بيناه. قال ولو ولدت
الأمة ابنتا من غير زوج ثم ولدت ابنتين في بطن آخر ثم ولدت ابنا في بطن آخر ثم نظر
المولى إلى الأكبر والى احدى الابنتين في صحته فقال أحد هذين ولدى ثم مات قبل أن يبين لم
يثبت نسب واحدة منهما وعتقت الأمة بجهة أمية الولد لما بينا ويعتق من الكبرى نصفها
ويسعى في نصف قيمتها ويعتق من الأوسطين نصف كل واحد منهما في ظاهر الرواية عند
أبي حنيفة رحمه الله وفي غير الأصول قال يعتق عبده من كل واحدة منهما ربعها * وجه هذه
الرواية انه لما لم يثبت النسب بدعوته انقلب اقرارا بالحرية فكأنه قال أحدهما حر ويعتق
نصف الكبرى في نصف الحرية وحط الأوسطين فيه علي السواء لأنهما توأم لا ينفصل
أحدهما على الآخر فيصير هذا النصف بينهما نصفين فيعتق من كل واحد ربعها * وجه ظاهر
الرواية أن تعلق الحرية الذي بقي العتق من وسطين ولكن أحدهما لم ينفصل عن الآخر
في حرية الأصل ولا في النسب والاقرار بالنسب لأحدهما بمنزلة الاقرار به لهما فما يعتق به
من أحدهما بحكم هذا الاقرار وهو نصف رقبته يعتق من الثاني مثله وأما الأصغر فهو حر
كله لأنا تيقنا بأنه ولد أم الولد فيعتق بموت المولي من جميع المال كما تعتق أمته. قال ولو نظر
المولى إلي الأصغر فقال أحد هذين ابني ثم مات قبل أن يبين يعتق من الأكبر نصفه ومن
الأصغر أيضا نصفه في قول أبي حنيفة لان كلامه صار اقرارا بالحرية لهما فكأنه قال أحدهما
144

حر فيعتق من كل واحد منهما نصفه وعلي قول محمد رحمه الله يعتق الأصغر كله لأنه حر
بيقين اما لأنه ابنه أو لأنه ولد أم ولده فيعتق بموته. وقال يعتق من الأوسطين نصف كل
واحد منهما ويسعى في نصف قيمته في قول أبي حنيفة رحمه الله وقيل هذا قول محمد رحمه
الله فإنه إن كان المقصود الأكبر فهما حران بالاستيلاد وإن كان المقصود الأصغر لم يعتق
واحد منهما فيعتق من كل واحد منهما نصفه فأما عند أبي حنيفة رحمه الله ينبغي أن لا يعتق من
الأوسطين شئ لان كلام المولى لم يتناولهما وقيل بل الجواب صحيح في قول أبي حنيفة لان
جهة العتق لهما واحدة وهو التبعية فيعتبر الحالان في حقهما فلهذا يعتق من كل واحد منهما
نصفه. قال رجل له أمة لها ثلاثة أولاد ولدتهم في بطون مختلفة من غير زوج فقال المولى
للأكبر منهم هو ابني ثبت نسبه منه للدعوة وصارت الأم أم ولد له ولم يثبت نسب
الآخرين منه عندنا وقال زفر رحمه الله يثبت نسب الآخرين منه أيضا لأنه تبين أنها أم
ولد ولدتهما على فراشه فإنها صارت أم ولد له من حين علقت بالأكبر ونسب ولد أم الولد
ثابت من المولى من غير دعوة إلا أن ينفيه وتخصيصه الأكبر بالدعوة لا يكون دليل النفي
ولا الاثبات ولنا أن تخصيصه الأكبر بدعوة النسب دليل النفي في حق الآخرين هنا لأنه
يجب علي المولى شرعا إظهار النسب الذي هو ثابت منه بالدعوة فكان تخصيصه الأكبر بعد
وجوب الاظهار عليه بهذه الصفة دليل النفي في حق الآخرين ودليل النفي كصريح النفي
ونسب ولد أم الولد ينتفى بالنفي فكذلك بدليل النفي وهذا نظير ما قيل إن سكوت صاحب
الشرع صلوات الله عليه عن البيان بعد وقوع الحاجة إليه بالسؤال دليل النفي لان البيان وجب
عند السؤال فكان تركه بعد الوجوب دليل النفي ولكن يعتق الآخران بموت المولى لأنهما
ولدان لام الولد فيعتقان بموت المولى فان ولدت بعد اقراره ولد لستة أشهر فصاعدا فلم
ينفه المولى ولم يدعه حتى مات فهو ابنه لأنها علقت على فراشه فإنها بالدعوة صارت فراشا
للمولى ولهذا ثبت نسب هذا الولد منه وفى الكتاب أشار إلي ان الفراش إنما يثبت لها من
وقت الدعوة وهذا يكون طريقا آخر في المسألة الأولى أن انفصال الولدين الأولين كان قبل
ظهور الفراش فيها فلا يثبت نسبهما الا بالدعوة. قال ولو أقر ان أمته قد ولدت منه أو أسقطت
منه سقطا مستبين الخلق ثم ولدت بعد ذلك لستة أشهر وهو غائب أو مريض فإنه يثبت
النسب منه ما لم ينفه لأنها جاءت به على فراشه فان نفاه انتفى بمجرد نفيه عندنا وقال الشافعي
145

إذا أقر بوطئها ثم جاءت بولد قبل أن يشتريها بحيضة لا ينتفى النسب منه وان نفاه وان جاءت
بالولد بعدما اشتراها بالحيضة لم يثبت النسب منه الا بالدعوة لان عنده بالوطئ تصير فراشا
له ولا ينقطع حكم ذلك الفراش الا بالاستبراء فإذا ولدت قبل أن يشتريها ثبت النسب منه
باعتبار الفراش فلا ينتفى بنفيه كما لو ثبت بفراش النكاح ولكنا نقول للمولى على أم الولد
فراش مجوز لا ملزم (ألا ترى) أنه يملك نقل فراشه إلى غيره بالتزويج فكما أنه يثبت
الفراش على وجه ينفرد بنقلها إلى غيره فكذلك النسب بحكمه يثبت علي وجه ينفرد بنفيه
بخلاف فراش المنكوحة والله أعلم بالصواب
(باب دعوة القرابة)
(قال رحمه الله قال جارية لرجل ادعى ابنه ان أباه زوجها منه فولدت له هذا الولد
وأنكره الأب لم يصدق علي ذلك ولم يثبت نسبه منه الا ان بينته تقوم على النكاح) لأنه ليس
للابن في جارية أبيه تأويل ملك ولا له حق بملكها على أبيه فكان هو في هذه الدعوة كسائر
الأجانب لا يثبت نسبه منه ما لم يثبت سببه بالحجة وهو النكاح لان ثبوت الحكم ينبنى على
ثبوت النسب. قال وإذا ادعي الأب ولد جارية ابنه والابن عبد أو مكاتب فدعوته باطلة
لأنه ليس له ولاية نقلها إلى نفسه لانعدام ولايته على العبد والمكاتب ولما كان للمولى فيها
من ملك أو حق ملك وشرط صحة دعوة الأب نقلها إلى ملكه كما ذكرنا وكذلك لو كان الابن
مسلما والأب ذميا أو مستأمنا لأنه لا ولاية للكافر على مسلم. قال وذا لو ولدت أمة الرجل
فادعاه آخر أنه ابنه من نكاح أو شبهة وأنكره المولى لم يصدق على ذلك العم والخال وسائر
القرابات لأنه لاحق لبعضهم في مال البعض فهم كسائر الأجانب فان ملكه يوما وقد ادعاه
من جهة نكاح صحيح أو فاسدا أو من جهة ملك يثبت نسبه منه لأنه عند الملك كالمجدد
لذلك الاقرار فان النسب لا يحتمل الابطال بعد ثبوته والاقرار به قبل الملك يتوقف على
وجود الملك وكذلك لو ادعى انه ابنه ولم يذكر انه تزوجها لان مطلق اقراره محمول على
سبب صحيح شرعا والأسباب المثبتة للفراش الذي يبنى عليها النسب كثيرة ولو مالك أمه
معه أو دونه صارت أم ولد له لأنه أقر لها بأمية الولد حين أقر بالولد والنسب فان اقراره
بالنسب مثبت لها الفراش والفراش ثابت بالملك أو بالنكاح فاسدا كان أو صحيحا وذلك
146

موجب أمية الولد لها إذا ملكها وان ملك الولد أب المدعى وهو يجحد مقالة ابنه لم يثبت
نسبه من الابن ولا يعتق لأنه لو كان في ملك الأب حين ادعاه الابن لم يثبت نسبه مع جحود
الأب فإذا اعترض ملك الأب أولى أن لا يثبت نسبه بتلك الدعوة وإذا لم يثبت النسب لم
يعتق على الأب لان عتقه عليه باعتبار أنه ابن ابنه وذلك لا يكون الا بعد ثبوت نسبه من
الابن. قال رجل تزوج امرأة على خادم فولدت في يد الزوج فادعي الزوج الولد وكذبته المرأة
فإن كانت ولدت لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها وكان أصل الحبل عند الزوج فهو مصدق
لأنا تيقنا أن العلوق حصل في ملكه فتكون دعوته دعوة استيلاد فبطل به تمليكها من المرأة
صداقا ويضمن قيمتها للمرأة لان التسمية بطلت بعد صحتها فوجب علي الزوج القيمة كما لو
استحقت وهذا لأنه تعذر تسليمها مع بقاء السبب الموجب للتسليم وهو النكاح وإن لم يكن
أصل الحبل عنده لم يصدق لان دعوة التحرير بمنزلة الاعتاق وهو لو أعتقها في هذه الحالة لم
تصح منه وكذلك أن وضعته لأكثر من ستة أشهر لأنا لا نتيقن بحصول العلوق في ملكه فلا
يصدقه على ابطال ملكها عن عين الخادم حين كذبته فان طلقها قبل أن يدخل بها وقبل التسليم
إليها ثبت نسب الولد منه لان بالطلاق قبل الدخول ينتصف الأصل مع الزيادة وهو الخادم
المقبوض فكان نصفها ونصف ولدها للزوج وذلك يكفي لصحة الدعوة فلهذا ثبت نسب
الولد منه وصارت الجارية أم ولد له ويضمن نصف قيمتها للمرأة لأنه صار متملكا نصيبها عليها
بما سبق منه من الدعوة وضمان التملك لا يعتمد وجود الصنع ولو لم يصنع في عينها شيئا بالطلاق
قبل الدخول صار ضامنا لها نصف قيمة الجارية ويسعى الولد في نصف قيمته لها لان نصف
الولد مملوك لها وقد احتبس عنده فيجب عليه السعاية في نصف القيمة ولا ضمان علي الزوج
فيه وإن كان موسرا لان صفة الدعوة حين ادعي لم يكن مفسرا عليها شيئا من الولد وإنما
فسد نصيبها من الولد بعد الطلاق وكان ذلك سببا حكيما وهو ينصف الصداق بينهما وذلك
أمر حكمي ولا يقال بان سببه الطلاق لان الطلاق يصرف منه في المنكوحة لقطع النكاح
لا في الصداق فلا يكون موجبا للضمان عليه ثم إن كان لزوج أقر أنه وطئها قبل النكاح لم
يضمن من العقر شيئا وان أقر ان وطأه إياها كان بعد النكاح ضمن نصف العقر لها وإن لم
يبين ذلك فالقول قوله فيه الا إذا جاءت به لأكثر من سنتين منذ تزوجها فحينئذ يعلم أن
وطأه إياها كان بعد النكاح فيلزمه نصف العقر لها لان بالوطئ قد لزم جميع العقر فإنه وطئ
147

ملك الغير وقد سقط الحد عنه لشبهة فيجب العقر والعقر زيادة كالولد فينصف بالطلاق (قال)
وتأويل هذه المسألة إذا كان ادعي نسب الولد بنكاح أو شبهة أو لم يبين السبب فأما إذا بين
انه وطئها من غير شبهة النكاح لا يثبت النسب منه لان الجارية في يده مملوكة له مضمونة
عليه بالقيمة كالمغصوبة فيكون وطؤه إياها زنا غير مثبت النسب وان كانت ولدت في يدي المرأة
ثم طلقها قبل أن يدخل بها لم يرجع إليه من الخادم والولد شئ لان الزيادة المنفصلة بعد
القبض تمنع بنصف الأصل إلا أن تكون جاءت به لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها فيكون
ابنه بدعوته والجارية أم ولد له ويضمن المرأة نصف قيمتها لتيقننا بحصول العلوق في حال
ملكه وذلك بمنزلة البينة تقوم وان جاءت به لأكثر من ستة أشهر بعد القبض ولم يطلقها ولكن
المرأة ماتت فورثها ضمن نصيب شركائه فيها لأنه صار متملكا لنصيب شركائه من الجارية
حين صارت أم ولد له وضمان التملك لا يستدعي صنعا من جهته ويسعى الولد في حصتهم لان
نصيب الأب منه قد عتق بالدعوة السابقة فيحتبس نصيب الشركاء عند الولد فعليه السعاية
(قال) وكذلك كل ميراث يقع في مثل هذا وحاصل هذه المسألة ان ملك جزءا من ولد بطريق
الميراث من غيره فهو علي وجهين اما أن يكون شريكه ذا رحم محرم من الولد أو أجنبيا منه
وكل وجه على وجهين اما أن تكون دعوة الأب فيه قبل الملك أو بعده وكل وجه من
ذلك على وجهين اما أن يصدقه الشريك أو يكذبه ثم الحاصل عند أبي حنيفة رحمه الله أنه إن كان
الشريك ذا رحم محرم من الولد والدعوة قبل الملك أو بعده صدقه الشريك في ذلك أو
كذبه فالولد حر كله ولا ضمان علي الأب ولا سعاية على الولد لأنه إنما عتق نصيب الشريك
عليه بقرابته فلا يكون ذلك موجبا للسعاية على الولد ويكون موجبا للضمان على الأب أما إذا
انعدمت الدعوة علي الملك فلان تمام علة العتق بالملك الحاصل بالميراث لا صنع له فيه فان
تأخرت الدعوة عن الملك فإنما كان عتق نصيب الشريك محالا به على القرابة الثانية بينهما
حكما فلا يكون موجبا للضمان على الأب وإن كان الشريك أجنبيا فإن كانت الدعوة قبل
الملك وصدقه الشريك فيه أو كذبه أو كانت الدعوة بعد الملك وصدقه الشريك فيه فلا
ضمان على الأب لانعدام صنع موجب للضمان اما بتقدم الدعوة على الملك الذي هو متمم
لعلة العتق واما التصديق من شريكه إياه في الدعوة فإنه حينئذ يلتحق بالابن المعروف ومن
ملك ابنه المعروف بالميراث مع غيره لم يضمن لشريكه شيئا ولكن على الولد أن يسعى في
148

نصيب الشريك لأنه احتبس نصيب الشريك عنده فتجب السعاية له ولو كانت الدعوة
بعد الملك وكذبه شريكه فالحكم فيه كالحكم في عبد بين اثنين يعتقه أحدهما لان نصيب
الأب إنما يعتق عليه بعلة ذات وصفين الملك ولقرابة فيحال به على آخر الوصفين وجودا
وهو الدعوة هنا وذلك منه بمنزلة الاعتاق في حق الشريك حين كذبه فلهذا كان الحكم
فيه كالحكم بين اثنين يعتقه أحدهما وأما في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فإن كانت
الدعوة قبل الملك وكان الشريك ذا رحم محرم من الولد وصدقه في ذلك فلا ضمان عليه ولا
سعاية على الولد لان نصيب الشريك إنما يعتق عليه بقرابته حين صدقه في الدعوة وان كانت
الدعوة قبل الملك وكذبه شريكه أو كان الشريك أجنبيا والدعوة قبل الملك فصدقه أو
كذبه أو كانت الدعوة بعد الملك وصدقه ففي هذه الوجوه الأربعة لا ضمان على الأب لان
تتميم علة العتق بالملك إذا كانت الدعوة قبله ولا صنع له في ذلك وان كانت الدعوة بعده
وصدقه فهو كالابن المعروف في حقه فلا يكون الأب ضامنا لشريكه في ظاهر الرواية
عنهما وقد روى عن أبي يوسف رحمه الله يصير ضامنا لشريكه في الابن المعروف وان
ملكه بالإرث لان ضمان العتق على هذه الرواية ضمان التملك بناء على أصلهما ان المعتق إذا
كان موسرا يكون الولاء كله له فيكون بمنزلة ضمان الاستيلاد الواجب بسبب تملك الأم
ولكن هذه الرواية غير صحيحة فإنه لا خلاف انه لا يجب هذا الضمان عند العسر وضمان
التملك لا يختلف باليسار والاعسار ولكن العبد يسعى في قيمة نصيب شريكه لاحصاء منه
عنده فإنه القرابة بينه وبين الولد لم تثبت عند تكذيبه في حقه وان كانت الدعوة بعد الملك
وكذبه الشريك وهو ذو رحم محرم من الأب أو أجنبي فالجواب في الفصلين واحد عندهما
والحكم فيه كالحكم في عبد بين اثنين يعتقه أحدهما لما بينا أن القرابة لا تثبت في حق الشريك
مع تكذيبه إياه فذا الرحم المحرم والأجنبي فيه سواء. قال أمة في يدي رجل فولدت فادعي
رجل انه تزوجها وان الولد منه وقال المولى بل بعتها بألف درهم والولد منه فالولد من الزوج
بتصادقهما على الفراش المثبت للنسب له عليها مع الاختلاف في سببه ويعتق باقرار المولى لان
الأب مقر أن الولد ملكه لأنه ولد أمته والمولى مقر أنه حر لأنها علقت به في ملك الأب
فكان حرا باقرار المولى وأمه بمنزلة أم الولد لان المولى مقر لها بأمية الولد والمستولد مقر
بأن اقرار المولى فيها نافذ فلهذا كانت بمنزلة أم الولد موقوفة لا تحل لواحد منهما لان كل
149

واحد منهما ينفيها عن نفسه ولا يسع الزوج أن يقربها لان إباحة الفساد باعتبار ملك المتعة
وملك المتعة لا يثبت له عليها الا بثبوت سببه ولم يثبت هنا سبب لملك المتعة فان المولى
منكر للزوجية والزوج منكر للشراء وباب الحل مبنى على الاحتياط فلهذا لا يسعه أن يقربها
فإذا مات أب الولد عتقت لان المولى مقر أنها أم ولد له يعتق بموته والزوج مقر بصحة
اقرار المولى فيها وعلى الزوج العقر قصاص من الثمن لان مقدار العقر تصادقا علي وجوبه
علي الزوج وان اختلفا في سببه ولا عبرة لاختلاف السبب في ضمان المال كمن يقول لغيره
لك على ألف درهم قرض وقال المقر له بل هو غصب كان له أن يأخذ المال فهنا كذلك
الزوج يعطى بحساب العقر والمولي يأخذ بحساب ما ادعاه من الثمن (قال) وهذا الجواب بخلاف
ما ذكرنا في كتاب العتاق وإنما أراد به ما ذكره في نسخ أبى سليمان رحمه الله من كتاب
العتاق ان على الزوج قيمتها للمولي وهذا غلط بل الصحيح ما ذكره في نسخ أبى حفص
ونوادر هشام رحمهما الله ان على الزوج العقر يأخذه المولى قصاصا من الثمن كما فسره هنا. قال
ولو ادعى الزوج انه اشتراها فولدت منه هذا الولد وقال المولى بل زوجتك ثبت النسب
لتصادقهما عليه ولم يعتق الولد لأن الشراء لم يثبت بقول الزوج فكان الولد مملوكا للمولى
بملكه الأم كما عرف بثبوته فلهذا لا يعتق. قال أمة في يدي رجل فولدت فادعى ولدها وقال
لرجل هي أمتك زوجتنيها. وصدقه الآخر ولا يعرف أن أصلها كان للآخر فالولد حر ثابت
النسب من ذي اليد وأمه أم ولد له لأنها كانت في يده والظاهر أنها مملوكة فصحت دعوته
وثبت للولد حقيقة الحرية وللأم حق الحرية بهذه الدعوة فهو باقراره بعد ذلك أنها لغيره
يريد ابطال الحق الثابت لها قبله فلا يقبل قوله في ذلك ولكن يضمن قيمتها للمقر لان اقراره
حجة في حقه وقد زعم أنها مملوكته احتبست عنده بالدعوة السابقة فيضمن قيمتها له ولو عرف
أن أصلها كان للمقر له ثبت النسب منه وكان مملوكين له لان بدعوة النسب هنا لم تثبت
الحرية فيها ولا في ولدها لكون الملك فيها ظاهرا لغير المستولد وإن كان الأصل لا يعرف
لهذا فقال هذا بعتكها وقال أب الولد زوجتني ضمن أب الولد قيمتها لان احتباسها عنده لم
يكن باقرار المقر له بالبيع (ألا ترى) انه وان أنكر ذلك لم يكن له عليه أولا على ولدها
سبيل بثبوت أمية الولد بالدعوة السابقة فلهذا ضمن أب الولد قيمتها ولم يضمن العقر لأنه
وطئ ملك نفسه ولأنه ضمن جميع بدل النفس وكذلك لو قال أب الولد بعتني هذه الجارية
150

وقال الآخر بل زوجتك فهذا والأول سواء لما بينا وإن كان يعرف أن الأصل لهذا فإنه
يأخذ الأم وولدها مملوكين ما خلا خصلة واحدة وهي أن تقر بأنه باعها منه فحينئذ لا سبيل
له عليها لإقراره بخروجها عن ملكه بالبيع ولا يغرم أب الولد القيمة في هذا الفصل لان
احتباسها باقرار المقر له ببيعها (ألا ترى) أنه لو أنكر ذلك لم يمكن من أخذها وأخذ ولدها
فلهذا لا يضمن أب الولد القيمة ولكن عليه العقر لما بينا فيما سبق وكانت هي بمنزلة أم الولد
موقوفة لاقرار مولاها بذلك. قال رجل تزوج امرأة فولدت ولدا فادعى أحدهما النكاح
منذ شهر وقال الآخر منذ سنة فالنسب ثابت منهما لأنها فراش له في الحال فيثبت النسب
باعتبار ظاهر الفراش في الحال ومن ادعى أن النكاح منذ شهر فقد ادعى خلاف ما يشهد
به الظاهر فلا يقبل قوله فان (قيل) بل صاحبه يدعى سبق التاريخ بالنكاح وهو منكر له
فينبغي أن يكون القول قول المنكر (قلنا) التاريخ غير مقصود لعينه فلا ينظر إليه وإنما ينظر
إلى الحكم المقصود وهو نسب الولد فيجعل القول قول من يشهد الظاهر له في حق النسب
مع أن هذا المنكر مناقض لأنه قد تقدم منه الاقرار لصحة النكاح والآن يدعى فساده
بإنكار التاريخ فلا يقبل قوله وكذلك لو طلقها ثلاثا فولدت بعده بيوم فأحبلها فهو وما
سبق سواء لما بينا ولو اجتمعا على أن النكاح منذ شهر والولد صغير صدقا ولم يثبت النسب
من الزوج لان الصغير لا قول له في نفسه فبقي الحق لهما وما تصادقا عليه يجعل كالمعاين في
حقهما فلهذا لا يثبت النسب من الزوج فان قامت البينة أنه تزوجها منذ ستة أشهر ثبت
النسب لقيام حجة البينة عليه فان (قيل) كيف تقبل هذه البينة وليس هنا من يدعيها (قلنا) من
أصحابنا رحمهم الله من قال ينصب القاضي عن الصغير قيما ليقيم هذه البينة لان النسب حقه
وهو عاجز عن اثباته بنفسه فينصب القاضي عنه قيما لاثباته وقيل بل في هذا حق الشرع
وهو ثبوت النكاح بينهما والحكم بصحته حتى لا يتزوج بغيره فيكون ابنه وأن لا ينسب
الولد إلى غير أبيه فان ذلك حرام لحق الشرع وإذا تعلق به حق الشرع قبلت الشهادة عليه
حسبة من غير دعوى كما في عتق الأمة والله أعلم
(باب اقرار المريض بالولد)
(قال رحمه الله رجل له عبد في صحته وأقر في مرض موته انه ابنه وليس له نسب
151

معروف ومثله بولد لمثله فإنه ابنه يرثه ولا يسعى في شئ سواء كان أصل العلوق به في ملكه
أو لم يكن في ملكه) لان النسب من حاجته وهو مقدم على حق ورثته في ماله فيثبت نسبه
منه بالدعوة لكونه غير محجور عنه ويكون بمنزلة ابن معروف له ملكه في صحته فيكون عتقه
من جميع المال لا بطريق لوصية فلهذا لا يسعى في شئ قال وكذلك أن كان عليه دين يحيط
بماله لان حاجته مقدمة على حق غرمائه بدليل الجهاز والكفن ولأنه ليس في ثبات النسب
ابطال حق الغرماء والورثة لأنه يلاقي محلا لا حق لهم فيه وإنما ذلك فيما ينبنى عليه من الحكم
والذي ينبنى على هذا السبب عتق في صحته ولا حق للغرماء والورثة في ماله في صحته
وكذلك لو كانت له جارية ولدت في صحته فأقر في مرضه انه ابنه سواء كان أصل العلوق
في ملكه أو لم يكن لان الذي ينبنى على دعوة النسب هنا حقيقة الحرية للولد في صحته وحق
الحرية للأم ولا حق للغرماء والورثة فيهما في حالة الصحة فأما إذا كان ملكه في مرضه فادعاه
قبل الملك أو بعده ثم مات فإن كان عليه دين محيط فعليه السعاية في جميع القيمة لان الذي
ينبنى على دعوته هنا عتق في المرض وذلك يلاقى محلا مشغولا بحق الغرماء فلا يكون مصدقا
في حقهم إلا أن الرق قد فسد باقراره فعليه السعاية في جميع القيمة وإن لم يكن له مال سواهما
ولا دين عليه كان عتقه من ثلثه وعليهما السعاية فيما زاد علي الثلث من قيمته ولا يرثه الولد
في قول أبي حنيفة لان المستسعى في بعض قيمه عنده بمنزلة المكاتب والمكاتب لا يرث وعند أبي
يوسف ومحمد رحمهما الله المستسعى حر مديون فيكون من جملة الورثة ولا وصية للوارث
ولكن عليه السعاية في قيمته ويرثه وإن كان للمولى ابنان بحيث تخرج رقبته من الثلث فعلى قول
أبى يوسف ومحمد رحمهما الله الجواب كذلك يسعى الولد في قيمته لأنه صار وارثا ولا وصية
للوارث وأما عند أبي حنيفة رحمه الله لا سعاية على الولد في شئ ويرثه فقد جمع له بين الوصية
والميراث لضرورة الدور فإنه لو لم يجز الوصية له وألزمه السعاية في قيمته كان مكاتبا والمكاتب
غير وارث فتصح الوصية له سقطت السعاية فصار وارثا فلا يزال يدور هكذا والسبيل في
الدور أن يقطع فلهذا جمع بين الوصية والميراث وهو نظير ما قالوا في تنفيذ الوصية في خمسي
المال في بعض مسائل الهبة لضرورة الدور وان كانت الوصية لا تنفذ في أكثر من الثلث
وهذا لان مواضع الضرورة مستثنى في الأحكام الشرعية فأما أم الولد فلا سعاية عليها عندهم
جميعا لأنه إذا كان معها ولد يثبت نسبه فهو شاهد لها بمنزلة إقامة البينة فلهذا لا يلزمه السعاية
152

في شئ وكذلك لو وهب للمريض ابنه المعروف ولا مال له غيره فإن كان عليه دين سعى
في قيمته للغرماء وإن كان الدين أقل من قيمته سعى في الدين وفى ثلثي ما بقي للورثة وله الثلث
وصية في قول أبي حنيفة وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله سعى فيما بقي من قيمته بينه
وبين الورثة ولا وصية له لأنه من جملة الورثة. قال ولو كان وهب للمريض أم ولد له معروفة
عتقت ولم يسع في شئ لان ثبوت نسب الولد شاهد لها وعتق أم الولد من حوائج الميت
فيكون مقدما على حق الغرماء والورثة. قال ولو أن مريضا له ألف درهم اشترى به ابنه ثم
مات ولا مال له غيره فعند أبي حنيفة رحمه الله يسعي في قيمته للورثة والثلث وصية له ويسعى
في جميع قيمته لأنه وارث فلا وصية له وإن كان عليه دين سعي في الدين وثلثي ما بقي في قول
أبي حنيفة رحمه الله وعندهما في جميع القيمة لما بينا. قال ولو كان اشترى أم ولد له معروفة لم
يسع في شئ للغرماء ولا للورثة لان نسب الولد شاهد لها وإن كان قد حابى البائع في شئ
فإن كانت أقل من ألف فالمحاباة في المرض وصية فإن كان عليه دين فعلى البائع رد بيع الفضل
وإن لم يكن عليه دين فعليه رد ثلثي الفضل على الورثة والثلث يسلم له بطريق الوصية. قال ولو
أن صبيا وأمة مملوكان لرجل لا يعرف له نسب فاشتراهما رجلان أو ملكاهما بهبة أو صدقة
أو ميراث أو وصية ثم ادعى أحدهما أن الولد ابنه وكذبه الآخر فهو ابنه لان قيام الملك له في
النصف كقيام الملك له في الكل في صحة الدعوة والولد محتاج إلى النسب ويضمنه حصة
شريكه من قيمة الأم غنيا كان أو فقيرا لأنه صار متملكا لنصيبه عليه حين صارت أم ولد له (قال)
ويضمن حصة شريكه من قيمة الولد إن كان موسرا ويسعى الولد إن كان مسعرا لان
دعوة التحرير بعد الملك بمنزلة الاعتاق إذا كذبه الشريك وكان أجنبيا وإن كان الشريك
ذا رحم محرم من الولد فعند أبي حنيفة رحمه الله لا سعاية عليه وعندهما يلزمه السعاية وقد بينا
هذه الفصول في الباب المتقدم. قال ولو اشترى المكاتب ابنه مع رجل آخر صارت حصته
مكاتبا معه لأنه لو ملك كله صار الكل مكاتبا معه فكذلك إذا ملك النصف اعتبارا للبعض
بالكل فإذا ادعى المكاتب عتقا وسعى الولد لشريكه في نصف قيمته عند أبي حنيفة رحمه
الله ولا ضمان علي المكاتب لان من أصله أن الحر لو اشترى ابنه مع غيره لم يضمن لشريكه
شيئا ولكن تجب السعاية على الولد فكذلك المكاتب وأما على قول أبى يوسف ومحمد رحمهما
الله صار الولد كله مكاتبا مع ابنه لان عندهما الكتابة لا تتجزأ ويضمن المكاتب نصف قيمة
153

ابنه لشريكه لأنه صار متملكا عليه نصيبه فيضمن له قيمة نصيبه موسرا كان أو معسرا ولو كان
مجهولا فادعاه المكاتب بعد ما ملكاه كان للشريك أن يضمنه نصفه قيمته إن كان غنيا وان
شاء استسعى الابن وإن كان فقيرا استسعى الابن لان المكاتب في الدعوة كالحر وكذلك
في ضمان الاعتاق وهو بمنزلة الحر وقد بينا أن هذه الدعوة عند تكذيب الشريك بمنزلة
الاعتاق ولو كانت أمه معه ضمن المكاتب نصف قيمتها غنيا كان أو فقيرا لأنه تعذر بيعها
بما ثبت للمكاتب من الملك فيها وصارت بمنزلة أم الولد فيضمن لشريكه نصف قيمتها لأنه
صار متملكا على كل حال وإن كان الذي ملك مع المكاتب ذا رحم محرم من الصبي ونسب
الصبي من المكاتب معروف عتق نصيب ذا الرحم المحرم بالقرابة عند أبي حنيفة رحمه الله
لأنه أثبت له حقيقة الملك وكان نصيب المكاتب موقوفا فان عتق عتق معه وان عجز سعى
لمولاه فيه وعند أبي يوسف ومحمد يعتق الكل لان عندهما العتق لا يتجزى ولا ضمان لواحد
منهما على صاحبه ولا سعاية علي الولد لان فيه تحصيل مقصود المكاتب فإنه إنما يسعى لتحصيل
الحرية لنفسه ولولده فلهذا لا يجب الضمان له ولا السعاية والله أعلم
(باب دعوة الولد من الزنا والنكاح الصحيح)
(قال رحمه الله رجل أقر أنه زنا بامرأة حرة وان هذا الولد ابنه من الزنا وصدقته
المرأة) فان النسب لا يثبت من واحد منهما لقوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعامر
الحجر ولا فراش للزاني وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حظ الزاني الحجر فقط
وقيل هو إشارة إلي الرحم وقيل هو إشارة إلى الغيبة كما يقال للغيبة الحجر أي هو غائب
لاحظ له والمراد هنا انه لاحظ للعاهر من النسب وبقي النسب من الزاني حق الشرع أما
بطريق العقوبة ليكون له زجرا عن الزنا إذا علم أن ماءه يضيع به أو لان الزانية نائبها غير
واحد فربما يحصل فيه نسب الولد إلى غير أبيه وذلك حرام شرعا ولا ترتفع هذا المعنى
بتصديق المرأة أو كان نفى النسب عن الزاني لحق الولد فإنه يلحقه العار بالنسبة إلي الزاني
وفيه إشاعة الفاحشة وهذا المعنى قائم بعد تصديق المرأة وإذا لم يثبت منه النسب لم يثبت
منهما أيضا لان مجرد قولها ليس بحجة في اثبات نسب الولد منهما فان شهدت القابلة ثبت
بذلك نسب الولد من المرأة دون الرجل لان ثبوت النسب منها الولادة وذلك يظهر بشهادة
154

القابلة ولا صنع لها في الولادة ليستوجب العقوبة بقطع النسب عنها ولان المعنى في جانب الرجل
الاشتباه وذلك لا يتحقق في جانبها فان انفصال الولد عنها معاين فلهذا ثبب النسب منها
قال وان أقر الرجل انه زنا بامرأة حرة أو أمة فولدت هذا الولد وادعت المرأة نكاحا فاسدا
أو جائزا لم يثبت النسب منه وان ملكه لان ما ادعت من الفراش لم يثبت بقولها عند
جحوده فبقي في حقه ما أقربه من الزنا وهو غير مثبت للنسب سواء ملكه أو لم يملكه إلا أنه
إذا ملكه يعتق عليه لأنه جزء منه وإن كان غير منسوب إليه فكما لا يثبت الرق للمرء علي
نفسه لا يثبت على جزءه وإنما أورد هذا الفصل لإزالة الاشكال فان بدعوها النكاح خرج
الفعل من أن يكون زنا محضا لا يجب الحد على واحد منهما ويجب العقر لها عليه ولكنه غير
مثبت النسب لان سببه الفراش وذلك غير ثابت في حق الرجل فكذلك أن أقامت شاهدا
واحدا بما ادعت لان الفراش لم يثبت بالشاهد الواحد فإنه ليس بحجة تامة وعليها العدة
لاقرارها على نفسها بالتزام العدة ولأنها أخذت المهر من الرجل حين سقط الحد عنه وان ادعى
الرجل النكاح وأقرت المرأة بالزنا فعليه العقر لسقوط الحد عنه بما ادعى من الشبهة ولم يثبت
فراشه عليها عند جحودها فلا يثبت نسب ولدها منه في الحال وان ملك يوما ثبت نسبه منه
وان ملك أمه كانت أم ولد له ولا ينظر إلى جحودها وجحود سيدها لان اقراره حجة في
حقه وإنما امتنع العمل به لكون المحل مملوكا لغيره وإذا صار مملوكا له كان كالمجدد لذلك
فيثبت نسب الولد ويثبت أمية الولد للأم وكذلك لو أقام شاهدا واحدا أو شاهدين ولم يعدلا
لان ما أقام ليس بحجة تامة وعلى المرأة العدة لأنها قد استوجبت المهر ولأن العدة مثبتة
للاحتياط. قال وإذا ولدت امرأة الرجل على فراشه فقال الزوج زنا بك فلان وهذا الولد
منه وصدقته المرأة وأقر فلان بذلك فان نسب الولد ثابت من الزوج لأنه صاحب الفراش
وثبوت النسب باعتبار الفراش وبعد ما ثبت بفراش النكاح لا ينقطع الا باللعان ولا لعان
بينهما لاقرارها علي نفسها بالزنا وكذلك لو كان النكاح فاسدا لان الفاسد ملحق بالصحيح في
حكم النسب. قال ولو تزوج امرأة لا تحل له فأغلق عليها بابا أو أرخى حجابا ثم فرق بينهما
لم يكن عليه مهر لان الخلوة في العقد الصحيح إنما كان مقرا للمهر باعتبار ما فيه من التمكن
من الاستيفاء وذلك لا يوجد في النكاح الفاسد فإنه غير متمكن من الاستيفاء شرعا فلهذا
سقط اعتبار الخلوة فان جاءت بولد لستة أشهر منذ تزوجها ثبت النسب منه وفى بعض
155

النسخ. قال منذ أغلق عليها الباب وهذا لان الفاسد من النكاح معتبر بالجائز في حكم النسب
لان الشرع لا يرد بالفاسد ليتعرف حكمه من نفسه فلا بد من اعتباره بالجائز وفي النكاح
الجائز إذا جاءت بالولد لستة أشهر منذ تزوجها ثبت النسب منه فكذلك في الفاسد وإذا ثبت
النسب منه فقد حكمنا بأنه دخل بها وكان عليه المهر واعتباره بستة أشهر منذ أغلق الباب
لاشكال فيه لان التمكن من الوطئ حقيقة يحصل به وان انعدم التمكن حكما واعتباره بستة
أشهر منذ تزوجها صحيح أيضا لاعتبار الفاسد بالجائز ومن أصلنا في النكاح الجائز أن النسب
ثبت بمجرد الفراش الثابت النكاح ولا يشترط معه التمكن من الوطئ وعلى قول الشافعي
بمجرد النكاح بدون التمكن من الوطئ لا يثبت النسب فكذلك في الفاسد حتى قالوا فيمن
تزوج امرأة وبينهما مسيرة سنة فجاءت بولد لستة أشهر عندنا يثبت النسب وعنده لا يثبت
ما لم يكن لأكثر من ستة أشهر حتى يتحقق التمكن من الوطئ بعد العقد وحجته في ذلك أنا
نتيقن بأنه غير مخلوق من مائه فلا يثبت النسب منه كما لو كان الزوج صبيا وهذا لان سبب
ثبوت النسب حقيقة كونه مخلوقا من مائه وذلك خفى لا طريق إلي معرفته وكذلك حقيقة
الوطئ تكون شراء علي غير الواطئين وفى تعليق الحكم به خرج ولكن التمكن منه سبب
ظاهر توقف عليه فوجب اعتباره لان ما سقط إنما كأن لأجل الضرورة فتقدر بقدر الضرورة
ولأنها جاءت به على فراشه في حال يصلح أن يكون منسوبا إليه فيثبت النسب منه كما لو تمكن
من وطئها وتصادقا انه لم يطأها وهذا لان النكاح ما شرع الا للاستفراش ومقصود النسل
فيثبت الفراش بنفسه ولكن في حق من يصلح أن يكون والدا والصغير لا يصلح أن يكون والدا
فلم يعمل في النسب لانعدام المحل له فأما الغائب يصلح أن يكون والدا كالحاضر فيثبت له الفراش
المثبت للنسب بنفس النكاح وكما أن حقيقة العلوق من مائه لا يتوقف عليها فكذلك التمكن
من الوطئ حقيقة لا يمكن الوقوف عليه لاختلاف طبائع الناس فيه وفي الأوقات فيجب
تعليق الحكم بالنسب الظاهر وهو النكاح الذي لا يعقد شرعا الا لهذا المقصود ومتى
قام النسب الظاهر مقام المعنى الخفي سقط اعتبار المعنى الخفي ودار الحكم مع النسب
الظاهر وجودا وعدما وهو أصل كبير في المسائل كما أقيم السفر المريد مقام حقيقة المشقة في
اثبات الرخصة بسبب السفر وأقيم تجدد الملك في الأمة مقام اشتغال رحمها بماء الغير في تجدد
وجوب الاستبراء ولان الوطئ والتمكن إنما كان معتبرا لمعنى الماء وقد سقط اعتبار حقيقة
156

الماء لاثبات النسب فيسقط ما كان معبرا لأجله أيضا. قال وإذا قال الرجل لصبي في يدي
امرأة هو ابني من زنا وقالت المرأة من نكاح ثم قال الرجل بعد ذلك هو من نكاح ثبت
نسبه منه لان كلامه الأول نفى للنسب عن نفسه وكلامه الثاني دعوة للنسب بعد النفي
صحيح لأنه غير محتمل للانتفاء بعد ثبوته فيبقى بعد النفي على ما كان عليه من قبل ولأن المرأة
قد أقرت له بالنكاح وصدقها في ذلك فيثبت النكاح بينهما وبثبوته يثبت نسب ولدهما منه
وكذلك لو قال الرجل هو ابني منك من نكاح وقالت هو ابنك من الزنا لم يثبت نسبه
لإنكارها ما ادعاه من الفراش فان قالت بعد ذلك هو ابني من نكاح ثبت نسبه لأنها أقرت
له بالنكاح بعد ما أنكرت والاقرار بعد الانكار صحيح فإذا ثبت النكاح بينهما ثبت نسب
الولد منهما. قال امرأة رجل ولدت وهما حران مسلمان فادعى الزوج انه ابنه وكذبته المرأة
أو ادعت وكذبها الزوج وقد جاءت به لستة أشهر منذ تزوجها فهو ابنه منها لظهور النسب
فيما بينهما وهو الفراش وكذلك لو قال الزوج هذا الولد من زوج كان لك قبلي وقالت المرأة
بل هو منك فهو منه لان السبب بينهما ظاهر وما ادعاه الرجل غير معلوم وإنما يحال بالحكم
إلى السبب الظاهر دون ما لا يعرف ولو قال الزوج من زنا فان صدقته المرأة بذلك فهو ابنه
لان السبب ثبت منه بفراش النكاح فلا يقطع الا باللعان ولا لعان بينهما إذا صدقته فيما ادعى
من الزنا وان أنكرت ذلك وجب اللعان فيما بينهما ويقطع النسب عنه باللعان. قال وإذا نفى
الرجل ولد امرأته بعد ما مات أو كان حيا قبل اللعان فهو ابنه لا يستطيع أن ينفيه لان النسب
ثبت منه بالفراش وتقرر ذلك بموت الولد فلا يتصور بعد تقرره وهذا لان الميت لا يكون
محلا لاثبات نسبه بالدعوة ابتداء فكذلك لا يكون محلا لقطع نسبه الذي كان ثابتا باللعان فان
كل واحد من الحكمين يستدعى المحل فكذلك لو قبل الولد لأنا حكمنا للأب بالميراث عنه
اما بدل نفسه أو مال إن كان له والنسب بعد ما صار محكوما به لا يحتمل القطع وإذا كان
للمرأة ولد وليس في يدي زوجها فقالت تزوجتك بعد ما ولدت هذا من زوج قبلك وقال
الزوج بل ولدتيه منى في ملكي فهو ابن الزوج لما بينا ان النسب بينهما ظاهر وهو الفراش
وما ادعت غير معروف فيحال بالولد على السبب الظاهر فلو كان الصبي في يدي الرجل دون
المرأة فقال ابني من غيرك وقالت هو ابنك منى فالقول قول الزوج ولا تصدق المرأة
بخلاف ما سبق والفرق من وجهين أحدهما أن قيام الفراش بينه وبينها لا يمنع فراشا آخر له
157

على غيرها اما بنكاح أو بملك يمين فإذا كان الولد في يده كان نسبه إليه من أي فراش حصل له
وأما ثبوت الفراش له عليها ينافي فراش آخر عليها لغيره وكان هذا الفراش في حقها متعينا
وباعتباره يثبت النسب منه من هذا الزوج ولأن المرأة في يد الرجل والولد الذي في يدها
من وجه كأنه في يده فأما الزوج ليس في يد امرأته فما في يده لا يكون في يدها فلهذا لا
يقبل قولها وإذا نفى الرجل ولد امرأته وفرغا من اللعان عند القاضي فقيل أن يفرق بينهما
ويقطع النسب من الأب فإذا مات أحدهما فالولد ثابت النسب من الزوج لان نفس اللعان
لا يقطع النسب ما لم يقطعه القاضي إذ ليس من ضرورة اللعان قطع النسب فإذا مات أحدهما
اذن اعترض قبل قطع النسب ما لو كان موجودا في الابتداء منع اللعان بينهما فكذلك يمنع
قطع النسب به وكما يتقرر حكم النسب بموت الولد فكذلك بموت الأب لاستحقاق الولد
الميراث منه ولو كانت ولدت ولدين توأم فعلم أحدهما فنفاه ولاعن وألزمه القاضي أمه يفرق
بينهما ثم علم بالآخر فهما ابناه لان نسبهما ثبت منه باعتبار الفراش وإنما جرى اللعان بينهما
في الولد الذي نفاه فبقي نسب الآخر ثابتا كما كان وقد فرق القاضي بينهما فلا يمكنه أن ينفى
نسب الآخر باللعان بعد الفرقة ومن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت نسب الآخر
لأنهما توأم يقرره وأنه لا بد من جعل أحدهما أصلا والحاق الآخر به والذي انقطع نسبه
منه باللعان محتمل للثبوت منه بالاكذاب والذي نفى ثابت النسب منه بعد الفرقة تسمية
لا تحتمل النفي عنه فجعل هذا أصلا أولى ولان النسب يثبت في موضع الشبهة فلا ينتفى بمجرد
الشبهة فترجح الجانب الذي فيه شبهة أولي فان علم بالثاني قبل أن يفرق بينهما فنفاه أعاد
اللعان وألزم الولدين الأم لان النكاح بينهما قائم عند نفى الولد الثاني فيجرى اللعان بينهما
لقطع نسبه كالولد الأول وان أكذب الملاعن نفسه بالدعوة بعد ما فرق القاضي بينهما ثبت
النسب منه لأنه نفى موقوفا على حقه حتى لو ادعاه غيره لم يثبت منه فإذا أقر به بعد الانكار
صح اقراره وعليه الحد لأنه أقر بأنه قذفها وهي محصنة فعليه حد القذف عند خصومتها
وهذا إذا كان الابن حيا سواء كانت الأم حية أو ميتة فإن كان الولد قد مات وترك ميراثا
ثم أعاده الأب لم يصدق لان الأب مدعى للمال لا مقر بالنسب فان الولد بالموت قد استغنى
عن الشرف بالنسب وبمجرد الدعوى لا يستحق المال إذا لم يكن مناقضا في الدعوى فإذا
كان مناقضا أولى إلا أن يكون ترك ابن الملاعنة ولدا أو أنثى فحينئذ صدق الأب لأنه الآن
158

مقر بالنسب فان ولد الابن ينسب إليه كولد الملاعنة نفسه فإذا صح الاقرار ضر بالجد
وأخذ الميراث والحاصل أن النسب أصل عند اكذابه نفسه فإذا أمكن القضاء به إن كان المنفى
نسبه حيا أو ميتا عن خلف يقضى بالنسب ثم يترتب عليه حكم الميراث وإذا كان ميت إلا عن
خلف لا يمكن القضاء بالنسب فلو قضى بالمال كان قضاء بمجرد الدعوى والمال لا يستحق بمجرد
الدعوى ولو كانت المنفية بنتا فماتت عن ابن وأكذب الملاعن نفسه ولم يصدق به لم يرث في قول
أبي حنيفة رحمه الله وفى قولهما يصدق ويضرب الحد ويرث * وجه قولهما انها ماتت عمن يخلفها
فان الولد كما ينسب إلى أبيه ينسب إلى أمه وكما يتشرف بشرف الأب يتشرف بشرف الأم
ويصير كريم الطرفين وأب الأم يسمي أبا مجازا كأب الأب فكما في الفصل الأول جعل بقاء
الولد كبقائه فكذلك هنا وأبو حنيفة رحمه الله يقول كلامه الآن في دعوى المال لا اقرار بالنسب
لان نسب الولد إلى قوم أبيه دون قوم أمه (ألا ترى) أن إبراهيم بن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان قرشيا لا قبطيا وان أولاد الخلفاء من الإماء يصلحون للخلافة وفيه يقول القائل
فإنما أمهات الناس أوعية * مستودعات وللأنساب آباء
فإذا لم يكن هذا الولد منتسبا إلى الملاعن صار وجوده كعدمه فلا يعمل اكذابه نفسه بخلاف
ابن الابن علي ما بينا فلو أراد ابن الملاعن أن يتزوج المنفية نسبها لم يكن له ذلك ولو فصل
فرق بينهما لأنها قبل اللعان كانت أختا له ولم ينتف ذلك بمجرد اللعان من كل وجه حتى لو
أكذب الملاعن نفسه ثبت النسب منه وكانت أختا له وشبهة الأختية كحقيقتها في المنع من
النكاح وكذلك الملاعن نفسه لو قال لم أدخل بالأم وتزوج الا بنت فرق بينهما لأنها كانت
ابنتا له وبعد اللعان قطع النسب عنه فبقي موقوفا علي حقه لو ادعاها صحت دعوته وشبهة
البينة كحقيقتها في المنع من النكاح وللشافعي رحمه الله في هذا الفصل قولان أحدهما أن له
أن يتزوجها بمنزلة ابنته من الزنا على مذهبه وهي معروفة في النكاح والآخر كمذهبنا لان
النسب هنا موقوف على حقه لو ادعاه يثبت منه بخلاف المخلوق من مائه بالزنا. قال وإذا
طلق الرجل امرأته فجاءت بولدين فهذه المسألة على أوجه اما أن يكون الطلاق رجعا أو بائنا
وكل وجه على ثلاثة أو وجه اما أن يأتي بالولدين لأقل من سنتين أو يأتي بهما لا كثر من
سنتين أو يأتي بأحدهما لأقل من سنتين بيوم ولم يقر بانقضاء العدة فبقي أحدهما حين ولدته
ثم ولدت الثاني وهما ابناه ولا حد عليه ولا لعان لأنه حين نفى المولود منهما كان النكاح بينهما
159

قائما فوجب اللعان بينهما فحين وضعت الولد الآخر فقد انقضت عدتها بوضع جميع ما في
بطنها ولا يتأتى جريان اللعان فيما بينهما بعد ما صارت أجنبية والقذف الموجب للعان لا يكون
موجبا للحد فلهذا ثبت نسب الولدين منه وان جاءت بينهما لأكثر من سنتين فنفاهما يجرى
اللعان بينهما ويقطع نسب الولدين عنده لأنا تيقنا أن علوق الولدين من علوق حادث بعد
الطلاق فصار مراجعا لها ولا تنقضي العدة بوضع الولدين فإذا نفى وهي منكوحته جرى
اللعان بينهما فان (قيل) لما حكمنا بالرجعة فقد حكمنا بثبوت نسب الولدين منه فيكف يمكن
قطع النسب باللعان بعد ذلك (قلنا) ليس من ضرورة الحكم بالرجعة والحكم بكون الولد
منه فالرجعة تثبت بمجرد العين عن شهوة بدون الوطئ والاعلاق وإن كان نفى الولد منهما
ثم أقر بالثاني فهما ابناه وعليه الحد لأنهما توأم فاقراره بأحدهما كاقراره بهما وهذا منه
اكذاب لنفسه بعد التفرق فعليه الحد وان جاءت بأحد الولدين لأقل من سنتين وبالآخر
لأكثر من سنتين فعلى قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله هذا والفصل الأول سواء وعلى
قول محمد رحمه الله هذا والفصل الثاني سواء * وجه قوله إنا تيقنا بأن الولد الثاني من علوق حادث
بعد الطلاق لان الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين وشككنا في الولد الأول فيحتمل
أن يكون العلوق به بعد الطلاق أيضا ويحتمل أن يكون العلوق به قبل الطلاق فاتبع الشك
لا التيقن فان المتيقن به يجعل أصلا ويرد المشكوك إليه وهما قالا لما ولدت الأول لأقل من
سنتين فقد حكمنا بأنه من علوق قبل الطلاق (ألا ترى) انها لو لم تلد غيره كان محكوما بأن
العلوق به كان قبل الطلاق فلا يتغير ذلك الحكم بتأخير الولادة الثانية ولكن يجعل السابق
منهما أصلا ويجعل كأنها وضعتهما قبل السنتين لان الولد إنما لا يبقى في البطن أكثر من
سنتين إذا لم يكن هناك من يزاحمه في الخروج فأما عند وجود المزاحم قد يتأخر خروجه عن
أو انه فلا يكون ذلك دليلا على أن العلوق به كان بعد الطلاق فلهذا جعلنا السابق أصلا وإذا
كان الطلاق بائنا أو ثلاثا فان جاءت بهما لأقل من سنتين فعليه الحد بالنفي فهما ابناه لأنه حين
قذفها فلا نكاح بينهما فيلزمه الحد وقد جاءت بالولدين لمدة يتوهم أن يكون العلوق بهما
سابقا على الطلاق فيثبت نسبهما منه وان جاءت بهما لأكثر من سنتين لم يثبت نسبهما منه
لأنهما من علوق حادث بعد الفرقة وان نفاهما فلا حد عليه ولا لعان لأنه صادق في مقالته
وان جاءت بأحدهما لأقل من سنتين بيوم وبالآخر لأكثر من سنتين بيوم فعند أبي حنيفة
160

وأبى يوسف رحمهما الله هذا والفصل الأول سواء وعند محمد رحمه الله هذا والفصل الثاني
سواء على ما بينا قال وإذا طلقها واحدة بائنة بعد ما دخل بها ثم تزوجها فجاءت بولد لأقل من
ستة أشهر فنفاه لاعنها لقيام النكاح بينهما في الحال ويلزم الولد أباه لأنا تيقنا أن العلوق به
سبق النكاح الثاني فكان حاصلا في النكاح الأول وبالفرقة بعده تقرر النسب على وجه
لا ينتفى بحال وان جاءت به لأكثر من ستة أشهر منذ تزوجها النكاح الثاني لاعن ولزم الولد
أمه لان الحل قائم فيستند العلوق إلى أقرب الأوقات وهو ما بعد النكاح الثاني فإذا نفاه
يقطع النسب عنه باللعان والله أعلم
(باب الولادة والشهادة عليها)
(قال رحمه الله أمة ولدت فادعت أن مولاها قد أقر به فجحد المولى فشهد عليه شاهد
انه أقر بذلك وشهد آخر أنه ولد على فراشه لم تقبل شهادتهما لاختلافهما في المشهود به فان
أحدهما يشهد بالقول وهو الاقرار وشهد الآخر بالفعل وهو الولادة على الفراش وليس
على واحد من الامرين شهادة شاهدين فان اتفق رجلان على الشهادة على الاقرار وعلى
الولادة على فراشه فهو جائز لأنهما ان شهدا على الاقرار فثبوت الاقرار بالبينة كثبوته
بالمعاينة وان شهدا على الولادة فقد شهدا بالسبب المثبت للنسب منه. قال ولو كان المولى ذميا
والأمة مسلمة فشهد ذميان عليه بذلك جاز لأن هذه الشهادة تقوم على المولى وشهادة أهل
الذمة على أهل الذمة حجة فإن كان المولى هو المدعى والأمة جاحدة لم تجز شهادة الذميين
عليها لكونها مسلمة وتأويل هذه المسألة أنها تجحد المملوكية للمولى فإنها إذا كانت تقر
بذلك ينفرد المولى بدعوة نسب ولدها ولا عبرة بتكذيبها ولو كانا مسلمين فشهد على
الدعوة أب المولى وجده لم تجز الشهادة لأنهما يشهدان بالسبب للولد وهو ابن ابنيهما وشهادة
المرء لابن ابنه لا تقبل وان شهد بذلك ابن المولى جازت الشهادة إذا كان المولى جاحدا لذلك
لأنهما يشهدان لأخيهما على أبيهما وشهادة المرء لأخيه على أبيه مقبولة إنما لا تقبل شهادته
لأبيه وإذا طلقت امرأة من زوجها فاعتدت ثم تزوجت وولدت من الزوج الآخر ثم جاء
الولد حيا فعلي قول أبي حنيفة رحمه الله الولد للزوج الأول سواء جاءت به لأقل من
ستة أشهر منذ تزوجها أو لأكثر من ذلك لأنه صاحب الفراش الصحيح فان نفيه لا يفسد
161

فراشه والزوج الثاني صاحب الفراش الفاسد ولا معارضة بين الصحيح والفاسد بوجه بل
الفاسد مدفوع بالصحيح والمرأة مردودة على الزوج الأول والولد ثابت النسب منه كمن
زوج أمته فجاءت بولد ثبت النسب من الزوج دون المولى وان ادعاه المولى لان ملك اليمين
لا يعارض النكاح في الفراش بل الفراش الصحيح لصاحب النكاح بل أولى فان هناك ملك
اليمين عند الانفراد غير مثبت للحل والنكاح الفاسد عند الانفراد غير مثبت للحل فان نفى
الأول والآخر الولد أو نفاه أحدهما أو ادعيا أو ادعاه أحدهما فهو للأول على كل حال ولا
حد عليه ولا لعان لأنها غير محصنة حين دخل الزوج الثاني بنكاح فاسد فلا يجرى اللعان بينها
وبين الأول والنسب إذا ثبت بالنكاح لا ينتفى الا باللعان وكان ابن أبي ليلى يقول الولد للثاني
لان الفراش الفاسد يثبت النسب كالفراش الصحيح أو أقوي حتى يثبت النسب به على وجه
لا ينتفي بالنفي ثم الثاني إليها أقرب يدا والولد مخلوق من مائه حقيقة فيترجح جانبه بالقرب
واعتبار للحقيقة وذكر أبو عصمة عن إسماعيل بن حماد عن عبد الكريم الجرجاني عن أبي حنيفة
رحمهم الله أن النسب يثبت من الزوج الثاني كما هو قول ابن أبي ليلى وفيه حديث الشعبي
ذكره في الكتاب أن رجلا من جعفي زوج ابنته من عبيد الله بن الحر ثم مات ولحق عبيد الله
بمعاوية رضي الله عنه فزوج الجارية اخوتها فجاء ابن الحر فخاصم زوجها إلى علي رضي الله عنه
فقال علي رضي الله عنه أما أنك الممالي علينا عدونا فقال أيمنعني ذلك من عدلك فقال لا فقضى
بالمرأة له وقضى بالولد للزوج الآخر إلا أن أبا حنيفة رحمه الله قال الحديث غير مشهور فلا
يترك به القياس الظاهر ولو ثبت وجب القول به وكان أبو يوسف رحمه الله يقول إن جاءت
به لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني فهو من الزوج الأول وان جاءت به لستة أشهر منذ
تزوجها الثاني فهو من الزوج الأول وان جاءت به لستة أشهر فصاعدا منذ تزوجها الثاني
سواء ادعياه أو نفياه لان النكاح الفاسد يلحق بالصحيح في حكم النسب فباعتراض الثاني على
الأول ينقطع الأول في حكم النسب ويكون الحكم للثاني والتقدير فيه بأدنى مدة الحبل اعتبارا
للفاسد بالصحيح وإنما قلنا أن الأول ينقطع بالثاني لان بدخول الثاني بها يحرم على الأول ويلزمها
العدة من الثاني ووجوب العدة ليس إلا لصيانة الماء في الرحم فلو لم يكن النسب بحيث يثبت
من الثاني لم يكن لوجوب العدة عليها من الثاني معنى وعلي قول محمد رحمه الله ان جاءت به
لأكثر من سنتين منذ دخل بها للثاني فهو الثاني وان جاءت به لأقل من سنتين منذ دخل
162

بها الثاني فهو للأول لان وجوب العدة عليها من الثاني بالدخول لا بالنكاح والحرمة إنما ثبت
على الأول بوجوب العدة من الثاني فكانت حرمتها عليه بهذا السبب كحرمتها بالطلاق والتقدير
بأدنى مدة الحبل عند قيام الحل ولا حل بينهما فالعبرة للمكان فإذا جاءت به لأقل من سنتين
منذ دخل بها الثاني يتوهم أن يكون هذا من علوق كان قبل دخول الثاني بها في حال حلها
للأول فكان النسب ثابتا منه وان جاءت به لأكثر من سنتين فقد انقطع هذا التوهم فكان
النسب من الثاني وكذلك لو سبيت المرأة فتزوجت رجلا من أهل الحرب فولدت فهو على
هذا الخلاف وكذلك لو ادعت الطلاق واعتدت وتزوجت والزوج الأول جاحد لذلك
فهذا كله في المعنى سواء. قال أمة ولدت لرجل فلم ينفه حتى لو مات فهو لازم له لا يستطيع
أن ينفيه وتأويل هذه المسألة في أم الولد لان نسب ولدها ثابت بالفراش فيتقرر ذلك بالموت
قبل النفي فأما الأمة القنة لا يثبت نسب ولدها الا بالدعوة فإذا مات قبل الدعوة لا يثبت النسب
إلا أن يكون هنئ بالولادة فقبل التهنئة يكون ذلك بمنزلة الدعوة منه وكذلك أن جنى جناية
فقضي به القاضي على عاقلته لم يستطع نفيه بعد ذلك وكذلك لو جنى عليه فحكم فيه بقصاص
أو أرش فهذا كله يتضمن الحكم بثبوت نسبه من المولى وبعد ما صار النسب محكوما به لا
يستطيع أن ينفيه لان قوله ليس بحجة في ابطال الحكم. قال وإذا زوج أم ولده فمات عنها زوجها
أو طلقها وانقضت عدتها ثم جاءت بولد لستة أشهر منذ انقضت عدتها فهو ابن المولى لان
بانقضاء عدتها حل للسيد غشيانها فعادت فراشا له كما كانت قبل النكاح فان بانقضاء العدة قد
ارتفع النكاح بحقوقه وهو المانع من ظهور حكم فراشه فإذا عادت فراشا للمولى ثم جاءت
بالولد في مده يتوهم أن يكون من علوق بعد الفراش ثبت نسبه وله أن ينفيه لما قلنا الا ان
يتطاول ذلك أو يجري فيه حكم وتفسير هذا التطاول مذكور في كتاب الطلاق أوما فيه من
الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله من التقدير بسبعة أيام عنده وبمدة النفاس عندهما.
قال ولو حرم أم ولده على نفسه بأن حلف أن لا يقربها فجاءت بولد لزمه ما لم ينفه لان فراشها
لم يبطل بتحريمها على نفسه كما لا يبطل به فراش النكاح وهو مندوب شرعا إلي أن يحنث نفسه ويغشاها وفيه نزل قوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فلهذا كان النسب ثابتا منه ما
لم ينفه. قال ولو كانت أم ولد المسلم مجوسية أو مرتدة لم يلزمه ولدها إلا أن يدعيه أو جاءت
به لأقل من ستة أشهر بعد الردة. وقال زفر رحمه الله يثبت نسب الولد منه ما لم ينفه لان
163

سبب الفراش قيام الملك وهو باق بعد الردة وان حرم عليه غشيانها بالردة وثبوت النسب لا
يعتمد حل الغشيان كما في المنكوحة نكاحا فاسدا وهذا بخلاف ما زوجها لان فراشها قد
انقطع باعتراض فراش الزوج (ألا ترى) انه لو ادعاه لم يثبت النسب منه بخلاف ما نحن فيه
ولنا أن تحسين الظن بالمولى واجب وفى اثبات النسب منه حكم باقدامه على وطئ حرام وذلك
لا يجوز بدون الحجة فان ادعاه فقد صار مقرا بذلك فيثبت النسب منه حينئذ وإلا فلا وكذلك
ان جاءت به لأقل من ستة أشهر منذ ارتدت لأنا تيقنا ان العلوق سابق على ردتها فلا يكون
فيه حمل أمر المولى على الفساد قال وإذا أقر بصبي في يده أنه ابنه من أمته هذه ولد علي فراشه
ثم مات الرجل فادعى أولاده أن أباهم قد كان زوج هذه الأمة عنده قبل أن تلد بثلاث سنين
وانها ولدت هذا الغلام علي فراش العبد والعبد والغلام والأمة ينكرون ذلك لم تقبل بينتهم
على ذلك والغلام ابن الميت لان نسبه ثبت من المولى باقرار المولى به وهذه البينة من الورثة
تقوم على النفي فلا تكون مقبولة وبيان ذلك أنهم لا يثبتون بهذه الشهادة لأنفسهم حقا إنما
يثبتون النسب للعبد وهو جاحد مكذب للشهود وقصد الورثة من هذا نفى النسب عن الميت
حتى لا يزاحمهم في ميراثهم والشهادة على النفي لا تقبل ثم الورثة خلفاء الميت وهو لو أقام هذه
البينة بنفسه لم يقبل منه فكذلك ممن يخلفه. قال ولو ادعي العبد ذلك وأقام البينة ثبت نسبه منه
لأنه يثبت حق نفسه بهذه البينة من الفراش عليها ونسب ولدها فوجب قبول بينته للاثبات
ثم من ضرورته انتفاء النسب عن المولى لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ويعتق باقرار المولى
لإقراره بحريته حين ادعي نسبه فإن كان الاقرار منه في المرض فالمعتق من الثلث في حق
الغلام والأمة جميعا لان نسب الولد لما لم يثبت لم يكن لها شاهد علي ما أقر به المولي من حق
الحرية لها فكان معتبرا من الثلث كما يعتبر عتق الغلام من الثلث وجعل ذلك كانشاء العتق
منه فيهما ولو كان العبد غائبا توقف حكم هذه البينة حتى يحضر العبد فيدعى وينكر لان
حكم البينة يختلف بدعوى العبد وانكاره فلا بد من أن يجعل وقوفا على حضوره ولو ادعت
الأم النكاح أو ادعاه الغلام قبلت بينة التزويج لأنها تقوم للاثبات فان النسب من حق الغلام
فإذا البينة بالبينة من العبد كان مثبتا حق نفسه والأم تثبت النكاح بينهما وبين العبد وذلك
حقها. قال رجل طلق امرأته تطليقة بائنة فأقرت بانقضاء العدة ثم جاءت بولد لستة أشهر
فصاعدا لم يثبت نسبه منه لان انقضاء العدة قد ظهر بخبرها فإنه أمية شرعا فإذا جاءت بعد
164

ذلك لمدة يتوهم أن يكون من علوق حادث لم يثبت نسبه منه إلا أن يدعيه فان ادعاه ثبت
نسبه منه معناه إذا صدقته المرأة فان الحق لهما فيثبت بتصادقهما عليه فأما إذا كذبته لم يثبت
النسب منه وان ادعاه لان صار أجنبيا عنها وعن أولادها وان جاءت به لأقل من ستة
أشهر منذ انقضاء العدة ثبت نسبه منه لأنا تيقنا ان العلوق به كان قبل اقرارها وانها كانت حبلى
حين أقرت بانقضاء العدة فكان خبرها مستنكرا مردودا وان كانت تزوجت ثم جاءت
بولد لستة أشهر منذ تزوجها الآخر فهو للآخر لان تزويجها نفسها اقرار منها بانقضاء العدة
وان جاءت به لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني لم يثبت نسبه من الثاني لان العلوق
سبق نكاحه وان كانت جاءت به لسنتين أو أكثر منذ طلقها الأول لم يثبت النسب من
الأول أيضا لأنه من علوق حادث بعد الفرقة فلا يثبت النسب منه إلا أن يدعيه وتصدقه
المرأة في ذلك وان جاءت به لأقل من سنتين منذ طلقها الأول فهو ثابت النسب من الأول
ولا يبطل النكاح بينها وبين الثاني وتأويل هذا فيما إذا لم يقر بانقضاء العدة أو أقرت به ثم
جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر منذ أقرت. قال رجل طلق امرأته الصغيرة ومات
عنها فجاءت بولد فهذا على ثلاثة أوجه اما أن تدعي الحبل أو تقر بانقضاء العدة أو كانت
ساكتة فان ادعت حبلا ثم جاءت بالولد لأقل من سنتين منذ مات الزوج أو فارقها ثبت
النسب من الزوج لان دعواها الحبل اقرار منها بالبلوغ فهي والكبيرة سواء وان أقرت
بانقضاء العدة عند مضى ثلاثة أشهر من الفرقة أو أربع أشهر وعشر منذ مات الزوج ثم
جاءت بالولد لستة أشهر فصاعدا منذ أقرت لم يثبت النسب منه لأنها عند الاقرار ان
كانت بالغة فقد ظهر انقضاء العدة باقرارها وان كانت صغيرة فقد تيقنا بانقضاء عدتها بثلاثة
أشهر في الفرقة وبأربعة أشهر وعشر في الموت فإنما ولدت لمدة حبل تام بعد ذلك فلا يثبت
النسب منه وان كانت ساكتة فعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ان جاءت به لستة أشهر
فصاعدا منذ فارقها ولعشرة أشهر وعشرة أيام فصاعدا منذ مات لم يثبت النسب منه وعلي
قول أبى يوسف رحمه الله إذا جاءت به لأقل من سنتين كان النسب ثابتا منه لأنها جاءت
به لمدة يتوهم أن يكون من علوق في حال قيام النكاح وهذا لان المراهقة بلوغها موهوم
ولا يعرف ذلك الا من جهتها فإذا لم يقر بانقضاء العدة فهي والكبيرة سواء لان انقضاء عدتها
بالشهور أن لا تكون حاملا وهذا الشرط لا يعلم الا من قبلها وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا
165

عرفناها صغيرة وما عرف ثبوته وجب التمسك به حتى يقوم الدليل على زواله وعدة الصغيرة
تنقضي في الفرقة بثلاثة أشهر بالنص وفى الموت بأربعة أشهر وعشر فإذا جاءت بالولد لمدة
حبل تام بعد ظهور انقضاء عدتها لم يثبت النسب منه كما لو أقرت بانقضاء العدة فاما المرأة
الكبيرة إذا مات عنها زوجها فان ادعت حبلا ثبت نسب الولد منه إذا جاءت به لأقل من
سنتين وان أقرت بانقضاء العدة بعد أربعة أشهر وعشر لم يثبت نسب ولدها منه بعد ذلك إذا
جاءت به لستة أشهر فصاعدا منذ أقرت وان كانت ساكتة ثبت نسب ولدها منه إذا جاءت
به لأقل من سنتين عندنا وقال زفر رحمه الله لا يثبت النسب منه إذا جاءت به لعشرة أشهر
وعشرة أيام فصاعدا منذ مات الزوج لان يمضى أربعة أشهر وعشر حكمنا بانقضاء عدتها
بالنص إذا لم يكن بها حبل ظاهر فإذا جاءت بالولد لمدة حبل تام بعد ذلك لم يثبت النسب منه
في الصغيرة ولكنا نقول انقضاء عدتها بالشهور متعلق بشرط وهو أن لا تكون حاملا فان
قوله عز وجل وأولات الأحمال أجلهن ناسخة لقوله تعالى يتربصن بأنفسهن على ما قال ابن
مسعود رضي الله عنه من شاء باهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد سورة النساء الطولى
وهذا الشرط لا يعرف الا من قبلها فما لم يقر بانقضاء عدتها لا تجعل منقضية العدة بمضي أربعة
أشهر وعشر بخلاف الصغيرة فان الصغر ينافي الحبل فانقضاء عدتها بمضي المدة مطلقا يجب
الحكم به ما لم يدع حبلا فلهذا فرقنا بين الفصلين ثم عند أبي حنيفة رحمه الله إنما يثبت النسب
ولد الكبيرة من الزوج الميت إذا شهد بالولادة رجلان أو رجل وامرأتان فاما بمجرد شهادة
القابلة لا يثبت لأنه ليس هنا حبل ظاهر ولا فراش قائم ولا اقرار من الزوج بالحبل وعندهما
يثبت النسب بشهادة القابلة وهي معروفة وان أقرت بانقضاء العدة بعد موت الرجل بيوم
بسقط قد استبان خلقه فالقول قولها لأنها أمنية أخبرت بما هو محتمل فان جاءت بولد بعد
ذلك لستة أشهر لم يثبت النسب منه لاقرارها بانقضاء العدة ولو جاءت بولد مثبت فقلت الورثة
ولدته مساء وقالت هي كان فمات فشهدت على استهلاك الولد القابلة يقبل في قول أبى يوسف
ومحمد رحمهما لله في حكم الإرث الصلاة عليه وعند أبي حنيفة رحمه الله في حكم الصلاة عليه
كذلك فاما في الميراث فلا تقبل الا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين واستدل بقول علي رضي الله عنه
إذا استهل الصبي ورث فصلى وعليه فقد جمع بين الحكمين ثم أحد الحكمين هنا يثبت
بشهادة القابلة لان الرجال لا يطلعون على تلك الحالة فكذلك الحكم الآخر وأبو حنيفة
166

يقول لان الاستهلال صوت تسمعه الرجال فلا يكون شهادة النساء فيه حجة تامة وان اتفق
وقوعه في موضع لا يحضره الرجال كجراحات النساء في الحجامات الا ان الصلاة عليه من
أمور الدين وخبر الواحد حجة في أمور الدين فاما الميراث من باب الاحكام فتستدعى حجة
كاملة وذلك شهادة رجلين أو رجل وامرأتين. قال رجل طلق امرأته تطليقة رجعية فجاءت
بولد لستة أشهر فصاعدا فأنكر الزوج أن تكون ولدت وقال انقضت عدتك وشهدت امرأة
على الولادة لم يلزمه في قول أبي حنيفة رحمه الله لأنه ليس بينهما فراش قائم فلا تكون شهادة
القابلة حجة لاثبات النسب عنده وعندهما يلزمه النسب بشهادة القابلة ولو قال الزوج للمطلقة
الرجعية أخبرك ان عدتك قد انقضت وكذبته فله أن يتزوج أربعة سواها وهي معروفة
فان جاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الطلاق ثبت النسب من الزوج وبطل نكاح
الأربع لأنه غير مقبول القول في حق الولد ولا في حق المرأة والنسب من حقها فصار في حق
النسب كأن الاخبار منه لم يوجد وإذا ثبت النسب تبين انها كانت حاملا حين أخبر الزوج بانقضاء
عدتها فصار ذلك الخبر مستنكرا وتبين انها كانت فراشا له فإنما تزوج الأربع وفراشه على
الأول قائم فلا يجوز الجمع بين خمس نسوة في الفراش بحكم النكاح فلهذا بطل نكاح الأربع
وان جاءت به لأكثر من سنتين من يوم طلقها فإن كانت لأقل من ستة أشهر منذ أقرت
بانقضاء العدة يلزمه النسب أيضا لان اقراره لا يكون أقوى من اقرارها ولو أقرت هي
بانقضاء العدة ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر ثبت النسب وصار مراجعا لها فكذلك هنا
ومن ضرورة ضرورته مراجعته لها بطلان نكاح الأربع فكذلك لو طلقها واحدة رجعية ثم أبانها
أو بغيرها فهو مثل ذلك إلا أن هذا لا تكون رجعة بحال فان قوله أخبرتني ان عدتها قد انقضت
اقرار بأن ذلك الواقع صار ثابتا ولكن ليس بانشاء للإبانة فإذا بطل ذلك الاقرار يجوز أن يجعل
مراجا لها بخلاف ما إذا أنشأ الإبانة فهذه مسألة خلاف انه إذا جعل الواقع نصفه الرجعة ثانيا
أو ثلاثا عند أبي حنيفة رحمه الله يصح ذلك كله منه وعند أبي يوسف رحمه الله يملك أن
يجعلها ثانيا ولا يملك ان يجعلها ثلاثا وعند محمد رحمه الله لا يملك ان يجعلها ثانيا ولا ثلاثا
فمحمد رحمه الله يقول الواقع من الطلاق قد خرج من ملكه وملك الصفة تملك الأصل فإذا
لم يبق أصلها في ملكه لم يبق صفتها في ملكه أيضا وتصرفه فيما هو ليس بمملوك باطل وأبو
يوسف رحمه الله يقول ذلك الواقع بعرض ان يصير ثانيا بانقضاء العدة فكذلك ثانيا يجعله
167

إياه ثابتا ولكن الواحد قط لا يصير ثلاثا فكان جعله الواحدة ثلاثا تصرفا في غير محله فلهذا
كان لغوا وأبو حنيفة رحمه الله يقول لا يملك جعل الواحدة ثلاثا حقيقة ولكن يملك ضم
البينتين إلى الواحدة بالايقاع لتصير ثلاثا كناية عن قوله أوقعت اثنتين على سبيل المجاز لتصحيح
مقصوده كما جعلنا لفظة الخلع مجازا عن ايقاع الطلاق في الحال لتحصيل مقصوده بحسب
الامكان. قال غلام محتلم ادعي على رجل وامرأة انهما أبواه وأقام البينة علي ذلك وادعي رجل
آخر وامرأته أن هذا الغلام ابنهما وأقام البينة فبينة الغلام أولى بالقبول لان النسب حقه فهو يثبت
ببينته ما هو حق له علي من هو جاحد والاخوان يثبتان بالبينة ما هو حق الغلام وبينة المرء
على حق نفسه أولى بالقبول من بينة الغير على حقه ولان الغلام في يد نفسه وبينة ذي اليد في
مثل هذا تترجح على بينة الخارج وكذلك لو كان الغلام نصرانيا واللذان ادعي الغلام أنهما
أبواه نصرانيان إذا كان شهوده مسلمين لان ما أقام من الشهود حجة على الخصمين الآخرين
وان كانا مسلمين فان (قيل) كان ينبغي ان تترجح بينة الآخرين لما فيه من اثبات الاسلام
على الغلام (قنا) اليد أقوى من الدين في حكم الاستحقاق (ألا تري) ان اليد. تثبت
الاستحقاق ظاهرا أولا يثبت ذلك باسلام أحد المدعيين فلهذا رجحنا جانب اليد ولو ادعى
الغلام انه ابن فلان ولد على فراشه من أمته فلانه وأقام البينة وقال فلان هو عبدي ولد من
أمتي هذه زوجتها من عبدي فلان وأقام البينة على ذلك فهو ابن العبد لان العبد والمولى
يثبتان نسبه بفراش النكاح وهو إنما أثبت النسب بفراش الملك وفراش النكاح أقوي في
اثبات النسب من فراش الملك (ألا ترى) ان النسب متى ثبت به لم يثبت بمجرد النفي وإذا
ثبت بفراش الملك انتفى بمجرد النفي والضعيف لا يظهر بمقابلة القوى والترجيح بما ذكرنا
يكون عند المساواة فعند عدم المساواة جعلنا النسب من أقوى الفراشين وكذلك لو أقام
العبد البينة انه ابنه من هذه الأمة وهي زوجته وأقام المولى البينة أن ابنه منها فالبينة بينة العبد
لما فيه من زيادة اثبات النكاح ولكون فراش النكاح أقوى من فراش الملك في حكم
النسب إلا أنه يعتق باقرار المولى بحريته وتصير الجارية بمنزلة أم الولد قال ولو كان العبد
والمولى ميتين فأقام الغلام البينة انه ابن المولى من أمته وهي ميتة وأقام ورثة المولى البينة على أنه ابن
العبد من أمة المولى زوجها المولى منه فإنه يثبت النسب من المولى لأنه ليس في بينة الورثة
هنا اثبات النكاح فقد انقطع ذلك بموتهما وكذلك لا يثبتون النسب لأنفسهم إنما يثبتون
168

للعبد ومقصودهم بذلك نفى النسب عن المولي والبينة علي النفي لا تقبل وفى بينة العبد اثبات
النسب والحرية والميراث فكان هو أولى. قال ولو أن رجلا مات وترك مالا فأقام الغلام
المحتلم بينة ان ابن الميت من أمته فلانة ولدته في ملكه وأقر بذلك وأقام رجل آخر البينة
ان الغلام عبده وأمه أمته زوجها من عبده فلان فولدت هذا الغلام على فراشه والعبد حي
يدعى قضيت للعبد بالنسب وقضيت بالأمة ان كانت حية للمدعى لان في الأمة البينتين قامتا
على مطلق الملك فبينة الخارج أولى وفى حق النسب الخارج والعبد بينتان يشبه بفراش
النكاح وهو انه إنما يثبت نسب نفسه بفراش الملك وفراش النكاح أقوى فلهذا كان العبد
به أولى ولان العبد يثبت النكاح على الأمة لنفسه بالبينة فوجب قبول بينته على ذلك وإذا ثبت
النكاح كان الولد ثابت النسب منه وإن كان العبد ميتا أثبت نسب الغلام من الحر وهو الميت
الذي أقام الغلام البينة على أنه ابنه من أمته هذه لان الخارج ليس يثبت النسب لنفسه إنما
يثبت للعبد والابن يثبت حق نفسه ولأنه ليس في بينة الخارج هنا النكاح لان الزوج ميت
والنكاح بموته مرتفع فبقي الترجيح من حيث أن في أمية الغلام اثبات الحرية والميراث فهو
أولى بالقبول وكذلك حق الأمة تترجح هذه البينة للمدعى اثبات الملك فقط وفي هذه البينة
اثبات الحرية لها بجهة أمية الولد فكان أولى. قال غلام وأمة في يدي رجل فأم الحر البينة
ان هذا الأمة أمته ولدت هذا الولد منه على فراشه وأقام ذو اليد البينة انها أمته ولدت هذا
الغلام على فراشه فبينة ذي اليد أولى بالقبول لان البينتين استويا في اثبات حقيقة الحرية للولد
وحق الحرية للأم وفى مثله تترجح بينة ذي اليد لان اثبات الولاء عليها دون الملك وقد استوي
البينتان في الاثبات عليها فيترجح جانب ذي اليد وهذا إذا كان الغلام صغيرا أو كبيرا مصدقا
لذي اليد فإن كان كبيرا يدعى أنه ابن الآخر فانى أقضى بالغلام والأمة للمدعى لأنه في يد نفسه
فإذا صدق المدعى كان هو كالمقيم لتلك البينة فيترجح جانبه لحقيقة اليد ولكونه مثبتا حق
نفسه بالبينة فان النسب من حقه. قال حرة لها ولد وهما في يد رجل فأقام آخر البينة انه
تزوجها فولدت منه هذا الغلام وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك والغلام يدعى ان ذا اليد
أبوه فانى أقضى ببينة ذي اليد أنه يترجح باعتبار يده في دعوى النكاح عليها وفى دعوى
النسب يدعى الغلام لأنه ابنه لأنه في يد نفسه فإنما أثبت حق نفسه بتلك البينة وكذلك لو كان
ذو اليد ذميا وشهوده مسلمون لما بينا ان ما أقام من البينة حجة على الخصم المسلم ولو أقام
169

البينة أنه تزوجها في وقت وأقام ذو اليد البينة على وقت دونه فانى أقضى بها للمدعى لان
تاريخه أسبق وقد أثبت نكاحه في وقت لا ينازعه الآخر فإنما أثبت الآخر بعد ذلك نكاح
المنكوحة وهو باطل ولو أقام ذو اليد البينة انها امرأته تزوجها فولدت هذا الولد على
فراشه وأقام الخارج البنية انها أمته ولدت هذا الغلام على فراشه منه فانى أقضى به للزوج
وأثبت نسبه منه لما بينا ان فراش النكاح يترجح على فراش الملك في حكم النسب (ألا ترى)
ان الحر أثبت ببينته ملك نفسه في المرأة وليس بمقابلته ما يوجب حريتها من الحجة فيقضى
بالأمة ملكا للمدعى فيكون الولد حرا بالقيمة ان شهد شهود الزوج انها عرية من نفسها وإن لم
يشهدوا بذلك جعلت الأمة وابنها مملوكين للمدعى لان الولد يتبع الأم في الملك والموجب
لحرية الولد الغرور فإذا لم يثبت الغرور كان مملوكا للمدعى ثابت النسب من الزوج لان المدعى
أقر انه ابنه فيعتق عليه باقراره فتكون أمه بمنزلة أم الولد ولا يقال عند اثبات الغرور ينبغي
أن لا يغرم الزوج قيمة الولد عند أبي حنيفة رحمه الله لأنه بمنزلة ولد أم الولد وإنما عتق باقرار
المدعى بحريته فان هذا يكون بعد ثبوت الرق فيه ولم يثبت فان ولد المغرور يكون حرا من
الأصل فلهذا كان على الزوج قيمة الولد لمولاها. قال أمة مع ولدها في يد رجل فأقام آخر
البينة انها أمة أبيه ولدت هذا الغلام على فراش أبيه في ملكه وأبوه ميت وأقام ذو اليد البينة
انها أمته ولدت هذا الولد منه على فراشه في ملكه قضيت بالولد للميت الذي ليس في يديه
لان في هذه البينة اثبات حقيقة الحرية لها وفى بينة ذي اليد اثبات رقها لان أم الولد لا تعتق
الا بموت المولى والترجيح بالحرية أقوى من الترجيح باليد فكيف يستقيم أن تكون أمة
لذي اليد يطؤها بالملك وقد قامت البينة على حريتها فلهذا قضينا بولائها للميت ويكون الولد
ثابت النسب منه لان وارثه يقوم مقامه في اثبات ما هو من حقه والله أعلم بالصواب
(باب دعوى العتاق)
(قال رحمه الله أمة ادعت انها ولدت من مولاها وأقامت البينة وأقام آخر البينة انه
اشتراها من مولاها أخذ بينة الولادة) لان فيه اثبات حق الحرية لها وحق الحرية كحقيقة
الحرية فإذا اقترن بالشراء منع صحة الشراء وإن كان المشترى قد قبضها فالجواب كذلك لان
بينة الولادة سابقة معنى فان ثبوت أمية الولد لها من وقت العلوق وذلك كان سابقا على
170

الشراء والقبض ولان في هذه البينة زيادة اثبات نسب الولد وحريته وان وقتت بينة
المشترى وقتا للشراء قبل الحبل بثلاث سنين أجزت الشراء وأبطلت النسب لأنه ثبت
الملك فيها للمشترى من وقت الذي أرخ شهوده فتبين انه استولد مالا يملكه فلهذا لا يثبت
النسب وكذلك الوقت في البيع والعتق والتدبير يؤخذ بالوقت الأول لأنه لا مزاحمة للآخر
معه في ذلك الوقت. قال وإذا أقام عبد البينة أن فلانا أعتقه وفلان ينكر أو يقر وأقام آخر
البينة أنه عبده قضيت به للذي أقام البينة أنه عبده لان شهود العبد ما شهدوا بالملك للمعتق
إنما شهدوا بالعتق فقط والعتق يتحقق من المالك وغير المالك ولكن لا عتق فيما لا يملكه
ابن آدم (ألا ترى) أن هذه البينة لا تعارض يد ذي اليد فان من ادعى عبدا في يد انسان
انه أعتقه وأقام البينة على ذلك لا يقضى له بشئ فلئلا يكون معارضة لبينة الملك كان أولى
وكذلك لو شهدوا انه أعتقه وهو في يديه إذ ليس في هذه الشهادة ما يوجب نفوذ العتق
لان نفوذ بملك المحل لا باليد وكذلك لو شهدوا انه كان في يده أمس لم تقبل هذه الشهادة
لما ذكرنا ولو شهدوا انه أعتقه وهو يملكه يومئذ أخذت ببينة العتق لان البينتين استوتا
في اثبات الملك وفى أحدهما زيادة العتق فكان أولى. قال ولو كان العبد في يد رجل فادعى
آخر أنه له وأقام العبد البينة أن فلانا كاتبه وهو يملكه وفلان جاحد لذلك أو مقربه فإنه
يقضي به للذي أقام البينة أنه عبده لان بينته تثبت الملك لنفسه والعبد إنما يثبت الملك لغيره
ومن يثبت الملك لنفسه فبينته أولى بالقبول فان (قيل) العبد يثبت حق العتق لنفسه باثبات
الكتابة (قلنا) لا كذلك فعقد الكتابة عندنا لا يوجب حق العتق للمكاتب ولهذا جاز عتق
المكاتب عن الكفارة ولهذا احتمل عقد الكتابة الفسخ وإنما الثابت للمكاتب بعقد الكتابة
ملك اليد والبينة التي تثبت ملك اليد لا تعارض البينة التي تثبت ملك الرقبة. قال وان أقام
الخارج البينة أنه عبده غصبه منه ذو اليد وأقام ذو اليد البينة انه عبده دبره أو أعتقه وهو
يملكه فإنه يقضى به عبدا للمدعى لان في بينة المدعى ما يدفع بينة ذي اليد وهو اثبات كونه
غاصبا لا مالكا والاعتاق والتدبير من الغاصب لا يكون صحيحا وبينة ذي اليد على أصل
الملك لا تكون معارضة لبينة المدعى وكذلك لو كان المدعى أقام البينة انه عارية له في يد ذي
اليد أو وديعة أو إجارة أو رهن قضى بالملك له لما بينا. قال عبد في يدي رجل أقام آخر البينة أنه
عبده أعتقه وأقام ذو اليد البينة انه عبده ولد في ملكه فبينة المدعى أولى لأنها تثبت الحرية
171

وبينة ذي اليد ثبت الرق فالمثبت للحرية من البينتين أولي (ألا ترى) انه لو ادعى الخارج
انه ابنه ترجحت بينته لما فيها من اثبات النسب والحرية فكذلك هنا تترجح بينة لما فيها من
اثبات الولاء الذي هو مشبه بالنسب مع الحرية وكذلك لو أقام الخارج البينة انه له ودبره
فهو أولى لما في بينته من اثبات حق الحرية وقد ذكر قبل هذا بخلاف هذا وقد بينا وجه
الروايتين ثمة ولو كان شهود ذي اليد شهدوا انه أعتقه وهو يملكه فهو أولى من بينة
الخارج على العتق لان المقصود هنا اثبات الولاء على العبد والولاء كالنسب وإنما يثبت كل
واحد منهما على العبد فلما استوت البينات في الاثبات ترجح جانب ذي اليد بيده وان
شهد شهود ذي اليد بالتدبير وشهود المدعى بالعتق الثابت قضيت بالعتق الثابت لان فيها
ابطال الرق والملك في الحال ويترجح أرأيت لو كان أمة لكانت توطأ مع قيام البينة على
حريتها وكذلك لو أقام أحد الخارجين البينة على العتق الثاني والآخر على التدبير فبينة العتق
أولى بالقبول لما بينا ولو أقام الخارج وذو اليد كل واحد منهما البينة أن الأمة له كاتبها
قضيت بها بينهما نصفان لان المكاتبة ليست في يد واحد منهما بل هي في يد نفسها
فتحققت المساواة بين البينتين فقضي بها بينهما فان (قيل) كان ينبغي ان يرجع إلى قولها (قلنا)
المكاتبة أمة ولا قول للأمة في تعيين مالكها بعد ما أقرت بالرق وان شهد شهود أحدهما
انه دبرها وهو يملكها وشهود الآخر انه كاتبها ويملكها فالتدبير أولى لأنه يثبت حق
الحرية وهو لازم لا يحتمل الفسخ بخلاف الكتابة. قال ولو ادعت أمة ان ولدها من مولاها
وانه أقر بذلك وأرادت يمينه فلا يمين على المولى في ذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما
عليه اليمين وهذه من المسائل المعدودة فان أبا حنيفة رحمه الله لا يرى الاستحلاف في النكاح
والنسب والرجعة والفئ في الايلاء والرق والولاء لان النكول عنده بمنزلة البدل فما لا يعمل
فيه البدل لا يجرى فيه الاستحلاف وعندهما النكول بمنزلة الاقرار ولكن فيه ضرب
شبهه فكل ما يثبت بالشبهات يجرى فيه الاستحلاف والقضاء بالنكول وهي مسألة كتاب
النكاح وهنا دعواه على المولى دعوى النسب فلهذا قال أبو حنيفة لا يستحلف وكذلك لو ادعت
انها أسقطت من المولى سقطا مستبين الخلق لان حق أمية الولد لها تبع لنسب الولد فكما
لا يستحلف المولى عند دعوى النسب فكذلك في دعوى أمية الولد عنده وعندهما يستحلف
في ذلك كله لأنه مما يثبت مع الشبهات ولو أقر المولى بذلك لزمه فيستحلف فيه إذا أنكر
172

وكذلك لو جاءت الزوجة بصبي فادعت انها ولدته وأنكر الزوج ففي استحلافه خلاف كما
بينا وكذلك لو أن المولي أو الزوج جاء بصبي والمدعى انها ولدته منه وأراد استحلافها فلا يمين
عليها عنده وكذلك لو كان الابن هو الذي ادعى النسب علي الأب أو الأب على الابن وطلب
يمين المنكر فلا يمين في الوجهين إلا أن يدعي بذلك ميراثا قبل صاحبه فحينئذ يستحلف
على الميراث دون النسب لان المال مما يعمل فيه البدل فيجوز القضاء فيه بالنكول بخلاف
النسب وإذا استحلفه فنكل قضي بالمال دون النسب لان أحد الحكمين ينفصل عن الآخر
وعند النكول إنما يقضى بما جرى فيه الاستحلاف (ألا ترى) انه لو ادعى سرقة مال على
رجل فاستحلف فنكل يقتضي بالمال دون القطع فهذا مثله وكذلك لو ادعي ميراثا بالولاء
فهو ودعواه الميراث بالنسب سواء فيما ذكرنا. قال ولو أن رجلا ورث دارا من أبيه
فادعى آخر انه أخوه لأبيه قد ورث أباه معه هذه الدار وجحد ذو اليد ذلك لم يستحلف
على النسب هنا بالاتفاق أما عند أبي حنيفة لا يشكل وأما عندهما كل نسب لو أقر به لم
يصح لا يستحلف على ذلك إذا أنكره لما بينا ان النكول عندهما قائم مقام الاقرار والاخوة
لا تثبت باقراره لو أقر بها فكذلك لا يستحلف عليه بخلاف الأبوة والبنوة ولكنه يستحلف
بالله العظيم ما يعلم له في هذه الدار نصيبا كما يدعى المال والاستحلاف يجرى في المال إلا أنه
استحلاف على فعل الغير لأنه يدعى الإرث من الميت بسبب بينهما والاستحلاف علي فعل
الغير يكون على العلم لا علي الثبات. قال جارية بين رجلين ولدت ولدين في بطنين فادعى
أحدهما الأكبر ثم ادعى الآخر الأصغر لم تجز دعوة صاحب الأصغر لان العلوق بهما
حصل في ملكهما فحين ادعى أحدهما الأكبر صارت الجارية أم ولد له من حين علقت بالأكبر
ثم الأصغر ولد أم ولده والشريك أجنبي عنه ومن ادعى ولد أم ولد الغير لم تصح دعوته
ولو كان صاحب الأصغر ادعى الأصغر أولا يثبت نسبه منه لأنها مشتركة بينهما مع الولدين
حين ادعى مدعى الأصغر وما ادعاه يحتاج إلى النسب فيثبت نسب الأصغر منه وصارت
الجارية أم ولد له وضمن نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه وتصح دعوة مدعى الأكبر
للأكبر لأنه نفى مشترك بينهما فان أمية الولد لها إنما يثبت من حين علقت بالأصغر والأكبر
منفصل عنها قبل ذلك فلهذا بقي مشتركا بينهما فان ادعاه مدعى الأكبر وهو محتاج إلى
النسب ثبت نسبه منه وضمن نصف قيمته لشريكه إن كان موسرا لأنه مقصود بالدعوة
173

والاتلاف فتكون دعوته إياه بمنزلة اعتاقه ولم يذكر ان مدعى الأكبر هل يغرم شيئا من
العقر وينبغي أن يغرم نصف العقر لأنه أقر بوطئ الأمة حال ما كانت مشتركة بينهما فيغرم
نصف العقر لشريكه وإن لم يثبت أمية الولد لها من جهته. قال ولو كانت الدعوى منهما
معا وهي أم ولد المدعى الأكبر لأنه سابق بالدعوة معنى فان العلوق بالأكبر كان سابقا
فصارت أم ولد له من حين علقت بالأكبر وفي القياس لا تصح دعوة مدعي الأصغر لأنه
ادعى ولد أم ولد الغير كما في الفصل الأول ولكنه استحسن فقال بينة الأصغر من مدعى
الأصغر لان وقت الدعوة كان الأصغر مشتركا بينهما في الظاهر محتاجا إلي النسب وكذلك
الجارية حين علقت بالأصغر كانت مشتركة بينهما في الظاهر فبعد ذلك أنها كانت أم ولد لمدعى
الأكبر صار مدعى الأصغر بمنزلة المغرور وولد المغرور حر بالقيمة فكان جميع قيمة الأصغر
لمدعي الأكبر وذلك في بعض النسخ أن عليه جميع قيمة الأصغر لمدعى الأكبر وذكر في
بعض النسخ ان عليه نصف العقر وليس بينهما اختلاف ولكن حيث قال عليه نصف العقر
إنما أجاب بالحاصل فان نصف القعر بنصف العقر قصاص وإنما يبقى في الحاصل نصف العقر
علي مدعى الأصغر لمدعى الأكبر. قال رجل مات وترك ابنين وجارية فظهر بها حبل فادعى
أحدهما ان الحبل من أبيه وادعى الآخر ان الحبل منه وكانت الدعوة منهما معا فالحبل من
الذي ادعاه لنفسه لأنه يحمل نسب الولد على نفسه وأخوه إنما يحمل نسب الولد علي أبيه
ومجرد قوله ليس بحجة في اثبات النسب من أبيه فلهذا كان الذي ادعاه لنفسه أولى فان (قيل)
الذي ادعى الحبل من أبيه كلامه أسبق معنى فينبغي أن يترجح بالسبق (قلنا) هذا ان لو كان
قوله حجة في اثبات العلوق من أبيه في حياته وقوله ليس بحجة في ذلك ويغرم الذي ادعاه لنفسه
نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه لأنه يملكها بالاستيلاد علي شريكه فان (قيل) كيف يضمن
لشريكه وقد أقر الشريك انها حرة من قبل الميت (قلنا) لان القاضي كذبه في هذا الاقرار
حين جعلها أم ولد للآخر والمكذب في اقراره حكما لا يبقى اقراره حجة عليه كالمشترى إذا
أقر بالملك للبائع ثم استحق من يده رجع عليه بالثمن وكذلك أن كان الذي ادعاه لنفسه سبق
بالدعوة وإن كان الذي ادعى الحبل للأب بدا بالاقرار لم يثبت من الأب بقوله ولكن يعتق
عليه نصيبه من الأم ومما في بطنها لإقراره بحريتها ويجوز دعوة الآخر ويثبت نسب الولد
منه لأنه محتاج إلى النسب والنصف منه باقي على ملكه فان اقرار الأول ليس بحجة في ابطال
174

ملكه وأكثر ما فيه أنه صار كالمستسعى عند أبي حنيفة رحمه فتصح دعوته فيه ولا يضمن
من قيمة الأم شيئا لأنه لا يتملك على شريكه نصيبه من الأم فقد عتق نصيبه من الأم بالاقرار
السابق ويضمن نصف عقرها ان طلب ذلك أخوه لأنه أقر بوطئها سابقا على اقرار أخيه وهي
مشتركه بينهما في ذلك الوقت فيكون مقرا بنصف العقر لأخيه بسبب لم يبطل ذلك السبب
باقرار أخيه فكان له أن يصدقه فيستوفي ذلك منه ان شاء. قال عبد صغير بين رجلين أعتقه
أحدهما ثم ادعاه الآخر فهو ابنه في قول أبي حنيفة رحمه الله لان عنده العتق يتجزى قضيت
للآخر بادعاء ملكه فلهذا صحت دعوته ونصف ولائه للمعتق باعتاقه فان ثبوت نسبه من
الآخر لا ينتفى ما صار مستحقا من الولاء للأول ويستوى إن كان ولد عندهما أولم يولد وإن كان
الغلام كبير فأقر بذلك فهو ثابت النسب من المدعى فإذا ادعاه الذي أعتقه الآخر فان
جحد ذلك لم يجز دعوة الذي لم يعتقه لان نصيبه باق على ملكه وهو بمنزلة المكاتب له فاما عند أبي
يوسف ومحمد رحمهم الله العتق لا يتجزى فلا يجوز دعوة واحد منهما الا بتصديق الغلام له
في ذلك. قال وإذا تصادق الرجل والمرأة الحرة في يد أحدهما انه ابنهما والمرأة امرأة الرجل لان
مطلق اقرارهما بنسب الولد محمول على ولد صحيح بينهما شرعا وهو النكاح فكان تصادقهما
على نسب الولد تصادقا منهما علي النكاح بينهما ومطلقه ينصرف إلى النكاح الصحيح فإن كان
ت المرأة لا تعرف أنها حرة فقالت أنا أم ولد لك وهذا ابني منك وقال الرجل هو ابني
منك وأنت امرأتي فهو ابنهما لتصادقهما على نسب الولد ولكنها أقرت له بالرق وهو
كذبها في ذلك فلم يثبت الرق عليها وهو قد ادعى عليها النكاح وهي قد كذبته فلا يكون
بينهما نكاح ولكن بتكاذبهما في السبب المثبت للفراش لا يمنع العمل بما تصادقا عليه مما هو
حكم الفراش وهو ثبوت نسب الولد منهما وكذلك لو ادعت انها زوجته وقال الرجل هي
أم ولدى فهذا والأول سواء لما بينا ولو قال الرجل هذا ابني منك من نكاح وقالت صدقت
هو من نكاح فاسد لا يقبل قولها في ذلك لان حقيقة الاختلاف بينهما في دعوى صحة
النكاح وفساده وتصادقهما على أصل النكاح يكون اقرارا منهما بصحته فلا يقبل قول من
يدعى الفساد بعد ذلك لكونه مناقضا ولو قال الزوج هو من نكاح فاسد وقالت المرأة هو
من نكاح صحيح فنسب الولد ثابت وسئل الزوج عن الفساد ما هو فإذا أخبر بوجه من
وجوه الفساد فرق بينهما باقراره بأنها محرمة عليه في الحال وجعل ذلك بمنزلة ايقاعه الطلاق
175

البائن حتى يكون لها نفقة العدة لان قوله في فساد أصل العقد غير مقبول لما بينا ولكنه متمكن
من أن يفارقها فيجعل اقراره بذلك كانشاء التفريق والله أعلم بالصواب
(باب الغرور)
(قال رحمه الله ذكر عن يزيد بن عبد الله بن قصيط قال أبعت أمة فأبت بعض القبائل
فأتمت إلى بعض قبائل العرب فتزوجها رجل من بنى عذرة فنثرت له ذا بطنها ثم جاء
مولاها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقضي بها لمولاها وقضى على أن الولد
أن تفدي الأولاد الغلام بالغلام والجارية بالجارية وفي هذا دليل أن ولد المغرور يكون حرا
بعوض يأخذه المستحق من المغرور فأخذ بعض العلماء رحمهم الله بظاهره فقالوا مضمون
بالمثل الغلام بالغلام والجارية بالجارية وعندنا هو مضمون بالقيمة وتأويل الحديث الغلام
بقيمة الغلام والجارية بقيمة الجارية والمراد المماثلة في المالية لا في الصورة) فإنه ثبت بالنص
أن الحيوان لا يكون مضمونا بالمثل كما قال صلى الله عليه وسلم في العبد بين اثنين يعتقه
أحدهما إن كان موسرا ضمن نصف قيمته نصيب شريكه وهكذا روى عن عمر رضي الله عنه
وهو تأويل حديث على رضى عنه الذي ذكره بعد هذا عن الشعبي رحمه الله أن رجلا اشترى
جارية فولدت منه فاستحقها رجل ورفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقضي بالجارية لمولاها
وقضي للمشترى على البائع أن يفك ولده بما عز وهان ولم يرد بقوله قضى بأولادها لمولاها
أن يسلم الأولاد إليه وإنما المراد جعل الأولاد في حقهم كأنهم مملوكين له حيث أوجب
له القيمة على المغرور وأضاف ذلك إلى البائع بطريق أن قود الضمان عليه فان المشتري
يرجع على البائع بما غرم من قيمة الأولاد ومعنى قوله بما عز وهان بالقيمة بالغة ما بلغت وهو
الأصل عندنا وفي ولد المغرور فإنه في حق المغرور هو حر الأصل وفي حق المستحق
كأنه رقيق مملوك له بملك الأصل وهو الجارية لأنه لا وجه لايجاب الضمان له الا هذا فان
الماء غير متقوم ليضمن بالاتلاف وإنما يضمن الملوك بالمنع فيصير المغرور مانعا للولد بما ثبت
فيه من الحرية حقا له وهذا لان النظر من الجانبين واجب والنظر في جانب المغرور في
حرية الولد لأنه لم يرض برق مائه والنظر في جانب المستحق في رق الولد لكنه لا يبطل
176

ملكه عما هو جزء من ملكه فيجب ضمان المالية على المغرور يمنعه بعد الطلب ولهذا
اعتبر قيمته وقت الخصومة حتى أن من مات من الأولاد قبل الخصومة لم يضمن من قيمته
شيئا لان المنع إنما يتحقق بعد الطلب إذا عرفنا هذا فنقول أمة غرت رجلا فأخبرته انها حرة
فتزوجها على ذلك فولدت ولدا ثم أقام مولاها البينة انها أمته وقضى بها له فإنه يقضي بالولد
أيضا لمولى الجارية لان استحقاق الأصل سبب لاستحقاق المتولد منه فإنه في حكم الجزء
له وقد ظهر هذا السبب عند القاضي ولم يظهر ما يوجب حرية الولد وهو الغرور إلا أن يقيم
الزوج بينة أنه تزوجها على أنها حرة فان أقام البينة على هذا فقد أثبت حرية الأولاد فكان
الولد حرا لا سبيل عليه وعلى أبيه قيمته وادعى ماله حالا وقت القضاء به دون مال الولد
لان السبب هو المنع وجد من الأب دون الولد ولا ولاء للمستحق على الولد لأنه علق
جزء الأصل وإنما قدرنا الرق فيه لضرورة القضاء بالقيمة والثابت بالضرورة لا يعد وموضع
الضرورة وان مات الولد قبل الخصومة فليس على الأب شئ من قيمته لان الولد لو كان
مملوكا على الحقيقة لم يكن مضمونا فان ولد الغصب أمانة عندنا فإن لم يكن مملوكا أولى أن لا
يكون مضمونا وان قبل الابن فأخذ الجارية فعليه قيمته للمستحق الدية بدل نفسه ومنع
البدل كمنع الأصل فيتحقق به السبب الموجب للضمان وان قضى له بالدية فلم يقبضها لم
يوجد بالقيمة لان المنع لا يتحقق فيما لم يصل إلى يده من البدل فان قبض من الدية قدر
قيمة المقبول قضى عليه بالقيمة للمستحق لان المنع تحقق بوصول يده إلى البدل ويكون منعه
قدر قيمة الولد كمنع الولد في القضاء للمستحق عليه بالقيمة فلو كان للولد ولد يحرز ميراثه
وديته فخرج من الدية أو دونها قضيت علي الأب بمثل ذلك لتحقق المنع في البدل ولا يقضى
به في الدية ولا في تركة الابن لان هذا الضمان مستحق علي الأب يمنعه الولد بالحرية وإنما
يقضي من تركة الابن ما يقرر دينا على الابن فإن كان الأب ميتا قضي به في تركته لأنه
دين علي الأب فيستوفى من تركته وإن كان علي الأب دين خاص مستحق للغرماء بقيمة الولد
لان دينه مثل دينهم وإن لم يكن للأب بينة انه تزوجها علي حرة فطلب يمين المستحق علي
علمه حلفته على ذلك لأنه يدعى ما لو أقر به لزمه فإذا أنكر يستحلف عليه ولكنه استحلاف
على فعل الغير وكان على العلم لا على الثبات. قال ولو استولدها علي شراء أو هبة أو صدقة
أو وصية أخذ المستحق الجارية وقيمة الولد لان الموجب للغرور ملك مطلق للاستيلاد له
177

في الظاهر وهو موجود وما هو الظاهر ولو كان حقيقة كان الولد حرا فباعتبار الظاهر يثبت
حرية الولد أيضا ويرجع الأب على البائع بالثمن وقيمة الولد لأن المبيع لم يسلم له وبعقد
المعاوضة استحق سلامتها له سليمة عن العيب ولا عيب فوق الاستحقاق فيكون له أن
يرجع بما يغرم بهذا السبب على البائع ولا يرجع عليه بالعقد عندنا وعند الشافعي يرجع بالعقر
كما يرجع عليه بقيمة الولد لأنه ضمان لزمه بسبب فوت السلامة المستحقة له بالعقد ولكنا
نقول إنما لزمه العقر عوضا عما استوفى من منافع البضع فلو رجع به سلم المستوفى له مجانا
والوطئ في ملك الغير لا يجوز أن يسلم للواطئ مجانا ولا يرجع علي الواهب والمتصدق والوصي
بشئ من قيمة الأولاد عندنا وعند الشافعي له ذلك لأنه الغرور قد تحقق منه بايجابه الملك له
في المحل واختار انها مملوكته سواء كان بعوض أو بغير عوض ولكنا نقول مجرد الغرور
لا يكفي لاثبات حق الرجوع فان من أخبر انسانا أن هذا الطريق أمن وسلك فيه فأخذ
اللصوص متاعه لم يرجع على المخبر وإنما ثبوت حق الرجوع باعتبار عقد المعاوضة لأنه صفة
السلامة تصير مستحقة به فأما بعقد التبرع لا تصير صفة السلامة مستحقة به ولهذا لا يثبت
فيه حق الرد بالعيب فلم يكن له أن يرجع علي المتبرع بقيمة الأولاد وهذا لان عقد التبرع
لا يكون سببا لوجوب الضمان على المتبرع للمتبرع عليه (ألا ترى) أن الملك لا يحصل به
قبل التسليم. قال وإن كان المشتري باعها من غيره فولدت منه ثم استحقها رجل يرجع
المشترى الثاني على بائعه بقيمة الولد وللمشتري الأول أن يرجع على بائعه بالثمن وليس له أن
يرجع بقيمة الولد عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد أن يرجع بقيمة الولد علي بائعه *
حجتهما في ذلك أن المشترى الأول أوجب الملك فيها للغير فيجعل الاستيلاد على من أوجب
له الملك فيها بمنزلة استيلاده بنفسه وهذا لان الرجوع يفوت صفة السلامة الذي صار مستحقا
بالعقد وهذا كما تقرر بين المشتري الأول والثاني فقد تقرر بين المشترى الأول والبائع (ألا تري)
ان المشترى الأول والثاني لو ردها بالعيب كان للمشترى الأول ان يردها على بائعه فكذلك
إذا رجع عليه بقيمته وأبو حنيفة رحمه الله يقول إن المشترى الأول ان شاء بايجابه الملك فيها
لغيره بالبيع فرجوع المشتري عليه بما أنشأه من الغرور لا بالغرور الذي سبق من البائع فصار
من أنشأه من الغرور ناسخا لغرور البائع الأول وهو نظير من حفر بئرا على قارعة الطريق
فألقى انسان غيره فيه كان الضمان على الملقي ولا يرجع به على الحافر فهذا مثله * يوضحه أن
178

الرجوع بقيمة الولد بمنزلة الخصومة في العيب والمشترى إنما يخاصم البائع في العيب إذا كان
المستفاد من قبله فإنما له وهنا قد انفسخ ذلك الملك بملك المشترى الثاني ولم يعد إليه بالرجوع
بقيمة الولد عليه بخلاف ما إذا رد عليه بالعيب لان الملك المستفاد له من جهة البائع قد عاد إليه
ونظيره هذه المسألة ما ذكر في آخر الصلح أن المشترى الثاني إذا وجد بالمبيع عيبا وقد تعذر رده
بعيب حديث عنده ورجع على بائعه بنقصان العيب لم يكن لبائعه أن يرجع بالنقصان على البائع في
قول أبي حنيفة لان المستفاد له من قبله لم يعد إليه وعندهما يرجع على البائع الأول بما غرم
للمشترى الثاني من نقصان العيب لان الرجوع بالنقصان عند تعذر رد العين بمنزلة الرد
بالعيب عند الامكان. قال رجلان اشتريا جارية فوهب أحدهما نصيبه من شريكه فولدت
ثم استحقها رجل فإنه يأخذها وعقرها وقيمة ولدها ولم يرجع الأب بنصف الثمن ونصف
قيمة الولد على البائع لأنه يملك نصفها من جهته بحكم المعاوضة والجزء معتبر بالكل ولا
يرجع على الواهب بشئ من قيمة الولد لأنه يملك النصف من جهته بعقد التبرع ولكن
الواهب يرجع بنصف الثمن على البائع لان استحقاقها علي من استفاد الملك فيها من جهة
الواهب يكون استحقاقا على الواهب فيرجع بثمن ما استحق عليه على البائع ولم يغرم الواهب
من قيمة الولد شيئا ليرجع به على البائع. قال ولو كانت أمة بين رجلين فولدت فادعاه أحدهما
وغرم نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه ثم استحقها رجل قضى له بها وبقيمة الولد
والعقر للمستحق لان الغرور يتحقق بقيام الملك له في نصفها ظاهرا فان الاستيلاد باعتبار
هذا القدر صحيح في اثبات حرية الأصل للولد ثم يرجع على البائع بنصف الثمن ونصف
قيمة الولد لما بينا ويرجع على شريكه بما أعطاه من نصف قيمتها ونصف عقرها لأنه تبين أنه
لم يتملك على شريكه نصيبه ولم يحصل وطؤه في ملكه ولا يرجع على شريكه بشئ من قيمة
الولد لأنه ما كان مغرورا من جهة شريكه فان تملكه على شريكه ما كان باختيار منه ويرجع
الشريك على بائعه بنصف الثمن لاستحقاق المبيع عليه. قال وإذا تزوج المكاتب أو العبد امرأة
حرة بإذن مولاه فولدت له ثم استحقت وقضى بها للمستحق فالولد رقيق في قول أبي حنيفة
وأبى يوسف الآخر وفى قول أبى يوسف الأول وهو قول محمد رحمهما الله حر
بالقيمة وهي مسألة كتاب النكاح ان العتق بسبب الغرور عند محمد وذلك متحقق في حق
العبد كما هو في حق الحر وعند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله المخلوق من ماء رقيقين
179

لا يكون حرا وقد بينا بعض هذا فيما سبق. قال وكذلك إذا صار المكاتب مغرور بالشراء
فهو على هذا الخلاف إلا أن عند محمد هناك الولد يكون حرا وهنا يكون بمنزلة أبيه مكاتبا. قال
رجل اشترى أم ولد لرجل أو مكاتبة أو مدبرة من أجنبي فوطئها فولدت ثم استحقها مولاها
قضى له بها وعلى أب الولد قيمة الولد لمولى المدبرة وأم الولد بسبب الغرور ولا يقال ولد
أم الولد لا مالية فيه عند أبي حنيفة رحمه الله كأمه فكيف يضمن بالغرور لان هذا بعد ثبوت
أمية الولد ولم يثبت في الولد لأنه علق حر الأصل فلهذا كان مضمونا بالقيمة وعلى الأب قيمة
الولد للمكاتبة. قال الذي غره منها وإنما أراد به انه إذا كان الغرور منها لا يستوجب قيمة
الولد وفيه قولان لأبي يوسف معروف في كتاب العتاق فأما إذا كان الغرور من غيرها
وجب على الأب قيمة الولد ويكون ذلك للمكاتبة لأنها كانت أحق بولدها لكونه جزءا
منها فكذلك ببدل ولدها. قال مكاتب أو عبد مأذون باع أمة فاستولدها المشترى ثم استحقت
رجع أب الولد بقيمة الولد علي بائعه لان الرجوع بقيمة الولد لاستحقاق صفة السلامة
له بعقد المعاوضة على البائع والمكاتب والمأذون في هذا كالحر لان ضمان التجارة بمنزلة الرد
بالعيب والرجوع بنقصان العيب عند تعذر الرد عليه. قال رجل ورث أمة من أبيه فاستولدها
ثم استحقت كان الولد حرا بالقيمة لتحقق الغرور في حق الوارث فإنما استولدها على أنها
مملوكة إذا لم يكن عالما بكونها مستحقة ثم يرجع بالثمن وبقيمة الولد على الذي كان باعها
من المورث لأنه يخلف المورث في ملكه فإنما يصل إليه الملك الذي كان لمورثه لا أن يكون
ذلك ملكا جديدا له (ألا ترى) أنه يرده بالعيب ويكون فيه كالمورث فكذلك الرجوع
بسبب الغرور وهذا بخلاف الموصي له ثم استولدها ثم استحقت لا يرجع علي بائع الموصي
له بعقد متجدد وذلك الملك غير الملك المستفاد من البائع ببيعه ولهذا لا يرده عليه بالعيب
فكذلك لا يرجع عليه بضمان الغرور. قال رجل أقر في مرضه أن هذه الجارية وديعة عنده
لقلان وعليه دين يحيط بماله أوليس عليه دين فاستولدها الوارث بعد موته وقد علم باقرار
الأب ثم استحقت ببينة فإنه يقضى للمستحق بها وبولدها مملوكين له لان الوارث غير
مغرور هنا فإنه أقدم على استيلادها مع علمه أنها غير مملوكة له لأنها لم تكن مملوكة لمورثه
فصار راضيا برق مائه وكان الولد ملكا للمستحق وإن لم يقر المريض بها لغيره وكان عليه
دين يحيط بماله فاستولدها الوارث قيمة الولد والعقر لأنه بمنزلة المغرور فيها فان الاختلاف
180

بين العلماء رحمهم الله ظاهر في وقوع الملك للوارث في التركة المستغرقة بالدين فمن يقول
لا يملك يقول سبب الملك له فيها تام حتى يملك استخلاصها لنفسه بقضاء الدين من موضع
آخر ولو أعتقها ثم سقط الدين نفذ عتقه ولو كانت أمه فتزوجها لم يصح النكاح فعرفنا أن
الغرور قد تحقق فكان ولده حرا بالقيمة وتباع الأمة في الدين ان استغرقت التركة بالدين يمنع
عتق الوارث فيها فكذلك يمنع ثبوت حق الحرية من جهة الوارث فيها ووجوب العقر عليه
لان هذا وطئ حصل في غير ملكه وقد سقط الحد لشبهة فيغرم العقر فان أقام رجل البينة
انها له قضيت بها له وبقيمة الولد والعقر لما بينا ولو كانت الأمة للميت وعليه دين لا يحيط
بقيمتها فوطئها الوارث فولدت منه وضمن قيمتها وعقرها لان الدين إذا لم يكن محيطا بالتركة
لا يمنع ملك الوارث فيصح استيلاده فيها ولكن حق الغريم مقدم علي حقه ويغرم قيمتها لحق
الغريم لأنه صار مستهلكا لماليتها على الغريم بالاستيلاد قال ويغرم عقرها قال عيسى رحمه الله
هذا غلط فان الاستيلاد حصل في ملكه فلا يكون موجبا للعقر عليه إذا كان في قيمتها وفاء
بالدين وزيادة فلم يغرم العقر ولماذا يغرم ولكنا نقول تأويل المسألة أن الورثة كانوا عددا فكان
هذا استيلاد الشركاء للجارية المشتركة وهو موجب للعقر والقيمة باعتبار ملك الشركاء وفي
بعض الروايات وهو قول بشر يقدر الدين ولا يصير ملكا للوارث أيضا فلهذا لزمه قيمتها وعقرها
يقضى من ذلك الدين أولا وما بقي فهو ميراث بين الورثة يسقط عنه من ذلك بقدر حصته
ولا يضمن قيمة الولد هنا لأنها بمنزلة الجارية المشتركة وقد بينا أن أحد الشركاء إذا استولد
الجارية المشتركة لم يغرم من قيمة الولد شيئا. قال رجل اشترى جارية مغصوبة وهو يعلم
أن البائع غاصب أو تزوج امرأة أخبرته أنها حرة وهو يعلم أنها كاذبة فاستولدها كان
الولد رقيقا لانعدام الغرور حين كان عالما بحقيقة الحال ولأنه رضى برق مائه حين استولدها
مع علمه انها مملوكة لغيره ولو اشتراها من رجل وهو يعلم أنها لغيره فقال البائع أن صاحبها
وكلني ببيعها أو مات وقد أوصى إلى فاستولدها ثم جاء صاحبها وأنكر الوكالة والوصايا فإنه
يأخذها جاريته لان ملكه فيها معلوم واذنه في بيعها لم يصح حين أنكره ويأخذ عقرها وقيمة
ولدها لان الغرور قد تحقق بما أخبره البائع به فان ما أخبر به لو كان حقا كانت هي مملوكة
للمشترى فهذا وقوله انها ملكي سواء في أنه يلتزم سلامتها له فإذا غرم قيمة الولد رجع به على
البائع مع الثمن لأنه لم يسلم له ما التزم ولو اشترى الوكيل لموكله جارية فاستولدها الموكل ثم
181

استحقت أخذها الموكل المستحق وعقرها وقيمة ولدها من المستولد ويرجع بالثمن وقيمة الولد
علي البائع والوكيل هو الذي يلي خصومته في ذلك لان البائع التزم بالعقد صفة السلامة
والوكيل له اليد (ألا ترى) أن الخصومة في العيب للبائع دون الموكل فكذلك الخصومة
في الرجوع بالثمن وقيمة الولد على الوكيل فان قال البائع لم أبع من أب الولد شيئا أو قال
لم أشتر هذا منى له فأقام الوكيل البينة انه اشتراها لفلان بأمره فالثابت بالبينة كالثابت باقرار
الخصم وإن لم يشهدوا بأمره ولكن شهدوا على اقرار المشترى انه اشتراها لفلان بماله فإن كان
اقراره بهذا قبل الشراء وشهد الشهود بذلك فهو وما سبق سواء لأنا لو سمعنا اقراره
في ذلك الوقت كان الشراء موجبا الملك للموكل فكذلك إذا ثبت ذلك بالبينة وان شهدوا
انه أقر بذلك بعد الشراء قبل أن تلد وبعده لم يصدق على البائع لان شراءه موجب الملك له
فكل أحد عامل لنفسه بتصرفه حتى يقوم الدليل علي أنه يعمل لغيره باقراره بعد ذلك في
حق البائع بمنزلة الايجاب المبتدأ لأنه غير مصدق في هذا الاقرار في حقه ولو ملكه ابتداء
من هذا المستولد لم يكن له خصومة مع البائع في الرجوع بقيمة الولد عليه بعد ذلك فكذلك
هنا. ولو استولد جارته فاستحقها رجل فقال المستولد اشتريتها من فلان بكذا وصدقه فلان
وكذبهما المستحق فالقول قول المستحق لان سبب ملك الولد ظاهر وهو استحقاق الجارية
والآخران يريدان ابطال ملكه في الولد بقولهما فلا يصدقان على ذلك ولكن يحلف المستحق
بالله ما يعلم أنه اشتراها منه لأنه لو أقر بذلك كان الولد حرا فإذا أنكر يستحلف عليه ولو
أنكر البائع وصدقه المستحق فالولد حر لاقرار المستحق بحريته وعلى الأب قيمته لإقراره على
نفسه بالقيمة للمستحق ولا رجوع لهما علي البائع لان قولهما ليس بحجة عليه ولو أنكر البائع
والمشتري وأقر به المستحق عتق الولد باقراره لأنه ملكه في الظاهر ولا قيمة له على الأب
لأنه مدعى لنفسه عليه بالقيمة فلا يستحقه الا بحجة. قال رجل دفع إلى رجل ألف درهم
مضاربة بالنصف فاشترى بها جارية تساوى ألفي درهم فاستولدها المضارب ثم استحقت
فالولد حر بالقيمة لان المضارب كان مالكا نصفها في الظاهر قدر حصته من الربح فيتحقق
الغرور بسبب ثم يرجع المضارب على البائع بالثمن فيكون على المضاربة كما كان ويرجع عليه
أيضا بربع قيمة الولد لان رجوعه باعتبار ملكه الظاهر وذلك كان بقدر الربع فيرجع به على
البائع ويكون ذلك له خاصة ولا يكون على المضاربة لأنه عوض عما أدى والمؤدى لم يكن
182

من مال المضاربة ولو لم يكن في الأم فصل أحد المستحق الولد مع الأم ولم يثبت نسبه من
المضارب لأنه استولدها ويعلم له أنه لا يملك شيئا منها فكأن لا يثبت به النسب والولد رقيق
لانعدام التوارث حين كان عالما بحالها وإن كان هو الذي استولدها فإن لم يكن فيها فصل كان
الولد حرا وعليه قيمته للمستحق لأنها مملوكة لرب المال في الظاهر والمضارب اشتراها له بأمره
فهذا وفصل الوكيل سواء فيكون الولد حرا بالقيمة ويرجع على البائع بالثمن وقيمة الولد والذي
يلي خصومة البائع في ذلك المضارب فيكون الثمن على المضاربة وقيمة الولد على رب المال وان
كانت الجارية تساوى الفين فالرجوع على البائع بثلاثة أرباع قيمة الولد لان المملوك للمستولد
من جهته كان هذا المقدر وهو قدر رأس المال وحصته من الربح فإنما يرجع بهذا القدر من قيمة
الولد فيكون لرب المال خاصة ويرجع بالثمن فيكون على المضاربة. قال رجلان اشتريا من وصى
يتيم أمة فاستولدها أحدهما ثم استحقت قضي له بها وبقيمة الولد على الأب ويرجع الأب
بنصف تلك القيمة علي الوصي لأنه يملك نصفها من جهة الوصي ببيعه فبقدره يرجع عليه من
قيمة ولدها ثم يرجع به الوصي في مال اليتيم لأنه كان عاملا لليتيم في ذلك فإذا لحقه عهدة يرجع
به عليه وكذلك لو كان البائع أب الصبي فهو والوصي في حكم الرجوع سواء وكذلك لو كان
البائع وكيلا أو مضاربا إذا كان في المضاربة فصل لم يرجع على رب المال من قيمة الولد الا
بقدر رأس المال وحصته من الربح لأنه في ذلك القدر عامل له وفى حصة نفسه من الربح عامل
لنفسه فلا رجوع به له علي رب المال. قال ولو كفل رجل للمشترى بما أدركه من درك لم
يرجع المشترى على الكفيل بقيمة الولد لان هذا ليس بدرك في الجارية إنما يفوت بهذا ما
التزم بصفة السلامة فكان بمنزلة عيب يجده بها فيردها وهناك لا يرجع على الكفيل بشئ
كذلك هنا لا يرجع على الكفيل بشئ من قيمة الولد. قال وإذا غرت الأمة من نفسها رجلا
أخبرته أنها أمة لهذا الرجل فاشتراها منه واستولدها ثم استحقت رجع أب الولد بالثمن وقيمة
الولد على البائع دون الأمة لان الرجوع باعتبار التزام صفة السلامة بعقد المعاوضة والبائع
هو الذي التزم ذلك للمشترى دون الأمة إنما الأمة أخبرته بخبر كذب ومجرد هذا الخبر لا
يلزمه ضمان قيمة الولد كما بيناه. قال حرة ولدت ولدين في بطن واحد وكبرا واكتسبا مالا
ثم مات أحدهما وترك ابنا ثم جاء رجل وادعي انه زوج المرأة وأنهما ابناه فأقرت المرأة بذلك
جحدت الابن الباقي وابن الابن فان الرجل والمرأة يصدقان على أنفسهما دون غيرهما فيثبت
183

النكاح بينهما بتصادقهما ويدخل في نصيب المرأة من الميراث لاقرارهما انهما يستويان في
ذلك فان من ترك أبوين وابنا فللأبوين السدسان فلهذا قسم ما في يدها بينهما نصفان فان أقر
ابن المرأة بدعوة الرجل ثبت نسبه باقراره ومن ضرورة ثبوت نسبه ثبوت نسب الآخر
لأنهما توأم فيثبت نسبهما ولكنه لا يرث بهذا مع ابن الميت شيئا لان الابن الباقي غير مستحق
لشئ من ميراث الميت فتصديقه في حكم الميراث وتكذيبه سواء لان الميراث مال ينفصل عن
النسب في الاستحقاق ثبوتا وسقوطا (ألا ترى) ان عبد الرق واختلاف الدين والنسب
ثابت ولا ميراث وإذا أقر أحد الأخوين بأخ آخر فالشركة في الميراث ثابتة ولا نسب
وما كان طريق ثبوته الضرورة فالمعتبر فيه الجملة فإذا كان أحد الحكمين ينفصل عن الآخر
في الجملة لم يستحق الميراث باقراره وان ثبت نسبه وان أقر ابن الميت بدعوة الرجل وقد
احتلم ثبت نسبهما جميعا منه لأنه في هذا التصديق قائم مقام أبيه وثبوت نسب أخيه يقتضى
ثبوت نسب الآخر ضرورة ويرث معه الرجل لان الحق في الميراث له وقد أقر بأن
سدسا من الميراث وهو خمس ما في يده للأب فيؤمر بتسليمه إليه. قال ولو أن أمة ولدت
ولدين في بطن واحد فاشترى رجل أحدهما وأعتق ثم مات المعتق فورثه مولاه ثم اشترى
رجل آخر الابن الباقي مع أمه فادعى انه ابنه ثبت نسبه منه وإن كان كبيرا لا يقر بذلك الا
عبد له فلا حاجة إلى تصديقه في اثبات النسب منه ويثبت نسب ولد الميت أيضا منه ولا
يكون له الميراث الذي أخذه المولى لما بينا انه ليس من ضرورة ثبوت النسب استحقاق المال
وإنما أورد هذا الفصل ايضاحا لما سبق فانا لو قلنا يستحق المال علي المولى بهذا الطريق كان
يقدر كواحد على ابطال حق المولى عن الميراث المستحق له بأن يشترى الابن الآخر فيدعي
نسبه وهذا بعيد وفيه من الضرورة ما لا يخفى فقلنا لا يستحق المال وان ثبت نسب
الآخر منه ضرورة والله أعلم بالصواب (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس
الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله إملاء اعلم بأن
الاقرار خير متمثل متردد بين الصدق والكذب فكان محتملا باعتبار ظاهره والمحتمل
لا يكون حجة ولكنه جعل حجة بدليل معقول وهو أنه ظهر رجحان جانب الصدق على
جانب الكذب فيه لأنه غير متهم فيما يقر به علي نفسه ففي حق الغير ربما تحمله النفس الامارة
بالسوء على الاقرار به كاذبا وربما يمنعه عن الاقرار بالصدق وفى حق نفسه النفس الامارة
184

بالسوء على الاقرار به كاذبا وربما ينفعه عن الاقرار بالصدق وفي حق نفسه النفس الامارة
بالسوء لا تحمله على الاقرار بالكذب وربما يمنعه على الاقرار بالصدق فلظهور دليل الصدق فيما
يقربه على نفسه جعل اقراره حجة واليه أشار الله تعالى في قوله بل الانسان على نفسه بصيرة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما أي شاهد بالحق والدليل على أنه حجة شرعا قوله تعالى وليملل
الذي عليه الحق فأمر من عليه الحق بالاقرار بما عليه دليل واضح علي انه حجة والنهى عن
الكتمان في قوله تعالى ولا يبخس منه شيئا وليتق الله ربه دليل علي ان اقراره حجة كما أن
الله تعالى لما نهى عن كتمان الشهادة كان ذلك دليلا على أن الشهادة حجة في الاحكام ورجم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا رضي الله عنه حين أقر على نفسه بالزنا وقال صلى الله عليه
وسلم في حديث العسف وأعد ما انتسب إلى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها فيكون الاقرار
حجة في الحدود التي تندرئ بالشبهات دليل على أنه حجة فيما لا يندرئ بالشبهات بالطريق
الأولى ثم الاقرار صحيح بالمعلوم والمجهول بعد أن يكون المعلوم لأنه إظهار لما عليه من الحق
وقد يكون ما عليه مجهولا فيصح إظهاره بالمجهول كالمعدوم بخلاف الشهادة فان أداء الشهادة
لا تكون الا بعد العلم بالمشهود به. قال الله تعالى الا من شهد بالحق وهم يعلمون وقال
صلى الله عليه وسلم للشاهد إذا رأيت مثل الشمس فاشهد والا فدع فمع الجهل لا حاجة إلى
الشهادة بل هو ممنوع عن أدائها فأما من عليه الحق محتاج إلى إظهار ما عليه باقراره معلوما
كان عنده أو مجهولا فقد يعلم أصل الوجوب ويجهل قدر الواجب وصفته ولهذا صح اقراره
بالمجهول ولان الشهادة لا توجب حقا الا بانضمام القضاء إليها والقاضي لا يتمكن من القضاء
الا بالمعلوم فأما الاقرار موجب بنفسه قبل اتصال القضاء به وإذا احتمل بالمجهول أمكن إزالة
الجهالة بالاجبار على البيان فلهذا صح الاقرار ولهذا لا يعمل بالرجوع عن الاقرار ويعمل
بالرجوع عن الشهادة قبل اتصال القضاء بها إذا عرفنا هذا فنقول رجل قال غصبت من فلان
شيئا فالاقرار صحيح ويلزمه ما بينة ولا بد من تبيين أي شئ هو لان الشئ حقيقة
اسم لما هو موجود مالا كان أو غيره إلا أن لفظ الغصب دليل علي المالية فيه فالغصب
لا يرد الا على ما هو مال وما ثبت بدلالة اللفظ فهو كالملفوظ كقوله اشتريت من فلان
شيئا يكون اقرارا بشراء ما هو مال لأن الشراء لا يتحقق الا فيه ولا بد من أن يبين مالا
يجري فيه التمانع بين الناس حتى لو فسره بحبة حنطة لم يقبل ذلك منه لان اقراره بالغصب
185

دليل على أنه كان ممنوعا منه من صاحبه حتى غلب عليه فغصبه وهذا مما يجرى فيه التمانع فإذا تبين
شيئا بهذه الصفة قبل بيانه لان هذا بيان مقرر لأصل كلامه وبيان التقرير صحيح موصولا أو
مفصولا فان ساعده المقر على ما بينه أخذه وان ادعى غيره فالقول قول المقر مع يمينه لأنه
خرج عن موجب اقراره بما بين فإذا كذبه المقر له فيه صار رادا اقراره بنفي دعواه شيئا آخر
عليه وهو لذلك منكر فالقول قوله مع يمينه ويستوى ان بين شيئا يضمن بالغصب أو يضمن
بعد أن يكون بحيث يجرى فيه التمانع حتى المغصوب فالقول قوله مع يمينه وكذلك أن
بين ان المغصوب دار فالقول قوله وان كانت الدار لا يضمن بالغصب عند أبي حنيفة رحمه الله
واختلف المشايخ رحمهم الله فيما إذا بين المغصوب زوجته أو ولده الصغير فمنهم من يقول
بيانه مقبول لأنه موافق لمبهم كلامه فان لفظ الغصب يطلق علي الزوج والولد عادة والتمانع فيه
يجرى بين الناس أكثر مما يجرى في الأموال وأكثرهم على أنه لا يقبل بيانه بهذا لان حكم
الغصب لا يتحقق الا فيما هو مال فبيانه ما ليس بمال يكون انكار الحكم الغصب بعد اقراره
بسببه وذلك غير صحيح منه وفرق بين هذا وبين الخلع فان من خالع امرأته علي ما في بيتها من
شئ فإنه ليس في البيت شئ كالخلع مجازا وله أن يجعل تسمية الشئ فيه دليلا على المالية بخلاف
تسمية المتاع لأن الخلع من أسباب الفرقة والفرقة قد تكون بغير بدل في العادة فلا يكون
فيما صرح دليلا على المالية في الشئ المذكور فأما الغصب لا يطلق في العادة الا فيما هو مال
ولا يثبت حكمه شرعا الا فيما هو مال فالتنصيص عليه دليل على المالية في الشئ المذكور والعصر
قبل التخمر كان الا فسد تقومه بالتخمر شرعا وصار المسلم ممنوعا من تموله من غير انعدام
أصل المالية فيه (ألا ترى) أنه بالتخلل يصير مالا متقوما وهو ذلك الغير فلهذا صح بيانه ثم
الخمر محل لحكم الغصب ولهذا كان غاصب الخمر من الذمي ضامنا لهذا قبل بيانه وكذلك لو أقر
أنه غصب عبدا فهذه الجهالة دون الأول لان جنس المقر به صار معلوما هنا ثم التوسع في
الاقرار أكثر منه في الخلع والصلح عن دم العمد والنكاح وتسمية العبد مطلقا صحيح في
هذه العقود ففي الاقرار الأول ان في هذه العقود ينصرف إلى الوسط لأنه عقد معاوضة
فيجب النظر فيه من الجانبين وذلك بتعين الوسط الذي هو فوق الوكس ودون الشطط
والاقرار لا يقابله شئ فلا يتعين فيه الوسط بل يكون المقر فيه مقبولا إذا لم يخالف ما يلفظ
به سواء بين الردئ أو المعيب فاسم العبد أولى * توضيح الفرق أن الغصب فعل يستدعى
186

محلا هو مفعول به ولان يستدعى صفة السلامة فيه ومن حيث العادة أيضا ليس للغاصبين
اختيار الوسط والتسليم وإنما يغصب الغاصب ما يقدر عليه فاما في عقود المعاوضات لها موجب
شرعا في اقتضاء صفة السلامة وكذلك للناس عادة في ايراد عقد المعاوضة على التسليم دون
المعيب فلهذا يصرف مطلق العقد فيه إلى التسليم فإن كان العبد الذي بعينه منصوبا في يده قائما
رده وإن كان هالكا فعليه قيمته لان ضمان الأصل في الغصب رد العين قال صلى الله عليه وسلم
على اليد ما أخذت حتى ترد وإنما يصار إلى القيمة عند عدم رد العين ليكون خلفا عن الضمان
الأصلي وسميت قيمة لقيامها مقام العين فان وقعت المنازعة بينهما في مقدار القيمة فالقول قول
المقر لانكاره لزيادة مع يمينه وكذلك لو أقر بغصب شاة أو بقرة أو ثوب أو عرض وكذلك
لو أقر أنه غصبه دارا فالقول قوله في تعيينها سواء عينها في هذه البلدة أو في بلدة أخرى لان
الدار اسم لما أدير عليه الحائط وذاك لا يختلف باختلاف البلدان فكان بيانه مطابقا للفظه ولو
قال هي هذه الدار التي في يدي هذا الرجل وذو اليد منكر يقول الدار داري فالقول في تلك
الدار قول ذي اليد لان دعوى المقر أنها لغيره كدعواه انها له فلا يصدق في ذلك بغير حجة
لكنه خارج عن عهدة اقراره بما بين فان بيانه مطابق للفظه لان ما في يد الغير مال محل
للغصب ثم لا يضمن المقر شيئا في قول أبي حنيفة وأبى يوسف الاخر وفي قول أبى يوسف
الأول وهو قول محمد رحمه الله يصير ضامنا لقيمتها لأنه أقر ببعضها ومن أصل أبي حنيفة
وأبى يوسف الآخر أن العقار لا يضمن بالغصب وهي مسألة معروفة في كتاب الغصب ولو
قال غصبته هذه الأمة أو هذا العبد فادعاهما جميعا المقر له فإنه يقال للغاصب قر بأيهما شئت
وتخلفت عن الآخر لأنه أدخل حرف أو في موضع الاثبات فيتناول بعض المذكورين فإذا
أقر بأحدهما خرج به عن عهدة ذلك الاقرار وقد صدقه المقر له في ذلك حين ادعاهما جميعا
فيأخذ المقر له ذلك الشئ عينه وتبقي دعواه الآخر في يده فيكون القول الآخر قول المنكر
مع يمينه وان الدعي المقر له أحدهما بعينه لم يستحق ذلك إذا زعم المقر أن المغصوب هو الآخر
لأنه أقر بغصب في منكر ولان ادعاء المقر له معين والمعين عند المنكر فلم يتناول اقراره هذا
المحل بعينه فلا يستحق به ثم هو بالتعيين قصد ابطال حق البيان الثابت للمقر فإنه هو المبهم ومن
أبهم شيئا فإليه بيانه وهو لا يملك ابطال الحق الثابت له فان بين المقر الآخر صح بيانه لأنه
موافق لمبهم كلامه ولكن المقر له كذبه في ذلك والاقرار يرتد بالرد فيبطل اقراره به بنفي
187

دعوى المقر له الآخر عليه وهو جاحد فالقول قوله مع يمينه ولو أقر أنه غصب هذا العبد
من هذا أو من هذا وكل واحد منهما يدعيه فان اصطلحا علي أخذه أخذه وإن لم يصطلحا
استحلف كل واحد منهما أولا نقول فرق بين هذا والأول فقال هناك يقال له قر بأيهما
شئت واحلف على الآخر وهنا لا يقال له قر لأيهما شئت وأحلف للآخر لان هناك الاقرار
صحيح ملزم فان المستحق معلوم إنما الجهالة في المستحق فيمكن اجباره على البيان لما صح
اقراره وهنا اقرار غير صحيح لان المقر له مجهول وجهالة المقر له تمنع صحة الاقرار لان الحق
لا يثبت للمجهول ولان المغصوب عند الغصب قد بينه حاله على الغاصب انه عبد أو أمة ولكن
المغصوب منه لا يشتبه عليه عادة فلم يكن اقراره للمجهول حجة تامة في الاستحقاق حتى يجبر
على البيان ولكنهما ان اصطلحا علي أن يأخذ ما مر بالتسليم إليهما لان المغصوب جهالة من يجب
عليه تسليمه إليه وقد يزال ذلك باصطلاحهما فان أحدهما مالك والآخر نائب عنه وكما يؤمر
الغاصب بالرد على نائبه ولأنه كان مقرا انه لا حق له في العبد منهما فان الحق فيه لا يعدوهما
وإنما لم يصح اقراره في التزام التسليم إلى أحدهما بعينه فلا يجبر على البيان لان ذلك غير ثابت
باقراره فإذا اصطلحا فقد ثبت باقراره أن المستحق منهما يأمره بالتسليم إليه فإن لم يصطلحا
استحلف لكل واحد منهما بعينه لان كل واحد منهما يدعى الحق لنفسه عينا وهو لم يقر بذلك
وإنما أقر لمنكر منهما والمنكر في حق المعين كالمعدوم وللقاضي الخيار في البداية بالاستحلاف
لأيهما شاء وقيل هذا بالاستحلاف لمن سبق بالدعوى وقيل يقرع بينهما تطمينا لقلوبهما فان
نكل عن اليمين أحدهما يأمره بالتسليم إليه ما لم يحلفه الآخر بخلاف ما إذا أقر لأحدهما
بعينه فإنه يأمره بالتسليم إليه لان الاقرار موجب الحق لنفسه فأما النكول لا يوجب الحق
الا بقضاء القاضي والقاضي لا يقضى الا بعد النظر لكل قسم ومن حجة الآخر أن يقول
القاضي إنما نكل له لأنك بدأت بالاستحلاف له ولو بدأت بالاستحلاف لي لكان ينكل
لي وفي الاقرار لا يمكن الآخر أن يحتج بمثل هذا وقد زعم أن المقر له أحق بالعين منه
فيأمره بالتسليم إليه فان حلف لأحدهما ونكل للآخر قضى القاضي به الذي يحل له لأنه
حق من حلف له وقد انتفى بيمينه ما لم يأت بحجة ولا حجة له ونكوله في حق الآخر
قائم مقام اقراره فيأمره بالتسليم إليه وان نكل لهما قضى القاضي بالعبد بينهما وبقيمته أيضا
بينهما لان بنكوله صار عقرا له وغصب من كل واحد منهما جميعه وما لو قدر الا علي النصف
188

يرده على كل واحد منهما وليس أحدهما أولي به من الآخر فيلزمه رد نصف القيمة على كل واحد
منهما اعتبارا للجزء بالكل إذا تعذر رده ولو حلف لهما لم يكن لهما عليه شئ لان حق كل واحد
منهما قد انتفى بيمينه إلى أن يجد الحجة فان أراد أن يصطلحا بعد ذلك لم يكن لهما ذلك في
قول أبى يوسف رحمه الله الآخر وكأن يقول أولا لهما ذلك وهو قول محمد رحمه الله * وجه
قوله الأول ان حق الاخذ عند الاصطلاح ثبت لهما بهذا الاقرار بدليل انهما لو اصطلحا
قبل الاستحلاف فان لهما أن يأخذاه والحق الثابت بالاقرار لا يبطل باليمين والمعنى الذي فات
لهما أن يأخذاه قبل الاستحلاف إذا اصطلحا علي ان أحدهما مالك والآخر نائب عنه وهذا
موجود بالاستحلاف ولان الاستحلاف هو غير محل للاقرار لان الاقرار كأن لأحدهما
بغير عينه والاستحلاف كان استحقاق كل واحد منهما بعينه فلا يتغير به حكم ذلك الاقرار
فالقاضي يتيقن انه صادق في يمينه أو كاذب ولا تأخير لليمين الكاذبة في ابطال الاستحقاق
وجه قول أبى يوسف الا آخر رحمه الله ان يمين المقر يبطل حق من حلف له كما لو حلف
لأحدهما يبطل حقه ومزاحمته ثم التفقه فيه من وجهين أحدهما ان أصل الاقرار وقع فاسدا
لجهالة المقر له لما بينا أن الغصب يوجب رد العين والمستحق للرد عليه بهذا الاقرار غير معلوم
أو كان الاقرار فاسدا ولكن أراد منعه العباد برفع المفسد بالاصطلاح ممكن فان أزال ذلك
قبل تقرر الفساد صح الاقرار وأمر بالتسليم إليهما وان تقرر الفساد بقضاء القاضي لا يمكن
ازالته بعد ذلك برفع كالبيع الفاسد بخيار مجهول أو بعمل مجهول إذا تقررت صفة الفساد
بالقضاء وهنا لما استحلفه القاضي لكل واحد منهما فقد حكم بفساد ذلك الاقرار فلا ينقلب
صحيحا بعد ذلك باصطلاحهما (الثاني) أن لكل واحد منهما لما طلب يمينه فقد عاملة المنكرين فصار
راد الاقرار يرتد برد المقر له فلم يبق لهما حق الاصطلاح بعد ذلك بخلاف ما قبل الاستحلاف
والثابت بالاقرار أحد الامرين اما الاصطلاح أو الاستحلاف فكما لو أقر علي الاصطلاح
كانا قابلين لإقراره فلا يبقى لهما حق الاستحلاف بعد ذلك فكذلك لو أقر علي الاستحلاف
كانا رادين لإقراره فلا يبقى لهما حق الاصطلاح بعد ذلك وقوله الاستحلاف في غير محل
لإقراره قلنا محل الاقرار لا يعدوهما فإذا وجد الاستحلاف منهما فقد تقن بوجوده ممن
وقع الاقرار له فكان ذلك مبطلا لحق الاقرار ولو قال غصبت العبد من هذا لا بل من هذا
فهو للأول وللآخر قيمته لان كلمة لا بل للاستدراك بالرجوع عن الأول وإقامة الثاني مقامه
189

اثبات والرجوع عما أقر به للأول باطل واثبات ما أقر به للأول في حق الثاني صحيح فيبقى العبد
مستحقا للأول بصدر كلامه وقد صار مقرا ببعضه من الثاني وهو عاجز عن رد عينه حين
سلمه إلى الأول بحكم الحاكم فكان عليه للثاني قيمته والدليل على أن كلمة لا بل موضوعة لما قلنا
مثل قول الرجل جاءني زيد لا بل عمر ويفهم منه الاخبار بمجئ زيد وهو بخلاف ما لو قال
هذا العبد لفلان بل لفلان حيث يؤمر بتسليمه إلى الأول ولا شئ للثاني عليه لأنه ما أقر على
نفسه بفعل موجب للضمان في حق الثاني إنما شهد له بالملك فيما صار مملوكا لغيره بصدر كلامه
والشاهد بالملك إذا أردت شهادته لم يضمن شيئا وهنا أقر بغصبه من الثاني وهو فعل موجب
للضمان عليه وإذا أقر بغصب شئ من الأشياء كائنا ما كان من قريب أو بعيد صغير أو كبير
مسلم أو كافر أو مرتد أو مستأمن أو حر أو عبد محجور عليه أو تاجر فهو ضامن له في جميع
ذلك أن كان فائتا وإن كان قائما رده إلى الذي أخذه منه صغيرا كان المغتصب منه أو كبيرا لان
رد المغصوب يفسخ من الغاصب لفعله فيه وحقيقة انفساخ فعله برده على من أخذه منه فكانت
جنايته بإزالة يد محترمة للغير في هذه العين واثبات اليد في نفسه فإذا اعاده إلى من أخذه منه
فقد صار به معيدا لما أخذ (ألا ترى) ان من أخذ منه خصم له في الاسترداد فيبرأ بالرد عليه
على أي صفة كانت وهو نظير من انتزع خاتما من أصبع نائم ثم أعاده إلي أصبعه قبل أن ينتبه
برئ منه لأنه أعاده كما كان بخلاف ما إذا انتبه ثم نام ثانيا لأنه لما انتبه وجب عليه رده على
المنتبه فلا يبرأ بعد ذلك بإعادته إلي أصبع النائم كما لو غصبه وهو منتبه ثم جعله في أصبعه في
حال نومه قال خلا الولد الصغير مع أبيه الغنى فلان الأب فيما يأخذ من مال ولده الصغير
لا يكون غاصبا ولكنه إن كان محتاجا إليه فله أن يأخذه ليصرفه إلى حاجته وإن لم يكن محتاجا
فله أن يأخذه لحفظه له فلا يلزمه رده على الصبي حتى يبلغ ولا يكون جانيا في حقه إلا أن
يستهلكه من غير حاجة فحينئذ يكون ضامنا له وكذلك وصى الصغير فيما يأخذ من ماله لا يكون
غاصبا لأن ولاية الاخذ لحفظه ثابتة وان غصب المولى من مكاتبه أو عبده المأذون المديون فهو
يرده أو الضمان عند هلاكه لأنه ممنوع من أخذه أما كسب المكاتب صار أحق به وصار
المكاتب كالحر يدا في مكاسبه فإذا أبق به عليه صار ضامنا وأما العبد المديون لان كسبه حق
غرمائه والمولى ممنوع من أخذه ما لم يسقط الدين فكان ضامنا وإن لم يكن على العبد دين
فكسبه خالص حق المولى فلا يكون هو في أخذه منه غاصبا وكذلك يغصب من مولاه
190

لأنه لا حق له في مال المولى وله ذمة معتبرة في ايجاب الدين لمولاه فيكون ضامنا غصبه منه
والعبد فيما يغصب من مولاه مأمور بالرد عليه ولكنه غير ضامن لان للعبد ذمة معتبرة في
ايجاب الدين فيها للمولى فان الدين لا يجب على العبد الا شاغلا مالية رقبته ومالية حق مولاه
ولو قال غصبتك هذا العبد أمس إن شاء الله تعالى لم يلزمه شئ استحسانا وفي القياس استثناؤه
باطل لان ذكر الاستثناء بمنزلة الشرط وذلك أنما يصح في الانشاءات دون الاخبارات
ولكنه استحسن فقال الاستثناء يخرج الكلام من أن يكون عزيمة إلا أن يكون في معنى
الشرط فان الله تعالى أخبر عن موسى عليه السلام حيث قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولم
يصبر على ذلك والوعد من الأنبياء عليهم السلام كالعهد من غيرهم فدل أن الاستثناء مخرج
للكلام من أن يكون عزيمة وقال صلى الله عليه وسلم من استثنى فله ثنياه والاقرار لا يكون
ملزما الا كلام هو عزيمة لكن إنما يعمل هذا الاستثناء إذا كان موصولا بالكلام لا إذا كان
مفصولا الا علي قول ابن عباس رضي الله عنه فإنه قال يعمل بالاستثناء وإن كان مفصولا استدلالا
بقوله صلى الله عليه وسلم لأغزون قريشا ثم قال بعد سنة إن شاء الله تعالى ولنا نقول
الاستثناء مخرج لكلامه من أن يكون عزيمة فكان مغير الموجب مطلق الكلام والتعبير إنما
يصح موصولا بالكلام لا مفصولا فإنه بمنزلة الفسخ والتبديل والمقر لا يملك ذلك في اقراره
فكذلك لا يملك الاستثناء المفصول وهذا بخلاف الرجوع من الاقرار فإنه لا يصح وإن كان
موصولا لان رجوعه نفى لما أثبته فكان تناقضا منه والتناقض لا يصح مفصولا كان أو
موصولا اما هذا بيان فيه تعبير فان الكلام نوعان لغو وعزيمة فبالاستثناء تبين أن كلامه
ليس بعزيمة وبيان التعبير لا يصح موصولا لا مفصولا بمنزلة التعليق بالشرط فإنه متبين ان
صدر كلامه لم يكن ايقاعا بعد أن كان ظاهرا مقتضيا للايقاع فصح ذلك موصولا لا مفصولا
وأما الحديث قلنا قوله صلى الله عليه وسلم بعد سنة إن شاء الله تعالى لم يكن علي وجه الاستثناء
إنما كان على وجه الامتثال لما أمر به قال الله تعالى واذكر ربك إذا نسيت ولو قال غصبتك
هذا العبد أمس الا نصفه صدق فيه لان الكلام إذا قيد بالاستثناء يصير عبارة عما وراء
المستثنى لا أن يكون رجوعا عن القدر المستثنى قال الله تعالى فلبث فيهم الف سنة الا خمسين
عاما معناه تسعمائة وخمسين فأما لو جعلناه في معنى الرجوع كان ذلك قولا بالغلط فما أخبر
الله تعالى به حتى تداركه بالاستثناء وذلك لا يجوز ثم هذا بيان فيه تعتير لان صدر كلامه
191

اقرار بغصب ما سمى عبدا وبالاستثناء تبين أن المغصوب لم يكن عبدا فلما كان تعتيرا صح
موصولا لا مفصولا وكذلك لو قال الا ملبسه الا على قول القرار رحمه الله فإنه لا يجوز
استثناء الأكثر مما تكلم به لان العرب لم تتكلم بذلك ولكنا نجوزه استدلالا بقوله تعالى قم
الليل الا قليلا نصفه أو أنقص منه قليلا ولان طريق صحة الاستثناء أن يجعل عبارة عما وراء
المستثنى ولا فرق بين الاستثناء في الأقل والأكثر وإن لم تتكلم به العرب لم يمتنع صحته إن كان
موافقا لطريقهم كاستثناء الكسور لم تتكلم به العرب وكان صحيحا ولو قال الا العبد
كله كان الاستثناء باطلا لأنه لا يمكن تصحيحه بان جعل عبارة عما وراء المستثنى فإنه لا يبقى
وراء المستثنى شئ فكان هذا رجوعا لا استثناء والرجوع عن الاقرار باطل موصولا كان
أو مفصولا ولو قال غصبتك كذا وكذا فهو اقرار بغصبهما فان حرف الواو للعطف
والعطف للاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الخبر فيقول الرجل جاءني زيد وعمر
فيكون اخبارا بمجيئهما فإذا قال غصبته عبدا أو جارية كان اقرارا بغصبهما لأنه خبر المذكور
أو لأنه مغصوب ولم يذكر للثاني خبر يستقل به فكان الخبر الأول خبر له وكذا خبر أن
يقول دابة مع سرجها لان كلمة مع للقران فقد قرن بينهما في الاقرار بفعل الغصب فيهما إذ
لا تتحقق المقارنة منه الا في هذا وكذلك لو قال كذا بكذا نحو أن يقول غصبته فرسا بلجامه
أو عبدا بمنديله فهو اقرار بغصبهما لان الباء للالصاق فيصير هو ملصقا الثاني بالأول فيما
أخبر به من فعل الغصب ويكون مبنيا أن عند غصبه كان اللجام ملصقا بالدابة ولن يتحقق
الالصاق الا بعد أن يكون غاصبا لهما وكذلك لو قال كذا فكذا نحو أن يقول غصبت عبدا
فجارية فان الفاء للوصل وفيه معنى العطف على سبيل التعقيب ولن تتحقق هذه المعاني الا
بعد أن كان غاصبا لهما وكذلك لو قال كذا وعليه كذا نحو أن يقول غصبته دابة عليها سرجها
لأنه جعل المغصوب محلا لما ذكره آخرا فيقتضى أن يكون غاصبا لهما وان قال كذا من كذا
بان قال غصبت منديلا من غلامه أو سرجا من دابته كان اقرارا بالغصب في الأول خاصة
لان كلمة من للتبعيض فإنه يفهم منه الانتزاع فعلى أنه انتزع ما أقر بغصبه أولا من ملكه
(ألا ترى) أنه يقول منديلا من رأسه أو ثوبا من بدنه فلا يفهم الاقرار بغصب الثوب والمنديل
وكذلك لو قال كذا على يجوز أن يقول غصبته إكافا على حماره فيكون اقرارا بغصب
الاكاف خاصة والحمار مذكور لبيان محل المغصوب حين أخذه وغصب الشئ من محل
192

لا يكون مقتضيا غصب المحل ولو قال كذا في كذا وإن كان الثاني مما يكون وعاء للأول كالماء
نحو ثوب في منديل أو طعام في سفينة وما أشبه ذلك لان في حقيقة للظرف فهو مخبر بأن
الثاني كان ظرفا للأول مع غصبه ولن يكون ذلك الا إذا كان غصبه لهما وكذلك قوله تمرا
في قوصرة أو حنطة في جوالق وإن كان الثاني هما لا يكون وعاء للأول نحو قوله غصبتا
درهما في درهم لم يلزمه الثاني لأنه غير صالح أن يكون ظرفا لما أقر بغصبه أولا فلغى آخر كلامه
فان (قيل) كان ينبغي أن يجعل حرف في بمعنى حرف مع لان الكلام معمول بمجازه عند
تعذر العمل بحقيقته قال الله تعالى فأدخلي في عبادي (قلنا) إذا آل الامر إلى المجاز فكما يحتمل
معنى مع يحتمل معنى على قال الله تعالى ولأصلبنكم في جذوع النخل أي على جذوع النخل
فان حمل عليه لم يلزم الثاني وان حمل على معنى مع لزمه والذمة في الأصل بريئة فلا يجوز
شغلها بالشك وإن كان الثاني مما يكون الأول وسطه نحو أن يقول غصبتك ثوبا في عشرة
أثواب لم يلزمه الا ثوب واحد في قول أبى يوسف وهو قول أبي حنيفة رحمهما الله ويلزمه
في قول محمد رحمه الله أحد عشر ثوبا * وجه قول محمد رحمه الله أن العشرة قد تكون وعاء
للثوب الواحد فان الثوب النفيس قد يلف عادة في الثياب فكان هذا بمنزلة قوله حنطة في
جوالق أو يحمل كلامه على التقديم والتأخير فيصير كأنه قال عشرة أثواب في ثوب والثوب
الواحد يكون وعاء للعشرة فوجب العمل بما صرح به بحسب الامكان وعلل لأبي يوسف
رحمه الله في الجناب وقال إن العشرة لا تكون وعاء معناه أن الوعاء غير الموعا والثوب إذا لف
في ثياب فكل ثوب يكون موعا في حق ما وراءه فلا يكون وعاء الا الثوب الذي هو ثوب
ظاهر فإذا كأن لا يتحقق كون العشرة وعاء للثوب الواحد كان آخر كلامه لغوا وحمله علي
التقديم والتأخير لا معنى له فإنه اشتغال بايجاب المال في ذمته بالمحتمل وبتأويل هو مخالف
للظاهر وذلك لا يجوز ولو قال غصبته كرباسا في عشرة أثواب حرير عند محمد رحمه الله
يلزمه الكرباس وعشرة أثواب حرير لان الحرير لا يجعل وعاء للكرابيس عادة ولو قال
غصبتك طعاما في بيت كان هذا بمنزلة قوله طعاما في سفينة لان البيت قد يكون وعاء للطعام
فيكون اقرارا بغصب البيت والطعام إلا أن الطعام يدخل في ضمانه بالغصب والبيت لا يدخل
في ضمانه في قول أبي حنيفة وأبى يوسف الآخر لأنه مما لا ينقل ولا يحول والغصب الموجب
للضمان لا يكون الا بالنقل والتحويل وان قال لم أحول الطعام من موضعه لم يصدق في
193

ذلك لأنه أقر بغصب تام وفي الطعام يتحقق ذلك بالنقل والتحويل فكان هو في قوله لم
أنقله راجعا عما أقربه فلم يصدق وكان ضامنا للطعام وفي قول محمد رحمه الله هو ضامن للبيت
أيضا ومسألة غصب العقار معروفة ولو قال غصبته يوما ورددته عليه لم يصدق علي الرد وإن كان
كلام موصول لأنه ليس إلى بيان صدر الكلام بل هو دعوى مبتدأ أي أوفيته ما لزمني
من ضمان الغصب واقراره صحيح فأما دعواه بغير حجة لا تكون صحيحة ولكن القول قول
المنكر للرد كالمقر بالدين إذا ادعى الايفاء والابراء كلام موصول ولو قال غصبته ثوبا من عينه
أو تمرا من قوصرة أو طعاما من بيت أو ظهر دابة ضمن التمر والثوب والطعام خاصة لما بينا
ان آخر كلامه كان لبيان ان انتزاع المغصوب كان بين هذا فهو بمنزلة قوله غصبته ثوبا من
يده يكون اقراره بالغصب في الثوب دون يده فكذلك ما سبق والله أعلم
(باب اقرار المفاوضة بالدين)
(قال رحمه الله وإذا أقر أحد المتفاوضين بدين في مرض موته من تجارتهما يوحد
شريكه به في الحال وفيه طريقان لنا أحدهما أن المتفاوضين في حقوق التجارة صارا بمنزلة
شخص واحد ومباشرة أحدهما سبب وجوب الدين كمباشرتهما والاقرار من باب التجارة
فوجوده من أحدهما كوجوده منهما والأصح أن يقول وجوب الدين بمباشرة السبب علي
من باشره ولكن الشريك مطالب به بسبب التحمل الثابت بمقتضى صدر المفاوضة بينهما لان
عقد المفاوضة يقتضى الوكالة العامة والكفالة العامة لكل واحد منهما عن صاحبه في ديون
التجارة فإنها تقتضي المساواة بهذا فالمفاوض المقر وإن كان مريضا فقد وجب عليه الدين باقراره
حتى إذا لم يكن عليه دين في الصحة كان مطالبا به في الحال وإن كان عليه دين في الصحة
فحق غريم الصحة مقدم ولكن حق المقر له في المرض ثابت أيضا حتى إذا فرغت التركة من
حق غريم الصحة صرف المقر له في المرض وإذا ثبت الوجوب في حق المقر صار الشريك
مطالبا به بحكم الكفالة وتأخره في حق المقر لمكان دين الصحة لا يوجب التأخير في الشريك
كالعبد المحجور يقر على نفسه بدين ويكفل البيان عنه يؤاخذ الكفيل في الحال به وإن كان
مؤخرا في حق الأصل إلى ما بعد العتق وهذا لا تأجيل في أصل المال إنما التأخير لضرورة
انعدام محل القضاء ولا ضرورة في حق الكفيل فيكون مطالبا في الحال بايفائه ولو كان
194

المفاوض المريض أقر لوارثه بدين لم يلزم شريكه وبهذا تبين أن الصحيح هو الطريق الثاني
دون الأول فإنه لو جعل اقرار أحدهما لصار الشريك الآخر مطالبا بالمال هنا ولكن اقرار
المريض لوارثه باطل فلم يجب به المال في ذمة المقر والوجوب علي الشريك بحكم الكفالة فإذا
لم يكن المال واجبا على الأصيل لا يجب على الكفيل خلاف الأول فان اقراره للأجنبي صحيح
وإن كان مؤخرا عن حق غرماء الصحة فوجب به المال على الأصيل وصار الكفيل مطالبا
به بحكم الكفالة وكذلك لو كفل لوارثه بشئ لان كفالة المريض لوارثه باطلة غير موجبة المال
عليه فأما إذا كفل للأجنبي فعند أبي حنيفة رحمه الله يؤاخذ به شريكه سواء كفل بأمر الأصيل
أو بغير أمره وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لا يؤاخذ الشريك به وكذلك أن أقر أحد
المتفاوضين بكفالة في صحته أو مرضه فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله يؤاخذ به شريكه وعندهما
لا يؤاخذ بشئ من ذلك * حجتهما أن دين الكفالة ليس من دين التجارة لان سببه لا ينزع
ما هو تبرع (ألا ترى) انه لو حصل من المريض كان معتبرا من الثلث ولو حصل من العبد
المأذون والمكاتب لم يكن صحيحا وما وجب على أحد المتفاوضين لا بجهة التجارة لا يكون
شريكه مطالبا به كما يجب من مهر امرأته وأرش الجناية بجنايته وكلامهما يتضح في الكفالة
بغير الأصل فإنه تبرع محض حتى لا يستوجب الكفيل الرجوع على الأصيل عند الأداء
ولأبي حنيفة رحمه الله طريقان الأول ان هذا الدين وجب بما هو من متضمنات عقد المفاوضة
فيكون الشريك مطالبا به كالواجب بطريق الوكالة إذا توكل أحدهما عن الغير بالشراء وبيانه
فيما قلنا إن عقد المفاوضة يقتضي الوكالة العامة والكفالة العامة وبهذا تبين أنه من جنس التجارة
لان عقد المفاوضة يتضمن ما هو من جنس التجارة الثاني ان في الكفالة معنى البيوع في الابتداء
ولكنه مفاوضة أيهما خصوصا في الكفالة بالأمر فإنه يرجع بما يؤدى إلى الأصيل ففي حق
العبد المأذون والمكاتب والمريض اعتبرنا معنى التبرع فيه في الابتداء فلم يكن صحيحا وفى حق
المفاوض اعتبرنا معنى المفاوضة في الانتهاء لأنه صحيح في حق من باشر سببه فإذا صح انقلبت
مفاوضة فعند صيرورة الشريك الآخر مطالبا له في الحال وتأخر في حق المريض عن حق
غرماء الصحة لان اقرار الشريك عليه لا يكون العبد من اقراره بنفسه وهو لو أقر بنفسه
تأخر عن حق غرماء الصحة فكذلك ما لزم باقرار شريكه أو يجعل هذا كاقرارهما جميعا فان
(قيل) كان ينبغي أن يكون هذا في حق المريض من ثلث ماله لان الوجوب عليه كان لسبب
195

الكفالة عن شريكه وكفالة المريض معتبرة من ثلثه (قلنا) هذا إذا لو كانت مباشرة الكفالة
في المرض وهنا الكفالة بمقتضى عقد المفاوضة فإنما كان في حال الصحة فالوجود وان حصل في
حالة المرض لما كان سببه موجودا في حال الصحة فالواجب كان معتبرا من جميع ماله فان (قيل)
إذا كان سببه في حال الصحة ينبغي أن لا يتأخر عن حق غرماء الصحة (قلنا) وجوب الدين
عليه بذلك السبب إنما حصل في المرض فكان ذلك مزيد المرض لهذا المريض ولان اقرار
الغير عليه لا يكون أبعد من قراره علي نفسه ولو أقر الصحيح لوارث المريض بدين لزم
الصحيح كله دون المريض لان اقرار الصحيح في حق المريض كاقراره بنفسه واقراره لوارثه
باطل فكذلك اقرار الصحيح في حقه وليس من ضرورة امتناع وجوب المال على الكفيل أن
لا يجب على الأصيل فلهذا وجب المال علي الصحيح فان (قيل) اقرار المريض لوارثه إنما لا يصح
لتهمة الايثار وهو غير موجود في حق اقرار شريكه (قلنا) ليس كذلك بل يتمكن تهمة المواضعة
هنا من حيث إنه لما علم أن اقراره لوارثه بنفسه لا يصح لشريكه لتقربه له ثم يستوفى من مال
المريض فليمكن هذه التهمة (قلنا) لا يصح الاقرار في حق المريض ولا تهمة في ما يقر له
الشريك على نفسه في حقه فكان هو مطالبا بالمال ولو كان المفاوض قال لرجل ما ذاب لك على
فلان فهو على أو ما وجب لك عليه أو ما قضى لك عليه ثم مرض ثم أقر فلان بألف درهم لذلك
الرجل وقضى بها له عليه لزم المريض ذلك من جميع المال لان وجوب هذا المال عليه وإن كان
بطريق الكفالة ولكن صح سببه في حال الصحة ولزم حتى لو أراد الرجوع عنه لم يملك ذلك
فكان بمنزلة سائر الديون في كونه معتبرا من جميع المال (ألا ترى) ان الصحيح لو ضمن الدرك
عن رجل في دار باعها ثم مرض فلزم الدرك كان مطالبا من جميع المال لان سببه لزم في حال
الصحة على وجه لا يمكنه الرجوع عنه فكان معتبرا من جميع المال لان سببه لزم في حال الصحة
هنا لان الوجوب مستند إلى سببه ولما تم السبب هنا ولزمه في حال الصحة استند حكم
الوجوب إليه فلهذا كان مزاحما لغرماء الصحة والله أعلم بالصواب
(باب الاقرار لما في البطن)
(قال رضي الله عنه الاقرار لما في البطن على ثلاثة أوجه أحدها أن يبين سببا صالحا
مستقيما بأن يقول لما في بطن فلانة علي ألف درهم من جهة ميراث ورثه عن أبيه فاستهلكته
196

أو وصية أوصى بما له فاستهلكته فهذا صحيح) لأنه بين سببا مستقيما لو عاينه حكمنا بوجوب
المال عليه فكذلك إذا ثبت باقراره هذا لان هذا الاقرار في الحقيقة للمورث والموصى فان
المال منفى علي حقه ما لم يصرفه إلى وارثه أو إلى من أوصى له به وكذلك المورث والموصي
من أهل الاقرار له فهو نظير ما لو قال لدابة فلان على ألف درهم أوصى له بالعلف فاستهلكته
ثم إن ولدت ولدا حيا فالمقر به له وان ولدته ميتا فالمال مردود علي ورثة الميت والموصي وان
جاءت بولدين أحدهما ذكر والآخر أنثى ففي الوصية يقسم بينهما نصفين وفي الميراث يكون
بينهما للذكر مثل خط الأنثيين لان قول المقر في بيان السبب مقبولا وهذا إذا وضعته
لأقل من ستة أشهر من حين مات الموصى والمورث حتى علم أنه كان موجودا في ذلك الوقت
وان وضعته لأكثر من ستة أشهر لم يستحق شيئا إلا أن تكون المرأة معتدة فحينئذ إذا جاءت
بالولد لأقل من سنتين حتى حكم بثبوت السبب في ذلك حكما بوجوده في البطن حين مات
الموصى والمورث الوجه الثاني أن يبين سببا بمستحيل بأن يقول لما في بطن فلانة على ألف درهم
ثمن بيع بايعته أو قرض أقرضته فهذا باطل لان المبايعة والاقراض لا يتصور من الجنين حقيقة
ولا حكما أما الحقيقة فلا يشكل وأما الحكم فلانه لا ولاية لاحد على الجنين حتى يكون تصرفه
بمنزلة تصرف الجنين فيصير مضافا إليه من هذا الوجه وإذا كان ما سببه من السبب محالا
صار كلامه لغوا فلا يلزمه شئ فان (قيل) هذا يكون رجوعا عن اقراره باذن والرجوع عن
الاقرار لا يصح وإن كان موصولا (قلنا) لا كذلك بل هو بيان السبب محتمل فقد نسبه على
الجاهل فيظن أن الجنين يثبت عليه الولاية كالمنفصل فيعامله ثم يقر بذلك المال للجنين بناء
علي ظنه وتبين سببه ثم يعلم أن ذلك السبب كان باطلا فكان كلامه بيانا لا رجوعا فلهذا كان
مقبولا منه والثالث أن يقر للجنين بمال مطلق من دين أو عين فيقول لما في بطن فلانه على
ألف درهم أو هذا العين ملك لما في بطن فلانة فولدت لمدة يعلم أنه كان في البطن وقت
الاقرار فالاقرار باطل في قول أبى يوسف رحمه الله وقال محمد رحمه الله الاقرار صحيح
وجه قول محمد ان مطلق كلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن لان عقله ودينه يدعو
به إلى التكلم بما هو صحيح لا بما هو لغو فيجعل مطلق اقراره صحيحا بمنزلة ما لو بين سببا
صحيحا لاقرارهما وهذا لان الاقرار حجة مهما أمكن اعماله لا يجوز ابطاله والجنين جعل
في حكم المنفصل حتى يصح الاقرار سببه ويصح اعتاقه والاقرار يعتقه ويرث ويوصي له
197

فكما أن الاقرار للمنفصل بالمال مطلقا يكون اقرارا صحيحا فكذلك الاقرار به للحنين ولأبي
يوسف رحمه الله أن مطلق الاقرار بالمال محمول على الالتزام بالعقد فكأنه أقربه وهذا لان
دينه وعقله يمنعانه من الاستهلاك ويدعو به إلى الالتزام بالعقد فيجب حمل مطلق اقراره عليه
(ألا ترى) أن أحد المتفاوضين إذا أقر بمال مطلق يلزم شريكه والعبد المأذون إذا أقر بالمال
مطلقا يصح اقراره ويؤخذ به في الحال وكان ذلك باعتبار حمل مطلق الاقرار على جهة
التجارة فكذلك هنا يحمل مطلق اقراره على جهة التجارة فكأنه بين جهة التجارة ولان
الاقرار ابتداء هنا يقع للجنين وهو ليس من أهل أن يثبت له حق ابتداء ما لم ينفصل ولهذا لا يلي
عليه أحد لأنه ما دام مختبأ في البطن فهو في حكم الاجراء والأبعاض فاما العتق والوصية
مما يحتمل التعليق بالشرط فيجعل كالمضاف إلى ما بعد الانفصال والاقرار بالسبب ليس
بايجاب حق له ابتداء بل اخبار بأنه علق من مائه والاقرار باستهلاك ميراث أو وصية له
لا يكون ايجابا للجنين ابتداء بل يكون اقرار للمورث والموصى ثم ينتقل إليه بسبب الإرث
والوصية ان انفصل حيا أما هذا ايجاب الحق للجنين ابتداء وهو ليس باهل لذلك فلهذا بطل
اقراره والله أعلم
(باب الخيار)
(قال رحمه الله رجل أقر لرجل بدين من قرض أو غصب أو وديعة أو عارية قائمة أو
مستهلكة على أنه بالخيار ثلاثة أيام فالاقرار جائز والخيار باطل اما جواز الاقرار فلوجود
الصيغة الملزمة بقوله على أو عبدي لفلان وأما الخيار فباطل) لان الاقرار باطل ان اختار ولا
يليق به الخيار لان الخبر إن كان صادقا فصدق اختاره أولم يختره وإن كان كذبا لم يتعين باختياره
وعدم اختياره وإنما ما يبر يشترط الخيار في العقود بالشرط ليتغير به صفة العقد ويتخير من
له بين فسخه وامضائه ولان الخيار في معنى التعليق بالشرط فما دخل عليه وهو حكم العقد
والاقرار لا يحتمل التعليق بالشرط فكذلك لا يحتمل اشتراط الخيار إلا أن التعليق يدخل
على أصل السبب فمنع كون الكلام اقرارا والخيار يدخل على حكم السبب فإذا لغى بقي حكم
الاقرار وهو اللزوم ثانيا وهذا كما أن التعليق بالشرط يمنع وقوع الطلاق واشتراط الخيار
لا يمنعه ويستوى ان صدقه صاحبه في الخيار أو كذبه وهذا بخلاف ما إذا أقر بدين من ثمن
198

بيع على أنه فيه بالخيار ثلاثة أيام فان هناك يثبت الخيار إذا صدقه صاحبه لان سبب الوجوب
عقد يقبل الخيار فإذا تصادقا عليه صار ذلك كالمعاين في حقهما وان كذبه صاحبه لم يثبت الخيار
لان مقتضى مطلق البيع اللزوم فمن ادعى عدوة معتبرة باشتراط الخيار فيه لا يقبل قوله الا بحجة
فاما ما سبب وجوب المال فعلا من فرض أو غصب أو استهلاك وذلك لا يليق به الخيار ولو
عاين اشتراط الخيار فيه كان لغوا فلهذا لم يثبت وان تصادقا عليه وان أقر بالدين من كفالة علي
شرط مدة معلومة طويلة أو قصيرة فان صدقه المقر له فهو كما قال والخيار ثابت له إلى آخر
المدة لان الكفالة عقد يصح اشتراط الخيار فيه فيجعل ما تصادقا عليه كالمعاين في حقهما وفرق
أبو حنيفة رحمه الله بين البيع وبين الكفالة فقال في البيع لا يجوز اشتراط الخيار أكثر من
ثلاثة أيام وفي الكفالة يجوز ذلك وان طالت المدة لان الكفالة عقد مبين على التوسع (ألا ترى)
انه يحتمل التعليق ببعض الاخطار نحو قوله ما ذاب لك عن فلان فهو علي ونحو الكفالة بالدرك
فإنه تعليق بخطر الاستحقاق فإذا كان هو محتملا للتعليق كان الخيار ملائما له بأصله فيجوز
اشتراطه مدة معلومة قصرت أو طالت فأما البيع مبنى على العتق حتى لا يحتمل التعليق بالشرط
أصلا فلم يكن الخيار ملائما له باعتبار أصله فقلنا لا يجوز اشتراطه الا بقدر ما ورد به الشرع
بخلاف القياس وذلك ثلاثة أيام وان كذبه صاحبه بالخيار لزمه المال ولم تصدق على شرط الخيار
لان مقتضى عقد الكفالة اللزوم كما هو مقتضى مطلق البيع وهذا بخلاف الاجل فإنه إذا ادعى
الكفالة بالمال إلى أجل فالقول قوله وإن لم يصدقه صاحبه لان الاجل من مقتضيات الكفالة
(ألا ترى) أن من كفل بمال موجد مطلقا يثبت الاجل في حق الكفيل وكذلك الكفالة توجب
المال للكفيل على الأصيل إذا كان يأمره كما يوجب للطالب على الكفيل وما يكون للكفيل على
الأصيل مؤجل أن يؤديه عنه فلما كان الأصل من مقتضيات الكفالة جعل القول فيه قول من
يدعيه بخلاف الخيار فإنه ليس من مقتضيات الكفالة فلا يقبل قول من يدعيه الا بحجة
واقرار الصبي التاجر جائز في جميع تجاراته لان الاقرار من صيغ التجار وهو مما لا يستغنى
التاجر عنه فإنه يتعذر على من يعامله اشهاد الشاهدين عليه كل معاملة فإذا علم أن اقراره له
لا يكون صحيحا يتحذر عن المعاملة معه فلهذا جوزنا اقراره وبخلاف اقرار الأب والوصي
عليه فإنه لا يكون صحيحا لعدم التصور فان الاقرار ما يقر المرء به علي نفسه فأما ما يقربه علي
غيره يكون شهادة فمن الأب لا يتحقق الاقرار علي الصبي ويتحقق من الصبي المأذون الاقرار
199

على نفسه ويستوى ان أقر بدين أو عين مما اكتسبه بتجارته أو كان موروثا له عن أبيه
لان اقراره فيه باعتبار ملكه والكل في حكم الملك سواء (ألا ترى) ان سائر تصرفاته
يجوز فيهما فكذلك اقراره وذكر في المجرد عن أبي حنيفة رحمه الله ان اقراره فيما يرثه من
أبيه لا يكون صحيحا لان صحة اقراره فيما اكتسبه بتجارته لوقوع الحاجة إليه وذلك
غير موجود فيما ورثه عن أبيه والأصح ما ذكره في الكتاب لان انفكاك الحجر عنه فيما
هو من جملة التجارة بالاذن بمنزلة انفكاك الحجر عنه فيما هو من جملة التجارة بالاذن بمنزلة
انفكاك الحجر عنه بالبلوغ وقد بينا أن الاقرار من التجارة وكذلك لو أقر الصبي المأذون
علي أبيه بدين جاز اقراره لأنه في حكم جواز الاقرار فصار انفكاك الحجر عنه بالاذن كانفكاك
الحجر عنه بالبلوغ ولو أقر بدين أبيه بعد البلوغ صح اقراره واستوفى جميع الدين من نصيبه
ان أنكر شركاؤه فكذلك إذا أقر به بعد الاذن ولو أقر على نفسه بالمهر وأرش الجناية ودين
الكفالة لم يصح اقراره بشئ من ذلك لأن هذه الأسباب ليست بتجارة وقد نفى الحجر عليه
بقيام الصغر فيما ليس بتجارة (ألا ترى) ان أحد المتفاوضين لو أقر بالمهر وأرش الجناية يؤاخذ
به شريكه بخلاف ما إذا أقر بالدين مطلقا فهذا مثله فالكفالة في حق الصبي بمنزلة المهر وأرش
الجناية لأنه ينزع ابتداء بخلاف المفاوض علي ما بينا والله أعلم بالصواب
(تم الجزء السابع عشر من كتاب المبسوط)
(ويليه الجزء الثامن عشر وأوله باب الاقرار بالعارية)
200