الكتاب: بدائع الصنائع
المؤلف: أبو بكر الكاشاني
الجزء: ١
الوفاة: ٥٨٧
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٩ - ١٩٨٩ م
المطبعة:
الناشر: المكتبة الحبيبية - باكستان
ردمك:
ملاحظات:

الجزء الأول من
كتاب بدائع الصنائع
في
ترتيب الشرائع
تأليف
الامام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي
الملقب بملك العلماء المتوفى سنة هج‍ 587 رية
(الطبعة الأولى)
1409 ه‍ 1989 م‍
الناشر
المكتبة الحبيبية
كانسي رود حاجي غيبي چوك كوئته
باكستان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلى القادر القوى القاهر الرحيم الغافر الكريم الساتر ذي السلطان الظاهر والبرهان الباهر
خالق كل شئ ومالك كل ميت وحى خلق فأحسن وصنع فأتقن وقدر فغفر وأبصر فستر وكرم فعفى وحكم
فأحفى عم فضله واحسانه وتمت حجته وبرهانه وظهر أمره وسلطانه فسبحانه ما أعظم شانه والصلاة
والسلام على المبعوث بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا فأوضح الدلالة وأزاح الجهالة وفل
السفه وثل الشبه محمد سيد المرسلين وامام المتقين وعلى آله الأبرار وأصحابه المصطفين الاخبار
(وبعد) فإنه لا علم بعد العلم بالله وصفاته أشرف من علم الفقه وهو المسمى بعلم الحلال والحرام وعلم
الشرائع والأحكام له بعث الرسل وأنزل الكتب إذ لا سبيل إلى معرفته بالعقل المحض دون معونة السمع وقال
الله تعالى يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا قيل في بعض وجوه التأويل هو علم
الفقه وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ما عبد الله بشئ أفضل من فقه في دين ولفقيه
واحد أشد على الشيطان من ألف عابد وروى أن رجلا قدم من الشام إلى عمر رضي الله عنه فقال ما أقدمك
قال قدمت لا تعلم التشهد فبكى عمر حتى ابتلت لحيته ثم قال والله انى لأرجو من الله أن لا يعذبك أبدا والاخبار
والآثار في الحض على هذا النوع من العلم أكثر من أن تحصى وقد كثر تصانيف مشايخنا في هذا الفن قديما
وحديثا وكلهم أفادوا وأجادوا غير أنهم لم يصرفوا العناية إلى الترتيب في ذلك سوى أستاذي وارث السنة
ومورثها الشيخ الإمام الزاهد علاء الدين رئيس أهل السنة محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي رحمه الله تعالى
فاقتديت به فاهتديت إذ الغرض الأصلي والمقصود الكلى من التصنيف في كل فن من فنون العلم هو تيسير سبيل
الوصول إلى المطلوب على الطالبين وتقريبه إلى افهام المقتبسين ولا يلتئم هذا المراد الا بترتيب تقتضيه الصناعة
وتوجبه الحكمة وهو التصفح عن أقسام المسائل وفصولها وتخريجها على قواعدها وأصولها ليكون أسرع
فهما وأسهل ضبطا وأيسر حفظا فتكثر الفائدة وتتوفر العائدة فصرفت العناية إلى ذلك وجمعت في كتابي
2

هذا جملا من الفقه مرتبة بالترتيب الصناعي والتأليف الحكمي الذي ترتضيه أرباب الصنعة وتخضع له أهل
الحكمة مع ايراد الدلائل الجلية والنكت القوية بعبارات محكمة الباني مؤدية المعاني وسميته (بدائع
الصنائع في ترتيب الشرائع) إذ هي صنعة بديعة وترتيب عجيب وترصيف غريب لتكون التسمية موافقة
للمسمى والصورة مطابقة للمعنى وافق شن طبقه وافقه فاعتنقه فأستوفق الله تعالى لاتمام هذا الكتاب الذي
هو غاية المراد والزاد للمرتاد ومنتهى المطلب * وعينه تشفى الجرب * والمأمول من فضله وكرمه أن يجعله وارثا
في الغابرين ولسان صدق في الآخرين وذكرا في الدنيا وذخرا في العقبى وهو خير مأمول وأكرم مسؤول
* (كتاب الطهارة) *
الكلام في هذا الكتاب في الأصل في موضعين أحدهما في تفسير الطهارة والثاني في البيان أنواعها (أما)
تفسيرها فالطهارة لغة وشرعا هي النظافة والتطهير التنظيف وهو اثبات النظافة في المحل وانها صفة تحدث ساعة
فساعة وإنما يمتنع حدوثها بوجود ضدها وهو القذر فإذا زال القذر وامتنع حدوثه بإزالة العين القذرة تحدث
النظافة فكان زوال القذر من باب زوال المانع من حدوث الطهارة لا أن يكون طهارة وإنما سمى طهارة
توسعا لحدوث الطهارة عند زواله
(فصل) وأما بيان أنواعها فالطهارة في الأصل نوعان طهارة عن الحدث وتسمى طهارة حكمية وطهارة عن
الخبث وتسمى طهارة حقيقة (أما) الطهارة عن الحدث فثلاثة أنواع الوضوء والغسل والتيمم (أما) الوضوء
فالكلام في الوضوء في مواضع في تفسيره وفي بيان أركانه وفي بيان شرائط الأركان وفي بيان سننه وفي بيان آدابه
وفي بيان ما ينقضه (أما) الأول فالوضوء اسم للغسل والمسح لقوله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى
الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين أمر بغسل الأعضاء الثلاثة
ومسح الرأس فلابد من معرفة معنى الغسل والمسح فالغسل هو إسالة المائع على المحل والمسح هو الإصابة حتى
لو غسل أعضاء وضوئه ولم يسل الماء بأن استعمله مثل الدهن لم يجز في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف انه يجوز
وعلى هذا قالوا لو توضأ بالثلج ولم يقطر منه شئ لا يجوز ولو قطر قطرتان أو ثلاث جاز لوجود الإسالة وسئل
الفقيه أبو جعفر الهندواني عن التوضئ بالثلج فقال ذلك مسح وليس بغسل فان عالجه حتى يسيل يجوز وعن
خلف بن أيوب أنه قال ينبغي للمتوضئ في الشتاء أن يبل أعضاءه شبه الدهن ثم يسيل الماء عليها لأن الماء يتجافى عن
الأعضا في الشتاء (وأما) أركان الوضوء فأربعة (أحدها) غسل الوجه مرة واحدة لقوله تعالى فاغسلوا
وجوهكم والامر المطلق لا يقتضى التكرار ولم يذكر في ظاهر الرواية حد الوجه وذكر في غير رواية الأصول انه من
قصاص الشعر إلى أسفل الذقن والى شحمتي الاذنين وهذا تحديد صحيح لأنه تحديد الشئ بما ينبئ عنه اللفظ
لغة لان الوجه اسم لما يواجه الانسان أو ما يواجه إليه في العادة والمواجهة تقع بهذا المحدود فوجب غسله قبل
نبات الشعر فإذا نبت الشعر يسقط غسل ما تحته عند عامة العلماء وقال أبو عبد الله البلخي انه لا يسقط غسله
وقال الشافعي إن كان الشعر كثيفا يسقط وإن كان خفيفا لا يسقط وجه قول أبى عبد الله ان ما تحت الشعر بقي داخلا
تحت الحد بعد نبات الشعر فلا يسقط غسله وجه قول الشافعي ان السقوط لمكان الحرج والحرج في الكثيف
لا في الخفيف (ولنا) ان الواجب غسل الوجه ولما نبت الشعر خرج ما تحته من أن يكون وجها لأنه لا يواجه
إليه فلا يجب غسله وخرج الجواب عما قاله أبو عبد الله وعما قاله الشافعي أيضا لان السقوط في الكثيف ليس
لمكان الحرج بل لخروجه من أن يكون وجها لاستتاره بالشعر وقد وجد ذلك في الخفيف وعلى هذا الخلاف
غسل ما تحت الشارب والحاجبين وأما الشعر الذي يلاقى الحدين وظاهر الذقن فقد روى ابن شجاع عن الحسن
عن أبي حنيفة وزفر انه مسح من لحيته ثلثا أو ربعا جاز وان مسح أقل من ذلك لم يجز وقال أبو يوسف ان لم
3

يسمح شيئا منها جاز وهذه الروايات مرجوع عنها والصحيح انه يجب غسله لان البشرة خرجت من أن تكون
وجها لعدم معنى المواجهة لاستتارها بالشعر فصار ظاهر الشعر الملاقي لها هو الوجه لان المواجهة تقع إليه والى
هذا أشار أبو حنيفة فقال وإنما مواضع الوضوء ما ظهر منها والظاهر هو الشعر لا البشرة فيجب غسله ولا يجب
غسل ما استرسل من اللحية عندنا وعند الشافعي يجب (له) ان المسترسل تابع لما اتصل والتبع حكمه حكم الأصل
(ولنا) انه إنما يواجه إلى المتصل عادة لا إلى المسترسل فلم يكن المسترسل وجها فلا يجب غسله ويجب غسل
البياض الذي بين العذار والاذن في قول أبي حنيفة ومحمد وروى عن أبي يوسف انه لا يجب لأبي يوسف ان
ما تحت العذار لا يجب غسله مع أنه أقرب إلى الوجه فلان لا يجب غسل البياض أولى ولهما ان البياض داخل
في حد الوجه ولم يستر بالشعر فبقي واجب الغسل كما كان بخلاف العذار وادخال الماء في داخل العينين ليس بواجب
لان داخل العين ليس بوجه لأنه لا يواجه إليه ولان فيه حرجا وقيل إن من تكلف لذلك من الصحابة كف بصره
كابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم (والثاني) غسل اليدين مرة واحدة لقوله تعالى وأيديكم ومطلق الامر
لا يقتضى التكرار والمرفقان يدخلان في الغسل عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر لا يدخلان ولو قطعت يده من
المرفق يجب عليه غسل موضع القطع عندنا خلافا له وجه قوله إن الله تعالى جعل المرفق غاية فلا يدخل تحت
ما جعلت له الغاية كما لا يدخل الليل تحت الامر بالصوم في قوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل ولنا ان الامر
تعلق بغسل اليد واليد اسم لهذه الجارحة من رؤس الأصابع إلى الإبط ولولا ذكر المرفق لوجب غسل اليد كلها
فكان ذكر المرفق لاسقاط الحكم عما وراءه لا لمد الحكم إليه لدخوله تحت مطلق اسم اليد فيكون عملا باللفظ بالقدر
الممكن وبه تبين ان المرفق لا يصلح غاية لحكم ثبت في اليد لكونه بعض اليد بخلاف الليل في باب الصوم الا ترى
انه لولا ذكر الليل لما اقتضى الامر الا وجوب صوم ساعة فكان ذكر الليل لمد الحكم إليه على أن الغايات منقسمة
منها ما لا يدخل تحت ما ضربت له الغاية ومنها ما يدخل كمن قال رأيت فلانا من رأسه إلى قدمه وأكلت السمكة
من رأسها إلى ذنبها دخل القدم والذنب فإن كانت هذه الغاية من القسم الأول لا يجب غسلهما وإن كانت
من القسم الثاني يجب فيحمل على الثاني احتياطا على أنه إذا احتمل دخول المرافق في الامر بالغسل واحتمل
خروجها عنه صار مجملا مفتقرا إلى البيان وقد روى جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بلغ المرفقين
في الوضوء أدار الماء عليهما فكان فعله بيانا لمجمل الكتاب والمجمل إذا التحق به البيان يصير مفسرا من الأصل
(والثالث) مسح الرأس مرة واحدة لقوله تعالى وامسحوا برؤوسكم والامر المطلق بالفعل لا يوجب التكرار
واختلف في المقدار المفروض مسحه ذكره في الأصل وقدره بثلاث أصابع اليد وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه
قدره بالربع وهو قول زفر وذكر الكرخي والطحاوي عن أصحابنا مقدار الناصية وقال مالك لا يجوز حتى يمسح
جميع الرأس أو أكثره وقال الشافعي إذا مسح ما يسمى مسحا يجوز وإن كان ثلاث شعرات وجه قول مالك
أن الله تعالى ذكر الرأس والرأس اسم للجملة فيقتضى وجوب مسح جميع الرأس وحرف الباء لا يقتضى التبعيض
لغة بل هو حرف الصاق فيقتضى الصاق الفعل بالمفعول وهو المسح بالرأس والرأس اسم لكله فيجب مسح كله الا
أنه إذا مسح الأكثر جاز لقيام الأكثر مقام الكل وجه قول الشافعي ان الامر تعلق بالمسح بالرأس والمسح بالشئ
لا يقتضى استيعابه في العرف يقال مسحت يدي بالمنديل وان لم يمسح بكله ويقال كتبت بالقلم وضربت بالسيف
وان لم يكتب بكل القلم ولم يضرب بكل السيف فيتناول أدنى ما ينطلق عليه الاسم ولنا ان الامر بالمسح يقتضى آلة
إذا المسح لا يكون الا بآلة وآلة المسح هي أصابع اليد عادة وثلاث أصابع اليد أكثر الأصابع وللأكثر حكم الكل
فصار كأنه نص على الثلاث وقال وامسحوا برؤوسكم بثلاث أصابع أيديكم وأما وجه التقدير بالناصية فلان
مسح جميع الرأس ليس بمراد من الآية بالاجماع ألا ترى أنه عند مالك ان مسح جميع الرأس الا قليلا منه جائز
فلا يمكن حمل الآية على جميع الرأس ولا على بعض مطلق وهو أدنى ما ينطلق عليه الاسم كما قاله الشافعي لان ماسح
4

شعرة أو ثلاث شعرات لا يسمى ماسحا في العرف فلا بد من الحمل على مقدار يسمى المسح عليه مسحا في المتعارف
وذلك غير معلوم وقد روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه بال وتوضأ ومسح على ناصيته فصار
فعله عليه الصلاة والسلام بيانا لمجمل الكتاب إذا البيان يكون بالقول تارة وبالفعل أخرى كفعله في هيئة الصلاة
وعدد ركعاتها وفعله في مناسك الحج وغير ذلك فكان المراد من المسح بالرأس مقدار الناصية ببيان النبي صلى الله
عليه وسلم ووجه التقدير بالربع انه قد ظهر اعتبار الربع في كثير من الأحكام كما في حلق ربع الرأس انه يحمل به
المحرم ولا يحل بدونه ويجب الدم إذا فعله في احرامه ولا يجب بدونه وكما في انكشاف الربع من العورة في باب
الصلاة انه يمنع جواز الصلاة وما دونه لا يمنع كذا ههنا ولو وضع ثلاث أصابع وضعا ولم يمدها جاز على قياس رواية
الأصل وهي التقدير بثلاث أصابع لأنه أتى بالقدر المفروض وعلى قياس رواية الناصية والربع لا يجوز لأنه
ما استوفى ذلك القدر ولو مسح بثلاث أصابع منصوبة غير موضوعة ولا ممدودة لم يجز لأنه لم يأت بالقدر المفروض
ولو مدها حتى بلغ القدر المفروض لم يجز عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر يجوز وعلى هذا الخلاف إذا مسح بأصبع
أو بأصبعين ومدهما حتى بلغ مقدار الغرض وجه قول زفر ان الماء لا يصير مستعملا حالة المسح كما لا يصير
مستعملا حالة لغسل فإذا مد فقد مسح بماء غير مستعمل فجاز والدليل عليه ان سنة الاستيعاب تحصل بالمد ولو
كان مستعملا بالمد لما حصلت لأنها لا تحصل بالماء المستعمل (ولنا) ان الأصل ان يصير الماء مستعملا بأول
ملاقاته العضو لوجود زوال الحدث أو قصد القربة الا ان في باب الغسل لم يظهر حكم الاستعمال في تلك الحالة
للضرورة وهي انه لو أعطى له حكم الاستعمال لاحتاج إلى أن يأخذ لكل جزء من العضو ماء جديدا وفيه من
الحرج ما لا يخفى فلم يظهر حكم الاستعمال لهذه الضرورة ولا ضرورة في المسح لأنه يمكنه أن يمسح دفعة واحدة فلا
ضرورة إلى المد لإقامة الفرض فظهر حكم الاستعمال فيه وبه حاجة إلى إقامة سنة الاستيعاب فلم يظهر حكم
الاستعمال فيه كما في الغسل ولو مسح بأصبع واحدة ثلاث مرات وأعادها إلى الماء في كل مرة جاز هكذا روى ابن
رستم عن محمد في النوادر لأن المفروض هو المسح قدر ثلاث أصابع وقد وجد وان لم يكن بثلاث أصابع
ألا ترى انه لو أصاب رأسه هذا القدر من ماء المطر سقط عنه فرض المسح وان لم يوجد منه فعل المسح رأسا ولو
مسح بأصبع واحدة ببطنها وبظهرها وبجانبيها لم يذكر في ظاهر الرواية واختلف المشايخ فقال بعضهم لا يجوز
وقال بعضهم يجوز وهو الصحيح لان ذلك في معنى المسح بثلاث أصابع وايصال الماء إلى أصول الشعر ليس
بفرض لان فيه حرجا فأقيم المسح على الشعر مقام المسح على أصوله ولو مسح على شعره وكان شعره طويلا فان
مسح على ما تحت أذنه لم يجز وان مسح على ما فوقها جاز لان المسح على الشعر كالمسح على ما تحته وما تحت
الاذن عنق وما فوقه رأس ولا يجوز المسح على يالعمامة والقلنسوة لأنهما يمنعان إصابة الماء الشعر ولا يجوز
مسح المرأة على خمارها لما روى عن عائشة رضي الله عنها انها أدخلت يدها تحت الخمار ومسحت برأسها
وقالت بهذا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم الا إذا كان الخمار رقيقا ينفذ الماء إلى شعرها فيجوز لوجود
الإصابة ولو أصاب رأسه المطر مقدار المفروض أجزأه مسحه بيده أو لم يمسحه لان الفعل ليس بمقصود في
المسح وإنما المقصود هو وصول الماء إلى ظاهر الشعر وقد وجد والله الموفق (والرابع) غسل الرجلين
مرة واحدة لقوله تعالى وأرجلكم إلى الكعبين بنصب اللام من الأرجل معطوفا على قوله تعالى فاغسلوا
وجوهكم وأيديكم إلى المرافق كأنه قال فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا
برؤوسكم والامر المطلق لا يقتضى التكرار وقالت الرافضة الفرض هو المسح لا غير وقال الحسن البصري
بالتخيير بين المسح والغسل وقال بعض المتأخرين بالجمع بينهما وأصل هذا الاختلاف ان الآية قرئت بقراءتين
بالنصب والخفض فمن قال بالمسح أخذ بقراءة الخفض فإنها تقتضي كون الأرجل ممسوحة لا مغسولة لأنها
تكون معطوفة على الرأس والمعطوف يشارك المعطوف عليه في الحكم ثم وظيفة الرأس المسح فكذا وظيفة
5

الرجل ومصداق هذه القراءة انه اجتمع في الكلام عاملان أحدهما قوله فاغسلوا والثاني حرف الجر وهو الباء
في قوله برؤوسكم والباء أقرب فكان الخفض أولى ومن قال بالتخيير يقول إن القراءتين قد ثبت كون كل واحدة
منهما قرآنا وتعذر الجمع بين موجبيهما وهو وجوب المسح والغسل إذ لا قائل به في السلف فيخير المكلف ان شاء
عمل بقراءة النصب فغسل وان شاء بقراءة الخفض فمسح وأيهما فعل يكون اتيانا بالمفروض كما في الامر بأحد الأشياء
الثلاثة ومن قال بالجمع يقول القراءتان في آية واحدة بمنزلة آيتين فيجب العمل بهما جميعا ما أمكن وأمكن ههنا
لعدم التنافي إذ لا تنافى بين الغسل والمسح في محل واحد فيجب الجمع بينهما (ولنا) قراءة النصب وانها تقتضي كون
وظيفة الأرجل الغسل لأنها تكون معطوفة على المغسولات وهي الوجه واليدان والمعطوف على المغسول
يكون مغسولا تحقيقا لمقتضى العطف وحجة هذه القراءة وجوه أحدها ما قاله بعض مشايخنا ان قراءة
النصب محكمة في الدلالة على كون الأرجل معطوفة على المغسولات وقراءة الخفض محتملة لأنه يحتمل انها
معطوفة على الرؤس حقيقة ومحلها من الاعراب الخفض ويحتمل أنها معطوفة على الوجه واليدين حقيقة
ومحلها من الاعراب النصب الا أن خفضها للمجاور قوا عطاء الاعراب بالمجاورة طريقة شائعة في اللغة بغير حائل
وبحائل اما بغير الحائل فكقولهم حجر ضب خرب وماء شن بارد والخرب نعت الحجر لا نعت الضب والبرودة
نعت الماء لا نعت الشن ثم خفض لمكان المجاورة وأما مع الحائل فكما قال تعالى يطوف عليهم ولدان مخلدون
بأكواب وأباريق إلى قوله وحور عين لأنهن لا يطاف بهن وكما قال الفرزدق
فهل أنت ان ماتت أنانك راكب * إلى آل بسطام بن قيس فخاطب
فثبت ان قراءة الخفض محتملة وقراءة النصب محكمة فكان العمل بقراءة النصب أولى الا أن في هذا اشكالا
وهو أن هذا الكلام في حد التعارض لان قراءة النصب محتملة أيضا في الدلالة على كون الأرجل معطوفة على
اليدين والرجلين لأنه يحتمل انها معطوفة على الرأس والمراد بها المسح حقيقة لكنها نصبت على المعنى لا على
اللفظ لان الممسوح به مفعول به فصار كأنه قال تعالى وامسحوا برؤوسكم والاعراب قد يتبع اللفظ وقد
يتبع المعنى كما قال الشاعر معاوى اننا بشر فاسجح * فسلنا بالجبال ولا الحديدا
نصب الحديد عطفا على الجبال بالمعنى لا باللفظ معناه فلسنا الجبال ولا الحديد فكانت كل واحدة من القراءتين
محتملة في الدلالة من الوجه الذي ذكرنا فوقع التعارض فيطلب الترجيح من جانب آخر وذلك من وجوه أحدها
ان الله تعالى مد الحكم في الا رجل إلى الكعبين ووجوب المسح لا يمتد إليهما والثاني أن الغسل يتضمن المسح
إذا الغسل إسالة والمسح إصابة وفي الإسالة إصابة وزيادة فكان ما قلناه عملا بالقراءتين معا فكان أولى والثالث
أنه قد روى جابر وأبو هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوما
تلوح أعقابهم لم يصبها الماء فقال ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء وروى أنه توضأ مرة مرة وغسل رجليه
وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به ومعلوم أن قوله ويل للأعقاب من النار وعيد لا يستحق الا بترك المفروض
وكذا نفى قبول صلاة من لا يغسل رجليه في وضوئه فدل ان غسل الرجلين من فرائض الوضوء وقد ثبت بالتواتر
أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل رجليه في الوضوء لا يجحده مسلم فكان قوله وفعله بيان المراد بالآية فثبت
بالدلائل المتصلة والمنفصلة أن الا رجل في الآية معطوفة على المغسول لا على الممسوح فكان وظيفتها الغسل
لا المسح على أنه ان وقع التعارض بين القراءتين فالحكم في تعارض القراءتين كالحكم في تعارض الآيتين وهو انه
ان أمكن العمل بهما مطلقا يعمل وان لم يمكن للتنافي يعمل بهما بالقدر الممكن وههنا لا يمكن الجمع بين الغسل
والمسح في عضو واحد في حالة واحدة لأنه لم يقل به أحد من السلف ولأنه يؤدى إلى تكرار المسح لما ذكرنا أن
الغسل يتضمن المسح والامر المطلق لا يقتضى التكرار فيعمل بهما في الحالتين فتحمل قراءة النصب على ما إذا
كانت الرجلان باديتين وتحمل قراءة الخفض على ما إذا كانتا مستورتين بالخفين توفيقا بين القراءتين وعملا بهما
6

بالقدر الممكن وبه تبين أن القول بالتخيير باطل عند امكان العمل بهما في الجملة وعند عدم الامكان أصلا
ورأسا لا يخير أيضا بل يتوقف على ما عرف في أصول الفقه ثم الكعبان يدخلان في الغسل عند أصحابنا الثلاثة
وعند زفر لا يدخلان والكلام في الكعبين على نحو الكلام في المرفقين وقد ذكرناه والكعبان هما العظمان
الناتئان في أسفل الساق بلا خلاف بين الأصحاب كذا ذكره القدوري لان الكعب في اللغة اسم لما علا وارتفع
ومنه سميت الكعبة كعبة وأصله من كعب القناة وهو أنبوبها سمى به لارتفاعه وتسمى الجارية الناهدة
الثديين كاعبا لارتفاع ثدييها وكذا في العرف يفهم منه الناتئ يقال ضرب كعب فلان وفي الخبر عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال في تسوية الصفوف في الصلاة الصقوا الكعاب بالكعاب ولم يتحقق معنى الالصاق
الا في الناتئ وما روى هشام عن محمد أنه المفصل الذي عند معقد الشراك على ظهر القدم فغير صحيح وإنما قال
محمد في مسألة المحرم إذا لم يجد نعلين انه يقطع الخف أسفل الكعب فقال إن الكعب ههنا الذي في مفصل
القدم فنقل هشام ذلك إلى الطهارة والله أعلم وهذا الذي ذكرنا من وجوب غسل الرجلين إذا كانتا باديتين
لا عذر بهما فاما ذا كانتا مستورتين بالخف أو كان بهما عذر من كسر أو جرح أو قرح فوظيفتهما المسح فيقع
الكلام في الأصل في موضعين أحدهما في المسح على الخفين والثاني في المسح على الجبائر
* (فصل) * اما المسح على الخفين فالكلام فيه في مواضع في بيان جوازه وفي بيان مدته وفي بيان شرائط
جوازه وفي بيان مقداره وفي بيان ما ينقضه وفي بيان حكمه إذا انتقض (أما) الأول فالمسح على الخفين جائز
عند عامة الفقهاء وعامة الصحابة رضي الله عنهم الأشياء قليلا روى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه لا يجوز
وهو قول الرافضة وقال مالك يجوز للمسافر ولا يجوز للمقيم واحتج من أنكر المسح بقوله تعالى يا أيها الذين
آمنوا إذ أقمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين فقراءة
النصب تقتضي وجوب غسل الرجلين مطلقا عن الأحوال لأنه جعل الأرجل معطوفة على الوجه واليدين
وهي مغسولة فكذا الأرجل وقراءة الخفض تقتضي وجوب المسح على الرجلين لا على الخفين وروى أنه سئل
ابن عباس هل مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين فقال والله ما مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم
على الخفين بعد نزول المائدة ولان أمسح على ظهر عير في الفلاة أحب إلى من أن أمسح على الخفين وفي رواية
قال لان أمسح على جلد حمار أحب إلى من أن أمسح على الخفين (ولنا) ما روى عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال يمسح المقيم على الخفين يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها وهذا حديث مشهور رواه
جماعة من الصحابة مثل عمر وعلى وخزيمة بن ثابت وأبي سعيد الخدري وصفوان بن عسال وعوف بن مالك
وأبى عمارة وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم حتى قال أبو يوسف خبر مسح الخفين يجوز نسخ القرآن بمثله
وروى أنه قال إنما يجوز نسخ القرآن بالسنة إذا وردت كورود المسح على الخفين وكذا الصحابة رضي الله عنهم
أجمعوا على جواز المسح قولا وفعلا حتى روى عن الحسن البصري أنه قال أدركت سبعين بدر يأمن الصحابة
كلهم كانوا يرون المسح على الخفين ولهذا راء أبو حنيفة من شرائط السنة والجماعة فقال فيها ان تفضل الشيخين
وتحب الختنين وان ترى المسح على الخفين وأن لا تحرم نبيذ التمر يعنى المثلث وروى عنه أنه قال ما قلت
بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهار فكان الجحود ردا على كبار الصحابة ونسبة إياهم إلى الخطأ فكان بدعة
فلهذا قال الكرخي أخاف الكفر على من لا يرى المسح على الخفين وروى عنه أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال
لولا أن المسح لا خلف فيه ما مسحنا ودل قوله هذا على أن خلاف ابن عباس لا يكاد يصح ولان الأمة لم تختلف
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح وإنما اختلفوا أنه مسح قبل نزول المائدة أو بعدها ولنا في رسول الله صلى
الله عليه وسلم أسوة حسنة حتى قال الحسن البصري حدثني سبعون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم انهم رأوه يمسح على الخفين وروى عن عائشة والبراء بن عازب رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه
7

وسلم مسح بعد المائدة وروى عن جرير بن عبد الله البجلي انه توضأ ومسح على الخفين فقيل له في ذلك فقال
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الخفين فقيل له أكان ذلك بعد نزول المائدة فقال وهل
أسلمت الا بعد نزول المائدة واما الآية فقد قرئت بقراءتين فنعمل بهما في حالين فنقول وظيفتهما الغسل إذا كانتا
باديتين والمسح إذا كانتا مستورتين بالخف عملا بالقراءتين بقدر الامكان ويجوز أن يقال لمن مسح على خفه
انه مسح على رجله كما يجوز أن يقال ضرب على رجله وان ضرب على خفه والرواية عن ابن عباس لم تصح لما
روينا عن أبي حنيفة ولان مداره على عكرمة وروى أنه لما بلغت روايته عطاء قال كذب عكرمة وروى عنه
عطاء والضحاك انه مسح على خفيه فهذا يدل على أن خلاف ابن عباس لم يثبت وروى عن عطاء أنه قال كان
ابن عباس يخالف الناس في المسح على الخفين فلم يمت حتى تابعهم وأما الكلام مع مالك فوجه قوله إن المسح
شرع ترفها ودفعها للمشقة فيختص شرعيته بمكان المشقة وهو السفر ولنا ما روينا من الحديث المشهور وهو
قوله صلى الله عليه وسلم بمسح المقيم على الخفين يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها وما ذكر من الاعتبار غير
سديد لان المقيم يحتاج إلى الترفه ودفع المشقة الا أن حاجة المسافر إلى ذلك أشد فزيدت مدته لزيادة الترفيه والله
الموفق * وأما بيان مدة المسح فقد اختلف العلماء في أن المسح على الخفين هل هو مقدر بمدة قال عامتهم انه مقدر
بمدة في حق المقيم يؤما وليلة وفي حق المسافر ثلاثة أيام ولياليها وقال مالك انه غير مقدور له أن يمسح كم شاء والمسألة
مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم روى عن عمر وعلى وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وسعد بن أبي وقاص
وجابر بن سمرة وأبي موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم انه مؤقت وعن أبي الدرداء وزيد بن ثابت
وسعيد رضي الله عنهم انه غير موقت واحتج مالك بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه بلغ بالمسح سبعا
وروى أن عمر رضي الله عنه سأل عقبة بن عامر وقد قدم من الشام متى عهدك بالمسح قال سبعا فقال عمر رضي الله عنه
أصبت السنة ولنا الحديث المشهور وما روى أنه مسح وبلغ بالمسح سبعا فهو غريب فلا يترك به
المشهور مع أن الرواية المتفق عليها انه بلغ بالمسح ثلاثا ثم تأويله انه احتاج إلى المسح سبعا في مدة المسح وأما
الحديث الآخر فقد روى جابر الجعفي عن عمر أنه قال للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة وهو موافق للخبر المشهور
فكان الاخذ به أولى ثم يحتمل أن يكون المراد من قوله ومتى عهدك بلبس الخف ابتداء اللبس أي متى عهدك
بابتداء اللبس وإن كان تخلل بين ذلك نزع الخف ثم اختلف في اعتبار مدة المسح انه من أي وقت يعتبر فقال عامة
العلماء يعتبر من وقت الحدث بعد اللبس فيمسح من وقت الحدث إلى وقت الحدث وقال بعضهم يعتبر من وقت
اللبس فيمسح من وقت اللبس إلى وقت اللبس وقال بعضهم يعتبر من وقت المسح فيمسح من وقت المسح إلى
وقت المسح حتى لو توضأ بعد ما انفجر الصبح ولبس خفيه وصلى الفجر ثم أحدث بعد طلوع الشمس ثم توضأ
ومسح على خفيه بعد زوال الشمس فعلى قول العامة يمسح إلى ما بعد طلوع الشمس من اليوم الثاني إن كان مقيما
وإن كان مسافرا يمسح إلى ما بعد طلوع الشمس من اليوم الرابع وعلى قول من اعتبر وقت اللبس يمسح إلى ما بعد
انفجارا الصبح من اليوم الثاني إن كان مقيما وإن كان مسافرا إلى ما بعد انفجار الصبح من اليوم الرابع وعلى
قول من اعتبر وقت المسح يمسح إلى ما بعد زوال الشمس من اليوم الثاني إن كان مقيما وإن كان مسافرا يمسح
إلى ما بعد زوال الشمس من اليوم الرابع والصحيح اعتبار وقت الحدث بعد اللبس لان الخف جعل مانعا من
سراية الحدث إلى القدم ومعنى المنع إنما يتحقق عند الحدث فيعتبر ابتداء المدة من هذا الوقت لأن هذه المدة
ضربت توسعة وتيسير التعذر نزع الخفين في كل زمان والحاجة إلى التوسعة عند الحدث لان الحاجة إلى النزع
عنده ولو توضأ ولبس خفيه وهو مقيم ثم سافر فان سافر بعد استكمال مدة الإقامة لا تتحول مدته إلى مدة مسح
السفر لان مدة الإقامة لما تمت سرى الحدث السابق إلى القدمين فلو جوزنا المسح صار الخف رافعا للحدث
لا مانعا وليس هذا عمل الخف في الشرع وان سافر قبل أن يستكمل مدة الإقامة فان سافر قبل الحدث أو بعد
8

الحدث قبل المسح تحولت مدته إلى مدة السفر من وقت الحدث بالاجماع وان سافر بعد المسح فكذلك عندنا
وعند الشافعي لا يتحول ولكنه يمسح تمام مدة الإقامة وينزع خفيه ويغسل رجليه ثم يبتدئ مدة السفر
واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم يمسح المقيم يوما وليلة ويم يفصل ولنا قوله صلى الله عليه وسلم والمسافر ثلاثة أيام
ولياليها وهذا مسافر ولا حجة له في صدر الحديث لأنه يتناول المقيم وقد بطلت الإقامة بالسفر هذا إذا كان مقيما
فسافر وأما إذا كان مسافرا فأقام فان أقام بعد استكمال مدة السفر نزع خفيه وغسل رجليه لما ذكرنا وان أقام
قبل أن يستكمل مدة السفر فان أقام بعد تمام يوم وليلة أو أكثر فكذلك ينزع خفيه ويغسل رجليه لأنه لو مسح
لمسح وهو مقيم أكثر من يوم وليلة وهذا لا يجوز وان أقام قبل تمام يوم وليلة أتم يوما وليلة لان أكثر ما في
الباب انه مقيم فيتم مدة المقيم ثم ما ذكرنا من تقدير مدة المسح بيوم وليلة في حق المقيم وبثلاثة أيام ولياليها في حق
المسافر في حق الأصحاء فاما في حق أصحاب الاعذار كصاحب الجرح السائل والاستحاضة ومن بمثل حالهما
فكذلك الجواب عند زفر وأما عند أصحابنا الثلاثة فيختلف الجواب الا في حالة واحدة وبيان ذلك أن صاحب
العذر إذا توضأ ولبس خفيه فهذا على أربعة أوجه اما إن كان الدم منقطعا وقت الوضوء واللبس واما إن كان سائلا
في الحالين جميعا واما إن كان منقطعا وقت الوضوء سائلا وقت اللبس واما إن كان سائلا وقت الوضوء منقطعا
وقت اللبس فإن كان منقطعا في الحالين فحكمه حكم الأصحاء لان السيلان وجد عقيب اللبس فكان اللبس على
طهارة كاملة فمنع الخف سراية الحدث إلى القدمين ما دامت المدة باقية وأما في الفصول الثلاثة فإنه يمسح ما دام
الوقت باقيا فإذا خرج الوقت نزع خفيه وغسل رجليه عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر يستكمل مدة المسح
كالصحيح وجه قوله إن طهارة صاحب العذر طهارة معتبرة شرعا لان السيلان ملحق بالعدم الا ترى أنه يجوز أداء
الصلاة بها فحصل اللبس على طهارة كاملة فألحقت بطهارة الأصحاء ولنا أن السيلان ملحق بالعدم في الوقت بدليل
أن طهارته تنتقض بالاجماع إذا خرج الوقت وان لم يوجد الحدث فإذا مضى الوقت صار محدثا من وقت السيلان
والسيلان كان سابقا على لبس الخف ومقارنا له فتبين ان اللبس حصل لا على الطهارة بخلاف الفصل الأول لان
السيلان ثمة وجد عقيب اللبس فكان اللبس حاصلا عن طهارة كاملة وأما شرائط جواز المسح فأنواع بعضها
يرجع إلى الماسح وبعضها يرجع إلى الممسوح أما الذي يرجع إلى الماسح أنواع أحدها أن يكون لا بس
الخفين على طهارة كاملة عند الحدث بعد اللبس ولا يشترط أن يكون على طهارة كاملة وقت اللبس ولا أن يكون
على طهارة كاملة أصلا ورأسا وهذا مذهب أصحابنا وعند الشافعي يشترط أن يكون على طهارة كاملة وقت
اللبس وبيان ذلك ان المحدث إذا غسل رجليه أولا ولبس خفيه ثم أتم الوضوء قبل أن يحدث ثم أحدت جاز له أن
يمسح على الخفين عندنا لوجود الشرط وهو لبس الخفين على طهارة كاملة وقت الحدث بعد اللبس وعند الشافعي
لا يجوز لعدم الطهارة وقت اللبس لان الترتيب عنده شرط فكان غسل الرجلين مقدما على الأعضاء الاخر
ملحقا بالعدم فلم توجد الطهارة وقت اللبس وكذلك لو توضأ فرتب لكنه غسل احدى رجلين ولبس الخف ثم
غسل الأخرى ولبس الخف قيل لا يجوز عنده وان وجد الترتيب في هذه الصورة لكنه لم يوجد لبس الخفين
على طهارة كاملة وقت لبسهما حتى لو نزع الخف الأول ثم لبسه جاز المسح لحصول اللبس على طهارة كامله ولنا
أن المسح شرع لمكان الحاجة والحاجة إلى المسح إنما تتحقق وقت الحدث بعد اللبس فاما عند الحدث قبل
اللبس فلا حاجة لأنه يمكنه الغسل وكذا لا حاجة بعد اللبس قبل الحدث لأنه طاهر فكان الشرط كمال الطهارة
وقت الحدث بعد اللبس وقد وجد ولو لبس خفيه وهو محدث ثم توضأ وخاض الماء حتى أصاب الماء رجليه في
داخل الخف ثم أحدث جاز له المسح عندنا لوجود الشرط وهو كمال الطهارة عند الحدث بعد اللبس ولا يجوز عنده
لعدم الشرط وهو كمال الطهارة عند اللبس ولو لبس خفيه وهو محدث ثم أحدث قبل ان يتم الوضوء ثم أتم لا يجوز
المسح بالاجماع اما عندنا فلانعدام الطهارة وقت الحدث بعد اللبس وأما عنده فلانعدامها عند اللبس ولو أراد
9

الطاهر أن يبول فلبس خفيه ثم بال جاز له المسح لأنه على طهارة كاملة وقت الحدث بعد اللبس وسئل أبو حنيفة
عن هذا فقال لا يفعله الا فقيه ولو لبس خفيه على طهارة التيمم ثم وجد الماء نزع خفيه لأنه صار محدثا بالحدث
السابق على التيمم إذ رؤية الماء لا تعقل حدثا الا انه امتنع ظهور حكمه إلى وقت وجود الماء فعند وجوده ظهر حكمه
في القدمين فلو جوزنا المسح لجعلنا الخف رافعا للحدث وهذا لا يجوز ولو لبس خفيه على طهارة نبيذ التمر ثم
أحدث فإن لم يجد ماء مطلقا توضأ بنبيذ التمر ومسح على خفيه لأنه طهور مطلق حال عدم الماء عند أبي حنيفة
وان وجد ماء مطلقا نزع خفيه وتوضأ وغسل قدميه لأنه ليس بطهور عند وجود الماء المطلق وكذلك لو توضأ بسؤر
الحمار وتيمم ولبس خفيه ثم أحدث ولو توضأ بسؤر الحمار ولبس خفيه ولم يتيمم حتى أحدث جاز له ان يتوضأ
بسؤر الحمار ويمسح على خفيه ثم يتيمم ويصلى لان سؤر الحمار إن كان طهورا فالتيمم فضل وإن كان الطهور هو
التراب فالقدم لاحظ لها من التيمم ولو توضأ ومسح على جبائر قدميه ولبس خفيه ثم أحدث أو كانت احدى
رجليه صحيحة فغسلها ومسح على جبائر الأخرى ولبس خفيه ثم أحدث فإن لم يكن برأ الجرح مسح على الخفين
لان المسح على الجبائر كالغسل لما تحتها فحصل لبس الخفين على طهارة كاملة كما لو أدخلهما مغسولتين حقيقة
في الخف وإن كان برأ الجرح نزع خفيه لأنه صار محدثا بالحدث السابق فظهر ان اللبس حصل لا على طهارة وعلى
هذا الأصل مسائل في الزيادات ومنها أن يكون الحدث خفيفا فإن كان غليظا وهو الجنابة فلا يجوز فيها المسح
لما روى عن صفوان بن عسال المرادي أنه قال كان يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفرا ان لا ننزع
خفا فنا ثلاثة أيام ولياليها لا عن جنابة لكن من غائط أو بول أو نوم ولان الجواز في الحدث الخفيف لدفع الحرج
لأنه يتكرر ويغلب وجوده فيلحقه الحرج والمشقة في نزع الخف والجنابة لا يغلب وجودها فلا يلحقه الحرج في
النزع وأما الذي يرجع إلى الممسوح فمنها أن يكون خفا يستر الكعبين لان الشرع ورد بالمسح على الخفين وما يستر
الكعبين ينطلق عليه اسم الخف وكذا ما يستر الكعبين من الجلد مما سوى الخف كالمكعب الكبير والميثم لأنه
في معنى الخف * وأما المسح على الجوز بين فإن كانا مجلدين أو منعلين يجزيه بلا خلاف عند أصحابنا وان لم يكونا
مجلدين ولا منعلين فإن كانا رقيقين يشفان الماء لا يجوز المسح عليهما بالاجماع وانا كانا ثخينين لا يجوز عند أبي
حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يجوز وروى عن أبي حنيفة انه رجع إلى قولهما في آخر عمره وذلك أنه مسح
على جوربيه في مرضه ثم قال لعواده فعلت ما كنت أمنع الناس عنه فاستدلوا به على رجوعه وعند الشافعي
لا يجوز المسح على الجوارب وإن كانت منعلة الا إذا كانت مجلدة إلى الكعبين احتج أبو يوسف ومحمد بحديث
المغيرة بن شعبة ان النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين ولان الجواز في الخف لدفع الحرج
لما يلحقه من المشقة بالنزع وهذا المعنى موجود في الجورب بخلاف اللفافة والمكعب لأنه لا مشقة في نزعهما
ولأبي حنيفة ان جواز المسح على الخفين ثبت نصا بخلاف القياس فكل ما كان في معنى الخف في ادمان المشي عليه
وامكان قطع السفر به يلحق به ومالا فلا ومعلوم أن غير المجلد والمنعل من الجوارب لا يشارك الخف في هذا
المعنى فتعذر الالحاق على أن شرع المسح ان ثبت للترفيه لكن الحاجة إلى الترفيه فيما يغلب لبسه وليس الجوارب
مما لا يغلب فلا حاجة فيها إلى الترفيه فبقي أصل الواجب بالكتاب وهو غسل الرجلين (وأما) الحديث فيحتمل
انهما كانا مجلدين أو منعلين وبه نقول ولا عموم له لأنه حكاية حال الا يرى أنه لم يتناول الرقيق من الجوارب وأما
الخف المتخذ من اللبد فلم يذكره في ظاهر الرواية وقيل إنه على التفصيل والاختلاف الذي ذكرنا وقيل إن كان يطيق
السفر جاز المسح عليه والا فلا وهذا هو الأصح * (وأما) المسح على الجرموقين من الجلد فان لبسهما فوق الخفين
جاز عندنا وعند الشافعي لا يجوز وان لبس الجرموق وحده قيل إنه على هذا الخلاف والصحيح أنه يجوز المسح
عليه بالاجماع وجه قوله إن المسح على الخف بدل عن الغسل فلو جوزنا المسح على الجرموقين لجعلنا للبدل بدلا
وهذا لا يجوز (ولنا) ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجرموقين
10

ولان الجرموق يشارك الخف في امكان قطع السفر به فيشاركه في جواز المسح عليه ولهذا شاركه في حالة الانفراد
ولان الجرموق فوق الخف بمنزلة خف ذي طاقين وذا يجوز المسح عليه فكذا هذا وقوله المسح عليه بدل عن المسح
على الخف ممنوع بل كل واحد منهما بدل عن الغسل قائم مقامه الا انه إذا نزع الجرموق لا يجب غسل
الرجلين لوجود شئ آخر هو بدل عن الغسل قائم مقامه وهو الخف ثم إنما يجوز المسح على الجرموقين عندنا إذا
لبسهما على الخفين قبل ان يحدث فان أحدث ثم لبس الجرموقين لا يجوز المسح عليهما سواء مسح على الخفين
أولا اما إذا مسح فلان حكم المسح استقر على الخف فلا يتحول إلى غيره واما إذا لم يمسح فلان ابتداء مدة المسح من وقت
الحدث وقد انعقد في الخف فلا يتحول إلى الجوموق بعد ذلك ولأن جواز المسح على الجرموق لمكان الحاجة لتعذر
النزع وهنا لا حاجة لأنه لا يتعذر عليه المسح على الخفين ثم لبس الجرموق فلم يجز ولهذا لم يجز المسح على الخفين
إذا لبسهما على الحدث كذا هذا ولو مسح على الجرموقين ثم نزع أحدهما مسح على الخف البادى وأعاد المسح
على الجرموق الباقي في ظاهر الرواية وقال الحسن بن زياد وزفر يمسح على الخف البادى ولا يعيد المسح على
الجرموق الباقي وروى عن أبي يوسف أنه ينزع الجرموق الباقي ويمسح على الخفين أبو يوسف اعتبر الجرموق
بالخف ولو نزع أحد الخفين ينزع الآخر ويغسل القدمين كذا هذا وجه قول الحسن وزفر أنه يجوز الجمع بين المسح
على الجرموق وبين المسح على الخف ابتداء بأن كان على أحد الخفين جرموق دون الآخر فكذا بقاء وإذا بقي المسح
على الجرموق الباقي فلا معنى للإعادة وجه ظاهر الرواية ان الرجلين في حكم الطهارة بمنزلة عضو واحد لا يحتمل
التجزي فإذا انتقضت الطهارة في إحداهما بنزع الجرموق تنتقض في الأخرى ضرورة كما إذا نزع أحد الخفين
ولا يجوز المسح على القفازين وهما لباسا الكفين لأنه شرع دفعا للحرج لتعذر النزع ولا حرج في نزع القفازين
(ومنها) أن لا يكون بالخف خرق كثير فاما اليسير فلا يمنع المسح وهذا قول أصحابنا الثلاثة وهو استحسان والقياس
ان يمنع قليله وكثيره وهو قول زفر والشافعي وقال مالك وسفيان الثوري الخرق لا يمنع جواز المسح قل أو كثر بعد
إن كان ينطلق عليه اسم الخلف وجه قولهما ان الشرع ورد بالمسح على الخفين فما دام اسم الخف له باقيا يجوز المسح
عليه وجه القياس ان لما ظهر شئ من القدم وان قل وجب غسله لحلول الحدث به لعدم الاستتار بالخف والرجل
في حق الغسل غير متجرئة فإذا وجب غسل بعضها وجب غسل كلها وجه الاستحسان أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمر أصحابه رضي الله عنهم بالمسح مع علمه بان خفافهم لا تخلو عن قليل الخروق فكان هذا منه بيانا ان القليل
من الخروق لا يمنع المسح ولان المسح أقيم مقام الغسل ترفها فلو منع قليل الانكشاف لم يحصل الترفيه لوجوده
في أغلب الخفاف والحد الفاصل بين القليل والكثير هو قدر ثلاث أصابع فإن كان الخرق قدر ثلاث أصابع منع
والا فلا ثم المعتبر أصابع اليد أو أصابع الرجل ذكر محمد في الزيادات قدر ثلاث أصابع من أصغر أصابع الرجل
وروى الحسن عن أبي حنيفة ثلاث أصابع من أصابع اليد وإنما قدر بالثلاث لوجهين أحدهما أن هذا القدر إذا
انكشف منع من قطع الاسفار والثاني أن الثلاث أصابع أكثر الأصابع وللأكثر حكم الكل ثم الخرق المانع أن يكون
منفتحا بحيث يظهر ما تحته من القدم مقدار ثلاث أصابع أو يكون منضما لكنه ينفرج عند المشي فاما إذا كان
منضما لا ينفرج عند المشي فإنه لا يمنع وإن كان أكثر من ثلاث أصابع كذا روى المعلى عن أبي يوسف عن أبي
حنيفة وإنما كان كذلك لأنه إذا كان منفتحا أو ينفتح عند المشي لا يمكن قطع السفر به وإذا لم يمكن يمنع وسواء كان
الخرق في ظاهر الخف أو في باطنه أو من ناحية العقب بعد إن كان أسفل من الكعبين لما قلنا ولو بدا ثلاث من
أنامله اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يمنع وقال بعضهم يمنع وهو الصحيح ولو انكشفت الطهارة وفى داخله
بطانة من جلد ولم يظهر القدم يجوز المسح عليه هذا إذا كان الخرق في موضع واحد فإن كان في مواضع متفرقة
ينظر إن كان في خف واحد يجمع بعضها إلى بعض فان بلغ قدر ثلاث أصابع يمنع والا فلا وإن كان في خفين لا يجمع
وقالوا في النجاسة إن كانت على الخفين انه يجمع بعضها إلى بعض فإذا زادت على قدر الدرهم منعت جواز
11

الصلاة والفرق ان الخرق إنما يمنع جواز المسح لظهور مقدار فرض المسح فإذا كان متفرقا فلم يظهر مقدار
فرض المسح من كل واحد منهما والمانع من جواز الصلاة في النجاسة هو كونه حاملا للنجاسة ومعنى الحمل
متحقق سوءا كان في خف واحد أو في خفين (ومنها) أن يمسح على ظاهر الخف حتى لو مسح على باطنه
لا يجوز وهو قول عمر وعلى وأنس رضي الله عنهم وهو ظاهر مذهب الشافعي وعنه انه لو اقتصر على الباطن
لا يجوز والمستحب عندنا الجمع بين الظاهر والباطن في المسح الا إذا كان على باطنه نجاسة وحكى إبراهيم بن جابر
في كتاب الاختلاف الاجماع على أن الاقتصار على أسفل الخف لا يجوز وكذا لو مسح على العقب أو على جانبي
الخف أو على الساق لا يجوز والأصل فيه ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يأمر بالمسح على ظاهر الخفين وعن علي رضي الله عنه أنه قال لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى
بالمسح من ظاهره ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسح على ظاهر خفيه دون باطنهما ولان باطن الخف
لا يخلو عن لوث عادة فالمسح عليه يكون تلويثا لليد ولان فيه بعض الحرج وما شرع المسح الا لدفع الحرج
ولا تشترط النية في المسح على الخفين كمالا تشترط في مسح الرأس والجامع أن كل واحد منهما ليس ببدل عن الغسل
بدليل انه يجوز مع القدرة على الغسل بخلاف التيمم وكذا فعل المسح ليس بشرط لجوازه بدونه أيضا بل
الشرط إصابة الماء حتى لو خاض الماء أو أصابه المطر جاز عن المسح ولو مر بحشيش مبتل فأصاب البلل ظاهر خفيه
إن كان بلل الماء أو المطر جاز وإن كان بلل الطل قيل لا يجوز لان الطل ليس بماء
* (فصل) * وأما مقدار المسح فالمقدار المفروض هو مقدار ثلاث أصابع طولا وعرضا ممدودا أو موضوعا
وعند الشافعي المفروض هو أدنى ما ينطلق عليه اسم المسح كما قال في مسح الرأس ولو مسح بأصبع أو إصبعين
ومدهما حتى بلغ مقدار ثلاث أصابع لا يجوز عندنا خلافا لزفر كما في مسح الرأس ولو مسح بثلاث أصابع منصوبة
غير موضوعة ولا ممدودة لا يجوز بلا خلاف بين أصحابنا ولو مسح بأصبع واحد ثلاث مرات وأعادها في كل مرة
إلى الماء يجوز كما في مسح الرأس ثم الكرخي اعتبر التقدير فيه بأصابع الرجل فإنه ذكر في مختصره إذا مسح مقدار
ثلاث أصابع من أصابع الرجل أجزأه فاعتبر الممسوح لان المسح يقع عليه وذكر ابن رستم عن محمد انه لو وضع
ثلاثة أصابع وضعا أجزأه وهذا يدل على أن التقدير فيه بأصابع اليد وهو الصحيح لما روى في حديث علي رضي الله عنه
أنه قال في آخره لكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه خطوطا بالأصابع
وهذا خرج مخرج التفسير للمسح أنه الخطوط بالأصابع والأصابع اسم جمع وأقل الجمع الصحيح ثلاثة فكان هذا تقديرا
للمسح بثلاث أصابع اليد ولان الفرض يتأدى بيه بيقين لأنه ظاهر محسوس فاما أصابع الرجل فمستترة بالخف
فلا يعلم مقدارها الا بالحرز والظن فكان التقدير بأصابع اليد أولى
* (فصل) * وأما بيان ما ينقض المسح وبيان حكمه إذا انتقص فالمسح ينتقض بأشياء (منها) انقضاء مدة المسح
وهي يوم وليلة في حق المقيم وفى حق المسافر ثلاثة أيام ولياليها لان الحكم الموقت إلى غاية ينتهى عند وجود الغاية
فإذا انقضت المدة يتوضأ ويصلى إن كان محدثا وان لم يكن محدثا يغسل قدميه لا غير ويصلى (ومنها) نزع
الخفين لأنه إذا نزعهما فقد سرى الحدث السابق إلى القدمين ثم إن كان محدثا يتوضأ بكماله ويصلى وان لم يكن
محدثا يغسل قدميه لا غير ولا يستقبل الوضوء وللشافعي قولان في قول مثل قولنا وفى قول يستقبل الوضوء
وجهه ان الحدث قد حل ببعض أعضائه والحدث لا يتجزأ فيتعدى إلى الباقي (ولنا) ان الحدث السابق هو الذي
حل بقدميه وقد غسل بعده سائر الأعضاء وبقيت القدمان فقط فلا يجب عليه الا غسلهما وهو مذهب
عبد الله بن عمر وكذلك إذا نزع أحدهما انه ينتقض مسحه في الخفين وعليه نزع الباقي وغسلهما لا غير أن لم
يكن محدثا الوضوء بكماله إن كان محدثا وعن إبراهيم النخعي فيه ثلاثة أقوال في قول مثل قولنا وفى قول لا شئ
عليه إذ لا يعقل حدثا وفى قول يستقبل الوضوء وجه هذا القول إن الحدث لا يتجزأ فحلوله بالبعض كحلوله
12

بالكل وجه القول الآخر ان الطهارة إذا تمت لا تنتقض الا بالحدث ونزع الخف لا يعقل حدثا (ولنا) ان المانع
من سراية الحدث إلى القدم استتارها بالخف وقد زال بالنزع فسرى الحدث السابق إلى القدمين جميعا لأنهما في حكم
الطهارة كعضو واحد فإذا وجب غسل إحداهما وجب الأخرى ولو أخرج القدم إلى الساق انتقض مسحه لان
اخراج القدم إلى الساق اخراج لها من الخف ولو أخرج بعض قدمه أو خرج بغير صنعه روى الحسن عن أبي حنيفة انه
ان أخرج أكثر العقب من الخف انتقضن مسحه والا فلا وروى عن أبي يوسف انه ان أخرج أكثر القدم من الخف
انتقض والا فلا وروى عن محمد انه ان بقي في الخف مقدار ما يجوز عليه المسح بقي السمح والا انتقض وقال بعض
مشايخنا انه يستمشي فان أمكنه المشي المعتاد بقي المسح والا فينتقض وهذا موافق القول أبى يوسف وهو اعتبار
أكثر القدم لان المشي يتعذر بخروج أكثر القدم ولا بأس بالاعتماد عليه لان المقصد من لبس الخف هو المشي
فإذا تعذر المشي انعدم اللبس فيما قصد له ولان الأكثر حكم الكل * (وأما) المسح على الجبائر فالكلام فيه
في مواضع في بيان جوازه وفي بيان شرائط جوازه وفي بيان صفة هذا المسح انه واجب أم لا وفي بيان
ما ينقضه وفي بيان حكمه إذا انتقض وفي بيان ما يفارق فيه المسح على الخفين المسح على الجبائر (أما) الأول
فالمسح على الجبائر جائز والأصل في جوازه ما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال كسر زندي يوم أحد فسقط
اللواء من يدي فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجعلوها في يساره فإنه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة فقلت
يا رسول الله ما أصنع بالجبائر فقال امسح عليها شرع المسح على الجبائر عند كسر الزند فيحلق به ما كان في معناه من
الجرح والقرح وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما شج في وجهه يوم أحد داواه بعظم بال عصب عليه
وكان يمسح على العصابة ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ولان الحاجة تدعوا إلى المسح على الجبائر
لان في نزعها حرجا وضررا * (وأما) شرائط جوازه فهو أن يكون الغسل مما ير بالعضو المنكسر والجرح
والقرح أولا يضره الغسل لكنه يخاف الضرر من جهة أخرى ينزع الجبائر فإن كان لا يضره ولا يخاف لا يجوز
ولا يسقط الغسل لان المسح لمكان العذر ولا عذر ثم إذا مسح على الجبائر والخرق التي فوق الجراحة جاز لما
قلنا فأما إذا مسح على الخرقة الزائدة عن رأس الجراحة ولم يغسل ما تحتها فهل يجوز لم يذكر هذا في ظاهر الرواية
وذكر الحسن بن زياد أنه ينظر إن كان حل الخراقة وغسل ما تحتها من حوالي الجراحة مما يضر بالجرح يجوز المسح
على الخرقة الزائدة ويقوم المسح عليها مقام غسل ما تحتها كالمسح على الخرقة التي تلاصق الجراحة وإن كان
ذلك لا يضر بالجرح عليه ان يحل ويغسل حوالي الجراحة ولا يجوز المسح عليها لان الجواز لمكان الضرورة
فيقدر بقدر الضرورة ومن شرط الجواز المسح على الجبيرة أيضا أن يكون المسح على عين الجراحة مما يضر بها
فإن كان لا يضر بها لا يجوز المسح الا على نفس الجراحة ولا يجوز على الجبيرة كذا ذكره الحسن بن زياد لان الجواز
على الجبيرة للعذر ولا عذر ولو كانت الجراحة على رأسه وبعضه صحيح فإن كان الصحيح قدر ما يجوز عليه المسح
وهو قدر ثلاث أصابع لا يجوز الا ان يمسح عليه لأن المفروض من مسح الرأس هو هذا القدر وهذا القدر من
الرأس صحيح فلا حاجة إلى المسح على الجبائر وعبارة مشايخ العراق في مثل هذا ان ذهب عير فعير في الرباط
وإن كان أقل من ذلك لم يمسح عليه لان وجوده وعدمه بمنزلة واحدة ويمسح على الجبائر (واما) بيان ان
المسح على الجبائر هل هو واجب أم لا فقد ذكر محمد في كتاب الصلاة عن أبي حنيفة أنه إذا ترك المسح على الجبائر
وذلك يضره اجزاء وقال أبو يوسف ومحمد إذا كان ذلك لا يضره لم يجز فخرج جواب أبي حنيفة في صورة وخرج
جوابهما في صورة أخرى فلم يتبين الخلاف ولا خلاف في أنه إذا كان المسح على الجبائر يضره انه يسقط عنه
المسح لان الغسل يسقط بالعذر فالمسح أولى وأما إذا كان لا يضره فقد حقق بعض مشايخنا الاختلاف فقال
على قول أبي حنيفة المسح على الجبائر مستحب وليس بواجب وهكذا ذكر قول أبي حنيفة في اختلاف زفر
ويعقوب وعند هما واجب وحجتهما ما روينا عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عليا
13

رضي الله عنه بالمسح على الجبائر بقوله امسح عليها ومطلق الامر للوجوب ولأبي حنيفة ان الفريضة لا تثبت
الا بدليل مقطوع به وحديث علي رضي الله عنه من أخبار الآحاد فلا تثبت الفريضة به وقال بعض مشايخنا
إذا كان المسح لا يضره يجب بلا خلاف ويمكن التوفيق بين حكاية القولين وهو ان من قال إن المسح على الجبائر
ليس بواجب عند أبي حنيفة عنى به انه ليس بفرض عنده لما ذكرنا ان المفروض اسم لما ثبت وجوبه بدليل
مقطوع به ووجوب المسح على الجبائر ثبت بحديث علي رضي الله عنه وانه من الآحاد فيوجب العمل دون
العلم ومن قال إن المسح على الجبائر واجب عندهما فإنما عنى به وجوب العمل لا الفريضة وعلى هذا لا يتحقق
الخلاف لأنهما لا يقولان بفريضة المسح على الجبائر لانعدام دليل الفريضة بل بوجوبه من حيث العمل لان
مطلق الامر يحمل على الوجوب في حق العمل وإنما الفريضة تثبت بدليل زائد وأبو حنيفة رضي الله عنه
يقول بوجوبه في حق العمل والجواز وعدم الجواز يكون مبنيا علي الوجوب وعدم الوجوب في حق العمل
ولو ترك المسح على بعض الجبائر ومسح على البعض لم يذكره هذا في ظاهر الرواية وعن الحسن بن زياد أنه
قال إن مسح على الأكثر جاز والا فلا بخلاف مسح الرأس والمسح على الخفين أنه لا يشترط فيهما الأكثر لان
هناك ورد الشرع بالتقدير فلا تشترط الزيادة على المقدر وههنا لا تقدير من الشرع بل ورد بالمسح
على الجبائر فظاهره يقتضى الاستيعاب الا ان ذلك لا يخلو عن ضرب حرج فأقيم الأكثر مقام الجميع والله أعلم
* (وأما) بيان ما ينقض المسح على الجبائر وبيان حكمه إذا انتقض فسقوط الجبائر عن برء ينقض المسح وجملة
الكلام فيه ان الجبائر إذا سقطت فاما ان تسقط لا عن برء أو عن برء وكل ذلك لا يخلو من أن يكون في الصلاة
أو خارج الصلاة فان سقطت لا عن برء في الصلاة مضى عليها ولا يستقبل وإن كان خارج الصلاة يعيد الجبائر
إلى موضعها ولا يجب عليه إعادة المسح وكذلك إذا شدها بجبائر أخرى غير الأولى بخلاف المسح على الخفين
إذا سقط الخف في حال الصلاة انه يستقبل وان سقط خارج الصلاة يجب عليه الغسل والفرق ان هناك سقوط
الغسل لمكان الحرج كما في النزع فإذا سقط فقد زال الحرج وههنا السقوط بسبب العذر وانه قائم فكان الغسل
ساقطا وإنما وجب المسح والمسح قائم وإنما زال الممسوح كما إذا مسح على رأسه ثم حلق الشعر انه لا يجب إعادة
المسح وان زال الممسوح كذلك ههنا وان سقطت عن برء فإن كان خارج الصلاة وهو محدث فإذا أراد أن يصلى
توضأ وغسل موضع الجبائر إن كانت الجراحة على أعضاء الوضوء وان لم يكن محدثا غسل موضع الجبائر لا غير
لأنه قدر على الأصل فبطل حكم البدل فيه فوجب غسله لا غير لان حكم الغسل وهو الطهارة في سائر الأعضاء
قائم لانعدام ما يرفعها وهو الحدث فلا يجب غسلها وإن كان في حال الصلاة يستقبل لقدرته على الأصل قبل
حصول المقصود بالبدل ولو مسح على الجبائر وصلى أياما ثم برأت جراحته لا يجب عليه إعادة ما صلى بالمسح وهذا
قول أصحابنا وقال الشافعي إن كان الجبر على الجرح والقرح بعيد قولا واحدا وإن كان على الكسر فله فيه قولان
وجه قوله إن هذا عذر نادر فلا يمنع وجوب القضاء عند زواله كالمحبوس في السجن إذا لم يجد الماء ووجد ترابا
نظيفا انه يصلى بالتيمم ثم يعيد إذا خرج من السجن كذلك ههنا (ولنا) ما روينا من حديث علي رضي الله عنه ان
النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالمسح على الجبائر ولم يأمره بإعادة الصلاة مع حاجته إلى البيان (وأما) بيان
ما يفارق فيه المسح على الجبائر المسح على الخفين (فمنها) ان المسح على الجبائر غير موقت بالأيام بل هو موقت بالبرء
والمسح على الخفين موقت بالأيام للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها لان التوقيت بالشرع والشرع وقت
هناك بقوله يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام بلياليها ولم يوقت ههنا بل أطلق بقوله امسح عليها (ومنها)
أنه لا تشترط الطهارة لوضع الجبائر حتى لو وضعها وهو محدث ثم توضأ جاز له أن يمسح عليها وتشترط الطهارة
للبس الخفين حتى لو لبسهما وهو محدث ثم توضأ لا يجوز له المسح على الخفين لان المسح على الجبائر كالغسل لما تحتها
فإذا مسح عليها فكأنه غسل ما تحتها لقيامة مقام الغسل والخف جعل مانعا من نزول الحدث بالقدمين لا رافعا له
14

ولا يتحقق ذلك الا وأن يكون لا بس الخف على طهارة وقت الحدث بعد اللبس (ومنها) انه إذا سقطت الجبائر
لا عن برء لا ينتقض المسح وسقوط الخفين أو سقوط أحدهما يوجب انتقاض المسح لما بينا
* (فصل) * وأما شرائط أركان الوضوء (فمنها) أن يكون الوضوء بالماء حتى لا يجوز التوضؤ بما سوى الماء
من المائعات كالخل والعصير واللبن ونحو ذلك لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين والمراد منه الغسل بالماء لأنه تعالى قال في آخر
الآية كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا
نقل الحكم إلى التراب عند عدم الماء فدل على أن المنقول منه هو الغسل بالماء وكذا الغسل المطلق ينصرف إلى
الغسل المعتاد وهو الغسل بالماء (ومنها) أن يكون بالماء المطلق لان مطلق اسم الماء ينصرف إلى الماء المطلق
فلا يجوز التوضؤ بالماء المقيد والماء المطلق هو الذي تتسارع افهام الناس إليه عند اطلاق اسم الماء كماء الأنهار
والعيون والآبار وماء السماء وماء الغدران والحياض والبحار فيجوز الوضوء بذلك كله سواء كان في معدنه أو في
الأواني لان نقله من مكان إلى مكان لا يسلب اطلاق اسم الماء عنه وسواء كان عذبا أو ملحا لأن الماء الملح
يسمى ماء على الاطلاق وقال النبي صلى الله عليه وسلم خلق الماء طهور الا ينجسه شئ الا ما غير لوثه أو طعمه
أو ريحه والطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره وقال الله تعالى وأنزلنا من السماء ماء طهورا وقال الله تعالى
وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن البحر فقال هو الطهور
ماؤه الحل ميتته وروى أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن المياه التي تكون في الفلوات وما ينوبها من الدواب
والسباع فقال لها ما أخذت في بطونها وما أبقت فهو لنا شراب وطهور وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ
من آبار المدينة * (وأما) المقيد فهو ما لا تتسارع إليه الافهام عند اطلاق اسم الماء وهو الماء الذي يستخرج من
الأشياء بالعلاج كماء الأشجار والثمار وماء الورد ونحو ذلك ولا يجوز التوضؤ بشئ من ذلك وكذلك الماء المطلق
إذا خالطه شئ من المائعات الطاهرة كاللبن والخل ونقيع الزبيب ونحو ذلك على وجه زال عنه اسم الماء بان صار
مغلوبا به فهو بمعنى الماء المقيد ثم ينظر إن كان الذي خالطه مما يخالف لونه لون الماء كاللبن وماء العصفر والزعفران
ونحو ذلك تعتبر الغلبة في اللون وإن كان لا يخالف الماء في اللون ويخالفه في الطعم كعصير العنب الأبيض وخله
تعتبر الغلبة في الطعم وإن كان لا يخالفه فيهما تعتبر الغلبة في الاجزاء فان استويا في الاجزاء لم يذكر هذا في ظاهر
الرواية وقالوا حكمه حكم الماء المغلوب احتياطا هذا إذا لم يكن الذي خالطه مما يقصد منه زيادة نظافة فإن كان مما
يقصد منه ذلك ويطبخ به أو يخالط به كماء الصابون والأشنان يجوز التوضؤ به وان تغير لون الماء أو طعمه
أو ريحه لان اسم الماء باق وازداد معناه وهو التطهير وكذلك جرت السنة في غسل الميت بالماء المغلى بالدر
والحرض فيجوز الوضوء به الا إذا صار غليظا كالسويق المخلوط لأنه حينئذ يزول عنه اسم الماء ومعناه أيضا
ولو تغير الماء المطلق بالطين أو بالتراب أو بالجص أو بالنورة أو بوقوع الأوراق أو الثمار فيه أو بطول المكث
يجوز التوضؤ به لأنه لم يزل عنه اسم الماء وبقى معناه أيضا مع ما فيه من الضرورة الظاهرة لتعذر صون الماء عن
ذلك وقياس ما ذكرنا أنه لا يجوز الوضوء بنبيذ التمر لتغير طعم الماء وصيرورته مغلوبا بطعم التمر فكان في معنى الماء
المقيد وبالقياس أخذ أبو يوسف وقال لا يجوز التوضؤ به الا ان أبا حنيفة ترك القياس بالنص وهو حديث
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فجوز التوضؤ به وذكر في الجامع الصغير أن المسافر إذا لم يجد الماء ووجد نبيذ
التمر توضأ به ولم يتيمم وذكر في كتاب الصلاة يتوضأ به وان تيمم معه أحب إلى وروى الحسن عن أبي حنيفة انه
بجمع بينهما لا محالة وهو قول محمد وروى نوح في الجامع المروزي عن أبي حنيفة انه رجع عن ذلك وقال لا يتوضأ
به ولكنه يتيمم وهو الذي استقر عليه قوله كذا قال نوح وبه أخد أبو يوسف ومالك والشافعي واحتج هؤلاء
بقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا نقل الحكم من الماء المطلق إلى التراب فمن نقله إلى النبيذ ثم من
15

النبيذ إلى التراب فقد خالف الكتاب وهؤلاء طعنوا في حديث عبد الله بن مسعود من وجوه (أحدها) انهم قالوا
رواه أبو فزارة عن أبي زيد عن ابن مسعود وأبو فزارة هذا كان به إذا بالكوفة وأبو زيد مجهول (ومنها) انه قيل
لعبد الله بن مسعود هل كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فقال ليتني كنت وسئل تلميذه علقمة هل
كان صاحبكم مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فقال وددنا إن كان (د ومنها) انه من أخبار الآحاد ورد على
مخالفة الكتاب ومن شرط ثبوت خبر الواحد أن لا يخالف الكتاب فإذا خالف لم يثبت أو ثبت لكنه نسخ به لان
ليلة الجن كانت بمكة وهذه الآية نزلت بالمدينة * وجه رواية الحسن وهو قول محمد انه قام ههنا دليلان أحدهما انه
يقتضى وجوب الوضوء بنبيذ التمر وهو حديث ابن مسعود ا رضي الله عنه والآخر يقتضى وجوب التيمم
وهو قوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا والعمل بالدليلين واجب إذا أمكن العمل بهما وههنا أمكن
إذ لا تنافي بين وجوب الوضوء والتيمم فيجمع بينهما كما في سؤر الحمار ولأبي حنيفة ما روى عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه أنه قال كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسا في بيت فدخل علينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال ليقم منكم من ليس في قلبه مثقال ذرة من كبر فقمت وفى رواية فلم يقم منا أحد فأشار إلي
بالقيام فقمت ودخلت البيت فتزودت بإداوة من نبيذ فخرجت معه فحط لي خطا ان خرجت من هذا لم ترني
إلى يوم القيامة فقمت قائما حتى انفجرا الصبح فإذا أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عرق جبينه كأنه حارب
جنا فقال لي يا ابن مسعود هل معد ماء أتوضأ به فقلت لا الا نبيذ تمر في إداوة فقال ثمرة طيبة بن وماء طهور فأخذ ذلك
وتوضأ به وصلى الفجر وكذا جماعة من الصحابة منهم على ى مسعود وابن عباس رضي الله عنهم كانوا يجوزون
التوضؤ بنبيذ التمر وروى عن رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال نبيذ التمر وضوء من لم يجد
ولا الماء وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال توضأوا بنبيذ التمر تتوضأوا باللبن وروى عن أبي
العالية الرياحي أنه قال كنت في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفينة في البحر فحضرت الصلاة
ففنى ماؤهم ومعهم نبيذ التمر فتوضأ بعضهم بنبيذ التمر وكره التوضؤ بماء البحر وتوضأ بعضهم بماء البحر وكره
التوضؤ بنبيذ التمر وهذا حكاية الاجماع فان من كان يتوضأ ب‍ البحر كان يعتقد جواز التوضؤ بماء البحر فلم
يتوضأ بنبيذ التمر لكونه واجدا للماء المطلق ومن كان يتوضأ بالنبيذ كان لا يرى ماء البحر طهورا أو كان يقول هو ماء
سخطة ونقمة كأنه لم يبلغه قوله صلى الله عليه وسلم في صفة البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته فتوضأ بنبيذ التمر
لكونه عاد ما للماء الطاهر وبه تبين أن ه الحديث ورد مورد الشهرة والاستفاضة حيث عمل به الصحابة رضي الله
عنهم وتلقوه بالقبول فصار موجبا علما استدلاليا كخبر المعراج والقدر خيرة وشره من الله وأخبار الرؤية
والشفاعة وغير ذلك مما كان الراوي في الأصل واحدا ثم اشتهر وتلقته لان العلماء بالقبول ومثله مما ينسخ به الكتاب
مع ما انه لا حجة لهم في الكتاب من عدم نبيذا التمر في الاسفار يسبق عدم الماء عادة لأنه أعسر وجودا وأعز إصابة لم الماء فكان تعليق جواز التيمم بعدم الماء تعليقا بعدم النبيذ دلالة فكأنه قال تجدوا ماء ولا نبيذ تمر فتيمموا
الا أنه لم ينص عليه لثبوته عادة يؤيد هذا ذكرنا من فتاوى نجباء الصحابة رضي الله عنهم في زمان انسد فيه باب
الوحي أنهم كانوا أعرف الناس بالناسخ والمنسوخ فبطل دعوى النسخ وما ذكروا من الطعن في الراوي أما أبو
فزارة فقد ذكره مسلم في الصحيح فلا مطعن لاحد فيه وأما أبو زيد فقد قال صاعد وهو من زهاد التابعين وأما
أبو زيد فهو مولى عمرو بن حريث فكان معروفا في نفسه وبمولاه فالجهل بعدالته لا يقدح في روايته على أنه قد روى هذا الحديث من طرق أخر غير هذا الطريق لا يتطرق إليها طعن وقولهم إن ابن مسعود لم يكن مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم ليلة الجن دعوى باطلة لما روينا أ ع تركه في الخط وكذا روى كونه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في خبر آخر أ الفقهاء على العمل به وهو انه طلب منه أحجارا للاستنجاء فاتاه بحجرين وروثة فالقى الروثة وقال إنها
16

رجس أو ركس والدليل عليه أنه روى أنه لما رأى أقواما من الزط بالعراق قال ما أشبه هؤلاء بالجن ليلة الجن وفى
رواية أنه مر بقوم يلعبون بالكوفة فقال ما رأيت أحدا أشبه بهؤلاء من الجن الذين رأيتهم مع النبي صلى الله عليه
وسلم ليلة الجن وما روى أنه قال ليتني كنت معه وان علقمة قال وددنا أن يكون معه فمحمول على الحال التي خاطب
فيها الجن أي ليتني كنت معه وقت خطابه الجن ووددنا أن يكون معه وقت ما خاطب الجن واختلف المشايخ في جواز
الاغتسال بنبيذ التمر على أصل أبي حنيفة فقال بعضهم لا يجوز لان الجواز وز بالنص وأنه ورد في الوضوء دون
الاغتسال فيقتصر على مورد النص وقال بعضهم أن لاستوائهما في المعنى ثم لابد من معرفة تفسير نبيذ التمر
الذي فيه الخلاف وهو أن يلقى شئ من التمر في الماء فتخرج حلاوته إلى الماء وهكذا ذكر ابن مسعود رضي الله عنه
في تفسير نبيذ التمر الذي توضأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقال تميرات ألقيتها في الماء لان من عادة
العرب انها تطرح التمر في الماء الملح ليحلو فما دام حلوا رقيقا أو قارصا يتوضأ به عند أبي حنيفة وإن كان غليظ لأنه
كالرب لا يجوز التوضؤ بلا خلاف وكذا إن كان رقيقا لكنه غلا واشتد وقذف بالزبد له صار مسكرا والمسكر
حرام فلا يجوز التوضؤ به ولان النبيذ الذي توضأ به رسول أ صلى الله عليه وسلم كان رقيقا حلوا فلا يلحق به الغليظ
والمر هذا إذا كان فإن كان مطبوخا أدنى طبخة فما دام حلوا أو قارصا فهو على الاختلاف وان غلا واشتد
وقذف بالزبد ذكر القدوري في شرحه لمختصر الكرخي الاختلاف فيه بين الكرخي وأبي طاهر الدباس على
قول الكرخي يجوز وعلى قول أبى طاهر لا يجوز وجه قول الكرخي أن اسم النبيذ كما يقع على النئ منه يقع على
المطبوخ فيدخل تحت النص ولان ا ا المطلق إذا اختلط به المائعات الطاهرة يجوز التوضؤ بلا خلاف بين
أصحابنا ه كان الماء غالبا وههنا أجزاء الماء غالبة على أجزاء التمر فيجوز التوضؤ به قول أبى طاهر أن الجواز
عرف بالحديث والحديث ورد في النئ فإنه روى عن ا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه انه سئل عن ذلك النبيذ
فقال تميرات ألقيتها في الماء وأما قوله إن المائع الطاهر إذا اختلط بالماء لا يمنع التوضؤ به فنعم إذا لم يغلب على الماء أصلا
فاما إذا غلب عليه بوجه من الوجوه فلا وههنا عليه من حيث الطعم واللون وان لم يغلب من حيث الاجزاء
فلا يجوز التوضؤ ب‍ وهذا أقرب القولين إلى الصواب وذكر القاضي الاسبيجابى في شرحه مختصر الطحاوي وجعله
على الاختلاف في شربه فقال على قول أبي حنيفة يجوز التوضؤ به كما يجوز شربه وعند محمد لا يجوز كما لا يجوز شربه
وأبو يوسف فرق بين الوضوء والشرب فقال يجوز شربه ولا يجوز الوضوء وبه لأنه لا يرى التوضؤ بالنئ الحلو منه
فبالمطبوخ المر أولى وأما نبيذ الزبيب وسائر الأنبذة فلا يجوز التوضؤ بها عند عامة العلماء وقال الأوزاعي يجوز
التوضؤ بالأنبذة كلها نيأ كان النبيذ أو مطبوخا حلوا كان أو مرا قياسا على نبيذ التمر (ولنا) أن الجواز في نبيذ
التمر ثبت معد ولا أنه القياس لان القياس يأبى الجواز الا بالماء المطلق وهذا ليس بماء مطلق بدليل أنه لا يجوز
التوضؤ به مع القدرة على الماء المطلق الا أنا عرفنا الجواز بالنص والنص ورد في نبيذ التمر خاصة فيبقى ما عداه على
أصل القياس (ومنها) يكون الماء طاهرا فلا يجوز التوضؤ بالماء النجس لان النبي صلى الله عليه
سمى الوضوء طهورا وطهارة بقوله لا صلاة الا بطهور وقوله لا صلاة الا بطهارة ويستحيل حصول الطهارة بالماء
النجس والماء النجس ما خالطه النجاسة وسنذكر بيان ون الذي يخالط الماء من النجاسة فينجسه في موضعه إن شاء الله
(ومنها) أن طهور القول النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلاة امرء حتى يضع الطهور ر في مواضعه
فيغسل وجهه ثم يديه ثم يمسح برأسه ثم يغسل رجليه والطهور اسم للطاهر في ذاته المطهر لغيره فلا يجوز التوضؤ
بالماء المستعمل لأنه نجس عند بعض أصحابنا وعند بعضهم طاهر غير طهور على ما نذكر ويجوز بالماء
المكروه لأنه ليس بنجس الا أن الأولى أن لا يتوضأ به إذا وجد غيره ولا يجوز بسؤر الحمار وحده لأنه مشكوك طهوريته عند الأكثرين وعند بعضهم في طهارته وسنفسره ونستوفي الكلام فيه إذا أما انتهينا إلى بيان حكم الأسئار
عند بيان أنواع الأنجاس إن شاء الله تعالى () النية فليست من الشرائط وكذلك الترتيب فيجوز الوضوء
17

بدون النية ومراعاة الترتيب عندنا وعند الشافعي من الشرائط لا يجوز بدونهما وكذلك ا يجوز المتوضئ ليس
بشرط لصحة وضوئه عندنا فيجوز وضوء الكافر عندنا وعنده شرط وضوء الكافر وكذلك الموالاة
ليست بشرط عند عامة المشايخ وعند مالك شر ض وسنذكر هذه المسائل عند بيان سنن الوضوء لأنها من السنن
عندنا لا من الفر قبل فكان الحاقها بفصل السنن أولى
* (فصل) * وأما سنن الوضوء فكثيرة بعضها الوضوء وبعضها في ابتدائه وبعضها في أثنائه (أما) الذي هو
قبل الوضوء إذ هو فمنها) الاستنجاء بالأحجار أو ما يقوم مقامها وسمى الكرخي الاستنجاء استجمار
إذا هو طلب
الجمرة وهي الحجر الصغير والطحاوي استطابة وهي طلب الطيب وهو الطهارة والاستنجاء هو طلب طهارة
القبل والدبر من النجو وهو ما يخرج من البطن أوما يعلو ويرتفع من النجوة وهي المكان المرتفع (والكلام في
الاستنجاء) في مواضع بيان صفة الاستنجاء وفي بيان ما يستنجى به وفي بيان ما يستنجى منه أما الأول فالاستنجاء
سنة عندنا وعند الشافعي فرض حتى لو ترك الاستنجاء أصلا جازت ء عندنا ولكن مع الكراهة وعنده
لا يجوز والكلام فيه راجع إلى أصل نذكره ان ز الله تعالى وهو أن قليل النجاسة الحقيقة في الثوب والبدن
عفو في حق جواز ولم الصلاة عندنا وعنده ليس بعفو ثم ناقض في الاستنجاء فقال إذا استنجى بالأحجار يغسل موضع
الاستنجاء جازت صلاته وان تيقنا ببقاء شئ من النجاسة إذا الحجر يستأصل النجاسة وإنما يقللها وهذا تناقض
ظاهر ثم ابتداء الدليل على ا جمر الاستنجاء ليس بفرض ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج والاستدلال به من وجهين أحدهما انه نفى الحرج
في تركه ولو كان فرضا لكان في تركه حرج والثاني أنه قال من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومثل هذا لا يقال
في المفروض وإنما يقال في المندوب إليه والمستحب الا انه إذا ترك الاستنجاء أصلا وصلى يكره
لان قليل النجاسة جعل عفوا في حق جواز الصلاة الكراهة وإذا استنجى زالت الكراهة
لان الاستنجاء بالأحجار أقيم مقام الغسل بالماء شرعا للضرورة إذا الانسان قد لا يجد سترة أو مكانا
خاليا للغسل ول وقد العورة حرام فأقيم الاستنجاء مقام الغسل فتزول به الكراهة كما تزول
بالغسل وقد روى عن ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يستنجى ولا يظن به أداء
الصلاة مع الكراهة (وأما) بيان ما يستنجى به فالسنة ه‍ كره الاستنجاء بالأشياء الطاهرة من الأحجار والأمدار والتراب
والخرق البوالى مسعود بالروت وغيره من الأنجاس لان النبي صلى الله عليه وسلم لما سأل عبد الله بن مسعود عن
أحجار الاستنجاء إناء بحجرين وروثة فأخذ الحجرين ورمى بالروثة وعلل الله نجسا فقال إنها رجس أو ركس
أي نجس ويكره بالعظم لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء بالروث والرمة وقال من استنجى
بروث أو رمة برئ مما أنزل على محمد وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تستنجوا بالعظم ولا
بالروث فان العظم زاد اخوانكم الجن والروث علف دوابهم فان فعل ذلك يعتد به عندنا فيكون مقيما سنة
ومرتكبا كراهة ويجوز أن يكون لفعل تجوز جهتان مختلفتان فيكون بجهة كذا وبجهة كذا وعند الشافعي
لا يعتد به حتى عين صلاته إذا لم يستنج بالأحجار بعد ذلك وجه قوله إن النص ورد بالأحجار فيراعي عن
المنصوص عليه ولان الروث نجس في نفسه والنجس كيف يزيل النجاسة (ولنا) أن النص معلول بمعنى الطهارة
وقد حصلت بهذه الأشياء كما تحصل بالأحجار الا لما بالروث لما فيه من استعمال النجس وافساد علف دواب
الجن وكره بالعظم من فيه من افساد زادهم على ما نطق به الحديث فكان النهى عن الاستنجاء به لمعنى في غيره لا في
عينه فلا يمنع الاعتداد به وقوله الروث نجس في نفسه مسلم لكنه يابس لا ينفصل منه شئ إلى البدن فيحصل
باستعماله نوع طهارة بتقليل النجاسة وساد الاستنجاء بخرقة الديباج ومطعوم الآدمي من الحنطة والشعير
لما فيه من غير المال من غير ضرورة وكذا بعلف البهائم وهو الحشيش لأنه تنجيس للطاهر حصل ضرورة
18

والمعتبر في إقامة هذه السنة عندنا هو الانقاء دون العدد ف‍ نقاء بحجر واحد كفاه وان لم يحصل بالثلاث زاد
عليه وعند الشافعي العدد مع ج شرط حتى لو حصل الانقاء بما دون الثلاث كل الثلاث ولو ترك لم يجزه
وا أمر الشافعي بما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من استجمر فليوتر الله بالايثار ومطلق الامر
للوجوب (ولنا) ما رويناه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم سأله أحجار الاستنجاء
فأتاه بحجرين وترك الروثة ولم يسأله حجرا ثالثا ولو كان العدد فيه شرطا لسأله إذا لا يظن به ترك الواجب
ولان الغرض منه هو التطهير وقد حصل بالواحد ولا يجوز تنجيس ا الامر غير ضرورة (وأما) الحديث
فحجة عليه لان أقل الايتار مرة واحدة على أن الامر بالايتار ليس لعينه بل لحصول الطهارة فإذا حصلت بما
دون الثلاث فقد زلة المقصود فينتهي حكم الامر وكذا لو استنجى بحجر واحد له ثلاثة أحرف لأنه ب‍ الله ثلاثة
أحجار في تحصيل معنى الطهارة ويستنجى بيساره لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل بيمينه ويستجمر
بيساره وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل بيمينه ويستنجى بيساره ولان اليسار
للاقذار من قدر إذا كانت النجاسة التي على المخرج قدر الدرهم أو أقل منه فإن كانت أكثر من قدر الدرهم لم يذكر في
ظاهر الرواية واختلف المشايخ فيه فقال بعضهم لا يزول لان بالغسل وقال بعضهم يزول بالأحجار وبه أخذ الفقيه
أبو الليث وهو الصحيح لان الشرع ورد بالاستنجاء بالأحجار مطلقا من غير فصل وهذا كله إذا لم يتعد النجس
المخرج فان تعداه ينظر إن كان المتعدى أكثر من قدر الدرهم يجب غسله بالاجماع وإن كان أقل من قدر الدرهم لا
يجب غسله عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد غسلها وذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي ان النجاسة
إذا تجاوزت مخرجها وجب غسلها ولم يذكر خلاف أصحابنا لمحمد ان الكثير من النجاسة ليس بعفو وهذا (كثير
ولهما ان القدر الذي على المخرج قليل وإنما يصير كثيرا بضم المتعدى اليه والأخرى نجاستان مختلفتان في الحكم فلا
يجتمعان الا يرى أن إحداهما نزول بالأحجار أو هي لا تزول الا بالماء وإذا اختلفتا في الحكم يعطى لكل
واحدة منهما حكم نفسها قليله فكانت عفوا (واما) بيان ما يستنجى منه فالاستنجاء مسنون
كل نجس يخرج من السبيلين له عين مرئية كالغائط والبول والمني والودي ولسبيلين والدم لان الاستنجاء
للتطهير بتقليل النجاسة وإذا كان النجس الخارج من ليست عينا مرئية تقع الحاجة إلى التطهير بالتقليل
ولا استنجاء في الريح لأنها ليست بعين مرئية (ومنها) السواك لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة وفي رواية عند كل وضوء ولأنه مطهرة للغم على ما
نطق به الحديث السواك مطهرة للغم ومرضاة للرب عز وجل وروى عنه أنه قال ما زال جبريل يوصيني
بالسواك حتى خشيت ان يدردنى وروى أنه قال طهر وامسالك القرآن بالسواك وله ان يستاك باي سواك كان
رطبا أو السواك مبلولا أو غير مبلول صائما كان أو غير صائم قبل الزوال أو بعده لان نصوص السؤال مطلقة وعند
الشافعي يكره السواك بعد الزوال للصائم لما يذكر في كتا هي فريضة وأما) الذي هو في ابتداء الوضوء (فمنها)
النية عندنا وعند الشافعي الوضوء والكلام في النية راجع إلى أصل وهو أن معنى القربة والعبادة غير لازم في نبي صلى عندنا وعنده لازم ولهذا صح من الكافر عندنا خلافا له واحتج بما روى عن لهذا كان الله عليه وسلم أنه
قال الوضوء شطر الايمان والايمان عبادة فكذا شطره الف الأصل التيمم عبادة حتى لا يصح بدون النية وأنه
خلف عن الوضوء والخلف لا وجوهكم (ولنا) قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا المسح وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين أمر بالغسل أيها الذين مطلقا عن شرط
النية ولا يجوز تقييد المطلق الا بدليل وقوله تعالى لا عابري سبيل آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا
ما تقولون ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا نهى الجنب عن قربان الصلاة إذا لم يكن عابر سبيل إلى غاية
الاغتسال مطلقا عن شرط النية فيقتضى انتهاء حكم النهى عند الاغتسال مر بالوضوء ينتهى الا عند
19

اغتسال مقرون بالنية وهذا خلاف الكتاب ولان وحصول الطهارة لحصول الطهارة لقوله تعالى في آخر آية الوضوء
ولكن يريد ليطهرك مطهر لما لا يقف على النية بل على استعمال المطهر في محل قابل للطهارة
والماء المطهر
لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال خلق الماء طهور الا ينجسه شي الا ما غير طعمه أو ريحه أو لونه
وقال الله تعالى وأنزلنا من السماء ماء ط ين ان الطهارة اسم للطاهر في نفسه المطهر لغيره والمحل قابل على ما عرف
وبه تبين ان الطهارة عمل الماء خلقة وفعل اللسان فضل في الباب حتى لو سال عليه المطر أجزأه عن الوضوء
والغسل فلا يشترط لهما النية إذا اشتراطها لاعتبار الفعل فان اتصلت تبين أن اللازم للوضوء معنى الطهارة
ومعنى العبادة فيه من الزوائد فان اتصلت به النية يقع عبادة وان لم تتصل به لا يقع عبادة لكنه يقع
وسيلة إلى
إقامة الصلاة لحصول الطهارة كالسعي إلى الجمعة (وأما) الحديث فتأويله انه شرط الصلاة لاجماعنا على أنه
ليس بشرط الايمان لصحة الايمان بدونه ولا شطره ر الصلاة لان التصديق والوضوء ليس من التصديق
في شئ فكان المراد منه انه له تعالى وما الايمان يذكر على إرادة الصلاة لان قبولها من لوازم الايمان
قال التيمم انه كان الله ليضيع ايمانكم أي صلاتكم إلى بيت المقدس وهكذا نقول صلاة به لا لأنه ليس بعبادة
أيضا الا انه إذا لم تتصل به النية لا يجوز أداء ند مباشرة فعل لا عبادة بل لانعدام حصول الطهارة لأنه طهارة
ضرورية جعلت طهارة وضوء لأنه طهارة صحة له بدون الطهارة فإذا عرى عن النية لم يقع طهارة بخلاف
الوضوء لأنه طهارة حقيقة فلا يقف على النية (ومنها) التسمية وقال مالك انها فرض الا إذا كان ناسيا فتقام
التسمية بالقلب مقام التسمية باللسان دفعا للحرج واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
لا وضوء لمن لم يسم (و
المطلوب من الوضوء مطلقة عن شرط التسمية فلا تقيد الا بدليل صالح للتقييد ولان
المطلوب من التوضئ هو الطهارة وترك التسمية لا يقدح فيها لأن الماء خلق طهورا في الأصل فلا تقف طهوريته
على صنع العبد والدليل عليه ما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من
توضأ وذكر اسم الله عليه كان طهور الجميع بدنه ومن توضأ ولم يذكر اسم الله كان طهورا لما أصاب الماء من بدنه
والحديث من جملة الآحاد ولا يجوز تقييد مطلق الكتاب بخبر الواحد ثم محمول على نفي الكمال
وهو معنى
السنة كقول النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد وبه تقول انه سنة لمواظبة النبي
صلى الله عليه وسلم عند افتتاح الوضوء وذلك دليل السنية وقال عليه الصلاة والسلام كل أمر ذي
بال لم يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر واختلف المشايخ في أن التسمية يؤتى بها قبل الاستنجاء أو بعده قال
بعضهم قبله لأنها سنة افتتاح الوضوء وقال بعضهم بعده لان حال الاستنجاء حال كشف العورة فلا يكون ذكر
اسم الله تعالى في تلك الحالة من باب التعظيم (ومنها) غسل اليدين إلى الرسغين قبل ادخالهما في الاناء للمستيقظ من
منامه وقال قوم انه فرض ثم اختلفوا فيما بينهم منهم من قال إنه فرض من نوم الليل والنهار ومنهم من قال إنه
فرض من نوم الليل خاصة واحتجوا بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا استيقظ أحدكم من
منامه فلا يغمسن يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدرى أين بانت يده والنهي عن الغمس يدل على كون
الغسل فرضا (ولنا) ان الغسل لو وجب لا يخلو اما ان يجب من الحدث أو من النجس لا سبيل إلى الأول لأنه
لا يجب الغسل من الحدث الا مرة واحدة فلو أوجبنا عليه غسل العضو عند استيقاظه من منامه مرة ومرة
عند الوضوء لأوجبنا عليه الغسل عند الحدث مرتين ولا سبيل إلى الثاني لان النجس غير معلوم بل هو موهوم
واليه أشار في الحديث حيث قال فإنه لا يدرى أين باتت يده وهذا إشارة إلى توهم النجاسة واحتمالها فيناسبه
الندب إلى الغسل واستحبابه لا الايجاب لان الأصل هو الطهارة فلا تثبت النجاسة بالشد والاحتمال فكان
الحديث محمولا عن نهي التنزيه لا التحريم واختلف المشايخ في وقت غسل اليدين انه قبل الاستنجاء بالماء
أو بعده على ثلاثة أقوال بعضهم قبله وقال بعضهم بعده وقال بعضهم قبله وبعده تكميلا للتطهير (ومنها)
20

الاستنجاء بالماء لما روى عن جماعة من الصحابة منهم علي ومعاوية وابن عمر وحذيفة بن اليمان رضي الله
عنه انهم كانوا يستنجون بالماء بعد الاستنجاء بالأحجار حتى قال ابن عمر فعلناه فوجدناه دواء وطهورا وعن الحسن
البصري انه كان يأمر الناس بالاستنجاء بالماء بعد الاستنجاء بالأحجار ويقول إن من كان قبلكم كان يبعر بعرا وأنتم
تثلطون ثلطا فاتبعوا الحجارة الماء وهو كان من الآداب في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عن عائشة
رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ وغسل مقعده بالماء ثلاثا ولما نزل قوله تعالى فيه رجال
يحبون ان يتطهروا والله يحب المتطهرين في أهل قبا سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شانهم فقالوا انا نتبع
الحجارة الماء ثم صار بعد عصره من السنن باجماع الصحابة كالتراويح والسنة فيه اي يغسل بيساره لما روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اليمين للوجه واليسار للمقعد ثم العدد في الاستنجاء بالماء ليس بلازم وإنما المعتبر هو
الانقاء فإن لم يكفه الغسل ثلاثا يزيد عليه وإن كان الرجل موسوسا فلا ينبغي المزيد على السبع لان قطع الوسوسة
واجب والسبع هو نهاية العدد الذي ورد الشرع به في الغسل في الجملة كما في حديث ولوغ الكلب (وأما) كيفية
الاستنجاء فينبغي ان يرخي نفسه ارخاء تكميلا للتطهير وينبغي ان يبتدأ بإصبع ثم بإصبعين ثم بثلاث أصابع لان
الضرورة تندفع به ولا يجوز تنجيس الطاهر من غير ضرورة وينبغي ان يستنجى ببطون الأصابع لا برؤوسها كي لا
يشبه ادخال الإصبع في العورة وهذا في حق الرجل واما المرأة فقال بعضهم تفعل مثل ما يفعل الرجل وقال بعضهم
ينبغي ان تستنجي برؤوس الأصابع لان تطهير الفرج الخارج في باب الحيض والنفاس والجنابة واجب وفي باب
الوضوء سنة ولا يحصل ذلك الا برؤوس الأصابع (وأما) الذي هو في أثناء الوضوء (فمنها) المضمضة والاستنشاق
وقال أصحاب الحديث منهم أحمد بن حنبل هما فرضان في الوضوء والغسل جميعا وقال الشافعي سنتان فيهما جميعا
فأصحاب الحديث احتجوا بمواظبته صلى الله عليه وسلم عليهما في الوضوء والشافعي يقول الامر بالغسل عن الجنابة
يتعلق بالظاهر دون الباطن وداخل الانف والفم من البواطن فلا يجب غسله (ولنا) ان الواجب في باب الوضوء
غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس وداخل الانف والفم ليس من جملتها اما ما سوى الوجه فظاهر وكذا الوجه
لأنه اسم لما يواجه إليه عادة وداخل الانف والفم لا يواجه إليه بكل حال فلا يجب غسله بخلاف باب الجنابة لان
الواجب هنا تطهير البدن بقوله تعالى وان كنتم جنبا فاطهروا اي طهروا أبدانكم فيجب غسل ما يمكن غسله من
غير حرج ظاهرا كان أو باطنا ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما في الوضوء دليل السنية دون الفرضية فإنه
كان يواظب على سنن العبادات (ومنها) الترتيب في المضمضة والاستنشاق وهو تقديم المضمضة على الاستنشاق
لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على التقديم (ومنها) افراد كل واحد منهما بماء على حدة عندنا وعند
الشافعي السنة الجمع بينهما بماء واحد بان يأخذ الماء بكفه فيتمضمض ببعضه ويستنشق ببعضه واحتج بما روى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق بكف واحد (ولنا) ان الذين حكوا وضوء رسول الله صلى الله
عليه وسلم أخذوا لكل واحد منهما ماء جديدا ولأنهما عضوان منفردان فيفرد كل واحد منهما بماء على حدة كسائر
الأعضاء وما رواه محتمل يحتمل انه تمضمض واستنشق بكف واحد بماء واحد ويحتمل انه فعل ذلك بماء على حدة فلا
يكون حجة مع الاحتمال أو يرد المحتمل إلى المحكم وهو ما ذكرنا توفيقا بين الدليلين (ومنها) المضمضة والاستنشاق
باليمين وقال بعضهم المضمضة باليمين والاستنشاق باليسار لان الفم مطهرة والانف مقذرة واليمين للأطهار
واليسار للأقذار (ولنا) ما روى عن الحسن بن علي رضي الله عنه انه استنثر بيمينه فقال له معاوية جهلت السنة
فقال الحسن رضي الله عنه كيف أجهل والسنة خرجت من بيوتنا اما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اليمين
للوجه واليسار للمقعد (ومنها) المبالغة في المضمضة والاستنشاق الا في حال الصوم فيرفق لما روى أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال للقيط بن صبرة بالغ في المضمضة والاستنشاق الا أن تكون صائما فارفق ولان المبالغة فيهما من
باب التكميل في التطهير فكانت مسنونة الآن في حال الصوم لما فيها من تعريض الصوم للفساد (ومنها) الترتيب
21

في الوضوء لان النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه ومواظبته عليه دليل السنة وهذا عندنا وعند الشافعي هو
فرض وجه قوله إن الامر وان تعلق بالغسل والمسح في آية الوضوء بحرف الواو وانها للجمع المطلق لكن الجمع
المطلق يحتمل الترتيب فيحمل على الترتيب بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث غسل مرتبا فكان فعله بيانا
لاحد المحتملين (ولنا) ان حرف الواو للجمع المطلق والجمع بصفة الترتيب جمع مقيد ولا يجوز تقييد المطلق الا
بدليل وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن يحمل على موافقة الكتاب وهو انه إنما فعل ذلك لدخوله تحت
الجمع المطلق لكن من حيث إنه جمع بل من حيث إنه مرتب وعلى هذا الوجه يكون عملا بموافقة الكتاب كمن أعتق
رقبة مؤمنة في كفارة اليمين أو الظهار انه يجوز بالاجماع وذا لا ينفى أن تكون الرقبة المطلقة مرادة من النص لأن جواز
المؤمنة من حيث هي رقبة لا من حيث هي مؤمنة كذا ههنا ولان الامر بالوضوء للتطهير لما ذكرنا في
المسائل المتقدمة والتطهير لا يقف على الترتيب لما مر (ومنها) الموالاة وهي أن لا يشتغل المتوضئ بين أفعال
الوضوء بعمل ليس منه لان النبي صلى الله عليه وسلم هكذا كان يفعل وقيل في تفسير الموالاة أن لا يمكث في أثناء
الوضوء مقدار ما يخف فيه العضو المغسول فان مكث تنقطع الموالاة وعند مالك هي فرض وقيل إنه أحد قولي
الشافعي والكلام في الطرفين على نحو ما ذكرنا في الترتيب فافهم (ومنها) التثليث في الغسل وهو أن يغسل أعضاء
الوضوء ثلاثا ثلاثا لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به
وتوضأ مرتين مرتين وقال هذا وضوء من يضاعف الله له الاجر مرتين وتوضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا وضوئي ووضوء
الأنبياء من قبلي فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم وفى رواية فمن زاد أو نقص فهو من المعتدين واختلف
في تأويله قال بعضهم زاد على مواضع الوضوء ونقص عن مواضعه وقال بعضهم زاد على ثلاث مرات ولم ينو ابتداء
الوضوء ونقص عن الواحدة والصحيح انه محمول على الاعتقاد دون نفس الفعل معناه فمن زاد على الثلاث أو نقص
عن الثلاث بان لم ير الثلاث سنة لان من لم ير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة فقد ابتدع فيلحقه الوعيد حتى
لو زاد على الثلاث أو نقص ورأي الثلاث سنة لا يحلقه هذا الوعيد لان الزيادة على الثلاث من باب الوضوء على
الوضوء إذ نوى به وانه نور على نور على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا جعل رسول الله لي الله عليه
وسلم الوضوء مرتين سببا لتضعيف الثواب فكان المراد منه الاعتقاد لا نفس الزيادة والنقصان (ومنها) البداءة
باليمين في اليدين والرجلين لان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يواظب على ذلك وهي سنة في الوضوء وفى غيره
من الاعمال لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في كل شئ التنعل والترجل (ومنها) البداءة
فيه من رؤس الأصابع لان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك (ومنها) تخليل الأصابع بعد ايصال الماء
إلى ما بينها لقول النبي صلى الله عليه وسلم خللوا أصابعكم قبل أن تخللها نار جهنم وفي رواية خللوا أصابعكم لا تخللها نار
جهنم ولان التخليل من باب اكمال الفريضة فكان مسنونا ولو كان في أصبعه خاتم فإن كان واسعا فلا حاجة إلى التحريك
وإن كان ضيقا فلابد من التحريك ليصل الماء إلى ما تحته (ومنها) الاستيعاب في مسح الرأس وهو أن يمسح كله لما
روى عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بيديه كلتيهما أقبل بهما وأدبر وعند مالك فرض وقد مر
الكلام فيه (ومنها) البداءة بالمسح من مقدم الرأس وقال الحسن البصري السنة البداءة من الهامة فيضع يديه عليها
فيمدهما إلى مقدم الرأس ثم يعيد هما إلى القفا وهكذا روى هشام عن محمد والصحيح قول لعامة لما روى أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يبتدئ بالمسح من مقدم رأسه ولان السنة في المغسولات البداءة بالغسل من أول العضو
فكذا في الممسوحات (ومنها) أن يمسح رأسه مرة واحدة والتثليث مكروه وهذا عندنا وقال الشافعي السنة
هي التثليث وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يمسح ثلاث مرات بماء واحد احتج الشافعي بما روى أن عثمان بن
عفان وعليا رضي الله عنهما حكيا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلا ثلاثا ومسحا بالرأس ثلاثا ولان هذا
ركن أصلى في الوضوء فيسن فيه التثليث قياسا على الركن الآخر وهو الغسل بخلاف المسح على الخفين لأنه ليس
22

بركن أصلى بل ثبت رخصة ومبنى الرخصة على الخفة (ولنا) ما روى عن معاذ رضي الله عنه أنه قال رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ورأيته توضأ مرتين مرتين ورأيته توضأ ثلاثا ثلاثا وما رأيته مسح على رأسه
الا مرة واحدة وكذا روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه علم الناس وضوء رسول الله عليه وسلم
ومسح مرة واحدة (وأما) حكاية عثمان وعلي رضي الله عنهما فالمشهور عنهما انهما مسحا مرة واحدة كذا ذكر
أبو داود في سنته أن الصحيح من حديث عثمان رضي الله عنه أنه مسح رأسه وأذنيه مرة واحدة وكذا روى عبد
خبر عن علي رضي الله عنه أنه توضأ في رحبة الكوفة بعد صلاة الفجر ومسح رأسه مرة واحدة ثم قال من سره أن
ينظر إلى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى وضوئي هذا ولو ثبت ما رواه الشافعي فهو محمول على أنه
فعله بماء واحد وذلك سنة عندنا في رواية الحسن عن أبي حنيفة ولان التثليث بالمياه الجديدة تقريب إلى
الغسل فكان مخلا باسم المسح واعتباره بالغسل فاسد من وجهين أحدهما أن المسح بنى على التخفيف والتكرار
من باب التغليظ فلا يليق بالمسح بخلاف الغسل والثاني أن التكرار في الغسل مفيد لحصول زيادة نظافة ووضاءة
لا تحصل بالمرة الواحدة ولا يحصل ذلك بتكرار المسح فبطل القياس (ومنها) أن يمسح الاذنين ظاهرهما
وباطنهما بماء الرأس وقال الشافعي السنة أن يأخذ لكل واحد منهما ماء جديدا وجه قوله إنهما عضوان منفردان
وليسا من الرأس حقيقة وحكما أما الحقيقة فان الرأس منبت الشعر ولا شعر عليهما وأما الحكم فلان المسح عليهما
لا ينوب عن مسح الرأس ولو كانا في حكم الرأس لناب المسح عليهما عن مسح الرأس كسائر اجزاء الرأس (ولنا)
ما روى عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أذنيه بماء مسح به رأسه وروى عن أنس
ابن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الأذنان من الرأس ومعلوم أنه ما أراد به بيان الخلقة بل
بيان الحكم الا أنه لا ينوب المسح عليهما عن مسح الرأس لان وجوب مسح الرأس ثبت بدليل مقطوع به وكون
الاذنين من الرأس ثبت بخبر الواحد وانه يوجب العمل دون العلم فلو ناب المسح عليهما عن مسح الرأس لجعلنا هما
من الرأس قطعا وهذا لا يجوز وصار هذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم الحطيم من البيت فالحديث يفيد كون
الحطيم من البيت حتى يطاف به بالبيت ثم لا يجوز أداء الصلاة إليه لان وجوب الصلاة إلى الكعبة ثبت
بدليل مقطوع به وكون الحطيم من البيت ثبت بخبر الواحد والعمل بخبر الواحد إنما يجب إذا لم يتضمن ابطال
العمل بدليل مقطوع به أما إذا تضمن فلا كذلك ههنا (وأما) تخليل اللحية فعند أبي حنيفة ومحمد من الآداب
وعند أبي يوسف سنة هكذا ذكر محمد في كتاب الآثار لأبي يوسف ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
توضأ وشبك أصابعه في لحيته كأنها أسنان المشط ولهما أن الذين حكموا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خللوا
لحاهم وما رواه أبو يوسف فهو حكاية فعله صلى الله عليه وسلم ذلك اتفاقا لا بطريق المواظبة وهذا لا يدل على
السنة (وأما) مسح الرقبة فقد اختلف المشايخ فيه قال أبو بكر الأعمش انه سنة وقال أبو بكر الإسكاف
انه أدب
* (فصل) * وأما آداب الوضوء (فمنها) أن لا يستعين المتوضى على وضوئه بأحد لما روى عن أبي الجنوب أنه قال
رأيت عليا يستقى ماء لوضوئه فبادرت استقى له فقال مه يا أبا الجنوب فانى رأيت عمر يستقى ماء لوضوئه فبادرت
أستقي له فقال مه يا أبا الحسن فانى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقى ماء لوضوئه فبادرت استقى له فقال مه يا عمر
انى لا أريد أن يعينني على صلاتي أحد (ومنها) أن لا يسرف في الوضوء ولا يقتروا الأدب فيما بين الاسراف والتقتير
إذا لحق بين الغلو والتقصير قال النبي صلى الله عليه وسلم خير الأمور أوسطها (ومنها) ذلك أعضاء الوضوء خصوصا
في الشتاء لأن الماء يتجافى عن الأعضاء (ومنها) ان يدعو عند كل فعل من أفعال الوضوء بالدعوات المأثورة
المعروفة وان يشرب فضل وضوئه قائما إذا لم يكن صائما ثم يستقبل القبلة ويقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد
أن محمدا رسول الله ويملأ الآنية عمدة لوضوء آخر ويصلى ركعتين لان كل ذلك مما ورد في الاخبار انه فعله صلى
23

الله عليه وسلم ولكن لم يواظب عليه وهذا هو الفرق بين السنة والأدب ان السنة ما واظب عليه رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولم يتركه الا مرة أو مرتين لمعنى من المعاني والأدب ما فعله مرة أو مرتين ولم يواظب عليه
* (فصل) * وأما بيان ما ينقض الوضوء فالذي ينقضه الحدث والكلام في الحدث في الأصل في موضعين أحدهما في
بيان ماهيته والثاني في بيان حكمه أما الأول فالحدث نوعان حقيقي وحكمي أما الحقيقي فقد اختلف فيه قال أصحابنا
الثلاثة هو خروج النجس من الادمي الحي سواء كان من السبيلين الدبر والذكر أو فرج المرأة أو من غير السبيلين الجرح
والقرح والانف من الدم والقيح والرعاف والقئ وسواء كان الخارج من السبيلين معتادا كالبول والغائط والمني
والمذي والودي ودم الحيض والنفاس أو غير معتاد كدم الاستحاضة وقال زفر ظهور النجس من الآدمي الحي
وقال مالك في قول هو خروج النجس المعتاد من السبيل المعتاد فلم يجعل دم الاستحاضة حدثا لكونه غير معتاد وقال
الشافعي هو خروج شئ من السبيلين فليس بحدث وهو أحد قولي مالك أما قول مالك فمخالف للسنة وهو قوله صلى
الله عليه وسلم المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة وقوله للمستحاضة توضئي وصلى وان قطر الدم على الحصير قطرا
وقوله توضئي فإنه دم عرق انفجر ولان المعنى الذي يقتضى كون الخروج من السبيلين حدثا لا يوجب الفصل
بين المعتاد وغير المعتاد لما يذكر فالفصل يكون تحكما على الدليل وأما الكلام مع الشافعي فهو احتج بما روى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قاء فغسل فمه فقيل له الا تتوضأ وضوءك للصلاة فقال هكذا الوضوء من القئ
وعن عمر رضي الله عنه انه حين طعن كان يصلى والدم يسيل منه ولان خروج النجس من البدن زوال النجس
عن البدن وزوال النجس عن البدن كيف يوجب تنجيس البدن مع أنه لا نجس على أعضاء الوضوء حقيقة وهذا
هو القياس في السبيلين الا ان الحكم هناك عرف بالنص غير معقول فيقتصر على مورد النص (ولنا) ما روى عن أبي أمامة
الباهلي رضي الله عنه أنه قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرفت له غرفة فأكلها فجاء
المؤذن فقلت الوضوء يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم إنما علينا الوضوء مما يخرج ليس مما يدخل علق
الحكم بكل ما يخرج أو بمطلق الخارج من غير اعتبار المخرج الا ان خروج الطاهر ليس بمراد فبقي خروج النجس
مرادا وروى عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من قاء أو رعف في صلاته
فلينصرف وليتوضأ وليبن علي صلاته ما لم يتكلم والحديث حجة على الشافعي في فصلين في وجوب الوضوء بخروج
النجس من غير السبيلين وفي جواز البناء عند سبق الحدث في الصلاة وروى أنه قال لفاطمة بنت حبيش توضئي
فإنه دم عرق انفجر أمرها بالوضوء وعلل بانفجار دم العرق لا بالمرور على المخرج وعن تيمم الداري عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال الوضوء من كل دم سائل والاخبار في هذا الباب وردت مورد الاستفاضة حتى روى عن
عشرة من الصحابة انهم قالوا مثل مذهبنا وهم عمر وعثمان وعلى وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وثوبان وأبو
الدرداء وقيل في التاسع والعاشر انهما زيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وهؤلاء فقهاء الصحابة متبع لهم في
فتواهم فيجب تقليدهم وقيل إنه مذهب العشرة المبشرين بالجنة ولان الخروج من السبيلين إنما كان حدثا لأنه
يوجب تنجيس ظاهر البدن لضرورة تنجس موضع الإصابة فتزول الطهارة ضرورة إذ النجاسة والطهارة ضدان فلا
يجتمعان في محل واحد في زمان واحد ومتى زالت الطهارة عن ظاهر البدن خرج من أن يكون أهلا للصلاة التي هي
مناجاة مع الله تعالى فيجب تطهيره بالماء ليصير أهلا لها وما رواه الشافعي محتمل يحتمل انه قاء أقل من ملء الفم وكذا
اسم الوضوء يحتمل غسل الفم فلا يكون حجة مع الاحتمال أو محمله على ما قلنا توفيقا بين الدلائل وأما حديث عمر
فليس فيه انه كان يصلى بعد الطعن من غير تجديد الوضوء بل يحتمل انه توضأ بعد الطعن مع سيلان الدم وصلى وبه
نقول كما في المستحاضة وقوله إن خروج النجس عن البدن زوال النجس عن البدن فكيف يوجب تنجسه مسلم انه
يزول به شئ من نجاسة الباطن لكن يتنجس به الظاهر لان القدر الذي زال إليه أوجب زوال الطهارة عنه والبدن
في حكم الطهارة والنجاسة لا يتجزأ والعزيمة هي غسل كل البدن الا أنه أقيم غسل أعضاء الوضوء مقام غسل كل
24

البدن رخصة وتيسيرا ودفعا للحرج وبه تبين أن الحكم في الأصل معقول فيتعدى إلى الفرع وقوله لا نجاسة على
أعضاء الوضوء حقيقة ممنوع بل عليها نجاسة حقيقية معنوية وإن كان الحس لا يدركها وهي نجاسة الحدث على
ما عرف في الخلافيات وإذا عرفنا ماهية الحدث نخرج عليه المسائل (فنقول) إذا ظهر شئ من البول والغائط على
رأس المخرج انتقضت الطهارة لوجود الحدث وهو خروج النجس وهو انتقاله من الباطن إلى الظاهر لان رأس
المخرج عضو ظاهر وإنما انتقلت النجاسة إليه من موضع آخر فان موضع البول المثانة وموضع الغائط موضع
في البطن يقال له قولون وسواء كان الخارج قليلا أو كثيرا سال عن رأس المخرج أو لم يسل لما قلنا وكذا المنى
والمذي والودي ودم الحيض والنفاس ودم الاستحاضة لأنها كلها أنجاس لما يذكر في بيان أنواع الأنجاس وقد
انتقلت من الباطن إلى الظاهر فوجد خروج النجس من الآدمي الحي فيكون حدثا الا أن بعضها يوجب
الغسل وهو المنى ودم الحيض والنفاس وبعضها يوجب الوضوء وهو المذي والودي ودم الاستحاضة لما يذكر
إن شاء الله تعالى وكذلك خروج الولد والدودة والحصا واللحم وعود الحقنة بعد غيبوبتها لأن هذه الأشياء وإن كانت
طاهرة في أنفسها لكنها لا تخلو عن قليل نجس يخرج معها والقليل من السبيلين خارج لما بينا وكذا الريح
الخارجة من الدبر لان الريح وإن كانت جسما طاهرا في نفسه لكنه لا يخلو عن قليل نجس يقوم به لانبعاثه من محل
الأنجاس وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا وضوء الا من صوت أو ريح وروى عنه صلى الله عليه
وسلم أنه قال إن الشيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فيقول أحدثت أحدثت فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا أو يجد
ريحا (وأما) الريح الخارجة من قبل المرأة أو ذكر الرجل فلم يذكر حكمها في ظاهر الرواية وروى عن محمد أنه قال
فيها الوضوء وذكر الكرخي أنه لا وضوء فيها الا أن تكون المرأة مفضاة فيخرج منها ريح منتنة فيستحب لها
الوضوء وجه رواية محمد أن كل واحد منهما مسلك النجاسة كالدبر فكانت الريح الخارجة منهما كالخارجة
من الدبر فيكون حدثا وجه ما ذكره الكرخي أن الريح ليست بحدث في نفسها لأنها طاهرة وخروج
الطاهر لا يوجب انتقاض الطهارة وإنما انتقاض الطهارة بما يخرج بخروجها من أجزاء النجس وموضع
الوطئ من فرج المرأة ليس بمسلك البول فالخارج منه من الريح لا يجاوره النجس وإذا كانت مفضاة فقد صار
مسلك البول ومسلك الوطئ مسلكا واحدا فيحتمل أن الريح خرجت من مسلك البول فيستحب لها الوضوء
ولا يجب لأن الطهارة الثابتة بيقين لا يحكم بزوالها بالشد وقيل إن خروج الريح من الذكر لا يتصور وإنما
هو اختلاج يظنه الانسان ريحا هذا حكم السبيلين فاما حكم غير السبيلين من الجرح والقرح فان سال الدم
والقيح والصديد عن رأس الجرح والقرح ينتقض الوضوء عندنا لوجود الحدث وهو خروج النجس وهو
انتقال النجس من الباطن إلى الظاهر وعند الشافعي لا ينتقض لانعدام الخروج من السبيلين وعند زفر ينتقض
سواء سال أو لم يسل بناء ما ذكر فلو ظهر الدم على رأس الجرح ولم يسل لم يكن حدثا عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر
يكون حدثا سال أو لم يسل بناء على ما ذكرنا أن الحدث الحقيقي عنده هو ظهور النجس من الآدمي الحي وقد
ظهر وجه قوله إن ظهور النجس اعتبر حدثا في السبيلين سال عن رأس المخرج أو لم يسل فكذا في غير السبيلين
(ولنا) أن الظهور ما اعتبر حدثا في موضع ما وإنما انتقضت الطهارة في السبيلين إذا ظهر النجس على رأس المخرج
لا بالظهور بل بالخروج وهو الانتقال من الباطن إلى الظاهر على ما بينا كذا ههنا وهذا لان الدم إذا لم يسل كان
في محله لان البدن محل الدم والرطوبات الا انه كان مستترا بالجلدة وانشقاقها يوجب زوال السترة لا زوال الدم عن
محله ولا حكم للنجس ما دام في محله الا ترى انه تجوز الصلاة مع ما في البطن من الأنجاس فإذا سال عن رأس الجرح
فقد انتقل عن محله فيعطى له حكم النجاسة وفي السبيلين وجد الانتقال لما ذكرنا وعلى هذا خروج القئ ملء
الفم أنه يكون حدثا وإن كان أقل من ملء الفم لا يكون حدثا وعند زفر يكون حدثا قل أو كثر ووجه البناء على
هذا الأصل أن الفم له حكم الظاهر عنده بدليل أن الصائم إذا تمضمض لا يفسد صومه فإذا وصل القئ إليه فقد
25

ظهر النجس من الآدمي الحي فيكون حدثا وانا نقول له مع الظاهر حكم الظاهر كما ذكره زفر وله مع الباطن حكم
الباطن بدليل أن الصائم إذا ابتلع ريقه لا يفسد صومه فلا يكون الخروج إلى الفم حدثا لأنه انتقال من بعض
الباطن إلى بعض وإنما الحدث هو الخروج من الفم لأنه انتقال من الباطن إلى الظاهر والخروج لا يتحقق في
القليل لأنه يمكن رده وامساكه فلا يخرج بقوة نفسه بل بالاخراج فلا يوجد السيلان ويتحقق في الكثير لأنه لا يمكن
رده وامساكه فكان خارجا بقوة نفسه لا بالاخراج فيوجد السيلان ثم نتكلم في المسألة ابتداء فحجة زفر ما روى
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال القلس حدث من غير فصل بين القليل والكثير ولان الحدث اسم لخروج
النجس وقد وجد لان القليل خارج نجس كالكثير فيستوي فيه القليل والكثير كالخارج من السبيلين (ولنا)
ما روى عن علي رضي الله عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انه عد الاحداث جملة
وقال فيها أو دسعة تملأ الفم ولو كان القليل حدثا لعده عند عد الاحداث كلها (واما) الحديث فالمراد منه القئ ملء
الفم لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف وهو القئ ملء الفم أو يحمل على هذا توفيقا بين الحديثين صيانة لهما
عن التناقض وقوله وجد خروج النجس في القليل قلنا إن سلمنا ذلك ففي قليل القئ ضرورة لان الانسان لا يخلو
منه خصوصا حال الامتلاء ومن صاحب السعال ولو جعل حدثا لوقع الناس في الحرج والله تعالى ما جعل علينا في
الدين من حرج ولا ضرورة في القليل من السبيلين ولا فرق بين أن يكون القئ مرة صفراء أو سوداء وبين أن يكون
طعاما أو ماء صافيا لان الحدث اسم لخروج النجس والطعام أو الماء صار نجسا لاختلاطه بنجاسات المعدة ولم يذكر
في ظاهر الرواية تفسير ملء الفم وقال أبو علي الدقاق هو أن يمنعه من الكلام وعن الحسن بن زياد هو ان يعجز
عن امساكه ورده وعليه اعتمد الشيخ أبو منصور وهو الصحيح لان ما قدر على امساكه ورده
فخروجه لا يكون بقوة نفسه بل بالاخراج فلا يكون سائلا وما عجز عن امساكه ورده فخروجه يكون بقوة نفسه
فيكون سائلا والحكم متعلق بالسيلان ولو قاء أقل من ملء الفم مرارا هل يجمع ويعتبر حدثا لم يذكر في ظاهر الرواية
وروى عن أبي يوسف انه إن كان في مجلس واحد يجمع والا فلا وروى عن محمد انه إن كان بسبب غثيان
واحد يجمع والا فلا وقال أبو علي الدقاق يجمع كيفما كان وجه قول أبى يوسف أن المجلس جعل في الشرع جامعا
لأشياء متفرقة كما في باب البيع وسجدة التلاوة ونحو ذلك وقول محمد أظهر لان اعتبار المجلس اعتبار المكان واعتبار
الغثيان اعتبار السبب والوجود يضاف إلى السبب لا إلى المكان ولو سال الدم إلى ما لان من الانف أو إلى صماخ
الاذن يكون حدثا لوجود خروج النجس وهو انتقال الدم من الباطن إلى الظاهر وروى عن محمد في رجل أقلف خرج
البول أو المذي من ذكره حتى صار في قلفته فعليه الوضوء وصار بمنزلة المرأة إذا خرج المذي أو البول من فرجها
ولم يظهر ولو حشا الرجل إحليله بقطنة فابتل الجانب الداخل منها لم ينتقض وضوؤه لعدم الخروج وان تعدت البلة
إلى الجانب الخارج ينظر إن كانت القطنة عالية أو محاذية لرأس الإحليل ينتقض وضوؤه لتحقق الخروج وإن كانت
متسفلة لم ينتقض لان الخروج لم يتحقق ولو حشت المرأة فرجها بقطنة فان وضعتها في الفرج الخارج فابتل الجانب
الداخل من القطنة كان حدثا وان لم ينفذ إلى الجانب الخارج لا يكون حدثا لان الفرج الخارج منها بمنزلة الأليتين من
الدبر فوجد الخروج وان وضعتها في الفرج الداخل فابتل الجانب الداخل من القطنة لم يكن حدثا لعدم الخروج وان
تعدت البلة إلى الجانب الخارج فإن كانت القطنة عالية أو محاذية لجانب الفرج كان حدثا لوجود الخروج وإن كانت
متسفلة لم يكن حدثا لعدم الخروج وهذا كله إذا لم تسقط القطنة فان سقطت القطنة فهو حدث وحيض في المرأة
سواء ابتل الجانب الخارج أو الداخل لوجود الخروج ولو كان في أنفه قرح فسال الدم عن رأس القرح يكون
حدثا وان لم يخرج من المنخر لوجود السيلان عن محله ولو بزق فخرج معه الدم إن كانت الغلبة للبزاق لا يكون
حدثا لأنه ما خرج بقوة نفسه وإن كانت الغلبة للدم يكون حدثا لان الغالب إذا كان هو البزاق لم يكن خارجا
بقوة نفسه فلم يكن سائلا وإن كان الغالب هو الدم كان خروجه بقوة نفسه فكان سائلا وإن كانا سواء
26

فالقياس أن لا يكون حدثا وفي الاستحسان يكون حدثا وجه القياس انهما إذا استويا احتمل ان الدم خرج
بقوة نفسه واحتمل انه خرج بقوة البزاق فلا يجعل حدثا بالشك وللاستحسان وجهان أحدهما انهما إذا
استويا تعارضا فلا يمكن ان يجعل أحدهما تبعا للآخر فيعطى كل واحد منهما حكم نفسه فيعتبر خارجا
بنفسه فيكون سائلا والثاني أن الاخذ بالاحتياط عند الاشتباه واجب وذلك فيما قلنا ولو ظهر الدم
على رأس الجرح فمسحه مرارا فإن كان بحال لو تركه لسال يكون حدثا والا فلا لان الحكم
متعلق بالسيلان ولو ألقى عليه الرماد أو التراب فتشرب فيه أو ربط عليه رباطا فابتل الرباط ونفذ قالوا
يكون حدثا لأنه سائل وكذا لو كان الرباط ذا طاقين فنفذ إلى أحدهما لما قلنا ولو سقطت الدودة أو اللحم من الفرج
لم يكن حدثا ولو سقطت من السبيلين يكون حدثا والفرق أن الدودة الخارجة من السبيل نجسة في نفسها لتولدها
من الأنجاس وقد خرجت بنفسها وخروج النجس بنفسه حدث بخلاف الخارجة من القرح لأنها طاهرة
نفسها لأنها تتولد من اللحم واللحم طاهر وإنما النجس ما عليها من الرطوبات وتلك الرطوبات خرجت بالدابة
لا بنفسها فلم يوجد خروج النجس فلا يكون حدثا ولو خلل أسنانه فظهر الدم على رأس الخلال لا يكون حدثا لأنه
ما خرج بنفسه وكذا لو عض على شئ فظهر الدم على أسنانه لما قلنا ولو سعط في أنفه ووصل السعوط إلى رأسه ثم
رجع إلى الانف أو إلى الاذن لا يكون حدثا لان الرأس ليس موضع الأنجاس ولو عاد إلى الفم ذكر الكرخي انه
لا يكون حدثا لما قلنا وروى علي بن الجعد عن أبي يوسف ان حكمه حكم القئ لان ما وصل إلى الرأس لا يخرج من
الفم الا بعد نزوله في الجوف ولو قاء بلغما لم يكن حدثا في قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يكون حدثا فمن
مشايخنا من قال لا خلاف في المسألة لان جواب أبى يوسف في الصاعد من المعدة وهو حدث عند الكل
وجوابهما في المنحدر من الرأس وهو ليس بحدث عند الكل ومنهم من قال في المنحدر من الرأس اتفاق انه ليس
بحدث وفي الصاعد من المعدة اختلاف وجه قول أبى يوسف انه نجس لاختلاطه بالأنجاس لان المعدة معدن
الأنجاس فيكون حدثا كما لو قاء طعاما أو ماء ولهما انه شئ صقيل لا يلتصق به شئ من الأنجاس فكان طاهرا على
أن الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتادوا أخذ البلغم بأطراف أرديتهم وأكمامهم من غير نكير فكان
اجماعا منهم على طهارته وذكر أبو منصور انه لا خلاف في المسألة في الحقيقة لان جواب أبى يوسف في الصاعد من
المعدة وانه حدث بالاجماع لأنه نجس وجوابهما في الصاعد من حواشي الحلق وأطراف الرئة وأنه ليس بحدث
بالاجماع لأنه طاهر فينظر إن كان صافيا غير مخلوط بشئ من الطعام وغيره تبين انه لم يصعد من المعدة فلا يكون
نجسا فلا يكون حدثا وإن كان مخلوطا بشئ من ذلك تبين أنه صعد منها فكان نجسا فيكون حدثا وهذا هو الأصح وأما
إذا قاء دما فلم يذكر في ظاهر الرواية نصا وذكر المعلى عن أبي حنيفة وأبى يوسف أنه يكون حدثا قليلا كان أو كثيرا
جامدا كان أو مائعا وروى عن الحسن بن زياد عنهما انه إن كان مائعا ينقض قل أو كثر وإن كان جامدا لا ينقض
ما لم يملا الفم وروى ابن رستم عن محمد أنه لا يكون حدثا ما لم يملا الفم كيفما كان وبعض مشايخنا صححوا رواية
محمد وحملوا رواية الحسن والمعلى في القليل من المائع على الرجوع وعليه اعتمد شيخنا لأنه الموافق لأصول
أصحابنا في اعتبار خروج النجس لان الحدث اسم له والقليل ليس بخارج لما مر واليه أشار في الجامع الصغير
من غير خلاف فإنه قال وإذا قلس أقل من ملء الفم لم ينتقض الوضوء من غير فصل بين الدم وغيره وعامة
مشايخنا حققوا الاختلاف وصححوا قولهما لان القياس في القليل من سائر أنواع القئ أن يكون حدثا
لوجود الخروج حقيقة وهو الانتقال من الباطن إلى الظاهر لان الفم له حكم الظاهر على الاطلاق وإنما سقط
اعتبار القليل لأجل الحرج لأنه يكثر وجوده ولا حرج في اعتبار القليل من الدم لأنه لا يغلب وجوده بل يندر
فبقي على أصل القياس والله أعلم هذا الذي ذكرنا حكم الأصحاء (وأما) أصحاب الاعذار كالمستحاضة وصاحب
الجرح السائل والمبطون ومن به سلس البول ومن به رعاف دائم أو ريح ونحو ذلك ممن لا يمضى عليه وقت
27

صلاة الا ويوجد ما ابتلى به من الحدث فيه فخروج النجس من هؤلاء لا يكون حدثا في الحال ما دام وقت
الصلاة قائما حتى أن المستحاضة لو توضأت في أول الوقت فلها ان تصلى ما شاءت من الفرائض والنوافل ما لم
يخرج الوقت وان دام السيلان وهذا عندنا وقال الشافعي إن كان العذر من أحد السبيلين كالاستحاضة
وسلس البول وخروج الريح يتوضأ لكل فرض ويصلى ما شاء من النوافل وقال مالك في أحد قوليه يتوضأ
لكن صلاة واحتجا بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال المستحاضة تتوضأ لكل صلاة فمالك عمل
بمطلق اسم الصلاة والشافعي قيده بالفرض لأنه الصلاة المعهودة ولان طهارة المستحاضة طهارة ضرورية
لأنه قارنها ما ينافيها أو طرأ عليها والشئ لا يوجد ولا يبقى مع المنافي الا انه لم يظهر حكم المنافي لضرورة
الحاجة إلى الأداء والضرورة إلى أداء فرض الوقت فإذا فرغ من الأداء ارتفعت الضرورة فظهر حكم المنافي
والنوافل اتباع الفرائض لأنها شرعت لتكميل الفرائض جبرا للنقصان المتمكن فيها فكانت ملحقة باجزائها
والطهارة الواقعة لصلاة واقعة لها بجميع أجزائها بخلاف فرض آخر لأنه ليس بتبع بل هو أصل بنفسه (ولنا)
ما روى أبو حنيفة باسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة وهذا
نص في الباب ولان العزيمة شغل جميع الوقت بالأداء شكرا للنعمة بالقدر الممكن واحرازا للثوب على الكمال
الا انه جوز تركت شغل بعض الوقت بالأداء رخصة وتيسيرا فضلا من الله ورحمة تمكينا من استدراك الفائت
بالقضاء والقيام بمصالح القوام وجعل ذلك شغلا لجميع الوقت حكما فصار وقت الأداء شرعا بمنزلة وقت
الأداء فعلا ثم قيام الأداء سبق للطهارة فكذلك الوقت القائم مقامه وما رواه الشافعي فهو حجة عليه لان مطلق
الصلاة ينصرف إلى الصلاة المعهودة والمطلق ينصرف إلى المعهود المتعارف كما في قوله صلى الله عليه وسلم
الصلاة عماد الدين وما روى أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلوات بوضوء واحد ونحو ذلك والصلاة
المعهودة هي الصلوات الخمس في اليوم والليلة فكأنه قال المستحاضة تتوضأ في اليوم والليلة خمس مرات فلو
أوجبنا عليها الوضوء لكل صلاة أو لكل فرض تقضى لزاد على الخمس بكثير وهذا خلاف النص ولان الصلاة
تذكر على إرادة وقتها قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث التيمم أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت
والمدرك هو الوقت دون الصلاة التي هي فعله وقال صلى الله عليه وسلم ان للصلاة أولا وآخرا أي لوقت الصلاة
ويقال آتيك الصلاة الظهر أي لوقتها فجاز ان تذكر الصلاة ويراد بها وقتها ولا يجوز أن يذكر الوقت ويراد
به الصلاة فيحمل المحتمل على المحكم توفيقا بين الدليلين صيانة لهما عن التناقض وإنما تبقى طهارة صاحب العذر
في الوقت إذا لم يحدث حدثا آخر اما إذا أحدث حدثا فلا تبقى لان الضرورة في الدم السائل لا في غيره فكان
هو في غيره كالصحيح قبل الوضوء وكذلك إذا توضأ للحدث أولا ثم سال الدم فعليه الوضوء لان ذلك الوضوء لم
يقع لدم العذر فكان عدما في حقه وكذا إذا سال الدم من أحد منخريه فتوضأ ثم سال من المنخر الآخر فعليه
الوضوء لان هذا حدث جديد لم يكن موجودا وقت الطهارة فلم تقع الطهارة له فكان هو والبول والغائط سواء
فاما إذا سال منهما جميعا فتوضأ ثم انقطع أحدهما فهو على وضوء ما بقي الوقت لان طهارته حصلت لهما جميعا
والطهارة متى وقعت لعذر لا يضرها السيلان ما بقي الوقت فبقي هو صاحب عذر بالمنخر الآخر وعلى هذا حكم
صاحب القروح إذا كان البعض سائلا ثم سال الآخر أو كان الكل سائلا فانقطع السيلان عن البعض ثم اختلف
أصحابنا في طهارة المستحاضة انها تنتقض عند خروج الوقت أم عند دخوله أم عند أيهما كان قال أبو حنيفة
ومحمد تنتقض عند خروج الوقت لا غير وقال زفر عند دخول الوقت لا غير وقال أبو يوسف عند أيهما كان
وثمرة هذا الاختلاف لا تظهر الا في موضعين أحدهما ان يوجد الخروج بلا دخول كما إذا توضأت في وقت
الفجر ثم طلعت الشمس فان طهارتها تنتقض عند أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد لوجود الخروج وعند زفر
لا تنتقض لعدم الدخول والثاني أن يوجد الدخول بلا خروج كما إذا توضأت قبل الزوال ثم زالت الشمس فان
28

طهارتها لا تنتقض عند أبي حنيفة ومحمد لعدم الخروج وعند أبي يوسف وزفر تنتقض لوجود الدخول وجه
قول زفر ان سقوط اعتبار المنافي لمكان الضرورة ولا ضرورة قبل دخول الوقت فلا يسقط وبه يحتج
أبو يوسف في جانب الدخول وفي جانب الخروج يقول كما لا ضرورة إلى اسقاط اعتبار المنافي قبل الدخول
لا ضرورة إليه بعد الخروج فيظهر حكم المنافى ولأبي حنيفة ومحمد ما ذكرنا أن وقت الأداء شرعا أقيم مقام
وقت الأداء فعلا لما بينا من المعنى ثم لابد من تقديم وقت الطهارة على وقت الأداء حقيقة فكذا لابد من
تقديمها على وقت الأداء شرعا حتى يمكنه شغل جميع الوقت بالأداء وهذه الحالة انعدمت بخروج الوقت
فظهر حكم الحدث ومشايخنا أداروا الخلاف على الدخول والخروج فقالوا تنتقض طهارتها بخروج الوقت
أو بدخوله لتيسير الحفظ على المتعلمين لا لان للخروج أو الدخول تأثيرا في انتقاض الطهارة وإنما المدار
على ما ذكرنا ولو توضأ صاحب العذر وبعد طلوع الشمس لصلاة العيد أو لصلاة الضحى وصلى هل يجوز
له ان يصلى الظهر بتلك الطهارة اما على قول أبى يوسف وزفر فلا يشكل انه لا يجوز لوجود الدخول وأما
على قول أبي حنيفة ومحمد فقد اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يجوز لأن هذه طهارة وقعت لصلاة مقصودة
فتنتقض بخروج وقتها وقال بعضهم يجوز لأن هذه الطهارة إنما صحت للظهر لحاجته إلى تقديم الطهارة على وقت
الظهر على ما مر فيصح بها أداء صلاة العيد والضحى والنفل كما إذا توضأ للظهر قبل الوقت ثم دخل الوقت أنه يجوز
له أن يؤدى بها الظهر وصلاة أخرى في الوقت كذا هذا ولو توضأ لصلاة الظهر وصلى ثم توضأ وضوءا آخر في وقت
الظهر للعصر ودخل وقت العصر هل يجوز له أن يصلى العصر بتلك الطهارة على قولهما اختلف المشايخ فيه قال
بعضهم لا يجوز لان طهارته قد صحت لجميع وقت الظهر فتبقى ما بقي الوقت فلا تصح الطهارة الثانية مع قيام الأولى
بل كانت تكرارا للأولى فالتحقت الثانية بالعدم فتنتقض الأولى بخروج الوقت وقال بعضهم يجوز لأنه يحتاج إلى
تقديم الطهارة على وقت العصر حتى يشتغل جميع الوقت بالأداء والطهارة الواقعة لصلاة الظهر عدم في حق صلاة
العصر وإنما تنتقض بخروج وقت الظهر طهارة الظهر لا طهارة العصر ولو توضأت مستحاضة ودمها سائل أو سال
بعد الوضوء قبل خروج الوقت ثم خرج الوقت وهي في الصلاة فعليها أن تستقبل لان طهارتها تنتقض بخروج
الوقت لما بينا فإذا خرج الوقت قبل فراغها من الصلاة انتقضت طهارتها فتنتقض صلاتها ولا تبنى لأنها صارت
محدثة عند خروج الوقت من حين درور الدم كالمتيمم إذا وجد الماء قبل الفراغ من الصلاة ولو توضأت والدم منقطع
وخرج الوقت وهي في خلال الصلاة قبل سيلان الدم ثم سال الدم توضأت وبنت لان هذا حدث لا حق وليس بسابق
لأن الطهارة كانت صحيحة لانعدام ما ينافيها وقت حصولها وقد حصل الحدث للحال مقتصرا غير موجب
ارتفاع الطهارة من الأصل ولو توضأت والدم سائل ثم انقطع ثم صلت وهو منقطع حتى خرج الوقت ودخل وقت
صلاة أخرى ثم سال الدم أعادت الصلاة الأولى لان الدم لما انقطع ولم يسل حتى خرج الوقت لم تكن تلك الطهارة
طهارة عذر في حقها لانعدام العذر فتيين أنها صلت بلا طهارة وأصل هذه المسائل في الجامع الكبير هذا الذي ذكرناه
حكم صاحب العذر وأما حكم نجاسة ثوبه فنقول إذا أصاب ثوبه من ذلك أكثر من قدر الدرهم يجب غسله إذا
كان الغسل مقيدا بأن كان لا يصيبه مرة بعد أخرى حتى لو لم يغسل وصلى لا يجوز وان لم يكن مفيد الا يجب ما دام
العذر قائما وهو اختيار مشايخنا وكان محمد بن مقاتل الرازي يقول يجب غسله في وقت كل صلاة قياسا على الوضوء
والصحيح قول مشايخنا لان حكم الحدث عرفناه بالنص ونجاسة الثوب ليس في معناه الا ترى أن القليل منها عفو
فلا يلحق به (وأما) الحدث الحكمي فنوعان أيضا أحدهما أن يوجد أمر يكون سببا لخروج النجس
الحقيقي غالبا فيقام السبب مقام المسبب احتياطا والثاني أن لا يوجد شئ من ذلك لكنه جعل حدثا شرعا تعبدا
محضا أما الأول فأنواع منها المباشرة الفاحشة وهو أن يباشر الرجل المرأة بشهوة وينتشر لها وليس بينهما ثوب
ولم ير بللا فعند أبي حنيفة وأبى يوسف يكون حدثا استحسانا والقياس أن لا يكون حدثا وهو قول محمد وهل
29

تشترط ملاقاة الفرجين وهي مماستهما على قولهما لا يشترط ذلك في ظاهر الرواية عنهما وشرطه في النوادر وذكر
الكرخي ملاقاة الفرجين أيضا وجه القياس أن السبب إنما يقام مقام المسبب في موضع لا يمكن الوقوف على
المسبب من غير حرج والوقوف على المسبب ههنا ممكن بلا حرج لان الحال حالي يقظة فيمكن الوقوف على الحقيقة
فلا حاجة إلى إقامة السبب مقامها وجه الاستحسان ما روى أن أبا اليسر بائع الغسل سأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال إني أصبت من امرأتي كل شئ الا الجماع فقال صلى الله عليه وسلم توضأ وصل ركعتين ولان المباشرة
على الصفة التي ذكرنا لا تخلو عن خروج المذي عادة الا أنه يحتمل أنه جف لحرارة البدن فلم يقف عليه أو غفل عن
نفسه لغلبة الشبق فكانت سببا مفضيا إلى الخروج وإقامة السبب مقام المسبب طريقة معهودة في الشريعة
خصوصا في أمر يحتاط فيه كما يقام المس مقام الوطئ في حق ثبوت حرمة المصاهرة بل يقام نفس النكاح مقامه
ويقام نوم المضطجع مقام الحدث ونحو ذلك كذا ههنا ولو لمس امرأته بشهوة أو غير شهوة فرجها أو سائر أعضائها
من غير حائل ولم ينشر لها لا ينتقض وضوؤه عند عامة العلماء وقال مالك إن كان المس بشهوة يكون حدثا وإن كان
بغير شهوة بأن كانت صغيرة أو كانت ذا رحم محرم منه لا يكون حدثا وهو أحد قولي الشافعي وفي قول يكون حدثا
كيفما ما كان بشهوة أو بغير شهوة وهل تنتقض طهارة الملموسة لا شك أنها لا تنتقض عندنا وللشافعي فيه قولان
احتجا بقوله تعالى أو لامستم النساء والملامسة مفاعلة من اللمس واللمس والمس واحد لغة قال الله تعالى وانا لمسنا
السماء وحقيقة اللمس للمس باليد وللجماع مجازا وهو حقيقة لهما جميعا لوجود المس فيهما جميعا وإنما اختلف آلة
المس فكان الاسم حقيقة لهما لوجود معنى الاسم فيهما وقد جعل الله تعالى اللمس حدثا حيث أوجب به احدى
الطهارتين وهي التيمم (ولنا) ما روى عن عائشة رضي الله عنها انها سئلت عن هذه الحادثة فقالت كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقبل بعض نسائه ثم يخرج إلى الصلاة ولا يتوضأ ولان المس ليس بحدث بنفسه ولا سبب
لوجود الحدث غالبا فأشبه مس الرجل الرجل والمرأة المرأة ولان مس أحد الزوجين صاحبه مما يكثر وجوده فلو
جعل حدثا لوقع الناس في الحرج وأما الآية فقد نقل عن ابن عباس رضي الله عنه أن المراد من اللمس الجماع
وهو ترجمان القرآن وذكر ابن السكيت في اصلاح المنطق أن اللمس إذا قرن بالنساء يراد به الوطئ تقول العرب
لمست المرأة أي جامعتها على أن اللمس يحتمل الجماع اما حقيقة أو مجازا فيحمل عليه توفيقا بين الدلائل ولو مس
ذكره بباطن كفه من غير حائل لا ينتقض وضوؤه عندنا وعند الشافعي ينتقض احتج بما روت بسرة بنت صفوان عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من مس ذكره فليتوضأ (ولنا) ما روى عن عمر وابن مسعود وابن عباس وزيد
ابن ثابت وعمران بن حصين وحذيفة بن اليمان وأبى الدرداء وأبي هريرة رضي الله عنهم انهم لم يجعلوا مس الذكر حدثا
حتى قال علي رضي الله عنه لا أبالي مسسته أو أرنبة أنفى وقال بعضهم للراوي إن كان نجسا فاقطعه ولأنه ليس بحدث
بنفسه ولا سبب لوجود الحدث غالبا فأشبه مس الانف ولان مس الانسان ذكره مما يغلب وجوده فلو جعل حدثا
يؤدى إلى الحرج وما رواه فقد قيل إنه ليس بثابت لوجوه أحدها أنه مخالف لاجماع الصحابة رضي الله عنهم
وهو ما ذكرنا والثاني أنه ورى أن هذه الحادثة وقعت في زمن مروان بن الحكم فشاور من بقي من الصحابة
فقالوا لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت والثالث أنه خبر واحد فيما تعم به
البلوى فلو ثبت لاشتهر ولو ثبت فهو محمول على غسل اليدين لان الصحابة كانوا يستنجون بالأحجار دون الماء
فإذا مسوه بأيديهم كانت تتلوث خصوصا في أيام الصيف فأمر بالغسل لهذا والله أعلم (ومنها) الاغماء والجنون
والسكر الذي يستر العقل أما الاغماء فلانه في استرخاء المفاصل واستطلاق الوكاء فوق النوم مضطجعا وذلك
حدث فهذا أولى وأما الجنون فلان المبتلى به يحدث حدثا ولا يشعر به فأقيم السبب مقام المسبب والسكر الذي يستر
العقل في معنى الجنون في عدم التمييز وقد انضاف إليه استرخاء المفاصل ولا فرق في حق هؤلاء بين الاضطجاع
والقيام لان ما ذكرنا من المعنى لا يوجب الفصل بين حال وحال (ومنها) النوم مضطجعا في الصلاة أو في غيرها بلا
30

خلاف بين الفقهاء وحكى عن النظام أنه ليس بحدث ولا عبرة بخلافه لمخالفته الاجماع وخروجه عن أهل
الاجتهاد والدليل عليه ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نام في صلاته حتى غط
ونفخ ثم قال لا وضوء على من نام قائما أو قاعدا أو راكعا أو ساجدا إنما الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا نام
مضطجعا استرخت مفاصله نص على الحكم وعلل باسترخاء المفاصل وكذا النوم متوركا بان نام على أحد وركيه
لان مقعده يكون متجافيا عن الأرض فكان في معنى النوم مضطجعا في كونه سببا لوجود الحدث بواسطة
استرخاء المفاصل وزوال مسكة اليقظة فاما النوم في غير هاتين الحالتين فاما إن كان في الصلاة واما إن كان في غيرها
فإن كان في الصلاة لا يكون حدثا سواء غلبه النوم أو تعمد في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف أنه قال سألت أبا
حنيفة عن النوم في الصلاة فقال لا ينقض الوضوء ولا أدرى أسألته عن العمد أو الغلبة وعندي انه ان نام متعمدا
ينتقض وضوؤه وعند الشافعي أن النوم حدث على كل حال الا إذا كان قاعدا مستقرا على الأرض فله فيه قولان
احتج بما روى عن صفوان بن عسال المرادي أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا ان لا ننزع خفافنا ثلاثة
أيام ولياليها إذا كنا سفر الا من جناية لكن من نوم أو بول أو غائط فقد جعل النوم حدثا على الاطلاق وروى عنه صلى
الله عليه وسلم أنه قال العينان وكاء الاست فإذا أنامت العينان استطلق الوكاء أشار إلى كون النوم حدثا حيث جعله
علة استطلاق الوكاء (ولنا) ما روينا على ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث نفى الوضوء في النوم في غير
حال الاضطجاع وأثبته فيها بعلة استرخاء المفاصل وزوال مسكة اليقظة ولم يوجد في هذه الأحوال لان الامساك فيها
باق الا ترى انه لم يسقط وفي المشهور من الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا نام العبد في سجوده
يباهي الله تعالى به ملائكته فيقول انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي ولو كان النوم في الصلاة
حدثا لما كان جسده في طاعة الله تعالى ولا حجة له فيما روى لان مطلق النوم ينصرف إلى النوم المتعارف وهو
نوم المضطجع وكذا استطلاق الوكاء يتحقق به لا بكل نوم وجه رواية أبى يوسف ان القياس في النوم حالة القيام
والركوع والسجود أن يكون حدثا لكونه سببا لوجود الحدث الا انا تركنا القياس حالة الغلبة لضرورة التهجد
نظر المتهجدين وذلك عند الغلبة دون التعمد (ولنا) ما روينا من الحديثين من غير فصل ولان الاستمساك
في هذه الأحوال باق لما بينا وإن كان خارج الصلاة فإن كان قاعدا مستقرا على الأرض غير مستند إلى شئ
لا يكون حدثا لأنه ليس بسبب لوجود الحدث غالبا وإن كان قائما أو على هيئة الركوع والسجود غير مستند إلى
شئ اختلف المشايخ فيه والعامة على أنه لا يكون حدثا لما روينا من الحديث من غير فصل بين حالة الصلاة وغيرها
ولان الاستمساك فيها باق على ما مر والأقرب إلى الصواب في النوم على هيئة السجود خارج الصلاة ما ذكره
القمي انه لا نص فيه ولكن ينظر فيه ان سجد على الوجه المسنون بأن كان رافعا بطنه عن فخذيه مجافيا عضديه
عن جنبيه لا يكون حدثا وان سجد لا على وجه السنة بان الصق بطنه بفخذيه واعتمد على ذراعيه على الأرض
يكون حدثا لان في الوجه الأول الاستمساك باق والاستطلاق منعدم وفي الوجه الثاني بخلافه الا انا تركنا هذا
القياس في حالة الصلاة بالنص ولو نام مستندا إلى جدار أو سارية أو رجل أو متكئا على يديه ذكر الطحاوي انه
إن كان بحال لو أزيل السند لسقط يكون حدثا والا فلا وبه أخذ كثير من مشايخنا وروى خلف بن أيوب عن أبي
يوسف أنه قال سألت أبا حنيفة عمن استند إلى سارية أو رجل فنام ولولا السارية والرجل لم يستمسك قال إذا
كانت أليته مستوثقة من الأرض فلا وضوء عليه وبه أخذ عامة مشايخنا وهو الأصح لما روينا من الحديث
وذكرنا من المعنى ولو نام قاعدا مستقرا على الأرض فسقط وانتبه فان انتبه بعد ما سقط على الأرض وهو نائم
انتقض وضوؤه بالاجماع لوجود النوم مضطجعا وان قل وان انتبه قبل أن يصل جنبه إلى الأرض روى عن أبي
حنيفة انه لا ينتقض وضوؤه لانعدام النوم مضطجعا وعن أبي يوسف انه ينتقض وضوؤه لزوال الاستمساك
بالنوم حيث سقط وعن محمد انه ان انتبه قبل ان يزايل مقعده الأرض لم ينتقض وضوؤه وان زايل مقعده قبل
31

ان ينتبه انتقض وضوؤه (واما) الثاني فهو القهقهة في صلاة مطلقة وهي الصلاة التي لها ركوع وسجود فلا
يكون حدثا خارج الصلاة ولا في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة وهذا استحسان والقياس ان لا تكون حدثا وهو
قول الشافعي ولا خلاف في التبسم انه لا يكون حدثا احتج الشافعي بما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء ولأنه لم يوجد الحدث حقيقة ولا ما هو سبب وجوده والوضوء
لا ينتقض الا بأحد هذين ولهذا لم ينتقض بالقهقهة خارج الصلاة وفي صلاة الجنازة ولا ينقض بالتبسم (ولنا)
ما روى في المشاهير عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يصلى فجاء اعرابي في عينيه سوء فوقع في بئر عليها خصفة
فضحك بعض من خلفه فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال من قهقهة منكم فليعد الوضوء والصلاة
ومن تبسم فلا شئ عليه طعن أصحاب الشافعي في الحديث من وجهين أحدهما انه ليس في مسجد رسول الله صلى
الله عليه وسلم بئر والثاني انه لا يظن بالصحابة الضحك خصوصا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الطعن
فاسد لأنا ما روينا ان الصلاة كانت في المسجد على أنه كانت في المسجد حفيرة يجمع فيها ماء المطر ومثلها يسمى
بئرا وكذا ما روينا ان الخلفاء الراشدين أو العشرة المبشرين أو المهاجرين الأولين أو فقهاء الصحابة وكبار الأنصار
هم الذين ضحكوا بل كان الضاحك بعض الاحداث أو الاعراب أو بعض المنافقين لغلبة الجهل عليهم حتى روى أن
اعرابيا بال في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث جابر محمول على ما دون القهقهة توفيقا بين الدلائل
مع أنه قيل إن الضحك ما يسمع الرجل نفسه ولا يسمع جيرانه والقهقهة ما يسمع جيرانه والتبسم ما لا يسمع نفسه
ولا جيرانه وقوله لم يوجد الحدث ولا سبب وجوده مسلم لكن هذا حكم عرف بخلاف القياس بالنص والنص
ورد بانتقاض الوضوء بالقهقهة في صلاة مستتمة الأركان فبقي ما وراء ذلك على أصل القياس وروى عن جرير
ابن عبد الله البجلي أنه قال ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تبسم ولو في الصلاة وروى أنه صلى الله عليه
وسلم تبسم في صلاته فلما فرغ سئل عن ذلك فقال أتاني جبرئيل عليه السلام وأخبرني ان الله تعالى يقول من
صلى عليك مرة صلى الله عليه عشرا ولو قهقه الامام والقوم جميعا فان قهقه الامام أولا انتقض وضوؤه دون
القوم لان قهقهتهم لم تصادف تحريمة الصلاة لفساد صلاتهم بفساد صلاة الامام فجعلت قهقهتهم خارج الصلاة
وان قهقه القوم أولا ثم الامام انتقض طهارة الكل لان قهقهتهم حصلت في الصلاة اما القوم فلا اشكال واما
الامام فلانه لا يصير خارجا من الصلاة بخروج القوم وكذلك ان قهقهوا معا لان قهقهة الكل حصلت في تحريمة
الصلاة واما تغميض الميت وغسله وحمل الجنازة وأكل ما مسته النار والكلام الفاحش فليس شئ من ذلك حدثا
عند عامة العلماء وقال بعضهم كل ذلك حدث ورووا في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من غمض
ميتا فليتوضأ ومن غسل ميتا فليغتسل ومن حمل جنازة فلتوضأ وعن عائشة رضي الله عنها انها قالت
للمتسابين ان بعض ما أنتما فيه لشر من الحدث فجددا الوضوء وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال توضؤا مما مسته النار ومنهم من أوجب من لحم الإبل خاصة وروى توضؤا من لحوم الإبل ولا
تتوضأوا من لحوم الغنم (ولنا) ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنما علينا الوضوء مما يخرج ليس
مما يدخل وقال ابن عباس رضي الله عنه الوضوء مما يخرج يعنى الخارج النجس ولم يوجدوا المعنى في المسألة ان
الحدث هو خروج النجس حقيقة أو ما هو سبب الخروج ولم يوجد واليه أشار ابن عباس رضي الله عنهما حين
بلغه حديث حمل الجنازة فقال أنتوضأ من مس عبدان يابسة ولأن هذه الأشياء مما يغلب وجودها فلو جعل شئ
من ذلك حدثا لوقع الناس في الحرج وما رووا اخبار آحاد وردت فيما تعم به البلوى ويغلب وجوده ولا يقبل خبر
الواحد في مثله لأنه دليل عدم الثبوت إذ لو ثبت لاشتهر بخلاف خير القهقهة فإنه من المشاهير مع ما انه ورد فيما
لا تعم به البلوى لان القهقهة في الصلاة مما لا يغلب وجوده ولو ثبت ما رووا فالمراد من الوضوء بتغميض الميت
غسل اليد لان ذلك الموضع لا يخلو عن قذارة عادة وكذا بأكل ما مسته النار ولهذا خص لحم الإبل في رواية لان له
32

من اللزوجة ما ليس لغيره وهكذا روى أنه أكل طعاما ما فغسل يديه وقال هكذا الوضوء مما مسته النار والمراد من
حديث الغسل فليغتسل إذا أصابته الغسالات النجسة وقوله فليتوضأ في حمل الجنازة للمحدث ليتمكن من الصلاة
عليه وعائشة رضي الله عنها إنما ندبت المتسابين إلى تجديد الوضوء تكفير الذنب سبهما ومن توضأ ثم جز شعره
أو قلم ظفره أو قص شار به أو نتف إبطيه لم يجب عليه ايصال الماء إلى ذلك الموضع عند عامة العلماء وعند
إبراهيم النخعي يجب عليه في قلم الظفر وجز الشعر وقص الشارب وجه قوله إن ما حصل فيه التطهير قد زال
وما ظهر لم يحصل فيه التطهير فأشبه نزع الخفين (ولنا) ان الوضوء قد تم فلا ينتقض الا بالحدث ولم يوجد وهذا
لان الحدث يحمل ظاهر البدن وقد زال الحدث عن الظاهر اما بالغسل أو بالمسح وما بدا لم يحله الحدث
السابق وبعد يدوه لم يوجد حدث آخر فلا تعقل ازالته بخلاف المسح على الخفين لان الوضوء هناك لم يتم
لان تمامه بغسل القدمين ولم يوجد الا أن الشرع أقام المسح على الخفين مقام غسل القدمين لضرورة
تعذر النزع في كل زمان فإذا نزع زالت الضرورة فوجب غسل القدمين تتميما للوضوء وإنما أورد نتف
الإبط وان لم يكن ما يظهر بالنتف محلا لحلول الحدث فيه بخلاف قلم الأظفار لأنه روى عن عمر رضي الله عنه
أنه قال من مسح إبطيه فليتوضأ وتأويله فليغسل يديه لتلوثهما بعرقه ولو مس كلبا أو خنزيرا أو وطن
نجاسة لا وضوء عليه لانعدام الحدث حقيقة وحكما الا انه إذا النزق بيده شئ من النجاسة يجب غسل ذلك
الموضع والا فلا ومن أيقن بالطهارة وشك في الحدث فهو على الطهارة ومن أيقن بالحدث وشك في الطهارة
فهو على الحدث لان اليقين لا يبطل بالشك وروى عن محمد أنه قال المتوضئ إذا تذكر انه دخل الحلاء لقضاء
الحاجة وشك انه خرج قبل ان يقضيها أو بعد ما قضاها فعليه أن يتوضأ لأن الظاهر أنه ما خرج الا بعد
قضائها وكذلك المحدث إذا علم أنه جلس للوضوء ومعه الماء وشك في أنه توضأ أو قام قبل أن يتوضأ فلا وضوء عليه
لأن الظاهر أنه لا يقوم ما لم يتوضأ ولو شك في بعض وضوئه وهو أول ما شك غسل الموضع الذي شك فيه لأنه على
يقين من الحدث في ذلك الموضع وفي شك من غسله والمراد من قوله أول ما شك ان الشك في مثله لم يصر
عادة له لا انه لم يبتل به قطوإن كان يعرض له ذلك كثيرا لم يلتفت إليه لان ذلك وسوسة والسبيل في الوسوسة
قطعها لأنه لو اشتغل بذلك لأدى إلى أن لا يتفرغ لأداء الصلاة وهذا لا يجوز ولو توضأ ثم رأى البلل سائلا من
ذكره أعاد الوضوء لوجود الحدث وهو سيلان البول وإنما قال رآه سائلا لان مجرد البلل يحتمل أن يكون
من ماء الطهارة فان علم أنه بول ظهر فعليه الوضوء وان لم يكن سائلا وإن كان الشيطان يريه ذلك كثيرا
ولم يعلم أنه بول أو ماء مضى على صلاته ولا يلتفت إلى ذلك لأنه من باب الوسوسة فيجب قطعها وقال النبي صلى الله
عليه وسلم ان الشيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فيقول أحدثت أحدثت فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد
ريحا وينبغي أن ينضح فرجه أو ازاره بالماء إذا توضأ قطعا لهذه الوسوسة حتى إذا أحس شيئا من ذلك أحاله إلى ذلك
الماء وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان ينضح ازاره بالماء إذا توضأ وفي بعض الروايات قال نزل على
جبريل صلوات الله عليه وأمرني بذلك (وأما) الثاني هو بيان حكم الحدث فللحدث أحكام وهي أن لا يجوز
للمحدث أداء الصلاة لفقد شرط جوازها وهو الوضوء قال صلى الله عليه وسلم لا صلاة الا بوضوء ولا مس
المصحف من غير غلاف عندنا وعند الشافعي يباح له مس المصحف من غير غلاف وقاس المس على القراءة فقال
يجوز له القراءة فيجوز له المس (ولنا) قوله تعالى لا يمسه الا المطهرون وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يمس القرآن
الا طاهر ولان تعظيم القرآن واجب وليس من التعظيم مس المصحف بيد حلها حدث واعتبار المس بالقراءة غير
سديد لان حكم الحدث لم يظهر في الفم وظهر في اليد بدليل انه افترض غسل اليد ولم يفترض غسل الفم في الحدث
فبطل الاعتبار ولا مس الدراهم التي عليها القرآن لان حرمة المصحف كحرمة ما كتب منه فيستوي فيه الكتابة
في المصحف وعلى الدراهم ولا مس كتاب التفسير لأنه يصير بمسه ماسا للقرآن وأما مس كتاب الفقه فلا بأس به
33

والمستحب له أن لا يفعل ولا يطوف بالبيت وان طاف جاز مع النقصان لان الطواف بالبيت شبيه بالصلاة
قال النبي صلى الله عليه وسلم الطواف بالبيت صلاة ومعلوم أنه ليس بصلاة حقيقة فلكونه طوافا حقيقة يحكم
بالجواز ولكونه شبيها بالصلاة يحكم بالكراهة ثم ذكر الغلاف ولم يذكر تفسيره واختلف المشايخ في تفسيره فقال بعضهم
هو الجلد المتصل بالمصحف وقال بعضهم هو الكم والصحيح أنه الغلاف المنفصل عن المصحف وهو الذي يجعل
فيه المصحف وقد يكون من الجلد وقد يكون من الثوب وهو الخريطة لان المتصل به تبع له فكان مسه مسا للقرآن
ولهذا لو بيع المصحف دخل المتصل به في البيع والكم تبع للحامل فاما المنفصل فليس بتبع حتى لا يدخل في بيع
المصحف من غير شرط وقال بعض مشايخنا إنما يكره له مس الموضع المكتوب دون الحواشى لأنه لم يمس
القرآن حقيقة والصحيح انه يكره مس كله لان الحواشى تابعة للمكتوب فكان مسها مسا للمكتوب ويباح له
قراءة القرآن لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يحجزه عن قراءة القرآن شئ الا الجنابة ويباح له
دخول المسجد لان وفود المشركين كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فيدخلون عليه
ولم يمنعهم من ذلك ويجب عليه الصوم والصلاة حتى يجب قضاؤهما بالترك لان الحدث لا ينافي أهلية أداء الصوم
فلا ينافي أهلية وجوبه ولا ينافي أهلية وجوب الصلاة أيضا وإن كان ينافي أهلية أدائها لأنه يمكنه رفعه بالطهارة
* (فصل) * واما الغسل فالكلام فيه يقع في مواضع في تفسير الغسل وفي بيان ركنه وفي بيان شرائط الركن وفي
بيان سنن الغسل وفي بيان آدابه وفي بيان مقدار الماء الذي يغتسل به وفي بيان صفة الغسل المشروع (اما) تفسيره
فالغسل في اللغة اسم للماء الذي يغتسل به لكن في عرف الفقهاء يراد به غسل البدن وقد مر تفسير الغسل فيما
تقدم انه الإسالة حتى لا يجوز بدونها (واما) ركنه فهو إسالة الماء على جميع ما يمكن اسالته عليه من البدن
من غير حرج مرة واحدة حتى لو بقيت لمعة لم يصبها الماء لم يجز الغسل وإن كانت يسيرة لقوله تعالى وان كنتم
جنبا فاطهروا أي طهروا أبدانكم واسم البدن يقع على الظاهر والباطن فيجب تطهير ما يمكن تطهيره منه بلا
حرج ولهذا وجبت المضمضة والاستنشاق في الغسل لان ايصال الماء إلى داخل الفم والانف ممكن بلا حرج
وإنما لا يجبان في الوضوء لا لأنه لا يمكن ايصال الماء إليه بل لان الواجب هناك غسل الوجه ولا تقع المواجهة
إلى ذلك رأسا ويجب ايصال الماء إلى أثناء اللحية كما يجب إلى أصولها وكذا يجب على المرأة ايصال الماء إلى
أثناء شعرها إذا كان منقوضا كذا ذكر الفقيه أبو جعفر الهند وانى لأنه يمكن ايصال الماء إلى ذلك من غير حرج
وأما إذا كان شعرها ضفيرا فهل يجب عليها ايصال الماء إلى أثنائه اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يجب لقول
النبي صلى الله عليه وسلم تحت كل شعرة جنابة الا فبلوا الشعر وأنقوا البشرة وقال بعضهم لا يجب وهو اختيار
الشيخ الامام أبى بكر محمد بن الفضل البخاري وهو الأصح لما روى أن أم سلمة رضي الله عنها سألت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقالت انى أشد ضفر رأسي أفأنقضه إذا اغتسلت فقال صلى الله عليه وسلم أفيضي الماء على
رأسك وسائر جسدك ويكفيك إذا بلغ الماء أصول شعرك ولان ضفيرتها إذا كانت مشدودة فتكليفها نفضها يؤدى
إلى الحرج ولا حرج حال كونها منقوضة والحديث محمول على هذه الحالة ويجب ايصال الماء إلى داخل السرة
لامكان الايصال إليها بلا حرج وينبغي أن يدخل أصبعه فيها للمبالغة ويجب على المرأة غسل الفرج الخارج لأنه
يمكن غسله بلا حرج وكذا الأقلف يجب عليه ايصال الماء إلى القلفة وقال بعضهم لا يجب وليس بصحيح لامكان
ايصال الماء إليه من غير حرج (واما) شروطه فما ذكرنا في الوضوء (واما) سننه فهي ان يبدأ فيأخذ
الاناء بشماله ويكفيه على يمينه فيغسل يديه إلى الرسغين ثلاثا ثم يفرغ الماء بيمينه على شماله فيغسل فرجه حتى
ينقيه ثم يتوضأ وضوء للصلاة ثلاثا ثلاثا الا انه لا يغسل رجليه حتى يفيض الماء على رأسه وسائر جسده ثلاثا ثم
يتنحى فيغسل قدميه والأصل فيه ما روى عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم انها قالت وضعت غسلا
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليغتسل من الجنابة فاخذ الاناء بشماله واكفاء على يمينه فغسل يديه ثلاثا ثم القى
34

فرجه بالماء ثم مال بيده إلى الحائط فدلكها بالتراب ثم توضأ وضوءه للصلاة غير غسل القدمين ثم أفاض الماء
على رأسه وسائر جسده ثلاثا ثم تنحى فغسل قدميه فالحديث مشتمل على بيان السنة والفريضة جميعا وهل يمسح
رأسه عند تقديم الوضوء على الغسل ذكر في ظاهر الرواية انه يمسح وروى الحسن عن أبي حنيفة انه لا يمسح لان
تسبيل الماء عليه بعد ذلك يبطل معنى المسح فلم يكن فيه فائدة بخلاف سائر الأعضاء لان التسبيل من بعد لا
يبطل التسبيل من قبل والصحيح جواب ظاهر الرواية لان السنة وردت بتقديم الوضوء على الإفاضة على جميع
البدن على ما روينا والوضوء اسم للمسح والغسل جميعا الا انه يؤخر غسل القدمين لعدم الفائدة في تقديم
غسلهما لأنهما يتلوثان بالغسالات من بعد حتى لو اغتسل على موضع لا يجتمع الغسالة تحت قدمه كالحجر
ونحوه لا يؤخر لانعدام معنى التلوث ولهذا قالوا في غسل الميت انه يغسل رجليه عند التوضئة ولا
يؤخر غسلهما لان الغسالة لا تجتمع علي التخت ومن مشايخنا من استدل بتأخير النبي صلى الله عليه
وسلم غسل الرجلين عند تقديم الوضوء على الإفاضة على أن الماء المستعمل نجس إذ لو لم يكن نجسا لم
يكن للتحرج عن الطاهر معنى فجعلوه حجة أبي حنيفة وأبى يوسف على محمد وليس فيه كبير حجة لان
الانسان كما يتحرج عن النجس يتحرج عن القذر خصوصا الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم والماء المستعمل
قد أزيل إليه قذر الحدث حتى تعافه الطباع السليمة والله أعلم (واما) آدابه فما ذكرنا في الوضوء واما بيان
مقدار الماء الذي يغتسل به فقد ذكر في ظاهر الرواية وقال أدنى ما يكفي في الغسل من الماء صاع وفي الوضوء
مد لما روى عن جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع فقيل له ان لم
يكفنا فغضب وقال لقد كفى من هو خير منكم وأكثر شعرا ثم إن محمدا رحمه الله ذكر الصاع في الغسل والمد
في الوضوء مطلقا عن الأحوال ولم يفسره قال بعض مشايخنا هذا التقدير في الغسل إذا لم يجمع بين الوضوء
والغسل فاما إذا جمع بينهما يحتاج إلى عشرة أرطال رطلان للوضوء وثمانية أرطال للغسل وقال عامة المشايخ
ان الصاع كاف لهما وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال في الوضوء إن كان المتوضئ متخففا ولا يستنجى يكفيه
رطل واحد لغسل الوجه واليدين ومسح الرأس، إن كان متخففا ويستنجي يكفيه رطلان رطل للاستنجاء ورطل
للباقي ثم هذا التقدير الذي ذكره محمد من الصاع والمد في الغسل والوضوء ليس بتقدير لازم بحيث لا يجوز النقصان
عنه أو الزيادة عليه بل هو بيان مقدار أدنى الكفاية عادة حتى أن من أسبغ الوضوء والغسل بدون ذلك
أجزأه وان لم يكفه زاد عليه لان طباع الناس وأحوالهم تختلف والدليل عليه ما روى أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان يتوضأ بثلثي مد لكن ينبغي ان يزيد عليه بقدر ما لا اسراف فيه لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم
مر على سعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ ويصبب صبا فاحشا فقال إياك والسرف فقال أو في الوضوء سرف قال
نعم ولو كنت على صفة نهر جار وفي رواية ولو كنت على شط بحر (واما) صفة الغسل فالغسل قد يكون فرضا وقد
يكون واجبا وقد يكون سنة وقد يكون مستحبا اما الغسل الواجب فهو غسل الموتى وأما السنة فهو غسل يوم
الجمعة ويوم عرفة والعيدين وعند الاحرام وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى وههنا نذكر المستحب
والفرض (اما) المستحب فهو غسل الكافر إذا أسلم لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل
من جاءه يريد الاسلام وأدنى درجات الامر الندب والاستحباب هذا إذا لم يعرف انه جنب فاسلم فاما إذا علم
كونه جنبا فاسلم قبل الاغتسال اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يلزمه الاغتسال أيضا لان الكفار غير مخاطبين
بشرائع هي من القربات والغسل يصير قربة بالنية فلا يلزمه وقال بعضهم يلزمه لان الاسلام لا ينافي بقاء الجنابة
بدليل انه لا ينافي بقاء الحدث حتى يلزمه الوضوء بعد الاسلام كذا الجنابة وعلى هذا غسل الصبي والمجنون عند
البلوغ والإفاقة (وأما) الغسل المفروض فثلاثة الغسل من الجنابة والحيض والنفاس اما الجنابة فلقوله تعالى
وان كنتم جنبا فاطهروا أي اغتسلوا وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا
35

ما تقولون ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا والكلام في الجنابة في موضعين أحدهما في بيان ما تثبت به
الجنابة ويصير الشخص به جنبا والثاني في بيان الأحكام المتعلقة بالجنابة (اما) الأول فالجنابة تثبت بأمور
بعضها مجمع عليه وبعضها مختلف فيه (اما) المجمع عليه فنوعان أحدهما خروج المنى عن شهوة دفقا من غير
ايلاج بأي سبب حصل الخروج كاللمس والنظر والاحتلام حتى يجب الغسل بالاجماع لقوله صلى الله عليه وسلم
الماء من الماء أي الاغتسال من المنى ثم إنما وجب غسل جميع البدن بخروج المنى ولم يجب بخروج البول
والغائط وإنما وجب غسل الأعضاء المخصوصة لا غير لوجوه أحدها ان قضاء الشهوة بانزال المنى استمتاع بنعمة
يظهر أثرها في جميع البدن وهو اللذة فامر بغسل جميع البدن شكرا لهذه النعمة وهذا لا يتقرر في البول والغائط
والثاني ان الجنابة تأخذ جميع البدن ظاهره وباطنه لان الوطئ الذي هو سببه لا يكون الا باستعمال لجميع
ما في البدن من القوة حتى يضعف الانسان بالاكثار منه ويقوى بالامتناع فإذا أخدت الجنابة جميع البدن
الظاهر والباطن وجب غسل جميع البدن الظاهر والباطن بقدر الامكان ولا كذلك الحدث فإنه لا يأخذ
الا الظاهر من الأطراف لان سببه يكون بظواهر الأطراف من الأكل والشرب ولا يكونان باستعمال جميع
البدن فأوجب غسل ظواهر الأطراف لا جميع البدن والثالث ان غسل الكل أو البعض وجب وسيلة إلى
الصلاة التي هي خدمة الرب سبحانه وتعالى والقيام بين يديه وتعظيمه فيجب أن يكون المصلى على أطهر الأحوال
وأنظفها ليكون أقرب إلى التعظيم وأكمل في الخدمة وكمال النظافة يحصل بغسل جميع البدن وهذا هو العزيمة
في الحدث أيضا الا ان ذلك مما يكثر وجوده فاكتفى فيه بأيسر النظافة وهي تنقية الأطراف التي تنكشف كثيرا
وتقع عليها الابصار ابدا وأقيم ذلك مقام غسل كل البدن دفعا للحرج وتيسيرا فضلا من الله ونعمة ولا حرج في
الجنابة لأنها لا تكثر فبقي الامر فيها على العزيمة والمرأة كالرجل في الاحتلام لما روى عن أم سليم انها سألت رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها مثل ما يرى الرجل فقال صلى الله عليه وسلم إن كان منها مثل ما
يكون من الرجل فلتغتسل وروى أن أم سليم كانت مجاورة لام سلمة رضي الله عنها وكانت تدخل عليها فدخل
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم سليم عندها فقالت يا رسول الله المرأة إذا رأت ان زوجها يجامعها في المنام
أتغتسل فقالت أم سلمة لام سليم تربت يداك يا أم سليم فضحت النساء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أم
سليم ان الله لا يستحى من الحق وانا ان نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يشكل علينا خير من أن تكون فيه
على عمى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنت يا أم سلمة ترتب يداك يا أم سليم عليها الغسل إذا وجدت
الماء وذكر ابن رستم في نوادره إذا احتلم الرجل ولم يخرج الماء من إحليله لا غسل عليه والمرأة إذا احتلمت ولم
يخرج الماء إلى ظاهر فرجها اغتسلت لان لها فرجين والخارج منهما له حكم الظاهر حتى يفترض ايصال الماء إليه
في الجنابة والحيض فمن الجائز ان الماء بلغ ذلك الموضع ولم يخرج حتى لو كان الرجل أقلف فبلغ الماء قلفته وجب
عليه الغسل والثاني ايلاج الفرج في الفرج في السبيل المعتاد سواء انزل أو لم ينزل لما روى أن الصحابة رضي الله عنهم
لما اختلفوا في وجوب الغسل بالتقاء الختانين بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكان المهاجرون يوجبون الغسل
والأنصار لا بعثوا أبا موسى الأشعري إلى عائشة رضي الله عنها فقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
إذا التقى الختانان وغابت الحشفة وجب الغسل انزل أو لم ينزل فعلت انا ورسول الله صلى الله عليه وسلم واغتسلنا
فقد روت قولا وفعلا وروى عن علي رضي الله عنه أنه قال في الاكسال يوجب الحد أفلا يوجب صاعا من ماء
ولان ادخال الفرج في الفرج المعتاد من الانسان سبب لنزول المنى عادة فيقام مقامه احتياطا وكذا الايلاج
في السبيل الآخر حكمه حكم الايلاج في السبيل المعتاد في وجوب الغسل بدون الانزال اما على أصل أبى يوسف
ومحمد فظاهر لأنه يوجب الحد أفلا يوجب صاعا من ماء وأما على أصل أبي حنيفة فإنما لم يوجب الحد احتياطا
والاحتياط في وجوب الغسل ولان الايلاج فيه سبب لنزول المنى عادة مثل الايلاج في السبيل المعتاد والسبب
36

يقوم مقام المسبب خصوصا في موضع الاحتياط ولا غسل فيما دون الفرج بدون الانزال وكذا الايلاج في البهائم
لا يوجب الغسل ما لم ينزل وكذا الاحتلام لان الفعل فيما دون الفرج وفي البهيمة ليس نظير الفعل في فرج الانسان
في السببية وكذا الاحتلام فيعتبر في ذلك كله حقيقة الانزال (وأما) المختلف فيه (فمنها) ان ينفصل المنى لا عن
شهوة ويخرج لا عن شهوة بان ضرب على ظهره ضربا قويا أو حمل حملا ثقيلا فلا غسل فيه عندنا وعند الشافعي
فيه الغسل واحتج بما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الماء من الماء أي الاغتسال من المنى من
غير فصل (ولنا) ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سئل عن المرأة ترى في المنام يجامعها زوجها فقال
صلى الله عليه وسلم أتجد لذة فقيل نعم فقال عليها الاغتسال إذا وجدت الماء ولو لم يختلف الحكم بالشهوة وعدمها
لم يكن للسؤال عن اللذة معنى ولان وجوب الاغتسال معلق بنزول المنى وأنه في اللغة اسم للمنزل عن شهوة لما نذكر
في تفسير المنى وأما الحديث فالمراد من الماء الماء المتعارف وهو المنزل عن شهوة لانصراف مطلق الكلام إلى
المتعارف (ومنها) ان ينفصل المنى عن شهوة ويخرج لا عن شهوة وانه يوجب الغسل في قول أبي حنيفة ومحمد
وعند أبي يوسف لا يوجب فالمعتبر عندهما الانفصال عن شهوة وعنده المعتبر هو الانفصال مع الخروج عن
شهوة وفائدته تظهر في موضعين أحدهما إذا احتلم الرجل فانتبه وقبض على عورته حتى سكنت شهوته ثم خرج المنى
بلا شهوة والثاني إذا جامع فاغتسل قبل ان يبول ثم خرج منه بقية المنى وجه قول أبى يوسف ان جانب الانفصال
يوجب الغسل وجانب الخروج ينفيه فلا يجب مع الشك ولهما انه إذا احتمل الوجوب والعدم فالقول بالوجوب
أولى احتياطا (ومنها) انه إذا استيقظ فوجد على فخذه أو على فراشه بللا على صورة المذي ولم يتذكر الاحتلام
فعليه الغسل في قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يجب وأجمعوا انه لو كان منيا ان عليه الغسل لأن الظاهر أنه
عن احتلام وأجمعوا انه إن كان وديا لا غسل عليه لأنه بول غليظ وعن الفقيه أبى جعفر الهندواني انه إذا وجد
على فراشه منيا فهو على اختلاف وكان يقيسه على ما ذكرنا من المسئلتين وجه قول أبى يوسف ان المذي
يوجب الوضوء دون الاغتسال ولهما ما روى امام الهدى الشيخ أبو منصور الماتريدي السمرقندي باسناده
عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا رأى الرجل بعد ما ينتبه من نومه بلة ولم
يذكر احتلاما اغتسل وان رأى احتلاما ولم ير بلة فلا غسل عليه وهذا نص في الباب ولان المنى قد يرق بمرور الزمان
فيصير في صورة المذي وقد يخرج ذائبا الفرط حرارة الرجل أو ضعفه فكان الاحتياط في الايجاب ثم المنى خائر
أبيض ينكسر منه الذكر وقال الشافعي في كتابه ان له رائحة الطلع والمذي رقيق يضرب إلى البياض يخرج عند
ملاعبة الرجل أهله والودي رقيق يخرج بعد البول وكذا روى عن عائشة رضي الله عنها انها فسرت هذه المياه
بما ذكرنا ولا غسل في الودي والمذي اما الودي فلانه بقية البول وأما المذي فلما روى عن علي رضي الله عنه
أنه قال كنت فحلا مذاء فاستحييت ان أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته تحتي فأمرت المقداد بن
الأسود رضي الله عنه فسأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل فحل يمذي وفيه الوضوء نص على الوضوء
وأشار إلى نفى وجوب الاغتسال بعلة كثرة الوقوع بقوله كل فحل يمذي (وأما) الأحكام المتعلقة بالجنابة فما لا يباح
للمحدث فله من مس المصحف بدون غلافه ومس الدراهم التي عليها القرآن ونحو ذلك لا يباح للجنب من
طريق الأولى لان الجنابة أغلظ الحدثين ولو كانت الصحيفة على الأرض فأراد الجنب ان يكتب القرآن عليها
روى عن أبي يوسف انه لا بأس لأنه ليس بحامل للصحيفة والكتابة توجد حرفا حرفا وهذا ليس بقرآن وقال محمد
أحب إلى أن لا يكتب لان كتابة الحروف تجرى مجرى القراءة وروى عن أبي يوسف انه لا يترك الكافران يمس
المصحف لان للكافر نجس فيجب تنزيه المصحف عن مسه وقال محمد لا بأس به إذا اغتسل لان المانع هو الحدث
وقد زال بالغسل وإنما بقي نجاسة اعتقاده وذلك في قلبه لا في يده ولا يباح للجنب قراءة القرآن عند عامة العلماء
وقال مالك يباح له ذلك وجه قوله إن الجنابة أحد الحدثين فيعتبر بالحدث الآخر وانه لا يمنع من القراءة كذا
37

الجنابة (ولنا) ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحجزه شئ عن قراءة القرآن الا الجنابة وعن عبد الله
ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن وما ذكر من
الاعتبار فاسد لان أحد الحدثين حل الفم ولم يحل الآخر فلا يصح اعتبار أحدهما بالآخر ويستوى في الكراهة
الآية التامة وما دون الآية عند عامة المشايخ وقال الطحاوي لا بأس بقراءة ما دون الآية والصحيح قول العامة
لما روينا من الحديثين من غير فصل بين القليل والكثير ولان المنع من القراءة لتعظيم القرآن ومحافظة حرمته
وهذا لا يوجب الفصل بين القليل والكثير فيكره ذلك كله لكن إذا قصد التلاوة فاما إذا لم يقصد بان قال باسم الله
لافتتاح الاعمال تبركا أو قال الحمد لله للشكر لا بأس به لأنه من باب ذكر اسم الله تعالى والجنب غير ممنوع عن ذلك
وتكره قراءة القرآن في المغتسل والمخرج لان ذلك موضع الأنجاس فيجب تنزيه القرآن عن ذلك وأما في الحمام
فتكره عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد لا تكره بناء على أن الماء المستعمل نجس عندهما فأشبه المخرج وعند
محمد طاهر فلا تكره ولا يباح للجنب دخول المسجد وان احتاج إلى ذلك يتيمم ويدخل سواء كان الدخول لقصد
المكث أو للاجتياز عندنا وقال الشافعي يباح له الدخول بدون التيمم إذا كان مجتازا واحتج بقوله تعالى يا أيها الذين
آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا قيل المراد من
الصلاة مكانها وهو المسجد كذا روى عن ابن مسعود وعابر سبيل هو المار يقال عبر أي مر نهى الجنب عن
دخول المسجد بدون الاغتسال واستثنى عابري السبيل وحكم المستثنى يخالف حكم المستثنى يخالف حكم المستثنى منه فيباح له
الدخول بدون الاغتسال (ولنا) ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال سدوا الأبواب فانى لا أحلها
لجنب ولا لحائض والهاء كناية عن المساجد نفى الحل من غير فصل بين المجتاز وغيره وأما الآية فقد روى عن علي
وابن عباس رضي الله عنهما ان المراد هو حقيقة الصلاة وان عابر السبيل هو المسافر الجنب الذي لا يجد الماء فيتيمم
فكان هذا إباحة الصلاة بالتيمم للجنب المسافر إذا لم يجد الماء وبه نقول وهذا التأويل أولى لان فيه بقاء اسم
الصلاة على حالها فكان أولى أو يقع التعارض بين التأويلين فلا تبقى الآية حجة له ولا يطوف بالبيت وان طاف
جاز مع النقصان لما ذكرنا في المحدث الا ان النقصان مع الجنابة أفحش لأنها أغلظ ويصح من الجنب أداء الصوم
دون الصلاة لأن الطهارة شرط جواز الصلاة دون الصوم ويجب عليها كلاهما حتى يجب عليه قضاؤهما بالترك لان
الجنابة لا تمنع من وجوب الصوم بلا شك ويصح أداؤه مع الجنابة ولا يمنع من وجوب الصلاة أيضا وإن كان لا يصح
أداؤها مع قيام الجنابة لان في وسعه رفعها بالغسل قبل أن يتوضأ ولا بأس للجنب ان ينام ويعاود أهله لما روى عن
عمر رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب قال نعم ويتوضأ وضوءه للصلاة وله ان ينام قبل ان
يتوضأ وضوءه للصلاة لما روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من
غير أن يمس ماء ولان الوضوء ليس بقربة بنفسه وإنما هو الأداء الصلاة وليس في النوم ذلك وان أراد أن يأكل أو
يشرب فينبغي أن يتمضمض ويغسل يديه ثم يأكل ويشرب لان الجنابة حملت الفم فلو شرب قبل ان يتمضمض صار
الماء مستعملا فيصير شاربا الماء المستعمل ويده لا تخلو عن نجاسة فينبغي ان يغسلها ثم يأكل وهل يجب على الزوج
ثمن ماء الاغتسال اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يجب سواء كانت المرأة غنية أو فقيرة غير أنها إن كانت
فقيرة يقال للزوج اما ان تدعها حتى تنتقل إلى الماء أو تنقل الماء إليها وقال بعضهم يجب وهو قول الفقيه أبى الليث
رحمه الله لأنه لا بد لها منه فنزل منزلة الماء الذي للشرب وذلك عليه كذا هذا (وأما) الحيض فلقوله تعالى
ولا تقربوهن حتى يطهرن أي يغتسلن ولقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة دعى الصلاة أيام أقرائك أي
أيام حيضك ثم اغتسلي وصلى ولا نص في وجوب الغسل من النفاس وإنما عرف باجماع الأمة ثم اجماع الأمة
يجوز أن يكون بناء على خبر في الباب لكنهم تركوا نقله اكتفاء بالاجماع عن نقله لكون الاجماع أقوى ويجوز
انهم قاسوا على دم الحيض لكون كل واحد منهما دما خارجا من الرحم فبنوا الاجماع على القياس إذ الاجماع
38

ينعقد عن الخبر وعن القياس على ما عرف في أصول الفقه
* (فصل) * ثم الكلام يقع في تفسير الحيض والنفاس والاستحاضة وأحكامها (أما) الحيض فهو في عرف
الشرع اسم لدم خارج من الرحم لا يعقب الولادة مقدر بقدر معلوم في وقت معلوم فلابد من معرفة لون الدم
وحاله ومعرفة خروجه ومقداره ووقته (اما) لونه فالسواد حيض بلا خلاف وكذلك الحمرة عندنا وقال الشافعي
دم الحيض هو الأسود فقط واحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لفاطمة بنت حبيش حين كانت
مستحاضة إذا كان الحيض فإنه دم أسود فأمسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فتوضئ وصلى (ولنا) قوله تعالى
ويسألونك عن المحيض قل هو أذى جعل الحيض أذى واسم الأذى لا يقتصر على الأسود وروى أن النساء كن
يبعثن بالكرسف إلى عائشة رضي الله عنها فكانت تقول لا حتى ترين القصة البيضاء أي البياض الخالص كالحيض
فقد أخبرت ان ما سوى البياض حيض والظاهر أنها إنما قالت ذلك سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه
حكم لا يدرك بالاجتهاد ولان لون الدم يختلف باختلاف الأغذية فلا معنى للقصر على لون واحد وما رواه غريب
فلا يصلح معارضا للمشهور مع ما انه مخالف للكتاب على أنه يحتمل ان النبي صلى الله عليه وسلم علم من طريق
الوحي أيام حيضها بلون الدم فبنى الحكم في حقها على اللون لا في حق غيرها وغير النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم أيام
الحيض بلون الدم وأما الكدرة ففي آخر أيام الحيض حيض بلا خلاف بين أصحابنا وكذا في أول الأيام عند أبي
حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا يكون حيضا وجه قوله إن الحيض هو الدم الخارج من الرحم لا من العرق
ودم الرحم يجتمع فيه في زمان الطهر ثم يخرج الصافي منه ثم الكدر ودم العرق يخرج الكدر منه أولا ثم الصافي
فينظر ان خرج الصافي أولا علم أنه من الرحم فيكون حيضا وان خرج الكدر أولا علم أنه من العرق فلا يكون
حيضا (ولنا) ما ذكرنا من الكتاب والسنة من غير فصل وقوله وان كدرة دم الرحم تتبع صافيه ممنوع وهذا
أمر غير معلوم بل قد يتبع الصافي الكدر خصوصا فيما كان الثقب من الأسفل وأما التربة فهي كالكدرة وأما
الصفرة فقد اختلف المشايخ فيها فقد كان الشيخ أبو منصور يقول إذا رأت في أول أيام الحيض ابتداء كان حيضا اما إذا
رأت في آخر أيام الطهر واتصل به أيام الحيض لا يكون حيضا والعامة على أنها حيض كيفما كانت وأما الخضرة
فقد قال بعضهم هي مثل الكدرة فكانت على الخلاف وقال بعضهم الكدرة والتربة والصفرة والخضرة إنما
تكون حيضا على الاطلاق من غير العجائز فاما في العجائز فينظران وجدتها على الكرسف ومدة الوضع قريبة
فهي حيض وإن كانت مدة الوضع طويلة لم يكن حيضا لان رحم العجوز يكون منتنا فيتغير الماء لطول المكث وما
عرفت من الجواب في هذه الأبواب في الحيض فهو الجواب فيها من النفاس لأنها أخت الحيض (واما) خروجه
فهو ان ينتقل من باطن الفرج إلى ظاهره إذ لا يثبت الحيض والنفاس والاستحاضة الا به في ظاهر الرواية وروى عن
محمد في غير رواية الأصول ان في الاستحاضة كذلك فاما الحيض والنفاس فإنهما يثبتان إذا أحست ببروز الدم
وان لم يبرز وجه الفرق بين الحيض والنفاس والاستحاضة على هذه الرواية ان لهما أعني الحيض والنفاس وقتا
معلوما فتحصل بهما المعرفة بالاحساس ولا كذلك الاستحاضة لأنه لا وقت لها تعلم به فلا بد من الخروج والبروز ليعلم
وجه ظاهر الرواية ما روى أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها ان فلانة تدعو بالمصباح ليلا فتنظر إليها فقالت
عائشة رضي الله عنها كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نتكلف ذلك الا بالمس والمس لا يكون الا بعد
الخروج والبروز (واما) مقداره فالكلام فيه في موضعين أحدهما في أصل التقدير انه مقدر أم لا والثاني في
بيان ما هو مقدر به أما الأول فقد قال عامة العلماء انه مقدر وقال مالك انه غير مقدر وليس لا قله حد ولا لا كثرة
غاية واحتج بظاهر قوله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى جعل الحيض أذى من غير تقدير ولان الحيض
اسم الدم الخارج من الرحم والقليل خارج من الرحم كالكثير ولهذا لم يقدر دم النفاس ولنا ما روى أبو أمامة
الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أقل ما يكون الحيض للجارية الثيب والبكر جميعا
39

ثلاثة أيام وأكثر ما يكون من الحيض عشرة أيام وما زاد على العشرة فهو استحاضة وهذا حديث مشهور وروى
عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وعمران بن حصين وعثمان بن أبي
العاص الثقفي رضي الله عنهم انهم قالوا الحيض ثلاث أربع خمس ست سبع ثمان تسع عشر ولم يروعن غيرهم
خلافه فيكون اجماعا والتقدير الشرعي يمنع أن يكون لغير المقدر حكم المقدور به تبين ان الخبر المشهور والاجماع
خرجا بيانا للمذكور في الكتاب والاعتبار بالنفاس غير سديد لان القليل هناك عرف خارجا من الرحم
بقرينة الولد ولم يوجد ههنا (واما) الثاني فذكر في ظاهر الرواية ان أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها وحكى
عن أبي يوسف في النوادر يومان وأكثر اليوم الثالث وروى الحسن عن أبي حنيفة ثلاثة أيام بليلتيهما المتخللتين
وقال الشافعي يوم وليلة في قول وفي قول يوم بلا ليلة واحتج بما احتج به مالك الا أنه قال لا يمكن اعتبار القليل
حيضا لان اقبال النساء لا تخلو عن قليل لوث عادة فيقدر باليوم أو باليوم والليلة لأنه أقل مقدار يمكن اعتباره
وحجتنا ما ذكرنا مع مالك وحجة ما روى عن أبي يوسف ان أكثر الشئ يقام مقام كله وهذا على الاطلاق غير
سديد فإنه لو جاز إقامة يومين وأكثر اليوم الثالث مقام الثلاثة لجاز إقامة يومين مقام الثلاثة لوجود الأكثر
وجه رواية الحسن ان دخول الليالي ضرورة دخول الأيام المذكورة في الحديث لا مقصودا والضرورة
ترتفع بالليلتين المتخللتين والجواب ان دخول الليالي تحت اسم الأيام ليس من طريق الضرورة بل يدخل مقصودا
لان الأيام إذا ذكرت بلفظ الجمع تتناول ما بإزائها من الليالي لغة فكان دخولا مقصودا لا ضرورة (واما)
أكثر الحيض فعشرة أيام بلا خلاف بين أصحابنا وقال الشافعي خمسة عشر واحتج بما روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال تقعد إحداهن شطر عمرها لا تصوم ولا تصلى ثم أحد الشطرين الذي تصلى فيه وهو الطهر خمسة
عشر كذا الشطر الآخر ولان الشرع أقام الشهر مقام حيض وطهر في حق الآيسة والصغيرة فهذا يقتضى
انقسام الشهر على الحيض والطهر وهو أن يكون نصفه طهرا ونصفه حيضا ولنا ما روينا من الحديث المشهور
واجماع الصحابة وليس المراد من الشطر المذكور النصف لأنا نعلم قطعا انها لا تقعد نصف عمرها الا ترى انها لا
تقعد حال صغرها واياسها وكذا زمان الطهر يزيد على زمان الحيض عادة فكان المراد ما يقرب من النصف وهو
عشرة وكذا ليس من ضرورة انقسام الشهر على الطهر والحيض أن تكون مناصفة إذ قد تكون القسمة مثالثة
فيكون ثلث الشهر للحيض وثلثاه للطهر وإذا عرفت مقدار الحيض لابد من معرفة مقدار الطهر الصحيح
الذي يقابل الحيض وأقله خمسة عشر يوما عند الا ما روى عن أبي حازم القاضي وأبى عبد الله ان الشهر
يشتمل على الحيض والطهر عادة وقد قام الدليل على أن أكثر الحيض عشرة فيبقى من الشهر عشرون الا انا
نقصنا يوم لان الشهر قد ينقص بيوم (ولنا) اجماع الصحابة على ما قلنا ونوع من الاعتبار بأقل مدة الإقامة
لان لمدة الطهر شبها بمدة الإقامة الا ترى ان المرأة بالطهر تعود إلى ما سقط عنها بالحيض كما أن المسافر بالإقامة
يعود إلى ما سقط عنه بالسفر ثم أقل مدة الإقامة خمسة عشر يوما كذا أقل مدة الإقامة خمسة عشر يوما كذا أقل الطهر وما قالاه غير سديد لأن المرأة
لا تحيض في الشهر عشرة لا محالة ولو حاضت عشرة لا تطهر عشرين لا محالة بل تحيض ثلاثة وتطهر عشرين
وقد تحيض عشرة وتطهر خمسة عشر واما أكثر الطهر فلا غاية له حتى أن المرأة إذا طهرت سنين كثيرة فإنها تعمل
ما تعمل الطاهرات بلا خلاف بين الأئمة لأن الطهارة في بنات آدم أصل والحيض عارض فإذا لم يظهر العارض
يجب بناء الحكم على الأصل وان طال واختلف أصحابنا فيما وراء ذلك وهو ان أكثر الطهر الذي يصلح لنصب
العادة عند الاستمرار كم هو قال أبو عصمة سعد بن معاذ المروزي وأبو حازم القاضي ان الطهر وان طال يصلح
لنصب العادة حتى أن المرأة إذا حاضت خمسة وطهرت ستة ثم استمر بها الدم يبنى الاستمرار عليه فتقعد خمسة
وتصلى ستة وكذا لو رأت أكثر من ستة وقال محمد بن إبراهيم الميداني وجماعة من أهل بخارى ان أكثر الطهر
40

الذي يصلح لنصب العادة أقل من سنة أشهر وإذا كان ستة أشهر فصاعدا لا يصلح لنصب العادة وإذا لم يصلح
له ترد أيامها إلى الشهر فتقعد ما كانت رأت فيه من خمسة أو ستة أو نحو ذلك وتصلى بقية الشهر هكذا دأبها وقال
محمد بن مقاتل الرازي وأبو علي الدقاق أكثر الطهر الذي يصلح لنصب العادة سبعة وخمسون يوما وإذ زاد عليه
ترد أيامها إلى الشهر وقال بعضهم أكثره شهر وإذا زاد عليه ترد إلى الشهر وقال بعضهم سبعة وعشرون يوما
ودلائل هذه الأقاويل تذكر في كتاب الحيض (واما) وقته فوقته حين تبلغ المرأة تسع سنين فصاعدا عليه
أكثر المشايخ فلا يكون المرئي فيما دونه حيضا وإذا بلغت تسعا كان حيضا إلى أن تبلغ حسد الإياس على اختلاف
المشايخ في حده ولو بلغت ذلك وقد انقطع عنها الدم ثم رأت بعد ذلك يكون حيضا وعند بعضهم يكون حيضا
وموضع معرفة ذلك كله كتاب الحيض (واما) النفاس فهو في عرف الشرع اسم للدم الخارج من الرحم
عقيب الولادة وسمى نفاسا اما لتنفس الرحم بالولد أو لخروج النفس وهو الولد أو الدم والكلام في لونه وخروجه
كالكلام في دم الحيض وقد ذكرناه (واما) الكلام في مقداره فأقله غير مقدر بلا خلاف حتى أنها إذا ولدت
ونفست وقت صلاة لا تجب عليها تلك الصلاة لان النفاس دم الرحم وقد قام الدليل على كون القليل منه خارجا
من الرحم وهو شهاد الولادة ومثل هذه الدلالة لم يوجد في باب الحيض فلم يعرف القليل منه أنه من الرحم فلم
يكن حيضا على أن قضية القياس ان لا يتقدر أقل الحيض أيضا كما قال مالك الا انا عرفنا التقدير ثم بالتوقيف
ولا توقيف ههنا فلا يتقدر فإذا طهرت قبل الأربعين اغتسلت وصلت بناء على الظاهر لان معاودة الدم موهوم
فلا يترك المعلوم بالموهوم وما ذكر من الاختلاف بين أصحابنا في أقل النفاس فذاك في موضع آخر وهو ان
المرأة إذا طلقت بعد ما ولدت ثم جاءت وقالت نفست ثم طهرت ثلاثة أطهار وثلاث حيض فبكم تصدق في النفاس
فعند أبي حنيفة لا تصدق إذا ادعت في أقل من خمسة عشر يوما وعند أبي يوسف لا تصدق في أقل من
أحد عشر يوما وعند محمد تصدق فيما ادعت وإن كان قليلا على ما يذكر في كتاب الطلاق إن شاء الله
تعالى (واما) أكثر النفاس فأربعون يوما عند أصحابنا وعند مالك والشافعي ستون يوما ولا دليل لهما سوى
ما حكى عن الشعبي انه كان يقول ستون يوما ولا حجة في قو الشعبي (ولنا) ما روى عن عائشة وأم سلمة
وابن عباس وأبي هريرة رضى الله تعالى عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أكثر النفاس أربعون يوما
واما الاستحاضة فهي ما انتقص عن أقل الحيض وما زاد على أكثر الحيض والنفاس ثم المستحاضة نوعان مبتدأة
وصاحبة عادة والمبتدأة نوعان مبتدأة بالحيض ومبتدأة بالحبل وصاحبة العادة نوعان صاحبة العادة في الحيض
وصاحبة العادة في النفاس (أما) المبتدأة بالحيض وهي التي ابتدأت بالدم واستمر بها فالعشرة من أول الشهر
حيض لان هذا دم في أيام الحيض وأمكن جعله حيضا فيجعل حيضا وما زاد على العشرة يكون استحاضة لأنه
لا مزيد للحيض على العشرة وهكذا في كل شهر (وأما) صاحبة العادة في الحيض إذا كانت عادتها عشرة فزاد الدم
عليها فالزيادة استحاضة وإن كانت عادتها خمسة فالزيادة عليها حيض معها إلى تمام العشرة لما ذكرنا في المبتدأة
بالحيض وان جاوز العشرة فعادتها حيض وما زاد عليها استحاضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة تدع
الصلاة أيام أقرائها أي أيام حيضها ولان ما رأت في أيامها حيض بيقين وما زاد على العشرة استحاضة بيقين وما بين
ذلك متردد بين أن يلحق بما قبله فيكون حيضا فلا تصلى وبين أن يلحق بما بعده فيكون استحاضة فتصلى فلا تترك
الصلاة بالشك وان لم يكن لها عادة معروفة بأن كانت ترى شهرا ستا وشهرا سبعا فاستمر بها الدم فإنها تأخذ في حق
الصلاة والصوم والرجعة بالأقل وفي حق انقضاء العدة والغشيان بالأكثر فعليها إذا رأت ستة أيام في الاستمرار أن
تغتسل في اليوم السابع لتمام السادس وتصلى فيه وتصوم إن كان دخل عليها شهر رمضان لأنه يحتمل أن يكون
السابع حيضا ويحتمل ان لا يكون فدا الصلاة والصوم بين الجواز منها والوجوب عليها في الوقت فيجب وتصوم
رمضان احتياطا لأنها ان فعلت وليس عليها أولى ان تترك وعليها ذلك وكذلك تنقطع الرجعة لان ترك الرجعة مع
41

ثبوت حق الرجعة أولى من اثباتها من غير حق الرجعة وأما في انقضاء العدة والغشيان فتأخذ بالأكثر لأنها ان تركت
التزوج مع جواز التزوج أولى من أن تتزوج بدون حق التزوج وكذا ترك الغشيان مع الحل أولى م‍ الغشيان مع
الحرمة فإذا جاء اليوم الثامن فعليها أن تغتسل ثانيا وتقضى اليوم الذي صامت في اليوم السابع لان الأداء كان واجبا
ووقع الشك في السقوط ان لم تكن حائضا فيه صح صومها ولا قضاء عليها وإن كانت حائضا فعليها القضاء فلا يسقط
القضاء بالشك وليس عليها قضاء الصلوات لأنها إن كانت طاهرة في هذا اليوم فقد صلت وإن كانت حائضا فيه فلا
صلاة عليها للحال ولا القضاء في الثاني ولو كانت عادتها خمسة فحاضت ستة ثم حاضت حيضة أخرى سبعة ثم حاضت
حيضة أخرى ستة فعادتها ستة بالاجماع حتى يبنى الاستمرار عليها أما عند أبي يوسف فلان العادة تنتقل بالمرة
الواحدة وإنما يبنى الاستمرار على المرة الأخيرة لان العادة انتقلت إليها وأما عند أبي حنيفة ومحمد أيضا فلان العادة
وإن كانت لا تنتقل الا بالمرتين فقد رأت الستة مرتين فانتقلت عادتها إليها هذا معنى قول محمد كلما عاودها الدم في يوم
مرتين فحيضها ذلك وذكر في الأصل إذا حاضت المرأة في شهر مرتين فهي مستحاضة والمراد بذلك أنه لا يجتمع
في شهر واحد حيضتان وطهر ان لان أقل الحيض ثلاثة وأقل الطهر خمسة عشر يوما وقد ذكر في الأصل سؤالا
وقال أرأيت لو رأت في أول الشهر خمسة ثم طهرت خمسة عشر ثم رأت الدم خمسة أليس قد حاضت في شهر مرتين
ثم أجاب فقال إذا ضممت إليه طهرا آخر كان أربعين يوما والشهر يشتمل على ذلك وحكى أن امرأة جاءت إلى علي
رضي الله عنه وقالت انى حضت في شهر ثلاث مرات فقال علي رضي الله عنه لشريح ماذا تقول في ذلك فقال إن
أقامت على ذلك بينه من بطانتها ممن يرضى بدينه وأمانته قبل منها فقال علي رضي الله عنه قالون وهي بالرومية
حسن وإنما أراد شريح بذلك تحقيق النفي انها لا تجد ذلك ان هذا لا يكون كما قال الله تعالى ولا يدخلون الجنة حتى
يلج الجمل في سم الخيا أي لا يدخلونها رأسا ودم الحامل ليس بحيض وإن كان ممتدا عندنا وقال الشافعي هو
حيض في حق ترك الصوم والصلاة وحرمة القربان لا في حق اقراء العدة واحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال لفاطمة بنت حبيش إذا أقبل قرؤك فدعى الصلاة من غير فصل بين حال وحال ولان الحامل من ذوات
الأقراء لأن المرأة اما أن تكون صغيرة أو آيسة أو من ذوات الأقراء والحامل ليست بصغيرة ولا آيسة فكانت من
ذوات الأقراء الا ان حيضها لا يعتبر في حق اقراء العدة لان المقصود من اقراء العدة فراغ الرحم وحيضها لا يدل
على ذلك (ولنا) قول عائشة رضي الله عنها الحامل لا تحيض ومثل هذا لا يعرف بالرأي فالظاهر أنها قالته سماعا من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولان الحيض اسم للدم الخارج من الرحم ودم الحامل لا يخر من الرحم لان الله
تعالى أجرى العادة أن المرأة إذا حبلت ينسد فم الرحم فلا يخرج منه شئ فلا يكون حيضا (وأما) الحديث فنقول
بموجبه لكن لم قلتم ان دم الحامل قرء والكلام فيه والدليل عليه انه ليس بقرء ما ذكرنا وبه تبين أن الحديث لا يتناول
حالة الحبل (وأما) المبتدأة بالحبل وهي التي حبلت من زوجها قبل أ تحيض إذا ولدت فرأت الدم زيادة على
أربعين يوما فهو استحاضة لان الأربعين للنفاس كالعشرة للحيض ثم الزيادة على العشرة في الحيض استحاضة
فكذا الزياد على الأربعين في النفاس (وأما) صاحبة العادة في النفاس إذا رأت زيادة على عادتها فإن كانت عادتها
أربعين فالزيادة استحاضة لما مر وإن كانت دون الأربعين فما زاد يكون نفاسا إلى الأربعين فان زاد على الأربعين
ترد إلى عادتها فتكون عادتها نفاسا وما زاد عليها يكون استحاضة ثم يستوى الجواب فيما إذا كان ختم عادتها بالدم
أو بالطهر عند أبي يوسف وعند محمد إن كان ختم عادتها بالدم فكذلك وأما إذا كان بالطهر فلا لان أبا يوسف يرى ختم
الحيض والنفاس بالطهر إذا كان بعده دم ومحمد لا يرى ذلك وبيانه ما ذكر في الأصل إذا كانت عادتها في النفاس
ثلاثين يوما فانقطع دمها على رأس عشرين يوما وطهرت عشرة أيام تمام عادتها فصلت وصامت ثم عاودها الدم
واستمر بها حتى جاوز الأربعين ذكر انها مستحاضة فيما زاد على الثلاثين ولا يجزيها صومها في العشرة التي صامت
فيلزمها القضاء قال الحاكم الشهيد هذا على مذهب أبي يوسف يستقيم فاما على مذهب محمد ففيه نظر لان أبا يوسف
42

يرى ختم النفاس بالطهر إذا كان بعده دم فيمكن جعل الثلاثين نفاسا لها عنده وإن كان ختمها بالطهر ومحمد لا يرى
ختم النفاس والحيض بالطهر فنفاسها في هذا الفصل عنده عشرون يوما فلا يلزمها قضاء ما صامت في العشر
الأيام بعد العشرين والله أعلم وما تراه النفساء من الدم بين الولادتين فهو دم صحيح في قول أبي حنيفة وأبى يوسف
وعند محمد وزفر فاسد بناء على أن المرأة إذ ولدت وفي بطنها ولد آخر فالنفاس من الولد الأول عند أبي حنيفة وأبى
يوسف وعند محمد وزفر من الولد الثاني وانقضاء العدة بالولد الثاني بالاجماع وجه قول محمد وزفر أن النفاس يتعلق
بوضع ما في البطن كانقضاء العدة فيتعلق بالولد الأخير كانقضاء العدة وهذا لأنها بعد حبلى وكما لا يتصور انقضاء عدة
الحمل بدون وضع الحمل لا يتصور وجود النفاس من الحبلى لان النفاس بمنزلة الحيض ولان النفاس مأخوذ من
تنفس الرحم ولا يتحقق ذلك على الكمال الا بوضع الولد الثاني فكان الموجود قبل وضع الولد الثاني نفاسا من وجه
دون وجه فلا تسقط الصلاة عنها بالشك كما إذا ولدت واحدا وخرج بعضه دون البعض ولأبي حنيفة وأبى يوسف
أن النفاس إن كان دما يخرج عقيب النفس فقد وجد بولادة الأول وإن كان دما يخرج بعد تنفس الرحم فقد وجد
أيضا بخلاف انقضاء العدة لان ذلك يتعلق بفراغ الرحم ولم يوجد والنفاس يتعلق بتنفس الرحم أو بخروج النفس
وقد وجد أو يقول بقاء الولد في البطن لا ينافي النفاس لانفتاح فم الرحم فاما الحيض من الحبلى فممتنع لانسداد فم
الرحم والحيض اسم لدم يخرج من الرحم فكان الخارج دم عرق لا دم رحم (وأما) قولهما وجد تنفس الرحم من
وجه دون وجه فممنوع بل وجد على سبيل الكمال لوجود خروج الولد بكماله بخلاف ما إذا خرج بعض الولد لان
الخارج منه إن كان أقله لم تصر نفساء حتى قالوا يجب عليها ان تصلى وتحفر لها حفيرة لان النفاس يتعلق بالولادة
ولم يوجد لان الأقل يلحق بالعدم بمقابلة الأكثر فاما إذا كان الخارج أكثره فالمسألة ممنوعة أو هي على هذا الاختلاف
فأما فيما نحن فيه فقد وجدت الولادة على طريق الكمال فالدم الذي يعقبه يكون نفاسا ضرورة والسقط إذا استبان
بعض خلقه فهو مثل الولد التام يتعلق به أحكام الولادة من انقضاء العدة وصيرورة المرأة نفساء لحصول العلم بكونه
ولدا مخلوقا عن الذكر والأنثى بخلاف ما إذا لم يكن استبان من خلقه شئ لأنا لا ندري ذاك هو المخلوق من مائهما أو دم
جامد أو شئ من الاخلاط الردية استحال إلى صورة لحم فلا يتعلق به شئ من أحكام الولادة (وأما) أحوال الدم
فنقول الدم قد يدر درورا متصلا وقد يدر مرة وينقطع أخرى ويسمى الأول استمرارا متصلا والثاني منفصلا (أما)
الاستمرار المتصل فحكمه ظاهر وهو أن ينظر إن كانت المرأة مبتدأة فالعشرة من أول ما رأت حيض والعشرون
بعد ذلك طهرها هكذا إلى أن يفرج الله عنها وإن كانت صاحبة عادة فعادتها في الحيض حيضها وعادتها في الطهر
طهرها وتكون مستحاضة في أيام طهرها (واما) الاستمرار المنفصل فهو ان ترى المرأة مرة دما ومرة طهرا هكذا
فنقول لا خلاف في أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان خمسة عشر يوما فصاعدا يكون فاصلا بين الدمين ثم
بعد ذلك ان أمكن أن يجعل أحد الدمين حيضا يجعل ذلك حيضا وان أمكن جعل كل واحد منهما حيضا يجعل حيضا
وإن كان لا يمكن أن يجعل أحدهما حيضا لا يجعل شئ من ذلك حيضا وكذا لا خلاف بين أصحابنا في أن الطهر
المتخلل بين الدمين إذا كان أقل من ثلاثة أيام لا يكون فاصلا بين الدمين وإن كان أكثر من الدمين واختلفوا فيما بين
ذلك وعن أبي حنيفة فيه أربع روايات روى أبو يوسف عنه أنه قال الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان أقل من
خمسة عشر يوما يكون طهرا فاسد أولا يكون فاصلا بين الدمين بل يكون كله كدم متوال ثم يقدر ما ينبغي أن يجعل
حيضا يجعل حيضا والباقي يكون استحاضة وروى محمد عن أبي حنيفة أن الدم إذا كان في طرفي العشرة فالطهر
المتخلل بينهما لا يكون فاصلا ويجعل كله كدم متوال وان لم يكن الدم في طرفي العشرة كان الطهر فاصلا بين الدمين
ثم بعد ذلك ان أمكن ان يجعل أحد الدمين حيضا يجعل ذلك حيضا وان أمكن ان يجعل كل واحد منهما حيضا
يجعل أسرعهم حيضا وهو أو لهما وان لم يمكن جعل أحدهما حيضا لا يجعل شئ من ذلك حيضا وروى
عبد الله بن المبارك عن أبي حنيفة ان الدم إذا كان في طرفي العشرة وكان بحال لو جمعت الدماء المتفرقة تبلغ
43

حيضا لا يصير الطهر فاصلا بين الدمين ويكون كله حيضا وإن كان بحال لو جمع لا يبلغ حيضا يصير فاصلا بين
الدمين ثم ينظر ان أمكن ان يجعل أحد الدمين حيضا يجعل ذلك حيضا وان أمكن ان يجعل كل واحد منهما حيضا
يجعل أسرعهما حيضا وان لم يمكن أن يجعل أحدهما حيضا لا يجعل شئ من ذلك حيضا وروى الحسن عن أبي
حنيفة أن الطهر المتخل بين الدمين إذا كان أقل من ثلاثة أيام لا يكون فاصلا بين الدمين وكله بمنزلة المتوالى وإذا كان
ثلاثة أيام كان فاصلا بينهما ثم ينظر ان أمكن ان يجعل أحد الدمين حيضا جعل وان أمكن ان يجعل كل واحد منهما
حيضا يجعل أسرعهما وان لم يكن ان يجعل شئ من ذلك حيضا لا يجعل حيضا واختار محمد لنفسه في كتاب
الحيض مذهبا فقال الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان أقل من ثلاثة أيام لا يعتبر فاصلا وإن كان أكثر من الدمين
ويكون بمنزلة الدم المتوالي وإذا كان ثلاثة أيام فصاعدا فهو طهر كثير فيعتبر لكن ينظر بعد ذلك إن كان الطهر
مثل الدمين أو أقل من الدمين في العشرة لا يكون فاصلا وإن كان أكثر م‍ الدمين يكون فاصلا ثم ينظر ان أمكن
ان يجعل أحدهما حيضا جعل وان أمكن ان يجعل كل واحد منهما حيضا يجعل أسرعهما حيضا وان لم يمكن
ان يجعل أحدهما حيضا لا يجعل شئ من ذلك حيضا وتقرير هذه الأقوال وتفسيرها يذكر في كتاب الحيض
إن شاء الله تعالى (وأما) حكم الحيض والنفاس فمنع جواز الصلاة والصوم وقراءة القرآن ومس المصحف الا
بغلاف ودخول المسجد والطواف بالبيت لما ذكرنا في الجنب الا ان الجنب يجوز له أداء الصوم مع الجنابة ولا
يجوز للحائض والنفساء لان الحيض والنفاس أغلظ من الحدث أو بان النص غير معقول المعنى وهو قوله صلى الله
عليه وسلم تقعد إحداهن شطر عمرها لا تصوم ولا تصلى أو ثبت معلولا بدفع الحرج لان درور الدم يضعفهن
مع أنهن خلقن ضعيفان في الجبلة فلو كلفن بالصوم لا يقدرن على القيام به الا بحرج وهذا لا يوجد في الجنابة
ولهذا الجنب يقضى الصلاة والصوم وهن لا يقضين الصلاة لان الحيض يتكرر في كل شهر ثلاثة أيام إلى
العشرة فيجتمع عليها صلوات كثيرة فتخرج في قضائها ولا حرج في قضاء صيام ثلاثة أيام أو عشرة أيام في السنة
وكذا يحرم القربان في حالتي الحيض والنفاس ولا يحرم قربان المرأة التي أجنبت لقوله تعالى فاعتزلوا النساء في
المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ومثل هذا لم يرد في الجنابة وردت الإباحة بقوله تعالى فالآن باشروهن
وابتغوا ما كتب الله لكم أي الولد فقد أباح المباشرة وطلب الولد وذلك بالجماع مطلقا عن الأحوال (وأما) حكم
الاستحاضة فالاستحاضة حكمها حكم الطاهرات غير أنها تتوضأ لوقت ك‍ صلاة على ما بينا
* (فصل) * واما التيمم فالكلام في التيمم يقع في مواضع في بيان جوازه وفي بيان معناه لغة شرعا وفي بيان ركنه
وفي بيان كيفيته وفي بيان شرائط الركن وفي بيان ما يتيمم به وفي بيان وقت التيمم وفي بيان صفة التيمم وفي بيان
ما يتيمم منه وفي بيان ما ينقضه (اما) الأول فلا خلاف في أن التيمم من الحدث جائز عرف جواز بالكتاب والسنة
والاجماع اما الكتاب فقوله تعالى وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء
فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا وقيل إن الآية نزلت في غزوة ذات الرقاع نزل رسول الله صلى الله عليه
وسلم للتعريس فسقط من عائشة رضي الله عنها قلادة لا سماء رضي الله عنها فلما ارتحلوا ذكرت ذلك لرسول
الله صلى الله عليه وسلم فبعث رجلين في طلبها فأقام ينتظر هما فعدم الناس الماء وحضرت صلاة الفجر فأغلظ أبو
بكر رضي الله عنه على عائشة رضي الله عنها وقال لها حبست المسلمين فنزلت الآية فقال أسيد بن حضير يرحمك
الله يا عائشة ما نزل بك أمر تكرهينه الا جعل الله للمسلمين فيه فرجا واما السنة فما روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال التيمم وضوء المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء أو يحدث وقال صلى الله عليه وسلم جعلت لي
الأرض مسجدا وطهورا أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت وروى عنه أنه قال التراب طهور المسلم ما لم
يجد الماء وعليه اجماع الأمة واختلف الصحابة في جوازه من الجنابة فقال على وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم
ا جائز وقال عمر رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود لا يجوز وقال الضحاك رجع ابن مسعود عن هذا وحاصل
44

اختلافهم راجع إلى تأويل قوله تعالى في آية التيمم أو لامستم النساء أو لمستم فعلى وابن عباس أولا ذلك بالجماع
وقالا كنى الله تعالى عن الوطئ بالمسيس والغشيان والمباشرة والافضاء والرفت وعمرو ابن مسعود أولاه بالمس
باليد فلم يكن الجنب داخلا في هذه الآية فبقي الغسل واجبا عليه بقوله وان كنتم جنبا فاطهروا وأصحابنا أخذوا
بقول على وابن عباس لموافقة الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للجنب من الجماع ان يتيمم
إذا لم يجد الماء وعن أبي هريرة ان رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله انا قوم نسكن الرمال
ولا نجد الماء شهرا أو شهرين وفينا الجنب والنفساء والحائض فكيف نصع فقال صلى الله عليه وسلم عليكم
بالأرض وفى رواية عليكم بالصعيد وكذا حديث عمار رضي الله عنه وغيره على ما نذكره ويجوز التيمم من الحيض
والنفاس لما روينا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولأنهما بمنزلة الجنابة فكان ورود النص في الجنابة ورودا
فيهما دلالة وللمسافر ان يجامع امرأته وإن كان لا يجد الماء وقال مالك يكره وجه قوله إن جواز التيمم للجنب
اختلف فيه كبار الصحابة رضي الله عنهم فكان الجماع اكتسابا لسبب وقوع الشك في جواز الصلاة فيكره (ولنا)
ما روى عن أبي مالك الغفاري رضي الله عنه أنه قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم أأجامع امرأتي وانا لا أجد الماء
فقال جامع امرأتك وان كنت لا تجد الماء إلى عشر حجج فان التراب كافيك (واما) بيان معناه فالتيمم في اللغة
القصد يقال تيمم ويمم إذا قصد ومنه قول الشاعر
وما أدرى إذا يممت أرضا * أريد الخبر أيهما يليني
أألخير الذي انا أبتغيه * أم الشر الذي هو يبتغيني
قوله يممت أي قصدت وفي عرف الشرع عبارة عن استعمال الصعيد في عضو بن مخصوصين على قصد التطهير
بشرائط مخصوصة نذكرها في مواضعها إن شاء الله تعالى
* (فصل) * واما ركنه فقد اختلف فيه قال أصحابنا هو ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين وهو
أحد قولي الشافعي وفي قوله الآخر وهو قول مالك ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الرسغين وقال الزهري ضربة
للوجه وضربة لليدين ال‍ الآباط وقال ابن أبي ليلى ضربتان يمسح بكل واحدة منهما الوجه والذراعين جميعا
وقال ابن سيرين ثلاث ضربات ضربة للوجه وضربة للذراعين وضربة أخرى لهما جميعا وقال بعض الناس
هو ضربة واحدة يستعملها في وجهه ويديه وحجتهم ظاهر قوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم
وأيديكم منه أمر بالتيمم وفسره يمس الوجه واليدين بالصعيد مطلقا عن شرط الضربة والضربتين فيجرى على
اطلاقه وبه يحتج الزهري فيقول إن الله تعالى أمر بمسح اليد واليد اسم لهذه الجارحة من رؤس الأصابع إلى
الآباط ولولا ذكر المرافق غاية للامر بالغسل في باب الوضوء لوجب غسل هذا المحدود والغاية ذكرت في الوضوء
دون التيمم واحتج مالك والشافعي بما روى أن عمار بن ياسر رضي الله عنه أجنب فتمعك في التراب فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم اما علمت أنه يكفيك الوجه والكفان (ولنا) الكتاب والسنة اما الكتاب فقوله تعالى فتيمموا
صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه والآية حجة على مالك والشافعي لان الله تعالى أمر بمسح اليد فلا
يجوز التقييد بالرسغ الا بدليل وقد قام دليل التقييد بالمرفق وهو ان المرفق جعل غاية للامر بالغسل وهو الوضوء
والتيمم يدل عن الوضوء والبدل لا يخالف المبدل فذكر الغاية هناك يكون ذكرا ههنا دلالة وهو الجواب عن قول
من يقول إن التيمم ضربة واحدة لان النص لم يتعرض للتكرار لان النص إن كان لم يتعرض للتكرار أصلا نصا فهو
متعرض له دلالة لان التيمم خلف عن الوضوء ولا يجوز استعمال ماء واحد في عضوين في الوضوء فلا يجوز
استعمال تراب واحد في عضوين في التيمم لان الخلف لا يخالف الأصل وكذا هي حجة على ابن أبي ليلى وابن سيرين
لان الله تعالى امر بمسح الوجه واليدين فيقتضى وجود فعل المسح على كل واحد منهما مرة واحدة لان الامر المطلق
لا يقتضى التكرار وفيما قالاه تكرار فلا تجوز الزيادة على الكتاب الا بدليل صالح للزيادة (وأما) السنة فما
45

روى عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة
للذراعين إلى المرافقين والحديث حجة على الكل وأما حديث عمار ففيه تعارض لأنه روى في رواية أخرى أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال يكفيك ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين والمتعارض لا يصلح حجة
* (فصل) * وأما كيفية التيمم فذكر أبو يوسف في الأمالي قال سألت أبا حنيفة عن التيمم فقال التيمم
ضربتان ضربة للوجه وضرب لليدين إلى المرفقين فقلت له كيف هو فضرب بيديه على الأرض فاقبل بهما
وادبر ثم نقضهما ثم مسح بهما وجهه ثم أعاد كفيه على الصعيد ثانيا فاقبل بهما وادبر ثم نفضهما ثم مسح بذلك ظاهر
الذراعين وباطنهما إلى المرفقين وقال بعض مشايخنا ينبغي أن يمسح بباطن أربع أصابع يده اليسرى ظاهر
يده اليمنى من رؤس الأصابع إلى المرفق ثم يمسح بكفه اليسرى دون الأصابع باطن يده اليمنى من المرفق إلى
الرسغ ثم يمر بباطن ابهامه اليسرى على ظاهر ابهامه اليمنى ثم يفعل باليد اليسرى كذلك وقال بعضهم يمسح
بالضربة الثانية بباطن كفه اليسرى مع الأصابع ظاهر يده اليمنى إلى المرفق ثم يمسح به أيضا باطن يده اليمنى
إلى أصل الابهام ثم يفعل بيده اليسرى كذلك ولا يتكلف والأول أقرب إلى الاحتياط لما فيه من الاحتراز عن
استعمال التراب المستعمل بالقدر الممكن لان التراب الذي على اليد يصير مستعملا بالمسح حتى لا يتأدى فرض
الوجه واليدين بمسحة واحدة بضربة واحدة ثم ذكر في ظاهر الرواية انه ينفضهما نفضة وروى عن أبي يوسف
انه ينفضهما نفضتين وقيل إن هذا لا يوجب اختلافا لان المقصود من النقض تناثر التراب صيانة عن التلوث
الذي يشبه المثلة إذا التعبد ورد بمسح كف مسه التراب على العضوين لا تلويثهما به فلذلك ينفضهما وهذا الغرض
قد يحصل بالنقض مرة وقد لا يحصل الا بالنفض مرتين على قدر ما يلتصق باليدين من التراب فان حصل
المقصود بنفضة واحدة اكتفى ها وان لم يحصل نفض نفضتين (واما) استيعاب العضوين بالتيمم فهل هو من
تمام الركن لم يذكره في الأصل نصا لكنه ذكر ما يدل عليه فإنه قال إذا ترك ظاهر كفيه لم يجزه ونص الكرخي انه
إذا ترك شيئا من مواضع التيمم قليلا أو كثيرا لا يجوز وذكر الحسن في المجرد عن أبي حنيفة أنه إذا يمم الأكثر جاز
وجه رواية الحسن ان هذا مسح فلا يجب فيه الاستيعاب كمسح الرأس وجه ما ذكر في الأصل ان الامر بالمسح في
باب التيمم تعلق باسم الوجه واليد وانه يعم الكل ولان التيمم بدل عن الوضوء والاستيعاب في الأصل من تمام
الركن فكذا في البدل وعلى ظاهر الرواية يلزم تخليل الأصابع ونزع الخاتم ولو ترك لم يجز وعلى رواية الحسن
لا يلزم ويجوز ويمسح المرفقين مع الذراعين عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر حتى أنه لو كان مقطوع اليدين
من المرفق يمسح موضع القطع عندنا خلافا له والكلام فيه كالكلام في الوضوء وقد مر والله أعلم
* (فصل) * وأما شرائط الركن فأنواع منها أن لا يكون واجدا للماء قدر ما يكفي الوضوء أو الغسل في الصلاة
التي تفوت إلى خلف وما هو من اجزاء الصلاة لقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا شرط عدم وجدان
الماء لجواز التيمم وقول النبي صلى الله عليه وسلم التيمم وضوء المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء أو يحدث جعله
وضوء المسلم إلى غاية وجود الماء أو الحدث والممدود إلى غاية ينتهى عند وجود الغاية ولا وجود للشئ مع وجود
ما ينتهى وجود عند وجوده وقال صلى الله عليه وسلم التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء أو يحدث ولأنه بدل
ووجود الأصل يمنع المصير إلى البدل ثم عدم الماء نوعان من حيث الصورة والمعنى وعدم من حيث المعنى لا
من حيث الصورة (اما) العدم من حيث الصورة والمعنى فهو أن يكون الماء بعيدا عنه ولم يذكر حد البعد في ظاهر
الرواية وروى عن محمد انه قدره بالميل وهو أن يكون ميلا فصاعدا فإن كان أقل من ميل لم يجز التيمم
والميل ثلث فرسخ وقال الحسن بن زياد من تلقاء نفسه إن كان الماء أمامه يعتبر ميلين وإن كان يمنة
أو يسرة يعتبر ميلا واحدا وبعضهم فصل بين المقيم والمسافر فقالوا إن كان مقيما يعتبر قدر ميل
كيفما كان وإن كان مسافرا والماء على يمينه أو يساره فكذلك وإن كان أمامه يعتبر ميلين وروى عن
46

أبي يوسف انه إن كان الماء بحيث لو ذهب إليه لا تنقطع عنه جلبة العير ويحس أصواتهم أو أصوات الدواب
فهو قريب وإن كان يغيب عنه ذلك فهو بعيد وقال بعضهم إن كان بحيث يمسع أصوات أهل الماء فهو قريب
وإن كان لا يسمع فهو بعيد وكذا ذكر الكرخي وقال بعضهم قدر فرسخ وقال بعضهم مقدار ما لا يسمع الاذان
وقال بعضهم إذا خرج من المصر مقدار ما لا يسمع لو نودي من أقصى المصر فهو بعيد وأقرب الأقاويل اعتبار
الميل لان الجواز لدفع الحرج واليه وقعت الإشارة في آية التيمم وهو قوله تعالى على أثر الآية ما يريد الله ليجعل
عليكم في الدين من حرج ولكن يريد ليطهركم ولا حرج فيما دون الميل فاما الميل فصاعدا فلا يخلو عن حرج وسواء
خرج من المصر للسفر أو لأمر آخر وقال بعض الناس لا يتيمم الا أن يكون قصد سفر أو انه ليس بسديد لان ماله
ثبت الجواز وهو دفع الحرج لا يفصل بين المسافر وغيره هذا إذا كان علم ببعد الماء بيقين أو بغلبة الرأي أو أكبر
الظن أو أخبره بذلك رجل عدل وأما إذا علم أن الماء قريب منه اما قطعا أو ظاهرا أو أخبره عدل بذلك لا يجوز له
التيمم لان شرط جواز التيمم لم يوجد وهو عدم الماء ولكن يجب عليه الطلب هكذا روى عن محمد أنه قال إذا كان
الماء على ميل فصاعدا لم يلزمه طلبه وإن كان أقل من ميل أتيت الماء وان طلعت الشمس هكذا روى الحسن
عن أبي حنيفة ولا يبلغ بالطلب ميلا وروى عن محمد أنه يبلغ به ميلا فان طلب أقل من ذلك يم يجز التيمم وان خاف
فوت الوقت وهو رواية عن أبي حنيفة والأصح أنه يطلب قدر ما يضر بنفسه ورفقته بالانتظار وكذلك إذا
كان بقرب من العمر ان يجب عليه الطلب حتى أو تيمم وصلى ثم ظهر الماء لم تجز صلاته لان العمر ان لا يخلو عن
الماء ظاهرا وغالبا والظاهر ملحق بالمتيقن في الأحكام ولو كان بحضرته رجل يسأله عن قرب الماء فلم
يسأله حتى تيمم وصلى ثم سأله فإن لم يخبره بقرب الماء فصلاته ماضية وان أخبره بقرب الماء توضأ وأعاد الصلاة لأنه
تبين أن الماء بقرب منه ولو سأله لأخبره فلم يوجد الشرط وهو عدم الماء وان سأله في الابتداء فلم يخبره حتى تيمم
وصلى ثم أخبره بقرب الماء لا يجب عليه إعادة الصلاة لان المتعنت لا قول له فإن لم يكن بحضرته أحد يخبره بقرب
الماء ولا غلب على ظنه أيضا قرب الماء لا يجب عليه الطلب عندنا وقال الشافعي يجب عليه أن يطلب عن يمين
الطريق ويساره قد رغلوة حتى لو تيمم وصلى قبل الطلب ثم ظهر أن الماء قريب منه فصلاته ماضية عندنا
وعنده لم تجز واحتج بقوله تعالى فلم تجدوا ماء وهذا يقتضى سابقية الطلب فكان الطلب شرطا وصار كما لو كان
في العمران (ولنا) ان الشرط عدم الماء وقد تحقق من حيث الظاهر إذ المفازة مكان عدم الماء غالبا بخلاف
العمران وقوله الوجود يقتضى سابقية الطلب من الواجد ممنوع الا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم من وجد
لقطة فليعرفها ولا طلب من الملتقط ولان الطلب لا يفيد إذا لم يكن على طمع من وجود الماء والكلام فيه وربما
ينقطع عن أصحابه فيلحقه الضرر فلا يجب عليه الطلب ولكن يستحب له ذلك إذا كان على طمع من وجود
الماء فان أبا يوسف قال في الأمالي سألت أبا حنيفة عن المسافر لا يجد الماء أيطلب عن يمين الطريق ويساره قال إن
طمع في ذلك فليفعل ولا يبعد فيضر بأصحابه ان انتظروه أو بنفسه ان انقطع عنهم ثم ما ذكرنا من اعتبار
البعد والقرب مذهب أصحابنا الثلاثة فاما على مذهب زفر فلا عبرة للبعد والقرب في هذا الباب بل العبرة للوقت
بقاء وخروجا فإن كان يصل إلى الماء قبل خروج الوقت لا يجزيه التيمم وإن كان الماء بعيد أو إن كان لا يصل
إليه قبل خروج الوقت يجزئه التيمم وإن كان الماء قريبا والمسألة نذكرها بعد إن شاء الله تعالى (وأما) العدم
من حيث المعنى لا من حيث الصورة فهو أن يعجز عن استعمال الماء لمانع مع قرب الماء منه نحو ما إذا كان
على رأس البئر ولم يجد آلة الاستقاء فيباح له التيمم لأنه إذا عجز عن استعمال الماء لم يكن واجدا له من حيث
المعنى فيدخل تحت النص وكذا إذا كان بينه وبين الماء عدوا ولصوص أو سبع أو حية يخاف على نفسه الهلاك
إذا اتاه لان القاء النفس في التهلكة حرام فيتحقق العجز عن استعمال الماء وكذا إذا كان معه ماه وهو يخاف
على نفسه العطش لأنه مستحق الصرف إلى العطش والمستحق كالمصروف فكان عاد ما للماء معنى وسئل نصر
47

ابن يحيى عن ماء موضوع في الفلاة في الحب أو نحو ذلك أيكون للمسافر أن يتيمم أو يتوضأ به قال يتمم ولا
يتوضأ به لأنه لم يوضع للوضوء وإنما وضع للشرب الا أن يكون كثيرا فيستدل بكثرته على أنه وضع للشرب
والوضوء جميعا فيتوضأ به ولا يتمم وكذا إذا كان به جراحة أو جدري أو مرض يضره استعمال
الماء فيخاف زيادة المرض باستعمال الماء يتيمم عندنا وقال الشافعي لا يجوز التيمم حتى يخاف
التلف وجه قوله إن العجز عن استعمال الماء شرط جواز التيمم ولا يتحقق العجز الا عند خوف الهلاك
(ولنا) قوله تعالى وان كنتم مرضى أو على سفر إلى قوله فتيمموا صعيدا طيبا أباح التيمم للمريض مطلقا
من غير فصل بين مرض ومرض الا ان المرض الذي لا يضر معه استعمال الماء ليس بمراد فبقي المرض الذي
يضر معه استعمال الماء مرادا بالنص وروى أن واحدا من الصحابة رضي الله عنهم أجنب وبه جدري
فاستغنى أصحابه فافتوه بالاغتسال فاغتسل فمات فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه سلم فقال قتلوه قتلهم الله
هلا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العى السؤال كان يكفيه التيمم وهذا نص ولان زيادة المرض سبب الموت
وخوف الموت مبيح فكذا خوف سبب الموت لأنه خوف الموت بواسطة والدليل عليه انه أثر في إباحة الافطار
وترك القيام بلا خلاف فههنا أولى لان القيام ركن في باب الصلاة والوضوء شرط فخوف زيادة المريض لما أثر
في اسقاط الركن فلان يؤثر في اسقاط الشرط أولى ولو كان مريضا لا يضره استعمال الماء لكنه عاجز عن
الاستعمال بنفسه وليس له خادم ولا مال يستأجر به أجيرا فيعينه على الوضوء أجزأه التيمم سواء كان في المفازة
أو في المصر وهو ظاهر المذهب لان العجز متحقق والقدرة موهومة فوجد شرط الجواز وروى عن محمد انه إن كان
في المصر لا يجزيه الا أن يكون مقطوع اليد لأن الظاهر أنه يجد أحدا من قريب أو بعيد يعينه وكذا العجز
لعارض على شرف الزوال بخلاف مقطوع اليدين ولو أجنب في ليلة باردة يخاف على نفسه الهلاك لو اغتسل
ولم يقدر على تسخين الماء ولا على اجرة الحمام في المصر أجزأه التيمم في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد إن كان
في المصر لا يجزئه وجه قولهما ان الظاهر في المصر وجود الماء المسخن والدف ء فكان العجز نادرا فكان
ملحقا بالعدم ولأبي حنيفة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه بعث سرية وأمر عليهم عمرو بن العاص
رضي الله عنه وكان ذلك في غزوة ذات السلاسل فلما رجعوا شكوا منه أشياء من جملتها انهم قالوا صلى بنا وهو
جنب فذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك له فقال يا رسول الله أجنبت في ليلة باردة فخفت على نفسي الهلاك لو
اغتسلت فذكرت ما قال الله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما فتيممت وصليت بهم فقال لهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم ألا ترون صاحبكم كيف نظر لنفسه ولكم ولم يأمره بالإعادة ولم يستفسره انه كان في مفازة أو مصر
ولأنه علل فعله بعلة عامة وهي خوف الهلاك ورسول الله صلى الله عليه وسلم استصوب ذلك منه والحكم يتعمم
بعموم العلة وقولهما ان العجز في المصر نادر فالجواب عنه إنه في حق الفقراء الغرباء ليس بنادر على أن الكلام فيما
إذا تحقق العجز من كل وجه حتى لو قدر على الاغتسال بوجه من الوجوه لا يباح له التيمم ولو كان مع رفيقه ماء فإن لم
يعلم به لا يجب عليه الطلب عندنا وعند الشافعي يجب على ما ذكرنا وان علم به ولكن لا ثمن له فكذلك عند أبي
حنيفة وقال أبو يوسف عليه السؤال وجه قوله إن الماء مبذول في العادة لقلة خطره فلم يعجز عن الاستعمال
ولأبي حنيفة ان العجز متحقق والقدرة موهومة لأن الماء من أعز الأشياء في السفر فالظاهر عدم البذل فان سأله
فلم يعطه أصلا أجزأه التيمم لان العجز قد تقرر وكذا إن كان يعطيه بالثمن ولا ثمن له لما قلنا وإن كان له ثمن ولكن لا
يبيعه الا بغين فاحش يتيمم ولا يلزمه الشراء عند عامه العلماء وقال الحسن البصري يلزمه الشراء ولو بجميع ماله
لأن هذه تجارة رابحة (ولنا) انه عجز عن استعمال الماء الا باتلاف شئ من ماله لان ما زاد على ثمن المثل
لا يقابله عوض وحرمة مال المسلم كحرمة دمه قال النبي صلى الله عليه وسلم حرمة مال المسلم كحرمة دمه ولهذا
أبيح له القتال دون ماله كما أبيح له دون نفسه ثم خوف فوات بعض النفس مبيح للتيمم فكذا فوات بعض المال
48

بخلاف الغبن اليسير فان تلك الزيادة غير معتبرة لما يذكر ثم قدر الغبن الفاحش في هذا الباب مقدر بتضعيف الثمن
وذكر في النوادر فقال إن كان الماء يشترى في ذلك الموضع بدرهم وهو لا يبيعه الا بدرهم ونصف يلزمه الشراء
وإن كان لا يبيع الا بدرهمين لا يلزمه وإن كان يبيعه بثمن المثل في ذلك الموضع يلزمه الشراء لأنه قدر على استعمال
الماء بالقدرة على بدله من غير اتلاف فلا يجوز له التيمم كمن قدر على ثمن الرقبة لا يجوز له التكفير بالصوم وإن كان
لا يبيع الا بغبن يسير فكذلك عند أصحابنا وقال الشافعي لا يلزمه الشراء اعتبار بالغبن الفاحش وهذا الاعتبار
غير سديد لان ما لا يتغابن الناس فيه فهو زيادة متيقن بها لأنها لا تدخل تحت اختلاف المقومين فكانت معتبرة
وما يتغابن الناس فيه يدخل تحت اختلافهم فعند بعضهم هو زيادة وعند بعضهم ليس بزيادة فلم تكن زيادة
متحققة فلا تعتبر وذكر الكرخي في جامعه ان المصلى إذا رأى مع رفيقه ماء كثيرا ولا يدرى أيعطيه أم لا انه يمضى
على صلاته لان الشروع قد صح فلا ينقطع بالشك فإذا فرغ من صلاته سأله فان أعطاه توضأ واستقبل الصلاة لان
البذل بعد الفراغ دليل البذل قبله وان أبى فصلاته ماضية لان العجز قد تقرر فان أعطاه بعد ذلك لم ينتقض ما مضى
لأن عدم الماء استحكم بالاباء ويلزمه الوضوء لصلاة أخرى لان حكم الاباء ارتفض بالبذل وقال محمد في رجلين مع
أحدهما اناء يغترف به من البئر ووعد صاحبه ان يعطيه الاناء قال ينتظر وان خرج الوقت لأن الظاهر هو الوفاء
بالعهد فكان قادرا على استعمال الماء بالوعد وكان قادرا على استعمال الماء ظاهرا فيمنع المصير إلى التيمم وكذا
إذا وعد الكاسي العاري أن يعطيه الثوب إذا فرغ من صلاته لم تجزه الصلاة عريانا لما قلنا وعلى هذا الأصل يخرج
مسافر تيمم وفي رحله ماء لم يعلم به حتى صلى ثم علم به أجزأه في قول أبي حنيفة ومحمد لا يلزمه الإعادة وقال أبو يوسف
لم يجزه ويلزمه الإعادة وهو قول الشافعي وأجمعوا على أنه لو صلى في ثوب نجس ناسيا أو توضأ بماء نجس ناسيا
ثم تذكر لا يجزئه وتلزمه الإعادة لأبي يوسف وجهان أحدهما انه نسي ما لا ينسى عادة لأن الماء من أعز الأشياء
في السفر لكونه سببا لصيانة نفسه عن الهلاك فكان القلب متعلقا به فالتحق النسيان فيه بالعدم والثاني ان
الرحل موضع الماء عادة غالبا لحاجة المسافر إليه فكان الطلب واجبا فإذا تيمم قبل الطلب لا يجزئه كما في العمران
ولهما ان العجز عن استعمال الماء قد تحقق بسبب الجهالة والنسيان فيجوز التيمم كما لو حصل العجز بسبب البعد
أو المرض أو عدم الدلو والرشا وقوله نسي ما لا ينسى عادة ليس كذلك لان النسيان جبلة في البشر خصوصا إذا
مر به أمر يشغله عما وراءه والسفر محل المشقات ومكان المخاوف فنسيان الأشياء فيه غير نادر وأما قوله الرحل
معدن الماء ومكانه فليس كذلك فان الغالب في الماء الموضوع في الرحل هو النفاد لقلته فلا يكون بقاؤه غالبا
فيتحقق العجز ظاهرا بخلاف العمران لأنه لا يخلو عن الماء غالبا واو صلى عريانا أو مع ثوب نجس وفي رجله ثوب
طاهر لم يعلم به ثم علم قال بعض مشايخنا يلزمه الإعادة بالاجماع وذكر الكرخي انه على الاختلاف وهو الأصح
ولو كان عليه كفارة اليمين وله رقية قد نسيها وصام قيل إنه على الاختلاف والصحيح انه لا يجوز بالاجماع لان
المعتبر ثمة ملك الرقبة ألا ترى انه لو عرض عليه رقبة كان له ان لا يقبل ويكفر بالصوم وبالنسيان لا ينعدم الملك
ههنا المعتبر هو القدرة على الاستعمال وبالنسيان زالت القدرة ألا ترى لو عرض عليه الماء لا يجزئه التيمم ولان
النسيان في هذا الباب في غاية الندرة فكان ملحقا بالعدم ولو وضع غيره في رحله ماء وهو لا يعلم به فتيمم وصلى ثم
لم لا رواية لهذا أيضا وقال بعض مشايخنا ان لفظ الرواية في الجامع الصغير يدل على أنه يجوز بالاجماع فإنه قال
في الرحل يكون في رحله ماء فينسى والنسيان يستدعى تقدم العلم ثم مع ذلك جعل عذرا عندهما فبقي موضع
علم فيه أصلا ينبغي ان يجعل عذرا عند الكل ولفظ الرواية في كتاب الصلاة يدل على أنه على الاختلاف فإنه قال
مسافر تيمم ومعه ماء في رحله وهو لا يعلم به وهذا يتناول حالة النسيان وغيرها واو ظن أن ماءه قد فنى فتيمم وصلى
ثم تبين له انه قد بقي لا يجزئه بالاجماع لان العلم لا يبطل بالظن فكان الطلب واجبا بخلاف النسيان لأنه من
أضداد العلم ولو كان على رأسه أو ظهره ماء أو كان معلقا في عنقه فنسيه فتيمم ثم نذكر لا يجزئه بالاجماع لان
49

النسيان في مثل هذه الحالة نادر ولو كان الماء معلقا على الاكاف فلا يخلوا ما إن كان راكبا أو سائقا فإن كان راكبا
فإن كان الماء في مؤخر الرحل فهو على الاختلاف وإن كان في مقدم الرحل لا يجوز بالاجماع لان نسيانه نادر
وإن كان سائقا فالجواب على العكس وهو انه إن كان في مؤخر الرحل لا يجوز بالاجماع لأنه يراه ويبصره
فكان النسيان نادرا وإن كان في مقدم الرحل فهو على الاختلاف المحبوس في المصر في مكان طاهر يتيمم
ويصلى ثم يعيد إذا خرج وروى الحسن عن أبي حنيفة انه لا يصلى وهو قول زفر وروى عن أبي يوسف انه
لا يعيد الصلاة وجه رواية أبى يوسف انه عجز عن استعمال الماء حقيقة بسبب الحبس فأشبه العجز بسبب
المرض ونحوه فصار الماء عدما معنى في حقه فصار مخاطبا بالصلاة بالتيمم فالقدرة بعد ذلك لا تبطل
الصلاة المؤداة كما في سائر المواضع وكما في المحبوس في السفر وجه رواية الحسن انه ليس بعادم للماء حقيقة وحكما اما
الحقيقة فظاهرة واما الحكم فلان الحبس إن كان بحق فهو قادر على ازالته بايصال الحق إلى المستحق وإن كان
بغير حق فالظلم لا يدوم في دار الاسلام بل يرفع فلا يتحقق العجز فلا يكون التراب طهورا في حقه وجه ظاهر
الرواية ان العجز للحال قد تحقق الا انه يحتمل الارتفاع فإنه قادر على رفعه إذا كان بحق وإن كان بغير حق فكذلك
لان الظلم يدفع وله ولاية الدفع بالرفع إلى من له الولاية فامر بالصلاة احتياطا لتوجه الامر بالصلاة بالتيمم لان
احتمال الجواز ثابت لاحتمال ان هذا القدر من العجز يكفي لتوجيه الامر بالصلاة بالتيمم وأمر بالقضاء في
الثاني لان احتمال عدم الجواز ثابت لاحتمال ان المعتبر حقيقة القدرة دون العجز الحالي فيؤمر بالقضاء عملا
بالشبهين وأخذ بالثقة والاحتياط وصار كالمقيد انه يصلى قاعدا ثم يعيد إذا أطلق كذا هذا بخلاف المحبوس في السفر
لان ثمة تحقق العجز من كل وجه لأنه انضاف إلى المنع الحقيقي السفر والغالب في السفر عدم الماء (واما)
المحبوس في مكان نجس لا يجد ماء ولا ترابا نظيفا فإنه لا يصلى عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف يصلى بالايماء
ثم يعيد إذا خرج وهو قول الشافعي وقول محمد مضطرب وذكر في عامة الروايات مع أبي حنيفة وفي نوادر أبى
سليمان مع أبي يوسف وجه قول أبى يوسف انه ان عجز عن حقيقة الأداء فلم يعجز عن التشبه فيؤمر
بالتشبه كما في باب الصوم وقال بعض مشايخنا إنما يصلى بالايماء على مذهبه إذا كان المكان رطبا اما إذا كان يابسا
فإنه يصلى بركوع وسجود والصحيح عنده انه يومى كيفما كان لأنه لو سجد لصار مستعملا للنجاسة ولأبي
حنيفة أن الطهارة شرط أهلية أداء الصلاة فان الله تعالى جعل أهل مناجاته الطاهر لا المحدث والتشبه إنما يصح
من الأهل الا ترى ان الحائض لا يلزمها التشبه في باب الصوم والصلاة لانعدام الأهلية بخلاف المسألة المتقدمة
لان هناك حصلت الطهارة من وجه فكان أهلا من وجه فيؤدى الصلاة ثم يقضها احتياطا مسافر مر بمسجد
فيه عين ماء وهو جنب ولا يجد غيره جاز له التيمم لدخول المسجد لان الجنابة مانعة من دخول المسجد عندنا على
كل حال سواء كان الدخول على قصد المكث أولا الاجتياز على ما ذكرنا فيما تقدم فكان عاجزا عن استعمال هذا
الماء فكان هذا الماء ملحقا بالعدم في حق جواز التيمم فلا يمنع جواز التيمم ثم وجود الماء إنما يمنع من جواز التيمم
إذا كان القدر الموجود يكفي للوضوء إن كان محدثا وللاغتسال إن كان جنبا فإن كان لا يكفي لذلك فوجوده لا يمنع
جواز التيمم عندنا وقال الشافعي يمنع قليله وكثيره حتى أن المحدث إذا وجد من الماء قدر ما يغسل بعض أعضاء
وضوئه جاز له ان يتيمم عندنا مع قيام ذلك الماء وعنده لا يجوز مع قيامه وكذلك الجنب إذا وجد من الماء قدر
ما يتوضأ به لا غير أجزأه التيمم عندنا وعنده لا يجزئه الا بعد تقديم الوضوء حتى يصير عاد ما للماء واحتج
بقوله تعالى في آية التيمم فلم تجدوا ماء ذكر الماء نكرة في محل النفي فيقتضى الجواز عند عدم كل جزء من اجزاء
الماء ولأن النجاسة الحكمية وهي الحدث تعتبر بالنجاسة الحقيقة ثم لو كان معه من الماء ما يزيل به بعض النجاسة
الحقيقة يؤمر بالإزالة كذا هنا (ولنا) ان المأمور به الغسل المبيح للصلاة والغسل الذي لا يبح الصلاة وجوده
والعدم بمنزلة واحدة كما لو كان الماء نجسا ولان الغسل إذا لم يفد الجواز كان الاشتغال به سفها مع أن فيه تضييع
50

الماء وانه حرام فصار كمن وجد ما يطعم به خمسة مساكين فكفر بالصوم انه يجوز ولا يؤمر باطعام الخمسة لعدم
الفائدة فكذا هذا بل أولى لان هناك لا يؤدى إلى تضييع المال لحصول الثواب بالتصدق ومع ذلك لم يؤمر به لما
قلنا فههنا أولى وبه تبين ان المراد من الماء المطلق في الآية هو المقيد وهو الماء المفيد لإباحة الصلاة عند الغسل
به كما يقيد بالماء الطاهر ولان مطلق الماء ينصرف إلى المتعارف والمتعارف من الماء في باب الوضوء والغسل هو
الماء الذي يكفي للوضوء والغسل فينصرف المطلق إليه واعتباره بالنجاسة الحقيقية غير سديد لأنهما مختلفان
في الأحكام فان قليل الحدث ككثيره في المنع من الجواز بخلاف النجاسة الحقيقية فيبطل الاعتبار واو تيمم
الجنب ثم أحدث بعد ذلك ومعه من الماء قدر ما يتوضأ به فإنه يتوضأ به ولا يتيمم لان التيمم الأول أخرجه من
الجنابة إلى أن يجد من الماء ما يكفيه للاغتسال فهذا محدث وليس بجنب ومعه من الماء قدر ما يكفيه
للوضوء فيتوضأ به فان توضأ وليس خفيه ثم مر على الماء فلم يغتسل ثم حضرته الصلاة ومعه من الماء قدر ما
يتوضأ به فإنه لا يتوضأ به ولكنه يتيمم لأنه بمروره على الماء عاد جنبا كما كان فعادت المسألة الأولى ولا ينزع الخفين
لان القدم ليست بمحل للتيمم فان تيمم ثم أحدث وقد حضرته صلاة أخرى وعنده من الماء قدر ما يتوضأ به
توضأ به ولا يتيمم لما مر ونزع خفيه وغسل رجليه لأنه بمروره بالماء عاد جنبا فسرى الحدث السابق إلى القدمين
فلا يجوز له أن يمسح بعد ذلك ولو كان ببعض أعضاء الجنب جراحة أو جدري فإن كان الغالب هو الصحيح
غسل الصحيح وربط على السقيم الجبائر ومسح عليها وإن كان الغالب هو السقيم تيمم لان العبرة للغالب ولا يغسل
الصحيح عندنا خلافا للشافعي لما مر ولان الجمع بين الغسل والتيمم ممتنع الا في حال وقوع الشك في طهورية الماء
ولم يوجد وعلى هذا لو كان محدثا وببعض أعضاء وضوئه جراحة أو جدري لما قلنا وان استوى الصحيح والسقيم
لم يذكر في ظاهر الرواية وذكر في النوادر انه يغسل الصحيح ويربط الجبائر على السقيم ويمسح عليها وليس في
هذا جمع بين الغسل والمسح لان المسح على الجبائر كالغسل لما تحتها وهذا الشرط الذي ذكرنا لجواز التيمم وهو
عدم الماء فيما وراء صلاة الجنازة وصلاة العيدين فاما في هاتين الصلاتين فليس بشرط بل الشرط فيهما خوف
الفوت لو اشتغل بالوضوء حتى لو حضرته الجنازة وخاف فوت الصلاة لو اشتغل بالوضوء تيمم وصلى وهذا عند
أصحابنا وقال الشافعي لا يتيمم استدلالا بصلاة الجمعة وسائر الصلوات وسجدة التلاوة (ولنا) ما روى عن ابن
عمر رضي الله عنهما أنه قال إذا فجأتك جنازة تخشى فوتها وأنت على غير وضوء فتيمم لها وعن ابن عباس رضي الله عنه
ما مثله ولان شرع التيمم في الأصل لخوف فوات الأداء وقد وجد ههنا بل أولى لان هناك تفوت فضيلة
الأداء فقط فاما الاستدراك بالقضاء فممكن وههنا تفوت صلاة الجنازة أصلا فكان أولى بالجواز حتى لو كان ولى
الميت لا يباح له التيمم كذا روى الحسن عن أبي حنيفة لان له ولاية لا عادة فلا يخاف الفوت وحاصل الكلام
فيه راجع إلى أن صلاة الجنازة لا تقضى عندنا وعنده تقضى على ما نذكر في موضعه إن شاء الله تعالى بخلاف
الجمعة لان فرض الوقت قائم وهو الظهر وبخلاف سائر الصلوات لأنها تفوت إلى خلف وهو القضاء والفائت
إلى خلف قائم معنى وسجدة التلاوة لا يخاف فوتها رأسا لأنه ليس لا دائها وقت معين لأنها وجبت مطلقة عن
الوقت وكذا إذا خاف فوت صلاة العيدين يتيمم عندنا لأنه لا يمكن استدراكها بالقضاء لاختصاصها بشرائط
يتعذر تحصيلها لكل فرد هذا إذا خاف فوت الكل فإن كان يرجوا ان يدرك البعض لا يتيمم لأنه لا يخاف الفوت لأنه
إذا أدرك البعض يمكنه أداء الباقي وحده ولو شرع في صلاة العيد متيمما ثم سبقه الحدث جاز له ان يبنى عليها بالتيمم
باجماع من أصحابنا لأنه لو ذهب وتوضأ لبطلت صلاته من الأصل لبطلان التيمم فلا يمكنه البناء واما إذا شرع
فيها متوضأ ثم سبقه الحدث فإن كان يخاف انه لو اشتغل بالوضوء زالت الشمس تيمم وبنى وإن كان لا يخاف زوال
الشمس فإن كان يرجوا انه لو توضأ يدرك شيئا من الصلاة مع الامام توضأ ولا يتيمم لأنها لا تفوت لأنه إذا أدرك
البعض يتم الباقي وحده وإن كان لا يرجو ادراك الامام يباح له التيمم عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا
51

يباح وجه قولهما انه لو ذهب وتوضأ لا تفوته الصلاة لأنه يمكنه اتمام البقية وحده لأنه لا حق ولا عبرة
بالتيمم عند عدم خوف الفوت أصلا (ولأبي) حنيفة انه إن كان لا يخاف الفوت من هذا الوجه يخاف الفوت
بسبب الفساد لازدحام الناس فقلما يسلم عن عارض يفسد عليه صلاته فكان في الانصراف للوضوء تعريض
صلاته للفساد وهذا لا يجوز فيتيمم والله أعلم (ومنها) النية والكلام في النية في موضعين أحدهما في بيان
انها شرط جواز التيمم والثاني في بيان كيفيتها اما الأول فالنية شرط جواز التيمم في قول أصحابنا الثلاثة وقال
زفر ليست بشرط وجه قوله إن التيمم خلف والخلف لا يخالف الأصل في الشروط ثم الوضوء يصح بدون النية
كذا التيمم (ولنا) ان التيمم ليس بطهارة حقيقية وإنما جعل طهارة عند الحاجة والحاجة إنما تعرف بالنية بخلاف
الوضوء لأنه طهارة حقيقية فلا يشترط له الحاجة ليصير طهارة فلا يشترط له النية ولان مأخذ الاسم دليل كونها شرطا
لما ذكرنا أنه يبنى عن القصد والنية هي القصد فلا يتحقق بدونها فاما الوضوء فإنه مأخوذ من الوضاءة وانها تحصل
بدون النية وأما كيفية النية في التيمم فقد ذكر القد ورى أن الصحيح من المذهب أنه إذا نوى الطهارة أو نوى
استباحة الصلاة أجزأه وذكر الجصاص أنه لا يجب في التيمم نية التطهير وإنما يجب نية التمييز وهو أن ينوى
الحدث أو الجنابة لان التيمم لهما يقع على صفة واحدة فلا بد من التميز بالنية كما في صلاة الفرض أنه لا بد فيها
من نية الفرض لان الفرض والنفل يتأديان على هيئة واحدة والصحيح أن ذلك ليس بشرط فان ابن سماعة
روى عن محمد أن الجنب إذا تيمم يريد به الوضوء أجزأه عن الجنابة وهذا لما بينا أن افتقار التيمم إلى النية ليصبر
طهارة إذ هو ليس بتطهير حقيقة وإنما جعل تطهيرا شرعا للحاجة والحاجة تعرف بالنية ونية الطهارة تكفى دلالة
على الحاجة وكذا نية الصلاة لأنه لا جواز للصلاة بدون الطهارة فكانت دليلا على الحاجة فلا حاجة إلى نية
التمييز أنه للحدث أو للجنابة واو تيمم ونوى مطلق الطهارة أو نوى استباحة الصلاة فله أن يفعل كل مالا يجوز
بدون الطهارة كصلاة الجنازة وسجدة التلاوة ومس المصحف ونحوها لأنه لما أبيح له أداء الصلاة فلان يباح
له ما دونها أو ما هو جزء من أجزائها أولى وكذا لو تيمم لصلاة الجنازة أو لسجدة التلاوة أو لقراءة القرآن بأن كان
جنبا جاز له أن يصلى به سائر الصلوات لان كل واحد من ذلك عبادة مقصودة بنفسها وهو من جنس اجزاء الصلاة
فكان نيتها عند التيمم كنية الصلاة فاما إذا تيمم لدخول المسجد أو لمس المصحف لا يجوز له أن يصلى به لان
دخول المسجد ومس المصحف ليس بعبادة مقصودة بنفسه ولا هو من جنس أجزاء الصلاة فيقع طهور الماء
أوقعه له لا غير (ومنها) الاسلام فإنه شرط وقوعه صحيحا عند عامة العلماء حتى لا يصح تيمم الكافر وان
أراد به الاسلام وروى عن أبي يوسف إذا تيمم ينوى الاسلام جاز حتى لو أسلم لا يجوز له أن يصلى بذلك التيمم
عند العامة وعلى رواية أبى يوسف يجوز وجه روايته أن الكافر من أهل نية الاسلام والاسلام رأس
العبادة فيصح تيممه له بخلاف ما إذا تيمم للصلاة لأنه ليس من أهل الصلاة فكان تيممه الصلاة سفها فلا يعتبر
(ولنا) ان التيمم ليس بطهور حقيقة وإنما جعل طهورا للحاجة إلى فعل لا صحة له بدون الطهارة والاسلام
يصح بدون الطهارة فلا حاجة إلى أن يجعل إلى أن يجعل طهورا في حقه بخلاف الوضوء لأنه يصح من الكافر عندنا لأنه طهور
حقيقة فلا تشترط له الحاجة ليصير طهورا ولهذا لو تيمم مسلم بنية الصوم لم يصح وإن كان الصوم عبادة فكذا ههنا
بل أولى لان هناك باشتغاله بالتيمم لم يرتكب نهيا وههنا ارتكب أعظم نهى لأنه بقدر ما اشتغل صار باقيا على
الكفر مؤخرا للاسلام وتأخير الاسلام من أعظم العصيان ثم لما لم يصح ذاك فلان لم يصح هذا أولى مسلم تيمم ثم
ارتد عن الاسلام والعياذ بالله لم يبطل تيممه حتى لو رجع إلى الاسلام له أن يصلى بذلك التيمم وعند زفر بطل تيممه
حتى لا يجوز له أن يصلى بذلك التيمم بعد الاسلام فالاسلام عندنا شرط وقوع التيمم صحيحا لا شرط بقائه
على الصحة وعند زفر هو شرط بقائه على الصحة أيضا فزفر يجمع بين حالة الابتداء والبقاء بعلة جامعة بينهما
وهي ما ذكرنا أنه جعل طهورا مع أنه ليس بطهور حقيقة لمكان الحاجة إلى ما لا صحة له بدون الطهارة من الصلاة
52

وغيرها وذا لا يتصور من الكافر فلا يبقى طهارة في حقه ولهذا لم تنعقد طهارة مع الكفر فلا تبقى طهارة معه (ولنا)
أن التيمم وقع طهارة صحيحة فلا يبطل بالردة لان أثر الردة في ابطال العبادات والتيمم بعبادة عندنا لكنه
طهور والردة لا تبطل صفة الطهورية كما لا تبطل صفة الوضوء واحتمال الحاجة باق لأنه مجبور على الاسلام
والثابت بيقين يبقى لوهم الفائدة في أصول الشرع الا أنه لم ينعقد طهارة مع الكفر لان جعله طهارة للحاجة
والحاجة زائلة للحال بيقين وغير الثابت بيقين لا يثبت لوهم الفائدة مع ما أن رجاء الاسلام منه على موجب
ديانته واعتقاده منقطع والجبر على الاسلام منعدم وهو الفرق بين الابتداء والبقاء (ومنها) أن يكون التراب
طاهرا فلا يجوز التيمم بالتراب النجس لقوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا ولا طيب مع النجاسة ولو تيمم بأرض
قد أصابتها نجاسة فجفت وذهب أثرها لم يجز في ظاهر الرواية وروى ابن الكاس النخعي عن أصحابنا انه يجوز
وجه هذه الرواية ان النجاسة قد استحالت أرضا بذهاب أثرها ولهذا جازت الصلاة عليها فيجوز التيمم بها
أيضا (ولنا) ان احراق الشمس ونسف الرياح ونسف الأرض أثرها في تقليل النجاسة دون استئصالها
والنجاسة وان قلت تنافى وصف الطهارة فلم يكن اتيانا بالمأمور به فلم يجز فأما النجاسة القليلة فلا تمنع جواز الصلاة
عند أصحابنا ولا يمتنع أن يعتبر القليل من النجاسة في بعض الأشياء دون البعض ألا ترى ان النجاسة القليلة
لو وقعت في الاناء تمنع جواز الوضوء به ولو أصابت الثوب لا تمنع جواز الصلاة ولو تيمم جنب أو محدث من
مكان ثم تيمم غيره من ذلك المكان أجزأه لان التراب المستعمل مالتزق بيد المتيمم الأول لا ما بقي على الأرض
فنزل ذلك منزلة ماء فضل في الاناء بعد وضوء الأول أو اغتساله به وذلك طهور في حق الثاني كذا هذا
* (فصل) * واما بيان ما يتيمم به فقد اختلف فيه قال أبو حنيفة ومحمد يجوز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض وعن أبي
يوسف روايتان في رواية بالتراب والرمل وفي رواية لا يجوز الا بالتراب خاصة وهو قوله الآخر ذكره القدوري وبه
أخذ الشافعي والكلام فيه يرجع إلى أن الصعيد المذكور في الآية ما هو فقال أبو حنيفة ومحمد هو وجه الأرض وقال
أبو يوسف هو التراب المنبت واحتج بقول ابن عباس رضي الله عنهما انه فسر الصعيد بالتراب الخالص وهو مقلد في
هذا الباب ولأنه ذكر الصعيد الطيب والصعيد الطيب هو الذي يصلح للنبات وذلك هو التراب دون السبخة ونحوها
(ولهما) ان الصعيد مشتق من الصعود وهو العلو قال الأصمعي فعيل بمعنى فاعل وهو الصاعد وكذا قال
ابن الاعرابي انه اسم لما تصاعد حتى قيل للقبر صعيد لعلوه وارتفاعه وهذا لا يوجب الاختصاص بالتراب
بل يعم جميع أنواع الأرض فكان التخصيص ببعض الأنواع تقييد المطلق الكتاب وذلك لا يجوز بخبر الواحد
فكيف بقول الصحابي والدليل على أن الصعيد لا يختص ببعض الأنواع ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال عليكم بالأرض من غير فصل وقال جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا واسم الأرض يتناول جميع
أنواعها ثم قال أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت وربما تدركه الصلاة في الرمل وما لا يصلح للانبات فلا بد
وأن يكون بسبيل من التيمم به والصلاة معه بظاهر الحديث (وأما) قوله سماء طيبا فنعم لكن الطيب
يستعمل بمعنى الطاهر وهو الأليق ههنا لأنه شرع مطهرا والتطهير لا يقع الا بالطاهر مع أن معنى الطهارة صار
مرادا بالاجماع حتى لا يجوز التيمم بالصعيد النجس فخرج غيره من أن يكون مرادا إذ المشترك لا عموم له ثم لابد
من معرفة جنس الأرض فكل ما يحترق بالنار فيصير رمادا كالحطب والحشيش ونحوهما أو ما ينطبع ويلين
كالحديد والصفر والنحاس والزجاج وعين الذهب والفضة ونحوها فليس من جنس الأرض وما كان بخلاف ذلك
فهو من جنسها ثم اختلف أبو حنيفة ومحمد فيما بينهما فقال أبو حنيفة يجوز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض التزق
بيده شئ أولا وقال محمد لا يجوز الا إذا التزق بيده شئ من أجزائه فالأصل عنده انه لابد من استعمال جزء من
الصعيد ولا يكون ذلك الا بان يلتزق بيده شئ (وعند) أبي حنيفة هذا ليس بشرط مس وجه
الأرض باليدين وإمرارهما على العضوين وإذا عرف هذا فعلى قول أبي حنيفة يجوز التيمم بالجص والنورة
53

والزرنيخ والطين الأحمر والأسود والأبيض والكحل والحجر الأملس والحائط المطين والمجصص والملح الجبلي
دون المائي والمرداسنج المعدني والآجر والخزف المتخذ من طين خالص والياقوت والفيروزج والزمرد
والأرض الندية والطين الرطب (وعند) محمد ان التزق بيده شئ منها بأن كان عليها غبار أو كان مدقوقا
يجوز والا فلا وجه قول محمد ان المأمور به استعمال الصعيد وذلك بأن يلتزق بيده شئ منه فأما
ضرب اليد على ماله صلابة وملاسة من غير استعمال جزء منه فضرب من السفه (ولأبي) حنيفة ان المأمور
به هو التيمم بالصعيد مطلقا من غير شرط الالتزاق ولا يجوز تقييد المطلق الا بدليل وقوله الاستعمال شرط
ممنوع لان ذلك يؤدى إلى التغيير الذي هو شبيه المثلة وعلامة أهل النار ولهذا أمر بنفض اليدين بل
الشرط امساس اليد المضروبة على وجه الأرض على الوجه واليدين تعبدا غير معقول المعنى لحكمة استأثر
الله تعالى بعلمها ولا يجوز التيمم بالرماد بالاجماع لأنه من أجزاء الخشب وكذا باللآلئ سواء كانت مدقوقة أولا
لأنها ليست من أجزاء الأرض بل هي متولدة من الحيوان ويجوز التيمم بالغبار بان ضرب يده على ثوب أو لبد أو
صفة سرج فارتفع غبارا وكان على الذهب أو الفضة أو على الحنطة أو الشعير أو نحوها غبار فتيمم به أجزأه في قول
أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يجزيه وبعض المشايخ قالوا إذا لم يقدر على الصعيد يجوز عنده والصحيح
انه لا يجوز في الحالين وروى عنه أنه قال وليس عندي من الصعيد وهذا وجه قوله إن المأمور به التيمم بالصعيد
وهو اسم للتراب الخالص والغبار ليس بتراب خالص بل هو تراب من وجه دون وجه فلا يجوز التيمم (ولهما)
أنه جزء من أجزاء الأرض الا انه لطيف فيجوز التيمم به كما يجوز بالكثيف بل أولى وقد روى أن عبد الله بن عمر
رضي الله عنه كان بالجابية فمطروا فلم يجدوا ماء يتوضؤن به ولا صعيدا يتيممون به فقال ابن عمر لينفض كل واحد
منكم ثوبه أو صفة سرجه وليتيمم وليصل ولم ينكر عليه أحد فيكون اجماعا ولو كان المسافر في طين وردغة
لا يجد ماء ولا صعيدا وليس في ثوبه وسرجه غبار لطخ ثوبه أو بعض جسده بالطين فإذا جف تيمم به ولا ينبغي
أن يتيمم بالطين ما لم يخف ذهاب الوقت لان فيه تلطيخ الوجه من غير ضرورة فيصير بمعنى المثلة وإن كان لو تيمم
به أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد لان الطين من أجزاء الأرض وما فيه من الماء مستهلك وهو يلتزق باليد فان خاف
ذهاب الوقت تيمم وصلى عندهما وعلى قياس قول أبى يوسف صلى بغير تيمم بالايماء ثم يعيد إذا قدر على الماء
أو التراب كالمحبوس في المخرج إذا لم يجد ماء ولا ترابا نظيفا على ما ذكرنا
* (فصل) * واما بيان ما يتيمم منه فهو الحدث والجنابة والحيض والنفاس وقد ذكرنا دلائل جواز التيمم من
الحدث في صدر فصل التيمم وذكرنا اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في جواز التيمم من الجنابة وترجيح قول
المجوزين لمعاضدة الأحاديث إياه والحيض والنفاس ملحقان بالجنابة لأنهما في معناها مع أنه ثبت جواز التيمم
منهما لعموم بعض الأحاديث التي رويناها والله أعلم
* (فصل) * وأما بيان وقت التيمم فالكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان أصل الوقت والثاني في بيان الوقت
المستحب (أما) الأول فالأوقات كلها وقت للتيمم حتى يجوز التيمم بعد دخول وقت الصلاة وقبل دخوله وهذا
عند أصحابنا وقال الشافعي لا يجوز الا بعد دخول وقت الصلاة والكلام فيه راجع إلى أصل وهو أن التيمم بدل
مطلق أم بدل ضروري فعندنا بدل مطلق وعنده بدل ضروري وسنذكر تفسير البدل المطلق والضروري
ودليله في بيان صفة التيمم إن شاء الله تعالى (وأما) الثاني وهو بيان الوقت المستحب للتيمم فقد قال أصحابنا ان
المسافر إن كان على طمع من وجود الماء في آخر الوقت يؤخر التيمم إلى آخر الوقت وان لم يكن على طمع من وجود
الماء في آخر الوقت لا يؤخر وهكذا روى المعلى عن أبي حنيفة وأبى يوسف انه إن كان على طمع من وجود الماء في
آخر الوقت أخر إلى آخر الوقت مقدار ما لو لم يجد الماء يمكنه ان يتيمم ويصلى في الوقت وان لم يكن على طمع لا يؤخر
ويتيمم ويصلى في الوقت المستحب وذكر في الأصل أحب إلى أن يؤخر التيمم إلى آخر الوقت ولم يفصل بين ما إذا
54

كان يرجو وجود الماء في آخره أولا يرجو وهذا لا يوجب اختلاف الرواية بل يجعل رواية المعلى تفسيرا لما أطلقه
في الأصل وهو قول جماعة من التابعين مثل الزهري والحسن وابن سيرين رضي الله عنهم فإنهم قالوا يؤخر التيمم
إلى آخر الوقت إذا كان يرجو وجود الماء وقال جماعة لا يؤخر ما لم يستيقن بوجود الماء في آخر الوقت وبه أخذ
الشافعي وقال مالك المستحب له أن يتيمم في وسط الوقت والصحيح قولنا لما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال في
مسافر أجنب يتلوم إلى آخر الوقت ولم يرو عن غيره من الصحابة خلافه فيكون اجماعا والمعنى فيه ان أداء الصلاة
بطهارة الماء أفضل لأنها أصل والتيمم بدل ولأنها طهارة حقيقة وحكما والتيمم طهارة حكما لا حقيقة فإذا كان
يرجو وجود الماء في آخر الوقت كان في التأخير أداء الصلاة بأكمل الطهارتين فكان التأخير مستحبا فاما إذا لم يرج لا
يستحب إذ لا فائدة في التأخير ولو تيمم في أول الوقت وصلى فإن كان عالما أن الماء قريب بأن كان بينه وبين
الماء أقل من ميل لم تجز صلاته بلا خلاف لأنه واجد للماء وإن كان ميلا فصاعدا جازت صلاته وإن كان يمكنه ان
يذهب ويتوضأ ويصلى في الوقت وعند زفر لا يجوز لما يذكر وان لم يكن عالما بقرب الماء أو بعده تجوز
صلاته سواء كان يرجوا وجود الماء في آخر الوقت أولا سواء كان بعد الطلب أو قبله عندنا خلافا للشافعي لما مر
أن العدم ثابت ظاهرا واحتمال الوجود لا دليل عليه فلا يعارض الظاهر ولو أخبر في آخر الوقت أن
الماء بقرب منه بأن كان بينه وبين الماء أقل من ميل لكنه يخاف لو ذهب إليه وتوضأ تفوته الصلاة عن وقتها
لا يجوز له التيمم بل يجب عليه ان يذهب ويتوضأ ويصلى خارج الوقت عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر يجزئه
التيمم والأصل أن المعتبر عند أصحابنا الثلاثة القرب والبعد لا الوقت وعند زفر المعتبر هو الوقت لا قرب الماء
وبعده وجه قوله أن التيمم شرع للحاجة إلى أداء الصلاة في الوقت فكان المنظور إليه هو الوقت فيتيمم كيلا
تفوته الصلاة عن الوقت كما في صلاة الجنازة والعيدين (ولنا) أن هذه الصلاة لا تفوته أصلا بل إلى خلف وهو القضاء
والفائت إلى خلف قائم معنى بخلاف صلاة الجنازة والعيدين لأنها تفوت أصلا لما يذكر في موضعه فجاز التيمم فيها
لخوف الفوات والله أعلم
* (فصل) * وأما صفة التيمم فهي انه بدل بلا شك لأن جوازه معلق بحال عدم الماء لكنهم اختلفوا في كيفية
البدلية من وجهين أحدهما الخلاف فيه مع غير أصحابنا والثاني مع أصحابنا (أما) الأول فقد قال أصحابنا ان
التيمم بدل مطلق وليس ببدل ضروري وعنوا به أن الحدث يرتفع بالتيمم إلى وقت وجود الماء في حق الصلاة
المؤداة الا أنه يباح له الصلاة مع قيام الحدث وقال الشافعي التيمم بدل ضروري وعنى به أنه يباح له الصلاة مع
قيام الحدث حقيقة للضرورة كطهارة المستحاضة وجه قوله لتصحيح هذا الأصل أن التيمم لا يزيل هذا الحدث
بدليل أنه لو رأى الماء تعود الجنابة والحدث مع أن رؤية الماء ليست بحدث فعلم أن الحدث لم يرتفع لكن أبيح له
أداء الصلاة مع قيام الحدث للضرورة كما في المستحاضة (ولنا) ما ورى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
التيمم وضوء المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء أو يحدث فقد سمى التيمم وضوءا والوضوء مزيل للحدث وقال
صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا والطهور اسم للمطهر فدل على أن الحدث يزول بالتيمم
الا أن زواله مؤقت إلى غاية وجود الماء فإذا وجد الماء يعود الحدث السابق لكن في المستقبل لا في الماضي فلم يظهر
في حق الصلاة المؤداة وعلى هذا الأصل يبنى التيمم قبل دخول الوقت أنه جائز عندنا وعند الشافعي لا يجوز لأنه
بدل مطلق عند عدم الماء فيجوز قبل دخول الوقت وبعده وعنده بدل ضروري فتتقدر بدليته بقدر الضرورة
ولا ضرورة قبل دخول الوقت وعلى هذا يبنى أيضا انه إذا تيمم في الوقت له ان يؤدى ما شاء من الفرائض
والنوافل ما لم يجد الماء أو يحدث عندنا وعنده لا يجوز له ان يؤدى به فرضا آخر غير ما تيمم لأجله وله أن يصلى
به النوافل لكونها تابعة للفرائض وثبوت الحكم في التبع لا يقف على وجود علة على حدة أو شرط على حدة فيه
بل وجود ذلك في الأصل يكفي لثبوته في التبع كما هو مذهبه في طهارة المستحاضة وعلى هذا يبنى أنه إذا تيمم للنفل
55

يجوز له ان يؤدى به النفل والغرض عندنا وعنده لا يجوز له أداء الفرض لان التبع لا يستتبع الأصل وعلى هذا قال
الزهري انه لا يجوز التيمم لصلاة النافلة رأسا لأنه طهارة ضرورية والضرورة في الفرائض لا في النوافل
وعندنا يجوز لأنه طهارة مطلقة حال عدم الماء ولأنه إن كان لا يحتاج إلى اسقاط الفرض عن نفسه به
يحتاج إلى احراز الثوب لنفسه والحاجة إلى احراز الثواب حاجة معتبرة فيجوز ان يعتبر الطهارة لأجله ولهذا
اعتبرت طهارة المستحاضة في حق النوافل بلا خلاف كذا ههنا (وأما) الخلاف الذي مع أصحابنا في كيفية البدلية
فهو انهم اختلفوا في أن التراب بدل عن الماء عند عدمه والبدلية بين التراب وبين الماء أو التيمم بدل عن
الوضوء عند عدمه والبدلية بين التيمم وبين الوضوء فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ان التراب بدل عن الماء عند
عدمه والبدلية بين التراب والماء وقال محمد التيمم بدل عن الوضوء عند عدمه والبدلية بين التيمم وبين الوضوء
واحتج محمد لتصحيح أصله بالحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم التيمم وضوء المسلم الحديث سمى التيمم
وضوءا دون التراب وهما احتجا بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا أقام
الصعيد مقام الماء عند عدمه وأما السنة فما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال التراب طهور
المسلم وقال جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ويتفرع عن هذا الاختلاف أن المتيمم إذا أم المتوضئين
جازت إمامته إياهم وصلاتهم جائزة إذا لم يكن مع المتوضئين ماء في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وإن كان
معهم ماء لا تجوز صلاتهم وعند محمد لا يجوز اقتداؤهم به سواء كان معهم ماء أو لم يكن وعند زفر يجوز
كان معهم ماء أو لم يكن وجه البناء على هذا الأصل ان عند محمد لما كانت البدلية بين التيمم وبين الوضوء
فالمقتدى إذا كان على وضوء لم يكن تيمم الامام طهارة في حقه لوجود الأصل في حقه فكان مقتديا بمن لا طهارة
له في حقه فلا يجوز اقتداؤه به كالصحيح إذا اقتدى بصاحب الجرح السائل انه لا يجوز له لان طهارة الامام ليست
بطهارة في حق المقتدى فلم تعتبر طهارته في حقه فكان مقتديا بمن لا طهارة له في حقه فلم يجز اقتداؤه به كذا هذا
ولما كانت البدلية بين التراب وبين الماء عندهما فإذا لم يكن مع المقتدين ماء كان التراب طهارة مطلقة في حال عدم
الماء فيجوز اقتداؤهم به فصار كاقتداء الغاسل بالماسح بخلاف صاحب الجرح السائل لان طهارته ضرورية لان
الحدث يقارنها أو يطرأ عليها فلا تعتبر في حق الصحيح وإذا كان معهم ماء فقد فات الشرط في حق المقتدين فلا يبقى
التراب طهورا في حقهم فلم تبق طهارة الامام طهارة في حقهم فلا يصح اقتداؤهم به وعلى هذا الأصل المتيمم إذا أم
المتوضئين ولم يكن معهم ماء ثم رأى واحد منهم الماء ولم يعلم به الامام والآخرون حتى فرغوا فصلاته فاسدة وقال
زفر لا تفسد وهو رواية عن أبي يوسف لأنه متوضئ في نفسه فرؤية الماء لا تكون مفسدة في حقه وإنما تفسد
صلاته بفساد صلاة الامام وهي صحيحة (ولنا) ان طهارة الامام جعلت عدما في حقه لقدرته على الماء الذي
هو أصل إذ لا يبقى الخلف مع وجود الأصل فصار معتقدا فساد صلاة الامام والمقتدى إذا اعتقد فساد صلاة الامام
تفسد صلاته كما لو اشتبهت عليهم القبلة فتحرى الامام إلى جهة والمقتدى إلى جهة أخرى وهو يعلم أن امامه يصلى إلى
جهة أخرى لا يصح اقتداؤه به كذا هذا ثم نتكلم في المسألة ابتداء فحجة محمد ما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال
لا يؤم المتيمم المتوضئين ولا المقيد المطلقين وهذا نص في الباب وحجتهما ما روينا من حديث عمرو بن العاص
رضي الله عنه حين أمره رسول الله صلى عليه وسلم على سرية وما روى عن علي فهو مذهبه وقد خالفه ابن
عباس رضي الله عنه والمسألة إذا كانت مختلفة بين الصحابة رضي الله عنهم لا يكون قول البعض حجة على البعض
على أن فيه أنه لا يؤم وليس فيه انه لو أم لا يجوز وهذا كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يؤم الرجل
الرجل في سلطانه ثم لو أم جاز كذا هذا
* (فصل) * واما بيان ما ينقض التيمم فالذي ينقضه نوعان عام وخاص اما العام فكل ما ينقض الوضوء من الحدث
الحقيقي والحكمي ينقض التيمم وقد مر بيان ذلك كله في موضعه واما الخاص وهو ما ينقض التيمم على الخصوص
56

فوجود الماء وجملة الكلام فيه ان المتيمم إذا وجد الماء لا يخلو اما ان وجده قبل الشروع في الصلاة واما ان وجده
في الصلاة واما ان وجده بعد الفراغ منها فان وجده قبل الشروع في الصلاة انتقض تيممه عند عامة العلماء وعن أبي
سلمة بن عبد الرحمن أنه لا ينتقض التيمم بوجود الماء أصلا وجه قوله أن الطهارة بعد صحتها لا تنقض الا
بالحدث ووجود الماء ليس بحدث (ولنا) ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال التيمم وضوء المسلم ولو
إلى عشر حجج ما لم يجد الماء أو يحدث جعل التيمم وضوء المسلم إلى غاية وجود الماء والممدود إلى غاية ينتهى
عند وجود الغاية ولان التيمم خلف عن الوضوء ولا يجوز المصير إلى الخلف مع وجود الأصل كما في سائر الاختلاف
مع أصولها وقوله وجود الماء ليس بحدث مسلم وعندنا أن المتيمم لا يصير محدثا بوجود الماء بل الحدث السابق يظهر
حكمه عند وجود الماء الا انه لم يظهر حكم ذلك الحدث في حق الصلاة المؤداة ثم وجود الماء نوعان وجوده من حيث
الصورة والمعنى وهو أن يكون مقدور الاستعمال له وأنه ينقض التيمم ووجوده من حيث الصورة دون المعنى
وهو ان لا يقدر على استعماله وهذا لا ينقض التيمم حتى لو مر المتيمم على الماء الكثير وهو لا يعلم به أو كان
غافلا أو نائما لا يبطل تيممه كذا روى عن أبي يوسف وكذا لو مر على ماء في موضع لا يستطيع النزول إليه
لخوف عدو أو سبع لا ينتقض تيممه كذا ذكر محمد بن مقاتل الرازي وقال هذا قياس قول أصحابنا لأنه غير
واجد للماء فكان ملحقا بالعدم وكذا إذا أتى بئرا وليس معه دلوا ورشا أو وجد ماء وهو يخاف على نفسه العطش
لا ينتقض تيممه لما قلنا وكذا لو وجد ماء موضوعا في الفلاة في جب أو نحوه على قياس ما حكى عن أبي نصر محمد
ابن محمد بن سلام لأنه معد للسقيا دون الوضوء الا أن يكون كثيرا فيستدل بالكثرة على أنه معد للشرب
والوضوء جميعا فينتقض تيممه والأصل فيه ان كل ما منع وجوده التيمم نقض وجوده التيمم وما لا فلا ثم وجود
الماء إنما ينقض التيمم إذا كان القدر الموجود يكفي للوضوء أو الاغتسال فإن كان لا يكفي لا ينقض عندنا وعند
الشافعي قليله وكثيره ينقض والخلاف في البقاء كالخلاف في الابتداء وقد مر ذكره في بيان الشرائط وعلى هذا
يخرج ما ذكره محمد في الزيادات لو أن خمسة من المتيممين وجدوا من الماء مقدار ما يتوضأ به أحدهم انتقض
تيممهم جميعا لان كل واحد منهم قدر على استعماله على سبيل البدل فكان كل واحد منهم واجدا للماء صورة
ومعنى فينتقض تيممهم جميعا ولان كل واحد منهم قدر على استعماله بيقين وليس البعض أولى من البعض فينتقض
تيممهم احتياطا ولو كان لرجل ماء فقال أبحت لكم هذا الماء يتوضأ به أيكم شاء وهو قدر ما يكفي لوضوء أحدهم
انتقض تيممهم جميعا لما قلنا ولو قال هذا الماء لكم لا ينتقض تيممهم باجماع بين أصحابنا اما على أصل أبي حنيفة
فلان هبة المشاع فيما يحتمل القسمة لا تصح فلم يثبت الملك رأسا واما على أصلهما فالهبة وان صحت وأفادت الملك
لكن لا يصيب كل واحد منهم ما يكفي لوضوئه فكان ملحقا بالعدم حتى أنهم لو أذنوا لواحد منهم بالوضوء
انتقض تيممه عندهما لأنه قدر على ما يكفي للوضوء وعنده الهبة فاسدة فلا يصح الاذن وعلى هذا الأصل
مسائل في الزيادات مسافر محدث على ثوبه نجاسة أكثر من قدر الدرهم ومعه ما يكفي لأحدهما غسل به الثوب
وتيمم للحدث عند عامة العلماء وروى الحسن عن أبي يوسف انه يتوضأ به وهو قول حماد ووجهه ان
الحدث أغلظ النجاستين بدليل ان الصلاة مع الثوب النجس جائزة في الجملة للضرورة ولا جواز لها مع الحدث
بحال (ولنا) ان الصرف إلى النجاسة يجعله مصليا بطهارتين حقيقية وحكمية فكان أولى من الصلاة بطهارة
واحدة ويجب ان يغسل ثوبه من النجاسة ثم يتيمم ولو بدأ بالتيمم لا يجزيه وتلزمه الإعادة لأنه قدر على ماء
ولو توضأ به تجوز به صلاته وان وجد الماء في الصلاة فان وجده قبل أن يقعد قدر التشهد الأخير انتقض تيممه
وتوضأ به واستقبل الصلاة عندنا وللشافعي ثلاثة أقوال في قول مثل قولنا وفى قول يقرب الماء منه حتى يتوضأ
ويبنى وفى قول يمضى على صلاته وهو أظهر أقواله ووجهه ان الشروع في الصلاة قد صح فلا يبطل برؤية
الماء كما إذا رأى بعد الفراغ من الصلاة وهذا لان رؤية الماء ليس بحدث والموجود ليس الا الرؤية فلا تبطل
57

الصلاة وإذا لم تبطل الصلاة فحرمة الصلاة تعجزه عن استعمال الماء فلا يكون واجدا للماء معنى كما إذا كان على رأس
البئر ولم يجد آلة الاستقاء (ولنا) ان طهارة التيمم انعقدت ممدودة إلى غاية وجود الماء بالحديث الذي روينا
فتنتهي عند وجود الماء فلو أتمها لاتم بغير طهارة وهذا لا يجوز وبه تبين انه لم تبق حرمة الصلاة وقوله إن رؤية
الماء ليست بحدث فلا تبطل الطهارة قلنا بلى وعندنا لا تبطل بل تنتهى لكونها مؤقتة إلى غاية الرؤية ولان المتيمم
لا يصير محدثا برؤية الماء عندنا بل بالحدث السابق على الشروع في الصلاة الا أنه لم يظهر أثره في حق الصلاة المؤداة
للضرورة ولا ضرورة في الصلاة التي لم تؤد فظهر أثر الحدث السابق وصار كخروج الوقت في حق المستحاضة ولأنه
قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل وذلك يبطل حكم البدل كالمعتدة بالأشهر إذا حاضت وان وجده
بعد ما قعد قدر التشهد الأخير أو بعد ما سلم وعليه سجدتا السهو وعاد إلى السجود فسدت صلاته عند أبي حنيفة
ويلزمه الاستقبال وعند أبي يوسف ومحمد يبطل تيممه وصلاته تامة وهذه من المسائل المعروفة بالاثني عشرية
والأصل فيها ان ما كان من افعال المصلى ما يفسد الصلاة لو وجد في أثنائها لا يفسدها ان وجد في هذه الحالة باجماع
بين أصحابنا مثل الكلام والحدث العمد والقهقهة ونحو ذلك وعند الشافعي تفسد بناء على أن الخروج من الصلاة
بالسلام ليس بفرض عندنا وعنده فرض على ما يذكر واما ما ليس من فعل المصلى بل هو معنى سماوي لكنه لو
اعترض في أثناء الصلاة يفسد الصلاة فإذا وجد في هذه الحالة هل يفسدها قال أبو حنيفة يفسدها وقال أبو يوسف
ومحمد لا يفسدها وذلك كالمتيمم يجد ماء والماسح على الخفين إذا انقضى وقت مسحه والعاري يجد ثوبا والامى
يتعلم القرآن وصاحب الجرح السائل ينقطع عنه السيلان وصاحب الترتيب إذا تذكر فائتة ودخول وقت العصر
يوم الجمعة وهو في صلاة الجمعة وسقوط الخف عن الماسح عليه إذا كان واسعا بدون فعله وطلوع الشمس في هذه الحالة
لمصلى الفجر والمومي إذا قدر على القيام والقارئ إذا استخلف أميا والمصلى بثوب فيه نجاسة أكثر من قدر الدرهم
ولم يجد ماء ليغسله فوجد في هذه الحالة وقاضي الفجر إذا زالت الشمس والمصلى إذا سقط الجبائر عنه عن برء وقضية
الترتيب ذكر كل واحدة من هذه المسائل في موضعها وإنما جمعناها اتباعا للسلف وتيسيرا للحفظ على المتعلمين
ومن مشايخنا من قال إن حاصل الاختلاف يرجع إلى أن خروج المصلى من الصلاة بفعله فرض عند أبي حنيفة
وعندهما ليس بفرض ومنهم من تكلم في المسألة من وجه آخر وجه قولهما أن الصلاة قد انتهت بالقعود
قدر التشهد لانتهاء أركانها قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين علمه التشهد إذا
قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك والصلاة بعد تمامها لا تحتمل الفساد ولهذا لا تفسد بالسلام والكلام
والحدث العمد والقهقهة ودل الحديث على أن الخروج بفعله ليس بفرض لأنه وصف الصلاة بالتمام ولا تمام
يتحقق مع بقاء ركن من أركانها ولهذا قلنا إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ليست بفرض وكذا
إصابة لفظ السلام لان تمام الشئ وانتهاءه مع بقاء شئ منه محال الا أنه لو قهقهه في هذا الحالة تنتقض طهارته لان
انتقاضها يعتمد قيام التحريمة وانها قائمة فاما فساد الصلاة فيستدعى بقاء التحريمة مع بقاء الركن ولم يبق عليه ركن
من أركان الصلاة لما بينا ولان الخروج من الصلاة ضد الصلاة لأنه تركها وضد الشئ كيف يكون ركنا له ولان
عند أبي حنيفة يحصل الخروج بالحدث العمد والقهقهة والكلام وهذه الأشياء حرام ومعصية فكيف تكون
فرضا والوجه لتصحيح مذهب أبي حنيفة في عدة من هذه المسائل من غير البناء على الأصل الذي ذكرنا أن فساد
الصلاة ليس لوجود هذه العوارض بل بوجودها يظهر انها كانت فاسدة (وبيان) ذلك ان المتيمم إذا وجد الماء
صار محدثا بالحدث السابق في حق الصلاة التي لم تؤد لأنه وجد منه الحدث ولم يوجد منه ما يزيله حقيقة لان التراب
ليس بطهور حقيقة الا أنه لم يظهر حكم الحدث في حق الصلاة المؤداة للحرج كيلا تجتمع عليه الصلوات فيحرج في
قضائها فسقط اعتبار الحدث السابق دفعا للحرج ولا حرج في الصلاة التي لم تود وهذه الصلاة غير مؤادة فان
تحريمة الصلاة باقية بلا خلاف وكذا الركن الأخير باق لأنه وان طال فهو في حكم الركن كالقراءة إذا طالت فظهر
58

فيها حكم الحدث السابق فتبين أن الشروع فيها لم يصح كما لو اعترض هذا المعنى في وسط الصلاة وعلى هذا يخرج
انقضاء مدة المسح لأنه إذا انقضى وقت المسح صار محدثا بالحدث السابق لان الحدث قد وجد ولم يوجد ما يزيله
عن القدم حقيقة لكن الشرع أسقط اعتبار الحدث فيما أدى من الصلاة دفعا للحرج فالتحقق المانع بالعدم في
حق الصلاة المؤداة ولا حرج فيما لم يؤد فظهر حكم الحدث السابق فيه وعلى هذا إذا سقط خفه من غير صنعه وكذا
صاحب الجرح السائل ومن هو بمثل حاله وكذا المصلى إذا كان على ثوبه نجاسة أكثر من قدر الدرهم ولم يجد
الماء ليغسله فوجد في هذه الحالة لأن هذه النجاسة إنما سقط اعتبارها لما قلنا من الجرح ولا حرج في هذه الصلاة
وكذا العاري إذا وجد ثوبا والمومي إذا قدر على القيام والامى إذا تعلم القراءة لان الستر والقيام والقراءة فرض على
القادر عليها والسقوط عن هؤلاء للعجز وقد زال فكان ينبغي أن يجب قضاء الكل كالمريض العاجز عن الصوم
والمغمى عليه يجب عليهما القضاء عند حدوث القدرة لكن سقط لأجل الحرج ولا حرج في حق هذه الصلاة وكذا
هي ليست نظير تلك الصلوات لأنه لا قدرة ثمة أصلا وههنا حصلت القدرة في جزء منها وعلى هذا صاحب الترتيب
إذا تذكر فائتة لأنه ظهر انه أدى الوقتية قبل وقتها فكان ينبغي أن يجب قضاء الكل الا أنه سقط للحرج لان
النسيان مما يكثر وجوده ولا حرج في حق هذه الصلاة وعلى هذا المصلى إذا سقطت الجبائر عن يده عن برء لان
الغسل واجب على القادر وان سقط عنه للعجز فإذا زال العجز كان ينبغي أن يقضى ما مضى بعد البرء الا أنه
سقط للحرج وفى هذه الصلاة لا حرج وأما قاضى الفجر إذا زالت الشمس فهو في هذه الحالة يخرج على وجه آخر
وهو أن الواجب في ذمته كامل والمؤدى في هذا الوقت ناقص لو رود النهى عن الصلاة في هذه الأوقات والكامل
لا يتأدى بالناقص فلا يقع قضاء ولكنه يقع تطوعا لان التطوع فيه جائز فينقلب تطوعا وعلى هذا مصلى
الفجر إذا طلعت الشمس لأنه وجب عليه الأداء كاملا لان الوقت الناقص قليل لا يتسع للأداء فلا يجب
ناقصا بل كاملا في غير الوقت الناقص فإذا أتى به فيه صار ناقصا فلا يتأدى به الكامل بخلاف صلاة العصر
لان ثمة الوقت الناقص مما يتسع لأداء الصلاة فيه فيجب ناقصا وقد أداه ناقصا فهو الفرق وأما دخول وقت العصر في
صلاة الجمعة في هذه الحالة فيخرج على وجه آخر وهو أن الظهر هو الواجب الأصلي في كل يوم عرف وجوبه بالدلائل
المطلقة وإنما تغير إلى الركعتين في يوم الجمعة بشرائط مخصوصة عرفناها بالنصوص الخاصة غير معقولة المعنى
والوقت من شرائطه فمتى لم يوجد في جميع الصلاة لم يكن هذا نظير المخصوص عن الأصل فلم يجز فظهر أن الواجب
هو الظهر فعليه أداء الظهر بخلاف الكلام والقهقهة والحدث العمد لان ثمة الفساد لوجود هذه العوارض لأنها
نواقض الصلاة وقد صادفت جزأ من أجزاء الصلاة فأوجب فساد ذلك الجزء غير أن ذلك زيادة تستغنى الصلاة عنها
فكان وجودها والعدم بمنزلة فاقتصر الفساد عليها بخلاف ما إذا اعترضت في أثناء الصلاة لأنها أوجبت فساد ذلك
الجزء الأصلي ولا وجود للصلاة بدونه فلا يمكنه البناء بعد ذلك واما الحديث فنقول النبي صلى الله عليه وسلم حكم بتمام
الصلاة وبوجود هذه العوارض تبين انها ما كانت صلاة إذ لا وجود للصلاة مع الحدث ومع فقد شرط من شرائطها
وقد مر بيان ذلك وكذا الصلاة في الأوقات المكروهة مخصوصة عن هذا النص بالنهي عن الصلاة فإنها لا تخلو عن
النقصان وكذلك صلاة الجمعة مخصوصة عن هذا النص بالدلائل المطلقة المقتضية لوجوب الظهر في كل يوم على
ما مر هذا إذا وجد في الصلاة ماء مطلقا فان وجد سؤر حمار مضى على صلاته لأنه مشكوك فيه وشروعه في
الصلاة قد صح فلا يقطع بالشك بل يمضى على صلاته فإذا فرغ منها توضأ به وأعاد لأنه إن كان مطهرا في نفسه ما جازت
صلاته وإن كان غير مطهر في نفسه جازت به صلاته فوقع الشك في الجواز فيؤمر بالإعادة احتياطا وان وجد نبيذ
التمر انتقض تيممه عند أبي حنيفة لأنه بمنزلة الماء المطلق عند عدمه عنده وعند أبي يوسف لا ينتقض لأنه
لا يراه طهورا أصلا وعند محمد يمضى على صلاته ثم يعيدها كما في سؤر الحمار هذا كله إذا وجد الماء في الصلاة فاما إذا
وجده بعد الفراغ من الصلاة فإن كان بعد خروج الوقت فليس عليه إعادة ما صلى بالتيمم بلا خلاف وإن كان في
59

الوقت فكذلك عند عامة العلماء وقال مالك يعيد وجه قوله أن الوقت أقيم مقام الأداء شرعا كما في المستحاضة
فكان الوجود في الوقت كالوجود في أثناء الأداء حقيقة ولان التيمم بدل فإذا قدر على الأصل بطل البدل كالشيخ
الفاني إذا فدى أو أحج ثم قدر على الصوم والحج بنفسه (ولنا) ان الله تعالى علق جواز التيمم بعدم الماء فإذا
صلى حالة العدم فقد أدى الصلاة بطهارة معتبرة شرعا فيحكم بصحتها فلا معنى لوجوب الإعادة وروى أن رجلين
أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تيمما من جنابة وصليا وأدركا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة ولم يعد
الاخر فقال صلى الله عليه وسلم للذي أعاد أما أنت فقد أوتيت أجرك مرتين وقال للآخر أما أنت فقد أجزأتك
صلاتك عنك أي كفتك جزى وأجزأ مهموزا بمعنى الكفاية وهذا ينفى وجوب الإعادة وما ذكر من اعتبار الوجود
بعد الفراغ من الصلاة بالوجود في الصلاة غير سديد لأنه مخالف للحقيقة من غير ضرورة الا ترى أن الحدث
الحقيقي بعد الفراغ من الصلاة لا يجعل كالموجود في خلال الصلاة كذا هذا وأما قوله إنه قدر على الأصل فنعم لكن
بعد حصول المقصود بالبدل والقدرة على الأصل بعد حصول المقصود بالبدل لا تبطل حكم البدل كالمعتدة
بالأشهر إذا حاضت بعد انقضاء العدة بالأشهر بخلاف الشيخ الفاني إذا أحج رجلا بماله وفدى عن صومه
ثم قدر بنفسه لأن جواز الاحجاج والفدية معلق باليأس عن الحج بنفسه والصوم بنفسه فإذا قدر بنفسه ظهر انه
لا يأس فاما جواز التيمم فمعلق بالعجز عن استعمال الماء والعجز كان متحققا عند الصلاة وبوجود الماء بعد ذلك
لا يظهر انه لا عجز فهو الفرق
* (فصل) * وأما الطهارة الحقيقية وهي الطهارة عن النجس فالكلام فيها في الأصل في ثلاثة مواضع أحدها
في بيان أنواع الأنجاس والثاني في بيان المقدار الذي يصير المحل به نجسا شرعا والثالث في بيان ما يقع به تطهير
النجس (أما) أنواع الأنجاس فمنها ما ذكره الكرخي في مختصره ان كل ما يخرج من بدن الانسان مما يجب
بخروجه الوضوء أو الغسل فهو نجس من البول والغائط والودي والمذي والمني ودم الحيض والنفاس
والاستحاضة والدم السائل من الجرح والصديد والقئ ملء الفم لان الواجب بخروج ذلك مسمى
بالتطهير قال الله تعالى في آخر آية الوضوء ولكن يريد ليطهركم وقال في الغسل من الجنابة وان كنتم جنبا
فاطهروا وقال في الغسل من الحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن والطهارة لا تكون الا عن نجاسة وقال
تعالى ويحرم عليهم الخبائث والطباع السليمة تستخبث هذه الأشياء والتحريم لا للاحترام دليل النجاسة
ولان معنى النجاسة موجود في ذلك كله إذ النجس اسم للمستقذر وكل ذلك مما تستقذره الطباع السليمة لاستحالته
إلى خبث ونتن رائحة ولا خلاف في هذه الجملة الا في المنى فان الشافعي زعم أنه طاهر (واحتج) بما روى
عن عائشة رضي الله عنها انها قالت كنت أفرك المنى من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا وهو يصلى فيه
والواو واو الحال أي في حال صلاته ولو كان نجسا لما صح شروعه في الصلاة معه فينبغي أن يعيد ولم ينقل الينا الإعادة
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال المنى كالمخاط فامطه عنك ولو بالإذخر شبهه بالمخاط والمخاط ليس بنجس كذا
المنى وبه تبين ان الامر بإماطته لا لنجاسته بل لقذارته ولأنه أصل الآدمي المكرم فيستحيل أن يكون نجسا (ولنا)
ما روى أن عمار بن ياسر رضي الله عنه كان يغسل ثوبه من النجاسة فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال له ما تصنع يا عمار فأخبره بذلك فقال صلى الله عليه وسلم ما نخامتك ودموع عينيك والماء الذي في ركوتك
الا سواء إنما يغسل الثوب من خمس بول وغائط وقئ ومنى ودم أخبر ان الثوب يغسل من هذه الجملة لا محالة وما
يغسل الثوب منه لا محالة يكون نجسا فدل ان المنى نجس وروى عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لها إذا رأيت المنى في ثوبك فإن كان رطبا فاغسليه وإن كان يابسا فحتيه ومطلق الامر محمول على
الوجوب ولا يجب الا إذا كان نجسا ولان الواجب بخروجه أغلظ الطهارتين وهي الاغتسال والطهارة لا تكون
الا عن نجاسة وغلظ الطهارة يدل على غلظ النجاسة كدم الحيض والنفاس ولأنه يمر بميزاب النجس فينجس
60

بمجاورته وان لم يكن نجسا بنفسه وكونه أصل الآدمي لا ينفى أن يكون نجسا كالعلقة والمضغة وما روى من
الحديث يحتمل انه كان قليلا ولا عموم له لأنه حكاية حال أو نحمله على ما قلنا توفيقا بين الدلائل وتشبيه ابن عباس
رضي الله عنهما إياه بالمخاط يحتمل انه كان في الصورة لا في الحكم لتصوره بصورة المخاط والامر بالإماطة بالإذخر
لا ينفى الامر بالإزالة بالماء فيحتمل انه أمر بتقديم الإماطة كيلا تنتشر النجاسة في الثوب فيتعسر غسله (وأما)
الدم الذي يكون على رأس الجرح والقئ إذا كان أقل من ملء الفم فقد روى عن أبي يوسف انه ليس بنجس وهو
قياس ما ذكره الكرخي لأنه لا يجب بخروجه الوضوء وعند محمد نجس هو يقول إنه جزء من الدم المسفوح والدم
المسفوح نجس بجميع أجزائه وأبو يوسف يقول إنه ليس بمسفوح بنفسه والنجس هو الدم المسفوح لقوله
تعالى قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه
رجس والرجس هو النجس فظاهر الآية يقتضى أن لا محرم سواها فيقتضى ان لا نجس سواها إذ لو كان لكان
محرما إذ النجس محرم وهذا خلاف ظاهر الآية ووجه آخر من الاستدلال بظاهر الآية انه نفى حرمة غير
المذكور وأثبت حرمة المذكور وعلل لتحريمه بأنه رجس أي نجس ولو كان غير المذكور نجسا لكان محرما
لوجود علة التحريم وهذا خلاف النص لأنه يقتضى ان لا محرم سوى المذكور فيه ودم البق والبراغيث ليس
بنجس عندنا حتى لو وقع في الماء القليل لا ينجسه ولو أصاب الثوب أكثر من قدر الدرهم لا يمنع جواز الصلاة
وقال الشافعي هو نجس لكنه معفو عنه في الثوب للضرورة (واحتج) بقوله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم
من غير فصل بين السائل وغيره والحرمة لا للاحترام دليل النجاسة (ولنا) قوله تعالى قل لا أجد فيما أوحى إلى
محرما الآية والاستدلال بها من الوجهين اللذين ذكرناهما ولان صيانة الثياب والأواني عنها متعذرة فلو أعطى
لها حكم النجاسة لوقع الناس في الجرح وانه منفى شرعا بالنص وبهذين الدليلين تبين ان المراد من المطلق المقيد
وهو الدم المسفوح ودم الأوزاغ نجس لأنه سائل وكذا الدماء السائلة من سائر الحيوانات لما قلنا بل أولى لأنه لما كان
نجسا من الآدمي المكرم فمن غيره أولى (وأما) دم السمك فقد روى عن أبي يوسف انه نجس وبه أخذ
الشافعي اعتبارا بسائر الدماء وعند أبي حنيفة ومحمد طاهر لاجماع الأمة على إباحة تناوله مع دمه ولو كان نجسا
لما أبيح ولأنه ليس بدم حقيقة بل هو ماء تلون بلون الدم لان الدموي لا يعيش في الماء والدم الذي يبقى في العروق
واللحم بعد الذبح طاهر لأنه ليس بمسفوح ولهذا حل تناوله مع اللحم وروى عن أبي يوسف انه معفو في الاكل
غير معفو في الثياب لتعذر الاحتراز عنه في الاكل وامكانه في الثوب (ومنها) ما يخرج من أبدان سائر الحيوانات من
البهائم من الأبوال والأرواث على الاتفاق والاختلاف (أما) الأبوال فلا خلاف في أن بول كل ما لا يؤكل لحمه
نجس واختلف في بول ما يؤكل لحمه قال أبو حنيفة وأبو يوسف نجس وقال محمد طاهر حتى لو وقع في الماء القليل
لا يفسده ويتوضأ منه ما لم يغلب عليه (واحتج) بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه أباح للعرنيين شرب
أبوال إبل الصدقة وألبانها مع قوله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم وقوله ليس
في الرجس شفاء فثبت انه طاهر (ولهما) حديث عمار إنما يغسل الثوب من خمس وذكر من جملتها البول
مطلقا من غير فصل وما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال استنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه من
غير فصل وقوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث ومعلوم ان الطباع السليمة تستخبثه وتحريم الشئ لا لاحترامه
وكرامته تنجيس له شرعا ولان معنى النجاسة فيه موجود وهو الاستقذار الطبيعي لاستحالته إلى فساد وهي
الرائحة المنتنة فصار كروثه وكبول ما لا يؤكل لحمه وأما الحديث فقد ذكر قتادة ان النبي صلى الله عليه وسلم
أمر بشرب ألبانها دون أبوالها فلا يصح التعلق به على أنه يحتمل ان النبي صلى الله عليه وسلم عرف بطريق
الوحي شفاءهم فيه والاستشفاء بالحرام جائز عند التيقن لحصول الشفاء فيه كتناول الميتة عند المخمصة والخمر عند
العطش وإساغة اللقمة وإنما لا يباح بما لا يستيقن حصول الشفاء به ثم عند أبي يوسف يباح شربه للتداوي لحديث
61

العرنيين وعند أبي حنيفة لا يباح لان الاستشفاء بالحرام الذي لا يتيقن حصول الشفاء به حرام وكذا بما لا يعقل
فيه الشفاء ولا شفاء فيه عند الأطباء والحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم شفاء أولئك فيه على
الخصوص والله أعلم (وأما) الأرواث فكلها نجسة عند عامة العلماء وقال زفر روث ما يؤكل لحمه طاهر
وهو قول مالك (واحتج) بما روى أن الشبان من الصحابة في منازلهم وفي السفر كانوا يترامون بالجلة وهي
البعرة اليابسة ولو كانت نجسة لما مسوها وعلل مالك بأنه وقود أهل المدينة يستعملونه استعمال الحطب
(ولنا) ما روينا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه أحجار الاستنجاء
فاتى بحجرين وروثة فأخذ الحجرين ورمى الروثة وقال إنها ركس أي نجس ولان معنى النجاسة موجود فيها
وهو الاستقذار في الطباع السليمة لاستحالتها إلى نتن وخبث رائحة مع امكان التحرز عنه فكانت نجسة (ومنها)
خرء بعض الطيور من الدجاج والبط وجملة الكلام فيه ان الطيور نوعان نوع لا يذرق في الهواء ونوع
يذرق في الهواء (اما) ما لا يذرق في الهواء كالدجاج والبط فخرؤهما نجس لوجود معنى النجاسة فيه وهو
كونه مستقذرا لتغيره إلى نتن وفساد رائحة فأشبه العذرة وفي الإوز عن أبي حنيفة روايتان روى أبو يوسف
عنه انه ليس بنجس وروى الحسن عنه انه نجس (وما) يذرق في الهواء نوعان أيضا ما يؤكل لحمه كالحمام
والعصفور والعقعق ونحوها وخرؤها طاهر عندنا وعند الشافعي نجس وجه قوله إن الطبع قد أحاله إلى فساد
فوجد معنى النجاسة فأشبه الروث والعذرة (ولنا) اجماع الأمة فإنهم اعتادوا اقتناء الحمامات في المسجد الحرام
والمساجد الجامعة مع علمهم انها تذرق فيها ولو كان نجسا لما فعلوا ذلك مع الامر بتطهير المسجد وهو قوله تعالى ان
طهرا بيتي للطائفين وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما ان حمامة ذرقت عليه فمسحه وصلى وعن ابن مسعود رضي الله عنه
مثل ذلك في العصفور وبه تبين ان مجرد إحالة الطبع لا يكفي للنجاسة ما لم يكن للمستحيل نتن
وخبث رائحة تستخبثه الطباع السليمة وذلك منعدم ههنا على أنا ان سلمنا ذلك لكان التحرز عنه غير
ممكن لأنها تذرق في الهواء فلا يمكن صيانة الثياب والأواني عنه فسقط اعتباره للضرورة كدم البق
والبراغيث وحكى مالك في هذه المسألة الاجماع على الطهارة ومثله لا يكذب فلئن لم يثبت الاجماع من
حيث القول يثبت من حيث الفعل وهو ما بينا وما لا يؤكل لحمه كالصقر والبازي والحدأة وأشباه
ذلك خرؤها طاهر عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد نجس نجاسة غليظة وجه قوله إنه
وجد معنى النجاسة فيه لإحالة الطبع إياه إلى خبث ونتن رائحة فأشبه غير المأكول من البهائم ولا ضرورة
إلى اسقاط اعتبار نجاسته لعدم المخالطة لأنها تكن المروج والمفاوز بخلاف الحمام ونحوه (ولهما) أن
الضرورة متحققة لأنها تذرق في الهواء فيتعذر صيانة الثياب والأواني عنها وكذا المخالطة ثابتة بخلاف
الدجاج والبط لأنهما لا يذرقان في الهواء فكانت الصيانة ممكنة وخرء الفارة نجس لاستحالته إلى خبث ونتن
رائحة واختلفوا في الثوب الذي أصابه بولها حكى عن بعض مشايخ بلخ أنه قال لو ابتليت به لغسلته فقيل له من لم
يغسله وصلى فيه فقال لا آمره بالإعادة وبول الخفافيش وخرؤها ليس بنجس لتعذر صيانة الثياب والأواني عنه
لأنها تبول في الهواء وهي فأرة طيارة فلهذا تبول (ومنها) الميتة التي لها دم سائل وجملة الكلام في الميتات
أنها نوعان أحدهما ما ليس له دم سائل والثاني ماله دم سائل (أما) الذي ليس له دم سائل فالذباب والعقرب
والزنبور والسرطان ونحوها وانه ليس بنجس عندنا وعند الشافعي نجس الا الذباب والزنبور فله فيهما قولان
(واحتج) بقوله تعالى حرمت عليكم الميتة والحرمة لا للاحترام دليل النجاسة (ولنا) ما روى عن سلمان
الفارسي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال موت كل حيوان ليس له نفس سائلة في الماء
لا يفسد وهذا نص في الباب وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا وقع الذباب
في إناء أحدكم فامقلوه ثم انقلوه فان في أحد جناحيه داء وفي الاخر دواء وهو يقدم الداء على الدواء ولا شك أن
62

الذباب مع ضعف بنيته إذا مقل في الطعام الحار يموت فلو أوجب التنجيس لكان الامر بالمقل أمرا بافساد المال
واضاعته مع نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وانه متناقض وحاشا أن يتناقض كلامه ولأنا لو
حكمنا بنجاستها لوقع الناس في الحرج لأنه يتعذر صون الأواني عنها فأشبه موت الدودة المتولدة عن الخل فيه
وبه تبين أن النص لم يتناول محل الضرورة والحرج مع ما أن السمك والجراد مخصوصان عن النص إذ هما ميتتان
بنص النبي صلى الله عليه وسلم والمخصص انعدام الدم المسفوح والدم المسفوح ههنا منعدم (وأما) الذي له دم
سائل فلا خلاف في الاجزاء التي فيها دم من اللحم والشحم والجلد ونحوها أنها نجسة لاحتباس الدم النجس فيها
وهو الدم المسفوح (وأما) الاجزاء التي لا دم فيها فإن كانت صلبة كالقرن والعظم والسن والحافر والخف والظلف
والشعر والصوف والعصب والإنفحة الصلبة فليست بنجسة عند أصحابنا وقال الشافعي الميتات كلها نجسة لظاهر
قوله تعالى حرمت عليكم الميتة والحرمة لا للاحترام دليل النجاسة ولأصحابنا طريقان أحدهما أن هذه الأشياء
ليست بميتة لان الميتة من الحيوان في عرف الشرع اسم لما زالت حياته لا بصنع أحد من العباد أو بصنع غير
مشروع ولا حياة في هذه الأشياء فلا تكون ميتة والثاني أن نجاسة الميتات ليست لأعيانها بل لما فيها من
الدماء السائلة والرطوبات النجسة ولم توجد في هذه الأشياء وعلى هذا ما أبين من الحي من هذه الاجزاء وإن كان
المبان جزأ فيه دم كاليد والاذن والانف ونحوها فهو نجس بالاجماع وان لم يكن فيه دم كالشعر والصوف
والظفر ونحوها فهو على الاختلاف وأما الإنفحة المائعة واللبن فطاهران عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف
ومحمد نجسان (لهما) أن اللبن وإن كان طاهرا في نفسه لكنه صار نجسا لمجاورة النجس ولأبي حنيفة قوله تعالى
وان لكم من الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين وصف اللبن مطلقا
بالخلوص والسيوغ مع خروجه من بين فرث ودم وذا آية الطهارة وكذا الآية خرجت مخرج الامتنان والمنة في
موضع النعمة تدل على الطهارة وبه تبين أنه لم يخالطه النجس إذ لا خلوص مع النجاسة ثم ما ذكرنا من الحكم في
اجزاء الميتة التي لا دم فيها من غير الآدمي والخنزير فاما حكمهما فيهما فاما الآدمي فعن أصحابنا فيه روايتان
في رواية نجسة لا يجوز بيعها والصلاة معها إذا كان أكثر من قدر الدرهم وزنا أو عرضا على حسب ما يليق به
ولو وقع في الماء القليل يفسده وفي رواية طاهر وهي الصحيحة لأنه لا دم فيها والنجس هو الدم ولأنه
يستحيل أن تكون طاهرة من الكلب نجسة من الآدمي المكرم الا أنه لا يجوز بيعها ويحرم الانتفاع بها احتراما
للآدمي كما إذا طحن سن الادمى مع الحنطة أو عظمه لا يباح تناول الخبز المتخذ من دقيقها لا لكونه نجسا بل
تعظيما له كيلا يصير متناولا من أجزاء الآدمي كذا هذا (وأما) الخنزير فقد روى عن أبي حنيفة أنه نجس العين
لان الله تعالى وصفه بكونه رجسا فيحرم استعمال شعره وسائر أجزائه الا أنه رخص في شعره للخرازين للضرورة
وروى عن أبي يوسف في غير رواية الأصول أنه كره ذلك أيضا نصا ولا يجوز بيعها في الروايات كلها ولو وقع شعره
في الماء القليل روى عن أبي يوسف أنه ينجس الماء وعن محمد أنه لا ينجس ما لم يغلب على الماء كشعر غيره وروى
عن أصحابنا في غير رواية الأصول أن هذه الاجزاء منه طاهرة لانعدام الدم فيها والصحيح أنها نجسة لان
نجاسة الخنزير ليست لما فيه من الدم والرطوبة بل لعينه (وأما) الكلب فالكلام فيه بناء على أنه نجس العين أم لا
وقد اختلف مشايخنا فيه فمن قال إنه نجس العين فقد الحقه بالخنازير فكان حكمه حكم الخنزير ومن قال إنه ليس
بنجس العين فقد جعله مثل سائر الحيوانات سوى الخنزير وهذا هو الصحيح لما نذكر (ومنها) سؤر الكلب والخنزير
عند عامه العلماء وجملة الكلام في الأسئار أنها أربعة أنواع نوع طاهر متفق على طهارته من غير كراهة ونوع
مختلف في طهارته ونجاسته ونوع مكروه ونوع مشكوك فيه (أما) السؤر الطاهر المتفق على طهارته فسؤر
الآدمي بكل حال مسلما كان أو مشركا صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى طاهرا أو نجسا حائضا أو جنبا الا في حال شرب
الخمر لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتى بعس من لبن فشرب بعضه وناول الباقي اعرابيا كان على
63

يمينه فشرب ثم ناوله أبا بكر فشرب وروى أن عائشة رضي الله عنها شربت من إناء في حال حيضها فوضع رسول
الله صلى الله عليه وسلم فمه على موضع فمها حبا لها فشرب ولان سؤره متحلب من لحمه ولحمه طاهر فكان سؤره
طاهرا الا في حال شرب الخمر لنجاسة فمه وقيل هذا إذا شرب الماء من ساعته فاما إذا شرب الماء بعد ساعة معتبرة
ابتلع بزاقه فيها ثلاث مرات يكون طاهرا عند أبي حنيفة خلافا لهما بناء على مسئلتين إحداهما إزالة النجاسة
الحقيقة عن الثوب والبدن بما سوى الماء من المائعات الطاهرة والثانية إزالة النجاسة الحقيقة بالغسل في الأواني
ثلاث مرات وأبو يوسف مع أبي حنيفة في المسألة الأولى ومع محمد في المسألة الثانية لكن اتفق جوابهما في هذه
المسألة لأصلين مختلفين أحدهما أن الصب شرط عند أبي يوسف ولم يوجد والثاني أن ما سوى الماء من المائعات
ليس بطهور عند محمد وبعض أصحاب الظواهر كرهوا سؤر المشرك لظاهر قوله تعالى إنما المشركون نجس
وعندنا هو محمول على نجاسة خبث الاعتقاد بدليل ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنزل وفد ثقيف في
المسجد وكانوا مشركين ولو كان عينهم نجسا لما فعل مع أمره بتطهير المسجد واخباره عن انزواء المسجد من
النخامة مع طهارتها وكذا سؤر ما يؤكل لحمه من الانعام والطيور الا الإبل الجلالة والبقرة الجلالة والدجاجة المخلاة
لان سؤره متولد من لحمه ولحمه طاهر وروى أن النبي صل الله عليه وسلم توضأ بسؤر بعير أو شاة الا انه يكره سؤر
الإبل الجلالة والبقرة الجلالة والدجاجة المخلاة لاحتمال نجاسة فمها ومنقارها لأنها تأكل النجاسة حتى لو كانت
محبوسة لا يكره (وصفة) الدجاجة المحبوسة أن لا يصل منقارها إلى ما تحت قدميها فإن كان يصل فهي مخلاة لان
احتمال بحث النجاسة قائم وأما سؤر الفرس فعلى قول أبى يوسف ومحمد طاهر لطهارة لحمه وعن أبي حنيفة
روايتان كما في لحمه في رواية الحسن نجس كلحمه وفي ظاهر الرواية طاهر كلحمه وهي رواية أبى يوسف عنه وهو
الصحيح لان كراهة لحمه لا لنجاسته بل لتقليل ارهاب العدو وآلة الكر والفر وذلك منعدم في السؤر والله أعلم
(وأما) السؤر المختلف في طهارته ونجاسته فهو سؤر الخنزير والكلب وسائر سباع الوحش فإنه نجس عند عامة
العلماء وقال مالك طاهر وقال الشافعي سؤر السباع كلها طاهر سوى الكلب والخنزير (أما) الكلام مع مالك فهو
يحتج بظاهر قوله تعالى وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا أباح الانتفاع بالأشياء كلها ولا يباح الانتفاع الا
بالطاهر الا أنه حرم أكل بعض الحيوانات وحرمة الاكل لا تدل على النجاسة كالآدمي وكذا الذباب والعقرب
والزنبور ونحوها طاهرة ولا يباح أكلها الا أنه يجب غسل الإناء من ولوغ الكلب مع طهارته تعبدا ولنا ما روى
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه ثلاثا وفى رواية خمسا وفي رواية سبعا
والامر بالغسل لم يكن تعبدا إذ لا قربة تحصل بغسل الأواني الا ترى أنه لو لم يقصد صب الماء فيه في المستقبل
لا يلزمه الغسل فعلم أنه لنجاسته ولان سؤر هذه الحيوانات متحلب من لحومها ولحومها نجسة ويمكن
التحرز عن سؤرها وصيانة الأواني عنها فيكون نجسا ضرورة (وأما) الكلام مع الشافعي فهو يحتج
بما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل أنتوضأ بما أفضلت الحمر فقال نعم
وبما أفضلت السباع كلها وعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المياه التي بين مكة والمدينة
وما يردها من السباع فقال صلى الله عليه وسلم لها ما حملت في بطونها وما بقي فهو لنا شراب وطهور وهذا نص
(ولنا) ما روى عن عمر وعمرو بن العاص انهما وردا حوضا فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض اترد السباع
حوضكم فقال عمر رضي الله عنه يا صاحب الحوض لا تخبرنا ولو لم يتنجس الماء القليل بشربها منه لم يكن للسؤال
ولا للنهي معنى ولان هذا حيوان غير مأكول اللحم ويمكن صون الأواني عنها ويختلط بشربها لعابها بالماء
ولعابها نجس لتحلبه من لحمها وهو نجس فكان سؤرها نجسا كسؤر الكلب والخنزير بخلاف الهرة لان
صيانة الأواني عنها غير تمكن وتأويل الحديثين انه كان قبل تحريم لحم السباع أو السؤال وقع عن المياه الكثيرة
وبه نقول إن مثلها لا ينجس (واما) السؤر المكروه فهو سؤر سباع الطير كالبازي والصقر والحدأة ونحوها
64

استحسانا والقياس أن يكون نجسا اعتبارا بلحمها كسؤر سباع الوحش وجه الاستحسان انها تشرب
بمنقارها وهو عظم جاف فلم يختلط لعابها بسؤرها بخلاف سؤر سباع الوحش ولان صيانة الأواني عنها
متعذرة لأنها تنقض من الهواء فتشرب بخلاف سباع الوحش الا انه يكره لان الغالب انها تتناول الجيف
والميتات فكان منقارها في معنى منقار الدجاجة المخلاة (وكذا) سؤر سواكن البيوت كالفأرة والحية
والوزغة والعقرب ونحوها (وكذا) سؤر الهرة في رواية الجامع الصغير وذكر في كتاب الصلاة أحب إلى أن
يتوضأ بغيره ولم يذكر الكراهة وعن أبي يوسف والشافعي لا يكره (واحتجا) بما روى أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يصغى لها الاناء فتشرب منه ثم يشرب ويتوضأ به (ولأبي) حنيفة ما روى أبو هريرة رضي الله عنه
موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الهرة سبع وهذا بيان حكمها وقال النبي
صلى الله عليه وسلم بغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا ومن ولوغ الهرة مرة والمعنى في كراهته من وجهين
أحدهما ما ذكره الطحاوي وهو ان الهرة نجسة لنجاسة لحمها لكن سقطت نجاسة سؤرها لضرورة الطواف
فبقيت الكراهة لامكان التحرز في الجملة والثاني ما ذكره الكرخي وهو انها ليست بنجسة لان النبي صلى الله عليه
وسلم نفى عنها النجاسة بقوله الهرة ليست بنجسة ولكن الكراهة لتوهم أخذها الفأرة فصار فمها كيد المستيقظ
من نومه وما روى من الحديث يحتمل انه كان قبل تحريم السباع ثم نسخ عل مذهب الطحاوي ويحتمل ان
النبي صلى الله عليه وسلم علم من طريق الوحي ان تلك الهرة لم يكن على فمها نجاسة على مذهب الكرخي أو يحمل
فعله صلى الله عليه وسلم على بيان الجواز وعلى هذا تناول بقية طعام أكلته وتركها التلحس القدر ان ذلك محمول
على تعليم الجواز ولو أكلت الفأرة ثم شربت الماء قال أبو حنيفة ان شربته على الفور تنجس الماء وان مكثت ثم
شربت لا يتنجس وقال أبو يوسف ومحمد يتنجس بناء على ما ذكرنا من الأصلين في سؤر شارب الخمر والله أعلم (وأما)
السؤر المشكوك فيه فهو سؤر الحمار والبغل في جواب ظاهر الرواية وروى الكرخي عن أصحابنا ان سؤرهما
نجس وقال الشافعي طاهر وجه قوله إن عرقه طاهر لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار معروريا
والحرحر الحجاز فقلما يسلم الثوب من عرقه وكان يصلى فيه فإذا كان العرق طاهرا فالسؤر أولى وجه رواية
الكرخي ان الأصل في سؤره النجاسة لان سؤره لا يخلو عن لعابه ولعابه متحلب من لحمه ولحمه نجس فلو سقط
اعتبار نجاسته إنما يسقط لضرورة المخالطة والضرورة متعارضة لأنه ليس في المخالطة كالهرة ولا في المجانبة
كالكلب فوقع الشك في سقوط حكم الأصل فلا يسقط بالشك وجه ظاهر الرواية ان الآثار تعارضت في طهارة
سؤره ونجاسته عن ابن عباس رضي الله عنه انه كان يقول الحمار يتعلف ألقت والتبن فسؤره طاهر وعن ابن عمر
رضي الله عنهما انه كان يقول إنه رجس وكذا تعارض الاخبار في أكل لحمه ولبنه روى في بعضها النهى وفى بعضها
الاطلاق وكذا اعتبار عرقه يوجب طهارة سؤره واعتبار لحمه ولبنه يوجب نجاسته وكذا تحقق أصل الضرورة
لدورانه في صحن الدار وشربه في الاناء يوجب طهارته وتقاعدها عن ضرورة الهرة باعتبار انه لا يعلو الغرف ولا
يدخل المضايق يوجب نجاسته والتوقف في الحكم عند تعارض الأدلة واجب فلذلك كان مشكوكا فيه فأوجبنا الجمع
بين التيمم وبين التوضؤ به احتياطا لان التوضؤ به لو جاز لا يضره التيمم ولو لم يجز التوضؤ به جازت صلاته بالتيمم
فلا يحصل الجواز بيقين الا بالجمع بينهما وأيهما قدم جاز عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر لا يجوز حتى يقدم الوضوء
على التيمم ليصير عادما للماء والصحيح قول أصحابنا الثلاثة لما ذكرنا انه إن كان طاهرا فقد توضأ به قدم أو أخر
وإن كان نجسا فغرضه التيمم وقد أتى به فان قيل في هذا ترك الاحتياط من وجه آخر لان على تقدير كونه
نجسا تنجس به أعضاؤه وثيابه فالجواب ان الحدث كان ثابتا بيقين فلا تحصل الطهارة بالشك والعضو والثوب
كل واحد منهما كان طاهرا بيقين فلا يتنجس بالشك وقال بعضهم الشك في طهوريته ثم من مشايخنا من جعل
هذا الجواب في سؤر الأتان وقال في سؤر الفحل انه نجس لأنه يشم البول فتتنجس شفتاه وهذا غير سديد لأنه
65

أمر موهوم لا يغلب وجوده فلا يؤثر في إزالة الثابت ومن مشايخنا من جعل الأسئار خمسة أقسام أربعة منها
ما ذكرنا وجعل الخامس منها السؤر النجس المتفق على نجاسته وهو سؤر الخنزير وليس كذلك لان في الخنزير
خلاف مالك كما في الكلب فانحصرت القسمة على أربعة (ومنها) الخمر والسكر أما الخمر فلان الله تعالى سماه رجسا
في آية تحريم الخمر فقال رجس من عمل الشيطان والرجس هو النجس ولان كل واحد منهما حرام والحرمة
لا للاحترام دليل النجاسة (ومنها) غسالة النجاسة الحقيقية وجملة الكلام ان غسالة النجاسة نوعان غسالة
النجاسة الحقيقية وغسالة النجاسة الحكمية وهي الحدث اما غسالة النجاسة الحقيقية وهي ما إذا غسلت النجاسة
الحقيقية ثلاث مرات فالمياه الثلاث نجسة لأن النجاسة انتقلت إليها إذ لا يخلو كل ماء عن نجاسة فأوجب
تنجيسها وحكم المياه الثلاث في حق المنع من جواز التوضؤ بها والمنع من جواز الصلاة بالثوب الذي أصابته
سواء لا يختلف وأما في حق تطهير المحل الذي أصابته فيختلف حكمها حتى قال مشايخنا ان الماء الأول إذا أصاب
ثوبا لا يطهر الا بالعصر والغسل مرتين بعد العصر والماء الثاني يطهر بالغسل مرة بعد العصر والماء الثالث
يطهر بالعصر لا غير لان حكم كل ماء حين كان في الثوب الأول كان هكذا فكذا في الثوب الذي أصابه واعتبروا
ذلك بالدلو المنزوح من البئر النجسة إذا صب في بئر طاهرة ان الثانية تطهر بما تطهر به الأولى كذا هذا وهل يجوز
الانتفاع بالغسالة فيما سوى الشرب والتطهير من بل الطين وسقى الدواب ونحو ذلك فإن كان قد تغير طعمها
أو لونها أو ريحها لا يجوز الانتفاع لأنه لما تغير دل ان النجس غالب فالتحق بالبول وان لم يتغير شئ من ذلك يجوز
لأنه لما لم يتغير دل ان النجس لم يغلب على الطاهر والانتفاع بما ليس بنجس العين مباح في الجملة وعلى هذا إذا وقعت
الفارة في السمن فماتت فيه انه إن كان جامدا تلقى الفأرة وما حولها ويؤكل الباقي وإن كان ذائبا لا يؤكل ولكن
يستصبح به ويدبغ به الجلد ويجوز بيعه وينبغي للبائع ان يبين عيبه فإن لم يبين وباعه ثم علم به المشترى فهو
بالخيار ان شاء رده وان شاء رضى به وقال الشافعي رحمه الله لا يجوز بيعه ولا الانتفاع به (واحتج) بما روى
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة ماتت في سمن فقال إن كان
جامدا فالقوها وما حولها وكلوا الباقي وإن كان ذائبا فأريقوه ولو جاز الانتفاع به لما أمر بإراقته ولأنه نجس
فلا يجوز الانتفاع به ولا بيعه كالخمر (ولنا) ما روى ابن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة
ماتت في سمن فقال تلقى الفأرة وما حولها ويؤكل الباقي فقيل يا رسول الله أرأيت لو كان السمن ذائبا فقال
لا تأكلوا ولكن انتفعوا به وهذا نص في الباب ولأنها في الجامد لا تجاور الا ما حولها وفى الذائب تجاور الكل
فصار الكل نجسا وأكل النجس لا يجوز فاما الانتفاع بما ليس بنجس العين فمباح كالثوب النجس وأمر النبي
صلى الله عليه وسلم بالقاء ما حولها في الجامد وإراقة الذائب في حديث أبي موسى لبيان حرمة الاكل لان معظم
الانتفاع بالسمن هو الاكل والحد الفاصل بين الجامد والذائب انه إن كان بحال لوقور ذلك الموضع لا يستوى من
ساعته فهو جامد وإن كان يستوى من ساعته فهو ذائب وإذا دبغ به الجلد يؤمر بالغسل ثم إن كان ينعصر بالعصر
يغسل ويعصر ثلاث مرات وإن كان لا ينعصر لا يطهر عند محمد أبدا وعند أبي يوسف يغسل ثلاث مرات ويجفف
في كل مرة وعلى هذا مسائل نذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى (واما) غسالة النجاسة الحكمية وهي الماء المستعمل
فالكلام في الماء المستعمل يقع في ثلاثة مواضع أحدها في صفته أنه طاهر أم نجس والثاني في أنه في أي حال يصبر
مستعملا والثالث في أنه باي سبب يصير مستعملا (أما) الأول فقد ذكر في ظاهر الرواية أنه لا يجوز التوضؤ به ولم
يذكر أنه طاهر أم نجس وروى محمد عن أبي حنيفة أنه طاهر غير طهور وبه أخذ الشافعي وهو أظهر أقوال الشافعي
وروى أبو يوسف والحسن بن زياد عنه أنه نجس غير أن الحسن روى عنه أنه نجس نجاسة غليظة يقدر فيه بالدرهم
وبه أخذ وأبو يوسف روى عنه أنه نجس نجاسة خفيفة يقدر فيه بالكثير الفاحش وبه أخذ وقال زفر إن كان
المستعمل متوضأ فالماء المستعمل طاهر وطهور وإن كان محدثا فهو طاهر غير طهور وهو أحد أقاويل الشافعي وفى
66

قول له انه طاهر وطهور بكل حال وهو قول مالك ثم مشايخ بلخ حققوا الخلاف فقالوا الماء المستعمل نجس عند أبي
حنيفة وأبى يوسف وعند محمد طاهر غير طهور ومشايخ العراق لم يحققوا الخلاف فقالوا إنه طاهر غير طهور عند
أصحابنا حتى روى عن القاضي أبى حازم العراقي انه كان يقول إنا نرجو أن لا تثبت رواية نجاسة الماء المستعمل عن
أبي حنيفة وهو اختيار المحققين من مشايخنا بما وراء النهر وجه قول من قال إنه طهور ما روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال الماء طهور لا ينجسه شئ الا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه ولم يوجد التغير بعد الاستعمال ولان هذا
ماء طاهر لاقى عضوا طاهرا فلا يصير نجسا كالماء الطاهر إذا غسل به ثوب طاهر والدليل على أنه لاقى محلا طاهرا ان
أعضاء المحدث طاهرة حقيقة وحكما اما الحقيقة فلانعدام النجاسة الحقيقية حسا ومشاهدة وأما الحكم فلما روى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر في بعض سكك المدينة فاستقبله حذيفة بن اليمان فأراد النبي صلى الله عليه
وسلم ان يصافحه فامتنع وقال إني جنب يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان المؤمن لا ينجس وروى أنه
صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها ناوليني الخمرة فقالت انى حائض فقال ليست حيضتك في يدك ولهذا جاز
صلاة حامل المحدث والجنب وحامل النجاسة لا تجوز صلاته وكذلك عرقه طاهر وسؤره طاهر وإذا كانت أعضاء
المحدث طاهرة كان الماء الذي لاقاها طاهرا ضرورة لان الطاهر لا يتغير عما كان عليه الا بانتقال شئ من النجاسة
إليه ولا نجاسة في المحل على ما مر فلا يتصور الانتقال فبقي طاهرا وبهذا يحتج محمد لاثبات الطهارة الا انه لا
يجوز التوضؤ به لأنا تعبدنا باستعمال الماء عند القيام إلى الصلاة شرعا غير معقول التطهير لان تطهير الطاهر
محال والشرع ورد باستعمال الماء المطلق وهو الذي لا يقوم به خبث ولا معنى يمنع جواز الصلاة وقد قام بالماء
المستعمل أحد هذين المعنيين اما على قول محمد فلانه أقيم به قربة إذا توضأ به لأداء الصلاة لأن الماء إنما يصير
مستعملا بقصد التقرب عنده وقد ثبت بالأحاديث ان الوضوء سبب لإزالة الآثام عن المتوضئ للصلاة فينتقل
ذلك إلى الماء فيتمكن فيه نوع خبث كالمال الذي تصدق به ولهذا سميت الصدقة غسالة الناس واما على قول
زفر فلانه قام به معنى مانع من جواز الصلاة وهو الحدث لأن الماء عنده إنما يصير مستعملا بإزالة الحدث وقد
انتقل الحدث من البدن إلى الماء ثم الخبث والحدث وإن كانا من صفات المحل والصفات لا تحتمل الانتقال لكن الحق
ذلك بالعين النجسة القائمة بالمحل حكما والأعيان الحقيقية قابلة للانتقال فكذا ما هو ملحق بها شرعا وإذا قام بهذا الماء
أحد هذين المعنيين لا يكون في معنى الماء المطلق فيقتصر الحكم عليه على الأصل المعهود ان ما لا يعقل من الأحكام
يقتصر على المنصوص عليه ولا يتعدى إلى غيره الا إذا كان في معناه من كل وجه ولم يوجد وجه رواية النجاسة
ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من جنابة حرم
الاغتسال في الماء القليل لاجماعنا على أن الاغتسال في الماء الكثير ليس بحرام فلولا أن القليل من الماء ينجس
بالاغتسال بنجاسة الغسالة لم يكن للنهي معنى لان القاء الطاهر في الطاهر ليس بحرام اما تنجيس الطاهر فحرام فكان
هذا نهيا عن تنجيس الماء الطاهر بالاغتسال وذا يقتضى التنجيس به ولا يقال إنه يحتمل انه نهى لما فيه من اخراج
الماء من أن يكون مطهرا من غير ضرورة وذلك حرام لأنا نقول الماء القليل إنما يخرج عن كونه مطهرا
باختلاط غير المطهر به إذا كان الغير غالبا عليه كماء الورد واللبن ونحو ذلك فاما إذا كان مغلوبا فلا وههنا الماء المستعمل
ما يلاقى البدن ولا شك ان ذلك أقل من غير المستعمل فكيف يخرج به من أن يكون مطهرا فاما ملاقاة النجس
الطاهر فتوجب تنجيس الطاهر وان لم يغلب على الطاهر لاختلاطه بالطاهر على وجه لا يمكن التمييز بينهما فيحكم
بنجاسة الكل فثبت ان النهى لما قلنا ولا يقال إنه يحتمل انه نهى لان أعضاء الجنب لا تخلو عن النجاسة الحقيقية
وذا يوجب تنجيس الماء القليل لأنا نقول الحديث مطلق فيجب العمل باطلاقه ولان النهى عن الاغتسال
ينصرف إلى الاغتسال المسنون لأنه هو المتعارف فيما بين المسلمين والمسنون منه هو إزالة النجاسة الحقيقية
عن البدن قبل الاغتسال على أن النهى عن إزالة النجاسة الحقيقية التي على البدن استفيد بالنهي عن البول فيه
67

فوجب حمل النهى عن الاغتسال فيه على ما ذكرنا صيانة الكلام صاحب الشرع عن الإعادة الخالية عن الإفادة
ولان هذا مما تستخبثه الطباع السليمة فكان محرما لقوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث والحرمة لا للاحترام
دليل النجاسة ولان الأمة أجمعت على أن من كان في السفر ومعه ماء يكفيه لوضوئه وهو بحال يخاف على نفسه
العطش يباح له التيمم ولو بقي الماء طاهرا بعد الاستعمال لما أبيح لأنه يمكنه ان يتوضأ ويأخذ الغسالة في إناء نظيف
ويمسكها للشرب والمعنى في المسألة من وجهين أحدهما في المحدث خاصة والثاني يعم الفصلين اما الأول فلان
الحدث هو خروج شئ نجس من البدن وبه يتنجس بعض البدن حقيقة فيتنجس الباقي تقديرا ولهذا أمرنا بالغسل
والوضوء وسمى تطهيرا وتطهير الطاهر لا يعقل فدل تسميتها تطهيرا على النجاسة تقديرا ولهذا لا يجوز له أداء الصلاة
التي هي من باب التعظيم ولولا النجاسة المانعة من التعظيم لجازت فثبت ان على أعضاء المحدث نجاسة تقديرية
فإذا توضأ انتقلت تلك النجاسة إلى الماء فيصير الماء نجسا تقديرا وحكما والنجس قد يكون حقيقا وقد يكون
حكميا كالخمر والثاني ما ذكرنا انه يزيل نجاسة الآثام وخبثها فنزل ذلك منزلة خبث الخمر إذا أصاب الماء ينجسه كذا
هذا ثم إن أبا يوسف جعل نجاسته خفيفة لعموم البلوى فيه لتعذر صيانة الثياب عنه ولكونه محل الاجتهاد
فأوجب ذلك خفة في حكمه والحسن جعل نجاسته غليظة لأنها نجاسة حكمية وانها أغلظ من الحقيقية الا ترى
انه عفى عن القليل من الحقيقية دون الحكمية بان بقي على جسده لمعة يسيرة وعلى هذا الأصل ينبنى ان التوضؤ
في المسجد مكروه عند أبي حنيفة وأبى يوسف وقال محمد لا بأس به إذا لم يكن عليه قذر فمحمد مر على أصله انه طاهر
وأبو يوسف مر على أصله انه نجس واما عند أبي حنيفة فعلى رواية النجاسة لا يشكل واما على رواية الطهارة
فلانه مستقذر طبعا فيجب تنزيه المسجد عنه كما يجب تنزيهه عن المخاط والبلغم ولو اختلط الماء المستعمل بالماء
القليل قال بعضهم لا يجوز التوضؤ به وان قل وهذا فاسد اما عند محمد فلانه طاهر لم يغلب على الماء المطلق فلا
يغيره عن صفة الطهورية كاللبن واما عندهما فلان القليل مما لا يمكن التحرز عنه يجعل عفوا ولهذا قال ابن
عباس رضي الله عنه حين سئل عن القليل منه لا بأس به وسئل الحسن البصري عن القليل فقال ومن يملك نشر
الماء وهو ما تطاير منه عن الوضوء وانتشر أشار إلى تعذر التحرز عن القليل فكان القليل عفوا ولا تعذر في الكثير
فلا يكون عفوا ثم الكثير عند محمد ما يغلب على الماء المطلق وعندهما ان يتبين مواقع القطرة في الاناء (واما)
بيان حال الاستعمال وتفسير الماء المستعمل فقال بعض مشايخنا الماء المستعمل ما زايل البدن واستقر في مكان
وذكر في الفتاوى ان الماء إذا زال عن البدن لا ينجس ما لم يستقر على الأرض أو في الاناء وهذا مذهب سفيان
الثوري فاما عندنا فما دام على العضو الذي استعمله فيه لا يكون مستعملا وإذا زايله صار مستعملا وان لم يستقر
على الأرض أو في الاناء فإنه ذكر في الأصل إذا مسح رأسه بماء أخذه من لحيته لم يجزء وان لم يستقر على الأرض أو
في الاناء وذكر في باب المسح على الخفين ان من مسح على خفيه وبقى في كفه بلل فمسح به رأسه لا يجزيه وعلل بان
هذا ماء قد مسح به مرة أشار إلى صيرورته مستعملا وان لم يستقر على الأرض أو في الاناء وقالوا فيمن توضأ وبقى
على رجله لمعة فغسلها ببلل أخذه من عضو آخر لا يجوز وان لم يوجد الاستقرار على المكان فدل على أن المذهب
ما قلنا (اما) سفيان فقد استدل بمسائل زعم أنها تدل على صحة ما ذهب إليه (منها) إذا توضأ أو اغتسل وبقى
على يده لمعة فاخذ البلل منها في الوضوء أو من أي عضو كان في الغسل وغسل اللمعة يجوز (ومنها) إذا توضأ وبقى
في كفه بلل فمسح به رأسه يجوز وان زايل العضو الذي استعمله فيه لعدم الاستقرار في مكان (ومنها) إذا مسح
أعضاءه بالمنديل وابتل حتى صار كثيرا فاحشا أو تقاطر الماء على ثوب مقدار الكثير الفاحش جاز الصلاة معه
ولو أعطى له حكم الاستعمال عند المزايلة لما جازت (ولنا) ان القياس ان يصير الماء مستعملا بنفس الملاقاة
لما ذكرنا فيما تقدم أنه وجد سبب صيرورته مستعملا وهو إزالة الحدث أو استعماله على وجه القربة وقد حصل
ذلك بمجرد الملاقاة فكان ينبغي ان يؤخذ لكل جزء من العضو جزء من الماء الا ان في ذلك حرجا فالشرع أسقط
68

اعتبار حالة الاستعمال في عضو واحد حقيقة أو في عضو واحد حكما كما في الجنابة ضرورة دفع الحرج فإذا زايل
العضو زالت الضرورة فيظهر حكم الاستعمال بقضية القياس وقد خرج الجواب عن المسألة الأولى (واما) المسألة
الثانية فقد ذكر الحاكم الجليل انها على التفصيل ان لم يكن استعمله في شئ من أعضائه يجوز اما إذا كان استعمله
لا يجوز والصحيح أنه يجوز وان استعمله في المغسولات لان فرض الغسل إنما تأدى بماء جرى على عضوه لا بالبلة
الباقية فلم تكن هذه البلة مستعملة بخلاف ما إذا استعمله في المسح على الخف ثم مسح به رأسه حيث لا يجوز لان
فرض المسح يتأدى بالبلة وتفصيل الحاكم محمول على هذا وما مسح بالمنديل أو تقاطر على الثوب فهو مستعمل الا
انه لا يمنع جواز الصلاة لأن الماء المستعمل طاهر عند محمد وهو المختار وعندهما وإن كان نجسا لكن سقوط اعتبار
نجاسته ههنا لمكان الضرورة (واما) بيان سبب صيرورة الماء مستعملا فعند أبي حنيفة وأبى يوسف الماء إنما يصير
مستعملا بأحد أمرين اما بإزالة الحدث أو بإقامة القربة وعند محمد لا يصير مستعملا الا بإقامة القربة وعند زفر
والشافعي لا يصير مستعملا الا بإزالة الحدث وهذا الاختلاف لم ينقل عنهم نصا لكن مسائلهم تدل عليه والصحيح
قول أبي حنيفة وأبى يوسف لما ذكرنا من زوال المانع من الصلاة إلى الماء واستخباث الطبيعة إياه في الفصلين
جميعا إذا عرفنا هذا فنقول إذا توضأ بنية إقامة القربة نحو الصلاة المعهودة وصلاة الجنازة ودخول المسجد ومس
المصحف وقراءة القرآن ونحوها فإن كان محدثا صار الماء مستعملا بلا خلاف لوجود السببين وهو إزالة الحدث
وإقامة القربة جميعا وان لم يكن محدثا يصير مستعملا عند أصحابنا الثلاثة لوجود إقامة القربة لكون الوضوء
على الوضوء نورا على نور وعند زفر والشافعي لا يصير مستعملا لانعدام إزالة الحدث ولو توضأ أو اغتسل للتبرد
فإن كان محدثا صار الماء مستعملا عند أبي حنيفة وأبى يوسف وزفر والشافعي لوجود إزالة الحدث وعن محمد
لا يصير مستعملا لعدم إقامة القربة وان لم يكن محدثا لا يصير مستعملا بالاتفاق على اختلاف الأصول ولو توضأ
بالماء المقيد كماء الورد ونحوه لا يصير مستعملا بالاجماع لان التوضؤ به غير جائز فلم يوجد إزالة الحدث ولا إقامة
القربة وكذا إذا غسل الأشياء الطاهرة من النبات والثمار والأواني والأحجار ونحوها أو غسل يده من الطين
والوسخ وغسلت المرأة يدها من العجين أو الحناء ونحو ذلك لا يصير مستعملا لما قلنا ولو غسل يده للطعام أو من
الطعام لقصد إقامة السنة صار الماء مستعملا لان إقامة السنة قربة لقول النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء
قبل الطعام بركة وبعده ينفى اللمم ولو توضأ ثلاثا ثلاثا ثم زاد على ذلك فان أراد بالزيادة ابتداء الوضوء صار الماء
مستعملا لما قلنا وان أراد الزيادة على الوضوء الأول اختلف المشايخ فيه فقال بعضهم لا يصير مستعملا لان الزيادة
على الثلاث من باب التعدي بالنص وقال بعضهم يصير مستعملا لان الزيادة في معنى الوضوء على الوضوء فكانت
قربة ولو أدخل جنب أو حائض أو محدث يده في الاناء قبل أن يغسلها وليس عليها قذر أو شرب الماء منه فقياس
أصل أبي حنيفة وأبى يوسف ان يفسد وفى الاستحسان لا يفسد وجه القياس أن الحدث زال عن يده بادخالها في الماء
وكذا عن شفته فصار مستعملا وجه الاستحسان ما روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت كنت أنا ورسول الله
صلى الله عليه وسلم نغتسل من إناء واحد وربما كانت تتنازع فيه الأيدي وروينا أيضا عن عائشة رضي الله عنها انها
كانت تشرب من إناء وهي حائض وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب من ذلك الاناء وكان يتتبع مواضع فمها
حبا لها ولان التحرز عن إصابة الحدث والجنابة والحيض غير ممكن وبالناس حاجة إلى الوضوء والاغتسال والشرب
وكل واحد لا يملك الاناء ليغترف الماء من الاناء العظيم ولا كل أحد يملك أن يتخذ آنية على حدة للشرب فيحتاج إلى
الاغتراف باليد والشرب من كل آنية فلو لم يسقط اعتبار نجاسة اليد والشفة لوقع الناس في الحرج حتى لو أدخل
رجله فيه يفسد الماء لانعدام الحاجة إليه في الاناء ولو أدخلها في البئر لم يفسده كذا ذكر أبو يوسف في الأمالي لأنه
يحتاج إلى ذلك في البئر لطلب الدلو فجعل عفوا ولو أدخل في الاناء أو البئر بعض جسده سوى اليد والرجل أفسده
لأنه لا حاجة إليه وعلى هذا الأصل تخرج مسألة البئر إذا انغمس الجنب فيها لطلب الدلو لا بنية الاغتسال وليس على
69

بدنه نجاسة حقيقية والجملة فيه أن الرجل المنغمس لا يخلو اما أن يكون طاهرا أو لم يكن بأن كان على بدنه نجاسة
حقيقية أو حكمية كالجنابة والحدث وكل وجه على وجهين اما أن ينغمس لطلب الدلو أو للتبرد أو للاغتسال وفى
المسألة حكمان حكم الماء الذي في البئر وحكم الداخل فيها فإن كان طاهرا أو انغمس لطلب الدلو أو للتبرد لا يصير
مستعملا بالاجماع لعدم إزالة الحدث وإقامة القربة وان انغمس فيها للاغتسال صار الماء مستعملا عند أصحابنا
الثلاثة لوجود إقامة القربة وعند زفر والشافعي لا يصير مستعملا لانعدام إزالة الحدث والرجل طاهر في الوجهين
جميعا وان لم يكن طاهرا فإن كان على بدنه نجاسة حقيقية وهو جنب أولا فانغمس في ثلاثة آبار أو أكثر من
ذلك لا يخرج من الأولى والثانية طاهرا بالاجماع ويخرج من الثالثة طاهرا عند أبي حنيفة ومحمد والمياه الثلاثة
نجسة لكن نجاستها على التفاوت على ما ذكرنا وعند أبي يوسف المياه كلها نجسة والرجل نجس سواء انغمس
لطلب الدلو أو التبرد أو الاغتسال وعندهما ان انغمس لطلب الدلو أو التبرد فالمياه باقية على حالها وإن كان
الانغماس للاغتسال فالماء الرابع فصاعدا مستعمل لوجود إقامة القربة وإن كان على يده نجاسة حكمية فقط فان
أدخلها لطلب الدلو أو التبرد يخرج من الأولى طاهرا عند أبي حنيفة ومحمد هو الصحيح لزوال الجنابة بالانغماس مرة
واحدة وعند أبي يوسف هو نجس ولا يخرج طاهرا أبدا وأما حكم المياه فالماء الأول مستعمل عند أبي حنيفة
لوجود إزالة الحدث والبواقي على حالها لانعدام ما يوجب الاستعمال أصلا وعند أبي يوسف ومحمد المياه كلها
على حالها أما عند محمد فظاهر لأنه لم يوجد إقامة القربة بشئ منها وأما أبو يوسف فقد ترك أصله عند الضرورة
على ما يذكر وروى بشر عنه أن المياه كلها نجسة وهو قياس مذهبه والحاصل أن عند أبي حنيفة ومحمد يطهر
النجس بوروده على الماء القليل كما يطهر بورود الماء عليه بالصب سواء كان حقيقيا أو حكميا علي البدن أو على
غيره غير أن النجاسة الحقيقية لا تزول الا بالملاقاة ثلاث مرات والحكمية تزول بالمرة الواحدة وعند أبي يوسف
لا يطهر النجس عن البدن بوروده على الماء القليل الراكد قولا واحدا وله في الثوب قولان أما الكلام في النجاسة
الحقيقية في الطرفين فسيأتي في بيان ما يقع به التطهير وأما النجاسة الحكمية فالكلام فيها على نحو الكلام في
الحقيقية فأبو يوسف يقول الأصل أن ملاقاة أول عضو المحدث الماء يوجب صيرورته مستعملا فكذا ملاقاة
أول عضو الطاهر الماء على قصد إقامة القربة وإذا صار الماء مستعملا بأول الملاقاة لا تتحقق طهارة بقية الأعضاء
بالماء المستعمل فيجب العمل بهذا الأصل الا عند الضرورة كالجنب والمحدث إذا أدخل يده في الاناء لاغتراف
الماء لا يصير مستعملا ولا يزول الحدث إلى الماء لمكان الضرورة وههنا ضرورة لحاجة الناس إلى اخراج الدلاء من
الآبار فترك أصله لهذه الضرورة ولان هذا الماء لو صار مستعملا إنما يصير مستعملا بإزالة الحدث ولو أزال
الحدث لتنجس ولو تنجس لا يزيل الحدث وإذا لم يزل الحدث بقي طاهرا وإذا بقي طاهرا يزيل الحدث فيقع الدور
فقطعنا الدور من الابتداء فقلنا إنه لا يزيل الحدث عنه فبقي هو بحاله والماء على حاله وأبو حنيفة ومحمد يقولان
ان النجاسة تزول بورود الماء عليها فكذا بورودها على الماء لان زوال النجاسة بواسطة الاتصال والملاقاة
بين الطاهر والنجس موجودة في الحالين ولهذا ينجس الماء بعد الانفصال في الحالين جميعا في النجاسة الحقيقية
الا أن حالة الاتصال لا يعطى لها حكم النجاسة والاستعمال لضرورة امكان التطهير والضرورة متحققة في
الصب إذ كل واحد لا يقدر عليه على كل حال فامتنع ظهور حكمه في هذه الحالة ولا ضرورة بعد الانفصال
فيظهر حكمه وعلى هذا إذا أدخل رأسه أو خفه أو جبيرته في الاناء وهو محدث قال أبو يوسف يجزئه في المسح
ولا يصير الماء مستعملا سواء نوى أو لم ينو لوجود أحد سببي الاستعمال وإنما كان لان فرض المسخ يتأدى بإصابة
البلة إذ هو اسم للإصابة دون الإسالة فلم يزل شئ من الحدث إلى الماء الباقي في الاناء وإنما زال إلى البلة وكذا إقامة
القربة تحصل بها فاقتصر حكم الاستعمال عليها وقال محمد ان لم ينو المسح يجزئه ولا يصير الماء مستعملا لأنه لم
توجد إقامة القربة فقد مسح بماء غير مستعمل فأجزأه وان نوى المسح اختلف المشايخ على قوله قال بعضهم
70

لا يجزئه ويصير الماء مستعملا لأنه لما لاقى رأسه الماء على قصد إقامة القربة صيره مستعملا ولا يجوز المسح بالماء
المستعمل والصحيح انه يجوز ولا يصير الماء مستعملا بالملاقاة لأن الماء إنما يأخذ حكم الاستعمال بعد الانفصال
فلم يكن مستعملا قبله فيجزئه المسح به جنب على يده قذر فاخذ الماء بفمه وصبه عليه روى المعلى عن أبي يوسف
انه لا يطهر لأنه صار مستعملا بإزالة الحدث عن الفم والماء المستعمل لا يزيل النجاسة بالاجماع وذكر محمد في
الآثار انه يطهر لأنه لم يقم به قربة فلم يصر مستعملا والله أعلم
* (فصل) * وأما بيان المقدار الذي يصير به المحل نجسا شرعا فالنجس لا يخلو اما أن يقع في المائعات كالماء والخل
ونحوهما واما أن يصيب الثوب والبدن ومكان الصلاة فان وقع في الماء فإن كان جاريا فإن كان النجس غير مرئي
كالبول والخمر ونحوهما لا ينجس ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه ويتوضأ منه من أي موضع كان من الجانب الذي
وقع فيه النجس أو من جانب آخر كذا ذكره محمد في كتاب الأشربة لو أن رجل صب خابية من الخمر في الفرات
ورجل آخر أسفل منه يتوضأ به ان تغير لونه أو طعمه أو ريحه لا يجوز وان لم يتغير يجوز وعن أبي حنيفة في الجاهل
بال في الماء الجاري ورجل أسفل منه يتوضأ به قال لا بأس به هذا لأن الماء الجاري مما لا يخلص بعضه إلى بعض
فالماء الذي يتوضأ به يحتمل أنه نجس ويحتمل انه طاهر والماء طاهر في الأصل فلا نحكم بنجاسته بالشك وإن كانت
النجاسة مرئية كالجيفة ونحوها فإن كان جميع الماء يجرى على الجيفة لا يجوز التوضؤ من أسفل الجيفة
لأنه نجس بيقين والنجس لا يطهر بالجريان وإن كان أكثره يجرى على الجيفة فكذلك لان العبرة للغالب وإن كان
أقله يجرى على الجيفة والأكثر يجرى على الطاهر يجوز التوضؤ به من أسفل الجيفة لان المغلوب ملحق بالعدم في
أحكام الشرع وإن كان يجرى عليها النصف أو دون النصف فالقياس أن يجوز التوضؤ به لأن الماء كان طاهرا
بيقين فلا يحكم بكونه نجسا بالشك وفى الاستحسان لا يجوز احتياطا وعلى هذا إذا كان النجس عند الميزاب والماء
يجرى عليه فهو على التفصيل الذي ذكرنا وإن كانت الأنجاس متفرقة على السطح ولم تكن عند الميزاب ذكر عيسى
ابن أبان أنه لا يصير نجسا ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه وحكمه حكم الماء الجاري وقال محمد إن كانت النجاسة
في جانب من السطح أو جانبين منه لا ينجس الماء ويجوز التوضؤ به وإن كانت في ثلاثة جوانب ينجس اعتبارا
للغالب وعن محمد في ماء المطر إذا مر بعذرات ثم استنقع في موضع فخاض فيه انسان ثم دخل المسجد فصلى لا بأس
به وهو محمول على ما إذا مر أكثره على الطاهر واختلف المشايخ في حد الجريان قال بعضهم هو أن يجرى بالتبن
والورق وقال بعضهم إن كان بحيث لو وضع رجل يده في الماء عرضا لم ينقطع جريانه فهو جار والا فلا وروى عن أبي
يوسف إن كان بحال لو اغترف انسان الماء بكفيه لم ينحسر وجه الأرض بالاغتراف فهو جار والا فلا وقيل ما يعده
الناس جاريا فهو جار ومالا فلا وهو أصح الأقاويل وإن كان راكدا فقد اختلف فيه قال أصحاب الظواهر ان
الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه أصلا سواء كان جاريا أو راكدا وسواء كان قليلا أو كثيرا تغير لونه أو طعمه
أو ريحه أو لم يتغير وقال عامة العلماء إن كان الماء قليلا ينجس وإن كان كثيرا لا ينجس لكنهم اختلفوا في الحد الفاصل
بين القليل والكثير قال مالك ان تغير لونه أو طعمه أو ريحه فهو قليل وان لم يتغير فهو كثير وقال الشافعي إذا بلغ
الماء قلتين فهو كثير والقلتان عنده خمس قرب كل قربة خمسون منا فيكون جملته مائتين وخمسين منا وقال
أصحابنا إن كان بحال يخلص بعضه إلى بعض فهو قليل وإن كان لا يخلص فهو كثير فاما أصحاب الظواهر فاحتجوا
بظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شئ (واحتج) مالك بقوله صلى الله عليه وسلم خلق الماء
طهورا لا ينجسه شئ الا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه وهو تمام الحديث أو بنى العام على الخاص عملا بالدليلين
(واحتج) الشافعي بقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغ الماء قلتين لا يحمل خبثا أي يدفع الخبث عن نفسه قال
الشافعي قال ابن جريح أراد بالقلتين قلال هجر كل قلة يسع فيها قربتان وشئ قال الشافعي وهو شئ مجهول فقدرته
بالنصف احتياطا (ولنا) ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن
71

يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدرى أين باتت يده ولو كان الماء لا ينجس بالغمس لم يكن للنهي والاحتياط
لوهم النجاسة معنى وكذا الاخبار مستفيضة بالامر بغسل الإناء من ولوغ الكلب مع أنه لا يغير لونه ولا طعمه
ولا ريحه وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من جنابة
من غير فصل بين دائم ودائم وهذا نهى عن تنجيس الماء لان البول والاغتسال فيما لا يتنجس لكثرته ليس بمنهى
فدل على كون الماء الدائم مطلقا محتملا للنجاسة إذا النهى عن تنجيس مالا يحتمل النجاسة ضرب من السفه وكذا
الماء الذي يمكن الاغتسال فيه يكون أكثر من قلتين والبول والاغتسال فيه لا يغير لونه ولا طعمه ولا ريحه وعن
ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما أنهما أمرا في زنجي وقع في بئر زمزم بنزح ماء البئر كله ولم يظهر أثره في الماء
وكان الماء أكثر من قلتين وذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكر عليهما أحد فانعقد الاجماع من
الصحابة على ما قلنا وعرف بهذا الاجماع أن المراد بما رواه مالك هو الماء الكثير الجاري وبه تبين أن ما رواه
الشافعي غير ثابت لكونه مخالفا لاجماع الصحابة رضي الله عنهم وخبر الواحد إذا ورد مخالفا للاجماع يرد يدل
عليه أن علي بن المديني قال لا يثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أبو داود السجستاني وقال
لا يكاد يصح لواحد من الفريقين حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تقدير الماء ولهذا رجع أصحابنا في
التقدير إلى الدلائل الحسية دون الدلائل السمعية ثم اختلفوا في تفسير الخلوص فاتفقت الروايات عن أصحابنا أنه
يعتبر الخلوص بالتحريك وهو أنه إن كان بحال لو حرك طرف منه يتحرك الطرف الآخر فهو مما يخلص وإن كان
لا يتحرك فهو مما لا يخلص وإنما اختلفوا في جهة التحريك فروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه يعتبر التحريك
بالاغتسال من غير عنف وروى محمد عنه أنه يعتبر التحريك بالوضوء وفى رواية باليد من غير اغتسال ولا وضوء
واختلف المشايخ فالشيخ أبو حفص الكبير البخاري اعتبر الخلوص بالصبغ وأبو نصر محمد بن محمد بن سلام اعتبره
بالتكدير وأبو سليمان الجوزجاني اعتبره بالمساحة فقال إن كان عشرا في عشر فهو مما لا يخلص وإن كان
دونه فهو مما يخلص وعبد الله بن المبارك اعتبره بالعشرة أولا ثم بخمسة عشر واليه ذهب أبو مطيع البلخي
فقال إن كان خمسة عشر في خمسة عشر أرجو أن يجوز وإن كان عشرين في عشرين لا أجد في قلبي شيئا وروى
عن محمد أنه قدره بمسجده فكان مسجده ثمانيا في ثمان وبه أخذ محمد بن سلمة وقيل كان مسجده عشرا في
عشر وقيل مسح مسجده فوجد داخله ثمانيا في ثمان وخارجه عشرا في عشر وذكر الكرخي وقال لا عبرة
للتقدير في الباب وإنما المعتبر هو التحري فإن كان أكبر رأيه أن النجاسة خلصت إلى هذا الموضع الذي يتوضأ
منه لا يجوز وإن كان أكبر رأيه انها لم تصل إليه يجوز لان العمل بغالب الرأي وأكبر الظن في الأحكام واجب
الا يرى أن خبر الواحد العدل يقبل في نجاسة الماء وطهارته وإن كان لا يفيد برد اليقين وكذلك قال أصحابنا في الغدير
العظيم الذي لو حرك طرف منه لا يتحرك الطرف الآخر إذا وقعت فيه النجاسة انه إن كان في غالب الرأي انها وصلت
إلى الموضع الذي يتوضأ منه لا يجوز وإن كان فيه انها لم تصل يجوز وذكر في كتاب الصلاة في الميزاب إذا سال
على إنسان انه إن كان غالب ظنه أنه نجس يجب غسله والا فلا وان لم يستقر قلبه على شئ لا يجب غسله في الحكم
ولكن المستحب أن يغسل وأما حوض الحمام الذي يخلص بعضه إلى بعض إذا وقعت فيه النجاسة أو توضأ انسان
روى عن أبي يوسف انه إن كان الماء يجرى من الميزاب والناس يغترفون منه لا يصير نجسا وهكذا روى الحسن
عن أبي حنيفة لأنه بمنزلة الماء الجاري ولو تنجس الحوض الصغير بوقوع النجاسة فيه ثم بسط ماؤه حتى صار
لا يخلص بعضه إلى بعض فهو نجس لان المبسوط هو الماء النجس وقيل في الحوض الكبير وقعت فيه النجاسة ثم
قل ماؤه حتى صار يخلص بعضه إلى بعض انه طاهر لان المجتمع هو الماء الطاهر هكذا ذكره أبو بكر الإسكاف
واعتبر حالة الوقوع ولو وقع في هذا القليل نجاسة ثم عاوده الماء حتى امتلأ الحوض ولم يخرج منه شئ قال أبو
القاسم الصفار لا يجوز التوضؤ به لأنه كلما دخل الماء فيه صار نجسا ولو أن حوضين صغيرين يخرج الماء من
72

أحدهما ويدخل في الآخر فتوضأ منه انسان في خلال ذلك جاز لأنه ماء جار حوض حكم بنجاسته ثم نضب ماؤه وجف
أسفله حتى حكم بطهارته ثم دخل فيه الماء ثانيا هل يعود نجسا فيه روايتان عن أبي حنيفة وكذا الأرض إذا أصابتها
النجاسة فجفت وذهب أثرها ثم عاودها الماء وكذا المنى إذا أصاب الثوب فجف وفرك ثم أصابه بلل وكذا جلد
الميتة إذا دبغ دباغة حكمية بالتشميس والتتريب ثم أصابه الماء ففي هذه المسائل كلها روايتان عن أبي حنيفة وأما
البئر إذا تنجست فغار ماؤها وجف أسفلها ثم عاودها الماء فقال نصير بن يحيى هو طاهر وقال محمد بن سلمة هو
نجس وكذا روى عن أبي يوسف وجه قول نصير ان تحت الأرض ماء جار فيختلط الغائر به فلا يحكم بكون العائد
نجسا بالشك وجه قول محمد بن سلمة أن مانع يحتمل أنه مانع يحتمل أنه ماء جديد ويحتمل أنه الماء النجس فلا يحكم بطهارته
بالشك وهذا القول أحوط والأول أوسع هذا إذا كان الماء الراكد له طول وعرض فإن كان له طول بلا عرض
كالأنهار التي فيها مياه راكدة لم يذكر في ظاهر الرواية وعن أبي نصر محمد بن محمد بن سلام انه إن كان طول الماء مما
لا يخلص بعضه إلى بعض يجوز التوضؤ به وكان يتوضأ في نهر بلخ ويحرك الماء بيده ويقول لا فرق بين اجرائي
إياه وبين جريانه بنفسه فعلى قوله لو وقعت فيه نجاسة لا ينجس ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه وعن أبي سليمان
الجوزجاني أنه قال لا يجوز التوضؤ فيه وعلى قوله لو وقعت فيه نجاسة أو بال فيه انسان أو توضأ إن كان في أحد
الطرفين ينجس مقدار عشرة أذرع وإن كان في وسطه ينجس من كل جانب مقدار عشرة أذرع فما ذهب إليه أبو
نصر أقرب إلى الحكم لان اعتبار العرض يوجب التنجيس واعتبار الطول لا يوجب فلا ينجس بالشك وما قاله أبو
سليمان أقرب إلى الاحتياط لان اعتبار الطول إن كان لا يوجب التنجيس فاعتبار العرض يوجب فيحكم
بالنجاسة احتياطا وأما العمق فهل يشترط مع الطول والعرض عن أبي سليمان الجوزجاني أنه قال إن أصحابنا
اعتبروا البسط دون العمق وعن الفقيه أبى جعفر الهندواني إن كان بحال لو رفع انسان الماء بكفيه انحسر
أسفله ثم اتصل لا يتوضأ به وإن كان بحال لا ينحسر أسفله لا بأس بالوضوء منه وقيل مقدار العمق أن يكون
زيادة على عرض الدرهم الكبير المثقال وقيل أن يكون قدر شبر وقيل قدر ذراع ثم النجاسة إذا وقعت في
الحوض الكبير كيف يتوضأ منه فنقول النجاسة لا تخلو اما أن تكون مرئية أو غير مرئية فإن كانت مرئية
كالجيفة ونحوها ذكر في ظاهر الرواية انه لا يتوضأ من الجانب الذي وقعت فيه النجاسة ولكن يتوضأ من
الجانب الآخر ومعناه انه يترك من موضع النجاسة قدر الحوض الصغير ثم يتوضأ كذا فسره في الاملاء عن
أبي حنيفة لأنا تيقنا بالنجاسة في ذلك الجانب وشككنا فيما وراءه وعلى هذا قالوا فيمن استنجى في موضع
من حوض الحمام لا يجزيه أن يتوضأ من ذلك الموضع قبل تحريك الماء وروى عن أبي يوسف انه يجوز التوضؤ
من أي جانب الا إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه لان حكمه حكم الماء الجاري ولو وقعت الجيفة في وسط
الحوض على قياس ظاهر الرواية إن كان بين الجيفة وبين كل جانب من الحوض مقدار ما لا يخلص بعضه إلى
بعض يجوز التوضؤ فيه والا فلا لما ذكرنا وإن كانت غير مرئية بان بال فيه انسان أو اغتسل جنب اختلف
فيه المشايخ قال مشايخ العراق ان حكمه حكم المرئية حتى لا يتوضأ من ذلك الجانب وإنما يتوضأ من الجانب
الآخر لما ذكرنا في المرئية بخلاف الماء الجاري لأنه ينقل النجاسة من موضع إلى موضع فلم يستقين بالنجاسة
في موضع الوضوء ومشايخنا بما وراء النهر فصلوا بينهما ففي غير المرئية أنه يتوضأ من أي جانب كان كما قالوا جميعا
في الماء الجاري وهو الأصح لان غير المرئية لا يستقر في مكان واحد بل ينتقل لكونه مائعا سيالا بطبعه فلم تستيقن
بالنجاسة في الجانب الذي يتوضأ منه فلا نحكم بنجاسته بالشك على الأصل المعهود ان اليقين لا يزول بالشك بخلاف
المرئية وهذا إذا كان الماء في الحوض غير جامد فإن كان جامدا وثقب في موضع منه فإن كان الماء غير متصل
بالجمد يجوز التوضؤ منه بلا خلاف وإن كان متصلا به فإن كان الثقب واسعا بحيث لا يخلص بعضه إلى بعض
فكذلك لأنه بمنزلة الحوض الكبير وإن كان الثقب صغيرا اختلف المشايخ فيه قال نصير بن يحيى وأبو بكر
73

الإسكاف لا خير فيه وسئل ابن المبارك فقال لا باس به وقال أليس الماء يضطرب تحته وهو قول الشيخ أبى
حفص الكبير وهذا أوسع والأول أحوط وقالوا إذا حرك موضع الثقب تحريكا بليغا يعلم عنده ان ما كان
راكدا ذهب عن هذا المكان وهذا ماء جديد يجوز بلا خلاف ولو وقعت نجاسة في الماء القليل فالماء
القليل لا يخلو من أن يكون في الأواني أو في البئر أو في الحوض الصغير فإن كان في الأواني فهو نجس كيفما كانت
النجاسة متجسدة أو مانعة لأنه لا ضرورة في الأواني لامكان صونها عن النجاسات حتى لو وقعت بعرة
أو بعرتان في المحلب عند الحلب ثم رميت من ساعتها لم ينجس اللبن كذا روى عنه خلف بن أيوب ونصير بن يحيى
ومحمد بن مقاتل الرازي لمكان الضرورة وإن كان في البئر فالواقع فيه لا يخلو من أن يكون حيوانا أو غيره من
النجاسات فإن كان حيوانا فاما ان أخرج حيا واما ان أخرج ميتا فان أخرج حيا فإن كان نجس العين كالخنزير
ينجس جميع الماء وفى الكلب اختلاف المشايخ في كونه نجس العين فمن جعله نجس العين استدل بما ذكر
في العيون عن أبي يوسف ان الكلب إذا وقع في الماء ثم خرج منه فانتفض فأصاب انسانا منه أكثر من قدر الدرهم
لا تجوز صلاته وذكر في العيون أيضا ان كلبا لو أصابه المطر فانتفض فأصاب انسانا منه أكثر من قدر الدرهم إن كان
المطر الذي أصابه وصل إلى جلده فعليه أن يغسل الموضع الذي أصابه والا فلا ونص محمد في الكتاب قال وليس
الميت بأنجس من الكلب والخنزير فدل انه نجس العين وجه قول من قال إنه ليس نجس العين انه يجوز بيعه
ويضمن متلفه ونجس العين ليس محلا للبيع ولا مضمونا بالاتلاف كالخنزير دل عليه انه يطهر جلده بالدباغ
ونجس العين لا يطهر جلده بالدباغ كالخنزير وكذا روى ابن المبارك عن أبي حنيفة في الكلب والسنور وقعا في
الماء القليل ثم خرجا انه يعجن بذلك ولذلك قال مشايخنا فيمن صلى وفى كمه جرو كلب انه تجوز صلاته وقيد الفقيه
أبو جعفر الهندواني الجواز بكونه مسدود الفم فدل انه ليس بنجس العين وهذا أقرب القولين إلى الصواب وان لم
يكن نجس العين فإن كان آدميا ليس على بدنه نجاسة حقيقية ولا حكمية وقد استنجى لا ينزح شئ في ظاهر
الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة انه ينزح عشرون دلوا وهذه الرواية لا تصح لأن الماء إنما يصير مستعملا
بزوال الحدث أو بقصد القربة ولم يوجد شئ من ذلك وإن كان على بدنه نجاسة حقيقية أو لم يكن مستنجيا ينزح
جميع الماء لاختلاط النجس بالماء وإن كان على بدنه نجاسة حكمية بأن كان محدثا أو جنبا أو حائضا أو نفساء فعلى
قول من لا يجعل هذا الماء مستعملا لا ينزح شئ لأنه طهور وكذا على قول من جعله مستعملا وجعل الماء
المستعمل طاهرا لان غير المستعمل أكثر فلا يخرج عن كونه طهورا ما لم يكن المستعمل غالبا عليه كما لو صب
اللبن في البئر بالاجماع أو بالت شاة فيها عند محمد واما على قول من جعل هذا الماء مستعملا وجعل الماء
المستعمل نجسا ينزح ماء البئر كله كما لو وقعت فيها قطرة من دم أو خمر وروى الحسن عن أبي حنيفة انه
إن كان محدثا ينزح أربعون وإن كان جنبا ينزح كله وهذه الرواية مشكلة لأنه لا يخلو اما ان صار هذا الماء
مستعملا أولا فإن لم يصر مستعملا لا يجب نزح شئ لأنه بقي طهورا كما كان وان صار مستعملا فالماء المستعمل
عند الحسن نجس نجاسة غليظة فينبغي أن يجب نزح جميع الماء وروى عن أبي حنيفة أنه قال في الكافر
إذا وقع في البئر ينزح ماء البئر كله لان بدنه لا يخلو عن نجاسة حقيقية أو حكمية حتى لو تيقنا بطهارته بأن اغتسل
ثم وقع في البئر من ساعته لا ينزح منها شئ وأما سائر الحيوانات فان علم بيقين ان على بدنها نجاسة أو على مخرجها
نجاسة تنجس الماء لاختلاط النجس به سواء وصل فمه إلى الماء أولا وان لم يعلم ذلك اختلف المشايخ فيه قال
بعضهم العبرة لإباحة الاكل وحرمته إن كان مأكول اللحم لا ينجس ولا ينزح شئ سواء وصل لعابه إلى الماء
أولا وان لم يكن مأكول اللحم ينجس سواء كان على بدنه أو مخرجه نجاسة أولا وقال بعضهم المعتبر هو السؤر
فإن كان لم يصل فمه إلى الماء لا ينزح شئ وان وصل فإن كان سؤره طاهرا فالماء طاهر ولا ينزح منه شئ وإن كان
نجسا فالماء نجس وينزح كله وإن كان مكروها يستحب أن ينزح عشر دلاء وإن كان مشكوكا فيه فالماء
74

كذلك وينزح كله كذا ذكر في الفتاوى عن أبي يوسف وذكر ابن رستم في نوادره ان المستحب في الفأرة نزح
عشرين وفى الهرة نزح أربعين لان ما كان أعظم جثة كان أوسع فما وأكثر لعابا وذكر في فتاوى أهل بلخ
إذا وقعت وزغة في بئر فأخرجت حية يستحب نزح أربع دلاء إلى خمس أو ست وروى عن أبي حنيفة وأبى
يوسف في البقر والإبل انه ينجس الماء لأنها تبول بين أفخاذها فلا تخلو عن البول غير أن عند أبي حنيفة ينزح
عشرون دلوا لان بول ما يؤكل لحمه نجس نجاسة خفيفة وقد ازداد خفة بسبب البئر فينزح أدنى ما ينزح
من البئر وذلك عشرون وعند أبي يوسف ينزح ماء البئر كله لاستواء النجاسة الخفيفة والغليظة في حكم تنجيس
الماء هذا كله إذا خرج حيا فان خرج ميتا فإن كان منتفخا أو متفسخا نزح ماء البئر كله وان لم يكن منتفخا ولا متفسخا
ذكر في ظاهر الرواية وجعله ثلاث مراتب في الفأرة ونحوها ينزح عشرون دلوا أو ثلاثون وفى الدجاج ونحوه
أربعون أو خمسون وفى الآدمي ونحوه ماء البئر كله وروى الحسن عن أبي حنيفة وجعله خمس مراتب في
الحلمة ونحوها ينزح عشر دلاء وفى الفأرة ونحوها عشرون وفى الحمام ونحوه ثلاثون وفى الدجاج ونحوه أربعون
وفى الآدمي ونحوه ماء البئر كله وقوله في الكتاب ينزح في الفأرة عشرون أو ثلاثون وفى الهرة أربعون
أو خمسون لم يرد به التخيير بل أراد به عشرين وجوبا وثلاثين استحبابا وكذا في الأربعين والخمسين وقال بعضهم
إنما قال ذلك لاختلاف الحيوانات في الصغر والكبر ففي الصغير منها ينزح الأقل وفى الكبير ينزح الأكثر
والأصل في البئر انه وجد فيها قياسان أحدهما ما قاله بشر بن غياث المريسي انه يطم ويحفر في موضع آخر لان غاية
ما يمكن ان ينزح جميع الماء لكن يبقى الطين والحجارة نجسا ولا يمكن كبه ليغسل والشافعي ما نقل عن محمد أنه قال
اجتمع وأبى ورأي أبى يوسف ان ماء البئر في حكم الماء الجاري لأنه ينبع من أسفله ويؤخذ من أعلاه فلا ينجس
بوقوع النجاسة فيه كحوض الحمام إذا كان يصب الماء فيه من جانب ويغترف من جانب آخر انه لا ينجس بادخال
اليد النجسة فيه ثم قلنا وما علينا لو أمرنا بنزح بعض الدلاء ولا نخالف السلف الا انا تركنا القياسين الظاهرين
بالخبر والأثر وضرب من الفقه الخفي اما الخبر فما روى القاضي أبو جعفر الاستروشني باسناده عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال في الفأرة تموت في البئر ينزح منها عشرون وفى رواية ينزح ثلاثون دلوا وأما الأثر فما روى عن علي
رضي الله عنه أنه قال ينزح عشرون وفى رواية ثلاثون وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال في دجاجة
ماتت في البئر ينزح منها أربعون دلوا وعن ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما انهما أمرا بنزح جميع ماء زمزم
حين مات فيها زنجي وكان بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكر عليهما أحد فانعقد الاجماع عليه وأما
الفقه الخفي فهو ان في هذه الأشياء دما مسفوحا وقد تشرب في أجزائها عند الموت فنجسها وقد جاورت هذه الأشياء
الماء والماء يتنجس أو يفسد بمجاورة النجس لان الأصل ان ما جاور النجس نجس بالشرع قال صلى الله عليه
وسلم في الفأرة تموت في السمن الجامد يقور ما حولها ويلقى ويؤكل الباقي فقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بنجاسة
جار النجس وفى الفأرة ونحوها ما يجاورها من الماء مقدار ما قدره أصحابنا وهو عشرون دلوا أو ثلاثون لصغر
جثتها فحكم بنجاسة هذا القدر من الماء لان ما وراء هذا القدر لم يجاور الفأرة بل جاور ما جاور الفأرة والشرع ورد
بتنجيس جار النجس لا بتنجيس جار جار النجس الا ترى ان النبي صلى الله عليه وسلم حكم بطهارة ما جاور السمن الذي
جاور الفأرة وحكم بنجاسة ما جاور الفأرة وهذا لان جار جار النجس لو حكم بنجاسته لحكم أيضا بنجاسة ما جاور
جار جار النجس ثم هكذا إلى ما لا نهاية له فيؤدى إلى أن قطرة من بول أو فأرة لو وقعت في بحر عظيم ان يتنجس جميع
مائه لاتصال بين أجزائه وذلك فاسد وفى الدجاجة والسنور وأشباه ذلك المجاورة أكثر لزيادة ضخامة في جثتها
فقدر بنجاسة ذلك القدر والآدمي وما كانت جثته مثل جثته كالشاة ونحوها يجاور جميع الماء في العادة لعظم
جثته فيوجب تنجيس جميع الماء وكذا إذا تفسخ شئ من هذه الواقعات أو انتفخ لان عند ذلك تخرج البلة منها
لرخاوة فيها فتجاور جميع اجزاء الماء وقيل ذلك لا يجاور الا قدر ما ذكرنا لصلابة فيها ولهذا قال محمد إذا وقع في
75

البئر ذنب فأرة ينزح جميع الماء لان موضع القطع لا ينفك عن بلة فيجاوز اجزاء الماء فيفسدها هذا إذا كان الواقع
واحدا فإن كان أكثر روى عن أبي يوسف أنه قال في الفأرة ونحوها ينزح عشرون إلى الأربع فإذا بلغت خمسا
ينزح أربعون إلى التسع فإذا بلغت عشرا ينزح ماء البئر كله وروى عن محمد أنه قال في الفأرتين ينزح عشرون وفى
الثلاث أربعون وإذا كانت الفأرتان كهيئة الدجاج ينزح أربعون هذا إذا كان الواقع في البئر حيوانا فإن كان
غيره من الأنجاس فلا يخلوا ما أن يكون مستجسدا أو غير مستجسد فإن كان غير مستجسد كالبول والدم والخمر ينزح
ماء البئر كله لأن النجاسة خلصت إلى جميع الماء وإن كان مستجسدا فإن كان رخوا متخلخل الاجزاء كالعذرة
وخرء الدجاج ونحوهما ينزح ماء البئر كله قليلا كان أو كثيرا رطبا كان أو يابسا لأنه لرخاوته يتفتت عند ملاقاة الماء
فتختلط أجزاؤه باجزاء الماء فيفسده وإن كان صلبا نحو بعر الإبل والغنم ذكر في الأصل ان القياس ان ينجس
الماء قل الواقع فيه أو كثر وفى الاستحسان إن كان قليلا لا ينجس وإن كان كثيرا ينجس ولم يفصل بين الرطب
واليابس والصحيح والمنكسر واختلف المشايخ قال بعضهم إن كان رطبا ينجس قليلا كإن كان أو كثيرا وإن كان
يابسا فإن كان منكسرا ينجس قل أو كثر وان لم يكن منكسرا لا ينجس ما لم يكن كثيرا وتكلموا في الكثير قال
بعضهم ان يغطى جميع وجه الماء وقال بعضهم ربع وجه الماء وقال بعضهم الثلاث كثير لأنه ذكر في الجامع
الصغير في بعرة أو بعرتين وقعتا في الماء لا يفسد الماء ولم يذكر الثلاث فدل على أن الثلاث كثير وعن محمد بن سلمة
إن كان لا يسلم كل دلو عن بعرة أو بعرتين فهو كثير وقال بعضهم الكثير ما استكثره الناظر وهو الصحيح
وروى عن الحسن بن زياد أنه قال إن كان يابسا لا ينجس صحيحا كان أو منكسرا قليلا كان أو كثيرا وإن كان رطبا
وهو قليل لا يمنع الضرورة وعن أبي يوسف في الروث اليابس إذا وقع في البئر ثم أخرج من ساعته لا ينجس والأصل
في هذا ان للمشايخ في القليل من البعر اليابس الصحيح طريقتين إحداهما ان لليابس صلابة فلا يختلط شئ من
اجزائه باجزاء الماء فهذا يقتضى ان الرطب ينجس باختلاط رطوبته باجزاء الماء وكذلك ذكر في النوادر
والحاكم في الإشارات وكذا اليابس المنكسر لما قلنا وكذا الروث لأنه شئ رخو يداخله الماء لتخلخل اجزائه
فتختلط اجزاؤه باجزاء الماء ويقتضي أيضا ان الكثير من اليابس الصحيح لا ينجس وكذلك قال الحسن بن زياد
والصحيح ان الكثير ينجس لأنها إذا كثرت تقع المماسة بينهما فيصطك البعض بالبعض فتتفتت اجزاؤها فتنجس
والطريقة الثانية ان آبار الفلوات لا حاجز لها على رؤسها ويأتيها الانعام فتسقى فتبعر فإذا يبست الابعار عملت
فيها الريح فالقتها في البئر فلو حكم بفساد المياه لضاق الامر على سكان البوادي وما ضاق أمره اتسع حكمه فعلى هذه
الطريقة الكثير منه يفسد المياه لانعدام الضرورة في الكثير وكذا الرطب لان الريح تعمل في اليابس دون
الرطب لثقله واليه أشار الشيخ أبو منصور الماتريدي وعن الشيخ أبى بكر محمد بن الفضل ان الرطب واليابس
سواء لتحقق الضرورة في الجملة فاما اليابس المنكسر فلا يفسد إذا كان قليلا لان الضرورة في المنكسر أشد
والروث إن كان في موضع يتقدر بهذه الضرورة فالجواب فيه كالجواب في البعر هذا في آبار الفلوات (واما)
الآبار التي في المصر فاختلف فيها المشايخ فمن اعتمد معنى الصلابة والرخاوة لا يفرق لان ذلك المعنى لا يختلف ومن
اعتبر الضرورة فرق بينهما لان آبار الأمصار لها رؤس حاجزة فيقع الامن عن الوقوع فيها ولو انفصلت بيضة
من دجاجة فوقعت في البئر من ساعتها اختلف المشايخ فيه قال نصير بن يحيى ينتفع بالماء ما لم يعلم أن عليها قذرا
وقال بعضهم إن كانت رطبة أفسدت وإن كانت يابسة فوقعت في الماء أو في المرقة لا تفسدهما وهي حلال اشتد
قشرها أو لم يشتد وعند الشافعي ان اشتد قشرها تحل والا فلا ولو سقطت السخلة من أمها وهي مبتلة فهي نجسة
حتى لو حملها الراعي فأصاب بللها الثوب أكثر من قدر الدرهم منع جواز الصلاة ولو وقعت في الماء في ذلك الوقت
أفسدت الماء وإذا يبست فقد طهرت وذكر الفقيه أبو جعفر ان هذا الجواب موافق قولهما فاما في قياس قول
أبي حنيفة فالبيضة طاهرة رطبة كانت أو يابسة وكذا السخلة لأنها كانت في مكانها ومعدنها كما قال في
76

الإنفحة إذا خرجت بعد الموت انها طاهرة جامدة كانت أو مائعة وعندهما إن كانت مائعة فنجسة وإن كانت
جامدة تطهر بالغسل ولو وقع عظم الميتة في البئر فإن كان عظم الخنزير أفسده كيفما كان واما عظم غيره فإن كان
عليه لحم أو دسم يفسد الماء لأن النجاسة تشيع في الماء وان لم يكن عليه شئ لم يفسد لان العظم طاهر بئر وجب
منها نزح عشرين دلوا فنزح الدلو الأول وصب في بئر طاهرة ينزح منها عشرون دلوا والأصل في هذا ان البئر الثانية
تطهر بما تطهر به الأولى حين كان الدلو المصبوب فيها ولو صب الدلو الثاني ينزح تسعة عشر دلوا ولو صب الدلو
العاشر في رواية أبى سليمان ينزح عشرة دلاء وفى رواية أبى حفص أحد عشر دلوا وهو الأصح والتوفيق بين
الروايتين ان المراد من الأولى سوى المصبوب ومن الثانية مع المصبوب ولو صب الدلو الأخير ينزح دلوا واحدا
لان طهارة الأولى به ولو أخرجت الفأرة وألقيت في بئر طاهرة وصب فيها أيضا عشرون دلوا من ماء الأولى تطرح
الفأرة وينزع عشرون دلوا لان طهارة الأولى به فكذا الثانية بئران وجب من كل واحدة منهما نزح عشرين فنزح
عشرون من أحدهما وصب في الأخرى ينزح عشرون ولو وجب من إحداهما نزح عشرين ومن الأخرى نزح
أربعين فنزح ما وجب من إحداهما وصب في الأخرى ينزح أربعون والأصل فيه ان ينظر إلى ما وجب من النزح منها
والى ما صب فيها فإن كانا سواء تداخلا وإن كان أحدهما أكثر دخل القليل في الكثير وعلى هذا ثلاثة آبار وجب
من كل واحدة نزح عشرين فنزح الواجب من البئرين وصب في الثالثة ينزح أربعون فلو وجب من إحداهما نزح
عشرين ومن الأخرى نزح أربعين فصب الواجبان في بئر طاهرة ينزح أربعون لما قلنا من الأصل ولو نزح دلو
من الأربعين وصب في العشرين ينزح أربعون لأنه لو صب في بئر طاهرة نزح كذلك فكذا هذا وهذا كله قول محمد
وعن أبي يوسف روايتان في رواية ينزح جميع الماء وفى رواية ينزح الواجب والمصبوب جميعا فقيل له ان محمدا روى
عنك الأكثر فأنكر فأرة وقعت في حب ماء وماتت فيها يهراق كله ولو صب ماؤه في بئر طاهرة فعند أبي يوسف
ينزح المصبوب وعشرون دلوا وعند محمد ينظر إلى ماء الحب فإن كان عشرين دلوا أو أكثر نزح ذلك القدر وإن كان
أقل من عشرين نزح عشرون لان الحاصل في البئر نجاسة الفأرة فأرة ماتت في البئر وأخرجت فجاؤوا بدلو
عظيم يسع عشرين دلوا بدلوهم فاستقوا منها دلوا واحدا أجزأهم وطهرت البئر لأن الماء النجس قدر ما جاور الفأرة
فلا فرق بين ان ينزح ذلك بدلوا واحد وبين ان ينزح بعشرين دلوا وكان الحسن بن زياد يقول لا يطهر الا بنزح
عشرين دلوا لان عند تكرار النزح ينبع الماء من أسفله ويؤخذ من أعلاه فيكون في حكم الماء الجاري وهذا
لا يحصل بدلوا واحد وإن كان عظيما ولو صب الماء المستعمل في البئر ينزح كله عند أبي يوسف لأنه نجس عنده
وعند محمد ينزح عشرون دلوا كذا ذكره القدوري في شرح مختصر الكرخي وفيه نظر لأن الماء المستعمل طاهر
عند محمد والطاهر إذا اختلط بالطهور لا يغيره عن صفة الطهورية الا إذا غلب عليه كسائر المائعات الطاهرة ويحتمل
ان يقال إن طهارته غير مقطوع بها لكونه محل الاجتهاد بخلاف المائعات فينزح أدنى ما ورد الشرع به وذلك
عشرون احتياطا ولو نزح ماء البئر وبقى الدلو الأخير فهذا على ثلاثة أوجه اما ان لم ينفصل عن وجه الماء أو انفصل
ونحى عن رأس البئر أو انفصل ولم ينح عن رأس البئر فإن لم ينفصل عن وجه الماء لا يحكم بطهارة البئر حتى لا يجوز
التوضؤ منه لان النجس لم يتميز من الطاهر وان انفصل عن وجه الماء ونحى عن رأس البئر طهر لان النجس قد
تميز من الطاهر واما إذا انفصل عن وجه الماء ولم ينح عن رأس البئر والماء يتقاطر فيه لا يطهر عند أبي يوسف وعند
محمد يطهر ولم يذكر في ظاهر الرواية قول أبي حنيفة وذكر الحاكم قوله مع قول أبى يوسف وجه قول محمد ان النجس
انفصل من الطاهر فان الدلو الأخير تعين للنجاسة شرعا بدليل انه إذا نحى عن رأس البئر يبقى الماء طاهرا وما يتقاطر
فيها من الدلو سقط اعتبار نجاسته شرعا دفعا للحرج إذا لو أعطى للقطرات حكم النجاسة لم يطهر بئر أبدا وبالناس
حاجة إلى الحكم بطهارة الآبار بعد وقوع النجاسات فيها وجه قولهما انه لا يمكن الحكم بطهارة البئر الا بعد انفصال
النجس عنها وهو ماء الدلو الأخير ولا يتحقق الانفصال الا بعد تنحية الدلو عن البئر لان ماءه متصل بماء البئر ولم
77

يوجد فلا يحكم بطهارة البئر ولأنه لو جعل منفصلا لا يمكن القول بطهارة البئر لان القطرات تقطر في البئر فإذا كان
منفصلا كان له حكم النجاسة فتنجس البئر ثانيا لان ماء البئر قليل والنجاسة وان قلت متى لاقت ماء قليلا تنجسه
فكان هذا تطهيرا للبئر أولا ثم تنجيسا له ثانيا وانه اشتغال بما لا يفيد وسقوط اعتبار نجاسة القطرات لا يجوز الا لضرورة
والضرورة تندفع بان يعطى لهذا الدلو حكم الانفصال بعد انعدام التقاطر بالتنحية عن رأس البئر فلا ضرورة إلى تنجيس
البئر بعد الحكم بطهارتها ولو توضأ من بئر وصلى أياما ثم وجد فيها فأرة فان علم وقت وقوعها أعاد الصلاة من ذلك
الوقت لأنه تبين أنه توضأ بماء نجس وان لم يعلم فالقياس أن لا يعيد شيئا من الصلوات ما لم يستيقن بوقت وقوعها وهو
قول أبى يوسف ومحمد وفى الاستحسان إن كانت منتفخة أو متفسخة أعاد صلاة ثلاثة أيام ولياليها وإن كانت غير
منتفخة ولا متفسخة لم يذكر في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يعيد صلاة يوم وليلة ولو اطلع على
نجاسة في ثوبه أكثر من قدر الدرهم ولم يتيقن وقت اصابتها لا يعيد شيئا من الصلاة كذا ذكر الحاكم الشهيد
وهو رواية بشر المريسي عن أبي حنيفة وروى عن أبي حنيفة انها إن كانت طرية يعيد صلاة يوم وليلة وإن كانت
يابسة يعيد صلاة ثلاثة أيام بلياليها وروى ابن رستم في نوادره عن أبي حنيفة انه إن كان دما لا يعيد وإن كان منيا
يعيد من آخر ما احتلم لان دم غيره قد يصيبه والظاهر أن الإصابة لم تتقدم زمان وجوده فاما منى غيره فلا يصيب ثوبه
فالظاهر أنه منيه فيعتبر وجوده من وقت وجود سبب خروجه حتى أن الثوب لو كان مما يلبسه هو وغيره يستوى
فيه حكم الدم والمني ومشايخنا قالوا في البول يعتبر من آخر ما بال وفى الدم من آخر ما رعف وفى المنى من آخر ما احتلم
أو جامع وجه القياس في المسألة أنه تيقن طهارة الماء فيما مضى وشك في نجاسته لأنه يحتمل أنها وقعت في
الماء وهي حية فماتت فيه ويحتمل انها وقعت ميتة بان ماتت في مكان آخر ثم ألقاها بعض الطيور في البئر على
ما حكى عن أبي يوسف أنه قال كان قولي مثل قول أبي حنيفة إلى أن كنت يوما جالسا في بستاني فرأيت حدأة في
منقارها جيفة فطرحتها في بئر فرجعت عن قول أبي حنيفة فوقع الشك في نجاسة الماء فيما مضى فلا يحكم بنجاسته
بالشك وصار كما إذا رأى في ثوبه نجاسة ولا يعلم وقت اصابتها أنه لا يعيد شيئا من الصلوات كذا هذا وجه الاستحسان
أن وقوع الفأرة في البئر سبب لموتها والموت متى ظهر عقيب سبب صالح يحال به عليه كموت المجروح فإنه يحال
به إلى الجرح وإن كان يتوهم موته بسبب آخر وإذا حيل بالموت إلى الوقوع في الماء فأدنى ما يتفسخ فيه الميت
ثلاثة أيام ولهذا يصلى على قبر ميت لم يصل عليه إلى ثلاثة أيام وتوهم الوقوع بعد الموت إحالة بالموت إلى سبب لم
يظهر وتعطيل للسبب الظاهر وهذا لا يجوز فبطل اعتبار الوهم والتحق الموت في الماء بالمتحقق الا إذا قام دليل
المعاينة بالوقوع في الماء ميتا فحينئذ يعرف بالمشاهدة أن الموت غير حاصل بهذا السبب ولا كلام فيه وأما إذا لم
تكن منتفخة فلانا إذا أحلنا بالموت إلى الوقوع في الماء ولا شك أن زمان الموت سابق على زمان الوجود خصوصا
في الابار المظلمة العميقة التي لا يعاين ما فيها ولذا يعلم يقينا أن الواقع لا يخرج بأول دلو فقدر ذلك بيوم وليلة احتياطا
لأنه أدنى المقادير المعتبرة (والفرق) بين البئر والثوب على رواية الحاكم أن الثوب شئ ظاهر فلو كان ما أصابه سابقا
على زمان الوجود لعلم به في ذلك الزمان فكان عدم العلم قبل ذلك دليل عدم الإصابة بخلاف البئر على ما مر وعلى
هذا الخلاف إذا عجن بذلك الماء انه يؤكل خبزه عندهما وعند أبي حنيفة لا يؤكل وإذا لم يؤكل ماذا يصنع به قال
مشايخنا يطعم للكلاب لان ما تنجس باختلاط النجاسة به والنجاسة معلومة لا يباح أكله ويباح الانتفاع به فيما وراء
الاكل كالدهن النجس أنه ينتفع به استصباحا إذا كان الطاهر غالبا فكذا هذا وبئر الماء إذا كانت بقرب من البالوعة
لا يفسد الماء ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه وقدر أبو حفص المسافة بينهما بسبعة أذرع وأبو سليمان بخمسة وذا ليس
بتقدير لازم لتفاوت الأراضي في الصلابة والرخاوة ولكنه خرج على الأغلب ولهذا قال محمد بعد هذا التقدير
لو كان بينهما سبعة أذرع ولكن يوجد طعمه أو ريحه لا يجوز التوضؤ به فدل على أن العبرة بالخلوص وعدم
الخلوص وذلك يعرف بظهور ما ذكر من الآثار وعدمه ثم الحيوان إذا مات في المائع القليل فلا يخلوا ما إن كان له
78

دم سائل أو لم يكن ولا يخلوا ما أن يكون بريا أو مائيا ولا يخلوا ما ان مات في الماء أو في غير الماء فإن لم يكن له دم سائل
كالذباب والزنبور والعقرب والسمك والجراد ونحوها لا ينجس بالموت ولا ينجس ما يموت فيه من المائع سواء كان
ماء أو غيره من المائعات كالخل واللبن والعصير وأشباه ذلك وسواء كان بريا أو مائيا كالعقرب المائي ونحوه وسواء
كان السمك طافيا أو غير طاف وقال الشافعي إن كان شيئا يتولد من المائع كدود الخل أو ما يباح أكله بعد الموت
كالسمك والجراد لا ينجس قولا واحدا وله في الذباب والزنبور قولان (ويحتج) بظاهر قوله تعالى حرمت عليكم
الميتة ثم خص منه السمك والجراد بالحديث والذباب والزنبور بالضرورة (ولنا) ما ذكرنا ان نجاسة الميتة
ليست لعين الموت فان الموت موجود في السمك والجراد ولا يوجب التنجيس ولكن لما فيها من الدم المسفوح
ولا دم في هذه الأشياء وإن كان له دم سائل فإن كان بريا ينجس بالموت وينجس المائع الذي يموت فيه سواء كان
ماء أو غيره وسواء مات في المائع أو في غيره ثم وقع فيه كسائر الحيوانات الدموية لان الدم السائل نجس فينجس
ما يجاوره الا الآدمي إذا كان مغسولا لأنه طاهر الا يرى أنه تجوز الصلاة عليه وإن كان مائيا كالضفدع المائي
والسرطان ونحو ذلك فان مات في الماء لا ينجسه في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف في غير رواية الأصول
أنه قال لو أن حية من حياة الماء ماتت في الماء إن كانت بحال لو جرحت لم يسل منها الدم لا توجب التنجيس
وإن كانت لو جرحت لسال منها الدم توجب التنجيس وجه ظاهر الرواية ما علل به محمد في كتاب الصلاة
فقال لان هذا مما يعيش في الماء ثم إن بعض المشايخ وهم مشايخ بلخ فهموا من تعليل محمد أنه لا يمكن صيانة المياه
عن موت هذه الحيوانات فيها لان معدنها الماء فلو أوجب موتها فيها التنجيس لوقع الناس في الحرج وبعضهم
وهم مشايخ العراق فهموا من تعليله انها إذا كانت تعيش في الماء لا يكون لها دم إذ الدموي لا يعيش في الماء
لمخالفة بين طبيعة الماء وبين طبيعة الدم فلم تتنجس في نفسها لعدم الدم المسفوح فلا توجب تنجيس ما جاورها
ضرورة وما يرى في بعضها من صورة الدم فليس بدم حقيقة الا ترى أن السمك يحل يغير ذكاة مع أن الذكاة
شرعت لإراقة الدم المسفوح ولذا إذا شمس دمه يبيض ومن طبع الدم انه إذا شمس اسود وان مات في غير الماء
فعلى قياس العلة الأولى يوجب التنجيس لأنه يمكن صيانة سائر المائعات عن موتها فيها وعلى قياس العلة الثانية
لا يوجب التنجيس لانعدام الدم المسفوح فيها وروى عن نصير بن يحيى أنه قال سألت أبا مطيع البلخي وأبا معاذ
عن الضفدع يموت في العصير فقالا يصب وسألت أبا عبد الله البلخي ومحمد بن مقاتل الرازي فقالا لا يصب وعن أبي
نصر محمد بن محمد بن سلام أنه كان يقول يفسد وذكر الكرخي عن أصحابنا أن كل ما لا يفسد الماء لا يفسد
غير الماء وهكذا روى هشام عنهم وهذا أشبه بالفقه والله أعلم ويستوى الجواب بين المتفسخ وغيره في طهارة الماء
ونجاسته الا أنه يكره شرب المائع الذي تفسخ فيه لأنه لا يخلو عن أجزاء ما يحرم أكله ثم الحد الفاصل بين المائي
والبري أن المائي هو الذي لا يعيش الا في الماء والبري هو الذي لا يعيش الا في البر وأما الذي يعيش فيهما جميعا كالبط
والإوز ونحو ذلك فلا خلاف أنه إذا مات في غير الماء يوجب التنجيس لان له دما سائلا والشرع لم يسقط
اعتباره حتى لا يباح أكله بدون الذكاة بخلاف السمك وان مات في الماء روى الحسن عن أبي حنيفة أنه يفسد
هذا الذي ذكرنا حكم وقوع النجاسة في المائع فاما إذا أصاب الثوب أو البدن أو مكان الصلاة أما حكم
الثوب والبدن فنقول وبالله التوفيق النجاسة لا تخلوا ما إن كانت غليظة أو خفيفة قليلة أو كثيرة أما النجاسة القليلة
فإنها لا تمنع جواز الصلاة سواء كانت خفيفة أو غليظة استحسانا والقياس أن تمنع وهو قول زفر والشافعي الا إذا
كانت لا تأخذها العين أو مالا يمكن الاحتراز عنه وجه القياس أن الطهارة عن النجاسة الحقيقية شرط جواز الصلاة
كما أن الطهارة عن النجاسة الحكمية وهي الحدث شرط ثم هذا الشرط ينعدم بالقليل من الحدث بان بقي على جسده
لمعة فكذا بالقليل من النجاسة الحقيقية (ولنا) ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن القليل من النجاسة في
الثوب فقال إذا كان مثل ظفري هذا لا يمنع جواز الصلاة ولان القليل من النجاسة مما لا يمكن الاحتراز عنه فان
79

الذباب يقعن علي النجاسة ثم يقعن علي ثياب المصلى ولا بدو أن يكون على أجنحتهن وأرجلهن نجاسة قليلة فلو لم يجعل
عفو الوقع الناس في الحرج ومثل هذه البلوى في الحدث منعدمة ولأنا أجمعنا على جواز الصلاة بدون الاستنجاء
بالماء ومعلوم أن الاستنجاء بالأحجار لا يستأصل النجاسة حتى لو جلس في الماء القليل أفسده فهو دليل ظاهر على أن
القليل من النجاسة عفو ولهذا قدرنا بالدرهم على سبيل الكناية عن موضع خروج الحدث كذا قاله إبراهيم النخعي
انهم استقبحوا ذكر المقاعد في مجالسهم فكنوا عنه بالدرهم تحسينا للعبارة وأخذا بصالح الأدب وأما النجاسة
الكثيرة فتمنع جواز الصلاة واختلفوا في الحد الفاصل بين القليل والكثير من النجاسة قال إبراهيم النخعي إذا بلغ
مقدار الدرهم فهو كثير وقال الشعبي لا يمنع حتى يكون أكثر من قدر الدرهم الكبير وهو قول عامة العلماء وهو
الصحيح لما روينا عن عمر رضي الله عنه انه عد مقدار ظفره من النجاسة قليلا حيث لم يجعله مانعا من جواز الصلاة
وظفره كان قريبا من كفنا فعلم أن قدر الدرهم عفو ولان أثر النجاسة في موضع الاستنجاء عفو وذلك يبلغ قدر
الدرهم خصوصا في حق المبطون ولان في ديننا سعة وما قلناه أوسع فكان أليق بالحنيفية السمحة ثم لم يذكر في
ظاهر الرواية صريحا أن المراد من الدرهم الكبير من حيث العرض والمساحة أو من حيث الوزن وذكر في
النوادر الدرهم الكبير ما يكون عرض الكف وهذا موافق لما روينا من حديث عمر رضي الله عنه لان ظفره كان
كعرض كف أحدنا وذكر الكرخي مقدار مساحة الدرهم الكبير وذكر في كتاب الصلاة الدرهم الكبير المثقال فهذا
يشير إلى الوزن وقال الفقيه أبو جعفر الهندواني لما اختلفت عبارات محمد في هذا فنوفق ونقول أراد بذكر العرض
تقدير المائع كالبول والخمر ونحوهما ويذكر الوزن تقدير المستجسد كالعذرة ونحوها فإن كانت أكثر من مثقال
ذهب وزنا تمنع والا فلا وهو المختار عند مشايخنا بما وراء النهر وأما حد الكثير من النجاسة الخفيفة فهو الكثير
الفاحش في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف أنه قال سألت أبا حنيفة عن الكثير الفاحش فكره أن يحد له حدا
وقال الكثير الفاحش ما يستفحشه الناس ويستكثرونه وروى الحسن عنه أنه قال شبر في شبر وهو المروى عن أبي
يوسف أيضا وروى عنه ذراع في ذراع وروى أكثر من نصف الثوب وروى نصف الثوب ثم في رواية نصف كل
الثوب وفى رواية نصف طرف منه أما التقدير بأكثر من النصف فلان الكثرة والقلة من الأسماء الإضافية لا يكون
الشئ قليلا الا أن يكون بمقابلته كثير وكذا لا يكون كثيرا الا وأن يكون بمقابلته قليل والنصف ليس بكثير لأنه
ليس في مقابلته قليل فكان الكثير أكثر من النصف لان بمقابلته ما هو أقل منه وأما التقدير بالنصف فلان العفو
هو القليل والنصف ليس بقليل إذ ليس بمقابلته ما هو أقل منه وأما التقدير بالشبر فلان أكثر الضرورة تقع لباطن
الخفاف وباطن الخفين شبر في شبر وأما التقدير بالذراع فلان الضرورة في ظاهر الخفين وباطنهما وذلك ذراع في ذراع
وذكر الحاكم في مختصره عن أبي حنيفة ومحمد الربع وهو الأصح لان للربع حكم الكل في أحكام الشرع في
موضع الاحتياط ولا عبرة بالكثرة والقلة حقيقة الا ترى أن الدرهم جعل حدا فاصلا بين القليل والكثير شرعا مع أن
عدام ما ذكر الا أنه لا يمكن التقدير بالدرهم في بعض النجاسات لانحطاط رتبتها عن المنصوص عليها فقدر بما
هو كثير في الشرع في موضع الاحتياط وهو الربع واختلف المشايخ في تفسير الربع قيل ربع جميع الثوب لأنهما
قدراه بربع الثوب والثوب اسم للكل وقيل ربع كل عضو وطرف اصابته النجاسة من اليد والرجل والذيل
والكم والدخريص لان كل قطعة منها قبل الخياطة كان ثوبا على حدة فكذا بعد الخياطة وهو الأصح ثم لم يذكر في
ظاهر الرواية تفسير النجاسة الغليظة والخفيفة وذكر الكرخي أن النجاسة الغليظة عند أبي حنيفة ما ورد نص على
نجاسته ولم يرد نص على طهارته معارضا له وان اختلف العلماء فيه والخفيفة ما تعارض نصان في طهارته ونجاسته
وعند أبي يوسف ومحمد الغليظة ما وقع الاتفاق على نجاسته والخفيفة ما اختلف العلماء في نجاسته وطهارته
(إذا) عرف هذا الأصل فالأرواث كلها نجسة نجاسة غليظة عند أبي حنيفة لأنه ورد نص يدل على نجاستها
وهو ما روينا عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه ليلة الجن أحجار الاستنجاء
80

فاتى بحجرين وروثة فاخذ الحجرين ورمى بالروثة وقال إنها رجس أو ركس أي نجس وليس له نص معارض وإنما
قال بعض العلماء بطهارتها بالرأي والاجتهاد والاجتهاد لا يعارض النص فكانت نجاستها غليظة وعلى قولهما
نجاستها خفيفة لان العلماء اختلفوا فيها وبول مالا يؤكل لحمه نجس نجاسة غليظة بالاجماع على اختلاف
الأصلين (أما) عنده فلانعدام نص معارض لنص النجاسة (وأما) عندهما فلوقوع الاتفاق على نجاسته وبول
ما يؤكل لحمه نجس نجاسة خفيفة بالاتفاق اما عنده فلتعارض النصين وهما حديث العرنيين مع حديث عمار
وغيره في البول مطلقا وأما عندهما فلاختلاف العلماء فيه (وأما) العذرات وخرء الدجاج والبط فنجاستها غليظة
بالاجماع على اختلاف الأصلين هذا على وجه البناء على الأصل الذي ذكره الكرخي (وأما) الكلام في
الا وراث على طريقة الابتداء فوجه قولهما أن في الا وراث ضرورة وعموم البلية لكثرتها في الطرقات
فتتعذر صيانة الخفاف والنعال عنها وما عمت بليته خفت قضيته بخلاف خرء الدجاج والعذرة لان ذلك قلما
يكون في الطرق فلا تعم البلوى بإصابته وبخلاف بول ما يؤكل لحمه لان ذلك تنشفه الأرض ويجف بها فلا
تكثر اصابته الخفاف والنعال وروى عن محمد في الروث انه لا يمنع جواز الصلاة وإن كان كثيرا فاحشا وقيل إن
هذا آخر أقاويله حين كان بالري وكان الخليفة بها فرأى الطرق والخانات مملوءة من الا وراث وللناس فيها بلوى
عظيمة فعلى هذا القياس قال بعض مشايخنا بما وراء النهر ان طين بخارى إذا أصاب الثوب لا يمنع جواز الصلاة
وإن كان كثيرا فاحشا لبلوى الناس فيه لكثرة العذرات في الطرق وأبو حنيفة احتج بقوله تعالى من بين فرث ودم
لبنا خالصا سائغا للشاربين جمع بين الفرث والدم لكونهما نجسين ثم بين الأعجوبة للخلق في اخراج ما هو نهاية
في الطهارة وهو اللبن من بين شيئين نجسين مع كون الكل مائعا في نفسه ليعرف به كمال قدرته والحكيم إنما يذكر
ما هو النهاية في النجاسة ليكون اخراجه ما هو النهاية في الطهارة من بين ما هو النهاية في النجاسة نهاية في الأعجوبة
وآية لكمال القدرة ولأنها مستخبثة طبعا ولا ضرورة في اسقاط اعتبار نجاستها لأنها وان كثرت في الطرقات
فالعيون تدركها فيمكن صيانة الخفاف والنعال كما في بول ما لا يؤكل لحمه والأرض وإن كانت تنشف الأبوال
فالهواء يجفف الأرواث فلا تلتزق بالمكاعب والخفاف على أنا اعتبرنا معنى الضرورة بالعفو عن القليل منها وهو
الدرهم فما دونه فلا ضرورة في الترقية بالتقدير بالكثير الفاحش والله أعلم ولو أن ثوبا اصابته النجاسة وهي كثيرة
فجفت وذهب أثرها وخفي مكانها غسل جميع الثوب وكذا لو أصابت أحد الكمين ولا يدرى أيهما هو غسلهما
جميعا وكذا إذا راثت البقرة أو بالت في الكديس ولا يدرى مكانه غسل الكل احتياطا وقيل إذا غسل موضعا
من الثوب كالدخريص ونحوه واحد الكمين وبعضا من الكديس يحكم بطهارة الباقي وهذا غير سديد لان موضع
النجاسة غير معلوم وليس البعض أولى من البعض ولو كان الثوب طاهرا فشك في نجاسته جاز له أن يصلى فيه لأن الشك
لا يرفع اليقين وكذا إذا كان عنده ماء طاهر فشك في وقوع النجاسة فيه ولا بأس بلبس ثياب أهل الذمة
والصلاة فيها الا الإزار والسراويل فإنه تكره الصلاة فيهما وتجوز (أما) الجواز فلان الأصل في الثياب هو الطهارة
فلا تثبت النجاسة بالشك ولان التوارث جار فيما بين المسلمين بالصلاة في الثياب المغنومة من الكفرة قبل الغسل
وأما الكراهة في الإزار والسراويل فلقربهما من موضع الحدث وعمى لا يستنزهون من البول فصار شبيه يد
المستيقظ ومنقار الدجاجة المخلاة وذكر في بعض المواضع في الكراهة خلافا على قول أبي حنيفة ومحمد يكره وعلى
قول أبى يوسف لا يكره وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سئل عن الشراب في أواني المجوس فقال إن
لم تجدوا منها بدا فاغسلوها ثم اشربوا فيها وإنما أمر بالغسل لان ذبائحهم ميتة وأوانيهم قلما تخلو عن
دسومة منها قال بعض مشايخنا وكذلك الجواب في ثياب الفسقة من المسلمين لأن الظاهر أنهم لا يتوقون إصابة الخمر
ثيابهم في حال الشرب وقالوا في الديباج الذي ينسجه أهل فارس انه لا تجوز الصلاة فيه لأنهم يستعملون فيه البول
عند النسج يزعمون أنه يزيد في بريقه ثم لا يغسلونه لان الغسل يفسده فان صح انهم يفعلون ذلك فلا شك انه لا تجوز
81

الصلاة معه (وأما) حكم مكان الصلاة فالمصلى لا يخلوا ما إن كان يصلى على الأرض أو على غيرها من البساط ونحوه
ولا يخلو اما إن كانت النجاسة في مكان الصلاة أو في غيره بقرب منه ولا يخلوا ما إن كانت قليلة أو كثيرة فإن كان يصلى
على الأرض والنجاسة بقرب من مكان الصلاة جازت صلاته قليلة كانت أو كثيرة لان شرط الجواز طهارة مكان
الصلاة وقد وجد لكن المستحب ان يبعد عن موضع النجاسة تعظيما لأمر الصلاة وإن كانت النجاسة في مكان
الصلاة فإن كانت قليلة تجوز على أي موضع كانت لان قليل النجاسة عفو في حق جواز الصلاة عندنا على ما مر
وإن كانت كثيرة فإن كانت في موضع اليدين والركبتين تجوز عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر والشافعي لا تجوز
وجه قولهما انه أدى ركنا من أركان الصلاة مع النجاسة فلا يجوز كما لو كانت النجاسة على الثوب أو البدن أو في
موضع القيام (ولنا) ان وضع اليدين والركبتين ليس بركن ولهذا لو أمكنه السجود بدون الوضع يجزئه فيجعل
كأنه لم يضع أصلا ولو ترك الوضع جازت صلاته فههنا أولى وهكذا نقول فيما إذا كانت النجاسة على موضع
القيام ان ذلك ملحق بالعدم غير أن القيام ركن من أركان الصلاة فلا يثبت الجواز بدونه بخلاف الثوب لان
لابس الثوب صار حاملا للنجاسة مستعملا لها لأنها تتحرك بتحركه وتمشي بمشيه لكونها تبعا للثوب اما ههنا
بخلافه وإن كانت النجاسة في موضع القدمين فان قام عليها وافتتح الصلاة لم تجز لان القيام ركن فلا يصح بدون
الطهارة كما لو افتتحها مع الثوب النجس أو البدن النجس وان قام على مكان طاهر وافتتح الصلاة ثم تحول إلى
موضع النجاسة وقام عليها أو قعد فان مكث قليلا لا تفسد صلاته وان أطال القيام فسدت لان القيام من أفعال
الصلاة مقصودا لأنه ركن فلا يصح بدون الطهارة فيخرج من أن يكون فعل الصلاة لعدم الطهارة وما ليس
من أفعال الصلاة إذا دخل في الصلاة إن كان قليلا يكون عفوا والا فلا بخلاف ما إذا كانت النجاسة على موضع
اليدين والركبتين حيث لا تفسد صلاته وان أطال الوضع لان الوضع ليس من أفعال الصلاة مقصودا بل من
توابعها فلا يخرج من أن يكون فعل الصلاة تبعا لعدم الطهارة لوجود الطهارة في الأصل وإن كانت النجاسة
في موضع السجود لم يجز في قول أبى يوسف ومحمد وعن أبي حنيفة روايتان روى عنه محمد انه لا يجوز وهو
الظاهر من مذهبه وروى أبو يوسف عنه انه يجوز وجه قولهما ان الفرض هو السجود على الجبهة وقدر الجبهة
أكثر من قدر الدرهم فلا يكون عفوا وجه رواية أبى يوسف عن أبي حنيفة ان فرض السجود يتأدى بمقدار
أرنبة الانف عنده وذلك أقل من قدر الدرهم فيجوز والصحيح رواية محمد لان الفرض وإن كان يتأدى بمقدار
الأرنبة عنده ولكن إذا وضع الجبهة مع الأرنبة يقع الكل فرضا كما إذا طول القراءة زيادة على ما يتعلق به
جواز الصلاة ومقدار الجبهة والانف يزيد على قدر الدرهم فلا يكون عفوا ثم قوله إذا سجد على موضع نجس
لم تجز أي صلاته كذا ذكر في ظاهر الرواية وهو قول زفر وروى عن أبي يوسف انه لم يجز سجوده فأما الصلاة
فلا تفسد حتى لو أعاد السجود على موضع طاهر جاز صلاته ووجهه ان السجود على موضع نجس ملحق
بالعدم لانعدام شرط الجواز وهو الطهارة فصار كأنه لم يسجد عليه وسجد على مكان طاهر وجه ظاهر الرواية
ان السجدة أو ركن آخر لما لم يجز على موضع نجس صار فعلا كثيرا ليس من أفعال الصلاة وذا يوجب فساد
الصلاة ولو كانت النجاسة في موضع احدى القدمين على قياس رواية أبى يوسف عن أبي حنيفة يجوز لان
أدنى القيام هو القيام بإحدى القدمين وإحداهما طاهرة فيتأدى به الفرض فكان وضع الأخرى فضلا بمنزلة وضع
اليدين والركبتين وعلى قياس رواية محمد عنه لا يجوز وهو الصحيح لأنه إذا وضعهما جميعا يتأدى الفرض
بهما كما في القراءة على ما مر والله أعلم هذا إذا كان يصلى على الأرض فأما إذا كان يصلى على بساط فإن كانت
النجاسة في مكان الصلاة وهي كثيرة فحكمه حكم الأرض على ما مر وإن كانت على طرف من أطرافه اختلف
المشايخ فيه قال بعضهم إن كان البساط كبيرا بحيث لو رفع طرف منه لا يتحرك الطرف الآخر يجوز
والا فلا كما إذا تعمم بثوب وأحد طرفيه ملقى على الأرض وهو نجس انه إن كان بحال لا يتحرك بتحركه جاز
82

وإن كان يتحرك بحركته لا يجوز والصحيح انه يجوز صغيرا كان أو كبيرا بخلاف العمامة (والفرق) ان الطرف
النجس من العمامة إذا كان يتحرك بتحركه صار حاملا للنجاسة مستعملا لها وهذا لا يتحقق في البساط الا ترى
انه لو وضع يديه أو ركبتيه على الموضع النجس منه يجوز ولو صار حاملا لما جاز ولو صلى على ثوب مبطن ظهارته
طاهرة وبطانته نجسة روى عن محمد أنه يجوز وكذا ذكر في نوادر الصلاة وروى عن أبي يوسف انه لا يجوز
ومن المشايخ من وفق بين الروايتين فقال جواب محمد فيما إذا كان مخيطا غير مضرب فيكون بمنزلة ثوبين
والا على منهما طاهر وجواب أبى يوسف فيما إذا كان مخيطا مضربا فيكون بمنزلة ثوب واحد ظاهره طاهر
وباطنه نجس ومنهم من حقق فيه الاختلاف فقال على قول محمد يجوز كيفما ما كان وعلى قول أبى يوسف
لا يجوز كيفما ما كان وعلى هذا إذا صلى على حجر الرحا أو على باب أو بساط غليظ أو على مكعب ظاهره طاهر
وباطنه نجس يجوز عند محمد وبه كان يفتى الشيخ أبو بكر الإسكاف وعند أبي يوسف لا يجوز وبه كان يفتى
الشيخ أبو حفص الكبير فأبو يوسف نظر إلى اتحاد المحل فقال المحل محل واحد فاستوى ظاهره وباطنه
كالثوب الصفيق ومحمد اعتبر الوجه الذي يصلى عليه فقال إنه صلى في موضع طاهر وليس هو حاملا للنجاسة
فتجوز كما إذا صلى على ثوب تحته ثوب نجس بخلاف الثوب الصفيق لان الثوب وإن كان صفيقا فالظاهر نفاذ
الرطوبات إلى الوجه الآخر الا أنه ربما لا تدركه العين لتسارع الجفاف إليه ولو أن بساطا غليظا أو ثوبا
مبطنا مضربا وعلى كلى وجهيه نجاسة أقل من قدر الدرهم في موضعين مختلفين لكنهما لو جمعا يزيد على قدر
الدرهم على قياس رواية أبى يوسف يجمع ولا تجوز صلاته لأنه ثوب واحد ونجاسة واحدة وعلى قياس رواية
محمد لا يجمع وتجوز صلاته لأن النجاسة في الوجه الذي يصلى فيه أقل من قدر الدرهم ولو كان ثوبا صفيقا
والمسألة بحالها لا يجوز بالاجماع لما ذكرنا ان الظاهر هو النفاذ إلى الجانب الآخر وإن كان لا يدركه الحس
فاجتمع في وجه واحد نجاستان لو جمعتا يزيد على قدر الدرهم فيمنع الجواز ولو أن ثوبا أو بساطا أصابه النجاسة
ونفذت إلى الوجه الآخر وإذا جمعتا يزيد على قدر الدرهم لا يجمع بالاجماع اما على قياس رواية أبى يوسف فلانه
ثوب واحد ونجاسة واحدة واما على قياس رواية محمد فلأن النجاسة في الوجه الذي يصلى عليه أقل من قدر
الدرهم وكذا إذا كان الثوب مبطنا مضربا والمسألة بحالها لا يجمع بالاجماع لما قلنا
* (فصل) * وأما بيان ما يقع به التطهير فالكلام في هذا الفصل يقع في ثلاثة مواضع أحدها في بيان ما يقع به
التطهير والثاني في بيان طريق التطهير بالغسل والثالث في بيان شرائط التطهير (أما) الأول فما يحصل به
التطهير أنواع منها الماء المطلق ولا خلاف في أنه يحصل به الطهارة الحقيقية والحكمية جميعا لان الله تعالى
سمى الماء طهورا بقوله وأنزلنا من السماء ماء طهورا وكذا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله الماء طهور
لا ينجسه شئ الا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه والطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره وكذا جعل الله تعالى الوضوء
والاغتسال بالماء طهورا بقوله في آخر آية الوضوء ولكن يريد ليطهركم وقوله وان كنتم جنبا فاطهروا ويستوى
العذب والملح لاطلاق النصوص واما ما سوى الماء من المائعات الطاهرة فلا خلاف في أنه لا تحصل بها الطهارة
الحكمية وهي زوال الحدث وهل تحصل بها الطهارة الحقيقية وهي زوال النجاسة الحقيقية عن الثوب والبدن
اختلف فيه فقال أبو حنيفة وأبو يوسف تحصل وقال محمد وزفر والشافعي لا تحصل وروى عن أبي يوسف انه فرق
بين الثوب والبدن فقال في الثوب تحصل وفى البدن لا تحصل الا بالماء وجه قولهم إن طهورية الماء عرفت
شرعا بخلاف القياس لأنه بأول ملاقاته النجس صار نجسا والتطهير بالنجس لا يتحقق كما إذا غسل بماء نجس
أو بالخمر الا أن الشرع أسقط اعتبار نجاسة الماء حالة الاستعمال وبقاؤه طهورا على خلاف القياس فلا يلحق به
غيره ولهذا لم يلحق به في إزالة الحدث (ولهما) ان الواجب هو التطهير وهذه المائعات تشارك الماء في التطهير لأن الماء
إنما كان مطهرا لكونه مائعا رقيقا يداخل أثناء الثوب فيجاوز أجزاء النجاسة فيرققها إن كانت كثيفة فيستخرجها
83

بواسطة العصر وهذه المائعات في المداخلة والمجاورة والترقيق مثل الماء فكانت مثله في إفادة الطهارة بل أولى فان
الخل يعمل في إزالة بعض ألوان لا تزول بالماء فكان في معنى التطهير أبلغ (وأما) قولهم إن الماء بأول ملاقاة النجس
صار نجسا ممنوع والماء قط لا يصير نجسا وإنما يجاور النجس فكان طاهرا في ذاته فصلح مطهرا ولو تصور تنجس
الماء فذلك بعد مزايلته المحل النجس لان الشرع أمرنا بالتطهير ولو تنجس بأول الملاقاة لما تصور التطهير فيقع
التكليف بالتطهير عبثا تعالى الله عن ذلك فهكذا نقول في الحدث الا أن الشرع ورد بالتطهير بالماء هناك تعبدا غير
معقول المعنى فيقتصر على مورد التعبد وهذا إذا كان مائعا ينعصر بالعصر فإن كان لا ينعصر مثل العسل والسمن
والدهن ونحوها لا تحصل به الطهارة أصلا لانعدام المعاني التي يقف عليها زوال النجاسة على ما بينا (ومنها) الفرك
والحت بعد الجفاف في بعض الأنجاس في بعض المحال (وبيان) هذه الجملة إذا أصاب المنى الثوب وجف وفرك
طهر استحسانا والقياس ان لا يطهر الا بالغسل وإن كان رطبا لا يطهر الا بالغسل والأصل فيه ما روى عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي الله عنها إذا رأيت المنى في ثوبك إن كان رطبا فاغسليه وإن كان يابسا فافركيه
ولأنه شئ غليظ لزج لا يتشرب في الثوب الا رطوبته ثم تنجذب تلك الرطوبة بعد الجفاف فلا يبقى الا عينه وانها
تزول بالفرك بخلاف الرطب لأن العين وان زالت بالحت فاجزاؤها المتشربة في الثوب قائمة فبقيت النجاسة وان
أصاب البدن فإن كان رطبا لا يطهر الا بالغسل لما بينا وان جف فهل يطهر بالحت روى الحسن عن أبي حنيفة
أنه لا يطهر وذكر الكرخي أنه يطهر وجه رواية الحسن أن القياس أن لا يطهر في الثوب الا بالغسل وإنما عرفناه
بالحديث وأنه ورد في الثوب بالفرك فبقي البدن مع أنه لا يحتمل الفرك على أصل القياس وجه قول الكرخي
أن النص الوارد في الثوب يكون واردا في البدن من طريق الأولى لان البدن أقل تشربا من الثوب والحت في
البدن يعمل عمل الفرك في الثوب في إزالة العين (وأما) سائر النجاسات إذا أصابت الثوب أو البدن ونحوهما
فإنها لا تزول الا بالغسل سواء كانت رطبة أو يابسة كانت سائلة أو لها جرم ولو أصاب ثوبه خمر فالقى عليها
الملح ومضى عليه من المدة مقدار ما يتخلل فيها لم يحكم بطهارته حتى يغسله ولو أصابه عصير فمضى عليه من المدة
مقدار ما يتخمر العصير فيها لا يحكم بنجاسته وان أصاب الخف أو النعل ونحوهما فإن كانت رطبة لا تزول الا
بالغسل كيفما كانت وروى عن أبي يوسف أنه يطهر بالمسح على التراب كيفما كانت مستجسدة أو مائعة وإن كانت
يابسة فإن لم يكن لها جرم كثيف كالبول والخمر والماء النجس لا يطهر الا بالغسل وإن كان لها جرم كثيف فإن كان منيا
فإنه يطهر بالحت بالاجماع وإن كان غيره كالعذرة والدم الغليظ والروث يطهر بالحت عند أبي حنيفة وأبى يوسف
وعند محمد لا يطهر الا بالغسل وهو أحد قولي الشافعي وما قالاه استحسان وما قاله قياس وجه القياس ان غير
الماء لا أثر له في الإزالة وكذا القياس في الماء لما بينا فيما تقدم الا أنه يجعل طهورا للضرورة والضرورة ترتفع
بالماء فلا ضرورة في غيره ولهذا لم يؤثر في إزالة الرطب واليابس وفى الثوب وهذا هو القياس في المنى الا أنا
عرفناه بالنص وجه الاستحسان ما روى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
لما خلع نعليه في الصلاة خلع الناس نعالهم فلما فرغ من الصلاة قال ما بالكم خلعتم نعالكم فقالوا خلعت نعليك
فخلعنا نعالنا فقال أتاني جبريل وأخبرني أن بهما أذى ثم قال إذا أتى أحدكم المسجد فليقلب نعليه فإن كان بهما
أذى فليمسحهما بالأرض فان الأرض لهما طهور وهذا نص والفقه من وجهين أحدهما أن المحل إذا كان فيه
صلابة نحو الخف والنعل لا تتخلل اجزاء النجاسة فيه لصلابته وإنما تتشرب منه بعض الرطوبات فإذا أخذ
المستجسد في الجفاف جذبت تلك الرطوبات إلى نفسه شيئا فشيئا فكلما ازداد يبسا ازداد جذبا إلى أن يتم الجفاف
فعند ذلك لا يبقى منها شئ أو يبقى شئ يسير فإذا جف الخف أو مسحه على الأرض تزول العين بالكلية بخلاف حالة
الرطوبة لأن العين وان زالت فالرطوبات باقية لأنه خروجها بالجذب بسبب اليبس ولم يوجد وبخلاف السائل
لأنه لم يوجد الجاذب وهو العين المستجسدة فبقيت الرطوبة المتشربة فيه فلا يطهر بدون الغسل وبخلاف
84

الثوب فان اجزاء النجاسة تتخلل في الثوب كما تتخلل رطوباتها لتخلخل اجزاء الثوب فبالجفاف انجذبت
الرطوبات إلى نفسها فتبقى اجزاؤها فيه فلا تزول بإزالة الجرم الظاهر على سبيل الكمال وصار كالمني إذا أصاب
الثوب أنه يطهر بالفرك عند الجفاف لان المنى شئ لزج لا يداخل اجزاء الثوب وإنما تتخلل رطوباته فقط ثم
يجذبها المستجسد عند الجفاف فيطهر فكذلك هذا والثاني ان إصابة هذه الأنجاس الخفاف والنعال مما يكثر
فيحكم بطهارتها بالمسح دفعا للحرج بخلاف الثوب والحرج في الأرواث لا غير وإنما سوى في رواية عن أبي
يوسف بين الكل لاطلاق ما روينا من الحديث وكذا معنى الحرج لا يفصل بين الرطب واليابس ولو أصابه الماء
بعد الحت والمسح يعود نجسا هو الصحيح من الرواية لان شيئا من النجاسة قائم لان المحل إذا تشرب فيه النجس
وأنه لا يحتمل العصر لا يطهر عند محمد ابدا وعند أبي يوسف ينقع في الماء ثلاث مرات ويخفف في كل مرة الا أن
معظم النجاسة قد زال فجعل القليل عفوا في حق جواز الصلاة للضرورة لا أن يطهر المحل حقيقة فإذا وصل إليه
الماء فهذا ماء قليل جاوره قليل نجاسة فينجسه وأطلق الكرخي أنه إذا حت طهر وتأويله في حق جواز الصلاة
ولو أصابت النجاسة شيئا صلبا صقيلا كالسيف والمرآة ونحوهما يطهر بالحت رطبة كانت أو يابسة لأنه لا يتخلل
في اجزائه شئ من النجاسة وظاهره يطهر بالمسح والحت وقيل إن كانت رطبة لا تزول الا بالغسل ولو أصابت
النجاسة الأرض فجفت وذهب أثرها تجوز الصلاة عليها عندنا وعند زفر لا تجوز وبه أخذ الشافعي ولو تيمم
بهذا التراب لا يجوز في ظاهر الرواية وقد ذكرنا الفرق فيما تقدم (ولنا) طريقان أحدهما ان الأرض لم تطهر
حقيقة لكن زال معظم النجاسة عنها وبقى شئ قليل فيجعل عفوا للضرورة فعلى هذا إذا أصابها الماء تعود نجسة
لما بينا والثاني أن الأرض طهرت حقيقة لان من طبع الأرض أنها تحيل الأشياء وتغيرها إلى طبعها فصارت ترابا
بمرور الزمان ولم يبق نجس أصلا فعلى هذا ان أصابها لا تعود نجسة وقيل إن الطريق الأول لأبي يوسف والثاني
لمحمد بناء على أن النجاسة إذا تغيرت بمضي الزمان وتبدلت أوصافها تصير شيئا آخر عند محمد فيكون طاهرا وعند أبي
يوسف لا يصير شيئا آخر فيكون نجسا وعلى هذا الأصل مسائل بينهما (منها) الكلب إذا وقع في الملاحة
والجمد والعذرة إذا أحرقت بالنار وصارت رمادا وطين البالوعة إذا جف وذهب أثره والنجاسة إذا دفنت في
الأرض وذهب أثرها بمرور الزمان وجه قول أبى يوسف ان أجزاء النجاسة قائمة فلا تثبت الطهارة مع بقاء
العين النجسة والقياس في الخمر إذا تخلل أن لا يطهر لكن عرفناه نصا بخلاف القياس بخلاف جلد الميتة فان عين
الجلد طاهرة وإنما النجس ما عليه من الرطوبات وانها تزول بالدباغ وجه قول محمد أن النجاسة لما استحالت
وتبدلت أوصافها ومعانيها خرجت عن كونها نجاسة لأنها أسم لذات موصوفة فتنعدم بانعدام الوصف وصارت
كالخمر إذا تخللت (ومنها) الدباغ للجلود النجسة فالدباغ تطهير للجلود كلها الا جلد الانسان والخنزير كذا ذكر الكرخي
وقال مالك ان جلد الميتة لا يطهر بالدباغ لكن يجوز استعماله في الجامد لا في المائع بأن يجعل جرابا للحبوب
دون الزق للماء والسمن والدبس وقال عامة أصحاب الحديث لا يطهر بالدباغ الا جلد ما يؤكل لحمه وقال الشافعي
كما قلنا الا في جلد الكلب لأنه نجس العين عنده كالخنزير وكذا روى عن الحسن بن زياد واحتجوا بما روى
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب واسم الإهاب يعم الكل الا فيما قام
الدليل على تخصيصه (ولنا) ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أيما اهاب دبغ فقد طهر كالخمر تخلل
فتحل وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بفناء قوم فاستسقاهم فقال هل عندكم ماء فقالت امرأة لا يا رسول الله
الا في قربة لي ميتة فقال صلى الله عليه وسلم ألست دبغتيها فقالت نعم فقال دباغها طهورها ولان نجاسة الميتات لما
فيها من الرطوبات والدماء السائلة وانها تزول بالدباغ فتطهر كالثوب النجس إذا غسل ولان العادة جارية فيما بين
المسلمين يلبس جلد الثعلب والفنك والسمور ونحوها في الصلاة وغيرها من غير نكير فدل على الطهارة ولا حجة
لهم في الحديث لان الإهاب في اللغة اسم لجلد لم يدبغ كذا قاله الأصمعي والله أعلم ثم قول الكرخي الا جلد الانسان
85

والخنزير جواب ظاهر قول أصحابنا وروى عن أبي يوسف أن الجلود كلها تطهر بالدباغ لعموم الحديث والصحيح
ان جلد الخنزير لا يطهر بالدباغ لان نجاسته ليست لما فيه من الدم والرطوبة هو نجس العين فكان وجود الدباغ
في حقه والعدم بمنزلة واحدة وقيل إن جلده لا يحتمل الدباغ لان له جلودا مترادفة بعضها فوق بعض كما للآدمي
وأما جلد الانسان فإن كان يحتمل الدباغ وتندفع رطوبته بالدبغ ينبغي أن يطهر لأنه ليس بنجس العين
لكن لا يجوز الانتفاع به احتراما له وأما جلد الفيل فذكر في العيون عن محمد أنه لا يطهر بالدباغ وروى عن أبي
حنيفة وأبى يوسف أنه يطهر لأنه ليس بنجس العين ثم الدباغ على ضربين حقيقي وحكمي فالحقيقي هو أن يدبغ
بشئ له قيمة كالقرظ والعفص والسبخة ونحوها والحكمي أن يدبغ بالتشميس والتتريب والالفاء في الريح
والنوعان مستويان في سائر الأحكام الا في حكم واحد وهو أنه لو أصابه الماء بعد الدباغ الحقيقي لا يعود نجسا
وبعد الدباغ الحكمي فيه روايتان وقال الشافعي لا يطهر الجلد الا بالدباغ الحقيقي وانه غير سديد لان الحكمي
في إزالة الرطوبات والعصمة عن النتن والفساد بمضي الزمان مثل الحقيقي فلا معنى للفصل بينهما والله أعلم (ومنها)
الذكاة في تطهير الذبيح وجملة الكلام فيها أن الحيوان إن كان مأكول اللحم فذبح طهر بجميع اجزائه الا
الدم المسفوح وان لم يكن مأكول اللحم فما هو طاهر من الميتة من الاجزاء التي لا دم فيها كالشعر وأمثاله يطهر
منه بالذكاة عندنا وأما الاجزاء التي فيها الدم كاللحم والشحم والجلد فهل تطهر بالذكاة اتفق أصحابنا على أن جلده
يطهر بالذكاة وقال الشافعي لا يطهر وجه قوله أن الذكاة لم تفد حلا فلا تفيد طهرا وهذا لان أثر الذكاة يظهر فيما
وضع له أصلا وهو حل تناول اللحم وفى غيره تبعا فإذا لم يظهر أثرها في الأصل كيف يظهر في التبع فصار كما
لو ذبحه مجوسي (ولنا) ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال دباغ الأديم ذكاته الحق الذكاة بالدباغ
ثم الجلد يطهر بالدباغ كذا بالذكاة لان الذكاة تشارك الدباغ في إزالة الدماء السائلة والرطوبات النجسة فتشاركه
في إفادة الطهارة وما ذكر من معنى التبعية فغير سديد لان طهارة الجلد حكم مقصود في الجلد كما أن تناول اللحم
حكم مقصود في اللحم وفعل المجوسي ليس بذكاة لعدم أهلية الذكاة فلا يفيد الطهارة فتعين تطهيره بالدباغ واختلفوا في
طهارة اللحم والشحم ذكر الكرخي فقال كل حيوان يطهر بالدباغ يطهر جلده بالذكاة فهذا يدل على أنه يطهر لحمه
وشحمه وسائر اجزائه لان الحيوان اسم لجملة الاجزاء وقال بعض مشايخنا ومشايخ بلخ ان كل حيوان يطهر جلده
بالدباغ يطهر جلده بالذكاة فاما اللحم والشحم ونحوهما فلا يطهر والأول أقرب إلى الصواب لما مر ان النجاسة
لمكان الدم المسفوح وقد زال بالذكاة (ومنها) نزح ما وجب من الدلاء أو نزح جميع الماء بعد استخراج الواقع
في البئر من الآدمي أو غيره من الحيوان في تطهير البئر عرفنا ذلك بالخبر واجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما
ذكرنا فيما تقدم ثم إذا وجب نزح جميع الماء من البئر فينبغي ان تسد جميع منابع الماء ان أمكن ثم ينزح ما فيها
من الماء النجس وان لم يكن سد منابعه لغلبة الماء روى عن أبي حنيفة في غير رواية الأصول انه ينزح مائة دلو
وروى مائتا دلو وعن محمد انه ينزح مائتا دلوا أو ثلاثمائة دلو وعن أبي يوسف روايتان في رواية يحفر بجنبها حفيرة
مقدار عرض الماء وطوله وعمقه ثم ينزح ماؤها ويصب في الحفيرة حتى تمتلئ فإذا امتلأت حكم بطهارة البئر وفى
رواية يرسل فيها قصبة ويجعل لمبلغ الماء علامة ثم ينزح منها عشر دلاء مثلا ثم ينظركم انتقص فينزح بقدر ذلك
والأوفق في الباب ما روى عن أبي نصر محمد بن محمد بن سلام انه يؤتى برجلين لهما بصارة في أمر الماء فينزح بقولهما
لان ما يعرف بالاجتهاد يرجع فيه إلى أهل الاجتهاد في ذلك الباب ثم اختلف في الدلو الذي ينزح به الماء النجس قال
بعضهم المعتبر في كل بئر دلوها صغيرا كان أو كبيرا وروى عن أبي حنيفة انه يعتبر دلو يسع قدر صاع وقيل المعتبر
هو المتوسط بين الصغير والكبير واما حكم طهارة الدلو والرشاء فقد روى عن أبي يوسف انه سئل عن الدلو الذي
ينزح به الماء النجس من البئر أيغسل أم لا قال لا بل يطهره ما طهر البئر وكذا روى عن الحسن بن زياد أنه قال إذا
طهرت البئر يطهر الدلو والرشاء كما يطهر طين البئر وحمأته لان نجاستهما بنجاسة البئر وطهارتهما يكون بطهارة البئر
86

أيضا كالخمر إذا تخلل في دن انه يحكم بطهارة الدن (ومنها) تطهير الحوض الصغير إذا تنجس واختلف المشايخ فيه
فقال أبو بكر الأعمش لا يطهر حتى يدخل الماء فيه ويخرج منه مثل ما كان فيه ثلاث مرات فيصير ذلك بمنزلة غسله
ثلاثا وقال الفقيه أبو جعفر الهندواني إذا دخل فيه الماء الطاهر وخرج بعضه يحكم بطهارته بعد ان لا تستبين
فيه النجاسة لأنه صار ماء جاريا ولم يستيقن ببقاء النجس فيه وبه أخذ الفقيه أبو الليث وقال إذا خرج منه مقدار الماء
النجس يطهر كالبئر إذا تنجست انه يحكم بطهارتها بنزح ما فيها من الماء وعلى هذا حوض الحمام أو الأواني إذا تنجس
* (فصل) * واما طريق التطهير بالغسل فلا خلاف في أن النجس يطهر بالغسل في الماء الجاري وكذا يطهر
بالغسل بصب الماء عليه واختلف في أنه هل يطهر بالغسل في الأواني بان غسل الثوب النجس أو البدن النجس
في ثلاث إجانات قال أبو حنيفة ومحمد يطهر حتى يخرج من الإجانة الثالثة طاهر أو قال أبو يوسف لا يطهر البدن
وان غسل في إجانات كثيرة ما لم يصب عليه الماء وفى الثوب عنه روايتان وجه قول أبى يوسف ان القياس يأبى
حصول الطهارة بالغسل بالماء أصلا لأن الماء متى لا في النجاسة تنجس سواء ورد الماء على النجاسة أو وردت
النجاسة على الماء والتطهير بالنجس لا يتحقق الا انا حكمنا بالطهارة لحاجة الناس إلى تطهير الثياب والأعضاء النجسة
والحاجة تندفع بالحكم بالطهارة عند ورود الماء على النجاسة فبقي ما وراء ذلك على أصل القياس فعلى هذا لا يفرق
بين البدن والثوب ووجه الفرق له على الرواية الأخرى ان في الثوب ضرورة إذ كل من تنجس ثوبه لا يجد من يصب
الماء عليه ولا يمكنه الصب عليه بنفسه وغسله فترك القياس فيه لهذه الضرورة دفعا للحرج ولهذا جرى العرف
يغسل الثياب في الأواني ولا ضرورة في العضو لأنه يمكنه غسله بصب الماء عليه فبقي على ما يقتضيه القياس
وجه قولهما ان القياس متروك في الفصلين لتحقق الضرورة في المحلين إذ ليس كل من أصابت النجاسة بعض بدنه
يجد ماء جاريا أو من يصب عليه الماء وقد لا يتمكن من الصب بنفسه وقد تصيب النجاسة موضعا يتعذر الصب
عليه فان من دمى فمه أو أنفه لو صب عليه الماء لوصل الماء النجس إلى جوفه أو يعلو إلى دماغه وفيه حرج بين
فتركنا القياس لعموم الضرورة مع أن ما ذكره من القياس غير صحيح لما ذكرنا فيما تقدم ان الماء لا ينجس أصلا
ما دام على المحل النجس على ما مر بيانه وعلى هذا الخلاف إذا كان على يده نجاسة فأدخلها في حب من الماء ثم
في الثاني والثالث كذا ولو كان في الخوابى خل نجس والمسألة بحالها عند أبي حنيفة يخرج من الثالثة طاهرا خلافا
لهما بناء على أصل آخر وهو ان المائعات الطاهرة تزيل النجاسة الحقيقية عن الثوب والبدن عند أبي حنيفة
والصب ليس بشرط وعند محمد لا تزيل أصلا وعنده أبى يوسف تزيل لكن بشرط الصب ولم يوجد فاتفق
جوابهما بناء على أصلين مختلفين
* (فصل) * واما شرائط التطهير بالماء فمنها العدد في نجاسة غير مرئية عندنا والجملة في ذلك ان النجاسة نوعان
حقيقية وحكمية ولا خلاف في أن النجاسة الحكمية وهي الحدث والجنابة تزول بالغسل مرة واحدة ولا يشترط فيها
العدد واما النجاسة الحقيقية فإن كانت غير مرئية كالبول ونحوه ذكر في ظاهر الرواية أنه لا تطهر الا بالغسل ثلاثا
وعند الشافعي تطهر بالغسل مرة واحدة اعتبارا بالحدث الا في ولوغ الكلب في الاناء فإنه لا يطهر الا بالغسل
سبعا إحداهن بالتراب بالحديث وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله
سبعا إحداهن بالتراب (ولنا) ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا
فقد أمر بالغسل ثلاثا وإن كان ذلك غير مرئي وما رواه الشافعي فذلك عندما كان في ابتداء الاسلام لقلع عادة
الناس في الألف بالكلاب كما أمر بكسر الدنان ونهى عن الشرب في ظروف الخمر حين حرمت الخمر فلما تركوا العادة
أزال ذلك كما في الخمر دل عليه ما روى في بعض الروايات فليغسله سبعا أولاهن بالتراب أو أخراهن بالتراب وفى
بعضها وعفروا الثامنة بالتراب وذلك غير واجب بالاجماع وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا استيقظ
أحدكم من منامه فلا يغمسن بده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدرى أين باتت يده أمر بالغسل ثلاثا عند
87

توهم النجاسة فعند تحققها أولى ولأن الظاهر أن النجاسة لا تزول بالمرة الواحدة الا ترى ان النجاسة المرئية قط
لا تزول بالمرة الواحدة فكذا غير المرئية ولا فرق سوى ان ذلك يرى بالحس وهذا يعلم بالعقل والاعتبار بالحدث
غير سديد لان ثمة لا نجاسة رأسا وإنما عرفنا وجوب الغسل نصا غير معقول المعنى والنص ورد بالاكتفاء بمرة
واحدة فان النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة الا به ثم التقدير بالثلاث
عندنا ليس بلازم بل هو مفوض إلى غالب رأيه وأكبر ظنه وإنما ورد النص بالتقدير بالثلاث بناء على غالب العادات
فان الغالب انها تزول بالثلاث ولان الثلاث هو الحد الفاصل لا بلاء العذر كما في قصة العبد الصالح مع موسى حيث
قال له موسى في المرة الثالثة قد بلغت من لدني عذرا وإن كانت النجاسة مرئية كالدم ونحوه فطهارتها زوال
عينها ولا عبرة فيه بالعدد لأن النجاسة في العين فان زالت العين زالت النجاسة وان بقيت بقيت ولو زالت العين
وبقى الأثر فإن كان مما يزول أثره لا يحكم بطهارته ما لم يزل الأثر لان الأثر لون عينه لا لون الثوب فبقاؤه يدل على
بقاء عينه وإن كانت النجاسة مما لا يزول أثره لا يضر بقاء أثره عندنا وعند الشافعي لا يحكم بطهارته ما دام
الأثر باقيا وينبغي ان يقطع بالمقراض لان بقاء الأثر دليل بقاء العين (ولنا) ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال للمستحاضة حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء ولا يضرك أثره وهذا نص ولان الله تعالى لما لم يكلفنا غسل
النجاسة الا بالماء مع علمه انه ليس في طبع الماء قلع الآثار دل على أن بقاء الأثر فيما لا يزول أثره ليس بمانع زوال
النجاسة وقوله بقاء الأثر دليل بقاء العين مسلم لكن الشرع أسقط اعتبار ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام ولا يضرك
بقاء أثره ولما ذكرنا انه لم يأمرنا الا بالغسل بالماء ولم يكلفنا تعلم الحيل في قلع الآثار ولان ذلك في حد القلة والقليل من
النجاسة عفو عندنا ولان أصابة النجاسة التي لها أثر باق كالدم الأسود العبيط مما يكثر في الثياب خصوصا في حقي
النسوان فلو أمرنا بقطع الثياب لوقع الناس في الحرج وانه مدفوع وكذا يؤدى إلى اتلاف الأموال والشرع
نهانا عن ذلك فكيف يأمرنا به (ومنها) العصر فيما يحتمل العصر وما يقوم مقامه فيما لا يحتمله والجملة فيه ان المحل
الذي تنجس اما إن كان شيئا لا يتشرب فيه اجزاء النجس أصلا أو كان شيئا يتشرب فيه شئ يسير أو كان شيئا يتشرب
فيه شئ كثير فإن كان مما لا يتشرب فيه شئ أصلا كالأواني المتخذة من الحجر والصغر والنحاس والخزف العتيق ونحو
ذلك فطهارته بزوال عين النجاسة أو العدد على ما مر وإن كان مما يتشرب فيه شئ قليل كالبدن والخف والنعل
فكذلك لأن الماء يستخرج ذلك القليل فيحكم بطهارته وإن كان يتشرب فيه كثير فإن كان مما يمكن عصره
كالثياب فإن كانت النجاسة مرئية فطهارته بالغسل والعصر إلى أن تزول العين وإن كانت غير مرئية فطهارته بالغسل
ثلاثا والعصر وفى كل مرة لأن الماء لا يستخرج الكثير الا بواسطة العصر ولا يتم الغسل بدونه وروى عن محمد انه يكتفى
بالعصر في المرة الأخيرة ويستوى الجواب عندنا بين بول الصبي والصبية وقال الشافعي بول الصبي يطهر بالنضح
من غير عصر (واحتج) بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ينضح بول الصبي ويغسل بول الجارية
(ولنا) ما روينا من حديث عمار من غير فصل بين بول وبول وما رواه غريب فلا يقبل خصوصا إذا خالف
المشهور وإن كان مما لا يمكن عصره كالحصير المتخذ من البورى ونحوه أي ما لا ينعصر بالعصر ان علم أنه لم يتشرب
فيه بل أصاب ظاهره يطهر بإزالة العين أو بالغسل ثلاث مرات من غير عصر فاما إذا علم أنه تشرب فيه فقد قال
أبو يوسف ينقع في الماء ثلاث مرات ويجفف في كل مرة فيحكم بطهارته وقال محمد لا يطهر أبدا وعلى هذا
الخلاف الخزف الجديد إذا تشرب فيه النجس والجلد إذا دبغ بالدهن النجس والحنطة إذا تشرب فيها النجس
وانتفخت أنها لا تطهر أبدا عند محمد وعند أبي يوسف تنقع في الماء ثلاث مرات وتجفف في كل مرة وكذا السكين
إذا موه بماء نجس واللحم إذا طبخ بماء نجس فعند أبي يوسف يموه السكين ويطبخ اللحم بالطاهر ثلاث مرات
ويجفف في كل مرة وعند محمد لا يطهر أبدا وجه قول محمد أن النجاسة إذا دخلت في الباطن يتعذر استخراجها
الا بالعصر والعصر متعذر وأبو يوسف يقول إن تعذرت العصر فالتجفيف ممكن فيقام التجفيف مقام العصر
88

دفعا للحرج وما قاله محمدا قيس وما قاله أبو يوسف أوسع ولو أن الأرض أصابتها نجاسة رطبة فإن كانت الأرض
رخوة يصب عليها الماء حتى يتسفل فيها فإذا لم يبق على وجهها شئ من النجاسة وتسفلت المياه يحكم بطهارتها ولا
يعتبر فيها العدد وإنما هو على اجتهاده وما في غالب ظنه انها طهرت ويقوم التسفل في الأرض مقام العصر فيما
يحتمل العصر وعلى قياس ظاهر الرواية يصب الماء عليها ثلاث مرات ويتسفل في كل مرة وإن كانت الأرض
صلبة فإن كانت صعودا يحفر في أسفلها حفيرة ويصب الماء عليها ثلاث مرات ويزال عنها إلى الحفيرة ثم تكبر
الحفيرة وإن كانت مستوية بحيث لا يزول الماء عنها لا تغسل لعدم الفائدة في الغسل وقال الشافعي إذا كوثرت
بالماء طهرت وهذا فاسد لأن الماء النجس باق حقيقة ولكن ينبغي أن تقلب فيجعل أعلاها أسفلها وأسفلها
أعلاها ليصير التراب الطاهر وجه الأرض هكذا روى أن اعرابيا بال في المسجد فأمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يحفر موضع بوله فدل أن الطريق ما قلنا والله أعلم
* (كتاب الصلاة) *
يحتاج لمعرفة مسائل كتاب الصلاة إلى معرفة أنواع الصلاة وما يشتمل عليه كل نوع من الكيفيات والأركان
والشرائط والواجبات والسنن وما يستحب فعله فيه وما يكره وما يفسده ومعرفة حكمه إذا فسد أو فات عن وقته
(فنقول) وبالله التوفيق الصلاة في الأصل أربعة أنواع فرض وواجب وسنة ونافلة والفرض نوعان فرض عين
وفرض كفاية وفرض العين نوعان أحدهما الصلوات المعهودة في كل يوم وليلة والثاني صلاة الجمعة أما الصلوات
المعهودة في كل يوم وليلة فالكلام فيها يقع في مواضع في بيان أصل فرضيتها وفي بيان عددها وفي بيان عدد
ركعاتها وفي بيان أركانها وفي بيان شرائط الأركان وفي بيان واجباتها وفي بيان سنتها وفي بيان ما يستحب فعله وما
يكره فيها وفي بيان ما يفسدها وفي بيان حكمها إذا أفسدت أو فاتت عن أوقاتها أو فات شئ من صلاة من هذه الصلوات
عن الجماعة أو عن محله الأصلي ونذكره في آخر الصلاة (أما) فرضيتها فثابتة بالكتاب والسنة والاجماع والمعقول
(أما) الكتاب فقوله تعالى في غير موضع من القرآن أقيموا الصلاة وقوله إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا
موقوتا أي فرضا مؤقتا وقوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ومطلق اسم الصلاة ينصرف إلى
الصلوات المعهودة وهي التي تؤدى في كل يوم وليلة وقوله تعال أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل الآية يجمع
الصلوات الخمس لان صلاة الفجر تؤدى في أحد طرفي النهار وصلاة الظهر والعصر يؤديان في الطرف الآخر
إذا لنهار قسمان غداة وعشى والغداة اسم لأول النهار إلى وقت الزوال وما بعده العشي حتى أن من حلف لا يأكل
العشي فأكل بعد الزوال يحنث فدخل في طرفي النهار ثلاث صلوات ودخل في قوله وزلفا من الليل المغرب والعشاء
لأنهما يؤديان في زلف من الليل وهي ساعاته وقوله أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر قيل
دلوك الشمس زوالها وغسق الليل أول ظلمته فيدخل فيه صلاة الظهر والعصر وقوله وقرآن الفجر أي وأقم
قرآن الفجر وهو صلاة الفجر فثبتت فرضية ثلاث صلوات بهذه الآية وفرضية صلاتي المغرب والعشاء ثبتت بدليل
آخر وقيل دلوك الشمس غروبها فيدخل فيه صلاة المغرب والعشاء تدخل صلاة الفجر في قوله وقرآن الفجر
وفرضية صلاة الظهر والعصر ثبتت بدليل آخر وقوله تعالى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد
في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون روى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال حين تمسون المغرب
والعشاء وحين تصبحون الفجر وعشيا العصر وحين تظهرون الظهر ذكر التسبيح وأراد به الصلاة أي صلوا
لله اما لان التسبيح من لوازم الصلاة أو لأنه تنزيه والصلاة من أولها إلى آخرها تنزيه الرب عز وجل لما فيها
من اظهار الحاجات إليه واظهار العجز والضعف وفيه وصف له بالجلال والعظمة والرفعة والتعالي عن الحاجة
قال الشيخ أبو منصور الماتريدي السمرقندي انهم فهموا من هذه الآية فرضية الصلوات الخمس ولو كانت
89

أفهامهم مثل افهام أهل زماننا لما فهموا منها سوى التسبيح المذكور وقوله تعالى فسبح بحمد ربك قبل
طلوع الشمس وقيل غروبها ومن آناء الليل فسبحه وأطراف النهار لعلك ترضى قيل في تأويل قوله فسبح أي
فصل قبل طلوع الشمس هو صلاة الصبح وقبل غروبها هو صلاة الظهر والعصر ومن آناء الليل صلاة المغرب
والعشاء وقوله وأطراف النهار على التكرار والإعادة تأكيدا كما في قوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى ان ذكر الصلاة الوسطى على التأكيد لدخولها تحت اسم الصلوات كذا ههنا وقوله تعالى في بيوت أذن
الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال قيل الذكر والتسبيح ههنا هما الصلاة وقيل الذكر سائر
الأذكار والتسبيح الصلاة وقوله بالغد وصلاة الغداة والآصال صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء وقيل الآصال
هو صلاة العصر ويحتمل العصر والظهر لأنهما يؤديان في الأصيل وهو العشي وفرضية المغرب والعشاء عرفت
بدليل آخر (وأما) السنة فما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عام حجة الوداع اعبدوا ربكم
وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وحجوا بيت ربكم وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم تدخلوا جنة ربكم وروى
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله تعالى فرض على عباده
المؤمنين في كل يوم وليلة خمس صلوات وعن عبادة أيضا رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول خمس صلوات كتبهن الله تعالى على العباد فمن أتى بهن ولم يضيع من حقهن شيئا استخفافا بحقهن فان له
عند الله عهدا أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد ان شاء عذبه وان شاء أدخله الجنة وعليه
اجماع الأمة فان الأمة أجمعت على فرضية هذه الصلوات (وأما) المعقول فمن وجوه أحدها ان هذه الصلوات
إنما وجبت شكرا للنعم منها نعمة الخلقة حيث فضل الجوهر الانسي بالتصوير على أحسن صورة وأحسن تقويم
كما قال تعالى وصوركم فأحسن صوركم وقال لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم حتى لا ترى أحدا يتمنى أن يكون
على غير هذا التقويم والصورة التي أنشئ عليها (ومنها) نعمة سلامة الجوارح عن الآفات إذ بها يقدر على إقامة
مصالحه أعطاه الله ذلك كله انعاما محضا من غير أن يسبق منه ما يوجب استحقاق شئ من ذلك فأمر باستعمال
هذه النعمة في خدمة المنعم شكرا لما أنعم إذ شكر النعمة استعمالها في خدمة المنعم (ثم) الصلاة تجمع استعمال
جميع الجوارح الظاهرة من القيام والركوع والسجود والقعود ووضع اليد مواضعها وحفظ العين وكذا الجوارح
الباطنة من شغل القلب بالنية واشعاره بالخوف والرجاء واحضار الذهن والعقل بالتعظيم والتبجيل ليكون
عمل كل عضو شكرا لما أنعم عليه في ذلك (ومنها) نعمة المفاصل اللينة والجوارح المنقادة التي بها يقدر على
استعمالها في الأحوال المختلفة من القيام والقعود والركوع والسجود والصلاة تشتمل على هذا الأحوال
فأمرنا باستعمال هذه النعم الخاصة في هذه الأحوال في خدمة المنعم شكرا لهذه النعمة وشكر النعمة فرض عقلا
وشرعا (ومنها) أن الصلاة وكل عبادة خدمة الرب جل جلاله وخدمة المولى على العبد لا تكون الا فرضا إذ
التبرع من العبد على مولاه محال والعزيمة هي شغل جميع الأوقات بالعبادات بقدر الامكان وانتفاء الجرح الا أن
الله تعالى بفضله وكرمه جعل لعبده أن يترك الخدمة في بعض الأوقات رخصة حتى لو شرع لم يكن له الترك لأنه إذا
شرع فقد اختار العزيمة وترك الرخصة فيعود حكم العزيمة يحقق ما ذكرنا أن العبد لا بدله من اظهار سمة العبودية
ليخالف به من استعصى مولاه وأظهر الترفع عن العبادة وفى الصلاة اظهار سمة العبودية لما فيها من القيام بين يدي
المولى جل جلاله وتحنية الظهر له وتعفير الوجه بالأرض والجثو على الركبتين والثناء عليه والمدح له (ومنها) أنها
مانعة للمصلى عن ارتكاب المعاصي لأنه إذا قام بين يدي ربه خاشعا متذللا مستشعرا هيبة الرب جل جلاله خائفا
تقصيره في عبادته كل يوم خمس مرات عصمه ذلك عن اقتحام المعاصي والامتناع عن المعصية فرض وذلك قوله
تعالى وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات وقوله تعالى وأقم الصلاة ان الصلاة
تنهى عن الفحشاء والمنكر (ومنها) انها جعلت مكفرة للذنوب والخطايا والزلات والتقصير إذا لعبد في أوقات
90

ليله ونهاره لا يخلو عن ذنب أو خطا أو زلة أو تقصير في العبادة والقيام بشكر النعمة وان جل قدره وخطره عند الله
تعالى إذ قد سبق إليه من الله تعالى من النعم والاحسان ما لو أخذ بشكر ذلك لم يقدر على أداء شكر واحدة منها
فضلا عن أن يؤدى شكرا لكل فيحتاج إلى تكفير ذلك إذ هو فرض ففرضت الصلوات الخمس تكفيرا لذلك
* (فصل) * وأما عددها فالخمس ثبت ذلك بالكتاب والسنة واجماع الأمة (أما) الكتاب فما تلونا من الآيات
التي فيها فرضية خمس صلوات وقوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى إشارة إلى ذلك لأنه
ذكر الصلوات بلفظ الجمع وعطف الصلاة الوسطى عليها والمعطوف غير المعطوف عليه في الأصل فهذا يقتضى
جمعا يكون له وسطى والوسطى غير ذلك الجمع وأقل جمع يكون له وسطى والوسطى غير ذلك الجمع هو الخمس
لان الأربع والست لا وسطى لهما وكذا هو شفع إذ لوسط ما له حاشيتان متساويتان ولا يوجد ذلك في النفع
والثلاث له وسطى لكن الوسطى ليس غير الجمع إذ الاثنان بجمع صحيح والسبعة وكل وتر بعدها له وسطى
لكنه ليس بأقل الجمع لان الخمسة أقل من ذلك (وأما) السنة فما روينا من الأحاديث وروى أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لما علم الاعرابي الصلوات الخمس فقال هل على شئ غير هذا فقال عليه الصلاة والسلام
لا الا أن تطوع والأمة أجمعت على هذا من غير خلاف بينهم ولهذا قال عامة الفقهاء ان الوتر سنة لما ان
كتاب الله والسنن المتواترة والمشهورة ما أوجبت زيادة على خمس صلوات فالقول بفرضية الزيادة عليها باخبار
الآحاد يكون قولا بفرضية صلاة سادسة وانه خلاف الكتاب والسنة واجماع الأمة ولا يلزم هذا أبا حنيفة
لأنه لا يقول بفرضية الوتر وإنما يقول بوجوبه (والفرق) بين الواجب والفرض كما بين السماء والأرض
على ما عرف في موضعه والله أعلم
* (فصل) * وأما عدد ركعات هذه الصلوات فالمصلى لا يخلو اما أن يكون مقيما واما أن يكون مسافرا فإن كان
مقيما فعدد ركعاتها سبعة عشر ركعتان وأربع وأربع وثلاث وأربع عرفنا ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم
وقوله صلوا كما رأيتموني أصلى وهذا لأنه ليس في كتاب الله عدد ركعات هذه الصلوات فكانت نصوص الكتاب
العزيز مجملة في حق المقدار ثم زال الاجمال ببيان النبي صلى الله الله عليه وسلم قولا وفعلا كما في نصوص الزكاة
والعشر والحج وغير ذلك وإن كان مسافر فعدد ركعاتها في حقه احدى عشرة عندنا ركعتان وركعتان
وثلاث وركعتان وعند الشافعي سبعة عشر كما في حق المقيم
* (فصل) * والكلام في صلاة المسافر يقع في ثلاث مواضع أحدها في بيان المقدار المفروض من الصلاة
في حق المسافر والثاني في بيان ما يصير المقيم به مسافرا والثالث في بيان ما يصير به المسافر مقيما ويبطل به السفر
ويعود إلى حكم الإقامة (أما) الأول فقد قال أصحابنا ان فرض المسافر من ذوات الأربع ركعتان لا غير وقال
الشافعي أربع كفرض المقيم الا أن للمسافر أن يقصر رخصة من مشايخنا من لقب المسألة بأن القصر عندنا
عزيمة والا كمال رخصة وهذا التلقيب على أصلنا خطأ لان الركعتين من ذوات الأربع في حق المسافر
ليستا قصرا حقيقة عندنا بل هما تمام فرض المسافر والا كمال ليس رخصة في حقه بل هو إساءة ومخالفة
للسنة هكذا روى عن أبي حنيفة أنه قال من أتم الصلاة في السفر فقد أساء وخالف السنة وهذا لان الرخصة
اسم لما تغير عن الحكم الأصلي لعارض إلى تخفيف ويسر لما عرف في أصول الفقه ولم يوجد معنى التغيير في حق
المسافر رأسا إذا الصلاة في الأصل فرضت ركعتين في حق المقيم والمسافر جميعا لما يذكر ثم زيدت ركعتان
في حق المقيم وأقرت الركعتان على حالهما في حق المسافر كما كانتا في الأصل فانعدم معنى التغيير أصلا في حقه
وفى حق المقيم وجد التغيير لكن إلى الغلظ والشدة لا إلى السهولة واليسر والرخصة تنبئ عن ذلك فلم يكن ذلك
رخصة في حقه حقيقة ولو سمى فإنما سمى مجاز الوجود بعض معاني الحقيقة وهو التغيير (احتج) الشافعي
بقوله تعالى وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ولفظه لا جناح تستعمل
91

في المباحات والمرخصات دون الفرائض والعزائم وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله تعالى تصدق
عليكم بشطر الصلاة الا فاقبلوا صدقته والمتصدق عليه يكون مختارا في قبول الصدقة كما في التصدق من العباد
ولان القصر ثبت نظرا للمسافر تخفيفا عليه في السفر الذي هو محل المشقات المتضاعفة والتخفيف في التخيير فان شاء
مال إلى القصر وان شاء مال إلى الا كمال كما في الافطار في شهر رمضان (ولنا) ما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال
صلاة المسافر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تام غير قصر على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وروى تمام غير
قصر وروى الفقيه الجليل أبو أحمد العياضي السمرقندي وأبو الحسن الكرخي عن ابن عباس رضي الله عنه هكذا
وروى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت فرضت الصلاة في الأصل ركعتين الا المغرب فإنها وتر النهار ثم زيدت
في الحضر وأقرت في السفر على ما كانت وروى عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال ما سافر رسول الله
صلى الله عليه وسلم الا وصلى ركعتين الا المغرب ولو كان القصر رخصة والاكمال هو العزيمة لما ترك العزيمة الا
أحيانا إذا لعزيمة أفضل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختار من الاعمال الا أفضلها وكان لا يترك الأفضل
الا مرة أو مرتين للرخصة في حق الأمة فاما ترك الأفضل أبدا وفيه تضييع الفضيلة عن النبي صلى الله
عليه وسلم في جميع عمره فما لا يحتمل والدليل عليه انه صلى الله عليه وسلم قصر بمكة وقال لأهل مكة أتموا يا أهل
مكة فانا قوم سفر فلو جاز الأربع لما اقتصر على الركعتين لوجهين أحدهما انه كان يغتنم زيادة العمل في الحرم
لما للعبادة فيه من تضاعف الاجر والثاني انه صلى الله عليه وسلم كان اماما وخلفه المقيمون من أهل مكة فكان
ينبغي أن يتم أربعا كيلا يحتاج أولئك القوم إلى التفرد ولينا لو أفضلية الائتمام به في جميع الصلاة وحيث
لم يفعل دل ذلك على صحة ما قلنا وروى أن عثمان رضي الله عنه أتم الصلاة بمنى فأنكر عليه أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى قال لهم انى تأهلت بمكة وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تأهل بقوم
فهو منهم فدل انكار الصحابة رضي الله عنهم واعتذار عثمان رضي الله عنه ان الفرض ما قلنا إذ لو كان الأربع
عزيمة لما أنكرت الصحابة عليه ولما اعتذر هو إذ لا يلام على العزائم ولا يعتذر عنها فكان ذلك اجماعا من
الصحابة رضي الله عنهم على ما قلنا وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما انه سئل عن الصلاة في السفر فقال ركعتان
ركعتان من خالف السنة كفر اي خالف السنة اعتقاد الا فعلا وروى عن ابن عباس رضي الله عنه ان رجلين
سألاه وكان أحدهما يتم الصلاة في السفر والآخر يقصر عن حالهما فقال للذي قصر أنت أكملت وقال للآخر
أنت قصرت ولا حجة له في الآية لان المذكور فيها أصل القصر لا صفته وكيفيته والقصر قد يكون
عن الركعات وقد يكون عن القيام إلى القعود وقد يكون عن الركوع والسجود إلى الايماء لخوف العد ولا بترك
شطر الصلاة وذلك مباح مرخص عندنا فلا يكون حجة مع الاحتمال مع ما ان في الآية ما يدل على أن المراد
منه ليس هو القصر عن الركعات وهو ترك شطر الصلاة لأنه علق القصر بشرط الخوف وهو خوف فتنة الكفار
بقوله إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا والقصر عن الركعات لا يتعلق بشرط الخوف بل يجوز من غير خوف
والحديث دليلنا لأنه أمر بالقبول فلا يبقى له خيار الرد شرعا إذ الامر للوجوب وقوله المتصدق عليه يكون
مختارا في القبول قلنا معنى قوله تصدق عليكم أي حكم عليكم على أن التصدق من الله تعالى فيما لا يحتمل التمليك
يكون عبارة عن الاسقاط كالعفو من الله تعالى وما ذكر من المعنى غير سديد لان هذا ليس ترفيها بقصر شطر
الصلاة بل لم يشرع في السفر الا هذا القدر لما ذكرنا من الدلائل ولقول ابن عباس رضي الله عنه لا تقولوا
قصرا فان الذي فرضها في الحضر أربعا هو الذي فرضها في السفر ركعتين وليس إلى العباد ابطال قدر العبادات
الموظفة عليهم بالزيادة والنقصان الا ترى ان من أراد أن يتم المغرب أربعا أو الفجر ثلاثا أو أربعا لا يقدر على
ذلك كذا هذا ولا قصر في الفجر والمغرب لان القصر بسقوط شطر الصلاة وبعد سقوط الشطر منهما لا يبقى
نصف مشروع بخلاف ذوات الأربع وكذا لا قصر في السنن والتطوعات لان القصر بالتوقيف ولا توقيف
92

ثمة ومن الناس من قال بترك السنن في السفر وروى عن بعض الصحابة أنه قال لو أتيت بالسنن في السفر لا تممت
الفريضة وذلك عندنا محمول على حالة الخوف على وجه لا يمكنه المكث لأداء السنن وعلى هذا الأصل يبنى ان المسافر
لو اختار الأربع لا يقع الكل فرضا بل المفروض ركعتان لا غير والشطر الثاني يقع تطوعا عندنا وعنده يقع الكل فرضا
حتى لو لم يقعد على رأس الركعتين قدر التشهد فسدت صلاته عندنا لأنها القعدة الأخيرة في حقه وهي فرض وعنده
لا تفسد لأنها القعدة الأولى عنده وهي ليست بفرض في المكتوبات بلا خلاف وعلى هذا الأصل يبنى اقتداء
المقيم بالمسافر انه يجوز في الوقت وفى خارج الوقت وفى ذوات الأربع واقتداء المسافر بالمقيم يجوز في الوقت
ولا يجوز في خارج الوقت عندنا لان فرض المسافر قد تقرر ركعتين على وجه لا يحتمل التغيير بالاقتداء بالمقيم
فكانت القعدة الأولى فرضا في حقه فيكون هذا اقتداء المفترض بالمتنقل في حق القعدة وهذا لا يجوز على
أصل أصحابنا وهذا المعنى لا يوجد في الوقت ولا في اقتداء المقيم بالمسافر ولو ترك القراءة في الأوليين أو في واحدة
منهما تفسد صلاته لان القراءة في الركعتين في صلاة ذات ركعتين فرض وقد فات على وجه لا يحتمل التدارك
بالقضاء فتفسد صلاته وعند الشافعي أيضا تفسد لان العزيمة وإن كانت هي الأربع عنده لكن القراءة في
الركعات كلها فرض عنده ولو اقتدى المسافر بالمقيم في الظهر ثم أفسدها على نفسه في الوقت أو بعد ما خرج
الوقت فان عليه ان يصلى ركعتين عندنا وعنده يصلى أربعا ولا يجوز له القصر لان العزيمة في حق المسافر هي
ركعتان عندنا وإنما صار فرضه أربعا بحكم التبعية للمقيم بالاقتداء به وقد بطلت التبعية ببطلان الاقتداء فيعود
حكم الأصل وعنده لما كانت العزيمة هي الأربع وإنما أبيح القصر رخصة فإذا اقتدى بالمقيم فقد اختار
العزيمة فتأكد عليه وجوب الأربع فلا تجوز له الرخصة بعد ذلك ويستوى في المقدار المفروض على المسافر
من الصلاة سفر الطاعة من الحج والجهاد طلب العلم وسفر المباح كسفر التجارة ونحوه وسفر المعصية كقطع
الطريق والبغي وهذا عندنا وقال الشافعي لا تثبت رخصة القصر في سفر المعصية وجه قوله إن رخصة القصر
تثبت تخفيفا أو نظرا على المسافر والجاني لا يستحق النظر والتخفيف (ولنا) ان ما ذكرنا من الدلائل لا يوجب
الفصل بين مسافر ومسافر فوجب العمل بعمومها واطلاقها ويستوى فيما ذكرنا من اعداد الركعات في حق
المقيم والمسافر صلاة الا من والخوف فالخوف لا يؤثر في نقصان العدد مقيما كان الخائف أو مسافرا وهو قول
عامة الصحابة رضي الله عنهم وإنما يؤثر في سقوط اعتبار بعض ما ينافي الصلاة في الأصل من المشي ونحو ذلك
على ما نذكره في صلاة الخوف إن شاء الله تعالى
* (فصل) * واما بيان ما يصير به المقيم مسافرا فالذي يصير المقيم به مسافرا نية مدة السفر والخروج من عمران
المصر فلا بد من اعتبار ثلاثة أشياء أحدها مدة السفر وأقلها غير مقدر عند أصحاب الظواهر وعند عامة العلماء
مقدر واختلفوا في التقدير قال أصحابنا مسير ثلاثة أيام سير الإبل ومشى الاقدام وهو المذكور في ظاهر الروايات
وروى عن أبي يوسف يومان وأكثر الثالث وكذا روى الحسن عن أبي حنيفة وابن سماعة عن محمد ومن
مشايخنا من قدره بخمسة عشر فرسخا وجعل لكل يوم خمس فراسخ ومنهم من قدره بثلاث مراحل وقال مالك
أربعة يرد كل بريد اثنا عشر ميلا واختلفت أقوال الشافعي فيه قيل ستة وأربعون ميلا وهو قريب من قول
بعض مشايخنا لان العادة ان القافلة لا تقطع في يوم أكثر من خمسة فراسخ وقيل يوم وليلة وهو قول الزهري
والأوزاعي وأثبت أقواله انه مقدر بيومين اما أصحاب الظواهر فاحتجوا بظاهر قوله تعالى وإذا ضربتم في الأرض
فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة علق القصر بمطلق الضرب في الأرض فالتقدير تقييد لمطلق الكتاب
ولا يجوز الا بدليل (ولنا) ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر
ثلاثة أيام وليا لها جعل لكل مسافر أن يمسح ثلاثة أيام ولياليها وان يتصور أن يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليها
ومدة السفر أقل من هذه المدة وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تسافر
93

ثلاثة أيام الا مع محرم أو زوج فلو لم تكن المدة مقدرة بالثلاث لم يكن لتخصيص الثلاث معنى والحديثان في حد
الاستفاضة والاشتهار فيجوز نسخ الكتاب بهما إن كان تقييد المطلق نسخا مع أنه لا حجة لهم في الآية لان
الضرب في الأرض في اللغة عبارة عن السير فيها مسافرا يقال ضرب في الأرض أي سار فيها مسافرا فكان الضرب
في الأرض عبارة عن سير يصير الانسان به مسافرا لا مطلق السير والكلام في أنه هل يصير مسافرا بسير مطلق
من غير اعتبار المدة وكذا مطلق الضرب في الأرض يقع على سير يسمى سفرا والنزاع في تقديره شرعا والآية ساكتة
عن ذلك وقد ورد الحديث بالتقدير فوجب العمل به والله الموفق (واحتج) مالك بما روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة فيما دون مكة إلى عسفان وذلك أربعة برد وهو غريب فلا يقبل
خصوصا في معارضة المشهور وجه قول الشافعي ان الرخصة إنما ثبت لضرب مشقة يختص بها المسافرون
وهي مشقة الحمل والسير والنزول لان المسافر يحتاج إلى حمل رحله من غير أهله وحطه في غير أهله والسير وهذه
المشقات تجتمع في يومين لأنه في اليوم الأول يحط الرحل في غير أهله وفى اليوم الثاني بحمله من غير أهله والسير
موجود في اليومين بخلاف اليوم الواحد لأنه لا يوجد فيه الا مشقة السير لأنه يحمل الرحل من وطنه ويحطه في
موضع الإقامة فيقدر بيومين لهذا (ولنا) ما روينا من الحديثين ولان وجوب الاكمال كان ثابتا بدليل مقطوع
به فلا يجوز رفعه الا بمثله وما دون الثلاث مختلف فيه والثلاث مجمع عليه فلا يجوز رفعه بما دون الثلاث وما
ذكر من المعنى يبطل بمن سافر يوما على قصد الرجوع إلى وطنه فإنه يلحقه مشقة الحمل والحط والسير على ما
ذكر ومع هذا لا يقصر عنده وبه تبين ان الاعتبار لاجتماع المشقات في يوم واحد وذلك بثلاثة أيام لأنه يلحقه
في اليوم الثاني مشقة حمل الرحل من غير أهله والسير وحطه في غير أهله وإنما قدرنا بسير الإبل ومشى الاقدام
لأنه الوسط لان أبطأ السير سير العجلة والأسرع سير الفرس والبريد فكان أوسط أنواع السير سير الإبل
ومشى الاقدام وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم خير الأمور أوساطها ولان الأقل والأكثر يتجاذبان فيستقر
الامر على الوسط وعلى هذا يخرج ما روى عن أبي حنيفة فيمن سار في الماء يوما وذلك في البر ثلاثة أيام انه يقصر
الصلاة لأنه لا عبرة للاسراع وكذا لو سار في البر إلى موضع في يوم أو يومين وانه بسير الإبل والمشي المعتاد ثلاثة
أيام يقصر اعتبارا للسير المعتاد وعلى هذا إذا سافر في الجبال والعقبات أنه يعتبر مسيرة ثلاثة أيام فيها لا في السهل
فالحاصل أن التقدير بمسيرة ثلاثة أيام أو بالمراحل في السهل والجبل والبر والبر والبحر ثم يعتبر في كل ذلك السير المعتاد فيه
وذلك معلوم عند الناس فيرجع إليهم عند الاشتباه والتقدير بالفراسخ غير سديد لان ذلك يختلف باختلاف
الطريق وقال أبو حنيفة إذا خرج إلى مصر في ثلاثة أيام وأمكنه أن يصل إليه من طريق آخر في يوم واحد قصر
وقال الشافعي إن كان لغرض صحيح قصر وإن كان من غير غرض صحيح لم يقصر ويكون كالعاصي في سفره والصحيح
قولنا لان الحكم معلق بالسفر فكان المعتبر مسيرة ثلاثة أيام على قصد السفر وقد وجد والثاني فيه مدة السفر لان
السير قد يكون سفر أو قد لا يكون لان الانسان قد يخرج من مصره إلى موضع لا صلاح الضيعة ثم تبدو له حاجة
أخرى إلى المجاوزة عنه إلى موضع آخر ليس بينهما مدة سفر ثم وثم إلى أن يقطع مسافة بعيدة أكثر من مدة السفر
لا لقصد السفر فلا بد من النية والمعتبر في النية هو نية الأصل دون التابع حتى يصير العبد مسافرا بنية مولاه
والزوجة بنية الزوج وكل من لزمه طاعة غيره كالسلطان وأمير الجيش لان حكم التبع حكم الأصل وأما الغريم مع
صاحب الدين فإن كان مليا فالنية إليه لأنه يمكنه قضاء الدين والخروج من يده وإن كان مفلسا فالنية إلى الطالب لأنه
لا يمكنه الخروج من يده فكان تابعا له والثالث الخروج من عمران المصر فلا يصير مسافرا بمجرد نية السفر ما
يخرج من عمران المصر وأصله ما روى عن علي رضي الله عنه أنه لما خرج من البصرة يريد الكوفة صلى الظهر
أربعا ثم نظر إلى خص امامه وقال لو جاوزنا الخص صلينا ركعتين ولان النية إنما تعتبر إذا كانت مقارنة للفعل لان
مجرد العزم عفو وفعل السفر لا يتحقق الا بعد الخروج من المصر فما لم يخرج لا يتحقق قران النية بالفعل فلا يصير
94

مسافرا وهذا بخلاف المسافر إذا نوى الإقامة في موضع صالح للإقامة حيث يصير مقيما للحال لان فيه الإقامة هناك
قارنت الفعل وهو ترك السفر لان ترك الفعل فعل كانت معتبرة وههنا بخلافه وسواء خرج في أول الوقت أو في
وسطه أو في آخره حتى لو بقي من الوقت مقدار ما يسع لأداء ركعتين فإنه يقصر في ظاهر قول أصحابنا وقال محمد بن
شجاع البلخي وإبراهيم النخعي إنما يقصر إذا خرج قبل الزوال فاما إذا خرج بعد الزوال فإنه يكمل الظهر وإنما يقصر
العصر وقال الشافعي إذا مضى من الوقت مقدار ما يمكنه أداء أربع ركعات فيه يجب عليه الاكمال ولا يجوز له القصر
وان مضى دون ذلك اختلف أصحابه فيه وان بقي من الوقت مقدار ما يسع لركعة واحدة لا غير أو للتحريمة فقط
يصلى ركعتين عندنا وعند زفر يصلى أربعا (اما) الكلام في المسألة الأولى فبناء على أن الصلاة تجب في أول
الوقت أو في آخره فعندهم تجب في أول الوقت فكلما دخل الوقت أو مضى منه مقدار ما يسع لأداء الأربع وجب
عليه أداء أربع ركعات فلا يسقط شطرها بسبب السفر بعد ذلك كما إذا صارت دينا في الذمة بمضي الوقت ثم سافر لا
يسقط الشطر كذا ههنا وعند المحققين من أصحابنا لا تجب في أول الوقت على التعيين وإنما تجب في جزء من الوقت
غير معين وإنما التعيين إلى المصلى من حيث الفعل حتى أنه إذا شرع في أول الوقت يجب في ذلك الوقت وكذا إذا شرع
في وسطه أو آخره ومتى لم يعين بالفعل حتى بقي من الوقت مقدار ما يصلى فيه أربعا وهو مقيم يجب عليه تعيين ذلك
الوقت للأداء فعلا حتى يأثم بترك التعيين وإن كان لا يتعين للأداء بنفسه شرعا حتى لو صلى فيه التطوع جاز وإذا كان
كذلك لم يكن أداء الأربع واجبا قبل الشروع فإذا نوى السفر وخرج من العمران حتى صار مسافرا تجب عليه
صلاة المسافرين ثم إن كان الوقت فاضلا على الأداء يجب عليه أداء ركعتين في جزء من الوقت غير معين ويتعين ذلك
بفعله وان لم يتعين بالفعل إلى آخر الوقت يتعين آخر الوقت لوجوب تعيينه للأداء فعلا وكذا إذا لم يكن الوقت فاضلا
على الأداء ولكنه يسع للركعتين يتعين للوجوب ويبنى على هذا الأصل الطاهرة إذا حاضت في آخر الوقت أو نفست
والعاقل إذا جن أو أغمي عليه والمسلم إذا ارتد والعياذ بالله وقد بقي من الوقت ما يسع الفرض لا يلزمهم الفرض
عند أصحابنا لان الوجوب يتعين في آخر الوقت عندنا إذا لم يوجدا لأداء قبله فيستدعى الأهلية فيه لاستحالة
الايجاب على غير الأهل ولم يوجد وعندهم يلزمهم الفرض لان الوجوب عندهم بأول الوقت والأهلية ثابتة
في أوله ودلائل هذا الأصل تعرف في أصول الفقه ولو صلى الصبي الفرض في أول الوقت ثم بلغ تلزمه الإعادة
عندنا خلافا للشافعي وكذا إذا أحرم بالحج ثم بلغ قبل الوقوف بعرفة لا يجزيه عن حجة الاسلام عندنا خلافا
له وجه قوله إن عدم الوجوب عليه كان نظرا له والنظر له هنا الوجوب كيلا تلزمه الإعادة فأشبه الوصية
حيث صحت منه نظرا له وهو الثواب ولا ضرر فيه لان ملكه يزول بالميراث ان لم يزل بالوصية (ولنا) ان في نفس
الوجوب ضررا فلا يثبت مع الصبي كما لو لم يبلغ فيه وإنما انقلب نفعا بحالة أنفقت وهي البلوغ فيه وانه نادر
فبقي عدم الوجوب لأنه نفع في الأصل المسلم إذا صلى ثم ارتد عن الاسلام والعياذ بالله ثم أسلم في الوقت فعليه
إعادة الصلاة عندنا وعند الشافعي لا إعادة عليه وعلى هذا الحج واحتج بقوله تعالى ومن يرتدد منكم عن دينه
فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة علق حبط العمل بالموت على الردة دون نفس الردة لان
الردة حصلت بعد الفراغ من القربة فلا يبطلها كما لو تيمم ثم ارتد عن الاسلام ثم أسلم (ولنا) قوله تعالى
ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وقوله تعالى ولو أشركوا الحبط عنهم ما كانوا يعملون علق حبط العمل بنفس
الاشراك بعد الايمان واما الآية فنقول من علق حكما بشرطين وعلقه بشرط فالحكم يتعلق بكل واحد من
التعليقين وينزل عند أيهما وجد كمن قال لعبده أنت حر إذا جاء يوم الخميس ثم قال له أنت حر إذا جاء يوم الجمعة
لا يبطل واحد منهما بل إذا جاء يوم الخميس عتق ولو كان باعه فجاء يوم الخميس ولم يكن في ملكه ثم اشتراه فجاء يوم
الجمعة وهو في ملكه عتق بالتعليق الآخر واما التيمم فهو ليس بعبادة وإنما هو طهارة وأثر الردة في ابطال العبادات
الا انه لا ينعقد مع الكفر لعدم الحاجة والحاجة ههنا متحققة والردة لا تبطلها لكونه مجبورا على الاسلام فبقيت
95

الحاجة على ما ذكرنا في فصل التيمم (واما) الكلام في المسألة الثانية فبناء على أصل مختلف بين أصحابنا وهو
مقدار ما يتعلق به الوجوب في آخر الوقت قال الكرخي وأكثر المحققين من أصحابنا ان الوجوب يتعلق بآخر الوقت
بمقدار التحريمة وقال زفر لا يجب الا إذا بقي من الوقت مقدار ما يؤدى فيه الفرض وهو اختيار القدوري
وبنى على هذا الأصل الحائض إذا طهرت في آخر الوقت وبلغ الصبي وأسلم الكافر وأفاق المجنون والمغمى عليه
وأقام المسافر أو سافر المقيم وهي مسألة الكتاب فعلى قول زفر ومن تابعه من أصحابنا لا يجب الفرض ولا
يتغير الا إذا بقي من الوقت مقدار ما يمكن فيه الأداء وعلى القول المختار يجب الفرض ويتغير الأداء وان بقي مقدار
ما يسع للتحريمة فقط وجه قول زفر ان وجوب الأداء يقتضى تصور الأداء وأداء كل الفرض في هذا القدر لا يتصور
فاستحال وجوب الأداء (ولنا) ان آخر الوقت يجب تعيينه على المكلف للأداء فعلا على ما مر فان بقي مقدار
ما يسع لكل الصلاة يجب تعيينه لكل الصلاة فعلا بالأداء وان بقي مقدار ما يسع للبعض وجب تعيينه لذلك البعض
لان تعيين كل الوقت لكل العبادة تعيين كل أجزائه لكل أجزائها ضرورة وفى تعيين جزء من الوقت لجزء من
الصلاة فائدة وهي أن الصلاة لا تتجزأ فإذا وجب البعض فيه وجب الكل فيما يتعقبه من الوقت إن كان لا يتعقبه
وقت مكروه وان تعقبه يجب الكل ليؤدي في وقت آخر وإذا لم يبق من الوقت الا قدر ما يسع التحريمة وجب
يحصيل التحريمة ثم تجب بقية الصلاة لضرورة وجوب التحريمة فيؤديها في الوقت المتصل به فيما وراء الفجر وفى
الفجر يؤديها في وقت آخر لان الوجوب على التدريج الذي ذكرنا قد تقرر وقد عجز عن الأداء فيقضى وهذا
بخلاف الكافر إذا أسلم بعد طلوع الفجر من يوم رمضان حيث لا يلزمه صوم ذلك اليوم لان هناك الوقت
معيار للصوم فكل جزء منه على الاطلاق لا يصلح للجزء الأول من العبادة بل الجزء الأول من الوقت متعين
للجزء الأول من العبادة ثم الثاني منه للثاني منها والثالث للثالث وهكذا فلا يتصور وجوب الجزء الأول من العبادة
في الجزء الثاني أو الخامس من الوقت ولا الجزء الخامس من العبادة من الجزء السادس من الوقت فإذا فات الجزء
الأول من الوقت وهو ليس باهل فلم يجب الجزء الأول من العبادة لاستحالة الوجوب على غير الأهل فبعد ذلك وان
أسلم في الجزء الثاني أو العاشر لا يتصور وجوب الجزء الأول من الصوم في ذلك الجزء من للوقت لأنه ليس بمحل
لوجوبه فيه ولان وجوب كل جزء من الصوم في جزء من الوقت وهو محل أدائه والجزء الثاني من اليوم لا يتصور أن
يكون محلا للجزء الأول من العبادة فلا يتصور وجوب الجزء الأول فلا يتصور وجوب الجزء الآخر لأن الصوم
لا يتجزأ وجوبا ولا أداء بخلاف الصلاة لان هناك كل جزء مطلق من الوقت يصلح ان يجب فيه الجزء الأول
من الصلاة إذا التحريمة منها في ذلك الوقت لان الوقت ليس بمعيار للصلاة فهو الفرق والله الموفق ثم ما ذكرنا من
تعلق الوجوب بمقدار التحريمة في حق الحائض إذا كانت أيامها عشرا فاما إذا كانت أيامها دون العشرة فإنما
تجب عليها الصلاة إذا طهرت وعليها من الوقت مقدار ما تغتسل فيه فإن كان عليها من الوقت ما لا تستطيع ان
تغتسل فيه أولا تستطيع أن تتحرم للصلاة فليس عليها تلك الصلاة حتى لا يجب عليها القضاء والفرض ان أيامها إذا
كانت أقل من عشرة لا يحكم بخروجها من الحيض بمجرد انقطاع الدم ما لم تغتسل أو يمضى عليها وقت صلاة تصير
تلك الصلاة دينا عليها وإذا كانت أيامها عشرة بمجرد الانقطاع يحكم بخروجها عن الحيض فإذا أدركت جزأ
من الوقت يلزمها قضاء تلك الصلاة سواء تمكنت من الاغتسال أو لم تتمكن بمنزلة كافر أسلم وهو جنب أو صبي
بلغ بالاحتلام في آخر الوقت فعليه قضاء تلك الصلاة سواء تمكن من الاغتسال في الوقت أو لم يتمكن وهذا
لان الحيض هو خروج الدم في وقت معتاد فإذا انقطع الدم كان ينبغي ان يحكم بزواله لان الأصل ان ما انعدم
حقيقة انعدم حكما الا انا لا نحكم بخروجها من الحيض ما لم تغتسل إذا كانت أيامها أقل من عشرة لاجماع الصحابة
رضي الله عنهم قال الشعبي حدثني بضعة عشر نفرا من الصحابة ان الزوج أحق برجعتها ما لم تغتسل وكان المعنى
في ذلك ان نفس الانقطاع ليس بدليل على الطهارة لان ذلك كثيرا ما يتخلل في زمان الحيض فشرطت زيادة
96

شئ له أثر في التطهير وهو الاغتسال أو وجوب الصلاة عليها لأنه من أحكام الطهر بخلاف ما إذا كانت أيامها
عشرا لان هناك الاجماع ومثل هذا الدليل المعقول منعدمان ولان الدليل قد قام لنا ان الحيض لا يزيد على
العشرة وهذه المسألة تستقصى في كتاب الحيض وهل يباح للزوج قربانها قبل الاغتسال إذا كانت أيامها
عشرا عند أصحابنا الثلاثة يباح وعند زفر لا يباح ما لم تغتسل وإذا كانت أيامها دون العشرة لا يباح للزوج قربانها
قبل الاغتسال بالاجماع وإذا مضى عليها وقت صلاة فللزوج ان يقربها عندنا وان لم تغتسل خلافا لزفر على
ما يعرف في كتاب الحيض إن شاء الله تعالى
* (فصل) * واما بيان ما يصير المسافر به مقيما فالمسافر يصير مقيما بوجود الإقامة والإقامة تثبت بأربعة أشياء
أحدها صريح نية الإقامة وهو ان ينوى الإقامة خمسة عشر يوما في مكان واحد صالح للإقامة فلا بد من
أربعة أشياء الإقامة ونية مدة الإقامة واتحاد المكان وصلاحيته للإقامة (اما) نية الإقامة فامر لا بد منه
عندنا حتى لو دخل مصر أو مكث فيه شهرا أو أكثر لانتظار القافلة أو لحاجة أخرى يقول اخرج اليوم أو غدا
ولم ينو الإقامة لا يصير مقيما وللشافعي فيه قولان في قول إذا أقام أكثر مما أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك
كان مقيما وان لم ينو الإقامة ورسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك تسعة عشر يوما أو عشرين يوما وفى
قول إذا أقام أربعة كان مقيما ولا يباح له القصر (احتج) لقوله الأول ان الإقامة متى وجدت حقيقة ينبغي
ان تكمل الصلاة قلت الإقامة أو كثرت لأنها ضد السفر والشئ يبطل بما يضاده الا ان النبي صلى الله عليه وسلم
أقام بتبوك تسعة عشر يوما وقصر الصلاة فتركنا هذا القدر بالنص فنأخذ بالقياس فيما وارءه ووجه قوله
الآخر على النحو الذي ذكرنا ان القياس ان يبطل السفر بقليل الإقامة لان الإقامة قرار والسفر انتقال والشئ
ينعدم بما يضاده فينعدم حكمه ضرورة الا ان قليل الإقامة لا يمكن اعتباره لان المسافر لا يخلو عن ذلك عادة فسقط
اعتبار القليل لمكان الضرورة ولا ضرورة في الكثير والأربعة في حد الكثرة لان أدنى درجات الكثير أن يكون
جمعا والثلاثة وإن كانت جمعا لكنها أقل الجمع فكانت في حد القلة من وجه فلم تثبت الكثرة المطلقة فإذا صارت
أربعة صارت في حد الكثرة على الاطلاق لزوال معنى القلة من جميع الوجوه (ولنا) اجماع الصحابة رضي الله عنهم
فإنه روى عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه انه أقام بقرية من قرى نيسابور شهرين وكان يقصر الصلاة
وعن ابن عمر رضي الله عنهما انه أقام بأذربيجان شهرا وكان يصلى ركعتين وعن علقمة انه أقام بخوارزم
سنتين وكان يقصر وروى عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم عام فتح مكة فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلى الا الركعتين ثم قال لأهل مكة صلوا أربعا فانا قوم
سفر والقياس بمقابلة النص والاجماع باطل (واما) مدة الإقامة فأقلها خمسة عشر يوما عندنا وقال
مالك والشافعي أقلها أربعة أيام وحجتهما ما ذكرنا وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للمهاجرين
المقام بمكة بعد قضاء النسك ثلاثة أيام فهذه إشارة إلى أن الزيادة على الثلاث توجب حكم الإقامة (ولنا) ما روى
عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم انهما قالا إذا أدخلت بلدة وأنت مسافر وفى عزمك أن تقيم بها خمسة
عشر يوما فأكمل الصلاة وان كنت لا تدرى متى تظعن فاقصر وهذا باب لا يوصل إليه بالاجتهاد لأنه من
جملة المقادير ولا يظن بهما التكلم جزافا فالظاهر أنهما قالاه سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى
عبد الله بن عباس وجابر وأنس رضي الله عنهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه دخلوا مكة صبيحة
الرابع من ذي الحجة ومكثوا ذلك اليوم واليوم الخامس واليوم السادس واليوم السابع فلما كان صبيحة
اليوم الثامن وهو يوم التروية خرجوا إلى منى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بأصحابه ركعتين وقد
وطنوا أنفسهم على إقامة أربعة أيام دل ان التقدير بالأربعة غير صحيح وما روى من الحديث فليس فيه ما يشير إلى
تقدير أدنى مدة الإقامة بالأربعة لأنه يحتمل انه علم أن حاجتهم ترتفع في تلك المدة فرخص بالمقام ثلاثا لهذا لا لتقدير
97

الإقامة (وأما) اتحاد المكان فالشرط نية مدة الإقامة في مكان واحد لان الإقامة قرار والانتقال يضاده
ولابد من الانتقال في مكانين وإذا عرف هذا فنقول إذا نوى المسافر الإقامة خمسة عشر يوما في موضعين فإن كانا
مصرا واحدا أو قرية واحدة صار مقيما لأنهما متحدان حكما ألا يرى أنه لو خرج إليه مسافرا لم يقصر فقد وجد
الشرط وهو نية كمال مدة الإقامة في مكان واحد فصار مقيما وإن كانا مصرين نحو مكة ومنى أو الكوفة والحيرة
أو قريتين أو أحدهما مصر والآخر قرية لا يصير مقيما لأنهما مكانان متباينان حقيقة وحكما ألا ترى انه لو خرج
إليه المسافر يقصر فلم يوجد الشرط وهو نية الإقامة في موضع واحد خمسة عشر يوما فلغت نيته فان نوى المسافر أن
يقيم بالليالي في أحد الموضعين ويخرج بالنهار إلى الموضع الاخر فان دخل أولا الموضع الذي نوى المقام فيه بالنهار
لا يصير مقيما وان دخل الموضع الذي نوى الإقامة فيه بالليالي يصير مقيما ثم بالخروج إلى الموضع الآخر لا يصير
مسافرا لان موضع إقامة الرجل حيث يبيت فيه ألا ترى انه إذا قيل للسوقي أين تسكن يقول في محلة كذا وهو
بالنهار يكون بالسوق وذكر في كتاب المناسك ان الحاج إذا دخل مكة في أيام العشر ونوى الإقامة خمسة عشر
يوما أو دخل قبل أيام العشر لكن بقي إلى يوم التروية أقل من خمسة عشر يوما ونوى الإقامة لا يصح لأنه لا بد له
من الخروج إلى عرفات فلا تتحقق نية اقامته خمسة عشر يوما فلا يصح وقيل كان سبب تفقه عيسى بن أبان هذه
المسألة وذلك أنه كان مشغولا بطلب الحديث قال فدخلت مكة في أول العشر من ذي الحجة مع صاحب لي
وعزمت على الإقامة شهرا فجعلت أتم الصلاة فلقيني بعض أصحاب أبي حنيفة فقال أخطأت فإنك تخرج إلى منى
وعرفات فلما رجعت من منى بدا لصاحبي أن يخرج وعزمت على أن أصاحبه وجعلت أقصر الصلاة فقال لي
صاحب أبي حنيفة أخطأت فإنك مقيم بمكة فما لم تخرج منها لا تصير مسافرا فقلت أخطأت في مسألة في موضعين
فدخلت مجلس محمد واشتغلت بالفقه وإنما أوردنا هذه الحكاية ليعلم مبلغ علم الفقه فيصير مبعثة للطلبة على
طلبه (وأما) المكان الصالح للإقامة فهو موضع اللبث والقرار في العادة نحو الأمصار والقرى وأما المفازة والجزيرة
والسفينة فليست موضع الإقامة حتى لو نوى الإقامة في هذه المواضع خمسة عشر يوما لا يصير مقيما كذا روى عن
أبي حنيفة وروى عن أبي يوسف في الاعراب والأكراد والتركمان إذا نزلوا بخيامهم في موضع ونووا الإقامة خمسة
عشر يوما صاروا مقيمين فعلى هذا إذا نوى المسافر الإقامة فيه خمسة عشر يوما يصير مقيما كما في القرية وروى عنه
أيضا انهم لم يصيروا مقيمين فعلى هذا إذا نوى المسافر الإقامة فيه لا يصح ذكر الروايتين عن أبي يوسف في العيون
فصار الحاصل ان عند أبي حنيفة لا يصير مقيما في المفازة وإن كان ثمة قوم وطنوا ذلك المكان بالخيام والفساطيط وعن أبي
يوسف روايتان وعلى هذا الامام إذا دخل دار الحرب مع الجند ومعهم أخبية وفساطيط فنووا الإقامة خمسة
عشر يوما في المفازة والصحيح قول أبي حنيفة لان موضع الإقامة موضع القرار والمفازة ليست موضع القرار في
الأصل فكانت النية لغو أو لو حاصر المسلمون مدينة من مدائن أهل الحرب ووطنوا أنفسهم على إقامة خمسة
عشر يوما لم تصح نية الإقامة ويقصرون وكذا إذا نزلوا المدينة وحاصروا أهلها في الحصن وقال أبو يوسف إن كان
وا في الأخبية والفساطيط خارج البلدة فكذلك وإن كانوا في الأبنية صحت نيتهم وقال زفر في الفصلين جميعا إن كان
ت الشوكة والغلبة للمسلمين صحت نيتهم وإن كانت للعد ولم تصح وجه قول زفر ان الشوكة إذا كانت للمسلمين يقع
الامن لهم من ازعاج العد وإياهم فيمكنهم القرار ظاهرا فنية الإقامة صادفت محلها فصحت وأبو يوسف يقول
الأبنية موضع الإقامة فتصح نية الإقامة فيها بخلاف الصحراء (ولنا) ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه
ان رجلا سأله وقال إنا نطيل الثواء في أرض الحرب فقال صل ركعتين حتى ترجع إلى أهلك ولان نية الإقامة نية
القرار وإنما تصح في محل صالح للقرار ودار الحرب ليست موضع قرار المسلمين المحار بين لجواز أن يزعجهم العدو
ساعة فساعة لقوة تظهر لهم لان الفتال سجال أو تنفذ لهم في المسلمين حيلة لان الحرب خدعة فلم تصادف النية
محلها فلفت ولان غرضهم من المكث هنا لك فتح الحصن دون التوطن وتوهم انفتاح الحصن في كل ساعة قائم فلا
98

تتحقق نيتهم إقامة خمسة عشر يوما فقد خرج الجواب عما قالا وعلى هذا الخلاف إذا حارب أهل العدل البغاة في دار
الاسلام في غير مصر أو حاصروهم ونووا الإقامة خمسة عشر يوما واختلف المتأخرون في الاعراب والأكراد
والتركمان الذين يسكنون في بيوت الشعر والصوف قال بعضهم لا يكونون مقيمين أبدا وان نووا الإقامة مدة الإقامة
لان المفازة ليست موضع الإقامة والأصح انهم مقيمون لان عادتهم الإقامة في المفاوز دون الأمصار والقرى فكانت
المفاوز لهم كالأمصار والقرى لأهلها ولان الإقامة للرجل أصل والسفر عارض وهم لا ينوون السفر بل ينتقلون من
ماء إلى ماء ومن مرعى إلى مرعى حتى لو ارتحلوا عن أماكنهم وقصدوا موضعا آخر بينهما مدة سفر صاروا مسافرين في
الطريق ثم المسافر كما يصير مقيما بصريح نية الإقامة في مكان واحد صالح للإقامة خمسة عشر يوما خارج الصلاة يصير
مقيما به في الصلاة حتى يتغير فرضه في الحالين جميعا سواء نوى الإقامة في أول الصلاة أو في وسطها أو في آخرها بعد إن كان
شئ من الوقت باقيا وان قل وسواء كان المصلى منفردا أو مقتديا مسبوقا أو مدركا الا إذا أحدث المدرك أو نام
خلف الامام فتوضأ أو انتبه بعد ما فرغ الامام من الصلاة ونوى الإقامة فإنه لا يتغير فرضه عند أصحابنا الثلاثة خلافا
لزفر وإنما كان كذلك لان نية الإقامة نية الاستقرار والصلاة لا تنافى نية الاستقرار فتصح نية الإقامة فيها فإذا كان
الوقت باقيا والفرض لم يؤد بعد كان محتملا للتغيير فيتغير بوجود المغير وهو نية الإقامة وإذا خرج الوقت أو أدى
الفرض لم يبق محتملا للتغيير فلا يعمل المغير فيه والمدرك الذي نام خلف الامام أو أحدث وذهب للوضوء كأنه خلف
الامام ألا ترى انه لا يقرأ ولا يسجد للسهو فإذا فرغ الامام فقد استحكم الفرض ولم يبق محتملا للتغيير في حقه فكذا
في حق اللاحق بخلاف المسبوق وإذا عرف هذا فنقول إذا صلى المسافر ركعة ثم نوى الإقامة في الوقت تغير فرضه لما
ذكرنا ان الفرض في الوقت قابل للتغيير وكذا لو نوى الإقامة بعد ما صلى ركعة ثم خرج الوقت لما قلنا ولو خرج الوقت
وهو في الصلاة ثم نوى الإقامة لا يتغير فرضه لان فرض السفر قد تقرر عليه بخروج الوقت فلا يحتمل التغيير بعد
ذلك ولو صلى الظهر ركعتين وقعد قدر التشهد ولم يسلم ثم نوى الإقامة تغير فرضه لما ذكرنا وان نوى الإقامة
بعد ما قعد قدر التشهد وقام إلى الثالثة فإن لم يقيد الركعة بالسجدة تغير فرضه لأنه لم يخرج عن المكتوبة
بعد الا انه يعيد القيام والركوع لان ذلك نفل فلا ينوب عن الفرض وهو بالخيار في الشفع الأخيران شاء قرأ وان
شاء سبح وان شاء سكت في ظاهر الرواية على ما ذكرنا فيما تقدم وان قيد الثالثة بالسجدة ثم نوى الإقامة
لا يتغير فرضه لان الفرض قد استحكم بخروجه منه فلا يحتمل التغيير ولكنه يضيف إليها ركعة أخرى لتكون
الركعتان له تطوعا لان التقرب إلى الله تعالى بالبتراء غير جائز ولو أفسد تلك الركعة فقرضه تام وليس عليه قضاء
اشفع الثاني عند علمائنا الثلاثة خلافا لزفر بناء على مسألة المظنون هذا إذا قعد على رأس الركعتين قدر التشهد
فاما إذا لم يقعد ونوى الإقامة وقام إلى الثالثة تغير فرضه لما قلنا ثم ينظران لم يقم صلبه عاد إلى القعدة وان أقام صلبه
لا يعود كالمقيم إذا قام من الثالثة إلى الرابعة وهو في القراءة في الشفع الأخير بالخيار وكذا إذا قام إلى الثالثة ولم
يقيدها بالسجدة حتى نوى الإقامة تغير فرضه وعليه إعادة القيام والركوع لما مر فان قيد الثالثة بالسجدة ثم
نوى الإقامة لا تعمل نيته في هذه الصلاة لان فرضيتها قد فسدت بالاجماع لأنه لما قيد الثالثة
بالسجدة ثم شروعه في النفل لان الشروع اما أن يكون بتكبيرة الافتتاح أو بتمام فعل النفل وتمام فعل
الصلاة بتقييد الركعة بالسجدة ولهذا لا تسمى صلاة بدونه وإذا صار شارعا في النفل صار خارجا عن الفرض
ضرورة لكن بقيت التحريمة عند أبي حنيفة وأبى يوسف فيضيف إليها ركعة أخرى ليكون الأربع له
تطوعا لان التنفل بالثلاث غير مشروع وعند محمد ارتفعت التحريمة بفساد الفرضية فلا يتصور انقلابه تطوعا
مسافر صلى الظهر ركعتين وترك القراءة في الركعتين أو في واحدة منهما وقعد قدر التشهد ثم نوى الإقامة قبل
أن يسلم أو قام إلى الثالثة ثم نوى الإقامة قبل أن يقيدها بالسجدة تحول فرضة أربعة عند أبي حنيفة وأبى يوسف
ويقرأ في الأخيرتين قضاء عن الأوليين وتفسد صلاته عند محمد ولو قيد الثالثة بالسجدة ثم نوى الإقامة تفسد
99

صلاته بالاجماع لكن يضيف إليها ركعة أخرى ليكون الركعتان له تطوعا على قولهما خلافا لمحمد على ما مر
وجه قول محمد ان ظهر المسافر كفجر المقيم ثم الفجر في حق المقيم يفسد بترك القراءة فيهما أو في إحداهما على وجه
لا يمكنه اصلاحه الا بالاستقبال فكذا الظهر في حق المسافر إذ لا تأثير لنية الإقامة في رفع صفة الفساد وجه قولهما
ان المفسد لم يتقرر لان المفسد خلو الصلاة عن القراءة في ركعتين منها ولا يتحقق ذلك بترك القراءة في الأوليين
لان صلاة المسافر بعرض أن يلحقها مدة نية الإقامة بخلاف الفجر في حق المقيم لان ثمة تقرر المفسد إذ ليس لها
هذه العرضية وكذا إذا قيد الثالثة بالسجدة ولو قرأ في الركعتين جميعا وقعد قدر التشهد وسلم وعليه سهو فنوى
الإقامة لم ينقلب فرضه أربعا وسقط عنه السهو عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد وزفر تغير فرضه أربعا ويسجد
للسهو في آخر الصلاة ذكر الاختلاف في نوادر أبى سليمان ولو سجد سجدة واحدة لسهوه أو سجدهما ثم نوى الإقامة
تغير فرضه أربعا بالاجماع ويعيد السجدتين في آخر الصلاة وكذا إذا نوى الإقامة قبل السلام الأول وهذا الاختلاف
راجع إلى أصل وهو ان من عليه سجود السهو إذا سلم يخرج من الصلاة عند أبي حنيفة وأبى يوسف خروجا موقوفا ان
عاد إلى سجدتي السهو وصح عوده إليهما تبين انه كان لم يخرج وان لم يعد تبين أنه كان خرج حتى لو ضحك بعد ما سلم
قبل أن يعود إلى سجدتي السهو لا تنتقض طهارته عندهما وعند محمد وزفر سلامه لا يخرجه عن حرمة الصلاة
أصلا حتى لو ضحك قهقهة بعد السلام قبل الاشتغال بسجدتي السهو تنتقض طهارته وجه قول محمد وزفر ان
الشرع أبطال عمل سلام من عليه سجدتا السهو لان سجدتي السهو يؤتى بهما في تحريمه الصلاة لأنهما شرعنا
لجبر النقصان وإنما ينجبران لو حصلتا في تحريمة الصلاة ولهذا يسقطان إذا وجد بعد العقود قدر التشهد ما ينافي
التحريمة ولا يمكن تحصيلهما في تحريمة الصلاة الا بعد بطلان عمل هذا السلام فصار وجوده وعدمه في هذه الحالة
بمنزلة واحدة ولو انعدم حقيقة كانت التحريمة باقية فكذا إذا التحق بالعدم ولأبي حنيفة وأبى يوسف ان السلام جعل
محللا في الشرع قال النبي صلى الله عليه وسلم وتحليلها التسليم والتحليل ما يحصل به التحلل ولأنه خطاب للقوم
فكان من كلام الناس وانه مناف للصلاة غير أن الشرع أبطل عمله في هذه الحالة لحاجة المصلى إلى جبر النقصان
ولا ينجبر الا عند وجود الجابر في التحريمة ليلحق الجابر بسبب بقاء التحريمة بمحل النقصان فينجبر النقصان فبقينا
التحريمة مع وجود المنافى لها لهذه الضرورة فان اشتغل بسجدتي السهو وصح اشتغاله بهما تحققت الضرورة
إلى ابقاء التحريمة فبقيت وان لم يشتغل لم تتحقق الضرورة فعمل السلام في الاخراج عن الصلاة وابطال التحريمة
وإذا عرف هذا الأصل فنقول وجدت نية الإقامة ههنا والتحريمة باقية عند محمد وزفر فتغير فرضه كما لو نوى
الإقامة قبل السلام أو بعد ما عاد إلى سجدتي السهو وعند أبي حنيفة وأبى يوسف وجدت نية الإقامة ههنا والتحريمة
منقطعة لان بقاءها مع وجود المنافى لضرورة العود إلى سجدتي السهو والعود إلى سجدتي السهو ههنا لا يصح لأنه
لو صح لتبين ان التحريمة كانت باقية فتبين ان فرضه صار أربعا وهذا وسطا الصلاة والاشتغال بسجدتي السهو في وسط
الصلاة غير صحيح لان محلهما آخر الصلاة فلا فائدة في التوقف ههنا فلا يتوقف بخلاف ما إذا اقتدى به انسان في هذه
الحالة لان الاقتداء موقوف ان اشتغل بالسجدتين تبين انه كان صحيحا وان لم يشتغل تبين انه وقع باطلا لان القول
بالتوقف هناك مفيد لان العود إلى سجدتي السهو صحيح فسقط اعتبار المنافى للضرورة وههنا بخلافه
بخلاف ما إذا سجد سجدة واحدة للسهو ثم نوى الإقامة أو سجد السجدتين جميعا حيث يصح وإن كان يؤدى
إلى أن سجدتي السهو لا يعتد بهما لحصولهما في وسط الصلاة لان هناك صح اشتغاله بسجدتي السهو فتبين
ان التحريمة كانت باقية فوجدت نية الإقامة والتحريمة باقية فتغير فرضه أربعا وإذا تغير أربعا تبين ان
السجدة حصلت في وسط الصلاة فيبطل اعتبارها ولكن لا يظهر انها ما كانت معتبرة معتدا بها حين حصلت
بل بطل اعتبارها بعد ذلك وقت حصول نية الإقامة مقتصرا على الحال فاما فيما نحن فيه فبخلافه وفرق بين ما
العقد صحيحا ثم انفسخ بمعنى يوجب انفساخه وبين ما لم ينعقد من الأصل لان في الأول ثبت الحكم عند انعقاده
100

وانتفى بعد انفساخه وفى الثاني لم يثبت الحكم أصلا نظيره من اشترى دارا فوجد بها عيبا فردها بقضاء القاضي حتى
انفسخ البيع لا تبطل شفعة الشفيع الذي كان ثبت بالبيع ولو ظهر ان بدل الدار كان حر اظهر ان حق الشفيع
لم يكن ثابتا لأنه ظهر ان البيع ما كان منعقدا وفى باب الفسخ لا يظهر فكذا ههنا ويعيد السجدتين في آخر الصلاة
عندنا خلافا لزفر والصحيح قولنا لأنه شرع لجبر النقصان وانه لا يصلح جابرا قبل السلام ففي وسط الصلاة
أولى فيعاد لتحقيق ما شرع له وبخلاف ما إذا نوى الإقامة قبل السلام الأول حيث تصح نية الإقامة لان
التحريمة باقية بيقين ومن مشايخنا من قال لا توقف في الخروج عن التحريمة بسلام السهو عندهما بل يخرج
جز ما من غير توقف وإنما التوقف في عود التحريمة ثانيا ان عاد إلى سجدتي السهو يعود والا فلا وهذا أسهل
لتخريج المسائل وما ذكرنا ان التوقف في بقاء التحريمة وبطلانها أصح لان التحريمة تحريمة واحدة فإذا بطلت
لا تعود الا بالإعادة ولم توجد والله أعلم (والثاني) وجود الإقامة بطريق التبعية وهو ان يصير الأصل مقيما فيصير
التبع أيضا مقيما بإقامة الأصل كالعبد يصير مقيما بإقامة مولاه والمرأة بإقامة زوجها والجيش بإقامة الأمير ونحو
ذلك لان الحكم في التبع ثبت بعلة الأصل ولا تراعى له علة على حدة لما فيه من جعل التبع أصلا وانه قلب
الحقيقة (واما) الغريم مع صاحب الدين فهو على التفصيل الذي ذكرنا في السفر انه إن كان المديون مليا
فالمعتبر نيته ولا يصير تبعا لصاحب الدين لأنه يمكنه تخليص نفسه بقضاء الدين وإن كان مفلسا فالمعتبر نية صاحب
الدين لان له حق ملازمته فلا يمكنه ان يفارق صاحب الدين فكانت نيته لغو العدم الفائدة ثم في هذه الفصول إنما يصير
التبع مقيما بإقامة الأصل وتنقلب صلاته أربعا إذا علم التبع بنية إقامة الأصل فاما إذا لم يعلم فلا حتى لم صلى التبع
صلاة المسافرين قبل العلم بنية إقامة الأصل فان صلاته جائزة ولا يجب عليه اعادتها وقال بعض أصحابنا ان عليه
الإعادة وانه غير سديد لان في اللزوم بدون العلم به ضررا في حقه وحرجا ولهذا لم يصح عزل الوكيل بدون العلم به
كذا هذا وعلى يبنى أيضا اقتداء المسافر بالمقيم في الوقت انه يصح وينقلب فرضه أربعا عند عامة العلماء
وقال بعض الناس لا ينقلب وقال مالك ان أدرك مع الامام ركعة وصاعدا ينقلب فرضه أربعا وان أدرك
ما دون الركعة لا ينقلب بان اقتدى به في السجدة الأخيرة أو بعد ما رفع رأسه منها والصحيح قول العامة
لأنه لما اقتدى به صار تبعا له لان متابعته واجبة عليه قال صلى الله عليه وسلم إنما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا
عليه والأداء أعني الصلاة في الوقت مما يحتمل التغيير إلى الكمال إذا وجد دليل التغيير ألا ترى انه تتغير نية الإقامة
في الوقت وقد وجد ههنا دليل التغيير وهو التبعية فيتغير فرضه أربعا فصار صلاة المقتدى مثل صلاة الامام فصح
اقتداؤه به بخلاف ما إذا اقتدى به خارج الوقت حيث لا يصح لان الصلاة خارج الوقت من باب القضاء وانه خلف
عن الأداء والأداء لم يتغير لعدم دليل التغيير القضاء ألا ترى انه لا يتغير بنية الإقامة بعد خروج الوقت
وإذا لم يتغير فرضه بالاقتداء بقيت صلاته ركعتين والقعدة فرض في حقه نفل في حق الامام فلو صح الاقتداء كان
هذا اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة وكما لا يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل في جميع الصلاة لا يجوز في ركن
منها وما ذكره مالك غير سديد لان الصلاة مما لا يتجزأ فوجود المغير في جزئها كوجوده في كلها ولو أن مقيما
صلى ركعتين بقراءة فلما قام إلى الثالثة جاء مسافر واقتدى به بعد خروج الوقت لا يصح لما بينا ان فرض
المسافر تقرر ركعتين بخروج الوقت والقراءة فرض عليه في الركعتين نفل في حق المقيم في الأخيرتين فيكون
اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القراء فان صاد بغير قراءة والمسألة بحالها ففيه روايتان (وأما) اقتداء
المقيم بالمسافر فيصح في الوقت وخارج الوقت لان صلاة المسافر في الحالتين واحدة والقعدة فرض
في حقه نفل في حق المقتدى وافتداء المتنفل بالمفترض جائز في كل الصلاة فكذا في بعضها فهو الغرق ثم إذا
سلم الامام على رأس الركعتين لا يسلم المقيم لأنه قد بقي عليه شطر الصلاة فلو سلم لفسدت صلاته ولكنه يقوم
ويتمها أربعا لقوله صلى الله عليه وسلم أتموا يا أهل مكة فانا قوم سفر وينبغي للامام المسافر إذا سلم أن يقول للمقيمين
101

خلفه أتموا صلاتكم فانا قوم سفر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم لا قراءة على المقتدى في بقية صلاته إذا كان
مدركا أي الا يحب عليه لأنه شفع أخير في حقه ومن مشايخنا من قال ذكر في الأصل ما يدل على وجوب القراء فإنه قال
إذا سها يلزمه سجود السهو والاستدلال به إلى العكس أولى لأنه الحقه بالمنفرد في حق السهو فكذا في حق
القراءة ولا قراءة على المنفرد في الشفع الأخير ثم المقيمون بعد تسليم الامام يصلون وحدانا ولو اقتدى بعضهم
ببعض فصلاة الامام منهم تامة وصلاة المقتدين فاسدة لأنهم اقتدوا في موضع يجب عليهم الانفراد ولو قام المقيم
إلى اتمام صلاته ثم نوى الامام الإقامة قبل التسليم ينظران لم يقيد هذا المقيم ركعته بالسجدة رفض ذلك وتابع
امامه حتى لو لم يرفض وسجد فسدت صلاته لان صلاته صارت أربعا تبعا لامامه لأنه ما لم يقيد الركعة بالسجدة
لا يخرج عن صلاة الامام ولا يعتد بذلك القيام والركوع لأنه وجد على وجه النفل فلا ينوب عن الفرض ولو
قيد ركعته بالسجدة ثم نوى الامام الإقامة أتم صلاته ولا يتابع الامام حتى لو رفض ذلك وتابع الامام فسدت
صلاته لأنه اقتدى في موضع يجب عليه الانفراد والله أعلم وعلى هذا إذا اقتدى المسافر بالمقيم في الوقت ثم خرج
الوقت قبل الفراغ من الصلاة لا تفسد صلاته ولا يبطل اقتداؤه به وإن كان لا يصح اقتداء المسافر بالمقيم في خارج
الوقت ابتداء لأنه لما صح اقتداؤه به وصار تبعا له صار حكمه حكم المقيمين وإنما يتأكد وجوب الركعتين بخروج
الوقت في حق المسافر وهذا قد صار مقيما وصلاة المقيم لا تصير ركعتين بخروج الوقت كما إذا صار مقيما بصريح
نية الإقامة ولو نام خلف الامام حتى خرج الوقت ثم انتبه أتمها أربعا لان المدرك يصلى ما نام عنه كأنه خلف
الامام وقد انقلب فرضه أربعا بحكم التبعية والتبعية باقية بعد خروج الوقت لأنه بقي مقتديا به على ما مر ولو
تكلم بعد خروج الوقت أو قبل خروجه يصلى ركعتين عندنا خلافا للشافعي على ما مر ولو أن مسافرا أم قوما
مقيمين ومسافرين في الوقت فأحدث واستخلف رجلا من المقيمين صح استخلافه لأنه قادر على اتمام صلاة
الامام ولا تنقلب صلاة المسافرين أربعا عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر ينقلب فرضهم أربعا وجه قوله إنهم
صاروا مقتدين بالمقيم حتى تعلق صلاتهم بصلاته صحة وفسادا والمسافر إذا اقتدى بالمقيم ينقلب فرضه أربعا كما
لو اقتدى به ابتداء ولان فرضهم لو لم ينقلب أربعا لما جاز اقتداؤهم به لان القعدة الأولى في حق الامام نفل وفى
حق المسافرين فرض فيصير اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة ولهذا لا يجوز اقتداء المسافر بالمقيم خارج
الوقت (ولنا) أن المقيم إنما صار اما ما بطريق الخلافة ضرورة أن الامام عجز عن الاتمام بنفسه فيصير قائما
مقامه في مقدار صلاة الامام إذا الخلف يعمل عمل الأصل كأنه هو فكانوا مقتدين بالمسافر معين فلذلك لا تنقلب
صلاتهم أربعا وصارت القعدة الأولى عليه فرضا لأنه قائم مقام المسافر مؤد صلاته وعلى هذا لو قدم مسافر
فنوى المقدم الإقامة لا ينقلب فرض المسافرين لما قلنا وإذا صح استخلافه ينبغي أن يتم صلاة الامام وهي ركعتان
ويعقد قدر التشهد ولا يسلم بنفسه لأنه مقيم بقي عليه شطر الصلاة فتفسد صلاته بالسلام ولكنه يستخلف رجلا
من المسافرين حتى يسلم بهم ثم يقوم هو وبقية المقيمين ويصلون بقيه صلاتهم وحدانا لأنهم بمنزلة اللاحقين ولو
اقتدى بعضهم ببعض فصلاة الامام منهم تامة لأنه منفرد على كل حال وصلاة المقتدين فاسدة لأنهم تركوا ما هو
فرض عليهم وهو الانفراد في هذه الحالة ولو أن مسافرا صلى بمسافرين ركعة في الوقت ثم نوى الإقامة يصلى
بهم أربعا لان الامام ههنا أصل وقد تغيرت صلاته بوجود المغير وهو نية الإقامة فتتغير صلاة القوم بحكم التبعية
بخلاف الفصل الأول فإنه خلف عن الامام الأول مؤد صلاته لما بينا ولو أن مسافرا أم قوما مسافرين
ومقيمين فلما صلى ركعتين وتشهد فقبل أن يسلم تكلم واحد من المسافرين خلفه أو قام فذهب ثم نوى الامام
الإقامة فإنه يتحول فرضه وفرض المسافرين الذين لم يتكلموا أربعا لوجود المغير في محله وصلاة من تكلم تامة
لأنه تكلم في وقت لو تكلم فيه امامه لا تفسد صلاته فكذا صلاة المقتدى إذا كان بمثل حال ولو تكلم بعد ما نوى
الامام الإقامة فسدت صلاته لأنه انقلبت صلاته أربعا تبعا للامام فحصل كلامه في وسط الصلاة فوجب فسادها
102

ولكن يجب عليه صلاة المسافرين ركعتان عندنا لأنه صار مقيما تبعا وقد زالت التبعية بفساد الصلاة فعاد حكم
المسافرين في حقه (وأما) الثالث فهو الدخول في الوطن فالمسافر إذا دخل مصره صار مقيما سواء دخلها للإقامة
أو للاجتياز أو لقضاء حاجة والخروج بعد ذلك لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج مسافرا إلى
الغزوات ثم يعود إلى المدينة ولا يجدد نية الإقامة ولان مصره متعين للإقامة فلا حاجة إلى التعيين بالنية وإذا قرب
من مصره فحضرت الصلاة فهو مسافر ما لم يدخل لما روى أن عليا رضي الله عنه حين قدم الكوفة من البصرة
صلى صلاة السفر وهو ينظر إلى أبيات الكوفة وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال للمسافر صل ركعتين
ما لم تدخل منزلك ولان هذا موضع لو خرج إليه على قصد السفر يصير مسافرا فلان يبقى مسافرا بعد وصوله إليه
أولى وذكر في العيون ان الصبي والكافر إذا خرجا إلى السفر فبقي إلى مقصدهما أقل من مدة السفر فاسلم الكافر
وبلغ الصبي فان الصبي يصلى أربعا والكافر الذي أسلم يصلى ركعتين والفرق ان قصد السفر صحيح من الكافر الا
انه لا يصلى لكفره فإذا أسلم زال المانع فاما الصبي فقصده السفر لم يصح وحين أدرك لم يبق إلى مقصده مدة
السفر فلا يصير مسافرا ابتداء وذكر في نوادر الصلاة أن من قدم من السفر فلما انتهى قريبا من مصره قبل أن
ينتهى إلى بيوت مصره افتتح الصلاة ثم أحدث في صلاته فلم يجد الماء فدخل المصر ليتوضأ إن كان اماما أو منفردا
فحين انتهى إلى بيوت مصره صار مقيما وإن كان مقتديا وهو مدرك فإن لم يفرغ الامام من صلاته يصلى ركعتين
بعد ما صار مقيما لأنه كأنه خلف الامام واللاحق إذا نوى الإقامة قبل فراغ الامام يصير مقيما فكذا إذا دخل
مصره وإن كان فرغ الامام من صلاته حين انتهى إلى بيوت مصره لا تصح نية اقامته ويصلى ركعتين عند
أصحابنا الثلاثة وعند زفر تصير صلاته أربعا بالدخول إلى مصره وكذا بنيته الإقامة في هذه الحالة وجه قوله أن
المعير موجود والوقت باق فكان المحل قابلا للتغيير أربعا ولان هذا ان اعتبر بمن خلف الامام يتغير
فرضه وان اعتبر بالمسبوق يتغير (ولنا) ان اللاحق ليس بمنفرد ألا ترى أنه لا قراءة عليه ولا سجود سهو ولكنه
قاض مثل ما انعقد له تحريمة الامام لأنه التزم أداء هذه الصلاة مع الامام وبفراغ الامام فات الأداء معه فيلزمه
القضاء والقضاء لا يحتمل التغيير لان القضاء خلف فيعتبر بحال الأصل وهو صلاة الامام وقد خرج الأصل عن
احتمال التغيير وصار مقيما على وظيفة المسافرين ولو تغير الخلف لا نقلب أصلا وهذا لا يجوز بخلاف من خلف
الامام لأنه لم يفته الأداء مع الامام فلم يصر قضاء فيتغير فرضه وبخلاف المسبوق لأنه مؤد ما سبق به لأنه لم يلتزم
أداءه مع الامام والوقت باق فتغير ثم إنما يتغير فرض المسافر بصيرورته مقيما بدخوله مصره إذا دخله في
الوقت فاما إذا دخله بعد خروج الوقت فلا يتغير لأنه تقرر عليه فرض السفر بخروج الوقت فلا يتغير
بالدخول في المصر ألا ترى أنه لا يتغير بصريح نية الإقامة وبالإقامة بطريق التبعية والله أعلم (ثم) الأوطان
ثلاثة وطن أصلى وهو وطن الانسان في بلدته أو بلدة أخرى اتخذها دار أو توطن بها مع أهله وولده وليس من
قصده الارتحال عنها بل التعيش بها (ووطن) الإقامة وهو أن يقصد الانسان أن يمكث في موضع صالح للإقامة
خمسة عشر يوما أو أكثر (ووطن) السكنى وهو ان يقصد الانسان المقام في غير بلدته أقل من خمسة عشر يوما
والفقيه الجليل أبو أحمد العياضي قسم الوطن إلى قسمين وسمى أحدهما وطن قرار والاخر مستعارا فالوطن
الأصلي ينتقض بمثله لا غير وهو أن يتوطن الانسان في بلدة أخرى وينقل الأهل إليها من بلدته فيخرج الأول من
أن يكون وطنا أصليا له حتى لو دخل فيه مسافرا لا تصير صلاته أربعا وأصله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمهاجرين من أصحابه رضي الله عنهم كانوا من أهل مكة وكان لهم بها أوطان أصلية ثم لما هاجروا وتوطنوا بالمدينة
وجعلوها دار الا نفسهم انتقض وطنهم الأصلي بمكة حتى كانوا إذا أتوا مكة يصلون صلاة المسافرين حتى قال النبي
صلى الله عليه وسلم حتى صلى بهم أتموا يا أهل مكة صلاتكم فانا قوم سفر ولان الشئ جاز أن ينسخ بمثله ثم الوطن
الأصلي يجوز أن يكون واحدا أو أكثر من ذلك بأن كان له أهل ودار في بلدتين أو أكثر ولم يكن من نية
103

أهله الخروج منها وإن كان هو ينتقل من أهل إلى أهل في السنة حتى أنه لو خرج مسافرا من بلدة فيها
أهله ودخل في أي بلدة من البلاد التي فيها أهله فيصير مقيما من غير نية الإقامة ولا ينتقض الوطن الأصلي بوطن
الإقامة ولا بوطن السكنى لأنهما دونه والشئ لا ينسخ بما هو دونه وكذا لا ينتقض بنية السفر والخروج من وطنه
حتى يصير مقيما بالعود إليه من غير نية الإقامة لما ذكرنا ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من المدينة
مسافرا وكان وطنه بها باقيا حتى يعود مقيما فيها من غير تجديد النية (ووطن) الإقامة ينتقض بالوطن الأصلي
لأنه فوقه وبوطن الإقامة أيضا لأنه مثله والشئ يجوز أن ينسخ بمثله وينتقض بالسفر أيضا لان توطنه في هذا
المقام ليس للقرار ولكن لحاجة فإذا سافر منه يستدل به على قضاء حاجته فصار معرضا عن التوطن به فصار
ناقضا له دلالة ولا ينتقض وطن الإقامة بوطن السكنى لأنه دونه فلا ينسخه (ووطن) السكنى ينتقض بالوطن
الأصلي وبوطن الإقامة لأنهما فوقه وبوطن السكنى لأنه مثله وبالسفر لما بينا ثم ذكرنا من تفسير وطن
الإقامة جواب ظاهر الرواية وذكر الكرخي في جامعه عن محمد روايتين في رواية إنما يصير الوطن وطن إقامة
بشرطين أحدهما أن يتقدمه سفر والثاني أن يكون بين وطنه الأصلي وبين هذا الموضع الذي توطن فيه بنية
الإقامة مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا فاما بدون هذين الشرطين لا يصير وطن إقامة وان نوى الإقامة خمسة عشر
يوما في مكان صالح للإقامة حتى أن الرجل المقيم إذا خرج من مصره إلى قرية من قراها لا لقصد السفر ونوى أن
يتوطن بها خمسة عشر يوما لا تصير تلك القرية وطن إقامة له وإن كان بينهما مسيرة سفر لانعدام تقدم السفر وكذا
إذا قصد مسيرة سفر وخرج حتى وصل إلى قرية بينها وبين وطنه إلا صلى مسيرة ما دون السفر ونوى أن يقيم بها
خمسة عشر يوما لا يصير مقيما ولا تصير تلك القرية وطن إقامة له وفى رواية ابن سماعة عنه يصير مقيما من غير
هذين الشرطين كما هو ظاهر الرواية وإذا عرف هذا الأصل يخرج بعض المسائل عليه حتى يسهل تخريج
الباقي خراساني قدم الكوفة ونوى المقام بها شهرا ثم خرج منها إلى الحيرة ونوى المقام بها خمسة عشر يوما ثم
خرج من الحيرة يريد العود إلى خراسان ومر بالكوفة فإنه يصلى ركعتين لان وطنه بالكوفة كان وطن إقامة وقد
انتقض بوطنه بالحيرة لأنه وطن إقامة أيضا وقد بينا ان وطن الإقامة ينتقض بمثله وكذا وطنه بالحيرة انتقض
بالسفر لأنه وطن إقامة فكما خرج من الحيرة على قصد خراسان صار مسافرا ولا وطن له في موضع فيصلى ركعتين
حتى يدخل بلدته بخراسان وان لم يكن نوى المقام بالحيرة خمسة عشر يوما أتم الصلاة بالكوفة لان وطنه
بالكوفة لم يبطل بالخروج إلى الحيرة لأنه ليس بوطن مثله ولا سفر فيبقى وطنه بالكوفة كما كان ولو أن خراسانيا
قدم الكوفة ونوى المقام بها خمسة عشر يوما ثم ارتحل منها يريد مكة فقبل أن يسير ثلاثة أيام ذكر حاجة له
بالكوفة فعاد فاته يقصر لان وطنه بالكوفة قد بطل بالسفر كما يبطل بوطن مثله ولو أن كوفيا خرج إلى القادسية
ثم خرج منها إلى الحيرة ثم عاد من الحيرة يريد الشام فمر بالقادسية قصر لان وطنه بالقادسية والحيرة سواء فيبطل
الأول بالثاني ولو بدا له أن يرجع إلى القادسية قبل أن يصل إلى الحيرة ثم يرتحل إلى الشام صلى بالقادسية أربعا
لان وطنه بالقادسية لا يبطل الا بمثله ول يوجد وعلى هذا الأصل مسائل في الزيادات (وأما) الرابع فهو العزم
على العود للوطن وهو ان الرجل إذا خرج من مصره بنية السفر ثم عزم على الرجوع إلى وطنه وليس بين هذا
الموضع الذي بلغ وبين مصره مسيرة سفر يصير مقيما حين عزم عليه لان العزم على العود إلى مصره قصد ترك
السفر بمنزلة نية الإقامة فصح وإن كان بينه وبين مصره مدة سفر لا يصير مقيما لأنه بالعزم على العود قصد ترك
السفر إلى جهة وقصد السفر إلى جهة فلم يكمل العزم على العود إلى السفر لوقوع التعارض فبقي مسافرا كما كان
وذكر في نوادر الصلاة ان من خرج من مصره مسافرا فحضرت الصلاة فافتتحها ثم أحدت فلم يجد الماء هنا لك
فنوى أن يدخل مصره وهو قريب فحين نوى ذلك صار مقيما من ساعته دخل مصره أو لم يدخل لما ذكرنا انه
قصد الدخول في المصر بنية ترك السفر فحصلت النية مقارنة للفعل فصحت فإذا دخله صلى أربعا لان تلك صلاة
104

المقيمين فان علم قبل أن يدخل المصر ان الماء أمامه فشى إليه فتوضأ صلى أربعا أيضا لأنه بالنية صار مقيما فبالمشي
بعد ذلك في الصلاة امامه لا يصير مسافرا في حق تلك الصلاة وان حصلت النية مقارنة لفعل السفر حقيقة لأنه
لو جعل مسافرا لفسدت صلاته لان السفر عمل فحرمة الصلاة منعته عن مباشرة العمل شرعا بخلاف الإقامة
لأنها ترك السفر وحرمة الصلاة لا تمنعه عن ذلك فلو تكلم حين علم بالماء أمامه أو أحدث متعمدا حتى فسدت
صلاته ثم وجد الماء في مكانه يتوضأ ويصلى أربعا لأنه صار مقيما ولو مشى أمامه ثم وجد الماء يصلى ركعتين لأنه
صار مسافرا ثانيا بالمشي إلى الماء بنية السفر خارج الصلاة فيصلى صلاة المسافرين بخلاف المشي في الصلاة لان
حرمة الصلاة أخرجته من أن يكون سفرا والله أعلم
* (فصل) * وأما أركانها فستة منها القيام والأصل ان كل متركب من معان متغايرة ينطلق اسم المركب عليها عند
اجتماعها كان كل معنى منها ركنا للمركب كأركان البيت في المحسوسات والايجاب والقبول في باب البيع في
المشروعات وكل ما يتغير الشئ به ولا ينطلق عليه اسم ذلك الشئ كان شرطا كالشهود في باب النكاح فهذا تعريف
الركن والشرط بالتحديد وأما تعريفهما بالعلامة في هذا الباب فهو ان كل ما يدوم من ابتداء الصلاة إلى انتهائها
كان شرطا وما ينقضى ثم يوجد غيره فهو ركن وقد وجد حد الركن وعلامته في القيام لأنه إذا وجد مع المعاني
الاخر من القراءة والركوع والسجود ينطلق عليها اسم الصلاة وكذا لا يدوم من أول الصلاة إلى آخرها بل ينقضي
ثم يوجد غيره فكان ركنا وقال الله تعالى وقوموا الله قانتين والمراد منه القيام في الصلاة (ومنها) الركوع (ومنها)
السجود لوجود حد الركن وعلامته في كل واحد منهما وقال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا وللقدر
المفروض من الركوع أصل الانحناء والميل ومن السجود أصل الوضع فاما الطمأنينة عليهما فليست بفرض في
قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف فرض وبه أخذ الشافعي ولقب المسألة ان تعديل الأركان ليس بفرض
عندهما وعنده فرض ونذكر المسألة عند ذكر واجبات الصلاة وذكر سننها إن شاء الله تعالى واختلف في محل
إقامة فرض السجود قال أصحابنا الثلاثة هو بعض الوجه وقال زفر والشافعي السجود فرض على الأعضاء السبعة
الوجه واليدين والركبتين والقدمين واحتجا بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أمرت أن أسجد
على سبعة أعظم وفى رواية على سبعة آراب الوجه واليدين والركبتين والقدمين (ولنا) ان الامر تعلق بالسجود
مطلقا من غير تعيين عضو ثم انعقد الاجماع على تعيين بعض الوجه فلا يجوز تعيين غيره ولا يجوز تقييد مطلق
الكتاب بخبر الواحد فنحمله على بيان السنة عملا بالدليلين ثم اختلف أصحابنا الثلاثة في ذلك البعض قال أبو حنيفة
هو الجبهة أو الانف غير عين حتى لو وضع أحدهما في حالة الاختيار يجزيه غير أنه لو وضع الجبهة وحدها جاز من غير
كراهة ولو وضع الأنف وحده يجوز مع الكراهة وعند أبي يوسف ومحمد هو الجبهة على التعيين حتى لو ترك السجود
عليها خال الاختيار لا يجزيه وأجمعوا على أنه لو وضع الأنف وحده في حال العذر يجزيه ولا خلاف في أن المستحب
هو الجمع بينهما حالة الاختيار احتجا بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مكن جبهتك وانفك من الأرض
أمر بوضعهما جميعا الا انه إذا وضع الجبهة وحدها وقع معتدا به لان الجبهة هي الأصل في الباب والانف تابع ولا
عبرة لفوات التابع عند وجود الأصل ولأنه أتى بالأكثر وللأكثر حكم الكل ولأبي حنيفة ان المأمور به هو
السجود مطلقا عن التعيين ثم قام الدليل على تعيين بعض الوجه باجماع بيننا لاجماعنا على أن ما سوى الوجه
وما سوى هذين العضوين من الوجه غير مراد والانف بعض الوجه كالجبهة ولا اجماع على تعيين الجبهة فلا يجوز
تعيينها وتقييد مطلق الكتاب بخبر الواحد لأنه لا يصلح ناسخا للكتاب فنحمله على بيان السنة احترازا عن الرد والله
أعلم هذا إذا كان قادرا على ذلك فاما إذا كان عاجزا عنه فإن كان عجزه عنه بسبب المرض بأن كان مريضا لا يقدر
على القيام والركوع والسجود يسقط عنه لان العاجز عن الفعل لا يكلف به وكذا إذا خاف زيادة العلة
من ذلك لأنه يتضرر به وفيه أيضا حرج فإذا عجز عن القيام يصلى قاعدا بركوع وسجود فان عجز
105

عن الركوع والسجود يصلى قاعدا بالايماء ويجعل السجود أخفض من الركوع فان عجز عن القعود يستلقى
ويومئ ايماء لان السقوط لمكان العذر فيتقدر بقدر العذر والأصل فيه قوله تعالى واذكروا الله
قياما وقعودا وعلى جنوبكم قيل المراد من الذكر المأمور به في الآية هو الصلاة أي صلوا ونزلت الآية في
رخصة صلاة المريض انه يصلى قائما ان استطاع والا فقاعد أو الا فمضطجعا كذا روى عن ابن مسعود
وابن عمر وجابر رضي الله عنهم وروى عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال مرضت فعادني رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك تومئ ايماء
وإنما جعل السجود أخفض من الركوع في الايماء لان الايماء أقيم مقام الركوع والسجود وأحدهما أخفض
من الاخر كذا الايماء بهما وعن علي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في صلاة المريض ان لم يستطع
أن يسجد أو مأو جعل سجوده أخفض من ركوعه وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من لم يقدر على
السجود فليجعل سجوده ركوعا وركوعه ايماء والركوع أخفض من الايماء ثم ما ذكرنا من الصلاة مستلقيا
جواب المشهور من الروايات وروى أنه ان عجز عن القعود يصلى على شقه الأيمن ووجهه إلى القبلة وهو مذهب
إبراهيم النخعي وبه أخذ الشافعي وجه هذا القول قوله تعالى وعلى جنوبكم وقوله صلى الله عليه وسلم لعمران
ابن حصين فعلى جنبك تومئ ايماء ولان استقبال القبلة شرط جواز الصلاة وذلك يحصل بما قلنا ولهذا يوضع
في اللحد هكذا ليكون مستقبلا للقبلة فاما المستلقي يكون مستقبل السماء وإنما يستقبل القبلة رجلاه فقط
(ولنا) ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المريض ان لم قال في المريض ان لم يستطع قاعدا
فعلى القفا يومئ ايماء فإن لم يستطع فالله أولى بقبول العذر ولان التوجه إلى القبلة بالقدر الممكن فرض وذلك
في الاستلقاء لان الايماء هو تحريك الرأس فإذا صلى مستلقيا ايماؤه إلى القبلة وإذا صلى على الجنب يقع
منحرفا عنها ولا يجوز الانحراف عن القبلة من غير ضرورة وبه تبين ان الاخذ بحديث ابن عمر أولى وقيل إن
المرض الذي كان بعمر إن كان باسورا فكان لا يستطيع أن يستلقي على قفاه والمراد من الآية الاضطجاع يقال
فلان وضع جنبه إذا نام وإن كان مستلقيا وهو الجواب عن التعلق بالحديث على أن الآية والحديث دليلنا
لان كل مستلق فهو مستلق على الجنب لان الظهر متركب من الضلوع فكان له النصف من الجنين جميعا وعلى
ما يقوله الشافعي يكون على جنب واحد فكان ما قلناه أقرب إلى معنى الآية والحديث فكان أولى وهذا بخلاف
الوضع في اللحد لأنه ليس على الميت في اللحد فعل يوجب توجيهه إلى القبلة ليوضع مستلقيا فكان استقبال
القبلة في الوضع على الجنب وضع كذلك ولو قدر على القعود لكن نزع الماء من عينيه فأمر أن يستلقي أيا ما على
ظهره ونهى عن العقود والسجود أجزأه أن يستلقي ويصلى بالايماء وقال مالك لا يجزئه (واحتج) بحديث ابن عباس
رضي الله عنهما ان طبيبا قال له بعدما كف بصره لو صبرت أياما مستلقيا صحت عيناك فشاور عائشة وجماعة
من الصحابة رضي الله عنهم فلم يرخصوا له في ذلك وقالوا له أرأيت لو مت في هذه الأيام كيف تصنع بصلاتك
(ولنا) ان حرمة الأعضاء كحرمة النفس ولو خاف على نفسه من عدو أو سبع لو قعد جاز له أن يصلى بالاستلقاء
فكذا إذا خاف على عينيه وتأويل حديث ابن عباس رضي الله عنهما انه لم يظهر لهم صدق ذلك الطبيب فيما يدعى
ثم إذا صلى المريض قاعدا بركوع وسجود وبايماء كيف يقعدا ما في حال التشهد فإنه يجلس كما يجلس للتشهد
بالاجماع وأما في حال القراءة وفى حال الركوع روى عن أبي حنيفة انه يقعد كيف شاء من غير كراهة ان شاء محتبيا
وان شاء متربعا وان شاء على ركبتيه كما في التشهد وروى عن أبي يوسف انه إذا افتتح تربع فإذا أراد أن يركع
فرش رجله اليسرى وجلس عليها وروى عنه انه يتربع على حاله وإنما ينقض ذل إذا أراد السجدة وقال زفر
يفترش رجله اليسرى في جميع صلاته والصحيح ما روى عن أبي حنيفة لان عذر المرض أسقط عنه الأركان فلان
يسقط عنه الهيئات أولى وإن كان قادر أعلى القيام دون الركوع والسجود يصلى قاعدا بالايماء وان صلى قائما
106

بالايماء أجزأه ولا يستحب له ذلك وقال زفر والشافعي لا يجزئه الا أن يصلى قائما (واحتجا) بما روينا عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال لعمران بن حصين رضي الله عنه فإن لم تستطع فقاعدا علق الجواز قاعدا بشرط العجز عن
القيام ولا عجز ولان القيام ركن فلا يجوز تركه مع القدرة عليه كما لو كان قادرا على القيام والركوع والسجود والايماء
حالة القيام مشروع في الجملة بأن كان الرجل في طين وردغة راجلا أو في حالة الخوف من العدو وهو راجل فإنه
يصلى قائما بالايماء كذا ههنا (ولنا) ان الغالب ان من عجز عن الركوع والسجود كان عن القيام أعجز لان الانتقال
من القعود إلى القيام أشق من الانتقال من القيام إلى الركوع والغالب ملحق بالمتيقن في الأحكام فصار كأنه عجز
عن الامرين الا أنه متى صلى قائما جاز لأنه تكلف فعلا ليس عليه فصار كما لو تكلف الركوع جاز وان لم يكن عليه
كذا ههنا ولان السجود أصل وسائرا الأركان كالتابع له ولهذا كان السجود معتبرا بدون القيام كما في سجدة التلاوة
وليس القيام معتبرا بدون السجود بل لم يشرع بدونه فإذا سقط الأصل سقط التابع ضرورة ولهذا سقط الركوع عمن
سقط عنه السجود وإن كان قادرا على الركوع وكان الركوع بمنزلة التابع له فكذا القيام بل أولى لان الركوع أشد
تعظيما واظهار الذل العبودية من القيام ثم لما جعل تابعا له وسقط بسقوطه فالقيام أولى الا انه لو تكلف وصلى قائما يجوز
لما ذكرنا ولكن لا يستحب لان القيام بدون السجود غير مشروع بخلاف ما إذا كان قادرا على القيام والركوع
والسجود لأنه لم يسقط عنه الأصل فكذا التابع وأما الحديث فنحن نقول بموجبه ان العجز شرط لكنه موجود
ههنا نظرا إلى الغالب لما ذكرنا ان الغالب هو العجز في هذه الحالة والقدرة في غاية الندرة والنادر ملحق بالعدم
ثم المريض إنما يفارق الصحيح فيما يعجز عنه فاما فيما يقدر عليه فهو كالصحيح لان المفارقة للعذر فتتقدر بقدر
العذر حتى لو صلى قبل وقتها أو بغير وضوء أو بغير قراءة عمدا أو خطأ وهو يقدر عليها لم يجزه وان عجز عنها أو ماء
بغير قراءة لان القراءة ركن فتسقط بالعجز كالقيام الا ترى انها سقطت في حق الأمي وكذا إذا صلى لغير القبلة
متعمدا لذلك لم يجزه وإن كان ذلك خطأ منه أجزأه بأن اشتبهت عليه القبلة وليس بحضرته من يسأله عنها فتحرى
وصلى ثم تبين انه أخطأ كما في حق الصحيح وإن كان وجه المريض إلى غير القبلة وهو لا يجد من يحول وجهه إلى
القبلة ولا يقدر على ذلك بنفسه يصلى كذلك لأنه ليس في وسعه الا ذلك وهل يعيدها إذا برئ روى عن محمد
ابن مقاتل الرازي انه يعيدها وأما في ظاهر الجواب فلا إعادة عليه لان العجز عن تحصيل الشرائط لا يكون
فوق العجز عن تحصيل الأركان وثمة لا تجب الإعادة فههنا أولى ولو كان بجبهته جرح لا يستطيع السجود
على الجبهة لم يجزه الايماء وعليه السجود على الانف لان الانف مسجد كالجبهة خصوصا عند الضرورة على
ما مر وهو قادر على السجود عليه فلا يجزئه الايماء ولو عجز عن الايماء وهو تحريك الرأس فلا شئ عليه عندنا
وقال زفر يومئ بالحاجبين أولا فان عجز فبالعينين فان عجز فبقلبه وقال الحسن بن زياد يومئ بعينيه وبحاجبيه
ولا يومئ بقلبه وجه قول زفر ان الصلاة فرض دائم لا يسقط الا بالعجز فما عجز عنه يسقط وما قدر عليه يلزمه
بقدره فإذا قدر بالحاجبين كان الايماء بهما أولى لأنهما أقرب إلى الرأس فان عجز الآن يومئ بعينيه لأنهما
من الأعضاء الظاهرة وجميع البدن ذو حظ من هذه العبادة فكذا العينان فان عجز فبالقلب لأنه في الجملة
ذو حظ من هذه العبادة وهو النية الا ترى ان النية شرط صحتها فعند العجز تنتقل إليه وجه قول الحسن ان أركان
الصلاة تؤدى بالأعضاء الظاهرة فأما الباطنة فليس بذى حظ من أركانها بل هو ذو حظ من الشرط وهو النية
وهي قائمة أيضا عند الايماء فلا يؤدى به الأركان والشرط جميعا (ولنا) ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما ان
النبي صلى الله عليه وسلم قال في المريض ان لم يستطع قاعدا فعلى القفا يومئ ايماء فإن لم يستطع فالله أولى بقبول
العذر أخبر النبي صلى الله عليه وسلم انه معذور عند الله تعالى في هذه الحالة فلو كان عليه الايماء بما ذكرتم لما كان
معذورا ولان الايماء ليس بصلاة حقيقة ولهذا لا يجوز التنقل به في حالة الاختيار ولو كان صلاة لجاز كما لو تنفل قاعدا
الا أنه أقيم مقام الصلاة بالشرع والشرع ورد بالايماء بالرأس فلا يقام غيره مقامه ثم إذا سقطت عنه الصلاة بحكم
107

العجز فان مات من ذلك المرض لقى الله تعالى ولا شئ عليه لأنه لم يدرك وقت القضاء وأما إذا بر أو صح فإن كان
المتروك صلاة يوم وليلة أو أقل فعليه القضاء بالاجماع وإن كان أكثر من ذلك فقال بعض مشايخنا يلزمه القضاء
أيضا لان ذلك لا يعجزه عن فهم الخطاب فوجبت عليه الصلاة فيؤاخذ بقضائها بخلاف الاغماء لأنه يعجزه عن فهم
الخطاب فيمنع الوجوب عليه والصحيح انه لا يلزمه القضاء لان الفوائت دخلت في حد التكرار وقد فاتت
لا بتضييعه القدرة بقصده فلو وجب عليه قضاؤها لوقع في الحرج وبه تبين ان الحال لا يختلف بين العلم والجهل لان
معنى الحرج لا يختلف ولهذا سقطت عن الحائض وان لم يكن الحيض يعجزها عن فهم الخطاب وعلى هذا إذا أغمي
عليه يوما وليلة أو أقل ثم أفلق قضى ما فاته وإن كان أكثر من يوم وليلة لا قضاء عليه عندنا استحسانا وقال بشر
الاغماء ليس بمسقط حتى يلزمه القضاء وان طالت مدة الاغماء وقال الشافعي الاغماء يسقط إذا استوعب وقت صلاة
كامل وتذكر هذه المسائل في موضع آخر عند بيان ما يقضى من الصلاة التي فاتت عن وقتها ومالا يقضى منها
إن شاء الله تعالى ولو شرع في الصلاة قاعدا وهو مريض ثم صح وقدر على القيام فإن كان شروعه بركوع وسجود
بنى في قول أبي حنيفة وأبى يوسف استحسانا وعند محمد يستقبل قياسا بناء على أن عند محمد القائم لا يقتدى بالقاعد
فكذا لا يبنى أول صلاته على آخرها في حق نفسه وعندهما يجوز الاقتداء فيجوز البناء والمسألة تأتى في موضعها
وإن كان شروعه بالايماء يستقبل عند علمائنا الثلاثة وعند زفر يبنى لان من أصله أنه يجوز اقتداء الراكع
الساجد بالمومي فيجوز البناء وعندنا لا يجوز الاقتداء فلا يجوز البناء على ما يذكر (وأما) الصحيح إذا شرع في
الصلاة ثم عرض له مرض بنى على صلاته على حسب امكانه قاعدا أو مستلقيا في ظاهر الرواية وروى عن أبي
حنيفة أنه إذا صار إلى الايماء يستقبل لأنهما فرضان مختلفان فعلا فلا يجوز أداؤهما بتحريمة واحدة كالظهر مع
العصر والصحيح ظاهر الرواية لان بناء آخر الصلاة على أول الصلاة بمنزلة بناء صلاة المقتدى على صلاة الامام وثمة
يجوز اقتداء المومى بالصحيح لما يذكر فيجوز البناء ههنا ولأنه لو بنى لصار مؤديا بعض الصلاة كاملا وبعضها
ناقصا ولو استقبل لأدى الكل ناقصا ولا شك أن الأول أولى ولو رفع إلى وجه المريض وسادة أو شئ فسجد عليه
من غير أن يومئ لم يجز لان الفرض في حقه الايماء ولم يوجد ويكره أن يفعل هذا لما روى أن النبي صلى الله عليه
وسلم دخل على مريض يعوده فوجده يصلى كذلك فقال إن قدرت أن تسجد على الأرض فاسجد والا فاوم
برأسك وروى أن عبد الله بن مسعود دخل على أخيه يعوده فوجده يصلى ويرفع إليه عود فيسجد عليه فنزع ذلك
من يد من كان في يده وقال هذا شئ عرض لكم الشيطان أوم لسجودك وروى أن ابن عمر رأى ذلك من مريض
فقال أتتخذون مع الله آلهة أخرى فان فعل ذلك ينظر إن كان يخفض رأسه للركوع شيئا ثم للسجود ثم يلزق بجبينه
يجوز لوجود الايماء لا للسجود على ذلك الشئ فإن كانت الوسادة موضوعة على الأرض وكان يسجد عليها
جازت صلاته لما روى أن أم سلمة كانت تسجد على مرفقة موضوعة بين يديها لرمد بها ولم يمنعها رسول الله صلى
الله عليه وسلم وكذلك الصحيح إذا كان على الراحلة وهو خارج المصر وبه عذر مانع من النزول عن الدابة من
خوف العدو أو السبع أو كان في طين أو ردغة يصلى الفرض على الدابة قاعدا بالايماء من غير ركوع وسجود لان
عند اعتراض هذه الاعذار عجز عن تحصيل هذه الأركان من القيام والركوع والسجود فصار كما لو عجز بسبب
المرض ويومئ ايماء لما روى في حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يومئ على راحلته
ويجعل السجود أخفض من الركوع لما ذكرنا ولا تجوز الصلاة على الدابة بجماعة سواء تقدمهم الامام أو
توسطهم في ظاهر الرواية وروى عن محمد أنه قال استحسن أن يجوز اقتداؤهم بالامام إذا كانت دوابهم بالقرب
من دابة الامام على وجه لا يكون بينهم وبين الامام فرجة الا بقدر الصف بالقياس على الصلاة على الأرض
والصحيح جواب ظاهر الرواية لان اتحاد المكان من شرائط صحة الاقتداء ليثبت اتحاد الصلاتين تقديرا بواسطة
اتحاد المكان وهذا ممكن على الأرض لان المسجد جعل كمكان واحد شرعا وكذا في الصحراء تجعل الفرج التي بين
108

الصفوف مكان الصلاة لأنها تشغل بالركوع والسجود أيضا فصار المكان متحدا ولا يمكن على الدابة لأنهم يصلون
عليها بالايماء من غير ركوع وسجود فلم تكن الفرج التي بين الصفوف والدواب مكان الصلاة فلا يثبت اتحاد
المكان تقديرا ففات شرط صحة الاقتداء فلم يصح ولكن تجوز صلاة الامام لأنه منفرد حتى لو كانا على دابة واحدة
في محمل واحد أو في شقي محمل واحد كل واحد منهما في شق على حدة فاقتدى أحدهما بالآخر جاز لاتحاد المكان
وتجوز الصلاة على أي دابة كانت سواء كانت مأكولة اللحم أو غير مأكولة اللحم لما روى أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم صلى على حماره وبعيره ولو كان على سرجه قدر جازت صلاته كذا ذكر في الأصل وعن أبي حفص البخاري
ومحمد بن مقاتل الرازي انه إذا كانت النجاسة في موضع الجلوس أو في موضع الركابين أكثر من قدر الدرهم لا تجوز
اعتبارا بالصلاة على الأرض وأولا العذر المذكور في الأصل بالعرف وعند عامة مشايخنا تجوز كما ذكر في الأصل
لتعليل محمد وهو قوله والدابة أشد من ذلك وهو يحتمل معنيين أحدهما ان ما في بطنها من النجاسات أكثر من هذا ثم
إذا لم يمنع الجواز فهذا أولى والثاني أنه لما سقط اعتبار الأركان الأصلية بالصلاة عليها من القيام والركوع والسجود
مع أن الأركان أقوى من الشرائط فلان يسقط شرط طهارة المكان أولى ولان طهارة المكان إنما تشترط لأداء
الأركان عليه وهو لا يؤدى على موضع سرجه وركابيه ههنا ركنا ليشترط طهارتها إنما الذي يوجد منه الايماء
وهو إشارة في الهواء فلا يشترط له طهارة موضع السرج والركابين وتجوز الصلاة على الدابة لخوف العدو كيف
ما كانت الدابة واقفة أو سائرة لأنه يحتاج إلى السير فاما العذر الطين والردغة فلا يجوز إذا كانت الدابة سائرة لان
السير مناف للصلاة في الأصل فلا يسقط اعتباره الا لضرورة ولم توجد ولو استطاع النزول ولم يقدر على القعود
للطين والردغة ينزل ويومئ قائما على الأرض وان قدر على القعود ولم يقدر على السجود ينزل ويصلى قاعدا
بالايماء لان السقوط بقدر الضرورة والله الموفق وعلى هذا يخرج الصلاة في السفينة إذا صلى فيها قاعدا بركوع
وسجود أنه يجوز إذا كان عاجزا عن القيام والسفينة جارية ولو قام يدور رأسه وجملة الكلام في الصلاة في السفينة
أن السفينة لا تخلوا ما إن كانت واقفة أو سائرة فإن كانت واقفة في الماء أو كانت مستقرة على الأرض جازت الصلاة
فيها وان أمكنه الخروج منها لأنها إذا استقرت كان حكمها حكم الأرض ولا تجوز الا قائما بركوع وسجود متوجها إلى
القبلة لأنه قادر على تحصيل الأركان والشرائط وإن كانت مربوطة غير مستقرة على الأرض فان أمكنه الخروج
منها لا تجوز الصلاة فيها قاعدا لأنها إذا لم تكن مستقرة على الأرض فهي بمنزلة الدابة ولا يجوز أداء الفرض على الدابة
مع امكان النزول كذا هذا وإن كانت سائرة فان أمكنه الخروج إلى الشط يستحب له الخروج إليه لأنه يخاف دوران
الرأس في السفينة فيحتاج إلى القعود وهو آمن عن الدوران في الشط فإن لم يخرج وصلى فيها قائما بركوع وسجود أجزأه
لما روى عن ابن سيرين أنه قال صلى بنا أنس رضي الله عنه في السفينة قعودا ولو شئنا لخرجنا إلى الحد ولان السفينة
بمنزلة الأرض لان سيرها غير مضاف إليه فلا يكون منافيا للصلاة بخلاف الدابة فان سيرها مضاف إليه وإذا دارت
السفينة وهو يصلى يتوجه إلى القبلة حيث ذارت لأنه قادر على تحصيل هذا الشرط من غير تعذر فيجب عليه
تحصيله بخلاف الدابة فان هناك لا امكان وأما إذا صلى فيها قاعدا بركوع وسجود فإن كان عاجزا عن القيام بأن كان
يعلم أنه يدور رأسه لو قام وعن الخروج إلى الشط أيضا يجزئه بالاتفاق لان أركان الصلاة تسقط بعذر العجز وإن كان
قادرا على القعود بركوع وسجود فصلى بالايماء لا يجزئه بالاتفاق لأنه لا عذر وأما إذا كان قادرا على القيام أو
على الخروج إلى الشط فصلى قاعدا بركوع وسجود أجزأه في قول أبي حنيفة وقد أساء وعند أبي يوسف ومحمد لا
يجزئه (واحتجا) يقول النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم تستطع فقاعدا وهذا مستطيع للقيام وروى أن النبي صلى الله
عليه وسلم لما بعث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الحبشة أمره أن يصلى في السفينة قائما الا أن يخاف الغرق
ولان القيام ركن في الصلاة فلا يسقط الا بعذر ولم يوجد (ولأبي) حنيفة ما روينا من حديث انس رضي الله عنه
وذكر الحسن بن زياد في كتابه باسناده عن سويد بن غفلة أنه قال سألت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما عن الصلاة في
109

السفينة فقالا إن كانت جارية يصلى قاعدا وإن كانت راسية يصلى قائما من غير فصل بين ما إذا قدر على القيام
أولا ولان سير السفينة سبب لدوران الرأس غالبا والسبب يقوم مقام المسبب إذا كان في الوقوف على المسبب
حرج أو كان المسبب بحال يكون عدمه مع وجود السبب في غاية الندرة فالحقوا النادر بالعدم ولهذا أقام أبو
حنيفة المباشرة الفاحشة مقام خروج المذي لما ان عدم الخروج عند ذلك نادر ولا عبرة بالنادر وههنا عدم دوران
الرأس في غاية الندرة فسقط اعتباره وصار كالراكب على الدابة وهي تسير أنه يسقط القيام لتعذر القيام عليها غالبا
كذا هذا والحديث محمول على الندب دون الوجوب فان صلوا في السفينة بجماعة جازت صلاتهم ولو اقتدى به رجل
في سفينة أخرى فإن كانت السفينتان مقرونتين جاز لأنهما بالاقتران صارتا كشئ واحد ولو كانا في سفينة واحدة
جاز كذا هذا وإن كانتا منفصلتين لم يجز لان تخلل ما بينهما بمنزلة النهر وذلك يمنع صحة الاقتداء وإن كان الامام
في سفينة والمقتدون على الحد والسفينة واقفة فإن كان بينه وبينهم طريق أو مقدار نهر عظيم لم يصح اقتداؤهم به
لان الطريق ومثل هذا النهر يمنعان صحة الاقتداء لما بينا في موضعه ومن وقف على سطح السفينة يقتدى
بالامام في السفينة صح اقتداؤه الا أن يكون امام الامام لان السفينة كالبيت واقتداء الواقف على السطح
بمن هو في البيت صحيح إذا لم يكن امام الامام ولا يخفى عليه حاله كذا ههنا (ومنها) القراءة عند عامة
العلماء لوجود حد الركن وعلامته وهما ما بينا وقال الله تعالى فاقرؤا وما تيسر من القرآن والمراد
منه في حال الصلاة والكلام في القراءة في الأصل يقع في ثلاث مواضع أخدها في بيان فرضية أصل القراءة والثاني
في بيان محل القراءة المفروضة والثالث في بيان قدر القراءة (أما) الأول فالقراءة فرض في الصلاة عند عامة
العلماء وعند أبي بكر الأصم وسفيان بن عيينة ليست بفرض بناء على أن الصلاة عندهما اسم للأفعال لا للأذكار
حتى قالا يصح الشروع في الصلاة من غير تكبير وجه قولهما أن قوله تعالى أقيموا للصلاة مجمل بينه النبي صلى
الله عليه وسلم بفعله ثم قال صلوا كما رأيتموني أصلى والمرئي هو الافعال دون الأقوال فكانت الصلاة اسما
للأفعال ولهذا تسقط الصلاة عن العاجز عن الافعال وإن كان قادرا على الأذكار ولو كان على القلب لا يسقط وهو
الأخرس (ولنا) قوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القرآن ومطلق الامر للوجوب وقول النبي صلى الله عليه وسلم
لا صلاة الا بقراءة وأما قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلى فالرؤية أضيفت إلى ذاته لا إلى الصلاة فلا
يقتضى كون الصلاة مرئية وفى كون الاعراض مرئية اختلاف بين أهل الكلام مع اتفاقهم على أنها جائزة
الرؤية والمذهب عند أهل الحق أن كل موجود جائز الرؤية يعرف ذلك في مسائل الكلام على أنا نجمع بين
الدلائل فنثبت فرضية الأقوال بما ذكرنا وفرضية الافعال بهذا الحديث وسقوط الصلاة عن العاجز عن
الافعال لكون الافعال أكثر من الأقوال فمن عجز عنها فقد عجز عن الأكثر وللأكثر حكم الكل وكذا القراءة
فرض في الصلوات كلها عند عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال
لا قراءة في الظهر والعصر لظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم صلاة النهار عجماء أي ليس فيها قراءة إذا لا عجم اسم
لمن لا ينطق (ولنا) ما تلونا من الكتاب وروينا من السنة وفى الباب نص خاص وهو ما روى عن جابر بن عبد الله
رضي الله عنه وأبى قتادة الأنصاريين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر والعصر
في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفى الاخر بين بفاتحة الكتاب لا غير وما روى عن ابن عباس رضي الله عنه
فقد صح رجوعه عنه فإنه روى أن رجلا سأله وقال أقر أخلف امامي فقال اما في صلاة الظهر والعصر فنعم
وأما الحديث فقد قال الحسن البصري معناه لا تسمع فيها قراءة ونحن نقول به وهذا إذا كان اماما أو منفردا
فاما المقتدى فلا قراءة عليه عندنا وعند الشافعي يقرأ بفاتحة الكتاب في كل صلاة يخافت فيها بالقراءة قولا
واحدا وله في الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة قولان (واحتج) بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا صلاة
الا بقراءة ولا شك أن لكل واحد صلاة على حدة ولان القراءة ركن في الصلاة فلا تسقط بالاقتداء كسائر الأركان
110

(ولنا) قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون أمر بالاستماع والانصات والاستماع
وان لم يكن ممكنا عند المخافتة بالقراءة فالانصات ممكن فيجب بظاهر النص وعن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه لما
نزلت هذه الآية تركوا القراءة خلف الإمام وامامهم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فالظاهر أنه كان بأمره وقال
صلى الله عليه وسلم في حديث مشهور إنما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ
فانصتوا الحديث أمر بالسكوت عند قراءة الإمام وأما الحديث فعندنا لا صلاة بدون قراءة أصلا وصلاة المقتدى
ليست صلاة بدون قراءة أصلا بل هي صلاة بقراءة وهي قراءة الإمام على أن قراءة للمقتدى قال النبي
صلى الله عليه وسلم من كان له امام فقراءة الإمام له قراءة ثم المفروض هو أصل القراءة عندنا من غير تعيين فأما قراءة
الفاتحة والسورة عينا في الأوليين فليست بفريضة ولكنها واجبة على ما يذكر في بيان واجبات الصلاة
(وأما) بيان محل القراءة المفروضة فمحلها الركعتان الأوليان عينا في الصلاة الرباعية هو الصحيح من مذهب
أصحابنا وقال بعضهم ركعتان منها غير عين واليه ذهب القدوري وأشار في الأصل إلى القول الأول فإنه قال إذا
ترك القراءة في الأوليين يقضيها في الأخريين فقد جعل القراءة في الأخريين قضاء عن الأوليين فدل أن محلها
الأوليان عينا وقال الحسن البصري المفروض هو القراءة في ركعة واحدة وقال مالك في ثلاث ركعات وقال
الشافعي في كل ركعة احتج الحسن بقوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القرآن والامر بالفعل لا يقتضى التكرار فإذا قرأ
في ركعة واحدة فقد امتثل أمر الشرع وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة الا بقراءة أثبت الصلاة بقراءة وقد
وجدت القراءة في ركعة فثبتت الصلاة ضرورة وبهذا يحتج الشافعي الا أنه يقول اسم الصلاة ينطلق على كل
ركعة فلا تجوز كل ركعة الا بقراءة لقوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة الا بقراءة ولان القراءة في كل ركعة فرض
في النفل ففي الفرض أولى لأنه أقوى ولان القراءة ركن من أركان الصلاة ثم سائر الأركان من القيام والركوع
والسجود فرض في كل ركعة فكذا القراءة وبهذا يحتج مالك الا أنه يقول القراءة في الأكثر أقيم
مقام القراءة في الكل تيسيرا (ولنا) اجماع الصحابة رضي الله عنهم فان عمر رضي الله عنه ترك القراءة في المغرب
في احدى الأوليين فقضاها في الركعة الأخيرة وجهر وعثمان رضي الله عنه ترك القراءة في الأوليين من صلاة
العشاء فقضاها في الأخريين وجهر وعلى وابن مسعود رضي الله عنهما كانا يقولان المصلى بالخيار في الأخريين
ان شاء قرأ وان شاء سكت وان شاء سبح وسأل رجل عائشة رضي الله عنها عن قراءة الفاتحة في الأخريين فقالت
ليكن على وجه الثناء ولم يرو عن غيرهم خلاف ذلك فيكون ذلك اجماعا ولان القراءة في الأخريين ذكر يخافت
بها على كل حال فلا تكون فرضا كثناء الافتتاح وهذا لان مبنى الأركان على الشهرة والظهور ولو كانت القراءة
في الأخريين فرضا لما خالفت الاخريان الأوليين في الصفة كسائر الأركان وأما الآية فنحن ما عرفنا فرضية القراءة
في الركعة الثانية بهذه الآية بل باجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما ذكرناه والثاني انا ما عرفنا فرضيتها بنص الامر
بل بدلالة النص لان الركعة الثانية تكرار للأولى والتكرار في الافعال إعادة مثل الأول فيقتضى إعادة القراءة
بخلاف الشفع الثاني لأنه ليس بتكرار الشفع الأول بل هو زيادة عليه قالت عائشة رضي الله عنها الصلاة في
الأصل ركعتان زيدت في الحضر وأقرت في السفر والزيادة على الشئ لا يقتضى أن يكون مثله ولهذا اختلف
الشفعان في وصف القراءة من حيث الجهر والاخفاء وفى قدرها وهو قراءة السورة فلم يصح الاستدلال على أن في
الكتاب والسنة بيان فرضية القراءة وليس فيهما بيان قدر القراءة المفروضة وقد خرج فعل الصحابة رضي الله عنهم
على مقدار فيجعل بيانا لمجمل الكتاب والسنة بخلاف التطوع لان كل شفع من التطوع صلاة على حدة
حتى أن فساد الشفع الثاني لا يوجب فساد الشفع الأول بخلاف الفرض والله أعلم وأما في الأخريين فالأفضل أن
يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ولو سبح في كل ركعة ثلاث تسبيحات مكان فاتحة الكتاب أو سكت أجزأته صلاته
ولا يكون مسيئا إن كان عامدا ولا سهو عليه إن كان ساهيا كذا روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه مخير بين
111

قراءة الفاتحة والتسبيح والسكوت وهذا جواب ظاهر الرواية وهو قول أبى يوسف ومحمد وروى الحسن عن أبي
حنيفة في غير رواية الأصول أنه ان ترك الفاتحة عامدا كان مسيئا وإن كان ساهيا فعليه سجدتا السهو
والصحيح جواب ظاهر الرواية لما روينا عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما انهما كانا يقولان ان المصلى
بالخيار في الأخريين ان شاء قرأ وان شاء سكت وان شاء سبح وهذا باب لا يدرك بالقياس فالمروي عنهما
كالمروى عن النبي صلى الله عليه وسلم (وأما) بيان قدر القراءة فالكلام فيه يقع في ثلاث مواضع أحدها في
بيان القدر المفروض الذي يتعلق به أصل الجواز والثاني في بيان القدر الذي يخرج به عن حد الكراهة والثالث
في بيان القدر المستحب (أما) الكلام فيما يستحب من القراءة وفيما يكره فنذكره في موضعه وههنا نذكر القدر
الذي يتعلق به أصل الجواز وعن أبي حنيفة فيه ثلاث روايات في ظاهر الرواية قدر أدنى المفروض بالآية التامة
طويلة كانت أو قصيرة كقوله تعالى مدهامتان وقوله ثم نظر وقوله ثم عبس وبسر وفى رواية الفرض غير مقدر بل
هو على أدنى ما يتناوله الاسم سواء كانت آية أو ما دونها بعد ان قرأها على قصد القراءة وفى رواية قدر الفرض بآية
طويلة كآية الكرسي وآية الدين أو ثلاث قصار وبه أخذ أبو يوسف ومحمد وأصله قوله تعالى فاقرؤا
ما تيسر من القرآن فهما يعتبر ان العرف ويقولان مطلق الكلام ينصرف إلى المتعارف وأدنى ما يسمى
المرء به قارئا في العرف أن يقرأ آية طويلة أو ثلاث آيات فصار وأبو حنيفة يحتج بالآية من وجهين أحدهما
أنه أمر بمطلق القراءة وقراءة آية قصيرة قراءة والثاني أنه أمر بقراءة ما تيسر من القرآن وعسى لا يتيسر
الا هذا القدر وما قاله أبو حنيفة أقيس لان القراءة مأخوذة من القرآن أي الجمع سمى بذلك لأنه يجمع
السور فيضم بعضها إلى بعض ويقال قرأت الشئ قرآنا أي جمعته فكل شئ جمعته فقد قرأته وقد
حصل معنى الجمع بهذا القدر لاجتماع حروف الكلمة عند التكلم وكذا العرف ثابت فان الآية
التامة أدنى ما ينطلق عليه اسم القرآن في العرف فاما ما دون الآية فقد يقرأ لا على سبيل القرآن فيقال
بسم الله أو الحمد لله أو سبحان الله فلذلك قدرنا بالآية التامة على أنه لا عبرة لتسميته قارئا في العرف
لان هذا أمر بينه وبين الله تعالى فلا يعتبر فيه عرف الناس وقد قرر القدوري الرواية الأخرى وهي ان
المفروض غير مقدر وقال المفروض مطلق القراءة من غير تقدير ولهذا يحرم ما دون الآية على الجنب والحائض
الا أنه قد يقرأ لا على قصد القرآن وذا لا يمنع الجواز فان الآية التامة قد تقرأ لا على قصد القرآن في الجملة ألا ترى
ان التسمية قد تذكر لافتتاح الاعمال لا لقصد القرآن وهي آية تامة وكلامنا فيما إذا قرأ على قصد القرآن فيجب أن
يتعلق به الجواز ولا يعتبر فيه العرف لما بينا ثم الجواز كما يثبت بالقراءة بالعربية يثبت بالقراءة بالفارسية عند أبي
حنيفة سواء كان يحسن العربية أولا يحسن وقال أبو يوسف ومحمد إن كان يحسن لا يجوز وإن كان لا يحسن
يجوز وقال الشافعي لا يجوز أحسن أو لم يحسن وإذا لم يحسن العربية يسبح ويهلل عنده ولا يقرأ بالفارسية
وأصله قوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القرآن أمر بقراءة القرآن في الصلاة فهم قالوا إن القرآن هو المنزل بلغة العرب
قال الله تعالى انا أنزلناه قرآنا عربيا فلا يكون الفارسي قرآنا فلا يخرج به عن عهدة الامر ولان القرآن معجز
والاعجاز من حيث اللفظ يزول بزوال النظم العربي فلا يكون الفارسي قرآنا لانعدام الاعجاز ولهذا لم تحرم قراءته على
الجنب والحائض الا انه إذا لم يحسن العربية فقد عجز عن مراعاة لفظه فيجب عليه مراعاة معناه ليكون التكليف
بحسب الامكان وعند الشافعي هذا ليس بقرآن فلا يؤمر بقراءته وأبو حنيفة يقول إن الواجب في الصلاة قراءة
القرآن من حيث هو لفظ دال على كلام الله تعالى الذي هو صفة قائمة به لما يتضمن من العبر والمواعظ والترغيب
والترهيب والثناء والتعظيم لا من حيث هو لفظ عربي ومعنى الدلالة عليه لا يختلف بين لفظ ولفظ قال الله وانه لفي زبر
الأولين وقال إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ومعلوم انه ما كان في كتبهم بهذا اللفظ بل بهذا المعنى
(وأما) قولهم إن القرآن هو المنزل بلغة العرب (فالجواب) عنه من وجهين أحدهما أن كون العربية قرآنا لا ينفى
112

أن يكون غيرها قرآنا وليس في الآية نفيه وهذا لان العربية سميت قرآنا لكونها دليلا على ما هو القرآن وهي
الصفة التي هي حقيقة الكلام ولهذا قلنا إن القرآن غير مخلوق على إرادة تلك الصفة دون العبارات العربية ومعنى
الدلالة يوجد في الفارسية فجاز تسميتها قرآنا دل عليه قوله تعالى ولو جعلناه قرآنا أعجميا أخبر انه لو عبر عنه بلسان
العجم كان قرآنا والثاني إن كان لا يسمى غير العربية قرآنا لكن قراءة العربية ما وجبت لأنها تسمى قرآنا بل
لكونها دليلا على ما هو القرآن الذي هو صفة قائمة بالله بدليل انه لو قرأ عربية لا يتأدى بها كلام الله تفسد صلاته
فضلا من أن تكون قرآنا واجبا ومعنى الدلالة لا يختلف فلا يختلف الحكم المتعلق به والدليل على أن عندهما
تفترض القراءة بالفارسية على غير القادر على العربية وعذرهما غير مستقيم لان الوجوب متعلق بالقرآن وانه
قرآن عندهما باعتبار اللفظ دون المعنى فإذا زال اللفظ لم يكن المعنى قرآنا فلا معنى للايجاب ومع ذلك وجب فدل ان
الصحيح ما ذهب إليه أبو حنيفة ولان غير العربية إذا لم يكن قرآنا لم يكن من كلام الله تعالى فصار من كلام
الناس وهو يفسد الصلاة والقول بتعلق الوجوب بما هو مفسد غير سديد (وأما) قولهم إن الاعجاز من حيث
اللفظ لا يحصل بالفارسية فنعم لكن قراءة ما هو معجز النظم عنده ليس بشرط لان التكليف ورد بمطلق القراءة
لا بقراءة ما هو معجز ولهذا جوز قراءة آية قصيرة وان لم تكن هي معجزة ما لم تبلغ ثلاث آيات وفصل الجنب
والحائض ممنوع ولو قرأ شيئا من التوراة أو الإنجيل أو الزبور في الصلاة ان تيقن انه غير محرف يجوز عند أبي
حنيفة لما قلنا وان لم يتيقن لا يجوز لان الله تعالى أخبر عن تحريفهم بقوله يحرفون الكلم عن مواضعه فيحتمل
ان المقروء محرف فيكون من كلام الناس فلا يحكم بالجواز بالشك والاحتمال وعلى هذا الخلاف إذا تشهد أو
خطب يوم الجمعة بالفارسية ولو أمن بالفارسية أو سمى عند الذبح بالفارسية أو لبى عند الاحرام بالفارسية أو باي
لسان كان يجوز بالاجماع ولو أذن بالفارسية قيل إنه على هذا الخلاف وقيل لا يجوز بالاتفاق لأنه لا يقع به
الاعلام حتى لو وقع به الاعلام يجوز والله أعلم (ومنها) القعدة الأخيرة مقدار التشهد عند عامة العلماء وقال
مالك انها سنة وجه قوله إن اسم الصلاة لا يتوقف عليها ألا ترى ان من حلف لا يصلى فقام وقرأ وركع وسجد
يحنث وان لم يقعد (ولنا) ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للاعرابي الذي علمه الصلاة إذا
رفعت رأسك من آخر السجدة وقعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك علق تمام الصلاة بالقعدة الأخيرة وأراد به
تمام الفرائض إذ لم يتم أصل العبادة بعد فدل انه لاتمام قبلها إذ المعلق بالشرط عدم قبل وجود الشرط وروى أن
النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى الخامسة فسبح به فرجع ولو لم يكن فرضا لما رجع كما في القعدة الأولى ولان حد
الركن موجود فيها وهو ما ذكرنا وإنما لم يتوقف عليها اسم الصلاة لأنها ليست من الأركان الأصلية التي تتركب
منها الصلاة على ما ذكرنا في أول الكتاب لا لأنها ليست من فرائض الصلاة ثم القدر المفروض من القعدة الأخيرة
هو قدر التشهد حتى لو أنصرف قبل أن يجلس هذا القدر فسدت صلاته لما روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا رفع الامام رأسه من السجدة الأخيرة وقعد قدر التشهد ثم
أحدث فقد تمت صلاته علق تمام الصلاة بالقعدة قدر التشهد فدل انه مقدر به والله أعلم (ومنها) الانتقال من
ركن إلى ركن لأنه وسيلة إلى الركن فكان في معنى الركن فهذه الستة أركان الصلاة الا ان الأربعة الأول من
الأركان الأصلية دون الباقيتين وقال بعضهم القعدة من الأركان الأصلية أيضا واليه مال عصام بن يوسف
ووجهه انها فرض تنعدم الصلاة بانعدامها كسائر الأركان والصحيح انها ليست بركن أصلى لان اسم الصلاة
ينطلق على المتركب من الأركان الأربعة بدون القعود ولهذا يتوجه النهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت
غروبها ووقت الزوال ولهذا لو حلف لا يصلى فقيد الركعة بالسجدة يحنث وان لم توجد القعدة ولو أتى بما دون
الركعة لا يحنث ولان القعدة بنفسها غير صالحة للخدمة لأنها من باب الاستراحة بخلاف سائر الأركان فتمكن
الخلل في كونها ركنا أصليا فلم تكن هي من الأركان الأصلية للصلاة وإن كانت من فروضها حتى لا تجوز الصلاة
113

بدونها ويشترط لها ما يشترط لسائر الأركان فاما التحريمة فليست بركن عند المحققين من أصحابنا بل هي شرط وعند
الشافعي بركن وهو قول بعض مشايخنا واليه مال عصام بن يوسف وعلى هذا الخلاف الاحرام في باب الحج انه شرط
عندنا وعنده ركن وثمرة الخلاف ان عندنا يجوز بناء النفل على الفرض بان يحرم للفرض ويفرغ منه ويشرع في
النفل قبل التسليم من غير تحريمة جديدة وعنده لا يجوز ووجه البناء على هذا الأصل ان التحريمة لما كانت شرطا
جاز أن يتأدى النفل بتحريمة الفرض كما يتأدى بطهارة وقعت للفرض وعنده لما كانت ركنا وقد انقضى الفرض
بأركانه فتنقضي التحريمة أيضا وجه قول الشافعي ان حد الركن موجود فيها وهو ما ذكرنا وكذا وجدت علامة
الأركان فيها لأنها لا تدوم بل تنقضي والدليل عليه انه يشترط لصحتها ما يشترط لسائر الأركان بخلاف الشروط
(ولنا) قوله تعالى وذكر اسم ربه فصلى عطف الصلاة على الذكر الذي هو التحريمة بحرف التعقيب والاستدلال
بالآية من وجهين أحدهما ان مقتضى العطف بحرف التعقيب ان توجد الصلاة عقيب ذكر اسم الله تعالى ولو
كانت التحريمة ركنا لكانت الصلاة موجودة عند الذكر لاستحالة انعدام الشئ في حال وجود ركنه وهذا
خلاف النص والثاني ان العطف يقتضى المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ولو كانت التحريمة ركنا لا يتحقق
المغايرة لأنها تكون بعض الصلاة وبعض الشئ ليس غيره ان لم يكن عينه وكذا الموجود فيها حد الشرط لا حد
الركن فإنه يعتبر الصلاة بها ولا ينطلق اسم الصلاة عليها مع سائر الشرائط فكانت شرطا وكذا علامة الشروط فيها
موجودة فإنها باقية ببقاء حكمها وهو وجوب الانزجار عن محظورات الصلاة على أن العلامة إذا خالفت الحد
لا يبطل به الحد بل يظهر ان العلامة كاذبة وأما قوله يشترط لها ما يشترط لسائر الأركان فممنوع انه يشترط ذلك
لها بل للقيام المتصل بها والقيام ركن حتى أن الاحرام بالحج لما لم يكن متصلا بالركن جوزنا تقديمه على الوقت
* (فصل) * وأما شرائط الأركان فجملة الكلام في الشرائط انها نوعان نوع يعم المنفرد والمقتدى جميعا وهو
شرائط أركان الصلاة ونوع يخص المقتدى وهو شرائط جواز الاقتداء بالامام في صلاته (أما) شرائط أركان
الصلاة (فمنها) الطهارة بنوعيها من الحقيقية والحكمية والطهارة الحقيقية هي طهارة الثوب والبدن ومكان
الصلاة عن النجاسة الحقيقية والطهارة الحكمية هي طهارة أعضاء الوضوء عن الحدث وطهارة جميع الأعضاء
الظاهرة عن الجنابة (أما) طهارة الثوب وطهارة البدن عن النجاسة الحقيقية فلقوله تعالى وثيابك فطهر وإذا وجب
تطهير الثوب فتطهير البدن أولى (وأما) الطهارة عن الحدث والجنابة فلقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى
الصلاة فاغسلوا وجوهكم إلى قوله ليطهركم وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة الا بطهور وقوله عليه الصلاة
والسلام لا صلاة الا بطهارة وقوله صلى الله عليه وسلم مفتاح الصلاة الطهور وقوله تعالى وان كنتم جنبا فاطهروا
وقوله صلى الله عليه وسلم تحت كل شعرة جنابة الا فبلوا الشعر وانقوا البشرة والانقاء هو التطهير فدلت النصوص
على أن الطهارة الحقيقية عن الثوب والبدن والحكمية شرط جواز الصلاة والمعقول كذا يقتضى من وجوه
أحدها ان الصلاة خدمة الرب وتعظيمه جل جلاله وعم نواله وخدمة الرب وتعظيمه بكل الممكن فرض ومعلوم
ان القيام بين يدي الله تعالى ببدن طاهر وثوب طاهر على مكان طاهر يكون أبلغ في التعظيم وأكمل في الخدمة
من القيام ببدن نجس وثوب نجس وعلى مكان نجس كما في خدمة الملوك في الشاهد وكذلك الحدث والجنابة
وان لم تكن نجاسة مرئية فهي نجاسة معنوية توجب استقذار ما حل به الا ترى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما أراد أن يصافح حذيفة بن اليمان رضي الله عنه امتنع وقال إني جنب يا رسول الله فكان قيامه مخلا بالتعظيم
على أنه ان لم يكن على أعضاء الوضوء نجاسة رأسا فإنها لا تخلو عن الدرن والوسخ لأنها أعضاء بادية عادة فيتصل
بها الدرن والوسخ فيجب غسلها تطهيرا لها من الوسخ والدرن فتتحقق الزينة والنظافة فيكون أقرب إلى التعظيم
وأكمل في الخدمة فمن أراد أن يقوم بين يدي الملوك للخدمة في الشاهد انه يتكلف للتنظيف والتزيين ويلبس
أحسن ثيابه تعظيما للملك ولهذا كان الأفضل للرجل أن يصلى في أحسن ثيابه وأنظفها التي أعدها لزيارة العظماء
114

ولمحافل الناس وكانت الصلاة متعمما أفضل من الصلاة مكشوف الرأس لما ان ذلك أبلغ في الاحترام والثاني انه
أمر بغسل هذه الأعضاء الظاهرة من الحدث والجنابة تذكير التطهير الباطن من الغش والحسد والكبر وسوء الظن
بالمسلمين ونحو ذلك من أسباب المآثم فامر لا لإزالة الحدث تطهيرا لان قيام الحدث لا ينافي العبادة والخدمة في
الجملة الا ترى انه يجوز أداء الصوم والزكاة مع قيام الحدث والجنابة وأقرب من ذلك الايمان بالله الذي هو رأس
العبادات وهذا لان الحدث ليس بمعصية ولا سبب مأثم وما ذكرنا من المعاني التي في باطنه أسباب المآثم فأمر
بغسل هذه الأعضاء الظاهرة دلالة وتنبيها على تطهير الباطن من هذه الأمور وتطهير النفس عنها واجب بالسمع
والعقل والثالث انه وجب غسل هذه الأعضاء شكر النعمة وراء النعمة التي وجبت لها الصلاة وهي ان هذه
الأعضاء وسائل إلى استيفاء نعم عظيمة بل بها تنال جل نعم الله تعالى فاليد بها يتناول ويقبض ما يحتاج إليه
والرجل يمشى بها إلى مقاصده والوجه والرأس محل الحواس ومجمعها التي بها يعرف عظم نعم الله تعالى من العين
والانف والفم والاذن التي بها البصر والشم والذوق والسمع التي بها يكون التلذذ والتشهي والوصول إلى جميع
النعم فأمر بغسل هذه الأعضاء شكرا لما يتوسل بها إلى هذه النعم والرابع أمر بغسل هذه الأعضاء تكفيرا
لما ارتكب بهذه الأعضاء من الاجرام إذ بها يرتكب جل المآثم من أخذ الحرام والمشي إلى الحرام والنظر إلى
الحرام وأكل الحرام وسماع الحرام من اللغو والكذب فأمر بغسلها تكفيرا لهذه الذنوب وقد وردت الاخبار
يكون الوضوء تكفيرا للمآثم فكانت مؤيدة لما قلنا (وأما) طهارة مكان الصلاة فلقوله تعالى أن طهرا بيتي
للطائفين والعاكفين والركع السجود وقال في موضع والقائمين والركن السجود ولما ذكرنا ان الصلاة خدمة الرب
تعالى وتعظيمه وخدمة المعبود المستحق للعبادة وتعظيمه بكل الممكن فرض وأداء الصلاة على مكان طاهر أقرب
إلى التعظيم فكان طهارة مكان الصلاة شرطا وقد روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن
الصلاة في المزيلة والمجزرة ومعاطن الإبل وقوارع الطرق والحمام والمقبرة وفوق ظهر بيت الله تعالى اما معنى
النهى عن الصلاة في المزيلة والمجزرة فلكونهما موضع النجاسة واما معاطن الإبل فقد قيل إن معنى النهى فيها
انها لا تخلو عن النجاسات عادة لكن هذا يشكل بما روى من الحديث صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في معاطن
الإبل مع أن المعاطن والمرابض في معنى النجاسة سواء وقيل معنى النهى ان الإبل ربما تبول على المصلى فيبتلى
بما يفسد صلاته وهذا لا يتوهم في الغنم واما قوارع الطرق فقيل إنها لا تخلو عن الأرواث والأبوال عادة فعلى هذا
لا فرق بين الطريق الواسع والضيق وقيل معنى النهى فيها انه يستضر به المارة وعلى هذا إذا كان الطريق واسعا
لا يكره وحكى ابن سماعة ان محمدا كان يصلى على الطريق في البادية وأما الحمام فمعنى النهى فيه انه مصب
الغسالات والنجاسات عادة فعلى هذا لو صلى في موضع الحمامي لا يكره وقيل معنى النهى فيه ان الحمام بيت الشيطان
فعلى هذا تكره الصلاة في كل موضع منه سواء غسل ذلك الموضع أو لم يغسل وأما المقبرة فقيل إنما نهى عن ذلك
لما فيه من التشبيه باليهود كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
فلا تتخذوا قبري بعدي مسجدا وروى أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا يصلى بالليل إلى قبر فناداه القبر القبر فظن
الرجل أنه يقول القمر القمر فجعل ينظر إلى السماء فما زال به حتى تنبسه فعلى هذا تجوز الصلاة وتكره وقيل معنى
النهى ان المقابر لا تخلو عن النجاسات لان الجهال يستترون بما شرف من القبور فيبولون ويتغوطون خلفه فعلى
هذا لا تجوز الصلاة لو كان في موضع يفعلون ذلك لانعدام طهارة المكان واما فوق بيت الله تعالى فمعنى النهى
عندنا ان الانسان منهى عن الصعود على سطح الكعبة لما فيه من ترك التعظيم ولا يمنع جواز الصلاة عليه وعند
الشافعي هذا النهى للافساد حتى لو صلى على سطح الكعبة وليس بين يديه سترة لا تجوز صلاته عنده وسنذكر
الكلام فيما بعد ولو صلى في بيت فيه تماثيل فهذا على وجهين اما إن كانت التماثيل مقطوعة الرؤس أو لم تكن
مقطوعة الرؤس فإن كانت مقطوعة الرؤس فلا بأس بالصلاة فيه لأنها بالقطع خرجت من أن تكون تماثيل
115

والتحقت بالنقوش والدليل عليه ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إليه ترس فيه تمثال طير فأصبحوا
وقد محى وجهه وروى أن جبريل عليه السلام استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذن له فقال كيف أدخل
وفى البيت قرام فيه تماثيل خيول ورجال فاما ان تقطع رؤسها أو تتخذ وسائد فتطوطأ وان لم تكن مقطوعة الرؤس
فتكره الصلاة فيه سواء كانت في جهة القبلة أو في السقف أو عن يمين القبلة أو عن يسارها فأشد ذلك كراهة
أن تكون في جهة القبلة لأنه تشبه بعبدة الأوثان ولو كانت في مؤخر القبلة أو تحت القدم لا يكره لعدم التشبه
في الصلاة بعبدة الأوثان وكذا يكره الدخول إلى بيت فيه صور على سقفه أو حيطانه أو على الستور والأزر
والوسائد العظام لان جبريل عليه السلام قال إنا لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة ولا خير في بيت لا تدخله الملائكة
وكذا نفس التعليق لتلك الستور والأزر على الجدار ووضع الوسائد العظام عليه مكروه لما في هذا الصنيع من
التشبه بعباد الصور لما فيه من تعظيمها وروى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت دخل رسول الله صلى الله
عليه وسلم في بيتي وأنا مستترة بستر فيه تماثيل فتغير لون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرفت الكراهة
في وجهه فأخذه منى وهتكه بيده فجعلناه نمرقة أو نمرقتين وإن كانت الصور على البسط والوسائد الصغار وهي
تداس بالأرجل لا تكره لما فيه من اهانتها والدليل عليها حديث جبريل صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنه
ا ولو صلى على هذا البساط فإن كانت الصورة في موضع سجوده يكره لما فيه من التشبه بعبادة الصور والأصنام
وكذا إذا كانت امامه في موضع لان معنى التعظيم يحصل بتقريب الوجه من الصورة فأما إذا كانت في موضع
قدميه فلا بأس به لما فيه من الإهانة دون التعظيم هذا إذا كان الصورة كبيرة فاما إذا كانت صغيرة لا تبدو
للناظر من بعيد فلا بأس به لان من يعبد الصنم لا يعبد الصغير منها جدا وقد روى أنه كان على خاتم أبى موسى ذبابتان
وروى أنه لما وجد خاتم دانيال على عهد عمر رضي الله عنه كان على فصه أسد ان بينهما رجل يلحسانه ويحتمل
أن يكون ذلك في ابتداء حاله أو لان التمثال في شريعة من قبلنا كان حلالا قال الله تعالى في قصة سليمان يعملون له
ما يشاء من محاريب وتماثيل ثم ما ذكرنا من الكراهة في صورة الحيوان فأما صورة ما لا حياة كالشجر ونحو ذلك فلا
يوجب الكراهة لان عبدة الصورة لا يعبدون تمثال ما ليس بذى روح فلا يحصل التشبه بهم وكذا النهى إنما جاء
عن تصوير ذي الروح لما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال من صور تمثال ذي الروح كلف يوم القيامة أن ينفخ
فيه الروح وليس بنافخ فاما لا نهى عن تصوير مالا روح له لما روى عن ابن عباس رضي الله عنه انه نهى مصورا عن
التصوير فقال كيف أصنع وهو كسبى فقال إن لم يكن بد فعليك بتمثال الأشجار ويكره أن تكون قبلة المسجد إلى
حمام أو قبر أو مخرج لان جهة القبلة يجب تعظيمها والمساجد كذلك قال الله تعالى في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر
فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال ومعنى التعظيم لا يحصل إذا كانت قبلة المسجد إلى هذه المواضع
لأنها لا تحلو عن الأقذار وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال هذا في مساجد الجماعات فاما مسجد الرجل في
بيته فلا بأس بأن يكون قبلته إلى هذه المواضع لأنه ليس له حرمة المساجد حتى يجوز بيعه وكذا للناس فيه بلوى
بخلاف مسجد الجماعة ولو صلى في مثل هذا المسجد جازت صلاته عند عامة العلماء وعلى قول بشر بن غياث
المريسي لا تجوز وعلى هذا المصلى في أرض مغصوبة أو صلى وعليه ثوب مغصوب لا تجوز عنده وجه قوله إن
العبادة لا تتأدى بما هو منهى عنه (ولنا) ان النهى ليس لمعنى في الصلاة فلا يمنع جواز الصلاة وهذا إذا لم يكن بين
المسجد وبين هذه المواضع حائل من بيت أو جدار أو نحوه ذلك فإن كان بينهما حائل لا يكره لان معنى التعظيم حاصل
فالتحن زعنه غير ممكن (ومنها) ستر العورة لقوله تعالى يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد قيل في التأويل
الزينة ما يوارى العورة والمسجد الصلاة فقد أمر بمواراة العورة في الصلاة وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا
صلاة للحائض الا بخمار كنى بالحائض عن البالغة لان الحيض دليل البلوغ فذكر الحيض وأراد به البلوغ لملازمة
بينهما وعليه اجماع الأمة ولان ستر العورة حال القيام بين يدي الله تعالى من باب التعظيم وانه فرض عقلا وشرعا
116

وإذا كان الستر فرضا كان الانكشاف مانعا جواز الصلاة ضرورة والكلام في بيان ما يكون عورة وما لا يكون
موضعه كتاب الاستحسان وإنما الحاجة ههنا إلى بيان المقدار الذي يمنع جواز الصلاة فنقول قليل الانكشاف
لا يمنع الجواز لما فيه من الضرورة لان الثياب لا تخلو عن قليل خرق عادة والكثير يمنع لعدم الضرورة واختلف
في الحد الفاصل بين القليل والكثير فقدر أبو حنيفة ومحمد الكثير بالربع فقالا الربع وما فوقه من العضو كثير
وما دون الربع قليل وأبو يوسف جعل الأكثر من النصف كثيرا وما دون النصف قليلا واختلفت الرواية
عنه في النصف فجعله في حكم القليل في الجامع الصغير وفى حكم الكثير في الأصل وجه قول أبى يوسف ان القليل
والكثير من المتقابلات فإنما تظهر بالمقابلة فما كان مقابله أقل منه فهو كثير وما كان مقابله أكثر منه فهو
قليل (ولهما) ان الشرع أقام الربع مقام الكل في كثير من المواضع كما في حلق الرأس في حق المحرم ومسح ربع
الرأس كذا ههنا إذا لموضع موضع الاحتياط واما قوله إن القليل والكثير من أسماء المقابلة فإنما يعرف ذلك
بمقابله فنقول الشرع قد جعل الربع كثيرا في نفسه من غير مقابله في بعض المواضع على ما بينا فلزم الاخذ به
في موضع الاحتياط ثم كثير الانكشاف يستوى فيه العضو الواحد والأعضاء المتفرقة حتى لو أنكشف من
أعضاء متفرقة ما لو جمع لكان كثيرا يمنع جواز الصلاة ويستوى فيه العورة الغليظة وهي القبل والدبر والخفيفة
كالفخذ ونحوه ومن الناس من قدر العورة الغليظة بالدرهم تغليظ الامرها وهذا غير سديد لان العورة الغليظة
كلها لا تزيد على الدرهم فنقد يرها بالدرهم يكون تخفيفا لأمرها لا تغليظا له فتنعكس القضبة وذكر محمد في الزيادات
ما يدل على أن حكم الغليظة والخفيفة واحد فإنه قال في امرأة صلت فانكشف شئ من شعرها وشئ من ظهرها
وشئ من فرجها وشئ من فخذها انه إن كان بحال لو جمع بلغ الربع منع أداء الصلاة وان لم يبلغ لا يمنع فقد جمع
بين العورة الغليظة الخفيفة واعتبر فيها الربع فثبت ان حكمها لا يختلف وان الخلاف فيهما واحد وهذا في حالة
القدرة فاما في حالة العجز فالانكشاف لا يمنع جواز الصلاة بان حضرته الصلاة وهو عريان لا يجد ثوبا للضرورة
ولو كان معه ثوب نجس فلا يخلوا ما إن كان الربع منه طاهرا واما إن كان كله نجسا فإن كان ربعه طاهر ألم يجزه
أن يصلى عريانا بل يجب عليه أن يصلى في ذلك الثوب لان الربع فما فوقه في حكم الكمال كما في مسح الرأس
وحلق المحرم ربع الرأس و كما يقال رأيت فلانا وان عاينه من احدى جهاته الأربع فجعل كان الثوب كله طاهرا
وإن كان كله نجسا أو الطاهر منه أقل من الربع فهو بالخيار في قول أبي حنيفة وأبى يوسف ان شاء صلى عريانا
وان شاء مع الثوب لكن الصلاة في الثوب أفضل وقال محمد لا تجزئه الا مع الثوب وجه قوله إن ترك استعمال
النجاسة فرض وستر العورة فرض الا ان ستر العورة أهمهما وآكدهما لأنه فرض في الأحوال أجمع وفرضية
ترك استعمال النجاسة مقصورة على حالة الصلاة فيصار إلى الا هم فتستر العورة ولا تجوز الصلاة بدونه ويتحمل
استعمال النجاسة ولأنه لو صلى عريانا كان تاركا فرائض منها ستر العورة والقيام والركوع والسجود ولو صلى في
الثوب النجس كان تاركا فرضا واحدا وهو ترك استعمال النجاسة فقط فكان هذا الجانب أهون وقد قالت عائشة
رضي الله عنها ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين الا اختارا هو نهما فمن ابتلى ببليتين فعليه أن يختار
أهونهما (ولهما) ان الجانبين في الفرضية في حق الصلاة على السواء الا ترى انه كما لا تجوز الصلاة حالة الاختيار عريانا
لا تجوز مع الثوب المملوء نجاسة ولا يمكن إقامة أحد الفرضين في هذه الحالة الا بترك الآخر فسقطت فريضتهما في حق
الصلاة فيخير فيجزئه كيف ما فعل الا ان الصلاة في الثوب أفضل لما ذكر محمد (ومنها) استقبال القبلة لقوله تعالى فول
وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلاة
امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ويستقبل القبلة ويقول الله أكبر وعليه اجماع الأمة والأصل ان استقبال القبلة
للصلاة شرط زائد لا يعقل معناه بدليل انه لا يجب الاستقبال فيما هو رأس العبادات وهو الايمان وكذا في عامة
العبادات من الزكاة والصوم والحج وإنما عرف شرطا في باب الصلاة شرعا فيجب اعتباره بقدر ما ورد الشرع به
117

وفيما وراءه يرد إلى أصل القياس ثم جملة الكلام في هذا الشرط ان المصلى لا يخلو اما إن كان قادرا على الاستقبال أو
كان عاجزا عنه فإن كان قادرا يجب عليه التوجه إلى القبلة إن كان في حال مشاهدة الكعبة فإلى عينها أي أي جهة
كانت من جهات الكعبة حتى لو كان منحرفا عنها غير متوجه إلى شئ منها لم يجز لقوله تعالى فول وجهك شطر المسجد
الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وفى وسعة تولية الوجه إلى عينها فيجب ذلك وإن كان نائيا عن الكعبة
غائبا عنها يجب عليه التوجه إلى جهتها وهي المحاريب المنصوبة بالامارات الدالة عليها لا إلى عينها وتعتبر الجهة
دون العين كذا ذكر الكرخي والرازي وهو قول عامة مشايخنا بما وراء النهر وقال بعضهم المفروض إصابة عين
الكعبة بالاجتهاد والتحري وهو قول أبى عبد الله البصري حتى قالوا إن نية الكعبة شرط وجه قول هؤلاء قوله
تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره من غير فصل بين حال المشاهدة
والغيبة ولان لزوم الاستقبال لحرمة البقعة وهذا المعنى في العين لا في الجهة ولان قبلته لو كانت الجهة لكان ينبغي
له إذا اجتهد فأخطأ الجهة يلزمه الإعادة لظهور خطئه في اجتهاده بيقين ومع ذلك لا تلزمه الإعادة بلا خلاف بين
أصحابنا فدل ان قبلته في هذه الحالة عين الكعبة بالاجتهاد والتحري وجه قول الأولين ان المفروض هو المقدور عليه
وإصابة العين غير مقدور عليها فلا تكون مفروضة ولان قبلته لو كانت عين الكعبة في هذه الحالة بالتحري والاجتهاد
لترددت صلاته بين الجواز والفساد لأنه ان أصاب عين الكعبة بتحريه جازت صلاته وان لم يصب عين الكعبة لا
تجوز صلاته لأنه ظهر خطأه بيقين الا أن يجعل كل مجتهد مصيبا وانه خلاف المذهب وقد عرف بطلانه في
أصول الفقه أما إذا جعلت قبلته الجهة وهي المحاريب المنصوبة لا يتصور ظهور الخطأ فنزلت الجهة في هذه الحالة
منزلة عين الكعبة في حال المشاهدة ولله تعالى أن يجعل أي جهة شاء قبلة لعباده على اختلاف الأحوال واليه وقعت
الإشارة في قوله تعالى سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدى
من يشاء إلى صراط مستقيم ولأنهم جعلوا عين الكعبة قبلة في هذه الحالة بالتحري وانه مبنى على تجرد شهادة القلب
من غير امارة والجهة صارت قبلة باجتهادهم المبنى على الامارات الدالة عليها من النجوم والشمس والقمر وغير ذلك
فكان فوق الاجتهاد بالتحري ولهذا أن من دخل بلدة وعاين المحاريب المنصوبة فيها يجب عليه التوجه إليها ولا يجوز
له التحري وكذا إذا دخل مسجد الا محراب له وبحضرته أهل المسجد لا يجوز له التحري بل يجب عليه السؤال من
أهل المسجد لان لهم علما بالجهة المبنية على الامارات فكان فوق الثابت بالتحري وكذا لو كان في المفازة والسماء
مصحية وله علم بالاستدلال بالنجوم على القبلة لا يجوز له التحري لان ذلك فوق التحري وبه تبين ان نية الكعبة
ليست بشرط بل الأفضل أن لا ينوى الكعبة لاحتمال أن لا تحاذي هذه الجهة الكعبة فلا تجوز صلاته ولا حجة
لهم في الآية لأنها تناولت حالة القدرة والقدرة حال مشاهدة الكعبة لا حال البعد عنها وهو الجواب عن قولهم إن
الاستقبال لحرمة البقعة ان ذلك حال القدرة على الاستقبال إليها دون حال العجز عنه وأما إذا كان عاجزا فلا
يخلو اما إن كان عاجزا بسبب عذر من الاعذار مع العلم بالقبلة واما إن كان عجزه بسبب الاشتباه فإن كان
عاجز العذر مع العلم بالقبلة فله أن يصلى إلى أي جهة كانت ويسقط عنه الاستقبال نحو أن يخاف على نفسه
من العدو في صلاة الخوف أو كان بحال لو استقبل القبلة يثب عليه العدو أو قطاع الطريق أو السبع أو كان على
لوح من السفينة في البحر لو وجهه إلى القبلة يغرق غالبا أو كان مريضا لا يمكنه أن يتحول بنفسه إلى القبلة وليس
بحضرته من يحوله إليها ونحو ذلك لان هذا شرط زائد فيسقط عند العجز وإن كان عاجزا بسبب الاشتباه وهو
أن يكون في المفازة في ليلة مظلمة أو لا علم له بالامارات الدالة على القبلة فإن كان بحضرته من يسأله عنها
لا يجوز له التحري لما قلنا بل يجب عليه السؤال فإن لم يسأل وتحرى وصلى فان أصاب جازوا لا فلا فإن لم يكن
بحضرته أحد جاز له التحري لان التكليف بحسب الوسع والامكان وليس في وسعه الا التحري فتجوز له الصلاة
التحري لقوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله وروى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحروا عند الاشتباه
118

وصلوا ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فدل على الجواز فإذا صلى إلى جهة من الجهات فلا يخلوا ما أن صلى إلى
جهة بالتحري أو بدون التحري فان صلى بدون التحري فلا يخلو من أوجه اما إن كان لم يخطر بباله شئ ولم يشك في جهة
القبلة أو خطر بباله وشك في جهة القبلة وصلى من غير تحر أو تحرى ووقع تحريه على جهة فصلى إلى جهة أخرى لم
يقع عليها التحري أما إذا لم يخطر بباله شئ ولم يشك وصلى إلى جهة من الجهات فالأصل هو الجواز لان مطلق الجهة
قبلة بشرط عدم دليل يوصله إلى جهة الكعبة من السؤال أو التحري ولم يوجد لان التحري لا يجب عليه إذا لم
يكن شاكا فإذا مضى على هذه الحالة ولم يخطر بباله شئ صارت الجهة التي صلى إليها قبلة له ظاهرا فان ظهر انها
جهة الكعبة تقرر الجواز فاما إذا ظهر خطأه بيقين بان انجلى الظلام وتبين انه صلى إلى غير جهة الكعبة أو تحرى
ووقع تحريه على غير الجهة التي صلى إليها إن كان بعد الفراغ من الصلاة يعيد وإن كان في الصلاة يستقبل
لان ما جعل حجة بشرط عدم الأقوى يبطل عند وجوده كالاجتهاد إذا ظهر نص بخلافه وأما إذا شك ولم يتحر
وصلى إلى جهة من الجهات فالأصل هو الفساد فإذا ظهر أن الصواب في غير الجهة التي صلى إليها اما بيقين أو
بالتحري تقرر الفساد وان ظهر أن الجهة التي صلى إليها قبلة إن كان بعد الفراغ من الصلاة أجزأه ولا يعيد لأنه إذا
شك في جهة الكعبة وبنى صلاته على الشك احتمل أن تكون الجهة التي صلى إليها قبلة واحتمل أن لا تكون
فان ظهر انها لم تكن قبلة يظهر أنه صلى إلى غير القبلة وان ظهر انها كانت قبلة يظهر أنه صلى إلى القبلة فلا يحكم
بالجواز في الابتداء بالشك والاحتمال بل يحكم بالفساد بناء على الأصل وهو العدم بحكم استصحاب الحال فإذا تبين
انه صلى إلى القبلة بطل الحكم باستصحاب الحال وثبت الجواز من الأصل وأما إذا ظهر في وسط الصلاة روى عن أبي
يوسف أنه يبنى على صلاته لما قلنا وفى ظاهر الرواية يستقبل لان شروعه في الصلاة بناء على الشك ومتى ظهرت
القبلة اما بالتحري أو بالسؤال من غيره صارت حالته هذه أقوى من الحالة الأولى ولو ظهرت في الابتداء لا تجوز
صلاته الا إلى هذه الجهة فكذا إذا ظهرت في وسط الصلاة وصار كالمومي إذا قدر على القيام في وسط الصلاة أنه
يستقبل لما ذكرنا كذا هذا وأما إذا تحرى ووقع تحريه إلى جهة فصلى إلى جهة أخرى من غير تحر فان أخطأ
لا تجزيه بالاجماع وان أصاب فكذلك في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف أنه يجوز (ووجهه) أن
المقصود من التحري هو الإصابة وقد حصل هذا المقصود فيحكم بالجواز كما إذا تحرى في الأواني فتوضأ بغير ما
وقع عليه التحري ثم تبين أنه أصاب يجزيه كذا هذا وجه ظاهر الرواية أن القبلة حالة اشتباه هي الجهة التي
مال إليها المتحري فإذا ترك الاقبال إليها فقد أعرض عما هو قبلته مع القدرة عليه فلا يجوز كمن ترك التوجه إلى
المحاريب المنصوبة مع القدرة عليه بخلاف الأواني لان الشرط هو التوضؤ بالماء الطاهر حقيقة وقد وجد
فاما إذا صلى إلى جهة من الجهات بالتحري ثم ظهر خطأه فإن كان قبل الفراغ من الصلاة استدار إلى القبلة وأتم
الصلاة لما روى أن أهل قبا لما بلغهم فسخ القبلة إلى بيت المقدس استداروا كهيئتهم وأتموا صلاتهم ولم يأمرهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعادة ولان الصلاة المؤداة إلى جهة التحري مؤداة إلى القبلة لأنها هي القبلة
حال الاشتباه فلا معنى لوجوب الاستقبال ولان تبدل الرأي في معنى انتساخ النص وذا لا يوجب بطلان العمل
بالمنسوخ في زمان ما قبل النسخ كذا هذا وإن كان بعد الفراغ من الصلاة فان ظهر أنه صلى يمنة أو يسرة يجزيه
ولا يلزمه الإعادة بلا خلاف وان ظهر أنه صلى مستدبر الكعبة يجزيه عندنا وعند الشافعي لا يجزيه وعلى هذا
إذا اشتبهت القبلة على قوم فتحروا وصلوا بجماعة جازت صلاة الكل عندنا الا صلاة من تقدم على امامه أو علم
بمخالفته إياه وجه قول الشافعي أنه صلى إلى القبلة بالاجتهاد وقد ظهر خطأه بيقين فيبطل كما إذا تحرى وصلى
في ثوب على ظن أنه طاهر ثم تبين أنه نجس انه لا يجزيه وتلزمه الإعادة كذا ههنا (ولنا) أن قبلته حال الاشتباه
هي الجهة التي تحرى إليها وقد صلى إليها فتجزيه كما إذا صلى إلى المحاريب المنصوبة والدليل على أن قبلته هي
جهة التحري النص والمعقول أما النص فقوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله قيل في بعض وجوه التأويل ثمة قبلة
119

الله وقيل ثمة رضاء الله وقيل ثمة وجه الله الذي وجهكم إليه إذا لم يجئ منكم التقصير في طلب القبلة وأضاف التوجه
إلى نفسه لأنهم وقعوا في ذلك بفعل الله تعالى بغير تقصير كان منهم في الطلب ونظيره قول النبي صلى الله عليه وسلم
لمن أكل ناسيا لصومه ثم على صومك فإنما أطعمك الله وسقاك وان وجد الاكل من الصائم حقيقة لكن لما لم
يكن قاصدا فيه أضاف فعله إلى الله تعالى وصيره معذورا كأنه لم يأكل كذلك ههنا إذا كان توجهه إلى هذه
الجهة من غير قصد منه حيث أتى بجميع ما في وسعه وامكانه أضاف الرب سبحانه وتعالى ذلك إلى ذاته وجعله
معذورا كأنه توجه إلى القبلة (وأما) المعقول فما ذكرنا أنه لا سبيل له إلى إصابة عين الكعبة ولا إلى إصابة
جهتها في هذه الحالة لعدم الدلائل الموصلة إليها والكلام فيه والتكليف بالصلاة متوجه وتكليف ما لا يحتمله
الوسع ممتنع وليس في وسعه الا الصلاة إلى جهة التحري فتعينت هذه قبلة له شرعا في هذه الحالة فنزلت هذه
الجهة حالة العجز منزلة عين الكعبة والمحراب حالة القدرة وإنما عرف التحري شرطا نصا بخلاف القياس
لا لإصابة القبلة وبه تبين أنه ما أخطأ قبلته لان قبلته جهة التحري وقد صلى إليها بخلاف مسألة الثوب لان الشرط
هناك هو الصلاة بالثوب الطاهر حقيقة لكنه أمر بإصابته بالتحري فإذا لم يصب انعدم الشرط فلم يجز أما
ههنا فالشرط استقبال القبلة وقبلته هذه في هذه الحالة وقد استقبلها فهو الفرق والله أعلم ويخرج على
ما ذكرنا الصلاة بمكة خارج الكعبة أنه إن كان في حال مشاهدة الكعبة لا تجوز صلاته الا إلى عين الكعبة لان
قبلته حالة المشاهدة عين الكعبة بالنص ويجوز إلى أي الجهات من الكعبة شاء بعد إن كان مستقبلا لجزء منها
لوجود تولية الوجه شطر الكعبة فان صلى منحرفا عن الكعبة غير مواجه لشئ منها لم يجز لأنه ترك التوجه إلى
قبلته مع القدرة عليه وشرائط الصلاة لا تسقط من غير عذر (ثم) ان صلوا بجماعة لا يخلوا ما ان صلوا متحلقين
حول الكعبة صفا بعد صف واما ان صلوا إلى جهة واحدة منها مصطفين فان صلوا إلى جهة واحدة جازت صلاتهم
إذا كان كل واحد منهم مستقبلا جزأ من الكعبة ولا يجوز لهم أن يصطفوا زيادة على حائط الكعبة ولو فعلوا
ذلك لا تجوز صلاة من جاوز الحائط لان الواجب حالة المشاهدة استقبال عينها وان صلوا حول الكعبة متحلقين
جاز لان الصلاة بمكة تؤدى هكذا من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا والأفضل للامام أن يقف
في مقام إبراهيم صلوات الله عليه ثم صلاة الكل جائزة سواء كانوا أقرب إلى الكعبة من الامام أو أبعد الا صلاة من
كان أقرب إلى الكعبة من الامام في الجهة التي يصلى الامام إليها بأن كان متقدما على الامام بحذائه فيكون
ظهره إلى وجه الامام أو كان على يمين الامام أو يساره متقدما عليه من تلك الجهة ويكون ظهره إلى الصف الذي
مع الامام ووجهه إلى الكعبة لأنه إذا كان متقدما على امامه لا يكون تابعا له فلا يصح اقتداؤه به بخلاف
ما إذا كان أقرب إلى الكعبة من الامام من غير الجهة التي يصلى إليها الامام لأنه في حكم المقابل للامام
والمقابل لغيره يصلح أن يكون تابعا بخلاف المتقدم عليه وعلى هذا إذا قامت امرأة بجنب الامام في
الجهة التي يصلى إليها الامام ونوى الامام امامتها فسدت صلاة الامام لوجود المحاذاة في صلاة مطلقة مشتركة
وفسدت صلاة القوم بفساد صلاة الامام ولو قامت في الصف في غير جهة الامام لا تفسد صلاة الامام لأنها في الحكم
كأنها خلف الامام وفسدت صلاة من على يمينها ويسارها ومن كان خلفها على ما يذكر في موضعه ولو كانت الكعبة
منهدمة فتحلق الناس حول أرض الكعبة وصلوا هكذا أو صلى منفردا متوجها إلى جزء منها جاز وقال الشافعي
لا يجوز الا إذا كان بين يديه سترة وجه قوله أن الواجب استقبال البيت والبيت اسم للبقعة والبناء جميعا الا إذا
كان بين يديه سترة لأنها من توابع البيت فيكون مستقبلا لجزء من البيت معنى (ولنا) اجماع الأمة فان الناس
كانوا يصلون إلى البقعة حين رفع البناء في عهد ابن الزبير حين بنى البيت على قواعد الخليل صلوات الله عليه وفى
عهد الحجاج حين أعاده إلى ما كان عليه في الجاهلية وكانت صلاتهم مقضية بالجواز وبه تبين أن الكعبة اسم للبقعة
سواء كان ثمة بناء أو لم يكن وقد وجد التوجه إليها الا أنه يكره ترك اتخاذ السترة لما فيه من استقبال الصورة الصورة
120

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك في الصلاة وروى أنه لما رفع البناء في عهد ابن الزبير أمر ابن عباس
بتعليق الأنطاع في تلك البقعة ليكون ذلك بمنزلة السترة لهم وعلى هذا إذا صلى على ظهر الكعبة جازت صلاته عندنا
وان لم يكن بين يديه سترة وعند الشافعي لا تجزيه بدون السترة والصحيح قولنا لما ذكرنا أن الكعبة اسم للعرصة ولان
النباء لا حرمة له لنفسه بدليل أنه لو نقل إلى عرصة أخرى وصلى إليها لا يجوز بل كانت حرمته لاتصاله بالعرصة المحترمة
والدليل عليه أن من صلى على جبل أبى قبيس جازت صلاته بالاجماع ومعلوم أنه لا يصلى إلى البناء بل إلى الهواء
دل أن العبرة للعرصة والهواء دون البناء هذا إذا صلوا خارج الكعبة فاما إذا صلوا في جوف الكعبة فالصلاة في
جوف الكعبة جائزة عند عامة العلماء نافلة كانت أو مكتوبة وقال مالك لا يجوز أداء المكتوبة في جوف الكعبة
وجه قوله أن المصلى في جوف الكعبة إن كان مستقبلا جهة كان مستدبرا جهة أخرى والصلاة مع استدبار القبلة
لا تجوز فأخذنا بالاحتياط في المكتوبات فاما في التطوعات فالامر فيها أوسع وصار كالطواف في جوف الكعبة
(ولنا) أن الواجب استقبال جزء من الكعبة غير عين وإنما يتعين الجزء قبلة له بالشروع في الصلاة والتوجه إليه
ومتى صارت قبله فاستدبارها في الصلاة من غير ضرورة يكون مفسدا فاما الاجزاء التي لم يتوجه إليها لم تصر قبلة في
حقه فاستدبارها لا يكون مفسد أو على هذا ينبغي أن من صلى في جوف الكعبة ركعة إلى جهة وركعة إلى جهة أخرى
لا تجوز صلاته لأنه صار مستدبرا عن الجهة التي صارت قبلة في حقه بيقين من غير ضرورة والانحراف من غير
ضرورة مفسد للصلاة بخلاف النائي عن الكعبة إذا صلى بالتحري إلى الجهات الأربع بان صلى ركعة إلى جهة ثم
تحول رأيه إلى جهة أخرى فصلى ركعة إليها هكذا جاز لان هناك لم يوجد الانحراف عن القبلة بيقين لان الجهة التي
تحرى إليها ما صارت قبلة له بيقين بل بطريق الاجتهاد فحين تحول رأيه إلى جهة أخرى صارت قبلته هذه الجهة في
المستقبل ولم يبطل ما أدى بالاجتهاد الأول لان ما أمضى بالاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله فصار مصليا في الأحوال
كلها إلى القبلة فلم يوجد الانحراف عن القبلة بيقين فهو الفرق ثم لا يخلوا ما ان صلوا في جوف الكعبة متحلقين أو
مصطفين خلف الامام فان صلوا بجماعة متحلقين جازت صلاة الامام وصلاة من وجهه إلى ظهر الامام أو إلى يمين
الامام أو إلى يساره أو ظهره إلى ظهر الامام وكذا صلاة من وجهه إلى وجه الامام الا أنه يكره لما فيه من استقبال
الصورة الصورة فينبغي أن يجعل بينه وبين الامام سترة وأما صلاة من كان متقدما على الامام وظهره إلى وجه الامام
وصلاة من كان مستقبلا جهة الامام وهو أقرب إلى الحائط من الامام فلا تجوز لما بينا وهذا بخلاف جماعة تحروا في
ليلة مظلمة واقتدوا بالامام حيث لا تجوز صلاة من علم أنه مخالف للامام في جهته لان هناك اعتقد الخطأ في صلاة
امامه لان عنده أن امامه غير مستقبل للقبلة فلم يصح اقتداؤه فلم يصح اقتداؤه به أما ههنا فما اعتقد الخطأ في صلاة امامه لان كل
جانب من جوانب الكعبة قبلة بيقين فصح اقتداؤه به فهو الفرق وان صلوا مصطفين خلف الامام إلى جهة الامام فلا
شك أن صلاتهم جائزة وكذا إذا كان وجه بعضهم إلى ظهر الامام وظهر بعضهم إلى ظهره لوجود استقبال القبلة
والمتابعة لأنهم خلف الامام لا أمامه ولهذا قلنا إن الامام إذا نوى امامة النساء فقامت امرأة بحذائه مقابلة له
لا تفسد صلاة الامام لأنها في الحكم كأنها خلف الامام وتفسد صلاة من كان عن يمينها ويسارها وخلفها في الجهة التي
هي فيها واختلفت الرواية في أن النبي صلى الله عليه وسلم هل صلى في الكعبة حين دخلها روى أسامة بن زيد أنه لم
يصل فيها وروى أن عمر أنه صلى فيها ركعتين بين الساريتين المتقدمتين (ومنها) الوقت لان الوقت كما هو سبب
لوجوب الصلاة فهو شرط لأدائها قال الله تعالى ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوفا أي فرضا مؤقتا حتى
لا يجوز أداء الفرض قبل وقته الا صلاة العصر يوم عرفة على ما يذكر والكلام فيه يقع في ثلاث مواضع في بيان
أصل أوقات الصلوات المفروضة وفي بيان حدودها بأوائلها وأواخرها وفي بيان الأوقات المستحبة منها وفي بيان
الوقت المكروه لبعض الصلوات المفروضة (أما) الأول فاصل أوقاتها عرف بالكتاب وهو قوله تعالى فسبحان الله
حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون وقوله تعالى أقم الصلاة طرفي
121

النهار وزلفا من الليل وقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان
مشهودا وقوله تعالى فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار فهذه
الآيات تشتمل على بيان فرضية هذه الصلوات وبيان أصل أوقاتها لما بينا فيما تقدم والله أعلم (وأما) بيان
حدودها بأوائلها وأواخرها فإنما عرف بالاخبار أما الفجر فأول وقت صلاة الفجر حين يطلع الفجر الثاني وآخره
حين تطلع الشمس لما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن للصلاة أولا
وآخرا وان أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وآخره حين تطلع الشمس والتقييد بالفجر الثاني لان الفجر الأول
هو البياض المستطيل يبدو في ناحية من السماء وهو المسمى بذنب السرحان عند العرب ثم ينكتم ولهذا يسمى فجرا
كاذبا لأنه يبدو نوره ثم يخلف ويعقبه الظلام وهذا الفجر لا يحرم به الطعام والشراب على الصائمين ولا يخرج
به وقت العشاء ولا يدخل به وقت صلاة الفجر والفجر الثاني وهو المستطير المعترض في الأفق لا يزال يزداد نوره حتى
تطلع الشمس يسمى هذا فجرا صادقا لأنه إذا بدا نوره ينتشر في الأفق ولا يخلف وهذا الفجر يحرم به الطعام
والشراب على الصائم ويخرج به وقت العشاء ويدخل به وقت صلاة الفجر وهكذا روى عن ابن عباس رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الفجر فجر ان فجر مستطيل يحل به الطعام وتحرم فيه الصلاة وفجر مستطير
يحرم به الطعام وتحل فيه الصلاة وبه تبين أن المراد من الفجر المذكور في حديث أبي هريرة رضي الله عنه هو
الفجر الثاني لا الأول وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يغرنكم اذان بلال ولا الفجر المستطيل لكن
الفجر المستطير في الأفق وروى لا يغرنكم الفجر المستطيل ولكن كلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير أي المنتشر
في الأفق وقال الفجر هكذا ومد يده عرضا لا هكذا ومد يده طولا ولان المستطيل ليل في الحقيقة لنعقب الظلام إياه
وروى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وقت الفجر ما لم تطلع الشمس وروى عنه
صلى الله عليه وسلم أنه قال من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها فدل الحديثان أيضا على أن
آخر وقت الفجر حين تطلع الشمس (وأما) أول وقت الظهر فحين تزول الشمس بلا خلاف لما روى عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أول وقت الظهر حين تزول الشمس وأما آخره فلم يذكر في ظاهر
الرواية نصا واختلفت الرواية عن أبي حنيفة روى محمد عنه إذا صار ظل كل شئ مثله سوى فئ الزوال والمذكور في
الأصل ولا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل قامتين ولم يتعرض لآخر وقت الظهر وروى الحسن عن أبي حنيفة
أن آخر وقتها إذا صار ظل كل شئ مثله سوى فئ الزوال وهو قول أبى يوسف ومحمد وزفر والحسن والشافعي وروى
أسد بن عمر وعنه إذا صار ظل كل شئ مثله سوى فئ الزوال خرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر ما لم يصر ظل
كل شئ مثليه فعلى هذه الرواية يكون بين وقت الظهر والعصر وقت مهمل كما بين الفجر والظهر والصحيح رواية محمد
عنه فإنه روى في خبر أبي هريرة وآخر وقت الظهر حين يدخل وقت العصر وهذا ينفى الوقت المهمل ثم لابد من معرفة
زوال الشمس روى عن محمد أنه قال حد الزوال أن يقوم الرجل مستقبل القبلة فإذا مالت الشمس عن يساره فهو
الزوال وأصح ما قيل في معرفة الزوال قول محمد بن شجاع البلخي انه يغرز عودا مستويا في أرض مستوية ويجعل على
مبلغ الظل منه علامة فما دام الظل ينتقص من الخط فهو قبل الزوال فإذا وقف لا يزداد ولا ينتقص فهو ساعة الزوال
وإذا أخذ الظل في الزيادة فالشمس قد زالت وإذا أردت معرفة فئ الزوال فخط على رأس موضع الزيادة خطا فيكون
من رأس الخط إلى العود فئ الزوال فإذا صار ظل العود مثليه من رأس الخط لا من العود خرج وقت الظهر ودخل
وقت العصر عند أبي حنيفة وإذا صار ظل العود مثله من رأس الخط خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر عندهم
وجه قولهم حديث امامة جبريل عليه السلام فإنه روى عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنه قال أمنى جبريل عند
البيت مرتين فصلى بي الظهر في اليوم الأول حين زالت الشمس وصلى بي العصر حين صار ظل كل شئ مثله وصلى بي
المغرب حين غربت الشمس وصلى بن العشاء حين غاب الشفق وصلى بي الفجر حين طلع الفجر الثاني وصلى بي الظهر
122

في اليوم الثاني حين صار ظل كل شئ مثله وصلى بي العصر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شئ مثليه وصلى بي المغرب
في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى بي في اليوم الأول وصلى بي العشاء في اليوم الثاني حين مضى ثلث الليل وصلى بي
الفجر في اليوم الثاني حين أسفر النهار ثم قال الوقت ما بين الوقتين فالاستدلال بالحديث من وجهين أحدهما انه
صلى العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شئ مثله فدل أن أول وقت العصر هذا فكان هو آخر وقت الظهر
ضرورة والثاني ان الإمامة في اليوم الثاني كانت لبيان آخر الوقت ولم يؤخر الظهر في اليوم الثاني إلى أن يصير
ظل كل شئ مثليه فدل ان آخر وقت الظهر ما ذكرنا (ولأبي) حنيفة ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن
مثلكم ومثل من قبلكم من الأمم مثل رجل استأجر أجيرا فقال من يعمل لي من الفجر إلى الظهر بقيراط فعملت
اليهود ثم قال من يعمل لي من الظهر إلى العصر بقيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي من العصر إلى المغرب
بقيراطين فعملتم أنتم فكنتم عملا وأكثر أجرا فدل الحديث على أن مدة العصر أقصر من مدة الظهر وإنما
يكون أقصر ان لو كان الامر على ما قاله أبو حنيفة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أبرد وبالظهر
فان شدة الحر من فيح جهنم والابراد يحصل بصيرورة ظل كل شئ مثليه فان الحر لا يفتر خصوصا في
بلادهم على أن عند تعارض الأدلة لا يمكن اثبات وقت العصر لان موضع التعارض موضع الشك وغير الثابت
لا يثبت بالشك فان قيل لا يبقى وقت الظهر بالشك أيضا فالجواب انه كذلك يقول أبي حنيفة في رواية أسد بن
عمرو أخذا بالمتيقن فيهما والثاني أن ما ثبت لا يبطل بالشك وغير الثابت لا يثبت بالشك وخبر امامة جبريل عليه
السلام منسوخ في المتنازع فيه فان المروى أنه صلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر في اليوم
الأول والاجماع منعقد على تغاير وقتي الظهر والعصر فكان الحديث منسوخا في الفرع ولا يقال معنى ما ورد انه
صلى العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شئ مثله أي بعد ما صار ومعنى ما ورد انه صلى الظهر في اليوم الثاني
حين صار ظل كل شئ مثليه أي قرب من ذلك فلا يكون منسوخا لا بالقول هذا نسبة النبي صلى الله عليه وسلم إلى
الغفلة وعدم التمييز بين الوقتين أو إلى التساهل في أمر تبليغ الشرائع والتسوية بين أمرين مختلفين وترك ذلك
مبهما من غير بيان منه أو دليل يمكن الوصول به إلى الافتراق بين الامرين ومثله لا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم
(وأما) أول وقت العصر فعلى الاختلاف الذي ذكرنا في آخر وقت الظهر حتى روى عن أبي يوسف أنه قال خالفت
أبا حنيفة في وقت العصر فقلت أوله إذا دار الظل على قامة اعتمادا على الآثار التي جاءت وآخره حين تغرب الشمس
عندنا وعند الشافعي قولان في قول إذا صار ظل كل شئ مثليه يخرج وقت العصر ولا يدخل وقت المغرب حتى
تغرب الشمس فيكون بينهما وقت مهمل وفى قول إذا صار ظل كل شئ مثليه يخرج وقته المستحب ويبقى أصل
الوقت إلى غروب الشمس والصحيح قولنا لما روى في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في وقت العصر وآخرها
ين تغرب الشمس وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس
فقد أدركها وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من فاته العصر حتى غربت الشمس
فكأنما وتر أهله وماله (وأما) أول وقت المغرب فحين تغرب الشمس بلا خلاف وفى خبر أبي هريرة رضي الله عنه
وأول وقت المغرب حين تغرب الشمس وكذا حديث جبريل عليه الله صلى المغرب بعد غروب الشمس في
اليومين جميعا والصلاة في اليوم الأول كانت بيانا لأول الوقت وأما آخره فقد اختلفوا فيه قال أصحابنا حين يغيب
الشفق وقال الشافعي وقتها ما يتطهر الانسان ويؤذن ويقيم ويصلى ثلاث ركعات حتى لو صلاها بعد ذلك كان قضاء
لا أداء عنده لحديث امامة جبريل صلى الله عليه وسلم انه صلى المغرب في المرتين في وقت واحد (ولنا) ان في حديث أبي
هريرة رضي الله عنه وأول وقت المغرب حتى تغرب الشمس وآخره حين يغيب الشفق وعن ابن عمر رضي الله عنهم
ا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وقت المغرب ما لم يغب الشفق وإنما لم يؤخره جبريل عن أول الغروب لان
التأخير عن أول الغروب مكروه الا لعذر وأنه جاء ليعلمه المباح من الأوقات الا ترى أنه لم يؤخر العصر إلى الغروب
123

مع بقاء الوقت إليه وكذا لم يؤخر العشاء إلى ما بعد ثلث الليل وإن كان بعده وقت العشاء بالاجماع (وأما) أول وقت
العشاء فحين يغيب الشفق بلا خلاف بين أصحابنا لما روى في خبر أبي هريرة رضي الله عنه وأول وقت العشاء حين
يغيب الشفق واختلفوا في تفسير الشفق فعند أبي حنيفة هو البياض وهو مذهب أبي بكر وعمر ومعاذ وعائشة رضي الله عنه
م وعند أبي يوسف ومحمد والشافعي هو الحمرة وهو قول عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم
وهو رواية أسد بن عمرو عن أبي حنيفة وجه قولهم ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تزال أمتي بخير
ما عجلوا المغرب وآخر والعشاء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى العشاء بعد مضى ثلث الليل فلو كان
الشفق هو البياض لما كان مؤخرا لها بل كان مصليا في أول الوقت لان البياض يبقى إلى ثلث الليل خصوصا في
الصيف (ولأبي) حنيفة النص والاستدلال (أما) النص فقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل
جعل الغسق غاية لوقت المغرب ولا غسق ما بقي التور المعترض وروى عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال
آخر وقت المغرب ما لم يسقط نور الشفق وبياضه والمعترض نوره وفى حديث أبي هريرة رضي الله عنه وان آخر وقت
المغرب حين يسود الأفق وإنما يسود باخفائها بالظلام (وأما) الاستدلال فمن وجهين لغوي وفقهي أما اللغوي فهو
ان الشفق اسم لما رق يقال ثوب شفيق أي رقيق اما من رقة النسج واما لحدوث رقة فيه من طول اللبس ومنه
الشفقة وهي رقة القلب من الخوف أو المحبة ورقة نور الشمس باقية ما بقي البياض وقيل الشفق اسم لردى الشئ
وباقية والبياض باقي آثار الشمس وأما الفقهي فهو ان صلاتين يؤديان في اثر الشمس وهو المغرب هو الفجر وصلاتين
تؤديان في وضح النهار وهما الظهر والعصر فيجب أن يؤدى صلاتين في غسق الليل بحيث لم يبق أثر من آثار الشمس
وهما العشاء والوتر وبعد غيبوبة البياض لا يبقى أثر للشمس ولا حجة لهم في الحديث لان البياض يغيب قبل مضى
ثلث الليل غالبا وأما آخر وقت العشاء فحين يطلع الفجر الصادق عندنا وعند الشافعي قولان في قول حين يمضى ثلث
الليل لان جبريل عليه السلام صلى في المرة الثانية بعد مضى ثلث الليل وكان ذلك بيانا لآخر الوقت وفى قول يؤخر
إلى آخر نصف الليل بعذر السفر لان النبي صلى الله عليه وسلم أخر ليلة إلى النصف ثم قال هو لنا بعذر السفر (ولنا) ما
روى أبو هريرة وأول وقت العشاء حين يغيب الشفق وآخره حين يطلع الفجر وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال لا يدخل وقت صلاة حتى يخرج وقت أخرى وقت عدم دخول وقت الصلاة إلى غاية خروج وقت
صلاة أخرى فلو لم يثبت الدخول عند الخروج لم يتوقف ولان الوتر من توابع العشاء ويؤدى في وقتها وأفضل
وقتها السحر دل أن السحر آخر وقت العشاء ولان أثر السفر في قصر الصلاة لا في زيادة الوقت وامامة جبريل
عليه السلام كان تعليما لآخر الوقت المستحب ونحن نقول إن ذلك ثلث الليل (وأما) بيان الأوقات المستحبة
فالسماء لا تخلوا ما إن كانت مصحية أو مغيمة فإن كانت مصحية ففي الفجر المستحب آخر الوقت والأسفار
بصلاة الفجر أفضل من التغليس بها في السفر والحضر والصيف والشتاء في حق جميع الناس الا في حق الحاج
بمزدلفة فان التغليس بها أفضل في حقه وقال الطماري إن كان من عزمه تطويل القراءة فالأفضل ان يبدأ
بالتغليس بها ويختم بالاسفار وان لم يكن من عزمه تطويل القراءة فالأسفار أفضل من التغليس وقال الشافعي
التغليس بها أفضل في حق الكل وجملة المذهب عنده ان أداء الفرض لأول الوقت أفضل وحده ما دام في النصف
الأول من الوقت (واحتج) بقوله تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم والتعجيل من باب المسارعة إلى الخير وذم
الله تعالى أقواما على الكسل فقال وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى والتأخير من الكسل وروى أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم سئل عن أفضل الأعمال فقال الصلاة لأول وقتها وقال صلى الله عليه وسلم أول الوقت رضوان الله
وآخر الوقت عفو الله أي ينال بأداء الصلاة في أول الوقت رضوان الله وينال بأدائها في آخره عفو الله تعالى
واستيجاب الرضوان خير من استيجاب العفو لان الرضوان أكبر لثواب لقوله تعالى ورضوان من الله أكبر وينال
بالطاعات والعفو ينال بشرط سابقية الجنابة وروى في الفجر خاصة عن عائشة رضي الله عنها أن النساء كن
124

يصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينصرفن وما يعرفن من شدة الغلس (ولنا) قول النبي صلى الله عليه
وسلم أسفروا بالفجر فإنه أعظم للاجر رواه رافع بن خديج وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ما صلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم صلاة قبل ميقاتها الا صلاتين العصر بعرفة وصلاة الفجر بمزدلفة قد غلس بها فسمى
التغليس بالفجر صلاة قبل المقيات فعلم أن العادة كانت في الفجر الاسفار وعن إبراهيم النخعي أنه قال ما اجتمع
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على شئ كاجتماعهم على تأخير العصر والتنوير بالفجر ولان في التغليس
تقليل الجماعة لكونه وقت نوم وغفلة وفى الاسفار تكثيرها فكان أفضل ولهذا يستحب الايراد بالظهر في الصيف
لاشتغال الناس بالقيلولة ولان في حضور الجماعة في هذا الوقت ضرب حرج خصوصا في حق الضعفاء وقد قال
النبي صلى الله عليه وسلم صل بالقوم صلاة أضعفهم ولان المكث في مكان صلاة الفجر إلى طلوع الشمس مندوب
إليه قال صلى الله عليه وسلم من صلى الفجر ومكث حتى تطلع الشمس فكأنما أعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل
وقلما يتمكن من احراز هذه الفضيلة عند التغليس لأنه قلما يمكث فيها الطول المدة ويتمكن من احرازها عند
الاسفار فكان أولى وما ذكر من الدلائل الجملية فنقول بها في بعض الصلوات في بعض الأوقات على ما نذكر لكن
قامت الدلائل في بعضها على أن التأخير أفضل لمصلحة وجدت في التأخير ولهذا قال الشافعي بتأخير العشاء إلى
ثلث الليل لئلا يقع في السمر بعد العشاء ثم الامر بالمسارعة ينصرف إلى مسارعة ورد الشرع بها الا ترى ان الأداء
قبل الوقت لا يجوز وإن كان فيه مسارعة لما لم يرد الشرع بها وقيل في الحديث ان العفو عبارة عن الفضل قال الله
تعالى ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو أي الفضل فكان معنى الحديث على هذا والله أعلم أن من أدى الصلاة
في أول الأوقات فقد نال رضوان الله وأمن من سخطه وعذابه لامتثاله أمره وأدائه ما أوجب عليه ومن أدى
في آخر الوقت فقد نال فضل الله ونيل فضل الله لا يكون بدون الرضوان فكانت هذه الدرجة أفضل من تلك
وأما حديث عائشة رضي الله عنها فالصحيح من الروايات أسفار رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة الفجر
لما روينا من حديث أبن مسعود رضي الله عنه فان ثبت التغليس في وقت فلعذر الخروج إلى سفر أو كان ذلك
في الابتداء حين كن النساء يحضرن الجماعات ثم لما أمرن بالقرار في البيوت انتسخ ذلك والله أعلم وأما في الظهر
فالمستحب هو آخر الوقت في الصيف وأوله في الشتاء وقال الشافعي إن كان يصلى وحده يعجل في كل وقت وإن كان
يصلى بالجماعة يؤخر يسيرا لما ذكرنا وروى عن خباب بن الأرت أنه قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حر الرمضاء في جباهنا واكفنا فلم يشكنا فدل أن السنة في التعجيل (ولنا) ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
أبرد وبالظهر فان شدة الحر من فيح جهنم ولان التعجيل في الصيف لا يخلو عن أحد أمرين اما تقليل الجماعة
لاشتغال الناس بالقيلولة واما الاضرار بهم لتأذيهم بالحر وقد انعدم هذان المعنيان في الشتاء فيعتبر فيه معنى
المسارعة إلى الخير وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ رضي الله عنه حين وجهه إلى اليمن إذا كان
الصيف فابرد بالظهر فان الناس يقيلون فأمهلهم حتى يدركوا وإذا كان الشتاء فصل الظهر حين تزول الشمس
فان الليالي طوال وتأويل حديث خباب انهم طلبوا ترك الجماعة أصلا فلم يشكهم لهذا على أن معنى قوله فلم
يشكنا أي لم يدعنا في الشكاية بل أزال شكوانا بأن أبرد بها والله أعلم (وأما) العصر فالمستحب فيها هو التأخير
ما دامت الشمس بيضاء نقية لم يدخلها تغيير في الشتاء والصيف جميعا وعند الشافعي التعجيل أفضل لما ذكرنا
وروى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى العصر والشمس طالعة
في حجرتي وعن أنس بن مالك رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى العصر فيذهب الذاهب إلى
العوالي وينحر الجزور ويطبخ القدور ويأكل قبل غروب الشمس (ولنا) ما روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى العصر والشمس بيضاء نقية وهذا منه بيان تأخيره للعصر وقيل سميت
العصر لأنها تعصر أي تؤخر ولان في التأخير تكثير النوافل لان النافلة بعدها مكروهة فكان التأخير أفضل ولهذا
125

كان التعجيل في المغرب أفضل لان النافلة قبلها مكروهة ولان المكث بعد العصر إلى غروب الشمس مندوب
إليه قال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى العصر ثم مكث في المسجد إلى غروب الشمس فكأنما أعتق ثمانيا من
ولد إسماعيل وإنما يتمكن من احراز هذه الفضيلة بالتأخير لا بالتعجيل لأنه قلما يمكث وأما حديث عائشة رضي الله عنه
ا فقد كانت حيطان حجرتها قصيرة فتبقى الشمس طالعة فيها إلى أن تتغير وأما حديث أنس فقد كان ذلك في وقت
الصيف ومثله يتأتى للمستعجل إذ كان ذلك في وقت مخصوص لعذر والله أعلم (وأما) المغرب فالمستحب فيها
التعجيل في الشتاء والصيف جميعا وتأخيرها إلى اشتباك النجوم مكروه لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
لا تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب وأخروا العشاء ولان التعجيل سبب لتكثير الجماعة والتأخير سبب لتقليلها لان
الناس يشتغلون بالتعشي والاستراحة فكان التعجيل أفضل وكذا هو من باب الساعة إلى الخير فكان أولى (وأما)
العشاء فالمستحب فيها التأخير إلى ثلث الليل في الشتاء ويجوز التأخير نصف الليل ويكره التأخير عن النصف وأما
في الصيف فالتعجيل أفضل وعند الشافعي المستحب تعجيلها بعد غيبوبة الشفق لما ذكر وعن النعمان بن بشير
ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى العشاء حين يسقط القمر في الليلة وذلك عند غيبوبة الشفق يكون
ولنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر العشاء إلى ثلث الليل ثم خرج فوجد أصحابه في المسجد ينتظرونه
فقال اما انه لا ينتظر هذه الصلاة في هذا الوقت أحد غيركم ولولا سقم السقيم وضعف الضعيف لأخرت العشاء إلى
هذا الوقت وفى حديث آخر قال لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل وروى عن عمر رضي الله عنه
انه كتب إلى أبى موسى الأشعري ان صل العشاء حين يذهب ثلث الليل فان أبيت فإلى نصف الليل فان نمت فلا
نامت عيناك وفى رواية فلا تكن من الغافلين ولان التأخير عن النصف الأخير تعريض لها للفوات فان من لم ينم
إلى نصف الليل ثم نام فغلبه النوم فلا يستيقظ في المعتاد إلى ما بعد انفجار الصبح وتعريض الصلاة للفوات مكروه
ولأنه لو عجل في الشتاء ربما يقع في السمر بعد العشاء لان الناس لا ينامون إلى ثلث الليل لطول الليالي فيشتغلون
بالسمر عادة وانه منهى عنه ولأن يكون اختتام صحيفته بالطاعة أولى من أن يكون بالمعصية والتعجيل في الصيف
لا يؤدى إلى هذا القبيح لأنهم ينامون لقصر الليالي فتعتبر فيه المسارعة إلى الخير والحديث محمول على زمان
الصيف أو على حال العذر وكان عيسى بن أبان يقول الأولى تعجيلها للآثار ولكن لا يكره التأخير مطلقا ألا ترى
ان العذر لمرض ولسفر يؤخر المغرب للجمع بينهما وبين العشاء فعلا ولو كان المذهب كراهة التأخير مطلقا لما أبيح
ذلك بعذر المرض والسفر كما لا يباح تأخير العصر إلى تغير الشمس هذا إذا كانت السماء مصحية فإن كانت متغيمة
فالمستحب في الفجر والظهر والمغرب هو التأخير وفى العصر والعشاء التعجيل وان شئت أن تحفظ هذا فكل صلاة
في أول اسمها عين تعجيل وما ليس في أول اسمها عين تؤخر أما التأخير في الفجر فلما ذكرنا ولأنه لو غلس بها فربما
تقع قبل انفجار الصبح وكذا لو عجل الظهر فربما يقع قبل الزوال ولو عجل المغرب عسى يقع قبل الغروب ولا يقال
لو أخر ربما يقع في وقت مكروه لان الترجيح عند التعارض للتأخير ليخرج عن عهدة الفرض بيقين وأما تعجيل
العصر عن وقتها المعتاد فلئلا يقع في وقت مكروه وهو وقت تغير الشمس وليس فيه وهم الوقوع قبل الوقت لان
الظهر قد أخر في هذا اليوم وتعجيل العشاء كيلا تقع بعد انتصاف الليل وليس في التعجيل توهم الوقوع قبل الوقت
لان المغرب قد أخر في هذا اليوم والله أعلم وروى الحسن عن أبي حنيفة أن التأخير في الصلوات كلها أفضل في جميع
الأوقات والأحوال وهو اختيار الفقيه الجليل أبى أحمد العياضي وعلل وقال إن في التأخير ترددا بين وجهي الجواز
اما القضاء واما الأداء وفى التعجيل ترددا بين وجهي الجواز والفساد فكان التأخير أولى والله الموفق وعلى هذا الأصل
أقال أصحابنا انه لا يجوز الجمع بين فرضين في وقت أحدهما الا بعرفة والمزدلفة فيجمع بين الظهر والعصر في وقت
الظهر بعرفة وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء بمزدلفة اتفق عليه رواة نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم انه
فعله ولا يجوز الجمع بعذر السفر والمطر وقال الشافعي يجمع بين الظهر والعصر في وقت العصر وبين المغرب والعشاء
126

في وقت العشاء بعذر السفر والمطر (واحتج) بما روى ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله
عليه وسلم كان يجمع بعرفة بين الظهر والعصر وبمزدلفة بين المغرب والعشاء ولأنه يحتاج إلى ذلك في السفر كيلا
ينقطع به السير وفى المطر كي تكثر الجماعة إذ لو رجعوا إلى منازلهم لا يمكنهم الرجوع فيجوز الجمع بهذا كما يجوز الجمع
بعرفة بين الظهر والعصر وبمزدلفة بين المغرب والعشاء (ولنا) أن تأخير الصلاة عن وقتها من الكبائر فلا يباح بعذر
السفر والمطر كسائر الكبائر والدليل على أنه من الكبائر ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال من جمع بين صلاتين في وقت واحد فقد أتى بابا من الكبائر وعن عمر رضي الله عنه أنه قال
الجمع بين الصلاتين من الكبائر ولأن هذه الصلوات عرفت مؤقتة بأوقاتها بالدلائل المقطوع بها من الكتاب
والسنة المتواترة والاجماع فلا يجوز تغييرها عن أوقاتها يضرب من الاستدلال أو بخبر الواحد مع أن
الاستدلال فاسد لان السفر والمطر لا أثر لهما في إباحة تفويت الصلاة عن وقتها الا ترى أنه لا يجوز الجمع بين
الفجر والظهر مع ما ذكرتم من العذر والجمع بعرفة ما كان لتعذر الجمع بين الوقوف والصلاة لان الصلاة
لا تضاد الوقوف بعرفة بل ثبت غير معقول المعنى بدليل الاجماع والتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم فصلح
معارضا للدليل المقطوع به وكذا الجمع بمزدلفة غير معلول بالسير ألا ترى انه لا يفيد إباحة الجمع بين الفجر والظهر
وما روى من الحديث في خبر الآحاد فلا يقبل في معارضة الدليل المقطوع به مع أنه غريب ورد في حادثة نعم بها
البلوى ومثله غير مقبول عندنا ثم هو مؤول وتأويله انه جمع بينهما فعلا لا وقتا بان أخر الأولى منهما إلى آخر الوقت
ثم أدى الأخرى في أول الوقت ولا واسطة بين الوقتين فوقعتا مجتمعتين فعلا كذا فعل ابن عمر رضي الله عنه في سفر
وقال هكذا كان يفعل بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دل عليه ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم جمع من غير مطر ولا سفر وذلك لا يجوز الا فعلا وعن علي رضي الله عنه انه جمع بينهما فعلا ثم قال
هكذا فعل بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا روى عن أنس بن مالك انه جمع بينهما فعلا ثم قال هكذا فعل بنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم واما الوقت المكروه لبعض الصلوات المفروضة فهو وقت تغير الشمس للمغيب لأداء
صلاة العصر يكره أداؤها عنده للنهي عن عموم الصلوات في الأوقات الثلاثة منها إذا تضيغت الشمس للمغيب
على ما يذكر وقد ورد وعيد خاص في أداء صلاة العصر في هذا الوقت وهو ما روى عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال يجلس أحدكم حتى إذا كانت الشمس بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها الا قليلا تلك
صلاة المنافقين قالها ثلاثا لكن يجوز أداؤها مع الكراهة حتى يسقط الفرض عن ذمته ولا يتصور
أداء الفرض وقت الاستواء قبل الزوال لأنه لا فرض قبله وكذا لا يتصور أداء الفجر مع طلوع الشمس
عندنا حتى لو طلعت الشمس وهو في خلال الصلاة تفسد صلاته عندنا وعند الشافعي لا تفسد ويقول إن النهى عن
النوافل لا عن الفرائض بدليل ان عصر يومه جائز بالاجماع (ونحن) نقول النهى عام بصيغته ومعناه أيضا
لما يذكر في قضاء الفرائض في هذه الأوقات وروى عن أبي يوسف ان الفجر لا تفسد بطلوع الشمس لكنه
يصبر حتى ترتفع الشمس فيتم صلاته لأنا لو قلنا كذلك لكان مؤديا بعض الصلاة في الوقت ولو أفسدنا لوقع الكل
خارج الوقت ولا شك ان الأول أولى والله أعلم (والفرق) بينه وبين مؤدى العصر إذا غربت عليه الشمس
وهو في خلال الصلاة قد ذكرناه فيما تقدم (ومنها) النية وانها شرط صحة الشروع في الصلاة لان الصلاة
عبادة والعبادة اخلاص العمل بكليته لله تعالى قال الله تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين
والاخلاص لا يحصل بدون النية وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا عمل لمن لا نية له وقال الأعمال بالنيات ولكن
امرئ ما نوى والكلام في النية في ثلاث مواضع أحدها في تفسير النية والثاني في كيفية النية والثالث في وقت النية
(أما) الأول فالنية هي الإرادة فنية الصلاة هي إرادة الصلاة لله تعالى على الخلوص والإرادة عمل القلب (وأما)
كيفية النية فالمصلى لا يخلو اما أن يكون منفردا واما أن يكون اماما واما أن يكون مقتديا فإن كان منفردا إن كان
127

يصلى التطوع تكفيه نية الصلاة لأنه ليس لصلاة التطوع صفة زائدة على أصل الصلاة ليحتاج إلى أن ينو بها فكان
شرط النية فيها لتصير لله تعالى وانها تصير لله تعالى بنية مطلق الصلاة ولهذا يتأدى صوم النفل خارج رمضان بمطلق
النية وإن كان يصلى الفرض لا يكفيه نية مطلق الصلاة لان الفرضية صفة زائدة على أصل الصلاة فلا بد وأن ينويها
فينوي فرض الوقت أو ظهر الوقت أو نحو ذلك ولا تكفيه نية مطلق الفرض لان غيرها من الصلوات المفروضة
مشروعة في الوقت فلا بد من التعيين وقال بعضهم تكفيه نية الظهر والعصر لان ظهر الوقت هو المشروع الأصلي
فيه وغيره عارض فعند الاطلاق ينصرف إلى ما هو الأصل كمطلق اسم الدرهم انه ينصرف إلى نقد البلد والأول
أحوط وحكى عن الشافعي انه يحتاج مع نية ظهر الوقت إلى نية الفرض وهذا بعيد لأنه إذا نوى الظهر فقد نوى
الفرض إذا الظهر لا يكون الا فرضا وكذا ينبغي أن ينوى صلاة الجمعة وصلاة العيدين وصلاة الجنازة وصلاة الوتر لان
التعيين يحصل بهذا وإن كان اماما فكذلك الجواب لأنه منفرد فينوي ما ينوى المنفرد وهل يحتاج إلى نية الإمامة
أمانية امامة الرجال فلا يحتاج إليها ويصح اقتداؤهم به بدون نية امامتهم وأما نية امامة النساء فشرط لصحة
اقتدائهن به عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر ليس بشرط حتى لو لم ينو لم يصح اقتداؤهن به عندنا خلافا لزفر قاس امامة
النساء بامامة الرجال وهناك النية ليست بشرط كذا هذا وهذا القياس غير سديد لان المعنى يوجب الفرض بينهما
وهو انه لو صح اقتداء المرأة بالرجل فربما تحاذيه فتفسد صلاته فيلحقه الضرر من غير اختياره فشرط نية
اقتدائها به حتى لا يلزمه الضرر من غير التزامه ورضاه وهذا المعنى منعدم في جانب الرجال ولأنه مأمور بأداء
الصلاة فلا بد من أن يكون متمكنا من صيانتها عن النواقض ولو صح اقتداؤها به من غير نية لم يتمكن من الصيانة
لأن المرأة تأتى فتقتدى به ثم تحاذيه فتفسد صلاته وأما في الجمعة والعيدين فأكثر مشايخنا قالوا إن نية إمامتهن
شرط فيهما ومنهم من قال ليست بشرط لأنها لو شرطت للحقها الضرر لأنها لا تقدر على أداء الجمعة والعيدين
وحدها ولا تجد اماما آخر تقتدي به والظاهر أنها لا تتمكن من الوقوف بجنب الامام في هاتين الصلاتين لازدحام
الناس فصح اقتداؤها لدفع الضرر عنها بخلاف سائر الصلوات وإن كان مقتديا فإنه يحتاج إلى ما يحتاج إليه المنفرد
ويحتاج لزيادة نية الاقتداء بالامام لأنه ربما يلحقه الضرر بالاقتداء فتفسد صلاته بفساد صلاة الامام فشرط
نية الاقتداء حتى يكون لزوم الضرر مضافا إلى التزامه ثم تفسير نية الاقتداء بالامام هو أن ينوى فرض الوقت
والاقتداء بالامام فيه أو ينوى الشروع في صلاة الامام أو ينوى الاقتداء بالامام في صلاته ولو نوى الاقتداء
بالامام ولم يعين صلاة الامام ولا نوى فرض الوقت هل يجزيه عن الفرض اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يجزيه
لان اقتداءه به يصح في الفرض والنفل جميعا فلا بد من التعيين مع أن النفل أدناهما فعند الاطلاق ينصرف إلى
الأدنى ما لم يعين الا على وقال بعضهم يجزيه لان الاقتداء عبارة عن المتابعة والشركة فيقتضى المساواة ولا مساواة
الا إذا كانت صلاته مثل صلاة الامام فعند الاطلاق ينصرف إلى الفرض الا إذا نوى الاقتداء به في النفل ولو نوى
صلاة الامام ولم ينو الاقتداء به لم يصح الاقتداء به لأنه نوى أن يصلى مثل صلاة الامام وذلك قد يكون بطريق
الانفراد وقد يكون بطريق التبعية للامام فلا تتعين جهة التبعية بدون النية من مشايخنا من قال إذا انتظر تكبير
الامام ثم كبر بعده كفاه عن نية الاقتداء لان انتظاره تكبيرة الامام قصد منه الاقتداء به وهو تفسير النية وهذا غير
سديد لان الانتظار متردد قد يكون لقصد الاقتداء وقد يكون بحكم العادة فلا يصير مقتديا بالشك والاحتمال ولو
اقتدى بامام ينوى صلاته ولم يدر انها الظهر أو الجمعة أجزأه أيهما كان لأنه بنى صلاته على صلاة الامام وذلك معلوم
عند الامام والعلم في حق الأصل يغنى عن العلم في حق التبع والأصل فيه ما روى أن عليا وأبا موسى الأشعري
رضي الله عنهما قدما من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقال صلى الله عليه وسلم بم أهللتما فقالا
باهلال كاهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوز ذلك لهما وان لم يكن معلوما وقت الاهلال فإن لم ينو صلاة
الامام ولكنه نوى الظهر والاقتداء فإذا هي جمعة فصلاته فاسدة لأنه نوى غير صلاة الامام وتغاير الفرضين يمنع
128

صحة الاقتداء على ما نذكر ولو نوى صلاة الامام والجمعة فإذا هي الظهر جازت صلاته لأنه لما نوى صلاة الامام فقد
تحقق البناء فلا يعتبر ما زاد عليه بعد ذلك كمن نوى الاقتداء بهذا الامام وعنده انه زيد فإذا هو عمر وكان اقتداؤه
صحيحا بخلاف ما إذا نوى الاقتداء يزيد والامام عمر وثم المقتدى إذا وجد الامام في حال القيام يكبر للافتتاح قائما ثم
يتابعه في القيام ويأتي بالثناء وان وجده في الركوع يكبر للافتتاح قائما ثم يكبر أخرى مع الانحطاط للركوع ويتابعه في
الركوع ويأتي بتسبيحات الركوع وان وجده في القومة التي بين الركوع والسجود أو في القعدة التي بين السجدتين
يتابعه في ذلك ويسكت ولا خلاف في أن المسبوق يتابع الامام في مقدار التشهد إلى قوله وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله وهل يتابعه في الزيادة عليه ذكر القدوري انه لا يتابعه عليه لان الدعاء مؤخر إلى القعدة الأخيرة وهذه
قعدة أولى في حقه وروى إبراهيم بن رستم عن محمد أنه قال يدعو بالدعوات التي في القرآن وروى هشام عن محمد
انه يدعو بالدعوات التي في القرآن ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم يسكت وعن هشام من ذات
نفسه ومحمد بن شجاع البلخي انه يكرر التشهد إلى أن يسلم الامام لأن هذه قعدة أولى في حقه والزيادة على
التشهد في القعدة الأولى غير مسنونة ولا معنى للسكوت في الصلاة الا الاستماع فينبغي أن يكرر التشهد مرة بعد
أخرى (وأما) بيان وقت النية فقد ذكر الطحاوي انه يكبر تكبيرة الافتتاح مخالطا لنيته إياها أي مقارنا أشار إلى أن
وقت النية وقت التكبير وهو عندنا محمول على الندب والاستحباب دون الختم والايجاب فان تقديم النية على
التحريمة جائز عندنا إذا لم يوجد بينهما عمل يقطع أحدهما عن الآخر والقران ليس بشرط وعند الشافعي القران
شرط (وجه) قوله إن الحاجة إلى النية لتحقيق معنى الاخلاص وذلك عند الشروع لا قبله فكانت النية قبل التكبير
هدر أو هذا هو القياس في باب الصوم الا انه سقط القران هناك لمكان الحرج لان وقت الشروع في الصوم وقت
غفلة ونوم ولا حرج في باب الصلاة فوجب اعتباره (ولنا) قول النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات
مطلقا عن شرط القران وقوله لكل امرئ ما نوى مطلقا أيضا وعنده لو تقدمت النية لا يكون له ما نوى وهذا
خلاف النص ولان شرط القران لا يخلو عن الحرج فلا يشترط كما في باب الصوم فإذا قدم النية ولم يشتغل بعمل
يقطع نيته يجزئه كذا روى عن أبي يوسف ومحمد فان محمدا ذكر في كتاب المناسك ان من خرج من بيته يريد
الحج فاحرم ولم تحضره نية الحج عند الاحرام يجزئه وذكر في كتاب التحري ان من أخرج زكاة ماله يريد أن يتصدق
به على الفقراء فدفع ولم تحضره نية عند الدفع أجزأه وذكر محمد بن شجاع البلخي في نوادره عن محمد في رجل
توضأ يريد الصلاة فلم يشتغل بعمل آخر وشرع في الصلاة جازت صلاته وان عريته النية وقت الشروع وروى عن أبي
يوسف فيمن خرج من منزله يريد الفرض في الجماعة فلما انتهى إلى الامام كبر ولم تحضره النية في تلك الساعة
انه يجوز قال الكرخي ولا أعلم أحدا من أصحابنا خالف أبا يوسف في ذلك وذلك لأنه لما عزم على تحقيق ما نوى فهو
على عزمه ونيته إلى أن يوجد القاطع ولم يوجد وبه تبين ان معنى الاخلاص يحصل بنية متقدمة لأنها موجودة
وقت الشروع تقديرا على ما مر وعن محمد بن سملة انه إذا كان بحال لو سئل عن الشروع أي صلاة تصلى يمكنه
الجواب على البديهة من غير تأمل يجزئه والا فلا وان نوى بعد التكبير لا يجوز الا ما روى الكرخي انه
إذا نوى وقت الثناء يجوز لان الثناء من توابع التكبير وهذا فاسد لان سقوط القران لمكان الحرج والحرج
يندفع بتقديم النية فلا ضرورة إلى التأخير ولو نوى بعد قوله الله قبل قوله أكبر لا يجوز لان الشروع يصح
بقوله الله لما يذكر فكأنه نوى بعد التكبير واما نية الكعبة فقد روى الحسن عن أبي حنيفة أنها شرط لان التوجه
إلى الكعبة هو الواجب في الأصل وقد عجز عنه بالبعد فينويها بقلبه والصحيح انه ليس بشرط لان قبلته حالة
البعد جهة الكعبة وهي المحاريب لا عين الكعبة لما بينا فيما تقدم فلا حاجة إلى النية وقال بعضهم ان أتى به
فحسن وان تركه لا يضره وان نوى مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو المسجد الحرام ولم ينو الكعبة لا يجوز لأنه
ليس من الكعبة وعن الفقيه الجليل أبى أحمد العياضي انه سئل عمن نوى مقام إبراهيم عليه السلام فقال إن
129

كان هذا الرجل لم يأت مكة أجزأه لان عنده أن البيت والمقام واحد وإن كان قد أتى مكة لا يجوز لأنه عرف ان المقام
غير البيت (ومنها) التحريمة وهي تكبيرة الافتتاح وانها شرط صحة الشروع في الصلاة عند عامة العلماء وقال
ابن علية وأبو بكر الأصم انها ليست بشرط ويصح الشروع في الصلاة بمجرد النية من غير تكبير فزعما ان
الصلاة أفعال وليست باذكار حتى أنكرا افتراض القراءة في الصلاة على ما ذكرنا فيما تقدم (ولنا) قول النبي صلى الله
عليه وسلم لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ويستقبل القبلة ويقول الله أكبر نفى قبول
الصلاة بدون التكبير فدل على كونه شرطا لكن إنما يؤخذ هذا الشرط على القادر دون العاجز فلذلك جازت
صلاة الأخرس ولان الافعال أكثر من الأذكار فالقادر على الافعال يكون قادرا على الأكثر وللأكثر حكم الكل
فكأنه قدر على الأذكار تقديرا ثم لابد من بيان صفة الذكر الذي يصير به شارعا في الصلاة وقد اختلف فيه فقال
أبو حنيفة ومحمد يصح الشروع في الصلاة بكل ذكر هو ثناء خالص لله تعالى يراد به تعظيمه لا غير مثل أن يقول الله
أكبر الله الأكبر الله الكبير الله أجل الله أعظم أو يقول الحمد لله أو سبحان الله أو لا إله إلا الله وكذلك كل اسم
ذكر مع الصفة نحو أن يقول الرحمن أعظم الرحيم أجل سواء كان يحسن التكبير أو لا يحسن وهو قول إبراهيم
النخعي وقال أبو يوسف لا يصير شارعا الا بألفاظ مشتقة من التكبير وهي ثلاثة الله أكبر الله الأكبر الله الكبير
الا إذا كان لا يحسن التكبير أو لا يعلم أن الشروع بالتكبير وقال الشافعي لا يصير شارعا الا بلفظين الله أكبر
الله الأكبر وقال مالك لا يصير شارعا الا بلفظ واحد وهو الله أكبر واحتج بما روينا من الحديث وهو قوله صلى الله
عليه وسلم لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ويستقبل القبلة ويقول الله أكبر نفى القبول بدون
هذه اللفظة فيجب مراعاة عين ما ورد به النص دون التعليل إذا لتعليل للتعدية لا لابطال حكم النص كما في الاذان
ولهذا لا يقام السجود على الخدو الذقن مقام السجود على الجبهة وبهذا يحتج الشافعي الا أنه يقول في الأكبر أتى
بالمشروع وزيادة شئ فلم تكن الزيادة مانعة كما إذا قال الله أكبر كبيرا فاما العدول عما ورد الشروع به فغير جائز وأبو
يوسف يحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم وتحريمها التكبير والتكبير حاصل بهذه الألفاظ الثلاثة فان أكبر هو
الكبير قال الله تعالى وهو أهون عليه أي هين عليه عند بعضهم إذ ليس شئ أهون على الله من شئ بل الأشياء
كلها بالنسبة إلى دخولها تحت قدرته كشئ واحد والتكبير مشتق من الكبرياء والكبرياء تنبئ عن العظمة
والقدم يقال هذا أكبر القوم أي أعظمهم منزلة وأشرفهم قدر أو يقال هو أكبر من فلان أي أقدم منه فلا يمكن
إقامة غيره من الألفاظ مقامه لانعدام المساواة في المعنى الا انا حكمنا بالجواز إذا لم يحسن أولا يعلم أن الصلاة تفتتح
بالتكبير للضرورة وأبو حنيفة ومحمد احتجا بقوله تعالى وذكر اسم ربه فصلى والمراد منه ذكر اسم الرب
لافتتاح الصلاة لأنه عقب الصلاة الذكر بحرف يوجب التعقيب بلا فصل والذكر الذي تتعقبه الصلاة بلا فصل
هو تكبيرة الافتتاح فقد شرع الدخول في الصلاة بمطلق الذكر فلا يجوز التقييد باللفظ المشتق من الكبرياء
باخبار الآحاد وبه تبين ان الحكم تعلق بتلك الألفاظ من حيث هي مطلق الذكر لا من حيث هي ذكر بلفظ خاص
وان الحديث معلول به لأنا إذا عللنا بما ذكر بقي معمولا به من حيث اشتراط مطلق الذكر ولو لم نعلل احتجنا إلى
رده أصلا لمخالفته الكتاب فإذا ترك التعليل هو المؤدى إلى ابطال حكم النص دون التعليل على أن التكبير
يذكر ويراد به التعظيم قال تعالى وكبره تكبيرا أي عظمه تعظيما وقال تعالى فلما رأينه أكبرنه أي عظمته وقال
تعالى وربك فكبر أي فعظم فكان الحديث وارد بالتعظيم وبأي اسم ذكر فقد عظم الله تعالى وكذا من سبح الله
تعالى فقد عظمه ونزهه عما لا يليق به من صفات النقص وسمات الحدث فصار واصفا له بالعظمة والقدم وكذا
إذا هلل لأنه إذا وصفه بالتفرد والألوهية فقد وصفه بالعظمة والقدم لاستحالة ثبوت الإلهية دونهما وإنما لم يقم
السجود على الخد مقام السجود على الجبهة للتفاوت في التعظيم كما في الشاهد بخلاف الاذان لان المقصود منه
هو الاعلام وانه لا يحصل الا بهذه الكلمات المشهورة المتعارفة فيما بين الناس حتى لو حصل الاعلام بغير هذه
130

الألفاظ يجوز كذا روى الحسن عن أبي حنيفة وكذا روى أبو يوسف في الأمالي والحاكم في المنتقى والدليل
على أن قوله الله أكبر أو الرحمن أكبر سواء قوله تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى
ولهذا يجوز الذبح باسم الرحمن أو باسم الرحيم فكذا هذا والذي يحقق مذهبهما ما روى عن عبد الرحمن السلمي ان
الأنبياء صلوات الله عليهم كانوا يفتتحون الصلاة بلا إله إلا الله ولنا بهم أسوة هذا إذا ذكر الاسم والصفة فاما إذا ذكر
الاسم لا غير بان قال الله لا يصير شارعا عند محمد وروى الحسن عن أبي حنيفة انه يصير شارعا وكذا روى بشر عن أبي
يوسف عن أبي حنيفة (لمحمد) أن النص ورد بالاسم والصفة فلا يجوز الاكتفاء بمجرد الاسم (ولأبي) حنيفة ان
النص معلول بمعنى التعظيم وأنه يحصل بالاسم المجرد والدليل عليه انه يصير شارعا بقوله لا إله إلا الله والشروع إنما
يحصل بقوله الله لا بالنفي ولو قال اللهم اغفر لي لا يصير شارعا بالاجماع لأنه لم بخلص تعظيما لله تعالى بل هو للمسألة
والدعاء دون خالص الثناء والتعظيم ولو قال اللهم اختلف المشايخ فيه لاختلاف أهل اللغة في معناه قال بعضهم يصير
شارعا لان الميم في قوله اللهم بدل عن النداء كأنه قال يا الله وقال بعضهم لا يصير شارعا لان الميم في قوله اللهم بمعنى
السؤال معناه اللهم آمنا بخير أي أردنا به فيكون دعاء لا ثناء خالصا كقوله اللهم اغفر لي ولو افتتح الصلاة بالفارسية
بان قال خداى بزركتر أو خداى بزرك يصير شارعا عند أبي حنيفة وعندهما لا يصير شارعا الا إذا كان لا يحسن
العربية ولو ذبح وسمى بالفارسية يجوز بالاجماع فأبو يوسف مر على أصله في مراعاة المنصوص عليه
والمنصوص عليه لفظة التكبير بقوله صلى الله عليه وسلم وتحريمها التكبير وهي لا تحصل بالفارسية وفى باب
الذبح المنصوص عليه هو مطلق الذكر بقوله فاذكروا اسم الله عليها صواف وذا يحصل بالفارسية ومحمد فرق فجوز
النقل إلى لفظ آخر من العربية ولم يجوز النقل إلى الفارسية فقال العربية لبلاغتها ووجازتها تدل على معان لا تدل
عليها الفارسية فتحتمل الخلل في المعنى عند النقل منها إلى الفارسية وكذا للعربية من الفضيلة ما ليس لسائر الا لسنة
ولهذا كان الدعاء بالعربية أقرب إلى الإجابة ولذلك خص الله تعالى أهل كرامته في الجنة بالتكلم بهذه اللغة فلا يقع
غيرها من الا لسنة موقع كلام العرب الا انه إذا لم يحسن جاز لمكان العذر وأبو حنيفة اعتمد كتاب الله تعالى في اعتبار
مطلق الذكر واعتبر معنى التعظيم وكل ذلك حاصل بالفارسية ثم شرط صحة التكبير أن يوجد في حالة القيام في حق
القادر على القيام سواء كان اماما أو منفردا أو مقتديا حتى لو كبر قاعدا ثم قام لا يصير شارعا ولو وجد الامام في الركوع
أو السجود والقعود ينبغي أن يكبر قائما ثم يتبعه في الركن الذي هو فيه ولو كبر للافتتاح في الركن الذي هو فيه لا
يصير شارعا لعدم التكبير قائما مع القدرة عليه (ومنها) تقدم قضاء الفائتة التي يتذكرها إذا كانت الفوائت قليلة وفى
الوقت سعة هو شرط جواز أداء الوقتية فهذا عندنا وعند الشافعي ليس بشرط ولقب المسألة أن الترتيب بين القضاء
والأداء شرط جواز الأداء عندنا وإنما يسقط بمسقط وعنده ليس بشرط أصلا ويجوز أداء الوقتية قبل قضاء
الفائتة فيقع الكلام فيه في الأصل في موضعين أحدهما في اشتراط هذا النوع من الترتيب والثاني في بيان ما
يسقطه (أما) الأول فجملة الكلام فيه أن الترتيب في الصلاة على أربعة أقسام أحدها الترتيب في أداء هذه الصلوات
الخمس والثاني الترتيب في قضاء الفائتة وأداء الوقتية والثالث الترتيب في الفوائت والرابع الترتيب في أفعال الصلاة
(أما) الأول فلا خلاف في أن الترتيب في أداء الصلوات المكتوبات في أوقاتها شرط جواز أدائها حتى لا يجوز أداء
الظهر في وقت الفجر والأداء العصر في وقت الظهر لان كل واحدة من هذه الصلوات لا تجب قبل دخول
وقتها وأداء الواجب قبل وجوبه محال واختلف فيما سوى ذلك (أما) الترتيب بين قضاء الفائتة وأداء الوقتية
فقد قال أصحابنا انه شرط وقال الشافعي ليس بشرط وجه قوله أن هذا الوقت صار للوقتية بالكتاب والسنة
المتواترة واجماع الأمة فيجب أداؤها في وقتها كما في حال ضيق الوقت وكثرة الفوائت والنسيان (ولنا) قول
النبي صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكر فان ذلك وقتها وفى بعض الروايات لا وقت
لهما الا ذلك فقد جعل وقت التذكر وقت الفائتة فكان أداء الوقتية قبل قضاء الفائتة أداء قبل وقتها فلا يجوز
131

وروى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من نسي صلاة فلم يذكرها الا وهو مع الامام فليصل
مع الامام وليجعلها تطوعا ثم ليقض ما تذكر ليعد ما كان صلاة مع الامام وهذا عين مذهبنا انه تفسد الفرضية
للصلاة إذا تذكر الفائتة فيها ويلزمه الإعادة بخلاف حال ضيق الوقت وكثرة الفوائت والنسيان لأنا إنما عرفنا كون
هذا الوقت وقتا للوقتية بنص الكتاب والسنة المتواترة والاجماع وعرفنا كونه وقتا للفائتة بخبر الواحد والعمل
بخبر الواحد إنما يجب على وجه لا يؤدى إلى ابطال العمل بالدليل المقطوع به والاشتغال بالفائتة عند ضيق
الوقت ابطال العمل به لأنه تفويت للوقتية عن الوقت وكذا عند كثرة الفوائت لان الفوائت إذا كثرت
تستغرق الوقت فتفوت الوقتية عن وقتها ولان الشرع إنما جعل الوقت وقنا للفائتة لتدارك ما فات فلا يصير
وقتا لها على وجه يؤدى إلى تفويت صلاة أخرى وهي الوقتية ولان جعل الشرع وقت التذكر وقتا للفائتة
على الاطلاق ينصرف إلى وقت ليس بمشغول لان المشغول لا يشغل كما أنصرف إلى وقت لا تكره الصلاة فيه
(وأما) النسيان فلان خبر الواحد جعل وقت التذكر وقتا للفائتة ولا تذكر ههنا فلم يصير الوقت وقتا للفائتة
فبقي وقتا للوقتية فاما ههنا فقد وجد التذكر فكان الوقت للفائتة بخبر الواحد وليس في هذا ابطال العمل بالدليل
المقطوع به بل هو جمع بين الدلائل إذ لا يفوته شئ من الصلوات عن وقتها وليس فيه أيضا شغل ما هو مشغول
وهذا لأنه لو أخر الوقتية وقضى الفائتة تبين أن وقت الوقتية ما تصل به الأداء وأن ما قبل ذلك لم يكن وقتا لها
بل كان وقتا للفائتة بخبر الواحد فلا يؤدى إلى ابطال العمل بالدليل المقطوع به فاما عند ضيق الوقت وان لم يتصل
به أداء الوقتية لا يتبين أنه ما كان وقتا له حتى تصير الصلاة فائتة وتبقى دينا عليه وعلى هذا الخلاف الترتيب في
الفوائت أنه كما يجب مراعاة الترتيب بين الوقتية والفائتة عندنا يجب مراعاته بين الفوائت إذا أنت الفوائت
في حد القلة عندنا أيضا لان قلة الفوائت لم تمنع وجوب الترتيب في الأداء فكذا في القضاء والأصل فيه ما روى أن
النبي صلى الله عليه وسلم لما شغل عن أربع صلوات يوم الخندق قضاهن بعد هوى من الليل على الترتيب ثم قال
صلوا كما رأيتموني أصلى ويبنى على هذا إذا ترك الظهر والعصر من يومين مختلفين ولا يدرى أيتهما أولى فإنه
يتحرى لأنه اشتبه عليه أمر لا سبيل إلى الوصول إليه بيقين وهو الترتيب فيصار إلى التحري لأنه عند انعدام
الأدلة قام مقام الدليل الشرعي كما إذا اشتبهت عليه القلة فان مال قلبه إلى شئ عمل به لأنه جعل كالثابت بالدليل
وان لم يستقر قلبه على شئ وأراد الاخذ بالثقة يصليهما ثم يعيد ما صلى أولا أيتهما كانت الا أن البداءة بالظهر
أولى لأنها أسبق وجوبا في الأصل فيصلى الظهر ثم العصر ثم الظهر لان الظهر لو كانت هي التي فاتت أولا فقد
وقعت موقعها وجازت وكانت الظهر التي أداها بعد العصر ثانية نافلة له ولو كانت العصر هي المتروكة أولا كانت
الظهر التي أداها قبل العصر نافلة فإذا أدى العصر بعدها فقد وقعت موضعها وجازت ثم إذا أدى الظهر بعدها
وقعت موقعها وجازت فيعمل كذلك ليخرج عما عليه بيقين وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد
لا نأمره لا بالتحري كذا ذكره أبو الليث ولم يذكر أنه إذا استقر قلبه على شئ كيف يصنع عندهما وذكر الشيخ
الامام صدر الدين أبو المعين انه يصلى كل صلاة مرة واحدة وقيل لا خلاف في هذه المسألة على التحقيق لأنه ذكر
الاستحباب على قول أبي حنيفة وهما ما بينا الاستحباب وذكر عدم وجوب الإعادة على قولهما وأبو حنيفة
ما أوجب الإعادة وجه قولهما أن الواجب في موضع الشك والاشتباه هو التحري والعمل به لا الاخذ باليقين ألا
ترى أن من شك في جهة القبلة يعمل بالتحري ولا يأخذ باليقين بأن يصلى صلاة واحدة أربع مرات إلى أربع جهات
وكذا من شك في صلاة واحدة فلم يدرأ ثلاثا صلى أم أربعا يتحرى ولا يبنى على اليقين وهو الأقل كذا هذا ولأنه
لو صلى احدى الصلاتين مرتين فإنما يصلى مراعاة للترتيب والترتيب في هذه الحالة ساقط لأنه حين بدأ بإحداهما
لم يعلم يقينا أن عليه صلاة أخرى قبل هذه لتصير هذه مؤداة قبل وقتها فسقط عنه الترتيب (ولأبي) حنيفة أنه
مهما أمكن الاخذ باليقين كان أولى الا إذا تضمن فإذا كما في مسألة القبلة فان الاخذ بالثقة ثمة يؤدى إلى الفساد
132

حيث يقع ثلاث من الصلوات إلى غير القبلة بيقين ولا تجوز الصلاة إلى غير القبلة بيقين من غير ضرورة فيتعذر
العمل باليقين دفعا للفساد وههنا لا فساد لان أكثر ما في الباب أنه يصلى احدى الصلاتين مرتين فتكون إحداهما
تطوعا وكذا في المسألة الثانية إنما لا يبنى على الأقل لاحتمال الفساد لجواز أنه قد صلى أربعا فيصير بالقيام إلى
الأخرى تاركا للقعدة الأخيرة وهي فرض فتفسد صلاته ولو أمر بالقعدة أولا ثم بالركعة لحصلت في الثالثة وأنه غير
مشروع وههنا يصير آتيا بالواجب وهو الترتيب من غير أن يتضمن فسادا فكان الاخذ بالاحتياط أولى وصار
هذا كما إذا فاتته واحدة من الصلوات الخمس ولا يدرى أيتها هي أنه يؤمر بإعادة صلاة يوم وليلة احتياطا كذا
ههنا (أما) قولهما حين بد أحداهما لا يعلم يقينا أن عليه أخرى قبل هذه فكان الترتيب عنه ساقطا فنقول حين
صلى هذه يعلم يقينا أن عليه أخرى لكنه لا يعلم أنها سابقة على هذه أو متأخرة عنها فإن كانت سابقة عليها لم تجز
المؤداة لعدم مراعاة الترتيب وإن كانت المؤداة سابقة جازت فوقع الشك في الجواز فصارت المؤداة أول مرة دائرة
بين الجواز والفساد فلا يسقط عنه الواجب بيقين عند وقوع الشك في الجواز فيؤمر بالإعادة والله أعلم ولو شك
في ثلاث صلوات الظهر من يوم والعصر من يوم والمغرب من يوم ذكر القدوري أن المتأخرين اختلفوا في هذا
منهم من قال إنه يسقط الترتيب لان ما بين الفوائت يزيد على هذا ست صلوات فصارت الفوائت في حد الكثرة
فلا يجب اعتبار الترتيب في قضائها فيصلى أية صلاة شاء وهذا غير سديد لان موضع هذه المسائل في حالة النسيان
على ما يذكر والترتيب عند النسيان ساقط فكانت المؤديات بعد الفائتة في أنفسها جائزة لسقوط الترتيب فبقيت
الفوائت في أنفسها في حد القلة فوجب اعتبار الترتيب فيها فينبغي أن يصلى في هذه الصورة سبع صلوات يصلى
الظهر أولا ثم العصر ثم الظهر ثم المغرب ثم الظهر ثم العصر ثم الظهر مراعاة للترتيب بيقين والأصل في ذلك أن يعتبر
الفائتتين إذا انفردنا فيعيدهما على الوجه الذي بينا ثم يأتي بالثالثة ثم يأتي بعد الثالثة ما كان يفعله في الصلاتين
وعلى هذا إذا كانت الفوائت أربعا بأن ترك العشاء من يوم آخر فإنه يصلى سبع صلوات كما ذكرنا في المغرب ثم
يصلى العشاء ثم يصلى بعدها سبع صلوات مثل ما كان يصلى قبل الرابعة فان قيل في الاحتياط ههنا حرج عظيم
فإنه إذا فانته خمس صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر من أيام المختلفة لا يدرى أي ذلك أول يحتاج
إلى أن يؤدى احدى وثلاثين صلاة وفيه من الحرج ما لا يخفى فالجواب أن بعض مشايخنا قالوا إن ما قالاه هو الحكم
المراد لأنه لا يمكن ايجاب القضاء مع الاحتمال الا أن ما قاله أبو حنيفة احتياط لا حتم ومنهم من قال لا بل الاختلاف
بينهم في الحكم المراد وإعادة الأولى واجبة عند أبي حنيفة لان الترتيب في القضاء واجب فإذا لم يعلم به حقيقة وله
طريق في الجملة يجب المصير إليه وهذا وإن كان فيه نوع مشقة لكنه مما لا يغلب وجوده فلا يؤدى إلى الحرج
ثم ما ذكرنا من الجواب في حالة النسيان بأن صلى أياما ولم يخطر بباله أنه ترك شيئا منها ثم تذكر الفوائت ولم
يتذكر الترتيب فاما إذا كان ذاكرا للفوائت حتى صلى أيامها مع تذكرها ثم نسي سقط الترتيب ههنا لان الفوائت صارت
في حد الكثرة لان المؤديات بعد الفوائت عندهما فاسدة إلى الست وإذا فسدت كثرت الفوائت فسقط
الترتيب فله أن يصلى أية صلاة شاه من غير الحاجة إلى التحري وأما على قياس قول أبي حنيفة لا يسقط الترتيب
لان المؤديات عنده تنقلب إلى الجواز إذا بلغت مع الفائتة ستا وإذا انقلبت إلى الجواز بقيت الفوائت في حد
القلة فوجب اعتبار الترتيب فيها فالحاصل أنه يجب النظر إلى الفوائت فما دامت في حد القلة وجب مراعاة
الترتيب فيها وإذا كثرت سقط الترتيب فيها لان كثرة الفوائت تسقط الترتيب في الأداء فلان يسقط في القضاء
أولى هذا إذا شك في صلاتين فأكثر فأما إذا شك في صلاة واحدة فائتة ولا يدرى أية صلاة هي يجب عليه التحري
لما قلنا فإن لم يستقر قلبه على شئ يصلى خمس صلوات ليخرج عما عليه بيقين وقال محمد بن مقاتل الرازي انه يصلى
ركعتين ينوى بهما الفجر ويصلى ثلاث ركعات أخر بتحريمة على حدة ينوى بها المغرب ثم يصلى أربعا ينوى بها
ما فائتة فإن كانت الفائتة ظهرا أو عصرا أو عشاء انصرفت هذه إليها وقال سفيان الثوري يصلى أربعا ينوى بها ما
133

عليه لكن بثلاث قعدات فيقعد على رأس الركعتين والثلاث والأربع وهو قول بشر حتى لو كانت المتروكة
فجرا لجازت لقعوده على رأس الركعتين والثاني يكون تطوعا ولو كانت المغرب لجازت لقعوده على الثلاث ولو
كانت من ذوات الأربع كانت كلها فرضا وخرج عن العهدة بيقين الا ان ما قلناه أحوط لان من الجائز أن يكون
عليه صلاة أخرى كان تركها في وقت آخر ولو نوى ما عليه ينصرف إلى تلك الصلاة أو يقع التعارض فلا
ينصرف إلى هذه التي يصلى فيعيد صلاة يوم وليلة ليخرج عن عهدة ما عليه بيقين وعلى هذا لو ترك سجدة
من صلب صلاة مكتوبة ولم يدر أية صلاة هي يؤمر بإعادة خمس صلوات لأنها من أركان الصلاة فصار الشك فيها
كالشك في الصلاة (وأما) بيان ما يسقط به الترتيب فالترتيب بين قضاء الفائتة وأداء الوقتية يسقط بأحد خصال
ثلاث أحدها ضيق الوقت بأن يذكر في آخر الوقت بحيث لو اشتغل بالفائتة يخرج الوقت قبل أداء الوقتية سقط
عنه الترتيب في هذه الحالة لما ذكرنا ان في مراعاة الترتيب فيها ابطال العمل بالدليل المقطوع به بدليل فيه شبهة
وهذا لا يجوز ولو تذكر صلاة الظهر في آخر وقت العصر بعد ما تغيرت الشمس فإنه يصلى العصر ولا يجزئه قضاء
الظهر لما ذكرنا فيما تقدم ان قضاء الصلاة في هذا الوقت قضاء الكامل بالناقص بخلاف عصر يومه وأما إذا
تذكرها قبل تغير الشمس لكنه بحال لو اشتغل بقضائها لدخل عليه وقت مكروه لم يذكر في ظاهر الرواية واختلف
المشايخ فيه قال بعضهم لا يجوز له أن يؤدى العصر قبل أن يراعى الترتيب فيقضى الظهر ثم يصلى العصر لأنه
لا يخاف خروج الوقت فلم يتضيق الوقت فبقي وجوب الترتيب وقال بعضهم لا بل يسقط الترتيب فيصلى العصر
قبل الظهر ثم يصلى الظهر بعد غروب الشمس وذكر الفقيه أبو جعفر الهندواني وقال هذا عندي على الاختلاف
الذي في صلاة الجمعة وهو ان من تذكر في صلاة الجمعة انه لم يصل الفجر ولو اشتغل بالفجر يخاف فوت الجمعة ولا يخاف
فوت الوقت على قول أبي حنيفة وأبى يوسف يصلى الفجر ثم الظهر فلم يجعلا فوت الجمعة عذرا في سقوط الترتيب
وعلى قول محمد يصلى الجمعة ثم الفجر فجعل فوت الجمعة عذار في سقوط الترتيب فكذا في هذه المسألة على قولهما
يجب أن لا يجوز العصر وعليه الظهر فيصلى الظهر ثم العصر وعلى قول محمد يمضى على صلاته ولو افتتح العصر
في أول الوقت وهو ذاكر أن عليه الظهر وأطال القيام والقراءة حتى دخل عليه وقت مكروه لا تجوز صلاته لان
شروعه في العصر مع ترك الظهر لم يصح فيقطع ثم يفتتحها ثانيا ثم يصلى الظهر بعد الغروب ولو افتتحها وهو لا يعلم أن
عليه الظهر فأطال القيام والقراءة حتى دخل وقت مكروه ثم تذكر يمضى على صلاته لان المسقط للترتيب
قد وجد عند افتتاح الصلاة واختتامها وهو النسيان وضيق الوقت ولو افتتح العصر في حال ضيق الوقت وهو ذاكر
للظهر فلما صلى منها ركعة أو ركعتين غربت الشمس القياس أن يفسد العصر لان العذر قد زال وهو ضيق الوقت
فعاد الترتيب وفى الاستحسان يمضى فيها ثم يقضى الظهر ثم يصلى المغرب ذكره في نوادر الصلاة (والثاني) النسيان
لما ذكرنا أن خبر الواحد جعل وقت التذكر وقتا للفائتة ولا تذكر ههنا فوجب العمل بالدليل المقطوع به وروى أن
النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب يوما ثم قال رآني أحد منكم صليت العصر فقالوا لا فصلى العصر ولم يعد
المغرب ولو وجب الترتيب لا عاد وعلى هذا لو صلى الظهر على غير وضوء وصلى العصر بوضوء وهو ذاكر
لما صنع فأعاد الظهر ولم يعد العصر وصلى المغرب وهو يظن أن العصر تجزئه أعاد العصر ولم يعد المغرب لان أداء
الظهر على غير وضوء والامتناع عنه بمنزلة فوات شرط أهلية الصلاة فحين صلى العصر وهو يعلم أن الظهر
غير جائزة ولو لم يعلم وكان يظن أنها جائزة لم يكن هذا الظن معتبرا لأنه نشأ عن جهل والظن أنما يعتبر إذا نشأ عن
دليل أو شبهة دليل ولم يوجد فكان هذا جهلا محضا فقد صلى العصر وهو عالم ان عليه الظهر فكان مصليا العصر
في وقت الظهر فلم يجز ولو صلى المغرب قبل اعادتهما جميعا لو يجوز لأنه صلى المغرب وهو يعلم أن عليه الظهر فصار
المغرب في وقت الظهر فلم يجز فأما لو كان أعاد الظهر ولم يعد العصر فظن جوازها ثم صلى المغرب فإنه يؤمر بإعادة العصر
ولا يؤمر بإعادة المغرب لان ظنه ان عصره جائز ظن معتبر لأنه نشأ عن شبهة دليل ولهذا خفى على الشافعي فحين
134

صلى المغرب صلاها وعنده أن لا عصر عليه لأنه أداها بجميع أركانها وشرائطها المختصة بها إنما خفى عليه ما يخفى
بناء على شبهة دليل ومن صلى المغرب وعنده أن لا عصر عليه حكم بجواز المغرب كما لو كان ناسيا للعصر بل هذا
فوق النسيان لان ظن الناسي لم ينشأ عن شبهة دليل بل عن غفلة طبيعة وهذا الظن نشأ عن شبهة دليل فكان
هذا فوق ذلك ثم هناك حكم بجواز المغرب فههنا أولى ثم العلم بالفائتة كما هو شرط لوجوب الترتيب فالعلم
بوجوبها حال الفوات شرطا وجوب قضائها حتى أن الحربي إذا أسلم في دار الحرب ومكث فيها سنة ولم يعلم أن
عليه الصلاة فلم يصل ثم علم لا يجب عليه قضاؤها في قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر عليه قضاؤها ولو كان هذا
ذميا أسلم في دار الاسلام فعليه قضاؤه استحسانا والقياس أن لا قضاء عليه وهو قول الحسن وجه قول
زفر انه بالاسلام التزم أحكامه ووجوب الصلاة من أحكام الاسلام فيلزمه ولا يسقط بالجهل كما لو كان هذا في دار
الاسلام (ولنا) ان الذي أسلم في دار الحرب منع عنه العلم لانعدام سبب العلم في حقه ولا وجوب على من منع عنه
العلم كما لا وجوب على من منع عنه القدرة بمنع سببها بخلاف الذي أسلم في دار الاسلام لأنه ضيع العلم حيث لم يسأل
المسلمين عن شرائع الدين مع تمكنه من السؤال والوجوب متحقق في حق من ضيع العلم كما يتحقق في حق من ضيع
القدرة ولم يوجد التضييع ههنا إذ لا يوجد في الحرب من يسأله عن شرائع الاسلام حتى لو وجد ولم يسأله يجب عليه
ويؤاخذ بالقضاء إذا علم بعد ذلك لأنه ضيع العلم وما منع منه كالذي أسلم في دار الاسلام وقد خرج الجواب عما
قاله زفر أنه التزم أحكام الاسلام لأنا نقول نعم لكن حكما له سبيل الوصول إليه ولم يوجد فان بلغه في دار الحرب
رجل واحد فعليه القضاء فيما يترك بعد ذلك في قول أبى يوسف ومحمد وهو احدى الروايتين عن أبي حنيفة وفى
رواية الحسن عنه لا يلزمه ما لم يخبره رجلان أو رجل وامرأتان وجه هذه الرواية ان هذا خبر ملزم ومن أصله
اشتراط العدد في الخبر الملزم كما في الحجر على المأذون وعزل الوكيل والاخبار بجناية العبد وجه الرواية الأخرى
وهي الأصح ان كل واحد مأمور من صاحب الشرع بالتبليغ قال النبي صلى الله عليه وسلم الا فليبلغ الشاهد
الغائب وقال صلى الله عليه وسلم نضر الله امر أسمع منا مقالة فوعاها كما سمعها ثم أداها إلى من لم يسمعها فهذا
المبلغ نظير الرسول من المولى والموكل وخبر الرسول هناك ملزم فههنا كذلك والله أعلم (والثالث) كثرة
الفوائت وقال بشر المريسي الترتيب لا يسقط بكثرة الفوائت حتى أن من ترك صلاة واحدة فصلى في جميع
عمره وهو ذاكر للفائتة فصلاة عمره على الفساد ما لم يقض الفائتة وجه قوله إن الدليل الموجب للترتيب لا يوجب
الفصل بين قليل الفائت وكثيره ولان كثرة الفوائت تكون عن كثة تفريطه فلا يستحق به التخفيف (ولنا) ان
الفوائت إذا كثرت لو وجب مراعاة الترتيب معها لفائت الوقتية عن الوقت وهذا لا يجوز لما ذكرنا ان فيه ابطال
ما ثبت بالدليل المقطوع به بخبر الواحد ثم اختلف في حد أدنى الفوائت الكثيرة في ظاهر الرواية أن تصير الفوائت ستا
فإذا خرج وقت السادسة سقط الترتيب حتى يجوز أداء السابعة قبلها وروى ابن سماعة عن محمد هو أن تصير
الفوائت خمسا فإذا دخل وقت السادسة سقط الترتيب حتى يجوز أداء السادسة وعن زفر انه يلزمه مراعاة الترتيب
في صلاة شهر ولم يرو عنه أكثر من شهر فكأنه جعل حد الكثرة أن يزيد على شهر وجه ما روى عن محمد ان الكثير في
كل باب كل جنسه كالجنون إذا استغرق الشهر في باب الصوم والصحيح جواب ظاهر الرواية لان الفوائت لا تدخل في
حد التكرار بدخول وقت السادسة وإنما تدخل بخروج وقت السادسة لان كل واحدة منها تصير مكررة فعلى هذا
لو ترك صلاة ثم صلى بعدها خمس صلوات وهو ذاكر للفائتة فإنه يقضيهن لأنهن في حد القلة بعد ومراعاة الترتيب
واجبة عند قلة الفوائت لأنه يمكن جعل الوقت وقتا لهن على وجه لا يؤدى إلى اخراجه من أن يكون وقتا للوقتية
فصار مؤديا كل صلاة منها في وقت المتروكة والمتروكة قبل المؤداة فصار مؤديا المؤداة قبل وقتها فلم يجز
وعلى قياس ما روى عن محمد يقضى المتروكة وأربعا بعدها لان السادسة جائزة ولو لم يقضها حتى صلى
السابعة فالسابعة جائزة بالاجماع لان وقت السابعة وهي المؤداة السادسة لم يجعل وقتا للفوائت
135

لأنه لو جعل وقتا لهن لخرج من أن يكون وقتا للوقتية لاستيعاب تلك الفوائت هذا الوقت وفيه ابطال العمل بالدليل
المقطوع به بخبر الواحد على ما بينا فبقي وقتا للوقتية فإذا أداها حكم بجوازها لحصولها في وقتها بخلاف ما إذا
كانت المؤديات بعد المتروكة خمسا لان هناك أمكن ان يجعل الوقت وقفا للفائتة على وجه لا يخرج من أن يكون
وقتا للوقتية فيجعل عملا بالدليلين ثم إذا صلى السابعة تعود المؤديات الخمس إلى الجواز في قول أبي حنيفة وعليه
قضاء الفائتة وحدها استحسانا وعلى قولهما عليه قضاء الفائتة وخمس صلوات بعدها وهو القياس وعلى هذا إذا
ترك خمس صلوات ثم صلى السادسة وهو ذاكر للفوائت فالسادسة موقوفة عند أبي حنيفة حتى لو صلى السابعة
تنقلب السادسة إلى الجواز عنده وعليه قضاء الخمس وعندهما لا تنقلب وعليه قضاء الست وكذلك لو ترك صلاة
ثم صلى شهرا وهو ذكر للفائتة فعليه قضاؤها لا غير عند أبي حنيفة وعندهما عليه قضاء الفائتة وخمس بعدها
الا على قياس ما روى عن محمد ان عليه قضاء الفائتة وأربع بعدها وعلى قول زفر يعيد الفائتة وجميع ما صلى
بعدها من صلاة الشهر وهذه المسألة التي يقال لها واحدة تصحح خمسا وواحدة تفسد خمسا لأنه ان صلى السادسة
قبل القضاء صح الخمس عند أبي حنيفة وان قضى المتروكة قبل أن يصلى السادسة فسدت الخمس وجه قولهما أن
كل مؤداة إلى الخمس حصلت في وقت المتروكة لأنه يمكن جعل ذلك الوقت وقتا للمتروكة لكون المتروكة في حد
القلة ووقت المتروكة قبل وقت هذه المؤداة فحصلت المؤداة قبل وقتها ففسدت فلا معنى بعد ذلك للحكم بجوازها
ولا للحكم بتوقفها للحال (وأما) وجه قول أبي حنيفة فقد اختلف فيه عبارات المشايخ قال مشايخ بلخ انا وجدنا
صلاة بعد المتروكة جائزة وهي السادسة وقد أداها على نقص التركيب وترك التأليف فكذا يحكم بجواز ما قبلها
وان أداها على ترك التأليف ونقص التركيب وهذه نكتة واهية لأنه جمع بين السادسة وبين ما قبلها في الجواز
من غير جامع بينهما بل مع قيام المعنى المفرق لما ذكرنا أن وقت السادسة ليس بوقت للمتروكة على ما قررنا ووقت
كل صلاة مؤداة قبل السادسة وقت للمتروكة فكان أداء السادسة أداء في وقتها فجازت وأداء كل مؤداة أداء قبل
وقتها فلم تجز (وقال) مشايخ العراق ان الكثرة علة سقوط الترتيب فإذا أدى السادسة فقد تثبت الكثرة وهي
صفة للكل لا محالة فاستندت إلى أول المؤديات فتستند لحكمها فيثبت الجواز للكل وهذه نكتة ضعيفة أيضا لان
الكثرة وان صارت صفة للكل لكنها نثبت للحال الا أن يتبين أن أول المؤديات كما أديت تثبت لها صفة الكثرة
قبل وجود ما يتعقبها لاستحالة كثرة الوجود بما هو في حيز العدم بعد ولو اتصفت هي بالكثرة ولا تتصف الذات
بها وحدها لاستحالة كون الواحد كثيرا بما يتعقبها من المؤديات وتلك معدومة فيؤدى إلى اتصاف المعدوم
بالكثرة وهو محال فدل أن صفة الكثرة تثبت للكل مقتصرا على وجود الأخيرة منها كما إذا خلق الله تعالى جوهرا
واحدا لم يتصف بكونه مجتمعا فلو خلق منضما إليه جوهرا آخر لا يطلق اسم المجتمع علي كل واحدا منهما مقتصرا
على الحال لما بينا فكذا هذا على أنا ان سلمنا هذه الدعوى الممتنعة على طريق المساهلة فلا حجة لهم فيها أيضا
لان المؤداة الأولى وان اتصفت بالكثرة من وقت وجودها لكن لا ينبغي أن يحكم بجوازها وسقوط الترتيب
لان سقوط الترتيب كان متعلقا لمعنى وهو استيعاب الفوائت وقت الصلاة وتفويت الوقتية عن وقتها عند
وجوب مراعاة الترتيب فلم تجب المراعاة لئلا يؤدى إلى ابطال ما ثبت بالدليل المقطوع به بما ثبت بخبر
الواحد وهذا المعنى منعدم في المؤديات الخمس وان اتصفت بالكثرة ولان هذا يؤدى إلى الدور فان الجواز
وسقوط الترتيب بسبب صفة كثرة الفوائت ومتى حكم بالجواز لم تبق كثرة الفوائت فيجئ الترتيب ومتى
جاء الترتيب جاء الفساد فلا يمكن القول بالجواز فثبت أن الوجهين غير صحيحين والوجه الصحيح لتصحيح
مذهب أبي حنيفة ما ذكره الشيخ الإمام أبو المعين وهو أن أداء السادسة من المؤديات حصل في وقت هو
وقتها بالدلائل أجمع وليس بوقت للفائتة بوجه من الوجوه لما ذكرنا ان في جعل هذا الوقت وقتا للفائتة ابطال
العمل بالدليل المقطوع به فسقط العمل بخبر الواحد أصلا وانتهى ما هو وقت الفائتة فإذا قضيت الفائتة بعد
136

أداء السادسة من المؤديات التحقت بمحلها الأصلي وهو وقتها الأصلي لأنه لابد لها من محل فالتحقاقها بمحلها أولى
لوجهين أحدهما أنه لا مزاحم لها في ذلك الوقت لأنه وقت متعين له وله في هذا الوقت مزاحم لأنه وقت خمس
صلوات وليس البعض في القضاء في هذا الوقت أولى من البعض فالتحاقها بوقت لا مزاحم لها فيه أولى
(والثاني) أن ذلك وقته بالدليل المقطوع به وهذا وقت غيره بالدليل المقطوع به وإنما يجعل وقتا له بخبر الواحد
فيرجع ذلك على هذا فالتحقت بمحلها الأصلي حكما والثابت حكما كالثابت حقيقية وإذا التحقت بمحلها الأصلي تبين
أن الخمس المؤديات أديت في أوقاتها فحكم بجوازها بخلاف ما إذا قضيت المتروكة قبل أداء السادسة لأنها قضيت
في وقت هو وقتها من حيث الظاهر لان خبر الواحد أوجب كونه وقتا لها فإذا قضيت فيما هو وقتها ظاهرا تتقرر
فيه ولا تلتحق بمحلها الأصلي فلم يتبين أن المؤديات الخمس أديت بعد الفائتة بل تبين انها أديت قبل الفائتة
لاستقرار الفائتة بمحل قضائها وعدم التحاقها بمحلها الأصلي فحكم بفساد المؤديات وبخلاف حال النسيان
وضيق الوقت إذا أدى الوقتية ثم قضى الفائتة حيث لا تجب إعادة الوقتية ولو التحقت الفائتة بمحلها الأصلي
لوجب إعادة الوقتية لأنه تبين انها حصلت قبل وقت الفائتة لان هناك المؤدى حصل في وقت هو وقت لها
من جميع الوجوه على ما مر فأداء الفائتة بعد ذلك لا يخرج هذا الوقت من أن يكون وقتا للمؤداة فتقررت
المؤداة في محلها من جميع الوجوه والتحقت الفائتة في حق المؤداة بصلاة وقتها بعد وقت المؤداة فلم يؤثر ذلك في
افساد المؤداة وهذا بخلاف ما إذا قام المصلى وقرأ وسجد ثم ركع حيث لم يلتحق الركوع بمحله وهو قبل السجود
حتى كان لا يجب إعادة السجود ومع ذلك لم يلتحق حتى يجب إعادة السجود لان الشئ إنما يجعل حاصلا في محله
ان لو وجد شئ آخر في محله بعده ووقع ذلك الشئ معتبرا في نفسه فإذا حصل هذا التحق بمحله وهناك السجود
وقع قبل أو انه فما وقع معتبرا فلغا فبعد ذلك كان الركوع حاصلا في محله فلابد من تحصيل السجدة بعد ذلك في محلها
والله الموفق (وقالوا) فيمن ترك صلوات كثيرة مجانة ثم ندم على ما صنع واشتغل بأداء الصلوات في مواقيتها قبل أن
يقضى شيئا من الفوائت فترك صلاة ثم صلى أخرى وهو ذاكر لهذه الفائتة الحديثة انه لا يجوز ويجعل الفوائت
الكثيرة القديمة كأنها لم تكن ويجب عليه مراعاة الترتيب والقياس أن يجوز لان الترتيب قد سقط عنه لكثرة
الفوائت وتضم هذه المتروكة إلى ما مضى الا أن المشايخ استحسنوا فقال إنه لا يجوز احتياطا زجرا للسفهاء عن
التهاون بأمر الصلاة ولئلا تصير المقضية وسيلة إلى التخفيف ثم كثرة الفوائت كما تسقط الترتيب في الأداء تسقطه في
القضاء لأنها لما عملت في اسقاط الترتيب في غيرها فلان تعمل في نفسها أولى حتى لو قضى فوائت الفجر كلها ثم
الظهر كلها ثم العصر كلها هكذا جاز وروى ابن سماعة عن محمد فيمن ترك صلاة يوم وليلة وصلى من الغد مع كل صلاة
صلاة قال الفوائت كلها جائزة سواء قدمها أو أخرها وأما الوقتية فان قدمها لم يجز شئ منها لأنه متى صلى واحدة
منها صارت الفوائت ستا لكنه متى قضى فائتة بعدها عادت خمسا ثم وثم فلا تعود إلى الجواز وان أخرها لم يجز
شئ منها الا العشاء الأخيرة لأنه كلما قضى فائتة عادت الفوائت أربعا وفسدت الوقتية الا العشاء لأنه صلاها وعنده
أن جميع ما عليه قد قضاء فأشبه الناسي (وأما) الترتيب في أفعال الصلاة فإنه ليس بشرط عند أصحابنا الثلاثة وعند
زفر شرط وبيان ذلك في مسائل إذا أدرك أول صلاة الامام ثم نام خلفه أو سبقه الحدث فسبقه الامام ببعض
الصلاة ثم انتبه من نومه أو عاد من وضوئه فعليه أن يقضى ما سبقة الامام به ثم يتابع امامه لما يذكر ولو تابع امامه
أولا ثم قضى ما فاته بعد تسليم الامام جاز عندنا وعند زفر لا يجوز وكذلك إذا رحمه الناس في صلاة الجمعة والعيدين فلم
يقدر على أداء الركعة الأولى مع الامام بعد الاقتداء به وبقى قائما وأمكنه أداء الركعة الثانية مع الامام قبل أن يؤدى
الأولى ثم قضى الأولى بعد تسليم الامام أجزأه عندنا وعند زفر لا يجزئه وكذلك لو تذكر سجدة في الركوع وقضاها
أو سجدة في السجدة وقضاها فالأفضل ان يعيد الركوع أو السجود الذي هو فيهما ولو اعتد بهما ولم يعد أجزأه
عندنا وعند زفر لا يجوز له أن يعتد بهما وعليه اعادتهما وجه قول زفر أن المأتى به في هذه المواضع وقع في غير محله
137

فلا يقع معتدا به كما ذا قدم السجود على الركوع وجب عليه إعادة السجود لما قلنا كذا هذا (ولنا) قول النبي صلى
الله عليه وسلم ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا والاستدلال به من وجهين أحدهما انه أمر بمتابعة الامام فيما
أدرك بحرف الفاء المقتضى للتعقيب بلا فصل ثم أمر بقضاء الفائتة والامر دليل الجواز ولهذا يبدأ المسبوق بما
أدرك الامام فيه لا بما سبقه وإن كان ذلك أول صلاته وقد أخره والثاني أنه جمع بينهما في الامر بحرف الواو وانه
للجمع المطلق فأيهما فعل يقع مأمورا به فكان معتدا به الا أن المسبوق صار مخصوصا بقول النبي صلى الله عليه
وسلم سن لكم معاذ سنة حسنة فاستنوا بها والحديث حجة في المسئلتين الأوليين بظاهره وبضرورته في المسألة
الثالثة لان الركوع والسجود من أجزاء الصلاة فاسقاط الترتيب في نفس الصلاة اسقاط فيما هو من
أجزائها ضرورة الا انه لا يعتد بالسجود قبل الركوع لان السجود لتقييد الركعة بالسجدة وذلك
لا يتحقق قبل الركوع على ما يذكر في سجود السهو إن شاء الله تعالى هذا الذي ذكرنا بيان شرائط
أركان الصلاة وهي الشرائط العامة التي تعم المنفرد والمقتدى جميعا (فاما) الذي يخص المقتدى وهو شرائط جواز
الاقتداء بالامام في صلاته فالكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان ركن الاقتداء والثاني في بيان شرائط الركن (أما)
ركنه فهو نية الاقتداء بالامام وقد ذكر تفسيرها فيما تقدم (وأما) شرائط الركن فأنواع منها الشركة في
الصلاتين واتحادهما سببا وفعلا ووصفا لان الاقتداء بناء التحريمة على التحريمة فالمقتدى عقد تحريمته لما انعقدت
له تحريمة الامام فكلما انعقدت له تحريمة الامام جاز البناء من المقتدى ومالا فلا وذلك لا يتحقق الا بالشركة في
الصلاتين واتحادهما من الوجوه الذي وصفنا وعلى هذا الأصل يخرج مسائل المقتدى إذا سبق الامام بالافتتاح
لم يصح اقتداؤه لان معنى الاقتداء وهو البناء لا يتصور ههنا لان البناء على العدم محال وقال النبي صلى الله عليه
وسلم إنما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه وما لم يكبر الامام لا يتحقق الائتمام به وكذا إذا كبر قبله فقد اختلف
عليه ولو جدد التكبير بعد تكبير الامام بنية الدخول في صلاته أجزأه لأنه صار قاطعا لما كان فيه شارعا في صلاة الامام
كمن كان في النفل فكبر ونوى الفرض يصير خارجا من النفل داخلا في الفرض وكمن باع بألف ثم بألفين كان فسخا
للأول وعقدا آخر كذا هذا ولو لم يجدد حتى لم يصح اقتداؤه هل يصير شارعا في صلاة نفسه أشار في كتاب الصلاة إلى أنه
يصير شارعا لأنه علل فيما إذا جدد التكبير ونوى الدخول في صلاة الامام فقال التكبير الثاني قطع لما كان فيه وأشار
في نوادر أبى سليمان إلى أنه لا يصير شارعا في نفسه فإنه ذكر أنه لو قهقه لا تنتقض طهارته ثم من مشايخنا من حمل
اختلاف الجواب على اختلاف موضوع المسألة فقال موضوع المسألة في النوادر أنه إذا كبر ظنا منه أن الامام كبر
فيصير مقتديا بمن ليس في الصلاة كالمقتدى بالمحدث والجنب وموضوع المسألة في كتاب الصلاة أنه كبر على علم منه
أن الامام لم يكبر فيصير شارعا في صلاة نفسه ومنهم من حقق الاختلاف بين الروايتين وجه رواية النوادر أنه نوى
الاقتداء بمن ليس في الصلاة فلا يصير شارعا في صلاة نفسه كما لو اقتدى بمشرك أو جنب أو بمحدث وهذا لان صلاة
المنفرد غير صلاة المقتدى بدليل أن المنفرد لو استأنف التكبير ناويا الشروع في صلاة الامام صار شارعا مستأنفا
واستقبال ما هو فيه لا يتصور دل أن هذه الصلاة الصلاة غير تلك الصلاة فلا يصير شارعا في إحداهما بنية الأخرى وجه
ما ذكر في كتاب الصلاة انه نوى شيئين الدخول في الصلاة والاقتداء بالامام فبطلت احدى نيتيه وهي نية الاقتداء
لأنها لم تصادف محلها فتصح الأخرى وهي نية الصلاة وصار كالشارع في الفرض على ظن أنه عليه وليس عليه
بخلاف ما إذا اقتدى بالمشرك والمحدث والجنب لأنهم ليسوا من أهل الاقتداء بهم فصار بالاقتداء بهم ملغيا
صلاته وأما هذا فمن أهل الاقتداء به والصلاة خلفه معتبرة فلم يصير بالاقتداء به ملغيا صلاته والله أعلم هذا إذا
كبر المقتدى وعلم أنه كبر قبل الامام فاما إذا كبر ولم يعلم أنه كبر قبل الامام أو بعده ذكر هذه المسألة في
الهارونيات وجعلها على ثلاثة أوجه إن كان أكبر رأيه أنه كبر قبل الامام لا يصير شارعا في صلاة الامام وإن كان
أكبر رأيه أنه كبر بعد الامام يصير شارعا في صلاته لان غالب الرأي حجة عند عدم اليقين بخلافه وان لم يقع رأيه
138

على شئ فالأصل فيه هو الجواز ما لم يظهر أنه كبر قبل الامام بيقين ويحمل على الصواب احتياطا ما لم يستيقن
بالخطأ كما قلنا في باب الصلاة عند الاشتباه في جهة القبلة ولم يخطر بباله شئ ولم يشك أن الجهة التي صلى إليها
قبلة أم لا انه يقضى بجوازها ما لم يظهر خطأه بيقين وكذا في باب الزكاة كذلك ههنا ولو كبر المقتدى مع الامام
الا أن الامام طول قوله حتى فرغ المقتدى من قوله الله أكبر قبل أن يفرغ الامام من قوله الله لم يصر شارعا
في صلاة الامام كذا روى ابن سماعة في نوادره ويجب أن تكون هذه المسألة بالاتفاق أما على قول
أبي حنيفة رحمه الله تعالى فلانه يصح الشروع في الصلاة بقوله الله وحده فإذا فرغ المقتدى من ذلك قبل فراغ
الامام صار شارعا في صلاة نفسه فلا يصير شارعا في صلاة الامام وأما على قول أبى يوسف ومحمد فلان
الشروع لا يصح الا بذكر الاسم والنعت فلا بد من المشاركة في ذكرهما فإذا سبق الامام بالاسم حصلت المشاركة
في ذكر النعت لا غير وهو غير كاف لصحة الشروع في الصلاة وعلى هذا لا يجوز اقتذاء اللابس بالعاري لان
تحريمة الامام ما انعقدت بها الصلاة مع الستر فلا يقبل البناء لاستحالة البناء على العدم ولان ستر العورة شرط لا صحة
للصلاة بدونها في الأصل الا أنه سقط اعتبار هذا الشرط في حق العاري لضرورة لعدم ولا ضرورة في حق المقتدى فلا
يظهر سقوط الشرط في حقه فلم تكن صلاة في حقه فلم يتحقق معنى الاقتداء وهو البناء لان البناء على العدم مستحيل
ولا يصح اقتداء الصحيح بصاحب العذر الدائم لان تحريمة الامام ما انعقدت للصلاة مع انقطاع الدم فلا يجوز
البناء ولان الناقض للطهارة موجود لكن لم يظهر في حق صاحب العذر للعذر ولا عذر في حق المقتدى ولا يجوز
اقتداء القارئ بالأمي والمتكلم بالأخرس لان تحريمة الامام ما انعقدت بقراءة فلا يجوز البناء من المقتدى
ولان القراءة ركن لكنه سقط عن الأمي والأخرس للعذر ولا عذر في حق المقتدى وكذا لا يجوز اقتداء الأمي
بالأخرس لما ذكرنا أن الاقتداء بناء التحريمة على تحريمة الامام ولا تحريمة من الامام أصلا فاستحال البناء الا أن
الشرع جوز صلاته بلا تحريمة للضرورة ولان التحريمة من شرائط الصلاة لا تصح الصلاة بدونها في الأصل
وإنما سقطت عن الأخرس للعذر ولا عذر في حق الأمي لأنه قادر على التحريمة فنزل الأمي الذي يقدر على التحريمة
من الأخرس منزلة القارئ من الأمي حتى أنه لو لم يقدر على التحريمة جاز اقتداؤه بالأخرس لاستوائهما في الدرجة
ولا يجوز اقتداء من يركع ويسجد بالمومئ عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر يجوز وجه قوله أن فرض الركوع
والسجود سقط إلى خلف وهو الايماء وأداء القرض بالخلف كأدائه بالأصل وصار كاقتداء الغاسل بالماسح
والمتوضئ بالمتيمم (ولنا) أن تحريمة الامام ما انعقدت للصلاة بالركوع والسجود والايماء وإن كان يحصل فيه
بعض الركوع والسجود لما أنهما للانحناء والتطأطؤ وقد وجد أصل الانحناء والتطأطؤ في الايماء فليس فيه
كمال الركوع والسجود تنعقد تحريمته لتحصيل وصف الكمال فلم يمكن بناء كمال الركوع والسجود على تلك
التحريمة ولأنه لا صحة للصلاة بدون الركوع والسجود في الأصل لأنه فرض وإنما سقط عن المومئ للضرورة
ولا ضرورة في حق المقتدى فلم يكن ما اتى به المومئ صلاة شرعا في حقه فلا يتصور البناء وقد خرج الجواب عن قوله إنه
خلف لأنا نقول ليس كذلك بل هو تحصيل بعض الركوع والسجود الا أنه اكتفى بتحصيل بعض الفرض
في حالة العذر لا أن يكون خلفا بخلاف المسح مع الغسل والتيمم مع الوضوء لأنه ذلك خلف فأمكن أن يقام مقام
الأصل ولا يجوز اقتداء من يومئ قاعدا أو قائما بمن يومئ مضطجعا لان تحريمة الامام ما انعقدت للقيام
أو القعود فلا يجوز البناء ثم صلاة الامام صحيحة في هذه الفصول كلها الا في فصل واحد وهو أن الأمي إذا أم القارئ
أو القارئ والأميين فصلاة الكل فاسدة عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد صلاة الامام الأمي ومن لا يقرأ
تامة وجه قولهما أن الامام صاحب عذر اقتدى به من هو بمثل حاله ومن لا عذر له فتجوز صلاته وصلاة من هو
بمثل حاله كالعاري إذا أم العراة أو اللابسين وصاحب الجرح السائل يؤم الأصحاء وأصحاب الجراح والمومئ إذا أم
المومئين والراكعين والساجدين أنه تصح صلاة الامام ومن بمثل حاله كذا ههنا (ولأبي) حنيفة طريقتان
139

في المسألة إحداهما ما ذكره القمي وهو أنهم لما جاؤوا مجتمعين لأداء هذه الصلاة بالجماعة فالأمي قادر على أن يجعل
صلاته بقراءة بان يقدم القارئ فيقتدى به فتكون قراءته له قال صلى الله عليه وسلم من كان له امام فقراءة
الامام له قراءة فإذا لم يفعل فقد ترك أداء الصلاة بقراءة مع القدرة عليها ففسدت بخلاف سائر الاعذار لان لبس
الامام لا يكون لبسا للمقتدى وكذا ركوع الامام وسجوده ولا ينوب عن المقتدى ووضوء الامام لا يكون
وضوءا للمقتدى فلم يكن قادرا على إزالة العذر بتقديم من لا عذر له ولا يلزم على هذه الطريقة ما إذا كان الأمي
يصلى وحده وهناك قارئ يصلى تلك الصلاة حيث تجوز صلاة الأمي وإن كان قادرا على أن يجعل صلاته بقراءة
بان يقتدى بالقارئ لأن هذه المسألة ممنوعة وذكر أبو حازم القاضي أن على قياس قول أبي حنيفة لا تجوز
صلاة الأمي هو قول مالك ولئن سلمنا فلان هناك لم يقدر على أن يجعل صلاته بقراءة إذا لم يظهر من القارئ رغبة في
أداء الصلاة بجماعة حيث اختار الانفراد بخلاف ما نحن فيه (والطريقة) الثانية ما ذكره غسان وهو أن التحريمة
انعقدت موجبة للقراءة فإذا صلوا بغير قراءة فسدت صلاتهم كالقارئين وإنما قلنا إن التحريمة انعقدت موجبة
للقراءة لأنه وقعت المشاركة في التحريمة لأنها غير مفتقرة إلى القراءة فانعقدت موجبة للقراءة لاشتراكها بين القارئين
وغيرهم ثم عند أو ان القراءة تفسد لانعدام القراءة بخلاف سائر الاعذار لان هناك التحريمة لم تنعقد مشتركة لان
تحريمة اللابس لم تنعقد إذا اقتدى بالعاري لافتقارها إلى ستر العورة والى ارتفاع سائر الاعذار فلم تنعقد مشتركة
بخلاف ما نحن فيه فالمها غير مفتقرة إلى القراءة فانعقدت تحريمة القارئ مشتركة فانعقدت موجبة للقراءة
ولا يلزم على هذه الطريقة ما ذكرنا من المسألة لان هناك تحريمة الأمي لم تنعقد موجبة للقراءة لانعدام
الاشتراك بينه وبين القارئ فيها أما ههنا فبخلافه ولا يلزم ما إذا اقتدى القارئ بالأمي بنية التطوع
حيث لا يلزم القضاء ولو صح شروعه في الابتداء للزمه القضاء لأنه صار شارعا في صلاة لا قراءة فيها والشروع
كالنذر ولو نذر صلاة بغير قراءة لا يلزمه شئ الا في رواية عن أبي يوسف فكذلك إذا شرع فيها ولا يجوز الاقتداء
بالكافر ولا اقتداء الرجل بالمرأة لان الكافر ليس من أهل الصلاة والمرأة ليست من أهل امامة الرجال فكانت
صلاتها عدما في حق الرجل فانعدم معنى الاقتداء وهو البناء ولا يجوز اقتداء الرجل بالخنثى المشكل لجواز أن
يكون امرأة ويجوز اقتداء المرأة لاستواء حالهما الا ان صلاتهن فرادى أفضل لان جماعتهن منسوخة
ويجوز اقتداء المرأة بالرجل إذا نوى الرجل امامتها وعند زفر نية الإمامة ليست بشرط على ما مر وروى الحسن
عن أبي حنيفة انها إذا وقفت خلف الامام جاز اقتداؤها به وان لم ينو امامتها ثم إذا وقفت إلى جنبه فسدت صلاتها
خاصة لا صلاة الرجل وإن كان نوى امامتها فسدت صلاة الرجل وهذا قول أبي حنيفة الأول ووجهه انها إذا
وقفت خلفه كان قصدها أداء الصلاة لا افساد صلاة الرجل فلا تشترط نية الإمامة وإذا قامت إلى جنبه فقد قصدت
افساد صلاته فيرد قصدها بافساد صلاتها الا أن يكون الرجل قد نوى امامتها فحينئذ تفسد صلاته لأنه ملتزم لهذا
الضرر وكذا يجوز اقتداؤها بالخنثى المشكل لأنه إن كان رجلا فاقتداء المرأة بالرجل صحيح وإن كان امرأة فاقتداء
المرأة بالمرأة أيضا لكن ينبغي للخنثى أن يتقدم ولا يقوم في وسط الصف لاحتمال أن يكون رجلا فتفسد صلاته
بالمحاذاة وكذا تشترط نية امامة النساء لصحة اقتدائهن به لاحتمال انه رجل ولا يجوز اقتداء الخنثى المشكل بالخنثى
المشكل لاحتمال أن يكون الامام امرأة والمقتدى رجلا فيكون اقتداء الرجل بالمرأة على بعض الوجوه فلا يجوز
احتياطا (وأما) الاقتداء بالمحدث أو الجنب فإن كان عالما بذلك لا يصح بالاجماع وان لم يعلم به ثم علم فكذلك عندنا
وقال الشافعي القياس أن لا يصح كما في الكافر لكني تركت القياس بالأثر وهو ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال أيما رجل صلى بقوم ثم تذكر جنابة أعاد ولم يعيدوا (واما) ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه
ثم تذكر جنابة فأعاد وأمر أصحابه بالإعادة فأعادوا وقال أيما رجل صلى بقوم ثم تذكر جنابة أعاد وأعادوا وقد روى
نحو هذا عن عمر وعلي رضي الله عنهما حتى ذكر أبو يوسف في الأمالي ان عليا رضي الله عنه صلى بأصحابه يوما ثم
140

علم أنه كان جنبا فامر مؤذنه أن ينادى الا ان أمير المؤمنين كان جنبا فأعيدوا صلاتكم ولان معنى الاقتداء وهو
البناء ههنا لا يتحقق لانعدام تصور التحريمة مع قيام الحدث والجنابة وما رواه محمول على بدو الامر قبل تعلق
صلاة القوم بصلاة الامام على ما روى أن المسبوق كان إذا شرع في صلاة الامام قضى ما فاته أولا ثم يتابع الامام
حتى تابع عبد الله بن مسعود أو معاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قضى ما فاته فصار شريعة بتقرير رسول
الله صلى الله عليه وسلم ويجوز اقتداء العاري باللابس لان تحريمة الامام انعقدت لما يبنى عليه المقتدى لان
الامام يأتي بما يأتي به المقتدى وزيادة فيقبل البناء وكذا اقتداء العاري بالعاري لاستواء حالهما فتتحقق المشاركة في
التحريمة ثم العراة يصلون قعودا بايماء وقال بشر يصلون قياما بركوع وسجود وهو قول الشافعي وجه قولهما انهم
عجزوا عن تحصيل شرط الصلاة وهو ستر العورة وقدروا على تحصيل أركانها فعليهم الاتيان بما قدروا عليه
وسقط عنهم ما عجزوا عنه ولأنهم لو صلوا قعودا تركوا أركانا كثيرة وهي القيام والركوع والسجود وان صلوا
قياما تركوا فرضا واحدا وهو ستر العورة فكان أولى والدليل عليه حديث عمران بن حصين رضي الله عنه ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال له صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى الجنب فهذا يستطيع أن يصلى قائما
فعليه الصلاة قائما (ولنا) ما روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال إن أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ركبوا البحر فانكسرت بهم السفينة فخرجوا من البحر عراة فصلوا قعود بايماء وروى عن ابن عباس
وابن عمر رضي الله عنهما انهما قالا العاري يصلى قاعدا بالايماء والمعنى فيه ان للصلاة قاعدا ترجيحا من وجهين
أحدهما انه لو صلى قاعدا فقد ترك فرض ستر العورة الغليظة وما ترك فرضا آخر أصلا لأنه أدى فرض الركوع
والسجود ببعضهما وهو الايماء وأدى فرض القيام ببدله وهو القعود فكان فيه مراعاة الفرضين جميعا وفيما قلتم
اسقاط أحدهما أصلا وهو ستر العورة فكان ما قلناه أولى والثاني ان ستر العورة أهم من أداء الأركان لوجهين
أحدهما أن ستر العورة فرض في الصلاة وغيرها والأركان فرائض الصلاة لا غيرها والثاني ان سقوط هذه الأركان
إلى الايماء جائز في النوافل من غير ضرورة كالمتنفل على الدابة وستر العورة لا تسقط فرضيته قط من غير ضرورة
فكان أهم فكان مراعاته أولى فلهذا جعلنا الصلاة قاعدا بالايماء أولى غير أنه ان صلى قائما بركوع وسجود أجزأه
لأنه وان ترك فرضا آخر فقد كمل الأركان الثلاثة وهي القيام والركوع والسجود وبه حاجة إلى تكميل هذه الأركان
فصارتا كالفرض ستر العورة الغليظة أصلا لغرض صحيح فجوزنا له ذلك لوجود أصل الحاجة وحصول الغرض
وجعلنا القعود بالايماء أولى لكون ذلك الفرض أهم ولمراعاة الفرضين جميعا من وجه وقد خرج الجواب عما ذكروا
من المعنى وتعلقهم بحديث عمران بن حصين غير مستقيم لأنه غير مستطيع حكما حيث افترض عليه ستر العورة
الغليظة ثم لو كانوا جماعة ينبغي لهم أن يصلوا فرادى لأنهم لو صلوا بجماعة فان قام الامام وسطهم احترازا
عن ملاحظة سوأة الغير فقد ترك سنة التقدم على الجماعة والجماعة أمر مسنون فإذا كان لا يتوصل إليه الا
بارتكاب بدعة وترك سنة أخرى لا يندب إلى تحصيلها بل يكره تحصيلها وان تقدمهم الامام وأمر القوم بغض
أبصارهم كما ذهب إليه الحسن البصري لا يسلمون عن الوقوع في المنكر أيضا فإنه قلما يمكنهم غض البصر على
وجه لا يقع على عورة الامام مع أن غض البصر في الصلاة مكروه أيضا نص عليه القدوري لما يذكر انه مأموران
ينظر في كل حالة إلى موضع مخصوص ليكون البصر ذا حظ من أداء هذه العبادات كسائر الأعضاء والأطراف
وفى غض البصر فوات ذلك فدل انه لا يتوصل إلى تحصيل الجماعة الا بارتكاب أمر مكروه فتسقط الجماعة
عنهم فلو صلوا مع هذه الجماعة فالأولى لامامهم أن يقوم وسقطهم لئلا يقع بصرهم على عورته فان تقدمهم جاز أيضا
وحالهم في هذا الموضع كحال النساء في الصلاة الا ان الأولى أن يصلين وحدهن وان صلين بجماعة قامت إمامتهن
وسطهن وان تقدمتهن جاز فكذلك حال العراة ويجوز اقتداء صاحب العذر بالصحيح وبمن هو بمثل حاله وكذا
اقتداء الأمي بالقارئ وبالأمي لما مر ويجوز اقتداء المومئ بالراكع الساجد وبالمومئ لما مر ويستوى الجواب
141

بينما إذا كان المقتدى قاعدا يومئ بالامام القاعد المومئ وبينما إذا كان قائما والامام قاعد ولان هذا القيام ليس
بركن ألا ترى ان الأولى تركه فكان وجوده وعدمه بمنزلة ويجوز اقتداء الغاسل بالماسح على الخف لان المسح على
الخف بدل عن الغسل وبدل الشئ يقوم مقامه عند العجز عنه أو تعذر تحصيله فقام المسح مقام الغسل في حق تطهير
الرجلين لتعذر غسلهما عند كل حدث خصوصا في حق المسافر على ما مر فانعقدت تحريمة الامام للصلاة مع غسل
الرجلين لانعقادها لما هو بدل عن الغسل فصح بناء تحريمة المقتدى على تلك التحريمة ولان طهارة القدم حصلت
بالغسل السابق واخلف مانع سراية الحدث إلى القدم فكان هذا اقتداء الغاسل بالغاسل فصح وكذا يجوز اقتداء
الغاسل بالماسح على الجبائر لما مر أنه بدل عن المسح قائم مقامه فيمكن تحقيق معنى الاقتداء فيه ويجوز اقتداء
المتوضئ بالمتيمم عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد لا يجوز وقد مر الكلام فيه في كتاب الطهارة ويجوز
اقتداء القائم الذي يركع ويسجد بالقاعد الذي يركع ويسجد استحسانا وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف والقياس أن
لا يجوز وهو قول محمد وعلى هذا الاختلاف اقتداء القائم المومئ بالقاعد المومئ وجه القياس ما روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يؤمن أحد بعدي جالسا أي لقائم لاجماعنا على أنه لو أم لجالس جاز ولان المقتدى
أعلى حالا من الامام فلا يجوز اقتداؤه به كاقتداء الراكع الساجد بالمومئ واقتداء القارئ بالأمي (وفقهه)
ما بينا ان المقتدى يبنى تحريمته على تحريمة الامام وتحريمة الامام ما انعقدت للقيام بل انعقدت للقعود فلا يمكن
بناء القيام عليها كما لا يمكن بناء القراءة على تحريمة الأمي وبناء الركوع والسجود على تحريمة المومئ وجه
الاستحسان ما روى أن آخر صلاة صلاها رسول الله صلبي الله عليه وسلم في ثوب واحد متوشحا به قاعدا
وأصحابه خلفه قيام يقتدون به فإنه لما ضعف في مرضه قال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة لحفصة
رضي الله عنهما قولي له ان أبا بكر رجل أسيف إذا وقف في مكالك لا يملك نفسه فلو أمرت غيره فقالت حفصة ذلك
فقال صلى الله عليه وسلم أفتن صويحبات يوسف مروا أبا بكر يصلى بالناس فلما افتتح أبو بكر رضي الله عنه
الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة فخرج وهو يهادى بين على والعباس ورجلاه
يخطان الأرض حتى دخل المسجد فلما سمع أبو بكر رضي الله عنه حسه تأخر فتقدم رسول الله صلى الله عليه
وسلم وجلس يصلى وأبو بكر يصلى بصلاته والناس يصلون بصلاة أبى بكر يعنى ان أبا بكر رضي الله عنه كان
يسمع تكبير رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكبر والناس يكبرون بتكبير أبى بكر فقد ثبت الجواز على وجه لا يتوهم
ورود النسخ عليه ولو توهم ورود النسخ يثبت الجواز ما لم يثبت النسخ فإذا لم يتوهم ورود النسخ أولى ولان
القعود غير القيام وإذا أقيم شئ مقام غيره جعل بدلا عنه كالمسح على الخف مع غسل الرجلين وإنما قلنا إنهما
متغاير ان بدليل الحكم والحقيقة (أما) الحقيقة فلان القيام اسم لمعنيين متفقين في محلين مختلفين وهما
الانتصابان في النصف الاعلى والنصف الأسفل وفلو تبدل الانتصاب في النصف الاعلى بما يضاده وهو الانحناء
سمى ركوعا لوجود الانحناء لأنه في اللغة عبارة عن الانحناء من غير اعتبار النصف الأسفل لان ذلك وقع
وفاقا فأما هو في اللغة فاسم لشئ واحد فحسب وهو الانحناء ولو تبدل الانتصاب في النصف الأسفل بما يضاده
وهو انضمام الرجلين والصاق الألية بالأرض يسمى قعودا فكان القعود اسما لمعنيين مختلفين في محلين مختلفين
وهما الانتصاب في النصف الاعلى والانضمام والاستقرار على الأرض في النصف الأسفل فكان القعود مضادا
للقيام في أحد معنييه وكذا الركوع والركوع مع القعود يضاد كل واحد منهما للآخر بمعنى واحد وهو صفة
النصف الاعلى واسم المعنيين يفوت بالكلية بوجود مضاد أحد معنييه كالبلوغ واليتم فيفوت القيام بوجود القعود
أو الركوع بالكلية ولهذا لو قال قائل ما قمت بل قعدت وما أدركت القيام بل أدركت الركوع لم يعد مناقضا في
كلامه وأما الحكم فلان ما صار القيام لأجله طاعة يفوت عند الجلوس بالكلية لان القيام اما صار طاعة لانتصاب
نصفه الا على بل لانتصاب رجليه لما يلحق رجليه من المشقة وهو بالكلية يفوت عند الجلوس فثبت حقيقية
142

وحكما أن القيام يفوت عند الجلوس فصار الجلوس بدلا عنه والبدل عند العجز عن الأصل أو تعذر تحصيله يقوم
مقام الأصل ولهذا جوزنا اقتداء الغاسل بالماسح لقيام المسح مقام الغسل في حق تطهير الرجلين عند تعذر
الغسل لكونه بدلا عنه فكان القعود من الامام بمنزلة القيام لو كان قادرا عليه فجعلت تحريمة الامام في حق الامام
منعقدة للقيام لانعقادها لما هو بدل القيام فصح بناء قيام المقتدى على تلك التحريمة بخلاف اقتداء القارئ
بالأمي لان هناك لم يوجد ما هو بدل القراءة بل سقطت أصلا فلم تنعقد تحريمة الامام للقراءة فلا يجوز بناء
القراءة عليه اما ههنا لم يسقط القيام أصلا بل أقيم بدله مقامه ألا ترى انه لو اضطجع وهو قادر على القعود لا يجوز
ولو كان القيام يسقط أصلا من غير بدل وذا ليس وقت وجوب القعود بنفسه كان ينبغي انه لو صلى مضطجعا يجوز
وحيث لم يجز دل انه إنما لا يجوز لسقوط القيام إلى بدله وجعل بدله كأنه عين القيام وبخلاف اقتداء الراكع
الساجد بالمومئ لما مر أن الايماء ليس عين الركوع والسجود بل هو تحصيل بعض الركوع والسجود
الا أنه ليس فيه كمال الركوع والسجود فلم تنعقد تحريمة الامام للفائت وهو الكمال فلم يمكن بناء كمال الركوع
والسجود على تلك التحريمة وقد خرج الجواب عما ذكر من المعنى وما روى من الحديث كان في الابتداء فإنه
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سقط عن فرص فجحش جنبه فلم يخرج أياما ودخل عليه أصحابه فوجدوه
يصلى قاعدا فافتتحوا الصلاة خلفه قياما فلما رآهم على ذلك قال استنان بالفارس والروم وأمرهم بالقعود ثم نهاهم
عن ذلك فقال لا يؤمن أحد بعدي جالسا ألا ترى انه تكلم في الصلاة فقال استنان بفارس والروم وأمرهم بالقعود
فدل ان ذلك كان في الابتداء حين كان التكلم في الصلاة مباحا وما روينا آخر صلاة صلاها فانتسخ قوله السابق
بفعله المتأخر وعلى هذا يخرج اقتداء المفترض بالمتنفل انه لا يجوز عندنا خلافا للشافعي ويجوز اقتداء المتنفل
بالمفترض عند عامة العلماء خلافا لمالك (احتج) الشافعي بما روى جابر بن عبد الله ان معاذا كان يصلى مع
النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يرجع فيصليها بقومه في بنى سلمة ومعاذ كان متنفلا وكان يصلى خلفه المفترضون
ولان كل واحد منهم يصلى صلاة نفسه لا صلاة صاحبه لاستحالة أن يفعل العبد فعل غيره فيجوز فعل كل واحد منهما
سواء وافق فعل أمامه أو خالفه ولهذا جاز اقتداء المتنفل بالمفترض (ولنا) ما روى أن النبي صلى الله عليه
وسلم صلى بالناس صلاة الخوف وجعل الناس طائفتين وصلى بكل طائفة شطر الصلاة لينال كل فريق فضيلة الصلاة
خلفه ولو جاز اقتداء المفترض بالمتنفل لأتم الصلاة بالطائفة الأولى ثم نوى النفل وصلى بالطائفة الثانية لينال كل
طائفة فضيلة الصلاة خلفه من غير الحاجة إلى المشي وافعال كثيرة ليست من الصلاة ولان تحريمة الامام ما انعقدت
لصلاة الفرض والفرضية وان لم تكن صفة زائدة على ذات الفعل فليست راجعة إلى الذات أيضا بل هي من الأوصاف
الإضافية على ما عرف في موضعه فلم يصح البناء من المقتدى بخلاف اقتداء المتنفل بالمفترض لان النفلية ليست
من باب الصفة بل هي عدم إذا لنفل عبارة عن أصل لا وصف له فكانت تحريمة الامام منعقدة لما يبنى عليه المقتدى
وزيادة فصح البناء وقد خرج الجواب عن معناه فان كل واحد منهما يصلى صلاة نفسه لأنا نقول نعم لكن إحداهما
بناء على الأخرى وتعذر تحقيق معنى البناء وما روى من الحديث فليس فيه ان معاذا كان يصلى مع النبي صلى الله
عليه وسلم الفرض فيحتمل أنه كان ينوى النفل ثم يصلى بقومه الفرض ولهذا قال له صلى الله عليه وسلم لما بلغه طول
قراءته اما ان تخفف بهم والا فاجعل صلاتك معنا على أنه يحتمل انه كان في الابتداء حين كان تكرار الفرض مشروعا
وينبنى على هذا الخلاف اقتداء البالغين بالصبيان في الفرائض انه لا يجوز عندنا لان الفعل من الصبي لا يقع فرضا
فكان اقتداء المفترض بالمتنفل وعند الشافعي يصح (واحتج) بما روى أن عمر بن سلمة كان يصلى بالناس
وهو ابن تسع سنين ولا يحمل على صلاة التراويح لأنها لم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بجماعة
فدل انه كان في الفرائض والجواب ان ذلك كان في ابتداء الاسلام حين لم تكن صلا المقتدى متعلقة بصلاة الامام
على ما ذكرنا ثم نسخ واما في التطوعات فقد روى عن محمد بن مقاتل الرازي انه أجاز ذلك في التراويح والأصح ان
143

ذلك لا يجوز عندنا لا في الفرضية ولا في التطوع لان تحريمة الصبي انعقدت لنفل غير مضمون عليه بالافساد
ونفل المقتدى البالغ مضمون عليه بالافساد فلا يصح البناء وينبغي للرجل ان يؤدب ولده على الطهارة والصلاة إذا
عقلهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشر أولا
يفترض عليه الا بعد البلوغ ونذكر حد البلوغ في موضع آخر إن شاء الله تعالى ولو احتلم الصبي ليلا ثم انتبه قبل طلوع
الفجر قضى صلاة العشاء بلا خلاف لأنه حكم ببلوغه بالاحتلام وقد انتبه والوقت قائم فيلزمه أن يؤديها وان لم ينتبه
حتى طلع الفجر اختلف المشايخ فيه قال بعضهم ليس عليه قضاء صلاة العشاء لأنه وان بلغ بالاحتلام لكنه نائم فلا
يتناوله الخطاب ولأنه يحتمل انه احتلم بعد طلوع الفجر ويحتمل قبله فلا تلزمه الصلاة بالشك وقال بعضهم عليه صلاة
العشاء لان النوم لا يمنع الوجوب ولأنه إذا احتمل انه احتلم قبل طلوع الفجر واحتمل بعده فالقول بالوجوب
أحوط وعلى هذا لا يجوز اقتداء مصلى الظهر بمصلى العصر ولا اقتداء من يصلى ظهرا بمن يصلى ظهر يوم
غير ذلك اليوم عندنا لاختلاف سبب وجوب الصلاتين وصفتهما وذلك يمنع صحة الاقتداء لما مر وروى عن أفلح بن
كثير أنه قال دخلت المدينة ولم أكن صليت الظهر فوجدت الناس في الصلاة فظننت انهم في الظهر فدخلت
معهم ونويت الظهر فلما فرغوا علمت أنهم كانوا في العصر فقمت وصليت الظهر ثم صليت العصر ثم خرجت
فوجدت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرين فأخبرتهم بما فعلت فاستصوبوا ذلك وأمروا به
فانعقد الاجماع من الصحابة رضي الله عنهم على ما قلنا وعلى هذا لا يجوز اقتداء الناذر بان نذر رجلان كل
واحد منهما أن يصلى ركعتين فاقتدى أحدهما بالآخر فيما نذر وكذا إذا شرع رجلان كل واحد منهما في
صلاة التطوع وحده ثم أفسدها على نفسه حتى وجب عليه القضاء فاقتدى أحدهما بصاحبه لا يصح لان
سبب وجوب الصلاتين مختلف وهو نذر كل واحد منهما وشروعه فاختلف الواجبان وتغايرا وذلك يمنع صحة
الاقتداء لما بينا بخلاف اقتداء الحالف بالحالف حيث يصح لان الواجب هناك تحقيق البر لا نفس الصلاة فبقيت
كل واحدة من الصلاتين في حق نفسها نفلا فكان اقتداء المتنفل بالمتنفل فصح وكذا لو اشتركا في صلاة التطوع
بان اقتدى أحدهما بصاحبه فيها ثم أفسداها حتى وجب القضاء عليهما فاقتدى أحدهما بصاحبه في القضاء جاز
لأنها صلاة واحدة مشتركة بينهما فكان سبب الوجوب واحدا معنى فصح الاقتداء ثم إذا لم يصح الاقتداء عند
اختلاف الفرضين فصلاة الامام جائزة كيفما كان لان صلاته غير متعلقة بصلاة المقتدى وأما صلاة المقتدى إذا
فسدت عن الفرضية هل يصير شارعا في التطوع ذكر في باب الاذان انه يصير شارعا في النفل وذكر في زيادات
الزيادات وفى باب الحدث ما يدل على أنه لا يصير شارعا فإنه ذكر في باب الحدث في الرجل إذا كان يصلى الظهر
وقد نوى امامة النساء فجاءت امرأة واقتدت به فرضا آخر لم يصح اقتداؤها به ولا يصير شارعا في التطوع حتى
لو حاذت الامام لم تفسد عليه صلاته فمن مشايخنا من قال في المسألة روايتان ومنهم من قال ما ذكر في باب الاذان
قول أبي حنيفة وأبى يوسف وما ذكر في باب الحدث قول محمد وجعلوه فرعية مسألة وهي ان المصلى إذا لم يفرغ
من الفجر حتى طلعت الشمس بقي في التطوع عندهما الا انه يمكث حتى ترتفع الشمس ثم يضم إليها ما يتمها فيكون
تطوعا وعنده يصير خارجا من الصلاة بطلوع الشمس وكذا إذا كان في الظهر فتذكر انه نسي الفجر ينقلب ظهره
تطوعا عندهما وعند محمد يصير خارجا من الصلاة وجه قول محمد انه نوى فرضا عليه ولم يظهر انه ليس عليه
فرض فلا يلغو نية الفرض فمن حيث إنه لم يلغ نية الفرض لم يصر شارعا في النفل ومن حيث إنه يخالف فرضه
فرض الامام لم يصح الاقتداء فلم يصر شارعا في الصلاة أصلا بخلاف ما إذ لم يكن عليه الفرض لان نية الفرض
لغت أصلا كأنه لم ينو وجه قولهما انه بنى أصل الصلاة ووصفها على صلاة الامام وبناء الأصل صح وبناء
الوصف لم يصح فلغا بناء الوصف وبقى بناء الأصل وبطلان بناء الوصف لا يوجب بطلان بناء الأصل
لاستغناء الأصل عن هذا الوصف فيصير هذا اقتداء المتنفل بالمتفرض وانه جائز وذكر في النوادر عن محمد
144

في رجلين يصليان صلاة واحدة معا وينوى كل واحد منهما أن يؤم صاحبه فيها ان صلاتهما جائزة لان صحة
صلاة الامام غير متعلقة بصلاة غير فصار كل واحد منهما كالمنفرد في حق نفسه ولو اقتدى كل واحد منهما
بصاحبه فيها فصلاتهما فاسدة لان صلاة المقتدى متعلقة بصلاة الامام ولا امام ههنا (ومنها) أن لا يكون
المقتدى عند الاقتداء متقدما على امامه عندنا وقال مالك هذا ليس بشرط ويجزئه إذا أمكنه متابعة الامام وجه
قوله أن الاقتداء يوجب المتابعة في الصلاة والمكان ليس من الصلاة فلا يجب المتابعة فيه الا ترى أن الامام
يصلى عند الكعبة في مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام والقوم صف حول البيت ولا شك أن أكثرهم قبل
الامام (ولنا) قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس مع الامام من تقدمه ولأنه إذا تقدم الامام يشتبه عليه حاله أو
يحتاج إلى النظر وراءه في كل وقت ليتابعه فلا يمكنه المتابعة ولان المكان من لوازمه الا ترى أنه إذا كان بينه
وبين الامام نهر أو طريق لم يصح الاقتداء لانعدام التبعية في المكان كذا هذا بخلاف الصلاة في الكعبة
لان وجهه إذا كان إلى الامام لم تنقطع التبعية ولا يسمى قبله بل هما متقابلان كما إذا حاذى امامه وإنما تتحقق
القبلية إذا كان ظهره إلى الامام ولم يوجد وكذا لا يشتبه عليه حال الإمام والمأموم (ومنها) اتحاد مكان
الإمام والمأموم لان الاقتداء يقتضى التبعية في الصلاة والمكان من لوازم الصلاة فيقتضى التبعية في المكان
ضرورة وعند اختلاف المكان تنعدم التبعية في المكان فتنعدم التبعية في الصلاة لانعدام لازمها ولان
اختلاف المكان يوجب خفاء حال الامام على المقتدى فتتعذر عليه المتابعة التي هي معنى الاقتداء حتى أنه لو كان
بينهما طريق عام يمر فيه الناس أو نهر عظيم لا يصح الاقتداء لان ذلك يوجب اختلاف المكانين عرفا مع اختلافهما
حقيقة فيمنع صحة الاقتداء واصله ما روى عن عمر رضي الله عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال من كان بينه وبين الامام نهر أو طريق أو صف من النساء فلا صلاة له ومقدار الطريق العام ذكر
في الفتاوى أنه سئل أبو نصر محمد بن محمد بن سلام عن مقدار الطريق الذي يمنع صحة الاقتداء فقال مقدار ما تمر فيه
العجلة أو تمر فيه الأوقار وسئل أبو القاسم الصفار عنه فقال مقدار ما يمر فيه الجمل وأما النهر العظيم فما لا يمكن
العبور عليه الا بعلاج كالقنطرة ونحوها وذكر الامام السرخسي أن المراد من الطريق ما تمر فيه العجلة وما
وراء ذلك طريقة لا طريق والمراد بالنهر ما تجرى فيه السفن وما دون ذلك بمنزلة الجدول لا يمنع صحة الاقتداء فإن كان
ت الصفوف متصلة على الطريق جاز الاقتداء لان اتصال الصفوف أخرجه من أن يكون ممر الناس فلم يبق
طريقا بل صار مصلى في حق هذه الصلاة وكذلك إن كان على النهر جسر وعليه صف متصل لما قلنا ولو كان
بينهما حائط ذكر في الأصل انه يجزئه وروى الحسن عن أبي حنيفة انه لا يجزئه وهذا في الحاصل على وجهين إن كان
الحائط قصيرا ذليلا بحيث يتمكن كل أحد من الركوب عليه كحائط المقصورة لا يمنع الاقتداء لان ذلك لا يمنع التعبية
في المكان ولا يوجب خفاء حال الامام ولو كان بين الصفين حائط إن كان طويلا وعريضا ليس فيه ثقب يمنع
الاقتداء وإن كان فيه ثقب لا يمنع مشاهدة حال الامام لا يمنع بالاجماع وإن كان كبيرا فإن كان عليه باب
مفتوح أو خوخة فكذلك وان لم يكن عليه شئ من ذلك ففيه روايتان وجه الرواية الأولى التي قال لا يصح انه
يشتبه عليه حال امامه فلا يمكنه المتابعة وجه الرواية الأخرى الوجود وهو ما ظهر من عمل الناس في الصلاة بمكة
فان الامام يقف في مقام إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه وبعض الناس يقفون وراء الكعبة من الجانب الآخر
فبينهم وبين الامام حائط الكعبة ولم يمنعهم أحد من ذلك فدل على الجواز ولو كان بينهما صف من النساء يمنع صحة
الاقتداء لما روينا من الحديث ولان الصف من النساء بمنزلة الحائط الكبير الذي ليس فيه فرجة وذا يمنع صحة
الاقتداء كذا هذا ولو اقتدى بالامام في أقصى المسجد والامام في المحراب جاز لان المسجد على تباعد أطرافه جعل
في الحكم كمكان واحد ولو وقف على سطح المسجد واقتدى بالامام فإن كان وقوفه خلف الامام أو بحذائه أجزأه
لما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه وقف على سطح واقتدى بالامام وهو في جوفه ولان سطح المسجد تبع
145

للمسجد وحكم التبع حكم الأصل فكأنه في جوف المسجد وهذا إذا كان لا يشتبه عليه حال امامه فإن كان
يشتبه لا يجوز وإن كان وقوفه متقدما على الامام لا يجزئه لانعدام معنى التبعية كما لو كان في جوف المسجد
وكذلك لو كان على سطح بجنب المسجد متصل به ليس بينهما طريق فاقتدى به صح اقتداؤه عندنا وقال الشافعي
لا يصح لأنه ترك مكان الصلاة بالجماعة من غير ضرورة (ولنا) ان السطح إذا كان متصلا بسطح المسجد كان تبعا
لسطح المسجد وتبع سطح المسجد في حكم المسجد فكان اقتداؤه وهو عليه كاقتدائه وهو في جوف المسجد إذا
كان لا يشتبه عليه حال الامام ولو اقتدى خارج المسجد بامام في المسجد إن كانت الصفوف متصلة جاز والا
فلا لان ذلك الموضع بحكم اتصال الصفوف يلتحق بالمسجد هذا إذا كان الامام يصلى في المسجد فاما إذا كان يصلى في
الصحراء فإن كانت الفرجة التي بين الامام والقوم قدر الصفين فصاعدا لا يجوز اقتداؤهم به لان ذلك بمنزلة
الطريق العام أو النهر العظيم فيوجب اختلاف المكان وذكر في الفتاوى انه سئل أبو نصر عن امام يصلى في فلاة
من الأرض كم مقدار ما بينهما حتى يمنع صحة الاقتداء قال إذا كان مقدار ما لا يمكن ان يصطف فيه جازت صلاتهم
فقيل له لو صلى في مصلى العيد قال حكمه حكم المسجد ولو كان الامام يصلى على دكان والقول أسفل منه أو على
القلب جاز ويكره (أما) الجواز فلان ذلك لا يقطع التبعية ولا يوجب خفاء حال الامام (وأما) الكراهة فلشبهة
اختلاف المكان ولما يذكر في بيان ما يكره للمصلى أن يفعله في صلاته إن شاء الله تعالى وانفراد المقتدى خلف الامام
عن الصف لا يمنع صحة الاقتداء عند عامة العلماء وقال أصحاب الحديث منهم أحمد بن حنبل يمنع (واحتجوا) بما
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا صلاة لمنفرد خلف الصف وعن وابصة أن النبي صلى الله عليه وسلم
رأى رجلا يصلى في حجرة من الأرض فقال أعد صلاتك فإنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف (ولنا) ما روى عن أنس
ابن ملك رضي الله عنه أنه قال أقامني النبي صلى الله عليه وسلم واليتيم وراءه وأقام أمي أم سليم وراءنا جوز
اقتداءها به عن انفرادها خلف الصفوف ودل الحديث على أن محاذاة المرأة مفسدة صلاة الرجل لأنه أقامها
خلفهما مع نهية عن الانفراد خلف الصف فعلم أنه إنما فعل صيانة لصلاتهما وروى أن أبا بكرة رضي الله عنه
دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكع فكبر وركع ودب حتى التحق بالصفوف فلما فرغ النبي
من صلاته قال زادك الله حرصا ولا تعدا وقال لا تعد جوز اقتداء به خلف الصف والدليل عليه أنه لو تبين أن
من بجنبه كان محدثا تجوز صلاته بالاجماع وإن كان هو منفردا خلف الصف حقيقة والحديث محمول على نفى
الكمال والامر بالإعادة شاذ ولو ثبت فيحتمل أنه كان بينه وبين الامام ما يمنع الاقتداء وفى الحديث ما يدل عليه
فإنه قال في حجرة من الأرض أي ناحية لكن الأولى عندنا أن يلتحق بالصف ان وجد فرجه ثم يكبر ويكره له
الانفراد من غير ضرورة ووجه الكراهة نذكره في بيان ما يكره فعله في الصلاة ولو أنفرد ثم مشى ليلحق
بالصف ذكر في الفتاوى عن محمد بن سلمه انه ان مشى في صلاته مقدار صف واحد لا تفسد وان مشى أكثر من
ذلك ففسدت وكذلك المسبوق إذا قام إلى قضاء ما سبق به فتقدم حتى لا يمر الناس بين يديه انه ان مشى قدر صف
لا تفسد صلاته وإن كان أكثر من ذلك فسدت وهو اختيار الفقيه أبى الليث سواء كان في المسجد أو في الصحراء
ومشى مقدار صف ووقف لا تفسد صلاته وقدر بعض أصحابنا بموضع سجوده وبعضهم بمقدار الصفين ان زاد على
ذلك فسدت صلاته
* (فصل) * وأما واجبانها فأنواع بعضها قبل الصلاة وبعضها في الصلاة عند الخروج من الصلاة
وبعضها في حرمة الصلاة بعد الخروج منها (أما) الذي قبل الصلاة فاثنان أحدهما الأذان والإقامة
والكلام في الاذان يقع في مواضع في بيان وجوبه في الجملة وفي بيان كيفيته وفي بيان سببه وفي بيان محل وجوبه
وفي بيان وقته وفي بيان ما يجب على السامعين عند سماعه (أما) الأول فقد ذكر محمد ما يدل على الوجوب فإنه قال
إن أهل بلدة لو اجتمعوا على ترك الاذان لقاتلتهم عليه ولو تركه واحد ضربته وحبسته وإنما يقاتل ويضرب
146

ويحبس على ترك الواجب وعامة مشايخنا قالوا إنهما سنتان مؤكدتان لما روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال
في قوم صلوا الظهر أو العصر في المصر بجماعة بغير أذان ولا إقامة فقد أخطؤا السنة وخالفوا وأثموا والقولان
لا يتنافيان لان السنة المؤكدة والواجب سواء خصوصا السنة التي هي من شعائر الاسلام فلا يسع تركها ومن
تركها فقد أساء لان ترك السنة المتواترة يوجب الإساءة وان لم تكن من شعائر الاسلام فهذا أولى الا ترى أن أبا
حنيفة سماه سنة ثم فسره بالواجب حيث قال أخطأوا السنة وخالفوا وأثموا والاثم إنما يلزم يترك الواجب
ودليل الوجوب حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري رضى الله تعالى عنه وهو الأصل في
باب الاذان فإنه روى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تفوتهم الصلاة مع الجماعة
لاشتباه الوقت عليهم وأرادوا أن ينصبوا لذلك علامة قال بعضهم نضرب بالناقوس فكرهوا ذلك
لمكان النصارى وقال بعضهم نضرب بالشبور فكرهوا ذلك لمكان اليهود وقال بعضهم نوقد نارا عظيمة
فكرهوا ذلك لمكان المجوس فتفرقوا من غير رأى اجتمعوا عليه فدخل عبد الله بن زيد منزله فقدمت امرأته
العشاء فقال ما أنا بآكل وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يهمهم أمر الصلاة إلى أن قال كنت بين النائم
واليقظان إذ رأيت نازلا نزل من السماء وعليه بردان أخضران وبيده ناقوس فقلت له أتبيع منى هذا الناقوس
فقال ما تصنع به فقلت أذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضرب به لوقت الصلاة فقال ألا أدلك إلى
ما هو خير منه فقلت نعم فوقف على حذم حائط مستقبل القبلة وقال الله أكبر الاذان المعروف إلى آخره قال ثم
مكث هنيهة ثم قال مثل ذلك الا أنه زاد في آخره قد قامت الصلاة مرتين قال فلما أصحبت ذكرت ذلك لرسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال إنه لرؤيا حق فالقها إلى بلال فإنه أندى وأمسد صوتا منك ومره ينادى به فلما سمع عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه أذان بلال خرج من المنزل يجر ذيل ردائه فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد
طاف بي الليلة مثل ما طاف بعبد الله الا أنه سبقني به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله وانه لاثبت فقد
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله أن يلقى الاذان إلى بلال ويأمره ينادى به ومطلق الامر لوجوب العمل
وروى عن محمد بن الحنيفة انه أنكر ذلك ولا معنى للانكار فإنه روى عن معاذ وعبد الله بن عباس وعبد الله
ابن عمر رضي الله عنهم انهم قالوا إن أصل الاذان رؤيا عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه وهذا لان أصل
الاذان وإن كان رؤيا عبد الله لكن النبي صلى الله عليه وسلم لما شهد بحقيقة رؤياه ثبتت حقيقتها ولما أمره
بأن يأمر بلالا ينادى به ثبت وجوبه لما بينا ولان النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه في عمره في الصلوات
المكتوبات ومواظبته دليل الوجوب مهما قام عليه دليل عدم الفرضية وقد قام ههنا
* (فصل) * وأما بيان كيفية الاذان فهو على الكيفية المعروفة المتواترة من غير زيادة ولا نقصان عند عامة
العلماء وزاد بعضهم ونقص البعض فقال مالك يختم الاذان بقوله الله أكبر اعتبارا للانتهاء بالابتداء (ولنا) حديث
عبد الله بن زيد وفيه الختم بلا إله إلا الله وأصل الاذان ثبت بحديثه فكذا قدره وما يروون فيه من الحديث فهو
غريب فلا يقبل خصوصا فيما تعم به البلوى والاعتماد في مثله على المشهور وهو ما روينا وقال مالك يكبر
في الابتداء مرتين وهو رواية عن أبي يوسف اعتبارا بكلمة الشهادتين حيث يؤتى بها مرتين (ولنا) حديث
عبد الله بن زيد وفيه التكبير أربع مرات بصوتين وروى عن أبي محذورة مؤذن مكة أنه قال علمني رسول الله
صلى الله عليه وسلم الاذان تسعة عشر كلمة والإقامة سبعة عشر كلمة وإنما يكون كذلك إذا كان التكبير فيه مرتين
وأما الاعتبار بالشهادتين فنقول كل تكبيرتين بصوت واحد عندنا فكأنهما كلمة واحدة فيأتي بهما مرتين كما
يأتي بالشهادتين وقال الشافعي فيه ترجيع وهو أن يبتدئ المؤذن بالشهادتين فيقول أشهد أن لا إله إلا الله
مرتين أشهد أن محمدا رسول الله مرتين يخفض بهما صوته ثم يرجع إليهما ويرفع بهما صوته (واحتج) بحديث أبي
محذورة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له ارجع فمد بهما صوتك (ولنا) حديث عبد الله بن زيد وليس فيه
147

ترجيع وكذا لم يكن في أذان بلال وابن أم مكتوم ترجيع (وأما) حديث أبي محذورة فقد كان في ابتداء الاسلام
فإنه روى أنه لما أذن وكان حديث العهد بالاسلام قال الله أكبر الله أكبر أربع مرات بصوتين ومد صوته فلما بلغ
إلى الشهادتين خفض بهما صوته بعضهم قالوا إنما فعل ذلك مخافة الكفار وبعضهم قالوا إنه كان جهوري
الصوت وكان في الجاهلية يجهر بسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ إلى الشهادتين استحيى فخفض بهما
صوته فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرك أذنه وقال ارجع وقل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمدا رسول الله ومد بهما صوتك غيظا للكفار (وأما) الإقامة فمثنى مثنى عند عامة العلماء
كالاذان وعند مالك والشافعي فرادى فرادى الا قوله قد قامت الصلاة فإنه يقولهما مرتين عند الشافعي
(واحتجا) بما روى أنس بن مالك ان بلالا رضي الله عنه أمر أن يشفع الاذان ويوتر الإقامة والظاهر أن الآمر
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولنا) حديث عبد الله بن زيد ان النازل من السماء أتى بالاذان ومكث هنيهة
ثم قال مثل ذلك الا أنه زاد في آخره مرتين قد قامت الصلاة وروينا في حديث أبي محذورة والإقامة سبعة عشر
كلمة وإنما تكون كذلك إذا كانت مثنى وقال إبراهيم النخعي كان الناس يشفعون الإقامة حتى خرج هؤلاء يعنى بنى
أمية فأفردوا الإقامة ومثله لا يكذب وأشار إلى كون الافراد بدعه والحديث محمول على الشفع والايتار في حق
الصوت والنفس دون حقيقة الكلمة بدليل ما ذكرنا والله أعلم (وأما) التثويب فالكلام فيه في ثلاثة مواضع
أحدها في تفسير التثويب في الشرع والثاني في المحل الذي شرع فيه والثالث في وقته (أما) الأول فقد ذكره محمد
رحمه الله في كتاب الصلاة قلت أرأيت كيف التثويب في صلاة الفجر قال كان التثويب الأول بعد الاذان
الصلاة خير من النوم فأحدث الناس هذا التثويب وهو حسن فسر التثويب وبين وقته ولم يفسر التثويب
المحدث ولم يبين وقته وفسر ذلك في الجامع الصغير وبين وقته فقال التثويب الذي يصنعه الناس بين الأذان والإقامة
في صلاة الفجر حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين حسن وإنما سماء محدثا لأنه أحدث في زمن التابعين
ووصفه بالحسن لأنهم استحسنوه وقد قال صلى الله عليه وسلم ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه
المؤمنون قبيحا فهو عند الله قبيح (وأما) محل التثويب فمحل الأول هو صلاة الفجر عند عامة العلماء وقال
بعض الناس بالتثويب في صلاة العشاء أيضا وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى في التقديم وأنكر
التثويب في الجديد رأسا وجه قوله الأول ان هذا وقت نوم وغفلة كوقت الفجر فيحتاج إلى زيادة اعلام كما
في وقت الفجر وجه قوله الاخر ان أبا محذورة علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الاذان تسعة عشر كلمة وليس
فيها التثويب وكذا ليس في حديث عبد الله بن زيد ذكر التثويب (ولنا) ما روى عبد الله الرحمن بن أبي ليلى عن
بلال رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال ثوب في الفجر ولا تثوب في غيرها فبطل به
المذهبان جميعا وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه ان بلالا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بالصلاة
فوجده راقدا فقال الصلاة خير من النوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما أحسن هذا اجعله في أذانك وعن أنس
ابن مالك رضي الله عنه أنه قال كان التثويب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة خير من النوم وتعليم
النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة وتعليم الملك كان تعليم أصل الاذان لا ما يذكر فيه من زيادة الاعلام وما ذكروا
من الاعتبار غير سديد لان وقت الفجر وقت نوم وغفلة بخلاف غيره من الأوقات مع أنه صلى الله عليه وسلم نهى
عن النوم قبل العشاء وعن السمر بعدها فالظاهر هو التيقظ (وأما) التثويب المحدث فمحله صلاة الفجر أيضا
ووقته ما بين الأذان والإقامة وتفسيره أن يقول حي على الصلاة حي على الفلاح على ما بين في الجامع الصغير غير أن
مشايخنا قالوا الا بأس بالتثويب المحدث في سائر الصلوات لفرط غلبة الغفلة على الناس في زماننا وشدة ركونهم
إلى الدنيا وتهاونهم بأمور الدين فصار سائر الصلوات في زماننا مثل الفجر في زمانهم فكان زيادة الاعلام من باب
التعاون على البر والتقوى فكان مستحسنا ولهذا قال أبو يوسف لا أرى بأسا أن يقول المؤذن السلام عليك
148

أيها الأمير ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يرحمك الله لاختصاصهم بزيادة شغل بسبب
النظر في أمور الرعية فاحتاجوا إلى زيادة اعلام نظرا لهم ثم التثويب في كل بلدة على ما يتعارفونه اما بالتنحنح
أو بقوله الصلاة الصلاة أو قامت قامت أو بايك نماز بايك كما يفعل أهل بخارى لأنه الاعلام والاعلام إنما يحصل
بما يتعارفونه (وأما) وقته فقد بينا وقت التثويب القديم والمحدث جميعا والله الموفق
* (فصل) * وأما بيان سنن الاذان فسنن الاذان في الأصل نوعان نوع يرجع إلى نفس الاذان ونوع يرجع إلى
صفات المؤذن (أما) الذي يرجع إلى نفس الاذان فأنواع منهما أن يجهر بالاذان فيرفع به صوته لان المقصود وهو
الاعلام يحصل به ألا ترى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن زيد علمه بلالا فإنه أندى وأمد صوتا منك
ولهذا كان الأفضل أن يؤذن في موضع يكون أسمع للجيران كالمئذنة ونحوها ولا ينبغي أن يجهد نفسه لأنه يخاف
حدوث بعض العلل كالفتق وأشباه ذلك دل عليه ما روى أن عمر رضي الله عنه قال لأبي محذورة أو لمؤذن بيت
المقدس حين رآه يجهد نفسه في الاذان اما تخشى أن ينقطع مر يطاؤك وهو ما بين السرة إلى العانة وكذا يجهر
بالإقامة لكن دون الجهر بالاذان لان المطلوب من الاعلام بها دون المقصود من الاذان (ومنها) أن يفصل بين كلمني
الاذان بسكتة ولا يفصل بين كلمتي الإقامة بل يجعلها كلاما واحدا لان الاعلام المطلوب من الأول لا يحصل
الا بالفصل والمطلوب من الإقامة يحصل بدونه (ومنها) أن يترسل في الاذان ويحدر في الإقامة لقول النبي صلى الله
عليه وسلم لبلال رضي الله عنه إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر وفي رواية فاحذم وفى رواية فاحذف ولان الاذان
لاعلام الغائبين بهجوم الوقت وذا في الترسل أبلغ والإقامة أبلغ والإقامة لاعلام الحاضرين بالشروع في الصلاة وانه يحصل
بالحدر ولو ترسل فيهما أو حدر أجزأه لحصول أصل المقصود وهو الاعلام (ومنها) أن يرتب بين كلمات الأذان والإقامة
حتى لو قدم البعض على البعض ترك المقدم ثم يرتب ويؤلف ويعيد المقدم لأنه لم يصادف محله فلغا
وكذلك إذا ثوب بين الأذان والإقامة في الفجر فظن أنه في الإقامة فأتمها ثم تذكر قبل الشروع في الصلاة فالأفضل أن
يأتي بالإقامة من أولها إلى آخرها مراعاة للترتيب ودليل كون الترتيب سنة أن النازل من السماء رتب وكذا المروى
عن مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم انهما رتبا ولان الترتيب في الصلاة فرض والاذان شبيه بها فكان الترتيب
فيه سنة (ومنها) أن يوالي بين كلمات الأذان والإقامة لان النازل من السماء والى وعليه عمل مؤذني رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى أنه لو أذن فظن أنه الإقامة ثم علم بعد ما فرغ فالأفضل أن يعيد الاذان ويستقبل الإقامة مراعاة
للموالاة وكذا إذا أخذ في الإقامة وظن أنه في الاذان ثم علم فالأفضل أن يبتدئ الإقامة لما قلنا وعلى هذا إذا غشى
عليه في الأذان والإقامة ساعة أو مات أو ارتد عن الاسلام ثم أسلم أو أحدث فذهب وتوضأ ثم جاء فالأفضل هو
الاستقبال لما قلنا والأولى له إذا أحدث في أذانه أو اقامته ان يتمها ثم يذهب ويتوضأ ويصلى لان ابتداء الأذان والإقامة
مع الحدث جائز فالبناء أولى ولو أذن ثم ارتد عن الاسلام فان شاؤوا أعادوا لأنه عبادته محضة والردة محبطة
للعبادات فيصير ملحقا بالعدم وان شاؤوا اعتدوا به لحصول المقصود وهو الاعلام وكذا يكره للمؤذن أن يتكلم في
أذانه أو اقامته لما فيه من ترك سنة الموالاة ولأنه ذكر معظم كالخطبة فلا يسع ترك حرمته ويكره له رد السلام في
الاذان لما قلنا وعن سفيان الثوري أنه لا بأس بذلك لأنه فرض ولكننا نقول إنه يحتمل التأخير إلى الفراغ من
الاذان (ومنها) أن يأتي بالأذان والإقامة مستقبل القبلة لان النازل من السماء هكذا فعل وعليه اجماع الأمة ولو
ترك الاستقبال يجزيه لحصول المقصود وهو الاعلام لكنه يكره لتركه السنة المتواترة الا أنه إذا انتهى إلى الصلاة
والفلاح حول وجهه يمينا وشمالا كذا فعل النازل من السماء ولان هذا خطاب للقوم فيقبل بوجهه إليهم اعلاما لهم
كالسلام في الصلاة وقد ماه مكانهما ليبقى مستقبل القبلة بالقدر الممكن كما في السلام والصلاة ويحول وجهه مع مع بقاء
البدن مستقبل القبلة كذا ههنا وإن كان في الصومعة فإن كانت ضيقة لزم مكانه لانعدام الحاجة إلى الاستدارة
وإن كانت واسعة فاستدار فيها ليخرج رأسه من نواحيها فحسن لأن الصومعة إذا كانت متسعة فالاعلام لا يحصل
149

بدون الاستدارة (ومنها) أن يكون التكبير جزما وهو قوله الله أكبر لقوله صلى الله عليه وسلم الاذان جزم (ومنها)
ترك التلحين في الاذان لما روى أن رجلا جاء إلى ابن عمر رضي الله عنه فقال إني أحبك في الله تعالى فقال ابن عمراني
أبغضك في الله تعالى فقال لم قال لأنه بلغني انك تغنى في أذانك يعنى التلحين أما التفخيم فلا بأس به لأنه احدى اللغتين
(ومنها) الفصل فيما سوى المغرب بين الأذان والإقامة لان الاعلام المطلوب من كل واحد منهما لا يحصل الا
بالفصل والفصل فيما سوى المغرب بالصلاة أو بالجلوس مسنون والوصل مكروه وأصله ما روى عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال لبلال إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر وفى رواية فاحذف وفى رواية فاحذم وليكن
بين اذانك وإقامتك مقدار ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ولا تقوموا
في الصف حتى تروني ولان الاذان لاستحضار الغائبين فلابد من الامهال ليحضروا ثم لم يذكر في ظاهر الرواية مقدار
الفصل وروى الحسن عن أبي حنيفة في الفجر قدر ما يقرأ عشرين آية وفى الظهر قدر ما يصلى أربع ركعات يقرأ
في كل ركعة نحوا من عشر آيات وفى العصر مقدار ما يصلى ركعتين يقرأ في كل ركعة نحوا من عشر آيات وفى المغرب
يقوم مقدار ما يقرأ ثلاث آيات وفى العشاء كما في الظهر وهذا ليس بتقدير لازم فينبغي أن يفعل مقدار ما يحضر
القوم مع مراعاة الوقت المستحب وأما المغرب فلا يفصل فيها بالصلاة عندنا وقال الشافعي يفصل بركعتين
خفيفتين اعتبارا بسائر الصلوات (ولنا) ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بين كل أذانين صلاة
لمن شاء الا المغرب وهذا نص ولان مبنى المغرب على التعجيل لما روى أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لن تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم والفصول بالصلاة
تأخير لها فلا يفصل بالصلاة وهل يفصل بالجلوس قال أبو حنيفة لا يفصل وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله
تعالى يفصل بجلسة خفيفة كالجلسة التي بين الخطبتين وجه قولهما أن الفصل مسنون ولا يمكن بالصلاة فيفصل
بالجلسة لإقامة السنة (ولأبي) حنيفة أن الفصل بالجلسة تأخير للمغرب وانه مكروه ولهذا لم يفصل بالصلاة
فبغيرها أولى ولان الوصل مكروه وتأخير المغرب أيضا مكروه والتحرز عن الكراهتين يحصل بسكنة خفيفة
وبالهيئة من الترسل والحذف والجلسة لا تخلو عن أحدهما وهي كراهة التأخير فكانت مكروهة (وأما) الذي
يرجع إلى صفات المؤذن فأنواع أيضا (منها) أن يكون رجلا فيكره أذان المرأة باتفاق الروايات لأنها ان رفعت صوتها
فقد ارتكبت معصية وان خفضت فقد تركت سنة الجهر ولان أذان النساء لم يكن في السلف فكان من المحدثات
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كل محدثة بدعة ولو أذنت للقوم أجزأهم حتى لا تعاد لحصول المقصود وهو
الاعلام وروى عن أبي حنيفة أنه يستحب الإعادة وكذا أذان الصبي العاقل وإن كان جائزا حتى لا يعاد ذكره
في ظاهر الرواية لحصول المقصود وهو الاعلام لكن أذان البالغ أفضل لأنه في مراعاة الحرمة أبلغ وروى أبو
يوسف عن أبي حنيفة أنه قال أكره أن يؤذن من لم يحتلم لان الناس لا يعتدون بأذانه وأما أذان الصبي الذي
لا يعقل فلا يجزئ ويعاد لان ما يصدر لا عن عقل لا يعتد به كصوت الطيور (ومنها) أن يكون عاقلا فيكره أذان
المجنون والسكران الذي لا يعقل لان الاذان ذكر معظم وتأذينهما ترك لتعظيمه وهل يعاد ذكر في ظاهر الرواية أحب
إلى أن يعاد لان عامة كلام المجنون والسكران هذيان فربما يشتبه على الناس فلا يقع به الاعلام (ومنها) أن يكون
تقيا لقول النبي صلى الله عليه وسلم الامام ضامن والمؤذن مؤتمن والأمانة لا يؤديها الا التقى (ومنها) أن يكون
عالما بالسنة لقوله صلى الله عليه وسلم يؤمكم أقرأكم ويؤذن لكم خياركم وخيار الناس العلماء ولان مراعاة
سنن الاذان لا يتأتى الا من العالم بها ولهذا ان أذان العبد والأعرابي وولد الزنا وإن كان جائز الحصول المقصود
وهو الاعلام لكن غيرهم أفضل لان العبد لا يتفرغ لمراعاة الأوقات لاشتغاله بخدمة المولى ولان الغالب
عليه الجهل وكذا الاعرابي وولد الزنا الغالب عليهما الجهل (ومنها) أن يكون عالما بأوقات الصلاة حتى كان البصير
أفضل من الضرير لان الضرير لا علم له بدخول الوقت والاعلام بدخول الوقت ممن لا علم له بالدخول متعذر
150

لكن مع هذا لو أذن يجوز لحصول الاعلام بصوته وامكان الوقوف على المواقيت من قبل غيره في الجملة وابن أم
مكتوم كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أعمى (ومنها) أن يكون مواظبا على الاذان لان حصول
الاعلام لأهل المسجد بصوت المواظب أبلغ من حصوله بصوت من لا عهد لهم بصوته فكان أفضل وان أذن
السوقي لمسجد المحلة في صلاة الليل وغيره في صلاة النهار يجوز لان السوقي يحرج في الرجوع إلى المحلة في وقت كل
صلاة لحاجته إلى الكسب (ومنها) أن يجعل أصبعيه في أذنيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال إذا أذنت فاجعل
إصبعيك في أذنيك فإنه أندى لصوتك وأمد بين الحكم ونبه على الحكمة وهي المبالغة في تحصيل المقصود وان لم
يفعل أجزأه لحصول أصل الاعلام بدونه وروى الحسن عن أبي حنيفة ان الا حسن أن يجعل أصبعيه في أذنيه
في الأذان والإقامة وان جعل يديه على أذنيه فحسن وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة انه ان جعل احدى يديه على
أذنه فحسن (ومنها) أن يكون المؤذن على الطهارة لأنه ذكر معظم فاتيانه مع الطهارة أقرب إلى التعظيم وإن كان
على غير طهارة بأن كان محدثا يجوز ولا يكره حتى لا يعاد في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة انه يعاد
ووجهه ان للاذان شبها بالصلاة ولهذا يستقبل به القبلة كما في الصلاة ثم الصلاة لا تجوز مع الحدث فما هو شبيه بها يكره
معه وجه ظاهر الرواية ما روى أن بلالا ربما أذن وهو على غير وضوء ولان الحدث لا يمنع من قراءة القرآن فأولى
أن لا يمنع من الاذان وان أقام وهو محدث ذكر في الأصل وسوى بين الأذان والإقامة فقال ويجوز الأذان والإقامة
على غير وضوء وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال أكره إقامة المحدث (والفرق) ان السنة وصل الإقامة
بالشروع في الصلاة فكان الفصل مكروها بخلاف الاذان ولا تعاد لان تكرارها ليس بمشروع بخلاف الاذان وأما
الاذان مع الجنابة فيكره في ظاهر الرواية حتى يعاد وعن أبي يوسف انه لا يعاد لحصول المقصود وهو الاعلام
والصحيح جواب ظاهر الرواية لان أثر الجنابة ظهر في الفم فيمنع من الذكر المعظم كما يمنع من قراءة القرآن بخلاف
الحدث وكذا الإقامة مع الجنابة تكره لكنها لا تعاد لما مر (ومنها) أن يؤذن قائما إذا أذن للجماعة ويكره قاعدا لان
النازل من السماء أذن قائما حيث وقف على حذم حائط وكذا الناس توارثوا ذلك فعلا فكان تاركه مسيأ لمخالفته
النازل من السماء واجماع الخلق ولان تمام الاعلام بالقيام ويجزئه لحصول أصل المقصود وان أذن لنفسه قاعدا
فلا بأس به لان المقصود مراعاة سنة الصلاة لا الاعلام وأما المسافر فلا بأس أن يؤذن راكبا لما روى أن بلالا رضي الله عنه
ربما أذن في السفر راكبا ولان له أن يترك الاذان أصلا في السفر فكان له أن يأتي به راكبا بطريق الأولى
وينزل للإقامة لما روى أن بلالا أذن وهو راكب ثم تزل وأقام على الأرض ولأنه لو لم ينزل لوقع الفصل بين الإقامة
والشروع في الصلاة بالنزول وانه مكروه واما في الحضر فيكره الاذان راكبا في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أنه قال
لا بأس به ثم المؤذن يختم الإقامة على مكانه أو يتمها ماشيا اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يختمها على مكانه سواء كان
المؤذن اماما أو غيره وكذا روى عن أبي يوسف وقال بعضهم يتمها ماشيا وعن الفقيه أبى جعفر الهندواني انه إذا
بلغ قوله قد قامت الصلاة فهو بالخيار وان شاء مشى وان شاء وقف اماما كان أو غيره وبه أخذ الشافعي والفقيه أبو
الليث وما روى عن أبي يوسف رحمه الله أصح (ومنها) أن يؤذن في مسجد واحد ويكره أن يؤذن في مسجدين
ويصلى في أحدهما لأنه إذا صلى في المسجد الأول يكون متنفلا بالاذان في المسجد الثاني والتنفل بالاذان غير
مشروع ولان الاذان يختص بالمكتوبات وهو في المسجد الثاني يصلى النافلة فلا ينبغي أن يدعو الناس إلى
المكتوبة وهو لا يساعدهم فيها (ومنها) ان من أذن فهو الذي يقيم وان أقام غيره فإن كان يتأذى بذلك يكره
لان اكتساب أذى المسلم مكروه وإن كان لا يتأذى به لا يكره وقال الشافعي يكره تأذى به أو لم يتأذ (احتج) بما
روى عن أخي صداى أنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا إلى حاجة له فأمرني أن أؤذن فاذنت فجاء
بلال وأراد أن يقيم فنهاه عن ذلك وقال إن أخا صداى هو الذي أذن ومن أذن فهو الذي يقيم (ولنا) ما روى أن
عبد الله بن زيد لما قص الرؤيا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لقنها بلالا فاذن بلال ثم أمر النبي صلى الله
151

عليه وسلم عبد الله بن زيد فأقام وروى أن ابن أم مكتوم كان يؤذن وبلال يقيم وربما أذن بلال وأقام ابن أم
مكتوم وتأويل ما رواه ان ذلك كان يشق عليه لأنه روى أنه كان حديث عهد بالاسلام وكان يحب الأذان والإقامة
(ومنها) أن يؤذن محتسبا ولا يأخذ على الأذان والإقامة أجرا ولا يحل له أخذ الأجرة على ذلك لأنه استئجار على
الطاعة وذا لا يجوز لان الانسان في تحصيل الطاعة عامل لنفسه فلا يجوز له أخذ الأجرة عليه وعند الشافعي
يحل له أن يأخذ على ذلك أجرا وهي من مسائل كتاب الإجارات وفى الباب حديث خاص وهو ما روى عن عثمان
ابن أبي العاص رضي الله عنه أنه قال آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أصلى بالقوم صلاة أضعفهم
وان أتخذ مؤذنا لا يأخذ عليه أجرا وان علم القوم حاجته فأعطوه شيئا من غير شرط فهو حسن لأنه من باب البر
والصدقة والمجازاة على احسانه بمكانهم وكل ذلك حسن والله أعلم
* (فصل) * وأما بيان محل وجوب الاذان فالمحل الذي يجب فيه الاذان ويؤذن له الصلوات المكتوبة التي تؤدى
بجماعة مستحبة في حال الإقامة فلا أذان ولا إقامة في صلاة الجنازة لأنها ليست بصلاة على الحقيقة لوجود بعض
ما يتركب منه الصلاة وهو القيام إذ لا قراءة فيها ولا ركوع ولا سجود ولا قعود فلم تكن صلاة على الحقيقة ولا
أذان ولا إقامة في النوافل لان الاذان للاعلام بدخول وقت الصلاة والمكتوبات هي المختصة بأوقات معينة دون
النوافل ولان النوافل تابعة للفرائض فجعل أذان الأصل أذانا للتبع تقدير أولا أذان ولا إقامة في السنن لما قلنا ولا
أذان ولا إقامة في الوتر لأنه سنة عندهما فكان تبعا للعشاء فكان تبعا لها في الاذان كسائر السنن وعند أبي حنيفة
واجب والواجب غير المكتوبة والاذان من خواص المكتوبات ولا أذان ولا إقامة في صلاة العيدين وصلاة
الكسوف والخسوف والاستسقاء لأنها ليست بمكتوبة ولا أذان ولا إقامة في جماعة النسوان والصبيان والعبيد
لأن هذه الجماعة غير مستحبة وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس على النساء أذان ولا إقامة ولأنه
ليس عليهن الجماعة فلا يكون عليهن الأذان والإقامة والجمعة فيها أذان وإقامة لأنها مكتوبة تؤدى بجماعة
مستحبة ولان فرض الوقت هو الظهر عند بعض أصحابنا والجمعة قائمة مقامة وعند بعضهم الفرض هو الجمعة
ابتداء وهي آكد من الظهر حتى وجب ترك الظهر لأجلها ثم إنهما وجبا لإقامة الظهر فالجمعة أحق ثم الاذان
المعتبر يوم الجمعة هو ما يؤتى به إذا صعد الامام المنبر وتجب الإجابة والاستماع له دون الذي يؤتى به على المنارة
وهذا قول عامة العلماء وكان الحسن بن زياد يقول المعتبر هو الاذان على المنارة لان الاعلام يقع به والصحيح قول
العامة لما روى عن السائب بن يزيد أنه قال كان الاذان يوم الجمعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى
عهد أبى بكر وعمر رضي الله عنهما أذانا واحدا حين يجلس الامام على المنبر فلما كانت خلافة عثمان رضي الله عنه
وكثر الناس أمر عثمان رضي الله عنه بالاذان الثاني على الزوراء وهي المنارة وقيل اسم موضع بالمدينة وصلاة
العصر بعرفة تؤدى مع الظهر في وقت الظهر باذان واحد ولا يراعى للعصر أذان على حدة لأنها شرعت في وقت
الظهر في هذا اليوم فكان أذان الظهر وإقامته عنهما جميعا وكذلك صلاة المغرب مع العشاء بمزدلفة يكتفى فيهما
باذان واحد لما ذكرنا الا ان في الجمع الأول يكتفى باذان واحد لكن بإقامتين وفى الثاني يكتفى باذان واحد وإقامة
واحدة عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر باذان واحد وإقامتين كما في الجمع الأول وعند الشافعي باذانين وإقامة واحدة
لما يذكر في كتاب المناسك إن شاء الله تعالى ولو صلى الرجل في بيته وحده ذكر في الأصل إذا صلى الرجل في بيته
واكتفى باذان الناس وإقامتهم أجزأه وان أقام فهو حسن لأنه ان عجز عن تحقق الجماعة بنفسه فلم يعجز عن التشبه
فيندب إلى أن يؤدى الصلاة على هيئة الصلاة بالجماعة ولهذا كان الأفضل أن يجهر بالقراءة في صلوات الجهر
وان ترك ذلك واكتفى باذان الناس وإقامتهم أجزأه لما روى أن عبد الله بن مسعود صلى بعلقمة والأسود بغير أذان
ولا إقامة وقال يكفينا أذان الحي وإقامتهم أشار إلى أن أذان الحي وإقامتهم وقع لكل واحد من أهل الحي ألا ترى
ان على كل واحد منهم أن يحضر مسجد الحي وروى ابن أبي مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في قوم صلوا في
152

المصر في منزل أو في مسجد منزل فأخبروا باذان الناس وإقامتهم أجزأهم وقد أساؤا بتركهما فقد فرق بين الجماعة
والواحد لان أذان الحي يكون أذانا للافراد ولا يكون أذانا للجماعة هذا في المقيمين وأما المسافرون فالأفضل لهم
أن يؤذنوا ويقيموا ويصلوا بجماعة لان الأذان والإقامة من لوازم الجماعة المستحبة والسفر لم يسقط الجماعة فلا
يسقط ما هو من لوازمها فان صلوا بجماعة وأقاموا وتركوا الاذان أجزأهم ولا يكره ويكره لهم ترك الإقامة بخلاف
أهل المصر إذا تركوا الاذان وأقاموا انه يكره لهم ذلك لان السفر سبب الرخصة وقد أثر في سقوط شطر فجاز أن يؤثر
في سقوط أحد الأذانين الا ان الإقامة آكد ثبوتا من الاذان فيسقط شطر الاذان دون الإقامة وأصله ما روى عن علي
رضي الله عنه أنه قال المسافر بالخيار ان شاء أذن وأقام وان شاء أقام ولو يؤذن ولم يوجد في حق أهل المصر سبب
الرخصة ولان الاذان للاعلام بهجوم وقت الصلاة ليحضروا والقوم في السفر حاضرون فلم يكره تركه لحصول
المقصود بدونه بخلاف الحضر لان الناس لتفرقهم واشتغالهم بأنواع الحرف والمكاسب لا يعرفون بهجوم الوقت
فيكره ترك الاعلام في حقهم بالاذان بخلاف الإقامة فإنها للاعلام بالشروع في الصلاة وذا لا يختلف في حق المقيمين
والمسافرين وأما المسافر إذا كان وحده فان ترك الاذان فلا بأس به وان ترك الإقامة يكره والمقيم إذا كان يصلى في
بيته وحده فترك الأذان والإقامة لا يكره (والفرق) ان أذان أهل المحلة يقع أذانا لكل واحد من أهل المحلة فكأنه
وجد الاذان منه في حق نفسه تقديرا فاما في السفر فلم يوجد الأذان والإقامة للمسافر من غيره غير أنه سقط الاذان في
حقه رخصة وتيسيرا فلا بد من الإقامة ولو صلى في مسجد باذان وإقامة هل يكره أن يؤذن ويقام فيه ثانيا فهذا لا
يخلو من أحد وجهين اما إن كان مسجدا له أهل معلوم أو لم يكن فإن كان له أهل معلوم فان صلى فيه غير أهله باذان
وإقامة لا يكره لأهله أن يعيدوا الأذان والإقامة وان صلى فيه أهله باذان وإقامة أو بعض أهله يكره لغير أهله
وللباقين من أهله ان يعيدوا الأذان والإقامة وعند الشافعي لا يكره وإن كان مسجدا ليس له أهل معلوم بأن كان على
شوارع الطريق لا يكره تكرار الأذان والإقامة فيه وهذه المسألة بناء على مسألة أخرى وهي ان تكرار الجماعة في
مسجد واحد هل يكره فهو على ما ذكرنا من التفصيل والاختلاف وروى عن أبي يوسف انه إنما يكره إذا كانت
الجماعة الثانية كثيرة فاما إذا كانوا ثلاثة أو أربعة فقاموا في زاوية من زوايا المسجد وصلوا بجماعة لا يكره وروى
عن محمد انه إنما يكره إذا كانت الثانية على سبيل التداعي والاجتماع فأما إذا لم يكن فلا يكره (احتج) الشافعي
بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بجماعة في المسجد فلما فرغ من صلاته دخل رجل وأراد أن يصلى
وحده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يتصدق على هذا الرجل فقال أبو بكر رضي الله عنه أنا يا رسول الله
فقام وصلى معه وهذا أمر بتكرار الجماعة وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمر بالمكروه ولان قضاء
حق المسجد واجب كما يجب قضاء حق الجماعة حتى أن الناس لو صلوا بجماعة في البيوت وعطلوا المساجد أثموا
وخوصموا يوم القيامة بتركهم قضاء حق المسجد ولو صلوا فرادى في المساجد أثموا بتركهم الجماعة والقوم الآخرون
ما قضوا حتى المسجد فيجب عليهم قضاء حقه بإقامة الجماعة فيه ولا يكره والدليل عليه أنه لا يكره في مساجد قوارع
الطرق كذا هذا (ولنا) ما روى عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج من بيته ليصلح بين الأنصار لتشاجر بينهم فرجع وقد صلى في المسجد بجماعة فدخل رسول الله صلى الله عليه
وسلم في منزل بعض أهله فجمع أهله فصلى بهم جماعة ولو لم يكره تكرار الجماعة في المسجد لما تركها رسول الله صلى
الله عليه وسلم مع علمه بفضل الجماعة في المسجد وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه ان أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم كانوا إذا فاتتهم الجماعة صلوا في المسجد فرادى ولان التكرار يؤدى إلى تقليل الجماعة لان
الناس إذا علموا انهم تفوتهم الجماعة فيستعجلون فتكثر الجماعة وإذا علموا أنها لا تفوتهم يتأخرون فتقل الجماعة
وتقليل الجماعة مكروه بخلاف المساجد التي على قوارع الطرق لأنها ليست لها أهل معروفون فأداء الجماعة فيها مرة
بعد أخرى لا يؤدى إلى تقليل الجماعات وبخلاف ما إذا صلى فيه غير أهله لأنه لا يؤدى إلى تقليل الجماعة لان أهل
153

المسجد ينتظرون أذان المؤذن المعروف فيحضرون حينئذ ولان حق المسجد لم يقض بعد لان قضاء حقه على
أهله الا ترى أن المرمة ونصب الامام والمؤذن عليهم فكان عليهم قضاؤه ولا عبرة بتقليل الجماعة الأولين لان
ذلك مضاف إليهم حيث لا ينتظروا حضور أهل المسجد بخلاف أهل المسجد لان انتظارهم ليس بواجب عليهم ولا
حجة له في الحديث لأنه أمر واحدا وذا لا يكره وإنما المكروه ما كان على سبيل التداعي والاجتماع بل هو حجة
عليه لأنه لم يأمر أكثر من الواحد مع حاجتهم إلى احراز الثوب وما ذكر من المعنى غير سديد لان قضاء حق المسجد
على وجه يؤدى إلى تقليل الجماعة مكروه ويستوى في وجوب مراعاة الأذان والإقامة الأداء والقضاء وجملة
الكلام فيه انه لا يخلوا ما إن كانت الفائتة من الصلوات الخمس واما إن كانت صلاة الجمعة فإن كانت من الصلوات
الخمس فان فاته صلاة واحدة قضاها باذان وإقامة وكذا إذا فاتت الجماعة صلاة واحدة قضوها بالجماعة باذان وإقامة
وللشافعي قولان في قول يصلى بغير اذان وإقامة وفى قول يصلى بالإقامة لا غير (احتج) بما روى أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لما شغل عن أربع صلوات يوم الأحزاب قضاهن بغير اذان ولا إقامة وروى في قصة ليلة
التعريس أن النبي صلى الله عليه وسلم ارتحل من ذلك الوادي فلما ارتفعت الشمس أمر بلالا فأقام وصلوا ولم يأمره
بالاذان ولان الاذان للاعلام بدخول الوقت ولا حاجة ههنا إلى الاعلام به (ولنا) ما روى أبو قتادة الأنصاري
رضي الله عنه في حديث ليلة التعريس فقال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أو سرية فلما كان في
آخر السحر عرسنا فما استيقظنا حتى أيقظنا حر الشمس فجعل الرجل منا يثب دهشا وفزعا فاستيقظ رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال ارتحلوا من هذا الوادي فإنه وادى شيطان فارتحلنا ونزلنا بواد آخر فلما ارتفعت
الشمس وقضى القوم حوائجهم أمر بلالا بان يؤذن فاذن وصلينا ركعتين ثم أقام فصلينا صلاة الفجر وهكذا روى
عمران بن حصين هذه القصة وروى أصحاب الاملاء عن أبي يوسف باسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
انه حين شغلهم الكفار يوم الأحزاب عن أربع صلوات قضاهن فامر بلالا أن يؤذن ويقيم لكل واحدة منهن
حتى قالوا أذن وأقام وصلى الظهر ثم أذن وأقام وصلى العصر ثم أذن وأقام وصلى المغرب ثم أذن وأقام وصلى العشاء
ولان القضاء على حسب الأداء وقد فاتتهم الصلاة باذان وإقامة فتقضى كذلك ولا تعلق له بحديث التعريس
والأحزاب لأن الصحيح انه أذن هناك وأقام على ما روينا وأما إذا فاتته صلوات فان أذن لكل واحدة وأقام فحسن
وان أذن وأقام للأولى واقتصر على الإقامة للبواقي فهو جائز وقد اختلفت الروايات في قضاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم الصلوات التي فاتته يوم الخندق في بعضها أنه أمر بلالا فاذن وأقام لكل صلاة على ما روينا وفى بعضها
انه أذن وأقام للأولى ثم أقام لكل صلاة بعدها وفى بعضها انه اقتصر على الإقامة لكل صلاة ولا شك أن الاخذ
برواية الزيادة أولى خصوصا في باب العبادات وان فاتته صلاة الجمعة صلى الظهر بغير أذان ولا إقامة لان الأذان والإقامة
للصلاة التي تؤدى بجماعة مستحبة وأداء الظهر بجماعة يوم الجمعة مكروه في المصر كذا روى
عن علي رضي الله عنه
* (فصل) * وأما بيان وقت الأذان والإقامة فوقتهما ما هو وقت الصلوات المكتوبات حتى لو أذن قبل دخول
الوقت لا يجزئه ويعيده إذا دخل الوقت في الصلوات كلها في قول أبي حنيفة ومحمد وقد قال أبو يوسف أخير الا
بأس بان يؤذن للفجر في النصف الأخير من الليل وهو قول الشافعي (واحتجا) بما روى سالم بن عبد الله بن عمر عن
أبيه رضي الله عنه أن بلالا كان يؤذن بليل وفى رواية قال لا يغرنكم أذان بلال عن السحور فإنه يؤذن بليل ولان
وقت الفجر مشتبه وفى مراعاته بعض الحرج بخلاف سائر الصلوات (ولأبي) حنيفة ومحمد وما روى شداد مولى
عياض بن عامر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يده عرضا ولان
الاذان شرع للاعلام بدخول الوقت والاعلام بالدخول قبل الدخول كذب وكذا هو من باب الخيانة في الأمانة
والمؤذن مؤتمن على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا لم يجز في سائر الصلوات ولان الاذان قبل الفجر
154

يؤدى إلى الضرر بالناس لان ذلك وقت نومهم خصوصا في حق من تهجد في النصف الأول من الليل فربما يلتبس
الامر عليهم وذلك مكروه وروى أن الحسن البصري كان إذا سمع من يؤذن قبل طلوع الفجر قال علوج فراغ
لا يصلون الا في الوقت لو أدركهم عمر لأدبهم وبلال رضي الله عنه ما كان يؤذن بليل لصلاة الفجر بل لمعان
أخر لما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنا قال لا يمنعنكم من السحور أذان بلال
فإنه يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرد قائمكم ويتسحر صائمكم فعليكم باذان ابن أم مكتوم وقد كانت الصحابة رضي الله عنه
م فرقتين فرقة يتهجدون في النصف الأول من الليل وفرقة في النصف الأخير وكان الفاصل أذان بلال
والدليل على أن أذان بلال كان لهذه المعاني لا لصلاة الفجر ان ابن أم مكتوم كان يعيده ثانيا بعد طلوع الفجر وما
ذكر من المعنى غير سديد لان الفجر الصادق المستطير في الأفق مستبين لا اشتباه فيه
* (فصل) * وأما بيان ما يجب على السامعين عند الاذان فالواجب عليهم الإجابة لما روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال أربع من الجفاء من باب قائما ومن مسح جبهته قبل الفراغ من الصلاة ومن سمع الاذان
ولم يجب ومن سمع ذكرى ولم يصل على والإجابة أن يقول مثل ما قال المؤذن لقول النبي صلى الله عليه
وسلم من قال مثل ما يقول المؤذن غفر الله ما تقدم من ذلبسه وما تأخر فيقول مثل ما قاله الا في قوله حي على
الصلاة حي على الفلاح فإنه يقول مكانه لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم لان إعادة ذلك تشبه المحاكاة والاستهزاء
وكذا إذا قال المؤذن الصلاة خير من النوم لا يعيده السامع لما قلنا ولكنه يقول صدقت وبررت أو ما يؤجر
عليه ولا ينبغي أن يتكلم السامع في حال الأذان والإقامة ولا يشتغل بقراءة القرآن ولا بشئ من الاعمال سوى
الإجابة ولو كان في القراءة ينبغي أن يقطع ويشتغل بالاستماع والإجابة كذا قالوا في الفتاوى والله أعلم (والثاني)
الجماعة والكلام فيها في مواضع في بيان وجوبها وفي بيان ما تجب عليه وفي بيان من تنعقد به وفي بيان ما يفعله
فائت الجماعة وفي بيان من يصلح للإمامة في الجملة وفي بيان من يصلح لها على التفصيل وفي بيان من هو أحق وأولى
بالإمامة وفي بيان مقام الإمام والمأموم وفي بيان ما يستحب للامام أن يفعله بعد الفراغ من الصلاة (أما) الأول
فقد قال عامة مشايخنا انها واجبة وذكر الكرخي انها سنة (واحتج) بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة وفى رواية بخمس وعشرين درجة جعل
الجماعة لاحراز الفضيلة وذا آية السنن وجه قول العامة الكتاب والسنة وتوارث الأمة اما الكتاب فقوله
تعالى واركعوا مع الراكعين أمر الله تعالى بالركوع مع الراكعين وذلك يكون في حال المشاركة في الركوع
فكان أمرا بإقامة الصلاة بالجماعة ومطلق الامر لوجوب العمل (وأما) السنة فما روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال لقد هممت أن آمر رجلا يصلى بالناس فانصرف إلى أقوام تخلفوا عن الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم
ومثل هذا الوعيد لا يلحق الا بترك الواجب (وأما) توارث الأمة فلان الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى يومنا هذا واظبت عليها وعلى النكير على تاركها والمواظبة على هذا الوجه دليل الوجوب وليس هذا
اختلافا في الحقيقة بل من حيث العبارة لان السنة المؤكدة والواجب سواء خصوصا ما كان من شعائر الاسلام
الا ترى أن الكرخي سماها سنة ثم فسرها بالواجب فقال الجماعة سنة لا يرخص لاحد التأخر عنها الا لعذر وهو
تفسير الواجب عند العامة
* (فصل) * وأما بيان من تجب عليه الجماعة فالجماعة إنما تجب على الرجال العاقلين الأحرار القادرين عليها
من غير حرج فلا تجب على النساء والصبيان والمجانين والعبيد لمقعد ومقطوع اليد والرجل من خلاف والشيخ
الكبير الذي لا يقدر على المشي والمريض (أما) النساء فلان خروجهن إلى الجماعات فتنة (وأما) الصبيان
والمجانين فلعدم أهلية وجوب الصلاة في حقهم وأما العبيد فلرفع الضرر عن مواليهم بتعطيل منافعهم المستحقة
وأما المقعد ومقطوع اليد والرجل من خلاف والشيخ الكبير فلاتهم لا يقدرون على المشي والمريض لا يقدر
155

عليه الا بحرج (وأما) الأعمى فاجمعوا على أنه إذا لم يجد قائد الا تجب عليه وان وجد قائدا فكذلك عند أبي حنيفة
وعند أبي يوسف ومحمد تجب والمسألة مع حججها تأتى في كتاب الحج إن شاء الله تعالى
* (فصل) * وأما بيان من تنعقد به الجماعة فأقل من تنعقد به الجماعة اثنان وهو أن يكون
مع الامام واحد لقول النبي صلى الله عليه وسلم الاثنان فما فوقهما جماعة ولان الجماعة مأخوذة من معنى الاجتماع
وأقل ما يتحقق به الاجتماع اثنان وسواء كان ذلك الواحد رجلا أو امرأة أو صبيا يعقل لان النبي صلى الله عليه وسلم
سمى الاثنين مطلقا جماعة ولحصول معنى الاجتماع بانضمام كل واحد من هؤلاء إلى الامام وأما المجنون والصبي
الذي لا يعقل فلا عبرة بهما لأنهما ليسا من أهل الصلاة فكانا ملحقين بالعدم
* (فصل) * وأما بيان ما يفعله بعد فوات الجماعة فلا خلاف في أنه إذا فائته الجماعة لا يجب عليه الطلب
في مسجد آخر لكنه كيف يصنع ذكر في الأصل انه إذا فاتته الجماعة في مسجد حيه فان أتى مسجدا آخر يرجو
ادراك الجماعة فيه فحسن وان صلى في مسجد حيه فحسن لحديث الحسن قال كانوا إذا فاتتهم الجماعة فمنهم من يصلى
في مسجد حيه ومنهم من يتبع الجماعة أراد به الصحابة رضي الله عنهم ولان في كل جانب مراعاة حرمة وترك
أخرى ففي أحد الجانبين مراعاة حرمة مسجده وترك الجماعة وفى الجانب الآخر مراعاة فضيلة الجماعة وترك حق
مسجده فإذا تعذر الجمع بينهما مال إلى أيهما شاء وذكر القدوري انه إذا فاتته الجماعة جمع باهله في منزله وان
صلى وحده جاز لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه خرج من المدينة إلى صلح بين حيين من أحياء العرب
فانصرف منه وقد فرغ الناس من الصلاة فمال إلى بيته وجمع باهله في منزله وفى هذا الحديث دليل على سقوط
الطلب إذا لو وجب لكان أولى الناس به رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الشيخ الامام السرخسي أن الأولى
في زماننا انه إذا لم يدخل مسجده أن يتبع الجماعة وان دخل مسجده صلى فيه
* (فصل) * وأما بيان من يصلح للإمامة في الجملة فهو كل عاقل مسلم حتى تجوز امامة العبد والأعرابي والأعمى وولد
الزنا والفاسق وهذا قول العامة وقال مالك لا تجوز الصلاة خلف الفاسق ووجه قوله إن الإمامة من باب الأمانة
والفاسق خائن ولهذا لا شهادة له لكون الشهادة من باب الأمانة (ولنا) ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وقوله صلى الله عليه وسلم صلوا خلف كل بر وفاجر والحديث والله أعلم وان ورد
في الجمع والأعياد لتعلقهما بالأمراء وأكثرهم فساق لكنه بظاهره حجة فيما نحن فيه إذا لعبرة لعموم اللفظ
لا لخصوص السبب وكذا الصحابة رضي الله عنهم كابن عمر وغيره والتابعون اقتدوا بالحجاج في صلاة الجمعة و
غيرها مع أنه كان أفسق أهل زمانه حتى كان عمر بن عبد العزيز يقول لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بأبى
محمد لغلبناهم وأبو محمد كنية الحجاج وروى عن أبي سعيد مولى بنى أسيد أنه قال عرست فدعوت وهطا من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو ذر وحذيفة وأبو سعيد الخدري فحضرت الصلاة فقدموني فصليت
بهم وانا يومئذ عبد وفى رواية قال فتقدم أبو ذر يصلى بهم فقيل له أتتقدم وأنت في بيت غيرك فقدموني فصليت
بهم وأنا يومئذ عبد وهذا حديث معروف أورده محمد في كتاب المأذون وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
استخلف ابن أم مكتوم على الصلاة بالمدينة حتى خرج إلى بعض الغزوات وكان أعمى ولأن جواز الصلاة متعلق
بأداء الأركان وهؤلاء قادرون عليها الا ان غيرهم أولى لان مبنى الإمامة على الفضيلة ولهذا كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يؤم غيره ولا يؤمه غيره وكذا كل واحد من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في عصره ولان
الناس لا يرغبون في الصلاة خلف هؤلاء فتؤدى امامتهم إلى تقليل الجماعة وذلك مكروه ولان مبنى أداء الصلاة
على العلم والغالب على العبد والأعرابي وولد الزنا الجهل اما العبد فلانه لا يتفرغ عن خدمة مولاه ليتعلم
العلم وقال الشافعي إذا ساوى العبد غيره في العلم والورع كان هو وغيره سواء ولا تكون الصلاة خلف غيره أحب
إلى (واحتج) بحديث أبي سعيد مولى بنى أسيد وذا يدل على الجواز ولا كلام فيه وتقليل الجماعة وانتقاص
156

فضيلته عن فضيلة الأحرار يوجبان الكراهة وكذا الغالب على الاعرابي الجهل قال الله تعالى الاعراب
أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والأعرابي هو البدوي وانه اسم ذم والعربي
اسم مدح وكذا ولد الزنا الغالب من حاله الجهل لفقده من يؤدبه ويعلمه معالم الشريعة ولان الإمامة أمانة عظيمة
فلا يتحملها الفاسق لأنه لا يؤدى الأمانة على وجهها والأعمى يوجهه غيره إلى القبلة فيصير في أمر القبلة مقتديا بغيره
وربما يميل في خلال الصلاة عن القبلة ألا ترى إلى ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه انه كان يمتنع عن الإمامة
بعدما كف بصره ويقول كيف أؤمكم وأنتم تعدلونني ولأنه لا يمكنه التوقي عن النجاسات فكان البصير أولى
الا إذا كان في الفضل لا يوازيه في مسجده غيره فحينئذ يكون أولى ولهذا استخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم
مكتوم رضي الله عنه وامامة صاحب الهوى والبدعة مكروهة نص عليه أبو يوسف في الأمالي فقال أكره أن
يكون الامام صاحب هوى وبدعة لان الناس لا يرغبون في الصلاة خلفه وهل تجوز الصلاة خلفه قال بعض
مشايخنا ان الصلاة خلف المبتدع لا تجوز وذكر في المنتقى رواية عن أبي حنيفة انه كان لا يرى الصلاة خلف
المبتدع والصحيح انه إن كان هوى يكفره لا تجوز وإن كان لا يكفره تجوز مع الكراهة وكذا المرأة تصلح
للإمامة في الجملة حتى لو أمت النساء جاز وينبغي أن تقوم وسطهن لما روى عن عائشة رضي الله عنها انها أمت نسوة
في صلاة العصر وقامت وسطهن وأمت أم سلمة نساء وقامت وسطهن ولان مبنى حالهن على الستر وهذا أستر
لها الا ان جماعتهن مكروهة عندنا وعند الشافعي مستحبة كجماعة الرجال ويروى في ذلك أحاديث لكن
تلك كانت في ابتداء الاسلام ثم نسخت بعد ذلك ولا يباح للشواب منهن الخروج إلى الجماعات بدليل ما روى
عن عمر رضي الله عنه انه نهى الشواب عن الخروج ولان خروجهن إلى الجماعة سبب الفتنة والفتنة حرام
وما أدى إلى الحرام فهو حرام وأما العجائز فهل يباح لهن الخروج إلى الجماعات فتذكر الكلام فيه في موضع آخر
وكذا الصبي العاقل يصلح اماما في الجملة بان يؤم الصبيان في التراويح وفى إمامته البالغين فيها اختلاف المشايخ على
ما مر فاما المجنون والصبي الذي لا يعقل فليسا من أهل الإمامة أصلا لأنهما ليسا من أهل الصلاة
* (فصل) * وأما بيان من يصلح للإمامة على التفصيل فكل من صح اقتداء الغير به في صلاة يصلح اماما له فيها
ومن لا فلا وقد مر بيان شرائط صحة الاقتداء والله الموفق
* (فصل) * وأما بيان من هو أحق بالإمامة وأولى بها فالحر أولى بالإمامة من العبد والتقى أولى من الفاسق والبصير
أولى من الأعمى وولد الرشدة أولى من ولد الزنا وغير الاعرابي من هؤلاء أولى من الاعرابي لما قلنا ثم أفضل
هؤلاء أعلمهم بالسنة وأفضلهم ورعا وأقرؤهم لكتاب الله تعالى وأكبرهم سنا ولا شك ان هذه الخصال إذا
اجتمعت في انسان كان هو أولى لما بينا ان بناء أمر الإمامة على الفضيلة والكمال والمستجمع فيه هذه الخصال من
أكمل الناس واما العلم والورع وقراءة القرآن فظاهر واما كبر السن فلان من امتد عمره في الاسلام كان أكثر
طاعة ومداومة على الاسلام فاما إذا تفرقت في أشخاص فأعلمهم بالسنة أولى إذا كان يحسن من القراءة ما تجوز
به الصلاة وذكر في كتاب الصلاة وقدم الأقرأ فقال ويؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأعلمهم بالسنة وأفضلهم
ورعا وأكبرهم سنا والأصل فيه ما روى عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
ليؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا
سواء فأكبرهم سنا فإن كانوا سواء فأحسنهم خلقا فإن كانوا سواء فأصبحهم وجها ثم من المشايخ من أجرى الحديث
على ظاهره وقدم الأقرأ لان النبي صلى الله عليه وسلم بدأ به والأصح ان الأعلم بالسنة إذا كان يحسن من
القراءة ما تجوز به الصلاة فهو أولى كذا ذكر في آثار أبي حنيفة لافتقار الصلاة بعد هذا القدر من القراءة إلى العلم
ليتمكن به من تدارك ما عسى ان يعرض في الصلاة من العوارض وافتقار القراءة أيضا إلى العلم
بالخطأ المفسد للصلاة فيها فلذلك كان الأعلم أفضل حتى قالوا إن الأعلم إذا كان ممن يجتنب الفواحش الظاهرة
157

والأقرأ أورع منه فالأعلم أولى الا ان النبي صلى الله عليه وسلم قدم الأقرأ في الحديث لان الأقرأ في ذلك الزمان كان
أعلم لتلقيهم القرآن بمعانيه وأحكامه فاما في زماننا فقد يكون الرجل ماهرا في القرآن ولاحظ له من العلم فكان
الأعلم أولى فان استووا في العلم فأورعهم لان الحاجة بعد العلم والقراءة بقدر ما يتعلق به الجواز إلى الورع أشد قال
النبي صلى الله عليه وسلم من صلى خلف عالم تقى فكأنما صلى خلف نبي وإنما قدم أقدمهم هجرة في الحديث لان
الهجرة كانت فريضة يومئذ ثم نسخت بقوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح فيقدم الأورع لتحصل به الهجرة
عن المعاصي فان استووا في الورع فاقرؤهم لكتاب الله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم أهل القرآن أهل
الله وخاصته فان استووا في القراءة فأكبرهم سنا لقوله صلى الله عليه وسلم الكبر الكبر فإن كانوا فيه سواء فأحسنهم
خلقا لان حسن الخلق من باب الفضيلة ومبنى الإمامة على الفضيلة فإن كانوا فيه سواء فأحسنهم وجها لان رغبة
الناس في الصلاة خلفه أكثر وبعضهم قالوا معنى قوله في الحديث أحسنهم وجها أي أكثرهم خبرة بالأمور يقال
وجه هذا الامر كذا وقال بعضهم أي أكثرهم صلاة بالليل كما جاء في الحديث من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار
ولا حاجة إلى هذا التكلف لان الحمل على ظاهره ممكن لما بينا ان ذلك من أحد دواعي الاقتداء فكانت إمامته سببا
لتكثير الجماعة فكان هو أولى ويكره للرجل أن يؤم الرجل في بيته الا باذنه لما روينا من حديث أبي سعيد
مولى بنى أسيد ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمة أخيه
الا باذنه فإنه أعلم بعورات بيته وفى رواية في بيته ولان في التقدم عليه ازدراء به بين عشائره وأقاربه وذا لا يليق
بمكارم الأخلاق ولو أذن له لا بأس به لان الكراهة كانت لحقه وذكر محمد في غير رواية الأصول ان الضيف
إذا كان ذا سلطان جاز له أن يؤم بدون الاذن لان الاذن لمثل هذا الضيف ثابت دلالة وانه كالاذن نصا وأما إذا
كان الضيف سلطانا فحق الإمامة له حيثما يكون وليس للغير أن يتقدم عليه الا باذنه والله أعلم
* (فصل) * وأما بيان مقام الإمام والمأموم فنقول إذا كان سوى الامام ثلاثة يتقدمهم الامام لفعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعمل الأمة بذلك وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال إن جدتي مليكة دعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام فقال صلى الله عليه وسلم قوموا لأصلي بكم فأقامني واليتيم من ورائه وأمي
أم سليم من ورائنا ولان الامام ينبغي أن يكون بحال يمتاز بها عن غيره ولا يشتبه على الداخل ليمكنه الاقتداء به ولا
يتحقق ذلك الا بالتقدم ولو قام في وسطهم أو في ميمنة الصف أو في ميسرته جاز وقد أساء أما الجواز فلان الجواز
يتعلق بالأركان وقد وجدت وأما الإساءة فلتركه السنة المتواترة وجعل نفسه بحال لا يمكن الداخل الاقتداء به وفيه
تعريض اقتدائه للفساد ولذلك إذا كان سواء اثنان يتقدمهما في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف انه يتوسطهما
لما روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه انه صلى بعلقمة والأسود وقام وسطهما وقال هكذا صنع بنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم (ولنا) ما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم بأنس واليتيم وأقامهما خلفه
وهو مذهب على وابن عمر رضي الله عنهما وأما حديث ابن مسعود فهذه الزيادة وهي قوله هكذا صنع بنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم لم تر وفى عامة الروايات فلم يثبت وبقى مجرد الفعل وهو محمول على ضيق المكان كذا
قال إبراهيم النخعي وهو كان أعلم الناس بأحوال عبد الله ومذهبه ولو ثبتت الزيادة فهي أيضا محمولة على هذه الحالة
أي هكذا صنع بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ضيق المكان على أن الأحاديث ان تعارضت وجب المصير
إلى المعقول الذي لأجله يتقدم الامام وهو ما ذكرنا أنه يتقدم لئلا يشتبه حاله وهذا المعنى موجود فيما نحن فيه
غير أن ههنا لو قام الامام وسطهما لا يكره لورود الأثر وكون التأويل من باب الاجتهاد وإن كان مع الامام
رجل واحد أوصى يعقل الصلاة يقف عن يمين الامام لما روى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال بت عند
خالتي ميمونة لأراقب صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال نامت
العيون وغارت النجوم وبقى الحي القيوم ثم قرأ آخر آل عمران ان في خلق السماوات والأرض الآيات ثم قام إلى شن
158

معلق في الهواء فتوضأ وافتتح الصلاة فتوضأت ووقفت عن يساره فأخذ باذني وفى رواية بذؤابتي وأدارني خلفه
حتى أقامني عن يمينه فعدت إلى مكاني فأعادني ثانيا وثالثا فلما فرغ قال ما منعك يا غلام أن تثبت في الموضع الذي
أوقفتك فيه فقلت أنت رسول الله ولا ينبغي لاحد أن يساويك في الموقف فقال صلى الله عليه وسلم اللهم فقهه في
الدين وعلمه التأويل فأعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه إلى الجانب الأيمن دليل على أن المختار هو الوقوف
على يمين الامام إذا كان معه رجل واحد وكذا روى عن حذيفة رضي الله عنه أنه قام عن يسار رسول الله صلى
الله عليه وسلم فحوله وأقامه عن يمينه ثم إذا وقف عن يمينه لا يتأخر عن الامام في ظاهر الرواية وعن محمد أنه
ينبغي أن تكون أصابعه عند عقب الامام وهو الذي وقع عند العوام ولو كان المقتدى أطول من الامام وكان
سجوده قدام الامام لم يضره لان العبرة لموضع الوقوف لا لموضع السجود كما لو وقف في الصف ووقع سجوده
أمام الامام لطوله ولو وقف عن يساره جاز لان الجواز متعلق بالأركان الا ترى أن ابن عباس وحذيفة رضي الله عنهم
ا وقفا في الابتداء عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جوز اقتداءهما به ولكنه يكره لأنه ترك المقام
المختار له ولهذا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس وحذيفة ولو وقف خلفه جاز لما مر وهل يكره
لم يذكر محمد الكراهة نصا واختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يكره لان الواقف خلفه أحد الجانبين منه على
يمينه فلا يتم اعراضه عن السنة بخلاف الواقف على يساره وقال بعضهم يكره لأنه يصير في معنى المنفرد خلف
الصف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمنبذ خلف الصفوف وأدنى درجات النهى هو الكراهة
وإنما نشأ هذا الاختلاف عن إشارة محمد فإنه قال وان صلى خلفه جازت صلاته وكذلك ان وقف عن يسار الامام
وهو مسئ فمنهم من صرف جواب الإساءة إلى آخر الفعلين ذكرا ومنهم من صرفه إليهما جميعا وهو الصحيح لأنه
عطف أحدهما على الآخر بقوله وكذلك ثم أثبت الإساءة فينصرف إليهما وإذا كان مع الامام امرأة أقامها
خلفه لان محاذاتها مفسدة وكذلك لو كان معه خنثى مشكل لاحتمال انه امرأة ولو كان معه رجل وامرأة أو رجل
وخنثى أقام الرجل عن يمينه والمرأة أو الخنثى خلفه ولو كان معه رجلان وامرأة أو خنثى أقام الرجلين خلفه
والمرأة أو الخنثى خلفهما ولو اجتمع الرجال والنساء والصبيان والخناثى والصبيات المراهقات فأرادوا أن
يصطفوا للجماعة يقوم الرجال صفا مما يلي الامام ثم الصبيان بعدهم ثم الخناثى ثم الإناث ثم الصبيات المراهقات
وكذلك الترتيب في الجنائز إذا اجتمعت وفيها جنازة الرجل والصبي والخنثى والأنثى والصبية المراهقة وكذلك
القتلى إذ أجمعت في حفيرة واحدة عند الحاجة على ما يذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى (وأفضل) مكان
المأموم إذا كان رجلا حيث يكون أقرب إلى الامام لقول النبي صلى الله عليه وسلم خير صفوف الرجال أولها
وشرها آخرها وإذا تساوت المواضع في القرب إلى الامام فعن يمينه أولى لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب
التيامن في الأمور وإذا قاموا في الصفوف تراصوا وسووا بين مناكبهم لقوله صلى الله عليه وسلم تراصوا والصقوا
المناكب بالمناكب
* (فصل) * وأما بيان ما يستحب للامام أن يفعله عقيب الفراغ من الصلاة فنقول إذا فرغ الامام من الصلاة فلا
يخلوا ما إن كانت صلاة لا تصلى بعدها سنة أو كانت صلاة تصلى بعدها سنة فإن كانت صلاة لا تصلى بعدها سنة
كالفجر والعصر فان شاء الامام قام وان شاء قعد في مكانه يشتغل بالدعاء لأنه لا تطوع بعد هاتين الصلاتين فلا
بأس بالقعود الا أنه يكره المكث على هيئته مستقبل القبلة لما روى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة لا يمكث في مكانه الا مقدار أن يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت
يا ذا الجلال والاكرام وروى جلوس الامام في مصلاه بعد الفراغ مستقبل القبلة بدعة ولان مكثه يوهم الداخل
انه في الصلاة فيقتدى به فيفسد اقتداؤه فكان المكث تعريضا لفساد اقتداء غيره به فلا يمكث ولكنه يستقبل
القوم بوجهه ان شاء ان لم يكن بحذائه أحد يصلى لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من صلاة
159

الفجر استقبل بوجهه أصحابه وقال هل رأى أحدكم رؤيا كأنه كان يطلب رؤيا فيها بشرى بفتح مكة فإن كان
بحذائه أحد يصلى لا يستقبل القوم بوجهه لان استقبال الصورة الصورة في الصلاة مكروه لما روى أن عمر رضي الله عنه
رأى رجلا يصلى إلى وجه غيره فعلاهما بالدرة وقال للمصلى أتستقبل الصورة وللآخر أتستقبل المصلى
بوجهك وان شاء انحرف لان بالانحراف يزول الاشتباه كما يزول بالاستقبال ثم اختلف المشايخ في كيفية الانحراف
قال بعضهم ينحرف إلى يمين القبلة تبركا بالتيامن وقال بعضهم ينحرف إلى اليسار ليكون يساره إلى اليمين وقال
بعضهم هو مخير ان شاء انحرف يمنة وان شاء يسرة وهو الصحيح لان ما هو المقصود من الانحراف وهو زوال
الاشتباه يحصل بالأمرين جميعا (وان) كانت صلاة بعدها سنة يكره له المكث قاعدا وكراهة القعود مروية
عن الصحابة رضي الله عنهم روى عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما انهما كانا إذا فرغا من الصلاة قاما كأنهما على
الرضف ولان المكث يوجب اشتباه الامر على الداخل فلا يمكث ولكن يقوم ويتنحى عن ذلك المكان ثم يتنفل
لما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أيعجز أحدكم إذا فرغ من صلاته أن
يتقدم أو يتأخر وعن ابن عمر رضي الله عنه انه كره للامام أن يتنفل في المكان الذي أم فيه ولان ذلك يؤدى إلى
اشتباه الامر على الداخل فينبغي أن يتنحى إزالة للاشتباه أو استكثارا من شهوده على ما روى أن مكان المصلي
يشهد له يوم القيامة (وأما) المأمومون فبعض مشايخنا قالوا لا حرج عليهم في ترك الانتقال لانعدام الاشتباه على
الداخل عند معاينة فراغ مكان الامام عنه وروى عن محمد أنه قال يستحب للقوم أيضا أن ينقضوا الصفوف
ويتفرقوا ليزول الاشتباه على الداخل المعاين الكل في الصلاة البعيد عن الامام ولما روينا من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه (وأما) الذي هو في الصلاة فنوعان نوع هو أصلى ونوع هو عارض ثبت وجوبه بسب عارض
* (فصل) * أما الواجبات الأصلية في الصلاة فستة منها قراءة الفاتحة والسورة في صلاة ذات ركعتين وفى الأوليين
من ذوات الأربع والثلاث حتى لو تركهما أو أحدهما فإن كان عامدا كان مسيأ وإن كان ساهيا يلزمه سجود السهو
وهذا عندنا وقال الشافعي قراءة الفاتحة على التعيين فرض حتى لو تركها أو حرفا منها في ركعة لا تجوز صلاته وقال
مالك قراءتهما على التعيين فرض (احتجا) بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا صلاة لمن لم يقرأ
فاتحة الكتاب وروى لا صلاة الا بفاتحة الكتاب وسورة معها أو قال وشئ معها ولان النبي صلى الله عليه
وسلم واظب على قراءتهما في كل صلاة فيدل على الفرضية (ولنا) قوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القرآن أمر
بمطلق القراءة من غير تعيين فتعيين الفاتحة فرضا أو تعيينهما نسخ الاطلاق ونسخ الكتاب بالخبر
المتواتر لا يجوز عند الشافعي فكيف يجوز بخبر الواحد فقبلنا الحديث في حق الوجوب عملا حتى تكره ترك
قراءتهما دون الفرضية عملا بهما بالقدر الممكن كيلا يضطر إلى رده لوجوب رده عند معارضة الكتاب ومواظبة
النبي صلى الله عليه وسلم على فعل لا يدل على فرضيته فإنه كان يواظب على الواجبات والله أعلم (ومنها) الجهر
بالقراءة فيما يجهر وهو الفجر والمغرب والعشاء في الأوليين والمخافتة فيما يخافت وهو الظهر والعصر إذا كان اماما
والجملة فيه أنه لا يخلو اما أن يكون اماما أو منفردا فإن كان اماما يجب عليه مراعاة الجهر فيما يجهر وكذا في كل صلاة
من شرطها الجماعة كالجمعة والعيدين والترويحات ويجب عليه المخافتة فيما يخافت وإنما كان كذلك لان القراءة
ركن يتحمله الامام عن القوم فعلا فيجهر ليتأمل القوم ويتفكروا في ذلك فتحصل ثمرة القراءة وفائدتها للقوم
فتصير قراءة الإمام قراءة لهم تقديرا كأنهم قرؤا وثمرة الجهر تفوت في صلاة النهار لان الناس في الأغلب يحضرون
الجماعات في خلال الكسب والتصرف والانتشار في الأرض فكانت قلوبهم متعلقة بذلك فيشغلهم ذلك عن حقيقة
التأمل فلا يكون الجهر مفيدا بل يقع تسبيبا إلى الاثم بترك التأمل وهذا لا يجوز بخلاف صلاة الليل لان الحضور إليها
لا يكون في خلال الشغل وبخلاف الجمعة والعيدين لأنه يؤدى في الأحايين مرة على هيئة مخصوصة من الجمع العظيم
وحضور السلطان وغير ذلك فيكون ذلك مبعثة على احضار القلب والتأمل ولان القراءة من أركان الصلاة
160

والأركان في الفرائض تؤدى على سبيل الشهرة دون الاخفاء ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر
في الصلوات كلها في الابتداء إلى أن قصد الكفار أن لا يسمعوا القرآن وكادوا يلغون فيه فخافت النبي صلى الله
عليه وسلم بالقراءة في الظهر والعصر لأنهم كانوا مستعدين للأذى في هذين الوقتين ولهذا كان يجهر في الجمعة
والعيدين لأنه أقامهما بالمدينة وما كان للكفار بالمدينة قوة الأذى ثم وان زال هذا العذر بقيت هذه السنة
كالرمل في الطواف ونحوه ولأنه واظب على المخافتة فيهما في عمره فكانت واجبة ولأنه وصف صلاة النهار
بالعجماء وهي التي لا تبين ولا يتحقق هذا الوصف لها الا بترك الجهر فيها وكذا واظب على الجهر فيما يجهر
والمخافتة فيما يخافت وذلك دليل الوجوب وعلى هذا عمل الأمة ويخفى القراءة فيما سوى الأوليين لان الجهر
صفة القراءة المفروضة والقراءة ليست بفرض في الاخر بين لما بينا فيما تقدم وإذا ثبت هذا فنقول إذا جهر الامام
فيما يخافت أو خافت فيما يجهر فإن كان عامدا يكون مسيئا وإن كان ساهيا فعليه سجود السهو لأنه وجب عليه
اسماع القوم فيما يجهر واخفاء القراءة عنهم فيما يخافت وترك الواجب عمدا يوجب الإساءة وسهوا يوجب
سجود السهو وإن كان منفردا فإن كانت صلاة يخافت فيها بالقراءة خافت لا محالة وهو رواية الأصل وذكر
أبو يوسف في الاملاء ان زاد على ما يسمع أذنيه فقد أساء وذكر عصام بن أبي يوسف في مختصره وأثبت له خيار
الجهر والمخافتة استدلالا بعدم وجوب السهو عليه إذا جهر والصحيح رواية الأصل لقوله صلى الله عليه وسلم
صلاة النهار عجماء من غير فصل ولان الامام مع حاجته إلى اسماع غيره يخافت فالمنفرد أولى ولو جهر فيها بالقراءة
فإن كان عامدا يكون مسيئا كذا ذكر الكرخي في صلاته وإن كان ساهيا لا سهو عليه نص عليه في باب السهو
بخلاف الامام (والفرق) ان سجود السهو يجب لجبر النقصان والنقصان في صلاة الامام أكثر لان إساءته أبلغ لأنه
فعل شيئين نهى عنهما أحدهما انه رفع صوته في غير موضع الرفع والثاني انه أسمع من أمر بالاخفاء عنه والمنفرد
رفع صوته فقط فكان النقصان في صلاته أقل وما وجب لجبر الاعلى لا يجب لجبر الأدنى وإن كانت صلاة يجهر
فيها بالقراءة فهو بالخيار ان شاء جهر وان شاء خافت وذكر الكرخي ان شاء جهر بقدر ما يسمع أذنيه ولا يزيد على
ذلك وذكر في عامة الروايات مفسرا انه بين خيارات ثلاث ان شاء جهر وأسمع غيره وان شاء جهر وأسمع نفسه وان
شاء أسر القراءة أما كون له أن يجهر فلان المنفرد امام في نفسه وللامام أن يجهر وله أن يخافت بخلاف الامام لان
الامام يحتاج إلى الجهر لاسماع غيره والمنفرد يحتاج إلى اسماع نفسه لا غير وذلك يحصل بالمخافتة وذكر في رواية
أبى حفص الكبير ان الجهر أفضل لان فيه تشبيها بالجماعة والمنفردان عجز عن تحقيق الصلاة بجماعة لم يعجز
عن التشبه ولهذا إذا أذن وأقام كان أفضل هذا في الفرائض واما في التطوعات فإن كان في النهار يخافت وإن كان
في الليل فهو بالخيار ان شاء خافت وان شاء جهر والجهر أفضل لان النوافل أتباع الفرائض والحكم في الفرائض
كذلك حتى لو كان بجماعة كما في التراويح يجب الجهر ولا يتخير في الفرائض وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه كان إذا صلى بالليل سمعت قراءته من وراء الحجاب وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأبى بكر رضي الله عنه
وهو يتهجد بالليل ويخفى القراءة ومر بعمر وهو يتهجد ويجهر بالقراءة ومر ببلال وهو يتهجد وينتقل من سورة
إلى سورة فلما أصبحوا غدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل كل واحد منهم عن حاله فقال أبو بكر رضي الله عنه
كنت أسمع من أناجي وقال عمر رضي الله عنه كنت أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان وقال بلال رضي الله عنه
كنت أنتقل من بستان إلى بستان فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ارفع من صوتك قليلا ويا عمر اخفض
من صوتك قليلا ويا بلال إذا افتتحت سورة فأتمها ثم المنفرد إذا خافت وأسمع أذنيه يجوز بلا خلاف لوجود
القراءة بيقين إذ السماع بدون القراءة لا يتصور وأما إذا صحح الحروف بلسانه وأداها على وجهها ولم يسمع أذنيه
ولكن وقع له العلم بتحريك اللسان وخروج الحروف من مخارجها فهل تجوز صلاته اختلف فيه ذكر الكرخي
أنه يجوز وهو قول أبى بكر البلخي المعروف بالأعمش وعن الشيخ أبى القاسم الصفار والفقيه أبى جعفر الهندواني
161

والشيخ الامام أبى بكر محمد بن الفضل البخاري انه لا يجوز ما لم يسمع نفسه وعن بشر بن غياث المريسي أنه قال
إن كان بحال لو أدنى رجل صماخ أذنيه إلى فيه سمع كفى والا فلا ومنهم من ذكر في المسألة خلافا بين أبى يوسف
ومحمد فقال على قول أبى يوسف يجوز وعلى قول محمد لا يجوز وجه قول الكرخي ان القراءة فعل اللسان وذلك
بتحصيل الحروف ونظمها على وجه مخصوص وقد وجد فاما اسماعه نفسه فلا عبرة به لان السماع فعل الاذنين
دون اللسان ألا ترى ان القراءة نجدها تتحقق من الأصم وإن كان لا يسمع نفسه وجه قول الفريق الثاني ان مطلق
الامر بالقراءة ينصرف إلى المتعارف وقدر ما لا يسمع هو لو كان سميعا لم يعرف قراءة وجه قول بشر ان الكلام
في العرف اسم لحروف منظومة دالة على ما في ضمير المتكلم وذلك لا يكون الا بصوت مسموع وما قاله الكرخي
أقيس وأصح وذكر في كتاب الصلاة إشارة إليه فإنه قال إن شاء قرأ وان شاء جهر وأسمع نفسه ولو لم يحمل قوله
قرأ في نفسه على إقامة الحروف لأدى إلى التكرار والإعادة الخالية عن الإفادة ولا عبرة بالعرف في الباب لان
هذا أمر بينه وبين ربه فلا يعتبر فيه عرف الناس وعلى هذا الخلاف كل حكم تعلق بالنطق من البيع والنكاح
والطلاق والعتاق والايلاء واليمين والاستثناء وغيرها والله أعلم (ومنها) الطمأنينة والقرار في الركوع والسجود
وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف الطمأنينة مقدار تسبيحة واحدة فرض وبه أخذ الشافعي حتى لو ترك
الطمأنينة جازت صلاته عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف والشافعي لا تجوز ولم يذكر هذا الخلاف في ظاهر
الرواية وإنما ذكره المعلى في نوادره وعلى هذا الخلاف إذا ترك القومة التي بعد الركوع والقعدة التي بين
السجدتين وروى الحسن عن أبي حنيفة فيمن لم يقم صلبه في الركوع إن كان إلى القيام أقرب منه إلى تمام الركوع
لم يجزه وإن كان إلى تمام الركوع أقرب منه إلى القيام أجزأه إقامة للأكثر مقام الكل ولقب المسألة ان تعديل
الأركان ليس بفرض عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف والشافعي فرض (احتجا) بحديث الاعرابي الذي
دخل المسجد وأخف الصلاة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قم فصل فإنك لم تصل هكذا ثلاث مرات فقال
يا رسول الله لم أستطع غير ذلك فعلمني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إذا أردت الصلاة فتطهر كما أمرك الله تعالى
واستقبل القبلة وقل الله أكبر وأقر ما معك من القرآن ثم اركع حتى يطمئن كل عضو منك ثم ارفع رأسك حتى تستقم
قائما فالاستدلال بالحديث من ثلاثة أوجه أحدها انه أمره بالإعادة والإعادة لا تجب الا عند فساد الصلاة
وفسادها بفوات الركن والثاني انه نفى كون المؤدى صلاة بقوله فإنك لم تصل والثالث انه أمره بالطمأنينة ومطلق
الامر للفرضية وأبو حنيفة ومحمد احتجا لنفى الفرضية بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا أمر بمطلق
الركوع والسجود والركوع في اللغة هو الانحناء والميل يقال ركعت النخلة إذا مالت إلى الأرض والسجود هو
التطأطؤ والخفض يقال سجدت النخلة إذا تطأطأت وسجدت الناقة إذا وضعت جرانها على الأرض وخفضت رأسها
للرعي فإذا أتى بأصل الانحناء والوضع فقد امتثل بما ينطلق عليه الاسم فاما الطمأنينة فدوام على أصل الفعل
والامر بالفعل لا يقتضى الدوام واما حديث الاعرابي فهو من الآحاد فلا يصلح ناسخا للكتاب ولكن يصلح مكملا
فيحمل أمره بالاعتدال على الوجوب ونفيه الصلاة على نفى الكمال وتمكن النقصان الفاحش الذي يوجب
عدمها من وجه وأمره بالإعادة على الوجوب جبرا للنقصان أو على الزجر عن المعاودة إلى مثله كالأمر بكسر دنان
الخمر عند نزول تحريمها تكميلا للغرض على أن الحديث حجة عليهما فان النبي صلى الله عليه وسلم مكن الاعرابي من
المضي في الصلاة في جميع المرات ولم يأمره بالقطع فلو لم تكن تلك الصلاة جائزة لكان الاشتغال بها عبثا إذ الصلاة
لا يمضى في فاسدها فينبغي أن لا يمكنه منه ثم الطمأنينة في الركوع واجبة عند أبي حنيفة ومحمد كذا ذكره
الكرخي حتى لو تركها ساهيا يلزمه سجود السهو وذكر أبو عبد الله الجرجاني انها سنة حتى لا يجب سجود السهو
بتركها ساهيا وكذا القومة التي بين الركوع والسجود والقعدة التي بين السجدتين والصحيح ما ذكره الكرخي لان
الطمأنينة من باب اكمال الركن واكمال الركن واجب كاكمال القراءة بالفاتحة ألا ترى ان النبي صلى الله عليه وسلم
162

ألحق صلاة الاعرابي بالعدم والصلاة إنما يقضى عليها بالعدم اما لانعدامها أصلا بترك الركن أو بانتقاصها بترك
الواجب فتصير عدما من وجه فاما ترك السنة فلا يلتحق بالعدم لأنه لا يوجب نقصانا فاحشا ولهذا يكره تركها أشد
الكراهة حتى روى عن أبي حنيفة أنه قال أخشى أن لا تجوز صلاته (ومنها) القعدة الأولى للفصل بين الشفعين حتى
لو تركها عامدا كان مسيئا ولو تركها ساهيا يلزمه سجود السهو لان النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها في جميع
عمره وذا يدل على الوجوب إذا قام دليل عدم الفرضية وقد قام ههنا لأنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قام
إلى الثالثة فسبح به فلم يرجع ولو كانت فرضا لرجع وأكثر مشايخنا يطلقون اسم السنة عليها اما لان وجوبها عرف
بالسنة فعلا أو لان السنة المؤكدة في معنى الواجب ولان الركعتين أدنى ما يجوز من الصلاة فوجبت القعدة فاصلة
بينهما وبين ما يليهما والله أعلم (ومنها) التشهد في القعدة الأخيرة وعند الشافعي فرض وجه قوله إن النبي صلى الله
عليه وسلم واظب عليه في جميع عمره وهذا دليل الفرضية وروى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال
كنا نقول قبل أن يفرض التشهد السلام على الله السلام على جبريل وميكائيل فالتفت الينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال قولوا التحيات لله أمرنا بالتشهد بقوله قولوا ونص على فرضيته بقوله قبل أن يفرض التشهد
(ولنا) قول النبي صلى الله عليه وسلم للاعرابي إذا رفعت رأسك من آخر سجدة وقعدت قدر التشهد فقد تمت
صلاتك أثبت تمام الصلاة عند مجرد القعدة ولو كان التشهد فرضا لما ثبت التمام بدونه دل انه ليس بفرض لكنه
واجب بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم ومواظبته دليل الوجوب فيما قام دليل على عدم رضيته وقد قام ههنا
وهو ما ذكرنا فكان واجبا لا فرضا والله أعلم والامر في الحديث يدل على الوجوب دون الفرضية لأنه خبر واحد وانه
يصلح للوجوب لا للفرضية وقوله قبل أن يفرض أي قبل أن يقدر على هذا التقدير المعروف إذ الفرض في
اللغة التقدير (ومنها) مراعاة الترتيب فيما شرع مكررا من الافعال في الصلاة وهو السجدة لمواظبة النبي
صلى الله عليه وسلم على مراعاة الترتيب فيه وقيام الدليل على عدم فرضيته على ما ذكرنا حتى لو ترك السجدة
الثانية من الركعة الأولى ثم تذكرها في آخر صلاته سجد المتروكة وسجد للسهو بترك الترتيب لأنه ترك
الواجب الأصلي ساهيا فوجب سجود السهو والله الموفق (واما) الذي ثبت وجوبه في الصلاة بعارض فنوعان
أيضا أحدهما سجود السهو والآخر سجود التلاوة (اما) سجود السهو فالكلام فيه في مواضع في بيان
وجوبه وفي بيان سبب الوجوب وفي بيان ان المتروك من الافعال والأذكار ساهيا هل يقضى أم لا وفي بيان
محل السجود وفي بيان قدر سلام السهو وصفته وفي بيان عمله انه يبطل التحريمة أم لا وفي بيان من يجب عليه
سجود السهو ومن لا يجب عليه (أما) الأول فقد ذكر الكرخي ان سجود السهو واجب وكذا نص محمد في الأصل
فقال إذا سها الامام وجب على المؤتم أن يسجد وقال بعض أصحابنا انه سنة وجه قولهم إن العود إلى سجدتي
السهو لا يرفع التشهد حتى لو تكلم بعد ما سجد للسهو قبل أن يقعد لا تفسد صلاته ولو كان واجبا لرفع كسجدة
التلاوة ولأنه مشروع في صلاة التطوع كما هو مشروع في صلاة الفرض والفائت من التطوع كيف يجبر بالواجب
والصحيح انه واجب لما روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من
شك في صلاته فلم يدر أثلاثا أم أربعا فليتحر أقربه إلى الصواب وليبن عليه وليسجد للسهو بعد السلام
ومطلق الامر لوجوب العمل وعن ثوبان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لكل سهو
سجدتان بعد السلام فيجب تحصيلهما تصديقا للنبي صلى الله عليه وسلم في خبره وكذا النبي صلى الله عليه وسلم
والصحابة رضي الله عنهم واظبوا عليه والمواظبة دليل الوجوب ولأنه شرع جبر النقصان العبادة فكان واجبا
كدماء الجبر في باب الحج وهذا لان أداء العبادة بصفة الكمال واجب ولا تحصل صفة الكمال الا بجبر النقصان
فكان واجبا ضرورة إذ لا حصول للواجب الا به الا ان العود إلى سجود السهو لا يرفع التشهد لا لان السجود
ليس بواجب بل لمعنى آخر وهو ان السجود وقع في محله لان محله بعد القعدة فالعود إليه لا يكون رافعا للقعدة
163

الواقعة في محلها فاما سجدة التلاوة فمحلها قبل القعدة فالعود إليها يرفع القعدة كالعود إلى السجدة الصلبية فهو الفرق
(اما) قولهم إن له مدخلا في صلاة التطوع فنقول أصل الصلاة وإن كانت تطوعا لكن لها أركان لا تقوم بدونها
وواجبات تنتقص بفواتها وتغييرها عن محلها فيحتاج إلى الجابر مع ما ان النفل يصير واجبا عندنا بالشروع
ويلتحق بالواجبات الأصلية في حق الأحكام على ما يبين في مواضعه إن شاء الله تعالى
* (فصل) * واما بيان سبب الوجوب فسبب وجوبه ترك الواجب الأصلي في الصلاة أو تغييره أو تغيير فرض منها عن
محله الأصلي ساهيا لان كل ذلك يوجب نقصانا في الصلاة فيجب جبره بالسجود ويخرج على هذا الأصل مسائل
وجملة الكلام فيه ان الذي وقع السهو عنه لا يخلو اما إن كان من الافعال واما إن كان من الأذكار إذ الصلاة
أفعال وأذكار فإن كان من الافعال بان قعد في موضع القيام أو قام في موضع القعود سجد للسهو لوجود تغيير
الفرض وهو تأخير القيام عن وقته أو تقديمه على وقته مع ترك الواجب وهو القعدة الأولى وقد روى عن المغيرة
ابن شعبة ان النبي صلى الله عليه وسلم قام من الثانية إلى الثالثة ساهيا فسبحوا به فلم يقعد فسبحوا به فلم يعد وسجد
للسهو وكذا إذا ركع في موضع السجود أو سجد في موضع الركوع أو ركع ركوعين أو سجد ثلاث سجدات
لوجود تغيير الفرض عن محله أو تأخير الواجب وكذا إذا ترك سجدة من ركعة فتذكرها في آخر الصلاة سجدها
وسجد للسهو لأنه أخرها عن محلها الأصلي وكذا إذا قام إلى الخامسة قبل أن يقعد قدر التشهد أو بعد ما قعد وعاد
سجد للسهو لوجود تأخير الفرض عن وقته الأصلي وهو القعدة الأخيرة أو تأخير الواجب وهو السلام ولو زاد
على قراءة التشهد في القعدة الأولى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في أمالي الحسن بن زياد عن أبي حنيفة
ان عليه سجود السهو وعندهما لا يجب (لهما) انه لو وجب عليه سجود السهو لوجب جبر النقصان
لأنه شرع له ولا يعقل تمكن النقصان في الصلاة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأبو حنيفة يقول لا يجب
عليه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بل بتأخير الفرض وهو القيام الا ان التأخير حصل بالصلاة فيجب
عليه من حيث إنه تأخير لا من حيث إنه صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولو تلا سجدة فنسي ان يسجد
ثم تذكرها في آخر الصلاة فعليه أن يسجدها ويسجد للسهو لأنه أخر الواجب عن وقته ولو سلم مصلى الظهر
على رأس الركعتين على ظن أنه قد أتمها ثم علم أنه صلى ركعتين وهو على مكانه يتمها ويسجد للسهو اما الاتمام
فلانه سلام سهو فلا يخرجه عن الصلاة واما وجوب السجدة فلتأخير الفرض وهو القيام إلى الشفع الثاني
بخلاف ما إذا سلم على رأس الركعتين على ظن أنه مسافرا ومصلى الجمعة ثم علم أنه تفسد صلاته لان هذا الظن نادر
فكان سلامه سلام عمد وانه قاطع للصلاة ولو ترك تعديل الأركان أو القومة التي بين الركوع والسجود أو القعدة
التي بين السجدتين ساهيا اختلف المشايخ فيه على قول أبي حنيفة ومحمد بناء على أن تعديل الأركان عندهما واجب
أو سنة وقد بينا ذلك فيما تقدم وعلى هذا إذا شك في شئ من صلاته فتفكر في ذلك حتى استيقن وهو على وجهين
اما ان شك في شئ من هذه الصلاة التي هو فيها فتفكر في ذلك واما ان شك في صلاة قبل هذه الصلاة فتفكر في ذلك
وهو في هذه وكل وجه على وجهين اما ان طال تفكره بأن كان مقدار ما يمكنه أن يؤدى فيه ركنا من أركان الصلاة
كالركوع والسجود أو لم يطل فإن لم يطل تفكره فلا سهو عليه سواء كان تفكره في غير هذه الصلاة أو في
هذه الصلاة لأنه إذا لم يطل لم يوجد سبب الوجوب الأصلي وهو ترك الواجب أو تغيير فرض أو واجب عن وقته
الأصلي ولان الفكر القليل مما لا يمكن الاحتراز عنه فكان عفوا دفعا للحرج وان طال تفكره فإن كان
تفكره في غير هذه الصلاة فلا سهو عليه وإن كان في هذه الصلاة فكذلك في القياس وفى الاستحسان
عليه السهو وجه القياس ان الموجب للسهو تمكن النقصان في الصلاة ولم يوجد لان الكلام فيما إذا تذكر
انه أداها فبقي مجرد الفكر وانه لا يوجب السهو كالفكر القليل وكما لو شك في صلاة أخرى وهو في هذه الصلاة
ثم تذكر انه أداها لا سهو عليه وان طال فكره كذا هذا وجه الاستحسان أن الفكر الطويل في هذه الصلاة
164

مما يؤخر الأركان عن أوقاتها فيوجب تمكن النقصان في الصلاة فلا بد من جبره بسجدتي السهو بخلاف الفكر
القصير وبخلاف ما إذا شك في صلاة أخرى وهو في هذه الصلاة لان الموجب للسهو في هذه الصلاة
لا سهو صلاة أخرى ولو شك في سجود السهو يتحرى ولا يسجد لهذا السهو لان تكرار سجود السهو في صلاة
واحدة غير مشروع على ما نذكر ولأنه لو سجد لا يسلم عن السهو فيه ثانيا وثالثا فيؤدى إلى ما لا يتناهى (وحكى)
ان محمد بن الحسن قال للكسائي وكان الكسائي ابن خالته لم لا تشتغل بالفقه مع هذا الخاطر فقال من أحكم علما
فذاك يهديه إلى سائر العلوم فقال محمد انا ألقى عليك شيئا من مسائل الفقه فخرج جوابه من النحو فقال هات قال فما
تقول فيمن سها في سجود السهو فتفكر ساعة ثم قال لا سهو عليه فقال من أي باب من النحو خرجت هذا
الجواب فقال من باب انه لا يصغر المصغر فتحير من فطنته ولو شرع في الظهر ثم توهم انه في العصر فصلى على ذلك
الوهم ركعة أو ركعتين ثم تذكر انه في الظهر فلا سهو عليه لان تعيين النية شرط افتتاح الصلاة لا شرط بقائها كأصل
النية فلم يوجد تغيير فرض ولا ترك واجب فان تفكر في ذلك تفكرا شغله عن ركن فعليه سجود السهو استحسانا
على ما مر ولو افتتح الصلاة فقرأ ثم شك في تكبيرة الافتتاح فأعاد التكبير والقراءة ثم علم أنه كان كبر فعليه سجود السهو
لأنه بزيادة التكبير والقراءة أخر ركنا وهو الركوع ثم لا فرق بين ما إذا شك في خلال صلاته ففكر حتى استيقن
وبين ما إذا شك في آخر صلاته بعد ما قعد قدر التشهد الأخير ثم استيقن في حق وجوب السجدة لأنه أخر الواجب وهو
السلام ولو شك بعد ما سلم تسليمة واحدة ثم استيقن لا سهو عليه لأنه بالتسليمة الأولى خرج عن الصلاة وانعدمت
الصلاة فلا يتصور تنقيصها بتفويت واجب منها فاستحال ايجاب الجابر وكذا لا فرق بينه وبين ما إذا سبقه
الحدث في الصلاة فعاد إلى الوضوء ثم شك قبل أن يعود إلى الصلاة فتفكر ثم استيقن حتى يجب عليه سجود السهو في
الحالين جميعا إذا طال تفكره لأنه في حرمة الصلاة وإن كان غير مؤد لها والله أعلم هذا الذي ذكرنا حكم الشك في
الصلاة فيما يرجع إلى سجود السهو وأما حكم الشك في الصلاة فيما يرجع إلى البناء والاستقبال فنقول إذا سها في
صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فإن كان ذلك أول ما سها استقبل الصلاة ومعنى قوله أول ما سها ان السهو لم
يصر عادة له لا أنه لم يسه في عمره قطو عند الشافعي يبنى على الأقل (احتج) بما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليلغ أشك وليبن علي الأقل
أمر بالبناء على الأقل من غير فصل ولان فيما قلنا اخذا باليقين من غير ابطال العمل فكان أولى (ولنا) ما روى عبد الله
ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا شك أحدكم في صلاته انه كم صلى فليستقبل الصلاة أمر بالاستقبال
وكذا روى عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم انهم قالوا هكذا
وروى عنهم بألفاظ مختلفة ولأنه لو استقبل أدى الفرض بيقين كاملا ولو بنى على الأقل ما أداه كاملا لأنه ربما يؤدى
زيادة على المفروض وادخال الزيادة في الصلاة نقصان فيها وربما يؤدى إلى افساد الصلاة بأن كان أدى أربعا وظن أنه
أدى ثلاثا فبنى على الأقل وأضاف إليها أخرى قبل أن يقعد وبه تبين ان الاستقبال ليس ابطالا للصلاة لان
الافساد ليؤدي أكمل لا يعد افسادا والاكمال لا يحصل الا بالاستقبال على ما مر والحديث محمول على ما إذا وقع
ذلك له مرارا ولم يقع تحريه على شئ بدليل ما روينا هذا إذا كان ذلك أول ما سها فإن كان يعرض له ذلك كثيرا
تحرى وبنى على ما وقع عليه التحري في ظاهر الروايات وروى الحسن عن أبي حنيفة انه يبنى على الأقل وهو قول
الشافعي لما روينا في المسألة الأولى من غير فصل ولان المصير إلى التحري للضرورة ولا ضرورة ههنا لأنه يمكنه ادراك
اليقين بدونه بان يبنى على الأقل فلا حاجة إلى التحري (ولنا) ما روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليتحر أقربه إلى الصواب وليبن
عليه ولأنه تعذر عليه الوصول إلى ما اشتبه عليه بدليل من الدلائل والتحري عند انعدام الأدلة مشروع كما في أمر
القبلة ولا وجه للاستقبال لأنه عسى أن يقع ثانيا وكذا الثالث والرابع إلى ما لا يتناهى ولا وجه للبناء على الأقل
165

لان ذلك لا يوصله إلى ما عليه لما مر في المسألة المتقدمة وما رواه الشافعي محمول على ما إذا تحرى ولم يقع تحريه
على شئ وعندنا إذا تحرى ولم يقع تحريه على شئ يبنى على الأقل وكيفية البناء على الأقل انه إذا وقع الشك في
الركعة والركعتين يجعلها ركعة واحدة وان وقع الشك في الركعتين أو الثلاث جعلها ركعتين وان وقع في الثلاث
والأربع جعلها ثلاثا وأتم صلاته على ذلك وعليه أن يتشهد لا محالة في كل موضع يتوهم انه آخر الصلاة لان القعدة
الأخيرة فرض والاشتغال بالنفل قبل اكمال الفرض مفسد له فلذلك يقعد وأما الشك في أركان الحج ذكر الجصاص
ان ذلك إن كان يكثر يتحرى أيضا كما في باب الصلاة وفى ظاهر الرواية يؤخذ باليقين (والفرق) ان الزيادة في
باب الحج وتكرار الركن لا يفسد الحج فأمكن الاخذ باليقين فاما الزيادة في باب الصلاة إذا كانت ركعة فإنها تفسد
الصلاة إذا وجدت قبل القعدة الأخيرة فكان العمل بالتحري أحوط من البناء على الأقل وأما الأذكار فالأذكار
التي يتعلق سجود السهو بها أربعة القراءة والقنوت والتشهد وتكبيرات العيدين (أما) القراءة فإذا ترك القراءة
في الأوليين قرأ في الأخريين وسجد للسهو لان القراءة في الأوليين على التعيين غير واجبة عند بعض مشايخنا وإنما
الفرض في ركعتين منها غير عين وترك الواجب ساهيا يوجب السهو وعند بعضهم هي فرض في الأوليين عينا
وتكون القراءة في الأخريين عند تركها في الأوليين قضاء عن الأوليين فإذا تركها في الأوليين أو في إحداهما فقد
غير الفرض عن محل أدائه سهوا فيلزمه سجود السهو ولو سها عن الفاتحة فيهما أو في إحداهما أو عن السورة
فيهما أو في إحداهما فعليه السهو لان قراءة الفاتحة على التعيين في الأوليين واجبة عندنا وعند الشافعي رحمه الله
تعالى فرض على ما بينا فيما تقدم وكذا قراءة السورة على التعيين أو قراءة مقدار سورة قصيرة وهي ثلاث آيات
واجبة فيتعلق السجود بالسهو عنهما ولو غير صفة القراءة سهوا بان جهر فيما يخافت أو خافت فيما يجهر فهذا على
وجهين اما إن كان اماما أو منفردا فإن كان اماما سجد للسهو عندنا وعند الشافعي لا سهو عليه وجه قوله إن
الجهر والمخافتة من هيئة الركن وهو القراءة فيكون سنة كهيئة كل ركن نحو الاخذ بالركب وهيئة القعدة
(ولنا) ان الجهر فيما يجهر والمخافتة فيما يخافت واجبة على الامام لما بينا فيما تقدم ثم اختلف الروايات عن
أصحابنا في مقدار ما يتعلق به سجود السهو من الجهر والمخافتة ذكر في نوادر أبى سليمان وفصل بين الجهر والمخافتة
في المقدار فقال إن جهر فيما يخافت فعليه السهر قل ذلك أو كثر وان خافت فيما يجهر فإن كان في أكثر الفاتحة أو في
ثلاث آيات من غير الفاتحة فعليه السهو والا فلا وروى ابن سماعة عن محمد التسوية بين الفصلين انه ان تمكن
التغيير في ثلاث آيات أو أكثر فعليه سجود السهو والا فلا وروى الحسن عن أبي حنيفة ان تمكن التغيير في آية
واحدة فعليه السجود وروى عن أبي يوسف انه إذا جهر بحرف يسجد وجه رواية أبى سليمان ان المخافتة فيما
يخافت الزم من الجهر فيما يجهر ألا ترى ان المنفرد يتخير بين الجهر والمخافتة ولا خيار له فيما يخافت فإذا جهر فيما
يخافت فقد تمكن النقصان في الصلاة بنفس الجهر فيجب جبره بالسجود فاما بنفس المخافتة فيما يجهر فلا يتمكن
النقصان ما لم يكن مقدار ثلاث آيات أو أكثر وجه رواية ابن سماعة ما روى عن أبي قتادة ان النبي صلى الله عليه
وسلم كان يسمعنا الآية والآيتين أحيانا في الظهر والعصر وهذا جهر فيما يخافت فإذا ثبت فيه ثبت في المخافتة فيما
يجهر لأنهما يستويان ثم لما ورد الحديث مقدار بآية أو آيتين ولم يرد بأزيد من ذلك كانت الزيادة تركا للواجب
فيوجب السهو وجه رواية الحسن بناء على أن فرض القراءة عند أبي حنيفة يتأدى بآية واحدة وإن كانت
قصيرة فإذا غير صفة القراءة في هذا القدر تعلق به السهو وعندهما لا يتأدى فرض القراءة الا بآية طويلة أو ثلاث
آيات قصار فما لم يتمكن التغيير في هذا المقدار لا يجب السهو هذا إذا كان اماما فاما إذا كان منفردا فلا سهو عليه
أما إذا خافت فيما يجهر فلا شك فيه لأنه مخير بين الجهر والمخافتة لما ذكرنا فيما تقدم ان الجهر على الامام إنما
وجب تحصيلا لثمرة القراءة في حق المقتدى وهذا المعنى لا يوجد في حق المنفرد فلم يجب الجهر فلا يتمكن النقص
في الصلاة بتركه وكذا إذا جهر فيما يخافت لان المخافتة في الأصل إنما وجبت صيانة للقراءة عن المغالبة واللغو فيها
166

لان صيانة القراءة عن ذلك واجبة وذلك في الصلاة المؤداة على طريق الاشتهار وهي الصلاة بجماعة فاما
صلاة المنفرد فما كان يوجد فيها المغالبة فلم تكن الصيانة بالمخافتة واجبة فلم يترك الواجب فلا يلزمه سجود
السهو ولو أراد أن يقرأ سورة فأخطأ وقرأ غيرها لا سهو عليه لانعدام سبب الوجوب وهو تغيير
فرض أو واجب أو تركه إذ لا توقيت في القراءة وروى عن محمد أنه قال فيمن قرأ الحمد مرتين في الأوليين
فعليه السهو لأنه أخر السورة بتكرار الفاتحة ولو قرأ الحمد ثم السورة ثم الحمد لا سهو عليه وصار كأنه قرأ
سورة طويلة ولو تشهد مرتين لا سهو عليه ولو قرأ القرآن في ركوعه أو في سجوده أو في قيامه لا سهو
عليه لأنه ثناء وهذه الأركان مواضع الثناء (وأما) القنوت فتركه سهوا يوجب سجود السهو لأنه واجب
لما نذكر في موضعه إن شاء الله تعالى وكذلك تكبيرات العيدين إذا تركها أو نقص منها لأنها واجبة وكذا إذا زاد
عليها أو أتى في غير موضعها لأنه يحصل تغيير فرض أو واجب وكذلك قراءة التشهد إذا سها عنها في القعدة
الأخيرة ثم تذكرها قبل السلام أو بعد ما سلم ساهيا قرأها وسلم وسجد للسهو لأنها واجبة وأما في القعدة
الأولى فكذلك استحسانا والقياس في هذا وقنوت الوتر وتكبيرات العيدين سواء ولا سهو عليه لأن هذه
الأذكار سنة ولا يتمكن بتركها كبير نقصان في الصلاة فلا يوجب السهو كما إذا ترك الثناء والتعوذ وجه
الاستحسان ان هذه الأذكار واجبة أما وجوب القنوت وتكبيرات العيدين فلما يذكر في موضعه وأما وجوب
التشهد في القعدة الأولى فلمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على قراءته ومواظبة الصحابة رضي الله عنهم وأما سائر
الأذكار من الثناء والتعوذ وتكبيرات الركوع والسجود وتسبيحاتهما فلا سهو فيها عند عامة العلماء وقال مالك
إذا سها عن ثلاث تكبيرات فعليه السهو قياسا على تكبيرات العيدين وهذا القياس عندنا غير سديد لان تكبيرات
العيد واجبة لما يذكر فجاز أن يتعلق بها السهو بخلاف تكبيرات الركوع والسجود فإنها من السنن ونقصان
السنة لا يجبر بسجود السهو لان سجود السهو واجب ولا يجب جبر الشئ بما هو فوق الفائت بخلاف الواجب
لان الشئ ينجبر بمثله ولهذا لا يتعلق السهو بترك الواجب عمدا لان النقص المتمكن بترك الواجب عمدا فوق النقص
المتمكن بتركه سهوا والشرع لما جعل السجود جابرا لما فات سهوا كان مثلا للفائت سهوا وإذا كان مثلا للفائت
سهوا كان دون ما فات عمدا والشئ لا ينجبر بما هو دونه ولهذا لا ينجبر به النقص المتمكن بفوات الفرض ولو سلم
عن يساره قبل سلامه عن يمينه فلا سهو عليه لان الترتيب في السلام من باب السنن فلا يتعلق به سجود السهو
ولو نسي التكبير في أيام التشريق لا سهو عليه لأنه لم يترك واجبا من واجبات الصلاة ولو سها في صلاته مرارا
لا يجب عليه الا سجدتان وعند بعضهم يلزمه لكل سهو سجدتان لقوله صلى الله عليه وسلم لكل سهو سجدتان بعد
السلام ولان كل سهو أوجب نقصانا فيستدعى جابرا (ولنا) ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
سجدتان تجزيان لكل زيادة ونقصان وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك القعدة الأولى وسجد لها سجدتين
وكان سها عن القعدة وعن التشهد حيث تركهما وعن القيام حيث أتى به في غير محله ثم لم يزد على سجدتين فعلم أن
السجدتين كافيتان ولان سجود السهو إنما أخر عن محل النقصان إلى آخر الصلاة لئلا يحتاج إلى تكراره لو وقع
السهو بعد ذلك والا لم يكن للتأخير معنى والحديث محمول على جنس السهو الموجود في صلاة واحدة لا انه عين السهو
بدليل ما ذكرنا
* (فصل) * وأما بيان المتروك ساهيا هل يقضى أم لا فنقول وبالله التوفيق ان المتروك الذي يتعلق به سجود السهو
من الفرائض والواجبات لا يخلو اما إن كان من الافعال أو من الأذكار ومن أي القسمين كان وجب أن يقضى ان
أمكن التدارك بالقضاء وان لم يمكن فإن كان المتروك فرضا تفسد الصلاة وإن كان واجبا لا تفسد ولكن تنتقص وتدخل في حد الكراهة وبيان هذه الجملة أما الافعال فإذا ترك سجدة صلبية من ركعة ثم تذكرها آخر الصلاة
قضاها وتمت صلاته عندنا وقال الشافعي يقضيها ويقضى ما بعدها وجه قوله إن ما صلى بعد المتروك حصل قبل
167

أوانه فلا يعتد به لأن هذه عبادة شرعت مرتبة فلا تعتبر بدون الترتيب كما لو قدم السجود على الركوع انه لا يعتد
بالسجود لما قلنا كذا هذا (ولنا) ان الركعة الثانية صادفت محلها لان محلها بعد الركعة الأولى وقد وجدت
الركعة الأولى لان الركعة تتقيد بسجدة واحدة وإنما الثانية تكرار ألا ترى انه ينطلق عليها اسم الصلاة حتى لو حلف
لا يصلى فقيد الركعة بالسجدة يحنث فكان أداء الركعة الثانية معتبرا معتدا به فلا يلزمه الا قضاء المتروك بخلاف
ما إذا قدم السجود على الركوع لان السجود ما صادف محله لان محله بعد الركوع لتقييد الركعة والركعة
بدون الركوع لا تتحقق فلم يقع معتدا به فهو الفرق وعلى هذا الخلاف إذا تذكر سجدتين من ركعتين في آخر
الصلاة قضاهما وتمت صلاته عندنا ويبدأ بالأولى منهما ثم بالثانية لان القضاء على حسب الأداء ثم الثانية مرتبة
على الأولى في الأداء فكذا في القضاء ولو كانت إحداهما سجدة تلاوة تركها من الركعة الأولى والأخرى صلبية
تركها من الثانية يراعى الترتيب أيضا فيبدأ بالتلاوة عند عامة العلماء وقال زفر يبدأ بالثانية لأنها أقوى (ولنا) أن
القضاء معتبر بالأداء وقد تقدم وجوب التلاوة أداء فيجب تقديمها في القضاء ولو تذكر سجدة صلبية وهو راكع أو
ساجد لخر لها من ركوعه ورفع رأسه من سجوده فسجدها والأفضل أن يعود إلى حرمة هذه الأركان فيعيدها
ليكون على الهيئة المسنونة وهي الترتيب وان لم يعد أجزأه عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر لا يجزئه لان الترتيب
في أفعال الصلاة فرض عنده فالتحقت هذه السجدة بمحلها فبطل ما أدى من القيام والقراءة والركوع لترك
الترتيب وعندنا الترتيب في أفعال صلاة واحدة ليس بفرض ولهذا يبدأ المسبوق بما أدرك الامام فيه دون
ما سبقه ولئن كان فرضا فقد سقط بعذر النسيان فوقع الركوع والسجود معتبرا المصادفة محله وعن أبي يوسف
رحمه الله ان عليه إعادة الركوع إذا خر لها من الركوع بناء على أصله ان القومة التي بين الركوع والسجود فرض
بخلاف ما إذا سبقه الحدث في ركوعه أو سجوده انه يتوضأ ويعيد بعد ما أحدث فيه لا محالة لان الجزء الذي
لاقاه الحدث من الركن قد فسد فكان ينبغي أن يفسد كل الصلاة لأنها لا تتجزأ الا انا تركنا هذا القياس
بالنص والاجماع في حق جواز البناء فيعمل به في حق الركن الذي أحدث فيه ولو لم يسجدها حتى سلم فلا يخلو
اما ان سلم وهو ذاكر لها أو ساه عنها فان سلم وهو ذاكر لها فسدت صلاته وإن كان ساهيا لا تفسد والأصل ان
السلام العمد يوجب الخروج عن الصلاة الا سلام من عليه السهو وسلام السهو لا يوجب الخروج عن الصلاة
لان السلام محلل في الشرع قال النبي صلى الله عليه وسلم وتحليلها التسليم ولأنه كلام والكلام مضاد للصلاة الا
ان الشرع منعه عن العمل حالة السهو ضرورة دفع الحرج لان الانسان قلما يسلم عن النسيان وفى حق من عليه سهو
ضرورة تمكنه من سجود السهو ولا ضرورة في غير حالة السهو في حق من لا سهو عليه فوجب اعتباره محللا منافيا
للصلاة إذا عرفنا هذا فنقول إذا سلم وهو ذاكر ان عليه سجدة صلبية فسدت صلاته وعليه الإعادة لان سلام العمد
قاطع للصلاة وقد بقي عليه ركن من أركانها ولا وجود للشئ بدون ركنه وإن كان ساهيا لا تفسد لأنه ملحق بالعدم
ضرورة دفع الحرج على ما مر ثم إن سلم وهو في مكانه لم يصرف وجهه عن القبلة ولم يتكلم يعود إلى قضاء ما عليه ولو
اقتدى به رجل صح اقتداؤه وإذا عاد إلى السجدة يتابعه المقتدى فيها ولكن لا يعتد بهذه السجدة لأنه لم يدرك
الركوع ويتابعه في التشهد دون التسليم وبعد التسليم يتابعه في سجود السهو فإذا سلم الامام ساهيا لا يتابعه ولكنه
يقوم إلى قضاء ما سبق به وان لم يعد الامام إلى قضاء السجدة فسدت صلاته لأنه بقي عليه ركن من أركان الصلاة
وفسدت صلاة المقتدى بفساد صلاة الامام بعد صحة الاقتداء به وفائدة صحة اقتدائه به انه لو كان اقتدى به بنية
التطوع في صلاة الظهر أو العصر أو العشاء فعليه قضاء أربع ركعات إن كان الامام مقيما وإن كان مسافرا فعليه
قضاء ركعتين وأما إذا صرف وجهه عن القبلة فإن كان في المسجد ولم يتكلم فكذلك الجواب استحسانا والقياس
أن لا يعود وهو رواية محمد وجه القياس ان صرف الوجه عن القبلة مفسد للصلاة بمنزلة الكلام فكان مانعا من
البناء وجه الاستحسان ان المسجد كله في حكم مكان واحد لأنه مكان الصلاة ألا يرى أنه صح اقتداء من هو في
168

المسجد بالامام وإن كان بينهما فرجة واختلاف المكان أيمنع صحة الاقتداء فكان بقاؤه فيه كبقائه في مكان صلاته
وصرف الوجه عن القبلة مفسد في غير حالة العذر والضرورة فاما في حال العذر والضرورة فلا بخلاف الكلام
لأنه مضاد للصلاة فيستوي فيه الحالان وإن كان خرج من المسجد ثم نذكر لا يعود وتفسد صلاته لان الخروج من
مكان الصلاة مانع من البناء وقد بقي عليه ركن من أركان الصلاة فيلزمه الاستقبال وأما إذا كان في الصحراء فان
تذكر قبل أن يجاوز الصفوف من خلفه أو من قبل اليمين أو اليسار عاد إلى قضاء ما عليه والا فلا لان ذلك الموضع
بحكم اتصال الصفوف التحق بالمسجد ولهذا صح الاقتداء وان مشى أمامه لم يذكر في الكتاب وقيل إن مشى قدر
الصفوف التي خلفه عاد وبنى والا فلا وهو مروى عن أبي يوسف اعتبارا لاحد الجانبين بالآخر وقيل إذا
جاوز موضع سجوده لا يعود وهو الأصح لان ذلك القدر في حكم خروجه من المسجد فكان مانعا من
البناء وهذا إذا لم يكن بين يديه سترة فإن كان يعود ما لم يجاوزها لان داخل السترة في حكم المسجد والله
أعلم هذا إذا سلم وعليه سجدة صلبية فان سلم وعليه سجدة تلاوة أو قراءة التشهد الأخير فان سلم وهو ذاكر لها
سقطت عنه لان سلامه سلام عمد فيخرجه عن الصلاة حتى لو اقتدى به رجل لا يصح اقتداؤه ولو ضحك
قهقهة لا تنتقض طهارته ولو كان مسافرا فنوى الإقامة لا ينقلب فرضه أربعا ولا تفسد صلاته لأنه لم يبق عليه
ركن من أركان الصلاة لكنها تنتقص لترك الواجب وإن كان ساهيا عنها لا تسقط لان سلام السهو لا يخرج
عن الصلاة حتى يصح الاقتداء به وينتقض وضوؤه بالقهقهة ويتحول فرضه بنية الإقامة لو كان مسافرا أربعا
ثم الامر في العود إلى قضاء السجدة وقراءة التشهد على التفصيل الذي ذكرنا في الصلبية غير أن ههنا
لو تذكر بعد ما خرج عن المسجد أو جاوز الصفوف سقط عنه ولا تفسد صلاته لان الجواز متعلق بالأركان وقد
وجدت الا أنها تنتقض لما بينا ثم العود إلى هذه المتروكات وهي السجدة الصلبية وسجدة التلاوة وقراءة التشهد
يرفع التشهد حتى لو تكلم أو قهقه أو أحدث متعمدا فسدت صلاته بخلاف العود إلى سجدتي السهو وقد مر الفرق
ولو سلم وعليه سجدة صلبية وسجدتا سهو فان سلم وهو ذاكر لهما أو للصلبية خاصة فسدت صلاته لأنه سلام
عمد وقد بقي عليه ركن من أركان الصلاة وإن كان ساهيا عنهما وذاكرا للسهو خاصة لا تفسد صلاته أما إذا كان
ساهيا عنهما فلا شك فيه وكذا إذا كان ذاكرا للسهو لأنه سلام من عليه السهو وعليه أن يعود فيسجد أولا
للصلبية ويتشهد لان تشهده انتقض بالعود إليها ثم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو ولو سلم وعليه سجدة التلاوة
والسهو فإن كان ذاكرا لهما أو للتلاوة خاصة سقطتا عنه لأنه سلام عمد فيخرجه عن الصلاة ولكن لا تفسد صلاته
لما مر وإن كان ساهيا عنهما أو ذاكرا لسجدتي السهو خاصة لا يسقطان عنه لأنه سلام سهو أو سلام من عليه
السهو وعليه أن يسجد التلاوة أولا ثم يتشهد لما مر ثم يسلم ويسجد سجدتي السهو ولو سلم وعليه سجدة صلبية
وسجدة التلاوة فإن كان ساهيا عنهما يعود فيقضيهما الأول فالأول وإن كان ذاكرا لهما أو للصلبية خاصة فسدت
صلاته لأنه سلام عمد وإن كان ذاكرا للتلاوة خاصة فكذلك في ظاهر الرواية وعلى هذا إذا كان عليه مع الصلبية
والتلاوة سجدنا لسهو إن كان ساهيا عن الكل أو ذاكرا للسهو خاصة لا تفسد صلاته لأنه سلام سهو فيعود فيقضى
الأول فالأول إن كانت الصلبية أولا بدأ بها وإن كانت التلاوة أولا بدأ بها عنده خلافا لزفر على ما مر ثم يتشهد
بعدهما ويسلم ثم يسجد سجدتي السهو وإن كان ذاكرا للصلبية خاصة فسدت صلاته لأنه سلام عمد وإن كان
ذاكرا للتلاوة ساهيا عن الصلبية فكذلك في ظاهر الرواية وروى أصحاب الإمام عن أبي يوسف أنه لا تفسد
صلاته في الفصلين (ووجهه) أن سلامه في حق الركن سلام سهو وذا لا يوجب فساد الصلاة وبعض الطاعنين
على محمد في هذه المسألة قرروا هذا الوجه فقالوا إن هذا سلام سهو في حق الركن وسلام عمد في حق الواجب
وسلام السهو لا يخرجه وسلام العمد يخرجه فوقع الشك والتحريمة صحيحة فلا تبطل بالشك بخلاف ما إذا كان
ذاكرا للصلبية غير ذاكر للتلاوة لان هناك ترجح جانب الركن على جانب الواجب وفيما قاله محمد ترجيح جانب
169

الواجب وهذا لا يجوز الا أن هذا الطعن فاسد لان جانب العمد يخرج وجانب الشك مسكوت عنه لا يخرج ولا يمنع
غيره عن الاخراج فلا يقع التعارض بين الواجب والركن وإنما يقع التعارض ان لو كان أحدهما مخرجا والآخر
مبقيا وههنا جانب الواجب يوجب الخروج وجانب الركن لا يوجب ولكن لا يمنع غيره عن الاخراج فانى يقع
التعارض على أن كل سلام ينبغي أن يكون مخرجا لأنه جعل محللا شرعا لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتحليلها
التسليم ولأنه من باب الكلام على ما مر الا أنه منع من الاخراج حالة السهو دفعا للحرج لكثرة السهو وغلبة
النسيان ولا يكره سلام من علم أن عليه الواجب لأن الظاهر من حال المسلم انه لا يترك الواجب فبقي مخرجا على
أصل الوضع ولأنا لو لم نحكم بفساد صلاته حتى لو أتى بالصلبية يلزمنا القول بأنه يأتي بسجدة التلاوة أيضا لبقاء
التحريمة ولا سبيل إليه لأنه سلم وهو ذاكر للتلاوة فكان سلام عمد في حقه وقراءة التشهد الأخير في هذا الحكم
كسجدة التلاوة لأنها واجبة ولو سلم وعليه سجود السهو والتكبير والتلبية بأن كان محرما وهو في أيام
التشريق لا يسقط عنه شئ من ذلك سواء كان ساهيا عن الكل أو ذاكرا للكل لان موضع هذه الأشياء بعد السلام
فإذا أراد أن يؤدى بدأ بالسهو ثم بالتكبير ثم بالتلبية لان سجود السهو يختص بتحريمة الصلاة والتكبير يؤتى
به في حرمة الصلاة لا في تحريمتها والتلبية لا تختص بحرمة الصلاة ولو بدأ بالتلبية سقط عنه السهو والتكبير
وكذا إذا لبى بعد السهو قبل التكبير سقط عنه التكبير لان سجود السهو يختص بتحريمة الصلاة والتكبير
يختص بحرمتها وقد بطل ذلك كله بالتلبية لأنها كلام لكونها جوابا لخطاب إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال
الله تعالى واذن في الناس بالحج ولو بدأ بالتكبير لا يسقط عنه السهو لأنه كلام قربة فلا يوجب القطع وعليه
إعادة التكبير بعد السلام لأنه لم يقع موقعه ولا تفسد صلاته في الأحوال كلها لاستجماع شرائطها وأركانها ولو سلم
وعليه سجدة صلبية وسجدة التلاوة والسهو والتكبير والتلبية بأن كان محرما في أيام التشريق فإن كان ذاكرا
للصلبية والتلاوة أو للصلبية دون التلاوة فسدت صلاته وكذا إذا كان ذاكرا للتلاوة دون الصلبية على ظاهر
الرواية لما مر وإن كان ساهيا عنها لا يخرج عن الصلاة وعليه أن يسجد لكل واحدة منهما الأول فالأول منهما
ثم يتشهد بعدهما ويسلم ثم يسجد سجدتي السهو ثم يتشهد ثم يسلم ثم يكبر ثم يلبى لما مر ولو بدأ بالتلبية قبل هذه
الأشياء فسدت صلاته ولو بدأ بالتكبير لا تفسد لما مر وعليه إعادة التكبير بعد السلام لان محله خارج
الصلاة في حرمتها فإذا كبر في الصلاة لم يقع موقعه فلذلك تلزمه الإعادة (وأما) إذا كان المتروك ركوعا فلا
يتصور فيه القضاء وكذا إذا ترك سجدتين من ركعة وبيان ذلك إذا افتتح الصلاة فقرأ وسجد قبل أن
يركع ثم قام إلى الثانية فقرأ وركع وسجد فهذا قد صلى ركعة واحدة فلا يكون هذا الركوع قضاء عن الأول
لأنه إذا لم يركع لا يعتد بذلك السجود لعدم مصادفته محله لان محله بعد الركوع فالتحق السجود بالعدم فكأنه لم
يسجد فكان أداء هذا الركوع في محله فإذا أتى بالسجود بعده صار مؤديا ركعة تامة وكذا إذا افتتح الصلاة
فقرأ وركع ولم يسجد ثم رفع رأسه فقرأ ولم يركع ثم سجد فهذا قد صلى ركعة واحدة ولا يكون هذا السجود قضاء
عن الأول لان ركوعه وقع معتبرا لمصادفته محله لان محله بعد القراءة وقد وجدت الا أنه توقف على أن تتقيد
بالسجدة فإذا قام وقرأ لم يقع قيامه ولا قراءته معتدا به لأنه لم يقع في محله فلغا فإذا سجد صادف السجود محله لوقوعه
بعد ركوع معتبر فتقيد ركوعه به فقد وجد انضمام السجدتين إلى الركوع فصار مصليا ركعة وكذا إذا قرأ وركع
ثم رفع رأسه وقرأ وركع وسجد فإنما صلى ركعة واحدة لأنه تقدمه ركوعان ووجد السجود فيلحق بأحدهما
ويلغو الآخر غير أن في باب الحدث جعل المعتبر الركوع الأول وفى باب السهو من نوادر أبى سليمان جعل
المعتبر الركوع الثاني حشي ان من أدرك الركوع الثاني لا يصير مدركا للركعة على رواية باب الحدث وعلى رواية
هذا الباب يصير مدركا للركعة والصحيح رواية باب الحدث لان ركوعه الأول صادف محله لحصوله بعد
القراءة فوقع الثاني مكررا فلا يعتد به فإذا سجد يتقيد به الركوع الأول فصار مصليا ركعة وكذلك إذا قرأ
170

ولم يركع وسجد ثم قام فقرأ وركع ولم يسجد ثم قام فقرأ ولم يركع وسجد فإنما صلى ركعة واحدة لان سجوده الأول لم
يصادف محله لحصوله قبل الركوع فلم يقع معتدا به فإذا قرأ وركع توقف هذا الركوع على أن يتقيد بسجوده بعده
فإذا سجد بعد القراءة تقيد ذلك الركوع به فصار مصليا ركعة وكذلك ان ركع في الأولى ولم يسجد ثم ركع في الثانية ولم
يسجد وسجد في الثالثة ولم يركع فلا شك أنه صلى ركعة واحدة لما مر غير أن هذا السجود يلتحق بالركوع الأول أم
بالثاني فعنه روايتان على ما مر وعليه سجود السهو في هذه المواضع لادخاله الزيادة في الصلاة لان ادخال
الزيادة في الصلاة نقص فيها ولا تفسد صلاته الا في رواية عن محمد فإنه يقول زيادة السجدة الواحدة كزيادة الركعة
بناء على أصله أن السجدة الواحدة قربة وهي سجود الشكر وعند أبي حنيفة وأبى يوسف السجدة الواحدة
ليست بقربة الا سجدة التلاوة ثم ادخال الركوع الزائد أو السجود الزائد لا يوجب فساد الفرض لأنه من افعال
الصلاة والصلاة لا تفسد بوجود أفعالها بل بوجود ما يضادها بخلاف ما إذا زاد ركعة كاملة لأنها فعل صلاة كاملا
فانعقد نفلا فصار منتقلا إليه فلا يبقى في الفرض ضرورة لمكان فساد فرض بهذا الطريق لا بطريق المضادة
بخلاف زيادة ما دون الركعة لأنها ليست بفعل كامل ليصير منتقلا إليه وهذا لان فساد الصلاة بأحد أمرين اما
بوجود ما يضادها أو بالانتقال إلى غيرها وقد انعدم الامر ان جميعا والله أعلم ولو ترك القعدة الأخيرة من ذوات
الأربع وقام إلى الخامسة فإن لم يقيدها بالسجدة يعود إلى القعدة لأنه لما لم يقيد الخامسة بالسجدة لم يكن ركعة
فلم يكن فعل صلاة كاملا وما لم يكمل بعد فهو غير ثابت على الاستقرار فكان قابلا للرفع ويكون رفعه في الحقيقة
دفعا ومنعا عن الثبوت فيدفع ليتمكن من الخروج عن الفرض وهو القعدة الأخيرة وقد روى أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قام إلى الخامسة فسبح به فعاد وان قيد الخامسة بالسجدة لا يعود وفسد فرضه عندنا وعند الشافعي
لا يفسد فرضه ويعود بناء على أن الركعة الواحدة عنده بمحل النقص وبه حاجة إلى النقص لبقاء فرض عليه
وهو الخروج بلفظ السلام وانا نقول وجد فعل كامل من أفعال الصلاة وقد انعقد نقلا فصار به خارجا عن الفرض
لان من ضرورة حصوله في النفل خروجه عن الفرض لتغايرهما فيستحيل كونه فيهما وقد حصل في النفل
فصار خارجا عن الفرض ضرورة ولو ترك القعدة الأولى من ذوات الأربع وقام إلى الثالثة فان استتم قائما
لا يعود لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام من الثانية إلى الثالثة ولم يقعد فسبحوا به فلم يعد ولكن سبح
بهم فقاموا وما روى أنهم سبحوا به فعاد محمول على ما إذا لم يستتم قائما وكان إلى القعود أقرب توفيقا بين الحديثين
ولان القيام فريضة والقعدة الأولى واجبة فلا يترك الفرض لمكان الواجب وإنما عرفنا جواز الانتقال من
القيام إلى سجدة التلاوة بالأثر لحاجة المصلى إلى الاقتداء بمن أطاع الله تعالى واظهار مخالفة من عصاه
واستنكف عن سجدته وأما إذا لم يستتم قائما فإن كان إلى القيام أقرب فكذلك الجواب لوجود حد
القيام وهو انتصاب النصف الاعلى والنصف الأسفل جميعا وما بقي من الانحناء فقليل غير معتبر وإن كان إلى القعود
أقرب يقعد لانعدام القيام الذي هو فرض ولم يذكر محمد انه هل يسجد سجدتي السهو أم لا وقد اختلف المشايخ فيه كان
الشيخ أبو بكر محمد بن الفضل البخاري يقول لا يسجد سجدتي السهو لأنه إذا كان إلى القعود أقرب كإن كأنه لم يقم ولهذا
يجب عليه أن يقعد وقال غيره من مشايخنا انه يسجد لأنه بقدر ما اشتغل بالقيام أخر واجبا وجب وصله بما قبله من
الركن فلزمه سجود السهو (واما) الأذكار فنقول إذا ترك القراءة في الأوليين قضاها في الاخر بين وذكر القدوري من
أصحابنا ان هذا عندي أداء وليس بقضاء لان الفرض هو القراءة في ركعتين غير عين فإذا قرأ في الأخريين كان
مؤديا لا قاضيا وقال غيره من أصحابنا أنه يكون قاضيا ومسائل الأصل تدل عليه فإنه قال في المسافر إذا اقتدى بالمقيم
في الشفع الثاني بعد خروج الوقت انه لا يجوز وان لم يكن قرأ الامام في الشفع الأول ولو كانت القراءة في الأوليين
أداء لجاز لأنه يكون اقتداء المفترض بالمفترض في حق القراءة ولكن لما كانت القراءة في الأخريين قضاء عن
الأوليين التحقت بالأوليين فخلت الاخريان عن القراءة المفروضة فيصير في حق القراءة اقتداء المفترض بالمتنفل
171

وانه فاسد وذكر في باب السهو من الأصل ان الامام إذا كان لم يقرأ في الأوليين فاقتدى به انسان في الأخريين
وقرأ الامام فيهما ثم قام المسبوق إلى قضاء ما فاته فعليه القراءة وان ترك ذلك لم تجزء صلاته ولو كان فرض القراءة في
ركعتين غير عين لكان الامام مؤديا فرض القراءة في الأخريين وقد أدركهما المسبوق فحصل فرض القراءة عينا
بقراءة الإمام فينبغي أن لا يجب عليه القراءة ومع هذا وجب فعلم أن الأوليين محل أداء فرض القراءة عينا والقراءة
في الأخريين قضاء عن الأوليين فإذا قرأ الامام في الأخريين فقد قضى ما فاته من القراءة في الأوليين والفائت
إذ قضى يلتحق بمحله فخلت الاخريان عن القراءة المفروضة فقد فات على المسبوق القراءة فلا بد من تحصيلها
لان الصلاة بلا قراءة غير جائزة وكذا لو كان قرأ الامام في الأوليين لان القراءة في الأخريين وان وجدت لم تكن
فرضا لافتراضها في ركعتين فحسب فقد فات الفرض على المسبوق فيجب عليه تحصيلها فيما يقضى ولو تركها في
الأوليين في صلاة الفجر أو المغرب فسدت صلاته ولا يتصور القضاء ههنا ولو ترك الفاتحة في الركعة الأولى وبدأ
بغيرها فلما قرأ بعض السورة تذكر يعود فيقرأ بفاتحة الكتاب ثم السورة لان الفاتحة سميت فاتحة لافتتاح
القراءة بها في الصلاة فإذا تذكر في محلها كان عليه مراعاة الترتيب كما لو سها عن تكبيرات العيد حتى اشتغل
بالقراءة ثم نذكر انه لم يكبر يعود إلى التكبيرات ويقرأ بعدها كذا هذا ولو ترك الفاتحة في الأوليين وقرأ السورة
لم يقضها في الأخريين في ظاهر الرواية وعن الحسن بن زياد انه يقضى الفاتحة في الأخريين لان الفاتحة أوجب من
السورة ثم السورة تقضى فلان تقضى الفاتحة أولى (ولنا) ان الأخريين محل الفاتحة أداء فلا تكونا محلا لها
قضاء بخلاف السورة ولأنه لو قضاها في الأخريين يؤدى إلى تكرار الفاتحة في ركعة واحدة وانه غير مشروع
ولو قرأ الفاتحة في الأوليين ولم يقرأ السورة قضاها في الأخريين وعن أبي يوسف انه لا يقضيها كما لا يقضى الفاتحة
لأنها سنة فاتت عن موضعها والصحيح ظاهر الرواية لما روى عن عمر رضي الله عنه انه ترك القراءة في ركعة من
صلاة المغرب فقضاها في الركعة الثالثة وجهر وروى عن عثمان رضي الله عنه انه ترك السورة في الأوليين فقضاها
في الأخريين وجهر لان الأخريين ليستا محلا للسورة أداء فجر أن يكونا محلا لها قضاء ثم قال في الكتاب وجهر
ولم يذكر انه جهر بهما أو بالسورة خاصة وفسره البلخي فقال أتى بالسورة خاصة لان القضاء بصفة الأداء ويجهر
بالسورة أداء فكذا قضاء فاما الفاتحة فهي في محلها ومن سننها الاخفاء فيخفى بها وعن أبي يوسف انه يخافت بهما
لأنه يفتتح القراءة بالفاتحة والسورة تبنى عليها ثم السنة في الفاتحة المخافتة فكذا فيما يبنى عليها والأصح انه يجهر بهما
لان الجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة غير مشروع وقد وجب عليه الجهر بالسورة فيجهر بالفاتحة أيضا
وهذا كله إذا تذكر بعد ما قيد الركعة بالسجدة فان تذكر قراءة الفاتحة أو السورة في الركوع أو بعد ما رفع رأسه
منه يعود إلى القراءة وينتقض ركوعه بخلاف القنوت والفرق بينهما نذكره في صلاة الوتر ولو ترك تكبيرات
العيد فتذكر في الركوع قضاها في الركوع بخلاف القنوت إذا تذكر في الركوع حيث يسقط ونذكر الفرق هناك
أيضا ولو ترك قراءة التشهد في القعدة الأخيرة وقام ثم تذكر يعود ويتشهد إذا لم يقيد الركعة بالسجدة لأنه لو كان قرأ
التشهد ثم تذكر يعود ليكون خروجه من الصلاة على الوجه المسنون فههنا أولى وكذا إذا لم يقم وتذكرها قبل
السلام أو بعد ما سلم ساهيا ولو سلم وهو ذاكر لها سقطت عنه وسقط سجدتا السهو لما مر ولو ترك قراءة التشهد
في القعدة الأولى وقام إلى الثالثة ثم تذكر فان استتم قائما لا يعود لان القيام فرض وليس من الحكمة ترك الفرض
لتحصيل الواجب وان لم يستتم قائما فإن كان إلى القيام أقرب لا يعود وتسقط وإن كان إلى القعود أقرب يعود لما
ذكرنا في القعدة الأخيرة والله أعلم
* (فصل) * وأما بيان محل السجود للسهو فمحله المسنون بعد السلام عندنا سواء كان السهو بادخال زيادة في
الصلاة أو نقصان فيها وعند الشافعي قبل السلام بعد التشهد فيهما جميعا وقال مالك إن كان يسجد للنقصان فقبل
السلام وإن كان يسجد للزيادة فبعد السلام (احتج) الشافعي بما روى عبد الله بن بحينة ان النبي صلى الله عليه وسلم
172

سجد للسهو قبل السلام وما روى أنه سجد للسهو بعد السلام فمحمول على التشهد كما حملتم السلام على التشهد في
قوله صلى الله عليه وسلم وفى كل ركعتين فسلم أي فتشهد ويرجح ما روينا بمعاضدة المعنى إياه من وجهين أحدهما
ان السجدة إنما يؤتى بها جبرا للنقصان المتمكن في الصلاة والجابر يجب تحصيله في موضع النقص لا في غير موضعه
والاتيان بالسجدة بعد السلام تحصيل الجابر لا في محل النقصان والاتيان بها قبل السلام تحصيل الجابر في محل
النقصان فكان أولى والثاني ان جبر النقصان إنما يتحقق حال قيام الأصل وبالسلام القاطع لتحريمة الصلاة يفوت
الأصل فلا يتصور جبر النقصان بالسجود بعده (واحتج) مالك بما روى المغيرة بن شعبة ان النبي صلى الله عليه وسلم
قام في مثنى من صلاته فسجد سجدتي السهو قبل السلام وكان سهوا في نقصان وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا فسجد سجدتي السهو بعد السلام وكان سهوا في الزيادة ولان
السهو إذا كان نقصانا فالحاجة إلى الجابر فيؤتى به محل النقصان على ما قاله الشافعي فاما إذا كان زيادة فتحصيل
السجدة قبل السلام يوجب زيادة أخرى في الصلاة ولا يوجب رفع شئ فيؤخر إلى ما بعد السلام ولنا حديث ثوبان
رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لكل سهو سجدتان بعد السلام من غير فصل بين الزيادة
والنقصان وروى عن عمران بن الحصين والمغيرة بن شعبة وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم ان النبي صلى الله
عليه وسلم سجد للسهو بعد السلام وكذا روى ابن مسعود وعائشة وأبو هريرة رضي الله عنهم وروينا عن ابن
مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليتحر أقرب ذلك إلى
الصواب وليبن عليه وليسجد سجدتين بعد السلام ولان سجود السهو أخر عن محل النقصان بالاجماع وإنما كان
لمعنى ذلك المعنى يقتضى التأخير عن السلام وهو انه لو أداه هناك ثم سها مرة ثانية وثالثة ورابعة يحتاج إلى أدائه في كل
محل وتكرار سجود السهو في صلاة واحدة غير مشروع فاخر إلى وقت السلام احترازا عن التكرار فينبغي أن يؤخر
أيضا عن السلام حتى أنه لو سها عن السهو لا يلزمه أخرى فيؤدى إلى التكرار ولان ادخال الزيادة في الصلاة يوجب
نقصانا فيها فلو أتى بالسجود قبل السلام يؤدى إلى أن يصير الجابر للنقصان موجبا زيادة نقص وذا غير صواب (وأما)
الجواب عن تعلقهم بالأحاديث فهو ان رواية الفعل متعارضة فبقي لنا رواية القول من غير تعارض أو ترجح ما ذكرنا
لمعاضدة ما ذكرنا من المعنى إياه أو يوفق فيحمل ما روينا على أنه سجد بعد السلام الأول ولا محل له سواء فكان
محكما وما رواه محتمل يحتمل انه سجد قبل السلام الأول ويحتمل انه سجد قبل السلام الثاني فكان متشابها فيصرف
إلى موافقة المحكم وهو انه سجد قبل السلام الأخير لا قبل السلام الأول ردا للمحتمل إلى المحكم وما ذكر مالك من
الفصل بين الزيادة والنقصان غير سديد لأنه سواء نقص أو زاد كل ذلك كان نقصانا ولأنه لو سها مرتين إحداهما
بالزيادة والأخرى بالنقصان ماذا يفعل وتكرار سجدتي السهو غير مشروع وقد روى أن أبا يوسف ألزم
مالكا بين يدي الخليفة بهذا الفصل فقال أرأيت لو زاد ونقص كيف يصنع فتحير مالك وقد خرج الجواب عن أحد
معنى الشافعي ان الجابر يحصل في محل الجبر لما مر انه لا يؤتى به في محل الجبر بالاجماع بل يؤخر عنه لمعنى يوجب
التأخير عن السلام وأما قوله إن الجبر لا يتحقق الا حال قيام أصل الصلاة فنعم لكن لم قلتم ان سلام من عليه السهو
قاطع لتحريمة الصلاة وقد اختلف مشايخنا في ذلك فعند محمد وزفر لا يقطع التحريمة أصلا فيتحقق معنى الجبر وعند أبي
حنيفة وأبى يوسف لا يقطعها على تقدير العود إلى السجود أو يقطعها ثم يعود بالعود إلى السجود فيتحقق معنى
الجبر وإذا عرف ان محله المسنون بعد السلام فإذا فرغ من التشهد الثاني يسلم ثم يكبر ويعود إلى سجود السهو ثم يرفع
رأسه مكبرا ثم يتشهد ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويأتي بالدعوات وهو اختيار الكرخي واختيار عامة
مشايخنا بما وراء النهر وذكر الطحاوي انه يأتي بالدعاء قبل السلام وبعده وهو اختيار بعض مشايخنا والأول
أصح لان الدعاء إنما شرع بعد الفراغ من الافعال والأذكار الموضوعة في الصلاة ومن عليه السهو قد بقي عليه
بعد التشهد الأول من الافعال والأذكار وهو سجود السهو والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتحقق الفراغ
173

فلذلك كان التأخير إلى التشهد الثاني أحق ولكن ينبغي أن لا يأتي بدعوات تشبه كلام الناس لئلا تفسد
صلاته هذا الذي ذكرنا بيان محله المسنون وأما محل جوازه فنقول جواز السجود لا يختص بما بعد السلام حتى لو
سجد قبل السلام يجوز ولا يعيد لأنه أداء بعد الفراغ من أركان الصلاة الا انه ترك سنته وهو الأداء بعد السلام
وترك السنة لا يوجب سجود السهو ولان الأداء بعد السلام سنة ولو أمرناه بالإعادة كان تكرارا وانه بدعة
وترك السنة أولى من فعل البدعة والله تعالى أعلم
* (فصل) * وأما قدر سلام السهو وصفته فقد اختلف المشايخ فيه قال بعضهم تسليمة واحدة تلقاء وجهه وهو اختيار
الشيخ الزاهد فخر الاسلام علي بن محمد البزدوي وقال لو سلم تسليمتين تبطل التحريمة لان التسليمة الثانية لمعنى
التحية ومعنى التحية ساقط عن سلام السهو فكان الاشتغال بالتسليمة الثانية عبثا لخلوه عن الفائدة المطلوبة منه
فكان قاطعا للتحريمة وعامتهم على أنه يسلم تسليمتين عن يمينه وعن يساره لقول النبي صلى الله عليه وسلم لكل سهو
سجدتان بعد السلام ذكر السلام بالألف واللام فينصرف إلى الجنس أو إلى المعهود وهما التسليمتان
* (فصل) * وأما عمل سلام السهو انه هل يبطل التحريمة أم لا فقد اختلف فيه قال محمد وزفر لا يقطع التحريمة أصلا
وعند أبي حنيفة وأبى يوسف الامر موقوف ان عاد إلى سجدتي السهو وصح عوده إليهما تبين انه لم يقطع وان لم يعد
تبين انه قطع حتى لو ضحك بعد ما سلم قبل أن يعود إلى سجدتي السهو لا تنتقض طهارته عندهما وعند محمد وزفر
تنتقض ومن مشايخنا من قال لا توقف في انقطاع التحريمة بسلام السهو عند أبي حنيفة وأبى يوسف بل تنقطع
من غير توقف وإنما التوقف عندهما في عود التحريمة ثانيا ان عاد إلى سجدتي تعود والا فلا وهذا أسهل لتخريج
المسائل والأول وهو التوقف في بقاء التحريمة وبطلانها أصح لان التحريمة تحريمة واحدة فإذا بطلت لا تعود الا
بإعادة ولم توجد وجه قول محمد وزفر ان الشرع أبطل عمل سلام من عليه سجدتا السهو لان سجدتي السهو يؤتى بهما
في تحريمة الصلاة لأنهما شرعتا لجبر النقصان وإنما ينجبر ان حصلتا في تحريمة الصلاة ولهذا يسقطان إذا وجد بعد
القعود قدر التشهد ما ينافي التحريمة ولا يمكن تحصيلهما في تحريمة الصلاة الا بعد بطلان عمل هذا السلام فصار
وجوده وعدمه في هذه الحالة بمنزلة ولو انعدم حقيقة كانت التحريمة باقية فكذا إذا التحق بالعدم (ولأبي) حنيفة
وأبى يوسف ان السلام جعل محللا في الشرع قال النبي صلى الله عليه وسلم وتحليلها التسليم والتحليل ما يحصل به
التحلل ولأنه خطاب للقوم فكان من كلام الناس وانه مناف للصلاة غير أن الشرع أبطل عمله في هذه الحالة لحاجة
المصلى إلى جبر النقصان ولا ينجبر الا عند وجود الجابر في التحريمة ليلتحق الجابر بسبب بقاء التحريمة لمحل
النقصان فينجبر النقصان فنفينا التحريمة مع وجود المنافى لها لهذه الضرورة فان اشتغل بسجدتي السهو وصح
اشتغاله بهما تحققت الضرورة إلى بقاء التحريمة فبقيت وان لم يشتغل لم تتحقق الضرورة فيعمل السلام في الاخراج
عن الصلاة وابطال التحريمة عمله ويبنى على هذا الأصل ثلاث مسائل إحداها إذا قهقه قبل العود إلى السجود
بعد السلام تمت صلاته وسقط عنه السهو بالاجماع ولا تنتقض طهارته عند أبي حنيفة وأبى يوسف وهو قول زفر
بناء على أصله في القهقهة انها في كل موضع لا توجب فساد الصلاة لا توجب انتقاض الطهارة كما إذا قعد قدر
التشهد الأخير قبل السلام وعند محمد تنتقض طهارته والثانية إذا سلم وعليه سجدتا السهو فجاء رجل فاقتدى
به قبل أن يعود إلى السجود فاقتداؤه موقوف عند أبي حنيفة وأبى يوسف فان عاد إلى السجود صح والا فلا وعند
محمد وزفر صح اقتداؤه به عاد أو لم يعد وقال بشر لا يصح اقتداؤه به عاد أو لم يعد فكأنه جعل السلام قاطعا للتحريمة
جزما والثالثة المسافر إذا سلم على رأس الركعتين في ذوات الأربع وعليه سهو فنوى الإقامة قبل أن يعود إليه
لا ينقلب فرضه أربعا ويسقط عنه السهو عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد وزفر ينقلب فرضه أربعا
وعليه سجدتا السهو لكنه يؤخرهما إلى آخر الصلاة وأجمعوا على أنه لو عاد إلى سجود السهو ثم اقتدى به رجل يصح
اقتداؤه به الا عند بشر وكذلك لو قهقهة في هذه الحالة تنتقض طهارته الا عند زفر وكذلك لو نوى الإقامة في هذه
174

الحالة ينقلب فرضه أربعا ويؤخر سجود السهو إلى آخر الصلاة سواء نوى الإقامة بعد ما سجد سجدة واحدة
أو سجدتين ثم لا يفترق الحال في سجود السهو سيما إذا سلم وهو ذاكر له أو ساه عنه ومن نيته أن يسجد له أولا
يسجد حتى لا يسقط عنه في الأحوال كلها لان محله بعد السلام الا إذا فعل فعلا يمنعه من البناء بأن تكلم أو قهقه
أو أحدث متعمدا أو خرج عن المسجد أو صرف وجهه عن القبلة وهو ذاكر له لأنه فات محله وهو تحريمة
الصلاة فيسقط ضرورة فوات محله وكذا إذا طلعت الشمس بعد السلام في صلاة الفجر أو احمرت في صلاة العصر
سقط عنه السهو لان السجدة جبر للنقص المتمكن فيجرى مجرى القضاء وقد وجبت كاملة فلا يقضى الناقص
* (فصل) * وأما بيان من يجب عليه سجود السهو ومن لا يجب عليه فسجود السهو يجب على الامام وعلى
المنفرد مقصود التحقق سبب الوجوب منهما وهو السهو فاما المقتدى إذا سها في صلاته فلا سهو عليه لأنه لا يمكنه
السجود لأنه ان سجد قبل السلام كان مخالفا للامام وان أخره إلى ما بعد سلام الامام يخرج من الصلاة بسلام الامام
لأنه سلام عمد ممن لا سهو عليه فكان سهوه فيما يرجع إلى السجود ملحقا بالعدم لتعدد السجود عليه فسقط
السجود عنه أصلا وكذلك اللاحق وهو المدرك لأول صلاة الامام إذا فاته بعضها بعد الشروع بسبب النوم
أو الحدث السابق بأن نام خلف الامام ثم انتبه وقد سبقه الامام بركعة أو فرغ من صلاته أو سبقه الحدث فذهب
وتوضأ وقد سبقه الامام بشئ من صلاته أو فرغ عنها فاشتغل بقضاء ما سبق به فسها فيه لا سهو عليه لأنه في حكم
المصلى خلف الامام ألا ترى انه لا قراءة عليه وأما المسبوق إذا سها فيما يقضى وجب عليه السهو لأنه فيما يقضى
بمنزلة المنفرد ألا ترى انه يفترض عليه القراءة وأما المقيم إذا اقتدى بالمسافر ثم قام إلى اتمام صلاته وسها هل يلزمه
سجود السهو ذكر في الأصل وقال إنه يتابع الامام في سجود السهو وإذا سها فيما يتم فعليه سجود السهو أيضا وذكر
الكرخي في مختصره انه كاللاحق لا يتابع الامام في سجود السهو وإذا سها فيما يتم لا يلزمه سجود السهو لأنه
مدرك لأول الصلاة فكان في حكم المقتدى فيما يؤديه بتلك التحريمة كاللاحق ولهذا لا يقرأ كاللاحق والصحيح
ما ذكر في الأصل لأنه ما اقتدى بامامة الا بقدر صلاة الامام فإذا انقضت صلاة الامام صار منفردا فيما وراء ذلك
وإنما لا يقرأ فيما يتم لان القراءة فرض في الأوليين وقد قرأ الامام فيهما فكانت قراءة له وسهو الامام يوجب السجود
عليه وعلى المقتدى لان متابعة الامام واجبة قال النبي صلى الله عليه وسلم تابع امامك على أي حال وجدته ولان
المقتدى تابع للامام والحكم في التبع ثبت بوجود السبب في الأصل فكان سهو الامام سببا لوجوب السهو عليه
وعلى المقتدى ولهذا لو سقط عن الامام بسبب من الأسباب بأن تكلم أو أحدث متعمدا أو خرج من المسجد
يسقط عن المقتدى وكذلك اللاحق يسجد لسهو الامام إذا سها في حال نوم اللاحق أو ذهابه إلى الوضوء لأنه
في حكم المصلى خلفه ولكن لا يتابع الامام في سجود السهو إذا انتبه في حال اشتغال الامام بسجود السهو أو جاء
إليه من الوضوء في هذه الحالة بل يبدأ بقضاء ما فاته ثم يسجد في آخر صلاته بخلاف المسبوق أو المقيم خلف المسافر
حيث يتابع الامام في سجود السهو ثم يشتغل بالاتمام (والفرق) ان اللاحق التزم متابعة الامام فيما اقتدى به
على نحو ما فصل الامام وأنه اقتدى به في حق جميع الصلاة فيتابعه في جميعها على نحو ما يؤدى الامام والامام
أدى الأول وسجد لسهوه في آخر صلاته فكذا هو فأما المسبوق فقد التزم بالاقتداء به متابعته بقدر ما هو
صلاة الامام وقد أدرك هذا القدر فيتابعه فيه ثم ينفرد وكذا المقيم المقتدى بالمسافر ولو سجد اللاحق مع الامام
للسهو وتابعه فيه لم يجزه لأنه سجد قبل أوانه في حقه فلم يقع معتدا به فعليه أن يعيد إذا فرغ من قضاء ما عليه ولكن
لا تفسد صلاته لأنه ما زاد الا سجدتين بخلاف المسبوق إذا تابع الامام في سجود السهو ثم تبين انه لم يكن على الامام
سهو حيث تفسد صلاة المسبوق إذا تابع الامام وما زاد الا سجدتين لان من الفقهاء من قال لا تفسد صلاة المسبوق
على ما تذكره ثم الفرق ان فساد الصلاة هناك ليس لزيادة السجدتين بل للاقتداء في موضع كان عليه الانفراد
في ذلك الموضع ولم يوجد ههنا لان اللاحق مقتد في جميع ما يؤدى فلهذا لم تفسد صلاته وكذلك المسبوق يسجد
175

لسهو الامام سواء كان سهوه بعد الاقتداء به أو قبله بأن كان مسبوقا بركعة وقد سها الامام فيها وعن إبراهيم النخعي
انه لا يسجد لسهوه أصلا لان محل السهو بعد السلام وانه لا يتابعه في السلام فلا يتصور المتابعة في السهو (ولنا)
ان سجود السهو يؤدى في تحريمة الصلاة فكانت الصلاة باقية وإذا بقيت الصلاة بقيت التبعية فيتابعه فيما
يؤدى من الافعال بخلاف التكبير والتلبية حتى لا يلبى المسبوق ولا يكبر مع الامام في أيام التشريق لان التكبير
والتلبية لا يؤديان في تحريمة الصلاة ألا ترى انه لو ضحك قهقهة في تلك الحالة لا تنتقض طهارته ولو اقتدى به
انسان لا يصح بخلاف سجدتي السهو فإنهما يؤديان في تحريمة الصلاة بخلاف انتقاض الطهارة بالقهقهة وصح
الاقتداء به في تلك الحالة (فان) قيل ينبغي أن لا يسجد المسبوق مع الامام لأنه ربما يسهو فيما يقضى فيلزمه السجود
أيضا فيؤدى إلى التكرار وانه غير مشروع ولأنه لو تابعه في السجود يقع سجوده في وسط الصلاة وذا غير صواب
(فالجواب) ان التكرار في صلاة واحدة غير مشروع وهما صلاتان حكما وإن كانت التحريمة واحدة لان المسبوق فيما
يقضى كالمنفرد ونظيره المقيم إذا اقتدى بالمسافر فسها الامام يتابعه المقيم في السهو وإن كان المقتدى ربما يسهو في
اتمام صلاته وعلى تقدير السهو يسجد في أصح الروايتين على ما مر لكن لما كان منفردا في ذلك كانا صلاتين حكما وإن كانت
التحريمة واحدة كذا ههنا ثم المسبوق إنما يتابع الامام في السهو دون السلام بل ينتظر الامام حتى يسلم فيسجد
فيتابعه في سجود السهو لا في سلامه وان سلم فإن كان عامدا تفسد صلاته وإن كان ساهيا لا تفسد ولا سهو عليه لأنه
مقتد وسهو المقتدى باطل فإذا سجد الإمام للسهو يتابعه في السجود ويتابعه في التشهد ولا يسلم إذا سلم الامام لان
هذا السلام للخروج عن الصلاة وقد بقي عليه أركان الصلاة فإذا سلم مع الامام فإن كان ذاكرا لما عليه من القضاء
فسدت صلاته لأنه سلام عمد وان لم يكن ذاكرا له لا تفسد لأنه سلام سهو فلم يخرجه عن الصلاة وهل يلزمه سجود
السهو لأجل سلامه ينظر ان سلم قبل تسليم الامام أو سلما معا لا يلزمه لان سهوه سهو المقتدى وسهو المقتدى
متعطل وان سلم بعد تسليم الامام لزمه لان سهوه سهو المنفرد فيقضى ما فاته ثم يسجد للسهو في أخر صلاته ولو سها
الامام في صلاة الخوف سجد للسهو وتابعه فيهما الطائفة الثانية وأما الطائفة الأولى فإنما يسجدون بعد الفراغ من
الاتمام لان الطائفة الثانية بمنزلة المسبوقين إذ لم يدركوا مع الامام أول الصلاة والطائفة الأولى بمنزلة اللاحقين
لادراكهم أول صلاة الامام ولو قام المسبوق إلى قضاء ما سبق به ولم يتابع الامام في السهو سجد في آخر صلاته استحسانا
والقياس أن يسقط لأنه منفرد فيما يقضى وصلاة المنفرد غير صلاة المقتدى فصار كمن لزمته السجدة في صلاة فلم
يسجد حتى خرج منها ودخل في صلاة أخرى لا يسجد في الثانية بل يسقط كذا هذا وجه الاستحسان ان التحريمة
متحدة فان المسبوق يبنى ما يقضى على تلك التحريمة فجعل الكل كأنها صلاة واحدة لاتحاد التحريمة وإذا كان الكل
صلاة واحدة وقد تمكن فيها النقصان بسهو الامام ولم يجبر ذلك بالسجدتين فوجب جبره وقد خرج الجواب
عن وجه القياس انه منفرد في القضاء لأنا نقول نعم في الافعال أما هو مقتد في التحريمة ألا ترى انه لا يصح اقتداء
غيره فجعل كأنه خلف الامام في حق التحريمة ولو سها فيما يقضى ولم يسجد لسهو الامام كفاه سجدتان لسهوه ولما
عليه من قبل الامام لان تكرار السهو في صلاة واحدة غير مشروع ولو سجد لسهو الامام ثم سها فيما يقضى
فعليه السهو لما مر ان ذلك إذا سهوين في صلاتين حكما فلم يكن تكرارا ولو أدرك الامام بعد ما سلم للسهو فهذا
لا يخلو من ثلاثة أوجه اما ان أدركه قبل السجود أو في حال السجود أو بعد ما فرغ من السجود فان أدركه قبل
السجود أو في حال السجود يتابعه في السجود لأنه بالاقتداء التزم متابعة الامام فيما أدرك من صلاته وسجود
السهو من أفعال صلاة الامام فيتابعه فيه وليس عليه قضاء السجدة الأولى إذا أدركه في الثانية لان المسبوق لم
يوجد منه السهو وإنما يجب عليه السجود لسهو الامام لتمكن النقص في تحريمة الامام وحين دخل في صلاة
الامام كان النقصان بقدر ما يرتفع بسجدة واحدة وهو قد أتى بسجدة واحدة فانجبر النقص فلا يجب عليه شئ آخر
بخلاف ما إذا اقتدى به قبل أن يسجد شيئا ثم لم يتابع امامه وقام وأتم صلاته حيث يسجد السجدتين استحسانا لان
176

هناك اقتدى بالامام وتحريمته ناقصة نقصانا لا ينجبر الا بسجدتين وبقى النقصان لانعدام الجابر فيأتي به في آخر
الصلاة لاتحاد التحريمة على ما مر وان أدركه بعد ما فرغ من السجود صح اقتداؤه به وليس عليه السهو بعد فراغه
من صلاة نفسه لما ذكرنا ان وجوب السجود على المسبوق بسبب سهو الامام لتمكن النقص في تحريمة الامام
وحين دخل في صلاة الامام كان النقص انجبر بالسجدتين ولا يعقل وجود الجابر من غير نقص والله أعلم ومن سلم
وعليه سهو فسبقه الحدث فهذا لا يخلو اما إن كان منفردا أو اماما فإن كان منفردا توضأ وسجد لان الحدث السابق
لا يقطع التحريمة ولا يمنع بناء بعض الصلاة على البعض فلان لا يمنع بناء سجدتي السهو أولى وإن كان اماما استخلف
لأنه عجز عن سجدتي السهو فيقدم الخليفة ليسجد كما لو بقي عليه ركن أو التسليم ثم لا ينبغي أن يقدم المسبوق ولا
للمسبوق أن يتقدم لان غيره أقدر على اتمام صلاة الامام بل يقدم رجلا أدرك أول صلاة الامام فيسلم بهم ويسجد
سجدتي السهو ولكن مع هذا لو قدمه أو تقدم جاز لأنه قادر على اتمام الصلاة في الجملة ولا يأتي بسجدتي السهو لان
أوان السجود بعد التسليم وهو عاجز عن التسليم لان عليه البناء فلو سلم لفسدت صلاته لأنه سلام عمد وعليه ركن
وحينئذ يتعذر عليه البناء فيتأخر ويقيم مدركا ليسلم بهم ويسجد سجدتي السهو ويسجد هو معهم كما لو كان الامام
هو الذي يسجد لسهوه ثم يقوم إلى قضاء ما سبق به وحده وان لم يسجد مع خليفته سجد في آخر صلاته استحسانا على
ما ذكرنا في حق الامام الأول فإن لم يجد الامام المسبوق مدركا وكان الكل مسبوقين قاموا وقضوا ما سبقوا به فرادى
لان تحريمة المسبوق انعقدت للأداء على الانفراد ثم إذا فرغوا لا يسجدون في القياس وفى الاستحسان يسجدون
وقد بينا وجه القياس والاستحسان ولو قام المسبوق إلى قضاء ما سبق به بعد ما سلم الامام ثم تذكر الامام ان عليه
سجود السهو فسجدهما يعود إلى صلاة الامام ولا يقتدى ولا يعتد بما قرأ وركع (والجملة) في المسبوق إذا قام إلى
قضاء ما عليه فقضاه انه لا يخلو ما قام إليه وقضاه اما أن يكون قبل أن يقعد الامام قدر التشهد أو بعد ما قعد قدر
التشهد فإن كان ما قام إليه وقضاه قبل أن يقعد الامام قدر التشهد لم يجزه لان الامام ما بقي عليه فرض لم ينفرد
المسبوق به عنه لأنه التزم متابعته فيما بقي عليه من الصلاة وهو قد بقي عليه فرض وهو القعدة فلم ينفرد فبقي مقتديا
وقراءة المقتدى خلف الامام لا تعتبر قراءة من صلاته وإنما تعتبر من قيامه وقراءته ما كان بعد ذلك فإن كان مسبوقا
بركعة أو ركعتين فوجد بعد ما قعد الامام قدر التشهد قيام وقراءة قدر ما تجوز به الصلاة جازت صلاته لأنه لما قعد
الامام قدر التشهد فقد انفرد لانقطاع التبعية بانقضاء أركان صلاة الامام فقد أتى بما فرض عليه من القيام والقراءة
في أوانه فكان معتدا به وان لم يوجد مقدار ذلك أو وجد القيام دون القراءة لا تجوز صلاته لانعدام ما فرض عليه في
أوانه وإن كان مسبوقا بثلاث ركعات فإن لم يركع حتى فرغ الامام من التشهد ثم ركع وقرأ في الركعتين بعد هذه
الركعة جازت صلاته لان القيام فرض في كل ركعة وفرض القراءة في الركعتين ولا يعتد بقيامه ما لم يفرغ الامام من
التشهد فإذا فرغ الامام من التشهد قبل أن يركع هو فقد وجد القيام وان قل في هذه الركعة ووجدت القراءة في
الركعتين بعد هذه الركعة فقد أتى بما فرض عليه فتجوز صلاته وإن كان ركع قبل فراغ الامام من التشهد لم تجز
صلاته لأنه لم يوجد قيام معتد به في هذه الركعة لان ذلك هو القيام بعد تشهد الامام ولم يوجد فلهذا فسدت صلاته
وأما إذا قام المسبوق إلى قضاء ما عليه بعد فراغ الامام من التشهد قبل السلام فقضاه أجزأه وهو مسئ أما الجواز
فلان قيامه حصل بعد فراغ الامام من أركان الصلاة وأما الإساءة فلتركه انتظار سلام الامام لان أوان قيامه
للقضاء بعد خروج الامام من الصلاة فينبغي أن يؤخر القيام عن السلام ولو قام بعد ما سلم ثم تذكر الامام سجدتي
السهو فخر لهما فهذا على وجهين اما إن كان المسبوق قيد ركعته بالسجدة أو لم يقيد فإن لم يقيد ركعته بالسجدة رفض
ذلك ويسجد مع الامام لان ما أتى به ليس بفعل كامل وكان محتملا للرفض ويكون تركه قبل التمام منعا له عن
الثبوت حقيقة فجعل كان لم يوجد فيعود ويتابع امامه لان متابعة الامام في الواجبات واجبة وبطل ما أتى به
من القيام والقراءة والركوع لما بينا فإن لم يعد إلى متابعة الامام ومضى على قضائه جازت صلاته لان عود
177

الامام إلى سجود السهو لا يرفع التشهد والباقي على الامام سجود السهو وهو واجب والمتابعة في الواجب
واجبة فترك الواجب لا يوجب فساد الصلاة ألا ترى لو تركه الامام لا تفسد صلاته فكذا المسبوق
ويسجد سجدتي السهو بعد الفراغ من قضائه استحسانا وإن كان المسبوق قيد ركعته بالسجدة لا يعود إلى متابعة
الامام لان الانفراد قد تم وليس على الامام ركن ولو عاد فسدت صلاته لأنه اقتدى بغيره بعد وجود الانفراد
ووجوبه فتفسد صلاته ولو ذكر الامام سجدة تلاوة فسجدها فإن كان المسبوق لم يقيد ركعته بالسجدة فعليه أن
يعود إلى متابعة الامام لما مر فيسجد معه للتلاوة ويسجد للسهو ثم يسلم الامام ويقوم المسبوق إلى قضاء ما عليه
ولا يعتد بما أتى به من قبل لما مر ولو لم يعد فسدت صلاته لان عود الامام إلى سجدة التلاوة يرفض القعدة في حق
الامام وهو بعد لم يصر منفردا لان ما أتى به دون فعل صلاة فترتفض القعدة في حقه أيضا فإذا ارتفضت في حقه
لا يجوز له الانفراد لان هذا أوان وجوب المتابعة والانفراد في هذه الحالة مفسد للصلاة وإن كان قد قيد ركعته
بالسجدة فان عاد إلى متابعة الامام فسدت صلاته رواية واحدة وان لم يعد ومضى عليها ففيه روايتان ذكر في الأصل
أن صلاته فاسدة وذكر في نوادر أبى سليمان انه لا تفسد صلاته وجه رواية الأصل أن العود إلى سجدة التلاوة
يرفض القعدة فتبين أن المسبوق انفرد قبل أن يقعد الامام والانفراد في موضع يجب فيه الاقتداء مفسد للصلاة
وجه نوادر أبى سليمان أن ارتفاض القعدة في حق الامام لا يظهر في حق المسبوق لان ذلك بالعود إلى التلاوة
والعود حصل بعد ما تم انفراده عن الامام وخرج عن متابعته فلا يتعدى حكمه إليه الا ترى أن جميع الصلاة لو
ارتفضت بعد انقطاع المتابعة لا يظهر في حق المؤتم بأن ارتد الامام بعد الفراغ من الصلاة والعياذ بالله بطلت صلاته
ولا تبطل صلاة القوم ففي حق القعدة أولى ولذا لو صلى الظهر بقوم يوم الجمعة ثم راح إلى الجمعة فأدركها ارتفض ظهره
ولم يظهر الرفض في حق القوم بخلاف ما إذا لم يقيد ركعته بالسجدة لان هناك الانفراد لم يتم على ما قررنا (ونظير) هذه
المسألة مقيم اقتدى بمسافر وقام إلى اتمام صلاته بعد ما تشهد الامام قبل أن يسلم ثم نوى الامام الإقامة حتى تحول
فرضه أربعا فإن لم يقيد ركعته بالسجدة فعليه أن يعود إلى متابعة الامام وان لم يعد فسدت صلاته وإن كان
قيد ركعته بالسجدة فان عاد فسدت صلاته وان لم يعد ومضى عليها وأتم صلاته لا تفسد ولو ذكر الامام ان عليه سجدة
صلبية فإن كان المسبوق لم يقيد ركعته بالسجدة لا شك انه يجب عليه العود ولو لم يعد فسدت صلاته لما مر في سجدة
التلاوة وان قيد ركعته بالسجدة فصلاته فاسدة عاد إلى المتابعة أو لم يعد في الروايات كلها لأنه انتقل عن صلاة الامام
وعلى الامام ركنان السجدة والقعدة وهو عاجز عن متابعته بعد اكمال الركعة ولو أنتقل وعليه ركن واحد وعجز عن
متابعته تفسد صلاته فههنا أولى (رجل) صلى الظهر خمسا ثم تذكر فهذا لا يخلو اما ان قعد في الرابعة قدر التشهد أو لم
يقعد وكل وجه على وجهين اما ان قيد الخامسة بالسجدة أو لم يقيد فان قعد في الرابعة قدر التشهد وقام إلى الخامسة
فإن لم يقيدها بالسجدة حتى تذكر يعود إلى القعدة ويتمها ويسلم لما مر وان قيدها بالسجدة لا يعود عندنا خلافا
للشافعي على ما مر ثم عندنا إذا كان ذلك في الظهر أو في العشاء فالأولى أن يضيف إليها ركعة أخرى ليصيرا له نفلا إذ
التنفل بعدهما جائز وما دون الركعتين لا يكون صلاة تامة كما قال ابن مسعود والله ما أجزأت ركعة قط وإن كان في
العصر لا يضيف إليها ركعة أخرى بل يقطع لان التنفل بعد العصر غير مشروع وروى هشام عن محمد أنه يضيف
إليها أخرى أيضا لان التنفل بعد العصر إنما يكره إذا شرع فيه قصدا فاما إذا وقع فيه بغير قصده فلا يكره وان لم
يضف إليها ركعة أخرى في الظهر بل قطعها لا قضاء عليه عندنا وعند زفر يقضى ركعتين وهي مسألة الشروع
في الصلاة المظنونة والصوم المظنون لان الشروع ههنا في الخامسة على ظن أنها عليه وان أضاف إليها أخرى في
الظهر هل تجزئ هاتان الركعتان عن السنة التي بعد الظهر قال بعضهم يجزيان لان السنة بعد الظهر ليست الا ركعتين
يؤديان نفلا وقد وجد والصحيح انهما لا يجزيان عنها لان السنة أن يتنفل بركعتين بتحريمة على حدة لا بناء على
تحريمة غيرها فلم يوجد هيئة السنة فلا تنوب عنها وبه كان يفتى الشيخ أبو عبد الله الجراجري ثم إذا أضاف إليها ركعة
178

أخرى فعليه السهو استحسانا والقياس أن لا سهو عليه لان السهو تمكن في الفرض وقد أدى بعدها صلاة أخرى
وجه الاستحسان أنه إنما بنى النفل على تلك التحريمة وقد تمكن فيها النقص بالسهو فيجبر بالسجدتين على ما ذكرنا في
المسبوق (ثم) اختلف أصحابنا أن هاتين السجدتين للنقص المتمكن في الفرض أو للنقص المتمكن في النفل فعند أبي
يوسف للنقص المتمكن في النفل لدخوله فيه لا على وجه السنة وعند محمد للنقص الذي تمكن في الفرض فالحاصل
أن عند أبي يوسف انقطعت تحريمة الفرض بالانتقال إلى النفل فلا وجه إلى جبر نقصان الفرض بعد الخروج
منه وانقطاع تحريمته وعند محمد التحريمة باقية لأنها اشتملت على أصل الصلاة ووصفها وبالانتقال إلى النفل
انقطع الوصف لا غير فبقيت التحريمة الا ترى أن بناء النفل على تحريمة الفرض جائز في حق الاقتداء حتى جاز اقتداء
المتنفل بالمفترض فكذا بناء فعل نفسه على تحريمة فرضه يكون جائزا والأصل في البناء هو البناء في احرام واحد
وفائدة هذا الخلاف أنه لو جاء انسان واقتدى به في هاتين الركعتين يصلى ركعتين عند أبي يوسف ولو أفسده يلزمه
قضاء ركعتين وإن كان الامام لو أفسده لا قضاء عليه عند أصحابنا الثلاثة ومن هذا صحح مشايخ بلخ اقتداء البالغين
بالصبيان في التطوعات فقالوا يجوز أن تكون الصلاة مضمونة في حق المقتدى وان لم تكن مضمونة في حق الامام
استدلالا بهذه المسألة ومشايخنا بما وراء النهر لم يجوزوا ذلك وعند محمد يصلى ستا ولو أفسدها لا يجب عليه القضاء
كما لا يجب على الامام وذكر الشيخ أبو منصور الماتريدي أن الأصح أن تجعل السجدتان جبرا للنقص المتمكن في
الاحرام وهو احرام واحد فينجبر بهما النقص المتمكن في الفرض والنفل جميعا واليه ذهب الشيخ أبو بكر بن أبي
سعيد هذا الذي ذكرنا إذا قعد في الرابعة قدر التشهد فاما إذا لم يقعد وقام إلى الخامسة فإن لم يقيدها بالسجدة يعود لما
مر وان قيد فسد فرضه وعند الشافعي لا يفسد ويعود إلى القعدة ويخرج عن الفرض بلفظ السلام بعد ذلك وصلاته
تامة بناء على أصله الذي ذكرنا أن الركعة الكاملة في احتمال النقص وما دونها سواء فكان كما لو تذكر قبل أن يقيد
الخامسة بسجدة وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا ولم ينقل انه كان قعد في الرابعة ولا انه أعاد
صلاته (ولنا) ما ذكرنا أنه وجد فعل كامل من افعال الصلاة وقد انعقد نفلا فصار خارجا من الفرض ضرورة حصوله
في النفل لاستحالة كونه فيهما وقد بقي عليه فرض وهو القعدة الأخيرة والخروج عن الصلاة مع بقاء فرض من
فرائضها يوجب فساد الصلاة وأما الحديث فتأويله انه كان قعد في الرابعة الا ترى أن الراوي قال صلى الظهر والظهر
اسم لجميع أركانها ومنها القعدة وهذا هو الظاهر أنه قام إلى الخامسة على تقدير أن هذه القعدة هي القعدة الأولى لان
هذا أقرب إلى الصواب فيحمل فعله عليه والله أعلم ثم الفساد عند أبي يوسف بوضع رأسه بالسجدة وعند محمد يرفع
رأسه عنها حتى لو سبقه الحدث في هذه الحالة لا تفسد صلاته عند محمد وعليه أن ينصرف ويتوضأ ويعود
ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو لان السجدة لا تصح مع الحدث فكأنه لم يسجد وعند أبي حنيفة وأبى يوسف
فسدت صلاته بنفس الوضع فلا يعود ثم الذي يفسد عند أبي حنيفة وأبى يوسف الفرضية لا أصل الصلاة حتى كان
الأولى ان يضيف إليها ركعة أخرى فتصير الست له نفلا ثم يسلم ثم يستقبل الظهر وعند محمد يفسد أصل الصلاة بناء
على أن أصل الفريضة متى بطلت بطلت التحريمة عنده وعندهما لا تبطل وهذا الخلاف غير منصوص عليه وإنما
استخرج من مسألة ذكرها في الأصل في باب الجمعة وهو أن مصلى الجمعة إذا خرج وقتها وهو وقت الظهر قبل اتمام
الجمعة ثم قهقه تنتقض طهارته عندهما وعنده لا تنتقض وهذا يدل على أنه بقي نفلا عندهما خلافا له وكذا ترك
القعدة في كل شفع من التطوع عنده مفسد وعندهما غير مفسد وهذه مسألة عظيمة لها شعب كثيرة أعرضنا
عن ذكر تفاصيلها وجملها ومعاني الفصول وعللها إحالة إلى الجامع الصغير وإنما أفردنا هذه المسألة بالذكر وإن كان
بعض فروعها دخل في بعض ما ذكرنا من الاقسام لما أن لها فروعا أخر لا تناسب مسائل الفصل وكرهنا قطع
الفرع عن الأصل فرأينا الصواب في ايرادها بفروعها في آخر الفصل تتميما للفائدة والله الموفق
* (فصل) * وأما سجدة التلاوة فالكلام فيها يقع في مواضع في بيان وجوبها وفي بيان كيفية الوجوب وفي بيان سبب
179

الوجوب وفي بيان من تجب عليه ومن لا تجب ويتضمن بيان شرائط الوجوب وفي بيان شرائط جوازها وفي بيان
محل أدائها وفي بيان كيفية أدائها وفي بيان سببها وفي بيان مواضعها من القرآن أما الأول فقد قال أصحابنا انها واجبة
وقال الشافعي انها مستحبة وليست بواجبة واحتج بحديث الاعرابي حين علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم
الشرائع فقال هل على غيرهن قال لا الا ان تطوع فلو كانت سجدة التلاوة واجبة لما احتمل ترك البيان بعد السؤال
وعن عمر رضي الله عنه أنه تلا آية السجدة على المنبر وسجد ثم تلاها في الجمعة الثانية فتشوف الناس للسجود فقال
أما انها لم تكتب علينا الا ان نشاء (ولنا) ما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا
تلا ابن آدم آية السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكى ويقول أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود
فلم أسجد فلي النار والأصل أن الحكيم متى حكى عن غير الحكيم أمرا ولم يعقبه بالنكير يدل ذلك على أنه صواب
فكان في الحديث دليل على كون ابن آدم مأمورا بالسجود ومطلق الامر للوجوب ولان الله تعالى ذم أقواما
بترك السجود فقال وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون وإنما يستحق الذم بترك الواجب ولان مواضع السجود في
القرآن منقسمة منها ما هو أمر بالسجود والزام للوجوب كما في آخر سورة القلم ومنها ما هو اخبار عن استكبار
الكفرة عن السجود فيجب علينا مخالفتهم بتحصيله ومنها ما هو اخبار عن خشوع المطيعين فيجب علينا متابعتهم
لقوله تعالى فبهداهم اقتده وعن عثمان وعلى وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم
أنهم قالوا السجدة على من تلاها وعلى من سمعها وعلى من جلس لها على اختلاف ألفاظهم وعلى كلمة ايجاب
وأما حديث الاعرابي ففيه بيان الواجب ابتداء لا ما يجب بسبب يوجد من العبد الا ترى أنه لم يذكر المنذور
وهو واجب وأما قول عمر رضي الله عنه فنقول بموجبه انها لم تكتب علينا بل أوجبت وفرق بين الفرض
والواجب على ما عرف في موضعه
* (فصل) * وأما بيان كيفية وجوبها فاما خارج الصلاة فإنها تجب على سبيل التراخي دون الفور عند عامة أهل
الأصول لان دلائل الوجوب مطلقة عن تعيين الوقت فتجب في جزء من الوقت غير عين ويتعين ذلك بتعيينه
فعلا وإنما يتضيق عليه الوجوب في آخر عمره كما في سائر الواجبات الموسعة (وأما) في الصلاة فإنها تجب على سبيل
التضييق لقيام دليل التضييق وهو انها وجبت بما هو من أفعال الصلاة وهو القراءة فالتحقت بافعال الصلاة
وصارت جزأ من أجزائها ولهذا يجب أداؤها في الصلاة ولا يوجب حصولها في الصلاة نقصانا فيها وتحصيل ما ليس
من الصلاة في الصلاة ان لم يوجب فسادها يوجب نقصانا وإذا التحقت بافعال الصلاة وجب أداؤها مضيقا كسائر
افعال الصلاة بخلاف خارج الصلاة لان هناك لا دليل على التضييق ولهذا قلنا إذا تلا آية السجدة فلم يسجد ولم يركع
حتى طالت القراءة ثم ركع ونوى السجود لم يجزه وكذا إذا نواها في السجدة الصلبية لأنها صارت دينا والدين يقضى
بماله لا بما عليه والركوع والسجود عليه فلا يتأدى به الدين على ما نذكر ولهذا قلنا إنه لا يجوز التيمم للتلاوة في
المصر لأن عدم الماء في المصر لا يتحقق عادة والجواز بالتيمم مع وجود الماء لن يكون الا لخوف الفوت أصلا كما في
صلاة الجنازة والعيد ولا خوف ههنا لانعدام وقت معين لها خارج الصلاة فلم يتحقق التيمم طهارة والطهارة شرط
لأدائها بالاجماع
* (فصل) * وأما سبب وجوب السجدة فسبب وجوبها أحد شيئين التلاوة أو السماع كل واحد منهما على حاله
موجب فيجب على التالي الأصم والسامع الذي لم يتل أما التلاوة فلا يشكل وكذا السماع لما بينا أن الله تعالى الحق
اللائمة بالكفار لتركهم السجود إذا قرئ عليهم القرآن بقوله تعالى فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن
لا يسجدون وقال تعالى إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا الآية من غير فصل في الآيتين بين
التالي والسامع وروينا عن كبار الصحابة رضي الله عنهم السجدة على من سمعها ولان حجة الله تعالى تلزمه بالسماع
كما تلزمه بالتلاوة فيجب أن يخضع لحجة الله تعالى بالسماع كما يخضع بالقراءة ويستوى الجواب في حق التالي
180

بين ما إذا تلي السجدة بالعربية أو بالفارسية في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى حتى قال أبو حنيفة يلزمه السجود
في الحالين وأما في حق السامع فان سمعها ممن يقرأ بالعربية فقالوا يلزمه بالاجماع فهم أو لم يفهم لان السبب قد وجد
فيثبت حكمه ولا يقف على العلم اعتبارا بسائر الأسباب وان سمعها ممن يقرأ بالفارسية فكذلك عند أبي حنيفة
بناء على أصله ان القراءة بالفارسية جائزة وقال أبو يوسف في الأمالي إن كان السامع يعلم أنه يقرأ القرآن فعليه
السجدة والا فلا وهذا ليس بسديد لأنه ان جعل الفارسية قرآنا ينبغي ان يجب سواء فهم أو لم يفهم كما لو سمعها ممن
يقرأ بالعربية وان لم يجعله قرآنا ينبغي أن لا يجب وان فهم ولو اجتمع سببا الوجوب وهما التلاوة والسماع بان تلا
السجدة ثم سمعها أو سمعها ثم تلاها أو تكرر أحدهما فنقول الأصل ان السجدة لا يتكرر وجوبها الا بأحد أمور
ثلاثة اما اختلاف المجلس أو التلاوة أو السماع حتى أن من تلا آية واحدة مرارا في مجلس واحد تكفيه سجدة
واحدة والأصل فيه ما روى أن جبريل عليه السلام كان ينزل بالوحي فيقرأ آية السجدة على رسول الله صلى الله
عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمع ويتلقن ثم يقرأ على أصحابه وكان لا يسجد الا مرة واحدة
وروى عن أبي عبد الرحمن السلمي معلم الحسن والحسين رضي الله عنهم انه كان يعلم الآية مرارا وكان لا يزيد على
سجدة واحدة والظاهر أن عليا رضي الله عنه كان عالما بذلك ولم ينكر عليه وروى عن أبي موسى الأشعري
رضي الله عنه انه كان يكرر آية السجدة حين كان يعلم الصبيان وكان لا يسجد الا مرة واحدة ولان المجلس الواحد
جامع للكلمات المتفرقة كما في الايجاب والقبول ولان في ايجاب السجدة في كل مرة ايقاع في الحرج لكون المعلمين
مبتلين بتكرار الآية لتعليم الصبيان والحرج منفى بنص الكتاب ولان السجدة متعلقة بالتلاوة والمرة الأولى
هي الحاصلة للتلاوة فاما التكرار فلم يكن لحق التلاوة بل للتحفظ أو للتدبر والتأمل في ذلك وكل ذلك من عمل القلب ولا
تعلق لوجوب السجدة به فجعل الاجراء على اللسان الذي هو من ضرورة ما هو فعل القلب أو وسيلة إليه من أفعاله
فالتحق بما هو فعل القلب وذلك ليس بسبب كذا علل الشيخ أبو منصور (وأما) الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم بان ذكره أو سمع ذكره في مجلس واحد مرارا فلم يذكر في الكتب وذهب المتقدمون من أصحابنا إلى أنه
يكفيه مرة واحدة قياسا على السجدة وقال بعض المتأخرين يصلى عليه في كل مرة لقوله صلى الله عليه وسلم
لا تجفوني بعد موتى فقيل له وكيف نجفوك يا رسول الله فقال إن أذكر في موضع فلا يصلى على وبه تبين انه حق
رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقوق العباد لا تتداخل وعلى هذا اختلفوا في تشميت العاطس ان من عطس
وحمد الله تعالى في مجلس واحد مرارا فقال بعضهم ينبغي للسامع أن يشمت في كل مرة لأنه حق العاطس والأصح انه
إذا زاد على الثلاث لا يشمته لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال للعاطس في مجلسه بعد الثلاث قم فانتثر فإنك
مزكوم (ثم) لا فرق ههنا بين ما إذا تلا مرارا ثم سجد وبين ما إذا تلا وسجد ثم تلا بعد ذلك مرارا في مجلس واحد
حتى لا يلزمه سجدة أخرى فرق بين هذا وبين ما إذا زنى مرارا انه لا يحد الا مرة واحدة ولو زنى مرة ثم حد ثم
زنى مرة أخرى يحد ثانيا وكذا ثالثا ورابعا والفرق ان هناك تكرر السبب لمساواة كل فعل الأول في المأثم والقبح
وفساد الفراش وكل معنى صار به الأول سببا الا انه لما أقيم عليه الحد جعل ذلك حكما لكل سبب فجعل بكماله حكما لهذا
وحكما لذاك وجعل كان كل سبب ليس معه غيره في حق نفسه لحصول ما شرع له الحد وهو الزجر عن المعاودة في
المستقبل فإذا وجد الزنا بعد ذلك انعقد سببا كالذي تقدم فلا بد من وجود حكمه بخلاف ما نحن فيه لان ههنا
السبب هو التلاوة والمرة الأولى هي الحاصلة بحق التلاوة على ما مر فلم يتكرر السبب وهذا المعنى لا يتبدل بتخلل
السجدة بينهما وعدم التخلل لحصول الثانية بحق التأمل والتحفظ في الحالين وكذا السامع لتلك التلاوات المتكررة
لا يلزمه الا بالمرة الأولى لان ما وراءها في حقه جعل غير سبب بل تابعا للتأمل والحفظ لأنه في حقه يفيد المعنيين جميعا
أعني الإعانة على الحفظ والتدبر بخلاف ما إذا سمع إنسان آخر المرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة وذلك في حقه أول
ما سمع حيث تلزمه السجدة لان ذلك في حقه سماع التلاوة لان كل مرة تلاوة حقيقة الا ان الحقيقة جعلت ساقطة
181

في حق تكررت في حقه ففي حق من لم تتكرر بقيت على حقيقتها وبخلاف ما إذا قرأ آية واحدة في مجالس مختلفة لان
هناك النصوص منعدمة والجامع وهو المجلس غير ثابت والحرج منفى ومعنى التفكر والتدبر زائل لأنها في المجلس
الآخر حصلت بحق التلاوة لينال ثوابها في ذلك المجلس وبخلاف ما إذا قرأ آيات متفرقة في مجلس واحد لزوال
هذه المعاني أيضا أما النصوص فلا تشكل وكذا المعنى الجامع لان المجلس لا يجعل الكلمات المختلفة الجنس بمنزلة
كلمة واحدة كمن أقر لانسان بألف درهم ولآخر بمائة دينار ولعبده بالعتق في مجلس واحد لا يجعل المجلس الكل
اقرارا واحدا وكذا الحرج منتف وكذا التلاوة الثانية لا تكون للتدبر في الأول والله أعلم ولو تلاها في مكان وذهب
عنه ثم انصرف إليه فأعادها فعليه أخرى لأنها عند اختلاف المجلس حصلت بحق التلاوة فتجدد السبب وعن محمد
ان هذا إذا بعد عن ذلك المكان فإن كان قريبا منه لم يلزمه أخرى ويصير كأنه تلاها في مكانه لحديث أبي موسى
الأشعري انه كان يعلم الناس بالبصرة وكان يزحف إلى هذا تارة والى هذا تارة أخرى فيعلمهم آية السجدة ولا يسجد
الا مرة واحدة ولو تلاها في موضع ومعه رجل يسمعها ثم ذهب التالي عنه ثم انصرف إليه فأعادها والسامع علي مكانه
سجد التالي لكل مرة لتجد السبب في حقه وهو التلاوة عند اختلاف المجلس وأما السامع فليس عليه الا سجدة
واحدة لان السبب في حقه سماع التلاوة والثانية ما حصلت بحق التلاوة في حقه لاتحاد المجلس وكذلك إذا كان التالي
على مكانه ذلك والسامع يذهب ويجئ ويسمع تلك الآية سجد السامع لكل مرة سجدة وليس على التالي الا سجدة
واحدة لتجدد السبب في حق السامع دون التالي على ما مر ولو تلاها في مسجد جماعة أو في المسجد الجامع في
زاوية ثم تلاها في زاوية أخرى لا يجب عليه الا سجدة واحدة لان المسجد كله جعل بمنزلة مكان واحد في حق الصلاة
ففي حق السجدة أولى وكذا حكم السماع وكذلك البيت والمحمل والسفينة في حكم التلاوة والسماع سواء كانت
السفينة واقفة أو جارية بخلاف الدابة على ما نذكر ولو تلاها وهو يمشى لزمه لكل مرة سجدة لتبدل
المكان وكذلك لو كان يسبح في نهر عظيم أو بحر لما ذكرنا فإن كان يسبح في حوض أو غدير له حد معلوم قيل يكفيه
سجدة واحدة ولو تلاها على غصن ثم انتقل إلى غصن آخر اختلف المشايخ فيه وكذا في التلاوة عند الكرس
وقالوا في تسدية الثوب انه يتكرر الوجوب ولو قرأ آية السجدة مرارا وهو يسير على الدابة إن كان خارج الصلاة
سجد لكل مرة سجدة على حدة بخلاف ما إذا قرأها في السفينة وهي تجرى حيث تكفيه واحدة (والفرق) ان قوائم
الدابة جعلت كرجليه حكما لنفوذ تصرفه عليها في السير والوقوف فكان تبدل مكانها كتبدل مكانه فحصلت
القراءة في مجالس مختلفة فتعلقت بكل تلاوة سجدة بخلاف السفينة فإنها لم تجعل بمنزلة رجلي الراكب لخروجها
عن قبول تصرفه في السير والوقوف ولهذا أضيف سيرها إليها دون راكبها قال الله تعالى حتى إذا كنتم في الفلك
وجرين بهم وقال وهي تجرى بهم في موج كالجبال فلم يجعل تبدل مكانها تبدل مكانه بل مكانه ما استقر هو فيه من
السفينة من حيث الحقيقة والحكم وذلك لم يتبدل فكانت التلاوة متكررة في مكان واحد فلم يجب لها الا سجدة
واحدة كما في البيت وعلى هذا حكم السماع بان سمعها من غيره مرتين وهو يسير على الدابة لتبدل مكان السامع هذا
إذا كان خارج الصلاة فاما إذا كان في الصلاة بان تلاها وهو يسير على الدابة ويصلى عليها إن كان ذلك في ركعة واحدة
لا يلزمه الا سجدة واحدة بالاجماع لان الشرع حيث جوز صلاته عليها مع حكمه ببطلان الصلاة في الأماكن المختلفة
دل على أنه أسقط اعتبار اختلاف الأمكنة أو جعل مكانه في هذه الحالة ظهر الدابة لا ما هو مكان قوائمها وهذا أولى
من اسقاط اعتبار الأماكن المختلفة لأنه ليس بتغيير للحقيقة أو هو أقل تغييرا لها وذلك تغيير للحقيقة من جميع
الوجوه والظهر متحد فلا يلزمه الا سجدة واحدة وصار راكب الدابة في هذه الحالة كراكب السفينة يحققه
ان الشرع جوز صلاته ولو جعل مكانه أمكنة قوائم الدابة لصار هو ماشيا بمشيها والصلاة ماشيا لا تجوز (واما)
إذا كرر التلاوة في ركعتين فالقياس ان يكفيه سجدة واحدة وهو قول أبى يوسف الأخير وفى الاستحسان يلزمه
لكل تلاوة سجدة وهو قول أبى يوسف الأول وهو قول محمد وهذه من المسائل الثلاث التي رجع فيها أبو يوسف
182

عن الاستحسان إلى القياس إحداها هذه المسألة والثانية أن الرهن بمهر المثل لا يكون رهنا بالمتعة قياسا وهو قول
أبى يوسف الأخير وفى الاستحسان يكون رهنا وهو قول أبى يوسف الأول وهو قول محمد والثانية ان العبد إذا جنى
جناية فيما دون النفس فاختار المولى الفداء ثم مات المجني عليه القياس ان يخير المولى ثانيا وهو قول أبى يوسف
الأخير وفى الاستحسان لا يخير وهو قول أبى يوسف الأول وهو قول محمد لا يخير وعلى هذا الخلاف إذا صلى على
الأرض وقرأ آية السجدة في ركعتين ولا خلاف فيما إذا قرأها في ركعة واحدة وجه الاستحسان وهو قول محمد
ان المكان ههنا وان اتحد حقيقة وحكما لكن مع هذا لا يمكن أن يجعل الثانية تكرارا لان لكل ركعة قراءة مستحقة
فلو جعلنا الثانية تكرارا للأولى والتحقت القراءة بالركعة الأولى لخلت الثانية عن القراءة ولفسدت وحيث لم تفسد
دل انها لم تجعل مكررة بخلاف ما إذا كرر التلاوة في ركعة واحدة لان هناك أمكن جعل التلاوة المتكررة متحدة حكما
وجه القياس أن المكان متحد حقيقة وحكما فيوجب كون الثانية تكرارا للأولى كما في سائر المواضع وما ذكره محمد
لا يستقيم لان القراءة لها حكمان جواز الصلاة ووجوب سجدة التلاوة ونحن إنما نجعل القراءة الثانية ملتحقة بالأولى
في حق وجوب السجدة لا في غيره من الأحكام ولو افتتح الصلاة على الدابة بالايماء فقرأ آية السجدة في الركعة الأولى
فسجد بالايماء ثم أعادها في الركعة الثانية فعلى قول أبى يوسف الأخير لا يشكل أنه لا يلزمه أخرى واختلف المشايخ
على قوله الأول وهو قول محمد قال بعضهم يلزمه أخرى وقال بعضهم يكفيه سجدة واحدة ثم تبدل المجلس قد يكون
حقيقة وقد يكون حكما بان تلا آية السجدة ثم أكل أو نام مضطجعا أو أرضعت صبيا أو أخذ في بيع أو شراء أو نكاح أو
عمل يعرف أنه قطع لما كان قبل ذلك ثم أعادها فعليه سجدة أخرى لان المجلس يتبدل بهذه الاعمال الا ترى أن القوم
يجلسون لدرس العلم فيكون مجلسهم مجلس الدرس ثم يشتغلون بالنكاح فيصير مجلسهم مجلس النكاح ثم بالبيع فيصير
مجلسهم مجلس البيع ثم بالاكل فيصير مجلسهم مجلس الاكل ثم بالقتال فيصير مجلسهم مجلس القتال فصار تبدل
المجلس بهذه الاعمال كتبدله بالذهاب والرجوع لما مر ولو نام قاعدا أو أكل لقمة أو شرب شربة أو تكلم بكلمة أو
عمل عملا يسيرا ثم أعادها فليس عليه أخرى لان بهذا القدر لا يتبدل المجلس والقياس فيهما سواء أنه لا يلزمه أخرى
لاتحاد المكان حقيقة الا انا استحسنا إذا طال العمل اعتبارا بالمخيرة إذا عملت عملا كثيرا خرج الامر عن يدها
وكان قطعا للمجلس بخلاف ما إذا أكل لقمة أو شرب شربة ولو قرأ آية السجدة فأطال القراءة بعدها أو أطال
الجلوس ثم أعادها ليس عليه سجدة أخرى لان مجلسه لم يتبدل بقراءة القرآن وطول الجلوس وكذا لو اشتغل
بالتسبيح أو بالتهليل ثم أعادها لا يلزمه أخرى وان قرأها وهو جالس ثم قام فقرأها وهو قائم الا أنه في مكانه ذلك
يكفيه سجدة واحدة لان المجلس لم يتبدل حقيقة وحكما أما الحقيقة فلانه لم يبرح مكانه وأما الحكم فلان الموجود
قيام وهو عمل قليل كأكل لقمة أو شرب شربة وبمثله لا يتبدل المجلس وهذا بخلاف ما إذا خير امرأته فقامت من
مجلسها حيث خرج الامر من يدها كما لو انتقلت إلى مجلس آخر لان خروج الامر من يدها موجب الاعراض عن
قبول التمليك إذ التخيير تمليك على ما يعرف في كتاب الطلاق ومن ملك شيئا فاعرض عنه يبطل ذلك التمليك وهذا
لان القيام دليل الاعراض لان اختيارها نفسها أو زوجها أمر تحتاج فيه إلى الرأس والتدبير لتنظر أي ذلك أعود
لها وأنفع والقعود أجمع للذهن وأشد احضارا للرأس فالقيام من هذه الحالة إلى ما يوجب تفرق الذهن وفوات الرأي
دليل الاعراض اما ههنا فالحكم يختلف باتحاد المجلس وتعدده لا بالاعراض وعدمه والمجلس لم يتبدل فلم يعد متعددا
متفرقا وكذلك لو قرأها وهو قائم فقعد ثم أعادها يكفيه سجدة واحدة لما قلنا ولو قرأها في مكان ثم قام وركب الدابة
على مكانه ثم أعادها قبل أن يسير فعليه سجدة واحدة على الأرض ولو سارت الدابة ثم تلاها بعدها فعليه سجدتان
وكذلك إذا قرأها راكبا ثم نزل قبل السير فأعادها يكفيه سجدة واحدة استحسانا وفى القياس عليه سجدتان لتبدل
مكانه بالنزول أو الركوب وجه الاستحسان أن النزول أو الركوب عمل قليل فلا يوجب تبدل المجلس وإن كان سار ثم
نزل فعليه سجدتان لان سير الدابة بمنزلة مشيه فيتبدل به المجلس وكذلك لو قرأها ثم قام في مكانه ذلك وركب ثم نزل
183

قبل السير فأعادها لا تجب عليه الا سجدة واحدة لما قلنا ولو قرأها راكبا ثم نزل ثم ركب فأعادها وهو على مكانه
فعليه سجدة واحدة لما بينا والأصل أن النزول والركوب ليس بمكانين ولو قرأ آية السجدة خارج الصلاة ولم يسجد
لها ثم افتتح الصلاة وتلاها في عين ذلك المكان صارت احدى السجدتين تابعة للأخرى فتستتبع التي وجدت في
الصلاة التي وجدت قبلها ويسقط اعتبار تلك التلاوة وتجعل كأنه لم يتل الا في الصلاة حتى أنه لو سجد للمتلوة في
الصلاة خرج عن عهدة الوجوب وإذا لم يسجد لم يبق عليه شئ الا المأثم وهذا على رواية الجامع الكبير وكتاب الصلاة
من الأصل ونوادر الصلاة التي رواها الشيخ أبو حفص الكبير ولنا على رواية الصلاة التي رواها أبو سليمان لا تستتبع
إحداهما الأخرى بل كل واحدة منهما تستقل بنفسها ولا يسقط اعتبار تلك التلاوة الأولى وبقيت السجدة واجبة
عليه سواء سجد للمتلوة في الصلاة أو لم يسجد وأما إذا تلاها وسجد لها ثم افتتح الصلاة وأعادها في ذلك المكان يسجد
للمتلوة في الصلاة باتفاق الروايتين أما على رواية النوادر فلعدم الاستتباع وثبوت الاستقلال وأما على رواية الجامع
والمبسوط فلكون الموجودة خارج الصلاة تابعة للموجودة في الصلاة والتابع لا يستتبع المتبوع فلا تصير السجدة
لتلك التلاوة مانعة من لزوم السجدة بهذه التلاوة وجه رواية نوادر أبى سليمان أن الآية تليت في مجلسين مختلفين
حكما لان الأولى وجدت في مجلس التلاوة والثانية في مجلس الصلاة والمجلس يتبدل بتبدل الافعال فيه لما ذكرنا أنه
قد يكون مجلس عقد ثم يصير مجلس مذاكرة ثم يصير مجلس اكل واعتبر هذا التبدل في حق الايجاب والقبول في باب
العقود وكل ما يتعلق باتحاد المجلس فكذا هذا لان التعدد الحكمي ملحق بالتعدد الحقيقي في المواضع أجمع فيتعلق
بكل تلاوة حكم ولا تستتبع إحداهما الأخرى ولان الثانية أن تفوت لالتحاقها بأجزاء الصلاة لتعلقها بما هو ركن
من الصلاة فلم يمكن أن تجعل تابعة للأولى فالأولى أيضا تفوت بالسبق فلا تصير تابعة لما بعدها إذ الشئ لا يتبع
ما بعده ولا يستتبع ما قبله وجه رواية الجامع والمبسوط أن المجلس متحد حقيقة وحكما أما الحقيقة فظاهرة وأما
الحكم فلانه وان صار مجلس صلاة ولكن في الصلاة تلاوة مفروضة فكان مجلس الصلاة التلاوة ضرورة
فلم يوجد التبدل لا حقيقة ولا حكما فلا بد من اثبات صفة الاتحاد من حيث الحكم للتلاوتين المتعددتين حقيقة
لوجود الموجب لصفة الاتحاد وهو المجلس المتحد وكذا المتعدد من أسباب السجدة قابل للاتحاد حكما كالسماع
والتلاوة فان كل واحد منهما على الانفراد سبب ثم من قرأ وسمع من نفسه لا يلزمه الا سجدة واحدة فالتحق السببان
بسبب واحد فدل أن المتعدد من أسباب السجدة قابل للاتحاد حكما فصار متحدا حكما وزمان وجود الواحد واحد
فجعل كان التلاوتين وجدتا في زمان واحد ولا وجه أن يجعل كأنهما وجدتا خارج الصلاة ولان الموجودة في
الصلاتين متقررة في محلها بدليل جواز الصلاة ولو جعل كأنهما وجدتا خارج الصلاة في حق وجوب السجدة دون
جواز الصلاة لبقي التعدد من وجه مع وجود دليل الاتحاد ومهما أمكن العمل بالدليلين من جميع الوجوه كان
أولى من العمل بالدليل من وجه دون وجه ولا يمكن أن تجعل الموجودة في الصلاة في حكم التفكر لتعلق جواز الصلاة
بها وهو من أحكام القراءة دون التفكر ولا مانع من أن تجعل الأولى كأنها وجدت في الصلاة فصار كما لو تليتا في
الصلاة في ركعة واحدة ولو كان كذلك لا يتعلق بذلك الا سجدة واحدة وهي من جملة الصلاة كذا هذا وعلى
هذا إذا سمع من غيره آية السجدة ثم شرع في الصلاة في ذلك المكان وتلا تلك الآية بعينها في الصلاة فهذا والذي
تلا بنفسه ثم شرع في الصلاة مكانه ثم أعادها سواء وقد مر الكلام فيه ولو قرأها في الصلاة أولا ثم سلم فأعادها قبل
أن يبرح مكانه ذكر في كتاب الصلاة أنه يلزمه أخرى وذكر في النوادر أنه لا يلزمه وجه رواية النوادر أن الموجودة
في الصلاة تفوت بالسبق وحرمة الصلاة جميعا فيستتبع الأدنى درجة المتأخرة وقتا وبهذه المسألة تبين أن التعليل
لرواية النوادر في المسألة الأولى باختلاف المجلس حكما ليس بصحيح وجه رواية كتاب الصلاة أن المتلوة في الصلاة
لا وجود لها بعد الصلاة لا حقيقة ولا حكما أما الحقيقة فلا يشكل وكذا الحكم فان بعد انقطاع التحريمة لا بقاء لما هو
من أجزاء الصلاة أصلا والموجود هو الذي يستتبع دون المعدوم بخلاف ما إذا كان الأولى متلوة خارج الصلاة فان
184

تلك باقية بعد التلاوة من حيث الحكم لبقاء حكمها وهو وجوب السجدة فإذا تلاها في الصلاة وجدت والأولى
موجودة فاستتبع الأقوى الأضعف الا وهي وذكر الامام السرخسي أنه إنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع
فوضع المسألة في النوادر فيما إذا أعادها بعد ما سلم قبل أن يتكلم وبالسلام لم ينقطع فور الصلاة فكأنه أعادها في الصلاة
ووضعها في كتاب الصلاة فيما إذا أعادها بعد ما سلم وتكلم وبالكلام ينقطع فور الصلاة الا ترى انه لو تذكر سجدة
تلاوة بعد السلام يأتي بها وبعد الكلام لا يأتي بها فيكون هذا في معنى تبدل المجلس وان لم يسجدها في الصلاة حتى
سجدها الآن قال في الأصل أجزأه عنهما وهو محمول على ما إذا أعادها بعد السلام قبل الكلام لأنه لم يخرج عن حرمة
الصلاة فكأنه كررها في الصلاة وسجد اما لا يستقيم هذا الجواب فيما إذا أعادها بعد الكلام لان الصلاتية قد
سقطت عنه بالكلام ولو تلاها في صلاته ثم سمعها من أجنبي أجزأته سجدة واحدة وروى ابن سماعة عن محمد أنه
لا تجزيه لان السماعية ليست بصلاتية والتي أدها صلاتية فلا تنوب عما ليست بصلاتية وجه ظاهر الرواية أن
التلاوة الأولى من أفعال صلاته والثانية لا فحصلت الثانية تكرارا للأولى من حيث الأصل والأولى باقية فجعل
وصف الأولى للثانية فصارت من الصلاة فيكتفى بسجدة واحدة وقالوا على رواية النوادر أيضا تكون تكرارا لان
الثانية ليست بمستحقة بنفسها في محلها فتلتحق بالأولى بخلاف تلك المسألة لان الثانية ركن من أركان الصلاة
فكانت مستحقة بنفسها في محلها فلا يمكن أن تجعل ملحقة بالأولى ولو سمعها أولا من أجنبي وهو في الصلاة ثم
تلاها بنفسه ففيه روايتان على ما نذكر ولو تلاها في الصلاة ثم سجد ثم أحدث فذهب وتوضأ ثم عاد إلى
مكانه وبنى على صلاته ثم قرأ ذلك الأجنبي تلك الآية فعلى هذا للمصلى أن يسجدها إذا فرغ من صلاته لأنه
تحول عن مكانه فسمع الثانية بعد ما تبدل المجلس وفرق بين هذا وبين ما إذا قرأ آية سجدة ثم سبقه الحدث
فذهب وتوضأ ثم جاء وقرأ مرة أخرى لا يلزمه سجدة أخرى وان قرأ الثانية بعد ما تبدل المكان والفرق أن في
هذه المسألة الأولى المكان قد تبدل حقيقة وحكما أما الحقيقة فلا يشكل وأما الحكم فلان التحريمة لا تجعل
الأماكن المتفرقة كمكان واحد في حق ما ليس من أفعال الصلاة وسماع السجدة ليس من افعال الصلاة
فلم يتحد المكان حقيقة وحكما فيلزمه بكل مرة سجدة على حدة بخلاف تلك المسألة فان هناك القراءة من أفعال
الصلاة والتحريمة تجعل الأماكن المتفرقة مكانا واحدا حكما لان الصلاة الواحدة لا تجوز في الأمكنة المختلفة
فجعلت الأمكنة كمكان واحد في حق أفعال الصلاة لضرورة الجواز والقراءة من أفعال الصلاة فصار المكان
في حقها متحدا فاما السماع فليس من أفعال الصلاة فتبقى الأمكنة في حقه متفرقة لعدم ضرورة توجب الاتحاد
والحقائق لا يسقط اعتبارها حكما الا لضرورة ولو سمعها رجل من امام ثم دخل في صلاته فإن كان الامام لم يسجدها
سجدها مع الامام وإن كان سجدها الامام سقطت عنه حتى لا يجب عليه قضاؤها خارج الصلاة لأنه لما
اقتدى بالامام صارت قراءة الإمام قراءة له وجعل من حيث التقدير كان الامام قرأها ثانيا فصارت تلك السجدة
من أفعال الصلاة ولو قرأ ثانيا لا يجب عليه مرة أخرى لان الأولى صارت من أفعال الصلاة فكذا ههنا وإذا
صارت من أفعال صلاته لا تؤدى خارج الصلاة لما مر وذكر في زيادات الزيادات انه يسجد لما سمع قبل الاقتداء
بعد ما فرغ من صلاته وذكر في نوادر الصلاة لأبي سليمان انه لو تلا ما سمع خارج الصلاة في صلاة نفسه في غير ذلك
المكان وسجد لها لا يسقط عنه ما لزمه خارج الصلاة وهذا موافق لما ذكره في زيادات الزيادات فصار في المسألة
روايتان وجه تلك الرواية ان الثانية ليست بتكرار للأولى لان التكرار إعادة الشئ بصفته وههنا الأولى لم تكن
واجبة ولا فعلا من أفعال الصلاة والثانية واجبة وهي فعل من أفعال الصلاة فاختلف الوصف فلم تكن إعادة
بخلاف ما إذا كانتا في الصلاة أو كانتا جميعا خارج الصلاة حيث كان تكرار الاتحاد الوصف ألا ترى ان من باع
بألف ثم باع بمائة دينار ما كان تكرارا بل كان فسخا للأول ولو باع في الثانية بألف كان تكرار وإذا لم يكن تكرارا
جعل كأنه قرأ آيتين مختلفتين في مكان أو آية في مكانين فيتعلق بكل واحدة منهما حكم على حدة دل عليه انه لو كان
185

قرأ الأولى وسجد ثم شرع في الصلاة في غير ذلك المكان وأعادها يلزمه أخرى في الروايات أجمع لما بينا انه ليس بإعادة
ولو كان إعادة لما لزمه أخرى وجه ظاهر الرواية ان الثانية إعادة للأولى من حيث الأصل لأنها عين تلك الآية وليست
بإعادة من حيث الوصف لان وصف كونها ركنا من أركان الصلاة لم يكن في الأولى ووجد في الثانية والأولى باقية
حكما لبقاء حكمها وهو وجوب السجدة فإذا كانت باقية والثانية من حيث الأصل تكرار للأولى فجعلت من
حيث الأصل كأنها عين الأولى فبقيت الصفة الثانية للتلاوة الثانية للأولى لصيرورة الثانية عين الأولى فتصير
صفتها صفة تلك فصارت هي أيضا موصوفة بكونها صلاتية فلا تؤدى خارج الصلاة لما مر بخلاف ما إذا كان
سجد للأولى لأنها لم تبق حكما بل انقضت بنفسها وحكمها فلم يجعل وصف الثانية وصفا للأولى فبقيت الثانية إعادة
من حيث الأصل ابتداء من حيث الوصف فتجب سجدة أخرى من حيث الوصف ولا تجب من حيث الأصل فلم
يعتبر جانب الأصل وإن كان هو المتبوع لما ان الاحتياط في باب العبادات اعتبار جانب الوجوب فيرجع جانب
الوصف فوجبت سجدة أخرى على أن اعتبار جانب الوصف موجب واعتبار جانب الأصل ليس بمانع لكنه
ليس بموجب فلم يقع التعارض والله أعلم ولو قرأ الامام سجدة في ركعة وسجدها ثم أحدث في الركعة الثانية فقدم
رجلا جاء ساعتئذ فقرأ تلك السجدة فعليه ان يسجدها لوجود سبب الوجوب في حقه وهو ابتداء التلاوة ولم يوجد
منه أداء قبل هذا وعلى القوم أن يسجدوها لأنهم التزموا متابعته
* (فصل) * وأما بيان من تجب عليه فكل من كان أهلا لوجوب الصلاة عليه اما أداء أو قضاء فهو من أهل
وجوب السجدة عليه ومن لا فلا لان السجدة جزء من أجزاء الصلاة فيشترط لوجوبها أهلية وجوب الصلاة
من الاسلام والعقل والبلوغ والطهارة من الحيض والنفاس حتى لا تجب على الكافر والصبي والمجنون
والحائض والنفساء قرؤا أو سمعوا لان هؤلاء ليسوا من أهل وجوب الصلاة عليهم وتجب على المحدث
والجنب لأنهما من أهل وجوب الصلاة عليهما وكذا تجب على السامع بتلاوة هؤلاء الا المجنون لان
التلاوة منهم صحيحة كتلاوة المؤمن والبالغ وغير الحائض والمتطهر لان تعلق السجدة بقليل القراءة وهو ما دون
آية فلم يتعلق به النهى فينظر إلى أهلية التالي وأهلية بالتمييز وقد وجد فوجد سماع تلاوة صحيحة فتجب السجدة
بخلاف السماع من الببغاء والصدى فان ذلك ليس بتلاوة وكذا إذا سمع من المجنون لان ذلك ليس بتلاوة صحيحة
لعدم أهليته لانعدام التمييز
* (فصل) * وأما شرائط الجواز فكل ما هو شرط جواز الصلاة من طهارة الحدث وهي الوضوء والغسل
وطهارة النجس وهي طهارة البدن والثوب ومكان السجود والقيام والقعود فهو شرط جواز السجدة لأنها جزء من
أجزاء الصلاة فكانت معتبرة بسجدات الصلاة ولهذا لا يجوز أداؤها بالتيمم الا أن لا يجد ثمة ماء أو يكون مريضا
لان شرط صيرورة التيمم طهارة حال وجود الماء خشية الفوت ولم يوجد لان وجوبها على التراخي على ما بينا فيما
تقدم وكذا لا يجوز أداؤها الا إلى القبلة حال الاختيار إذا تلاها على الأرض ولا يجزيه الايماء كما في سجدات الصلاة
فان اشتبهت عليه القبلة فتحرى وسجد إلى جهة فأخطأ القبلة أجزأه لان الصلاة بالتحري إلى غير جهة القبلة جائزة
فالسجدة أولى ولو تلاها على الراحلة وهو مسافر أو تلاها على الأرض وهو مريض لا يستطيع السجود أجزأه
الايماء والقياس أن لا يجزئه الايماء على الراحلة وهو قول بشر لأنها واجبة فلا يجوز أداؤها على الراحلة من
غير عذر كالنذر فان الراكب إذا نذر أن يصلى ركعتين لم يجز أن يؤديهما على الدابة من غير عذر كذا هذا (ولنا)
ان التلاوة أمر دائم بمنزلة التطوع فكان في اشتراط النزول حرج بخلاف الفرض والنذر وما وجب من السجدة
في الأرض لا يجوز على الدابة وما وجب على الدابة يجوز على الأرض لان ما وجب على الأرض وجب تاما
فلا يسقط بالايماء الذي هو بعض السجود فاما ما وجب على الدابة وجب بالايماء لما روى عن علي رضي الله عنه
انه تلا سجدة وهو راكب فأومأ بهما ايماء وروى عن ابن عمر انه سئل عمن سمع سجدة وهو راكب قال فليوم
186

ايماء وإذا وجب الايماء فإذا نزل وأداها على الأرض فقد أداها تامة فكانت أولى بالجواز كما في الصلاة على ما مر
ولو تلاها على الدابة فنزل ثم ركب فأداها بالايماء جاز الا على قول زفر هو يقول لما نزل وجب أداؤها على الأرض
فصار كما لو تلاها على الأرض (ولنا) انه لو أداها قبل نزوله بالايماء جاز فكذلك بعد ما نزل وركب لأنه يؤديها
بالايماء في الوجهين جميعا وقد وجبت بهذه الصفة وصار كما لو افتتح الصلاة في وقت مكروه فأفسدها ثم قضاها في
وقت آخر مكروه أجزأه لأنه أداها على الوصف الذي وجبت كذا هذا وكذا يشترط لها ستر العورة لما قلنا ويشترط
النية لأنها عبادة فلا تصح بدون النية وكذا الوقت حتى لو تلاها أو سمعها في وقت غير مكروه فأداها في وقت
مكروه لا تجزئه لأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص كالصلاة ولو تلاها في وقت مكروه وسجدها فيه أجزأه لأنه
أداها كما وجبت وان لم يسجدها في ذلك الوقت وسجدها في وقت آخر مكروه جاز أيضا لأنه أداها كما وجبت لأنها
وجبت ناقصة وأداها ناقصة كما في الصلاة الا أنه لا يشترط لها التحريمة عندنا لأنها لتوحيد الافعال المختلفة
ولم توجد وكذلك كل ما يفسد الصلاة عندنا من الحدث والعمل والكلام والقهقهة فهو مفسد لها وعليه اعادتها
كما لو وجدت في سجدة الصلاة وقيل هذا على قول لان العبرة عنده لتمام الركن وهو الرفع ولم يحصل بعد
فاما عند أبي يوسف فقد حصل الوضع قبل هذه العوارض والعبرة عنده للوضع فينبغي أن لا تفسدها الا انه لا وضوء
عليه في القهقهة فيها لما ذكرنا في كتاب الطهارة وكذا محاذاة المرأة الرجل فيها لا تفسد عليه السجدة وان نوى
امامتها لانعدام الشركة هي مبنية على التحريمة ولا تحريمة لهذه السجدة ولان المحاذاة إنما عرفناها مفسدة بأمر
الشرع بتأخيرها والامر ورد في صلاة مطلقة وهذه ليست بصلاة مطلقة فلم تكن المحاذاة فيها مفسدة كما في
صلاة الجنازة
* (فصل) * وأما بيان محل أدائها فما تلا خارج الصلاة لا يؤديها في الصلاة وكذا ما تلا في الصلاة لا يؤديها خارج
الصلاة وإنما كان كذلك لان ما وجب خارج الصلاة فليس بفعل من أفعال الصلاة لأنه ما وجب حكما لفعل من
أفعال الصلاة لخروج التلاوة خارج الصلاة عن أفعال الصلاة فإذا أداها في الصلاة فقد أدخل في الصلاة ما ليس منها
فهي وان لم تفسد لعدم المضادة تنتقص لادخاله فيها ما ليس منها لان الزائد الداخل فيها لابد أن يقطع نظمها ويمنع
وصل فعل بفعل وذا ترك الواجب فصار المؤدى منها عنه وهو وجب خارج الصلاة على وجه الكمال فلا يسقط
بأدائه على وجه يكون منهيا عنه وأما ما تلا في الصلاة فقد صار فعلا من أفعال الصلاة لكونه حكما لما هو من أركان
الصلاة وهو القراءة ولهذا يجب أداؤه في الصلاة فلا يوجب نقصا فيها وأداء ما هو من أفعال الصلاة لن يتصور
بدون التحريمة فلا يجوز الأداء خارج الصلاة ولا في صلاة أخرى لأنه ليس من افعال هذه الصلاة لأنه ليس
بحكم لقراءة هذه الصلاة فلا يتصور أداؤه فسقط إذا عرف هذا الأصل فنقول إذا قرأ الرجل آية السجدة في الصلاة
وهو امام أو منفرد فلم يسجدها حتى سلم وخرج من الصلاة سقطت عنه لما قلنا وكذلك لو سمعها في صلاته ممن ليس
معه في الصلاة لم يسجدها في الصلاة لما قلنا وان سجدها فيها كان مسيئا لما ذكرنا ولا تسقط عنه السجدة لكن لا تفسد
صلاته في ظاهر الرواية وروى عن محمد انها تفسد لأن هذه السجدة معتبرة في نفسها لأنها وجبت بسبب مقصود
فكان ادخالها في الصلاة رفضا لها (ولنا) ان هذه زيادة من جنس ما هو مشروع في الصلاة وهو دون الركعة
فلا تفسد الصلاة كما لو سجد سجدة زائدة في الصلاة تطوعا وعلى هذا الأصل يخرج ما إذا قرأ المقتدى آية السجدة
خلف الامام فسمعها الامام والقوم فنقول اجمعوا على أنه لا يجب على المقتدى أن يسجدها في الصلاة وكذا
على الامام والقوم لأنه لو سجد بنفسه إذا خافت فقد انفرد عن امامه فصار مختلفا عليه ولو سجد والسماع تلاوته
إذا جهر به لانقلب التبع متبوعا لان التالي يكون بمنزلة الامام للسامعين وفى حق بقية المقتدين تصير صلاتهم بامامين
من غير أن يكون أحدهما قائما مقام الآخر وكل ذلك لا يجوز وأما بعد الفراغ فلا يسجدون أيضا في قول أبي حنيفة
وأبى يوسف وقال محمد يسجدون ولو سمعوا ممن ليس في صلاتهم لا يسجدون في الصلاة ويسجدون بعد الفراغ
187

بالاجماع ولو سمع من المقتدى من ليس في صلاته يسجد كذا ذكر في نوادر الصلاة عقيب قول محمد وجه قول
محمد أن السبب قد تحقق وهو التلاوة الصحيحة في حق المؤتم وسماعها في حق الامام والقوم ولهذا يجب على من
سمع منه وهو ليس في صلاتهم الا انه لا يمكنهم الأداء في الصلاة لان تلاوته ليست من أعمال الصلاة لان قراءة
المقتدى غير محسوبة من الصلاة فيجب عليهم الأداء خارج الصلاة كما إذا سمعوا ممن ليس في صلاتهم (ولأبي)
حنيفة وأبى يوسف أن الوجوب يعتمد القدرة على الأداء وهم يعجزون عن أدائها لأنه لا وجه إلى الأداء في الصلاة
لما مر ولا وجه إلى الأداء بعد الفراغ من الصلاة لأن هذه السجدة من أفعال هذه الصلاة لأنها وجبت بسبب
التلاوة وتلاوة المقتدى محسوبة من صلاته لان الصلاة مفتقرة إلى القراءة الا أن الامام يتحمل عنه هذه القراءة
فإذا أدى بنفسه ما يتحمل عنه غيره وقع موقعه فكانت القراءة محسوبة من هذه الصلاة فصار ما هو حكم هذه
القراءة من أفعال الصلاة فصارت السجدة من أفعال هذه الصلاة وإذا صارت في حق التالي من أفعال هذه الصلاة
صارت في حق الكل من أفعال هذه الصلاة لان مبنى الصلاة على أنها جعلت من أناس مختلفين عند اتحاد التحريمة
في حق القراءة كالموجودة من شخص واحد لحصول ثمرات القراءة بالسماع ولهذا جعلت القراءة الموجودة من
الامام كالقراءة الموجودة من الكل بخلاف غيرها من الأركان وقياس هذه النكتة يقتضى أن الامام لو لم
يقرأ كانت هذه القراءة قراءة للكل في حق جواز الصلاة الا أن ذلك لم يمكن لئلا ينقلب التبع متبوعا والمتبوع تبعا
فبقيت في حق كونها من الصلاة مشتركة في حق الكل فصارت السجدة من أفعال الصلاة في حق الكل وإذا صارت
من أفعال الصلاة لا يتصور أداؤها بلا تحريمة الصلاة فلا تؤدى بعد الصلاة ومن سلك هذه الطريقة يقول تجب
على من سمع هذه التلاوة من المقتدى ممن لا يشاركه في الصلاة لأنها ليست في حقه من أفعال الصلاة وبخلاف ما إذا
سمع المصلى ممن ليس معه في الصلاة حيث يسجد خارج الصلاة لان السجدة وجبت عليه وليست من أفعال
الصلاة لان تلك التلاوة ليست من أفعال الصلاة لعدم الشركة بينه وبين التالي في الصلاة والوجوب عليه بسبب
سماعه والسماع ليس من أفعال الصلاة وإذا لم يكن من أفعال الصلاة أمكن أداؤها خارج الصلاة فيؤدى ومن
أصحابنا من قال إن هذه القراءة منهى عنها فلا يتعلق بها حكم يؤمر به بخلاف قراءة الصبي والكافر حيث يوجب
السجدة على من سمعها لأنهما ليسا بمنهيين وبخلاف الجنب والحائض لأنهما لم ينهيا عما يتعلق به وجوب السجدة
لان ذلك القدر دون الآية وهما ليسا بمنهيين عن تلاوة ما دون الآية اما المقتدى فهو منهى عن قراءة كلمة واحدة
فكان منهيا عن قدر ما يتعلق به وجوب السجدة فلم يجب أو نقول إن المقتدى محجور عليه في حق القراءة بدليل
نفاذ تصرف الامام عليه وتصرف المحجور لا ينعقد في حق الحكم ومن سلك هاتين الطريقتين يقول لا تجب السجدة
على السامع الذي لا يشاركهم في الصلاة أيضا ولهذا اختلف المشايخ في هذه المسألة لاختلاف الطرق
* (فصل) * وأما كيفية أدائها فإن كان تلا خارج الصلاة يؤديها على نعت سجدات الصلاة وإن كان تلا في
الصلاة فالأفضل ان يؤديها على هيئة السجدات أيضا كذا روى عن أبي حنيفة لأنه إذا سجد ثم قام وقرأ وركع
حصلت له قربتان ولو ركع تحصل له قربة واحدة ولأنه لو سجد لأدى الواجب بصورته ومعناه ولو ركع لأداه
بمعناه لا بصورته ولا شك ان الأول أفضل ثم إذا سجد وقام يكره له ان يركع كما رفع رأسه سواء كانت آية السجدة
في وسط الصورة أو عند ختمها أو بقي بعدها إلى الختم قدر آيتين أو ثلاث آيات لأنه يصير بانيا للركوع
على السجود فينبغي أن يقرأ ثم يركع فينظر إن كانت آية السجدة في وسط السورة فينبغي ان يختم السورة ثم
يركع وإن كانت عند ختم السورة فينبغي أن يقرأ آيات من سورة أخرى ثم يركع وإن كان بقي منها إلى الختم قدر
آيتين أو ثلاث آيات كما في سورة بني إسرائيل وسورة إذا السماء انشقت ينبغي أن يقرأ بقية السورة ثم يركع
ان شاء وان شاء وصل إليها سورة أخرى فهو أفضل لان الباقي من خاتمة السورة دون ثلاث آيات فكان الأولى
ان يقرأ ثلاث آيات كيلا يكون بانيا للركوع على السجود فلو لم يفعل ذلك ولكنه ركع كما رفع رأسه من السجدة
188

أجزأه لحصول القراءة قبل السجدة ولو لم يأت بها على هيئة السجدة ولكنه ركع بها ذكر في الأصل ان القياس أن
الركوع والسجود سواء وفى الاستحسان ينبغي أن يسجد قال وبالقياس نأخذ وإنما أخذ أصحابنا بالقياس لان
التفاوت ما بين القياس والاستحسان ان ما ظهر من المعاني فهو قياس وما خفى منها فهو استحسان ولا يرجح الخفي
لخفائه ولا لظاهر لظهوره فيرجع في طلب الرجحان إلى ما اقترن بهما من المعاني فمتى قوى الخفي أخذوا به ومتى
قوى الظاهر أخذوا به وههنا قوى دليل القياس عل ما نذكر فأخذوا به ثم إن مشايخنا اختلفوا في محل
القياس والاستحسان لاختلافهم فيما يقوم مقام سجدة التلاوة فقال عامة مشايخنا ان الركوع هو القائم
مقام سجدة التلاوة ومحل القياس والاستحسان هذا أن القياس أن يقوم الركوع مقامها وفى الاستحسان
لا يقوم وقال بعضهم محل القياس والاستحسان خارج الصلاة بان تلاها في غير الصلاة وركع في القياس يجزئه
وفى الاستحسان لا يجزئه وهذا ليس بسديد بل لا يجزئه ذلك قياسا واستحسانا لان الركوع خارج الصلاة
لم يجعل قربة فلا ينوب مناب القربة وذكر الشيخ صدر الدين أبو المعين وقال رأيت في فتاوى أهل بلخ بخط الشيخ
أبى عبد الله الحديدي عن محمد بن سلمة أنه قال السجدة الصلبية هي التي تقوم مقام سجدة التلاوة لا الركوع
فكان القياس على قوله إن تقوم الصلبية مقام التلاوة وفى الاستحسان لا تقوم وجه قوله إن التحقيق
لكون الجواز ثابتا بالقياس وعدم الجواز في الاستحسان لن يتصور الا على هذا فان القياس ان يجوز لان
الواجب السجدة وقد وجدت وسقوط ما وجب من السجدة بالسجدة أمر ظاهر فكان قياسا وفى الاستحسان
لا يجوز لان السجدة قائمة مقام نفسها فلا تقوم مقام غيرها كصوم يوم من رمضان لا يقع عن نفسه وعن قضاء
يوم آخر عليه فكذا هذا ولا شك أن دليل القياس أظهر ودليل الاستحسان أخفى لان التسوية بين الشيئين من
نوع واحد وإقامة أحدهما مقام الآخر أمر ظاهر والتفرقة بينهما لمعنى من المعاني أمر خفى لان التسوية
باعتبار الذات والتفرقة باعتبار المعاني والعلم بذات ما يعاين أظهر من العلم بوصفه لحصول العلم بالذات بالحس
وبالمعنى بالعقل عقيب التأمل ولا شك أن ذلك أظهر فثبت أن التسمية لكون الجواز ثابتا بالقياس وعدم الجواز
بالاستحسان ممكن من هذا الوجه فاما لو كان الكلام في قيام الركوع مقام السجود فالقياس يأبى الجواز وفى
الاستحسان يجوز لان الركوع مع السجود مختلفان ذاتا فلو ثبت بينهما مساواة لثبت من حيث المعنى فكان
عدم جواز إقامة أحدهما مقام صاحبه من توابع الذات والعلم به ظاهر وجواز القيام من توابع المعنى والعلم به خفى
فإذا كانت قضية القياس أن لا يجوز وقضية الاستحسان ان يجوز وجواب الكتاب على القلب من هذا فدل أن
الصحيح ما ذكرنا وعامة مشايخنا يقولون لا بل الركوع هو القائم مقام سجدة التلاوة كذا ذكر محمد في
الكتاب فإنه قال في الكتاب قلت فان أراد أن يركع بالسجدة بعينها هل يجزئه ذلك قال أما في القياس فالركعة في
ذلك والسجدة سواء لان كل ذلك صلاة الا ترى إلى قوله تعالى وخر راكعا وتفسيرها خر ساجدا فالركعة والسجدة
سواء في القياس وأما في الاستحسان ينبغي له أن يسجد وبالقياس نأخذ وهذا كله لفظ محمد فثبت أن محل
القياس والاستحسان ما بينا وما قاله محمد بن سلمة خلاف الرواية وذكر أبو يوسف في الأمالي وإذا قرأ آية
السجدة في الصلاة فان شاء ركع لها وان شاء سجد لها يعنى أن شاء أقام ركوع الصلاة مقامها وان شاء سجد لها
ذكر هذا التفسير أبو يوسف في الاملاء عن أبي حنيفة وجه القياس على ما ذكره ان معنى التعظيم فيهما ظاهر
فكانا في حق حصول التعظيم بهما جنسا واحدا والحاجة إلى تعظيم الله تعالى أما اقتداء بمن عظم الله تعالى واما مخالفة
لمن استكبر عن تعظيم الله تعالى فكان الظاهر هو الجواز وجه الاستحسان أن الواجب هو التعظيم بجهة
مخصوصة وهي السجود بدليل انه لو لم يركع على الفور حتى طالت القراءة ثم نوى بالركوع ان يقع عن
السجدة لا يجوز وكذا خارج الصلاة لو تلا آية السجدة وركع ولم يسجد لا يخرج عن الواجب كذا ههنا ثم أخذوا
بالقياس لقوة دليله وذلك لما روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما انهما
189

كانا أجازا أن يركع عن السجود في الصلاة ولم يرو عن غيرهما خلاف ذلك فكان ذلك بمنزلة الاجماع والمعنى
ما بينا أن الواجب هو التعظيم لله تعالى عند قراءة آية السجدة وقد وجد التعظيم وهذا لان الخضوع لله
والتعظيم له بالركوع ليسا بأدون من الخضوع والتعظيم له بالسجود ولا حاجة هنا إلى السجود لعينه
بل الحاجة إلى تعظيم مخالفة لمن استكبر عن تعظيمه أو اقتداء بمن خضع له وأذعن لربوبيته
واعترف على نفسه بالعبودية وقد حصلت هذه المعاني بالركوع حسب حصولها بالسجود وهذا المعنى يقتضى
انه لو ركع خارج الصلاة مكان السجود أن يكون جائزا غير أنه لم يجز الا لمكان أن الركوع أدون من السجود
ولكن لان الركوع لم يجعل عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى إذا انفرد عن تحريمة الصلاة والسجود جعل عبادة
بدون تحريمة الصلاة ثبت ذلك شرعا غير معقول المعنى فإذا لم توجد تحريمة الصلاة لم يكن الركوع مما
يتقرب به إلى الله تعالى فلا يتأدى به التعظيم والخضوع لله اللذان وجبا بالتلاوة بخلاف السجدة وبخلاف ما إذا
ركع مكان السجدة الصلبية لان الواجب هناك عين السجدة مقصودة بنفسها فلا يقوم غيرها من حيث الصورة
مقامها وبيان هذا أن الصلاة عبادة اشتملت على افعال مختلفة شكرا لما أنعم الله عليه من التقلب في الأحوال
المختلفة بهذه الأعضاء اللينة والمفاصل السليمة وبالركوع لا يحصل شكر حالة السجود فيتعلق ذلك بعين السجود
لا بما يوازيه في كونه تعظيما لله تعالى أما ههنا فبخلافه وبخلاف ما إذا لم يركع عقيب التلاوة ولم يسجد حتى
طالت القراءة ثم ركع ونوى الركوع عن السجدة حيث لم يجز لأنها تجب في الصلاة مضيقا لأنها لوجوبها بما هو من
أفعال الصلاة التحقت بافعال الصلاة ولهذا يجب أداؤها في الصلاة ولا يوجب حصولها فيها نقصانا ما فيها وتحصيل
ما ليس من الصلاة فيها ان لم يوجب فسادها يوجب نقصا ولهذا لا تؤدى بعد الفراغ من الصلاة لو ترك أداءها
في الصلاة لأنها صارت جزأ من أجزاء الصلاة لما بينا فلا يتصور أداؤها الا بتحريمة الصلاة كسائر أفعال الصلاة
ومبنى أفعال الصلاة أن يؤدى كل فعل منها في محله المخصوص فكذا هذه وإذا لم تؤد في محلها حتى فات صار دينا
والدين يقضى بما له لا بما عليه والركوع والسجود عليه فلا يتأدى به الدين بخلاف ما إذا لم يصر دينا بعد لان
الحاجة هنا إلى التعظيم والخضوع وقد وجد فيكتفى بذلك كداخل المسجد إذا اشتغل بالفرض ناب ذلك
مناب تحية المسجد لحصول تعظيم المسجد والمعتكف في رمضان إذا صام عن رمضان وكان أوجب اعتكاف
شهر رمضان على نفسه كان ذلكا كافيا عن صوم هو شرط الاعتكاف وبمثله لو أوجب على نفسه اعتكاف
شعبان فلم يعتكف حتى دخل رمضان فاعتكف لا ينوب ذلك عما وجب عليه من الصوم الذي هو شرط صحة
الاعتكاف لان ذلك صار دينا عليه حقا لله تعالى بمضي الوقت والدين يؤدى بما هو له لمن هو عليه لا بما عليه
فكذا هذا وهذا بخلاف ما إذا نذر أن يصلى ركعتين يوم الجمعة فلم يصل حتى مضى يوم الجمعة ثم أداها بوضوء
حصل بقصد التبرد حيث يجوز ولا يقال إن الوضوء الذي هو شرط صحة هذه العبادة وجب عليه بوجوب العبادة
ثم بالفوات عن الوقت المعين صار دينا عليه والدين يؤدى بماله لا بما عليه أو فاتته فريضة عن وقتها فأداها
بوضوء حصل للتبرد أو للتعليم جاز لان هناك الوضوء شرط الأهلية وليس هو مما يتقرب به إلى الله تعالى فلم يصر
بفواته عن محله حقا لله تعالى بل بقي في نفسه غير عبادة فيجب تحصيله لضرورة حصول الأهلية لأداء ما عليه
وقد حصل بأي طريق كان فاما السجدة والصوم فكل واحد منهما مما يتقرب به إلى الله تعالى فإذا فاتا عن المحل
ووجبا صارا حقين لله تعالى فلا يجوز أداؤهما بما عليه وهذا بخلاف ما إذا فاتت السجدة عن محلها في الصلاة
وصارت بمحل القضاء فركع ينوى به قضاء السجدة الفائتة أنه لم يجز وان حصل الركوع في تحريمة الصلاة وهو
فيها مما يتقرب به إلى الله تعالى ويحصل بذلك التعظيم لله تعالى والواجب عليه هذا القدر وذلك لان الركوع
لم يعرف قربة في الشريعة في غير محله المخصوص فما أمكننا جعله قربة فلم يحصل به التعظيم بخلاف السجدة فإنها
عرفت قربة في غير محلها الذي تكون فيه ولهذا ينجبر بها النقص المتمكن في الصلاة بطريق السهو ولا ينجبر
190

بالركوع ثم إذا ركع قبل أن يطول القراءة هل تشترط النية لقيام الركوع مقام سجدة التلاوة فقياس ما ذكرنا من
النكتة يوجب أن لا يحتاج إلى النية لان الحاجة إلى تحصيل الخضوع والتعظيم في هذه الحالة وقد وجدا نوى
أو لم ينو كالمعتكف في رمضان إذا لم ينو بصيامه عن الاعتكاف والذي دخل المسجد إذا اشتغل بالفرض غيرنا وأن
يقوم مقام تحية المسجد ومن مشايخنا من قال يحتاج ههنا إلى النية ويدعى أن محمدا أشار إليه فإنه قال إذا تذكر
سجدة تلاوة في الركوع يخر ساجدا فيسجد كما نذكر ثم يقوم فيعود إلى الركوع ولم يفصل بين أن يكون الركوع
الذي تذكر فيه التلاوة كان عقيب التلاوة بلا فصل أو تخلل بينهما فاصل ولو كان الركوع مما ينوب عن السجدة
من غير نية لكان لا يأمره بأن يسجد للتلاوة بل قام نفس الركوع مقام التلاوة ولكنا نقول ليس في هذه المسألة
كثير إشارة لان ال‍ مسألة موضوعة فيما إذا تخلل بين التلاوة والركوع ما يوجب صيرورة السجدة دينا لأنه قال
تذكر سجدة والتذكر إنما يكون بعد النسيان والنسيان لسجدة التلاوة عند عدم تخلل شئ بين التلاوة والركوع
ممتنع أو نادر غاية الندرة بحيث لا ينبنى عليه حكم ثم يحتاج هذا القائل إلى الفرق بين هذا وبين المعتكف في رمضان
حيث لا يحتاج إلى أن ينوى كون صومه شرطا للاعتكاف لحصول ما هو المقصود وكذا الذي دخل المسجد وادى
الفرض كما دخل فاشتغل بالفرق بينهما فقال الواجب الأصلي ههنا هو السجود الا أن الركوع أقيم مقامه من حيث
المعنى وبينهما من حيث الصورة فرق فلموافقة المعنى تتأدى السجدة بالركوع إذا نوى ولمخالفة الصورة لا تتأدى
إذا لم ينو بخلاف صوم الشهر فان بينه وبين صوم الاعتكاف موافقة من جميع الوجوه وكذا في الصلاة ولكن
هذا غير سديد لان المخالفة من حيث الصورة إن كان لها عبرة فلا يتأدى الواجب به وان نوى فان من نوى
إقامة غير ما وجب عليه مقام ما وجب لا يقوم إذا كان بينهما تفاوت وان لم يكن لها عبرة فلا يحتاج إلى النية كما
في الصوم والصلاة وعذر الصوم ليس بمستقيم لان بين الصومين مخالفة من حيث سبب الوجوب فكانا جنسين
مختلفين ولهذا قال هذا القائل انه لو لم ينو بالركوع أن يكون قائما مقام سجدة التلاوة ولم يقم يحتاج في السجدة
الصلبية إلى أن ينوى أيضا لان بينهما مخالفة لاختلاف سبى وجوبهما فدل أنه ليس بمستقيم وذكر القاضي الامام
الاسبيجابى في شرحه مختصر الطحاوي أنه إذا أراد أن يركع يحتاج إلى النية ولو لم يوجد منه النية عند الركوع
لا يجزئه ولو نوى في الركوع اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يجوز وقال بعضهم لا يجوز ولو نوى بعد ما رفع
رأسه من الركوع لا يجوز بالاجماع هذا الذي ذكرنا في قيام الركوع مقام السجود فيما إذا لم تطل القراءة بين
آية السجدة وبين الركوع فاما إذا طال فقد فاتت السجدة وصارت دينا فلا يقوم الركوع مقامها وأكثر مشايخنا
لم يقدروا في ذلك تقديرا فكان الظاهر أنهم فوضوا ذلك إلى رأى المجتهد كما فعلوا في كثير من المواضع وبعض مشايخنا
قالوا إن قرأ آية أو آيتين لم تطل القراءة وان قرأ ثلاث آيات طالت وصارت السجدة بمحل القضاء ثم إنه ناقض فإنه قال
لو لم ينو بالركوع أن يقوم مقام التلاوة ونوى بالسجدة الصلبية قام ولا شك أن مدة أداء الركوع ورفع الرأس
من الركوع والانحطاط إلى السجود يكون مثل مدة قراءة ثلاث آيات وكذا إن كانت تلك قراءة معتبرة
فالركوع ركن معتبر والأوجه أن يفوض ذلك إلى رأى المجتهد أو يعتبر ما يعد طويلا على أن جعل ثلاث آيات
قاطعة للفور وادخالها في حد الطول خلاف الرواية فان محمدا ذكر في كتاب الصلاة قلت أرأيت الرجل يقرأ
السجدة وهو في الصلاة والسجدة في آخر السورة الا آيات بقيت من السورة بعد آية السجدة قال هو بالخيار ان شاء
ركع بها وان شاء سجد بها قلت فان أراد أن يركع بها ختم السورة ثم ركع بها قال نعم قلت فان أراد أن يسجد بها عند
الفراغ من السجدة ثم يقوم فيتلو ما بعدها من السورة وهو آيتان أو ثلاث ثم يركع قال نعم ان شاء وان شاء وصل
إليها سورة أخرى وهذا نص على أن ثلاث آيات ليست بقاطعة للفور ولا بمدخلة للسجدة في حيز القضاء
* (فصل) * وأما بيان وقت أدائها فما وجب أداؤها خارج الصلاة فوقتها جميع العمر لان وجوبها على التراخي
على ما مر وأما ما وجب أداؤها في الصلاة فوقتها فور الصلاة لما مر أن وجوبها في الصلاة على الفور وهو أن
191

لا تطول المدة بين التلاوة وبين السجدة فاما إذا طالت فقد دخلت في حيز القضاء وصار آثما بالتفويت عن الوقت
ثم الامر في مقدار الطول على ما ذكرنا من اختلاف المشايخ
* (فصل) * وأما سنن السجود فمنها أن يكبر عند السجود وعند رفع الرأس من السجود وروى الحسن عن أبي
حنيفة أنه لا يكبر عند الانحطاط وهي رواية عن أبي يوسف لان التكبير للانتقال من الركن ولم يوجد ذلك عند
الانحطاط ووجد عند الرفع والصحيح ظاهر الرواية لما روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال للتالي إذا قرأت
سجدة فكبر واسجد وإذا رفعت رأسك فكبر ولو ترك التحريمة يجوز عندنا وقال الشافعي لا يجوز لان هذا ركن
من أركان الصلاة فلا يتأدى بدون التحريمة كالقيام في صلاة الجنازة الا ترى أنه يشترط له جميع شرائط الصلاة
من ستر العورة واستقبال القبلة ويفسدها الكلام عند محمد وحرمة ما وراءها من الافعال أن يكون بدون
التحريمة (ولنا) أن الامر تعلق بمطلق السجود فلو أوجبنا شيئا آخر لزدنا على النص ولان السجود وجب
تعظيما لله تعالى وخضوعا له وترك التحريمة ليس بمناف للتعظيم وأما انكشاف العورة واستدبار القبلة والتكلم
بما هو من كلام الناس فينا في التعظيم والخشوع وحرمة الكلام ممنوعة بل لا يعتد بالسجود مع الكلام لانعدام
ما هو المقصود ولان السجود فعل واحد والتحريمة تجعل الافعال المختلفة عبادة واحدة وههنا الفعل واحد
فلا حاجة إلى التحريمة بخلاف صلاة الجنازة لان هناك كل تكبيرة بمنزلة ركعة على ما يعرف هناك إن شاء الله
تعالى ومنها أن يقول في هذه السجدة من التسبيح ما يقول في سجدة الصلاة فيقول سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك
أدناه وبعض المتأخرين استحبوا أن يقول فيها سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا لقوله تعالى يخرون للأذقان سجدا
ويقولون سبحان ربنا الآية واستحبوا أيضا أن يقوم فيسجد لان الخرور سقوط من القيام والقرآن ورد به وان لم
يفعل لم يضره ومنها أن الرجل إذا قرأ آية السجدة ومعه قوم فسمعوها فالسنة أن يسجدوا معه لا يسبقونه بالوضع
ولا بالرفع لان التالي امام السامعين لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال للتالي كنت امامنا لو سجدت لسجدنا معك
وان فعلوا أجزأهم لأنه لا مشاركة بينه وبينهم في الحقيقة ألا ترى انه لو فسدت سجدته بسبب لا يتعدى إليهم ولا
تشهد في هذه السجدة وكذا لا تسليم فيها لان التسليم تحليل ولا تحريمة لها عندنا فلا يعقل التحليل وعلى قياس مذهب
الشافعي يسلم للخروج عن التحريمة ويكره للرجل ترك آية السجدة من سورة يقرأها لأنه قطع لنظم القرآن وتغيير
لتأليفه واتباع النظم والتأليف مأمور به قال الله تعالى فإذا قرأناه فاتبع قرآنه أي تأليفه فكان التغيير مكروها ولأنه
في صورة الفرار عن وجوب العبادة والاعراض عن تحصيلها بالفعل وذلك مكروه وكذا فيه صورة هجر آية السجدة
وليس شئ من القرآن مهجورا ولو قرأ آية السجدة من بين السورة لم يضره ذلك لأنها من القرآن وقراءة ما هو من
القرآن طاعة كقراءة سورة من بين السور والمستحب أن يقرأ معها آيات لتكون أدل على مراد الآية وليحصل
بحق القراءة لا بحق ايجاب السجدة إذ القراءة للسجود ليست بمستحبة فيقرأ معها آيات ليكون قصده إلى التلاوة
لا إلى الزام السجود ولو قرأ آية السجدة وعنده ناس فإن كانوا متوضئين متهيئين للسجدة قرأها فإن كانوا غير
متهيئين ينبغي أن يخفض قراءتها لأنه لو جهر بها لصار موجبا عليهم شيئا ربما يتكاسلون عن أدائه فيقعون
في المعصية ويكره للامام أن يتلوا آية السجدة في صلاة يخافت فيها بالقراءة وعند الشافعي لا يكره واحتج بما روى
عن أبي سعيد الخدري أنه قال سجد بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في احدى صلاتي العشاء اما الظهر واما العصر
حتى ظننا انه قرأ ألم السجدة ولو كان مكروها لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم (ولنا) ان هذا لا ينفك عن أمر مكروه
لأنه إذا تلا ولم يسجد فقد ترك الواجب وان سجد فقد لبس على القوم لأنهم يظنون أنه سها عن الركوع واشتغل
بالسجدة الصلبية فيسبحون ولا يتابعونه وذا مكروه ولا ما لا ينفك عن مكروه كان مكروها وفعل النبي صلى الله
عليه وسلم محمول على بيان الجواز فلم يكن مكروها وان تلاها مع ذلك سجد بها لتقرر السبب في حقه وهو التلاوة
وسجد القوم معه لوجوب المتابعة عليهم ألا ترى انه سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد القوم معه ولو
192

تلاها الامام على المنبر يوم الجمعة سجدها وسجد معه من سمعها لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه تلا سجدة
على المنبر فنزل وسجد وسجد الناس معه وفيه دليل على أن السامع يتبع التالي في السجدة
* (فصل) * وأما بيان مواضع السجدة في القرآن انها في أربعة عشر موضعا من القرآن أربع في النصف
الأول في آخر الأعراف وفى الرعد وفى النحل وفى بني إسرائيل وعشر في النصف الآخر في مريم وفى الحج في الأولى
وفى الفرقان وفى النمل وفى ألم تنزيل السجدة وفى ص وفى حم السجدة وفى النجم وفى إذا السماء انشقت وفى اقرأ وقد
اختلف العلماء في ثلاثة مواضع منها أحدها ان في سورة الحج عندنا سجدة واحدة وعند الشافعي سجدتان إحداهما
في قوله تعالى اركعوا واسجدوا واحتج بما روى عن عقبة بن عامر الجهني أنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
أفي سورة الحج سجدتان قال نعم أو قال فضلت الحج بسجدتين من لم يسجدهما لم يقرأها وهكذا روى عن عمر
وعلى وابن عمر وأبى الدرداء رضي الله عنهم انهم قالوا فضلت سورة الحج بسجدتين ولنا ما روى عن أبي رضي الله عنه
انه عد السجدات التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد في الحج سجدة واحدة وقال عبد الله
ابن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم سجدة التلاوة في الحج هي الأولى والثانية سجدة الصلاة وهو تأويل
الحديث وهذا لان السجدة متى قرنت بالركوع كانت عبارة عن سجدة الصلاة كما في قوله فاسجدي واركعي
والثاني ان في سورة ص عندنا سجدة التلاوة وعند الشافعي سجدة الشكر وفائدة الخلاف انه لو تلاها في الصلاة
سجد عندنا وعنده لا يسجدها واحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قرأ آية السجدة في ص وسجدها
ثم قال سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرا وروى عن أبي سعيد الخدري أنه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه
وسلم على المنبر سورة ص فنزل وسجد وسجد الناس معه فلما كان في الجمعة الثانية قرأها فتشوف الناس للسجود
فنزل وسجد وسجد الناس معه وقال لم أرد أن أسجدها فإنها توبة نبي من الأنبياء وإنما سجدت لأني رأيتكم تشوفتم
للسجود (ولنا) حديث عثمان رضي الله عنه انه قرأ في الصلاة سورة ص وسجد وسجد الناس معه وكان ذلك بمحضر
من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكر عليه أحد ولو لم تكن واجبة لما جاز ادخالها في الصلاة وروى أن
رجلا من الصحابة فقال يا رسول الله رأيت كما يرى النائم كأني أكتب سورة ص فلما انتهيت إلى موضع السجدة سجدت
الدواة والقلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن أحق بها من الدواة والقلم فأمر حتى تليت في مجلسه وسجدها
مع أصحابه وما تعلق به الشافعي فهو دليلنا فانا نقول نحن نسجد ذلك شكرا لما أنعم الله على داود بالغفران والوعد
بالزلفى وحسن المآب ولهذا لا يسجد عندنا عقيب قوله وأناب بل عقيب قوله مآب وهذه نعمة عظيمة في حقنا فإنه
يطمعنا في إقالة عثراتنا وغفران خطايانا وزلاتنا فكانت سجدة تلاوة لان سجدة التلاوة ما كان سببها التلاوة وسبب
وجوب هذه السجدة تلاوة هذه الآية التي فيها الاخبار عن هذه النعم على داود عليه الصلاة والسلام وأطماعنا
في نيل مثله وكذا سجدة النبي صلى الله عليه وسلم في الجمعة الأولى وترك الخطبة لأجلها يدل على أنها سجدة تلاوة
وتركه في الجمعة الثانية لا يدل على أنها ليست بسجدة تلاوة بل كان يريد التأخير وهي عندنا لا تجب على
الفور فكان يريد أن لا يسجدها على الفور والثالث أن في المفصل عندنا ثلاث سجدات وعند مالك لا سجدة
في المفصل واحتج بما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في المفصل بعد ما هاجر
إلى المدينة (ولنا) ما روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة
سجدة ثلاث منها في المفصل وعن علي رضى الله تعالى عنه أنه قال عزائم السجود في القرآن أربعة ألم تنزيل السجدة
وحم السجدة والنجم واقرأ باسم ربك وعن ابن مسعود قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم بمكة
فسجد وسجد معه الناس المسلمون والمشركون الا شيخا وضع كفا من تراب على جبهته وقال هذا يكفيني فلقيته قتل
كافرا وعن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ إذا السماء انشقت فسجد وسجد معه
أصحابه ولأنه أمر بالسجود في سورة النجم واقرأ باسم ربك والامر للوجوب وحديث ابن عباس رضي الله عنهما
193

محمول على أنه كان لا يسجدها عقيب التلاوة كما كان يسجد من قبل نحمله على هذا بدليل ما روينا ثم في سورة حم
السجدة عندنا السجدة عند قوله وهم لا يسأمون وهو مذهب عبد الله بن عباس ووائل بن حجر وعند الشافعي
عند قوله إن كنتم إياه تعبدون وهو مذهب علي رضي الله عنه واحتج بما روى عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم
ا هكذا ولان الامر بالسجود ههنا فكان السجود عنده (ولنا) ان السجود مرة بالامر ومرة بذكر استكبار
الكفار فيجب علينا مخالفتهم ومرة عند ذكر خشوع المطيعين فيجب علينا متابعتهم وهذه المعاني تتم عند قوله وهم
لا يسأمون فكان السجود عنده أولى ولان فيما ذهب إليه أصحابنا أخذا بالاحتياط عند اختلاف مذاهب
الصحابة رضي الله عنهم فان السجدة لو وجبت عند قوله تعبدون فالتأخير إلى قوله لا يسأمون لا يضر ويخرج عن
الواجب ولو وجبت عند قوله لا يسأمون لكانت السجدة المؤداة قبله حاصلة قبل وجوبها ووجود سبب
وجوبها فيوجب نقصانا في الصلاة ولم يؤد الثانية فيصير المصلى تاركا ما هو واجب في الصلاة فيصير النقص
متمكنا في الصلاة من وجهين ولا نقص فيما قلنا البتة وهذا هو امارة التبحر في الفقه والله الموفق
* (فصل) * وأما الذي هو عند الخروج من الصلاة فلفظ السلام عندنا وعند مالك والشافعي فرض والكلام في التسليم
يقع في مواضع في بيان صفته انه فرض أم لا وفي بيان قدره وفي بيان كيفيته وفي بيان سننه وفي بيان حكمه أما صفته
فإصابة لفظة السلام ليست بفرض عندنا ولكنها واجبة ومن المشايخ من أطلق اسم السنة عليها وانها لا تنافى الوجوب لما
عرف وعند مالك والشافعي فرض حتى لو تركها عامدا كان مسيئا ولو تركها ساهيا يلزمه سجود السهو عندنا وعندهما
لو تركها تفسد صلاته احتجا بقوله صلى الله عليه وسلم وتحليلها التسليم خص التسليم بكونه محللا فدل ان التحليل
بالتسليم على التعيين فلا يتحلل بدونه ولان الصلاة عبادة لها تحليل وتحريم فيكون التحليل فيها ركنا قياسا على
الطواف في الحج (ولنا) ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن مسعود حين علمه التشهد إذا قلت هذا
أو فعلت هذا فقد قضيت ما عليك ان شئت أن تقوم فقم وان شئت أن تقعد فاقعد والاستدلال به من وجهين
أحدهما انه جعله قاضيا ما عليه عند هذا الفعل أو القول وما للعموم فيما لا فيقضى أن يكون قاضيا جميع ما عليه
ولو كان التسليم فرضا لم يكن قاضيا جميع ما عليه بدونه لان التسليم يبقى عليه والثاني انه خيره بين القيام والقعود من
غير شرط لفظ التسليم ولو كان فرضا ما خيره ولان ركن الصلاة ما تتأدى به الصلاة والسلام خروج عن الصلاة ولو ترك
لها لأنه كلام وخطاب لغيره فكان منافيا للصلاة فكيف يكون ركنا لها وأما الحديث فليس فيه نفى التحليل بغير التسليم
الا أنه خص التسليم لكونه واجبا والاعتبار بالطواف غير سديد لان الطواف بمحلل إنما المحلل هو الحلق الا أنه
توقف بالاحلال على الطواف فإذا طاف حل بالحلق لا بالطواف والحلق ليس بركن فنزل السلام في باب الصلاة منزلة
الحلق في باب الحج ويبنى على هذا ان السلام ليس من الصلاة عندنا وعند الشافعي التسليمة الأولى من الصلاة
والصحيح قولنا لما بينا (وأما) الكلام في قدره فهو انه يسلم تسليمتين إحداهما عن يمينه والأخرى عن يساره عند
عامة العلماء وقال بعضهم يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه وهو قول مالك وقيل هو قول الشافعي وقال بعضهم يسلم
تسليمة واحدة عن يمينه وقال مالك في قول يسلم المقتدى تسليمتين ثم يسلم تسليمة ثالثة ينوى بها رد السلام على
الامام واحتجوا بما روى عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة تلقاء وجهه وروى
عن سهل بن سعد رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة عن يمينه ولان التسليم شرع للتحليل
وانه يقع بالواحدة فلا معنى للثانية (ولنا) ما روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال صليت خلف رسول الله صلى الله
عليه وسلم وخلف أبى بكر وعمر رضي الله عنهما وكانوا يسلمون تسليمتين عن ايمانهم وعن شمائلهم وروى
عن علي أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم تسليمتين أولهما أرفعهما ولان احدى التسليمتين للخروج
عن الصلاة والثانية للتسوية بين القوم في التحية وأما الأحاديث فالأخذ بما روينا أولى لان عليا وابن مسعود كانا
من كبار الصحابة وكانا يقومان بقربه صلى الله عليه وسلم كما قال ليليني منكم أولو الأحلام والنهى فكانا أعرف بحال
194

النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها كانت تقوم في حيز صفوف النساء وهو آخر الصفوف وسهل بن سعد
كان من الصغار وكان في أخريات الصفوف وكانا يسمعان التسليمة الأولى لرفعه صلى الله عليه وسلم بها صوته ولا
يسمعان الثانية لخفضه بها صوته وقولهم التحليل يحصل بالأولى فكذلك ولكن الثانية ليست للتحليل بل للتسوية
بين القوم في التسليم عليهم والتحية وبه تبين انه لا حاجة إلى التسليمة الثالثة لأنه لا يحصل بها التحليل ولا التسوية
بين القوم في التحية ورد السلام على الامام يحصل بالتسليمتين إليه أشار أبو حنيفة حين سأله أبو يوسف هل يرد
على الامام السلام من خلفه فيقول وعليك قال لا وتسليمهم رد عليه ولان التسليمة الثالثة لو كانت ثابتة لفعلها
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعلمها الأمة فعلا كما فعلوا التسليمتين (وأما) كيفية التسليم فهو أن يقول السلام
عليكم ورحمة الله وهذا قول عامة العلماء وقال مالك يقول السلام عليكم ولا يزيد عليه والصحيح قول العامة
لما روى عن ابن مسعود وعمار وعتبة وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقول هكذا (وأما) سنن
التسليم فنذكرها في باب سنن هذه الصلوات (وأما) حكمه فهو الخروج من الصلاة ثم الخروج يتعلق بإحدى
التسليمتين عند عامة العلماء وروى عن محمد أنه قال التسليمة الأولى للخروج والتحية والتسليمة الثانية للتحية
خاصة وقال بعضهم لا يخرج ما لم يوجد التسليمتين جميعا وهو خلاف اجماع السلف ولان التسليم تكليم القوم لأنه
خطاب لهم فكان منافيا للصلاة الا ترى انه لو وجد في وسط الصلاة يخرجه عن الصلاة
* (فصل) * وأما الذي هو في حرمة الصلاة بعد الخروج منها فالتكبير في أيام التشريق والكلام فيه يقع في مواضع
في تفسيره وفى وجوبه وفى وقته وفى محل أدائه وفيمن يجب عليه وفى انه هل يقضى بعد الفوات في الصلاة التي دخلت
في حد القضاء (أما) الأول فقد اختلفت الروايات عن الصحابة رضي الله عنهم في تفسير التكبير روى الله
أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وهو قول على وابن مسعود رضي الله عنهما وكان ابن
عمر يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر وأجل الله أكبر ولله الحمد وبه أخذ الشافعي وكان ابن عباس يقول الله
أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الحي القيوم يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير وإنما أخذنا بقول على وابن مسعود
رضي الله عنهما لأنه المشهور والمتوارث من الأمة ولأنه أجمع لاشتماله على التكبير والتهليل والتحميد فكان أولى
* (فصل) * (وأما) بيان وجوبه فالصحيح انه واجب وقد سماه الكرخي سنة ثم فسره بالواجب فقال تكبير التشريق
سنة ماضية نقلها أهل العلم وأجمعوا على العمل بها واطلاق اسم السنة على الواجب جائز لان السنة عبارة عن
الطريقة المرضية أو السيرة الحسنة وكل واجب هذه صفته ودليل الوجوب قوله تعالى واذكروا الله في أيام
معدودات وقوله وأذن في الناس بالحج إلى قوله في أيام معلومات قيل الأيام المعدودات أيام التشريق والمعلومات
أيام العشر وقيل كلاهما أيام التشريق وقيل المعلومات يوم النحر ويومان بعده والمعدودات أيام التشريق لأنه
أمر في الأيام المعدودات بالذكر مطلقا وذكر في الأيام المعلومات الذكر على ما رزقهم من بهيمة الأنعام وهي الذبائح
وأيام الذبائح يوم النحر ويومان بعده ومطلق الامر للوجوب وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من أيام
أحب إلى الله تعالى العمل فيهن من هذه الأيام فأكثروا فيها من التكبير والتهليل والتسبيح
* (فصل) * وأما وقت التكبير فقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في ابتداء وقت التكبير وانتهائه اتفق شيوخ
الصحابة نحو عمر وعلى وعبد الله بن مسعود وعائشة رضي الله عنهم على البداية بصلاة الفجر من يوم عرفة وبه
أخذ علماؤنا في ظاهر الرواية واختلفوا في الختم قال ابن مسعود يختم عند العصر من يوم النحر يكبر ثم يقطع وذلك
ثمان صلوات وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله وقال على يختم عند العصر من آخر أيام التشريق فيكبر لثلاث
وعشرين صلاة وهو احدى الروايتين عن عمر رضي الله عنه وبه أخذ أبو يوسف ومحمد وفى رواية عن عمر رضي الله عنه
يختم عند الظهر من آخر أيام التشريق وأما الشبان من الصحابة منهم ابن عباس وابن عمر فقد اتفقوا على
البداية بالظهر من يوم النحر وروى عن أبي يوسف انه أخذ به غير أنهما اختلفا في الختم فقال ابن عباس يختم عند
195

الظهر من آخر أيام التشريق وقال ابن عمر يختم عند الفجر من آخر أيام التشريق وبه أخذ الشافعي (اما) الكلام
في البداية فوجه رواية أبى يوسف قول الله تعالى فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله أمر بالذكر عقيب قضاء
المناسك وقضاء المناسك إنما يقع في وقت الضحوة من يوم النحر فاقتضى وجوب التكبير في الصلاة التي تليه وهي
الظهر وجه ظاهر الرواية قوله تعالى ويذكروا اسم الله في أيام معلومات وهي أيام العشر فكان ينبغي أن يكون التكبير
في جميعها واجبا الا ان ما قبل يوم عرفة خص باجماع الصحابة ولا اجماع في يوم عرفة والأضحى فوجب التكبير
فيهما عملا بعموم النص ولان التكبير لتعظيم الوقت الذي شرع فيه المناسك وأوله يوم عرفة إذ فيه يقام معظم
أركان الحج وهو الوقوف ولهذا قال مكحول يبدأ بالتكبير من صلاة الظهر من يوم عرفة لان وقت الوقوف بعد
الزوال ولا حجة له في الآية لأنها ساكنة عن الذكر قبل قضاء المناسك فلا يصح التعلق بها (وأما) الكلام في الختم
فالشافعي مر على أصله من الاخذ بقول الاحداث من الصحابة رضي الله عنهم لوقوفهم على ما استقر من
الشرائع دون ما نسخ خصوصا في موضع الاحتياط لكون رفع الصوت بالتكبير بدعة الا في موضع ثبت
بالشرع وأبو يوسف ومحمد احتجا بقوله تعالى واذكروا الله في أيام معدودات وهي أيام التشريق فكان التكبير
فيها واجبا ولان التكبير شرع لتعظيم أمر المناسك وأمر المناسك إنما ينتهى بالرمي فيمتد التكبير إلى آخر وقت الرمي
ولان الاخذ بالأكثر من باب الاحتياط لان الصحابة اختلفوا في هذا ولان يأتي بما ليس عليه أولى من أن
يترك ما عليه بخلاف تكبيرات العيد حيث لم نأخذ هناك بالأكثر لان الاخذ بالاحتياط عند تعارض الأدلة
وهناك ترجح قول ابن مسعود لما نذكر في موضعه والاخذ بالراجح أولى وههنا لا رجحان بل استوت مذاهب
الصحابة رضي الله عنهم في الثبوت وفى الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجب الاخذ بالاحتياط ولأبي
حنيفة ان رفع الصوت بالتكبير بدعة في الأصل لأنه ذكر والسنة في الأذكار المخافتة لقوله تعالى ادعوا ربكم
تضرعا وخفية ولقول النبي صلى الله عليه وسلم خير الدعاء الخفي ولذا هو أقرب إلى التضرع والأدب وأبعد عن الرياء
فلا يترك هذا الأصل الا عند قيام الدليل المخصص جاء المخصص للتكبير من يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم
النحر وهو قوله تعالى ويذكروا اسم الله في أيام معلومات وهي عشر ذي الحجة والعمل بالكتاب واجب الا فيما
خص بالاجماع وانعقد الاجماع فيما قبل يوم عرفة انه ليس بمراد ولا اجماع في يوم عرفة ويوم النحر فوجب العمل
بظاهر الكتاب عند وقوع الشك في الخصوص واما فيما وراء العصر من يوم النحر فلا تخصيص لاختلاف الصحابة
وتردد التكبير بين السنة والبدعة فوقع الشك في دليل التخصيص فلا يترك العمل بدليل عموم قوله تعالى ادعوا ربكم
تضرعا وخفية وبه تبين ان الاحتياط في الترك لا في الاتيان لان ترك السنة أولى من اتيان البدعة وأما قولهم إن
أمر المناسك إنما ينتهى بالرمي فنقول ركن الحج الوقوف بعرفة وطواف الزيارة وإنما يحصلان في هذين اليومين
فاما الرمي فمن توابع الحج فيعتبر في التكبير وقت الركن لا وقت التوابع واما الآية فقد اختلف أهل التأويل
فيها قال بعضهم المراد من الآية الذكر على الأضاحي وقال بعضهم المراد منها الذكر عند رمى الجمار دليله قوله تعالى
فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه والتعجيل والتأخير إنما يقعان في رمى الجمار لا في التكبير
* (فصل) * واما محل أدائه فدبر الصلاة واثرها وفورها من غير أن يتخلل ما يقطع حرمة الصلاة حتى لو قهقه أو
أحدث متعمدا أو تكلم عامدا أو ساهيا أو خرج من المسجد أو جاوز الصفوف في الصحراء لا يكبر لان التكبير
من خصائص الصلاة حيث لا يؤتى به الا عقيب الصلاة فيراعى لاتيانه حرمة الصلاة وهذه العوارض تقطع
حرمة الصلاة فيقطع التكبير ولو صرف وجهه عن القبلة ولم يخرج من المسجد ولم يجاوز الصفوف أو سبقه
الحدث يكبر لان حرمة الصلاة باقية لبقاء التحريمة الا ترى انه يبنى والأصل ان كل ما يقطع البناء يقطع التكبير
وما لا فلا وإذا سبقه الحدث فان شاء ذهب فتوضأ ورجع فكبر وان شاء كبر من غير تطهير لأنه لا يؤدى في تحريمة
الصلاة فلا تشترط له الطهارة قال الشيخ الامام السرخسي رحمه الله والأصح عندي انه يكبر ولا يخرج من المسجد
196

للطهارة لان التكبير لما لم يفتقر إلى الطهارة كان خروجه مع عدم الحاجة قاطعا لفور الصلاة فلا يمكنه التكبير
بعد ذلك فيكبر للحال جزما ولو نسي الامام التكبير فللقوم ان يكبروا وقد ابتلى به أبو يوسف رحمه الله تعالى ذكر
في الجامع الصغير قال أبو يعقوب صليت بهم المغرب فقمت وسهوت ان كبر فكبر أبو حنيفة رحمه الله تعالى
وفرق بين هذا وبين سجدتي السهو إذا سلم الامام وعليه سهو فلم يسجد لسهوه ليس للقوم ان يسجدوا حتى لو قام
وخرج من المسجد أو تكلم سقط عنه وعنهم والفرق ان سجود السهو جزء من أجزاء الصلاة لأنه قائم مقام الجزء
الفائت من الصلاة والجابر يكون بمحل النقص ولهذا يؤدى في تحريمة الصلاة بالاجماع اما لأنه لم يخرج
أو لأنه عاد وشئ من الصلاة لا يؤدى بعد انقطاع التحريمة ولا تحريمة بعد قيام الامام فلا يأتي به المقتدى
فاما التكبير فليس من أجزاء الصلاة فيشترط له التحريمة ويوجب المتابعة لأنه يؤتى به بعد التحلل فلا يجب فيه
متابعة الامام غير أنه ان أتى به الامام يتبعه في ذلك لأنه يؤتى به عقيب الصلاة متصلا بها فيندب إلى اتباع من كان
متبوعا في الصلاة فإذا لم يأت به الامام أتى به القوم لانعدام المتابعة بانقطاع التحريمة كالسامع مع التالي أي ان سجد
التالي يسجد معه السامع وان لم يسجد التالي يأتي به السامع كذا ههنا ولهذا لا يتبع المقتدى رأى امامه حتى أن الامام
لو رأى رأى ابن مسعود والمقتدى يرى رأى على فصلى صلاة بعد يوم النحر فلم يكبر الامام اتباعا لرأيه يكبر المقتدى
اتباعا لرأى نفسه لأنه ليس بتابع له لانقطاع التحريمة التي بها صار تابعا له فكذا هذا وعلى هذا إذا كان محرما وقد سها
في صلاته سجد ثم كبر ثم لبى لان سجود السهو يؤتى به في تحريمة الصلاة لما ذكرنا ولهذا يسلم بعده ولو اقتدى به
انسان في سجود السهو صح اقتداؤه فاما التكبير والتلبية فكل واحد منهما يؤتى به بعد الفراغ من الصلاة ولهذا
لا يسلم بعده ولا يصح اقتداء المقتدى به اتباعا لرأى نفسه لأنه ليس بتابع له لانقطاع التحريمة التي بها صار تابعا له
فكذلك هذا وعلى هذا إذا كان محرما وقد سها به في حال التكبير والتلبية فيقدم السجدة ثم يأتي بالتكبير ثم بالتلبية
لان التكبير وإن كان يؤتى به خارج الصلاة فهو من خصائص الصلاة فلا يؤتى به الا عقيب الصلاة والتلبية ليست
من خصائص الصلاة بل يؤتى بها عند اختلاف الأحوال كلما هبط واديا أو علا شرفا أو لقى ركبا وما كان من
خصائص الشئ يجعل كأنه منه فيجعل التكبير كأنه من الصلاة وما لم يفرغ من الصلاة لم يوجد اختلاف الحال فكذا
ما لم يفرغ من التكبير يجعل كأنه لم يتبدل الحال فلا يأتي بالتلبية ولو سها وبدأ بالتكبير قبل السجدة لا يوجب
ذلك قطع صلاته وعليه سجدتا السهو لان التكبير ليس من كلام الناس ولو لبى أولا فقد انقطعت صلاته وسقطت
عنه سجدتا السهو والتكبير لان التلبية تشبه كلام الناس لأنها في الوضع جواب لكلام الناس وغيرها من كلام
الناس يقطع الصلاة فكذا هي وتسقط سجدة السهو لأنها لم تشرع الا في التحريمة ولا تحريمة ويسقط التكبير
أيضا لأنه غير مشروع الا متصلا بالصلاة وقد زال الاتصال وعلى هذا المسبوق لا يكبر مع الامام لما بينا ان التكبير
مشروع بعد الفراغ من الصلاة والمسبوق بعد في خلال الصلاة فلا يأتي به
* (فصل) * وأما بيان من يجب عليه فقد قال أبو حنيفة انه لا يجب الا على الرجال العاقلين المقيمين الأحرار من أهل
الأمصار والمصلين المكتوبة بجماعة مستحبة فلا يجب على النسوان والصبيان والمجانين والمسافرين وأهل القرى
ومن يصلى التطوع والفرض وحده وقال أبو يوسف ومحمد يجب على كل من يؤدى مكتوبة في هذه الأيام على أي
وصف كان في أي مكان كان وهو قول إبراهيم النخعي وقال الشافعي في أحد قوليه يجب على كل مصل فرضا كانت
الصلاة أو نقلا لان النوافل اتباع الفرائض فما شرع في حق الفرائض يكون مشروعا في حقها بطريق التبعية (ولنا)
ما روى عن علي وابن مسعود انهما كانا لا يكبران عقيب التطوعات ولم يرو عن غيرهما خلاف ذلك فحل محل الاجماع
ولان الجهر بالتكبير بدعة الا في موضع ثبت بالنص وما ورد النص الا عقيب المكتوبات ولان الجماعة شرط عند أبي
حنيفة لما نذكر والنوافل لا تؤدى بجماعة وكذا لا يكبر عقيب الوتر عندنا أما عند أبي يوسف ومحمد فلانه
نفل وأما عند أبي حنيفة فلانه لا يؤدى بجماعة في هذه الأيام ولأنه وإن كان واجبا فليس بمكتوبة والجهر
197

بالتكبير بدعة الا في مورد النص والاجماع ولا نص ولا اجماع الا في المكتوبات وكذا لا يكبر عقيب صلاة
العيد عندنا لما قلنا ويكبر عقيب الجمعة لأنها فريضة كالظهر وأما الكلام مع أصحابنا فهما احتجا
بقوله تعالى ويذكروا اسم الله في أيام معلومات وقوله واذكروا الله في أيام معدودات من غير تقييد مكان
أو جنس أو حال ولأنه من توابع الصلاة بدليل ان ما يوجب قطع الصلاة من الكلام ونحوه يوجب قطع التكبير
فكل من صلى المكتوبة ينبغي أن يكبر ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى قول النبي صلى الله عليه وسلم لا جمعة ولا
تشريق الا في مصر جامع وقول علي رضي الله عنه لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى الا في مصر جامع
والمراد من التشريق هو رفع الصوت بالتكبير هكذا قال النضر بن شميل وكان من أرباب اللغة فيجب تصديقه
ولان التشريق في اللغة هو الاظهار والشروق هو الظهور يقال شرقت الشمس إذا طلعت وظهرت سمى موضع
طلوعها وظهورها مشرقا لهذا والتكبير نفسه اظهار لكبرياء الله وهو اظهار ما هو من شعار الاسلام فكان
تشريقا ولا يجوز حمله على صلاة العيد لان ذلك مستفاد بقوله ولا فطر ولا أضحى في حديث علي رضي الله عنه ولا
على القاء لحوم الأضاحي بالمشرقة لان ذلك لا يختص بمكان دون مكان فتعين التكبير مرادا بالتشريق ولان رفع
الصوت بالتكبير من شعائر الاسلام واعلام الدين وما هذا سبيله لا يشرع الا في موضع يشتهر فيه ويشيع وليس
ذلك الا في المصر الجامع ولهذا اختص به الجمع والأعياد وهذا المعنى يقتضى أن لا يأتي به المنفرد والنسوان لان
معنى الاشتهار يختص بالجماعة دون الافراد ولهذا لا يصلى المنفرد صلاة الجمعة والعيد وأمر النسوان مبنى على
الستر دون الاشهار وأما الآية الثانية فقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل فيها وأما الأولى فنحملها على خصوص
المكان والجنس والحال عملا بالدليلين بقدر الامكان وما ذكروا من معنى التبعية مسلم عند وجود شرط المصر
والجماعة وغيرهما من الشرائط فاما عند عدمها فلا نسلم التعبية ولو اقتدى المسافر بالمقيم وجب عليه التكبير
لأنه صار تبعا لامامه ألا ترى انه تغير فرضه أربعا فيكبر بحكم التبعية وكذا النساء إذا اقتدين برجل وجب عليهن
على سبيل المتابعة فان صلين بجماعة وحدهن فلا تكبير عليهن لما قلنا وأما المسافرون إذا صلوا في المصر بجماعة
ففيه روايتان روى الحسن عن أبي حنيفة ان عليهم التكبير والأصح أن لا تكبير عليهم لان السفر مغير للفرض
مسقط للتكبير ثم في تغير الفرض لا فرق بين أن يصلوا في المصر أو خارج المصر فكذا في سقوط التكبير ولان المصر
الجامع شرط والمسافر ليس من أهل المصر فالتحق المصر في حقه بالعدم
* (فصل) * وأما بيان حكم التكبير فيما دخل من الصلوات في حد القضاء فنقول لا يخلوا ما ان فاتته الصلاة في غير أيام
التشريق فقضاها في أيام التشريق أو فاتته في هذه الأيام فقضاها في غير هذه الأيام أو فاتته في هذه الأيام فقضاها في
العام القابل من هذه الأيام أو فاتته في هذه الأيام فقضاها في هذه الأيام من هذه السنة فان فاتته في غير أيام
التشريق فقضاها في أيام التشريق لا يكبر عقيبها لان القضاء على حسب الأداء وقد فاتته بلا تكبير فيقضيها
كذلك وان فاتته في هذه الأيام فقضاها في غير هذه الأيام لا يكبر عقيبها أيضا وإن كان القضاء على حسب الأداء
وقد فاتته مع التكبير لان رفع الصوت بالتكبير بدعة في الأصل الا حيث ورد الشرع والشرع ما ورد به وفى وقت
القضاء فبقي بدعة فان فاتته في هذه الأيام وقضاها في العام القابل في هذه الأيام لا يكبر أيضا وروى عن أبي
يوسف انه يكبر والصحيح ظاهر الرواية لما بينا ان رفع الصوت بالتكبير بدعة الا في مورد الشرع والشرع ورد
بجعل هذا الوقت وقتا لرفع الصوت بالتكبير عقيب صلاة هي من صلوات هذه الأيام ولم يرد الشرع بجعله وقتا لغير
ذلك فبقي بدعة كأضحية فاتت عن وقتها انه لا يمكن التقرب بإراقة دمها في العام القابل وان عاد الوقت وكذا رمى
الجمار لما ذكرنا فكذا هذا وان فاتته في هذه الأيام وقضاها في هذه الأيام من هذه السنة يكبر لان التكبير سنة الصلاة
الفائتة وقد قدر على القضاء لكون الوقت وقتا لتكبيرات الصلوات المشروعات فيها
* (فصل) * وأما سننها فكثيرة بعضها صلاة بنفسه وبعضها من لواحق الصلاة أما الذي هو صلاة بنفسه فالسنن
198

المعهودة التي يؤدى بعضها قبل المكتوبة وبعضها بعد المكتوبة ولها فصل منفرد نذكرها فيه بعلائقها وأما
الذي هو من لواحق الصلاة فثلاثة أنواع نوع يؤتى به عند الشروع في الصلاة ونوع يؤتى به بعد الشروع في الصلاة
ونوع يؤتى به عند الخروج من الصلاة أما الذي يؤتى به عند الشروع في الصلاة فسنن الافتتاح وهي أنواع منها
أن تكون النية مقارنة للتكبير لان اشتراط النية لاخلاص العمل لله تعالى وقران النية أقرب إلى تحقيق معنى
الاخلاص فكان أفضل وهذا عندنا وعند الشافعي فرض والمسألة قد مرت (ومنها) أن يتكلم بلسانه ما نواه
بقلبه ولم يذكره في كتاب الصلاة نصا ولكنه أشار إليه في كتاب الحج فقال وإذا أردت أن تحرم بالحج إن شاء الله
فقل اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله منى فكذا في باب الصلاة ينبغي أن يقول اللهم إني أريد صلاة كذا
فيسرها لي وتقبلها منى لان هذا سؤال التوفيق من الله تعالى للأداء والقبول بعده فيكون مسنونا (ومنها)
حذف التكبير لما روى عن إبراهيم النخعي موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الاذان
جزم والإقامة جزم والتكبير جزم ولان ادخال المد في ابتداء اسم الله تعالى يكون للاستفهام والاستفهام يكون
للشك والشك في كبرياء الله تعالى كفر وقوله أكبر لا مد فيه لأنه على وزن افعل وأفعل لا يحتمل المد لغة ومنها
رفع اليدين عند تكبيرة الافتتاح والكلام فيه يقع في مواضع في أصل الرفع وفى وقته وفى كيفيته وفى محله اما أصل
الرفع فلما روى عن أبن عباس وابن عمر رضي الله عنهما موقوفا عليهما ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال لا ترفع الأيدي الا في سبعة مواطن وذكر من جملتها تكبيرة الافتتاح وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه
انه كان في عشرة رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقالوا هات فقال رأيته إذا كبر عند فاتحة الصلاة رفع يديه وعلى هذا اجماع السلف وأما وقته
فوقت التكبير مقارنا له لأنه سنة التكبير شرع لاعلام الأصم الشروع في الصلاة ولا يحصل هذا المقصود الا
بالقران وأما كيفيته فلم يذكر في ظاهر الرواية وذكر الطحاوي انه يرفع يديه ناشرا أصابعه مستقبلا بهما القبلة فمنهم
من قال أراد بالنشر تفريج الأصابع وليس كذلك بل أراد أن يرفعهما مفتوحتين لا مضمومتين حتى تكون الأصابع
نحو القبلة وعن الفقيه أبى جعفر الهندواني انه لا يفرج كل التفريج ولا يضم كل الضم بل يتركهما على ما عليه الأصابع
في العادة بين الضم والتفريج وأما محله فقد ذكر في ظاهر الرواية انه يرفع يديه حذاء أذنيه وفسره الحسن بن زياد في
المجرد فقال قال أبو حنيفة يرفع حتى يحاذي بابهاميه شحمة أذنيه وكذلك في كل موضع ترفع فيه الأيدي عند التكبير
وقال الشافعي يرفع حذو منكبيه وقال مالك حذاء رأسه احتج الشافعي بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
إذا افتتح الصلاة كبر ورفع يديه حذو منكبيه (ولنا) ما روى أبو يوسف في الأمالي باسناده عن البراء بن عازب أنه قال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر ورفع يديه حذاء اذنيه ولان هذا الرفع شرع لاعلام الأصم
الشروع في الصلاة ولهذا لم يرفع في تكبيرة هي علم للانتقال عندنا لان الأصم يرى الانتقال فلا حاجة إلى رفع اليدين
وهذا المقصود إنما يحصل إذا رفع يديه إلى أذنيه وأما الحديث فالتوفيق عند تعارض الاخبار واجب فما روى
محمول على حالة العذر حين كانت عليهم الأكسية والبرانس في زمن الشتاء فكان يتعذر عليهم الرفع إلى الاذنين
يدل عليه ما روى وائل بن حجر أنه قال قدمت المدينة فوجدتهم يرفعون أيديهم إلى الآذان ثم قدمت عليهم
من القابل وعليهم الأكسية والبرانس من شدة البرد فوجدتهم يرفعون أيديهم إلى المناكب أو نقول المراد بما
روينا رؤس الأصابع وبما روى الأكف والأرساغ عملا بالدلائل بقدر الامكان وهذا حكم الرجل فاما المرأة
فلم يذكر حكمها في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة انها ترفع يديها حذاء أذنيها كالرجل سواء لان كفيها
ليسا بعورة وروى محمد بن مقاتل الرازي عن أصحابنا أنها ترفع يديها حذو منكبيها لان ذلك استر لها وبناء أمرهن
على الستر الا ترى أن الرجل يعتدل في سجوده ويبسط ظهره في ركوعه والمرأة تفعل كأستر ما يكون لها ومنها
أن الامام يجهر بالتكبير ويخفى به المنفرد والمقتدى لان الأصل في الأذكار هو الاخفاء وإنما الجهر في حق الامام
199

لحاجته إلى الاعلام فان الأعمى لا يعلم بالشروع الا بسماع التكبير من الامام ولا حاجة إليه في حق المنفرد
والمقتدى ومنها أن يكبر المقتدى مقارنا لتكبير الامام فهو أفضل باتفاق الروايات عن أبي حنيفة وفى التسليم
عنه روايتان في رواية يسلم مقارنا لتسليم الامام كالتكبير وفى رواية يسلم بعد تسليم الامام بخلاف التكبير وقال أبو
يوسف السنة أن يكبر بعد فراغ الامام من التكبير وان كبر مقارنا لتكبيره فعن أبي يوسف فيه روايتان في
رواية يجوز وفى رواية لا يجوز وعن محمد يجوز ويكون مسيئا وجه قولهما أن المقتدى تبع للامام ومعنى التبعية لا
تتحقق في القران (ولأبي) حنيفة أن الاقتداء مشاركة وحقيقة المشاركة المقارنة إذ بها تتحقق المشاركة في جميع اجزاء
العبادة وبهذا فارق التسليم على احدى الروايتين لأنه إذا سلم بعده فقد وجدت المشاركة في جميع الصلاة لأنه يخرج
عنها بسلام الامام ومنها أن المؤذن إذا قال قد قامت الصلاة كبر الامام في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف
والشافعي لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة والجملة فيه أن المؤذن إذا قال حي على الفلاح فإن كان الامام معهم
في المسجد يستحب للقوم أن يقوموا في الصف وعند زفر والحسن بن زياد يقومون عند قوله قد قامت الصلاة
في المرة الأولى ويكبرون عند الثانية لان المنبئ عن القيام قوله قد قامت الصلاة لا قوله حي على الفلاح ولنا أن قوله
حي على الفلاح دعاء إلى ما به فلاحهم وأمر بالمسارعة إليه فلابد من الإجابة إلى ذلك ولن تحصل الإجابة
الا بالفعل وهو القيام إليها فكان ينبغي أن يقوموا عند قوله حي على الصلاة لما ذكرنا غير أنا نمنعهم عن القيام
كيلا يلغو قوله حي على الفلاح لان من وجدت منه المبادرة إلى شئ فدعاؤه إليه بعد تحصيله إياه لغو من الكلام
أما قوله إن المنبئ عن القيام قوله قد قامت الصلاة فنقول قوله قد قامت الصلاة ينبئ عن قيام الصلاة لا عن القيام
إليها وقيامها وجودها وذلك بالتحريمة ليتصل بها جزء من أجزائها تصديقا له على ما نذكر ثم إذا قاموا إلى الصلاة
إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة كبروا على الاختلاف الذي ذكرنا وجه قول أبى يوسف والشافعي أن في إجابة
المؤذن فضيلة وفى ادراك تكبيرة الافتتاح فضيلة فلا بد من الفراغ احرازا للفضيلتين من الجانبين ولان
فيما قلنا تكون جميع صلاتهم بالإقامة وفيما قالوا بخلافه (ولأي) حنيفة ومحمد ما روى عن سويد بن غفلة
أن عمر كان إذا انتهى المؤذن إلى قوله قد قامت الصلاة كبر وروى عن بلال رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله
ان كنت تسبقني بالتكبير فلا تسبقني بالتامين ولو كبر بعد الفراغ من الإقامة لما سبقه بالتكبير فضلا عن التأمين فلم
يكن للسؤال معنى ولان المؤذن مؤتمن الشرع فيجب تصديقه وذلك فيما قلناه لما ذكرنا أن قيام الصلاة وجودها
فلابد من تحصيل التحريمة المقترنة بركن من أركان الصلاة ليوجد جزء من أجزائها فيصير المخبر عن قيامها صادقا في
مقالته لان المخبر عن المتركب من اجزاء لا بقاء لها لن يكون الا عن وجود جزء منها وإن كان الجزء وحده مما
لا ينطلق عليه اسم المتركب كمن يقول فلان يصلى في الحال يكون صادقا وإن كان لا يوجد في الحالة الاخبار الا جزء
منها لاستحالة اجتماع اجزائها في الوجود في حالة واحدة وبه تبين أن ما ذكروا من المعنيين لا يعتبر بمقابلة فعل رسول
الله صلى الله عليه وسلم وفعل عمر رضي الله عنه ثم نقول في تصديق المؤذن فضيلة كما أن في اجابته فضيلة بل فضيلة
التصديق فوق فضيلة الإجابة مع أن فيما قالوه فوات فضيلة الإجابة أصلا إذ لا جواب لقوله قد قامت الصلاة من
حيث القول وليس فيما قلنا تفويت فضيلة الإجابة أصلا بل حصلت الإجابة بالفعل وهو إقامة الصلاة فكان
ما قلناه سببا لاستدراك الفضيلتين فكان أحق وبه تبين أن لا بأس بأداء بعض الصلاة بعد أكثر الإقامة وأداء
أكثرها بعد جميع الإقامة إذا كان سببا لاستدراك الفضيلتين وبعض مشايخنا اختاروا في الفعل مذهب أبي
يوسف لتعذر احضار النية عليهم في حال رفع المؤذن صوته بالإقامة هذا إذا كان الامام في المسجد فإن كان خارج
المسجد لا يقومون ما لم يحضر لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تقوموا في الصف حتى تروني خرجت وروى عن علي
رضي الله عنه أنه دخل المسجد فرأى الناس قياما ينتظرونه فقال مالي أراكم سامدين أي واقفين متحيرين
ولان القيام لأجل الصلاة ولا يمكن أداؤها بدون الامام فلم يكن القيام مفيدا ثم إن دخل الامام من قدام الصفوف
200

فكما رأوه قاموا لأنه كما دخل المسجد قام مقام الإمامة وان دخل من وراء الصفوف فالصحيح أنه كلما جاوز
صفا قام ذلك الصف لأنه صار بحال لو اقتدوا به جاز فصار في حقهم كأنه أخذ مكانه وأما الذي يؤتى به بعد الفراغ
من الافتتاح فنقول إذا فرغ من تكبيرة الافتتاح يضع يمينه على شماله والكلام فيه في أربعة مواضع أحدها في
أصل الوضع والثاني في وقت الوضع والثالث في محل الوضع والرابع في كيفية الوضع أما الأول فقد قال عامة العلماء
ان السنة هي وضع اليمين على الشمال وقال مالك السنة هي الارسال وجه قوله أن الارسال أشق على البدن
والوضع للاستراحة دل عليه ما روى عن إبراهيم النخعي أنه قال إنهم كانوا يفعلون ذلك مخافة اجتماع الدم
في رؤس الأصابع لأنهم كانوا يطيلون الصلاة وأفضل الأعمال أحمزها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاث من سنن المرسلين تعجيل الافطار وتأخير السجود وأخذ
الشمال باليمين في الصلاة وفى رواية وضع اليمين على الشمال تحت السرة في الصلاة وأما وقت الوضع فكما فرغ
من التكبير في ظاهر الرواية وروى عن محمد في النوادر أنه يرسلهما حالة الثناء فإذا فرغ منه يضع بناء على أن الوضع
سنة القيام الذي له قرار في ظاهر المذهب وعن محمد سنة القراءة وأجمعوا على أنه لا يسن الوضع في القيام المتخلل
بين الركوع والسجود لأنه لا قرار له ولا قراءة فيه والصحيح جواب ظاهر الرواية لقوله صلى الله عليه وسلم انا معشر
الأنبياء أمرنا أن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة من غير فصل بين حال وحال فهو على العموم الا ما خص
بدليل ولان القيام من أركان الصلاة والصلاة خدمة الرب تعالى وتعظيم له والوضع في التعظيم أبلغ من الارسال كما في
الشاهد فكان أولى وأما القيام المتخلل بين الركوع والسجود في صلاة الجمعة والعيدين فقال بعض مشايخنا
الوضع أولى لان له ضرب قرار وقال بعضهم الارسال أولى لأنه كما يضع يحتاج إلى الرفع فلا يكون مفيدا وأما في حال
القنوت فذكر في الأصل إذا أراد أن يقنت كبر ورفع يديه حذاء أذنيه ناشرا أصابعه ثم يكفهما قال أبو بكر الإسكاف
معناه يضع يمينه على شماله وكذلك روى عن أبي حنيفة ومحمد أنه يضعهما كما يضع يمينه على يساره في الصلاة
وذكر الكرخي والطحاوي أنه يرسلهما في حالة القنوت وكذا روى عن أبي يوسف واختلفوا في تفسير الارسال قال
بعضهم لا يضع يمينه على شماله ومنهم من قال لا بل يضع ومعنى الارسال أن لا يبسطهما كما روى عن أبي يوسف أنه
يبسط يديه بسط في حالة القنوت وهو الصحيح لعموم الحديث الذي روينا ولان هذا قيام في الصلاة له قرار فكان
الوضع فيه أقرب إلى التعظيم فكان أولى وأما في صلاة الجنازة فالصحيح أيضا أنه يضع لما روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه صلى على جنازة ووضع يمينه على شماله تحت السرة ولان الوضع أقرب إلى التعظيم في قيام له
قرار فكان الوضع أولى وأما محل الوضع فما تحت السرة في حق الرجل والصدر في حق المرأة وقال الشافعي محله
الصدر في حقهما جميعا واحتج بقوله تعالى فصل لربك وانحر قوله وانحر أي ضع اليمين على الشمال في النحر
وهو الصدر وكذا روى عن علي في تفسير الآية ولنا ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاث من سنن
المرسلين من جملتها وضع اليمين على الشمال تحت السرة في الصلاة وأما الآية فمعناه أي صل صلاة العيد وانحر الجزور
وهو الصحيح من التأويل لأنه حينئذ يكون عطف الشئ على غيره كما هو مقتضى العطف في الأصل ووضع اليد
من أفعال الصلاة وابعاضها ولا مغايرة بين البعض وبين الكل أو يحتمل ما قلنا فلا يكون حجة مع الاحتمال على أنه
روى عن علي وأبي هريرة رضي الله عنهما انهما قالا السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة فلم يكن تفسير الآية
عنه وأما كيفية الوضع فلم يذكر في ظاهر الرواية واختلف فيها قال بعضهم يضع كفه اليمنى على ظهر كفه اليسرى
وقال بعضهم يضع على ذراعه اليسرى وقال بعضهم يضع على المفصل وذكر في النوادر اختلافا بين أبى يوسف
ومحمد فقال على قول أبى يوسف يقبض بيده اليمنى على رسغ يده اليسرى وعند محمد يضع كذلك وعن الفقيه أبى
جعفر الهندواني أنه قال أبى يوسف أحب إلى لان في القبض وضعا وزيادة وهو اختيار مشايخنا بما وراء النهر
فيأخذ المصلى رسغ يده اليسرى بوسط كفه اليمنى ويحلق ابهامه وخنصره وبنصره ويضع الوسطى والمسبحة على
201

معصمه ليصير جامعا بين الاخذ والوضع وهذا لان الاخبار اختلفت ذكر في بعضها الوضع وفى بعضها الاخذ فكان
الجمع بينهما عملا بالدلائل أجمع فكان أولى ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله
غيرك سواء كان اماما أو مقتديا أو منفردا هكذا ذكر في ظاهر الرواية وزاد عليه في كتاب الحج وجل ثناؤك وليس
ذلك في المشاهير ولا يقرأ انى وجهت وجهي لا قبل التكبير ولا بعده في قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبى يوسف
الأول ثم رجع وقال في الاملاء يقول مع التسبيح انى وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من
المشركين ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ولا يقول
وأنا أول المسلمين لأنه كذب وهل تفسد صلاته إذا قال ذلك قال بعضهم تفسد لأنه أدخل الكذب في الصلاة وقال
بعضهم لا تفسد لأنه من القرآن ثم عن أبي يوسف روايتان في رواية يقدم التسبيح عليه وفى رواية هو بالخيار ان شاء
قدم وان شاء أخر وهو أحد قولي الشافعي وفى قول يفتتح بقوله وجهت وجهي لا بالتسبيح واحتجا بحديث ابن عمر أن
النبي كان إذا افتتح الصلاة قال وجهت وجهي الخ وقال سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره والشافعي زاد عليه ما رواه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا وانه لا يغفر الذنوب الا أنت فاغفر لي
مغفرة من عندك وتب على أنك أنت التواب الرحيم وفى بعض الروايات اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت
ربى وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء لك بذنبي فاغفر لي ذنوبي انه
لا يغفر الذنوب الا أنت واهدني لأحسن الأخلاق انه لا يهدى لاحسنها الا أنت واصرف عنى سيئها انه لا يصرف
عنى سيئها الا أنت أنابك ولك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك وجه ظاهر الرواية قوله تعالى فسبح
بحمد ربك حين تقوم ذكر الجصاص عن الضحاك عن عمر رضي الله عنه انه قول المصلى عند الافتتاح سبحانك
اللهم وبحمدك وروى هذا الذكر عمر وعلى وعبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقول عند
الافتتاح ولا تجوز الزيادة على الكتاب والخبر المشهور بالآحاد ثم تأويل ذلك كله انه كان يقول ذلك في التطوعات
والامر فيها أوسع فاما في الفرائض فلا يزاد على ما اشتهر فيه الأثر أو كان في الابتداء ثم نسخ بالآية أو تأيد ما روينا
بمعاضدة الآية ثم لم يرو عن أصحابنا المتقدمين انه يأتي به قبل التكبير وقال بعض مشايخنا المتأخرين انه لا بأس به قبل
التكبير لاحضار النية ولهذا لقنوه العوام ثم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم في نفسه إذا كان منفردا أو اماما
والكلام في التعوذ في مواضع في بيان صفته وفي بيان وقته وفي بيان من يسن في حقه وفي بيان كيفيته اما الأول
فالتعوذ سنة في الصلاة عند عامة العلماء وعند مالك ليس بسنة والصحيح قول العامة لقوله تعالى فإذا قرأت القرآن
فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم من غير فصل بين حال الصلاة وغيرها وروى أن أبا الدرداء قام ليصلى فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم تعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شياطين الإنس والجن وكذا الناقلون صلاة رسول
الله صلى الله عليه وسلم نقلوا تعوذه بعد الثناء قبل القراءة وأما وقت التعوذ فما بعد الفراغ من التسبيح قبل القراءة
عند عامة العلماء وقال أصحاب الظواهر وقته ما بعد القراءة لظاهر قوله تعالى فإذا قرأت القرآن الآية أمر
بالاستعاذة بعد قراءة القرآن لان الفاء للتعقيب ولنا ان الذين نقلوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نقلوا تعوذه
بعد الثناء قبل القراءة ولان التعوذ شرع صيانة للقراءة عن وساوس الشيطان ومعنى الصيانة إنما يحتاج إليه قبل
القراءة لا بعدها والإرادة مضمرة في الآية معناه فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله كذا قال أهل التفسير
كما في قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة أي إذا أردتم القيام إليها وأما من يسن في حقه التعوذ فهو الامام والمنفرد دون
المقتدى في قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف هو سنة في حقه أيضا ذكر الاختلاف في السير الكبير وحاصل
الخلاف راجع إلى أن التعوذ تبع للثناء أو تابع للقراءة فعلى قولهما تبع للقراءة لأنه شرع لافتتاح القراءة صيانة لها
عن وساوس الشيطان فكان كالشرط لها وشرط الشئ تبع له وعلى قوله تبع للثناء لأنه شرع بعد الثناء وهو من
جنسه وتبع الشئ كاسمه ما يتبعه ويتفرع على هذا الأصل ثلاث مسائل إحداها انه لا تعوذ على المقتدى عندهما
202

لأنه لا قراءة عليه وعنده يتعوذ لأنه يأتي بالثناء فيأتي بما هو تبع له والثانية المسبوق إذا شرع في صلاة الامام وسبح
لا يتعوذ في الحال وإنما يتعوذ إذا قام إلى قضاء ما سبق به عندهما لان ذلك وقت القراءة وعنده يتعوذ بعد الفراغ
من التسبيح لأنه تبع له والثالثة الامام في صلاة العيد يأتي بالتعوذ بعد التكبيرات عندهما إذا كان يرى رأى
ابن عباس أو رأى ابن مسعود لان ذلك وقت القراءة وعنده يأتي به بعد التسبيح قبل التكبيرات لكونه تبعا له وأما
كيفية التعوذ فالمستحب له أن يقول أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم أو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لان أولى
الألفاظ ما وافق كتاب الله وقد ورد هذان اللفظان في كتاب الله تعالى ولا ينبغي أن يزيد عليه ان الله هو السميع
العليم لأن هذه الزيادة من باب الثناء وما بعد التعوذ محل القراءة لا محل الثناء وينبغي أن لا يجهر بالتعوذ لان الجهر
بالتعوذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي وابن مسعود رضي الله عنهما انهما قالا أربع يخفيهن الامام
وذكر منهما التعوذ ولان الأصل في الأذكار هو الاخفاء لقوله تعالى واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة فلا يترك
الا لضرورة ثم يخفى بسم الله الرحمن الرحيم وقال الشافعي يجهر به والكلام في التسمية في مواضع أحدها انها من
القرآن أم لا والثاني انها من الفاتحة أم لا والثالث انها من رأس كل سورة أم لا وينبنى على كل فصل ما يتعلق به
من الأحكام أما الأول فالصحيح من مذهب أصحابنا انها من القرآن لان الأمة أجمعت على أن ما كان بين الدفتين
مكتوبا بقلم الوحي فهو من القرآن والتسمية كذلك وكذا روى المعلى عن محمد فقال قلت لمحمد التسمية آية من
القرآن أم لا فقال ما بين الدفتين كله قرآن فقلت فما بالك لا تجهر بها فلم يجبني وكذا روى الجصاص عن محمد أنه قال
التسمية آية من القرآن أنزلت للفصل بين السورة للبداءة بها تبركا وليست بآية من كل واحدة منها واليه أشار
في كتاب الصلاة فإنه قال ثم يفتتح القراءة ويخفى بسم الله الرحمن الرحيم وينبنى على هذا ان فرض القراءة في الصلاة
يتأدى بها عند أبي حنيفة إذا قرأها على قصد القراءة دون الثناء عند بعض مشايخنا لأنها آية من القرآن وكذا
روى عن عبد الله بن المبارك ان من ترك بسم الله الرحمن الرحيم في القرآن فقد ترك مائة وثلاثة عشر آية وقال
بعضهم لا يتأدى لان في كونها آية تامة احتمال فإنه روى عن الأوزاعي أنه قال ما أنزل الله في القرآن بسم الله
الرحمن الرحيم الا في سورة النمل وانها في النمل وحدها ليست بآية تامة وإنما الآية قوله إنه من سليمان وانه بسم
الله الرحمن الرحيم فوقع الشك في كونها آية تامة فلا تجوز الصلاة بالشك وكذا يحرم على الجنب والحائض
والنفساء قراءتها على قصد القرآن اما على قياس رواية الكرخي فظاهر لان ما دون الآية يحرم عليهم وكذا على
رواية الطحاوي لاحتمال انها آية تامة فتحرم قراءتها عليهم احتياطا واما الثاني والثالث فعند أصحابنا ليست من
الفاتحة ولا من رأس كل سورة وقال الشافعي انها من الفاتحة قولا واحدا وله في كونها من رأس كل سورة قولان
وقال الكرخي لا أعرف في هذه المسألة بعينها عن متقدمي أصحابنا في الاختلاف نصا لكن أمرهم بالاخفاء دليل على أنها
ليست من الفاتحة لامتناع أن يجهر ببعض السورة دون البعض احتج الشافعي بما روى أبو هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم انه كان يقول الحمد لله رب العالمين سبع آيات إحداهن بسم الله الرحمن الرحيم فقد عد التسمية آية
من الفاتحة دل انها من الفاتحة ولأنها كتبت في المصاحف على رأس الفاتحة وكل سورة بقلم الوحي فكانت من
الفاتحة ومن كل سورة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم خبرا عن الله تعالى أنه قال قسمت الصلاة يبنى وبين عبدي
نصفين فإذا قال العبد الحمد لله العالمين يقول الله حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله تعالى مجدني عبدي
وإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى أثنى على عبدي وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال الله تعالى هذا يبنى
وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ووجه الاستدلال به من وجهين أحدهما انه بدأ بقوله الحمد لله رب العالمين
لا بقوله بسم الله الرحمن الرحيم ولو كانت من الفاتحة لكانت البداءة بها لا بالحمد والثاني انه نص على المناصفة
ولو كانت التسمية من الفاتحة لم تتحقق المناصفة بل يكون ما لله أكثر لأنه يكون في النصف الأول أربع آيات
ونصف ولان كون الآية من سورة كذا ومن موضع كذا لا يثبت الا بالدليل المتواتر من النبي صلى الله عليه
203

وسلم وقد ثبت بالتواتر انها مكتوبة في المصاحف ولا تواتر على كونها من السورة ولهذا اختلف أهل العلم فيه
فعدها قراء أهل الكوفة من الفاتحة ولم يعدها قراء أهل البصرة منها وذا دليل عدم التواتر ووقوع الشك والشبهة
في ذلك فلا يثبت كونها من السورة مع الشك ولان كون التسمية من كل سورة مما اختص به الشافعي لا يوافقه
في ذلك أحد من سلف الأمة وكفى به دليلا على بطلان المذهب والدليل عليه ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى غفر له تبارك الذي بيده الملك
وقد اتفق القراء وغيرهم على أنها ثلاثون آية سوى بسم الله الرحمن الرحيم ولو كانت هي منها لكانت احدى
وثلاثين آية وهو خلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم وكذا انعقد الاجماع من الفقهاء والقراء أن سورة الكوثر
ثلاث آيات وسورة الاخلاص أربع آيات ولو كانت التسمية منها لكانت سورة الكوثر أربع آيات وسورة
الاخلاص خمس آيات وهو خلاف الاجماع وأما ما روى من الحديث ففيه اضطراب فان بعضهم شك في ذكر أبي هريرة
في الاسناد ولان مداره على عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ولم
يرفعه وذكر أبو بكر الحنفي وقال لقيت نوحا فحدثني به عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ولم يرفعه والاختلاف في
السند والوقف والرفع يوجب ضعفا فيه ولأنه في حد الآحاد وخبر الواحد لا يوجب العلم وكون التسمية من
الفاتحة لا يثبت الا بالنقل الموجب للعلم مع أنه عارضه ما هو أقوى منه وأثبت وأشهر وهو حديث القسمة فلا يقبل
في معارضته أما قوله إنها كتبت في المصاحف بقلم الوحي على رأس السور فنعم لكن هذا يدل على كونها من القرآن
لا على كونها من السور لجواز انها كتبت للفصل بين السور لا لأنها منها فلا يثبت كونها من السور بالاحتمال وينبنى
على هذا انه لا يجهر بالتسمية في الصلاة عندنا لأنه لا نص في الجهر بها وليست من الفاتحة حتى يجهر بها ضرورة
الجهر بالفاتحة وعنده يجهر بها في الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة كما يجهر بالفاتحة لكونها من الفاتحة ولان التسمية
متى ترددت بين أن تكون من الفاتحة وبين أن لا تكون تردد الجهر بين السنة والبدعة لأنها إذا لم تكن منها
التحقت بالأذكار والجهر بالأذكار بدعة والفعل إذا تردد بين السنة والبدعة تغلب جهة البدعة لان الامتناع
عن البدعة فرض ولا فرضية في تحصيل السنة أو الواجب فكان الاخفاء بها أولى والدليل عليه ما روى عن أبي
بكر وعمر وعثمان وعلى وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن الفضل وعبد الله بن عباس وأنس وغيرهم رضي الله عنهم
انهم كانوا يخفون التسمية وكثير منهم قال الجهر بالتسمية اعرابية والمنسوب إليهم باطل لغلبة الجهل عليهم
بالشرائع وروى عن أنس رضي الله عنه أنه قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبى بكر
وعمر رضي الله عنهما وكانوا لا يجهرون بالتسمية ثم عندنا ان لم يجهر بالتسمية لكن يأتي بها الامام لافتتاح القراءة
بها تبركا كما يأتي بالتعوذ في الركعة الأولى باتفاق الروايات وهل يأتي بها في أول الفاتحة في الركعات الاخر عن أبي
حنيفة روايتان روى الحسن عنه انه لا يأتي بها الا في الركعة الأولى لأنها ليست من الفاتحة عندنا وإنما يفتتح
القراءة بها تبركا وذلك مختص بالركعة الأولى كالتعوذ وروى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة انه يأتي بها
في كل ركعة وهو قول أبى يوسف ومحمد لان التسمية ان لم تعجل من الفاتحة قطعا بخبر الواحد لكن خبر الواحد
يوجب العمل فصارت من الفاتحة عملا فمتى لزمه قراءة الفاتحة يلزمه قراءة التسمية احتياطا وأما عند رأس كل
سورة في الصلاة فلا يأتي بالتسمية عند أبي حنيفة وأبى يوسف وقال محمد يأتي بها احتياطا كما في أول الفاتحة
والصحيح قولهما لان احتمال كونها من السورة منقطع باجماع السلف على ما مر وفى انها ليست من الفاتحة
لا اجماع فبقي الاحتمال فوجب العمل به في حق القراءة احتياطا ولكن لا يعتبر هذا الاحتمال في حق الجهر لان
المخافتة أصل في الأذكار والجهر بها بدعة في الأصل فإذا احتمل انها ذكر في هذه الحالة واحتمل انها من
الفاتحة كانت المخافتة أبعد عن البدعة فكانت أحق وروى عن محمد انه إذا كان يخفى بالقراءة يأتي بالتسمية
بين الفاتحة والسورة لأنه أقرب إلى متابعة المصحف وإذا كان يجهر بها لا يأتي لأنه لو فعل لا خفى بها فيكون
204

سكتة له في وسط القراءة وذلك غير مشروع ثم يقرأ بفاتحة الكتاب والسورة وقد بينا أصل فرضية القراءة وقدرها
ومحل القراءة المفروضة في بيان أركان الصلاة وههنا نذكر المقدار الذي يخرج به عن حد الكراهة والمقدار
المستحب من القراءة أما الأول فالقدر الذي يخرج به عن حد الكراهة هو أن يقرأ الفاتحة وسورة قصيرة
قدر ثلاث آيات أو ثلاث آيات من أي سورة كانت حتى لو قرأ الفاتحة وحدها أو قرأ معها آية وآيتين يكره لما روى
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا صلاة الا بفاتحة الكتاب وسورة معها وأقصر السور ثلاث آيات ولم يرد به نفى
الجواز بل نفى الكمال وأداء المفروض على وجه النقصان مكروه وأما القدر المستحب من القراءة فقد اختلفت
الروايات فيه عن أبي حنيفة ذكر في الأصل ويقرأ الإمام في الفجر في الركعتين جميعا بأربعين آية مع فاتحة الكتاب
أي سواها وذكر في الجامع الصغير بأربعين خمسين ستين سوى فاتحة الكتاب وروى الحسن في المجرد عن أبي
حنيفة ما بين ستين إلى مائة وإنما اختلفت الروايات لاختلاف الاخبار روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه
كان يقرأ في صلاة الفجر سورة ق حتى أخذ بعض النسوان منه في صلاة الفجر منهن أم هشام بنت الحرث بن
النعمان وعن مورق العجلي قال تلقنت سورة ق واقترب من في رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة قراءته
لهما في صلاة الفجر وعن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الفجر والمرسلات وعم يتساءلون
وفى رواية إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وروى ابن مسعود وابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهم
ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرا في الركعة الأولى من الفجر بالم تنزيل السجدة وفى الأخرى بهل أتى على
الانسان وعن أبي برزة الأسلمي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر ما بين ستين آية
إلى مائة كذا ذكر وكيع وروى أن أبا بكر قرأ في الفجر سورة البقرة فلما فرغ قال له عمر كادت الشمس تطلع
يا خليفة رسول الله فقال رضي الله عنه لو طلعت لم تجدنا غافلين وروى أن عمر رضي الله عنه قرأ سورة
يوسف فلما انتهى إلى قوله إنما أشكو بنى وحزني إلى الله خنقته العبرة فركع ووفق بعضهم بين الروايات
فقال المساجد ثلاثة مسجد له قوم زهاد وعباد يرغبون في العبادة ومسجد له قوم كسالى غير راغبين في العبادة
ومسجد له قوم أوساط فينبغي للامام أن يعمل بأكثر الروايات قراءة في الأول وبأدناها قراءة في الثاني وبأوسطها
قراءة في الثالث عملا بالروايات كلها بقدر الامكان ويجوز أن يكون اختلاف الروايات محمولا على هذا ويقرأ في
الظهر بنحو من ذلك أو دونه ذكره في الأصل لما روى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال حررنا قراءة
رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر في الركعتين بثلاثين آية وعن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه قال
صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر وقرأ والسماء والطارق والشمس وضحاها وفى العصر يقرأ بعشرين
آية مع فاتحة الكتاب أي سواها ذكره في الأصل لما روى عن أبي هريرة وجابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يقرأ في العصر بسورة سبح اسم ربك الا على وهل أتاك حديث الغاشية وفى العشاء مثل ذلك في رواية
الأصل لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين كان قرأ البقرة في صلاة العشاء أين أنت من الشمس وضحاها
والليل إذا يغشى ولأنها تؤخر إلى ثلث الليل فلو طول القراءة لتشوش أمر الصلاة على القوم لغلبة النوم إياهم وفى
المغرب بسورة قصيرة خمس آيات أو ست آيات مع فاتحة الكتاب أي سواها ذكره في الأصل لما روى عن عمر رضي الله عنه
انه كتب إلى أبى موسى الأشعري ان اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل وفى العصر والعشاء بأوساط
المفصل وفى المغرب بقصار المفصل ولأنا أمرنا بتعجيل المغرب وفى تطويل القراءة تأخيرها وذكر في الجامع الصغير
ويقرأ في الظهر في الأوليين مثل ركعتي الفجر والعصر والعشاء سواء والمغرب دون ذلك وروى الحسن في المجرد
عن أبي حنيفة انه يقرأ في الظهر بعبس أو إذا الشمس كورت في الأولى وفى الثانية بلا أقسم أو والشمس وضحاها
وفى العصر يقرأ في الأولى والضحى أو والعاديات وفى الثانية بألهاكم أو ويل لكل همزة وفى المغرب وفى الأولى مثل
ما في الصعر وفى العشاء في الأوليين مثل ما في الظهر فقد جعلها في الأصل كالعصر وفى المجرد كالظهر وذكر الكرخي
205

وقال وقدر القراءة في الفجر للمقيم قدر ثلاثين آية إلى ستين آية سوى الفاتحة في الركعة الأولى وفى الثانية ما بين
عشرين إلى ثلاثين وفى الظهر في الركعتين جميعا سوى فاتحة الكتاب مثل القراءة في الركعة الأولى من الفجر وفى
العصر والعشاء يقرأ في كل ركعة قدر عشرين آية سوى فاتحة الكتاب وفى المغرب في الركعتين الأوليين بفاتحة
الكتاب وسورة من قصار المفصل قال وهذه الرواية أحب الروايات التي رواها المعلى عن أبي يوسف عن أبي
حنيفة ويحتمل أن يكون اختلاف مقادير القراءة في الصلوات لاختلاف أحوال الناس فوقت الفجر وقت نوم
وغفلة فتطول فيه القراءة كيلا تفوتهم الجماعة وكذا وقت الظهر في الصيف لأنهم يقيلون ووقت العصر وقت
رجوع الناس إلى منازلهم فينقص عما في الظهر والفجر وكذا وقت العشاء وقت عزمهم على النوم فكان مثل وقت
العصر ووقت المغرب وقت عزمهم على الاكل فقصر فيها القراءة لقلة صبرهم عن الاكل خصوصا للصائمين
وهذا كله ليس بتقدير لازم بل يختلف باختلاف الوقت والزمان وحال الامام والقوم والجملة فيه انه ينبغي
للامام ان يقرأ مقدار ما يخف على القوم ولا يثقل عليهم بعد أن يكون على التمام لما روى عن عثمان بن أبي
العاص الثقفي أنه قال آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أصلى بالقوم صلاة أضعفهم وروى
عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من أم قوما فليتصل بهم صلاة أضعفهم فان فيهم الصغير والكبير وذا
الحاجة وروى أن قوم معاذ لما شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تطويل القراءة دعاه فقال أفتان
أنت يا معاذ قالها ثلاثا أين أنت من والسماء والطارق والشمس وضحاها قال الراوي فما رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد منه في تلك الموعظة وعن أنس رضي الله عنه أنه قال ما صليت خلف أحد أتم
وأخف مما صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بالمعوذتين في صلاة
الفجر يوما فلما فرغ قالوا أو جزت فقال صلى الله عليه وسلم سمعت بكاء صبي فخشيت على أمه أن تفتتن دل أن
الامام ينبغي له أن يراعى حال قومه ولان مراعاة حال القوم سبب لتكثير الجماعة فكان ذلك مندوبا إليه هذا
الذي ذكرنا في المقيم فاما المسافر فينبغي أن يقرأ مقدار ما يخف عليه وعلى القوم بأن يقرأ الفاتحة وسورة من
قصار المفصل لما روى عن عقبة بن عامر الجهني أنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر صلاة
الفجر فقرأ بفاتحة الكتاب والمعوذتين ولان السفر مكان المشقة فلو قرأ فيه مثل ما يقرأ في الحضر لوقعوا في
الحرج وانقطع بهم السير وهذا لا يجوز ولهذا أثر في قصر الصلاة فلان يؤثر في قصر القراءة أولى ويستحب للامام
أن يفضل الركعة الأولى في القراءة على الثانية في الفجر بالاجماع وأما في سائر الصلوات فيسوى بينهما عند أبي
حنيفة وأبى يوسف وقال محمد يفضل في الصلوات كلها وكذا هذا الاختلاف في الجمعة والعيدين واحتج محمد بما
روى أبو قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل الركعة الأولى على غيرها في الصلوات كلها
ولان التفضيل تسبيب إلى ادراك الجماعة فيفضل كما في صلاة الفجر ولهما ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه كان يقرأ في الجمعة سورة الجمعة في الركعة الأولى وفى الثانية سورة المنافقين وهما في الآي مستويتان وكان
يقرأ في الأولى سورة الاعلى وفى الثانية الغاشية وهما مستويتان ولأنهما مستويتان في استحقاق القراءة فلا تفضل
إحداهما على الأخرى الا لداع وقد وجد الداعي في الفجر وهو الحاجة إلى الإعانة على ادراك الجماعة لكون الوقت
وقت نوم وغفلة فكان التفضيل من باب النظر ولا داعى له في سائر الصلوات لكون الوقت وقت يقظة فالتخلف عن
الجماعة يكون تقصيرا والمقصر لا يستحقق النظر وأما الحديث فنقول كان يطيل الركعة الأولى بالثناء في أول
الصلاة لا بالقراءة والمستحب أن يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة تامة كذا ورد في الحديث ولو قرأ سورة
واحدة في الركعتين قال بعض المشايخ يكره لأنه خلاف ما جاء به الأثر وقال عامتهم لا يكره وكذا روى عيسى بن أبان
عن أصحابنا أنه لا يكره وروى في ذلك حديثا باسناده عن ابن مسعود أنه قرأ في الفجر سورة بني إسرائيل إلى قوله
قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن في الركعة الأولى ثم قام إلى الثانية وختم السورة ولو جمع بين السورتين في ركعة
206

لا يكره لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بسبع سور من المفصل والأفضل أن لا يجمع ولو قرأ من وسط
السورة أو آخرها لا بأس به كذا روى الفقيه أبو جعفر الهندواني رحمه الله لكن المستحب ما ذكرنا فإذا فرغ من
الفاتحة يقول آمين اماما كان أو مقتديا أو منفردا وهذا قول عامة العلماء وقال بعض الناس لا يؤتى بالتأمين أصلا
وقال مالك يأتي به المقتدى دون الامام والمنفرد والصحيح قول العامة لما روى عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال إذا أمن الامام فأمنوا فان الملائكة تؤمن فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من
ذنبه وما تأخر حثنا على التأمين من غير فصل ثم السنة فيه المخافتة عندنا وعند الشافعي الجهر في صلاة الجهر واحتج
بما روينا من الحديث ووجه التعلق به أنه صلى الله عليه وسلم علق تأمين القوم بتأمين الامام ولو لم يكن مسموعا
لم يكن معلوما فلا معنى للتعلق وعن وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال آمين ومد بها صوته (ولنا) ما روى
عن وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخفى بالتأمين وهو قول على وابن مسعود وروى عنه صلى الله عليه
وسلم أنه قال إذا قال الامام ولا الضالين فقولوا آمين فان الامام يقولها ولو كان مسموعا لما احتيج إلى قوله فان الامام
يقولها ولأنه من باب الدعاء لان معناه اللهم أجب أو ليكن كذلك قال الله تعالى قد أجبيت دعوتكما وموسى كان
يدعو وهارون كان يؤمن والسنة في الدعاء الاخفاء وحديث وائل طعن فيه النخعي وقال أشهد وائل وغاب عبد
الله على أنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم جهر مرة للتعليم ولا حجة له في الحديث الآخر لان مكانه معلوم وهو
ما بعد الفراغ من الفاتحة فكان التعليق صحيحا وإذا فرغ من القراءة ينحط للركوع ويكبر مع الانحطاط ولا يرفع
يديه أما التكبير عند الانتقال من القيام إلى الركوع فسنة عند عامة العلماء وقال بعضهم لا يكبر حال ما ركع وإنما
يكبر حال ما يرفع رأسه من الركوع والصحيح قول العامة لما روى عن علي وابن مسعود وأبي موسى الأشعري
وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر عند كل خفض ورفع وروى أنه كان يكبر وهو يهوى والواو للحال
ولان الذكر سنة في كل ركن ليكون معظما لله تعالى فيما هو من أركان الصلاة بالذكر كما هو معظم له بالفعل فيزداد
معنى التعظيم والانتقال من ركن إلى ركن بمعنى الركن لكونه وسيلة إليه فكان الذكر فيه مسنونا وأما رفع اليدين
عند التكبير فليس بسنة في الفرائض عندنا الا في تكبيرة الافتتاح وقال الشافعي برفع يديه عند الركوع وعند رفع
الرأس من الركوع وقال بعضهم يرفع يديه عند كل تكبيرة وأجمعوا على أنه يرفع الأيدي في تكبير القنوت
وتكبيرات العيدين احتج الشافعي بما روى عن جماعة من الصحابة مثل على وابن عمر ووائل بن حجر وأبي هريرة
رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع
(ولنا) ما روى أبو حنيفة باسناده عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند تكبيرة
الافتتاح ثم لا يعود بعد ذلك وعن علقمة أنه قال صليت خلف عبد الله بن مسعود فلم يرفع يديه عند الركوع
وعند رفع الرأس من الركوع فقلت له لم لا ترفع يديك فقال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف
أبى بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم الا في التكبيرة التي تفتتح بها الصلاة وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إن
العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ما كانوا يرفعون أيديهم الا لافتتاح الصلاة وخلاف
هؤلاء الصحابة قبيح وفى المشاهير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ترفع الأيدي الا في سبع مواطن عند افتتاح
الصلاة وفى العيدين والقنوت في الوتر وعند استلام الحجر وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجمع وعند المقامين عند
الجمرتين وروى أنه صلى الله عليه وسلم رأى بعض أصحابه يرفعون أيديهم عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع
فقال مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة وفى رواية فاروا في الصلاة ولأن هذه
تكبيرة يؤتى بها في حالة الانتقال فلا يسن رفع اليدين عندها كتكبيرة السجود وتأثيره أن المقصود من رفع
اليدين اعلام الأصم الذي خلقه وإنما يحتاج إلى الاعلام بالرفع في التكبيرات التي يؤتى بها في حالة الاستواء
كتكبيرات الزوائد في العيدين وتكبير القنوت فاما فيما يؤتى به في حالة الانتقال فلا حاجة إليه لان الاسم يرى
207

الانتقال فلا حاجة إلى رفع اليدين وما رواه منسوخ فإنه روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع ثم ترك ذلك بدليل
ما روى ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفعنا وترك فتركنا دل عليه أن
مدار حديث الرفع على علي وابن عمر وعاصم بن كليب قال صليت خلف على سنتين فكان لا يرفع يديه الا في
تكبيرة الافتتاح ومجاهد قال صليت خلف عبد الله بن عمر سنتين فكان لا يرفع يديه الا في تكبيرة الافتتاح فدل
عملهما على خلاف ما رويا علي معرفتهما انتساخ ذلك على أن ترك الرفع عند تعارض الاخبار أولى لأنه لو ثبت الرفع
لا تربو درجته على السنة ولو لم يثبت كان بدعة وترك البدعة أولى من اتيان السنة ولان ترك الرفع مع ثبوته لا
يوجب فساد الصلاة والتحصيل مع عدم الثبوت يوجب فساد الصلاة لأنه اشتغال بعمل ليس من أعمال الصلاة
باليدين جميعا وهو تفسير العمل الكثير وقد بينا المقدار المفروض من الركوع في موضعه وأما سنن الركوع فمنها أن
يبسط ظهره لما روى عن أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع بسط ظهره حتى
لو وضع على ظهره قدح من ماء لاستقر ومنها أن لا ينكس رأسه ولا يرفعه أي يسوى رأسه بعجزه لما روى أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع لم يرفع رأسه ولم ينكسه وروى أنه نهى أن يدبح المصلى تدبيح الحمار وهو أن يطأطئ
رأسه إذا شم البول أو أراد أن يتمرغ ولان بسط الظهر سنة وأنه لا يحصل مع الرفع والتنكيس ومنها أن يضع يديه
على ركبتيه وهو قول عامة الصحابة وقال ابن مسعود السنة هي التطبيق وهو أن يجمع بين كفيه ويرسلهما بين
فخذيه والصحيح قول العامة لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لانس رضي الله عنه إذا ركعت فضع
كفيك على ركبتيك وفرج بين أصابعك وفى رواية وفرق بين أصابعك وروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال ثنيت لكم
الركب فخذوا بالركب والتطبيق منسوخ لما روى أن سعيد بن العاص رأى ابنه يطبق في الصلاة فنهاه عن ذلك
فقال رأيت ابن مسعود يطبق في الصلاة فقال رحم ابن مسعود كنا نطبق في الابتداء ثم نهينا عنه فيحتمل أن ابن
مسعود كان يفعله لان النسخ لما يبلغه ومنها أنه يفرق بين أصابعه لما روينا ولان السنة هي الوضع مع
الاخذ لحديث عمر رضي الله عنه والتفريق أمكن من الاخذ ومنها أن يقول في ركوعه سبحان ربى العظيم
ثلاثا وهذا قول العامة وقال مالك في قول من ترك التسبيح في الركوع تبطل صلاته وفى رواية عنه أنه قال
لا نجد في الركوع دعاء موقتا وروى عن أبي مطيع البلخي أنه قال من نقص من الثلاث في تسبيحات الركوع
والسجود لم تجزه صلاته وهذا فاسد لان الامر تعلق بفعل الركوع والسجود مطلقا عن شرط التسبيح فلا يجوز
نسخ الكتاب بخبر الواحد فقلنا بالجواز مع كون التسبيح سنة عملا بالدليلين بقدر الامكان ودليل كونه سنة
ما روى عن عقبة بن عامر أنه قال لما نزل قوله تعالى فسبح باسم ربك العظيم قال النبي صلى الله عليه وسلم
اجعلوها في ركوعكم ولما نزل قوله تعالى سبح اسم ربك الاعلى قال اجعلوها في سجودكم ثم السنة فيه أن
يقول ثلاثا وذلك أدناه وقال الشافعي يقول مرة واحدة لان الامر بالفعل لا يقتضى التكرار فيصير ممتثلا بتحصيله
مرة واحدة ولنا ما روى عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا صلى أحدكم فليقل في ركوعه
سبحان ربى العظيم ثلاثا وفى سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه والامر بالفعل يحتمل التكرار فيحمل
عليه عند قيام الدليل وروى عن محمد انه إذا سبح مرة واحدة يكره لان الحديث جعل الثلاث أدنى التمام فما
دونه يكون ناقصا فيكره ولو زاد على الثلاث فهو أفضل لان قوله وذلك أدناه دليل استحباب الزيادة وهذا إذا
كان منفردا فإن كان مقتديا يسبح إلى أن يرفع الامام رأسه واما إذا كان اماما فينبغي أن يسبح ثلاثا ولا يطول على
القوم لما روينا من الأحاديث ولان التطويل سبب التنفير وذلك مكروه وقال بعضهم يقولها أربعا حتى يتمكن
القوم من أن يقولوها ثلاثا وعن سفيان الثوري أنه يقولها خمسا وقال الشافعي يزيد في الركوع على التسبيحة
الواحدة اللهم لك ركعت ولك خشعت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت ويقول في السجود سجد وجهي
للذي خلقه وشق سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين كذا روى عن علي رضي الله عنه وهو عندنا محمول
208

على النوافل ثم الامام إذا كان في الركوع فسمع خفق النعل ممن دخل المسجد هل ينتظره أم لا قال أبو يوسف
سألت أبا حنيفة وابن أبي ليلى عن ذلك فكرهاه وقال أبو حنيفة أخشى عليه أمرا عظيما يعنى الشرك وروى هشام
عن محمد انه يكره ذلك وعن أبي مطيع انه كان لا يرى به بأسا وقال الشافعي لا بأس به مقدار تسبيحة أو تسبيحتين وقال
بعضهم يطول التسبيحات ولا يزيد على العدد وقال أبو القاسم الصفار إن كان الرجل غنيا لا يجوز له الانتظار وإن كان
فقيرا يجوز وقال الفقيه أبو الليث إن كان الامام قد عرف الجاني فإنه لا ينتظره لأنه يشبه الميل وان لم يعرفه
فلا بأس به لان في ذلك إعانة على الطاعة وإذا اطمأن راكعا رفع رأسه وقال سمع الله لمن حمده ولم يرفع يديه فيحتاج
فيه إلى بيان المفروض والمسنون اما المفروض فقد ذكرناه وهو الانتقال من الركوع إلى السجود لما بينا أنه وسيلة
إلى الركن فاما رفع الرأس وعوده إلى القيام فهو تعديل الانتقال وانه ليس بفرض عند أبي حنيفة ومحمد بل هو
واجب أو سنة عندهما وعند أبي يوسف والشافعي فرض على ما مر وأما سنن هذا الانتقال فمنها ان يأتي بالذكر لان
الانتقال فرض فكان الذكر فيه مسنونا واختلفوا في ماهية الذكر والجملة فيه ان المصلى لا يخلوا ما إن كان اماما أو
مقتديا أو منفردا فإن كان اماما يقول سمع الله لمن حمده ولا يقول ربنا لك الحمد في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف
ومحمد والشافعي يجمع بين التسميع والتحميد وروى عن أبي حنيفة مثل قولهما احتجوا بما روى عن عائشة رضي الله عنه
ا انها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد
وغالب أحواله كان هو الامام وكذا روى أبو هريرة رضي الله عنه ولان الامام منفرد في حق نفسه والمنفرد يجمع
بين هذين الذكرين فكذا الامام ولان التسميع تحريض على التحميد فلا ينبغي ان يأمر غيره بالبر وينسى نفسه
كيلا يدخل تحت قوله تعالى أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب واحتج أبو حنيفة بما روى
أبو موسى الأشعري وأبو هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنما جعل الامام اماما ليؤتم به
فلا تختفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا وإذا قال ولا الضالين فقولوا آمين وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله
لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد قسم التحميد والتسميع بين الامام والقوم فجعل التحميد لهم والتسميع له وفى الجمع بين
الذكرين من أحد الجانبين ابطال هذه القسمة وهذا لا يجوز وكان ينبغي ان لا يجوز للامام التأمين أيضا بقضية
هذا الحديث وإنما عرفنا ذلك لما روينا من الحديث ولان اتيان التحميد من الامام يؤدى إلى جعل التابع متبوعا
والمتبوع تابعا وهذا لا يجوز بيان ذلك ان الذكر يقارن الانتقال فإذا قال الامام مقارنا للانتقال سمع الله لمن حمده
يقول المقتدى مقارنا له ربنا لك الحمد فلو قال الامام بعد ذلك لوقع قوله بعد قول المقتدى فينقلب المتبوع تابعا
والتابع متبوعا ومراعاة التبعية في جميع اجزاء الصلاة واجبة بقدر الامكان وحديث عائشة رضي الله عنها محمول على
حالة الانفراد في صلاة الليل وقولهم الامام منفرد في حق نفسه مسلم لكن المنفرد لا يجمع بين الذكرين على احدى
الروايتين عن أبي حنيفة ولان ما ذكرنا من معنى التبعية لا يتحقق في المنفرد فبطل الاستدلال وأما قولهم إنه يأمر
غيره بالبر فينبغي أن لا ينسى نفسه فنقول إذا أتى بالتسميع فقد صار دالا على التحميد والدال على الخير كفاعله فلم يكن
ناسيا نفسه هذا إذا كان اماما فإن كان مقتديا يأتي بالتحميد لا غير عندنا وعند الشافعي يجمع بينهما استدلالا بالمنفرد
لان الاقتداء لا أثر له في اسقاط الأذكار بالاجماع وان اختلفا في القراءة (ولنا) ان النبي صلى الله عليه وسلم
قسم التسميع والتحميد بين الامام والمقتدى وفى الجمع بينهما من الجانبين ابطال القسمة وهذا لا يجوز ولان
التسميع دعاء إلى التحميد وحق من دعى إلى شئ الإجابة إلى ما دعى إليه لا إعادة قول الداعي وإن كان منفردا
فإنه يأتي بالتسميع في ظاهر الرواية وكذا يأتي بالتحميد عندهم وعن أبي حنيفة روايتان روى المعلى عن أبي
يوسف عن أبي حنيفة انه يأتي بالتسميع دون التحميد واليه ذهب الشيخ الإمام أبو القاسم الصفار والشيخ
أبو بكر الأعمش وروى الحسن عن أبي حنيفة انه يجمع بينهما وذكر في بعض النوادر عنه انه يأتي بالتحميد
لا غير وفى الجامع الصغير ما يدل عليه فان أبا يوسف قال سألت أبا حنيفة رحمه الله تعالى عن الرجل يرفع رأسه من
209

الركوع في الفريضة أيقول اللهم اغفر لي قال يقول ربنا لك الحمد ويسكت وما أراد به الامام لأنه لا يأتي بالتحميد
عنده فكان المراد منه المنفرد وجه هذه الرواية ان التمسيع ترغيب في التحميد وليس معه من يرغبه والانسان
لا يرغب نفسه فكانت حاجته إلى لا تحميد لا غير وجه رواية المعلى أن التحميد يقع في حالة القومة وهي مسنونة
وسنة الذكر تختص بالفرائض والواجبات كالتشهد في القعدة الأولى ولهذا لم يشرع في القعدة بين السجدتين وجه
رواية الحسن ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بينهما في حديث عائشة رضي الله عنها ولا محمل له سوى حالة
الانفراد لما مر ولهذا كان عمل الأمة على هذا وما كان الله ليجمع أمه محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة واختلفت
الاخبار في لفظ التحميد في بعضها ربنا لك الحمد وفى بعضها ربنا ولك الحمد وفى بعضها اللهم ربنا لك الحمد والأشهر هو
الأول وإذا اطمأن قائما ينحط للسجود لأنه فرغ من الركوع وأتى به على وجه التمام فيلزمه الانتقال إلى ركن
آخر وهو السجود إذا الانتقال من ركن إلى ركن فرض لأنه وسيلة إلى الركن لما مر ومن سنن الانتقال أن يكبر مع
الانحطاط ولا يرفع يديه لما تقدم ومنها أن يضع ركبتيه على الأرض ثم يديه وهذا عندنا وقال مالك والشافعي يضع
يديه أولا واحتجا بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بروك الجمل في الصلاة وهو يضع ركبتيه أولا
ولنا عين هذا الحديث لان الجمل يضع يديه أولا وروى عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما مثل قولنا وهذا إذا كان
الرجل حافيا يمكنه ذلك فإن كان ذا خف لا يمكنه وضع الركبتين قبل اليدين فإنه يضع يديه أولا ويقدم اليمنى على
اليسرى ومنها أن يضع جبهته ثم أنفه وقال بعضهم أنفه ثم جبهته والكلام في فرضية أصل السجود والقدر المفروض
منه ومحل إقامة الفرض قد مر في موضعه وههنا نذكر سنن السجود منها أن يسجد على الأعضاء السبعة لما
روينا فيما تقدم ومنها أن يجمع في السجود بين الجبهة والانف فيضعهما وعند الشافعي فرض لقوله صلى الله عليه
وسلم لا يقبل الله صلاة من لم يمس أنفه الأرض كما يمس جبهته وهو عندنا محمول على التهديد ونفى الكمال لما مر ومنها
أن يسجد على الجبهة والانف من غير حائل من العمامة والقلنسوة ولو سجد على كور العمامة ووجد صلابة الأرض
جاز عندنا كذا ذكر محمد في الآثار وقال الشافعي لا يجوز والصحيح قولنا لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يسجد على كور عمامته ولأنه لو سجد على عمامته وهي منفصلة عنه ووجد صلابة الأرض يجوز فكذا إذا كانت
متصلة به ولو سجد على حشيش أو قطن ان تسفل جبينه فيه حتى وجد حجم الأرض أجزأه والا فلا وكذا إذا صلى على
طنفسة محشوة جاز إذا كان متلبدا وكذا إذا صلى على الثلج إذا كان موضع سجوده متلبدا يجوز والا فلا ولو زحمه الناس
فلم يجد موضعا للسجود فسجد على ظهر رجل أجزأه لقول عمرا سجد على ظهر أخيك فإنه مسجد لك وروى الحسن
عن أبي حنيفة انه ان سجد على ظهر شريكه في الصلاة يجوز والا فلا لان الجواز للضرورة وذلك عند المشاركة
في الصلاة ومنها أن يضع يديه في السجود حذاء أذنيه لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وضع يديه
حذاء أذنيه ومنها أن يوجه أصابعه نحو القبلة لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا سجد العبد سجد كل
عضو منه فليوجه من أعضائه إلى القبلة ما استطاع ومنها أن يعتمد على راحتيه لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله
ابن عمر إذا سجدت فاعتمد على راحتيك ومنها أن يبدي ضبعيه لقوله صلى الله عليه وسلم لابن عمر وابد ضبعيك أي
أظهر الضبع وهو وسط العضد بلحمه وروى جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى
عضديه عن جنبيه حتى يرى بياض إبطيه ومنها أن يعتدل في سجوده ولا يفترش ذراعيه لما روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال اعتدلوا في السجود ولا يفترش أحدكم ذراعيه افتراش الكلب وقال مالك يفترش في النفل دون
الفرض وهو فاسد لما روينا من الحديث من غير فصل وهذا في حق الرجل فاما المرأة فينبغي أن تفترش ذراعيها
وتنخفض ولا تنتصب كانتصاب الرجل وتلزق بطنها بفخذيها لان ذلك أستر لها ومنها أن يقول في سجوده سبحان
ربى الا على ثلاثا وذلك أدناه لما ذكرنا ثم يرفع رأسه ويكبر حتى يطمئن قاعدا والرفع فرض لان السجدة
الثانية فرض فلابد من الرفع للانتقال إليها والطمأنينة في القعدة بين السجدتين للاعتدال وليست بفرض في قول
210

أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ولكنها سنة أو واجبة وعند أبي يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى فرض على
ما مر وأما مقدار الرفع بين السجدتين فقد روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيمن رفع رأسه من السجدة
مقدار ما تمر الربح بينه وبين الأرض انه تجوز صلاته وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة انه إذا رفع رأسه مقدار
ما يسمى به رافعا جاز وكذا قال محمد بن سملة انه إذا رفع رأسه مقدار ما لا يشكل على الناظر انه رفع رأسه جاز وهو
الصحيح لأنه وجد الفصل بين الركنين والانتقال وهذا هو المفروض فاما الاعتدال فمن باب السنة أو الواجب على
ما مر والسنة فيه أن يكبر مع الرفع لما مر ثم ينحط للسجدة الثانية مكبرا ويقول ويفعل فيها مثل ما فعل في الأولى ثم
ينهض على صدور قدميه ولا يقعد يعنى إذا قام من الأولى إلى الثانية ومن الثالثة إلى الرابعة وقال الشافعي يجلس
جلسة خفيفة ثم يقوم واحتج بما روى مالك بن الحويرث ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من
السجدة الثانية استوى قاعدا واعتمد بيديه على الأرض حالة القيام ولنا ما روى أبو هريرة ان النبي صلى الله عليه
وسلم كان إذا قام من السجدة الثانية ينهض على صدور قدميه وروى عن عمر وعلى وعبد الله بن مسعود وعبد الله
ابن عمر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم انهم كانوا ينهضون على صدور أقدامهم وما رواه الشافعي محمول على حالة
الضعف حتى كان يقول لأصحابه لا تبادروني بالركوع والسجود فانى قد بدنت أي كبرت وأسننت فاختار أيسر
الامرين ويعتمد بيديه على ركبتيه لا على الأرض ويرفع يديه قبل ركبتيه وعند الشافعي يعتمد بيديه على الأرض
ويرفع ركبتيه قبل يديه لما روينا من حديث مالك بن الحويرث ولنا ما روى عن علي أنه قال من السنة في الصلاة
المكتوبة أن لا يعتمد بيديه على الأرض الا أن يكون شيخا كبيرا وبه تبين ان النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل
ذلك في حالة العذر ثم يفعل ذلك في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى ويقعد على رأس الركعتين وقد بينا فيما تقدم
صفة القعدة الأولى وانها واجبة شرعت للفصل بين الشفعين وههنا نذكر كيفية القعدة وذكر القعدة اما كيفيتها فالسنة
أن يفترش رجله اليسرى في القعدتين جميعا ويقعد عليها وينصب اليمنى نصبا وقال الشافعي السنة في القعدة الأولى
كذلك فاما في الثانية فإنه يتورك وقال مالك يتورك فيهما جميعا وتفسير التورك أن يضع أليتيه على الأرض ويخرج
رجليه إلى الجانب الأيمن ويجلس على وركه الأيسر احتج الشافعي بما روى عن أبي حميد الساعدي أنه قال فيما وصف
صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الأولى فرش رجله اليسرى وقعد عليها ونصب اليمنى نصبا
وإذا جلس في الثانية أماط رجليه وأخرجهما من تحت وركه اليمنى ولنا ما روى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد فرش رجله اليسرى وقعد عليها ونصب اليمنى نصبا وروى أنس بن مالك عن النبي
صلى الله عليه وسلم انه نهى عن التورك في الصلاة وحديث أبي حميد محمول على حال الكبر والضعف وهذا في حق
الرجل فاما المرأة فإنها تقعد كاستر ما يكون لها فتجلس متوركة لان مراعاة فرض الستر أولى من مراعاة سنة القعدة
ويوجه أصابع رجله اليمنى نحو القبلة لما مر وينبغي أن يضع يده اليمنى على فخذه الأيمن واليسرى على فخذه الأيسر
في حالة القعدة كذا روى عن محمد في النوادر وذكر الطحاوي انه يضع يديه على ركبتيه والأول أفضل لما روى أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد وضع مرفقه اليمنى على فخذه الأيمن وكذا اليسرى على فخذه الأيسر ولان
في هذا توجيه أصابعه إلى القبلة وفيما قاله الطحاوي توجيهها إلى الأرض وأما ذكر القعدة فالتشهد والكلام
في التشهد في مواضع في بيان كيفية التشهد وفي بيان قدر التشهد وفي بيان انه واجب أو سنة وفي بيان سنة التشهد
اما الأول فقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في كيفيته وأصحابنا أخذوا بتشهد عبد الله بن مسعود وهو أن يقول
التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله والشافعي أخذ بتشهد عبد الله بن عباس وهو أن يقول
التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ومالك أخذ بتشهد عمر رضي الله عنه وهو أن يقول
211

التحيات الناميات الزاكيات المباركات الطيبات لله والباقي كتشهد ابن مسعود رضي الله عنه ومن الناس من
اختار تشهد أبى موسى الأشعري وهو أن يقول التحيات لله الطيبات والصلوات لله والباقي كتشهد ابن مسعود
وفى هذا حكاية فإنه روى أن اعرابيا دخل على أبي حنيفة فقال أبوا وأم بواوين فقال بواوين فقال الاعرابي
بارك الله فيك كما بارك في لاولا ثم ولى فتحير أصحابه فسألوه عن سؤاله فقال إن هذا سألني عن التشهد أبواوين
كتشهد ابن مسعود أم بواو كتشهد أبى موسى الأشعري فقلت بواوين قال بارك الله فيك كما بارك في شجرة
مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية وإنما أوردت هذه الحكاية ليعلم كمال فطنة أبى حنية ونفاذ بصيرته حيث كان
يقف على المراد بحرف تغمده الله برحمته احتج الشافعي بأن ابن عباس كان من شبان الصحابة وإنما كان يختار
ما استقر عليه الامر فاما بان مسعود فهو من الشيوخ ينقل ما كان في الابتداء كما نقل عنه التطبيق وغيره ولان هذا
موافق لكتاب الله لان فيه وصف التحية بالبركة على ما قال الله تعالى تحية من عند الله مباركة طيبة وفيه ذكر
السلام منكرا كما قوله تعالى سلام على نوح في العالمين سلام على إبراهيم سلام على موسى وهارون سلام قولا
من رب رحيم فكان الاخذ به أولى احتج مالك بأن عمر رضي الله عنه علم الناس التشهد بهذه الصفة على منبر رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولنا ما روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي
وعلمني التشهد كما كان يعلمني السورة من القرآن وقال قل التحيات لله والصلوات والطيبات إلى آخرها وقال إذا
قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك وأخذ اليد عند التعليم لتأكيد التعليم وتقريره عند المتعلم وكذا أمر به
بقوله قل وكذا علق تمام الصلاة بهذا التشهد فمن لم يأت به لا توصف صلاته بالتمام ولان هذا التشهد هو المستفيض
في الأمة الشائع في الصحابة فإنه روى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه انه علم الناس التشهد على منبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم هكذا ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فكان اجماعا وكذا روى ابن عمر عن الصديق رضي الله عنهم
ا انه كان يعلم الناس التشهد كما يعلم الصبيان في الكتاب وذكر مثل تشهد ابن مسعود وكذا روى عن معاوية انه
علم الناس التشهد على المنبر على نحو ما نقله ابن مسعود وكذا المروى عن علي رضي الله عنه ان النبي صلى الله
عليه وسلم علمه التشهد وذكر تشهد ابن مسعود وكذا المروى عن عائشة رضي الله عنها وقالت هكذا تشهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولان تشهد ابن مسعود أبلغ في الثناء لان الواو توجب عطف بعض الكلمات على البعض فكان
كل لفظ ثناء على حدة وفيما ذكره ابن عباس اخراج الكلام مخرج الصفة فيكون الكل كلاما واحدا كما في اليمين
فان قوله والله والرحمن والرحيم ثلاثة أيمان وقوله والله الرحمن الرحيم يمين واحد وكذا السلام في هذا التشهد مذكور
بالألف واللام وفى ذلك التشهد مذكور على طريق التنكير ولا شك ان اللام أبلغ لان اللام لاستغراق الجنس مع أن
هذا موافق لكتاب الله أيضا قال الله تعالى والسلام على من اتبع الهدى والسلام على يوم ولدت وما ذكر الشافعي
من الترجيح غير سديد لأنه يؤدى إلى تقديم رواية الاحداث على رواية المهاجرين واحد لا يقول به وما ذكره مالك
ضعيف فان أبا بكر رضي الله عنه علم الناس التشهد على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو تشهد ابن مسعود
فكان الاخذ به أولى وأما مقدار التشهد فمن قوله التحيات لله إلى قوله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ويكره أن يزيد
في التشهد حرفا أو يبتدئ بحرف قبله لما روى عن ابن مسعود أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخذ علينا
التشهد بالواو والألف فهذا نص على أنه لا يجوز الزيادة عليه وما نقل في أول التشهد باسم الله وبالله أو باسم الله خير
الأسماء وفى آخره أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فشاذ لم يشتهر فلا يقبل
في معارضة المشهور وكذا لا يزيد على هذا المقدار من الصلوات والدعوات في القعدة الأولى عندنا وعند مالك
والشافعي يزيد عليه اللهم صل على محمد واحتجا بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفى كل ركعتين فتشهد وسلم على
المرسلين وعلى من تبعهم من عباد الله الصالحين ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان لا يزيد في الركعتين
الأوليين على التشهد وروى أنه كان يسرع النهوض في الشفع الأول ولا يزيد على التشهد ولان الزيادة على التشهد
212

مخالفة للاجماع فان الطحاوي قال من زاد على هذا فقد خالف الاجماع وهو كان أعلم الناس بمذاهب السلف وكفى
بمخالفة الاجماع فساد في المذهب ولان هذا دعاء ومحل الدعاء آخر الصلاة والمراد من الحديث سلام التشهد أو نحمله
على التطوعات لان كل شفع من التطوع صلاة على حدة ولو زاد على التشهد قوله اللهم صل على محمد ساهيا لا يلزمه
سجود السهو عند أبي يوسف ومحمد وذكر في أمالي الحسن بن زياد عن أبي حنيفة انه يلزمه والمسألة قد مرت
وأما في القعدة الأخيرة فيدعو بعد التشهد ويسأل حاجته لقوله تعالى فإذا فرغت فانصب جاء في التفسير أن
المراد منه الدعاء في آخر الصلاة أي فانصب للدعاء وقال صلى الله عليه وسلم لابن مسعود إذا قلت هذا أو فعلت هذا
فقد تمت صلاتك ثم اختر من الدعوات ما شئت ولكن ينبغي أن يدعو بما لا يشبه كلام الناس حتى يكون خروجه
من الصلاة على وجه السنة وهو إصابة لفظة السلام وفسره أصحابنا فقالوا ما يشبه كلام الناس هو مالا يستحيل
سؤاله من غيره تعالى كقوله أعطني كذا أو زوجتي امرأة وما لا يشبه كلام الناس هو ما يستحيل سؤاله من غيره كقوله
اللهم اغفر لي ونحو ذلك ثم لم يذكر في الأصل انه يقدم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الطحاوي في مختصره
انه بعد التشهد يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بحاجته ويستغفر لنفسه ولو الدية إن كانا مؤمنين
وللمؤمنين والمؤمنات وهذا هو الصحيح أن يقدم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاء ليكون أقرب إلى
الإجابة لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا صلى أحدكم فليبدأ بالحمد والثناء على الله ثم بالصلاة على ثم
بالدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما هو المعروف المتداول على السنة الأمة ولا يكره أن يقول فيها وارحم
محمدا عند عامة المشايخ وبعضهم كرهوا ذلك وزعموا أنه يوهم التقصير منه في الطاعة ولهذا لا يقال عند ذكره رحمه الله
والصحيح انه لا يكره لان أحدا وان جل قدره من العباد لا يستغنى عن رحمة الله تعالى وقد روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال لا يدخل الجنة أحد بعمله الا برحمة الله قيل ولا أنت يا رسول الله فقال ولا أنا الا أنا الا أن يتغمدني الله
برحمته دل عليه انه جاز قوله اللهم صل على محمد والصلاة من الله رحمة ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
في الصلاة ليست بفرض عندنا بل هي سنة مستحبة وعند الشافعي فرض لا تجوز الصلاة بدونها وهي اللهم
صل على محمد وله في فرضية الصلاة في الأولى قولان واحتج بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه
ومطلق الامر للفرضية وقال صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يصل على في صلاته ولنا ما روينا من حديث ابن
مسعود وعبد الله بن عمر وبن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بتمام الصلاة عند القعود
قدر التشهد من غير شرط الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا حجة في الآية لان المراد منها الندب بدليل
ما روينا وروى عن عمرو ابن مسعود رضي الله عنهما انهما قالا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة في الصلاة
على أن الامر المطلق لا يقتضى التكرار بل يقتضى الفعل مرة واحدة وقد قال الكرخي من أصحابنا ان الصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم فرض العمر كالحج وليس في الآية تعيين حالة الصلاة والحديث محمول على نفى
الكمال لقوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد وبه نقول وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم في غير حالة الصلاة فقد كان الكرخي يقول إنها فريضة على كل بالغ عاقل في العمر مرة واحدة وقال الطحاوي
كلما ذكره أو سمع اسمه تجب وجه قول الكرخي ما ذكرنا ان الامر المطلق لا يقتضى التكرار فإذا امتثل مرة
في لا صلاة أو في غيرها سقط الفرض عنه كما يسقط فرض الحج بالحج مرة واحدة وجه ما ذكره الطحاوي ان سبب
وجوب الصلاة هو الذكر أو السماع والحكم يتكرر بتكرر السبب كما يتكرر وجوب الصلاة والصوم وغيرهما
من العبادات بتكرر أسبابها وأما بيان انه واجب أو سنة فاما التشهد في القعدة الأولى فواجب استحسانا وقال
القاضي أبو جعفر الاستروشني انه سنة وهذا أقرب إلى القياس لان ذكر التشهد أدنى رتبة من القعدة ألا ترى ان
القعدة الأخيرة لما كانت فرضا كانت القراءة فيها واجبة فالقعدة الأولى لما كانت واجبة يجب أن تكون القراءة
فيها سنة ليظهر انحطاط رتبته والصحيح انه واجب فان محمدا أوجب سجود السهو بتركه ساهيا وأنه لا يجب الا
213

بترك الواجب على ما ذكرنا فيما تقدم وكذا في القعدة الأخيرة عندنا حتى لو تركه عمد الا تفسد صلاته ولكن يكون
سيأ ولو تركه سهوا يلزمه سجود السهو وعند الشافعي فرض حتى لا تجوز الصلاة بدونه وقد ذكرنا المسألة فيما
تقدم وأما سنة التشهد فهي الاخفاء لما روى عن ابن مسعود أنه قال أربع يخفيهن الامام وعد منها التشهد
ولأنه من باب الثناء والأصل في الأثنية والأدعية هو الاخفاء وهل يشير بالمسبحة إذا انتهى إلى قوله أشهد أن
لا إله إلا الله قال بعض مشايخنا لا يشير لان فيه ترك سنة اليد وهي الوضع وقال بعضهم يشير فان محمدا قال
في كتاب المسبحة حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يشير بأصبعه فيفعل مثل ما فعل النبي صلى الله عليه
وسلم ويصنع ما صنعه وهو قول أبي حنيفة وقولنا ثم كيف يشير قال أهل المدينة يعقد ثلاثة وخمسين ويشير
بالمسبحة وذكر الفقيه أبو جعفر الهندواني انه يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى مع الابهام ويشير بالسبابة
وقال إن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا كان يفعل والله أعلم وأما الذي يؤتى به عند الخروج من الصلاة
وهو التسليم فالكلام في صفة التسليم وقدره وكيفيته وحكمه قد ذكرناه فيما تقدم وههنا نذكر سنن التسليم فمنها
أن يبدأ بالتسليم عن اليمين لما روينا من الأحاديث ولان لليمين فضلا على الشمال فكانت البداية بها أولى ولو سلم
أولا عن يساره أو سلم تلقاء وجهه روى الحسن عن أبي حنيفة انه إذا سلم عن يساره يسلم عن يمينه ولا يعيد
التسليم عن يساره ولو سلم تلقاء وجهه سلم بعد ذلك عن يساره ومنها ان يبالغ في تحويل الوجه في التسليمتين ويسلم
عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره حتى يرض بياض خده الأيسر لما روى عن ابن مسعود أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحول وجهه في التسليمة الأولى حتى يرى بياض خده الأيمن أو قال خده الأيسر
ولا يكون ذلك الا عند شدة الالتفات ومنها أن يجهر بالتسليم إن كان اماما لان التسليم للخروج من الصلاة
فلابد من الاعلام ومنها أن يسلم مقارنا لتسليم الامام إن كان مقتديا في رواية عن أبي حنيفة كما في التكبير وفى
رواية يسلم بعد تسليمه وهو قول أبى يوسف ومحمد كما قالا في التكبير وقد مر الفرق لأبي حنيفة على احدى
الروايتين ومنها أن ينوى من يخاطبه بالتسليم لان خطاب من لا ينوى خطابه لغو وسفه ثم لا يخلوا ما إن كان اماما أو
منفردا أو مقتديا فإن كان اماما ينوى بالتسليمة الأولى من على يمينه من الحفظة والرجال والنساء وبالتسليمة الثانية
من على يساره منهم كذا ذكر في الأصل واخر ذكر الحفظة في الجامع الصغير فمن مشايخنا من ظن أن في المسألة روايتين
في رواية كتاب الصلاة يقدم الحفظة في النية لان السلام خطاب فيبدأ بالنية الأقرب فالأقرب وهم الحفظة ثم
الرجال ثم النساء وفى رواية الجامع الصغير يقدم البشر في النية استدلالا بالسلام في التشهد وهو قوله السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين قدم ذكر البشر على الملائكة إذا المراد بالصالحين الملائكة فكذا في السلام في آخر الصلاة
ومنهم من قال إن أبا حنيفة كان يرى تفضيل الملائكة على البشر ثم رجع فرأى تفضيل البشر على الملائكة وهذا
كله غير سديد لان الكلام كله معطوف بعضه على بعض بحرف الواو وانه لا يوجب الترتيب ولان النية من عمل
القلب وهي تنتظم الكل جملة بلا ترتيب ألا ترى ان من يسلم على جماعة لا يمكنه أن يرتب في النية فيقدم الرجال على
الصبيان ثم اختلف المشايخ في كيفية نية الحفظة قال بعضهم ينوى الكرام الكاتبين واحدا عن يمينه وواحدا
عن يساره والصحيح انه ينوى الحفظة عن يمنيه وعن يساره ولا ينوى عددا لان ذلك لا يعرف بطريق الإحاطة
وكذا اختلفوا في كيفية نية الرجال والنساء قال بعضهم ينوى من كان معه في الصلاة من المؤمنين والمؤمنات لا غير
وكان الحاكم الشهيد يقول ينوى جميع رجال العالم ونسائهم من المؤمنين والمؤمنات والأول أصح لان التسليم
خطاب وخطاب الغائب ممن لا يبقى خطابه وليس بخير من خطاب من بقي خطابه غير صحيح وإن كان منفردا فعلى
قول الأولين ينوى الحفظة لا غير وعلى قول الحاكم ينوى الحفظة وجميع البشر من أهل الايمان وأما المقتدى
فينوي ما ينوى الامام وينوى الامام أيضا إن كان على يمين الامام ينويه في يساره وإن كان على يساره ينويه في
يمينه وإن كان بحذائه فعند أبي يوسف ينويه في يمينه وهكذا ذكر في بعض نسخ الجامع الصغير لان لليمين فضلا على
214

اليسار وروى الحسن عن أبي حنيفة انه ينويه في الجانبين جميعا وهكذا ذكر في بعض نسخ الجامع الصغير وهو قول
محمد لان يمين الامام عن يمين المقتدى ويساره عن يساره فكان له حظ في الجانبين فينويه في التسليمتين والله أعلم
* (فصل) * وأما بيان ما يستحب فيها وما يكره فالأصل فيه انه ينبغي للمصلى أن يخشع في صلاته لان الله تعالى مدح
الخاشعين في الصلاة ويكون منتهى بصره إلى موضع سجوده لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى
خاشعا شاخصا بصره إلى السماء فلما نزل قوله تعالى قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون رمى ببصره نحو
مسجده أي موضع سجوده ولان هذا أقرب إلى التعظيم ثم أطلق محمد رحمه الله تعالى قوله ويكون منتهى بصره
إلى موضع سجوده وفسره الطحاوي في مختصره فقال يرمى ببصره إلى موضع سجوده في حالة القيام وفى حالة
الركوع إلى رؤس أصابع رجليه وفى حالة السجود إلى أرنبة أنفه وفى حالة القعدة إلى حجره لان هذا كله تعظيم
وخشوع وروى في بعض الأخبار ان الله تعالى حين أمر الملائكة بالصلاة أمرهم كذلك وزاد بعضهم عند
التسليمة الأولى على كتفه الأيمن وعند التسليمة الثانية على كتفه الأيسر ولا يرفع رأسه ولا يطأطئه لان فيه ترك
سنة العين وهي النظر إلى المسجد فيخل بمعنى الخشوع وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى أن يدبح الرجل
تدبيح الحمار أي يطأطئ رأسه ولا يتشاغل بشئ غير صلاته من عبث بثيابه أو بلحيته لان فيه ترك الخشوع لما
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال أما هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه
ولا يفرقع أصابعه لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه انى أحب لك ما أحب لنفسي
لا تفرقع أصابعك وأنت تصلى ولان فيه ترك الخشوع ولا يشبك بين أصابعه لما فيه من ترك سنة الوضع ولا يجعل
يديه على خاصرته لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن الاختصار في الصلاة وقيل إنه استراحة أهل
النار وقيل إن الشيطان لما أهبط اهبط مختصرا والتشبه بالكفرة وبإبليس مكروه خارج الصلاة ففي الصلاة
أولى وعن عائشة انه عمل اليهود وقد نهينا عن التشبه بأهل الكتاب ولان فيه ترك سنة اليد وهي الوضع ولا يقلب
الحصى الا أن يسويه مرة واحدة لسجوده لما روى عن أبي ذر أنه قال سألت خليلي عن كل شئ حتى سألته عن
تسوية الحصى في الصلاة فقال يا أبا ذر مرة أو ذر وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لان يمسك أحدكم عن
الحصى خير له من مائة ناقة سود الحدقة الا أنه رخص مرة واحدة إذا كان الحصى لا يمكنه من السجود لحاجته
إلى السجود المسنون وهو وضع الجبهة والانف وتركه أولى لما روينا ولأنه أقرب إلى الخشوع ولا يلتفت يمنة ولا
يسرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لو علم المصلى من يناجى ما التفت وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الالتفات في الصلاة فقال تلك خلسة يختلسها الشيطان من صلاة أحدكم وحد الالتفات المكروه أن يحول وجهه
عن القبلة وأما النظر بمؤخر العين يمنة أو يسرة من غير تحويل الوجه فليس بمكروه لما روى أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يلاحظ أصحابه بمؤخر عينيه ولان هذا مما لا يمكن التحرز عنه ولا يقعى لما روى عن أبي ذر أنه قال
نهاني خليلي عن ثلاث ان أنقر نقر الديك وان أقعى إقعاء الكلب وان افترش افتراش الثعلب واختلفوا في تفسير
الاقعاء قال الكرخي هو نصب القدمين والجلوس على العقبين وهو عقب الشيطان الذي نهى عنه في الحديث
وقال الطحاوي هو الجلوس على الأليتين ونصب الركبتين ووضع الفخذين على البطن وهذا أشبه باقعاء الكلب
ولان في ذلك ترك الجلسة المسنونة فكان مكروها ولا يفترش ذراعيه لما روينا ولا يتربع من غير عذر لما روى أن
عبد الله بن عمر رأى ابنه يتربع في صلاته فنهاه عن ذلك فقال رأيتك تفعله يا أبت فقال إن رجلي لا تحملاني ولان
الجلوس على الركبتين أقرب إلى الخشوع فكان أولى ولا يكره في حالة العذر لان مواضع الضرورة مستثناة من
قواعد الشرع ولا يتمطى ولا يتثاءب في الصلاة لأنه استراحة في الصلاة فتكره كالاتكاء على شئ ولأنه مخل بمعنى
الخشوع فإذا عرض له شئ من ذلك كظم ما استطاع فان غلب عليه التثاؤب جعل يده على فيه لما روى
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع فإن لم يستطع فليضع
215

يده على فيه ويكره أن يغطى فاه في الصلاة لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولان في التغطية منعا من
القراءة والأذكار المشروعة ولأنه لو غطى بيده فقد ترك سنة اليد وقد قال صلى الله عليه وسلم كفوا أيديكم في
الصلاة ولو غطاه بثوب فقد تشبه بالمجوس لأنهم يتلثمون في عبادتهم النار والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
التلثم في الصلاة الا إذا كانت التغطية لدفع التثاؤب فلا بأس به لما مر ويكره ان يكف ثوبه لما روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال أمرت ان أسجد على سبعة أعظم ولان لا أكف ثوبا ولا أكفت شعرا ولان فيه ترك سنة
وضع اليد ويكره ان يصلى عاقصا شعره لما روى عن رفاعة بن رافع انه رأى الحسن بن علي رضي الله عنهما يصلى
عاقصا شعره فحل العقدة فنظر إليه الحسن مغضبا فقال يا ابن بنت رسول الله أقبل على صلاتك ولا تغضب فانى
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وقال ذاك كفل الشيطان وفى رواية مقعد الشيطان من صلاة
العبد والعقص ان يشد الشعر ضفيرة حول رأسه كما تفعله النساء أو يجمع شعره فيعقده في مؤخر رأسه ويكره ان يصلى
معتجرا لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن الاعتجار واختلف في تفسير الاعتجار قيل هو ان يشد
حوالي رأسه بالمنديل ويتركها منه وهو تشبه بأهل الكتاب وقيل هو يلف شعره على رأسه بمنديل فيصير
كالعاقص شعره والعقص مكروه لما ذكرنا وعن محمد رحمه الله أنه قال لا يكون الاعتجار الا مع تنقب وهو
ان يلف بعض العمامة على رأسه ويجعل طرفا منها على وجهه كمعتجر النساء اما لأجل الحر والبرد أو للتكبر ويكره
ان يغمض عينيه في الصلاة لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن تغميض العين في الصلاة ولان
السنة ان يرمى ببصره إلى موضع سجوده وفى التغميض ترك هذه السنة ولان كل عضو وطرف ذو حظ من
هذه العبادة فكذا العين لا يروح في الصلاة لما فيه من ترك سنة وضع اليد وترك الخشوع ويكره ان يبزق على
حيطان المسجد أو بين يديه على الحصى أو يمتخط لقول النبي صلى الله عليه وسلم ان المسجد لينزوي من النخامة كما
تنزى الجلدة في النار ولان ذلك سبب لتنفير الناس عن الصلاة في المسجد ولان النخامة والمخاط مما يستقذر طبعا وإذا
عرض له ذلك ينبغي ان يأخذه بطرف ثوبه وان ألقاه في المسجد فعليه ان يرفعه ولو دفنه في المسجد تحت الحصير
يرخص له ذلك والأفضل ان لا يفعل لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في دفن النخامة في المسجد ولأنه
طاهر في نفسه الا انه مستقذر طبعا فإذا دفن لا يستقذر ولا يؤدى إلى التنفير والرفع أولى تنزيها للمسجد عما ينزوي
منه ويكره عد الآي والتسبيح في الصلاة عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا بأس بذلك في الفرض والتطوع
وروى عن أبي حنيفة انه كره في الفرض ورخص في التطوع وذكر في الجامع الصغير قول محمد مع أبي حنيفة
وجه قولهما أن العد محتاج إليه لمراعاة السنة في قدر القراءة وعدد التسبيح خصوصا في صلاة التسبيح التي
توارثتها الأمة ولأبي حنيفة ان في العد باليد ترك السنة اليد وذلك مكروه ولأنه ليس من أعمال الصلاة فالقليل منه
ان لم يفسد الصلاة فلا أقل من أن يوجب الكراهة ولا حاجة إلى العد باليد في الصلاة فإنه يمكنه ان بعد خارج الصلاة
مقدار ما يقرأ في الصلاة ويعين ثم يقرأ بعد ذلك المقدار العين أو بعد بقلبه ويكره أن يكون الامام على دكان والقوم
أسفل منه والجملة فيه انه لا يخلوا ما إن كان الامام على الدكان والقوم أسفل منه أو كان القوم على الدكان والامام
أسفل منهم ولا يخلو اما إن كان الامام وحده أو كان بعض القوم معه وكل ذلك لا يخلوا ما إن كان في حالة الاختيار
أو في حالة العذر اما في حالة الاختيار فإن كان الامام وحده على الدكان والقوم أسفل منه يكره سواء كان المكان قدر
قامة الرجل أو دون ذلك في ظاهر الرواية وروى الطحاوي انه لا يكره ما لم يجاوز القامة لان في الأرض هبوطا
وصعود أو قليل الارتفاع عفو والكثير ليس بعفو فجعلنا الحد الفاصل ما يجاوز القامة وروى عن أبي يوسف انه إذا
كان دون القامة لا يكره والصحيح جواب ظاهر الرواية لما روى أن حذيفة بن اليمان قام بالمدائن ليصلى بالناس
على دكان فجذبه سلمان الفارسي ثم قال ما الذي أصابك أطال العهد أم نسبت أما سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول لا يقوم الامام على مكان انشر مما عليه أصحابه وفى رواية اما علمت أن أصحابك يكرهون ذلك فقال
216

تذكرت حين جذبتني ولا شك أن المكان الذي يمكن الجذب عنه ما دون القامة وكذا الدكان المذكور يقع على
المتعارف وهو ما دون القامة ولان كثير المخالفة بين الامام والقوم يمنع الصحة فقليلها يورث الكراهة ولان هذا
صنيع أهل الكتاب وإن كان امام أسفل من القوم يكره في ظاهر الرواية وروى الطحاوي عن أصحابنا انه لا يكره
ووجهه ان الموجب للكراهة التشبه باهل لا كتاب في صنيعهم ولا تشبه ههنا لان مكان امامهم لا يكون أسفل من
مكان القوم وجواب ظاهر الرواية أقرب إلى الصواب لان كراهة كون المكان ارفع كان معلولا بعلتين التشبه
بأهل الكتاب ووجود بعض المفسد وهو اختلاف المكان وههنا وجدت احدى العلتين وهي وجود بعض المخالفة
هذا إذا كان الامام وحده فإن كان بعض القوم معه اختلف المشايخ فيه فمن اعتبر معنى التشبه قال لا يكره وهو قياس
رواية الطحاوي لزوال معنى التشبه لان أهل الكتاب لا يشاركون الامام في المكان ومن اعتبر وجود بعض
المفسد قالا يكره وهو قياس ظاهر الرواية لوجود بعض المخالفة وأما في حالة العذر كما في الجمع والأعياد لا يكره
كيفما كان لعدم امكان المراعاة ويكره للمار ان يمر بين يدي المصلى لقول النبي صلى الله عليه وسلم لو علم المار
بين يدي المصلى ما عليه من الوزر لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه ولم يوقت يوما أو شهرا
أو سنة ولم يذكر في الكتاب قدر المرور واختلف المشايخ فيه قال بعضهم قدر موضع السجود وقال بعضهم
مقدار الصفين وقال بعضهم قدر ما يقع بصره على المار لو صلى بخشوع وفيما وراء ذلك لا يكره وهو الأصح
وينبغي للمصلى ان يدرأ الما رأى يدفعه حتى لا يمر حتى لا يشغله عن صلاته لما روى عن أبي سعيد الخدري أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لا يقطع الصلاة مرور شئ فادرؤا ما استطعتم ولو مر لا تقطع الصلاة سواء كان المار رجلا أو
امرأة لما نذكر في موضعه الا انه ينبغي ان يدفع بالتسبيح أو بالإشارة أو الاخذ بطرف ثوبه من غير مشى ومعالجة
شديدة حتى لا تفسد صلاته ومن الناس من قال إن لم يقف بإشارته جاز دفعه بالقتال لحديث أبي سعيد الخدري
انه كان يصلى فأراد ابن مروان ان يمر بين يديه فأشار إليه فلم يقف فلما حاذاه ضربه في صدره ضربة أقعده على استه
فجاء إلى أبيه يشكو أبا سعيد فقال لم ضربت ابني فقال ما ضربت ابنك إنما ضربت شيطانا فقال لم تسمى ابني
شيطانا فقال لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا صلى أحدكم فأراد مار أن يمر بين يديه فليدفعه
فان أبى فليقاتله فإنه شيطان ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم ان في الصلاة لشغلا يعنى أعمال الصلاة والقتال
ليس من أعمال الصلاة فلا يجوز الاشتغال به وحديث أبي سعيد كان في وقت كان العمل في الصلاة مباحا ومن
المشايخ من قال إن الدرء رخصة والأفضل ان لا يدرأ لأنه ليس من أعمال الصلاة وكذا روى امام الهدى الشيخ
أبو منصور عن أبي حنيفة ان الأفضل ان يترك الدرء والامر بالدرء في الحديث لبيان الرخصة كالأمر بقتل
الأسودين هذا إذا لم يكن بينهما حائل كالأسطوانة ونحوها فاما إن كان بينهما حائل فلا بأس بالمرور فيما وراء
الحائل والمستحب لمن يصلى في الصحراء ان ينصب بين يديه عودا أو يضع شيئا أدناه طول ذراع كي لا يحتاج
إلى الدرء لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم في الصحراء فليتخذ بين يديه سترة وروى أن العنزة كانت
تحمل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لتركز في الصحراء بين يديه فيصلى إليها حتى قال عون بن جحيفة عن
أبيه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء في قبة حمراء من أدم فأخرج بلال العنزة وخرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم فصلى إليها والناس يمرون من ورائها وإنما قدر أدناه بذراع طولا دون اعتبار العرض وقيل
ينبغي أن يكون في غلظ إصبع لقول ابن مسعود يجزئ من السترة السهم ولان الغرض منه المنع من المرور وما
دون ذلك لا يبدو للناظر من بعيد فلا يمتنع ويدنو من السترة لقوله صلى الله عليه وسلم من صلى إلى سترة فليدن
منها فإن لم يجد سترة هل يخط بين يديه خطا حكى أبو عصمة عن محمد أنه قال لا يخط بين يديه فان الخط وتركه سواء لأنه
لا يبدو للناظر من بعيد فلا يمتنع فلا يحصل المقصود ومن الناس من قال يخط بين يديه خطا اما طولا شبه ظل
السترة أو عرضا شبه المحراب لقوله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم في الصحراء فليتخذ بين يديه سترة فإن لم
217

يجد فليخط بين يديه خطا ولكن الحديث غريب ورد فيما تعم به البلوى فلا نأخذ به ولا باس بقتل العقرب
أو الحية في الصلاة لأنه يشغل القلب وذلك أعظم من قتله وقال النبي صلى الله عليه وسلم اقتلوا الأسودين ولو
كنتم في الصلاة وهما الحية والعقرب وهذا ترخيص وإباحة إن كانت صيغته صيغة الامر لان قتلهما ليس من
أعمال الصلاة حتى لو عالج معالجة كثيرة في قتلهما تفسد صلاته على ما نذكر ويكره للمأموم ان يسبق الامام
بالركوع والسجود لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تبادروني بالركوع والسجود فانى قد بدنت
ولو سبقه ينظر ان لم يشاركه الامام في الركن الذي سبقه أصلا لا يجزئه ذلك حتى أنه لو يعد الركن وسلم تفسد
صلاته لان الاقتداء عبارة عن المشاركة والمتابعة ولم توجد في الركن وان شاركه الامام في ذلك الركن أجزأه عندنا
خلافا لزفر وجه قوله أن الابتداء وقع باطلا والباقي بناء عليه فأخذ حكمه ولنا أن القدر الذي وقعت فيه المشاركة
ركوع تام فيكتفى به وانعدام المشاركة فيما قبله لا يضر لأنه ملحق بالعدم ويكره ان يرفع رأسه من الركوع
والسجود قبل الامام لقوله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ويكره ان يقرأ
في غير حال القيام لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن القراءة في الركوع والسجود وقال اما الركوع
فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فإنه فمن أن يستجاب لكم ويكره النفخ في الصلاة لأنه
ليس من أعمال الصلاة ولا ضرورة فيه بخلاف التنفس فان فيه ضرورة وهل تفسد الصلاة بالنفخ فإن لم يكن
مسموعا لا تفسد وإن كان مسموعا تفسد في قول أبي حنيفة ومحمد ونذكر المسألة في بيان ما يفسد الصلاة ويكره
لمن أتى الامام وهو راكع ان يركع دون الصف وان خاف الفوت لما روى عن أبي بكرة انه دخل المسجد فوجد
النبي صلى الله عليه وسلم في الركوع فكبر كما دخل المسجد ودب راكعا حتى التحق بالصفوف فلما فرغ
النبي صلى الله عليه وسلم قال له زادك الله حرصا ولا تعد ولأنه لا يخلو عن احدى الكراهتين اما أن يتصل بالصفوف
فيحتاج إلى المشي في الصلاة وانه فعل مناف للصلاة في الأصل حتى قال بعض المشايخ ان مشى خطوة خطوة لا تفسد
صلاته وان مشى خطوتين خطوتين تفسد وعند بعضهم لا تفسد كيفما كان لان المسجد في حكم مكان واحد
لكن لا أقل من الكراهة واما ان يتم الصلاة في الموضع الذي ركع فيه فيكون مصليا خلف الصفوف وحده وانه
مكروه لقوله عليه الصلاة والسلام لا صلاة لمنتبذ خلف الصفوف وأدنى أحوال النفي هو نفى الكمال ثم الصلاة
منفردا خلف الصف إنما تكره إذا وجد فرجة في الصف فاما إذا لم يجد فلا تكره لان الحال حال العذر وانها مستثناة
الا ترى أنها لو كانت امرأة يجب عليها أن تقوم خلف الصف لان محاذاتها الرجل مفسدة صلاة الرجل فوجب
الانفراد للضرورة وينبغي إذا لم يجد فرجة أن ينتظر من يدخل المسجد ليصطف معه خلف الصف فإن لم يجد أحدا
وخاف فوت الركعة جذب من الصف إلى نفسه من يعرف منه علما وحسن الخلق لكيلا يغضب عليه فإن لم يجد
يقف حينئذ خلف الصف بحذاء الإمام قال محمد ويؤمر من أدرك القوم ركوعا أن يأتي وعليه السكينة والوقار
ولا يجعل في الصلاة حتى يصل إلى الصف فما أدرك مع الامام صلى بالسكينة والوقار وما فاته قضى وأصله قول النبي
صلى الله عليه وسلم إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون ولا تأتوها وأنتم تسعون عليكم بالسكينة والوقار ما
أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ويكره لمصلى المكتوبة أن يعتمد على شئ الا من عذر لان الاعتماد بخل بالقيام
وترك القيام في الفريضة لا يجوز الا من عذر فكان الاخلال به مكروها الا من عذر ولو فعل جازت صلاته لوجود
أصل القيام وهل يكره ذلك لمصلى التطوع لم يذكره في الأصل واختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا بأس به لان ترك
القيام في التطوع جائز من غير عذر فالا خلال به أولى وقال بعضهم يكره لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى
حبلا ممدودا في المسجد فقال لمن هذا فقيل لفلانة تصلى بالليل فإذا أعيت اتكأت فقال صلى الله عليه وسلم لتصلى
فلانة بالليل فإذا أعيت فلتنم ولان في الاعتماد بعض التنعم والتحبر ولا ينبغي للمصلى أن يفعل شيئا من ذلك من غير
عذر ويكره السدل في الصلاة واختلف في تفسيره ذكر الكرخي أن سدل الثوب هو أن يجعل ثوبه على رأسه أو على
218

كتفيه ويرسل أطرافه من جوانبه إذا لم يكن عليه سراويل وروى عن الأسود وإبراهيم النخعي انهما قالا السدل
يكره سواء كان عليه قميص أو لم يكن وروى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنية أنه يكره السدل على القميص وعلى
الإزار وقال لأنه صنع أهل الكتاب فإن كان السدل بدون السراويل فكراهته لاحتمال كشف العورة عند الركوع
والسجود وإن كان مع الإزار فكراهته لأجل التشبه بأهل الكتاب وقال مالك لا بأس به كيفما كان وقال الشافعي إن كان
من الخيلاء يكره والا فلا والصحيح مذهبنا لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى من السدل من غير
فصل ويكره لبسة الصماء واختلف في تفسيرها ذكر الكرخي هو أن يجمع طرفي ثوبه وتخرجهما تحت احدى يديه
على احدى كتفيه إذا لم يكن عليه سراويل وإنما كره لأنه لا يؤمن انكشاف العورة ومحمد رحمه الله فصل بين
الاضطباع ولبسة الصماء فقال إنما تكون لبسة الصماء إذا لم يكن عليه ازار فإن كان عليه ازار فهو اضطباع لأنه
يدخل طرفي ثوبه تحت احدى ضبعيه وهو مكروه لأنه ليس أهل الكبر وذكر بعض أهل اللغة أن لبسة الصماء أن
يلف الثوب على جميع بدنه من العنق إلى الركبتين وانه مكروه لان فيه ترك سنة اليد ولا بأس أن يصلى في ثوب واحد
متوشحا به أو في قميص واحد والجملة فيه أن اللبس في الصلاة ثلاثة أنواع لبس مستحب وليس جائز من غير كراهة
وليس مكروه أما المستحب فهو أن يصلى في ثلاثة أثواب قميص وازار ورداء وعمامة كذا ذكر الفقيه أبو جعفر
الهندواني في غريب الرواية عن أصحابنا وقال محمد ان المستحب للرجل أن يصلى في ثوبين ازار ورداء لان به يحصل
ستر العورة والزينة جميعا وأما اللبس الجائز بلا كراهة فهو أن يصلى في ثوب واحد متوشحا به أو قميص واحد لأنه
حصل به ستر العورة وأصل الزينة الا أنه لم تتم الزينة وأصله ما روى عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل
عن الصلاة في ثوب واحد فقال أو كلكم يجد ثوبين أشار إلى الجواز ونبه على الحكمة وهي أن كل واحد لا يجد ثوبين
وهذا كله إذا كان الثوب صفيا لا يصف ما تحته فإن كان رقيقا يصف ما تحته لا يجوز لان عورته مكشوفة من حيث
المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله الكاسيات العاريات ثم لم يذكر في ظاهر الرواية أن القميص الواحد
إذا كان محلول الجيب والزر هل تجوز الصلاة فيه ذكر ابن شجاع فيمن صلى محلول الازرار وليس عليه ازار أنه
إن كان بحيث لو نظر رأى عورة نفسه من زيقه لم تجز صلاته وإن كان بحيث لو نظر لم ير عورته جازت وروى
عن محمد رحمه الله تعالى في غير رواية الأصول إن كان بحال لو نظر إليه غيره يقع بصره على عورته من غير تكلف
فسدت صلاته وإن كان بحال لو نظر إليه غيره لا يقع بصره على عورته الا بتكلف فصلاته تامة فكأنه شرط
ستر العورة في حق غيره لا في حق نفسه وعن داود الطائي أنه قال إن كان الرجل خفيف اللحية لم يجز لأنه
يقع بصره على عورته إذا نظر من غير تكلف فيكون مكشوف العورة في حق نفسه وستر العورة عن نفسه
وعن غيره شرط الجواز وإن كان كث اللحية جاز لأنه لا يقع بصره على عورته الا بتكلف فلا يكون مكشوف
العورة وأما اللبس المكروه فهو أن يصلى في ازار واحد أو سراويل واحد لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه نهى ان يصلى الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شئ ولان ستر العورة ان حصل فلم تحصل الزينة وقد
قال الله تعالى يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وروى أن رجلا سأل عبد الله بن عمر عن الصلاة في ثوب واحد
فقال أرأيت لو أرسلتك في حاجة أكنت منطلقا في ثوب واحد فقال لا فقال الله أحق أن تتزين له وروى الحسن عن
أبي حنيفة أن الصلاة في ازار واحد فعل أهل الجفاء وفى ثوب متوشحا به أبعد من الجفاء وفى ازار ورداء من أخلاق
الكرام هذا الذي ذكرنا في حق الرجل فاما المرأة فالمستحب لها ثلاثة أثواب في الروايات كلها درع وازار وخمار
فان صلت في ثوب واحد متوشحة به يجزئها إذا سترت به رأسها وسائر جسدها سوى الوجه والكفين وإن كان
شئ مما سوى الوجه والكفين منها مكشوفا فإن كان قليلا جاز وإن كان كثيرا لا يجوز وسنذكر الحد الفاصل بينهما
إن شاء الله تعالى وهذا في حق الحرة فاما الأمة إذا صلت مكشوفة الرأس يجوز لان رأسها ليس بعورة ولا بأس بان
يمسح جبهته من التراب بعد ما فرغ من صلاته قبل أن يسلم بلا خلاف لأنه لو قطع الصلاة في هذه الحالة لا يكره فلان
219

لا يكره ادخال فعل قليل أولى وأما قبل الفراغ من الأركان فقد ذكر في رواية أبى سليمان فقال قلت فان مسح
جبهته قبل أن يفرغ قال لا أكرهه من مشايخنا من فهم من هذه اللفظة ففي الكراهة وجعل كلمة لا داخلة في قوله
أكره وكذا ذكر في آثار أبي حنيفة وفى اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى ووجهه ما روى عن ابن عباس أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يمسح العرق عن جبينه في الصلاة وإنما كان يفعل ذلك لأنه كان يؤذيه فكذا هذا ومنهم من
قال كلمة لا مقطوعة عن قوله أكره فكأنه قال هل يمسح فقال لا نفيا له ثم ابتدأ الكلام وقال أكره له ذلك وهو رواية
هشام في نوادره عن محمد أنه يكره فعلى هذا يحتاج إلى الفرق بين المسح قبل الفراغ من الأركان وبين المسح بعد
الفراغ منها قبل السلام والفرق أن المسح قبل الفراغ لا يفيد لأنه يحتاج إلى أن يسجد ثانيا فيلنزق التراب بجبهته ثانيا
والمسح بعد الفراغ من الأركان مفيد ولان هذا فعل ليس من أفعال الصلاة فيكره تحصيله في وقت لا يباح فيه
الخروج عن الصلاة كسائر الافعال بخلاف المسح بعد الفراغ من الأركان وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال أربع من الجفاء وعد منها مسح الجبهة في الصلاة ومنهم من وفق فقال جواب محمد فيما إذا كان تركه
لا يؤذيه وجواب أبي حنيفة مثله في هذه الحالة والحديث محمول على هذه الحالة أو على المسح باليدين وجواب أبي حنيفة
فيما إذا كان ترك المسح يؤذيه ويشغل قلبه عن أداء الصلاة ومحمد يساعده في هذه الحالة ولهذا كان النبي
صلى الله عليه وسلم يمسح العرق عن جبينه لان الترك كان يؤذيه ويشغل قلبه وقد بينا ما يستحب للامام أن يفعله
بعد الفراغ من الصلاة وما يكره له في فصل الإمامة والله أعلم
* (فصل) * وأما بيان ما يفسد الصلاة فالمفسد لها أنواع منها الحدث العمد قبل تمام أركانها بلا خلاف حتى يمتنع
عليه البناء واختلف في الحدث السابق وهو الذي سبقه من غير قصد وهو ما يخرج من بدنه من بول أو غائط أو ريح
أو رعاف أو دم سائل من جرح أو دمل به بغير صنعه قال أصحابنا لا يفسد الصلاة فيجوز البناء استحسانا وقال الشافعي
يفسدها فلا يجوز البناء قياسا والكلام في البناء في مواضع في بيان أصل البناء انه جائز أم لا وفي بيان شرائط جوازه لو
كان جائزا وفي بيان محل البناء وكيفيته أما الأول فالقياس أن لا يجوز البناء وفى الاستحسان جائز وجه القياس أن
التحريمة لا تبقى مع الحدث كما لا تنعقد معه لفوات أهلية أداء الصلاة في الحالين بفوات الطهارة فيهما إذا لشئ كما
لا ينعقد من غير أهلية لا يبقى مع عدم الأهلية فلا تبقى التحريمة لأنها شرعت لأداء أفعال الصلاة ولهذا لا تبقى مع
الحدث العمد ولان صرف الوجه عن القبلة والمشي في الصلاة مناف لها وبقاء الشئ مع ما ينافيه محال وجه
الاستحسان النص واجماع الصحابة أما النص فما روى عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من قاء أو
رعف في صلاته انصرف وتوضأ وبنى على صلاته ما لم يتكلم وكذا روى ابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم وأما اجماع الصحابة فان الخلفاء الراشدين والعبادلة الثلاثة وأنس بن مالك وسلمان
الفارسي رضي الله عنهم قالوا مثل مذهبنا وروى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سبقه الحدث في الصلاة فتوضأ
وبنى وعمر رضي الله عنه سبقه الحدث وتوضأ وبنى على صلاته وعلي رضي الله عنه كان يصلى خلف عثمان فرعف
فانصرف وتوضأ وبنى على صلاته فثبت البناء من الصحابة رضي الله عنهم قولا وفعلا والقياس يترك بالنص والاجماع
* (فصل) * وأما شرائط جواز البناء فمنها الحدث السابق فلا يجوز البناء في الحدث العمد لأن جواز البناء
ثبت معدولا به عن القياس بالنص والاجماع وكل ما كان في معنى المنصوص والمجمع عليه يلحق به
والا فلا والحدث العمد ليس في معنى الحدث السابق لوجهين أحدهما أن الحدث السابق مما يبتلى به الانسان
فلو جعل مانعا من البناء لأدى إلى الحرج ولا حرج في الحدث العمد لأنه لا يكثر وجوده والثاني أن الانسان
يحتاج إلى البناء في الجمع والأعياد لاحراز الفضيلة المتعلقة بهما وكذا يحتاج إلى احراز فضيلة الصلاة خلف
أفضل القوم خصوصا من كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فلو لم يجز البناء وربما فرغ الامام من الصلاة
قبل فراغه من الوضوء لفات عليه فضيلة الجمعة والعيدين وفضيلة الصلاة خلف الأفضل على وجه لا يمكنه
220

التلافي فالشرع نظر له بجواز البناء صيانة لهذه الفضيلة عليه من الفوت وهو مستحق للنظر لحصول الحدث من
غير قصده واختيار بخلاف الحدث العمد لان متعمد الحدث في الصلاة جان فلا يستحق النظر وعلى هذا يخرج ما
إذا كان به دمل فعصره حتى سال أو كان في موضع ركبته فانفتح من اعتماده على ركبته في سجوده لا يجوز
له البناء لان هذا بمنزلة الحدث العمد وكذا إذا تكلم في الصلاة عامدا أو ناسيا أو عمل فيها ما ليس من أعمال
الصلاة وهو كثير لا يجوز له البناء لان كل ذلك نادر في الصلاة فلم يكن في معنى المنصوص والمجمع عليه وكذا إذا
جن في الصلاة أو أغمي عليه ثم أفاق لا يبنى وإن كان ذلك في معنى الحدث السابق لأنه لا صنع له فيهما لان اعتراضهما
في الصلاة نادر فلم يكونا في معنى ما ورد فيه النص والاجماع وكذا لو انتضح البول على بدن المصلى أو ثوبه أكثر من
قدر الدرهم من موضع فانفتل فغسله لا يبنى على صلاته في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف في غير رواية
الأصول انه يبنى وجه هذه الرواية ان النجاسة وصلت إلى بدنه من غير قصد فكان في معنى الحدث السابق ولان
هذا بعض ما ورد فيه الخبر لأنه لو رعف فأصاب بدنه أو ثوبه نجاسة فإنه يتوضأ ويغسل تلك النجاسة وههنا لا يحتاج
إلى غسل النجاسة لا غير فلما جاز البناء هناك فلان يجوز هنا أولى وجه ظاهر الرواية ان هذا النوع مما لا يغلب وجوده
فلم يكن في معنى مورد النص والاجماع ولان له بدا من غسل النجاسة عن الثوب في الجملة بأن يكون عليه ثوبان
فيلقى ما تنجس من ساعته ويصلى في الآخر بخلاف الوضوء فإنه أمر لابد منه ولو انتضح البول على ثوب المصلى
فإن كان أكثر من قدر الدرهم من موضع فإن كان عليه ثوبان ألقى النجس من ساعته ومضى على صلاته استحسانا
والقياس ان يستقبل لوجود شئ من الصلاة مع النجاسة لكنا نقول إن هذا مما لا يمكن التحرز عنه فيجعل عفوا وان
أدى ركنا أو مكث بقدر ما يتمكن من أداء ركن يستقبل قياسا واستحسانا وان لم يكن عليه الا ثوب واحد فانصرف
وغسله لا يبنى في ظاهر الرواية ولو أصابته بندقة فشجته أو رماه انسان بحجر فشجه أو مس رجل قرحه فأدماه أو
عصره فانفلت منه ريح أو حدث آخر لا يجوز له البناء في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يبنى واحتج بما روى أن
عمر رضي الله عنه لما طعن في المحراب استخلف عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ولو فسدت صلاته لفسدت
صلاة القوم ولم يستخلف ولان هذا حدث حصل بغير صنعه فكان كالحدث السماوي ولان الشاج لم يوجد منه الا فتح
باب الدم فبعد ذلك خروج الدم بنفسه لا بتسييل أحد فأشبه الرعاف وجه قولهما ان هذا الحدث حصل بصنع العباد
بخلاف الحدث السماوي وكذا هذا النوع من الحدث في الصلاة مما يندر وقوعه لان الرامي منهى عن الرمي فلا
يقصده غالبا والإصابة خطأ نادر لأنه يتحرز خوفا من الضمان فلم يكن في معنى مورد النص والاجماع فيعمل فيه
بالقياس المحض ألا ترى ان من عجز عن القياس بسبب المرض جاز له أداء الصلاة قاعدا ولو عجز عن القيام بفعل
البشر بان قيده انسان لم يجز لغلبة الأول وندرة الثاني كذا هذا وأما قوله إن هذا فتح باب الدم فنقول نعم لكن من
فتح باب المائع حتى سال المائع جعل ذلك مضافا إلى الفاتح لانعدام اختيار السائل في سيلانه ولهذا يجب ضمان
الدهن على شاق الزق إذا سال الدهن والله أعلم ولو سقط المدر من السقف من غير مشى أحد على السطح على المصلى
أو سقط الثمر من الشجر على المصلى أو أصابه حشيش المسجد فأدماه اختلف المشايخ فيه منهم من جوز له البناء
بالاجماع لانقطاع ذلك عن فعل العباد ومنهم من جعل المسألة على الخلاف لوقوع ذلك في حد القلة وأما حديث
عمر رضي الله عنه فقد قيل كان الاستخلاف قبل افتتاح الصلاة فاستخلفه ليفتتح الصلاة ألا ترى انه روى أنه لما
طعن قال آه قتلني الكلب من يصلى بالناس ثم قال تقدم يا عبد الرحمن ومعلوم ان هذا كلام يمنع البناء على الصلاة
ومنها حقيقة الحدث لا وهم الحدث ولا ما جعل حدثا حكما حتى لو علم أنه لم يسبقه الحدث لكنه خاف أن يبتدره
فانصرف قبل أن يسبقه الحدث ثم سبقه لا يجوز له البناء في ظاهر الرواية وروى عن أبي يوسف انه يجوز وجه قوله إنه
عجز عن المضي فصار كما لو سبقه الحدث ثم انصرف وجه ظاهر الرواية انه صرف وجهه عن القبلة من غير عذر فلم
يكن في معنى مورد النص والاجماع فبقي على أصل القياس وكذا إذا جن في الصلاة أو أغمي عليه أو نام مضطجعا
221

لا يجوز له البناء لأن هذه العوارض يندر وقوعها في الصلاة فلم تكن في معنى مورد النص والاجماع وكذا المتيمم إذا
وجد الماء في خلال الصلاة وصاحب الجرح السائل إذا جرح وقت صلاته والماسح على الخف إذا انقضت مدة مسحه
ونحو ذلك لا يجوز له البناء لان في هذه المواضع يظهر ان الشروع في الصلاة لم يصح على ما ذكرنا ولأنه ليس في معنى
الحدث السابق في كثرة الوقوع فتعذر الالحاق وكذا لو اعترضت هذه الأشياء بعد ما قعد قدر التشهد الأخير يوجب
فساد الصلاة ويمنع البناء عند أبي حنيفة خلافا لهما على ما ذكرنا في المسائل الاثني عشرية ومنها الحدث الصغير حتى
لا يجوز البناء في الحدث الكبير وهو الجنابة بأن نام في الصلاة فاحتلم أو نظر إلى امرأة بشهوة أو تفكر فأنزل لما قلنا ولان
الوضوء عمل يسير والاغتسال عمل كثير فتعذر الالحاق في موضع العفو ولان الاغتسال لا يمكن الا بكشف العورة وذلك
من قواطع الصلاة وهذا استحسان والقياس يجوز يريد به القياس على الاستحسان الأول ومنها أن لا يفعل بعد
الحدث فعلا منافيا للصلاة لو لم يكن احدث الا ما لابد للبناء منه أو كان من ضرورات ما لا بد منه أو من توابعه وتتماته
وبيان ذلك إذا سبقه الحدث ثم تكلم أو احدث متعمدا أو ضحك أو قهقه أو أكل أو شرب أو نحو ذلك لا يجوز له البناء
لأن هذه الأفعال منافية للصلاة في الأصل لما نذكر فلا يسقط اعتبار المنافى الا لضرورة ولا ضرورة لان للبناء منها
بدا وكذا إذا جن أو أغمي عليه أو أجنب لأنه لا يكثر وقوعه فكان للبناء منه بدو كذا لو أدى ركنا من أركان الصلاة
مع الحدث أو مكث بقدر ما يتمكن فيه من أداء ركن لأنه عمل كثير ليس من أعمال الصلاة وله منه بد وكذا لو استقى
من البئر وهو لا يحتاج إليه ولو مشى إلى الوضوء فاغترف الماء من الاناء أو استقى من البئر وهو محتاج إليه فتوضأ
جاز له البناء لان الوضوء أمر لابد للبناء منه والمشي والاغتراف والاستقاء عند الحاجة من ضرورات الوضوء ولو
استنجى فإن كان مكشوف العورة بطل البناء لان كشف العورة مناف للصلاة وللبناء منه بد في الجملة فان استنجى
تحت ثيابه بحيث لا تنكشف عورته جاز له البناء لان الاستنجاء على هذا الوجه من سنن الوضوء فكان من تتماته
ولو توضأ ثلاثا ثلاثا ذكر في ظاهر الرواية ما يدل على الجواز فإنه قال إذا سبقه الحدث يتوضأ ويبنى من غير فصل وحكى
عن أبي القاسم الصفار انه لا يجوز ووجهه ان الفرض يسقط بالغسل مرة واحدة فكانت الزيادة ادخال عمل لا حاجة
إليه في الصلاة فيوجب فساد الصلاة وجه الظاهر الرواية ان الزيادة من باب اكمال الوضوء وبه حاجة إلى إقامة
الصلاة على وصف الكمال وذلك بتحصيل الوضوء على وجه الكمال فتتحمل الزيادة كما يتحمل الأصل وهذا
جواب أبى بكر الأعمش فان عنده المرة الأولى هي الفرض والثانية والثالثة نفل فاما عند أبي بكر الإسكاف
فالثلاثة كلها فرض لان الثانية والثالثة لما التحقتا بالأولى صارا لكل وضوء واحدا فيصير الكل فرضا كالقيام
إذا طال والقراءة أو الركوع أو السجود وعلى هذا إذا استوعب المسح وتمضمض واستنشق وأتى بسائر سنن
الوضوء جاز له البناء لان ذلك من باب اكمال الوضوء فكان من توابعه فيتحمل كما يتحمل الأصل ولو افتتح الصلاة
بالوضوء ثم سبقه الحدث فلم يجد ماء تيمم وبنى لان ابتداء الصلاة بالتيمم عند فقد الماء جائز فالبناء أولى فان تيمم ثم
وجد الماء فان وجده بعد ما عاد إلى مقامه استقبل الصلاة وان وجده في الطريق قبل أن يقوم مقامه فالقياس أن
يستقبل وقيل القياس قول محمد وفى الاستحسان يتوضأ ويبنى وجه القياس انه متيمم وجد الماء في صلاته فتفسد
صلاته كما إذا عاد إلى مكانه ثم وجد الماء وهذا لان قدر ما مشى متيمما حصل فعلا غير محتاج إليه فلا يعفى وجه
الاستحسان انه لم يؤد شيئا من الصلاة مع الحدث ولم يدخل فعلا في الصلاة هو مضاد لها فلا يفسدها وما مشى كل ذلك
كان محتاجا إليه لتحصيل التطهير فلا يوجب فساد الصلاة بخلاف ما إذا عاد إلى مكانه ثم وجد لأنه إذا عاد إلى مكانه وجد
أداء جزء من أجزاء الصلاة وان قل مع التيمم فظهر بوجود الماء انه كان محدثا من وقت الحدث السابق وان التيمم
ما كان طهارته فتبين انه أدى شيئا من الصلاة مع الحدث فتفسد صلاته ثم ما ذكرنا من جواز البناء لا يختلف سيما
إذا كان الحدث في وسط الصلاة أو في آخرها حتى لو سبقه الحدث بعد ما قعد قدر التشهد الأخير يتوضأ ويبنى
عندنا لأنه يحتاج إلى الخروج بلفظة السلام التي هي واجبة أو سنة عندنا فلابد له من الطهارة وكذا لا يختلف
222

الجواب في جواز البناء سيما إذا صرف وجهه عن القبلة على علم بالحدث أو على ظن به بعد إن كان في المسجد في
ظاهر الرواية حتى أنه لو صرف وجهه عن القبلة على ظن أنه أحدث ثم علم أنه لم يحدث وهو في المسجد رجع وبنى
فان علم بعد الخروج من المسجد لا يبنى وروى عن محمد انه لا يبنى في الوجهين جميعا ووجهه انه صرف وجهه عن
القبلة من غير عذر فتفسد صلاته كما إذا علم خارج المسجد وكما إذا انصرف على ظن أنه على غير وضوء أو على ظن أنه
على ثوبه نجاسة أو كان متيمما فرأى سرابا فظنه ماء فانصرف فإنه لا يبنى سواء كان في المسجد أو خارج المسجد
وجه ظاهر الرواية ان حكم المكان لم يتبدل ما دام في المسجد والانصراف لم يكن على قصد الخروج من الصلاة وعزم
الرفض بل لاصلاح صلاته ألا ترى انه لو تحقق ما توهم توضأ وبنى على صلاته فسقط حكم هذا الانصراف فكأنه لم
ينصرف بخلاف ما إذا خرج من المسجد ثم علم لان حكم المكان قد تبدل وبخلاف تلك الصلاة لان هناك الانصراف
ليس لا صلاح صلاته بل لقصد الخروج عن الصلاة وعزم الرفض ألا ترى انه لو تحقق ما توهم لا يمكنه البناء فأشبه
الكلام والحدث العمد والقهقهة وعلى هذا إذا سلم على رأس الركعتين في ذوات الأربع ساهيا علي ظن أنه أتم
الصلاة ثم تذكر فحكمه وحكم الذي ظن أنه أحدث سواء على التفصيل والاختلاف الذي ذكرنا وذكر في العيون
انه إذا صلى العشاء فظن بعد ركعتين انها ترويحة فسلم أو صلى الظهر وهو يظن أنه يصلى الجمعة أو يظن أنه مسافر فسلم
على رأس الركعتين انه يستقبل العشاء والظهر وقد مر الفرق هذا إذا كان يصلى في المسجد فاما إذا كان يصلى في
الصحراء فإن كان يصلى بجماعة يعطى لما انتهى إليه الصفوف حكم المسجد ان مشى يمنة أو يسرة أو خلفا وان مشى
أمامه وليس بين يديه بناء ولا سترة فقد ذكرنا اختلاف المشايخ والصحيح هو التقدير بموضع السجود وإن كان بين
يديه بناء أو سترة فإنه يبنى ما لم يجاوزه لان السترة تجعل لما دونها حكم المسجد حتى لا يباح المرور داخل السترة ويباح
خارجها وإن كان يصلى وحده فمسجده قدر موضع سجوده من الجوانب الأربع الا إذا مشى أمامه وبين يديه سترة
فيعطى لداخل السترة حكم المسجد ثم المستحب لمن سبقه الحدث أن يتكلم ويتوضأ ويستقبل القبلة ليخرج عن
عهدة الفرض بيقين
* (فصل) * الكلام في محل البناء وكيفيته فنقول وبالله التوفيق المصلى لا يخلوا ما إن كان منفردا أو مقتديا أو
اماما فإن كان منفردا فانصرف وتوضأ فهو بالخيار ان شاء أتم صلاته في الموضع الذي توضأ فيه وان شاء عاد إلى
الموضع الذي افتتح الصلاة فيه لأنه إذا أتم الصلاة حيث هو فقد سلمت صلاته عن المشي لكنه صلى صلاة واحدة
في مكانين وان عاد إلى مصلاه فقد أدى جميع الصلاة في مكان واحد لكن مع زيادة مشى فاستوى الوجهان
فيخير وقال بعض مشايخنا يصلى في الموضع الذي توضأ من غير خيار ولو أتى المسجد تفسد صلاته لأنه تحمل
زيادة مشى من غير حاجة وعامة مشايخنا قالوا لا تفسد صلاته لان المشي إلى الماء والعود إلى مكان الصلاة
الحق بالعدم شرعا في الجملة وإن كان مقتديا فانصرف وتوضأ فإن لم يفرغ امامه من الصلاة فعليه أن يعود
لأنه في حكم المقتدى بعد ولو لم يعد وأتم بقية صلاته في بيته لا يجزيه لأنه ان صلى مقتديا بامامه لا يصح لانعدام
شرط الاقتداء وهو اتحاد البقعة الا إذا كان بيته قريبا من المسجد بحيث يصح الاقتداء وان صلى منفردا في بيته
فسدت صلاته لان الانفراد في حال وجوب الاقتداء يفسد صلاته لان بين الصلاتين تغايرا وقد ترك ما كان عليه
وهو الصلاة مقتديا وما أدى وهو الصلاة منفردا لم يوجد له ابتداء تحريمة وهو بعض الصلاة لأنه صار منتقلا عما
كان هو فيه إلى هذا فيبطل ذلك وما حصل فيه بعض الصلاة فلا يخرج عن كل الصلاة بأداء هذا القدر ثم إذا عاد
ينبغي أن يشتغل أولا بقضاء ما سبق به في حال تشاغله بالوضوء لأنه لا حق فكأنه خلف الامام فيقوم مقدار قيام
الامام من غير قراءة ومقدار ركوعه وسجوده ولا يضره ان زاد أو نقص ولو تابع امامه أولا ثم اشتغل بقضاء ما
سبق به بعد تسليم الامام جازت صلاته عند علمائنا الثلاثة خلافا لزفر بناء على أن الترتيب في افعال الصلاة الواحدة
ليس بشرط عندنا وعنده شرط وإن كان قد فرغ امامه من الصلاة بخير لما ذكرنا في المنفرد ولو توضأ وقد فرغ
223

الامام من صلاته ولم يقعد في الثانية لا يقعد هذا المقتدى في الثانية وروى عن زفر انه يقعد ذكر المسألة في النوادر
وجه قول زفر ان القعدة الأولى واجبة في الصلاة ولا يجوز ترك الواجب الا لأمر فوقه كما إذا كان خلف الامام
فترك الامام القعدة وقام بتركها المقتدى موافقة للامام فيما هو أعلى منه وهو القيام لكونه فرضا ولم يوجد هذا
المعنى في اللاحق لان موافقة الامام بعد فراغه لا تتحقق فيجب عليه الاتيان بالقعدة ولنا أن اللاحق خلف الامام
تقديرا حتى يسجد لسهو الامام ولا يسجد لسهو نفسه ولا يقرأ في القضا كأنه خلف الامام ولو كان خلفه حقيقة
يترك القعدة متابعة للامام فكذا إذا كان خلفه تقديرا وإن كان اماما يستخلف ثم يتوضأ ويبنى على صلاته والامر
في موضع البناء وكيفيته على نحو ما ذكرنا في المقتدى لأنه بالاستخلاف تحولت الإمامة إلى الثاني وصار هو
كواحد من المقتدين به
* (فصل) * ثم الكلام في الاستخلاف في مواضع أحدها في جواز الاستخلاف في الجملة والثاني في شرائط جوازه
والثالث في بيان حكم الاستخلاف أما الأول فقد اختلف العلماء فيه قال علماؤنا يجوز وقال الشافعي لا يجوز
ويصلى القوم وحدانا بلا امام وجه قوله أنه لا ولاية للامام إذ هو في نفسه بمنزلة المنفرد فلا يملك النقل إلى غيره
وكذا القوم لا يملكون النقل وإنما تثبت الإمامة لا بتفويض منهم بل باقتدائهم به ولم يوجد الاقتداء بالثاني لان
الاقتداء بالتكبيرة وهي منعدمة في حق الثاني بخلاف الإمامة الكبرى لأنهما عبارة عن ولايات تثبت له شرعا
بالتفويض والبيعة كما يثبت للوكيل والقاضي فيقبل التمليك والعزل لنا ما روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال إذا صلى أحدكم فقاء أو رعف في صلاته فليضع يده على فمه وليقدم من لم يسبق بشئ من صلاته
ولينصرف وليتوضأ وليبن علي صلاته ما لم يتكلم وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر أبا بكر رضي الله عنه
أن يصلى بالناس وجد في نفسه خفة فخرج يهادى بين اثنين وقد افتتح أبو بكر الصلاة فلما سمع حس رسول
الله صلى الله عليه وسلم تأخر وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وافتتح القراءة من الموضع الذي انتهى إليه أبو بكر
وإنما تأخر لأنه عجز عن المضي لكون المضي من باب التقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الله تعالى
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله فصار هذا أصلا في حق كل امام عجز عن الاتمام أن يتأخر
ويستخلف غيره وعن عمر رضي الله عنه انه سبقه الحدث فتأخر وقدم رجلا وعن عثمان رضي الله عنه مثله ولان
بهم حاجة إلى اتمام صلاتهم بالامام وقد التزم الامام ذلك فإذا عجز عن الوفاء بما التزم بنفسه يستعين بمن يقدر عليه
نظرا لهم كيلا تبطل عليهم الصلاة بالمنازعة وأما قوله إن الامام لا ولاية له فليس كذلك بل له ولاية المتبوعية في
هذه الصلاة وأن لا تصح صلاتهم الا بناء على صلاته وان يقرأ فتصير قراءته قراءة لهم فإذا عجز عن الإمامة بنفسه
ملك النقل إلى غيره فأشبه الإمامة الكبرى على أن هذا من باب الخلافة لا من باب التفويض والتمليك فان الثاني
يخلف الأول في بقية صلاته كالوارث يخلف الميت فيما بقي من أمواله والخلافة لا تفتقر إلى الولاية والامر بل
شرطها العجز وإنما التقديم من الامام للتعين كيلا تبطل بالمنازعة حتى أنه لو لم يبق خلفه الا رجل واحد يصير
اماما وان لم يعينه ولا فوض إليه وكذا التقديم من القوم للتعين دون التفويض فصار كالإمامة الكبير فان البيعة
للتعيين لا للتمليك ألا ترى أن الامام يملك أمورا لا تملكها الرعية وهي إقامة الحدود فكذا هذا فإن لم يستخلف
الامام واستخلف القوم رجلا جاز ما دام الامام في المسجد لان الامام لو استخلف كان سعيه للقوم نظرا لهم كيلا
تبطل عليهم الصلاة فإذا فعلوا بأنفسهم جاز كما في الإمامة الكبرى لو لم يستخلف الامام غيره ومات واجتمع أهل
الرأي والمشورة ونصبوا من يصلح للإمامة جاز لان الأول لو فعل فعل لهم فجاز لهم أن يفعلوا لأنفسهم لحاجتهم إلى
ذلك كذا هذا ولو تقدم واحد من القوم من غير استخلاف الامام وتقديم القوم والامام في المسجد جاز أيضا لان به
حاجة إلى صيانة صلاته ولا طريق لها عند امتناع الامام عن الاستخلاف والقوم عن التقديم الا ذلك ولان القوم
لما ائتموا به فقد رضوا بقيامه مقام الأول فجعل كأنهم قدموه ولو قدم الامام أو القوم رجلين فان وصل أحدهما
224

إلى موضع الإمامة قبل الآخر تعين هو للإمامة وجازت صلاته وصلاة من اقتدى به وفسدت صلاة الثاني وصلاة من
اقتدى به لان الأول لما تقدم بتقديم من له ولاية لتقديم قام مقام الأول وصار اماما للكل كالأول فصار الإمام الثاني
ومن اقتدى به منفردين عمن صار اماما لهم ففسدت صلاتهم لما مر من الفقه وان وصلا معا فان اقتدى
القوم بأحدهما تعين هو للإمامة وان اقتدوا بهما جميعا بعضهم بهذا وبعضهم بذاك فان استوت الطائفتان فسدت
صلاتهم جميعا لان الامر لا يخلوا ما أن يقام لم يصح استخلاف كل واحد من الفريقين لمكان التعارض فبطلت
امامتهما وفسدت صلاة الكل لخروج الامام الأول عن المسجد من غير خليفة للقوم ولأدائهم الصلاة منفردين
في حال وجوب الاقتداء واما أن يقال صح تقديم كل واحد منهما لعدم ترجيح الفريقين الآخر عليه فجعل في حق
كل فريق كان ليس معهم غيرهم فحينئذ يصير امام كل طائفة اماما للكل كامام أكثر الطائفتين عند التفاوت وعدم
الاستواء فحينئذ يجب على امام كل طائفة ومن تابعه الاقتداء بالآخر فإن لم يقتدوا جعلوا منفردين أو ان وجوب
الاقتداء وان اقتدوا أدوا صلاة واحدة في حالة واحدة بامامين وذلك مما لم يرد به الشرع فلم يجز ولو كانت
الطائفتان على التفاوت فان اقتدى جماعة القوم بأحد الامامين الا رجل أو رجلان اقتديا بالثاني فصلاة من
اقتدى به الجماعة صحيحة وصلاة الآخر ومن اقتدى به فاسدة لأنهما لما وصلا معا وقد تعذر أن يكونا امامين فلابد
من الترجيح وأمكن الترجيح بالكثرة نصا واعتبارا أما النص فقول النبي صلى الله عليه وسلم يد الله مع الجماعة
وقوله من شذ شذ في النار وقوله كدرا الجماعة خير من صفو الفرقة وأما الاعتبار فهو الاستدلال بالإمامة الكبرى
حتى قال عمر رضي الله عنه في الشورى ان اتفقوا على شئ وخالفهم واحد فاقتلوه وان اقتدى بكل امام جماعة لكن
أحد الفريقين أكثر عددا من الآخر اختلف المشايخ فيه قال بعضهم تفسد صلاة الفريقين جميعا واليه مال الإمام
السرخسي فقال إن كل واحد منهما جمع تام يتم به نصاب الجمعة فيكون الأقل مساويا للأكثر حكما كالمدعيين يقيم
أحدهما شاهدين والآخر أربعة وقال بعضهم جازت صلاة الأكثرين وتعين الفساد في الآخرين كما في
الواحد والمثنى وعليه اعتمد الشيخ صدر الدين أبو المعين واستدل بوضع محمد فان محمدا قال إذا قدم القوم أو
الامام رجلين فأم كل واحد منهما طائفة جازت صلاة أكثر الطائفتين فهذا يدل على أن كل طائفة لو كانت جماعة
ترجح أيضا بالكثرة لان اسم الطائفة في اللغة يقع على الواحد والاثنين والثلاثة وما زاد على ذلك قال الله تعالى وان
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ولا شك ان كل فريق لو كان أكثر من الثلاث لدخل تحت هذه الآية وقال تعالى ثم
أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ولا شك ان كل فريق كان جماعة
كثيرة وكذا ذكر محمد في السير الكبير ان أمير عسكر في دار الحرب قال من جاء منكم بشئ فله طائفة منه فجاء رجل
برؤس فان الامام ينفل له من ذلك على قدر ما يرى حتى أنه لو أعطى نصف ما أتى به أو أكثر بأن كانت الرؤس عشرة
فرأى الامام أن يعطى تسعة من ذلك لهذا الرجل كان له ذلك فتبين أن اسم الطائفة يقع على الجماعة فيرجح بالكثرة
لما مر والله تعالى أعلم هذا إذا كان خلف الامام الذي سبقه الحدث اثنان أو أكثر فاما إذا كان خلفه رجل
واحد صار اماما نوى الإمامة أو لم ينو قام في مكان الامام أو لم يقم قدمه الامام أو لم يقدمه لأن عدم تعيين واحد من
القوم للإمامة ما لم يقدمه أو يتقدم حتى بقيت الإمامة للأول كان بحكم لا تعارض وعدم ترجيح البعض على
البعض وههنا لا تعارض فتعين هو لحاجته إلى ابقاء صلاته على الصحة وصلاحيته للإمامة حتى أن الامام الأول
لو أفسد صلاته على نفسه لا تفسد صلاته هذا الثاني والثاني لو أفسد صلاته على نفسه فسدت صلاة الأول لان
الأول صار في حكم المقتدى بالثاني وفساد صلاة المقتدى لا تؤثر في فساد صلاة الامام ولفساد صلاة الامام أثر في
فساد صلاة المقتدى ودخل في صلاة الثاني لان الإمامة تحولت إليه على ما ذكرنا وروى الحسن عن أبي حنيفة
أنه إذا أحدث الامام ولم يكن معه الا رجل واحد فوجد الماء في المسجد فتوضأ قال يتم صلاته مقتديا بالثاني لأنه
متعين للإمامة فبنفس الصرافة تتحول الإمامة إليه وإن كان معه جماعة فتوضأ في المسجد عاد إلى مكان الإمامة
225

وصلى بهم لان الإمامة لا تتحول منه إلى غيره في هذه الحالة الا بالاستخلاف ولم يوجد فان جاء رجل واقتدى بهذا الثاني
ثم احدث الثاني صار الثالث اماما لتعينه لذلك فان احدث الثالث وخرج قبل رجوعهما أو رجوع أحدهما فسدت
صلاة الأول والثاني لان الثالث لما صار اماما صار الأول والثاني مقتديين به فإذا خرج هو لم تفسد صلاته على الرواية
الصحيحة لأنه في حق نفسه منفرد وفسدت صلاة الأول والثاني لان امامهما خرج عن المسجد فتحقق تباين المكان
ففسد الاقتداء لفوت شرطه وهو اتحاد البقعة وإن كان تباين المكان موجودا حال بقائه في المسجد لان ذلك سقط
اعتباره شرعا لحاجة لمقتدى إلى صيانة صلاته على ما تذكر وههنا لا حاجة لكون ذلك في حد الندرة ولو رجع أحدهما
فدخل المسجد ثم خرج الثالث جازت صلاتهم لان الراجع صار اماما لهم لتعينه ولو رجع الأول والثاني فان قدم
أحدهما صار هو الامام وان لم يقدم حتى خرج الثالث من المسجد فسدت صلاتهما لان أحدهما لم يصر اماما
للتعارض وعدم الترجيح فبقي الثالث اماما فإذا خرج من المسجد فات شرط صحة الاقتداء وهو اتحاد البقعة
ففسدت صلاتهما
* (فصل) * وأما شرائط جواز الاستخلاف فمنها ان كل ما هو شرط جواز البناء فهو شرط جواز الاستخلاف
حتى لا يجوز مع الحدث العمد والكلام والقهقهة وسائر نواقض الصلاة كما لا يجوز البناء مع هذه الأشياء لان
الاستخلاف يكون للقائم ولا قيام للصلاة مع هذه الأشياء بل تفسد ولو حصر الامام عن القراءة فاستخلف غيره
جاز في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد لا يجوز وتفسد صلاتهم وجه قولهما ان جواز الاستخلاف حكم
ثبت على خلاف القياس بالنص وانه ورد في الحديث السابق الذي هو غالب الوقوع والحصر في القراءة ليس
نظيره فالنص الوارد ثمة لا يكون واردا هنا وصار كالاغماء والجنون والاحتلام في الصلاة انه يمنع الاستخلاف
كذا هذا ولأبي حنيفة انا جوزنا الاستخلاف ههنا بالنص الخاص لا بالاستدلال بالحديث وهو حديث أبي
بكر رضي الله عنه أنه كان يصلى بالناس بجماعة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه فوجد
صلى الله عليه وسلم خفة فحضر المسجد فلما أحس الصديق برسول الله صلى الله عليه وسلم حصر في القراءة فتأخر
وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأتم الصلاة ولو لم يكن جائزا لما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاز له
يكون جائزا لامته هو الأصل لكونه قدوة ومنها أن يكون الاستخلاف قبل خروج الامام من المسجد حتى أنه
لو خرج عن المسجد قبل أن يقدم هو أو يقدم القوم انسانا أو يتقدم أحد بنفسه فصلاة القوم فاسدة لأنه اختلف
مكان الامام والقوم فبطل الاقتداء لفوت شرطه وهو اتحاد المكان وهذا لان غيره إذا لم يتقدم بقي هو اماما في نفسه
كما كان لأنه إنما يخرج عن الإمامة لقيام غيره مقامه وانتقال الإمامة إليه ولم يوجد والمكان قد اختلف حقيقة
وحكما أما الحقيقة فلا تشكل وأما الحكم فلان من كان خارج المسجد إذا اقتدى بمن يصلى في المسجد وليست
الصفوف متصلة لا يجوز بخلاف ما إذا كان بعد في المسجد لان المسجد كله بمنزلة بقعة واحدة حكما ولهذا حكم بجواز
الاقتداء في المسجد وان لم تتصل الصفوف كذلك فسدت صلاتهم بخلاف المقتدى إذا سبقه الحدث وخرج من
المسجد حيث لم تفسد صلاته وان فات شرطه صحة الاقتداء وهو اتحاد المكان فان هناك ضرورة لان صيانة صلاته
لن تحصل الا بهذا الطريق بخلاف ما إذا كان الامام هو الذي سبقه الحدث فان صيانة صلاة القوم تمكنه بأن يستخلف
الامام أو يقدم القوم رجلا أو يتقدم واحد منهم فإذا لم يفعلوا فقد فرطوا وما سعوا في صيانة صلاتهم فتفسد عليهم
وأما المقتدى فليس شئ منها في وسعه فبقيت صلاته صحيحة ليتمكن من الاتمام وأما حال صلاة الامام فلم يذكر
في الأصل وذكر الطحاوي ان صلاته تفسد أيضا لان ترك استخلافه لما أثر في فساد صلاة القوم فلان يؤثر في فساد
صلاته أولى وذكر أبو عصمة ان صلاته لا تفسد وهو لا صحيح لأنه بمنزلة المنفرد في حق نفسه والمنفرد الذي سبقه
الحدث فذهب ليتوضأ بقيت صلاته صحيحة كذا هذا ولو كان خارج المسجد صفوف متصلة فخرج الامام من
المسجد ولم يجاوز الصفوف فسدت صلاة القوم في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد لا تفسد حتى لو استخلف
226

الامام رجلا من الصفوف الخارجة لا يصح عندهما وعنده يصح وجه قول محمد ان مواضع الصفوف فما حكم
المسجد ألا ترى انه لو صلى في الصحراء جاز استخلافه ما لم يجاوز الصفوف فجعل الكل كمكان واحد ولهما ان
البقعة مختلفة حقيقة وحكما في الأصل الا أنه أعطى لها حكم الاتحاد إذا كانت الصفوف متصلة بالمسجد في حق
الخارج عن المسجد خاصة لضرورة الحاجة إلى الأداء فلا يظهر الاتحاد في حق غيره ألا ترى ان الامام لو كبر يوم
الجمعة وحده في المسجد وكبر القوم بتكبيرة خارج المسجد لم تنعقد الجمعة وإذا ظهر حكم اختلاف البقعة في حق
المستخلف لم يصح الاستخلاف هذا إذا كان يصلى في المسجد فإن كان يصلى في الصحراء فمجاوزة الصفوف بمنزلة
الخروج من المسجد ان مشى على يمينه أو على يساره أو خلفه فان مشى امامه وليس بين يديه سترة فان جاوز مقدار
الصفوف التي خلفه أعطى له حكم الخروج عند بعضهم وهكذا روى عن أبي يوسف وعند بعضهم إذا جاوز موضع
سجوده وإن كان بين يديه سترة يعطى لداخل السترة حكم المسجد لما مر ومنها أن يكون المقدم صالحا للخلافة حتى
لو استخلف محدثا أو جنبا فسدت صلاته وصلاة القوم كذا ذكر في كتاب الصلاة في باب الحدث لان المحدث
لا يصلح خليفة فكان اشتغاله باستخلاف من لا يصلح خليفة له عملا كثيرا ليس من أعمال الصلاة فكان اعراضا
عن الصلاة فتفسد صلاته وتفسد صلاة القوم بفساد صلاته ولان الامام لما استخلفه فقد اقتدى به ومتى صار هو
مقتديا به صار القوم أيضا مقتدين به والاقتداء بالمحدث والجنب لا يصح فتفسد صلاة الامام والقوم جميعا وهذا
عندنا لان حدث الامام إذا تبين للقوم بعد الفراغ من الصلاة فصلاتهم فاسدة عندنا فكذا في حال الاستخلاف
وعند الشافعي إذا اقتدوا به مع العلم بكونه محدثا لا يصح الاقتداء وإذا لم يعلموا به ثم علموا بعد الفراغ فصلاتهم تامة
فكذا في حال الاستخلاف وقد ذكرنا المسألة فيما تقدم وذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي ما يدل على أن
استخلاف المحدث صحيح حتى لا تفسد صلاته فإنه قال إذا قسم الامام رجلا والمقدم على غير وضوء فلم يقم مقامه ينوى
أن يؤم الناس حتى قدم غيره صح الاستخلاف ولو لم يكن أهلا للخلافة لما صح استخلافه غيره ولفسدت صلاة
الامام باستخلافه من لا يصلح للخلافة فتفسد صلاة القوم وحينئذ لا يصح استخلاف المقدم غيره ووجهه ان المقدم
من أهل الإمامة في الجملة وإنما التعذر لمكان الحدث فصار أمره بمنزلة أمر الامام والأول أصح لما ذكرنا وكذلك
لو قدم صبيا فسدت صلاته وصلاة القوم لان الصبي لا يصلح خليفة للامام في الفرض كما لا يصلح أصيلا في الإمامة
في الفرائض وهذا على أصلنا أيضا فإنه لا يجوز اقتداء البالغ بالصبي في المكتوبة عندنا خلافا للشافعي بناء على أن
اقتداء المفترض بالمتنفل لا يصح عندنا وعنده يصح وقد مرت المسألة وكذلك ان قدم الإمام المحدث امرأة فسدت
صلاتهم جميعا من الرجال والنساء والامام والمقدم وقال زفر صلاة المقدم والنساء جائزة وإنما تفسد صلاة الرجال
وجه قوله إن المرأة تصلح لامامة النساء في الجملة وإنما لا تصلح لامامة الرجال كما في الابتداء ولنا ان المرأة لا تصلح
لامامة الرجال قال صلى الله عليه وسلم أخر وهن من حيث أخرهن الله فصار باستخلافه إياها معرضا عن الصلاة
فتفسد صلاته وتفسد صلاة القوم بفساد صلاته لان الإمامة لم تتحول منه إلى غيره وكذلك لو قدم الأمي أو العاري
أو المومى وقال زفر ان الامام إذا قرأ في الأوليين فاستخلف أميا في الأخريين لا تفسد صلاتهم لاستواء حال القارئ
والامى في الأخريين لتأدى فرض القراءة في الأوليين والصحيح انه تفسد صلاتهم لان استخلاف من لا يصلح
اماما له عمل كثير منه ليس من أعمال الصلاة فتفسد صلاته وصلاتهم بفساد صلاته وكذلك ان استخلفه بعد ما قعد
قدر التشهد عند أبي حنيفة وهي من المسائل الاثني عشرية وبعض مشايخنا قالوا لا تفسد بالاجماع لوجود الصنع
منه ههنا وهو الاستخلاف الا أن بناء مذهب أبي حنيفة في هذه المسائل على هذا الأصل غير سديد على ما ذكرنا في
كتاب الطهارة في فصل التيمم والأصل في باب الاستخلاف ان كل من يصح اقتداء الامام به يصلح خليفة له والا فلا
ولو كان الامام متيمما فأحدث فقدم متوضأ جاز لان اقتداء المتيمم بالمتوضئ صحيح بلا خلاف ولو قدمه ثم وجد
الامام الأول الماء فسدت صلاته وحده لان الإمامة تحولت منه إلى الثاني وصار هو كواحد من القوم ففساد صلاته
227

لا يتعدى إلى صلاة غيره وإن كان الامام الأول متوضأ والخليفة متيمما فوجد الخليفة الماء فسدت صلاته وصلاة
الأول والقوم جميعا لان الإمامة تحولت إليه وصار الأول كواحد من المقتدين به وفساد صلاة الامام يتعدى إلى
صلاة القوم ولو قدم مسبوقا جاز والأولى للامام المحدث أن يستخلف مدركا لا مسبوقا لأنه أقدر على اتمام الصلاة
وقد قال صلى الله عليه وسلم من قلد انسانا عملا وفى رعيته من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين
ومع هذا لو قدم المسبوق جاز ولكن ينبغي له أن لا يتقدم لأنه عاجز عن القيام بجميع ما بقي من الافعال ولو تقدم مع
هذا جاز لأنه أهل للإمامة وهو قادر على أداء الأركان وهي المقصودة من الصلاة فإذا صح استخلافه يتم الصلاة من
الموضع الذي وصل إليه الامام لأنه قائم مقامه فإذا انتهى إلى السلام يستخلف هذا الثاني رجلا أدرك أول الصلاة
ليسلم بهم لأنه عاجز عن السلام لبقاء ما سبق به عليه فصار بسبب العجز عن اتمام الصلاة كالذي سبقه الحدث
فثبتت له ولاية استخلاف غيره فيقدم مدركا ليسلم ثم يقوم هو إلى قضاء ما سبق به والامام الأول صار مقتديا بالثاني
لان الثاني صار اماما فيخرج الأول من الإمامة ضرورة ان الصلاة الواحدة لا يكون لها امامان وإذا لم يبق اماما وقد
بقي هو في الصلاة التي كانت مشتركة بينهم صار مقتديا ضرورة فان توضأ الأول وصلى في بيته ما بقي من صلاته فإن كان
قبل فراغ الإمام الثاني من بقية صلاة الأول فسدت صلاته وإن كان بعد فراغه فصلاته تامة لما مر ولو قعد الإمام الثاني
في الرابعة قدر التشهد ثم قهقه انتقض وضوؤه وصلاته وكذلك إذا أحدث متعمدا أو تكلم أو خرج من
المسجد فسدت صلاته لان الجزء الذي لاقته القهقهة من صلاته قد فسد وقد بقي عليه أركان ومن باشر المفسد قبل
أداء جميع الأركان تفسد صلاته وصلاة المقتدين الذين ليسوا بمسبوقين تامة لان جزأ من صلاتهم وان فسد بفساد
صلاة الامام لكن لم يبق عليهم شئ من الافعال وصلاتهم بدون هذا الجزء جائزة فحكم بجوازها وأما المسبوقون
فصلاتهم فاسدة لان هذا الجزء من صلاتهم قد فسد وعليهم أركان لم تؤد بعد كما في حق الإمام الثاني فأما الامام الأول
فإن كان قد فرغ من صلاته خلف الإمام الثاني مع القوم فصلاته تامة كغيره من المدركين وإن كان في بيته لم يدخل
مع الإمام الثاني في الصلاة ففيه روايتان ذكر في رواية أبى سليمان ان صلاته فاسدة وذكر في رواية أبى حفص انه
لا تفسد صلاته وجه رواية أبى سليمان ان قهقهة الامام كقهقهة المقتدى في افساد الصلاة ألا ترى ان صلاة
المسبوقين فاسدة ولو قهقه المقتدى نفسه في هذه الحالة لفسدت صلاته لبقاء الأركان عليه فكذا هذا وجه
رواية أبى حفص ان صلاة الامام والمسبوقين إنما تفسد لان الجزء الذي لاقته القهقهة وأفسدته من وسط
صلاتهم فإذا فسد الجزء فسدت الصلاة فأما هذا الجزء في حق صلاة الامام الأول وهو مدرك أول
الصلاة فمن آخر صلاته لأنه يأتي بما تركه أولا ثم يأتي بما يدرك مع الامام والا فيأتي به وحده فلا يكون فساد هذا
الجزء موجبا فساد صلاته كما لو كان أتى وصلى ما تركه وأدرك الامام وصلى بقية الصلاة وقعد مع الامام ثم قهقه
الإمام الثاني لا تفسد صلاة الامام الأول كذا هذا ولو كان الذين خلف الإمام المحدث كلهم مسبوقين ينظر ان بقي
على الامام شئ من الصلاة فإنه يستخلف واحدا منهم لان المسبوق يصلح خليفة لما بينا فيتم صلاة الامام ثم يقوم
إلى قضاء ما سبق به من غير تسليم لبقاء بعض أركان الصلاة عليه وكذا القوم يقومون من غير تسليم ويصلون
وحدانا وان لم يبق على الامام شئ من صلاته قاموا من غير أن يسلموا وأتموا صلاتهم وحدانا لوجوب الانفراد عليهم
في هذه الحالة ولو صلى الامام ركعة ثم أحدث فاستخلف رجلا نام عن هذه الركعة وقد أدرك أو لها أو كان ذهب
ليتوضأ جاز لكن لا ينبغي للامام أن يقدمه ولا لذلك الرجل أن يتقدم وان قدم ينبغي أن يتأخر ويقدم هو غيره لان
غيره أقدر على اتمام صلاة الامام فإنه يحتاج إلى البداية بما فاته فإن لم يفعل وتقدم جاز لأنه قادر على الاتمام في الجملة
وإذا تقدم ينبغي أن يشير إليهم بان ينتظروه ليصلى ما فاته وقت نومه أو ذهابه للتوضؤ ثم يصلى بهم بقية الصلاة لأنه
مدرك فينبغي أن يصلى الأول فالأول فإن لم يفعل هكذا ولكنه أتم صلاة الامام ثم قدم مدركا وسلم بهم ثم قام فقضى
ما فاته أجزأه عندنا وقال زفر لا يجزيه وجه قوله أنه مأمور بالبداية بالركعة الأولى فإذا لم يفعل فقد ترك الترتيب
228

المأمور به فتفسد صلاته كالمسبوق إذا بدأ بقضاء ما فاته قبل أن يتابع الامام فيما أدرك معه ولنا أنه أتى بجميع
أركان الصلاة الا أنه ترك الترتيب في أفعالها والترتيب في أفعال الصلاة واجب وليس بفرض لان الترتيب لو ثبت
افتراضه لكانت فيه زيادة على الأركان والفرائض وذا جار مجرى النسخ ولا يثبت نسخ ما ثبت بدليل مقطوع به
الا بدليل مثله ولا دليل لمن جعل الترتيب فرضا يساوى دليل افتراض سائر الأركان والدليل عليه انه لو ترك سجدة
من الركعة الأولى إلى آخر صلاته لم تفسد صلاته ولو كان الترتيب في أفعال صلاة واحدة فرضا لفسدت وكذا المسبوق
إذا أدرك الامام في السجود يتابعه فيه فدل أن مراعاة الترتيب في صلاة واحدة ليست بفرض فتركها لا يوجب فساد
الصلاة بخلاف المسبوق لان الفساد هناك ليس لترك الترتيب بل للعمل بالمنسوخ أو للانفراد عند وجوب الاقتداء
ولم يوجد ههنا وكذلك لو صلى بهم ركعة ثم ذكر ركعته الثانية فالأفضل أن يومئ إليهم لينتظروه حتى يقضى تلك
الركعة ثم يصلى بهم بقية صلاته كما في الابتداء لما مر وان لم يفعل وتأخر حين تذكر ذلك وقدم رجلا منهم ليصلى بهم
فهو أفضل أيضا كما في الابتداء لما مر فإن لم يفعل وأتم صلاة الامام وهو ذاكر لركعته ثم تأخر وقدم من يسلم بهم جاز
أيضا لما ذكرنا ولو كان الإمام المحدث مسافرا وخلفه مقيمون ومسافرون فقدم مقيما جاز والأفضل أن لا يقدم
مقيما ولو قدمه فالمستحب له أن لا يتقدم لان غيره أقدر على اتمام صلاة الامام فإنه لا يقدر على التسليم بعد القعود
على رأس الركعتين غير أنه ان تقدم مع هذا جاز لأنه قادر على اتمام أركان صلاة الامام بالكلية وإنما يعجز عن الخروج
وهو ليس بركن فإذا أتم صلاة الامام وقعد قدر التشهد تأخر هو وقدم مسافرا لأنه غير عاجز عن الخروج فيستخلف
مسافرا حتى يسلم بهم فإذا سلم قام هو وبقية المقيمين وأتموا صلاتهم وحدانا كما لو لم يكن الأول أحدث على ما ذكرنا
قبل هذا ولو مضى الإمام الثاني في صلاته مع القوم حتى أتمها يعنى صلاة الإقامة فإن كان قعد في الثانية قدر التشهد
فصلاته وصلاة المسافرين تامة أما صلاة الامام فلانه لما قعد قدر التشهد فقد تم ما التزم بالاقتداء لان تحريمته
انعقدت على أن يؤدى ركعتين مع الامام وركعتين على سبيل الانفراد وقد فعل لأنه منفرد في حق نفسه لا تتعلق
صلاته بصلاته غيره وأما المسافرون فلأنهم انتقلوا إلى النفل بعد اكمال الفرض وذا لا يمنع جواز الصلاة وأما صلاة
المقيمين ففاسدة لأنهم لما قعدوا قدر التشهد فقد انقضت مدة اقتدائهم لأنهم التزموا بالاقتداء به أن يصلوا
الأوليين مقتدين به والآخريين على سبيل الانفراد فإذا اقتدوا فيهما فقد اقتدوا في حال وجوب الانفراد وبينهما
مغايرة على ما ذكرنا فبالاقتداء خرجوا عما كانوا دخلوا فيه وهو الفرض ففسدت صلاتهم المفروضة وما دخلوا
فيه دخلوا بدون التحريمة ولا شروع بدون التحريمة وان لم يقعد قدر التشهد فسدت صلاته وصلاة القوم كلهم لان
القعدة صارت فرضا في حق الإمام الثاني لكونه خليفة الأول فإذا ترك القعدة فقد ترك ما هو فرض ففسدت صلاته
وصلاة المسافرين لتركهم القعدة المفروضة أيضا ولفساد صلاة الامام وفسدت صلاة المقيمين بفساد صلاة امامهم
بتركه القعدة المفروضة ولو أن مسافرا أم قوما مسافرين ومقيمين فصلى بهم ركعة وسجدة ثم أحدث فقدم رجلا
دخل في صلاته ساعتئذ وهو مسافر جاز لما مر ولا ينبغي له أن يقدمه ولا لهذا الرجل أن يتقدم لما مر أيضا أن غير
المسبوق أقدر عل اتمام صلاة الامام ولو قدمه مع هذا جاز لما بينا وينبغي أن يأتي بالسجدة الثانية ويتم صلاة الامام
فان سها عن الثانية وصلى ركعة وسجد ثم أحدث فقدم رجلا جاء ساعتئذ سجد الأولى والثانية والامام الأول
يتبعه في السجدة الأولى ولا يتبعه في الثانية الا أن يدركه بعد ما يقضى والإمام الثاني لا يتبعه في الأولى ويتبعه في
الثانية وإذا قعد قدر التشهد قدم من أدرك أول الصلاة ليسلم ثم يقوم هو فيقضى ركعتين إن كان مسافرا وإن كانوا
أدركوا أول الصلاة اتبعه كل امام في السجدة الأولى ويتبعه الامام ومن بعده في السجدة الثانية والأصل في هذا أن
المدرك لا يتابع الامام بل يأتي بالأول فالأول والمسبوق يتابع امامه فيما أدرك ثم بعد فراغه يقوم إلى قضاء ما سبق
به وأصل آخر أن الإمام الثاني والثالث يقومان مقام الأول ويتمان صلاته إذا عرف هذا الأصل فنقول الإمام الأول
لما سبقه الحدث وقدم هذا الثاني ينبغي له أن يأتي بالسجدة الثانية ويتم صلاة الامام الأول لأنه قائم مقامه والأول
229

لو لم يسبقه الحدث لسجد هذه السجدة فكذا الثاني فلو أنه سها عن هذه السجدة وصلى الركعة الثانية فلما سجد سجدة
سبقه الحدث فقدم رجلا جاء ساعتئذ وتقدم هذا الثالث ينبغي لهذا الامام الثالث أن يسجد السجدتين أولا لان هذا
الثالث قائم مقام الأول والأول كان يأتي بالأول فالأول فكذا هذا وإذا سجد الثالث السجدة الأولى وكان جاء الامام
الأول والثاني فان الأول يتابعه في السجدة الأولى لأنه صار مقتديا به وانتهت صلاته إلى هذه السجدة فيأتي بها وكذا
القوم يتابعونه فيها لأنهم قد صلوا تلك الركعة أيضا وإنما بقي عليهم منها تلك السجدة وأما الإمام الثاني فلا يتابعه في
السجدة الأولى في ظاهر الرواية وذكر في نوادر الصلاة لأبي سليمان أنه يتابعه فيها ووجهه أن الثالث قائم مقام الأول
ولو كان الأول يأتي بهذه السجدة كان يتابعه الثاني بان أدرك الامام في السجدة وإن كانت السجدة غير محسوبة من
صلاته بل يتبعه الامام فكذا إذا سجدها الامام الثالث ويأتي بها الثاني بطريق المتابعة وجه ظاهر الرواية أن السجدة
الأولى غير محسوبة من صلاة الامام الثالث فلا يجب على الثاني متابعته فيها بل هي في حقه بمنزلة سجدة زائدة
والامام إذا كان يأتي بسجدة زائدة لا يتابعه المقتدى فيها بخلاف ما لو أدرك الامام الأول في السجدة حيث يتابعه فيها
لأنها محسوبة من صلاة الامام فيجب عليه متابعته وأما في السجدة الثانية فلا يتابعه الامام الأول لأنه مدرك يأتي
بالأول فالأول الا إذا كان صلى الركعة الثانية وسجد سجدة وانتهى إلى هذه وتابعه الإمام الثاني فيها لأنه مدرك هذه
الركعة وانتهت هي إلى هذه السجدة فيتابعه فيها وان لم تكن محسوبة للامام الثالث لأنها محسوبة للامام الثاني وكذا
القوم يتابعونه فيها لأنهم قد صلوا هذه الركعة أيضا وانتهت إلى هذه السجدة ثم إذا سجد الإمام الثالث السجدتين
وقعد قدر التشهد يقدم مدركا ليسلم بهم لعجزة عن ذلك بنفسه ويسجد الإمام الرابع للسهو لينجبر بها النقص
المتمكن في هذه الصلاة بتأخير السجدة الأولى عن محلها الأصلي ويسجدون معه ثم يقوم الثالث فيقضى ركعتين
بقراءة ثم يقوم الثاني فيقضى الركعة التي سبق بها بقراءة ويتم المقيمون صلاتهم وأما إذا كانوا كلهم مدركين
والمسألة بحالها فان الامام الأول يتابع الامام الثالث في السجدة الأولى لان صلاة الامام الأول انتهت إلى هذه
السجدة فيتابعه فيها لا محالة فكذا الإمام الثاني لأنه أدرك الركعة الأولى وهذه السجدة منها وقد فاتته فقلنا بأنه
يأتي بها وأما في السجدة الثانية فلا يتابعه الأول لأنه مدرك فيقضى الأول فالأول وهو ما أتى بهذه الركعة الثانية
فينبغي له أن يأتي بها أولا ثم يأتي بهذه السجدة في آخر الركعة الثانية إذا انتهى إليها ويتابعه الإمام الثاني لان صلاته
انتهت إلى هذه السجدة فإنه صلى الركعة الثانية وترك هذه السجدة فيأتي بها والله أعلم هذا إذا كان الامام مسافرا
فأما إذا كان مقيما والصلاة من ذوات الأربع فصلى الأئمة الأربع كل واحد منهم ركعة وسجدة ثم
أحدث الرابع وقدم خامسا فإن كانت الأئمة الأربع مسبوقين بأن كان كل واحد بعد الأول جاء ساعتئذ
فأحدث الرابع وقدم رجلا جاء ساعتئذ وتوضأ الأئمة وجاؤا ينبغي أن يسجد الإمام الخامس السجدات الأربع
فيسجد الأولى فيتابعه فيها القوم والامام الأول لان صلاتهم انتهت إليها ولا يتابعه فيها لامام الثاني والثالث
والرابع في ظاهر الرواية لأنها غير محسوبة من صلاة الامام الخامس فلا تجب عليهم متابعته فيها وفى رواية النوادر
يسجدونها معه بطريق المتابعة على ما ذكرنا ثم يسجد الثانية ويتابعه فيها القوم والإمام الثاني لأنه صلى تلك
الركعة وانتهت إلى هذه ولا يتابعه فيها الامام الأول لأنه يصلى الأول فالأول وهو ما صلى تلك الركعة بعد حتى
لو كان صلاها وانتهى إلى السجدة الثانية ثم سجد الإمام يتابعه وكذا لا يتابعه الثالث والرابع في ظاهر الرواية
الا على رواية النوادر على ما ذكرنا ثم يسجد الثالثة ويتابعه فيها القوم والامام الثالث فقط ثم يسجد الرابعة
ويتابعه فيها القوم والامام الرابع فقط والحاصل أن كل امام يتابعه في سجدة ركعته التي صلاها لأنه انتهى إليها
ولا يتابعه في سجدة الركعة التي هي بعد الركعة انتهى أدركها لأنه في حق تلك الركعة مدرك فيقضى الأول
فالأول الا إذا انتهت صلاته إليها وهل يتابعه في سجدة الركعة التي فاتته فعلى ظاهر الرواية لا وعلى رواية النوادر نعم
ثم يتشهد ويتأخر فيقدم سادسا ليسلم بهم لعجزه عن التسليم ويسجد سجدتي السهو لما مر ثم يقوم الخامس فيصلى
230

أربع ركعات لأنه مسبوق فيها يقرأ في الأوليين وفى الأخريين هو بالخيار على ما عرف وأما الامام الأول فيقضى
ثلاث ركعات بغير قراءة لأنه مدرك والإمام الثاني يقضى ركعتين بغير قراءة أيضا لأنه لا حق فيهما ثم يقضى ركعة
بقراءة لأنه مسبوق فيها والامام الثالث يقضى الرابعة أولا بغير قراءة لأنه لا حق فيها ثم يقضى ركعتين بقراءة لأنه
مسبوق فيهما والامام الرابع يقضى ثلاث ركعات يقرأ في ركعتين منها وفى الثالثة هو بالخيار لأنه مسبوق فيها هذا
إذا كانت الأئمة الأربعة مسبوقين فاما إذا كانوا مدركين فصلى كل واحد منهم ركعة وسجدة ثم أحدث الرابع وقدم
خامسا وجاء الأئمة الأربعة فإنه ينبغي للخامس أن يبدأ بالسجدة الأولى ويتابعه فيها الأئمة والقوم لأنهم صلوا هذه
الركعة وانتهت إلى هذه السجدة ثم يسجد الثانية ويتابعه فيها الثاني والثالث والرابع والقوم لهذا المعنى ولا يتابعه
الأول لأنه يصلى الأول فالأول وهو ما أدى تلك الركعة بعد الا إذا كان عجز فصلى الركعة الثانية وأدرك الامام
في السجدة الثانية فحينئذ يتابعه فيها ثم يسجد الثالثة ويتابعه فيها الثالث والرابع والقوم لما بينا ولا يتابعه الأول
والثاني لأنهما لم يصليا الركعة الثالثة بعد ثم يسجد الرابعة ويتابعه فيها الرابع والقوم لأنهم صلوا هذه الركعة وانتهت
إلى هذه السجدة ولا يتابعه الأول والثاني والثالث لأنهم ما صلوا هذه الركعة بعد ثم يقوم الامام الأول فيقضى ثلاث
ركعات والإمام الثاني ركعتين والامام الثالث الركعة الرابعة بغير قراءة لأنهم مدركون أول الصلاة ثم يسلم الخامس
ويسجد للسهو والقوم معه لما مر وكل امام فرغ من اتمام صلاته وأدركه تابعه في سجود السهو ومن لم يدركه أخر
سجود السهو إلى آخر الصلاة على ما ذكرنا قبل هذا والصحيح أنه يفسد صلاتهم لان استخلاف من لا يصلح
اماما له عمل كثير منه ليس من اعمال الصلاة فتفسد صلاته وصلاتهم بفساد صلاته وكذلك عند أبي حنيفة وهي من
المسائل الأنثى عشرية وبعض مشايخنا قالوا لا تفسد بالاجماع لوجود الصنع من هذا وهو الاستخلاف الا ان
بناء مذهب أبي حنيفة في هذه المسائل على هذا الأصل غير سديد لما ذكرنا في كتاب الطهارة في فصل التيمم
والأصل في باب الاستخلاف ان كل من صح اقتداء الامام به يصلح خليفة له والا فلا ولو كان الامام متيمما وأحدث
وقدم متوضأ جاز لان اقتداء المتيمم بالمتوضئ صحيح بلا خلاف ولو قدمه ثم وجد الامام الأول الماء فسدت
صلاته وحده لان الإمامة تحولت منه إلى الثاني وصار هو كواحد من القوم ففساد صلاته لا يتعدى إلى غيره وإن كان
الامام الأول الأول متوضئا والخليفة متيمم فوجد الخليفة الماء فسدت صلاته وصلاة الأول وصلاة القوم جميعا لان
الإمامة تحولت إليه وصار الأول كواحد من المقتدين به وفساد صلاة الامام يتعدى إلى صلاة القوم ولو قدم
مسبوقا جاز والأولى للامام المحدث أن يستخلف مدركا لا مسبوقا لأنه أقدر على اتمام الصلاة وقد قال عليه الصلاة
والسلام من قلد انسانا عملا وفى رعيته من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين ومع هذا لو قدم
المسبوق جاز ولكن ينبغي أن لا يتقدم لأنه عاجز عن القيام بجميع ما بقي من الاعمال ولو تقدم مع هذا جاز لأنه أهل
للإمامة وهو قادر على أداء الأركان وهي المقصودة من الصلاة فإذا صح استخلافه يتم الصلاة من الموضع الذي
وصل إليه الامام لأنه قائم مقامه فإذا انتهى إلى السلام يستخلف هذا الثاني رجلا أدرك أول الصلاة ليسلم بهم لأنه
عاجز عن السلام لبقاء ما سبق به عليه فصار بسبب العجز عن اتمام الصلاة كالذي سبقه الحدث فيثبت له ولاية
استخلاف غيره فيقدم مدركا ليسلم ويقوم هو لقضائه ما سبق به والامام الأول صار مقتديا بالإمام الثاني لان
الثاني صار اماما فيخرج الامام من الإمامة ضرورة ان الصلاة الواحدة لا يكون لها امامان وإذا لم يبق اماما وقد
بقي هو في الصلاة التي كانت مشتركة بينهم صار مقتديا ضرورة فان توضأ الأول وصلى في بيته ما بقي من صلاته فإن كان
قبل فراغ الإمام الثاني من صلاة الأول فسدت صلاته وإن كان بعد فراغه فصلاته تامة على ما مر ولو قعد الثاني
في الرابعة قدر التشهد ثم قهقه انتقض وضوؤه وصلاته وكذلك إذا أحدث متعمدا أو تكلم أو خرج من المسجد
فسدت صلاته لان الجزء الذي لاقته القهقهة من صلاته قد فسد وقد بقي عليه أركان ومن باشر المفسد قبل أداء
جميع الأركان يفسد صلاته وصلاة المقتدين الذين ليسوا بمسبوقين تامة لان جزأ من صلاتهم وان فسد بفساد
231

صلاة الامام لكن لم يبق عليهم شئ من الافعال فصلاتهم بدون هذا الجزء جائزة فحكم بجوازها فاما المسبوقين
فصلاتهم فاسدة لان هذا الجزء من صلاتهم قد فسد وعليهم أركان لم تؤد بعد كمال حق الإمام الثاني فاما الامام الأول
فإن كان قد فرغ من صلاته خلف الإمام الثاني فصلاته تامة كغيره من المدركين وإن كان في بيته ولم يدخل مع الإمام الثاني
في الصلاة ففيه روايتان ذكر في رواية أبى سليمان ان صلاته فاسدة وذكر في رواية أبى حفص ان صلاته
لا تفسد وجه رواية أبى سليمان ان قهقهة الامام كقهقهة المقتدى في افساد الصلاة ألا يرى أن صلاة المسبوقين
فاسدة ولو قهقه المقتدى نفسه في هذه الحالة لفسدت صلاته لبقاء الأركان عليه فكذا هذا وجه رواية أبى حفص
ان صلاة الامام والمسبوق إنما تفسد لان الجزء الذي لابسته القهقهة أفسدته من وسط صلاتهم فإذا فسد الجزء
فسدت الصلاة فاما هذا الجزء في حق صلاة الامام الأول وهو مدرك لأول الصلاة فمن أخر صلاته لأنه يأتي بما يدركه
أولا ثم يأتي بما يدرك مع الامام والا فيأتي به وحده فلا يكون فساد هذا الجزء موجبا فساد صلاته كما لو كان أتى وصلى
ما تركه وأدرك الامام وصلى بقية الصلاة وقعد مع الامام ثم قهقه الإمام الثاني لا تفسد صلاه الامام الأول كذا هذا
ولو كان من خلف المحدث كلهم مسبوقين ينظر ان بقي على الامام شئ من الصلاة فإنه يستخلف واحدا منهم لان
المسبوق يصلح خليفة لما بينا فيتم صلاة الامام ثم يقوم إلى قضاء ما سبق به من غير تسليم لبقاء بعض أركان الصلاة
عليه وكذا القوم يقومون من غير تسليم ويصلون وحدانا وان لم يبق على الامام شئ من صلاته قاموا من غير أن
يسلموا وأتموا صلاتهم وحدانا لوجوب الانفراد عليهم في هذه الحالة ولو صلى الامام ركعة ثم أحدث فاستخلف رجلا
نام من هذه الركعة وقد أدرك أو لها أو كان ذهب ليتوضأ جاز لكن لا ينبغي للامام أن يقدمه ولا لذلك الرجل أن
يتقدم وان قدم ينبغي أن يتأخر ويقدم هو غيره لان غيره أقدر على اتمام صلاة الامام وانه يحتاج إلى البداية بما فاته
فإن لم يفعل وتقدم جاز لأنه قادر على الاتمام في الجملة وإذا تقدم ينبغي أن يشير إليهم لينتظروه إلى أن يصلى ما فاته
وقت نومه أو ذهابه للتوضؤ ثم يصلى بهم بقية الصلاة لأنه مدرك فينبغي أن يصلى الأول فالأول وان لم يفعل هكذا
ولكنه أتم صلاة الامام ثم قدم مدركا فسلم بهم ثم قام فيقضى ما فاته أجزأه عندنا خلافا لزفر وجه قوله إنه مأمور
بالبداية بالركعة الأولى فإذا لم يفعل فقد ترك الترتيب المأمور به فتفسد صلاته كالمسبوق إذا بدأ بقضاء ما فاته قبل
أن يتابع الامام فيما أدركه معه (ولنا) انه أتى بجميع أركان الصلاة الا انه ترك الترتيب في أفعالها والترتيب
في أفعال الصلاة واجب وليس بفرض لان الترتيب لو ثبتت فرضيته لكان فيه زيادة على الأركان والفرائض وذا
جار مجرى النسخ ولا يثبت نسخ ما ثبت بدليل مقطوع به الا بدليل مثله ولا دليل لمن جعل الترتيب فرضا ليساوي
دليل افتراض سائر الأركان والدليل عليه انه لو ترك سجدة من الركعة الأولى إلى آخر صلاته لم تفسد صلاته ولو كان
الترتيب في أفعال صلاة واحدة فرضا لفسدت وكذا المسبوق إذا أدرك الامام في السجود يتابعه فيه فدل ان مراعاة
الترتيب في صلاة واحدة ليست بفرض فتركها الا يوجب فساد الصلاة
* (فصل) * واما بيان حكم الاستخلاف فحكمه صيرورة الثاني اماما وخروج الأول عن الإمامة وصيرورته في حكم
المقتدى بالثاني ثم إنما يصير الثاني اماما ويخرج الأول عن الإمامة بأحد أمرين اما بقيام الثاني مقام الأول
ينوى صلاته أو بخروج الأول عن المسجد حتى لو استخلف رجلا وهو في المسجد بعد ولم يقم الخليفة مقامه فهو على
إمامته حتى لو جاء رجل فاقتدى به صح اقتداؤه ولو أفسد الأول صلاته فسدت صلاتهم جميعا لان الأول كان اماما
وإنما يخرج عن الإمامة بانتقالها إلى غيره ضرورة ان الصلاة الواحدة لا يجتمع عليها امامان أو بخروجه عن
المسجد لفوت شرط صحة الاقتداء وهو اتحاد البقعة فإذا لم يتقدم غيره ولم يخرج من المسجد لم ينتقل والبقعة
متحدة فبقي اماما في نفسه كما كان وقولنا ينوى صلاة الامام حتى لو استخلف رجلا جاء ساعتئذ قبل أن يقتدى
به فتقدم وكبر فان نوى الاقتداء بالامام وان يصلى بصلاته صح استخلافه وجازت صلاتهم وقال بشر لا يصح
الاستخلاف بناء على أن الاقتداء بالامام المحدث عنده غير صحيح ابتداء لان بقاء الاقتداء به بعد الحدث أمر عرف
232

بالنص بخلاف القياس والابتداء ليس في معنى البقاء ألا ترى ان حدث الامام يمنع الشروع في الصلاة ابتداء ولا يمنع
البقاء فيها فيمنع الاقتداء به أيضا ابتداء ولنا انه لما كبر ونوى الدخول في صلاة الأول والأول بعد في المسجد
وحرمة صلاته باقية صح الاقتداء وبقى الامام الأول بعد صحة الاقتداء على الاستخلاف أي صار الثاني بعد اقتدائه
به خليفة الأول بالاستخلاف السابق فصار مستخلفا من كان مقتديا به فيجوز وإن كان مسبوق لما مروان كبر ونوى
أن يصلى بهم صلاة مستقلة لم يصر مقتديا بالامام الأول فتبين ان الامام استخلف من ليس بمقتد به فلم يصح
الاستخلاف وهذا لان الاستخلاف أمر جوز شرعا بخلاف القياس فيراعى عين ما ورد فيه النص والنص ورد
في استخلاف من هو مقتد به فبقي غير ذلك على أصل القياس وصلاة هذا الثاني صحيحة لأنه افتتحها منفردا بها وصلاة
المنفرد جائزة وصلاة القوم فاسدة لأنه لما لم يصح استخلاف الثاني بقي الأول اماما لهم وقد خرج من المسجد فتفسد
صلاتهم ولأنهم لما صلوا خلف الإمام الثاني صلوا خلف من ليس بامام لهم وتركوا الصلاة خلف من هو امامهم وكلا
الامرين مفسد للصلاة ولأنهم كانوا مقتدين بالأول فلا يمكنهم اتمامها مقتدين بالثاني لان الصلاة الواحدة
لا تؤدى بامامين بخلاف خليفة الامام الأول لأنه قام مقام الأول فكأنه هو بعينه فكان الامام واحدا معنى وإن كان
مثنى صورة وههنا الثاني ليس بخليفة للأول لأنه لم يقتد به قط فكان هذا أداء صلاة واحدة خلف امامين صورة
ومعنى وهذا لا يجوز وأما صلاة الامام الأول فلم يتعرض لها في الكتاب واختلف مشايخنا فيها قال بعضهم تفسد
لأنه لما استخلفه اقتدى به والاقتداء بمن ليس معه في الصلاة يوجب فساد الصلاة وقال بعضهم لا تفسد لأنه خرج
من المسجد من غير استخلاف والأول أصح وقد ذكر في العيون لوان اماما أحدث وقدم رجلا من آخر الصفوف ثم
خرج من المسجد فان نوى الثاني أن يكون اماما من ساعته جازت صلاتهم وصار الأول كواحد من القوم وان نوى
أن يكون اماما إذا قام مقام الأول فسدت صلاتهم إذا خرج الأول قبل أن يصل الثاني إلى مقامه ولو قام الثاني مقام
الأول قبل خروجه من المسجد جازت صلاتهم والله الموفق ومنها أي من مفسدات الصلاة الكلام عمدا أو سهوا
وقال الشافعي كلام الناسي لا يفسد الصلاة إذا كان قليلا وله في الكثير قولان واحتج بما روى عن أبي هريرة أنه قال
صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم احدث صلاتي العشي اما الظهر واما العصر فسلم على رأس الركعتين فخرج
سرعان القوم فقام رجل يقال له ذو اليدين فقال يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسبتها فقال صلى الله عليه وسلم كل
ذلك لم يكن فقال والذي بعثك بالحق لقد كان بعض ذلك ثم أقبل على القوم وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما
فقال صلى الله عليه وسلم أحق ما يقول ذو اليدين فقالا نعم صدق ذو اليدين صليت ركعتين فقام وصلى الباقي وسجد
سجدتي السهو بعد السلام فالنبي صلى الله عليه وسلم تكلم ناسيا فان عنده انه كان أتم الصلاة وذو اليدين تكلم ناسيا
فإنه زعم أن الصلاة قد قصرت ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستقبل الصلاة ولم يأمر ذا اليدين ولا أبا بكر ولا
عمر بالاستقبال وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ولان
كلام الناسي بمنزلة سلام الناسي وذلك لا يوجب فساد الصلاة وإن كان كلاما لأنه خطاب الآدميين ولهذا يخرج عمده
من الصلاة كذا هذا ولنا ما روينا من حديث البناء وهو قوله صلى الله عليه وسلم وليبن علي صلاته ما لم يتكلم جوز
البناء إلى غاية التكلم فيقضى انتهاء الجواز بالتكلم وروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال خرجنا إلى الحبشة
وبعضنا يسلم على بعض في صلاته فلما قدمت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فسلمت عليه فلم
يرد على فأخذني ما قدم وما حدث فلما سلم قال يا ابن أم عبد ان الله تعالى يحدث من أمره ما يشاء وان مما أحدث
أن لا تتكلم في الصلاة وروى عن معاوية بن الحكم السلمي أنه قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعطس بعض القوم فقلت يرحمك الله فرماني بعض القوم بأبصارهم فقلت واثكل أماه مالي أراكم تنظرون إلى
شررا فضربوا أيديهم على أفخاذهم فعلمت أنهم يسكتونني فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم دعاني فوالله
ما رأيت معلما أحسن تعليما منه ما نهرني ولا زجرني ولكن قال إن صلاتا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس
233

إنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن وما لا يصلح في الصلاة فمباشرته مفسد للصلاة كالأكل والشرب
ونحو ذلك ولهذا لو كثر كان مفسدا ولو كان النسيان فيها عذر الاستوى قليله وكثيرة كالأكل في باب الصوم
وحديث ذي اليدين محمول على الحالة التي كان يباح فيها التكلم في الصلاة وهي ابتداء الاسلام بدليل ان ذا
اليدين وأبا بكر وعمر رضي الله عنهم تكلموا في الصلاة عامدين ولم يأمرهم بالاستقبال مع أن الكلام العمد مفسد
للصلاة بالاجماع والرفع المذكور في الحديث محمول على رفع الاثم والعقاب ونحن نقول به والاعتبار بسلام الناسي
غير سديد فان الصلاة تبقى مع سلام العمد في الجملة وهو قوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين والنسيان دون
العمد فجاز أن تبقى مع النسيان في كل الأحوال وفقهه ان السلام بنفسه غير مضاد للصلاة لما فيه من معنى الدعاء
الا أنه إذا قصد به الخروج في أوان الخروج جعل سببا للخروج شرعا فإذا كان ناسيا وبقى عليه شئ من الصلاة
لم يكن السلام موجودا في أو انه فلم يجعل سببا للخروج بخلاف الكلام فإنه مضاد للصلاة ولان النسيان في أعداد
الركعات يغلب وجوده فلو حكمنا بخروجه عن الصلاة يؤدى إلى الحرج فأما الكلام فلا يغلب وجوده ناسيا
فلو جعلناه قاطعا للصلاة لا يؤدى إلى الحرج فبطل الاعتبار والله أعلم والنفخ المسموع مفسد للصلاة عند أبي
حنيفة ومحمد وجملة الكلام فيه ان النفخ على ضربين مسموع وغير مسموع وغير المسموع منه لا يفسد الصلاة
بالاجماع لأنه ليس بكلام معهود وهو الصوت المنظوم المسموع ولا عمل كثير الا أنه يكره لما مر ان ادخال ما ليس
من أعمال الصلاة في الصلاة من غير ضرورة مكروه وإن كان قليلا فأما المسموع منه فإنه يفسد الصلاة في قول
أبي حنيفة ومحمد سواء أراد به التأفيف أو لم يرد وكان أبو يوسف يقول أولا ان أراد به التأفيف بأن قال أف أو تف
على وجه الكراهة للشئ وتبعيده يفسد وان لم يرد به التأفيف لا يفسد ثم رجع وقال لا يفسد أراد به التأفيف أو لم يرد
وجه قوله الأول أنه إذا أراد به التأفيف كان من كلام الناس لدلالته على الضمير فيفسد وإذا لم يرد به التأفيف لم يكن
من كلاما لناس لعدم دلالته على الضمير فلا يفسد كالتنحنح وجه قوله الأخير انه ليس من كلام الناس في الوضع فلا
يصير من كلامهم بالقصد والإرادة ولان أحد الحرفين ههنا من الزوائد التي يجمعها قولك اليوم تنساه والحرف الزائد
ملحق بالعدم يبقى حرف واحد وانه ليس بكلام حتى لو كانت ثلاثة أحرف أصلية أو زائدة أو كانا حرفين أصليين
يوجب فساد الصلاة ولأبي حنيفة ومحمد ان الكلام في العرف اسم للحروف المنظومة المسموعة وأدنى ما يحصل به
انتظام الحروف حرفان وقد وجد في التأفيف وليس من شرط كون الحروف المنظومة كلاما في العرف أن تكون
مفهومة المعنى فان الكلام العربي نوعان مهمل ومستعمل ولهذا لو تكلم بالمهملات فسدت صلاته مع ما أن التأفيف
مفهوم المعنى لأنه وضع في اللغة للتبعيد على طريق الاستخفاف حتى حرم استعمال هذا اللفظ في حق الأبوين احتراما
لهما لقوله تعالى ولا تقل لهما أف وهذا النص من أقوى الحجج لهما أن الله تعالى سمى التأفيف قولا فدل انه كلام
والدليل على أن النفخ كلام ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لغلام يقال له رباح حين مر به وهو ينفخ
التراب من موضع سجوده في صلاته لا تنفخ فان النفخ كلام وفى رواية اما علمت أن من نفخ في صلاته فقد تكلم
وهذا نص في الباب واما التنحنح عن عذر فإنه لا يفسد الصلاة بلا خلاف واما من غير عذر فقد اختلف المشايخ
فيه على قولهما قال بعضهم يفسد لوجود الحرفين من حروف الهجاء وقال بعضهم ان تنحنح لتحسين الصوت لا يفسد
لان ذلك سعى في أداء الركن وهو القراءة على وصف الكمال وروى اما الهدى الشيخ أبو منصور الماتريدي
السمرقندي عن الشيخ أبى بكر الجوزجاني صاحب أبى سليمان الجوزجاني أنه قال إذا قال أخ فسدت صلاته لان له
هجاء ويسمع فهو كالنفخ المسموع وبه تبين ان ما ذكره أبو يوسف من المعنى غير سديد لما ذكرنا ان الله تعالى سماه
قولا ولما ذكرنا ان الحروف المنظومة المسموعة كافية للفساد وان لم يكن لها معنى مفهوما كما لو تكلم بمهمل كثرت
حروفه وأما قوله إن أحد الحرفين من الحروف الزوائد فنعم هو من جنس الحروف الزوائد لكنه من هذه الكلمة
ليس هو بزائد والحاق ما هو من جنس الحروف الزوائد من كلمة ليس هو فيها زائدا بالزوائد محال وكذا قوله بامتناع
234

التغيير بالقصد والإرادة غير صحيح بدليل ان من قال لا يبعث الله من يموت وأراد به قراءة القرآن يثاب عليه ولو
أراد به الانكار للبعث يكفر فدل ان ما ليس من كلام الناس في الوضع جوز أن يصير من كلامهم بالقصد والإرادة
ولو أن في صلاته أو بكى فارتفع بكاؤه فإن كان ذلك من ذكر الجنة أو النار لا تفسد الصلاة وإن كان من وجع أو
مصيبة يفسدها لان الأنين أو البكاء من ذكر الجنة أو النار يكون لخوف عذاب الله وأليم عقابه ورجاء ثوابه فيكون عبادة خالصة ولهذا مدح الله تعالى خليله عليه الصلاة والسلام بالتأوه فقال إن إبراهيم لاواه حليم وقال في موضع
آخر ان إبراهيم لحليم أواه منيب لأنه كان كثير التأوه في الصلاة وكان لجوف رسول الله صلى الله عليه وسلم أزيز
كأزيز المرجل في الصلاة وإذا كان كذلك فالصوت المنبعث عن مثل هذا الأنين لا يكون من كلام الناس فلا يكون
مفسد أو لان التأوه والبكاء من ذكر الجنة والنار يكون بمنزلة التصريح بمسألة الجنة والتعوذ من النار وذلك غير
مفسد كذا هذا وإذا كان ذلك من وجع أو مصيبة كان من كلام الناس وكلام الناس مفسد وروى عن أبي يوسف
أنه قال إذا قال آه لا تفسد صلاته وإن كان من وجع أو مصيبة وإذا قال أوه تفسد صلاته لان الأول ليس من قبيل
الكلام بل هو شبيه بالتنحنح والتنفس والثاني من قبيل الكلام والجواب ما ذكرنا ولو عطس رجل فقال له رجل
في الصلاة يرحمك الله فسدت صلاته لان تشميت العاطس من كلام الناس لما روينا من حديث معاوية بن الحكم
السلمي ولأنه خطاب للعاطس بمنزلة قوله أطال الله بقاءك وكلام الناس مفسد بالنص وان أخبر بخبر يسره فقال
الحمد لله أو أخبر بما يتعجب منه فقال سبحان الله فإن لم يرد جواب المخبر لم تقطع صلاته وان أراد به جوابه
قطع عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف لا يقطع وان أراد به الجواب وجه قوله إن الفساد لو فسدت إنما تفسد
بالصيغة أو بالنية لا وجه للأول لان الصيغة صيغة الأذكار ولا وجه للثاني لان مجرد النية غير مفسد ولهما ان هذا
اللفظ لما استعمل في محل الجواب وفهم منه ذلك صار من هذا الوجه من كلام الناس وان لم يصر من حيث
الصيغة ومثل هذا جائز كمن قال لرجل اسمه يحيى وبين يديه كتاب موضوع يا يحيى خذ الكتاب بقوة وأراد
به الخطاب بذلك لا قراءة القرآن انه يعد متكلما لا قارئا وكذا إذا قيل للمصلى باي موضع مررت فقال بئر معطلة
وقصر مشيد وأراد به جواب الخطاب لما ذكرنا كذا هذا وكذلك إذا أخبر بخبر يسوؤه فاسترجع لذلك فإن لم يرد به
جوابه لم يقطع صلاته وان أراد به الجواب قطع لان معنى الجواب في استرجاعه أعينوني فانى مصاب ولم يذكر خلاف
أبى يوسف في مسألة الاسترجاع في الأصل والأصح انه على الاختلاف ومن سلم فرق بينهما فقال الاسترجاع
اظهار المصيبة وما شرعت الصلاة لأجله فاما التحميد فاظهار الشكر والصلاة شرعت لأجله ولو مر المصلى بآية
فيها ذكر الجنة فوقف عندها وسأل الله الجنة أو بآية فيها ذكر النار فوقف عندها وتعوذ بالله من النار
فإن كان في صلاته التطوع فهو حسن إذا كان وحده لما روى عن حذيفة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة
وآل عمران في صلاة الليل فما مر بآية فيها ذكر الجنة الا وقف وسأل الله تعالى وما مر بآية فيها ذكر النار الا وقف
وتعوذ وما مر بآية فيها مثل الا وقف وتفكر واما الامام في الفرائض فيكره له ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله
في المكتوبات وكذا الأئمة بعده إلى يومنا هذا فكان من المحدثات ولأنه يثقل على القوم وذلك مكروه ولكن لا تفسد
صلاته لأنه يزيد في خشوعه والخشوع زينة الصلاة وكذا المأموم يستمع وينصت لقوله تعالى وإذا قرئ القرآن
فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ولو استأذن على المصلى انسان فسبح وأراد به اعلامه انه في الصلاة لم يقطع صلاته
لما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان في كل يوم بأيهما شئت
دخلت فكنت إذا أتيت الباب فإن لم يكن في الصلاة فتح الباب فدخلت وإن كان في الصلاة رفع صوته بالقراءة
فانصرفت ولان المصلى يحتاج إليه لصيانة صلاته لأنه لو لم يفعل ربما يلح المستأذن حتى يبتلى هو بالغلط في
القراءة فكان القصد به صيانة صلاته فلم تفسد وكذا إذا عرض للامام شئ فسبح المأموم لا بأس به لان القصد به
اصلاح الصلاة فسقط حكم الكلام عنه للحاجة إلى الاصلاح ولا يسبح الامام إذا قام إلى الأخريين لأنه لا يجوز له
235

الرجوع إذا كان إلى القيام أقرب فلم يكن التسبيح مفيدا ولو فتح على المصلى انسان فهذا على وجهين اما إن كان الفاتح
هو المقتدى به أو غيره فإن كان غيره فسدت صلاة المصلى سواء كان الفاتح خارج الصلاة أو في صلاة أخرى غير صلاة
المصلى وفسدت صلاة الفاتح أيضا إن كان هو في الصلاة لان ذلك تعليم وتعلم فان القارئ إذا استفتح غيره فكأنه يقول
ماذا بعد ما قرأت فذكرني والفاتح بالفتح كأنه يقول بعد ما قرأت كذا فخذ مني ولو صرح به لا يشكل في فساد الصلاة
فكذا هذا وكذا المصلى إذا فتح على غير المصلى فسدت صلاته لوجود التعليم في الصلاة ولان فتحه بعد استفتاحه
جواب وهو من كلام الناس فيوجب فساد الصلاة وإن كان مرة واحدة هذا إذا فتح على المصلى عن استفتاح فاما
إذا فتح عليه من غير استفتاح لا تفسد صلاته بمرة واحدة وإنما تفسد عند التكرار لأنه عمل ليس من أعمال الصلاة
وليس بخطاب لاحد فقليله يورث الكراهة وكثيره يوجب الفساد وإن كان الفاتح هو المقتدى به فالقياس هو فساد
الصلاة الا انا استحسانا الجواز لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة المؤمنون فترك حرفا فلما فرغ
قال ألم يكن فيكم أبى قال نعم يا رسول الله قال هلا فتحت على فقال ظننت انها نسخت فقال صلى الله عليه وسلم لو
نسخت لأنبأتكم وعن علي رضي الله عنه أنه قال إذا استطعمك الامام فاطعمه وعن ابن عمر رضي الله عنهما انه قرأ
الفاتحة في صلاة المغرب فلم يتذكر سورة فقال نافع إذا زلزت فقرأها ولان المقتدى مضطر إلى ذلك لصيانة صلاته
عن الفساد عند ترك الامام المجاوزة إلى آية أخرى أو الانتقال إلى الركوع حتى أنه لو فتح على الامام بعد ما انتقل
إلى آية أخرى فقد قيل إنه ان أخذه الامام فسدت صلاة الامام والقوم وان لم يأخذه فسدت صلاة الفاتح خاصة لعدم
الحاجة إلى الصيانة ولا ينبغي للمقتدى أن يعجل بالفتح ولا للامام أن يحوجهم إلى ذلك بل يركع أو يتجاوز إلى آية أو
سورة أخرى فإن لم يفعل الامام ذلك وخاف المقتدى أن يجرى على لسانه ما يفسد الصلاة فحينئذ يفتح عليه لقول على
إذا استطعمك الامام فاطعمه وهو مليم أي مستحق الملامة لأنه أحوج المقتدى واضطره إلى ذلك وقد قال بعض
مشايخنا ينبغي للمقتدى أن ينوى بالفتح على امامه التلاوة وهو غير سديد لان قراءة المقتدى خلف الامام منهى عنها
عندنا والفتح على الامام غير منهى عنه فلا يجوز ترك ما رخص له فيه بنية ما هو منهى عنه وإنما يستقيم هذا إذا
كان الفتح على غير امامه فعند ذلك ينبغي له ان ينوى التلاوة دون التعليم ولا يضره ذلك ولو قرأ المصلى من المصحف
فصلاته فاسدة عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد تامة ويكره وقال الشافعي لا يكره واحتجوا بما روى أن
مولى لعائشة رضي الله عنها يقال له ذكوإن كان يوم الناس في رمضان وكان يقرأ من المصحف ولان النظر في
المصحف عبادة والقراءة عبادة وانضمام العبادة إلى العبادة لا يوجب الفساد الا انه يكره عندهما لأنه تشبه بأهل
الكتاب والشافعي يقول ما نهينا عن التشبه بهم في كل شئ فانا نأكل ما يأكلون ولأبي حنيفة طريقتان إحداهما
ان ما يوجد منه من حمل المصحف وتقليب الأوراق والنظر فيه أعمال كثيرة ليست من أعمال الصلاة ولا حاجة
إلى تحملها في الصلاة فتفسد الصلاة وقياس هذه الطريقة انه لو كان المصحف موضوعا بين يديه ويقرأ منه من غير
حمل وتقليب الأوراق أو قرأ ما هو مكتوب على المحراب من القرآن لا تفسد صلاته لعدم المفسد وهو العمل الكثير
والطريقة الثانية ان هذا يلقن من المصحف فيكون تعلما منه ألا ترى ان من يأخذ من المصحف يسمى متعلما فصار
كما لو تعلم من معلم وذا يفسد الصلاة كذا هذا وهذه الطريقة لا توجب الفصل بين ما إذا كان حاملا للمصحف مقلبا
للأوراق وبين ما إذا كان موضوعا بين يديه ولا يقلب الأوراق وأما حديث ذكوان فيحتمل ان عائشة ومن كان من
أهل الفتوى من الصحابة لم يعلموا بذلك وهذا هو الظاهر بدليل ان هذا الصنيع مكروه بلا خلاف ولو علموا بذلك
لما مكنوه من عمل المكروه في جميع شهر رمضان من غير حاجة ويحتمل أن يكون قول الراوي كان يؤم الناس
في رمضان وكان يقرأ من المصحف اخبارا عن حالتين مختلفتين أي كان يؤم الناس في رمضان وكان يقرأ من
المصحف في غير حالة الصلاة اشعارا منه انه لم يكن يقرأ القرآن ظاهره فكان يؤم ببعض سور القرآن دون أن
يختم أو كان يستظهر كل يوم ورد كل ليلة ليعلم أن قراءة جميع القرآن في قيام رمضان ليست بفرض ولو دعا في
236

صلاته فسأل الله تعالى شيئا فان دعا بما في القرآن لا تفسد صلاته لأنه ليس من كلام الناس وكذا لو دعا بما يشبه ما في
القرآن وهو كل دعاء يستحيل سؤاله من الناس لما قلنا ولو دعا بما لا يمتنع سؤاله من الناس تفسد صلاته عندنا نحو
قوله اللهم أعطني درهما وزوجني فلانة وألبسني ثوبا وأشباه ذلك وقال الشافعي إذا دعا في صلاة بما يباح له
ان يدعو به خارج الصلاة لا تفسد صلاته واحتج بقوله تعالى واسئلوا الله من فضله وقوله صلى الله عليه وسلم
سلوا الله حوائجكم حتى الشسع لنعالكم والملح لقدوركم وعن علي رضي الله عنه انه كان يقنت في صلاة الفجر يدعو
على من ناواه أي عاداه ولنا ان ما يجوز أن يخاطب به العبد فهو من كلام الناس وضعا ولم يخلص دعاء وقد
جرى الخطاب فيما بين العباد بما ذكرنا ألا ترى ان بعضهم يسأل بعضا ذلك فيقول أعطني درهما أو زوجني امرأة
وكلام الناس مفسد ولهذا عد النبي صلى الله عليه وسلم تشميت العاطس كلاما مفسدا للصلاة في ذلك الحديث
لما خاطب الآدمي به وقصد قضاء حقه وإن كان دعاء صيغة وهذا صيغته من كلام الناس وان خاطب الله تعالى فكان
مفسدا بصيغته والكتاب والسنة محمولان على دعاء لا يشبه كلام الناس أو على خارج الصلاة وأما حديث علي رضي الله عنه
فلم يسوغوا له ذلك الاجتهاد حتى كتب إليه أبو موسى الأشعري أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا
فأعد صلاتك وذكر في الأصل أرأيت لو أنشد شعرا أما كان مفسدا لصلاته ومن الشعر ما هو ذكر الله تعالى كما
قال الشاعر * ألا كل شئ ما خلا الله باطل * ولا ينبغي للرجل أن يسلم على المصلى ولا للمصلى أن يرد سلامه
بإشارة ولا غير ذلك أما السلام فلانه يشغل قلب المصلى عن صلاته فيصير مانعا له عن الخير وانه مذموم وأما رد
السلام بالقول والإشارة فلان رد السلام من جملة كلام الناس لما روينا من حديث عبد الله بن مسعود وفيه انه
لا يجوز الرد بالإشارة لان عبد الله قال فسلمت عليه فلم يرد على فيتناول جميع أنواع الرد ولان في الإشارة ترك
سنة اليد وهي الكف لقوله صلى الله عليه وسلم كفوا أيديكم في الصلاة غير أنه إذا رد بالقول فسدت صلاته لأنه كلام
ولو رد بالإشارة لا تفسد لان ترك السنة لا يفسد الصلاة ولكن يوجب الكراهة (ومنها) السلام متعمدا وهو
سلام الخروج من الصلاة لأنه إذا قصد به الخروج من الصلاة صار من كلام الناس لأنه خاطبهم به وكلام الناس
مفسد (ومنها) القهقهة عامدا كان أو ناسيا لان القهقهة في الصلاة أفحش من الكلام ألا ترى انها تنقض الوضوء
والكلام لا ينقض ثم لما جعل الكلام قاطعا للصلاة ولم يفصل فيه بين العمد والسهو فالقهقهة أولى ومنها الخروج
عن المسجد من غير عذر لان استقبال القبلة حال الاختيار شرط جواز الصلاة هذا كله من الحدث العمد
والكلام والسلام والقهقهة والخروج من المسجد إذا فعل شيئا من ذلك قبل أن يقعد قدر التشهد الأخير فاما إذا قعد
قدر التشهد ثم فعل شيئا من ذلك فقد أجمع أصحابنا على أنه لو تكلم أو خرج من المسجد لا تفسد صلاته سواء كان
منفردا أو اماما خلفه لاحقون أو مسبوقون وسواء أدرك اللاحقون الامام في صلاته وصلوا معه أو لم يدركوا
وكذلك لو قهقه أو أحدث متعمدا وهو منفرد وإن كان اماما خلفه لاحقون ومسبوقون فصلاة الامام تامة بلا
خلاف بين أصحابنا وصلاة المسبوقين فاسدة في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد تامة وجه قولهما ان القهقهة
والحدث لم يفسدا صلاة الامام فلا يفسد ان صلاة المقتدى وإن كان مسبوقا لان صلاة المقتدى لو فسدت إنما تفسد
بافساد الامام صلاته لا بافساد المقتدى لانعدام المفسد من المقتدى فلما لم تفسد صلاة الامام مع وجود المفسد من
جهته فلان لا تفسد صلاة المقتدى أولى وصار كما لو تكلم أو خرج من المسجد ولأبي حنيفة الفرق بين الحدث العمد
والقهقهة وبين الكلام والخروج من المسجد والفرق ان حدث الامام افساد للجزء الذي لا قاه من صلاته فيفسد
ذلك الجزء من صلاته ويفسد من صلاة المسبوق الا ان الامام لم يبق عليه فرض فيقتصر الفساد في حقه على الجزء وقد
بقي للمسبوق فروض فتمنعه من البناء فاما الكلام فقطع للصلاة ومضاد لها كما ذكرنا فيمنع من الوجود ولا تفسد
وشرح هذا الكلام ان القهقهة والحدث العمد ليسا بمضادين للصلاة بل هما مضاد ان للطهارة والطهارة شرط
أهلية الصلاة فصار الحدث مضادا للأهلية بواسطة مضادته شرطها والشئ لا ينعدم بما لا يضاده فلم تنعدم الصلاة
237

بوجود الحدث لأنه لا مضادة بينهما وإنما تنعدم الأهلية فيوجد جزء من الصلاة لانعدام ما يضاده ويفسد هذا الجزء
لحصوله ممن ليس بأهل ولا صحة للفعل الصادر من غير الأهل وإذا فسد هذا الجزء من صلاة الامام فسدت صلاة
المقتدى لان صلاته مبنية على صلاة الامام فتتعلق بها صحة وفسادا لان الجزء لما فسد من صلاة الامام فسدت التحريمة
المقارنة لهذا الفعل الفاسد لأنها شرعت لأجل الافعال فتتصف بما تتصف الافعال صحة وفسادا فإذا فسدت
هي فسدت تحريمة المقتدى فتفسد صلاته الا ان صلاة الامام ومن تابعه من المدركين اتصفت بالتمام بدون الجزء
الفاسد فاما المسبوق فقد فسد جزء من صلاته وفسدت التحريمة المقارنة لذلك الجزء فبعد ذلك لا يعود الا بالتحريمة
ولم يوجد فلم يتصور حصول ما بقي من الأركان في حق المسبوق فتفسد صلاته بخلاف الكلام فإنه ليس بمضاد
لأهلية أداء الصلاة بل هو مضاد للصلاة نفسها ووجود الضد لا يفسد الضد الآخر بل يمنعه من الوجود فان أفعال
الصلاة كانت توجد على التجدد والتكرار فإذا انعدم فعل يعقبه غيره من جنسه فإذا تعقبه ما هو مضاد للصلاة
لا يتصور حصول جزء منها مقارنا للضد بل يبقى على العدم على ما هو الأصل عندنا في المتضادات وانتهت أفعال
الصلاة فلم تتجدد التحريمة لان تجددها كان لتجدد الافعال وقد انتهت فانتهت هي أيضا وما فسدت وبانتهاء تحريمة
الامام لا تنتهى تحريمة المسبوق كما لو سلم فان تحريمة الامام منتهية وتحريمة المسبوق غير منتهية لما ذكرنا فلم
تفسد صلاة المسبوقين بخلاف ما نحن فيه واما اللاحقون فإنه ينظر ان أدركوا الامام في صلاته وصلوا معه فصلاتهم
تامة وان لم يدركوا ففيه روايتان في رواية أبى سليمان تفسد وفى رواية أبى حفص لا تفسد هذا إذا كان العارض
في هذه الحالة فعل المصلى فإذا لم يكن فعله كالمتيمم إذا وجد ماء بعد ما قعد قدر التشهد الأخير أو بعد ما سلم وعليه
سجود السهو وعاد إلى السجود فسدت صلاته عند أبي حنيفة ويلزمه الاستقبال وعند أبي يوسف ومحمد صلاته تامة
وهذه من المسائل الاثني عشرية وقد ذكرناها وذكرنا الحجج في كتاب الطهارة في فصل التيمم أمي صلى بعض صلاته
ثم تعلم سورة فقرأها فيما بقي من صلاته فصلاته فاسدة مثل الأخرس يزول خرسه في خلال الصلاة وكذلك لو كان
قارئا في الابتداء فصلى بعض صلاته بقراءة ثم نسي القراءة فصار أميا فسدت صلاته وهذا قول أبي حنيفة وقال زفر
لا تفسد في الوجهين جميعا وقال أبو يوسف ومحمد تفسد في الأول ولا تفسد في الثاني استحسانا وجه قول زفر أن
فرض القراءة في الركعتين فقط ألا ترى ان القارئ لو ترك القراءة في الأوليين وقرأ في الأخريين أجزأه فإذا كان
قارئا في الابتداء فقد أدى فرض القراءة في الأوليين فعجزه عنها بعد ذلك لا يضره كما لو ترك مع القدر وإذا تعلم وقرأ في
الأخريين فقد أدى فرض القراءة فلا يضره عجزه عنها في الابتداء كما لا يضره لو تركها وجه قولهما انه لو استقبل
الصلاة في الأول لحصل الأداء على وجه الأكمل فامر بالاستقبال ولو استقبلها في الثاني لأدى كل الصلاة بغير
قراءة فكان البناء أولى ليكون مؤديا البعض بقراءة ولأبي حنيفة ان القراءة ركن فلا يسقط الا بشرط العجز عنها في
كل الصلاة فإذا قدر على القراءة في بعضها فات الشرط فظهر ان المؤدى لم يقع صلاة ولان تحريمة الأمي لم تنعقد
للقراءة بل انعقدت لا فعال صلاته لا غير فإذا قدر صارت القراءة من أركان صلاته فلا يصح أداؤها بلا تحريمة كأداء
سائر الأركان والصلاة لا توجد بدون أركانها ففسدت ولان الأساس الضعيف لا يحتمل بناء القوى عليه
والصلاة بقراءة أقوى فلا يجوز بناؤها على الضعيف كالعاري إذا وجد الثوب في خلال صلاته والمتيمم إذا وجد الماء
وإذا كان قارئا في الابتداء فقد عقد تحريمته لأداء كل الصلاة بقراءة وقد عجز عن الوفاء بما التزم فيلزمه الاستقبال
ولو اقتدى الأمي بقارئ بعد ما صلى ركعة فلما فرغ الامام قام الأمي لاتمام الصلاة فصلاته فاسدة في القياس وقيل
هو قول أبي حنيفة وفى الاستحسان يجوز وهو قولهما وجه القياس انه بالاقتداء بالقارئ التزم أداء هذه الصلاة
بقراءة وقد عجز عن ذلك حين قام للقضاء لأنه منفرد فيما يقضى فلا تكون قراءة الإمام قراءة الإمام قراءة له فتفسد صلاته وجه
الاستحسان انه إنما التزم القراءة ضمنا للاقتداء وهو مقتد فيما بقي على الامام لا فيما سبقه به ولأنه لو بنى كان
مؤديا بعض الصلاة بقراءة ولو استقبل كان مؤديا جميعها بغير قراءة ولا شك ان الأول أولى (ومنها) انكشاف
238

العورة في خلال الصلاة إذا كان كثيرا لان استتارها من شرائط الجواز فكان انكشافها في الصلاة مفسدا الا أنه
سقط اعتبار هذا الشرط في القليل عندنا خلافا للشافعي للضرورة كما في قليل النجاسة لعدم امكان التحرز عنه على
ما بينا فيما تقدم وكذلك الحرة إذا سقط قناعها في خلال الصلاة فرفعته وغطت رأسها بعمل قليل قيل أن تؤدى
ركنا من أركان الصلاة أو قبل أن تمكث ذلك القدر لا تفسد صلاتها لأن المرأة قد تبتلى بذلك فلا يمكنها التحرز عنه
فاما إذا بقيت كذلك حتى أدت ركنا أو مكثت ذلك القدر أو غطت من ساعتها لكن بعمل كثير فسدت صلاتها
لانعدام الضرورة وكذلك الأمة إذا عتقت في خلال صلاتها وهي مكشوفة الرأس فأخذت قناعها فهو على ما ذكرنا
في الحرة وكذلك المدبرة والمكاتبة وأم الولد لان رؤس هؤلاء ليست بعورة على ما يعرف في كتاب الاستحسان فإذا
أعتقن أخذن القناع للحال لان خطاب الستر توجه للحال الا ان تبين ان عليها الستر من الابتداء لان رأسها إنما
صار عورة بالتحرير وهو مقصور على الحال فكذا صيرورة الرأس عورة بخلاف العاري إذا وجد كسوة في خلال
الصلاة حيث تفسد صلاته لان عورته ما صارت عورة للحال بل كانت عند الشروع في الصلاة الا ان الستر كان قد
سقط لعذر العدم فإذا زال تبين ان الوجوب كان ثابتا من ذلك الوقت وعلى هذا إذا كان الرجل يصلى في ازار واحد
فسقط عنه في خلال الصلاة وهذا كله مذهب علمائنا الثلاثة وهو جواب الاستحسان والقياس أن تفسد صلاته
في جميع ذلك وهو قول زفر والشافعي لان ستر العورة فرض بالنص والاستتار يفوت بالانكشاف وان قل الا أنا
استحسنا الجواز وجعلنا ما لا يمكن التحرز عنه عفوا دفعا للحرج وكذلك إذا حضرته الصلاة وهو عريان لا يجد ثوبا
جازت صلاته لمكان الضرورة ولو كان معه ثوب نجس فقد ذكرنا تفصيل الجواب فيه انه إن كان ربع منه طاهرا
لا يجوز له أن يصلى عريانا ولكن يجب عليه أن يصلى في ذلك الثوب بلا خلاف وإن كان كله نجسا فقد ذكرنا
الاختلاف فيه بين أبي حنيفة وأبى يوسف وبين محمد في كيفية الصلاة فيما تقدم ومنها محاذاة المرأة الرجل في صلاة
مطلقة يشتركان فيها فسدت صلاته عندنا استحسانا والقياس أن لا تكون المحاذاة مفسدة صلاة الرجل وبه أخذ
الشافعي حتى لو قامت امرأة خلف الامام ونوت صلاته وقد نوى الامام امامة النساء ثم حاذته فسدت صلاته
عندنا وعنده لا تفسد وجه القياس ان الفساد لا يخلوا اما أن يكون لخساستها أو لاشتغال قلب الرجل بها
والوقوع في الشهوة لا وجه للأول لأن المرأة لا تكون أخس من الكلب والخنزير ومحاذاتهما غير مفسدة ولان هذا
المعنى يوجد في المحاذاة في صلاة لا يشتركان فيها والمحاذاة فيها غير مفسدة بالاجماع ولا سبيل إلى الثاني لهذا أيضا
ولأن المرأة تشارك الرجل في هذا المعنى فينبغي أن تفسد صلاتها أيضا ولا تفسد بالاجماع والدليل عليه أن المحاذاة
في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة غير مفسدة فكذا في سائر الصلوات وجه الاستحسان ما روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال أخروهن من حيث أخرهن الله عقيب قوله خير صفوف الرجال أو لها وشرها آخرها وخير
صفوف النساء آخرها وشرها أولها والاستدلال بهذا الحديث من وجهين أحدهما أنه لما أمر بالتأخير صار التأخير
فرضا من فرائض الصلاة فيصير بتركة التأخير تاركا فرضا من فرائضها فتفسد والثاني أن الامر بالتأخير أمر
بالتقدم عليها ضرورة فإذا لم تؤخر ولم يتقدم فقد قام مقاما ليس بمقام له فتفسد كما إذا تقدم على الامام والحديث
ورد في صلاة مطلقة مشتركة فبقي غيرها على أصل القياس وإنما لا تفسد صلاتها لان خطاب التأخير يتناول الرجل
ويمكنه تأخيرها من غير أن تتأخر هي بنفسها ويتقدم عليها فلم يكن التأخير فرضا عليها فتركه لا يكون مفسدا
ويستوى الجواب بين محاذاة البالغة وبين محاذاة المراهقة التي تعقل الصلاة في حق فساد صلاة الرجل استحسانا
والقياس أن لا تفسد محاذاة غير البالغة لان صلاتها تخلق واعتياد لا حقيقة صلاة وجه الاستحسان انها مأمورة
بالصلاة مضروبة عليها كما نطق به الحديث فجعلت المشاركة في أصل الصلاة والمشاركة في أصل الصلاة تكفى للفساد
إذا وجدت المحاذاة وإذا عرف أن المحاذاة مفسدة فنقول إذا قامت في الصف امرأة فسدت صلاة رجل عن يمينها
ورجل عن يسارها ورجل خلفها بحذائها لان الواحدة تحاذي هؤلاء الثلاثة ولا تفسد صلاة غيرهم لان هؤلاء
239

صاروا حائلين بينها وبين غيرهم بمنزلة أسطوانة أو كارة من الثياب فلم تتحقق المحاذاة ولو كانتا اثنتين أو ثلاثا
فالمروي عن محمد أن المرأتين تفسد ان صلاة أربعة نفر من على يمينهما ومن على يسارهما ومن خلفهما بحذائهما
والثلاث منهن يفسدن صلاة من على يمينهن ومن على يسارهن وثلاثة ثلاثة خلفهن إلى آخر الصفوف وعن أبي
يوسف روايتان في رواية قال الثنتان يفسد ان صلاة أربعة نفر من على يمينها ومن على يسارهما واثنان من خلفهما
بحذائهما والثلاث يفسدن صلاة خمسة نفر من كان على يمينهن ومن كان على شمالهن وثلاثة خلفهن بحذائهن وفى
رواية الثنتان تفسدان صلاة رجلين عن يمينهما ويسارهما وصلاة رجلين رجلين إلى آخر الصفوف والثلاث يفسدن
صلاة رجل عن يمينهن ورجل عن يسارهن وصلاة ثلاثة ثلاثة إلى آخر الصفوف ولا خلاف في أنهن إذا كن صفا
تاما فسدت صلاة الصفوف التي خلفهن وان وكانوا عشرين صفا وجه الرواية الأولى لأبي يوسف أن فساد
الصلاة ليس لمكان الحيلولة لان الحيلولة إنما تقع بالصف التام من النساء بالحديث ولم توجد وإنما يثبت الفساد
بالمحاذاة ولم توجد المحاذاة الا بهذا القدر وجه الرواية الثانية له أن للمثنى حكم الثلاث بدليل أن الامام يتقدم
الاثنين ويصطفان خلفه كالثلاثة ثم حكم الثلاثة هذا فكذا حكم الاثنين وجه المروى عن محمد أن المرأتين لا تحاذيان الا
أربعة نفر فلا تفسد ان صلاة غيرهم وفى الصف التام القياس هكذا أن تفسد صلاة صف واحد خلفهن لا غير لانعدام
محاذاتهن لمن وراء هذا الصف الواحد الا أنا استحسنا فحكمنا بفساد صلاة الصفوف أجمع لحديث عمر موقوفا
ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من كان بينه وبين الامام نهرا وطريق أو صف من النساء فلا صلاة
له جعل صف النساء حائلا كالنهر والطريق ففي حق الصف الذي يليهن من خلفهن وجد ترك التأخير منهم والحيلولة
بينهم وبين الامام بهن وفى حق الصفوف الاخر وجدت الحيلولة لا غير وكل واحد من المعنيين بانفراده علة كاملة
للفساد ثم الثنتان ليستا بجميع حقيقة فلا يلحقان بالصف من النساء التي هي اسم جمع فانعدمت الحيلولة فيتعلق
الفساد بالمحاذاة لا غير والمحاذاة لم توجد الا بهذا القدر فأما الثلاث منهن فجمع حقيقة فالحقن بصف كامل في حق من
صرن حائلات بينه وبين الامام ففسدت صلاة ثلاثة ثلاثة إلى آخر الصفوف وفسدت صلاة واحد عن يمينهن وواحد
عن يسارهن لان هناك الفساد بالمحاذاة لا بالحيلولة ولم توجد المحاذاة الا بهذا القدر والله أعلم ولو وقفت بحذاء
الامام فأتمت به وقد نوى الامام امامتها فسدت صلاة الامام والقوم كلهم اما صلاة الامام فلوجود المحاذاة في صلاة
مطلقة مشتركة وأما صلاة القوم فلفساد صلاة الامام وكان محمد بن مقاتل الرازي يقول لا يصح اقتداؤها لان
المحاذاة قارنت شروعها في الصلاة ولو طرأت كانت مفسدة فإذا اقترنت منعت من صحة اقتدائها به وهذا غير
سديد لان المحاذاة إنما تؤثر في فساد صلاة مشتركة ولا تقع الشركة الا بعد شروعها في صلاة الامام فلم يكن المفسد
مقارنا للشروع فلا يمنع من الشروع وإن كانت بحذاء الامام ولم تأتم به لم تفسد صلاة الامام لانعدام المشاركة وكذا
إذا قامت امام الامام فأتمت به لان اقتداءها لم يصح فلم تقع المشاركة وكذا إذا قامت إلى جنبه ونوت فرضا آخر
بأن كان الامام في الظهر ونوت في العصر فأتمت به ثم حاذته لم تفسد على الامام صلاته وهذا على رواية باب الحدث
لأنها لم تصر شارعة في الصلاة أصلا فلم تتحقق المشاركة فاما على رواية باب الاذان تفسد صلاة الامام لأنها صارت
شارعة في أصل الصلاة فوجدت المحاذاة في صلاة مشتركة ففسدت صلاته وفسدت صلاتها بفساد صلاة الامام وعليها
قضاء التطوع لحصول الفساد بعد صحة شروعها كما إذا كان الامام في الظهر وقد نوى امامتها فأتمت به تنوى التطوع
ثم قامت بجنبه تفسد صلاته وصلاتها وعليها قضاء التطوع فكذا هذا وقد مرت المسألة من قبل وبعض مشايخنا
قالوا الجواب ما ذكر في باب الاذان وتأويل ما ذكر في باب الحدث أن الرجل لم ينو امامتها في صلاة العصر فتجعل
هي في الاقتداء به بنية العصر بمنزلة ما لم ينو امامتها أصلا فلهذا لا تصير شارعة في صلاته تطوعا ولو قام رجل وامرأة
يقضيان ما سبقهما لامام لم تفسد صلاته ولو كانا أدركا أول الصلاة وكانا ناما أو أحدثا فسدت صلاته لان المسبوقين
فيما يقضيان كل واحد منهما في حكم المنفرد الا ترى أن القراءة فرض على المسبوق ولو سها يلزمه سجود السهو فلم
240

يشتركا في صلاة فلا تكون المحاذاة مفسدة صلاته فاما المدركان فهما كأنهما خلف الامام بعد بدليل سقوط
القراءة عنهما وانعدام وجوب سجدتي السهو عند وجود السهو كأنهما خلف الامام حقيقة فوقعت المشاركة
فوجدت المحاذاة في صلاة مشتركة فتوجب فساد صلاته ومرور المرأة والحمار والكلب بين يدي المصلى لا يقطع
الصلاة عند عامة العلماء وقال أصحاب الظواهر يقطع واحتجوا بما روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
يقطع الصلاة مرور المرأة والحمار والكلب وفى بعض الروايات والكلب الأسود فقيل لأبي ذر وما بال الأسود من
غيره فقال أشكل على ما أشكل عليكم فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال الكلب الأسود
شيطان ولنا ما روى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يقطع الصلاة مرور شئ
وادرؤا ما استطعتم وأما الحديث الذي رووا فقد ردته عائشة رضي الله عنها فإنها قالت لعروة يا عروة ما يقول أهل
العراق قال يقولون يقطع الصلاة مرور المرأة والحمار والكلب فقالت يا أهل العراق والنفاق والشقاق بئسما قرنتمونا
بالكلاب والحمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالليل وأنا نائمة بين يديه معترضة كاعتراض الجنازة وقد
ورد في المرأة نص خاص وكذا في الحمار والكلب روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلى في بيت أم
سلمة فأراد ابنها عمر أن يمر بين يديه فأشار عليه أن قف فوقف ثم أرادت زينب بنتها أن تمر بين يديه فأشار إليها ان
قفى فلم تقف فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال إنهن أغلب وروى عن ابن عباس رضي الله عنهم
ا أنه قال زرت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخي الفضل على حمار في بادية فنزلنا فوجدنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم يصلى فصلينا معه والحمار يرتع بين يديه وفى بعض الروايات والكلب والحمار يمران بين يديه ولو دفع
المار بالتسبيح أو بالإشارة أو أخذ طرف ثوبه من غير مشى ولا علاج لا تفسد صلاته لقوله صلى الله عليه وسلم فادرؤا
ما استطعتم وقوله إذا نابت أحدكم نائبة في الصلاة فليسبح فان التسبيح للرجال والتصفيق للنساء وذكر في كتاب
الصلاة إذا مرت الجارية بين يدي المصلى فقال سبحان الله وأومأ بيده ليصرفها لم تقطع صلاته وأحب إلى أن لا يفعل
منهم من قال معناه أي لا يجمع بين التسبيح والإشارة باليد لان بإحداهما كفاية ومنهم من قال أي لا يفعل شيئا من
ذلك وتأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في وقت كان العمل في الصلاة مباحا ومنها الموت في الصلاة
والجنون والاغماء فيها أما الموت فظاهر لأنه معجز عن المضي فيها وأما الجنون والاغماء فلأنهما ينقضان الطهارة
ويمنعان البناء لما بينا فيما تقدم أن اعتراضهما في الصلاة نادر فلا يلحقان بمورد النص والاجماع في جواز البناء
وهو الحدث السابق وسواء كان منفرد أو مقتديا أو اماما حتى يستقبل القوم صلاتهم عندنا وعند الشافعي يقوم القوم
فيصلون وحدانا كما إذا أحدث الامام ومنها العمل الكثير الذي ليس من أعمال الصلاة في الصلاة من غير ضرورة
فاما القليل فغير مفسد واختلف في الحد الفاصل بين القليل والكثير قال بعضهم الكثير ما يحتاج فيه إلى استعمال
اليدين والقليل مالا يحتاج فيه إلى ذلك حتى قالوا إذا زر قميصه في الصلاة فسدت صلاته وإذا حل ازراره لا تفسد
وقال بعضهم كل عمل لو نظر الناظر إليه من بعيد لا يشك انه في غير الصلاة فهو كثير وكل عمل لو نظر إليه ناظر ربما
يشتبه عليه انه في الصلاة فهو قليل وهو الأصح وعلى هذا الأصل يخرج ما إذا قاتل في صلاته في غير حالة الخوف
أنه تفسد صلاته لأنه عمل كثير ليس من أعمال الصلاة لما بينا وكذا إذا أخذ قوسا ورمى بها فسدت صلاته لان
أخذ القوس وتثقيف السهم عليه ومده حتى يرمى عمل كثير الا ترى أنه يحتاج فيه إلى استعمال اليدين وكذا الناظر
إليه من يعيد لا يشك أنه في غير الصلاة وبعض أهل الأدب عابوا على محمد في هذا اللفظ وهو قوله ورمى بها فقالوا
الرمي بالقوس القاؤها من يده وإنما يقال في الرمي بالسهم رمى عنها لا رمى بها والجواب عن هذا أن غرض محمد
تعليم العامة وقد وجد هذا اللفظ معروفا في لسانهم فاستعمله ليكون أقرب إلى فهمهم فلذلك ذكره وكذا لو
ادهن أو سرح رأسه أو حملت امرأة صبيها وأرضعته لوجود حد العمل الكثير على العبارتين فاما حمل الصبي
بدون الارضاع فلا يوجب فساد الصلاة لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى في بيته وقد حمل امامة بنت
241

أبى العاص على عاتقه فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها ثم هذا الصنيع لم يكره منه صلى الله عليه وسلم لأنه كان
محتاجا إلى ذلك لعدم من يحفظها أو لبيانه الشرع بالفعل ان هذا غير موجب فساد الصلاة ومثل هذا في زماننا أيضا
لا يكره لو أحد منا لو فعل ذلك عند الحاجة أما بدون الحاجة فمكروه ولو صلى وفى فيه شئ بمكة إن كان لا يمنعه
من القراءة ولكن يخل بها كدرهم أو دينارا ولؤلؤة لا تفسد صلاته لأنه لا يفوت شئ من الركن ولكن يكره
لأنه يوجب الاخلال بالركن حتى لو كان لا يخل به لا يكره وإن كان يمنعه من القراءة فسدت صلاته لأنها يفوت
الركن وإن كان في فيه سكرة لا تجوز صلاته لأنه أكل وكذلك إن كان في كفه متاع يمسكه جازت صلاته غير أنه
إن كان يمنعه عن الاخذ بالركب في الركوع أو الاعتماد على الراحتين عند السجود يكره لمنعه عن تحصيل السنة
والا فلا ولو رمى طائرا بحجر لا تفسد صلاته لأنه عمل قليل ويكره لأنه ليس من أعمال الصلاة ولو أكل أو شرب
في الصلاة فسدت صلاته لوجود العمل الكثير وسواء كان عامدا أو ساهيا فرق بين الصلاة والصوم حيث كان
الأكل والشرب في الصوم ناسيا غير مفسد إياه والفرق أن القياس أن لا يفصل في باب الصوم بين العمد والسهو
أيضا لوجود ضد الصوم في الحالين وهو ترك الكف الا أنا عرفنا ذلك بالنص والصلاة ليست في معناه لان الصائم
كثيرا ما يبتلى به في حالة الصوم فلو حكمنا بالفساد يؤدى إلى الحرج بخلاف الصلاة لان الأكل والشرب في الصلاة
ساهيا نادر غاية الندرة فلم يكن في معنى مورد النص فيعمل فيها بالقياس المحض وهو أنه عمل كثير ليس من أعمال
الصلاة الا ترى أنه لو نظر الناظر إليه لا يشك أنه في غير الصلاة ولو مضغ العلك في الصلاة فسدت صلاته كذا ذكره
محمد لان الناظر إليه من بعد لا يشك أنه في غير الصلاة وبهذا تبين أن الصحيح من التحديد هو العبارة الثانية حيث
حكمنا بفساد الصلاة من غير الحاجة إلى استعمال اليد رأسا فضلا عن استعمال اليدين ولو بقي بين أسنانه شئ
فابتلعه إن كان دون الحمصة لم يضره لان ذلك القدر في حكم التبع لريقه لقلته ولأنه لا يمكن التحرز عنه لأنه يبقى
بين الأسنان عادة فلو جعل مفسدا لوقع الناس في الحرج ولهذا لا يفسد الصوم به وإن كان قدر الحمصة فصاعدا
فسدت صلاته ولو قلس أقل من ملء فيه ثم رجع فدخل جوفه وهو لا يملكه لا تفسد صلاته لان ذلك بمنزلة ريقه
ولهذا لا ينقض وضوؤه وكذا المتهجد بالليل قد يبتلى به خصوصا في ليالي رمضان عند امتلاء الطعام عند الفطر
فلو جعل مفسدا لأدى إلى الحرج وقتل الحية والعقرب في الصلاة لا يفسدها لقول النبي صلى الله عليه وسلم اقتلوا
الأسودين ولو كنتم في الصلاة وروى أن عقربا لدغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فوضع عليه نعله
وغمزه حتى قتله فلما فرغ من صلاته قال لعن الله العقرب لا تبالي نبيا ولا غيره أو قال مصليا ولا غيره وبه تبين أنه
لا يكره أيضا لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان ليفعل المكروه خصوصا في الصلاة ولأنه يحتاج إليه لدفع الأذى فكان
موضع الضرورة هذا إذا أمكنه قتل الحية بضربة واحدة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقرب وأما
إذا احتاج إلى معالجة وضربات فسدت صلاته كما إذا قاتل في صلاته لأنه عمل كثير ليس من أعمال الصلاة وذكر
شيخ الاسلام السرخسي أن الأظهر أنه لا تفسد صلاته لان هذا عمل رخص فيه للمصلى فأشبه المشي بعد الحدث
والاستقاء من البئر والتوضؤ هذا الذي ذكرنا من العمل الكثير الذي ليس من أعمال الصلاة إذا عملها المصلى في
الصلاة من غير ضرورة فاما في حالة الضرورة فإنه لا يفسد الصلاة كما في حالة الخوف والله أعلم
* (فصل) * والكلام في صلاة الخوف في مواضع في بيان شرعيتها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بيان
قدرها وفي بيان كيفيتها وفي بيان شرائط جوازها أما الأول فصلاة الخوف مشروعة بعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم في قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبى يوسف الأول وقال الحسن بن زياد لا تجوز وهو قول أبى يوسف الآخر
واحتجا بقوله تعالى وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك الآية جوز صلاة الخوف بشرط
كون الرسول فيهم فإذا خرج من الدنيا انعدمت الشرطية ولان الجواز حال حياته ثبت مع المنافى لما فيها من
أعمال كثيرة ليست من الصلاة وهي الذهاب والمجئ ولا بقاء للشئ مع ما ينافيه الا أن الشرع أسقط اعتبار المنافى
242

حال حياة النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة الناس إلى استدراك فضيلة الصلاة خلفه وهذا المعنى منعدم في زماننا
فوجب اعتبار المنافى فيصلى كل طائفة بامام على حدة ولأبي حنيفة ومحمد اجماع الصحابة رضي الله عنهم على
جوازها فإنه روى عن علي رضي الله عنه أنه صلى صلاة الخوف وروى عن أبي موسى الأشعري أنه صلى صلاة
الخوف بأصبهان وسعيد بن العاص كان يحارب المجوس بطبرستان ومعه جماعة من الصحابة منهم الحسن وحذيفة
وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم فقال أيكم شهد صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حذيفة أنا فقام
وصلى بهم صلاة الخوف على نحو ما يقوله فانعقد اجماع الصحابة على الجواز وبه تبين أن ما ذكرا من المعنى غير سديد
لخروجه عن معارضة الاجماع مع أن ذلك ترك الواجب وهو ترك المشي في الصلاة لا حراز الفضيلة وذا لا يجوز على
أن الحاجة إلى استدراك الفضيلة قائمة لان كل طائفة يحتاجون إلى الصلاة خلف أفضلهم والى احراز فضيلة
تكثير الجماعة ولان الأصل في الشرع أن يكون عاما في الأوقات كلها الا إذا قام دليل التخصيص واحراز الفضيلة
لا يصلح مخصصا لما بينا وأما الآية فليس فيها أنه إذا لم يكن الرسول فيهم لا تجوز فكان تعليقا بالسكوت وأنه
غير صحيح
* (فصل) * وأما مقدارها فيصلى الامام بهم ركعتين إن كانوا مسافرين أو كانت الصلاة من ذوات ركعتين كالفجر
وإن كانوا مقيمين والصلاة من ذوات الأربع أو الثلاث صلى بهم أربعا أو ثلاثا ولا ينتقض عدد الركعات بسبب
الخوف عندنا وهو قول عامة الصحابة وكان ابن عباس يقول صلاة المقيم أربع ركعات وصلاة المسافر ركعتان
وصلاة الخوف ركعة واحدة وبه أخذ بعض العلماء واحتج بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف
في غزوة ذات الرقاع بكل طائفة ركعة فكانت له ركعتان ولكل طائفة ركعة ولنا ما روى ابن مسعود وغيره من
الصحابة رضي الله عنهم صلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ما قلنا وهكذا فعل الصحابة بعده فيكون اجماعا
منهم وما نقل عن ابن عباس فتأويله أنها ركعة مع الامام وعندنا يصلى الامام بكل طائفة ركعة واحدة إذا كانوا
مسافرين وهو تأويل الحديث
* (فصل) * وأما كيفيتها فقد اختلف العلماء فيها اختلافا فاحشا لاختلاف الاخبار في الباب قال علماؤنا يجعل
الامام الناس طائفتين طائفة بإزاء العدو ويفتتح الصلاة بطائفة فيصلى بهم ركعة إن كان مسافرا أو كانت الصلاة
صلاة الفجر وركعتين إن كان مقيما والصلاة من ذوات الأربع وينصرفون إلى وجه العدو ثم تأتى الطائفة الثانية
فيصلى بهم بقية الصلاة فينصرفون إلى وجه العدو ثم تأتى الطائفة الأولى فيقضون بقية صلاتهم بغير قراءة
وينصرفون إلى وجه العدو ثم تجئ الطائفة الثانية فيقضون بقية صلاتهم بقراءة وقال مالك يجعل الناس طائفتين
طائفة بإزاء العدو ويفتتح الصلاة بطائفة فيصلى بهم ركعة ثم يقوم الامام ويمكث قائما فتتم هذه الطائفة صلاتهم
ويسلمون وينصرفون إلى وجه العدو ثم تأتى الطائفة الثانية فيصلى بهم الركعة الثانية ويسلم الامام ولا يسلمون بل
يقومون فيتمون صلاتهم وهو قول الشافعي الا أنه يقول لا يسلم الامام حتى تنم الطائفة الثانية صلاتهم ثم يسلم
الامام ويسلمون معه وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بالطائفة الأولى ركعة
انتظرهم حتى أتموا صلاتهم وذهبوا إلى العدو وجاءت الطائفة الأخرى فبدؤا بالركعة الأولى والنبي صلى الله عليه
وسلم ينتظرهم ثم صلى بهم الركعة الثانية ولم يأخذ به أحد من العلماء وروى شاذا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى
بكل طائفة ركعتين فكانت له أربع ركعات ولكل طائفة ركعتين احتج الشافعي بما روى سهل بن أبي خيثمة أن النبي
صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف على نحو ما قلنا ولنا ما روى ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما أن النبي
صلى الله عليه وسلم صلى صلاها على نحو ما قلنا وروينا عن حذيفة أنه أقام صلاة الخوف بطبرستان بجماعة من الصحابة
على نحو ما قلنا ولم ينكر عليه أحد فكان اجماعا وبه تبين أن الاخذ بما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أولى ولان الرواية عن هؤلاء لم تتعارض والرواية عن سهل بن أبي خيثمة متعارضة فان بعضهم روى عنه مثل
243

مذهبنا فكان الاخذ بروايتهم أولى مع أن فيما رواه الشافعي ما يدل على كونه منسوخا لان فيه أن فيه أن الطائفة الثانية
يقضون ما سبقوا به قبل فراغ الامام ثم يسلمون معه وهذا كان في الابتداء أن المسبوق يبدأ بقضاء ما فاته ثم يتابع
الامام ثم نسخ ولهذا لم يأخذ أحد من العلماء برواية أبي هريرة وما روى في الشاذ غيره قبول لان في حق الطائفة
الثانية يكون اقتداء المفترض بالمتنفل وذا لا يصح عندنا الا أن يكون مؤولا وتأويله انه كان مقيما فصلى بكل طائفة
ركعتين وقضت كل طائفة ركعتين وهو المذهب وعندنا أنه يصلى بكل طائفة شطر الصلاة هذا إذا لم يكن العدو بإزاء
القبلة فإن كان العدو بإزاء القبلة فالأفضل عندنا أن يجعل الناس طائفتين فيصلى بكل طائفة شطر الصلاة على النحو
الذي ذكرنا وان صلى بهم جملة جاز وهو أن يجعل الناس صفين ويفتتح الصلاة بهم جميعا فإذا ركع الامام ركع الكل معه
وإذا رفع رأسه من الركوع رفعوا جميعا وإذا سجد الإمام سجد معه الصف الأول والصف الثاني قيام يحرسونهم فإذا
رفعوا رؤسهم سجد الصف الثاني والصف الأول قعود يحرسونهم فإذا رفعوا رؤسهم سجد الإمام السجدة الثانية
وسجد معه الصف الأول والصف الثاني قعدوا يحرسونهم فإذا رفعوا رؤسهم تأخر الصف الأول وتقدم الصف الثاني
فيصلى بهم الركعة الثانية بهذه الصفة أيضا فإذا قعد وسلم سلموا معه وعند الشافعي وابن أبي ليلى لا تجوز الا بهذه
الصفة واحتجا بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الخوف هكذا بعسفان عند استقبال
العد والقبلة ولأنه ليس في هذه الصلاة بهذه الصفة ذهابا ومجيئا واستدبار القبلة وانها أفعال منافية للصلاة في
الأصل فيجب اعتبارها ما أمكن ونحن نقول كل ذلك جائز والأفضل أن يصلى على نحو ما يصلى أن لو كان
العدو مستدبر القبلة لأنه موافق لظاهر الآية قال الله تعالى فلتقم طائفة منهم معك وقال ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا
فليصلوا معك أمر بجعل الناس طائفتين ولان الحراسة بهذا الوجه أبلغ لان الطائفة الثانية لم يكونوا يشاركونهم
في الصلاة في الركعة الأولي فكانوا أقدر على الحراسة ولان فيما قالا يخالف كل صف امامهم في سجدة ومخالفة
الامام منهية لا تجوز بحال من الأحوال بخلاف المشي واستدبار القبلة فان ذلك جائز بحال فان من سبقه الحدث
يستدبر القبلة ويمشي عندنا وعند الشافعي المتطوع على الدابة يصلى أينما توجهت الدابة ثم لا شك ان الطائفة
الأولي لا يقرؤن في الركعة الثانية لأنهم أدركوا أول الصلاة وعجزوا عن الاتمام لمعنى من المعاني فصار كالنائم
ومن سبقه الحدث فذهب وتوضأ وجاء ولا شك أيضا ان الطائفة الثانية يقرؤن لأنهم مسبوقون فيقضون بقراءة
هذا الذي ذكرنا في ذوات الأربع أو ذوات ركعتين وأما في المغرب فيصلى بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية الركعة
الثالثة وقال سفيان الثوري يصلى بالطائفة الأولي ركعة وبالثانية ركعتين وقال الشافعي هو بالخيار وجه قول سفيان
ان فرض القراءة في الركعتين الأوليين فينبغي أن يكون لكل طائفة في ذلك حظا وذلك فيما قلنا والشافعي يقول مراعاة
التنصيف غير ممكن فان شاء يصلى بهؤلاء ركعتين وان شاء صلى بأولئك ولنا ان التنصيف واجب وقد تعذر ههنا
وكان تفويت التنصيف على الطائفة الثانية أولي لأنه لا تفويت قصدا بل حكما لا يقاء حق الطائفة الأولي لأنه
يجب على الامام أن يصلى بهم ركعة ونصفا لتتحقق المعادلة في القسمة فشرع في الركعة الثانية قضاء لحقهم الا انها
لا تتجزأ فيجب عليه اتمامها فاما لو صلى بالطائفة الأولي ركعة وبالثانية ركعتين فقد فوت التنصيف على الطائفة
الأولى قصد الا حكما لا يقاء حقهم لأنه لم يشتغل بعد بإيفاء حق الثانية ومعلوم ان تفويت الحق حكما دون تفويته
قصدا لذلك كان الامر على ما وصفنا والله أعلم ثم الطائفة الأولى تقضى الركعة الثانية بغير قراءة لأنهم لاحقون
والطائفة الثانية يصلون الركعتين الأوليين بغير قراءة ويقعدون بينهما وبعدهما كما يفعل المسبوق بركعتين في المغرب
* (فصل) * وأما شرائط الجواز فمنها أن لا يقاتل في الصلاة فان قاتل في صلاته فسدت صلاته عندنا وقال مالك لا
تفسد وهو قول الشافعي في القديم واحتجا بقوله تعالى وليأخذوا أسلحتهم أباح لهم أخذ السلاح فيباح القتال ولان
أخذ السلاح لا يكون الا للقتال به ولأنه سقط اعتبار المشي في الصلاة فيسقط اعتبار القتال ولنا أن النبي صلى الله
عليه وسلم شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن بعد هوى من الليل وقال شغلونا عن الصلاة الوسطى ملا
244

الله قبورهم وبطونهم نارا فلو جازت الصلاة مع القتال لما أخرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولان ادخال عمل
كثير ليس من أعمال الصلاة في الصلاة مفسد في الأصل فلا يترك هذا الأصل الا في مورد النص والنص ورد في المشي
لا في القتال مع أن مورد النص بقاء الصلاة مع المشي لا الأداء والأداء فوق البقاء فانى يصح الاستدلال بخلاف أخذ
السلاح لأنه عمل قليل ولان النص ورد بالجواز معه ومنها ان ينصرف ماشيا ولا يركب عند انصرافه إلى وجه العدو
ولو ركب فسدت صلاته عندنا سواء كان انصرافه من القبلة إلى العدو أو من العدو إلى القبلة لان الركوب عمل كثير
وهو مما لا يحتاج إليه بخلاف المشي فإنه أمر لابد منه حتى يصطفوا بإزاء العدو وكذا أخذ السلاح أمر لابد منه
لا رهاب العد والاستعداد للدفع ولأنهم لو غفلوا عن أسلحتهم يميلون عليهم على ما نطق به الكتاب والأصل ان
الاتيان بعمل كثير ليس من أعمال الصلاة فيها لأجل الضرورة فيختص بمحل الضرورة ولو كان الخوف أشد ولا
يمكنهم النزول عن دوابهم صلوا ركبانا بالايماء لقوله تعالى فان خفتم فرجا لا أو ركبانا ثم إن قدروا على استقبال القبلة
يلزمهم الاستقبال والا فلا بخلاف التطوع إذا صلاها على الدابة حيث لا يلزمه الاستقبال وان قدر عليه لان حالة
الفرض أضيق ألا ترى انه يجوز الايماء في التطوع مع القدرة على النزول ولا يجوز ذلك في الفرض ويصلون وحدانا
ولا يصلون جماعة ركبانا في ظاهر الرواية وقد روى عن محمد أنه جوز لهم في الخوف أن يصلوا ركبانا بجماعة وقال
أستحسن ذلك لينالوا فضيلة الصلاة بالجماعة وقد جوزنا لهم ما هو أعظم من ذلك وهو الذهاب والمجئ لاحراز
فضيلة الجماعة وجه ظاهر الرواية ان بينهم وبين الامام طريق فيمنع ذلك صحة الاقتداء على ما بينا فيما تقدم
الا أن يكون الرجل مع الامام على دابة واحدة فيصح اقتداؤه به لعدم المانع والاعتبار بالمشي غير سديد لان ذلك
أمر لابد منه فسقط اعتباره للضرورة ولا ضروة ههنا ولو صلى راكبا والدابة سائرة فإن كان مطلوبا فلا بأس به
لان السير فعل الدابة في الحقيقة وإنما يضاف إليه من حيث المعنى لتسييره فإذا جاء العذر انقطعت الإضافة إليه
بخلاف ما إذا صلى ماشيا أو سابحا حيث لا يجوز لان ذلك فعله حقيقة فلا يتحمل الا إذا كان في معنى مورد النص
وليس ذلك في معناه على ما مر وإن كان الراكب طالبا فلا يجوز لأنه لا خوف في حقه فيمكنه النزول وكذلك الراجل
إذا لم يقدر على الركوع والسجود يومئ ايماء لمكان العذر كالمريض ومنها أن يكون في حال معاينة العدو حتى لو صلوا
صلاة الخوف ولم يعاينوا العدو جاز للامام ولم يجز للقوم إذا صلوا بصفة الذهاب والمجئ وكذا لو رأوا سوادا ظنوه
عدوا فإذا هو إبل لا يجوز عندنا وعند الشافعي تجوز صلاة الكل وجه قوله إن صلاة الخوف شرعت عند الخوف
وقد صلوا عند الخوف فتجزئهم ولنا ان شرط الجواز الخوف من العدو قال الله تعالى ان خفتم أن يفتنكم الذين كفروا
ولم يوجد الشرط الا أن صلاة الامام مقضية بالجواز لانعدام الذهاب والمجئ منه بخلاف القوم فلا يحتمل ذلك
الا الضرورة الخوف من العدو ولم تتحقق ثم الخوف من سبع يعاينون كالخوف من العدو لان الجواز بحكم
العذر وقد تحقق والله أعلم
* (فصل) * وأما حكم هذه الصلوات إذا فسدت أو فاتت عن أوقاتها أو فات شئ من هذه الصلوات عن الجماعة
أو عن محله الأصلي ثم نذكره في آخر تلك الصلاة أما إذا فسدت يجب اعادتها ما دام الوقت باقيا لأنها إذا فسدت
التحقت بالعدم فبقي وجوب الأداء في الذمة فيجب تفريقها عنه بالأداء وأما إذا فاتت صلاة منها عن وقتها بأن
نام عنها أو نسيها ثم تذكرها بعد خروج الوقت أو اشتغل عنها حتى خرج الوقت يجب عليه قضاؤها والكلام
في القضاء يقع في مواضع في بيان أصل وجوب القضاء بعد خروج الوقت وفي بيان شرائط الوجوب وفي بيان شرائط
الجواز وفي بيان كيفية القضاء اما الأول فالدليل عليه قوله النبي صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها
فليصلها إذا ذكرها أو استيقظ فان ذلك وقتها وفى بعض الروايات لا وقت لها الا ذلك وقوله صلى الله عليه وسلم
ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ولان الأصل في العبادات المؤقتة إذا فاتت عن وقتها انها تقضى إذا استجمع شرائط
وجوب القضاء وأمكن قضاؤها لان وجوبها في الوقت لمعان هي قائمة بعد خروج الوقت وهي خدمة الرب تعالى
245

وتعظيمه وقضاء حق العبودية وشكر النعمة وتكفير الزلل والخطايا التي تجرى على يد العبدين الوقتين وأمكن قضاؤها
لان من جنسها مشروع خارج الوقت من حيث الأصل حقا له فيقضى به ما عليه والله أعلم وأما شرائط الوجوب
انها أهلية الوجوب إذا لايجاب على غير الأهل تكليف ما ليس في الوسع ومنها فوات الصلاة من وقتها لان قضاء
الفائت ولا فائت محال ومنها أن يكون من جنسها مشروعا له في وقت القضاء إذا القضاء صرف ماله إلى ما عليه
لان ما عليه يقع عن نفسه فلا يقع عن غيره ومنها أن لا يكون في القضاء حرج إذا لحرج مدفوع شرعا فأما وجوب
الأداء في الوقت فليس من شرائط الوجوب هو الصحيح لان القضاء يجب استدراكا للمصلحة الفائتة في الوقت وهو
الثواب وفوات هذه المصلحة لا يقف على الوجوب فلا يكون وجوب الأداء شرطا لوجوب القضاء على ما عرف
في الخلافيات وإذا عرف هذا فنقول لا قضاء على الصبي والمجنون في زمان الصبا والجنون لعدم أهلية الوجوب
ولا على الكافر لأنه ليس من أهل وجوب العبادة إذا الكفار غير مخاطبين بشرائع هي عبادات عندنا فلا يجب
عليهم بعد البلوغ والإفاقة والاسلام أيضا لان في الايجاب عليهم حرجا لان مدة الصبا مديدة والجنون إذا استحكم
وهو الطويل منه فلما يزول والاسلام من الكافر المقلد لآبائه وأجداده نادر فكان في الايجاب عليهم حرج وأما
المغمى عليه فان أغمي عليه يوما وليلة أو أقل يجب عليه القضاء لانعدام الحرج وان زاد على يوم وليلة لا قضاء
عليه لأنه يحرج في القضاء لدخول العبادة في حد التكرار وكذا المريض العاجز عن الايماء إذا فاتته صلوات ثم برأ
فإن كان أقل من يوم وليلة أو يوما وليلة قضاه وإن كان أكثر لا قضاء عليه لما قلنا في المغمى عليه ومن المشايخ
من قال في المريض انه يقضى وان امتد وطال لان المرض لا يعجزه عن فهم الخطاب بخلاف الاغماء والصحيح انه لا
فرق بينهما لان سقوط القضاء عن المغمى عليه ليس لعدم فهم الخطاب بدليل انه لا قضاء على الحائض والنفساء وإن كانت
ا تفهمان الخطاب بل لمكان الحرج وقد وجد في المريض وروى عن محمد ان الجنون القصير بمنزلة الاغماء ودلت
هذه المسائل على أن سابقية وجوب الأداء ليست بشرط لوجوب القضاء وعلى هذا تخرج الصلوات الفائتة في أيام
التشريق إذا قضاها في غير أيام التشريق انه يقضيها بلا تكبير لان في وقت القضاء صلاة مشروعة من جنس الفائتة
وليس فيه تكبير مشروع من جنسه وهو الذي يجهر به وأما شرائط جواز القضاء فجميع ما ذكرنا انه شرط جواز
الأداء فهو شرط جواز القضاء الا الوقت فإنه ليس للقضاء وقت معين بل جميع الأوقات وقت له الا ثلاثة وقت طلوع
الشمس ووقت الزوال ووقت الغروب فإنه لا يجوز القضاء في هذه الأوقات لما مر ان من شأن القضاء أن يكون مثل
الفائت والصلاة في هذه الأوقات تقع ناقصة والواجب في ذمته كامل فلا ينوب الناقص عنه وهذا عندنا وأما عند
الشافعي فقضاء الفرائض في هذه الأوقات جائز كما قال بجواز أداء الفجر مع طلوع الشمس وكما يجوز أداء عصر يومه
عند مغيب الشمس بلا خلاف واحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها
إذا ذكرها فان ذلك وقتها لا وقت لها غيره من غير فصل بين وقت ووقت والدليل عليه انه يجوز عصر يومه أداء
فكذا قضاء ولنا عموم النهى عن الصلاة في هذه الأوقات بصيغته وبمعناه على ما نذكر في صلاة التطوع إن شاء الله
تعالى وما رواه عام في الأوقات كلها وما نرويه خاص في الأوقات الثلاثة فيخصصها عن عموم الأوقات مع ما ان
عند التعارض الرجحان للحرمة على الحل احتياطا لأمر العبادة بخلاف عصر يومه فان الاستثناء بعصر يومه
ثبت في الروايات كلها فجوزناها ولأنا لو لم نجوز لامرنا بالتفويت وتفويت الصلاة عن وقتها كبيرة وهي معصية من
جميع الوجوه ولو جوزنا الأداء كان الأداء طاعة من وجه من حيث تحصيل أصل الصلاة وإن كان معصية
من حيث التشبيه بعبدة الشمس ولا شك ان هذا أولى ولان الصلاة يتضيق وجوبها بآخر الوقت وفى عصر
يومه يتضيق الوجوب في هذا الوقت الا ترى ان كافرا لو أسلم في هذا الوقت أو صبيا احتلم تلزمه هذه الصلاة والصلاة
منهى عنها في هذا الوقت وقد وجبت عليه ناقصة وأداها كما وجبت بخلاف الفجر إذا طلعت فيها الشمس لان
الوجوب يتضيق بآخر وقتها ولا نهى في آخر وقت الفجر وإنما النهى يتوجه بعد خروج وقتها فقد وجبت عليه
246

الصلاة كاملة فلا تتأدى بالناقصة فهو الفرق والله أعلم وأما بيان كيفية قضاء هذه الصلوات فالأصل ان
كل صلاة ثبت وجوبها في الوقت وفاتت عن وقتها انه يعتبر في كيفية قضائها وقت الوجوب وتقضى على
الصفة التي فاتت عن وقتها لان قضاءها بعد سابقية الوجوب والفوت يكون تسليم مثل الواجب الفائت فلابد وأن يكون
على صفة الفائت لتكون مثله الا لعذر ضرورة لان أصل الأداء يسقط بعذر فلان يسقط وصفه لعذر
أولى ولان كل صلاة فائت عن وقتها من غير تقدير وجوب الأداء لعذر مانع من الوجوب ثم زال العذر يعتبر في
قضائها الحال وهي حال القضاء لا وقت الوجوب لان الوجوب لم يثبت فيقضى على الصفة التي هو عليها للحال
لان الفائت ليس بأصل بل أقيم مقام صفة الأصل خلفا عنه للضرورة وقد قدر على الأصل قبل حصول المقصود
بالبدل فيراعى صفة الأصل لا صفة الفائت كمن فاتته صلوات بالتيمم انه يقضيها بطهارة الماء إذا كان قادرا على الماء
وعلى هذا يخرج المسافر إذا كان عليه فوائت في الإقامة انه يقضيها أربعا لأنها وجبت في الوقت كذلك وفاتته
كذلك فيراعى وقت الوجوب لا وقت القضاء وكذا المقيم إذا كان عليه فوائت السفر يقضيها ركعتين لأنها فاتته
بعد وجوبها كذلك فأما المريض إذا قضى فوائت الصحة قضاها على حسب ما يقدر عليه لعجزه عن القضاء
على حسب الفوات وأصل الأداء يسقط عنه بالعجز فلان يسقط وصفه أولى والصحيح انه إذا كان عليه فوائت
المرض يقضيها على اعتبار حال الصحة لا على اعتبار حال الفوات حتى لو قضاها كما فاتته لا يجوز فان فاتته الصلاة
بالايماء فقضاها في حال الصحة بالايماء لم تجز لان الايماء ليس بصلاة حقيقة لانعدام أركان الصلاة فيه وإنما أقيم
مقام الصلاة خلفا عنها لضرورة العجز على تقدير الأداء بالايماء فإذا لم يؤد بالايماء لم يقم مقامها فبقي الأصل واجبا
عليه فيؤديه كما وجب والله أعلم وأما إذا فات شئ من هذه الصلوات عن الجماعة وأدرك الباقي كالمسبوق وهو الذي
لم يدرك أول الصلاة مع الامام أو اللاحق وهو الذي أدرك أول الصلاة مع الامام ثم نام خلفه أو سبقه الحدث حتى
صلى الامام بعض صلاته ثم انتبه أو رجع من الوضوء فكيف يقضى ما سبق به أما المسبوق فإنه يجب عليه أن يتابع
الامام فيما أدرك ولا يتابعه في التسليم فإذا سلم الامام يقوم هو إلى قضاء ما سبق به لقوله صلى الله عليه وسلم ما أدركتم
فصلوا وما فاتكم فاقضوا ولو بدأ بما سبق به تفسد صلاته لأنه انفرد في موضع وجب عليه الاقتداء لوجوب متابعة
الامام فيما أدرك بالنص والانفراد عند وجوب الاقتداء مفسد للصلاة ولان ذلك حديث منسوخ بحديث
معاذ رضي الله عنه حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سن لكم سنة حسنة فاستنوا بها أمر بالاستنان بسنته
فيقتضى وجوب متابعة الامام فيما أدرك عقيب الادراك بلا فصل فصار ناسخا لما كان قبله وأما اللاحق فإنه يأتي
بما سبقه الامام ثم يتابعه لأنه في الحكم كأنه خلف الامام لالتزامه متابعة الامام في جميع صلاته واتمامه الصلاة مع
الامام فصار كأنه خلف الامام ولهذا لا قراءة عليه ولا سهو عليه كما لو كان خلف الامام حقيقة بخلاف المسبوق فإنه
منفرد لأنه ما التزم متابعة الامام الا في قدر ما أدرك ألا ترى انه يقرأ ويسجد لسهوه بخلاف اللاحق ولو لم يشتغل بما
سبقه الامام ولكنه تابع الامام في بقية صلاته لا تفسد صلاته عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر تفسد بناء على أن الترتيب
في أفعال الصلاة الواحدة ليس بشرط عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر والمسألة قد مرت ثم ما أدركه المسبوق مع الامام
هل هو أول صلاته أو آخر صلاته وكذا ما يقضيه اختلف فيهما قال أبو حنيفة وأبو يوسف ما أدركه مع الامام آخر
صلاته حكما وإن كان أول صلاته حقيقة وما يقضيه أول صلاته حكما وإن كان آخر صلاته حقيقة وقال بشر بن غياث
المريسي وأبو طاهر الدباس ان ما يصلى مع الامام أول صلاته حكما كما هو أول صلاته حقيقة وما يقضى آخر صلاته
حكما كما هو آخر صلاته حقيقة وهو قول الشافعي وهو اختيار القاضي الامام صدر الاسلام البزدوي رحمه الله والمسألة
مختلفة بين الصحابة روى عن علي وابن عمر مثل قول أبي حنيفة وأبى يوسف وعن ابن مسعود رضي الله عنه مثل
قولهم وذكر الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل البخاري وقال وجدت في غير رواية الأصول عن محمد أنه قال ما أدرك
المسبوق مع الامام أول صلاته حقيقة وحكما وما يقضى آخر صلاته حقيقة وحكما كما قال أولئك الا في حق ما يتحمل
247

الامام عنه وهو القراءة فإنه يعتبر آخر صلاته وفائدة الخلاف تظهر في حق القنوت والاستفتاح فعلى قول أولئك يأتي
بالاستفتاح عقيب تكبيرة الافتتاح لا فيما يقضى لان ذلك أول صلاته حقيقة وحكما وكذا عند محمد لان هذا مما
لا يتحمل عنه الامام فكانت الركعة المدركة مع الامام أول صلاته في حق الاستفتاح فيأتي به هناك واما القنوت
فيأتي به ثانيا في آخر ما يقضى في قولهم لأنه آخر صلاته وما أتى به مع الامام أتى بطريق التبعية وإن كان في غير محله
فلابد وان يأتي بعد ذلك في محله وعلى قول محمد ينبغي أن يأتي به ثانيا في آخر ما يقضى كما هو أولئك لان الامام
لا يتحمل القنوت عن القوم ومع ذلك روى عنه انه لا يأتي به ثانيا لان في القنوت عنه روايتان في رواية يتحمله
الامام لشبهه بالقراءة وعلى هذه الرواية لا يشكل انه لا يأتي به ثانيا لأنه جعل المدرك مع الامام آخر صلاته في حق
القراءة وفى رواية عنه لا يتحمل الامام القنوت ومع هذا قال لا يأتي به المسبوق ثانيا لأنه أتى به مرة مع الامام ولو أتى
به في غير محله فلا يأتي به ثانيا لأنه يؤدى إلى تكرار القنوت وهو غير مشروع في صلاة واحدة بخلاف التشهد حيث
يأتي به إذا اقضي ركعة وإن كان أتى به مع الامام في غير محله لأنه وان أدى إلى التكرار لكن التكرار في التشهد
مشروع في صلاة واحدة وأما على قول أبي حنيفة وأبى يوسف لا يأتي بالاستفتاح فيما أدك مع الامام بل فيما
يقضى لان أول صلاته حكما هذا وهو ما يقضى لا ذاك ولا يأتي بالقنوت فيما يقضى لأنه أتى به مع الامام في محله لان
ذاك آخر صلاته حكما وما يقضى أول صلاته ومحل القنوت آخر الصلاة لا أولها فتظهر فائدة الاختلاف بين أصحابنا
في الاستفتاح لا في القنوت وهكذا ذكر القدوري عن محمد بن شجاع البلخي ان قائدة الاختلاف بين أصحابنا
تظهر في حق الاستفتاح احتج المخالفون لأصحابنا بما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما أدركتم
فصلوا وما فاتكم فأتموا أطلق لفظ الاتمام على أداء ما سبق به واتمام الشئ يكون بآخره فدل ان الذي يقضى آخر
صلاته والدليل عليه وجوب القعدة على من سبق بركعتين من المغرب إذا قضى ركعة ولو كان ما يقضى أول صلاته
لما وجبت القعدة الواحدة لأنها تجب على رأس الركعتين لا عقيب ركعة واحدة وكذا إذا قضى الركعة الثانية
تفترض عليه القعدة والقعدة لا تفترض عقيب الركعتين وكذا لو كان ما أدرك مع الامام آخر صلاته كان ما قعد
مع الامام في محله فيكون فرضا له كما للامام فلا يفترض ثانيا فيما يقضى كما لا يأتي بالقنوت عندكم ثانيا لحصول
ما أدرك مع الامام في محله ولا يلزمنا إذا سبق بركعتين من المغرب حيث يقضيهما مع قراءة الفاتحة والسورة
جميعا ولو كان ما يقضى آخر صلاته حقيقة وحكما لكان لا تجب عليه القراءة في الثانية من الركعتين اللتين
يقضيهما لأنها ثالثة ولا تجب القراءة في الثالثة لأنا نقول إن الامام وإن كان لم يقرأ في الثالثة فلابد للمسبوق من
القراءة فيها قضاء عن الأولى كما في حق الامام إذا لم يقرأ في الأولى يقضى في الثالثة وإن كان قرأ فقراءته التي وجدت
في ثالثته ليست بفريضة وقراءة الإمام إنما تنوب عن قراءة المقتدى التي هي فرض على المقتدى إذا كانت
فرضا في حق الامام والقراءة في الثالثة ليست بفرض في حق الامام فلا تنوب عن المقتدى فيجب عليه
القراءة في الثالثة لهذا لا لأنها أول صلاته وجه قول محمد ان المؤدى مع الامام أول الصلاة حقيقة وما يقضى
آخرها حقيقة وكل حقيقة يجب تقريرها لا إذا قام الدليل على التغيير وما أدرك في حق الامام آخر صلاته فتصير
آخر صلاة المقتدى بحكم التبعية الا ان التبعية تظهر في حق ما يتحمل الامام عن المقتدى لا في حق ما لا يتحمل
فلا يظهر فيه حكم التبعية فانعدم الدليل المعتبر فبقيت الحقيقة على وجوب اعتبارها وتقريرها وجه قول أبي حنيفة
وأبى يوسف ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا والقضاء اسم
لما يؤدى من الفائت والفائت أول الصلاة فكان ما يؤديه المسبوق قضاء لما فاته وهو أول الصلاة والمعنى في المسألة
ان المدرك لما كان آخر صلاة الامام يجب أن يكون آخر صلاة المقتدى إذ لو كان أول صلاته لفات الاتفاق بين الفرضين
وانه مانع صحة الاقتداء لان المقتدى تابع للامام فيقضى الاتفاق أن يكون للتابع ما للمتبوع والا فاتت التبعية
والدليل على انعدام الاتفاق بين أول الصلاة وآخرها انهما يختلفان في حكم القراءة فان القراءة لا توجد في الأوليين
248

الا فرضا وتوجد في الأخريين غير فرض وكذا تجب في الأوليين قراءة الفاتحة والسورة ولا تجب في الأخريين وكذا
الشفع الأول مشروع على الأصالة والشفع الثاني مشروع زيادة على الأول فان الصلاة فرضت في الأصل ركعتين
فأقرت في السفر وزيدت في الحضر على ما روى في الخبر فينبغي ان لا يصح الاقتداء ومع هذا صح فدل على ثبوت
الموافقة وذلك في حق الامام آخر الصلاة فكذا في حق المقتدى ولا حجة لهم في الحديث لان تمام الشئ لا يكون بآخره
لا محالة فان حد التمام ما إذا حررناه لم يحتج معه إلى غيره وذا لا يختص بأول ولا بآخر فان من كتب آخر الكتاب
أولا ثم كتب أوله يصير متمما بالأول لا بالآخر وكذا قراءة الكتاب بأن قرأ أولا نصفه الأخير ثم الأول وأما وجوب
القعدة بعد قضاء الأوليين من الركعتين اللتين سبق بهما فنقول القياس أن يقضى الركعتين ثم يقعد الا انا
استحسانا وتركنا القياس بالأثر وهو ما روى أن جندبا ومسروقا ابتليا بهذا فصلى جندب ركعتين ثم قعد وصلى
مسروق ركعة ثم قعد ثم صلى ركعة أخرى فسألا ابن مسعود عن ذلك فقال كلا كما أصاب ولو كنت أنا لصنعت
كما صنع مسروق وإنما حكم بتصويبهما لما ان ذلك من باب الحسن والا حسن كما في قوله تعالى في قصة داود
وسليمان عليهما الصلاة والسلام ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما فلا يؤدى إلى تصويب كل مجتهد
ويحمل على التصويب في نفس الاجتهاد لا فيما أدى إليه اجتهاده على ما روى عن أبي حنيفة أنه قال كل مجتهد
مصيب والحق عند الله واحد والأول أصح ثم العذر عنه ان المدرك مع الامام أول صلاته حقيقة وفعلا لكنا
جعلنا آخر صلاته حكما للتبعية وبعد انقطاع تحريمة الامام زالت التبعية فصارت الحقيقة معتبرة فكانت هذه
الركعة ثانية هذا المسبوق والقعدة بعد الركعة الثانية في المغرب واجبة ان لم تكن فرضا فينبغي أن يقعد وكذا
القعدة بعد قضاء الركعتين افترضت لأنها من حيث الحقيقة وجدت عقيب الركعة الأخيرة وصارت الحقيقة
واجبة الاعتبار وقولهم إنها وقعت في محلها فلا يؤتى بها ثانيا قلنا هي وان وقعت في آخر الصلاة في حق المقتدى
كما وقعت في حق الامام غير أنها ما وقعت فرضا في حق المسبوق لان فرضيتها ما كانت لوقوعها في آخر الصلاة بل
لحصول التحلل بها حتى أن المتطوع إذا قام إلى الثالثة انقلبت قعدته واجبة عندنا ولم تبق فرضا لانعدام التحلل فكذا
هذه القعدة عندنا جعلت فعلا في حق المسبوق وبعد الفراغ مما سبق جاء أو ان التحلل فافترضت القعدة وأما حكم
القراءة في هذه المسألة فنقول إذا أدرك مع الامام ركعة من المغرب ثم قام إلى القضاء يقضى ركعتين ويقرأ في كل
ركعة بفاتحة الكتاب وسورة ولو ترك القراءة في إحداهما فسدت صلاته اما عندهما فلانه يقضى أول صلاته وكذا
عند محمد في حق القراءة والقراءة في الأوليين فرض فتركها يوجب فساد الصلاة وأما على قول المخالفين فلعلة أخرى
على ما ذكرنا وكذا إذا أدرك مع الامام ركعتين منها قضى ركعة بقراءة ولو أدرك مع الامام ركعة في ذوات الأربع
فقام إلى القضاء قضى ركعة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وسورة ويتشهد ثم يقوم فيقضى ركعة أخرى يقرأ فيها
بفاتحة الكتاب وسورة ولو ترك القراءة في إحداهما تفسد صلاته لما قلنا وفى الثالثة هو بالخيار والقراءة أفضل
لما عرف ولو أدرك ركعتين منها قضى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب وسورة ولو ترك القراءة في إحداهما
فسدت صلاته لما ذكرنا ويستوى الجواب بين ما إذا قرأ امامه في الأوليين وبين ما إذا ترك القراءة فيهما وقرأ في
الأخريين قضاء عن الأوليين وادركه المسبوق فيهما لما ذكرنا فيما تقدم أن قراءة الإمام في الأخريين تلتحق
بالأوليين فتخلوا الاخريان عن القراءة فكأنه لم يقرأ فيهما وأما إذا فات شئ عن محله ثم نذكره في آخر الصلاة بان
ترك شيئا من سجدات صلاته ساهيا ثم تذكره بعد ما قعد قدر التشهد قضاه سواء كان المتروك سجدة واحدة أو أكثر
وسواء علم أنه من أية ركعة تركه أو لم يعلم لكن الكلام في كيفية القضاء وما يتعلق به وهي المسائل المعروفة بالسجدات
* (فصل) * والكلام في مسائل السجدات يدور على أصول منها ان السجدة الأخيرة إذا فاتت عن محلها وقضيت
التحقت بمحلها على ما هو الأصل في القضاء ومنها ان الصلاة إذا ترددت بين الجواز والفساد فالحكم بالفساد أولى
وإن كان للجواز وجوه وللفساد وجه واحد لان الوجوب كان ثابتا بيقين فلا يسقط بالشك ولان الاحتياط فيما
249

قلنا لان إعادة ما ليس عليه أولى من ترك ما عليه ومنها ان السجدة المؤداة في وقتها لا تحتاج إلى النية والتي صارت
بمحل القضاء لابد لها من النية لأنها إذا أديت في محلها تناولتها نية أصل الصلاة فإنها جعلت متناولة كل فعل
في محله المتعين له شرعا فاما ما وجد في غير محله فلم تتناوله النية الحاصلة لأصل الصلاة ومنها ان الفعل
متى دار بين السنة والبدعة كان ترك البدعة واجبا وتحصيل الواجب أولى من تحصيل السنة ومتى
دار بين البدعة والفريضة كان التحصيل أولى لان ترك البدعة واجب والفرض أهم من الواجب
ولان ترك الفرض يفسد الصلاة وتحصيل البدعة لا يفسدها فكان تحصيل الفرض أولى ومنها ان المتروك
متى دار بين سجدة وركعة يأتي بالسجدة ثم يتشهد ثم يأتي بالركعة ثم يتشهد ثم يسلم ويأتي بسجدتي السهو وإنما
يبدأ بالسجدة لان المتروك إن كان سجدة فقد تمت صلاته فيتشهد وإن كان المتروك ركعة لا يضره تحصيل زيادة
السجدة وإنما لا يبدأ بالركعة لان المتروك لو كان هو الركعة جازت صلاته ولو كان هو السجدة فإذا أتى بالركعة
فقد زاد ركعة كاملة في خلال صلاته قبل تمام الصلاة فانعقدت الركعة تطوعا فصار منتقلا من الفرض إلى النفل
قبل تمام الفرض فيفسد فرضه وإذا سجد قعد لان المتروك لو كان سجدة تمت صلاته وافترضت القعدة ولو صلى
ركعة قبل التشهد تفسد صلاته لأنه يصير منتقلا من الفرض إلى النفل قبل تمام الفرض ولو كان المتروك هو
الركعة لا يضره تحصيل السجدة والقعدة وقد دارت بين الفرض والبدعة فكان التحصيل أولى ومنها ان زيادة ما دون
الركعة قبل اكمال الفريضة لا يوجب فساد الفريضة بان زاد ركوعا أو سجودا أو قياما أو قعودا الا على رواية عن
محمد ان زيادة السجدة الواحدة مفسدة فزيادة الركعة الكاملة قبل اكمال الفريضة يفسدها وذلك بأن يقيد الركعة
بالسجدة لما مر من الفقه ومنها ان الترتيب في أفعال الصلاة الواحدة لا يكون ركنا وتركه لا يفسد الصلاة عمدا كان
أو سهوا عند أصحابنا الثلاثة لما ذكرنا فيما تقدم ومنها ان القعدة الأولى في ذوات الأربع أو الثلاث من المكتوبات
ليست بفريضة والقعدة الأخيرة فريضة لما مر أيضا ومنها ان سلام السهو لا يفسد الصلاة وان سجدتي السهو
تجب بتأخير ركن عن محله وتؤدى بعد السلام عندنا وقد مر هذا أيضا ومنها ان ينظر في تخريج المسائل إلى المؤديات
من السجدات والى المتروكات فتخرج على الأقل لأنه أسهل وعند استوائهما يخير لاستواء الامرين والله أعلم
وإذا عرفت الأصول فنقول وبالله التوفيق إذا ترك سجدة من هذه الصلوات فالمتروك منه اما إن كان صلاة
الفجر واما إن كان صلاة الظهر والعصر والعشاء واما إن كان صلاة المغرب والمصلى لا يخلوا ما أن يكون زاد على
ركعات هذه الصلوات أو لم يزد فإن كان المتروك منه صلاة الغداة ولم يزد على ركعتيها فترك منها سجدة ثم تذكرها
قبل أن يسلم أو بعد ما سلم قبل أن يتكلم سجدها سواء علم أنه تركها من الركعة الأولى أو من الثانية أو لم يعلم لأنها
فاتت عن محلها ولم تفسد الصلاة بفواتها فلابد من قضائها لأنها ركن ولو لم يقض حتى خرج عن الصلاة فسدت
صلاته كالقراءة في الأوليين إذا فاتت عنهما تقى في الأخريين لأنها ركن ولو لم تقض حتى خرج عن الصلاة فسدت
صلاته فلابد من القضاء وان فاتت عن محلها الأصلي لوجود المحل لقيام التحريمة كذا هذا وينوى القضاء عند تحصيل
هذه السجدة لأنها إن كانت من الركعة الأولى تحتاج إلى النية لدخولها تحت القضاء وإن كانت من الركعة الثانية
لا تحتاج لان نية أصل الصلاة تناولته فعند الاشتباه يأتي بالنية احتياطا وقيل ينوى ما عليه من السجدة في هذه
الصلاة وكذلك كل سجدة متروكة يسجدها في هذا الكتاب وتشهد عقيب السجدة لان العود إلى السجدة الصلبية
يرفع التشهد لأنه تبين انه وقع في غير محله فلابد من التشهد ولو تركه لا تجوز صلاته لان القعدة الأخيرة فرض
فيتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو ثم يتشهد ثم يسلم لما مر وان ترك منها سجدتين فان علم أنه تركهما من ركعتين أو من
الركعة الثانية فإنه يسجدهما ويتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو ويتشهد ويسلم لأنه إذا تركهما من ركعتين فقد تقيد كل
ركعة بسجدة وتوقف تمامها على سجدة فيسجد سجدتين على وجه القضاء فيتم صلاته وإذا تركهما من الركعة
الثانية فيتمها بسجدتين على وجه الأداء لوجودهما في محلهما وان علم أنه تركهما من الركعة الأولى صلى ركعة
250

واحدة لأنه لما ركع ولم يسجد حتى رفع رأسه وقرأ وركع وسجد سجدتين صار مصليا ركعة واحدة لان الركوع وقع
مكررا فلا بد وأن يلغو أحدهما لان ما وجد من السجدتين عقيب الركعة الثانية يلتحقان بأحد الركوعين لكنهما
يلتحقان بالأول أو بالآخر ينظر في ذلك إن كان الركوع قبل القراءة يلتحقان بالركوع الثاني ويلغوا الأول لأنه
وقع قبل أو انه إذا وانه بعد القراءة ولم توجد فلا يعتد به والركوع الثاني وقع في أو انه فكان معتبرا حتى أن من أدرك
الركوع الثاني كان مدركا للركعة كلها ولو أدرك الأول لا يكون مدركا للركعة وإن كان الركوع الأول بعد
القراءة والثاني كذلك فكذلك الجواب في رواية باب السهو وفى رواية باب الحدث المعتبر هو الأول ويضم السجدتان
للسهو ويلغو الثاني ومن أدرك الركوع الثاني دون الأول لم يكن مدركا لتلك الركعة وان لم يعلم سجد سجدتين ثم
صلى ركعة كاملة لأنه إن كان ترك احدى السجدتين من الأولى والأخرى من الثانية فان صلاته تتم بسجدتين لان
كل ركعة تقيدت بالسجدة فيلتحق بكل ركعة سجدة فتتم صلاته وتكون السجدتان على وجه القضاء لفواتهما عن
محلهما وإن كان تركهما من الركعة الأخيرة فليس عليه الا السجدتان أيضا لأنه إذا سجد سجدتين فقد حصلت
السجدتان على وجه الأداء لحصولهما بعدهما عقيب هذه الركعة فيحكم بجواز الصلاة ولا ركعة عليه في هذين
الوجهين وإن كان تركهما من الركعة الأولى صلى ركعة ثم ما وجد من السجدتين عقيب الركعة الثانية يلتحقان
بالركوع الأول إن كان الركوع بعد القراءة على رواية باب الحدث وحصل القيام والركوع مكررا فلم يكن بهما عبرة
فتحصل له ركعة واحدة فالواجب عليه قضاء ركعة وعلى رواية باب السهو تنصرف للسجدتان إلى الركوع الثاني
لقربهما منه فعلا على ما مر ويرتفض الركوع الأول والقيام قبله ويلغو ان فعلى الروايتين جميعا في هذه الحالة تلزمه
ركعة ففي حالتين يجب سجدتان وفى حالة ركعة فيجمع بين الكل ويبدأ بالسجدتين لا محالة لان المتروك إن كان
سجدتين تتم صلاته بهما وبالتشهد بعدهما فالركعة بعد تمام الفرض لا تضر وإن كان المتروك ركعة فزيادة السجدتين
وقعدة لا تضر أيضا ولو بدأ بالركعة قبل السجدتين تفسد صلاته لان المتروك إن كان ركعة فقد تمت صلاته بهما وإن كان
سجدتان فزيادة الركعة قبل اكمال الفرض تفسد الفرض لما مر ويقعد بين السجدتين لما ذكرنا ان ذلك آخر
صلاته على بعض الوجوه وينبغي أن ينوى بالسجدتين القضاء وإن كان ذلك مترددا أخذ بالاحتياط ولو ترك
ثلاث سجدات فان وقع تحريه على شئ يعمل به وان لم يقع تحريه على شئ يسجد سجدة ويصلى ركعة لان المؤدى
أقل فيعتبر ذلك فنقول لا يتقيد بسجدة واحدة الا ركعة واحدة فعليه سجدة واحدة تكميلا لتلك الركعة ولا يتشهد
ههنا لان بتحصيل ركعة لا يتوهم تمام الصلاة ليتشهد بل عليه أن يصلى ركعة أخرى ثم يتشهد ويسلم ويسجد
للسهو الا أنه ينبغي أن ينوى بالسجدة قضاء المتروكة الجواز أنه إنما أتى بسجدة بعد الركوع الأول فإذا لم ينو بهذه
السجدة القضاء تتقيد بها الركعة الثانية فإذا قام بعدها وصلى ركعة كان متنفلا بها قبل اكمال الفريضة فتفسد
صلاته وإذا نوى بها القضاء التحقت بمحلها وانتفض الركوع المؤدى بعدها لان ما دون الركعة يحتمل النقض
فلهذا ينوى بها القضاء ولم يذكر محمد رحمه الله انه لو ترك أربع سجدات ماذا يفعل وقيل إنه يسجد سجدتين ثم
يقوم فيصلى ركعة من غير تشهد بين السجدتين والركعة لأنه في الحقيقة قام وركع مرتين فيسجد سجدتين ليلتحق
بأحد الركوعين على اختلاف الروايتين ويلغوا الركوع الآخر وقيامه ويحصل له ركعة وبعد ذلك ان صلى ركعة
تمت صلاته والله تعالى أعلم وان ترك من الظهر أو من العصر أو من العشاء سجدة فيسجد سجدة ويتشهد على ما ذكرنا
في الفجر ولو ترك سجدتين يسجد سجدتين ويصلى ركعة وعليه سجدتا السهو لأنه ان تركهما من ركعتين أيتهما
كانتا فعليه سجدتان وكذا لو تركهما من الركعة الأخيرة ولو تركهما من احدى الثلاث الأول فعليه ركعة لان قياما
وركوعا ارتفضا على اختلاف الروايتين فإذا كان يجب في حال ركعة وفى حال سجدتان يجمع بين الكل احتياطا وإذا
سجد سجدتين يقعد لجواز انه آخر صلاته والقعدة الأخيرة فرض وينوى بالسجدتين ما عليه لجواز ان تركهما من
ثنتين قبل الأخيرة أو من ركعة قبلها ويبدأ بالسجدتين احتياطا لما بينا ولو ترك ثلاث سجدات يسجد ثلاث سجدات
251

ويصلى ركعة لان من الجائز انه ترك ثلاث سجدات من الثلاث الأول فيقيد كل ركعة بسجدة فعليه ثلاث سجدات
ومن الجائز انه ترك سجدة من احدى الثلاث الأول وسجدتين من الرابعة فيتم الرابعة بسجدتين ويلتحق سجدة
بمحلها ومن الجائز انه ترك سجدتين من ركعة من الثلاث الأول وسجدة من ركعة فيلغو قيام وركوع على اختلاف
الروايتين فعليه سجدة لتنضم إلى تلك الركعة التي سجد فيها سجدة وركعة فعليه ثلاث سجدات في حالتين وركعة في
حال فيجمع بين الكل ويقدم السجدات على الركعة لما بينا وينوى بالسجدات الثلاث ما عليه لما مر ويجلس بين
السجدات والركعة لما مر فان ترك أربع سجدات يسجد أربع سجدات ويصلى ركعتين لأنه لو ترك أربع سجدات
من أربع ركعات فعليه أربع سجدات ولو ترك سجدتين من ركعتين من الثلاث الأول وسجدتين من الرابعة فعليه
أربع سجدات ولو ترك الأربع كلها من الركعتين من الثلاث الأول وسجد سجدتين في ركعة منها وسجدتين في
الرابعة فقد لغا قيامان وركوعان فكان الواجب عليه ركعتان ولو ترك سجدتين من ركعة من احدى الثلاث الأول
وسجدتين من ركعتين من الثلاث فعليه ركعة وسجدتان فيجمع بين الكل احتياطا فيسجد أربع
سجدات ويصلى ركعتين ويقدم السجدات على الركعتين لان تقديمها لا يضر وتقدم الركعتين يفسد الفرض
على بعض الوجوه لما بينا والصلاة إذا فسدت من وجه يحكم بفسادها احتياطا لما مر وينوى في ثلاث
سجدات ما عليه لان ثنتين فيها قضاء لا محالة والرابعة ليست بقضاء لا محالة لأنها اما إن كانت زائدة أو من الرابعة
فلا ينوى فيها والثالثة محتملة يحتمل انها من الرابعة انها من الرابعة ويحتمل انها من احدى الثلاث الأول فينوي احتياطا
وإذا سجد أربع سجدات يتشهد لاحتمال ان ذلك آخر صلاته والقعدة الأخيرة فريضة ثم يقوم فيصلى
ركعة ثم يتشهد لان من الجائز ان عليه ركعة وسجدتين فيكون ما بعد الركعة آخر صلاته فلابد من القعدة فيقعد ثم
يقوم ويصلى ركعة أخرى ويقعد ويسلم ثم يسجد سجدتي السهو ويقعد ويسلم وان ترك خمس سجدات يسجد
ثلاث سجدات ويصلى ركعتين وههنا يعتبر المؤدى لأنه أقل فهذا رجل سجد ثلاث سجدات فان سجدها في
ثلاث ركعات تقيدت ثلاث ركعات فعليه ثلاث سجدات وركعة ولو سجد سجدتين في ركعة وسجدة في ركعة
فعليه سجدة وركعتان ففي حال عليه ثلاث سجدات وركعة وفى حال ركعتان وسجدة فيجمع بين الكل
احتياطا فيسجد ثلاث سجدات ويصلى ركعتين ويقدم السجدات على الركعتين لما بينا وإذا سجد ثلاث سجدات
فهل يقعد قبل أن يصلى الركعتين عند عامة المشايخ لا يقعد لأنه لو كان سجد ثلاث سجدات في ثلاث ركعات فإذا سجد
ثلاث سجدات فقد التحقت بكل ركعة سجدة فتمت له الثلاث والقعدة على رأس الثالثة بدعة ولو كان سجد
سجدتين في ركعة وسجدة في ركعة فإذا سجد ثلاث سجدات فقد تمت له ركعتان وسجدتان الا ان السجدتين لفتا
والقعدة على رأس الركعتين عند بعض مشايخنا سنة فدارت القعدة بين السنة والبدعة فكان ترك البدعة أولى
وعند بعض مشايخنا وإن كانت واجبة لكن ترك البدعة فرض وهو أهم من الواجب فكان ترك البدعة أولى وعند
بعض مشايخنا أنه يقعد بعد السجدات الثلاث لان القعدة لما دارت بين الواجب وترك البدعة كان تحصيل الواجب
مستحبا فقالوا يقعد ههنا قعدة مستحبة لا مستحقة لان الواجب ملحق بالفرض في حق العمل ثم بعد ذلك يصلى ركعة
ويقعد لأن هذه رابعته من وجه بأن كان أدى السجدات الثلاث في ثلاث ركعات فإذا سجد ثلاث سجدات تمت له
ثلاث ركعات وإذا صلى ركعة فهذه رابعته والقعدة بعدها فرض وهي ثالثته من وجه بأن أدى السجدتين من ركعة
وسجدة من ركعة فإذا سجد ثلاث سجدات التحقت سجدة بالركعة التي سجد فيها سجدة وتمت له ركعتان فكانت
هذه ثالثته والقعدة بعدها بدعة فدارت بين الفرض والبدعة فيغلب الفرض لان ترك البدعة وإن كان فرضا
واستويا من هذا الوجه لكن ترجحت جهة الفرض لما في ترك الفرض من ضرر وجوب القضاء ثم بعد التشهد يقوم
فيصلى ركعة أخرى ثم يتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو ثم يتشهد ثم يسلم ولو ترك ست سجدات يسجد سجدتين
ويصلى ثلاث ركعات لأنه ما سجدا لا سجدتين فان سجدهما في ركعة فعليه ثلاث ركعات وان سجدهما في ركعتين
252

فعليه سجدتان لتتم الركعتان وركعتان أخرا وان فيجمع بين الكل احتياطا ويقدم السجدتين لما قلنا وبعد
السجدتين هل يجلس أم لا على ما ذكرنا من اختلاف المشايخ لان القعدة دائرة بين انها بعد ركعة أم بعد ركعتين لأنه
إن كان سجد السجدتين في ركعة كانت القعدة بعد ركعة وإن كان سجدهما في ركعتين كانت القعدة بين الركعتين
وبعد ركعة بدعة وبعدهما عند بعضهم سنة وعند بعضهم واجبة وكذا هذا الاختلاف فيما إذا صلى بعد
السجدتين ركعة واحدة لكون الركعة دائرة بين كونها ثانية وبين كونها ثالثة لأنه إن كان سجد السجدتين في ركعة
كانت هذه الركعة ثانية وإن كان سجدهما في ركعتين كانت هذه الركعة ثالثة وإذا صلى ركعة أخرى يجلس بالاتفاق
لكونها دائرة بين كونها رابعة وبين كونها ثالثة فافهم ولو ترك سبع سجدات يسجد سجدة ويصلى ثلاث ركعات
لأنه ما سجد الا سجدة واحدة فلم تنقيد الا ركعة فعليه سجدة لتتم هذه الركعة وثلاث ركعات لتتم الأربع ولو
ترك ثمان سجدات يسجد سجدتين ويصلى ثلاث ركعات لأنه أتى بأربع ركعات فإذا أتى بسجدتين يلتحقان
بركوع واحد ويرتفض الباقي على اختلاف الروايتين فيصير مصليا ركعة فيكون عليه ثلاث ركعات لتتم
الأربع ولو ترك من المغرب سجدة سجدها لا غير لما مر وان ترك سجدتين يسجد سجدتين ويصلى ركعة لما
بينا ويقعد بعد السجدتين لجواز ان فرضه تم بأن تركها من ركعتين والركعة تكون تطوعا فلابد من القعود وان
ترك ثلاث سجدات يسجد ثلاث سجدات ويصلى ركعة لأنه ان ترك ثلاث سجدات من ثلاث ركعات
فإذا سجدها فقد تمت صلاته فيتشهد وان ترك سجدة من احدى الأوليين وسجدتين من الثالثة فعليه ثلاث
سجدات وان ترك سجدتين من إحدى الأوليين فعليه سجدة وركعة فيجمع بين الكل ولو ترك أربع سجدات
يسجد سجدتين ويصلى ركعتين والعبرة في هذا للمؤداة لأنها أقل فهذا رجل سجد سجدتين فان
سجدهما في ركعة فقد صلى ركعة فيصلى ركعتين أخراوين وان سجدهما في ركعتين فقد تقيد بكل سجدة ركعة
فعليه سجدتان ليتما ثم يصلى ركعة ففي حال عليه ركعتان وفى حال سجدتان وركعة فيجمع بين الكل احتياطا
ويسجد سجدتين ويصلى ركعتين وبعد السجدتين الجلسة مختلف فيها وأكثرهم على أنه لا يقعد على ما مر وبين
الركعتين يجلس لا محالة لجواز انها ثالثة وان ترك خمس سجدات يسجد سجدة ويصلى ركعتين لكن ينبغي أن
ينوى بهذه السجدة عن الركعة التي قيدها بالسجدة لأنه لو لم ينو وقد كان قيد الركعة الأولى بالسجدة لالتحقت
هذه السجدة بالركوع الثاني أو الثالث على اختلاف الروايتين فيتقيد له ركعتان يتوقفان على سجدتين فإذا صلى
ركعتين قبل أدائها بين السجدتين اللتين تتم بهما الركعتان المقيدتان فسدت فرضية صلاته فإذا نوى بهذه السجدة
عن الركعة التي تقيدت بتلك السجدة تمت به فبعد ذلك يصلى ركعتين ويقعد بين الركعتين لأن هذه ثانيته بيقين فلم
يكن في القعدة شبهة البدعة ولو ترك ست سجدات يسجد سجدتين ويصلى ركعتين لأنه أتى بثلاث ركعات فيسجد
سجدتين لتلتحقا بركوع منها على اختلاف الروايتين فتتم له ركعة ثم يصلى ركعة ويقعد لعدم شبهة البدعة ثم أخرى
ويقعد فرضا هذا إذا كان لم يزد على عدد ركعات صلاته فاما إذا زاد بان صلى الغداة ثلاث ركعات فان ترك منها سجدة
فسدت صلاته وكذلك إذا ترك سجدتين وثلاثا وان ترك أربعا لم تفسد والأصل في هذه المسائل ان الصلاة متى دارت
بين الجواز والفساد نحكم بفسادها احتياطا وان من أنتقل من الفرض إلي النفل وقيد النفل بالسجدة قبل اتمام
الفرض بأن بقي عليه القعدة الأخيرة أو بقي عليه سجدة فسدت صلاته لما مر أن من ضرورة دخوله في النفل خروجه
عن الفرض وقد بقي عليه ركن فيفسد فرضه كما لو اشتغل بعمل آخر قبل تمام الفرض وأصل آخر انه إذا زاد على
ركعات الفرض ركعة يضم الركعة الزائدة إلى الركعات الأصلية وينظر إلى عددها ثم ينظر إلى سجدات عددها
فتكون سجدات الفجر بالمزيد ستا لأنها مع الركعة الزائدة ثلاث ركعات ولكل ركعة سجدتان وسجدات الظهر
بالمزيد عشر أو سجدات المغرب بالمزيد ثمانيا ثم ينظر إن كان المتروك أقل من النصف أو النصف يحكم بفساد
صلاته لان من الجائز انه أتى في كل ركعة بسجدة فتتقيد ركعات الفرض كلها ثم انتقل منها إلى الركعة الزائدة
253

وهي تطوع قبل أداء تلك السجدات فتفسد صلاته وإن كان المتروك أكثر من النصف يعلم يقينا أن المفروض مع
الزائد لم يتقيدا لكل فان الفجر مع الزائد لم يتقيد بسجدتين بل لو تقيد تقيد ركعتان لا غير لان ثلاث ركعات
لا يتصور أن تنقيد بسجدتين فلم يوجد الانتقال إلى النفل بعد وكذا خمس ركعات في الظهر لا يتصور أن تتقيد
بأربع سجدات ولا المغرب مع الزيادة بثلاث سجدات فلا يتحقق الانتقال إلى النفل ثم في كل موضع لم تفسد فتكون
المؤديات أقل لا محالة فينظر إلى المؤديات في ذلك الفرض ثم يتمم الفرض على ما بينا وإذا عرفت هذه الأصول
فنقول إذا صلى الغداة ثلاث ركعات وترك منها سجدة فسدت صلاته ان تركها من الأولى أو من الثانية فسدت
لأنه لما قيد الثالثة بسجدة فقد انعقدت نفلا فصار خارجا من الفرض ضرورة دخوله في النفل فخرج من الفرض
وقد بقي عليه منه سجدة ففسد فرضه كما لو صلى الفجر ركعتين وترك منها سجدة فلم يسجدها حتى قام وذهب وان
تركها من الثالثة لا تفسد فدارت بين الجواز والفساد فنحكم بالفساد فان ترك سجدتين ان ترك سجدة من
الأولى وسجدة من الثانية فسدت صلاته لتقيد كل واحدة من ركعتي الفرض بسجدة ثم دخل في النفل قبل الفراغ
من الفرض وكذا ان ترك سجدة من احدى الأوليين وسجدة من الثالثة لان ترك سجدة من الأوليين يكفي لفساد
الفرض لما قلنا وان تركهما من الثالثة لا يفسد فرضه لأنه قد صلى ركعتين كل ركعة بسجدتين فإذا في حالين تفسد
وفى حال تجوز ولو كانت تجوز في حالين وتفسد في حال للزم الفساد فههنا أولى وذكر محمد في الأصل في هذه المسألة
قولين أما أحدهما فتفسد صلاته والقول الآخر لا تفسد صلاته وان أراد بالقولين الوجهين اللذين يحتمل أحدهما
الجواز والآخر الفساد على ما بينا فنحكم بالفساد ومن المشايخ من حقق القولين فقال في قول تفسد لما قلنا وفى قول
لا تفسد لأنه يحمل على أن السجدتين المتروكتين من الثالثة تحريا للجواز وهذا غير سديد لأنه لو كان كذلك
لوجب أن يكون فيما إذا ترك سجدة واحدة قولان في قول لا تفسد لأنه يحمل على أنه تركها من الثالثة تحريا
للجواز وكذلك لو ترك ثلاث سجدات تفسد لما قلنا ولو ترك أربع سجدات لا تفسد لان المتروك أكثر من النصف
فهذا الرجل ما سجد الا سجدتين سواء سجدهما في ركعتين أو في ركعة واحدة فلم يصر بذلك خارجا من الفرض إلى
النفل لان الزائد على الركعتين أقل من ركعة فلم يصر منتقلا إلى النفل بعد فلا يفسد فرضه وعليه أن يسجد سجدتين
ويتشهد ولا يسلم ثم يقوم ويصلى ركعة كاملة لأنه قد أتى بسجدتين فإن كان أتى بهما في ركعتين فعليه سجدتان
لا غير وإن كان أتى بهما في ركعة واحدة فعليه ركعة كاملة فيجمع بين الكل احتياطا ويسجد سجدتين أولا ويتشهد
ثم يقوم ويصلى ركعة لما ذكرنا فيما تقدم وصار هذا كما لو صلى الغداة ركعتين وترك منها سجدتين وجوابه ما ذكرنا
كذا هذا وكذلك لو ترك خمس سجدات لا تفسد لان هذا الرجل ما صلى الا ركعة واحدة فيسجد سجدة أخرى لتتم
الركعة ثم يصلى ركعة أخرى كما إذا صلى الغداة ركعتين وترك منها ثلاث سجدات والجواب فيه ما ذكرنا فكذا هذا
وكذلك لو ترك ست سجدات لأنه لم يسجد شيئا وإنما ركع ثلاث ركوعات فيأتي بسجدتين حتى يصير له ركعة كاملة ثم
يصلى ركعة أخرى كما إذا صلى الفجر ركعتين وترك منها أربع سجدات وعلى هذا إذا صلى الظهر أو العصر أو العشاء
خمسا وترك منها سجدة ثم قام وذهب ولو ترك منها سجدتين فكذلك الجواب ان تركها من الأربع الأول وكذلك ان ترك
ثلاثا أو أربعا أو خمسا لاحتمال لاحتمال انه ترك من كل ركعة سجدة فترك ثلاثا من ثلاث وأربعا من الأربع وخمسا من
خمس وذلك جهة الفساد ولو ترك ست سجدات لا تفسد لان المتروك ههنا أكثر لأنه ما سجد الا أربع سجدات
فيسجد أربع سجدات أخر ثم يقوم ويصلى ركعتين ويكون كما إذا صلى أربع ركعات وترك منها أربع سجدات
والجواب والمعنى فيه ما ذكرنا هنا لك كذا ههنا وكذلك ان ترك منها سبعا أو ثمانيا أو تسعا أو عشرا فالجواب فيه
كالجواب فيما إذا صلى أربعا وترك ثلاث سجدات أو سجدتين أو سجدة أو لم يسجد رأسا لا يختلف الجواب
ولا المعنى وقد مر ذلك كله وكذلك لو صلى المغرب أربع ركعات وترك منها سجدة أو سجدتين أو ثلاثا أو أربعا
فسدت صلاته لما ذكرنا في الظهر والعصر والعشاء إذا صلاها خمسا وترك منها خمس سجدات أو أقل وان ترك منها
254

خمس سجدات أو ستا أو سبعا لا تفسد وينظر إلي المؤدى ويكون حكمه حكم ما إذا صلى المغرب ثلاثا وترك منها ثلاث
سجدات أو أربعا أو خمسا وهناك ينظر إلي المؤدى من السجدات فيضم إلى كل سجدة أداها سجدة ثم يتم صلاته
على نحو ما ذكرنا هناك كذا ههنا ولو كبر رجل خلف الامام ثم نام فصلى امامه أربع ركعات وترك من كل ركعة
سجدة ثم أحدث فقدم النائم بعد ما انتبه فإنه يشير إليهم حتى لا يتبعوه فيصلى ركعة وسجدة ثم يسجد فيتبعه القوم
في السجدة الثانية وكذا يصلى الثانية والثالثة والرابعة والامام مسئ بتقديمه النائم ينبغي له أن يقدم من أدرك
أول صلاته وكذا لو لم ينم ولكنه أحدث فتوضأ ثم جاء فقدمه فهذا حكمه مسافرا كان أو مقيما لا ينبغي للامام أن
يقدمه ولا له أن يتقدم لأنه لا يقدر على اتمام الصلاة على الوجه لأنه ان اشتغل بقضاء السجدات كما وجب على
الامام الأول لصار مرتكبا أمرا مكروها لأنه مدرك والمدرك يأتي بالأول فالأول وان ابتدأ الأول فالأول فقد
ألجأ القوم إلى زيادة مكث في الصلاة فإنه يحتاج إلى أن يشير لئلا يتبعوه في كل ركعة مع سجدة فإذا سجد السجدة
الثانية يتابعونه لأنهم صلوا الركعات فليس لهم أن يصلوا ثانيا فلما كان تقدمه يؤدى إلى أحد أمرين مكروهين
لا ينبغي للامام أن يقدمه ولا أن يتقدم هو ولو تقدم مع هذا واشتغل بالمتروكات أولا وتابعه القوم جاز لكونه خليفة
الامام الأول ثم وإن كانت هذه السجدات لا تحتسب من صلاته لا يصير اقتداء المفترض بالمتنفل لان هذا لا يعد منه
نفلا بل هو في أداء هذه الأفعال قائم مقام الأول وجعل كأنه يؤدى الفرض نظيره ما ذكرنا فيما تقدم ان اماما لو رفع
رأسه من الركوع فسبقه الحدث فقدم رجلا جاء ساعتئذ فتقدم انه يتم صلاة الامام فيسجد سجدتين ثم يقوم إلي
الركعة الثانية وإن كانت السجدتان غير محسوبتين في حقه فان الواجب عليه أن يقضى الركعة التي سبق بها
بسجدتيها ومع ذلك جازت إمامته لان السجدتين فرضان على الامام الأول وهو قائم مقامه ولو بدأ بالأول فالأول
يصلى ركعة ويشير إلي القوم لئلا يتبعوه لأنهم صلوا هذه الركعة بسجدة فإذا سجد السجدة الثانية تابعه القوم لأنهم
لم يسجدوا هذه السجدة هكذا في الركعات كلها وإذا فعل هكذا جازت صلاته وصلاة القوم عند بعض مشايخنا وعند
بعضهم تفسد صلاة الكل وإنما وقع الاختلاف بينهم لان محمدا قال في الكتاب بعد ما حكى جواب أبي حنيفة انه
يصلى الأول فالأول والقوم لا يتابعونه في كل ركعة فإذا انتهى إلى السجدة تابعوه حكى محمد رحمه الله هذا ثم قال قلت
أما تفسد عليه قال فلما ذا قلت إن الامام مرة يصير اماما للقوم وغير امام مرة وهذا قبيح ولو كان هذا ركعة استحسنت
في ركعة ذكر محمد سؤاله هذا ولم يذكر جواب أبي حنيفة فمن مشايخنا من جعل حكاية هذا السؤال مع ترك الجواب
اخبارا عن الرجوع وقال تفسد صلاته واعتمد على ما احتج به محمد وتقريره ان الاستخلاف ينبغي أن لا يجوز لان
المؤتم يصير اماما وبين كونه مؤتما تابعا وبين كونه اماما متبوعا منافاة والصلاة في نفسها لا تتجزأ حكما فمن كان في
بعض تابعا لا يجوز أن يصير متبوعا في شئ منها لان صيرورته تابعا في شئ بمنزلة صيرورته تابعا في الكل لضرورة عدم
التجزئ وكذا صيرورته متبوعا في بعض يصير بمنزلة صيرورته متبوعا في الكل لعدم التجزئ فإذا كان في بعضها حسا
تابعا وفى بعضها متبوعا كأنه في الكل تابع وفى الكل متبوع حكما لعدم التجزئ حكما وذا لا يجوز الا أنا جوزنا
الاستخلاف بالنص فيتقدر الجواز بقدر ما ورد فيه النص والنص ما ورد فيما يصير اماما مرارا ثم يصير مؤتما وهذا
في كل ركعة يؤديها مؤتما فإذا انتهى إلي السجدة المتروكة من كل ركعة يصير اماما فبقي على أصل ما يقتضيه الدلائل
وقول محمد استحسنت هذا في ركعة واحدة أراد بذلك ان الامام لو ترك سجدة لا غير من ركعة فاستخلف هذا النائم
وابتدأ الأول فالأول والقوم يتربصون بلوغه تلك السجدة فإذا سجدها سجدوا معه ثم بعده يصير مؤتما ففي هذا القياس
أن تفسد لأنه يصير اماما مرة ومؤتما مرتين الا انا استحسنا وقلنا إنه يجوز لان مثل هذا في الجملة جائز فان الامام إذا
سبقه الحدث فقدم مسبوقا يجوز وقبل الاستخلاف كان مؤتما وبعد الاستخلاف إلى تمام الصلاة الامام كان اماما
ثم إذا تأخر وقدم غيره حتى سلم وقام المسبوق إلى قضاء ما سبق عاد مؤتما من وجه بدليل انه لو اقتدى به غيره لم يجز اما
في مسئلتنا فيصير مؤتما واماما مرارا الا أن أكثر مشايخنا جوزوا وقالوا لا تفسد صلاته ولا يجعل هذا رجوعا من
255

أبي حنيفة مع عدم النص على الرجوع ويحتمل انه أجاب أبو حنيفة ومحمد لم يذكر الجواب ووجه ذلك ان جواز
الاستخلاف ان ثبت نصا لكونه معقول المعنى وهو الحاجة إلي اصلاح الصلاة على ما بينا فيما تقدم والحاجة ههنا
متحققة فيجوز وقوله إن بين كون الشخص الواحد تابعا ومتبوعا منافاة قلنا في شئ واحد مسلم اما في شيئين فلا
والصلاة أفعال متغايرة حقيقة فجاز أن يكون الشخص الواحد تابعا في بعضها ومتبوعا في بعض وبه تبين ان الصلاة
متجزئة حقيقة لأنها افعال متغايرة الا في حق الجواز والفساد وهذا لان البعض موجود حقيقة فارتفاعه يكون
بخلاف الحقيقة فلا يثبت الا بالشرع وفى حق الجواز والفساد قام الدليل بخلاف الحقيقة فغيرها فلم تبق متبعضة
متجزئة في حقهما فاما في حق التبعية والمتبوعية في غير أو ان الحاجة انعقد الاجماع وفى أو ان الحاجة لا اجماع
والحقائق تتبدل بقدر الدليل الموجب للتغير والتبدل ولا دليل في هذه الحالة بل ورد الشرع بتقرير هذه الحقيقة
حيث جوز الاستخلاف فعلم أن الاستخلاف عند الحاجة جائز وكون الانسان مرة تابعا ومرة متبوعا غير مانع
وينظر إلي الحاجة لا إلى ورود الشرع في كل حالة من أحوال الحاجة ألا ترى ان في الركعة الواحدة التي استحسن
محمد لم يرد الشرع الخاص وما استدل به من مسألة المسبوق لم يرد الشرع الخاص فيه وإنما جاز لما ذكرنا من اعتبار
الحقيقة في موضع لم يرد الشرع بتغييرها ومن جعل ورود الشرع بالجواز لذي الحاجة ورودا في كل محل تحققت
الحاجة ألا ترى ان الشرع لم يرد بصلاة واحدة بالأئمة الخمسة ومع ذلك جاز عند الحاجة وكذا الواحد إذا ائتم فسبق
الامام الحدث تعين هذا الواحد للإمامة فإذا جاء الأول صار مقتديا به ثم لو سبق الثاني حدث تعين الأول للإمامة
ثم إذا جاء هذا الثاني وسبق الأول حدث تعين هذا الثاني للإمامة هكذا مرارا لكن لما تحققت الحاجة جوز وجعل
النص الوارد في الاستخلاف واردا في كل محل تحققت الحاجة فيه فكذا هذا والله أعلم
* (فصل) * وأما صلاة الجمعة فالكلام فيها يقع في مواضع في بيان فرضيتها وفي بيان كيفية الفريضة وفي بيان
شرائطها وفي بيان قدرها وفي بيان ما يفسدها وفي بيان حكمها إذا فسدت أو خرج وقتها وفي بيان ما يستحب في يوم
الجمعة وما يكره فيه أما الأول فالجمعة فرض لا يسع تركها ويكفر جاحدها والدليل على فرضية الجمعة الكتاب والسنة
واجماع الأمة أما الكتاب فقوله تعالي يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله قيل
ذكر الله هو صلاة الجمعة وقيل هو الخطبة وكل ذلك حجة لان السعي إلى الخطبة إنما يجب لأجل الصلاة بدليل
ان من سقطت عنه الصلاة لا يجب عليه السعي إلى الخطبة فكان فرض السعي إلى الخطبة فرضا للصلاة ولان
ذكر الله يتناول الصلاة ويتناول الخطبة من حيث إن كل واحد منهما ذكر الله تعالى وأما السنة فالحديث المشهور
وهو ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله تعالى فرض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومى هذا
في شهري هذا في سنتي هذه فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي استخفافا بها وجحودا عليها وتهاونا يحقها وله امام عادل
أو جائز فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ألا لا صلاة له ألا لا زكاة له ألا لا حج له ألا لا صوم له الا أن ينوب فمن
تاب تاب الله عليه وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من ترك ثلاث جمع
تهاونا طبع الله على قلبه ومثل هذا الوعيد لا يحلق الا بترك الفرض وعليه اجماع الأمة
* (فصل) * وأما كيفية فرضيتها فقد اختلف فيها قال أبو حنيفة وأبو يوسف ان فرض الوقت هو الظهر في حق
المعذور وغير المعذور لكن غير المعذور وهو الصحيح المقيم الحر مأمور باسقاطه بأداء الجمعة حتما والمعذور مأمور
باسقاطه على سبيل الرخصة حتى لو أدى الجمعة يسقط عنه الظهر وتقع الجمعة فرضا وان ترك الترخص يعود الامر
إلى العزيمة ويكون الفرض هو الظهر لا غير وعن محمد قولان في قول قال فرض الوقت هو الجمعة ولكن له أن
يسقطه بالظهر رخصة وفى قول قال الفرض أحدهما غير عين ويتعين ذلك بتعيينه فعلا فأيهما فعل تبين انه هو الفرض
وقال زفر وقت الفرض هو الجمعة والظهر بدل عنها وهذا كله قول أصحابنا وقال الشافعي الجمعة ظهر قاصر
وعندنا هي صلاة مبتدأة غير صلاة الظهر وفائدة الاختلاف تظهر في بناء الظهر على تحريمة الجمعة بأن خرج
256

وقت الظهر وهو في صلاة الجمعة فعند أصحابنا يستقبل الظهر وعنده يتمها ظهرا أما الكلام مع الشافعي فإنه احتج
بما روى عن عمر وعائشة رضي الله عنهما انهما قالا إنما قصرت الجمعة لأجل الخطبة ولان الوقت سبب لوجوب
الظهر والوقت متى جعل سببا لوجوب صلاة كان سببا لوجوبها في كل يوم كسائر أوقات الصلاة ثم إذا وجد سبب
القصر تقصر كما نقصر يعذر السفر وههنا وجد سبب القصر وهو الخطبة ومشقة قطع المسافة إلى الجامع ولنا ان
الجمعة مع الظهر صلاتان متغايرتان لأنهما مختلفتان شروطا لما نذكر اختصاص الجمعة بشروط ليست للظهر
والفرض الواحد لا تختلف شروطه بالقصر فكانا غيرين فلا يصح بناء أحدهما على الآخر كبناء العصر على الظهر
بعد خروج وقت الظهر وأما حديث عمر وعائشة رضي الله عنهما ففيه بيان علة القصر أما ليس فيه أن المقصور ظهر
وما ذكره من المعنى غير سديد لان الوقت قد يخلو عن فرضه أداء لعذر من الاعذار كوقت العصر عن العصر يوم
عرفة بعرفة ووقت المغرب عن المغرب ليلة المزدلفة فكذا ههنا جاز أن يخلو وقت الظهر عن الظهر أداء إن كان لا
يخلو عنه وجوبا لكنه يسقط عنه بأداء الجمعة على ما نذكر وأما الخلاف بين أصحابنا رحمهم الله فبناء على الخلاف في
كيفية العمل بالأحاديث المشهورة المتعارضة من حيث الطاهر فإنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
وأول وقت الظهر حين تزول الشمس ونحو ذلك من الأحاديث من غير فصل بين الجمعة وغيره وقد وردت الأحاديث
المشهورة في فرضية صلاة الجمعة في هذا الوقت بعينه على ما ذكرنا والجمع بينهما فعلا غير مشروع بلا خلاف بين الأئمة
فمحمد رحمه الله على أحد قوليه عمل بطريق التناسخ فجعل الآخر وهو حديث الجمعة ناسخا للأول على ما هو الأصل
عند معرفة التاريخ الا أنه رخص له أن يسقط الجمعة بالظهر وعلى القول الآخر قال إنه قام دليل فرضية كل واحدة
من الصلاتين ولا سبيل إلى القول بفرضيتهما على الجمع ولهذا لو فعل إحداهما أيتهما كانت سقط الفرض
عنه فكان الفرض إحداهما غير عين وإنما يتعين بفعله وأبو حنيفة وأبو يوسف عملا بالأحاديث بطريق التوفيق
إذا العمل بالحديثين أولى من نسخ أحدهما فقالا إن فرض الوقت هو الظهر لكن أمر باسقاط الظهر بالجمعة
ليكون عملا بالدليلين بقدر الامكان ولهذا يجب قضاء الظهر بعد فوت الجمعة وخروج الوقت والقضاء خلف عن
الأداء دل أن الظهر هو الأصل إذا لأربع لا تصلح أن تكون خلفا عن ركعتين وزفر يقول لما انتسخ الظهر بالجمعة
دل أن الجمعة أصل ولما وجب القضاء بعد خروج الوقت بأداء الظهر دل أنه بدل عن الجمعة إذا عرف هذا الأصل
نخرج عليه المسائل فنقول من يصلى الظهر يوم الجمعة وهو غير معذور قبل صلاة الجمعة ولم يحضر الجمعة بعد ذلك
ولم يؤدها يقع فرضا عند علمائنا الثلاثة حتى لا تلزمه الإعادة خلافا لزفر أما عند أبي حنيفة وأبى يوسف فلانه أدى
فرض الوقت لان فرض الوقت هو الظهر عندهما ولكنه أمر باسقاطه بأداء الجمعة فإذا لم يؤد الجمعة بقي الفرض
ذلك فإذا أداه فقد أدى فرض الوقت فلا يلزمه الإعادة وأما عند محمد فعلى أحد قوليه الفرض أحدهما غير عين
ويتعين بفعله فإذا صلى الظهر تعين فرضا من الأصل وعلى قوله الآخر فرض الوقت وإن كان هو الجمعة وهي العزيمة
لكن له أن يسقطها بالظهر رخصة وقد ترخص بالظهر وفى قول زفر لما كان الظهر بدلا عن الجمعة وإنما يجوز
البدل عند العجز عن الأصل كما في التراب مع الماء وههنا هو قادر على الأصل فلا يجزيه البدل فتلزمه الإعادة
وعلى هذا يخرج المعذور كالمريض والمسافر إذا صلى الظهر في بيته وحده أنه يقع فرضا في قول أصحابنا جميعا
على اختلاف طرقهم أما عند أبي حنيفة وأبى يوسف فلان فرض الوقت هو الظهر الا أن غير المعذور
مأمور باسقاطه بالجمعة على طريق الحتم والمعذور مأمور باسقاطه بالجمعة بطريق الرخصة ولم يترخص
فبقيت العزيمة وهي الظهر وقد أداها فنقع فرضا وأما عند محمد فلان الجمعة فرض عليه على طريق العزيمة
لكن مع رخصة الترك وقد ترخص بتركها بالظهر وأما على قول زفر فلأن المفروض عليه الظهر بدلا عن
الجمعة بعذر المرض والسفر وعلى هذا يخرج المعذور إذا صلى الظهر في بيته ثم شهد الجمعة وصلاها مع الامام أنه
يرتفض ظهره ويصير تطوعا وفرضه الجمعة في قول أصحابنا الثلاثة لان القادر مأمور باسقاط الظهر بالجمعة
257

وقد قدر فإذا أدى انعقدت جمعته فرضا ولا تنعقد فرضا الا بعد ارتفاض الظهر لان اجتماع فرضى الوقت
لا يتصور فيرتفض ظهره ضرورة انعقاد الجمعة فرضا وعند زفر لا يرتفض ظهره لان الظهر عنده خلف عن الجمعة
فكان شرطه العجز عن الأصل وقد تحقق عند الأداء فصح الخلف فالقدرة على الأصل بعد ذلك لا تبطله وأما
غير المعذور إذا صلى الظهر في بيته ثم خرج إلى الجمعة فهذا على أربعة أوجه أحدها إذا خرج من بيته وكان الامام
قد فرغ من الجمعة حين لا يرتفض ظهره بالاجماع والثاني إذا حضر الجامع وشرع في الجمعة وأتمها مع الامام
يرتفض ظهره عند علمائنا الثلاثة لما ذكرنا وأما عند زفر فلا يقع ظهره فرضا أصلا لأنه خلف فيشترط له العجز
عن الأصل ولم يوجد والثالث إذا شرع في الجمعة ثم تكلم قبل اتمام الجمعة مع الامام يرتفض ظهره في قول أبي حنيفة
وفى قول أبى يوسف ومحمد لا يرتفض كذا ذكر الحسن بن زياد الاختلاف في كتاب صلاته والرابع إذا حضر الجامع
وقد كان فرغ الامام من الجمعة وحين خرج من البيت كان لم يفرغ فهو على هذا الاختلاف وحاصل الاختلاف أن
عند أبي حنيفة بأداء بعض الجمعة يرتفض ظهره وكذا بوجود ما هو من خصائص الجمعة وهو السعي وعندهما لا
يرتفض وجه قولهما في المسئلتين أن ارتفاض الظهر لضرورة صيرورة الجمعة فرضا لان اجتماع فرضى الوقت لا
يتحقق ولم يوجد فلم يرتفض الظهر وهذا لان الحكم ببطلان ما صح وفرغ منه من حيث الظاهر لا يكون الا عن
ضرورة ولا ضرورة قبل تمام الجمعة ووقوعها فرضا ولأبي حنيفة أن ما أدى من البعض انعقد فرضا ولم ينعقد الفعل
من الجمعة مع بقاء الظهر فرضا فكان من ضرورة انعقاد هذا الجزء من الجمعة فرضا ارتفاض الظهر وكذا السعي إلى
الجمعة من خصائص الجمعة فكان ملحقا بها ولن ينعقد فرضا مع بقاء الظهر فرضا وكان من ضرورة وقوعه فرضا
ارتفاض الظهر به علل الشيخ أبو منصور الماتريدي وعلى هذا إذا شرع الرجل في صلاة الجمعة ثم تذكر ان عليه الفجر
فهذا على ثلاثة أوجه إن كان بحال لو اشتغل بالفجر لا تفوته الجمعة فعليه أن يقطع الجمعة ويبدأ بالفجر ثم بالجمعة
مراعاة للترتيب فإنه واجب عندنا وإن كان بحال لو اشتغل بالفجر تفوته الجمعة والظهر عن الوقت يمضى فيها ولا
يقطع بالاجماع لان الترتيب ساقط عنه لضيق الوقت وإن كان بحال لو اشتغل بالفجر تفوته الجمعة ولكن لا يفوته
الظهر فعلى قول أبي حنيفة وأبى يوسف يصلى الفجر ثم يصلى الظهر ولا تجزئه الجمعة وعلى قول محمد يمضى في الجمعة
ولا يقطع لان عنده فرض الوقت هو الجمعة وهو يخاف فوتها لو اشتغل بالفجر فيسقط عنه الترتيب كما لو تذكر
العشاء في صلاة الفجر وهو يخاف طلوع الشمس لو اشتغل بالعشاء وعندهما فرض الوقت هو الظهر وأنه لا يفوت
بالاشتغال بالفائتة فلا يسقط الترتيب والله أعلم
* (فصل) * وأما بيان شرائط الجمعة فللجمعة شرائط بعضها يرجع إلي المصلى وبعضها يرجع إلى غيره أما الذي
يرجع إلى المصلى فستة العقل والبلوغ والحرية والذكورة والإقامة وصحة البدن فلا تجب الجمعة على المجانين
والصبيان والعبيد الا باذن مواليهم والمسافرين والزمني والمرضى أما العقل والبلوغ فلان صلاة الجمعة اختصت
بشرائط لم تشترط في سائر الصلوات ثم لما كنا شرطا لوجوب سائر الصلوات فلأن يكونا شرطا لوجوب هذه الصلاة
أولى وأما الحرية فلان منافع العبد مملوكة لمولاه الا فيما استثنى وهو أداء الصلوات الخمس على طريق الانفراد
دون الجماعة لما في الحضور إلى الجماعة وانتظار الامام والقوم من تعطيل كثير من المنافع على المولى ولهذا لا يجب
عليه الحج والجهاد وهذا المعنى موجود في السعي إلى الجمعة وانتظار الامام والقوم فسقطت عنه الجمعة وأما الإقامة
فلان المسافر يحتاج إلى دخول المصر وانتظار الامام والقوم فيتخلف عن القافلة فيلحقه الحرج وأما المريض
فلانه عاجز عن الحضور أو يلحقه الحرج في الحضور وأما المرأة فلأنها مشغولة بخدمة الزوج ممنوعة عن الخروج
إلى محافل الرجال لكون الخروج سببا للفتنة ولهذا لا جماعة عليهن ولا جمعة عليهن أيضا والدليل على أنه لا جمعة على
هؤلاء ما روى عن جابر عن رسول اله صلى الله عليه وسلم أنه قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة الا
258

مسافرا أو مملوكا أو صبيا أو امرأة أو مريضا فمن استغنى عنها بلهو أو تجارة استغنى الله عنه والله غنى حميد وأما الأعمى
فهل تجب عليه اجمعوا على أنه إذا لم يجد قائدا لا تجب عليه كما لا تجب على الزمن وان وجد من بحمله وأما إذا وجد
قائد اما بطريق التبرع أو كان له مال يمكنه أن يستأجر قائدا فكذلك في قول أبي حنيفة وفى قول أبى يوسف ومحمد
يجب وهو على الاختلاف في الحج إذا كان له زاد وراحلة وأمكنه أن يستأجر قائدا أو وعد له انسان ان يقوده إلي مكة
ذاهبا وجائيا لا يجب عليه الحج عند أبي حنيفة وعندهما يجب والمسألة تذكرها في كتاب الحج إن شاء الله تعالى ثم
هؤلاء الذين لا جمعة عليهم إذا حضروا الجامع وأدوا الجمعة فمن لم يكن من أهل الوجوب كالصبي والمجنون فصلاة
الصبي تكون تطوعا ولا صلاة للمجنون رأسا ومن هو من أهل الوجوب كالمريض والمسافر والعبد والمرأة وغيرهم
تجزيهم ويسقط عنهم الظهر لان امتناع الوجوب عليهم لما ذكرنا من الاعذار وقد زالت وصار الاذن من المولى
موجودا دلالة وقد روى عن الحسن البصري أنه قال كن النساء يجمعن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال
لهن لا تخرجن الا تفلات غير متطيبات وفرق بين هذا وبين الحج في العبد فإنه لو أدى الحج مع مولاه لا بحكم بجوازه
حتى يؤاخذ بحجة الاسلام بعد الحرية والفرق أن المنع من الجمعة كان نظرا للمولى والنظر ههنا في الحكم بالجواز
لأنا لو لم نجوز وقد تعطلت منافعه على المولى لوجب عليه الظهر فتتعطل عليه منافعه ثانيا فينقلب النظر ضررا
وذا ليس بحكمة فتبين في الآخرة أن النظر في الحكم بالجواز فصار مأذونا دلالة كالعبد المحجور عليه إذا أجر نفسه أنه
لا يجوز ولو سلم نفسه للعمل يجوز ويجب كمال الأجرة لما ذكرنا كذا هذا بخلاف الحج فان هناك لا يتبين ان النظر
للمولى في الحكم بالجواز لأنه لا يؤاخذ للحال بشئ آخر إذا لم نحكم بجوازه بل يخاطب بحجة الاسلام بعد الحرية فلا
يتعطل على المولى منافعه فهو الفرق وأما الشرائط التي ترجع إلى غير المصلى فخمسة في ظاهر الروايات المصر
الجامع والسلطان والخطبة والجماعة والوقت اما المصر الجامع فشرط وجوب الجمعة وشرط صحة أدائها
عند أصحابنا حتى لا تجب الجمعة الا على أهل المصر ومن كان ساكنا في توابعه وكذا لا يصح أداء الجمعة الا
في المصر وتوابعه فلا تجب على أهل القرى التي ليست من توابع المصر ولا يصح أداء الجمعة فيها وقال
الشافعي المصر ليس بشرط للوجوب ولا لصحة الأداء فكل قرية يسكنها أربعون رجلا من الأحرار المقيمين
لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفا تجب عليهم الجمعة ويقام بها الجمعة واحتج بما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما
أنه قال أول جمعة جمعت في الاسلام بعد الجمعة بالمدينة لجمعة جمعت بجؤاثى وهي قرية من قرى عبد القيس بالبحرين
وروى عن أبي هريرة أنه كتب إلى عمر يسأله عن الجمعة بجؤاثى فكتب إليه ان اجمع بها وحيث ما كنت ولأن جواز
الصلاة مما لا يختص بمكان دون مكان كسائر الصلوات ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا جمعة
ولا تشريق الا في مصر جامع وعن علي رضى الله تعالى عنه لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى الا في مصر جامع
وكذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم الجمعة بالمدينة وما روى الإقامة حولها وكذا الصحابة رضى الله
تعالى عنهم فتحوا البلاد وما نصبوا المنابر الا في الأمصار فكان ذلك اجماعا منهم على أن المصر شرط ولان
الظهر فريضة فلا يترك الا بنص قاطع والنص ورد بتركها الا الجمعة في الأمصار ولهذا لا تؤدى الجمعة في البراري
ولان الجمعة من أعظم الشعائر فتختص بمكان اظهار الشعائر وهو المصر وأما الحديث فقد قيل إن جؤاتى مصر
بالبحرين واسم القرية ينطلق على البلدة العظيمة لأنها اسم لما اجتمع فيها من البيوت قال تعالى واسئل القرية التي كنا
فيها وهي مصر وقال وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكنا هم وهي مكة وما ذكر من المعنى
غير سديد لأنه يبطل بالبراري ثم لابد من معرفة حد المصر الجامع ومعرفة ما هو من توابعه اما المصر الجامع فقد
اختلفت الأقاويل في تحديده ذكر الكرخي أن المصر الجامع ما أقيمت فيه الحدود ونفذت فيه الأحكام وعن أبي
يوسف روايات ذكر في الاملاء كل مصر فيه منبر وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود فهو مصر جامع تجب على
أهله الجمعة وفى رواية قال إذا اجتمع في قرية من لا يسعهم مسجد واحد بنى لهم الامام جامعا ونصب لهم من يصلى
259

بهم الجمعة وفى رواية لو كان في القرية عشرة آلاف أو أكثر أمرتهم بإقامة الجمعة فيها وقال بعض أصحابنا المصر
الجامع ما يتعيش فيه كل محترف بحرفته من سنة إلى سنة من غير أن يحتاج إلى الانتقال إلى حرفة أخرى وعن أبي
عبد الله البلخي أنه قال أحسن ما قيل فيه إذا كانوا بحال لو اجتمعوا في أكبر مساجدهم لم يسعهم ذلك
حتى احتاجوا إلى بناء مسجد الجمعة فهذا مصر تقام فيه الجمعة وقال سفيان الثوري المصر الجامع ما يعده الناس
مصرا عند ذكر الأمصار المطلقة وسئل أبو القاسم الصفار عن حد المصر الذي تجوز فيه الجمعة فقال إن تكون لهم
منعة لو جاءهم عدو قدروا على دفعه فحينئذ جاز ان يمصر وتمصره أن ينصب فيه حاكم عدل يجرى فيه حكما من
الأحكام وهو أن يتقدم إليه خصمان فيحكم بينهما وروى عن أبي حنيفة انه بلدة كبيرة فيها سكك وأسواق ولها
رساتيق وفيها وال يقدر على أنصاف المظلوم من الظالم بحشمه وعلمه أو علم غيره والناس يرجعون إليه في
الحوادث وهو الأصح وأما تفسير توابع المصر فقد اختلفوا فيها روى عن أبي يوسف ان المعتبر فيه سماع النداء
إن كان موضعا يسمع فيه النداء من المصر فهو من توابع المصر والا فلا وقال الشافعي إذا كان في القرية أقل من
أربعين فعليهم دخول المصر إذا سمعوا النداء وروى ابن سماعة عن أبي يوسف كل قرية متصلة بربض المصر
فهي من توابعه وان لم تكن متصلة بالربض فليست من توابع المصر وقال بعضهم ما كان خارجا عن عمران
المصر فليس من توابعه وقال بعضهم المعتبر قدر ميل وهو ثلاث فراسخ وقال بعضهم إن كان قدر ميل أو
مبلين فهو من توابع المصر والا فلا وبعضهم قدره بستة أميال ومالك قدره بثلاثة أميال وعن أبي يوسف انها
تجب في ثلاث فراسخ وعن الحسن البصري انها تجب في أربع فراسخ وقال بعضهم ان أمكنه ان يحضر الجمعة
ويبيت باهله من غير تكلف تجب عليه الجمعة والا فلا وهذا حسن ويتصل بهذا إقامة الجمعة في أيام الموسم
بمنى قال أبو حنيفة وأبو يوسف تجوز إقامة الجمعة بها إذا كان المصلى بهم الجمعة هو الخليفة أو أمير العراق أو أمير
الحجاز أو أمير مكة سواء كانوا مقيمين أو مسافرين أو رجلا مأذونا من جهتهم ولو كان المصلى بهم الجمعة أمير
الموسم وهو الذي أمر بتسوية أمور الحجاج لا غير لا يجوز سواء كان مقيما أو مسافرا لأنه غير مأمور بإقامة الجمعة
الا إذا كان مأذونا من جهة أمير العراق أو أمير مكة وقيل إن كان مقيما يجوز وإن كان مسافرا لا يجوز
والصحيح هو الأول وقال محمد لا تجوز الجمعة بمنى وأجمعوا على أنه لا تجوز الجمعة بعرفات وان أقامها أمير العراق
أو الخليفة نفسه وقال بعض مشايخنا ان الخلاف بين أصحابنا في هذا بناء على أن منى من توابع مكة عندهما
وعند محمد ليس من توابعها وهذا غير سديد لان بينهما أربعة فراسخ وهذا قول بعض الناس في تقدير التوابع
فاما عندنا فبخلافه على ما مر والصحيح أن الخلاف فيه بناء على أن المصر الجامع شرط عندنا الا أن محمدا يقول إن
منى ليس بمصر جامع بل هو قرية فلا تجوز الجمعة بها كما لا تجوز بعرفات وهما يقولان انها تتمصر في أيام
الموسم لان لها بناء وينقل إليها الأسواق ويحضرها وال يقيم الحدود وينفذ الأحكام فالتحق بسائر الأمصار
بخلاف عرفات فإنها مفازة فلا تتمصر باجتماع الناس وحضرة السلطان وهو تجوز صلاة الجمعة خارج المصر
منقطعا عن العمران أم لا ذكر في الفتاوى رواية عن أبي يوسف ان الامام إذا خرج يوم الجمعة مقدار ميل أو
ميلين فحضرته الصلاة فصلى جاز وقال بعضهم لا تجوز الجمعة خارج المصر منقطعا عن العمران وقال بعضهم على
قول أبي حنيفة وأبى يوسف يجوز وعلى قول محمد لا يجوز كما اختلفوا في الجمعة بمنى وأما إقامة الجمعة في مصر واحد
في موضعين فقد ذكر الكرخي انه لا بأس بان يجمعوا في موضعين أو ثلاثة عند هكذا ذكر وعن أبي يوسف
روايتان في رواية قال لا يجوز الا إذا كان بين موضعي الإقامة نهر عظيم كدجلة أو نحوها فيصير بمنزلة مصرين
وقيل إنما تجوز على قوله إذا كان لا جسر على النهر فاما إذا كان عليه جسر فلا لان له حكم مصر واحد وكان
يأمر بقطع الجسر يوم الجمعة حتى ينقطع الفصل وفى رواية قال يجوز في موضعين إذا كان المصر عظيما ولم يجر في
الثلاث وإن كان بينهما نهر صغير لا يجوز فان أدوها في موضعين فالجمعة لمن سبق منهما وعلى الآخرين ان يعيدوا
260

الظهر وان أدوها معا أو كان لا يدرى كيف كان لا تجوز صلاتهم وروى محمد عن أبي حنيفة انه يجوز الجمع في
موضعين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك وذكر محمد في نوادر الصلاة وقال لو أن أميرا أمر انسانا ان يصلى بالناس الجمعة
في المسجد الجامع وانطلق هو إلى حاجة له ثم دخل المصر في بعض المساجد وصلى الجمعة قال تجزئ أهل المصر الجامع
ولا تجزئه الا أن يكون أعلم الناس بذلك فيجوز وهذا كجمعة في موضعين وقال أيضا لو خرج الامام يوم الجمعة
للاستسقاء يدعو وخرج معه ناس كثير وخلف انسانا يصلى بهم في المسجد الجامع فلما حضرت الصلاة صلى بهم الجمعة
في الجبانة وهي على قدر غلوة من مصره وصلى خليفته في المصر في المسجد الجامع قال تجزئهما جميعا فهذا يدل على
أن الجمعة تجوز في موضعين في ظاهر الرواية وعليه الاعتماد انه تجوز في موضعين ولا تجوز في أكثر من ذلك فإنه
روى عن علي رضي الله عنه انه كان يخرج إلي الجبانة في العيد ويستخلف في المصر من يصلى بضعفة الناس
وذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولما جاز هذا في صلاة العيد فكذا في صلاة الجمعة لأنهما في اختصاصهما
بالمصريان ولان الحرج يندفع عند كثرة الزحام بموضعين غالبا فلا يجوز أكثر من ذلك وما روى عن محمد
من الاطلاق في ثلاث مواضع محمول على موضع الحاجة والضرورة وأما السلطان فشرط أداء الجمعة عندنا حتى
لا يجوز اقامتها بدون حضرته أو حضرة نائبة وقال الشافعي السلطان ليس بشرط لأن هذه صلاة مكتوبة فلا
يشترط لإقامتها السلطان كسائر الصلوات ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم شرط الامام لالحاق الوعيد بتارك
الجمعة بقوله في ذلك الحديث وله امام عادل أو جائز وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أربع إلى الولاة
وعد من جملتها الجمعة ولأنه لو لم يشترط السلطان لأدى إلى الفتنة لأن هذه صلاة تؤدى بجمع عظيم والتقدم على
جميع أهل المصر يعد من باب الشرف وأسباب العلو والرفعة فيتسارع إلى ذلك كل من جبل على علو الهمة والميل إلى
الرئاسة فيقع بينهم التجاذب والتنازع وذلك يؤدى إلى التقاتل والتفالى فقوض ذلك إلى الوالي ليقوم به أو ينصب
من رآه أهلا له فيمتنع غيره من الناس عن المتنازعة لما يرى من طاعة الوالي أو خوفا من عقوبته ولأنه لو لم يفوض
إلى السلطان لا يخلوا ما أن تؤدى كل طائفة حضرت الجامع فيؤدى إلي تفويت فائدة الجمعة وهي اجتماع
الناس لاحراز الفضيلة على الكمال واما أن لا تؤدى الا مرة واحدة فكانت الجمعة للأولين وتفوت عن
الباقين فاقتضت الحكمة وأن تكون اقامتها متوجهة إلى السلطان ليقيمها بنفسه أو بنائبه عند حضور عامة
أهل البلدة من مراعاة الوقت المستحب والله أعلم هذا إذا كان السلطان أو نائبه حاضرا فاما إذا لم يكن اماما بسبب
الفتنة أو بسبب الموت ولم يحضروا ل آخر بعد حتى حضرت الجمعة ذكر الكرخي أنه لا بأس أن يجمع الناس على
رجل حتى يصلى بهم الجمعة وهكذا روى عن محمد ذكره في العيون لما روى عن عثمان رضي الله عنه أنه لما حوصر
قدم الناس عليا رضي الله عنه فصلى بهم الجمعة وروى في العيون عن أبي حنيفة في والى مصرمات ولم يبلغ الخليفة
موته حتى حضرت الجمعة فان صلى بهم خليفة الميت أو صاحب الشرط أو القاضي أجزأهم وان قدم العامة رجلا
لم يجز لان هؤلاء قائمون مقام الأول في الصلاة حال حياته فكذا بعد وفاته ما لم يفوض الخليفة الولاية إلى غيره وذكر
في نوادر الصلاة أن السلطان إذا كان يخطب فجاء سلطان آخر ان أمره أن يتم الخطبة يجوز ويكون ذلك القدر خطبة
ويجوز له أن يصلى بهم الجمعة لأنه خطب بأمره فصار نائبا عنه وان لم يأمره بالاتمام ولكنه سكت حتى أتم الأول
خطبته فأراد الثاني أن يصلى بتلك الخطبة لا تجوز الجمعة وله أن يصلى الظهر لان سكوته محتمل يحتمل أن يكون
أمرا ويحتمل أن لا يكون أمرا فلا يعتبر مع الاحتمال وكذلك إذا حضر الثاني وقد فرغ الأول من خطبه فصلى الثاني بتلك الخطبة لا يجوز لأنها خطبة امام معزول ولم توجد الخطبة من الثاني والخطبة شرط هذا كله إذا علم
الأول بحضور الثاني وان لم يعلم فخطب وصلى والثاني ساكت يجوز لأنه لا يصير معزولا الا بالعلم كالوكيل الا إذا
كتب إليه كتاب العزل أو أرسل إليه رسولا فصار معزولا وأما العبد إذا كان سلطانا فجمع بالناس أو أمر غيره
جاز وكذا إذا كان حرا مسافرا وهذا قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر شرط صحة الجمعة هو الامام الذي هو حر مقيم
261

حتى إذا كان عبدا أو مسافرا لا تصح منه إقامة الجمعة وجه قول زفر انه لا جمعة على العبد والمسافر قال النبي صلى الله
عليه وسلم أربعة لا جمعة عليهم المسافر والمريض والعبد والمرأة فلو جمع بالناس كان متطوعا في أداء الجمعة واقتداء
المفترض بالمتنفل لا يجوز ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه صلى الجمعة بالناس عام فتح مكة وكان مسافرا
حتى قال لهم في صلاة الظهر بعد ما صلى ركعتين وسلم أتموا صلاتكم يا أهل مكة فانا قوم سفر وعن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال أطيعوا السلطان ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع ولو لم يصلح اماما لم تفترض طاعته ولأنهما من
أهل الوجوب الا انه رخص لهما التخلف عنها والاشتغال بتسوية أسباب السفر وخدمة المولي نظرا فإذا حضر
الجامع لم يسلك طريقة الترخص واختار العزيمة فيعود حكم العزيمة ويلتحق بالأحرار المقيمين كالمسافر إذا صام
رمضان فيصح الاقتداء به وبه تبين ان هذا اقتداء المفترض بالمفترض فيصح وأما المرأة والصبي العاقل فلا يصح
منهما إقامة الجمعة لأنهما لا يصلحان للإمامة في سائر الصلوات ففي الجمعة أولى الا ان المرأة إذا كانت سلطانا فأمرت
رجلا صالحا للإمامة حتى صلى بهم الجمعة جاز لأن المرأة تصلح سلطانا أو قاضيا في الجملة فتصح امامتها وأما الخطبة
فالكلام في الخطبة في مواضع في بيان كونها شرطا لجواز الجمعة وفي بيان وقت الخطبة وفي بيان كيفية الخطبة
ومقدارها وفي بيان ما هو المسنون في الخطبة وفي بيان محظورات الخطبة أما الأول فالدليل على كونها شرطا قوله
تعالى فاسعوا إلى ذكر الله والخطبة ذكر الله فتدخل في الامر بالسعي لها من حيث هي ذكر الله أو المراد من الذكر
الخطبة وقد أمر بالسعي إلى الخطبة فدل على وجوبها وكونها شرطا لانعقاد الجمعة وعن عمر وعائشة رضي الله عنهما
انهما قالا إنما قصرت الصلاة لأجل الخطبة أخبرا أن شطر الصلاة سقط لأجل الخطبة وشطر الصلاة كان فرضا فلا
يسقط الا بالتحصيل ما هو فرض ولان ترك الظهر بالجمعة عرف بالنص والنص ورد بهذه الهيئة وهي وجوب الخطبة
ثم هي وإن كانت قائمة مقام ركعتين شرط وليست بركن لان صلاة الجمعة لا تقام بالخطبة فلم تكن من أركانها وأما
وقت الخطبة فوقت الجمعة وهو وقت الظهر لكن قبل صلاة الجمعة لما ذكرنا لها شرط الجمعة وشرط الشئ يكون
سابقا عليه وهكذا فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقت الخطبة بعرفة قبل الصلاة أيضا لكنها سنت لتعليم
المناسك واما الخطبة في العيدين فوقتها بعد الصلاة وهي سنة لما نذكر إن شاء الله تعالى واما كيفية الخطبة
ومقدارها فقد قال أبو حنيفة ان الشرط أن يذكر الله تعالى على قصد الخطبة كذا نقل عنه في الأمالي مفسرا
قل الذكر أم كثر حتى لو سبح أو هلل أو حمد الله تعالى على قصد الخطبة أجزأه وقال أبو يوسف ومحمد الشرط أن يأتي
بكلام يسمى خطبة في العرف وقال الشافعي الشرط ان يأتي بخطبتين بينهما جلسة لان الله تعالى قال فاسعوا إلى
ذكر الله وذروا البيع وهذا ذكر مجمل ففسره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وتبين ان الله تعالى أمر بخطبتين ولهما
ان المشروط هو الخطبة والخطبة في المتعارف اسم لما يشتمل على تحميد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى
الله عليه وسلم والدعاء للمسلمين والوعظ والتذكير لهم فينصرف المطلق إلى المتعارف ولأبي حنيفة طريقان
أحدهما ان الواجب هو مطلق ذكر الله لقوله فاسعوا إلى ذكر الله وذكر الله تعالى معلوم لا جهالة فيه فلم يكن مجملا
لأنه تطاوع العمل من غير بيان يقترن به فتقييده بذكر يسمى خطبة أو بذكر طويل لا يجوز الا بدليل والثاني أن
يقيد ذكر الله تعالى بما يسمى خطبة لكن اسم الخطبة في حقيقة اللغة يقع على ما قلنا فإنه روى عن عثمان رضي الله عنه
انه لما استخلف خطب في أول جمعة فلما قال الحمد لله ارتج عليه فقال أنتم إلى امام فعال أحوج منكم إلى امام قوال
وان أبا بكر وعمر كانا يعد ان لهذا المكان مقالا وستأتيكم الخطب من بعد وأستغفر الله لي ولكم ونزل وصلى بهم
الجمعة وكان ذلك بمحضر من المهاجرين والأنصار وصلوا خلفه وما أنكروا عليه صنيعه مع أنهم كانوا موصوفين
بالامر بالمعروف والنهى عن المنكر فكان هذا اجماعا من الصحابة رضي الله عنهم على أن الشرط هو مطلق ذكر الله
تعالى ومطلق ذكر الله تعالى مما ينطلق عليه اسم الخطبة لغة وإن كان لا ينطلق عليه عرفا وتبين بهذا ان الواجب هو
الذكر لغة وعرفا وقد وجد أو ذكر هو خطبة لغة وان لم يسم خطبة في العرف وقد أتى به وهذا لان العرف إنما يعتبر في
262

معاملات الناس فيكون دلالة على غرضهم وأما في أمر بين العبد وبين ربه فيعتبر فيه حقيقة اللفظ لغة وقد وجد
على أن هذا القدر من الكلام يسمى خطبة في المتعارف ألا ترى إلى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للذي
قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن عصاهما فقد غوى بئس الخطيب أنت سماه خطيبا بهذا القدر من
الكلام وأما سنن الخطبة فمنها أن يخطب خطبتين على ما روى عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال ينبغي أن
يخطب خطبة خفيفة يفتتح فيها بحمد الله تعالى ويثنى عليه ويتشهد ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويعظ ويذكر
ويقرأ سورة ثم يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم فيخطب خطبة أخرى يحمد الله تعالى ويثنى عليه النبي صلى
الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ويكون قدر الخطبة قدر سورة من طوال المفصل لما روى عن جابر بن
سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين قائما يجلس فيما بينهما جلسة خيفية ويتلو آيات من
القرآن وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل البخاري يستحب أن يقرأ الخطيب في خطبته يوم تجد كل نفس
ما عملت من خير محضرا ثم القعدة بين الخطبتين سنة عندنا وكذا القراءة في الخطبة وعند الشافعي شرط والصحيح
مذهبنا لان الله تعالى أمر بالذكر مطلقا عن قيد القعدة والقراءة فلا تجعل شرطا بخبر الواحد لأنه يصير ناسخا لحكم
الكتاب وانه لا يصلح ناسخا له ولكن يصلح مكملا له فقلنا إن قدر ما ثبت بالكتاب يكون فرضا وما ثبت بخبر الواحد
يكون سنة عملا بهما بقدر الامكان وعن ابن عباس رضي الله عنهما انه كان يخطب خطبة واحدة فلما ثقل أي أسن
جعلها خطبتين وقعد بينهما فهذا دليل على أن القعدة للاستراحة لا انه شرط لازم ومنها الطهارة في حالة الخطبة فهي
سنة عندنا وليست بشرط حتى أن الامام إذا خطب وهو جنب أو محدث فإنه يعتبر شرطا لجواز الجمعة وعند أبي
يوسف لا يجوز وهو قول الشافعي لان الخطبة بمنزلة شطر الصلاة لما ذكرنا من الأثر ولهذا لا تجوز في غير وقت الصلاة
فيشترط لها الطهارة كما تشترط للصلاة ولنا انه ليس في ظاهر الرواية شرط الطهارة ولأنها من باب الذكر والمحدث
والجنب لا يمنعان من ذكر الله تعالى والاعتبار بالصلاة غير سديد ألا ترى انها تؤدى مستدبر القبلة ولا يفسدها
الكلام بخلاف الصلاة ثم لم يذكر إعادة الخطبة ههنا وذكر في اذان الجنب انه يعاد والفرق ان الاذان تحلى بحلية
الصلاة وهي استقبال القبلة بخلاف الخطبة فكان الخلل المتمكن في الاذان أشد وكثير النقص مستحق الرفع
دون قليله كما يجبر نقص ترك الواجب بسجدتي السهو دون ترك السنن ويحتمل أن تكون الإعادة مستحبة في
الموضعين كذا ذكر في نوادر أبى يوسف انه يعيدها وان لم يعدها جاز لأنه ليس من شرطها استقبال القبلة هكذا ذكر أشار
إلى أنها ليست نظير الصلاة فلا تشترط لها الطهارة الا انها سنة لان السنة هي الوصل بين الخطبة والصلاة ولا يتمكن
من إقامة هذه السنة الا بالطهارة ومنها أن يخطب قائما فالقيام سنة وليس بشرط حتى لو خطب قاعدا يجوز عندنا
الظاهر النص وكذا روى عن عثمان انه كان يخطب قاعدا حين كبروا سن ولم ينكر عليه أحد من الصحابة الا انه
مسنون في حال الاختيار لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما وروى أن رجلا سأل ابن مسعود رضي الله عنه
أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائما أو قاعدا فقال ألست تقرأ قوله تعالى وتركوك قائما ومنها أن
يستقبل القوم بوجهه ويستدبر القبلة لان النبي صلى الله عليه وسلم هكذا كان يخطب وكذا السنة في حق القوم أن
يستقبلوه بوجوههم لان الاسماع والاستماع واجب للخطبة وذا لا يتكامل الا بالمقابلة وروى عن أبي حنيفة انه
كان لا يستقبل الامام بوجهه حتى يفرغ المؤذن من الاذان فإذا أخد الامام في الخطبة انحرف بوجهه إليه ومنها
أن لا يطول الخطبة لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتقصير الخطب وعن عمر رضي الله عنه أنه قال طولوا الصلاة
وقصروا الخطبة وقال ابن مسعود طول الصلاة وقصر الخطبة من فقه الرجل أي أن هذا مما يستدل به على فقه
الرجل وأما محظورات الخطبة فمنها انه يكره الكلام حالة الخطبة وكذا قراءة القرآن وكذا الصلاة وقال الشافعي
إذا دخل الجامع والامام في الخطبة ينبغي أن يصلى ركعتين خفيفتين تحية المسجد احتج الشافعي بما روى عن جابر
ابن عبد الله رضي الله عنه أنه قال دخل سليك الغطفاني يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم بخطب فقال له
263

أصليت قال لا قال فصل ركعتين فقد أمره بتحية المسجد حالة الخطبة ولنا قوله تعالى فاستمعوا له وأنصتوا
والصلاة تفوت الاستماع والانصات فلا يجوز ترك الفرض لإقامة السنة والحديث منسوخ كان ذلك قبل وجود
الاستماع وتزول قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا دل عليه ما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سليكا ان يركع ركعتين ثم نهى الناس أن يصلوا والامام بخطب فصار
منسوخا أو كان سليك مخصوصا بذلك والله أعلم وكذا كل ما شغل عن سماع الخطبة من التسبيح والتهليل
والكتابة ونحوها بل يجب عليه أن يستمع ويسكت وأصله قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا
قيل نزلت الآية في شأن الخطبة أمر بالاستماع والانصات ومطلق الامر للوجوب وروى عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال من قال لصاحبه والامام يخطب انصت فقد لغا ومن لغا فلا صلاة له ثم ما ذكرنا من وجوب
الاستماع والسكوت في حق القريب من الخطيب فاما البعيد منه إذا لم يسمع الخطبة كيف يصنع اختلف المشايخ
فيه قال محمد بن سلمة البلخي الانصات له أولى من قراءة القرآن وهكذا روى المعلى عن أبي يوسف وهو اختيار
الشيخ الامام أبى بكر محمد بن الفضل البخاري ووجهه ما روى عن عمر وعثمان انهما قالا إن أجر المنصت
الذي لا يسمع مثل أجر المنصت السامع ولأنه في حال قربة من الامام كان مأمورا بشيئين الاستماع والانصات
وبالبعد ان عجز عن الاستماع لم يعجز عن الانصات فيجب عليه وعن نصير بن يحيى انه أجاز له قراءة القرآن سرا
وكان الحكم بن زهير بن أصحابنا ينظر في كتب الفقه ووجهه ان الاستماع والانصات إنما وجب عند القرب ليشتركوا
في ثمرات الخطبة بالتأمل والتفكر فيها وهذا لا يتحقق من البعيد عن الامام فيلحرز لنفسه ثواب قراءة القرآن
ودراسة كتب العلم ولان الانصات لم يكن مقصودا بل ليتوصل به إلى الاستماع فإذا سقط عنه فرض الاستماع
سقط عنه الانصات أيضا والله أعلم ويكره تشميت العاطس ورد السلام عندنا وعند الشافعي لا يكره وهو رواية
عن أبي يوسف لان رد السلام فرض ولنا انه ترك الاستماع المفروض والانصات وتشميت العاطس ليس بفرض
فلا يجوز ترك الفرض لأجله وكذا رد السلام في هذه الحلة ليس بفرض لأنه يرتكب بسلامه مأثما فلا يجب الرد
عليه كما في حالة الصلاة ولان السلام في حالة الخطبة لم يقع تحية فلا يستحق الرد ولان رد السلام مما يمكن تحصيله في كل
حالة أما سماع الخطبة لا يتصور الا في هذه الحالة فكان اقامته أحق ونظيره ما قال أصحابنا ان الطواف تطوعا بمكة في
حق الآفاقي أفضل من صلاة لتطوع والصلاة في حق المكي أفضل من الطواف لما قلنا وعلى هذا قال أبو حنيفة
ان سماع الخطبة أفضل من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فينبغي ان يستمع ولا يصلى عليه عند سماع اسمه
في الخطبة لما أن احراز فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مما يمكن في كل وقت واحراز ثواب سماع
الخطبة يختص بهذه الحالة فكان السماع أفضل وروى عن أبي يوسف انه ينبغي ان يصلى على النبي صلى الله عليه
وسلم في نفسه عند سماع اسمه لان ذلك مما لا يشغله عن سماع الخطبة فكان احراز الفضيلتين أحق واما العاطس
فهل يحمد الله تعالى فالصحيح أنه يقول ذلك في نفسه لان ذلك مما لا يشغله عن سماع الخطبة وكذا السلام حالة الخطبة
مكروه لما قلنا هذا الذي ذكرنا في حال الخطبة فاما عند الاذان الأخير حين خرج الامام إلى الخطبة وبعد الفراغ
من الخطبة حين أخذ المؤذن في الإقامة إلى أن يفرغ هل يكره ما يكره في حال الخطبة على قول أبي حنيفة يكره
وعلى قولهما لا يكره الكلام وتكره الصلاة واحتجا بما روى في الحديث خروج الامام يقطع الصلاة وكلامه يقطع
الكلام جعل القاطع للكلام هو الخطبة فلا يكره قبل وجودها ولان النهى عن الكلام لوجوب استماع الخطبة
وإنما يجب حالة الخطبة بخلاف الصلاة لأنها تمتد غالبا فيفوت الاستماع وتكبيرة الافتتاح ولأبي حنيفة ما روى
عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما موقوفا عليهما ومرفوعا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
إذا خرج الامام فلا صلاة ولا كلام وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة
على أبواب المساجد يكتبون الناس الأول فالأول فإذا خرج الامام طووا الصحف وجاؤا يستمعون الذكر فقد
264

أخبر عن طي الصحف عند خروج الامام وإنما يطوون الصحف إذا طوى الناس الكلام لأنهم إذا تكلموا
يكتبونه عليهم لقوله تعالى ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ولأنه إذا خرج للخطبة كان مستعدا لها والمستعد
للشئ كالشارع فيه ولهذا الحق الاستعداد بالشروع في كراهة الصلاة فكذا في كراهة الكلام واما الحديث فليس
فيه أن غير الكلام يقطع الكلام فكان تمسكا بالسكوت وأنه لا يصح ويكره للخطيب أن يتكلم في حالة الخطبة
ولو فعل لا تفسد الخطبة لأنها ليست بصلاة فلا يفسدها كلام الناس يكره لأنها شرعت منظومة كالاذان
والكلام يقطع النظم الا إذا كان الكلام أمرا بالمعروف فلا يكره لما روى عن عمر انه كان يخطب يوم الجمعة فدخل
عليه عثمان فقال له أية ساعة هذه فقال ما زدت حين سمعت النداء يا أمير المؤمنين على أن توضأت فقال والوضوء
أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالاغتسال وهذا لان الامر بالمعروف يلتحق بالخطبة لان
الخطبة فيها وعظ فلم يبق مكروها ولو أحدث الامام بعد الخطبة قبل الشروع في الصلاة فقدم رجلا يصلى بالناس
إن كان ممن شهد الخطبة أو شيئا منها جاز وان لم يشهد شيئا من الخطبة لم يجز ويصلى بهم الظهر أما إذا شهد الخطبة
فلان الثاني قام مقام الأول و الأول يقيم الجمعة فكذا الثاني وكذا إذا شهد شيئا منها لان ذلك القدر لو وجد وحده وقع
معتدا به فكذا إذا وجد مع غيره ويستوى الجواب بين ما إذا كان الامام مأذونا في الاستخلاف أو لم يكن بخلاف
القاضي فإنه لا يملك الاستخلاف إذا لم يكن مأذونا فيه والفرق أن الجمعة مؤقتة تفوت بتأخيرها عند العذر إذ لم
يستخلف فالامر بإقامتها مع علم الوالي انه قد يعرض له عارض يمنعه من الإقامة يكون اذنا بالاستخلاف دلالة
بخلاف القاضي لان للقضاء غير مؤقت لا يفوت بتأخيره عند العذر فانعدم الاذن نصا ودلالة فهو الفرق وأما إذا
لم يشهد الخطبة فلانه منشئ للجمعة وليس بيان تحريمته على تحريمة الامام والخطبة شرعا انشاء الجمعة ولم توجد
ولو شرع الامام في الصلاة ثم أحدث فقدم رجلا جاء ساعتئذ أي لم يشهد الخطبة جاز وصلى بهم الجمعة لان تحريمة
الأول انعقدت للجمعة لوجود شرطها وهو الخطبة والثاني بنى تحريمته على تحريمة الامام والخطبة شرط انعقاد
الجمعة في حق من ينشئ التحريمة في الجمعة لا في حق من يبنى تحريمته على تحريمة غيره بدليل أن المقتدى بالامام
تصح جمعته وان لم يدرك الخطبة لهذا المعنى فكذا هذا ولو تكلم الخليفة بعد ما شرع الامام في الصلاة فإنه يستقبل
بهم الجمعة إن كان ممن شهد الخطبة وإن كان لم يشهد الخطبة فالقياس ان يصلى بهم الظهر وفى الاستحسان يصلى بهم
الجمعة وجه القياس ظاهر لأنه ينشئ التحريمة في الجمعة والخطبة شرط انعقاد الجمعة في حق المنشئ لتحريمة الجمعة وجه
الاستحسان انه لما قام مقام الأول التحق به حكما ولو تكلم الأول استقبل بهم الجمعة فكذا الثاني وذكر الحاكم
في المختصر ان الامام إذا أحدث وقدم رجلا لم يشهد الخطبة فأحدث قبل الشروع لم يجز ولو قدم هذا الرجل
محدثا آخر قد شهد الخطبة لم يجز لأنه ليس من أهل إقامة الجمعة بنفسه فلا يجوز منه الاستخلاف وبمثله لو قدم
جنبا قد شهد الخطبة فقدم هذا الجنب رجلا طاهرا قد شهد الخطبة جاز لان الجنب الذي شهد الخطبة من أهل
الإقامة بواسطة الاغتسال فيصح منه الاستخلاف ولو كان المقدم صبيا أو معتوها أو امرأة أو كافرا فقدم غيره
ممن شهد الخطبة لم يجز تقديمه بخلاف الجنب والفرق ان الجنب أهل لأداء الجمعة لأنه قادر على اكتساب
أهلية الأداء بإزالة الجنابة والحدث عن نفسه فكان هذا استخلافا لمن له قدرة القيام بما استخلف عليه فصح كما في
سائر المواضع التي يستخلف فيها فإذا قدم هو غيره صح لأنه استخلفه بعد ما صار خليفة فكان له ولاية الاستخلاف
بخلاف الصبي والمعتوه والمرأة فان الصبي والمعتوه ليسا من أهل أداء الجمعة والمرأة ليست من أهل امامة الرجال
ولا قدرة لهم على اكتساب شرط الأهلية فلم يصح استخلافهم إذا لاستخلاف شرع ابقاء للصلاة على الصحة
واستخلاف من لا قدرة له على اكتساب الأهلية غير مفيد فلم يصح وإذا لم يصح استخلافهم كيف يصح منهم
استخلاف ذلك الغير فإذا تقدم ذلك الغير فكأنه تقدم بنفسه لالتحاق تقدمهم بالعدم شرعا ولو تقدم بنفسه في هذه
الصلاة لا يجوز بخلاف سائر الصلوات حيث لا يحتاج فيها إلى التقديم والفرق ان إقامة الجمعة متعلقة بالامام
265

والمتقدم ليس بمأمور من جهة السلطان أو نائبه فلم يجز تقدمه فاما سائر الصلوات فاقامتها غير متعلقة بالامام
وبخلاف ما إذا استخلف الكافر مسلما فأدى الجمعة لا يجوز وإن كان الكافر قادرا على اكتساب الأهلية
بالاسلام لان هذا من أمور الدين وهو يعتمد ولاية السلطنة ولا يجوز ان يثبت للكافر ولاية السلطنة على
المسلمين فلم يصح استخلافه بخلاف المحدث والجنب والله أعلم ولو قدم مسافرا أو عبدا أو مكاتبا وصلى بهم
الجمعة جاز عندنا خلافا لزفر لان هؤلاء من أهل إقامة الجمعة على ما بينا هذا إذا قدم الامام أحدا فإن لم يقدم
وتقدم صاحب الشرط أو القاضي جاز لان هذا من أمور العامة وقد قلدهما الامام ما هو من أمور العامة فنزلا منزلة
الامام ولان الحاجة إلى الامام لدفع التنازع في التقدم وذا يحصل بتقدمهما لوجود دليل اختصاصهما من بين سائر
الناس وهو كون كل واحد منهما نائبا للسلطان وعاملا من عماله وكذا لو قدم أحدهما رجلا قد شهد الخطبة جاز لأنه
ثبت لكل واحد منهما ولاية التقدم على ما مر فتثبت ولاية التقدم لان كل من يملك إقامة الصلاة يملك إقامة غيره
مقامه وأما الجماعة فالكلام في الجماعة في مواضع في بيان كونها شرطا للجمعة وفي بيان كيفية هذا الشرط
وفي بيان مقداره وفي بيان صفة القوم الذين تنعقد بهم الجمعة اما الأول فالدليل على أنها شرط ان هذه الصلاة
تسمى جمعة فلابد من لزوم معنى الجمعة فيه اعتبارا للمعنى الذي أخذ اللفظ منه من حيث اللغة كما في الصرف والسلم
والرهن ونحو ذلك ولان ترك الظهر ثبت بهذه الشريطة على ما مر ولهذا لم يؤد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة
الا بجماعة وعليه اجماع العلماء وأما بيان كيفية هذا الشرط فنقول لا خلاف في أن الجماعة شرط لانعقاد الجمعة
حتى لا تنعقد الجمعة بدونها حتى أن الامام إذا فرغ من الخطبة ثم نفر الناس عنه الا واحدا يصلى بهم الظهر دون
الجمعة وكذا لو نفروا قبل ان يخطب الامام فخطب الامام وحده ثم حضروا فصلى بهم الجمعة لا يجوز لان الجماعة
كما هي شرط انعقاد الجمعة حال الشروع في الصلاة فهي شرط حال سماع الخطبة لان الخطبة بمنزلة شفع من الصلاة
قالت عائشة رضي الله عنها إنما قصرت الجمعة لأجل الخطبة فتشترط الجماعة حال سماعها كما تشترط حال الشروع
في الصلاة واختلفوا في أنها هل هي شرط بقائها منعقدة إلى آخر الصلاة قال أصحابنا الثلاثة انها ليست بشرط وقال
زفر انها شرط للانعقاد والبقاء جميعا فيشترط دوامها من أول الصلاة إلى آخرها كالطهارة وستر العورة واستقبال
القبلة ونحوها حتى أنهم لو نفروا بعد ما قيد الركعة بالسجدة له ان يتم الجمعة عندنا وعند زفر إذا نفروا قبل ان يقعد
الامام قدر التشهد فسدت الجمعة وعليه ان يستقبل الظهر وجه قوله أن الجماعة شرط لهذه الصلاة فكانت شرط
الانعقاد والبقاء كسائر الشروط من الوقت وستر العورة واستقبال القبلة وهذا لان الأصل فيما جعل شرطا للعبادة
أن يكون شرطا لجميع أجزائها لتساوي أجزاء العبادة الا إذا كان شرطا لا يمكن قرانه لجميع الاجزاء لتعذر ذلك أو
لما فيه من الحرج كالنية فتجعل شرطا لانعقادها وهنا لا حرج في اشتراط دوام الجماعة إلى آخر الصلاة في حق الامام
لان فوات هذا الشرط قبل تمام الصلاة في غاية الندرة فكان شرط الأداء كما هو شرط الانعقاد ولهذا شرط أبو
حنيفة دوام هذا الشرط ركعة كاملة وذا لا يشترط في شرط الانعقاد بخلاف المقتدى لان استدامة هذا الشرط
في حق المقتدى يوقعه في الحرج لأنه كثيرا ما يسبق بركعة أو ركعتين فجعل في حقه شرط الانعقاد لا غير وجه قول
أصحابنا الثلاثة ان المعنى يقتضى أن لا تكون الجماعة شرطا أصلا لا شرط الانعقاد ولا شرط البقاء لان الأصل أن
يكون شرط العبادة شيئا يدخل تحت قدرة المكلف تحصيله ليكون بقدر الوسع الا إذا كان شرطا هو كائن
لا محالة كالوقت لأنه إذا لم يكن كائنا لا محالة لم يكن للمكلف بد من تحصيله ليتمكن من الأداء ولا ولاية لكل
مكلف على غيره فلم يكن قادرا على تحصيل شرط الجماعة فكان ينبغي أن لا تكون الجماعة شرطا أصلا الا انا جعلناها
شرطا بالشرع فتجعل شرطا بقدر ما يحصل قبول حكم الشرع وذلك يحصل بجعله شرط الانعقاد فلا حاجة إلى
جعله شرط البقاء وصار كالنية بل أولى لان في وسع المكلف تحصيل النية لكن لما كان في استدامتها حرج جعل
شرط الانعقاد دون البقاء دفعا للحرج فالشرط الذي لا يدخل تحت ولاية العباد أصلا أولى أن لا يجعل شرط البقاء
266

فجعل شرط الانعقاد ولهذا كان من شرائط الانعقاد دون البقاء في حق المقتدى بالاجماع فكذا في حق الامام ثم
اختلف أصحابنا الثلاثة فيما بينهم فقال أبو حنيفة ان الجماعة في حق الامام شرط انعقاد الأداء لاشرط انعقاد
التحريمة وقال أبو يوسف ومحمد انها شرط انعقاد التحريمة حتى أنهم لو نفروا بعد التحريمة قبل تقييد الركعة
بسجدة فسدت الجمعة ويستقبل الظهر عنده كما قال زفر وعندهما يتم الجمعة وجه قولهما ان الجماعة شرط انعقاد
التحريمة في حق المقتدى فكذا في حق الامام والجامع أن تحريمة الجمعة إذا صحت صح بناء الجمعة عليها ولهذا لو أدركه
انسان في التشهد صلى الجمعة ركعتين عنده وهو قول أبى يوسف الا ان محمدا ترك القياس هناك بالنص لما يذكر
ولأبي حنيفة ان الجماعة في حق الامام لو جعلت شرط انعقاد التحريمة لأدى إلى الحرج لان تحريمته حينئذ
لا تنعقد بدون مشاركة الجماعة إياه فيها وذا لا يحصل الا وان تقع تكبيراتهم مقارنة لتكبيرة الامام وانه مما يتعذر
مراعاته وبالاجماع ليس بشرط فإنهم لو كانوا حضورا وكبر الامام ثم كبر وأصح تكبيرة وصار شارعا في الصلاة
وصحت مشاركتهم إياه فلم تجعل شرط انعقاد التحريمة لعدم الامكان فجعلت شرط انعقاد الأداء بخلاف القوم فإنه
أمكن أن تجعل في حقهم شرط انعقاد التحريمة لأنه تحصل مشاركتهم إياه في التحريمة لا محالة وان سبقهم الامام
بالتكبير وان ثبت ان الجماعة في حق الامام شرط انعقاد الأداء لا شرط انعقاد التحريمة فانعقاد الأداء بتقييد
الركعة بسجدة لان الأداء فعل والحاجة إلى كون الفعل أداء للصلاة وفعل الصلاة هو القيام والقراءة
والركوع والسجود ولهذا لو حلف لا يصلى فما لم يقيد الركعة بالسجدة لا يحنث فإذا لم يقيد الركعة بالسجدة
لم يوجد الأداء فلم تنعقد فشرط دوام مشاركة الجماعة الامام إلى الفراغ عن الأداء ولو افتتح الجمعة وخلفه قوم
ونفروا منه وبقى الامام وحده فسدت صلاته ويستقبل الظهر لان الجماعة شرط انعقاد الجمعة ولم توجد ولو جاء قوم
آخرون فوقفوا خلفه ثم نفر الأولون فان الامام يمضى على صلاته لوجود الشرط هذا الذي ذكرنا اشتراط المشاركة في
حق الامام واما المشاركة في حق المقتدى فنقول لا خلاف في أنه لا تشترط المشاركة في جميع الصلاة ثم اختلفوا بعد ذلك
فقال أبو حنيفة وأبو يوسف المشاركة في التحريمة كافية وعن محمد روايتان في رواية لابد من المشاركة في ركعة واحدة
وفى رواية المشاركة في ركن منها كافية وهو قول زفر حتى أن المسبوق إذا أدرك الامام في الجمعة ان ادركه في الركعة الأولى
أو الثانية أو كان في ركوعها يصير مدركا للجمعة بلا خلاف وأما إذا أدركه في سجود الركعة الثانية أو في التشهد كان
مدركا للجمعة عند أبي حنيفة وأبى يوسف لوجود المشاركة في التحريمة وعند محمد لا يصير مدركا في رواية لعدم
المشاركة في ركعة وفى رواية يصير مدركا لوجود المشاركة في بعض أركان الصلاة وهو قول زفر وأما إذا أدركه بعد ما قعد
قدر التشهد قبل السلام أو بعد ما سلم وعليه سجدتا السهو وعاد إليهما فعند أبي حنيفة وأبى يوسف يكون مدركا
للجمعة لوقوع المشاركة في التحريمة وعند زفر لا يكون مدركا لعدم المشاركة في شئ من أركان الصلاة ويصلى أربعا
ولا تكون الأربع عند محمد ظهرا محضا حتى قال يقرأ في الأربع كلها وعنه في افتراض القعدة الأولى روايتان في رواية
الطحاوي عنه فرض وفى رواية المعلى عنه ليست بفرض فكان محمدا رحمه الله سلك طريقة الاحتياط لتعارض
الأدلة عليه فأوجب ما يخرجه عن الفرض بيقين جمعة كان الفرض أو ظهرا وقيل على قول الشافعي الأربع ظهر
محض حتى لو ترك القعدة الأولى لا يوجب فساد الصلاة واحتجوا في المسألة بما روى عن الزهري باسناده عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدركها وليضف إليها أخرى وان أدركهم
جلوسا صلى أربعا وفى بعض الروايات صلى الظهر أربعا وهذا نص في الباب ولان إقامة الجمعة مقام الظهر عرف
بنص الشرع بشرائط الجمعة منها الجماعة والسلطان ولم توجد في حق المقتدى فكان ينبغي أن يقضى كل مسبوق
أربع ركعات الا ان مدرك يقضى ركعة بالنص ولا نص في المتنازع فيه ثم مع هذه الأدلة يسلك محمد رحمه
الله تعالى مسلك الاحتياط لتعارض الأدلة واحتج أبو حنيفة وأبو يوسف بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا أمر المسبوق بقضاء ما فاته وانا فاتته صلاة الامام وهي ركعتان والحديث
في حد الشهرة وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أدرك الامام في التشهد يوم الجمعة فقد
267

أدرك الجمعة ولان سبب اللزوم هو التحريمة وقد شارك الامام في التحريمة وبنى تحريمته على تحريمة الامام
فيلزمه ما لزم الامام كما في سائر الصلوات وتعلقهم بحديث الزهري غير صحيح فان الثقات من أصحاب الزهري كمعمر
والأوزاعي ومالك رووا أنه قال من أدرك ركعة من صلاة فقد أدركها فاما ذكر الجمعة فهذه الزيادة أو من أدركهم
جلوسا صلى أربعا رواه ضعفاء أصحابه هكذا قال الحاكم الشهيد ولئن ثبتت الزيادة فتأويلها وان أدركهم جلوسا قد
سلموا عملا بالدليلين بقدر الامكان وما ذكروا من المعنى يبطل بما إذا أدرك ركعة وقولهم هناك يقضى ركعة بالنص قلنا
وههنا أيضا يقضى ركعتين بالنص الذي روينا وما ذكروا من الاحتياط غير سديد لان الأربع إن كانت ظهرا فلا
يمكن بناؤها على تحريمة عقدها للجمعة ألا يرى أنه لو أدركه في التشهد ونوى الظهر لم يصح اقتداؤه به وإن كانت
جمعة فالجمعة كيف تكون أربع ركعات على أنه لا احتياط عند ظهور فساد أدلة الخصوم وصحة دليلنا والله تعالى
أعلم وأما الكلام في مقدار الجماعة فقد قال أبو حنيفة ومحمد أدناه ثلاثة سوى الامام وقال أبو يوسف اثنان
سوى الامام وقال الشافعي لا تنعقد الجمعة لا بأربعين سوى الامام أما الكلام مع الشافعي فهو يحتج بما روى عن
عبد الرحمن بن كعب بن مالك أنه قال كنت قائد أبى حين كف بصره فكان إذا سمع النداء يوم الجمعة استغفر الله
لأبي أمامة أسعد بن زرارة فقلت لا سألنه عن استغفاره لأبي أمامة فبينما أنا أقوده في جمعة إذ سمع النداء
فاستغفر الله لأبي أمامة فقلت يا أبت أرأيت استغفارك لأبي أمامة أسعد بن زرارة فقال إن أول من جمع بنا
بالمدينة أسعد فقلت وكم كنتم يومئذ فقال كنا أربعين رجلا ولان ترك الظهر إلى الجمعة يكون بالنص ولم ينقل انه
عليه الصلاة والسلام أقام الجمعة بثلاثة (ولنا) ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب فقدم غير تحمل
الطعام فانقضوا إليها وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما وليس معه الا اثنى عشر رجلا منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله تعالى عنهم أجمعين وقد أقام الجمعة بهم وروى أن مصعب بن عمير قد أقام
الجمعة بالمدينة مع اثنى عشر رجلا ولان الثلاثة تساوى ما وراءها في كونها جمعا فلا معنى لاشتراط جمع
الأربعين بخلاف الاثنين فإنه ليس بالجمع ولا حجة له في حديث أسعد بن زرارة لان الإقامة بالأربعين وقع
اتفاقا الا يرى أنه روى أن أسعد أقامها بسبعة عشر رجلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم أقامها باثني عشر
رجلا حين انفضوا إلى التجارة وتركوه قائما وأما الكلام مع أصحابنا فوجه قول أبى يوسف ان الشرط أداء
الجمعة بجماعة وقد وجد لأنهما مع الامام ثلاثة وهي جمع مطلق ولهذا يتقدمهما الامام ويصطفان
خلفه ولهما ان الجمع المطلق شرط انعقاد الجمعة في حق كل واحد منهم وشرط جواز صلاة كل واحد منهم
ينبغي أن يكون سواه فيحصل هذا الشرط ثم يصلى ولا يحصل هذا الشرط الا إذا كان سوى الامام ثلاثة
إذ لو كان مع الامام ثلاثة لا يوجد في حق كل واحد منهم الا اثنان والمثنى ليس بجمع مطلق وهذا بخلاف سائر
الصلوات لان الجماعة هناك ليست بشرط للجواز حتى يجب على كل واحد تحصيل هذا الشرط غير أنهما
يصطفان خلف الامام لان المقتدى تابع لامامه فكان ينبغي أن يقوم خلفه لاظهار معنى التبعية غير أنه إن كان
واحدا لا يقوم خلفه لئلا يصير منتبذا خلف الصفو ف يصير مرتكبا للنهي فإذا صار اثنين زال هذا المعنى فقاما خلفه
والله تعالى أعلم وأما صفة القوم الذين تنعقد بهم الجمعة فعندنا ان كل من يصلح اماما للرجال في الصلوات المكتوبات
تنعقد بهم الجمعة فيشترط صفة الذكورة والعقل والبلوغ لا غير ولا تشترط الحرية والإقامة حتى تنعقد الجمعة
بقوم عبيد أو مسافرين ولا تنعقد بالصبيان والمجانين والنساء على الانفراد وقال الشافعي يشترط الحرية والإقامة
في صفة القوم فلا تنعقد بالعبيد والمسافرين وجه قوله إنه لا جمعة عليهم فلا تنعقد بهم كالنسوان والصبيان (ولنا)
ان درجة الامام أعلى ثم صفة الحرية والإقامة ليست بشرط في الامام لما مر فلان لا تشترط في القوم أولى وإنما
لا تجب الجمعة على العبيد والمسافرين إذا لم يحضروا فأما إذا حضروا تجب لان المانع من الوجوب قد زال
بخلاف الصبيان والنسوان على ما ذكرنا فيما تقدم والله تعالى أعلم وأما الوقت فمن شرائط الجمعة وهو وقت
الظهر حتى لا يجوز تقديمها على زوال الشمس لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه لما بعث مصعب
268

ابن عمير إلى المدينة قال له إذا مالت الشمس فصل بالناس الجمعة وروى أنه كتب إلى أسعد بن زرارة إذا زالت
الشمس من اليوم الذي تتجهز فيه اليهود لسبتها فازدلف إلى الله تعالى بركعتين وما روى أن ابن مسعود أقام الجمعة
ضحى يعنى بالقرب منه ومراد الراوي أنه ما اخرها بعد الزوال فإن لم يؤدها حتى دخل وقت العصر تسقط الجمعة
لأنها لا تقضى لما نذكر وقال مالك تجوز إقامة الجمعة في وقت العصر وهو فاسد لأنها أقيمت مقام الظهر بالنص
فيصير وقت الظهر وقتا للجمعة وما أقيمت مقام غير الظهر من الصلوات فلم تكن مشروعة في غير وقته والله أعلم
هذا الذي ذكرنا من الشرائط مذكورة في ظاهر الرواية وذكر في النوادر شرطا آخر لم يذكره في ظاهر الرواية
وهو أداء الجمعة بطريق الاشتهار حتى أن أميرا لو جمع جيشه في الحصن وأغلق الأبواب وصلى بهم الجمعة لا تجزئهم
كذا ذكر في النوادر فإنه قال السلطان إذا صلى في فهندرة والقوم مع أمراء السلطان في المسجد الجامع قال إن فتح
باب داره وأذن للعامة بالدخول في فهندرة جاز وتكون الصلاة في موضعين ولو لم يأذن للعامة وصلى مع جيشة لا تجوز
صلاة السلطان وتجوز صلاة العامة وإنما كان هذا شرط لان الله تعالى شرع النداء لصلاة الجمعة بقوله يا أيها الذين
آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله والنداء للاشتهار ولذا يسمى جمعة لاجتماع الجماعات
فيها فاقتضى أن تكون الجماعات كلها مأذونين بالحضور اذنا عاما تحقيقا لمعنى الاسم والله أعلم
* (فصل) * وأما بيان مقدارها فمقدارها ركعتان عرفنا ذلك بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم
من بعده وعليه اجماع الأمة وينبغي للامام أن يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة مقدار ما يقرأ في صلاة
الظهر وقد ذكرناه ولو قرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة الجمعة وفى الثانية بفاتحة الكتاب وسورة
المنافقين تبركا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسن فإنه روى أنه كان يقرأهما في صلاة الجمعة وروى أنه قرأ في
صلاة العيدين والجمعة سبح اسم ربك الاعلى والغاشية فان تبرك بفعله صلى الله عليه وسلم وقرأ هذه السورة في
أكثر الأوقات فنعم ما فعل ولكن لا يواظب على قراءتها بل يقرأ غيرها في بعض الأوقات حتى لا يؤدى إلى هجر
بعض القرآن ولئلا تظنه العامة حتما ويجهر بالقراءة فيها لورود الأثر فيها بالجهر وهو ما روى عن ابن عباس أنه قال
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولى سورة الجمعة وفى الثانية سورة المنافقين ولو
لم يجهر لما سمع وكذا الأمة توارثت ذلك ولان الناس يوم الجمعة فرغوا قلوبهم عن الاهتمام لأمور التجارة لعظم
ذلك الجمع فيتأملون قراءة الإمام فتحصل لهم ثمرات القراءة فيجهر بها كما في صلاة الليل
* (فصل) * وأما بيان ما يفسدها وبيان حكمها إذا فسدت أو فاتت عن وقتها فنقول إنه يفسد الجمعة ما يفسد سائر
الصلوات وقد بينا ذلك في موضعه والذي يفسدها على الخصوص أشياء منها خروج وقت الظهر في خلال الصلاة
عند عامة المشايخ وعند مالك لا يفسدها بناء على أن الجمعة فرض مؤقت بوقت الظهر عند العامة حتى لا يجوز
أداؤها في وقت العصر وعنده يجوز وقد مر الكلام فيه وكذا خروج الوقت بعد ما قعد قدر التشهد عند أبي
حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا تفسد وهي من المسائل الاثني عشرية وقد مرت ومنها فوت
الجماعة الجمعة قبل أن يقيد الامام الركعة بالسجدة بان نفر الناس عنه عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما لا
تفسد وأما فوتها بعد تقييد الركعة بالسجدة فلا تفسد عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر تفسد وقد ذكرنا هذه المسائل
وأما حكم فسادها فان فسدت بخروج الوقت أو بفوت الجماعة يستقبل الظهر وان فسدت بما تفسد به عامة
للصلوات من الحدث العمد والكلام وغير ذلك يستقبل الجمعة عند وجود شرائطهما وأما إذا فاتت عن وقتها وهو
وقت الظهر سقطت عند عامة العلماء لان صلاة الجمعة لا تقضى لان القضاء على حسب الأداء والأداء فات
بشرائط مخصوصة يتعذر تحصيلها على كل فرد فتسقط بخلاف سائر المكتوبات إذا فاتت عن أوقاتها والله أعلم
* (فصل) * وأما بيان ما يستحب في يوم الجمعة وما يكره فيه فالمستحب في يوم الجمعة لمن يحضر الجمعة أن يدهن
ويمس طيبا ويلبس أحسن ثيابه إن كان عنده ذلك ويغتسل لان الجمعة من أعظم شعائر الاسلام فيستحب أن
269

يكون المقيم لها على أحسن وصف وقال مالك غسل يوم الجمعة فريضة واحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم أو قال حق على كل محتلم ولنا ما روى أبو هريرة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل وما روى من الحديث
فتأويله مروى عن ابن عباس وعائشة أنهما قالا كان الناس عمال أنفسهم وكانوا يلبسون الصوف ويعرقون فيه
والمسجد قريب السمك فكان يتأذى بعضهم برائحة بعض فأمروا بالاغتسال لهذا ثم اتسخ هذا حين لبسوا غير
الصوف وتركوا العمل بأيديهم ثم غسل يوم الجمعة لصلاة الجمعة أم ليوم الجمعة قال الحسن بن زياد ليوم الجمعة
اظهارا لفضيلته قال النبي صلى الله عليه وسلم سيد الأيام يوم الجمعة وقال أبو يوسف لصلاة الجمعة لأنها مؤداة
بشرائط ليست لغيرها فلها من الفضيلة ما ليس لغيرها وفائدة الاختلاف أن من اغتسل يوم الجمعة قبل صلاة
الجمعة ثم أحدث فتوضأ وصلى به الجمعة فعند أبي يوسف لا يصير مدركا لفضيلة الغسل وعند الحسن يصير مدركا
لها وكذا إذا توضأ وصلى به الجمعة ثم اغتسل فهو على هذا الاختلاف فاما إذا اغتسل يوم الجمعة وصلى به الجمعة
فإنه ينال فضيلة الغسل بالاجماع على اختلاف الأصلين لوجود الاغتسال والصلاة به والله أعلم وأما ما يكره في يوم
الجمعة فنقول تكره صلاة الظهر يوم الجمعة بجماعة في المصر في سجن أو غير سجن هكذا روى عن علي رضي الله عنه
وهكذا جرى التوارث باغلاق أبواب المساجد في وقت الظهر يوم الجمعة في الأمصار فدل ذلك على كراهة الجماعة
فيها في حق الكل ولأنا لو أطلقنا للمعذور إقامة الظهر بالجماعة في المصر فربما يقتدى به غير المعذور فيؤدى إلى
تقليل جمع الجمعة وهذا لا يجوز ولان ساكن المصر مأمور بشيئين في هذا الوقت بترك الجماعات وشهود
الجمعة والمعذور قدر على أحدهما وهو ترك الجماعات فيؤمر بالترك وأما أهل القرى فإنهم يصلون الظهر بجماعة
باذان وإقامة لأنه ليس عليهم شهود الجمعة ولان في إقامة الجماعة فيها لتقليل جمع الجمعة فكان هذا اليوم في حقهم
كسائر الأيام وكذا يكره البيع والشراء يوم الجمعة إذا صعد الامام المنبر وأذن المؤذنون بين يديه لقوله تعالى يا أيها
الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع والامر بترك البيع يكون نهيا عن
مباشرته وأدنى درجات النهى الكراهة ولو باع يجوز لان الامر بترك البيع ليس لعين البيع بل لترك استماع الخطبة
* (فصل) * وأما فرض الكفاية فصلاة الجنازة ونذكرها في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى
* (فصل) * وأما الصلاة الواجبة فنوعان صلاة الوتر وصلاة العيدين (أما صلاة الوتر) فالكلام في الوتر يقع في
مواضع في بيان صفة الوتر أنه واجب أم سنة وفي بيان من يجب عليه وفي بيان مقداره وفي بيان وقته وفي بيان
صفة القراءة التي فيه ومقدارها وفي بيان ما يفسده وفي بيان حكمه إذا فسد أو فات عن وقته وفي بيان القنوت أما
الأول فعند أبي حنيفة فيه ثلاث روايات روى حماد بن زيد عنه أنه فرض وروى يوسف بن خالد السمتي أنه واجب
وروى نوح بن أبي مريم المروزي في الجامع عنه أنه سنة وبه أخذ أبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله وقالوا إنه
سنة مؤكدة آكد من سائر السنن المؤقتة واحتجوا بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاث كتبت علي
ولم تكتب عليكم الوتر والضحى والأضحى وفى رواية ثلاث كتبت علي وهي لكم سنة الوتر والضحى والأضحى
وعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله كتب عليكم في كل يوم وليلة خمس صلوات
وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع صلوا خمسكم وكذا المروى في حديث معاذ أنه لما بعثه إلى اليمن قال له
أعلمهم ان الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ولو كان الوتر واجبا لصار المفروض ست صلوات في كل
يوم وليلة ولان زيادة الوتر على الخمس المكتوبات نسخ لها لان الخمس قبل الزيادة كانت كل وظيفة اليوم
والليلة وبعد الزيادة تصير بعض الوظيفة فينسخ وصف الكلية بها ولا يجوز نسخ الكتاب والمشاهير من الأحاديث
بالآحاد ولان علامات السنن فيها ظاهرة فإنها تؤدى تبعا للعشاء والفرض ما لا يكون تابعا لفرض آخر وليس
لها وقت ولا أذان ولا إقامة ولا جماعة ولفرائض الصلوات أوقات وأذان وإقامة وجماعة ولذا يقرأ في الثلاث
270

كلها وذا من امارات السنن ولأبي حنيفة ما روى خارجة بن حذافة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله
تعالى زادكم صلاة الا وهي الوتر فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر والاستدلال به من وجهين أحدهما أنه أمر
بها ومطلق الامر للوجوب والثاني انه سماها زيادة والزيادة على الشئ لا تتصور الا من جنسه فأما إذا كان غيره فإنه
يكون قرانا لا زيادة ولان الزيادة إنما تتصور على المقدر وهو الفرض فاما النفل فليس بمقدر فلا تتحقق الزيادة عليه ولا
يقال إنها زيادة على الفرض لكن في الفعل لا في الوجوب لأنهم كانوا يفعلونها قبل ذلك الا ترى أنه قال الا وهي الوتر
ذكرها معرفة بحرف التعريف ومثل هذا التعريف لا يحصل الا بالعهد ولذا لم يستفسروها ولو لم يكن فعلها معهودا
لاستفسروا فدل أن ذلك في الوجوب لا في الفعل ولا يقال إنها زيادة على السنن لأنها كانت تؤدى قبل ذلك بطريق
السنة وروى عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أوتروا يا أهل القران فمن لم يوتر فليس منا ومطلق الامر
للوجوب وكذا التوعد على الترك دليل الوجوب وروى أبو بكر أحمد بن علي الرازي باسناده عن أبي سليمان بن أبي
بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الوتر حق واجب فمن لم يوتر فليس منا وهذا نص في الباب وعن الحسن
البصري أنه قال اجمع المسلمون على أن الوتر حق واجب وكذا حكى الطحاوي فيه اجماع السلف ومثلهما لا يكذب
ولأنه إذا فات عن وقته يقضى عندهما وهو أحد قولي الشافعي ووجوب القضاء عن الفوات لا عن عذر يدل على
وجوب الأداء ولذا لا يؤدى على الراحلة بالاجماع عند القدرة على النزول وبعينه ورد الحديث وذا من أمارات
الوجوب والفرضية ولأنها مقدرة بالثلاث والتنفل بالثلاث ليس بمشروع وأما الأحاديث اما الأول ففيه نفى
الفرضية دون الوجوب لان الكتابة عبارة عن الفرضية ونحن به نقول إنها ليست بفرض ولكنها واجبة وهي
آخر أقوال أبي حنيفة والرواية الأخرى محمولة على ما قبل الوجوب ولا حجة لهم في الأحاديث الاخر لأنها تدل على
فرضية الخمس والوتر عندنا ليست بفرض بل هي واجبة وفى هذا حكاية وهو ما روى أن يوسف بن خالد السمتي
سأل أبا حنيفة عن الوتر فقال هي واجبة فقال يوسف كفرت يا أبا حنيفة وكان ذلك قبل أن يتلمذ عليه كأنه فهم
من قول أبي حنيفة أنه يقول إنها فريضة فزعم أنه زاد على الفرائض الخمس فقال أبو حنيفة ليوسف أيهولني
اكفارك إياي وأنا أعرف الفرق بين الواجب والفرض كفرق ما بين السماء والأرض ثم بين له الفرق بينهما فاعتذر
إليه وجلس عنده للتعلم بعد أن كان من أعيان فقهاء البصرة وإذا لم يكن فرضا لم تصر الفرائض الخمس ستا بزيادة
الوتر عليها وبه تبين ان زيادة الوتر على الخمس ليست نسخا لها لأنها بقيت بعد الزيادة كل وظيفة اليوم والليلة
فرضا أما قولهم إنه لا وقت لها فليس كذلك بل لها وقت وهو وقت العشاء الا ان تقديم العشاء عليها شرط عند
التذكر وذا لا يدل على التبعية كتقديم كل فرض على ما يعقبه من الفرائض ولهذا اختص بوقت استحسانا فان
تأخيرها إلى آخر الليل مستحب وتأخير العشاء إلى آخر الليل يكره أشد الكراهة وذا أمارة الأصالة إذ لو كانت تابعة
للعشاء لتبعته في الكراهة والاستحباب جميعا وأما الجماعة والأذان والإقامة فلأنها من شعائر الاسلام فتختص
بالفرائض المطلقة ولهذا لا مدخل لها في صلاة النساء وصلاة العيدين والكسوف وأما القراءة في الركعات كلها
فلضرب احتياط عند تباعد الأدلة عن ادخالها تحت الفرائض المطلقة على ما نذكر
* (فصل) * وأما بيان من تجب عليه فوجوبه لا يختص بالبعض دون البعض كالجمعة وصلاة العيدين بل يعم الناس
أجمع من الحر والعبد والذكر والأنثى بعد أن كان أهلا للوجوب لان ما ذكرنا من دلائل الوجوب لا يوجب الفصل
* (فصل) * وأما الكلام في مقداره فقد اختلف العلماء فيه قال أصحابنا الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة
في الأوقات كلها وقال الشافعي هو بالخيار ان شاء أوتر بركعة أو ثلاث أو خمس أو سبع أو أحد عشر في
الأوقات كلها وقال الزهري في شهر رمضان ثلاث ركعات وفى غيره ركعة احتج الشافعي بما روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال من شاء أوتر بركعة ومن شاء أوتر بثلاث أو بخمس ولنا ما روى عن ابن مسعود وابن عباس
وعائشة رضي الله عنهم انهم قالوا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث ركعات وعن الحسن قال اجمع
271

المسلمون على أن الوتر ثلاث لا سلام الا في آخرهن ومثله لا يكذب ولان الوتر نفل عنده والنوافل اتباع الفرائض
فيجب أن يكون لها نظيرا من الأصول والركعة الواحدة غير معهودة فرضا وحديث التخيير محمول على ما قبل
استقرار امر الوتر بدليل ما روينا
* (فصل) * وأما بيان وقته فالكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان أصل الوقت وفي بيان الوقت المستحب
أما أصل الوقت فوقت العشاء عند أبي حنيفة الا انه شرع مرتبا عليه حتى لا يجوز أداؤه قبل صلاة العشاء
مع أنه وقته لعدم شرطه وهو الترتيب الا إذا كان ناسيا كوقت أداء الوقتية وهو وقت الفائتة لكنه شرع مرتبا
عليه وعند أبي يوسف ومحمد والشافعي وقته بعد أداء صلاة العشاء وهذا بناء على ما ذكرنا ان الوتر واجب
عند أبي حنيفة وعندهم سنة ويبنى على هذا الأصل مسئلتان إحداهما ان من صلى العشاء على غير وضوء وهو لا
يعلم ثم توضأ فأوتر تذكر أعاد صلاة العشاء بالاتفاق ولا يعيد الوتر في قول أبي حنيفة وعندهما يعيد ووجه البناء على
هذا الأصل انه لما كان واجبا عند أبي حنيفة كان أصلا بنفسه في حق الوقت لا تبعا للعشاء فكما غاب الشفق دخل
وقته كما دخل وقت العشاء الا ان وقته بعد فعل العشاء الا ان تقديم أحدهما على الآخر واجب حالة التذكر فعند
النسيان يسقط كما في العصر والظهر التي لم يؤدها حتى دخل وقت العصر يجب ترتيب العصر على الظهر عند التذكر
ثم يجوز تقديم العصر على الظهر عند النسيان كذا هذا والدليل على أن وقته ما ذكرنا لا ما بعد فعل العشاء انه لو لم
يصل العشاء حتى طلع الفجر لزمه قضاء الوتر كما يلزمه قضاء العشاء ولو كان وقتها ذلك لما وجب قضاؤها إذا لم يتحقق
وقتها لاستحالة تحقق ما بعد فعل العشاء بدون فعل العشاء هذا هو تخريج قول أبي حنيفة على هذا الأصل وأما
تخريج قولهما انه لما كان سنة كان وقته ما بعد وقت العشاء لكونه تبعا للعشاء كوقت ركعتي الفجر ولهذا قال النبي
صلى الله عليه وسلم في ذلك الحديث زادكم صلاة وجعلها لكم ما بين العشاء إلى طلوع الفجر ووجود ما بين شيئين
سابقا على وجودهما محال والجواب أن اطلاق الفعل بعد العشاء لا ينفى الاطلاق قبله وعلى هذا الاختلاف إذا صلى
الوتر على ظن أنه صلى العشاء ثم تبين أنه لم يصل العشاء يصلى العشاء بالاجماع ولا يعيد الوتر عنده وعندهما يعيد
والمسألة الثانية مسألة الجامع الصغير وهو أن من صلى الفجر وهو ذاكر انه لم يوتر وفى الوقت سعة لا يجوز عنده
لان الواجب ملحق بالفرض في العمل فيجب مراعاة الترتيب بينه وبين الفرض وعندهما يجوز لان مراعاة
الترتيب بين السنة والمكتوبة غير واجبة ولو ترك الوتر عند وقته حتى طلع الفجر يجب عليه القضاء عند أصحابنا
خلافا للشافعي أما عند أبي حنيفة فلا يشكل لأنه واجب فكان مضمونا بالقضاء كالفرض وعدم وجوب القضاء عند
الشافعي لا يشكل أيضا لأنه سنة عندهما وكذا القياس عندهما أن لا يقضى وهكذا روى عنهما ما في غير رواية
الأصول لكنهما استحسنا في القضاء بالأثر وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم من نام عن وتر أو نسيه فليصله إذا
ذكره فان ذلك وقته ولم يفصل بين ما إذا تذكر في الوقت أو بعده ولأنه محل الاجتهاد فأوجب القضاء احتياطا وأما
الوقت المستحب للوتر فهو آخر الليل لما روى عن عائشة رضي الله عنها انها سئلت عن وتر رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقالت تارة كان يوتر في أول الليل وتارة في وسط الليل وتارة في آخر الليل ثم صار وتره في آخر عمره في آخر
الليل وقال النبي صلى الله عليه وسلم صلاه الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فاوتر بركعة وهذا إذا كان لا يخاف
فوته فإن كان يخاف فوته يجب أن لا ينام الا عن وتر وأبو بكر رضي الله عنه كان يوتر في أول الليل وعمر كان يوتر في
آخر الليل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أخذت بالثقة وقال لعمر أخذت بفضل القوة
* (فصل) * وأما صفة القراءة فيه فالقراءة فيه فرض في الركعات كلها أما عندهم فلا يشكل لأنه نفل وعند أبي
حنيفة وإن كان واجبا لكن الواجب ما يحتمل انه فرض ويحتمل انه نفل لكن يرجح جهة الفرضية فيه بدليل
فيه شبهة فيجعل واجبا مع احتمال النفلية فإن كان فرضا يكتفى بالقراءة في ركعتين منه كما في المغرب وإن كان نفلا
يشترط في الركعات كلها كما في النوافل فكان الاحتياط في وجوبها في الكل لم يذكر الكرخي في مختصره قدر
272

القراءة في الوتر وذكر محمد في الأصل وقال وما قرأ في الوتر فهو حسن وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قرأ
في الوتر في الركعة الأولى سبح اسم ربك الاعلى وفى الثانية بقل يا أيها الكافرون وفى الثالثة بقل هو الله أحد ولا ينبغي
أن يؤقت شيئا من القرآن في الوتر لما مر ولو قرأ في الركعة الأولى سبح اسم ربك الاعلى وفى الثانية قل يا أيها
الكافرون وفى الثالثة قل هو الله أحد اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم كان حسنا لكن لا يواظب عليه كيلا يظنه
الجهال حتما ثم إذا فرغ من القراءة في الركعة الثانية كبر ورفع يديه حذاء أذنيه ثم أرسلهما ثم يقنت أما التكبير
فلما روى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان إذا أراد أن يقنت كبر وقنت وأما رفع اليدين
فلقول النبي صلى الله عليه وسلم لا نرفع اليدين الا في سبعة مواطن وذكر من جملتها القنوت وأما الارسال فقد ذكرنا
تفسيره فيما تقدم والله الموفق
* (فصل) * وأما القنوت فالكلام فيه في مواضع في صفة القنوت ومحل أدائه ومقداره ودعائه وحكمه إذا فات عن
محله أما الأول فالقنوت واجب عند أبي حنيفة وعندهما سنة والكلام فيه كالكلام في أصل الوتر وأما محل
أدائه فالوتر في جميع السنة قبل الركوع عندنا وقد خالفنا الشافعي في المواضع الثلاثة فقال يقنت في صلاة الفجر
في الركعة الثانية بعد الركوع ولا يقنت في الوتر الا في النصف الأخير من رمضان بعد الركوع واحتج في
المسألة الأولى بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة الفجر وكان يدعو على قبائل ولنا ما روى
ابن مسعود وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الفجر شهرا كان يدعو
في قنوته على رعل وذكوان ويقول اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف ثم تركه
فكان منسوخا دل عليه انه روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة المغرب كما في صلاة الفجر وذلك منسوخ
بالاجماع وقال أبو عثمان النهدي صليت خلف أبى بكر وخلف عمر كذلك فلم أر أحدا منها يقنت في صلاة الفجر
واحتج في المسألة الثانية بما روى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أمر أبي بن كعب بالإمامة في ليالي رمضان أمره
بالقنوت في النصف الأخير منه ولنا ما روى عن عمر وعلى وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم أنهم قالوا راعينا
صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل يقنت قبل الركوع ولم يذكروا وقتا في السنة وتأويل ما رواه الشافعي
انه طول القيام بالقراءة وطول القيام يسمى قنوتا لأنه أراد به القنوت في الوتر وإنما حملناه على هذا لان امامة
أبي بن كعب كانت بمحضر من الصحابة ولا يخفى عليهم حاله وقد روينا عنهم بخلافه واستدل في المسألة الثالثة
بصلاة الفجر ثم قد صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقنت في صلاة الفجر بعد الركوع فقاس
عليه القنوت في الوتر ولنا ما روينا عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم قنوت رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الوتر قبل الركوع واستدلاله بصلاة الفجر غير سديد لأنه استدلال بالمنسوخ على ما مر وأما مقدار القنوت فقد
ذكر الكرخي ان مقدار القيام في القنوت مقدار سورة إذا السماء انشقت وكذا ذكر في الأصل لما روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم انه كان يقرأ في القنوت اللهم انا نستعينك اللهم اهدنا فيمن هديت وكلاهما على مقدار هذه
السورة وروى أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يطول في دعاء القنوت وأما دعاء القنوت فليس في القنوت دعاء موقت
كذا ذكر الكرخي في كتاب الصلاة لأنه روى عن الصحابة أدعية مختلفة في حال القنوت ولان الموقت من الدعاء
يجرى على لسان الداعي من غير احتياجه إلى احضار قلبه وصدق الرغبة منه إلى الله تعالى فيبعد عن
الإجابة ولأنه لا توقيت في القراءة لشئ من الصلوات نفى دعاء القنوت أولى وقد روى عن محمد أنه قال التوقيت في
الدعاء يذهب وقته القلب وقال بعض مشايخنا المراد من قوله ليس في القنوت دعاء موقت ما سوى قوله اللهم انا
نستعينك لان الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على هذا في القنوت فالأولى أن يقرأه ولو قرأ غيره جاز ولو قرأ معه
غيره كان حسنا والأولى أن يقرأ بعده ما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما في قنوته
اللهم اهدنا فيمن هديت إلى آخره وقال بعضهم الأفضل في الوتر أن يكون فيه دعاء موقت لان الامام ربما
273

يكون جاهلا فيأتي بدعاء يشبه كلام الناس فتفسد الصلاة وما روى عن محمد ان التوقيت في الدعاء يذهب رقة القلب
محمول على أدعية المناسك دون الصلاة لما ذكرنا وأما صفة دعاء القنوت من الجهر والمخافتة فقد ذكر القاضي
في شرحه مختصر الطحاوي أنه إن كان منفردا فهو بالخيار ان شاء جهر وأسمع غيره وان شاء جهر وأسمع نفسه
وان شاء أسر كما في القراءة وإن كان اماما يجهر بالقنوت لكن دون الجهر بالقراءة في الصلاة والقوم يتابعونه هكذا
إلى قوله إن عذابك بالكفار ملحق وإذا دعا الامام بعد ذلك هل يتابعه القوم ذكر في الفتاوى اختلافا بين أبى يوسف
ومحمد في قول أبى يوسف يتابعونه ويقرؤن وفى قول محمد لا يقرؤن ولكن يؤمنون وقال بعضهم ان شاء
القوم سكتوا وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت فقد قال أبو القاسم الصفار لا يفعل لان
هذا ليس موضعها وقال الفقيه أبو الليث يأتي بها لان القنوت دعاء فالأفضل أن يكون فيه الصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم ذكره في الفتاوى هذا كله مذكور في شرح القاضي مختصر الطحاوي واختار مشايخنا بما
وراء النهر الاخفاء في دعاء القنوت في حق الامام والقوم جميعا لقوله تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية وقول
النبي صلى الله عليه وسلم خير الدعاء الخفي وأما حكم القنوت إذا فات عن محله فنقول إذا نسي القنوت حتى ركع ثم تذكر
بعد ما رفع رأسه من الركوع لا يعود ويسقط عنه القنوت وإن كان في الركوع فكذلك في ظاهر الرواية وروى عن أبي
يوسف في غير رواية الأصول أنه يعود إلى القنوت لان له شبها بالقراءة فيعود كما لو ترك الفاتحة أو
السورة ولو تذكر في الركوع أو بعد ما رفع رأسه منه أنه ترك الفاتحة أو السورة يعود وينتقض ركوعه كذا ههنا
ووجه الفرق على ظاهر الرواية أن الركوع يتكامل بقراءة الفاتحة والسورة لان الركوع لا يعتبر بدون القراءة
أصلا فيتكامل بتكامل القراءة وقراءة الفاتحة والسورة على التعيين واجبة فينتقض الركوع بتركها فكان نقض
الركوع للأداء على الوجه الأكمل والأحسن فكان مشروعا فاما القنوت فليس مما يتكامل به الركوع الا ترى أنه
لا قنوت في سائر الصلوات والركوع معتبر بدونه فلم يكن النقض للتكميل لكماله في نفسه ولو نقض كان النقض
لأداء القنوت الواجب ولا يجوز نقض الفرض لتحصيل الواجب فهو الفرق ولا يقنت في الركوع أيضا بخلاف
تكبيرات العيد إذا تذكرها في حال الركوع حيث يكبر فيه والفرق أن تكبيرات العيد لم تختص بالقيام المحض الا ترى
أن تكبيرة الركوع يؤتى بها في حال الانحطاط وهي محسوبة من تكبيرات العيد باجماع الصحابة فإذا جاز أداء
واحدة منها في غير محض القيام من غير عذر جاز أداء الباقي مع قيام العذر بطريق الأولى فاما القنوت فلم يشرع
الا في محض القيام غير معقول المعنى فلا يتعدى إلى الركوع الذي هو قيام من وجه ولو أنه عاد إلى القيام وقنت
ينبغي أن لا ينتقض ركوعه على قياس ظاهر الرواية بخلاف ما إذا عاد إلى قراءة الفاتحة أو السورة حيث ينتقض
ركوعه والفرق أن محل القراءة قائم ما لم يقيد الركعة بالسجدة الا ترى أنه يعود فإذا عاد وقرأ الفاتحة أو السورة
وقع الكل فرضا فيجب مراعاة الترتيب بين الفرائض ولا يتحقق ذلك الا بنقض الركوع بخلاف القنوت لان محله
قد فات الا ترى أنه لا يعود فإذا عاد فقد قصد نقض الفرض لتحصيل واجب فات عليه فلا يملك ذلك ولو عاد إلى
قراءة الفاتحة أو السورة فقرأها وركع مرة أخرى فأدركه رجل في الركوع الثاني كان مدركا للركعة ولو كان أتم
قراءته وركع فظن أنه لم يقرأ فرفع رأسه منه يعود فيقرأ ويعيد القنوت والركوع وهذا ظاهر لان الركوع ههنا
حصل قبل القراءة فلم يعتبر أصلا ولو حصل قبل قراءة الفاتحة أو السورة يعود ويعيد الركوع فههنا أولى
* (فصل) * وأما بيان ما يفسده وبيان حكمه إذا فسد أو فات عن وقته أما ما يفسده وحكمه إذا فسد فما ذكرنا في
الصلوات المكتوبات وإذا فات عن وقته يقضى على اختلاف الأقاويل على ما بينا والله تعالى أعلم
* (فصل وأما صلاة العيدين) * فالكلام فيها يقع في مواضع في بيان أنها واجبة أم سنة وفي بيان شرائط وجوبها
وجوازها وفي بيان وقت أدائها وفي بيان قدرها وكيفية أدائها وفي بيان ما يفسدها وفي بيان حكمها
إذا فسدت أو فاتت عن وقتها وفي بيان ما يستحب في يوم العيد أما الأول فقد نص الكرخي على الوجوب فقال
274

وتجب صلاة العيدين على أهل الأمصار كما تجب الجمعة وهكذا روى الحسن عن أبي حنيفة أنه تجب صلاة العيد
على من تجب عليه صلاة الجمعة وذكر في الأصل ما يدل على الوجوب فإنه قال لا يصلى التطوع بالجماعة ما خلا قيام
رمضان وكسوف الشمس وصلاة العيد تؤدى بجماعة فلو كانت سنة ولم تكن واجبة لاستثناها كما استثنى التراويح
وصلاة الكسوف وسماه سنة في الجامع الصغير فإنه قال في العيدين اجتمعا في يوم واحد فالأول سنة وهذا اختلاف
من حيث العبارة فتأويل ما ذكره في الجامع الصغير أنها واجبة بالسنة أم هي سنة مؤكدة وانها في معنى الواجب
على أن اطلاق اسم السنة لا ينفى الوجوب بعد قيام الدليل على وجوبها وذكر أبو موسى الضرير في مختصره أنها
فرض كفاية والصحيح انها واجبة وهذا قول أصحابنا وقال الشافعي انها سنة وليست بواجبة وجه قوله أنها بدل
صلاة الضحى وتلك سنة فكذا هذه لان البدل لا يخالف الأصل ولنا قوله تعالى فصل لربك وانحر قيل في
التفسير صل صلاة العيد وانحر الجزور ومطلق الامر للوجوب وقوله تعالى ولتكبروا الله على ما هداكم قيل
المراد منه صلاة العيد ولأنها من شعائر الاسلام فلو كانت سنة فربما احتج الناس على تركها فيفوت ما هو من
شعائر الاسلام فكانت واجبة صيانة لما هو من شعائر الاسلام عن الفوت
* (فصل) * وأما شرائط وجوبها وجوازها فكل ما هو شرط وجوب الجمعة وجوازها فهو شرط وجوب صلاة
العيدين وجوازها من الامام والمصر والجماعة والوقت الا الخطبة فإنها سنة بعد الصلاة ولو تركها جازت صلاة
العيد أما الامام فشرط عندنا لما ذكرنا في صلاة الجمعة وكذا المصر لما روينا عن علي رضي الله عنه أنه قال لا جمعة
ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى الا في مصر جامع ولم يرد بذلك نفس الفطر ونفس الأضحى ونفس التشريق لان
ذلك مما يوجد في كل موضع بل المراد من لفظ الفطر والأضحى صلاة العيدين ولأنها ما ثبتت بالتوارث من الصدر
الأول الا في الأمصار وبجواز أداؤها في موضعين لما ذكرنا في الجمعة والجماعة شرط لأنها ما أديت الا بجماعة
والوقت شرط فإنها لا تؤدى الا في وقت مخصوص به جرى التوارث وكذا الذكورة والعقل والبلوغ والحرية وصحة
البدن والإقامة من شرائط وجوبها كما هي من شرائط وجوب الجمعة حتى لا تجب على النسوان والصبيان والمجانين
والعبيد بدون اذن مواليهم والزمني والمرضى والمسافرين كما لا تجب عليهم لما ذكرنا في صلاة الجمعة ولأن هذه الاعذار
لما أترث في اسقاط الفرض فلان تؤثر في اسقاط الواجب أولى وللمولى أن يمنع عبده عن حضور العيدين كما له منعه
عن حضور الجمعة لما ذكرنا هناك وأما النسوة فهل يرخص لهن أن يخرجن في العيدين أجمعوا على أنه لا يرخص
للشواب منهن الخروج في الجمعة والعيدين وشئ من الصلاة لقوله تعالى وقرن في بيوتكن والامر بالقرار نهى
عن الانتقال ولان خروجهن سبب الفتنة بلا شك والفتنة حرام وما أدى إلى الحرام فهو حرام وأما العجائز فلا
خلاف في أنه يرخص لهن الخروج في الفجر والمغرب والعشاء والعيدين واختلفوا في الظهر والعصر والجمعة قال أبو
حنيفة لا يرخص لهن في ذلك وقال أبو يوسف ومحمد يرخص لهن في ذلك وجه قولهما أن المنع لخوف الفتنة بسبب
خروجهن وذا لا يتحقق في العجائز ولهذا أباح أبو حنيفة خروجهن في غيرهما من الصلوات ولأبي حنيفة أن
وقت الظهر والعصر وقت انتشار الفساق في المحال والطرقات فربما يقع من صدقت رغبته في النساء في الفتنة
بسببهن أو يقعن هن في الفتنة لبقاء رغبتهن في الرجال وان كبرن فاما في الفجر والمغرب والعشاء فالهواء مظلم والظلمة
تحول بينهن وبين نظر الرجال وكذا الفساق لا يكونون في الطرقات في هذه الأوقات فلا يؤدى إلى الوقوع في
الفتنة وفى الأعياد وإن كان تكثر الفساق تكثر الصلحاء أيضا فتمنع هيبة الصلحاء أو العلماء إياهما عن الوقوع في
المأثم والجمعة في المصر فربما تصدم أو تصدم لكثرة الزحام وفى ذلك فتنة وأما صلاة العيد فإنها تؤدى في الجبانة
فيمكنها أن تعتزل ناحية عن الرجال كيلا تصدم فرخص لهن الخروج والله أعلم ثم هذا الخلاف في الرخصة والإباحة
فاما لا خلاف في أن الأفضل ان لا يخرجن في صلاة لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة المرأة في دارها
أفضل من صلاتها في مسجدها وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في دارها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في
275

بيتها ثم إذا رخص في صلاة العيد هل يصلين روى الحسن عن أبي حنيفة يصلين لان المقصود بالخروج هو الصلاة
قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن إذا خرجن تفلات أي غير متطيبات وروى
المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة لا يصلين العيد مع الامام لان خروجهن لتكثير سواد المسلمين لحديث
أم عطية رضي الله عنها كن النساء يخرجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ذوات الخدور والحيض ومعلوم
أن الحائض لا تصلى فعلم أن خروجهن كان لتكثير سواد المسلمين فكذلك في زماننا وأما العبد إذا حضر مع مولاه
العيدين والجمعة ليحفظ دابته هل له أن يصلى بغير رضاه اختلف المشايخ فيه قال بعضهم ليس له ذلك الا إذا كان
لا يخل بحق مولاه في امساك دابته وأما الخطبة فليست بشرط لأنها تؤدى بعد الصلاة وشرط الشئ يكون
سابقا عليه أو مقارنا له والدليل على أنها تؤدى بعد الصلاة ما روى عن ابن عمر أنه قال صليت خلف رسول الله
صلى الله عليه وسلم وخلف أبى بكر وعمر رضي الله عنهما وكانوا يبدؤن بالصلاة قبل الخطبة وكذا روى عن ابن
عباس رضي الله عنهما أنه قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبى بكر وعمر وعثمان فبدؤا
بالصلاة قبل الخطبة ولم يؤذنوا ولم يقيموا ولأنها وجبت لتعليم ما يجب اقامته يوم العيد والوعظ والتكبير فكان
التأخير أولى ليكون الامتثال أقرب إلى زمان التعليم والدليل على أنها بعد صلاة العيد ما روى أن مروان لما خطب
العيد قبل الصلاة قام رجل فقال أخرجت المنبر يا مروان ولم يخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطبت قبل
الصلاة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعد الصلاة فقال مروان ذك شئ قد ترك فقال أبو سعيد
الخدري أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم
يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان أي أقل شرائع الايمان وإنما أحدث بنو أمية الخطبة قبل
الصلاة لأنهم كانوا يتكلمون في خطبتهم بما لا يحل وكان الناس لا يجلسون بعد الصلاة لسماعها فاحدثوها قبل
الصلاة ليسمعها الناس فان خطب أولا ثم صلى أجزأهم لأنه لو ترك الخطبة أصلا أجزأهم فهذا أولى وكيفية
الخطبة في العيدين كهي في الجمعة فيخطب خطبتين يجلس بينهما جلسة خفيفة ويقرأ فيها سورة من القرآن ويستمع
لها القوم وينصتوا لأنه يعلمهم الشرائع ويعظهم وإنما ينفعهم ذلك إذا استمعوا وليس في العيدين أذان ولا إقامة
لما روينا من حديث ابن عباس وروى عن جابر بن سمرة أنه قال صليت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة وهكذا جرى التوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا
ولأنهما شرعا علما على المكتوبة وهذه ليست بمكتوبة
* (فصل) * وأما بيان وقت أدائها فقد ذكر الكرخي وقت صلاة العيد من حين تبيض الشمس إلى أن تزول لما
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يصلى العيد والشمس على قدر رمح أو رمحين وروى أن قوما شهدوا
برؤية الهلال في آخر يوم من رمضان فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى المصلى من الغدو لو جاز الأداء
بعد الزوال لم يكن للتأخير معنى ولأنه المتوارث في الأمة فيجب اتباعهم فان تركها في اليوم الأول في عيد الفطر بغير
عذر حتى زالت الشمس سقطت أصلا سواء تركها لعذر أو لغير عذر وأما في عيد الأضحى فان تركها في اليوم
الأول لعذر أو لغير عذر صلى في اليوم الثاني فإن لم يفعل ففي اليوم الثالث سواء كان لعذر أو لغير عذر غير أن
التأخير إذا كان لغير عذر تلحقه الإساءة وإن كان لعذر لا تلحقه الإساءة وهذا لان القياس ان لا تؤدى الا في يوم
عيد لأنها عرفت بالعيد فيقال صلاة لعيد الا أنا جوزنا لأداء في اليوم الثاني في عيد الفطر بالنص الذي روينا
والنص الذي ورد في حالة العذر فبقي ما رواه على أصل القياس وإنما جوزنا الأداء في اليوم الثاني والثالث في عيد
الأضحى استدلالا بالأضحية فإنها جائزة في اليوم الثاني والثالث فكذا صلاة العيد لأنها معروفة بوقت الأضحية
فتتقيد بأيامها وأيام النحر ثلاثة وأيام التشريق ثلاثة ويمضى ذلك كله في أربعة أيام فاليوم العاشر من ذي الحجة
للنحر خاصة واليوم الثالث عشر للتشريق خاصة واليومان فيما بينهما للنحر والتشريق جميعا
276

* (فصل) * وأما بيان قدر صلاة العيدين وكيفية أدائها فنقول يصلى الامام ركعتين فيكبر تكبيرة الافتتاح ثم
يستفتح فيقول سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره عند عامة العلماء وعند ابن أبي ليلى يأتي بالثناء بعد التكبيرات
وهذا غير سديد لان الاستفتاح كاسمه وضع لافتتاح الصلاة فكان محله ابتداء الصلاة ثم بتعوذ عند أبي يوسف
ثم يكبر ثلاثا وعند محمد يؤخر التعوذ عن التكبيرات بناء على أن التعوذ سنة الافتتاح أو سنة لقراءة على ما ذكرنا
ثم يقرأ ثم يكبر تكبيرة الركوع فإذا قام إلى الثانية يقرأ أولا ثم يكبر ثلاثا ويركع بالرابعة فحاصل الجواب ان عندنا
يكبر في صلاة العيدين تسع تكبيرات ستة من الزوائد وثلاث أصليات تكبيرة الافتتاح وتكبيرتا الركوع
ويوالي بين القراءتين فيقرأ في الركعة الأولى بعد التكبيرات وفى الثانية قبل التكبيرات وروى عن أبي يوسف انه
يكبر ثنتا عشرة تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الثانية فتكون الزوائد تسعا خمس في الأولى وأربع في الثانية
وثلاث أصليات ويبدأ بالتكبيرات في كل واحدة من الركعتين وقال الشافعي يكبر اثنتي عشرة تكبيرة سبعا في
الأولى وخمسا في الثانية سوى الأصليات وهو قول مالك ويبدأ بالتكبيرات قبل القراءة في الركعتين جميعا والمسألة
مختلفة بين الصحابة روى عن عمرو عبد الله بن مسعود وأبى مسعود الأنصاري وأبي موسى الأشعري وحذيفة بن
اليمان رضي الله عنهم انهم قالوا مثل قول أصحابنا وروى عن علي رضي الله عنه انه فرق بين الفطر والأضحى فقال
في الفطر يكبر احدى عشرة تكبيرة ثلاث أصليات وثمان زوائد في كل ركعة أربعة وفى الأضحى يكبر خمس تكبيرات
ثلاث أصليات وتكبيرتان زائدتان وعنده يقدم القراءة على التكبيرات في الركعتين جميعا وعن ابن عباس رضي الله عنهم
ا ثلاث روايات روى عنه كقول ابن مسعود وانه شاذ والمشهور عنه روايتان إحداهما انه يكبر في العيدين ثلاثة
عشرة تكبيرة ثلاث أصليات وعشرة زوائد في كل ركعة خمس تكبيرات والثانية يكبر اثنى عشرة تكبيرة كما قال
أبو يوسف ومن مذهبه انه لا يقدم القراءة على التكبيرات في الركعتين جميعا والمختار في المذهب عندنا مذهب ابن
مسعود لاجتماع الصحابة عليه فإنه روى أن الوليد بن عقبة أتاهم فقال غدا العيد فكيف تأمروني ان أفعل فقالوا
لابن مسعود علمه فعلمه هذه الصفة ووافقوه على ذلك وقيل إنه مختار أبى بكر الصديق ولان رفع الصوت
بالتكبيرات بدعة في الأصل فبقدر ما ثبت بالاجماع لم تبق بدعة بيقين وما دخل تحت الاختلاف كان توهم البدعة
وإنما الاخذ بالأقل أولى وأحوط الا ان برواية ابن عباس ظهر العمل بأكثر بلادنا لان الخلافة في بنى العباس
فيأمرون عمالهم بالعمل بمذهب جدهم وبيان هذه الفصول في الجامع الكبير ولم يبين في الأصل مقدار الفصل
بين التكبيرات وقد روى عن أبي حنيفة انه يسكت بين كل تكبيرتين قدر ثلاث تسبيحات ويرفع يديه عند
تكبيرات الزوائد وحكى أبو عصمة عن أبي يوسف انه لا يرفع يديه في شئ منها لما روى عن ابن مسعود أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في الصلاة الا في تكبيرة الافتتاح ولأنها سنة فتلتحق بجنسها وهو تكبيرتا
الركوع ولنا ما روينا من الحديث المشهور لا ترفع الأيدي الا في سبع مواطن وذكر من جملتها تكبيرات
العيد ولان المقصود وهو اعلام الأصم لا يحصل الا بالرفع فيرفع كتكبيرة الافتتاح وتكبير القنوت بخلاف
تكبيرتي الركوع لأنه يؤتى بهما في حال الانتقال فيحصل المقصود بالرؤية فلا حاجة إلى رفع اليد للاعلام
وحديث ابن مسعود محمول على الصلاة المعهودة المكتوبة ويقرأ في الركعتين أي سورة شاء وقد روى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه كان يقرأ في صلاة العيد سبح اسم ربك الاعلى وهل أتاك حديث الغاشية
فان تبرك بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءة هاتين السورتين في أغلب الأحوال فحسن لكن
يكره ان يتحد بهما حتما لا يقرأ فيها غيرهما لما ذكرنا في الجمعة ويجهر بالقراءة كذا ورد النقل المستفيض عن
النبي صلى الله عليه وسلم بالجهر به وبه جرى التوارث من الصدر الأول إلى يومنا هذا ثم المقتدى يتابع الامام
في التكبيرات على رأيه وان كبر أكثر من تسع ما لم يكبر تكبيرا لم يقل به أحد من الصحابة رضي الله عنهم لأنه تبع
لامامه فيجب عليه متابعته وترك رأيه برأي الامام لقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل الامام ليؤتم به
277

فلا يختلفوا وقوله صلى الله عليه وسلم تابع امامك على أي حال وجدته ما لم يظهر خطأه بيقين كان اتباعه واجبا ولا
يظهر ذلك في المجتهدات فاما إذا خرج عن أقاويل الصحابة فقد ظهر خطأه بيقين فلا يجب اتباعه إذ لا متابعة
في الخطا ولهذا لو اقتدى بمن يرفع يديه عند الركوع ورفع الرأس منه أو بمن يقنت في الفجر أو بمن يرى خمس
تكبيرات في صلاة الجنازة لا يتابعه لظهور خطئه بيقين لان ذلك كله منسوخ ثم إلى كم يتابعه اختلف مشايخنا
فيه قال عامتهم انه يتابعه إلى ثلاث عشرة تكبيرة ثم يسكت بعد ذلك وقال بعضهم يتابعه إلى ستة عشرة تكبيرة
لان فعله إلى هذا الموضع محتمل للتأويل فلعل هذا القائل ذهب إلى أن ابن عباس أراد بقوله ثلاث عشرة تكبيرة
الزوائد فإذا ضممت إليها تكبيرة الافتتاح وتكبيرتي الركوع صارت ستة عشر تكبيرة لكن هذا إذا كان يقرب من
الامام يسمع التكبيرات منه فاما إذا كان يبعد منه يسمع من المكبرين يأتي بجميع ما يسمع وان خرج عن أقاويل
الصحابة لجواز ان الغلط من المكبرين فلو ترك شيئا منها ربما كان المتروك ما أتى به الامام والمأتى به ما أخطأ فيه المكبرون
فيتابعهم ليتأدى ما يأتيه الامام بيقين ولهذا قيل إذا كان المقتدى يبعد من الامام يسمع من المكبرين ينبغي ان ينوى
بكل تكبيرة الافتتاح لجواز ان ما سمع قبل هذه كان غلطا من المنادى وإنما كبر لامام للافتتاح الآن ولو شرع
الامام في صلاة العيد فجاء رجل واقتدى به فإن كان قبل التكبيرات الزوائد يتابع الامام على مذهبه ويترك رأيه
لما قلنا وان أدركه بعد ما كبر الامام الزوائد وشرع في القراءة فإنه يكبر تكبيرة الافتتاح ويأتي بالزوائد برأي
نفسه لا برأي الامام لأنه مسبوق وان أدرك الامام في الركوع فإن لم يخف فوت الركوع مع الامام يكبر
للافتتاح قائما ويأتي بالزوائد ثم يتابع الامام في الركوع وإن كان الاشتغال بقضاء ما سبق به المصلى قبل الفراغ
بما أدركه منسوخا لان النسخ إنما يثبت فيما يتمكن من قضائه بعد فراغ الامام فاما ما لا يتمكن من قضائه بعد
فراغ الامام فلم يثبت فيه النسخ ولأنه لو تابع الامام لا يخلو اما ان يأتي بهذه التكبيرات أولا يأتي بها فإن كان لا يأتي
بها فهذا تفويت الواجب وإن كان يأتي بها فقد أدى الواجب فيما هو محل له من وجه دون وجه فكان فيه تفويته
عن محله من وجه ولا شك ان أداء الواجب فيما هو محل له من وجه أولى من تفويته رأسا وان خاف ان كبر يرفع
الامام رأسه من الركوع كبر للافتتاح وكبر للركوع وركع لأنه لو لم يركع يفوته الركوع فتفوته الركعة بفوته
وتبين ان التكبيرات أيضا فاتته فيصير بتحصيل التكبيرات مفوتا لها ولغيرها من أركان الركعة وهذا لا يجوز ثم إذا
ركع يكبر تكبيرات العيد في الركوع عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا يكبر لأنه فات عن محلها وهو القيام
فيسقط كالقنوت ولهما ان للركوع حكم القيام الا ترى ان مدركه يكون مدركا للركعة فكان محلها قائما فيأتي بها
ولا يرفع يديه بخلاف القنوت لأنه بمعنى القراءة فكان محله القيام المحض وقد فات ثم إن أمكنه الجمع بين التكبيرات
والتسبيحات جمع بينهما وان لم يمكنه الجمع بينهما يأتي بالتكبيرات دون التسبيحات لان التكبيرات واجبة والتسبيحات
سنة والاشتغال بالواجب أولى فان رفع الامام رأسه من الركوع قبل ان يتمها رفع رأسه لان متابعة الامام
واجبة وسقط عنه ما بقي من التكبيرات لأنه فات محلها ولو ركع الامام بعد فراغه من القراءة في الركعة الأولى
فتذكر انه لم يكبر فإنه يعود ويكبر وقد انتقض ركوعه ولا يعيد القراءة فرق بين الامام والمقتدى حيث أمر الامام
بالعود إلى القيام ولم يأمره بأداء التكبيرات في حالة الركوع وفى المسألة المتقدمة أمر المقتدى بالتكبيرات في حالة
الركوع والفرق ان محل التكبيرات في الأصل القيام المحض وإنما الحقنا حالة الركوع بالقيام في حق المقتدى ضرورة
وجوب المتابعة وهذه الضرورة لم تتحقق في حق الامام فبقي محلها القيام المحض فامر بالعود إليه ثم من ضرورة
العود إلى القيام ارتفاض الركوع كما لو تذكر الفاتحة في الركوع انه يعود ويقرأ ويرتفض ركوعه كذا ههنا ولا
يعيد القراءة لأنها تمت بالفراغ عنها والركن بعد تمامه والانتقال عنه غير قابل للنقض والابطال فبقيت على
ما تمت هذا إذا تذكر بعد الفراغ من القراءة فاما ان تذكر قبل الفراغ عنها بأن قرأ الفاتحة دون السورة ترك القراءة
ويأتي بالتكبيرات لأنه اشتغل بالقراءة قبل أوانها فيتركها يأتي بما هو الأهم ليكون المحل محلا له ثم يعيد القراءة
278

لان الركن متى ترك قبل تمامه ينتقض من الأصل لأنه لا يتجزأ في نفسه وما لا يتجزأ في الحكم فوجوده معتبر
بوجود الجزء الذي به تمامه في الحكم ونظيره من تذكر سجدة في الركوع خر لها ويعيد الركوع لما مر والله أعلم
هذا إذا أدرك الامام في الركعة الأولى فان أدركه في الركعة الثانية كبر للافتتاح وتابع امامه في الركعة الثانية يتبع
فيها رأى امامه لما قلنا فإذا فرغ الامام من صلاته يقوم إلى قضاء ما سبق به ثم إن كان رأيه يخالف رأى الامام يتبع
رأى نفسه لأنه منفرد فيما يقضى بخلاف اللاحق لأنه في الحكم كأنه خلف الامام وإن كان رأيه موافقا لرأى امامه
بأن كان امامه يرى رأى ابن مسعود وهو كذلك بدأ بالقراءة ثم بالتكبيرات كذا ذكر في الأصل والجامع والزيادات
وفى نوادر أبى سليمان في أحد الموضعين وقال في الموضع الآخر يبدأ بالتكبيرات ثم بالقراءة ومن مشايخنا من قال
ما ذكر في الأصل قول محمد لان عنده ما يقضى المسبوق آخر صلاته وعندنا في الركعة الثانية يقرأ ثم يكبر وما ذكر
في النوادر قول أبي حنيفة وأبى يوسف لان عندهما ما يقضيه المسبوق أول صلاته وعندنا في الركعة الأولى يكبر
ثم يقرأ ومنهم من قال لا خلاف في المسألة بين أصحابنا بل فيها اختلاف الروايتين وجه رواية والنوادر ما ذكرنا ان
ما يقضيه المسبوق أول صلاته لأنه يقضى ما فاته فيقضيه كما فاته وقد فإنه على وجه يقدم التكبير فيه على القراءة
فيقضيه كذلك ووجه رواية الأصل ان المقضى وإن كان أول صلاته حقيقة ولكنه الركعة الثانية صورة وفيما أدرك
مع الامام قرأ ثم كبر لأنها ثانية الامام فلو قدم ههنا ما يقضى أدى ذلك إلى الموالاة بين التكبيرتين ولم يقل به أحد من
الصحابة فلا يفعل كذلك احترازا عن مخالفة الاجماع بصورة هذا الفعل ولو بدأ بالقراءة لكان فيه تقديم القراءة في
الركعتين لكن هذا مذهب علي رضي الله عنه ولا شك ان العمل بما قاله أحد من الصحابة أولى من العمل بما لم يقل
به أحد إذ هو باطل بيقين
* (فصل) * وأما بيان ما يفسدها وبيان حكمها إذا فسدت أو فاتت عن وقتها فكل ما يفسد سائر الصلوات وما
يفسد الجمعة يفسد صلاة العيدين من خروج الوقت في خلال الصلاة أو بعد ما قعد قدر التشهد وفوت الجماعة على
التفصيل والاختلاف الذي ذكرنا في الجمعة غير أنها ان فسدت بما تفسد به سائر الصلوات من الحدث العمد
وغير ذلك يستقبل الصلاة على شرائطها وان فسدت بخروج الوقت أو فاتت عن وقتها مع الامام سقطت ولا
يقضيها عندنا وقال الشافعي يصليها وحده كما يصلى الامام يكبر فيها تكبيرات العيد والصحيح قولنا لان الصلاة بهذه
الصفة ما عرفت قربة الا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كالجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلها الا
بالجماعة كالجمعة فلا يجوز أداؤها الا بتلك الصفة ولأنها مختصة بشرائط يتعذر تحصيلها في القضاء فلا تقضى
كالجمعة ولكنه يصلى أربعا مثل صلاة الضحى ان شاء لأنها إذا فاتت لا يمكن تداركها بالقضاء لفقد الشرائط فلو
صلى مثل صلاة الضحى لينال الثواب كان حسنا لكن لا يجب لعدم دليل الوجوب وقد روى عن ابن مسعود أنه قال
من فاتته صلاة العيد صلى أربعا
* (فصل) * وأما بيان ما يستحب في يوم العيد فيستحب فيه أشياء منها ما قال أبو يوسف انه يستحب أن يستاك
ويغتسل ويطعم شيئا ويلبس أحسن ثيابه ويمس طيبا ويخرج فطرته قبل أن يخرج أما الاغتسال والاستياك
ومس الطيب ولبس أحسن الثياب جديدا كان أو غسيلا فلما ذكرنا في الجمعة وأما اخراجه الفطرة قبل الخروج
إلى المصلى في عيد الفطر فلما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج قبل أن يخرج إلى المصلى ولأنه مسارعة إلى
أداء الواجب فكان مندوبا عليه وأما الذوق فيه فلكون اليوم يوم فطر وأما في عيد الأضحى فان شاء ذاق وان شاء
لم يذق والأدب أنه لا يذوق شيئا إلى وقت الفراغ من الصلاة حتى يكون تناوله من القرابين ومنها أن يغدو إلى
المصلى جاهرا بالتكبير في عيد الأضحى فإذا انتهى إلى المصلى ترك لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يكبر
في الطريق وأما في عيد الفطر فلا يجهر بالتكبير عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يجهر وذكر الطحاوي انه
يجهر في العيدين جميعا واحتجوا بقوله تعالى ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم وليس بعد اكمال العدة الا
279

هذا التكبير ولأبي حنيفة ما روى عن ابن عباس انه حمله قائده يوم الفطر فسمع الناس يكبرون فقال لقائده أكبر
الإمام قال لا قال أفجن الناس ولو كان الجهر بالتكبير سنة لم يكن لهذا الانكار معنى ولان الأصل في الأذكار هو
الاخفاء الا فيما ورد التخصيص فيه وقد ورد في عيد الأضحى فبقي الامر في عيد الفطر على الأصل وأما الآية فقد
قيل إن المراد منه صلاة العيد على أن الآية تتعرض لأصل التكبير وكلامنا في وصف التكبير من الجهر والاخفاء
والآية ساكتة عن ذلك (ومنها) ان يتطوع بعد صلاة العيد أي بعد الفراغ من الخطبة لما روى عن علي رضي الله عنه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى بعد العيد أربع ركعات كتب الله له بكل نبت نبت وبكل
ورقة حسنة وأما قبل صلاة العيد فلا يتطوع في المصلى ولا في بيته عند أكثر أصحابنا لما نذكر في بيان الأوقات التي
يكره فيها التطوع إن شاء الله تعالى (ومنها) انه يستحب للامام إذا خرج إلى الجبانة لصلاة العيد أن يخلف رجلا يصلى
بأصحاب العلل في المصر صلاة العيد لما روى عن علي رضي الله عنه انه لما قدم الكوفة استخلف أبا موسى الأشعري
ليصلى بالضعفة صلاة العيد في المسجد وخرج إلى الجبانة مع خمسين شيخا يمشى ويمشون ولان في هذا إعانة للضعفة
على احراز الثواب فكان حسنا وان لن يفعل لا بأس بذلك لأنه لم ينقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن
الخلفاء الراشدين سوى علي رضي الله عنه ولأنه لا صلاة على الضعفة ولكن لو خلف كان أفضل لما بينا ولا يخرج
المنبر في العيدين لما روينا ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك وقد صح انه كان يخطب في العيدين على ناقته وبه
جرى التوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ولهذا اتخذوا في المصلى منبرا على حدة من اللبن
والطين واتباع ما اشتهر العمل به في الناس واجب
* (فصل) * وأما صلاة الكسوف والخسوف أما صلاة الكسوف فالكلام في صلاة الكسوف في مواضع
في بيان انها واجبة أم سنة وفي بيان قدرها وكيفيتها وفي بيان موضعها وفي بيان وقتها أما الأول فقد ذكر محمد رحمه
الله تعالى في الأصل ما يدل على عدم الوجوب فإنه قال ولا تصلى نافلة في جماعة الا قيام رمضان وصلاة لكسوف
فاستثنى صلاة الكسوف من الصلوات النافلة والمستثنى من جنس المستثنى منه فيدل على كونها نافلة وكذا روى
الحسن بن زياد ما يدل عليه فإنه روى عن أبي حنيفة أنه قال في كسوف الشمس ان شاءوا صلوا ركعتين وان شاؤوا
صلوا أربعا وان شاؤوا أكثر من ذلك والتخيير يكون في النوافل لا في الواجبات وقال بعض مشايخنا واجبة لما
روى عن ابن مسعود أنه قال كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم فقال
الناس إنما انكسفت لموت إبراهيم فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألا ان الشمس والقمر آيتان
من آيات الله تعالى لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم من هذا شيئا فاحمدوا الله وكبروه وسبحوه
وصلوا حتى تنجلي وفى رواية أبى مسعود الأنصاري فإذا رأيتموها فقوموا وصلوا ومطلق الامر للوجوب وعن أبي
موسى الأشعري أنه قال انكسفت الشمس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فزعا فخشي أن تكون الساعة
حتى أتى المسجد فقام فصلى فأطال القيام والركوع والسجود وقال إن هذه الآيات ترسل لا تكون لموت أحد ولا
لحياته ولكن الله تعالى يرسلها ليخوف بها عباده فإذا رأيتم منها شيئا فارغبوا إلى ذكر الله تعالى واستغفروه وفى بعض
الروايات فافزعوا إلى الله تعالى بالصلاة وتسمية محمد رحمه الله إياها نافلة لا ينفى الوجوب لان النافلة عبارة عن
الزيادة وكل واجب زيادة على الفرائض الموظفة ألا ترى انه قرنها بقيام رمضان وهو التراويح وانها سنة مؤكدة
وهي في معنى الواجب ورواية الحسن لا تنفى الوجوب لان التخيير قد يجرى ومن الواجبات كما في قوله تعالى فكفارته
اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة
* (فصل) * وأما الكلام في قدرها وكيفيتها فيصلى ركعتين كل ركعة بركوع وسجدتين كسائر الصلوات وهذا
عندنا وعند الشافعي ركعتان كل ركعة بركوعين وقومتين وسجدتين يقرأ ثم يركع ثم يرفع رأسه ثم يقرأ ثم يركع
واحتج بما روى عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما انهما قالا كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله
280

عليه وسلم فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع رأسه فقام قياما طويلا وهو دون
القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول وهذا نص في الباب (ولنا) ما روى محمد باسناده عن أبي
بكرة أنه قال كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه
حتى دخل المسجد فصلى ركعتين فأطالهما حتى تجلت الشمس وذلك حين مات ولده إبراهيم ثم قال إن الشمس
والقمر آيتان من آيات الله تعالى وانهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم من هذه الافزاع شيئا فافزعوا
إلى الصلاة والدعاء لينكشف ما بكم ومطلق اسم الصلاة ينصرف إلى الصلاة المعهودة وفى رواية عن أبي بكرة ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين نحو صلاة أحدكم وروى الجصاص عن علي والنعمان بن بشير وعبد الله بن عمر
وسمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكسوف ركعتين كهيئة
صلاتنا والجواب عن تعلقه بحديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما ان روايتهما قد تعارضت روى كما قلتم وروى أن
ه صلى أربع ركعات في أربع سجدات والمتعارض لا يصلح معارضا أو نقول تعاضد ما روينا بالاعتبار بسائر
الصلوات فكان العمل به أولى أو نحمل ما رويتم على أن النبي صلى الله عليه وسلم ركع فأطال الركوع كثيرا زيادة على
قدر ركوع سائر الصلوات لما روى أنه عرض عليه الجنة والنار في تلك الصلاة فرفع أهل الصف الأول رؤسهم
ظنا منهم انه صلى الله عليه وسلم رفع رأسه من الركوع فرفع من خلفهم رؤسهم فلما رأى أهل الصف
الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم راكعا ركعوا وركع من خلفهم فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم
رأسه من الركوع رفع القوم رؤسهم فمن كان خلف الصف الأول ظنوا انه ركع ركوعين فرووا على حسب ما وقع
عندهم وعلم الصف الأول حقيقة الامر فنقلوا على حسب ما علموه ومثل هذا الاشتباه قد يقع لمن كان في آخر
الصفوف وعائشة رضي الله عنها كانت واقفة في خير صفوف النساء وابن عباس في صف الصبيان في ذلك الوقت
فنقلا كما وقع عندهما فيحمل على هذا توفيقا بين الروايتين كذا وفق محمد رحمه الله في صلاة الأثر وذكر الشيخ
أبو منصور ان اختلاف الروايات خرج مخرج التناسخ لا مخرج التخيير لاختلاف الأئمة في ذلك ولو كان على التخيير
لما اختلفوا ثم فيظهر أنه قد ظهر انتساخ زيادات كانت في الابتداء في الصلوات واستقرت الصلاة على الصلاة
المعهودة اليوم عندنا فكان صرف النسخ إلى ما ظهر انتساخه أولى من صرفه إلى ما لم يظهر انه نسخه غيره
وروى الشيخ أبو منصور عن أبي عبد الله البلخي أنه قال إن الزيادة ثبتت في صلاة الكسوف لا للكسوف بل
لأحوال اعترضت حتى روى أنه صلى الله عليه وسلم تقدم في الركوع حتى كان كمن يأخذ شيئا ثم تأخر كمن ينفر عن
شئ فيجوز أن تكون الزيادة منه باعتراض تلك الأحوال فمن لا يعرفها لا يسعه التكلم فيها ويحتمل أن يكون فعل
ذلك لأنه سنة فلما أشكل الامر لم يعدل عن المعتمد عليه الا بيقين ثم هذه الصلاة تقام بالجماعة لان رسول الله
صلى الله عليه وسلم أقامها بالجماعة ولا يقيمها الا الامام الذي يصلى بالناس الجمعة والعيدين فاما أن يقيمها كل
قوم في مسجدهم فلا وروى عن أبي حنيفة أنه قال إن كان لكل مسجد امام يصلى بجماعة لأن هذه الصلاة غير
متعلقة بالمصر فلا تكون متعلقة بالسلطان كغيرها من الصلوات والصحيح ظاهر الرواية لان أداء هذه الصلاة
بالجماعة عرف بإقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقيمها الا من هو قائم مقامه ولا نسلم عدم تعلقها بالمصر لان
مشايخنا قالوا إنها متعلقة بالمصر فكانت متعلقة بالسلطان فإن لم يقمها الامام حينئذ صلى الناس فرادى ان شاؤوا
ركعتين وان شاؤوا أربعا والأربع أفضل ثم إن شاؤوا طولوا القراءة وان شاؤوا قصروا بالدعاء حتى تنجلي
الشمس لان عليهم الاشتغال بالتضرع إلى أن تنجلي الشمس وذلك بالدعاء تارة وبالقراءة أخرى وقد صح في الحديث
ان قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى كان بقدر سورة البقرة وفى الركعة الثانية بقدر سورة
آل عمران فالأفضل تطويل القراءة فيها ولا يجهر بالقراءة في صلاة الجماعة في كسوف الشمس عند أبي حنيفة وعند أبي
يوسف يجهر بها وقول محمد مضطرب ذكر في عامة الروايات قوله مع قول أبي حنيفة وجه قول من خالف أبا
281

حنيفة ما روى عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف وجهر فيها بالقراءة
لأنها صلاة تقام بجمع عظيم فيجهر بالقراءة فيها كالجمعة والعيدين ولأبي حنيفة حديث سمرة بن جندب أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قام قياما طويلا لم يسمع له صوت وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال صليت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف وكنت إلى جنبه فلم اسمع منه حرفا وقال صلى الله عليه وسلم
صلاة النهار عجماء أي ليس فيها قراءة مسموعة ولان القوم لا يقدرون على التأمل في القراءة لتصير ثمرة القراءة
مشتركة لاشتغال قلوبهم بهذا الفزع كما لا يقدرون على التأمل في سائر الأيام في صلوات النهار لاشتغال قلوبهم
بالمكاسب وحديث عائشة تعارض بحديث ابن عباس فبقي لنا الاعتبار الذي ذكرنا مع ظواهر الأحاديث
الاخر ونحمل ذلك على أنه جهر ببعضها اتفاقا كما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع الآية والآيتين في
صلاة الظهر أحيانا والله أعلم وليس في هذه الصلاة أذان ولا إقامة لأنهما من خواص المكتوبات ولا خطبة فيها
عندنا وقال الشافعي يخطب خطبتين لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف
الشمس ثم خطب فحمد الله وأثنى عليه ولنا أن الخطبة لم تنقل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى قولها
خطب أي دعا أو لأنه احتاج إلى الخطبة رد القول الناس إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم لا للصلاة والله أعلم (وأما)
خسوف القمر فالصلاة فيها حسنة لما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا رأيتم من هذه الافزاع شيئا
فافزعوا إلى الصلاة وهي لا تصلى بجماعة عندنا وعند الشافعي تصلى بجماعة واحتج بما روى عن ابن عباس
رضي الله عنهما أنه صلى بالناس في خسوف القمر وقال صليت كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنا أن الصلاة
بجماعة في خسوف القمر لم تنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أن خسوفه كان أكثر من كسوف الشمس ولان
الأصل أن غير المكتوبة لا تؤدى بجماعة قال النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل في بيته أفضل الا المكتوبة الا
إذا ثبت بالدليل كما في العيدين وقيام رمضان وكسوف الشمس ولان الاجتماع بالليل متعذر أو سبب الوقوع
في الفتنة وحديث ابن عباس غير مأخوذ به لكونه خبر آحاد في محل الشهرة وكذا تستحب الصلاة في كل فزع كالريح
الشديدة والزلزلة والظلمة والمطر الدائم لكونها من الافزاع والأهوال وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما
أنه صلى لزلزلة بالبصرة وأما موضع الصلاة أما في خسوف القمر فيصلون في منازلهم لان السنة فيها أن يصلوا وحدانا
على ما بينا وأما في كسوف الشمس فقد ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه يصلى في الموضع الذي يصلى فيه
العيد أو المسجد الجامع ولأنهما من شعائر الاسلام فتؤدى في المكان المعد لاظهار الشعائر ولو اجتمعوا في موضع آخر
وصلوا بجماعة أجزأهم والأول أفضل لما مر وأما وقتها فهو الوقت الذي يستحب فيه أداء سائر الصلوات دون
الأوقات المكروهة ولأن هذه الصلاة إن كانت نافلة فالنوافل في هذه الأوقات مكروهة وإن كانت لها أسباب عندنا
كركعتي التحية وركعتي الطواف لما نذكر في موضعه وإن كانت واجبة فأداء الواجبات في هذه الأوقات مكروهة
كسجدة التلاوة وغيرها والله الموفق
* (فصل وأما صلاة الاستسقاء) * فظاهر الرواية عن أبي حنيفة أنه قال لا صلاة في الاستسقاء وإنما فيه الدعاء وأراد
بقوله لا صلاة في الاستسقاء الصلاة بجماعة أي لا صلاة فيه بجماعة بدليل ما روى عن أبي يوسف أنه قال سألت أبا
حنيفة عن الاستسقاء هل فيه صلاة أو دعاء موقت أو خطبة فقال أما صلاة بجماعة فلا ولكن الدعاء والاستغفار وان
صلوا وحدانا فلا بأس به وهذا مذهب أبي حنيفة وقال محمد يصلى الامام أو نائبه في الاستسقاء ركعتين بجماعة كما في
الجمعة ولم يذكر في ظاهر الرواية قول أبى يوسف وذكر في بعض المواضع قوله مع قول أبي حنيفة وذكر الطحاوي قوله
مع قول محمد وهو الأصح واحتجا بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بجماعة في الاستسقاء ركعتين
والمروى في حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه ركعتين كصلاة العيد ولأبي
حنيفة قوله تعالى فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا والمراد منه الاستغفار في الاستسقاء بدليل قوله يرسل السماء
282

عليكم مدارا أمر بالاستغفار في الاستسقاء فمن زاد عليه الصلاة فلابد له من دليل وكذا لم ينفل عن النبي صلى الله
عليه وسلم في الروايات المشهورة أنه صلى في الاستسقاء فإنه روى أنه صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة فقام رجل فقال
يا رسول الله أجدبت الأرض وهلكت المواشي فاسق لنا الغيث فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إلى
السماء ودعا فما ضم يديه حتى مطرت السماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله در أبى طالب لو كان في الاحياء
لقرت عيناه فقال علي رضي الله عنه تعنى يا رسول الله قوله
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
فقال صلى الله عليه وسلم أجل وفى بعض الروايات قام ذلك الاعرابي وأنشد فقال
أتيناك والعذراء يدمى لبانها * وقد شغلت أم الصبي عن الطفل
وقال في آخره - وليس لنا الا إليك فرارنا * وليس فرار الناس الا إلى الرسل
فبكى النبي صلى الله عليه وسلم حتى اخضلت لحيته الشريفة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ورفع يديه إلى السماء
وقال اللهم اسقنا غيثا مغيثا عذبا طيبا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل فما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده
إلى صدره حتى مطرت السماء وجاء أهل البلد يصيحون الغرق الغرق يا رسول الله فضحك رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى بدت نواجذه فقال اللهم حوالينا ولا علينا فانجابت السحابة حتى أحدقت بالمدينة كالإكليل فقال النبي
صلى الله عليه وسلم لله در أبى طالب لو كان حيا لقرت عيناه من ينشدنا قوله فقام علي رضي الله عنه وأنشد البيت
المتقدم أولا وما روى أنه صلى الله عليه وسلم صلى وعن عمر رضي الله عنه أنه خرج إلى الاستسقاء ولم يصل بجماعة
بل صعد المنبر واستغفر الله وما زاد عليه فقالوا ما استسقيت يا أمير المؤمنين فقال لقد استسقيت بمجاديح السماء التي
بها يستنزل الغيث وتلا قوله تعالى استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا وروى أنه خرج بالعباس
فأجلسه على المنبر ووقف بجنبه يدعو ويقول اللهم انا نتوسل إليك بعم نبيك ودعا بدعاء طويل فما نزل عن المنبر حتى
سقوا وعن علي أنه استسقى ولم يصل وما روى أنه صلى الله عليه وسلم صلى بجماعة حديث شاذ ورد في محل الشهرة
لان الاستسقاء يكون بملا من الناس ومثل هذا الحديث يرجح كذبه على صدقه أو وهمه على ضبطه فلا يكون
مقبولا مع أن هذا مما تعم به البلوى في ديارهم وما تعم به البلوى ويحتاج الخاص والعام إلي معرفته لا يقبل فيه الشاذ
والله أعلم ثم عندهما يقرأ في الصلاة ما شاء جهرا كما في صلاة العيدين لكن الأفضل أن يقرأ سبح اسم ربك الاعلى
وهل أتاك حديث الغاشية لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأهما في صلاة العيد ولا يكبر فيها في المشهور من
الرواية عنهما وروى عن محمد انه يكبر وليس في الاستسقاء أذان ولا إقامة اما عند أبي حنيفة فلا يشكل لأنه ليس فيه
صلاة الجماعة وان شاؤوا صلوا فرادى وذلك في معنى الدعاء وعندهما إن كان فيه صلاة بالجماعة ولكنها ليست بمكتوبة
والأذان والإقامة من خواص المكتوبات كصلاة العيد ثم بعد الفراغ من الصلاة يخطب عندهما وعند أبي
حنيفة لا يخطب ولكن لو صلوا وحدانا يشتغلون بالدعاء بعد الصلاة لان الخطبة من توابع الصلاة بجماعة
والجماعة غير مسنونة في هذه الصلاة عنده وعندهما سنة فكذا الخطبة ثم عند محمد يخطب خطبتين يفصل
بينهما بالجلسة كما في صلاة الغيد وعن أبي يوسف انه يخطب خطبة واحدة لان المقصود منها الدعاء فلا يقطعها
بالجلسة ولا يخرج المنبر في الاستسقاء ولا يصعده لو كان في موضع الدعاء منبر لأنه خلاف السنة وقد عاب الناس على
مروان بن الحكم عند اخراجه المنبر في العيدين ونسبوه إلى خلاف السنة على ما بينا ولكن يخطب على الأرض
معتمدا على قول أو سيف وان توكأ على عصا فحسن لان خطبته تطول فيستعين بالاعتماد على عصا ويخطب مقبلا
بوجهه إلى الناس وهم مقبلون عليه لان الاسماع والاستماع إنما يتم عند المقابلة ويستمعون الخطبة وينصتون
لان الامام يعظهم فيها فلابد من الانصات والاستماع وإذا فرغ من الخطبة جعل ظهره إلى الناس ووجهه إلى القبلة
ويشتغل بدعاء الاستسقاء والناس قعود مستقبلون بوجوههم إلى القبلة في الخطبة والدعاء لان الدعاء مستقبل
283

القبلة أقرب إلى الإجابة فيدعو الله ويستغفر للمؤمنين ويجددون التوبة ويستسقون وهل يقلب الامام رداءه
لا يقلب في قول أبي حنيفة وعندهما يقلب إذا مضى صدر من خطبته فاحجتا بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم
قلب رداءه ولأبي حنيفة ما روى أنه عليه السلام استسقى يوم الجمعة ولم يقلب الرداء ولان هذا دعاء فلا معنى
لتغيير الثوب فيه كما في سائر الأدعية وما روى أنه قلب الرداء محتمل يحتمل انه تغير عليه فأصلحه فظن الراوي انه قلب
أو يحتمل انه عرف من طريق الوحي ان الحال ينقلب من الجدب إلى الخصب متى قلب الرداء بطريق التفاؤل ففعل
وهذا لا يوجد في حق غيره وكيفية تقليب الرداء عندهما أنه كان مربعا جعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه وإن كان
مدورا جعل الجانب الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن وأما القوم فلا يقلبون أرديتهم عند عامة العلماء وعند
مالك يقلبون أيضا واحتج بما روى عن عبد الله بن زيد ان النبي صلى الله عليه وسلم حول رداءه وحول الناس أرديتهم
وهما يقولان ان تحويل الرداء في حق الامام أمر ثبت بخلاف القياس بالنص على ما ذكرنا فنقتصر على مورد النص
وما روى من الحديث شاذ على أنه يحتمل انه صلى الله عليه وسلم عرف ذلك فلم ينكر عليهم فيكون تقريرا ويحتمل
انه لم يعرف لأنه كان مستقبل مستدبرا لهم فلا يكون حجة مع الاحتمال ثم إن شاء رفع يديه نحو السماء عند
الدعاء وان شاء أشار بأصبعه كذا روى عن أبي يوسف لان رفع اليدين عند الدعاء سنة لما روى أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يدعو بعرفات باسطا يديه كالمستطعم المسكين ثم المستحب أن يخرج الامام والناس إلى الاستسقاء
ثلاثة أيام متتابعة لان المقصود من الدعاء الإجابة والثلاثة مدة ضربت لابلاء الاعذار وان امر الامام الناس
بالخروج ولم يخرج بنفسه خرجوا لما روى أن قوما شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القحط فأمرهم أن
يجثوا على الركب ولم يخرج بنفسه وإذا خرجوا اشتغلوا بالدعاء ولم يصلوا بجماعة الا إذا أمر الامام انسانا أن يصلى
بهم جماعة لان هذا دعاء فلا يشترط له حضور الامام وان خرجوا بغير اذنه جاز لأنه دعاء فلا يشترط له اذن الامام
ولا يمكن أهل الذمة من الخروج إلى الاستسقاء عند عامة العلماء وقال مالك ان خرجوا لم يمنعوا والصحيح قول
العامة لان المسلمين بخروجهم إلى الاستسقاء ينتظرون نزول الرحمة عليهم والكفار منازل اللعنة والسخطة فلا
يمكنون من الخروج والله أعلم
* (فصل) * وأما الصلاة المسنونة فهي السنن المعهودة للصلوات المكتوبة والكلام فيها يقع في مواضع
في بيان مواقيت هذه السنن ومقاديرها جملة وتفصيلا وفي بيان صفة القراءة فيها وفي بيان ما يكره فيها وفي بيان انها
إذا فاتت عن وقتها هل تقضى أم لا اما الأول فوقت جملتها وقت المكتوبات لأنها توابع للمكتوبات فكانت تابعة
لها في الوقت ومقدار جملتها اثنا عشر ركعة ركعتان وأربع وركعتان وركعتان وركعتان في ظاهر الرواية وأما مقدار كل
واحدة منها ووقتها على التفصيل فركعتان قبل الفجر وأربع قبل الظهر لا يسلم الا في آخرهن وركعتان بعده وركعتان
بعد المغرب وركعتان بعد العشاء كذا ذكر محمد في الأصل وذكر في العصر والعشاء ان تطوع بأربع قبله فحسن وذكر
الكرخي هكذا الا أنه قال في العصر وأربع قبل العصر وفى العشاء وأربع بعد العشاء وروى الحسن عن أبي حنيفة
وركعتان قبل العصر والعمل فيما روينا على المذكور في الأصل والأصل في السنن ما روى عن عائشة رضي الله عنها
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من ثابر على اثنى عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتا في الجنة ركعتين
قبل الفجر وأربع قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وقد واظب رسول الله صلى
الله عليه وسلم عليها ولم يترك شيئا منها الا مرة أو مرتين لعذر وهذا تفسير السنة وأقوى السنن ركعتا الفجر لورود
الشرع بالترغيب فيهما ما لم رد في غيرهما فإنه روى عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ركعتا
الفجر خير من الدنيا وما فيها وعن ابن عباس في تأويل قوله تعالى وأدبار النجوم انه ركعتا الفجر وروى عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال صلوهما فان فيهما الرغائب وروى عنه أنه قال صلوهما ولو طردتكم الخيل وروى جماعة من
الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يصلى بعد الزوال في كل يوم أربع ركعات منهم أبو أيوب الأنصاري
284

رضي الله عنه وروى عنه أيضا قولا على ما نذكر وعن عبيدة السلماني أنه قال ما اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم على شئ كاجتماعهم على محافظة الأربع قبل الظهر وتحريم نكاح الأخت في عدة الأخت ثم هذه الأربع
بتسليمة واحدة عندنا وعند الشافعي بتسليمتين واحتج بحديث ابن عمر رضي الله عنه انه ذكر اثنتي عشرة ركعة
كما ذكرت عائشة الا انه زاد وأربعا قبل الظهر بتسليمتين ولنا حديث أبي أيوب الأنصاري أنه قال كان النبي
صلى الله عليه وسلم يصلى بعد الزوال أربع ركعات فقلت ما هذه الصلاة التي تداوم عليها يا رسول الله فقال هذه
ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح فقلت أفي كلهن قراءة قال نعم فقلت بتسليمة
أم بتسليمتين فقال بتسليمة واحدة وهذا نص في الباب والتسليم في حديث ابن عمر عبارة عن التشهد لما فيه من
السلام كما فيه الشهادة على ما مر وإنما ذكر في الأصل ان التطوع بالأربع قبل العصر حسن لان كون الأربع
من السنن الراتبة غير ثابت لأنها لم تذكر في حديث عائشة ولم يرو انه صلى الله عليه وسلم كان يواظب على ذلك
ولذا اختلفت الروايات في فصله إياها روى في بعضها انه صلى أربعا وفى بعضها ركعتين فان صلى أربعا كان حسنا
لحديث أم حبيبة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى أربع ركعات قبل العصر كانت له جنة
من النار وذكر في الأصل وان تطوع بعد المغرب بست ركعات كتب من الأوابين وتلا قوله تعالى انه كان للأوابين
غفورا وإنما قال في الأصل ان التطوع بالأربع قبل العشاء حسن لان التطوع بها لم يثبت انه من السنن الراتبة ولو
فعل ذلك فحسن لان العشاء نظير الظهر في أنه يجوز التطوع قبلها وبعدها ووجه رواية الكرخي في الأربع بعد العشاء
ما روى عن ابن عمر رضي الله عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى بعد
العشاء أربع ركعات كن له كمثلهن من ليلة القدر وروى عن عائشة انها سئلت عن قيام رسول الله صلى الله
عليه وسلم في ليالي رمضان فقالت كان قيامه في رمضان وغيره سواء كان يصلى بعد العشاء أربعا لا تسأل عن
حسنهن وطولهن ثم أربعا لا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم كان يوتر بثلاث وأما السنة قبل الجمعة وبعدها فقد
ذكر في الأصل وأربع قبل الجمعة وأربع بعدها وكذا ذكر الكرخي وذكر الطحاوي عن أبي يوسف أنه قال يصلى
بعدها ستا وقيل هو مذهب علي رضي الله عنه وما ذكرنا انه كان يصلى أربعا مذهب ابن مسعود وذكر محمد في كتاب
الصوم ان المعتكف يمكث في المسجد الجامع مقدار ما يصلى أربع ركعات أو ست ركعات أما الأربع قبل الجمعة
فلما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يتطوع قبل الجمعة بأربع ركعات ولان الجمعة
نظير الظهر ثم التطوع قبل الظهر أربع ركعات كذا قبلها وأما بعد الجمعة فوجه قول أبى يوسف ان فيما قلنا جمعا
بين قول النبي صلى الله عليه وسلم وبين فعله فإنه روى أنه أمر بالأربع بعد الجمعة وروى أنه صلى ركعتين بعد
الجمعة فجمعنا بين قوله وفعله قال أبو يوسف ينبغي أن يصلى أربعا ثم ركعتين كذا روى عن علي رضي الله عنه
كيلا يصير متطوعا بعد صلاة الفرض بمثلها وجه ظاهر الرواية ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من
كان مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا وما روى من فعله صلى الله عليه وسلم فليس فيه ما يدل على المواظبة ونحن
لا نمنع من يصلى بعدها كم شاء غير أنا نقول السنة بعدها أربع ركعات لا غير لما روينا
* (فصل) * وأما صفة القراءة فيها فالقراءة في السنن في الركعات كلها فرض لان السنة تطوع وكل شفع من
التطوع صلاة على حدة لما نذكر في صلاة التطوع فكان كل شفع منها بمنزلة الشفع الأول من الفرائض وقد روينا
في حديث أبي أيوب انه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأربع قبل الظهر أفي كلهن قراءة قال نعم والله أعلم
* (فصل) * وأما بيان ما يكره منها فيكره للامام أن يصلى شيئا من السنن في المكان الذي صلى فيه
المكتوبة لما ذكرنا فيما تقدم وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أيعجز أحدكم إذا صلى أن يتقدم
أو يتأخر ولا يكره ذلك للمأموم لان الكراهة في حق الامام للاشتباه وهذا لا يوجد في حق المأموم لكن
يستحب له أن يتنحى أيضا حتى تنكسر الصفوف ويزول الاشتباه على الداخل من كل وجه على ما مر ويكره أن
285

يصلى شيئا منها والناس في الصلاة أو أخذ المؤذن في الإقامة الا ركعتي الفجر فإنه يصليهما خارج المسجد
وان فاتته ركعة من الفجر فان خاف ان تفوته الفجر تركهما وجملة الكلام فيه ان الداخل إذا دخل
المسجد للصلاة لا يخلو اما إن كان يصلى المكتوبة واما إن كان لم يصل واما إن كان لم يصلها فلا يخلو اما ان دخل
المسجد وقد أخذ المؤذن في الإقامة أو دخل المسجد وشرع في الصلاة ثم أخذ المؤذن في الإقامة فان دخل وقد
كان المؤذن أخذ في الإقامة يكره له التطوع في المسجد سواء كان ركعتي الفجر أو غيرهما من التطوعات لأنه يتهم
بأنه لا يرى صلاة الجماعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن
مواقف التهم وأما خارج المسجد فكذلك في سائر التطوعات وأما في ركعتي الفجر فالامر فيه على التفصيل الذي
ذكرنا لان ادراك فضيلة الافتتاح أولي من الاشتغال بالنفل قال النبي صلى الله عليه وسلم تكبيرة الافتتاح خير من
الدنيا وما فيها وليست هذه المرتبة لسائر النوافل وفى الاشتغال باستدراكها فوات النوافل وفى الاشتغال باستدراك
النوافل فوتها وهي أعظم ثوابا فكان احراز فضيلتها أولي بخلاف ركعتي الفجر فان الترغيب فيهما قد وجد حسبما
وجد في تكبيرة الافتتاح قال صلى الله عليه وسلم ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها فقد استويا في الدرجة واختلف
تخريج مشايخنا في ذلك منهم من قال موضوع المسألة ان الرجل إذا انتهى إلى الامام وقد سبقه بالتكبيرة وشرع في
قراءة السورة فيأتي بركعتي الفجر لينال هذه الفضيلة عند فوت تلك الفضيلة لان ادراك تكبيرة الافتتاح غير
موهوم فإذا عجز عن احراز احدى الفضيلتين يحرز الأخرى فإذا كان الامام لم يأت بتكبيرة الافتتاح بعد يشتغل
باحرازها لأنها عند التعارض تأيدت بالانضمام إلى فضيلة الجماعة فكان احرازها أولي غير أن موضوع المسألة
على خلاف هذا فان محمدا وضع المسألة فيما إذا أخذ المؤذن في الإقامة ومع ذلك قال إنه يشتغل بالتطوع إذا كان
يرجو ادراك ركعة واحدة وان استويا في الدرجة على ما مر والوجه فيه انه لو اشتغل باحراز فضيلة تكبيرة
الافتتاح لفاتته فضيلة ركعتي الفجر أصلا ولو اشتغل بركعتي الفجر لما فاتته فضيلة تكبيرة الافتتاح من جميع
الوجوه لأنها باقية من كل وجه ما دامت الصلاة باقية لان تكبيرة الافتتاح هي التحريمة وهي تبقى ما دامت الأركان
باقية فكانت تكبيرة الافتتاح باقية ببقاء التحريمة من وجه فصار مدركا من وجه وصار مدركا أيضا فضيلة الجماعة
قال النبي صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الفجر فقد أدركها ولأنه أدرك أكثر الصلاة لان الفائت ركعة
لا غير والمستدرك ركعة وقعدة وللأكثر حكم الكل فكان الاشتغال بركعتي الفجر أولي بخلاف ما إذا كان يخاف
فوت الركعتين جميعا لأنهما إذا فاتتا لم يبق شئ من الأركان الأصلية ولو بقي شئ قليل لا عبرة له بمقابلة ما فات
لأنه أقل والفائت أكثر وللأكثر حكم الكل فعجز عن احرازهما فيختار تكبيرة الافتتاح لما انضم إلى احرازها فضيلة
الجماعة في الفرض والنبي صلى الله عليه وسلم يقول تفضل الصلاة بجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة
وفى رواية بسبع وعشرين درجة فكان هذا أولى والله أعلم أما إذا دخل المسجد وشرع في الصلاة ثم أخذ المؤذن
في الإقامة فهذا أيضا على وجهين اما ان شرع في التطوع واما ان شرع في الفرض فان شرع في التطوع ثم
أقيمت الصلاة أتم الشفع الذي هو فيه ولا يزيد عليه اما اتمام الشفع فلان صوته عن البطلان واجب وقد أمكنه ذلك
ولا يزيد عليه لأنه لا يلزمه بالشروع في التطوع زيادة على الشفع فكانت الزيادة عليه كابتداء تطوع آخر وقد ذكرنا
ان ابتداء التطوع في المسجد بعد الإقامة مكروه وأما إذا شرع في الفرض ثم أقيمت الصلاة فإن كان في صلاة الفجر
يقطعها ما لم يقيد الثانية بالسجدة لان القطع وإن كان نقصا صورة فليس بنقص معنى لأنه للأداء على وجه الأكمل
والهدم ليبنى أكمل يعد اصلاحا لا هدما ألا ترى ان من هدم مسجدا ليبنى أحسن من الأول لا يأثم وإذا قيد الثانية
بالسجدة لم يقطع لأنه أتى بالأكثر وللأكثر حكم الكل والفرض بعد اتمامه لا يحتمل الانتقاض ولا يدخل في صلاة
الامام لان التنفل بعد صلاة الفجر مكروه وإن كان في صلاة الظهر فإن كان صلى ركعة ضم إليها أخرى لأنه يمكنه
صون المؤدى واستدراك فضيلة الجماعة لان صلاة الرجل بالجماعة تزيد على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة
286

على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وان صلى ركعتين تشهد وسلم لما قلنا وكذا إذا قام إلى الثالثة قبل أن يقيدها
بالسجدة يعود إلى التشهد ويسلم ولا يسلم على حالة قائما لان ما أتى به من القعدة كانت سنة وقعدة الختم فرض فعليه
أن يعود إلى القعدة ثم يسلم ليكون متنفلا بركعتين فإن كان قيد الثالثة بالسجدة أتمها لأنه أدى الأكثر فلا يمكنه
القطع ويدخل مع الامام فيجعلها تطوعا لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه صلى في مسجد الخيف
فرأى رجلين خلف الصف فقال على بهما فجئ بهما ترتعد فرائصهما فقال ما لكما لم تصليا معنا فقالا كنا صلينا في
رحالنا فقال صلى الله عليه وسلم إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما امام قوم فصليا معه واجعلا ذلك سبحة أي نافلة وكان
ذلك في الظهر كذا روى عن أبي يوسف في الاملاء ولو كان في الركعة الأولى ولم يقيدها بالسجدة لم يذكر في الكتاب
والصحيح انه يقطعها ليدخل مع الامام فيحرز ثواب تكبيرة الافتتاح لان ما دون الركعة ليس له حكم الصلاة
ألا ترى انه يعود من الركعة الثالثة ما لم يقيدها بالسجدة وكذا الجواب في العصر والعشاء الا انه لا يدخل في العصر مع
الامام لان التنفل بعده مكروه ويخرج من المسجد لان المخالفة في الخروج أقل منها في المكث وأما في المغرب فان
صلى ركعة قطعها لأنه لو ضم إليها أخرى لأدى الأكثر فلا يمكنه القطع ولو قطع كان به متنفلا بركعتين قبل المغرب وهو
منهى عنه وان قيد الثالثة بالسجدة مضى فيها لما قلنا ولا يدخل مع الامام لأنه لا يخلو اما أن يقتصر على الثلاث
كما يفعله الامام والتنفل بالثلاث غير مشروع واما أن يصلى أربعا فيصير مخالفا لامامه وعن أبي يوسف انه يدخل
مع الامام فإذا فرغ الامام يصلى ركعة أخرى لتصير شفعا له وقال بشر المريسي يسلم مع الامام لان هذا التغير بحكم
الاقتداء وذلك جائز كالمسبوق يدرك الامام في القعدة انه يقعد معه وابتداء الصلاة لا يكون بالقعدة ثم جاز هذا
التغيير بحكم الاقتداء كذا هذا فان دخل مع الامام صلى أربعا كما قال أبو يوسف لان بالقيام إلى الركعة الثانية
صار ملتزما للركعتين لخروج الركعة الواحدة عن جواز التنفل بها قال ابن مسعود والله ما أجزأت ركعة قط فلذلك
يتم أربعا لو دخل مع الامام هذا إذا كان لم يصل المكتوبة فإن كان قد صلاها ثم دخل المسجد فإن كان صلاة لا يكره
التطوع بعدها شرع في صلاة الامام والا فلا
* (فصل) * واما بيان أن السنة إذا فاتت عن وقتها هل تقضى أم لا فنقول وبالله التوفيق لا خلاف بين أصحابنا في
سائر السنن سوى ركعتي الفجر انها إذا فاتت عن وقتها لا تقضى سواء فاتت وحدها أو مع الفريضة وقال الشافعي في
قول تقضى قياسا على الوتر ولنا ما روت أم سلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل حجرتي بعد العصر فصلى ركعتين
فقلت يا رسول الله ما هاتان الركعتان اللتان لم تكن تصليهما من قبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان
كنت أصليهما بعد الظهر وفى رواية ركعتا الظهر شغلني عنهما الوفد فكرهت ان أصليهما بحضرة الناس فيروني فقلت
أفأقضيهما إذا فاتتا فقال لا وهذا نص على أن القضاء غير واجب على الأمة وإنما هو شئ اختص به النبي صلى الله
عليه وسلم ولا شركة لنا في خصائصه وقياس هذا الحديث ان لا يجب قضاء ركعتي الفجر أصلا الا أنا استحسانا القضاء
إذا فاتتا مع الفرض لحديث ليلة التعريس ولان سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عبارة عن طريقته وذلك
بالفعل في وقت خاص على هيئة مخصوصة على ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فالفعل في وقت آخر لا يكون سلوك
طريقته فلا يكون سنة بل يكون تطوعا مطلقا وأما ركعتا الفجر إذا فاتتا مع الفرض فقد فعلهما النبي صلى الله عليه
وسلم مع الفرض ليلة التعريس فنحن نفعل ذلك لتكون على طريقته وهذا بخلاف الوتر لأنه واجب عند أبي حنيفة
على ما ذكرنا والواجب ملحق بالفرض في حق العمل وعندهما وإن كان سنة مؤكدة لكنهما عرفا وجوب القضاء
بالنص الذي روينا فيما تقدم واما سنة الفجر فان فاتت مع الفرض تقضى مع الفرض استحسانا لحديث ليلة التعريس
فان النبي صلى الله عليه وسلم لما نام في ذلك الوادي ثم استيقظ بحر الشمس فارتحل منه ثم نزل وأمر بلالا فاذن
فصلى ركعتي الفجر ثم أمره فأقام فصلى صلاة الفجر وأما إذا فاتت وحدها لا تقضى عند أبي حنيفة وأبى يوسف
وقال محمد تقضى إذا ارتفعت الشمس قبل الزوال واحتج بحديث ليلة التعريس انه صلى الله عليه وسلم قضاهما بعد
287

طلوع الشمس قبل الزوال فصار ذلك وقت قضائهما ولهما ان السنن شرعت توابع للفرائض فلو قضيت في وقت
لا أداء فيه للفرائض لصارت السنن أصلا وبطلت التبعية فلم تبق سنة مؤكدة لأنها كانت سنة بوصف التبعية وليلة
التعريس فاتتا مع الفرض فقضيتا تبعا للفرض ولا كلام فيه إنما الخلاف فيما إذا فاتتا وحدهما ولا وجه إلى
قضائهما وحدهما لما بينا ولهذا لا يقضى غيرهما من السنن ولا هما يقضيان بعد الزوال وأما الذي هو سنن الصحابة
فصلاة التراويح في ليالي رمضان والكلام في صلاة التراويح في مواضع في بيان وقتها وفي بيان صفتها وفي بيان قدرها
وفى سننها وفي بيان انها إذا فاتت عن وقتها هل تقضى أم لا أما صفتها فهي سنة كذا روى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال
القيام في شهر رمضان سنة لا ينبغي تركها وكذا روى عن محمد أنه قال التراويح سنة الا انها ليست بسنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم لان سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما واظب عليه ولم يتركه الا مرة أو مرتين لمعنى من المعاني
ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما واظب عليها بل أقامها في بعض الليالي روى أنه صلاها لليلتين بجماعة ثم ترك
وقال أخشى ان تكتب عليكم لكن الصحابة واظبوا عليها فكانت سنة الصحابة
* (فصل) * وأما قدرها فعشرون ركعة في عشر تسليمات في خمس ترويحات كل تسليمتين ترويحة وهذا قول عامة
العلماء وقال مالك في قول ستة وثلاثون ركعة وفى قول ستة وعشرون ركعة والصحيح قول العامة لما روى أن عمر
رضي الله عنه جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان على أبي بن كعب فصلى بهم في كل ليلة
عشرين ركعة ولم ينكر عليه أحد فيكون اجماعا منهم على ذلك وأما وقتها فقد اختلف مشايخنا فيه قال بعضهم
وقتها ما بين العشاء والوتر فلا تجوز قبل العشاء ولا بعد الوتر وقال عامتهم وقتها ما بعد العشاء إلى طلوع الفجر فلا
تجوز قبل العشاء لأنها تبع للعشاء فلا تجوز قبلها كسنة العشاء وذكر الناطفى في امام صلى بقوم صلاة العشاء على
غير وضوء ناسيا ثم صلى بهم امام آخر التراويح متوضأ ثم علم أن الأول كان على غير وضوء ان عليهم أن يعيدوا العشاء
والتراويح جميعا أما العشاء فلا شك فيها وأما التراويح فلأنها تصلى إلى طلوع الفجر لان ذلك وقتها وهل يكره تأخيرها
إلى نصف الليل قال بعضهم يكره لأنها تبع للعشاء ويكره تأخير العشاء إلى نصف الليل فكذا تأخيرها والصحيح انه
لا يكره لأنها قيام الليل وقيام الليل في آخر الليل أفضل
* (فصل) * وأما سننها فمنها الجماعة والمسجد لان النبي صلى الله عليه وسلم قدر ما صلى من التراويح صلى
بجماعة في المسجد فكذا الصحابة رضي الله عنهم صلوها بجماعة في المسجد فكان أداؤها بالجماعة في المسجد
سنة ثم اختلف المشايخ في كيفية سنة الجماعة والمسجد انها سنة عين أم سنة كفاية قال بعضهم انها سنة على سبيل
الكفاية إذا قام بها بعض أهل المسجد بجماعة سقط عن الباقين ولو ترك أهل المسجد كلهم اقامتها في المسجد
بجماعة فقد أساؤا وأتموا ومن صلاها في بيته وحده أو بجماعة لا يكون له ثواب سنة التراويح لتركه ثواب سنة
الجماعة والمسجد ومنها نية التراويح أو نية قيام رمضان أو نية سنة الوقت ولو نوى الصلاة مطلقا أو نوى التطوع
قال بعض المشايخ لا يجوز لأنها سنة والسنة لا تتأدى بنية مطلق الصلاة أو نية التطوع واستدلوا بما روى الحسن
عن أبي حنيفة ان ركعتي الفجر لا تتأدى الا بنية السنة وقال عامة مشايخنا ان التراويح وسائر السنن تتأدى بمطلق
النية لأنها وإن كانت سنة لا تخرج عن كونها نافلة والنوافل تتأدى بمطلق النية الا أن الاحتياط ان ينوى
التراويح أو سنة الوقت أو قيام رمضان احترازا عن موضع الخلاف ولو اقتدى من يصلى التراويح بمن يصلى
المكتوبة أو النافلة قيل يصح اقتداؤه ويكون مؤديا للتراويح وقيل لا يصح اقتداؤه به هو الصحيح لأنه مكروه
لكونه مخالفا لعمل السلف ولو اقتدى من يصلى التسليمة الأولى بمن يصلى التسليمة الثانية قيل لا يجوز اقتداؤه
وقيل يجوز وهو الصحيح لان الصلاة متحدة فكان نية الأولى والثانية لغوا ولهذا صح اقتداء مصلى الركعتين
بمصلى الأربع قبله فكذا هذا ومنها أن الامام بعد تكبيرة الافتتاح يأتي بالثناء والتعوذ والتسمية في الركعة الأولى
والمقتدى أيضا يأتي بالثناء وفى التعوذ خلاف معروف بناء على أن التعوذ تبع الثناء أو تبع القراة على ما ذكرنا
288

في موضعه ولا يزيد الامام على قدر التشهد ان علم أنه يثقل على القوم وان علم أنه لا يثقل على القوم يزيد عليه
ويأتي بالدعوات المشهورة ومنها ان يقرأ في كل ركعة عشر آيات كذا روى الحسن عن أبي حنيفة وقيل يقرأ فيها
كما يقرأ في أخف المكتوبات وهي المغرب وقيل يقرأ كما يقرأ في العشاء لأنها تبع للعشاء وقيل يقرأ في كل ركعة
من عشرين إلى ثلاثين لأنه روى أن عمر رضي الله عنه دعا بثلاثة من الأئمة فاستقرأهم وأمر أولهم ان يقرأ في كل
ركعة بثلاثين آية وأمر الثاني ان يقرأ في كل ركعة خمسة وعشرين آية وأمر الثالث ان يقرأ في كل ركعة عشرين
آية وما قاله أبو حنيفة سنة إذ السنة ان يختم القرآن مرة في التراويح وذلك فيما قاله أبو حنيفة وما أمر به عمر فهو من
باب الفضيلة وهو ان يختم القرآن مرتين أو ثلاثا وهذا في زمانهم وأما في زماننا فالأفضل ان يقرأ الإمام على حسب
حال القوم من الرغبة والكسل فيقرأ قدر ما لا يوجب تنفير القوم عن الجماعة لان تكثير الجماعة أفضل من
تطويل القراءة والأفضل تعديل القراءة في الترويحات كلها وان لم يعدل فلا بأس به وكذا الأفضل تعديل القراءة في
الركعتين في التسليمة الواحدة عند أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد يطول الأولى على الثانية كما في الفرائض
ومنها ان يصلى كل ركعتين بتسليمة على حدة ولو صلى ترويحة بتسليمة واحدة وقعد في الثانية قدر التشهد لا شك أنه
يجوز على أصل أصحابنا ان صلوات كثيرة تتأدى بتحريمة واحدة بناء على أن التحريمة شرط وليست بركن عندنا
خلافا للشافعي لكن اختلف المشايخ انه هل يجوز عن تسليمتين أولا يجوز الا عن تسليمة واحدة قال بعضهم لا يجوز
الا عن تسليمة واحدة لأنه خالف السنة المتوارثة بترك التسليمة والتحريمة والثناء والتعوذ والتسمية فلا يجوز
الا عن تسليمة واحدة وقال عامتهم انه يجوز عن تسليمتين وهو الصحيح وعلى هذا لو صلى التراويح كلها بتسليمة
واحدة وقعد في كل ركعتين ان الصحيح انه يجوز عن الكل لأنه قد أتى بجميع أركان الصلاة وشرائطها لان تجديد
التحريمة لكل ركعتين ليس بشرط عندنا هذا إذا قعد على رأس الركعتين قدر التشهد فاما إذا لم يقعد فسدت صلاته
عند محمد وعند أبي حنيفة وأبى يوسف يجوز وأصل المسألة يصلى التطوع أربع ركعات إذا لم يقعد في الثانية
قدر التشهد وقام وأتم صلاته انه يجوز استحسانا عندهما ولا يجوز عند محمد قياسا ثم إذا جاز عندهما فهل يجوز
عن تسليمتين أولا يجوز الا عن تسليمة واحدة الأصح انه لا يجوز الا عن تسليمة واحدة لان السنة أن يكون الشفع
الأول كاملا وكماله بالقعدة ولم توجد والكامل لا يتأدى بالناقص ولو صلى ثلاث ركعات بتسليمة واحدة ولم يقعد في
الثانية قال بعضهم لا يجزئه أصلا بناء على أن من تنفل بثلاث ركعات ولم يقعد الا في آخرها جاز عند بعضهم لأنه لو كان
فرضا وهو المغرب جاز فكذا النفل ولا يجوز عند بعضهم لان القعدة على رأس الثالثة في النوافل غير مشروعة
بخلاف المغرب فصار كأنه لم يقعد فيها ولو لم يقعد فيها لم تجز النافلة فكذا في التراويح ثم إن كان ساهيا في الثالثة لا يلزمه
قضاء شئ لأنه شرع في صلاة مظنونة ولأنه لا يوجب القضاء عند أصحابنا الثلاثة وإن كان عمدا فعلى قول من قال
بالجواز يلزمه ركعتان لان الركعة الثانية قد صحت لبقاء التحريمة وان لم يكملها يضم ركعة أخرى إليها فيلزمه القضاء
وعلى قول من قال بعدم الجواز يلزمه ركعتان عند أبي يوسف وعند أبي حنيفة لا يلزمه شئ لان التحريمة قد
فسدت بترك القعدة في الركعة الثانية فشرع في الثالثة بلا تحريمة وانه لا يوجب القضاء عند أبي حنيفة وعلى هذا
لو صلى عشر تسليمات كل تسليمة بثلاث ركعات بقعدة واحدة ولو صلى التراويح كلها بتسليمة واحدة ولم يقعد الا في
آخرها قال بعضهم يجزئه عن التراويح كلها وقال بعضهم لا يجزئه الا عن تسليمة واحدة وهو الصحيح لأنه أخل
بكل شفع بترك القعدة ومنها ان يصلى كل ترويحة امام واحد وعليه عمل أهل الحرمين وعمل السلف ولا يصلى
الترويحة الواحدة امامان لأنه خلاف عمل السلف ويكون تبديل الامام بمنزلة الانتظار بين الترويحتين وانه
غير مستحب ولا يصلى امام واحد التراويح في مسجدين في كل مسجد على الكمال ولا له فعل ولا يحتسب التالي
من التراويح وعلى القوم ان يعيدوا لان صلاة امامهم نافلة وصلاتهم سنة والسنة أقوى فلم يصح الاقتداء
لان السنة لا تتكرر في وقت واحد وما صلى في المسجد الأول محسوب وليس على القوم ان يعيدوا ولا
289

بأس لغير الامام ان يصلى التراويح في مسجدين لأنه اقتداء المتطوع بمن يصلى السنة وانه جائز كما لو صلى المكتوبة
ثم أدرك الجماعة ودخل فيها والله أعلم إذا صلوا التراويح ثم أرادوا أن يصلوها ثانيا يصلون فرادى لا بجماعة لان
الثانية تطوع مطلق والتطوع المطلق بجماعة مكروه ويجوز التراويح قاعدا من غير عذر لأنه تطوع الا انه
لا يستحب لأنه خلاف السنة المتوارثة وروى الحسن عن أبي حنيفة ان من صلى ركعتين الفجر قاعدا من غير عذر
لا يجوز وكذا لو صلاها على الدابة من غير عذر وهو يقدر على النزول لاختصاص هذه السنة بزيادة توكيد
وترغيب بتحصيلها وترهيب وتحذير على تركها فالتحقت بالواجبات كالوتر ومنها ان الامام كلما صلى ترويحة
قعد بين الترويحتين قدر ترويحة يسبح ويهلل ويكبر ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو وينتظر أيضا
بعد الخامسة قدر ترويحة لأنه متوارث من السلف واما الاستراحة بعد خمس تسليمات فهل يستحب قال بعضهم
نعم وقال بعضهم لا يستحب وهو الصحيح لأنه خلاف عمل السلف والله الموفق
* (فصل) * وأما بيان أدائها إذا فاتت عن وقتها هل تقضى أم لا فقد قيل إنها تقضى والصحيح انها لا تقضى لأنها
ليست بآكد من سنة المغرب والعشاء وتلك لا تقضى فكذلك هذه
* (فصل) * وأما صلاة التطوع فالكلام فيها يقع في مواضع في بيان ان التطوع هل يلزم بالشروع وفي بيان مقدار
ما يلزم منه بالشروع وفي بيان أفضل التطوع وفي بيان ما يكره من التطوع وفي بيان ما يفارق التطوع الفرض
فيه اما الأول فقد قال أصحابنا إذا شرع في التطوع يلزمه المضي فيه وإذا أفسده يلزمه القضاء وقال الشافعي لا يلزمه
المضي في التطوع ولا القضاء بالافساد وجه قوله إن التطوع تبرع وانه ينافي الوجوب وإذا لم يجب المضي فيه
لا يجب القضاء بالافساد لان القضاء تسليم مثل الواجب ولنا ان المؤدى عبادة وابطال العبادة حرام لقوله تعالى
ولا تبطلوا أعمالكم فيجب صيانتها عن الابطال وذا بلزوم المضي فيها وإذا أفسدها فقد أفسد عبادة واجبة
الأداء فيلزمه القضاء جبرا للفائت كما في المنذور والمفروض وقد خرج الجواب كما ذكره انه تبرع لأنا نقول نعم قبل
الشروع وأما بعد الشروع فقد صار واجبا لغيره وهو صيانة المؤدى عن البطلان ولو افتتح الصلاة مع الامام
وهو ينوى التطوع والامام في الظهر ثم قطعها فعليه قضاؤها لما قلنا فان دخل معه فيها ينوى التطوع فهذا
على ثلاثة أوجه اما ان ينوى قضاء الأولى أو لم يكن له نية أصلا أو نوى صلاة أخرى ففي الوجهين الأوليين يسقط
عنه وتنوب هذه عن قضاء ما لزمه بالافساد عندنا وعند زفر لا يسقط وجه قوله إن ما لزمه بالافساد صار دينا
في ذمته كالصلاة المنذورة فلا يتأدى خلف امام يصلى صلاة أخرى ولنا أنه لو أتمها حين شرع فيها لا يلزمه شئ
آخر فكذا إذا أتمها بالشروع الثاني لأنه ما التزم بالشروع الا أداء هذه الصلاة مع الامام وقد أداها وان نوى تطوعا آخر
ذكر في الأصل أنه ينوب عما لزمه بالافساد وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف وذكر في زيادات الزيادات أنه لا ينوب
وهو قول محمد ووجهه أنه لما نوى صلاة أخرى فقد أعرض عما كان دينا عليه بالافساد فلا ينوب هذا المؤدى
عنه بخلاف الأول وجه قولهما انه ما التزم في المرتين الا أداء هذه الصلاة مع الامام وقد أداها والله أعلم ثم الشروع في
التطوع في الوقت المكروه وغيره سواء في كونه سببا للزم في قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر الشروع في التطوع في
الأوقات المكروهة غير ملزم حتى لو قطعها الا شئ عليه عنده وعندنا الأفضل ان يقطع وان أثم فقد أساء ولا قضاء عليه
لأنه أداها كما وجبت وان قطعها فعليه القضاء وأما الشروع في الصوم في الوقت المكروه فغير ملزم عند أبي حنيفة
وزفر وعندهما ملزم فهما سويا بين الصوم والصلاة وجعلا الشروع فيهما ملزما كالنذر لكون المؤدى عبادة وزفر
سوى بينهما بعلة ارتكاب المنهى وجعل الشروع فيهما غير ملزم وأبو حنيفة فرق والفرق له من وجوه أحدها انه
لابد له من تقديم مقدمة وهي ان ما تركب من أجزاء متفقة ينطلق اسم الكل فيه على البعض كالماء فان ماء البحر
يسمى ماء وقطرة منه تسمى ماء وكذا الخل والزيت وكل مائع وما تركب من أجزاء مختلفة لا يكون للبعض منه اسم
الكل كالسنجبين لا يسمى الخل وحده ولا السكر وحده سكنجبينا وكذا الانف وحده لا يسمى وجها ولا الخد
290

وحده ولا العظم وحده يسمى آدميا ثم الصوم يتركب من أجزاء متفقة فيكون لكل جزء اسم الصوم والصلاة
تتركب من أجزاء مختلفة وهي القيام والقراءة والركوع والسجود فلا يكون للبعض اسم الكل ومن هذا قال
أصحابنا ان من حلف لا يصوم ثم شرع في الصوم فكما شرع يحنث ولو حلف لا يصلى فما لم يقيد الركعة بالسجدة
لا يحنث وإذا تقرر هذا الأصل فنقول إنه نهى عن الصوم فكما شرع باشر الفعل المنهى ونهى عن الصلاة لما لم
يقيد الركعة بالسجدة لم يباشر منهيا فما انعقد انعقد قربة خالصة غير منهى عنها فبعد هذا يقول بعض مشايخنا ان
الشروع سبب الوجوب وهو في الصوم منهى ففسد في نفسه فلم يصر سبب الوجوب وفى الصلاة ليس بمنهى فصار
سببا للوجوب وإذا تحقق هذا فنقول وجوب المضي في التطوع لصيانة ما انعقد قربة وفى باب الصوم ما انعقد انعقد
معصية من وجه والمضي أيضا معصية والمضي لو وجب وجب لصيانة ما انعقد وما العقد عبادة وهو منهى عنه
وتقرير العبادة وصيانتها واجب وتقرير المعصية وصيانتها معصية فالصيانة واجبة من وجه محظورة من وجه فلم
تجب الصيانة عند الشك وترجحت جهة الحظر على ما هو الأصل والصيانة لا تحصل الا بما هو عبادة وبما هو معصية
وايجاب العبادة ممكن وايجاب المعصية غير ممكن فلم يجب المضي عند التعارض بل يرجح جانب الحظر فاما في باب
الصلاة فما انعقد انعقد عبادة خالصة لا حظر فيها فوجب تقريرها وصيانتها ثم صيالتها وإن كانت بالمضي
وبالمضي يقع في المحظور لكن لو مضى تقررت العبادة وتقريرها واجب وما يأتي به عبادة ومحظور أيضا فكان
محصلا للعبادة من وجهين ومرتكبا للنهي من وجه فترجحت جهة العبادة ولو امتنع عن المضي امتنع عن تحصيل
ما هو منهى ولكن امتنع أيضا عن تحصيل ما هو عبادة وأبطل العبادة المتقررة وابطالها محظور محض فكان المضي
للصيانة أولى من الامتناع فيلزمه المضي فإذا أفسده يلزمه القضاء ومنهم من فرق بينهما فقال إن النهى عن
الصلاة في هذه الأوقات ثبت بدليل فيه شبهة العدم وهو خبر الواحد وقد اختلف العلماء في صحته ووروده فكان
في ثبوته شك وشبهة وما كان هذا سبيله كان قبوله بطريق الاحتياط والاحتياط في حق ايجاب القضاء على من
أفسد بالشروع أن يجعل كأنه ما ورد بخلاف النهى عن الصوم لأنه ثبت بالحديث المشهور وتلقته أئمة الفتوى
بالقبول فكان النهى ثابتا من جميع الوجوه فلم يصح الشروع فلم يجب القضاء بالافساد والفقيه الجليل أبو أحمد
العياضي السمرقندي ذكر هذه الفروق وأشار إلى فرق آخر وهو ان الصوم وجوبه بالمباشرة وهو فعل من الصوم
المنهى عنه فأما الصلاة فوجوبها بالتحريمة وهي قول وليست من الصلاة فكانت بمنزلة النذر والله أعلم غير أنه
لو أفسد مع هذا وقضى في وقت آخر كان أحسن لان الافساد ليؤدي أه كل لا يعد افسادا وههنا كذلك لأنه
يؤدى خاليا عن اقتران النهى به ولكن لو صلى مع هذا جاز لأنه ما لزمه الا هذه الصلاة وقد أساء حيث أدى مقرونا
بالنهي ولو افتتح التطوع وقت طلوع الشمس فقطعها ثم قضاها وقت تغير الشمس أجزأه لأنها وجبت ناقصة
وأداها كما وجبت فيجوز كما لو أتمها في ذلك الوقت ثم الشروع إنما يكون سبب الوجوب إذا صح فأما إذا لم يصح فلا
حتى لو شرع في التطوع على غير وضوء أو في ثوب نجس لا يلزمه القضاء وكذا القارئ إذا شرع في صلاة الأمي بنية
التطوع أو في صلاة امرأة أو جنب أو محدث ثم أفسدها على نفسه لا قضاء عليه لان شروعه في الصلاة لم يصح
حيث اقتدى بمن لا يصلح اماما له وكذا الشروع في الصلاة المظنونة غير موجب حتى لو شرع في الصلاة على ظن أنها
عليه ثم تبين انها ليست عليه لا يلزمه المضي ولو أفسد لا يلزمه القضاء عقد أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر وفى باب
الحج يلزمه التطوع بالشروع معلوما كان أو مظنونا والفرق يذكر في كتاب الصوم إن شاء الله تعالى
* (فصل) * وأما بيان مقدار ما يلزم منه بالشروع فنقول لا يلزمه بالافتتاح أكثر من ركعتين وان نوى أكثر من ذلك في
ظاهر الروايات عن أصحابنا الا بعارض الاقتداء وروى عن أبي يوسف ثلاث روايات روى بشر بن الوليد عنه أنه قال
فيمن افتتح التطوع ينوى أربع ركعات ثم أفسدها قضى أربعا ثم رجع وقال يقضى ركعتين وروى بشر بن أبي
الأزهر عنه أنه قال فيمن افتتح النافلة ينوى عددا يلزمه بالافتتاح ذلك العدد وإن كان مائة ركعة وروى غسان
291

عنه أنه قال إن نوى أربع ركعات لزمه وان نوى أكثر من ذلك لم يلزمه ولا خلاف في أنه يلزمه بالنذر ما تناوله وان
كثر وجه رواية ابن أبي الأزهر عنه ان الشروع في كونه سبب للزوم كالنذر ثم يلزمه بالنذر جميع ما تناوله كذا
بالشروع وجه رواية غسان عنه ان ما وجب بايجاب الله تعالى بناء على مباشرة سبب الوجوب من العبد دون
ما وجب بايجاب الله تعالى ابتداء وذا لا يزيد على الأربع فهذا أولى وجه ظاهر الرواية ان الوجوب بسبب
الشروع ما ثبت وضعا بل ضرورة صيانة المؤدى عن البطلان ومعنى الصيانة يحصل بتمام الركعتين فلا تلزم الزيادة
من غير ضرورة بخلاف النذر لأنه سبب الوجوب بصيغته وضعا فيتقدر الوجوب بقدر ما تناوله السبب واما قوله إن
الشروع سبب الوجوب كالنذر فنقول نعم لكنه سبب لوجوب ما وجد الشروع فيه ولم يوجد الشروع في الشفع
الثاني فلا يجب ولأنه ما وضع سببا للوجوب بل الوجوب لما ذكرنا من الضرورة ولا ضرورة في حق الشفع الثاني
بخلاف النذر فإنه التزم صريحا فيلزمه بقدر ما التزم وكذا الجواب في السنن الراتبة انه لا يجب بالشروع فيها
الا ركعتين حتى لو قطعها قضى ركعتين في ظاهر الرواية عن أصحابنا لأنه نفل وعلى رواية أبى يوسف قضى أربعا في كل
موضع يقضى في التطوع أربعا ومن المتأخرين من مشايخنا اختار قول أبى يوسف فيما يؤدى من الأربع منها
بتسليمة واحدة وهو الأربع قبل الظهر وقال لو قطعها يقضى أربعا ولو أخبر بالبيع فانتقل إلى الشفع الثاني لا تبطل
شفعته ويمنع صحة الخلوة وهو الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل البخاري وإذا عرف هذا الأصل فنقول
من وجب عليه ركعتان بالشروع ففرغ منهما وقعد على رأس الركعتين وقام إلى الثالثة على قصد الأداء يلزمه
اتمام ركعتين أخراوين وبينهما على التحريمة الأولى لان قدر المؤدى صار عبادة فيجب عليه اتمام الركعتين
صيانة له عن البطلان والقيام إلى الثالثة على قصد الأداء بناء منه الشفع الثاني على التحريمة الأولى وأمكن البناء
عليها لان التحريمة شرط الصلاة عندنا والشرط الواحد يكفي لأفعال كثيرة كالطهارة الواحدة انها تكفى لصلوات
كثيرة ويلزمه في هاتين الركعتين القراءة كما في الأوليين لان كل شفع من التطوع صلاة على حدة ولهذا قالوا إن
المتنفل إذا قام إلى الثالثة لقصد الأداء ينبغي أن يستفتح فيقول سبحانك اللهم وبحمدك الخ كما يستفتح في الابتداء
لان هذا بناء الافتتاح وكل ركعتين من النفل صلاة على حدة لكن بناء على التحريمة الأولى فيأتي بالثناء
المسنون فيه ولو صلى ركعتين تطوعا فسها فيهما فسجد لسهوه بعد السلام ثم أراد أن يبنى عليهما ركعتين أخراوين
ليس له ذلك لأنه لو فعل ذلك لوقع سجوده للسهو في وسط الصلاة وانه غير مشروع بخلاف المسافر إذا صلى الظهر
ركعتين وسها فيهما فسجد للسهو ثم نوى الإقامة حيث يصح ويقوم لاتمام صلاته وإن كان يقع سهوه في وسط
الصلاة والفرق ان السلام محلل في الشرع الا ان الشرع منعه عن العمل في هذه الحالة أو حكم بعود
التحريمة ضرورة تحصيل السجود لان سجود السهو لا يؤتى به الا في تحريمة الصلاة والضرورة في حق تلك
الصلاة وفيما يرجع إلى اكمالها فظهر بقاء التحريمة أو عودها في حقها لا في حق صلاة أخرى ولا ضرورة في صلاة
التطوع لان كل شفع صلاة على حدة فيعمل التسليم عمله في التحليل وكان القياس في المتنفل بالأربع إذا ترك القعدة
الأولى أن تفسد صلاته وهو قول محمد لان كل شفع لما كان صلاة على حدة كانت القعدة عقيبه فرضا كالقعدة
الأخيرة في ذوات الأربع من الفرائض الا ان في الاستحسان لا تفسد وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف لأنه لما قام
إلى الثالثة قبل القعدة فقد جعلها صلاة واحدة شبيهة بالفرض واعتبار النفل بالفرض مشروع في الجملة لأنه تبع
للفرض فصارت القعدة الأولى فاصلة بين الشفعتين والخاتمة هي الفريضة فأما الفاصلة فواجبة وهذا بخلاف ما إذا
ترك القراءة في الأوليين في التطوع وقام إلى الأخريين وقرأ فيهما حيث يفسد الشفع الأول بالاجماع ولم نجعل هذه
الصلاة صلاة واحدة في حق القراءة بمنزلة ذوات الأربع لان القعدة إنما صارت فرضا لغيرها وهو الخروج فإذا قام إلى
الثالثة وصارت الصلاة من ذوات الأربع لم يأت أوان الخروج فلم تبق القعدة فرضا فاما القراءة فهي ركن بنفسها
فإذا تركها في الشفع الأول فسد فلم يصح بناء الشفع الثاني عليه وعلى هذا قالوا إذا صلى التطوع ثلاث ركعات بقعدة
292

واحدة ينبغي أن يجوز اعتبارا للتطوع بالفرض وهو صلاة المغرب إذا صلاها بقعدة واحدة والأصح انه لا يجوز لان
ما اتصل به القعدة وهي الركعة الأخيرة فسدت لان التنفل بالركعة الواحدة غير مشروع فيفسد ما قبلها ولو تطوع
بست ركعات بقعدة واحدة اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يجوز لأنها لما جازت بتحريمة واحدة وتسليمة واحدة
فتجوز بقعدة واحدة أيضا والأصح انه لا يجوز لأنا إنما استحسنا جواز الأربع بقعدة واحدة اعتبارا بالفريضة
وليس في الفرائض ست ركعات يجوز أداؤها بقعدة واحدة فيعود الامر فيه إلى أصل القياس والله أعلم ثم إنما
يجب بافساد التطوع قضاء الشفع الذي اتصل به المفسد دون الشفع الذي مضى على الصحة حتى لو صلى أربعا
فتكلم في الثالثة أو الرابعة قضى الشفع الثاني دون الأول لان كل شفع صلاة على حدة ففساد الثاني لا يوجب فساد
الأول بخلاف الفرض لأنه كله صلاة واحدة ففساد البعض يوجب فسادا لكل ولو اقتدى المتطوع بمصلى الظهر في
أول الصلاة ثم قطعها أو اقتدى به في القعدة الأخيرة فعليه قضاء أربع ركعات لأنه بالاقتداء التزم صلاة الامام وهي
أربع ركعات ومن نوى أن يصلى الظهر ستا لم يلزمه ركعتان لان الشروع لم يوجد في الركعتين وإنما وجد في الظهر
وهي أربع ولم يوجد في حق الركعتين الا مجرد النية ومجرد النية لا يلزم شيئا وكذا المسافر إذا نوى أن يصلى الظهر
أربعا فصلى ركعتين فصلاته تامة لان الظهر في حق المسافر ركعتان فكانت نية الزيادة لغوا هذا إذا أفسد التطوع
بشئ من اضداد الصلاة في الوضع من الحدث العمد والكلام والقهقهة وعمل كثير ليس من أعمال الصلاة فاما إذا
أفسده بترك القراءة بأن صلى التطوع أربعا ولم يقرأ فيهن شيئا فعليه قضاء ركعتين في قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي
يوسف عليه قضاء الأربع وهي من المسائل المعروفة بثمان مسائل والأصل فيها أن الشفع الأول متى فسد بترك
القراءة تبقى التحريمة عند أبي يوسف فيصح الشروع في الشفع الثاني وعند محمد متى فسد الشفع الأول لا تبقى
التحريمة فلا يصح الشروع في الشفع الثاني وعند أبي حنيفة ان فسد الشفع الأول بترك القراءة فيهما بطلت التحريمة
فلا يصح الشروع في الشفع الثاني وان فسد بترك القراءة في إحداهما بقيت التحريمة فيصح الشروع في الشفع الثاني
وجه قول محمد أن القراءة فرض في كل شفع من النفل في الركعتين جميعا فكما يفسد الشفع بترك القراءة فيهما يفسد
بترك القراءة في إحداهما لفوات ما هو ركن كما لو ترك الركوع أو السجود انه لا يفترق الحال بين الترك في الركعتين
أو في إحداهما كذا هذا وصار ترك القراءة في الافساد والحدث العمد والكلام سواء فإذا فسدت الافعال لم تبق
التحريمة لأنها تبقى لتوحيد الافعال المختلفة فإذا فسدت الافعال لا تبقى هي فلم يصح الشروع في الشفع الثاني لعدم
التحريمة فلا يتصور الفساد ولأبي يوسف أن الافعال وان بطلت بترك القراءة لكون القراءة ركنا ولكن بقيت
التحريمة لأنها ما عقدت لهذا الشفع خاصة بل له وللشفع الثاني الا ترى أنه لو قرأ يصح بناء الشفع الثاني عليه فإذا لم
تبطل التحريمة صح الشروع في الشفع الثاني ثم يفسد هو أيضا بترك القراءة فيه ولأبي حنيفة أنه لا بقاء للتحريمة مع
بطلان الافعال كما إذا ترك ركنا آخرا وتكلم أو احدث عمدا لأنها للجمع بين الافعال المختلفة لتجعلها كلها عبادة
واحدة فتبطل ببطلان الافعال كما قال محمد غير أنه إذا ترك القراءة في الشفع الأول في الركعتين جميعا علم فساد الشفع
بيقين لترك الركن بيقين فاما إذا قرأ في احدى الأوليين لم يعلم يقينا بفساد هذا الشفع لان الحسن البصري كان
يقول بجواز الصلاة بوجود القراءة في ركعة واحدة وقوله وإن كان فاسدا لكن إنما عرفنا فساده بدليل اجتهادي
غير موجب علم اليقين بل يجوز أن يكون الصحيح قوله غير أنا عرفنا صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهب إليه بغالب
الرأي فلم نحكم ببطلان التحريمة الثانية بيقين بالشك ولان الشفع الأول متى دار بين الجواز والفساد كان الاحتياط
في الحكم بفساده ليجب عليه القضاء وببقاء التحريمة ليصح الشروع في الشفع الثاني ليجب عليه القضاء بوجوده
مفسد في هذا الشفع أيضا إذا عرفت هذا الأصل فنقول إذا ترك القراءة في الأربع كلها يلزمه قضاء ركعتين في
قول أبي حنيفة ومحمد وزفر لان التحريمة قد بطلت بفساد الشفع الأول بيقين فلم يصح الشروع في الشفع الثاني فلا
يلزمه القضاء بالافساد لعدم الافساد وعند أبي يوسف عليه قضاء الأربع لان التحريمة بقيت وان فسد الشفع
293

الأول فيصح الشروع في الشفع الثاني ثم يفسد بترك القراءة أيضا فيجب قضاء الشفعين جميعا ولو ترك القراءة في
احدى الأوليين واحدى الأخريين أو قرأ في احدى الأوليين فحسب عند محمد يلزمه قضاء الشفع الأول لا غير لان
الشفع الأول فسد بترك القراءة في احدى الركعتين من هذا الشفع فبطلت التحريمة فلم يصح الشروع في الشفع
الثاني وعند أبي حنيفة وأبى يوسف يلزمه قضاء الأربع أما عند أبي يوسف فلعدم بطلان التحريمة بفساد الصلاة
وعند أبي حنيفة لكون الفساد غير ثابت بدليل مقطوع به فبقيت التحريمة فصح الشروع في الشفع الثاني ثم فسد
الشفع الثاني بترك القراءة في الركعتين أو في إحداهما ولو ترك القراءة في الأوليين وقرأ في الأخريين يلزمه قضاء
ركعتين وهو الشفع الأول بالاجماع لأنه فسد بترك القراءة في الركعتين فيلزمه قضاؤه فاما الشفع الثاني فعند أبي
يوسف صلاة كاملة لان الشروع فيه قد صح لبقاء التحريمة وقد وجدت القراءة في الركعتين جميعا فصح وعند أبي
حنيفة ومحمد وزفر لما بطلت التحريمة لم يصح الشروع في الشفع الثاني فلم تكن صلاة فلا يجب الا قضاء الشفع
الأول والاخريان لا يكونان قضاء عن الأوليين بالاجماع أما عند أبي حنيفة ومحمد وزفر فلان الشفع الثاني
ليس بصلاة لانعدام التحريمة وعند أبي يوسف وإن كان صلاة لكنه بناء على تلك التحريمة وانها انعقدت للأداء
والتحريمة الواحدة لا يتسع فيها الأداء والقضاء ولو قرأ في احدى الأوليين لا غير عند محمد يلزمه قضاء ركعتين وعند أبي
حنيفة وأبى يوسف قضاء الأربع وذكر في بعض نسخ الجامع الصغير قول أبي حنيفة مع محمد والصحيح ما ذكرنا
من الدلائل ولو قرأ في احدى الأخريين لا غير عند أبي يوسف يلزمه قضاء الأربع وعند أبي حنيفة ومحمد وزفر
يلزمه قضاء الشفع الأول لا غير ولو قرأ في الأوليين لا غير يلزمه قضاء الشفع الأخير عند الكل وكذا لو ترك القراءة في
احدى الأخريين وهذا كله إذا قعد بين الشفعين قدر التشهد فأما إذا لم يقعد تفسد صلاته عند محمد بترك القعدة
ولا تتأتى هذه التفريعات عنده ولو كان خلفه رجل اقتدى به فحكمه حكم امامه يقضى ما يقضى امامه لان صلاة
المقتدى متعلقة بصلاة الامام صحة وفسادا ولو تكلم المقتدى ومضى الامام في صلاته حتى صلى أربع ركعات وقرأ
في الأربع كلها وقعد بين الشفعين فان تكلم قبل أن يقعد الامام قدر التشهد فعليه قضاء الأوليين فقط لأنه لم يلتزم
الشفع الأخير لان الالتزام بالشروع ولم يشرع فيه وإنما وجد منه الشروع في الشفع الأول فقط فيلزمه قضاؤه
بالافساد لا غير وان تكلم بعد ما قعد قدر التشهد قبل أن يقوم إلى الثالثة لا شئ عليه لأنه أدى ما التزم بوصف
الصحة وأما إذا قام إلى الثالثة ثم تكلم المقتدى لم يذكر هذه المسألة في الأصل وذكر عصام بن يوسف في مختصره
أن عليه قضاء أربع ركعات قال الشيخ الإمام الزاهد صدر الدين أبو المعين ينبغي أن يكون هذا الجواب على قول
أبي حنيفة وأبى يوسف لأنهما يجعلان هذا كله صلاة واحدة بدليل انهما ما يحكما بفسادها بترك القعدة الأولى
وأما عند محمد فقد بقي كل شفع صلاة على حدة حتى حكم بافتراض القعدة الأولى فكان هذا المقتدى مفسدا للشفع
الأخير لا غير فيلزمه قضاؤه لا غير
* (فصل) * وأما بيان أفضل التطوع فاما في النهار فأربع أربع في قول أصحابنا وقال الشافعي مثنى مثنى بالليل
والنهار جميعا واحتج بما روى عمارة بن رويبة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يفتتح صلاة الضحى بركعتين
ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يختار من الاعمال أفضلها ولان في التطوع بالمثنى زيادة تكبير وتسليم فكان
أفضل ولهذا قال في الأربع قبل الظهر انها بتسليمتين ولنا ما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان
يواظب في صلاة الضحى على أربع ركعات والاخذ برواية ابن مسعود أولى من الاخذ برواية عمارة بن رويبة
لأنه يروى المواظبة وعمارة لا يرويها ولا شك أن الاخذ المفسر أولى ولان الأربع أدوم وأشق على البدن وسئل
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فقال أحمزها أي أشقها على البدن وأما في الليل فأربع أربع
في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد مثنى مثنى وهو قول الشافعي احتجا بما روى ابن عمر رضي الله عنهما
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاة الليل مثنى مثنى وبين كل ركعتين فسلم أمر بالتسليم على رأس الركعتين
294

وما أراد به الايجاب لأنه غير واجب فتعين الاستحباب مرادا به ولان عمل الأمة في التراويح فظهر مثنى مثنى من
لدن عمر رضي الله عنه إلى يومنا هذا فدل أن ذلك أفضل ولأبي حنيفة ما روينا عن عائشة رضي الله عنها انها سئلت
عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليالي رمضان فقالت كان قيامه في رمضان وغيره سواء لأنه كان يصلى
بعد العشاء أربع ركعات لا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم أربعا لا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم كان يوتر بثلاث وفى
بعض الروايات انها سئلت عن ذلك فقالت رأيكم يطيق ذلك ثم ذكرت الحديث وكلمة كان عبارة عن العادة والمواظبة
وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب الا على أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى وفيه دلالة على أنه
ما كان يسلم على رأس الركعتين إذ لو كان كذلك لم يكن لذكر الأربع فائدة ولان الوصل بين الشفعين بمنزلة التتابع في
باب الصوم الا ترى أنه لو نذر أن يصلى أربعا بتسليمة فصلى بتسليمتين لا يخرج عن العهدة كذا ذكر محمد في الزيادات
كما في صفة التتابع في باب الصوم ثم الصوم متتابعا أفضل فكذا الصلاة والمعنى فيه ما ذكرنا أنه أشق على البدن
فكان أفضل ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم فسلم أي فتشهد لان التحيات تسمى تشهدا لما فيها من الشهادة وهي
قوله أشهد أن لا إله إلا الله وكذا تسمى تسليما لما فيها من التسليم بقوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
وحمله على هذا أولي لأنه أمر بالتسليم ومطلق الامر للوجوب والتسليم ليس بواجب الا ترى أنه لو صلى أربعا جاز
أما التشهد فواجب فكان الحمل عليه أولى فاما التراويح فإنما تؤدى مثنى مثنى لأنها تؤدى بجماعة فتؤدى على
وجه السهولة واليسر لما فيهم من المريض وذي الحاجة ولا كلام فيه وإنما الكلام فيما إذا كان وحده
* (فصل) * وأما بيان ما يكره من التطوع فالمكروه منه نوعان نوع يرجع إلي القدر ونوع يرجع إلى الوقت أما الذي
يرجع إلى القدر فأما في النهار فتكره الزيادة على الأربع بتسليمة واحدة وفى الليل لا تكره وله أن يصلى ستا وثمانيا
ذكره في الأصل وذكر في الجامع الصغير في صلاة الليل ان شئت فصل بتكبيرة ركعتين وان شئت أربعا وان
شئت ستا ولم يزد عليه والأصل في ذلك أن النوافل شرعت تبعا للفرائض والتبع لا يخالف الأصل فلو زيدت
على الأربع في النهار لخالفت الفرائض وهذا هو القياس في الليل الا أن الزيادة على الأربع إلى الثمان أو إلى
الست عرفناه بالنص وهو ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلى بالليل خمس ركعات خمس ركعات سبع ركعات تسع
ركعات احدى عشرة ركعة ثلاث عشر ركعة والثلاث من كل واحد من هذه الاعداد الوتر وركعتان من ثلاثة
عشر سنة الفجر فيبقى ركعتان وأربع وست وثمان فيجوز إلى هذا القدر بتسليمة واحدة من غير كراهة واختلف
المشايخ في الزيادة على الثمان بتسليمة واحدة قال بعضهم يكره لان الزيادة على هذا لم تر وعن رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقال بعضهم لا يكره واليه ذهب الشيخ الإمام الزاهد السرخسي رحمه الله قال لان فيه وصل العبادة بالعبادة
فلا يكره وهذا يشكل بالزيادة على الأربع في النهار والصحيح انه يكره لما ذكرنا وعليه عامة المشايخ ولو زاد على
الأربع في النهار أو على الثمان في الليل يلزمه لوجود سبب اللزوم وهو الشروع ثم اختلف في أن الأفضل في التطوع
طول القيام في الأربع والمثنى على حسب ما اختلف فيه أم كثرة الصلاة قال أصحابنا طول القيام أفضل وقال الشافعي
كثرة الصلاة أفضل ولقب المسألة ان طول القنوت أفضل أم كثرة السجود والصحيح قولنا لما روى عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم انه سئل عن أفضل الصلاة فقال طول القنوت أي القيام وعن ابن عمر أنه قال في قوله تعالى
وقوموا لله قانتين ان القنوت طول القيام وقرأ قوله تعالى أمن هو قانت آناء الليل وروى عن أبي يوسف أنه قال
إذا لم يكن له ورد فطول القيام أفضل وأما إذا كان له ورد من القرآن يقرأه فكثرة السجود أفضل لان القيام لا يختلف
ويضم إليه زيادة الركوع والسجود والله أعلم وأما الذي يرجع إلي الوقت فيكره التطوع في الأوقات المكروهة
وهي اثنا عشر بعضها يكره التطوع فيها لمعنى في الوقت وبعضها يكره التطوع فيها لمعنى في غير الوقت أما الذي
يكره التطوع فيها لمعنى يرجع إلى الوقت فثلاثة أوقات أحدها ما بعد طلوع الشمس إلى أن ترتفع والبيض والثاني
عند استواء الشمس إلى أن نزول والثالث عند تغير الشمس وهو احمرارها واصفرارها إلى أن تقرب ففي هذه
295

الأوقات الثلاثة يكره كل تطوع في جميع الا زمان يوم الجمعة وغيره وفى جميع الأماكن بمكة وغيرها وسواء كان تطوعا
مبتدأ لا سبب له أو تطوعا له سبب كركعتي الطواف وركعتي تحية المسجد ونحوهما وروى عن أبي يوسف انه لا بأس
بالتطوع وقت الزوال يوم الجمعة وقال الشافعي لا بأس بالتطوع في هذه الأوقات بمكة احتج أبو يوسف بما روى أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة وقت الزوال الا يوم لجمعة واحتج الشافعي رحمه الله تعالى بما روى أن
النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الصلاة في هذه الأوقات الا بمكة ولنا ما روى عن عقبة بن عامر الجهني أنه قال
ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلى فيها وان نقبر فيها موتانا إذا طلعت الشمس حتى ترتفع
وإذا تضيقت للمغيب وعند الزوال وروى عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة وقت الطلوع
والغرب قال لان الشمس تطلع وتغرب بين قرني شيطان وروى الصنابحي ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
الصلاة عند طلوع الشمس وقال إنها تطلع بين قرني شيطان ان يزينها في عين من يعبدها حتى يسجد لها فإذا ارتفعت
فارقها فإذا كانت عند قائم الظهيرة قارنها فإذا مالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فلا تصلوا
في هذه الأوقات فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذه الأوقات من غير فصل فهو على العموم
والاطلاق ونبه على معنى النهى وهو طلوع الشمس بين قرني الشيطان وذلك لان عبدة الشمس يعبدون الشمس
ويسجدون لها عند الطلوع تحية لها وعند الزوال لاستتمام علوها وعند الغروب وداعا لها فيجئ الشيطان فيجعل
الشمس بين قرنيه ليقع سجودهم نحو الشمس له فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في هذه الأوقات لئلا يقع
التشبه بعبدة الشمس وهذا المعنى يعم المصلين أجمع فقد عم النهى بصيغته ومعناه فلا معنى للتخصيص وما روى من
النهى الا بمكة شاذ لا يقبل في معارضة المشهور وكذا رواية استثناء يوم الجمعة غريبة فلا يجوز تخصيص المشهور بها
وأما الأوقات التي يكره فيها التطوع لمعنى في غير الوقت فمنها ما بعد طلوع الفجر إلى صلاة الفجر وما بعد صلاة الفجر
إلى طلوع الشمس وما بعد صلاة العصر إلى مغيب الشمس فلا خلاف في أن قضاء الفرائض والواجبات في هذه
الأوقات جائز من غير كراهة ولا خلاف في أن أداء التطوع المبتدأ مكروه فيها وأما التطوع الذي له سبب كركعتي
الطواف وركعتي تحية المسجد فمكروه عندنا وعند الشافعي لا يكره واحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال إذا دخل أحدكم المسجد فليحيه بركعتين من غير فصل وروى عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى
بعد العصر وعن عمر رضي الله عنه انه صلى صلاة الصبح فسمع صوت حدث ممن خلفه فقال عزمت على من أحدث
أن يتوضأ ويعيد صلاته فلم يقم أحد فقال جرير بن عبد الله البجلي يا أمير المؤمنين أرأيت لو توضأنا جميعا واعدنا
الصلاة فاستحسن ذلك عمر رضي الله عنه وقال له كنت سيدا في الجاهلية فقيها في الاسلام فقاموا وأعادوا الوضوء
والصلاة ولا شك ان تلك الصلاة ممن لم يحدث كانت نافلة والدليل عليه انه لا يكره الفرائض في هذه الأوقات كذا
النوافل (ولنا) ما روى عن ابن عباس أنه قال شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تشرق الشمس ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس
فهو على العموم الا ما خص بدليل وكذا روى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
ذلك وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما انه طاف بعد طلوع الفجر سبعة أشواط ولم يصل حتى خرج إلى ذي طوى
وصلى ثمة بعد ما طلعت الشمس وقال ركعتان مكان ركعتين ولو كان أداء ركعتي الطواف بعد طلوع الشمس جائزا من
غير كراهة لما أجز لان أداء الصلاة بمكة أفضل خصوصا ركعتا الطواف وأما حديث عائشة فقد كان النبي صلى الله
عليه وسلم مخصوصا بذلك دل عليه ما روى أنه قيل لأبي سعيد الخدري ان عائشة تروى أن النبي صلى الله عليه وسلم
صلى بعد العصر فقال إنه فعل ما أمر ونحن نفعل ما أمرنا أشار إلى أنه كان مخصوصا بذلك ولا شركة في موضع
الخصوص ألا ترى إلى ما روى عن أم سلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد العصر فسألته عن ذلك
فقال شغلني وفد عن ركعتي الظهر فقضيتهما فقالت ونحن نفعل كذلك فقال لا أشار إلى الخصوصية لأنه كتبت عليه
296

السنن الراتبة ومذهبنا مذهب عمر وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وعائشة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم
وما روى عن عمر فغريب لا يقبل على أن عمر إنما فعل ذلك لاخراج المحدث عن عهدة الفرض ولا بأس بمباشرة
المكروه لمثله والاعتبار بالفرائض غير سديد لان الكراهة في هذه الأوقات ليست لمعنى في الوقت بل لمعنى في غيره
وهو اخراج ما بقي من الوقت عن كونه تبعا لفرض الوقت لشغله بعبادة مقصودة ومعنى الاستتباع لا يمكن تحقيقه
في حق الفرض فبطل الاعتبار وكذا أداء الواجب الذي وجب بصنع العبد من النذور قضاء التطوع الذي أفسده
في هذه الأوقات مكروه في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف انه لا يكره لأنه واجب فصار كسجدة التلاوة وصلاة الجنازة
وجه ظاهر الرواية ان المنذور عينه ليس بواجب بل هو نفل في نفسه وكذا عين الصلاة لا تجب بالشروع وإنما
الواجب صيانة المؤداة عن البطلان فبقيت الصلاة نفلا في نفسها فتكره في هذه الأوقات (ومنها) ما بعد الغروب
يكره فيه النفل وغيره لان فيه تأخير المغرب وانه مكروه ومنها ما بعد شروع الامام في الصلاة وقبل شروعه بعد
ما أخذ المؤذن في الإقامة يكره التطوع في ذلك الوقت قضاء لحق الجماعة كما تكره السنة الا في سنة الفجر على
التفصيل الذي ذكرنا في السنن ومنها وقت الخطبة يوم الجمعة يكره فيه الصلاة لأنها سبب لترك استماع الخطبة وعند
الشافعي يصلى ركعتين خفيفتين تحية المسجد والمسألة قد مرت في صلاة الجمعة ومنها ما بعد خروج الامام للخطبة
يوم الجمعة قبل أن يشتغل بها وما بعد فراغه منها قبل أن يشرع في الصلاة يكره التطوع فيه والكلام وجميع
ما يكره في حالة الخطبة عند أبي حنيفة وعندهما لا يكره الكلام وتكره الصلاة وقد مر الكلام فيها في صلاة الجمعة
(ومنها) ما قبل صلاة العيد يكره التطوع فيه لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتطوع قبل العيدين مع شدة حرصه
على الصلاة وعن علي رضي الله عنه انه خرج إلى صلاة العيد فوجد الناس يصلون فقال إنه لم يكن قبل العيد صلاة
فقيل له ألا تنهاهم فقال لا فانى أخشى ان أدخل تحت قوله أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى وعن عبد الله بن مسعود
وحذيفة انهما كانا ينهيان الناس عن الصلاة قبل العيد ولان المبادرة إلى صلاة العيد مسنونة وفى الاشتغال بالتطوع
تأخيرها ولو اشتغل بأداء التطوع في بيته يقع في وقت طلوع الشمس وكلاهما مكروهان وقال محمد بن مقاتل الرازي
من أصحابنا إنما يكره ذلك في المصلى كيلا يشتبه على الناس انهم يصلون العيد قبل صلاة العيد فاما في بيته فلا بأس
بان يتطوع بعد طلوع الشمس وعامة أصحابنا على أنه لا يتطوع قبل صلاة العيد لا في المصلى ولا في بيته فأول الصلاة
في هذا اليوم صلاة العيد والله أعلم
* (فصل) * وأما بيان ما يفارق التطوع الفرض فيه فنقول إنه يفارقه في أشياء منها انه يجوز التطوع قاعدا مع
القدرة على القيام ولا يجوز ذلك في الفرض لان التطوع خير دائم فلو ألزمناه القيام يتعذر عليه إدامة هذا الخير فاما
الفرض فإنه يختص ببعض الأوقات فلا يكون في الزامه مع القدرة عليه حرج والأصل في جواز النفل قاعدا مع
القدرة على القيام ما روى عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى قاعدا فإذا أراد
أن يركع قام فقرأ آيات ثم ركع وسجد ثم عاد إلى القعود وكذا لو افتتح الفرض قائما ثم أراد أن يقعد ليس له ذلك
بالاجماع ولو افتتح التطوع قائما ثم أراد أن يقعد من غير عذر فله ذلك عند أبي حنيفة استحسانا وعند أبي يوسف
ومحمد لا يجوز هو القياس لان الشروع ملزم كالنذر ولو نذر أن يصلى ركعتين قائما لا يجوز له القعود من غير عذر
فكذا إذا شرع قائما ولأبي حنيفة انه متبرع وهو مخير بين القيام والقعود في الابتداء فكذا بعد الشروع لكونه
متبرعا أيضا وأما قولهما ان الشروع ملزم فنقول إن الشروع ليس بملزم وضعا وإنما يلزم لضرورة صيانة ما انعقد
عبادة عن البطلان وما انعقد يتعلق بقاؤه عبادة بوجود أصل ما بقي من الصلاة لا بوجود وصف ما بقي فان التطوع
قاعدا جائز في الجملة فلم يلزم تحصيل وصف القيام فيما بقي لان لزوم ما بقي لأجل الضرورة ولا ضرورة في حق
وصف القيام ولهذا لا يلزمه أكثر من ركعتين لاستغناء المؤدى عن الزيادة بخلاف النذر فإنه موضوع للايجاب
شرعا فإذا أوجب مع الوصف وجب كذلك حتى لو أطلق النذر لا رواية فيه فقيل إنه على هذا الخلاف الذي ذكرنا في
297

الشروع وقيل لا يلزمه بصفة القيام لان التطوع لم يتناول القيام فلا يلزمه الا بالتنصيص عليه كالتتابع في
باب الصوم وقيل يلزمه قائما لان النذر وضع للايجاب فيعتبر ما أوجبه على نفسه بما أوجبه الله عليه مطلقا وهناك
يلزمه بصفة القيام الا من عذر كذا هذا وأما الشروع فليس بموضوع للوجوب وإنما جعل موجبا بطريق
الضرورة والضرورة في حق الأصل دون الوصف على ما مر ولو افتتح التطوع قاعدا فأدى بعضها قاعدا وبعضها
قائما أجزأه لما روى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح التطوع قاعدا فيقرأ ورده حتى
إذا بقي عشر آيات أو نحوها قام فأتم قراءته ثم ركع وسجد وهكذا كان يفعل في الركعة الثانية فقد انتقل من القعود إلي
القيام ومن القيام إلى القعود فدل أن ذلك جائز في صلاة التطوع ومنها أنه يجوز التنفل على الدابة مع القدرة على
النزول وأداء الفرض على الدابة مع القدرة على النزول لا يجوز لما ذكرنا فيما تقدم ومنها أن القراءة في التطوع في
الركعات كلها فرض والمفروض من القراءة في ذوات الأربع من المكتوبات في ركعتين منها فقط حتى لو ترك القراءة
في الشفع الأول من الفرض لا يفسد الشفع الثاني بل يقضيها في الشفع الثاني أو يؤديها بخلاف التطوع لما ذكرنا أن كل
شفع من التطوع صلاة على حدة وقد روى عن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهم موقوفا عليهم
ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يصلى بعد صلاة مثلها قال محمد تأويله لا يصلى بعد صلاة مثلها
من التطوع على هيئة الفريضة في القراءة أي ركعتان بقراءة وركعتان بغير قراءة أي لا يصلى بعد أربع الفريضة
أربعا من التطوع يقرأ في ركعتين ولا يقرأ في ركعتين والنهى عن الفعل أمر بضده فكان هذا أمرا بالقراءة في الركعات
كلها في التطوع ولا يحمل على المماثلة في اعداد الركعات لان ذلك غير منهى بالاجماع كالفجر بعد الركعتين والظهر
بعد الأربع في حق المقيم والركعتين بعد الظهر في حق المسافر وتأويل أبى يوسف أي لا تعاد الفرائض الفوائت
لأنه في بداية الاسلام كانت الفرائض تقضى ثم تعاد من الغد لوقتها فنهى النبي عن ذلك ومصداق هذا التأويل ما روى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها أو استيقظ من الغد لوقتها ثم
نسخ هذا الحديث بقوله لا يصلى بعد صلاة مثلها ويمكن حمل الحديث على النهى عن قضاء الفرض بعد أدائه مخافة
دخول فساد فيه بحكم الوسوسة وتكون فائدة الحديث على هذا التأويل وجوب دفع الوسوسة والنهى عن اتباعها
ويجوز أن يحمل الحديث على النهى عن تكرار الجماعة في مسجد واحد وعلى هذا التأويل يكون الحديث حجة
لنا على الشافعي في تلك المسألة والله أعلم ومنها أن القعدة على رأس الركعتين في ذوات الأربع في الفرائض ليست
بفرض بلا خلاف حتى لا يفسد بتركها وفى التطوع اختلاف على ما مر ولو قام إلى الثالثة قبل أن يقعد ساهيا في
الفرض فان استتم قائما لم يعد وان لم يستتم قائما عاد وقعد وسجد سجدتي السهو وأما في التطوع فقد ذكر محمد أنه إذا
نوى أن يتطوع أربع ركعات وقام ولم يستتم قائما أنه يعود ولم يذكر انه إذا استتم قائما هل يعود أم لا قال بعض
مشايخنا لا يعود استحسانا لأنه لما نوى الأربع التحق بالظهر وبعضهم قال يعود لان كل شفع صلاة على حدة
والأول أوجه ولو كان نوى أن يتطوع بركعتين فقام من الثانية إلى الثالثة قبل أن يقعد فيعود ههنا بلا خلاف
بين مشايخنا لان كل شفع بمنزلة صلاة الفجر ومنها أن الجماعة في التطوع ليست بسنة الا في قيام رمضان
وفى الفرض واجبة أو سنة مؤكدة لقول النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في
مسجده الا المكتوبة وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى ركعتي الفجر في بيته ثم يخرج إلى
المسجد ولان الجماعة من شعائر الاسلام وذلك مختص بالفرائض أو الواجبات دون التطوعات وإنما عرفنا
الجماعة سنة في التراويح بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روى
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى التراويح في المسجد ليلتين وصلى الناس بصلاته وعمر رضي الله عنه في
خلافته استشار الصحابة أن يجمع الناس على قارئ واحد فلم يخالفوه فجمعهم على أبي بن كعب ومنها أن
التطوع غير موقت بوقت خاص ولا مقدر بمقدار مخصوص فيجوز في أي وقت كان على أي مقدار كان الا أنه يكره
298

في بعض الأوقات وعلى بعض المقادير على ما مر والفرض مقدر بمقدار خاص موقت بأوقات مخصوصة فلا تجوز
الزيادة على قدره وتخصيص جوازه ببعض الأوقات دون بعض على ما مر في موضعه ومنها أن التطوع يتأدى بمطلق
النية والفرض لا يتأدى الا بتعيين النية وقد ذكرنا الفرق في موضعه ومنها أن مراعاة الترتيب يختص بالفرائض دون
التطوعات حتى لو شرع في التطوع ثم تذكر فائتة مكتوبة لم يفسد تطوعه ولو كان في الفرض تفسد الفريضة لان
المفسد للفرض كونه مؤديا للفرض قبل وقته وليس للتطوع وقت مخصوص بخلاف الفرض ولأنه لو نذكر فائته
عليه في صلاة الفرض ينقلب فرضه تطوعا ولا يبطل أصلا فإذا تذكر في التطوع لان يبقى تطوعا ولا يبطل
كان أولى والله أعلم
* (فصل) * وأما صلاة الجنازة فالكلام في الجنائز يقع في الأصل في ستة مواضع أحدها في غسل الميت والثاني في
تكفينه والثالث في حمل جنازته والرابع في الصلاة عليه والخامس في دفنه والسادس في الشهيد وقبل أن نشتغل
ببيان ذلك نبدأ بما يستحب أن يفعل بالمريض المختضر وما يفعل بعد موته إلى أن يغسل فنقول إذا احتضر الانسان
فالمستحب أن يوجه إلى القبلة على شقه الأيمن كما يوجه في القبر لأنه قرب موته فيضجع كما يضجع الميت في الجسد
ويلقن كلمة الشهادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لقنوا موتاكم لا إله إلا الله والمراد من الميت المختضر لأنه قرب
موته فسمى ميتا لقربه من الموت قال الله تعالى انك ميت وانهم ميتون وإذا قضى نجسه تغمض عيناه ويشد لحياه
لأنه لو ترك كذلك لصار كريه المنظر في نظر الناس كالمثلة وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه دخل على
أبى سلمة وقد شق بصره فغمضه ولا بأس باعلام الناس بموته من أقربائه وأصدقائه وجبر انه ليؤدوا حقه بالصلاة
عليه والدعاء والتشييع وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المسكينة التي كانت في ناحية المدينة إذا
ماتت فآذنوني ولان في الاعلام تحريضا على الطاعة وحثا على الاستعداد لها فيكون من باب الإعانة على البر
والتقوى والتسبب إلى الخير والدلالة عليه وقد قال الله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى وقال النبي صلى الله عليه
وسلم الدال على الخير كفاعله الا أنه يكره النداء في الأسواق والمحال لان ذلك يشبه عزاء أهل الجاهلية ويستحب أن
يسرع في جهازه لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عجلوا بموتاكم فان يك خيرا قدمتموه إليه وان يك
شرا فبعد الأهل النار ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى التعجيل ونبه على المعنى فيبدأ بغسله
* (فصل) * والكلام في الغسل يقع في مواضع في بيان أنه واجب وفي بيان كيفية وجوبه وفي بيان كيفية الغسل وفي بيان شرائط وجوبه وفي بيان من يغسل ومن لا يغسل أما الأول فالدليل على وجوبه النص والاجماع والمعقول أما
النص فما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للمسلم على المسلم ست حقوق وذكر من جملتها أن يغسله بعد
موته وعلى كلمة ايجاب وروى أنه لما توفى آدم صلوات الله عليه غسلته الملائكة ثم قالت لولده هذه سنة موتاكم والسنة
المطلقة في معنى الواجب وكذا الناس توارثوا ذلك من لدن آدم صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا فكان تاركه مسيئا
لتركه السنة المتوارثة والاجماع منعقد على وجوبه وأما المعقول فقد اختلفت فيه عبارات مشايخنا ذكر محمد بن
شجاع البلخي أن الآدمي لا يتنجس بالموت يتشرب الدم المسفوح في اجزائه كرامة له لأنه لو تنجس لما حكم بطهارته
بالغسل كسائر الحيوانات التي حكم بنجاستها بالموت والآدمي يطهر بالغسل حتى روى عن محمد أن الميت لو وقع في
البئر قبل الغسل يوجب تنجيس البئر ولو وقع بعد الغسل لا يوجب تنجسه فعلم أنه لم يتنجس بالموت ولكن وجب غسله
للحدث لان الموت لا يخلو عن سابقة حدث لوجود استرخاء المفاصل وزوال العقل والبدن في حق التطهير لا يتجزأ
فوجب غسله كله الا أنا اكتفينا بغسل هذه الأعضاء الظاهرة حالة الحياة دفعا للحرج لغلبة وجود الحدث في كل
وقت حتى أن خروج المنى عن شهوة لما كان لا يكثر وجوده لم يكتف فيه الا بالغسل ولا حرج بعد الموت فوجب غسل
الكل وعامة مشايخنا قالوا إن بالموت يتنجس الميت لما فيه من الدم المسفوح كما يتنجس سائر الحيوانات التي لها دم
سائل بالموت ولهذا لو وقع في البئر يوجب تنجسه الا انه إذا غسل بحكم بطهارته كرامة له فكانت الكرامة عندهم في
299

الحكم بالطهارة عند وجود السبب المطهر في الجملة وهو الغسل لا في المنع من حلول النجاسة وعند البلخي الكرامة
في امتناع حلول النجاسة وحكمها وقول العامة أظهر لان فيه عملا بالدليلين اثبات النجاسة عند وجود سبب
النجاسة والحكم بالطهارة عند وجود ماله أثر في التطهير في الجملة ولا شك أن هذا في الجملة أقرب إلى القياس من منع
ثبوت الحكم أصلا مع وجود السبب
* (فصل) * وأما بيان كيفية وجوبه فهو واجب على سبيل الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين لحصول
المقصود بالبعض كسائر الواجبات على سبيل الكفاية وكذا الواجب هو الغسل مرة واحدة والتكرار سنة
وليس بواجب حتى لو اكتفى بغسلة واحدة أو غمسة واحدة في ماء جار جاز لان الغسل ان وجوب لإزالة الحدث كما
ذهب إليه البعض فقد حصل بالمرة الواحدة كما في غسل الجنابة وان وجب لإزالة النجاسة المتشربة فيه كرامة له على
ما ذهب إليه العامة فالحكم بالزوال بالغسل مرة واحدة أقرب إلى معنى الكرامة ولو أصابه المطر لا يجزئ عن
الغسل لان الواجب فعل الغسل ولم يوجد ولو غرق في الماء فأخرج إن كان المخرج حركه كما يحرك الشئ في الماء بقصد
التطهير سقط الغسل والا فلا لما قلنا والله أعلم
* (فصل) * وأما بيان كيفية الغسل فنقول يجرد الميت إذا أريد غسله عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يجرد
بل يغسل وعليه ثوبه استدلالا بغسل النبي صلى الله عليه وسلم حيث غسل في قميصه ولنا أن المقصود من الغسل
هو التطهير ومعنى التطهير لا يحصل بالغسل وعليه الثوب لتنجس الثوب بالغسالات التي تنجست بما عليه من
النجاسات الحقيقة وتعذر عصره أو حصوله بالتجريد أبلغ فكان أولى وأما غسل النبي صلى الله عليه وسلم في
قميصه فقد كان مخصوصا بذلك لعظم حرمته فإنه روى أنهم لما قصدوا أن ينزعوا قميصه قبض الله السنة عليهم فما
فيهم أحد الا ضرب ذقنه على صدره حتى نودوا من ناحية البيت لا تجردوا نبيكم وروى غسلوا نبيكم وعليه قميصه
فدل انه كان مخصوصا بذلك ولا شركة لنا في خصائصه ولان المقصود من التجريد هو التطهير وانه صلى الله عليه
وسلم كان طاهرا حتى قال علي رضي الله عنه حين تولى غسله طبت حيا وميتا ويوضع على التخت لأنه لا يمكن
الغسل الا بالوضع عليه لأنه لو غسل على الأرض لتلطخ ثم لم يذكر في ظاهر الرواية كيفية وضع التخت انه يوضع
إلى القبلة طولا أو عرضا فمن أصحابنا من اختار الوضع طولا كما يفعل في مرضه إذا أراد الصلاة بالايماء ومنهم من
اختار الوضع عرضا كما يوضع في قبره والأصح انه يوضع كما تيسر لان ذلك يختلف باختلاف المواضع وتستر عورته
بخرقة لان حرمة النظر إلي العورة باقية بعد الموت قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تنظروا إلى فخذ حي ولا ميت ولهذا
لا يباح للأجنبي غسل الأجنبية دل عليه ما روى عن عائشة انها قالت كسر عظم الميت ككسره وهو حي ليعلم أن
الآدمي محترم حيا وميتا وحرمة النظر إلى العورة من باب الاحترام وقد روى الحسن عن أبي حنيفة انه يؤزر بإزار
سابغ كما يفعله في حياته إذا أراد الاغتسال والصحيح ظاهر الرواية لأنه يشق عليهم غسل ما تحت الإزار ثم الخرقة
ينبغي أن تكون سائرة ما بين السرة إلى الركبة لان كل ذلك عورة وبه أمر في الأصل حيث قال وتطرح عل عورته
خرقة هكذا ذكر عن أبي عبد الله البلخي نصا في نوادره ثم تغسل عورته تحت الخرقة بعد ان يلف على يده خرقة
كذا ذكر البلخي لان حرمة مس عورة الغير فوق حرمة النظر فتحريم النظر يدل على تحريم المس بطريق الأولى
ولم يذكر في ظاهر الرواية انه هل يستنجى أم لا وذكر في صلاة الأثر ان عند أبي حنيفة يستنجى وعلى قول أبى يوسف
ومحمد لا يستنجى هما يقولان فلما يخلو موضع الاستنجاء عن النجاسة الحقيقية فلابد من ازالتها وأبو يوسف
ومحمد يقولان ان المسكة تسترخى بالموت فلو استنجى ربما يزداد الاسترخاء فتخرج زيادة نجاسة فكان السبيل
فيه هو الترك والاكتفاء بوصول الماء إليه ولهذا والله أعلم لم يذكره في ظاهر الرواية فلعل محمد ارجع وعرف أيضا
رجوع أبي حنيفة حيث لم يتعرض لذلك في ظاهر الرواية ثم يوضأ وضوءه للصلاة لما روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال للآتي غسلن ابنته ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ولان هذا سنة الاغتسال في حالة الحياة فكذا
300

بعد الممات لان الغسل في الموضعين لأجل الصلاة الا انه لا يمضمض الميت ولا يستنشق لان إدارة الماء في فم الميت
غير ممكن ثم يتعذر اخراجه من الفم الا بالكب وذا مثلة مع أنه لا يؤمن أن يسيل منه شئ لو فعل ذلك به وكذا الماء
لا يدخل الخياشيم الا بالجذب بالنفس وذا غير متصور من الميت ولو كلف الغاسل ذلك لوقع في الحرج وكذا لا يؤخر
غسل رجليه عند التوضئة بخلاف حالة الحياة لان هناك الغسالة تجتمع عند رجليه ولا تجتمع الغسالة وعلى التخت
فلم يكن التأخير مفيدا وكذا لا يمسح رأسه ويمسح في حالة الحياة في ظاهر الرواية لان المسح هناك سن تعبد الا تطهيرا
وههنا لو سن لسن تطهير الا تعبدا والتطهير لا يحصل بالمسح ثم يغسل رأسه ولحيته بالخطمى لان ذلك أبلغ
في التنظيف فإن لم يكن فبالصابون وما أشبهه فإن لم يكن فيكفيه الماء القراح ولا يسرح لما روى عن عائشة انها
رأت قوما يسرحون ميتا فقالت علام تنصون ميتكم أي تسرحون شعره وهذا قول روى عنها ولم يروعن غيرها
خلاف ذلك فحل محل الاجماع ولأنه لو سرح ربما يتناثر شعره والسنة ان يدفن الميت بجميع أجزائه ولهذا لا تقص
أظفاره وشاربه ولحيته ولا يختن ولا ينتف إبطه ولا تحلق عانته ولان ذلك يفعل لحق الزينة والميت ليس بمحل
الزينة ولهذا لا يزال عنه شئ مما ذكرنا وإن كان فيه حصول زينة وهذا عندنا وعند الشافعي يسرح ويزال عنه
شعر العانة والإبط إذا كانا طويلين وشعر الرأس يزال إن كان يتزين بإزالة الشعر ولا يحلق في حق من كان لا يحلق
في حال الحياة وكان يتزين بالشعر واحتج الشافعي بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اصنعوا بموتاكم
ما تصنعون بعرائسكم ثم هذه الأشياء تصنع بالعروس فكذا بالميت (ولنا) ما روينا عن عائشة وذكرنا من
المعقول وبه تبين ان ما رواه ينصرف إلى زينة ليس فيها زالة شئ من اجزاء الميت كالطيب والتنظيف من الدرن
ونحو ذلك بدليل ما روينا ثم يضجعه على شقه الأيسر لتحصل البداية بجانبه الأيمن إذا السنة هي البداية بالميامن
على ما مر فيغسله بالماء القراح حتى ينقيه ويرى أن الماء قد خلص إلى ما يلي التخت منه ثم قد كان أمر الغاسل قبل ذلك
أن يغلى الماء بالسدر فإن لم يكن سدر فحرض فإن لم يكن واحد منهما فالماء القراح ثم يضجعه على شقه الأيمن فيغسله
بماء السدر أو الحرض أو الماء القراح حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التخت منه ثم يقعده ويسنده إلى صدره
أو يده فيمسح بطنه مسحا رفيقا حتى أن بقي شئ عند المخرج يسيل منه هكذا ذكر في ظاهر الرواية وروى عن أبي
حنيفة في غير رواية الأصول انه يقعده ويمسح بطنه أولا ثم يغسله بعد ذلك ووجهه انه قد يكون في بطنه شئ فيمسح
حتى لو سال منه شئ يغسله بعد ذلك ثلاث مرات فيطهر ووجه ظاهر الرواية ان الميت قد يكون في بطنه نجاسة
منعقدة لا تخرج بالمسح قبل الغسل وتخرج بعد ما غسل مرتين بماء حار فكان المسح بعد المرتين أولى والأصل في
المسح ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تولى غسله على والعباس والفضل بن العباس وصالح مولى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعلى أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نفسه ومسح بطنه مسحا رفيقا فلم يخرج منه شئ
فقال علي رضي الله عنه طبت حيا وميتا وروى أنه لما مسح بطنه فاح ريح المسك في البيت ثم إذا مسح بطنه فان سال
منه شئ يمسحه كيلا يتلوث الكفن ويغسل ذلك الموضع تطهيرا له عن النجاسة الحقيقية ولم يذكر في ظاهر الرواية سوى
المسح ولا يعيد الغسل ولا الوضوء عندنا وقال الشافعي يعيد الوضوء استدلا لا بحالة الحياة (ولنا) ان الموت أشد من
خروج النجاسة ثم هو لم يمنع حصول الطهارة فلان لا يرفعها الخارج مع أن المنع أسهل أولى ثم يضجعه على شقه
الأيمن فيغسله بالماء القراح حتى ينقيه ليتم عدد الغسل ثلاثا لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للآتي
غسلن ابنته اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا ولان الثلاث هو العدد المسنون في الغسل حالة الحياة فكذا بعد الموت
فالحاصل انه يغسل في المرة الأولى بالماء القراح ليبتل الدرن والنجاسة ثم في المرة الثانية بماء السدر أو ما يجرى مجراه
في التنظيف لان ذلك أبلغ في التطهير وإزالة الدرن ثم في المرة الثالثة بالماء القراح وشئ من الكافور وقال الشافعي
في المرة الأولى لا يغسل بالماء الحار لأنه يزيده استرخاء فينبغي أن يغسله بالماء البارد وهذا غير سديد لأنه إنما يغسله
ليسترخى فيزول عنه ما عليه من الدرن والنجاسة ثم ينشفه في ثوب كيلا تبتل أكفانه كما يفعل في حالة الحياة بعد الغسل
301

وحكم المرأة في الغسل حكم الرجل وكذا الصبي في الغسل كالبالغ لان غسل الميت للصلاة عليه والصبي والمرأة يصلى
عليهما الا ان الصبي إذا كان لا يعقل الصلاة لا يوضأ عند غسله لان حالة الموت معتبرة بحالة الحياة وفى حالة الحياة
لا يعتبر وضوء من لا يعقل فكذا بعد الموت وكذا المحرم وغير المحرم سواء لان الاحرام ينقطع بالموت في حق أحكام
الدنيا والله أعلم
* (فصل) * وأما شرائط وجوبه فمنها أن يكون ميتا مات بعد الولاة حتى لو ولد ميتا لم يغسل كذا روى عن أبي
حنيفة أنه قال إذا استهل المولود سمى وغسل وصلى عليه وورث وورث عنه وإذا لم يستهل لم يسم ولم يغسل ولم يرث
وعن محمد أيضا انه لا يغسل ولا يسمى ولا يصلى عليه وهكذا ذكر الكرخي وروى عن أبي يوسف انه يغسل
ويسمى ولا يصلى عليه وهكذا ذكر الطحاوي وقال محمد في السقط الذي استبان خلقه انه يغسل ويكفن ويحنط
ولا يصلى عليه فاتفقت الروايات على أنه لا يصلى على من ولد ميتا والخلاف في الغسل وجه ما اختاره الطحاوي
ان المولود ميتا نفس مؤمنة فيغسل وإن كان لا يصلى عليه كالبغاة وقطاع الطريق وجه ما ذكره الكرخي ما روى
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا استهل المولود غسل وصلى عليه وورث وان لم
يستهل لم يغسل ولم يصل عليه ولم يرث ولان وجوب الغسل بالشرع وانه ورد باسم الميت ومطلق اسم الميت في
العرف لا يقع على من ولد ميتا ولهذا لا يصلى عليه وقال الشافعي ان أسقط قبل أربعة أشهر لا يغسل ولا يصلى عليه
قولا واحدا وإن كان لأربعة أشهر من وقت العلوق وقد استبان خلقه فله فيه قولان والصحيح قولنا لما ذكرنا وهذا
إذا لم يستهل فاما إذا استهل بان حصل منه ما يدل على حياته من بكاء أو تحريك عضو أو طرف أو غير ذلك فإنه يغسل
بالاجماع لما روينا ولان الاستهلال دلالة الحياة فكان موته بعد ولادته حيا فيغسل ولو شهدت القابلة أو الام
على الاستهلال تقبل في حق الغسل والصلاة عليه لان خبر الواحد في باب الديانات مقبول إذا كان عدلا وأما في حق
الميراث فلم يقبل قول الإمام بالاجماع لكونها متهمة لجرها المغنم إلى نفسها وكذا شهادة القابلة عند أبي حنيفة وقالا تقبل
إذا كانت عدلة على ما يعرف في موضعه وعلى هذا يخرج ما إذا وجد طرف من أطراف الانسان كيدا ورجل انه
لا يغسل لان الشرع ورد بغسل الميت والميت اسم لكله ولو وجد الأكثر منه غسل لان للأكثر حكم الكل وان وجد
الأقل منه أو النصف لم يغسل كذا ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي لان هذا القدر ليس بميت حقيقة وحكما
ولان الغسل للصلاة وما لم يزد على النصف لا يصلى عليه فلا يغسل أيضا وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي
انه إذا وجد النصف ومعه الرأس يغسل وان لم يكن معه الرأس لا يغسل فكانت جعله مع الرأس في حكم الأكثر لكونه
معظم البدن ولو وجد نصفه مشقوقا لا يغسل لما قلنا ولأنه لو غسل الأقل أو النصف يصلى عليه لان
الغسل لأجل الصلاة ولو صلى عليه لا يؤمن أن يوجد الباقي فيصلى عليه فيؤدى إلى تكرار الصلاة
على ميت واحد وذلك مكروه عندنا أو يكون صاحب الطرف حيا فيصلى على بعضه وهو حي وذلك فاسد
وهذا كله مذهبنا وقال الشافعي ان وجد عضو يغسل ويصلى عليه واحتج بما روى أن طائرا ألقى
يدا بمكة زمن وقعة الجمل فغسلها أهل مكة وصلوا عليها وقيل إنها يد طلحة أو يد عبد الرحمن بن عتاب
ابن أسيد رضي الله عنهم وروى عن عمر رضي الله عنه انه صلى على عظام بالشام وعن أبي عبيدة بن الجراح
رضي الله عنه انه صلى على رؤس ولان صلاة الجنازة شرعت لحرمة الآدمي وكذا الغسل وكل جزء منه
محترم ولنا ما روى عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما انهما قالا لا يصلى على عضو وهذا يدل على أنه
لا يغسل لان الغسل لأجل الصلاة ولما ذكرنا من المعاني أيضا وأما حديث أهل مكة فلا حجة فيه لان الراوي لم يرو ان
الذي صلى عليه من هو حتى ننظر أهو حجة أم لا أو نحمل الصلاة على الدعاء وكذا حديث عمر وأبى عبيدة رضي الله عنهم
ا ألا ترى ان العظام لا يصلى عليها بالاجماع ومنها أن يكون الميت مسلما حتى لا يجب غسل الكافر لان الغسل
وجب كرامته وتعظيما للميت والكافر ليس من أهل استحقاق الكرامة والتعظيم لكن إذا كان ذا رحم محرم
302

من المسلم لا بأس بأن يغسله ويكفنه ويتبع جنازته ويدفنه لان الابن ما نهى عن البر بمكان أبيه الكافر بل أمر
بمصاحبتهما بالمعروف بقوله تعالى وصاحبهما في الدنيا معروفا ومن البر القيام بغسله ودفنه وتكفينه والأصل فيه
ما روى عن علي رضي الله عنه لما مات أبوه أبو طالب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان
عمك الضال قد توفى فقال اذهب وغسله وكفنه وواره ولا تحدثن حدثا حتى تلقاني قال ففعلت ذلك وأتيته فأخبرته
فدعا لي بدعوات ما أحب أن يكون لي بها حمر النعم وقال سعيد بن جبير سأل رجل عبد الله بن عباس رضى الله
تعالى عنهما فقال إن امرأتي ماتت نصرانية فقال اغسلها وكفنها وادفنها وعن الحارث بن أبي ربيعة ان أمه
ماتت نصرانية فتبع جنازتها في نفر من الصحابة رضى الله تعالى عنهم ثم إنما يقوم ذو الرحم بذلك إذا لم يكن هناك من
يقوم به من أهل دينه فإن كان خلى المسلم بينه وبينهم ليصنعوا به ما يصنعون بموتاهم وان مات مسلم وله أب كافر
هل يمكن من القيام بتغسيله وتجهيزه لم يذكر في الكتاب وينبغي ان لا يمكن من ذلك بل يغسله المسلمون لان
اليهودي لما آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات فقال صلى
الله عليه وسلم لأصحابه تولوا أخاكم ولم يخل بينه وبين والده اليهودي ولان غسل الميت شرع كرامة له وليس من
الكرامة ان يتولى الكافر غسله ومنها أن يكون عاد لا حتى لا يغسل الباغي إذا قتل ولا يصلى عليه كذا روى المعلى
عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وهو قول أبى يوسف ومحمد وعند الشافعي يغسل ويصلى عليه وسنذكر المسألة
وذكر الفقيه أبو الحسن الرستغفني صاحب الشيخ أبى منصور الماتريدي رحمهما الله تعالى انه يغسل ولا يصلى
عليه وفرق بينهما بأن الغسل حقه والصلاة حق الله تعالى فما كان من حقه يؤتى به وما كان من حق الله تعالى لا يؤتى
به إهانة له ولهذا يغسل الكافر ولا يصلى عليه ولو اجتمع الموتى المسلمون والكفار ينظر إن كان بالمسلمين
علامة يمكن الفصل بها يفصل وعلامة المسلمين أربعة أشياء الختان والخضاب وليس السواد وحلق العانة وان لم
يكن بهم علامة ينظر إن كان المسلمون أكثر غسلوا وكفنوا ودفنوا في مقابر المسلمين وصلى عليهم وينوى
بالدعاء المسلمين وإن كان الكفار أكثر يغسلوا ولا يصلى عليهم كذا ذكر القدوري في شرحه مختصر
الكرخي لان الحكم للغالب وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه إن كانت الغلبة لموتي الكفار لا يصلى
عليهم لكن يغسلون ويكفنون ويدفنون في مقابر المشركين ووجهه ان غسل المسلم واجب وغسل الكفار جائز في
الجملة فيؤتى بالجائز في الجملة لتحصيل الواجب وأما إذا كانوا على السواء فلا يشكل انهم يغسلون لما ذكرنا ان فيه تحصيل
الواجب مع الاتيان بالجائز في الجملة وهذا أولي من ترك الواجب رأسا وهل يصلى عليهم قال بعضهم لا يصلى عليهم
لان ترك الصلاة على المسلم أولى من الصلاة على الكافر لان الصلاة على الكفار غير مشروعة أصلا قال الله تعالى
ولا تصل على أحد منهم مات أبدا وترك الصلاة على المسلم مشروعة في الجملة كالبغاة وقطاع الطريق فكان الترك
أهون وقال بعضهم يصلى عليهم وينوى بالصلاة والدعاء المسلمين لأنهم ان عجزوا عن تعيين العمل للمسلمين لم يعجزوا
عن تمييز القصد في الدعاء لهم وأما الدفن فلا رواية فيه في المبسوط وذكر الحاكم الجليل في مختصره انهم يدفنون
في مقابر المشركين واختلف المشايخ فيه قال بعضهم يدفنون في مقابر المسلمين وقال بعضهم في مقابر المشركين وقال
بعضهم تتخذ لهم مقبرة على حدة وتسوى قبورهم ولا تسنم وهو قول الفقيه أبى جعفر الهندواني وهو أحوط وأصل
الاختلاف في كتابية تحت مسلم حبلت ثم ماتت وفى بطنها ولد مسلم لا يصلى عليها بالاجماع لان الصلاة على الكافرة
غير مشروعة وما في بطنها لا يستحق الصلاة عليه ولكنها تغسل وتكفن واختلف الصحابة في الدفن قال بعضهم
تدفن في مقابر المسلمين ترجيحا لجانب الولد وقال بعضهم في مقابر المشركين لان الولد في حكم جزء منها ما دام في
البطن وقال واثلة بن الأسقع يتخذ لها مقبرة على حدة وهذا أحوط ولو وجد ميت أو قتيل في دار الاسلام فإن كان
عليه سيما المسلمين يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين وهذا ظاهر وان لم يكن معه سيما المسلمين
ففيه روايتان والصحيح انه يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين لحصول غلبة الظن بكونه مسلما بدلالة
303

المكان وهي دار الاسلام ولو وجد في دار الحرب فإن كان معه سيما المسلمين يغسل ويصلى عليه ويدفن في
مقابر المسلمين بالاجماع وان لم يكن معه سيما المسلمين ففيه روايتان والصحيح انه لا يغسل ولا يصلى عليه ولا
يدفن في مقابر المسلمين والحاصل انه لا يشترط الجمع بين السيما ودليل المكان بل يعمل بالسيما وحده بالاجماع وهل
يعمل بدليل المكان وحده فيه روايتان والصحيح انه يعمل به لحصول غلبة الظن عنده ومنها أن لا يكون ساعيا
في الأرض بالفساد فلا يغسل البغاة وقطاع الطريق والمكاثرون والخناقون إذا قتلوا لان المسلم يغسل كرامة له
وهؤلاء لا يستحقون الكرامة بل الإهانة وعن الفقيه أبى الحسن الرستغفني صاحب أبى منصورا لما تريدي ان
الباغي لا يغسل ولا يصلى عليه لان الغسل حقه فيؤتى به والصلاة حق الله تعالى فلا يصلى عليه إهانة له كالكافر انه
يغسل ولا يصلى عليه كذا ذكره في العيون وعن محمد ان من قتل مظلوما لا يغسل ويصلى عليه ومن قتل ظالما
يغسل ولا يصلى عليه والباغي قتل ظالما فيغسل ولا يصلى عليه ومنها وجود الماء لان وجود الفعل مقيد بالوسع
ولا وسع مع عدم الماء فسقط الغسل ولكن ييمم بالصعيد لان التيمم صلح بدلا عن الغسل في حال الحياة فكذا
بعد الموت غير أن الجنس ييمم الجنس بيده لأنه يباح له مس مواضع التيمم منه من غير شهوة كما في حالة الحياة فكذا
بعد الموت وأما غير الجنس فإن كانا ذوي رحم محرم فكذلك لما قلنا وإن كانا أجنبيين فإن لم يكونا زوجين ييميه بخرقة
تستر يده لان حرمة المس بينهما ثابتة كما في حالة الحياة الا إذا كان أحدهما مما لا يشتهى كالصغير أو الصغيرة
فييممه من غير خرقة وإن كانا زوجين فالمرأة تيمم زوجها بلا خرقة لأنها تغسله بلا خرقة فالتيمم أولى إذا لم
تبن منه في حال حياته بالاجماع ولا حدث بعد وفاته ما يوجب البينونة عند علمائنا الثلاثة خلافا لزفر بناء على
ما تذكر لأنها تغسله بلا خرقة فالتيمم أولى وأما الزوج فلا ييمم زوجته بلا خرقة عندنا خلافا للشافعي على ما نذكر
ومنها أن لا يكون الميت شهيدا لان الغسل ساقط عن الشهيد بالنص على ما نذكر في فصله إن شاء الله تعالى
* (فصل) * وأما بيان الكلام فيمن يغسل فنقول الجنس يغسل الجنس فيغسل الذكر الذكر والأنثى الأنثى لان حل
المس من غير شهوة ثابت للجنس حالة الحياة فكذا بعد الموت وسواء كان الغاسل جنبا أو حائضا لان المقصود
وهو التطهير حاصل فيجوز وروى عن أبي يوسف انه كره للحائض الغسل لأنها لو اغتسلت بنفسها لم تعتد به
فكذا إذا غسلت ولا يغسل الجنس خلاف الجنس لان حرمة المس عند اختلاف الجنس ثابتة حالة الحياة
فكذا بعد الموت والمحبوب والخصي في ذلك مثل الفحل كما في حالة الحياة لان كل ذلك منهى الا المرأة لزوجها
إذا لم تثبت البينونة بينهما في حالة حياته ولا حدث بعد وفاته ما يوجب البينونة أو الصغير والصغيرة فبيان ذلك في
الرجل والمرأة اما الرجل فنقول إذا مات رجل في سفر فإن كان معه رجال يغسله الرجل وإن كان معه نساء
لا رجل فيهن فإن كان فيهن امرأته غسلته وكفنته وصلين عليه وتدفنه اما المرأة فتغسل زوجها لما
روى عن عائشة رضي الله عنها انها قالت لو استقبلنا من الامر ما استد برنا لما غسل رسول الله صلى الله
عليه وسلم الا نساؤه ومعنى ذلك انها لم تكن عالمة وقت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بإباحة غسل المرأة
لزوجها ثم علمت بعد ذلك وروى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى إلى امرأته أسماء بنت عميس ان
تغسله بعد وفاته وهكذا فعل أبو موسى الأشعري ولان إباحة الغسل مستفادة بالنكاح فتبقى ما بقي
النكاح والنكاح بعد الموت باق إلى وقت انقطاع العدة بخلاف ما إذا ماتت المرأة حيث لا يغسلها الزوج لان
هناك انتهى ملك النكاح لانعدام المحل فصار الزوج أجنبيا فلا يحل له غسلها واعتبر بملك اليمين حيث
لا ينتفى عن المحل بموت المالك ويبطل بموت المحل فكذا هذا وهذا إذا لم تثبت البينونة بينهما في حال حياة
الزوج فاما إذا ثبتت بان طلقها ثلاثا أو بائنا ثم مات وهي في العدة لا يباح لها غسله لان ملك النكاح ارتفع بالإبانة وكذا
إذا قبلت ابن زوجها ثم مات وهي في العدة لان الحرمة ثبتت بالتقبيل على سبيل التأبيد فبطل ملك النكاح
ضرورة وكذا لو ارتدت عن الاسلام والعياذ بالله ثم أسلمت بعد موته لان الردة توجب زوال ملك النكاح ولو طلقها
304

طلاقا رجعيا ثم مات وهي في العدة لها أن تغسله لان الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح وأما إذا حدث بعد وفاة
الزوج ما يوجب البينونة لا يباح لها أن تغسله عندنا وعند زفر يباح بان ارتدت المرأة بعد موته ثم أسلمت وجه
قول زفر ان الردة بعد الموت لا ترفع النكاح لأنه ارتفع بالموت فبقي حل الغسل كما كان بخلاف الردة في حالة الحياة ولنا
ان زوال النكاح موقوف على انقضاء العدة فكان النكاح قائما فيرتفع بالردة وان لم يبق مطلقا فقد بقي في حق حل
المس والنظر وكما ترفع الردة مطلق الحل ترفع ما بقي منه وهو حل المس والنظر وعلى هذا الخلاف إذا طاوعت ابن
زوجها أو قبلته بعد موته أو وطئت بشبهة بعد موته فوجب عليها العدة ليس لها أن تغسله عندنا خلافا لزفر ولو مات
الزوج وهي معتدة من وطئ شبهة ليس لها أن تغسله وكذا إذا انقضت عدتها من ذلك الغير عندنا خلافا لأبي
يوسف لأنه لم يثبت لها حل الغسل عند الموت فلا يثبت بعده وكذلك إذا دخل الزوج بأخت امرأته بشبهة ووجبت
عليها العدة ثم مات فانقضت عدتها بعد موته فهو على هذا الخلاف وكذلك المجوسي إذا أسلم ثم مات ثم أسلمت
امرأته المجوسية لم تغسله عندنا خلافا لأبي يوسف كذا ذكره الشيخ الامام السرخسي الخلاف في هذه المسائل
الثلاث وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي ان للمرأة أن تغسله في هذه المواضع عندنا وعند زفر ليس لها
أن تغسله ولو لم يكن فيهن امرأته ولكن معهن رجل كافر علمنه غسل الميت ويخلين بينهما حتى يغسله ويكفنه ثم
يصلين عليه ويدفنه لان نظر الجنس إلى الجنس أخف وان لم يكن بينهما موافقة في الدين فإن لم يكن معهن رجل لا
مسلم ولا كافر فإن كان معهن صبية صغيرة لم تبلغ حد الشهوة وأطاقت الغسل علمنها الغسل ويخلين بينه وبينها حتى
تغسيله وتكفنه لان حكم العورة غير ثابت في حقها وان لم يكن معهن ذلك فإنهن لا يغسلنه سواء كن ذوات رحم محرم
منه أولا لان المحرم في حكم النظر إلى العورة والأجنبية سواء فكما لا تغسله الأجنبية فكذا ذوات محارمه ولكن
ييممنه غير أن الميممة إذا كانت ذات رحم محرم منه تيممه بغير خرقة وان لم تكن ذات رحم مرحم منه تيممه
بخرقة تلفها على كفها لأنه لم يكن لها أن تمسه في حياته فكذا بعد وفاته وكذا لو كان فيهن أم ولده لم تغسله في قول أبي حنيفة الآخر وفى قوله الأول وهو قول زفر والشافعي لها أن تغسله لأنها معتدة فأشبهت المنكوحة ولنا ان الملك
لا يبقى فيها ببقاء العدة لان الملك فيها كان ملك يمين وهو يعتق بموت السيد والحرية تنافى ملك اليمين فلا يبقى بخلاف
المنكوحة فان حريتها لا تنافى ملك النكاح كما في حال حياة الزوج وكذا لو كان فيهن أمته أو مدبرته أما الأمة فلأنها
زالت عن ملكه بالموت إلى الورثة ولا يباح لامة الغير عورته غير أنها لو يممته تيممه بغير خرقة لأنه يباح للجارية
مس موضع التيمم بخلاف أم الولد فإنها تعتق وتلتحق بسائر الحرائر الأجنبيات وأما المدبرة فلأنها تعتق ولا يجب
عليها العدة ثم أم الولد لا تغسله فلان لا تغسله هذه أولى وقال الشافعي الأمة تغسل مولاها لأنه يحتاج إلى من يغسله
فبقي الملك له فيها حكما وهذا غير سديد لان حاجته تندفع بالجنس أو بالتيمم وأما المرأة فنقول إذا ماتت امرأة في سفر
فإن كان معها نساء غسلنها وليس لزوجها أن يغسلها عندنا خلافا للشافعي واحتج بحديث عائشة ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم دخل عليها وهي تقول وا رأساه فقال وأنا وا رأساه لا عليك انك إذا مت غسلتك وكفنتك وصلت عليك
وما جاز لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجوز لامته هو الأصل الا ما قام عليه الدليل وروى أن عليا غسل فاطمة بعد
موتها ولان النكاح جعل قائما حكما لحاجة الميت إلى الغسل كما إذا مات الزوج ولنا ما روى عن ابن عباس ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم سئل عن امرأة تموت بين رجال فقام تيمم بالصعيد ولم يفصل بين أن يكون فيهم زوجها أولا
يكون ولان النكاح ارتفع بموتها فلا يبقى حل المس والنظر كما لو طلقها قبل الدخول ودلالة الوصف انها صارت محرمة
على التأييد والحرمة على التأييد تنافى النكاح ابتداء وبقاء ولهذا جاز للزوج أن يتزوج بأختها وأربع سواها وإذا
زال النكاح صارت أجنبية فبطل حل المس والنظر بخلاف ما إذا مات الزوج لان هناك ملك النكاح قائم لان
الزوج مالك والمرأة مملوكة والملك لا يزول عن المحل بموت المالك ويزول بموت المحل كما في ملك اليمين فهو الفرق
وحديث عائشة محمول على الغسل تسبيا فمعنى قوله غسلتك قمت بأسباب غسلك كما يقال بنى الأمير دارا حملناه على
305

هذا صيانة لمنصب النبوة عما يورث شبهة نفرة اطباع عنه وتوفيقا بين الدلائل على أنه يحتمل انه كان مخصوصا بأنه
لا ينقطع نكاحه بعد الموت لقوله كل سبب ونسب ينقطع بالموت الا سببي ونسبي وأما حديث علي رضي الله عنه فقد
روى أن فاطمة رضي الله عنها غسلتها أم أيمن ولو ثبت ان عليا غسلها فقد أنكر عليه ابن مسعود حتى قال على
أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن فاطمة زوجتك في الدنيا والآخرة فدعواه الخصوصية دليل
على أنه كان معروفا بينهم ان الرجل لا يغسل زوجته وان لم يكن هناك نساء مسلمات ومعهم امرأة كافرة علموها
الغسل ويخلون بينهما حتى تغسلها وتكفنها ثم يصلى عليها الرجال ويدفنوها لما ذكرنا وان لم يكن معهم نساء لا مسلمة
ولا كافرة فإن كان معهم صبي لم يبلغ حد الشهوة وأطاق الغسل علموه الغسل فيغسلها ويكفنها لما بينا وان لم يكن
معهم ذلك فإنها لا تغسل ولكنها تيمم لما ذكرنا غير أن الميمم لها إن كان محرما لها ييممها بغير خرقة وان لم يكن
محرما لها فمع الخرقة يلفها على كفه لما مر ويعرض بوجهه عن ذراعيها لان في حالة الحياة ما كان للأجنبي أن ينظر
إلى ذراعيها فكذا بعد الموت ولا بأس أن ينظر إلى وجهها كما في حالة الحياة ولو مات الصبي الذي لا يشتهى
لا بأس أن تغسله النساء وكذلك الصبية التي لا تشتهى إذا ماتت لا بأس أن يغسلها الرجال لان حكم العورة غير ثابت
في حق الصغير والصغيرة ثم إذا غسل الميت يكفن
* (فصل) * والكلام في تكفينه في مواضع في بيان وجوب التكفين وفي بيان كيفية وجوبه وفي بيان كمية الكفن
وفي بيان صفته وفي بيان كيفية التكفين وفي بيان من يجب عليه الكفن أما الأول فالدليل على وجه النص والاجماع
والمعقول أما النص فما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال البسوا هذه الثياب البيض فإنها خير ثيابكم وكفنوا فيها
موتاكم وظاهر الامر لوجوب العمل وروى أن الملائكة لما غسلت آدم صلوات عليه كفنوه ودفنوه ثم قالت لولده
هذه سنة موتاكم والسنة المطلقة في معنى الواجب والاجماع منعقد على وجوبه ولهذا توارثه الناس من لدن
وفاة آدم صلوات الله وسلامه عليه إلى يومنا هذا وذا دليل الوجوب وأما المعقول فهو أن غسل الميت إنما وجب
كرامة له وتعظيما ومعنى التعظيم والكرامة إنما يتم بالتكفين فكان واجبا
* (فصل) * وأما كيفية وجوبه فوجوبه على سبيل الكفاية قضاء لحق الميت حتى إذا قام به البعض يسقط عن
الباقين لان حقه صار مقضيا كما في الغسل وأما الكلام في كمية الكفن فنقول أكثر ما يكفن فيه الرجل ثلاثة
أثواب ازار ورداء وقميص وهذا عندنا وقال الشافعي لا يسن القميص في الكفن وإنما الكفن ثلاث لفائت واحتج
بما روى عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة ولنا
ما روى عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أنه قال كفنوني في قميصي فان رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في
قميصه الذي توفى فيه وهكذا روى عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب أحدها
القميص الذي توفى فيه والاخذ برواية ابن عباس أولى من الاخذ بحديث عائشة لان ابن عباس حضر تكفين
رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه وعائشة ما حضرت ذلك على أن معنى قولها ليس فيها قميص أي لم يتخذ قميصا
جديدا وروى عن علي رضي الله عنه أنه قال كفن المرأة خمسة أثواب وكفن الرجل ثلاثة ولا تعتدوا ان الله لا يحب
المعتدين ولان حال ما بعد الموت يعتبر بحال حياته والرجل في حال حياته يخرج في ثلاثة أثواب عادة قميص وسراويل
وعمامة فالإزار بعد الموت قائم مقام السراويل في حال الحياة لأنه في حال حياته إنما كان يلبس السراويل لئلا تنكشف
عورته عند المشي وذلك غير محتاج إليه بعد موته فأقيم الإزار مقامه ولذا لم يذكر العمامة في الكفن وقد كرهه بعض
مشايخنا لأنه لو فعل ذلك لصار الكفن شفعا والسنة فيه أن يكون وترا واستحسنه بعض مشايخنا لحديث ابن عمر انه
كان يعمم الميت ويجعل ذنب العمامة على وجهه بخلاف حال الحياة فإنه يرسل ذنب العمامة من قبل القفا لان ذلك
لمعنى الزينة وقد انقطع ذلك بالموت والدليل على أن السنة في حق الرجل ثلاثة أثواب ما روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم انه كفن في برد وحلة والحلة اسم للزوج من الثياب والبرد اسم للفرد منها وأدنى ما يكفن فيه في حالة الاختيار
306

ثوبان ازار ورداء لقول الصديق كفنوني في ثوبي هذين ولان أدنى ما يلبسه الرجل في حال حياته ثوبان ألا ترى انه
يجوز له أن يخرج فيهما ويصلى فيهما من غير كراهة فكذا يجوز أن يكفن فيهما أيضا ويكره أن يكفن في ثوب واحد
لان في حالة الحياة تجوز صلاته في ثوب واحد مع الكراهة فكذا بعد الموت يكره أن يكفن فيه الا عند الضرورة بأن
كان لا يوجد غيره لما روى أن مصعب بن عمير لما استشهد كفن في نمرة فكان إذا غطى بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطى
بها رجلاه بدا رأسه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم ان يغطى بها رأسه ويجعل على رجليه شئ من الإذخر وكذا روى أن
حمزة رضي الله عنه لما استشهد كفن في ثوب واحد لم يوجد له غيره فدل على الجواز عند الضرورة والغلام المراهق
كالرجل يكفن فيما يكفن فيه الرجل لان المراهق في حال حياته يخرج فيما يخرج فيه البالغ عادة فكذا يكفن فيما
يكفن فيه وإن كان صبيا لم يراهق فان كفن في خرقتين ازار ورداء فحسن وان كفن في ازار واحد جاز لان في حال حياته
كان يجوز الاقتصار على ثوب واحد في حقه فكذا بعد الموت وأما المرأة فأكثر ما تكفن فيه خمسة أثواب درع
وخمار وازار ولفافة وخرقة هو السنة في كفن المرأة لما روى عن أم عطية ان النبي صلى الله عليه وسلم ناول اللواتي
غسلن ابنته في كفنها ثوبا ثوبا حتى ناولهن خمسة أثواب آخرهن خرقة تربط بها ثدييها ولما روينا عن علي رضي الله عنه
ولأن المرأة في حال حياتها تخرج في خمسة أثواب عادة درع وخمار وازار وملاءة ونقاب فكذلك بعد
الموت تكفن في خمسة أثواب ثم الخرقة تربط فوق الأكفان عند الصدر فوق الثديين والبطن كيلا ينتشر عليها
الكفن إذا حملت على السرير والصحيح قولنا لما روينا في حديث أم عطية انها قالت آخرهن خرقة تربط بها
ثدييها وأدنى ما تكفن فيه المرأة ثلاثة أثواب ازار ورداء وخمار لان معنى الستر في حالة الحياة يحصل بثلاثة أثواب
حتى يجوز لها أن تصلى فيها وتخرج فكذلك بعد الموت ويكره أن تكفن المرأة في ثوبين وأما الصغيرة فلا بأس
بأن تكفن في ثوبين والجارية المراهقة بمنزلة البالغة في الكفن لما ذكرنا والسقط يلف في خرقة لأنه ليس له حرمة
كاملة ولان الشرع إنما ورد بتكفين الميت واسم الميت لا ينطلق عليه كما لا ينطلق على بعض الميت وكذا من ولد
ميتا أو وجد طرف من أطراف الانسان أو نصفه مشقوقا طولا أو نصفه مقطوعا عرضا لكن ليس معه الرأس
لما قلنا فإن كان معه الرأس ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي انه يكفن وعلى قياس ما ذكره القدوري في
شرحه مختصر الكرخي في الغسل يلف في خرقة لما ذكرنا في فصل الغسل وان وجد أكثره يكفن لان للأكثر
حكم الكل وكذا الكافر إذا مات وله ذو رحم محرم مسلم يغسله ويكفنه لكن في خرقة لان التكفين على وجه السنة
من باب الكرامة للميت ولا يكفن الشهيد كفنا جديدا غير ثيابه لقول النبي صلى الله عليه وسلم زملوهم بثيابهم
وكلومهم
* (فصل) * وأما صفة الكفن فالأفضل أن يكون التكفين بالثياب البيض لما روى عن جابر بن عبد الله
الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أحب الثياب إلى الله تعالى البيض فليلبسها أحياؤكم وكفنوا
فيها موتاكم وفى رواية قال البسوا هذه الثياب البيض فإنها خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم وقال النبي صلى الله عليه
وسلم حسنوا أكفان الموتى فإنهم يتزاورون فيما بينهم ويتفاخرون بحسن أكفانهم وقال صلى الله عليه
وسلم إذا ولى أحدكم أخاه ميتا فليحسن كفنه والبرود والكتان والقصب كل ذلك حسن والخلق إذا غسل
والجديد سواء لما روى عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال اغسلوا ثوبي هذين وكفنوني فيهما فإنهما للمهل والصديد
وان الحي أحوج إلى الجديد من الميت والحاصل أن ما يجوز لكل جنس ان يلبسه في حياته يجوز ان يكفن فيه بعد
موته حتى يكره ان يكفن الرجل في الحرير والمعصفر والمزعفر ولا يكره للنساء ذلك اعتبارا باللباس في حال الحياة
* (فصل) * وأما كيفية التكفين فينبغي أن تجمر الأكفان أولا وترا أي مرة أو ثلاثا أو خمسا ولا يزيد عليه لما روى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أجمرتم الميت فاجمروه وترا ولان الثوب الجديد أو الغسيل مما يطيب
ويجمر في حالة الحياة فكذا بعد الممات والوتر مندوب إليه في ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى وتر يحب
307

الوتر ثم تبسط اللفافة وهي الرداء طولا ثم يبسط الإزار عليها طولا ثم يلبسه القميص إن كان له قميص وان لم يكن له
سروله لان اللبس بعد الوفاة معتبر بحال الحياة الا ان في حياته كان يلبس السراويل حتى لا تنكشف عورته عند
المشي ولا حاجة إلى ذلك بعد موته فأقيم الإزار مقام السراويل الا أن الإزار في حال حياته تحت القميص وبعد الموت
فوق القميص من المنكب إلى القدم لان الإزار تحت القميص حالة الحياة ليتيسر عليه المشي وبعد الموت
لا يحتاج إلى المشي ثم يوضع الحنوط في رأسه ولحيته لما روى أن آدم صلوات الله وسلامه عليه لما توفى غسلته
الملائكة وحنطوه ويوضع الكافور على مساجده يعنى جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وقدميه لما روى عن ابن
مسعود أنه قال وتتبع مساجده بالطيب يعنى بالكافور ولان تعظيم الميت واجب ومن تعظيمه ان يطيب لئلا تجئ منه
رائحة منتنة وليصان عن سرعة الفساد وأولى المواضع بالتعظيم مواضع السجود وكذا الرأس واللحية هما من
أشرف الأعضاء لان الرأس موضع الدماغ ومجمع الحواس واللحية من الوجه والوجه من أشرف الأعضاء
وعن زفر أنه قال يذر الكافور على عينيه وأنفه وفمه لان المقصود ان يتباعد الدود من الموضع الذي يذر عليه
الكافر فخص هذه المحال من بدنه لهذا وان لم يجد ذلك لم يضره ولا بأس بسائر الطيب غير الزعفران والورس
في حق الرجل لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى الرجال عن المزعفر ولم يذكر في الأصل انه هل تحشى
محارقه وقالوا إن خشي خروج شئ يلوث الأكفان فلا بأس بذلك في أنفه وفمه وقد جوز الشافعي في دبره أيضا
واستقبح ذلك مشايخنا وان لم يخش جاز الترك لانعدام الحاجة إليه ثم يعطف الإزار عليه من قبل شقه الأيسر
وإن كان الإزار طويلا حتى يعطف على رأسه وسائر جسده فهو أولى ثم يعطف من قبل شقه الأيمن كذلك فيكون
الأيمن فوق الأيسر ثم تعطف اللفافة وهي الرداء كذلك لان المنتقب في حالة الحياة هكذا يفعل إذا تحزم بدأ بعطف
شقه الأيسر على الأيمن ثم يعطف الأيمن على الأيسر فكذا يفعل به بعد الممات فان خيف ان تنتشر أكفانه تعقد
ولكن إذا وضع في قبره تحل العقد لزوال ما لأجله عقد والله أعلم وأما المرأة فيبسط لها اللفافة والإزار واللفافة
فوق الخمار والخرقة يربط فوق الأكفان عند الصدر فوق الثديين والبطن كي لا ينتشر الكفن باضطراب ثدييها
عند الحمل على السرير وعرض الخرقة ما بين الثدي والسرة هكذا ذكر محمد في غير رواية الأصول ويسدل شعرها
ما بين ثدييها من الجانبين جميعا تحت الخمار ولا يسدل شعرها خلف ظهرها وعند الشافعي يسدل خلف ظهرها
واحتج بحديث أم عطية انها قالت لما توفيت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضفرنا شعرها ثلاثة
فروق في ناصيتها وقرنيها والقيناها خلفها فدل أن السنة هكذا ولنا ان القاءها إلى ظهرها من باب الزينة وهذه ليست
بحال زينة ولا حجة في حديث أم عطية لان ذلك كان فعل أم عطية وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم
علم ذلك ثم المحرم يكفن كما يكفن الحلال عندنا أي تغطي رأسه ووجهه ويطيب وقال الشافعي لا يخمر رأسه ولا
يقرب منه طيب واحتج بما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن محرم وقصت به ناقته واندق
عنقه فقال اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا وفى رواية قال ولا
تقربوا منه طيبا ولنا ما روى عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المحرم يموت
خمروهم ولا تشبهوهم باليهود وروى عن علي أنه قال في المحرم إذا مات انقطع احرامه ولان النبي صلى الله عليه
وسلم قال إذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاثة ولد صالح يدعو له وصدقة جارية وعلم علمه الناس ينتفعون به
والاحرام ليس من هذه الثلاثة وما روى معارض بما روينا في المحرم فبقي لنا الحديث المطلق الذي روينا ان هذا
العمل منقطع على أن ذلك الحديث محمول على محرم خاص جعله النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا به بدليل ما روينا
* (فصل) * وأما بيان من يجب عليه الكفن فنقول كفن الميت في ماله إن كان له مال ويكفن من جميع ماله قبل الدين
والوصية والميراث لان هذا من أصول حوائج الميت فصار كنفقته في حال حياته وان لم يكن له مال فكفنه على من
تجب عليه نفقته كما تلزمه كسوته في حال حياته الا المرأة فإنه لا يجب كفنها على زوجها عند محمد لان الزوجية
308

انقطعت بالموت فصار كالأجنبي وعند أبي يوسف يجب عليه كفنها كما تجب عليه كسوتها في حال حياتها ولا يجب
على المرأة كفن زوجها بالاجماع كما لا يجب عليها كسوته في حال الحياة وان لم يكن له مال ولا من ينفق عليه
فكفنه في بيت المال كنفقته في حال حياته لأنه أعد لحوائج المسلمين وعلى هذا إذا نبش الميت وهو طري لم
يتفسخ بعد كفن ثانيا من جميع المال لان حاجته إلى الكفن في المرة الثانية كحاجته إليه في المرة الأولى فان قسم المال
فهو على الوارث دون الغرماء وأصحاب الوصايا لان بالقسم انقطع حق الميت عنه فصار كأنه مات ولا مال له فيكفنه
وارثه إن كان له مال وان لم يكن له مال ولا من تفترض عليه نفقته فكفنه في بيت المال بمنزلة نفقته في حال حياته
وان نبش بعد ما تفسخ وأخذ كفنه كفن في ثوب واحد لأنه إذا تفسخ خرج عن حكم الآدميين الا ترى انه لا يصلى
عليه فصار كالسقط والله أعلم ثم إذا كفن الميت يحمل على الجنازة
* (فصل) * والكلام في حمله على الجنازة في مواضع في بيان كمية من يحمل الجنازة وكيفية حملها وتشييعها ووضعها
وما يتصل بذلك مما يسن وما يكره اما بيان كمية من يحمل الجنازة وكيفية حملها فالسنة في حمل الجنازة ان يحملها أربعة
نفر من جوانبها الأربع عندنا وقال الشافعي السنة حملها بين العمودين وهو ان يحملها رجلان يتقدم أحدهما
فيضع جانبي الجنازة على كتفيه ويتأخر الآخر فيفعل مثل ذلك وهذا النوع من الحمل مكروه كذا ذكره الحسن
ابن زياد في المجرد واحتج الشافعي بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين واما
ما روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال السنة ان تحمل الجنازة من جوانبها الأربع وروى أن ابن عمر رضي الله عنهم
ا كان يدور على الجنازة من جوانبها الأربع ولان عمل الناس اشتهر بهذه الصفة وهو آمن من سقوط الجنازة
وأيسر على الحاملين المتداولين بينهم وأبعد من تشبيه حمل الجنازة بحمل الأثقال وقد أمرنا بذلك ولهذا يكره
حملها على الظهر أو على الدابة وأما الحديث فتأويله انه كان لضيق المكان أو لعوز الحاملين ومن أراد اكمال السنة
في حمل الجنازة ينبغي له ان يحملها من الجوانب الأربع لما روينا عن ابن عمر رضي الله عنهما انه كان يدور على الجنازة
على جوانبها الأربع فيضع مقدم الجنازة على يمينه ثم مؤخرها على يمينه ثم مقدمها على يساره ثم مؤخرها على يساره
كما بين في الجامع الصغير وهذا لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في كل شئ وإذا حمل هكذا حصلت البداية
بيمين الحامل ويمين الميت وإنما بدانا بالأيمن المقدم دون المؤخر لان المقدم أول الجنازة والبداية بالشئ إنما تكون
من أوله ثم يضع مؤخرها الأيمن على يمينه لأنه لو وضع مقدمها الأيسر على يساره لاحتاج إلى المشي امامها والمشي
خلفها أفضل ولأنه لو فعل ذلك أو وضع مؤخرها الأيسر على يساره لقدم الأيسر على الأيمن ثم يضع مقدمها الأيسر
على يساره لأنه لو فعل كذلك يقع الفراغ خلف الجنازة فيمشي خلفها وهو أفضل كذلك كان الحمل ولكمال السنة كما
وصفنا من الترتيب وينبغي ان يحمل من كل جانب عشر خطوات لما روى في الحديث من حمل جنازة أربعين خطوة
كفرت أربعين كبيرة وأما جنازة الصبي فالأفضل ان يحملها الرجال ويكره ان توضع جنازته على دابة لان الصبي
مكرم محترم كالبالغ ولهذا يصلى عليه كما يصلى على البالغ ومعنى الكرامة والاحترام في الحمل على الأيدي فاما الحمل
على الدابة فإهانة له لأنه يشبه حمل الأمتعة وإهانة المحترم مكروه ولا بأس بان يحمله راكب على دابته وهو أن يكون
الحامل له راكبا لان معنى الكرامة حاصل وعن أبي حنيفة في الرضيع والفطيم لا بأس بان يحمل في طبق يتداولونه
والله أعلم والاسراع بالجنازة أفضل من الابطاء لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عجلوا بموتاكم فان يك خيرا
قدمتموه إليه وان يك شرا ألقيتموه عن رقابكم وفى رواية فبعدا لأهل النار لكن ينبغي أن يكون الاسراع دون الخبب
لما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المشي بالجنازة فقال ما دون
الخبب ولان الخبب يؤدى إلى الاضرار بمشيعي الجنازة ويقدم الرأس في حال حمل الجنازة لأنه من أشرف الأعضاء
فكان تقديمه أولى ولان معنى الكرامة في التقديم واما كيفية التشييع فالمشي خلف الجنازة أفضل عندنا وقال الشافعي
المشي امامها أفضل واحتج بما روى الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر
309

كانوا يمشون امام الجنازة وهذا حكاية عادة وكانت عادتهم اختيار الأفضل ولأنهم شفعاء الميت والشفيع أبدا يتقدم
لأنه أحوط للصلاة لما فيه من التحرز عن احتمال الفوت ولنا ما روى عن ابن مسعود موقوفا عليه ومرفوعا إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الجنازة متبوعة وليست بتابعة ليس معها من تقدمها وروى عنه انه عليه
السلام كان يمشى خلف جنازة سعد بن معاذ وروى معمر عن طاوس عن أبيه قال ما مشى رسول الله حتى مات
الا خلف الجنازة وعن ابن مسعود فضل المشي خلف الجنازة على المشي امامها كفضل المكتوبة على النافلة ولان
المشي خلفها أقرب إلى الاتعاظ لأنه يعاين الجنازة فيتعظ فكان أفضل والمروى عن النبي صلى الله عليه وسلم لبيان
الجواز وتسهيل الامر على الناس عند الازدحام وهو تأويل فعل أبى بكر وعمر والدليل عليه ما روى عن عبد الرحمن
ابن أبي ليلى أنه قال بينا أنا أمشى مع علي خلف الجنازة وأبو بكر وعمر يمشيان امامها فقلت لعلى ما بال أبى بكر وعمر
يمشيان امام الجنازة فقال إنهما يعلمان ان المشي خلفها أفضل من المشي امامها الا انهما يسهلان على الناس ومعناه
أن الناس يتحرزون عن المشي امامها تعظيما لها فلو اختار المشي خلف الجنازة لضاق الطريق على مشيعيها وأما
قوله إن الناس شفعاء الميت فينبغي أن يتقدموا فيشكل هذا بحالة الصلاة فان حالة الصلاة الشفاعة ومع ذلك
لا يتقدمون الميت بل الميت قدامهم وقوله هذا أحوط للصلاة قلنا عندنا إنما يكون المشي خلفها أفضل إذا
كان بقرب منها بحيث يشاهدها وفى مثل هذا لا تفوت الصلاة ولو مشى قدامها كان واسعا لان النبي صلى الله
عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما فعلوا ذلك في الجملة على ما ذكرنا غير أنه يكره أن يتقدم الكل عليها لان فيه
ابطال متبوعية الجنازة من كل وجه ولا بأس بالركوب إلى صلاة الجنازة والمشي أفضل لأنه أقرب إلى الخشوع وأليق
بالشفاعة ويكره للراكب أن يتقدم الجنازة لان ذلك لا يخلو عن الضرر بالناس ولا تتبع الجنازة بنار إلى قبره يعنى
الاجمار في قبره لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في جنازة فرأى امرأة في يدها مجمر فصاح عليها وطردها
حتى توارت بالاكام وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال لا تحملوا معي مجمرا ولأنها آلة العذاب فلا تتبع معه
تفاؤلا قال إبراهيم النخعي أكره أن يكون آخر زاده من الدنيا نارا ولان هذا فعل أهل الكتاب فيكره التشبه بهم ولا
ينبغي أن يرجع من يتبع الجنازة حتى يصلى لان الاتباع كان للصلاة عليها فلا يرجع قبل حصول المقصود ولا
ينبغي للنساء أن يخرجن في الجنازة لان النبي صلى الله عليه وسلم نهاهن عن ذلك وقال انصرفن مأزورات غير
مأجورات ولا ينبغي لاحد أن يقوم للجنازة إذا أتى بها بين يديه الا أن يريد اتباعها ويكره النوح والصياح في الجنازة
ومنزل الميت لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن الصوتين الأحمقين صوت النائحة والمغنية فاما البكاء
فلا بأس به لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه بكى على ابنه إبراهيم وقال العين تدمع والقلب يخشع ولا نقول ما
يسخط الرب وانا عليك يا إبراهيم لمحزونون وإذا كان مع الجنازة نائحة أو صائحة زجرت فإن لم تنزجر فلا بأس بان يتبع
الجنازة معها ولا يمتنع لأجلها لان اتباع الجنازة سنة فلا يترك ببدعة من غيره ويطيل الصمت إذا اتبع الجنازة
ويكره رفع الصوت بالذكر لما روى عن قيس بن عبادة أنه قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع
الصوت عند ثلاثة عند القتال وعند الجنازة والذكر ولأنه تشبه بأهل الكتاب فكان مكروها ويكره لمتبعي الجنازة أن
يقعدوا قبل وضع الجنازة لأنهم أتباع الجنازة والتبع لا يقعد قبل قعود الأصل ولأنهم إنما حضروا تعظيما للميت وليس
من التعظيم الجلوس قبل الوضع فاما بعد الوضع فلا بأس بذلك لما روى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ان النبي
صلى الله عليه وسلم كان لا يجلس حتى يوضع الميت في اللحد وكان قائما مع أصحابه على رأس قبر فقال يهودي هكذا
نفعل بموتانا فجلس صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه خالفوهم وأما كيفية الوضع فنقول إنها توضع عرضا للقبلة
هكذا توارثه الناس والله أعلم ثم إذا وضعت الجنازة يصلى عليها
* (فصل) * والكلام في صلاة الجنازة في مواضع في بيان انها فريضة وفي بيان كيفية فريضتها وفي بيان من يصلى
عليه وفي بيان كيفية الصلاة وفي بيان ما تصح به الصلاة وما يفسدها وما يكره وفي بيان من له ولاية الصلاة أما
310

الأول فالدليل على فرضيتها ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلوا على كل بر وفاجر وروى عنه صلى الله
عليه وسلم أنه قال للمسلم على المسلم ست حقوق وذكر من جملتها أنه يصلى على جنازته وكلمة على للايجاب وكذا
مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم والأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا
هذا عليها دليل الفرضية والاجماع منعقد على فرضيتها أيضا الا انها فرض كفاية إذا قام به البعض يسقط عن الباقين
لان ما هو الفرض وهو قضاء حق الميت يحصل بالبعض ولا يمكن ايجابها على كل واحد من آحاد الناس فصار بمنزلة
الجهاد لكن لا يسع الاجتماع على تركها كالجهاد وأما بيان من يصلى عليه فكل مسلم مات بعد الولادة يصلى عليه
صغيرا كان أو كبيرا ذكرا كان أو أنثى حرا كان أو عبدا الا البغاة وقطاع الطريق ومن بمثل حالهم لقول النبي صلى
الله عليه وسلم صلوا على كل بر وفاجر وقوله للمسلم على المسلم ست حقوق وذكر من جملتها أن يصلى على جنازته من
غير فصل الا ما خص بدليل والبغاة ومن بمثل حالهم مخصوصون لما ذكرنا ولما يصلى على من وجد ميتا وقد ذكرناه
في باب الغسل وان مات في حال ولادته فإن كان خرج أكثره صلى عليه وإن كان أقله لم يصلى عليه اعتبارا للأغلب
وإن كان خرج نصفه لم يذكر في الكتاب ويجب أن يكون هذا على قياس ما ذكرنا من الصلاة على نصف الميت ولا
يصلى على بعض الانسان حتى يوجد الأكثر منه عندنا لأنا لو صلينا على هذا البعض يلزمنا الصلاة على الباقي إذا
وجدناه فيؤدى إلى التكرار وانه ليس بمشروع عندنا بخلاف الأكثر لأنه إذا صلى عليه لم يصل على الباقي إذا وجد
وقد ذكرناه في باب الغسل وذكرنا اختلاف رواية الكرخي والطحاوي في النصف المقطوع ولا يصلى على ميت الا
مرة واحدة لا جماعة ولا وحدانا عندنا الا أن يكون الذين صلوا عليها أجانب بغير أمر الأولياء ثم حضر الولي
فحينئذ له أن يعيدها وقال الشافعي يجوز لمن لم يصلى أن يصلى واحتج بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى
على النجاشي ولا شك انه كان صلى عليه وروى أنه صلى الله عليه وسلم مر بقبر جديد فسأل عنه فقيل قبر فلانة
فقال هلا آذنتموني بالصلاة عليها فقيل إنها دفنت ليلا فخشينا عليك هوام الأرض فقال صلى الله عليه وسلم إذا مات
انسان فآذنوني فان صلاتي عليه رحمة وقام وجعل القبر بينه وبين القبلة وصلى عليه وكذا الصحابة رضي الله عنهم
صلوا على النبي صلى الله عليه وسم جماعة بعد جماعة ولأنها دعاء ولا بأس بتكرار الدعاء ولان حق الميت وان
قضى فلكل مسلم في الصلاة حق ولأنه يثاب بذلك وعسى أن يغفر له ببركة هذا الميت كرامة له ولم يقض هذا الحق في
حق كل شخص فكان له أن يقضى حقه (ولنا) ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فلما فرغ جاء
عمر ومعه قوم فأراد أن يصلى ثانيا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على الجنازة لا تعاد ولكن ادع للميت
واستغفر له وهذا نص في الباب وروى ابن عباس وابن عمر رضى الله تعالى عنهم فاتتهما صلاة على جنازة فلما
حضرا ما زاد على الاستغفار له وروى عن عبد الله بن سلام انه فاتته الصلاة على جنازة عمر رضي الله عنه فلما
حضر قال إن سبقتموني بالصلاة عليه فلا تسبقوني بالدعاء له والدليل عليه ان الأمة توارثت ترك الصلاة
على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الخلفاء الراشدين والصحابة رضي الله عنهم ولو جاز لما ترك مسلم الصلاة
عليهم خصوصا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه في قبره كما وضع فان لحوم الأنبياء حرام على الأرض به ورد
الأثر وتركهم ذلك اجماعا منهم دليل على عدم جواز التكرار ولان الفرض قد سقط بالفعل مرة واحدة لكونها
فرض كفاية ولهذا ان من لم يصل لو ترك الصلاة ثانيا لا يأثم وإذا سقط الفرض فلو صلى ثانيا نفلا والتنفل بصلاة
الجنازة غير مشروع بدليل ان من صلى مرة لا يصلى ثانيا وهذا بخلاف ما إذا تقدم غير الولي فصلى ان للولي أن يصلى
عليه لأنه إذا لم يجز الأول تبين ان الأول لم يقع فرضا لان حق التقدم كان له فإذا تقدم غيره بغير اذنه كان له أن يستوفى
حقه في التقدم فيقع الأول فرضا فهو الفرق والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أعاد لأن ولاية الصلاة كانت له فإنه كان
أولى الأولياء قال الله تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يصلى على
موتاكم غيري ما دمت بين أظهركم فلم يسقط الفرض بأداء غيره وهذا هو تأويل فعل الصحابة رضي الله عنهم فان
311

الولاية كانت لأبي بكر لأنه هو الخليفة الا أنه كان مشغولا بتسوية الأمور وتسكين الفتنة فكانوا يصلون عليه قبل
حضوره فلما فرغ صلى عليه ثم لم يصل بعده عليه والله أعلم وأما حديث النجاشي فيحتمل انه دعاء لان الصلاة تذكر
ويراد بها الدعاء ويحتمل انه خصه بذلك وأما قوله إن لكل واحد من الناس حقا في الصلاة عليه قلنا نعم لكن لا وجه
لاستدراك ذلك لسقوط الفرض وعدم جواز التنفل بها وهو الجواب عن قوله إنها دعاء واستغفار لان التنفل بالدعاء
والاستغفار مشروع وبالصلاة على الجنازة غير مشروع وعلى هذا قال أصحابنا لا يصلى على ميت غائب وقال
الشافعي يصلى عليه استدلالا بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي وهو غائب ولا حجة له فيه لما بينا
على أنه روى أن الأرض طويت له ولا يوجد مثل ذلك في حق غيره ثم ما ذكره غير سديد لان الميت إن كان في جانب
المشرق فان استقبل القبلة في الصلاة عليه كان الميت خلفه وان استقبل الميت كان مصليا لغير القبلة وكل ذلك لا
يجوز ولا يصلى على صبي وهو على الدابة وعلى أيدي الرجال حتى يوضع لان الميت بمنزلة الامام لهم فلا يجوز أن
يكون محمولا وهم على الأرض ولا يصلى على البغاة وقطاع الطريق عندنا وقال الشافعي يصلى عليهم لأنهم مسلمون
قال الله تعالى وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا الآية فدخلوا تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم صلوا على كل بر
وفاجر (ولنا) ما روى عن علي أنه لم يغسل أهل نهروان ولم يصل عليهم فقيل له أكفار هم فقال لا ولكن هم
إخواننا بغوا علينا أشار إلى ترك الغسل والصلاة عليهم إهانة لهم ليكون زجرا لغيرهم وكان ذلك بمحضر من الصحابة
رضي الله عنهم ولم ينكر عليه أحد فيكون اجماعا وهو نظير المصلوب ترك على خشبته إهانة له وزجرا لغيره كذا هذا
وإذا ثبت الحكم في البغاة ثبت في قطاع الطريق لأنهم في معناهم إذ هم يسعون في الأرض بالفساد كالبغاة فكانوا في
استحقاق الإهانة مثلهم وبه تبين ان البغاة ومن بمثلهم مخصوصون عن الحديث باجماع الصحابة رضي الله عنهم
وكذلك الذي يقتل بالخنق كذا روى عن أبي حنيفة وقال أبو يوسف وكذلك من يقتل على متاع يأخذه
والمكاثرون في المصر بالسلاح لأنهم يسعون في الأرض بالفساد فيلحقون بالبغاة والله أعلم
* (فصل) * وأما بيان كيفية الصلاة على الجنازة فينبغي أن يقوم الامام عند الصلاة بحذاء الصدر من الرجل والمرأة
وروى الحسن في كتاب صلاته عن أبي حنيفة أنه قال في الرجل يقوم بحذاء وسطه ومن المرأة بحذاء صدرها وهو قول
ابن أبي ليلى وجه رواية الحسن ان في القيام بحذاء الوسط تسوية بين الجانبين في الحظ من الصلاة الا ان في المرأة يقوم
بحذاء صدرها ليكون أبعد عن عورتها الغليظة وجه ظاهر الرواية ان الصدر هو وسط البدن لان الرجلين والرأس
من جملة الأطراف فيبقى البدن من العجيزة إلى الرقبة فكان وسط البدن هو الصدر والقيام بحذاء الوسط أولى
ليستوي الجانبان في الحظ من الصلاة ولان القلب معدن العلم والحكمة فالوقوف بحياله أولى ولا نص عن الشافعي
في كيفية القيام وأصحابه يقولون يقوم بحذاء رأس الرجل وبحذاء عجز المرأة ويكون هذا مذهب الشافعي لما روى
عن أنس أنه صلى على امرأة فوقف عند عجيزتها وصلى على رجل فقام عند رأسه فقيل له أكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يصلى كذلك قال نعم قالوا ومذهب الشافعي لا يخالف السنة فيكون هذا مذهبه وان لم يرو عنه ولكنا
نقول هذا معارض بما روى سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على أم قلابة ماتت في نفاسها
فقام وسطها وهذا موافق لمذهبنا لما ذكرنا أنه يقوم بحذاء صدر كل واحد منهما لان الصدر وسط البدن أو نؤول
فنقول يحتمل أنه وقف بحذاء الوسط الا أنه مال في أحد الموضعين إلى الرأس وفى الآخر إلى العجز فظن الراوي
أنه فرق بين الامرين ثم يكبر أربع تكبيرات وكان ابن أبي ليلى يقول خمس تكبيرات وهو رواية عن أبي يوسف
وقد اختلفت الروايات في فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى عنه الخمس والسبع والتسع وأكثر من ذلك الا أن
آخر فعله كان أربع تكبيرات لما روى عن عمر أنه جمع الصحابة رضي الله عنهم حين اختلفوا في عدد التكبيرات وقال
لهم انكم اختلفتم فمن يأتي بعدكم يكون أشد اختلافا فانظروا آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على
جنازة فحذوا بذلك فوجده صلى على امرأة كبر عليها أربعا فاتفقوا على ذلك فكان هذا دليلا على كون التكبيرات
312

في صلاة الجنازة أربعا لأنهم أجمعوا عليها حتى قال عبد الله بن مسعود حين سئل عن تكبيرات الجنازة كل ذلك
قد كان ولكني رأيت الناس أجمعوا على أربع تكبيرات والاجماع حجة وكذا رووا عنه أنه صلى الله عليه وسلم كذا كان
يفعل ثم أخبروا أن آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بأربع تكبيرات وهذا خرج مخرج التناسخ
حيث لم تحمل الأمة الافعال المختلفة على التخيير فدل أن ما تقدم نسخ بهذه التي صلاها آخر صلاته ولان كل
تكبيرة قائمة مقام ركعة وليس في المكتوبات زيادة على أربع ركعات الا أن ابن أبي ليلى يقول التكبيرة الأولى
للافتتاح فينبغي أن يكون بعدها أربع تكبيرات كل تكبيرة قائمة مقام ركعة والرافضة زعمت أن عليا كان يكبر
على أهل بيته خمس تكبيرات وعلى سائر الناس أربعا وهذا افتراء منهم عليه فإنه روى عنه أنه كبر على فاطمة
أربعا وروى أنه صلى على فاطمة أبو بكر وكبر أربعا وعمر صلى على أبى بكر الصديق وكبر أربعا فإذا كبر
الأولي أثنى على الله تعالى وهو أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره وذكر الطحاوي أنه لا استفتاح
فيه ولكن النقل والعادة أنهم يستفتحون بعد تكبيرة الافتتاح كما يستفتحون في سائر الصلوات وإذا كبر الثانية
يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي الصلاة المعروفة وهي أن يقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد إلى
قوله إنك حميد مجيد وإذا كبر الثالثة يستغفرون للميت ويشفعون وهذا لان صلاة الجنازة دعاء للميت والسنة في الدعاء
أن يقدم الحمد ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء بعد ذلك ليكون أرجى أن يستجاب والدعاء أن يقول
اللهم اغفر لحينا وميتنا إن كان يحسنه وان لم يحسنه يذكر ما يدعو به في التشهد اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات إلى
آخره هذا إذا كان بالغا فاما إذا كان صبيا فإنه يقول اللهم اجعله لنا فرطا وذخرا وشفعه فينا كذا روى عن أبي
حنيفة وهو المروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يكبر التكبيرة الرابعة ويسلم تسليمتين لأنه جاء أوان التحلل
وذلك بالسلام وهل يرفع صوته بالتسليم لم يتعرض له في ظاهر الرواية وذكر الحسن بن زياد أنه لا يرفع صوته بالتسليم
في صلاة الجنازة لان رفع الصوت مشروع للاعلام ولا حاجة إلى الاعلام بالتسليم في صلاة الجنازة لأنه مشروع
عقب التكبيرة الرابعة فلا فصل ولكن العمل في زماننا هذا يخالف ما يقوله الحسن وليس في ظاهر المذهب بعد
التكبيرة الرابعة دعاء سوى السلام وقد اختار بعض مشايخنا ما يختم به سائر الصلوات اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة
وفى الآخرة حسنة الخ فان كبر الامام خمسا لم يتابعه المقتدى في الخامسة وعند زفر يتابعه وجه قوله أن هذا
مجتهد فيه فيتابع المقتدى امامه كما في تكبيرات العيد ولنا أن هذا عمل بالمنسوخ لان ما زاد على أربع تكبيرات
ثبت انتساخه بما روينا فظهر خطأه بيقين فيه فلا يتابعه في الخطا بخلاف تكبيرات العيدين لأنه لم يظهر خطأه بيقين
حتى لو ظهر لا يتابعه على ما ذكرنا في صلاة العيدين ثم اختلفت الروايات عن أبي حنيفة أن المقتدى ماذا يفعل
إذا لم يتابعه في التكبيرة الزائدة في رواية قال ينتظر الامام حتى يتابعه في التسليم لان البقاء في حرمة الصلاة ليس
بخطأ إنما الخطأ متابعته في التكبير فينتظره ولا يتابع وفى رواية قال يسلم ولا ينتظر لان البقاء في التحريمة بعد
التكبيرة الرابعة خطأ لان التحليل عقيبها هو المشروع بلا فصل فلا يتابعه في البقاء كما لا يتابعه في التكبيرة
الزائدة ولا يقرأ في الصلاة على الجنازة بشئ من القرآن وقال الشافعي يفترض قراءة الفاتحة فيها وذلك عقيب
التكبيرة الأولى بعد الثناء عندنا لو قرأ الفاتحة على سبيل الدعاء والثناء لم يكره واحتج الشافعي بقول النبي صلى
الله عليه وسلم لا صلاة الا بفاتحة الكتاب وقوله لا صلاة الا بقراءة وهذه صلاة بدليل شرط الطهارة واستقبال
القبلة فيها وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على ميت أربعا وقرأ فاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى
وعن ابن عباس رضي الله عنه انه صلى على جنازة فقرأ فيها بفاتحة الكتاب وجهر بها وقال إنما جهرت لتعلموا
أنها سنة ولنا ما روى عن ابن مسعود أنه سئل عن صلاة الجنازة هل يقرأ فيها فقال لم يوقت لنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم قولا ولا قراءة وفى رواية دعاء ولا قراءة كبر ما كبر الامام واختر من أطيب الكلام ما شئت وفى
رواية واختر من الدعاء أطيبه وروى عن عبد الرحمن بن عوف وابن عمر أنهما قالا ليس فيها قراءة شئ من القرآن
313

ولأنها شرعت للدعاء ومقدمة الدعاء الحمد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا القراءة وقوله عليه
السلام لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ولا صلاة الا بقراءة لا يتناول صلاة الجنازة لأنها ليست بصلاة حقيقة إنما هي
دعاء واستغفار للميت الا ترى أنه ليس فيها الأركان التي تتركب منها الصلاة من الركوع والسجود الا أنها تسمى صلاة لما
فيها من الدعاء واشتراط الطهارة واستقبال القبلة فيها لا يدل على كونها صلاة حقيقية كسجدة التلاوة ولأنها
ليست بصلاة مطلقة فلا يتناولها مطلق الاسم وحديث ابن عباس معارض بحديث ابن عمر وابن عوف وتأويل
حديث جابر أنه كان قرأ على سبيل الثناء لا على سبيل قراءة القرآن وذلك ليس بمكروه عندنا ولا يرفع يديه الا في
التكبيرة الأولى وكثير من أثمة بلخ اختاروا رفع اليد في كل تكبيرة من صلاة الجنازة وكان نصير من يحيى يرفع
تارة ولا يرفع تارة وجه قول من اختار الرفع أن هذه تكبيرات يؤتى بها في قيام مستوى فيرفع اليد عندها
كتكبيرات العيد وتكبيرات القنوت والجامع الحاجة إلى اعلام من خلفه من الأصم وجه ظاهر الرواية
قول النبي صلى الله عليه وسلم لا ترفع الأيدي الا في سبع مواطن وليس فيها صلاة الجنازة وعن علي وابن عمر رضي الله عنه
ما أنهما قالا لا ترفع الأيدي فيها الا عند تكبيرة الافتتاح لان كل تكبيرة قائمة مقام ركعة ثم لا ترفع الأيدي في
سائر الصلوات الا عند تكبيرة الافتتاح عندنا فكذا في صلاة الجنازة ولا يجهر بما يقرأ عقيب كل تكبيرة لأنه
ذكروا السنة فيه المخافتة وإذا صلين النساء جماعة على جنازة قامت الإمامة وسطهن كما في الصلاة المفروضة
المعهودة ولو كبر الامام تكبيرة أو تكبيرتين أو ثلاث تكبيرات ثم جاء رجل لا يكبر ولكنه ينتظر حتى يكبر الامام
فيكبر معه ثم إذا سلم الامام قضى ما عليه قبل أن ترفع الجنازة وهذا في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يكبر
واحدة حين يحضر ثم إن كان الامام كبر واحدة لم يقض شيئا وإن كان كبر ثنتين قضى واحدة ولا يقضى تكبيرة
الافتتاح هو يقول إنه مسبوق فلا بد من أن يأتي بتكبيرة الائتمام حين انتهى إلى الامام كما في سائر الصلوات وكما
لو كان حاضرا مع الامام ووقع تكبير الافتتاح سابقا عليه أنه يأتي بالتكبير ولا ينتظر أن يكبر الإمام الثانية
بالاجماع كذا هذا ولهما ما روى عن ابن عباس أنه قال في الذي انتهى إلى الامام وهو في صلاة الجنازة وقد سبقه
الامام بتكبيرة أنه لا يشتغل بقضاء ما سبقه الامام بل يتابعه وهذا قول روى عنه ولم يرو عن غيره خلافه فحل محل
الاجماع ولان كل تكبيرة من هذه الصلاة قائمة مقام ركعة بدليل أنه لو ترك تكبيرة منها تفسد صلاته كما لو ترك
ركعة من ذوات الأربع والمسبوق بركعة يتابع الامام في الحالة التي أدركها ولا يشتعل بقضاء ما فاته أولا لان
ذاك أمر منسوخ كذا ههنا وهذا بخلاف ما إذا كان حاضرا لان من كان خلف الامام فهو في حكم المدرك لتكبيرة
الافتتاح الا ترى أن في تكبيرة الافتتاح يكبرون بعد الامام ويقع ذلك أداء لا قضاء فيأتي بها حين حضرته النية
بخلاف المسبوق فإنه غير مدرك للتكبيرة الأولى وهي قائمة مقام ركعة فلا يشتغل بقضائها قبل سلام الامام
كسائر التكبيرات ثم عندهما يقضى ما فاته لان المسبوق يقضى الفائت لا محالة ولكن قبل أن ترفع الجنازة
لان صلاة الجنازة بدون الجنازة لا تتصور وعند أبي يوسف إن كان الامام كبر واحدة لم يقض شيئا وان كبر ثنتين قضى
واحدة لما ذكرنا ولو جاء بعد ما كبر الامام الرابعة قبل السلام لم يدخل معه وقد فاتته الصلاة عند أبي حنيفة ومحمد
وعند أبي يوسف يكبر واحدة وإذا سلم الامام قضى ثلاث تكبيرات كما لو كان حاضرا خلف الامام ولم يكبر شيئا حتى
كبر الامام الرابعة والصحيح قولهما لأنه لا وجه إلى أن يكبر وحده لما قلنا والامام لا يكبر بعد هذا لتتابعه
والأصل في الباب عندهما أن المقتدى يدخل بتكبيرة الامام فإذا فرغ الامام من الرابعة تعذر عليه الدخول
وعند أبي يوسف يدخل إذا بقيت التحريمة وذكر عصام بن يوسف أن عند محمد ههنا يكبر أيضا بخلاف
ما إذا جاء وقد كبر الامام ثلاث تكبيرات حيث لا يكبر بل ينتظر الامام حتى يكبر الرابعة عند محمد لان
الاشتغال بقضاء ما سبق قبل فراغ الامام إن كان لا يجوز لكن جوزنا ههنا لمكان الضرورة لأنه لو أنتظر
الامام ههنا فاتته الصلاة بخلاف تلك الصورة والله تعالى أعلم
314

* (فصل) * وأما بيان ما تصح به وما تفسد وما يكره أما ما تصح به فكل ما يعتبر شرطا الصحة سائر الصلوات من
الطهارة الحقيقة والحكمية واستقبال القبلة وستر العورة والنية يعتبر شرطا لصحتها حتى أنهم لو صلوا على جنازة
والامام غير طاهر فعليهم اعادتها لان صلاة الامام غير جائزة لعدم الطهارة فكذا صلاتهم لأنها بناء على صلاته ولو كان
الامام على الطهارة والقوم على غير طهارة جازت صلاة الامام ولم يكن عليهم اعادتها لان حق الميت تأدى بصلاة
الامام ودلت المسألة على أن الجماعة ليست بشرط في هذه الصلاة ولو أخطؤا بالرأس فوضعوه في موضع الرجلين
وصلوا عليها جازت الصلاة لاستجماع شرائط الجواز وإنما الحاصل بغير صفة الوضع وذا لا يمتنع الجواز الا انهم ان
تعمدوا ذلك فقد أساؤا لتغييرهم السنة المتوارثة ولو تحروا على جنازة فأخطأوا القبلة جازت صلاتهم لان المكتوبة
تجوز فهذه أولي وان تعمدوا خلافهم لم تجز كما في اعتبار شرط القبلة لأنه لا يسقط حالة الاختيار كما في سائر الصلوات ولو
صلى راكبا أو قاعدا من غير عذر لم تجزهم استحسانا والقياس أن تجزئهم كسجدة التلاوة ولان المقصود منها الدعاء
للميت وهو لا يختلف والأركان فيها التكبيرات ويمكن تحصيلها في حالة الركوب كما يمكن تحصيلها في حالة القيام وجه
الاستحسان ان الشرع ما ورد بها الا في حالة القيام فيراعى فيها ما ورد به النص ولهذا لا يجوز اثبات الخلل في شرائطها
فكذا في الركن بل أولى لان الركن أهم من الشرط ولان الأداء قعودا أو ركبانا يؤدى إلى الاستخفاف بالميت وهذه
الصلاة شرعت لتعظيم الميت ولهذا تسقط في حق من تجب اهانته كالباغي والكافر وقاطع الطريق فلا يجوز أداء ما
شرع للتعظيم على وجه يؤدى إلى الاستخفاف لأنه يؤدى إلى أن يعود على موضوعه بالنقص وذلك باطل ولو كان
ولى الميت مريضا فصلى قاعدا وصلى الناس خلفه قياما أجزأهم في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وقال محمد يجزئ
الامام ولا يجزئ المأموم بناء على اقتداء القائم بالقاعد وقد مر ذلك ولو ذكروا بعد الصلاة على الميت انهم لم يغسلوه
فهذا على وجهين اما ان ذكروا قبل الدفن أو بعده فإن كان قبل الدفن غسلوه وأعادوا الصلاة عليه لان طهارة الميت
شرط لجواز الصلاة عليه كما أن طهارة الامام شرط لأنه بمنزلة الامام فتعتبر طهارته فإذا فقدت لم يعتد بالصلاة فيغسل
ويصلى عليه وان ذكروا بعد الدفن لم ينبشوا عنه لان النبش حرام حقا لله تعالى فيسقط الغسل ولا تعاد الصلاة عليه
لان طهارة الميت شرط جواز الصلاة عليه لما بينا وروى عن محمد انه يخرج ما لم يهيلوا عليه التراب لان ذلك ليس
بنبش فان أهالوا التراب لم يخرج وتعاد الصلاة عليه لان تلك الصلاة لم تعتبر لتركهم الطهارة مع الامكان والآن فات
الامكان فسقطت الطهارة فيصلى عليه ولو دفن بعد الغسل قبل الصلاة عليه صلى عليه في القبر ما لم يعلم أنه تفرق وفى
الأمالي عن أبي يوسف أنه قال يصلى عليه إلى ثلاثة أيام هكذا ذكر ابن رستم عن محمد أما قبل مضى ثلاثة أيام فلما روينا
ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر تلك المرأة فلما جازت الصلاة على القبر بعد ما صلى على الميت مرة فلان تجوز
في موضع لم يصل عليه أصلا أولى وأما بعد الثلاثة أيام لا يصلى لان الصلاة مشروعة على البدن وبعد مضى الثلاث
ينشق ويتفرق فلا يبقى البدن وهذا لان في المدة القليلة لا يتفرق وفى الكثيرة يتفرق فجعلت الثلاث في حد الكثرة لأنها
جمع والجمع ثبت بالكثرة ولان العبرة للمعتاد والغالب في العادة أن يمضى الثلاث يتفسخ ويتفرق أعضاؤه والصحيح
ان هذا ليس بتقدير لازم لأنه يختلف باختلاف الأوقات في الحر والبرد وباختلاف حال الميت في السمن والهزال
وباختلاف الأمكنة فيحكم فيه غالب الرأي وأكبر الظن فان قيل روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه صلى على
شهداء أحد بعد ثمان سنين فالجواب ان معناه والله أعلم أنه دعا لهم قال الله تعالى وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم
والصلاة في الآية بمعنى الدعاء وقيل إنهم لم تتفرق أعضاؤهم فان معاوية لما أراد ان يحولهم وجدهم كما دفنوا فتركهم
وتجوز الصلاة على الجماعة مرة واحدة فإذا اجتمعت الجنائز فالامام بالخيار ان شاء صلى عليهم دفعة واحدة وان شاء
صلى على كل جنازة على حدة لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم أحد على كل عشرة من الشهداء صلاة
واحدة ولان ما هو المقصود وهو الدعاء والشفاعة للموتى يحصل بصلاة واحدة فان أراد أن يصلى على كل واحدة على
حدة فالأولى أن يقدم الأفضل فالأفضل فإن لم يفعل فلا بأس به ثم كيف توضع الجنائز إذا اجتمعت فنقول لا يخلو اما
315

إن كانت من جنس واحد أو اختلف الجنس فإن كان الجنس متحدا فان شاؤوا جعلوها صفا واحدا كما يصطفون في حال
حياتهم عند الصلاة وان شاؤوا وضعوا واحدا بعد واحد مما يلي القبلة ليقوم الامام بحذاء الكل هذا جواب ظاهر
الرواية وروى عن أبي حنيفة في غير رواية الأصول ان الثاني أولى من الأول لان السنة هي قيام الامام بحذاء
الميت وهو يحصل في الثاني دون الأول وإذا وضعوا واحدا بعد واحد ينبغي أن يكون أفضلهم مما يلي الامام كذا
روى عن أبي حنيفة انه يوضع أفضلهما مما يلي الامام وأسنهما وقال أبو يوسف والأحسن عندي أن يكون أهل
الفضل مما يلي الامام لقول النبي صلى الله عليه وسلم ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم إن وضع رأس كل واحد منهم
بحذاء رأس صاحبه فحسن وان وضع شبه الدرج كما قال ابن أبي ليلى وهو أن يكون رأس الثاني عند منكب الأول
فحسن كذا روى عن أبي حنيفة انه ان وضع هكذا فحسن أيضا لان النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه دفنوا على هذه
الصفة فيحسن الوضع للصلاة على هذا الترتيب أيضا وأما إذا اختلف الجنس بأن كانوا رجالا ونساء توضع الرجال مما
يلي الامام والنساء خلف الرجال مما يلي القبلة لأنهم هكذا يصطفون خلف الامام في حال الحياة ثم إن الرجال يكونون
أقرب إلى الامام من النساء فكذا بعد الموت ومن العلماء من قال توضع النساء مما يلي الامام والرجال خلفهن لان في
الصلاة بالجماعة في حال الحياة صف النساء خلف صف الرجال إلى القبلة فكذا في وضع الجنائز ولو اجتمع جنازة رجل
وصبي وخنثى وامرأة وصبية وضع الرجل مما يلي الامام والصبي وراءه ثم الخنثى ثم المرأة ثم الصبية والأصل فيه
قول النبي صلى الله عليه وسلم ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ولأنهم هكذا يقومون
في الصف خلف الامام حالة الحياة فيوضعون كذلك بعد الموت ولو كبر الامام على جنازة ثم أتى بجنازة أخرى
فوضعت معها مضى على الأولى ويستأنف الصلاة على الأخرى لان التحريمة انعقدت للصلاة على الأول فيتمها
فان كبر الثانية ينويهما فهي للأولى لأنه لم يقصد الخروج عن الأولى فبقي فيها ولم يقع للثانية وان كبر ينوى الثانية
وحدها فهي للثانية لأنه خرج عن الأولى بالتكبيرة مع النية كما إذا كان في الظهر فكبر ينوى العصر صار منتقلا
من الظهر فكذا هذا بخلاف ما إذا نواهما جميعا لأنه ما رفض الأولى فبقي فيها فلا يصير شارعا في الثانية ثم إذا صار
شارعا في الثانية فإذا فرغ منها أعاد الصلاة على الأولى أي يستقبل والله أعلم
* (فصل) * وأما بيان ما تفسد به صلاة الجنازة فنقول إنها تفسد بما تفسد به سائر الصلوات وهو ما ذكرنا من الحدث
العمد والكلام والقهقهة وغيرها من نواقض الصلاة الا المحاذاة فإنها غير مفسدة في هذه الصلاة لان فساد
الصلاة بالمحاذاة عرف بالنص والنص ورد في الصلاة المطلقة فلا يلحق بها غيرها ولهذا لم يلحق بها سجدة التلاوة
حتى لم تكن المحاذاة فيها مفسدة وكذا القهقهة في هذه الصلاة لا تنقض الطهارة لأنا عرفنا القهقهة حدثا بالنص
الوارد في صلاة مطلقة فلا يجعل واردا في غيرها فرق بين هاتين المسئلتين وبين البناء فإنه لو سبقه الحدث في صلاة
الجنازة يبنى وان عرف البناء بالنص وانه وارد في صلاة مطلقة والفرق ان القهقهة جعلت حدثا لقبحها في الصلاة
وقبحها يزداد بزيادة حرمة الصلاة ولا شك ان حرمة الصلاة المطلقة فوق حرمة صلاة الجنازة فكان قبحها في تلك
الصلاة فوق قبحها في هذه فجعلها حدثا هناك لا يدل على جعلها حدثا ههنا وكذا المحاذاة جعلت مفسدة في تلك
الصلاة تعظيما لها وليست هذه مثل تلك في معنى التعظيم بخلاف البناء لان الجواز وتحمل المشي في أعلى العبادتين
يوجب التحمل والجواز في أدناهما دلالة ولأنا لو لم نجوز البناء ههنا تفوته الصلاة أصلا لان الناس يفرغون من
الصلاة قبل رجوعه من التوضؤ ولا يمكنه الاستدراك بالإعادة لما مر ولو لم تجوز البناء هناك لفاتته الصلاة أصلا فلما
زجا البناء هناك فلان يجوز ههنا أولى
* (فصل) * واما بيان ما يكره فيها فنقول تكره الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وغروبها ونصف
النهار لما روينا من حديث عقبة بن عامر أنه قال ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلى فيها
وان نقبر فيها موتانا والمراد من قوله أن نقبر فيها موتانا الصلاة على الجنازة دون الدفن إذ لا بأس بالدفن في هذه
316

الأوقات فان صلوا في أحد هذه الأوقات لم يكن عليهم اعادتها لان صلاة الجنازة لا يتعين لأدائها وقت ففي أي وقت
صليت وقعت أداء لا قضاء ومعنى الكراهة في هذه الأوقات يمنع جواز القضاء فيها دون الأداء كما إذا أدى عصر
يومه عند تغير الشمس على ما ذكرنا فيما تقدم ولا تكره الصلاة على الجنازة بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر
قبل تغير الشمس لان الكراهة في هذه الأوقات ليست معنى في الوقت فلا يظهر في حق الفرائض لما بينا فيما
تقدم ولو أرادوا أن يصلوا على جنازة وقد غربت الشمس فالأفضل أن يبدؤا بصلاة المغرب ثم يصلون على الجنازة
لان المغرب آكد من صلاة الجنازة فكان تقديمه أولى ولان في تقديم الجنازة تأخير المغرب وانه مكروه
* (فصل) * وأما بيان من له ولاية الصلاة على الميت فذكر في الأصل ان امام الحي أحق بالصلاة على الميت وروى
الحسن عن أبي حنيفة ان الامام الأعظم أحق بالصلاة ان حضر فإن لم يحضر فأمير المصر وان لم يحضر فامام الحي
فإن لم يحضر فالأقرب من ذوي قراباته وهذا هو حاصل المذهب عندنا والتوفيق بين الروايتين ممكن لان السلطان إذا
حضر فهو أولى لأنه امام الأئمة فإن لم يحضر فالقاضي لأنه نائبه فإن لم يحضر فامام الحي لأنه رضى بإمامته في حال
حياته فيدل على الرضا به بعد مماته ولهذا لو عين الميت أحدا في حال حياته فهو أولى من القريب لرضاه به الا انه بدأ
في كتاب الصلاة بامام الحي لان السلطان قلما يحضر الجنائز ثم الأقرب فالأقرب من عصبته وذوي قراباته لأن ولاية
القيام بمصالح الميت له وهذا كله قول أبي حنيفة ومحمد فاما على قول أبى يوسف وهو قول الشافعي القريب أولى من
السلطان لأبي يوسف والشافعي ان هذا أمر مبنى على الولاية والقريب في مثل هذا مقدم على السلطان كما في النكاح
وغيره من التصرفات ولأن هذه الصلاة شرعت للدعاء والشفاعة للميت ودعاء القريب أرجى لأنه يبالغ في اخلاص
الدعاء واحضار القلب بسبب زيادة شفقته وتوجد منه زيادة رقة وتضرع فكان أقرب إلي الإجابة ولأبي حنيفة
ومحمد ما روى أن الحسن بن علي لما مات قدم الحسين بن علي سعيد بن العاص ليصلى عليه وكان واليا بالمدينة وقال
لولا السنة ما قدمتك وفى رواية قال لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التقدم لما قدمتك ولان هذا من الأمور
العامة فيكون متعلقا بالسلطان كإقامة الجمعة والعيدين بخلاف النكاح فإنه من الأمور الخاصة وضرره ونفعه يتصل
بالولي لا بالسلطان فكان اثبات الولاية للقريب انفع للمولى عليه وتلك ولاية نظر ثبتت حقا للمولى عليه قبل الولي
بخلاف ما نحن فيه أما قوله إن دعاء القريب وشفاعته أرجى فنقول بتقدم الغير لا يفوت دعاء القريب وشفاعته
مع أن دعاء الامام أقرب إلي الإجابة على ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاث لا يحجب دعاؤهم
وذكر فيهم الامام ثم تقدم امام الحي ليس بواجب ولكنه أفضل لما ذكرنا انه رضيه في حال حياته وأما تقديم السلطان
فواجب لان تعظيمه مأمور به ولان ترك تقديمه لا يخلو عن فساد التجاذب والتنازع على ما ذكرنا في صلاة الجمعة
والعيدين ولو كان للميت وليان في درجة واحدة فأكبرهما سنا أولى لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتقديم الأسن
في الصلاة ولهما أن يقدما غيرهما ولو قدم كل واحد منهما رجلا على حدة فالذي قدمه الأكبر أولى وليس لأحدهما
أن يقدم انسانا الا باذن الآخر لان الولاية ثابتة لهما الا انا قدمنا الأسن لسنة فإذا أراد أن يستخلف غيره كان الآخر
أولى فان تشاجر الوليان فتقدم أجنبي بغير اذنهما فصلى ينظر ان صلى الأولياء معه جازت الصلاة ولا تعاد وان لم
يصلوا معه فلهم إعادة الصلاة وإن كان أحدهما أقرب من الآخر فالولاية إليه وله أن يقدم من شاء لان الابعد
محجوب به فصار بمنزلة الأجنبي ولو كان الأقرب غائبا بمكان تفوت الصلاة بحضوره بطلت ولايته وتحولت
الولاية إلى الابعد ولو قدم الغائب غيره بكتاب كان للأبعد أن يمنعه وله أن يتقدم بنفسه أو يقدم من شاء لأن ولاية
الأقرب قد سقطت لما ان في التوقيف على حضوره ضررا بالميت والولاية تسقط مع ضرر المولى عليه فتنقل إلى
الابعد والمريض في المصر بمنزلة الصحيح يقدم من شاء وليس للأبعد منعه ولان ولايته قائمه ألا ترى ان له أن
يتقدم مع مرضه فكان له حق التقديم ولا حق للنساء والصغار والمجانين في التقديم لانعدام ولاية التقدم ولو
ماتت امرأة ولها زوج وابن بالغ عاقل فالولاية للابن دون الزوج لما روى عن عمر رضي الله عنه انه ماتت له امرأة
317

فقال لأوليائها كنا أحق بها حين كانت حية فأما إذا ماتت فأنتم أحق بها ولان الزوجية تنقطع بالموت والقرابة
لا تنقطع لكن يكره للابن أن يتقدم أباه وينبغي أن يقدمه مراعاة لحرمة الأبوة قال أبو يوسف وله في حكم الولاية
أن يقدم غيره لان الولاية له وإنما منع من التقدم حتى لا يستخف بأبيه فلم تسقط ولايته في التقديم وإن كان لها ابن
من زوج آخر فلا بأس بأن يتقدم على هذا الزوج لأنه هو الولي وتعظيم زوج أمه غير واجب عليه وسائر القرابات
أولى من الزوج وكذا مولى العتاقة وابن المولى ومولى الموالاة لما ذكرنا ان السبب قد انقطع فيما بينهما فان تركت أبا
وزوجا وابنا من هذا الزوج فلا ولاية للزوج لما بينا وأما الأب والابن فقد ذكر في كتاب الصلاة ان الأب أحق من
غيره وقيل هو قول محمد وأما عند أبي يوسف فالابن أحق الا انه يقدم الأب تعظيما له وعند محمد الولاية للأب وقيل
هو قولهم جميعا في صلاة الجنازة لان للأب فضيلة على الابن وزيادة سن والفضيلة تعتبر ترجيحا في استحقاق الإمامة
كما في سائر الصلوات بخلاف سائر الولايات ومولى الموالاة أحق من الأجنبي لأنه التحق بالقريب بعقد الموالاة
ولو مات الابن وله أب وأب الأب فالولاية لأبيه ولكنه يقدم أباه الذي هو جد الميت تعظيما له وكذلك المكاتب إذا
مات ابنه أو عبده ومولاه حاضر فالولاية للمكاتب لكنه يقدم مولاه احتراما له ثم إذا صلى على الميت يدفن
* (فصل) * والكلام في الدفن في مواضع في بيان وجوبه وكيفية وجوبه وفي بيان سنة الحفر والدفن وما يتصل
بهما أما الأول فالدليل على وجوبه توارث الناس من لدن آدم صلوات الله عليه إلى يومنا هذا مع التكبير على تاركه
وذا دليل الوجوب الا ان وجوبه على سبيل الكفاية حتى إذا قام به البعض سقط عن الباقين لحصول المقصود
* (فصل) * وأما سنة الحفر فالسنة فيه اللحد عندنا وعند الشافعي الشق واحتج أن توارث أهل المدينة الشق دون
اللحد وتوارثهم حجة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم اللحد لنا والشق لغيرنا وفى رواية اللحد لنا والشق لأهل
الكتاب وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفى اختلف الناس أن يشق له أو يلحد وكان أبو طلحة
الأنصاري لحادا وأبو عبيدة بن الجراح شاقا فبعثوا رجلا إلى أبى عبيدة ورجلا إلى أبى طلحة فقال العباس بن عبد
المطلب اللهم خر لنبيك أحب الامرين إليك فوجد أبا طلحة من كان بعث إليه ولم يجد أبا عبيدة من بعث إليه
والعباس رضي الله عنه كان مستجاب الدعوة وأهل المدينة إنما توارثوا الشق لضعف أراضيهم بالبقيع ولهذا اختار
أهل بخارى الشق دون اللحد لتعذر اللحد لرخاوة أراضيهم وصفة اللحد ان يحفر القبر ثم يحفر في جانب القبلة منه
حفيرة فيوضع فيه الميت وصفة الشق أن يحفر حفيرة في وسط القبر فيوضع فيه الميت ويجعل على اللحد اللبن
والقصب لما روى أنه وضع على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم طن من قصب وروى أنه صلى الله عليه وسلم
رأى فرجة في قبر فأخذ مدرة وناولها الحفار وقال سد بها تلك الفرجة فان الله تعالى يحب من كل صانع أن يحكم
صنعته والمدرة قطعة من اللبن وروى عن سعيد بن العاص أنه قال اجعلوا على قبري اللبن والقصب كما جعل على قبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر أبى بكر وقبر عمر ولان اللبن والقصب لابد منهما ليمنعا ما يهال من التراب على
القبر من الوصول إلى الميت ويكره الآجر ودفوف الخشب لما روى عن إبراهيم النخعي أنه قال كانوا يستحبون
اللبن والقصب على القبور وكانوا يكرهون الآخر وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تشبه القبور
بالعمران والآجر والخشب للعمران ولان الآجر مما يستعمل للزينة ولا حاجة إليها للميت ولأنه مما مسته النار
فيكره أن يجعل على الميت تفاؤلا كما يكره أن يتبع قبره بنار تفاؤلا وكان الشيخ أبو بكر محمد بن الفضل البخاري
يقول لا بأس بالآجر في ديارنا لرخاوة الأراضي وكان أيضا يجوز دفوف الخشب واتخاذ التابوت للميت حتى قال
لو اتخذوا تابوتا من حديد لم أر به بأسا في هذه الديار
* (فصل) * وأما سنة الدفن فالسنة عندنا أن يدخل الميت من قبل القبلة وهو أن توضع الجنازة في جانب
القبلة من القبر ويحمل منه الميت فيوضع في اللحد وقال الشافعي السنة أن يسل إلى قبره وصورة السل أن
توضع الجنازة على يمين القبلة وتجعل رجلا الميت إلى القبر طولا ثم تؤخذ رجله وتدخل رجلاه في القبر ويذهب
318

به إلى أن تصير رجلاه إلى موضعهما ويدخل رأسه القبر احتج بما روى عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه
وسلم أدخل في القبر سلا وقال الشافعي في كتابه وهذا أمر مشهور يستغنى فيه عن رواية الحدث فإنه نقلته
العامة عن العامة بلا خلاف بينهم ولنا ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ أبا دجانة من قبل القبلة ورى
عن ابن عباس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم أدخل في القبر من قبل القبلة فصار هذا معارضا لما رواه
الشافعي على أنا نقول إنه صلى الله عليه وسلم إنما أدخل إلى القبر سلا لأجل الضرورة لان النبي صلى الله عليه وسلم
مات في حجرة عائشة من قبل الحائط وكانت السنة في دفن الأنبياء عليهم السلام في الموضع الذي قبضوا فيه فكان قبره
لزيق الحائط واللحد تحت الحائط فتعذر ادخاله من قبل القبلة فسل إلى قبره سلا لهذه الضرورة وعن ابن عباس وابن
عمر رضي الله عنهما انهما قالا يدخل الميت قبره من قبل القبلة ولان جانب القبلة معظم فكان ادخاله من هذا الجانب
أولى وقول الشافعي هذا أمر مشهور قلنا روى عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي أنه قال حدثني من رأى
أهل المدينة في الزمن الأول انهم كانوا يدخلون الميت من قبل القبلة ثم أحدثوا السل لضعف أراضيهم بالبقيع فإنها
كانت أرضا سبخة والله أعلم ولا يضر وتر دخل قبره قبره أم شفع عندنا وقال الشافعي السنة هي الوتر اعتبارا بعدد الكفن
والغسل والاجمار ولنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن أدخله العباس والفضل بن العباس وعلى وصهيب
وقيل في الرابع انه المغيرة بن شعبة وقيل إنه أبو رافع فدل ان الشفع سنة ولان الدخول في القبر للحاجة إلي الوضع
فيقدر بقدر الحاجة والوتر والشفع فيه سواء ولأنه مثل حمل الميت ويحمله على الجنازة أربعة عندنا وعنده اثنان
وإن كان شفعا فكذا ههنا وما ذكر من الاعتبار غير سديد لانتقاضه بحمل الجنازة ومخالفته فعل الصحابة مع أنه
لا يظن بهم ترك السنة خصوصا في دفن النبي صلى الله عليه وسلم ويكره أن يدخل الكافر قبر أحد من قرابته من
المؤمنين لان الموضع الذي فيه الكافر تنزل فيه السخطة واللعنة فينزه قبر المسلم عن ذلك وإنما يدخل قبره المسلمون
ليضعوه على سنة المسلمين ويقولوا عند وضعه باسم الله وعلى ملة رسول الله وإذا وضع في اللحد قال واضعه باسم الله
وعلى ملة رسول الله وذكر الحسن في المجرد عن أبي حنيفة أنه يقول باسم الله وفى سبيل الله وعلى ملة رسول الله لما
روى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أدخل ميتا قبره أو وضعه
في اللحد قال باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله وهكذا روى عن علي أنه كان إذا دفن ميتا أو نام قال باسم الله
وبالله وعلى ملة رسول الله وكان يقول النوم وفاة قال الشيخ أبو منصور الماتريدي معنى هذا باسم الله دفناه وعلى
ملة رسول الله دفناه وليس هذا بدعاء للميت لأنه إذا مات على ملة رسول الله لم يجز أن تبدل عليه الحالة وان
مات على غير ذلك لم يبدل إلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولكن المؤمنين شهداء الله في الأرض
فيشهدون بوفاته على الملة وعلى هذا جرت السنة ويوضع على شقه الأيمن متوجها إلى القبلة لما روى
عن علي رضي الله عنه أنه قال شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة رجل فقال يا علي استقبل به استقبالا
وقولوا جميعا باسم الله وعلى ملة رسول الله وضعوه لجنبه ولا تكبوه لوجهه ولا تلقوه لظهره وتحل عقد
أكفانه إذا وضع في القبر لأنها عقدت لئلا تنتشر أكفانه وقد زال هذا المعنى بالوضع ولو وضع لغير القبلة
فإن كان قبل اهالة التراب عليه وقد سرحوا اللبن أزالوا ذلك لأنه ليس بنبش وان أهيل عليه التراب ترك ذلك لان
النبش حرام ولا يدفن الرجلان أو أكثر في قبر واحد هكذا جرت السنة من لدن آدم إلى يومنا هذا فان احتاجوا
إلى ذلك قدموا أفضلهما وجعلوا بينهما حاجزا من الصعيد لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه أمر بدفن
قتلى أحد وكان يدفن في القبر رجلان أو ثلاثة وقال قدموا أكثرهم قرآنا وإن كان رجل وامرأة قدم الرجل مما يلي
القبلة والمرأة خلفه اعتبارا بحال الحياة ولو اجتمع رجل وامرأة أو صبي وخنثى وصبية دفن الرجل مما يلي
القبلة ثم الصبي خلفه ثم الخنثى ثم الأنثى ثم الصبية لأنهم هكذا يصطفون خلف الامام حالة الحياة وهكذا توضع
جنائزهم عند الصلاة عليها فكذا في القبر ويسجى قبر المرأة بثوب لما روى أن فاطمة رضي الله عنها سجى
319

قبرها بثوب ونعش على جنازتها لان مبنى حالها على الستر فلو لم يسج ربما انكشفت عورة المرأة فيقع بصر
الرجال عليها ولهذا يوضع النعش على جنازتها دون جنازة الرجل وذو الرحم المحرم أولى بادخال المرأة القبر من
غيره لأنه يجوز له مسها حالة الحياة فكذا بعد الموت وكذا ذو الرحم المحرم منها أولى من الأجنبي ولو لم يكن فيهم
ذو رحم فلا بأس للأجانب وضعها في قبرها ولا يحتاج إلى اتيان النساء للوضع وأما قبر الرجل فلا يسجى عندنا وعند
الشافعي يسجى احتج بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبر سعد بن معاذ ومعه أسامة بن زيد فسجى قبره ولنا
ما روى عن علي أنه مر بميت يدفن وقد سجى قبره فنزع ذلك عنه وقال إنه رجل وفى رواية قال لا تشبهوه بالنساء
وأما حديث سعد بن معاذ فيحتمل انه إنما سجى لان الكفن كان لا يعمه فستر القبر حتى لا يبدو منه شئ ويحتمل انه كان
لضرورة أخرى من دفع مطر أو حر عن الداخلين في القبر وعندنا لا بأس بذلك في حالة الضرورة ويسنم القبرة ولا يربع
وقال الشافعي يربع ويسطح لما روى المزني باسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه لما توفى ابنه إبراهيم
جعل قبره مسطحا ولنا ما روى عن إبراهيم النخعي أنه قال أخبرني من رأى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر
أبى بكر وعمر انها مسنمة وروى أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لما مات بالطائف صلى عليه محمد بن الحنيفة
وكبر عليه أربعا وجعل له لحدا وأدخله القبر من قبل القبلة وجعل قبره مسنما وضرب عليه فسطاطا ولان التربيع
من صنيع أهل الكتاب والتشبيه بهم فيما منه بد مكروه وما روى من الحديث محمول على أنه سطح قبره أولا ثم
جعل التسنيم في وسطه حملناه على هذا بدليل ما روينا ومقدار التسنيم أن يكون مرتفعا من الأرض قدر شبر
أو أكثر قليلا ويكره تخصيص القبر وتطيينه وكره أبو حنيفة البناء على القبر وان يعلم بعلامة وكره أبو يوسف الكتابة
عليه ذكره الكرخي لما روى عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تجصصوا القبور
ولا تبنوا عليها ولا تقعدوا ولا تكتبوا عليها ولان ذلك من باب الزينة ولا حاجة بالميت إليها ولأنه تضييع المال
بلا فائدة فكان مكروها ويكره ان يزاد على تراب القبر الذي خرج منه لان الزيادة عليه بمنزلة البناء ولا بأس برش
الماء على القبر لأنه تسوية له وروى عن أبي يوسف انه كره الرش لأنه يشبه التطيين وكره أبو حنيفة ان يوطأ على
قبر أو يجلس عليه أو ينام عليه أو تقضى عليه حاجة من بول أو غائط لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه
نهى عن الجلوس على القبور ويكره ان يصلى على القبر لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى ان يصلى
على القبر قال أبو حنيفة ولا ينبغي ان يصلى على ميت بين القبور وكان على وابن عباس يكرهان ذلك وان صلوا
أجزأهم لما روى أنهم صلوا على عائشة وأم سلمة بين مقابر البقيع والإمام أبو هريرة وفيهم ابن عمر رضي الله عنهم
ولا بأس بزيارة القبور والدعاء للأموات إن كانوا مؤمنين من غير وطئ القبور لقول البنى صلى الله عليه وسلم انى
كنت نهيتكم عن زيارة القبور الا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة ولعمل الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى يومنا هذا
* (فصل) * وأما الشهيد فالكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان من يكون شهيدا في الحكم ومن لا يكون
والثاني في بيان حكم الشهادة في الدنيا أما الأول فمبنى على شرائط الشهادة وهي أنواع منها أن يكون مقتولا
حتى لو مات حتف أنفه أو تردى من موضع أو احترق بالنار أو مات تحت هدم أو غرق لا يكون شهيدا لأنه ليس
بمقتول فلم يكن في معنى شهداء أحد وبأي شئ قتل في المعركة من سلاح أو غيره فهو سواء في حكم الشهادة لان
شهداء أحد ما قتل كلهم بسلاح بل منهم من قتل بغير سلاح وأما في المصر فيختلف الحكم فيه على ما نذكر ومنها أن يكون
مظلوما حتى لو قتل بحق في قصاص أو رجم لا يكون شهيدا لان شهداء أحد قتلوا مظلومين وروى أنه لما رجم
ماعز جاء عمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قتل ماعز كما تقتل الكلاب فماذا تأمرني ان أصنع به فقال النبي
صلى الله عليه وسلم لا تقل هذا فقد تاب توبة لو قسمت توبته على أهل الأرض لوسعتهم اذهب فاغسله وكفنه
وصل عليه وكذلك من مات من حد أو تعزير أو عدا على قوم ظلما فقتلوه لا يكون شهيدا لأنه ظلم نفسه وكذا لو
320

قتله سبع لانعدام تحقق الظلم ومنها ان لا يخلف عن نفسه بدلا هو مال حتى لو كان مقتولا خطأ أو شبه عمد بان
قتله في المصر نهارا بعصا صغيرة أو سوط أو وكزه باليد أو لكزه بالرجل لا يكون شهيدا لان الواجب في هذه المواضع
هو المال دون القصاص وذا دليل خفة الجناية فلم يكن في معنى شهداء أحد ولان غير السلاح مما يلبث فكان
بحال لو استغاث لحقه الغوث فإذا لم يستغث جعل كأنه أعان على قتل نفسه بخلاف ما إذا قتل في المفازة بغير السلاح
لان ذلك يوجب القتل بحكم قطع الطريق لا المال ولأنه لو استغاث لا يلحقه الغوث فلم يصر بترك الاستغاثة
معينا على قتل نفسه وكذلك إذا قتله بعصا كبيرة أو بمدقة القصارين أو بحجر كبير أو بخشبة عظيمة أو خنقه
أو غرقه في الماء أو ألقاه من شاهق الجبل عند أبي حنيفة لان هذا كله شبه عمد عنده فكان الواجب فيه الدية
دون القصاص وعند أبي يوسف ومحمد الواجب هو القصاص فكان المقتول شهيدا ولو نزل عليه اللصوص
ليلا في المصر فقتل بسلاح أو غيره أو قتله قطاع الطريق خارج المصر بسلاح أو غيره فهو شهيد لان القتيل لم
يخلف في هذه المواضع بدلا هو مال ولو قتل في المصر نهارا بسلاح ظلما بان قتل بحديدة أو ما يشبه الحديدة كالنحاس
والصفر وما أشبه ذلك أو ما يعمل عمل الحديد من جرح أو قطع أو طعن بأن قتله بزجاجة أو بليطة قصب أو طعنه
برمح لازج له أو رماه بنشابة لا نصل لها أو أحرقه بالنار وفى الجملة كل قتل يتعلق به وجوب القصاص فالقتيل شهيد
وقال الشافعي لا يكون شهيدا واحتج بما روى أن عمر وعليا غسلا ولان هذا قتيل أخلف بدلا وهو المال أو
القصاص فما هو في معنى شهداء أحد كالقتل خطأ أو شبه عمد ولنا أن وجوب هذا البدل دليل انعدام الشبهة وتحقق
الظلم من جميع الوجوه إذ لا يجب القصاص مع الشبهة فصار في معنى شهداء أحد بخلاف ما إذا اخلف بدلا هو مال
لان ذلك امارة خفة الجناية لان المال لا يجب الا عند تحقق الشبهة في القتل فلم يكن في معنى شهداء أحد ولان الدية
بدل عن المقتول فإذا وصل إليه البدل صار المبدل كالباقي من وجه لبقاء بدله فأوجب خللا في الشهادة فاما القصاص
فليس ببدل عن المحل بل هو جزاء الفعل على طريق المساواة فلا يسقط به حكم الشهادة وإنما غسل عمر وعلي رضي الله عنه
ما لأنهما ارتثا والارتثاث يمنع الشهادة على ما نذكر ولو وجد قتيل في محلة أو موضع يجب فيه القسامة
والدية لم يكن شهيدا لما قلنا ولو وجب القصاص ثم انقلب مالا بالصلح لا تبطل شهادته لأنه لم يتبين انه أخلف بدلا
هو مال وكذا الأب إذا قتل ابنه عمدا كان شهيدا لأنه أخلف القصاص ثم انقلب مالا وفائدة الوجوب شهادة المقتول
ومنها ان لا يكون مرتثا في شهادته وهو ان لا يخلق شهادته مأخوذ من الثوب الرث وهو الخلق والأصل فيه ما روى أن
عمر لما طعن حمل إلى بيته فعاش يومين ثم مات فغسل وكان شهيدا وكذا على حمل حيا بعد ما طعن ثم مات فغسل
وكان شهيدا وعثمان أجهز عليه في مصرعه ولم يرتث فلم يغسل وسعد بن معاذ ارتث فقال النبي صلى الله عليه وسلم
بادروا إلى غسل صاحبكم سعد كيلا تسبقنا الملائكة بغسله كما سبقتنا بغسل حنظلة ولان شهداء أحد ماتوا على
مصارعهم ولم يرتثوا حتى روى أن الكاس كان يدار عليهم فلم يشربوا خوفا من نقصان الشهادة فإذا ارتث لم يكن في
معنى شهداء أحد وهذا لأنه لما ارتث ونقل من مكانه يزيده النقل ضعفا ويوجب حدوث آلام لم تحدث لولا النقل
والموت يحصل عقيب ترادف الآلام فيصير النفل مشاركا للجراحة في إثارة الموت ولو تم الموت بالنقل لسقط الغسل
ولو تم بايلام سوى الجرح لا يسقط فلا يسقط بالشك ولان القتل لم يتمحض بالجرح بل حصل به وبغيره وهو النقل
والجرح محظور والنقل مباح فلم يمت بسبب تمحض حراما فلم يصر في معنى شهداء أحد ثم المرتث من خرج عن
صفة القتلى وصار إلي حال الدنيا بان جرى عليه شئ من أحكامها أو وصل إليه شئ من منافعها وإذا عرف هذا فنقول
من حمل من المعركة حيا ثم مات في بيته أو على أيدي الرجال فهو مرتث وكذلك إذا أكل أو شرب أو باع أو ابتاع أو
تكلم بكلام طويل أو قام من مكانه ذلك أو تحول من مكانه إلى مكان آخر وبقى على مكانه ذلك حيا يوما كاملا
أو ليلة كاملة وهو يعقل فهو مرتث وروى عن أبي يوسف إذا بقي وقت صلاة كامل حتى صارت الصلاة دينا
في ذمته وهو يعقل فهو مرتث وان بقي في مكانه لا يعقل فليس بمرتث وقال محمد ان بقي يوما فهو مرتث ولو أوصى
321

كان ارتثاثا عند أبي يوسف خلافا لمحمد وقيل لا خلاف بينهما في الحقيقة فجواب أبى يوسف خرج فيما إذا أوصى
بشئ من أمور الدنيا وذلك يوجب الارتثاث بالاجماع لان الوصية بأمور الدنيا من أحكام الدنيا ومصالحها
فينقض ذلك معنى الشهادة وجواب محمد محمول على ما إذا أوصى بشئ من أمور الآخرة وذلك لا يوجب
الارتثاث بالاجماع كوصية سعد بن الربيع وهو ما روى أنه لما أصيب المسلمون يوم أحد ووضعت الحرب
أوزارها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من رجل ينظر ما فعل سعد بن الربيع فنظر عبد الله
ابن عبد الرحمن من بنى النجار رضى الله تعالى عنهم فوجده جريحا في القتلى وبه رمق فقال له ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم أمرني ان أنظر في الاحياء أنت أم في الأموات فقال أنا في الأموات فأبلغ رسول الله
صلى الله عليه وسلم عنى السلام وقل له ان سعد بن الربيع يقول جزاك الله عنا خير ما يجزى نبي عن أمته وأبلغ
قومك عنى السلام وقل لهم ان سعدا يقول لا عذر لكم عند الله تعالى أن يخلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف قال
ثم لم أبرح حتى مات فلم يغسل وصلى عليه وذكر في الزيادات انه ان أوصى بمثل وصية سعد بن معاذ فليس بارتثاث
والصلاة ارتثاث لأنها من أحكام الدنيا ولو جر برجله من بين الصفين حتى تطؤه الخيول فمات لم يكن مرتثا لأنه
ما نال شيئا من راحة الدنيا بخلاف ما إذا مرض في خيمته أو في بيته لأنه قد نال الراحة بسبب ما مرض فصار مرتثا
ثم المرتث وان لم يكن شهيدا في حكم الدنيا فهو شهيد في حق الثواب حتى أنه ينال ثواب الشهداء كالغريق والحريق
والمبطون والغريب انهم شهداء بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بالشهادة وان لم يظهر حكم شهادتهم في الدنيا
ومنها كون المقتول مسلما فإن كان كافرا كالذمي إذا خرج مع المسلمين للقتال فقتل يغسل لان سقوط الغسل عن
المسلم إنما ثبت كرامة له والكافر لا يستحق الكرامة ومنها كون المقتول مكلفا هو شرط صحة الشهادة في قول
أبي حنيفة فلا يكون الصبي والمجنون شهيدين عنده وعند أبي يوسف ومحمد ليس بشرط ويلحقهما حكم الشهادة
وجه قولهما انه مقتول ظلما ولم يخلف بدلا هو مال فكان شهيدا كالبالغ العاقل ولان القتل ظلما لما أوجب تطهير
من ليس بطاهر لارتكابه المعاصي والذنوب فلان يوجب تطهير من هو طاهر أولى ولأبي حنيفة ان النص ورد
بسقوط الغسل في حقهم كرامة لهم فلا يجعل واردا فيمن لا يساويهم في استحقاق الكرامة وما ذكروا من معنى
الطهارة غير سديد لان سقوط الغسل غير مبنى على الطهارة بدليل ان الأنبياء صلوات الله عليهم غسلوا ورسولنا
سيد البشر صلى الله عليه وسلم غسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أطهر خلق الله تعالى فلا وجه لتعليق ذلك
بالتطهير مع أنه لا ذنب للصبي يطهره السيف فكان القتل في حقه والموت حتف أنفه سواء ومنها الطهارة عن الجنابة
شرط في قول أبي حنيفة وعندهما ليس بشرط حتى لو قتل جنبا لم يكن شهيدا عنده خلافا لهما وجه قولهما ان
القتل على طريق الشهادة أقيم مقام الغسل كالذكاة أقيمت مقام غسل العروق بدليل انه يرفع الحدث ولأبي حنيفة
ما روى أن حنظلة استشهد جنبا فغسلته الملائكة حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان صاحبكم لتغسله الملائكة
فاسألوا أهله ما باله فسئلت صاحبته فقالت خرج وهو جنب حين سمع الهيعة فقال صلى الله عليه وسلم لذلك غسلته
الملائكة أشار إلى أن الجنابة علة الغسل والمعنى فيه ان الشهادة عرفت مانعة من نجاسة الموت لا رافعة لنجاسة
كانت كالذكاة فإنها تمنع من حلول نجاسة الموت فيما كان حلالا اما لا ترفع حرمة كانت ثابتة وهذا لأنها عرفت مانعة
بخلاف القياس فلا تكون رافعة لان المنع أدون من الرفع فاما الحدث فإنما ترفعه ضرورة المنع لان الموت لا يخلو عن
الحدث إذ لابد من زوال العقل سابقا على الموت فيثبت الحدث لا محالة والشهادة مانعة من نجاسة الموت فلو لم يرتفع
الحدث بالشهادة لاحتيج إلى غسل أعضاء الطهارة فلم يظهر أثر منع الشهادة حلول النجاسة فقلنا إن الشهادة
ترفع ذلك الحدث لهذه الضرورة ولا ضرورة في الجنابة لأنها لا توجد لا محالة لينعدم أثر الشهادة بل توجد
في الندرة فلم يرفع واما الحائض والنفساء إذا استشهدتا فإن كان ذلك بعد انقطاع الدم وطهارتهما قبل الاغتسال
فالكلام فيهما وفى الجنب سواء وإن كان قبل انقطاع الدم فعن أبي حنيفة فيه روايتان في رواية يغسلان كالجنب
322

لوجود شرط الاغتسال وهو الحيض والنفاس وفى رواية لا يغسلان لأنه لم يكن وجب بعد قبل الموت قبل انقطاع
الدم فلو وجب وجب بالموت والاغتسال الذي يجب بالموت يسقط بالشهادة ولا يشترط الذكورة لصحة الشهادة
بالاجماع لأن النساء مخاطبات يخاصمن يوم القيامة من قتلهن فيبقى عليهن أثر الشهادة ليكون شاهدا لهن
كالرجال والله أعلم وإذا عرف شرائط الشهادة فنقول إذا قتل الرجل في المعركة أو غيرها وهو يقاتل أهل الحرب
أو قتل مدافعا عن نفسه أو ماله أو أهله أو واحد من المسلمين أو أهل الذمة فهو شهيد سواء قتل بسلاح أو غيره
لاستجماع شرائط الشهادة في حقه فالتحق بشهداء أحد وكذلك إذا صار مقتولا من جهة قطاع الطريق لأنه قتل
ظلما لم يخلف بدلا هو مال دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام من مقتل دون ماله فهو شهيد وهذا قتل دون ماله
فيكون شهيدا بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم وكذا إذا قتل في محاربة أهل البغي وعند الشافعي يغسل في أحد
قوليه لان على أحد قوليه يجب القصاص على الباغي فهذا قتيل أخلف بدلا وهو القصاص وهذا يمنع الشهادة عنده
على ما مر ولنا ما روى عن عمار انه لما استشهد بصفين تحت راية علي رضي الله عنه فقال لا تغسلوا عنى دما
ولا تنزعوا عنى ثوبا فانى التقى ومعاوية بالجادة وكان قتيل أهل البغي على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم تقتلك الفئة
الباغية وروى أن زيد بن صوحان لما استشهد يوم الجمل فقال لا تغسلوا عنى دما ولا تنزعوا عنى ثوبا فانى رجل
محاج أحاج يوم القيامة من قتلني وعن علي رضي الله عنه انه كان لا يغسل من قتل من أصحابه ولأنه في معنى شهداء
أحد لأنه قتل قتلا تمحض ظلما ولم يخلف بدلا هو مال ووجوب القصاص في قتل الباغي ممنوع وعليه اجماع
الصحابة ان كل دم أريق بتأويل القرآن فهو باطل وقتيل غير الباغي وان وجب عليه القصاص لكن ذلك امارة
تغلظ الجنابة على ما مر فلا يوجب قدحا في الشهادة بخلاف وجوب الدية ولو وجد في المعركة فإن لم يكن به أثر القتل
من جراحة أخنق أو ضرب أو خروج الدم لم يكن شهيدا لان المقتول إنما يفارق الميت حتف أنفه بالأثر فإذا لم يكن
به أثر فالظاهر أنه لم يكن بفعل مضاف إلى العدو بل لما التقى الصفان انخلع قناع قلبه من شدة الفزع وقد يبتلى الجبان
بهذا فإن كان به أثر القتل كان شهيدا لأن الظاهر أن موته كان بذلك السبب وانه كان من العدو والأصل ان الحكم
متى ظهر عقيب سبب يحال عليه وإن كان الدم يخرج من محارقه ينظر إن كان موضعا يخرج الدم منه من غير
آفة في الباطن كالأنف والذكر والدبر لم يكن شهيدا لان المرأ قد يبتلى بالرعاف وقد يبول دما لشدة الفزع وقد يخرج
الدم من الدبر من غير جرح في الباطن فوقع الشك في سقوط الغسل فلا يسقط بالشك وإن كان الدم يخرج من أذنه
أو عينه كان شهيدا لان الدم لا يخرج من هذين الموضعين عادة الا لآفة في الباطن فالظاهر أنه ضرب على رأسه
حتى خرج الدم من أذنه أو عينه وإن كان الدم يخرج من فمه فإن كان ينزل من رأسه لم يكن شهيدا لان ما ينزل من
الرأس فنزوله من جانب الفم أو من جانب الانف سواء وإن كان يعلو من جوفه كان شهيدا لان الدم لا يصعد من
الجرف الا لجرح في الباطن وإنما نميز بينهما بلون الدم والله أعلم ولو وجد في عسكر المسلمين فإن كانوا لقوا
العدو فهو شهيد وليس فيه قسامة ولا دية لأنه قتيل العدو ظاهرا كما لو وجد قتيلا في المعركة وإن كانوا لم يلقوا العدو لم
يكن شهيدا لأنه ليس قتيل العدو الا ترى ان فيه القسامة والدية ولو وطئته دابة العدو وهم راكبوها أو سائقوها
أو قائدوها فمات أو نفر العدو دابته أو نخسها فألقته فمات أو رماه العدو بالنار فاحترق أو كان المسلمون في سفينة
فرماهم العدو بالنار فاحترقوا أو تعدى هذا الحريق إلى سفينة أخرى فيها مسلمون فاحترقوا أو سيلوا عليهم الماء
حتى غرقوا أو القوهم في الخندق أو من السور بالطعن بالرمح والدفع حتى ماتوا أو ألقوا عليهم الجدار كانوا شهداء
لان موتهم حصل بفعل مضاف إلى العدو فيلحقهم حكم الشهادة ولو نفرت دابة مسلم من دابة العدو أو من
سوادهم من غير تنفير منهم فألقته فمات أو انهزم المسلمون فألقوا أنفسهم في الخندق أو من السور حتى ماتوا
لم يكونوا شهداء لان موتهم غير مضاف إلى فعل العدو وكذلك إذا حمل على العدو فسقط عن فرسه أو كان المسلمون
ينقبون عليهم الحائط فسقط عليهم فماتوا لم يكونوا شهداء عند محمد خلافا لأبي يوسف وأصل محمد في الزيادات في
323

هذه المسائل أصلا فقال إذا صار مقتولا بفعل ينسب إلى العدو كان شهيدا والا فلا والأصل عند أبي يوسف انه إذا
صار مقتولا بعمل الحراب والقتال كان شهيدا والا فلا سواء كان منسوبا إلى العدو أولا والأصل عند الحسن بن
زياد انه إذا صار مقتولا بمباشرة العدو بحيث لو وجد ذلك القتل فيما بين المسلمين في دار الاسلام لا يخلو عن
وجوب قصاص أو كفارة كان شهيدا وإذا صار مقتولا بالتسبب لم يكن شهيدا وجنس هذه المسائل في الزيادات
* (فصل) * وأما حكم الشهادة في الدنيا فنقول إن الشهيد كسائر الموتى في أحكام الدنيا وإنما يخالفهم في حكمين
أحدهما انه لا يغسل عند عامة العلماء وقال الحسن البصري يغسل لان الغسل كرامة لبني آدم والشهيد يستحق
الكرامة حسبما يستحقه غيره بل أشد فكان الغسل في حقه أوجب ولهذا يغسل المرتث ومن قتل بحق فكذا
الشهيد ولان غسل الميت وجب تطهيرا له الا ترى انه إنما تجوز الصلاة عليه بعد غسله لا قبله والشهيد يصلى
عليه فيغسل أيضا تطهيرا له وإنما لم تغسل شهداء أحد تخفيفا على الاحياء لكون أكثر الناس كان
مجروحا لما ان ذلك اليوم كان يوم بلاء وتمحيص فلم يقدروا على غسلهم (ولنا) ما روى عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال في شهداء أحد زملوهم بكلومهم ودمائهم فإنهم يبعثون يوم القيامة وأوداجهم تشخب
دما اللون لون الدم والريح ريح المسك وفى بعض الروايات زملوهم بدمائهم ولا تغسلوهم فإنه ما من جريح بجرح
في سبيل الله الا وهو يأتي يوم القيامة وأوداجه تشخب دما اللون لون الدم والريح ريح المسك وهذه الرواية أعم
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالغسل وبين المعنى وهو أنهم يبعثون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما فلا
يزال عنهم الدم بالغسل ليكون شاهدا لهم يوم القيامة وبه تبين ان ترك غسل الشهيد من باب الكرامة له
وان الشهادة جعلت مانعة عن حلول نجاسة الموت كما في شهداء أحد وما ذكر من تعذر الغسل غير سديد لما بينا ان
النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يزملوهم بدمائهم وبين المعنى ولان الجراحات التي أصابتهم لما لم تكن مانعة لهم
من الحفر والدفن كيف صارت مانعة من الغسل وهو أيسر من الحفر والدفن ولان ترك الغسل لو كان للتعذر لأمر
أن ييمموا كما لو تعذر غسل الميت في زماننا لعدم الماء والدليل عليه انه كما لم تغسل شهداء أحد لم تغسل شهداء بدر
والخندق وخيبر وما ذكر من التعذر لم يكن يومئذ ولذا لم يغسل عثمان وعمار وكان بالمسلمين قوة فدل انهم فهموا من
ترك الغسل على قتلى أحد غير ما فهم الحسن والثاني أنه يكفن في ثيابه لقول النبي صلى الله عليه وسلم زملوهم
بدمائهم وقد روى في ثيابهم وروينا عن عمار وزيد بن صوحان انهما قالا لا تنزعوا عنى ثوبا الحديث غير أنه ينزع
عنه الجلد والسلاح والفرو والحشو والخلف والمنطقة والقلنسوة وعند الشافعي لا ينزع عنه شئ مما ذكرنا لقوله
عليه الصلاة والسلام زملوهم بثيابهم ولنا ما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال تنزع عنه العمامة والخفين
والقلنسوة وهذا لان ما يترك ليكون كفنا والكفن ما يلبس للستر وهذه الأشياء تلبس اما للتجمل والزينة
أو لدفع البرد أو لدفع معرة السلاح ولا حاجة للميت إلى شئ من ذلك فلم يكن شئ من ذلك كفنا وبه تبين أن المراد من
قوله صلى الله عليه وسلم زملوهم بثيابهم الثياب التي يكفن بها وتلبس للستر ولان هذا عادة أهل الجاهلية فإنهم كانوا
يدفنون ابطالهم بما عليهم من الأسلحة وقد نهينا عن التشبه بهم ويزيدون في أكفانهم ما شاؤوا وينقصون ما شاؤوا
لما روى أن حمزة رضي الله عنه كان عليه نمرة لو غطى رأسه بها بدت رجلاه ولو غطيت بها رجلاه بدا رأسه فأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغطى بها رأسه ويوضع على رجليه شئ من الإذخر وذاك زيادة في الكفن ولان
الزيادة على ما عليه حتى يبلغ عدد السنة من باب الكمال فكان لهم ذلك والنقصان من باب دفع الضرر عن الورثة
لجواز أن يكون عليه من الثياب ما يضر تركه بالورثة فاما فيما سوى ذلك فهو كغيره من الموتى وقال الشافعي انه
لا يصلى عليه كما لا يغسل واحتج بما روى عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم ما صلى على أحد من شهداء أحد ولان
الصلاة على الميت شفاعة له ودعاء لتمحيص ذنوبه والشهيد قد تطهر بصفة الشهادة عن دنس الذنوب على ما قال
النبي صلى الله عليه وسلم السيف محاء للذنوب فاستغنى عن ذلك كما استغنى عن الغسل ولان الله تعالى وصف
324

الشهداء بأنهم احياء في كتابه والصلاة على الميت لا على الحي ولنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على
شهداء أحد صلاة الجنازة حتى روى أنه صلى على حمزة سبعين صلاة وبعضهم أولوا ذلك بأنه كان يؤتى
بواحد واحد فيصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة رضي الله عنه بين يديه فظن
الراوي أنه كان يصلى على حمزة في كل مرة فروى أنه صلى عليه سبعين صلاة ويحتمل أنه كان
ذلك على حسب الرواية وكان مخصوصا بتلك الكرامة وما روى عن جابر رضي الله عنه
فغير صحيح وقيل إنه كان يومئذ مشغولا فإنه قتل أبوه وأخوه وخاله فرجع إلى
المدينة ليدبر كيف يحملهم إلى المدينة فلم يكن حاضرا حين صلى النبي صلى الله
عليه وسلم عليهم فلهذا روى ما روى ومن شاهد النبي صلى الله عليه وسلم قد
روى أنه صلى عليهم ثم سمع جابر منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن تدفن القتلى في مصارعهم فرجع فدفنهم فيها ولان الصلاة على الميت
لاظهار كرامته ولهذا اختص بها المسلمون دون الكفرة والشهيد
أولى بالكرامة وما ذكر من حصول الطهارة بالشهادة فالعبد وان
جل قدره لا يستغنى عن الدعاء الا ترى أنهم صلوا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولا شك أن درجته كانت فوق
درجة الشهداء وإنما وصفهم بالحياة في حق أحكام
الآخرة الا ترى إلى قوله تعالى بل احياء عند ربهم
يرزقون فاما في حق أحكام الدنيا فالشهيد
ميت يقسم ماله وتنكح امرأته بعد انقضاء
العدة ووجوب الصلاة عليه من
أحكام الدنيا فكان ميتا فيه
فيصلى عليه والله أعلم
بالصواب واليه
المرجع
والمآب
(تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني وأوله كتاب الزكاة)
325