الكتاب: مواهب الجليل
المؤلف: الحطاب الرعيني
الجزء: ٦
الوفاة: ٩٥٤
المجموعة: فقه المذهب المالكي
تحقيق: ضبطه وخرج آياته وأحاديثه : الشيخ زكريا عميرات
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٦ - ١٩٩٥ م
المطبعة:
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

مواهب الجليل
لشرح مختصر خليل
تأليف
أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي
المتوفى سنة 954 ه‍
ضبطه وخرج آياته وأحاديثه
الشيخ زكريا عميرات
الجزء السادس
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
1

جميع الحقوق محفوظة
لدار الكتب العلمية
الطبعة الأولى
1416 ه‍ - 1995 م
2

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب البيع
كتاب البيوع
هذا أول النصف الثاني من هذا المختصر، وقد سبق في أول كتاب النكاح أن طريقة
المتأخرين من المالكية أنهم يجعلون النكاح وتوابعه في الربع الثاني، والبيع وتوابعه في الربع
الثالث. والمعنى هذا باب يذكر فيه البيع وأحكامه. وباب البيع مما يتعين الاهتمام بمعرفة
أحكامه لعموم الحاجة إليه إذ لا يخلو مكلف غالبا من بيع أو شراء، فيجب أن يعلم حكم
الله في ذلك قبل التلبس به. وقول بعض الناس يكفي ربع العبادات ليس بشئ. قاله في
التوضيح: وقد تقدم في باب النكاح في كلام صاحب القبس عن القاضي الزنجاني أن البيع
والنكاح عقدان يتعلق بهما قوام العالم لأن الله سبحانه خلق الانسان محتاجا إلى الغذاء
ومفتقرا إلى النساء وخلق له ما في الأرض جميعا كما أخبر في كتابه ولم يتركه سدى
يتصرف كيف شاء باختياره إلى آخره، فيجب على كل واحد أن يتعلم منه ما يحتاج إليه. ثم
يجب على الشخص العمل بما علمه من أحكامه ويجتهد في ذلك ويحترز من إهمال ذلك
فيتولى أمر شرائه وبيعه بنفسه إن قدر وإلا فغيره بمشاورته، ولا يتكل في ذلك على من لا
يعرف الاحكام أو يعرفها ويتساهل في العمل بمقتضاها لغلبة الفساد وعمومه في هذا الزمان.
قال سيدي أبو عبد الله بن الحاج في المدخل في فضل خروج العالم إلى قضاء حاجته في
السوق: ينبغي له بل يجب عليه إذا اضطر إلى قضاء حاجته في السوق أن يباشر ذلك بنفسه،
فإن فعل أتى بالسنة على وجهها وبرئ من الكبر، وإن عاقه عائق استناب من له علم
بالأحكام في ذلك، وليحذر من هذه العوائد الرديئة التي يفعلها بعض من ينسب إلى العلم
فتجد بعضهم يبحث في مسائل البيوع في الربويات وغير ذلك في الدرس ويستدل ويجيز
3

ويمنع ويكره، فإذا قام أرسل إلى السوق من يقضي له الحاجة صبيا صغيرا كان أو كبيرا أو
عبدا أو جارية أو غيرهم ممن لا علم له بالأحكام الشرعية، وفي السوق ما قد علم من جهل
أكثر البياعين بالأحكام الشرعية ومن الأشياء التي لا يجوز شراؤها انتهى.
والبيع لغة مصدر باع الشئ إذا أخرجه عن ملكه بعوض أو أدخله فيه، فهو من
الأضداد يطلق على البيع والشراء، قال الله تعالى: * (وشروه بثمن بخس) * أي
باعوه. وقال: * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) * وفي
الحديث: لا يبع على بيع أخيه أي لا يشتر على شرائه. وقال ابن الأنباري في كتاب
الأضداد: قال جماعة من المفسرين في قوله تعالى: * (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى)
[البقرة: 16] * معناه باعوا الضلالة بالهدى. وذكر الزناتي في شرح الرسالة أن لغة قريش
استعمال باع إذا أخرج، واشترى إذا أدخل. قال: وهي أفصح وعلى ذلك اصطلح العلماء
تقريبا للفهم. وأما شرى فيستعمل بمعنى باع، ففرق بين شرى واشترى. والشراء يمد ويقصر
قاله في الصحاح. والبيعان والمتبايعان البائع والمشتري يقال لكل واحد منهما بيع وبائع
ومشتر كما صرح بذلك القرطبي في شكر مسلم في بيع الخيار ونصه: البيعان تثنية بيع وهو
يقال على البائع والمشتري كما يقال كل واحد منهما على الآخر انتهى. وعرف بعضهم البيع
لغة بأنه إعطاء شئ في مقابلة شئ أو مقابلة شئ بشئ، ويقال باع الشئ بيوعه بوعا إذا
قاسه بالباع وهو قدر مد اليدين. قاله في الصحاح. وهذا واوي العين والبيع يائي العين. وأبعت
الشئ عرضته للبيع واستبعته الشئ أي سألته أن يبيعه مني، ويقال بايعته من البيع ومن البيعة.
هذا معناه لغة.
وأما في الشرع فقال ابن عبد السلام: معرفة حقيقته ضرورية حتى للصبيان. قال ابن
عرفة ونحوه للباجي:
قلت: ومال المصنف في التوضيح إلى ما قاله ابن عبد السلام والباجي فقال: الأقرب ما
قاله ابن عبد السلام إن حقيقة البيع معروفة لكل أحد فلا تحتاج إلى حد ولهذا والله أعلم لم
يعرفه في هذا المختصر. ورد ابن عرفة على ابن عبد السلام والباجي فقال: قلت: المعلوم
ضرورة وجوده عند وقوعه لكثرة تكرره ولا يلزم منه علم حقيقته حسبما تقدم في باب الحج
انتهى.
قلت: ونقل ابن عبد السلام عن بعضهم أنه عرفه بأنه دفع عوض في معوض قال:
ويدخل تحته الصحيح والفاسد ورأي بعضهم أن الحقائق الشرعية إنما ينبغي تعريف
الصحيح منها لأن المقصود بالذات، ومعرفته تستلزم معرفة الفاسد أو أكثره فقال: نقل الملك
بعوض ويعتقد قائل هذا أن البيع الفاسد لا ينقل الملك وإنما ينقل شبهة الملك انتهى.
4

ولفظة العوض في التعريفين توجب خللا فيهما لأنها لا تعرف إلا بعد معرفة البيع أو ما هو
ملزوم للبيع انتهى. وذلك لأن العوض هو أحد نوعي المعقود عليه، فمعرفته متوقفة على معرفة
المعقود عليه توقف معرفة النوع على معرفة جنسه. وكذلك البيع فكل واحد منهما لازم
وملزوم، ومعرفة أحدهما لازم لمعرفة الآخر، والمعقود عليه ملزوم للبيع لأنه كلما وجد
المعقود لزم وجود البيع لأنه لا يكون معقودا عليه إلا بعد تقدم عقدين، فتوقفت معرفة العوض
على معرفة البيع أو معرفة ما هو ملزوم للبيع وهو المعقود عليه، والفرض أن معرفة البيع
توقفت على معرفة العوض لأنه أخذ في حده فجاء الدور والله أعلم. ويأتي الكلام على هذا
الايراد، وعزا ابن عرفة التعريف الأول لاحد نقلي اللخمي أن البيع التعاقد والتقابض اعترض
عليه في تركه التعقب عليها بغير ما ذكر. والتعريف الثاني للمازري والصقلي وتعقبهما بأن
الأول لا يتناول غير بيع المعاطاة، وأن الثاني لا يتناول شيئا من البيع لأن نقل الملك لازم
للبيع وأعم منه لأنه ينتقل بغيره كالصدقة والهبة وكونه بعوض يخصصه بالبيع عن الهبة
والصدقة ولا يصيره نفس البيع. قال: ويدخل فيه النكاح والإجارة. وفي تتمات الغرر من
المدونة: من قال: أبيعك سكنى داري سنة فذلك غلط في اللفظة وهو كراء صحيح. قال:
وقوله: العوض أخص من البيع يرد بأنه أعم منه لثبوته في النكاح وغيره، وتقدم لابن بشير
النكاح عقد على البضع بعوض. وقال ابن سيده: العوض البدل ونحوه. قال الزبيدي: يقال
أصبت منه العوض. وقسم النحاة التنوين أقساما أحدها تنوين العوض والأصل عدم النقل انتهى
بالمعنى.
قلت: والتعريف الثاني ذكره ابن رشد في أول كتاب السلم من المقدمات فقال: نقل
الملك على عوض انتهى. ونقله في التوضيح عن المازري فقط قال عنه: وهو يشمل الصحيح
والفاسد بناء على أن الفاسد ينقل الملك قال: وإن قلنا إنه لا ينقله لم يشمله لكن العرب قد
تكون التسمية عندهم صحيحة لاعتقادهم أن الملك قد انتقل عن حكمهم في الجاهلية وإن
كان لم ينتقل على حكم الاسلام. خليل: وإن أردت إخراجه بوجه لا شك فيه فزد بوجه
جائز انتهى كلامه.
قلت: اعلم أن العلماء اختلفوا في قوله تعالى: * (وأحل الله البيع) * هل
هو من قبيل العموم الذي لا تخصيص فيه بناء على أن الفاسد لا يطلق عليه أنه بيع إلا على
سبيل المجاز. ومنهم من قال: هو من قبيل العموم الذي يدخله التخصيص فهو على ظاهره
إلا ما قام الدليل على خروجه وهو مذهب أكثر الفقهاء، وهذا بناء على أن البيع الفاسد يطلق
عليه أنه بيع. ومنهم من قال: هو من قبيل المجمل لأنه يقتضي بظاهره إباحة كل بيع. وقوله
بعده: * (وحرم الربا) * يقتضي تحريم كل بيع فيه تفاضل ولم يبين التفاضل
5

الممنوع من الجائز. وقيل: إن الاجمال من جهة أنه ثبت في الشرع تحريم بعض البيوع
فصارت الآية محتاجة إلى بيان الشروط التي تصح معها. وإذا كان المقصود من الحقائق
الشرعية إنما هو معرفة الصحيح فلا حاجة إلى ما ذكره المازري من الاعتذار عن تسمية
الفاسد بيعا عند العرب والله أعلم. ثم ذكر في التوضيح أنه يرد على هذا التعريف أسئلة
وأصلها لابن راشد وعنه نقلها الشارح الكبير: الأول أن البيع علة في نقل الملك. يقال: انتقل
الملك لمشتري الدار لأنه ابتاعها، والعلة مغايرة للمعلول فلا يمكن حد البيع بالنقل. الثاني
أن النقل حقيقة في الأجسام مجاز في المعاني والمجاز لا يستعمل في الحدود. والثالث أن
الملك مجهول لأنا إن قلنا هو التصرف انتقض بتصرف الوصي والوكيل فإنهما غير مالكين
وهما يتصرفان، وقد يوجد الملك ولا تصرف كالمحجور عليه، وقد يوجدان معا في المالك
الرشيد، وإذا كانت حقيقة الملك مجهولة فيكون قد عرف البيع بما هو أخفى منه اه‍.
قلت: السؤال الأول قريب من الايراد الذي ذكره ابن عرفة، ويجاب عنه بأنه ليس من
التعريف بالحد التام أو الناقص وإنما هو من التعريف بالرسم الذي يكفي فيه التعريف بلازم
الشئ. وأجاب ابن رشد عنه بأن التعليل لا يقتضي التغاير لوجود ذلك في كل حد مع
محدوده، تقول: هذا إنسان لأنه حيوان ناطق. ويجاب عن السؤال الثاني بأن النقل وإن كان
مجازا في المعنى فإنما ذلك بحسب اللغة، وأما عند الفقهاء فالظاهر أنه حقيقة شرعية
والتعريف إنما هو بحسب العرف الشرعي. ويجاب عن السؤال الثالث بنحو ما أجيب عن
الأول وهو أنه لا يحتاج إلى معرفة حقيقة الملك بل يكفي تصوره بوجه ما. وقد عرف
القرافي في الفرق الموفي ثمانين بعد المائة فقال: قاعدة التصرف وقاعدة الملك، اعلم أن
الملك أشكل على كثير من الفقهاء ضبطه فإنه عام يترتب عليه أسباب مختلفة كالبيع والهبة
والصدقة والإرث وغير ذلك فهو غيرها، ولا يمكن أن يقال هو التصرف لأن المحجور عليه
يملك ولا يتصرف. ثم ذكر نحو ما تقدم عن التوضيح ثم قال: وهذه حقيقة الأعم من وجه
والأخص من وجه يجتمعان من صورة وينفرد كل واحد في صورة. والعبارة الكاشفة عن
حقيقة الملك أنه حكم شرعي يقدر في العين أو المنفعة يقتضي تمكين من يضاف إليه من
انتفاعه بالمملوك والعوض عنه من حيث هو كذلك. أما إنه حكم شرعي فبالاجماع ولأنه يتبع
الأسباب الشرعية، وأما إنه مقدر فلأنه يرجع إلى متعلق الإذن الشرعي، والتعلق أمر عدمي ليس
وصفا حقيقيا بل يقدر في العين أو المنفعة عند تحقق الأسباب المفيدة في الملك، وقولنا
في العين أو المنفعة فإن الأعيان تملك بالبيع والمنافع بالإجارة. وقولنا: يقتضى انتفاعه
بالمملوك ليخرج تصرف الوصي والوكيل والقاضي. وقولنا: والعوض عنه ليخرج الإباحة
في الضيافات فإنها مأذون فيها وليست مملوكة على الصحيح، ولتخرج أيضا لاختصاصات
بالمساجد والربط ومواضع المناسك ومقاعد السوق فإنه لا ملك فيها مع التمكن الشرعي من
6

التصرف. وقولنا: من حيث هو كذلك إشارة إلى أنه يقتضي ذلك من حيث هو هو، وقد
يختلف لمانع كالحجر والوقف إذا قلنا إنه على ملك واقفة. ثم قال: ذلك الانتفاع دون
المنفعة كبيوت المدارس ترجع إلى الإباحة كما في الضيافة فهي مأذون فيها لمن قام بشرط
الواقف ولا ملك فيها لغيره بخلاف الجامكية، فإن الملك محصل فيها لمن حصل له شرط
الواقف فلا جرم صح أخذ العوض بها وعنها.
ثم قال: وهل الملك من خطاب الوضع أو من خطاب التكليف الذي هو من الأحكام الخمسة
؟ والذي يظهر لي أنه أحد الأحكام الخمسة وأنه إباحة خاصة في تصرفات خاصة،
وأخذ العوض عن ذلك المملوك على وجه خاص كما تقررت قواعد المعاوضات في الشريعة
وشروطها وأركانها، وخصوصيات هذه الإباحة هي الموجبة للفرق بين الملك وغيره ولذلك
قلنا: إنه معنى شرعي مقدر يريد أنه متعلق الإباحة، والتعلق أمر عدمي من باب النسب
والإضافات التي لا وجود لها في الأعيان بل في الأذهان، ولأجل ذلك لنا أن نغير الحد.
فنقول: الملك إباحة شرعية في عين أو منفعة يقتضي تمكن صاحبها من الانتفاع بتلك العين
أو المنفعة وأخذ العوض عنها من حيث هي كذلك. فبهذا اللفظ استقام الحد وظهر أن
الملك من خطاب التكليف. ومنهم من جعله من خطاب الوضع الذي هو نصب الأسباب
والشروط والموانع والمقادير الشرعية وليس هو منها وإن كان هو سببا للانتفاع لأن كل حكم
شرعي سبب لمسببات كثيرة كالثواب والعقاب اه‍.
قلت: ويمكن أن يقال إنه من خطاب التكليف والوضع معا، وقد بين في الفرق
السادس والعشرين إنهما قد يجتمعان وقد ينفرد كل واحد منهما. وقد بحث ابن الشاط مع
القرافي في حد الملك وقال: إنه فاسد من وجوه، وإن الصحيح في حده أنه تمكن الانسان
شرعا بنفسه وبنائبه من الانتفاع بالعين أو المنفعة ومن أخذ العوض عن العين أو المنفعة. هذا
إن قلت: إن الضيافة ونحوها لا يملكها من سوغت له، وإن قلنا: إنه يملكها زدنا في الحد
بعد قولنا: ومن أخذ العوض فقلنا: أو تمكنه من الانتفاع خاصة اه‍. وبحث في ذلك
وأطال فليراجعه من أراده. وأما قول ابن عرفة: ويدخل فيه النكاح والإجارة ليس هو اعتراضا
على التعريف المذكور وإنما هو بيان للبيع بالمعنى الأعم، وأنه يدخل فيه النكاح والإجارة.
ولا يصح أن يعترض به على ابن رشد لأنه إنما تكلم على البيع الأعم، ولا على المازري
لأنه قصد إدخالهما فيه وصرح بذلك في المعلم فقال: اعلم أن العرب لبلاغتها وحكمتها
وحرصها على تأدية المعنى للأفهام بأدنى عبارة تخص كل معنى بعبارة وإن كان مشاركا
للآخر في أكثر وجوهه، فلما كانت الأملاك تنتقل بعوض وبغيره سموا الأول بيعا، فحقيقته
نقل الملك بعوض، ولكن المعاوضة إن كانت على الرقاب خصوها بتسمية البيع، وإن كانت
7

على المنافع خصوها بتسمية الإجارة إلا أن تكون منافع فروج فحصوها أيضا بتسميتها نكاحا.
وقال ابن بشير في أول كتاب الصرف من التنبيه: البيع بالقول الكلي يطلق على نقل الملك
بعوض لكن المملوك لا يخلو من أن يكون منافع أو عينا. ونعني بالعين كل ذات مشار إليها،
والمنافع إن كانت أبضاع النساء سمي العقد عليها نكاحا، وإن كانت غير ذلك سمي أيضا
على الاطلاق إجارة اه‍. وقد أطلق صاحب التنبيهات وغيره البيع على الإجارة.
وقال في كتاب الغرر من المدونة: من قال أبيعك سكنى داري سنة فذلك غلط في
اللفظ وهو كراء صحيح. فعلم من هذا أن للبيع إطلاقين: أعم وأخص. وسيأتي ذلك في
كلام ابن عرفة رحمه الله: فالأعم يشمل النكاح والصرف والسلم والإجارة وهبة الثواب،
والأخص لا يشمل إلا البيع. وباعتبار هذا الاطلاق الأخص غلط في المدونة من أطلق البيع
على الكراء في اللفظ وجعله كراء صحيحا بالنظر للمعنى الأعم، لكن إطلاق البيع على هذا
المعنى غير مستعمل في عرف الفقهاء غالبا فذلك أخرج ابن عرفة النكاح والإجارة من حد
البيع بالمعنى الأعم فقال البيع الأعم عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة، فتخرج
الإجارة والكراء والنكاح وتدخل هبة الثواب والصرف والمراطلة والسلم، وتدخل فيه المبادلة
والإقالة والتولية والشركة في الشئ أعني تولية البعض والقسمة على القول بأنها بيع
كالشركة في الأموال والاخذ بالشفعة لصدق حد البيع الأعم عليها، ولا تدخل الشفعة نفسها
لأنها استحقاق الشريك أخذ حصة شريكه التي باعها بثمنها.
ثم قال: والغالب عرفا أخص منه بزيادة ذي مكايسة أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة
معين غير العين فيه، فتخرج الأربعة. ويعني بالأربعة هبة الثواب والصرف والمراطلة والسلم.
فتخرج منه هبة الثواب بقوله: ذو مكايسة والمكايسة المغالبة. قال في الصحاح: كايسته
فكسته أي غلبته وهو يكايسه في البيع اه‍. والمماكسة قريب من المكايسة. قال في
المحكم: تماكس المتبايعان تشاحا اه‍. ويخرج الصرف والمراطلة بقوله: أحد عوضيه غير
ذهب ولا فضة، ويخرج السلم بقوله: معين غير العين فيه لأن غير العين في السلم لا يكون
معينا بل إنما يكون في الذمة، ولا يدخل في حده للبيع سلم العوض في عرض لأن غير
المعين الذي هو العوضان لم يتعينا وإنما يتعين أحدهما الذي هو رأس مال السلم فصدق فيه
أنه لم يتعين فيه غير المعين أي جميعه وإنما يتعين فيه بعضه والله أعلم. ثم قال ابن عرفة:
ودفع عوض في معلوم قدر ذهب أو فضة غير مسكوك لأجل سلم لا بيع لأجل، لأنه لو
استحق لم ينفسخ بيعه ولو بيع معينا انفسخ بيعه بالاستحقاق اه‍.
قلت: انظر هذه الصورة التي حكم عليها بأنها سلم، فإن الذي يظهر لي أنها داخلة
في حده للبيع فتأمله. والضمير في قوله: لأنه لو استحق عائد على المسلم فيه، وكذا
8

يدخل في حده للبيع السلم في ثمر حائط بعينه مع أنه يسمى سلما. ويدخل فيه بعض أنواع
الصلح كما لو صالح عن دين له من ذهب أو فضة بعوض يساوي ذلك أو يقاربه بزيادة أو
نقص. والظاهر أيضا أن قوله: ولا متعة لذة مستغنى عنه بقوله على غير منافع كما تقدم في
كلام المازري وابن بشير والله أعلم. وقال البرزلي بعد ذكره كلام ابن عرفة: ظاهر هذه
الاعتراضات وأجوبتها يدل على طلب حقيقة الشئ وماهيته في هذا الباب وغيره. وحقائق
الأشياء لا يعلمها إلا الله فهو المحيط بها من جميع الجهات، فهو العالم بما يحصلها،
والمطلوب في معرفة الحقائق الشرعية وغيرها إنما هو ما يميزها من حيث الجملة عما
يشاركها في بعض حقائقها حتى يخرج عنها ما يسري إلى النفس مثل أن يقال: ما الانسان؟
فيقال: منتصب القامة. فيحصل تمييزه عن باقي الحيوانات التي يسرع إلى النفس دخولها لا
كل حقيقة غيره لأنه يدخل عليه الحائط والعمود وكل منتصب القامة، لكن لما كان غير
مقصود في هذا الكلام لم يقع الاحتراز منه. قال بعض حذاق المنطقيين: وهذا المعنى كثيرا
ما يقع من حكماء المتقدمين قصدهم التمييز على ما يحصل التمييز في النفس ولو بأدنى
خاصية، فيعترض عليهم المتأخر ون لاعتقادهم أنهم يأتون بالحقائق التي تشتمل على جميع
الذاتيات وهم لا يقصدون ذلك لأنه لا يعلم حقائق الأشياء إلا الله سبحانه. وكذلك أشار إليه
ابن البناء في رفع الحجاب في بعض رسوم التخليص: فكل من عرف البيع بما عرفه به إنما
هو تصور معرفته من حيث الجملة لا تحصيل معرفته بجميع الذاتيات، فالاعتراض عليهم
ضعيف والله أعلم اه‍.
وبعضهم يقسم البيع الأعم ويزيد في التفصيل في بيع المنافع فيقول: لا يخلو إما أن
يكون بيع أعيان أو بيع منافع. والمنافع على قسمين: منافع جماد وهو المترجم له بأكرية
الدور والأرضين، ومنافع حيوان. والحيوان على قسمين: حيوان لا يعقل وهو المترجم له
بأكرية الرواحل والدواب، وحيوان يعقل وهو على قسمين: إما أن تكون المنفعة متعلقة
بالفروج وهو النكاح والخلع، أو بغير الفروج وهو الجعل والإجارة، ويشبه أن يكون هذا هو
الجاري على اصطلاحه في المدونة فإنه ذكر التراجم المذكورة إلا أنه بقي عليه من التقسيم
منافع العرض ويسمى ذلك غالبا إجارة. وبيع الأعيان ينقسم إلى أقسام كثيرة من حيثيات
متعددة، فينقسم من حيث تأجيل أحد عوضيه أو كليهما إلى أربعة أقسام، لأنه إن لم يكن
فيها تأجيل فهو بيع النقد، وإن تأجلا معا ابتداء فهو الدين بالدين وهو ممنوع كما سيأتي
بيانه في البيوع المنهي عنها، وإن تأجل الثمن فقد فهو البيع إلى أجل، وإن تأجل المثمون
فقط فهو السلم وينقسم من حيث كون أحد عوضيه ذهبا أو فضة إلى ثلاثة أقسام: بيع العين
بالعين، وبيع العرض بالعرض، وبيع العرض بالعين. وينقسم بيع العين بالعين إلى ثلاثة أقسام:
لأنه إن اختلف جنس العوضين كذهب وفضة وعكسه فهو الصرف، وإن اتحدا، فإن كان
9

البيع بالوزن فهو المراطلة، وإن كان بالعدد فهو المبادلة. وينقسم البيع أيضا من جهة رؤية
المثمن وعدم رؤيته إلى قسمين، لأنه إن كان مرئيا أو في حكم المرئي
فهو بيع الحاضر وإلا فهو بيع غائب. وينقسم أيضا باعتبار بت عقده وعدم بته إلى قسمين: فإن لم يجعل أحد
المتبايعين لصاحبه خيارا فهو بيع بت، وألبت القطع لأن كل واحد منهما قطع خيار صاحبه،
وإن جعل أحدهما لصاحبه الخيار أو جعل كل واحد منهما لصاحبه الخيار فهو بيع الخيار.
وينقسم أيضا من جهة ترتب الثمن فيه على ثمن سابق، وعدم ترتبه إلى أربعة أقسام: لأنه إن
كان الثمن مترتبا على ثمن سابق مثل أن يقول المشتري للبائع أذكر الثمن الذي اشتريت به
سلعتك وأربحك كذا فهو بيع المرابحة، وإن لم يكن الثمن مترتبا على ثمن سابق فهو على
ثلاثة أقسام: بيع مساومة، وبيع مزايدة، وبيع استئمان واسترسال، وسيأتي الكلام عليها مبينا
إن شاء الله. وينقسم باعتبار ما يعرض له من الأمور التي تفسده إلى قسمين: صحيح وفاسد.
وكل واحد من هذه الأقسام مباين لقسميه وأعم من قسميه من وجه، وإلى بعض هذه
التقاسيم أشار ابن عرفة بقوله: وحصول عارض تأجيل عوضه العين ورؤية عوضه غير العين
حين عقده، وبته، وعدم ترتب ثمنه على ثمن سابق، وصحته، ومقابل كل واحد منهما لعدده
المؤجل، ونقد حاضر وغائب وبت وخيار ومرابحة وغيرها. وصحة وفساد كل منهما مباين
لمقابله وأعم من غيره من وجه. وانظر القوانين في تقسيم المكاسب والله أعلم.
تنبيه: ظاهر ما تقدم من أن المعاوضة تكون على الأعيان وتكون على المنافع أن
الملكية تتعلق بالأعيان. وقال القرافي في الفرق المتقدم عن المازري في شرح التلقين: إن
قول الفقهاء: الملك في البيع يحصل في الأعيان والإجارة في المنافع ليس على ظاهره بل
الأعيان كلها لا يملكها إلا الله سبحانه، لأن الملك هو التصرف ولا يتصرف في الأعيان إلا
الله سبحانه بالايجاد والاعدام والإماتة والاحياء ونحو ذلك، وتصرف الخلق إنما هو في
المنافع فقطب أفعالهم من الأكل والشرب والحركات والسكنات. وتحقيق الملك أنه إن ورد
على المنافع مع رد العين فهو الإجارة وفروعها من المساقاة والجعالة والقراض ونحوه وإن
ورد على المنافع على أن لا يرد العين بل يبدلها بعوض وبغيره فهو البيع والهبة والصدقة
والعقد في الجميع إنما يتناول المنفعة. وقبله ابن الشاط إلا قوله: إن الملك التصرف
فقال: إنه غير صحيح على ما قرر المؤلف يعني القرافي قبل هذا. وعندي في هذا الكلام
الذي ذكره القرافي نظر، لأن الملك قد تقدم أنه إباحة شرعية تقتضي تمكين صاحبها من
الانتفاع بتلك العين أو المنفعة إلى آخره، ولا شك أن هذا حاصل في العين وليس هو
التصرف كما تقدم. ولو سلم أنه التصرف فالمراد أنه تصرف مخصوص مأذون فيه من
الشارع كهدم الدار وبنيانها وزرع الأرض وحرثها وتقطيع الثياب وخياطتها وطحن القمح
وغيره وذبح الحيوان المأكول وكل شئ أذن في التصرف له به تصرف يختص به، والفاعل
10

على الحقيقة المتصرف التصرف الحقيقي المطلق في جميع الوجوه هو الله سبحانه وتعالى.
وأما تصرف العباد وأفعالهم فإنما أجرى الله سبحانه العادة بأنه إذا وجد منها شئ خلق ذلك
التأثير عند وجود ذلك الفعل والله أعلم.
وحكم البيع من حيث هو الجواز. قال ابن عبد السلام: وكما أن حقيقته معلومة لكل
الناس فحكمه من الإباحة معلوم من الدين بالضرورة، فالاستدلال المذكور على ذلك في
الكتب والمجالس إنما هو على طريق التبرك بذكر الآيات والأحاديث مع تمرين الطلبة على
الاستدلال. ودليله من الكتاب قوله تعالى: * (وأحل الله البيع وحرم الربا) *
وقوله: * (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض
منكم) * وقال سبحانه: * (تبايعتم) * ومن السنح
أحاديث كثيرة من بيعه (ص) وشرائه وإذنه في البيع ووقوعه بحضرته، وسنذكر إن شاء الله
أحاديث في مواضعها من هذا الكتاب، من ذلك ما رواه البخاري أنه عليه الصلاة والسلام
قال: لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير
له من أن يسأل الناس أعطوه أم منعوه ومن ذلك ما رواه مسلم أنه عليه الصلاة والسلام
قال: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح
بالملح سواء بسواء مثلا بمثل يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، فإذا اختلف هذه
الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد وهذا موضع الدليل. وقوله عليه الصلاة
والسلام: أفضل الكسب بيع مبرور وعمل الرجل بيده رواه الإمام أحمد والطبراني وغيرهما.
والبيع المبرور الذي بر فيه صاحبه فلم يعص الله فيه ولا به ولا معه. قاله الشيخ أحمد زروق
في شرح الارشاد وعزا الحديث المذكور للترمذي قال: وصححه الحاكم. والاجماع على
جوازه من حيث الجملة. وقد يعرض له الوجوب كمن اضطر إلى شراء طعام أو شراب أو غير
ذلك، والندب كمن أقسم على إنسان أن يبيع سلعة لا ضرورة عليه في بيعها فيندب إلى
إجابته لأن إبرار المقسم فيما ليس فيه ضرورة مندوب إليه كما تقدم في باب الايمان.
وتعرض له الكراهة كبيع الهر والسباع لا لاخذ جلودها، والتحريم كالبيوع المنهي عنها.
وحكمة مشروعيته الرفق بالعباد والتعاون على حصول المعاش ولهذا يمنع من احتكار
11

ما يضر بالناس. قال في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة قال مالك: والحكرة في
كل شئ من طعام أو إدام أو كتان أو صوف أو عصفر أو غيره، فما كان احتكاره يضر بالناس
منع محتكره من الحكرة، وإن لم يضر ذلك بالناس ولا بالأسواق فلا بأس به. قال القرطبي في
شرح مسلم: لا يحتكر إلا خاطئ هذا الحديث بحكم إطلاقه أو عمومه يدل على
الاحتكار في كل شئ غير أن هذا الاطلاق قد يقيد والعموم قد يخصص بما فعله النبي (ص)
فإنه قد ادخر لأهله قوت سنتهم، ولا خلاف في أن ما يدخره الانسان لنفسه وعياله من قوت وما
يحتاجون إليه جائز ولا بأس به، فإذا مقصود هذا منع التجار من الادخار. ثم هل يمنعون من
ادخار كل شئ وذكر ما تقدم؟ وذكر الخلاف ثم قال: وكل هذا فيمن اشترى في الأسواق
فأما من جلب طعاما فإن شاء باع وإن شاء احتكر إلا إن نزلت حاجة فادحة أو أمر ضروري
بالمسلمين فيجب على من كان عنده ذلك أن يبيعه بسعر وقته، فإن لم يفعل أجبر على ذلك
إحياء للمهج وإبقاء للرمق. وأما إن كان اشتراه من الأسواق واحتكر وأضر بالناس فيشترك فيه
الناس بالسعر الذي اشتراه به انتهى. وقال أيضا في قوله في الحديث: كان ينفق على أهله نفقة
سنة: فيه ما يدل على جواز ادخار قوت العيال سنة، ولا خلاف فيه إذا كان من غلة المدخر.
وأما إذا اشترى من السوق فأجازه قوم ومنعه آخرون إذا أضر بالناس. وهذا مذهب مالك في
الادخار مطلقا انتهى. ونقله النووي عن القاضي عياض في الاشتراء من السوق، وإنه إن كان في
وقت ضيق الطعام فلا يجوز بل يشتري ما لا يضيق على المسلمين كقوت أيام أو أشهر وإن
كان في وقت سعة اشترى قوت سنة. كذا نقل القاضي هذا التفصيل عن أكثر العلماء وعن قوم
إباحته مطلقا. قال النووي: والحكمة في تحريم الاحتكار رفع الضرر عن عامة الناس كما أجمع
العلماء على أنه لو كان عند إنسان واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه دفعا
للضرر عن الناس. انتهى والله أعلم. وللبيع ثلاثة أركان: الأول الصيغة. الثاني العاقد والمراد به
البائع والمشتري. الثالث المعقود عليه والمراد به الثمن والمثمن فهي في الحقيقة خمسة،
ولكن لما كان البائع والمشتري يشتركان في الشروط عبر عنهما بلفظ العاقد وكذا الثمن
والمثمن. وبدأ المصنف بالكلام على الركن الأول فقال: ص: (ينعقد البيع بما يدل على
12

الرضا وإن بمعاطاة) ش: وإنما بدأ بالكلام عليه لقلته أو لأنه أول الأركان في الوجود، ثم بعده
يحصل تقابض العوضين. ولا يقال العاقد سابق عليه لأن الصيغة كلام أو فعل يصدر منه وهما
صفة له وصفة الشئ متأخرة عنه لأنا نقول: إذا أمعنت النظر وجدت العاقد محل الركن
ومحل الماهية أو محل ركنها كما يكون ركنا. قاله ابن عبد السلام. فالعاقد إنما يصح
وصفة بذلك بعد صدور العقد منه فتأمله والله أعلم. ويعني أن الركن الأول الذي هو الصيغة
التي ينعقد بها البيع هو ما يدل على الرضا من البائع ويسمى الايجاب، وما يدل على الرضا
من المشتري ويسمى القبول، وسواء كان الدال قولا كقول البائع: بعتك وأعطيتك
وملكتك بكذا وشبه ذلك، وقول المشتري: اشتريت وتملكت وابتعت وقبلت وشبه
ذلك، أو كان فعلا كالمعاطاة وهي المناولة، قاله في الصحاح. وقال الشيخ زروق: هي أن
يعطيه الثمن فيعطيه المثمن من غير إيجاب ولا استيجاب انتهى. لأن الفعل يدل على الرضا
عرفا والمقصود من البيع إنما هو أخذ ما في يد غيرك بعوض ترضاه، فلا يشترط القول
ويكفي الفعل كالمعاطاة. والدليل على أن حصول الرضا ركن في البيع قوله تعالى: * (يا أيها
الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * [البقرة:
188] فعلم من هذا أن الدال على الرضا المسمى بالايجاب والقبول تارة يكون قولا فلا
كلام في انعقاد البيع به كما إذا قال البائع: بعتك بكذا وقال المشتري: اشتريت منك بكذا،
فلا اختلف أن ذلك لازم لكل واحد منهما إن أجابه صاحبه بالامضاء والقبول في المجلس
قبل التفرق. قاله ابن رشد في أول رسم من سماع أشهب من كتاب العيوب، ونقله ابن عرفة.
وتارة يكون فعلا واختلف فيه، فذهب مالك رحمه الله وجماعة إلى الاكتفاء بذلك، وذهب
جماعة من أهل العلم إلا أنه لا ينعقد إلا بالقول. قال ابن رشد في المذهب: واتفق الفقهاء
على انعقاده باللفظ الدال على الرضا، واختلفوا في انعقاده بالمعاطاة، فذهب مالك إلى
انعقاده بها مطلقا ومنعه الشافعي مطلقا. وقال أبو حنيفة: ينعقد بها في المحقرات خاصة
وإليه مال الغزالي انتهى. واحتج الشافعية بأن الفعل لا دلالة بالوضع فلا ينعقد به البيع، واحتج
المالكية بما تقدم من أن الأفعال وإن انتفت منها الدلالة الوضعية ففيها دلالة عرفية وهي
كافية إذ المقصود من التجارة إنما هو أخذ ما في يد غيرك بدفع عوض عن طيب نفس
منكما فتكفي دلالة العرف في ذلك على طيب النفس والرضا بقول أو فعل وإن كان ذلك
الفعل معاطاة.
ولما كان الفعل مختلفا في انعقاد البيع به نبه على ذلك المصنف بقوله: وإن
بمعاطاة يعني أن الدلالة على الرضا يكفي فيها الفعل لأنه يدل على الرضا في كثير من
الأمور دلالة عرفية، وإن كان ذلك الفعل معاطاة وعلم من هذا أن بيع المعاطاة المحضة
العاري عن القول من الجانبين لا بد فيه من حضور الثمن والمثمن ولذا قال ابن عرفة أثناء
13

كلامه في بيعتين في بيعة: وبياعات زماننا في الأسواق إنما هي بالمعاطاة فهي منحلة قبل
قبض المبيع انتهى. وعلم من المبالغة بقوله: وإن بمعاطاة أن البيع ينعقد بالمعاطاة من
جهة، والقول من جهة الأحرى من باب أخرى، وسيصرح بذلك. وعلم أيضا أنه ينعقد بكل
قول يدل على الرضا وبالإشارة الدالة على ذلك وهي أولى بالجواز من المعاطاة لأنها يطلق
عليها أنها كلام قال الله تعالى: * (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) * [آل عمران:
41] والرمز الإشارة. وقال ابن عرفة: الصيغة ما دل عليه ولو معاطاة في حمالتها ما فهم أن
الأخرس فهمه من كفالة أو غيرها لزمه. الباجي: كل إشارة فهم منها الايجاب والقبول لزم
منها البيع انتهى.
قلت: وغير الأخرس كالأخرس. قاله أبو الحسن في شرح مسألة المدونة المذكور
ونصه: وكذا غير الأخرس إذا فهم عنه بالإشارة، وإنما ذكر الأخرس لأنه لا يتأتى منه غيرها
انتهى. وكلام الباجي الذي ذكره ابن عرفة دال على ذلك ونصه في المنتقى: وكل لفظ أو
إشارة فهم منها الايجاب والقبول لزم بها البيع وسائر العقود انتهى. وسيأتي كلامه هذا عند
قول المصنف وببعني ص: (وببعني فيقول: بعتك) ش: هو داخل في حيز المبالغة ويعني
أن البيع ينعقد بقول المشتري للبائع يعني سلعتك بكذا إذا قال له البائع: بعتك يريد أو
صدر منه شئ يدل على الرضا من قول أو فعل. ونبه المصنف بهذا على فائدتين: الأولى
منهما أنه لا يشترط في انعقاد البيع أن يتقدم ما يدل على الايجاب على ما يدل على الرضا
كما يقوله بعض الشافعية. والثانية أن المعتبر في الأقوال كونها دالة على الرضا في العرف ولو
كانت في أصل اللغة على غير ذلك، أو فيها احتمال لذلك ولغيره. فإن قول المشتري لمن
بيده سلعة بعني سلعتك بعشرة لا يدل صريحا على إيجاب البيع من جهة المشتري لأنه إما
آمر للبائع أن يبيعه أو ملتمس منه ذلك، ويحتمل أن يكون راضيا به أو غير راض به لكن
العرف دال على أن قائل ذلك طالب ومريد للبيع وراض به، لأن بعني صريح في أمر
المشتري للبائع بالبيع واستدعائه منه وطلبه له وإرادته إياه وحصول مطلوب يصير به مبتاعا،
فإذا أجابه البائع بحصول مطلوبه فقد تم له ما أراده من وجود البيع، وظاهر كلام المصنف أن
البيع ينعقد في هذه المسألة ويلزم المشتري إذا أجابه البائع بما يدل على الرضا ولو قال
البائع بعد بعتك: لا أرضى لأني لم أرد إيجاب البيع، ويعد قوله بعد ذلك لا أرضى ندما
وليست كمسألة السوم الآتية ولذلك لم يجمعها معها. وهذا القول لمالك في كتاب ابن
المواز وقاله ابن القاسم وعيسى بن دينار في كتاب ابن مزين واختاره ابن المواز ورجحه،
14

وكذا نقله ابن عرفة ورجحه أبو إسحاق التونسي واقتصر عليه الباجي ونصه: البيع يفتقر إلى
إيجاب وقبول، ويلزم بوجودهما بلفظ الماضي. وإذا قال: بعني فيقول البائع: بعتك
فحكى أصحابنا العراقيون أنه ينعقد به. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا ينعقد حتى يقول
المشتري بعد اشتريت. والدليل على ما نقلوه أن كل ما كان إيجابا وقبولا في عقد النكاح
كان كذلك في البيع إذا ثبت ذلك فليس للايجاب والقبول لفظ معين. وكل لفظ أو إشارة
فهم منها الايجاب والقبول لزم به البيع وسائر العقود إلا أن في الألفاظ ما هو صريح مثل:
بعتك بكذا فيقول: قبلت أو ابتعت منك فيقول: بعت فهذا يلزمهما.
وأما الألفاظ المحتملة فلا يلزم البيع بها بمجردها حتى يتنزل بها عرف أو عادة أو ما
يدل على البيع مثل أن يقول المبتاع: بكم؟ فيقول البائع: بدينار، فيقول: قبلت، فيقول البائع:
لا أبيعك. فإن كان في سوق تلك السلعة فروى أشهب: يلزمه البيع. وروى ابن القاسم:
يحلف ما ساومه على البيع ولا يلزمه انتهى. والقول ملزوم البيع في هذه المسألة التي ذكرها
المصنف، ولو قال المشتري: لا أرضى هو خلاف قول ابن القاسم في المدونة فإنه يسوي
بينها وبين مسألة المساومة الآتية. قال في كتاب الغرر: فإن قلت لرجل: بعني سلعتك بعشرة
وقال: قد فعلت فقلت: لا أرضى قال: قال مالك فيمن وقف سلعة للسوم فقلت له: بكم
فقال: بعشرة فقلت: قد رضيت فقال: لا أرضى: إنه يحلف ما ساومتك على إيجاب البيع،
ولكن لما لم يذكر فإن لم يحلف لزمه البيع. قال ابن القاسم: فكذلك مسألتك انتهى.
ونسب هذا القول أيضا لمالك في كتاب ابن المواز. قاله ابن رشد في أول رسم من سماع
أشهب من كتاب العيوب. وعليه فيدخل في هذه المسألة الخلاف الآتي في مسألة السوم.
قال في التوضيح: وأشار بعضهم إلى ضعف قياس ابن القاسم انتهى. لأن المشتري إذا
قال: بعني فقد طلب ذلك بلفظ صريح كما تقدم. وأما في مسألة السوم فيحتمل أن يكون
صاحبها أوقفها للبيع أو ليعلم المقدار الذي تساويه ثم لا يبيعها أو يبيعها من آخر طلبها منه،
فإذا قال له قائل: بكم، فيحتمل أن يكون فهم عنه بكم تبيعها أو بكم اشتريتها، فإذا قال له
السائل قد رضيتها فلا بد من جواب البائع بما يدل على الرضا صريحا أو ظاهرا لكن لما
كان كلامه الأول محتملا حلفه مالك لرفع الاحتمال وألزمه غيره البيع كما سيأتي.
والاحتمال إنما قوي في كلامه من جهة وقف السلعة للبيع وهي قرينة حالية، والقرينة في
المسألة الأخرى مقالية وهو قول المشتري بعني سلعتك بعشرة، والمفهوم من القرينة اللفظية
أقوى من القرينة المعنوية. ولعل مالكا لو سئل عن مسألة ابن القاسم ما قبل فيها من
المشتري يمينا. وأشار إلى ذلك أيضا أبو الحسن. قال ابن عبد السلام: ولذلك اختصرها
البراذعي وغيره على السؤال والجواب. وإنما يفعلون ذلك إذا كان جواب ابن القاسم يوهم
عدم المطابقة للسؤال أو قياسه مشكلا وإن سلمت من ذلك ذكروها بلفظ مختصر ولم
15

يذكروا السؤال والجواب. وكذا قال ابن عرفة، ولهذا والله أعلم مشى المصنف على القول
الأول ولم يجمعها مع مسألة السوم كما فعل ابن القاسم، فلا اعتراض عليه في عدم ذكر
المسألة كما في المدونة. ولو قلنا: مشى على مذهب المدونة فلا اعتراض عليه أيضا ونقول:
تكلم على ما ينعقد به البيع ولم يتعرض إلى أنه وقع فيه إنكار، ومسألة المدونة تكلم فيها
على ما إذا وقع إنكار لكن المحمل الأول هو الظاهر الراجح والله أعلم.
تنبيهات: الأول: إذا قال البائع: اشتر مني هذه السلعة بكذا أو خذها فيقول المشتري:
اشتريت أو قبلت أو فعلت ونحو ذلك، فهو بمنزلة قول المشتري: بعني سلعتك بكذا فيقول
له البائع: بعتك. قاله ابن رشد في أول رسم من سماع أشهب من كتاب العيوب. فلو قال
المصنف: وكبعني لكان أحسن.
الثاني: إذا قال المشتري: أتبيع سلعتك بكذا فقال له البائع: نعم أو بعتكها فقال
المشتري: ما أردت الشراء، فهو كمسألة السوم الآتية كما صرح به ابن راشد في المذهب،
وكما يفهم ذلك من كلام أبي إسحاق التونسي وأبي الحسن وغيرهما، بل هي أحرى بعدم
اللزوم والله أعلم. ونص كلام أبي إسحاق بعد أن ذكر كلام المدونة: وأما الذي قال: بعني
فالأشبه أنه لا رجوع له لأن لفظ بعني لفظ إيجاب فلعله إنما فهم منه أتبيعني على
الاستفهام انتهى. ونص كلام أبي الحسن في أثناء كلامه على مسألة المدونة، وعن ابن
محرز أن مسألة ابن القاسم مما يعارضها المذاكرون ويقولون: لا تشبه مسألة مالك لأن مسألة
مالك قيل للبائع: بكم تبيع فقال: بكذا فتقديرها أبيعها في المستقبل، ومن قال يبيعها في
المستقبل ما أوجب على نفسه بيعا بخلاف بعني فإنه لفظ إيجاب. وسئل عنها ابن
الكاتب فقال: معنى قوله: بعني أتبيعني. أبو الحسن: وهذا الذي قاله ابن الكاتب محتاج
إلى دلالة انتهى.
الثالث: قول المصنف: فيقول: بعتك يريد أو أعطيتك أو خذها أو قبلت أو نحو
ذلك، وتقدم في لفظ المدونة فقال: قد فعلت ولذلك قال البساطي: لو قال المؤلف فيقول:
فعلت انتهى. وذكر القرطبي فتفسيره أن قوله دونكها بعشرة وبورك لك فيها أو سلمتها
إليك مثل قوله خذها بعشرة انتهى.
الرابع: تقدم في كتاب النكاح كلام التوضيح في الفرق بين البيع على مذهب ابن
القاسم في المدونة، وبين النكاح في أنه في النكاح يلزم بقوله زوجني فيقول فعلت ولو قال
الزوج لا أرضى والله أعلم. ص: (وبابتعت أو بعتك ويرضى الآخر فيهما) ش: هو أيضا
معطوف على ما في حيز المبالغة ويعني به أن البيع ينعقد في قول المشتري: ابتعت منك
هذه السلعة بكذا أو اشتريتها أو أخذتها إذا صدر من الآخر الذي هو البائع في هذه
16

الصورة ما يدل على الرضا، وسواء كان الدال على رضاه قولا أو فعلا كان يعطيه المبيع أو
نحو ذلك. وكذلك ينعقد البيع بقول البائع: بعتك هذه السلعة بكذا أو أعطيتكها أو
ملكتكها بكذا إذا صدر من الآخر الذي هو المشتري في هذه الصورة ما يدل على الرضا
من قول أو فعل بأن يعطيه الثمن ونحو ذلك. وصرح الشيخ زروق أيضا في شرح الارشاد بأنه
ينعقد بالقول من أحد الجهتين وفعل من الآخر انتهى. فقوله: ويرضى الآخر وأعم من أن
يكون بالقول أو بالفعل. وقوله: الآخر أي غير المتكلم من بائع أو مشتر. والضمير في قوله:
فيهما للصورتين. وظاهر كلام المصنف أن البيع في هاتين الصورتين ينعقد. ويلزم المتكلم
أولا. ولو قال الآخر بعد ما أجابه صاحبه بما يدل على الرضا ما أردت الشراء أو ما أردت
البيع وإنما كنت مازحا أو أردت اختبار ثمن السلعة أو نحوه، وهو كذلك على ما نقل ابن
أبي زمنين في مقربه ومنتخبه عن ابن القاسم في هاتين المسألتين والمسألتين اللتين بعدهما
الآتيتين في كلام المصنف من التفرقة بين أن تكون الصيغة بلفظ الماضي أو المضارع،
وحكم باللزوم في هاتين المسألتين ولو قال الآخر لم أرد البيع ولم أرد الشراء وساقه يقبل
قوله: ويحلف في المسألتين الآتيتين. ونقل هذه المسائل الأربع عنه ابن يونس وأبو الحسن
وابن عبد السلام والمصنف وابن عرفة وغيرهم وقبلوا كلامه، وسيأتي لفظه وهو مأخوذ من
المدونة فإنه قال فيها بعد مسألة السوم التي تقدمت: فلو قلت له قد أخذت منك غنمك هذه
كل شاة بدرهم فقال ذلك لك فقد لزمك البيع انتهى والله أعلم. ص: (وحلف وإلا لزم إن
قال أبيعكها بكذا أو أنا أشتريها به) ش: لما ذكر الصورتين اللتين ينعقد فيهما البيع ويلزم
ولو قال أحد المتبايعين ما أردت البيع أو ما أردت الشراء، ذكر ما ينعقد فيه البيع ويلزم إلا أن
يقول أحدهما ما أردت البيع أو ما أردت الشراء فإنه يحلف على ذلك ويقبل قوله، وذلك
حيث يكون اللفظ الدال على الرضا من جهته محتملا للدلالة على الرضا وليس بصريح،
وذكر من ذلك ثلاث مسائل وهاتين المسألتين مع مسألة السوم الآتية. أما هاتان المسألتان
فالأولى منهما: إذا قال البائع: أبيعك سلعتي بكذا أو أعطيكها بكذا فأجابه المشتري بما يدل
على الرضا فقال البائع: لم أرد البيع وإنما أردت اختبار ثمنها أو كنت مازحا أو نحو ذلك،
فإنه يحلف أنه ما أراد بقوله: أبيعكها إيجاب البيع وإنما أراد به ما ذكر، فإن حلف لم يلزمه
17

البيع، وإن لم يحلف لزمه. وقولنا: فأجابه المشتري بما يدل على الرضا يفهم من المسألتين
السابقتين. وقولنا: فقال البائع لم أرد البيع يفهم من قوله: حلف وإلا لزم فإنه يدل على أنه
وقع منه إنكار. وكذلك يقال في المسألة الثانية وهي ما إذا قال المشتري لصاحب السلعة: أنا
أشتري منك هذه السلعة بكذا أو أبتاعها أو آخذها، فأجابه البائع بما يدل على الرضا فقال
المشتري: ما أردت الشراء وإنما أردت اختبار ثمنها أو نحو ذلك، فإنه يحلف على ما ادعاه،
فإن حلف لم يلزمه الشراء، وإن لم يحلف لزمه، فالحكم فيها كالأولى. ففاعل: حلف
وقال: ضمير يعود على أحد المتبايعين وبقية الكلام بعينه لأنه يفهم منه أن البائع إن قال:
أبيعكها والمشتري إن قال: اشتريتها وفاعل لزم يعود إلى البيع.
وقد تقدم أن هاتين المسألتين ذكرهما ابن أبي زمنين مع المسألتين اللتين فوقهما وعنه
نقلهما ابن يونس وأبو الحسن وابن عبد السلام وابن عرفة والمؤلف وغيرهم وقبلوه. ونص
كلامه في منتخب الاحكام بعد أن ذكر مسألة السوم الآتية في كلام المصنف: رأيت فيما
أملاه بعض مشايخنا إذا قال البائع: بعتكها بكذا أو قد أعطيتكها بكذا أو قد أخذتها فرضي
المشتري ثم أبى البائع وقال: ما أردت البيع لم ينفعه ولزمه، وكذلك إن قال المشتري: قد
ابتعت منك سلعتك بكذا أو قد أخذتها منك بكذا فرضي البائع لم يكن للمشتري أن يرجع
ولو قال أنا أبيعكها أو أعطيكها بكذا فرضي المشتري فقال البائع: ما أردت البيع فذلك
له ويحلف. وكذلك لو قال المشتري: أنا أشتريها منك أو آخذها منك بكذا فرضي المشتري
فقال البائع: لم أرد البيع فذلك له ويحلف، فافهم افتراق هذه الوجوه اه‍. وله نحو ذلك في
مقربه وزاد بعده وهي كلها مذهب ابن القاسم وطريقة فتياه. قال ابن يونس بعد أن ذكر
كلامه في المقرب: لأن قوله: أنا أفعل وعد وعده إياه في المستقبل، وقوله: قد فعلت
إيجاب أوجبه على نفسه فافترقا انتهى. وقال في التوضيح بعد أن ذكر كلامه في المقرب:
وحاصله التفرقة بين أن تكون الصيغة بلفظ الماضي فتلزم، أو بلفظ المضارع فيحلف. ونحوه
لابن عبد السلام فقال: حاصل كلامه أنه إن أتى بصيغة الماضي لم يقبل منه رجوع، وإن أتى
بصيغة المضارع فكلامه محتمل فيحلف على ما أراده ثم قال: وقال بعض المتأخرين من
الشافعية بعد أن ذكر هذا الكلام المعتبر في صيغ عقود البيع وغيره: إنما هو ألفاظ الانشاء
وجرى العرف فيها باستعمال صيغة الماضي ولم يجر بالمضارع ولا غيره، ولو جرى الامر
فيها بالعكس لانعكس الامر. هذا معنى كلامه وهو صحيح اه‍. وقال القرطبي في تفسير قوله
تعالى: * (وأحل الله البيع) * البيع قول وإيجاب باللفظ الماضي والمستقبل.
فالماضي فيه حقيقة، والمستقبل كناية، ويقع بالصريح وبالكناية المفهوم منها نقل الملك اه‍.
وسيأتي إن شاء الله أن الخلاف الآتي في مسألة السوم يدخل في هاتين المسألتين أيضا
فتأمله والله أعلم.
18

تنبيهان: الأول: حكى ابن رشد في أول رسم من سماع أشهب من كتاب العيوب
الأقوال الثلاثة الآتية في مسألة السوم، والمسألة الثانية في كلام المصنف أعني قول المشتري
أنا اشتريها بكذا. ونقله عنه ابن عرفة وقبله، وسيأتي كلامه في القولة التي بعد هذه. ولا شك
أن الخلاف الذي يدخل فيها يدخل في المسألة الأولى إذ لا فرق بينهما فيكون الخلاف
في هاتين المسألتين وفي المسألة السوم على حد سواء والله أعلم.
الثاني: قال في العتبية في المسألة السادسة من نوازل سحنون ومن جامع البيوع. قال
سحنون عن ابن نافع عن مالك في الرجل يسوم بالدابة فيقول له رجل: تبيعني بكذا وكذا
فيقول: لا أفعل إلا بكذا فيقول له المشتري: انقصني دينارا فيقول: لا أنقص فيقول له
المشتري: قد أخذتها بما قلت: إنه يلزم ذلك البيع البائع وليس له أن يرجع. ابن رشد: هذه
مسألة صحيحة لا اختلاف فيها إذ تبين بتردد المماكسة أنه مجد في السوم غير لاعب اه‍.
ونقلها ابن عرفة بعد أن ذكر كلام ابن أبي زمنين وابن يونس ونصه: قلت: في نوازل سحنون
عن رواية ابن نافع من قال لرجل: تبيعني دابتك بكذا فيقول: لا إلا بكذا فيقول: انقصني
دينارا فيقول: لا فيقول: أخذتها بذلك لزم البائع البيع. ابن رشد: اتفاقا لدلالة تردد المماكسة
على أنه غير لاعب.
قلت: مقتضى تبيعني جوابه بايعتك فإلزامه البيع يعارضه. نقل ابن أبي زمنين أو
يقيده بغير المماكسة اه‍.
قلت: تأمل قوله: مقتضى قوله: تبيعني أن يكون جوابه أبيعك فإن الظاهر أنه لا
يقتضى ذلك لأنه لا يلزم إذا كان السؤال بلفظ المضارع أو الماضي أن يكون الجواب
كذلك، ولو فرض أن الجواب وقع بلفظ المضارع فلا شك أن تردد المماكسة فيها ينفي
احتمال عدم إرادة البيع كما قال ابن رشد، فلذلك لزم فيها البيع فيقيد كلام ابن أبي زمنين
بأن لا يقترن بالكلام ما ينفي احتمال عدم إرادة البيع ولولا تردد المماكسة في المسألة
المذكورة لكانت كمسألة السوم الآتية أو أحرى كما تقدم التنبيه على ذلك. والمماكسة هي
الكلام في مناقصة الثمن مأخوذة من المكس وهو ما ينقصه الظالم ويأخذه من مال الناس.
19

قاله القرطبي وغيره والله أعلم. ص: (أو تسوق بها فقال: بكم فقال: بمائة فقال: أخذتها)
ش: هذه مسألة السوم المتقدمة عن المدونة وهي المسألة الثالثة من المسائل التي ينعقد فيها
البيع ويلزم إلا أن يحلف المنكر لإرادة البيع وهو البائع في هذه المسألة. وقوله: تسوق بها
أي أوقفها في السوق للسوم، وفاعل تسوق ضمير يعود للبائع، والضمير في بها يعود
للسلعة، وفاعل قال الأول والثالث يعود على المشتري، وفاعل قال الثاني يعود على
البائع. ولا بد من تقدير جملة بعد قوله أخذتها وهي: فقال صاحبها: ما أردت البيع، ويدل
على ذلك قوله: وحلف كما تقدم. وجميع ذلك تدل عليه القرينة ويفرقه ذهن السامع.
ومعنى المسألة أن من أوقف سلعته في السوق للسوم فقال له شخص: بكم تبيعها؟ فقال
صاحب السلعة: بمائة مثلا. فقال المشتري: أخذتها بها. فقال صاحب السلعة: ما أردت البيع
وإنما أردت اختبار ثمنها أو كنت لاعبا ونحو ذلك، فإنه يحلف أنه ما أراد إيجاب البيع، فإن
حلف لم يلزمه البيع وإن لم يحلف لزمه. وهذا قول مالك في كتاب الغرر من المدونة قال
فيها: يحلف بالله أنه ما ساومه على إيجاب البيع وما ساومه إلا على كذا للامر الذي يذكره،
فإذا حلف لم يلزمه البيع وإن لم يحلف لزمه. ولمالك أيضا في أثناء أول رسم من سماع
أشهب من كتاب العيوب أن البيع يلزمه وليس له أن يأبى ونصه: وسئل عن الرجل قد وقف
عبده للبيع: بكم عبدك هذا فيقول: بعشرين دينارا فيقول: أخذته بذلك. فيقول البائع مجيبا
مكانه: لا أبيعه بذلك. أترى البيع لازما له؟ قال: نعم أرى ذلك لازما له، وليس له أن يأبى أن
يعطيه إياه بعشرين دينارا.
قال ابن رشد: وكذلك لو قال السائم: أنا آخذه بكذا وكذا فقال البائع: قد بعتك
بذلك. فقال السائم: لا آخذه بذلك. لزمه الشراء على قول مالك هذا خلاف ما في كتاب
بيع الغرر من المدونة من أن ذلك لا يلزم البائع ولا المشتري بعد أن يحلف كل واحد منهما
أنه ما ساومه على الايجاب والامكان. وإنما كان ذلك مبني منه على وجه كذا وكذا الامر
يذكره. وقال أبو بكر الأبهري: إن كان الذي سمى قدر قيمة السلعة وكانت تباع بمثله
لزمهما البيع، وإن كان لا يشبه أن يكون ذلك ثمنها حلف أنه لاعب وليلزمه انتهى.
فالأقوال ثلاثة وهكذا نقلها ابن رشد في الرسم المذكور والمصنف في التوضيح وابن عرفة
وغيرهم. ونص ابن عرفة: ومن قال لمن وقف سلعته للبيع بكم هي؟ فقال: بكذا. فقال:
20

أخذتها به فقال: لا أرضى. ففي لزوم البيع لمن أوقفها ولغوه إن حلف ما ساومه على
الايجاب ثالثها إن كان الثمن ثمنها أو ما تباع به وإلا فالثاني لسماع القرينين ولهما ولابن
رشد عن الأبهري. ابن رشد: وكذا لو قال السائم: أنا آخذها بكذا. فقال البائع: بعتكها به.
فقال: لا أرضى انتهى. وقوله: أو ما تباع به لعله ثبت كذلك في نسخة من البيان ب لو وأما
الذي رأيته في البيان ونقله في التوضيح وكانت تباع بالواو والله أعلم. وظاهر كلام أبي
إسحاق ترجيح رواية أشهب فإنه قال بعد أن ذكر كلام المدونة: وقول أشهب وهذا لعمري
الأشبه إذا كان عادة من يساوم إنما يذكر ما يبيع به إلا أن يظهر عذر ظاهر انتهى.
تنبيهات: الأول: قول ابن رد: وكذلك لو قال السائم: أنا آخذها بكذا. فقال البائع:
قد بعتكها بذلك فقال السائم: لا آخذها بذلك. هي مسألة ابن أبي زمنين المتقدمة وهي
المسألة الثانية في كلام المصنف في القولة التي قبل هذه أعني قوله: وأنا أشتريها به. وعلم
منه أن الخلاف الذي في مسألة السوم هذه يدخل فيها على ما قاله ابن رشد وإذا دخل فيها
فلا شك في دخول في أختها بطريق القياس إذ لا فرق بينهما كما تقدم بيان ذلك في التنبيه
الأول من شرح القولة التي قبل هذه، فيكون الخلاف في المسائل الثلاث على حد السواء.
غاية الأمر أنه في مسألة السوم منقول مصرح به، وفي الثانية صرح ابن رشد بأنها مثلها سواء
والثالثة كذلك. والقول الذي مشى عليه المصنف فيها هو قول مالك وابن القاسم في كتاب
الغرر من المدونة، وتقدم في كلام ابن أبي زمنين أنه مذهب ابن القاسم وطريق فتياه والله
أعلم.
الثاني: الذي ارتضاه ابن رشد أن هذه الأقوال إنما هي في السلعة الموقوفة للسوم،
ولو لم تكن موقوفة للسوم فإنه يقبل قول ربها إنه كان لاعبا ويحلف على ذلك، ولا يلزمه
البيع إلا أن يتبين صدق قوله فتسقط عنه اليمين، ونصه بعد ذكره الخلاف المتقدم. وهذا
الاختلاف إنما هو في السلعة الموقوفة للبيع. وأما إن لقي رجل رجلا في غير السوق فقال:
بكم عبدك هذا أو ثوبك هذا أو لشئ لم يوقفه للبيع؟ فقال: بكذا. فقال: أخذته بذلك. فقال
ربه: لا أرضى إنما أنا لاعب وما أشبه ذلك. فإنه يحلف على ذلك ولا يلزمه البيع إلا أن
يتبين صدق قوله فتسقط عنه اليمين قولا واحدا على ما يقتضيه في هذا الرسم بعينه من
سماع أشهب من جامع البيوع. وقد ذهب بعض الناس إلى أن الخلاف في ذلك. ولو لم
تكن السلعة موقوفة للبيع على ما وقع في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من جامع
البيوع فإنه قال: إن البيع يلزمه ولم يذكر فيه أن السلعة كانت موقوفة. وذهب إلى أن
يتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: عدم اللزوم وإن وقفت على ما في المدونة، واللزوم وإن لم
توقف على ما في رسم سلعة سماها المذكور.
21

الثالث: الفرق بين أن تكون موقوفة أو لا على ما في سماع أشهب من البيوع وليس
ذلك عندي بصحيح، لأن مسألة رسم سلعة سماها وإن لم تكن السلعة موقوفة للبيع فذهاب
المشتري بها ليستشير فيها بإذن البائع يحرجها من الخلاف، وقد بين هذا في تفسير ابن
مزين انتهى. ونقله ابن عرفة باختصار ونقلها في التوضيح أوله.
قلت: ويتبين صدق قوله والله أعلم بأن يكون أشهد قبل المساومة أنه لا يريد البيع
وإنما يريد كذا أو بما يدل على ذلك من قرائن الأحوال نص ما في رسم سلعة سماها الذي
أشار إليه ابن رشد. قال مالك في الرجل يأتي بعض النخاسين الذين يبيعون الرقيق والدواب
فيسومه بالرأس أو الدابة فيقول له السائم: بثلاثين أو عشرين. فيماكسه حتى يقف على ثمن
لا يزيده على هذا الكلام ولا يقول له البائع إن رضيت فخذ ولا يزيد على قوله هي بكذا
وكذا فيقول السائم: أذهب بها فاستشير فيها. فيقول: نعم فاذهب واستشر ولا يزيده السائم
على ذلك من القول فيرضى بها ويأتيه بالثمن، فيقول البائع: قد بدا لي وما كان بيننا إلا
مساومة، أو يقول: زيد عليك فبعتها: لا أرى ذلك له وأراه بيعا نافذا عليه إن رضيه الذي
ساومه، وليس له أن ينزع ذلك وأرى أن يدخله النهي عن بيع أخيه. قال ابن رشد:
هذه مسألة صحيحة بينة ليست بخلاف لما في كتاب الغرر من المدونة ولا لما في سماع
أشهب من هذا الكتاب ومن كتاب البيوع، لأن قول البائع للمبتاع اذهب بها فاستشير فيها
دليل على أنه قد أوجب البيع على نفسه وجعل الخيار فيها للمبتاع انتهى. وقال ابن عرفة
بعد أن ذكر هذه المسألة: قلت: فكون البائع نخاسا وهو الدلال قائم مقام وقفها للبيع انتهى.
قلت: ما ذكره ابن عرفة غير ظاهر لأنه يقتضي أن يكون كالسلعة الموقوفة، وقد
علمت أن الراجح فيها أن البائع يحلف ويلزمه البيع. والظاهر في المسألة ما قاله ابن رشد
وأن قول البائع للمبتاع: اذهب واستشير دليل على أنه أوجب البيع على نفسه فلا يقبل قوله:
لا أرضى بعد ذلك وأنه خارج من الخلاف فتأمله. ونقل المسألة في النوادر عن مالك في
كتاب ابن المواز في ترجمة ما يلزم به البيع من التساوم، ولم يذكر فيها أن البائع نخاس
ونصه: ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن ساوم سلعة فماكسه المشتري حتى وقفه
المشتري على ثمن فلم يزده البائع على هذا ولا قال له: إن رضيت فخذ وإنما قال: هي
بكذا فيقول السائم: اذهب بها فأشاور. فيقول: افعل، فيذهب بها المشاور ثم يرضى ويأتي
بالثمن فيبدو للبائع أن يقول بعتها ممن زاد عليك ويقول: إنما بيني وبينك سوم: فالبيع تام
إن رضيه المبتاع وليس من ساوم بشئ فقال المبتاع: قد أخذتها فيبدو للبائع كمن وقف
على ثمن سلعة ودفعها إلى المبتاع فذلك يلزمه إلا أن يقبله المبتاع وإن هلك ذلك بيد
المبتاع قبل أن يرضى به فهو من البائع انتهى. ونص ما في سماع أشهب من البيوع قال
أشهب: سألت مالكا عن الرجل يقول للرجل: أتبيعني سلعتك هذه؟ فيقول: نعم بكذا وكذا.
22

فيقول: قد أخذتها. فيقول رب السلعة: ما أردت بيعها وإنما أردت اختبار ثمنها فقال لي:
سواء. أما الذي يوقف سلعته بالسوق فأرى ذلك لازما له ولا يغني عنه إباؤه وإن لم يفترقا
وكان ذلك مكانهما وكانت مناكرتهما ساعتهما، وأما الذي يعلم إنه كان لاعبا ولا يريد
بيع سلعته، فلا أرى ذلك لازما ماله ولا عليه جائزا.
قال ابن رشد: هذه الرواية تدل على أن الخلاف إنما هو في الذي يسوم الرجل سلعته
وقد أوقفها للبيع في السوق هل يصدق أنه لم يرد السوم وإنما أراد اختبار ثمنها وأنه كان
لاعبا وما أشبه ذلك. وأما الذي يلقى الرجل في غير السوق فيساومه في سلعته فيقول: هي
بكذا، فلا اختلاف في أن البيع لا يلزمه إن ادعى أنه لم يكن مجدا بل لاعبا، ويحلف إن لم
يتبين صدقه. وإنما يلزمه إن علم أنه كان مجدا غير لاعب إما بتردد المماكسة كرواية ابن
نافع الواقعة في نوازل سحنون، وإما بإقراره على نفسه إذ لا يعلم ذلك إذا لم تتردد المماكسة
بينهما إلا من قبله. وقد قيل: إن الخلاف يدخل في هذه أيضا على ظاهر ما مضى في رسم
سلعة سماها من سماع ابن القاسم: وليس ذلك عندي بصحيح على ما مضى القول فيه هنا،
وقد مضى تحصيل هذه المسألة في أول رسم من سماع أشهب من العيوب فمن أحب
الشفاء فيها تأمله هناك. وقوله: وكانت مناكرتهما من ساعتهما معناه وإن كانت مناكرتهما
من ساعتهما لأن الخلاف إنما هو إذا كانت مناكرتهما من ساعتهما انتهى وما قاله ابن رشد
من أن هذه المسألة يؤخذ منها أن الخلاف إذا أوقفها في السوق صحيح، لأن أشهب هو
الذي روى لزوم البيع في كتاب العيوب وفي كتاب البيوع، فروايته الأولى التي في كتاب
العيوب إنما رواها في السلعة الموقوفة، وروايته الثانية فرق فيها بين الموقوفة فيلزم وغيرها فلا
يلزم، فلم يروا أحد اللزوم في غير الموقوفة وإنما أخذوه من ظاهر سلعة سماها، وقد تقدم
القول عليها، والقول الذي عزاه ابن رشد للأبهري لعله أخذه مما في كتاب ابن المواز. قال
أبو إسحاق التونسي بعد مسألة المدونة المتقدمة: وفي كتاب محمد: من أوقف شاة في
السوق فجاء رجل يسومه فقال: أخذتها بثلاثة دراهم فأربحه درهما فباعه، ثم إن البائع قال:
وهمت وإنما ابتعتها بثمانية دراهم وأنا آتي على ذلك بالبينة فقال: أرى أن يد عليه البيع.
قيل لمالك: فإن قال إنما كنت لاعبا وإنما هي علي بعشرة وهذه البينة على ذلك قال: ينظر
فيها حينئذ، فإن كان لا يباع مثلها بثلاثة دراهم حلف ما كنت إلا مازحا وما أردت بيعها
بذلك، وإن كان يباع مثلها بذلك رأيت بيعها ماضيا لأنه ربما كسدت السلعة فيرضى به
وتباع بالنقصان انتهى. أما أول المسألة وهو ما إذا وهم في الثمن فمذكور في كتاب المرابحة
أن المشتري مخير بين أن يرد أو يأخذه بالثمن الذي قامت به البينة وربحه، وأما آخرها فهو
يشبه قول الأبهري الذي ذكره ابن رشد والله أعلم.
الثالث: قول المصنف: أو تسوق بها لا مفهوم له على مذهب المدونة الذي مشى
23

عليه المصنف، لأنه إذا لم يلزم البيع مع التسوق الذي هو مظنة الدلالة على الرضا بالبيع
فأحرى إذا لم يتسوق بها، فهو من باب مفهوم الموافقة. وأيضا فإنه إذا لم يتسوق بها يحلف
ولا يلزمه البيع اتفاقا على ما ارتضاه ابن رشد. فقصد المصنف بيان حكم الوجه المختلف
فيه ليعلم منه الحكم في الوجه المتفق عليه. ولا يقال الحكم مختلف لقول ابن رشد في
الرسم المتقدم: إنه إذا لقيه في غير السوق إنه يحلف ولا يلزمه البيع إلا أن يتبين صدق قوله
فتسقط عنه اليمين قولا واحدا اه‍. فأسقط عنه اليمين إذا تبين صدقه مع عدم التسوق لأنا
نقول: الظاهر أن الحكم كذلك مع التسوق. وقد صرح أبو الحسن في شرح هذه المسألة بأن
اليمين يمين تهمة وأنها لا تنقلب، وإذا كانت يمين تهمة فإنها تتوجه على المتهم على
المشهور، وإذا تبين صدقه فلا تهمة حينئذ فلا تتوجه اليمين، فظهر أن الحكم في الوجهين
سواء فتأمله والله أعلم.
الرابع: تقدم أن معنى تسوق بها أوقفها للسوم في السوق، والظاهر أن المراد بالسوق
سوق تلك السلعة، وأما سوق غيرها فحكمه حكم غير السوق. وكلام الباجي في المنتقى
يدل على ذلك فإنه لما ذكر الخلاف في مسألة السوم قال فيها: فإن كان في سوق تلك
السلعة فروى أشهب يلزمه البيع، وروى ابن القاسم يحلف ما ساومه على البيع ولا يلزمه
انتهى. وهذا ظاهر والله أعلم.
الخامس: تحصل من هذا أن البائع إذا قال في مسألة السوم: لا أرضى لأني ما أردت
البيع يقبل قوله، سواء تسوق بسلعته أو لم يتسوق بها، وسواء قال: إنما أردت اختبار ثمن
تلك السلعة أو كنت لاعبا أو غير ذلك، ويحلف أنه ما أراد إلا ذلك إلا أن يتبين صدق قوله
فتسقط عنه اليمين، ويتبين صدق قوله بما تقدم من أن يكون أشهد قبل المساومة أنه إنما
يريد كذا وكذا ولا يريد، البيع أوما يدل على ذلك من قرائن الأحوال. وهذا إذا أنكر البيع
وكأنه من ساعته، وأما لو سكت بعد قول المشتري أخذتها سكوتا يقتضي رضاه بالبيع لم
يقبل قوله كما فهم ذلك من كلام ابن رشد. وكذلك إذا وقع بينه وبين المشتري تردد في
المماكسة لأن تردد المماكسة يقتضي رضاه بالبيع ويلزمه بلا خلاف كما تقدم في شرح
المسألتين السابقتين في كلام ابن رشد ونقله عنه ابن عرفة. وكذلك أيضا إذا وقع منه لفظ
يقتضي الرضا بالبيع كقوله: اذهب فاستشير فيها فإنه يلزمه كما تقدم في كلام ابن رشد.
وكذلك إذا أقر على نفسه أنه أراد البيع ولكن قال: بدا لي الآن فإنه لا يفيده ذلك، لكن
تقدم في كلام ابن رشد أن ذلك لا يعلم إلا من قبله. وكل هذا أيضا يجري في قول
المشتري: أنا آخذها بكذا وأنا أشتريها بكذا على ما اقتضاه كلام ابن رشد المتقدم في التنبيه
الأول، ويجري أيضا في قول البائع: أبيعكها بكذا إذ لا فرق بينهما كما تقدم وكما يؤخذ
من كلام ابن رشد الآتي في التنبيه السابع والله أعلم.
24

السادس: لفظ المدونة في مسألة السوم المحكي عن المشتري في جواب قول البائع:
بعشرة إنما هو رضيت، وحكاه المصنف بلفظ: أخذتها وكذلك ابن الحاجب. قال
الوانوغي في حاشية المدونة: إن قلت: لم نسب ابن الحاجب للمدونة أخذتها في مسألة
المساومة وترك الرضا المذكور فيها؟ قلت: للاعلام بأنهما سواء وإلا فعليه درك نقله. قلت:
الظاهر أنهما سواء ولذلك تبع المصنف ابن الحاجب في ذلك على أنه قد يقال لا درك على
المصنف بحال لأنه لم ينسب المسألة للمدونة بخلاف ابن الحاجب فإنه نسبها للمدونة.
السابع: قال في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الوكالات فيمن
باع سلعة بعشرين دينارا على مؤامرة صاحبها وهو وكيل فقال له رجل: عندي زيادة، فهل
يخبر صاحبها بذلك؟ قال مالك: نعم أرى ذلك وإنما يطلب صاحبها الزيادة ولكن يبين له
فرب رجل لو زاده لم يبعه يكره مخالطته. قيل له: فإن أمره أن يبيعه ممن زاده فأبى أن
يأخذها؟ قال: أرى أن يلزمه البيع. قيل له: إنه يقول لا حاجة لي بها. قال: يلزمه ولا حجة
له. فتكلم ابن رشد أولا في جواز إخبار صاحبها بالزيادة وسيأتي إن شاء الله كلامه في التنبيه
الثامن. ثم قال: وأما قوله: يلزمه البيع فهو خلاف ما في كتاب الغرر من المدونة من أنه لا
يلزم المساومين المبيع لا البائع بما بذل له في سلعته ولا المبتاع بما أعطى. ولكل واحد أن
يقول: إنما كنت لاعبا غير مجد ويحلف على ذلك ولا يلزمه البيع، ومثل ما في سماع
أشهب من كتاب العيوب في البيوع أن البيع يلزم كل واحد منهما إذا كانت موقوفة للبيع
انتهى.
قلت: قال المشذالي في حاشيته على المدونة عن الوانوغي أنه قال: الفرق بين ما في
العتبية وما في المدونة، أن ما في العتبية تقدر فيها الثمن سابقا على الزيادة فكان ذلك دليلا
على اللزوم وعدم الاختيار فيلزمه البيع بالزيادة بخروجه عن المساومة لمن زاد، ولما لم يتقدم
ثمن في مسألة المدونة حمل على المساومة. قال المشذالي بعده: ويمكن أن يفرق بينهما
بأن مسألة العتبية لم يدع أنه كان هازلا وإنما قال: لا حاجة لي بها، فجاز أن يكون جادا في
الزيادة ثم ندم وقال: لا حاجة لي بها. وهذا معنى مناسب للالزام فلا يلزم منه اللزوم في
مسألة المدونة كما لا يلزم من عدم اللزوم في مسألة المدونة عدمه في مسألة العتبية على
الفرقين المذكورين انتهى.
قلت: لا شك أن مسألة المدونة مغايرة لمسألة العتبية ويفرق بينهما بالفرقين
المذكورين فإن في كلامه في مسألة العتبية أنه أمره أن يخبر صاحبها بالزيادة ويشاوره على
البيع بذلك، فأمره للوكيل بذلك يقتضي رضاه بالبيع كما تقدم في قول البائع للمشتري:
اذهب واستشير فيها فتأمله والله أعلم. وقول ابن رشد: لا يلزم المساومين البيع في مسألة
25

المدونة يريد إذا أتى كل واحد منهما بلفظ فيه احتمال كما إذا قال: بكم؟ فقال: بمائة.
فقال له المشتري: آخذها منك بالمائة فقال له البائع: رضيت. فقال المشتري: لا أرضى. وأما
إذا أتى أحدهما بلفظ يدل على إيجاب البيع كقول المشتري في مسألة المدونة: رضيت
أو أخذتها بذلك أو اشتريتها بذلك فلا شك أن البيع يلزمه، ولو قال بعد ذلك: لم أرد
البيع لم يفده، وهذا ظاهر من كلامه المتقدم في سماع أشهب والله أعلم.
الثامن: هذا الذي تقدم حكم بيع المساومة وهو إيقاف الرجل سلعته ليساومه فيها من
أرادها. وأما بيع المزايدة فقال ابن رشد في رسم القطعان من سماع أصبغ من كتاب الجعل
والإجارة: الحكم فيه أن كل من زاد في السلعة لزمته بما زاد فيها إن أراد صاحبها أن
يمضيها له ما لم يسترد سلعته فيبيع بعدها أخرى أو يمسكها حتى ينقضي مجلس المناداة،
وهو مخير في أن يمضيها لمن يشاء ممن أعطى فيها وإن كان غيره قد زاد عليه. هذا الذي
أحفظ في هذا من قول الشيخ أبي جعفر بن رزق وهو صحيح في المعنى، لأن من حق
صاحب السلعة أن يقول لمن أراد أن يلزمه إياها إن أبى وقال: بعها ممن زادك: أنا لا أحب
معاملة الذي زادني وليس طلبي الزيادة وإن وجدتها إبراء مني إليك اه‍. ونقله ابن عرفة في
الكلام على بيع الشخص على بيع أخيه من البيوع المنهي عنها، ثم نقل عن ابن حبيب ما
يقتضي أن للبائع أن يلزم المشتري بعد الافتراق في بيع المزايدة بخلاف بيع المساومة فإنه لا
يلزمه بعد الافتراق. وذكر عن المازري أنه رد التفرقة المذكورة بأن ذلك كعرف جرى بينهم.
ونصه ابن حبيب: إن فارق المشتري البائع في بيع المساومة دون إيجاب لم يلزمه بعد ذلك
بخلاف بيع المزايدة يلزمه ما أعطى بعد الافتراق، لأن المشتري إنما فارقه في المزايدة على
أنه استوجب البيع. المازري: لا وجه للتفرقة إلا الرجوع للعوائد، ولو شرط المشتري إنما
يلتزم الشراء في الحال قبل المفارقة أو شرط البائع لزومه له أو أنه بالخيار في أن يعرضها على
غيره أمدا معلوما أو في حكم معلوم، لزم الحكم بالشرط في بيع المساومة والمزايدة اتفاقا،
وإنما افترقا للعادة حسبما علل به ابن حبيب الفرق بينهما. قال المازري: وإنما نبهت على
هذا لأن بعض القضاة ألزم بعض أهل الأسواق في بيع المزايدة بعد الافتراق وكانت عادتهم
الافتراق على غير إيجاب اغترارا بظاهر قول ابن حبيب وحكاية غيره، فنهيته عن هذا لأجل
مقتضى عوائدهم. قال ابن عرفة: قلت: والعادة عندنا اللزوم ما لم يطل زمن المبايعة حسبما
تقرر قدر ذلك عندهم، والامر واضح أن بعد والسلعة ليست في يد المبتاع فإن كانت بيده
وموقوفة ففيه نظر والأقرب اللزوم كقولها إن بعد زمن مضى أيام الخيار والسلعة في يد البائع
والخيار للمبتاع أن لا حق فيها للمبتاع إلا أن عرفنا في بيع المزايدة أنه لا يتم العقد ولو
طال مكثها بيد المبتاع إلا بنص إمضائه اه‍.
وقال ابن رشد في المذهب: إذا وقع النداء على السلعة وأعطى فيها ثمنا لزمه والخيار
26

للبائع، فإن زاد عليه غيره انتقل اللزوم للثاني، وإن لم يزد عليه أحد فللبائع أخذه بذلك ما لم
تطل غيبته. ورأيت للأبياني أن الشراء لا يلزمه إذا زاد عليه غيره اه‍. ونحوه في اللباب إلا أنه
لم يذكر كلام الا بياني. والظاهر أنه يريد بقوله: انتقل اللزوم للثاني أي مع مشاركة الأول له
في اللزوم أيضا كما تقدم في كلام ابن رشد بدليل أنه جعل كلام الا بياني مخالفا له فتأمله
والله أعلم. وما ذكره عن الا بياني رأيته في مسائل السماسرة له وهو كتاب مفيد نحو كراس.
وظاهر كلام ابن راشد أن المذهب ما قاله ابن رشد ولم يذكر ابن عرفة غير كلام ابن رشد.
ثم ذكر ابن عرفة مسألة وقعت في آخر رسم من سماع أشهب من كتاب العيوب، ولكنه
ذكرها باختصار مجحف فأذكرها باختصاره مع زيادة ما أخل به منها ونصه: وسمع القرينان:
من باع رقيقا بين أنه أمضى البيع بعد الثلاثة بيومين
وشبههما لزم المبتاع، وبعد عشرين ليلة لا يلزمه ابن رشد: هذه المسألة صحيحة يصبح عليهم ثلاثة أيام للزيادة إن صحيح لقولها في
البيع على خيار ثلاثة أيام لا يلزم بمغيب الشمس من آخر أيام الخيار، وأن له الرد بعد مضي
أيام الخيار ما لم يتباعد لأنه إذا تبين له أنه يصبح عليهم ثلاثة أيام للزيادة فكل من أعطاه شيئا
لزمه الشراء على أن البائع بالخيار ما لم تنقض أيام الصياح فلصاحب العبيد أن يلزم المشتري
الشراء وإن انقضت أيام الصياح ما لم يتباعد ذلك. وقد قيل: إنه ليس للمشتري أن يرد
السلعة بعد مضي أيام الخيار، فعلى هذا القول ليس له أن يلزمه الشراء بعد انقضاء أيام
الصياح، ولو كان الذي يصاح عليه في بيع المزايدة مما العرف فيه أن يمضي أو يرد في
المجلس ولم يشترط أن يصح عليه أياما لم يلزمه الشراء بعد أن ينقلب بالسلعة عن
المجلس. وقد روي ذلك عن ابن القاسم أنه سئل عن الرجل بحضر المزايدة فيزيد ثم يصاح
عليه فينقلب بها أهلها ثم يأتونه من الغد فيقولون له: خذها بما زادت. فهل يلزمه ذلك؟ فقال
ابن القاسم: أما مزايدة أهل الميراث أو متاع الناس فلا يلزم ذلك إذا انقلبوا بالسلعة أو تركوها
في المجلس أو باعوا بعدها أخرى، وإنما يلزم هذا في بيع السلطان الذي يباع على أن
يستشار السلطان فيلزمه إمضاؤه إذا أمضاه السلطان. وجدت هذه المسألة لابن القاسم بخط
أبي عمر الإشبيلي وهي صحيحة على أصولهم اه‍. ومعنى قوله: يلزمه إذا أمضاه السلطان
يريد ما لم يتباعد ذلك على ما مضى من قول مالك في مسألة الصياح. فتحصل من كلام
ابن رشد والمازري وابن عرفة في بيع المزايدة أن كل من زاد في السلعة فلربها أن يلزمه إياها
بما زاد إلا أن يسترد البائع سلعته ويبيع بعدها أخرى أو يمسكها حتى ينقطع مجلس المناداة
إلا أن يكون العرف اللزوم بعد الافتراق، أو يشترط ذلك البائع فيلزم المشتري البيع بعد
الافتراق في مسألة العرف بمقدار ما جرى به العرف وفي مسألة الشرط في الأيام المشروطة
وبعدها بقرب ذلك على مذهب المدونة، فإن شرط المشتري أنه لا يلزم البيع إلا ما دام في
المجلس فله شرطه ولو كان العرف بخلافه. وتحصل أيضا أن بيع المزايدة يلزم كل من زاد
27

في السلعة ولو زاد غيره عليه خلافا للأبياني، وقد جرى العرف في مكة وكثير من البلاد
على ما قاله الا بياني. وظاهر ما تقدم عن ابن رشد أن لربها أن يلزم كل من زاد ولو كان
العرف بخلافه، وجرت العادة أيضا بمكة أن من رجع بعد الزيادة لا يلزمه شئ ما دام في
المجلس، وهذا والله أعلم مبني على القول بخيار المجلس كما هو مذهب الشافعي والله
أعلم.
فرع: قال ابن راشد في المذهب: ولو أقف المنادي السلعة بثمن على التاجر وشاور
صاحبها فأمره بالبيع ثم زاد غيره عليه فهي للأول. قاله الا بياني اه‍.
قلت: ما ذكره عن الا بياني هو في مسائل السماسرة له وزاد فيها فقال: وسواء ترك
السمسار الثوب عند التاجر أو كان في يده وجاء به إلى ربه فقال له ربه: بعه. ثم زاد فيه
تاجر آخر أنه للأول قال: وأما لو قال له رب الثوب لما شاوره اعمل فيه برأيك فرجع
السمسار ونوى أن يبيعه من التاجر فزاد فيه تاجر آخر، فإنه يعمل فيه برأيه ويقبل الزيادة إن
شاء ولا يلزم البيع بالنية اه‍.
قلت: وهذا إذا لم تحصل الزيادة إلا بعد مشاورة به وأمره السمسار بالبيع، وأما لو زاده
فيه شخص قبل مشاورة رب السلعة فقد تقدم في التنبيه السابع عن مالك من رواية ابن
القاسم أنه يخبر رب السلعة بالزيادة ولم ير ذلك من السوم على سوم أخيه، لأن النهي عن
ذلك إنما هو مع الركون وصاحب السلعة هنا غائب لا يعلم إن كان يميل إلى البيع بذلك
الثمن أم لا. وقد كره في سماع أشهب الزيادة وقال: بئسما صنع إلا أنه أجاز للوكيل أنه يخبر
بالزيادة صاحب السلعة وهذا حكم بيع المزايدة. وأما بيع المرابحة وهو أن يذكر له ثمن
السلعة وما صرفه عليها ويقول له المشتري: أربحك في كل عشرة كذا كذا، فإذا رضي رب
السلعة بذلك فقد لزم المشتري الشراء إذا كان ذلك في فور بحيث يعد كلام أحدهما جوابا
للآخر ولم يحصل منهما إعراض عما كانا فيه كما سيأتي في التنبيه الذي بعد هذا، وليس له
أن يقول: لا أرضى لأن ذكر الثمن والمراوضة على الربح دليل على إرادته الشراء فلا يقبل
قوله: لا أرضى ويعد ذلك ندما. وأما بيع الاستئمان والاسترسال وهو أن يقول: بعني كما
تبيع الناس، فإذا أعطاه البائع مثل ما يبيع الناس فقد لزمه البيع، وليس له رجوع هذا ما ظهر
لي في بيع المرابحة وبيع الاستئمان والله أعلم.
التاسع: لم يذكر المصنف حكم تراخي القبول عن الايجاب وقد انجر الكلام في
التنبيه الذي قبل هذا إلى ذكره. قال البساطي في شرح هذا المحل من كلام المصنف:
فرعان: الأول: إذا تأخر القبول عن الايجاب فهل ينعقد به البيع السفيه، قال ابن العربي: المختار
جواز تأخيره.
28

الثاني: إجازة من له الإجازة في البيع كالولي يجيز بيع السفيه، والوصي يجيز بيع
الصبي، وليست من أركان البيع فلا يؤخذ منه أنه لا يشترط الفور في القبول كما زعمه
بعضهم انتهى ويشير بالفرعين لما ذكره في التوضيح عن ابن راشد القفصي أن ابن العربي
أشار إلى الخلاف في ذلك وأن المختار جواز تأخيره ما تأخر. ونص كلامه قال ابن راشد.
فرع: إذا تراخى القبول عن الايجاب، فهل يفسد البيع أم لا؟ أشار ابن العربي في قبسه
إلى الخلاف في ذلك ثم قال: والمختار جواز تأخيره ما تأخر. وفي شرح الجلاب المنسوب
بإفريقية للشارمساحي ما يدل على اعتبار القرب قال فيه: وإذا نادى السمسار على السلعة
فأعطى فيها تاجر ثمنا لم يرض به البائع ثم لم يزد أحد على ذلك فإنها تلزمه الثمن إلا أن
تطول غيبته. وفي المقدمات: الذي يأتي على المذهب أن من أوجب البيع لصاحبه من
المتبايعين إن أجابه صاحبه بالقبول في المجلس لم يكن له أن يرجع. ومقتضى ذلك أنه إن
لم يجبه في المجلس أنه لا يلزمه. قال: يعني ابن راشد: والظاهر ما قاله ابن العربي بدليل أن
المحجور عليه إذا باع من ماله أن لوصيه الإجازة وإن طال الأمد ولم يحصل غير الايجاب
من المحجور مع قبول المبتاع وإيجاب المحجور كالعدم، وكذلك بيع الفضولي يقف
القبول على رضا ربه على المشهور وإن طال. ويمكن أن يقال: حصل الايجاب والقبول
ونظر الوصي والحاكم أمرا جرت إليه الاحكام. اه‍ كلام ابن راشد. انتهى كلام التوضيح.
قلت: أما مسألة المحجور والفضولي فلا دليل فيهما لأنه قد حصل فيهما الايجاب
والقبول كما قال وذلك ظاهر، وأما كلام الشارمساحي فهو إنما ذكره في بيع المزايدة
وحكمه ما تقدم في التنبيه الذي قبل هذا عن ابن رشد في رسم القطعان أن كل من زاد في
السلعة كان لربها أن يلزمه إياها وإن زاد غيره عليه ما لم يسترد سلعته فيبيع بعدها أخرى أو
يمكسها حتى ينقضي مجلس المناداة، وتقدم ما للأبياني في ذلك وما في ذلك من البحث.
وأما بيع المساومة فالذي يقتضيه كلام أهل المذهب أن الحكم فيه كما قال صاحب
المقدمات في كلامه المتقدم في نقل التوضيح إلا أن فيه سقطا. ولفظ المقدمات في أواخر
كتاب الخيار منها لما ذكر حديث البيعان بالخيار. ويحتمل أن تكون فائدة الحديث عند
من ذهب إلى أن التفرقة بالأقوال أن من أوجب البيع من المتساومين لصاحبه لا يلزمه وله
الرجوع عنه في المجلس ما لم يجبه صاحبه بالقبول فيه وهذا ظاهر، إلا أنه ليس على
مذهب مالك وإنما هو قول محمد بن الحسن والذي يأتي على المذهب أن من أوجب
البيع لصاحبه من المتبايعين لزمه إن أجابه صاحبه في المجلس بالقبول ولم يكن له أن يرجع
قبل ذلك اه‍. وله نحوه في البيان في أواخر الرسم الأول من سماع أشهب من كتاب العيوب
ونصه: إذا قال البائع: قد بعتك بكذا وقال المشتري: قد اشتريت منك بكذا وكذا. فلا
29

اختلاف في أن ذلك لازم لكل واحد منهما إذا أجابه صاحبه بالامضاء والقبول قبل التفرق من
المجلس اه‍ وتقدم كلامه هذا في آخر الكلام على قوله: ينعقد البيع بما يدل على الرضا.
قلت: وينبغي أن يقيد ذلك بأن لا يحصل بينهما فاصل يقتضي الاعراض عما كانا فيه
كما تقدم في بيع المزايدة أنه إذا أمسك البائع السلعة التي نادى عليها وباع بعدها أخرى لم
يلزم المشتري البيع، وقد يؤخذ ذلك من قول ابن رشد إذا أجابه فإنما يكون جوابا في العرف
إذا لم يحصل بينهما فاصل يقتضي الاعراض عما كانا فيه وهو الذي يقتضيه كلام ابن العربي
في القبس كما رأيته فيه ونقله عنه ابن عرفة بعد أن ذكر كلام ابن رشد ونصه: وموجبه لزومه
أول عاقده قرب قبوله الآخر. ابن رشد: لو قال: أبيعك سلعتي بعشرة إن شئت فلم يقل
أخذتها حتى انقضى المجلس لم يكن له شئ اتفاقا. وفي القبس: الايجاب على الفور عند
الشافعي. وقيل: يجوز اليسير من الزمان. وقيل: الكثير. ومقتضى الدليل جواز تأخيره لما لا
يبطل كونه جوابا وإن طالت المدة اه‍. وأما ما ذكره ابن راشد القفصي عنه ونقله عنه في
التوضيح فلم أقف عليه في كلامه وهو مشكل، فإنه يقتضي أنه ينعقد ولو حصل القبول بعد
التفرق من المجلس والطول، وقد تقدم في كلام ابن رشد أنه لا يلزم اتفاقا. والذي تحصل
عندي من كلام أهل المذهب أنه إذا أجابه في المجلس بما يقتضي الامضاء والقبول من غير
فاصل لزمه البيع اتفاقا، وإن تراخى القبول عن الايجاب حتى انقضى المجلس لم يلزمه البيع
اتفاقا. وكذا لو حصل فاصل يقتضي الاعراض عما كانا فيه حتى لا يكون كلامه جوابا
للكلام السابق في العرف لم ينعقد البيع كما يفهم من كلام ابن عرفة ومن كلام ابن رشد
في بيع المزايدة، ومن قوله في بيع المساومة إن أجابه صاحبه في المجلس كما تقدم بيانه،
ولا يشترط أن لا يحصل بين الايجاب والقبول فصل بكلام أجنبي عن العقد ولو كان يسيرا
كما يقوله الشافعية. ولا يقال كلام ابن رشد وابن العربي في انعقاد البيع وعدم انعقاده،
وكلام ابن رشد وابن عرفة إنما يقتضي عدم اللزوم ولا يلزم من نفي اللزوم نفي الانعقاد لأنا
نقول: لا موجب هنا لعدم اللزوم في حق من صدر منه ما يدل على الرضا إلا كونه لم ينعقد
عليه البيع لعدم إجابة صاحبه بما يدل على الرضا في وقت يكون كلامه جوابا لكلامه فتأمله
والله أعلم. وهذا كله في بيع المساومة وقد تقدم حكم بيع المزايدة وبيع المرابحة وبيع
الاستئمان والاسترسال.
العاشر: في كلام المقدمات الذي ذكرته فائدة أخرى وهي: لو رجع أحد المتبايعين
عما أوجبه لصاحبه قبل أن يجيبه الآخر لم يفسده رجوعه إذا أجابه صاحبه بعد بالقبول.
وحكى القرطبي في تفسير قوله تعالى: * (وأحل الله البيع) * في ذلك خلافا.
وظاهر كلامه أنه في المذهب رواية عن مالك ولكن الجاري على المذهب ما ذكره ابن
رشد والله أعلم.
30

الحادي عشر: من ابن رشد: لو قال أبيعك سلعتي بعشرة إن شئت فلم يقل أخذتها
حتى انقضى المجلس لم يكن له شئ اتفاقا. وفيه فائدة أخرى وهي: أنه يقتضي أن
المشتري لو أجابه بما يقتضي القبول في المجلس لزمه البيع ولا يضره قول البائع بعتك
سلعتي إن شئت وهو ظاهر وللشافعية في ذلك كلام. وقال ابن عرفة بعد كلامه السابق الذي
نقله عن ابن العربي.
قلت: كتب موثق بيع مسافر عبر عنه بعت موضع كذا من زوجتي فلانة بكذا إن
قبلت وبينه وبينها مسافة شهرين فقال ابن عبد السلام: مدة قضائه لا أجير هذا البيع على هذه
الصفة. فبدلت الوثيقة بحذف إن قبلت فقبلها فلعله رأى الأول خيارا والثاني وقفا اه‍. وانظر
ما معنى قوله: وقفا ويمكن أن يقال: إنما ليجز الأول لأنه بيع خيار إلى أمد بعيد
بخلاف الثاني فإنه إقرار بيع فتأمله والله أعلم: (وشرط عاقده تمييز إلا بسكر فتردد)
ش: لما فرغ من الكلام على الركن الأول من أركان البيع الذي هو الصيغة أتبع ذلك بالكلام
على الركن الثاني وهو العاقد وتقدم أن المراد به البائع والمشتري، والضمير المضاف إليه
عائد إلى البيع. وفي الكلام حذف والمعنى أنه يشترط في انعقاد البيع أن يكون عاقده مميزا.
هذا أقرب إلى لفظه من قول الشارح يعني أنه يشترط في صحة بيع عاقد البيع التمييز وإن
كان المعنى واحدا. وعلم أن ذلك شرط في صحة البيع من عطفه عليه شرط اللزوم. وإذا
كان شرط عاقده التمييز فلا ينعقد بيع غير المميز لصغر أو جنون أو إغماء ولا شراؤه. فإن
كان عدم تمييزه لسكر أدخله على نفسه ففي انعقاد بيعه وشرائه تردد إذا اختلف المتأخرون
في نقل المذهب في ذلك. قال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: وشرطه التمييز.
وقيل: إلا السكران يعني أنه يشترط في العاقد أن يكون مميزا ولا يشترط العقل فيدخل
الصبي ويخرج السكران لوجود التمييز في الصبي وفقده من السكران والعقل مفقود منهما
اه‍. وقال في التوضيح: أي شرط صحة بيع العاقد وشرائه أن يكون مميزا فلا ينعقد بيع غير
مميز ولا شراؤه لصغر أو جنون أو إغماء أو سكر ولا إشكال في الصبي والمجنون والمغمى
عليه. وأما السكران فهو مقتضى ما ذكر ابن شعبان فإنه قال: ومن الغرر بيع السكران وابتياعه
إذا كان سكره متيقنا ويحلف بالله ما عقل حين فعل ذلك ثم لا يجوز ذلك عليه. قال
المصنف: وظاهره أنه لا ينعقد لأنه جعله من الغرر اه‍.
قلت: نحوه في الجواهر قال فيها: الركن الثاني العاقد وشرطه التمييز، فلا ينعقد بيع
غير المميز لصغر أو جنون أو إغماء، وكذلك السكران إذا كان سكره متحققا. قال أبو
31

إسحاق: ويحلف بالله مع ذلك ما عقل حين فعل ثم لا يجوز عليه. وقال ابن نافع: ينعقد بيع
السكران والجمهور على خلافه اه‍. وتبعه ابن الحاجب وتقدم لفظه. وهكذا قال ابن راشد
في المذهب إن بيع السكران المحقق السكر لا ينعقد على المشهور. وقال ابن نافع: ينعقد
اه‍. ثم قال في التوضيح إثر كلامه السابق: والذي ذكره صاحب البيان وصاحب الاكمال إن
مذهب مالك وعامة أصحابه أنه لا تلزمه عقوده. وتأول ابن رشد قول مالك في العتبية في
نكاحه لا أراه جائزا على أن معناه لا أراه لازما أنه فاسد. وقال في موضع آخر: لا يقال في
بيع السكران إن مذهب مالك أنه غير منعقد وإنما يقال إنه غير لازم اه‍. كلام التوضيح. فقول
المصنف: إلا بسكر فتردد مستثنى من محذوف دل عليه الكلام السابق أي فلا ينعقد بيع
غير المميز إلا أن يكون عدم تمييزه بسكر أدخله على نفسه ففي انعقاد بيعه تردد أي
طريقان: فطريقة ابن شعبان وابن شاس وابن الحاجب ومن تبعهم أنه غير منعقد، وطريقة
الباجي وابن رشد وصاحب الاكمال أنه منعقد على ما نقله المصنف في التوضيح.
تنبيهات: الأول: ما ذكره المصنف عن ابن رشد وهو في شرح أول مسألة من كتاب
النكاح ذكر فيها الكلام الأول والثاني والثالث إلا أن كلامه يقتضي أن هذا كله في السكران
الذي معه بقية من عقله. وظاهر كلام المصنف في التوضيح يقتضي أن كلام ابن رشد الذي
ذكره في السكران الذي لا يميز. ونص كلام ابن رشد: السكران قسمان: سكران لا يعرف
الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة، فلا خلاف أنه كالمجنون في جميع أحواله وأقواله
فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين الناس إلا فيما ذهب وقته من الصلوات فقيل: إنه لا
يسقط عنه بخلاف المجنون من أجل أنه أدخل السكر عليه فكأنه تعمد تركها. والثاني
السكران المختلط الذي معه بقية من عقله، فاختلف أهل العلم في أقواله وأفعاله على أربعة
أقوال: أحدها أنه كالمجنون فلا يحد ولا يقتص منه ولا يلزمه بيع ولا عتق ولا طلاق ولا
شئ من الأشياء وهو قول محمد بن عبد الحكم وأبي يوسف واختاره الطحاوي. والثاني أنه
كالصحيح لأن معه بقية من عقله وهو قول ابن نافع أنه يجوز عليه كل ما فعل من بيع أو
غيره وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة. والثالث تلزمه الأفعال ولا تلزمه الأقوال فيقتل بمن
قتل ويحد في الزنا والسرقة ولا يحد في القذف ولا يلزمه طلاق ولا عتق وهو قول الليث.
والرابع تلزمه الجنايات والعتق والطلاق والحدود ولا يلزمه الاقرارات والعقود وهو مذهب
مالك وعامة أصحابه وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب، لأن ما لا يتعلق به حق الله من
الاقرارات والعقود إذا لم يلزم السفيه والصبي لنقصان عقلهما فأحرى أن لا يلزم السكران
لنقصان عقله بالسكر، وما سوى ذلك مما يتعلق به حق الله يلزمه. ولا يسقط قياسا على ما
أجمعوا عليه من أن العبادات من الصوم والصلاة تلزمه. وقول مالك في أول المسألة في
نكاحه: لا أراه جائزا ليس معناه أنه عقد فاسد إنما معناه لا أراه جائزا عليه ولا لازما له إن
32

أراد الرجوع فيه وادعى أنه لا يعرف قدر ما عقده من ذلك على نفسه من أجل سكره، وذلك
إذا أقر له خصمه بما ادعاه. وأما إن أنكره فلا يصدق ويلزمه النكاح إلا أن تكون له بينة أنه
كان سكرانا لا يعقل.
واختلف إن قالت البينة إنها رأت منه اختلاطا ولتثبت الشهادة بسكره على قولين:
أنه يحلف ولا يلزمه النكاح ورواه زياد عن مالك وقاله في المبسوط، ومثله المريض يطلق ثم
يدعي أنه لم يكن في عقله على ما في سماع ابن القاسم من طلاق السنة والايمان والطلاق.
والثاني: أنه لا يصدق ولا يمكن من اليمين ويلزمه النكاح، وهو دليل قول أشهب في
هذه الرواية وقول سحنون: ولا يجوز نكاحه ولا بيعه ولا هبته ولا إقراره بالدين. معناه أنه لا
يلزمه شئ من ذلك وله أن يرجع عنه إذا ما أفاق على ما بيناه من مذهب مالك. وقوله:
الكتابة والتدبير كالعتق والحدود في لزومه إياه صحيح على مذهب مالك، وأما وصيته
بالعتق وغيره فالصحيح على مذهب مالك أنها جائزة على القول الذي رجع إليه سحنون لأن
حكم وصيته حكم ما عقده على نفسه من البيع وغيره، ولا يقال في شئ من ذلك على
مذهب مالك أنه غير منعقد عليه وإنما يقال فيه على مذهبه أنه غير لازم له إن أراد الرجوع
فيه إذا ما أفاق من سكره، فإذا لم يرجع في وصيته حتى مات وجب أن تنفذ كما تنفذ وصية
الصحيح وقول سحنون غلط. انتهى باختصار وأكثره باللفظ. وكلام صاحب الاكمال أصله
للمازري وهو يقتضي أنه إنما تكلم على من معه بقية من عقله. قال في كتاب البيوع من
المعلم: وأما بياعاته ففيها عندنا قولان: جمهور أصحابنا على أنه لا يلزمه لأنه بسكره نقص
ميزه في معرفته بالمصالح كالسفيه والسفيه لا يلزمه بيعه. وذهب بعض أصحابنا إلى أنه تلزمه
بياعاته انتهى. وقال الباجي في المنتقى بعد أن ذكر لفظ الموطأ بلزوم السكران طلاقه.
والذي عندي في هذا أن السكران المذكور لا يذهب عقله جملة وإنما يتغير مع صحة قصده
إلى ما يقصده، وأما إن بلغ إلى حد يغمى عليه ولا يبقى له عقل جملة فلا يصح منه نطق إذا
بلغ هذه الحالة ولا يتهيأ منه ضرب ولا قصد إلى قتل ولا غيره، وإنما تكلم الفقهاء على
المعتاد من سكر الخمر أنه ليس كالجنون الذي يذهب العقل جملة وإنما يتغير العقل تغيرا
يجتزئ على معان لا يجتزئ عليها صاحيا كالسفيه، ولو علم أنه بلغ إلى حد الاغماء لما
اقتص منه ولا لزمه طلاق ولا غيره كسائر من أغمي عليه انتهى.
إذا علم ذلك فالذي يظهر من كلامهم أن السكران الذي لا تمييز عنده كالمجنون
اتفاقا. وهو الذي عزاه ابن عرفة للباجي وابن رشد ونصه ابن رشد والباجي: إن لم يعرف
الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة فكالمجنون اتفاقا، وإن كان له بقية من عقله
فالقولان أي في لزوم البيع لا في انعقاده، وإذا علم هذا فيشكل ما ذكره المصنف من التردد
33

في انعقاد بيع السكران غير المميز لأنه يقتضي أن هناك طريقة تحكى عن المذهب أو عن
المشهور فيه أن بيعه منعقد، وقد علمت أن طريقة الباجي وابن رشد أنه كالمجنون فلا ينعقد
بيعه اتفاقا، وطريقة ابن شعبان أن فيه خلافا، والمشهور عدم الانعقاد إلا أن يكون مراد
المصنف حكاية اختلاف الطريقين في عدم الانعقاد، هل ذلك باتفاق أو على المشهور، لكنه
خلاف عادته ولا كبير فائدة فيه لأن غرض كتابه بيان المعتمد في المذهب وهو أيضا
خلاف ما يفهم من كلامه في التوضيح. ولا يقال يصح التردد على طريقة من يحكي
الخلاف في بيع السكران مطلقا من غير تفصيل بين المميز وغيره كاللخمي وابن بشير
فإنهما ذكرا في كتاب الايمان بالطلاق في ذلك قولين ونقلهما ابن عرفة هنا عن اللخمي لأنا
نقول: إنما حكى اللخمي وابن بشير الخلاف في اللزوم لا في الانعقاد. ثم إنهما ذكرا أن
الأكثر على عدم اللزوم ولم يتكلما على عدم الانعقاد والله أعلم.
فتحصل من هذا أن المعتمد من المذهب عدم انعقاد بيع السكران غير المميز، فلو
أسقط المصنف قوله: إلا بسكر فتردد لكان أحسن وأخصر. وإذا لم ينعقد بيعه وشراؤه لم
يلزمه. والشاذ انعقاد بيعه ولزومه كما ذكره في التوضيح. وأما السكران المميز فلا خلاف في
انعقاد بيعه، وإنما اختلفت الطرف في لزومه، فحكى ابن رشد الخلاف في ذلك قال: وقول
مالك وعامة أصحابه أنه لا يلزمه وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب، وعزاه في المعلم
لجمهور أصحابنا. قال في التوضيح: وعلى طريق ابن شعبان والقاضي عياض لا خلاف في
لزومه.
قلت: وفي عزوه ذلك للقاضي عياض نظر فليتأمل، والظاهر من كلام أهل المذهب
عدم اللزوم كما قال ابن رشد والله أعلم.
الثاني: قال ابن عرفة: السكران بغير حمر كالمجنون انتهى.
قلت: وهذا إذا شرب شيئا مباحا أو تداوى به ولم يعلم أنه يسكره، وأما إذا شربه وهو
عالم بإسكاره فلا فرق بين الخمر وغيرها كما تقدم في الطلاق والله أعلم.
الثالث: ما تقدم من عدم انعقاد بيع المجنون هو الذي صرح به ابن شاس في الجواهر
وابن راشد في المذهب والمصنف في التوضيح وغير واحد. وقال ابن عرفة: عقد المجنون
حال جنونه ينظر له السلطان بالأصلح في إتمامه وفسخه إن كان مع من يلزمه عقده لقولها:
من جن في أيام الخيار نظر له السلطان. ولسماع عيسى بن القاسم: إن باع مريض ليس في
عقله فله أو لوارثه إلزامه المبتاع. ابن رشد: لأنه ليس بيعا فاسدا كبيع السكران على قول من
لا يلزمه بيعه اه‍.
قلت: في استشهاده بمسألة المدونة نظر، لأن الجنون إنما طرأ فيها بعد العقد، وأما
34

مسألة العتبية فظاهرها شاهد لما قاله وهي في رسم القطعان من سماع عيسى من جامع
البيوع. وقوله: كبيع السكران تشبيه بأصل المسألة في الانعقاد وعدم اللزوم وليس تمثيلا
للبيع الفاسد كما قد يتبادر للفهم. ولفظ ابن رشد في شرح المسألة المذكورة هذا بين لأنه
ليس بيعا فاسدا وإنما هو بيع للبائع فيه الخيار من أجل أنه لم يكن في عقله كبيع السكران
على مذهب من لا يلزمه بيعه انتهى. وفي أول كتاب البيوع من التنبيهات نحو كلام ابن
عرفة فإنه جعل بيع المجنون من البيوع الموقوفة لإجازة من له النظر. ونصه في أول البيوع
الفاسدة مما يفسده لعلة تلحقه ما في عاقديه علة قال: كالسفيه والصغير والمجنون والرق
والسكران إلا أن العقد هنا موقوف لإجازة من له النظر وليس بفاسد شرعا. انتهى بلفظه.
ونقله أبو الحسن الصغير ولم يتعقبه.
قلت: والأولى أن يحمل كلام العتبية وابن رشد وصاحب التنبيهات وابن عرفة على
من عنده شئ من التمييز وحصل عنده شئ من الاختلاط كالمعتوه، ويشهد لذلك تشبيه
ابن رشد له ببيع السكران، وقد تقدم في كلامه أن الخلاف إنما هو في لزوم بيع السكران
الذي عنده شئ من التمييز. وأما من ليس عنده شئ من التمييز فالظاهر أن بيعه غيره منعقد
لأنه جاهل بما يبيعه وما يشتريه وذلك موجب لعدم انعقاد البيع كما سيأتي.
فرع: قال الدماميني في حاشية البخاري في أوله عن مالك: إن المذعور لا يلزمه ما
صدر منه في حال ذعره من بيع وإقرار وغيره انتهى.
الرابع: تقدم في باب الحج عن ابن فرحون أن الصبي المميز هو الذي يفهم الخطاب
ويرد الجواب ولا ينضبط ذلك بسن، بل يختلف باختلاف الافهام، ونحوه لابن جماعة
الشافعي في منسكه. وعن البساطي أنه الذي عقل الصلاة والصيام، وتقدم أن الأول أحسن.
والظاهر أن المراد بقوله: يفهم الخطاب ويرد الجواب: أنه إذا كلم بشئ من مقاصد
العقلاء فهمه وأحسن الجواب عنه لا أنه إذا دعي أجاب والله أعلم ص: (ولزومه تكليف)
ش: لما ذكر ما يشترط في صحة انعقاد البيع ذكر ما يشترط في لزوم البيع لعاقده إذ لا يلزم
من انعقاد البيع لزومه. والمعنى أنه يشترط في لزوم البيع أن يكون عاقده مكلفا، فلو باع
الصبي المميز أو اشترى انعقد بيعه وشراؤه ولكنه لا يلزمه، ولوليه النظر في إمضائه ورده بما
35

يراه أنه الأصلح للصبي. وظاهر كلامه أن بيع السفيه البالغ والعبد البالغ الذي لم يؤذن له
والمفلس لازم لهم لأنهم مكلفون وليس كذلك، بل تصرفهم غير لازم ولولي السفيه والسيد
والغرماء النظر في ذلك. وتبع المصنف في هذه العبارة ابن الحاجب وقد اعترضه ابن عبد
السلام وغيره بما ذكرنا، ثم قال ابن عبد السلام: إلا أن يقال إذا أخذ التكليف مأخذ الشرط
لا يلزم من وجوده الوجود قال: وفيه نظر هنا انتهى.
قلت: وجه النظر والله أعلم أن عادة الفقهاء في مثل هذا الكلام أن يذكروا جميع
شروط المسألة حتى انتفاء الموانع ووجوه الأسباب بحيث إنه إذا وجد جميع الشروط التي
يذكرونها وجد المشروط فيكون ذلك كالضابط للمتعلمين، فالاقتصار على ذكر بعض
الشروط في مثل هذا المقام مخل بالمقصود فتأمله. والذي يظهر من كلام المصنف هنا وفي
التوضيح أنه ليس مراده بالتكليف هنا ما هو المشهور وهو التكليف بالعبادات التي تترتب
على البلوغ والعقل، بل مراده به هنا ما هو أخص من ذلك وهو التكليف بأحكام البيع الذي
يترتب على الرشد والطوع على ما ذكره في التوضيح عن ابن راشد القفصي ونصه: قال ابن
راشد: عبر يعني ابن الحاجب بالتكليف عن الرشد والطوع لأن السفيه لا يلزمه البيع بل لوليه
أن يفسخ، وكذلك من أجبر على البيع لا يلزمه البيع يعني إذا أجبر جبرا حراما. ثم قال
36

خليل: وما ذكره من أن المكره غير مكلف صحيح لأن أهل الأصول نصوا على أن الاكراه
الملجئ يمنع التكليف، وأما السفيه فلقائل أن يقول لا نسلم أنه غير مكلف بالبيع. فإن
قيل: لو كان مكلفا به لزمه البيع، قيل: يحتمل ولو قلنا: إنه مكلف بالبيع إذ لا نقول بإمضائه
للحجر فتأمله اه‍.
قلت: أما كون المكره على البيع غير مكلف به شرعا فصحيح لعدم وجود الرضا
المشترط في البيع، وأما ما ذكره عن الأصوليين في مسألة الاكراه الملجئ فلا دليل فيه،
لأن مسألة الأصوليين التي اختلفوا فيها هي امتناع تكليف المكره عقلا وجواز ذلك عقلا،
فذهب المعتزلة إلى امتناعه عقلا ورجحه ابن السبكي في جمع الجوامع، وذهب الأشاعرة
إلى جواز ذلك عقلا وإليه رجع ابن السبكي آخرا. وأما الشرع فأسقط التكليف بالاكراه في
كثير من المسائل منها: البيع وتوابعه ولم يسقطه في بعض المسائل، واختلف الفقهاء في
إسقاطه للتكليف في بعض المسائل لمدارك مذكورة في محلها ليس هذا محل تفصيلها.
وأما السفيه فالظاهر أنه غير مكلف بالبيع أيضا لأن التكليف هو الالزام، فإذا لم يلزمه البيع
فهو غير مكلف به. ويؤخذ ذلك من كلام القرافي في الفرق السادس والعشرين في الفرق بين
خطاب الوضع وخطاب التكليف، لأن خطاب التكليف يشترط فيه علم المكلف وقدرته
على ذلك الفعل وكونه من كسبه وخطاب الوضع لا يشترط فيه شئ من ذلك وأنه يستثنى
من ذلك قاعدتان: إحداهما أسباب العقوبات كالقصاص في العقل، والثانية أسباب انتقال
الملك كالبيع والهبة، فإن ذلك وإن كان من خطاب الوضع فقد اشترطوا فيه علم المكلف
وقدرته على الفعل. ثم ذكر أن خطاب الوضع خطاب التكليف قد يجتمعان وقد ينفرد كل
واحد منهما. وإن مما يجتمعان فيه البيع لأنه من جهة كونه يجب أو يحرم أو يندب من
خطاب التكليف، ومن جهة أنه سبب لانتقال الملك من خطاب الوضع انتهى. فإذا علم ذلك
فالبيع سواء كان من خطاب الوضع أو من خطاب التكليف يشترط فيه علم المكلف وقدرته،
والسفيه غير عالم بمصالحه، والمكره غير قادر على أن يمتنع مما أكره عليه فقد ظهر أنهما
37

غير مكلفين، وصح ما قاله ابن راشد وما استظهرناه من كلام المصنف من أنه ليس مراده هنا
بالتكليف معناه المشهور وهو التكليف بالعبادات الذي ترتب على البلوغ والعقل، بل مراده به
هنا ما هو أخص من ذلك وهو التكليف بأحكام البيع الذي ترتب على الرشد والطوع، ولهذا
فرع عليه قوله: لا إن أجبر عليه جبرا حراما إلا أنه يصير في العبارة قلق فإن معناها حينئذ:
وشرط لزوم البيع الالزام به وذلك دور. فلو قال: وشرط لزومه رشد وطوع لكان أحسن.
وقول ابن غازي لو قال: رشد لكان أولى لأنه أعم يوهم أن اقتصاره على الرشد كاف
وليس كذلك. وقوله: لأنه أعم صوابه لأنه أخص فتأمله والله أعلم. وظاهر كلام الشارح
والبساطي حمل التكليف في كلام المؤلف على خلاف ما تقدم وليس بظاهر، بل الظاهر
حمله على كلام ابن راشد المتقدم والله أعلم.
تنبيهات: الأول: خرج باشتراط الرشد كل محجور عليه كالصغير والسفيه والعبد البالغ
الذي لم يؤذن له في البيع والشراء، وكل من فيه شائبة رق من مدبر وأم ولد ومعتق لأجل
ومبعض إلا المكاتب فإنه أحرز نفسه وماله.
الثاني: إذا باع السفيه أو اشترى أو الصغير في حال حجره بغير إذن وليه فإنه يصح
ويوقف على نظر وليه بذلك من أب أو وصي أو مقدم من جهة القاضي، فيجيزه أو يرده
بحسب ما يرى أنه الأصلح، فإن لم يعلم وليه أو علم ولم ينظر في ذلك حتى خرج السفيه
عن الحجر خير في إجازة ذلك ورده، فإن لم يكن له ولي قدم القاضي من ينظر في حاله،
فإن لم يفعل حتى ملك أمر نفسه فهو مخير في رد ذلك وإجازته والله أعلم.
الثالث: إذا باع المحجور أو اشترى بحضرة وليه وسكت الولي على ذلك ففي ذلك
خلاف، قال ابن سلمون في ترجمة إنكاح الأب والوصي الصغير والمحجور. قال أبو إبراهيم
في مسائله: كل ما عقده اليتيم على نفسه بعلم الوصي وشهادته مما هو نظر لليتيم فذلك
لازم لليتيم، نكاحا كان أو بيعا أو شراء أو غير ذلك من مصالحه، وما كان من ذلك ليس
بمصلحة ولا غبطة لليتيم فهو لازم للوصي بتضييعه وتفريطه في منعه مما ليس بمصلحة،
وقد نزل ذلك عندنا فأشرنا على القاضي بذلك إلا رجلا منا فإنه رأى أن ذلك غير لازم لليتيم
ولا للوصي، ورأي أن ذلك سقطة من الوصي توجب عزله عن اليتيم ولا توجب عليه الضمان
وهو عندنا ضعيف، لأن الوصي أمين وكل أمين إذا ضيع أمانته أو تعدى فيها فهو ضامن لها.
وذكر الأبهري أن سكوت الوصي إذا رأى محجوره يبيع ويشتري ليس برضا ولا يلزمه ذلك،
وكذلك الصغير بمحضر أبيه. وفي كتاب الاستغناء نحو ما ذكره الأبهري في الوصي انتهى.
وقال ابن سلمون أيضا في ترجمة السفيه والمحجور: قال الأبهري: فإن رأى الوصي المولى
عليه يبيع ويشتري وهو ساكت فليس عليه شئ يلزمه لذلك، لأن في الأصل لا يجوز بيعه
38

وشراؤه، فمن باع منه وابتاع فقد أتلف ماله. وليس سكوت الوصي رضا بذلك لأن من عرف
حاله ذلك وجب عليه الامتناع، ومن لم يعرف وجب عليه البحث، وكذلك الصغير يبيع أو
يشتري بمحضر أبيه انتهى. وذكر في الطرر في الجزء الثاني في ترجمة فسخ الوصي نكاح
اليتيم بغير إذن الوصي كلام أبي إبراهيم، وذكر في الجزء التاسع من الطرر في ترجمة وثيقة
تسجيل القاضي بالولاية على رجل كلام الأبهري وقال: وليس سكوت الوصي رضا بذلك
لأن من عرف حاله وجب عليه اجتنابه. ومن لم يعرف حاله وجب عليه تعرف حاله، وذكر
كلام الاستغناء. وقال ابن راشد القفصي في المذهب في أول كتاب البيع: ولا يكون سكوت
الوصي حين رآه يبيع رضا منه بذلك انتهى. وقال البرزلي في أوائل مسائل النكاح: إذا كان
المحجور يبيع ويشتري ويأخذ ويعطي برضا حاجره وسكوته، فيحمل على أنه هو الذي فعله
بذلك. أفتى شيخنا الامام يعني ابن عرفة، وبذلك وقع الحكم بتونس وذلك في مسائل
المحجور انتهى. فتحصل فيما باعه بحضرة وليه وسكوته قولان: أحدهما أن ذلك كفعل
الولي وهو قول أبي إبراهيم وأفتى به ابن عرفة ووقع الحكم به بتونس وبه أفتيت.
والثاني: أنه غير لازم له على الأول، فإن كان صوابا ومصلحة لزم المحجور، وإن كان
غير مصلحة نقض ما دام المبيع قائما بيد المشتري، فإن فات من يده ببيع أو غيره لم ينقض
ورجع على المشتري بكمال القيمة على ما أفتى به ابن رشد، وسيأتي كلامه في القيام
بالصغير إن شاء الله. وإن تعذر الرجوع على المشتري بكل وجه وكان الوصي عالما بأنه غير
مصلحة فالظاهر أنه يضمن كما قاله أبو إبراهيم.
الرابع: قال في المدونة: ولا يجوز للمولى عليه عتق ولا هبة ولا صدقة ولا بيع ولا
يلزمه ذلك بعد بلوغه ورشده إلا أن يجيزه وأستحب له إمضاءه ولا أجبره عليه. قال القاضي
عياض: ظاهره أنه راجع للجميع وعلى ذلك اختصره المختصرون. وظاهر الأمهات أنه راجع
للعتق والصدقة والهبة لغير ثواب وعلى الجميع اختصره المختصرون، وأنه يستحب له إمضاء
جميع ما فعله وفيه نظر والصحيح سواء، وأنه لا يستحب له أن يمضي إلا ما كان لله فيه
قربة، وأما ما كان بينه وبين العباد فأي استحباب في هذا؟ فكذا جاء منصوصا في سماع
أشهب على ما تأولناه انتهى. ونقله الشيخ أبو الحسن الصغير ثم قال الشيخ: وقد يكون فيه
قربة بإسعاف أخيه المسلم بإمضاء عتقه لغبطة بها كما تكون في الإقالة والتولية والشركة
انتهى.
الخامس: إذا باع العبد بغير إذن سيده أو اشترى فللسيد رده وإجازته، وإن لم يرد ذلك
حتى أعتقه مضى نص عليه الشيخ أبو الفضل الدمشقي تلميذ القاضي عبد الوهاب في كتاب
الفروق له وهو ظاهر، وقد نص في المدونة على أنه إذا تصدق أو وهب أو أعتق ولم يرد
39

ذلك السيد حتى أعتقه فإن ذلك يلزمهم، سواء علم السيد بذلك قبل عتقهم أو لم يعلم،
وسينبه المصنف على هذا في باب الحجر. وإذا كان هذا الحكم المعروف فالبيع أولى.
والفرق بين المحجور والعبد أن العبد إنما حجر عليه لحق السيد وقد زال بالعتق بخلاف
المحجور والله أعلم.
السادس: يستثنى مما تقدم شراء السفيه للأمور التافهة التي لا بد له منها. قال في
كتاب المديان من المدونة: ولا يلزم المولى عليه شراؤه إلا فيما لابد له من عيشه مثل
الدرهم يبتاع به لحما، ومثل خبز وبقل ونحوه يشتري ذلك لنفسه مما يدفع إليه من نفقته
انتهى. وسيصرح المصنف بذلك في باب الحجر وفيه بقية الفروع المتعلقة ببيع المحجور.
السابع: يستثنى من قولنا: يشترط في لزوم البيع كون عاقده رشيد، أما إذا كان
السفيه وكيلا عن رشيد فإنه لازم على أحد القولين كما سيأتي بيانه في باب الوكالة.
الثامن: المراد بالاذن في قولنا: إذا باع المحجور أو اشترى بغير إذن وليه أن يأذن له
في خصوصية العقد المفروض. وليس المراد أن يأذن له في البيع والشراء على العموم كما
يأذن السيد لعبده في التجارة فإن ذلك لا يقصد. قال في أواخر كتاب المديان من المدونة:
وإذا عقل الصبي التجارة فأذن له أبوه أو وصيه أن يتجر لم يجز ذلك الاذن لأنه مولى عليه.
ولو دفع الوصي إلى المولى عليه بعد الحكم بعض المال يختبره به فلحقه فيه دين فلا يلزمه
الدين فيما دفع إليه ولا فيما أبقى، لأنه لم يخرج من الولاية بذلك وهو خلاف العبد يأذن له
سيده في التجارة لأن العبد لم يمنعه لسفه منه، وإنما منع من البيع والنكاح وغيره لأن ملكه
بيد غيره. فإذا أذن له جاز والسفيه والصبي ليس ملكه بيد أحد فليس الاذن له مزيلا للسفه.
وقال غيره في اليتيم المختبر بالمال يلحقه ما أذن فيه خاصة انتهى.
التاسع: يستثنى من تصرف المولى عليه ما إذا تصدق عليه شخص بصدقة أو وهب له
هبة وشرط أن تكون يده مطلقة على ذلك فإن تصرفه فيها ماض. قال ابن الفرس في أحكام
القرآن في قوله: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم * ويختلف في الرجل يتصدق على
المحجور بمال ويشترط في صدقته أن يترك في يده ولا يضرب على يديه فيها كما يفعل
بسائر ماله، هل له ذلك؟ فالمشهور أن ذلك له. واعترض بعضهم هذا القول وفرضه واحتج
بقوله تعالى: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * انتهى. وقال المشذالي في حاشية
المدونة في كتاب الهبة: لو وهب هبة ليتيم أو سفيه وشرط أن تكون يده مطلقة عليها وأنه
لا نظر لوصيه فيها نفذ ذلك الشرط انتهى.
العاشر: إذا باع السفيه أو اشترى فأراد وليه فسخ تصرفه فأراد المشتري منه أو البائع أن
يحلف الولي أنه لم يأذن له في ذلك، فليس له ذلك، وكذلك السيد في عبده. ذكره الرعيني
40

في كتاب الدعوى والانكار، ونقله عنه ابن فرحون في فصل الدعاوى التي لا توجب يمينا
من كتاب التبصرة والله أعلم. ص: (لا إن أجبر عليه جبرا حراما) ش: يعني إذا كان شرط
لزوم البيع التكليف ممن أجبر عليه أي على البيع جبرا حراما، إما بأن يكره على البيع نفسه
أو يكره على دفع مال ظلما فيبيع متاعه لذلك، وكالذمي يضغط فيما يتعدى عليه به من
جزية أو غيرها فلا يلزمه لانتفاء شرط لزومه الذي هو التكليف، لأن المكره غير مكلف كما
تقدم ودليله قوله تعالى: * (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * وقوله (ص):
لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه. ولما كان الجبر على قسمين حرام غير لازم
وشرعي لازم، احترز عن الثاني بقوله: جبرا حراما والجبر الشرعي قال في التوضيح وغيره:
كجبر القاضي المديان على البيع للغرماء، وكجبر العمال على بيع أموالهم فإنه جائز، ويلزمه
سواء كان السلطان يرد المال على من أخذه منه أو يأخذه لنفسه كالمضغوط في دين لزمه،
لأن إغرام الوالي العمال ما أخذه من الناس حتى فعله الوالي وعليه أن يرده إلى أهله، فإذا
حبسه فهو ظالم في حبسه. نقله ابن حبيب عن مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ انتهى. ويعبر
أهل المذهب عن هذه مسألة بيع المضغوط وهو المكره. وقال في القاموس: الضغطة
بالضم الضيق والشدة والاكراه انتهى. وقال البرزلي: سئل ابن أبي زيد عن المضغوط ما هو؟
فقال: هو من أضغط في بيع ربعه أو شئ بعينه أو في مال يؤخذ منه فباع لذلك انتهى.
وظاهر كلام ابن راشد أن التسمية بمسألة المضغوط خاص بما إذا أكره على دفع المال فباع
لذلك ونصه: ولا يلزم بيع المجبور على البيع جبرا حراما ويخير فيه المكره بعد إذنه، فإن
أجازه جاز وإلا بطل. ولو لم يكن على البيع بل على دفع المال ظلما فباع ليؤديه وهي
مسألة المضغوط، فنص ابن القاسم عن مالك على أنه يأخذ متاعه بلا ثمن. وأفتى اللخمي أن
بيعه ماض وهو قول السيوري، " ورأي أن من اشترى منه ليخلص من العذاب مأجور. واعلم أن
من أكره على البيع لا يلزمه البيع بإجماع.
قال ابن عرفة: وبيع المكره عليه ظلما لا يلزمه. الشيخ عن ابن سحنون والأبهري
إجماعا ابن سحنون عنه: وللبائع أن يلزمه المشتري طوعا، وله أخذ مبيعة ولو تعددت أشريته
كمستحق كذلك، ولا يفيته عتق ولا إيلاد ويحد المشتري بوطئها انتهى. وأما من أكره على
دفع مال فباع لذلك ففيه خلاف مذهب ابن القاسم. وروايته عن مالك أنه لا يلزمه. وقال ابن
حبيب: وحكاه عن مطر وابن عبد الحكم وأصبغ، وقال به سحنون وأفتى به ابن رشد
وغيره لكن سحنون وابن رشد خالفا في أخذه صاحبه بلا ثمن كما سيأتي. وقال ابن كنانة:
41

بيعه لازم لأنه غير مفسوخ. نقله عنه ابن رشد في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب
السلطان، ونقله أيضا البرزلي وقال به السيوري واللخمي. قال البرزلي: ومال إليه شيخنا
الامام يعني ابن عرفة وهو قول الثوري. قال في التوضيح عن ابن رشد بعد أن حكاه عن
اللخمي والسيوري: والمذهب خلاف ذلك. ونص كلام السيوري واللخمي على ما نقل
البرزلي وسئل السيوري عمن عدا عليهم سلطان فأخذ رباعهم ثم فكوها بمال معلوم ورجعت
عليهم فباع أحدهم دارا منها ودفع ثمنها للسلطان. ثم قام يريد نقض البيع وطلب الغلة.
فأجاب: بيعه لازم ولا غلة له. وسئل أيضا عمن يتعدى عليه الاعراب فيسجنونه فيبيع هو أو
وكيله أو من يحتسب له ربعا لفدائه، هل يجوز شراؤه أم لا؟ وكذا ما أخذه المضطر من
الدين هل يلزم ألا؟ فأجاب: بيع المضطر لفدائه جائز ماض، باع هو أو وكيله يأمره، وكذا
أخذه معاملة أو سلفا. ومن فعل ذلك معه أجر على قدر نيته في الدنيا والآخرة ثم قال: وسئل
اللخمي عن يتيم أخذه السلطان وسجنه واضطره إلى بيع ربعه فباعه خشية أن يأتيه من
السلطان نفي أو غيره وتوقف الناظر في البيع حين لم يأذن القاضي فيه. فأجاب: إذا كان
الامر على ما وصف مضى بيعه انتهى. وذكر في التوضيح عن ابن رشد بلفظ: وسئل عن
شاب مراهق أو بالغ جنى جناية فسجن وهو يتيم كلفه بعض أقاربه إلى آخره.
تنبيه: ظاهر كلام المؤلف أن هذا الحكم خاص بمسألة الاكراه على البيع لأن الضمير
في عليه عائد إلى البيع، وقد علمت أن المذهب لا فرق بين الاكراه على البيع أو على
دفع مال فيبيع لذلك. ص: (ورد عليه بلا ثمن) ش: يعني أنه إذا قلنا: إن المكره لا يلزمه
بيعه فإنه مخير بين أن يلزم المشتري البيع وبين أن يأخذ مبيعه كما تقدم، ولا يلزمه دفع
الثمن بل يأخذ حقه بلا ثمن، وهذا الذي ذكره المصنف إنما هو إذا أكره على دفع مال
42

ظلما فباع متاعه لذلك فيرد إليه متاعه بلا ثمن حتى يتحقق أن المضغوط صرف الثمن في
مصالحه، وأما إذا أكره على البيع فقط فله إجازة البيع ورده، فإن رد البيع رد الثمن الذي
أخذه إلا أن تقوم بينة على تلفه. قاله في كتاب الاكراه من النوادر، وتقدم في كلام ابن رشد
نحوه. وقال في البيان: وسواء علم المشتري أنه مضغوط أو لم يعلم. قال ذلك ابن القاسم
في المبسوط عن مالك. وسواء وصل الثمن من المبتاع إلى المضغوط فدفعه المضغوط إلى
الظالم أو جهل هل دفعه إليه أو أدخله في منافعه، أو كان الظالم هو الذي تولى قبضه من
المبتاع للمضغوط في ذلك كله أن يأخذ ماله من المشتري أو ممن اشتراه من المشتري بغير
ثمن، ويرجع المشتري الثاني على المشتري من المضغوط والمشتري من المضغوط على
الظالم إلا أن يعلم أن البائع أدخل الثمن في منافعه ولم يدفعه إلى الظالم فلا يكون له إلى
ذلك سبيل حتى يدفع الثمن إلى المشتري. قال ذلك كله ابن حبيب في الواضحة وحكاه
عن مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ. وذهب سحنون إلى أنه إذا كان المضغوط هو البائع
القابض للثمن فلا سبيل له إلى ما باع إلا بعد غرم الثمن، وحكاه عن مالك. وقال ابن كنانة:
بيعه لازم له غير مفسوخ عنه وهو أجير يؤجر به عليه ولزومه إياه لأنه أنقذه مما كان فيه من
العذاب. انتهى " من رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان ونقله في التوضيح
ونصه: ولو باع متاعه في مظلمة ثم لا يدري هل أوصل الثمن إلى الظالم أم لا نظر، فإن
كان ظلمه له وعداؤه عليه معلوما حتى باع متاعه فيحمل على أنه وصل للظالم حتى يتحقق
أن المضغوط صرفه في مصالحه فلا يصل حينئذ إلى متاعه إلا بدفع الثمن، وسواء علم
المبتاع بأن ما اشتراه للمضغوط أو لم يعلم. قيل لمطرف: إنهم يخرجون عندنا من غير كبل
يقفون لبيع متاعهم، فإذا أمسوا ردوا إلى السجن قد وكل بهم حراس أو أخذ عليهم حميل
43

والمشتري لا يعلم أو يعلم، ومنهم من هو في كبل وعذاب، ومنهم هارب قد أخذ متاعه يباع
قد أمر بعض أهله ببيعه. قال: كل هذا سواء وهو إكراه لا يبالي بعلم المبتاع أو جهله إلا أن
من علم مأثوم. وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ قالوا: وسواء كان عنده عين فتركها وباع خشية
أن يزاد عليه أو لم يكن انتهى. ونقله ابن عرفوا لفظه: وسواء أخرج المضغوط للبيع مكبولا
أو موكلا به حراس أو أخذ عليه حميل أو كان مسرحا دون حميل إلا أنه إن هرب خالفه
الظالم إلى منزله بالأخذ والمعرة في أهله كان له مال عين فغير ما باعه أو لم يكن ولي البيع
أو وكل عليه انتهى. وقال قبله: ويتبع المشتري بثمنه الظالم دفعه له هو أو البائع انتهى.
فروع: الأول: قال في التوضيح: ومن كان عالما بحال المضغوط فاشترى شيئا من
متاعه فهو ضامن كالغاصب، وأما من لم يعلم فيشتري في السوق فلا يضمن الدور
والحيوان، ويضمن ما انتفع به بأكل أو لبس والغلة له، وأما الظالم فلا غلة له وهو ضامن من
لها انتهى.
الثاني: قال في التوضيح: وكل ما أحدث المبتاع في المبيع من عتق أو تدبير فلا يلزم
المضغوط، وله أخذ رقيقه من المبتاع، سواء علم بحاله أو لم يعلم. وقاله ابن عبد الحكم
وأصبغ انتهى. وكذلك لو أوقف المبتاع شيئا من ذلك لم يلزم المضغوط. وقاله في الشامل
والله أعلم
الثالث: قال فيه أيضا عن مطرف: ولو قبض الثمن وكيل الظالم من المشتري فللمبتاع
أن يرجع على الوكيل إن شاء، أو على الظالم إذا ثبت له أنه أدى المال إليه وأنه أوصى
الوكيل فقبضه، وكلاهما مأخوذ به ولا يبرئ الوكيل خوفه منه أو إكراهه إياه انتهى.
الرابع: قال في التوضيح: ولو وجد المضغوط متاعه قد فات فله أخذ الأكثر من قيمته
أو ما بيع به إن شاء على الوكيل، وإن شاء على الموكل. وقال ابن عبد الحكم وأصبغ مثل
ذلك. مطرف: ولا قول للوكيل إن قال كنت مكرها على القبض وخفت منه على نفسي إن
لم أفعل لقوله عليه الصلاة والسلام: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق انتهى. ونقله ابن
عرفة جميعه وزاد بعد هذا الفرع: وكذا كل ما أمر بفعله ظلما من قتل أو قطع أو جلد أو أخذ
مال وهو يخاف إن لم يفعله نزل به مثل ذلك فلا يفعله، فإن فعله لزمه القصاص والغرم.
قلت: هذا ونحوه من نصوص المذهب يبين لك حال بعض القضاة في تقديمهم من يعرفون
جرحته شرعا للشهادة بين الناس في الدماء والفروج، ويعتذرون بالخوف من موليهم القضاء
مع أنهم فيما رأيت لا يخافون منه إلا عزلته عن القضاء، ولله در الشيخ أبي زكريا يحيى
الصوفي صالح بجاية روي عنه بسند صحيح أن كان يقول: اللهم العن الشيعة ومغيري
الشريعة انتهى.
44

الخامس: قال في التوضيح: ولو أعطى المضغوط حميلا فتغيب فأخذ المال من
الحميل لم يرجع الحميل عليه بشئ انتهى. وقال ابن عرفة: ولو ضغط الحميل في ملك
لبيع شئ فبيعه بيع مضغوط انتهى. وقال في التوضيح: بخلاف ما لو أخذ المضغوط ما
أضغط فيه من رجل سلفا فقال أصبغ: يرجع عليه بما أسلفه لأن السلف معروف. قال فضل:
فعلى أصله فيرجع الحميل لأن الحمالة معروف انتهى. وقال في النوادر: ونقل ابن رشد في
سماع عيسى من كتاب الوديعة على ابن دحون يلزمه رد ما تسلف ولم يحك خلافه.
السادس: قال ابن عرفة: وبيع قريب المضغوط لفكاكه من عذاب كزوجته وولده
وقريبه لازم انتهى. يريد بيعه متاع نفسه كما صرح به في التوضيح وغيره وقال: لأن هؤلاء لم
يضغطوا ولو لم يبيعوا متاعهم لم يطلبوا انتهى. وهذا في غير الأب، وأما الأب إذا عذب ولده
بين يديه فقال البرزلي: إنه من الاكراه ونصه: وسئل ابن البراء عمن أخذه العمال بغير حق
فباعت أمه وأخواته دارا لهم قامت عليهم بسبعمائة وقيمتها حينئذ أربعمائة بمائة وخمسين
دينارا جبرا بسبب فداء ولدها وكانت لأبيه قاعة فباعها بأربعة عشر دينارا ثم مات الوالدان
وقام الورثة بنقض البيع بسبب الغبن أو غيره. فأجاب: إذا ثبت الجور والعدوان بطل ما يجري
في ذلك، والحاكم ينظر فيه فما ثبت عنده بنى عليه حكمه الشرعي.
قلت: تقدم في الرواية أن ما باعته زوجته أو ابنه أو قريبه من متاع أنفسهم في افتكاكه
يلزمهم بيعه بخلاف متاع المضغوط لأنهم لم يطلبوا إنما باعوا حسبة، فعلى هذا كل ما
باعته هذه المرأة والأخوات من مالهن فلا مقال لهن فيه. واستشكل الشيخ أبو القاسم
السيوري هذه الرواية وقال: لم يظهر لي صوابها، فإن الولد إذا عذب بين يدي والديه فأي
إكراه أبين من هذا؟ وأين الحسبة والله تعالى يقول: * (لا تضار والدة بولدها) *.
قلت: هذا أحد الأقوال أن الاكراه بسبب أولد كالاكراه بالنفس، لكن يبقى غير الولد
من الزوجة والأخوة ونحو ذلك مما نص عليه في الرواية انتهى. واعلم أن الرواية لم ينص
فيها على الوالد ولعله خارج من هذا الحكم، وأما السؤال ففيه أنهم باعوا جبرا فتأمله والله
أعلم
السابع: قال البرزلي: سئل ابن عبد الرحمن عمن اضطره جبرا فتأمله والله أعلم السلطان إلى بيع سلعته وقام
بعد سبعة عشر عاما وأنكر المشتري الاكراه. فأجاب: إذا ثبت الاكراه في شئ لا يلزمه مبيعه
غير لازم، وإن لم يثبت فالبيع لازم له، وإن ادعى على المشتري المعرفة بذلك حلفه.
البرزلي: ويؤخذ منه أن الضرر لا يجاز ولو طالت السنون إذا كان أصله ظلما. ونص عليه ابن
سهل فيمن تسلم بالظلم أن حيازته لغو ويسأل من أين توصل إلى الملك انتهى.
قلت: وقال فيه أيضا قال ابن رشد في بيع مضغوط: إن من أضغط في الغرم بغير حق
45

وأكره عليه ثم أطلق تحت الضمان حتى يأتي بالمال أنه لم يزل في الضغطة وأن بيعه في
ذلك الوقت بيع مضغوط وفيه خلاف. والذي أتقلده قول سحنون وروايته عن مالك: يرد البيع
ويغرم الثمن المقبوض إلا أن يعلم المبتاع بضغطته فيرد البيع ويتبع الضاغط بالثمن. ولا تباعة
له على المضغوط إلا أن يكون الوكيل هو العالم بالضغطة دون موكله فيرجع الموكل على
وكيله لأنه تعدى، فإن لم يثبت علم أحدهما بذلك وأراد البائع تحليف من ادعى عليه علم
ذلك فذلك له انتهى. ففي هذه الفتوى ما يشهد للتي قبلها، وما نقله ابن رشد في نوازله عن
سحنون هو خلاف ما نقله عنه في البيان كما تقدم، واقتصر ابن عرفة على ما نقله في نوازله
والله أعلم.
الثامن: في شهادة العدول على بيع المكره. قال البرزلي: فيها نظر إلا أن يكونوا
يخافوا عليه فلهذا وجه، لكن حقهم أن يذكروا صفة حاله وإن لم يخافوا عليه فالصواب أن
لا يشهدوا في مثل هذا لأنها صفقة لا تجوز، وإن خافوا على أنفسهم العزل فلا يشهدوا لأنها
ظلم، ولو خافوا على أنفسهم وأموالهم ففيها نظر للخلاف في أصل المسألة انتهى. يعني
في بيع المضغوط والله أعلم.
التاسع: قال في سماع عيسى من كتاب الوديعة: من أودع متاعا فعدا عليه عاد فأغرمه
على ذلك المتاع غرما لم يكن على صاحب المتاع شئ مما غرم. ابن رشد: قد قيل: إن له
أن يرجع على صاحب المتاع بما غرم من متاعه. وهذا الاختلاف إنما هو إذا لم يعلم
صاحب المتاع به، وأما ما علم به مثل المتاع يوجه به الرجل من بلد إلى بلد مع رجل وقد
علم أن بالطريق مكاسا يغرم الناس على ما يمرون به من المتاع، فلا ينبغي أن يختلف في
أنه يجب على رب المتاع ما غرم على متاعه، وقد رأيت ذلك لابن دحون وقال: إنه بمنزلة
الرجل يتعدى عليه السلطان فيغرمه فتسلف ما يغرم فذلك دين لازم وهو حلال لمن أسلفه.
ووجه ما ذهب إليه أنه إذا علم بذلك فكأنه قد سأله أن يسلفه ما يلزمه من الغرم انتهى.
العاشر: قال ابن رشد إثر كلامه المتقدم: ومن هذا المعنى ما قال سحنون في الرفاق
في أرض المغرب تعرض لهم للصوص فيريدون أكلهم، فيقوم بعض أهل الرفقة فيضمنهم
على مال عليه وعلى جميع من معه وعلى من غاب من صاحب الأمتعة فيريد من غاب أن
يدفع ذلك عن نفسه قال: إذا كان ذلك مما عرف من سنة تلك البلاد أن إعطاء المال
يخلصهم وينجيهم فإن ذلك لازم لمن حضر ولمن غاب ممن له أمتعة في تلك الرفقة،
وعلى أصحاب الظهر من ذلك ما ينوبهم في تلك الرفاق وإن كان يخاف على أن لا ينجيهم
ذلك، وإن أعطوا وكان فيهم موضع لدفع ذلك فما أوجب لهم أن يدفعوا على أنفسهم
وأموالهم، فإن لم يفعلوا وأعطوا على ذلك شيئا لم يرجع بذلك على من غاب من صاحب
46

الأمتعة وبالله التوفيق. ص: (ومضى في جبر عامل) ش: أي ومضى البيع المجبر عليه إذا
كان ذلك في جبر السلطان عاملا من عماله فهو من إضافة المصدر إلى مفعوله، وذلك أن
السلطان إذا أراد تولية أحد أحصى ما بيده، فما وجده بعد ذلك زائدا على ما بيده وعلى ما
كان يرزق من بيت مال المسلمين وإنما أخذه بجاه القضاء والولاية أخذه منه، فإن كان له
تجارة وزراعة وأشكل مقدار ما اكتسبه بذلك وما اكتسبه بجاه الولاية فالمشاطرة حسنة، وقد
فعلها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع عماله لما أشكل عليه ما اكتسبوه وبالقضاء
والعمالة، ويأتي ذلك في القضاء إن شاء الله عند الكلام على قبول القاضي الهدية، والكلام
على مشاطرة سيدنا عمر لسيدنا أبي هريرة وسيدنا أبي موسى رضي الله عنهم مع أن علو
منصبهم ومرتبتهم في الورع والدين معلومة. أما إذا كان العامل مشهورا بالظلم للناس وأخذ
أموالهم، فعلى السلطان أن يأخذ جميع ما ظلم الناس به ويرده عليهم. وما ذكره المصنف هنا
مفهوم من قوله أولا: جبرا حراما لكن لما كان مفهوم شرط وفي فهمه منه خفاء لا يهتدى
إليه كل أحد، صرح به ولو أدخل الكاف عليه فقال في: كجبر عامل لكان أحسن ليدخل
في كلامه صور الجبر الشرعي كجبر القاضي المديان على بيع متاعه للغرماء، وجبر أهل
الذمة على بيع أموالهم لأداء الجزية الجزية الشرعية، وجبر من له دار تلاصق الجامع أو
الطريق على بيعها إذا احتيج إلى توسعتهما بها على ما اختاره ابن رشد. وكان المصنف
رحمه الله اكتفى في ذلك كله بمفهوم قوله: جبرا حراما وإنما نبه على جبر العامل
بخصوصه لئلا يتوهم فيه أنه من الجبر الحرام لكونه من جهة السلطان ولقربه منه خصوصا إذا
كان السلطان لا يرد المال على أربابه ولهذا قال: مضى ولم يقل جاز جبر عامل لأن جبر
47

السلطان العامل إن كان ليرد المال على أربابه فهو جائز، وإن كان ليأخذه لنفسه فإنه حرام
عليه ولكنه ماض والله أعلم. قال في البيان في رسم سن سماع ابن القاسم من كتاب
السلطان الذي مضى عليه عمل القضاة: إن من تصرف للسلطان في أخذ المال وإعطائه فبيعه
جائز إذا أضغط فيه ولا رجوع له فيه، وإن كان ممن لا يتصرف في أخذ المال وإعطائه فلا
يشتري منه إذا أضغط، فإن اشترى منه فله القيام وهو صحيح، لأنه إذا أضغط فيما خرج عليه
من المال الذي تصرف فيه أو تبين أنه حصل عنده منه فلم يضغط إلا بما صار عنده من
أموال المسلمين وذلك حق وبالله التوفيق اه‍. ونقله ابن عرفة وزاد الشيخ عن مطرف وابن
عبد الحكم وأصبغ: والعامل يعزله الوالي على سخط أو يتقبل الكورة بمال ويأخذ أهلها بما
شاء من الظلم فيعجز أو يتقبل المعدن فيعجز عما عليه فيغرمه الوالي مالا بعذاب حتى يلجئه
لبيع ماله، فبيعه ماض عليه سواء أخذ الوالي ماله لنفسه أو رده على أربابه كمكره أو مضغوط
في بيع لحق عليه أو دين لازم اه‍. ونقله في التوضيح أيضا وتقدم كلامه عند قول المصنف
لا إن أجبر عليه جبرا حراما.
تنبيهان: الأول: تقدم أن من الجبر الشرعي جبر أهل الذمة على البيع في الجزية
والخراج وشبهه. قال في الرسم المتقدم: قال ابن القاسم: قال مالك في الذي يضغط في
الخراج فيبيع بعض متاعه على وجه الضغط: أرى أن يرد عليه بغير ثمن إذا كان بيعه إياه
على عذاب أو ما أشبهه من الشدة ولا أرى لمشتري ذلك أن يستحله ولا يحبسه. قال ابن
رشد: إنما يرد عليهم ما اشترى منهم على وجه الضغط إذا كان الذي يطلبون ويضغطون فيه
ظلما وتعديا أو كانوا فقراء لا يلزمهم ما وجب عليهم حتى يوسروا فيبيع عليهم ما لا يلزمهم
بيعه كثوب يستر به وشبهه، فهذا يلزم مشتريه رده. فأما إن بيع عليه شئ في حق واجب من
جزيته أو من غير جزيته تحت الضغط والاكراه فلا يرد عليه وهو سائغ لمن اشتراه، وقد كان
ينبغي أن يرفق بهم في تقاضي ذلك منهم وأن لا يعذبوا على ذلك، وسبيل المضغوط من
المسلمين على بيع متاعه في غير حق سبيل الذمي في حق رد ماله عليه من غير ثمن بل هو
في المسلم أشد لأن حرمته أعظم. قال ذلك ابن حبيب وحكاه عن مالك من رواية ابن
القاسم عنه ومطرف وابن عبد الحكم وأصبغ اه‍. وقال ابن عرفة إثر كلام المتقدم: وكذا بيع
أهل الذمة أو المعتوه فيما عليهم من جزية وأهل الصلح فيما صولحوا عليه اه‍. يعني أنه
لازم والله أعلم.
الثاني: تقدم أيضا من الجبر الشرعي جبر من له ربع يلاصق المسجد وافتقر لتوسيع
المسجد به على بيعه لتوسيع المسجد، وكذلك من له أرض تلاصق الطريق. بذلك أفتى ابن
رشد واحتج على فتياه بقول سحنون يجبر ذي أرض تلاصق طريقا هدمها نهر لا ممر للناس
إلا فيها على بيع طريق فيها لهم بثمن يدفعه الامام من بيت المال، وبفعل عثمان رضي الله
48

عنه في توسيعه مسجده (ص)، وبقول مالك وغيره إذا غلا الطعام واحتيج إليه أمر الامام أهله
بإخراجه إلى السوق. اه‍ من ابن عرفة ص: (ومنع بيع مسلم ومصحف وصغير لكافر) ش:
لما ذكر شرط انعقاد البيع وشرط لزومه ذكر شرط جوازه ابتداء وهو صحة تقرر ملكه عليه. وأما المسلم والمصحف فلا يصح تقرر ملك
المشتري على المبيع، ولو وجب عليه عتقه بعد ذلك فيجوز شراء من يعتق عليه لأن ملكه
يتقرر عليه، وذلك هو الموجب لعتقه عليه أعني تقرر ملكه عليه. وأما المسلم والمصحف فلا
يصح تقرر ملك الكافر عليهما فلا يجوز بيعهما منه بلا خلاف، فإن وقع ذلك فاختلف فيه،
فمذهب المدونة أن البيع يمضي ويجبر الكافر على إخراج ذلك عن ملكه. قال في المدونة
في كتاب التجارة لأرض الحرب: فإن ابتاع الذمي أو المعاهد مسلما أو مصحفا أجبر على
بيعه من مسلم ولم ينقض شراؤه اه‍. ثم قال: ولو كان الكافر المشتري له عبد المسلم فإنه
يجبر على بيعه لأنه له حتى ينزعه سيده اه‍. وصرح المازري بأنه المشهور. وقال سحنون
وأكثر أصحاب مالك: ينقض البيع وبه صدر ابن الحاجب. قال في التوضيح بعد ذكر
القولين: وقيد ابن رشد الخلاف بأن يكون البائع عالما بأن المشتري نصراني قال: ولو باعه
من نصراني وهو يظن أنه مسلم بيع عليه ولم يفسخ اتفاقا اه‍. قال في الواضحة: ويعاقب
المتبايعان على القول بالفسخ. ونقله ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح. قال ابن عبد
السلام قلت: وينبغي أن يعاقبا أيضا على مذهب المدونة إلا أن يعذر بالجهل انتهى. وقال
في التوضيح أيضا: إلا أنه لم يعزه لابن عبد السلام بل ظاهر كلامه أنه من عنده وأسقط منه
قوله: إلا أن يعذرا بالجهل. قال ابن عرفة عن ابن حارث: وفي مبايعة الكافر بالعين فيها اسم
الله قول ابن القاسم فيها كراهة مالك وأعظم ذلك، وقول ابن عبد الحكم لا بأس بذلك أو
قول ابن القاسم في التجارة لأرض الحرب اه‍. وكذا يحرم بيع الحربيين آلة الحرب من
سلاح أو كراع أو سروج أو غيرها ممن يتقوون به في الحرب من نحاس وخرثي وغيره اه‍.
قال أبو الحسن: قوله: وخرث وغيره هو بثاء مثلثة المتاع المختلط. الشيخ: يعني نفسه
أثاث الخباء وآلة السفر وماعونه. قال أبو إسحاق: فإن بيع منهم ذلك بيع عليهم على قياس
قول ابن القاسم في المسلم والمصحف اه‍. وأما بيع الطعام فقال ابن يونس عن ابن حبيب:
يجوز في الهدنة، وأما في غير الهدنة فلا قاله ابن الماجشون. وكذا يحرم بيع الدار وكراؤها
لمن يتخذها كنيسة أو بيت نار، وكذا لمن يجعل فيها الخمر. وقاله في المدونة. وكذا بيع
49

الخشبة لم يعملها صليبا. وذكر القرطبي والآبي في أوائل شرح مسلم في منع بيع العنب
لمن يعصرها خمرا قولين. قال الآبي: والمذهب في هذا سد الذرائع، كما يحرم بيع السلاح
لمن يعلم أنه يريد قطع الطريق على المسلمين أو إثارة الفتنة بينهم. قاله في أول سماع ابن
القاسم من كتاب المحاربين والمرتدين. وفي رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب
التجارة إلى أرض الحرب. وفي مسائل المديان والتفليس من البرزلي عن بعض الفقهاء أنه
سئل عن بيع المملوكة من قوم عاصين يتسامحون في الفساد وعدم الغيرة وهم آكلون للحرام
ويطعمونها منه، فأجاب: لا يجوز ذلك على مذهب مالك اه‍. وكذلك يشترط في جواز البيع
إلا أن يعلم أن المشتري قصد بالشراء أمرا لا يجوز والله أعلم.
تنبيهان: الأول: الحقو الصغير الكافر بالمسلم في عدم جواز بيعه لكافر وجبره على
بيعه إن اشتراه وسيأتي الكلام عليه.
الثاني: قال ابن عرفة: والاسلام الحكمي كالوجودي. ففي المدونة: إن أسلم العبد وله
ولد من زوجته النصرانية المملوكة لسيده بيع الثلاثة لمنع بيع الصغير دون أمة يعني ولا بد
من بيع الصغير لأنه قد حكم بإسلامه لاسلام أبيه. ص: (وأجبر على إخراجه بعتق أو هبة)
50

ش: يعني إذا قلنا: إن شراء الكافر للمسلم ممنوع ابتداء ولكنه يصح إذا وقع فإنا نجبره على
إزالة ملكه عنه بأي وجه كان ولو بالعتق، ولذا قال المؤلف: ولو يعتق لكان أحسن. وقال
ابن غازي: عليه الاخراج بالعتق والهبة لأن الاخراج بالبيع وهبة الثواب والصدقة أحرى منهما،
وهذا يقتضي أنه في نسخته بصيغة المبالغة ولم أقف عليه إلا بإسقاطها. وشمل قوله: بعتق
جميع أنواعه من تنجيز وتدبير وتأجيل وإيلاد وتبعيض. فأما التنجيز فواضح، وأما التدبير فإنه
ينفذ ويؤاجر على سيده الكافر، سواء اشتراه مسلما ثم دبره أو أسلم عنده ثم دبره أو دبره ثم
أسلم على المشهور كما سيذكره المصنف في باب التدبير. والمعتق إلى أجل حكمه حكم
المدبر بل هو أولى. وفي كلام ابن يونس في التدبير إشارة إليه. وأما الايلاد فالذي رجع إليه
مالك في أم ولد الذمي تسلم هي أو ولدها بعد إسلامها أنه ينجز عتقها إلا أن يسلم قبل
عتقها فتبقى له أم ولد. قاله في كتاب المكاتب من المدونة. والفرق بين المدبر وأم الولد
أنه لم يبق له فيها إلا الاستمتاع وقد حرمت عليه، وأما المدبر فله خدمته ولذلك أوجر عليه.
وأما التبعيض فحكمه حكم من أعتق بعض عبده على التفصيل الآتي في العتق والله أعلم.
تنبيهات: الأول: كلام المصنف في شراء الكافر المسلم وكذلك الحكم لو وهب له
أو تصدق به عليه، فكما لا يجوز بيع المسلم من الكافر فكذلك لا تجوز هبته له ولا صدقته
عليه، وإن وقع مضى وأجبر على إخراجه، وسواء كان المتصدق والواهب مسلما أو كافرا.
قال في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة: وإن وهب مسلم عبدا مسلما النصراني
أو تصدق به عليه جاز ذلك وبيع عليه والثمن له. قال ابن يونس: قوله: وإن وهب مسلم
يريد أو نصراني. وقوله: جاز قال أبو الحسن: يريد مضى ولم يرد أنه يجوز أن يملكه
ابتداء. ومثل ذلك إذا أسلم عبد الكافر فإنه يجبر على بيعه ولو كان العبد صغيرا. قال في
المدونة: إن عقل الاسلام اه‍.
الثاني: ظاهر كلام المصنف أن الكافر يتولى بيع العبد وهو ظاهر لفظ المدونة. قال
أبو الحسن: وليس كذلك لأن فيه إهانة المسلم بل يبيعه الامام ببينة ما يأتي في قوله بيع
عليه. ثم قال في شرح قوله في المدونة: ولو وهب الكافر العبد المسلم الذي اشتراه لمسلم
للثواب فلم يثبه فله أخذه ويباع عليه. أقام بعض الشيوخ من هذه المسألة أن النصراني إذا
اشترى مسلما ثم باعه من مسلم قبل أن يعرض له أن بيعه جائز ولا ينتقض لأنه فعل ما كان
يفعله الامام. وقال ابن شعبان: ينقض بيعه لأن تولية البيع فيه إهانة للمسلم فيفسخ حتى
تولاه الامام اه‍.
الثالث: قال ابن عرفة: قال المازري: لو أسلم عبد الكافر المؤجر من نصراني فسخ
باقي مدة الإجارة، وهذه الرواية على فسخ شراء الكافر المسلم وعلى بيعه عليه يؤاجر من
51

مسلم بقية المدة. ابن عرفة: يفرق ببقاء ملك الكافر في إجارته عليه ولذا يفتقر لبيعه بعدها
اه‍. قلت: ولو كان مؤاجرا من مسلم فعلى ما قال المازري لا تفسخ الإجارة، وعلى ما قاله
ابن عرفة تفسخ الإجارة وهو الظاهر. ونقل ابن عرفة قبل كلامه هذا عن المازري أنها لا
تنفسخ، وعن التونسي أنه جعله محل نظر ولا يلزم مثل ذلك في التدبير والعتق المؤجل لما
تعلق به هناك من الحرية.
الرابع: قال في المسائل الملقوطة: يجبر الرجل على بيع ما له في عشرة مواضع:
الأول: الكافر يجبر على بيع عبده المسلم. الثاني: على بيع المصحف. الثالث: مالك الماء
يجبر على بيعه لمن به عطش فإن تعذر الثمن أجبر من غير ثمن. الرابع: من انهارت بئره
وخاف على زرعه الهلاك يجبر جاره على سقيه بالثمن وقيل بغير ثمن. الخامس: المحتكر
يجبر على بيع طعامه. السادس: جار الطريق إذا أفسدها السيل يؤخذ مكانها بالقيمة. السابع:
إذا ضاق المسجد يجبر جاره على بيع ما يوسع به. الثامن: صاحب الفدان في رأس الجبل
إذا احتاج الناس إلى أن يتحصنوا فيه. التاسع: صاحب الفرس أو الجارية يطلبها السلطان فإن
لم يدفعها إليه جار على الناس وأضر بهم فإنه يجبر على دفعها لارتكاب أخف الضررين.
العاشر: إذا أسر رجل بيد العدو وامتنع الذي هو عنده من قبول الفداء إلا أن يدفع إليه عبد
رجل معين فأبى صاحبه من بيعه إلا بأضعاف ثمنه فإنه يؤخذ منه بالأكثر من قيمته من فتاوى
ابن رشد اه‍. وذكر القرافي في كتاب الوقف سبعا فترك الأول والثاني والعاشر لشهرة ذلك
والله أعلم. ص: (ولولدها الصغير على الأرجح) ش: الخلاف المذكور وترجيح ابن يونس
إنما هو في مسألة النصرانية يسلم، وذكره المصنف في اشتراء الكافر المسلم فكأنه رأى أن
لا فرق بينهما وهو كذلك. قال البساطي: وأنت الضمير في قوله: لولدها لأنه لا يتصور
أولاد صغار مسلمون وأبوهم كافر على المذهب.
قلت: قد يمكن ذلك فيما إذا أسلم الولد وهو صغير وقد عقل الاسلام فإنه يحكم
بإسلامه وولدها الكبير مثل الصغير. ص: (لا بكتابة) ش: لا يكفي في إخراج العبد المسلم
عن ملك الكافر مكاتبته إياه، بل تباع كتابته عليه على المشهور، وسواء أسلم عنده ثم كاتبه
أو اشتراه مسلما ثم كاتبه أو كاتبه ثم أسلم كما سيقوله المصنف في باب المكاتب. وقيل:
52

تبطل الكتابة ويباع عبدا. قاله في المبسوط ونقله ابن الحاجب وغيره والله أعلم ص: (ورهن)
ش: أي لا يكفي في الاخراج أن يرهنه لأن الرهن باق على ملك الراهن، ثم بين الحكم
بعدم الوقوع في القولة التي بعد هذه ص: (وأتى برهن ثقة إن علم مرتهنه بإسلامه ولم
يعين وإلا عجل) ش: قال في المدونة: وإذا أسلم عبد النصراني فرهنه بعته عليه وعجلت
الحق إلا أن يأتي برهن ثقة مكان العبد فيأخذ الثمن، فقيده بعض القرويين بما إذا لم ينعقد
البيع على هذا الرهن بعنيه. ونقل في التوضيح عن ابن محرز أنه قيده بما إذا كان المرتهن
عالما بإسلام العبد فرهنه على ذلك، فجمع المصنف بين القيدين فصارت المسألة على أربعة
أوجه: الأول: إذا علم مرتهنه بإسلامه ولم يعين الرهن فله أن يأتي برهن ثقة، وهذا صريح
كلام المصنف وهو موافق لصاحب التقييدين. الثاني: إذا انتفى الأمران فإن لم يعلم مرتهنه
بإسلامه وعين الرهن فيعجل الحق على ما قال المصنف. وهو أيضا موافق لصاحب
التقييدين. الثالث: إذا انتفى الأول دون الثاني فإن لم يعلم المرتهن بإسلامه ولم يعين الرهن
فمقتضى كلام المصنف أيضا تعجيل الحق وهو موافق لكلام ابن محرز ومخالف لبعض
القرويين. الرابع: إذا انتفى الثاني دون الأول بأن يكون علم بإسلامه وعين الرهن. فمقتضى
كلام المصنف أيضا تعجيل الحق وهو موافق لبعض القرويين مخالف لكلام ابن محرز. وهذه
الصور الثلاث داخلة في قول المصنف: وإلا عجل. وجعل اللخمي محل الخلاف إذا كان
الاسلام قبل الرهن. قال: وأما إن أسلم بعد الرهن فلا يعجل اتفاقا. وتبعه في الشامل. وهذا
كله إذا أراد الكافر أخذ الثمن وإلا فلو عجله لكان ذلك له. قاله في لتوضيح ص: (كعتقه)
ش: الضمير راجع للعبد المرهون وليس هو خاصا بمسألة العبد الكافر إذا أسلم، بل مراده أن
الراهن إذا أعتق العبد المرهون فإنه يقضى " عليه بتعجيل الدين الذي عليه إن كان موسرا،
53

وستأتي المسألة مفصلة في باب الرهن ص: (وجاز رده عليه بعيب) ش: قال في الكبير:
يعني فإن باع الكافر عبده المسلم أو بيع عليه فوجد به عيب جاز لمن ابتاعه أن يرده عليه.
ونحوه للبساطي. وفرضها ابن عبد السلام وابن عرفة فيما إذا اشترى المسلم عبدا كافرا من
كافر ثم أسلم العبد بعد الشراء ثم اطلع على عيب. وكذا ذكر المسألة ابن رشد في سماع
يحيى من التجارة لأرض الحرب. والظاهر أن الحكم في المسألتين واحد والله أعلم. وما
ذكره المؤلف من الرد هو قول ابن القاسم. وقال أشهب وغيره: لا يجوز رده ويتعين الرجوع
بالأرش. ص: (وفي خيار مشتر مسلم يمهل لانقضائه) ش: يعني أن الكافر إذا باع عبده
الكافر لمسلم فأسلم العبد في أيام الخيار، فإن كان الخيار للمسلم فإنه يمهل لانقضائه
لتعلق حق المسلم بالتأخير. المازري: وهو ظاهر المدونة ص: (ويستعجل الكافر) ش: أي
وإذا كان الخيار للكافر فإنه يستعجل، وظاهره سواء كان بائعا أو مبتاعا وهو ظاهر والثاني
منصوص عليه ص: (كبيعه إن أسلم وبعدت غيبة سيده) ش: تشبيه في تعجيل البيع وقاله
في المدونة وجهل موضعه كبعد غيبته. قاله أبو الحسن: قال: وهذا إذا لم يطمع بقدوم
السيد، وأما إن طمح بقدومه انتظر يدل عليه ما في كتاب العيوب انتهى. وفهم من تقييد
الغيبة بالبعيدة أنه لا يبيعه في القريبة وينتظره وصرح به في المدونة وقال كاليوم واليومين، وفي الشهادة أبو الحسن: ذكر في
الكتاب في غير مواضع أن الغيبة القريبة كاليوم واليومين، وفي الشهادة كالثلاثة، وفي الأجوبة
البعيدة عشرة أيام والله أعلم.
فرع: فإن بيع العبد ثم قدم السيد فأثبت أنه أسلم قبل إسلام العبد كان له أن يأخذه
54

بطريق الاستحقاق، فإن عتق كان له نقض العتق. قاله أبو الحسن ص: (وفي البائع يمنع من
الامضاء) ش: يعني أن المسلم إذا باع عبده الكافر من كافر بخيار وكذا الخيار للبائع
المسلم فإنه يمنع من إمضاء البيع ص: (وفي جواز بيع من أسلم بخيار تردد) ش: توقف
في ذلك المازري، وفي كلام اللخمي ميل للجواز وهو الظاهر، لأن له استقصاء الثمن. ألا
ترى أنه لا يلزم أن يبيعه بأول ثمن يعطى فيه ساعته فتأمله والله أعلم. ص: (وهل منع الصغير
إذا لم يكن على دين مشتريه أو مطلقا أو إن لم يكن معه أبوه تأويلان) ش: لم يبين
رحمه الله هنا ولا فيما تقدم ولا فيما يأتي الصغير الذي أراد، هل صغير المجوس أو صغير
الكتابيين؟ والظاهر أنه أراد هنا وفيما يأتي صغار الكتابيين لأن التأويلين اللذين ذكرهما
هما التأويلان اللذان ذكرهما عياض وهو إنما ذكرهما في صغار الكتابيين. وأما الصغير المتقدم
فيحتمل أن يريد صغار الكتابيين وهو الظاهر، ويكون الكلام على أسلوب واحد، ويكون
الألف واللام في قوله: وهل منع الصغير للعهد ويكون سكت عن حكم صغير المجوس،
لأن حكمه يفهم منه بالأحروية، ولان ظاهر المدونة أن المجوس يجبرون على الاسلام
صغيرهم وكبيرهم كما سيأتي، ويحتمل أن يريد بالصغير المتقدم ما يعم الكتابي والمجوسي
لكن يحتاج إلى تخصيص التأويلين بالكتابي، وكأنه رحمه الله قبل تقييد عياض للمسألة
بكون الصغير الكتابي ليس مع أبوه فكأنه يقول: يمنع بيع الصغير من الكتابيين للكافر. وهل
المنع إذا لم يكن الصغير على دين مشتريه، وأما إذا وافقه في الدين فيجوز؟ وهذا التأويل
55

ذكره عياض عن بعضهم ولم يرتضه. أو المنع من بيع الصغير من الكتابيين مطلقا أي سواء
كان على دين مشتريه أو لم يكن؟ وهذا التأويل هو الذي ارتضاه عياض. وقوله: إن لم يكن
معه أبوه يعني أن المنع من بيع الصغير الكتابي من الكافر إنما هو إذا لم يكن معه أبوه لأنه
حينئذ يجبر على الاسلام، وأما إن كان معه أبوه فلا يمنع لأنه لا يجبر على الاسلام. وهذا
حكم صغار الكتابيين، وأما صغار المجوس فإن لم يكن معهم آباؤهم فإنهم يجبرون على
الاسلام ويمنع الكفار من شرائهم بلا خلاف، وإن كان معهم آباؤهم ففيهم خلاف. كذلك
اختلف في الكبير من المجوس هل يجبر على الاسلام أم لا، ولم يختلف في الكبير من
سبي أهل الكتاب أنه لا يجبر على الاسلام. قاله ابن رشد في رسم الشجرة من سماع ابن
القاسم من كتاب الجنائز. وفي معنى الكبير من عقل دينه قاله في سماع محمد بن خالد من
كتاب المحاربين. ظاهر المدونة في أول كتاب التجارة إلى أرض الحرب أن المجوس
يجبرون على الاسلام ويمنع النصارى من شرائهم مطلقا صغيرهم وكبيرهم. ونصها: قال ابن
نافع عن مالك في المجوس: إنهم إذا ملكوا أجبروا على الاسلام. ويمنع النصارى من شرائهم
ومن شراء صغار الكتابيين ولا يمنعون من كبار الكتابيين. وهذا في المجوس المسبيين، أما
المجوس الذين ثبتوا على مجوسيتهم بين ظهراني المسلمين فلا يجبرون على الاسلام. قاله
في آخر سماع أصبغ من كتاب التجارة إلى أرض الحرب من البيان، وقبله ابن رشد وقال: إنه
صحيح لأن المسبيين منهم إنما أجبروا على الاسلام من أجل أنهم لم يفقهوا دينهم ولا
عقلوه لما هم عليه من الجهل فكان لم في ذلك حكم الصغار انتهى ولم يحك في ذلك
56

خلافا قال في سماع محمد بن الحسن من جامع البيوع: إنه لا خلاف في أنه لا يجبر على
الاسلام ص: (والصغير على الأرجح) ش: إنما كرره والله أعلم ليفيد أن الراجح من
التأويلين المنع مطلقا أي سواء كان على دين مشتريه أو لم يكن، لكن لو قال: على الأصح
لكان مشيرا لترجيح القاضي عياض فإنه لم يوجد في ابن يونس في ذلك ترجيح. وكذلك قال
ابن غازي: إنه لم يقف عليه لابن يونس في مظنته في كتاب التجارة إلى أرض الحرب ص:
(وشرط المعقود عليه طهارة) ش: لما فرغ رحمه الله من الكلام على الركن الثاني من
أركان البيع أتبعه بالكلام على الركن الثالث الذي هو آخر الأركان وهو المعقود عليه وهو
الثمن والمثمون، وعبر عنهما بلفظ واحد كما فعل في العاقد. فأركان البيع في الحقيقة
خمسة: الدال على الرضا والبائع والمشتري والثمن والمثمون. لكن لما كان الثاني والثالث
حكمهما واحدا من قول أو فعل. عبر عنهما بلفظ واحد. وكذلك الرابع والخامس فصار ثلاثة
بهذا الاعتبار. وقال الشارح في الكبير: المراد بالمعقود عليه المثمون وهو غير ظاهر، وجعل
ما ذكرناه أولا من أن المراد بالعاقد البائع والمشتري احتمالا وهو المتعين. وزاد بعضهم ركنا
سادسا فقال: السادس نفس العقد ويعني به الهيئة الحاصلة من مقارنة الايجاب للقبول
وصدورهما من المتعاقدين والله أعلم. وذكر المصنف للمعقود عليه خمسة شروط، واحترز
بكل شرط عما يقابله: الأول الطهارة واحترز به من النجس ولا يريد العموم في كل نجس بل
ما نجاسته ذاتية كالعذرة والزبل، أو كالذاتية وهو ما لا يمكن تطهيره كالزيت المتنجس
وشبهه على المشهور، وصرح به ابن عطاء الله في كتاب الطهارة. وأما إذا كانت نجاسته
عرضية فلا اختلاف في عدم اعتبارها. قاله ابن عبد السلام والمصنف. والدليل على منع بيع
النجس على الوجه المذكور نهيه تعالى عن أكل المال بالباطل لأن ما كان كذلك لا
تحصل به منفعة للمسلم أو تحصل به منفعة يسيرة فكأنه غير منتفع به أصلا، فأخذ العوض
عنه من أكل المال بالباطل المناقض للتجارة. ألا ترى أنه أتى بعده بأداة الاستثناء فقال: * (إلا
أن تكون تجارة عن تراض منكم) * وهي موجبة لأن يكون ما بعدها مناقضا لما
57

قبلها في الاستثناء المتصل، وكذلك هنا عند المحققين. قاله ابن عبد السلام. ودليله من
السنة نهيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك: روي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول
الله (ص): إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. فقيل لرسول الله: أرأيت
شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها؟ فقال: لا، هو حرام ثم
قال رسول الله (ص) عند ذلك: قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم الشحوم أجملوه ثم
باعوه فأكلوا ثمنه هكذا أخرجه مسلم وأخرجه البخاري بلفظ آخر. ومعنى أجملوه أذابوه.
وقوله: حرم قال القرطبي: صحت الرواية بإسناده إلى ضمير الواحد تأدبا منه عليه الصلاة
والسلام أن يجمع بينه وبين اسم الله في ضمير الاثنين كما رد على الخطيب قوله: من
يعصهما فقال له: بئس خطيب القوم قل: * (ومن يعص الله) *. أنظره والله أعلم ص: (لا
كزبل وزيت تنجس) ش: يعني إذا كان المعقود عليه من شروط الطهارة فيجوز بيع كل
طاهر حاو للشروط الآتية لا غير الطاهر مما نجاسته ذاتية كزبل الدواب، أو كالذاتية لكونه لا
يمكن تطهيره كالزيت المتنجس. وذكر هذين لكونهما مختلفا فيهما، فيعلم أن المشهور
فيهما المنع، ولينبه على أن الممنوع إنما هو بيع النجس الذاتي أو الذي كالذاتي كما تقدم.
واعلم أن المذهب على أن الأعيان النجسة لا يصح بيعها إلا أن في بعضها خلافا يتبين
بذكر آحاد الصور. قاله في الجواهر. وقال اللخمي: بيع النجاسة على وجهين: محرم
ومختلف فيه بالجواز والكراهة والتحريم. واستعمالها على وجهين: جائز ومختلف فيه
كذلك. وأكل ما استعمل فيه على وجهين: جائز ومختلف فيه. فبيع كل نجاسة لا تدعو
الضرورة إلى استعمالها ولا تعم بها البلوى حرام كالخمر والميتة لحمها وشحمها ولحم
الخنزير والأصل في ذلك الحديث المتقدم. واختلف فيما تدعو الضرورة إلى استعماله على
ثلاثة أقوال وذكر الخلاف.
وقال ابن بشير: النجاسة على قسمين: مجمع عليها ومختلف فيها، وكل واحد على
قسمين: ما تدعو الضرورة إليه وما لا تدعو الضرورة إليه. فالمجمع عليه الذي لا تدعو
58

الضرورة إليه لا خلاف في منع بيعه والانتفاع به، والذي تدعو الضرورة إليه مجمعا عليه كان
أو مختلفا فيه، فهل يجوز بيته أم لا؟ على ثلاثة أقوال انتهى. ويأتي إن شاء الله ذكر الأقوال
التي ذكرها، والصور المختلف فيها هي كل ما فيه منفعة مقصودة فلأجل مراعاة تلك المنفعة
اختلف العلماء فيه إذا قد علم أنه إنما منع بيع النجس لأنه لا منفعة فيه أصلا أو فيه منفعة
منع الشارع منها فصار وجودها كالعدم لأن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا. فمن تلك الصور
الزبل ودخل تحت الكاف في قوله: كزبل صور أخر نجاستها ذاتية وفيها منفعة منها:
العذرة ومنها عظام الميتة ومنها جلود الميتة. ومن الصور أيضا الزيت المتنجس. وكاف
التشبيه مقدرة فيه ليدخل فيه كل متنجس لا يقبل التطهير كالسمن المتنجس والعسل
المتنجس ونحو ذلك. أما العذرة وهي رجيع بني آدم فنسب ابن الحاجب وابن شاس
للمدونة المنع من بيعها، والذي في التهذيب الكراهة. قال في البيوع الفاسدة: كره مالك بيع
العذرة ليزبل بها الزرع أو غيره. قيل لابن القاسم: فما قول مالك في زبل الدواب؟ فقال: لم
أسمع منه فيه شيئا إلا أنه عنده نجس، وإنما كره العذرة لأنها نجس وكذلك الزبل أيضا،
وأنا لا أرى ببيعه بأسا. قال أشهب: والمبتاع في زبل الدواب أعذر من البائع. قال الشيخ أبو
الحسن في الأمهات قال: وأما الرجيع فلا خير فيه. ووقع له في كتاب محمد: المشتري
أعذر من البائع في الرجيع أيضا. ويعني أعذر أكثر اضطرارا. وقال ابن عبد الحكم: لا أعذر
الله واحدا منهما. وقال قبله الشيخ: وكراهة بيع العذرة على بابها انتهى. وكذلك ظاهر
اللخمي أن الكراهة على بابها.
وقال المصنف في التوضيح بعد ذكر كلام المدونة المتقدم، فانظر كيف عبر بالكراهة
في موضعين. نعم عبر أبو عمران وعياض عن مالك بلا يجوز وهو موافق للمصنف، ولعل
الذي حملهم على ذلك التعليل بالنجاسة انتهى. وكذلك ابن عرفة نسب المنع للمدونة
ويأتي لفظه إن شاء الله، وهو ظاهر ما فهمه ابن بشير عن المدونة، والمنع مذهب ابن عبد
الحكم. ونقل اللخمي كلامه بلفظ ما عذر الله واحدا منهما وأمرهما في الاثم سواء انتهى.
كذا نقله ابن عبد السلام والمصنف. وفي بعض النسخ: ما أعذر الله بالألف من باب أكرم
والمعنى واحد أي ما قبل الله العذر من واحد منهما. ونقل اللخمي أيضا كلام أشهب بلفظ.
وقال أشهب في الزبل المشترى فيه أعذر من البائع وأما العذرة فلا خير فيها. وقال في كتاب
محمد في العذرة بيعها للاضطرار: والعذر جائز والمشترى أعذرهما انتهى. فقول أشهب هذا
يفرق بين الاضطرار وغيره، وهذا على أن فاعل قال في كلام اللخمي أشهب، وكذا فهم
المصنف وابن عبد السلام فنسباه له. وظاهر كلام ابن عرفة أنه لمحمد. وقال ابن
الماجشون: بجواز بيع العذرة. وظاهر كلام ابن بشير والمصنف أنه قوله هو. ونقل ابن عرفة
عن ابن محرز أنه رواه وسيأتي لفظه. فتحصل في بيع العذرة أربعة أقوال: المنع لمالك على
59

ما فهمه الأكثر عن المدونة ولابن عبد الحكم، والكراهة على ما فهم الشيخ أبو الحسن
المدونة حيث قال في قولها وكره بيع العذرة ليزبل بها الزرع أو غيره الخ. وكراهة بيع العذرة
على بابها انتهى. وظاهر كلام اللخمي أن الكراهة على بابها، والجواز لابن الماجشون.
والفرق بين الاضطرار فيجوز وعدمه فيمنع لأشهب في كتاب محمد. وخرج اللخمي لابن
القاسم الجواز من إجازة الزبل. وتعقبه ابن بشير بأنه غير المقصود لأنه تخريج في الأصول
من الفروع لأنه إنما شبه الزبل في المنع. ويمكنه لو سئل عن بيع العذرة أن يقول: لا أجيزه
لأنه مجمع عليه، والزبل مختلف فيه. وأشار إلى هذا صاحب التنبيهات.
قال: ومساق قول ابن القاسم حين ساوى بينهما في النجاسة ثم أباح بيع الزبل يدل
على جواز بيع العذرة إلا أن يقال: الفرق بينهما الاختلاف في نجاسته انتهى. ونقل في
التوضيح هذا الفرق عن أبي عمران. قال ابن عرفة: ويفهم من كلام المازري رده بأنه لو اعتبر
فارقا ما صح تخريج ابن القاسم المنع في الزبل لمالك من منعه بيع العذرة. انتهى بالمعنى
وهو ظاهر. والضمير في رده عائد إلى التعقب لا بقيد كونه لابن بشير لتقدم المازري عليه.
وكذلك قال في التوضيح. وقال ابن عرفة: رد ابن عبد السلام تعقب ابن بشير بقوله: هو بناء
على مراعاة الخلاف وترك مراعاته لا يوجب تخطئة الأئمة انتهى. وهو كذلك في ابن عبد
السلام وقبله في التوضيح. ورده ابن عرفة بما حاصله: إن ما ذكره لا يصلح وحده دون كلام
المازري المتقدم ردا لأنه يصير معنى كلام ابن عبد السلام أن ابن القاسم أجاز بيع الزبل مع
كونه نجسا وألغى كون النجاسة مانعة من جواز البيع، ولم يراع دليل القول بطهارته فيلزمه
حينئذ إباحة العذرة لأنها حينئذ مساوية للزبل، وهذا لا يتم أعني لم يراع دليل القول بطهارة
الزبل لأن دليل القول بطهارته معنى مناسب للحكم بل نجاسته لا تمنع بيعه، فجاز أن يكون
ابن القاسم اعتبره فارقا فلا يصح حينئذ أن يلزم إباحة العذرة، ولا جواب عن كون ما ذكره أنه
فارق غير فارق عنده وأنه لم يعزه سوى أنه لو اعتبر ما ذكره فارقا لما صح له إلزام مالك منع
بيع الزبل من منعه بيع العذرة وهو كلام المازري المتقدم والله أعلم.
ونص كلام ابن عرفة الموعود به في نقل الخلاف في العذرة: وفي العذرة ثلاثة فيها
منعها ابن عبد الحكم إثم العاقدين سواء. ابن محرز: وروى ابن الماجشون جوازه وخرجه
اللخمي لابن القاسم في إجازته بيع الزبل. ونقل عن محمد جوازها للاضطرار والمشتري
أعذر انتهى. وأما الزبل ففيه ثلاثة أقوال: قياس لابن القاسم على العذرة في المنع عند مالي،
وقول ابن القاسم بجوازه، وقول أشهب المتقدم عن المدونة المشتري أعذر من البائع. هكذا
نقل ابن عرفة ونصه: في الزبل الثلاثة: تخريج ابن القاسم وقوله وقول أشهب فيها المشتري
أعذر من البائع انتهى. وعلى ما فهمه الشيخ أبو الحسن وهو ظاهر كلام اللخمي من أن
الكراهة على بابها تكون الأقوال فيه أيضا أربعة، ومشى المؤلف على قياس ابن القاسم الزبل
60

على العذرة فدل على أن العذرة ممنوعة بالأحروية. وجمع ابن بشير بين العذرة والزبل وحكى
فيهما ثلاثة أقوال: المنع والجواز وجعلهما شاذين. والفرق بين العذرة فيمنع والزبل فيجوز
على ما ارتضاه من رد تخريج اللخمي ولم يصرح فيه بمشهورية ولا ترجيح. وهذه هي
الأقوال التي تقدم في كلامه الإشارة إليها. وكذلك اللخمي جمع بين العذرة والزبل وحكى
فيها ثلاثة أقوال: الجواز لابن القاسم على ما خرجه له في العذرة، والكراهة لمالك، والمنع
لابن عبد الحكم. وهي الأقوال التي تقدمت في كلامه الإشارة إليها. واعلم أن القول بالمنع
هو الجاري على أصل المذهب في المنع من بيع النجاسات والقول بالجواز لمراعاة
الضرورة، ومن قال بالكراهة تعارض عنده الأمران ورأي أن أخذ الثمن عن ذلك ليس من
مكارم الأخلاق، والقول الآخر رأى أن العلة في الجواز إنما هي الاضطرار فلا بد من تحققها
بوجود الاضطرار إليه والله أعلم.
تنبيه: قال في المدونة في البيوع الفاسدة إثر الكلام المتقدم: ولا بأس ببيع خثاء البقر
وبعر الغنم والإبل. قال أبو الحسن: لأنه عنده طاهر وإن كان الشافعي يخالف فيه. وقال في
الشامل: وجاز بيع إبل وبقر وغنم ونحوها انتهى. وقال عياض: صوابه خثي البقر والجمع
أخثاء انتهى. وهو بكسر الخاء المعجمة وسكون المثلثة وآخره ياء تحتية. قاله في الصحاح
قال: والمصدر بالفتح تقول خثي البقر يخثو خثيا. وأما عظام الميتة وقرونها وأظلافها ففي
طهارة ذلك ونجاسته خلاف مذكور في الطهارة، والمشهور النجاسة في ذلك كله. وفي
أنياب الفيل فيمنع البيع، قال ابن الحاجب هنا: وعظام الميتة ثالثها يجوز في ناب الفيل.
قال في التوضيح: الخلاف مبني على الخلاف في الطهارة والمشهور أنه نجس فلا يباع
انتهى. ونقل ابن عرفة في الطهارة عن أصبغ أنه إن وقع البيع، فإن كانت العظام أو أنياب
الفيل صلقت فلا يفسخ إن فات وإن لم تصلق فيفسخ ولو فات انتهى. وهذا على قوله إنها
تطهر بالصلق، فعلى المشهور يكون الحكم واحدا قبل الصلق وبعده، وكذلك جلود الميتة لا
يجوز بيعها وإن دبغت. وقيل: يجوز. وقال في التوضيح: القولان مبنيان على الطهارة، ومقابل
المشهور لابن وهب في جواز البيع بعد الدبغ بشرط البيان انتهى. ونقل ابن عرفة هذين
القولين بعد الدبغ. وأما قبله فنقل في ذلك طريقين: الأولى لابن حارث لا يجوز اتفاقا. الثانية
لابن رشد في جواز البيع، والانتفاع ثلاثة أقوال: الأول: الجواز فيهما لابن وهب مع قيامه
من سماع ابن القاسم في صابون طبخ بزيت وقعت فيه فأرة. الثاني: المنع فيهما وهو المعلوم
من قول ابن القاسم وروايته عن ومالك وقول ابن عبد الحكم. والثالث: يجوز الانتفاع لا البيع
وهو رواية لابن القاسم في جامع العتبية، ومذهب المدونة المنع من بيع ذلك كله. قال في
البيوع الفاسدة منها: ولا يجوز بيع ميتة ولا جلدها وإن دبغ ولا يؤاجر بها على طرحها لأن
ذلك كله بيع. ثم قال: ولا أرى أن تشترى عظام الميتة ولا تباع ولا أنياب الفيل ولا يتجر
61

بها ولا يمتشط ولا يدهن بمداهنها اه‍. وأما الكلام على طهارتها وجواز استعمالها فمحله
كتاب الطهارة.
فروع: الأول: على قول مالك في المدونة بأنه لا يجوز بيع الميتة وإن دبغ قال ابن
عرفة: سمع عيسى بن القاسم: لو اشترى بثمنه غنما فنمت ثم تاب تصدق بالثمن لا الغنم.
عيسى: إن وجد بائعه أو وارثه رد إليه وإلا تصدق به، فإن جاء مستحقه خير بين الصدقة
والثمن كما في اللقطة. ابن رشد: قول ابن القاسم: يتصدق بالثمن استحسان وقياس قوله
وروايته جواز الانتفاع بجلود الميتة وإغرام مستهلكها قيمتها صدقة بفضل الثمن على قيمة
الانتفاع بها لأن له الرجوع على متاعها بقيمة الانتفاع يقاصه به من الثمن، لأن الغلة إنما
تكون للمبتاع بالضمان وهو لا يضمنها إن تلفت. وقول عيسى: يرد الثمن الصواب فضله
ويلزم المشتري إن باعها ما لزم البائع.
قلت: لعل قوله: يتصدق بكل الثمن لاحتمال عدم انتفاع المبتاع بها كما تقدم في
ابتدال رؤوس الضحايا اه‍. وهذه المسألة في رسم أمكنني من سماع عيسى من كتاب
البيوع. وقول عيسى: ليس بخلاف لابن القاسم إنما هو تبيين له. كذا بين ابن رشد في شرح
المسألة، وما ذكره ابن عرفة نحوه لابن عبد السلام ونصه بعد ذكر كلام ابن رشد غير معزو
له.
قلت: إذا لم يكن للبائع على المشتري سوى الغلة خاصة فلعله إنما أمره في الرواية
بالتصدق بجميع الثمن لأنه لا يعلم المشتري هل انتفع بالجلد واغتله أم لا؟ وإن كان انتفع به
فما مقدار المنفعة فأمره بالتصدق لهذه الاحتمالات والله أعلم.
الثاني: قال في رسم الجامع من سماع أصبغ من كتاب البيوع: وسمعت ابن القاسم
يقول: لا بأس ببيع شعر الخنزير الوحشي وهو كصوف الميتة، كذلك رواها أبو زيد. أصبغ:
هذا خطأ لا خير في ذلك، ليس كصوف الميتة ولا حق لبائعه. وهل مثل الميتة الخالصة أو
أشد كل شئ منه حرام حي وميت، وصوف الميتة إنما حل لأنه حلال منها وهي حية،
وشعر الخنزير ليس بحلال حيا ولا ميتا ولا يباع ولا يؤكل ثمنه ولا تجوز التجارة فيه
والكلب أحل منه وأطهر، وثمنه لا يحل قد حرمه رسول الله (ص) حين نهى عن ثمنه، ابن
رشد: قول ابن القاسم هو الصحيح على أصل مالك في أن الشعر لا تحله الروح وأنه يجوز
أخذه من الحي والميت، كان مما يؤكل أو مما لا يؤكل لحمه كبني آدم والخيل والبغال
والقرود التي أجمع أهل العلم على أنه لا يؤكل لحومها، أو مما يكره أكل لحمه كالسباع
فوجب على هذا الأصل أن يكون شعر الخنزير طاهر الذات، أخذ منه حيا أو ميتا تحل
الصلاة به وبيعه، وقول أصبغ ليس ببين وقياسه فاسد. وقوله: والكلب الخ ليس بحجة إذ
62

يحرم ثمنه لنجاسته إذ ليس بنجس لأنه لو وقع في جب وخرج منه لم يتنجس ذلك الماء
بإجماع، وقد حرم الشرع أثمان كثير من الطاهرات كالحر ولحم النسك والله أعلم اه‍. وقال
في الشامل: وجاز بيع صوفها كشعر خنزير خلافا لأصبغ اه‍ والله أعلم.
الثالث: تقدم أنه دخل تحت كاف التشبيه المقدرة في قوله: وزيت تنجس كل
زيت متنجس لا يقبل التطهير، ومنه ما ذكره البرزلي عن أحكام ابن خويز منداد: لا يجوز بيع
مصحف كتب من دواة ماتت فيها فأرة. وتقدم في الطهارة ما يفعل فيه وتقدم أنه خرج
بقوله: وزيت تنجس ما كانت نجاسته عارضة ويمكن زوالها وأن النجاسة العارضة لا تمنع
البيع وأن ذلك يفهم من تمثيل المؤلف للنجس الممنوع بالزبل والزيت النجس، وكذلك قال
ابن غازي في قول المؤلف: وزيت نجس خرج به نحو ثوب تنجس مما نجاسته عارضة
وزوالها ممكن ويجب تبيينه إذا كان الغسل يفسده اه‍. وذكر أبو عمران الزناتي في مسائل
البيوع له إن من عيوب الثوب كونه نجسا وهو جديد فإنه يوجب الرد اه‍. ونص عليه
اللخمي قال: لأن المشتري يجب أن ينتفع به جديدا. قال سند: وكذلك إن كان لبيسا
ينقص بالغسل كالعمامة والثوب الرفيع والخف قال: وإن كان لا ينقص من ثمنه فليس عيبا.
قاله في التوضيح في الكلام على الصلاة بثياب أهل الذمة في كتاب الطهارة، وتقدم كلامه
في شرح قوله: ولا يصلي بلباس كافرا.
قلت: والظاهر وجوب التبيين وإن كان لا يفسده الغسل وإن لم يكن عيبا خشية أن
يصلي فيه مشتريه خصوصا إذا كان بائعه ممن يصلي فإنه يحمل على الطهارة.
الرابع: قال البرزلي في مسائل الغرر: سئل الصائغ عن بيع قاعة المرحاض وليس المراد
إلا ما يجتمع فيه لحاجة المشتري إليه، وهل يطيب الثمن للبائع؟ فأجاب: البيع في البيت لا
يرد. قال البرزلي: قلت: ظاهره أنه يكره ابتداء لأنه تكلم فيه بعد الوقوع فيجزئ فيه
الخلاف الذي فيه، وظاهر المذهب الجواز لأن المبيع إنما هو القاعة ولواحقها غير معتبرة
كمال العبد وحلية السيف التي النصل تبع لها، وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها تابعة لأصلها
إلى غير ذلك. ومنه مسألة شيخنا في بيع الفدان الذي له مساق ولولا هي لما كانت له قيمة
يعول عليها انتهى.
قلت: الظاهر من المذهب المنع ابتداء لأن المقصود من الصفقة لا يجوز بيعه، وأما
بعد الوقوع فيمضي على ما قال مراعاة للخلاف فتأمله والله أعلم. وفي مسائل الإجارة منه
سئل السيوري عمن أكرى أرضه بمائها وشرط عليه أن يعطي أحمالا من الزبل معلومة للأرض
المكتراة. فأجاب: لا يجوز ذلك إذا كانت عذرة أو هي مع غيرها وعقد على الجميع عقدا
واحدا. قال البرزلي: هذا يجري على الخلاف في بيع الزبل والعذرة ممن يجيزه أو يكرهه
63

فكذا هنا، ويحتمل الامر مع المنع هنا لأنه هنا تابع للكراء فهو أضعف، وهو عندي ظاهر
المدونة من قوله: إذا اكترى أرضا على أن يكربها ثلاث مرات ويزرعها الكراب الرابع جاز
ذلك على أن يزبلها إن كان الذي يزبلها به شيئا معروفا فظاهرها لعموم، أما الجواز مطلقا أو
لأنها تبع لما يباح بيعه والعرف اليوم على الجواز انتهى. ومسألة المدونة في أواخر أكرية
الدور والأرضين منها، ونقلها المصنف في فصل كراء الدور والأرضين. وقوله: يكربها بضم
الراء وبالباء الموحدة وتكريب الأرض تطييبها وإثارتها للحرث والزراعة وهو الكراب بفتح
الكاف، وأما الزيت النجس وشبهه فيمنع بيعه. قال ابن شاس عن ابن حبيب: وعلى ذلك
مالك وأصحابه إلا ابن وهب انتهى. قال في التوضيح: وصرح المازري بمشهوريته ومقابله
رواية وقعت لمالك كان يفتي بها ابن اللباد وفيه قول ثالث بجواز بيعه لغير المسلم انتهى
ص: (وانتفاع به لا كمحرم أشرف) ش: لما فرغ من الكلام على الشرط الأول من شروط
المعقود عليه أتبعه بالكلام على الشرط الثاني فقال: وانتفاع يعني أنه يشترط في المعقود
عليه أن يكون منتفعا به فيجوز بيع المنتفع به لا ما لا منفعة فيه فلا يجوز العقد به ولا عليه.
والدليل على ذلك ما تقدم من أنه من أكل المال بالباطل وذلك كمحرم الاكل إذا أشرف
على الموت. واعلم أن الأعيان على قسمين: الأول ما لا منفعة فيه أصلا فلا يصح العقد به
ولا عليه لما تقدم، بل لا يصح ملكه كما صرح به المازري وابن شاس والقرافي. ومثله
بالخشاش ومثله البساطي بالخفاش وبعض العصافير التي لو جمع منها مائة لم يتحصل منها
أوقية لحم وذلك داخل في كلام القرافي أو قريب منه. الثاني: ما له منفعة وهو على ثلاثة
أقسام: الأول: ما كان جميع منافعه محرمة وهو كالذي لا منفعة فيه لا يصح بيعه ولا تملكه
إن كان مما نهى الشارع عنه كالخمر والميتة والدم ولحم الخنزير لأن المعدوم شرعا
64

كالمعدوم حسا. ومثله القرافي بالخمر والمطربات المحرمة إلا عند من أجاز تخليل الخمر
فإنه سهل في إمساكها ليخللها. وقال في المتيطية: ومن اشترى من آلة اللهو شيئا البوق
وغيره فسخ البيع وأدب أهله انتهى. الثاني: ما كان جميع منافعه محللة فيجوز بيعه إجماعا
كالثوب والعبد والعقار وشبه ذلك. قاله المازري: ويصح ملكه إلا أن يتعلق بتلك المنفعة حق
الآدمي كالحر فإنه أحق بنفسه أو حق الله كالمساجد والبيت الحرام فلا يصح ملك ذلك ولا
بيعه، وقد يمنع تعلق حق الآدمي البيع دون الملك كأم الولد والمعتق إلى أجل والوقف ونحو
ذلك. الثالث: ما فيه منافع محللة ومنافع محرمة. قال المازري: فهو المشكل على الافهام
ومزلة الاقدام وفيه ترى العلماء مضطربين وأنا أكشف عن سره ليهون عليك اختلافهم.
فإن كان جل المنافع والمقصود منها محرما والمحلل منها تبعا فواضح إلحاقه بالقسم
الأول. ويمكن تمثيل ذلك بالزيت النجس فإن جل منافعه كالأكل والادهان وعمله صابونا
والايقاد في كل موضع ممنوع منه على المشهور إنما فيه إيقاده في غير المساجد وانتفاع
غير الآدمي منه وذلك في حكم التبع فامتنع بيعه. وفي أواخر كلام المازري تمثيله لذلك
بشحم الميتة قال: فالمقصود الذي هو الاكل حرام وإن كان فيه بعض المنافع محللة عند من
يجيز استعمال ذلك. في بعض المواضع قال: ويلحق بهذا المعنى بياعات الغرر لأنه قد لا
يحصل البيع فتصير المعاوضة على غير منتفع به ويلحق بالقسم الأول الذي لا منفعة فيه
أصلا، لكن ذلك عدم المنفعة فيه تحقيقا وفي هذا تقديرا وتجويزا والله أعلم. وإن كان جل
المنافع والمقصود منها محللا والمحرم تبع فواضح إلحاقه بالثاني، ويمكن تمثيله بالزبيب
ونحوه مما يمكن أن يعمل منه الخمر والله أعلم. وإن كانت منافعه المقصودة منها ما هو
محلل ومنها ما هو محرم أو فيه منفعة محرمة مقصودة وسائر منافعه محللة قال المازري: هذا
هو المشكل وينبغي أن يلحق بالممنوع لأن كون هذه المنفعة المحرمة مقصودة يؤذن بأن
لها حصة من الثمن، وأن العقد اشتمل عليها كما اشتمل على ما سواها وهو عقد واحد لا
سبيل إلى تبعيضه، والتعاوض على المحرم ممنوع فمنع الكل لاستحالة التمييز، ولان الباقي
من المنافع يصير ثمنه مجهولا لو قدر جواز انفراده انتهى. وجزم ابن شاس بأن المنافع
المقصودة إذا كان بعضها محللا وبعضها محرما لم يصح البيع ونصه: وإن توزعت يعني
المنافع المقصودة في النوعين لم يصح البيع لأن ما يقابل ما حرم منها من أكل المال بالباطل
وما سواه من بقية الثمن يصيره مجهولا. وهذا التعليل يطرد في كون المحرم منفعة واحدة
مقصودة كما يطرد في كون المنافع بأسرها محرمة، وهذا النوع وإن امتنع بيعه لما ذكر من
الوجهين فملكه صحيح لينتفع مالكه بما فيه من منافع مباحة انتهى. وعدم صحة البيع ظاهر.
المازري أيضا: ثم قال ابن شاس:
فرع: لو تحقق وجود منفعة محرمة ووقع الالتباس في كونها مقصودة فمن الأصحاب
65

من يقف في جواز البيع ومنهم من يكره ولا يحرم انتهى. وقال المازري بأثر كلامه المتقدم:
وربما وقع في هذا النوع مسائل تشكل على العالم فيخلط المسألة بعين فكرته فيرى المنفعة
المحرمة ملتبسا أمرها هل هي مقصودة أم لا؟ ويرى ما سواها من المنافع المقصودة محللة
فيمتنع من التحريم لأجل كون المقصود من المنافع محللا ولا ينشط لاطلاق الإباحة لأجل
الاشكال في تلك المنفعة هل هي مقصودة أم لا؟ فيقف هنا المتورع. ويتساهل آخر ويقول
بالكراهة للالتباس ولا يحرم. فاحتفظ بهذا الأصل فإنه من مذهبات العلم ومن أتقنه علما
هان عليه جميع مسائل الخلاف الواردة في هذا الباب، وأفتى وهو على بصيرة في دين الله
انتهى والله أعلم.
واحترز المؤلف بقوله: أشرف مما إذا بيع قبل أن يشرف فإنه يجوز بيعه ولو كان
مرضه مخوفا على الأصح كما يفهم ذلك من قول المصنف وحامل مقرب والمراد بكونه
أشرف أنه بلغ حد السياق كما قال ابن الحاجب: ولا يباع من في السياق. واحترز بقوله:
محرم من مباح الاكل فإنه يباع ليذكى فيجوز بيعه لوجود المنفعة. قاله ابن عبد السلام
ونقله عنه في التوضيح وتبعه في هذا المختصر. وقال ابن عرفة: قلت: وظاهر إطلاقاتهم ونص
ابن محرز منع بيع من في السياق ولو كان مأكول اللحم للغرر في حصول الغرض من حياته
أو صيرورته لحما وفي حصول ذكاته لاحتمال عدم حركته بعد ذبحه. وهو يرد قول ابن عبد
السلام يجوز ذلك في مأكول اللحم انتهى. فالصواب في إطلاق ابن الحاجب في قوله: ولا
يباع من في السياق وهو أحسن من تقييد المصنف بكونه محرما تبعا لابن عبد السلام كما
قاله ابن عرفة، وقد ذكر ابن غازي كلام ابن عرفة وهو ظاهر والله أعلم. وقول الشارح:
وقيل يجوز بيعه ولو محرما مشرفا لا أعرفه والله أعلم.
فروع: الأول: قال في الجواهر: إذا تقرر اشتراط المنفعة فيكفي مجرد وجودها، وإن
قلت ولا يشترط كثرة القيمة فيها ولا عزة الوجود بل يصح بيع الماء والتراب والحجارة
لتحقق المنفعة وإن كثر وجودها ويجوز بيع لبن الآدميات لأنه طاهر منتفع به اه‍. وأجازه أيضا
الشافعي وابن حنبل، ومنعه أبو حنيفة لأنه جزء حيوان منفصل عنه في حياته فيحرم أكله
وبيعه، وجوابه القياس على لبن الانعام وفرق بشرف الآدمي وأنه إنما أبيح منه الرضاع
للضرورة كتحريم لحمه. ويندفع الفرق بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أرضعت
كبيرا فحرم عليها، فلو كان حراما ما فعلت ذلك ولم ينكر عليها أحد من الصحابة فكان
إجماعا على إلغاء هذا الفرق. قاله القرافي.
الثاني: السم جميع منافعه محرمة. قال سحنون: لا يحل بيع السم ولا ملكه على حال
والناس مجمعون على تحريم بيعه. اه‍. من الكتاب الثالث من البيوع من النوادر في ترجمة
66

بيع الزبل وبيع الميتة وسيأتي ذلك أيضا في كلام ابن رشد في الفرع الرابع.
الثالث: القرد مما لا منفعة فيه فلا يصح بيعه ولا ملكه. قال في أول البيوع من
المتيطية: ما لا يصح ملكه لا يصح بيعه إجماعا كالحر والخمر والخنزير والقرد والدم والميتة
وما أشبه ذلك انتهى. ونقل الجزولي في الوسط عن ابن يونس: ثمن القرد حرام كاقتنائه
انتهى. وتقدم في كلام ابن رشد في الفرع الثاني من القولة التي قبل هذه أنه أجمع أهل العلم
على أن لحم القرود لا يؤكل. وحكى المصنف في الأطعمة في كراهته وحرمته قولين.
وقال في المسائل الملقوطة: لا يجوز بيع الحر والخنزير والقرد والخمر والدم والميتة
والنجاسة وما لا منفعة فيه كخشاش الأرض والحيات والكلام غير المأذون في اتخاذها
وتراب الصواغين وآلة الملاهي والأحباس ولحوم الضحايا والمدبر والمكاتب والحيوان
المريض مرضا مخوفا والأمة الحامل بعد ستة أشهر والحيوان بشرط الحمل وما في بطون
الحيوان واستثناؤه والطير في الهواء والسمكة في الماء والعبد الآبق والجمل الشارد والغائب
على غير صفة والبيع بغير تقليب وملك الغير والمغصوب وكل ما فيه خصومة والدين على
الميت والغائب وما لم يبد صلاحه والدار بشرط سكناها أكثر من سنة والدابة بشرط ركوبها
أياما كثيرة والبيع بثمن مجهول وإلى أجل مجهول وفي وقت صلاة الجمعة. اختصرت ذلك
من وثائق الغرناطي. انتهى كلامه. والمقصود منه الكلام على منع بيع القرد، وبقية ذلك أو
أكثره تكلم عليه المؤلف كل شئ في بابه لكن جمع النظائر في محل واحد لا يخلو من
فائدة والله أعلم.
الرابع: المدر الذي يأكله الناس، ذكر المصنف في الأطعمة في كراهة أكله ومنعه
قولين. وذكرهما ابن رشد في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان، وعزا القول
بالكراهة لمحمد والقول بالتحريم لابن الماجشون. وذكر صاحب المدخل أن المشهور
التحريم، واقتصر ابن عرفة على نقل قول ابن الماجشون. وأما بيعه فقال ابن عرفة في كراهة
بيعه وحرمته: ثالثها الوقف لسماع ابن القاسم ما يعجبني بيعه وأرى منع بيعه. وقال سحنون:
لا يصح بيعه ولا ملكه. ونقل عن محمد بن رشد: إن كان فيه نفع غير الاكل جاز بيعه ممن
يؤمن أن يبيعه ممن يأكله انتهى. وهذه المسألة في الرسم المذكور وظاهره المنع لا الكراهة.
وسئل عن المدر الذي يأكله الناس فقال: ما يعجبني ذلك أن يباع ما يضر بالناس فإنه ينبغي
أن ينهي الناس عما يضرهم في دينهم ودنياهم ثم قال: يقول الله تعالى: * (يسألونك ماذا أحل
لهم قل أحل لكم الطيبات) * أ في الطين من الطيبات إني لأرى لصاحب السوق
منعهم من بيعه. ابن رشد: هذا كما قال إذا كانوا يأكلونه وهو مضر بهم فلا ينبغي أن يباع
ويجب على الامام أن ينهي عن ذلك، وهذا إذا لم يكن له وجه إلا الاكل وهو مضر بكل
67

حال فهو كالسم الذي أجمع العلماء على تحريم بيعه. وقال سحنون في كتاب الشرح: لا
يحل بيعه ولا ملكه، وأما إذا كانت منفعته لغير الاكل فلا معنى أن يمنع من بيعه جملة،
وإنما ينبغي أن يباع ممن يصرفه في غير الاكل ويؤمر أن يبيعه ممن يأكله. وقد كان ابن
المواز كره أكله، فأما بيعه فلا أدري قد يشتري لغير وجه. وقال ابن الماجشون: أكله حرام
انتهى. فإن كان ابن عرفة اعتمد فيما نقل عن سحنون على ما تقدم في كلام ابن رشد أعني
قوله قال سحنون في كتاب الشرح: لا يحل بيعه ولا تملكه إلى آخر كلامه بعد قوله:
كالسم الذي أجمع العلماء على تحريم بيعه، فالظاهر أنه إنما هو عائد على السم ويبين
ذلك كلام سحنون المتقدم في الفرع الثاني من هذه القولة، وكذلك ما نقل عن محمد من
الوقف الظاهر أنه من كلام ابن رشد فتأمله والله أعلم. فالمدر فيه منفعة محرمة وهي الاكل
على المشهور، وفيه منافع أخر مباحة. فإن قصدت المنفعة المحرمة منع البيع، وإن قصدت
غيرها جاز والله أعلم. وقال في المتيطية: ويكره بيع الطين للاكل ولا بأس ببيعه لغير ذلك.
وقال ابن الماجشون: أكله حرام انتهى.
الخامس: قال في المتيطية: وكره شراء الدوامات وشبهها للصبيان. والمسألة في رسم
القطعان من سماع عيسى من كتاب السلطان ونصها: سئل ابن القاسم عن الذي يعمل
الدوامات للصبيان يبيعها منهم؟ قال: أكرهه له. قال محمد بن رشد: إنما كره ذلك له من
أجل بيعه إياها من الصبيان ولا يدري هل أذن لهم في ذلك آباؤهم أم لا؟ إلا أنه لما كان
الأظهر أنهم مطلعون على ذلك ليسارة ثمنه كرهه ولم يحرمه، ولو علم رضا آبائهم بذلك
لم يكن لكراهته وجه لأن اللعب مباح لهم لا يمنعون منه. قال ذلك ابن شعبان وهو صحيح
لقوله تعالى عن إخوة يوسف لأبيهم في يوسف أخيهم: * (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب) *
[يوسف: 12] انتهى.
السادس: قال في رسم البيوع الأول من سماع أشهب: سئل مالك عن التجارة في
عظام على قدر الشبر يجعل لها وجوه فقال: الذي يشتريها ما يصنع بها؟ فقيل: يبيعها. فقال:
68

ما يصنع بها؟ فقيل: يلعب بها الجواري يتخذنها بنات. فقال: لا خير في الصور وليس هذا
من تجارة الناس. ابن رشد: قوله: لا خير في الصور إلى آخره يدل على أنه كره ذلك ولم
يحرمه لأن ما هو حرام لا يحل فلا يعبر عنه بأنه لا خير فيه لأن ما لا خير فيه فتركه خير من
فعله وهذا حد المكروه. ومعنى ذلك إذا لم تكن صورا مصورة مخلوقة مخروطة مجسدة
على صورة الانسان إلا أنه عمل لها شبه الوجوه بالتزويق فأشبه الرقم في الثوب، وإلى هذا
نحا أصبغ في سماعه من كتاب الجامع فقال: ما أرى بأسا لم تكن صورا مخروطة مخلوقة
إلا أنه علل ذلك بعلة فيها نظر فقال: لأنها تبقى ولو كانت فخارا أو عيدانا تنكسر وتبلى
رجوت أن تكون خفيفة إن شاء الله كالرقوم في الثياب لا بأس بها فإنها تبلى وتمتهن
والصواب أن لا فرق في ذلك بين ما يبقى أو يبلى مما هو بمثال مجسد له ظل قائم مشبه
بالحيوان الحي بكونه على هيئته، وإنما استخف الرقوم لأنها ليست بتماثيل مجسدة وإنما
هي رسوم لا أجساد لها ولا يحيا في العادة ما كان على هيئتها. فالمخروط ما كان على
هيئته بالحي وله روح بدليل قوله في الحديث: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة
ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم والمستخف ما كان بخلاف ذلك مما لا يحيا. فالمستخف
من هذا اللعب ما كان مشبها بالصور وليس بكامل التصوير. وكلما قل الشبه قوي الجواز لما
جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تلعب بها بعلم رسول الله (ص) فلا ينكر ذلك
عليها، بل كان يرسل الجواري إليها. وكلما جاز اللعب به جاز عمله وبيعه. قال ذلك أصبغ
في سماعه من الجامع والله الموفق انتهى. وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها:
كنت ألعب بالبنات في بيت رسول الله (ص). قال النووي: قال القاضي عياض: فيه جواز
اللعب بهن. قال: وهن مخصوصات من الصور المنهي عنها بهذا الحديث. ولما فيه من
تدريب النساء في صغرهن لأمر أنفسهن وبيوتهن وأولادهن. قال: وقد أجاز العلماء بيعهن
وشراءهن. وروي عن مالك كراهة شرائهن. وهذا محمول على كراهة الاكتساب بها وتنزيه
ذوي المروءات من بيع ذلك لا كراهة اللعب قال: ومذهب جمهور العلماء جواز اللعب بهن.
وقال طائفة: هو منسوخ بالنهي عن الصور. وهذا كلام القاضي انتهى من النووي.
السابع: قال ابن سهل في أحكامه: وسئل ابن غلاب عمن كانت صناعته عمل ثياب
الحرير، هل هو في سعة من عمل عمائم منها وشبهها مما لا يلبسه لا الرجال لأنه قد يشتريها
رجل، وهل بيعها مباح له؟ فأجاب: لا بأس ببيعها وعملها وإن كانت مما يلبسه الرجل لأنه
69

قد يشتريها من لا يلبسها ومن يصرفها في غير اللباس، وفي ثمانية أبي زيد مثله انتهى. ويقيد
هذا بأن يبيعها ممن لا يلبسها كما تقدم في المدر أنه يبيعه ممن لا يأكله. وقال القرطبي في
شرح حديث مسلم: إن من الكبائر شتم الرجل والديه من كتاب الايمان فيه حجة لمن منع
بيع العنب لمن يعصره خمرا وبيع ثياب الحر ير ممن لا يلبسها وهي لا تحل له وهو أحد
القولين لنا انتهى. وانظر آخر الجامع من البيان ص: (وعدم نهي لا ككلب صيد) ش: أي
ومما يشترط في المعقود عليه أن لا يكون منهيا عن بيعه فيجوز بيع ما لم ينه عن بيعه لا ما
نهى عنه ككلب الصيد والماشية والزرع، فأحرى ما لم يؤذن في اتخاذه لما في الصحيح
أنه (ص) نهى عن البيع الكلب من غير تقييد. وشهر أيضا القول بالجواز في المأذون في
اتخاذه، واختاره ابن رشد في آخر كتاب الجامع واقتصر المصنف على الأول لقوته إذ هو
قول مالك وابن القاسم وشهره ابن رشد وغيره. قال في التوضيح: والمشهور المنع. قال في
البيان: وهو المعلوم من قول ابن القاسم وروايته عن مالك.
فرع: وعلى المشهور فروى أشهب يفسخ إلا أن يطول. وحكى ابن عبد الحكم يفسخ
وإن طال، قال في التوضيح: يفهم من كلام صاحب الشامل ترجيح الأول فإنه قال: وعلى
70

المنع يفسخ إلا أن يطول. وقيل: مطلقا ص: (وجاز هر وسبع للجلد) ش: نحوه في كتاب
الضحايا من المدونة. قال ابن ناجي: ولا أعلم فيه خلافا، وظاهر أن بيع ما ذكر يعني من
الهر والسباع لا لاخذ جلده لا يجوز، وهو كذلك على تحريم أكلها، وعلى القول بكراهتها
يكره بيعها انتهى. وقال الجزولي في شرح قول الرسالة: ونهى عن بيع الكلاب وأما السنور
فقيل: يكره بيعه وهو الصحيح ص: (ومغصوب إلا من غاصبه) ش: أطلق رحمه الله في منع
بيع المغصوب من غير الغاصب تبعا لابن الحاجب. وقد ذكر في توضيحه عن ابن بشير أنه
إذا كان الغاصب مقدورا عليه مقرا بالغصب جاز البيع باتفاق. ثم ذكر عن المدونة ما نصك:
ولو باعها ربها من رجل غير الغاصب ممن رآها وعرفها كان نقضا لبيع الغاصب أي إذا
اشتراها شخص من غير الغاصب وظاهره جواز بيعها من غير الغاصب وهو خلاف ما ذكره
71

المصنف يعني ابن الحاجب إلا أن يتأول على أن ربها لم يبعها من غير الغاصب إلا بعد
تمكنه من أخذها، ولهذا قال الشيخ أبو الحسن: إن الشيوخ يقولون: إن معناها إذا سلم من
شراء ما فيه خصومة. انتهى كلام التوضيح. واقتصر على الجواز في هذا الوجه في الشامل
فقال: وإن بيع لغيره وهو مقربه مقدور عليه جاز اتفاقا، فيحمل إطلاق المصنف على ما عدا
هذا الوجه، وقد يستروح خروج هذا الوجه من كون الكلام فيما لا قدرة للبائع فيه على
تسليم المبيع والفرض في هذا الوجه خلاف ذلك فتأمله والله أعلم.
تنبيه: قال في التوضيح: ولا يجوز بيعه من غير الغاصب إذا كان المشتري يقدر على
خلاصه بجاهه لأنه يأخذه بالبخس فيكون من أكل المال بالجاه انتهى. وانظر رسم الجواب
من سماع عيسى من كتاب القضاء والله أعلم.
فرع: قال ابن عبد السلام: وانظر لو اشترى الغاصب على السلعة من ربها بأقل مما
باعها به للأجنبي، هل يكون له ما بين الثمنين أو لا؟ وقد قال محمد فيمن تعدى على سلعة
رجل فباعها بغير أمره ثم اشتراها ممن باعها به ليس له ربح لأنه ربح ما لم يضمن أو يفرق
بينهما بأن الغاصب ضامن ولم يكن المتعدي في مسألة محمد ضامنا. ص: (وهل إن رد
لربه مدة تردد) ش: أي اختلف المتأخرون في النقل عن المتقدمين، هل يشترط ذلك أم لا؟
فقال ابن عبد السلام: أكثر نصوصهم أنه لا يجوز البيع للغاصب إلا بعد أن يقبضه ربه ويبقى
بيده مدة طويلة، حدها بعضهم بستة أشهر فأكثر، ورأي أن بائعه إذا باعه على غير ذلك وهو
مضغوط أن يبيعه ببخس مكرها استخلاصا لبعض حقه انتهى. وحكى ابن رشد أنه إذا اشتراها
وعلم أنه عازم على رده جاز البيع باتفاق. ونقله عنه في التوضيح وإلى هذين النقلين أشار
بالتردد.
قلت: والظاهر ما قاله ابن رشد ففي كتاب الصرف من المدونة في ترجمة الذي
72

يصرف الدنانير بدراهم ثم يصرفها بدنانير: ولو غصب جارية أن يبيعها منه وهي غائبة ببلد
آخر انتهى. وقال في التوضيح بعد أن نقل كلام ابن عبد السلام: والذي في المدونة وغيرها
جواز ذلك والله أعلم. ويفهم من كلام المصنف أنه إذا كان الغاصب غير عازم على رد
المغصوب إلى ربه لم يجز البيع وهو كذلك. قال في التوضيح عن ابن رشد اتفاقا. وإن
أشكل أمره فقولان يستروح من كلام المصنف ترجيح المنع.
تنبيه: حيث قلنا: لم يجز البيع فالمعنى أنه لا يصح ولا يلزم البائع، وليس المراد أنه
يحرم عليه أن يأخذ من الغاصب ثمنا لأنه يستخلص من حقه ما قدر عليه فتأمله والله أعلم
ص: (وللغاصب نقض ما باعه إن ورثه لا اشتراه) ش: هذه مسألة الغصب من المدونة
وتصورها ظاهر، وكذا من تعدى على ملك غيره فباعه. قال في كتاب الغرر من المدونة:
ومن تعدى في متاع عنده وديعة فباعه ثم مات ربه فكان المتعدي وارثه، فللمتعدي نقض
ذلك البيع إذا ثبت التعدي وهو بيع غير جائز انتهى. قال عبد الحق في كتاب الغصب من
النكت: وإذا تعدى على سلعة رجل فباعها ثم ورثها عنه فله نقض البيع، وإذا تعدى على
سلعة رجل فباعها ثم اشتراها من ربها ليس له نقض البيع. والفرق بين ذلك على مذهب ابن
القاسم فيهما أنه إذا ورثها فلم يجرها إلى نفسه وإنما جرها الميراث، وإذا اشتراها فهو الذي
اجترها فكأنه أراد أن يحلل صنيعه انتهى. ونقل الشيخ أبو الحسن في شرح مسألة كتاب الغرر
عن ابن يونس نحو كلام عبد الحق، ونص كلام ابن يونس: ولو اشتراها من ربها لم يكن له
نقض بيعه بخلاف أن لو ورثها لأن الميراث لم يجره إلى نفسه والشراء من سببه فليس له أن
يفعل فعلا يتسبب به إلى نقض عقده انتهى. وقال ابن عبد السلام: الحال في الغاصب
والمتعدي واحدة باعتبار هذه المسألة.
فرع: وإذا قلنا له نقض ما باعه إذا ورثه فإذا مات موروثه وسكت بعد موته ولم ينقض
البيع لم يكن له نقضه بعد ذلك. وانظر هل يبطل حقه ولو سكت بعد الموت شيئا يسيرا؟ لم
أر في ذلك نصا، ولا شك أنه إن سكت عاما بطل حقه على ما سيأتي في بيع الفضولي،
73

وإن كان أقل من ذلك فالظاهر أيضا البطلان. وانظر هل يعذر بالجهل أم لا؟ والظاهر أنه لا
يعذر بذلك والله أعلم.
فرع: ولو كان له حصة في دار فباع جميعها ثم ورث حصة غيره التي تعدى عليها
فله نقض البيع فيها ثم أخذ حصته بالشفعة. قاله في سماع سحنون من كتاب الغصب وفي
سماع أبي زيد من كتاب الشفعة ص: (ووقف مرهون على رضا مرتهنه) ش: لما ذكر أن
من شروط المعقود عليه القدرة على تسليمه، وكان المرهون قد تعلق به حق المرتهن، وملك
الغير قد تعلق به حق مالكه، والعبد الجاني تعلق به حق المجني عليه، خشي أن يتوهم أن
ذلك مانع من صحة البيع في هذه المسائل كما يقوله المخالف، فنبه على أن البيع صحيح
في هذه المسائل كلها ولكنه موقوف على إجازة من تعلق حقه بذلك. فبيع المرهون صحيح
ولكنه يوقف على رضا المرتهن، فإن أعطوه دينه فلا كلام له وإلا فإن بيع بمثل حقه عجل
له، وإن بيع بأقل من حقه أو كان دينه عرضا فله إجازة البيع ورده، فإن أجاز تعجل حقه بعد
أن يحلف أنه إنما أجاز ليتعجل حقه. وهذا إن وقع البيع بعد أن قبضه المرتهن، وأما إن باعه
قبل القبض فإن البيع ماض، ولا مقال للمرتهن إن فرط في قبض الرهن، وإن لم يفرط فقولان
وسيأتي الكلام على المسألة في باب الرهن بأوسع من هذا ص: (وملك غيره على رضاه
ولو علم المشتري) ش: قال ابن عرفة: وفيها كان بائعه غاصبا أو متعديا انتهى. وسواء كان
البائع أجنبيا أو قريبا من البائع أو كان المبيع رقيقا وباع نفسه قال في النكاح الأول من
74

المدونة: ولو باع الأمة رجل أو باعت هي نفسها بغير إذن السيد فأجازه السيد جاز. ونقله ابن
الحاجب في باب النكاح ونصه: وإذا أنكح الأبعد مع وجود المجبر لم يجبر ولو أجازه
كالأب، ومثله السيد على الأرجح ولو شريكا بخلاف بيعها نفسها انتهى. قال ابن فرحون:
والمعنى أن النكاح لا يمضي بإمضاء السيد بخلاف ما لو باعها أجنبي أو باعت هي نفسها
فأمضى السيد البيع فإنه يمضي.
فروع: الأول: قال القرافي في الفرق الخامس والثمانين بعد المائة على القول بصحة
بيع الفضولي هل يجوز الاقدام عليه. ففي التنبيهات ما يقتضي تحريمه لعده إياه مع ما
يقتضي الفساد لأمر خارجي. ظاهر كلام صاحب الطراز الجواز لقوله: هو تعاون على البر
انتهى.
قلت: بل ظاهر كلام صاحب الطراز أنه مطلوب لا جائز لأنه جعله من التعاون على
البر، وهذا ورد الامر به لقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * والجائز في
إطلاق أهل المذهب إنما هو المباح. والحق أن ذلك يختلف بحسب المقاصد وما يعلم من
حال المالك أنه الأصلح له فتأمله والله أعلم.
75

الثاني: قال في التوضيح: ومنهم من يقول: إنما يلزم هذا البيع للمشتري إذا كان
المالك حاضرا أو قريب المكان، وأما إن كان بعيد المكان فلا يلزمه البيع لما يلحقه بسبب
الصبر من الضرر انتهى. وهذا التقييد لا بد منه. وقاله في كتاب الغصب من المدونة وأطلق
في العتبية وقيده اللخمي بالغيبة البعيدة وقبله أبو الحسن، وصرح ابن رشد في رسم الصلاة
من سماع يحيى من كتاب الاستحقاق أنه لا يعلم في ذلك خلافا. وكلام التوضيح والشامل
يوهم أنه خلاف المشهور وليس كذلك.
الثالث: لو طال الزمان في بيع الفضولي قبل علم المالك حتى استغله المشتري، فهل
تكون الغلة له؟ حكى المشذالي في حاشية المدونة في أثناء كتاب القسمة عن الطراز أنه إن
كان المشتري غير عالم بالتعدي وكانت هناك شبهة تنفي عن البائع التعدي لكونه حاضنا
للمالك. أو ادعى الوكالة ونحو ذلك، فالغلة للمشتري وإلا فهي للبائع والمشتري كالغاصب.
ونحوه لأبي الحسن الصغير في كتاب النذور ونصه في مسألة من حلف أن لا يبيع لفلان
فباع لرجل ثوبا دفعه إليه فلان. الشيخ: يؤخذ من هذه المسألة أن من باع دارا تعرف لزيد
فادعى البائع أن زيدا وكله على بيعها ثم قدم زيد فأنكر الوكالة، أنه إن كان البائع من سبب
زيد وناحيته لم يغرم الغلة وإلا فعليه أن يرد الغلة. قاله سحنون. وكذلك الحاضنة تبيع على
الأيتام المنزل. انظر كتاب الغصب من ابن يونس انتهى. ونص كلام المشذالي قال في
الطراز: من هلك عن أطفال ولهم أم غير وصيته تبيع حقا لهم من رجل فيغتله فيبلغ الأولاد،
فإن كانت الام تقوم وتحوط فالغلة للمبتاع. قال المشذالي: إنما كانت الغلة للمبتاع من أجل
الشبهة التي أبعدته عن أن يكون كالغاصب كما قال سحنون فيمن باع سلعة تعرف لرجل
وزعم أنه وكيله على البيع وغاب ولا يعرف فاشترى وهو يعلم أن الدار للغائب ثم قدم الغائب
76

فأنكر: فإن كان البائع يقوم في الدار وينظر ويعمل حتى ثبتت له شبهة الوكالة فالغلة للمبتاع،
وإن لم تكن له شبهة كما قلنا فالمشتري كالغاصب. انظر الطرر في ترجمة بيع الوكيل في
السدس الأول من البيوع، وما حكاه عن سحنون حكا عنه اللخمي أيضا. وأشار الشيخ أبو
الحسن إلى أنه قائم من كتاب الايمان من المدونة. وذكره أبو محمد في كتاب الاستحقاق
من النوادر ونبه عليه ابن عرفة في كتاب الغصب من مختصره. انتهى كلام المشذالي. وقال
في المتيطية في بيع الوكيل على موكله: لو كان رب الدار غائبا وزعم هذا البائع أن ربها
وكله على بيعها ولا يعرف ذلك إلا بقوله فاشتراها منه من يعلم أنها للغائب، ثم قدم الغائب
فأنكر التوكيل فقال سحنون: إن كان هذا الوكيل يقوم على الدار وينظر إليها حتى تثبت له
شبهة الوكالة فالغلة للمبتاع، وإن كان ليس له شبهة فالمشتري منه كالغاصب والغلة
للمستحق، وكذلك الام تبيع على الأطفال، فإن كانت تقوم عليهم وتحوطهم وتنظر لهم
فباعت وهي كذلك فالغلة للمبتاع انتهى.
الرابع: هل يدخل المبيع في ضمان المشتري في بيع الفضولي أم لا؟ ظاهر كلام ابن
رشد في أول مسألة من كتاب النذور أنه يدخل في ضمانه فإنه قال فيمن اغتصب عبدا وباعه
وأعتقه المشتري ثم استحقه سيده: أنه إن أجاز البيع نفذ عتق المشترى فيه لأن البيع كله لم
يزل جائزا من يوم وقوعه، وإن لم يجزه وأخذ عبده انتقض العتق انتهى. وانظر الكلام في
كتاب الغصب في المشترى من الغاصب والله أعلم.
الخامس: إنما يكون البيع موقوفا على رضا المالك إذا لم يكن حاضرا للبيع. قال ابن
رشد: إن كان حاضرا الصفقة فسكت حتى انقضى المجلس لزمه البيع وكان له الثمن، وإن
سكت بعد انقضاء المجلس حتى مضى العام ونحوه استحق البائع الثمن بالحيازة مع يمينه،
وإن كان لم يعلم بالبيع إلا بعد وقوعه فقام حين علم أخذ حقه، وإن لم يعلم إلا بعد العام
ونحوه لم يكن له إلا الثمن، وإن لم يقم حتى انقضت مدة الحيازة لم يكن له شئ انتهى
من رسم سلف من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق. وفي سماع أشهب منه وفي
رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الأقضية، وفي سماع سحنون من جامع البيوع وفي
آخر سماع يحيى من كتاب الشفعة. وفهم من قوله: حتى انقضى المجلس أنه لو تكلم قبل
انقضاء المجلس لم يلزمه البيع وهو كذلك. صرح به في أول سماع أشهب من الكتاب
المذكور. قال: ويخلف والله أعلم. وقال في التوضيح في النكاح في المسائل التي لا يعذر
فيها بالجهل: ومنها الرجل يباع عليه ما له ويقبضه المشتري وهو حاضر لا يغير ولا ينكر ثم
يقوم ويدعي الجهل انتهى. انظر ابن سلمون في البيع ومسائل البيوع من البرزلي قال فيها:
وسئل ابن أبي زيد عن امرأة باع زوجها ملكا لها وهي ساكتة عالمة بالبيع. فأجاب: إن
77

أنكرت ذلك فلها ذلك ولا يمين عليها إلا أن يدعي المشتري عليها أنها رضيت بذلك، وإن
بيع ذلك وجبر عليها وبنى المشتري وهدم وغرس والبيع مشهور وهي تعلم ولا تنكر فالبيع
يلزمها ولها الثمن هذا مع رشدها، وإن كانت سفيهة فللقائم نقضه وإن طال الزمان انتهى.
السادس: دار بين رجلين باع أحدها من أجنبي نصفها على الإشاعة، هل يقع بيعه
على نصفه فينفذ، أو يقع على نصفه ونصف شريكه فينفذ في نصيبه دون نصيب شريكه؟
اختلف في ذلك. انظر رسم أول عبد ابتاعه من سماع يحيى من كتاب الشفعة، وأول رسم
من سماع ابن القاسم من الشركة، وانظر ابن سلمون في أواخر الشفعة وفيه: إذا باع جزءا دون
حصته.
السابع: لم يذكر المصنف حكم شراء الفضولي وحكمه كبيعه. قال في المتيطية: من
باع سلعة لغيره بغير إذنه فإن البيع ينعقد ولا يكون للمبتاع أينحل عنه إذا أجاز ذلك ربها،
وكذلك إذا اشترى له سلعة بغير إذنه فلا يكون للمبتاع حل الصفقة إذا أخذها المبتاع لنفسه
انتهى. فإن لم يجز الشراء لزمت السلعة المشتري الفضولي ولا رجوع لرب المال على البائع
بما دفعه له المشتري إلا أن يكون المشتري أشهد عند الشراء أنه إنما اشترى لفلان بماله وأن
البائع يعلم ذلك، أو صدق المشتري فيه أو تقوم بينة أن الشئ الذي اشترى به ملك
المشتري. فإن أخذ المشتري له ماله ولم يجز الشراء انتقض البيع فيما إذا صدق البائع ولم
ينتقض في قيام البينة أن المال له، بل يرجع على المشتري بمثل الثمن ويلزمه البيع. هذا
قول ابن القاسم وأصبغ. وقال ابن الماجشون: القول قول المشتري له فيحلف أنه ما أمر
المشتري ويأخذ ماله إن شاء من المشتري، وإن شاء من البائع. فإن أخذه من البائع كان له
أن يرجع على المشتري ويلزمه الشراء، وإن أخذه من المشتري لم يكن له رجوع على البائع.
قاله في نوازل أصبغ من جامع البيوع.
الثامن: قال ابن رشد في شرح هذه المسألة: من اشترى من رجل شيئا فأراد أن يكتب
في كتاب شرائه: هذا ما اشترى فلان لفلان بماله وأمره لم يلزم البائع أن يشهد له بذلك
لأن ذلك وإن كان لا يقتضي تصديق البائع في الشراء لفلان ولا في أن المال له ولا يوجب
للمشتري الرجوع على البائع وإن جاء فأنكر الامر بالشراء على مذهب ابن القاسم وأصبغ، ما
لم يصرح بعلم البائع أن المال لفلان أو بتصديقه المشتري على ذلك، فمن حجة البائع أن
يقول أخشى أن يأتي المشتري له فيدعي أني علمت بذلك أو صدقت عليه فيلزمني اليمين
أو يحكم له بالرجوع على مذهب ابن الماجشون.
التاسع: لا يفيد إقرار البائع بعد البيع بالتعدي، ففي كتاب الغصب من المدونة:
لو باع أمة ثم أقر بغصبها لم يصدق على المبتاع وغرم لربها قيمتها انتهى ص:
78

(والعبد الجاني على مستحقها) ش: لو قال: والعبد الجاني على مستحقها إن لم يدفع
له السيد أو المبتاع الأرش ورجع المبتاع به وبثمنه إن كان أقل وحلف السيدان ليس عليه
الرضا بالبيع ثم للمستحق رده أو أخذ ثمنه لكان أوضح.
فروع: الأول: قال في المدونة: ومن جنى عبده جناية فقال: أبيعه وأدفع الأرش من
ثمنه، فليس له ذلك إلا أن يضمن وهو ثقة مأمون أو يأتي بضامن ثقة فيؤخر اليومين ونحوهما
وإلا فداه أو أسلمه. وإن باعه ودفع إلى المجني عليه دية الجرح جاز بيعه وإلا لم يجز. قال
أبو الحسن: قوله: يضمن أي يلتزم ذلك وذلك خيفة أن يموت. ثم ذكر عن اللخمي قولا
آخر أن للسيد بيعه قال: وهو أحسن. ثم قال: وقوله: وإن باعه أي بادر للبيع. وقوله: جاز
أي مضى، وقوله: وإلا لم يجز أي لم يمض.
الثاني: قال المشذالي: قال الوانوغي عن ابن عبد السلام: لو اشترى رجل سلعة ولم
يدفع ثمنها وهو ملئ، فهل يجوز له بيعها بغير رضا البائع أو لا بد من رضاه خوف فلس
المشتري يجري الامر فيها على هذه المسألة إن كان مليا جاز؟ قال ابن عرفة: لا يجري
عندي لاختلاف المتعلقين لأن الجناية تعلقت بعين العبد ولذا تسقط بموته والثمن بذمته
انتهى والله أعلم.
الثالث: قال في المدونة: وإذا ولدت الأمة بعد الجناية لم يسلم ولدها معها إذ يوم
الحكم يستحقها المجني عليه وقد زايلها الولد قبله ولكن تسلم للجناية بمالها، وهو قول
أشهب في الولد والمال انتهى.
الرابع: قال فيها أيضا: وإن جنى عبد فلم يحكم فيه حتى جنى جنايات على قوم فإن
79

سيده مخير، إما أن يفديه بدياتهم أجمع وإلا أسلم إليهم العبد فتحاصوا فيه بقدر مبلع كل
جناية واحد منهم، ولو فداه ثم جنى فعليه أن يفديه ثانية أو يسلمه. انتهى جميع ذلك من
كتاب جنايات العبيد. ووجهه أن الجنايات إنما ينظر فيها يوم الحكم. اللخمي: وعلى القول
أنه بالجناية الأولى ملك للمجني عليه يخير المجني عليه أولا إما أسلمه أو فداه والله أعلم.
ص: (ورد البيع في لأضربنه ما يجوز ورد لملكه) ش: أتى المصنف بهذه المسألة هنا لأن
البائع لا قدرة له على تسليم المبيع لأجل اليمين المتعلقة به، ولا خصوصية لحلفه بالضرب
بل إذا حلف بحرية عبده أو أمته وكانت يمينه على حنث فإنه يمنع من البيع ومن الوطئ.
فروع: الأول: قال أبو الحسن عن ابن يونس: لو لم ينقض البيع حتى ضربه عند
المبتاع فقيل: يبر وقيل: لا يبر. ونقلهما الرجراجي بلفظ: فإن مكنه المشتري من الضرب في
ملكه فهل يبر أو لا؟ قولان قائمان من المدونة منصوصان في المذهب. ولو كاتبه ثم ضربه
قال ابن المواز يبر وقال أشهب: لا يبر ويمضي على كتابته ويوقف ما يؤدي فإن عتق بالأداء
تم فيه الحنث وصار حرا وأخذ كل ما أدى وإن عجز ضربه إن شاء. وقال أصبغ عن ابن
القاسم في العتبية مثله نقله أبو الحسن.
الثاني: حكى في المدونة عن ربيعة أنه إذا حلف ليجلدن عبده مائة سوط فإنه يوقف
حتى ينظر أيجلد أم لا. قال ربيعة ومالك: وإن حلف ليجلدنه ألف سوط عجلت عتقه. قال
الشيوخ: قول ربيعة في الأولى وفاق أيضا لقول مالك. ونقل ابن حبيب عن مطرف وابن
الماجشون أنه إذا حلف ليجلدنه مائة فقد أساء ويترك وإياه، وإن حلف على أكثر من ذلك
مما فيه التعدي والشنعة فيعجل عتقه. وقال أصبغ: إن المائة من التعدي. قال ابن حبيب:
وبالأول أقول. نقله أبو الحسن. ونقل أبو الحسن عن أبي إسحاق أن السيد يصدق أن العبد
حصل منه ذنب يقتضي الأدب، ولو أقر أنه يضربه ظلما بغير سبب لوجب أن يعتق عليه.
قال: ومثله للقابسي. وتأول أبو محمد أنه يمكن من ضربه بغير ذنب إذا كان يسيرا قال:
واستبعده ابن رشد.
الثالث: قال أبو الحسن: فإن تجرأ وضربه ما لا يجوز فإنه لا يعتق عليه ولكنه يباع
عليه إلا أن يكون ضربا فظيعا فيعتق بالمثلة.
الرابع: حلف ليضربنه ما لا يجوز وباعه رد المبيع من باب أحرى إلا أنه لا يرد لملكه
80

وإنما يرد للعتق، ولذا قال المصنف: ورد البيع في لأضربنه ونحوه. ورد لملكه إن أجاز لكان
أحسن وأشمل والله أعلم. وما ذكر من أنه يرد لملكه إذا حلف ليضربنه ما يجوز هو
المشهور، ومقابله لابن دينار أنه ينقض البيع ويعتق عليه قال: ولا أنقض صفقة مسلم إلا لعتق
ناجز وضعف بأنا ننقض البيع للكتابة والتدبير.
الخامس: قال في المدونة: إذا مات السيد قبل أن يضربه عتق عليه في ثلثه.
السادس: إن كانت يمينه على بر نحو: إن ضربته فهو حر. لم يمنع من البيع ولا من
الوطئ. قال في أوائل كتاب العتق من المدونة: ومن حلف بعتق عبده لا فعلت كذا أو لا
أفعل كذا، فهو على بر ولا يحنث إلا بالفعل ولا يمنع من البيع والوطئ، وإن مات لم يلزم
ورثته عتق. ولو قال إن لم أفعل أو لأفعلن فهو على حنث ويمنع من البيع والوطئ ولا أمنعه
من الخدمة، فإن مات قبل الفعل عتق رقيقه في الثلث إذ هو حنث وقع بعد الموت انتهى.
زاد أبو الحسن عن اللخمي: ولا أمنعه الخدمة ولا الاستئجار.
السابع: إذا كانت يمينه على حنث وضرب أجلا فإنه يمنع من البيع ولا يمنع من
الوطئ. قال في المدونة: وإن قال: أمتي حرة إن لم أفعل كذا إلى أجل أو إن لم يفعل فلان
كذا إلى أجل سماه فهو على بر. قال مالك: ولا يمنع من الوطئ في الاجل ويمنع من البيع
لأنها مرتهنة فيهن ولو باعها رددت البيع ولم أقبل منها رضاها بالبيع. وروي لمالك: يمنع من
الوطئ كمنعه من البيع. قال ابن يونس: لو لم يرد البيع حتى مضى الاجل ولم يفعل ما حلف
عليه لم يرد البيع لأنه بمضي الاجل حنث وليست في ملكه فارتفعت عنه اليمين فيها فلا
ترد إذ لا ترد إلى أمر يترقب فيه بره أو حنثه انتهى. قلت: وعلم منه أن الأمة والعبد قبل رد
البيع في ملك المشتري وضمانه وهو ظاهر والله أعلم. ص: (وجاز بيع عمود عليه بناء
للبائع) ش: إنما نبه على هذه وما بعدها لئلا يتوهم أنها مما لا يقدر فيه على تسليم المبيع
ص: (إن انتفت الإضاعة وأمن كسره) ش: قال عياض إثر كلام المدونة في هذه المسألة:
معناه عند شيوخنا إن قلع مأمونا ولو كان يخشى كسره لم يجز وكذلك قالوا: إنما هذا إذا
كان يمكن تدعيم البناء وتعليقه، ولو كان لا يمكن نزعه إلا بهدمه لكان من الفساد في
الأرض الذي لا يجوز انتهى. وقال في التوضيح: إن انتفت إضاعة المال فإن إضاعته لا تجوز
كما إذا كان لا يقدر على إخراجه إلا بهدم الغرفة التي فوقه لأن ذلك من الفساد. اللخمي:
81

إلا أن يكون قد أضعف له في الثمن أو تكون الغرفة تحتاج إلى النقض أو كان عليه بناء يسير
انتهى.
قلت: قول اللخمي: إلا أن يكون أضعف له في الثمن فيه نظر لأنه لا يخلو عن
إضاعة المال إلا أن يكون له في ذلك غرض صحيح والله أعلم. واعترض ابن عرفة على ابن
شاس وتابعيه في عزوه شرط إضاعة المال للمازري، لأنه يوهم اختصاصه به، وقد نقله
اللخمي وذكر شرط أمن الكسر أيضا. اللخمي قال: وإن كان انقاده مأمونا جاز هذا البيع،
وإن كان غير مأمون لم يجز إلا أن يشترط المشتري سلامته بعد حطه انتهى. وقال ابن عرفة
بعد أن ذكر هذا الكلام عن اللخمي قلت: وهذا خلاف المذهب لا الغرر المانع مانع ولو
شرط فيه سلامة تمكن انتهى. وقال ابن عبد السلام بعد أن ذكر كلام اللخمي المتقدم:
قلت: ولا يبعد أن يجوز البيع ولو لم يشترط سلامته بعد حطه لأنه إذا لم يكن على البائع إلا
إزالة ما عليه من البناء وتهيئته لأنه ينقل، فكل ما يجري بعد ذلك فمن المشتري بمقتضى
التمكين.
فإن قلت: لا بد من شرطه وإلا كان إضاعة مال من المشتري.
قلت: إن وجب لذلك وجب سقوطه خوف إضاعة البائع ماله. قال ابن عرفة ردا عليه:
قوله: ولا يبعد أن يجوز الخ ما نصه.
قلت: يرد بأن منعه مع عدم أمنه لأنه بيع غرر كمتقدم قول ابن القاسم: لا يحل بيع
صعاب الإبل فلا يتوجه ما أورد من سؤال وجواب انتهى. ويشير إلى ما في سماع أصبغ عن
ابن القاسم أنه لا يحل بيع صعاب الإبل للغرر في أخذها لأنها ربما عطبت به، فعلم من هذا
إن شرط جواز هذا البيع الامن من كسر العمود في إخراجه وانقاده وإلا كان بيع غرر فيمنع
والله أعلم. ص: (ونقضه البائع) ش: قال في التوضيح: ولم يذكر المصنف يعني ابن
82

الحاجب من عليه النقض. والمنصوص لمالك أنه على البائع. وذكر المازري عن بعض
الأشياخ أنه استبعده. قال: ولا وجه لاستبعاده انتهى. وهذه المسألة في كتاب الغرر من
المدونة ونصها على اختصار ابن يونس قلت: فإن اشتريت عمود رخام عليه بناء للبائع، أيجوز
هذا الاشتراء وأنقض العمود إن أحببت؟ قال: نعم وهذا من الامر الذي لم يختلف فيه أحد
علمته بالمدينة ولا بمصر. قال في غير المدونة: وقلع العمود على البائع. وحكى عن القابسي
أن معنى ذلك أن على البائع أن يزيل ما فوق العمود ليصل المبتاع إلى قبضه، وكذلك قال
غيره من فقهائنا. وما أصابه بعد ذلك في زواله من سكر أو غيره فهو من المبتاع انتهى. وقال
في التنبيهات: قوله: وأنقض العمود ظاهره أن نقضه على المشترى. وقال بعد هذا الكلام
في مسألة بائع نصل السيف المحلى وجفنه وينقض صاحب الحلية حليته فجاء من هذا أن
النقض على البائع. فجعل بعضهم هذه تفسيرا للأولى، وأن معنى الأولى أن يزيل البائع ما
عليه بالتدعيم أو الهدم إذ عليه تخليصه للمشتري ويتولى المشتري بعد هذا قلعه ورفعه. وقد
قيل: في هذا الباب كله قولان: هل ذلك على البائع أو المشتري كبيع الصوف على ظهور
الغنم، والعلو فوق السفل، والثمرة في رؤوس الشجرة على من جداد ذلك وقلعه؟ قالوا:
وكذلك لو اشترى البناء الذي على العمود أو الحلية التي على النصل فإنه يختلف في ذلك
كله لبقاء حق التسليم، وكون نقض العلو على المشتري أبين لتخلصها مما تحتها، وكون
نقض الحلية والسيف والعمود على البائع أبين لارتباطها بما بقي له في ذلك انتهى. وقوله:
وكون نقض الحلية يريد في مسألة بيع السيف، وأما لو باع الحلية دون النصل فالذي جزم
به ابن يونس أن نقضها على المشتري، وكذلك في مسألة شراء الصوف على ظهور الغنم
والثمرة في رؤوس الشجر جعل النقض على المشتري. وقال في الشامل: وقلعه على بائعه.
وقيل: إنما عليه نقض بنائه فقط، وما أصابه في قلعه فمن المبتاع. وبيع نصل سيف دون
حليته ونقضها على البائع وبالعكس على المبتاع على الأصح كجز صوف بيع على ظهور
الغنم وجداد ثمر في رؤوس نخل جزافا فيهما وقيل على البائع اه‍. وتفسير الشارح قول
المصنف ونقضه البائع بقول اللخمي وإزالة البناء على البائع يوهم أنه حمله على القول الثاني.
فرعان: الأول: انظر قولهم: وما أصابه في قلعه فمن المبتاع هل هو مفرع على القول
الثاني، أو هو فرع مستقل مفرع على القولين؟ وهذا الذي يظهر من كلام اللخمي وابن عبد
السلام وابن عرفة المتقدم فتأمله والله أعلم ولم أر من صرح به.
الثاني: من دعا في مسألة السيف والحلية إلى تخليص ملكه فذلك له كما يؤخذ من
لفظ التهذيب، وظاهر كلام الام أنه لا ينقض إلا برضاهما. قال في التنبيهات: وليس ذلك
بمراد بل المعنى أن من دعي منهما إلى تخليص ملكه فذلك له، وقوى ابن عرفة ما في الام
83

ص: (وهواء فوق هواء) ش: أي وجاز بيه هواء فوق هواء فأحرى فوق بناء ص: (إن وصف
البناء) ش: أي الأعلى والأسفل ويصف بماذا يبنيه من آجر أو حجر قاله في التوضيح. وقال
ابن عرفة اللخمي: ويصف عرض حيطان البناء ويبنيه بالمعتاد من آجر أو حجر اه‍. فظاهره أنه
لا يشترط تبيين ما يبنيه من الآجر والحجر خلاف. ما قال في التوضيح، إلا أن يحمل كلام
اللخمي حيث كان هناك عادة، وكلام التوضيح حيث لم تكن عادة. قال المتيطي: ويصف
مصب ماء الأعلى ومرحاضه وحيث تصب قناته ومدخله. نقله ابن عرفة.
فرع: وفرش سقف الأسفل بالألواح على من اشترط وإلا فعلى البائع على الأصح. نقله
في التوضيح وابن عرفة.
فرع: ولا يجوز لمبتاع الهواء بيع ما على سقفه إلا بإذن البائع لأن الثقل على حائضه.
نقله في التوضيح أيضا وابن عرفة. ويفهم منه أن ملك ما فوق بنائه من الهواء إلا أنه لا
يتصرف فيه لحق البائع في الثقل، ويفهم هذا من قول التوضيح. قال علماؤنا: من ملك أرضا
أو بناء ملك هواءها إلى أعلا ما يمكن. واختلفوا هل يملك باطنها أو لا على قولين، رجح
بعضهم الملك لقوله عليه السلام طوقه من سبع أرضين. وفيه نظر. وقال القرافي: ظاهر
المذهب عدم الملك اه‍. وغرز جذع في حائط ويصير ذلك مضمونا على البائع أن يعيد
الجدار إذا انهدم ليركب صاحب الجذوع جذوعه.
84

قلت: وانظر إذا مات البائع أو باع لغيره والظاهر أن ذلك لازم للورثة، وأما المشتري
فإن علم بذلك قبل الشراء فلا كلام له، وإن لم يعلم به فهو عيب له الرد إن لم يرض به.
تنبيه: قال المشذالي: ولو طرأ شئ في نفس موضع الحمل المشتري مع صحة بناء
جميع الحائط لما لزم رب الحائط شئ ويقال لمن له حمل الجذوع: أصلح موضع حملك
أو دع لأنه ملك الموضع، ويترتب على ذلك أحكام الملك من الهبة والميراث والله أعلم
ص: (وجهل بثمن أو مثمون ولو تفصيلا) ش: يعني أن من شرط صحة البيع أن يكون معلوم
العوضين، فإن جهل الثمن أو المثمون لم يصح البيع، وظاهر كلامه أنه متى حصل الجهل
بأحد العوضين من المتبايعين أو من أحدهما فسد البيع. وصرح بذلك الشارح في الكبير وهو
ظاهر التوضيح أيضا. وقال ابن رشد في رسم أوصى من سماع يحيى من جامع البيوع وفي
رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الصلح: لا يكون البيع فاسدا إلا إذا جهلا معا قدر
المبيع أو صفته، أو جهل ذلك أحدهما وعلم الآخر بجهله وتبايعا على ذلك. وأما إذا علم
ذلك أحدهما وجهل الآخر ولم يعلم بجهله فليس ببيع فاسد وإنما هو في الحكم كبيع غش
وخديعة، يكون الجاهل منهما إذا علم مخيرا بين إمضاء البيع أورده ولم يذكر في ذلك
خلافا. وقال في أول كتاب القسمة من المدونة: ومن باع من رجل مورثه من دار، فإن عرفا
مبلغه جاز وإن لم يسمياه، وإن جهله أحدهما أو كلاهما لم يجز. وإن ورث رجلان دارين
فباع كل واحد من صاحبه نصيبه في إحداهما بنصيب الآخر في الأخرى، فإن عرف كل
واحد نصيبه وما هو نصيب صاحبه جاز وإن لم يسمياه، فإن جهل أحدهما مبلغ حقه منهما
لم يجز كما لا يجوز صلح الزوجة على مورث لها في دار لا تعلم مبلغه اه‍. ثم قال في أثناء
كتاب القسمة: وإذا ورثا نخلا وكرما لم يعرفاه ولا رأياه أو عرف ذلك أحدهما فرضيا أن
يأخذ أحدهما الكرم ويأخذ الآخر النخل لم يجز ذلك إلا أن يكونا قد رأيا ذلك أو وصف
85

لهما اه‍. قال أبو الحسن: ليس في الأمهات أو كلاهما. ونقله أبو سعيد من مسألة الغائب.
وقوله: لم يجز في الأمهات لا خير فيه. واختلف فيما إذا جهله أحدهما هل هو بيع فاسد
أو حكمه حكم الصبرة إذا علم البائع كيلها دون المبتاع؟ قال ابن رشد: وأرى حكمه حكم
الصبرة وهذا على ما في الأمهات إذا جهله أحدهما. الشيخ: ولا ينبغي أن يختلف فيه وأن
حكمه حكم الصبرة اه‍. ونقله ابن ناجي إلا قوله: ولا ينبغي أن يختلف فيه.
قلت: وظاهر كلام المدونة أنه فاسد خصوصا على اختصار أبي سعيد فإنه جمعه مع
جهلهما معا. ولا خلاف في فساد البيع بذلك. وأشار المشذالي وغيره إلى حكاية القولين في
ذلك، ولعل المصنف اعتمد على المدونة واختصار أبي سعيد فيحمل كلامه على إطلاقه،
ويؤيد ذلك مسألة العبدين الآتية كما سيأتي ويكون كلامه موافقا لاحد القولين لكنه خلاف
ما اختاره ابن رشد وجزم به والله أعلم. ونص كلام المشذالي في كتاب القسمة: وإن جهل
أحدهما المسألة.
قلت: وصوبه ابن محرز وغيره وزعم غير واحد من المغاربة أن القولين في جهل أحد
المتبايعين يقومان من مواضع من المدونة منها هذه ومسألة الصبرة اه‍. وفي المدونة مواضع
متعددة في أواخر كتاب الشفعة، وفي كتاب الصلح، وفي كتاب الغرر وفي السلم الثالث
نحو ما تقدم من كلامه، وأشار الشيخ أبو الحسن إلى حملها كلها على ما تقدم والله أعلم.
تنبيه: قد صرح المصنف في التوضيح في شراء الغائب بأنه إذا انعقد على الالزام
وسكتا عن شرط الخيار فالبيع فاسد. فيظهر أنه مخالف لكلام ابن رشد، والظاهر أنه ليس
بمخالف بل يحمل على ما إذا علم البائع بأن المشتري يجهل المبيع والله أعلم.
فرع: إذا وقع في الوثيقة وعرفا الثمن والمثمون ثم ادعى أحدهما الجهل لم يكن له
قيام ولا يمين، فإن سقطت هذه اللفظة لم يصدق أيضا مدعي الجهل إلا أن يدعي علم
صاحبه بجهله على وجه يمكن فتجب اليمين عليه أنه ما علم بجهله، فإن نكل ورد اليمين
عليه حلف لقد جهل ما باعه أو ابتاعه ويفسخ البيع، وإن لم يدع على صاحبه بجهله لم يكن
له عليه يمين. نقله في المتيطية وابن سلمون. وقال في نوازل ابن رشد: سئل عمن باع
أملاكه وهو غائب عنها يعلم أنه لم يدخلها قط وانعقد عليه أنه يعرف قدرها وكل من في
الموضع يشهد بأنه لم يدخلها قط ولا يعرف قدرها ولا مبلغها ولا يحوزها قبل الابتياع ولا
بعده. فقال: إذا انعقد عليه ذلك فلا يلتفت إلى دعواه ولا يكون له في ذلك قيام إلا أن
يدعي أن المبتاع يعلم ذلك فيجب له عليه اليمين اه‍. فظاهره يقتضي أن اليمين تتوجه إذا
ادعى عليه أنه يعلم بجهله ولو كان في الوثيقة أنه عرف ذلك خلاف ما تقدم عن المتيطية،
أو يقال: إنما وجه اليمين عليه مع انعقاد ذلك عليه في الوثيقة للقرينة الدالة على صدق
86

دعوى خصمه وهي شهادة كل من في الموضع أنه ما رآه وهو ظاهر فتأمله والله أعلم.
تنبيه: قال ابن فرحون في الباب الثامن والعشرين من القسم الثاني: المتبايعان
محمولان على المعرفة حتى يثبت الجهل، وعلى جواز الامن حتى يثبت السفه، وعلى الرضا
حتى يثبت الاكراه، وعلى الصحة حتى يثبت السقم، وعلى الملا حتى يثبت الفقر، وعلى
الحرية حتى يثبت الرق، وعلى الاسلام حتى يثبت الكفر، وعلى العدالة حتى تثبت الجرحة.
وقيل: عكسه والغائب محمول على الحياة حتى يثبت الموت. قاله ابن سهل انتهى. وما قاله
ظاهر إلا في مسألة العدالة فالمشهور الثاني. وقال قبله: الناس فيما ادعى عليهم محمولون
على الجهل حتى يثبت العلم، وعلى العدم حتى يثبت المال. ذكره ابن الهندي وقال:
والعمل عند الحكام أن مدعي العدم عليه الاثبات وهو أصح.
فرع: قال في كتاب الصرف من المدونة: ومن اشترى من رجل دراهم بين يديه كل
عشرين بدينار فلما نقده الدنانير قال: لا أرضاها فله نقد البلد، فإن كان نقد البلد في الدنانير
مختلفا فلا صرف بينهما إلا أن يسميا الدنانير انتهى. وقال اللخمي: إذا صرف دراهم بدنانير
أو باعه سلعة بدنانير والدنانير التي يتصرف بها في البلد بين الناس مختلفة السكك، كان
ذلك فاسدا إلا أن يكون الثمن فيما يباع به ذلك أو الغالب فيما يتصرفون به منها وغيره نادر
قليل فيجوز ويحملان على الغالب انتهى. وذكر البرزلي فيما تعددت السكك وكان الغالب
أحدهما قولين. قال: وظاهر المدونة في كتاب الأكرية الجواز ويحمل على الغالب اه‍. ونص
ما في أكرية الدور منها: ومن اكترى دارا بدنانير ولم يصفها والنقد مختلف، فإن عرف لنقد
الكراء سكة قضى بها وإلا فسخ الكراء وعليه فيما سكن كراء مثله. قال أبو الحسن: قوله:
كراء مثله ظاهره من سكة واحدة. وقيل: يقضى له بنصف هذه ونصف هذه. وقيل: يقضى
بكراء المثل طعاما وهو غلط إذ ليس هو قيم الأشياء ولا قيم المتلفات اه‍.
قلت: وهذا إذا اختلفت السكك في النفاق، فأما إذا استوت في النفاق فإن ذلك جائز
ويجبر البائع على أن يقبض ما جاء به المشتري. قال ابن رشد في آخر سماع ابن القاسم من
جامع البيوع: البلد الذي تجوز فيه جميع السكك جوازا واحدا لا فضل لبعضها على بعض،
ليس على من ابتاع فيه شيئا أن يبين بأي سكة يبتاع، ويجبر البائع على أن يأخذ كل سكة
أعطاه كما أن البلد إذا كانت تخرج فيه سكة واحدة فليس عليه أن يبين بأي سكة يبتاع،
ويجبر على أن يقبض السكة الجارية. وكما أن البلد الذي تجري فيه جميع السكك ولا
تجوز فيه بجواز واحد ولا يجوز البيع فيه حتى يسمي بأي سكة يبتاع فإن لم يفعل كان
البيع فاسدا اه‍. ونقله أبو الحسن الصغير في شرح مسألة أكرية الدور. وذكر البرزلي في
مسائل البيوع نحوه قال: والمعاملة في زماننا هو اتخاذ المغربي والأميري في العقود وبينهما
87

تفاوت يسير في القدر، لكن النفاق واحد في المعاملات إلا من يشترط الأميري فالبيع بها
جائز، وما أعطاه من ذلك لزمه إلا أن يشترط سكة فيقتضي بها للتفاوت اليسير فيمن شرط
ما فيه منفعة اه‍.
فرع: قال في سماع أبي زيد من جامع البيوع فيمن اشترى نصف شقة ولم يسم
المشتري أولا ولا آخرا، ولم يسم البائع حين القطع فقال البائع: لا أعطيك إلا الأخير. وقال
المشتري: لا آخذ إلا الأول، فإذا ادعى كل واحد أنه سمى أو اتفقا على الابهام وادعى كل
واحد أنه أراد النصف الذي طلبه، حلف كل واحد منهما. فإن حلفا أو نكلا فسخ البيع، وإن
حلف أحدهما كان القول قوله، وإن اتفقا على عدم التسمية وعدم الافهام كانا شريكين فيها
يقسم الثوب على القيمة ثم يستهمان عليه، وليس هذا بيع مجهول كما قال بعضهم. ثم لو
قال: أشتري منك أحد النصفين أيهما وقع السهم عليه أو أيهما شئت كان غررا. قال في
الرواية: فإذا حلف المبتاع يريد وحده رد الثوب إلى صاحبه مقطوعا إلا أن تكون سنة التجار
أنهم إذا قطعوا إنما يبيعون الأول فيحمل الناس على تلك السنة اه‍.
فرع: إذا باع لصباغ أو غيره سلعة على أن يصبغ له ثيابا وما صبغ له حاسبه بنصف
ثمنه من ثمن ما باع به وأعطاه نصف الثمن منع ذلك لأنه بيع لا يجوز اه‍. من أسئلة ابن
رشد. اه‍ من المسائل الملقوطة ص: (كعبدي رجلين بكذا) ش: هذا نحو عبارة ابن
الحاجب. قال في التوضيح: يصدق على ثلاث صور إذا كان لكل منهما عبد، أو لأحدهما
عبد والآخر مشترك، أو هما مشتركان بينهما على أجزاء متفاوتة مختلفة في العبدين. قال: ولا
يدخل في كلامه ما إذا كانا مشركين بينهما على السواء لأنه جعل العبدين مثلا لمجهول
88

التفصيل، وإذا حصلت الشركة على السواء فالثمن معلوم التفصيل اه‍. ومراده بكونهما على
السواء أن لكل واحد في أحد العبدين بقدر ما له في الآخر كما لو كان ثلث كل واحد من
العبدين وللآخر الثلثان والله أعلم.
فرع: فإن وقع على المشهور فسخ البيع، فإن فات ففي الموازية يمضي بالثمن
مفضوضا على القيم، وفي غير الموازية أنه يمضي بالقيمة كالبيع الفاسد. التونسي: وهو
أشبه. قاله في التوضيح.
فرع: فإن سميا لكل واحد ثمنا أو قوما أو دخلا على المساواة بعد التقويم جاز. قاله
في التوضيح.
فرع: فإذا اشترى اثنان سلعتين على الشركة جاز، وعلى أن كل واحد يأخذ واحدة بما
ينوبها قولان قاله في الشامل والجاري على المشهور المنع.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف وابن الحاجب أنه لا فرق بين أن يكون المشتري عالما
بما يقدم عليه أو يظن أنهما شريكان في العبدين، وهو ظاهر المدونة أيضا فيكون حجة أيضا
للقول بفساد البيع إذا جهل أحد المتبايعين الثمن أو المثمون. وقال في التوضيح: أشار
التونسي إلى أن هذا إنما هو إذا علم المشتري بذلك، وأما إذا ظن أنهما شريكان في العبدين
فإنه لا يفسخ البيع لأن الفساد من جهة أحد المتبايعين لا من جهتهما. وقال المازري: إذا لم
89

يعلم المشتري يجري ذلك على الخلاف في علم أحد المتبايعين بالفساد ص: (ورطل من
شاة) ش: هذا المسألة في آخر كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة، وأطلق
المصنف ذلك ولم يقيد بقوله: قبل سلخها ليعم ذلك ما قبل السلخ وما قبل الذبح. قال
في الجعل والإجارة من المدونة: ولا يجوز بيع لحم شاة حية أو مذبوحة أو لحم بعير كسر
قبل الذبح والسلخ كل رطل بكذا من حاضر ولا مسافر.
فرع: قال ابن يونس في كتاب التجارة إلى أرض الحرب: قال ابن المواز في القوم
ينزلون في بعض المنازل فيريدون شراء اللحم منهم فيمتنعون من الذبح حتى يقاطعونهم على
البيع خيفة أن لا يشتروا منهم بعد الذبح قال: لا ينبغي ذلك اه‍ ص: (وله الاجر) ش: هذا
90

هو المشهور كمن اشترى شجرا بوجه شبهة فسقى وعالج ثم ردت إلى ربها، أو آبقا فاتفق
على رده ثم فسخ ورد إلى ربه، فإنه يرجع بما أنفق على المشهور. واختلف هل يرجع
بالأجرة ولو زادت على قيمة الخارج أو لم يخرج شئ أو لم تتمر أو إنما يرجع بالأجرة ما
لم يزد على الخارج ولا شئ عند عدمها؟ قولان. اقتصر ابن يونس على الثاني. نقل ذلك
في التوضيح والشامل.
ص: (وشاة قبل سلخها) ش: قال ابن يونس في كتاب التجارة إلى أرض الحرب،
قال ابن المواز: قال ابن القاسم: ويجوز بيع شاة مذبوحة لم تسلخ ما لم تكن على الوزن
كلها أو بعضها فلا يجوز، ولا يجوز بيع شاة مذبوحة بشاة مذبوحة وإن لم تكن على الوزن
إلا أن يقدر على تحريمها. قال ابن يونس: ويستثنى كل واحد جلد شاته لئلا يدخله لحم
وعرض بلحم وعرض. وقال أصبغ: لا يقدر على تحري ذلك ولا يجوز. وقال مثله سحنون
ولم يعجب ابن المواز قول أصبغ اه‍. والفرق بين بيع الشاة المذبوحة وبيع رطل أو أرطال
منها ما نقله في التوضيح عن البيان أن الأصل في هذا أن كل ما يدخل بالعقد في ضمان
المشتري فليس من بيع اللحم المغيب كالشاة المذبوحة، وما لا يدخل في ضمانه بالعقد
كالرطل فهو من بيع اللحم المغيب اه‍. ولأنه في مسألة الرطل لا يدري على أي صفة
يأخذه، وفي مسألة الشاة لما لم يقصد شيئا معينا خف الغرر ص: (وحنطة في سنبل أو تبن
إن بكيل) ش: يعني أنه يجوز بيع الحنطة في سنبلها، سواء كان السنبل قائما لم يحصد أو
حصد، ويجوز بيعها في تبنها بعد الحصاد والدراس إن كان ذلك بكيل، كان يشتري منه كل
قفيز بكذا. وهذا ظاهر إن اشترى من المجموع كيلا معلوما، وأما إن اشترى المجموع فيأتي
91

الخلاف الذي في الصبرة لكن المشهور الجواز. وقوله: إن بكيل أي إن كان المبيع بكيل
وحذف كان مع اسمها جائز لكن الغالب أن يكون ذلك مع التنويع نحو إن خيرا فخيرا
وإن شرا فشر مفهوم الشرط في قوله: إن بكيل أنه لا يجوز بيع الحنطة في سنبلها ولا في
تبنها جزافا وهو كذلك. قال في المنتقى: إنه لا يجوز أن تنفرد الحنطة في سنبلها بالشراء
دون السنبل على الجزاف ما دام فيه، وأما شراء السنبل إذا يبس ولم ينفعه الماء فجائز. اه‍
من الكلام على بيع الثمرة قبل بدو صلاحها. وقاله ابن عبد السلام وغيره والله أعلم. وهذا إذا
كان العرف في القمح الكيل فلا يجوز بيعه على الوزن كما نص عليه في المدونة. قال
اللخمي: ويجوز فيه الوزن بمصر لأنه العادة عندهم في الدقيق يبيعونه وزنا ويعطون القمح
للطحان وزنا ص: (وقت جزافا لا منفوشا) ش: ألقت جمع قتة وهي الحزمة، والمعنى أنه
يجوز بيع الزرع جزافا بعد حصده إذا كان حزما هذا هو المشهور. وقيل: لا يجوز. ويفهم
منه بالأحروية جواز بيع الزرع القائم إذ لا خلاف فيه، وأما المنفوش والمراد به المحصود
المكدس بعضه على بعض فلا يجوز بيعه وهو الذي احترز عنه بقوله: إن بكيل. قال في
التوضيح: لا خلاف عندنا في جواز بيع الزرع القائم، والأشهر في المحصود الجواز قياسا
على القائم. وقيل: بالمنع قياسا على ما كان منه في حال الدراس. ثم قال: وظاهر كلامه
92

يعني ابن الحاجب الجواز أعم من أن يكون حزما أو لا وينبغي أن يقيد بما إذا كان حزما
فقد قال في الاكمال: لا خلاف أنه لا يجوز بيعه إذا خلط في الأندر للدراس أو كدس
بعضه على بعض قبل تصفيته. واختلف عندنا إذا كان حزما يأخذها الحزر اه‍. ثم ذكر عن
الباجي أنه حكى الخلاف في المنفوش أيضا، وطريقة القاضي عياض أحسن والله أعلم. ص:
(وزيت زيتون بوزن إن لم يختلف) ش: أي صفة خروجه. قاله أبو الحسن في كتاب
الإجارة. ومفهوم قوله: بوزن أنه لا يجوز جزافا وهو كذلك ص: (ودقيق حنطة) ش:
صورته أن يشتري منه صاعا من دقيق هذه الحنطة أو يشتري دقيق هذه الحنطة كل صاع
بكذا، فيجوز ذلك إذا لم يختلف خروجه. قاله في كتاب الجعل من المدونة، ونبه عليه في
الكبير والشامل. وأما إذا اشترى منه هذا الصاع على أن يطحنه له، فإن وفاه إياه حبا خرج من
ضمانه وهو بيع وإجارة والمشهور جواز اجتماعهما ص: (وشاة واستثناء أربعة أرطال) ش:
93

هذه المسألة تشبه المعلوم جملة والمجهول تفصيلا لكن باعتبار المثمن. وقد تقدم أنه لا
يجوز بيع رطل من شاة قبل سلخها لكن أجاز مالك هذه على وجه الاستثناء بشرط اليسارة،
وإلى هذا رجع مالك. وما ذكره من التحديد بأربعة أرطال هو الذي في أكثر روايات
المدونة. وفي رواية ابن وضاح ثلاثة أرطال، وعن ابن المواز جواز الخمسة والستة، وفي
بعض الروايات جواز استثناء قدر الثلث وعليه حمل أبو الحسن المدونة فقال في قولها: وإن
استثنى من لحمها أرطالا يسيرة ثلاثة أو أربعة جاز. الشيخ: يعني أو خمسة أو ستة أو أكثر ما
لم يبلغ الثلث يدل عليه قوله بعد ولم يبلغ به مالك الثلث اه‍. ثم قال في قولها: ثم رجع
فقال: لا بأس به في الأرطال اليسيرة مثل الثلث فأدنى. عياض: كذا هي بضم التاء الأولى في
روايتنا وفي كثير من النسخ وهو ظاهر مراده لقوله: أو دون ذلك. وقاله أشهب. وعند ابن
وضاح: مكان الثلث الثلاثة اه‍. وظاهر كلام المصنف إن هذا خاص بالشاة ولم يبين مقدار
ما يستثنى من البقرة والناقة. ولما ذكر ابن عرفة الخلاف في الشاة قال: واستحسن بعض
المتأخرين اعتبار قدر صغر المبيع وكبره كالشاة والبقرة والبعير اه‍.
قلت: أما على ما حمل عليه أبو الحسن المدونة فلا شك أن ثلث كل بحسبه وينبغي
أن يعتبر ذلك على غيره من الأقوال.
فرع: قال في المدونة: ولا يجوز أن يستثنى الفخذ أو البطن أو الكبد. قال ابن عرفة:
قال اللخمي: هذا على منع استثناء الأرطال اليسيرة وعلى الجواز يجوز، وتبعه المازري ونقله
عياض ولم يتعقبه. قال ابن عرفة: ويرد بأن الغرر في معين أشد منه في شائع لجواز اختصاص
المعين بصفة كمال أو نقص دون الشائع، لكن في الكافي رواية بالجواز وعبر عن رواية المنع
بالكراهة اه‍.
قلت: ما ذكره عن اللخمي والمازري وعياض قاله ابن يونس، وما رد به ابن عرفة
عليهم ظاهر، ومذهب المدونة المنع فلا يجوز استثناء عضو معين من الحيوان والله أعلم.
فرع: قال في المدونة: ولا بأس باستثناء الصوف والشعر. قال ابن يونس: لا خلاف أنه
جائز. قال أبو الحسن: قال اللخمي: إذا كان يجز إلى يومين أو ثلاثة، وانظر إذا اختلف البائع
والمشتري في الموضع الذي يأخذ منه الأرطال المستثناة من الشاة والظاهر أنه يجري على
السلم ص: (ولا يأخذ لحم غيرها) ش: يعني إذا اصطلحا على أن يعطي المشتري للبائع
94

لحما عوضا عن الأرطال المستثناة لم يجز ذلك. هكذا ذكر ابن يونس عن ابن المواز عن
أشهب. قال ابن عرفة: لأنه بيع لحم بحيوان. وقال ابن الحاجب: ولا يأخذ منه لحما على
الأصح. وأنكر ابن عرفة عليه مقابل الأصح فقال: ومقابل الأصح قول ابن الحاجب: ولا يأخذ
منه لحما لا أعرفه. وتقريره ابن عبد السلام برواية مطرف لا يتم لأنها في المرض لا مطلقا
وصحته كفوته.
قلت: يشير إلى ما رواه مطرف عن مالك فيمن اشترى جزورا مريضة واستثنى البائع
من لحمها أرطالا يسيرة فتركها حتى حت أنه لا يجبر على ذبحها ويعطيه مثل اللحم الذي
استثنى. قال ابن عرفة: واعتذر المازري بأن صحته كفوته. ونقل في التوضيح هذه الرواية وزاد
أنه إذا ماتت فهو ضامن لما استثنى عليه منها، وإن صحت فعليه شراء ما استثنى عليه أو
قيمته ولا يجبر على الذبح لأنه كان ضامنا لما استثنى عليه.
فرع: اختلف هل للبائع أن يبيع ما استثناه بغير اللحم أو بلحم غير ذوات الأربع؟
حكى في التوضيح فيه قولين، بناهما على أن المستثنى مبقي أو مشتري. ونقلهما في الكبير
وحكاهما ابن عبد السلام إجراء على القولين فيمن باع صبرة واستثنى منها كيلا، فهل يجوز
له بيع ما استثناه بناء على أن المشتري مبقي، أو لا يجوز له بيعه بناء على أنه مشتري
فيدخله بيع الطعام قبل قبضه؟
قلت: وفي إجراء القولين في مسألة الشاة نظر، لأنا وإن قلنا: إن المستثنى مبقى فلا
يجوز له هنا بيع الأرطال لأنه تقدم أنه لا يجوز بيع رطل من شاة، فالصواب المنع هنا وبهذا
يظهر لك وجه منع أخذ لحم غيرها فتأمله والله أعلم ص: (وصبرة وثمرة واستثناء قدر ثلث)
ش: ذكر القدر يدل على أنه أراد كيلا قدر الثلث لا الجزء كما قاله ابن غازي. والأصل في
استثناء كيل من الثمرة أو الصبرة المنع أما الثمرة فلأنه لا يجوز للشخص أن يبيع ثمرة حائطه
آصعا معلومة إلا إذا كان المشتري يأخذه على حاله إن بسرا فبسر وإن رطبا فرطب، وأما إن
95

شرط بقاءه إلى أن تتغير صفته فلا يجوز. قاله في كتاب التجارة إلى أرض الحرب. ولا يجوز
أن يبيع من ثمر قد أزهى آصعا معلومة دون الثلث أو أكثر يدفعها ثمرا اه‍. وستأتي المسألة
في باب السلم إن شاء الله. وأما الصبرة فلان الجزاف إنما جاز بيعه لدفع مشقة الكيل عن
البائع، فإذا استثنى كيلا فلا بد من الكيل فلم يقصد بالجزاف إلا المخاطرة، وأكثر الفقهاء
على منع استثناء الكيل قليلا كان أو كثيرا من الصبرة والثمرة، وأجازه مالك وفقهاء المدينة
فيما كان قدر الثلث فأقل، ومنعوه فيما زاد لكثرة الغرر والله أعلم.
فرع: ومثل استثناء قدر الثلث إذا باع كيلا من صبرة قدر ثلثها فأقل ثم أراد أن يبيع
باقيها قبل أن يكيل منها ما باعه. نقله ابن عرفة من سماع عيسى.
فرع: وعلى الجواز في الثمرة فقال أشهب: يجوز كان ذلك رطبا أو بسرا أو ثمرا. قال
في التوضيح: وهو ظاهر على أن المستثنى مبقى وفيه نظر على أنه مشترى.
قلت: أكثر هذه الفروع مبني على أن المستثنى مبقي فدل ذلك على أنه الراجح من
القولين ووجهه ظاهر. وفي جعل المستثنى مشترى نظر، ونقل الباجي: هذا الفرع عن أصبغ
على أنه المذهب، وعلله بأنه مبقى ولم يحك خلافه.
فرع: فإن كانت الثمرة أنواعا واستثني من نوع منها أكثر من ثلثه وهو دون ثلث
الجميع فاختلف فيه بالإجازة والمنع. وأخذا ابن القاسم وأشهب بالمنع. وقال في الشامل: إنه
الأصح.
فرع: فإن باع الثمرة أو الصبرة ولم يستثن منها شيئا ثم أراد بعد ذلك أن يشتري منها
شيئا لم يجز له أن يشتري إلا قدر ما كان له أن يستثنيه. قاله في الموطأ في الصبرة والثمرة
96

كالصبرة. وظاهر الموطأ أنه لا يجوز مطلقا. ونقل ابن عرفة عن ابن يونس عن محمد أنه إذا
كان ذلك قبل أن يقبض الثمن لم يجز أن يشتري إلا الثلث فأقل فإن كان بعد قبض الثمن
كله وتفرقهما فإنه يجوز مطلقا كالأجنبي إلا أن يكونا من أهل العينة. وهو في كتاب التجارة
إلى أرض الحرب من ابن يونس.
تنبيه: إذا اشترى من الثمرة بعد أن باعها آصعا معلومة فلا يجوز أن يشترط بقاءها إلى
أن تتغير صفتها.
فرع: فإن هلكت الصبرة المستثنى منها كيلا فليس على المشتري منها ضمان ما
استثناه البائع، ولو سلم منها قدر ما استثناه البائع كان له، وإن سلم أكثر مما استثناه أخذ منه
البائع ما استثناه وكان الباقي للمشتري، وسيأتي في فصل الجوائح بيان حكم ما إذا أجيحت
الثمرة المستثنى منها كيلا ص: (وجلد وساقط) ش: الساقط هو الرأس والأكارع فقط، ولا
يدخل في ذلك الكرش والفؤاد كما تقدم عن المدونة أنه لا يجوز أن يستثنى البطن أو
الكبد. وإنما نبهت على ذلك لدخول هذه الأشياء في السقط في العرف بل هي المتبادر
خصوصا. وقد استدل ابن يونس للمدونة بأن النبي (ص) وأبا بكر اشتريا شاة في مسيرهما إلى
المدينة من راع وشرطا له سلبها. والسلب في اللغة يطلق على ذلك كما قاله في القاموس
ص: (بسفر فقط) ش: وأما في الحضر فلا يجوز كما نقله المازري عن المذهب. وفي
المدونة كراهة ذلك. قال في التوضيح: وبذلك فسرها أبو الحسن. واحتج بقول ابن حبيب:
خفف مالك ذلك في السفر وكرهه في الحضر. إذ ليس له هناك قيمة ولا يفسخ إن نزل اه‍.
وظاهر كلامه في التوضيح أنه يفسخ على المشهور. وجعل ابن يونس الخلاف إنما هو في
الجلد قال: وأما استثناء الرأس والأكارع فلا تكره في سفر ولا حضر كما باع شاة مقطوعة
الأطراف قبل السلخ. وجعله ابن عرفة خلافا للمدونة وكذا صاحب الشامل ص: (وجزء
مطلقا) ش: نصفا كان أو ثلثا أو ربعا أو غير ذلك من الاجزاء، قليلا كان أو كثيرا، في
97

حضر أو سفر من الشاة والثمرة والصبرة ص: (ولم يجبر على الذبح فيهما) ش: أي في
مسألة استثناء الجلد والساقط وفي مسألة استثناء الجزء. أما مسألة استثناء الجلد والرأس
فالقول قول المشتري دعي إلى الذبح أو إلى البقاء، وله أن يذبح ويدفع الجلد والرأس وإن
رضي البائع بأخذ المثل وله أن يعطيه المثل أو القيمة ولا يذبح وإن كره البائع. قاله اللخمي
وعياض وغيرهما. وأما في مسألة استثناء الجزء فنقل ابن يونس عن عيسى بن دينار أنه لا يجبر
على الذبح، سواء اشتراها على الذبح أو الحياة. قال: وقال بعض القرويين: من امتنع منهما
من الذبح لم يجبر عليه وإن اشترى ذلك على الذبح. وتوقف بعض شيوخنا هل يجبر على
الذبح إذا اشترى عليه وفيه نظر. قال ابن يونس: والصواب أن لا يجبر على الذبح لأنهما
صارا شريكين، فمن دعا منهما إلى البيع فذلك له. وقال ابن الحاجب: ولو استثنى جزأ جاز
ولو كان على الذبح وفي جبر من أباه حينئذ قولان. قال في التوضيح: قوله: حينئذ أي حين
باع على الذبح. قال ابن عرفة: ونقل ابن الحاجب الجبر على الذبح بدل الوقف وقبوله ابن
عبد السلام لا أعرفه. وقال اللخمي: وإن اختلفا في ذبحها كان القول قول من دعا إلى
الذبح.
فرع: أجرة الذبح في مسألة الجلد والساقط فها قولان. قيل: عليهما جميعا على قدر
قيمة الجلد واللحم وهو اختيار ابن يونس. وقيل: على المشتري. قال ابن محرز وهو
الصواب لأنه غير مجبور على الذبح بخلاف استثناء الأرطال فإنه مجبور على الذبح. ونقل
القولين ابن عرفة والرجراجي. ونص الرجراجي: وفي مسألة الجلد والساقط في أجرة الذبح
98

على من تكون منهما قولان: أحدهما أنها عليهما جميعا، والثاني على المشتري اه‍. ونص
ابن عرفة قال الصقلي: أراه بينهما على قدر قيمة اللحم والجلد. وحكاه ابن محرز عير معزو
وزاد: وقيل: لا شئ عليه وهو الصواب لأن المبتاع غير مجبور على الذبح بخلاف استثناء
الأرطال لأنه مجبور عليه. المازري: إن قلت: المستثنى مبقى فعلى البائع السلب ليتمكن
المبتاع من أخذ المبيع كبائع عمود عليه بناء أو جفن سيف عليه حلية. وإن قلنا: مشترى
فيختلف على من تكون إزالة الجلد كبائع صوف على ظهور الغنم أو ثمر في شجر. وأشار
بعضهم إلى أن الأجرة بينهما بقدر قيمة الجلد وقيمة الشاة. وقد اختلف المذهب في الاجر
على عمل وحد في مال بين شركاء على التفاوت. هل الأجرة عليهما بالسوية أو بقدر
الأموال انتهى. وفي الشامل تقديم القول بأن الذبح على المبتاع يفهم من هذا أن الأجرة في
مسألة الأرطال عليهما بقدر قيمة ما لكل واحد منهما. وأما مسألة استثناء الجزء فلا إشكال
أن أجرة الذبح إذا رضيا عليهما جميعا بقدر ما لكل واحد. صرح بذلك الرجراجي فقال:
وأجرة الذبح عليهما ص: (أو قيمتها) ش: أنث الرأس وهو مذكر وقد تقدم مثل ذلك في
الحج ص: (وهل التخيير للبائع أو المشتري قولان) ش: قال الرجراجي والقولان تؤولا
على المدونة، والقول بأنه للمشتري أسعد بظاهرها. وقال ابن عرفة: وصوبه ابن محرز وهو
ظاهرها والله أعلم ص: (ضمن المشتري جلدا أو سقطا) ش: لأنه لا يجبر على الذبح وله
أن يدفع غيرهما فكأنهما صارا مضمونين عليه بخلاف الأرطال. ص: (وجزاف) ش: لما ذكر
أن من شرط المبيع أن يكون معلوما خشي أن يتوهم منع بيع الجزاف، فنبه على أن حكمه
99

الجواز بشروط. والمعنى وجاز بيع الجزاف بشروطه الآتية. والجزاف بكسر الجيم كما قال
الجوهري وغير واحد من الأئمة، وحصل النووي فيه ثلاث لغات الكسر والفتح والضم. وقال
الجوهري: هو فارسي معرب. وقال في المحكم: الجزاف بيع الشئ واشتراؤه بلا كيل ولا
وزن وهو يرجع إلى المساهلة وهو دخيل. وقال في المسائل الملقوطة: الجزاف مثلث الجيم
فارسي معرب وهو بيع الشئ بلا كيل ولا وزن ولا عدد انتهى. وحد ابن عرفة بيع الجزاف
بأنه بيع ما يمكن علم قدره دون أن يعلم والأصل منعه وخفف فيما شق علمه وقل جهله
ص: (إن رؤي) ش: مرادهم بالمرئي الحاضر لقول المصنف وغيره في شروط الجزاف:
أحدها أن يكون مرئيا فلا يجوز بيع غائب جزافا. ونص كلامه في التوضيح: ذكر علماؤنا
لبيع الجزاف شروطا أحدها: أن يكون مرئيا فلا يجوز بيع غائب جزافا إذ لا يمكن حزره
انتهى. ويلزم من ذلك رؤيته أو رؤية بعضه لأن الشئ إنما يباع على رؤية أو على صفة،
والحاضر لا يكتفى فيه بالصفة على المشهور كما سيأتي إلا لعسر الرؤية فيجوز بيع الظروف
المملوءة بالسمن والعسل ونحو ذلك إذا رؤي بعض ذلك. قال في الجواهر: ويستوي في
صحة بيع المشتري جزافا كونه ملقى في الأرض أو في ظروفه فيجوز شراء ما في الظروف
جزافا وإن لم يعلم مبلغه إلا بالحدس والتخمين. قال محمد: ولا يجوز شراء ملء الظرف
الفارغ وإن عين ما يملأ منه أو وصفه، ولا يجوز شراء ملء الغرارة الفارغة من قمح أو غيره
مشاهدا كان أو موصوفا أو ملء قارورة من زيت، أو غيره مشاهدا كان أو موصوفا، بل لو
اشترى ما في الظرف ففرغه لم يصح أن يشتري ملأه دفعة أخرى، وأنما يصح أن يشتري منه
ما في الظرف بعد أن يملأها. ووجه هذا أن المقصود تعين المعقود عليه، فإذا كان الظرف
مملوءا صار المبيع جزافا مرئيا، فالقصد العقد على مرئي محرز مبلغه، وإن كان الظرف فارغا
100

فالمبيع غير مرئي، والقصد العقد على مكيل بمكيال غير معلوم النسبة من المكيال المعلوم
انتهى. فظاهر هذا أو صريحه أنهم إنما احترزا بالمرئي من الغائب ولم يحترزوا به من غير
المرئي بالعين ولو كان حاضرا في ظرفه وهو كذلك، فقد أجازوا بيع الجرة من الخل
مختومة. قال الجزولي: إذا أزيل ما تسد به فإن كان في فتح الظروف مشقة وفساد فيجوز
بيعه دون فتح كما سيأتي في مسألة سماع أصبغ من جامع البيوع في بيع جرار الخل. وإنما
قالوا إذا كان في فتحها فساد لأن المبيع لا يباع إلا برؤية أو صفة والصفة لا يباع عليها
الشئ الحاضر على الأشهر إلا إذا كان في رؤيته مشقة فيباع على الصفة على الأشهر،
والجزاف لا يكون إلا حاضرا فلا يصح بيعه إلا برؤية إلا أن يكون في الرؤية مشقة فيباع
على الصفة، فإذا جعل قولهم شرطه أن يكون مرئيا في مقابلة الغائب لم يكن فيه إشكال ولم
يحتج إلى تقييد إلا أن فيه بعض تجوز. وإذا جعل قولهم مرئي في مقابلة غير المرئي بالبصر
احتاج إلى التقييد بأن لا يكون في رؤيته مشقة. وفي كلام ابن عرفة إشارة إلى ما ذكرت من
أن اشتراط المرئي إنما هو في مقابلة الغائب فإنه يحث في اشتراط الرؤية في بيع الجزاف مع
قول مالك في ثمر الحوائط الغائبة على خمسة أيام تباع كيلا أو جزافا فلا يجوز شرط النقد،
وإن بعدت جدا لم يجز شراؤها رطبا فقط إلا أن تكون تمرا يابسا. ونصه: شرط رؤية
الجزاف مع قبول غير واحد قول مالك فيها، وكذلك حوائط الثمر الغائبة على يباع ثمرها
كيلا أو جزافا وهي على مسير خمسة أيام لا يجوز النقد فيها بشرط، وإن بعدت جدا
كإفريقية من مصر لم يجز شراء ثمرها فقط لأنها تجذ قبل الوصول إليها إلا أن يكون تمرا يابسا
متناف لاقتضائه جواز بيعها غائبة جزافا، وفي كون الصفة تقوم مقام العيان في الجذ نظر
انتهى. فقوله: شرط مبتدأ وقوله: متناف خبره. ومسألة المدونة هذه في كتاب الغرر من
المدونة، ومسألة جرار الخل المتقدم ذكرها هي المسألة الثالثة من سماع أصبغ بن الفرج من
كتاب البيوع، ونقلها ابن عرفة ونصها من البيان:
مسألة: قال أصبغ: قلت لابن القاسم في قلل الخل، أيجوز شراؤها بحالها مطينة ولا
يدرى ما فيها ولا ملؤها؟ فقال: إن كان مضى عليه عمل الناس فلا أحرمه كأنه لا يرى بذلك
بأسا. قال أصبغ: فلا بأس به قد جرى عليه وعرف حزره بقدر ظروفه وهو يدور على قدر
واحد في الملء والجر متقارب فلا بأس وإن لم يدق ويعرف جودته من رداءته لأن الاشتراء
إنما يقع على الخل الطيب، فإن وجد خلافه برداءة مغيبة عنهما رده كما لا يدرى لعله خمر
أو بعضه وفتحه كله فساد فلا بأس باشترائه كذلك، أو اشترائه على عين أوله يفتح الواحد منه
ويذوقه ليشتري عليه وعلى هذا صوبه. قال ابن رشد: إنما جاز شراؤها دون أن يفتح وتذاق
للعلة التي ذكر من أن فتحها للبيع فساد فجاز شراؤها دون أن تفتح على الصفة من خل
طيب أو وسط كما جاز شراء الثوب الرفيع الذي يفسده الفتح والنشر على الصفة دون أن
101

يفتح وينشر ويقلب، وكما جاز بيع الأحمال على صفة البرنامج لما في حل الأحمال للسوام
من الضرر بأصحاب الامتاع. وقوله: لا يدرى ما ملؤها معناه ولا يدرى مقدار ما فيها من
الخل لأنه لا يدري هل هي ملأى أو ناقصة، لأنه إذا كانت القلة ناقصة غير ملأى فلا
اختلاف أنه لا يجوز أن تشتري مطينة على ما هي عليه من نقصانها لأن ذلك من الغرر إذ لا
يجوز بيع الجزاف إلا بعد الإحاطة برؤيته وبالله التوفيق. يفهم من قوله: على ما هي عليه من
نقصانها أنه لو بين كم نقصها نصف أو ثلث جاز. ونقل ابن عرفة هذه المسألة ولكنه
اختصرها فأسقط منها بعض ما هو محتاج إليه والله أعلم. وسيأتي عند قول المصنف: ولو
ثانيا بعد تفريغه حكم بيع الزيت والسمن في ظروفه على أن الظروف داخلة في البيع والوزن
أو على الوزن ويسقط للظروف وزنا يتراضى البائع والمشتري عليه ص: (ولم يكثر جدا)
ش: فإن قل جدا فسيأتي التفريق فيه بين المعدود وغيره ص: (وجهلاه) ش: قال ابن عرفة
عن ابن حبيب: من علم كيل طعامه ثم كال منه قدرا لم يبع باقيه يعني جزافا إن عرفه على
التقدير، وإن جهله لكثرة ما كان منه جاز انتهى ص: (وحزرا) ش: قال اللخمي: بيع الجزاف
يصح ممن اعتاد ذلك لأن الحزر لا يخطئ ممن اعتاد ذلك إلا يسيرا، وإذا كان قوم لم
يعتادوا ذلك واعتاده أحدهما لم يجز ذلك لأن الغرر يعظم ويدخل في النهي عن بيع الغرر
اه‍. قال ابن عرفة: وتبعه المازري انتهى. فيفهم من كلام اللخمي أنه إذا كان المتبايعان أو
102

أحدهما غير عالم بالحزر لم يصح البيع ص: (واستوت أرضه) ش: قال في الجواهر: إذا
اشترى الصبرة وتحتها دكة تمنعه تخمين القدر، فإن تبايعا على ذلك لم يصح البيع، وإن
اشترى فظهرت ثبت الخيار قال ابن عرفة: والحفرة كذلك والخيار هنا للبائع ص: (ولم يعد
بلا مشقة) ش: بأن يكون قليلا كما قاله في الرسالة. ولا يجوز شراء الرقيق والثياب جزافا
ولا ما يمكن عدده بلا مشقة جزافا، وأما المكيل والموزون فيجوز بيعهما جزافا ولو أمكن
كيلهما. قال في الرسالة: ولا بأس بشراء الجزاف فيما يوزن أو يكال. قال ابن ناجي: ظاهره
وإن قل الطعام وحضر المكيال أن الجزاف جائز وهو كذلك نص عليه ابن حارث اه‍. وقال
ابن عرفة ابن حارث: يجوز في الطعام ولو قل وحضر مكيال. ثم قال ابن عرفة: المازري:
وفي المعدود اضطراب في الموطأ لا يجوز جزاف فيما يعد عدا قيده حذاق المتأخرين
بالمعدود المقصود صفة آحاده كالرقيق والانعام وما تساوت آحاده جاز جزاف كثيره لمشقة
عدده دون يسيره اه‍. ثم قيدوا المنع فيما تقصد آحاده بأن لا يقل ثمنه كالبطيخ والفقوس
والرمان. كذا نقل القباب عن المازري.
تنبيه: والفرق بين المعدود وغيره أن آلة الكيل والوزن قد يتعذران بخلاف العد فإنه لا
يتعذر. ص: (ولم تقصد إفراده) ش: هذا كالمستثنى من مفهوم الشرط الذي قبله أعني قوله:
ولم يعد بلا مشقة أي فإن كان لا يعد إلا بمشقة جاز بيعه جزافا إلا أن تقصد أفراده فلا
بد من عده، ثم استثنى من هذا المستثنى ما قل ثمنه فإنه يجوز وإن قصدت آحاده كما تقدم
إذا كان في عدة مشقة. فقول: إلا أن يقال ثمنه راجع لما يليه فقط أعني قوله: ولم تقصد
103

أفراده ص: (ولو ثانيا بعد تفريغه) ش: كذا في النسخ التي رأيتها ب لو ولعل الخلاف الذي
أشار بها إليه هو قول ابن يونس بعد مسألة التين، وكذلك عندي هذه القارورة المملوءة
بدرهم وملئها ثانية بدرهم وهو خفيف لأنه كالمرئي المقدر، ولو قاله قائل في الغرارة ما بعد
انتهى. وقول المازري وقد يهجس في النفس أنه لا فرق بين ما أجازوه وما منعوه إذ لا
يختلف حزر الحازر لزيت في قارورة أو لقدر ملئها زيتا.
فرع: قال البرزلي في مسائل البيوع: سئل عز الدين عمن يبيع سلعة بظروفها فتوزن
السلعة مع الظروف ثم يسقط للظروف وزنا يتراضى البائع والمشتري عليه إلا أنه يعرف أن
وزن الظرف دون ذلك القدر وكان البائع يسامح المشتري بالزائد، فهل يصح هذا البيع أم لا؟
فأجاب: بأن شراء ما في الظرف إذا رآه المتعاقدان أو رأيا أنموذجه وكان الظرف متناسب
الاجزاء في الرقة والثخانة جائز، وإذا لم يشترط المسامحة بما بين الوزنين بل يقع ذلك
بحكم البيوع فلا بأس به واجتنابه أولى.
قلت: ومثله اليوم يقع في بلادنا في بيع الزيت وقطع الجرة بوزن معلوم بحسب كبرها
وصغرها، أو بيع الودك وقطع ظرفه، أو بيع التين وقطع ظرفه بوزن معلوم، أو بيع الطفل وغيره
مما يفتقر للظرف، وقطع وزنه بشئ معلوم أو بيع الزبد في البلاد المشرقية وطرح وزن
القرب وبعض ما يعرض له من التجفيف فيجعلون لذلك وزنا معلوما، وكذا إذا باعوا الملك
قبل التصفية ونحوه من العطريات ويطرحون لما فيه من الدغل وزنا معلوما لكل رطل أو
قنطار، فإن هذا وشبهه جائز إذا شهدت العادة أنه لا يختل إلا يسيرا في وزنه بأنه من الغرر
اليسير المضاف إلى البيوع فإنه مغتفر. اللخمي: وأجاز مالك في كتاب محمد بيع الزيت
والسمن في الزقاق على أن الزقاق داخلة في البيع والوزن قال: لأن الناس قد عرفوا وزنها.
وقال في القلال: لو أعلم أنها في التقارب مثل الزقاق ما رأيت بأسا. قال الشيخ: أمر القلال
واحد والزقاق تختلف، فزق الفحل أكثف وأوزن والخصي دونه وهو أكثف من زق الأنثى.
104

قلت: ومنهم من عكس، والصواب في هذا ما أشار إليه عز الدين أن ينظر إلى غلظ
الزق ورقته فيرجع الحكم فيه إلى خلاف في شهادة اه‍. وقال أيضا في آخر مسائل البيوع:
سئل عز الدين عمن يشتري الزيت في ظروفه ويزن الظرف مع الزيت ويسقط للظرف وزنا
يتفق عليه البائع والمشتري وقد يكون في الغالب أقل من وزن الظرف أو أوزن والبائع يسامح
المشتري فيما يزيد على تحقيق وزنه، هل يجوز ذلك أم لا؟ وإذا اشترى الظرف بما فيه
قائما جزافا ولا يعلم وزن الظرف ولا ما فيه، فهل يصح أو لا؟ الجواب: إذا كان الظرف
متناسبا ورأي الزيت من أعلاه ورأي أنموذجه وعقد البيع بالثمن الذي اتفقا عليه بعد إسقاط
ما يقابل الظرف صح البيع وإن لم يعلم وزن الظرف.
قلت: سألت عنه شيخنا الامام وقلت: إن العادة الجارية في بيع العسل والزيت والتمر
أن يقطعوه بوزن معلوم. فأجاب: إن كانا عالمين جاز وإلا فلا يجوز إلا أن يتحقق أنها مثل
القطع أو أقل فيجوز وتكون تلك الزيادة للبائع. وأما بيعه بظروفه على الوزن فذكر اللخمي فيه
خلافا، سواء كانت من فخار أو زق، وكان شيخنا الامام يقول: هذه المسائل هي كبيع
الجزاف لأن الباقي بعد القطع لا يتحقق وزنه، وإليه أشار عز الدين في كلامه من معرفة جرم
الظرف اه‍. وقال ابن رشد في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب المرابحة: ولو اشترى
السمن والزيت وظروفه معه في الوزن جاز ذلك في الزقاق ولم يجز في الجرار، لأنها تختلف
في الرقة والثخانة اختلافا متباينا. قاله في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب
البيوع. وما ذكره اللخمي عن كتاب محمد نحوه في رسم باع المتقدم ذكره ونقله أبو
الحسن في شرح كتاب الغرر من المدونة وابن يونس. وقال أبو إسحاق التونسي: وبيع السمن
في ظروفه على الوزن جائز وإن بقي تعبير الظروف، ويجوز لمشتريه بيعه لأن ضمانه منه.
وإنما بقي اختبار الظرف فقط وهو كالمقبوض ولو باعه على أن الظروف داخلة في البيع
على الوزن مثل أن يقول: القنطار منه بظروفه بمائة درهم. جاز ذلك لمعرفة الناس بتقدير
الظروف. ويكره هذا في الفخار في الرقة والثخانة وتقارب أمر الظروف اه‍. قلت: ومثله اليوم
بمكة بيع ماء الورد في الصفاري على أنها داخلة في الوزن والبيع كل من بظرفه بكذا وكذا،
فإن كان التفاوت بينهما كثيرا لم يجز، وإن كان متقاربا جاز والله أعلم. ص: (إلا في كسلة
تين) ش: وفرق بين السلة في التين والعنب ونحوه وبين الغرارة من القمح ونحوه، بأن القمح
105

له مكاييل معروفة كالأردب والقفيز، وأما التين والعنب فلا مكيال له ولكن كثرة تقدير الناس
له بالسلال تجري مجرى المكيال صارت كالمكيال لذلك. وعلى هذا فشراء قربة ماء أو
راوية أو جرة مما جرى العرف ببيع الماء به أحرى لكونه لا كيل له إلا ذلك. وقد صرح ابن
رشد في رسم إن خرجت من سماع عيسى من جامع البيوع: فإن بيع حمل الماء ونحوه من
باب بيع الجزاف وسيأتي كلامه في ذلك وحكم ما إذا انشق الحمل بعد شرائه في فصل
الخيار عند قول المصنف: واستمر بمعياره. وانظر هل يحتاج عند إشراء المال إلى فتحه أم
لا؟ الظاهر أنها إن كانت المياه مختلفة فيتعين فتحه وإلا فلا.
تنبيه: علم من قولهم: لا يجوز بيع ملء ظرف أنه لا يجوز التبايع بمكيال مجهول
حيث يكون مكيال معلوم. قال ابن رشد في رسم أوصى من سماع عيسى من جامع البيوع:
ولا يجوز الشراء بمكيال مجهول إلا في موضع ليس فيه مكيال معلوم على ما قاله في
المدونة ودل عليه قوله في هذه الرواية اه‍. وقال في التوضيح: واختلف أصحابنا إذا وقع
التبايع بمكيال مجهول فقال أشهب: لا يفسخ وجعله بمنزلة الجزاف ورأي غيره أنه يفسخ
لأن العدول عن المعتاد من المكيال إلى المجهول غرر. حكى في الشامل القولين من غير
ترجيح، والظاهر هو القول الثاني بالفسخ وهو الذي يفهم من كلامهم في مسألة الغرارة ص:
(وحمام ببرج) ش: الظاهر أنه أراد بيع الحمام في البرج، ويحتمل أن يريد بيع البرج بما فيه
من الحمام. وقد ذكر في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ من جامع البيوع عن ابن
القاسم أنه أجاز بيع البرج بما فيه، وبيع جميع ما فيه إذا رآه وأحاط به معرفة وحزرا. قال ابن
رشد لعبد الله بن نافع في المدونة: إنه لا يجوز بيع حمام البرج جزافا للغرر، ولا يباع إلا
عددا ثم قال: ونحل الأجباح لا خلاف في جواز بيعها جزافا لمشقة عددها. وحكى ابن
عرفة عن محمد عن ابن القاسم مثل ما روي عنه أصبغ. ونصه محمد عن ابن القاسم: لا
بأس ببيع ما في البرج من حمام أو بيعه بحمامه جزافا. وحكى في التوضيح القولين من غير
ترجيح، ورجح في الشامل الجواز وهو الظاهر لأنه قول ابن القاسم في المدونة والعتبية.
106

وكلام المصنف يقتضي أنه مبني على القول بالمنع لأنه معطوف على العصافير الحية في
القفص. وقد قال ابن رشد في شرح المسألة الأولى: لا خلاف في أنه لا يجوز بيعها جزافا
إذ لا مؤونة في عددها ولا يحاط بها كل الإحاطة لتداخل بعضها في بعض والله أعلم ص:
(ونقد) ش: شمل كلامه الفلوس وهو صحيح. قال في التوضيح: نص عليه في الموازية ص:
(خير) ش: أي في رد البيع وإجازته إن كان المبيع قائما، فإن فات لزم فيه الأقل من الثمن
أو قيمة الجزاف. نقله في التوضيح عن ابن رشد ص: (فسد) ش: فيفسخ البيع إن كان
قائما، وإن فات ففيه القيمة ما بلغت كالبيع الفاسد. قاله أيضا في التوضيح عن ابن رشد.
ص: (كالمغنية) ش: هو جواب عن استشكال ابن القصار لكون علم أحدهما عيبا لأن
107

العيب إذا أعلم البائع المشتري به جاز الرضا به ولو أعلمه به هنا فسد. فأجاب القاضي عبد
الوهاب بأنه لا ملازمة بين كون الشئ يفسد به العقد إذا قاربه ولا يفسد به إذا اطلع عليه
بعد ذلك لدخوله في الأول على الغرر دون الثاني كما قال سحنون فيمن باع جارية وشرط
أنها مغنية: إن البيع فاسد ولو اطلع على ذلك بعد البيع لم يفسد وكان له الخيار. قال في
التوضيح: وعلى هذا فلا يصح بيع المغنية مع التبيين وإنما يجوز بيعها بشرط عدم التبيين ثم
يبين بعد ذلك وفيه نظر، وينبغي أن يقيد ما قالوه من أنه لو ذكر أنها مغنية لم يجز شراؤها
بما إذا كان القصد من ذكر ذلك زيادة الثمن، وأما إن كان القصد التبري فيجوز انتهى.
قلت: هذا ظاهر ويظهر ذلك من قرائن الأحوال.
تنبيه: نقل الروياني عن المالكية أن العلة كون الغناء يخلق الجارية وادعى أن المالكية
لا يردون العبد انتهى. ص: (وجزاف حب مع مكيل منه أو أرض وجزاف أرض مع مكيله لا
108

مع حب) ش: جزاف مجرور بالعطف على غير مرئي وأرض معطوفة على الضمير في
قوله: منه فهو من العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار. والمعنى أنه لا يجوز
بيع جزاف من الحب مع مكيل منه كأن يبيعه هذه الصبرة من القمح مع عشرة أمداد من
قمح آخر. ولا يجوز بيع جزاف من الحب مع مكيل من الأرض كأن يبيعه هذه الصبرة مع
عشرة أذرع من الأرض، وكذلك يمنع جزاف من الأرض مع الأرض المكيلة. وأما جزاف
الأرض مع الحب المكيل فيجوز، وأصل هذه المسألة في كتاب الغرر من المقدمات وفي
رسم شك من سماع ابن القاسم وفي رسم البيع والصرف من سماع أصبغ من جامع البيوع.
قال في المقدمات لما تكلم على الغرر المانع من صحة العقد: ومن هذا المعنى بيع المكيل
والجزاف في صفقة واحدة. والقول فيما يجوز منه يتحصل بأن تعلم أن من الأشياء ما لا
أصل فيه أن يباع كيلا ويجوز بيعه جزافا كالحبوب، ومنها ما الأصل فيه أن يباع جزافا
ويجوز بيعه كيلا كالأرضين والثياب، ومنها عروض لا يجوز بيعها كيلا ولا وزنا كالعبيد
والحيوان. فالجزاف مما أصله أن يباع كيلا كالحبوب لا يجوز بيعه مع المكيل منه ولا مع
المكيل مما أصله أن يباع جزافا كالأرضين والثياب باتفاق انتهى. واعلم أن في بيع الشيئين
معا ثلاثة أقسام، لأنهما إما أن يكونا جزافين أو مكيلين أو أحدهما مكيلا والآخر جزافا،
والقسمان الأولان يأتي الكلام عليهما، والقسم الثالث فيه أربع صور، لأنه إما أن يكونا
109

أصلهما معا الكيل، أو أصلهما معا الجزاف، أو أصل ما يباع جزافا الكيل، وأصل ما يباع
بالكيل الجزاف أو بالعكس. فالثلاثة الأول ممنوعة والرابعة جائزة، وأشار المصنف إلى
الصورة الأولى والصورة الثالثة بقوله: وجزاف حب مع مكيل منه أو أرض وأشار إلى الصورة
الثالثة المنوعة والرابعة الجائزة بقوله: وجزاف أرض مع مكيله لا مع حب يعني أنه لا يجوز
بيع جزاف الأرض مع أرض مكيلة. وقوله: لا مع حب أي لا جزاف أرض مع حب مكيل
فإنه يجوز وفاقا لابن زرب وابن محرز خلافا لابن العطار. قال في المقدمات: والجزاف مما
أصله أن يباع جزافا كالأرضين لا يجوز بيعه مع المكيل منه باتفاق. واختلف في بيعه مع
المكيل مما أصله أن يباع كيلا على قولين: الجواز لابن زرب وأقامه من سلم المدونة وعدمه
لابن العطار. وقال ابن عرفة: ولابن محرز مثل ما لابن زرب. قال ابن رشد في رسم شك من
سماع ابن القاسم: وما ذهب إليه ابن زرب هو الصحيح.
تنبيه: قوله: مع مكيل منه أي من الحب سواء كان من جنس المكيل أو من غير
جنسه. قاله في الرسمين المتقدمين. وقوله: مكيلة في بعض النسخ بالتاء المنونة وفي
بعضها: مكيلها بالتأنيث ولا إشكال عليهما، وفي بعض النسخ مع مكيله بالضمير المذكر
وكأنه ذكره وإن كان عائدا للأرض لأنها كناية عن الجنس المذكر والله أعلم. ص: (ويجوز
جزافان ومكيلان وجزاف مع عرض) ش: قال في المقدمات: ولا اختلاف في جواز بيع
المكيلين في صفقة واحدة والجزافين في صفقة واحدة أيضا على كل حال، ولا في جواز
بيع الجزاف مع العرض في صفقة واحدة إلا عند ابن حبيب فإنه ذهب إلى أن الجزاف مما
أصله أن يباع كيلا لا يجوز بيعه مع العروض في صفقة واحدة وهو بعيد انتهى. وقال في
الرسم المتقدم من سماع أصبغ: واختلف في بيع الجزاف مع العرض في صفقة على ثلاثة
أقوال.
أحدها: أن ذلك لا يجوز وإن كان على غير الكيل وهو مذهب ابن حبيب.
والثاني: أن ذلك جائز وإن كان الجزاف على الكيل وهو قول أشهب وأصبغ.
والثالث: أن ذلك جائز إن كان الجزاف على غير الكيل ولا يجوز إن كان على الكيل
110

وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية وهو المشهور في المذهب انتهى. وقوله في المقدمات:
في الجزافين والمكيلين على كل حال أي سواء كان أصلهما الكيل كقمح وشعير أو
الجزاف كأرضين، أو أصل أحدهما الجزاف والآخر الكيل كقمح وأرض والله أعلم.
فائدة: يتحصل في بيع ما أصله الجزاف وما أصله الكيل ستة عشر صورة بصورها
المكروهة، لأنه إذا بيع ما أصله الكيل فلا يخلو إما أن يباع كيلا أو جزافا وعلى كل حال.
فأما أن يباع معه شئ مما أصله الكيل أيضا كيلا أو جزافا أو ما مع أصله الجزاف كيلا أو
جزافا فهذه ثمان صور. الأولى: مكيلان أصلهما الكيل وهي جائزة. الثانية: مكيل وجزاف
أصلهما الكيل وهي غير جائزة. الثالثة: مكيلان أحدهما أصله الكيل والثاني أصله الجزاف
وهي جائزة. الرابعة: مكيل أصله الكيل وجزاف أصله الجزاف وهي جائزة. الخامسة: جزافان
أصلهما الكيل وهي جائزة. السادسة: جزاف ومكيل أصلهما الكيل وهي غير جائزة وهي
مكررة مع الثانية. السابعة: جزافان أصل أحدهما الكيل والثاني أصله الجزاف وهي جائزة.
الثامنة: جزاف أصله الكيل ومكيل أصله الجزاف وهي غير جائزة. فالصورة الأولى والثالثة
داخلتان تحت قول المؤلف ومكيلان والخامسة والسابعة داخلتان تحت قوله: ويجوز
جزافان والثانية المكررة والسادسة داخلتان تحت قوله: وجزاف حب مع مكيل منه فإن
معناه أنه لا يجوز بيع الجزاف مما أصله الكيل مع المكيل منه كبيع جزاف الحب مع
المكيل منه كما تقدم بيانه. والرابعة داخلة تحت قوله لا مع حب فإن معناه مما تقدم أنه
يجوز بيع الجزاف مما أصله أن يباع جزافا كالأرض مع المكيل مما أصله أن يباع كيلا
كالحب لأن كلا جاء على أصله، فقوله: لا مع حب أي حب مكيل. والثامنة داخلة
تحت قوله: أو أرض فإن معناه أنه لا يجوز بيع الجزاف مما أصله الكيل كالحب مع
المكيل مما أصله الجزاف كالأرض، فقوله: أو أرض يعني مكيلة.
وإذا بيع ما أصله الجزاف فلا يخلو إما أن يباع جزافا أو كيلا وعلى كل حال، فأما أن
يباع معه شئ أصله الجزاف جزافا أو كيلا أو شئ أصله الكيل جزافا أو كيلا فهذه ثمان
صور أيضا.
الأولى: جزافان أصلهما الجزاف وهي جائزة.
الثانية: جزاف ومكيل أصلهما الجزاف وهي غير جائزة.
الثالثة: جزافان أحدهما أصله الجزاف والثاني أصله الكيل وهي جائزة وهذه مكررة مع
السابعة من الصور الأول.
الرابعة: جزاف أصله الجزاف ومكيل أصله الكيل وهي جائزة وهي مكررة مع الرابعة
من الصور الأول.
111

الخامسة: مكيلان أصلهما الجزاف وهي جائزة.
السادسة: مكيل وجزاف أصلهما الجزاف وهي غير جائزة وهذه مكررة مع الثانية في
هذه الصور.
السابعة: مكيلان أصل أحدهما الجزاف والثاني أصله الكيل وهي جائزة وهي مكررة
مع الثالثة في الصور الأول.
الثامنة: مكيل أصله الجزاف وجزاف أصله الكيل وهي غير جائزة، وهذه مكررة مع
الثامنة من الصور الأول: فالأولى والثالثة المكررة مع السابعة من الصور الأول داخلتان تحت
قول المؤلف: ويجوز جزافان والخامسة والسابعة المكررة مع الثالثة من الصور الأول
داخلتان تحت قوله: ومكيلان، والثانية المكررة مع السادسة من صورها داخلتان تحت
قوله: وجزاف أرض مع مكيله فإنه تقدم أن جزافا مجرور بالعطف على قوله: وجزاف
حب وأن معناه أنه لا يجوز بيع الجزاف مما أصله الجزاف مع المكيل منه كالأرض
الجزاف مع الأرض المكيلة. والرابعة المكررة مع الصورة الرابعة من الصور الأول داخلة
تحت قوله: لا مع حب وقد تقدم معناه. والثامنة المكررة مع الثامنة من الصور الأول داخلة
تحت قوله: أو أرض وقد تقدم معناه والله أعلم. وقد أتينا على شرح قوله: وجزاف حب مع
مكيل منه أو أرض وجزاف أرض مع مكيلة لا مع حب ويجوز جزافان ومكيلان وجزاف مع
عرض والله أعلم ص: (وجزافان على الكيل إن اتحد الكيل والصفة) ش: يعني أنه يجوز
بيع الجزافين على الكيل بشرط أن يتحد المكيل الذي تبايعا عليه وتتحد صفتهما كصبرتي
قمح بصفة واحدة بيعتا في صفقة واحدة على أن كل مد بدينار ولا خلاف في جواز ذلك.
قاله في البيان والمقدمات. فإن اختلف الكيل والصفة كصبرة قمح وصبرة شعير بيعتا في
صفقة واحدة على أن صبرة القمح كل مد بدينار وصبرة شعير كل مدين بدينار، فلا خلاف
في منع ذلك أيضا. قاله في البيان والمقدمات. وإن اختلف الكيل الذي بيعتا عليه واتفقت
الصفة أو اتفق الكيل الذي بيعتا عليه واختلفت الصفة. فالأول: كصبرتين من قمح صفة
واحدة فيشتريهما صفقة واحدة هذه ثلاثة أرادب بدينار وهذه أربعة أرادب بدينار. والثاني:
112

صبرة من قمح وصبرة من شعير يشتريهما صفقة واحدة ثلاثة أرادب بدرهم، أجاز ذلك أشهب
ولم يجزه ابن القاسم. قاله في البيان والمقدمات وعلى قول ابن القاسم مشى المصنف.
فالصور الثلاث عنده ممنوعة وذلك مستفاد من مفهوم الشرط، والاختلاف في الجودة
والرداءة كالاختلاف بالصنف. قاله في العتبية في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ. ص:
(ولا يضاف لجزاف على كيل غيره مطلقا) ش: يعني أن الجزاف إذا بيع على الكيل فلا
يجوز أن يضاف إليه غيره مطلقا بأي وجه كانت المغايرة، فلا يضاف إليه جزاف آخر من
صفقة مخالف له في الكيل الذي بيع عليه، ولا جزاف مخالف له في صفته وإن وافقه في
الكيل الذي بيع عليه، ولا يضاف له عرض كثوب أو عبد أو دار، ولا يضاف له إلا جزاف
مثله موافق له في صفته وفي الكيل الذي بيع عليه. قال في المقدمات: وأما بيع الجزاف
على الكيل فلا يضاف إليه في البيع شئ بحال على الصحيح من الأقوال وهو مذهب ابن
القاسم، وانظر هذه المسألة في رسم شك من سماع ابن القاسم وفي سماع أصبغ من جامع
البيوع وفي الغرر من المدونة.
تنبيه: قال ابن غازي: من البين أو الموزون والمذروع في هذا الباب في معنى
المكيل. وقد صرح بذلك الشيخ أبو العباس القباب في قول ابن جماعة لا يجوز أن تشتري في
قربة لبن على أن تزن زبدها انتهى.
قلت: وقد صرح في المقدمات بأن حكم الموزون والمعدود والمذروع حكم الكيل
فقال بعد أن ذكر جميع ما تقدم: وحكم الموزون والمعدود في جميع ما ذكرناه حكم
المكيل، وأما المذروع فإنه مثل بالأرض إذا بيع منها أذرع معدودة والله أعلم. وقال القباب:
113

فاللبن والزبد أصلهما معا البيع على الكيل لأن اللبن يباع بالمكيال والزبد بالوزن وهو في هذا
الباب في معنى الكيل، فبيع القربة جزافا لا يجوز مع بيع الزبد وزنا لأنه من باب جمع
الجزاف مع المكيل مما أصلهما المكيل. هذا إن اشترى القربة مع رطل أو نصفه من الزبد،
وأما إن اشترى القربة وزبدها ما كان بحساب كذا أوقية بدرهم فهو من باب الجزاف على
الكيل مع غيره، فإن اشترى اللبن والزبد على غير كيل ولا وزن كان من باب جمع الجزافين
وهو جائز والله أعلم. ص: (وجاز برؤية بعض المثلي) ش: ليس هذا خاصا بالمكيل
وكذلك في الجزاف يكفي رؤية البعض إذا كان الجميع حاضرا في غرارة أو نحوها بل جعله
البساطي راجعا لمسألة الجزاف. نعم يكفي رؤية بعض المثلي المكيل سواء كان حاضرا
بالبلد أو غائبا قاله في التوضيح. وينبغي الاحتفاظ على العين فتكون كالشاهد عند التنازع، فإن
خرج الآخر مخالفا لما رآه أولا، فإن كان ذلك يسيرا لزم، وإن كان كثيرا لم يلزم. وسيأتي
الكلام على ذلك في فصل الخيار عند قول المصنف: ولا كلام لواحد في قليل لا ينفك.
واحترز بالمثلي من المقوم فإنه لا يكفي رؤية بعضه. قال في التوضيح: وهو ظاهر المذهب
ومفهوم المدونة في كتاب الخيار. وممن نص على عدم اللزوم في المقوم الشيخ أبو محمد
وابن شبلون وعبد الحق وغيرهم. الشيخ: ولو قال قائل إنه كالمثلي يلزم باقيه إذا كان على
الصفة ما بعد. خليل: وهو مقتضى ما في سماع ابن القاسم من العتبية فيمن اشترى أعدالا
من كتان أو بز فنظر إلى ثوب أو ثوبين أو رطل أو رطلين ثم وجد الباقي لا يشبهه قال: أما ما
هو قريب مما رأى فلا رد له، وكذلك القمح والتمر يكون أوله خيرا من داخله. وأما الامر
الفاحش فليرد. انتهى بمعناه. ابن رشد: هذه مسألة صحيحة مبنية لما في المدونة وغيرها
114

انتهى. ولم يذكر ابن عرفة هذا القول وأشار إليه في الشامل بقوله: لا مقوم على الأصح
ص: (والصوان) ش: هو بكسر الصاد وضمها الوعاء وفيه لغة ثالثة وهي الصيان ص: (وعلى
البرنامج) ش: قال في التوضيح: البرنامج بفتح الباء وكسر الميم وهي لفظة فارسية
استعملتها العرب والمراد بها الدفتر المكتوب فيه صفة ما في العدل انتهى. وقال الفاكهاني
في شرح الرسالة: البرنامج رويناه بفتح الميم. ولم يذكر عياض غير الكسر، وأما الباء فبالفتح
لا غير انتهى. ص: (ومن الأعمى) ش: إنما ذكره مع بيع البرنامج والغائب ونحوه لكونه لا
يبصر وإنما يشتري على الصفة فشابه شراء الشئ الغائب.
فرع: قال في الوثائق المجموعة: ولو كان أعمى وأصم لم تجز مبايعته ولا معاملته ولا
نكاحه. وقال قبله: يجوز بيع الأبكم الأصم. انتهى بالمعنى ص: (وبرؤية لا يتغير بعدها) ش:
فإن كانت مدة يتغير فيها فالبيع فاسد على الأصح إلا أن يباع بصفة مؤتنفة أو على أنه
بالخيار إذا رأى. وقيل: إن شرط النقد فسد وإلا جاز. قاله في الشامل وأصله في التوضيح،
والأول مذهب المدونة وسيأتي لفظها. وهذا في غير الجزاف، وأما الجزاف فلا يجوز بيعه
إلا إذا كان حاضرا كما تقدم، وتقدمت مسألة المدونة في الثمار الغائبة. وذكر ابن عرفة هنا
عن المدونة أنه يجوز بيع الزرع الغائب برؤية متقدمة. وذكر عن ابن رشد في بيع الصبرة
115

بذلك قولين: الجواز لابن حبيب، والمنع لابن القاسم في المدونة. قال ابن رشد: ولا وجه
له. قال ابن عرفة: وجهه أنه يطلب في الصبرة زيادة على معرفة صفتها معرفة قدرها بالحزر
حين العقد وللرؤية المقارنة للعقد في ذلك أثر قال: ويلزم مثله في الزرع الغائب. انتهى
بالمعنى.
قلت: الذي يظهر لي من المدونة أنه اغتفر عدم حضور الزرع والثمار حالة العقد عليها
جزافا لظهور التغير فيها إن حصل بعد الرؤية المتقدمة بخلاف الصبرة ونحوها فتأمله. ص:
(وحلف مدع لبيع برنامج أن موافقته للمكتوب) ش: ما ذكره ابن غازي رحمه الله كاف
من جهة النقل لكن لم يبين كيفية تركيب الكلام على النسخة التي اختارها وهل هي ب إن
أو ب‍ إذ والذي في كثير من النسخ إنما هي ب إذ فتكون متعلقة ب مدع وإذ مضافة للجملة
بعدها وموافقته مبتدأ وللمكتوب خبره أي حصالة للمكتوب، ويكون المعنى: وحلف
مدع لبيع برنامج أن موافقته للمكتوب وقت البيع حاصلة إذ هو موافق للمكتوب في دعوى
البائع. وفي بعض النسخ ب أن المشددة المفتوحة أو المكسورة فيكون المعنى: وحلف أن
موافقته للمكتوب موجودة أو حاصلة والله أعلم ص: (وعدم دفع ردئ) ش: قال في سلمها
الأول: وإن قلت حين ردها إليك ما دفعت إلا جيادا فالقول قولك وتحلف ما أعطيتك إلا
جيادا في علمك إلا أن تكون إنما أخذها منك على أن يزنها فالقول قوله مع يمينه. قال أبو
الحسن في شرحه الكبير: قوله: وتحلف زاد في الوكالات: ولا أعلمها من دراهمي. قال
عبد الحق: لأنه قد يعطي جيادا في علمه ثم الآن يعلمها من دراهمه. وقوله: في علمك
قال أبو إسحاق: إلا أن يتحقق أنها ليست من دراهمه فيحلف على البت، فإن نكل حلف
الراد على ألبت لأنه موقن. قال أبو الحسن: وظاهر المدونة أنه يحلف على العلم سواء كان
صيرفيا أو غير صيرفي. وقال ابن كنانة: إنه يحلف الصيرفي على ألبت.
فرع: فإن اختلف الدافع والقابض فقال الدافع: إنما أخذتها على المفاصلة وقال
القابض إنما أخذتها لأزنها، فالقول قول الدافع. قاله أبو الحسن.
فرع: قال محمد: ولا يجبر البائع أن يقبض من الثمن إلا ما اتفق عليه أنه جيد، فإن قبضه
ثم أراد رده لرداءته فلا يجبر الدافع على بدله إلا أن يتفق على رداءته. قاله أبو الحسن. وفي
أحكام ابن سهل فيمن عليه دين فأحضره فقال شاهد إن هو ردئ وقال آخر: هو جيد، لم يلزم
الذي له العين قبضه حتى يتفق على جودته، ولو قبضه فلما قلبه وجده رديئا وشهد له شاهدان
وشهد غيرهما أنه جيد لم يجب له بدله إلا بالاتفاق على رداءته انتهى. ص: (أو ناقص) ش:
116

أي والقول قول مدعي عدم دفع ناقص كمن قبض طعاما من سلم أو بيع أو دين له على
التصديق ثم ادعى نقصا فالقول قول الدافع. قاله في كتاب الغرر وغيره من المدونة، وسيذكره
المصنف في باب السلم. ويأتي في كتاب الشهادات أن اليمين في النقص على ألبت وهذا
في نقص العدد، وأما نقص المقدار فحكمه حكم الغش. قاله سند في كتاب الصرف ص:
(وبقاء الصفة إن شك) ش: يعني أن القول لمدعي بقاء الصفة التي وقع البيع عليها برؤية
متقدمة إذا شك في بقائها وهو البائع، وهذا مذهب ابن القاسم. وقال أشهب: القول قول
المشتري. واحترز المصنف بقوله: إن شك مما إذا قطع بكذب المشتري فإن اليمين
تسقط عن البائع. قال اللخمي: وتسقط اليمين عن البائع حيث يقطع بكذب المشتري كمن
اشترى زيتا أو قمحا رآه بالأمس ويقول: اليوم قد تغير الزيت وسوس القمح. وقيد اللخمي
الخلاف بما إذا أشكل الامر قال: وأما إن قرب ما بين الرؤيتين بحيث لا يتغير في مثله
فالقول للبائع اتفاقا، وإن بعد بحيث لا يبقى على حاله فالقول للمشتري اتفاقا. والظاهر أن
المصنف لم يمش على طريقة اللخمي وإنما أشار بقوله: إن شك لما تقدم، ويحتمل أن
يكون أشار به لتقييد اللخمي ويكون المعنى أنه إنما يحلف مدعي بقاء الصفة إذا أشكل
الامر وشك في بقائها، وأما إذا طال ما بين الرؤيتين بحيث يغلب على الظن أن المبيع تغير
فالقول لمدعي عدم الصفة ولكنه بعيد من لفظه، ويحتمل أن يكون قوله: إن شك راجع
للمسائل جميعها. والمعنى أنه إنما يحلف في هذه المسائل حيث شك. أما لو كان معه بينة
117

لم تفارقه في مسألة البرنامج ومسألة دفع الردئ والناقص فلا يمين عليه. وكذا لو شهدت
بينة بأن الصفة قد تغيرت وهذا الاحتمال أيضا بعيد والظاهر الأول والله أعلم.
فرع: لو تنازعا في عين السلعة المبيعة بالرؤية فالقول للمشتري بالاتفاق مع يمينه لأنه
لم يرد نقص بيع سلعة اتفقا على البيع فيها ص: (وغائب ولو بلا وصف على خياره
بالرؤية) ش: يعني أنه يجوز بيع الغائب ولو بلا وصف لكن بشرط أن يجعل للمشتري الخيار
إذا رآه، وأما إذا انعقد البيع على الالزام أو سكتا عن شرط الخيار فالبيع فاسد. نقله ابن عبد
السلام والمصنف في التوضيح، ويفهم هذا من قول المصنف على خياره. وأشار ب لو إلى
القول الثاني أن الغائب لا يباع إلا على الصفة أو رؤية متقدمة. قال في المقدمات: وهو
الصحيح. وفي كتاب الغرر من المدونة دليل هذا القول. وقال في التوضيح: إنه في المدونة
ونسبه لبعض كبار أصحاب مالك. وقال ابن عرفة: إنه المعروف من المذهب ونص غررها
وجعل القول الأول ظاهر سلمها، وتبعه ابن ناجي على ذلك ولم أقف في غررها على ما
ذكره في التوضيح ولا على ما ذكره ابن عرفة ونص ما فيه: ومن رأى سلعة أو حيوانا غائبة
منذ مدة تتغير في مثلها لم يجز له شراؤها إلا بصفة مؤتنفة أو على أنه بالخيار إذا رآها، وإن
كانت لا تتغير في مثل تلك المدة جاز البيع، وكل ما وجد على ما كان يعرف منه أو على
ما وصف له لزمه ولا خيار له، وقال بعض كبار أصحاب مالك: لا ينعقد بيع إلا على أحد
أمرين: إما على صفة توصف أو على رؤية قد عرفها أو شرط في عقد البيع أنه بالخيار إذا
رأى فكل بيع ينعقد في سلعة بعينها غائبة على غير ما وصفنا فهو منتقض. قال ابن يونس بعد
قوله: أو على رؤية قد عرفها فهذان منعقدان. وقوله أو شرط في عقد الخ هذا الوجه غير
منعقد إلا بعد الرؤية والرضا بها، وهذا الذي ارتضاه عبد الحق في تهذيب الطالب. وقال ابن
محرز: ومنهم من تأولها على أن بيع الرؤية والصفة قسم، وبيع الخيار قسم. قال: وهذا
عندي أشبه بظاهر الكتاب لقوله: وشرط في عقد البيع فسماه عقدا وإنما سماه عقدا لأنه
منعقد من جهة أحدهما وإنما الخيار للآخر. انتهى بالمعنى. وليس في هذا دليل على منع
بيع الغائب بلا وصف ولو كان على الخيار.
تنبيه: وعلى القول بالجواز الذي مشى عليه المصنف فقال ابن عبد السلام: ظاهر
سلمها الثالث أنه لا يحتاج إلى ذكر جنس السلعة هل هي ثوب أو عبد مثلا وإن كان ذكر
118

هذا في التولية لكن لا فرق في التولية والبيع في هذا، وهذا كله إذا كان الخيار للمشتري.
قلت: يفهم من كلامه في المدونة أنه فرق بين البيع والتولية فاغتفر ذلك في التولية
لكونها من باب المعروف، وأما البيع فلا بد من ذكر جنسها. ونصها في أوائل السلم الثالث:
وإذا اشتريت سلعة ثم وليتها رجلا ولم تسمها له ولا ثمنها أو سميت أحدهما، فإن كنت
ألزمته إياها لم يجز لأنه مخاطرة وقمار، وإن كان على غير الالزام جاز، وله الخيار إذا رأى
وعلم الثمن. وإن أعلمته أنه عبد فرضيه ثم سميت له الثمن فلم يرض فذلك له. فهذا من
ناحية المعروف ولا يلزم المولى إلا أن يرضاه، وأما إن بعت منه عبدا في بيتك بمائة دينار
ولم تصفه له ولا رآه قبل ذلك فالبيع فاسد، ولا يكون المبتاع فيه بالخيار إذا نظره لأن البيع
وقع فيه على الايجاب والمكايسة. ولو كنت جعلته فيه بالخيار إذا نظره جاز وإن كان على
المكايسة انتهى. زاد ابن يونس في اختصاره بعد قوله: ولم تصفه له ولا رآه قبل ذلك ولم
يجعله بالخيار إذا نظر انتهى. ص: (أو على يوم) ش: هو معطوف على ما في حيز لو
كما قال ابن غازي وقدمه هنا للإشارة إلى أنه ما على هذه المسافة هو من الغائب الذي
يجوز به على الصفة أو بالخيار عند رؤيته. ص: (أو وصفه غير بائعه) ش: له بيعه كذا في
أكثر النسخ ب أو وهو معطوف على قوله: بلا وصف. والمعنى أنه يجوز بيع الغائب بلا
وصف على الخيار أو بوصف على اللزوم. ويفهم اللزوم من كون المصنف لم يشترط في
عقده أن يكون على الخيار لأنه إذا لم يشترط الخيار فالأصل في البيع اللزوم، وهذه النسخة
119

أولى من النسخة التي فيها. ووصفه بالواو لأن المصنف على النسخة التي ب أو يكون قد
استوفى الكلام على أقسام بيع الغائب والله أعلم.
فرع: فإن وجد الغائب على الصفة المشترطة بموافقة من المشتري أو شهدت بذلك
بينة لزم البيع وإلا فلا.
فرع: فإذا وقع البيع على صفة وتنازعا عند قبضه هل صفته الآن هي التي وقع عليها
التعاقد أم لا؟ فالقول قول المشتري. والفرق بينه وبين ما تقدم فيما إذا وقع البيع على رؤية
متقدمة أن القول للبائع عند بن القاسم أن البيع في مسألة الرؤية متعلق على بقاء صفة
المبيع والأصل بقاؤها، فمن ادعى الانتقال فهو مدع وهو المشتري بخلاف البيع على الصفة
فإن الأصل عدمها وهو موافق لقول المشتري، فمن ادعى وجودها فهو مدع وهو البائع.
فرع: فإن اتفقا على الصفة التي وقع البيع عليها واختلفا في المبيع هل هو عليها أم،
لا رجع في ذلك لأهل المعرفة، فإن قالوا إنه عليها لزم وإلا فلا، وأما اشتراط المصنف أن
يصفه غير بائعه فهو جار على مذهب الموازية والعتبية. وقال المتيطي: إن المدونة تأولت
عليه وهو خلاف ما ارتضاه ابن رشد في آخر رسم من سماع ابن القاسم من جامع البيوع
والله أعلم. ص: (إن لم يبعد كخراسان من إفريقية) ش: هذا الشرط راجع لبيع الغائب
بالصفة على اللزوم. قال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: وإلا يكون بعيدا جدا. هو
معطوف على مرفوع قوله: ويشترط في لزوم بيع الغائب وصفه، والمعنى: ويشترط أيضا
في لزوم بيع الغائب أن لا يكون بعيدا من المتبايعين هذا النوع من البعد. وهذا الشرط صحيح
لأن اللزوم مناف للغرر شرعا وهذا غرر كثير انتهى. وقال في التوضيح: أي ويشترط في
جواز بيع الغائب كونه غير بعيد جدا لكثرة الخطر والغرر، وهو أخص من كلام ابن عبد
السلام لأنه إذا لم يجز لم يلزم فتأمله. ويفهم من كلامهما أن ذلك مع الصفة، وأما مع عدم
الوصف إذا بيع بالخيار فلا، والظاهر أنه كذلك. ومثل الصفة ما إذا بيع على رؤية متقدمة
لمساواته للبيع على الصفة في اللزوم فتأمله والله أعلم. ونقل ابن عرفة هذا الشرط عن الشيخ
ابن أبي زيد عن ابن حبيب. وقد ذكر ابن غازي كلامه.
قلت: وقد ذكر في المقدمات أنه مذهب ابن القاسم ونصه: وبيع الغائب على
120

مذهب ابن القاسم جائز ما لم يتفاحش بعده. ص: (ولم تمكن رؤيته بلا مشقة) ش: هذا
نحو قول ابن الحاجب: ولا قريبا تمكن رؤيته بغير مشقة على الأشهر. فقال ابن عبد
السلام: إن عنى به الكلام على مسألة الساج المدرج فهو صحيح إلا أن يقول بالإجازة ليس
بشهير حتى يكون مقابلا بالأشهر، وإن عنى به مثل ما إذا كان معها في البلد فالأشهر الجواز
لأنه منصوص عليه في المدونة في خمسة مواضع، وإنما منعه في كتاب ابن المواز انتهى.
ومثل الساج المدرج ما كان بين أيديهما. قال ابن عرفة: والمعروف منع بيع حاضر
المتعاقدين بصفته. وفي سماع عيسى عن ابن القاسم: لو قال من ابتاع ما بهذا الصندوق بعد
ذهابه وجدته على خلافها لم يصدق ولزمه بيعه، فأخذ منه اللخمي جوازه، ورده المازري
باحتمال مشقة إخراج ما فيه كالبرنامج أو فساده برؤيته كالساج المدرج في جرابه. ابن عرفة:
وذكر أن بعضهم حمله على غيبة مفتاحه فصار ما فيه كغائب. وتلقاها ابن رشد بالقبول
كتقصير ودليل قولها: من ابتاع ثيابا مطوية لم ينشرها ولا وصفت له لم يجز جوازه. وفي
غير موضع منها جواز بيع حاضر البلد على الصفة. وروى محمد منعه واختاره فجعله ابن
الحاجب الأشهر ابن شاس: وحمل الأصحاب قولها على ما في رؤيته مشقة. ابن عرفة:
فيكون ثالثا على عد التأويل الأول قولا وعلى المنع المعروف جواز بيع الغائب على مسافة
يوم. اللخمي: روى ابن شعبان منعه. المازري: ليسر إحضاره. انتهى بلفظه إلا قليلا. وقال
في التوضيح: ما ذكر أنه الأشهر هو مذهب الموازية ومقابله مذهب العتبية، فقد أجاز فيها
بيع ما في صندوق على الصفة، وظاهر المدونة الجواز في خمسة مواضع وذكرها ثم قال:
ولكن ذكر ابن شاس أن الأصحاب تأولوا ما في المدونة من تجوز العقد بالسوق على في
البيت على ما إذا كان في رؤيتها مشقة وكلفة انتهى. فظاهر كلامه التسوية بين ما كان
حاضرا عند المتعاقدين وبين ما كان غائبا عنهما وهو بالبلد، وهو خلاف ما يفهم من كلام
ابن عبد السلام وابن عرفة والظاهر ما قالاه. فتحصل من هذا أن ما كان حاضرا عند
المتعاقدين لا يجوز بيعه على صفة على المعروف المشهور إلا إذا كان في رؤيته عسر أو
فساد كما تأول الأشياخ مسألة الصندوق. وكما تقدم في بيع الجزاف أنه يجوز بيع جرار
الخل المطينة على الصفة خوف فسادها إذا فتحت. وأما مسألة المدونة التي ذكرها ابن عرفة
في بيع ثياب مطوية فهي في أول كتاب الغرر. قال أبو الحسن: وظاهرها جواز بيع حاضر
المجلس على الصفة إلا أن يقال: هذا المفهوم لا معول عليه لأنه في السؤال أو يقال: قوله
لم ينشرها يعني الحاضرة، وقوله: ولا وصفت له يعني الغائبة عن المجلس، وأما إن كان
غائبا من مجلس العقد وهو حاضر البلد فالذي رجحه ابن عبد السلام وابن عرفة وحملا عليه
المدونة الجواز. والذي يفهم من كلام المصنف أنه مشى على ما ذكره ابن شاس فلا يجوز
121

بيعه على الصفة إلا إذا كان في رؤيته مشقة، وأما الغائب عن البلد فيجوز بيعه بالصفة ولو
كان على مسافة يوم. وظاهر كلامهم أن ما كان دون مسافة اليوم فهو في حكم حاضر البلد
فيأتي فيه ما تقدم والله أعلم.
تنبيهات: الأول: فهم مما تقدم أن هذا الشرط أيضا في بيع الغائب على الصفة
باللزوم، وأما إذا بيع بالخيار فلا، وفي مسألة السلم الثالث من المدونة المتقدم ذكرها في
آخر الكلام على قوله: وغائب ولو بلا وصف وهي قولها: وإذا اشتريت سلعة ثم وليتها
رجلا ولم تسمها ولا ثمنها إلى آخرها إشارة إلى ذلك والله أعلم.
الثاني: ما تقدم من منع الساج المدرج هو أحد القولين وهو مذهب الموطأ. وقال في
التوضيح: إنه المشهور. ولا بد أن يقيد بما إذا لم يكن في فتحه فساد وإلا فيجوز كما في
بيع البرنامج. وقد أشار إلى ذلك اللخمي كما ذكر ابن عرفة ونصه: وفي جواز بيع الساج
المدرج في جرابه على الصفة. نقل اللخمي رواية محمد قال: في الأولى على صفته أو على
أن ينشره. اللخمي: إن كان لا مضرة في إخراجه من جرابه جرى على الخلاف في بيع
الحاضر على الصفة وإلا جرى على الخلاف في بيع البرنامج. وجعل في المقدمات
الخلاف في الثوب الذي يغيره ترداد نشره على السوام وتقليبهم إياه قال: وأما الثوب الذي
ليس على هذه الصفة فلا ينبغي أن يختلف فيه.
قلت: ولعله يريد التغير الخفيف، وأما ما كان نشره ينقضه كثيرا كالبيارم ونحوها
فالظاهر ما قاله اللخمي أنه كالبرنامج.
الثالث: الظاهر أن البيع على رؤية متقدمة لا يشترط فيه هذا الشرط فيجوز بيعه وإن كان
حاضرا بالبلد أو مجلس التعاقد على تلك الرؤية إذا لم يمض بعد الرؤية مدة يمكن أن يتغير
بعدها فتأمله. ص: (والنقد فيه) ش: أي وجاز النقد في بيع الغائب من غير شرط مطلقا، سواء
كان عقارا أو غيره، سواء كان مثليا أو غيره على ظاهر المدونة خلافا لابن محرز.
تنبيه: وهذا فيما إذا بيع الغائب على الصفة أو على الرؤية المتقدمة باللزوم بلا
خلاف. قاله الرجراجي في كتاب الغرر. وأما إذا بيع على خيار فلا يجوز النقد فيه كما
سيأتي في فصل الخيار وذكره ابن عرفة هنا ص: (ومع الشرط في العقار) ش: أي وجاز
النقد في العقار بشرطه لا منه.
122

تنبيهات: الأول: قال في التوضيح: وإنما يجوز اشتراط النقد في العقار على المذهب
إذا لم يشترها بصفة صاحبها، وهذا لا يحتاج إليه على القول الذي مشى عليه المصنف.
الثاني: قال في التوضيح: وهذا الخلاف إنما هو إذا بيع العقار جزافا، وأما إذا بيع
مذارعة فلا يجوز النقد فيه. قاله أشهب في العتبية. وكذلك قال مالك: من اشترى دارا غائبة
مذارعة لم يجز النقد فيها كذلك الحائط على عدد النخل. قال مالك في العتبية: وضمانها
من بائعها اه‍. وهذا ظاهر في الأرض البيضاء، وأما مسألة الدار فذكرها في رسم البيوع الأول
من سماع أشهب من جامع البيوع فقال ابن رشد: إنما لا يجوز النقد فيها إذا كان البائع هو
الذي قال إن فيها كذا وكذا ذراعا، وأما إن قال ذلك غير البائع من مخبر أو رسول فالنقد في
ذلك جائز ا - ه. فجعل ذلك بمنزلة من اشترى على الصفة وذلك أن ذرع الدار إنما هو
كالصفة لها. قال في أول سماع أشهب: قال مالك في الدار الغائبة تشترى بصفة: لا يجوز
أن يشتريها إلا مذارعة. قال ابن رشد: قوله معناه أنه لا بد في صفتها من تسمية ذرعها فقال:
أشتري منك الدار التي ببلد كذا بموضع كذا وصفتها كذا، وذرع مساحتها في الطول كذا
وكذا، وفي العرض كذا وكذا، وطول بيتها كذا وكذا، وعرضه كذا وكذا حتى يأتي على
جميع مساكنها ومنافعها بالصفة والذرع. ولو وصف بناءها وذكر صفة أنقاضها وهيئة مساكنها
وقدرها في الكبر أو الصغر أو الوسط واكتفى عن تذريعها بأن يقال: على أن فيها كذا وكذا
ذراعا لجاز ذلك والأول أتم وأحسن. وليس المعنى أنه لا يجوز أن يشتريها على الصفة إلا
كل ذراع بكذا ما بلغت، بل لا يجوز ذلك إلا أن يكون قد رأى الدار ووقف عليها كالأرض.
ولا يجوز شراؤها على الصفة كل ذراع بكذا دون أن يراها كالصبرة لا يجوز شراؤها على
الصفة كل قفيز بكذا دون أن يراها. وقد اختلف إذا باع الدار والأرض والخشبة والشقة على
أن فيها كذا وكذا ذراعا. فقيل ذلك بمنزلة من باع من ذلك كذا وكذا ذراعا، فإن وجد أكثر
مما سمى كان البائع شريكا بالزيادة، وإن وجد أقل فكاستحقاق بعض المشتري. وقيل: إن
ذلك كالصفة، فإن وجد أكثر كان للمبتاع، وإن وجد أقل كان بمنزلة العيب والله أعلم.
الثالث: إذا لم يشترط النقد في بيع العقار فهل يجبر عليه المشتري بالحكم أو لا
يجبر قولان. قال الرجراجي: الصحيح أنه لا يجبر. وأما غير العقار فلا يجبر فيه على النقد
اتفاقا. قاله الرجراجي ونقله في التوضيح. قال الرجراجي: فإن طلب البائع إيقاف الثمن هل
يمكن منه أو لا؟ قولان ص: (وضمنه المشتري) ش: يعني أن ضمان العقار من المشتري
123

سواء بيع بشرط النقد أو بغير شرط النقد. وظاهر كلام ابن عبد السلام والشيخ خليل أن قولي
مالك جاريان فيه. والذي في كتاب الغرر من المدونة أنه في ضمان المبتاع على كلا
القولين. قال في كتاب الغرر منها: قال ابن القاسم: وما ثبت هلاكه من السلع الغائبة بعد
الصفقة وقد كان يوم الصفقة على ما وصف المبتاع أو على ما كان رأى فهي من البائع إلا
أن يشترط أنها من المبتاع. وهو آخر قولي مالك. وكان مالك يقول: إنها من المبتاع إلا أن
يشترط أنها من البائع حتى يقبضها ثم رجع إلى هذا، والنقص والنماء كالهلاك في القولين.
وهذا في كل سلعة غائبة بعيدة الغيبة أو قريبة الغيبة خلاف الدور والأرضين والعقار فإنها من
المبتاع من يوم العقد في القولين وإن بعدت ص: (وفي غيره إن قرب) ش: أي وجاز النقد
في غير العقار بشرط إن قرب يريد أيضا ووصفه غير بائعه كما قال ابن رشد في آخر سماع
ابن القاسم من جامع البيوع. ص: (وضمنه بائع) ش: أي وضمان غير العقار من البائع سواء
بيع بشرط النقد أو لا ص: (إلا لشرط) ش: انظر هل هو راجع لغير العقار أو راجع إلى العقار
أيضا. وقال ابن عرفة: ظاهر قولها الدور والأصول من المبتاع على كل حال أنه كذلك ولو
شرطه على البائع. وقال في معين الحكام: أجاز في المدونة اشتراط نقل هذا الضمان بأن
يشترط البائع على المشتري في أصل العقد وإن وقع العقد بغير شرط إلا أنه نقل بعد العقد
124

ففي ذلك قولان في المذهب. انتهى ونقلهما في التوضيح ص: (وقبضه على المشتري)
ش: قال في التوضيح: ذكر اللخمي أن من اشترى شيئا غائبا فعليه أن يخرج لقبضه ولا يكون
على البائع أن يأتي به اه‍. وقال في المسائل الملقوطة: قال اللخمي: إن من اشترى شيئا غائبا
فعليه أن يخرج لقبضه ولا يكون على البائع الاتيان به، فإن شرط ذلك على البائع وأنه في
ضمانه حتى يقبضه لم يجز وكان بيعا فاسدا وتكون مصيبته. إن هلك قبل وصوله من بائعه،
وإن شرط ضمانه من حين الاتيان به من مشتريه فجائز وكان بيعا وإجارة، فإن هلك قبل
خروجه به من موضع بيع فيه أو في الطريق حط عن المشتري من الثمن بقدر الإجارة. اه‍
من الجزولي. اه‍ كلام المسائل الملقوطة. فصل في ما حرم من البيع ص: (وحرم في نقد وطعام ربا فضل ونسا) ش:
مراده رحمه الله أن يبين أن ربا الفضل والنساء يدخلان في النقد والطعام من حيث الجملة،
ولا يدخلان في غيرهما من حيوان أو عروض أو غير ذلك. وأما تفصيل ذلك أعني ما
يدخلان فيه معا وما يدخل فيه ربا النساء خاصة فيؤخذ مما يأتي. ولو ذكره هنا لكان أوضح
وأحسن فيقول: وحرم ربا وفضل ونسا في نقد وربوي إن اتحد الجنس وإلا فالنسا وإن غير
ربويين. وقد علم أن كل ما يدخله ربا الفضل فإن ربا النساء يدخله. وليس كل ما يدخله ربا
النساء يدخله ربا الفضل كالطعام الذي ليس بربوي. وما ذكره من أن غير النقد والطعام لا
يدخله ربا الفضل والنسا هو كذلك. وفي حديث مسلم أنه (ص) اشترى عبدا بعبدين. قال
125

القرطبي: فيه دليل على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا نقدا، وهذا لا يختلف فيه وكذا
في سائر الأشياء ما عدا ما يحرم التفاضل في نقده من الربويات اه‍.
فائدة: الربا مقصور من ربا يربو فيكتب بالألف وتثنيته ربوان. وأجاز الكوفيون كتابته
وتثنيته بالياء بسبب الكسرة في أوله وغلطهم البصريون. قال العلماء: وقد كتبوه في
المصحف بالواو، فقيل: لأن أصله الواو. وقال الفراء: إنما كتبوه بالواو لأن أهل الحجاز
تعلموا الخط من أهل الحيرة ولغتهم الربوا فعلموهم صورة الخط على لغتهم. قال: وكذا
قرأها أبو سماك العدوي بالواو. وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة بسبب كسرة الراء، وقرأ الباقون
بالتفخيم لفتحة الباء، ويجوز كتابته بالألف والواو والباء، قال أهل اللغة: والرماء بالميم
المفتوحة والمذهو الربا. قاله في النهاية. وكذا الربيبة بضم الراء والتخفيف لغة في الربا،
وأصل الربا الزيادة يقال ربا الشئ بربو إذا زاد. واختلف في ضبط قراءة العدوي فقيل بفتح
الباء، وقيل بضمها. نقلهما السمين في إعرابه.
فائدة: قوله في الحديث لا تشفوا بعضها على بعض وهو بضم التاء وكسر الشين
المعجمة أي لا تفضلوا. والشف بكسر الشين الزيادة ويطلق على النقصان فهو من الأضداد.
وقوله: إلا هاء هاء فيه لغتان القصر والمد وهو أشهر، والهمزة مفتوحة أي خذ وهو اسم فعل
وفيه لغة بكسر الهمزة وأصله هاك فالهمزة بدل الكاف. ص: (لا دينار ودرهم أو غيره
126

بمثلهما) ش: كذا في أكثر النسخ ب لا العاطفة النافية ورفع دينار وعطف درهم بالواو
وعطف غير ب أو وفي بعضها عطف غير بالواو أيضا. وأما النسخة التي ذكرها ابن غازي
فقليلة والمعطوف عليه على النسختين المشهورتين محذوف والتقدير: فيجوز ما سلم من ربا
الفضل والنسا لا دينار ودرهم بمثلهما، ولا دينار وغير الدرهم من عرض أو حيوان أو غير
ذلك بمثلهما أي بمثل الدينار وذلك الغير، وهذا ظاهر على النسخة الأولى. وأما على النسخة
الثانية فتكون الواو العاطفة للدراهم بمعنى أو، والمعنى: لا يجوز دينار وغيره أو درهم وغيره
بمثلهما أي بمثل الدينار وغيره ومثل الدرهم وغيره، فضمير مثلهما يعود على الدينار وغيره
في صورة، وعلى الدرهم وغيره في صورة. وهذه مماثلة للنسخة التي ذكرها ابن غازي في
المعنى، ويدخل في عموم غيره دينار ودرهم بمثلهما، والعلة في منع جميع ذلك ما ذكره
الشارح. قال في المدونة في كتاب الصرف: وأصله قول مالك في بيع ذهب بفضة مع
أحدهما أو مع كل منهما سلعة، فإن كانت سلعة يسيرة تكون تبعا جاز، وإن كثرت السلعة لم
يجز، إلا أن يقل ما معها من ذهب وفضة بذهب ولا بيع إناء مصوغ من ذهب أو فضة، وهذا كله نقدا، وإن كان الذهب والورق
والعرضان كثيرا فلا خير فيه، ولا يجوز بيع ذهب بذهب وفضة، ولا يباع حلي فيه ذهب وفضة
بذهب ولا بفضة نقدا، كانت الفضة الأقل أو الذهب كالثلث أو أدنى ويباع بالعروض
والفلوس. وأجاز أشهب وعلي بن زياد أن يباع بأقلهما فيه إذا كان أقلهما الثلث أو أدنى ورواه
علي عن مالك انتهى.
فرع: قال في كتاب الاجل من المدونة: ولا بأس أن تبيع عبدك بعشرة دنانير من
رجل على أن يبيعك الرجل عبده بعشرة دنانير أو بعشرين دينارا سكة، لأن المالين مقاصة.
فأما إن شرطا إخراج المالين أو أضمره إضمارا يكون كالشرط عندهما لم يجز. ثم إن أرادا
127

بعد الشرط أن يدعا التناقد لم يجز لوقوع البيع فاسدا انتهى. قال عياض: مفهومه إذا عرا من
الشرط وأخرجا الدنانير لم يضر ذلك لأنهما لم يعقدا قولهما على فساد ولا أفضى فعلهما إليه
انتهى. وذكر ابن رشد المسألة في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من كتاب
السلم والآجال: ولو تبايعا على أن يتقاصا فلم يتقاصا وتناقد الدنانير لوجب على أصولهم أن
ترد إلى كل واحد منهما دنانيره، ولا يفسخ البيع بينهما لوقوعه على صحة انتهى.
قلت: يظهر من كلامه أنه مخالف لكلام القاضي عياض، فإن ظاهر كلام القاضي أنه
إذا عرا البيع من شرط عدم المقاصة جاز البيع ولو أخرجا الدنانير، ولا يلزمان بردهما إلا أن
يقيد كلامه بأن معناه أن البيع صحيح وترد الدراهم فيكون موافقا لكلام ابن رشد، بل فيه
فائدة أنه يجوز البيع إذا لم يشترطا عدم المقاصة.
فرع: قال ابن سهل في أحكامه في أول البيوع: قال القاضي: وسألت أبا المطرف بن
أبي سلمة عن بيع الذهب المغزول, المحمول على الجلد، هل يجوز بيعه بالذهب؟ فقال، لا
يجوز لأنه التفاضل بين الذهبين، ويجوز بيعه بالذهب يدا بيد وهو عندي صواب انتهى. ص:
(وبمؤخر ولو قريبا) ش: هو معطوف على قوله: لا دينار أي فبسبب حرمة ربا الفضل حرم
ما تقدم، وبسبب حرمة ربا النساء حرم ما تأخر فيه أحد النقدين. وهذا نحو قول ابن
الحاجب: والمفارقة تمنع المناجزة. وقيل: إلا القريبة. قال في التوضيح: المشهور الأول
فقد قال مالك في المدونة في الذي يصرف دينارا من صيرفي فيدخله تابوته ثم يخرج
الدراهم: لا يعجبني، وإذا " قال هذا في التأخير اليسير فما بالك بغيره؟ قوله: وقيل إلا القريبة
ليس هذا القول على إطلاقه بل مقيدة بما إذا كانت المفارقة القريبة بسبب يعود بإصلاح
على العقد كما لو فارقه الحانوت والحانوتين لتقليب ما أخذه أوزنته، وهذا مذهب الموازية
والعتبية، وحمله المصنف كاللخمي على الخلاف، وتأوله صاحب البيان على الوفاق فقال:
وقد قيل إن ما في العتبية مخالف لما في المدونة وليس هو عندي خلافا لأنهما في مسألة
المدونة بعد عقد التصارف وقبل التقابض من مجلس إلى مجلس، ولا ضرورة تدعو إلى
ذلك، ومسألة المدونة إنما قاما فيها التقابض للضرورة انتهى.
128

تنبيهات: الأول: قد يتبادر من كلام التوضيح ومن كلام الشارح أن مسألة المدونة التي
ذكرها وهي إدخال الصيرفي الدينار تابوته قبل أن يخرج الدراهم ممنوعة وليس كذلك. وإنما
هي مكروهة. ولفظ التهذيب: وأكره للصيرفي أن يدخل الدينار تابوته أو يخلطه ثم يخرج
الدراهم ولكن يدعه حتى يزن دراهمه فيأخذ ويعطي. قال أبو الحسن: الكراهة على بابها وبها
استشهد اللخمي بكراهة التأخير اليسير ثم قال: قال محمد: وليرد ديناره إليه ثم يتناجزا، وكل
هذه حماية ولا يفسد به الصرف. وقال ابن عرفة: وعقد الصرف على مرئي كما وعلى حاضر
غيره جائز انتهى. وقال في الطراز: كره أن يقبض أحد المتعاقدين عوض صاحبه ويحوزه ثم
يتراخى إقباضه إياه العوض الثاني إلا أن ذلك إذا كان بفورهما لا يفسد العقد كما لو وضعه
في صندوق بين أيديهما أو كأنهما في حالة العقد وفي عمله. وهكذا عند محمد أن ذلك
إن وقع لا يفسد الصرف قال: وليرد ديناره إليه ثم يتناجزاه. قال: لكن هو مكروه المضارعة
معيب ما حضروه شرط في العقد انتهى. بل صرح المصنف بعد هذا في شرح قول ابن
الحاجب: وفي غيبة النقد المشهور المنع أن مذهب المدونة في هذه الصورة الكراهة ولم
أر أحدا حملها على المنع والله أعلم.
الثاني: ظاهر كلامه في التوضيح أن القيام على الحانوت أو الحانوتين للوزن والتقليب
ممنوع على المشهور ولو كان ذلك بعد التقابض على تأويل اللخمي خلافا لما تأوله ابن
رشد، ولم أر من تأول ذلك على المنع. أما اللخمي فإنه حكى في التأخير اليسير قولان:
بالتخفيف والكراهة، وعزا الأول للموازية، والثاني للمدونة. وظاهر ذلك سواء كان ذلك قبل
القبض أو بعده ونص كلامه: وإن طال ما بين العقد والمناجزة بين المتصارفين إما لغيبة
النقدين أو لأحدهما وقصد التأخير مع بقاء المسجد أو افترقا أو قاما جميعا إلى موضع غير
الذي عقدا فيه الصرف فسد متى وقع الطول بشئ من هذه الوجوه. واختلف إذا كان التأخير
يسيرا ولم يطل، فكرهه مالك مرة واستخفه أخرى فقال في كتاب محمد فيمن صرف دراهم
بدنانير فقال: اذهب بها إلى الصراف فأرى وأزن قال: أما الشئ الخفيف فأرجو أن لا يكون
به بأس. قال: وقد يشبه ما إذا قاما إليه جميعا فأجاز القيام والافتراق عن المجلس إذا كان
يسيرا. وعلى هذا يجوز العقد على ما هو غائب عنهما على مثل ذلك القرب إذا كان في
ملكه. وقال في المدونة في الذي يصرف دينارا من صراف فيزنه ويدخله تابوته: لا يعجبني
وليترك الدينار على حاله حتى يخرج دراهم فيزنها ثم يأخذ الدينار ويعطي الدراهم. قال
محمد: وليرد ديناره إليه ثم يتناجزان، وهذا كله حماية ولا يفسد به صرف انتهى. ونقله عنه
ابن عرفة فقال: وفي يسير التأخير طرق اللخمي في خفته وكراهته قولان لرواية محمد: من
صرف دراهم بدينار وقال: اذهب إلى الصراف ليرى ويزن لا بأس بما قرب منه. وقوله فيها:
أكره أن يدخل الدينار تابوته أو يخلطه ثم يخرج الدراهم بل يدعه حتى يزن فيأخذ ويعطي.
129

ثم ذكر طريقة غيره لكنه عزا المسألة لسماع ابن القاسم وليست فيه إنما هي في سماع
أشهب ونصها في أول رسم منه: سئل مالك عن الرجل يصرف من الصراف دنانير بدراهم
ويقول له: اذهب بها فزنها عند هذا الصراف وأره وجوهها وهو قريب منه فقال: أما الشئ
القريب فأرجو أن لا يكون به بأس وهو يشبه عندي ما لو قاما إليه جميعا فأرجو أن لا يكون
به بأس. فقيل لمالك: لعله يقول قبل أن يجب الصرف بينهما أصارفك على أن أذهب بها
إلى هذا فيزنها وينظر إليها فيما بيني وبينك. قال: هذا قريب فأرجو أن يكون لا بأس به. ابن
رشد: استخف ذلك للضرورة الداعية إذ غالب الناس لا يميزون النقود، ولان التقابض قد
حصل بينهما قبل ذلك فلم يكونا بفعلهما هذا مخالفين لقول النبي (ص): الذهب بالورق ربا
إلا هاء وهاء ولو كان هذا المقدار لا يسامح فيه في الصرف لوقع الناس بذلك في حرج
شديد والله تعالى يقول: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) *.
وأما قوله: وهو يشبه عندي أن لو قاما إليه جميعا فلا شك أن قيامهما إليه جميعا
بعد التقابض أحب من قيام أحدهما إليه وحده. وقيل: إن قوله هذا مخالف لكراهته في
المدونة أن يتصارفا في مجلس ثم يقومان فيزنان في مجلس آخر، وليس عندي هذا خلافا له
لأن مسألة المدونة فأما بعد عقد التصارف وقبل التقابض من مجلس إلى مجلس ولا ضرورة
تدعو إلى ذلك، وهذه المسألة إنما قاما فيها بعد التقابض للضرورة الماسة في ذلك انتهى.
فانظر كلام ابن رشد فليس فيه إجازة التأخير القريب بل لا بد عنده من التقابض، ومسألة
المدونة التي أشار إليها ابن رشد هي قولها: وأكره أن يصارفه في مجلس ويناقده في مجلس
آخر. قال أبو الحسن: الكراهة هنا على المنع. وقال في الطراز في شرحها: للمسألة صورتان:
إحداهما أن يعقد معه الصرف ويريه الذهب فيقول: اذهب لأريه وأزنه فهو الذي وقع فيه
الكراهة واختلف فيه القول. والثانية أن يزن له الذهب ويتقابضا جميعا ثم يبقى في نفس
أحدهما شئ فيقول: أذهب لأستعيره فهذا لا يضر الصرف لأنه قد تم شرطه الذي هو القبض
انتهى. وقوله: لأستعيره معناه أزنه من العيار فقد علم أنه إذا تقابضا العوضين ثم قاما معا أو
قام أحدهما إلى الحانوت والحانوتين للوزن والتقليب فذلك جائز ولا يفسد به الصرف، وإذا
وجد فيه ما يستحق البدل أبدله ولا ينتقض بذلك الصرف كما يفهم مما تقدم. وقوله في
الطراز إثر كلامه المتقدم: وله أن يستعير ذلك من غير إذن صاحبه فإن وجده ناقصا ومعه بينة
لم تفارقه أو صدقه ربه فله فسخ العقد وإن لم تكن له بينة فله أن يحلفه إنما يعني به إذا
اطلع على شئ بعد الطول كما سيأتي في كلام المصنف.
الثالث: إنكاره في التوضيح القول الثاني الذي حكاه ابن الحاجب تبع في ذلك ابن
عبد السلام وتبعه ابن عرفة فاعترض على ابن شاس وابن الحاجب في حكايته ونصه: وقول
ابن شاس إن المفارقة قبل التقابض إن بعدت اختيارا بطلت، وكذا طول المجلس وإن لم
130

يفترقا وإن قربت، فالمشهور الابطال والتصحيح في الموازية وقول ابن الحاجب المفارقة
اختيارا تمنع المناجزة. وقيل: إلا القريبة يقتضي وجود القول بالصحة في قريب مفارقة
أحدهما الآخر قبل مطلق القبض وإن لم يكن من تمام الصرف ولا أعرفه. ولا يؤخذ مما
تقدم يريد ما تقدم من كلام اللخمي وابن رشد وقال قبله: وقول سند: أباح مالك القيام من
المجلس للقبض مما هو في حكم المجلس لا أعرفه.
قلت: وانظر قول ابن شاس وابن الحاجب المفارقة، هل معناه مفارقة أحدهما الآخر أو
مفارقة المجلس الذي عقد فيه الصرف، أو ما هو أعم من ذلك وهذا هو الظاهر. ويظهر من
كلام اللخمي المتقدم أنه فهم من الموازية جواز ذلك، وكذلك صاحب الطراز بل كلامه
صريح في ذلك. قال في شرح قوله من المدونة في مسألة تسلف أحدهما إن كان قريبا ولا
يقومان إلى موضع يزنها فيه ويتناقدان في مجلس سوى المجلس الذي تصارفا فيه: ظاهره
يقتضي تعيين مجلس الصرف ولا يجوز مفارقته قبل التقابض، ويختلف فيما قرب، ثم ذكر
كلام العتبية والموازية ثم قال: فأجاز القيام عن مجلس العقد إلى غيره. قال الباجي في هذه
الرواية: معناه أن يكونا لقربهما في حكم المتجالسين، فأما إن تباعد ذلك حتى يرى أنه افتراق
من المتصارفين فلا يجوز ويفسد به العقد. وقال أصحاب الشافعي: لا بأس أن يصطحبا من
محلهما إلى غيره ليوفيه لأنهما لم يفترقا. ثم رد عليهم ثم قال: إذا ثبت ذلك فالقياس
يوجب فساد العقد ورده متى وقع وهو ظاهر الكتاب حيث شرط أن لا يتناقدا في مجلس غير
مجلس الذي تصارفا فيه، والاستحسان أن يغتفر في ذلك ما قرب لأن الحاجة تمس في
اعتبار الوزن وانتقاد العين مع أن القرب في حكم الفور. وسوى مالك في الاستحسان بين أن
يذهبا جميعا أو يذهب أحدهما. ثم قال في شرح مسألة إذا عقده ثم مضى معه إلى الصيارفة
ما نصه: إذا تصارفا في مجلس وتقابضا في مجلس آخر فالمشهور منع ذلك على الاطلاق.
وقيل: يجوز فيما قرب انتهى.
الرابع: إذا علم ذلك فقول المصنف: ومؤخر ولو قريبا معناه يحرم الصرف المؤخر
قبض عوضيه أو أحدهما عن محل العقد ولو كان التأخير قريبا، ويتنزل منزلة ذلك ما إذا
تراخى القبض عن العقد وهما بالمجلس تراخيا طويلا، وأما إذا كان يسيرا فإنه لا يفسد العقد،
وإن كان مكروها فقد تقدم أنه كره للصبر في إدخال الدينار تابوته قبل إخراجه الدراهم. وفي
الموازية عن ابن القاسم أنه كره لمن ابتاع ألف درهم بدينار فوزن ألف درهم أن يزن ألفا
أخرى قبل فراغ دنانيره الأولى. ذكره ابن يونس. وذكر ابن جماعة في باب المناجزة في
الصرف أنه لا يجوز لمن باع طعاما بطعام أن يتشاغلا ببيع آخر حتى يتناجزا لأنه كالصرف،
فإن تشاغلا ببيع آخر ولم يطل كان مكروها، وإن طال كان العقد الأول فاسدا. قال: وكذلك
في مسألة الرد في الدرهم وقبله شارحه ووجهه بأنه صرف. وقال في المدونة على اختصار
131

ابن يونس فيمن اشترى سيفا محلى بالفضة كثير الفضة نصله تبعه لفضته بعشرة دنانير،
فقبضه ثم باعه مكانه من رجل إلى جنبه قبل النقد، ثم نقد الثمن مكانه فكان ينبغي أن لا
يبيع السيف حتى يدفع الثمن، فإذا وقع ذلك ونقده مكانه لم ينقض البيع ورأيته جائزا. وأما
إن قبض المبتاع السيف وفارق البائع قبل أن ينقده الثمن فسد البيع، ثم إن باعه فبيعه جائز
ويضمن المبتاع الأول لبائعه قيمة السيف من الذهب يوم قبضه كبيع فاسد فات بالبيع.
وقال صاحب الطراز: وجملة ذلك أن المعقود عليه ثمن ومثمن. فالثمن الدنانير
والدراهم وما عدا ذلك مثمنات، فإن وقع العقد على دنانير بدنانير أو بدراهم أو على دراهم
بدنانير أو دراهم وقال كل واحد من المتعاقدين لا أدفع حتى أقبض، لم يتعين على أحدهما
وجوب التسليم قبل الآخر. وقيل لهما: إن تراخى قبضهما عن العقد انفسخ الصرف، فإن
كانا بحضرة تحاكم ففي الدنانير بالدنانير والدراهم بالدراهم يوكل من يحفظ علاقة الميزان
ويأمر كل واحد أن يأخذ عين صاحبه من الكفة التي هو بها، وفي الدراهم بالدنانير يوكل
عدلا يقبض منهما ويسلم لهما جميعا معا، فيقبض من هذا في وقت قبض هذا. وإن وقع
العقد في شئ من المثمنات كعرض بعرض وتشاحا في الاقباض، فعلى ما ذكرنا في الذهب
والورق إلا أن العقد لا يفسخ بتراخي القبض عنه ولا بافتراقهما من مجلسه. وإن وقع العقد
في شئ من المثمنات بشئ من الأثمان، ومنه مسألة الكتاب فقال ابن القاسم: يلزم المبتاع
تسليم الثمن أولا ثم قال: إذا ثبت ذلك ينبغي إن كان الصرف في ثمن ومثمن أن لا يقبض
المشتري المثمن حتى يدفع الثمن، لأن الصرف بيع وقبضه كقبضه وإنما يتميز الصرف بأن
القبض فيه حق للشرع، فإن قبض فيه المثمن قبل الثمن لم يضر العقد لأن المراد باشتراط
القبض المناجزة وهي حاصلة، أما إذا تسلم السيف مبتاعه فباعه قبل أن ينقد ثمنه لم يجز
الصرف. قال الباجي: وكذلك إذا قبض أحد المتصارفين، فإن كان بالفور ونقد ثمنه قبل أن
يذهب مبتاع السيف به جاز لأن المراعى في الصرف القبض ثم تفرق المتصارفين وقبل غيبة
أحد العوضين، وإن ذهب بالسيف مبتاعه قبل أن ينقد بائعه ثمنه لم يجز الصرف. قال الباجي:
وكذلك إذا قبض أحد المتصارفين الدنانير فأنفذها إلى بيته ثم دفع الدراهم لم يجز ثم قال:
ولو باع السيف مبتاعه وهو بيد بائعه الأول ثم نقد ثمنه وتسلمه من بائعه ثم سلمه جاز. قال
في الموازية: وهو في سماع أصبغ: إن صرفت دراهم ثم بعتها في مقامك قبل أن تقبضها
فذلك جائز إن قبضتها أنت فدفعتها إلى مبتاعها منك، وإن أمرت الصراف يدفعها إليه فلا خير
فيه. قال في الموازية: وإن لم تبرحا بعتها بعرض أو بدنانير. انتهى مختصرا وبعضه بالمعنى.
ومسألة العتبية التي ذكرها هي في رسم البيوع الثاني من السماع المذكور من كتاب الصرف
وزاد: ولو باعها من الصراف نفسه قبل أن يقبضها من الصراف بما يجوز له بيعه لم يكن به
بأس.
132

قال ابن رشد أما قوله: لا يجوز بيعها قبل قبضها إلا أن يقبضها هو صحيح في
مذهبه على أن الحوالة لا تجوز في الصرف وإن قبض المحال بحضرة المحيل. وعلى قول
سحنون بإجازة ذلك إذا قبض المحال بحضرة المحيل يجوز إذا قبضها المشتري بحضرته،
وأما بيعه إياها من الصراف نفسه فجائز على ما قال إذا باعها بما يجوز له بيعها منه وهو
يجوز له أن يبيعها منه بما شاء من العروض انتهى. وقال في المسائل الملقوطة في المسائل
التي انفرد بها مالك: من باع من رجل دراهم بدنانير وقبض الدنانير ثم باعه بالدراهم عرضا
جاز انتهى. بخلاف ما إذا أراد أن يصرف منه الدنانير بدراهم فإنه لا يجوز حتى يطول الفصل
بين الصفقتين. انظر كتاب الصرف من المدونة. وقال في المدونة: وإن صرفت من رجل
دينارا بدراهم فلم يقبضها حتى أخذت منه بها سلعة أو قبضت منه نصفها وأخذت بنصفها
سلعة مكانك فذلك جائز، وإن رددت السلعة بعيب رجعت بدينارك، ولو صرفت منه بدراهم
على أن تأخذ منه بها سمنا أو زيتا نقدا أو مؤجلا أو على أن تقبضها ثم تشتري بها هذه
السلعة فذلك جائز، وإن رددت السلعة بعيب رجعت بدينارك لأن البيع إنما وقع بالسلعة
واللفظ لغو.
الخامس: إذا وقع التقابض في الصرف ثم أودع أحدهما ما قبضه عند الآخر لم يجز.
قاله في رسم شك من سماع ابن القاسم. قال ابن رشد: إنما لم يجز ذلك لأنه آل إلى
الصرف المتأخر فإنهما على القصد إلى ذلك، ولو صح ذلك منهما لم يكن عليهما فيه
حرج وقد أجاز ذلك ابن وهب في سماع أبي جعفر إذا طبع عليه وهو بعيد، لأن الطبع
عليها لا يدفع التهمة بخلاف رهن ما لا يعرف بعينه إذا غيب عليه انتهى. وقال اللخمي: ولا
يجوز اليوم لمن صرف دينارا بدراهم أن يودعها بعد المناجزة عند الصراف، لأن القصد من
تركها أن يبرأ من نقصها ونحاسها قد علم ذلك منهم، ويحمل قول مالك في الذي قبض من
دين له طوق ذهب فافترقا قبل قبضه الطوق لا خير فيه، على أنه بقي فيه حق من التوفية وزن
أو غير ذلك، ولو لم يبق فيه شئ من التوفية لكانت مصيبته من مشتريه وإيداعه جائز بخلاف
إيداع الدراهم والدنانير انتهى. ففرق بين ما يعرف بعينه كالمصوغ فيجوز إيداعه، وبين أن لا
يعرف كالدراهم والدنانير والتبر فلا يجوز وهو ظاهر. وقال في الشامل: ولو أودعه ما صارفه
به بعد قبضه فسد إن كان مما لا يعرف بعينه ولم يطبع عليه، فإن طبع عليه أو كان مما
يعرف بعينه صح انتهى. وما ذكره من التفريق بين ما يعرف بعينه وبين ما لا يعرف بعينه
صحيح كما تقدم في كلام اللخمي وذكره ابن جماعة في مسائل البيوع في باب المناجزة
في الصرف في مسألة بيع الدرهم بالدرهم وفي بيع الطعام بالطعام، وقبله شارحه وعلله بأنه
صرف قال: ومعنى قولهم يعرف بعينه أن يكون الشئ إذا غاب عنك وأبدل لك عرفت أنه
غير شيئك. وأما ما ذكر من الطبع فهو الذي ذكره ابن رشد عن ابن وهب وقال: إنه بعيد،
133

وحكمه بالفساد إذا وقع ذلك إما في ظاهر وإما فيما بينهما وبين الله إذا صح أمرهما ولم
يقصد التأخير، فيفهم من كلام ابن رشد المتقدم أن ذلك لا يضر فتأمله والله أعلم. وفهم من
كلام ابن رشد أنه لا يعود ذلك بخلل في العقد إذا صح أمرهما. ومسألة الطوق التي ذكرها
اللخمي في أول كتاب الصرف من المدونة ولفظه فيها يقتضي أنه لم يقبضه أصلا والله
أعلم.
السادس قال في رسم القبلة من سماع ابن القاسم: فإن انعقد بينهما الصرف على أن
يتأخر منه شئ فسخ، وإن عقدا على المناجزة ثم أخر أحدهما صاحبه بشئ منه انتقض
الصرف فيما وقعت فيه النظرة باتفاق، فإن كانت النظرة في أقل من صرف دينار انتقض
صرف دينار، وإن كان في أكثر من صرف دينار انتقض صرف دينارين، وإن كان في أكثر
من صرف دينارين انتقض صرف ثلاثة دنانير وهكذا أبدا. وما وقع فيه التناجز على اختلاف.
وإن وقع على المناجزة ثم تأخر منه شئ بغلط أو سرقة أو نسيان مضى الصرف فيما وقع فيه
التناجز باتفاق، وفيما وقع فيه التأخير إن رضي هذا الذي هوله بتركه على اختلاف سيأتي
بيانه إن شاء الله انتهى.
السابع: قال في مختصر الوقار: ومن اصطرف دراهم فعجزت الدراهم درهما فلا يجوز
للمصطرف أن يقرض الصيرفي درهما يتم به الصرف ثم يطالبه به دينا. ومن اصطرف دراهم
وعجزت كسرا وأخره على الصيرفي ثم علم بمكروه ذلك فوهبه للصيرفي ليجيز بذلك صرفه
لم يجز ذلك، ولا بد لهما أن يتناقضا الصرف ويرجع كل واحد منهما على صاحبه بمثل
نقده. ومن اصطرف دراهم وعجزت درهما فلا بأس أن يأخذ به ما أحب من طعام أو إدام أو
عرض وغير ذلك معجلا قبل أن يفترقا، ولا بأس أن يأخذ ببعض ديناره بعد المصارفة ما أحب
قبل قبض الدراهم قبل أن يفترقا إذا كان ذلك أقل من الثلث مما صارفه به وأدنى منه، ولا
بأس أن يبيع الرجل الثوب معجلا بدينار إلى شهر والدينار بكذا وكذا درهما إلى شهرين، لأن
البيع إنما وقع بالدراهم ولا ينظر إلى قبح كلامهما إذا صح العمل بينهما كما لا ينظر إلى
حسن كلامهما إذا قبح العمل بينهما ص: (أو غلبة) ش: سواء غلبا معا على التأخير كما لو
134

غشيهما ليل أو حال بينهما سيل، أو غلب عليه أحدهما بهروب صاحبه منه ولو كان قاصدا
هروبه فسخ العقد وهو أحد القولين. وقال الباجي: إنه الظاهر من المذهب، والثاني أنه لا
يفسخ وهو لمالك في مسألة القلادة الواقعة في رسم حلف ليرفعن أمرا من سماع ابن القاسم
من كتاب الصرف، وذكرها في المدونة ورجح ابن يونس هذا القول وقال: الصواب أنه لا
يفسخ لأن أصل البيع وقع على الصحة، وإنما أراد المبتاع بالتأخير فسخ البيع فوجب أن
يحرمه لأن ذلك ذريعة إلى حل العقول اللازمة فلا يريد، أحد استغلى شيئا أو ندم في شرائه
الاجر ذلك ليفسخه فوجب أن يحرم ذلك كمنع القاتل الميراث ومنع المتزوجين في العدة أن
يتناكحا أبدا اه‍. وقال صاحب الطراز: وإن كان التفرق لهروب أحدهما، فهل يبطل به العقد
ويبوء بإثمه أو يلزمه حكم العقد إذا ظفر به؟ يتخرج على القولين في تأخير ثمن السلم بهروب
أحدهما فيبطل العقد في قول ويثبت في قول. وعلى القول بثبوته لا يكون العقد ثابتا حقيقة
لأن الشئ لا يثبت مع فقد شرط ثبوته لكن يلزم إذا ظفر لأنه عقد وضع على ما عقد عليه
الأول، فيكون قد عدم العقد الذي أفسده بعقد جديد يقع التقابض فيه متصلا به، وعلى القول
بأن العقد لا يثبت فإن لم يقبض أحد العوضين فلا كلام، وإن قبض أحدهما، فإن كان من
ذوات الأمثال كالدنانير المسكوكة فإن كان الصرف بينهما بالسعر الواقعة الآن رده مثل ما
أخذ، وإن كان بخلاف ذلك، فإن كان الحظ في فسخ العقد لغير الهارب رد المثل أيضا،
وإن كان الحظ في الفسخ له بالهروب خرج على قولين: أحدهما أنه يلزمه ضمان الثمن الذي
لزمه يوم العقد، والثاني إنما يلزمه رد ما أخذ وقد باء بإثم ما صنع. وإن كان المبيع من ذوات
القيم كالمصوغ خرج على قولين: أحدهما أنه يلزمه قيمته يوم بان به، والآخر أنه يلزمه
الأكثر من قيمته أو الثمن الذي رضي به. اه‍ باختصار. وما ذكره في المصوغ إنما هو إذا
تلف، أما إن كان قائما فيرد إلى ربه والله أعلم. وظاهر كلام ابن رشد أن التأخير عليه مؤثر
من غير خلاف فإنه لما تكلم على مسألة القلادة تأولها على أن الذهب الذي كان فيها يسير
والله أعلم ص: (أو عقد ووكل في القبض) ش: يعني أنه لا يجوز للانسان أن يعقد الصرف
ثم يوكل غيره في قبضه، وظاهره ولو قبض الوكيل بحضرة العاقد وهو خلاف ما حكاه
135

اللخمي وابن رشد على المذهب لا يفسد. زاد ابن بشير: ولكنه قال: يكره. قال ابن عرفة:
ولو وكل على قبض ما عقده بحضرته فطريقان: ابن رشد واللخمي عن المذهب لا يفسد،
زاد ابن بشير: ويكره. المازري عن ابن القاسم: لا خير فيه. أشهب: لا يفسخ إن وقع. ابن
وهب: لا بأس به. فأخذ بعضهم من قول ابن القاسم اشتراط كون العاقد القابض. قال ابن
عرفة: هذه الأقوال معزوة لقائلها إنما ذكرها الباجي في الحوالة اه‍. وعزا ابن رشد ما ذكره
للمدونة ولفظه في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من الصرف. ونص في المدونة
على أن الرجل إذا صرف لا يجوز له أن يذهب ويوكل من يقبض له، وإنما يجوز توكيله إذا
قبض الوكيل بحضرته قبل أن يفارقه.
قلت: ولم يذكر صاحب الطراز إلا الكراهة واعترض على من حكى عن مالك المنع.
وحمل الشارح كلام المصنف في الكبير والوسط على ما إذا غاب الموكل قبل قبض الوكيل
قال في الكبير: وإنما قيدنا كلامه بذلك لأنه إذا قبض قبل قيام الموكل فذلك جائز. نص
عليه ابن بشير وابن شاس اه‍. ويتعين حمل كلام المصنف على هذا. وقوله في الشامل: أو
بتوكيل في قبض وإن حضر على المشهور مشكل لأنه مخالف لما تقدم.
فرع: وعكس هذه المسألة لا يجوز أيضا إذا وكل في العقد وتولى القبض. وقد نص
في المدونة على الفرعين قال: وإن وكلت رجلا يصرف لك دينارا فلما صرفه أتيته قبل أن
يقبض فأمرك بالقبض وقام وذهب فلا خير في ذلك، ولا يصلح للرجل أن يصرف ثم يوكل
من يقبض له ولكن يوكل من يصرف له ويقبض له ا - ه‍. ويفهم من قوله: ذهب أنه لو كان
حاضرا جاز كما تقدم في الفرع قبله.
فرع: إذا كان دينا مشتركا بين رجلين فصرفاه معا ثم وكل أحدهما صاحبه في
القبض وذهب فقال ابن رشد في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب
الصرف: ظاهر المدونة أن ذلك لا يجوز إلا أن يقبضه بحضرته وأنه لا فرق بين أن يوكل
شريكه أو أجنبيا وهو الصواب. وظاهر ما في هذا الرسم ورسم البيع والصرف من سماع
أصبغ ونص ما في سماع أبي زيد أن ذلك جائز. فتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أنه
لا يجوز أن يذهب ويوكل من يقبض له في المسألتين. والثاني لا يجوز إلا أن يقبض
بحضرته في المسألتين. والثالث الفرق بين أن يوكل أجنبيا فلا يجوز إلا أن يقبض بحضرته
وبين أن يوكل شريكه فيجوز أن يقبض بعد ذهابه. اه‍ بالمعنى. وفهم صاحب الطراز أن هذا
القول موافق للمدونة وبنى على ذلك فرعين فقال في شرح مسألة الوكالة المتقدمة:
فرع: لو حضر الموكل والوكيل العقد وعقدا جميعا لصرف جاز أن يذهب الموكل
ويأمر الوكيل بالقبض، ولو لم يكن وكيلا إلا أنه حضر العقد وتكلم فيه وراوض الصراف
136

لجاز على قول ابن القاسم في رجلين بينهما دراهم صرفاها بدينار أو حلي أو تبر صرفاه
بنقرة، فلا بأس أن يوكل أحدهما الآخر بقبضه. والظاهر ما قاله ابن رشد فتأمله.
فرع: قال في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف: لا تجوز الحوالة
في الصرف وإن قبض المحال من المحال عليه مكانه قبل مفارقة الذي أحاله على مذهب
ابن القاسم خلافا لسحنون في إجازة ذلك إذا قبض المحال ما أحيل به مكانه قبل مفارقة
الذي أحاله اه‍. وما ذكره عن ابن القاسم هو في المدونة.
فرع: قال في رسم المذكور: ولا يجوز في الصرف حمالة قال ابن رشد: لأنها لا
تكون إلا بما يتأخر قبضه والصرف لا يكون إلا ناجزا إلا أن تكون الحمالة بالدنانير إن
استحقت الدراهم، أو بالدراهم إن استحقت الدنانير فيجوز وكذلك الرهن.
فرع: قال في رسم المذكور: ولا يجوز في الصرف خيار. قال ابن رشد: لأن الخيار
لا يجوز فيه النقد والصرف لا يجوز, أن يتأخر فيه النقد، فالصرف على الخيار فاسد كان
لهما أو لأحدهما غير أنه إن كان لهما جميعا فتمماه على العقد الأول وتناجزا بحضرة
اتفاقهما على إمضائه لم يفسخ إذا لم يكن لازما لواحد منهما قبل إمضائه، وكأنه إنما
انعقد بينهما ابتداء يوم أمضياه، وإن كان لأحدهما أو لغيرهما فسخ متى ما عثر عليه وإن طال
للزوم بيع الخيار للذي لم يشترط منهما اه‍. ولم يحك ابن رشد في ذلك خلافا بل قال في
المقدمات: لا خلاف في ذلك. وقال في كتاب البضائع والوكالات: لا يجوز بإجماع. ونقل
عنه ابن عرفة الاتفاق ونصه: قال ابن رشد: اتفاقا. ثم ذكر عن غيره الخلاف وذكر عن ابن
رشد في شرط الخيار قولين. قال ابن الحاجب: المشهور المنع. قال في التوضيح: والجواز
لمالك في الموازية.
فرع: وأما الخيار الحكمي ففي فساد الصرف به قولان. قال ابن رشد في رسم تأخير
صلاة العشاء من كتاب البضائع والوكالات: وفي فساد الصرف بالخيار الذي يوجبه الحكم
فيه دون أن ينعقد عليه قولان، أما إن انعقد عليه فلا يجوز بإجماع اه‍. وذكر المسألة أيضا
في رسم البيوع من سماع أشهب من كتاب المذكور من كتاب الصرف ويبني على ذلك
مسائل منها: من وكل على صرف دنانير فصرفها من نفسه أو وكله شخص على صرف
الدنانير وآخر على صرف دراهم فصرف دراهم هذا بدنانير هذا. وقد حصل ابن شد في رسم
إن خرجت من سماع عيسى من كتاب البضائع والوكالات ثلاثة أقوال في المسألتين: الجواز
فيهما جميعا، وعدمه فيهما جميعا، والجواز في الثانية دون الأولى، وعلى هذا الثالث اقتصر
ابن جماعة في مسائله. ولم يجعل ابن رشد من ذلك مسألة من أرسل معه دينارا ليشتري به
سلعة فتسلف الدينار ثم اشترى السلعة المأموم بها بدينار ثم جعل من عنده مكان الدينار
137

دراهم. قال في رسم القطان من السماع المذكور: لأنه استوجب ذلك بالدينار الذي لرب
الوديعة ثم صارف فيه بائع السلعة قال: ولو اشترى السلعة بدراهم لوجب عليه أن يعلم رب
الدينار بذلك ودخله الاختلاف المذكور. وجعل في سماع أشهب من ذلك من أرسل معه
بثوب ليبيعه ويشتري به شيئا فاشترى الشئ بدينار من عنده ثم باع الثوب بدراهم، ومن ذلك
مسألة من وكل على قبض دينار فأخذ عنه دراهم وقد ذكرها ابن عرفة. ص: (أو غاب نقد
أحدهما وطال أو نقداهما) ش: هو إشارة إلى مسألة السلف كما ذكر ابن غازي وتلقب هذه
المسألة بالصرف على الذمة والله أعلم. ونصها في التهذيب: وإن اشتريت من رجل عشرين
درهما بدينار في مجلس ثم استقرضت أنت دينارا من رجل إلى جانبك واستقرض هو
الدراهم من رجل إلى جانبه فدفعت إليه الدينار وقبضت الدراهم فلا خير فيه، ولو كانت
الدراهم معه واستقرضت أنت الدينار، فإن كان أمرا قريبا كحل الصرة ولا يبعث وراءه ولا
يقوم لذلك جاز ولم يجزه أشهب اه‍. قال في التوضيح: والحاصل أنهما إن تسلفا فاتفق ابن
القاسم وأشهب على الفساد لأن تسلفهما مظنة الطول فلا يجوز وإن لم يطل، لأن التعليل
بالمظان لا يختلف الحكم فيه عند تخلف العلة. وإن تسلف أحدهما وطال فكذلك، وإن لم
يطل فالخلاف بقول المصنف: أو نقداهما يريد طال أو لم يطل، فقيد الطول في قوله:
وطال إنما هو في نقد أحدهما كما قاله في التوضيح وقاله ابن عبد السلام.
تنبيه: قال في التوضيح: واختلف الأشياخ هل الخلاف في تسلف أحدهما مقيد بما
إذا لم يعلم الذي عقد على ما عنده أن الآخر لم يعقد على ما ليس عنده وأما إن علم ذلك
فيتفق على البطلان، أو الخلاف مطلق علم أم لا؟ طريقان نقلهما المازري اه‍ ص: (أو
بمواعدة) ش: هو متعلق بمحذوف أي وحرم صرف بمواعدة، وهذا القول شهره ابن
الحاجب وابن عبد السلام. وقال ابن رشد: هو ظاهر المدونة. وشهر المازري الكراهة، ونسبه
اللخمي لمالك وابن القاسم وصدر به في المقدمات، ونسبه لابن القاسم ونصه: وأما
138

المواعدة فتكره، فإن وقع ذلك وتم الصرف لم يفسخ الصرف عند ابن القاسم. وقال أصبغ:
يفسخ. ولعله قول ابن القاسم إذا لم يتراوضا على السوم وإنما قال له: اذهب معي أصرف
منك. وقول أصبغ إذا راوضه على السوم فقال له: اذهب معي أصرف منك ذهبك بكذا وكذا
اه‍. وقال ابن بشير: الكراهة محمولة على المراوضة وظاهرها المنع. ولابن نافع الجواز ونقل
ابن عرفة عن اللخمي أنه قال: والثلاثة جارية في بيع الطعام قبل قبضه. وقال سند: الأحسن
أن يمنع منه بدأ فإن وقع ذلك ولم يتصارفا فأكره أن يتصارفا، وإن تصارفا وفات العقد فلا
يرد اه‍. وقال في التوضيح: وأجاز هنا ابن مناس التعريض وهو صحيح اه‍. وقد نص عليه ابن
يونس ولفظه: وذكر عن أبي موسى بن مناس أنه كان يجيز التعريض في الصرف كما يجوز
في العدة مثل أن يقول: إني لمحتاج إلى دراهم أصرفها ونحو ذلك من القول.
قلت: وعلى ما أجازوه في النكاح من قوله: إني لك لمحب وفيك راغب يجوز أن
139

يقول هنا: إني أحب دراهمك وراغب في الصرف منك ونحوه والله أعلم. ص: (أو بدين إن
تأجل وإن من أحدهما) ش: هذه المسألة تلقب بالصرف في الذمة وهي أن يكون لأحدهما
على الآخر دينار أو دنانير وللآخر عليه دراهم فيتطارحان ما في الذمتين، وإن كان ما في
الذمتين مؤجلا أو ما في أحدهما لم يجز، وهو معنى قوله: وإن من أحدهما وإن حلا جميعا
جاز وهو مفهوم الشرط أعني قوله: وإن تأجل. وكذا إن كان الدين من جهة واحدة وأراد
من عليه الدين أن يصارف صاحبه عليه جاز إن كان قد حل ودفع إليه العوض الآخر في
ساعته قبل أن يفترقا. قاله في أول كتاب الصرف من المدونة. وعلة المنع في ذلك أن
المعجل لما في الذمة يعد مسلفا.
تنبيه: ولا فرق في الدين بين أن يكون في بيع أو قرض. قال في كتاب الصرف من
المدونة: ومن لك عليه دراهم إلى أجل من بيع أو قرض فأخذت بها منه دنانير نقدا لم يجز
ولو كانت الدراهم حالة جاز اه‍.
فرع: فإن كان لك على شخص دينار فجاءك بدراهم لتصرفها بدينار فلما وزنت
الدراهم وقبضتها أردت مقاصته في الدينار الذي لك عليه، فإن رضي بذلك جاز، وإن لم
يرض غرمت له دينار الصرف ولك مطالبته بدينارك. قاله ابن القاسم في المدونة. قال في
الطراز: ولأشهب في الموازية أن لك حبسه أحب أو كره. قال: ووجه قول ابن القاسم أن
صاحب الدينار أن أراد أخذ الدراهم عنه لم يلزم ذلك صاحب الدراهم، وإن أراد أخذ دينار
الصرف فلا يكون دينار الصرف لصاحبه حتى يقبضه قال: بخلاف ما لو باعك سلعة بدينار
140

وأردت مقاصته بالدينار كان لك ذلك لأنه لما انعقد البيع وجب له عندك دينار ولا
تتوقف صحته على القبض، فلما استقر له عندك دينار ولك عنده دينار كان لك أن
تقاصه.
فرع: فإن نزل ذلك وامتنعت من دفع الدينار وترافعتما إلى الحاكم فعلى
مذهب ابن القاسم يفسخ الصرف ويرد الدراهم، وعلى قول أشهب تم الصرف، فإن
حكم حاكم بقول ابن القاسم فلا ينقضه أشهب، وإذا حكم بقول أشهب فلا ينقضه ابن
القاسم.
فرع: فإن شرط عليك في ابتداء الصرف أنك لا تقاصه بذلك وتؤخره بما عليه، فإن
كان الدينار مؤجلا جاز، وإن كان حالا أو إلى أجل قريب واشترط أبعد منه فالصرف فاسد
وهو صرف وسلف، وإن شرط دفع الدينار إليه ولم يتعرض لتأخير ما عليه فظاهر الكتاب
جوازه وذكر اللخمي فيه ثلاثة أقوال: فقيل: الصرف فاسد، وقيل: الصرف صحيح ولك
حبسه قال: وهذا على أصل أشهب. وقيل: صحيح وليس لك حبسه بل تدفعه وتقوم بحقك
وهذا أليق بأصل ابن القاسم. اه‍ من الطراز بالمعنى.
فرع: قال في سماع أبي زيد فيمن له على رجل نصف دينار إلى أجل فدفع الذي
عليه الحق دينارا لصاحبه وأخذ منه بنصفه دراهم قال: لا خير فيه لأنه سلف وصرف ولو
دفع إليه بالنصف الباقي عروضا فكرهه ابن القاسم في أحد قوليه لأن سلف وبيع وأجازه
مالك وابن القاسم على قوله الثاني استخفافا له في البيع والسلف، ولم يستخفاه في الصرف
والسلف لأنه أضيق منه لأنه لو ترك مشترط السلف سلفه في البيع صح على خلاف فيه، ولو
تركه في الصرف لم يصح بلا خلاف والله أعلم.
ص: (أو غاب رهن أو وديعة ولو سك) ش: يعني أنه يجوز للمرتهن أن يصرف من
الراهن الذي عنده وهو غائب في بيته، وكذلك لا يجوز للمودع أن يصرف الوديعة التي في
بيته من مالكها وهي غائبة عنه، وسواء كان الرهن أو الوديعة مصوغين أو مسكوكين على
المشهور. وظاهر كلامه أن الخلاف إنما هو في المسكوكين لا في المصوغين وليس
كذلك، بل الخلاف في الجميع كما ذكره في التوضيح عن الجواهر. ومفهوم قوله: غاب
أنه لو حضر الرهن أو الوديعة جاز صرفهما وهو كذلك.
141

تنبيهات: الأول: قال اللخمي لو شرط المبتاع أن ضمان الوديعة من البائع حتى يصل
إلى بيته لم يجز اتفاقا. قاله اللخمي وقبله سند وغيره وعلله بعدم المناجزة. ولو شرط البائع
أنها في ضمان المبتاع بنفس العقد قال اللخمي: جاز اتفاقا. واعترضه صاحب الطراز وقال:
ينبغي أن لا يجوز ذلك عند ابن القاسم.
الثاني: لو تلف الرهن ووجبت فيه القيمة جاز صرفها، وكذا لو تسلف الوديعة أو
تعدى عليها وأتلفها ووجب عليه مثلها أو قيمتها جاز الصرف. وسكت عن هذا لوضوحه لأنه
داخل حينئذ في مسألة صرف الدين.
الثالث: قال في المدونة: ولو أودعته مائتي درهم ثم لقيته والدراهم في بيته فهضمت
عنه مائة على أن أعطاك مائة من غير المائتين لم يجز، وإنما يجوز أن تأخذ منها مائة وتدع
مائة. قال في الطراز: لو قال له تركت لك منها كذا وآخذ منك كذا فهي هبة صحيحة إن لم
يشترط ما يفسدها، فإن لم يزد على ذلك وكانت الدراهم في بيته فدفع له المودع مائة سلفا
له على الوديعة من غير شرط جاز إذا صرح بأن ذلك سلف حتى لو تلفت الوديعة رجع عليه
بما أسلفه. وإن أعطاه من عنده مائة بدلا عن المائة الباقية فهذا صرف مائة بمائة ليس يدا
بيد على أصل ابن القاسم، وهو لا يجيز أن يعاوضه عنها بذهب فكيف بدراهم؟ والصرف في
الجنس الواحد أضيق منه في الجنسين. أما إن كانت الحطيطة على أن يعجل له المائة عن
الباقي من الوديعة فهذا فاسد عند الجميع ص: (كمستأجر وعارية) ش: يعني أنه لا يجوز
صرف الحلي المستأجر ولا المعار إذا كانا غائبين تحت يد المستأجر والمعار وإنما يجوز
صرفهما إذا حضرا.
تنبيه: وإنما أخرهما عن قوله: ولو سك لينبه على أن المسكوك لا يتصور
فيه العارية ولا الإجارة على المشهور، وسيأتي في باب العارية أن إعارة النقود
والأطعمة قرض، وفي باب الإجارة المنع من إجارة المسكوك. وعلى القول بجواز
الإجارة في المسكوك لا يتأتى هذا الفرع أيضا لأنه يشترط فيه ملازمة المالك
لها والله أعلم. وإنما فصل المصنف المسألتين الأوليين عن الأخيرتين. فقال:
كمستأجر ولم يعطفهما بالواو، لأن الحكم في المسألتين الأوليين منصوص للمتقدمين،
142

وأما الأخيرتان فألحقهما المتأخرون بهما كما قاله في الجواهر ونقله في التوضيح عنها
ص: (ومغصوب إن صيغ) ش: هذا الشرط راجع للمغصوب فقط لا لما تقدم، والمعنى
أن المغصوب المصوغ لا يجوز صرفه إذا كان غائبا عن مجلس الصرف، ومفهوم الشرط
أنه إن كان مسكوكا جاز صرفه ولو كان غائبا وهو كذلك على المشهور. قاله ابن
الحاجب وغيره.
فرع: وفي معنى المسكوك ما لا يعرف بعينه من المكسور والتبر. قاله في
التوضيح ص: (إلا أن يذهب فيضمن قيمته فكالدين) ش: يعني أن ما تقدم من
منع صرف المصوغ المغصوب إنما هو إذا كان قائما، فإن ذهب ولزمت الغاصب
قيمته فإنه يجوز صرف القيمة حينئذ لأنها كالدين. وما ذكره من لزوم القيمة
إذا تلف الحلي المصوغ قال في التوضيح: هو المشهور، لأن المثلي إذا دخلته صنعة
صار من المقومات ومقابله يقول: إنما يلزمه مثله وعليه فتصح المصارفة على وزنه
والله أعلم.
فرع: فإن لم تذهب عين المغصوب بالكلية ولكنه تعيب تعيبا يوجب لصاحبه الخيار
في أخذه أو تضمينه للغاصب فيخير صاحبه، فإن اختار أخذه جاز صرفه إن أحضره اتفاقا،
وإن لم يحضره لم يجز صرفه على المشهور كما تقدم، وإن اختار القيمة فهي دين في
ذمة الغاصب فتجوز مصارفته عليها على المشهور. قاله في التوضيح ص: (وبتصديق فيه
143

كمبادلة ربويين) ش: أي وكذلك لا يجوز الصرف بتصديق أحدهما الآخر في وزن أو صفة.
وقيل: يجوز. وقال اللخمي: أي إن كان ثقة صادقا جاز التصديق وإلا فلانة. وقيل: يكره
التصديق وحكى الأربعة ابن عرفة.
فرع: قال ابن رشد في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الصرف بعد أن ذكر
الخلاف في التصديق في الصرف وفي مبادلة الطعامين: فإذا وقع لم يفسخ للاختلاف
الحاصل في ذلك انتهى. وهو خلاف ما ذكره ابن يونس من أنه لا بد من نقض الصرف وإن
وجده كما ذكره ونصه: ولا يجوز التصديق في الصرف الأول ولا في بدل الطعامين قال: ولا
يجوز أن يصارفه سوارين على أن يصدقه في وزنهما وينقض البيع، وإن افترقا ووجدهما
كذلك فلا بد أن ينتقض، فلو وزنهما قبل التفرق فوجد نقصا فرضيه أو زيادة فتركها الآخر
فذلك جائز. محمد: قال أشهب: في افتراقهما على التصديق فيجد زيادة أو نقصا فترك
الفضل من هو له جاز ذلك. وكذلك إن كانت دراهم فوجد فيها رديئة أو دون ما قال من
الوزن فيترك ذلك ولا يتبعه أن ذلك جائز بينهما انتهى ص: (ومقرض ومبيع لأجل ورأس
مال سلم ومعجل قبل أجله) ش: وانظر إذا صدق في هذه المسائل ما الحكم في ذلك ص:
144

(وبيع وصرف) ش: أي وحرم اجتماع بيع وصرف وهو المشهور خلافا لأشهب. قال في
التوضيح: وعلى المشهور فإن وقع فقيل هو كالعقود الفاسدة فيفسخ ولو مع الفوات، وقيل
هو من البياعات المكروهة فيفسخ مع القيام لا مع الفوات. ابن رشد: وهو المذهب انتهى.
وكذلك السلف والصرف لا يجوز اجتماعهما. قال ابن رشد: وهو أضيق من البيع والسلف
لأنه إذا ترك مشترط السلف شرطه أو رده جاز البيع على المشهور إذا كانت السلعة قائمة،
وإن ترك مشترط السلف شرطه في السلف والصرف لم يجز، ولا بد من فسخه بلا خلاف،
ولا يجوز في قول قائل أن يمضي الصرف إذا رضي مشترط السلف بتركه. انتهى من سماع
أبي زيد من كتاب الصرف.
تنبيهات: الأول: مما يدخل في ذلك مسألة أول سماع أبي زيد فيمن له على رجل
نصف دينار إلى أجل فدفع الذي عليه الحق نصف دينار دراهم وأخذ منه دينارا قبل الاجل
قال: لا خير فيه لأنه سلف وصرف، لأن المعجل لما في الذمة قبل أجله يعد مسلفا. قيل له:
فإن دفع له بالنصف الباقي عرضا فأجازه مالك وابن القاسم في أحد قوليه ومنعه ابن القاسم
في قوله الثاني. قال ابن رشد: وهو القياس لأن تعجيل نصف الدينار سلف فلا يجوز أن
يقارنه بيع كما لا يجوز أن يقارنه صرف. وإنما أجازه مالك وابن القاسم في أحد قولين في
البيع لأنهما استخفاه فيه لقلته ولم يستخفاه في الصرف لأنه أضيق من البيع وذكر ما تقدم.
الثاني: قال في التوضيح عن القرافي: لا يجتمع مع البيع عقود ستة يجمعها قولك:
جص مشنق فالجيم للجعالة، والصاد للصرف، والميم للمساقاة، والشين للشركة، والنون
للنكاح، والقاف للقراض لتضاد أحكامها وأحكام البيع ونظمها بعضهم فقال:
عقود منعناها مع البيع ستة * * ويجمعها في اللفظ جص مشنق
فجعل وصرف والمساقاة شركة * * نكاح قراض منع هذا محقق
وقد نظمت العقود المذكورة في بيتين مع زيادة فائدة أخرى فقلت:
نكاح وصرف والمساقاة شركة * * قراض وجعل فامنعنها مع البيع
145

كذا القرض فامنع مع عقودك كلها * * سوى عقد معروف يكون على الطوع
قلت: وقد نص على ذلك في كتاب الصرف من المدونة فقال: لا يجوز صرف وبيع
في صفقة، ولا شركة في نكاح وبيع، ولا جعل وبيع، ولا قراض وبيع، ولا مساقاة وبيع.
وقال اللخمي في تبصرته بعد أن ذكر قول مالك بالمنع في هذه الستة: وقد اختلف في
جميع ذلك. وقال أبو الحسن الصغير: ذكر ستة عقود تمنع مع البيع وكذلك السلف مع
البيع. وقد نظمها بعضهم فقال:
تجنب عقودا سبعة فهي كلها * * مدى الدهر عندي لا تجوز مع البيع
نكاح وقرض أو قراض وشركة * * وجعل وصرف والمساقاة في المنع
انتهى. وذكرها البرزلي في أوائل البيوع وبين وجه منافاة البيع لكل واحد من هذه
العقود وذكرها منظومة في أبيات خمسة. وذكر البيتين اللذين ذكرهما أبو الحسن، وذكر أن
المنع هو مذهب ابن القاسم وأن أشهب يخالفه في هذه العقود. وذكر أن المغارسة لا تجوز
مع البيع وأنها داخلة في الجعل. وقال في الشركة مع البيع: وهذا إذا استقلت الشركة عن
البيع ولو كانت داخلة في البيع فهي جائزة. ونص عليه سحنون وهو ظاهر المدونة. ونص
ابن رشد في رسم أمهات الأولاد من سماع عيسى من كتاب تضمين الصناع، وفي رسم
نقدها من سماع عيسى أيضا من كتاب الشركة، أن مذهب ابن القاسم منع البيع مع الشركة
وإن كانت داخلة في البيع خلافا لسحنون. فمنع ابن القاسم الشركة بالطعامين وبالدنانير من
جانب والدراهم من آخر. وزاد في المسائل الملقوطة السلم والإقالة وقال: جمعها بعضهم في
قوله: جص نقش قس انتهى. وقال الجزولي في قول الرسالة: ولا يجوز بيع وسلف،
وكذلك ما قارن السلف من إجارة أو كراء. قال أبو عمران: حصره أن تقول كل عقد معاوضة
لا يجوز أن يقارنه السلف، وإن كان غير معاوضة ما قارن السلف كالصدقة نظرت، فإن
كانت الصدقة من صاحب السلف جاز وإلا منع لأنه أسلفه على أن يتصدق عليه والسلف لا
يكون إلا لوجه الله تعالى انتهى. وقولي مع عقودي كلها يشمل القراض والشركة وهو كذلك
فلا يجوز مقارنتهما للسلف إلا إن كان النفع في ذلك للمتسلف فيكون حينئذ كعقود
المعروف كما أن الصورة التي ذكرها الجزولي في الصدقة ليست من عقود المعروف فهي
خارجة من ذلك والله أعلم.
الثالث: اجتماع البيع مع الخلع جائز كما تقدم في باب الخلع، واجتماع البيع
والإجارة جائز على تفصيل يأتي في باب الإجارة. والصرف نوع من أنواع البيع فيمنع مع
العقود التي تمنع مع البيع بل هو أشد كما تقدم، فلا يجوز أن يجمع الصرف مع نكاح ولا
في دينار واحد بأن يتزوج بنصف دينار ويدفع لها دينارا ويأخذ منها بالنصف الباقي دراهم،
ولا مع المساقاة والقراض والشركة والجعل بل لا يجوز اجتماع الصرف مع الإجارة لأنها
146

بيع وهو لا يجوز مع البيع بل ولا يجوز اجتماع ذلك في دينار واحد على أصل ابن القاسم
الذي لا يرى أن قبض الشئ المستأجر يستوفي منه الكراء كقبض جميع المنفعة. وما وقع
في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف من إجازة ذلك قال ابن رشد
فيه: إنه على خلاف أصل ابن القاسم وإنما يأتي على مذهب أشهب الذي يرى أن قبض
الشئ المكتري يستوفى منه قبض جميع الكراء انتهى. نعم إن عقد الإجارة بنصف دينار
واستوفى المنافع ثم دفع دينارا وأخذ نصفه، فالظاهر على المشهور جوازه. وكذلك لو جعل
لشخص نصف دينار على عمل فعمله واستحق الجعل لجاز أن يدفع له الجاعل دينارا ويأخذ
منه نصف دينار فضة.
الرابع: قال في كتاب الشركة من المدونة: ولا يصلح مع الشركة صرف ولا قراض.
قال ابن ناجي في شرحها: قال المغربي: يقوم من هنا أن الستة التي لا يجوز اجتماعها مع
البيع لا يجوز اجتماعها فيما بينها ومثله في المساقاة انتهى ص: (أو يجتمعا فيه) ش: سواء
كان البيع أكثر أو الصرف أكثر. فالأول كما لو اشترى منه سلعة بتسعة دنانير ونصف أو ربع
ونحو ذلك من الكسور ودفع إليه عشرة دنانير على أن يدفع إليه بقية الدينار العاشر دراهم.
والثاني كما لو صرف منه عشرة دنانير كل دينار بعشرين درهما على أن يعطيه مائة وتسعين
درهما ويعطيه بالباقي طعاما أو ثوبا.
فروع: الأول: إذا وقع البيع والصرف على الوجه الجائز فلا بد من تقديم السلعة على
المعروف تغليبا لحكم الصرف خلافا للسيوري في إبقاء كل من البيع والصرف على
حكمهما حال الانفراد فأوجب تعجيل الصرف وأجاز تأخير السلعة. قاله في التوضيح. وقال
ابن عرفة: والمذهب أن وجوب المناجزة في سلعة البيع والصرف كنقده انتهى.
قلت: وقد نص في كتاب الصرف من المدونة على أنه لا يجوز تأخير السلعة التي مع
الصرف، وسيأتي شئ من ذلك قريبا في المسألة التي بعد هذه.
147

الثاني: إذا وقع البيع والصرف على الوجه الجائز ثم وجد بالسلعة أو بالدينار أو
بالدراهم عيبا وقام به واجده قال مالك في الموازية: انتقض الجميع. قال سند: واختلف عنه
إذا كان الصرف تابعها، فروى ابن القاسم عنه فيمن باع ثوبا بدينار إلا درهمين فتناقدا، ثم
وجد بالدرهم عيبا أن له بدله وليس هذا مثل الصرف. قال في المنتقى: يريد أنه لما كان
الغالب البيع وكان الصرف تبعا كان حكمه في البدل حكم البيع، وروى ابن وهب: ينتقض
الجميع. وهذا هو قياس حكم الصرف على أصل مالك والذي قاله ابن القاسم استحسان.
الثالث: قال في الطراز: فلو انعقدت الصفقة بينهما بيعا محضا ثم دخل على ذلك
الصرف كما لو ابتاع ثوبا بنصف دينار، فلما أراد أن يدفع الثمن دفع دينارا وتعجل الثوب
ونصف دينار دراهم ثم وجد بالثوب أو بالدراهم عيبا قال مالك في الموازية: ينتقض الجميع.
وقال محمد: لا ينتقض إلا صرف الدرهم. وذكر القباب في آخر رسم الشراء ببعض المعين
أن ابن المواز قيد كلام مالك بما ذكر ولم يذكره على أنه خلاف له، وأنه استبعد فسخ
العقد على الاطلاق قال: وقال المازري: يبعد إبقاء جواب الامام على إطلاقه لامكان أن
يكون الامام رآه من باب التهم على القصد إن التأخير. وجزم القباب في مسألة قبل هذا
الكلام بيسير أن ما كان بعد عقد البيع لا يفسد به البيع وهذا هو الظاهر خصوصا إذا دلت
على ذلك قرائن الأحوال والله أعلم.
الرابع: إذا وقع البيع والصرف على الوجه الممنوع فقيل: هو كالعقود الفاسدة يفسخ
ولو مع الفوات. وقيل: هو من البياعات المكروهة فيفسخ مع القيام لا مع الفوات. قال ابن
رشد: وهو المذهب. قاله في التوضيح وتبعه في الشامل مصدرا بالقول الثاني وضعف الأول
ب‍ " قيل " وفروع الباب كثيرة ذكرنا منها الضروري والله أعلم ص: (وسلعة بدينار إلا درهمين)
ش: هذه المسألة من فروع البيع والصرف، وإنما خصها بالذكر لأنهم جوزوا ما لم يجوزوه
في مسألة البيع والصرف وذلك قال: إنهم أجازوا هنا أن تتقدم السلعة ويتأخر النقدان كما
أشار إلى ذلك بقوله: بخلاف تأجيلهما في التوضيح. فإن قلت: لم جوزوا هنا ما لم
يجوزوه في مسألة اجتماع البيع والصرف؟ فالجواب أنه سؤال حسن ولعلهم راعوا أن
الاستثناء أصله أن يكون يسيرا والضرورة تدعو إلى اليسير، والمتبايعان إنما بنيا كلامهما أولا
148

على البيع فكان الصرف غير مقصود بخلاف البيع والصرف فإنهما لما أتيا أولا بالبيع
والصرف علم أنهما مقصودان.
تنبيهان: الأول: قوله: إلا درهمين بيان لليسير الذي اغتفر معه تأجيل النقدين في هذه
المسألة. فلو كان المستثنى ثلاثة دراهم أو أكثر رجع ذلك إلى البيع والصرف ولم يجز ذلك
إلا مع تعجيل الجميع. قاله في المدونة، بل قال فيها: إنه استثقل الدرهم والدرهمين ونصها:
ولا بأس بشراء سلعة بعينها بدينار إلا درهما إن كان ذلك كله نقدا، فإن تأخر الدينار أو
الدرهم أو السلعة وتناقدا الباقي لم يجز. وروى أشهب عن مالك: إن كان الدينار والدرهم
نقدا والسلعة مؤخرة فجائز. قال ابن القاسم: وإن تأخر الدينار والدرهم إلى أجل واحد
وعجلت السلعة فجائز، وكذلك إن اشتراها بدينار إلا درهمين في جميع ما ذكرنا، فإن كانت
بدينار إلا ثلاثة دراهم لم أحب ذلك إلا نقدا. وجعل ربيعة الثلاثة كالدرهمين، ولم يجز مالك
الدرهم والدرهمين إلا زحفا، فأما الدينار إلا خمسة دراهم أو عشرة فيجوز هذا نقدا، ولا
ينبغي التأخير في شئ منه للغرر فيما يفترق ذلك من الدينار عند الاجل في حال الصرف.
قال أبو الحسن: قوله: لم أحب في الأمهات لا خير فيه فظاهره أن ذلك مع التأخير حرام.
وقوله: إلا زحفا أي استثقالا وكراهة. وقوله: ولا ينبغي التأخير في شئ من ذلك يعني لا
يجوز يدل عليه تعليله بالغرر.
الثاني: لو تعددت الدنانير والدراهم على حالها كما لو اشترى سلعة بدينارين إلا
درهمين أو بثلاثة دنانير أو أربعة دنانير إلا درهمين، فالحكم كما تقدم، فإن تأجلت الدنانير
والدرهمان جاز. وأما لو تعجل دينارا أو دينارين وتأخر دينار مع الدرهمين لم يجز. قال في
المدونة: وإن ابتعت سلعة بخمسة دنانير إلا درهما أو درهمين فنقدته أربعة دنانير وتأخر
الدينار الباقي والدرهم، أو نقدته وأخذت الدرهم وأخرت الأربعة لم يجز ذلك إذ للدرهم في
كل دينار حصة. ص: (أو السلعة) ش: هو مذهب المدونة خلاف قول أشهب فيها، وأطلق
رحمه الله المنع كظاهر المدونة. وقال في التوضيح: قيل: والمشهور فيما إذا تأجلت السلعة.
وقيد في الموازية بما عدا التأخير اليسير قال: إن لا يتأخر الثوب بمثل خياطته أو يبعث في
أخذه وهو بعينه فلا بأس به. ص: (بخلاف تأجيلهما) ش: تقدم في كلام المدونة جواز ذلك.
149

تنبيهات: الأول: اختلف فيما يقضى به إذا حل الاجل، فقال ابن الحاجب: وفيها
ويقضى بما سميا. وقيل: بدراهم ويتقاصان. قال في التوضيح: اختلف فيما يقع به القضاء،
فحكى عن المدونة أن البائع يعطي الدرهم أو الدرهمين ويأخذ الدينار وليس ما نسبه للمدونة
صريحا فيها بل هو ظاهرها عند الأكثر، وصرح المازري بمشهوريته. ومنهم من فهمها على
معنى القول الثاني وهو أن البائع إذا حل الاجل إنما يأخذ صرف دينار ينقص درهما أو
درهمين انتهى. وقال ابن عرفة المازري: إن كان الدرهم والدينار منقودين فالمشهور دفع البائع
الدرهم مع الثوب، وإن كانا مؤجلين فذكر القولين.
الثاني: لا بد من اتحاد أجل الدينار والدرهم كما تقدم ذلك في نص المدونة.
الثالث: إذا وجد في الدرهمين عيب فهل يجوز البدل أو لا بد من نقض الصفقة؟ تقدم في
كلام صاحب الطراز في ذلك قولان، ونقلهما اللخمي وابن عرفة. قدم ابن رشد في
سماع ابن القاسم من كتاب الصرف إجازة البدل، وفي كلام ابن رشد ميل لترجيحه والله
أعلم.
الرابع: إن قيل: إذا منعت المسألة مع تأجيل أحد النقدين فينبغي أن يمنع مع تأجيلهما
من باب أولى. فالجواب أن الاعتناء بالتقديم يدل على أنه المقصود عند المتبايعين، فإذا
تقدمت السلعة وتأخر النقدان دل تقديمهما على أن البيع هو المقصود بخلاف ما إذا تقدم
أحدهما فإنه يدل على أن الصرف مقصود ولم يحصل شرطه وهو المناجزة. قاله في
التوضيح.
فرع: قال في المدونة: وإذا ابتعت سلعة بنصف دينار أو ثلث أو ربع وقع البيع على
الذهب وتدفع إليه ما تراضيتما، فإن تشاححتما قضى عليك في جزء الدينار بدراهم بصرف
يوم القضاء لا يوم التبايع. وقال اللخمي: وإذا باع سلعة بنصف دينار أو بدينار فوهب له نصفه
لم يحكم على الغريم فيه إلا بدراهم بصرف يوم القضاء إلا أن يشاء الغريم أن يأتي بدينار
فيكونان شريكين فيه فلا يكون للطالب في ذلك مقال لأن دفع الدراهم من حق الغريم لا
عليه.
فرع: فلو باعه سلعة بنصف دينار فلم يقبضه حتى باعه سلعة أخرى بنصف دينار
لحكم للطالب بدينار صحيح. قاله في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من
كتاب الصرف ونقله اللخمي عن الموازية. قال ابن رشد: وهذا كما قال، لأنه إنما قضى
لمن وجب له نصف دينار يصرفه من الدراهم من أجل أن الدينار القائم لا ينقسم، فإذا وجب
له نصفان أعطاه دينارا قائما كما ثبت له في ذمته ولم يكن له أن يقطعه عليه ليعطيه دراهم
إذا كان موسرا، ولو كان معسرا وأتاه بنصف دينار لجبر على أن يأخذه ويتبعه بالنصف الآخر،
150

ولم يكن له أن يقول: أنا أؤخره حتى يوسر فيعطي دينارا، ولو باعه بدينار قائم بخلاف ما إذا
كان قائما بنصف دينار وهو معسر فأبى أن يأخذ وقال: أنا أنظره حتى يوسر فآخذ منه دينارا
لكان له ذلك بخلاف ما إذا كان له ديناران فأتاه بأحدهما وهو معسر فأبى أن يأخذه فإنه
يجبر على أخذه انتهى بالمعنى.
قلت: ولا يفهم من قوله فيما إذا كان له عليه دينار وهو معسر فجاءه بنصفه دراهم أنه
لا يجبر على ذلك أن ذلك يجوز برضاه أن يصارفه على الدينار بدراهم يأتيه بها مفرقة، وإنما
ذلك إذا كان يصارفه بما جاء من الدراهم على جزء من الدينار ص: (كدراهم من دنانير
بالمقاصة إلى آخره) ش: يعني إذا تعددت السلعة والدنانير والدراهم المستثناة كما لو
اشترى مائة ثوب كل ثوب بدينار إلا درهما أو درهمين، فلا يخلو إما أن يقع البيع على
المقاصة أو لا. فإن وقع البيع على المقاصة بمعنى أنه كلما اجتمع من الدراهم المستثناة قدر
صرف دينار أسقطاه من الدنانير ويتفقان على أن صرف الدينار كذا كذا درهما، فلا يخلو
حينئذ إما أن لا يفضل من الدراهم شئ فيجوز البيع حينئذ، سواء كان نقدا أو إلى أجل، لأن
البيع حينئذ إنما وقع بالدينار، وكما لو اشترى عشرة أثواب كل ثوب بدينار إلا درهمين على
المقاصة وعلى أن صرف الدينار عشرون درهما، فيكون ثمن الأثواب تسعة دنانير، وإن فضل
بعد المقاصة درهم أو درهمان فيجوز أيضا نقدا أو إلى أجل إذا تأخرت الدنانير والدراهم أو
الدرهمان إلى أجل واحد كمسألة سلعة بدينار إلا درهمين كما لو اشترى أحد عشر ثوبا كل
ثوب بدينار إلا درهمين على المقاصة وعلى أن صرف الدينار عشرون درهما، فيكون ثمن
الأثواب عشرة دنانير إلا درهمين وإن فضل أكثر من درهمين فيجوز إن كان نقدا ولا يجوز
إن كان لأجل كالبيع والصرف كما لو اشترى اثني عشر ثوبا على الحكم المتقدم لأن الثمن
حينئذ أحد عشر دينارا إلا أربعة دراهم. ومفهوم قوله: بالمقاصة أنه لو وقع البيع ولم يشترطا
المقاصة لم يجز، وليس على إطلاقه بل يرجع إلى ما تقدم فيجوز إن كانت الدراهم
151

المستثناة درهمين نقدا كان أو إلى أجل كما تقدم، كما لو اشترى ثوبين كل واحد بدينار إلا
درهما. وإن كانت الدراهم المستثناة أكثر من درهمين وهي دون صرف دينار فيحوز نقدا ولا
يجوز إلى أجل كالبيع والصرف. وإن كانت أكثر من صرف دينار فلا يجوز نقدا ولا إلى
أجل على المشهور من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك من منع اجتماع البيع والصرف. ولا
تقع المحاسبة بعد البيع إذا لم يقع البيع بينهما على ذلك. هذا تحصيل ابن رشد في
آخر سماع أشهب من كتاب الصرف ونقله في التوضيح ص: (وصائغ يعطي الزنة والأجرة)
ش: يعني أنه لا يجوز أن يشتري الشخص من الصائغ فضة بوزنها فضة ويدفعها له يصوغها
ويزيده الأجرة كما لا يجوز له أن يراطل الشئ المصوغ بفضة ويزيده الإجارة. قاله ابن
حبيب في الواضحة. زاد ابن عرفة فقال: ولا يجوز أن يراطله الفضة ثم يدفعها إليه في
المجلس ولو لم يذكر له أنه يريد صوغها حتى يتفرقا ويبعد ما بين ذلك.
152

قلت: ولو اشترى من الصائغ فضة بذهب ودفعها إليه ليصوغها لم يجز لعدم المناجزة،
153

وقد تقدم أنه يجوز أن يودع أحد العوضين عند صاحبه والله أعلم ص: (وبخلاف درهم
بنصف وفلوس أو غيره في بيع وسكا واتحدت وعرف الوزن وانتقد الجميع كدينار إلا
درهمين وإلا فلا) ش: هذه المسألة تعرف بمسألة الرد في الدرهم. وصورتها أن يعطي
الانسان درهما ويأخذ بنصفه فلوسا أو طعاما أو غير ذلك، وبالبعض الباقي فضة. والأصل فيها
المنع كما تقدم أنه لا يجوز أن يضاف لاحد النقدين في الصرف جنس آخر لأنه يؤدي إلى
الجهل بالتماثل، والجهل بالتماثل كتحقق التفاضل، وهذه المسألة مستثناة من القاعدة
المذكورة للضرورة، وكان مالك يقول بكراهة الرد في الدرهم، ثم خففه لضرورة الناس. ولما
رجع إليه أخذ ابن القاسم وهو المشهور من المذهب ومنع من ذلك سحنون، وفصل أشهب
ما أجازه حيث لا فلوس ومنعه في بلد يوجد فيه الفلوس، وهذه طريقة أكثر الشيوخ. وجعل
ابن رشد الخلاف في البلد الذي فيه الفلوس. وعلى المشهور فذكروا للجواز شروطا ذكر
المصنف غالبها.
الأول: أن يكون ذلك في درهم واحد، فلو اشترى بدرهم ونصف لم يجز أن يدفع
154

درهمين ويأخذ نصفا، وكذلك لو اشترى بدرهمين ونصف لم يجز أن يدفع ثلاثة ويأخذ
نصفا، وكذلك ثلاثة ونصف. وفهم بعض طلبة العلم من أهل عصرنا أن معنى هذا الشرط أن
لا يشتري الشخص سلعتين أو أكثر كل سلعة بنصف درهم ويرد في كل سلعة نصف درهم
قال: وأما الصور التي ذكرناها فجائزة، وما قاله ليس بصحيح. أما المنع في المسائل التي
ذكرناها فقد صرح به غير واحد. قال القباب في شرح مسائل ابن جماعة التونسي في البيوع.
الثاني: أن يكون ذلك في الدرهم الواحد احترازا من أن يدفع إليه كبيرين أو ثلاثة أو
أكثر ويسترد فيها درهما صغيرا فإنه يرجع إلى أصل المنع. نص عليه ابن رشد في سماع
عيسى، ونقله عياض عن ابن أبي زمنين. وعبر ابن عرفة عن هذا الشرط بقوله: وشرط الرد
على المشهور متفقا عليه كونه في درهم كل الثمن وسكة المردود وعدم زيادته على
النصف. وأما الصور التي ذكرها فالمنع فيها ظاهر لأنه إن كان العقد وقع على السلعتين أو
السلع جميعا فهذا حكمه حكم العقد الواحد ففي السلعتين يدفع له درهما ولا يجوز أن يدفع
له درهمين ويأخذ صرف درهم كامل، وفي السلع الكثيرة المنع أظهر. وهذا الشرط يستفاد
من قول المصنف: بخلاف درهم ويستفاد منه شرط ثان وهو أنه لا يجوز الرد في الدينار
وهذا هو المعروف من المذهب. قال ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب الصرف لما
تكلم على مسألة الرد في الدرهم: والمعروف منع رد الذهب في مثله. ونقله بعضهم جواز
الرد فيه ولم يوجد النقل الذي نقله لغيره اه‍. وقال ابن عرفة بعد أن نقل منع الرد في الدينار:
قلت: نقل بعضهم جواز الرد في الدينار لا أعرفه. ونقل عن بعض عدول بلدنا
المدرسين أنه أفتى به فبعث إليه القاضي ابن عبد السلام وأتاه فسأله عما نقل عنه ليؤنبه على
ذلك فأنكر فتواه بذلك اه‍.
تنبيه: هذا في غير الدينار المشترك بين اثنين. قال ابن ناجي في شرح المدونة في
مسألة الحلي المشترك: أفتى ابن عبد السلام بجواز رد الذهب في مثله للشريكين في دينار
مثلا أخذا من قولها في الحلي من باب أحرى لأن قطع الحلي يجوز بخلاف قطع الدينار،
وبذلك أفتى أبو علي بن قداح ثم رجع إلى المنع لما بلغه عن غير واحد من التونسيين ممن
كان في طبقة شيوخه كالشيخ أبي محمد الزواوي وأبي القاسم بن زيتون، ونص على الجواز
أبو حفص العطار واللخمي ولم يحفظ الشيخان الأولان نصهما اه‍. وفهم من حصر المصنف
المسألة في نصف وفلوس مسألتان: إحداهما أنه لا يشترط في المسألة أن يكون ذلك في بلد
ليس فيه فلوس خلافا لبعضهم. نقله ابن يونس وذكره في التوضيح. والثانية أنه يجوز أن يرد
الفلوس مع الفضة. ونقل في التوضيح عن أشهب المنع وعبر عنه ابن رشد بالكراهة. نقل
ذلك في التوضيح وغيره.
155

الشرط الثالث: أن يكون المردود النصف فأقل، فإن كان المردود أكثر من النصف لم
يجز خلافا لأشهب. وقوله في المدونة وإن أخذت بثلثه أي الدرهم طعاما وباقيه فضة فمكروه
اه‍. قال أبو الحسن: أي حرام وفي الأمهات فلا يجوز اه‍. ومسألة المدونة هذه في الصرف
في ترجمة الذي يصرف الدنانير بدراهم ثم يصرفها بدنانير من رجل واحد.
الشرط الرابع: أن يكون ذلك في بيع يريد أو ما في معناه من إجارة أو كراء ولا يجوز
في صدقة ولا هبة ولا قرض.
تنبيه: قال القباب: إنما يجوز الرد في الكراء والإجارة بعد استيفاء جميع المنافع، فلا
يجوز أن يعطى نعله ودلوه لمن يخرزه على أن يعطيه درهما كبيرا ويرد عليه الصانع درهما
صغيرا ويترك عنده شيئه حتى يصنعه. ويجوز ذلك بعد تمام العمل إذا لم يكونا دخلا على
ذلك في أصل العقد اه‍.
تنبيه: وعلى هذا وقع الخلاف بين التونسيين فيمن اشترى لبنا أو مخيضا في إناء من
عند البائع يحمل فيه بنصف درهم، على أن البائع يرد إليه نصفا، فمنهم من أفتى بالمنع نظرا
إلى أنه بيع وإجارة ولم تستوف فيها المنفعة، ومنهم من أفتى بجوازه ليسارة منفعة الحمل
في الآنية. نقل القولين ابن عرفة في الكلام على البيع والصرف، وفي كلامه ميل إلى الجواز.
ونقل ذلك ابن ناجي في شرح المدونة ثم قال: وبالمنع كان يفتي شيخنا الشبيبي إلا أن
يظهر أنه لا حصة للاناء من الثمن لوصلة تكون بينه وبينه بحيث إنه لو اشترى من عند غيره
وطلبه فيه فإنه يعيره اه‍.
قلت: أو ليساره ثمنه بحيث إنه لو جاء المشتري بإناء من عنده لم ينقص له من
الثمن.
الشرط الخامس: أن يكون الدرهم والنصف مسكوكين.
الشرط السادس: أن تتحد سكتهما. وانظر ما معنى هذا الشرط وما المراد منه؟ هل هو
أن يكون الدرهم والنصف سكة ملك واحد، أو أن يكونا من سكة مملكة واحدة، ولو
تعددت الملوك إذا كان التعامل بين الناس بتلك السكك، ولو كان الدرهم من سكة ملك
والنصف من سكة ملك آخر ولكن جرى التعامل بين الناس على أن هذا نصف هذا، وعلى
هذا تدل فتاوى المتأخرين. انظر البرزلي. واحترزوا بذلك مما إذا دفع درهما من سكة لا
يتعامل بها ورد عليه من سكة أخرى أو بالعكس، فلا يجوز ذلك لأن ذلك إنما أجيز للضرورة
ولا ضرورة فيما إذا كان الدرهمين من سكة لا يتعامل بها.
الشرط السابع: أن يكون الدرهم ونصفه معروفي الوزن، وانظر ما المراد بهذا الشرط
أيضا، هل هو أن يكون وزن النصف قدر نصف وزن الدرهم، أو المراد معرفة وزن كل منهما
156

ولو علم أن وزن النصف أكثر من من وزن نصف الدرهم أو أقل؟ الظاهر الأول ولذلك وقع
الخلاف بين المتأخرين فيما إذا كان وزن النصف المردود أكثر من الوزن من وزن نصف
الدرهم ولكنه لا يروح إلا بنصف درهم. قال ابن ناجي في شرح المدونة في كتاب الصرف:
فمن المتأخرين من يجيزه اعتبارا بالنفاق، ومنهم من يمنعه اعتبارا بالوزن، والظاهر الجواز لأن
أصل هذا الباب للضرورة، فإن جرى التعامل بأن هذا نصف هذا فلا عبرة بزيادة وزنه مع
تحقق الضرورة للرد، ولهذا لم يذكر ابن عرفة هذا الشرط ولا الشرط الذي قبله والله أعلم.
وقد ذكر البرزلي مسألة تدل على ما اخترناه في هذين الشرطين ونصها في مسائل الصرف:
وقعت مسألة سألت عنها أشياخنا فاختلفوا فيها وهي أن التعامل كان بتونس بالدراهم عددا
فجعل قدر الدراهم والانصاف والأربع لاختلاف السكك وتساويها في النفاق ولكنها صارت
آحادها مجهولة القدر، فهل يصح الرد فيها؟ فسألت شيخنا الغبريني فمنعه. وقاله ابن جماعة
ولم يجبر على الجواز للضرورة لعدم فتوى من سبقه بذلك. وسألت شيخنا ابن حيدرة فقال
على ما قال في الامر المهم: هو جائز. وسألت عنها شيخنا الامام فقال: إن اضطر الانسان
يفعل وإلا فلا قال الله تعالى: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) * فيتحصل فيما
إذا وقع الاختلاط وعمت وغلبت الجهالة في الوزن والتفاوت في الطيب والرداءة والنفاق
وأحد هذه الأقوال الثلاثة، والصواب فتوى شيخنا الفقيه الامام لأن أصل هذا الباب إنما هو
جوازه للضرورة فمتى وجدت أبيح الحكم وإلا فلا.
الشرط الثامن: أن ينقد الجميع أي السلعة المشتراة بنصف الدرهم أو الفلوس المأخوذة
بنصفه والدرهم الكبير المدفوع والنصف المردود، وهذا معنى قول المصنف: وانتقد
الجميع. وانظر ما معنى قوله: كدينار إلا درهمين والله أعلم. وفي نسخة ابن غازي: وإلا
فلا كدينار ودرهمين قال: كذا كان يصوبه شيخنا الفقيه الحافظ أبو عبد الله القوري أي وإن
لم تتوفر الشروط فلا يجوز كما لا يجوز الرد في الدينار ولا في درهمين فأكثر ص: (وردت
زيادة بعده لعيبه لا لعيبها) ش: فهم منه أنه لو لم يوجد عيب لصح الصرف. ولا يقال إن
الزيادة لما كانت ملحقة بالعقد صارت كجزء من الصرف تأخر فيفسد الصرف بتأخره لأنها
157

على مذهب المدونة هبة للصرف تبطل بالموت والفلس. وقال القاضي إسماعيل: إذا كانت
الزيادة لاصلاح الصرف أبطلت الصرف والله أعلم.
فرع: قال في المسائل الملقوطة: لو قبض المشتري بعيرا فسرق فأعلم البائع فحط عنه
بعض الثمن لأجل المصيبة ثم وجده رجع البائع بما وضع عنه لانتفاء السبب، وكذا لو حط
عنه بسبب الخسارة فربح أو خشية الموت عن مرض حدث فعوفي فإن جميع ذلك كالشرط
اه‍. والمسألة في نوازل سحنون من جامع البيوع ص: (وهل مطلقا) ش: أي سواء أوجب
الزيادة أو لم يوجبها. عينها أو لم يعينها، فإنه لا يردها إذا ظهر فيها عيب، وهذا تأويل من
حمل كلام الموازية على الخلاف للمدونة ص: (أو إلا أن يوجبها) ش: هو أحد تأويلي من
حملها على الوفاق. والمعنى أن قوله في المدونة: ليس لك رد الزيادة لعيب فيها محمول
على ما إذا لم يوجبها، أما إذا أوجبها فإنه يردها إذا وجد بها عيبا ويبدلها ولا ينتقض الصرف
كما نقله ابن عرفة عن ابن يونس وعبد الحق قالوا: كما إذا قال له نقصتني عن صرف الناس
فزدني فيفهم أنه إذا زاده فقد ألحقه بصرف الناس فقد أوجب الزيادة ص: (أو إن عينت) ش:
هذا هو التأويل الثاني لمن حمل ما في الموازية على الوفاق لما في المدونة. والمعنى أن ما
في المدونة محمول على ما إذا عين الزيادة فقال له: أزيدك هذا الدرهم مثلا فلا رد له إن
كان زائفا، وأما إن لم يعين بل قال: أزيدك درهما فعليه البدل كما في الموازية. ورد المازري
هذا التأويل بأن قوله في المدونة فزاده درهما نقدا أو إلى أجل يرد هذا التأويل لأن الذي إلى
أجل غير معين. قال في التوضيح: وفي كلام عبد الحق إشارة إلى الجواب عن هذا لأنه تأول
قوله: إلى أجل على أنه قال: أنا أزيدك أو قال: تأتيني عند أجل كذا وكذا فجاءه عند
الاجل فأعطاه درهما فوجده زائفا فليس عليه بدله، لأنه راض بما دفع إليه ولم يلتزم غيره
بخلاف قوله: أزيدك درهما فإنه يحمل على الجيد.
تنبيهان: الأول: قال سند: الزيادة هبة لأجل العقد إن مات واهبها قبل قبضها بطلت،
158

وكذا إن استغرق الدين ماله أو كان وكيلا عن غيره. ونقله ابن عرفة وقال بعده: قلت: لا
يبطل في الوكيل مطلقا بل يمضي إن كان لمصلحة البيع.
الثاني: قال ابن عرفة: قولها: إن رد الدينار بعيب ردت الزيادة ينافي قول اللخمي:
يجوز أن يزيده قرضا يقرضه لأنه إن كان القرض لتمام عقد الصرف فهو سلف جر منفعة،
وإن لم يكن لتمام عقد الصرف فلم يزده شيئا. قال: ويجاب بأن الممنوع السلف لاحداث
نفع مقارب أو لاحق وأما السابق فيستحيل كونه جره اه‍..
قلت: هذا غير ظاهر لأن النفع لاحق وهو عدم نقض الصرف فتأمله منصفا والله أعلم.
ص: (وإن رضي بالحضرة بنقص قدر أو بكرصاص بالحضرة أو رضي بإتمامه أو
بمغشوش مطلقا صح) ش: لما ذكر أن التأخير يفسد الصرف أخذ يذكر حكم ما إذا
حصلت المناجزة ثم ظهر في أحد النقدين أو فيهما عيب أو نقص أو استحقاق أحدهما فرد
بالعيب. قال ابن غازي: القدر يشمل العدد والوزن، والاتمام يشمل تكميل الوزن والعدد
وتبديل الرصاص ونحوه ولا يشمل تبديل المغشوش المذكور بعده. ومعنى الاطلاق في
المغشوش كأن رضي قابضه به بالحضرة أم لا. ولا شك أن الغش نقص صفة لا قدر،
والرصاص الصرف ونحوه متردد بينهما، وقد درج المصنف هنا على إلحاقه بالقدر انتهى.
قلت: قوله: نقص قدر كذا في بعض النسخ، وفي كثير من النسخ: نقص وزن
والأولى أحسن لشمولها نقص الوزن والعدد كما قال ابن غازي، والثانية لا يفهم منها حكم
العدد. وقوله: أو بكرصاص بالحضرة يعني إذا وجد في الدراهم رصاصا وما أشبهه فهو
كنقص القدر فيجوز الرضا به بالحضرة. وقوله: أو رضي بإتمامه أي بإتمام نقص القدر
159

وبإبدال الرصاص وشبهه. وتقييد المصنف الصحة بالحضرة يفهم منه أنه لا يصح الرضا
بنقص القدر ولا بالرصاص ونحوه بعد التفرق وهو كذلك بالنسبة إلى نقص المقدار العددي
كما سيأتي، وأما غيره فيجوز الرضا به بعد التفرق على المشهور كما قاله في التوضيح،
وكما يفهم من قول المصنف بعد هذا إن قام به، وإنما ذكر المصنف هذا القيد هنا والله
أعلم للتفصيل في ذلك مع الطول بين نقص العدد ونقص المقدار، وليرتب عليه قوله: وأجبر
على إتمامه وأما تكرير قوله: بالحضرة مع قوله: بكرصاص فلزيادة البيان فيما يظهر. وأما
قول ابن غازي: إنه لا يشمل الاتمام بتبديل المغشوش المذكور بعده فمراده أنه لا يشمل
كلام المصنف وذلك واضح، لأن المصنف أخره عن قوله: أو رضي بإتمامه ولو أراد
شموله لقدم قوله أو بمغشوش على قوله أو رضي بإتمامه وإنما أخره المصنف لأنه أراد
أن يبين أن الرضا بالمغشوش يصح ولو بعد التفرق. فلو قدم قوله: أو رضي بالمغشوش
مطلقا على قوله: أو رضي بإتمامه لأوهم أنه يجوز الرضا بتبديل المغشوش بعد التفرق
وذلك لا يجوز على المشهور كما يفهم من قول المصنف، وإن طال نقض إن قام به، ولا
يريد ابن غازي أنه إذا رضي بتبديل المغشوش بالحضرة لا يصح الصرف بل ذلك صحيح من
باب أولى إذ لا خلاف في جواز الرضا به. قال في التوضيح عن اللخمي والمازري: لا
خلاف في جواز الرضا به لأن القبض في المقدار المعقود عليه حصل وإنما وقع النقص في
صفته فله الرضا به، والمغشوش هو الذي يسمى بمصر مغايرا. قاله في التوضيح. قال: وتسميه
المغاربة النحاس. وفي المدونة: الستوق اه‍ ص: (وأجبر عليه إن لم يعين) ش: أجاز الشارح
في الضمير في: عليه وجهين: أحدهما أن يكون راجعا إلى نقص العدد، والثاني أن يكون
160

راجعا إلى الاتمام الذي هو تكميل الوزن والعدد وتبديل الرصاص، وهذا الثاني هو الظاهر
وعليه اقتصر ابن غازي ونصه: الضمير في عليه يعود إلى الاتمام الذي هو تكميل الوزن
والعدد وتبديل الرصاص ونحوه اه‍. ومفهوم قوله: إن لم يعين أنه إن كانت الدنانير أو
الدراهم معينة لا يجبر على البدل وهو أحد القولين اللذين ذكرهما ابن الحاجب وغيره. وقال
القابسي في تصحيح كلام ابن الحاجب وشهره ابن بشير ص: (وإن طال نقض إن قام به)
ش: هذا مقابل لقوله: بالحضرة. والمعنى أنه إن اطلع في أحد النقدين بعد عقد الصرف
على نقص قدر أو على رصاص ونحوه أو على مغشوش وكان ذلك بعد المفارقة أو الطول
وقام واجده يطلب تكميل النقص وتبديل الرصاص والمغشوش فإن الصرف ينتقض. قال ابن
غازي: ومفهوم قوله: إن قام به أنه إن رضي به صح وإن طال. قال: فإن قلت: هذا خلاف
مفهوم قوله أولا: وإن رضي بالحضرة. قلت: قصاراه تعارض مفهومين في محل مختلف فيه
فخطبه سهل اه‍.
قلت: ولم يبين رحمه الله المفهومين يعتمد عليه والمعتمد منهما هو المفهوم الآخر
وهو أنه إن رضي به صح وإن طال لأنه مفهوم شرط بخلاف الأول فإنه مفهوم ظرف، وتقدم
بيان سببه فلا عبرة به إلا إذا كان النقص في العدد فلا بد من نقض الصرف، ولا يجوز الرضا
161

به كما سيصرح به المصنف والله أعلم. ص: (كنقص العدد) ش: أي فإنه إذا وجد نقص في
عدد أحد النقدين بعد المفارقة والطول فلا بد من نقض الصرف ولا يجوز الرضا به، وهذا هو
مذهب المدونة. قال المصنف في التوضيح: إنه المشهور من المذهب ونصه: والمشهور
جواز الرضا مطلقا، سواء كان النقص يسيرا أو كثيرا لكن بشرط أن يكون النقص في الوزن.
وأما إن كان النقص في العدد فإنه لا يجوز الرضا على المشهور اه‍. وقال ابن غازي: ظاهر
كلام المصنف أن نقص العدد يوجب النقض مع الطول قام به أم لا، بخلاف نقص الوزن
فكأنه فرق في هذا المحل بين نقص الوزن والعدد بخلاف ما تقدم. وقد صرح في التوضيح
بتعاكس المشهور فيهما وذكر لفظ التوضيح ثم قال: وعهدته عليه انتهى.
قلت: ظاهر كلام ابن غازي رحمه الله يقتضي إنكار ما ذكره المصنف من التفريق بين
نقص الوزن ونقص العدد وإن عهدته عليه. وما ذكره المصنف في ذلك نص عليه في
المدونة وقاله غير واحد. قال في كتاب الصرف من المدونة: وإن صرفت من رجل دينارا
بدراهم ثم أصبتها بعد التفرق زيوفا أو ناقصة فرضيتها جاز ذلك، وإن لم ترضها انتقض
الصرف، وإن تأخر من العدد دراهم لم يجز أن ترضى بذلك لوقوع الصرف فاسدا. قال أبو
الحسن: قوله: زيوفا أي مغشوشة. وقوله: ناقصة أي ناقصة الآحاد أي ناقصة في وزن
الآحاد لا ناقصة العدد، والفرق بين نقص العدد في أنه لا يجوز الرضا به وبين نقصان الآحاد
أن له أن يرضى إذ نقصان العدد إنما يكون عن تفريطه في الأغلب ونقصان الآحاد ليس
كذلك. انتهى ونحوه في التنبيهات انتهى. وقال في النوادر: قال مالك: وإن وجد الدنانير
القائمة ناقصة بعد التفرق فتجاوزها فذلك جائز نقصا في غير العدد انتهى. ويمكن أن يكون
اعتراضه على المصنف إنما هو في إطلاقه في نقص الوزن أنه يجوز الرضا به. وقد فصل
اللخمي في ذلك كما ذكره ابن غازي بين أن يكون التعامل بالوزن فينقص عدد الموزون
كما إذا صرف مائة مثقال فوجدها تسعة وتسعين، أو يكون التعامل بالعدد فيقع النقص في
آحاد المعدود كما إذا صرف مائة دينار قائمة وقبضها فوجد فيها دنانير ينقص وزنها عن
الوزن المعتاد، فالأول حكمه حكم نقص العدد لا يجوز الرضا به، والثاني هو الذي يجوز
الرضا به. قال ابن غازي إثر كلامه السابق: والذي رأيت للخمي أن النقص في الصرف على
وجهين: في العدد وفي الوزن. وهو في الوزن على وجهين: أحدهما أن تكون الدراهم
مجموعة.
162

والثاني: أن تكون عددا كالقائمة والفرادى، فيجد كل درهم ناقصا عن الوزن المعتاد،
فإن انعقد الصرف على مائة دينار عددا أو على الوزن إلا أنها غير معينة فوجدها تسعة وتسعين
فالمشهور من المذهب أن الصرف ينتقص، قام بحقه في ذلك النقص أو لم يقم. وإن كان
الصرف على قائمة أو فرادى أو ما أشبه ذلك مما الصرف فيه على العدد فوجد بعضها ينقص
عن الوزن المعتاد كان كالزائف إن تمسك به وإن لم يقم صح الصرف، وإن رده دخل
الخلاف هل يفسخ ما ينوبه أو جميع الصرف انتهى. فيمكن أن يكون اعتراض ابن غازي
على المصنف من هذه الحيثية حيث أطلق في جواز الرضا بنقص الوزن، ويمكن أن يجاب
عن المصنف بأنه حيث انعقد الصرف على مائة مثقال أو دينار بالوزن ثم وجدت تسعة
وتسعين كان ذلك من نقص العدد فتأملها والله أعلم. والدراهم المجموعة هي المجموعة من
أنواع متعددة من ناقص ووازن وكبير وصغير والمعتبر فيها الوزن. والقائمة هي الدراهم التي
من نوع واحد جيد كامل في الوزن إذا جمعت زادت في الوزن. والفرادى كالقائمة إلا أنها
إذا جمعت نقصت. ص: (وهل معين ما غش كذلك أو يجوز فيه البدل تردد) ش: أي
وهل إذا كان المغشوش معينا كقوله بمعنى: هذه الدنانير بهذه العشرين درهما كما إذا كان
غير معين فينتقض الصرف إذا قام به وأراد تبديله، أو المعين بخلاف غيره فيجوز في المعين
إبدال المغشوش ولو كان بعد التفرق والطول تردد المتأخرون في ذلك أي اختلفوا في نقل
المذهب على طريقين: أحدهما للخمي وأصله لأبي بكر بن عبد الرحمن أن المذهب كله
على إجازة البدل في المعين لأنهما لم يفترقا وفي ذمة أحدهما شئ فلم يزل مقبوضا إلى
وقت البدل بخلاف غير المعين لأنهما افترقا وذمة أحدهما مشغولة. والطريق الثانية عزاها في
الجواهر لجل المتأخرين وأصلها لابن الكاتب أن القولين في المعين كغير المعين.
تنبيه: قال في التوضيح: إذا كان الصرف على دراهم ودنانير غير معينة كما لو قال:
بعني عشرة دنانير بمائتي درهم فقولان: أحدهما النقض للمازري وهو المشهور، والثاني
جواز البدل لابن وهب. وحكى اللخمي هذين القولين فيما إذا وقع التعيين من جهة دون
أخرى ولم يحك في البطلان فيما، إذا لم يحصل التعيين خلافا انتهى.
قلت: تعلم من هذا الكلام أن اللخمي إنما يقول: إن المذهب جواز البدل إذا
كان التعيين من الجهتين كما فرضنا المسألة، وأما إذا كان التعيين من إحدى الجهتين
ففي ذلك قولان، وإن لم يحصل تعيين فلم يحك في البطلان خلافا فتأمله، فإنه قد
يتبادر من كلام المصنف أن التعيين كاف ولو كان من جهة واحدة والله أعلم. ص:
163

(وحيث نقض فأصغر دينار إلا أن يتعداه بأكبر منه الجميع) ش: يعني إذا قلنا:
بنقض الصرف لأجل الاطلاع على نقص في الوزن أو العدد أو في الصفة كالمغشوش،
فإنه إنما ينتقض صرف أصغر الدنانير لا الجميع، ولا ينتقل عن الأصغر إلى ما هو أكبر
منه إلا إذا تعدى النقص أو الغش صرف الأصغر فينتقل إلى دينار أكبر منه. وهذا إذا
كان الصرف على سكة واحدة، فإن اختلفت السكك فسيذكر ذلك المصنف.
تنبيه: إذا وقع الصرف على تبر ثم وجد الدراهم زيوفا فإنما ينتقض قدر صرف الدرهم
من التبر، وإن كان مصوغا فإن كان متساويا كأسورة متساوية فإنه ينتقض من الصرف قدر ما
يقابل زوج أسورة فقط حتى يجاوز ذلك، أما إن تفاوتت الأسورة فيفسخ الجميع. قاله ابن
رشد في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الصرف ونحوه في النوادر. قال ابن رشد:
كل ما هو زوجان لا ينتفع بأحدهما دون صاحبه كالخفين والنعلين والسوارين والقرطين
فوجود العيب بأحدهما كوجوده بهما جميعا ص: (وهل ولو لم يسم لكل دينار تردد) ش:
أي وهل الحكم المذكور وهو فسخ أصغر دينار إلا أن يتعداه فأكبر منه دون فسخ جميع
الصرف سواء سمى كل دينار عددا من الدراهم أو لم يسم، أو إنما ذلك مع التسمية وأما إن
لم يسم فينتقض صرف الجميع؟ تردد أي اختلف المتأخرون في نقل المذهب في ذلك. هذا
معنى كلامه الذي يظهر أنه لا حاجة لذكر هذا التردد بل ذكره يشوش الفهم، فإن المصنف
في التوضيح ذكره في ذلك طريقين: أحدهما للمازري وابن عبد السلام أن المذهب اختلف
هل ينتقض جميع الصرف أو إنما ينتقض صرف أصغر دينار وهو المشهور سواء سميا لكل
دينار عددا أم لا. والطريق الثانية للباجي أنه إن سميا لكل دينار شيئا فلا خلاف أنه إنما
164

ينتقض صرف دينار، وإن لم يسميا فقولان، المشهور أنه لا ينتقض إلا صرف دينار. فأنت
ترى طريقتين متفقتين على أن الراجح من المذهب أنه إنما ينتقض صرف دينار. غاية ما فيه
أن كلام الباجي يقتضي أنه لا خلاف في ذلك مع التسمية وليس في كلام المصنف ما
يفيده فتأمله منصفا. ونص كلام المصنف رحمه الله في شرح قول ابن الحاجب: وإذا قيل
بالنقض للنقص مطلقا فخمسة. قيل: ينتقض الجميع. وقيل: إن لم يسم لكل دينار. وقيل:
دينار. وقيل: أو كسر إن كان النقص يقابله أو أقل. وقيل: ما يقابل النقص أي إذا قيل ينقض
الصرف لأجل النقص مطلقا أي في المقدار والصفة والتعيين وعدمه فخمسة أقوال:
الأول: ينتقض الجميع. عزاه اللخمي لابن القاسم في العتبية لأن الصفقة إذا بطل
بعضها بطل كلها.
والثاني: ينتقض الجميع إن لم يسم لكل دينار شيئا كما إذا قال هذه العشرة دنانير
بمائتي درهم، وأما إن سمى كقوله كل عشرين بدينار فإنما ينتقض في دينار إن لم يقابل
الزائف أكثر منه وهو قول القاضي إسماعيل وعبد الوهاب والجلاب. وزعم الباجي أن
الخلاف يرتفع إذا سمى لكل دينار وأنه لا ينتقض إلا دينار، وإنما الخلاف إذا لم يسم. ورد
عليه المازري بأن الروايات وقعت مطلقة، وإنما فصل هذا التفصيل من تقدم ذكرهم.
والثالث: إنما ينتقض صرف دينار واحد سميا أم لا؟ المازري وابن عبد السلام
وغيرهما: وهو المشهور.
الرابع: أنه ينتقض صرف أصغر دينار. والفرق بينه وبين الثالث أنه على الثالث ينتقض
صرف دينار كامل ولا ينتقض على الرابع إلا صرف أصغر الدنانير. وتبع في هذا ابن بشير
وابن شاس وفي نقلهم نظر، لأن المازري وغيره إنما ذكروا أربعة أقوال، وجعلوا القول بنقض
الدينار أو أقل منه قولا واحدا. ونحوه لابن شاس، ونقله الباجي أيضا عن ابن القاسم
والخامس على نقل المصنف ينتقض ما يقابل البعض. اللخمي والمازري: وهذا على القول
بجواز أن يصرف بعض دينار. انتهى كلام التوضيح. ونص كلام الباجي في المنتقى: إذا قلنا:
يمنع البدل فلا يخلو الذهب إما أن يكون من جنس واحد أو مختلف الجنس، فإن كان من
جنس واحد فإن بيعه يكون على ضربين: أحدهما أن يقول: أبيعك هذه العشرة دنانير كل
دينار بعشرة دراهم، فهذا لا خلاف أن لا ينتقض منه إلا بقدر دينار واحد. والثاني أن يذكر
جملة الصرف خاصة فيقول: أبيعك هذه العشرة دنانير بمائة درهم، فالمشهور من المذهب
أنه لا ينتقض منه إلا دينار واحد. وقال القاضي أبو محمد: ينتقض جميع الصرف انتهى. إذا
علم ذلك فقد علمت من كلامه أن الطريقتين اللتين أشار إليهما بالتردد هما طريقة الباجي
وطريقة المازري ومن وافقه. فالمازري ومن وافقه يقولون: المشهور أنه لا ينتقض إلا صرف
165

أصغر دينار، سميا لكل دينار أو لم يسميا، ومقابل المشهور ينتقض الجميع سميا أو لم
يسميا. والباجي يقول: إن سميا فلا ينتقض إلا صرف دينار بلا خلاف، وإن لم يسميا ففيه
الخلاف والمشهور أنه لا ينتقض إلا صرف دينار، وليس هنا من رجح نقض الجميع حتى
يشير إليه بالتردد فافهمه والله أعلم ص: (وهل ينفسخ في السكك أعلاها أو الجميع
قولان) ش: يعني أن الصرف إذا وقع على سكك متعددة وكانت مختلفة ففيها أعلى وأدنى
فقال أصبغ: يختص الفسخ بالدينار الأعلى والأطيب. وقال سحنون: يفسخ الجميع. وظاهر
كلام ابن يونس وابن رشد والباجي ترجيح القول الثاني والله أعلم ص: (وإن استحق معين
سك بعد مفارقة أو طول أو مصوغ مطلقا نقض) ش: يعني أن الصرف إذا كان بمسكوك
من الجهتين أو من أحدهما وكان ذلك المسكوك معينا ثم استحق ذلك المسكوك المعين
بعد أن افترقا المتصارفان أو قبل أن يفترقا ولكن بعد طول المجلس طولا لا يصح معه
الصرف، أو كان الصرف على مصوغ من الجهتين أو من أحدهما ثم استحق ذلك المصوغ
166

مطلقا أي سواء كان استحقاقه بحضرة العقد بل المفارقة والطول أو بعد أحدهما أو بعدهما
فإن الصرف ينتقض في جميع ذلك، فأما إذا استحق المصوغ فالمذهب انتقاض الصرف كما
ذكر ولم أر فيه خلافا. قال ابن عبد السلام: لأن المصوغ مراد لعينه فينتقض البيع بسبب
استحقاقه فكيف بالصرف؟ وأما المسكوك المعين إذا استحق بعد المفارقة والطول. فما ذكره
المصنف من انتقاض الصرف صحيح وهو المشهور عند ابن شاس وابن الحاجب وغيرهما.
وظاهر كلام الرجراجي وابن الكاتب أنه منتقض بلا خلاف، وظاهر كلام المصنف أن
الانتقاض معناه الفسخ وأنه لا يجوز البدل ولو رضيا بذلك وهكذا قال الرجراجي. وقال
اللخمي: يجوز البدل مع المراضاة ولو كان بعد الافتراق والطول، وأما كلام ابن عبد السلام
فليس هو مع الطول والافتراق كما يفهم ذلك من كلامه بالتأمل. وإنما قلنا: إن ظاهر كلام
المصنف أنه لا يجوز البدل لأنه لم يذكر الطريقتين في جواز الرضا إلا مع عدم الطول
والمفارقة كما سيأتي ص: (والأصح وهل إن تراضيا تردد) ش: أي وإن استحق المسكوك
المعين ولم يحصل طول ولا مفارقة بل استحق بالحضرة فإن الصرف صحيح لا ينتقض
ويعطيه بدل المستحق. ثم اختلف المتأخرون في نقل المذهب. هل عدم انتقاض الصرف
167

محله ما إذا تراضيا يعني المتصارفين بالبدل، وأما إن لم يتراضيا بالبدل فلا يجبران عليه
ويفسخ الصرف، أو يجبر صاحب الدراهم المستحقة على البدل ويصح الصرف، وإن لم
يتراضيا في ذلك طريقتان:
الأولى: منهما لابن يونس واللخمي والمازري والرجراجي.
والثانية: لابن الكاتب وابن عبد السلام. هذا أقرب ما يحمل عليه كلام المصنف
ويكون لم يتكلم على المسكوك غير المعين. والحكم فيه أنه إن حصل الاستحقاق بعد
المفارقة أو الطول انتقض الصرف فلا خلاف على ظاهر كلام الرجراجي واللخمي، بل صرح
بذلك ابن الكاتب فيما نقله عنه ابن عرفة. وأما إن لم يحصل مفارقة ولا طول فحكى في
التوضيح عن بعضهم إنه لا ينتقض بلا خلاف وهو ظاهر كلام اللخمي والمازري وابن
الكاتب وابن عبد السلام، وظاهر كلام ابن الحاجب أن فيه خلافا والمشهور عدم النقض.
وظاهر كلام الرجراجي أن الصرف منتقض على قول ابن القاسم ولكن يجوز البدل،
وظاهر المدونة أن مذهب ابن القاسم أنه إذا استحقت الدراهم قبل المفارقة والطول انفسخ
الصرف، سواء كانت معينة أو غير معينة، لكنه إذا أبدلها له بالحضرة وتراضيا جاز، وإن
أشهب يقول بالفسخ في المعينة وبعدمه في غيرها. وأما إن حصل طول أو افتراق فإنه يفسخ
الصرف والمسألة كثيرة الاضطراب، وهذا محصل النقل فيها. ولنذكر نصوص أصحابنا في
ذلك ليراجعها من أراد ذلك والله أعلم.
قال المصنف في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: ولو استحق المسكوك بعد
المفارقة أو الطول والتعيين انتقض على المشهور وإلا فالعكس، أما إذا اصطرفا بمسكوك من
الجانبين أو من جانب فاستحق المسكوك بعد المفارقة أو بعد أن طال المجلس وإن لم
يفترقا أو كان المسكوك المعقود عليه معينا وإن لم يحصل طول ولا مفارقة، فإن الصرف
ينتقض على المشهور إذ لا يلزمه غير ما عين، وإن لم يعين فقد تعينت بالقبض أو المفارقة
على ما نقله ابن رشد كما تقدم. ورأي في الشاذ أنها لا تتعين فيجبر على البدل في الثلاثة.
وقوله: وإلا فالعكس أي وإن لم يكن مفارقة ولا طول ولا تعيين لم ينتقض. قال بعض من
تكلم على هذا الموضع: والمراد بالعكس عدم النقض فقط لا باعتبار دخول الخلاف،
وانعكاس المشهور أنه حذا لم يكن طول ولا افتراق ولا تعيين أجبر على البدل إذا كان عنده
غيرها باتفاق. وكلام المصنف يعني ابن الحاجب قريب من كلام صاحب الجواهر. وذكر
أن المشهور مذهب المدونة وعزا الشاذ لأشهب وجعل هذا الخلاف إذا حصلت المفارقة أو
الطول. وقال ابن الكاتب: إنما خلاف ابن القاسم وأشهب إذا حصل الاستحقاق بالحضرة،
فعند ابن القاسم يلزمه الاتيان بمثلها سواء وقع الصرف على معين أم لا؟ وعند أشهب لا يلزمه
168

ذلك إن كانت الدراهم معينة، وأما إذا كانت غير معينة فينتقض. وذكر ابن عبد السلام أن
القرويين اختلفوا في محل القولين اللذين في المدونة، هل هو بعد الافتراق والطول أو عند
عدم كل واحد منهما؟ ولنذكر لفظه في المدونة ليتبين لك الفهمان. قال فيها: ومن اشترى
إبريق فضة بدينار أو دراهم فاستحقت الدنانير أو الدراهم انتقض البيع لأنه صرف، ومن
صرف دنانير بدراهم فاستحقت الدراهم انتقض الصرف. وقال أشهب: لا ينتقض إلا أن
تكون الدراهم معينة يريه إياها، وأما إن باعه من دراهم عنده أو من كيسه أو من تابوته فعليه
مثلها مكانه ما لم يفترقا. ابن القاسم: ولو أنه إذا استحقت ساعة صارخة قال: خذ مثلها
مكانه قبل التفرق جاز، ولو طال أو تفرقا لم يجز. فقوله في قول أشهب مكانه: لم يفترقا
دليل على أنه إنما يخالف ما إذا كان بالحضرة. وقوله في المدونة في أول المسألة:
فينتقض الصرف يحمل على ما إذا لم يكن بالحضرة.
تنبيهان: الأول: قيد ابن يونس قوله في المدونة: أنها إذا استحقت وقال ساعة صارخة
خذ مثلها جاز إذا تراضيا وكذلك قال ابن المواز، وغمز أبو بكر بن عبد الرحمن ما قاله ابن
المواز من اشتراط التراضي قال: لأنه لو كان مراده أن الخلف إنما يجوز بالتراضي لم يكن
لتقييد هذا الجواب بقوله: لم يفترقا معنى، لأنهما إذا افترقا وتراضيا على خلف الدراهم
المستحقة صار ذلك مستأنفا لا يمنع منه ما تقدم من عقد بطل باستحقاق الدراهم. المازري:
وهذا قد يعتذر عنه بأنه قيد بقوله: ما لم يفترقا لأنهما إذا افترقا وتراضيا ببدل الدراهم
المستحقة صار ذلك تتمة العقد المتقدم الذي كشف الغيب أنهما لم يتناجزا فيه، وقد
تتطرق التهمة بكون العاقدين أو أحدهما قصد إلى ذلك في أصل العقد.
التنبيه الثاني: ما تقدم من كلام المصنف يعني ابن الحاجب أو التعيين ثابت في بعض
النسخ التي رأيتها، وكذا ثبت في نسخة ابن راشد وسقط من نسخة ابن عبد السلام،
والاثبات موافق لكلام المازري وابن شاس فإنهما أشار إلى أنه إن حصل التعيين ينتقض
الصرف ولو مع الحضرة على المشهور لأنهما نصا على أن هذه المسألة تجري على
الخلاف في تعيين الدراهم بالتعيين. وقد صرح اللخمي بذلك أعني بالنقض إذا كانت
الدراهم معينة، سواء استحقت بالحضرة أم لا، لكنه مخالف لما تقدم من أن ابن القاسم يجيز
البدل في الدراهم مطلقا، سواء كانت معينة أم لا، وإنما يأتي الاثبات على قول أشهب
فتأمله. اه‍ كلام التوضيح. فانظر هذا الاضطراب الذي في هذه النقول بل كلام المدونة نفسه
ظاهر التناقض كما سيأتي في كلام ابن عرفة. وقال اللخمي: إن كان الصرف دنانير بأعيانها
بدراهم بأعيانها فاستحق أحدهما انفسخ الصرف، وسواء كان الاستحقاق قبل الافتراق أو
بعده، وإن دعا من استحق ذلك من يده إلى خلفه لم يجب الآخر على ذلك. وإن رضي بائع
المستحق بخلفه لم يجبر الآخر على قبوله، وإن رضيا جميعا هذا بخلفه وقبل الآخر جاز
169

ذلك، وسواء كان الاستحقاق قبل الافتراق أبعده، فإن كان الصرف على غير معين
والاستحقاق قبل التفرق والمثل حاضر مع بائع المستحق أجبر على أن يعطي مثل ما استحق،
وإن استحق بعد الافتراق انفسخ الصرف ولا يجوز أن يتراضيا على مثل المستحق لأنه إنما
دفع الآن ما كان حقه أن يدفع يوم كان الصرف فذلك فاسد إلا على قول من أجاز البدل
اه‍. ونقل ابن عرفة عن المازري نحوه، ومثله طريقة ابن شاس وابن الحاجب على النسخة
التي شرحها المصنف.
وقال الرجراجي: إن كان الاستحقاق بعد الطول أو الافتراق فالصرف منتقض ولا يلزم
البدل بل لا يجوز وإن كان قبل الافتراق والطول، فإن وقع على دراهم معينة فالمذهب على
قولين قائمين من المدونة: أحدهما الصرف منتقض والبدل جائز وهو قول ابن القاسم، والثاني
الصرف والبدل لازم وهو قول أشهب اه‍. فتحصل من كلامهم أنه إذا استحق المسكوك
بعد المفارقة أو الطول انتقض الصرف، سواء كان معينا أو غير معين. لكن ظاهر كلام
الرجراجي أنه ينتقض بلا خلاف، وظاهر كلام ابن شاس أن فيه خلافا كما تقدم بيانه، وأن
مذهب المدونة وهو المشهور النقض ومقابله لأشهب كما تقدم عنه في كلام التوضيح، وأما
إذا استحق بالحضرة، فإن كان معينا انتقض الصرف كذلك بلا خلاف في طريق الرجراجي،
وعلى المشهور في طريق ابن شاس ومن تبعه، وإن كان غير معين لم ينتقض بلا خلاف على
ما نقل في التوضيح عن بعضهم وهو ظاهر كلام ابن شاس والمازري، وعلى قول ابن القاسم
على ما قال الرجراجي. وفهم القولين اللذين في المدونة وفي المسكوك غير المعين وهو
خلاف ما فهم ابن الكاتب كما تقدم في كلام التوضيح، فإنه جعل خلاف ابن القاسم
وأشهب فيما إذا حصل الاستحقاق بالحضرة، سواء كان معينا أو غير معين. وعند ابن القاسم
يلزمه الاتيان بمثلها، سواء وقع الصرف على معين أم لا، وعند أشهب لا يلزمه الاتيان بمثلها
إذا تعينت. أما إن لم تتعين فيلزمه الاتيان بمثلها. ونحوه لابن عبد السلام فإنه سقط من
نسخته أو التعيين فجعل معنى قول ابن الحاجب: وإلا فالعكس أنه إذا لم تحصل مفارقة
ولا طول فينعكس النقل. قال: والمشهور عدم الانتقاض، والشاذ الانتقاض. وظاهره أن
المشهور عدم الانتقاض، سواء وقع الصرف على معين أو على غير معين. والشاذ يقابله في
الصورتين وذلك في " المشهور صحيح.
وأما الشاذ فإنما هو إذا كان المسكوك معينا، وهكذا القولان في الكتاب على خلاف
بين القرويين في محل القولين هل هو قبل الافتراق والطول أو عند عدم كل منهما اه‍. وذكر
ابن عرفة كلام ابن الكاتب كما ذكرناه وزاد عليه: وإن طال بطل اتفاقا منهما أي من ابن
القاسم وأشهب. قال ابن عرفة: وقبل الصقلي كلام ابن الكاتب وفي قبوله نظر، لأن ظاهر
لفظ المدونة أولا أن قول ابن القاسم وأشهب في مسألة واحدة، فإن حملت على القرب وهو
170

نص سحنون كان قول ابن القاسم فيها انتقض الصرف خلاف نقل ابن الكاتب عنه، وإن
حملت على الطول كان قول أشهب فيها لزمه إعطاء مثلها خلاف نقل ابن الكاتب اتفاقهما
بعد الطول على بطلانه. وإن قيد قول ابن القاسم بالطول وقول أشهب بالقرب لم يكن بينهما
خلاف. وقد نص ابن الكاتب على الخلاف بينهما ثم قال: وقول ابن القاسم فيها أولا:
انتقض الصرف وقوله ثانيا: لا بأس أن يعطيه مثلها متناقض إن حمل قوله: لا بأس على
عدم توقفه على رضا الآخر كما أشار إليه ابن عبد الرحمن. ولا يستقيم لفظها إلا بتوقفه
على رضاه مع جواب المازري اه‍. وبان من كلام الرجراجي ما قدمناه من أن ظاهر كلامه أنه
لا يجوز البدل إذا وقع الاستحقاق بعد المفارقة أو الطول ولو كانت الدراهم معينة، وهو
خلاف ما قال اللخمي: إن المعينة يجوز الابدال فيها برضاهما، سواء كان ذلك بعد الافتراق
أم لا فتأمله. وقال ابن عبد السلام في شرح ما إذا حصل الاستحقاق بالحضرة: واعلم أن
مراده من الانتقاض وعدمه هنا هل يجبر دافع المستحق على إبداله إذا أمكنه ذلك، أو لا
يجبر لأنه يمتنع من بدله بتقدير انتقاض الصرف؟ وبهذا يتفق أيضا ما قدمناه من أن ما ذكره
المصنف في المسكوك المعين من الانتقاض ما بين نقل المؤلف والمدونة ثم ذكر كلام
المدونة السابق، فيتعين أن يحمل كلام المصنف على المسكوك المعين فقط. وبان أيضا ما
قدمناه من أن ما ذكره المصنف في المسكوك المعين من الانتقاض إذا حصل الاستحقاق بعد
المفارقة والطول صحيح بلا خلاف على ظاهر كلام الرجراجي وابن الكاتب وغيرهما، وعلى
المشهور من القولين على طريقة ابن شاس وابن الحاجب وغيرهما. وظاهر كلام ابن
الحاجب على النسخة التي شرح عليها ابن راشد والمصنف النقض مطلقا ولو تراضيا فهي
طريقة ثالثة.
تنبيهات: الأول: إنما قلنا إن المصنف سكت عن المسكوك غير المعين لأنه قيد
المسكوك أول كلامه بقوله: المعين ثم قال: والأصح. فإذا أدخلناه في قوله وإلا اقتضى
كلامه أنه يصح الصرف في استحقاق المسكوك غير المعين ولو حصل الطول والمفارقة
اللهم إلا أن يقال: يؤخذ من كلامه انفساخ الصرف مع المفارقة والطول من باب الأولى لأنه
إذا حكم بانتقاض الصرف مع الطول أو المفارقة في المسكوك المعين. فأحرى في غير
المعين، ويكون قوله: والأصح شاملا للمسكوك مطلقا سواء كان معينا أو غير معين، وأنه لا
ينقض الصرف فيه. وأما قوله: وهل إن تراضيا تردد يشير بالطريقين في المعين إلى الطريقتين
اللتين ذكرناهما، وفي غير المعين إلى طريق الرجراجي وغيره فتأمله.
الثاني: إن قيل ذكر المصنف حكم المصوغ والمسكوك فما حكم التبر؟
قلت: الذي يظهر من كلام الرجراجي وابن عرفة أن حكمه حكم المسكوك والله أعلم.
171

الثالث: يفهم من هذه المسألة أن العين يمكن استحقاقها وتقبل الشهادة على عينها،
وقد نص على ذلك في كتاب الشهادات من المدونة ص: (وللمستحق إجازته إن لم يخبر
المصطرف) ش: يعني إذا حكمنا بانتقاض الصرف في مسألة استحقاق المصوغ والمسكوك
المعين فللمستحق إجازة الصرف وإلزامه للمصطرف، وله نقضه وأخذ حقه بشرط أن يكون
المصطرف قد أخبره مخبر بأن المصوغ أو المسكوك ليس ملكا للصارف.
تنبيه: شرط في المدونة في إجازة ذلك حضور الشئ المستحق والثمن الذي يأخذه
المجيز قال فيها: ومن اشترى خلخالين من رجل بدينار أو دراهم فنقده ثم استحقها رجل
بعد التفرق وأراد إجازة البيع واتباع البائع بالثمن لم يجز ذلك، ولو استحقهما قبل تفرق
المتبايعين واختار أخذ الثمن فلا بأس به إن حضر الخلخالان وأخذ الثمن مكانه، ولو كان
المبتاع قد بعث بها إلى بيته ولو افترقا لم أنظر إلى ذلك الافتراق، ولكنه إذا حضر
الخلخالان وأخذ المستحق الثمن من البائع أو من المبتاع مكانه فذلك جائز، وإن غاب
الخلخالان لم يجز انتهى.
فرع قال ابن عرفة التونسي: لو أمضاه في غيبة البائع وطاع المبتاع بدفع ثمنه ليرجع
به على بائعه جاز. ابن عرفة: هو ظاهرها والله أعلم ص: (وجاز محلى) ش: لما كان بيع
المحلى مستثنى من بيع أحد النقدين بالآخر مع عدم تحقق المماثلة ومن البيع والصرف، نبه
على ذلك بقوله: وجاز محلى أي وجاز بيع المحلى بأحد النقدين، بصنفه وبغير صنفه
بشروط، مع أن الأصل عدم جوازه ولكنه أجيز للضرورة. ثم لما كان المحلى على قسمين،
منه ما تكون حليته قائمة ظاهرة كالسيف والمصحف إذا صفحا بالحلية، ومنه ما تكون
حليته منسوجة فيه كالثياب المنسوجة بذلك والمطرزة به، نبه على المحلى الشامل للقسمين
بشرط أن يكون هذا الثاني يخرج منه إن سبك شئ، وأما لو لم يخرج منه شئ فلا عبرة
بالحلية فقال: وإن ثوبا يخرج منه عين إن سبك أي وإن كان المحلى ثوبا بشرط أن يخرج
منه شئ إن سبك ص: (بأحد النقدين) ش: متعلق بقوله: محلى ويحتمل أن يكون متعلقا
بمحذوف أي وجاز بيعه بأحد النقدين وهو الظاهر. ثم نبه على الشروط بقوله: ص: (إن
أبيحت) ش: يعني أن المحلى بأحد النقدين يشترط في جواز بيعه بأحدهما، سواء كان من
صنف ما فيه أو خلافه ثلاثة شروط:
172

الأول: أن تكون الحلية مباحة. قال في المدونة: وما حلي بالفضة من ثوب أو سرج
أو قدح أو سكين أو لجام أو ركاب مموه أو مخروز عليه أو جرز مموه أو شبه ذلك، فلا
يجوز بيعه بفضة وإن قلت حليته، لأن اتخاذ هذه الأشياء من السرف بخلاف ما أبيح اتخاذه
من السيف المحلى والمصحف والخاتم، وكان مالك لا يرى بأسا أن يحلى المصحف،
وكان يكره هذه الأشياء التي تصاغ من الفضة مثل الإبريق ومداهن الفضة والذهب ومجامر
الفضة والذهب والأقداح واللجم والسكاكين المفضضة وإن كان تبعا وكره أن تشترى انتهى.
والجرز نوع من السلاح وهو بضم الجيم وسكون الراء وآخره زاي ذكره في التنبيهات. وقال
أبو الحسن: قال عياض: ظاهره يعني الكلام المتقدم فيما لم يبح اتخاذه أنه يباع بالذهب.
ونحوه في كتاب ابن حبيب وجوزها بالعروض. وإنما منع بيعها بما فيها لكن قوله بعد هذا
وكره أن تشترى يرفع الاشكال. والأصل فيما لا يجوز اتخاذه من ذلك أنه لا يباع بما فيه
ولا بغيره من العين يجمعه البيع والصرف لغير ضرورة إلا أن يكون ما فيه من العين أقل من
دينار أو من العروض وذلك على أصل ما تقدم من جمع البيع والصرف انتهى والله أعلم
ص: (وسمرت) ش: هذا هو الشرط الثاني وهو أن تكون الحلية مسمرة على المحلى بحيث
يكون في نزعها ضرر، وإن لم يكن في نزعها ضرر فلا. قال في التوضيح: قال الباجي:
كالفصوص المصوغ عليها وحلية السيف المسمرة عليه وحلية السيف المسمرة في حمائله
وجفنه، وأما القلائد التي لا تفسد عند نظمها فظاهر المذهب أنه لا تأثير لها في الإباحة.
وذكر ابن راشد عن المتأخرين قولين: بالجواز والمنع إذا كان يغرم ثمنا في رد الحلية بعد
قلعها. وقال اللخمي: لم يختلفوا أنه إذا كانت الحلية منقوضة وهي تبع أنه لا يجوز أن يباع
السيف وحليته بجنسها نقدا أو إلى أجل. قال: وأرى إن كانت قائمة بنفسها صيغت ثم
ركبت وسمرت أن يكون لها حكم المنقوض لأنه ليس في ذلك أكثر من أنها سمرت
بمسمار انتهى. وقال ابن بشير: إن أمكن تمييز العين من العرض دون فساد ولا خسارة في
173

رده فغير معتبرة، وإن كانت لا تزول إلا بفساد فهي معتبرة، وإن كانت تزول بغير فساد لكن
يؤدي على ردها ثمنا ففيه قولان للمتأخرين. انتهى بالمعنى. قال في التنبيهات: وحلي النساء
كله حكمه حكم السيف إلا ما كان منظوما فليس له هذا الحكم، وحكمه حكم العروض
والعين إذا اجتمعا في صفقة لا يجوز إلا أن يباع كل واحد منهما على انفراده بما يجوز أن
يباع به إلا أن تكون العين يسيرة جدا أو العرض كذلك فيباع بخلاف ما هناك من عين أو
بعرض آخر. ووقع في كتاب ابن حبيب أنه لا يجوز أن يباع ذلك بالوزن نقدا فتأولوه فيما
فيه الذهب يسير أقل من الدينار أو الجوهر يسير، وكذلك قال ابن القاسم في حلية السيف
إذا نقضت فلا تباع بفضة انتهى. ص: (وعجل) ش: هذا هو الشرط الثالث أن يكون ذلك
العرض والمحلى معجلا ص: (مطلقا) ش: يعني إن هذه الشروط الثلاثة مشروطة في جواز
بيع المحلى مطلقا أي سواء بيع بصنف حليته أو بغير صنف حليته ص: (وبصنفه إن كانت
الثلث) ش: يعني أن المحلى إذا بيع بغير صنف حليته فيشترط فيه الشروط المتقدمة فقط،
وإن بيع بصنف حليته اشترط في ذلك شرط رابع وهو أن تكون الحلية الثلث والله أعلم ص:
(وهل بالقيمة أو بالوزن خلاف) ش: يعني إذا بنينا على المشهور من أن التبع الثلث، فهل
يعتبر الثلث بالقيمة أو بالوزن؟ قولان مشهوران. فإذا بيع سيف محلى بذهب بسبعين دينارا
ذهبا وكان وزن الحلية عشرين ولصياغتها تساوي ثلاثين وقيمة النصل أربعون، جاز على
القول الثاني باعتبار الوزن دون الأول باعتبار القيمة، والقول باعتبار القيمة قال ابن يونس: هو
ظاهر الموطأ والموازية وصدر به ابن الحاجب وعطف الثاني بقيل. والقول باعتبار الوزن قال
الباجي: إنه ظاهر المذهب.
تنبيه: قال في التوضيح: ما ذكرناه من أنه تنسب قيمة الحلية أو زنتها إلى مجموع
ثمن المبيع فإن كانت ثلثه جاز، هو المذهب الذي قاله الناس ونسب ابن بشير ذلك إلى
174

قيمة المحلى، فإن كانت ثلثه جاز وإلا امتنع وليس كذلك، لأنه إذا نسبت إلى المحلى
فكانت ثلثه كانت ربع الجميع انتهى. والله أعلم ص: (وإن حلي بهما لم يجز بأحدهما إلا
إن تبعا الجوهر) ش: أي فإن كانا تبعا للجوهر فيباع بالأقل منهما قولا واحدا. قاله صاحب
الاكمال. وفي بيعه بنصف الأكثر منهما قولان. انظر ابن عرفة والتوضيح ص: (وجازت
مبادلة القليل المعدود دون سبعة) ش: المبادلة بيع المسكوك بالمسكوك من نوعه عددا
من غير وزن. قال ابن عبد السلام: فإنه إن دخل الميزان فيها عادت مراطلة، والنظر يوجب
منعها على الوجه الذي ذكروه، لأن الشرع طلب المساواة في القدر والعلم بها غير حاصل
في المبادلة فلا يجوز قصد المعروف على انفراده لا يصلح أن يكون مخصصا لتلك
العمومات الدالة على طلب المساواة، فإن الحق في طلب المساواة ليس حق آدمي بل هو
من حق الله تعالى انتهى. وقال في التوضيح: والأصل منعها إلا أنهم رأوا أنه لما كان التعامل
بالعدد رأوا أن النقص يجري مجرى الرداءة، والكمال يجري مجرى الجودة، ولان لما كان
النقص حينئذ لا ينتفع به صار إبداله معروفا، والمعروف يوسع فيه ما لم يوسع في غيره
175

بخلاف التبر وشبهه انتهى. ثم قال بعد ذلك: ورأوا أن قصد المعروف يخصص العمومات
كما في القرض. ألا ترى أن بيع الذهب بالذهب نسيئة ممتنع، فإذا كان على وجه القرض
جاز. وقال ابن عرفة: المبادلة. ابن بشير: بيع العين بمثله عددا والمذهب حرمة بيع دينار
بدينارين. قال اللخمي: وأجازه المخزومي وعلى المعروف إن اتحدا في القدر والصفة والعدد
فواضح انتهى. ويريد في التعامل بالعدد، وأما لو كان التعامل وزنا فلم تجز إلا بالوزن وتعود
مراطلة كما سيأتي في كلام التوضيح.
تنبيه: وأما الطعام فيجوز مبادلة المأكول والمعفون منه بالصحيح السالم على وجه
المعروف في القليل والكثير على ما وقع في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من الصرف،
وما أوقع في رسم التسمية من سماع عيسى من البيوع ومنع من ذلك أشهب كالدنانير
الكثيرة النقص بالوازنة فلم يجز المعفون بالصحيح ولا الكثير العفن بالخفيف. انتهى من رسم
القبلة من سماع ابن القاسم من الصرف. وللمبادلة شروط:
الأول: أن تكون في القليل ثم فسره بقوله: دون سبعة. قال في التوضيح: فلا يجوز
له بدل سبعة بأوزن منها لزيادتها على ضعف أقل الجمع، ويجوز في الثلاثة اتفاقا لأنه أقل
الجمع ومذهب المدونة الجواز فيما بينهما انتهى. وقال ابن عبد السلام: لا أصل لهذا
التحديد إلا ما تدل العادة على المسامحة فيه. وأشار إلى الشرط الثاني بقوله: المعدود
يعني أن من شرط جواز المبادلة أن يكون في المعدود أي في الدراهم والدنانير التي يعامل
بها عددا. قال ابن عبد السلام: فلا تجوز إلا في الدنانير والدراهم إذا كان التعامل بها عددا،
وأما إذا كان كالمجموعة وشبهها أو كان الذهب أو الفضة تبرا أو مصوغا فلا يجوز إلا
بالوزن فتعود مراطلة، لأنه إذا كان التعامل عددا صار لبعض اليسير يجري مجرى الرداءة.
والكمال مجرى بخلاف التبر ونحوه. انتهى ونحوه في التوضيح. وقال فيه أيضا في قول ابن
الحاجب: المبادلة لقب في المسكوكين عددا وهي جائزة في العددي دون الوزني. لا يقال
في كلامه الثاني تكرار مع الأول، لأن الأول أفاد أن المبادلة بيع مسكوك بمسكوك عددا
176

وهو أعم من أن يكون التعامل في ذلك المسكوك وزنا أو عددا، والثاني أفاد اشتراط أن يكون
التعامل في ذلك المسكوك بالعدد لا بالوزن انتهى. ص: (بأوزن منها بسدس سدس) ش:
قوله: بأوزن هذا شرط ثالث وهو أن تكون الزيادة في الوزن. واحترز بذلك من الزيادة في
العدد فلا تجوز المبادلة. قاله في التوضيح وقاله القباب وحكاه عن المازري ونصه: الثاني من
الشروط أن يتساوى عدد الناقص والوازن، فإن اختلف العدد منع منه. وعلى هذا اعتمد
المازري وقال: إنه المعروف من المذهب وإن أهل المذهب لم يذكروا غيره وإن كان
اللخمي نسب للمغيرة إجازة بدل دينار بدينارين من سكة واحدة. ولم يرض المازري هذا،
ورأي أنه مأخوذ من المسألة التي تكلم عليها أشهب مع المخزومي في جمل نقد بجملين
مثله أحدهما نقد والآخر إلى أجل، فألزمه دينارا بدينارين أحدهما نقدا والآخر إلى أجل فالتزمه
وعابه وبينهما خلاف في الملتزم من هو انتهى. ثم ذكر أن المعتبر الشخوص قال: فعلى
مذهب من منع أكثر من ثلاثة لا يجوز بدل أربع قراريط ناقصة بأربع قراريط وازنة اه‍. يعني
أنه لا يقال إن الأربعة قراريط أقل من ثلاثة دراهم لأن المعتبر الشخوص. وقوله: بسدس
سدس هذا شرط رابع ذكره ابن شاس وابن الحاجب وابن جماعة التونسي. وقال ابن عرفة:
أطلق اللخمي والصقلي والمازري والجلاب والتلقين وغير واحد القول في قدر النقص وهو
ظاهر ما نقله الشيخ. وقال ابن رشد في سماع ابن القاسم المتقدم: ظاهر هذه الرواية جواز
بدل الطعام المعفون بالصحيح السالم على وجه المعروف في القليل والكثير. ومنع ذلك
أشهب كالدنانير الكثيرة النقص. قال ابن عرفة:
قلت: فظاهره أي كلام اللخمي والصقلي والمازري والجلاب والتلقين وابن رشد
177

الاتفاق على منعه في الدنانير الكثيرة النقص ولم يحدوا فيه حدا وهو اختيار بعض من لقيناه.
وقال ابن شاس: أبلغ ما اعتبر من النقص سدس دينار، وقيل دانقان. وعزا ابن عبد السلام
الأول للمدونة وفيه نظر، لأنه لم يذكره تحديدا بل فرضا ونصها: ولو أبدل ستة دنانير فنقص
سدسا سدسا بستة وازنة فلا بأس به اه‍. وقال القباب في شرحه: أكثر الشيوخ لا يذكرون
هذا الشرط، وقد جاء لفظ السدس في المدونة وهو محتمل للتمثيل والشرطية قد نص
اللخمي على جواز بدل دينار بدينارين على مذهب المغيرة، وتعقبه المازري ولم يذكر في
تعقبه عليه أن بين الدينار الواحد والدينارين أكثر من سدس. فهذا اللخمي والمازري مقتضى
كلامهما عدم اعتبار هذا الشرط اه‍. وقال ابن عبد السلام: وعندي أن السدس كثير ولا ينبغي
أن يجوز من ذلك إلا ما جرت العادة أن يسامح فيه عند رخص الفضة أو كساد البيع اه‍.
تنبيه: قال في التوضيح: ومن شرط المبادلة أن تكون بلفظ المبادلة وأن تكون بغير
المراطلة وأن تكون واحدا بواحد احترازا من واحد باثنين اه‍. وقال قبله: قال اللخمي:
ويشترط في الجواز أن تكون السكة واحدة اه‍.
قلت: هذا يتفرع على المسألة الآتية في قوله: والأجود أنقص أو أجود سكة ممتنع.
وقال القباب: وزاد بعض المتأخرين في جواز المبادلة أن تكون على وجه المعروف لا على
وجه المكايسة وهو مأخوذ من لفظ المدونة: وأن تكون يدا بيد ولا أظنه يختلف فيه اه‍.
قلت: ويؤخذ اشتراط كونها على وجه المعروف من كلام المؤلف الآتي ص:
(والأجود أنقص أو أجود سكة ممتنع وإلا جاز) ش: يعني أنه إذ كان أحد النقدين أجود
في الجوهرية من الآخر إلا أنه أنقص في الوزن وكان الآخر أردأ في الجوهرية إلا أنه أوزن،
178

فإن المبادلة ممتنعة لدوران الفضل من الجانبين فدخلتها المكايسة، وقد تقدم أنها إنما تجوز
على وجه المعروف. وقوله: أو أجود سكة هكذا في النسخ التي وقفنا عليها. والظاهر فيها
أن يكون قوله: أو أجود معطوفا على قوله: والأجود والمعنى: أو الأجود سكة أنقص من
الأردأ سكة فإنه يمتنع لدوران الفضل، وأما ما ذكره ابن غازي على النسخة التي فيها أو
الأوزن أجود سكة فلم نره في النسخ التي عندنا وكأنه إصلاح أراد به صاحبه التنبيه على
179

مسألة مالك وابن القاسم وربيعة وقد استوفى ابن غازي والكلام عليها ص: (ومغشوش بمثله)
ش: ظاهره ولو لم يتساو غشهما وهو ظاهر كلام ابن رشد وغيره. ولم يلتفت المصنف إلى
قول ابن عبد السلام، ولعل ذلك مع تساوي الغش لأنه لم يجزم به ولعسر تحقق تساوي ذلك
ولأنهم جعلوا ذلك كالعدم ولذا أجازوا مراطلة المغشوش بالخالص، وعلى هذا فقول
صاحب الشامل: وقيد إن تساوى الغش وإلا فلا غير ظاهر ص: (وبخالص والأصح خلافه)
ش: يعني ويجوز مراطلة المغشوش بالخالص على القول الراجح المأخوذ من كلام المدونة
وغيرها، واستظهر ابن رشد أنه لا يجوز، وجعل صاحب الشامل الأول هو المذهب. قال:
وصحح منعه بخالص والمذهب جوازه. وقال ابن عرفة: هو اختيار ابن محرز.
تنبيه: قال في التوضيح بعد أن ذكر الخلاف: وإذا تقرر هذا علمت أنهم إنما تكلموا
في المغشوش الذي لا يجري بين الناس، ويؤخذ من كلامهم جواز بيع المغشوش بصنفه
الخالص إذا كان يجري بين الناس كما بمصر عندنا انتهى. وبذلك جزم في الشامل فقال بعد
كلامه السابق: أما مغشوش يتعامل به فيباع بنصفه وزنا انتهى.
قلت: فظاهر كلامهما أنه يجوز بلا خلاف. وظاهر ما نقله ابن عرفة عن ابن رشد
دخول الخلاف في ذلك ونصه في أواخر المراطلة. ابن رشد: في كون الدنانير المشوبة
بفضة أو نحاس والدراهم المشوبة به يعتبر وزن كلها بما فيها كوزن خالص، واعتبار قدر
الخالص فيها فقط في المراطلة والنكاح والزكاة والسرقة قولان للشيوخ اه‍. ثم ذكر أن ابن
180

محرز اختار الجواز وهو الظاهر الجاري على ما تقدم في الزكاة والله أعلم ص: (لمن
يكسره أو لا يغش وكره لمن لا يؤمن وفسخ ممن يغش) ش: قال ابن غازي: كذا هو بواو
العطف في أوله فهو أعم من أن يكون في بيع أو صرف أو مراطلة اه‍.
قلت: كأنه وقع في نسخته كذلك والموجودة في النسخ بغير واو وهو صحيح، لأنه
وإن كان سياق الكلام في المراطلة فحكم البيع بها وصرفها يستفاد من ذلك لأن العلة إنما
هي خوف الغش بها فتأمله والله أعلم. وجعل المصنف المسألة على أربعة أقسام: الأول: أن
يبيع المغشوش أو يصرفه أو يراطل به من يكسره فهذا جائز. قال ابن رشد: باتفاق لكن قيد
ابن الحاجب ذلك بما إذا أمن أن يغش به مع كسره. قال في التوضيح: وإن لم يؤمن ذلك
فلا بد من سبكه وهو ظاهر وأصله في المدونة قال فيها: وإذا قطعه جاز بيعه إذا لم يكن يغر
به الناس ولم يكن يجوز بينهم اه‍. فالمدار على انتفاء الغش به. وقال في المدونة بعد هذا
الكلام: قال أشهب: إذا كسر الستوق جاز بيعه إن لم يخف أن يسبك فيجعل دراهم أو
يسبك فيباع على وجه الفضة، فإن خاف ذلك فليصنه حتى تباع فضته على حدة ونحاسه
على حدة اه‍. وقال أبو الحسن: هذا وفاق لابن القاسم على ما نبه عليه ابن يونس.
والستوق. قال عياض: بضم السين والتاء وتشديدهما كما ضبطتها، والصواب بفتح السين وهو
مما يغلط فيه العامة وهو الردئ. وقال ابن يونس: هو الذي عليه النحاس. وتقدم أيضا تعريف
قبل هذا. الثاني: أن يبيعه لمن يعلم أنه لا يغش به وهو أيضا جائز باتفاق. الثالث: أن يبيعه
ممن لا يؤمن أن يغش به. قال ابن رشد: كالصيارفة فهذا يكره له ذلك. الرابع: أن يبيعه ممن
يعلم أنه يغش به فهذا لا يحل له ذلك. وزاد ابن رشد خامسا: وهو أن يبيعه ممن لا يدري ما
يصنع به فأجازه ابن وهب وكرهه ابن القاسم، وهذا القسم داخل في قول المصنف: وكره
لمن لا يؤمن كما هو قول ابن القاسم وروايته عن مالك. قاله في التوضيح. واختلف في
بيعها ممن لا يدري ما يصنع بها فأجازه ابن وهب وجماعة من السلف، وكرهه ابن القاسم
181

ورواه عن مالك اه‍. على أن ابن عرفة نازع ابن رشد في قوله: بالكراهة فيمن لا يؤمن وقال:
لفظ الرواية إن كان ممن يغر بها الناس كالصيارفة وغيرهم فلا أرى ذلك قال: فظاهر لفظ لا
أرى المنع الذي هو أشد من الكراهة اه‍. المسألة في رسم القسمة من سماع عيسى من
كتاب الصرف. قال ابن رشد: تحصيل القول فيها أن الدراهم والدنانير المغشوشة بالنحاس
لا يحل لاحد أن يغش بها فيعطيها على أنها طيبة، ولا أن يبيعها ممن يعلم أنه يغش بها،
ويكره له أن يبيعها ممن لا يأمن أن يغش بها كالصيارفة وغيرهم. ويختلف هل يجوز له أن
يبيعها ممن لا يدري ما يصنع بها، فأجاز ذلك ابن وهب وروى إجازته عن جماعة من
السلف، وكرهه ابن القاسم ورواه عن مالك هنا. وفي المدونة: والذي أجازه ابن وهب أن
يباع لمن لا يدري ما يصنع به ما كان فيه منفعة ويمكن الغش به لمن أراده، ويجوز أن يباع
باتفاق ممن يكسرها أو ممن يعلم أنه لا يغش بها إلا على قياس قول سحنون في نوازله من
كتاب السلم، فإن باعها ممن يخشى أن يغش بها لم يكن عليه غير الاستغفار، وإن باعها
ممن يعلم أنه يغش بها فواجب عليه أن يستصرفها منه إن قدر على ذلك. واختلف إن لم
يقدر فيما يجب عليه فيما بينه وبين خالقه على ثلاثة أقوال، ثم ذكر الأقوال الثلاثة التي
ذكرها المصنف. وقد علم أن الفسخ إنما هو فيما إذا باعها ممن يعلم أنه يغش بها وكأنه
سقط من نسخة الشارح في الكبير قول المصنف: ممن يغش فجعل قوله: وفسخ راجعا
لقوله: وكره لمن لا يؤمن، وأما في الوسط فيوجد في بعض النسخ على الصواب والله
تعالى أعلم. ص: (فهل يملكه) ش: نقص المصنف من هذا القول فإن ظاهر كلام المصنف
أنه لا يستحب التصدق له به. ونصه في كلام ابن رشد: والثالث أنه يجب عليه أن
يتصدق بشئ منه إلا على وجه الاستحباب مراعاة للخلاف. ونقله في التوضيح بلفظ:
الثالث أنه لا يجب عليه أن يتصدق بشئ منها لكنه مستحب. ثم قال ابن رشد: وقد مضى
توجيه هذا الاختلاف في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب التجارة إلى أرض
الحرب يشير إلى ما ذكره في مسألة من باع سلاحا من العدو أو ممن يغازي به المسلمين
182

ويخرج به عليهم، أو ممن يحمل ذلك إليهم وتاب ولم يعلم من باعه منه ولا قدر عليه فذكر
الأقوال الثلاثة، ثم وجه القول بأنه يتصدق بالجميع بأن البيع غير منعقد وأنها باقية على ملكه
فيجب عليه رد الثمن إلى المبتاع إن علمه والصدقة به عنه إن جهله. ووجه القول بأنه
يتصدق بالزائد بأن البيع إنما يفسخ في قيام السلعة ويمضي في الفوات بالقيمة. ووجه القول
بأن لا يتصدق بشئ إلا على جهة الاستحباب بأن البيع لا يفسخ ولو عثر عليه بل يباع ذلك
على المبتاع والله أعلم. ص: (وقضاء قرض بمساو وأفضل صفة) ش: يعني أنه يجوز قضاء
القرض بالمساوي والأفضل في الصفة سواء كان ذل القرض عينا أو طعاما أو عرضا، وسواء
كان القرض حالا أو مؤجلا وحل أجله أو قضاه قبل الاجل كما سيأتي بيانه ص: (وإن حل
الاجل بأقل صفة وقدرا) ش: تصوره واضح.
فرع: قال في أواخر كتاب الصرف من المدونة: ومن أقرضته قمحا فقضاك دقيقا مثل
كيله جاز وإن كان أقل من كيله لم يجز. قال أبو الحسن: قوله: مثل كيله جاز يريد ما لم
يكن الدقيق أجود عينا فيمتنع لأنه باع فضل ربع القمح بجودة الدقيق. وقوله: وإن كان أقل
من كيله لم يجز خلافا لأشهب في قوله: إن ذلك جائز اه‍. يشير إلى قوله في المدونة
عن أشهب: لو اقتضى دقيقا من قمح والدقيق أقل كيلا فلا بأس به إلا أن يكون الدقيق أجود
من القمح ص: (أزيد عددا أو وزنا) ش: أما الزيادة في العدد فلا تجوز ولو قل على
المشهور، وأما الزيادة في الوزن فإن كان التعامل بالوزن فلا يجوز إلا كرجحان ميزان كما
183

قال المصنف، وأما إن كان التعامل بالعدد فجائز أن يقضى مثل العدد الذي عليه ولو كان
أزيد في الوزن. قال في التوضيح لما ذكر قوله (ص): إن خيار الناس أحسنهم قضاء، ولهذا
أجاز أصحابنا ذلك إذا كان التعامل بالعدد لمن استسلف عشرة دراهم ناقضة أو أنصافا أن
يقضيه عشرة دراهم كاملة بغير خلاف اه‍.
قلت: وأصل المسألة في المدونة قال في كتاب الصرف: وإن أسلفت رجلا مائة
درهم عددا ووزنها نصف درهم فقضاك مائة درهم وازنة على غير شرط جاز، وإن قضاك
تسعين وازنة فلا خير فيه. ثم قال: وإن أقرشك مائة درهم وازنة عددا فقضيته خمسين درهما
أنصافا جاز، ولو قضيته مائة درهم أنصافا ونصف درهم لم يجز وإن كانت أقل وزنا، وأصل
قوله: إنك إذا استقرضت دراهم عددا فجائز أن تقضيه مثل عددها، كانت مثل وزن دراهمه أو
أقل أو أكثر. ويجوز أن تقضيه أقل من عددها في مثل وزنها أو أقل إذا اتفقت العيون، فإن
قضيته أقل من عددها في أكثر من وزنها أو قضيته أكثر من عددها في أقل من وزنها لم يجز
اه‍. قال أبو الحسن في شرح المسألة الأولى: وهذا في بلد تجوز فيه الدراهم عددا، وأما في
بلد لا تجوز فيه الدراهم إلا وزنا فلا يجوز بيعها ولا قرضها إلا وزنا، فيجوز حينئذ أن
يقضيك عن مائة أنصافا خمسين درهما عددا مثل وزنها اه‍.
184

تنبيه: نقل ابن عرفة عن بعض شيوخه أنه نقل عن بعض شيوخه أنهم اختلفوا في مسألة
المدونة المذكورة، فمنهم من قيد الجواز بكون الأنقص معتبرا درهما بذاته لا نصف درهم
وإلا منع كزيادة كثيرة في العدد كخمسين قيراطا جديدة تونسية لا يصح عنها خمسون
درهما جديدة تونسية، ومنهم من أطلق الجواز فيصح قضاء خمسين درهما عن خمسين
قيراطا اه‍ بالمعنى. والقيراط عندهم نصف الدرهم. وعلم من كلام المدونة أنه لا يصح أن
يقضيه عن المائة الدرهم مائتي درهم أنصافا ولا عن المائة نصف خمسين درهما ولا عن
درهم نصفين وهو ظاهر والله أعلم ص: (وثمن المبيع من العين كذلك) ش: إنما قيده
بالعين لأن قضاء الأفضل في الطعام والعروض قبل الاجل ممتنع في البيع قولا واحدا لما فيه
من حط الضمان وأزيدك بخلاف القرض فإنه جائز. قال في التوضيح: إلا أن يكون الفضل
في النوعية كأخذ سمراء عن محمولة قبل الاجل ففيه خلاف في المدونة وغيرها اه‍. قوله:
ففيه خلاف يعني في القرض، وأما في البيع فلا يجوز اتفاقا. قال الرجراجي في مسألة
الاقتضاء من كتاب الصرف وهي الثامنة عشر: فإن قضاه مثل العدد أو أكثر صفة فإن كان
185

الدين عينا ففيه قولان قائمان من المدونة: الجواز والمنع، والجواز أظهر وأشهر، وإن كان
الدين طعاما فإن كان من بيع فلا يجوز قولا واحدا، وإن كان من قرض فقولان منصوصان
في المدونة: الجواز والمنع وهو قول ابن القاسم اه‍. قال في كتاب الصرف: ولا خير في
اقتضاء صيحاني عن عجوة قبل الاجل من قرض، ولا زبيب أحمر عن أسود وإن كان أجود
منه. قال أبو الحسن: الصيحاني أفضل من العجوة، والأحمر أفضل من الأسود. ابن يونس:
186

وله قول آخر قبل هذا في إجازته: وهو أحسن اه‍. وقال في أواخر كتاب السلم الأول من
المدونة: وإن أسلمت في محمولة أو سمراء أو شعير أو سلت أو قرضت ذلك فلا بأس أن
تأخذ بعض هذه الأصناف قضاء عن بعض مثل المكيلة إذا حل الاجل وهو بدل جائز،
وكذلك أجناس التمر ولا يجوز ذلك كله قبل محل الاجل في بيع ولا قرض. قال أبو
الحسن: وقد تقدم لابن القاسم قول بإجازته من قرض قبل الاجل. سحنون: وهو أحسن إن
187

شاء الله اه‍ من الكبير ص: (وإن بطلت فلوس فالمثل أو عدمت فالقيمة وقت اجتماع
الاستحقاق والعدم) ش: يعني أن من أقرض فلوسا أو باع بها سلعة ثم إنه بطل التعامل بتلك
الفلوس وصار التعامل بغيرها، فإنه يجب له الفلوس ما دامت موجودة ولو رخصت أو غلت،
فإن عدمت بالكلية ولم توجد فله قيمة الفلوس من يوم يجتمع استحقاقها أي وجوبها
وحلولها وعدمها أي انقطاعها ويحصل ذلك بالأخير منهما، فإن كان الاستحقاق أولا فليس
له القيمة إلا يوم العدم، وإن كان العدم أولا فليس له القيمة إلا يوم الاستحقاق وهذا كأقصى
الأجلين في العدة.
تنبيه: لا خصوصية في الفلوس بل الحكم كذلك في الدنانير والدراهم كما أشجر إليه
في كتاب الصرف من المدونة، وصرح به في التلقين والجلاب وغيرهما. قال في التلقين:
ومن باع بنقد أو قرض ثم بطل التعامل به لم يكن عليه غيره إن وجد وإلا فقيمته إن فقد اه‍.
وقال في الجلاب: ومن اقترض دنانير أو دراهم أو فلوسا أو باع بها وهي سكة معروفة ثم غير
السلطان السكة بغيرها فإنما عليه مثل السكة التي قبضها ولزمته يوم العقد اه‍. قال القرافي في
شرحه: ولو انقطع ذلك النقد حتى لا يوجد لكان له قيمتها يوم انقطعت إن كان الدين حالا
وإلا فيوم يحل الاجل لعدم استحقاق المطالبة قبل ذلك اه‍. وأصله للتلمساني. وقوله في
188

الجلاب: مثل السكة التي قبضها يعني في القرض، وقوله: ولزمته يوم العقد يعني في
البيع فهو من باب اللف والنشر المرتب، وبذلك أفتى ابن رشد وغيره من الشيوخ. قال
البرزلي: وسئل ابن رشد عن الدنانير والدراهم إذا قطعت وبدل غيرها، فما الواجب في الديون
والمعاملات المتقدمة وشبهها؟ فأجاب: المنصوص لأصحابنا وغيرهم من العلماء لا يحكم إلا
بما وقعت به المعاملة. فقال السائل: بعض الفقهاء يقول: لا يحكم عليه إلا بالمتأخر لابطال
السلطان إياها فصارت كالعدم. فقال: لا يلتفت لهذا إذ لم يقل به عالم ونقض لحكم
الاسلام ومخالف للكتاب والسنة للنهي عن أكل المال بالباطل، ويلزم عليه أن بيع عرض
بعرض لا يجوز ولمبتاعه فسخ العقد بعد ثبوته، وكذا يلزم عليه أن من كانت عليه فلوس
وقطعها السلطان وجعل مكانها دنانير ودراهم أن عليه أحد النوعين وتبطل الفلوس، أو أن
السلطان إذا بدل المكيال بأصغر منه أو أكبر والموازين كذلك وقد تعاملا بها أن يأخذ
بالمكيال أو الميزان المحدث وإن كان أصغر أو أكبر وهذا مما لاخفاء في بطلانه.
قلت: في المدونة: من لك عليه فلوس من بيع أو قرض فأسقطت لم تتبعه إلا بها.
وقاله ابن المسيب في الدراهم إذا أسقطت وهو نحو ما أفتى به ابن رشد. أبو حفص: من لك
عليه دراهم فقطعت فلم توجد فقيمتها من الذهب بما تساوي يوم الحكم لو وجدت.
وأجاب الصائغ عما إذا فسدت السكة وباعه بثمن إلى أجل وصارت غيرها وصار الامر إلى
خلاف ما دخلا عليه، فعليه قيمتها يوم دفعها إليه بهذه السكة الموجودة الآن. وقد اضطرت
في هذا المتقدمون والمتأخرون، والأولى ما ذكرت لك وقد وقع ذلك في ثمانية أبي زيد.
وفي كتاب ابن سحنون: إذا أسقطت يتبعه بقيمة السلعة يوم قبضت لأن الفلوس لا ثمن لها.
ووجه ما في المدونة أنها جائحة نزلت به وهذا قول ثالث غير ما حكى ابن رشد. وقال
اللخمي في كتاب الرهون: لو كانت مائة فلس بدرهم ثم صارت ألف فلس بدرهم فلم توجد
كان له قيمتها يوم يحل الاجل لأن بالقيمة وقع التأخير، ولا ينظر إلى قيمتها يوم انقطعت إذ
لم يتوجه الطلب حينئذ، وإن أخر بعد الاجل أجلا ثانيا فالقيمة يوم حل الاجل الأول. وفي
كتاب الرهون: القيمة يوم يحكم عليه وعليه يأتي الكوالئ التي انقطعت سكتها من الديون
والصدقات. اه‍ كلام البرزلي. ومسألة المدونة التي ذكرها في آخر كتاب الصرف على نص
ما ذكره. وقال فيها أيضا في كتاب الرهون: ومن أسلفته فلوسا فأخذت فيها رهنا فعسرت
الفلوس فليس لك عليه إلا مثل فلوسك ويأخذ رهنه، وإن بعته سلعة بفلوس إلى أجل فإنما
لك نقد الفلوس يوم البيع ولا يلتفت لكسادها، وكذلك إن أقرضته درهم فلوس وهي يومئذ
مائة فلس بدرهم ثم صار مائتا بدرهم فإنما يرد إليك ما أخذ لا غير ذلك اه‍.
قال أبو الحسن: يحتمل أن يكون قطع التعامل بها إن جعل الامام سكة أخرى. ابن
189

يونس: ولو قطعت ولم توجد لكان عليه قيمتها يوم الحكم لأنها في ذمته إلى يوم
تحاكمه فيها ويقضى عليه فيها، ولا يجوز له أن يعطيه قيمتها يوم دفعها إليه لأنها لو
فسدت فوجدها لم يكن عليه إلا مثلها، فوجب أن يكون عليه قيمتها يومئذ. وقال اللخمي
في كتاب الصرف: ولو قطعت ولم توجد كان قيمتها يوم انقطعت إن كان الدين حالا،
وإن كانت إلى أجل فانقطعت قبل الاجل كان له قيمتها يوم يحل الاجل ولم ينظر إلى
قيمتها يوم انقطعت لأنه لم يكن توجه له قبل الاجل طلب، وإن أخره بعد الاجل أجلا
ثانيا كان عليه قيمتها يوم حلول الأجل الأول لأن بالقيمة وجب التأخير. الشيخ: فانظر
على هذا إذا وجبت الشفعة بسكة قديمة فلم توجد. وعلى قول ابن يونس يكون على
الشفيع قيمتها يوم الحكم بالشفعة، وعلى قول اللخمي يوم انقطعت، وقول ابن يونس
أصوب، وكذلك المشهور على هذا. وقوله في المدونة: إنما لك عليه نقد الفلوس يعني
سكة الفلوس اه‍. وذكر ابن أبي زيد مسألة الرهون في كتاب الصرف فقال: ومن الرهون
ومن استقرضته دراهم فلوس وهو يوم قبضها مائة بدرهم ثم صارت مائتين لم ترد إليه إلا
عدة ما قبضت وشرطكما غير ذلك باطل انتهى. فقول المصنف: أو عدمت فالقيمة وقت
اجتماع الاستحقاق والعدم هذا اختيار اللخمي وابن محرز وعليه اقتصر ابن الحاجب
وغيره، ومقابله قول ابن يونس: إن عليه قيمتها يوم الحكم، واختاره أبو إسحاق التونسي وأبو
حفص. وقال أبو الحسن في كتاب الرهون: وهو الصواب. وقال البرزلي: هو ظاهر المدونة
وسيأتي كلامه. والعجب من الشيخ ابن عرفة فإنه لم يعز هذا إلا لنقل ابن بشير، وعزاه
المصنف " في التوضيح لبعض الشيوخ.
فرع: قال أبو الحسن في كتاب الرهون: وكذا لو كانت السكة أولا بغير ميزان ثم
حدث الميزان فله المتعارف من تلك السكة قبل حدوث الميزان، فإن جهل مقدار ذلك كان
كمسألة آخر كتاب الصلح فيمن له عليه دراهم نسيا مبلغها جاز أن يصطلحا على ما شاءا من
ذهب أو ورق، فإن أبيا أعرض عنهما الحاكم حتى يصطلحا اه‍. ومسألة الصلح في بابها
والله أعلم.
فرع: قال البرزلي: حكى ابن يونس عن بعض القرويين إذا أقرضه دراهم فلم يجدها
بالموضع الذي هو به الآن أصلا فعليه قيمتها بموضع ما أقرضه إياها يوم الحكم لا يوم
دفعها إليه. قال البرزلي: لأنها إنما تجب له حينئذ فإذا فقدت وجبت قيمتها يومئذ لأنه
وقت يقضى بها. ثم قال: ونزلت مسألة من هذا المعنى وهي من تسلف دراهم فلوسا أو
نقرة بالبلاد المشرقية ثم جاء مع المقرض إلى بلد المغرب ووقع الحكم بأنه يلزمه قيمتها
في بلدها يوم الحكم وهذا نحو ما تقدم لابن يونس وأبي حفص وظاهر المدونة في
الرهون. وعلى القول الآخر يلزمه قيمتها في بلدها يوم فقدت وقطعت، ويكون حينئذ
190

قيمتها يوم خروجه من البلد التي هي جارية فيه إذ هو وقت فقدها وقطعها انتهى.
فرع: ثم قال: وقعت مسألة أخرى وهو أنه بعد الوصول حالت السكة والفلوس في
تلك البلاد ووقعت الفتوى بأنه يعطى قيمة الفلوس أو الدراهم المقرضة في تلك البلد يوم
الحكم ذهبا.
فرع: قال البرزلي في مسائل الوكالات: سئل السيوري عمن وكل على قبض أثمان
مستغلات ضيعته ثم كتب الموكل لوكيله أن أدفع لابنة أخي من مستغلاتي خمسة دنانير
وفي البلد سكك مختلفة ووقت الكتب والوصول سكة واحدة وابتداء الوكالة سكة أخرى،
فقال الوكيل لم يفضل لي شئ إلا من السكة عند سفره وطلب أخو الغائب لابنته سكة يوم
الكتب والوصول. فأجاب: إنما له سكة يوم الكتب فتصرف تلك السكة الأولى على سكة
يوم الكتب ويقضي.
قلت: لأنها الواجبة يوم عقد الهبة. وانظر لو لم تزل مختلفة منذ الوكالة إلى يوم الكتب
فإنه يقضي بالغالبة ولو استوى الصرف بها، فإن كان الواهب قريبا كتب إليه ليتعرف ما عنده،
وإن بعد فتجري على مسألة النكاح والزكاة أن له الوسط، وقيل يقضي على عدد السكك
ويؤخذ من كل شئ بحسبه كأحد القولين في الزكاة اه‍.
فرع: قال البرزلي في مسائل البيوع: إذا استشعر بقطع السكة وحصل منها شئ عند
أحد، هل يسوغ لمن عنده شئ أن يسرع في إخراجها قبل قطعها أم لا؟ وهل يجبر من
وجب له شئ منها على قبضه؟ فأفتى بعض من ينتمي للعلم حينئذ أنه يجوز له الاسراع في
إخراجها ويلزم عليه حبر من أباها وعندي أنها تتخرج على مسألة المديان إذا أرادوا تفليسه،
فيمن يجيز الاخذ منه خشية التفليس يجيز هذا، ومن يمتنع يمنع، ومن يقول إذا تحدثوا في
تفليسه فلا يجوز فهنا إذا تحدثوا في قطعها فلا يجوز، وإن لم يتحدثوا في قطعها فيجوز اه‍.
قلت: وأما الجبر على أخذها فلا إشكال فيه لأنها لو قطعت جبر على ذلك كما
تقدم، وأما الاسراع في إخراجها فإن كان استشعار قطعها شائعا معلوما عند القابض لها فلا
إشكال في جواز ذلك، وأما إن لم يكن عند القابض لها من ذلك شعور فيمكن أن يخرج
على ما قال، والمشهور أن قضاءه لبعض غرمائه لا يرد إذا حل أجله ولم يكن ذلك جميع ما
بيده والله أعلم.
فرع: قال البرزلي: وفي الحاوي سئل بعضهم عن بيع السلعة بسكة قديمة فأجاب:
شرط القديمة الطيبة في السكة، فإن فهموا عنه سكة بعينها أو سككا متحدة عند الناس في
جودة العين وعدم التفاضل فالبيع جائز وإن لم يكن ما ذكرناه فالبيع فاسد ولا ينظر لما في
السكك من الرقوم والكتابة إذا تساوت فيما ذكرناه، ومن باع في زمن اتحاد السكة ثم
191

اختلفت أخذ من كل على النسبة من كل واحدة، فإذا اختلفت وهي ثلاث سكك أخذ الثلث
من كل واحدة وعلى هذا اه‍ من أثناء البيوع.
فرع: قال البرزلي: نزلت مسألة ونحن في زمن القراءة وهي أن الدراهم المحمول
عليها النحاس كثرت جدا وشاعت في بلاد إفريقية جريدية وغيرها، واصطلح الناس عليها
حتى منع فيها الردئ لكثير الغش وتفاوته في أعيان الدراهم، فكلمت في ذلك شيخنا
الامام عسى أن يتسبب في قطعها. فكلم في ذلك السلطان وكان في عام سبعين وسبعمائة
فهم بقطعها، فبعث إليه شيخنا أبو القاسم الغبريني وكان المتعين حينئذ للفتوى وذكر له
مسألة العتبية، وأن العامة إذا اصطلحت على سكة وإن كانت مغشوشة فلا تقطع لأن ذلك
يؤدي إلى إتلاف رؤوس أموال الناس، ففتر الامر نحو الشهر فجاءت دراهم كثيرة من ناحية
بلاد هوارة نحاس مطلية وشاعت في البلد، فنظر الخليفة حينئذ وقال: هذا يؤدي إلى
إتلاف رؤوس أموال الناس وتصير فلوسا فأمر بقطعها حينئذ، ونادى مناد من قبله بهذا ورجع
المفتي إلى فتوى شيخنا الامام، ورأوا أن المسألة إنما هي إذا تعينت دراهم زائفة وهذه
الدراهم كل يوم يزاد في غشها حتى صارت نحاسا، وكذا في الذهب المحلاة لعدم
ضبطها في الغش اه‍. ص: (وتصدق بما غش ولو كثر) ش: قال ابن رشد في رسم
الجواب من سماع عيسى من كتاب السلطان: خلط الردئ بالجيد للمبيع لا يجوز لاحد
أن يفعله وإن بين عند البيع أنه مخلوط، وينبغي للامام أن يمنع منه ويضرب عليه، فإن فعل
كان للمشتري أن يرد، وإن بين أنه مخلوط جيد بردئ إلا أن يبين مقدار الردئ الذي
خلط بالجيد وصفتهما جميعا قبل الخلط حتى يستوي علمهما فلا يكون للمشتري حينئذ
أن يرد ويكون هو قد باء بالاثم في خلطه إذ قد يغش به غيره لأنه مما يمكن أن يغش أو
ممن لا يدري ما يصنع به، ويكره له أن يبيعه ممن يخشى أن يغش به، ولا يجوز أن يبيعه
ممن يعلم أنه يغش به. وهذا في الصنف الواحد الذي يخلط ولا يمتاز بعد الخلط جيده
من رديئه كالزيت والسمن والعسل وشبه ذلك، وأما الصنفان اللذان يمتازان بعد الخلط إلا
192

أنه لا يعلم مقدار كل واحد منهما كالقمح والشعير أو السمن والعسل أو الغلث والطعام
وما أشبه ذلك، فإن كان أحد الصنفين منهما يسيرا جدا تبعا لصاحبه جاز أن يبيع ولا يبين،
وإن لم يكن أحدهما يسيرا ولا تبعا لصاحبه فلا يخلو من أن يكون يمكن تمييزه أو لا
يمكن تمييزه، فإن كان يمكن تمييزه كالغلث مع الطعام واللحم السمين مع المهزول وما
أشبه ذلك فلا يجوز أن يباع الكثير من ذلك على ما هو عليه حتى يميز أحدهما عن
صاحبه، ويجوز أن يباع القليل منه على ما هو عليه. وإن كان مما لا يمكن تمييز أحدهما
من صاحبه كالسمن من العسل والقمح من الشعير والماء من اللبن والعسل، فقيل: يجوز
بيعه كما هو على بيان ما فيه إذ لا يقدر على تخليص بعضه من بعض ممن يأكله ويأمن
أن يغش به. قاله ابن حبيب في اللبن والعسل المغشوشين. وقيل: إن ذلك لا يجوز وهو
قول مالك في الواضحة وكتاب ابن المواز: إن من خلط قمحا بشعير لقوته فيكره له أن
يبيع ما فضل منه يريد إلا أن يبين مقدار الشعير من القمح. وقيل: إن كان خلطه للبيع لم
يجز له أن يبيعه وإن خلطه للاكل جاز له أن يبيعه. وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز.
وقيل: لا يجوز له أن يبيعه إلا أن يكون خلطه للاكل وهو يسير وهو قول مطرف وابن
الماجشون في الواضحة، هذا تحصيل القول في هذه المسألة انتهى. وعلم من كلام ابن رشد
أن الكراهة في قول محمد أن من خلط قمحا بشعير لقوته يكره له أن يبيعه على المنع والله
أعلم. ونقل ابن عرفة الكلام على الغش في أثناء البيوع والفاكهاني في شرح قول الرسالة: ولا
خلط دنئ بجيد. خلط الدنئ بالجيد مثل خلط حنطة دنيئة بحنطة غيرها، أو لحم الذكور
بلحم الإناث، أو السمين بالهزيل. وهذا كله في الجنس الواحد. قال الشيخ أبو محمد صالح:
ولا يكون ذلك في الجنسين مثل الشعير والذرة.
فرع: ولا يجب فسخ بيع الغش اتفاقا. قاله ابن عرفة.
فرع: قال في الرسم الثاني من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان فيمن فجر في
سوق المسلمين فجعل في مكياله زفتا: إنه يخرج من السوق وذلك أشد عليه من الضرب
قال ابن رشد: ظاهر قوله أن يخرج أدبا له وإن لم يكن معتادا للغش، وهو خلاف قول ابن
حبيب عن مطرف وابن الماجشون إن من غش في أسواق المسلمين يعاقب بالسجن
والضرب وبالاخراج من السوق إن كان معتادا للغش، ولا يرجع إليه حتى تظهر توبته. وقول
ابن حبيب: إن المعتاد يخرج يريد قد أدب فلم يردعه الأدب فقوله: فلا يرجع إليه حتى
تظهر توبته صحيح لأنه لم يخرج أبدا له وإنما يخرج لقطع ضرره إذ قد أدب فلم ينفع فيه
الأدب. وأما القول الأول إنه يخرج أدبا له وإن لم يكن معتادا على ظاهر قول مالك، فلا يمنع
أن يرد إليه بعد مدة يرى أنه قد تاب بها وإن لم تظهر توبته. قال بعض أهل النظر: وإنما
193

يؤدب بالاخراج حيث لا يمكن أن يرجع إلى السوق ولا يعرف، وأما إذا أمكنه أن يرجع إلى
السوق ولا يعرف لاتساع السوق فلا يؤدب إلا بالضرب. انتهى ونقله ابن عرفة.
مسألة: قال البرزلي في مسائل البيوع: سئل ابن رشد عمن اشترى مصحفا فوجده
ملحونا كثيرا لخطأ غير صحيح، هل عليه بيان ذلك عند البيع مع أنه إن بين لم يشتره أحد؟
فأجاب: لا يجوز له البيع حتى يبين.
قلت: في جواز البيع نظر لأن كثير الخطأ لا يقدر على ضبط الصفة معه فأشبه بيع
القمح إذا وجد كثير الغلث لا يجوز بيعه حتى يغربل، وكذلك هذا حتى يضبط ويصحح إلا
أن يقال: إذا رأى اليسير منه أدرك كثرة فساده أو قلته ويضبط ذلك الفساد فيجوز، وفي كون
هذا غير عسير نظر. ومثله شراء كتب الفقه واللغة وغيرهما على القول بجواز البيع إذا وجد
فيها الفساد والنقص كثيرا أو التكرار في الكلام. فحكمه حكم المصحف، وأما إذا اشترى
كتبا من أنواع كثيرة متفرقة الأوراق وخروما متنافرة الأوراق فلا يجوز شراؤها إلا لعارف
بالتخمين والحزر، وكذلك بائعها يكون كذلك من باب شراء الجزاف ولا يجوز بيعها من
مبتدئ في القراءة ولا من جاهل مطلقا إذ لا يدري ما يأخذ ولا ما يعطي. وقد نزل هذا
ووقعت الفتوى بهذا وتقدمت مسألة إذا كتب مصحفا بدواة ماتت فيها فأرة أنه يدفن. انتهى
من أحكام ابن خويز. ولا يجوز بيعه على هذا وكأنه عنده مثل الأشياء التي لا يجوز بيعها
كالزيت والطعام المائع لا كالثياب المتنجسة ونحوها للقدرة على إزالة النجاسة من هذا دون
ما تقدم انتهى.
فرع: قال السخاوي في كتابه الأصل الأصيل في تحريم النقل من التوراة والإنجيل:
قال في العوفية: اختلف في بيعها وشرائها وجعلها من جملة الأموال على قولين، وأما
الإجارة لكتابتها فلا تجوز. وروى ابن وهب عن مالك في المجموعة جواز وصية الكافر
بها، وبه قال ابن القاسم وأشهب: فإن قلنا بأنها مال وجوزنا بيعها على أحد القولين
فالجواز وإلا فلا. وقوله: ولو كثر هذا قول مالك. وقال ابن القاسم: لا يتصدق إلا بما
كان يسيرا. قال ابن رشد: وقول ابن القاسم أحسن من قول مالك لأن الصدقة بذلك من
العقوبات والعقوبة بالمال أمر كان في أول الاسلام ثم نسخ ذلك وعادت العقوبة في
الأبدان، فكان قول ابن القاسم أولى بالصواب استحسانا، والقياس أن لا يتصدق بقليل ولا
كثير. وقال القرطبي في حديث التي لعنت الناقة وأتت النبي (ص): يستفاد منه جواز العقوبة
بالمال في المال لمن جنى فيه بما يناسب ذلك. وقال في الاكمال: فيه العقاب بالمال
194

لينزجر غيرها والله أعلم. ص: (إلا أن يكون اشترى كذلك) ش: يريد أو وهب له أو
ورثه. قال ابن رشد: فلا اختلاف أنه لا يتصدق بشئ من ذلك، والواجب أن يباع ممن
يؤمن أن يبيعه من غيره مدلسا بذلك، وكذلك ما وجب أن يتصدق به من المسك
والزعفران على الذي غشه يباع ممن يؤمن ويتصدق بالثمن أدبا للغاش انتهى ص: (كبل
الخمر بالنشا) ش: لأنها تشتد بذلك وتصفق. قال ابن رشد في الرسم الثاني من سماع
ابن القاسم من كتاب السلطان: فإن علم المشتري بأنها مبلولة بالنشا وأن ذلك يصفقها
ويشدها لم يكن له كلام، وإن لم يعلم أنها مرشوشة بذلك كان الخيار بين أن يمسك أو
يرد، فإن فاتت ردت إلى القيمة إن كانت أقل من الثمن، وكذلك إن علم أنها مرشوشة
بذلك ولم يعلم أن ذلك يشدها. وهذا نحو ما قاله ابن حبيب: إن ما يصنعه حاكة الديباج
من تصميغها غش لأنه وإن كان التصميغ لا يخفى على المشتري فقد يخفى عليه قدر ما
أحدث فيه من الشدة والتصفيق والله أعلم. ص: (ونفخ اللحم) ش: يعني بعد السلخ
195

لأنه يغير طعم اللحم ويظهر أنه سمين، فإن علم بذلك المشتري فله رده. قاله ابن رشد
في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب السلطان قال: وأما نفخ الذبيحة قبل
السلخ فلا كراهة فيه لأنه يحتاج إليه وفيه صلاح ومنفعة اه‍.
فرع: قال في أول سماع أشهب من الكتاب المذكور: لا بأس بخلط اللبن بالماء
لاستخراج زبده، وبالعصير لتعجيل تخليله، لأن ذلك إنما يفعل للاصلاح لا للغش وكذا التبن
يجعل تحت القمح اه‍ مختصرا.
196

فصل
ص: (علة طعام الربا اقتيات وادخار وهل لغلبة العيش تأويلان) ش: تقدم أن الربا
يدخل في النقود وفي المطعومات، فلما انقضى الكلام على النوع الأول أتبعه بالكلام على
النوع الثاني. وقد تقدم أن ربا الفضل يدخل هنا في الطعام الربوي فأخذ يبينه بأن بين علة
الربا ما هي. والأصل في هذا قوله عليه الصلاة والسلام: البر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر
بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، فإذا اختلفت
الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد وفي رواية: الآخذ والمعطى فيه سواء.
وقصر أهل الظاهر على هذه المسميات لنفيهم القياس. وأما من يقول بالقياس فلا خلاف
بينهم أن الحكم ليس مقصورا عليها وإنما اختلفوا في العلة المقتضية للمنع حتى يقاس
عليها. وقد اختلف فيها على عشرة أقوال ذكر المصنف منها قولين:
197

الأول: أنها الاقتيات والادخار. قال ابن الحاجب: وعليه الأكثر. قال بعض
المتأخرين: وهو المعول عليه في المذهب. وتأول ابن رشد المدونة عليه. قال بعض
المتأخرين: وهو المشهور من المذهب. ومعنى الاقتيات أن يكون الطعام مقتاتا أي تقوم به
البنية. ومعنى الادخار أن لا يفسد بتأخيره إلا أن يخرج التأخير عن العادة. والقول الثاني أن
العلة الاقتيات والادخار وكونه متخذا للعيش غالبا. وهذا القول للقاضيين أبي الحسن بن
القصار وعبد الوهاب. وعبر عنه صاحب التنبيهات بالمقتات المدخر الذي هو أصل للمعاش
غالبا ونسبه للبغداديين. قال: وتأول أبو جعفر بن زرب المدونة عليه. ثم ذكر القول الأول
فقال: وذهب كثير من شيوخنا إلى أنه لا يلزم التعليق بكونه أصلا للعيش، وإنما المراد ادخاره
غالبا وكونه قوتا. قال: وعلى اختلاف التعليلين اختلف أهل المذهب في البيض والتين لأنهما
مدخران وليسا بأصل للمعاش غالبا. وما ذكره في البيض من كونه مدخرا هو أحد الأقوال
فيه وادخاله بأن يشوى ويجعل في خل أو غيره. وقيل: غير مدخر. وقيل: غير مقتات. وقيل:
مقتات كما يأتي. قال في التوضيح: والخلاف فيه خلاف في شهادة، فقول المصنف: وهل
لغلبة العيش معناه هل العلة الاقتيات؟. وإنما اقتصر المصنف على هذين القولين لأن الفروع
التي يذكرها مبنية على كل منهما فسيذكر أن التين ليس ربويا وهذا مبني على القول الثاني،
ويذكر أن البيض ربوي وهذا مبني على القول الأول، وترك المصنف بقية الأقوال لضعفها
عنده ولا بأس بذكرها فقال القاضي إسماعيل: العلة الاقتيات وما يصلحه. وقال ابن نافع:
الادخار. وروي عن مالك غلبة الادخار. ويظهر الفرق بينه وبين مقابله في العنب الذي لا
يتزبب. فعلى الادخار يخرج وعلى غلبته يدخل. وقال الأبهري: العلة الاقتيات والادخار أو
التفكه والادخار. وقيل: العلة المالية فيباع ثوب بثوبين. ونسب لابن الماجشون. قال ابن
بشير: وهذا يوجب الربا في الدور والأرضين ولا يمكن قوله، وقيل: العلة مالية الزكاة ونسب
لربيعة. وقال أبو حنيفة: العلة الكيل. وقال الشافعي: الطعم.
تنبيهات: الأول: قال ابن ناجي: ولا حد للادخار على ظاهر المذهب وإنما يرجع فيه
إلى العرف. وحكى التادلي أنه سمع في بعض المجالس أن حده ستة أشهر فأكثر.
الثاني: قال في التنبيهات: لا بد مع الادخار من شرط العادة فيه ولا يلتفت إلى ما
ادخاره نادر، فيجوز التفاضل في الجوز والرمان، وهذا نص المدونة ومشهور المذهب. وروى
ابن نافع كراهة التفاضل فيهما لأنه مدخر وييبس.
الثالث: لا بد أن يقال على كل من القولين اللذين ذكرهما المصنف وفي معنى
الاقتيات ما يصلح للقوت ليدخل الملح والتوابل.
الرابع: هذا تفسير للطعام الذي يحرم فيه ربا الفضل وربا النساء، وأما الطعام الذي يحرم
198

فيه ربا النساء فقط ولا يحرم فيه ربا التفاضل فهو كما قال ابن عرفة: ما غلب اتخاذه لاكل
آدمي أو لاصلاحه أو لشربه فيدخل الملح والفلفل ونحوهما واللبن الزعفران، وإن " أصلح
لعدم اتخاذه لاصلاحه والماء كذلك والأول أعني ما يحرمان فيه هو الذي يسمى ربويا
بخلاف الثاني فإنه لا يسمى ربويا وإن دخله نوع من الربا، وكأنه والله أعلم لما استكمل
الأول من نوعي الربا نسب إليه.
الخامس: تخصيصه (ص) في الحديث الأربعة المذكورة بالذكر لينبه بالبر على كل
مقتات في حال الرفاهية وتعم الحاجة إليه، وبالشعير على كل ما يقتات في حال الشدة
كالدخن والذرة وعلى أنه لا يخرجه عن الاقتيات وإن انفرد بصفة أخرى لكونه علفا، وبالتمر
على كل ما يقتات وفيه حلاوة ويستعمل فاكهة في بعض الأمصار كالزبيب والعسل،
وبالملح على كل مصلح القوت وإن كان لا يستعمل منه إلا القليل.
فرع: قال الجزولي في شرح الرسالة في باب الطعام والشراب: قال في الاستغناء:
اختلف في النخالة هل حكمها حكم الطعام أم لا؟ فقيل: لا يجوز بيعها بطعام إلى أجل ولا
بيعها قبل قبضها ولا اقتضاء الطعام من ثمنها. وقيل: يجوز جميع ذلك لأنها كالعلف انتهى.
ص: (كقمح وشعير وسلت وهي جنس) ش: لما كان اتحاد الجنسية هو المعتبر في
تحريم التفاضل واختلاف الجنسية يبيح التفاضل لقوله في الحديث: فإذا اختلفت الأصناف
فبيعوا كيف شئتم احتاج إلى بيان ما هو جنس واحد وما ليس كذلك، ولم يفعل رحمه الله
كابن الحاجب وغيره من تبيين الربويات من غيرها أولا ثم بيان ما هو جنس واحد أو جنسان
بل جمع ذلك للاختصار. قال ابن الحاجب: والمعتمد في اتحاد، الجنسية على استواء
المنفعة أو تقاربها. قال في التوضيح: فإن كان الطعامان يستويان في المنفعة كأصناف الحنطة
أو يتقاربان كالقمح والشعير كانا جنسا، وإن تباينا كالتمر مع القمح كانا جنسين،
والمنصوص في المذهب أن القمح والشعير جنس واحد لتقارب المنفعة. وقال مالك في
الموطأ بعد أن ذكر ذلك عن جماعة من الصحابة: إنه الامر عندنا. وقال المازري في المعلم:
لم يختلف المذهب أنهما جنس واحد. وقال السيوري وتلميذه عبد الحميد: هما جنسان،
واختاره ابن عبد السلام لظاهر الحديث أعني قوله: فإذا اختلفت هذه الأجناس. قال الشيخ
199

زروق في شرح الارشاد: ورد الباجي قول المخالف يفرق بين الشعير والقمح إذ تختار لقمة
هذا على لقمة هذا بأن هذا من حيث الترفه وذلك من حيث الأصالة في المنافع. وهذه
المسألة إحدى المسائل الثلاث التي حلف عليها عبد الحميد الصائغ بالمشي إلى مكة أن لا
يفتي فيها بقول مالك، والثانية خيار المجلس، والثالثة التدمية البيضاء. وأما السلت فالمذهب
أنه كالقمح وفي أحد أقوال السيوري فيه نظر. قال ابن عرفة: والأظهر عدم جريه لأنه أقرب
للقمح من الشعير. قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: يعني في طعمه ولونه وقوامه وإن
خالف في خلقته ويعرف عند المغاربة بشعير النبي. وذكره ابن ناجي بصيغة الجزم فقال: ولا
يتخرج فيه قول السيوري. قال في المشارق: السلت حب بين البر والشعير لا قشر له. وقال
في الصحاح: السلت بالضم ضرب من الشعير ليس له قشر كأنه الحنطة ص: (وعلس وأرز
ودخن وذرة وهي أجناس) ش: اختلف في العلس فالمعروف المشهور من المذهب أنه لا
يلحق بالثلاثة وأنه جنس منفرد. وقيل: إنه يلحق بها وهو قول المدنيين، ورواه ابن حبيب
وحكاه ابن عبد البر عن ابن كنانة، والعلس قال في الرسالة: حب صغير يقرب من خلقة البر.
وقال ابن كنانة: هو حب مستطيل صغير مصوف. وقال في القاموس: العلس محركة ضرب من البر يكون حبتان في قشرة والأشقالية هي العلس. والمشهور أن الدخن والذرة والأرز
أجناس متباينة يجوز التفاضل فيما بينها وأنها لا تلحق بالقمح. وذكر الباجي عن ابن وهب
أنها جنس لا يجوز التفاضل بينهما. وذكر ابن محرز عنه أنها تلحق بالقمح وما معه. ونقل
ابن بشير غير معروف ونقله اللخمي عن الليث ومال إليه. وقال البرزلي في مسائل الصرف:
والربويات والأرز معلوم، والذرة قيل البشنة وقيل القطانية. وعن بعض شيوخنا: والدخن قيل
قمح السودان وهو المسمى درعا، وقيل القطانية. وسمعت بعض شيوخنا يقول: البشنة انتهى.
والقطانية هي التي تسمى في مكة بالذرة، والبشنة هي التي تسمى في عرف أهل الطائف
بالأجرش. وقول المصنف: وعلس هو وما بعده يجوز فيه الجر والرفع. فالجر عطفا على
قوله: كحب والرفع على الخبر وهو متعلق الجار والمجرور فإن قوله: كحب خبر مبتدأ
محذوف تقديره مثاله كحب الخ. والخبر إنما هو المتعلق والله تعالى أعلم ص: (وقطنية
ومنها كرسنة وهي أجناس) ش: المشهور من المذهب أن القطنية أجناس متباينة يجوز
200

التفاضل بينها وهو قول مالك الأول واختاره ابن القاسم. قال صاحب الطراز: لاختلاف في
صورها وأسمائها الخاصة بها ومنافعها وعدم استحالة بعضها إلى بعض. ولان المرجع في
اختلاف الأصناف إلى العرف وهي في العرف أصناف. ألا ترى أنها لا تجتمع في القسم
بالسهم. وقيل: إنها جنس واحد وهو قول مالك الثاني. قال في الرسالة: والقطنية أصناف
في البيوع وقد اختلف فيها قول مالك ولم يختلف فيها قوله في الزكاة أنها صنف واحد،
وذلك والله أعلم لأن الزكاة لا يعتبر فيها المجانسة العينية وإنما يعتبر فيها تقارب المنفعة
وإن اختلفت العين بخلاف البيع. ألا ترى أن الذهب والفضة جنس واحد في الزكاة وهما
جنسان في البيع. وقيل: الحمص واللوبيا جنس واحد، والبسيلة والجلبان جنس وما عدا
ذلك أصناف مختلفة. ونسبها لابن القاسم وأشهب. والقطنية قال الجزولي: كل ما له مزود
من الفول والحمص والعدس والجلبان واللوبيا وغيرها. وسميت قطنية لأنها تقن في
البيوت أي تدخر فيها لأنها لا تسرع إليها الأيدي. وقال في باب الزكاة: القطنية كل ما له
خروبة كالفول والحمس والعدس واللوبيا والبسيلة وهي الكرسنة وغير ذلك مما لها خروبة
انتهى. وقال الشيخ زروق: القطنية ذوات المزاود انتهى. وقال الفاكهاني عن الأزهري:
القطنية حبوب كثيرة تقتات وتختبز وسميت قطنية لقطونها في بيوت الناس من قطن
بالمكان إذا قام به، وهو بضم القاف وكسرها. قاله عياض: والحمص بفتح الميم
وكسرها. قال ثعلب: الاختيار بالفتح وميمه مشددة. قاله الفاكهاني. والعدس بفتح الدال
واللوبيا الدجر. قال في القاموس: الدجر مثلثة اللوبيا كالدجر بضمتين ويعني أنه مثلث الدال
مع سكون الجيم. واختلف في الكرسنة هل هي من القطاني وهو المشهور، أو هي صنف
مستقل على حدته؟ قاله ابن حبيب، وقيل: إنها غير طعام وهو ظاهر قول يحيى بن يحيى لا
زكاة فيها. قال ابن رشد: وهو الأظهر لأنها علف وليست بطعام. قال الفاكهاني في شرح
الرسالة في باب الزكاة: قال الباجي: الكرسنة البسيلة. هكذا ذكره سند عنه، وذكر عن
الطرطوشي البسيلة الماش والماش من القطنية وهو بالعراق حب صغير يشبه الجلبان،
والواجب في ذلك أن يرجع إلى المتعارف بين الناس. قال الفاكهاني: لا مرية أن الماش
غير البسيلة وإن كان يشبهها بعض شبه. وقال ابن عرفة: وقول ابن بشير: الكرسنة هي
اللوبيا خلاف سماع القرينين تفسير مالك القطنية بقوله: الجلبان واللوبيا والحمص
والكر سنة وما أشبه ذلك انتهى.
فرع: قال سند: وعد مالك في المختصر الترمس مع القطنية وذكره ابن الجلاب في
201

تفريعه والله أعلم ص: (وتمر وزبيب) ش: لا خلاف أن أصناف التمر كلها جنس واحد،
وكذلك أصناف الزبيب وأنهما أعني الزبيب والتمر جنسان والله أعلم. قال الجزولي:
القشمش زبيب صغير لا عظم له ص: (ولحم طير وهو جنس ولو اختلفت مرقته كدواب
الماء وذوات الأربع وإن وحشيا والجراد وفي ربويته خلاف) ش: قال سند: اللحوم عند
مالك أربعة أجناس: لحم ذوات الأربع: جنس على اختلاف أسماء الحيوان إنسيها
ووحشيها، ولحم الطير جنس مخالف للحم ذوات الأربع على اختلاف الطيور وحشيها
وإنسيها، ولحم الحوت ثالث مخالف للجنسين الأولين على اختلاف الحوت ما كان له شبه
في البر وقوائم يمشي عليه وما لا شبه له، والجراد جنس رابع، فكل جنس من هذه الأربعة
يجوز بيعه بالجنس الآخر متفاضلا ويابسا بطري، ولا يجوز في الجنس الواحد تفاضل ولا
طري بيابس خلا الجراد فإنه في المدونة قال: الجراد ليس بلحم. وذكر ابن الجلاب أنه
جنس رابع عند مالك وهو مقتضى مذهبه لأنه يفتقر عنده إلى الذكاة ويمنع منه المحرم،
وبالجملة فظاهر المذهب أنه جنس ربوي انتهى. وعزا ابن عرفة لظاهر المدونة نحو ما في
الجلاب لقوله فيها: يجوز اثنان بواحد من الحوت يدا بيد. وقال المازري: المعروف من
المذهب أن الجراد ليس بربوي خلافا لسحنون وإلى ما قال المازري: إنه المعروف من
المذهب. وما قال سند: إنه ظاهر المذهب أشار المصنف بقوله: خلاف. وفي النوادر عن
الموازية: وكل ما يسكن الماء من الترس فما دونه والطير فما فوقه صنف لا يباع متفاضلا.
وقوله: ولو اختلفت مرقته يعني أن لحم الطير إذا طبخ بأمراق مختلفة فإنه صنف واحد لا
202

يجوز التفاضل فيه يعني في المطبوخ بعضه ببعض، وأما المطبوخ منه بالنيئ فسيأتي أنه إن
طبخ بإبزار صار جنسا مستقلا. قال في المدونة: والمطبوخ كله صنف واحد وإن اختلفت
صفة طبخه كقليه بعسل وأخرى بلبن فلا يجوز في التفاضل. وأشار ب‍ لو إلى قول اللخمي
القياس أنه يجوز التفاضل بين قلية العسل وقلية الخل لأن الأغراض مختلف فيهما. وهذا
ليس خاصا بلحم الطير بل الحكم جار في لحم دواب الماء ولحم ذوات الأربع ولحم
الجراد على القول بأنه ربوي. ويستفاد هذا من تشبيهه هذه الثلاثة بلحم الطير، وأما بيع
المطبوخ من لحم أحد هذه الأجناس بالمطبوخ من جنس آخر فهو الفرع الذي يذكره
المصنف بعد هذا. وأما المطبوخ من جنسين بالنيئ من جنس آخر فلا إشكال في جوازه
ولذلك سكت عنه، وقد علم حكم جميع الأقسام والله أعلم.
فرع: قال في أواخر السلم في الثالث من المدونة: ولا جير في الصير بلحم الحيتان
متفاضلا ولا صغار الحيتان بكبارها متفاضلا. قال في التنبيهات: الصير بكسر الصاد حيتان
صغار مملوحة. قال في الطراز: ولا فرق في الجنس بين صغيره وكبيره وخشنه وناعمه كما
لا فرق بين الجمل والجمل ولا بين النعام والحمام ولا بين حوت الماء العذب وحوت الماء
المالح، فالصير بمصر سمك صغير على هيئة الإصبع يكون ببحر النيل ويكون قبل ذلك
صغيرا جدا على هيئة فلقة نواة التمر يسمى القير ويؤكل مملوحا، ولا يتأتى فيه قلي ولا
شئ، والصير يأكلونه مملحا ومقلوا والجميع له حكم الحوت. وقال في رسم أخذ يشرب
خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب السلم والآجال: وسألت ابن القاسم عن القلة الصير
بالقلة الصير؟ قال: لا يصلح ذلك إلا بالتحري. يريد الصير بالصير. ابن رشد: لأن الصير
بمنزلة الجبن واللبن لا يجوز إلا مثلا بمثل بالوزن أو بالتحري لأن التحري فيها بوزن جائز.
قيل: فيما قل أو كثر ما لم يكثر جدا حتى لا يستطاع تحريه وهو ظاهر هذه الرواية. وقيل:
لا يجوز إلا فيما قل وإليه ذهب ابن حبيب وعزاه لمالك. وقيل: يجوز وإن لم تدع إلى ذلك
ضرورة وهو ظاهر المدونة. وقيل: لا يجوز إلا عند عدم الميزان. وقيل: لا يجوز وإن عدم
الميزان إلا في الطعام الذي يخشى فساده. وهذا في المبايعة والمبادلة ابتداء، وأما من وجب
له على رجل وزن من طعام لا يجوز فيه التفاضل فلا يجوز أن يأخذه تحريا إلا عند الضرورة
لعدم الميزان على ما قاله في نوازل سحنون من جامع البيوع انتهى.
فرع: قال سند: وكبد السمك ودهنه وودكه له حكم السمك. وليس البطارخ من ذلك
وهو بيض السمك فإنها في حكم المودع فيه حتى ينفصل عنه كبيض الطير ولبن الانعام،
وكما أن السمن مودع في اللبن وإن لم يجانسه ولا يحنث في اليمين المعلقة باسم السمك
ببيضه ولا في اليمين المعلقة " باسم البيض والبطارخ بالسمك انتهى.
203

فرع: قال في المدونة: وما أضيف إلى اللحم من شحم وكبد وكرش وقلب ورئة
وطحال وكلي وحلقوم وخصية وكراع ورأس وشبهه، فله حكم اللحم فيما ذكرنا، ولا يجوز
ذلك باللحم ولا بعضه ببعض إلا مثلا بمثل ولا بأس بأكل الطحال انتهى. ونقله ابن عرفة.
قال في الطراز: والجلد له حكم اللحم إذا كان مأكولا، وكذلك العصب والعظم والبيض لا
تقف استباحته على الذكاة فلم يكن من اللحم كاللبن بخلاف الكبد، ويجوز بيع اللحم
بالشحم وزنا بوزن لا يختلف في جوازه، وكذلك بيع الشحم بالشحم إذا كان جميعه طريا،
فإن كان يابسا فيجري على ما ذكرنا في يابس اللحم بيابسه ومالحه بمالحه اه‍. والله أعلم
ص: (وفي جنسية المطبوخ من جنسين قولان) ش: يعني أنه اختلف في لحم الجنسين إذا
طبخ كل واحد منهما على حدته، هل يصيران بالطبخ جنسا واحدا فلا يجوز التفاضل بينهما،
أو يبقى كل واحد منهما على حاله؟ قولان. قال في التوضيح: قال في الجواهر: المذهب أن
الأمراق واللحوم المطبوخة صنف واحد ولا يلتفت إلى اختلاف اللحوم ولا إلى اختلاف ما
تطبخ به، وتعقب هذا بعض المتأخرين ورأي أن الزيرباج مخالفة للطباهجة، وكذلك ما يعمل
من لحم الصير مخالف لما يعمل من لحم الغنم. واختار اللخمي وابن يونس أن اللحمين
المختلفي الجنس إذا طبخا لا يصيران جنسا واحدا بل يبقيان على أصليهما اه‍. وكان
الجاري على قاعدة المصنف أن يقول خلاف لأن كلا من القولين قد رجح.
تنبيه: حمل كلام المصنف على ما إذا طبخ كل واحد منهما على حدته أحسن من
قول البساطي في تفسير كلام المصنف إذا طبخ جنسان من اللحم بمرقة لايهامه أن
الخلاف مقصور على ذلك وليس كذلك كما تقدم.
فرع: قال في التوضيح: واعلم أن ظاهر المذهب جواز بيع المطبوخ وزنا وهو الذي
يؤخذ من المدونة. قال سند: وعلى قول ابن حبيب يمنع القديد بالقديد، والمشوي
بالمشوي، لا يجوز المطبوخ بالمطبوخ لاختلاف تأثير النار. وعلى الجواز فهل تراعى المثلية
204

في الحال أو كون اللحم نيأ؟ قولان. قال سند: والظاهر الأول ص: (والمرق والعظم
والجلد كهو) ش: يعني أن اللحم المطبوخ إذا بيع باللحم المطبوخ وكان معهما مرق فإن
حكم المرق كحكم اللحم، وكذلك اللحم باللحم، والهريسة بالهريسة. وقال غيره: إنما
يتحرى اللحم خاصة حيث كان نيأ ولا يلتفت إليه بعد ذلك ولا إلى ما معه من المرق كما
يتحرى الخبز بالخبز الرقيق. وقال سند: إذا راعينا المماثلة في بيع المطبوخ بالمطبوخ وهو
الظاهر فهل يعتبر استواء الوزن بما في الملح من رطوبة المرق، أو يتحرى ما فيه من وزن
اللحم دون ما فيه من رطوبة المرق؟ يختلف فيه، فمن جعل المرق جنسا آخر أسقط ما فيه
من رطوبة المرق، ومن جعل المرق تابعا للحم اعتبره برطوبته، والظاهر أن يعتبر برطوبته. وإن
قلنا: إن المرق جنس آخر ثم قال: وأما ما يطبخ مع اللحم فضربان: ضرب له مع الطبخ عين
قائمة كاللفت والباذنجان فابن أبي زيد يجعله تابعا لحكم اللحم حتى جعل الهريسة بالهريسة
كأنه لحم بلحم ولم يجعله لحما وقمحا بلحم وقمح، وغيره يخالفه ويقول: لا يبيع ذلك
ولا يباع منه لأنه لحم وبقل بلحم وبقل، ويجوز بيع بعضه ببعض متماثلا ومتفاضلا إن كان
من البقول غير المدخرة، وإن ادخر كالبصل والثوم فلا يجوز بيعه متفاضلا.
وضرب ليس له عين قائمة فمن أصحابنا من يعطيه حكم اللحم لأنه ماء اللحم، ومنهم
من يعطيه حكم الماء وابن أبي زيد يجعله تبعا للحم. ثم قال: وعلى هذا يجري ما يصنع في
السمك المطبوخ من خردل وليمون وغيره هل لذلك حكم السمك أو له حكم نفسه؟ اه‍
باختصار ونقله في التوضيح واختصره جدا. وظاهر كلام المصنف هنا أنه مشى على كلام
ابن أبي زيد فأعطى المرق حكم اللحم، فإذا بيع لحم ومرق بلحم ومرق فلا بد من المماثلة
بينهما، وكذا إذا بيع لحم ومرق بلحم فقط أو بيع مرق فقط بمرق فقط. وانظر هل يدخل
205

في ذلك ما إذا بيع لحم بمرق وأنه لا بد من المماثلة؟ ظاهر كلامهم دخول ذلك فليتأمل.
وقوله: والعظم والجلد يعني أنه إذا بيع اللحم باللحم نيأ أو مطبوخا، بالوزن أو بالتحري،
فهل يباع بعظمه على ما هو عليه ويعد العظم كأنه لحم وهو المشهور واحتجوا له ببيع التمر
بالتمر من غير اعتبار نواه؟ والقول الثاني لابن شعبان أنه يتحرى ما فيه من اللحم فيسقط
العظم. والأول مذهب المدونة قال فيها على اختصار سند: قلت: فهل يصلح الرأس بالرأس؟
قال: ل يصلح في قول مالك إلا وزنا بوزن أو على التحري. قلت: فإن دخل رأس في وزن
رأسين أو دخل ذلك في التحري؟ قال: لا بأس به. قال: نعم لا بأس به عند مالك. قال سند:
ظاهر قوله: لا يصلح إلا وزنا بوزن أن العظم له حكم اللحم ما لم يكن منفصلا عنه كما
قاله الباجي وغيره. قال اللخمي: وعلى القول الآخر لا يجوز إلا أن يتحرى اللحم، والقولان
جاريان في عظم الرأس وغيره. والخلاف في الرؤوس باللحم وفي إلا كارع باللحم في طرح
عظم الرؤس والأكارع يجري على ذلك اه‍. والجلد كذلك كما تقدم عن سند أنه كاللحم
إذا كان مأكولا. قال في المدونة: ولا خير في شاة مذبوحة بشاة مذبوحة إلا مثلا بمثل
تحريا إن قدر على تحريهما قبل السلخ. قال ابن أبي زمنين: ينبغي على أصولهم أن لا يجوز
إلا أن يستثنى كل واحد جلد شاته وإلا فهو لحم وسلعة بلحم وسلعة. قال سند: وروى
يحيى بن يحيى نحوه عن ابن القاسم قال الباجي: وهذا ليس بصحيح لأن الجلد لحم يؤكل
مسموطا. قال سند: وعلى قول الباجي يراعى الصوف فيفرق بين المجزوزتين وغيرهما اه‍.
ص: (ويستثنى قشر بيض النعام) ش: اعلم أن البيض ربوي على المشهور كما سيأتي فلا
يباع البيض إلا بالوزن أو بالتحري، وقشره تابع له كالعظم للحم إلا بيض النعام فإن قشره
كسلعة فلا يجوز بيعه ببيض آخر إلا أن يستثنيه صاحبه لأنه يصير سلعة وربوي بربوي، وذلك
لا يجوز وهذا أحد القولين وسيأتي ذلك إن شاء الله ص: (وذو زيت كفجل والزيوت
206

أصناف) ش: كذا في بعض النسخ: وذو بالواو على أنه مبتدأ خبره أصناف. وفي بعضها:
وذي بالياء على أنه معطوف على ما قبله من المجرورات. وأما قوله: والزيوت فهو
بالرفع، والمعنى أن ما له زيت كحب الفجل والسمسم والجلجلان والقرطم والزيتون فهو
ربوي، وهذه الحبوب أصناف أي كل واحد منها صنف مستقل يجوز بيعه بالصنف الآخر
متفاضلا.
تنبيه: شمل كلامه رحمه الله بزر الكتان وزيت الكتان. وقال ابن عرفة: وفي كون بزر
الكتان ربويا رواية زكاته. ونقل اللخمي عن ابن القاسم لا زكاة فيه إذ ليس بعيش. القرافي:
وهو ظاهر المذهب.
قلت: والجاري على ما قدمه في باب الزكاة من أنه لا زكاة فيه أنه غير ربوي ثم قال:
وفيها زيت الزيتون وزيت الفجل وزيت الجلجلان أجناس لاختلاف منافعها. قال ابن حارث:
اتفقوا في كل زيت يؤكل أنه ربوي. وأجاز ابن القاسم التفاضل في زيت الكتان لأنه لا
يؤكل. وقال أشهب: لا يباع قبل قبضه اه‍. وقال اللخمي: زيت الزيتون والجلجلان والفجل
والقرطم وزيت زريعة الكتان والجوز واللوز، أصناف يجوز بيع كل صنف منها بالآخر
207

متفاضلا، ويجوز التفاضل في زيت زريعة الكتان لأنه لا يراد للاكل، ويجوز بيعه بزيت الزيتون
نقدا وإلى أجل، ويجوز التفاضل في زيت اللوز لأنه لا يراد للاكل غالبا وإنما يراد للعلاج
ويدخل في الأدوية وكذلك زيت اللوز عندنا اه‍. ونقله في التوضيح وقبله. فعلم من هذا أن
الراجح في بزر الكتان وزيته أنهما غير ربويين، وكان المصنف ترجح عنده أنهما ربويان
بحسب بلده فإن كثيرا من الناس بمصر يستعملون زيت الكتان لقلي السمك ونحوه. وقد
قال ابن رشد في آخر سماع أبي زيد من كتاب السلم والآجال: إن زريعة الفجل وزريعة
الكتان من الطعام لا تباع حتى تستوفى ولا يباع منها اثنان بواحد. وقاله في المدونة. ومعنى
ذلك في البلد الذي يتخذ فيه ذلك اه‍. وقال في الطراز: لما تكلم على الزيوت فما كان
منها يؤكل في العادة فهو على حكم الطعام وإن دخل في غير منفعة الاكل، فزيت الزيتون
جنس على اختلاف صفاته فيباع بعضه ببعض كيلا إلا أن يجمد منه شئ فتنضم أجزاؤه
وينتقص فإنه يمنع بيعه بالجاري غير الجامد، لأن الجاري إذا جمد انتقص فيكون من بيع
الرطب باليابس من جنس واحد، وهذا إذا تحقق نقص الجامد عن المائع، وزيت الجلجلان
جنس يجوز بيعه بزيت الزيتون متماثلا ومتفاضلا مع اشتراكهما في الزيتية. قال: وكذلك
زيت الفجل له حكم الطعام وهو بأرض يؤكل بالطبخ والقلي وهو بأرض الصعيد صبغ
للآكلين. ومنع مالك في الواضحة بيعه قبل قبضه وأوجب فيه الزكاة وهو عند مالك جنس
واحد ثم قال: ومن الزيتون زيت البزر وهو زريعة الكتان ويختلف فيه، وظاهر المذهب أنه
ليس على حكم الطعام. ولما منع ابن القاسم الزكاة فيه في العتبية قال: إذ ليس بعيش. وقال
أشهب في الموازية: فيه الزكاة. ورواه ابن وهب عن مالك وزكاته العشر لا تجب في غير
مأكول وإن عمت منفعته. وهذا في القطن والكتان والقصب والشمار بل لا تجب في
الحبوب وفي ثمرة النخيل والأعناب حتى ترجع طعاما وتطيب أيضا. فإيجاب الزكاة وأخذها
من زيت الكتان يقتضي كونه على حكم الطعام، وبزر الكتان يؤكل بأرضنا عادة ويباع في
الأسواق كذلك كما يباع السمسم ويؤكل نيأ ومقلوا. واختلف فيه أصحاب الشافعي فقال
بعضهم: يجري فيه الربا، وبعضهم لا ربا فيه وهو الظاهر، لأنه في العادة لا يستطاب ولا
يؤكل بل يستخبث ريحه فكيف بأكله بل يعد أكله سفها فهو في نفسه خارج عن نفس
المأكول. ولا يلزم من إيجاب الزكاة فيه في قول لأن الزكاة إنما تجب في حبه وحبه
مأكول يستلذ ولا يستخبث. ولما وجبت الزكاة في حبه أخذت من زيته على قياس ما له
زيت، ولان التفاضل لا يحرم في كل جنس من الطعام وإنما يحرم فيما يقتات ويدخر أو
يصلح القوت به، وزيت الكتان خارج عن ذلك فلا يقتات به ولا يصلح به القوت في العادة.
أما زيت السلجم فإنه لا ربا فيه ويخالف زيت الفجل لأن زيت الفجل مأكول، ويخالف زيت
الكتان لأن زيت الكتان زيت حب مأكول، والسلجم لا يؤكل حبه ولا زيته. ومن الزيوت زيت
208

الخس وهو مأكول وزيته بأرضنا مدخر عام الوجود، وكذلك زيت الجوز مأكول من
مأكول وهو مدخر عام الوجود بخراسان وأرض العراق، وكذلك زيت القرطم وزيت البطم
وهو زيت الحبة الخضراء وهو كثير بالشام. وبالجملة كل زيت فهو يدخر، فإن كان مما
يؤكل غالبا ويؤكل حبه غالبا ففيه الربا، وإن كان حبه لا يؤكل وهو يؤكل ففيه الربا اعتبارا
بزيت الفجل، وإن كان حبه مما يؤكل وهو لا يؤكل ففيه خلاف اعتبارا بزيت الكتان انتهى.
فرع: قال ابن رشد في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من البزور: ولم ير
مالك ما يطيب من الزيوت بأشجار الأرض يخرج من صنفه وإنما يخرج بذلك إذا طيب
بصريح الطيب كالمسك والعنبر والعود وشبهه ونحوه في الشامل: فمن حلف على الزيت أن
لا يأكله ولا يبيعه يحنث بالزيت المطيب ما لم يخرجه ما فيه من الطيب عن صنفه حتى
يجوز التفاضل فيه إلى أجل إلا أن ينوي الزيت الخالص فلا يحنث بالطيب على حال والله
أعلم ص: (إلا الكعك بإبراز) ش: بفتح الهمزة على وزن أفعال جمع بزر بكسر الموحدة
وفتحها والكسر أفصح. قاله في المحكم. ويجمع أبراز على أبازير فهو جمع الجمع وهي
التوابل الآتي ذكرها.
فرع: وألحق اللخمي بالأبراز الدهن. فقال: يجوز بيع الإسفنج بالخل متفاضلا
والإسفنج الزلابية. وقال ابن جماعة: يجوز بيع الإسفنجة والمسمنة بالخبز متفاضلا ص:
(وبيض) ش: هذا هو المشهور أنه ربوي. وقال ابن شعبان: يجوز التفاضل فيه.
تنبيه: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: وفي تهذيب الطالب عن الموازية بيع الطير
كله صنف النعام والطاوس فما دونها بما يطير أو لا يطير، يستحيا أو لا يستحيا، صغيره
وكبيره، لا يباع إلا مثلا بمثل تحريا وإن اختلف الاعداد، والمشهور استثناء بيض النعام لأنه
سلعة وغير مستهلك اه‍. هذا هو الذي في النسخة التي رأيتها ولعله لأن قشره سلعة والله
أعلم. ص: (ومطلق لبن) ش: شمل قوله حتى لبن الآدمي فلا يجوز التفاضل فيه لا بجنسه
209

ولا بغيره وهو كذلك، نص عليه المشذالي في حاشيته على المدونة في كتاب السلم
الثالث. وقال ابن ناجي أيضا في السلم الثالث من شرح المدونة: ولبن الآدمي عندي هو
كأحد الألبان من الانعام فيحرم التفاضل فيه وفيها. انتهى والله أعلم ص: (وحلبة وهل إن
اخضرت تردد) ش: اختلف في الحلبة هل هي طعام وهو قول ابن القاسم في الموازية، أو
دواء وهو قول ابن حبيب، أو الخضراء طعام واليابسة دواء وهو قول أصبغ؟ ورأي بعض
المتأخرين أن هذا القول تفسير وأن المذهب على قول واحد وإلى هذا أشار المصنف بقوله:
تردد.
تنبيه: قال المصنف في التوضيح: والخلاف في الحلبة إنما هو هل هي طعام أو دواء
لا في أنها ربوية وكلام المصنف يعني ابن الحاجب يوهم ذلك لأنه إنما تكلم في الربوي
انتهى.
قلت: وقد اعترض الشارح على المصنف بمثل ما اعترض به على ابن الحاجب.
ويظهر من كلام ابن عبد السلام أنه يستفاد من الخلاف المذكور الخلاف في كونها ربوية أم
لا فإنه قال بعد ما ذكر الخلاف المتقدم: وتظهر ثمرة الخلاف بين من أثبت لها المطعومية
مطلقا وبين من قيدها بالخضراء أنها على القول الأول ربوية لأنها تدخر للاصلاح، وعلى
الثاني الذي قيدها بالخضراء لا تدخر فلا تكون ربوية وإن كانت طعاما. قال: والأقرب عندي
أنها ليست بمطعوم وأنها غالب استعمالها في الأدوية اه‍ ص: (وتابل كفلفل وكزبرة وكرويا
وأنيسون وشمار وكمونين) ش: قال في الصحاح: والتابل واحد توابل القدر اه‍. يعني أنه
بفتح الباء الموحدة وكسرها. وذكره في المحكم أن بعضهم يهمزه وتقدم عند قول
210

المصنف: إلا الكعك بإبزار الابزار هو التوابل. وقال في الصحاح: والابزار التوابل اه‍.
والفلفل قال في الصحاح: والفلفل بالضم حب معروف اه‍. والكزبرة قال في الصحاح: هي
من الابازير بضم الباء وقد تفتح وأظنه معربا اه‍. ونقل بعضهم عن ابن مكي أن الصواب
الفتح. وفي التنبيهات للقاضي عياض: الكسبرة بضم الكاف والباء الموحدة ويقال بالزاي.
ونقل في المحكم فيها ضم الباء وفتحها مع السين والزاي. والكرويا قال في المحكم:
والكرويا من البزر وزنها فعولل ألفها منقلبة عن ياء انتهى. فأصلها كروين قلبت ألفها الثانية
ألفا فصارت كروريا. وقال في الصحاح في باب الميم في فصل القاف: قردم القرد ما
مقصور دواء وهو كرويا اه‍. قال في الحاشية: كرويا مثل زكريا ورواية أخرى كرويا مثل بيعيا
اه‍. والشمار قال في تكملة الصحاح للصقاني: الشمار بالفتح الرازيانج بلغة أهل مصر اه‍.
ونحوه في القاموس. والكمون قال في الصحاح: بالتشديد معروف اه‍. وهو بفتح الكاف قاله
في ضياء الحلوم. قال ابن عرفة اللخمي في كون التوابل طعاما روايتها ورواية ابن شعبان وهي
الكزبرة والقرنباد والفلفل وشبهه. قلت: وفيها: والشونيز والتابل. ويدخل في قول اللخمي
وشبه ذلك الزنجبيل. عياض: القرنباد بفتح القاف والراء ونون بعدهما ساكنة وآخره دال
الكرويا. والشونيز بفتح الشين الحبة السوداء. الشيخ عن محمد عن ابن القاسم: الشمار
والكمونان والأنيسون طعام. وقال محمد وأصبغ في هذه الأربعة: ليست طعاما هي دواء إنما
التابل الذي هو طعام الفلفل والكرويا والكزبرة والقرفا والسنبل. ابن حبيب: الشونيز والخردل
من التوابل إلا الحرف وهو حب الرشاد دواء لا طعام. وعزو ابن الحاجب كون التوابل غير
طعام لأصبغ يقتضي عموم قوله في جميعها، والذي في النوادر لأصبغ خلاف ذلك اه‍. وقال
ابن عرفة أيضا في كتاب الإجارة لما تكلم على كراء الأرض بالطعام ما نصه: وقول
اللخمي: يجوز كراؤها بالمصطكي نص في أنها غير طعام اه‍. وقال الشيخ زروق: وألحق ابن
عرفة الليم بالطعام المدخر بخلاف النارنج والزنجبيل بالفلفل لأنه مصلح مثله اه‍. وسيأتي
في القولة التي بعدها نقل ابن غازي كلام ابن عرفة في الليم والنارنج ص: (لا خردل إلى
211

آخره) ش: اعترض البساطي على ابن عرفة بما نصه: أما الخردل فظاهر كلام ابن الحاجب
212

أنه ربوي ورجحه المؤلف، وذكر صاحب التلقين فيه خلافا وهو أظهر عندي في الربوية من
الأنيسون اه‍. فأما الاعتراض عليه فقد سبقه إليه الشارح بهرام. وأما كون الشيخ رجحه فليس
كذلك إنما قوى المصنف القول الذي في التين وهو الذي ذكر فيه صاحب التلقين
الخلاف. وقال ابن غازي: قال ابن عرفة من عند نفسه: النارنج غير طعام والليم طعام اه‍.
وهو كذلك في ابن عرفة. ونقل البرزلي مثله عن الرماح قال: وكأنه أخذه على عرف بلده
تونس أن الليم يصير للإدام، والنارنج إنما يوضع للمصبغات ونحوه ولا يؤكل إلا نادرا، ولو
213

عكس أو جرى مجرى الليم في بلد لكان طعاما ونقل عن الرماح أنه قال: أشربة الحكيم
كلها ربوية على الاختلاف في ربويتها ولا يجوز أن تباع بطعام مؤخر.
قلت: قال أبو حفص: لا يجوز التفاضل في الأشربة كلها: شراب الورد وشراب
البنفسج وشراب الجلاب وغيره، لأن المنفعة فيه متقاربة. ولا يجوز عسل القصب الحلو
بالقصب الحلو فإذا صار فيه شراب جاز لأنه دخله أبراز مثل المطبوخ بالنيئ فيجوز التفاضل
فيه. وقال أيضا: والمصطكي ليست بطعام والجلبان طعام انتهى. ص: (وقلي
قمح) ش: القمح وشبهه في ذلك سواء والله أعلم. ص: (وسويق وسمن) ش: يحتمل أن يريد السمن
والسويق إذا صلقا صارا جنسا عن السويق غير الملتوت فتكون الواو بمعنى مع، ويحتمل أن
يريد السويق جنس غير القمح لأنه إذا كان القلي وحده ناقلا فأحرى القلي والطحن. وأما
السمن فناقل بالنسبة إلى لبن أخرج زبده، وأما بلبن فيه زبد فلا يعد ناقلا كما نص عليه في
المدونة، وأما الأسوقة بالنسبة إلى بعضها فجنس واحد. نقله القباب عن ابن رشد والله أعلم
ص: (وجاز تمر ولو قدم بتمر) ش: هذا هو قول مالك وأشار ب‍ " لو " إلى قول عبد الملك:
214

يمنع بيع القديم من التمر بالجديد. قال اللخمي: وهو أحسن إن اختلف صنفاهما
كصيحاني وبرني. كذا نقل ابن عرفة عنه ونقله المصنف في التوضيح والشارح بدون قوله:
إن اختلف صنفاهما وفي كلا النقلين نقص، بل ظاهر كلام اللخمي أنه اختار المنع أيضا
من بيع الرطب بالرطب والبسر بالبسر إذا كان نقصهما يختلف فإنه قال بعد أن ذكر الخلاف
في هذه المسائل: والمنع في جميع ذلك أحسن إذا كانا من جنسين كصيحاني وبرني وما
يعلم أنهما يختلفان في النقص إذا صارا تمرا للحديث اه‍. وصرح القباب بمخالفة اللخمي
في بيع الرطب بالرطب.
فرع: قال في المسائل الملقوطة: بيع التمر بالنوى فيه ثلاثة أقوال: قيل يجوز، وقيل لا
يجوز، وقيل إن كان نقدا فجائز وإلا فلا. ومن فوائد الدارمي ونقلها من طرر الفخار على ابن
الحاجب عند قوله: وتعتبر المماثلة حالة الكمال فلا يباع رطب بتمر ونحوها باتفاق. وذكر
الأقوال الثلاثة في البيان في سماع أصبغ من كتاب السلم والآجال ونقله ابن غازي عند قول
المصنف: لا خردل وزعفران والله أعلم ص: (وحليب) ش: سيأتي الكلام عليه إن شاء الله
بما فيه الكفاية عند قول المصنف وزبد وسمن وجبن وأقط ص: (ورطب) ش: قال القباب:
الرطب بضم الراء وفتح الطاء هو التمر الذي دخله إنضاج، فإن يبس فهو تمر. والمعنى أنه
يجوز بيع الرطب بمثله عند ابن القاسم وهو المشهور خلافا لابن الماجشون.
فرع: قال الباجي: وانظر إذا كان نصف التمرة بسرا ونصفها قد أرطب، هل يجوز بيع
بعضه ببعض؟ نقله المصنف في التوضيح ولم يجزم فيه بشئ. وقال ابن عرفة بعد نقله كلام
الباجي: قلت: الأظهر على مشهور المذهب جوازه.
فرع: ويجوز بيع البسر بالبسر. وخرج اللخمي منعه من قول ابن الماجشون في الرطب
بالرطب ص: (ومشوي وقديد) ش: القديد بفتح القاف وكسر الدال وتخفيفها. قاله في
التنبيهات ودال مهملة.
فرع: قال في المدونة: ولا خير في يابس القديد بمشوي اللحم وإن تحرى لاختلاف
اليبس. قال أبو الحسن: وانظر هل يدخل فيهما قول مالك فيجوز على أحد القولين تحريا
215

اه‍. وهذا إذا كانا بغير أبزار أو فيهما أبزار، فإن كان الابزار في أحدهما جاز مثلا بمثل أو
متفاضلا. قاله اللخمي وهو ظاهر.
تنبيه: قال ابن رشد في سماع أبي زيد من جامع البيوع: لم يجز المشوي بالمشوي
ولا القديد بالقديد من اللحم إلا بتحري أصولهما ص: (وعفن) ش: قال في كتاب القسمة
من المدونة: وإذا تبادلا قمحا عفنا بعفن مثله فإن اشتبها في العفن فلا بأس به، وإن تباعدا لم
يجز، وإن كانا مغشوشين أو كان أحدهما أو كلاهما كثير التبن أو التراب حتى يصير خطرا
لم يجز أن يتبادلا إلا في الغلث الخفيف أو يكونا نقيين، وكذلك سمراء مغلوثة بشعير
مغلوث لا يجوز إلا أن يكون ذلك شيئا خفيفا، وليس حشف التمر بمنزلة غلث الطعام لأن
الحشف من التمر والغلث غير الطعام اه‍. قال أبو الحسن في مسألة العفن بالعفن: قال أبو
عمران: معناه إذا كان العفن خفيفا واستدل بمسألة الغلث اه‍.
قلت: ليس العفن كالغلث فإن الغلث ليس من الطعام، وجما العفن فهو وصف للطعام
وليس هو شيئا زائدا مع الطعام فتأمله.
فرع: قال ابن رشد في المسألة الثانية من رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب
الصرف: وأما الطعام فيجوز مبادلة المأكول يعني المسوس والمعفون منه بالصحيح السالم
على وجه المعروف في القليل والكثير على ظاهر هذه الرواية. وما وقع في رسم القسمة من
سماع عيسى من جامع البيوع ومنع من ذلك أشهب كالدنانير الكثيرة النقص بالوازنة فلم يجز
المعفون بالصحيح ولا الكثير العفن بالخفيف، وهو دليل ما في كتاب القسمة من المدونة
من أنه لا يجوز الطعام المعفون إلا أن يشبه بعضه بعضا ولا يتفاوت. وأجاز ذلك سحنون في
المعفون وكرهه في المأكول إذا كانت الحبة قد ذهب أكثرها. وله نحو ذلك في رسم القسمة.
وحكى قول سحنون بلفظ: وأجاز ذلك سحنون في المعفون ولم يجزه في المأكول اه‍.
قلت: فتحصل من هذا أن في مبادلة المعفون بالسالم والمأكول أي المسوس
بالصحيح ثلاثة أقوال: الجواز وهو قول مالك وابن القاسم، والمنع فيهما وهو قول أشهب،
والجواز في المعفون والكراهة في المأكول وهو قول سحنون. وقول ابن رشد: إن قول
أشهب مثل ها في القسمة من المدونة غير ظاهر لأنه إذا كان العفن من الجانبين فهو داخل
في باب المكايسة فلا يجوز إلا في التماثل، وإذا كان من جهة واحدة كان معروفا محضا
فتأمله والله أعلم ص: (وزبد وسمن وجبن وأقط) ش: اللبن وما تولد عنه سبعة أنواع: حليب
216

ومخيض ومضروب وزبد وسمن وجبن وأقط. والمخيض والمضروب قال الجزولي والشيخ
يوسف بن عمر: كلاهما قد أخرج زبده لكن هذا على صفة والآخر على صفة أخرى، ولعسر
الفرق بينهما لم يعدهما الزناتي قسمين، بل اكتفى بأحدهما. والأقط بفتح الهمزة وكسر
القاف وقد تسكن ويجوز ضم أوله وكسره. قال عياض: وهو جبن اللبن المستخرج زبده.
وخصه ابن الأعرابي بالضأن. وقيل: لبن مجفف مستحجر يطبخ به. قاله ابن حجر في مقدمة
فتح الباري. قال اللخمي: اللبن وما يؤل إليه وعلى وجوه حليب ومخيض ومضروب وزبد
وسمن وجبن وأقط فبيع كل واحد منها بجنسه غير المخيض والمضروب متفاضلا ممنوع
قولا واحدا. واختلف في بيع الحليب بالحليب متماثلا فأجازه في المدونة، وحكى أبو
الفرج المنع. ويجوز بيع الزبد بالزبد والسمن بالسمن متماثلا، وكذلك الجبن بالجبن إلا أن
يكون اليابس بالطري، ولا يجوز الحليب بالزبد ولا بالسمن ولا بالجبن ولا بالأقط ولا بيع
شئ من هذه بالآخر، لأن الادخار موجود والتفاضل ممنوع والمماثلة معدومة ولا يقدر
عليها. ويختلف في بيع المخيض بالمخيض والمضروب بالمضروب متفاضلا، فمن منع
التفاضل فيهما منع أن يباع شئ منها بحليب أو بشئ مما تقدم ذكره. ومن أجاز التفاضل
أجاز بيع أحدها بأي ذلك أحب من الحليب وغيره.
وقال مالك: لا بأس بالسمن باللبن الذي أخرج زبده وهذا لا يصح إلا على القول بأن
التفاضل بينهما جائز انتهى. وما ذكره من التفاضل في المخيض والمضروب رده عليه أهل
المذهب وقالوا: اللبن كله ربوي وإلى هذا أشار المصنف بقوله المتقدم: ومطلق لبن. واعلم
أن صور بيع هذه الأنواع السبعة بعضها ببعض من نوعه أو خلاف نوعه بعد إسقاط المكرر
ثمان وعشرون صورة، فبيع كل واحد بنوعه جائز إذا كان متماثلا ولا يجوز التفاضل في هذه
السبع صور، وبيع كل واحد من الحليب والزبد والسمن والجبن والأقط ببقية هذه الأنواع لا
يجوز متماثلا ولا متفاضلا كما صرح به اللخمي، لأنه من باب بيع الرطب باليابس فلا
يتحقق التماثل. وأخذ من مفهوم كلام ابن إسحاق جواز بيع الأقط بالجبن متماثلا وفي هذه
الأنواع عشر صور. ويجوز بيع المخيض بالمضروب متماثلا لا متفاضلا على المعروف
لأنهما في الحقيقة شئ واحد. وأجاز في المدونة بيع الحليب بالمضروب متماثلا فيجوز
بيع الحليب بالمخيض أيضا لأن المضروب والمخيض سواء فهذه ثلاث صور. وأجاز في
المدونة أيضا بيع السمن بلبن قد أخرج زبده وذلك شامل لصورتين، لأن الذي أخرج زبده
يشمل المخيض والمضروب. وذكر ابن عرفة عن الشيخ أبي محمد أن مالكا أجاز بيع الزبد
بالمضروب فيجوز بيعه بالمخيض أيضا لأنهما شئ واحد كما قد علمت فهاتان صورتان
أيضا. وذكر الشيخ أبو إسحاق أنه قد اختلف في بيع الجبن بالمضروب على قولين بالجواز
والكراهة. وعزا ابن عرفة الجواز لابن القاسم فيجوز عنده أيضا بيع الجبن بالمخيض فهاتان
217

صورتان أيضا، فجملة الصور ستة وعشرون صورة وبقي صورتان وهي بيع الأقط بالمخيض
وبالمضروب. وظاهر كلام اللخمي والجزولي والشيخ يوسف بن عمر والزناتي أن حكمهما
الجواز كحكم بيع السمن والزبد والجبن بالمضروب، ويؤخذ ذلك أيضا من الأبيات التي
ذكرها أبو الحسن الصغير فإنه قال:
السمن والزبد والأجبان والأقط * * فالسمن بالزبد كل لا يجوز معا
والجبن بالأقط المذكور بيعهما * * مماثلا ذاك عندي ليس ممتنعا
إن الحليب بهذا الكل ممتنع * * وبالضريب مباح ما قد امتنعا
أما الحليب فبالمضروب بعه ولا * * تبغ الزيادة في شئ فيمتنعا
وما ذكره من جواز بيع الجبن بالأقط جار على ما ذكرنا أنه أخذ من مفهوم كلام أبي
إسحاق، ويؤخذ مما ذكره أبو الحسن الصغير عن أبي إسحاق التونسي أنه لا يجوز بيع الأقط
بالمضروب والمخيض لأنه ذكر أن المضروب يخرج منه الأقط وقد تقدم في تفسير الأقط
نحوه وهو الظاهر، وبهذا يخالف الزبد والسمن والجبن لأن هذه لا تخرج من المخيض
والمضروب. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد لما ذكر الخلاف في بيع الجبن
بالمضروب: وانظر هل الأقط مثله أم لا؟ لم أقف على شئ في ذلك.
تنبيه: قال ابن عرفة بن حبيب: لا يباع رطب الجبن بيابسه ونحوه لمحمد انتهى.
وهو خلاف قول اللخمي المتقدم لما ذكر جواز بيع الجبن بالجبن حيث قال: إلا أن
يكون اليابس بالطري. ونقله ابن يونس وغيره. ثم قال ابن عرفة: قال مالك: لا بأس
بالحالوم الرطب بيابسه وبالمعصور القديم وبالجبن بالحالوم تحريا انتهى. وقال في النوادر:
ومن الواضحة: ولا يباع رطب الجبن بيابسه وهو كله صنف بقرية وغنميه. ومن كتاب
محمد: ولا بأس بيابس الجبن برطبه على التحري إن قدر على ذلك ولا يصلح بغير تحر.
218

محمد: وإنما جاز على التحري لدخول الصنعة فيه انتهى ص: (وزيتون ولحم) ش: كذا
رأيته في نسخة بعطف الزيتون بالواو فيحسن قوله: لا رطبها بضمير المؤنث العائد إلى
المذكورات جميعها غير أنه لو أخر قوله: بمثلها عن قوله: وزيتون ولحم لكان أحسن.
وأما على النسخ المشهورة أعني قوله: كزيتون ولحم يجر الزيتون بالكاف فلا يستقيم
الكلام إلا على ما قاله ابن غازي. والظاهر أن لفظ رطب تكرر في عبارة المصنف كما
يفهم ذلك من كلام الشارح في الكبير، وصرح بذلك البساطي وضبط الأول بضم الراء
وفتح الطاء والثاني بفتح الراء وسكون الطاء ص: (لا رطبهما بيابسهما) ش: هذا مقيد في
اللحم بما إذا لم يكن في اللحم أبزار، وأما إن كان فيه أبزار فهو جنس آخر كما صرح به
في توضيحه، وتقدم عن اللخمي أيضا عند قول المصنف ومشوي وقديد والله أعلم ص:
(ومبلول بمثله) ش: والفرق بينه وبين المشوي والقديد كثرة الاختلاف في المبلول، ولان
أسفله لا يساوي أعلاه بخلاف الشئ فإنه لا يختلف في الغالب. قال في التوضيح: وفيه
نظر، والفرق بين المبلول والعفن أن العفن لا صنع لهما فيه بخلاف البلل ولان المبلول
يختلف نقصه إذا يبس لأنه قد يكون أشد إنشافا من الآخر، والعفن لا يختلف إذا تساويا
في العفن. قال ابن يونس: وفرق عبد الحق بأن المبلول يمكن الصبر عليه حتى يبس
والعفن ليس كذلك والله أعلم ص: (واعتبر الدقيق في خبز بمثله) ش: ظاهره سواء كان
219

الخبز مما يحرم التفاضل في أحدهما كالقمح والشعير أو لا يحرم كالقمح والدخن. وقد
ذكر ابن الحاجب هذا القول هكذا على الاطلاق. فاعترض عليه المصنف في التوضيح في
ذلك. وذكر أن الباجي قيده بما إذا كان الخبزان من صنف واحد. وإن ابن رشد ذكر أنه
لا خلاف أن المعتبر الوزن في الخبزين إذا كان أصلهما مختلفا على مذهب من يرى أن
الاخبار كلها صنف واحد. قال: فليس هذا القول على عمومه كما قال المصنف يعني ابن
الحاجب انتهى. وقال في الشامل: والمعتبر الدقيق إن كان صنفا واحدا وإلا فبوزن الخبزين
اتفاقا انتهى. وقال ابن عرفة بعد أن حكى الاتفاق عن ابن رشد: وظاهر كلام ابن شاس
ونص ابن الحاجب أنه مختلف فيه وهو بعيد أو ممتنع انتهى.
تنبيه: إذا اعتبر الدقيق في الخبزين إذا كانا من صنف واحد فإن عرف كل واحد قدر
كيل دقيقه فلا إشكال، وإن لم يعلم ذلك فيتحرى قدر ما في كل واحد من الدقيق. قاله في
أواخر سماع أبي زيد من جامع البيوع.
فرع: قال في العمدة: ويجوز قسمة الخبز واللحم ونحو ذلك على التحري عند تعذر
الموازين ويسهم عليه انتهى. وانظر التوضيح ص: (كعجين بحنطة أو دقيق) ش: تصوره
ظاهر.
220

فرع: قال في النوادر: ومن كتاب محمد قال مالك: ولا بأس بسلف الخميرة للجيران
ويردونها. قال في العتبية من سماع ابن القاسم على التحري: قال محمد: وذكر أشهب
العجين بالعجين تحريا انتهى.
فائدة: نشأ القمح الذي يصفق به ألوان الثياب ليس فيه ربا. قاله الزناتي في شرح
الرسالة انتهى من الألغاز ص: (وإلا فبالعادة) ش: أطلق رحمه الله في العادة والمنقول أنه إذا
لم يكن للشرع فيه معيار فالمعتبر العادة العامة، فإن لم يكن فعادة محله كما صرح به ابن
221

الحاجب والله أعلم ص: (وفسد منهي عنه إلا بدليل) ش: لما انقضى الكلام على البيع
الصحيح وما يعرض له أخذ يتكلم على البيع الفاسد، وجعل هذا الكلام مقدمة له والمذهب
أنه يدل على فساد المنهي عنه. قال ابن عبد السلام: وهذا هو المشهور في مذهبنا. وقال ابن
مسلمة في الفاسد المختلف فيه: إنه يمضي. وقوله: إلا بدليل نحوه لابن الحاجب. قال
ابن عبد السلام: أي إلا بدليل منفصل يدل على أن بيعا خاصا لا ينقض اه‍. ولعل من أمثلة
ذلك ما يأتي في بعض البيوع أنه لا يجوز ويمضي كما في تلقي السلع، وفي بعضها أنه
يمضي على صفة ولا يمضي على أخرى كتفريق الام من ولدها فإنه إن جمعاهما في ملك
واحد مضى ونحو ذلك ص: (كحيوان بلحم من جنسه إن لم يطبخ) ش: روى مالك في
مراسيل ابن المسيب عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول الله (ص) نهى عن بيع
اللحم بالحيوان. قال ابن عرفة: قال أبو عمر: لا أعلمه يتصل من وجه ثابت وأحسن أسانيده
مرسل سعيد هذا اه‍. وقال ابن عبد السلام عن ابن المسيب: من ميسر بيع الجاهلية بيع
اللحم بالشاة والشاتين. قال أبو الزناد: قلت لابن المسيب: أرأيت رجلا يشتري شارفا بعشرة
شياه؟ فقال: إن كان اشتراها ليسخرها فلا خير في ذلك. قال أبو الزناد: وكان من أدركت
ينهون عن بيع اللحم بالحيوان قال: وكان ذلك يكتب في عهود العمال في زمان أبان بن
222

عثمان وهشام بن إسماعيل ينهون عن ذلك اه‍. والحديث عام في كل لحم بحيوان لكنه عند
مالك ليس محمولا على عمومه بل مخصوص عنده رضي الله عنه ببيع اللحم بنوعه من
الحيوان. لأن بيع اللحم بالحيوان بيع معلوم بمجهول من جنسه فهو من المزابنة وهي إنما
تمتنع في الجنس الواحد، ولهذا قال المصنف: كحيوان بلحم جنسه وأما لحم الطير بالغنم
ولحم الغنم بلحم الطير أو لحوت فجائز قال في التوضيح: إن المزابنة شرطها اتحاد الجنس اه‍.
تنبيه: أطلق المصنف وابن الحاجب في بيع الحيوان بلحم جنسه وهو مقيد بالحيوان
المباح الاكل. قال في التوضيح لما علل بالمزابنة: وفي هذا إشارة إلى أنه كان غير مباح
الاكل لجاز بيعه باللحم وهو كذلك، فيجوز بيع الخيل باللحم لعدم المزابنة حينئذ اه‍.
وروي عن أشهب جواز بيع اللحم بالحيوان. قال ابن عرفة: والمعروف عنه كقول مالك اه‍.
وفي السلم الثالث من المدونة: ومحلى النهي عن اللحم بالحيوان إنما ذلك من صنع واحد
لموضع التفاضل فيه والمزابنة، فذوات الأربع الانعام والوحش كلها صنف واحد لا يجوز
التفاضل فيه، ويجوز لحم طير بحي من الانعام والوحش والحوت بالطير كله أحياء نقدا أو
إلى أجل. وما كان من الطير والوحش والانعام لا يحيا وشأنه الذبح فلا خير فيه بالحوت ولا
باللحم من غير صنفه إلا يدا بيد، وكل شئ من اللحم يجوز فيه التفاضل فجائز فيه الحي
بالمذبوح ثم قال: ولا بأس بلحم الانعام بالخيل وسائر الدواب نقدا أو مؤجلا لأنها لا تؤكل
لحومها، وأما بالهر والثعلب والضبع فمكروه لاختلاف الصحابة في أكلها، ومالك يكره أكلها
من غير تحريم. ولا بأس بالجراد بالطير وليس هو لحما ويجوز واحدة من الجراد باثنتين من
الحوت يدا بيد إذ ليس الجراد من الطير ولا من دواب الماء اه‍. ثم قيد المصنف المنع بأن
لا يطبخ اللحم فإن طبخ جاز بيعه بالحيوان من جنسه لأن اللحم بالطبخ ينتقل عن جنسه،
ويجوز فيه التفاضل فلا يجوز في الحيوان من باب أولى. ونقل ابن الحاجب في ذلك قولين
فقال في التوضيح تبعا لابن عبد السلام: ظاهر كلامه أن القولين بالجواز والمنع، والذي
حكاه ابن المواز أن ابن القاسم أجازه وأشهب كرهه.
فرع: قال الشيخ أبو الحسن في كراء الدور والأرضين في مسألة من أكرى أرضه
بدراهم: إنه لا بأس أن يأخذ ما يجوز أن يبتدئا به كراء الأرض، ويؤخذ منه أن من باع
حيوانا للذبح بدراهم إلى أجل أن له أن يقتضي من ثمنه طعاما كما يجوز بيعه به ابتداء. وهذا
إذا كان يراد للقنية، وأما إن كان لا منفعة فيه إلا اللحم فلا يجوز اه‍ ص: (أو لا منفعة فيه
223

إلا اللحم أو قلت) ش: فلو كان فيه منفعة غير اللحم وليست قليلة كما إذا كان لها صوف
ولبن فليس كاللحم، ولو علم أن البائع كان يريد ذبح ما ذكر فأبدله بحيوان آخر. قال في
المدونة: ومن أراد ذبح عناق كريمة أو حمام أو دجاج فأبدلها رجل منه بكبش وهو يعلم أنه
أراد ذبح ذلك فجائز ص: (كبيعها بقيمتها أو على حكمه أو حكم غيره أو رضاه) ش:
هذه مسألة كتاب البيوع الفاسدة من المدونة. قال أبو الحسن اللخمي: إلا أن يقوم دليل
على أن القصد بالتحكيم المكارمة فيجوز كالهبة للثواب اه‍. وقبله في الشامل فقال: إلا
بكرامة قريب ونحوه ص: (وبإلزام) ش: يعود إلى جميع ما تقدم وإن كان على غير الالزام
جاز كما سيأتي في آخر فصل الخيار، وإن سكت عن ذكر اللزوم وعدمه جاز وهو محمول
224

على أنه بالخيار إذا رآها. قاله أبو الحسن الصغير في السلم الثالث ص: (وكملامسة
الأثواب) ش: قال في المدونة في كتاب الغرر: قال مالك: والملامسة شراؤك الثوب لا
تنشره ولا تعلم ما فيه أو تبتاعه مثلا ولا تتأمله، أو ثوبا مدرجا لا ينشر من جرابه. أبو
الحسن: ولا تعلم ما فيه يعني وتكتفي باللمس وهو بين في الأمهات.
فرع: قال ابن عرفة: قال المازري: ولو فعلا هذا على أن ينظر إليها ويتأملها فإن رضي
أمسك جاز اه‍ ص: (وكبيع ما في بطون الإبل أو ظهورها) ش: قال ابن عرفة: اشتهر في
كتب الفقهاء والأصوليين حديث النهي عن بيع المضامين والملاقيح ولا أعرفه في كتاب
حديث إلا في الموطأ مرسلا. روى مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا
ربا في الحيوان وإنما نهى من الحيوان عن ثلاثة عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة ثم
قال: وخرج مسلم ومالك في الموطأ عن نافع عن عبد الله عن رسول الله (ص) أنه نهى عن
بيع الحبلة ص: (أو إلى أن ينتج النتاج) ش: قال ابن الفاكهاني في شرح الرسالة: النتاج
225

بكسر النون ليس إلا اه‍. ص: (وكبيعه بالنفقة عليه حياته) ش: يشير إلى قوله في كتاب
السلم الثاني من المدونة: ومن اشترى دارا على أن ينفق على البائع حياته لم يجز، فإن وقع
وقبضها المبتاع واستغلها كانت الغلة له بضمانه ويرد الدار إلى البائع ويرجع عليه بقيمة ما
أنفق عليه إلا أن تفوت الدار بهدم أو بناء فيغرم المبتاع قيمتها يوم قبضها اه‍. قال المشذالي:
تكررت هذه المسألة في الشفعة وفي آخر كتاب الحبس. قال الوانوغي: قال عبد الوهاب:
إنما فسد البيع للجهل بالعوض لأن النفقة وقعت إلى غير مدة معلومة، ولو اتفقا على تعيين
226

البائع مدة معلومة لجاز إذا كان يرجع إلى ورثته ما بقي من المدة إن مات قبل تمامها.
ونحوه لابن محرز عن أشهب. ومعنى: قيمة ما أنفق يريد إذا كان في جملة عيال
المشتري، وأما لو دفع إليه المشتري مكيلة طعام أو وزنا معلوما من دقيق أو دراهم لرجع
بذلك اه‍. قال أبو الحسن إثر كلام المدونة المذكور: قال ابن يونس: قال بعض أصحابنا:
وإنما يرجع عليه بقيمة ما أنفق إذا كان لا يحصي النفقة أو كان في جملة عياله، وأما لو
دفع مكيلة معلومة من الطعام أو دنانير أو دراهم معلومة لرجع عليه بمثل ذلك. وقوله يعني في
المدونة: إلا أن تفوت الدار الخ ويتقاصان قال: ولو أسكنه إياها على أن ينفق عليه حياته
فهو كراء فاسد فيرجع عليه بقيمة ما أنفق وعليه كراء ما سكن ويتقاصان أيضا ص: إلا أن
يفوت) ش: ظاهره جنه إذا فات المبيع فإن البيع يمضي وليس كذلك، بل حكمه حكم البيع
الفاسد يفسخ بالقيمة فيرجع البائع بقيمة المبيع يوم قبضه ويقاصه المشتري بما أنفقه عليه،
وقد نبه على ذلك البساطي وهو ظاهر والله أعلم ص: (على عقوق الأنثى) ش: الظاهر أن
عقوق بفتح العين والله أعلم ص: (وإن أعقت انفسخت) ش: ظاهر كلامه أنه راجع إلى
الصورتين أعني الزمان والمرات وهو الذي ارتضاه ابن عرفة خلاف ما ذكره ابن عبد السلام
227

أنه راجع إلى مسألة المرات والله أعلم ص: (وكبيعها بالالزام) ش: أي بالالزام للمتبايعين أو
لأحدهما فلا يجوز إلا إذا كان الخيار لهما معا. قال في المدونة: ولا يجوز بيع سلعة على
أنها بالنقد بدينار أو إلى شهر بدينارين، وكذلك على أنها إلى شهر بدينار أو إلى شهرين
بدينارين على الالزام لهما أو لأحدهما، وليس للمبتاع تعجيل النقد لإجازة البيع لأنه عقد
فاسد، وإن كانت على غير الالزام جاز. اه‍ من البيوع الفاسدة قبل الكلام على البيع بشرط
العتق ونحوه لابن الحاجب. وقال الشارح في الكبير: وإنما قال بالالزام احترازا مما إذا باع
ذلك على خيار لهما أو لأحدهما فإن ذلك يجوز اه‍. ونحوه في الوسط وهو سهو ظاهر،
وكأنه غره والله أعلم ظاهر التوضيح فإنه قال: وقوله: يعني ابن الحاجب على اللزوم أي شرط
228

منع النوعين رجاء أن يكون البيع لازما للمتبايعين معا أو لأحدهما وإن لم يكن على اللزوم
لهما أو لأحدهما جاز اه‍. فقوله آخر: وإن لم يكن على اللزوم لهما أو لأحدهما عطفه
ب‍ " أو " يوهم ما قاله الشارح غير أن في كلام التوضيح ما يصرف هذا الوهم وهو أنه صدر بأنه
إن كان البيع على اللزوم لهما أو لأحدهما فإنه لا يجوز، فعلم أن قوله: أو لأحدهما من
جملة النفي أي شرط الجواز أن ينتفى الأمران أعني اللزوم لهما أو لأحدهما ص: (وكبيع
حامل بشرط الحمل) ش: أطلق في الحامل ليشمل كل حامل من أمة أو غيرها، وأطلق أيضا
في النهي عن شراء الحامل بشرط الحمل فشمل ما إذا قصد بالشرط الاستزادة في الثمن أو
قصد البراءة، فهو كقول ابن الحاجب: ففي بيع الإماء وغيرهن بشرط الحمل الظاهر ثالثها إن
قصد البراءة صح وإلا فسد. وقد قال في التوضيح: فيه نظر لأنه يقتضي أن القول الثاني لا
يصح وإن قصد البراءة. وهذا لا ينبغي أن يختلف في جوازه. وقد صرح ابن زرقون بذلك وأن
الخلاف إذا قصد الاستزادة في الثمن والمشهور المنع. فسوق الشارح كلام ابن زرقون على
أنه طريقة ثانية لا ينبغي له تقييد كلام المصنف به كما فصل في التوضيح والله أعلم.
تنبيه: إذا حملت كلام المصنف على ما إذا قصد الاستزادة من الثمن فمفهومه أنه إذا
قصد التبري جاز مطلقا، سواء كان الحمل ظاهرا أم خفيا. أما الظاهر فصحيح، وأما الخفي
229

فإنما يصح ذلك في الوخش، وأما الرائعة فلا يجوز فيها اشتراط البراءة من الحمل الخفي.
قال ابن الحاجب: وأما شرط الحمل الخفي ففاسد إلا في البراءة. قال في التوضيح: أي فلا
يجوز إذا قصد الاستزادة. وما ذكره من جواز التبري في الحمل الخفي. إنما هو في
230

الوخش، وأما الرائعة فلا يجوز بيعها بشرط البراءة منه لأن الحمل يحط من ثمنها كثيرا وذلك
غرر نص عليه في المدونة وغيرها. قال: وهذا مع انتفاء السيد من وطئها، وأما إن أقر بوطئها
فلا يجوز بيعها وإن كانت وخشا إذ لا خلاف أن البراءة لا تقع من حمل يلزمه اه‍.
والحاصل أنه إذا قصد الاستزادة في الثمن لم يجز مطلقا، وإن قصد التبري جاز وإن كان
ظاهرا إلا أن يعترف بالوطئ ولم يدع الاستبراء، وإن كان خفيا جاز في الوخش لا في العلى
والله أعلم ص: (ونحاس) ش: النحاس بضم النون معروف والدخان الذي لا لهب فيه. قال
231

في الصحاح: والنحاس بكسر النون الطبيعة والأصل اه‍ ص: (أو منافع عين) ش: قال في
المدونة من كتاب الآجال: ومن لك عليه دين حال أو إلى أجل فلا تكتر منه دراه سنة أو
أرضه التي رويت أو عبده شهرا أو تستعمله هو به عملا يتأخر، ولا تبتاع به منه ثمرة حاضرة
في رؤوس النخل قد أزهت أو أرطبت أو زرعا قد أفرك لاستئخارهما ولو استجدت الثمرة أو
استحصد الزرع ولا تأخير لهما جاز.
232

تنبيه: قال ابن رشد في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب كراء الرواحل: من
اكترى دابة بعينها فهلكت فإن الكراء يفسخ ويجب للمكتري الرجوع بما ناب ما بقي من
المسافة من الكراء، ولا يجوز له أن يأخذ منه بذلك دابة أخرى غير معينة بإجماع لأنه إذا
أخذ منه بذلك دابة فركبها كان قد فسخ ما وجب له بالرجوع من الكراء في ركوب لا
يتعجله، وإن أخذ منه في ذلك دابة معينة لم يجز عند ابن القاسم وروايته عن مالك كما
صرح بذلك في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب البيوع قال فيه: إلا عند الضرورة التي
تحل أكل الميتة مثل أن يكون في صحراء بحيث لا يجد كراء ويخشى على نفسه الهلاك إن
لم يأخذ منه دابة يبلع عليها. وأشهب يجيز أن يأخذ منه دابة لما بقي له وإن لم تكن له
ضرورة اه‍.
فرع: قال في المدونة بعد ما تقدم: ولو بعت دينك من غير غريمك بما ذكرنا جاز
وليس كغريمك لأنك انتفعت بتأخيره في ثمن ما فسخته فيه عليه بخلاف الأجنبي اه.
فظاهره أنه يجوز بجميع ما تقدم ذكره، وقد صرح في الام بجوازه في المواضعة والغائب
والثمرة التي أزهت والزرع الذي أفرك ولم يذكر فيها بيعه بمنافع العين، وظاهر كلام البراذعي
جوازه لادخاله إياه في العموم. وقال اللخمي: واختلف فيمن له دين فباعه من أجنبي بمنافع
233

عين أو دابة اه‍. ص: (وحاضر إلا أن يقر) ش: قال في المسائل الملقوطة: قال في وثائق
الغرناطي: لا يجوز بيع الدين إلا بخمسة شروط: أن لا يكون طعاما، وأن يكون الغريم حاضرا
مقرا به، وأن يباع بغير جنسه، وأن لا يقصد ببيعه ضرر المديان، وأن يكون الثمن نقدا اه‍.
ونزلت مسألة وهي رجل اشترى دينا وفيه رهن أو حميل، فهل يدخل الرهن والحميل في
الدين أو لا؟ وكذلك من أحيل على دين أو وهب له أو ملكه وفيه رهن أو حميل، هل
يدخلان أم لا؟ فأخبرت أن بعض الناس أفتى فيها بدخول الرهن والحميل من غير تفصيل ولم
ينص أحد من أهل المذهب على ذلك فيما علمت، وليس ما أفتى به من عدم التفصيل
234

بصواب فيما يظهر. والظاهر أن يقال: أما إذا كان في الدين المحال به رهن أو حميل فلا
شك أن الحوالة يبرأ المحيل ويرجع الرهن إلى ربه. قال المصنف في باب الضمان: وإن
برئ الأصيل برئ يعني الضامن، وأما الرهن فلا يخلو أن يشترط دخوله أو عدم دخوله أو
يسكت عن ذلك، فإن شرط دخوله دخل وللراهن الخيار بين أن يجعله بيد المشتري أو
يجعله بيد عدل غيره، وإن شرط عدم دخوله لم يدخل، وإن سكت عن ذلك فلا يدخل أيضا
لأن الدين ملك للبائع والتوثق بالرهن حق له والكل منهما منفك عن الآخر، والأصل بقاء ما
للانسان على ملكه حتى يخرج عنه برضاه، وإن اختلفا في البيع هل وقع على دخول الرهن
أو لا؟ فيتحالفان ويتقاسمان ويبدأ البائع اختلف البائع والمشتري في البيع هل وقع على رهن
أو حميل، وكذلك القول في الحميل إلا أنه إذا شرط دخوله فيشترط فيه أن يحضر ويقر
بالحمالة لئلا يصير من شراء ما فيه خصومة. ومثل ذلك إذا وهب الدين أو ملكه. ويشهد
لذلك ما ذكره ابن عرفة في باب الايمان عن ابن القاسم في المجموعة فيمن حلف ليقضين
غريمه إلى أجل كذا إلا أن يؤخره، ونصه في المجموعة عن ابن القاسم: لو كان الدين غير
محيط فرضي الغرماء بالحوالة عليه وأخروه وأبرؤا الورثة لم يجز إلا أن يجعل الورثة لهم أي
للغرماء ما كان لهم من التأخير، لأن الطالب لو أحال بالحق رجلا فأنظره المحال لم يبرأ إلا
أن يجعل بيده التأخير كما كان له اه‍. وذكر هذا التقييد الذي ذكره ابن القاسم أبو الحسن
الصغير ثم وقفت في كتاب الرهون من النوادر في باب تعدي المرتهن على كلام يشهد لما
ذكرته ونصه من المجموعة: قال سحنون: وإذا باع المرتهن الدين الذي على الراهن فسأله
المشتري دفع الرهن إليه فليس له ذلك وإن فعل ضمن اه‍. فقوله: ليس له دفع الرهن
للمشتري موافق لما ذكرته، ولا يؤخذ من كلامه أن الرهن يسقط فتأمله. وذكر بعضهم أن
القاضي سندا ذكر في السلم شيئا مما يتعلق بانتقال الدين فينظر فيه.
مسألة: إذا باع سلعة على أن يوفيه الثمن من عطائه فيحبس العطاء أو بعضه ولمال
غيره فيه وقائما عليه، فهل يلزمه أن يعطيه من غيره أم لا؟ وفي ذلك ثلاثة أقوال ذكرها ابن
رشد في رسم الأقضية من سماع أشهب من كتاب المديان، ونقلها البرزلي في مسائل البيوع
ونصه ما في رسم الأقضية: وسئل عن الرجل يتعين في عطائه فيحبس العطاء وله مال فيه
وقائما عليه من تلك الغيبة أو يؤخذ ذلك من ماله. قال: لا أرى ذلك. قال ابن رشد: تكررت
هذه المسألة في آخر السماع، والمعنى فيها أنه حكم للعطاء المأمون فإذا تعين هذا في العطاء
بأن يشتري سلعة بدين على أن يقضيه من عطائه إذا خرج فلم يخرج بطل حقه، وإن خرج
بعضه حل عليه من الدين بحساب ما خرج منه على ما يأتي في آخر السماع. وكذلك لو
اشترى العطاء فلم يخرج لم يكن له على هذا القول شئ وقد قيل: إنه إذا تعين في عطائه أو
باعه كان ذكر العطاء كالأجل وتعلق ذلك بذمته إن لم يخرج العطاء أو مات قبل خروجه وهو
235

اختيار محمد بن المواز: وقول مالك في رواية أشهب عنه في الواضحة. وهذا القول يأتي
على قياس غير ابن القاسم في المدونة في الذي يشتري السلعة بدنانير له آتية فإنه ضامن
لها أن تلفت وإن لم يشترط الضمان. ويلزم على قول ابن القاسم في هذه المسألة أن لا
يجوز التعين في العطاء إلا بشرط الخلف فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أن البيع
لا يجوز إلا بشرط الضمان إن لم يخرج العطاء، والثاني أنه جائز والحكم يوجب الضمان،
والثالث أنه جائز ولا يلزمه الضمان، وأما العطاء الذي ليس بمأمون فلا يتعين فيه حق من
ابتاعه أو يتعين فيه حق باتفاق. ويختلف هل يجوز ذلك بشرط الخلف على قولين،
ويحتمل أن يوفق بين الروايات بأن تحمل هذه الروايات على العطاء المأمون وما في
الواضحة واختيار ابن المواز على العطاء الذي ليس بمأمون وبالله التوفيق. وما أشار إليه
في آخر السماع هي آخر مسألة منه ونصها: وسئل عن الرجل يشتري من الرجل بالدين في
عطائه أو إلى أول عطاء يخرج له فيكتب ذلك في ديوانه فيخرج له نصف العطاء، أيحل
حقه كله عليه؟ قال: إن أمثل ذلك عندي لو أخذ منه ما خرج عن عطائه فقط وسئل عن
الرجل يتعين في عطائه فيحبس العطاء وله مال فيه وقائما عليه من تلك الغيبة، أيؤخذ
ذلك من ماله؟ قال: لا أرى ذلك. قال ابن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى
في رسم الأقضية من هذا السماع فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق ص: (وكبيع العربان إلى
آخره) ش: قال ابن الحاجب: ومنه بيع العربان وهو أن يعطي شيئا على أنه إن كره البيع
أو الإجارة لم يعد إليه. قال في التوضيح:
فرع: فإن وقع البيع أو الكراء على ذلك فقال عيسى بن دينار: يفسخ فإن فاتت
مضت بالقيمة اه‍. ونحوه في الشامل ونصه: وفسخ إلا أن يفوت فبالقيمة اه‍ والله أعلم
ص: (وكتفريق أم من ولدها فقط) ش: أي ومن البيوع المنهي عنها البيع الذي
يفرق به بين الام وولدها. والأصل فيه ما أخرجه الترمذي عن أبي أيوب قال:
سمعت رسول الله (ص) يقول: من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم
236

القيامة. قال: حديث حسن وأخرجه الحاكم. وقال: صحيح على شرط مسلم. وذكره
المصنف في التوضيح بلفظ: من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم
القيامة. وأخرج الطبراني في الكبير عن معقل بن يسار بلفظ: من فرق فليس منا وقال
اللخمي: قال (ص): لا توله والدة عن ولدها. وقوله: توله بضم التاء وفتح الواو واللام
المشددة ويجوز في الهاء الاسكان على أنه نهي، والرفع على أنه خبر معناه النهي. ونظائره
كثيرة والوله ذهاب العقل والتحير من شدة الحر، ويقال رجل واله وامرأة والهة. وواله
بإثبات الهاء وحذفها، ويقال وله بفتح اللام يله بكسرها ووله بكسر اللام يوله بفتحها لغتان
فصيحتان. ومعنى الحديث النهي عن أن يفرق بين المرأة وولدها فتجعل والهة. قاله جميعه
في تهذيب الأسماء واللغات. قال ابن القطان عن صاحب الاشراف بعد ذكر هذا الحديث:
أجمع أهل العلم على القول بهذا الخبر إذا كان الولد طفلا لم يبلغ سبع سنين واختلفوا
في وقت التفرقة.
فرع: ولا فرق في ذلك بين كون الام مسلمة أو كافرة. قاله في المدونة. وسواء كان
من زوج أو من زنا. قاله في العمدة. وقوله: فقط يعني أن المنع من التفرقة خاص بالأم. قال
في المدونة: قال مالك: ويفرق بين الولد الصغير وبين أبيه وجده وجداته لامه أو لأبيه متى
شاء سيده وإنما ذلك في الام خاصة. قال في التوضيح: واختار اللخمي منع التفرقة في
الأب.
قلت: ظاهره أنه اختاره من نفسه وليس كذلك بل نقل عن غيره واختاره ونصه:
اختلف في التفرقة بين الأب وولده فقال مالك وابن القاسم: لا بأس به. وذكر محمد عن
بعض المدنيين منعه وهو أحسن قياسا على الام وإن كانت مؤجرة فمعلوم أن الأب يدخل
من ذلك ما يعظم عليه فيه المشقة ويقارب الأم وقد يكون بعض الآباء أشد. ولم يختلف
المذهب في جواز التفرقة بين من سوى هذين من الأقارب كالأخ والجد والجدة والخالة
والعمة فكلامه يدل على أن الخلاف في الأب في المذهب والله أعلم.
237

فرع: قال ابن فرحون في الألغاز: فإن قلت: رجل له شاتان لا يجوز له بيع واحدة
ويترك الأخرى. قلت: هذه شاة وابنتها صغيرة معها فلا يجوز التفريق بينهما فقد روى عيسى
عن ابن القاسم في البهائم وأولادها مثل أولاد بني آدم ا - ه‍. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة:
والتفرقة جائزة في الحيوان البهيمي على ظاهر المذهب. وروى عيسى عن ابن القاسم أنها لا
تجوز وأن حد التفرقة أن يستغنى عن آبائه بالرعي. نقله التادلي والمغربي وأظنه في العتبية ولا
أتحققه وقع للشيخ أبي بكر بن اللباد نحوه، وذلك أن ابن يونس نقله في الراعي إذا استؤجر
على رعاية غنم ولم يكن له عرف برعي الأولاد فإن على ربها أن يأتي براع معه للأولاد
للتفرقة. وتأوله بعض شيوخنا بأن معناه أن التفرقة تعذيب لها فهو من النهي عن تعذيب
الحيوان. وقال الفاكهاني: ظاهر الحديث يعم العقلاء وغيرهم ولم أقف على نص في غير
العقلاء فمن وجده فليضمه إلى هذا الموضع راجيا ثواب الله. وذكر أبو الحسن الصغير في
كتاب التجارة إلى أرض الحرب، وفي كتاب التجارة في إجارة الراعي، وفي وثائق ابن
سلمون: ولا يجوز أن يفرق بين الأمة وولدها الصغير في البيع بخلاف غيرها من الحيوان اه‍.
وقول ابن ناجي: وتأوله بعض شيوخنا إلى آخر كلامه يشير به إلى قول ابن عرقة في الإجارة
على رعاية الغنم بعد ذكر كلام ابن اللباد.
قلت: معناه أن التفرقة تعذيب لها فهو من النهي عن تعذيب الحيوان أهو الله أعلم
ص: (وإن بقسمة) ش: يعني أنه لا يجوز التفرقة بين الام وبين ولدها ولو كانت بالقسمة.
قال في المدونة: وإذا ورث أخوان أما وولدها وابنتها فلهما أن يبقياهما في ملكيهما أو
يبيعاهما وكذلك لو ابتاعهما رجلان معا بينهما. قال ابن يونس: حتى إذا أراد الاخوان القسمة
أو البيع جبرا على أن يجمعا بينهما. ثم قال في المدونة: وسئل مالك عن أخوين ورثا أما
وولدها صغير فأراد أن يتقاوما الام وولدها فيأخذ أحدهما الام والآخر الولد، وشرطا أن لا
يفرقا بين الام وولدها حتى يبلغ الولد. فقال: لا يجوز لهما ذلك وإن كان الاخوان في بيت
واحد، وإنما يجوز لهما أن يتقاوما الام وولدها فيأخذها أحدهما بولدها أو يبيعاهما جميعا.
فرع: قال ابن يونس: قال ابن حبيب: فإن وقع القسم فسخ كالبيع كان الشمل واحدا
أو مفترقا.
فرع: قال في المدونة: وهبة الولد للثواب كبيعه في التفرقة.
238

فرع: في المدونة: ومن ابتاع أما وولدها صغير ثم وجد بأحدهما عيب فليس له رده
خاصة وله ردهما جميعا أو حبسهما جميعا بجميع الثمن ص: (أو بيع أحدهما العبد سيد
الآخر) ش: يشير إلى قوله في المدونة: ولا ينبغي بيع الام من رجل والولد من عبد مأذون
لذلك الرجل لأن ما بيد العبد ملك له حتى ينتزعه منه إذ لو رهنه دينا كان في ماله، فإن بيعا
كذلك أمر بالجمع بينهما في ملك السيد أو العبد أو يبيعاهما معا لملك واحد وإلا فسخ
البيع. قال أبو الحسن: معنى لا ينبغي لا يجوز بدليل فسخه البيع اه‍. وقوله مأذون لا
مفهوم له. قال اللخمي: وإن كانت الأمة لرجل وولدها لعبده أجبرا على جمعهما في ملك
واحد أو يبيعاهما من رجل واحد لأن العبد ملك إن عتق تبعه ماله. وعلى قول مطرف وابن
الماجشون يجوز أن يجمعاهما في حوز لأن الشمل واحد اه‍.
فرع: وكذلك لا يجوز أن تكون الأمة لرجل وولدها لولده الصغير. قاله أبو الحسن
الصغير. ص: (ما لم يثغر معتادا) ش: يعني أن حد المنع من التفرقة بين الام وولدها في
الوقت المعتاد. قال في المدونة: وإذا بيعت أمة مسلمة أو كافرة لم يفرق بينها وبين ولدها
في البيع إلى أن يستغني الولد عنها في أكله وشرابه ومنامه وقيامه. قال مالك: وحد ذلك
الاثغار ما لم يعجل به جواري كن أو غلمانا بخلاف حضانة الحرة. وقال الليث: حد ذلك أن
ينفع نفسه ويستغني عن أمه فوق عشر سنين أو نحو ذلك اه‍. وروي عن ابن حبيب أن ذلك
يتحدد بسبع سنين، وعن ابن وهب عشر سنين، وروى ابن غانم عن مالك أن ذلك ينتهى إلى
البلوغ، وعن ابن عبد الحكم لا يفرق بينهما ما عاشا ص: (وصدقت المسبية) ش: قال في
المدونة: وإذا قالت المرأة من السبي: هذا ابني لم يفرق بينهما. قال ابن محرز: قال في
الكتاب: وإذا زعمت أن هؤلاء الصبيان ولدها لم يفرق بينها وبينهم. قال يحيى بن عمر: وإذا
كبر الأولاد منعوا من أن يخلوا بها لأنهم لا يكونون محرما لها. ابن محر: وهذا كما قال،
وإنما صدقت فيما لا تثبت حرمة بينها وبينهم. ألا ترى أنها لقالت: هذا زوجي أو قال:
هي زوجتي لم يصدقا لما يتعلق بهما من الحرم اه‍. ص: (ولا توارث) ش: قال في المدونة
إثر كلامه السابق: ولا يتوارثان بذلك. ابن يونس: لأنه لا ميراث بالشك. قال أبو الحسن
الصغير: أما أنها لا ترثه فبين إذ يتوصل إلى صدقهما، وأما إنه لا يرثه فهذا غير جار على
239

الاطلاق أن المقر بوار ث يورث إذا لم يكن هناك نسب معروف وإنما نفى في الكتاب
الميراث من الطريقين اه‍. ص: (وهل بغير عوض كذلك أو يكتفي بحوز كالعتق تأويلان)
ش: قال أبو الحسن الصغير: تحصيل المسألة أن تقول: إن كانت التفرقة بالبيع فلا بد من
الجمع بينهما في ملك، وإن كانت التفرقة بينهما بالعتق فلا بد من الجمع بينهما في حوز
وذلك يكفي، وإن كان بهبة أو صدقة ففيه الخلاف اه‍. وقال اللخمي في تبصرته: إذا أعتق
أحدهما جاز بيع الآخر ويجمعانهما في حوز، فإن أعتق الولد لم يكن له أن يخرجه عن أمه،
وإن باعها شرط على المشتري كونه معها أو عندها، وإن سافر بالأم سافر به معها ويكون
الكراء على المشتري ويشترط عليه حين البيع نفقته. ثم قال: وإن أعتق الام وأخرجها عن
حوزه ترك الولد في حضانتها إن كان لا خدمة له، وإن كان له خدمة كان مبيته عندها
ويأوي إليها في نهاره في وقت لا يحتاجه السيد للخدمة، وإن باعه شرط على المشتري
كونه عندها وللمشتري أن يسافر وتتبعه الام حيث كان اه‍. ص: (وجاز بيع أحدهما للعتق)
ش: قال في الكبير: قال ابن بطال: في قوله: لا بأس ببيع الأمة دون الولد والولد دونها
240

للعتق معناه على أنها حرة. وقال بعض الشيوخ: لتعتق. أبو الحسن: معنى قول ابن بطال إنها
حرة حينئذ من غير إحداث عتق، ومعنى قول غيره أي على إيجاب العتق اه‍. قلت: وعلى
كلا الوجهين فإنه يجبر على العتق لكن الأول أقوى من الثاني والله أعلم ص: (وكبيع وشرط
يناقض المقصود) ش: يعني أن من البيوع المنهي عنها البيع والشرط فقد روى عبد الحق
في أحكامه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله (ص) عن بيع وشرط.
قال ابن عرفة: لا أعرفه إلا من طريق عبد الحق. وحمله أهل المذهب على وجهين: أحدهما
الشرط الذي يناقض مقتضى العقد، والثاني الشرط الذي يعود بخلل في الثمن. فأما الشرط
الذي يناقض مقتضى العقد فهو الذي لا يتم معه المقصود من البيع مثل أن يشترط عليه أن لا
يبيع ولا يهب، وهذا إذا عمم أو استثنى قليلا كقوله على أن لا تبيعه جملة أو لا تبيعه إلا من
فلان. وأما إذا خصص ناسا قليلا فيجوز. قال اللخمي: وإن باعه على أن لا يبيعه من فلان
وحده جاز، وإن قال على أن لا تبيعه جملة أو لا تبيعه إلا من فلان كان فاسدا. ثم قال:
وإن قال على أن لا تبيع من هؤلاء النفر جاز اه‍. فقيد به إطلاق المصنف.
241

فرع: قال في المنتخب لابن أبي زمنين وفي سماع علي بن زياد: سئل مالك عن
رجل باع عبدا أو غيره وشرط على المبتاع أنه لا يبيع ولا يهب ولا يعتق حتى يعطي الثمن.
قال: لا بأس بذلك لأنه بمنزلة الرهن إذا كان إعطاء الثمن لأجل مسمى اه‍. ومن الشروط
المناقضة بيع الثنيا وهو من البيوع الفاسدة. قال في كتاب بيوع الآجال من المدونة: ومن
ابتاع سلعة على أن البائع متى ما رد الثمن فالسلعة له لم يجز ذلك لأنه بيع وسلف. قال
سحنون: بل سلف جر منفعة اه‍. قال أبو الحسن: هذا الذي يسمى بيع الثنيا، واختلف إذا
نزل هل يتلافى بالصحة كالبيع والسلف أم لا على قولين اه‍. يعني إذا أسقط الشرط. قال
الرجراجي: واختلف إذا أسقط مشترط الثنيا شرطه، هل يجوز البيع أم لا؟ على قولين:
أحدهما أن البيع باطل والشرط باطل وهو المشهور، والثاني أن البيع جائز إذا أسقط شرطه
وهو قول مالك في كتاب محمد يريد إذا رضي المشتري. وقال الشيخ أبو محمد: وقد
فسخا الأول اه‍. وقال أبو الحسن: معنى قوله في المدونة: بيع وسلف أنه تارة يكون بيعا
وتارة يكون سلفا لا أنه يكون له حكم البيع والسلف في الفوات بل فيه القيمة ما بلغت إذا
فاتت السلعة اه‍. وقال في معين الحكام قبل فصل الخيار بيسير: ولا يجوز بيع الثنيا وهو أن
يقول: أبيعك هذا الملك أو هذه السلعة على أني إن أتيتك بالثمن إلى مدة كذا أو متى
ما أتيتك فالبيع مصروف عني، ويفسخ ذلك ما لم يفت بيد المبتاع فيلزمه القيمة يوم قبضه،
242

وفوت الأصل لا يكون إلا بالبناء والهدم والغرس ونحو ذلك. هذا هو المشهور من المذهب،
والبناء والغرس في ذلك على ثلاثة أوجه: إن كان في وجه الربع ومعظمه فذلك فوت، وإن
كان في أقله وأتفهه فليس بفوت ويرد الجميع، وإن كان في ناحية منها ولها قدر فاتت
الناحية بقيمتها ورد الباقي اه‍.
فرع: واختلف في الغلة في هذا البيع هل هي للمشتري أو للبائع؟ قال الرجراجي:
اختلف في بيع الثنيا هل هو بيع أو رهن على قولين. وفائدة الخلاف في الغلة فمن رأى أنه
بيع قال: لا يرد الغلة وقد قال مالك في العتبية: إن الغلة فيه للمشتري بالضمان فجعله بيعا
وأنه ضامن والغلة له، ومن رأى أنه رهن قال: يرد الغلة وإنه في ضمان البائع في كل بيع
ونقص يطرأ عليه من غير سبب المشتري، وما كان من سبب المشتري فهو ضامن له وحكمه
حكم الرهان في سائر أحكامها فيما يغلب عليه اه‍. والراجح أنها للمشتري كما نقله ابن
رشد في المسألة العاشرة من سماع أشهب من جامع البيوع، ومن سماع أصبغ ونقله في
المعين وابن سلمون وأبو الحسن وغيرهم. قال في معين الحكام:
تنبيه: وللمبتاع ما اغتل في الملك قبل الفسخ إلا أن يكون في الأصول ثمر مأبور
واشترطه المبتاع فإنه يرده مع الأصول وإن كان حاضرا أو مكيلة إن علمها وجذه يابسا،
والقيمة إن جهل المكيلة أو جذه رطبا اه‍. وهذا كله والله أعلم فيما إذا قبض المشتري
المبيع واستغله، وأما ما يقع في عصرنا هذا وهو مما عمت به البلوى من أن الشخص يشتري
البيت مثلا بألف دينار ثم يؤجره بمائة دينار لبائعه قبل أن يقضيه المشتري وقبل أن يخليه
البائع من أمتعته بل يستمر البائع على سكناه إياه، إن كان على سكناه أو على وضع يده عليه
وإجازته ويأخذ المشتري منه كل سنة أجرة مسماة يتفقان عليها فهذا لا يجوز بلا خلاف
243

لعدم انتقال الضمان إليه والخراج بالضمان، وهنا لم ينتقل الضمان لبقاء المبيع تحت يد بائعه
فلا يحكم له بالغلة، بل ولو قبض المشتري المبيع ثم أجره للبائع على الوجه المتقدم لم يجز
لأن ما خرج من اليد وعاد إليها لغو كما هو مقرر في بيوع الآجال، وآل الحال إلى صريح
الربا وهذا واضح لمن تدبره وأنصف والله أعلم.
تنبيه: قال في المتيطية: وإن علم أن أصل الشراء كان رهنا وإنما عقدا فيه البيع
لتسقط الحيازة فيه وثبت ذلك بإقرارهما عند الشهود حين الصفقة أو بعدها وقبض المبتاع
الملك واغتله ثم عثر على فساده، فإنه يفسخ ويرد الأصل مع الغلة إلى صاحبه ويسترجع
المبتاع ثمنه اه‍.
تنبيه: قال في معين الحكام: مسألة: ويجوز للمشتري أن يتطوع للبائع بعد عقد البيع
أنه إن جاءه بالثمن إلى أجل كذا فالبيع لازم له، ويلزم ذلك المشتري متى ما جاءه بالثمن في
خلال الاجل وعند انقضائه أو بعده على القرب منه، ولا يكون للبائع تفويته في خلال الاجل،
فإن فعل ببيع أو هبة أو شبه ذلك نقض إن أراده البائع ورد إليه وإن لم يأت بالثمن الأعلى
بعد من انقضاء الأجل فلا سبيل له إليه. وإن لم يضربا في ذلك أجلا فللبائع أخذه متى جاءه
بالثمن في قرب الزمان أو بعده ما لم يفوته المبتاع، فإن أفاته فلا سبيل له إليه. فإن قام عليه
حين أراد التفويت فله منعه بالسلطان إذا كان ماله حاضرا، فإن باعه بعد منع السلطان له رد
البيع وإن باعه قبل أن يمنعه السلطان نفذ بيعه اه‍. هذا مختصر من كلام المتيطية ونحوه
لابن سلمون، وزاد بعد قوله إن جاءه بالثمن في الاجل أو ما قرب منه والقرب في ذلك اليوم
ونحوه، وأصل المسألة في نوازل أصبغ من جامع البيوع.
فرع: فإن ادعى أحدهما أن هذا الطوع كان شرطا في أصل العقد وأكذبه الآخر،
فالقول قول مدعي الطوع مع يمينه ويعقد البيع. قاله ابن العطار اه‍. من معين الحكام ونقله
ابن عرفة عن ابن فتوح، ونقله ابن سلمون عمن ذكر وغيرهم والله أعلم. وانظر أول رسم من
سماع أشهب وسماع أصبغ من جامع البيوع، وانظر كتاب البيوع الفاسدة والمقدمات وقد
أشبعت الكلام على مسألة بيع الثنيا وما يتعلق بها من الفروع في التأليف الذي سميته تحرير
الكلام في مسائل الالتزام فمن أراد الشفاء في ذلك فليراجعه والله أعلم.
فرع: قال البرزلي في مسائل الضرر عن ابن رشد فيمن له دار: إن باع إحداهما
وشرط على المشتري أن لا يرفع على الحائط الفاصل بين الدارين مخافة أن يظلم
عليه داره ويمنعه من دخول الشمس عليه فيها فالتزمه، أن البيع مع عدم الفوات يخير
فيه المشترط بين إسقاطه فيصح البيع، أو الفسخ إن تمسك به أنظره في أوائل البيع،
وذكرها في مختصر المتيطية قبل باب بيع الأرض بزرعها والشجرة بثمرها والله أعلم. ص:
244

(إلا بتنجيز العتق) ش: يعني أنه يستثني من الشروط المناقضة لمقتضى العقد تنجيز العتق
فإنه جائز لحديث بريرة، وقال في المدونة: لأن البائع تعجل الشرط بما وضع من الثمن
فلم يقع فيه غرر. واحترز بالتنجيز من التدبير والعتق إلى أجل وأن تتخذ الأمة أم ولد فإن
ذلك لا يجوز. قال في البيوع الفاسدة من المدونة: للغرر بموت السيد أو الأمة قبل ذلك
ولحدوث دين يرد الدبر، فإن فاتت المشترط فيها أن تتخذ أم ولد بولد أو عتق أو فاتت
المشترط فيها العتق أو التدبير بذلك أو بغيره، فللبائع الأكثر من قيمتها يوم قبضها المبتاع
أو الثمن اه‍.
فرع: والظاهر أن اشتراط التحبيس كاشتراط تنجيز العتق، وفي رسم سن من سماع ابن
القاسم مق كتاب الجهاد ما يدل على ذلك والله أعلم. ص: (ولم يجبر إن أبهم كالمخبر
بخلاف الاشتراء على إيجاب العتق كأنها حرة بالشراء) ش: يعني أن لشرط العتق أربعة
أوجه: الأول: أن يبيعه على أنه حر بالشراء. الثاني: أن يبيعه بشرط أن يعتقه ويوجب ذلك
على نفسه ويلتزمه. الثالث: أن يبيعه على أن المشتري بالخيار بين أن يعتقه أو لا. الرابع: أن
يقع الامر مبهما والبيع صحيح في الأربعة أوجه. قاله اللخمي قال: وإنما يفترق الجواب في
صفة وقوع العقد وفي شرط النقد. ففي الوجه الأول وهو ما إذا اشتراه على أنه حر بنفس
العقد، وفي الثاني وهو ما إذا اشتراه على أن يعتقه وأوجب ذلك على نفسه يجبر على عتقه
فإن أبى عتقه الحاكم، وفي الوجه الثالث البيع جائز إلا أن يشترط النقد فلا يجوز للغرر لأنه
تارة بيع وتارة سلف وللمشتري الخيار وعدمه، فإن أعتقه تم البيع وإن أبى كان للبائع أن
يترك شرطه ويتم البيع أو يرد البيع. واختلف في الوجه الرابع هل حكمه حكم الأولين وهو
قول أشهب، أو أحكم الثالث وهو قول ابن القاسم؟ وعليه مشى المصنف.
245

تنبيه: قال اللخمي: والصدقة والهبة كالعتق، فإن باعه على أنه صدقة لفلان أو على أن
يتصدق به عليه والتزم المشتري ذلك جاز العقد دون النقد. ويختلف إذا أطلق ولم يقيده
بالتزام ولا بخيار، فقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن باع من امرأته خادما بشرط أن
تتصدق بها على ولده: ذلك جائز ولا يلزمها الصدقة بحكم، والبائع بالخيار إن هي لم
تتصدق بها إن شاء أجاز البيع على ذلك، وإن شاء رد، وعلى قول أشهب وسحنون يلزمها
ذلك من غير خيار اه‍. ص: (وصح إن حذف) ش: أي وصح البيع إن أسقط السلف
مشترطه. قال في التوضيح: وظاهر إطلاقاتهم وإطلاق المصنف يعني ابن الحاجب أنه لا فرق
بين أن يكون الاسقاط قبل فوات السلعة أو بعد فواتها، لكن ذكر المازري أن ظاهر المذهب
أنه لا يؤثر إسقاطه بعد فواتها في يد مشتريها لأن القيمة حينئذ قد وجبت عليه فلا يؤثر
الاسقاط بعده. وذكر المازري أن بعض الأشياخ قال بالصحة مع إسقاط الشرط ولو مع
الفوات، واعترضه وتركته خوف الإطالة اه‍. كلام التوضيح. وذكر في الشامل كلام المازري
وهو مراد المصنف بقوله: وفيه إن فات أكثر الثمن الخ. ص: (أو حذف شرط التدبير)
ش: يريد وكذلك شرط يناقض قال ابن عرفة عن ابن رشد: إلا إذا اشترط الخيار لأمد بعيد
فلا بد من فسخه لاحتمال أن ذلك الاسقاط إمضاء. ومسألة ثانية وهي ما إذا باع أمة على أن
لا يطأها المبتاع فإن فعل فهي حرة أو عليه كذا فيفسخ على كل حال لأن هذا يمين. ص:
(كشرط رهن وحميل) ش: قال في البيوع الفاسدة منها: وإن بعته على حميل لم تسمياه
ورهن لم تصفاه جاز وعليه الثقة ورهن وحميل، وإن سميتما الرهن أجبر على أن يدفعه إليك
246

إن امتنع وليس هذا من الرهن الذي لم يقبض. وكذلك إن تكفلت به على أن يعطيك عبده
رهنا فإن امتنع من دفعه إليك أجبر اه‍. قال اللخمي في كتاب الرهن: البيع على غير رهن
معين جائز وعلى الغريم أن يعطيك الصنف المعتاد والعادة في الخواص أن ترهن ما يغاب
عليه كالثياب والحلي، وما لا يغاب عليه كالدور وما أشبهها، وليس العادة العبيد والدواب
وليس على المرتهن قبول ذلك وإن كان مصدقا في تلفه لأن في حفظه مشقة وكلفة. وإن
أحب أن يعطي الثياب وامتنع المرتهن لأن فيه الضمان إن أحب الراهن أن يعطي دارا أو امتنع
المرتهن وأحب ما تبين تحت غلقه كان القول قول الراهن، لأن ذلك يرهن، وإنما له ما فيه
وثيقة من حق إلا أن يشترط صنفا فيؤتى له به، وإن كان الدين عينا مؤجلا كان عليه أن
يعطيه ما فيه وفاء بعدده لو حل، وإن كان سلما طعاما أو زيتا أو عروضا كان عليه أن يعطيه
ما يرى أنه يشتري به مثل ذلك السلم إذا حل في الغالب، وليس للمسلم إليه أن يعطي بقدر
رأس مال المسلم ولا للمسلم أن يقول أعطي بقدر ما يسوي المسلم على غلائه قبل الا بان
انتهى. قال ابن عرفة في البيع على شرط رهن أو حميل: ويجوز عليهما أو على أحدهما
مضمومتين فيها وإن لم يصفاه دون لم يسمياه اه‍. وما قاله من التقييد خلاف ظاهر إطلاقها
وصريح كلام اللخمي. وقال أبو الحسن الصغير إثر كلام المدونة المتقدم ظاهره أعطاه رهنا
يغاب عليه أم لا، ولا حجة للبائع أن يقول لا آخذ ما يغاب عليه خوف الضمان اه‍. وقال ابن
الحاجب في باب الرهن: ويجبر البائع وشبهه في غير معين في التوضيح تعني من باع سلعة
بثمن مؤجل على شرط أن يأخذ منه رهنا به، فإن كان الرهن المشترط غير معين وأبى
المشتري من دفعه خير البائع، وشبهه من وارث وموهوب له في فسخ البيع وإمضائه. وهكذا
قال ابن الجلاب مقتصرا عليه. والذي نقله ابن المواز عن أشهب ونقله اللخمي وابن راشد
أنه يجبر على دفع رهن يكون فيه الثقة باعتبار ذلك الدين. ابن عبد السلام: وهو المذهب
اه‍. وكأنه رحمه الله لم يقف على نص المدونة المتقدم.
تنبيه: قال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: ولا يتم إلا بالحيازة. فهم من هذا أن
الرهن لا يكون إلا مما يعرف بعينه وأن يكون معينا فلو عقد على غير معين خير البائع بين
إمضاء البيع بلا رهن أو فسخه اه‍. وهذا مخالف لنص المدونة وغيرها فتأمله والله أعلم.
247

فروع: الأول: قال في كتاب الرهون من المدونة: وإن بعت منه سلعة إلى أجل على
أن تأخذ به رهنا ثقة من حقك فلم تجد عنده رهنا فلك نقض البيع وأخذ سلعتك أو تركه
بلا رهن.
الثاني: فإن هلك هذا الرهن المضمون بعد قبضه قال ابن عرفة: ولو هلك الرهن بعد
قبضه أو مات الحميل بعد أخذه ففي لزوم بدلهما كالراحلة المضمونة تهلك بعد قبضها قولا
ابن مناس وبعض الفقهاء اه‍. وفي بعض النسخ ابن شاس وهو تصحيف. قال ابن يونس: إنما
ذكر الخلاف في ذلك عن ابن مناس وبعض الفقهاء، وقول ابن مناس هو قول سحنون أيضا
كما سيأتي في كلام اللخمي وهو ظاهر ما وقع له في سماعه من الرهون.
الثالث: قال ابن عرفة: ولو ادعى المشتري العجز عن الرهن والحميل ففي سجنه لذلك
الحميل لا للرهن أو فيهما ثالثها إن رأى أنه يقدر عليهما سجن، وإن رأى أنه عاجز لم
يسجن. لابن مناس مع ابن شبلون وابن محرز عن المذاكرين محتجين بأن تهمته في الرهن
أقوى ولتسوية المدونة فيهما واختياره اه‍. ونقل البرزلي عن ابن الحاج مثل ما لابن مناس
ونصه في أوائل مسائل البيوع.
مسألة: قال ابن الحاج: إذا باعه إلى أجل على أنه إن أعطاه حميلا سجن المشتري إن
لم يأت به للأجل بخلاف الرهن فإنه يقدر على معرفة ذمته بالسؤال ولا يقدر على معرفة من
يتحمل له ذلك اه‍. ونقله أبو الحسن في أواخر البيوع الفاسدة عن ابن يونس عن أبي
موسى بن مناس والله أعلم.
الرابع: إذا كان الرهن معينا ثم استحق فمذهب ابن القاسم أنه إن كان غره خير البائع
في إمضائه البيع أو رده وأخذ سلعته إن كانت قائمة أو قيمتها إن فاتت، سواء قبض المرتهن
الرهن أم لا؟ وسواء طاع المشتري برهن آخر أم لا. وإن كان لم يغره، فإن كان لم يقبض
الرهن فحكمه كما تقدم، وإن قبضه فلا مقال له. قاله اللخمي في كتاب الرهون وذكر فيها
أقوالا غير هذا، ونقله ابن عرفة في الكلام على البيع والشرط. قال اللخمي: والمشهور أن
الفوات هنا يكون بحوالة الأسواق والله أعلم.
الخامس: قال اللخمي وأما إن كان الرهن غير معين فأتى الراهن برهن ورضيه المرتهن
فلم يقبضه حتى استحق جبر الراهن على أن يأتي بغيره. واختلف إذا استحق بعد القبض فقال
سحنون: عليه أن يخلفه وهو كموته. وقيل: لا يخلفه والأول أصوب لأن المرتهن رهن في
الذمة فإذا أعطاه مال غيره بقي الرهن على حاله في الذمة والغرور في المضمون وغيره سواء
اه‍. يعني أن الحكم واحد سواء غر الراهن المرتهن أم لم يغره والله أعلم. ويؤخذ من قوله:
كموته أن سحنونا يقول: إذا مجت الرهن المضمون بعد قبضه يخلفه بغيره كما تقدم في
248

كلام ابن عرفة. نقله ابن مناس. فكأنه لم يقف على كلام سحنون فيرجح القول بأن عليه
بدله والله أعلم.
السادس: فإن هلك الرهن المعين بعد قبضه قال في أواخر البيوع الفاسدة: فيكون
لك سواه ولا رد البيع ولا استعجال الثمن، لأن هذا بيع قديم عقده قبل هلاك الرهن اه‍. قال
اللخمي في البيوع الفاسدة: وكذلك إن هلك قبل قبضه وبعد أن أمكنه منه، ويختلف إذا
هلك قبل أن يمكنه منه قياسا على البيع. فعلى القول إن مصيبته من البائع يكون له أن لا
يسلم سلعته إلا أن يشاء أو يتراضيا على رهن آخر، وعلى القول أن مصيبته من المشتري
سقط فقال البائع في الرهن ويكون بمنزلة ما لو قبضه اه‍. قال ابن عرفة اللخمي: وكذلك لو
هلك قبل قبضه بعد إمكانه منه. ابن محرز: ليس التمكين من قبض الرهن كقبضه بخلاف
المبيع. اللخمي: ويختلف إن هلك قبل أن يمكنه منه كالمبيع. قلت: يرد شرطية الحوز في
الرهن بخلاف المبيع اه‍. والعجب من اللخمي كيف يقيسه على المبيع، ومذهب المدونة
في المبيع أن مصيبته من المشتري بالعقد كما عزاه ابن عرفة للمدونة وهو ظاهر كلامها في
كتاب العيوب. وصرح في أواخر البيوع الفاسدة بأن الرهن إذا هلك قبل القبض كان للبائع
رده إن شاء. والعجب من ابن عرفة في عدم رده عليه بنصها ونصه: وإن بعت من رجل سلعة
على أن يرهنك عبده الغائب جاز كما لو بعتها به وتوقف السلعة الحاضرة حتى يقبض العبد
الرهن الغائب، وإن هلك في غيبته فليس للمبتاع أن يرهنك سواه ليلزمك البيع ولك رده إلا
أن تشاء، كما ليس له أن يبدل رهنك بغيره ولأنك إنما بعته على أن يسلم إليك رهنا بعينه
فهو ما لم يصل إليك لم يكن رهنا وأنت مخير إذ لو فلس صاحب العبد الرهن والعبد غائب
لم يكن لك قبضه وتكون أحق به وتكون أسوة الغرماء لأنه رهن غير مقبوض. فأما إن
هلك الرهن بعد قبضه فلا يكون لك سواه ولا رد البيع ولا استعجال الثمن، لأن هذا بيع قد
تم عقده قبل هلاك الرهن اه‍. وكلامه وتعليله يرد ما قاله ابن محرز من أن التمكين في الرهن
ليس كالتمكين في البيع والله أعلم.
السابع: لو استحق نصف الرهن بقي الباقي رهنا بالجميع. قاله ابن راشد وهو في
كتاب الرهون من المدونة وسيصرح به المصنف في باب الرهن والله أعلم.
الثامن: قال في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الايمان
بالطلاق: ولا يجوز أن يباع شئ من الحيوان والعروض التي لا يجوز تأخير قبضها على أن
تبقي في يد البائع رهنا إلى أجل، لا يجوز أن يتأخر قبضها إليه وكأنه بيع فاسد اه‍. ص:
(وإلا فالعكس) ش: يعني إذا كان السلف من البائع ففيه الأقل من القيمة أو الثمن، وينبغي
أن يقيد ذلك بما إذا لم يغب المشتري على السلف مدة يرى أنها القدر الذي أراد الانتفاع
249

بالسلف فإن ذلك كانت منه القيمة بالغة ما بلغت كما يؤخذ من كلام ابن رشد الآتي في
شرح قول المصنف في فصل العينة: وله أقل من جعل مثله أو الدرهمين ص: (فإن فات
فالقيمة) ش: هذا نحو قوله في التوضيح. ثم ذكر المصنف بعد الوقوع قولين، المشهور أن
البيع لا يفسخ والمبتاع بالخيار بين أن يتماسك بالمبيع على ثمنه في النجش أو يرد. هذا
في قيام السلعة، وأما في فواتها فعليه القيمة وكأنه أتلفها ما لم يزد على الثمن الذي رضي به
البائع وهو ثمن النجش، وينبغي أن يتهم هذا القول وما لم ينقص عن الثمن الذي كان قبل
النجش ص: (وكبيع حاضر لعمودي) ش: قال الآبي في شرح مسلم في باب تحريم نكاح
المحرم من كتاب النكاح: ليس من بيع الحاضر للبادي بيع الدلال إنما هو لاشتهار السلعة
فقط، والعقد عليها إنما هو لربها وبيع الحاضر إنما هو أن يتولى الحاضر العقد أو يقف مع
250

رب السلعة ليزهده في البيع ويعلمه أن السلعة لم تبلغ ثمنها ونحو ذلك، والدلال على
العكس لأن له رغبة في البيع، وكذلك ليس من بيع الحاضر أن يبعث البدوي سلعة ليبيعها
له الحاضر اه‍. وانظر هذا الذي ذكره مع قوله في الحديث: لا تكن له سمسارا ص:
(وهل لقروي قولان) ش: يظهر من كلام الشارح ترجيح القول بجواز ذلك ونصه: وكبيع
حاضر لباد عمودي خاصة. وقيل: وقروي. وقيل: كل وارد على محل ولو مدنيا، وقيد بمن
يجهل السعر ولو بعثه مع رسول فكذلك على الأصح اه‍. ص: (وفسخ وأدب) ش: قال في
الشامل إثر الكلام المتقدم: وفسخ إن وقع على الأظهر فيهما اه‍. أي فيما إذا باع الحاضر
للبادي وفيما إذا باع لرسوله. ثم قال إثر كلامه المذكور: فإن فات فلا شئ عليه سوى
الأدب وقيد بمن اعتاد ذلك، وقيل: يزجر فقط اه‍ ص: (وكتلقي السلع) ش: قال ابن رشد
251

في رسم حلف من سماع ابن القاسم من الضحايا: نهى رسول الله (ص) عن تلقي السلع حتى
يهبط بها إلى الأسواق، فلا يجوز للرجل أن يخرج من الحاضرة إلى الجلائب التي تساق
إليها فيشتري منها ضحايا ولا ما يؤكل ولا لتجارة انتهى. ص: (أو صاحبها كأخذها في
البلد بصفة) ش: قال في التوضيح: لو ورد خبر السلعة فاشتراها شخص على الصفة فقال
مالك: هي من التلقي. ولو كان الامر بالعكس فوصلت السلعة ولم يصل بائعها فتلقاه رجل
فاشتراها منه فقال الباجي: لم أر فيه نصا وهو عندي من التلقي اه‍. والأولى هي التي أشار
إليها المؤلف بقوله: كأخذها في البلد بصفة وأشار إلى الثانية بقوله: أو صاحبها والله
أعلم. ص: (ولا يفسخ) ش: هذا هو المشهور وقيل يفسخ.
فرع: قال في الشامل: فهل يختص بها أو يعرضه على طالبها فيشاركه فيها من شاء
منهم؟ وشهر روايتان وروي: تباع عليهم فما خسر فعليه والربح بين الجميع. وقيل: يقسم
بينهم بالحصص بالثمن الأول اه‍.
فرع: منه: قال وينهى عن ذلك فإن عاد أدب اه‍ ص: (وجاز لمن على كستة أميال
أخذ محتاج إليه) ش: قال ابن رشد إثر كلامه السابق في شرح قول المصنف وكتلقي
252

السلع: ولا يجوز لمن مرت على بابه في الحاضرة أن يشتري منها شيئا، وأما إن مرت به
على قرية على أميال من الحاضرة فيجوز له أن يشتري ما يحتاج إليه لا لتجارة لمشقة
النهوض عليه إلى الحاضرة اه‍. وقال في النوادر: ومن كتاب ابن المواز: ولا يبتاعها من مرت
به وهو على باب داره في البلد الذي جلبت إليه. ومن الواضحة: وما بلغ الحضر فلا يشتري
منها ما مر على باب داره لا لتجارة ولا لقوته إن كان لها سوق قائم، وأما ما ليس له سوق
قائم إذا دخل بيوت الحاضرة والأزقة جاز شراؤها وإن لم تبلغ السوق.
فرعان: الأول: تقدم في كلام النوادر أن السلع إذا لم يكن لها سوق. قال في
التوضيح: ولو كان في البلد نفسها فمرت به السلعة فقولان اه‍. ونقله في الشامل.
253

الثاني: تقدم في كلام النوادر أن السلع إذا لم يكن لها سوق قائم ودخلت بيوت
الحاضرة والأزقة جاز الشراء منها لمن مرت به وإن لم تبلغ السوق. وقال في الشامل: وجاز
شراؤها إن لم يكن لها سوق فيه أو رجع ربها بها منه كخروج بعض أهل البلد لشراء حوائطه
ثم يبيع هو لهم. وقيل كالتلقي وإذا وصلت السلع الساحل في السفن وهو منتهى سفرها جاز
المضي إليها والشراء منها لمشقة انتقالها ص: (وإنما ينتقل ضمان الفاسد بالقبض) ش: هذا
قول ابن القاسم، وأما الملك فقال في التوضيح: وإن قلنا: إن الضمان في المبيع بيعا فاسدا
ينتقل بالقبض فالملك لا ينتقل بذلك بل لا بد من ضميمة الفوات اه‍. وقال ابن ناجي في
شرح المدونة في كتاب الهبة عند قوله: ومن باع عبده بيعا فاسدا ثم وهبه لرجل قبل تغيره
في سوق أو بدن جازت الهبة. المازري: يؤخذ من قولها: بعد أن البيع بينكما مفسوخ أن
البيع الفاسد لا ينقل الملك وفي العتق الأول خلافه فيمن قال لعبد: إن ابتعتك فأنت حر
فاشتراه شراء فاسدا أنه يعتق عليه اه‍.
254

فرع: قال الشيخ أبو الحسن في كتاب التدليس بالعيوب في مسألة من اشترى عبدا
معينا ثم باعه ثم اشتراه: يقوم منه أن من اشترى سلعة شراء فاسدا فقبضها المشتري ثم ردها
إلى البائع علق وجه أمانة أو غير ذلك فهلكت بيد البائع، أن ضمانها من البائع وقبض
المشتري لها كلا قبض لأن المشتري يقول: كان لي أن أردها عليك وها هي في يدك اه‍.
ونقلها أيضا في كتاب الغرر في شرح من باع دابة واستثنى ركوبها وذكر أنها نزلت ووقع
الجواب فيها أن الضمان من البائع اه‍. وانظر النوادر والعتبية والله أعلم.
فرع: قال في البيوع الفاسدة: ومن اشترى أمة بيعا فاسدا فولدت عنده ثم مات الولد
فذلك فوت ليس له ردها، كانت من المرتفعات أو من الوخش لأن القيمة قد وجبت.
فرع: قال ابن سهل: والبيوع حكم الجاهل فيها حكم العامد في جميع الوجوه اه‍.
ذكره في أواخره فيما لا يعذر فيه بالجهل.
تنبيه: تقدم في النكاح في آخر شرح قول المصنف: فهو طلاق إن اختلف فيه أن
البيع المجمع على فساده لا يحتاج فسخه إلى الحاكم، واختلف في المختلف فيه على
ثلاثة أقوال: هل المعتبر في فسخه فسخ السلطان وهو قول محمد، أو تراضيهما بالفسخ
كفسخ السلطان وهو قول أشهب وظاهر كلام اللخمي في مسألة بيع الثنيا من كتاب
الآجال، حكى القولين في المقدمات وغيرها، وحكى ابن عرفة ثالثا وهو الفسخ بمجرد
إشهادهما على الفسخ ذكره في الصرف. قال القباب في شرح مسائل ابن جماعة في الكلام
على آخر مسألة من باب اقتضاء الطعام من ثمن الطعام: ونقل المازري عن بعض الأشياخ أنه
قال: على القول إنه يفتقر الفسخ إلى حكم حاكم أنه لو حكم المتبايعان بينهما رجلا فحكم
بالفسخ لحل ذلك محل حكم القاضي، وأشار إلى ذلك. الشيخ: لو حكم أحدهما صاحبه
فاجتهد فحكم بالفسخ أو اجتهدا جميعا ففسخاه لأجزأهما ذلك. وهذا الذي قاله في حكم
أحدهما أو حكمهما فيه نظر، لأن الحاكم لا يحكم لنفسه لكن لا اختلاف في تراضيهما
بالاشهاد هل يحل محل الحكم بالفسخ مشهور بين ابن القاسم وأشهب اه‍. وأما إذا غاب
أحدهما فإنه يرجع للحاكم ويفسخه. قاله في كتاب التدليس بالعيوب من المدونة. قال القباب
قبل كلامه السابق: فإن لم يجد حاكما ينظر له في ذلك إما لأنه غير مأمون أو غير معين لذلك،
فإنه يولي النظر في ذلك العدول الموضع الذي هو به، فإن لم يجد فحينئذ ينظر هو في ذلك
255

بما يخلص نفسه من تباعة الغير اه‍. والله أعلم ص: (ورد ولا غلة) ش: قال في المسائل
الملقوطة: مسألة: كل من دخل في ملك بوجه شبهة فلا يطالب بالخراج اه‍. ص: (وإن فات
مضى المختلف فيه) ش: قال الفاكهاني في شرح الحديث السادس من كتاب الأربعين
للنووي عن الأنباري: البيع الصحيح يفيت الفاسد وليس المراد أن البيع الأول يمضي على ما
هو عليه فإن ذلك لا يقوله مالك ولا أحد من أصحابه، ولكن المراد أن المبيع فات بحيث لا
يرد على البائع ويكون للبائع القيمة ولو فات البيع الأول على ما هو عليه لمضى بالثمن. وأما
إذا لم يتغير المبيع بيعا فاسدا وبقي على حاله فالانتفاع به حرام والاقدام على بيعها
لمشتريها شراء فاسدا لا يجوز، وشراؤها لمن علم بفساد عقدها وعدم تغيرها معصية، ولكن
إن وقع تم البيع وصح الملك للبائع وللمشتري اه‍ ص: (وإلا ضمن قيمته حينئذ ومثل
المثلي) ش: يريد إذا كان المثلي موجودا وإلا ففيه أيضا القيمة كالمقوم. قال في أوائل
البيوع الفاسدة: ومن اشترى ثمرا لم يؤبر فجذه قبل إزهائه فالبيع جائز إذا لم يشترط تركه
إلى إزهائه، فإن لم يجذه وتركه حتى أرطب أو تمر فجذه لم يجز البيع، وفسخ ورد قيمة
الرطب أو مكيلة التمر إن جذه تمرا اه‍. قال أبو الحسن: قال ابن يونس: قوله: ورد قيمة
الرطب يريد ولو كان قائما لرد بعينه ولو فات وإلا بأن كان قائما وعلم وزنه أو كيله لرد مثله
اه‍. فهذا دليل على أن المثلي إذا عدم كانت فيه القيمة.
256

تنبيه: ومحل رد مثله إذا لم يبع جزافا، فإن بيع جزافا ففيه القيمة. قال الجزولي
والشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة عند قولها فيها: وإن كان مما يوزن أو يكال فليرد
مثله إذا كان اشتراه على الكيل والوزن، وأما إذا اشتراه جزافا فعليه قيمته لأن المثل لا يتأتى.
هذا لفظ الجزولي. ولفظ الآخر: هذا فيما بيع على الكيل أو الوزن وما بيع على الجزاف
وفات فعليه قيمته يقوم على تحديد الصبرة أن فيها كذا وكذا فيغرم قيمة ذلك اه‍. وقال
الشيخ أبو الحسن الصغير: قوله في المدونة: أو مكيلة التمر إن جذه تمرا قال ابن يونس:
يريد إذا فات ذلك عنده أيضا وإن كان قائما رده بعينه. قال أبو محمد صالح: انظر قد قال
ابن المواز في جزاف الطعام: إنما عليه قيمته إن حال سوقه. ولم يقل إن عرف المكيلة
أدى المكيلة. ابن يونس: الذي جرى هاهنا إذا عرف المكيلة ردها وأصله بيع جزاف فلعله
يريد إنما تكون عليه قيمته إذا فاتت عليه ولم يكن يعلم كيله، وأما إن علم كيله فليرد مثله
المكيلة ولا يكون اختلاف قول ورد المكيلة أعدل. وحمل اللخمي ما في كتاب محمد
على الخلاف فتأمله في تبصرته اه‍.
تنبيه ثان: إذا وجبت القيمة في المقوم لفوته، فهل يجوز لهما أن يتراضيا على رد
المبيع بعينه مع حصول الامر الذي فوته؟ قال في الرسالة: وكل بيع فاسد فضمانه من البائع
فإن قبضه المبتاع فضمانه من المبتاع من يوم قبضه، فإن حال سوقه أو تغير في بدنه فعليه
قيمته ولا يرده. قال الجزولي: قوله: ولا يرد ظاهره وإن تراضيا. قال بعض الشيوخ: إلا أن
يتراضيا فيجوز (ق) يريد بعد معرفة القيمة وإلا كان بيعا مؤتنفا بثمن مجهول لأن القيمة قد
وجبت وهي غير معلومة فأخذ فيها هذه السلعة فهذا بيع مؤتنف فإذا علمت القيمة زالت
العلة اه‍. ونحوه في الشيخ يوسف بن عمر، ولعل الجزولي أشار بالقاف لعبد الحق في
النكت فإنه قال في أول البيوع الفاسدة من المدونة: ولا يجوز أن تباع جارية بجاريتين غير
موصوفتين ويرد ذلك، فإن فاتت الجارية عندك ببيع أو نقص سوق لزمتك قيمتها يوم القبض،
وليس لبائعها منك أخذها مع ما نقصها ولا أخذها من غير شئ تأخذه لنقصها كما ليس لك
ردها عليه مع ما نقصها ولا بعد زيادتها في سوق أو بدن إذا لم يقبلها البائع إلا أن يجتمعا
في جميع ما ذكرناه. قال الشيخ أبو الحسن الصغير: قال ابن المواز: بعد معرفتهما بالقيمة
التي لزمت المبتاع بتغييرها. قال ابن بشير: وفي هذا الأصل قولان، المشهور ما قاله محمد،
والشاذ إن دفع ذلك يصح وإن لم تعلم القيمة لأن الغرض ها هنا إسقاط التنازع. ابن يونس:
قال بعض شيوخنا: إنما يصح هذا إذا كانت الجارية وخشا لا تتواضع، وأما التي تتواضع فلا
يجوز تراضيهما بما وصفنا لأن القيمة دين على المشتري أخذ البائع فيها جارية بمواضعة
فهو فسخ الدين في الدين اه‍.
257

فروع: الأول: إذا فات المبيع بيعا فاسدا ووجب رد القيمة فإن يقاصه بها من الثمن.
نص عليه الجزولي في شرح الارشاد.
الثاني: أجرة المقومين في البيع الفاسد على المتبايعين جميعا. قاله ابن يونس عن بعض
القرويين ونقله الشيخ أبو الحسن في أوائل البيوع الفاسدة. وقال البرزلي: سئل اللخمي عن
القيمة إذا وجبت في بيع فاسد أو استحقاق أو شبهة على من أجرة المقومين؟ فأجاب: هي
على البائع الآخذ للقيمة لأنه طالب للثمن ولا يردونه فعليه تقريره.
قلت: ظاهر المدونة أنه عليهما لقوله إنهما دخلا على الفساد اه‍.
الثالث: إنما يضمن المثلي في المحل الذي قبضه فيه لأن المصنف يقول: إن مما
يفيت المثلي نقله البلد آخر بكلفة. وقال في النوادر في ترجمة البيع الفاسد: ومن كتاب ابن
المواز: وإن ابتاع طعاما جزافا بيعا فاسدا فإن حوالة الأسواق تفيته وغير ذلك من أوجه
الفوات، ولو بيع على كيل أو وزن لم يفته شئ وليرد مثله بموضع قبضه اه‍. والله أعلم
ص: (بتغيير سوق غير مثلي) ش: تصوره واضح. ومسألة الحلي إذا اشترى فاسدا قال فيها
في النوادر في ترجمة البيع الفاسد من كتاب ابن المواز: ومن ابتاع حليا بيعا فاسدا فإن كان
جزافا فإن حوالة الأسواق تفيته ويرد قيمته، وإن كان على الوزن لم يفت بحوالة سوق وليرده
أو مثله، وإن كان سيفا محلى فضته الأكثر فلا تفيته حوالة الأسواق ويفيته البيع والتلف أو
قلع فضته فيرد قيمته. قال محمد: وليس بالقياس اه‍. وقال سند في الطراز في باب بيع
الشئ المحلى: لما تكلم على مسألة من اشترى سيفا محلى نصله تبع لفضته بدنانير ثم
افترقا قبل نقد الدنانير وقبل قبض السيف ثم باعه وأن البيع الثاني جائز، وللبائع الأول على
الثاني قيمة السيف وكذلك الذهب يوم قبضه.
258

فرع: إذا قلنا: يفيته البيع الصحيح، فهل يفيته حوالة السوق؟ يختلف فيه أصل ابن
القاسم. قال في الكتاب: يرد ولا أجعله مثل البيع الفاسد لأن الفضة ليس فيها تغير الأسواق
وإنما هي ما لم يخرج من يده بمنزلة الدراهم فله أن يردها. وقال محمد: حوالة الأسواق فيه
فوت. وذكر ابن القاسم أنه قال في الحلي يباع جزافا بيعا فاسدا: إن حوالة الأسواق فيه
فوت، وهذا اختلاف قول منه، فمرة رأى أن الصرف لا يفيته حوالة الأسواق كما في الدنانير
والدراهم، ومرة رأى أن الدنانير والدراهم أثمان لا تكاد تختلف أسواقها وإن اختلفت رجعت
بخلاف ما تدخله الصنعة من الحلي والحلية وتختلف قيمته باختلاف صنعته اه‍. ص:
(وبطول زمان حيوان) ش: تصوره واضح وسكت عن غير الحيوان. وقال في الشامل:
واختلف في فوت العقار بالطول ففيها يفوت به وفيها ليس السنتان والثلاث فوتا. أصبغ: إلا
كعشرين سنة. وحمل على الوفاق ولا يفيت عرض بطول إن لم يتغير بذات أو سوق على
الأصح اه‍. ونحوه في التوضيح ص: (وبالوطئ) ش: قال أبو الحسن عن ابن المواز: لأن
259

فيها المواضعة ولا تمضي مدة المواضعة إلا وقد تغيرت اه‍. وقال في الشامل: وطئ الأمة
فوت لا غيبة عليها. فإن قال: وطئتها صدق، وفي الوخش إن أنكر صدق مطلقا كالرائعة إن
صدقه البائع واستبرأها وإن كذبه لم ترد اه‍ ص: (واستبرأها) ش: يعني إذا ردت إلى البائع
فلا بد من وقفها للاستبراء وانظر التوضيح. ص: (وبتغير ذات غير مثلي) ش: قيد تغير الذات
بغير المثلي جريا على ما نقل في التوضيح فإنه قال في قول ابن الحاجب: والفوات بتغير
الذات ظاهر كلامه يقتضي إن تغير الذات يفيت المثلي وقاله ابن شاس. والذي في اللخمي
وابن شاس لأن معنى فوات المثلي أنه يجب الاتيان بمثله وهم قد صرحوا به هنا وإلا
فيشكل على قوله أولا فإن فات مضى المختلف وإلا ضمن قيمته ومثل المثلي اه‍. فتأمله
والله أعلم ص: (وخروج عن يد) ش: يعني أن البيع الفاسد يفوت بخروج المبيع من يد
المشتري. وشمل ذلك البيع الصحيح والهبة والصدقة والتحبيس. وهذا فيما حبسه الانسان
على نفسه، وأما إذا أوصى الميت بشراء دار أو بستان فاشترى الوصي ذلك وحبسه فالذي
يظهر على ما يأتي في الرد بالعيب أنه يفسخ البيع فتأمله.
فرع: إذا باعه مشتريه لبائعه، فهل ذلك فوت كما لو اشتراها أجنبي أم لا؟ ذكر الفقيه
راشد في كتاب الحلال والحرام فيه قولين لأبي إسحاق وابن رشد. أنظره في أوائله.
فرع: قال في كتاب التدليس بالعيوب من المدونة: وإن اتخذها أم ولد في البيع
الفاسد أو باعها كلها أو نصفها أو حال سوقها فقط فذلك فوت في جميعها. أبو الحسن:
قوله: أو باع نصفها معناه في غير المكيل والموزون. عياض: وذلك لضرر الشركة في
غيرها مما لا ينقسم لأن النصف في مثل هذا قليل. ونقله ابن محرز. وقوله: وذلك فوت
في جميعها هذا راجع لقوله: أو باع نصفها انتهى.
فرع: قال في كتاب الشفعة من المدونة: ولا تجوز التولية في البيع الفاسد وترد
انتهى. قال أبو الحسن: لأنه يتنزل منزلة المولى انتهى. والشركة حكمها حكم التولية لأنها
تولية لبعض السلعة. وانظر الحكم في الإقالة ص: (كرهنه) ش: قال في كتاب التدليس
260

بالعيوب من المدونة: إلا أن يقدر على افتكاكها من الرهن لملئه انتهى. ص: (وإجارته) ش:
قال في المدونة أيضا في الكتاب المذكور: إلا أن يقدر على فسخ الإجارة مياومة انتهى.
فرع: قال في النوادر في ترجمة البيع الفاسد وعهدة ما فات منه ما نصه: قال ابن
القاسم: ومكتري الدار كراء فاسدا إن أكراها من غيره مكانه كراء صحيحا فذلك فوت وعليه
كراء مثلها. وقال في كتاب الشفعة من المدونة: ومن أعمر عمري على عوض لم يجز ورد
ولا شفعة فيه لأنه كراء فاسد ويرد المعمر الدار، وإن استغلها رد غلتها وعليه إجارة ما سكن
لأن ضمانها من ربها ويأخذ عوضه اه‍. قال أبو الحسن: هذا خلاف أصله في الكراء الفاسد
أن الغلة للمكتري وعليه كراء المثل. ابن يونس: قال ابن المواز: والصواب أن يكون له الغلة
وعليه كراء مثلها في السنين التي سكنها ويفسخ ما بقي من عمرة لأنه كراء إلى أجل
مجهول. قال عبد الحق: قوله: يرد غلتها أي يرد كراء مثل الدار، فأما ما أخذ من غلة فهي
له، وليس ما قال ابن المواز خلافا للمدونة بل الامر على ما وصفنا. الشيخ: وظاهر قول ابن
المواز أنه خلاف اه‍. ونقل ابن عرفة كلام المدونة في مسألة العمرى ثم قال بعده: ولم
261

يجعل صحيح عقد كرائها الفاسد لما كان العقد فيما لم يضمنه مشتريه اه‍. وذكره ابن عرفة
في البيع الفاسد إذا ابتاع بعد بيعا صحيحا والله أعلم ص: (وفي بيعة قبل قبضه مطلقا
تأويلان) ش: قوله: مطلقا يعني سواء كان عرضا أو حيوانا أو عقارا أو مثليا، وسواء باعه
مشتريه قبل قبضه أو باعه بائعه وهو في يد مشتريه قبل أن يقبضه يرده إليه ولم يحصل فيه
مفوت. قال في التوضيح عن الجواهر: فلو باع ما اشتراه شراء فاسدا قبل قبضه فقدر رأى
المتأخرون في نفوذ البيع له وهو في يد بائعه قولين، وكذلك عكسه وهو أن يبيع ما باعه بيعا
فاسدا بعد قبض ما اشتراه الشراء الفاسد، وجعلوا سبب الخلاف كون البيع الفاسد نقل شبهة
الملك أم لا اه‍. ثم قال: وقد حكى ابن بشير هذا الخلاف أيضا. اه‍ كلام التوضيح. ونص
كلام ابن بشير: وإن كان الفوات بأن أحدث المشتري فيه حدثا من عتق أو عطاء أو بيع،
فإن كان في يد البائع فهل يمضي فعل المشتري ويكون فوتا؟ قولان. وهما على الخلاف
262

في البيع الفاسد هل ينقل شبهة الملك أم لا؟ ولو كان الامر بالعكس فأحدث البائع فيه عقدا
وهو في يد المشتري ففي مضيه قولان، وهما على الخلاف في نقل شبهة الملك فلا يمضي
أو عدم النقل فيمضي اه‍. وقال في الشامل: في فوته ببيع صحيح قبل قبضه قولان. ثم قال:
ولو باعه بائعه ثانية قبل إقباضه فالقولان اه‍. وهذا الذي ذكر فيما إذا باعه بائعه مرة ثانية قبل
إقباضه لم أقف عليه لغيره، بل ظاهر كلامهم أنه ماض ولا خلاف فيه، وإنما الخلاف فيما
إذا باعه بائعه مرة ثانية وهو في يد مشتريه قبل أن يقبضه من المشتري يرده إليه كما تقدم في
كلام صاحب الجواهر الذي نقله عنه في التوضيح وفي كلام ابن بشير. وقال القاضي عياض
في التنبيهات بعد أن ذكر القولين فيما إذا باعها مشتريها قبل قبضها. قال ابن محرز وغيره:
ولم يختلفوا أنه إذا لم يقبض المبيع ولا مكنه منه أنه في ضمان بائعه. واختلفوا إذا أمكنه منه
ولم يقبضه وانتقد ثمنه، فعند ابن القاسم لا يضمنه المبتاع أبدا إلا بالقبض. وقال أشهب:
ضمانه من مشتريه وإن لم يقبضه إذا مكنه من قبضه أو كان قد نقد ثمنه اه‍. وقال ابن بشير
إثر كلامه السابق: وإذا حكم بأن البيع الفاسد ينقض ما لم يفت فلا يخلو فواته من أن يكون
في يد بائعه أو في يد مشتري، فإن كان في يد بائعه فاته منه إلا أن يمكن المشتري من
القبض ثم يتركه بعد التمكين، فإن مكنه فههنا قولان: أحدهما أنه من البائع كالقسم الأول،
والثاني أنه بمنزلة ما لو قبضه المشتري، وسبب الخلاف في هذه ما قدمناه من تبديل النية مع
بقاء اليد لأنه إذا مكنه ثم تركه فهو كالوديعة عنده، وإن كان الفوات في يد المشتري فهو
منه وتمضي بالقيمة. وإن كان الفوات بإحداث المشتري وذكر بقية كلامه السابق وقد يقال:
إن مراد صاحب الشامل الصورة المختلف فيها وهي ما إذا باعه بائعه مرة ثانية قبل إقباضه
وبعد تمكين المشتري منه فتأمله والله أعلم. والقول بأن ضمانه من البائع إذا أمكن المشتري
منه ولم يقبضه هو قول ابن القاسم الذي مشى عليه المصنف حيث قال: وإنما ينتقل ضمان
الفاسد بالقبض. والظاهر من القولين فيما إذا باعه مشتريه قبل قبضه الامضاء قياسا على العتق
والتدبير والصدقة كما سيأتي في كلام ابن يونس وأبي إسحاق التونسي. قال في المدونة في
كتاب التدليس بالعيوب: وكل جيع فاسد فضمان ما يحدث بالسلعة في سوق أو بدن من
البائع حتى يقبضها المبتاع، وإن كانت جارية فأعتقها المبتاع قبل أن يقبضها أو كاتبها أو
دبرها أو تصدق بها فذلك فوت إن كان له مال اه‍. قال ابن يونس: وأما إن حدث بها عيب
أو تغير سوق أو بدن أو موت وذلك قبل القبض فذلك من البائع بخلاف العتق وما معه فإنه
أحدثه المبتاع فضمن بما أحدث إذا كان يقدر على ثمنها. واختلف إن باعها قبل أن يقبضها
فحكى عن ابن أبي زيد أنه ليس بفوت بخلاف العتق لأنه له حرمة. وحكى عن أبي بكر بن
عبد الرحمن أن البيع فوت وإن لم يقبضها المبتاع كالصدقة. ابن يونس: وهذا أشبه بظاهر
الكتاب لأنه أمر أحدثه المبتاع ولان الصدقة تفتقر للقبض والبيع يفتقر للقبض، وإذا كانت
263

في الصدقة فوتا فهي في البيع أحرى أن يكون فوتا انتهى. ونقله أبو الحسن وقال بعده ما
نصه. عياض: ولم يختلفوا في الهبة والصدقة انتهى. ولم أقف على هذا في التنبيهات وسيأتي
في التنبيه الثالث ذكر الخلاف في عتق البائع والمشتري والله أعلم. وقال أبو إسحاق التونسي
فيما إذا باع المشتري ما اشتراه فاسدا قبل قبضه: لم يجزه ابن القاسم لما كان ضمانه من
البائع ولم يجعله معه فوتا. قاله مالك فيمن اشترى ثمرة قبل أن يبدو صلاحها فباعها بعد أن
بدا صلاحها أنه يرد عدد المكيلة تمرا إن جذها الثاني وقيل: عليه قيمتها يوم باعها وهذا هو
الأشبه لأن بيعه لها أوجب أن يتعلق بها حق من اشتراها اشتراء صحيحا فذلك كالعتق. وقال
في المدونة: إذا وهبها وقد اشتراها فاسدا: إن ذلك فوت فإذا وجب أن تكون الهبة فوتا
فأحرى أن يكون البيع فوتا لأن البيع آكد من الهبة. ألا ترى أنه لو مات الواهب ههنا وهو
المشتري شراء فاسدا قبل أن يقبضها الموهوب لوجب أن تبطل ولم يكن البائع حائزا
للموهوب اه‍. ففي كلام ابن يونس المتقدم وكلام أبي إسحاق هذا أن البيع أوكد من الهبة
والصدقة وفيه ترجيح القول بنفوذ البيع وكونه فوتا. وفي كلام أبي إسحاق وأن القيمة يوم
باعها المشتري غير أن ما عزاه لابن القاسم ومالك إنما أخذه من المسألة التي ذكرها، وقد
تأولها غيره على أن قوله: عليه مكيلها أي إذا علم كيلها، وقوله: عليه قيمتها إذا جهلت
المكيلة وليس باختلاف قول، وإنما هو اختلاف حال كما سيأتي كلام القاضي عياض فإنه
ذكر القولين وعزا القول بأن البيع غير مفيت لفضل وابن الكاتب وغيرهما من المشايخ، وعزا
القول بأنه مفيت لابن محرز وغيره، وذكر أن ابن محرز احتج عليهم بأنه مفيت بقولهم: في
الصدقة والعتق والتدبير أنهم مفوتون، وأن فضلا قد قال: إن الصدقة كالبيع على مذهبه
وتأويله، وذكر أن القول بأنه غير مفيت أخذ من ظاهر المدونة وأن ذلك الظاهر تؤول وذكر
تأويله. ونص كلامه: قوله يعني في المدونة في مشتري السلعة الغائبة بجارية بشرط النقد: لو
نقد البيع وكان عليه قيمتها يوم قبضها وجاز البيع لمن باعها إذا كان الأول قبضها ظاهر
هذا أنه إنما يجوز البيع إذا قبضها، ولو كان بيعه لها قبل القبض لم يجز بيعها. وإلى هذا
ذهب فضل وابن الكاتب وغيرهما من المشايخ وأنه تأويل ما في الكتاب. قال فضل: وأما لو
كانت موقفة لم تقبض حتى ينظر أمر الغائبة لم يتم للمشتري فيها بيع. واحتج ابن الكاتب
بأنه باع ما ضمانه من غيره. وذهب ابن محرز في آخرين إلى جواز البيع وإفاتة البيع الفاسد
الصحيح، وتأولوا أن قوله في المكاتبة: إذا قبضها عائد على التقويم أي إنما تقوم يوم
قبضها أي إذا كان قبضها، وإن لم يكن قبضها فيوم عقد البيع، واحتج بقول هؤلاء في
الصدقة بأنها تفيته كالعتق والتدبير. وقد قال فضل: إن الصدقة كالبيع. وقد احتجت كل فرقة
منها باختلاف قوله في كتاب محمد فيمن ابتاع ثمرة قبل أن يبدو صلاحها ثم باعها بعد بدو
صلاحها، فقال: مرة عليه مكيلتها وهذا على القول أنه غير مفيت، وقد يقال: إن اختلاف
264

قوله هنا لاختلاف الحال، فإذا عرف المكيلة لزمه مثله، وإذا جهل فالقيمة على أصله
المعلوم ولا يكون البيع على الوجهين فوتا انتهى. فحاصل كلامهم ترجيح القول بنفوذ البيع
وأنه مفوت، وكذلك الظاهر من القولين اللذين في العكس وهو ما إذا باعه بائعه وهو في يد
مشتريه قبل أن يقبضه يرده إليه ولا مضاء. قال في كتاب الهبة من المدونة: ومن باع عبدا
بيعا فاسدا ثم وهبه لرجل قبل تغيره في سوق أو بدن جازت الهبة إن قام بها الموهوب ويرد
البائع الثمن، ولو مات الواهب قبل تغير سوقه وقبل قبض الموهوب إياه بطلت هبته بعد تغير
سوقه لم تجز الهبة لأنه لزم المبتاع القيمة، وكذلك إن أعتقه قبل تغيره في سوق أو بدن جاز
عتقه إذا رد الثمن لأن البيع بينهما مفسوخ ما لم يفت العبد اه‍. فأجاز تصرفه بالهبة وذلك
شامل لهبة الثواب وهي بيع من البيوع بل البيع أحرى من الهبة كما تقدم في كلام ابن يونس
وكلام أبي إسحاق، وكذلك ينفذ تصرفه بالصدقة والحبس ولا شك في أحرويتهما على
الهبة، وللخمي تفصيل في مسألة المدونة المذكورة فراجعه في كتاب الهبة والصدقة. وقال
ابن ناجي في شرح المدونة: ظاهر قوله في كتاب جازت هبته إن قام بها سواء تغير حين
القيام أم لا، وإليه رجع أبو محمد بن أبي زيد لأن الهبة وقعت في وقت كان للبائع فسخ
البيع. وقال: القياس إن تغير حين القيام فهو للمشتري وقاله أبو محمد أولا وكلاهما حكاه
عبد الحق في النكت. وقال اللخمي: إن كان بيعها مجمعا على تحريمه فهي للموهوب لأن
البيع لم ينقل الملك وإنما نقل الضمان على أحد القولين اه‍.
تنبيهات: الأول: تقدم في كلام القاضي عياض في التنبيهات عن القائلين بأن البيع
مفوت أن القيمة تعتبر فيه يوم عقد البيع. قال في التنبيهات أيضا: وانظر بيع الصحيح أو
الفاسد والأظهر الصحيح اه‍. وما ذكر أنه الصحيح هو الذي اقتصر عليه أبو إسحاق التونسي
في كلامه المتقدم حيث قال: إن القيمة يوم باعها المشتري.
الثاني: تقدم في كلام المدونة فيما إذا أعتق المشتري قبل أن يقبض أو كاتب أو دبر
أو تصدق أن ذلك فوت إن كان له مال. وتقدم في كلام ابن يونس أيضا أن ذلك فوت إذا
كان يقدر على الثمن. ومفهومه أنه إذا لم يكن له مال لم يجز عتقه وهو كذلك. وصرح
بذلك في المدونة في كتاب التدليس بالعيوب أيضا ونصه: ومن ابتاع عبدا بيعا فاسدا فلم
يقبضه حتى أعتقه المبتاع ولزمه العتق ويصير ذلك قبضا ويغرم القيمة إن كان له مال، وإن لم
يكن له مال لم يجز عتقه اه‍. قال أبو الحسن: قال ابن يونس: يريد ويرد إلى بائعه لانتقاض
البيع كما لو كاتبه فعجز أنه يرد إلى بائعه. وعند أشهب: قد أفاته بالعتق ويباع عليه في عدمه
في القيمة اه‍. زاد ابن يونس إثره قال بعض القرويين.
الثالث: قال في المدونة: ولو كان البيع فاسدا جاز عتق البائع فيها ولم يكن للمبتاع
265

معه عتق إلا أن يعتق المبتاع قبل البائع فيكون قد أتلفها. قال الشيخ أبو الحسن: ظاهره
كانت في يد البائع أو في يد المشتري. قال ابن يونس: أعرف أن من أعتق من المتبايعين في
البيع الفاسد عتقه ماض كان العبد بيده أو بيد صاحبه، فإن أعتقا جميعا كان العتق للأول،
فإن جهل قال أصحابنا: ينبغي أن يمضي عتق من كان بيده. الشيخ: هذا ضابط مذهب ابن
القاسم، وسحنون لا يجيز فيه عتق المبتاع قبل قبضه لأنه غير منعقد وضمانه من بائعه. وقال
أشهب: عند محمد: لا عتق للبائع بعد قبض المشتري اه‍.
الرابع: لو أجر المبيع بيعا فاسدا أو رهنه قبل قبضه فالظاهر نفوذ ذلك إن كان المبيع
بيد البائع ولا إشكال فيه، وإن كان بيد المشتري ولم يقبضه منه برده إليه أن يدخل فيه
الخلاف وقول ابن بشير: أحدث فيه عقدا شامل لذلك والله أعلم.
الخامس: فهم من قول المصنف: قبل قبضه أنه لو باعه بعد قبضه لكان فوتا كما
تقدم في قوله: وخروج عن يد لكان محل. هذا ما إذا كان البيع صحيحا، وأما إذا كان
فاسدا فلا يفيت. ونقله الشارح تبعا للتوضيح عن اللخمي وهو مذكور في كتاب الشفعة من
المدونة والله أعلم ص: (لا إن قصد بالبيع الإفاتة) ش: هذا الذي ذكره ابن محرز وصاحب
التنبيهات ونقله عنه في التوضيح. ونقل اللخمي أنه يفوت بالبيع وإن " قصد به الافاتة، وجعله
المذهب. ونقل قولا بالفرق بين أن يبيعه قبل قيامه عليه يريد فسخ البيع فيفوت، وبين أن
يبيعه بعد قيام البائع عليه يريد فسخ البيع فلا يفوت بذلك، وقاله في آخر سماع عيسى من
جامع البيوع، ونقله ابن رشد. هكذا حصل ابن عرفة هذه الأقوال. واعترض ابن ناجي على
القاضي عياض في حكايته الاتفاق على أنه إذا علم بالفساد وباع قصدا للتفويت أن بيعه غير
ماض ونص عند قول المدونة في كتاب الصرف: وأما إن قبض المبتاع السيف وفارق البائع
266

قبل أن ينقده ثم باع السيف فبيعه جائز. زاد في الام بعد قوله: وباع السيف ثم علم قبح
فعله. ابن محرز: أنكر سحنون قوله: جاز بيعه ورآه ربا. وقوله في السؤال: ثم علم قبح
ذلك فيه إيهام أن البيع الصحيح إنما يفيت البيع الفاسد إن لم يقصد المشتري تفويته ولا
يفوت لقصده ذلك وهو وجه صحيح. وقال عياض في كتاب البيوع الفاسدة: لا يختلفون أنه
لو علم بالفساد ثم باع قصد التفويت أن بيعه غير ماض، وما ذكره قصور منه لقول اللخمي:
إن قصد المشتري بالبيع والهبة التفويت للبيع قبل أن يقوم عليه البائع كان فوتا، واختلف إن
فعل ذلك بعد قيام البائع عليه ليرد البيع انتهى. وذكر في السماع المذكور أن حكم الهبة
والصدقة حكم البيع يفرق فيهما كما يفرق بين البيع، وكذلك جعل اللخمي حكم الهبة
حكم البيع كما تقدم في كلامه الذي نقله عنه ابن ناجي، فمقتضى ذلك أنه إذا قصد بالهبة
والصدقة الافاتة لا تفوت على القول الذي مشى عليه المصنف، وإن لم يقم عليه البائع والله
أعلم وكلام اللخمي في البيوع الفاسدة من التبصرة فانظره.
فصل
ص: (ومنع للتهمة ما كثر قصده) ش: لما فرغ رحمه الله من ذكر البيوع التي نص
267

الشرع على المنع منها، عقبها ببيوع ظاهرها الجواز ويتوصل بها إلى ممنوع، فمنعها أهل
المذهب وأجازها غيرهم ويسميها أهل المذهب ببيوع الآجال. قال في التوضيح: وهل كل
من لفظتي البيوع والآجال باق على دلالته أو سلبت دلالة كل واحد وصار المجموع اسما
لما ذكر فيه احتمالين؟ والثاني أظهر انتهى. واعلم أنه إذا أريد بهما مسائل وهي ما تكرر
فيه البيع من البائعين مرة ثانية فالاحتمال الثاني متعين ولذا قال ابن الحاجب: لقب الخ. كما
سيأتي. وإن أريد البيع الذي فيه تأجيل فلا شك في بقاء كل لفظة على معناها. قال ابن
عرفة: بيوع الآجال يطلق مضافا، ولقب الأول ما أجل ثمنه العين وما أجل ثمنه غيرها سلم
في سلمها الأول يجوز سلم الطعام في الفلوس. وربما أطلق على ما أجل ثمنه العين أنه سلم
بمجاز التغليب في سلمها الأول من أسلم ثوبا في عشرة أرادب من حنطة إلى شهر وعشرة
دراهم لشهر آخر فلا بأس به ولو اختلف أجلهما. وربما أطلق على ما أجل ثمنه غير الفاسد
العين أنه بيع في الغرر الأول منها لا بأس ببيع سلعة غائبة بعينها بسلعة إلى أجل أو بدنانير
إلى أجل اه‍. وقوله: وما أجل ثمنه غيرها سلم إلى آخره جعل المتقدم هو الثمن سواء كان
العين أو غيرها. وبعضهم يقول: وما أجل ثمنه فهو سلم. والكل قريب لأنه يطلق على كل
268

واحد أنه ثمن وأنه مثمن كما أنه يطلق على كل واحد من العاقدين أنه بائع ومشتر، وسيأتي
في باب الخيار عند قول المصنف: وبرئ المشتري للتنازع شئ من هذا المعنى.
وقال أبو الحسن عياض: بيوع الآجال في عرف الفقهاء ما أجل ثمنه، ولو كان
المثمون مؤجلا والثمن نقدا كالسلم لم يطلقوا عليه هذا الاسم وإن كان حكمه حكم الأول
في القضايا الفقهية اه‍. وقوله: لم يطلقوا يريد في الغالب لما تقدم. وما ذكره المؤلف
في أجل السلم يأتي مثله في البيع إلى أجل فكأنه اكتفى بذلك عن ذكره هنا، وقد نبه عليه ابن
عرفة وعلى مسائل تتعلق بالبيع إلى أجل يذكر منها ما تيسر قال: وشرطه كالنقد مع تعين
الاجل نصا، فمجهول الاجل فاسد ومعروفه بالشخص واضح وبالعرف كاف. ثم قال الشيخ:
روى محمد: لا بأس ببيع أهل الأسواق على التقاضي وقد عرفوا ذلك بينهم. ثم قال: وبعيد
الاجل ممنوع وغيره جائز في شراء الغائب منها يجوز شراء سلعة إلى عشر سنين أو عشرين.
وسمع أصبغ جوازه. ابن القاسم عمن يبيع سلعة بثمن إلى ثلاثين سنة أو عشرين قال: أما إلى
ثلاثين فلا أدري ولكن إلى عشرة وما أشبهه وأكره إلى عشرين ولا أفسخه، ولو كان سبعين
لفسخته. أصبغ: لا بأس به ابتداء إلى عشرين. وقال لي: إن وقع به النكاح إلى ثلاثين لم
أفسخه وكذا البيع عندي. قال ابن عرفة: وكذا وجدته في العتبية إلى سبعين التي نصفها
خمسة وثلاثون. ولابن زرقون عن الباجي عن ابن القاسم إلى ستين فسخته. انتهى كلام ابن
عرفة. ومسألة المدونة في كتاب بيع الغرر ونصها: ويجوز شراء سلعة إلى عشر سنين أو
عشرين وإجازة العبد عشر سنين اه‍.
قال الشيخ أبو الحسن: انظر هل أراد أن الثمن مؤجل إلى عشر سنين وأن السلعة
منقودة وهو الذي يدل عليه القرآن وهو قوله وإجازة العبد عشر سنين، ويحتمل أن يريد أن
المؤجل إلى هذا الاجل السلعة وأنها تقبض إلى عشر سنين فيجوز هذا بشرط السلم وكلاهما
جائز اه‍. ويعني بذلك إذا كانت السلعة مضمونة في الذمة على شروط السلم. وأما إن كانت
معينة فلا يجوز تأخيرها أكثر من ثلاثة أيام. وقال المشذالي: وقوله: إلى عشرين صفة
لمحذوف أي بثمن مؤجل إلى عشرين وعليه قدره ابن رشد في سماع أصبغ اه‍. ونص ما
في سماع أصبغ في رسم البيوع الثاني من جامع البيوع: اتفق مالك وأصحابه فيما علمت
اتفاقا محملا في النكاح يقع بمهر مؤجل إلى أجل بعيد أنه لا يجوز ويفسخ إذا وقع، واختلف
في حده على أربعة أقوال:
أحدها: أنه يفسخ فيما فوق العشرين وهو قول ابن وهب وقد كان ابن القاسم جامعه
على ذلك ثم رجع عنه.
والثاني: أنه لا يفسخ إلا فيما فوق الأربعين وإليه رجع ابن القاسم حكاه ابن حبيب.
269

والثالث: لا يفسخ إلا في الخمسين والستين.
والرابع: لا يفسخ إلا في السبعين والثمانين وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية
واختلف في العشرين فما دونها على خمسة أقوال.
أحدها: أنه يكره في القليل والكثير وهو قول مالك في المدونة.
والثاني: يجوز في السنة ويكره فيما جاوز ذلك.
والثالث: يكره فيما جاوز الأربع.
والرابع: يجوز في العشر ونحوها ويكره فيما جاوزها.
والخامس: يجوز في العشرين ثم قال: ومساواة ابن القاسم بين البيع والنكاح فيما
يكره فيهما من الاجل ابتداء وفيما لا يجوز ويفسخ به البيع والنكاح هو القياس اه‍. وقال
الشيخ أبو الحسن إثر كلامه المتقدم: قال ابن يونس: قال في كتاب ابن المواز: ويكره البيع
إلى أجل بعيد مثل عشرين سنة فما فوقها. قيل: أتفسخه؟ قال: لا ولكن مثل ثمانين سنة أو
سبعين سنة يفسخ به البيع. ثم قال أبو الحسن: وظاهر الكتاب في قوله: عشرين وإن كان
البائع من أبناء الستين أو السبعين قالوا: معناه إذا كان البائع من أبناء أربعين سنة فأقل، ولو
كان من أبناء ستين سنة لم يجز أن يبيع إلى عشرين لأنه لا ينتفع بالثمن اه‍. قال المشذالي
إثر كلامه المتقدم: صرح ابن رشد في سماع أصبغ باعتبار صغر البائع وكبره عن التونسي
فيما قيده هنا المغربي. وضابطه أن يبيع إلى أجل يعيش إليه غالبا ولو كان من أبناء مائة أو
ستين أن يشتري إلى عشرين أو ثلاثين لأنه كالأجل إلى الموت. وانظر هل تدخل السنة
الأخيرة أم لا بالخلاف فيمن قال إلى رمضان وانظر بقيته. وذكر ابن رشد عن التونسي أنهم
عللوا البيع إلى الاجل البعيد بالغرر كحلوله بموته والله أعلم. فتحصل من هذا جوازه إلى
العشرة وما أشبهها، وفي جوازه إلى العشرين وكراهته دون فسخ قولها مع اختيار أصبغ وقول
ابن القاسم ويفسخ إلى السبعين والستين، وفي الثلاثين توقف ابن القاسم وقياس أصبغ على
الصداق وعدم الفسخ والله أعلم. ثم قال ابن عرفة: وفيها بيع سلعة بثمن عين إلى أجل شرط
قبضه ببلد لغو، ولذا إن لم يذكر الاجل معه فسد البيع عياض اتفاقا. اللخمي: إن قال: أشتري
بالعين لأقضي بموضع كذا لأن لي به مالا وإنما معي هنا ما أتوصل به وليس عندي ما أقضي
به هنا إلا داري أو ربعي ولا أحب بيعه، لم يجبر على القضاء إلا بالموضع الذي سمى
ويجوز البيع وإن لم يضربا أجلا كمن باع على دنانير بأعيانها بمائة. وإن اشترط البائع القبض
ببلد معين لاحتياجه فيه لوجه كذا فجعلها المشتري لغيره لم يلزم البائع قبولها لخوفه في
وصولها إلى هناك وقد شرط أمرا جائزا فيوفى له به اه‍. وقبله ابن عرفة كأنه المذهب وهو
ظاهر فيقيد به قول المصنف في العرض كأخذه بغير محله إلا العين.
270

فرع: من باع سلعة بعينها ولم يذكر حالا ولا مؤجلا فإنه على الحلول. نقله أبو
الحسن الصغير عن القاضي عياض في آخر البيوع الفاسدة في أثناء كلامه على هلاك الرهن
قبل قبضه والله أعلم. ثم قال ابن عرفة: والثاني لقب لمتكرر بيع عاقدي الأول ولو بغير عين
قبل اقتضائه اه‍. وبدأ المصنف رحمه الله بذكر موجب فساد هذه البيوع بطريق إجمالي
فقال: ومنع للتهمة ما كثر قصده أي ومنع كل بيع جائز في الظاهر يؤدي إلى ممنوع في
الباطن للتهمة أن يكون المتبايعان قصدا بالجائز في الظاهر التوصل إلى الممنوع في الباطن،
وليس ذلك في كل ما أدى إلى ممنوع بل إنما يمنع ما أدى إلى ما كثر قصده للناس. وفي
بعض النسخ: قصدا فيكون الفاعل ضميرا مستترا في كثر عائد إلى ما وقصد تمييز
محول عن الفاعل ص: (كبيع وسلف) ش: أي والممنوع الذي يكثر القصد إليه ويتحيل
عليه بما هو جائز في الظاهر أشياء متعددة منها: بيع وسلف. واعلم أنه لا خلاف في المنع
من صريح بيع وسلف، وكذلك ما أدى إليه وهو جائز في الظاهر لا خلاف في المذهب
271

بمنعه، صرح بذلك ابن بشير وتابعوه وغيرهم. ومثال ذلك أن يبيع سلعتين بدينارين إلى شهر
ثم يشتري إحداهما بدينار نقدا.
وقاعدة مالك رضي الله عنه وأصحابه عد ما يخرج من اليد وعاد إليها لغوا وكان البائع
خرج من يده دينار وسلعة نقدا يأخذ عنها عند الاجل دينارين: أحدهما عوض عن السلعة وهو
بيع، والثاني عوض عن الدينار المنقود وهو سلف. ص: (وسلف بمنفعة) ش: وكذا ما أدى
أيضا إلى سلف بمنفعة للمسلف بكسر اللام فإنه ممنوع اتفاقا كمن باع سلعة إلى أجل
بعشرة ثم اشتراها بثمانية نقدا فإن ثوبه رجع إليه ودفع ثمانية يأخذ عنها بعد شهر عشرة.
وإنما كان البيع والسلف بالمنفعة مما يكثر القصد إليهما لما فيهما من الزيادة والنفوس
مجبولة على حبها. والباء في بمنفعة بمعنى مع وأتى الشيخ بالكاف في قوله كبيع
وسلف ليدخل ما يؤدي إلى ممنوع يكثر القصد إليه غير هذين المثالين كما لو أدى إلى
الدين بالدين أو إلى صرف مستأخر أو مبادلة لا تجوز كما سيأتي. ولا فرق بين أن يكون
المتبايعان قصدا الممنوع وتحيلا عليه بالجائز في الظاهر أو لم يقصداه، وإنما آل أمرهما إلى
ذلك. قال في التوضيح: المتهم عليه في هذا الباب كالمدخول عليه. اه‍. إلا أن الداخل
عليه آثم آكل الربا كما أخبرت عائشة رضي الله عنها. ولا يقال كان ينبغي أن يكتفي بقوله:
سلف بمنفعة عن قوله: بيع وسلف لأن البيع والسلف إنما منع لأدائه إلى السلف بمنفعة
لأنا نقول: هو وإن كان مؤديا إليه إلا أنه أبين في بعض الصور لأنه تعليل بالمظنة فكان
أضبط اه‍. والله أعلم. ص: (لأقل كضمان بجعل) ش: لما ذكر مفهوم قوله: كثر قصده أن
ما أدى إلى ما قل قصده لا يمنع وكان ذلك مختلفا فيه ومنقسما إلى قسمين أحدهما أضعف
من الآخر، وكان الحكم فيهما على المشهور واحدا، نبه على ذلك بقوله: لأقل أي القصد
إليه وهو على قسمين، لأنه إما أن يكون القصد إليه بعيدا جدا أو لا يكون بعيدا جدا بل
يكفي أن يقصدا، فالثاني المؤدي إلى ضمان بجعل مثل أن يبيع ثوبين بعشرة دراهم إلى شهر
ثم يشتري منه عند الاجل أو قبله ثوبا بالعشرة فآل أمره إلى أنه دفع له ثوبين ليضمن له
أحدهما إلى أجل ويكون الثاني جعلا له على الضمان. وحكى ابن بشير وابن شاس في ذلك
قولين. وحكى ابن الحاجب القولين من غير تشهير إلا أنه قال في التوضيح: ظاهر المذهب
272

الجواز لبعده، واقتصر في هذا المختصر عليه. ولا خلاف في منع ضمان بجعل لأن الشرع
جعل الضمان والقرض والجاه لا يفعل إلا لله بغير عوض فأخذ العوض عليه سحت. قاله في
التوضيح. وقال ابن بشير: ينبغي أن الخلاف خلاف في حال فمتى ظهر القصد منع ومتى لم
يظهر جاز اه‍ بالمعنى. وما قاله بين فإنه قد يقصد ذلك لأجل حصول خوف أو غرر طريق
وغير ذلك والله أعلم. ص: (أو أسلفني وأسلفك) ش: أي ومن الممنوع الذي يبعد القصد
إليه جدا أسلفني وأسلفك بفتح همزة الأول لأنه أمر من باب الأفعال، وضم همزة الثاني لأنه
مضارع منه وهو منصوب بأن مضمرة بعد الواو في جواب الامر. ومثال ما أدى إلى أسلفني
وأسلفك أن يبيع ثوبا بدينارين إلى شهر ثم يشتريه بدينار نقدا أو بدينار إلى شهرين، فالسلعة
قد رجعت إلى صاحبها ودفع الآن دينارا ويأخذ بعد شهر دينارين: أحدهما عوض بما كان
أعطاه، والثاني كأنه أسلفه ليرده بعد شهر، فالمشهور إلغاء هذا وعدم اعتباره. والشاذ لابن
الماجشون اعتباره والمنع مما أدى إليه ولا خلاف في المنع من أن يسلف الانسان شخصا
ليسلفه بعد ذلك. واستبعد ابن عبد السلام أن يكون هذا أضعف مما قبله قال: لأن العادة
طلب المكافأة على السلف بالسلف. وأجبت بأن المستبعد إنما هو الدخول على أن يسلفه
الآن ليسلفه بعد شهر إذا الناس إنما يقصدون السلف عند الاضطرار إليه والله أعلم. وأدخل
الشيخ الكاف في قوله: كضمان بجعل ليدخل ما أشبهه في البعد كبيع دنانير بدنانير
مؤخرة من جنسها إذا كانت الأولى أكثر لأنه يبعد القصد إلى دفع كثير ليأخذ عنه قليلا وما
أشبه ذلك مما سيأتي ص: (فمن باع لأجل ثم اشتراه بجنس ثمنه من عين وطعام وعرض
فإما نقدا أو للأجل أو أقل أو أكثر بمثل الثمن أو أقل أو أكثر يمنع منها ثلاث وهي
ما عجل فيه الأقل) ش: لما ذكر رحمه الله موجب فساد هذه البيوع بالاجمال شرع يذكر
273

الممنوع منها من غير الممنوع على سبيل التفصيل، ولذا أتى بالفاء في قوله: فمن باع
لأجل. والمعنى أن من باع شيئا يعرف بعينه من ذوات القيم لأجل ثم اشتراه بائعه من
مشتريه، وسواء غاب عليه مشتريه أم لم يغب فأما أن يكون اشتراه بجنس ثمنه أو بغير جنسه،
فإن كان بغي جنسه فسيأتي ويريد وبنوعه وصفته، فإن اختلف شئ من ذلك فسيأتي حكمه.
وقوله: من عين وطعام وعرض بيان للثمن المبيع به والمشترى به. والقصد أن هذه المسائل
التي يذكرها هي فيما إذا كان الثمن الثاني موافقا للأول من كل وجه كما إذا باعه بدراهم
واشتراه بدراهم من نوعها وسكتها، أو باعه بذهب واشتراه بذهب من نوعه وسكته، أو باعه
بطعام واشتراه بطعام من صنفه وصفته، أو باعه بعرض واشتراه بعرض بصفته. فإذا علم ذلك،
فأما أن يكون اشتراه بائعه الأول نقدا، أو اشتراه للأجل نفسه، أو اشتراه لأجل أقل من الاجل
الأول، أو اشتراه لأجل أكثر من الاجل الأول. فهذه أربع صور وفي كل صورة إما أن يشتريه
بمثل الثمن الأول. أو يشتريه بثمن أقل من الثمن الأول، أو يشتريه بثمن أكثر من الثمن الأول،
فهذه ثلاث صور في كل صورة من الصور الأربع، فاضرب ثلاثا في أربع يحصل من ذلك
اثنا عشر صورة، يمنع منها ثلاث ويجوز تسع. والجائزة ما لم يعجل فيه الأقل وهي ما إذا
اشتراه بمثل الثمن أو أكثر نقدا أو إلى أجل دون الاجل هذه أربع، واشتراه إلى الاجل نفسه
سواء كان بمثل الثمن أو أقل أو أكثر ما لم يشترط عدم المقاصة كما سيأتي، أو اشتراه لأبعد
من الاجل بمثل الثمن أو أقل. والممنوعة هل ما تعجل فيه الأقل وهي إذا اشتراه بأقل نقدا
أو إلى أجل دون الاجل وبأكثر لأبعد، يريد ما لم يشترط المقاصة كما سيأتي. والمعجل
للأقل في الأوليين البائع الأول وفي الثانية هو البائع الثاني، ولذا قال المصنف: عجل
بالبناء للمفعول. والتهمة في ذلك الخوف من سلف بمنفعة. قال في الجواهر: وأصل هذا
الباب اعتبار ما خرج من اليد وما عاد إليها، فإن جاز التعامل عليه مضى وإلا بطل. فإن
كان المبيع ثوبا مثلا أو غيره فاجعله ملغى كأنه لم يقع فيه عقد ولا وقع فيه ملك، واعتبر
ما خرج من اليد خروجا مستقرا انتقل الملك به وما عاد إليها، وقابل أحدهما بالآخر، فإن
وجدت في ذلك وجها محرما لو أقر بأنهما عقدا عليه لفسخت عقدهما فامنع من هذا
البيع لما تقدم من وجوب حماية الذرائع، وإن لم تجد أخرت البياعات ثم تتهم مع إظهار
القصد إلى المباح وتمنع، وإن ظاهر القصد إليه حماية أن يتوصلا أو غيرهما إلى الحرام
ويريد ما لم تبعد التهمة جدا فلا يلتفت إليها كما تقدم. وكذا أجاز أن يشتري سلعة بأكثر
من الثمن الأول نقدا أو إلى أجل دون الاجل أو بأقل لا أبعد مع أنه لا يجوز أن يسلف
لشخص اثني عشر ليأخذ عنها عشرة، لأن أمرها صار إلى السلف لكن لما كان القصد
إلى هذا أعني دفع الكثير ليأخذ عنها قليلا بعيدا لم يتهما على ذلك وحمل أمرهما على
ما ظهر من صورة البيع الجائز.
274

تنبيهات: الأول: قولنا شيئا يعرف بعينه من ذوات القيم احتراز مما إذا كان المبيع من
المثليات، وسيأتي حكمه في كلام المؤلف.
الثاني: قوله: للأجل احتراز مما إذا كانت البيعة الأولى نقدا. واعلم أن البيعتين إما
أن يكونا نقدا أو إلى أجل، أو الأولى نقدا والثانية إلى أجل أو بالعكس. فإن كانتا نقدا حمل
أمرهما على الجواز ولا يتهمان في شئ من ذلك باتفاق إلا أن يكونا من أهل العينة فيتهمان
باتفاق. قاله ابن عرفة وعزاه لظاهر نقل المازري وعياض وغيرهما. فإن كان أحدهما من أهل
العينة فذكر اللخمي عن أصبغ في كتاب محمد أنهما من أهل العينة لأن الآخر يعامله عليها.
قال اللخمي: يريد أن لا يكون الثاني من أهل الدين والفضل فلا يحمل على أنه عامله عليها
ولم يذكر خلافه. وذكر ابن عرفة كلام اللخمي قال: وتبعه المازري ونقل ابن محرز قول
أصبغ كأنه المذهب ولم يعزه له ولم يقيده بشئ، ونقله عنه صاحب الذخيرة ولم يذكر
خلافه. وظاهر كلامه في التوضيح أن هذا قول ضعيف كما سيأتي في كلامه. فإن كانتا
مؤجلتين. قال ابن بشير: فيتهم سائر الناس. وقال ابن عرفة: اتفاقا، ولو لم يكن أحدهما من
أهل العينة، فإن كانت الأولى مؤجلة فقال اللخمي وابن بشير وابن عرفة وغيرهم: حكمها
حكم ما إذا كانتا مؤجلتين، وإن كانت الأولى نقدا والثانية لأجل فذكر اللخمي والمازري
قولين، وقال ابن بشير وتبعه ابن الحاجب: المشهور أنه لا يتهم إلا أهل العينة، والشاذ اتهام
سائر الناس. فإن كانت الأولى نقدا لم يتهم على المشهور إلا أهل العينة فيهما. وقيل: أو في
أحدهما. فشرحه في التوضيح. قال ابن عبد السلام: وأما إذا كانا معا نقدا فلا يتهم إلا أهل
العينة باتفاق. وقوله: فيهما أو أحدهما يعني أنه إذا لم يتهم إلا أهل العينة فلا بد أن يكون
المتبايعان من أهلهما وقد يكتفى بأحدهما وهو لمحمد. ثم ذكر توجيه اللخمي وتقييده إياه
فظاهر تضعيف قول أصبغ من أن ابن رشد وغيره لم يحك خلافه كما تقدم والله أعلم.
الثالث: قولنا: اشتراه بائعه يريد سواء اشتراه بنفسه أو وكل غيره. قال اللخمي: وإن
وكل البائع أجنبيا واشتراها له بأقل لم يجز وفسخ اه‍. وسواء علم الوكيل بأن السلعة باعها
موكله أم لا، سواء علم البائع أنه وكيل المشتري أم لا، قاله في سماع عيسى من كتاب
السلم والآجال والله أعلم. وقال في المدونة: وإن بعت سلعة بثمن إلى أجل لم يجز أن
يشتريها عبدك المأذون بأقل من الثمن نقدا إن كان يتجر لك وإن أتجر بمال لنفسه فجائز.
ثم قال في المدونة: وإن عبدك باع سلعة بثمن إلى أجل لم يعجبني أن تبتاعها بأقل من الثمن
نقدا إن كان العبد يتجر لك. قال الشيخ أبو الحسن: قوله هنا: لم يعجبني معناه لم يجز،
يفسره قوله المتقدم. وإنما قال: لم يجز أن يشريها عبدك المأذون لأنه وكيل اه‍.
الرابع: يكره أن يشتري البائع السلعة لأبيه أو لأجنبي وكله على شرائها. قال أبو
275

الحسن: قال أشهب في المجموعة في شراء السيد لما باعه عبده المأذون أو شرائه المأذون
لما باعه سيده إذا أتجر لنفسه أو اشتراها البائع لابنه الصغير أو لأجنبي بأقل مما باعها: أكره
ذلك كله ولو نزل لم أفسخه اه‍. قال في المدونة: ولا يعجبني أن تبتاعها لابنك الصغير بأقل
من الثمن وإن وكلك على رجل بأقل لم يعجبني. قال الشيخ أبو الحسن: قوله لم يعجبني
فيهما على بابها. وقول أشهب وفاق، وحمله اللخمي على المنع اه‍ وانظر ابن عرفة.
فرع: قال في النوادر: وإذا باع المقارض سلعة بثمن إلى أجل جاز لرب المال شراؤها
بأقل منه. انتهى من ترجمة من باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها من هو بسببه.
الخامس: قولنا: غاب عليه مشتريها أو لم يغب إشارة إلى أن ما يعرف بعينه لا يفترق
فيه الحكم بذلك بخلاف المثلي وسيأتي إن شاء الله.
السادس: قال ابن عرفة عبد الحق عن بعض شيوخه عن الدمياطي عن ابن القاسم: لو
مات مبتاعها إلى أجل قبله جاز للبائع شراؤها من وارثه بحلول الاجل بموته، ولو مات البائع
لم يجز لوارثه إلا ما جاز له من شرائها اه‍. وذكر ابن رشد المسألة في البيان في الرسم الآتي
ذكره في التنبيه السابع والله أعلم.
السابع: قولنا: من مشتريه احتراز مما إذا باع المشتري لثالث ثم اشتراه البائع الأول
من الثالث إلا أن يكون الثالث ابتاعه من المشتري بالمجلس بعد القبض، ثم ابتاعه الأول منه
بعد ذلك في موضع واحد فيمنع. قال في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب
السلم والآجال: وسئل مالك عن رجل ممن يبيع السلعة من الرجل بثمن إلى أجل فإذا قبضها
منه ابتاعها منه ورجل حاضر كان قاعدا معهما فباعها منه، ثم إن الذي باعها للأول اشتراها
منه بعد ذلك في موضع واحد. قال: لا خير في هذا وأراه كأنه محلل بينهما. وقال: إنما
يريدون إجازة المكروه. قال سحنون: وأخبرني ابن القاسم عن ابن دينار وقال: هذا مما
يضرب عليه عندنا وهذا مما لا يختلف فيه وأنه مكروه، ويرى أن يزجر عنه وأن يؤدب من
فعله. قال ابن القاسم: ورأيتها عند مالك من المكروه والبين. قال ابن رشد: هذا صحيح على
طرد القياس في الحكم بالمنع من الذرائع لأن المتبايعين إذا اتهما على أن يظهرا إلى أن
أحدهما باع سلعة من صاحبه بخمسة عشر إلى أجل ثم اشتراها منه بعشرة نقدا ليتوصلا به
إلى استباحة دفع عشرة في خمسة عشر إلى أجل، وجب أن يتهما على ذلك وإن اشتراها
الذي باعها من غير الذي باعها منه إذا كان ذلك في مجلس واحد، لاحتمال أن يكونا إنما
أدخلا هذا الرجل فيما بينهما لبعد التهمة عن أنفسهما، ولا تبعد عنهما به لأن التحيل به
يمكن أن يقول الرجل مثلهما في قلة الرغبة: تعال فاشتر من هذا الرجل هذه السلعة التي
يبيعها منه بخمسة عشر إلى أجل بعشرة نقدا وأنا أبتاعها منك بذلك أو بربح دينار، فتدفع إليه
276

العشرة التي تأخذ مني ولا تزن من عندك شيئا، فيكون إذا كان الامر على هذا قد رجعت
إلى البائع الأول سلعته ودفع إلى الذي باعها منه عشرة دنانير يأخذ بها منه خمسة عشر إلى
أجل، ويكون إن كان ابتاعها من الثاني بربح دينار على الشرط المذكور قد أعطاه ذلك
الدينار ثمنا لمعونته إياه على الربا انتهى. وقال في الشامل: ولو ابتاعها لأجل ثم اشتراه ثالث
بالمجلس بعد القبض ثم ابتاعه الأول منه بعد ذلك في موضع واحد منع اه‍. ص: (وكذا لو
أجل بعضه ممتنع ما تعجل فيه الأقل أو بعضه) ش: الضمير المضاف إليه بعض عائد على
الثمن الثاني يعني فإن كان الثمن الثاني بعضه نقدا وبعضه مؤجلا فترد القسمة إلى المؤجل
فيقال: إما أن يكون إلى أجل دون الاجل أو إلى الاجل نفسه أو إلى أبعد من الاجل. وعلى
كل حال فالثمن الثاني جميعه إما مساو أو أقل أو أكثر. فهذه تسع مسائل، وانتفت صور النقد
الثلاث لأن الفرض أن بعض الثمن مؤجل فلا يصح أن يكون معجلا وبين الممتنع من هذه
التسع بقوله: ممتنع ما تعجل فيه الأقل أو بعضه. فقوله: ممتنع خبر مقدوم وما تعجل
فيه مبتدأ، أو يجوز أن يكون قوله ممتنع مبتدأ أو ما بعده فاعل على مذهب من لا يشترط
الاعتماد. ويدخل في كلامه أربع صور وهي: الممنوعة وهي ما إذا باع سلعة بعشرة إلى
شهرين ثم اشتراها بأقل من الثمن الأول أي تسعة فأقل عجل منها خمسة مثلا وأخر أربعة،
سواء أخرها إلى دون الاجل أو إلى الاجل أو إلى أبعد من الاجل أو اشتراها بأكثر من الثمن
الأول وعجل بعض الثمن وأخر بعضه إلى أبعد من الاجل الأول. فأما الأولى وهي ما إذا
اشتراها بتسعة وعجل منها خمسة فأجل الأربعة إلى أجل دون الاجل الأول، فلان ثوبه قد
رجع إليه ودفع الآن خمسة وبعد أشهر أربعة يأخذ عنها عشرة عند تمام الشهر الثاني، وهذه
الصورة قد تعجل فيها كل الأقل. وأما الثانية وهي ما إذا كانت الأربعة مؤجلة إلى الشهر
الثاني نفسه فلأنه سقط من العشرة قدرها لأجل المقاصة فآل الامر إلى أن البائع دفع الآن
خمسة يأخذ عنها بعد شهر ستة. وكذلك في الثالثة وهي ما إذا كانت الأربعة مؤخرة إلى أبعد
من الاجل الأول فإنه يسقط من العشرة قدرها وآل الامر إلى أن دفع خمسة الآن يأخذ عنها
277

بعد شهر ستة، وهاتان الصورتان تعجل فيهما بعض الأقل. وأما الرابعة فكما لو باع سلعة
بعشرة إلى شهر ثم اشترى السلعة باثني عشر، عجل منها خمسة وأجل السبعة إلى شهرين،
فإن الثوب قد رجع إليه ودفع الآن خمسة يأخذ عنها مثلها عند تمام الشهر الأول ويدفع له
المشتري خمسة أخرى حينئذ يعطيه البائع عوضا عنها بعد الشهر سبعة، وهذه الصورة قد
تعجل فيها كل الأقل في قول المصنف أو بعضه للتنويع بتعجيل الأقل جميعه في الصورة
الأولى والرابعة، وتعجيل بعضه في الثانية والثالثة، وبقية الصور وهي خمسة جائزة وهي ما إذا
باع السلعة بعشرة إلى شهر ثم اشتراها بعشرة، عجل بعضها وأجل البعض الآخر إلى أجل دون
الاجل الأول أو إلى الاجل نفسه أو إلى أبعد من الاجل، أو اشتراها باثني عشر وعجل بعضها
وأجل البعض الثاني إلى أجل دون الاجل الأول أو إلى الاجل نفسه. ومنع ابن الماجشون من
هذه الصور الخمس الجائزة الصورة الثالثة وهي ما إذا باع السلعة بعشرة إلى شهر ثم اشتراها
بعشرة عجل منها خمسة وأخر الخمسة الأخرى إلى شهر بناء على عدم اعتبار أسلفني
وأسلفك لأن الثوب رجع إلى صاحبه وآل الامر إلى أن البائع سلف المشتري خمسة الآن
على أن يعطيه بعد شهر عشرة خمسة قضاء ويسلفه خمسة، المشهور الجواز بناء على عدم
أسلفني وأسلفك والله أعلم. ص: (كتساوي الأجلين إن شرطا نفي المقاصة للدين
بالدين ولذلك صح في أكثر لأبعد إذا شرطاها) ش: قد تقدم أنه يأتي بالكاف في قوله:
كبيع وسلف ليدخل فيه ما أشبهه كالدين بالدين فإن التهمة على ذلك معتبرة، فلأجل ذلك
منع ما أصله الجواز وهي ما إذا تساوى الأجلان إذا اشترطا نفي المقاصة لما فيه من عمارة
الذمتين، سواء كان الثمن الأول مساويا للثمن أو أقل أو أكثر. ومفهوم قوله إن شرطا نفي
المقاصة أنهما لو لم يشترطا نفيها جاز، سواء شرطاها أو سكتا عنها وهو كذلك لوجوب
278

الحكم بها، وإن لم يشترطاها ووجوب المقاصة ينفي التهمة قد صرح بذلك الرجراجي
وغيره.
تنبيه: قال في الجواهر: إذا اشتراطا المقاصة جازت الصور كلها يعني الاثني عشر
صورة لارتفاع التهمة. اه‍. وهو ظاهر. ولأجل اعتبار هذه التهمة جاز ما أصله المنع وهو ما إذا
اشتراها بأكثر لأبعد إذا شرطا المقاصة للسلامة حينئذ من دفع قليل في كثير والضمير في
شرطاها للمقاصة ص: (والرداءة والجودة كالقلة والكثرة) ش: قد تقدم أنه يأتي بالكاف
في قوله كبيع وسلف أن الكلام الأول فيما إذا اتحد الثمنان من كل وجه بأن يتحدا في
الجنس والنوع والسكة والصفة، وذكر هنا حكم ما إذا اختلفا في الصفة مع اتحاد النوع فذكر
أن الحكم السابق يجري هنا وأن الرداءة كالقلة والجودة كالكثرة، ففي كلامه لف ونشر
مرتب ويأتي هنا أربع وعشرون صورة لأنه إذا باعها بدراهم جيدة ثم اشترها برديئة كان في
ذلك الاثنا عشر صورة المتقدمة، وكذلك في العكس أعني إذا باعها بدراهم رديئة ثم اشتراها
بجيدة يمتنع منها ما عجل فيه الأقل والأدنى. كذا في بعض نسخ ابن الحاجب. وفي
بعضها: فإن اختلفا في الجودة والرداءة امتنع. قال في التوضيح: النسخة الأولى أولى لاقتضاء
هذه المنع فيما إذا باعه بعشرة يزيدية إلى شهر ثم اشتراه بعشرة محمدية نقدا اه‍. وقوله:
يمتنع ما تعجل فيه الأقل والأدنى يقتضي أن ما انتفى منه الامر أن يجوز، والذي يظهر من
كلامهم كما سيأتي في مسألة اختلاف السكة الآتية أن مسائل الاجل الثمانية عشر كلها
ممتنعة لاشتغال الذمتين فيؤدي للدين بالدين لأنه لا يحكم له حينئذ بالمقاصة. وأما مسائل
النقد الست فيجوز منها صورتان وهي ما إذا اشترى السلعة بمثل الثمن أو أكثر نقدا والدراهم
التي اشتراها بها أجود من الدراهم التي باع بها، والأربعة الباقية ممتنعة بقوله: يمتنع ما عجل
فيه الأقل والأردأ فإن كانت الدراهم التي اشترى بها أردأ من التي باع بها امتنع الصور
الثلاث أعني سواء اشتراه بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، وإذا كانت الدراهم التي اشترى بها
أجود امتنع منها صورة واحدة وهي ما إذا اشترى السلعة بأقل من الثمن الذي باع به والله
أعلم. ص: (ومنع بذهب وفضة إلا أن يعجل أكثر من قيمة المتأخر جدا) ش: لما ذكر
حكم ما إذا اتفق المثلان في النوع ذكر منها حكم ما إذا اختلفا فيه واختلفا في الجنس كما
إذا باع سلعته بدراهم ثم اشتراها بدنانير أو بالعكس، فذكر أن ذلك لا يجوز لأنه صرف تأخر
279

فيه أحد النقدين أو كلاهما لأن سلعته رجعت إليه فإن كان الثمن الثاني نقدا فقد تأخر أحد
النقدين، وإن كان مؤجلا فقد تأخر النقدان معا، وكذا لو عجل البعض وآخر البعض الآخر.
واستثنى المصنف ما إذا كان المعجل أكثر من قيمة المتأخر جدا لبعد التهمة حينئذ على
الصرف المتأخر. قال في المدونة: إن بعته بثلاثين درهما إلى شهر يعني الثوب فلا تتبعه
بدينار نقدا فيصير صرفا مؤخرا، ولو ابتعته بعشرين دينارا جاز لبعدكما من التهمة، وإن بعته
بأربعين إلى شهر جاز أن تبتاعه بثلاثة دنانير لبيان فضلها، ولا يعجبني بدينارين وإن ساوياها
في الصرف انتهى. ومنع أشهب ذلك مطلقا مبالغة للاحتياط للصرف. وقيل: يجوز إذا ساوى
المعجل قيمة المؤخر. قال أبو الحسن الصغير: تحصيل المسألة إن كان النقدان إلى أجل لم
يجز قولا واحدا، وكذا إن كان أحدهما نقدا والآخر مؤجلا والنقد أقل من صرف المؤخر،
وإن كان مثله أو أكثر فقولان. قال أشهب: لا يجوز مطلقا، ومذهب ابن القاسم في الكتاب
أنه كان مثل المؤخر أو أكثر بشئ قليل إن لم يجز، وإن كان أكثر بشئ كثير جاز. ومفهوم
قوله: بعشرين دينارا أنه لو كان أقل من عشرين لم يبعدا عن التهمة وليس كذلك بل يبعدان
بخمسة عشر وبعشرة انتهى. قلت: بل وبأقل من ذلك كما يفهم من آخر كلامه في المدونة.
قال أبو الحسن: وقوله: لبيان فضلها لأن أربعين درهما صرف دينارين ويبقى دينار وهذا
على ما جرت به عادته في الكتاب أن صرف الدينار عشرون درهما ص: (وبسكتين إلى
أجل كشرائه لأجل بمحمدية ما باع بيزيدية) ش: قد تقدم أن الكلام أولا فيما إذا اتفق
الثمنان من كل وجه، ثم ذكر هنا ما إذا اختلفا في السكة فذكر أنه إن تأجل الثمنان منع
مطلقا وذلك شامل لثمان عشرة صورة، لأن الثمن الثاني إما مؤجل لأجل دون الاجل، أو
للأجل نفسه أو لأبعد. إما بمثل الثمن أو أقل أو أكثر من ضرب ثلاث في ثلاث بتسع، ثم لا
يخلو إما أن تكون السكة الثانية أجود من الأولى أو أردت. ثم مثل بصورة من ذلك يتوهم فيها
الجواز من وجهين بل من ثلاث وهي ما إذا باعه السلعة مثلا بعشرة دراهم يزيدية ثم اشتراها
بعشرة محمدية إلى الاجل نفسه فيتوهم الجواز فيه من اتفاق الثمنين في العدد وفي الاجل
ومن كون المحمدية أجود من اليزيدية. قال ابن غازي: وهو عكس ما فرضه من المدونة إذ
قال: وإن بعت ثوبا بعشرة دراهم محمدية إلى شهر فلا تبتعه بعشرة يزيدية إلى ذلك الشهر.
280

كذا اختصره أبو سعيد. زاد ابن يونس: لرجوع ثوبك وكأنك بعت يزيدية لمحمدية إلى
الاجل إنما قصد المصنف العكس لأنه مختلف فيه فبين مختاره من الخلاف. وقد ذكر
المازري أن في كون علة منع مسألة المدونة اشتغال الذمتين بسكتين مختلفتين، أو لأن
اليزيدية دون المحمدية طريقين للأشياخ وعليهما منع عكس مسألة المدونة وجوازه. وعزا ابن
محرز الأولى لأكثر المذاكرين، والثانية لبعضهم انتهى. والظاهر في علة المنع إنما هو اشتغال
الذمتين لا لأن اليزيدية دون المحمدية لأن غاية ذلك أن يكون بمنزلة العلة، وقد تقدم لأنه
إذا تساوى الأجلان فالبيع جائز، سواء كان الثمن الثاني أقل أو أكثر أو مساويا، لكن تقدم
أنهما إذا اشترطا ففي المقاصة منعت هذه الصورة، واختلاف السكتين كاشتراط نفي المقاصة
لأنه لا يقضى بها حينئذ والله أعلم. ومفهوم قوله إلى أجل أنه إذا اشتراها نقدا جاز وفي
ذلك ست صور لأنه بمثل عدد الثمن الأول أو أكثر أو أقل، وعلى كل حال فالثمن الأول إما
أجود سكة أو بالعكس وليس على إطلاقه بل ينظر، فإن كان الثمن الأول أجود سكة فيمتنع
لما تقدم أن الجودة والرداءة كالقلة والكثرة، وإن كان الثاني أجود فإن كان بأقل من عدد
الأول فيمتنع أيضا، وإن كان مثل عدد الأول أو أكثر جاز. فالجائز من مسائل النقد الست
ثنتان فقط وهي ما إذا اشتراه بسكة أجود وكان عدد الدراهم الثانية مثل عدد الأولى أو أكثر،
وانظر أبا الحسن وابن يونس والله أعلم. ص: (وإن اشترى بعرض مخالف ثمنه جازت ثلاثة
النقد فقط) ش: لما ذكر أولا اختلاف نوعي الثمن كما إذا كان أحدهما ذهبا والآخر فضة،
ذكر هنا اختلاف جنسهما وذلك شامل لما إذا كان أحد الثمنين نقدا والآخر عرضا أو كل
منهما عرض لكنهما مختلفان. وما ذكره ابن غازي ظاهر فراجعه، ورأيت بخط القاضي عبد
القادر الأنصاري رحمه الله على حاشية التوضيح للشيخ خليل عند قوله: فإن كانا أي
العرضان نوعين جازت الصور كلها إذ لا ربا في العروض قال الشيخ خليل تبعا لابن عبد
281

السلام: مراده بالصور كلها صور النقد الثلاثة، وأما صور الاجل التسع فممتنعة لأنه دين بدين
اه‍. قال القاضي المذكور: قال شيخنا البساطي رحمه الله: مراده الاثنا عشر ولا أسلم لهم
ما قالوا اه‍. ولم أقف على هذا الكلام للبساطي في شرحه على المختصر ولعل القاضي سمعه
من لفظه والله أعلم. والحق ما قاله الشيخ خليل وابن عبد السلام كما بينه ابن غازي والله
أعلم ص: (والمثلي صفة وقدرا كمثله فيمنع ما قل لأجله أو أبعد إن غاب مشتريه به)
ش: قد تقدم الكلام أولا فيما إذا باع شيئا يعرف بعينه من ذوات القيم، وتكلم الآن فيما إذا
كان المبيع شيئا لا يعرف بعينه من ذوات الأمثال، فذكر أن مثله في الصفة والمقدار يقوم
مقامه. ومعنى المسألة أن من باع شيئا من المثليات إلى أجل ثم اشترى من المشتري مثل
ذلك المثلي في الصفة والمقدار فكأنه اشترى ما باعه فيمتنع في ذلك الصور الثلاث
المتقدمة، وصورتان أخريان أشار إليهما بقوله: فيمتنع بأقل لأجله أو أبعد ولذلك كانت
الواو أنسب كما قال ابن غازي، وأن الشرط مختص في الصورتين الأخيرتين. وعلة المنع كما
قاله في التوضيح أنهم يعدون الغيبة على المثلي سلفا فصار كأن البائع أسلف المشتري أردبا
على أن يعطيه دينارا بعد شهر ويقاصه بالدينار عند الاجل اه‍. وذلك لأن فرض المسألة فيما
إذا باع أردبا بدينارين إلى شهر ثم اشتراه بدينار إلى ذلك الشهر يريد أو إلى أبعد منه ثم قال:
ولا يقال إذا غاب على ما يعرف بعينه فقد انتفع به والسلف لا يتعين فيه رد المثل بل يجوز
فيه رد العين والمثل فلم لا يعدونه سلفا؟ لأنا نقول: لما رجعت العين فكأنهما اشترطا ذلك
فخرجا عن حقيقة السلف وفيه نظر اه‍. كلام التوضيح والله أعلم. وتصوره ظاهر. ومفهوم
قوله: صفة وقدرا أنه لو اختلف في الصفة أو في القدر لكان الحكم خلاف ذلك وهو
كذلك، أما إذا خالفه في الصفة فسيصرح بحكمه في قوله: وهل غير صنف طعامه إلى
أخره. وأما إذا خالفه في القدر فلا يخلو إما أن يشتري أقل مما باعه أو أكثر، فإن اشترى أقل
مما باعه فهو بمنزلة ما إذا باع سلعتين إلى أجل ثم اشترى إحداهما وسيأتي حكمها في كلام
282

المصنف وأنه يمتنع فيها خمس صور وهي ما إذا اشترى أحد السلعتين لأبعد من الاجل،
سواء كان بمثل الثمن أو أكثر لأنه سلف جر منفعة، أو أقل لأنه بيع وسلف، أو بأقل من
الثمن نقدا أو إلى أجل دون الاجل لأنه بيع وسلف، لكن لا بد في مسألة المثلي من زيادة
تفصيل وذلك لأنه إما أن يغيب عليه أو لا، فإن لم يغب عليه فحكمه حكم ما يعرف بعينه
فتمتنع الخمس المتقدمة، وأما إن غاب عليه فتمتنع فيه صورة أخرى وهي أن يشتريه بأقل من
الثمن إلى مثل الاجل لأنه بيع وسلف لأن ما رجع للبائع فهو سلف وإذا حل الاجل قاصه
المشتري بما في ذمته ثم يعطيه ما بقي ثمنا للمتأخر. واختلف في صورة سابعة وهي أن
يبتاع منه بمثل الثمن أقل من الطعام مقاصة، فإن قول مالك اختلف فيها واضطرب فيها
المتأخرون والله أعلم. وإن اشترى أكثر مما باعه فهو بمنزلة ما إذا باع سلعة إلى أجل ثم
اشتراها مع سلعة أخرى وسيأتي حكمها في كلام المصنف، وأنه يمتنع فيها سبع صور وهي
ما إذا اشترى نقدا أو إلى أجل دون الاجل سواء كان بمثل الثمن أو بأقل أو بأكثر، أما إذا
كان بمثل الثمن أو أقل فلأنه سلف جر نفعا، وأما إذا كان أكثر فلأنه بيع وسلف. ويمتنع
أيضا لأبعد بأكثر لأنه بيع وسلف ولكن لا بد في مسألة المثلي من تفصيل وهو إما أن يكون
ذلك قبل الغيبة أو بعد الغيبة عليه، فإن كان قبل الغيبة فحكمه حكم ما يعرف بعينه، وإن كان
بعد الغيبة عليه فتمتنع الصور كلها. قاله في التوضيح إما لسلف جر نفعا وإما للبيع والسلف.
ص: (وإن اشترى أحد ثوبيه لأبعد مطلقا أو أقل نقدا امتنع لا بمثله أو أكثر) ش: يعني إن
283

من باع ثوبين مثلا بعشرة إلى شهر ثم اشترى أحدهما بثمن مؤجل لأبعد من الاجل الأول
كأن يشتريه لشهرين مثلا فإن ذلك لا يجوز، سواء اشتراه بمثل الثمن الأول أو أقل منه أو
بأكثر، أما إذا اشتراه بمثل الثمن فلان أحد ثوبيه قد رجع إليه وصار كأنه دفع ثوبا للمشتري
على أن يسلفه بعد شهر عشرة يردها إليه بعد شهرين وذلك سلف يجر نفعا، وإن اشتراه بأكثر
فذلك واضح، وإن اشتراه بأقل ففيه البيع والسلف لأنه إذا اشتراه بخمسة مثلا إلى أبعد من
الاجل فالعشرة التي يأخذها في الاجل بعضها ثمن للثوب وبعضها سلف يرده بعد شهر.
وقوله: أو أقل أي وكذا يمتنع أن يشتري أحدهما بأقل من الثمن الأول نقدا للبيع والسلف،
لأن أحد ثوبيه رجع إليه وخرج من يده ثوب ودراهم أقل من عشرة يأخذ عن ذلك بعد شهر
عشرة معا فما يقابل الدراهم التي دفعها سلف والباقي ثمن، وكذا الحكم فيما إذا اشتراه بأقل
إلى أجل دون الاجل، وأطلق المصنف النقد على الصورتين لاشتراكهما في الحكم والعلة.
تنبيه: قال في التوضيح: قال ابن عبد السلام: إنما تظهر هذه التهمة إذا كان الثوب
الباقي قيمة قدر الزائد على الدراهم المعجلة، وأما لو كان يساوي أكثر من ذلك فالتهمة
بعيدة. وينبغي على أصل ابن القاسم الجواز إذا اتضح ارتفاع التهمة كما أجاز في الصرف إذا
كانت قيمة المعجل أكثر من قيمة المتأخر جدا. وقوله: لا بمثله وأكثر أي لا بمثل الثمن
وأكثر منه والمسألة بحالها إما نقدا أو إلى أجل دون الاجل وبقي من صور المسألة الثلاث
التي للأجل وسكت عنها لوضوح جوازها ص: (وامتنع بغير صنف ثمنه إلا أن يكثر
المعجل) ش: مراده بغير الصنف أن يكون الثمن الأول ذهبا والثاني فضة، أو الأول محمدية
والثاني يزيدية، فيؤول الامر إلى أن البائع رجع إليه أحد ثوبيه وخرج من يده ثوب وذهب يأخذ
284

عنه الاجل فضة، أو خرج من يده ثوب ومحمدية يأخذ عنها عند الاجل يزيدية وذلك
ممتنع مطلقا أي سواء كان الثمن الثاني أقل من الثمن الأول أو أكثر أو مساويا، نقدا أو إلى
دون الاجل نفسه أو إلى أبعد من الاجل. واستثنى المصنف من ذلك ما إذا كان النقد
المعجل أكثر من المؤجل جدا وأصله للخمي وابن الحاجب ص: (ولو باعه بعشرة ثم
اشتراه مع سلعة نقدا مطلقا أو لأبعد بأكثر) ش: يعني إذا باع ثوبا بعشرة مثلا إلى شهر ثم
اشتراه مع ثوب آخر نقدا امتنع ذلك مطلقا أي سواء اشتراه بمثل الثمن أو أقل أو أكثر لأن
ثوبه رجع إليه وخرج من يده عشرة مثلا أخذ عنها ثوبا، ثم يأخذها بعد شهر، وإن اشتراه
بثمانية فذلك واضح في الفساد، وإن اشتراه باثني عشر فالعشرة المردودة سلف والزائد ثمن
للثوب المزيد فجاء البيع والسل. وحكم ما إذا اشتراه لأجل دون الاجل (كذلك، وإن اشتراه
لأبعد من الاجل باثني عشر مثلا ففيه البيع والسلف إلا أن المسلف هنا المشتري لأنه دفع
إلى البائع ثوبا مع ثوبه وبعد شهر يدفع له عشرة ثم يأخذ بعد شهرين اثني عشر منها عشرة
قضاء واثنان ثمن لثوب ص: (أو بخمسة وسلعة) ش: هذه عكس المسألة التي قبلها فإن زيادة
السلعة في الأولى كانت من المشتري وهذه من البائع، ومعناها أن من باع سلعة بعشرة إلى شهر
مثلا ثم اشتراها بثمن من جنس الأول وسلعة أخرى وصورها اثنا عشر صورة، لأن البيعة الثانية
إما بأقل من الثمن الأول أو بمثله أو بأكثر على كل حال، فإما نقدا أو إلى أجل دون الاجل أو
إلى الاجل نفسه أو إلى أبعد من الاجل الأول. فقول المصنف: بخمسة وسلعة مثال لما
اشتراها بأقل من الثمن الأول مع سلعة وذكر الخمسة تمثيل. ويريد المصنف والمسألة بحالها
من كون الثمن نقدا أو إلى أجل دون الاجل أو لأبعد والعلة في الثلاث البيع والسلف إلا أن
السلف في المسألتين الأوليين وهي ما إذا اشتراه بخمسة وسلعة نقدا أو إلى أجل دون الاجل
285

من أجل البيع. وفي الثالثة وهي ما إذا اشتراه بسلعة وخمسة إلى أبعد من أجل المشتري،
وبقيت من صور ما إذا كان الثمن الثاني أقل من الأول صورة واحدة وهي ما إذا كان مؤجلا
إلى الاجل الأول وهي جائزة ولوضوحها سكت المصنف عنها وأشار بقوله: ص: (لا بعشرة
وسلعة) ش: إلى ما إذا كان الثمن الثاني مثل الأول فذكر أن ذلك جائز، يريد بشرط أن يكون
نقدا أو إلى أجل دون الاجل أو إلى الاجل، وأما لأبعد من الاجل فممتنع عملا بقوله: أو لا
يمتنع منها ثلاث وهي ما عجل فيه الأقل لأن المشتري يأخذ السلعة المعجلة ويسلف البائع
عشرة بعد شهر ويأخذها بعد شهر آخر. وسكت المصنف عما إذا اشتراها بسلعة وأكثر من
الثمن الأول كما لو اشتراها بسلعة واثني عشر. وحكمها حكم ما إذا اشتراها بعشرة ومثل
الثمن الأول فيجوز إذا كان الثمن نقدا أو إلى أجل دون الاجل أو إلى الاجل نفسه ويمتنع
إلى أبعد من الاجل وهو واضح. ولو قال المصنف: لا بعشرة فأكثر إلا لأبعد لوفى بجميع
ذلك بالنص والله أعلم. وما ذكرناه من الجواز فيما إذا كانت البيعة الثانية بعشرة فأكثر وسلعة
هو مذهب ابن القاسم. قال ابن الحاجب خلافا لابن الماجشون: لأن جعل السلعة العائدة
286

إلى يد البائع وهي التي خرجت من يده أولا مبيعة بالثانية الخارجة من يده ثانيا وجعل العشرة
النقد سلفا في العشرة المؤجلة فيكون بيعا وسلفا. قال ابن الحاجب: ووهم لأن الثوب إنما
يكون مبيعا بالشاة إذا قدرنا أنه انتقل إلى ملك المشتري الأول في المعاوضة الأولى، فيلزم
أن تكون المعاوضة الأولى صحيحة، وإذا صحت كانت العشرة قد تقررت في ذمة المشتري
الأول مع بيع صحيح وذلك مانع، لأن يعد قضاء عن سلف لأن الشئ الواحد لا يكون ثمنا
وسلفا. قال المصنف في التوضيح: وهذا ظاهر إن علل بما ذكره وإلا فقد يعلل بالضمان
بجعل لأنه ضمنه السلعة بالشاة وتعجيل العشرة.
تنبيه: قال المصنف في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: ولو كان ثوبا بعشرة ثم
اشتراه بخمسة وسلعة لم يجز هذه عكس التي قبلها لأن زيادة السلعة كانت في الأولى من
المشتري وفي هذه من البائع الأول. ومعناها أن من باع سلعة بعشرة إلى شهر مثلا ثم اشتراها
بخمسة وشاة، وصورها أيضا اثنا عشر لأن البيعة الثانية إما أن تكون بأقل من الثمن الأول أو
بمثله أو أكثر نقدا أو إلى الاجل نفسه أو إلى أقل منه أو إلى أبعد، ولا يجوز منها إلا إذا كان
البيع إلى الاجل نفسه. بيان ذلك أن ثوبه قد رجع إليه فصار لغوا وآل أمره إلى أن دفع خمسة
وشاة نقدا يأخذ عنها عشرة إلى شهر وذلك بيع وسلف، وكذلك إذا كان يدفع الخمسة إلى
نصف شهر، وكذلك إن كان يدفع الخمسة بعد شهرين فكذلك إلا أن المشتري هنا هو
المسلف، وأما إذا كانت المسألة تحل بحلول الاجل الأول فلا مانع لوجوب المقاصة انتهى.
واعترض عليه شيخ شيوخنا القاضي عبد القادر الأنصاري رحمه الله وقال: هذا كلام غير
صحيح بالنسبة إلى الصور الاثني عشر، ويشير إلى ما تقدم من أنه إذا اشترى الثوى بعشرة
وثوب أو بأكثر جاز.
قلت: والظاهر أن المصنف رحمه الله لم يرد هذا لأن ابن الحاجب صرح بجواز ما
ذكر إثر المسألة المذكورة عند ابن القاسم وابن الماجشون، مع ذلك وليقل المصنف في
شرحها أن هذه المسألة بقية صور المسألة السابقة، وإنما أراد المصنف رحمه الله أن
الخمسة والشاة تارة يكونان مثل الثمن الأول بأن تكون قيمة الشاة خمسة، وتارة يكونان أقل
بأن تكون قيمة الشاة أربعة فأقل، وتارة يكونان أكثر بأن تكون قيمة الشاة ستة فأكثر، وحينئذ
يصح ما قاله رحمه الله من المنع في جميع الصور وذلك بين من كلامه رحمه الله، لأنه لم
يقل إما أن يكون النقد الذي مع الشاة أقل أو أكثر أو مثل وإنما قال: لأن البيعة الثانية إما
287

بمثل الثمن الأول إلى آخره فتأمله منصفا والله الموفق للصواب ص: (وإن أسلم فرسا في
عشرة أثواب ثم استرد مثله مع خمسة منع مطلقا كما لو استرده إلا أن تبقى الخمسة
لأجلها لأن المعجل لما في الذمة أو المؤخر مسلف) ش: هذه المسألة والتي بعدها
ليستا من بيوع الآجال ولكن ذكرهما في المدونة في كتاب الآجال لمشابهتهما لمسائله في
بنائهما على سد الذرائع. وتسمى الأولى منهما مسألة البرذون لأنها في أصل المدونة فرضت
في برذون وفرضها البراذعي في فرس. والثانية مسألة حمار ربيعة لأنه ذكرها ولكنها موافقة
لأصول المذهب. وقال ابن الحاجب: وفيها مسألتا الفرس والحمار في بعض نسخه ومنها:
والأولى هي الصواب لايهام الثانية أن المسألتين من مسائل بيوع الآجال. ومعنى كلام
المصنف: وإن أسلم فرسا في عشرة أثواب ثم استرد مثله أي فرسا مثله مع خمسة أي من
العشرة وأبرأ ذمته من الخمسة الباقية منع مطلقا أي سواء عجل الخمسة أو أخرها إلى أجل
دون الاجل أو إلى الاجل نفسه أو إلى أبعد من الاجل، لأنه قد آل أمره إلى أنه أسلفه فرسا
فرد عليه مثله وكل ما يعطيه معه فهو زيادة لأجل السلف. فإن قيل: مقتضى هذا أن يمنع ما
تقدم وهو ما إذا باعه مقوما إلى أجل بعشرة ثم اشترى مثله بثمانية نقدا لأنه قد آل أمره إلى
288

أنه أسلفه ذلك المقوم ينتفع به ثم يرده ويعطيه ثمانية ويأخذ عنها عشرة، وقد تقدم أن مثله
كغيره. فالجواب أن هذه المسألة لم يقصد المتبايعان نقض البيعة الأولى بل أبقياها واستأنفا
بيعة ثانية لا تعلق لها بالأولى، فوجب بقاء كل منهما على حالها. فأما في مسألة الفرس
فكأنهما قصدا نقض البيعة الأولى فوجب أن ينظر إلى مخرج من اليد وعاد إليها كما في
بياعات الاجل بل أولى لأن قصارى الامر في مسائل الآجال أن نتهمهما على نقض البيعة
الأولى وهنا قد صرح بذلك فتأمله والله أعلم. وذكر ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح
في الكلام على أن مثل المقوم ليس كعينه والله أعلم. وقوله: كما لو استرده الخ أي
وكذلك يمتنع أيضا إذا استرد الفرس نفسه مع خمسة أثواب من العشرة وأبرأ ذمته من
الخمسة الأولى ولكن إنما يمتنع إذا كانت الخمسة الأثواب معجلة أو مؤخرة إلى أجل دون
الاجل أو إلى أبعد من الاجل، وأما إذا أبقاها إلى الاجل فيجوز وإليه أشار بقوله: إلا أن تبقى
الخمسة إلى أجلها. ثم بين علة المنع فقال: لأن المعجل لما في الذمة أو المؤخر مسلف
يعني أنه إذا عجلها صار كأنه أسلفه إياها لأن المعجل لما في الذمة مسلف لما عجله لتقضيه
من نفسه إذا حل الاجل فقد أسلفه خمسة أثواب ودفع له الفرس عوضا عن الخمسة الباقية
وهذا بيع وسلف. وكذا إذا أجلها إلى أجل دون الاجل، وأما إذا أخرها إلى أبعد من الاجل
فقد صار البائع الأول آخذا الفرس في خمسة أثواب وسلف المشتري الخمسة الأخرى، لأنه
لما أخره بها عن الاجل الأول صار مسلفا له وهذا أقوى من الأول، لأن المعجل لما في
الذمة اختلف فيه هل يد مسلفا أم لا؟ وأما المؤخر لما في الذمة خلاف أنه مسلف، وأما
إذا أبقى الخمسة إلى أجلها فذلك جائز لانتفاء السلف حينئذ فقد علم أن الاستثناء في قوله:
إلا أن تبقى الخمسة لأجلها عائد لما بعد الكاف وكذا التعليل. وهذا الحكم جار فيما إذا
أخذ بعض الأثواب وأخذ في البعض الآخر شيئا مخالفا فيمتنع إذا كان ما يأخذ من
الأثواب معجلا أو مؤخرا لأبعد من الاجل، ويجوز إذا أبقى إلى الاجل نفسه، فإن قيل: لم لم
تجعلوه إذ رد الفرس بمثابة ما إذا رد مثله وكأنه آل الامر إلى أنه أسلفه فرسا فرده وما يأخذ
زيادة فإنه قد انتفع به والسلف لا يتعين فيه رد المثلي؟ فالجواب والله أعلم أن يقال: لما
رجعت العين فكأنهما اشترطا ذلك فخرجا عن حقيقة السلف ويؤخذ هذا من كلامه في
التوضيح في الكلام على أن مثل المثلي يقوم مقامه ص (وإن باع حمارا بعشرة لأجل ثم
استرده ودينارا نقدا أو مؤجلا منع مطلقا إلا في جنس الثمن للأجل) ش: أي وإن باع
حمارا بعشرة دنانير إلى أجل ثم استرده أي الحمار ودينارا نقدا يريد أو مثله من الفضة أو
289

مؤجلا يعني أو كان الدينار أو صرفه من الفضة مؤجلا منع مطلقا أي سواء كان إلى أجل
دون الاجل أو إلى الاجل نفسه أو إلى أبعد من الاجل، لأنه إن كان نقدا فهو البيع والسلف
لأن المشتري تقرر في ذمته عشرة دنانير إلى أجل دفع عنها معجلا الحمار ودينارا ليأخذ من
نفسه عند الاجل عشرة، تسعة عوض عن الحمار ودينار المتقدم، وإن كان إلى
أجل دون الاجل أو إلى أبعد من الاجل فهو فسخ الدين الذي هو العشرة في دين آخر. وقال
ابن عبد السلام: لأنه باع بعض دينه الواجب له أولا بالدين الذي زاده مع الحمار. وكذلك إن
كان المزيد مع الحمار من غير جنس الثمن الأول إلى مثل الاجل الأول، ويدخله إذ كان
من غير نوع الثمن الأول الصرف المؤخر. ثم استثنى المصنف من ذلك مسألة فقال: إلا في
جنس الثمن للأجل أن إلا أن يكون المزيد من جنس الثمن الأول يعني من نوعه وصفته
وكان مؤخر الاجل نفسه كما إذا باع الحمار بعشرة إلى شهر ثم استرده ودينارا مؤخرا للشهر،
لأن مآل أمره إلى أنه اشترى الحمار بتسعة من العشرة ولا محذور فيه. وقال شيخ شيخنا
القاضي عبد القادر الأنصاري رحمه الله: هكذا قرروا، ولو قيل في هذه الصورة بالمنع كما
قيل في غيرها لأنه باع بعض دينه الواجب له أولا بالدين الذي زاده مع الحمار لما بعد ذلك
والله أعلم.
قلت: ولا خفاء في بعده لأن البيع لا بد فيه من اختلاف العوضين بوجه من وجوه
الاختلاف، إما في الجنس أ النوع أو الاجل والمزيد هنا إنما هو بعض الأول بعينه وأجله فلا
يتصور فيه البيع، وإنما آل الامر أنه باع الحمار بتسعة كما قالوا والله أعلم ص: (وإن زيد
290

غير عين وبيع بنقد لم يقبض جاز إن عجل المزيد) ش: يعني أنه إذا باع الحمار بعشرة
مثلا إلى أجل ثم استرده وزاده المشتري مع الحمار عوضا فإنه جائز كما إذا عجل المزيد كما
سيأتي لأنه باع العشرة التي في ذمته بعرض وحمار ولا مانع، وأما إن كان المزيد غير معجل
فلا يجوز كما سيأتي. وقوله: أو بيع بنقد لم يقبض كذا صوبه ب أو ومراده بالنقد هنا
المعجل لا النقد الذي هو مقابل العرض يعني فإن باع الحمار بعشرة دنانير مثلا نقدا ولم
يقبضها البائع وأعطاه المشتري الحمار وزيادة عوضا عن تلك الدنانير، فإن عجل الزيادة التي
مع الحمار جاز يريد إن لم تكن الزيادة فضة وإلا دخله البيع والصرف المؤخر، وكذا لو باعه
بيزيدية ثم استرده مع زيادة محمدية أو بالعكس. ومفهوم قوله: جاز إن عجل المزيد أنه إن
لم يعجل لم يجز وهو كذلك، وهو راجع إلى هذه المسألة والمسألة التي قبلها أعني قوله:
وإن زيد غير عين والمنع فيها ظاهر لأنه فسخ دين في دين لأن الثمن الأول فيها مؤجل فقد
انتقل البائع عنه إلى حمار مؤجل، وسواء كان إلى الاجل أو إلى أبعد منه أو أقل. وأما إذا بيع
بنقد لم يقبض ولم يعجل المزيد فلا يجوز أيضا لأنه إن كان من نوع الثمن الأول فهو تأخير
في ذلك البعض بشرط وذلك سلف اقترن بالبيع الثاني فلا يجوز، وإن كان من غير نوعه وهو
من العين فهو صرف مؤخر، وإن كان عرضا فهو فسخ دين في دين. وفهم من قوله: إن لم
يقبض أن البائع لو باع حماره بنقد وقبضه ثم استرده مع زيادة جاز، سواء عجل المزيد أم
لا. وهو قول أبي محمد بن أبي زيد كا نبه على ذلك ابن غازي.
فرع: فإن كانت الزيادة من البائع جاز مطلقا، سواء كانت البيعة الأولى نقدا أو إلى
أجل إلا أن تكون الزيادة مؤجلة وهي من صنف المبيع كما إذا استرد الحمار على أن زاده
حمارا مؤجلا فيمتنع لأنه سلف بزيادة وكان المشتري أسلف البائع حمارا يقبضه منه إلى
أجل على أن أسقط البائع عنه الثمن الأول ص: (وصح أول من بيوع الآجال فقط إلا أن
291

يفوت الثاني فيفسخان وهل مطلقا أو إن كانت القيمة أقل خلاف) ش: يعني أن بيوع
الآجال إذا وقعت على الوجه الممنوع كما لو باعه سلعة إلى شهر اشتراها بثمانية نقدا، فإن
اطلع على ذلك والسلعة قائمة لم يفت فإن البيعة الأولى صحيحة وتفسخ الثانية لأن الفساد إنما
جاء منها وهو دائر معها، أما فسخ الثانية فباتفاق على ما قاله ابن الحاجب وغيره، وحكى
اللخمي فيه خلافا ضعيفا، وأما عدم فسخ الأولى فهو قول ابن القاسم وهو الصحيح. وقال ابن
الماجشون: يفسخ البيعتان معا قال: إلا أن يصح أنهما يتعاملان على العينة، فإن فاتت السلعة
بحوالة سوق أو غيرها كما في بيع الفاسد قال في التوضيح: فتفسخ البيعتان معا ويكون للبائع
على المشتري الثمن الذي دفعه إليه. واختلف الشيوخ هل لا بد من فسخ البيعتين معا مع
الفوات مطلقا أي سواء كانت قيمة السلعة أقل من الثمن الذي باعه به البائع في البيعة الأولى أو
مثله أو أكثر، أو إنما يفسخان معا إذا كانت قيمة السلعة أقل من الثمن الذي باعها به البائع أولا،
وأما إن كانت القيمة مثله أو أكثر لم يفسخ إلا البيعة الثانية؟ قولان مشهوران والأول هو الذي
حكاه اللخمي والمازري عن ابن القاسم لأن البيعتين لما ارتبطت إحداهما بالأخرى صارا في
معنى العقد الواحد. قال في التوضيح: وصرح ابن شاس بأنه المشهور. والقول الثاني قال ابن
الحاجب: هو الأصح. قال في التوضيح: وعبر عنه بعضهم بالمشهور وهو مذهب ابن كنانة
وسحنون وتأول ابن أبي زمنين مذهب ابن القاسم عليه. ووجه أنه لو فسخت الثانية فقط مع
كون القيمة أقل لزم دفعها معجلة وهي أقل ثم يأخذ عند الاجل أكثر وهو عين الفساد الذي
منعناه منه ابتداء بخلاف ما إذا كانت القيمة مساوية للثمن الأول أو أكثر فإنه إذا فسخنا
الثانية وبقيت الأولى على حالها لم يلزم محذور وهذا الثاني ظاهر والله أعلم. وقوله: إلا أن
يفوت الثاني هو نحو قول ابن الحاجب: فإن فاتت في يد المشتري الثاني. قال في
التوضيح: ويفهم من تقييده الفوات بأن تكون في يد المشتري الثاني أنها لو فاتت في يد
المشتري الأول انفسخت الثانية خاصة وهو اختيار الباجي قال: ولم أره نصا اه‍.
292

فصل
ص: (جاز لمطلوب منه سلعة أن يشتريها يبيعها بمال ش: لما فرغ رحمه الله من
الكلام على بيوع الآجال التي لا تخص أحدا عقبها ببيع أهل العينة لاتهام بعض الناس فيها،
وهذا الفصل يعرف عند أصحابنا ببيع أهل العينة، والعينة بكسر العين وهو فعلة من العون لأن
البائع يستعين بالمشتري على تحصيل مقاصده. وقيل من العناء وهو تجشم المشقة. وقال
عياض في كتاب الصرف: سميت بذلك لحصول العين وهو النقد لبائعها وقد باعها لتأخير.
وقال قبله: هو أن يبيع الرجل الرجل السلعة بثمن معلوم إلى أجل ثم يشتريها منه بأقل من
ذلك الثمن أو يشتريها بحضرته من أجنبي يبيعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراها به
إلى أجل، ثم يبيعها هذا المشتري الأخير من البائع الأول نقدا بأقل مما اشتراها به. وخفف
هذا الوجه بعضهم ورآه أخف من الأول. وقال ابن عرفة: بيع أهل العينة هو البيع المتحيل به
على دفع عين في أكثر منها اه‍. وقسم ابن رشد في رسم حلف أن لا يبيع من سماع ابن
القاسم من كتاب السلم والآجال أو في سماع سحنون من كتاب البضائع والوكالات وفي
كتاب بيوع الآجال من المقدمات العينة إلى ثلاثة أقسام: جائز ومكروه وممنوع. وجعلها
صاحب التنبيهات في كتاب الصرف أربعة أقسام وزاد وجها رابعا مختلفا فيه وتبعهم
المصنف فأشار إلى الجائز بقوله: جاز لمطلوب منه سلعة أن يشتريها ليبيعها بمال. وفي
بعض النسخ: بنماء أي بزيادة وهو أحسن فإن هذا المقصود من العينة. قال في المقدمات:
الجائز أن يمر الرجل بالرجل من أهل العينة. وقال في كتاب السلم والآجال من البيان: أن
يأتي الرجل إلى رجل منهم يعني من أهل العينة فيقول: هل عندك سلعة كذا وكذا أبتاعها
منك. وفي البيان تبيعها مني بدين فيقول: لا، فينقلب عنه على غير مراوضة ولا مواعدة
فيشتري المسؤول تلك السلعة التي سأله عنها، ثم يلقاه فيخبره أنه اشترى السلعة التي سأله
عنها فيبيعها منه. قال في المقدمات: بما شاء من نقد أو نسيئة. وقال في كتاب البضائع
293

والوكالات: فيبيع ذلك منه بدين. وقال في التنبيهات: الجائز لمن لم يتواعدا على شئ ولا
يتراوض مع المشتري كالرجل يقول للرجل: أعندك سلعة كذا فيقول: لا، فينقلب على غير
مواعدة ويشتريها ثم يلقاه صاحبه فيقول: تلك السلعة عندي، فهذا جائز أن يبيعها منه بما شاء
من نقد وكالئ ونحوه لمطرف. قال ابن حبيب: ما لم يكن تعريض أو مواعدة أو عادة:
قال: وكذلك ما اشتراه الرجل لنفسه بعده لمن يشتريه منه بنقد أو كالئ ولا يواعد في ذلك
أحدا يشتريه ومنه يبيعه له، وكذلك الرجل يشتري السلعة لحاجة ثم يبدو له فيبيعها أو يبيع
دار سكناه ثم تشق عليه النقلة منها فيشتريها أو الجارية ثم تتبعها نفسه، فهؤلاء إما استقالوا أو
زادوا في الثمن فلا بأس به. وذكر ابن مزين: لو كان مشتري السلعة يريد بيعها ساعتئذ فلا
خير فيه ولا ينظر إلى البائع كان من أهل العينة أم لا؟ قال: فيحلق هذا الوجه بهذه الصورة
على قوله بالمكروه اه‍. فيكون على ما ذكره عياض هذا الوجه مختلفا فيه والمشهور أنه
جائز. وقول ابن مزين إنه مكروه ولم يحك ابن رشد في جوازه خلافا. وأشار المصنف إلى
الوجه الرابع المختلف فيه الذي زاده عياض بقوله: ولو بمؤجل بعضه. قال في التنبيهات:
والرابع المختلف فيه ما اشترى ليباع بثمن بعضه مؤجل وبعضه معجل، فظاهر مسائل الكتاب
والأمهات جوازه. وفي العتبية كراهته لأهل العينة لكن قال ابن غازي: ظاهر كلام المصنف
أن هذا مفرع على مسألة المطلوب منه سلعة كما يوهمه لفظ عياض ثم ذكره ثم قال: فقد
يسبق للوهم أن قوله: بثمن يتعلق بقوله: ليباع وليس ذلك بمراد بل هو متعلق ب‍ اشتر
وفي الكلام تقديم وتأخير وتقديره ما اشترى بثمن مؤجل وبعضه معجل ليباع فهي إذا مسألة
أخرى غير مفرعة على مسألة المطلوب منه سلعة. وذكر من كلام صاحب التنبيهات ما يدل
على ذلك ثم ذكر عن البيان نحو ذلك ثم قال: فإن قلت: لعل المصنف إنما فرعها على
مسألة المطلوب منه سلعة تنبيها على أن المختار عنده من الخلاف الجواز، وإن تركبت
المسألة من الوصفين فتكون غير المركبة أحرى بالجواز. قلت: هذا أبعد ما يكون من التأويل
ولكن يقربه الظن الجميل ويتقى العهدة في التزام جواز المركبة اه‍.
قلت: وقد يتلمح الجواز من قول ابن رشد فيبيعها بما شاء من نقد أو نسيئة ونحوه
لعياض كما تقدم. ص: (وكره خذ بمائة ما بثمانين أو اشترها ويومئ لتربيحه ولم
يفسخ) ش: هذا هو الوجه المكروه. قال في كتاب السلم والآجال من البيان: والمكروه أن
294

يقول: أعندك كذا وكذا تبيعه مني بدين، فيقول: لا، فيقول: ابتع ذلك وأنا أبتاعه منك بدين
وأربحك فيه فيشتري ذلك ثم يبيعه منه على ما تواعدا عليه. وقال في المقدمات: المكروهة
أن يقول: اشتر سلعة كذا وأنا أربحك فيها كذا وكذا أو أشتريها منك من غير أن يراوضه على
الربح انتهى. انظر قوله: أربحك فيه كذا وكذا مع قوله: من غير أن يراوضه على الربح
والصواب إسقاط قوله: كذا وكذا. وقال في التنبيهات: المكروه أن يقول: اشتر سلعة كذا
وأنا أربحك فيها وأشتريها منك من غير مراوضة ولا تسمية ربح ولا يصرف بذلك ولكن
يعرض به. قال ابن حبيب: فهذا يكره فإن وقع مضى. وكذلك قال ابن نافع عن مالك ولا
أبلغ به الفسخ. قال فضل: وهذا على قول ابن القاسم ويجب أن يفسخ شراء الآمر ولذلك
كرهوا أن يقول له: لا أحل أن أعطيك ثمانين في مائة ولكن هذه السلعة قيمتها ثمانون خذها
بمائة انتهى. وقول فضل: يجب أن يفسخ شراء الآمر مخالف للمشهور ص: (وبخلاف
اشترها بعشرة نقدا وآخذها باثني عشر لأجل ش: قال الشارح: يحتمل أن يكون مراده
بخلاف كذا فإنه يمتنع أو فإنه يفسخ والمعنى متقارب انتهى. والظاهر الأول فإن هذا هو
القسم الممنوع وقد ذكروا فيه ست مسائل، منها ما يفسخ ومنها ما لا يفسخ على أن
إطلاقهم المنع على هذا القسم تجوز فإن بعضه مكروه أو جائز كما سيأتي. قال في
المقدمات: والمحظور أن يراوضه على الربح فيقول: اشتر سلعة كذا بكذا وكذا وأنا أربحك
فيها كذا وأبتاعها منك بكذا ونحوه في البيان. وقال في التنبيهات: الحرام الذي هو ربا
صراح أن يراوض الرجل الرجل على ثمن السلعة التي يساومه فيها ليبيعها منه إلى أجل ثم
على ثمنه الذي يشتريها به منه بعد ذلك نقدا أو يراوضه على ربح السلعة التي يشتريها له من
غيره فيقول: أنا أشتريها على أن تربحني فيها كذا أو للعشرة كذا. قال ابن حبيب: فهذا
حرام. وكذلك لو قال: اشترها لي وأنا أربحك وإن لم يسم ثمنا. قال: وذلك كله ربا ويفسخ
هذا وليس فيه إلا رأس المال انتهى. وما ذكره عن ابن حبيب في قوله: اشترها لي وأنا
295

أربحك وإن لم يسم ثمنا مخالف لما تقدم عن ابن رشد في المقدمات والبيان وما مشى
عليه المصنف من أن ذلك مكروه فقط ولا يفسخ، فيكون ما ذكره عن ابن حبيب خلاف
المشهور وهو ظاهر، بل سيأتي عن مالك أنه لا يفسخ مع تسمية الثمن والربح في بعض
المسائل وأنه في بعضها جائز، وسيأتي التنبيه على ذلك. وذكر في التوضيح كلام عياض ولم
ينبه على ما ذكره فتأمله. قال في المقدمات والبيان: وفي هذا الوجه ست مسائل متفرقة
الاحكام. ثلاث في قوله: اشتر لي وثلاث في قوله: اشتر لنفسك أو يقول: اشتر ولا
يقول: لي ولا لنفسك. فقول المصنف: بخلاف اشترها بعشرة نقدا وآخذها باثني عشر إلى
أجل يعني به أنه يمتنع أن يقول الرجل للرجل: اشتر سلعة كذا بعشرة نقدا وآخذها باثني
عشر لأجل، سواء قال: اشترها لي أو لنفسك أو لم يقل لي أو لنفسك، فهذا ممنوع ولكن
لكل واحد حكم يخصه بينه بقوله: ص: (ولزمت الآمر إن قال لي وفي الفسخ إن لم يقل
لي إلا أن تفوت فالقيمة أو إمضائها ولزومه الاثني عشر قولان) ش: يعني أنه إذا قال:
اشتر لي سلعة كذا بعشرة نقدا وأنا آخذها منك باثني عشر لأجل. ولفظ التوضيح والبيان في
موضع: وأنا أشتريها منك ولفظ المقدمات والبيان في موضع آخر: وأنا أبتاعها منك. قال
في المقدمات والبيان: فدلك حرام لا يحل ولا يجوز لأنه من رجل ازداد في سلفه، فإن وقع
لزمت السلعة الآمر لأن الشراء كان له وإنما أسلفه المأمور ثمنا ليأخذ منه أكثر منه إلى أجل
فيعطيه العشرة معجلة ويطوع عنه ما أربى اه‍. واختلف فيما يكون للمأمور من الجعل على
الخلاف الآتي في المسألة الآتية. قال في المقدمات والبيان: وقال في سماع سحنون: إن
لم تفت السلعة فسخ البيع يعني البيع الأول الذي بين المأمور ورب السلعة. قال: وهو بعيد.
فقيل: معناه إذا علم البائع الأول بعلمهما والله أعلم. وقوله: وفي الفسخ إن لم يقل الخ.
يعني به وإن قال له: اشتر سلعة كذا لنفسك أو قال: اشتر ولم يقل لي ولا لنفسك كما
تقدم عن المقدمات والبيان بعشرة نقدا وأنا آخذها منك أو أشتريها منك أو أبتاعها منك
296

باثني عشر لأجل. قال في المقدمات: فهذا لا يجوز إلا أنه مختلف فيه إذا وقع على قولين:
أحدهما: إن السلعة لازمة للآمر باثني عشر لأن المأمور كان ضامنا لها ولو تلفت في يده
قبل أن يبيعها من الآمر. زاد في المقدمات: ولو أراد الآمر أن لا يأخذها بعد اشتراء المأمور
كان ذلك له، ويستحب للمأمور أن يتورع فلا يأخذ من الآمر إلا ما نقده في ثمنها، وهو
قول ابن القاسم في سماع سحنون وروايته عن مالك. والقول الثاني: إن البيع الثاني يفسخ
ويرد السلعة إلى المأمور إذا كانت قائمة، وإن فاتت ردت إليه قيمتها معجلة كما يصنع
بالبيع الحرام لأنه باعه إياها قبل أن تجب له فيدخله بيع ما ليس عندك، وهو قول ابن
حبيب وإلى هذين القولين أشار المصنف بقوله: وفي الفسخ إن لم يقل لي أي سواء قال:
لنفسك أو لم يقل ذلك. وقوله: إلا أن تفوت فالقيمة فيه مسامحة لأنه يقتضي أنه إذا فاتت
السلعة لا يفسخ البيع وليس كذلك، بل يفسخ على هذا القول مطلقا، فإن لم تفت السلعة
ردت نفسها، وإن فاتت ردت قيمتها ويشير " إلى هذا بقوله: فالقيمة ولو أسقطه المصنف أو
قال بدله: مطلقا لكان أبين. وكان يعلم مما تقدم أنه إذا فسخ ردت السلعة إن كانت
قائمة، فإن فاتت رد قيمتها ويأتي له مثل هذا في المسألة الأخيرة وأشار إلى القول الآخر
بقوله: وإمضائها ولزومه الاثني عشر يعني سواء كانت قائمة أو فاتت، وكان ينبغي للمصنف
أن يقتصر على هذا لأنه قول ابن القاسم وروايته عن مالك. ولم ينبه المصنف على أنه
يستحب للمأمور على هذا القول أن يتورع ولا يأخذ إلا ما نقد ولا على أن ضمان السلعة
قبل أن يشتريها الآمر من المأمور وعلى أن الآمر لا يلزمه أن يأخذ السلعة إن أبى لوضوح
ذلك. وفهم من كلام ابن رشد أنه إذا قال: اشترها لي أنها في ضمانه وأنه ليس له أن يقول:
لا آخذها وهو بين والله أعلم. وهذه المسألة فيما يبين أن مراد المصنف بقوله: بخلاف
اشترها أي فإنه ممنوع لا أنه يفسخ ص: (وبخلاف اشترها بعشرة نقدا وآخذها باثني عشر
نقدا إن نقد المأمور بشرط) ش: يعني إذ قال: اشتر لي سلعة كذا بعشرة نقدا وأنا آخذها
منك أو أشتريها منك أو أبتاعها منك باثني عشر نقدا قال في البيان: رجع الامر فيه إلى أن
الآمر استأجر المأمور على شراء السلعة بدينارين. قال في المقدمات: لأنه إنما اشتراها له.
297

وقوله: وأنا أشتريها منك لغو لا معنى لأن له العقدة له وبأمره، فإن كان النقد من عند الآمر
أو من عند المأمور بغير شرط فذلك جائز، وإن كان النقد من عند المأمور بشرط فهي إجارة
فاسدة لأنه إنما أعطاه الدينارين على أن يبتاع له السلعة وينقد عنه الثمن من عنده فهي إجارة
وسلف يكون للمأمور إجارة مثله إلا أن يكون أجرة مثله أكثر من الدينارين فلا يزاد عليهما
على مذهب ابن القاسم في البيع والسلف إذا كان السلف من عند البائع وفاتت السلعة أن
للبائع الأقل من القيمة أو الثمن وإن قبض السلف، وعلى مذهب ابن حبيب في البيع
والسلف أن فيه القيمة ما بلغت يلزم للمأمور هنا أن يكون له إجارة مثله بالغة ما بلغت وإن
كانت أكثر من الدينارين، والأصح أن لا تكون له أجرة لأنا إن أعطيناه الأجرة كان ثمنا
للسلف فكان ذلك تتميما للربا وهو قول سعيد بن المسيب فهي ثلاثة أقوال فيما يكون له
من الأجرة إذا نقد المأمور بشرط. وهذا إذا عثر على الامر بحدثانه ورد السلف على المأمور
قبل أن ينتفع به الآمر، وأما إذا لم يعثر على الآمر حتى انتفع الآمر بالسلف قدر ما يرى أنهما
كانا قصداه فلا يكون في المسألة قولان: أحدهما أن للمأمور إجارته بالغة ما بلغت، والثانية
أنه لا شئ له. ولو عثر على الآمر بعد الابتياع وقبل أن ينقد المأمور الثمن لكان النقد من
عند الآمر ولكان فيما يكون للأجير قولان: أحدهما أن له إجارة مثله بالغة ما بلغت، والثاني
أن له الأقل من إجارة مثله أو الدينارين. اه‍ من المقدمات ص: (وله الأقل من جعله أو
الدرهمين فيهما والأظهر والأصح لا جعل له) ش: يعني أنه اختلف فيما يكون في هذه
المسألة وهي ما إذا قال: اشترها لي بعشرة نقدا وآخذها باثني عشر لأجل فقيل: له الأقل من
جعل مثله ومن الدرهمين. وقيل: لا جعل له في المسألة وهو الذي استظهره ابن رشد
وصححه ابن زروق غير أن كلام المصنف مطلق وقد تقدم في المقدمات تفصيل ذلك ص:
(وجاز بغيره كنقد الآمر) ش: أي وجاز نقد المأمور بغير شرط كما لو كان الآمر هو الذي
298

نقد ص: (وإن لم يقل لي ففي الجواز والكراهة قولان) ش: يعني أنه إذا قال له: اشتر
سلعة كذا بعشرة نقدا ولم يقل لي بل قال لنفسك أو لم يقل لي ولا لنفسك. كما تقدم عن
المقدمات بل قال: اشترها وأنا أشتريها باثني عشر نقدا، فاختلف في ذلك قول مالك فمرة
أجازه إذا كانت البيعتان بالنقد جميعا وانتقد، ومرة كرهه للمراوضة التي وقعت بينهما في
السلعة قبل أن تصير في ملك المأمور. قاله في المقدمات والبيان. وهذا ما أشرنا إليه أن في
إطلاقهم المنع على هذا القسم جميعه تسامح، والعجب من ذكر المصنف هذا القول بالجواز
مع أنه قدم أولا أن المكروه أن يشتريها ويومئ لتربيحه فكيف مع التصريح بالقول بالكراهة
والله أعلم. ومن هنا يعلم أيضا أن قول ابن حبيب فيما إذا قال: اشترها وأنا أربحك ولم
يسم الثمن أنه حرام ويفسخ مخالف لقول مالك، لأن قول مالك اختلف بالجواز والكراهة مع
تسمية الربح والمراوضة عليه فتأمله. وفهم من قول ابن رشد: وانتقد أنه لو اشتراها على
النقد ولم ينقد لا يكون الحكم كذلك وهو ظاهر، ويأتي الخلاف الذي تقدم في بيوع
الآجال فيمن اشترى بأقل لأجله ثم عجله. ص: (وبخلاف اشترها باثني عشر لأجل
وأشتريها بعشرة نقدا فتلزم بالمسمى ولا تعجل العشرة وإن عجلت أخذت) ش: قال في
المقدمات: وأما المسألة الثالثة أن يقول: اشترها لي باثني عشر إلى أجل وأنا أبتاعها بعشرة
نقدا، فكذلك أيضا حرام لا يجوز. ومكروهه إن استأجر المأمور على أن يبتاع له السلعة
بسلف عشرة دنانير يدفعها إليه ينتفع بها إلى أجل ثم يردها إليه، فإذا دفع ذلك لزمت الآمر
السلعة باثني عشر إلى أجل ولا يتعجل المأمور منه العشرة النقد، وإن كان قد دفعها صرفها
إليه ولم يتركها عنده إلى أجل وإن كان له جعل مثله بالغا ما بلغ في هذا الوجه باتفاق اه‍.
ص: (وإن لم يقل لي فهل يرد البيع إذا فات وليس على الآمر إلا العشرة ويفسخ
299

الثاني مطلقا إلا أن يفوت فالقيمة قولان) ش: يعني أنه إذا قال اشتر سلعة كذا ولم يقل
لي بأن قال لنفسك أو لم يقل شيئا باثني عشر لأجل وأنا أشتريها بعشرة نقدا، فذكر في
المقدمات في ذلك القولين اللذين ذكرهما المصنف. روى سحنون عن ابن القاسم أن البيع
إذا فات ليس على الآمر إلا العشرة وأحب إلي أن لو زاده الدينارين، وظاهره أن البيع يفسخ
ما لم تفت السلعة. وقال ابن حبيب: يفسخ البيع الثاني مطلقا على كل حال كما يصنع
بالحرام البين للمواطأة التي كانت قبل البيع، فإن فاتت ردت إلى قيمتها يوم قبضها الثاني
اه‍. ففي قول المصنف: إلا أن يفوت نظر كما تقدم لأنه لا يقتضي أنه لا يفسخ إذا فات
وإن كان قوله: بالقيمة يشير إلى الفسخ والله أعلم. ولم يذكر في البيان أن القول الأول
بالفسخ مع قيام السلعة فإنه لما ذكر المسألة المتقدمة في قول المصنف وفي الفسخ وإن لم
يقل لي إلا أن تفوت فالقيمة أو إمضائها ولزومه الاثني عشر ذكر هذه بعدها وقال: فهذا لا
يجوز أيضا لأنه يختلف فيه إذا وقع على القولين المذكورين فتلزم الآمر السلعة بالعشرة نقدا.
ويستحب أن يزيد له الدينارين على القول الأول ويفسخ البيع الثاني وترد السلعة إلى المأمور
إلا أن تفوت بيد الآمر فيكون عليه فيها القيمة كما يفعل بالبيع الحرام على القول الثاني وهو
قول ابن حبيب والله أعلم.
تنبيه: قول المصنف: وأخذها في الموضعين وقوله في الموضع الثالث: وأشتريها
يجوز فيه النصب بعد واو المعية في جواب الامر ويجوز الرفع على إضمار مبتدأ فتأمله والله
أعلم.
تنبيه ثان: ومن هذا الباب مسألة يفعلها بعض الناس وهي ممنوعة وذلك أن يدفع لبعض
الناس دراهم ويقول له: اشتر بها سلعة على ذمتي، فإذا اشتريتها بعتها منك بربح لأجل ولا
إشكال في منع ذلك فقد قال في العتبية في أول رسم من سماع أشهب من كتاب البضائع
والوكالات: وسئل عمن أبضع مع رجل بضاعة يبتاع له بها طعاما ثم أتاه بعد ذلك فأخبره أنه
300

قد ابتاع طعاما وقبضه وسأله أن يبيعه إياه قال: ما أحب هذا وما يعجبني. قال ابن رشد: قد
أجازه في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال لمن أسلم
في طعام أن يبيعه بقبض وكيله. ولا إشكال في جواز ذلك لأنه قد دخل في ضمانه بقبض
وكيله إياه إذا تحقق أنه قد قبضه، وإنما كره له في هذه المسألة إذا لم يتحقق أنه قبضه
لاحتمال أن يكون كذب، ولو تحقق ذلك لما كره إلا أن يكون الوكيل في هذه المسألة
هو المبتاع للطعام بالثمن الذي دفعه إليه موكله، فلا يجوز أن يبيعه منه وإن تحقق أنه قبضه
بأكثر مما دفعه إليه، ولا بدينار إن كان دفع إليه دراهم، ولا بدراهم إن كان دفع إليه دنانير
إلا أن يكون البخس في العرف على رب الطعام فترتفع التهمة في ذلك. قاله ابن دحون وهو
الصحيح. اه‍ نقل في النوادر في آخر كتاب البضائع والوكالات ما في سماع أشهب بلفظ:
روى أشهب عن مالك في الرجل يبضع مع الرجل يباع له طعاما فأخبره أنه فعل وأنه أمره
ببيعه فقال: ما يعجبني ذلك اه‍. وقال في السلم الثالث من المدونة: وما ابتعته بعينه من
الطعام والشراب جزافا أو اشتريته من سائر العروض بعينه أو مضمونا على كيل أو وزن أو
جزافا من عطر أو زئبق أو مسك أو حرير أو توابل وشبهه، فلا بأس ببيعه قبل قبضه من بائعك
أو غيره وتحيله عليه إلا أن يكون ذلك من أهل العينة فلا يجوز بأكثر مما ابتعت اه‍.
فصل
ص: (إنما الخيار بشرط) ش: قد تقدم أن البيع ينقسم باعتبار ما يعرض له إلى
أقسام، وأن من جملة ذلك ما يعرض له من جهة لزوم العقد للمتبايعين وعدم لزومه لهما أو
لأحدهما، فيسمى الأول بيع بت وألبت القطع لكل واحد خيار صاحبه، ويسمى الثاني بيع
خيار. والأصل في البيع اللزوم والخيار عارض وينقسم إلى خيار ترو وإلى خيار نقيصة، لأنه
إما من جهة العاقد أو من جهة المعقود عليه، فإن كان من جهة العاقد بأنه يشترطه أحد
المتبايعين أو كلاهما فهو خيار التروي ويسمى الخيار الشرطي، والتروي النظر والتفكر في
301

الامر والتبصر فيه. وإن كان موجبه ظهور عيب في المبيع أو استحقاق فهو خيار النقيصة
ويسمى الخيار الحكمي. وقد يقال إما أن يكون موجب الخيار مصاحبا للعقد أو متقدما
عليه، والأول هو التروي لأنه بشرط أحد المتبايعين حين العقد، والثاني خيار النقيصة لأن
العيب الموجب للخيار هو القديم السابق على العقد.
وبدأ المصنف كغيره بالكلام على القسم الأول أعني خيار التروي وهو الذي ينصرف
إليه بيع الخيار عند الاطلاق في عرف الفقهاء وهو كما قال ابن عرفة: بيع الخيار بيع وقف
بته أولا على إمضاء يتوقع فيخرج ذو الخيار الحكمي. قال في التوضيح: وهو مستثنى من بيع
الغرر للتردد في العقد لا يسمى في جانب من لا خيار له لأنه لا يدرى ما يؤل إليه الامر،
لكن أجازه الشارع ليدخل من له الخيار على بصيرة بالثمن والمثمون ولينفي الغبن عن نفسه.
قال الشافعي: لولا الخبر عن رسول الله (ص) ما جاز الخيار لا في ثلاث ولا في غيرها انتهى.
ونحوه لابن عبد السلام ولكن قال بدل قول التوضيح: أجازه الشارع ولكن الشرع رخص
فيه فجعله رخصة وهو أيضا مقتضى كلام التوضيح. ونقل ابن عرفة عن المازري في ذلك
خلافا، ونصه المازري في كونه رخصة لاستثنائه من الغرر الذي فيه كون الثمن يختلف
بالكثرة والقلة بحسب ألبت والخيار وهذا غير ظاهر، لأنه وإن كان الثمن يختلف بحسب
ذلك المعقود عليه من ذلك معلوم فليس فيه عقد على ثمن لا يدري أيكثر أم يقل. ونبه
المصنف بأداة الحصر على أن خيار التروي إنما يكون بالشرط أي بأن يشترطه أحد
المتبايعين أو كلاهما لا بالمجلس كما يقوله ابن حبيب والشافعي وابن حنبل. قال ابن
الحاجب: الخيار ترو ونقيصة. فالخيار بالشرط لا بالمجلس للفقهاء السبعة. ابن حبيب: هو
بالمجلس لحديث الموطأ. ومعنى خيار المجلس أن يثبت الخيار للمتبايعين مدة جلوسهما
معا حتى يفترقا. والحديث الذي أشار إليه هو ما رواه مالك في الموطأ عن ابن عمر رضي
الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم
يفترقا إلا بيع الخيار ومثله في البخاري ومسلم. ونسب ابن الحاجب الحديث للموطأ لينبه
على أنه لا ينبغي أن يقال إن مالكا لم يبلغه الحديث بل علمه ورواه ونبه على أنه إنما ترك
العمل به لما هو أرجح عنده فقد قال عقبه في الموطأ: وليس لها حد معروف ولا أمر معمول
به. قال ابن العربي: يريد أن فرقتهما ليس لها وقت معلوم قال: وهذه جهالة يقف البيع عليها
فيكون كبيع الملامسة والمنابذة وكالبيع إلى أجل مجهول فيكون بيعا فاسدا ولهذا عدل عن
ظاهر الحديث الفقهاء السبعة وغيرهم من السلف وأبو حنيفة.
تنبيه: ذكر صاحب الاكمال والمازري أن ابن المسيب يقول بخيار المجلس وهو من
الفقهاء السبعة فينبغي أن يستثنى ولهذا قال في الشامل: كالفقهاء السبعة. وقيل: إلا ابن
302

المسيب. وأيضا قال في بعض طرق الحديث: ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن
يستقيله، فلو كان خيار المجلس مشروعا لم يحتج إلى الاستقالة، وقد أكثر أصحابنا من
الأجوبة عن هذا الحديث وقد أتى بأكثرها المازري في شرح التلقين وابن دقيق العيد في
شرح العمدة.
تنبيه: وافق ابن حبيب والشافعي من أصحابنا المتأخرين عبد الحميد الصائغ وهي
إحدى المسائل الثلاث التي حلف عبد الحميد بالمشي إلى مكة أن لا يفتى فيها بقول
مالك، والثانية التدمية البيضاء، والثالثة جنسية القمح والشعير.
فرع: قال في الجواهر: لا يثبت خيار المجلس بالعقد ولا بالشرط اه‍. يعني أنه لا
يثبت بمقتضى العقد كما يقوله ابن حبيب والشافعي، ولا بالشرط إذا شرطاه أو أحدهما بل
يؤدي إلى فساد العقد إذا شرطاه والله أعلم.
تنبيه: والنظر في خيار التروي في مدته وفيه الطوارئ، فالمدة تختلف باختلاف أنواع
المبيعات فإن القصد ما تختبر فيه تلك السلعة وذلك يختلف. قال في الجواهر: والنظر الأول
في مدته وهي محدودة للأول بزمن العقد وليست محدودة للآخر بزمن واحد، وكذا لا بد
من تحديده في الجملة لكن يختلف باختلاف السلعة اه‍. وقال ابن الحاجب: وحده يختلف
باختلاف السلع بقدر الحاجة. قال في التوضيح: في قوله: بقدر الحاجة إشارة إلى أنه
يضرب من الاجل أقل ما يمكن تقليلا للغرر المذكور اه‍ ص: (كشهر في دار) ش: هذا
مذهب المدونة. وفي الموازية والواضحة والشهرين. وجعله ابن رشد وابن يونس تفسيرا
والأرضون كذلك نقله في التوضيح. وقال ابن عبد السلام: ينبغي أن يفترق حكم الدار من
الأرضين لأن الحاجة إلى اختبار الدور أكثر. وقال في الشامل: كشهر في دار على المشهور.
وقيل: وشهرين. وحمل على التفسير. وقيل: وثلاثة والأرض. والربع كذلك وعن مالك في
الضيعة سنة اه‍. ص: (ولا يسكن) ش: أي لا ينتقل إليها بأهله ومتاعه وله أن يدخلها بنفسه
ويبيت بها. قال ابن عرفة التونسي: له أن يقيم بالدار ليلا لخبرة جيرانها دون سكنى. وقال
اللخمي: أما الدار فتسقط الأجرة عنه إذا كان المشتري في مسكن يملكه أو بكراء ولم يخله
لأجل انتفاعه بالأخرى، وإن كان سكناه بكراء فأخلاها أو أكراها لم يجز أن يكون الثاني بغير
303

كراء اه‍. فيفهم من كلام اللخمي أنه يجوز له أن يسكنها بالكراء، وكذلك يفهم من كلام
ابن محرز الذي نقله ابن غازي فذكر أنه إذا سكنها كان عليه كراؤها لأن الغلة للبائع واختار
المشتري الامضاء أو الرد قال: ولو شرط المشتري أن يسكنها بأهله مدة الخيار على أن لا
يؤدي كراءها لكان البيع فاسدا لأنه من بيع العربان اه‍ ص: (وكجمعة في رقيق
واستخدمه) ش: قال ابن عرفة اللخمي: ولا يغيب أحدهما على الجارية وخدمة العبد
للمبتاع لغو وأجر منفعته وخراجه غلة. وقال في الشامل: وحيل بين الأمة والمتبايعين في زمنه
وللمشتري استخدامها دون غيبة عليها ص: (وكثلاثة في دابة) ش: وكذلك الإبل والبقر
والغنم قاله عبد الحق في التهذيب ص: (وكيوم لركوبها) ش: هذا إذا أراد ركوبها في
المدينة وإن أراد السفر عليها فالبريد والبريدان كما قال الباجي ونقله ابن غازي.
فرع: قال في التوضيح: واختلف هل للمشتري أن يركب الدابة بمقتضى عقد الخيار
ليختبر سيرها وحملها من غير أن يشترط ذلك وهو فذهب أبي عمران، أوليس له ذلك حتى
يشترط وهو مذهب أبي بكر بن عبد الرحمن؟ وقول أبي عمران هو الصحيح اه‍. وانظر هذا
الخلاف هل هو في ركوبها في البلد أو فيه وفي السفر عليها وهو الذي يظهر من كلام
التوضيح ومن كلام ابن عرفة؟ قال ابن عرفة بعد أن نقل عن ابن عبد السلام نحو ما تقدم عن
التوضيح: هو خلاف قول عياض قول أبي بكر بن عبد الرحمن لا يركب إلا بشرط كقولها إن
شرط. وقول أبي عمران يركب وإن لم يشترط إن كان الركوب عرفا في اختبارها اه‍ والله
أعلم.
تنبيهات: الأول: أتى بالكاف في هذه المدة التي ذكرها ليدخل ما قاربها فهو كقول
ابن الحاجب وغيره الشهر ونحوه والجمعة ونحوها، وسيأتي في كلام اللخمي أن الزيادة
اليسيرة مكروهة ولا يفسخ بها البيع.
الثاني: ظاهر كلام المصنف أنه لا فرق بين كون الاختيار لاختبار المبيع أو للتروي
في ثمنه وهو ظاهر كلام أهل المذهب. وقال المصنف: إنه لا فرق بين كون الاختيار
304

لاختبار المبيع أو للتروي في ثمنه وهو ظاهر اللخمي إن كان الخيار للتروي في الثمن استوى
في ذلك الثوب والعبد والدابة وكان الاجل على قدر الثمن وليس الأمد إذا كان الثمن دينارا
كالعشرين ولا العشرين كالمائة ولا المائة كالألف. ونقل ابن عرفة عن التونسي أنه يكون
الاجل في ذلك ثلاثة أيام ونصه التونسي واللخمي: يختلف أمده بحسب المبيع إن كان
لخبرته، وإن كان للتروي في ثمنه فقال التونسي: ثلاثة أيام فقط ولو شرط في الدار شهرا
للتروي لم يجز إلا ثلاثة. اللخمي: التروي بحسب قدر الثمن ليس الدينار كالعشرة ولا هما
كالمائة ولا هي كالألف اه‍. قلت: ما نقله عن التونسي لم أره في تعليقه بل كلامه يقتضي
خلاف ذلك فإنه قال بعد أن ذكر الخيار إن كان لاختبار المبيع دفع للمشتري، وإن كان
للتروي في الثمن لم يدفع إليه ما نصه: شرط المشتري في الدار شهرا أو شهرين وفي الجارية
جمعة، يدل على أنه أراد الاختبار إذ المشورة تكون في يومين أو ثلاثة وما قارب ذلك ليس
كثرة السؤال والبحث عن شراء دار يريد الانسان بقاءها له وسكناها ويتعذر عليه شراء مثلها
وبيعها إذا لم يوافقه مثل شراء سلعة يقدر على الانفصال منها وبيعها وشراء مثلها في ثوب،
وكذلك الخادم لا تشبه السلعة، ولو كان الامر كما ذكرت لوجب أن يسأل عن ضرب شهر
في الدار فيقال له: بماذا ضربت هذا. فإن قال: ليختبر جيرانها أجزناه، وإن قال: لأستشير
وانظر قلنا له: لا يجوز هذا ولا يضرب لك في الاستشارة إلا ثلاثة أيام، وهم قد أطلقوا القول
بأن لك الخيار في الدار شهرا أو شهرين إمكان الامرين جميعا اه‍. فانظر كلامه هذا فإنه
يقتضي أن ما ذكره عنه إنما هو بحث وأن " المنقول عن أهل المذهب عدم التفرقة فتأمله،
وسيأتي في كلام صاحب اللباب أنه قول لبعض الشيوخ ويأتي أيضا في كلام عياض. وممن
سوى بين الاختبار والمشورة ابن رشد في المقدمات ونقله عنه أبو الحسن الصغير قال: وانظر
لو كان الخيار للمشورة لا للاختبار، هل يفصل في ذلك أم لا؟ ذهب ابن رشد إلى أنه
يفصل في ذلك كما في الاختبار، وذهب عياض إلى أنه لا يفصل في ذلك وأن الثلاثة الأيام
في الكل انتهى.
الثالث: لم يذكر المصنف مدة الخيار في الفواكه والخضر. وفي المدونة: ومن
اشترى شيئا من رطب الفواكه والخضر على أنه بالخيار، فإن كان الناس يشاورون في هذه
305

الأشياء غيرهم ويحتاجون فيه إلى رأيهم فلهم من الخيار في ذلك بقدر الحاجة مما لا يقع
فيه تغيير ولا فساد. ونقله في التوضيح وابن عرفة.
الرابع: ما ذكره المصنف من تحديد مدة الخيار وما بعدها هو المعروف. وقال في
اللباب: ومدته غير محدودة على المشهور حكاه عياض. وفي المدونة: هي ما في الدار شهر
يريد في سائر الرباع وفي الرقيق الخمسة الأيام والجمعة وشبه ذلك والدابة تركب اليوم
ونحوه. ولا بأس إذا كان الخيار للاختبار وإن كان للمشورة فيكون الأمد مقدار ما يشاور فيه
انتهى. وكلام القاضي عياض في التنبيهات لأنه لا يقتضي ما ذكره عنه ونصه: وليس لأمده
عندنا حد وقدر لا بد منه إلا بحكم السلعة التي تحتاج الخيار من تقض يجب عليها وسؤال
واستشارة واختبار ولكل سلعة في الاختبار حالة بخلاف غيرها عليه جرى تقدير أئمتنا
ومشايخنا في أمد الخيار لعدم المشورة والرأي، فيستوي أمد الخيار في ذلك بقرب ذلك
وتساوي السلع فيه. ولعل قوله في اللباب: ومدته غير محددة معناه أنه ليس لها حد واحد
كما يقول الشافعي وأبو حنيفة أنه ثلاثة أيام في جميع الأشياء والله أعلم. ويؤيده قول ابن
بشير ومذهبنا أنه ليس محدودا بزمن مؤقت بل يختلف باختلاف المبيع فيطول إن احتيج إلى
الطول ويقصر إذا أغنى في ذلك القصر.
الخامس: قال ابن عرفة بن محرز: لو باع عرضا بعرض اعتبر أمد المقصود منهما
بالخيار اه‍ والله أعلم. ص: (وهل إن نقد تأويلان) ش: سوى بين التأويلين. وقال في
التوضيح: الأكثر على التأويل الأول وهو تقييد المدونة بالنقد وعليه اقتصر ابن بشير. ونص
التوضيح: أكثر الشيوخ على تقييد المدونة بشرط انتقاد الثمن وإلا لم يجز، لأن البائع يكون
حينئذ أخذ عن دين وجب له سلعة بخيار وذلك لا يجوز، والتأويل الثاني للخمي فهم المدونة
على إطلاقها. وقال في التوضيح: يقع في بعض نسخ ابن الحاجب وقيد إن نقد بالدال وفي
بعضها وقيل باللام قال: والنسخة الأولى أحسن لأنها على طريق الأكثر اه‍. فيظهر من كلامه
في التوضيح ترجيح التأويل الأول والله أعلم. وقال في الشامل: وهل إن نقد وعليه الأكثر أو
306

مطلقا تأويلان اه‍ ص: (وضمنه حينئذ المشتري) ش: أما إن كان المشتري هو الذي جعل
الخيار للبائع فالضمان منه اتفاقا، وأما إن كان البائع هو الذي جعل الخيار للمشتري فقولان:
مذهب المدونة أنه من المشتري وروى المخزومي أنه من البائع وعزاه ابن عرفة للمغيرة. وقال
في الشامل: وضمنه حينئذ المشتري ولو جعل البائع الخيار له على الأصح. قال في التوضيح:
بناء على أن اللاحقات للعقود هل تقدر واقعة فيها أو لا. ص: (وفسد بشرط مشاورة بعيد)
ش: وكذا بشرط خياره ورضاه من باب أحرى. قال اللخمي: وإذا كان من شرط رضاه أو
خياره أو مشورته غائبا بعيدا لغيبة لم يجز البيع.
فرع: قال في الشامل: فإن كان بعيدا فسد ولو ترك المشورة ليجيز البيع لم يصح اه‍
تنبيه: فهم من قول المصنف: وفسد بشرط مشاورة بعيد أنه يجوز ابتداء وقوف بت
البيع على مشورة الغير إذا لم يبعد وهو كذلك ولا إشكال في جوازه.
فرع: قال في النوادر في باب ضمان البياعات: ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن
ساوم رجلا سلعة فماكسه المشتري حتى تقف على ثمن فلم يرده البائع على هذا ولا قال
له: إن رضيت فخذ وإنما هي بكذا، فيقول السائم: أذهب بها وأشاور. فيقول: افعل فيذهب
بها المشاور ثم يرضى ويأتي بالثمن فيبدو للبائع أو يقول: بعتها ممن زاد عليك وإنما بيني
وبينك سوم، فالبيع تام إن رضيه المبتاع وليس من سام بشئ فقال المبتاع: قد أخذتها فيبدو
للبائع كمن وقف على ثمن سلعة ودفعها إلى المبتاع فذلك يلزمه إلا أن يقبله المبتاع وإن
هلك ذلك بيد المبتاع قبل أن يرضى به فهو من البائع اه‍. فيؤخذ من هذه المسألة أن السلعة
إذا لم يحصل فيها عقد البيع فمصيبتها من ربها اه‍ والله أعلم. ص: (أو مدة زائدة) ش: قال
ابن عرفة: ولو شرط بعيد أمد فالنص فسخ البيع، ثم ذكر عن اللخمي أنه خرج إمضاءه من
القول بإمضاء بيوع الآجال حيث لم تكن العادة جارية بما اتهما عليه. قال: ورده المازري
بأن فساد بيع الخيار معلل بالغرر.
فرع: وعلى الفسخ فلو أسقط ذلك لم يصح البيع. وقال في الجواهر: ولو زاد في مدة
307

الخيار على ما هو أمد خيارها في العادة فسد العقد. قال القاضي أبو محمد: ولا يصح العقد
بإسقاط مشترطه له بخلاف مشترط السلف إذا أسقطه لأنه اشترط أن يكون له الخيار بين
الامساك والرد طول هذا الأمد، فإذا اختار الامضاء فقد عمل بمقتضى الشرط الفاسد. ثم ذكر
عن المازري أنه خرج قولا بالامضاء إذا أسقط الشرط، ونقل ابن عرفة كلام القاضي والمازري
ورد تخريجه ثم قال: قال المازري: وهذا إذا أسقط بت البيع ولو أسقط الزائد على المدة
المشروعة ففيه نظر على مأخذه.
تنبيه: أطلق المصنف الفساد بالمدة الزائدة وقيده في الشامل بأن تكون زادت كثيرا
قال: والاكراه ذلك ونصه: وبمدة جهلت كقدوم زيد أو زادت كثيرا وإلا كره اه‍. ولم يذكر
ذلك في التوضيح ولا ابن عرفة وأصله للخمي قال: الاجل على ثلاثة: جائز ومكروه وممنوع.
فإن كان مدة تدعو الحاجة إليها جاز، وإن زاد يسيرا كره ولم يفسخ وإن بعد الاجل كان
مفسوخا وهذا قول مالك، ويؤيده ما ذكره في التوضيح عن ابن المواز في الخيار في الرقيق
أنه قال: وإن وقع على عشرة أيام في العبد والأمة لم أفسخه وأفسخه في الشهر. وفي
الجواهر قال محمد: الأربعة الأيام والخمسة لا أفسخه في عشرة أيام وأفسخه في الشهر اه‍.
فرع: وإن قلنا: إن البيع يفسخ بالمدة الزائدة إذا كثرت، فهل ضمان البيع من البائع
كما في بيع الخيار الصحيح، أو حكم الضمان حكم البيع الفاسد؟ في ذلك طريقتان: الأولى
لابن رشد أن الضمان من البائع لم يحك في ذلك خلافا. قال في سماع سحنون من كتاب
بيع الخيار عن ابن القاسم فيمن اشترى سلعة بالخيار أربعة أشهر أن مصيبتها من البائع وإن
كان فاسدا. قال ابن رشد: هذا بين لأن البيع الفاسد إنما يدخل في ضمان المشتري بالقبض
إذا لم يكن فيه خيار والضمان من البائع في بيع الخيار إذا كان صحيحا فكيف إذا كان
فاسدا؟ والثانية للتونسي وعبد الحق وغيرهما في ذلك قولان. قال عبد الحق في تهذيبه:
واختلف إذا كان الخيار طويلا جدا لا يجوز مثله في أمد البيع ممن ضمانها، فقيل من البائع
ما دام الخيار قائما وقيد لذلك حكم البيوع الفاسدة بغير هذا ويكون الضمان من المشتري
بالقبض اه‍. ونقل ابن عرفة القولين وصوب التونسي الأول وهو الظاهر، ويكفي في ترجيحه
اقتصار ابن رشد عليه ويؤيد ذلك ما ذكره في هذا الفرع الذي يليه فإنه مبني عليه والله أعلم.
فرع: قال ابن عرفة: قال سحنون: لو شرط في عقد ثلاث سنين وبنى المبتاع وغرس
في أمد الخيار والخيار للبائع لم تفت بذلك ورد للبائع وللمبتاع قيمة بنائه منقوضا وإن بنى
بعد أجل الخيار المشترط فذلك فوت يوجب على المبتاع قيمة المبيع يوم انقضاء أمد
الخيار اه‍. ولم يذكر ابن عرفة خلافا والمسألة في نوازل أصبغ عن سحنون من كتاب بيع
الخيار، ولم يحك ابن رشد فيها خلافا وذكرها ابن يونس ثم قال: وروى ابن سحنون عن
308

أبيه فيمن اشترى سلعة وشرط خيار سنة أو سنتين أن البيع فاسد وضمانها من المشتري من
يوم قبضها اه‍. ففهم منه أن البناء والغرس على هذا القول يكون فوتا ولو كان في أمد الخيار،
ويفهم ذلك من كلام صاحب الذخيرة فإنه قال ابن يونس: فإن شرط الخيار سنتين فبنى
وغرس والخيار للبائع فليس فوتا ويكون فيه قيمته منقوضا، وإن بنى بعد أجل الخيار فهو
فوت وعليه قيمة الدار يوم انقضاء أمد الخيار. قاله سحنون. وقال أيضا: يضمن المشتري يوم
القبض كالبيع الفاسد اه‍. وتبعه صاحب الشامل إلا أن كلامه في الشامل يوهم أن هذا الفرع
مفرع على القول بأن الخيار في الصيغة يجوز إلى سنة أو فرع مستقل في بيع الخيار وليس
كذلك، ويوهم أيضا أن القول الثاني بضمان القيمة إنما هو فيما إذا بنى وغرس بعد أمد
الخيار وليس كذلك، وأيضا فالذي رأيته في النسخ الموجودة منه ما نصه: فإنه بنى أو غرس
والخيار للبائع لم يفت وعليه قيمته منقوضا إلا أن يبعد أمد الخيار فله قيمة المبيع يوم
مضيه. وقيل: يوم القبض. فقوله: إلا أن يبعد من البعد ضد القرب ليس له معنى وصوابه إلا
أن يبعد أي يتجاوز أمد الخيار فتأمله ص: (أو مجهولة) ش: قال في الجواهر: كقولهما إلى
قدوم زيد ولا أمارة عندهما إلى قدومه، أو إلى أن يولد لفلان ولا حمل عنده، أو إلى أن ينفق
سوق السلعة ولا أوان يغلب على الظن عرفا أنها تنفق فيه إلى غير ذلك مما يرجع إلى الجهل
بالمدة والبيع فاسد اه‍. فعلم منه أن الاجل إذا كان معلوما بالعرف له كقدوم الحاج ونحوه
جاز إذا لم يكن زائدا على المدة المعتبرة في تلك السلعة والله أعلم.
فرع: قال في الذخيرة عن الطرطوشي: إذا شرط خيارا بعيد الغيبة أو أجلا مجهولا فسد
وإن أسقطه اه‍.
فرع: الظاهر أن حكم الضمان في هذه المسألة حكم الضمان في المسألة السابقة
ص: (أو غيبة على ما لا يعرف بعينه) ش: هكذا قال سحنون في أوائل كتاب الخيار من
المدونة ونصه: لما ذكر الخيار في الفواكه والخضر فقال من غير أن يغيب المبتاع على
309

ما لا يعرف عينه من مكيل أو موزون فيصير تارة سلفا وتارة بيعا. ثم قال: وذلك جائز فيما
يعرف عينه اه‍. وظاهر ما ذكره من التعليل في المدونة أنه يفسد البيع ونحوه لابن الحاجب
وغيره. قال في التوضيح: وأطلق المصنف في قوله: لا يغاب ومراده الغيبة بالشرط وإلا فلو
تطوع البائع بإعطاء السلعة للمشتري جاز لأن التعليل يرشد إليه لأنه إنما يكون تارة بيعا وتارة
سلفا مع الاشتراط كما في الثمن اه‍. وظاهر إطلاق قول المصنف: أو غيبة أن غيبة البائع
أيضا ممتنعة. قال في التوضيح: وقد نص في الموازية على امتناع غيبة البائع أيضا على ما لا
يعرف بعينه قال: وليجز عنهما جميعا. والتعليل المذكور حاصل ويقدر كأن المشتري التزمه
وأسلفه فيكون بيعا إن لم يرده وسلفا إن رده. وأجاب بعض الشيوخ يبقى بيد بائعه لأنه عين
شيئه.
تنبيهان: الأول: ما ذكره الشيخ من فساد البيع باشتراط الغيبة على ما لا يعرف بعينه
مخالف لما قاله اللخمي ونقله عنه ابن عرفة وقبله ولم يحك خلافه ونصه ناقلا عن المدونة
سحنون: ولا يغيب مبتاع على مثلي. اللخمي: إلا أن يطبع فإن غاب دونه لم يفسد البيع
بشرط ويجوز طوعا اه‍. ونص كلام اللخمي في الفواكه الرطبة واللحم جائز إلى مدة لا يتغير
فيها ولا يغيب عليها البائع ولا المشتري إلا أن يطبع عليها أو يكون الثمر في شجرة، فإن
غاب عليها أحدهما ولم يطبع عليها لم يفسد البيع ولا يتهم إن كان الخيار للبائع أن يقصد
بالبيع هذا أو مثلها، ولان للمشتري أن يتسلفها ويرد مثلها، وكذلك كل ما بيع بالخيار مما
يكال أو بوزن كالقطن والكتان أو القمح والزيت فلا يغيب عليه بائع ولا مشتر فإن فعلا مضى
ولم يفسخ.
الثاني: يفهم من قول المصنف: ما لا يعرف بعينه أن ما يعرف بعينه يجوز الغيبة عليه
وهو كذلك كما تقدم عن المدونة. وهل يقضى بتسليمه للمشتري إذا طلب ذلك؟ قال
اللخمي: الخيار يكون لثلاث: للتروي في الثمن ولعلم غلائه من رخصه، والثاني ليؤامر نفسه
في العزم على الشراء مع علمه بموضع الثمن من الغلاء والرخص، والثالث ليختبر المبيع وأي
ذلك قصد بالخيار جاز. وإذا كان الخيار ليتروى في الثمن لم يكن له قبض المبيع لأن ذلك
يصح مع كونه عند بائعه، وإن كان ليعاود نظره في الثوب أو العبد وما أشبه ذلك أو ليختبر
المبيع كان له قبضه، فإن لم يبين الخيار لما أراده كان محمله على غير الاختبار لأن
المفهوم من الخيار أنه في العقد إن شاء رده وإن شاء قبل. فإن قال المشتري: سلمه إلي
لنختبره لم يكن له ذلك إلا بشرط اه‍. ونقله ابن عرفة مختصرا مجحفا. فقال اللخمي:
الخيار لخبرة المبيع والتروي في ثمنه أو كسبه له قبضه للأول أن يبينه وإلا فلا. اللخمي: إن
اتفقا على وقوعه مطلقا وإن ادعى كل قصدا نقيض الآخر فسخ اه‍. وقال في اللباب: الخيار
إن كان للتروي في الثمن لم يكن له قبض السلعة، وإن كان ليعاود نظره في الثوب أو
310

ليختبره جاز له قبضه اه‍. وكذا قال التونسي: إنه إذا امتنع البائع من دفع المبيع للمشتري
وقال: إنما فهمت عنه المشورة لا أن أدفع إليه عبدي فذلك للبائع ولا يدفع للمشتري
ليختبره إلا بشرط لأن الخيار تارة يكون للمشورة وتارة للاختبار ولا يلزم الاختبار إلا بشرط
اه‍. ص: (أو لبس ثوب) ش: يعني أنه يفسد البيع إذا شرط المشتري لبس الثوب في أيام
الخيار. قال في التوضيح: فإذا فسخ لزمه الكراء لأجل اللبس. ابن يونس: بلا خلاف ولم
يجعله كسائر البيوع الفاسدة إذا فسخت فإنه لا يلزم المشتري رد الغلة. وذكر ابن يونس عن
بعض الأصحاب أنه اختلف إذا فسد البيع باشتراط النقد هل ضمانها من البائع أو من المبتاع؟
ابن يونس: فعلى أن الضمان من المبتاع يلزمه شئ في اللبس كسائر البيوع الفاسدة،
فتأمل كلام ابن يونس فإن حكايته الخلاف ثانيا يخالف ما حكاه أولا من الاتفاق وقاله أبو
الحسن اه‍. وفيه نظر.
تنبيهات: الأول: قال أبو الحسن الصغير: قوله: ولا يشترط لبس الثوب يعني اللبس
الكثير وليس مراده أن يقيسه عليه، واختصره أبو إسحاق. وأما الثوب فإنما يشاور فيه
ويقيسه.
الثاني: قوله في التوضيح: فإذا فسخ لزمه الكراء لأجل اللبس ظاهره أنه يلزمه كراء
اللبس سوا نقصه أو لم ينقصه، والذي في ابن يونس أنه يلزمه قيمة اللبس إذا نقصه ذلك،
وكذلك نقله القرافي.
الثالث: ما ذكره الشيخ من الترافع في كلام ابن يونس ليس فيه فيما رأيت ونصه: وإذا
فسد البيع في اشتراط لبس الثوب ونقص كان على المبتاع قيمة لبسه. وذكر بعض أصحابنا
311

أنه اختلف إذا فسد البيع باشتراط النقد في أيام الخيار فهلكت السلعة ممن ضمانها، فقيل من
البائع فيكون الحكم في قيمة اللبس مثل ما قدمنا، وقيل من المبتاع يوم قبضها كسائر البيوع
الفاسدة فيكون على هذا لا شئ عليه في اللبس كسائر الغلات. ابن يونس: ولم أر إذا فسد
البيع باشتراط النقد خلافا أن المصيبة من البائع، وإنما اختلف إذا فسد البيع باشتراط الخيار
الطويل الذي لا يجوز في تلك السلعة فقال سحنون عن ابن القاسم: إن الضمان من البائع.
وقال عنه ابنه: إن الضمان من المشتري من يوم القبض لأن الخيار وقع فاسدا، وهذا بخلاف
إذا صح الخيار وفسد البيع لاشتراط النقد فيه أن الضمان ها هنا من البائع لأن الخيار ها هنا
صحيح. ابن يونس: فعلى هذا تكون قيمة لبس الثوب على المشتري بلا خلاف فانظره اه‍.
فليس في كلامه رحمه الله تدافع لأنه حكى عن بعض الأصحاب الخلاف في ضمان المبيع
إذا فسد البيع باشتراط النقد، وأن البعض المذكور خرج عن ذلك الخلاف في أجرة لبس
الثوب ثم رد عليه حكاية الخلاف في مسألة اشتراط النقد وأنه لا خلاف فيها أن الضمان من
البائع، ثم فرع على ذلك أنه إذا لم يكن في ذلك خلاف فلا، وأيضا في مسألة الثوب وهو
كلام حسن فتأمله. وتحصل من كلامه أن بيع الخيار إذا فسد فإن كان فساده من جهة
الخيار لاشتراط المدة البعيدة فاختلف في الضمان، وإن كان فساده ليس من جهة الخيار فلا
خلاف أن الضمان من البائع، وإذا علم ذلك علم حكم الضمان في هذه المسائل التي
ذكرها المصنف أنها فاسدة. وقد تقدم الكلام في حكم الضمان في المدة الزائدة وأن الراجح
أن الضمان من البائع، والظاهر أن المدة المجهولة كالمدة الزائدة لأن الفساد من جهة
الخيار. وأما مسألة الغيبة على ما لا يعرف بعينه ومسألة الثوب ومسألة اشتراط النقد، فالضمان
من البائع ولو قبض المشتري السلعة حتى تمضي أيام الخيار والله أعلم. وقد ظهر وجه لزوم
الأجرة للمشتري لأن الضمان من البائع والغلة له، وتقدم في كلام ابن رشد أن البيع الفاسد
إنما يدخل في ضمان المشتري بالقبض إذا لم يكن بيع خيار، وبعض الأصحاب الذي أشار
إليه ابن يونس هو عبد الحق في التهذيب فإنه ذكر نحو ما قال ابن يونس والله أعلم.
الرابع: لا خصوصية للثوب بما ذكر بل حكم الدار والعجد والدابة. كذلك قال أبو
إسحاق لما تكلم على مسألة الدار والعبد، ولا يجوز اشتراط الانتفاع بذلك إذا كان له ثمن
وفيه له انتفاع ولا ينتقل إلى الدار بمعنى أنه يسكنها ويصرف عن نفسه مؤنة كراء دار كان
يسكنها، وإنما يمضي وحده فيقيم فيها ليلا يختبر أمر الجيران من غير انتفاع بذلك ولا نقل
فرش إليها، وكل أمد من هذا يكون له ثمن وله فيها انتفاع فلا يصح شرطه ولا أن يفعل بغير
شرط وما لا قدر له فجائز أن يشترط، فإن لم يشترط لم يلزم البائع بدفع المبيع إلى البائع
ليختبره إلا بشرط اه‍. وقد تقدم في كلام ابن غازي عن ابن محرز أنه يفسد البيع بشرط
سكنى الدار من غير كراء، وتقدم أيضا عن اللخمي أنه قال: أما الدار فتسقط الأجرة عن
312

المشتري إذا كان في مسكن يملكه أو بكراء ولم يخله لأجل انتفاعه بالأخرى، وإن كان
سكناه في كراء فأخلاها أو أكراها لم يجز أن يكون الثاني بغير كراء اه‍. وقد تقدم في كلام
ابن محرز أنه إن سكن أدى الأجرة. ثم قال اللخمي: وكذلك الدابة إن كان اختارها فيما لا
تستأجر له جاز بغير عوض، وإن كان فيما يستأجر له ولم تختبر مدة لم يجز إلا بعوض.
والعبد على ثلاثة أوجه: عبد خدمة وعبد صناعة وعبد خراج، فعبد الخدمة لا تكون له أجرة
وإن كان ذا صنعة ويقدر المشتري على معرفتها وهو عند سيده فعل ذلك وإلا عمل عند
المشتري وتكون عليه الأجرة لذلك إلا نحوا من اختباره الشئ اليسير الذي لا تكون له
أجرة، وإن كان من عبيد الخراج وأراد المشتري معرفة كسبه كل يوم كان للمشتري أن يبعثه
في مثل ذلك ويكون ما يكسبه للبائع، وإن دخل على أنه للمشتري لم يجز، وإذا ثبت العوض
عن هذه الأشياء سكنى أو غيرها فإنه ينبغي أن يكون العوض معلوما، فإن قبل المشتري بعد
انقضاء الأمد كان للبائع الثمن والأجرة، وإن قبل بعد مضي بعض ذلك الأمد كان له من
الأجرة بقدر ما انتفع وسقط ما سواه اه‍ والله أعلم. ص: (ورد في كالغد) ش: هو كقوله في
المدونة: وإن كان بعد غروب الشمس من آخر أيام الخيار أو كالغد وقرب ذلك فذلك له.
قال أبو الحسن: يعني بالقرب اليوم واليومين والبعيد ثلاثة أيام اه‍.
فرع: قال في المدونة: ولو شرط إن لم يأت المبتاع قبل مغيب الشمس من آخر أيام
الخيار لزم البيع لم يجز. أرأيت إن مرض المبتاع أو حبسه سلطان كان يلزم البيع. قال ابن
يونس: قال ابن القاسم في كتاب محمد: ويفسخ البيع وإن فات الاجل الذي يجب به البيع.
ابن يونس عن القابسي: هذه المسألة تحمل على اختلاف قول مالك فيمن باع سلعة وشرط
إن لم يأت بالثمن إلى أجل كذا وإلا فلا بيع بينهما فقد قال فيها في آخر تأويله: إنه يفسخ
البيع وإن أسقط الشرط ورآه بيعا فاسدا. فالذي قاله محمد في هذه المسألة جار على هذا
القول، ويحتمل أن يجري فيها الاختلاف كما جرى في هذه. وفرق بينهما بعض الناس بأن
البيع في هذه المسألة لم يتم فوجب فسخه، وفي تلك تم فوجب إسقاط الشرط. ابن يونس:
والصواب أن المسألتين سواء ويدخلها الاختلاف اه‍. قلت: وإذا كان كذلك فالمشهور في
313

المسألة إن لم يأت بالثمن صحة البيع وسقوط الشرط فيكون كذلك في هذه المسألة،
ويكون قوله في المدونة لم يجز أي ابتداء فتأمله والله أعلم. ص: (وبشرط نقد) ش: هو
معطوف على قوله: بشرط مشاورة بعيد ويعني أن بيع الخيار يفسد إذا اشترط البائع فيه
على المشتري أن ينقده الثمن لأنه يؤدي إلى أن يكون الثمن تارة بيعا وتارة سلفا. وفهم من
قوله: وبشرط نقد أن التطوع بالنقد جائز وهو كذلك. قال في أول كتاب الخيار من
المدونة: والنقد فيما بعد من أجل الخيار أقرب ولا يحل بشرط، وإن كان بيع الخيار بغير
شرط النقد فلا بأس بالنقد فيه اه‍. قال في التوضيح في الكلام على بيع الغائب لما ذكر هذه
النظائر: وإنما جاز النقد مع عدم الاشتراط لضعف التهمة. وقال ابن عبد السلام هنا: كما لو
تطوع المشتري بأن سلف البائع بعد عقدة البيع.
تنبيهات: الأول: إذا تواطأ على النقد قبل عقد البيع ولم يشترطاه في عقدة البيع فذلك
بمنزلة الشرط وهو واضح، بل لو فهم ذلك من غير تصريح به فالظاهر أنه كالشرط فتأمله.
الثاني: قال ابن الحاجب: ولو أسقط النقد لم يصح بخلاف مسقط السلف. وقيل:
مثله والفرق بينهما على المشهور أن الفساد في اشتراط النقد واقع في الماهية لأنه غرر في
الثمن إذ المقبوض لا يدرى هل هو ثمن أم لا، ومسألة شرط السلف الفساد موهوم وخارج
عن الماهية. قال في التوضيح: وقال في النكت: قال بعض الأندلسيين: وإذا وقع البيع
باشتراط النقد فقيل لهما: إن هذا لا يجوز فقال البائع: أنا أسقط تعجيل النقد وأمضي البيع
بالخيار، فينبغي على أصولهم أن لا يكون ذلك له وأن يكون بيعهما فاسدا بخلاف من باع
سلعة واشترط أن يسلفه المشتري ثم قال: أنا أسقط السلف قبل أن يقبضه وأمضي البيع فتدبر
ذلك اه‍. وقال في الشامل: ولو أسقط شرط النقد لم يصح على المنصوص اه‍.
الثالث: لو طلب البائع وقف الثمن أي إخراجه من يد المشتري ووضعه على يد أمين
حتى يتبين مآل أمر البيع، هل يتم فيأخذه البائع أو لا فيرجع إلى المشتري لم يلزم المشتري
ذلك. قال بعضهم اتفاقا وحكى بعضهم فيه قولا بالاتفاق قياسا على المشهور في المواضعة
والغائب من لزوم إيقافه. والفرق على المشهور أن البيع في المواضعة والغائب قد انبرم وفي
بيع الخيار لم ينبرم. ونقله ابن الحاجب وصاحب الشامل وغيرهما والله أعلم. ص: (وأرض
لم يؤمن ريها) ش: الري بكسر الراء وفتحها. قال في الصحاح: تقول رويت من الماء
314

بالكسر أروي ريا وروي مثل رضا اه‍. وما ذكره المصنف هو نحو قوله في أكرية الدور
والأرضين من المدونة: وإن أكريت من رجل أرضه قابلا وفيها زرع أو لمكتري عامه جاز،
315

فإن كانت مأمونة كأرض النيل جاز النقد فيها وإلا لم يجز بشرط. وقال الشارح: ظاهر كلام
المصنف أن التطوع بالنقد جائز. ونص الفاكهاني في شرح الرسالة على خلافه انتهى. وقول
316

المدونة: وإلا لم يجز بشرط موافق لظاهر كلام المصنف والله أعلم. ص: (واستبد بائع أو
مشتر على مشورة غيره) ش: قال في الشامل على الأصح.
فرع: قال في الشامل: ولو مات فكذلك وقيل لا يلزم اه‍. والمشورة الشورى وكذلك
الشورة بضم الشين قاله في الصحاح ص: (ورضا مشتر كاتب) ش: وكذلك إذا وهب أو
تصدق قال في الشامل: ولو تصدق مشتر أو وهب لغير ولد صغير وقيل مطلقا، أو بنى الأرض
أو غرس أو أعتق ولو بعضا أو لأجل أو دبر فهو راض اه‍. ولم يفصل في العتق. وقال
اللخمي: ومن اشترى على خيار فوهب أو تصدق أو أعتق أو دبر أو كاتب أو أولد أو وطئ
أو قبل أو باشر أو نظر إلى الفرج كان ذلك رضا وقبولا للبيع ثم قال: وعتق من له الخيار من
بائع أو مشتر ماض وهو من البائع رد ومن المشتري قبول، وإن أعتق من لا خيار له افترق
الجواب. فإن أعتق البائع والخيار للمشتري كان عتقه موقوفا، فإن قبل المشتري سقط عتق
البائع، وإن رد مضى عتقه، وإن أعتق المشتري والخيار للبائع فإن رد البائع سقط عتق
المشتري، وكذلك إن مضى له البيع لم يلزمه العتق لأنه أعتق ما ليس في ملكه ولا في
ضمانه، ويفارق هذا المشتري بشراء فاسد فيعتقه قبل القبض، فإن العتق ماض على قول ابن
317

القاسم لأنه سلطه على العتق ولم يسلطه في بيع الخيار. ويصح أن يقال: يلزمه العتق قياسا
على قول ابن حبيب فيمن اشترى عبدا على خيار فجنى عليه ثم قبل من له الخيار وكأنه لم
يزل له من يومئذ انتهى.
فرع: قال في الشامل: ولو اشترى عبدا بأمة بالخيار ثم أعتقهما قبل انقضائه عتقت
الأمة فقط ولزم من عتقها رد البيع اه‍. وهو في التبصرة للخمي ونقله غيره ثم قال اللخمي:
قال أبو الفرج: قال مالك في الأمة: تباع على خيار فوطئها من لا خيار له فولدت واختارها
الآخر: فهي له دون من لا خيار له والولد حر على الواطئ بالقيمة والأمة رد على الآخر،
فدرأ الحد وألحق النسب لأنه وطئ بوجه شبهة، فإن كان من البائع فلأنها ملكه وفي
ضمانه، وإن كان من المشتري فلان العقد شبهة ولم يمض الأمة أم ولد كما لم يمض عتقها
لو أعتقها من لا خيار له اه‍. ونقل ابن عرفة الفرعين وقبلهما ونصه: وعتق البائع والخيار
للمبتاع لغو إن بت البيع وماض إن رد. قلت: لم يذكروا خلافا وهي حجة لابن رشد على
ابن بشير والمازري في أنه على الحل وعكسه العتق لغو. اللخمي: لعدم ملك المبتاع وإذن
البائع له في التصرف بخلاف عتق المبتاع مبيعا فاسدا وخرج لزومه إن بت من قول ابن
حبيب الأرش للمبتاع والمازري من انتقال الملك بالعقد ثم قال: وروى أبو الفرج: إن حملت
من ذي الخيار منهما وبت كانت لذي الخيار مع قيمة الولد ولا حد اه‍. ثم قال اللخمي:
وإن بنى أو غرس من لا خيار له فإن كان المشتري فأمضى البائع له البيع مضى فعله، وإن رد
كان على البائع قيمة ذلك منقوضا وهو قول سحنون في العتبية، ولم يجعله بمنزلة من بنى
بوجه شبهة وإن كان البائع فقبل المشتري كان له على قول سحنون أن يدفع للبائع قيمة
ذلك منقوضا لأنه وإن كان فعل ذلك في ملكه فإنه متعد على المشتري لما عقد له من البيع
اه‍. ونقله في الذخيرة ونصه: قال اللخمي: البناء والغرس رضا من المشتري ورد من البائع،
فإن فعله من ليس له خيار وهو المشتري وأمضى له البيع مضى أو يرد كان له قيمة ذلك
منقوضا لأنه يغير إذن. قاله سحنون. أو هو البائع وقبل المشتري فعلى قول سحنون يدفع
للبائع قيمته منقوضا لأنه وإن فعل ذلك في ملكه فهو متعد على المشتري اه‍. ص: (أو
قصد تلذذا) ش: قال ابن عرفة ابن حبيب: قرصها أو مس بطنها أو ثديها أو خضب يديها
بحناء أو ضفر رأسها بغسل دليل لا فعلها ذلك دون أمره اه‍. ولابن غازي هنا كلام في قوله:
أو قصد وسبقه إليه الشارح وأصله لابن عبد السلام ونقله المصنف في التوضيح فراجعه.
318

واكتفى المصنف عن ذكر الوطئ بالتلذذ لدخوله من باب أولى كما قال الشارح: قال ابن
عرفة: ووطئ ذي الخيار بائعا رد ومبتاعا بت، فإن كان وخشا عجل الثمن وتوقف العلية
للاستبراء. اللخمي: اتفاقا كبيع بت وضمانها بيد المشتري قبل الوقف اه‍ ص: (وهو رد من
البائع إلا الإجارة) ش: شمل جميع ما تقدم وبقي عليه شئ لو استثناه لكان حسنا وهو
إسلامه للصنعة، فإن اللخمي استثناه مع الإجارة ونقله ابن عرفة عنه ص: (ولا يقبل منه أنه
اختار أو رد بعده إلا ببينة) ش: يريد إذا لم يكن في يد من له الخيار، وأما إذا كان في يد
من له الخيار فإن مضى أيام الخيار وهو في يده يقتضي أنه اختار ويلزمه أن لا يرد في كالغد
319

ص: (ولا يبع مشتر فإن فعل فهل يصدق أنه اختار بيمين أو لربها نقضه قولان) ش: في
بعض النسخ ولا بيع على أن لا ناهية وبيع فعل مضارع مجزوم أو بياء على أنها نافية
وبيع مضارع مرفوع على هاتين النسختين فهو بمعنى قوله في المدونة في رواية علي بن
زياد: ولا ينبغي أن يبيع حتى يختار. وفي بعض النسخ لا يبيع مشتر على أن بيع مصدر
فجعله الشارح في الكبير معطوفا على قوله: لا إن جرد جارية، ويصح أن يكون معطوفا
على قوله: إلا الإجارة. وعلى كلا المحملين فالمعنى أن بيع المشتري للسلعة لا يكون
اختيارا لها. قال في المدونة إثر كلامه السابق: فإن باع فإن بيعه ليس بالخيار ورب السلعة
بالخيار إن شاء جوز البيع وأخذ الثمن، وإن شاء نقض البيع. وهذا هو القول الثاني في كلام
المصنف والقول الأول في كلام المصنف أنه يصدق مع يمينه إن كذبه صاحبه هو قول ابن
القاسم في بعض رواية المدونة وفي الموازية وحكاه ابن حبيب عن مالك وأصحابه.
تنبيهات: الأول: قال في التوضيح: وظاهر كلام المصنف يعني ابن الحاجب وهو
ظاهر الرواية أنها يمين تهمة تتوجه على المشتري وإن لم يحققها البائع. وقيد الشيخ سيدي
ابن أبي زيد وابن يونس قوله وكذبه صاحبه فقالا يريد لعلم يدعيه. قال الشارح في الكبير:
واحترز بذلك إذا لم يحقق عليه الدعوى فإنها لا تسمع. وقال في التوضيح تبعا لابن عبد
السلام: وكان ابن أبي زيد رأى أن قوله في الرواية وكذبه يناسب أنها دعوى محققة. وجزم
بذلك في الشامل فقال: ولا بيع مشتر قبل مضيه واختيار فإن فعل فليس باختيار. وهل
يصدق أنه اختار قبله بيمين إن كذبه ربها لعلم مدعيه وإلا لم تسمع أو لربها رد البيع أو له
رد الربح فقط؟ أقوال.
320

الثاني: قال في التوضيح في الرواية متمما لهذا القول يعني القول الذي قدمه
المصنف: وإن قال: بعت قبل أن أختار فالربح لربها لأنها في ضمانه. وصوب هذا القول
اللخمي لأن الغالب فيمن وجد ربحا لا يدفعه لغيره اه‍.
قلت: ولهذا والله أعلم قدمه المصنف وصاحب الشامل مع أن ابن الحاجب أخره.
الثالث: قيد المصنف وابن الحاجب وغيرهما هذه المسألة بالمشتري. قال في
التوضيح تبعا لابن عبد السلام: لأن هذه الأقوال لا تتصور إلا فيه، ومعنى المسألة أن
المشتري باع والخيار له قبل أن يخبر البائع باختياره أو يشهد على اختياره.
فرع: قال ابن عرفة: قال اللخمي: لو فات بيع المبتاع والخيار للبائع فله الأكثر من
الثمنين والقيمة وعكسه للمبتاع الفسخ أو الأكثر من فضل القيمة والثمن الثاني على الأول
اه‍ ص: (ولغريم أحاط دينه) ش: أي وانتقل الخيار للغرماء إذا كان دينهم محيطا، فإن
اختاروا الاخذ فلهم ذلك إذا كان ذلك نظرا للميت وأوفى للتركة كما قاله في المدونة. وترك
المصنف التنبيه على ذلك لوضوحه. زاد أبو محمد قيدا آخر وهو أن يكون الربح للميت
والنقصان عليهم. قال الشيخ أبو محمد: فإن اختاروا الترك والاخذ أرجح لم يجبروا وهذا
الفرع ذكره ابن يونس بكلام بين حسن فانظره، ونقله ابن عرفة ونصه الشيخ: الربح له والنقص
عليهم بخلاف أخذهم ما ابتاع يدفعه عنه لاستقلاله ببت عقده، فإن تركوا والاخذ أرجح لم
يجبروا بخلاف هبة ثواب كذلك اه‍. وهذا القيد يفهم من كلام المصنف: ولا كلام لوارث
إلا أن يأخذه بماله. قال ابن عرفة قلت: والربح للميت والله أعلم ص: (ولوارث) ش: يريد
إن اتحد أو تعدد ولو اتفقوا. قال في الشامل: والوصي مع الكبير كالورثة.
321

فرع: فإن اختلف الأوصياء فالنظر للحاكم. قاله في الشامل والفرعان في المدونة ص:
(وهل ورثة البيع كذلك) ش: قلت: ظاهر المدونة أنه لا فرق بين ورثة البائع والمشتري وأنه
يدخل فيهم القياس والاستحسان فينزل الراد من ورثة البائع منزلة المجيز من ورثة المشتري،
فالقياس أنه ليس للراد إلا نصيبه، ثم المشتري بالخيار في أخذ نصيب المجيز ورده
والاستحسان أن للراد أن يأخذ نصيب أخيه المجيز، والتأويل الثاني أنه ليس لمن رد أخذ
نصيب المجيز لأن من أجاز إنما أجاز للأجنبي لا لأخيه ص: (وإن جن نظر السلطان) ش:
قال في المدونة: قال ابن القاسم: ومن جن فأطبق عليه في أيام الخيار والخيار له فإن
السلطان ينظر في الاخذ أو الرد ويوكل بذلك من يرى من ورثته أو غيرهم وينظر في ماله
وينفق منه على عياله.
فرع: هل المفقود كالمجنون أو المغمى؟ قولان ذكرهما في الشامل وظاهر كلام ابن
عرفة ترجيح أنه كالمجنون والله أعلم ص: (وانتظر المغمى) ش: قال في المدونة: ومن
أغمي عليه في أيام الخيار انتظرت إفاقته، ثم هو على خياره إلا أن يطول إغماؤه أياما فينظر
322

السلطان، فإن رأى ضررا فسخ البيع وليس له أن يمضيه بخلاف الصبي والمجنون ص: (أو
يغاب عليه إلا ببينة) ش: تصوره من كلام الشارح ظاهر.
فرع: قال في الذخيرة: قال في الكتاب: إن رد المبيع في مدة الخيار فقال البائع:
323

ليس هذا المبيع صدق المبتاع مع يمينه كان يغاب عليه أم لا. اه‍ ص: (وإن جنى بائع
324

والخيار له عمدا إلى قوله فإن تلفت ضمن الأكثر) ش: قال ابن عرفة: وجناية المشتري
والخيار له خطأ لغو، فإن رد غرم نقص القليل في غرمه للمفسد ثمنه أو قيمته ثالثها أقلهما
لابن القاسم وسحنون قائلا: ويعتق عليه. وقول اللخمي: لو قيل لكان وجها ثم قال: وجناية
البائع والخيار له خطأ يوجب تخيير المبتاع وعمدا في كونها دليلا، ورده القولان لابن
القاسم وأشهب. ثم قال التونسي: وجنايته يعني المشتري والخيار للبائع خطأ كأجنبي.
وقول ابن الحاجب: للبائع أخذ الجناية أو الثمن لا أعرفه وينظر للمبتاع وعمدا للبائع
إلزامه البيع أو أرش الجناية وجناية البائع والخيار للمبتاع بقتل خطأ فسخ وعمدا تلزمه فضل
قيمته على ثمنه وينقص خطأ ضمانه وعمدا للمبتاع أخذه مع الأرش اه‍. ص: (وإن
325

اشترى أحد ثوبين وقبضهما ليختار فادعى ضياعهما ضمن واحدا بالثمن ولو سأل في
إقباضهما أو ضياع واحد ضمن نصفه وله اختيار الباقي) ش: هذه الصورة فيها خيار
واختيار، خيار في عقدة البيع واختيار لاحد الثوبين. فقوله: وإن اشترى أحد ثوبين يريد
بخيار، وقوله: وقبضهم ليختار أي وقبضهما معا ليختار واحدا منهما إن شاء أخذه، وإن
شاء رده، وإن شاء ردهما معا. قال في التوضيح: وليس له أن يتمسك إلا بواحد منهما
فإن ضاعا في هذه الصورة فإنه يضمن واحدا بالثمن ولا ضمان عليه في الآخر. قاله
المصنف وغيره. قال في الجواهر: وسواء كان الخيار له أو للبائع لأنه قادر إذا كان الخيار
له على أن يقبل أو يرد وله القبول في مقامه وتلفه، كانت قيمته أقل من الثمن أو أكثر.
وكذلك إن كان الخيار للبائع فإن المشتري يضمنه بالثمن لكون البائع سلمه إليه على أن
عوضه الثمن الذي اتفقا عليه، فإن كانت القيمة أكثر من الثمن حلف المشتري على
326

الضياع ودفع الثمن اه‍. وقول المصنف: ضمن واحد بالثمن يريد إذا لم تقم له بينة على
التلف كما قدمه في قوله: أو يغاب عليه إلا ببينة وهو أحد القولين، والقول الثاني أنه
يضمن سواء قامت له بينة على التلف أو لم تقم. قال الرجراجي: وهو ظاهر المدونة،
وسبب الخلاف هل ضمانه ضمان تهمة أو ضمان أصل اه‍. وقوله: ولو سأل في
إقباضهما مبالغة وأشار ب‍ لو إلى قول ابن القاسم الذي يفرق فيه بين أن يتطوع البائع
بالدفع فيضمن واحدا، وبين أن يسأل المشتري تسليمها له فيضمنها. نقله في التوضيح.
وأما قوله: أو ضياع واحد ضمن نصفه وله اختيار الباقي فيعني به أن ما تقدم ذكره هو
حكم ما إذا ضاع الثوبان معا، وأما إذا ضاع أحدهما فالحكم في ذلك أنه يضمن نصف
ثمن التالف وهو في الثوب الباقي مخير إن شاء أخذه بالثمن أو رده. قال الرجراجي: وأما
إن ادعى ضياع أحدهما فلا يخلو ضياعه من ثلاثة أوجه: إما أن يختار الذي ضاع أو الذي
بقي أو أبهم الامر. فإن كان الذي ضاع هو الذي اختاره المشتري فإنه يرد الباقي وقيمة
التالف، وإن كان الباقي هو الذي اختاره فإنه يغرم ثمنه ولا ضمان عليه للتالف لأنه فيه
أمين، وإن أبهم الامر فادعى أن الباقي هو الذي اختار فالمذهب على قولين: أحدهما أنه لا
يصدق وهو مذهب المدونة، والثاني أنه يصدق ويحلف وهو قوله في الموازية: وعلى
القول بأنه لا يصدق فإنه يغرم نصف ثمن التالف والمذهب في أخذه الثوب الباقي على
قولين: أحدهما أن له أن يأخذه وهو قول ابن القاسم في المدونة، والثاني أنه يأخذ نصف
الثوب الباقي وهو قول ابن المواز. واحتج بأنه لو جاز له أن يأخذ الثوب كله لأدى ذلك
إلى أن يأخذ ثوبا ونصف ثوب وما كان الاشتراء إلا ثوبا واحدا، وسبب الخلاف هل
ضمانه ضمان تهمة أو ضمان أصل اه‍. ونحوه لابن يونس ونصه: وإن ضاع أحدهما ضمن
ثمن التالف ثم له أخذ الثوب الباقي أو رده ثم قال: وقال ابن المواز: ولو قال المبتاع إنما
ضاع أحدهما بعد أن أخذت هذا الباقي فالقول قوله ويحلف ولا شئ عليه في التالف.
وقاله أصبغ من المدونة. قال مالك: وإذا ذهبت أيام الخيار انتقض البيع إلا أن يكون قد
أشهد أنه قد أخذ قبل مضي الخيار. ابن يونس: وظاهر هذا أنه لم يصدقه أنه اختار
أحدهما ألا تشهد خلاف ما في كتاب محمد. قال بعض أصحابنا: وما في كتاب محمد
أحسن مما في المدونة لأنه يتهم لرفع ضمان ما هلك عنده فلا يصدق إلا بالبينة. ومن
كتاب ابن المواز قال أصبغ: ولو لم يخبر حتى هلك واحد فله رد الباقي وغرم نصف ثمن
التالف، فإن اختار حبس الباقي فليس له إلا نصفه إلا أن يرضى به البائع لأنه لزمه نصف
التالف وهو لم يبعه ثوبا ونصفا وإنما باعه ثوبا واحدا اه‍.
تنبيه: قول الرجراجي في الوجهين الأولين إما أن يختار الذي ضاع أو الذي بقي أي
وقامت له بينة على أنه اختار الذي ضاع أو الذي بقي بدليل قوله في الوجه الثالث: وإن
327

أبهم الامر فادعى أن الباقي هو الذي اختار ويؤيد ذلك ما تقدم في أثناء كلام ابن يونس
وقوله أيضا. قال ابن القاسم: وله اختيار أحدهما بغير محضر البائع فإن اختاره ببينة أشهدهم
عليه بقول أو فعل بقطع أو بيع أو رهن أو ما يلزمه من الاحداث كان في الباقي أمينا إن هلك
فمن بائعه اه‍. فعلى هذا إذا أشهد أنه اختار رد الثوبين ثم ضاعا ببينة لا ضمان عليه، وإن
ضاع أحدهما لا ضمان عليه فيه ويرد الباقي، وإن اختار أحدهما ففي ضياعهما يلزمه ثمن
الذي اختاره في ضياع أحدهما إن كان هو الذي اختاره لزمه ثمنه ورد الآخر، وإن كان
الضائع هو الذي اختار رده فلا ضمان عليه فيه ويؤدي ثمن الذي اختاره. هذا الذي تحصل
من كلام ابن يونس والرجراجي والله أعلم.
فرع: فلو كان المشتري أحد عبدين وقبضهما ليختار واحدا منهما فضاع أحدهما فقال
ابن يونس: قال أشهب: فإن كان في موضع الثوبين عبدان فالهلاك من البائع وللمبتاع أخذ
الباقي أو رده. قال في غير المدونة: ولو كان شراؤه العبدين على أن يختار أحدهما على
الالزام فهلك واحد فهو من البائع والثاني للمبتاع لازم. قال أبو محمد: كمن قال لعبديه
أحدكما حر فمات أحدهما فالباقي حر اه‍.
فرع: إذا مضت أيام الخيار ولم يختر ثم أراد بعد ذلك الاختيار، فإن كان بعيدا من
أيام الخيار فليس له ذلك، وإن قرب ذلك فذلك له. قال ابن يونس: ومن المدونة: قال ابن
القاسم: وللمبتاع أخذ أحد الثوبين بالثمن الذي سميا فيما قرب من أيام الخيار، وإن مضت
أيام الخيار وتباعدت فليس له اختيار أحدهما ونقض البيع إلا أن يكون قد أشهد أنه اختار
أحدهما في أيام الخيار أو فيما قرب منها اه‍. قال أبو الحسن: يعني بالقرب اليوم واليومين
والبعد ثلاثة أيام من أمد الخيار اه‍ ص: (فيكون شريكا) ش: يعني له الثلث ولربها الثلثان.
وانظر ابن غازي والله أعلم ص: (وإن كان ليختارهما فكلاهما مبيع) ش: هذه الصورة فيها
خيار فقط يعني أنه مخير بين أن يمسكها أو يردهما. وقول المصنف: فكلاهما مبيع يؤخذ
منه حكم ضياعهما أو ضياع أحدهما أي فكل واحد منهما مبيع بخيار فيلزمه ثمنهما إن
ضاعا أو ثمن أحدهما إن ضاع واحد منهما فقط. قال في الذخيرة: وله رد الآخر بنصيبه من
328

الثمن اه‍. قال ابن يونس: قال بعض فقهاء القرويين: ولو كان الهالك منهما وجه الصفقة
لوجب أن يلزما جميعا كضياع الجميع ويحمل على أنه عينه والله أعلم اه‍. وهذا إنما يلزمه
إذا لم تشهد البينة على الضياع. وأما إن شهدت فلا يلزمه شئ. قاله في الذخيرة. وذلك
حكم ضمان المبيع في بيع الخيار.
فرع: قال في التوضيح: فإن كان الخيار في أحدهما والثاني لازم وادعى ضياعهما معا
لزمه ثمنهما عند ابن القاسم اه‍. وأما إن ضاع أحدهما فإن كان الضائع هو اللازم فضمانه من
المشتري وهو باق على خياره في الآخر، وإن كان اللازم هو الباقي والذي فيه الخيار هو
الذي ضاع لزمه ثمنه هذا حكم بيع الخيار والله أعلم.
فرع: فلو كان المشترى عبدين وقبضهما ليختارهما فضاعا أو أحدهما فقال ابن يونس
ومن المدونة قال ابن القاسم: ولو كانا عبدين أو ما لا يغاب عليه فادعى ضياع ذلك صدق
مع يمينه ولا شئ عليه إلا أن يأتي ما يدل على كذبه اه‍. إلا أنه إن كان الضائع أحدهما
فله رد الآخر بنصيبه من الثمن وهو ظاهر مما تقدم في كلام القرافي والله أعلم ص: (ولزماه
بمضي المدة وهما بيده) ش: يعني إذا مضت أيام الخيار في هذه الصورة المتقدمة وهي
إذا أخذهما على أنه بالخيار في أخذهما وردهما فإنهما يلزمانه. قال ابن يونس: ولو كان إنما
اشترى جميعا بالخيار فمضت أيام الخيار وتباعدت وهما بيد المبتاع لزمه أخذ الثوبين اه‍
ص: (وفي اللزوم لأحدهما يلزمه النصف من كل) ش: هذه الصورة فيها اختيار فقط يعني
أنه إذا لم يكن الاختيار مجردا بأن يكون اشترى ثوبا على الايجاب وأخذ ثوبين ليختار منهما
فمضت أيام الخيار، فإنه يلزمه النصف من كل ثوب. وكذا إن ضاعا أو ضاع أحدهما. قال
ابن يونس: قال بعض فقهائنا: إذا اشترى أحد الثوبين على الايجاب فضاعا جميعا أو أحدهما
بيد المبتاع فما تلف بينهما وما بقي بينهما اه‍. قال في النكت: يعني إذا ضاعا يلزم أحدهما
البائع والآخر المبتاع. قال ابن يونس إثر كلامه السابق: وسواء قامت بينة على الضياع أو لم
تقم ولا خيار للمبتاع في أخذ الثوب الباقي كله، ولو ذهبت أيام الخيار وتباعدت والثوبان بيد
البائع أو بيد المبتاع لزمه نصف كل ثوب ولا خيار له، لأن ثوبا لزمه ولا يعلم أيهما هو
329

فوجب أن يكونا فيهما شريكين اه‍. ونحوه في الجواهر. ونص أبو الحسن على أن مضي أيام
الاختيار بمضي أيام الخيار فقال: اعلم أن شراءه للثوبين على ثلاثة أوجه: إما بالخيار وحده،
أو باختيار وحده، وأما على خيار واختيار فيمضي أيام الخيار وينقطع خياره وينقضي البيع إذ
بمضي أيام الخيار ينقطع اختياره اه‍ ص: (وفي الاختيار لا يلزمه شئ) ش: يعني إذا كان
في المسألة خيار واختيار ومضت المدة فإنه ليس له أخذ واحد من الثوبين. قال ابن يونس
بأثر الكلام المتقدم: وهذا بخلاف أن لو أخذه يعني الثوب على غير الالزام فهذا إذا مضت
أيام الخيار وتباعدت لم يكن له أخذ واحد منهما، كانا في يد البائع أو المبتاع، لأن بمضي
أيام الخيار ينقطع اختياره ولم يقع البيع على ثوب معين فيلزمه أخذه، ولا على إيجاب أخذه
فيكون شريكا فصار ذلك على ثلاثة أوجه في شرائه الثوبين يلزمانه جميعا، وفي أخذه
أحدهما على الايجاب يلزمه النصف من كل ثوب، وفي أخذه على غير الايجاب لا يلزمه
منهما شئ اه‍. وتكلم المصنف رحمه الله على الثلاثة الأوجه وأتى بها على ما ترى، وكان
الأولى أن يقول: وفي الاختيار ليس له شئ بدل قوله: لا يلزمه شئ لكنه تبع ابن يونس
في آخر كلامه في التمثيل المذكور والله أعلم.
تنبيه: تحصل من كلام المصنف رحمه الله أن مسألة الثوبين إما أن يكون فيهما خيار
واختيار أو خيار فقط. وينظر في كل مسألة في ضياع الثوبين معا وفي ضياع أحدهما وفي
مضي أيام الخيار وهما باقيان بيده، فاشتمل كلامه على ثلاث صور: أما الأولى فأشار إلى
حكم ضياع الثوبين أو أحدهما فيها بقوله: وإن اشترى أحد ثوبين يريد بخيار وقبضهما معا
ليختار أحدهما إلى قوله: وله اختيار الباقي، وأشار إلى مضي حكم أيام الخيار والاختيار
فيها بقوله في آخر مسألة: وفي الاختيار لا يلزمه شئ. وأما الثانية وهي ما فيها خيار مجرد
فأشار إليها بقوله: وإن كان ليختارهما فكلاهما مبيع ولزماه بمضي المدة وهما بيده، وأشار
330

إلى الثالثة وهي ما فيها اختيار بقوله: وفي اللزوم لأحدهما يلزمه النصف من كل سواء ضاعا
معا أو ضاع أحدهما أو بقي حتى مضت أيام الخيار والله أعلم.
تنبيه: زاد في الجواهر صورة رابعة وهي أن يكون مخيرا في أحدهما في العقد
والتعيين، وفي الآخر في التعيين خاصة دون العقد بأن يكون لزمه أحد الثوبين وهو بالخيار في
أخذ الآخر، فإن ضاعا ضمنهما إن لم تقم بينة، فإن قامت بينة ضمن واحدا فقط عند ابن
القاسم، وإن ضاع أحدهما جرى الامر في ضياعه على ما تقدم.
فرع: ويشترط في هذه الصورة تساوي الثمنين، فإن اختلفا كان من بيعتين في بيعة
فيضمن حينئذ ضمان المبيع بيعا فاسدا. قال في الجواهر: ومسألة الثوبين قد بسط الكلام
عليها ابن يونس والرجراجي وصاحب الذخيرة فمن أراد استيفاء الكلام عليها فليراجعها فيهم
والله أعلم ص: (ورد بعدم مشروط فيه غرض) ش: هذا شروع منه رحمه الله في الكلام
على خيار النقيصة وهو ما ثبت بسبب نقص يخالف ما التزم البائع شرطا أو عرفا في زمان
ضمانه والتغيير الفعلي داخل في الشرط. وقال ابن عرفة: هو لقب لتمكين المبتاع من رد
مبيعه على بائعه لنقصه عن حالة بيع عليها غير قلة كمئة قبل ضمانه مبتاعه فيدخل حديث
النقص في الغائب والمواضعة وقبل الاستيفاء وبت الخيار إلا الرد لاستحقاق الأكثر اه‍ ص:
(كثيب ليمين فيجدها بكرا) ش: كلام ابن غازي حسن إلا أنه يوجد في كثير من نسخه
وقد أعتقها ابن عرفة، فالظاهر أنه تصحيف وصوابه وقد أغفلها ابن عرفة فإني لم أقف على
هذه المسألة في كلام ابن عرفة.
فرع: قال في أول رسم من سماع أشهب من كتاب العيوب فيمن ابتاع سمنا فوجده
سمن بقر فقال: ما أردت إلا سمن الغنم، أن له رده. قال ابن رشد: لأنه رأى أن سمن الغنم
أفضل. وكذا قال في هذا الرسم من هذا السماع من جامع البيوع أن سمن الغنم ولبنها
وزبدها أطيب وأجود من البقر وذلك عكس ما عندنا، وعلى ما عندنا فليس له أن يرده لأنه
وجد أفضل الصنفين. وهذا إذا كان سمن الغنم هو الغالب في البلد أو كانا متساويين، فعلى
331

رواية أشهب هذه كل شئ يباع من جنسين متساويين في البلد فالبيع يقع على أفضلهما، فإن
وجد الأدنى كان له الرد، وإن وجد الأفضل لم يكن له أن يرد إلا أن يكون اشترط الأدنى
لوجه كمن اشترى عبدا على أنه نصراني فوجده مسلما فأراد رجه لأنه قال: أردت أن أزوجه
أمة لي نصرانية أو ليمين علي أن لا أشتري مسلما. ثم قال في رسم الجواب من سماع
عيسى: هذا هو الصحيح كمن اشترى أمة على أنها من جنس فوجدها من جنس أرفع منه
كان له أن يردها إذا كان لاشتراطه وجه. وقيل: ليس له أن يرد وإن كان لاشتراطه وجه.
وقيل: له الرد وإن لم يكن لاشتراطه وجه.
تنبيه: قال في الرسم المذكور فيمن اشترط نصرانيا فوجد مسلما: إذا قلنا: له الرد لما
ذكره من أنه يريد التزويج ممن هو على دينه. هذا إذا عرف ما قال وإن لم يعرف صدق ما
قال ولم يكن لذلك وجه لم أر أن يرد. ولم يذكر مثل ذلك فيما إذا قال أن عليه يمينا.
فظاهر في مسألة اليمين أنه يصدق وهو ظاهر، لأن اليمين قد لا يطلع عليها أحد واشتراطه
ذلك قرينة تدل على صدقه فتأمله. ونقل ابن عرفة ما في رسم سماع أشهب وكلام ابن رشد
عليه إلى قوله: فعلى رواية أشهب كل شئ يباع من جنسين متساويين في البلد فالبيع يقع
على أفضلهما ثم قال بعده: ولابن حبيب في الواضحة خلافه قال: من ابتاع أمة أو عبدا
فألفاه روميا وشبهه من الأجناس التي يكرهها الناس ولم يكن ذلك له، فلا رد له إلا أن يكون
أدنى مما اشترطه بائعه انتهى. وقال قبل كلام العتبية وفيها: إن شرطها يعني الجارية بربرية
فوجدها خراسانية فله ردها. محمد: وكذا العكس لاشكال ما بينهما انتهى ص: (وإن
بمناداة) ش: يشير إلى ما في رسم حلف من سماع ابن القاسم من كتاب الرد بالعيوب قال:
وسئل عن الذي يبيع الميراث فيبيع الجارية فيصاح عليها ويقول الذي يصيح أنها تزعم أنها
عذراء ولا يكون ذلك شرطا منهم إنما يقولون إنها تزعم ثم يجدها غير عذراء فيريد أن يردها
قال: أرى ذلك له. قيل له: فإنهم يزعمون أنا لم نشترط وإنما قلنا بأمر زعمته. قال: أرى أن
332

يردها إلا أن يكونوا لم يقولوا شيئا، فأما أن يقولوا مثل هذا ثم يشتري المشتري وهو يظن
ذلك فأرى له أيردها. وكذا لو قال: إنها تنصب القدور وتخبز ويقولون: إنها تزعم ولا
يشترطون ذلك فإذا هي ليست كذلك، فإني أرى له أن يردها إلا أن يخبروا شيئا فلا أرى
عليهم شيئا. قال محمد بن رشد مثل هذا في رسم البيوع من سماع أصبغ بعد هذا وفي
رسم يوصى من سماع عيسى من كتاب النكاح: وهو مما لا اختلاف فيه أعلمه سواء. قال
في الجارية: أبيعها منك على أنها عذراء أو على أنها رقامة أو خبازة أو وصفها بذلك، فقال:
أبيعها منك وهي عذراء أو رقامة أو صباغة أو أبيعها وهي تزعم أنها عذراء أو رقامة أو خبازة،
ذلك كالشرط لأنه إذا قال إنها تزعم أنها على صفة كذا وكذا وقالت عند البيع: إني على
صفة كذا ولم يكذبها ولا تبرأ منه فقد أوهم أنها صادقة فيما زعمت، فكأنه قد باع على
ذلك وشرطه للمبتاع وإنما يعرف الشرط من الوصف في النكاح حسبما مضى في رسم
يوصي المذكور.
فرع: إذا شرط البكارة فقال: لم أجدها ينظر إليها النساء، فإن رأين بها أثرا قريبا حلف
البائع ولزمت المبتاع، وإن لم يرين شيئا قريبا حلف المبتاع وردها، فإن نكل حلف البائع
ولزمت المبتاع. قال ابن يونس: وعن ابن القاسم ليس فيها تحالف بل تلزم شهادة النساء
بالافتراع لأنه يختص بهن. قال في الذخيرة. والمسألة في رسم الأقضية من سماع أشهب من
كتاب العيوب وقال فيها: فيمن ابتاع جارية على أنها عذراء فقبضها بكرة وغاب عليها فلما
كان عشية قال: لم أجدها عذراء، فقال له البائع: أما أنا فلم أبعك إلا عذراء وقد غبت عليها
ولعلك افترعتها أو غيرك، ثم ذكر جواب مالك كما تقدم. قال ابن رشد: وجعل شهادتين إذا
لم يشهدن قطعا من جهة النظر أنها لم تفترع عند البائع ولا عند المبتاع وإنما قلن نرى أثرا
قريبا موجبه أن يكون القول قول من شهد له بذلك من البائع أو من المبتاع مع يمينه
كالشاهد في الوديعة والرهن، ولو كان ما رأى النساء منها أمرا بينا لا يشككن في حدوثه أو
قدمه فطعن على ذلك وبتتن الشهادة فيه إذ ذلك مما تدرك معرفته بالنظر لكانت شهادتهن في
ذلك عاملة دون يمين على ما في رسم يدبر من سماع عيسى، وقد كان من أدركناه من
الشيوخ ومن لم ندركه من المتقدمين يحملون رواية أشهب هذه على الخلاف لرواية عيسى.
انتهى مختصرا ونقله ابن عرفة في الكلام على ما ثبت به العيب.
تنبيه: هذا الكلام يقتضي أن شرط البكارة لازم في العلى والوخش وهذا هو المعروف.
وسيأتي ذلك إن شاء الله في كلام ابن رشد عند قول المصنف: وثيوبة إلا فيمن لا يفتض
مثلها. وذكر ابن عرفة في الكلام على هذه المسألة عن الاستغناء أن شرط البكارة في وخش
الرقيق دون وسطه لغو قال: وكان الفتيا بقرطبة أن بكارة العلية عيب لجهل ما يحدث عند
افتضاضها. قال ابن عرفة قلت: هذا يقتضي قول سحنون الذي قبله ابن سحنون والله أعلم.
333

فرع: وقال قبله في رسم الأقضية فيمن باع جارية فقيل له: أبكر هي أم ثيب؟ فقال:
لا أدري أبيعكموها بكرا كانت أو ثيبا: إنه لا بأس به لا سيما في الجارية الدنية. قال ابن
رشد: لأن الجارية التي يوطأ مثلها محمولة على أنها قد وطئت فإنما يشتري المشتري على
ذلك وإن سكت البائع عن ذلك فكيف إذا تبرأ من معرفة ذلك ص: (لا إن انتفى) ش: كذا
هو في النسخة التي قوبلت على خط المصنف بالافراد وهو الموجود في أكثر النسخ،
والضمير للغرض، ويلزم من انتفائه انتفاء المالية لأن المالية من جملة الأغراض المقصودة.
وفي بعض النسخ: لا إن انتفيا بضمير التثنية وهو من حيث المعنى ظاهر لأن المراد أنه إذا
شرط ما لا غرض فيه ولا مالية فإن ذلك يلغى كما لو اشترط في العقد أنه أمي فوجده كاتبا،
وفي الأمة أنها ثيب فيجدها بكرا، ولا عذر له لكن لم يتقدم في كلام المصنف إلا ذكر
الغرض فقط ص: (وبما العادة السلامة منه) ش: هذا هو القسم الثاني من قسم خيار
النقيصة وهو ما كان سببه وجوب نقص عرفي جرت العادة بالسلامة منه، فهو معطوف على
قوله: بعدم مشروط أي ورد بوجود ما العادة السلامة منه مما يؤثر في نقص الثمن أو المبيع
أو في التصرف أو خوف في العاقبة. فالذي رد يؤثر في نقص الثمن دون المبيع كما لو
وجده آبقا أو سارقا، والذي يؤثر فنقص المبيع دون الثمن كالخصاء في العبد، والذي يؤثر
في نقص التصرف كالعسر والتخنث، والذي يؤثر خوفا في العاقبة كجذام أحد الأبوين.
فرع: قال في مفيد الحكام في الفصل الثامن: روى أشهب عن مالك رحمه الله في
الصبي يأبق من الكتاب ثم يباع كبيرا فللمبتاع رده بذلك وهو عادة ونقله ابن يونس. وقال
اللخمي في تبصرته في باب من باع عبدا وبه عيب فهلك منه رد به: وإباق الصغير إذا بيع
وقد أبق في صغره عيب، وكذلك السرقة يريد بذلك لأنه باق على تلك العادة إلا أن يكون
من الصغير تجنبه واختبر ذلك منه فلا ينقص من ثمنه. واختلف إذا كبر وانتقل عن تلك
العادة، هل يسقط حكم العيب؟ وأرى أن يرجع في ذلك إلى أهل المعرفة، فإن كان ذلك مع
قدمه يجتنب ويحط من الثمن رد وإلا فلا اه.
فائدة: رأيت بخط بعض طلبة العلم من الشافعية قال: قال الثعالبي في سر اللغة: الآبق
334

لا يطلق على العبد إلا إذا كان ذهابه من غير خوف ولا كد في العمل، فإن كان كذلك فهو
هارب. قال في المتوسط: والفقهاء يطلقون الإباق على الاثنين انتهى. ص: (كعور) ش:
فأحرى العمى. قال في الشامل: كعمي وعور. وقال ابن عرفة الباجي: عيب الرد ما نقص من
الثمن كالعور وبياض بالعين والصمم والخرس. الشيخ عن الموازية: لا يرد صغير وجد أصم
أو أخرس إلا أن يعرف ذلك منه في صغره ص: (وقطع) ش: قال ابن عرفة: وفيها: والقطع
ولو في أصبع اه‍. وانظر قوله: ولو في أصبع ظاهره أن قطع الإصبع خفيف وليس كذلك
بل ذهاب لأنملة عيب. وقال في الشامل: وقطع وإن حضر العقد على المنصوص اه‍.
وظاهره أن مقابله تخريج، والظاهر أن مقابله نص وانظر التوضيح ص: (وخصاء) ش: قال ابن
عرفة: والخصاء والجب والرتق والافضاء انتهى. وقال في الشامل: الخصاء وإن زاد في ثمنه
والخصاء ممدود. ص: (واستحاضة) ش: في العلى والوخش: قال في التوضيح: وهو ظاهر
المذهب وهو الصواب انتهى. وقال في الشامل: وقيد إن ثبتت عند البائع، فأما إن حاضت
حيضة استبراء ثم استمرت فهو من المبتاع ولا رد انتهى. وقال ابن عرفة الباجي: روى
محمد: مدة الاستحاضة التي هي عيب شهران انتهى. ص: (ورفع حيضة استبراء) ش: قال
في التوضيح: مالك: وللبائع أن يفسخ البيع لأجل النفقة انتهى. وقال في الشامل: ولا ترد في
الأيام اليسيرة ولم يحد مالك شهرا ولا شهرين. وعنه: ارتفاعه شهرين عيب. وقيل: شهر
ونصف. وقيل: أربعة أشهر. وقيل: ينظرها النساء بعد ثلاثة انتهى. فإن لم يكن بها حمل حل
له وطؤها فإن لم يطأها حتى طال طولا يظن معه أنها ممن لا تحيض فهو عيب انتهى.
فروع الأول: قال ابن عرفة ابن حبيب: كونها لا تحيض إلا بعد أشهر عيب ولو ابتاعها
في أول دمها لأنه إن باعها لا يقبض ثمنها إلا بعد ثلاثة أشهر انتهى.
الثاني: قال ابن عرفة: ولا شك أن الحمل عيب ويثبت بشهادة النساء ولا يتبين في
أقل من ثلاثة أشهر ولا يتحرك تحركا بينا يصح القطع على تحريكه في أقل من أربعة أشهر
وعشر، فإذا شهدت امرأتان أن بها حملا بينا لا يشكان فيه من غير تحريك ردت فيما دون
ثلاثة أشهر ولم ترد فيما زاد على ذلك لاحتمال كونه حادثا عند المشتري، فإذا شهدن أن
بها حملا يتحرك ردت فيما دون أربعة أشهر وعشر ولم ترد فيما فوق ذلك لاحتمال كونه
335

حادثا، فإن ردت ثم وجد ذلك الحمل باطلا لم ترد إلى المشتري إذ لعلها أسقطته. قال في
رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب الاستبراء وأمهات الأولاد وخرج فيها قولا إنها لا
ترد حتى تضع والله أعلم. وقال في النوادر في ترجمة القول في عيوب الرقيق في أبدانهم من
كتاب ابن المواز: ومن ابتاع أمة فادعت الحمل فليستأن بها، فإذا قال النساء: إنها حامل
ردت بذلك ولا ينتظر بها الوضع، ثم إن أنفش فلا تعاد إلى المبتاع انتهى.
الثالث: قال في المدونة قلت: فمن باع جارية وقال إنها صغيرة لم تحض وكانت
قصيرة فيطمع المشتري أن يكون لها سوق عند حيضتها فلم تقم عنده إلا الاستبراء. وفي
العتبية: إلا عشرة أيام حتى حاضت. قال مالك: إن كان بلغ مثلها أن تحيض ويخاف أن
تكون حاضت عند البائع استحلف البائع أنها ما حاضت عنده، وإن كانت صغيرة فقد اتهمه
على ما قال ولا أرى أن يستحلف انتهى. ونقله الشارح في الكبير. ص: (وعسر) ش: قال
الرجراجي: ومن العيوب الفتل في العينين أو في إحداهما أن تميل إحدى الحدقتين إلى
الأخرى في نظرها، والميل في الحدقتين يكون مائلا عن الآخر إلى جهة الأخرى، والصور أن
يميل العنق عن الجسد إلى أحد الشقين والجسد معتدل، والزور في المنكب أن يميل كله
إلى أحد الشقين، والصدر أن يكون في وسط الصدر إشراف كالحربة، والغرز في الظهر أو
بين كتفيه أو يكون هناك إشراف كالحربة، والسلعة نفخ فاحش أي متفاحش أمره انتهى.
ونقلها ابن عرفة عن ابن حبيب ص: (وزنا) ش: قال ابن عرفة: وفيها الزنا ولو في العبد
الوخش عيب. محمد: ووطؤها غصبا عيب ص: (وشرب) ش: قال ابن عرفة: وشرب
المسكر وأخذ الأمة أو العبد في شربه ولو لم تظهر بهما رائحة عيب. ص: (وبخر) ش: قال
ابن عرفة: وفيها بخر الفم عيب. ابن حبيب ولو في عبد دنئ. وقال في الشامل: بخر فم أو
فرج. وقيل: في الفرج عيب في الرائعة فقط.
336

فائدة: رأيت بخط بعض طلبة العلم من الشافعية ما نصه: وهل يشترط أن ينظر إلى
لسان العبد وأسنانه؟ فيه وجهان: أحدهما نعم قيل: إن تحت لسان العبد نقطة سوداء يعرفها
النخاسون عيبا انتهى. قلت: والظاهر أنه إذا جر العرف بأن وجود تلك النقطة عيب ينقص
الثمن وأنه يحكم بأنها عيب ويقضى بالرد لوجودها والله أعلم. ص: (وزعر) ش: قال في
التوضيح: قال الجوهري: الزعر قلة الشعر. ثم قال بعض الموثقين: والذكر والأنثى فيه سواء
انتهى. ولم ينقله الشارح وينبغي التنبيه عليه. وقال في الشامل: وكزعر وإن بحاجبين لتوقع
كجذام. وقيل: لا يكون عيبا في غير العانة وسواء الذكر والأنثى ص: (وظفر) ش: قال ابن
عرفة عن ابن حبيب: والظفر لحم نابت في شحم العين. قال: وسمع عيسى رواية ابن القاسم:
والشعر في العينين ولا يحلف المبتاع أنه لم يره انتهى. وقال في الصحاح: الظفر عبارة عن
جلدة تنبت على بياض العين من جهة الانف أي سواد العين انتهى. ص: (وبجر) ش: قال في
الشامل: وهو ما ينعقد في ظهر الكف ص: (وعجر) ش: قال: وهو ما ينعقد في العصب
والعروق ص: (ووالدين أو ولد) ش:. قال في التوضيح: أحد الوالدين عيب وأحرى
اجتماعهما والولد صغيرا كان أو كبيرا ص: (وجذام أب) ش: يريد أو أم أو أحد من الأجداد
337

لحديث " ولا عدوى " (1). قال: ولا وجه للتعليق بهذا الحديث إذ معناه إبطال ما كانوا يعتقدون من
أن المريض يعدي الصحيح ولم ينف وجود مرض الصحيح عند حلول المريض عليه غالبا
بقدر الله. قال: وقد اتفقوا في قميص المجذوم إذا بيع ولم يبين أن له الرد واختلفوا في حماره.
وقال اللخمي: ترد المرأة من الجذام ولو قل. قال في المختصر: لأنه يخشى حدوثه بالآخر. وقال
محيي الدين النووي: جمهور العلماء أن حديث " لا عدوى " وحديث " لا يورد ممرض على
مصح " (2) حديثان صحيحان يجب الجمع بينهما. نفي بحديث " لا عدوى " زعم الجاهلية أن
العاهة تعدى بطبعها لا بفعل الله، وأرشد لحديث " لا يورد ممرض على مصح " (2) إلا الاحتراز
مما يحصل عنده الضرر بفعل الله وإرادته. قال: وهذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء
ويتعين المصير إليه. وقال الطرطوشي: ومن اكتوى أو رقي معتمدا على ما أجرى الله عادته وسنته
عندها فهو معتمد على خالقه الله سبحانه إنما يقدح في التوكل أن يرى البرء من قبل الاكتواء
والرقي خاصة. قال ابن العربي: من شهد في الجمادات أنها تفعل بنفسها فهي شهادة زور إذ لم
يدرك ذلك بحواسه ولا حصل له به العلم ابتداء في نفسه، والذي شاهد بحواسه ورأي بعينه أن
شيئا إذا جاور النار احترق فإذا شهد بأن الهشيم إذا اتصل بالنار احترق كان هذا الكلام صدقا
والشهادة حقا، وإذا قال: النار أحرقته كان كذبا بحتا لأن النار ليست بفاعلة وإنما هي جماد
والجماد لا يصح منه فعل. فإن قال خلق الله فيها قوة تحرق بها، قيل له: هذه شهادة بما لم
تر ولا سمعت لأن القوة لا ترى ولا تسمع ولا أخبر الله بها ولا رسوله فقف يا وقاف وقل
إن الله يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد. الباجي: أجرى الله عادته في العائن إذا لم يبرك أنه
يصيب بعينه فهو بفعل الله وخلقه، وكذا قالوا في الصحر. وانظر إذا أخبر أن أحد جدود
الأمة كان أسود قال مالك: لا يردها بذلك ابن رشد: وقال أيضا: إنها ترد بذلك إذا كانت
من العلية لما يخشى أن ينزع عرقه. وانظر من هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم في الطاعون " لا تقدموا
عليه ولا تخرجوا فرارا منه " (3) من المنتقى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الطاعون شهادة لكل
338

والجدات. نقله في التوضيح ص: (وسقوط سن) ش: قال ابن عرفة: ابن رشد عن ابن حبيب:
نقص السن في العبد والوصيفة من مؤخر الفم لغو، ونقص السنين وزيادة الواحدة عيب مطلقا
فيهما ص: (وشيب بها فقط وإن قل) ش: وأما في غير الرائعة فلا يكون اليسير منه عيبا بلا
خلاف ولا الكثير على المشهور إلا أن ينقص من الثمن. قاله في المدونة: قال ابن المواز:
وهذا كله في الشابة ص: (وصهوبته) ش: قال في الشامل: وفيه إن خالف إن كان شعر مثلها
339

أسود كالسمراء أو السوداء إن نقص ثمنها ص: (ولو وخشا) ش: الظاهر رجوعه إلى المسائل
الثلاث قبله أي مسألة الجعودة والصهوبة وكونه ولد زنا والله أعلم. والوخش الخسيس
والدنئ ص: (في وقت ينكر) ش: قال ابن عبد السلام: وهو الذي ترعرع حد الصغر جدا،
وأما الصغر جدا فليس بعيب ص: (أو أقرت عند غيره) ش: قال في الشامل: أو وضعت عند
من أخبر أن ذلك بها أو نظر رجلان مرقدها مبلولا، وقال ابن عرفة ابن حبيب: ولا يحلف
المبتاع بائعه بمجرد دعواه بل حتى توضع بيد امرأة أو ذي زوجة فينقل خبر المرأة والزوج
عن امرأته، ولو أتى المبتاع بمن ينظر مرقدها بالغد مبلولا فلا بد من رجلين لأنها شهادة ص:
(وهل هو الفعل أو التشبه تأويلان) ش: يعني وهل العيب هو الفعل؟ وأما التشبه فليس بعيب،
وهذا تأويل صاحب النكت وهو في الواضحة أو هو التشبه فالفعل من باب أحرى. قال في
340

التوضيح: وينبغي أن يقيد كلام عبد الحق والواضحة بالوخش، وأما المرتفعة فالتشبه فيها
عيب إذا المراد منها التأنيث وقاله عياض ص: (وحرن) ش: قال في المسائل الملقوطة:
وترد الدابة من الحرن والنفار المفرط وإذا أفرط قلة الاكل في الدابة فهو عيب ترد به انتهى.
ص: (وعدم حمل معتاد) ش: قال في المسائل الملقوطة: قال في وثائق ابن فتحون: من
341

ابتاع دابة أو ناقة وحمل عليها حمل مثلها ولم تنهض به ولم يقعدها عنه عجف ظاهر فله
الرد بذلك عند مالك انتهى. ص: (لا ضبط) ش: قال في الشامل: إن لم ينقص قوة اليمين.
وقال في الكبير: ولا يجبر نقص اليمين بقوة الشمال انتهى. ص: (إلا فيمن لا يفتض
مثلها) ش: وقال في الشامل: وكثيوبة من لا يوطأ مثلها إن كانت رائعة وإلا فلا. وقيل: إلا
بشرط انتهى. ص: (وعدم فحش ضيق قبل) ش: إنما أتى بهذه العبارة لينبه على أن فحش
ضيقه عيب ولو قال وضيق قبل إلا أن يفحش لكان أوضح، وفي بعض النسخ صغر بدل
ضيق وهو أحسن لأن صغر القبل عيب وأما ضيق القبل فمن الصفات المستحسنة إلا أن
يفحش، ولفظ الرواية قال ابن المواز قال أشهب عن مالك: والصغيرة القبل ليس بعيب إلا أن
يتفاحش فيصير كالنقص انتهى. ص: (وكونها زلاء) ش: قال الشارح: قال في المدونة: وزاد
في الموازية والواضحة إلا أن تكون ناقصة الخلقة انتهى. ولم ينبه على قيد المسألة. وقال
ابن الحاجب: وفيها كونها زلاء ليس بعيب وقيد باليسير. قال في التوضيح: الزلاء بالمد
صغيرة الألية ولا بد من التقييد باليسير ولهذا قال في الموازية الخ انتهى. ويمكن أن يقال:
إنه في كلام المصنف معطوف على قوله ضيق قبل والمعنى وعدم فحش كونها زلاء
342

فتأمله والله أعلم. ص: (وكي لم ينقص) ش: قال في الشامل: لا كي خف ولم ينقص
الثمن وقيل: إلا أن يخالف لون الجسد أو يكون متفاحشا في منظره أو كثيرا متفرقا أو في
الفرج وما والاه أو في الوجه. وقيل: من البربر فلا رد بخلاف الروم. ص: (ثم ظهرت
براءته) ش: قال في الشامل: ولا تهمة بسرقة ثم ظهرت براءته بكوجودها عند غيره. ص:
(كسوس الخشب) ش: وقيل: يرد به وهو رواية المدنيين. وقال ابن حبيب: لا يرد إن كان
من أصل الخلقة لا طارئا كوضعه في مكان ندي. وهل قوله وفاق وإليه ذهب المازري، أو
خلاف وإليه ذهب ابن يونس تأويلان. وقيل: يغتفر اليسير فقط. ص: (والجوز ومر قثاء)
ش: هذا هو المشهور. قال في الشامل: وثالثها إن كان قليلا يمكن اختباره بقثاءتين أو
جوزتين دون كثير رد، لا ما كثر إلا أن يكون كله فاسدا أو أكثره، وإن كان المعيب يسيرا
في كثير فلا. والأظهر أن شرط الرد مع وجوده مرا أو غير مسوس يوفى له بشرطه اه‍. وقوله:
والأظهر الخ هو من كلام المصنف في التوضيح. وانظر إذا جرت العادة بالرد بذلك هل
ينزل منزلة الشرط وهو الظاهر أم لا لقوله في الام: وأهل السوق يردونه إذا وجدوه مرا ولا
343

أدري بما رد وذلك إنكار الرد اه‍. ص: (ورد البيض) ش: لأنه مما يعلم فاسده قبل كسره
فإن كسره المشتري رده مكسورا ورجع بجميع الثمن إن كان البائع مدلسا، وإن كان غير
مدلس رجع عليه بما بين القيمتين إن كانت له قيمة يوم باعه بعد كسره وإلا رجع بالثمن
كله. وهذا إذا كسره بحضرة البيع، وإن كان بعد أيام لم يرده لأنه لا يدري أفسد عند البائع
أو عند المبتاع والله أعلم. ص: (وعيب قل بدار) ش: اعلم أن عيوب الدار ثلاثة أقسام:
قسم يسير لا ينقص من الثمن لا ترد به الدار ولا يرجع بقيمته ليسارته كالشرافات، وقسم
خطير يستغرق معظم الثمن ويخشى منه سقوطها فهذا ترد به، وقسم متوسط يرجع بمنابه من
الثمن كصدع في حائط. فالظاهر أن المصنف أراد المتوسط بدليل قوله: رجع بقيمته
بإضافة قيمة إلى ضمير العيب القليل كما هو في أكثر النسخ كما نبه عليه ابن غازي،
344

ويكون قوله كصدع جدار تشبيه له، ويدخل في كلام المصنف اليسير الذي لا ينقص
الثمن من باب أحرى. قال في الشامل: واغتفر سقوط شرافة ونحوها واستحقاق حمل جذوع
أو جدار إلا أن يشترط أربع جدرات فيرجع بقيمته كاستحقاق الأقل منها، وترد العروض
بالعيب اليسير وقيل كالدور اه‍. وقيل: إن الدار كالعروض ترد باليسير. والفرق على المشهور
بين الدور وغيرها أن اليسير فيها يلح ويزول بحيث لا يبقى منه شئ بخلاف غيرها، أو
أنها لا تنفك عن عيب فلو ردت باليسير لأضر بالبائع. وقال البرزلي: والفرق بين الدور
والأصول وغيرها أن اليسير في الدور والأصول لا يعيب إلا موضعه ويتهيأ زواله، وغيرها يعيب
جميعه ولا يتهيأ زواله. ولعبد الحق: الفرق أن الدور تشترى للقنية بخلاف غيرها. وعن ابن
زرقون: مسألة الدور أصل يرد إليه سائر البياعات في العيوب، وسمعته يذكر التفرقة المتقدمة
ويقول: مسألة الدور ضعيفة فلذلك احتاج الناس إلى توجيهها اه‍. وقال ابن فرحون في شرح
ابن الحاجب لما تكلم على عيوب الدار إنه لا يرد باليسير: وثمرة ذلك أن العيب إذا كان
يسيرا وطلب المبتاع أخذ الأرش فقال له رب الدار: رد علي داري وخذ مالك، لم يكن له
ذلك بخلاف العروض والسلع اه‍. وهو خلاف ما نقله ابن سلمون عن ابن الحاج ونصه في
أوائل البيوع في الفصل الثاني: وفي مسائل ابن الحاج: إذا كان العيب في العقار يسيرا فلا
يرد به المبيع وللمبتاع الرجوع بقيمة العيب إلا أن يقول له البائع: اصرف علي ما بعت منك
وخذ الثمن فمن حقه ذلك إلا أن يفوت المبيع فيكون له قيمة العيب اه‍. ونقله البرزلي في
أوائل مسائل العيوب عن ابن الحاج أيضا وقال بعده: قلت: تخيير البائع إنما هو فيما يوجب
الرد، وأما ما لا يوجبه فمن اختار التمسك فالقول قوله إلا أن يجتمعا على الرد اه‍. وقال في
الشامل: وجدار إلا أن يشترط أربع جدرات ونحوه في أواخر المنتخب عن أصبغ وهو في
345

سماعه من جامع البيوع بزيادة فائدة وهي ما إذا وجه المشتري على البائع يمينا أنه باعه
الحائط، هل تلزمه أم لا؟ ونصه فيمن اشترى دارا بجميع حقوقها فهدمها إلا حائطا منها منعه
منه جاره وقال: هو لي وأقام عليه البينة قال: لا شئ للمشتري فيه. قال السائل: فإنه يقول
للبائع: احلف ما بعتني هذا الحائط فيما بعتني. قال: ليس له عليه يمين إلا أن يدعي أنه باعه
ذلك الحائط بعينه وينكر ذلك البائع فله عليه اليمين. وأما قول المشتري: اشتريت منك
جميع الدار وهذا الحائط منها فليس عليه بذلك يمين لأنه إنما باعه كل حق هو للدار فهذا
ليس من حقها اه‍. ص: (وفي قدره تردد) ش: قال ابن عرفة في حد الكثير بثلث الثمن أو
ربعه: ثالثها ما قيمته عشرة مثاقيل، ورابعها عشرة من مائة، وخامسة لا حد لما به الرد إلا بما
أضر لابن عبد الرحمن وعياض عن ابن عات وعن ابن القطان وابن رشد ونقل عياض اه‍.
ص: (كصدع جدار إن لم يخف عليها منه) ش: ظاهر قول المصنف: لم يخف عليها
منه أنه لو خيف على الحائط وحده لم ترد به. قال في التوضيح: وبه صرح اللخمي وعياض
وهو ظاهر المدونة خلاف ما قال عبد الحق وسيأتي لفظه. وكلام المصنف موافق لكلام ابن
الحاجب ونصه: وفيها: في الصداع في الجدار وشبهه إن كان يخاف على الدار أن تنهدم
رد به وإلا فلا. قال في التوضيح: وظاهر قوله إن كان يخاف على الدار أنه لو خيف على
حائط لم ترد وبه صرح اللخمي عياض وهو ظاهر الكتاب، بخلاف ما ذهب إليه عبد الحق
وابن شهاب وغيرهما وتأولوا أنه إن خشي هدم الحائط من الصدع الذي فيه أنه يجب الرد.
وقد قيل: إنما يرد لخوف هدم الحائط إذا كان ينقص الدار كثيرا. عياض: وهو صحيح
المعنى. واستدل من لم ير له الرد بهدم الحائط أن الحائط لو استحق لم يكن له رد فكيف
346

إذا كان به صدع. وفرق الآخرون بأنه في الاستحقاق لا ضرر عليه لأنه أخذ قيمته بخلاف
ما ههنا فإنه يضطر إلى بنيانه والنفقة فيه اه‍. وظاهر كلام المصنف في مختصره أنه شهر
القول بعدم الرد إذا خيف على الحائط وحده، وأما لو خيف عليها منه لردت منه. وتأمل
ما نسبه ابن الحاجب للمدونة مع قولها في كتاب التدليس بالعيوب: ومن ابتاع دارا فوجد بها
صدعا فأما ما يخاف منه سقوط الجدار فليرد وإلا فلا. اه‍. والله أعلم ص: (أو يقطع منفعة)
ش: أكثر النسخ على أنه مصدر ويقع في بعض النسخ بالياء المثناة من تحت في أوله
مضارع قطع، فعلى هذا يكون فيه ضمير يعود على الجدار والله أعلم. ص: (أو ملح بئرها
بمحل الحلاوة) ش: يقع في بعض النسخ أو ملح بئرها بعطف ملح ب أو وفي بعض
النسخ كملح بكاف التشبيه. وعلى النسخة الأولى فالظاهر أنه مستغنى بقطع المنفعة
المتقدم ذكره لأنه في التوضيح عده من جملة قواطع المنفعة، وعلى النسخة الثانية فهو تشبيه
بقطع المنفعة، قال في الشامل: وفساد أساسها أو عين مائها أو ملوحته بمحل العذوبة أو
تعفين قواعدها أو فساد حفرة مرحاضها كثير اه‍.
فرع: قال المشذالي في حاشيته: قال الوانوغي: البق عيب ولو في السرير وكثرة النمل
عيب وفي سوء الجار خلاف. قلت: الصواب أنه ليس بعيب لأنه ليس براجع إلى شئ من
أحوال المبيع وفيما قاله نظر، والخلاف الذي في سوء الجار حكاه في الطراز. قال في
الموازية: سوء الجار في الدار المكتراة عيب ترد به إذا لم يعلم. وقال غيره: ليس ذلك عيبا
في البيع. وقد قال أبو صالح الحراني: سمعت مالكا يقول: ترد الدار من سوء الجيران ولم
يأت إلا من هذا الطريق. المشذالي: في العاشرة من الجزء الخامس من كتاب الجامع من
سماع ابن القاسم قال مالك: كان يقول: اللهم أني أعوذ بك من الجار السوء في دار إقامة
ابن رشد: المحنة بالجار السوء عظيمة، وقد روي عن مالك أن الدار ترد من سوء الجار.
المشذالي قال في موضع آخر من البيان: من اشترى دارا فوجد جيرانها يشربون أن ذلك عيب
ترد به. قال الصقلي في آخر الرواحل: ومن اكترى دارا فوجد بها جيران سوء فذلك عيب ترد
به الوانوغي: وفي الشؤم والجنون نظر. والذي اختاره ابن عرفة أنهما ليسا بعيب والصواب
عندي إن ذلك عيب لأنه مما تكرهه النفوس قطعا فإن كون الدار مشهورة بعوامر الجان لا
تسكن غالبا وكذا إذا اشتهرت بالشؤم لا تملك غالبا. المشذالي: وهذا هو الذي اختار
347

صاحب جامع مسائل الاحكام يعني البرزلي في الشؤم بعد أن حكى عن شيخه الامام مثل
ما حكى الوانوغي وقال: قياسا على سوء الجيران إلا أن يقال. إن سوء الجيران محقق بدليل
قول الشاعر:
بجيرانها تغلو الديار وترخص
والشؤم في الدار غير محقق لأنها قد تكون كذلك على قوم دون قوم أو تتقدم تارة
وتتأخر أخرى أو يحدث فيها. وقوله في الحديث: دعوها فإنها ذميمة في قوم حصل لهم
ذلك فهي قضية عين. وكذا قوله في الشؤم في الدار والمرأة والفرس على رواية إثباته كله قد
يكون وقد لا يكون، لكنه إن وقع جاز التعلق به ولا ينكر ويستثنى من لا طيرة في الاسلام.
المشذالي: وهذا الفرق يقتضي عكس اختيار الوانوغي في المسألتين. وقال ابن رشد في ثاني
مسألة من كتاب المرابحة: إذا طال مكث المتاع عنده فلا بيع مرابحة ولا مساومة حتى يبين
وإن لم تحل أسواقه لأن التجارة في الطري أرغب وهم عليه أحرص من أجل أنه إذا طال
مكثه لبث وحال على حاله وتغير، وقد يتشاءمون بها لثقل خروجها وهذا وجه ما في المدونة
والله أعلم. انتهى كلامه بلفظه.
تنبيه: تقدم في كلام الوانوغي أن البق عيب في السرير ومثله القمل في الثوب. قال
في المسائل الملقوطة عن الطرر عن ابن عبد الغفور: حكى عن ابن جماعة من أصحابنا في
المجلس أن كثرته في الثياب عيب خزا كانت أو صوفا أو كتانا انتهى. ص: (وإن قالت:
أنا مستولدة لم تحرم لكنه عيب إن رضي به بين) ش: يعني أن من اشترى أمة ثم اطلع
على أنها كانت ادعت على بائعها أنه استولدها وثبت ذلك ببينة لم تحرم على المشتري
استدامة ملكها بهذه الدعوى، ولكنه عيب يجب له بالرد على البائع إن أحب، فإن رضي به أو
صالح عنه ثم أراد أن يبيع تلك الأمة لزمه أن يبين كما يلزمه ذلك في جميع العيوب، وكما
كان يجب ذلك على بائعها. وهذا قول مالك في أول سماع ابن القاسم من كتاب العيوب،
ونقل الشيخ أبو محمد من رواية محمد عن مالك وعن الواضحة، ونقل ابن رشد أن ابن لبابة
وابن مزين وعبيد الله بن يحيى ونظائرهم أفتوا به، وروى المدنيون عن مالك أنه ليس بعيب،
وما ذكره ابن غازي فيما يتعلق بكلام المصنف مفهوما ومنطوقا كاف في ذلك.
348

فرع: قال ابن عبد السلام: ودعوى العبد الحرية تتنزل هذه المنزلة لأن النفوس تكره
الاقدام على مثل هذا لاحتمال صدق العبد والأمة، ولو علم كذبهما فإنه يوجب تشويشا على
مالكهما والتعرض لعرضه. قال غير واحد من شيوخ الأندلسيين: إذا أقام العبد أو الأمة شاهدا
بالحرية لم يحكم لهما بها ويقضي للمبتاع بالرجوع بالثمن على بائعها إن أحب لأن ذلك
عيب اه‍. ونقله ابن عرفة عن ابن عات ونقله صاحب الشامل ص: (وتصرية الحيوان
كالشرط) ش: يعني أن التغرير الفعلي كالشرطي وهو أن يفعل البائع في المبيع فعلا يظن به
المشتري كمالا فلا يوجد. قاله ابن شاس وهو أحسن من قول التوضيح والشارح وهو أن
يفعل البائع في المبيع فعلا يستر به عيبه فيظهر في صورة السالم اه‍. قصر هذا الكلام فيما
يستر العيب فقط وشمول الفعل لا يستر عيبا، وإنما يظهر كمالا قال ابن عرفة بعد نقله كلام
ابن شاس: قلت: هذا إن ثبت أن البائع فعله أو أمر به لاحتمال فعله العبد دون سيده لكراهة
بقائه في ملكه اه‍. وهو ظاهر قياسا على ما مر به في النجش ومنه صبغ الثوب القديم ليظهر
أنه جديد. قاله في التوضيح. قال ابن عرفة: ومنه قوله في البيوع الفاسدة: من ابتاع ثيابا فرقم
349

عليها أكثر مما ابتاعها به وباعها برقمها ولم يقل قامت علي بكذا، شدد مالك كراهة فعله
واتقى فيه وجه الخلابة. ابن أبي زمنين: إن وقع خير فيه مبتاعه وإن فات رد بقيمته. وقاله
عبد الملك الصقلي عن ابن أخي هشام يخير في قيامها وفي فواتها الأقل من قيمتها وثمنها
اه. وقال في المسائل الملقوطة: الغرر بالقول لا يضمن وفيه الخلاف، وبالفعل يضمن بلا
خلاف. فالأول كمسألة الصيرفي ينقد الدراهم ثم يظهر فيها زائف، ومسألة الخياط يقيس
الثوب ويقول: يكفي فيفصله فينقص، والدليل يخطئ الطريق، والغار في الأمة يقول: إنها
حرة، ومن أعار شخصا إناء مخروقا وهو يعلم به. وقال: إنه صحيح، ومن قال لرجل في
رمضان: كل فإن الفجر لم يطلع وقد علم طلوعه، فعلى القول بالضمان يؤدب ويتأبد أدبه
على المشهور من أنه لا يضمن، وإذا ضمناه يلزمه المثل والقيمة بموضع هلك. والثاني كمن
لثم شخصا بيده في رمضان بعد الفجر ومسائل التدليس وصبغ الثوب القديم وتلطيخ ثوب
العبد بالمداد ونحو ذلك اه‍ باختصار. ومنها أيضا قال في مسائل أجوبة القرويين في القائل
لرجل: بع سلعتك من فلان لأنه ثقة وملئ فوجده بخلاف ذلك فقال: لا يغرم شيئا إلا أن
يغره وهو يعلم بحاله اه‍. التصرية قال في التوضيح: جمع اللبن في الضرع يوما أو يومين حتى
يعظم ثديها ليوهم مشتريها أنها تحلب مثل ذلك اه‍.
فرع: لو اشترى مصراة وسافر قبل حلابها فحلبها أهله زمانا فقدم فعلم بتصريتها فله
ردها ويرد صاعا فقط وغير خراج بالضمان. نقله ابن عرفة عن ابن محرز.
تنبيه: قال الشارح في قوله: الحيوان نظر لشموله الانعام وغيرها وعيب التصرية
خاص بالأنعام اه‍. وفيه نظر. قال ابن عرفة المازري: ولو كانت التصرية في غير الانعام.
وعلى تسليمه ابن زرقون عن الخطابي التصرية في الآدميات كالأنعام. وقال بعض أصحابنا:
لا ترد الأمة لذلك. ص: (لا إن علمها مصراة) ش: قال ابن عرفة: قال اللخمي: وإن علم
مشتريها أنها مصراة قبل أن يحلبها فله ردها قبل حلابها ليخبرها بحالها، وهل نقس تصريتها
يسير أم لا؟ وكذا إن علم بعد حلابها فأصريت به له ردها وإمساكها حتى يحلبها ويعلم
350

عادتها. قلت: يجب أن لا يردها بعد إمساكها لما ذكر إلا بعد حلفه إنه ما أمسكها إلا لذلك
إلا أن يشهد بذلك قبل إمساكها قال: وإن اشتراها عالما أنها مصراة فلا رد له إلا أن يجدها
دون معتاد مثلها ص: (ومنع منه بيع حاكم) ش: يعني إذا باعه من غيره ولم يعلم بالعيب.
قاله في التوضيح والشامل. ونص الشامل: كان باعه وارث لقضاء دين أو وصيه إن بين أنه
351

إرث أو باعه حاكم عن غيره ثم قال: ولو باع بحدثان ملكه لم يفده على المشهور، وكذا لو
أعلمه ولو حاكما أو وارثا حتى يسميه إن لم يتفاوت كقطع أو عور أو يريه له. وانظر المدونة
في كتاب الرد بالعيوب. ص: (ووارث) ش: أي إذا باع لقضاء دين أو تنفيذ وصية كما
صرح به ابن الحاجب وغيره وتقدم في كلام الشامل. وقال ابن عرفة: وعلى اعتبار بيع
الميراث ففي كونه ما بيع منه لقضاء دين فقط ولما بيع لقسم الورثة قولان للباجي وعياض
عن غيره.
تنبيه: بيع الحاكم والوارث هو بيع البراءة. قال ابن عبد السلام: ومعنى البراءة التزام
المشتري للبائع في عقدة البيع أن لا يطالبه بشئ من سبب عيوب المبيع التي لم يعلم بها
كانت قديمة أو مشكوكا فيها. وقال ابن عرفة: والبراء ترك القيام بعيب قديم فيها وفي
عددها اضطراب، ثم نقل كلام أهل المذهب في ذلك وأطال فراجعه إن أردته والله أعلم ص:
352

(ولم يجمله) ش: يعني لم يجمل العيب غيره ولم يجمل في ذكر العيب ولم يبين قدره.
قال البساطي: نكتة: كان بعض المعاصرين يتمسك بظاهر قولهم إذا أجمل لا يقبل مطلقا ولو
ظهر أنه سرق درهما مثلا وكنت أنازعه في ذلك وأقول إنه يفيد، فيما سرق عادة وما إذا ظهر
أنه نقب أو أتى ذلك بالعظيم الذي لا يخطر بالبال، فلا يفيد وفات ولم يرجع وأنا باق على
ذلك ولم أرجع عنه اه‍. قلت: ما نقله هو الظاهر الذي لا شك فيه وكأنه لم يقف على نص
صريح في ذلك وكلام المدونة والنوادر في ذلك كالصريح. قال في كتاب العيوب من
المدونة: ومن باع بعيرا فتبرأ من دابرته فإن كانت متعلقة مفسدة لم يبرأ وإن أراه إياها حتى
يذكر ما فيها من تعد وغيره، وكذلك إن تبرأ في عب من سرقة أو إباق والمبتاع يظن إباق
ليلة أو إلى مثل العوالي أو سرقة الرغيف ونحوه وقد أبق إلى مثل مصر والشام فلا يبرأ حتى
يبين أمره اه‍. فمفهومه أنه لو وجد يأبق ليلة أو يسرق رغيفا برئ. وقال في النوادر في ترجمة
بيع البراءة: ومن الواضحة قال مالك وأصحابه: ومن تبرأ من عيب فمنه فاحش وخفيف فلا
يبرأ من فاحشة حتى يصف تفاحشه من ذلك الإباق والسرقة والدبرة بالبعير، ومثل من تبرأ من
كي أو آثار بالجسد أو من عيوب الفرج فيوجد في ذلك متفاحشا في ذلك كله فله الرد،
وكذلك سائر العيوب، وذكر مثله ابن القاسم في كتاب محمد اه‍. وهذا أصرح من كلامه
في المدونة وقال بعده في المدونة: وإذا تبرأ من عيوب الفرج فإن كانت مختلفة ومنها
المتفاحش لم يبرأ حتى يذكر أي عيب إلا من اليسير فإنه يبرأ اه‍. وهذا أصرح مما في النوادر
353

والمسألة الآتية في قول المصنف: وهل يفرق بين أكثر العيب شاهدة لما قاله البساطي والله
أعلم ص: (وزواله إلا محتمل العود) ش: أي ومنع من خيار العيب زوال ذلك العيب إلا أن
يكون ذلك العيب لا تؤمن عودته فلا يمنع.
تنبيه: تكلم المصنف على حكم المسألة بعد وقوع البيع وكذلك في ابن الحاجب
ولم يتكلما على حكم المسألة ابتداء وهي ما إذا زال العيب، هل يجب على البائع أن يبينه أم
لا؟ وقد ذكر في النوادر في ترجمة القول في عيوب الرقيق في أبدانهم فقال: ومن كتاب ابن
المواز قال ابن القاسم: وإذا انقطع البول عن الجارية فلا يعيبها حتى يبين لأنه لا يؤمن من
عودته، وكذلك الجنون فإن لم يبين فهو عيب ترد به. وقال أشهب في البول: فإذا انقطع
انقطاعا بينا مضى له السنون الكثيرة فما عليه أن يبين، وأما انقطاع لا يؤمن فلا وللمبتاع الرد
اه‍. ويأتي في القولين الخلاف هل هما خلاف أو وفاق.
تنبيه: قوله: وزواله ظاهره سواء زال قبل أن يقوم بالعيب أو بعد القيام به وقبل الحكم
وهو كذلك عن ابن القاسم خلافا لأشهب. قال اللخمي: ومن اشترى عبدا أو أمة بها عيب
فذهب قبل أن يقوم به لم يكن له الرد، واختلف إذا علم فيريد أن يرد به فقال ابن القاسم: لا
354

رد له. وقال أشهب: له أن يرد. والأول أصوب اه‍ ص: (وبالموت وهو الأظهر) ش: ظاهره
سواء كانت رائعة أم لا. وقال في التوضيح: القول الثاني لابن حبيب وأشهب أن العيب
يذهب بالموت دون الطلاق. ابن حبيب: إلا أن تكون الأمة رائعة يعني في الموت. ابن
355

رشد: وهو أعدل الأقوال. ص: (فإن غاب بائعه أشهد فإن عجز أعلم القاضي) ش: نحوه
لابن شاس وابن الحاجب ونقله في الذخيرة وقبله وظاهره كما قال ابن عرفة إن إشهاده شرط
في رده أو في سقوط اليمين عنه إن قدم به وأنه بعد الاشهاد ترد عليه إن كان قريب الغيبة أو
له وكيل، فإن عجز عن الرد لبعد غيبة البائع فإنه يرفع إلى القاضي وأنه إن لم يرفع إلى
القاضي لم يكن له رد إذا قدم، وهو خلاف ما جزم به ابن عرفة وجعله المذهب ونصه:
وغيبة بائع المعيب لا يسقط حق مبتاعه. اللخمي عن ابن القاسم: من أقام بيده عبد اشتراه
ستة أشهر لغيبة بائعه ولم يرفع لسلطان حتى مات العبد، له الرجوع بعيبه ويعذر بغيبة البائع
لثقل الخصومة عند القضاة، ولأنه يرجو إن قدم البائع موافقته. وقول ابن الحاجب: إن كان
البائع غائبا استشهد شهيدين يقتضي أن إشهاده شرط في رده أو في سقوط اليمين عنه إن
قدم به ربه ولو لم يدع عليه لذلك، ولا أعرفه لغير ابن شاس، وله القيام في غيبته اه‍. ففهم
من قوله: وله القيام في غيبته أن له عدم القيام. وقوله: ولو لم يدع عليه ذلك أي ولو لم
يحقق عليه الدعوى لأنه إذا حقق عليه الدعوى بالرضا وقال: إن مخبرا أخبره بذلك فإن
اليمين تتوجه بلا كلام والله أعلم ص: (كأنه لم يعلم قدومه على الأصح) ش: كذا في
أكثر النسخ، وفي نسخة ابن غازي: كأنه لم يعلم موضعه وهو أبين لأن فرض المسألة في
356

الغائب الذي جهل موضعه والأصح وهو قول أبي مروان بن مالك القرطبي كما قال ابن
غازي: وإنما نبه على ذلك لأن الشارح نسب هذا القول لابن شعبان وليس كذلك، والذي
غر الشارح في ذلك لفظ التوضيح فإنه قال: وهو قول مالك القرطبي فتصحفت بابن القرطبي
وهو قول ابن شعبان. والمصحح لقول مالك هو ابن سهل كما قال ابن غازي أيضا. وقال
الشارح: إنه ابن رشد ولم أقف عليه ويقع في النسخة المصحفة من ابن غازي ما نصه: قال
يعني ابن سهل: وقول ابن القطان: له مجال في النظر بزيادة لفظ له ومجال بالجيم وهو
كلام فيه زيادة وتصحيف. والذي في النسخ الصحيحة: وقول ابن القطان محال في النظر
بإسقاط لفظة له ومحال بالحاء المهملة وهو الذي يقتضيه التعليل وهو نص كلام ابن
سهل ولفظه: وأما في قوله غيبة بعيدة بحيث لا يعلمون فلا معنى له ومحال في النظر والله
أعلم ص: (ثم قضى إن أثبت عهدة مؤرخة وصحة الشراء إن لم يحلف عليهما) ش: قال
أبو الحسن الصغير: يتم حكم الحاكم في هذه المسألة بعد ثبوت تسعة فصول: أحدها:
إثبات الشراء. الثاني: إثبات أن الثمن كذا. الثالث: إثبات أنه نقده. الرابع: إثبات أمد المبتاع.
الخامس: إثبات العيب. السادس: إثبات كون العيب ينقص من الثمن. السابع: إثبات قدم
العيب وأنه أقدم من أمد المبتاع. الثامن: إثبات غيبة البائع. التاسع: إثبات بعد الغيبة وأنه
بحيث لا يعلم فإذا ثبتت هذه الفصول عند الحاكم حلف المبتاع على ثلاثة فصول: أحدها
أنه ابتاع بيعا صحيحا، الثاني أنه يحلف على أن البائع ما تبرأ له من العيب ولا بينة له، الثالث
أن يحلف أنه ما علم بالعيب ورضيه، وله أن يجمع هذه الفصول في يمين واحدة على
الاختلاف في ذلك اه‍. وهذه الفصول التسعة التي ذكر أبو الحسن أنه لا بد من إثباتها كلها
357

مأخوذة من التوضيح، منها ما هو صريح فيه ومنها ما هو مفهوم منه، وتؤخذ من كلام
المصنف أيضا وزاد في التوضيح أنه يثبت صحة ملك البائع إلى حين الشراء، وقاله ابن عبد
السلام ونقله في الشامل. وقال في التوضيح والشامل في إثبات أن الثمن كراء وأنه نقله: إن
أراد أخذه فمفهوم كلامهما أنه إذا لم يرد المشتري أخذ الثمن لم يحتج إلى إثبات ذلك وهو
ظاهر. وذكر في التوضيح عن ابن رشد وغيره أنه قيد إثبات نقد الثمن بما إذا لم تطل المدة
طولا يوجب أن يكون القول قول المشتري مع يمينه. قال: وذلك العام والعامين على ما ذهب
إليه ابن القاسم. والأول والثاني من الفصول التي ذكر أبو الحسن أنه يحلف عليها هما اللذان
أشار المصنف إليهما بقوله: إن أثبت عهدة مؤخرة وصحة الشراء إن لم يحلف عليهما
يعني فإن حلف عليهما لم يحتج إلى إثباتهما. فالحاصل أن القول قوله مع يمينه فإذا ثبت
ذلك بالبينة سقطت عنه اليمين. وأما الفصل الثالث فلا بد من اليمين عليه وذكره في
التوضيح والشامل ولفظه في التوضيح: وأن ما اطلع عليه بعد البيع ورضيه ولا استخدم العبد
بعد اطلاعه على العيب. وذكر ابن عرفة عن فضل أنه قال: لا بد أن يحلف أن البائع ما تبرأ
له من هذا العيب لاحتمال كون البراءة بعد العقد الذي حضرته البينة وأشار لذلك في
التوضيح. ثم قال ابن عرفة: وعلى قول فضل يزيد في حقه أنه ما أسقط حقه فيه بوجه وذكره
المتيطي كأنه المذهب والله أعلم.
تنبيه: قال في المدونة: ثم يبيعه عليه الامام ويقضي المبتاع ثمنه الذي نقد بعد أن
تقول بينته أنه نقد الثمن وأنه كذا وكذا دينارا، فما فضل حبسه الامام للغائب عند أمين، وإن
كان نقص رجع المبتاع على البائع بما بقي له من الثمن. قال ابن عرفة: قال ابن محرز:
ومعنى قوله في المدونة في بيع الغرر أنه لم يكن للغائب مال غيره أو رأى أنه مثل ما يباع له.
وتبعه المازري وقال ابن عرفة: قلت: ما فيها هو نص الرواية وأقوال المتكلمين في المدونة
وغيرها وأهل الشورى كابن عتاب وابن القطان وابن مالك وابن سهل وغيرهم. ثم ذكر مسألة
من سماع عيسى صرح ابن رشد في شرحها بأن السلطان يبيع بعد إثبات الفصول ثم قال
ابن عرفة: قلت: فقد نص ابن رشد على بيعه له دون شرط وإنما ذكر أهل المذهب اعتبار
أولوية ما يباع على الغائب فيما لم يتقدم من المبيع عليه رضا ببيع ما يباع عليه، وهذا البيع
قد رضي المبيع عليه ببيع فأشبه ذلك توكيله على بيعه انتهى. وهو ظاهر فتأمله. وقد ذكر
أبو الحسن الصغير نحو ما ذكره ابن عرفة عن ابن محرز.
فرع: قال ابن عرفة اللخمي: من قام بعيب مبيع في غيبة بائعه والبائع منه حاضر فلا رد
عليه لحجته بدعواه أن الغائب رضيه إلا في عدم الغائب، لأنه لو رضيه وثمنه لم يف بثمنه
لم يقبل رضاه، ولو استحق من الآخر فله القيام على الأول لأنه غريم غريمه انتهى.
358

تنبيه: قال أبو الحسن: قوله في المدونة: فما أفضل حبسه الامام للغائب عن أمين
الشيخ: القاعدة أن الامام لا يتعرض لديون الغائب يقبضها إلا أن يكون مفقودا أو مولى عليه
أو يكون حاضرا يريد أن تبرأ ذمته ورب الدين حاضر أو غائب ملد، وهذا بخلاف من تعدى
على مال غائب فأفسده فإن الامام يأخذ منه القيمة ويحبسها للغائب. وانظر قوله هنا: حبسه
السلطان من أي نوع انتهى. وذكر نحوه في النكت فيما إذا قام المشتري بينة أنه ابتاع بيعا
فاسدا وفات المبيع وحكم بالقيمة على المشتري وكان فيها فضل على الثمن الذي أخذه
البائع أن السلطان لا يأخذه بل يبقيه في ذمة المشتري، لأن السلطان لا يحكم للغائب في
أخذ ديونه إلا أن يكون مفقودا أو مولى عليه أو يقول الذي عليه الدين: لا أريد بقاءه في
ذمتي والله أعلم ص: (وفوته حسا ككتابة وتدبير) ش: قوله: ككتابة ليس تمثيلا للفوت
الحسي لأن الفوت في ذلك حكمي، وإنما المراد تشبيهه بالفوات المسمى في منع الرد
بالعيب. قال ابن الحاجب: وإذا فات المبيع حسا فتلف أو حكما بعتق أو استيلاد أو كتابة
أو تدبير فاطلع على العيب تعين الأرش انتهى.
فرع: فإن وهبه المبتاع أو تصدق به تعين الرجوع أيضا بالأرش. قال في المقدمات:
إذا خرج المبيع من المشتري بغير عوض فإن كان مغلوبا عليه من غير اختياره مثل أن يكون
عبدا فيموت أو يقتله المشتري خطأ أو يقبضه منه وما أشبه ذلك فلا خلاف أن له الرجوع
بقيمة العيب، وإن كان ذلك باختياره مثل أن يقتله عمدا أو يهبه أو يتصدق به أو يعتقه أو
يكاتبه وما أشبهه فروى زياد أنه لا رجوع له بقيمة العيب انتهى. وقال في التوضيح في شرح
قول ابن الحاجب: فإن تعذر لعقد آخر فإن كان بغير معاوضة فالأرش أي كالهبة والصدقة
وهذا هو المشهور، وروى زياد عن مالك إذا تصدق به أو أعتقه أن ذلك فوت ولا رجوع له
بقيمة العيب، ولعله يقول مثل ذلك في الهبة. هذا في غير هبة الثواب. وأما هبة الثواب
359

فكالبيع قاله في المدونة. وعلى المشهور فقال سحنون وعيسى في العتبية: يكون الأرش
للمتصدق لا للمتصدق عليه انتهى. وانظر قول التوضيح: ولعله يقول مثل ذلك في الهبة
فإن ظاهره يقتضي أن زيادا لم يتكلم على حكم الهبة وكلامه المتقدم ظاهره أو صريحه
يقتضي دخول الهبة أيضا في كلام ابن زياد فتأمله.
فرع: قال في التوضيح: واختلف إذا وهبه لابن له صغير فقال ابن حبيب: ذلك فوت.
وقال ابن الكاتب: ليس بفوت أفله الاعتصار انتهى. قلت: الأظهر أن يقال: إن اعتصره فله
الرد لأنه رجع لملكه وإن لم يعتصر فلا رد عليه.
فرع: قال في المدونة: وإن وهبته من بائعه منك ثم اطلعت على العيب الذي كان به
رجعت عليه بحصة العيب من الثمن انتهى.
فرع: ومن ذلك الحبس قال في نوازل ابن رشد في مسائل الوصايا فيمن أوصى بشراء
دار توقف حبسا بمسجد ففعل وصيه بذلك وزاد من ماله شيئا وحبس الدار ثم ظهرت بها
مفسدة عيب قبيحة توجب ردها، أن للوصي ردها وليس تحبيسها على هذا الوجه مما يفيت
ردها وإنما يكون التحبيس فوتا إذا اشتراها الرجل لنفسه ثم حبسها.
فرع: والإباق عيب يوجب الرجوع بقيمة المعيب. قاله في التلقين والعمدة.
فرع: ولو أخذ الأرش لمرض العبد عنده أو كاتبه ثم صح أو عجز فات. قاله في
الشامل ص: (فيقوم سالما أو معيبا) ش: والمعتبر القيمة يوم يدخل المبيع في ضمان
المشتري لا يوم القبض كما يؤخذ من قول المصنف يوم ضمنه المشتري، وصرح بذلك في
التوضيح وسيأتي لفظه. وقال في المدونة ونصها: ومن اشترى جارية بيعا صحيحا فلم
يقبضها إلا بعد شهر أو شهرين وقد حالت الأسواق عند البائع بقبضها وباتت عند المشتري
ثم اطلع على عيب كان عند البائع، فالتقويم في قيمة البيع يوم الصفقة. ثم قال: والبيع
الصحيح يلزمه قبضه ومصيبته منه ولو لم يقبضها المبتاع في البيع الصحيح حتى ماتت عند
البائع أو حدث بها عنده عيب وقد قبض الثمن أم لا، فضمانها من المبتاع وإن كان البائع
احتبسها بالثمن كالرهن، هذا إن كانت الجارية مما يتواضع مثلها أو بيعت على القبض. ص:
(ويأخذ من الثمن النسبة) ش: سيأتي إن شاء الله بيان ذلك في قول المصنف: وقوما
360

بتقديم المبيع ص: (ووقف في رهنه وإجارته لخلاصه) ش: حكم الرهن والإجارة والبيع
الصحيح وهبة الثواب سواء في أنه لا رجوع للمشتري بشئ حتى تعود له السلعة على
مذهب ابن القاسم في المدونة. قال في الام: والرهن والبيع الصحيح والإجارة إذا أصاب
العيب بعد ما رهن أو أجر فلا أراه فوتا، ومتى ما رجعت إليه بافتكاك الرهن وانقضاء الإجارة
فأرى له أن يردها إن كانت بحالها، وإن دخلها عيب مفسد ردها وما نقص العيب الذي
حدث به انتهى. وقال في التهذيب: وأما إن باعها أو وهبها للثواب أو رهنا أو أجرها ثم اطلع
على العيب فلا يرجع بشئ، فإذا زالت من الإجارة أو الرهن يوما فله ردها بالعيب إن كانت
بحالها، وإن دخلها عيب مفسد ردها وما نقصها عنده انتهى. وقال أبو الحسن الصغير: قوله:
باعها بيعا صحيحا أو فسادا انتهى. ثم قال في المدونة: وإن اشتريت من رجل عبدا ثم بعته
فادعيت بعد البيع أن العيب كان بالعبد عند بائعه منك فليس لك خصومة الآن إذ لو ثبت لم
أرجعك بشئ عليه، فأما إن رجع إليك العبد بشراء أو هبة أو غير ذلك فلك القيام بالعيب.
ثم قال بعده: إنه لو وهبه لك المشتري منك أو تصدق به عليك ثم علم بالعيب لرجع
عليك بقيمة العيب من الثمن الذي بعته به منه، ثم لك رده على بائعك الأول وأخذ جميع
الثمن منه ولا كلام له. قال ابن يونس: ولا يحاسبك ببقية الثمن الذي قبضت من واهبك بعد
الذي رددت إليه منه بقيمة العيب لأن ما بقي في يدك إنما وهبه غيره. أبو الحسن: وهذا
معنى قوله في المدونة: ولا كلام له
تنبيه: انظر إذا علم بالعيب بعد الرهن والإجارة والبيع وقلنا: لا يرجع له بشئ حتى تعود
إليه السلعة، فهل يشترط في ذلك أن يشهد الآن أنه ما رضي بذلك أو لا يحتاج إلى ذلك وله
القيام به وإن لم يشهد؟ وظاهر ما تقدم أن له القيام وإن لم يشهد، ويظهر ذلك أيضا مما
ذكره ابن يونس وأبو الحسن عن ابن حبيب أنه إنما يكون إليه الرد فيما إذا رجع إليه العبد
361

بشراء أو هبة أو ميراث إذا لم يكن قام عليه ولم يحكم بينهما بشئ، أما لو قام عليه قبل
رجوع ذلك من يده فلا رجوع له. قال ابن يونس: قال أبو محمد: وهذا بعيد من أصولهم.
ابن يونس: يريد أبو محمد أن له أن يرد قام عليه أو لم يقم لأنه إنما منعه من القيام عليه
لعلة فارتفع ذلك الحكم بارتفاعها. انتهى بالمعنى. وذكر أيضا أن له رده على بائعه وإن كان
اشتراه من مشتريه منه عالما بعيبه لأنه يقول: إنما اشتريته لأرده عليه، وأيضا فقد تقدم في
كلام ابن عرفة أنه يعذر فيمن عدم القيام بغيبة البائع فهنا أولى والله أعلم ص: (والإخدام
كالرهن والإجارة) ش: فإذا أخذ العبد أو الجارية شخص ثم اطلع على عيب لم يرد بالعيب
حتى يرجع إليه المبيع. قاله في المنتقى والمقدمات. ص: (فإن باعه لأجنبي مطلقا) ش:
أي فإن باع المشتري الشئ الذي اشتراه لأجنبي ثم اطلع على عيب فلا رجوع له على بائعه
حينئذ بشئ وليس له مخاصمته حينئذ كما تقدم في لفظ المدونة. وقوله: مطلقا أي سواء
باعه لأجنبي بمثل الثمن الذي اشتراه به أو بأكثر أو بأقل، أما إذا باعه بمثل الثمن أو أكثر
فواضح لأنه لو رده على بائعه لم يرجع إلا بالثمن الذي دفعه. وأما إذا باعه بأقل فلأنه إما أن
يكون عالما بالعيب فيبيعه رضا منه بذلك أو لا يكون عالما بالنقص لحوالة الأسواق لا
للعيب، وهذا قول ابن القاسم واختاره ابن المواز قال: إلا أن يكون النقص لأجل العيب مثل
أن يبيعه بالعيب وهو يظن أنه حدث عنده ولم يعلم أنه كان عند بائعه أو باعه وكيل له وظن
ذلك فيرجع على بائعه بالأقل مما نقصه الثمن وقيمة العيب. قال في التوضيح: وظاهر كلام
ابن يونس قول محمد تقييد لقول ابن القاسم وبذلك صرح غيره ولم يذكره ابن الجلاب
على أنه تقييد. اه‍ كلام التوضيح. وقال ابن عرفة: جعل عياض وابن رشد قول محمد تفسيرا
لقول ابن القاسم وعزاه عبد الحق لابن القاسم في الموازية لا لمحمد. وقال في الشامل: ولو
362

باعه لأجنبي أو وهبه للثواب بكثمنه فأكثر فلا كلام له وكذا بدونه. وهل مطلقا أو إلا أن
يقبض لأجل العيب ظانا هو أو وكيله أنه حدث عنده فله قيمته خلاف اه‍. والمراد بالأجنبي
في كلام المصنف غير بائعه يدل على ذلك مقابلته بقوله: أوله.
تنبيه: قال الشارح في شروحه الثلاثة في شرح هذه المسألة: أي فإن باعه المشتري
بعد الاطلاع على العيب من أجنبي الخ. وهو سهو ظاهر وصوابه فإن باعه قبل الاطلاع، وتبعه
البساطي على هذا السهو والله أعلم. ص: (وتغير المبيع إن توسط فله أخذ القديم ورده
ودفع الحادث) ش: اعلم أن تغيير المبيع تارة يكون بنقصان وتارة يكون بزيادة وتارة يكون
بهما فالنقصان على خمسة أوجه: الأول: التغيير بنقص في القيمة لحوالة الأسواق ولا يعتبر
كما صرح به في أول كتاب العيوب من المدونة. الثاني: النقصان بتغير حال المبيع دون بدنه
كالزواج والزنا والسرقة ويأتي الكلام عليه عند قول المصنف: وتزويج أمة. الثالث: التغير
ينقصان عين المبيع وهذا الذي تكلم المصنف فيه وقسمه إلى خفيف ومتوسط ومفيت.
الرابع: النقصان من غير عين المبيع مثل أن يشتري النخل بثمرتها قبل الإبار أو بعده والعبد
بماله فذهب مال العبد بتلف أو ثمرة النخل بجائحة ثم يطلع المشتري على عيب فلا خلاف
أن ذلك لا يعتبر، وهو بالخيار بين أن يرد ولا شئ عليه أو يتمسك ولا شئ له. صرح بنفي
الخلاف في المقدمات وذكر المسألة في أثناء كتاب العيوب من المدونة، وعزاها الباجي في
المنتقى لعيسى بن دينار. الخامس: النقصان بما أحدثه المبتاع في المبيع ويأتي الكلام عليه
عند قول المصنف: وفرق بين مدلس وغيره إن نقص ذكر هذه الخمسة الأوجه في
المقدمات وذكرها الباجي في المنتقى والرجراجي، وصرح بنفي الخلاف في الوجه الأول
فقال: وأما النقصان بحوالة الأسواق فلا عبرة به وهو مخير بين أن يرد أو يمسك ولا شئ له،
ولا أعلم في المذهب نص خلاف أن حوالة الأسواق ليست بفوت في الرد بالعيب في
363

جميع أنواع المبيعات لا بالزيادة ولا بالنقصان، ولا يمنع الرد بالعيب المشترى إلا رواية
شاذة رواها ابن وهب عن مالك على ما نقله القاضي أبو محمد عبد الوهاب أن حوالة
الأسواق فوت في الطعام اه‍. وأما التغير بالزيادة فسيأتي الكلام عليه عند قول المصنف: وله
إن زاد بكصبغ، ويأتي الكلام على التغير بزيادة ونقصان عند قول المصنف: وجبر به
الحادث والله أعلم.
فرع: ولو حدث عند المشتري موضحة أو منقلة أو جائفة ثم برئت على غير شين فلا
شئ عليه ولو أخذ لها أرشا ولا يرد ما أخذ إن رد العبد، وأما إن برئت على شين فإن رد
العبد رد معه ما شانه. نقله في المنتقى وصاحب الشامل ص: (وقوما بتقويم المبيع يوم
ضمنه المشتري) ش: هذا نحو قول ابن الحاجب ويقوم القديم والحادث بتقويم المبيع يوم
ضمنه المشتري. قال ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح: يعني أنه ينظر في قيمة العيب
القديم وفي قيمة العيب الحادث إذا احتيج إلى قيمتهما معا أو إلى قيمة العيب القديم
وحده يوم ضمن المشتري المبيع لا يوم الحكم ولا يوم العقد، ولا يفصل في ذلك فيقال:
يقوم العيب القديم يوم ضمان المشتري والعيب الحادث يوم الحكم كما يقوله أحمد بن
المعدل، زاد ابن عبد السلام فقال: وأكثر عباراتهم يقوم يوم البيع. وعدل المصنف إلى يوم
ضمنه المشتري لأن المبيع قد يحتاج فيه إلى مواضعة فإذا قيل يوم البيع لم يشمل هذه
الصورة وشبهها اه‍. وقال ابن عرفة المازري: فيعتبر وقت ضمان ذات المواضعة والغائب
والمحبوسة بالثمن والفاسد اتفاقا واختلافا اه‍.
تنبيهات: الأول: قال ابن الحاجب بعد كلامه السابق: فإن أمسك قوم صحيحا أو
364

بالعيب القديم. قال في التوضيح: أي فإن اختار المشتري التمسك بالعيب وأخذ قيمة القديم
حيث يكون التخيير فإن المبيع يكفي فيه حينئذ تقويمان يقوم صحيحا ثم معيبا بالقديم
فمهما نقص أخذ نسبة النقص من الثمن. قال الباجي: مثل أن تكون قيمتها سالمة عشرة
وبالعيب ثمانية فيعلم أن العيب خمس الثمن فيرجع المشتري على البائع به، فإن كان كثيرا
اشتراه بخمسة عشر رجع عليه بخمسها وذلك ثلاثة. ثم قال ابن الحاجب: وإن رد قوم ثالثا
بهما. قال في التوضيح: أي وإن اختار الرد قوم تقويما ثالثا بالعيبين معا القديم والحادث، فما
نقصته القيمة الثالثة عن القيمة الثانية نسب ذلك من القيمة الأولى ورد المشتري على البائع
تلك النسبة من الثمن. وهكذا قال الباجي فإنه قال بعد الكلام الذي ذكرناه: فإن أراد الرد فإن
القيمتين المتقدمتين لا بد منهما، فإذا تقدما جعلت قيمة السلعة بالعيب القديم أصلا ثم
يقومها قيمة ثالثة بالعيبين القديم والحادث فيرد من الثمن المعيب بقدر ذلك كما لو قيل في
مسألتنا أن قيمتها بالعيب ستة فعلم أن العيب الحادث عند المشتري نقص من قيمة المبيع
بعيبه الربع فيرجع من ثمنه بذلك، وقد علمنا أن الباقي بعد البيع الأول اثنا عشر فيرد مع
المعيب ربع ثمنه بالعيب القديم وذلك ثلاثة، وذلك معنى ما ذكره ابن القاسم في المدونة
وغيرها اه‍. وإن شئت قلت يرد خمس الثمن اه‍. كلام التوضيح. قلت: لا يخفى أن قول
المصنف في التوضيح فما نقصته القيمة الثالثة عن القيمة الثانية نسب ذلك من القيمة
الأولى ورد المشتري على البائع مثل تلك النسبة من الثمن، وإن كان مخالفا لما ذكره عن
الباجي في كيفية العمل فإن مؤدى ذلك في المعنى واحد إلا أن مقتضى كلام المصنف أنا
إذا نسبنا القيمة الثانية وهي الستة في المثال المذكور إلى القيمة الثانية وهي الثمانية، وعرفنا
أن الفضل بينهما اثنان فنسبنا الاثنين حينئذ إلى القيمة الأولى التي هي العشرة فتكون خمسا
فتأخذ بمثل تلك النسبة من الثمن كما قال في آخر كلامه: وإن شئت قلت: يرد خمس
الثمن وأما على ما قال الباجي: فإنا عرفنا أن الفضل بين القيمة الثالثة والثانية اثنان، نسبنا
الاثنين إلى القيمة الثانية فيكون ربعا فتأخذ ربع الثمن المبيع بعيبه، والطريق إلى معرفة ثمنه
بعينه أن تسقط من الثمن الأصلي ما ينوب العيب القديم. فقول الباجي: فيرد من المعيب
بقدر ذلك يعني المبيع بعينه، بين ذلك في آخر كلامه.
الثاني: قال ابن عرفة: وقدر مناب العيب القديم من ثمن المبيع هو الجزاء المسمى
للخارج من نسبة قيمته فضل قيمته سليما على قيمته معيبا يوم ضمان المبتاع من قيمته
سليما، ثم ذكر كلام المازري الذي ذكرنا عنه أولا في المواضعة وما معها ثم قال: وقدر
الحادث منه الجزء المسمى للخارج من تسمية فضل قيمته بالقديم على قيمته بهما من
قيمته بالقديم فقط اه‍. قلت: ما ذكره في مناب العيب القديم ظاهر، وما ذكره في الحادث
غير ظاهر لأنه يقتضي أنه إذا نسبنا الفضل بين القيمة الثالثة والثانية إلى الثالثة كما تقدم في
365

كلام الباجي يأخذ بمثل تلك النسبة من الثمن الأصلي، لأن الضمير في قوله: وقدر الحادث
منه يعود إلى الثمن الأصلي لأن الضمير في قوله: وقدر الحادث منه يعود إلى الثمن
الأصلي المتقدم في قوله: وقدر مناب القديم من ثمن المبيع لأنه لم يتقدم غيره ولم يتقدم
لثمن المعيب بعينه ذكر حتى يعود إليه ويكون موافقا لكلام الباجي فتأمله والله أعلم.
الثالث: ظاهر ما تقدم أن المشتري مخير قبل التقويم. قال أبو الحسن: وهو ظاهر
المدونة. وفرق بين ذلك وبين ما إذا استحق الأكثر من المقومات فإنه لا يجوز التمسك
بالأقل لجهل بما ينوبه بأنه في العيب لما فات عنده بعض المبيع، ووجب أن لا يرد إلا بما
نقصه سومح في أن يمسك ويرجع بقيمة العيب القديم. وفي الاستحقاق لا يجب عليه غرم
شئ إذا رد. ثم قال: وقال بعض القرويين في مسألة العيب: لا يخبر حتى يقوم لأنه قد يختار
التمسك فيؤدي إلى أن يحبسه بثمن مجهول. قلت: وقد ذكر هذا في النكت عن بعض
شيوخه وعزاه ابن عرفة لعبد الحق فإنه ذكر المناقضة بين مسألة العيب وبين مسألة
الاستحقاق عن ابن محرز وبحث معه في ذلك ثم قال: وهذه المناقضة خلاف قول عبد
الحق: لا يخير إلا بعد معرفة مناب العيب القديم والحادث اه‍ وما قاله بعض القرويين
مخالف لظاهر المدونة وغيرها من نصوص المدونة والله أعلم ص: (وله إن زاد بكصبغ أن
يرد ويشترك بما زاد يوم البيع على الأظهر وجبر به الحادث) ش: قال في المقدمات:
366

الزيادة على خمسة أوجه: زيادة لحوالة الأسواق، وزيادة في حالة المبيع مثل أن يكون عبدا
فيتعلم الصناعات ويتخرج فتزيد قيمته لذلك، وكلاهما لا يعتبر ولا يوجب للمبتاع خيارا.
صرح بذلك في كتاب العيوب من المدونة فقال في أوله: ولا يفيت الرد بالعيب حوالة
الأسواق ثم قال: ومن ابتاع عبدا أعجميا فعلمه البيان أو صنعة نفيسة فارتفع ثمنه لذلك، أو
ابتاع أمة فعلمها الطبخ والغسل ونحوه فارتفع ثمنها لذلك ثم ظهر على عيب، فليس ذلك
فوتا وله أن يجيز أو يرد ولا شئ له. قال ابن يونس: قال بعض فقهائنا القرويين: كان يجب
في ذلك أن يمسك ويرجع بقيمة العيب لما أخرج في تعليمها، استشهد عليه بمسألة نقل
المبيع الآتية وبما في المدونة فيمن ابتاع عبدا باعه القاضي بعد أن أعتقه ربه لدين سابق ثم
أيسر ثم أعسر فاطلع على عيب قديم، أن للمبتاع حبسه وللرجوع بأرش العيب، لأنه إن رده
على ربه عتق ليسره الطارئ ولا يجد ثمنا يأخذ بالعسر الطارئ بعد اليسر المذكور. وذكر
ابن عرفة هذه المسألة وذكر أن المازري أجاب بأن ضرب عدم الرجوع ناشئ عن الرد وعدم
أجر الصنعة ليس كذلك اه‍. وزيادة في عين المبيع بنماء حادث فيه كالدابة تسمن، والصغير
يكبر أو بشئ من جنسه مضاف إليه كالولد، فاختلف أصحابنا في ذلك وسيأتي الكلام على
ذلك عند قول المصنف: كعجف دابة وسمنها. وزيادة مضافة للمبيع من غير جنسه مثل أن
يشتري العبد ولا مال له فيفيد عنده مالا بهبة أو صدقة أو كسب من تجارة ما لم يكن ذلك
من خراجه، أو يشتري النخل ولا ثمر فيه فتمثر عنده ثم يجد عيبا، فهذا لا اختلاف أن
ذلك لا يوجب له خيارا ويكون مخيرا بين أن يرد العبد وما له والنخل وثمرتها ما لم يطب
ويرجع بالعلاج على مذهب ابن القاسم، أو يمسك ولا شئ له في الوجهين جميعا. وقوله:
ما لم يطب أي ما لم ره كما سيأتي في كلام ابن غازي عند قول المصنف: ولم ترد
كشفعة. وزيادة أحدثها المشتري في المبيع من صنعة مضافة إليه كالصبغ والخياطة واللبد
وما أشبهه مما لا ينفصل عنه إلا بفساد، فلا اختلاف أن ذلك يوجب له الخيار بين أن
يتمسك ويرجع بقيمة العيب أو يرد ويكون شريكا اه‍. ونحوه للباجي في المنتقى: وذكر
الباجي الخمسة أوجه، وهذا الوجه الخامس هو الذي تكلم عليه المصنف هنا، وأما الوجهان
الأولان فلم يتكلم عليهما وكذا الرابع، وأما الثالث فسيأتي الكلام عليه عند قوله: كعجف
دابة وسمنها. وأما كيفية التقويم فقد تكلم على ذلك ابن غازي وحاصله أنه إذا حدثت
زيادة عن المشتري ولم يحدث عنده عيب فإنه يخير، فإن اختار الامساك فيقوم المبيع
تقويمين يقوم سالما ثم معيبا ويأخذ من الثمن بنسبة ذلك، وإن اختار الرد قوم تقويمين أيضا
فيقوم بالعيب القديم غير مصبوغ ثم يقوم مصبوغا، فما زادت قيمته مصبوغا على قيمته غير
مصبوغ نسب إلى قيمته مصبوغا وكان المشتري شريكا في الثوب بنسبته كما إذا قوم غير
مصبوغ بثمانين وقوم مصبوغا بتسعين فينسب العشرة الزائدة إلى تسعين فتكون تسعا، فيكون
367

المشتري شريكا في الثوب بالتسع وتعتبر قيمته مصبوغا وغير مصبوغ يوم البيع عند ابن
يونس، ويوم الحكم عند ابن رشد. وأما إذا حدث عند المشتري عيب وزيادة فإن اختار
المشتري الامساك قوم المبيع تقويمين كما تقدم، وإن اختار الرد فقال ابن الحاجب: لا بد
من أربع تقويمات: يقوم سالما ثم بالعيب القديم ثم بالحادث ثم بالزيادة. وقال ابن عبد
السلام: لا حاجة إلى تقويمه سالما ولا إلى تقويمه بالعيب الحادث وإنما يقوم بالعيب
القديم ثم بالزيادة فيشارك في المبيع بقدر الزيادة كما تقدم ثم قال: نعم يحتاج إلى ثلاث
تقويمات إذا شكا في الزيادة هل جبرت العيب أم لا، فيقوم سالما ثم بالعيب القديم ثم
بالزيادة، فإن جبرت العيب كان الحكم كما لو لم يحدث عند المشتري عيب، فإن زادت
حصلت المشاركة بالزيادة، وإن نقصت الصنعة عن قيمة العيب الحادث كان ذلك القدر
الناقص كعيب مستقل والله أعلم. واعترضه المصنف في التوضيح وابن عرفة بأنه لا يعرف
هل جبرت الصنعة العيب الحادث إلا بعد معرفة قدر العيب الحادث من الثمن، ولا يعرف
هذا إلا بعد معرفة قيمته سالما. والحق أنه إن شك في الزيادة هل جبرت الحادث أم لا، فلا
بد من أربع تقويمات كما قال ابن الحاجب، وذلك إذا لم تزد قيمته بالزيادة قدر قيمته
بالعيب القديم. وقول ابن عبد السلام: يكفي ثلاث تقويمات غير ظاهر كما يدل عليه آخر
كلامه حيث قال: وإن نقصت الصنعة عن قيمة العيب الحادث فتأمله. وإن تحقق أن الزيادة
جبرت الحادث كما لو زادت قيمته بالزيادة على قيمته بالعيب القديم فلا يحتاج إلى
تقويمين كما لو لم يحدث عند المشتري عيب فتأمله منصفا والله أعلم. وبهذا علمت معنى
قول المصنف: ويجبر به الحادث ص: (وفرق بين مدلس وغيره) ش: ذكر رحمه الله من
المسائل التي يفترق فيها الحكم بيد المدلس وغيره ست مسائل. قلت: ويفترق المدلس من
غيره في مسألتين أيضا: الأولى: أن المدلس يؤدب وغيره لا أدب عليه. قال في رسم القبلة
من سماع ابن القاسم من كأب العيوب: قال مالك: من باع عبدا أو وليدة وبه عيب غربه أو
دلسه أنه يعاقب البائع ويرد عليه. قال ابن رشد: هذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أن
الواجب على من غش أخاه المسلم أو غره أو دلس له بعيب أن يؤدب على ذلك مع الحكم
عليه بالرد لأنهما حقان مختلفان: أحدهما لله ليتناهى الناس عن حرمات الله، والآخر للمدلس
368

عليه بالعيب فلا يتداخلان. الثانية: قال في اللباب: من الاحكام التي يفترق فيها المدلس من
غيره حكم ما يأخذه المكاس مثل أن يشتري حمارا فيؤدي عليه مكسا ثم يحدث به عيب
فيريد الرجوع به على البائع ولم يحضرني الآن في المسألة نقل، والذي يوجبه النظر أن البائع
إن كان مدلسا فيرجع به عليه وإلا فلا. وقد أشار ابن يونس إلى الخلاف في المبتاع يؤدي
مكسا على المبيع ثم يؤخذ بالشفعة هل يلزم المبتاع دفع ذلك أم لا؟ وأجرى ذلك بعضهم
على مسألة من اشترى شيئا من يد لص هل يأخذه ربه بلا ثمن أو حتى يدفع للمشتري ما
دفع؟ يمكن أن يقال: إنه ظلم فيكون مما أخذه منه انتهى. وقوله في مسألة الشفعة: هل
يلزم المبتاع صوابه هل يلزم الشفيع. وقد قال المصنف في باب الشفعة: وفي المكس تردد.
وقال في باب الجهاد في مسألة المشتري من اللص: والأحسن في المفدى من لص أخذه
بالفداء. وقال ابن عرفة إثر كلامه السابق في مسألة تعليم العبد الصنعة: قال المازري: قال
بعض الأشياخ: غرم قبالة السلطان على شراء ما يشتري يوجب رجوع المشتري بالأرش.
وخرجه بعضهم على غرم أجر الصنعة انتهى. فهذا يقتضي أن الغرم للسلطان يفيت الرد
بالعيب ويتعين معه الرجوع بالأرش. والذي يظهر من كلام ابن رشد أنه إذا رد بالعيب يرجع
بما غرمه للسلطان إذا كان مدلسا ولأنه يرجع بما إذا لم يكن مدلسا فتأمله.
تنبيه: قال في المقدمات: البائع محمول على عدم التدليس حتى يثبت ذلك عليه أو
يقر به على نفسه انتهى. وقاله في المدونة: وإن ادعى يعني المشتري أن البائع دلس له فأنكره
حلفه، ولو قال البائع: علمت العيب ونسيته حين البيع حلف له أنه نسيه انتهى. وقال في
المقدمات: فإن أنكر أن يكون علم أو ادعى أنه نسي حلف على ذلك، فإن حلف خير
المبتاع عند ابن القاسم. وحكى ابن المواز عن مالك أنه لا يحلف إلا بعد أن يخير المبتاع
فيختار الرد إذ لا معنى ليمينه إذا اختار الامساك والرجوع بقيمة العيب انتهى. وحكى القولين
في المنتقى وقال: إن قول ابن القاسم أحرى على أصل ابن المواز الآتي في إسقاط حكم
التخيير مع التدليس، وقول ابن المواز على قول ابن القاسم في إثبات التخيير.
فرع: فإن نكل البائع عن اليمين ثبت له حكم التدليس. نقله في التوضيح عن المتيطية
في شرح قول ابن الحاجب وعليهما رد السمسار ص: (إن نقص) ش: قال الشارح: الأولى
من المسائل التي يفترق فيها حكم المدلس من غيره إذا فعل المبتاع في المبيع فعلا فنقص
بسببه فمع التدليس لا شئ على البائع وإلا فهو عيب حادث عنده، إما أن يرد ويعطى أرش
الحادث أو يتماسك ويأخذ أرش القديم انتهى. قلت: عموم كلام الشارح رحمه الله في قوله:
إذا فعل في المبيع فعلا غير صواب فإنه يقتضي أن كل فعل فعله المبتاع في المبيع لا
شئ عليه إذا كان البائع مدلسا، سواء كان مما جرت العادة أن يحدث فيه مثل أن يشتري
369

الثوب فيصبغه أو يقطعه فينقص من ثمنه فإن هذا فوت باتفاق، والمشتري مخير بين أن
يمسك أو يرجع بقيمة العيب أو يرده ويرد ما نقصه ذلك عنده إلا أن يكون مدلسا فلا يكون
عليه للنقصان شئ يرده من أجله. واختلف إذا أراد أن يمسك هل له أن يرجع بقيمة العيب
أم لا؟ على قولين: أحدهما قول ابن القاسم أن ذلك له، والثاني قول أصبغ وابن المواز ذلك
ليس له فيما كان نقصه بغير صناعة كالقطع وإنما يكون له ذلك فيما إذا نقصه بصناعة
كالصبغ وشبهه ولكلا القولين وجه من النظر، ونقل الرجراجي وغيره. وقال في كتاب التدليس
بالعيوب من المدونة: وكل ما أحدث بالرقيق والحيوان والدور عند المبتاع من عيب مفسد
فلا يرده إن وجد به عيبا إلا بما نقصه عنده، دلس البائع بالعيب أم لا؟ بخلاف الثياب تقطع
وتصبغ وتقصر إذ لهذا تشترى فيفترق فيها التدليس من غيره ويصير المدلس كالآذان في
ذلك فلا شئ له في الرد مما نقصها إلا أن يفعل في الثياب ما لا يفعل في مثلها، أو يحدث
فيها عيب مفسد من غير التقطيع فلا يردها إلا بما نقصها، فإن قطع الثياب قمصا أو
سراويلات أو أقبية ثم ظهر على عيب لم يعلم به البائع فالمبتاع مخير في حبسه والرجوع
بقيمة العيب أو رده وما نقصه القطع، فإن دلس البائع فلا شئ على المبتاع لما نقص القطع
إن دره. قال ابن يونس: قال ابن المواز: ولا يكون له هنا أن يحبسه ويأخذ من البائع قيمة
العيب القديم لأنه صار له أن يرد بلا غرم لما نقصه ولا لشئ دخل له فيه من صبغ أو
خياطة، فلما كان كذلك صار كمن لم يحدث به عنده عيب فله أن يرد أو يحبس بلا شئ.
ثم قال في المدونة: وكذلك الجلود تقطع خفافا أو نعالا وسائر السلع إذا عمل بها ما يعمل
بمثلها مما ليس بفساد، فإذا فعل في ذلك ما لا يفعل في مثله كقطع الثوب الرشى خرقا
وقباءين فليس له رده وذلك فوت، ويرجع على البائع بقيمة العيب من الثمن. وأما إن لبس
الثوب لبسا ينقصه لم يرده إلا بما نقصه اللبس في التدليس وغيره، لأنه انتفع، أو يحبسه
ويرجع على البائع بقيمة العيب ولا يرد للبس الخفيف شيئا إذا لم ينقصه. وإن صبغه صبغا
ينقصه أو قطعه والبائع مدلس فللمبتاع الرد بلا غرم أو التماسك والرجوع بقيمة العيب. ابن
يونس: لعله يريد أنه قطعه قطعا أدى عليه أجرة لصنعة فيه فيكون له التماسك والرجوع بقيمة
العيب كما قال في الصبغ. وأما إن لم يكن لقطعه قيمة فكان يجب أنه إذا تماسك لا يرجع
بشئ لأنه كان له أن يرد بلا غرم. كذلك قال ابن المواز وهو الصواب إن شاء الله. وقال
بعض شيوخنا: قول مالك أولى لأن التقطيع يوجب له التخيير في غير التدليس فلا يكون
المدلس أحسن حالا ممن لم يدلس فهما في الحكم سواء إلا أنه لا يلزمه القطع في
التدليس. ثم رجح ابن يونس كلام ابن المواز. وما ذكره عن ابن المواز هنا وفوقه هو
الخلاف الذي ذكره ابن رشد في المقدمات. ويظهر من كلام ابن يونس أولا أنه جعل قول
ابن المواز تقييدا، ويفهم من آخر كلامه أنه جعله خلافا وأنه رجح قول ابن المواز. والذي
370

يفهم من كلام المصنف أنه خلاف وأنه ماش على قول مالك الذي رجحه ابن يونس لأنه
الذي يفهم من كلام المدونة السابق. وممن حمله على الخلاف صاحب المنتقى في كتاب
الأقضية. ثم قال في المدونة: وإن لم يدلس البائع في الثياب فردها بعيب وقد حدث بها
عيب عند المبتاع وإن لم يفسدها رد معها ما نقصها انتهى. وقد صرح الباجي في كتاب
الأقضية بأن القطع غير المعتاد يفيت الرد ويوجب الرجوع بالقيمة على المدلس وغيره. وعزاه
للمدونة وهو مفهوم من كلام المدونة المتقدم ومن كلام المصنف.
تنبيهان: الأول: إذا علمت هذا فعد المصنف القطع المعتاد في العيب الخفيف الذي
لا يرجع إليه بشئ غير ظاهر، لأن ذلك إنما هو في حق المدلس. وأما غير المدلس فالقطع
المعتاد في حقه من المتوسط الذي يوجب له الخيار في التمسك والرجوع بقيمة العيب
القديم والرد مع ما نقصه القطع المعتاد كما تقدم ذلك في كلام المدونة والمقدمات وغيرها
والله أعلم.
الثاني: قال ابن عرفة: انظر لو عمل بها ما لم يعمل ببلد البائع وهو يعمل به في غيره،
والأظهر إن كان المبتاع غريبا أو ممن يتجر بما يسافر به أنه كمعتاد. انتهى والله أعلم ص:
(كهلاكه من التدليس) ش: قال الشارح: المسألة الثالثة أن يحصل بسبب العيب هلاك أو
عطب كما إذا كان العبد سارقا فسرق فقطعت يده ونحوه فمع التدليس يكون الضمان من
البائع وإلا فمن المشتري انتهى. وسيأتي عند قول المصنف: إلا أن يهلك بعيب التدليس.
كلام المدونة الذي في كتاب التدليس بالعيوب وكلام غيره في ذلك والله أعلم ص: (وتبرأ
مما لم يعلم) ش: لو قال وتبرأ وأسقط قوله مما لم يعلم لكان أبين لأن التبري المطلق هو
الذي يفترق فيه المدلس وغيره. فالمدلس لا يفيده البراءة لعلمه بالعيب، وغير المدلس يفيده
لعدم علمه بالعيب، وأما إذا تبرأ مما لم يعلمه فلا يتصور فيه التدليس.
فرع: قال في البيان: إذا شرط على البائع إن أبق فهو منه فأبق قال ابن القاسم: هو من
المبتاع لأنه غره كما اشترط عليه إن مات فهو منه كان العبد عرف بعيب الإباق أم لا؟ انتهى.
ص: (ورد سمسار جعلا) ش: أي ومما يفرق فيه بين المدلس وغيره رد السمسار الجعل،
فإن كان البائع مدلسا فلا يرد عليه السمسار الجعل، وإن كان البائع غير مدلس رد السمسار
الجعل. قال في أواخر كتاب التدليس بالعيوب من المدونة: وإذا ردت السلعة بعيب رد
السمسار الجعل على البائع فقال ابن يونس: قال أبو بكر بن اللباد: معناه إذا لم يدلس يعني
البائع، وأما إن دلس فالجعل للأجير ولا يؤخذ منه. وذكر هذا التقييد عن ابن اللباد أبو
371

الحسن وابن عبد السلام والمصنف في التوضيح وابن عرفة وغيرهم وقبلوه، وذكره في
المقدمات على أنه المذهب ولذلك اعتمده المصنف هنا. قال في مختصر المتيطية:
للسمسار أن يحلف البائع أنه لم يدلس.
تنبيهات: الأول: قيد القابسي كلام ابن اللباد فقال: هذا إذا لم يعلم السمسار بالعيب،
وإن علم فهو مدلس أيضا إن رد المبيع فلا جعل له، وإن لم يرد فله جعل مثله، قال ابن
يونس: والذي أرى أن يكون له ما سماه من الجعل كما يكون للبائع المدلس الثمن لا القيمة
إلا أن يتعامل رب السلعة والسمسار على التدليس، فيكون له حينئذ أجر مثله لأن رب السعة
قال له: دلس بالعيب فإن تم البيع فلك كذا، وإن رد فلا شئ لك فهو غرر. قال ابن عرفة:
قلت: يرد بأن هذا شأن الجعل أنه لا يثبت إلا بتمام العمل إلا أن يقال هذا الغرر عارض عن
شئ تسبب فيه بخلاف الغرر الناشئ عن نفس تمام العمل، وكان المصنف لم يرض هذا
التقييد. وقال في الشامل: فإن دلس لم يرد السمسار الجعل وزيد إن جهل التدليس وإلا فله
أجر مثله. وقيل: إن تعامل معه على ذلك وإلا فله جعله.
الثاني: قال ابن يونس: قال ابن سحنون: وإنما ير د السمسار الجعل إذا ردت السلعة
بعيب وحكم القاضي بردها، وأما إن قبلها البائع لم يرجع بالجعل كالإقالة. ونقله أبو الحسن
وابن عبد السلام والمصنف وابن عرفة وصاحب الشامل وقبلوه، وذكره المتيطي على أنه
المذهب فقال: وإذا تفاسخ المتبايعان بغير حكم لم يرد السمسار الجعل كالإقالة. زاد أبو
الحسن: وللبائع أن يخاصم حتى يثبت العيب فيرجع بالسمسرة على السمسار اه‍.
الثالث: قال ابن يونس: قال ابن سحنون: ولو استحق المبيع فرجع المشتري بالثمن
رجع بأجر السمسرة. قلت: ينبغي أن يقيد هذا بأن لا يكون البائع عالما بأن المبيع ليسا ملكا
له فتأمله.
الرابع: قال ابن يونس: ولو فات المبيع بيد المشتري ثم ظهر على عيب فرجع بقيمته
بالقضية يعني بالقضاء رجع أيضا على السمسار بما ينوب ما رد البائع من قيمة العيب إن
كان الذي ينوب العيب عشر الثمن أو ربعه رجع بذلك الجزء من السمسرة، وإن رد ذلك
بطوعه لم يرجع بشئ اه‍. قلت: وهذا إذا كان البائع غير مدلس. ثم قال ابن يونس: قال
بعض أصحابنا: وإن حدث عند المشتري عيب ثم اطلع على عيب قديم، فإن أمسك ورجع
بقيمة العيب فكما تقدم، وإن رد السلعة وما نقصها فيرد السمسار الجعل إلا قدر ما نقصها
العيب لأن ذلك كجزاء احتبسه وتم البيع فيه، ونقل ابن عرفة وصاحب الشامل ذلك وقبلوه.
الخامس: هذا إذا دفع البائع الجعل للسمسار، وأما إذا دفعه المشتري له بشرط أو
عرف ثم رد المبيع بعيب فلم أر فيه نصا، ولا إشكال في الرجوع عليه بذلك، وإنما النظر
372

هل يرجع عليه المشتري به أو لا؟ وليس له مطالبة البائع به، وإنما يطالب المشتري به البائع
ثم يرجع البائع به إن لم يكن مدلسا على السمسار. وهذا هو الظاهر، لأنه جزء الثمن. وهذا
فيما هو جعل على المبيع، وأما ما أعطاه المشتري للسمسار حلاوة على تحصيل الشئ
المبيع أو على إتمام البيع فيه فهذا لا يرجع فيه على البائع. والظاهر أنه إن كان السمسار
يعلم في المبيع عيبا ويكتمه رجع عليه بذلك وإلا لم يرجع عليه فتأمله، ولم أقف على نص
في ذلك والله أعلم. انظر هل الجعل على البائع أو على المشتري.
السادس: قال ابن عرفة إثر كلام المدونة المتقدم: أخذ منها كون الجعل عند عدم
الشرط أو العرف على البائع والله أعلم. وتكلم ابن الحاجب وشارحوه وابن عرفة وصاحب
الشامل هنا على عهدة ما باعه السمسار أو الوكيل وما يتعلق بذلك، وتكلم المصنف على
بعض ذلك في الوكالة فنؤخر الكلام على ذلك إلى هناك والله أعلم. ص: (ومبيع لمحله)
ش: قال الشارح: المسألة السادسة إذا اشترى شيئا يحتاج إلى حمل كالأدنان والخشب
فحمله إلى غير محل القبض، فمع التدليس يلزم البائع أخذه في ذلك الموضع ولا يلزم
المبتاع رده لموضع القبض. وقيل: يلزمه. اللخمي: والأول أصوب اه‍. وظاهر كلام المصنف
والشارح أن المدلس يلزمه أخذ المبيع في المحل الذي هو فيه، ولو نقله إلى بلد غير بلد
العقد. وكلام اللخمي يدل على أن المراد نقله من دار البائع إلى داره لا أنه أخرجها من البلد
إلا إذا كان البائع عالما بأن المشتري ينقله وسيسافر به. قال اللخمي: اختلف إذا نقل المبيع
ثم وجد به عيبا فقال ابن سحنون فيمن اشترى خشبا أو مطاحن فوجد به عيبا دلس به البائع
بعد أن بان بها. تنازع أصحابنا فيها فقال قائلون: على المشتري ردها والكراء على ردها وقال
آخرون: ذلك على البائع لأن ذلك غرر ولو علم المشتري ما نقلها وهو أحسن. وأرى عليه أن
يغرم للمشتري ما كان نقلها به حين قبضها أي إن أوصلها إلى داراه ه‍. ثم قال في آخر
الفصل لما تكلم على نقل السلعة إلى بلد غير بلد البائع: وإن كان البائع مدلسا وعالما أن
المشتري ينقله ويسافر به كان للمشتري أن يجبره على قبوله في الموضع الذي نقل إليه ولا
يراعى حمل ولا خوف طريق اه‍ فيفهم منه إذا لم يكن عالما بأن المشتري ينقله لا يلزمه
ذلك. وصرح بذلك في البيان فقال ابن رشد في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من
كتاب العيوب: ليس على من وجد عيبا بدابة اشتراها في غير البلد الذي اشتراها فيه أن يردها
إلى البلد الذي فيه صاحبها إلا أن لا يجد السبيل إلى ردها عليه حيث هي لعدم بينة أو
حكم والسلعة بخلاف ذلك لما لزمه من الكراء عليها في حملها من بلد إلى بلد. روى أبو
قرة عن مالك أنه إن دعاه صاحبها إلى ردها كان بالخيار بين أن يردها أو يأخذ قيمة العيب،
وكذلك من اشترى سلعة ثقيلة لا بد من الكراء عليها، فلما حملها من دار البائع أو من
373

الموضع الذي اشتريت به للبيع إلى داره وجد بها عيبا كان مخيرا بين أن يردها إلى الموضع
الذي اشتراها فيه أو يمسكها، ويرجع بالعيب إلا أن يرضى البائع أن يأخذها حيث هي ويرد
إليه ما غرم في حملها فلا يكون للمبتاع أن يمسكها ويرجع بقيمة العيب، وإن كان البائع
دلس بالعيب لزمه أن يأخذها من دار المبتاع ويرد إليه ما غرم على حملها لأنه غره في ذلك،
وسواء في حمل السلعة من بلد إلى بلد دلس له بالعيب أولم يدلس. والفرق بين الموضعين
أن الذي يشتري الخابية ونحوها إنما يشتريها بحملها إلى داره قد علم ذلك البائع، فوجب
أن يفرق في ذلك بين التدليس وغيره كالذي يشتري الثوب فيقطعه قطع مثله ثم يجد عيبا
وقد نقصه القطع اه‍. فلم يفرق بين المدلس وغيره إلا في نقل السلعة في البلد، وينبغي أن
يقيد كلام ابن رشد بما إذا لم يكن البائع عالما بأن المشتري ينقله كما تقدم في كلام
اللخمي، وفي كلامه إشارة إليه فيتفق النقلان، وينبغي أن يقيد كلام المصنف بذلك والله
أعلم. نعم كلام المتيطي الذي نقله المصنف في التوضيح مطلق وإن كان يتلمح منه أيضا
أن ذلك بالبلد فانظره على نحو كلام ابن يونس في أول كتاب العيوب، وانظر كلام ابن
بطال أيضا فإنه مخالف لكلام اللخمي ص: (وإلا رد إن قرب وإلا فات) ش: هذا نحو
ما نقل في التوضيح عن المتيطي أنه قال: وإن كان البائع غير مدلس فإن حمل المبيع إلى
موضع قريب لزمه رده إلى حيث أخذه، وإن نقله إلى موضع بعيد كان فوتا يوجب له الرجوع
بقيمة العيب بعد ثوبته اه‍. وقد تقدم في كلام ابن رشد أنه لا يلزمه رد السلعة مع القرب
ونحوه لابن يونس. قال في أوائل كتاب العيوب: قال بعض القرويين: ولو كانت سلعة فأدى
في حملها ثمنا ثم وجد عيبا لكان مخيرا بين أن يرد أو يمسك ويرجع بقيمة العيب ويصير
ذلك كعيب حدث عنده. قال: ولو اشتراها فحمها ثم ظهر أن البائع مدلس فليس على
374

المشتري أن يردها إلى الموضع الذي اشتراها فيه لتدليسه عليه. وقيل: ذلك عليه كالإقالة
اه‍. فلم يفرق بين القرب وغيره، وكذلك كلام اللخمي فإنه نقل في ذلك قولين. قال إثر
كلامه السابق: ويختلف أيضا إن لم يدلس. قال ابن حبيب: من نقل إلى بلد ما في نقله لبلد
البائع غرم كثير يرفع إلى سلطان ذلك البلد فيسمع بينته على شراء الاسلام وعهدته يريد في
الجارية، فيأمر ببيع ذلك على بائعه وله فضله وعليه نقصه، وعلى هذا إن نقلت في البلد
قبضها حيث نقلت، وإن لم يدلس. وعلى ما ذكره ابن سحنون يكون نقله إلى البلد الآخر
فوتا ويلزم المشتري قيمة العيب ولا يلزم البائع قبوله في البلد الآخر وهو أحسن إلا أن يكون
المبيع عبدا أو دابة لا يتكلف في رجوعه كراء والطريق مأمونة فلا يكون نقله فوتا. ويختلف
إذا وجد البائع في البلد الذي نقل إليه ما له حمل ورضي البائع بقبضه، فعلى قول ابن حبيب
ذلك للبائع، وروى أبو قرة عن مالك أنه قال: المشتري بالخيار إن شاء رد وإن شاء وضع عنه
قدر العيب وهو أحسن. وقد اختلف في الغاصب ينقل ما له حمل، هل يكون له مقال لأجل
الحمل فالمشتري أحرى أن يكون له ذلك فلا يلزم تسليم ماله حمل بالبلد الذي نقل إليه
بإجماع منهما، لأن للمشتري مقالا لما غرم في نقله وللبائع مقال لما يغرم في رده. وإن كان
لا حمل له كان المقال للبائع إذا كان الطريق غير مأمون، فإن كان آمنا فلا مقال لواحد
منهما. ثم ذكر كلامه المتقدم في مسألة التدليس ثم قال: وإن كان المبيع مما يكال أو يوزن
كان للمشتري أن يحبس هذا ويغرم المثل معيبا في البلد الذي اشتراه به، وله أن يسلمه هنا
ويجبر البائع على قبوله إن كان مدلسا وليس ذلك له إن لم يكن مدلسا اه‍. واقتصر ابن بطال
في مقنعه على قول ابن حبيب الذي نقله اللخمي، ونقل ابن عرفة كلام اللخمي مختصرا
واقتصر عليه ص: (كعجف دابة أو سمنها) ش: أما عجف الدابة فالمشهور أنه من المتوسط
الموجب للخيار وقال ابن سلمة: إنه من المفيت الذي يوجب الرجوع بالقيمة ويمنع الرد.
375

نقله ابن شاس وابن الحاجب وابن عرفة وغيرهم. وقال ابن رشد في شرح المسألة الخامسة
من رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب العيوب: لم يختلفوا في هزال الدواب أنه فوت
يكون به المبتاع مخيرا بين أن يمسك أو يرجع بقيمة العيب وبين أن يرده ويرد ما نقصه
الهزال اه‍. والفوت في كلام المدونة وغيرها يطلقونه على المتوسط الموجب للخيار،
فتحصل في هزال الدواب طريقان لابن رشد وغيره. وأما سمن الدابة فقال ابن رشد في شرح
المسألة المتقدمة: اختلف قول مالك في سمن الدواب، فمرة رآه فوتا يكون المبتاع فيه
مخيرا بين أن يرد أو يمسك ويرجع بقيمة العيب، ومرة لم يره فوتا وقال: ليس له إلا الرد اه‍.
ونحوه في المقدمات. وزاد فيها قولا ثالثا أنه فوت خرجه على الكبر. ونقله ابن عرفة ونصه
ابن شد في لغو السمن وكونه من الثالث أو الثاني ثلاثة لابن القاسم وابن حبيب والتخريج
على الكبر اه‍. والثالث في كلامه هو المتوسط والثاني هو المعيب.
376

تنبيهات: الأول: جمع المصنف بين السمن والهزال قد يتبادر إلى الذهن أن السمن
عيب إذا رد الدابة رد معها لذلك شيئا وليس كذلك كما تقدم في لفظ البيان وكذا لفظ
المقدمات. قال الباجي لما تكلم على الزيادة في البدن بالسمن قال: وما ثبت به الخيار من
الزيادة فإنه يخير بين أن يمسك ويرجع بقيمة العيب أو يرد ولا شئ له من الزيادة.
الثاني: مفهوم قول المصنف دابة أن هزال الرقيق وسمنه ليس بفوت وهو كذلك.
قال ابن رشد في شرح المسألة المذكورة: وأما الهزال المذكور من الرقيق وسمنهم فلا
اختلاف في أن ذلك ليس بفوت، ورأي ابن حبيب ذلك فوتا. وأما سمن الجواري منهن
وعجفهن فلم يختلف قول مالك وابن القاسم أن ذلك ليس بفوت، ورأي ابن حبيب ذلك
فوتا يكون بذلك المبتاع مخيرا بين أن ورد أو يمسك ويأخذ قيمة العيب اه‍.
الثالث: قال ابن عرفة: صلاح البدن بغير السمن لغو. اه‍ ص: (وتزويج أمة) ش: هذا
مذهب المدونة. ولا مفهوم لقوله: أمة بل العبد كذلك. قال في المقدمات: وأما النقصان
بتغير حال المبيع لتزويج الأمة أو العبد والزنا والسرقة والشرب مما تنقص قيمته فاختلف في
ذلك فقال في المدونة: إن تزويج الأمة نقصان ولا يردها إلا وما نقصها النكاح معناه أو
يمسك ويرجع بقيمة العيب. وقال ابن حبيب: ما أحدث العبد من زنا أو شرب أو سرقة
فليس نقصا، وقد يفرق بين الوجهين أن التزويج عيب يعلم حدوثه بعد الشراء بخلاف الزنا
والشرب والسرقة لا يدرى لعله كامن فيه قبل الشراء. اه‍. مختصرا وقال الرجراجي: وأما
النقصان بتغير حال المبيع مثل أن يشتري الأمة فيزوجها أو العبد فيزوجه أو يزني أو يسرق
وشبهه مما تنقص به قيمته، فلا خلاف في المذهب أن التزويج عيب في الرقيق مع بقاء
الزوجة. ثم ذكر الخلاف المتقدم في زواله بالموت والفراق ثم قال: فإذا ثبت أن التزويج
عيب إما مع بقاء الزوجة على الاتفاق وإما بعد انصرافها على الخلاف فإن ذلك فوت، ويخير
المشتري بين أن يرد المبيع مع ما نقصه عيب التزويج أو يمسك ويرجع بما نقصه العيب
القديم. وأما ما كان من عيوب الأخلاق كالزنا والسرقة وشرب الخمر إذا حدث عند
377

المشتري وقد اطلع على عيب قديم، فالمذهب على قولين: أحدهما أنها عيوب يرد معها
النقص إن اختار الرد وهو مشهور المذهب، والثاني أنها ليست بعيب وله أن يرد ولا شئ
عليه وهو قول ابن حبيب اه‍. فعلم أن المشهور في عيوب الأخلاق أنها من العيب
المتوسط. واقتصر رحمه الله على ذكر تزويج الأمة تبعا للمدونة وليرتب عليه جبره بالولد.
وذكر في الشامل قول ابن حبيب ثم قال: وهل خلاف فيه نظر ومن هذا القسم الإباق كما
صرح به في المنتقى وصاحب الشامل وغيرهما ص: (وجبر بالولد) ش: قال ابن عرفة قال
المازري: وعندي أن الجبر بالولد لأنه عن عيب النكاح فكأنه يجبره " لم يكن ومقتضاه أنه لا
يجبر به غير عيب النكاح. وفي المدونة: يجبر به عيب غير النكاح ثم قال اللخمي: موت
الولد كعدم ولادته.
تنبيه: وهل الولد جابر لعيب التزويج مطلا سواء كانت قيمته كقيمة عيب التزويج أو
أقل أو أكثر وهو الذي فهم ابن المواز قول ابن القاسم عليه، أو إنما يجبره إذا كانت قيمة
الولد كقيمة عيب التزويج أو أكثر، وإن كانت قيمة الولد أنقص فلا بد أن يرد مع الولد
ما بقي وهو الذي فهمه الأكثرون وهو الصحيح. قاله في التوضيح ونقله في الشامل ص: (أو
يقل فكالعدم) ش: قال في التوضيح: اختلف في اليسير، فقيل: ما أثر نقصا يسيرا في لثمن
وإليه أشار في المدونة. وقيل: ما لا يؤثر فيه نقصا أصلا وإليه ذهب الأبهري اه‍. ولفظ
المدونة في أول كتاب العيوب: ولا يفيت الرد بالعيوب حواء سوق ولا نمالة ولا عيب
خفيف يحدث عنده ليس بمفسد كالرمد والكي والدماميل والحمى والصداع، وإن نقصه
ذلك فله رده ولا شئ عليه في مثل هذا اه‍. ص: (وذهاب ظفر) ش: قال في المدونة إثر
378

كلامه المتقدم ونصه: وكذلك ذهاب الظفر ثم قال: وأما زوال الأنملة فهو كذلك في
الوخش خاصة اه‍. يعني أنه خفيف في الوخش خاصة. قال أبو الحسن: ظاهره وإن كانت
أنملة الابهام ص: (وقطع معتاد ش: ظاهر كلامه أن القطع المعتاد من العيب الخفيف الذي
لا يرجع فيه بشئ، سواء كان مدلسا أو غير مدلس وليس كذلك إنما ذكر ذلك في المدونة
في المدلس. وكذلك ابن الحاجب، وقد تقدم عند قول المصنف أن نقص كلامهما وكلام
غيرهما وإن ذلك إنما هو في حق المدلس فقط ص: (والمخرج عن المقصود مفيت
بالأرش ككبر صغير) ش: أي والعيب الحادث عند المشتري فالمخرج عن المقصود منه
بذهاب المنافع المقصودة منه مفيت للرد، وإذا فاته الرد بالعيب فالأرش أي أرش ذلك العيب
للمشتري. ثم مثل للعيب المفيت بقوله ككبر صغير وهذا مذهب المدونة. وقيل: متوسط
وهو لمالك في الموازية. ويدخل في ذلك ما إذا فات كعقار بهدم أو بناء. قال في مختصر
المتيطية: ونفقة عشر دنانير فوت إذا كان الثمن يسيرا، فإن كان كثيرا فليس بفوت إلا أن
ينفق النفقة الكثيرة قال: وأما يسير الهدم فيرد معه ما نقصه اه‍. ثم ذكر بعد ذلك مسألة فيها
خلاف عن ابن عتاب وغيره فانظره ص: (وهرم) ش: أي وهرم عبد أو أمة، وقيل متوسط،
وشهره صاحب الجواهر. وقيل خفيف وأنكر. واختلف في حد الهرم فنقل الأبهري عن مالك
أن ذلك إذا ضعف وذهبت قوته ومنفعته أو أكثرهما. وقال عبد الوهاب: إذا هرما هرما لا
منفعة فيه فإنه فوت. الباجي: والصحيح عندي أنه إن ضعف عن منفعته المقصود ولم يمكنه
الاتيان بها أن ذلك فوت ويرجع بقيمة العيب. اه‍. من التوضيح ونقله في الشامل ص:
379

(واقتضاض بكر) ش: بالقاف كذا ذكره في الصحاح قال: والفضة بكسر عذرة الجارية.
وذكر في القاموس أنه يقال بالفاء أيضا والله أعلم. وعده في المفيت مخالف للمنصوص
وإنما هو في المتوسط كما نبه عليه الشارح وابن غازي، وقيده الباجي بالعلية وجعله في
الشامل خلافا حكاه ب قيل ونصه في العيب المتوسط وكافتضاض بكر. وقيل: فوت.
وقيل: إلا في الوخش فكالعدم ص: (وكقطع غير معتاد) ش: سواء كان البائع مدلسا أو غير
مدلس كما تقدم ص: (إلا أن يهلك بعيب التدليس أو بسماوي زمنه كموته في إباقه) ش:
هذا مخرج من قوله والمخرج عن المقصود مفيت قال في كتاب التدليس من المدونة:
ومن باع عبدا دلس فيه بعيب فهلك العبد بسبب ذلك العيب أو نقص، فضمانه من البائع
ويرد جميع الثمن كالتدليس لمرض فيموت أو بالسرقة فيسرق فتقطع يده فيموت من ذلك
أو يحيى، أو بالإباق فيأبق فيهلك. ولابن شهاب: أو بالجنون فيخنق فيموت. قال مالك:
وهذا بعد أن يقيم المبتاع البينة فيما حدث من سبب عيب التدليس، وأما ما حدث به من
غير سبب التدليس فلا يرده إلا مع ما نقصه بذلك أو يحبسه ويرجع بعيب التدليس كما فسرنا
اه‍. قال أبو الحسن: قوله فيأبق فيهلك ظاهر هذا أن البائع لا يضمن ذلك إذا دلس بالإباق
إلا إذا هلك العبد وليس كذلك، بل يضمن إذا أبق فغاب عرف هلاكه أم لا؟ وهو بين في
الأمهات ولفظها أو أبق فلم يرجع. واختصره ابن يونس فهلك أو ذهب ولم يرجع. وظاهر
الأمهات أنه بنفس إباقه يضمنه اه‍. قلت: وصرح بذلك ابن رشد في أول مسألة من رسم أول
عبد ابتاعه من سماع يحيى من كتاب العيوب ونصه: إذا دلس بالإباق فأبق العبد ولم يرجع
كان على البائع أن يرد الثمن ويطلب عبده اه‍.
380

وصرح بذلك أيضا اللخمي في تبصرته في باب من باع عبدا وبه عيب فهلك منه أو
به فقال: ومن باع عبدا وبه عيب فهلك منه أو تنامى إلى أكثر، فإن لم يدلس رجع بقيمة
العيب إن هلك، وإن تنامى إلى أكثر كان له أن يمسك ويرجع بقيمته أو يرد قيمة ما تنامى
فيه، وإن دلس بالعيب رجع بجميع الثمن إن مات، وله أن يرد إن تنامى ويرجع بجميع الثمن،
وإن دلس بمرض فمات منه رجع بجميع الثمن. وفي كتاب محمد: ومن يعلم أنه مات منه
وكذلك الأمة يدلس بحملها فتموت من النفاس فقال في المدونة: هي من البائع. وقال
أشهب في كتاب محمد: لو علم أنها ماتت من النفاس لكانت من البائع، والأول أحسن لأن
ذلك مما يدرك معرفته كالسل والاستسقاء يدوم بصاحبه والنفاس تموت بفوره. ويرد هذه
العيوب إذا ماتت أو تنامت قبل معرفته بها إن قام بقرب ما علم وإن تراخى يرى أنه راض لم
يكن له قيام. وإن أتى من ذلك بما يشكل أمره هل هو راض حلف أنه لم يكن رضي وقام،
فإن دلس بسرقة فسرق فقطعت يده رده أقطع ويرده بجميع الثمن، وإن كانت السرقة لا قطع
فيها رده بجميع الثمن وكانت معاملة المسروق منه في تلك الجناية من البائع يفتدي منه أو
يسلمه. وإن كان البائع غير مدلس كان المشتري بالخيار بين أن يمسك ويأخذ قيمة العيب
أو يرد وما نقصه القطع، وإن لم يقطع كان الخيار بين أن يسلمه للمجني عليه ويرجع
بالعيب أو يفتديه ويرده على البائع.
واختلف إذا كانت سرقته من المشتري فقال مالك: ذلك في ذمته. وقال سحنون: في
رقبته. وقال ابن حبيب: ذلك ساقط لأنه عبد حتى يحكم برده والأول أحسن، لأن كل
ما فعله العبد مما دلس به السيد فكأنه فعله عند بائعه فلا يسقط، فإن سرق من موضع أذن له
فيه كان له في ذمته، وإن لم يأذن له كان في رقبته، وإن ذهب يسرق فمات أو سقط من
موضع فهلك في ذهابه أو رجوعه كان من بائعه، وإن دلس بالإباق فأبق رجع بجميع الثمن
بنفس إباقه وإن كان حيا وعلى بائعه أن يطلبه، وكذلك إن مات. وقال ابن دينار: وإن لم
يهلك من سبب الإباق له أن يرجع بالعيب وإن هلك بسببه مثل أن يقتحم نهرا أو يدخل بئرا
فتنهشه حية أو يتردى في مهواة أو من جبل فيهلك، رجع بجميع الثمن. وأما إن مات موته أو
يكون سالما في إباقه أو يجهل أمره فلا يدرى ما انتهى إليه حاله، فلا أرى أن يرجع إلا بقيمة
381

عيب الإباق، والأول أحسن لأنه بنفس الإباق وجب رجوع الثمن لأنه الوجه الذي دلس به
وذهب به من يد مشتريه اه‍. وفهم من كلامه أنه إذا كان البائع غير مدلس وأبق العبد ومات
في إباقه ولم يرجع أنه لا يرجع على البائع إلا بقيمة الإباق فقط. ونحوه في التلقين في
فصل العيوب، ونحوه أيضا لابن يونس فإنه قال: روى سحنون أن السبعة من فقهاء التابعين
قالوا فيمن دلس بعيب في عبد أو أمة فهلكت بسبب ذلك الأمة أو العبد: فهما من البائع
وأخذ منه المبتاع الثمن كله. قال بعض البغداديين: دليله المرأة تغر من نفسها أن لزوجها
الرجوع بجميع الصداق إلا قدر ما يستحل به فرجها لأنها مدلسة بذلك العيب فكذلك هذا.
قال مالك فيمن باع عبدا فدلس فيه بعيب فهلك العبد بسبب ذلك العيب أو نقص:
فضمانه من البائع ويرد جميع الثمن كالتدليس بالمرض فيموت أو بالسرقة فتقطع يده فيموت
من ذلك أو يحيى أن بالإباق فيأبق فيهلك أو يذهب فلم يرجع. قال ابن شهاب: أو بالجنون
فاختنق فمات فهذا كله ضمانه من البائع، ويرد جميع الثمن بعد أن يقيم المبتاع البينة على
العيب وأن البائع باع بعد العلم به، فإن ثبت علم البائع بهذا كله حين البيع رد جميع الثمن.
قال ابن القاسم: وإن كان لم يدلس لأنه باعه وهو يعلم العيب فليس للمشتري إلا قيمة عيبه.
ولو قال: علمت العيب ولكن نسيت أن أذكره عند البيع حلف على ذلك ولم يكن له إلا
قيمة العيب اه‍. وكلام اللخمي في المسألة الآتية أعني قوله: وإن باعه المشتري وهلك
فعيبه صريح في ذلك. وقال في المسائل الملقوطة: من اشترى أمة ثم غاب البائع واطلع
المشتري على عيب في الجارية فلم يحضر البائع حتى ماتت الجارية من العيب، فإن
المشتري يثبت العيب ثم ينظر أهل المعرفة إن كان مما يحدث مثله في مدة الشراء فلا
رجوع على البائع، وإن كان مثله ما لا يحدث في مدة الشراء فإنه لا يلزمه الغرم يعني غرم
الأرش خاصة لا غرم جميع الثمن. قاله الجزولي عند قوله: من اشترى عبدا فوجد به عيبا وإن
لم يثبت العيب فإنه يحلف أنه باعه هذه الجارية ولا يعلم بها عيبا ترد به، ويثبت العيب
بشاهد ويمين وحيث كان له أن يرد فصرح بالرد ثم هلك المبيع قبل وصوله إلى يد البائع،
فهل يكون ضمانه منه أو من المشتري؟ ثلاثة أقوال يفرق فيها بين أن يحكم بها حاكم
فيكون من البائع وإلا فمن المشتري اه‍. وهذا إذا لم يدلس، وأما المدلس فإنه يلزمه غرم
جميع الثمن إذا ماتت الجارية بعيب التدليس.
382

وأما المسألة الأخيرة فإن الذي مشى عليه المصنف أنه لا ينتقل ضمانها للبائع إلا أن
يرضى بالنقص أو يثبت عند حاكم وجود العيب وإن لم يحكم به حيث قال: ودخلت في
ضمان البائع إن رضي بالنقص أو ثبت عند حاكم وإن لم يحكم والله أعلم. فتحصل من هذا
أنه إذا هلك من العيب فإن دلس به البائع رجع عليه المشتري بجميع الثمن، وإن لم يدلس
رجع عليه بقيمة العيب فقط والله أعلم.
تنبيهات: الأول: انظر لو أخذ المشتري الأرش للإباق ثم بعد ذلك وجد العبد هل له
رده ورد العبد وأخذ ثمنه؟.
الثاني: انظر لو نسي البائع العيب حين البيع ولكن تذكر بعد ذلك وقبل أن يقوم عليه
المشتري ولم يذكر للمشتري فهل هو كالمدلس أم لا؟.
الثالث: قال ابن يونس: قال ابن المواز: قال ابن القاسم عن مالك: وإذا دلس بالإباق
فأبق العبد فقام المبتاع بذلك فقال البائع: لم يأبق منك ولكن غيبته أو بعته، لم يقبل قول
البائع ولم يكن على المشتري أكثر من يمينه ما غيب وما باع ولقد أبق منه، ثم يأخذ ثمنه
وليس عليه أن يقيم بينة أنه أبق منه اه‍. ص: (ولا بائع أنه لم يأبق) ش: قال في الشامل:
ولو قال المشتري لبائع عبد له يمكن أنه أبق أو سرق عندك ولم يحصل ذلك عنده فلا يمين
عليه اتفاقا. وفيها: ولو أبق بقرب البيع فقال: أخشى أنه أبق عندك فلا يمين عليه. ولو قال:
أخبرت أنه أبق عندك وقد أبق عندي وأثبت أنه أبق عند المبتاع فقال له: احلف أنه لم يأبق
عندك لزمه ذلك على الأصح، وكذا إن قال: علمت أنه أبق عندك اتفاقا أو علم إباقه عند
383

المشتري، وفي الموازية: إن قال أبق عندك أو سرق أو زنى أو جن أو نحو ذلك حلف له خلافا
فالأشهب هو ظاهرها اه‍. ص: (ورد بعض المبيع بحصته ورجع بقيمته إن كان الثمن سلعة
إلا أن يكون الأكثر) ش: يعني أنه إذا اشترى أشياء متعددة ثم وجد في بعضها عيبا فله أن يرد
المعيب ويرجع بحصته من الثمن، وذلك بأن تقوم كل سلعة على حدتها ثم يقسم الثمن على
قيم السلع فيرجع بما ينوب السلعة المعيبة منه. هذا إذا كان الثمن عينا أو مثليا،
فإن كان سلعة فإنه يرجع بما ينوب السلعة المعيبة من قيمة السلعة التي هي الثمن وإليه أشار بقوله: ورجع
بالقيمة إن كان الثمن سلعة لضرر الشركة. هذا إذا لم تكن السلعة التي فيها العيب وجه
الصفقة، فإن كانت وجه الصفقة فليس للمشتري إلا رد الجميع أو الرضا بالجميع. ووجه
الصفقة هو الذي ينوبه من الثمن أكثر من النصف وإلى هذا أشار بقوله: إلا أن يكون الأكثر.
384

تنبيهات: الأول: إذا كانت السلعة المعيبة غير وجه الصفقة فليس للمشتري إلا ردها
فقط، وليس له رد الجميع إلا برضا البائع، وكذلك ليس للبائع أن يقول: إما أن تأخذ الجميع
أو ترد الجميع على ما قال ابن يونس قال ابن عرفة: وهو خلاف قول التونسي إن قال البائع
إما أن تأخذه كله معيبا أو ترد فالقول قول البائع. وإذا كانت وجه الصفقة فليس للمبتاع إلا
رد الجميع أو الرضا بالجميع. قال ابن يونس: والقضاء أن من ابتاع شيئا في صفقة واحدة
فالتي في بعضها عيب ليس له إلا رد المعيب بحصته من الثمن إلا أن يكون المعيب وجه
الصفقة فليس له إلا الرضا بالعيب بجميع الثمن أو رد جميع الصفقة. وكذلك من ابتاع أصنافا
مختلفة فوجد بصنف منها عيبا، فإن كان وجه الصفقة مثل أن يقع من الثمن سبعون أو ستون
والثمن مائة فليرد الجميع. ابن المواز: إذا وقع العيب في نصف الثمن فأقل فليس هو وجه
الصفقة ولم يرد إلا المعيب بحصته، وإذا وقع له من الثمن أكثر من نصفه فهو وجه الصفقة
قال: وإذا لم يكن المعيب وجه الصفقة فلا حجة للبائع في أن يقول إما أن تأخذ الجميع أو
ترد الجميع وإن كان وجه الصفقة له اه‍. وقال ابن عرفة: إذا تعدد المبيع غير المثلي والعيب
بأعلاه، فروى لابن القاسم: من ابتاع سلعا فوجد ببعضها عيبا فليس له إلا رد المعيب إن لم
يكن وجه الصفقة، فإن كان وجهها فليس له إلا رد الجميع أو الرضا بالمعيب اه‍.
الثاني: إذا كان المعيب وجه الصفقة لم يجز للمشتري التمسك بالسالم إذا كان
المبيع غير مثلي وإن رضي البائع كما في الاستحقاق. قال ابن عرفة: اللخمي: اختلف فيمن
ابتاع عبدين ظهر بأعلاهما عيب فمنع ابن القاسم إن رد الأعلى واستحق أن يحبس الأدنى
لأنه كشراء بثمن مجهول، وأجازه ابن حبيب. ثم قال في مسألة الثوبين: إن كان المعيب
وجهها فله رد الأدنى ولا له أن يتمسك به على قول ابن القاسم، وله ذلك على قول ابن
حبيب وهو بالخيار، وعلى قول أشهب لا خيار له اه‍. قلت: صرح بذلك الرجراجي في
المسألة الثانية من كتاب التدليس بالعيوب فقال بعد أن تكلم على استحقاق الأقل والأكثر
في العروض والدور والأرضين ووجود هذا العيب في جميع هذه الفصول كالاستحقاق والله
أعلم.
الثالث: قول المصنف: إلا أن يكون أكثر يقتضي أنه إذا زاد ثمن المعيب على
النصف ولو يسيرا فهو وجه الصفقة وهو كذلك كما تقدم في كلام ابن المواز الذي نقله ابن
يونس، وكذا صرح به أبو الحسن فقال في شرح قول المدونة: ومن ابتاع سلعا بمائة دينار
وسموا لكل سلعة عشرة فأصاب بأحدها عيبا لم ينظر إلى ما سموا لكل ثوب، ولكن يقسم
الثمن على قيم الثياب، فإن كان المعيب ليس بوجه الصفقة رده بحصته من الثمن، وإن كان
وجه الصفقة لم يكن إلا الرضا بالعيب بجميع الثمن أو رد جميع الصفقة، فإن كان قيمة
المعيب خمسين دينارا أو قيمة كل سلعة نحو الثلاثين لم تكن وجه الصفقة حتى تكون
385

حصته أكثر الثمن مثل أن يكون ثمن الجميع مائة دينار وثمن هذا المعيب سبعين أو ثمانين
فهذا وجه الصفقة. قال أبو الحسن: ليس مراده أنه لا يكون وجه الصفقة حتى لا يكون ثمنه
سبعين أو ثمانين، بل يكون وجه الصفقة إذا زاد على خمسين ولو دينارين. ابن يونس: قال ابن
المواز: وذكر ما تقدم والله أعلم. قلت: ما تقدم من أنه إذا كان الثمن سلعة يرجع بما ينوب
العيب من القيمة، قال في التوضيح: هو مذهب المدونة وهو المشهور قال: وعليه فهل تعتبر
القيمة يوم البيع وهو ظاهر كلام المتقدمين، أو إنما تعتبر يوم الحكم وهو اختيار؟ ومعناه إذا
كانت قائمة يوم الحكم ولم تفت قبل ذلك اه‍. وقال في الشامل: ورجع بقيمة المردود يوم
البيع لا يوم الحكم على الأصح إن كان الثمن السلعة لا في جزئها خلافا لأشهب، ورجع لا
سيما إن تعيب النصف من قيمة نصف السلعة وليس حق البائع بأولى من حق المبتاع، وعليه
ففي انقلاب الخيار للبائع قولان اه‍. فعلم منه أن المشهور الرجوع بالقيمة ولو كان المردود
النصف والله أعلم.
الرابع: ما تقدم من التفريق بين وجه الصفقة وغير إنما هو إذا كان المبيع قائما، وأما
إن انتقض وظهر العيب في الباقي فلا تفريق إذا كان الثمن عينا أو عرضا فات. قال في
الكتاب: إذا علم أنه إذا اشترى عبدين فهلك أحدهما وألفى الآخر معيبا يرد المعيب ويرجع
بما يخصه، كان المعيب وجه الصفقة أم لا؟ إذا كان الثمن عينا أو عرضا قد فات، فإن كان
عرضا لم يفت فههنا يفترق وجه الصفقة من غيره، فإن كان المعيب وجه الصفقة رده وقيمة
الهالك ورجع في عين عرضه، وإن كان المعيب ليس بوجه الصفقة رجع بحصته من قيمة
العرض لا في عينه لضرر الشركة. هذا مذهب ابن القارم، وإنما لم يفترق وجه الصفقة من
غيره إذا كان الثمن عينا لأنه إن كلف أن يرد قيمة الهالك إذا كان العيب بوجه الصفقة رد
قيمة ذلك عينا ورجع في عين فلا فائدة في ذلك. فأما إذا كان عرضا فكلف غرم قيمة
التالف غرم ثمنا ورجع في عرض فهذا مفترق، وإذا كان عرضا قد فات صار كالعين لأنه
يرجع إلى قيمته وهو ثمن اه‍. ونقل ابن عرفة ذلك خلافا وعزا هذا لعبد الحق عن المذهب
واللخمي عن ابن القاسم، ثم نقل قولا ثانيا بأنه يرد القيمة إن لم تكن أكثر من منابه من
الثمن وعزاه اللخمي والله أعلم.
الخامس: قال في المدونة: فإن اختلف في قيمة الهالك من العبدين وصفاه وقومت
تلك الصفقة، فإن اختلفا في الصفة فالقول قول البائع مع يمينه إن انتقد، وإن لم ينتقد فالقول
قول المبتاع مع يمينه. ابن يونس: لأنه غارم. وقال أشهب وأصبغ: القول قول البائع، انتقد أو
لم ينتقد، وبه أخذ محمد ص: (أو أحد مزدوجين أو أما ولدها) ش: قال في المدونة: من
ابتاع خفين أو نعلين أو مصراعين أو شبه ذلك مما لا يفترق فأصاب بأحدهما عيبا بعد
386

ما قبضهما أو قبل: فإما ردهما جميعا أو قبلهما جميعا، وأما ما ليس بأخ لصاحبه أو كانت
نعالا فرادى فله رد المعيب على ما ذكرنا في اشتراء الجملة. قال ابن يونس: أي إن لم يكن
وجه الصفقة فليس له إلا رد الجميع أو حبسه ولا شئ له، وحكم الام تباع مع ولدها فيوجد
لأحدهما عيب حكم ما لا يفترق اه‍. وقال أبو الحسن: حكم الام تباع مع ولدها الذي لم
يبلغ حد التفرقة فيوجد بأحدهما عيب حكم ما لا يفترق. وقال ابن رشد في رسم استأذن من
سماع عيسى من كتاب الصرف: ما هو زوجان لا ينتفع بأحدهما دون صاحبه كالنعلين
والخفين والسوارين والقرطين فوجود العيب بأحدهما كوجوده بهما جميعا انتهى.
تنبيه: قال أبو الحسن: وعلى هذا إن استهلك خفا من خفين أو نعلا من نعلين أو ما
أشبه ذلك مما لا يفترق يلزمه قيمتهما جميعا. اختلف الشيوخ فيمن استهلك سفرا من ديوان
من سفرين قال بعضهم: يرد السالم وما نقص. وصورة ذلك أن يقال ما قيمة الديون كاملا؟
فإذا قيل عشرون قيل: ما قيمة السالم وحده؟ فإن قيل خمسة رد السالم وخمسة عشر دينارا.
وظاهر كلام عبد الوهاب في شرح الرسالة عند ذكر النعلين أنه يضمن قيمة الجميع. وانظر
من استهلك عجلا كانت أمة تحلب به قال الشيخ: عليه قيمة العجل وما نقص من قيمة
الام. الشيخ: وهذا مثل قول أصبغ فيمن ملخ من شجرة رجل فرعا على وجه الدلالة فغرسه
شجرا فعليه قيمة الفرع يوم ملخه وما نقص الملخ من الشجرة اه‍. وقال في التوضيح لما
ذكر مسألة المزدوجين: ولهذا كان الصحيح فيمن استهلك إحدى مزدوجين وجوب
قيمتهما. واختلف فيمن استهلك سفرا من ديوان فقال بعضهم: يرد السالم وما نقص، ظاهر
كلام عبد الوهاب في شرح الرسالة أنه يغرم الجميع اه‍. قلت: والظاهر في مسألة الديوان أنه
إذا وجد عيبا في أحد السفرين أنه يرد الجميع والله أعلم. ص: (ولا يجوز التمسك بأقل
استحق أكثره) ش: يريد إلا المثلي كما سيأتي وإنما ذكرها هنا ليفرع عليها المسألة التي
بعدها. وإنما لم يجز التمسك بذلك لأنه لما استحق الأكثر انتقضت الصفقة وتمسك
المشتري بالباقي كإنشاء عقده بثمن مجهول إذا لم يعلم ما ينوب الباقي من الثمن إلا بعد
تقويم أجر المبيع على الانفراد أو نسبة كل جزء من الاجزاء إلى مجموع قيمة الصفقة.
387

وأجاز ذلك ابن حبيب ورأي أن ذلك جهالة طارئة بعد تمام العقد فصارت كالجهالة إذا اطلع
على عيب بالمبيع اه‍. وفي هذا الأخير نظر فإنه يقتضي أن العيب يخالف الاستحقاق وقد
تقدم ص: (وإن كان درهمان وسلعة تساوي عشرة بثوب فاستحقت السلعة وفات الثوب
فله قيمة الثوب بكماله ورد الدرهمين) ش: يعني أنه لما استحقت السلعة فقد استحق
الأكثر فيرد الدرهمين ويأخذ ثوبه إن كان قائما، وقيمته إن كان فائتا على المشهور، وعلى
قول ابن حبيب فإنما يرجع بخمسة أسداس الثوب إن كان قائما، أو بقيمتها إن فاتت. فلو
كانت قيمة الثوب خمسة عشر قاصه بدرهمين منها ورد له ثلاثة عشر على المشهور، وعلى
مقابله يرد خمسة أسداس القسمة وذلك اثنا عشر درهما ونصف. ولو كانت قيمته تسعة
قاصه بدرهمين ورد سبعة على المشهور، وعلى مقابله يرد سبعة ونصفا. وإن كانت قيمته
اثني عشر درهما رجع بعشرة اتفاقا، ويقاص بالدرهمين ويكملهما على مقابله بغير مقاصة.
388

قاله في التوضيح ص: (والقول للبائع في العيب أو قدمه) ش: قال في المقدمات: العيوب
على قسمين: عيب يمكن التدليس به، وعيب لا يمكن التدلس به فلا يجب الرد به ولا القيام
ولا الرجوع بقيمته في الفوات وهو على وجهين: أحدهما ما استوى البائع والمبتاع في
الجهل بمعرفته وكان في أصل الخلقة فلا رجوع باتفاق أو لم يكن في أصلهما على
اختلاف. والثاني ما استوى البائع والمبتاع في المعرفة به وذلك ما كان من العيوب ظاهرا لا
يخفى اه‍.
389

فرع: من اشترى شيئا ثوبا أو حنطة أو غير ذلك ثم رده بعيب فينكر ربه أن يكون هو
متاعه. فنقل في المسائل الملقوطة عن مختصر الواضحة عن ابن الماجشون أن القول قول
البائع مع يمينه، وإن نكل فالقول قول المشتري مع يمينه أنها التي اشتراها منه ما غير ولا
بدل اه‍ ص: (والغلة له للفسخ) ش: يعني أن الغلة للمشتري إذا رد بالعيب إلى حين فسخ
عقد البيع وهو ظاهر إذا كان البيع لا غلة فيه يوم البيع ولا يوم الرد واغتل المشتري فيما بين
ذلك وأخذ الغلة. فإن كانت الغلة فيه يوم المبيع أو يوم الرد فلكل مسألة حكم، أشار إلى
الأولى بقوله: وثمرة أبرت وصوف ثم كما سيأتي بيانه ص: (ولم ترد بخلاف ولد وثمرة
أبرت وصوف تم) ش: قوله: لم ترد مستغنى عنه بما قبله، وإنما ذكره ليرتب عليه قوله:
390

بخلاف ولد الخ. المعنى أن من اشترى شيئا من إناث الحيوان سواء كان مما يعقل أو لا
ثم ردها بعيب، فإنه يرد معها ولدها، اشتراها حاملا أو حملت عنده، لأن الولد ليس بغله قاله
في التوضيح. وقال في المدونة: وإذا ولدت الأمة عندك ثم رددتها بعيب رددت ولدها معها
وإلا فلا شئ لك. وكذا ما ولدت الغنم والبقر والإبل ولا شئ لك في الولادة إلا أن ينقصها
ذلك فترد ما نقصها. قال ابن يونس: يريد وكان في الولد ما يجبر به النقص جبره على قول
ابن القاسم كما قال في الأمة تلد ثم يردها بعيب انتهى. وقوله: وثمرة أبرت أي وكذلك
من اشترى نخلا مؤبرة واشترط الثمرة ثم وجد الثمرة ثم اطلع على عيب فإنه يرد الثمرة لأن
لها حصة من الثمن، ولو لم يشترطها المشتري لكانت للبائع. وقال أشهب: لا ترد لأنها غلة.
واتفق ابن القاسم وأشهب على عدم اللبن وإن كان في الضرع يوم البيع لأن ذلك خفيف.
وقاله في المدونة. قال أبو الحسن: إلا أن تكون مصراة يوم الشراء فيرد معها صاعا من
الطعام. وقال اللخمي: وإن احتلبها لم يغرم بذلك إذا لم تكن حين البيع مصراة، وإن كانت
وقت الرد مصراة كان له أن يحلب ثم يرد لأنه قد جمع ولم يبق إلا احتلابه كالخراز
والحداد، وكذلك إذا كانت يوم الشراء مصراة فهو مبيع على الصحيح من المذهب انتهى.
وعلى قول ابن القاسم فيرد الثمرة إن كانت قائمة، وإن فاتت يرد مكيلتها إن علمت أو القيمة
إن لم تعلم، أو الثمن إن كان باعها. قاله في المقدمات. وقوله: وصوف تم أي وكذلك
من اشترى غنما عليها صوف تام ثم جز الصوف ثم اطلع على عيب فإنه يرد، فإن فات رد
مثله. قاله في المدونة. قال ابن يونس: وإن لم يعلم وزنه رد الغنم بحصتها من الثمن
كمشتري ثوبين يفوت عنده أحدهما ثم يجد بالباقي عيبا. وفي كتاب محمد: إذا لم يعلم
وزنه رد قيمته والأشبه ما قدمنا. وعلى هذا قياس من قال إذا فات الأدنى من الثوبين رد قيمته
معه إلا ربع المعيب لأنه يقول: إذا نقصت صفقتي لم يلزمني المعاينة في الأدنى. انتهى من
أبي الحسن الصغير. قلت: الجاري على المشهور ما في كتاب محمد.
فرع: قال اللخمي: وإن وجد العيب بعد أن عاد إليها الصوف ردها ولا شئ عليه
للصوف الأول لأن هذا كالأول وهو أبين في هذا من حين العيب بالولد لأن الولد ليس بغلة
وليس له حبسه فكان جبره بما له حبسه أولى انتهى.
391

تنبيهات: الأول: قال في المدونة: فإن ردت الثمرة مع النخل كان لك أجر سقيك
وعلاجك. قال في المقدمات فيما إذا اشترى النخل بالثمرة المؤبر ثم وجد العيب قبل
طيبها: فإنه يردها بثمرتها عند الجميع ويرجع بالسقي والعلاج عند ابن القاسم، وأما إن لم
يطلع على العيب إلا بعد طيب الثمرة فإنه يردها على مذهب ابن القاسم ويرجع بالسقي
والعلاج. وقال أشهب: إذا وجدت الثمرة فهي غلة.
الثاني: فهم من قول المصنف: ثمرة أبرت أنها لو كانت الثمرة يوم الشراء قد طابت
أنه يردها إذا رد الأصول من باب أحرى. وفهم منه أيضا لو كانت الثمرة يوم الشراء لم تؤبر
لم ترد وتكون غلة للمشتري وهو كذلك إن كان " قد جذها، سواء كانت الثمرة موجودة يوم
الشراء ولكنها لم تؤبر أو لم تكن موجودة يوم الشراء ولكنها حدثت عند المشتري. فإن كان
المشتري لم يجد الثمرة فلا يخلو إما أن يكون اطلع على ذلك قبل طيب الثمرة أو بعد
طيبها، فإن اطلع على ذلك قبل طيبها فإن يردها مع أصولها، سواء أبرت أو لم تؤبر، ويرجع
بالسقي والعلاج عند ابن القاسم وأشهب. وأما إن كانت قد طابت أي أزهت فهي للمشتري،
سواء يبست أو لم تيبس أو لم تجد.
الثالث: لو وجد الثمرة قبل طيبها وقبل أن تؤبر قال في المقدمات فلا أذكر لأصحابنا
فيها نصا، والذي يوجبه النظر عندي على أصولهم أن ذلك فوت لأن جز الثمرة في هذا
الحال يعيب الأصل وينقص قيمته فيكون مخيرا بين أن يرده وما نقص، أو يمسكه ويرجع
بقيمة العيب قال: وكذلك إذا جدها بعد الإبار وقبل الطيب فالحكم فيها على ما تقدم.
الرابع: قال في التوضيح: وقع لابن القاسم أنها لو هلكت الثمرة المأبورة عند المشتري
بأمر من الله لم يضمنها المشتري. فعارض هذا بعضهم بما قاله من أنه يرد الثمرة لأن قوله:
يردها يدل على أن لها حصة من الثمن. قوله: إنه لم يضمنها يدل على أنها غير مشتراة
واعتذر عن ذلك بأنه إنما لم يضمنها لكونها غير مقبوضة للمشتري، ولهذا منع بالطعام لأن
النخل المؤبر طعام لكون الثمرة يتأخر قبضها. وقال بعض المتأخرين: إنه يضمن الثمرة إذا
اشتراها بعد الزهو وإن كانت بأمر من الله تعالى. قاله المازري انتهى. قلت: وقع لابن القاسم
ما قد يتبادر منه أن ذلك قول ضعيف وليس كذلك، بل هو المذهب كما نص عليه في
المدونة. ونقل ابن عرفة المعارضة المذكورة عن ابن محرز عن بعض المذاكرين والتفرقة
لبعضهم، ثم ذكر عن ابن محرز أنه رد ذلك بأن ابن القاسم نص على أنه لوجد الثمرة لكان
ضامنا، فلو لم يكن لها حصة من الثمن ما اختلف حكمها قبل جذها وبعده. قال أيضا: لو
جذها المشتري بعد طيبها ثم جاء شفيع حط عنه من الثمن ما ينوبها. ثم قال ابن عرفة: يريد
رده بأنها قبل الجذ تابعة فلم يكن لها حصة من الثمن وهذه مستقلة، فإن هلكت ضمنها
392

كمال العبد يهلك قبل انتزاعه أو بعده وإليه أشار فيها ثم ذكر نص المدونة انتهى. قلت:
وكلام المدونة بين صحيح في المعارضة ونصها: وإن كانت الثمرة يوم الشراء مأبورة
فاشتراها، فإن ردت النخلة بعيب رددت معها الثمرة وإلا فلا شئ لك، فإن ردد ت معها كان
لك أجر سقيك وعلاجك فيها، ولما لم تكن واجبة إلا بالاشتراط صح أن لها من الثمن
حصة ولم ألزمها لك بحصتها من الثمن كسلعة ثانية، فيصير بيع ثمرة لم يبد صلاحها وهو
كمال العبد إن انتزعه رددته معه حين ترده بعيب، وإن هلك المال قبل انتزاعك لم يلزمك له
نقص من ثمنك إن رددته بعيبك، وكذلك ما يأتي على الثمرة بأمر من الله سبحانه قبل
جذاذها انتهى. قال ابن يونس: في كتاب محمد: ولو انتزعته ثم هلك بأمر من الله ضمنته،
وكذلك الثمرة إذا جذذتها ثم هلكت فإنك تضمنها. قاله محمد. قال ابن يونس: وأما لو
اشترطت الثمرة بعد الطيب فهذه إن هلكت قبل الجذاذ بأمر من الله فرددت النخل بعيب
فلترد بحصتها من الثمن، وكذلك إن جذها رطبا فأكلها ينظر ما قيمة النخل من قيمة الثمرة،
فإن كانت مثلها رجع بنصف الثمن، وإن كان ثلثها رجع بثلثي الثمن. وأما إن جذها تمرا
وعرف مكيلتها ردها إن كانت قائمة، فإن فاتت رد مثلها مع النخل انتهى. فعلم أن بعض
المتأخرين الذي ذكره في التوضيح عن المازري هو ابن يونس.
الخامس: مفهوم قوله: وصوف تم أنه لو اشتراها وليس عليها صوف أو عليها صوف
غير تام ثم حصل الصوف عنده أو تم أنه لا يرده وهو كذلك إذا جزه قبل الاطلاع على
العيب. قال اللخمي: يختلف فيه هل يكون غلة بالتمام أو حتى يتعسل أو تجز قياسا على
الثمرة، هل تكون غلة بالطيب أو باليبس أو بالجذاذ، فالتمام نظير الطيب، والتعسيل كاليبس،
والجز كالجذاذ. انتهى. قلت: قالوا: إذا قال يختلف فهو تخريج منه. والذي في المقدمات
أنه ما لم يجز وهو تبع للغنم قال: ولو جزه المبتاع بشئ من نفقته عليها بخلاف النخل.
والفرق بينهما أن الغنم لا غلة منها سوى الصوف، ولو جزه المبتاع بعد أن اطلع على العيب
لكان جزه لها رضا بالعيب اه‍. ونقل ابن عرفة كلام اللخمي ولم يتعقبه، والظاهر ما قاله ابن
رشد والله أعلم ص: (كشفعة واستحقاق وتفليس وفساد) ش: قال الشارح في الكبير:
393

التشبيه راجع إلى قوله: ولم ترد لا إلى قوله: بخلاف ولد، ولو قدم هذه المسائل على
قوله: بخلاف ولد لكان أحسن انتهى. ونحوه في الوسط. وكلام ابن غازي رحمه الله
يقتضي أن التشبيه راجع إلى قوله: بخلاف ولده وليس ذلك بظاهر، والظاهر ما قاله الشارح
فإن الحكم المذكور لا يجري في الأبواب المذكورة، فإن الولد لا يتصور فيه الشفعة، وأما
في الاستحقاق والتفليس فحكمه حكم الرد بالعيب يأخذه المستحق للأمهات معها، وكذلك
في التفليس فإن للبائع أن يأخذ الولد مع الأمهات كما صرح به في كتاب التفليس من
المدونة، وأما في البيع الفاسد فإن الولد مفوت ويوجب الرجوع بالقيمة. قال في المدونة في
كتاب التدليس بالعيوب: وأما الولد فيفيت البيع الفاسد ويوجب القيمة، وأما الثمرة فحكمها
في البيع الفاسد كحكم الرد بالعيب كما صرح به في المقدمات. وأما في الشفعة
والاستحقاق والتفليس فيختلف ذلك، قال في كتاب الشفعة من المدونة: قال مالك: وإذا
ابتاع النخل والثمرة مأبورة أو مزهية فاشترطها ثم استحق رجل نصفها واستشفع فله نصف
النخل ونصف الثمرة باستحقاقه، وعليه للمبتاع في ذلك قيمة ما سقى وعالج، ويرجع
المبتاع بنصف الثمن على البائع، فإن شاء المستحق أخذ الشفعة في النصف الباقي فذلك له
ويكون له أخذ الثمرة بالشفعة مع الأصل ما لم تجذ أو تيبس ويغرم قيمة العلاج أيضا، وإن
قام بعد اليبس أو الجذاذ فلا شفعة له في الثمرة كما لو بيعت حينئذ ويأخذ الأصل بالشفعة
بحصته من الثمن بقيمة من قيمة الثمرة يوم الصفقة، لأن الثمرة وقع لها حصة من الثمن.
وأما من ابتاع نخلا لا ثمر فيها أو فيها ثمر قد أبرأ ولم يؤبر ثم فلس وفي النخل ثمرة حل
بيعها فالبائع أحق بالأصل، والثمرة ما لم تجذ إلا أن يعطيه الغرماء الثمن بخلاف الشفيع اه.
وقال في كتاب التفليس: وأما من ابتاع أمة أو غنما ثم فلس فوجد البائع الأمة قد
ولدت والغنم قد تناسلت فله أخذ الأمهات والأولاد كالرد بالعيب، وأما ما كان من غلة أو
صوف جزه أو لبن حلبه فذلك للمبتاع، وكذلك النخل تجنى ثمرتها فهو كالغلة إلا أن يكون
394

على الغنم صوف قد تم يوم الشراء، أو في النخل ثمر قد أبر، واشترط ذلك الثمن فليس
كالغلة اه‍. وقال في المقدمات: إذا كان في النخل يوم الابتياع تمرة مأبورة، فطرأ على
المشتري مستحق أو شفيع أو فلس وأراد البائع أخذ نخله، فإن طرؤا قبل طيب الثمرة فإنهم
أحق على حالها بعد أن يؤدوا السقي والعلاج، وإن طرؤا بعد طيب الثمرة قبل
يبسها أو بعد يبسها ولم تجذ أو بعد جذها وهي قائمة أو فائتة ففي ذلك في الشفعة والاستحقاق ثلاثة
أقوال: أحدها أن الشفيع والمستحق يأخذ الثمرة مع الأصل وإن جذت ويرجع بالسقي
والعلاج قاله ابن القاسم على قياس قوله في الرد بالعيب، وقاله أشهب ورواه عن مالك في
كتاب ابن المواز. والثاني أنها تكون للمبتاع وهو مذهب أشهب في كتاب العيوب. والثالث
أنها تمضي بما ينوبها من الثمن وهو قول ابن القاسم في كتاب الشفعة. وإذا قلنا إنها تمضي
بما ينوبها من الثمن أو أنها غلة للمبتاع ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها الطيب وهو قول ابن
القاسم في كتاب العيوب. والثاني اليبس وهو قول ابن القاسم في المدونة. والثالث الجذاذ
وهو قول أشهب في كتاب العيوب. وأما التفليس فالمنصوص لهم قول واحد أنه أحق به ما
لم تجذ، فإن جذت كان أحق بالأصول بما ينوبها من الثمن ويدخل فيه الاختلاف بالمعنى
اه. وانظر بقية وجوه الثمرة في المقدمات. وأما الصوف التام فلا يتصور فيه الشفعة، وأما في
الاستحقاق فيأخذه المستحق إن كان قائما، أو مثله إن كان قد استهلكه المبتاع، أو الثمن
إن كان باعه. وفي التفليس بائعه أحق به إن كان قائما وإن جزه المشتري المفلس، وإن فات
أخذ البائع الغنم بما ينوبها من الثمن وحاص الغرماء بما ينوب الصوف من الثمن، وإن شاء
رد الغنم وحاض الغرماء بما ينوب الصوف من الثمن، وإن شاء ترك الغنم وحاص الغرماء
بجميع الثمن. قاله في المقدمات. وأما البيع الفاسد فلم أقف الآن على رد صريح فيه،
والظاهر أن حكمه حكم الرد بالعيب فتأمله والله أعلم. ص: (ولم يرد بغلط أن سمى باسمه)
ش: أصل هذه المسألة في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب من جامع البيوع قال: سأل
مالك عمن باع مصلى فقال المشتري: أتدري ما هذا المصلى هي والله خز. فقال البائع:
ما علمت أنه خز ولو علمته ما بعته بهذا الثمن. قال مالك: هو للمشتري ولا شئ للبائع لو
شاء استبرأه قبل بيعه. وكذا لو باعه مرويا ثم قال: لم أعلم أنه مروي إنما ظننته كذا وكذا،
أرأيت لو قال مبتاعه ما اشتريته إلا ظنا أنه خز وليس بخز، فهذا مثله، وكذا من باع حجرا
395

بثمن يسير ثم هو ياقوتة أو زبرجدة تبلغ مالا كثيرا لو شاء استبرأه قبل البيع بخلاف من قال:
اخرج لي ثوبا مرويا بدينار فأخرج له ثوبا أعطاه إياه ثم وجده من أثمان أربعة دنانير هذا
يحلف ويأخذ ثوبه. قال ابن رشد في سماع أبي زيد خلاف هذا أن من اشترى ياقوتة وهو
يظنها حجرا ولا يعرفها البائع ولا المبتاع فيجدها على ذلك، أو يشتري القرط يظنه ذهبا
فيجده نحاسا، أن البيع يرد في الوجهين. وهذا الاختلاف إنما هو إذا لم يسم أحدهما الشئ
بغير اسمه وإنما سماه باسم يصلح له على كل حال. ثم قول البائع: أبيعك هذا الحجر أو
قول المشتري: بع مني هذا الحجر فيشتريه وهو يظنه ياقوتة فيجده غير ياقوتة، أو يبيع البائع
يظن أنها ياقوتة فإذا هو غير ياقوتة، فيلزم المشتري وإن علم البائع أنها غير ياقوتة، والبائع البيع
وإن علم المشتري أنها ياقوتة على رواية أشهب، ولا يلزم ذلك في الوجهين على ما في
سماع أبي زيد. وأما إذا سمى أحدهما الشئ بغير اسمه مثل أن يقول البائع: أبيعك هذا
الياقوتة فيجدها غير ياقوتة، أو يقول المشتري: بع مني هذه الزجاجة ثم يعلم البائع أنها
ياقوتة، فلا خلاف في أن الشراء لا يلزم المشتري والبيع لا يلزم البائع، وكذلك القول في
المصلى وشبه ذلك.
وأما القرط يظنه المشتري ذهبا يشترط أنه ذهب فيجده نحاسا، فلا خلاف أن له أن
يرده إذا كان قد صنع على صفة أقراط الذهب أو كان مغسولا بالذهب، وقد اختلف إذا
أبهم أحدهما لصاحبه في التسمية ولم يصرح فقال ابن حبيب: إن ذلك يوجب الرد
كالتصريح. وحكى شريح القاضي أنه اختصم إليه رجل مر برجل معه ثوب مصبوغ الصبغ
الهروي فقال: بكم هذا الهروي؟ فقال: بكذا. فاشتراه ثم بين أنه ليس بهروي وإنما صبغ صبغ
الهروي فأجاز بيعه قال: ولو استطاع أن يزين ثوبه بأكثر من هذه الزينة قال عبد الملك: لأنه
إنما باعه هروي الصبغ حتى يقول هروي هراة فعند ذلك يرده، وذلك عندي اختلاف من قوله
وقد قال بعض الشيوخ: إنه إذا باع الحجر في سوق الجوهر فوجده حجرا كان للمبتاع القيام
وإن لم يشترط أنه جوهر، وإن باعه في غير الميراث أو في غير سوق الجوهر لم يكن له قيام
على هذا القياس، وشبهه، وهذا عندي يجري على الاختلاف الذي ذكرته في الألغاز. ووجه
تفرقة مالك بين الذي يبيع الياقوتة جاهلا وبين من قصد إخراج ثوب بدينار فأخرج ثوبا بأربعة،
أن الأول جهل وقصر إذا لم يسأل من يعلم ما هو والثاني غلط والغلط لا يمكن التوقي منه
فيكون له أن يحلف ويأخذ ثوبه إذا أتى بدليل على صدقه من رسم أو شهادة وقوم على
حضور ما صار به إليه في مقاسمة أو ما أشبه ذلك، والرجوع بالغلط في بيع المرابحة متفق
عليه، وفي بيع المكايسة يختلف فيه، وقد مضى القول على ذلك في أول رسم من سماع
ابن القاسم، وليس في هذه الرواية بيان أن البيع مرابحة أو مكايسة. اه باختصار يسير.
والذي في سماع ابن القاسم: قال مالك في البزاز: يبيع فيأمر بعض قومته بدفعه ثم
396

يقول بعد انصراف المبتاع: إن الثوب الذي دفعه إليك ليس بالذي بعتك أو كان هو دفعه
قال: إن كان أمر بدفعه حلف ورد إليه، وإن كان دفعه فأرى قوله باطلا ما لم يأت مع قوله
أمر معروف من رسم أكثر مما باع به أو شهادة قوم قاسموه عرفوه ما قام به عليه، فإن جاء
بشئ من ذلك حلف ورد عليه. قال ابن رشد: أما الذي أمر بعض قومته فلا خلاف أن القول
قوله مع يمينه أنه ليس الثوب الذي باعه، فإن حلف رد الثوب ودفع الثوب الذي زعم أنه
باعه، وإن نكل لم يكن له شئ إذا كان المبتاع لم يكذبه ولا يصدقه. وأما إن كذبه المبتاع
وقال: بل هذا الذي بعتني فإنهما يحلفان، فإن نكلا أو حلفا لم يقع بينهما بيع واحد من
الثوبين، وإن نكل أحدهما كان القول قول الحالف إن كان البائع ألزم المبتاع الثوب الذي
عينه البائع، ورد الآخر وإن كان المبتاع أخذ الثوب المدفوع ولم يلزمه الآخر. وكذا لو أمر
التاجر بعض قومته أن يرى رجلا ثوبا فأراه إياه ثم باعه على تلك الرؤية ثم ادعى أنه غير
الثوب الذي أمره أن يريه إياه، القول قول التاجر مع يمينه يحلف ويأخذ ثوبه، فإن نكل لزمه
البيع فيه، وأما إذا باعه الثوب ودفعه هو إليه وادعى أنه غلط، فإن لم تكن له شبهة من رسم
ولا شئ لم يصدق، وإن كانت له شبهة فكما لو دفعه وكيله في الوجوه كلها. وأما إذا باع
الثوب وادعى أن شراءه أكثر مما باعه به وأنه غلط فيه واختلط له بغيره، فإن كان البيع
مرابحة صدق، وإن كانت له شبهة من رقم أو شهادة قوم على ما وقع به عليه في مقاسمة أو
شبه ذلك.
واختلف إن ادعى الغلط في بيع المساومة وزعم أنه اختلط له بغيره وهو ذو أثواب
كثيرة فقيل: إنه بمنزلة المرابحة وهو ظاهر الرواية وما في كتاب الأقضية من المدونة وما في
نوازل سحنون من كتاب العيوب محتمل. وقيل: البيع لازم ولا حجة له فيما ذكر وإليه
ذهب ابن حبيب. وكذلك اختلف في الجهل بصفة المبيع مثل أن يبيع الحجر بالثمن اليسير
وهو ياقوتة وسيأتي الكلام عليه في رسم الأقضية من سماع أشهب في سماع أبي زيد. وأما
الجهل بقيمة المبيع فلا يعذر واحد من المتبايعين في ذلك إذ لا غبن في بيع المكايسة. هذا
هو ظاهر المذهب، وقد حكى بعض البغداديين عن المذهب أنه يجب الرد بالغبن إذا كان
أكثر من ثلث. وأقام بعض الشيوخ ذلك من مسألة سماع أشهب من كتاب الرهون وليس
ذلك بصحيح، لأنها مسألة لها معنى من أجله وجب الرد من الغبن انتهى. وقال لما تكلم
على مسألة سماع أبي زيد: ولا اختلاف أن له القيام بالغلط في بيع المرابحة. وقوله: بيع
المساومة لا قيام فيه بالغلط هو المشهور في المذهب انتهى. وما ذكره عن نوازل سحنون
في كتاب العيوب لم أقف عليه، ولعله يشير إلى ما في نوازل سحنون من كتاب البيوع فيمن
اشترى أرضا فوجد فيها بئر عاذبة فقال البائع: بعتك شيئا لا أعرفه أنها للمشتري. ولعل مسألة
كتاب الأقضية التي أشار إليها هي دعوى أحد الورثة الغلط بعد القسمة فإني لم أر فيه ما
397

يناسب هذا إلا هذه المسألة وهي في الام في كتاب الأقضية. ذكرها البراذعي في كتاب
القسمة. وهذا يوجه بأنه أشار إلى المسألة المذكورة في نوازل سحنون فتأمله. ونقل ابن عرفة
رحمه الله كلام ابن بشير جميعه، وزاد بعد قوله في نوازل سحنون في كتاب العيوب في
بعض الروايات والله أعلم ص: (ولا بغبن ولو خالف العادة) ش: قال في التوضيح: الغبن بفتح
الغين وسكون الباء عبارة عن بيع السلعة بأكثر مما جرت العادة أن الناس لا يتغابنون بمثله، أو
اشتراها كذلك. وأما ما جرت به العادة فلا يوجب ردا باتفاق انتهى. وقد تقدم كلام ابن رشد
أن هذا الذي ذكره المصنف هو ظاهر المذهب. وقال في أول رسم من سماع ابن القاسم
من كتاب الرهون: لو باع رجل جارية قيمتها مائة وخمسون دينارا بألف دينار وارتهن رهنا
وكان مشتريها من غير أهل السفه جاز ذلك. قال ابن رشد: في قوله هذا ما يدل على أنه لا
قيام في بيع المكايسة بالغبن، ولا أعرف في المذهب في ذلك نص خلاف، وكان من
الشيوخ من يحمل مسألة سماع أشهب الواقعة في أول رسم منه من كتاب الرهون على
الخلاف ويتأول منها وجوب القيام بالغبن في بيع المكايسة وليس ذلك بصحيح، لأنه إنما
يرى له الرد بالغبن لا من أجل اضطراره إلى البيع مخافة الحنث على ما ذكره في الرواية. وقد
حكى بعض البغداديين عن المذهب وعزاه لابن القصار أنه يجب الرد بالغبن إذا كان أكثر
من الثلث وليس ذلك بصحيح لقول رسول الله (ص): لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرتزق
بعضهم من بعض وفي قوله (ص): غبن المسترسل ظلم دليل على أنه لا غبن في غير
المسترسل. وما لم يكن فيه ظلم فهو حق لا يجب القيام به. وقد استدل على ذلك بعض الناس
بقوله (ص) في الأمة الزانية: بيعوها ولو بظفير وبقوله لعمر: لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم
وهذا لا دليل فيه لأنه خرج على التقليل مثل قوله في العقيقة: ولو بعصفور. وقوله: من بنى
مسجدا ولو بقدر مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة وما أشبه ذلك كثير انتهى.
وقال ابن عبد السلام: ظاهر الأحاديث يدل على صحة المشهور لقوله (ص) في
حديث جابر في الجمل الذي باعه منه وقد ساومه أو لا تبيعه بدرهم؟ فقال: لا. ثم ثبت في
الصحيح على أنه باعه بخمس أواق على أن له ظهره إلى " المدينة. ثم ذكر حديث: لا يبع
حاضر لباد. وحديث الأمة الزانية، وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ثم قال ابن رشد
في سماع أشهب لما تكلم على المسألة المذكورة: قال ابن دحون: هذه مسألة ضعيفة
398

كيف يفسخ البيع للغبن وذلك جائز بين كل متبايعين إلا ما خصته السنة بالرد. ولو اشترى
رجل من غير مولى عليه ما يساوي مائة درهم بألف درهم لزم ذلك ولم يفسخ ولم يختلف
في ذلك انتهى. وقال في المقدمات في كتاب المرابحة: لا قيام للمبتاع في بيع المساومة
بغبن ولا بغلط في المشهور من الأقوال. وقيل: إنه يرجع بالغلط. وأما في الغبن وهو الجهل
بقيمة المبتاع فلا رجوع به في المساومة، وهذا ظاهر ما في سماع ابن القاسم من كتاب
الرهون، ولا أعرف في المذهب في ذلك خلافا. كان من الشيوخ من يحمل مسألة أشهب
من الرهون على الخلاف في ذلك وليس بصحيح، لأنها مسألة لها معنى أوجب من أجلها
الرد بالغبن فليست بخلاف للمشهور من المذهب.
وقد حكى بعض البغداديين عن المذهب وأراه ابن القصار أنه يجب الرد بالغبن إذا كان
أكثر من الثلث فتأمله وقف عليه انتهى. ثم قال: وأما بيع الاستئمان والاسترسال فهو أن يقول
399

الرجل: اشتر مني سلعتي كما تشتري من الناس فإني لا أعلم القيمة، فيشتري منه بما يعطيه
من الثمن. وقال ابن حبيب: إن الاسترسال إنما يكون في البيع أن يقول الرجل للرجل: بعني
كما تبيع الناس، وأما في الشراء فلا، ولا فرق بين البيع والشراء إذا كان الاسترسال والاستنامة
واجب بالاجماع لقوله (ص): غبن المسترسل ظلم والاستنامة بالنون قبل الألف وبالميم
بعدها كما ضبطه ابن غازي في أول فصل المرابحة. وقد ذكر ابن عرفة في القيام بالغبن
طرقا: الأولى طريقة ابن رشد لكن ذكر كلامه في البيان ولم يذكر كلامه في المقدمات، ثم
ذكر الطريق الثانية عن أبي عمر بن عبد البر ونصه أبو عمرو في بيع المسلم: المستنصح
يوجب للمغبون الخيار فيه، وفي بيع غيره المالك أمر نفسه لا أعلم في لزومه خلافا ولو كان
بأضعف القيمة، وسمعه عيسى بن القاسم في كتاب الرهون اه‍. ولم أقل على ما عزاه لكتاب
الرهون في سماع عيسى إنما فيه ما تقدم عن سماع ابن القاسم. ثم ذكر الطريقة الثالثة عن
الباجي ونصه الباجي عن القاضي في لزوم البيع بما لا يتغابن بمثله عادة وأحدهما لا يعلم
سعر ذلك إذا زاد الغبن على الثلث، أو خرج عن العادة والمتعارف فيه قولان لأصحابنا،
400

فالأول قاله ابن حبيب. وحصل في التوضيح في ذلك ثلاثة طرق: طريقة ابن رشد ونقلها
باختصار ونصه: ولصاحب المقدمات طريقة ثالثة إن وقع البيع والشراء على وجه الاسترسال
والاستنامة فالقيام بالغبن واجب، وإن وقع على وجه المكايسة فلا قيام بالغبن اتفاقا. والطريق
الثانية طريق المازري لأنه إذا أخبر البائع أنه غير عارف بقيمته فقال البائع: قيمتها كذا فله
الرد، وإن كان عالما بالبيع وبثمنه فلا رد له، ولا خلاف في هذين القسمين وفيما عداهما
قولان. ابن عبد السلام: ومشهور المذهب عدم القيام بالغبن لغير العارف وفي العارف قولان
اه‍.
قلت: ما عزاه رحمه الله للمعونة عكس ما فيها ونصها في آخر بيع الخيار: اختلف
أصحابنا في بيع السلعة بما لا يتغابن الناس بمثله مثل أن يبيع ما يساوي ألفا بمائة ويشتري
ما يساوي مائة بألف، فمنهم من يقول يثبت الخيار للمغبون منهما، ومنهم من قال الاختيار
إذا كان من أهل الرشاد والبصر بتلك السلعة، وإن كانا أو أحدهما بخلاف ذلك فللمغبون
الخيار اه‍ ونحوه في التلقين. قال في أوائل كتاب البيوع: الخيار يثبت بأمرين: أحدهما
بمقتضى العقد فيه وهو أن تكون فيه مغابنة خارجة عن حدها لتغابن الناس بمثله فقيل: إن
البيع لازم ولا خيار. وقيل: للمغبون منهما الخيار إذا دخل على بيع الناس المعتاد اه‍. وقال
في الاشتراء: فإذا تبايعا بما لا يتغابن الناس بمثله في العادة وكان أحدهما ممن لا يخبر سعر
401

ذلك المبيع، فاختلف أصحابنا فمنهم من يقول: لا خيار له، ومنهم من يقول: له الخيار إذا
رد الغبن على الثلث أو خرج عن العادة والمتعارف اه‍. وكان المصنف رحمه الله تبع
صاحب الجواهر في عزو هذه الطريقة للقاضي عبد الوهاب فإنه قال فيها: قال القاضي أبو
محمد: اختلف أصحابنا في ذلك، فمنهم من يرى أن يثبت الخيار للمغبون منهما، ومنهم من
قال: لا خيار إذا كان من أهل الرشاد والبصر بتلك السلعة، وإن كانا أو المغبون منهما
بخلاف ذلك فللمغبون الخيار اه‍. وتبعه على ذلك القرافي في الذخيرة وابن الحاجب، وكان
صاحب الجواهر تصحف في نسخته من المعونة قوله: نفى فذكر ما تقدم وكلامه في
التلقين والاشراف يبين كلامه في المعونة، ويبين ذلك أيضا توجيهه للقولين فإنه إنما بدأ
بتوجيه القول بنفي الخيار، ويؤيد ذلك أيضا ما نقله الباجي عن القاضي كما تقدم فإنه موافق
لما ذكرنا فتأمله والله أعلم.
تنبيهات: الأول: ما حكاه المصنف في التوضيح عن المازري فيه إجمال يبينه كلام
صاحب الجواهر في حكايته طريقة المازري ونصه بعد أن حكى كلام القاضي المتقدم: قال
الإمام أبو عبد الله: ليس الخلاف على الاطلاق إنما هو مقيد بأن يكون المغبون لم يستسلم
إلى بائعه، ويكون أيضا من أهل المعرفة بقيمة ما اشتراه وإنما وقع في الغبن غلط يعتقد أنه
غير غالط. فأما إذا علم القيمة فزاد عليها فهو كالواهب، أو فعل ذلك لغرض له فلا مقال له.
وكذلك إن استسلم لبائعه وأخبره أنه غير عالم بالقيمة فذكر له البائع ما غره به مثل أن يقول
أعطيت فيها كذلك ويسمى له بائعها منه قال: فهذا ممنوع باتفاق اه‍.
الثاني: إذا علم ذلك فقول المصنف: وهل إلا أن يستسلم ويخبره بجهله أو يستأمنه
تردد يقتضي أن في تلك المسألة ثلاث طرق: الأولى لا قيام للغبن ولو استسلم وأخبره
402

بجهله. والثانية لا قيام بالغبن إلا إذا استسلم وأخبر بجهله. والثالثة لا قيام بالغبن إلا إذا
استأمنه. ولم أقف على الطريقة الأولى إلا إذا حملت طريقة القاضي عبد الوهاب التي ذكرناها
عن المعونة والتلقين على إطلاقها، وجعل القول الأول فيها هو المشهور ولم أقف على ذلك.
فإن قلت: قد قال في اللباب: وأسباب الخيار خمسة الأول الغبن. قال في الاكمال: المغابنة
بين الناس ماضية إن كثرت وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة. وقيل: للمغبون الخيار. ثم
ذكر كلام صاحب المقدمات فكلام صاحب الاكمال يقتضي نفي الخلاف مطلقا. قلت:
قال القاضي في الاكمال قبل الكلام الذي حكا صاحب اللباب: غبن المسترسل وهو
المستسلم لبيعه ممنوع وله القيام إذا وقع. اه‍ ونقله الآبي عنه. وقد اعتمد في الشامل على
ظاهر كلام المصنف ولا يصح ذلك ونصه: وهل للمغبون في بيع وشراء مقال مطلقا أو لغير
العارف وإن وقع على وجه الأمانة والاسترسال كبعني أو اشتر مني مثل الناس لا على وجه
المكايسة، وإن أخبره بجهله بالقيمة فقال له: هي كذا إلا إن كان عارفا بها وإلا فقولان
خلاف، وشهر عدم القيام مطلقا اه‍. فقوله: وشهر عد القيام مطلقا يقتضي ذلك طريقة
رابعة فإنه بدأ أولا بطريقة عبد الوهاب على ما نقل في الجواهر والتوضيح، ثم بطريقة ابن
رشد: ثم بطريقة المازري ولا يحتاج لاثبات الطريقة الرابعة بقول ابن عبد السلام إثر حكايته
الطريقة الثانية في كلام ابن الحاجب وهي طريقة المازري، والمشهور من المذهب أنه لا
قيام بالغبن وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وذهب العراقيون من أهل المذهب إلى القول
الثاني اه‍. فإنه أراد المشهور من القولين المحكيين في هذه الطريقة بدليل أنه قال قبل هذا
الكلام: وهذه الطريقة أقرب إلى التحقيق اه‍. وكما يفهم ذلك من كلام التوضيح ولو كان
ذلك مراد ابن عبد السلام لنبه على أن تلك طريقة مخالفة لما ذكره ابن الحاجب، وكذلك
المصنف في التوضيح، ولو فهم أنه طريقة مخالفة لما ذكره ابن الحاجب لنبه على ذلك كما
نبه على طريقة ابن رشد فتأمله منصفا. وحكاية المصنف للطريقتين الأخيرتين غير ظاهر لأن
كلامه يقتضي أن الثانية منافية للثانية وليس كذلك، بل هما متفقتان في هذا الوجه الذي
يثبت فيه القيام بالغبن كما يظهر ذلك من كلام ابن رشد والمازري المتقدم. نعم يتخالفان
في الوجه الآخر فإن طريقة المازري تحكي الخلاف في القيام بالغبن، وطريقة ابن رشد
403

تحكي الاتفاق، على أن ابن رشد لم ينف الخلاف مطلقا بل ذكر ذلك عن بعض البغداديين
إلا أنه لم يعتد بضعفه عنده فلا منافاة في الحقيقة.
الثالث: إذا علم هذا فما ذكره ابن عسكر في العمدة والارشاد من تشهير القول بالقيام
بالغبن مطلقا، خلاف المعروف في المذهب. ونص العمدة: ومن باع أو ابتاع فغبن غبنا
فاحشا ثبت له الخيار على المشهور وقال جماعة من الشيوخ: إن كان بصيرا بقيمة المبيع
فلا خيار له. وقال بعضهم: إن استسلم لبائعه ثبت له الخيار وإلا فلا. ومثله ما حكاه في
الذخيرة عن الطرطوشي ونصه: قال الطرطوشي: مذهب مالك الخيار فيما خرج عن المعتاد.
فتحصل من هذا أن القيام بالغبن في بيع الاستئمان والاسترسال هو المذهب وأنه لا قيام به
في غيره إما اتفاقا أو على المشهور. فلو قال المصنف ولا بغبن ولو خالف العادة إلا
المسترسل لكان مقتصرا على الراجح من المذهب والله أعلم.
الرابع: قال ابن الحاجب بعد أن حكى ما تقدم: والغبن قيل الثلث، وقيل ما خرج عن
المعتاد. قال ابن عبد السلام: حيث يكون للمغبون الرجوع بالغبن إما في محل الوفاق أو في
محل الخلاف، فقيل قدر الغبن في حق البائع أن يبيع بما ينقص عن ثمن المثل الثلث
فأكثر، وفي حق المشتري أن تزيد على ثمن المثل قدر الثلث فأكثر. وقيل: لا يحد بالثلث
ولا بغيره من الاجزاء سوى ما دلت العادة على أنه غبن. وظاهر كلام المؤلف يعني ابن
الحاجب أن هذين القولين في الغبن المتفق على اعتباره في المختلف في اعتباره، وظاهر
كلام غيره أن الغبن المتفق على اعتباره لا يوصل فيه إلى الثلث وإلى ما قاربه إذا خرج عن
الثمن المعتاد في ذلك المبيع صح القيام به انتهى. ونقله في التوضيح. وزاد فقال: وقال ابن
القصار: إذا زاد على الثلث فيكون قولا ثالثا انتهى. وحكى ابن عرفة الثلاثة الأقوال، ويظهر
من كلام ابن عبد السلام والتوضيح ترجيح القول بأنه ما خرج عن المعتاد، وصدر به في
الشامل وعطف القولين الأخيرين ب قيل فقال: والغبن ما خرج عن العادة وقيل الثلث، وقيل
ما زاد عليه انتهى. وعلى أن ما يتغابن به الناس لا قيام به كما تقدم في كلام التوضيح،
وصرح به في الجواهر فقال: إذا قلنا بإثبات الخيار بالغبن المتفاحش فقد اختلف الأصحاب
في تقديره، فمنهم من حده بالثلث فأكثر، ومنهم من قال: لا حد له وإنما المعتبر فيه العوائد
بين التجار، فما علم أنه من التغابن الذي يكثر وقوعه بينهم ويختلفون فيه فلا مقال فيه
للمغبون باتفاق، وما خرج عن المعتاد فالمغبون فيه بالخيار.
الخامس: مما اتفق فيه على القيام بالغبن ما باعه الانسان عن غيره في بيع أو شراء من
وكيل أو وصي إذا باع ما لا يتغابن به الناس أنه مردود. وكان أبو بكر الأبهري وأصحابه
يذهبون إلى أن ما لا يتغابن بمثله هو الثلث فأكثر من قيمة المبيع، وما كان دون ذلك لم يرد
404

فيه البيع إذا لم يقصد إليه ويمضي فيه اجتهاد الوصي والوكيل وأشباههما. ثم قال ابن عرفة:
وظاهر قول أبي عمران قدر الغبن في بيع الوصي والوكيل كقدره في بيع من باع ملك نفسه.
وكان بعض من لقيناه ينكر ذلك ويقول: غبن الوصي والوكيل ما نقص عن القيمة نقصا بينا
وإن لم يبلغ الثلث وهو صواب، لأنه مقتضى الرواية في المدونة وغيرها كقولها: إذا باع
الوكيل أو ابتاع بما لا يشبه من الثمن لم يلزمك.
السادس: إذا قلنا بالقيام بالغبن في مسألة بيع الوصي والوكيل وغيره، فهل للقائم نقض
البيع أو المطالبة. بتكميل الثمن؟ وكيف لو تصرف المبتاع في ذلك ببيع؟ سئل ابن رشد عن
يتيم باع عليه وصيه حصته من عقار بموجب بيعه لشريكه فكمل للشريك جميع العقار، ثم
باع الشريك نصف جميع العقار ثم رشد اليتيم فأثبت أن عقاره يوم بيعه يساوي أمثال ثمنه،
فأراد نقض بيعه بذلك في جميع ما بيع عليه والشفعة ممن باع منه شريكه. فأفتى بأن له
نقض البيع فيما هو قائم بيد المبتاع من الوصي وهو نصف حصته لا فيما باعه المبتاع من
ذلك فإنه يمضي، وله فيه فضل قيمته على ثمنه يوم بيعه لفوته بالبيع لأنه بيع جائز فيه غبن
على من بيع عليه يرد ما دام قائما على اختلاف فيه، فقد قيل للمبتاع أن يوفي تمام القيمة
ولا يرد البيع وإن لم يفت، وقيل يمضي له بقدر الثمن من قيمته يوم البيع، وهذه الأقوال
قائمة من العتبية لابن القاسم وسحنون في سماعه من أبي زيد، ولها في المدونة نظائر.
والنصف المردود على اليتيم حصته إنما ترجع إليه بملك مستأنف لا على الملك الأول،
فلا شفعة له على المبتاع الثاني، لا في بقية حصته ولا فيما ابتاعه من شركاء اليتيم، ولا له
على اليتيم شفعة في الحصة المردودة إذ ليس ببيع محض لأن البيع المحض ما تواطأ عليه
المتبايعان، والمأخوذ منه الحصة هنا مغلوب على إخراجها من يده فهو بيع في حق اليتيم "
لاخذه له باختياره، ونقض بيع في حق المشتري الأول لأنه مغلوب على ذلك. والقول بأن
بيع الغبن يفيته البيع واضح، لأنه إذا فات البيع الفاسد وقد قيل إنه ليس ببيع فأحرى بيع
الغبن لأنه لا ينتقض إلا باختيار أحدهما، والبيع الفاسد ينتقض جبرا، وهذه مثل مسألة المدونة
في بيع المرابحة فيمن أخطأ فباع سلعة مرابحة بأقل من ثمنها فقام على المبتاع قال فيها: له
الرجوع في سلعته إن لم تفت، ويفيتها ما يفيت البيع الفاسد، ولا فرق في الغبن عن الأيتام
فيما باعه الوصي وبين الغبن على أحد فيما باعه لنفسه فيما يوجبه الحكم في ذلك على
القول بوجوب الرجوع بالغبن. انتهى مختصرا باختصار ابن عرفة وإن خالف في بعض الألفاظ.
وتحصل من هذا أن الراجح من الأقوال أن للقائم بالغبن نقض البيع في قيام السلعة، وأما في
فواتها فلا نقض، وأن القيام بالغبن يفوت بالبيع والله أعلم.
السابع: في الصحيح أنه (ص) قال للرجل الذي يخدع في البيوع إن بايعت فقل لا
خلاية فكان إذا بايع يقول لا خيابة بالياء موضع اللام، وسيأتي الكلام عليه في التنبيه الذي
405

بعده. زاد بعض رواة الحديث في غير الصحيح وأنت في كل سلعة ابتعتها على خيار ثلاث
ليال وقد تجاذب الحديث من قال بالقيام بالغبن ومن لم يقل به، فقال البغداديون: قد جعل
الخيار للمغبون. وقال غيرهم: لم يجعل له الخيار إلا بشرط ولا حجة لعدم القيام بالغبن.
الثامن: قال الآبي: وانظر لو قلت هذه الكلمة اليوم في العقد ثم ظهر العيب فقال
أحمد بن حنبل: يوجب القيام بالغبن. وقال الأكثرون: لا يوجب قولها قياما بالغبن. ثم اختلفوا
فقيل: لأنها خاصة بالرجل. وقيل: لأنه أمره أن يشترط ويصدر الشرط بهذه الكلمة حضا على
النصيحة فإنه روي أنه قال له: قل لا خلابة واشتراط الخيار ثلاثة أيام. وقيل: أمره بذلك ليعلم
من يبيع منه أنه لا بصيرة له فينظر له كما ينظر لنفسه انتهى. والخلابة بكسر المعجمة
وتخفيف اللام والباء الموحدة الخديعة. وقوله في الحديث: فكان إذا بايع قال: لا خيابة
بالياء التحتية لأنه كان ألثغ يخرج اللام من مخرج الياء. ورواه بعضهم بالنون وهو تصحيف،
وفي بعض روايات مسلم لا خذابة بالذال المعجمة. قال القاضي عياض: والصواب الأول.
وهذا الرجل اسمه حبان: بالحاء والباء الموحدة والد يحيى وواسع بن حبان، كان قد بلغ
مائة وثلاثين سنة، شج في بعض المغازي معه (ص) فأصابته مأمومة تغير منها لسانه وعقله والله
أعلم. ص: (ورد في عهدة الثلاث بكل حادث إلا أن يبيع ببراءة) ش: قال في
المقدمات: وما بيع من الرقيق بغير براء فمات في الثلاثة أو أصابه مرض أو عيب أو ما يعلم
أنه داء فهو من البائع وللمبتاع رده ولا شئ عليه، وكذلك إن مات أو غرق أو سقط من
حائط أو خنق نفسه كان من البائع في الثلاث، ولو جرح أو قطع له عضو كان ما نقصه للبائع
ثم يخير المبتاع في قبوله معيبا بجميع الثمن أو رده. قال ابن يونس: وأما إن باعه بالبراءة
فمات في الثلاث أو أصابه عيب فهو من المبتاع ولا شئ على البائع. ومن العتبية قال ابن
القاسم: ما حدث في العبد في الثلاث من زنا أو سرقة أو شرب خمر. ابن المواز: أو إباق
406

فللمبتاع رده بذلك، وكذلك إن أصابه حمى أو عمش أو بياض بعينه وما ذهب قبل الثلاث
فلا رد له به. قال: أما الحمى فلا يعلم ذهابها وليتأن بها، فإن عاودته بالقرب رده وإن بعد
الثلاث لا أزيد وذلك فيها انتهى. ونص في المدونة قبل الكلام المتقدم على أنه إذا أصابت
العبد حمى في الثلاث أو بياض في الثلاث أنه لا يرد بعد ذلك.
فرع: قال ابن عرفة في سماع يحيى من ابن القاسم: لا يرد العبد بذهاب ما له في
الثلاث. قال ابن رشد: لأنه لاحظ له في ماله، ولو تلف في العهدة وبقي ماله انتقض بيعه
وليس لمبتاعه حبس ماله بثمنه انتهى. وظاهر كلام ابن عبد السلام أن هذا الفرع في المدونة
فانظره ص: (ودخلت في الاستبراء) ش: يعني أنه إذا اجتمع عهدة لثلاث والاستبراء
والمراد به المواضعة فإن عهدة الثلاثة تدخل في الاستبراء. قال ابن رشد: هذا إذا أقامت في
الاستبراء ثلاث ليال أو أزيد، وأما إن كان للاستبراء أقل من ثلاث فلا بد من تمام عهدة
الثلاث ولا تدخل عهدة الثلاث في المواضعة في السنة إنما تكون عهدة السنة بعد مضي
الثلاث والاستبراء. قاله في سماع أشهب. وحصل ابن رشد في سماع اغتسل من سماع ابن
القاسم من كتاب العتق في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يدخل شئ من ذلك فيبدأ
بالاستبراء ثم بالثلاث ثم بالسنة وهو قول المشايخ. والثاني أنهن يتداخلن فيكون ابتداء
الاستبراء وعهدة الثلاث وعهدة السنة في يوم عقد البيع وهو قول مالك في الواضحة. وقال
ابن الماجشون: والثالث الاستبراء وعهدة الثلاث يتداخلان فيكونان من يوم البيع وعهدة السنة
بعد تمامها، وهو قول مالك في رسم الأقضية من سماع أشهب. ودليل قوله في هذه الرواية
قال: والفرق بين عهدة الثلاث وعهدة السنة أن عهدة الثلاث والاستبراء يتفقان في الضمان
من كل شئ بخلاف عهدة السنة.
فرع: وعهدة الثلاث والسنة في بيع الخيار بعد انبرامه. قاله في سماع ابن القاسم ونقله
ابن عرفة.
فرع: ولا يحسب اليوم الذي عقد فيه لبيع على المشهور. نقله المصنف وابن عرفة
وصاحب الشامل وغيرهم. ص: (والنفقة والأرش كالموهوب له إلا المستثنى ماله) ش:
407

هذا هو الموجود في كثير من النسخ كما ذكر ابن غازي، ويمكن أن يكون خبر النفقة
حذف للعلم به. والاستثناء راجع لما وهب له فقط كما قال ابن غازي: وقول البساطي ظاهر
كلامه أن الاستثناء للجميع ولا يبعد من الروايات خلافه فالصواب ما ذكره ابن غازي والله
أعلم. واكتفى المصنف بالنفقة عن الكسوة لدخولها فيها كما تقدم في النفقات. وقوله
والأرش يعني إذا جنى على العبد في أيام العهدة فأرش الجناية للبائع، وقد تقدم ذلك في
لفظ المدونة، وأن للمشتري حينئذ الخيار في قبوله معيبا بجميع الثمن أو رده. قال في
التوضيح: ورأي ابن أبي زمنين أن البيع يفسخ هنا لأن الحكم للأرش موقوف على البرء لا
يعلم أمره فلا يتأتى للمشتري انتفاع بالعبد من أجل وقفه للجناية قال: إلا أن يسقط البائع عن
الجاني القيام بالجناية فيجوز البيع حينئذ لزوال الوقف إلا أن تكون الجناية مهلكة فلا يجوز
البيع لأنه بيع مريض بخلاف موته. ورد ابن عرفة كلام ابن أبي زمنين بأن المشتري إنما
يأخذه بالعقد السابق وقد كان بتا والخيار طارئ فهو كخيار العيب فتأمله. وحكى في
الشامل كلام ابن أبي زمنين بقيل. وقوله كالموهوب أي ما وهب للعبد في عهدة الثلاث
وتصدق به عليه، يريد أو نما ماله بربح فإنه لبائعه إلا أن يكون المشتري استثنى ماله فإن ذلك
للمشتري. هكذا قال في سماع عيسى. قال ابن رشد: القياس للبائع يعني ولو اشترط
المشتري قال: وما قاله ابن القاسم استحسان اه‍. والذي في المدون أن ذلك للبائع لكن قيده
الشيوخ بما في سماع عيسى.
فرع: لم يتكلم المصنف على غلة العبد في أيام العهدة. وقال ابن الحاجب: إن الغلة
للمشتري على المشهور. قال في التوضيح: وهو قريب من كلام الجواهر وفي نقلهما نظر،
لأن في العتبية في الثلاث أو أوصى له به ولم يستثن المشتري ماله فهو للبائع. ثم ذكر عن
المازري أن القاضي أبا محمد أشار إلى ارتفاع الخلاف في الغلة وأنها للمشتري قال: ولو
كان المنصوص من هنا أ ن ذلك للبائع اه‍. وقال ابن عرفة في الغلة: لا أعرف فيها نصا
ويجري على نماء ماله بالعطية للبائع. ولابن شاس: الغلة لمبتاعه. ورأي بعض المتأخرين أنها
للبائع لأن الخراج بالضمان اه‍. وقال في الشامل: وفي الغلة خلاف والله أعلم ص: (وفي
408

عهدة السنة بجذام وبرص وجنون) ش: قال في المدونة: ولو جن في رأس شهر واحد من
السنة ثم لم يعاوده لرد لأنه لا يعرف ذهابه، ولو جن عنده في السنة ثم انقطع لم يجز بيعه
حتى يبين إذ لا يؤمن عودته، ولو أصابه في السنة جذام أو برص ثم برئ قبل علم المبتاع به
لم يرد إلا أن يخاف عودته أهل المعرفة فيكون كالجنون، وليس له رده من الجرب والحمرة
وإن انسلخ وورم، ولا من البهق في السنة، ولو أصابه صمم أو خرس لم يرد إذا كان معه
عقله.
فرع: قال ابن عرفة: ولو ظهر في السنة ما شك أهل المعرفة في كونه جذاما كخفة
الحاجبين ورفع المبتاع أمره للقاضي ففي الرد به قولان: لسماع يحيى من ابن القاسم مع ابن
رشد عن محمد وابن حبيب، ونقله ابن وهب وأشهب وأصبغ ومحمد مع ابن حبيب عن ابن
القاسم وابن كنانة، وصوبه ابن رشد والباجي عن ابن وهب وأشهب ولابن الماجشون وأصبغ:
يريد مما يقضي بعد السنة إذا شك فيه قبل انقضائها. وقال محمد: إذا مسه في السنة وعلم
أنه لا يظهر إلا بعدها رد به. وفي سماع يحيى في البرص كالجذام اه‍. والمسألة في رسم
الكيس والأقضية من سماع يحيى من كتاب الرد بالعيوب، وانظر كلام ابن رشد عليها وكلام
الباجي في المنتقى والله أعلم ص: (وإن اشترطا أو اعتيد) ش: يريد أو أمر بهما الحاكم
وحمل الناس عليهما، ولعل المصنف اكتفى عن ذلك بما اعتيدا.
تنبيه: لا بد في اشتراطها من التصريح بهما ولا يكفي قوله اشترى على عهدة الاسلام،
فإن المراد بذلك إنما هو ضمان في العيب والاستحقاق. وقال في النوادر: وقال ابن القاسم:
وإذا كتب الشراء في غير بلد العهدة وله عهدة المسلمين لم ينفعه ذلك إذا لم يجبر فيهم اه‍.
ونقله ابن يونس أيضا ص: (وللمشتري إسقاطهما) ش: انظر إذا شرط البائع إسقاطهما حكى
409

في التوضيح هنا عن ابن راشد أن ذلك له، وحكى بعد هذا في الكلام على ثياب مهنة العبد
لا يوفي له بالشرط وعليه اقتصر في المختصر هنا فقال: وهل يوفي بعدمها؟ وقد بسطت
القول في ذلك في تحرير الكلام على مسائل الالتزام ص: (لا في منكح به أو مخالع إلى
آخره) ش: ذكر في نوازل سحنون من كتاب العيوب غالب هذه النظائر، أما المنكح به
فمذهب ابن القاسم أنه لا عهدة فيه لأن طريقه المكارمة، ويجوز فيه من الغرر والمجهول
ما لا يجوز في البيوع وقد سماه الله نحلة والنحلة ما لم يتعوض عليه. وقال أشهب: فيه
العهدة قياسا على البيع. قال مالك: أشبه شئ بالبيوع النكاح، وأما المخالع به فلم يذكر ابن
رشد فيه خلافا بل قال: وأما المخالع به فإنما لم يكن فيه عهدة لأن طريقه المناجزة، لأن المرأة
لما كانت تملك نفسها بالخلع ملكا تاما ناجزا لا يتعقبه رد ولا فسخ وجب أن يملك
410

الزوج العوض ملكا ناجزا. قال: وأما المصالح به من دم عمد ومثله المأخوذ من دين فإنما لم
تكن فيه عهدة لوجوب المناجزة في ذلك، أما العبد المسلم فيه فيذكر عن ابن حبيب أنه
يرى العهدة فيه لأنه مشترى بعينه وإنما هو ثابت في الذمة بصفة فأشبه العرض. ثم ذكر عن
ابن القطان أن العبد إذا كان رأس مال السلم وهو مراد المصنف بالمسلم فيه لأنه لا عهدة
فيه وهو صحيح، لأن السلم يقتضي المناجزة. قال: وهذا قائم من المدونة. قال: وأما العبد
المقرض فقال: لا اختلاف أنه لا عهدة فيه إذ ليس ببيع والعهدة إنما هي فيما اشترى من
الرقيق. قال: وأما العبد المشترى على صفة قائما لم تكن فيه عهدة لأن وجه البيع يقتضي
إسقاطها لاقتضائه التناجز إذا كان الناس يتبايعون الغائب على ما أدركت الصفقة حيا مجموعا
فهو من المبتاع، فإن اشترط الصفقة لم تكن فيه عهدة لأن بيع الصفقة بيع مؤخر قاطع
للضمان والعهدة ولم يشترط ذلك، فمرة حمل مالك البيع على ذلك، ومرة جعل السلعة في
ضمان البائع حتى يقبضها المبتاع فيكون قبضه لها على هذا القول قبضا ناجزا لا عهدة فيه
اه‍. ومعنى كلامه أن البائع إن شرط على المبتاع أن ضمان المبيع منه أدركته الصفقة فذلك
411

مقتض لاسقاط الضمان والعهدة إذا أدركته الصفقة، وإن لم يشترط ذلك إذا وصل للمشتري
قبضه كان ذلك مسقطا للضمان والعهدة. قال: وأما المقاطع به فإنما لم تكن فيه عهدة لأنه
إن كان عبدا بعينه فكأنه انتزعه منه وأعتقه، وإن كان بغير عينه فأشبه المسلم فيه الثابت في
الذمة فسقطت العهدة. قال: وحكى عن ابن حبيب في الواضحة أنه لا عهدة في العبد
الموهوب على ذلك، والوجه في ذلك أنه بيع على المكارمة لا على المكايسة وهو يشبه
العبد المنكح به فيدخل فيه من الاختلاف ما دخل في العبد المنكح به. قال: وقد اختلف
في العهدة في العبد المستقال منه فقال ابن حبيب وأصبغ: فيه العهدة. وقال سحنون: لا
عهدة فيه. وهذا عندي إذا لم ينتقد وأما إن كان انتقد فالعهدة في ذلك قولا واحدا لأنه
كالعبد المأخوذ من دين ص: (واستمر بمعياره ولو تولاه المشتري) ش: قال البرزلي:
وسئل ابن رشد عن المكيال إذا امتلأ، هل ضمانه من البائع أو من المبتاع؟ وكيف لو صبه
في القمع ثم أريق كله أو فضل بعضه في إناء المشتري هل فيه القولان؟ فأجاب: ضمانه من
البائع ما لم يحصل في إناء المشتري على القول بوجوب التوفية، ولا فرق بين إراقته من
المكيال أو القمع. فقال السائل: القمع من منافع المشتري تطوع له البائع به ولو كان الاناء
واسعا لم يحتج إلى قمع. فقال: وإن كان فإن البائع لما التزم صب القمع له لزمه ما حدث
بعده. فقال السائل: لو قال له البائع في الاناء الضيق: لا أصب حتى تأتي بإناء واسع أو قمع؟
قال: القول قوله. وتعقب غير السائل هذا الحكم الأخير وقال: الصواب إلزام القمع له عرف
الناس وعادتهم كما يلزمه إحضار المكيال فيما يكال إذا كان عرف الناس لأن المبتاع ترتب
412

له في ذمة البائع الكيل كما يفعل الناس وألزم المتعقب هذا القول. قال السائل: والأول أحب
إلي. والفرق أن الكيل يلزم المكيل لقوله تعالى * (فأوفوا الكيل) * والقمع
تفضل لا يلزمه إلا أن يلزم نفسه انتهى. وقال في مختصر فتاوى ابن رشد لابن عبد الرفيع
التونسي:
مسألة: لا يضمن المشتري الزيت حتى يصير في إنائه ولو صبه البائع في القمع على
القول بالتوفية. واختلف المتأخرون وإذا قال البائع: لا أصب إلا في إناء واسع لا يحتاج إلى
قمع، هل يكون له ذلك أو لا؟ انتهى.
فرع: قال سند في باب غسل الجنابة في مسألة وصول الماء لفرج المرأة من غير
جماع: مسألة من باع زيتا وأفرغه المبتاع على زيت عنده ثم وجد بعد ذلك في إناء المبتاع
فأرة ولم يتحقق من أي الزيتين هي، فإنا نحكم به من زيت المبتاع لأنه في وعائه انتهى.
ص: (وقبض العقار النخلية وغيره بالعرف) ش: أي وقبض غير العقار مما ليس فيه حق
توفية بالعرف، وأما ما فيه حق توفية فقد بين القبض فيه بماذا يكون.
تنبيهان: الأول: إنما نبه على القبض في العقار وغيره مما ليس فيه حق توفية وإن كان
413

الضمان فيه بالعقد الصحيح كما نبه عليه بقوله عقبه وضمن بالعقد لأنه قدم في آخر فصل
البيوع المنهي عنها في الكلام على البيع الفاسد أن الضمان فيه لا ينتقل إلا بالقبض، ولم
يبين هنالك القبض بما هو فيه فبينه هنا والله أعلم.
الثاني: التمكين من القبض هو معنى قول الموثقين أنزله فيه منزلته قال في مختصر
المتيطية: ويلزم البائع إنزال المبتاع في البيع فيقول: وأنزله فيه منزلته فإن تأخر إنزاله عن وقت
البيع أنزله بعد ذلك، ومعناه مكنه من قبضه وجوزه إياه انتهى. ص: (وإلا المواضعة
فبخروجها من الحيضة) ش: تبع رحمه الله في هذا الكلام ابن عبد السلام فإنه قال في قول
ابن الحاجب: وقيل لا ينتقل إلا بالقبض كالشئ الغائب والمواضعة ما نصه: ليس ذكر
المواضعة هنا بالبين لأن البيع فيها ينتهي إلى خروج الأمة من الحيضة لا إلى قبض المشتري
انتهى. زاد في التوضيح فقال: بل الذي نقل الباجي أن الضمان ينتهي لرؤية الدم. قال: لابن
القاسم في المدونة أجاز للمشتري الاستمتاع برؤية الدم انتهى. وجعل الشارح كلام الباجي
خلافا لما ذكره المصنف وجعل المعتمد ما قاله المصنف ونصه في الوسط في شرح قول
المصنف إلا المواضعة أي فلا يزال ضمان البائع حتى تخرج من الحيضة فحينئذ يضمنها
414

المبتاع. وقال الباجي: ينتهي الضمان في حق بائعها إلى رؤية الدم، ثم ذكر بقية كلامه
ونحوه في الكبير والصغير.
قلت: وظاهر كلام المصنف في التوضيح والشارح في شروحه أن الباجي إنما أخذ ذلك من كلام ابن القاسم، وأن المشهور خلافه وليس كذلك. وقد صرح في المدونة في
كتاب الاستبراء بأنها تخرج من ضمان البائع برؤية الدم ونصها: وأكره ترك المواضعة وائتمان
المبتاع على الاستبراء، فإن فعلا أجزأه إن قبضها على الأمانة وهي من البائع حتى تدخل في
أول دمها انتهى. ونقل الباجي ذلك على أنه المذهب ونصه: إذا ثبت أن الاستبراء والمواضعة
يقع بانقضاء المواضعة وذلك بظهور الحيض فإن بأول الدم قد خرجت من ضمان البائع
وسقطت سائر أحكام المواضعة وتقرر ملك المشتري عليها. وهل يحل له الاستمتاع بها أو
لا؟ قال ابن القاسم: ذلك له بأول ما تدخل في الدم. ويجئ على قول أشهب أنه يستحب له
أن يؤخر حتى يعلم أن ما رأته من الدم حيضة انتهى. وقال ابن يونس: قال بعض فقهائنا
القرويين: وبأول دخولها في الدم صارت إلى ضمان المشتري عند ابن القاسم وحل له أن
يقبل ويتلذذ، وخالف ابن وهب وقال: حتى تستمر الحيضة لامكان انقطاع الدم فلا تدخل
في ضمان المشتري إلا بعد استحقاق الدم واستمراره. انتهى فتأمله فإنه لم يحك قولا
باستمرار الضمان إلى خروجها من الحيضة والله أعلم.
فرع: وتكون النفقة على البائع في مدة المواضعة كما قاله في الرسالة. ومفهوم قوله
المواضعة أن ضمانها إذا لم يكن مواضعة على المشتري ولو كانت في أيام الاستبراء وهو
كذلك. قاله الجزولي في الكبير عند قوله في باب العدة: واستبراء الأمة في انتقال الملك
حيضة ونصه في أثناء تعليل مسألة وفي استبراء ضمانها من المشتري انتهى ص: (وبدء
المشتري للتنازع) ش: هذا في غير الصرف، وأما في الصرف فلا يجبر واحد منهما. قال
صاحب الطراز: المعقود عليه ثمن ومثمن. فالثمن الدنانير والدراهم وما عداها مثمنات، فإذا
415

وقع العقد في شئ من المثمنات بشئ من الأثمان فقال ابن القاسم: يلزم المبتاع تسليم
الثمن أولا انتهى. وقال قبله: إنه إذا وقع العقد على دنانير بدنانير أو على دراهم بدراهم وقال
كل واحد لا أدفع حتى أقبض، لم يتعين على واحد منهما وجوب التسليم. وقيل له: إن
تراخى قبضكما فسخ الصرف. وإن كان بحضرة حاكم ففي الدنانير والدراهم بالدراهم يوكل
القاضي من يحفظ علاقة الميزان، ويأمر كل واحد أن يأخذ عين صاحبه، وفي الدراهم
بالدنانير يوكل عدلا يقبض منهما ويسلم لهما فيقبض من هذا في وقت قبض هذا، وإن وقع
العقد على شئ من المثمنات كعرض بعرض وتشاحا في الاقباض، فعلى ما تقدم في الذهب
والورق إلا أن العقد لا ينفسخ بتراخي القبض عنه ولا بافتراقهما من مجلسه. انتهى ملخصا.
وتقدم كلامه المذكور بأبسط من هذا في أول البيوع في التنبيه الرابع من شرح قول
المصنف ومؤخر ولو قريبا. وذكر في التوضيح عن المازري أنه قال: لا أعلم في هذه
المسألة نصا لمالك ولا للمتقدمين، ثم ذكر كلام ابن القصار ثم ذكر كلام الزواوي أنه قال
في المدونة ما هو نص أو كالنص على تبدئة المشتري. ففي كتاب العيوب: ومن اشترى عبدا
فللبائع أن يمنعه من قبضه حتى يدفع إليه الثمن انتهى. وبحث في ذلك ابن عرفة فقال: كان
يجري لنا في البحث دفع دلالة لفظها على تبدئة المبتاع أنها تدل على عدم تبدئة البائع
وعدم المقابضة والاقراع والتسليم لعدل وذلك أعم من تبدية المبتاع، أو القول لهما إما أن
يتطوع أحدكما أو كونا على ما أنتما عليه انتهى. ونحوه للبساطي.
قلت: لفظها المتقدم نص في المسألة إذا ضم لقاعدة مقررة وهي أن مقتضى العقد
المناجزة في الثمن والمثمون، والتأخير فيهما أو في أحدهما لا يكون إلا بشرط أو عادة كما
نقل ذلك في التوضيح عن المتأخرين في الكلام على بيع الثمار قبل بدو صلاحها فإذا طلبا
416

المناجزة أو أحدهما وقلنا: إن مقتضى عقد البيع الحكم بها في الثمن والمثمون، كان لفظها
نصا في تبدئة المبتاع فتأمله منصفا والله أعلم. انظر كلام ابن رشد في رسم الأقضية من
سماع أشهب من جامع البيوع وهذا الرسم غير رسم الأقضية الثاني.
تنبيه: علم من كلام صاحب الطراز أنه إذا كان أحد العوضين دنانير أو دراهم والعوض
الثاني شيئا من المثمنات عرض أو نحوه، أن الثمن هو الدنانير أو الدراهم وما عداها مثمنات.
وقال المازري لما تكلم على اختلاف المتبايعين في الثمن والمثمون بعد أن ذكر أحكام
اختلافهما في الثمن: وإذا تقررت أحكام الاختلاف في الثمن فإن الاختلاف في المثمون جار
عليه إذ لا فرق ها هنا بين ثمن ومثمون بل كل واحد منهما ثمن لصاحبه ومثمون، لكن
جرى العرف بتسمية الدنانير والدراهم أثمانا والعروض والمكيلات والموزونات مثمونات اه‍.
والله أعلم.
فرع: قال في المسائل الملقوطة: قال في المفيد: وسئل عن الرجل يبيع من الرجل
الدابة أو الثوب فزعم المشتري أن لا ينقد الثمن حتى يحكم له في العيب بما يحكم، وقال
البائع: لا أحاكمك فيه حتى أقتضي الثمن، فقال ابن مزين: أما إذا كان من العيوب التي
يقضي فيها من ساعته فإنه لا ينقده حتى يحكم بينهما، وإن كان أمد يتطاول فيه الأيام فإنه
يقضى للبائع بأخذ ثمنه ثم يبتدئ المشتري معه الخصومة بعد إن شاء. قال عبد الحق: وبه
قال شيوخ القيروان. قال ابن مغيث: وبه مضت الفتيا عند شيوخ قرطبة وغيرها من
الأندلسيين، وقد رأيت مطرفا يفتي به غير مرة وحكاه عن خلف بن مسلمة بن عبد الغفور
عن أهل المذهب في كتابه المسمى بالاستغناء اه‍.
فرع: قال في النوادر في ترجمة اختلافهما فيما يرد بعيب: وإذا اختلف أهل البصر في
الدنانير أو الدراهم، فقال بعضهم جياد وبعضهم رديئة فلا يعطى إلا ما يجتمع عليه وما لا
يشك فيه وتصير معيبة باختلافهم فيها، فليس له أن يعطيه معيبا اه‍. وسيأتي في باب السلم
عند قول المصنف وإلا فسد ما يقابله لا الجميع على الأحسن اه‍ ص: (واستحق شائع
وإن قل) ش: هذا إذا كان لا ينقسم بغير ضرر، وأما ما ينقسم بغير ضرر فلا، صرح بذلك في
رسم العتق الثاني من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق ونقله ابن عرفة هنا. وقال ابن رشد
417

في رسم يوصي: هذه مسألة حسنة بين فيها أن استحقاق اليسير من الاجزاء فيما ينقسم
كاستحقاق اليسير من المعدود، ليس للمشتري إلا الرجوع بقيمة ما استحق بخلاف
استحقاق اليسير من الاجزاء فيما لا ينقسم هذا يكون للمشتري رد الجميع لضرر الشركة
فهي مفسدة لجميع الروايات واليسير النصف فأقل اه‍. وقال في رسم العتق: وهذا كما قال
إن استحقاق العشر من الدار قد يضر ببقية الدار وقد لا يضر. فإن كانت لا تنقسم أعشارا فلا
شك أن ذلك ضرر له رد جميعها، وإن انقسمت فمتى يحصل للمستحق من المدخل والدار
والساحة مشتركان، فإن كانت دارا جامعة كالفنادق التي تكرى ويسكنها الجماعة فليس ذلك
بضرر فيرجع بقدره من الثمن ولا يرد الجميع، وإن كانت دارا للسكنى فذلك ضرر. وأما إن
كانت تنقسم بغير ضرر ولا نقصان من الثمن ويصير لكل نصيب حظه من الساحة وباب على
حدة، فليس ذلك بضرر إلا أن يكون المستحق الثلث فأكثر، والدار الواحدة في هذا بخلاف
الدور، لأنه إذا اشترى الدور فاستحق بعضها لا يرد جميعها إلا أن يكون الذي استحق منها
أكثر من النصف، هذا هو الذي يأتي في هذه المسألة على مذهب مالك لأنه قد نص في
المدونة في القسمة منها أن استحقاق ثلث الدار الواحدة كثير اه‍. ص: (إلا المثلي) ش:
418

فإنه يجوز للمشتري التمسك بالأقل وإن استحق الأكثر، وله فسخ العقد عن نفسه. والفرق
بين المثلي والمقوم أن ما ينوب المثلي من الثمن معلوم بخلاف المقوم، وقول الشارح في
شروحه الثلاثة. قوله: إلا المثلي أي فإنه يلزم المشتري باقيه بحصته من الثمن سهو لأنه إذا
استحق الأكثر لم يلزم المشتري باقيه وإنما له الخيار. قال في المدونة: وصرح بذلك ابن
الحاجب وغيره بل قال في التوضيح: اعترض ابن عبد السلام على ابن الحاجب بأن كلامه
يقتضي أن لا خيار له في المثلي باستحقاق النصف وليس كذلك، بل ابن القاسم يخيره
بالثلث فأكثر. وفي ابن يونس يخير بالربع اه‍.
تنبيه: كلام المصنف يقتضي أن استحقاق جل المثلي كوجود العيب بجله وليس
كذلك، فإن استحقاق جله يوجب للمشتري الخيار في التمسك بالباقي أو رده، ووجود
العيب بجله يوجب له الخيار في الرضا بالجميع أو رد الجميع، وليس له التمسك بالسالم
419

ورد المعيب إلا برضا البائع كما سيأتي في قول المصنف: وليس للمشتري التزامه بحصته
مطلقا. وقال في كتاب القسمة من المدونة: ومن اشترى مائة أردب قمحا فاستحق منها
خمسون، خير المبتاع بين أخذ ما بقي بحصته من الثمن أو رده. وإن أصاب بخمسين أردبا
منها عيبا أو بثلث الطعام أو بربعه فإنما له أخذ الجميع أو رده وليس له رد المعيب وأخذ
الجيد خاصة اه‍. وصرح بذلك في أول كتاب التدليس بالعيوب من المدونة. ص: (وإتلاف
البائع والأجنبي يوجب الغرم) ش: قال في كتاب الاستحقاق من المدونة: ومن ابتاع من
رجل طعاما بعينه ففارقه قبل أن يكتاله فتعدى البائع على الطعام فباعه، فعليه أن يأتي بطعام
420

مثله، ولا خيار للمبتاع في أخذ دنانير. ولو هلك الطعام بأمر من الله انتقض البيع، وليس
للبائع أن يأتي بطعام مثله ولا ذلك عليه اه‍. وانظر كلام ابن عرفة وما نقله من سماع
عيسى.
مسألة: قال في المسائل الملقوطة: وفي فتاوى القاضي بن زرب: وقد سئل عن رجل
ابتاع قمحا وشعيرا أو رأى الطعام وساومه عليه ودفع إليه عربانه ثم بقي الطعام عند بائعه ولم
يحزه المشتري ولا كاله، فلما كان إلى أيام ارتفع السعر وغلا فجاء المبتاع يطلب الطعام
فأبى البائع أن يدفع إليه الطعام قال: يلزمه البيع فيما عقد معه، قليلا كان أو كثيرا، فإن كان
قد استهلكه فعليه أن يأتي بمثله اه‍. وفي القباب شرح مسائل ابن جماعة نحو كلام ابن
زرب فراجعه، والمسألة في أوائل السلم الثاني من المدونة، وفي نوازل سحنون من جامع
البيوع، وفي البرزلي في مسائل البيوع وفي السلم الثالث. وقال في المسائل الملقوطة أيضا
قبل المسألة المذكورة: مسألة من عليه طعام فأبى الطالب من قبضه وبراءة ذمته ومكنه
المطلوب مرارا فأتى من جنى على الطعام قال مالك: ليس له المكيلة وإنما له قيمة يوم عجز
421

عن أخذه، ولم يختلف في هذا من الاحكام بمسائل الاحكام اه‍. ص: (وجاز البيع قبل
القبض إلا مطلق كطعام المعاوضة) ش: يعنق أن من ملك شيئا بوجه من الوجوه فإنه يجوز
له أن يبيعه قبل أن يقبضه إلا الطعام أي سواء كان ربويا أو غير ربوي المأخوذ بمعاوضة.
وإنما قررناه بذلك ليسلم مما أورده على ابن الحاجب. وانظر التوضيح أو في كلام ابن عرفة
إشارة إلى ذلك. وقال في السلم الثالث من المدونة: وما ابتعت من الطعام بعينه أو بغير عينه
كيلا أو وزنا فلا تواعد فيه أحدا قبل قبضه، ولا تبع طعاما تنوي أن تقضيه من هذا الطعام
الذي اشتريت اه‍. وقال القرافي في الفرق الثاني والتسعين والمائة: قال صاحب الجواهر: لا
يفت شئ من التصرفات قبل القبض ولا البيع فيمنع بيع الطعام قبل قبضه اه‍.
422

تنبيه: قبل الوكيل كقبضه فيجوز له البيع به. قال في رسم بع ولا نقصان عليك من
سماع عيسى من كتاب السلم والآجال في أول رسم من سماع أشهب من البضائع
423

والوكالات ما ظاهره خلاف ذلك، وتكلم على ذلك ابن رشد وتقدم كلامه وكلام السماع
في آخر فصل جاز لمطلوب منه سلعة والله أعلم ص: (وإقالة من الجميع) ش: كلامه رحمه
الله تعالى في الطعام فقال: إنه يجوز الإقالة في الطعام من جميعه قبل قبضه. واحترز بذلك من
الإقالة من بعض الطعام قبل قبضه فإنه لا يجوز، ونحوه في مسائل ابن جماعة. قال القباب
في باب بيع الطعام قبل قبضه: الشرط الثاني أن تكون الإقالة على جميع الطعام، ولا يختص
هذا الشرط بالطعام بل بجميع الأشياء إذا أسلم فيها اه‍. ويشير إلى قوله في كتاب السلم
الثالث من المدونة: ومن أسلم إلى رجل دراهم في طعام أو عرض أو في جميع الأشياء فأقاله
بعد الاجل أو قبله من بعض وأخذ بعضا لم يجز، ودخله فضة نقدا بفضة وعرض إلى أجل
وبيع وسلف مع ما في الطعام من بيعه قبل قبضه اه‍. لكن إنما تمتنع الإقالة من بعض الطعام
إذا كان رأس المال مما لا يعرف بعينه وكانت الإقالة بعد التفرق والغيبة على رأس المال،
وأما قبل ذلك فيجوز. قال في المدونة في أواخر السلم الثاني في ترجمة الرجل يسلف في
ثوب إلى أجل ما نصه: وإذا كان رأس المال عينا أو طعاما أو ما لا يعرف بعينه فقبضه البائع
وغاب عليه، فلا يجوز أن يأخذ بعد الاجل وقبله نصف رأس المال ونصف سلمك لأنه بيع
وسلف ما ارتجعت من الثمن فهو سلف وما أمضيت فهو بيع، وإن لم تفترقا جاز أن تقبله من
بعض وتترك بقية السلم إلى أجل اه‍. قال ابن يونس: وكان البيع إنما وقع على ما بقي. ثم
قال في المدونة: فأما بعد التفرق فلا تأخذ منه إلا ما أسلمت فيه أو رأس ما علك. ثم قال
فيها: وإن كان رأس المال عروضا تعرف بعينها أسلمنها في خلافها من عروض أو حيوان أو
طعام فأقلته من نصف ما أسلمت فيه على ما تأخذ نصف رأس مالك بعينه بعد أن تفرقتما أو
424

قبل جاز ذلك، حل الاجل أو لا اه‍. وقال الرجراجي في المسألة الثانية من كتاب السلم
الثالث من المدونة: إذا أقاله من بعض ما عليه من الطعام، فإن كان ذلك قبل الغيبة على رأس
المال فلا إشكال في الجواز، وإن كان بعد الغيبة، فإن كان مما يعرف بعد الغيبة جاز ذلك
أيضا، وإن كان مما لا يعرف إلا بعد الغيبة عليه فلا تجوز الإقالة لأن ذلك بيع وسلف اه‍.
وفي كتاب بيوع الآجال من المدونة: وإن بعت منه عبدين أو ثوبين بثمن إلى أجل جاز أن
تقبله من أحدهما وإن غاب عليهما ما لم يتعجل ثمن الآخر قبل أجله أو تؤخره إلى أبعد من
أجله، وإن كان طعاما لم يجز أن تقبله من بعضه إذا غاب عليه حل الاجل أو لا، فإن لم
يغب عليه أو غاب بحضرة بينة جاز ذلك ما لم ينقدك إلا ثمن باقيه أو يعجله لك قبل محله
فيصير قد عجل لك دينارا على أن ابتعت منه بيعا ويدخله طعام وذهب نقدا بذهب مؤجل اه‍.
فرع: نقل القباب قبل كلامه المتقدم أن الإقالة من بعض الطعام بعد قبضه جائزة
وهو ظاهر، وإذا جازت في الطعام فغيره أحرى والله أعلم.
فرع: يشترط في الإقالة من الطعام قبل قبضه أن لا يقارنها بيع كما ذكره ابن غازي
عن ابن يونس في قول المصنف في باب العرايا: ولا يجوز أخذ زائد عليه معه على
الأصح.
تنبيه: شرط الإقالة من الطعام قبل قبضه والتولية فيه والشركة تعجيل الثمن كما في
المدونة، وهذا يفهم من قول المصنف بعد هذا: والأضيق صرف الخ.
فرع: قال البرزلي في أوائل مسائل العارية لما ذكر الخلاف في حمل العارية ما نصه
عن أبي حفص العطار: إذا باع سلعة لها أجل فحملها ثم تقايلا، فإن سأل البائع الإقالة
425

فالحمل عليه، وإن كان المشتري هو السائل في الإقالة فعلى المشتري حملها حتى يردها
إلى الموضع الذي حملها منه. قال البرزلي: وعليه تجري مسألة تقع اليوم وهو ما إذا أقاله في
أصل باعه إياه وقد كان دفع أجرة السمسار، فمن طلب الإقالة فالأجرة عليه، وأما البيع الفاسد
فحملها أولا وآخرا على المشتري، وسواء دلس البائع أم لا؟، ثم ذكر كلاما فيه تصحيف يدل
على الحمل في الرد بالعيب على المشتري فراجعه والله أعلم ص: (ومثل مثليك إلا العين)
ش: هذا في السلم، وأما في البيع فتجوز الإقالة على مثل المثلي. قاله في أواخر السلم
الثاني من المدونة ونصه: وكل ابتعته ما يوزن أو يكال من طعام أو عرض فقبضته فأتلفته
فجائز أن تقيله منه وترد مثله بعد علم البائع بهلاكه، وبعد أن يكون المثل حاضرا عندك
وتدفعه إليه بموضع قبضه منه وإن حالت الأسواق اه‍ ص: (والإقالة بيع إلا في الطعام
والشفعة والمرابحة) ش: اختلف في الإقالة هل هي حل يصح أو بيع مبتدأ؟ والمشهور ما
ذكره المصنف أن الإقالة بيع من البيوع إلا في الطعام فليست ببيع وإنما هي حل للبيع
426

السابق، ولذلك جازت الإقالة منه قبل قبضه وإلا في الشفعة أيضا، وذلك إن من باع حصة
من عقار مشترك فللشريك الاخذ بالشفعة ولو تعدد البيع مرة بعد أخرى، وله الخيار في الاخذ
بأي بيع شاء وعهدة الشفيع على المشتري الذي يأخذ منه، فلو أقال المشتري البائع أعني
مالك الصحة أولا، فإن ذلك لا يسقط الشفعة. واختلف قول مالك في العهدة، فمذهب
المدونة أنه لا خيار للشفيع وإنما عهدته على المشتري وبه أخذ محمد وابن حبيب. وقال
مرة: يخير فإن شاء جعلها على المشتري أو البائع. أشهب: وسواء كان المستقيل هو
المشتري أو البائع. واستشكل مذهب المدونة بأن الإقالة إما حل بيع فيلزم منه بطلان الشفعة،
أو ابتداء بيع فيخير الشفيع كما لو تعدد البيع من غير البائع فلا وجه للحصر في المشتري.
وأجيب باختيار الأول وإنما ثبتت الشفعة وكانت العهدة على المشتري لأنهما يتهمان في
قطع شفعة الشفيع. قاله في باب الشفعة من التوضيح. قلت: فيكون معنى ما اختير أن الإقالة
في الشفعة أنها ملغاة ولا يلتفت إليها، ولا يحكم عليها بأنها حل بيع ولا ابتداء بيع والله
أعلم. وقوله: وإلا في المرابحة ليست ببيع وذلك أنهم قالوا فيمن أراد أن يبيع السلعة
مرابحة وكان قد باعها قبل ذلك ثم استقاله المشتري منها يجب عليه أن يبين ذلك بخلاف
لو باعها ثم ملكها باشتراء فإنه لا يجب عليه بيانه، وكذا لو كانت الإقالة بزيادة في الثمن أو
نقص والله أعلم.
تنبيه: وقع في كلام بعضهم أن الإقالة لا تكون إلا بلفظ الإقالة، ومرادهم والله أعلم
فيما إذا وقعت في الطعام قبل قبضه، وأما في غيره فهي بيع من البيوع ينعقد بما يدل على
الرضا، فيظهر ذلك بجلب كلام المدونة وكلام الشيوخ عليها. قال في السلم الثالث من
427

المدونة في ترجمة الشركة والتولية: وإن أسلمت إلى رجل في طعام ثم سألك أن
توليه ذلك ففعلت جاز ذلك إذا نقدك وتكون إقالة، وإنما التولية لغير البائع. قال
أبو الحسن: قال عياض: فأجاز الإقالة بغير لفظها وهم لا يجيزونها بلفظ البيع. ابن
محرز: لأن لفظ التولية لفظ رخصة ولفظ الإقالة مثله، فعبر بأحدهما عن الآخر بخلاف
البيع اه‍. وقال في المدونة بعد ذلك: وإن أعطاك بعد الاجل عينا أو عرضا فقال لك: اشتر
به طعاما وكله ثم اقبض حقك منه، لم يجز لأنه بيع الطعام قبل قبضه إلا أن يكون رأس
المال ذهبا أو ورقا فيعطيك مثله صفة ووزنا فيجوز بمعنى الإقالة. قال الشيخ: قال عبد
الحق: انظر في هذا السؤال أجاز دفع مثل رأس المال في الطعام وجعله كالإقالة، وهنا لم
يلفظ بلفظ الإقالة، فهل هذا يضعف ما قيل من أنه إذا قيل له بعني هذا الطعام الذي قبلي
بعشرة دنانير أنه لا يجوز حتى يلفظ بلفظ الإقالة؟ أليس في المسألة التي قدمنا قد دفع
إليه مثل رأس ماله ليشتري به طعاما فيقبضه؟ فأين لفظ الإقالة من هذا، وقد أجاز مالك لما
كان محصول ذلك كالإقالة لأنه دفع رأس المال سواء إلا أن يسامح هذا لأنا لا
ندري، هل يمسك ذلك لنفسه أو لا يمسكه فإنما هو باب تهمة ولسنا على حقيقة من
ذلك. ألا ترى أنه إذا صح أنه إذا اشترى مضى ذلك ونفذ بينهما وليس كتركهما لفظ
الإقالة وانفصالهما على البيع انتهى. وقد ذكر ابن فرحون في تبصرته في الكلام بين ألفاظ
حكم العقود التي تفتقر للصيغة ولم يذكر الإقالة. وذكر في المسائل الملقوطة كلامه ولم
يزد عليه.
مسألة: قال البرزلي: وسئل المازري عمن باع أرضا ثم استقاله فأقاله على أنه متى
باعها كان أحق بها من الثمن الأول فباعها فأراد المشتري الأول فسخ البيع والاخذ بشرطه.
فأجاب: اختلف المذهب في ذلك. ففي العتبية له شرطه، والمشهور فسادها لما فيها من
التحجير وهي بيع من البيوع، فإن ترك فسخت الإقالة، وإن طال ذلك وفاتت الأرض
بالبيع مضى البيع وفاتت الإقالة لأنه صحيح. انتهى بلفظه. والمسألة في سماع أشهب
من جامع البيوع وفي التوضيح وابن عبد السلام وبهرام الكبير في باب الصداق في مسألة
من أسقطت من صداقها شيئا من العقد على أن لا يتزوج عليها زوجها أو نحو ذلك ص: (إن
لم يكن على أن ينقد عنك) ش: قال اللخمي: قال ابن القاسم فيمن اشترى سلعة ثم سأله
رجل أن يشركه فيها فقال: أشركتك على أن تنقد عني: لم يجز وهو بيع وسلف، فإن نزل
428

فسخ إلا أن يسقط السلف، فإن كان السلف من المشتري فقال: اشتر وأشركني ثم بعد انعقد
الشراء انعقد عليهما انتهى. ص: (واستوى عقداهما) ش: أي في قدر ثمن وبقية أجل
وغيرهما من رهن أو حميل وإلا فبيع. قاله في الشامل ص: (كغيره) ش: يعني أن غير الطعام
حكمه حكم الطعام في أنه لا يجوز أن تولي أو تشرك أحدا على أن ينقد عنك، وفي أنه لا
يكون تولية وشركة إلا إذا استوى العقدان وإلا فهو بيع مؤتنف ص: (وإن أشركه حمل وإن
429

أطلق على النصف) ش: انظر المسألة في رسم سن من سماع ابن القاسم من الشركة فإنها
مبسوطة هناك والله أعلم. وانظر أول رسم من سماع ابن القاسم أيضا فإنه تكلم على المسألة
التي بعدها وهي قوله: وإن سأل سادس شركتهما ص: (والأضيق صرف ثم إقالة طعام ثم
تولية وشركة فيه ثم إقالة عروض وفسخ الدين في الدين ثم بيع الدين ثم ابتداؤه) ش:
أصل هذا الكلام لابن محرز في تبصرته وعنه نقله المصنف في توضيحه قبل بيع المرابحة،
ونقله عنه ابن عرفة في الكلام على الإقالة، ونص كلام ابن محرز في كتاب السلم الثالث من
تبصرته في ترجمة الإقالة. قلت: وأضيق هذه الأحكام كلها في القبض أمر الصرف، ثم الإقالة
من الطعام والتولية فيه، ثم الإقالة من العروض وفسخ الدين في الدين، ثم بيع الدين المتقرر
في الذمة. وعن ابن المواز في بيع الدين أنه لا بأس أن يتأخر ثمنه اليوم واليومين حسبما
430

يتأخر رأس المال في السلم انتهى. وفيه مخالفة لكلام المصنف حيث جعل التولية في الطعام
مع الإقالة منه في مرتبة واحدة، والمصنف عطفها ب ثم وأيضا فلم يذكر الشركة في الطعام
ولكن أمر الشركة والتولية واحد. ونقل ابن عرفة كلامه كما ذكرنا عن تبصرته إلا أنه عطف
التولية في الطعام على الإقالة منه بالواو، وكذا نقله عنه أبو الحسن وهو في التبصرة باق.
ونقل المصنف كلامه في التوضيح ب ثم كما في مختصره، ولم يذكر أحد عنه الشركة في
الطعام وإنما ذكرها المصنف والله أعلم في مختصره لأن حكمها حكم التولية، وإذا كان
كذلك فلا إشكال في أن الصرف أضيق الأبواب. قال اللخمي: المعروف من المذهب أن
الإقالة أوسع من الصرف وأنه تجوز المفارقة في الإقالة ليأتي بالثمن من البيت أو ما قارب
ذلك، والتولية وبيع الدين أوسع من الإقالة لأنه لا يجوز تأخير الإقالة اليومين والثلاثة بشرط
بغير خلاف. واختلف هل يجوز مثل ذلك في التولية وبيع الدين؟ انتهى. واعلم أن الذي
يظهر أنه لا فرق بين الإقالة من الطعام والتولية فيه والشركة فيه وإقالة العروض وفسخ الدين
وبيع الدين على المشهور، وإنما تفترق في كون بعضها فيه الخلاف وبعضها لا خلاف فيه.
نعم هذه أخف من الصرف، وأما ابتداء الدين فهو أوسع منه. ومما يدل على أن الإقالة من
الطعام أخف من الصرف أنه قال في المدونة: إذا أقلته ثم أحالك بالثمن على شخص فقبضته
قبل أن تفارق الذي أحالك جاز، وإن فارقته لم يجز، وإن وكل البائع من يدفع لك الثمن أو
وكلت من يقبض لك وذهبت وقبضه الوكيل مكانه جاز انتهى. وهذا كله لا يجوز في
الصرف انتهى. وقال في أوائل كتاب السلم الثالث من المدونة قال مالك: وإن أسلمت إلى
رجل في حنطة أو عرض ثم أقلته أو وليت ذلك رجلا أو بعته إن كان مما يجوز لك بيعه لم
يجز لك أن تؤخر بالثمن من وليته أو أقلته أو بعته يوما أو ساعة بشرط أو بغير شرط لأنه دين
في دين، ولا تفارقه حتى تقبض الثمن كالصرف. ولا يجوز أن تقيله من الطعام أو تفارقه قبل
أن تقبض رأس المال، ولا على أن يعطيك به حميلا أو رهنا أو يحيلك به على أحد أو يؤخر
به يوما أو ساعة لأنه يصير دينا في دين وبيع الطعام قبل قبضه، فإن أخرك به حتى طال ذلك
انفسخت الإقالة وبقي البيع بينكما على حاله. وإن نقدك قبل أن تفارقه فلا بأس به انتهى.
فعلم من هذا أن الإقالة من الطعام ومن العروض والتولية وبيع الدين حكمها سواء. لأنه صرح
به، والشركة حكمها حكم التولية بلا إشكال، وفسخ الدين في الدين هو أشد من بيع الدين
فيكون حكم الجميع واحدا على مذهب المدونة فتأمله.
تنبيه: واعلم أن هذا في الإقالة من الطعام قبل قبضه والعرض المسلم فيه، وأما في
البيع المعين فيجوز فيه التأخير. قال في المدونة قبل المسألة المتقدمة: وإن ابتعت من رجل
سلعة بعينها ونقدته ثمنها ثم أقلته وافترقتما قبل أن تقبض رأس مالك وأخرته به إلى سنة جاز،
لأنه بيع حادث والإقالة تجري مجرى البيع فيما يحل ويحرم انتهى.
431

فصل
ص: (وجاز مرابحة والأحب خلافه) ش: يعني أنه يجوز البيع حال كونه مرابحة.
ومعناه أن يبيع السلعة بثمن مرتب على الثمن الذي اشتراها به إما بزيادة عليه أو بنقص عنه
وقد يساويه، ولهذا قال ابن عرفة: بيع مرتب ثمنه على ثمن مبيع يعقبه غير لازم مساواته له.
قال: فخرج بالأول يعني قوله: مرتب ثمنه على ثمن مبيع يعقبه بيع المساومة والمزايدة
والاستئمان، وبالثاني وهو قوله: غير لازم مساواته له الإقالة والتولية والشفعة والرد بالعيب
على القول بأنه بيع. قلت: وقول الشارح هو أن يبيع السلعة بالثمن الذي اشتراها به وزيادة
ربح معلوم يتفقان عليه، غير جامع لخروج ما بيع بوضيعة. ونحوه قول التوضيح معناه أن يخبر
البائع المشتري بما اشترى السلعة به ثم يفيده شيئا انتهى. ونحوه لابن عبد السلام وكأنهم
432

تكلموا على ما هو الأغلب كما يظهر من تسمية هذا البيع مرابحة والله أعلم. وقوله:
والأحب خلافه إن أراد به كلام ابن عبد السلام فهو مخالف له كما قال الشارح، إذ ظاهر
كلام المصنف العموم لكل الناس وظاهره ولو مرة، وابن عبد السلام إنما حكى عمن لقي من
شيوخه أنه يكره للعامة الإكثار منه، ويحتمل أن يكون أراد به قول ابن رشد البيع على
المكايسة والمماكسة أحب إلى أهل العلم وأحسن عنده والله أعلم. ص: (وحسب ربح ماله
عين قائمة كصبغ إلى آخره) ش: قال الشارح بعد حله كلام المصنف: قال في النكت فإن
كان هو يتولى الطرز والصبغ بنفسه لم يحسب ويحسب له الربح لأنه كمن وظف ثمنا على
سلعة باجتهاده اه‍. ولفظ النكت: واعلم أنه لو كان هو يتولى الطرز والصبغ ونحو ذلك لم
يجز أن يحسبه ويحسب له الربح لأنه يصير كمن وظف على سلعة باجتهاده، وإنما يصح ما
433

ذكره في الكتاب إذا كان قد استأجر على ذلك لأنه هو الذي فعل ذلك وهو أبين فاعلمه اه‍.
وقال ابن يونس: قال بعض أصحابنا: وإنما يصح ما ذكره في الكتاب في أن الصبغ والخياطة
والقصارة يحسب في أصل الثمن ويضرب له الربح إذا كان قد استأجر غيره على ذلك، وأما
لو كان هو الذي عمل لك أو عمل له غيره ولم يؤد فيه أجرة لم يجز أن يحسبه ويحسب له
434

الربح إلا أن يبين ذلك كله وإلا فهو كمن وظف على سلعة اشتراها وثمنها أو رقم على سلعة
ورثها أو وهبت له ثمنا اه‍. ص: (وزيد نصف عشر الأصل والوضيعة كذلك) ش: اعلم أن
435

لفظ: نصف وقع في بعض النسخ وهو سهو، والصواب: وزيد عشر الأصل والوضيعة
كذلك. وعلى هذا شرح الشيخ بهرام فقال في المثال الذي ذكر: هو كربح العشرة أحد
عشر بزيادة عشر الأصل. قال في التوضيح: مدلولها عرفا ما ذكره المصنف، وأما عرفا فإن
الربح كل عشرة أحد عشر اه‍. ثم قال الشارح: فعلى هذا الوضيعة كذلك أي فيأخذ عن كل
أحد عشر عشرة اه‍. وظاهر قول المصنف: والوضيعة كذلك أنه إذ باع بوضيعة أحد عشر
فإنه ينقص عشر الأصل وليس كذلك. بل كما قال الشارح. قال ابن الحاجب: وبوضيعة
العشرة أحد عشر بنقص جزء من أحد عشر من الأصل على الأصح ص: (وهل هو كذب أو
غش تأويلان) ش: أي وهل هو كذب فيلزم المشتري إن حط البائع القدر الزائد، أو غش فلا
يلزم المشتري وإن حط عنه البائع ذلك المقدار؟ تأويلان للشيوخ على المدونة ص: (ووجب
تبيين ما يكره كما نقده وعقده مطلقا) ش: أي وجب على البائع مرابحة تبيين ما يكره في
السلعة كما في المرابحة.
436

قال في الجواهر: يلزمه الاخبار عن كل ما لو علم المبتاع به لقت رغبته في الشراء.
قال ابن عرفة: ويجب ذلك ما لو علم قلة غبطة المشتري فيها لو رضي عيبا اطلع عليه لم
يكف بيانه حتى يذكر شراءه على السلامة، وكما يجب بيان ذلك فيجب بيان ما نقده أي
سلمه في تلك السلعة وما عقده فيها في أصل المبيع أي اشتراها به مطلقا أي سواء باع على
ما عقده أو على ما نقد كأن اشتراها بذهب ونقد فضة أو بالعكس وباع على " عقد وجب بيان
ما نقد على الأصح. وقيل: لا يجب إذا لم يزد على صرف الناس وابتاع على ما نقد هل
يجب عليه البيان وهو ظاهر المذهب. وقيل: لا يجب والأول هو الذي مشى عليه المصنف
ورجحه صاحب الشامل وعطف الثاني ب قيل وإن اشترى السلعة بعين ونقد عرضا مقوما
وجب عليه البيان مطلقا على مذهب المدونة أي سواء باع على ما نقد أو على ما عقد،
وكذلك لو نقد عن العين عرضا مثله قال فيها: ومن ابتاع سلعة بألف درهم فأعطى فيها مائة
دينار أو ما يوزن أو يكال من عرض أو طعام أو ابتاع بذلك، ثم نقد عينا أو جنسا، سواء مما
يكال أو يوزن من عرض أو طعام، فليبين ذلك كله في المرابحة ويضربان الربح على ما أنفقا
مما عقدا عليه أو نقدا. ووصف ذلك ابن يونس يريد إذا كان الطعام الذي عقد عليه البيع
جزافا لأنه إذا كان مكيلا فنقد غيره دخله بيع الطعام قبل قبضه. ثم قال فيها: وكذلك إن نقد
في العين ثانيا جاز أن يربح على الثياب إذا وصفها لا على قيمتها كما أجزنا لمن ابتاع
بطعام أو عرض أو بيع مرابحة إذا وصفت. ولم يجز أشهب المرابحة على عرض أو طعام لأنه
من بيع ما ليس عندك إلى غير أجل السلم.
تفريع: قال فيها: قال ابن القاسم: وكل طمن ابتاع بعين أو عرض يكال أو يوزن فنقد
خلافه من عين أو عرض وباع ولم يبين رد ذلك إلا أن يتماسك المبتاع ببيعه، وإن فاتت
437

السلعة بتغير سوق أو بدن أو بوجه من الوجوه ضرب المشتري الربح على ما نقد لبائع على
الجزء الذي أربحه في كل مكيل أو موزون إن كان ذلك خيرا للمبتاع وإلا فله التماسك بما
عقد البيع عليه اه‍. ص: (والأجل وإن باع على النقد) ش: قال في المدونة: ومن ابتاع
سلعة إلى أجل فليبين ذلك، فإن لم يبين ذلك فالبيع مردود، وإن قبلها المبتاع بالثمن إلى
ذلك الاجل فلا خير فيه ولا أحب له ذلك إلا أن يفوت فيأخذ البائع قيمتها يوم قبضها
المبتاع، ولا يضرب له الربح على القيمة، فإن كانت القيمة أكثر مما باعها به فليس له إلا
ذلك أي الثمن معجلا اه‍. واختلف الشيوخ في قوله: فالبيع مردود قال في التوضيح: فقيل
أراد إذا اختار المشتري الرد، وقيل أراد يفسخ وإن رضي بالنقد واستبعد لأنه حق لمخلوق
اه‍. وأما إذا قبلها المشتري بالثمن إلى الاجل فقال في المدونة: لا خير فيه. ابن يونس:
ونحوه في كتاب محمد. قال بعض شيوخنا القرويين: ومعنى ذلك كله لا يجوز لأنه لما
كان له رد السلعة إذ هي قائمة صار التأخير بالثمن إنما اتفقا عليه من أجل ترك القيام الذي
كان له أن يفعله، فهو من باب السلف الذي يجر نفعا كمن وجد عيبا في سلعة فقال البائع:
لا تردها وأنا أؤخرها بالثمن إلى أجل أن ذلك سلف جر نفعا اه‍. ونقل أبو الحسن عن ابن
بشير أنه إن رضي المشتري بتعجيل الثمن صح البيع، كانت السلعة قائمة أو فائتة. وإن رضى
البائع بالتأجيل، فإن فاتت السلعة لم يصح ذلك لأن القيمة وجبت حالة، فإذا أخره صار فسخ
دين في دين، وإن كانت قائمة فقولان للمتأخرين اه‍. ص: (وطول زمانه) ش: فإن باع ولم
يبين فله حكم الغش ص: (وتجاوز الزائف وهبة اعتيدت) ش: قال في المدونة: ومن ابتاع
438

سلعة بدراهم نقدا ثم أخر بالثمن أو نقد وحط عنه ما يشبه حطيطة البيع أو تجاوز عنه درهما
زائفا فلا بيع مرابحة حتى يبين ذلك. قال ابن يونس في قوله ثم أخر بالثمن فإن لم يبين
ذلك كان كمن نقد غير ما عقد. ابن المواز عن أصبغ: فإن فاتت ففيها القيمة كالذي لم
يبين تأخير الاجل ثم قال في قوله: أو حط عنه. فإن حط البائع ذلك لزمه البيع وإلا كان
مخيرا، فإن فاتت فالقيمة ما لم تجاوز الثمن الأول اه‍. وحاصله أنه كالكذب في الثمن وقال:
إن قوله أو تجاوز درهما فإن لم يبين فهو كمن نقد غير ما عقد.
فرع: قال في المدونة: وإن ابتاع سلعة بمائة فنقدها وافترقا ثم وهبت له المائة فله أن
يبيع مرابحة، وإن ابتاع سلعة ووهبها لرجل ثم ورثها منه فلا بيع مرابحة. أبو الحسن: وكذا لو
باعها ثم ورثها، وقوله في الأولى: افترقا ليس بشرط ص: (أو من التركة) ش: يحتمل أن
يكون معطوفا على قوله: ليست بلدية ويجب عليه أن يبين أنها من التركة، ويحتمل أن
يكون معطوفا على قوله: بلدية أي ويجب عليه أن يبين أنها ليست من التركة وكلاهما
صحيح. قال في المتيطية: ومن باع ثوبه في تركة تباع فباعه فيها فإن للمبتاع رده إذا علم،
وكذلك فيما جلب من رقيق أو حيوان فخلط إليها رأسا أو دابة ويصيح عليه الصائح فإن
لمبتاعه الرد إذا علم اه‍. أما الاحتمال الأول فبين وعليه حمل الشارح كلام المصنف، وهو
439

بين لأن النفوس تنفر من حوائج الميت وهذا ليس خاصا بالمرابحة والله أعلم. ص: (وإقالة
مشتريه) ش: قال في المدونة: ومن ابتاع سلعة بعشرين دينارا ثم باعها بثلاثين ثم أقال منها
لم يبع مرابحة إلا على عشرين لأن البيع لم يتم بينهما حين استقاله اه‍. وانظر عبد السلام
والتوضيح. ص: (إلا بزيادة أو نقص) ش: قال في المدونة: ومن باع سلعة مرابحة ثم ابتاعها
بأقل مما باعها به أو أكثر فالبيع مرابحة على الثمن الآخر لأن هذا ملك حادث انتهى. قال
ابن محرز: وظاهره ولو كان ذلك مما ابتاعه منه. وحمله فضل على أنه اشتراها من غيره
كقول ابن حبيب اه‍. وظاهر كلام المدونة أنه لو اشتراها منه بمثل الثمن لم يبع إلا على
الثمن الأول وصرح بذلك اللخمي ونصه: قال ابن القاسم: من اشترى سلعة ثم باعها من رجل
مرابحة ثم استقاله منها بمثل الثمن لم يبع إلا على الثمن الأول، وإن استقال بأكثر أو أقل جاز
أن يبيع على الثاني. وقال ابن حبيب: لا بيع إلا على الأول استقال منها أو اشتراها بأكثر أو
بأقل والأول أحسن فله أن يبيع على الثاني اه‍. وقال في النوادر في ترجمة جامع مسائل
المرابحة: ومن العتبية روى عيسى وأصبغ عن ابن القاسم: ومن باع سلعة من رجل بربح
درهم ثم ابتاعها منه بربح درهمين فله أن يبيع مرابحة ولا يبين. قال مالك: وإن أقالك من
440

سلعة فلا تبع مرابحة على ثمن الإقالة حتى تبين. قال في الواضحة: إذا أقالك بزيادة أو نقص
أو اشتريتها بربح فلا تبعها مرابحة على الثمن الآخر حتى تبين، وقاله مالك وروي عن قتادة
ص: (كتكميل شرائه) ش: تصوره من كلام الشارح ظاهر. وقال ابن رشد في أثناء شرح أول
مسألة من رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الشركة: لا يجوز لمن اشترى سلعة جملة أن
يبيع نصفها مرابحة بنصف الثمن حتى يبين، ولمن اشترى نصف سلعة في صفقة ثم اشترى
نصفها الثاني في صفقة أخرى أن يبيعها جملة ولا يبين. وفي نوازل سحنون من كتاب
المرابحة فيمن اشترى سلعة بعشرة وظفها بعشرة ثم باعها بعشرين ولم يبين، أن للمشتري أن
يردها في القيام، فإن فاتت مضت بالثمن وكان القياس على ما نقلناه أن لا يكون له ردها في
القيام، وإذا رأى له ردها في القيام وجب على قياس ذلك إذا فاتت السلعة أن يرد المبتاع
فيها إلى قيمتها في الفوات إن كانت القيمة أقل من الثمن على حكم مسائل الغش والخديعة
في المرابحة اه‍. ص: (وإن غلط بنقص وصدق أو أثبت رد) ش: قوله: وصدق بالبناء
للمفعول أي صدقة المشتري أو ظهر ما يستدل به على صدقه. قال في التوضيح: قال في
كتاب القسم من المدونة: أو يأتي في رقم الثوب ما يستدل به على الغلط فيحلف البائع
ويصدق وزاد الباجي: أو يرى من حال الثوب ما يدل على صدقه اه‍. قال في الشامل: ولو
441

غلط بنقص وأتى من رقم الثوب أو من حاله ما يصدقه وحلف عليه أو أثبته أو صدقه
المشتري فعليه ما تبين وربحه أو يرد. ص: (وإن فات) ش: قال في التوضيح: بنماء أو
نقصان. ولم يجعل في المدونة تغير السوق مفيتا كما في الزيادة ص: (بين الصحيح وربحه
وقيمته يوم بيعه) ش: قال في التوضيح: وحاصله أن لبائعه قيمته ما لم تنقص عن الغلط
وربحه وما لم تزد على الصحيح وربحه اه‍. وهذا يفهم من قول المصنف: خير مشتريه لأن
من المعلوم أن القيمة إذا كانت أكثر من الصحيح وربحه أن المشتري لا يختارها ص: (وفي
الكذب خير بين الصحيح وربحه أو قيمتها ما لم يزد على الكذب وربحه) ش: قال:
خير أي البائع بين أن يأخذ الثمن الصحيح وربحه أو قيمتها ما لم يزد على الكذب وربحه.
قال في التوضيح: ما لم ينتقص على الصحيح وربحه اه‍. وهذا يفهم من قول المصنف: خير
442

بين الصحيح وربحه وبين القيمة لأنه من المعلوم أنه إذا خير وكانت القيمة أقل أنه لا
يختارها والقيمة في ذلك يوم القبض. قاله في كتاب المرابحة من المدونة والله أعلم.
فصل
ص: (تناول البناء والشجر والأرض وتناولتهما) ش: قال ابن سلمون في وثائقه لما
تكلم على بيع العقار والأرض ويعقد في ذلك اشترى فلان من فلان جميع المواضع وما عليه
من الثمرات على اختلافها ثم قال: وقولنا وما عليه من الثمرات ليرتفع الاشكال ولو سكت
443

عن ذلك لكان الأشجار للمشتري لأن الأشجار كلها تبع للأرض، وكذلك إن كان المبيع
كرما أو جنة غلب عليها السواد فالأرض تبع للشجر، فإن كان في الشجر ثمرة لم تؤبر فهي
للمشتري، فإن أبرت فهي للبائع إلا أن يشترطها المبتاع اه‍. ص: (ومدفونة كلو جهل) ش:
هذا هو المعلوم من مذهب ابن القاسم أنه لا حق للمبتاع فيما وجد تحت الأرض من بئر أو
جب أو رخام أو حجارة. قال في البيان: ويكون للبائع إن ادعاه وأشبه أن يكون له كميراث
وإلا كان سبيله سبيل اللقطة، ويخير المبتاع في مسألة الجب والبئر في نقض البيع والرجوع
بقيمة ما استحق. انظر رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الأقضية، وآخر مسألة من
جامع البيوع، وأول رسم من سماع عيسى من كتاب الضوال واللقطة.
فرع: قال في الرسم المذكور: وكذلك العلو يكون للرجل والسفل لآخر وباب ذلك إلى ناحية وباب
ذلك إلى ناحية أخرى فليس بالعلو يستحق السفل والله أعلم ص:
444

(ولا الشجر المؤبر) ش: أي ولا يتناول الشجر الثمر المؤبر كذا هو في النسخ الصحيحة
كما قال ابن غازي، وقصده بذلك التنبيه على ما وقع في نسخة الشارح وهو قوله: ولا الثمر
المؤبر والله أعلم. ص: (كالمنعقد ومال العبد وخلفة القصيل) ش: أي فلا يدخل ذلك
445

في العقد إلا بشرط، أما الثمرة ومال العبد فمصرح به في غير موضع. وأما خلفة القصيل
فصرح بها في المدونة لكن بشرط كون الأرض مأمونة، ونقله في التوضيح في الكلام على
ما له بطون عن ابن حبيب ص: (والدار الثابت) ش: قال في الارشاد: يتبع العقار كل ما هو
446

ثابت من مرافقة كالأبواب والرفوف والسلاليم المؤدية والأخصاص والميازيب لا منقول إلا
المفاتيح اه‍.
فرع: قال البرزلي في مسائل الأقضية: ولو قال المشتري للبائع: أعطني عقد شرائك
فذلك له، وفائدته إذا طرأ الاستحقاق رجع المشتري على من وجد منها لئلا يدعي البائع
الأول أنه لم يبع قط، وله في الاستحقاق الرجوع على غريم الغريم، وكذا في الرد بالعيب
والعمل اليوم على أخذ النسخة وهو الحزم اه‍. وذكر أيضا في مسائل البيوع عن طرر بن
عات أنه قال: من ابتاع ملكا فيجب على البائع دفع وثائقه التي اشترى بها أو نسخها بخطوط
البينة التي فيها. ويلزمه ذلك، فإن أبى وظهرت الوثائق أجبره الحاكم على دفعها أو نسخها
على غيره، فإن لم تظهر فللمبتاع الخيار إن أحب أمضى البيع وإلا رجع في ثمنه. قال
البرزلي: نص على الأصل أبو محمد في الشهادات لأجل ترتيب العهدة اه‍.
فرع: قال ابن سهل في مسائل البيوع فيمن باع دارا ينتظم بها حانوت له باب إلى
447

الدار وباب آخر يتجر عليه وعقد البيع وفيه بمنافعها أو لم يعقد، وآخر باع دارا تتصل بها
جنة محدق عليها وليس لها باب ولا طريق إلا على الدار، وادعى المبتاع دخولها في صفقة
وخالفه البائع. فأجاب ابن عتاب: أما الدار فإن حد المبيع في عقد التبايع دخل المبيع
ما اشتملت عليه الحدود، فإن اشتملت عليهما جميعا نفذ البيع فيه وإلا لم يدخل فيه
ما خرج عنهما. وهذا لما ذكرت أنه لا مدخل لها إلا على الدار والحانوت مخالف لهذا
عندي إذ له باب، ولا يصح الجواب فيه إلا بعد الوقوف على ما يقوله المتبايعان. وجواب
ابن القطان: أما الحانوت فلا يدخل وإن كان لها إليه باب مفتوح إلا أن يحد وتشتمل عليه
الحدود وإلا فالحانوت غير الدار، وكذلك الجنة إذا لم يقع عليها الحدود. وقال ابن مالك:
إن كانا حدا الدار فحسب البائع الوقوف عند ذلك، وإن لم يحداها ويعرفاها فالحانوت لا
يقال لها دار وكذلك الجنة فلا يدخلها. قال ابن سهل: إنما وقع جواب الشيوخ فيها على أن
المتبايعين لم يبينا ووقع التبايع بينهما مبهما، وإن ادعيا البيان واختلفا تحالفا وتفاسخا بهذا
الوجه يتم جوابها اه‍. ونقله في المتيطية.
مسألة: قال في مختصر المتيطية: والصواب أن ينتهي الحيط القبلي منها إلى كذا
وكذا وكذلك سائر الجهات، لأن الحد داخل في المحدود وطرف منه ويزيد في ذلك أن
طرق الدار تنتهي إلى كذا. قال ابن الهندي وابن العطار: وهي عبارة كثير من المتقدمين. قال
غيرها: ورأيت كثيرا يكتبون وحد هذه الدار من القبلة دار فلان في البيع لكنه لا يقضى بذلك
لأنه لم يقصد ويحمل على المجاز. قال ابن عتاب: وسئل إسماعيل القاضي إذا كان حدها
من الشرقي الشجرة، هل تدخل الشجرة في المبيع؟ فوقف عن الجواب ثم قال: قد قرأت باب
كذا من كتاب سيبويه فدلني على أنها تدخل في المبيع. قال ابن سهل: وفي هذا نظر اه‍.
مسألة: قال في أحكام ابن سهل: سئل ابن القطان عمن باع جميع أملاكه في قرية
كذا وقال في عقد الابتياع في الدور والدور والأقنية والزيتون والكرم ولم يزد في الوثيقة على
هذا، وللبائع في القرية أرحى لم تذكر في الوثيقة. فقال المبتاع: هي لي، وقال البائع: إنما
بعت ملكي فيما قصصت وما لم أذكره وهي الأرحى لم تدخل في المبيع. فكتب بخط
يده: الأرحى للمبتاع وجميع من في القرية من العقار. قال القاضي ابن سهل: هذا الجواب
448

موافق ما في سماع أصبغ ما في كتاب الصدقة، ويخالف قول قاسم بن محمد. هكذا ألفيت
هذه المسألة في بعض الكتب وقد مر نظيرها في جواب ابن زرب في الوصايا اه‍. ولعله يشير
إلى جواب ابن زرب في مسألة من أوصى فلانا على أولاده قد سمى منهم فلانا وفلانا وترك
باقيهم فتأمله. ونقل المسألة البرزلي في أواخر مسائل البيوع، ونقل عن المتيطي أنه نقل عن
غير ابن القطان أنها للبائع. والمسألة في المتيطية ومختصرها في باب بيع الأرض بزرعها
والشجر بثمرها والله أعلم.
ووقعت مسألة سألت عنها وهي رجل اشترى من جماعة دارا ووصف الدار في عقد
الشراء بأوصاف واشتمالات ومنافع ومساكن، وبجانب الدار الغربي حوش ملاصق لها بينها
وبين مقبرة هناك وبين الحوش المذكور خوخة تنفذ إلى الدار المذكورة، ولما ذكر في
المكتوب حدود الدار المكتوبة ذكر أن حدها الغربي ينتهي إلى المقبرة المذكورة التي هي
بعد الحوش المذكور فاقتضى ذلك دخول الحوش في المحدود، لكنه لم يذكر الحوش في
اشتمالات الدار مع أنه كان عند التبايع جاريا مع الدار في ملك البائعين المذكورين، ثم توفي
المشتري فباع ورثته الدار المذكورة بجميع اشتمالاتها وحدودها المذكورة في مكتوب شراء
المتوفى المذكور لشخص آخر، فنازع المشتري المذكور ورثة البائع المذكور في الحوش
المذكور الداخل في التحديد الذي لم ينبه عليه في الاشتمالات، وأظهر الورثة المنازعون
مستندا شرعيا يشهد بأن مورثهم المشتري الأول اشترى نصف الحوش المذكور مشاعا من
بائعي الدار المذكورة في تاريخ متأخر عن تاريخ الشراء الأول الصادق في الدار، فهل مشترى
المشتري الأول لنصف الحوش المذكور مقتض لعدم دخول الحوش المذكور في المحدود
أم لا يقتضى ذلك؟ فأجبت: إن اتفق المتبايعان على أن البيع وقع منهما من غير تعرض
للحوش المذكور بأنه داخل أو خارج وكانت الحدود شاملة له، فهو داخل ولا يمنع من
ذلك كون مورثهم اشترى نصف الحوش بعد الشراء الأول، وإن ادعى كل من الورثة البائعين
والمشتري المذكور البيان وتحالفا تحالفا وتفاسخا والله أعلم.
مسألة: إذا قال الموثق: اشترى منه جميع حظه في الدار الكائنة بكذا الخمس من
خمسة أسهم فإذا له في الدار أكثر من الخمس، فهل يحمل على أنه باعه جميع حظه، وقوله
الخمس غلط أم لا؟ قال الشيخ أبو الحسن في كتاب الايمان في ترجمة الحالف: ليقيضين
فلانا حقه، قال ابن يونس: إن قال لأقضينك غدا يوم الجمعة أو قال يوم الجمعة غدا وذلك
ظنه فإذا هو يوم الخميس، فإن لم يقضه غدا يوم الخميس إلى غروب الشمس وإلا حنث.
الشيخ: انظر هل هي مثل ما يقع عند التوثق اليوم يقول المشتري منه جميع حظه في الدار
الكائنة بكذا الخمس من خمسة أسهم فإذا له في الدار أكثر من الخمس، فهل يحمل على
أنه باع جميعه وقوله الخمس غلط في اللفظ أم لا؟ تردد فيه اه‍. وقال المشذالي: في الصورة
449

الأولى في الكلام على قول المدونة وهو يظنه يوم الجمعة قال في سماع عيسى لو حلف
لأقضينك حقك في يوم الجمعة غدا في ظنه فإذا هو خميس فإن لم يقضه إلى الغروب يوم
الخميس حنث قال بعضهم: وينزل مثل هذا في الوثائق اشترى فلان جميع موروث فلان من
موضع كذا مبلغه الخمس فإذا هو الربع لزم البيع اه‍. وانظر كلامه أيضا في الوصايا الأول
عند قول المدونة فهو وصية في جميع الأشياء والله أعلم. ص: (وأن لا عهدة) ش: ذكره
في التوضيح هنا عن المتيطي وغيره. وذكر في الكلام على العهدة أنها تسقط إذا شرط
سقوطها ولم ينبه على أن في المسألة خلافا، واقتصر في الشامل هنا على ما ذكره المصنف
وصدر في الكلام على العهدة بأنه يوفي بالشرط، وعطف عليه هذا القول ب قيل. وذكر ابن
عرفة في الكلام على العهدة القولين وعزاهما لنقل اللخمي، وذكر عنه أنه خرج ثالثا بفساد
البيع، وقد بسطت الكلام في تحرير الكلام في مسائل الالتزام.
450

تنبيه: يلحق بهذه المسائل ما إذا وقع البيع على شرط عدم المقاصة كما مر ذكره ابن
عرفة في باب المقاصة، وانظر كلامه في باب المقاصة فإنه ذكر في ذلك ثلاثة أقوال. ص:
(وصح بيع ثمر ونحوه بدا صلاحه إن لم يستتر) ش: يعني أنه يجوز بيع الثمر بعد بدو
صلاحه منضما إلى الأصل ومفردا على القطع أو التبقية لكن شرط أن لا يستتر في أكمامه
كبزر مجرد عن أصله كالحنطة مجردة عن سنبلها، والجوز واللوز مجردا عن قشره على
الجزاف. قاله الباجي ونصه:
مسألة: لا خلاف أنه لا يجوز أن تفرد الحنطة في سنبلها بالشراء، وكذلك الجوز
واللوز والباقلا لا يجوز أن يفرد في البيع دون قشره على الجزاف ما دام فيه، وأما شراء
السنبل إذا يبس ولم ينفعه الماء فجائز وكذلك الجوز والباقلا. وقال الشافعي: لا يجوز بيع
451

شئ من ذلك اه‍. فعلم منه أنه يمتنع شراء الجوز ونحوه مجردا عن قشره ولو كان ذلك بعد
قطعه على الجزاف، وأما شراؤه مع قشره فجائز ولو كان باقيا في شجره لم يقطع إذا بدا
صلاحه بيبسه، وتقدم أن ما له صوان يكفي رؤية الصوان. ص: (وبدوه في بعض حائط
كاف) ش: قال الشارح: أي فلا يشتر عموم بدو الصلاح في كل الحائط بل يكفي بعضه
ولو نخلة وهو المذهب اه‍. وظاهره أنه لا يباع الحائط حتى يبدو صلاح بعضه بنفسه ولا
452

يكفي بدو صلاح بعض حائط مجاور له. وقال ابن الحاجب: وبدو إصلاح بعض حائط
كاف في المجاورة في الجنس الواحد إذا كان طيبه متلاحقا. وقيل: في حوائط البلد وشرحه
453

في التوضيح وأقره وعزا القول بجواز بعض حوائط البلد ببدو الصلاح في حائط منه وإن لم
تكن مجاورة لابن القطان والله أعلم. ص: (ومقثأة) ش: هو بالثاء المثلثة وبالهمزة المفتوحة،
454

قال في الصحاح: المقثأة والمقثأة يعني بالكسر والضم الخيار الواحدة قثاءة، والمقثأة
والمقثؤة موضع القثاء وأقثأ القوم كثر عندهم القثاء، وفي تهذيب الأسماء واللغات: القثاء
بكسر القاف وضمها لغتان وبالمد معروف ثم ذكر كلام الجوهري اه‍. وظاهر كلام النحويين
أن المقثأة هي الأرض الكثيرة القثاء كما قاله في آخر تصريف العوفي، وقاله الدماميني في
شرح التسهيل ثم قال: والعامة يحملون المقثاة على منبت القثاء وغيره كالبطيخ ويحرفون
اللفظ ويأتون بألف مكان الهمزة المفتوحة ولا يراعون معه الكثرة اه‍. ص: (بقبضه) ش: أي
بقبض الحب يبين ذلك لفظ المدونة في أوائل السلم الأول قال: ومن أسلم في حائط بعينه
بعد ما أرطب أو في زرع بعد ما أفرك أو اشترط أخذه حنطة أو تمرا فأخذ ذلك وفات البيع
455

لم يفسخ لأنه ليس من الحرام البين اه‍. علم منه أنه لا يجوز بيع الحب بالافراك. قال في
الشامل لما تكلم على بدو الصلاح وفي الحنطة ونحوها والقطاني يبسها: فإن بيعت قبله
وبعد الافراك على السكة كره ومضى بالقبض على المتأول اه‍. والله أعلم. ص: (يوفي عند
الجذاذ) ش: الجداد بفتح الجيم وكسرها وبالدال المهملة. قال في الصحاح في باب الدال
المهملة: وجد النخل يجده صرمه، وأجد النخل حان له أن يجد، وهذا زمن الجداد والجداد
مثل الصرام والصرام والقطاف والقطاف اه‍. وقال في النهاية في مادة الجيم والدال المهملة
بعد أن ذكر قوله عليه السلام: ولا ينفع ذا الجد منك الجد وقوله: إذا جد في السير ثم
قال: وفيه أنه نهى عن جدادات الليل. الجداد بالفتح والكسر صرام النخل وهو قطع ثمرتها
وإنما نهى عنه لأجل المساكين حتى يحضروا في النهار فيتصدق عليهم اه‍. ونحوه في
القاموس. وذكره في المحكم بالضم والكسر في مادة الدال المهملة ثم ذكره أيضا بالضم
456

والكسر في مادة الذال المعجمة ص: (وخمسة أوسق فأقل) ش: بالنصب أي وإن كان
المشتري من العرية خمسة أوسق فأقل، سواء كانت العرية في نفسها خمسة أوسق أو أكثر،
قاله في المدونة. وللمعري خمسة أوسق شراء بعضها بالخرص فإن أعرى أكثر من خمسة
أوسق فله شراء خمسة أوسق ص: (إلا لمن أعرى عرايا في حوائط وكل خمسة) ش: كذا
في أكثر النسخ وفي بعضها فمن كل خمسة وهي أحسن لأنها تدل على أن له أن يشتري
من كل حائط خمسة ولو كان الحائط المعرى أكثر من خمسة بخلاف النسخة الأولى
لايهامها أن له أن يشترط في كل حائط أن تكون خمسة فتأمله. وسواء كان المعري واحدا أو
متعددا كما صرح في التوضيح بالأول، وفي المدونة بالثاني ص: (وإن كان بألفاظ لا بلفظ
على الأرجح) ش: عبارته رحمه الله توهم أن هذا شرط سواء كان المعرى واحدا أو جماعة،
وهذا إنما ذكره ابن يونس فيما إذا أعرى رجلا واحدا. كذا نقله في التوضيح والشامل
457

واعترضه ابن غازي بالترجيح إنما حكاه ابن يونس عن غيره وليس هو المرجح له وسبقه إلى
الاعتراض بذلك الشارح في الكبير. ص: (وجاز لك شراء أصل في حائطك بخرصه إن
قصدت المعروف) ش: يشير إلى قوله في كتاب العرايا من المدونة: وإذا ملك رجل أصل
نخلة في حائطك فلك شراؤها منه بالخرص إن أردت بذلك رفقتك إياه، وإن كان لدفع ضرر
دخوله فلا يعجبني، وأراه من بيع التمر بالرطب لأنه لم يعره شيئا. قال أبو الحسن: هذه
ليست بعرية ولا يقال انخرم أحد الشروط التي هو أن يشتريها معريها اه‍. ففهم من كلام أبي
الحسن هذا ومن قوله في المدونة: كالعرية أن الشروط المذكورة في العرية معتبرة وأنه لو
كان له نخلتان أو ثلاثة جاز شراء ثمرتها إذا لم تبلغ خمسة أوسق والله أعلم. قال: وقوله:
إن كان لدفع ضرر دخوله فلا يعجبني هذه لفظة كراهة والمراد بها المنع من قوله: وأراه
من بيع التمر بالرطب اه‍. ص: (وبطلت إن مات قبل الحوز) ش: ومثله لو فلس قاله
اللخمي ص: (وهل هو حوز الأصل وإن لم يطلع ثمرتها تأويلان) ش: يعني أن الشيوخ
458

اختلفوا في تأويل المدونة في حوز العرية، فمنهم من تأولها على أن الأصل فيها حوز الأصول
وإن لم يطلع الثمر وإلى هذا ذهب أبو عمران وابن مالك ومنهم من تأولها على أن الحوز هو
مجموع شيئين جوز الأصل وإن لم يطلع الثمر، فلو حاز الأصول ولم تطلع الثمرة حتى مات
المعري بطلت العرية، ولو بطلت الثمرة ولم يحز الأصول ومات المعري بطلت وهو مذهب
المدونة عند ابن القطان وفضل وجماعة. فهذان التأويلان هما اللذان أشار المصنف إليهما،
وفي المسألة قول ثالث لأشهب أن الحوز بأحد الامرين: إما حوز الأصول أو إن تطلع ثمرتها
وهذا لم يذكره كما يفهم ذلك من كلامه في التوضيح، وعلى ذلك مشى في الشامل فقال:
وبطلت بموت معريها قبل حوزها. وهل هو قبض الرقاب أو مع طلوع ثمرتها كالهبة
والصدقة؟ تأويلان. وقال أشهب: إبارها أو قبض رقبتها عن ابن القاسم طيبها اه‍. وقوله:
كالهبة والصدقة يعني أنه لا يتم الحوز فيهما إلا بقبض الأصول وطلوع الثمرة، وهذا تأويل
ابن القطان وتأويل ابن أبي زيد. المدونة: إن الهبة والصدقة بخلاف العرية وإنه يكفي في
الصدقة والهبة حوز الأصول فقط والله أعلم. ص: (وزكاتها وسقيها على المعري وكملت
بخلاف الواهب) ش: يعني أن من أعرى شخصا نخلا أو نخلات من حائطه فإن على رب
الحائط سقي تلك النخلة أو النخلات وعليه زكاة ثمرتها، وسواء أعراه إياها قبل الزهو أو
بعده. فإن كانت العرية دون خمسة أوسق فإن رب الحائط يضمها إلى باقي حائطه، فإن كان
المجموع خمسة أوسق زكى ذلك. قال في المدونة: وزكاة العرية وسقيها على رب الحائط
وإن لم تبلغ خمسة أوسق إلا مع بقية حائطه، أعراه جزءا شائعا أو نخلا معينا أو جميع
حائطه. قال أبو الحسن: قال ابن يونس: قال أبو محمد: يريد ويعطيه جميع ثمرة الحائط
ويكون عليه أن يزكيه من غيره اه‍. وقوله: بخلاف الواهب يعني أن من وهب لشخص ثمرة
459

حائطه فإن سقيها وزكاتها على الموهوب له يريد إلا أن تكون الهبة بعد الإزهاء فإن ذلك
يكون على الواهب. قاله في التوضيح.
فرع: قال الشيخ أبو الحسن: ومما يلحق بهذا الباب من وهب صغير يرضع، قيل
رضاعه على الواهب، وقيل على الموهوب. حكى القولين ابن بشير اه‍. ص: (والمقاثئ)
ش: بالثاء المثلثة جمع مقثأة ك كما تقدم ص: (لا مهر) ش: هذا قول ابن القاسم ومقابله قول
ابن الماجشون. قال في البيان من سماع أبي زيد من كتاب الجوائح: إنه المشهور قال:
460

وترجع المرأة بقيمة الثمرة إذا أجيحت كلها. وصوب ابن يونس أيضا قول ابن الماجشون
ورجحه أيضا ابن عبد السلام فكان ينبغي للصنف أن يعتمد على هؤلاء أو أن يشير إلى هذا
القول بقوله: على الأرجح والظاهر والمستحسن والله أعلم ص: (إن بلغت ثلث مكيلته)
ش: قال في المدونة: وما بيع مما يطعم بطونا كالمقاثئ والورد والياسمين وشبه ذلك أو من
الثمار مما لا يخرص ولا يدخر وهو ما يطعم في كرة إلا أن طيبه يتفاوت ويحبس أوله على
ما يتفاوت كالتفاح والرمان والخوخ والموز والأترج والتين ونحو ذلك، فإن احتيج لشئ من
ذلك نظر، فإن كان ما أصابته الجائحة منه قدر ثلث الثمرة في النبات فأكثر في أول مجناه أو
في وسطه أو في آخره حط من الثمرة قدر قيمته في زمانه من قيمة باقية، كان في القيمة
أقل من الثلث أو أكثر. وإن كان المجاح من الجميع أقل من الثلث في كيل أو وزن لا في
القيمة، فلا توضع فيه جائحة زادت قيمته على الثلث أو نقصت. ثم قال: وأما ما بيع من
الثمرة مما يبقى أو يدخر ويترك حتى يجد جميعه مما يخرص أولا كالنخل والعنب والزيتون
واللوز والفستق والجوز واللوز وما أشبهه، فأصابت الجائحة قدر ثلث الثمرة فأكثر في كيل أو
مقدار لا في القيمة، وضع المبتاع قدر ذلك من الثمن. وإن أجيح أقل من ثلث الثمرة في
المقدار لم يوضع عنه شئ ولا تقويم في هذه الأشياء. وإن كان في الحائط أصناف من
التمر برني وصيحاني وعجوة وشقم وغيره فأجيح أحدها، فإن كان قدر الثلث في الكيل من
الأصناف وضع من الثمن قدر قيمة جميعها، زاد على ثلث الثمن أو نقص. وإن اشترى أول
جدة من القصيل فأجيح ثلثها فثلث الثمن موضوع بغير قيمة، ولو اشترط خلفة كان
كالمقاثي إن أجيح قدر الثلث من أوله أو من خلفته على ما ذكرنا من التقويم اه‍. ص:
(وبرني) ش: قال في كتاب الزكاة الثاني من التنبيهات: البرني بفتح الباء وسكون الراء،
والجعرور بضم الجيم، وابن حبين بضم الحاء وفتح الباء، كل هذه الأصناف من التمر اه‍.
ص: (وبقيت لينتهي طيبها) ش: قال في التوضيح: المسألة على ثلاثة أقسام: أحدها أن
461

تكون الثمرة محتاجة إلى بقائها في أصولها ليكمل طيبها ولا خلاف في ثبوت الجائحة فيه
قاله ابن شاس، وما لا يحتاج إلى بقائه في أصله لتمام صلاحه ولا لنضارته كالتمر اليابس
والزرع فلا جائحة فيه باتفاق. الثالث أن يتناهى طيبها ولكن تحتاج إلى التأخير لبقاء رطوبته
كالعنب المشترى بعد بدو صلاحه، وحكى المصنف يعني ابن الحاجب فيه قولين: الباجي:
مقتضى رواية أصبغ عن ابن القاسم أنه لا يراعى البقاء لحفظ النضارة وإنما يراعى تكامل
الصلاح قال: ويجب أن يجري هذا المجرى كل ما كان هذا حكمه كالقصيل والقصب
والبقول والقرط فلا توضع جائحة في شئ من ذلك. وقال: ومقتضى رواية سحنون أن توضع
الجائحة في جميعه. وحكى ابن يونس عن سحنون: إذا تناهى العنب وآن نضاجه لا يتركه
462

تاركه إلا لسوق يرجوها أو لشغل يعرض له فلا جائحة فيه. ابن عبد السلام: وهذا مخالف
لما حكاه ابن الحاجب وغيره عن سحنون. قال المؤلف: وفي حمل كلامي سحنون على
الخلاف بحث لا يخفى انتهى. والبحث ظاهر كما قال لأن الكلام الأول في بقائه لحفظ
النضارة، والكلام الثاني في بقائه لشغل مشتريه أو لسوق يرجوها والله أعلم. فقول المؤلف:
وبقيت لينتهي طيبها يدل على أنه إنما توضع الجائحة في القسم الأول أنه مشى على
مقتضى رواية أصبغ عن ابن القاسم.
تنبيه: قد يظهر أن ما ذكره المؤلف هنا خلاف قوله أولا: وإن بيعت على الجد لا
سيما وقد قال ابن عبد السلام عقب ذكره القولين المتقدمين: وأشار بعض الأندلسيين إلى
إجراء هذين القولين فيما بيع قبل بدو صلاحه أو بعده على أن يجده مشتريه وهو ظاهر
انتهى. ونقله في التوضيح فتأمله. وقال في التوضيح: ونص في المدونة على أنه لو اشترى
ثمرة على الجداد فيها الجائحة إذا بلغت الثلث كالثمار لا كالبقل. وسأل ابن عبدوس
سحنونا فقال: لم جعل فيه الجائحة ولا سقي على البائع؟ فقال: لأن معناه أن المشتري يأخذ
ذلك شيئا بعد شئ على قدر الحاجة ولو دعاه البائع إلى أن يأخذه في يومه لم يكن له ذلك
بل يمهل وهو على وجه الشأن اه‍ كلام التوضيح. وهذا الكلام الأخير لا يدفع الاشكال لأن
الأول أيضا إنما اشترى لتبقى نضارته والله أعلم. والحق أن كلامه الأطول مخالف للثاني وأن
الراجح هو الأول فكان ينبغي للمؤلف أن يمشي على مقتضى رواية سحنون أنه فيه الجائحة
لأنها هي الجارية على مذهب المدونة فيما اشترى على الجد بل أحرى والله أعلم ص:
(وهل هي ما يستطاع دفعه كسماوي وجيش أو وسارق خلاف) ش: قال في المسائل
الملقوطة: الجوائح ثلاثة: النار والريح وهو السموم والثلج والغرق بالسيل، والبرد والطير
الغالب والمطر المضر والدود والقحط والعفن والجراد والجيش الكثير واللص والجليد والغبار
المفسد والعفاء وهو يبس الثمرة مع تغير لونها والقسام وهو مثل العفاء والجرش وهو
خمدان الثمرة والشوبان وهو متساقط الثمرة والشمرخة، وهو أن لا يجري الماء في
الشماريخ ولا يرطب حسنا ولا يطيب انتهى. ومنها أيضا مسألة من استأجر أرضا للزراعة
463

فزرعها ففسد زرعها بجائحة أصابته في نفس الزرع كالطير والجراد والجليد والبرد والنار وغير
ذلك مما يعد جائحة، فلا يحط لشئ من ذلك من الأجرة والأجرة لازمة. ولو كان الفساد
من جهة الأرض كالدود والنار والعطش سقط الكراء جميعه، وكذلك إذا زرعها وأمكنه
مشتريها فلم ينبت زرعها فعليه الأجرة من المعونة اه‍.
فرع: قال في كتاب الشفعة من المدونة: ولا بأس بشراء شرب يوم أو شهر أو شهرين
يسقي به زرعه في أرضه دون شراء أصل العين. قال مالك: وإذا غار الماء فنقص فيه ثلث
الشرب الذي ابتاع وضع عنه كجوائح الثمار. قال ابن القاسم: وأنا أرى أنه مثل ما أصاب
الثمرة من قبل الماء فإنه يوضع إن نقص شربه ما عليه فيه ضرر بين، وإن كان أقل من الثلث
إلا ما قل مما لا خطب له فلا يوضع لذلك شئ اه‍. والمسألة أيضا في كتاب التجارة إلى
أرض الحرب وفي حريم الآبار والله أعلم. وقوله: أو وسارق كذا في النسخ المصححة
بالواو بعد أو ليدخل على أن القول الثاني يوافق على ما قاله الأول ويزيد بالسارق.
تنبيه: قال في التوضيح: قال الشيخان وغير واحد: وإنما يكون السارق عند ابن القاسم
جائحة إذا لم يعرف، وأما إن عرف فيتبعه المشتري مليا أو معدما اه‍. ص: (ونقصها
كذلك) ش: نص عليه ابن رشد في سماع أبي زيد من كتاب الجوائح ويفهم منه هنا أنه
464

ينظر إلى ما نقصها إن كان قدر ثلث القيمة نقص وإلا فلا ص: (والقرط) ش: قال في السلم
الأول من التنبيهات: والقضب بفتح القاف وسكون الضاد المعجمة الفصفصة التي تطعم
للدواب وهي ألقت إذا كان يابسا. وقال الأصمعي: إذا جفت هي القضب. والقرط بضم
465

القاف هو العشب الذي تأكل الدواب وأراه ليس بعربي اه‍. وهو بالطاء المهملة كذا ذكره
في المحكم، والظاهر أنه بسكون الراء. وأما القرظ بفتح القاف والراء وبالظاء المعجمة
466

فهو الذي يدبغ به قاله في الصحاح ص: (كالجزر) ش: قال في السلم الثالث من التنبيهات:
والجزر بفتح الجيم والزاي الإسفنارية ويقال لها الجزر بكسر الجيم أيضا اه‍. ص:
(ومستثنى كيل من الثمرة تجاح بما يوضع يضع عن مشتريه بقدره) ش: يعني أن من باع
ثمرة واستثنى منها كيلا معلوما ولا بد أن يكون الثلث فأقل كما تقدم في أول البيوع
فأجيحت بما يوضع أي بالثلث فأكثر، فلا خلاف أنه يحط عن المشتري مقابل المجاح من
الثمن. واختلف هل يحط من الكيل المستثنى بقدر ما أجيح وهو رواية ابن القاسم وأشهب
وابن عبد الحكم عن مالك وبها قال ابن القاسم وأصبغ، وروى ابن وهب أنه لا يحط من
الكيل المستثنى شئ ومشى المؤلف على الرواية الأولى، وبها صدر ابن الحاجب وعطف
الثانية ب قيل وإلى ذلك أشار المؤلف بقوله: يضع عن مشتريه يعني أنه يوضع من الكيل
المستثنى بقدر ما أجيح فتأمله والله أعلم. واحترز بقوله: تجاح مما يوضع مما لو أجيح دون
الثلث فإنه لا يوضع من المستثنى شئ. ويأخذ البائع جميع ما استثنى قاله في التوضيح
اختلاف المتبايعين. تكلم في المدونة على مسائله في السلم الثاني وتضمين الصناع والخيار
وتكلم على بعض مسائله في غير ذلك.
فصل
ص: (إن اختلف المتبايعان في جنس الثمن) ش: يريد أو المثمون قال ابن عرفة:
467

إن اختلفا في جنس أحد العوضين كتمر وبر تحالفا وتفاسخا اه‍ ص: (وفي قدره كمثمونه)
ش: أي اختلافهما في قدر مثمونه، وأما اختلافهما في جنس المثمون أو نوعه فداخل في
اختلافهما في جنس الثمن كما تقدم، ويحتمل أن يكون التشبيه راجعا لجميع ما تقدم وهو
الظاهر والله أعلم.
مسألة: إذا اختلفا فقال: بعتني نصف جاريتك فقال: بل ربعها فقال في أول رسم من
سماع ابن القاسم من كتاب الشركة: لو أن رجلا أتى إلى رجل فقال: بعتني نصف
جاريتك، فقال له صاحبها: ما بعتك إلا ربعها، حلف وكان القول قوله مع يمينه. ولو أن
صاحبها قال لصاحبه: قد بعتك نصف جاريتي وطلب منه الثمن فقال: ما اشتريت منك إلا
ربعها، كان القول قوله مع يمينه. قال ابن رشد: ظاهره أن القول قول من ادعى الأقل منهما
مع يمينه كان البائع أو المبتاع، فإن نكل عن اليمين حلف الذي ادعى النصف واستحقه إن
كان هو المبتاع، أو استحق ثمنه إن كان هو البائع. وقال أبو إسحاق التونسي: الصواب أن
يتحالفا ويتفاسخا لأنهما وإن لم يختلفا في الثمن فمن حجة المبتاع أن يقول: لم أرض شراء
الربع وإنما رغبت في النصف. قال: ولعل ذلك إرادته الرواية فيكون إنما قصد إلى أنه لا
يصدق مدعي النصف في الربع ولم يتكلم على تمام التحالف. ولم يقل أبو إسحاق إنهما
يتحالفان ويتفاسخان إذا ادعى البائع أنه باع النصف وقال المشتري: لم أشتر إلا الربع سكت
عن ذلك، فانظر هل يستويان عنده أو بينهما فرق؟ والأظهر عندي الفرق بينهما، ولا اختلاف
في أنهما لا يتحالفان ويتفاسخان إذا كان البائع يدعي أنه باع النصف، وإنما الخلاف هل
يتحالفان ويتفاسخان أم لا إذا كان المبتاع هو يدعي النصف لأن الجملة قد يزاد في ثمنها،
فمن حجة المشتري أن يقول: لا أرضى أن آخذ الربع بالسوم الذي اشتريت به النصف والبائع
إذا أخذ منه الربع بالسوم الذي رضي أن يبيع به النصف لم يكن له حجة اه‍. ص: (أو قدر
أجل) ش: أي اختلفا في قدر الاجل فقال البائع: إلى شهر وقال المبتاع: إلى شهرين، فإن
468

كانت السلعة لم تفت فإنهما يتحالفان ويتفاسخان، وأما إذا فاتت فإن القول قول المبتاع قاله
في تضمين الصناع من المدونة. واعلم أن الاختلاف في الاجل على ثلاثة أوجه: الأول: أن
يختلفا في أصل الاجل فيدعي البائع الحلول ويدعي المشتري التأجيل. الثاني: أن يتفقا على
التأجيل ويختلفا في قدر الاجل. الثالث: أن يتفقا على التأجيل وعلى قدر الاجل ويختلفا في
حلوله. وأما المسألة الأولى فلم يذكرها المصنف وذكر الثانية والثالثة، فالثانية هي قوله في
هذه القولة: وقدر أجل والثالثة هي قوله بعد هذا: وإن اختلفا في انتهاء الاجل فالقول
لمنكر التقضي. وذكر في كتاب تضمين الصناع من المدونة الثلاث، وذكر أن حكم
المسألة الأولى والثانية إذا كانت السلعة قائمة سواء وهو أنهما يتحالفان ويتفاسخان، وأما إذا
فاتت السلعة بحوالة سوق فاعلا فالقول في المسألة الأولى قول البائع لأن المشتري مدعي
469

الاجل، وفي الثانية قول المشتري يريد إذا ادعى ما يشبه كما يفهم من كتاب السلم الثاني.
وأما المسألة الثالثة فذكر في تضمين الصناع أن القول قول المبتاع وهو موافق لما قاله
المصنف أعني قوله: فالقول لمنكر التقضي وإنما قال: لمنكر التقضي ولم يقل للمبتاع
ليدخل في ذلك المسلم إليه فإن القول قوله إذا اختلفا في حلول الأجل.
تنبيه: يقيد قول المصنف: فالقول لمنكر التقضي بما إذا ادعى ما يشبه كما قاله في
السلم الثاني من المدونة. ص: (وصدق من ادعى الأشبه وحلف إن فات) ش: في كثير من
النسخ: مشتري وهو تصحيف. والذي في نسخة الشارح في الأصغر: وحلف من ادعى
الأشبه بلفظ من الصادقة على البائع والمشتري وهذا كالقيد لقوله تحالفا وتفاسخا يعني
أن محل التحالف والتفاسخ إذا ادعيا ما لا يشبه أو ادعيا معا ما يشبه، أما إن ادعى أحدهما ما
يشبه فإنه يصدق لكنه إنما يصدق بشرطين: الأول منهما أن يحلف. الثاني أن تكون السلعة
470

فائتة. فقوله: إن فات شرط في قوله: وصدق من ادعى الأشبه. ومفهوم قوله: إن فات
أنه إن لم تفت السلعة لم يصدق من ادعى الأشبه وهو المشهور كما قاله في التوضيح، وانظر
كلام المدونة في السلم الثاني. ص: (فالأصل بقاؤهما إلا لعرف) ش: قال في اللباب:
الخامس أن يختلفا في القبض والأصل بقاء كل عوض بيد صاحبه، فإن قامت بينة أو ثبت
عرف عمل عليه وقد ثبت فيما يباع في الأسواق في اللحم والخبز والفاكهة وشبه ذلك، فإن
قبضه المبتاع وبان به فالقول قوله في دفع العوض، وإن لم يبن به فالقول قوله أيضا عند ابن
القاسم. وقول البائع في " رواية أشهب. وقال يحيى بن عمر: القول قول المشتري فيما قل وفي
البيع فيما كثر، وأما غير ذلك من السلع والحيوانات والعقار فإن القول فيه قول البائع مع
يمينه ما لم يمض من الزمان ما لا يمكن الصبر إليه كالعشرين سنة ونحوها. ابن بشير:
وذلك راجع إلى العادة اه‍. وانظر ابن بشير فدخل تحت الكاف في قول المصنف: كلحم
471

كما إذا طال الزمان في غير اللحم والبقل طولا يقتضي أنه لا يصير إليه بترك القبض ص:
(وإلا فلا إن ادعى دفعه بعد الاخذ) ش: وهذا كله إذا كان المشتري قد قبض السلعة. قال
في التوضيح عن البيان: وأما إن لم يقبض المشتري المثمون وادعى أنه دفع الثمن فلا خلاف
أنه لا يعتبر قوله اه‍. ص: (وإلا فهل يقبل الدفع أو فيما هو الشأن أو لا أقوال) ش: يعني
أنه إذا ادعى المشتري أنه دفع الثمن قبل أن يقبض السلعة فاختلف، هل يقبل قوله في الدفع
أو لا يقبل قوله، أو يقبل فيما هو الشأن؟ ذكر هذه الأقوال ابن رشد في رسم الأقضية من
سماع أشهب من جامع البيوع. ووجه القول بأنه يقبل قول المبتاع بأنه قد كان من حق البائع
أن لا يدفع سلعته للمبتاع حتى يقبض ثمنه، فدفعه إليه السلعة دليل على أخذ الثمن. ووجه
القول الثاني أن المبتاع مقر بقبض المثمون دفع بدفع الثمن. ووجه الثالث ظاهر. وبهذا يظهر
الفرق بين ما إذا ادعى الدفع قبل الاخذ وبين ما إذا ادعى الدفع بعده. فإنه إذا ادعى الدفع قبله
كان قبضه للسلعة كالشاهد لأن من حق البائع منعه منها حتى يقبض الثمن، وأما إذا ادعى
472

الدفع بعد أخذ السلعة فقد وافق على أنه قبض السلعة ولم يدفع الثمن وإنما دفعه بعد ذلك
فهو مدع للدفع فعليه البينة، على أن ابن محرز والرجراجي لم يفرقا بين دعواه الدفع قبل أخذ
السلعة أو بعدها، ونقل ابن عرفة كلام ابن محرز وعارض فيه كلام ابن رشد ص: وإشهاد
المشتري بالثمن مقتض لقبض مثمنه) ش: قال الشارح: يريد أن المشتري إذا أشهد على
نفسه أن الثمن في ذمته فإن ذلك مقتض لقبض مثمونه وهو السلعة إلى آخر كلامه.
تنبيه: وفي رسم الكراء والأقضية من سماع أصبغ أن إشهاد المشتري على البائع بدفع
الثمن إليه مقتض لقبض السلعة إذا قام بعد شهر فأكثر. فيكون القول قول البائع أنه دفعها
بيمينه. قال: وإن قام بالقرب كالجمعة فالقول قول المشتري أنه لم يقبض وعلى البائع البينة.
قال في المسائل الملقوطة: مسألة فيمن باع عرضا أو حيوانا إلى أجل وكتب به وثيقة فلما
حل الاجل أنكر المشتري أن يكون قبض السلعة، فهو مصدق إلا أن تعاين البينة قبضه من
الاحكام لمسائل الاحكام اه‍ كلامه فتأمله والله أعلم ص: (كإشهاد البائع بقبضه) ش: بذلك
أفتى بعض المالكية في القرض فتأمله والله أعلم. وانظر رسم الأقضية من سماع أصبغ من
جامع البيوع، وانظر البرزلي في مسائل البيوع ص: (وفي ألبت مدعيه) ش:
فرع: فإن اتفقا على أن البيع وقع على خيار وادعى كل واحد منهما أن الخيار له دون
صاحبه، فقيل يتحالفان ويتفاسخان، وقيل يتحالفان ويكون البيع بتا، والقولان لابن القاسم في
473

العتبية. قاله الرجراجي في السلم الثاني ص: (وهل إلا أن يختلف بها الثمن) ش: أي
474

بالصحة مثال ذلك إذا ادعى أنه باعه الام دون ولدها بمائة وادعى المشتري أنه اشتراها مع
ولدها. قاله البساطي. قلت: ومن الأول ما إذا ادعى البائع أنه باعها بمائة مثلا وقال المشتري:
اشتريتها بقيمتها أو بما تساوي وكانت قيمتها دون ذلك ص: (وإن ادعيا ما لا يشبه فسلم
وسط) ش: تصوره من كلام ابن غازي ظاهر.
فرع: قال في المتيطية في ترجمة السلم الفاسد: وإن تناقضا السلم واختلفا في مبلغ
رأس المال فالقول قول الذي عليه السلام اه‍. يريد والله أعلم إذا أتى بما يشبه.
475

كتاب السلم
ص: (باب شرط السلم قبض رأس المال كله) ش: قال ابن عرفة: السلم عقد
معاوضة يوجب عمارة ذمة بغير عين ولا منفعة غير متماثل العوضين. فيخرج شراء الدين وإن
ماثل حكمه حكمه لأنه لا يصدق عليه عرفا والمختلفان يجوز اشتراكهما في شئ واحد.
والكراء المضمون والقرض ولا يدخل إتلاف المثلي غير عين ولا هبة غير معين انتهى. وأما
حكمه فقال المشذالي في حاشيته في أول السلم الأول: صرح في المدونة بأنه رخصة
مستثنى من بيع ما ليس عندك انتهى. وقال ابن عبد السلام: والشروط التي يذكرها المؤلف
يعني ابن الحاجب هي في جوازه فحكمها أجدر بالجواز لقوله تعالى: * (وأحل الله البيع) *
[البقرة: 275] وللحديث: من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم والاجماع على جوازه انتهى.
476

تنبيه: قال الجزولي في الكبير: روي عن ابن عمر كراهة تسميته بالسلم قال: لأن
السلم اسم الله فكرهه لأن فيه تهاونا. قال في المدارك: وكان شيخنا يكره تسميته بالسلم ثم
قال: والصحيح أنه يجوز أن يسمى بالسلم انتهى. وقال ابن عبد السلام: وكره بعض السلف
لفظة السلم في حقيقته العرفية التي هي أحد أنواع البيع، ورأي أنه إنما يستعمل لفظ السلف
أو التسليف صونا منه للفظ السلم عن التبذل في الأمور الدنيوية، ورأي أنه قريب من لفظ
الاسلام ثم قال: والصحيح جوازه لا سيما وغالب استعمال الفقهاء إنما هو صيغة الفعل
مقرونة بحرف في فيقول: أسلم في كذا، فإذا أرادوا الاسم أتوا بلفظة السلم، وقل ما
يستعملون لفظة الاسلام في هذا الباب. وفي الصحيح أن رسول الله (ص) قال: من أسلم
فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم اه‍. وقال في المتيطية بعد أن ذكر
في صفة الوثيقة أنك تقول: أسلم فلان ابن فلان الفلاني إلى فلان ما نصه: قولنا في أول هذا
النص: أسلم فلان ابن فلان إلى فلان هو الصواب. وإن قلت سلف وكلاهما حسن، وإن
شئت ابتدأت العقد بدفع فلان إلى فلان كذا وكذا سلما. وقال ابن العطار في وثائقه: جائز
أن يقول سلم وأسلم. وفي وثائق محمد بن محمد الباجي: جائز أن يقول سلم وأسلف.
ويكره أن يقول أسلم فلان. وروى ذلك عبد الله عن ابن عمر وقال: إنما الاسلام لله رب
العالمين اه‍. وقول المصنف: قبض رأس المال كله تصوره من كلام الشارح ظاهر. وقال
ابن عبد السلام: لا أعلم خلافا في كون تعجيل رأس المال عزيمة وأن الأصل التعجيل وإنما
الخلاف هل يرخص في تأخيره.
تنبيه: قال المتيطي بعد أن ذكر صفة وثيقة تكتب فيما إذا تعاقدا السلم على الصحة
ثم امتنع المسلم من الدفع أو المسلم إليه من القبض حتى حل أجل السلم ما نصه: فإذا
ظفر الطالب منهما بالفار وأثبت هذا العقد على عينه أو لم يظفر به وأثبته في مغيبه، قضى
السلطان عليه بإمضاء الصفقة إن كان الفار من المسلم إليه بعد الاعذار إليه وعجزه عن
الدفع، وأخذه ذلك منه في حضوره للمسلف بعد حلول الأجل وفي مغيبه يقضى بذلك عليه
في ماله وترجى له الحجة إلى حضوره. وإن كان المسلم إليه هو الطالب للمسلف فلا
يقضى على المسلف بشئ ويفسخ السلف، وإن كان المسلف هو الفار ثم جاء يطلب
المسلم إليه وأبى المسلم إليه من إمضاء السلف لم يقض عليه بذلك، وإذا وقع بين
المتصارفين مثل هذا أو فر " أحدهما لزم الفار منهما الصرف متى ظفر به اه‍. وانظر كلام ابن
عبد السلام فإنه يظهر منه أن الكلام إنما يأتي على القول بعدم فساد السلم إذا تأخر زمنا
طويلا من غير شرط، وانظر أيضا كلام الذخيرة. وانظر ما ذكره في المتصارفين مع ما تقدم
477

لسند عند قول المصنف في باب الخيار وبدء المشتري للتنازع والله أعلم ص: (وفي
فساده بالزيادة أن تكثر جدا تردد) ش: اعلم أن القول بالفساد والقول بعدمه كلاهما لمالك
في المدونة، فأشار بالتردد لتردد سحنون في النقل عنه والقول بالفساد هو في السلم الثاني
ونصه على قول ابن عرفة: وفي التهذيب: وإن ادعى أحدهما أنه لم يضر بالرأس المال أجلا
وأن رأس المال تأخر شهرا بشرط وأكذبه الآخر، فالقول قول مدعي الصحة. قال عبد الحق:
نقص أبو سعيد من هذه المسألة لأن نصها في الام: قال الذي عليه السلام: لم أقبض رأس
المال إلا بعد شهر أو شهرين أو كان شرطنا ذلك. فاقتصر أبو سعيد على مسألة الشرط وترك
الأخرى وهي يستفاد منها أن تأخير رأس المال البعيد يفسده، والقول بعدم الفساد قال في
التوضيح: هو قوله في الثالث إن تأخرا أكثر من ثلاثة أيام من غير شرط الأمد اليسير فيجوز ما
لم يحل الاجل فلا * يجوز اه‍. وقوله: ما لم يحل الاجل هو الذي أشار إليه المؤلف بقوله:
ما لم يكثر جدا والله أعلم. ونحوه ما قاله ابن عرفة عن ابن الحارث في السلم ونصه ابن
حارث: اتفقوا على أنه لا يجوز تأخير رأس ماله المدة الطويلة اه‍. وقال ابن عبد السلام: إن
أخر رأس مال السلم أكثر من يومين على القول الأول يعني في كلام ابن الحاجب أو أكثر
من ثلاثة وذلك بغير شرط، فهل يبطل السلم؟ في ذلك قولان: أحدهما فساد السلم وهو
مذهب المدونة، والثاني أنه لا يفسد وهو قول ابن القاسم وأشهب، والقولان معا لمالك.
والذي ذكرناه عن المدونة منهما هو ظاهر منها في بعض المواضع، وفي موضع آخر منها: إن
تأخر رأس مال السلم أكثر من ثلاثة أيام من غير شرط فيجوز ما لم يحل الاجل فلا يجوز،
والأقرب أن السلم فاسد لاستلزامه الوقوع في بيع الدين بالدين اه‍. وقال ابن بشير: إذا تأخر
رأس مال السلم فلا يخلو إما أن يكون بشرط أو بغير شرط، فإن كان بشرط فطال الزمان
المشترط فهو عقد فاسد يفسخ إن ترك وإن قصد جاز، وحد هذا في الكتاب باليومين، وفي
كتاب الخيار بالثلاثة، وإن طال بغير شرط فلا يخلو إما أن يكون رأس المال يعرف بعينه
كالعرض والحيوان، أو لا يعرف كالنقدين. وإذا كان يعرف فلا يخلو إما أن يكون مما يغاب
عليه كالثياب وما في معناها أو لا يغاب عليه كالحيوان، فإن كان من العروض التي يغاب
عليها كره ولم يفسخ إن ترك، وإن كان مما لا يغاب عليه فقد جعله كالوديعة عند السلم
فإنه يكره، وإن كان مما لا يعرف بعينه كالنقدين فقولان: أحدهما أنه يفسخ إن نزل وهو
المشهور لحصول الدين بالدين، والثاني أنه لا يفسخ لأنهما لم يدخلا على التأخير اه‍. فعلم
من كلامه أنه إذا زاد التأخير على الثلاثة بغير شرط كان تأخيرا طويلا، لأن حد القصير ما
478

كان دون الثلاث، وأن المشهور أنه يفسخ وحيث كان هذا القول بهذه المثابة فكان ينبغي
للمؤلف أن يقتصر عليه والله أعلم. ص: (وجاز بخيار لما يؤخران لم ينقد) ش: قال في
المدونة في كتاب الخيار: ولا بأس بالخيار في السلم إلى أمد قريب يجوز تأخير النقد إلى
مثله كيومين أو ثلاثة إذا لم يقدم رأس المال، فإن قدمه كرهت ذلك لأنه يدخله بيع وسلف
جر منفعة، وإن تباعد أجل الخيار كشهر أو شهرين لم يجز قدم النقد أم لا؟ ولا يجوز الخيار
في شئ من البيوع إلى هذا الاجل، فإن عقد البيع على ذلك ثم ترك الخيار مشترطه قبل
التفرق لم يجز لفساد العقد اه‍. قال عياض في التنبيهات: ابن محرز: ظاهر قوله أنه تكلم إذا
كان رأس المال عينا ولم يذكر لو كان عبدا أو دابة أو دارا، واستصوب أن يعتبر الجنس
الذي هو رأس المال السلم الذي اشترط الخيار فيه فيضرب له من الاجل أجل مثله. عياض:
ظاهر الكتاب يدل على خلاف اختياره وتعليله بأن لهما إجازة ذلك لأنه يجوز أن يؤخر رأس
المال يومين أو ثلاثة. وقوله فلما اشترط الخيار إلى الموضع الذي يجوز تأخيره إليه جاز وهو
أبين. ولأنا إذا ضربنا مثل ذلك الاجل في السلم فحش وكثر فيه العذر ولم يدر مسلم الدار
متى يختارها صاحب الطعام. هل الساعة فيكون انتظار قبض طعامه إلى شهر، أو هل يختارها
آخر الشهر فيستأنف انتظار سلمه منه إلى شهرين وقد تتضع الأسواق أو ترتفع؟ اه‍ وقال ابن
عبد السلام: لا يجوز أن يكون أمد الخيار هنا أكثر من يومين، وسواء كان الخيار مما يجوز
الخيار فيه ثلاثة أيام باتفاق ولا أكثر من يومين على قول من يمنع تأخير رأس المال السلم
أكثر من يومين، وسواء كان رأس المال مما يجوز الخيار فيه لو بيع بالنقد أكثر من ثلاثة أيام
أو لا. اه‍. وذكر ابن عرفة كلام ابن محرز ورده من وجه آخر، ونصه ابن محرز: ظاهر قولها
إن رأس المال عين وربما كان عبدا أو دابة أو ثيابا أو دارا وأمد الخيار يختلف في هذه
الأشياء بيعت بنقد أو تأخير، فالصواب عندي أن يعتبر ذلك فيها فيضرب فيها من الاجل
بقدر ما يحتاج إليه.
قلت: لا يلزم من الحكم بسعة أمد الخيار فيما بيع عليه بدين كونه أي الخيار كذلك
إن كان رأس المال سلما لأن الموجب للفساد في تأخير رأس مال السلم إنما هو الاجل
الذي يؤل به أمرهما إلى الدين بالدين والأجل في بيع الاجل بعين أضعف منه بالسلم، لأنه
في بيع الاجل قابل للسقوط بتعجيل المدين الثمن ويجبر ربه على قبضه بخلاف السلم، ولا
يلزم من عدم تأثير الاجل المعروض للسقوط الفاسد عدم تأثير الاجل القوي ذلك اه‍. وقول
479

المصنف: إن لم ينقد مفهومه إن نقد لا يصح وهو كذلك. قال في التوضيح: الثاني يعني
من شرطية أن لا ينقد ولو تطوعا وإلا فسد اه‍. وقال ابن عبد السلام بعد أن تكلم على هذا
الشرط وبحث فيه ما نصه: وهذا كله بعد تسليمه إنما يتم إذا كان رأس المال مما لا يعرف
بعينه كالدنانير والدراهم، وأما إن كان مما يعرف بعينه كالثياب والحيوان وغيرهما فيجوز فيه
التطوع بالنقد اه‍. ونقله في التوضيح ونحوه في ابن عرفة.
تنبيه: قال أبو الحسن عن عبد الحق: قال بعض القرويين: وإذا تطوع بالنقد في الخيار
في السلم فأخبر بإفساد ذلك فرجع فأخذ ما نقد قبل تمام الخيار أو بعده صح السلم، لأن
عقده في الأصل صحيح وإنما أفسده ما أحدثاه، فإذا أبطلا ما أحدثا لم يبطل العقد صحيح
اه‍. وأما اشتراط النقد فهو مفسد لبيع الخيار، وتقدم عن عبد الحق أنه ينبغي أن لا يصح
البيع وإن أسقط شرط النقد فأحرى هنا والله أعلم ص: (وبمنفعة معين) ش: قال ابن عرفة:
ولو حل أجل الطعام المسلم فيه قب استيفاء المنفعة التي هي رأس المال اه‍. ونقله عن ابن
حارث والله أعلم ص: (وبجزاف) ش: قال ابن الحاجب: والمجازفة في غير العين جائزة
كالبيع اتفاقا اه‍. وقوله: غير العين يريد الدنانير والدراهم. قال في المدونة: ولا بأس أن
يسلم تبرا أو نقارا من فضة أو ذهب جزافا لا يعلمان وزنهما في سلعة إلى أجل اه‍. وإنما
قال المصنف: بجزاف وأطلق لأن مراده شروطه المتقدمة في البيع. قال في الشامل: وجاز
بمنفعة معين وجزاف بشرط على المعروف اه‍. والله أعلم ص: (وتأخير حيوان بلا شرط)
ش: قال في أوائل السلم الثاني من التهذيب: وإذا كان رأس مال السلم عرضا أو طعاما أو
حيوانا بعينه فتأخر قبضه الأيام الكثيرة أو الشهر أو إلى الاجل وإن كان ذلك بشرط فسد
480

البيع، وإن لم يكن بشرط وكان ذلك هروبا من أحدهما فالبيع نافذ مع كراهة مالك لهما في
ذلك التأخير البعيد بغير شرط اه‍. وظاهر هذا اللفظ أن تأخير الحيوان مكروه وليس كذلك
لما تقدم في كلام ابن بشير وصرح به في المدونة في غير هذا الموضع. وفي الجواهر: أما
تأخيره فالشرط زيادة على الثلاث يفسد العقد، وأما بغير الشرط ففي الفساد قولان في العين
خاصة ولا يفسد تأخير العرض ولكن يكره اه‍. فعلم من كلام ابن بشير المتقدم عند قوله:
وفي فساده بالزيادة وكلام المدونة المذكور، ومن كلام الجواهر أن الزيادة على الثلاث
بشرط مفسدة في العين وغيرها والله أعلم ص: (وهل الطعام والعرض كذلك إن كيل
وأحضر كالعين تأويلان) ش: يحتمل على بعد أن يقال: إن المصنف إنما قصد بقوله:
كالعين أنهما شبيهان بالعين وإن كيلا وأحضروا في كونهما يغاب عليهما فيكون التأخير
فيهما مكروها لقربهما من العين الممنوع فيها التأخير، فإنه لا يلزم أن يكون المشبه في منزلة
المشبه به، أو شبههما بالعين لأن المطلوب فيهما التعجيل كما هو مطلوب في العين ولكن
الطلب مختلف وهو بعيد جدا، والظاهر أنه مشى على ما قال في التوضيح: ينبغي أن تحمل
الكراهة على التحريم والله أعلم.
تنبيه: قال ابن غازي: قال ابن عبد السلام: قال بعضهم: الكراهة في الطعام أشد
انتهى. وكان ابن غازي لم يره لمن هو أقدم من ابن عبد السلام، وقد نقله أبو الحسن في
التقييد الكبير عن ابن يونس عن بعض القرويين، ونصه ابن يونس: قال بعض أصحابنا: هذه
المسألة على ثلاثة أوجه: إن كان رأس المال حيوانا أو رقيقا فتأخر قبضه الأيام الكثيرة أو إلى
أجل فالبيع نافذ بغير كراهية، وإن كان عرضا يغاب عليه فالبيع نافذ مع الكراهية، وإن كان
عينا فتأخر كثيرا أو إلى أجل فسد البيع لأنه لا يعرف فأشبه ما في الذمة فصار الدين بالدين.
قال بعض القرويين: هذا إذا كان الثوب غائبا، ولو كان حاضرا حين العقد لا نبغي أن يكون
كالعبد لا كراهية في تأخيره والطعام أثقل منه إذ لا يعرف بعينه، والعين أشد من الطعام لأن
الطعام يشترى لعينه والعين لا يرد لعينه فهو كغير العين، فتأخيره يكون دينا بدين انتهى ص:
(ورد زائف) ش: رد مصدر مضاف للمفعول كما قال ابن غازي، ويرد المصنف ولو بعد
481

شهر أو شهرين من يوم قبض رأس المال كما ستقف عليه في المدونة ص: (وعجل) ش:
يريد بالتعجيل أنه لا يتأخر البدل أكثر من ثلاثة أيام، وأما تأخير البدل إليها فجائز ولو بشرط
كما ستقف عليه في لفظ المدونة. قال في التوضيح: وإن حصل قبض رأس المال حسا لم
يحصل معنى كما لو اطلع المسلم إليه على أن بعض الدراهم ناقص أو زائف ففي مختصر
ابن شعبان: إذا جاءه بدرهم ناقص فاعترف الآخر به أنه ينقص من السلم بقدره. ولا شك أن
هذا الباب أخف من الصرف فما جاز في الصرف يجوز هنا أولى، والمشهور هنا هو مذهب
المدونة جواز البدل وتأخيره اليومين والثلاثة انتهى. وفي سلمها الأول: وإذا أصاب المسلم
إليه رأس المال نحاسا أو رصاصا بعد شهر أو شهرين فله البدل ولا ينتقض السلم إلا أن
يعملا على ذلك ليجيزا بينهما الكالئ بالكالئ فيفسخ ذلك اه‍. فهذا يدل لي قولي يريد
ولو بعد شهر أو شهرين إلى آخره. وفي التوضيح: المشهور وهو مذهب المدونة جواز البدل
وتأخيره اليومين والثلاثة اه‍. ويشير إلى قوله في المدونة إثر الكلام المتقدم: وإن ردها عليك
فقلت: سأبدلها بعد يوم أو يومين جاز، لأن ذلك كتأخير رأس مال السلم بشرط يومين ونحو
ذلك لا أكثر اه‍. وهذا مستند قولي يريد بالتعجيل أن لا يتأخر إلى آخره.
تنبيهان: الأول: قوله في المدونة في كلامه المتقدم إلا أن يعملا على ذلك إلى آخر،
هذه الزيادة هي قول أشهب، كذا جعلها ابن يونس. قال ابن عبد السلام: والذي قاله يعني
أشهب لا يختلف فيه اه‍. قال أبو الحسن الصغير:: وأمرهما محمول على السلامة حتى يتعين
غير ذلك اه‍. ولهذا قال بعض الموثقين على ما نقل في التوضيح: وهذا عندي لا يعرف إلا
ببينة تشهد على أصل تعاقدهما في الشراء أو بإقرارهما.
الثاني: جعل في الشامل من شرط جواز البدل أن لا يكون نحاسا ولا رصاصا وهو
يشير إلى ما نقل في التوضيح وغيره عن سحنون أنه فسر ما في المدونة وبأن الدراهم
مكروهة أو زيوف ولو كان نحاسا أو رصاصا ما حل أخذها ولا التبايع بها اه‍. وما قاله
سحنون قال فيه أبو عمران: إنه خلاف ظاهر المدونة. ونقل في التوضيح قول أبي عمران
وأقره وهو الظاهر من لفظ المدونة المتقدم ولكن سحنون هو العالم بها وبمهماتها والله أعلم
482

ص: (وإلا فسد ما يقابله لا الجميع على الأحسن) ش: أي وإن لم يعجل بل تأخر أكثر
مما قلنا وهو أكثر من ثلاثة أيام فسد، وظاهره سواء تأخر بشرط أو بغير شرط وهو ظاهر كلام
أبي الحسن في الكبير. قال في المدونة: إن قلت سأبدلها إلى شهر أو شهرين لم يجز إذ لا
يجوز تأخير رأس المال بشرط إلى هذا اه‍. قال أبو الحسن: يريد ولو بغير شرط اه‍. وقال ابن
بشير: وإن كان التأخير بغير شرط ففيه القولان إذا كان عينا هل يفسخ أم لا اه‍. وقد تقدم
عنه أن المشهور الفساد والله أعلم. واعلم أنه لا يفسد السلم نفس دخولها على الشرط فإنه
نقل ابن عرفة عن ابن محرز أنه قال: قال لنا أبو بكر بن عبد الرحمن: لو ترك قوله يعني في
المدونة سأبدلها لك بعد شهرين وأدرك بعد يومين فسخ الشرط وأخذ بالرفع وإن لم يدرك
حتى طال، فسخ السلم من أوله لأنهما عملا عليه. وقال بعضهم: لا ينتقض السلم لأنه وقع
صحيحا، وينتقض ما أخره فقط، وأراه قول أبي عمران وهو أشبه اه‍. وقال ابن محرز: هو
الأشبه اه‍. قال ابن غازي: كأنه الذي أشار إليه المصنف بالأحسن، ويحتمل أن يكون أشار
بالأحسن لاختيار الشيخ أبي إسحاق الذي نقله المتيطي ونصه: فلو أخره ببدل الزيوف يوما
أو يومين جاز، ولا يجوز أكثر من ذلك. قال أبو إسحاق: ويجبر على بدلها فإن تأخر ذلك
إلى الاجل فالأشبه أن ينتقض القدر الذي تأخر وحده ولا ينتقض جميع السلم اه‍. ويحتمل
أن يكون أشار به إليهما جميعا والله أعلم.
تنبيهات: الأول: جعل ابن بشير محل هذا الكلام كله إذا قام بالبدل قبل حلول الأجل
، فإن لم يقم بالبدل إلا عند حلول الأجل جاز تأخيره ما شاء وهكذا قال أشهب، إذا
لم يبق إلا اليومان أو الثلاثة. وهذا جار على المشهور من المذهب أن تأخير رأس مال السلم
يومين أو ثلاثة لا يعد دينا بدين اه‍. ونقله ابن عرفة.
الثاني: قال اللخمي في السلم الأول: إذا كان رأس مال السلم شيئا مما يكال أو يوزن
فرده بعيب انتقض السلم إن كان انعقاد السلم على شئ بعينه، ولو لم يكن معينا وكان
موصوفا على من أجاز الموصوف على الحلول لم ينتقض السلم. يرده بالعيب وإن كان
الحكم الرجوع بمثله اه‍. وقوله على من أجاز الموصوف نقله في الشامل وجزم به فقال: وإن
رد رأس المال بعيب وهو غير عين رجع بمثله وإلا بطل اه‍.
483

الثالث: قال اللخمي: إذا وجب انتقاض السلم لرد رأس المال بعيب وكان بعد قبض
المسلم فيه فإن كان قائما بيد المسلم رده، وإن حالت سوقه أو حدث به عيب أو خرج من
يده نظرت، فإن كان المسلم فيه عروضا أو عبيدا أو حيوانا رد قيمته يوم قبضه، ولو كان
الآن موجودا في يده وإن كان مما يكال أو يوزن كالطعام والحديد والنحاس كان لبائعه أن
يأخذ عينه إن كان موجودا بيد المسلم أو مثله إن لم يكن موجودا ولا تفيته حوالة الأسواق
اه‍. ونقله ابن عرفة ونقله في الشامل وزاد بعد قوله حوالة على المنصوص فإن اللخمي خرج
فيه قولا بأن حوالة الأسواق تفيته والله أعلم.
الرابع: إذا شرط تعين الدنانير والدراهم فقيل الشرط لازم، وقيل لا يلزم، وقيل لازم إن
كان من بائع الدنانير وساقط من مشتريها. فعلى الأول الحكم ما تقدم في كلام المصنف،
وعلى لزوم الشرط يجوز الخلف إذا رضيا جميعا ولا يدخله الكالئ لأنه إذا صح التعين صار
بمنزلة لو كان رأس المال ثوبا أو عبدا فإذا ردها انتقض السلم وما تراضيا عليه سلم مبتدأ.
وعلى الثالث إن شرط ذلك المسلم لها جاز الخلف إذا رضي وحده وإلا فسخ، وإن شرط
السلم عاد الجواب كالقول الأول. وقد اختلف فيمن شرط شرطا ليس بفاسد ولا يتعلق
بالوفاء به منفعة، هل يلزم الوفاء به من الدنانير والدراهم لا تختلف الأغراض فيها إلا أن يعلم
أن ذلك شرط كان المعنى أن يشترط ذلك بائعها لا شئ عنده سواها، ويكون له شئ يضيق
عليه بيعه لخلفها. أو يشترط ذلك مشتريها لحلها فيكون لكل شرطه لأنه شرط يتعلق به
منفعة؟ اه‍ باختصار من اللخمي.
الخامس: إذا ظهر على عيب في المسلم فيه بعد قبضه لم ينتقض السلم بحال،
وسواء كان السلم في عبد أو ثوب أو ما يكال أو يوزن، وللمسلم أن يرد بالعيب ويرجع
بالمثل في الذمة بمنزلة ما لم يقبض ذلك ولو كان ظهور العيب بعد حوالة سوقه لأن حوالة
الأسواق لا تفيت الرد بالعيب، وإن حدث عنده عيب كان له أن يرد ويغرم ما نقصه العيب
ويرجع بمثل الصفقة التي كان أسلم فيها، فإن أحب الامساك أو كان خرج من يده بهبة ثم
اطلع على عيب فقيل يغرم قيمة ما قبض معيبا ويرجع بالصفقة، وقيل يرجع بقدر ذلك العيب
شريكا في الصفقة، فإن كانت قيمة العيب الربع رجع بمثل ربع الصفقة التي أسلم فيها
شريكا للمسلم إليه، وقيل يرجع بقيمة العيب من الثمن الذي كان أسلم. اللخمي: وأرى أن
يكون المسلم بالخيار بين أن يرد القيمة ويرجع بالمثل وينقص من السلم بقدر العيب. اه‍
باختصار أيضا من اللخمي.
السادس: قال في المدونة: وإن قلت له حين ردها إليك ما دفعت لك إلا جيادا فالقول
قولك وتحلف ما أعطيت إلا جيادا في علمك إلا أن يكون إنما أخذها منك على أن يزنها
484

منك فالقول قوله مع يمينه وعليك بدلها اه‍. قال أبو الحسن في الكبير: ويحلف الخ. زاد
في الوكالات: ولا أعلمها من دراهمي اه‍. قال أبو الحسن: قال عبد الحق في التهذيب:
يريد ويزيد ما يعلم أنها من دراهمه لأنه في أصل الدفع قد يعطي جيادا في علمه ثم الآن
يعرف أنها من الدراهم. قوله: في علمك قال أبو إسحاق: إلا أن يحقق أنها ليست من
دراهمه فيحلف على ألبت فإن نكل حلف قابضها الراد على ألبت لأنه موقن. اه‍ كلام أبي
الحسن. وقول أبي إسحاق: فإن نكل الظاهر أنه يريد إن نكل سواء حلف على ألبت أو
على العلم إذ لا فرق والله أعلم. وقال في المسائل الملقوطة: إذا ادعى البائع أنه وجد
الدراهم زيوفا فإن قيد عليه في المسطور أنه قبض طيبة فالبائع مدع والمشتري مدعى عليه،
وليس تحليف المبتاع لاقراره بقبضها طيبة جيادا أو إن سقط هذا من العقد حلف له
المشتري. ولو قال له المبتاع ما علمت من دراهمي حلف لقد دفعتها إليها جيادا في علمي
وما علمت هذه من دراهمي، فإن حقق أنها ليست من دراهمه حلف على ألبت، فإن رد
اليمين على البائع حلف على ألبت أنها دراهمه وما خلطها بغيرها ولزمه بدلها ودعوى النقص
كذلك. وإن قيد البائع أنه قبضها تامة لم يحلف له المشتري، ولو دفع له ذلك على
التصديق فينبغي أن يكون القول قول البائع اه‍. وقال أبو الحسن الكبير: وظاهر الكتاب أنه
يحلف على العلم سواء كان صيرفيا أو غير صيرفي. وقال ابن كنانة: أما الصراف فإنه يحلف
في هذا على ألبت اه‍. وقوله: إلا أن يكون إنما أخذها منك الخ قال أبو الحسن في
الكبير: فإن اختلف الدافع والقابض فقال الدافع: إنما أخذتها على المفاصلة وقال القابض:
إنما أخذتها على التقليب، فالقول قول الدافع كالمتبايعين يختلفان في البتل والخيار اه‍.
وانظر قول المؤلف في أوائل البيع: وعدم دفع ردئ أو ناقص.
السابع: قال أبو الحسن في الكبير في شرح هذه المسألة المتقدمة: قال أبو محمد في
النوادر: ولا يجبر البائع أن يقبض من الثمن إلا ما اتفق على أنه جيد، فإن قبضه ثم أراد رده
لرداءته فلا يجبر الدافع على بدله إلا أن يتفق على أنه ردئ اه‍. وتقدم نحو هذا عن النوادر
في باب الخيار عند قول المصنف: وبدء المشتري للتنازع وفي أحكام ابن سهل في
مسائل البيوع: ومن كان عليه دين لأجل فأحضره ليقضيه فقال شاهدان: هو ردئ وقال
آخرون: هو جيد، لم يلزم الذي هو له قبضه إلا أن يشاء حتى يتفق على جودته، وإن قبضه
الذي هو له فلما قلبه ألفاه رديئا بزعمه أو شهد له بذلك شاهد ان وشهد غيرهما أنه يجد لم
يجب له رده إلا بالاتفاق على رداءته اه‍. وأما مسألة الصيرفي يقول في الردئ: إنه جيد أو
يغر من نفسه ويظهر المعرفة، فذكر ذلك في النوادر في أواخر كتاب الغصب وقد ذكر في
المدونة في كتاب تضمين الصناع مسألة الصيرفي يغر من نفسه ونصه: وكذلك الصيرفي
يقول في درهم تريه إياه إنه جيد فيلفي رديئا فإن غر من نفسه عوقب ولم يغرم اه‍. وانظر
485

مسألة الاستئجار في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف فإنه
ذكر أنه إن لم يغر من نفسه فلا ضمان عليه وهل له أجر أم لا؟ قولان. وإن غر من نفسه
فاختلف هل لا ضمان عليه ولا أجرة له أو عليه الضمان وله الأجرة ويحاسبه بها والله أعلم.
ص: (والتصديق فيه كطعام من بيع) ش: هذه المسألة في باب السلم الثاني. قال الشيخ أبو
الحسن في التقييد الكبير: قال ابن الكاتب في الذي أخذ من غريمه الطعام على التصديق:
يحتمل أن لا يجوز تصديقه قبل حلول اه‍ أجل لأنه إذا صدقه الاجل تعجيله قبل لأجل فيدخله
سلف جر منفعة وهو بمعنى: ضع وتعجل منه. فعلى هذا إن قوله في الكتاب: جاز إنما
معناه إذا كان بعد حلول الأجل، وأما إذا كان قبل الاجل فله: ضع وتعجل ويدخل مع ذلك
حط الضمان وأزيدك اه‍. كلام الشيخ أبي الحسن وهو جار على المشهور إذ قد تقدم
للمصنف في أول الصرف أنه لا يحرم التصديق في المعجل قبل أجله.
مسألة: قال ابن رشد في أول رسم من سماع أشهب من كتاب البيوع: من اشترى دارا
أو أرضا أو خشبة أو شقة على أن فيها كذا وكذا ذراعا فقيل ذلك كقوله أشتري منك كذا
وكذا ذراعا، فإن وجد في ذلك أكثر مما سمى من الأذرع فالبائع شريك له بالزيادة كالصبرة
تشترى على أن فيها عشرة أقفزة فيجد أكثر من عشرة فالزائد للبائع، وإن وجد أقل مما نقص
كان أقل كمستحق إن قل لزم المبتاع بأقل بحسابه، وإن كثر كان مخيرا في أخذ ما وجده
أو منابه من الثمن أو رده، وقيل ذلك كالصفة لما ابتاع وإن وجد أكثر مما سمى فهو له، وإن
وجد أقل خير في أخذه بجميع الثمن أو رده، والقولان قائما من المدونة من تضمين الصناع
ومن رسم أوصى من سماع عيسى من جامع البيوع اه‍. من ابن عرفة مختصرا. وقال ابن رشد
486

في رسم أوصى من سماع عيسى: إن الثاني من القولين هو الأظهر والله أعلم. ونقل ابن عرفة
هذا جميعه في أواخر بيع الخيار من مختصره، وانظر نوازل سحنون من جامع البيوع في
مسألة بيع الخيار والشقة والخشب على أن فيها كذا وكذا ذراعا ثم يوجد أقل من ذلك أو
أكثر والله أعلم. ص: (ثم لك أو عليك الزائد المعروف والنقص) ش: يريد سواء قامت
البينة التي لم تفارق نقصا أو زيادة بنقص الكيل أو زيادته فذلك لك أو عليك انتهى. ولو أخر
المصنف قوله: ثم لك عن قوله: فلا رجوع لكان أحسن ليشمل ما تقدم والله أعلم.
واعلم أن ما ذكره المصنف من فروع هذه المسألة فهو جار في الطعام المسلم فيه وفي
الطعام المبيع وهي في السلم الثاني من المدونة وفي أوائله والله أعلم. ص: (أو بينة لم
تفارق) ش: زاد في المدونة من حين قبضه حتى وجدت فيه النقص. اه‍ كلام اللخمي. أو
تكون بينة حضرت كيل البائع الطعام وأنه على ما قاله المشتري اه‍.
تنبيهات: الأول: إذا زاد النقص عن المتعارف وقامت البينة بذلك رجع المسلم على
المسلم إليه بجميع النقص ولا يترك إلى المسلم إليه مقدار نقص الكيل. قاله الشيخ أبو
الحسن. قال: وهو كالجوائح إذا جاح دون الثلث لا يوضع عن المشتري شئ، وإن جاح
الثلث وضع عنه قدر ذلك من الثمن، وليس للبائع أن يقول لا يوضع الثلث كله لأنه دخل
على فساد اليسير من الثمرة اه‍.
الثاني: إذا ثبت النقص، فإن كان الطعام من سلم أو من بيع مضمون رجع بمثله، وإن
كان معينا رجع بحصة النقص من الثمن. قاله في المدونة. وجعل الرجراجي محل الرجوع
بحصة النقص من الثمرة فيما إذا كان قليلا، وأما إن كان كثيرا فالمشتري مخير بين الرد
والامساك، وأما حد القليل فقال: يجري على الخلاف في حد القليل والكثير في العيوب
والله أعلم. ص: (وحلف لقد أوفى ما سمى) ش: يعني إذا لم يكن له رجوع لعدم التصديق
والبينة فإنه يحلف لك لقد أوفى الخ. ولا يحتاج أن يقول وإلا حلف. قال في المدونة: وإن
لم تكن له أي للمشتري بينة حلف البائع لقد أوفى له جميع ما سمى له إن كان اكتاله هو،
487

أو لقد باعه على ما كان فيه من الكيل الذي يذكر. قال المشذالي: أبو محمد صالح: ليس
في الأمهات أو لقد باعه وإنما هو في السلم الثالث، فجمع أبو سعيد بين اللفظ على معنى
التخيير في صفة اليمين على أن المبتاع له أن يحلف البائع بأي اللفظين شاء. هذا في الطعام
المعين، وأما المضمون فإنما يحلف بأحدهما وهو قوله: لقد أوفى الخ. وانظر قوله: لقد
باعه الخ كيف يصح لأن شرط اليمين كونها على حسب الدعوى لأن المبتاع يوافق على
ابتياعه على ما فيه ولكن يقول: لم توفني ذلك، فإذا حلف البائع لقد باعه على ما كان فيه
من الكيل الذي ذكر أمكن أن يكون في الطعام ذلك القدر ونقص بعد ذلك أو لم يكن فيه
والبائع صادق في يمينه فلا بد من تبديل هذا اللفظ انتهى. ومثله في الشيخ أبي الحسن
الصغير والكبير ص: (ولقد باعه على ما كتب به إليه) ش: هذا إذا كان الطعام المقبوض
مبعوثا به إلى البائع ونحوه في المدونة. قال أبو الحسن: وهذا تصديق التصديق اه‍. واعلم
أنه إنما يكون الذي وجد فيه التسمية ظاهرا إلا إذا كان مقيدا بما قيده به الشيوخ والله
أعلم. ص: (وإلا حلفت ورجعت) ش: قال ابن غازي: ينطبق على قوله: وحلف لقد أوفى
ما سمى وعلى مفهوم قوله: إن علم مشتريه اه‍. أما كونه ينطبق على مفهوم قوله: وحلف
لقد أوفى ما سمى فنص عليه في المدونة: وكذلك إن نكل عن اليمين فيما إذا بعث بالطعام
إليه وأعلم مشتريه وإنما قيد به المتأخرون وهو داخل تحت قول المصنف: وإلا حلفت
ورجعت. وأما كونه ينطبق على مفهوم قوله: إن علم مشتريه فنص عليه اللخمي وابن
يونس وعبد الحق وغيرهما وقيدوا به إطلاق المدونة: وصفة يمين المشتري أن يحلف أنه
وجده. كذا على نحو ما ادعاه قاله ابن يونس.
تنبيهان: الأول: وإن نكل المشتري عن اليمين فنص في المدونة فيما إذا كان الطعام
حاضرا عنده أو كان مبعوثا به إليه ولم يعلم مشتريه وقلنا للمشتري احلف وارجع فنكل عن
اليمين، فانظر هل له أن يحلف البائع أنه لقد باعه على ما كتب به إليه أوليس له ذلك؟ لم أر
فيه نصا، والظاهر أن له تحليفه لأن تبدئة المشتري بالحلف في هذه الصورة إنما هو حق له
فإذا تركه يرجع الحال إلى الأصل والله أعلم.
الثاني: غالب الفروع المذكورة هنا إنما هي فيما إذا ادعى المشتري النقص، وانظر
488

ما الحكم لو ادعى البائع عليه أنه غلط في المكيل فإني لم أر الآن من نص عليه والله أعلم.
ص: (وإن أسلمت عرضا فهلك فهو منه إن أهمل أو أودع أو على الانتفاع ومنك إن لم
تقم بينة ووضع للتوثق) ش: هذه المسألة في أواخر السلم الأول من المدونة وزاد فيها
فقال: عرضا يغاب عليه. قال أبو الحسن في الكبير: لا يخلو إبقاء هذا العرض في يد
المسلم من أربعة أوجه، وذكر الأوجه الأربعة التي ذكرها المصنف. فقوله: إن أهمل هذا
هو الوجه الأول في كلام المصنف، وهو الوجه الرابع في كلام أبي الحسن ونصه: الرابع أن
يبقى بيد المسلم مهملا بلا نية فهذا الوجه يحمل فيه العرض على أنه وديعة فيكون ضمانه
من المسلم إليه اه‍. وقال ابن بشير: للمتأخرين قول إنها كالمحبوسة للاشهاد اه‍. وقوله: أو
أودع هذا هو الوجه الثاني في كلام المصنف، وهو الوجه الأول في كلام أبي الحسن
ونصه: أحدها أن يبقى بيد المسلم وديعة بعد أن دفعه إلى المسلم إليه فرده إليه وديعة، فهذا
الوجه يكون ضمان العرض فيه من المسلم إليه على قاعدة الودائع اه‍. قال اللخمي في أواخر
السلم من تبصرته: في هذا الوجه فإن ادعى بائعه تلفه وأن أحدا غصبه إياه أو استهلكه كان
القول قوله، ويحلف إن كان ممن يتهم أنه كذب في قوله ذلك والسلم على حاله اه‍.
والظاهر أن هذا جار في الوجه الأول من كلام المصنف إذ لا فرق بينهما والله أعلم.
تنبيه: قال في المدونة في هذا الوجه: وإن أسلمت إلى رجل عرضا يغاب عليه في
حنطة إلى أجل فأحرقه رجل في يدك قبل أن يقبضه المسلم إليه، فإن كان تركه وديعة بيدك
بعد أن دفعت إليه فهو منه ويتبع الجاني بقيمته والسلم ثابت اه‍. قال أبو الحسن: معنى
قوله: قبل أن يقبضه يعني القبض الحسي، ومعنى قوله: بعد أن دفعته إليه أي قال له
خذه. وفي الأمهات: إن كان بعد أن دفعه إلى الذي عليه السلام ثم رده إليه وديعة فالضمان
منه. عياض: قال بعض الشيوخ: قوله: ثم رده إليه إلا أن يريد بذلك قوله: خذه واترك هذا
بمنزلة الدفع اه‍. وقوله: أو على الانتفاع هذا هو الوجه الثالث في كلام المصنف وهو
الوجه الثاني في كلام أبي الحسن ونصه: الثاني أن يبقى بيده على جهة الانتفاع به فهذا
الوجه حكم العرض فيه حكم الثوب المستأجر يكون ضمانه من المسلم إليه اه‍. وقوله:
لمنافع بلام الجر والله أعلم. وقوله: ومنك إن لم تقم بينة ووضع للتوثق هذا هو الوجه
الرابع في كلام المصنف، وهو الوجه الثالث في كلام أبي الحسن ونصه: الثالث أن يبقى
489

بيد على جهة التوثق حتى يشهدا، فهذا الوجه حكم العرض فيه حكم المستأجر يضمنه
المسلم ضمان تهمة، فإن قامت البينة على هلاكه فضمانه من المسلم إليه اه‍. وعلمت من
هذا حكم المسألة المأخوذة من مفهوم الشرط في قوله: إن لم تقم بينة. وقوله: للتوثق
أي يتوثق به حتى يشهد أو يأتي برهن أو كفيل لأن العرض نفسه يتوثق به بأن يجعله رهنا
عنده. قاله اللخمي وابن بشير ونصه في السلم الأول منه: وإنما يكون الاحتباس بالثمن فيما
بيع نقدا، وأما ما بيع بنسيئة فليس لبائعه احتباسه بالثمن لأنه قد رضي بتسليمه دون أن يأخذ
عوضا ناجزا لكن في معنى الاحتباس بالثمن احتباسه حتى يشهدوا هذا يجري في البيع على
النقد وفي البيع على النسيئة اه‍. ونبه عليه ابن غازي والله أعلم. ومفهوم قوله: وضع للتوثق
أنه لو لم يضع للتوثق كان الحكم خلاف ذلك وهي الأوجه الثلاثة السابقة، ولا يحتاج إلى
التفصيل فيها بين قيام البينة وعدم قيامها وذلك بين والله أعلم.
تنبيه: محل هذه الوجوه الأربعة ما إذا كان العرض حاضرا كذا فرض اللخمي، ثم قال
بعد أن فرغ من الوجه الأول في كلام المصنف الذي هو الاهمال ما نصه: وإن كان غائبا
عنهما لم يصدق يعني المسلم إلا أن تقوم البينة على تلفه، ثم يختلف إذا كان غائبا محبوسا
في الاشهاد، وهل تكون مصيبته من بائعه أو من مشتريه؟ وذلك مبين في كتاب العيوب اه‍.
فرع: قال أبو الحسن في التقييد الكبير: قال محمد: لو تعدى عليه البائع فأحرقه لزمه
قيمته والسلم بحاله ولا يصلح فيه الإقالة ص: (ونقض السلم وحلف) ش: إذا وضع العرض
للتوثق وتلف ولم تقم بينة على تلفه فإن ضمانه من المسلم بكسر اللام وينقض السلم بعد
حلف المسلم أنه ضاع خشية أن يكون أخفاه. وفي قوله: حلف التفات من الخطاب إلى
الغيبة والله أعلم. ص: (والأخير الآخر) ش: أي وإن لم يحلف المسلم على أنه تلف فإنه
يخير الآخر وهو المسلم إليه، ويخير بين أن يغرم المسلم قيمة العرض ويثبت عليه السلام أو
490

لا يغرمه ويفسخ البيع. كذا نقله ابن يونس وأبو الحسن عن أبي محمد والله أعلم ص: (وإن
أسلمت حيوانا أو عقارا فالسلم ثابت) ش: قال في المدونة: وإن كان رأس المال حيوانا
فقتلها رجل بيدك قبل أن يقبضها المسلم إليه أو كانت دورا أو أرضين فعدا فيها رجل بهدم
البناء أو احتفار فأفسدها فللمسلم إليه طلب الجاني والسلم ثابت اه‍. زاد ابن يونس بعد
قوله: احتفار لفظ فقال: أو احتفار الأرض إلى آخره. قال أبو الحسن: فإن ادعى المسلم
انقلاب الدواب وإباق الرقيق فهو مصدق. قاله في كتاب بيع الخيار اه‍ ص: (ويتبع
الجاني) ش: قال الشيخ بهرام: أي الجاني الأجنبي فإذا تعدى عليه فأهلكه اتبعه من كان
ضامنا له من المتبايعين بما أبت له اه‍. وقوله: من كان ضامنا يعني به المسلم إليه في
مسألة الحيوان أو العقار في الأوجه الثلاثة الأول من أوجه العرض. والمسلم بكسر اللام في
الوجه الرابع من أوجه العرض إلا أنه لا يتصور في هذا الوجه أن يعلم الجاني لأنه إنما يتصور
إذا لم تقم بينة على هلاكه، فإذا قامت البينة أن شخصا أتلفه فلا ضمان على المسلم.
وكذلك إذا اعترف شخص بأنه أتلفه فلا ضمان على المسلم، فالذي يتصور فيه أن يتبع
الجاني هو المسلم إليه فتأمله، فيكون قول المصنف: ويتبع مبنيا للمفعول ويكون راجعا
إلى مسألة العرض والحيوان والعقار وهو قريب مما في المدونة والله أعلم.
تنبيهان: الأول: اعلم أن هذا الكلام فيه إجمال والكلام المفصل البين ما قاله ابن
بشير. واعلم قبله أنه قد علم مما سبق أن الأوجه الثلاثة الأول ضمان العرض فيها من المسلم
إليه، وكذلك ضمانه منه إذا قامت البينة في الوجه الرابع، وإذا لم يقم فضمانه من المسلم إذا
علم ذلك فقال ابن بشير في أواخر السلم الأول بعد ما صار في ضمان المسلم إليه: فلا
شك في صحة السلم وينظر، فإن كان هلاكه من الله أو بسبب المسلم إليه فلا رجوع له
على أحد، وإن كان من سبب المسلم رجع عليه بقيمته أو بمثله على حسب تضمين
المتلفات، وكذلك يرجع على الأجنبي إن كان الاتلاف بسببه، وإن كان في ضمان المسلم
انفسخ السلم إلى أن يتلفه المسلم إليه قاصدا إلى قبضه وإتلافه فيكون السلم صحيحا، وإن
جهل ممن هلاكه فههنا قولان: أحدهما أن السلم ينفسخ كما قدمنا وهو المشهور، والقول
الثاني أن المسلم إليه بالخيار اه‍. واعلم أن قوله: وإن جهل ممن هلاكه إنما يرجع إلى
ما في ضمان المسلم وإلا فما في ضمان المسلم إليه لا يتصور فيه الفسخ لأن ضمانه منه،
491

وقد تقدم من لفظه أنه لا شك في صحة السلم وإنما النظر فيمن يغرم قيمته، فإذا كان في
ضمان المسلم إليه وجهل ممن هلاكه كان في ضمانه ولا غرم على أحد إنما يحلف
المسلم إن كان يتهم هذا الذي ظهر والله أعلم.
الثاني: قال ابن يونس: قال بعض أصحابنا: وإذا ترك الثوب بيد الذي له السلم فأحرقه
رجل يشهد عليه الذي بيده الثوب، فإن كان المسلم إليه مليئا أجازت شهادته إذ لا تهمة،
وإن كان المسلم إليه معدما لم تجز شهادته لأنه يتهم إذ يصير له مالا يأخذ منه سلمه. وقد
قيل: لا تجوز شهادته عليه إذا اختلف في عينه ولا يدري ما يذهب إليه في ذلك. قال غيره:
ولأنه يتهم أن يزيل عيب التهمة عن نفسه فقد يتهم في إمساكها فلا تجوز شهادته بحال اه‍.
وقال ابن بشير: وإذا ترك رأس المال عند المسلم على جهة الوديعة وكان مما يعرف بعينه
فعدا عليه أجنبي وشهد بذلك المسلم، فهل تجوز شهادته أو لا؟ للمتأخرين ثلاثة أقوال:
أحدها تجوز الشهادة على الاطلاق لأنه إذا كان من أهل الشهادة فهو غير متهم. والثاني ردها
مطلقا إذ في المذهب قول إنه يحلف المتهم وغير المتهم، ولان الناس يقصدون براءة
أنفسهم وإن لم تلزمهم اليمين. والثالث أن الذي عليه السلام إن كان فقيرا لم تجز الشهادة
لأنه يتهم أن يشهد له بما يعمر ذمته ليستحق طلبها، وإن كان غنيا فلا تهمة فتجوز، والأصل
في هذا المعنى أن يقال: متى تبينت التهمة لم تجز الشهادة ومتى لم تتبين جازت اه‍.
ونقلها في الشامل والله أعلم ص: (وأن لا يكونا طعامين ولا نقدين) ش: الضمير في
يكونا عائد على العوضين وإن لم يمر لهما ذكر لأنهما معلومان، ويعني أنه لا يجوز سلم
طعام في طعام ولا نقد في نقد وتصوره واضح.
تنبيهان: الأول: قال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: الثاني أن لا يكونا
طعامين ولا نقدين للنسأ والتفاضل. وجرى يعني ابن الحاجب في ذكر مسائل هذا الفصل في
الشروط على ما هو المألوف من الفقهاء، والتحقيق إنما هي موانع لأن وجود هذه الأوصاف
مناف للسلم وكل ما كان وجوده منافيا للماهية فهو مانع اه‍.
الثاني: قال ابن عبد السلام أيضا: إن قلت: لأي معنى ذكر هذه الصورة في شروط
492

السلم، وإنما ينبغي أن يكون من شروط ما هو خاص به لا فيما هو شرط فيما هو أعم من
السلم وهو البيع إذ الطعامان والنقدان يمتنع فيهما التفاضل والتأخير في البيع الذي هو أعم
من السلم أيضا، فقد تقدم بيان حكم ربا الفضل والنسأ قبل هذا وأنهما ممنوعان فأي وجه
لاعادتهما؟ قلت: ليس ذكرهما هنا مقصودا بالذات وإنما هو أصل الكلام أن يقول المؤلف
أن لا يؤدي السلم إلى بيع شئ بأكثر منه أو ما يشبه هذا من العبارات، فابتدأ بذكر الطعامين
والنقدين على جهة التدريج وتكميل الفائدة اه‍. ومثله يقال على عبارة المؤلف والله أعلم.
فرع: واختلف في سلم النخل المثمرة في الطعام فمنعه ابن القاسم وأجازه سحنون.
وقال ابن مسلمة: إن أزهى منع وإلا جاز اه‍ من التوضيح. وقول ابن القاسم هو الأصح. قاله
في الشامل والله أعلم ص: (ولا شيئا في أكثر أو أجود) ش: هو معطوف على ضمير
يكون وإنما منع لأنه سلف بزيادة ص: (كالعكس) ش: لأنه ضمان بجعل. قال ابن عبد
السلام: وإنما تمتنع هذه المسألة على سد الذرائع فإن المتبايعين لم ينصا على الضمان
بالجعل ثم قال: على أن دفع كثير في قليل ليس من شأن العقلاء غالبا فلذلك تضعف التهمة
عليه اه‍. ص: (إلا أن تختلف المنفعة) ش: أي إلا أن تختلف منافع الجنس الواحد فيجوز
حينئذ سلمه في أكثر منه وفي أقل وفي أجود وفي أردأ، لأن اختلاف المنافع تصير الجنس
الواحد كالجنسين، ومثل ذلك بالفاره من الحمر الاعرابية فإنهما جنس واحد لكن اختلاف
المنفعة صيرهما جنسين، وكذا السبق في الخيل والحمل في الإبل، والقوة على الحرث،
والعمل في البقر، وكثرة اللبن في الغنم، والصغر والكبر في غير الآدمي والغنم كما سيأتي،
وكذلك رقيق القطن وغليظه ورقيق الكتان وغليظه وكذلك الحرير والصوف. ص: (كفاره
الحمر في الاعرابية) ش: فرع: قال في التوضيح: والمشهور أن البغال والحمير جنس وهو
مذهب المدونة خلافا لابن حبيب أنهما جنسان إلا أن يقرب ما بينهما. هكذا حكى القولين
غير واحد اه‍. وقال ابن عبد السلام: وهل البغال مع الحمير كالجنس الواحد فلا يسلم حمار
493

في بغل، ولا بغل في حمار حتى يتباينا كتباين الحمير أو تباين البغال؟ هذا مذهب المدونة.
أو هما جنسان والأصل الجواز إلى أن يقرب ما بينهما وهو مذهب ابن حبيب وهو الأظهر
اه‍. ص: (وسابق الخيل) ش: قال ابن عبد السلام: اختلف المذهب هل تختلف الخيل
بالصغر والكبر؟ فحكى غير واحد أنها تختلف بذلك. وقال ابن دينار: لا تختلف الصغار من
الكبار في جنس من الأجناس اه‍. والقول الأول عليه مشى المصنف فيما يأتي قريبا، واعتبر
اللخمي في الخيل الجمال أيضا ص: (لا كهملاج) ش: قال في القاموس: الهملاج بالكسر
من البراذين. الهملج والهملجة فارسي معرب، وشاة هملاج لا مخ فيها لهزالها، وأمر مهملج
مذلل منقاد. وقال ابن غازي: قال في الخلاصة: والهملجة والهملاج حسن سير الدابة في
سرعة، ودابة هملاج الذكر والأنثى فيه سواء ص: (وبقوة البقرة ولو أنثى) ش: قال في
التوضيح: البقر يقع على الذكر والأنثى وإنما دخلته التاء على أنه واحد من جنس والجمع
البقرات انتهى. وقال في القاموس: البقرة للمذكر والمؤنث الجمع بقر وبقرات وبقر بضمتين
اه‍. وتصور كلام المصنف ظاهر. قال في التوضيح:
تنبيه: والجواز على قول ابن القاسم إنما هو إذا كان في معنى المبايعة بأن تسلم البقرة
القوية في بقرتين أو أكثر، أما سلم بقرة قوية في بقرة ليست كذلك فنص بعضهم على
المنع وهو ظاهر، لأنه ضمان بجعل وعكسه سلف بزيادة لكن نص في الموازية على خلافه
فإنه أجاز فيها سلم فرسين سابقين في فرسين ليسا كذلك اه‍. قلت: الذي نقله ابن عرفة عن
494

الموازية أنه أجاز سلم فرسين في فرسين فيجوز ذلك، وعليه فسلم ما ذكره الشيخ عن
بعضهم من المعارضة، ولا ينبغي أن يكون خاصا بالبقرة بل جار في جميع ما تقدم وما يأتي
فتأمله فإنه حسن جدا والله أعلم ص: (وصحح خلافه) ش: أي صحح ابن الحاجب القول
بأن الضمان لا يختلف بكثرة اللبن. وهذا القول قال الشارح: حكاه ابن حبيب عن مالك
وأصحابه وعزاه ابن عبد السلام لابن القاسم. وقال: يريد والله أعلم لأن اللبن في الضأن
كالتابع لمنفعة الصوف، ولان لبنها غالبا أقل من لبن المعز، وأما المعز فمنفعة شعرها يسيرة
ولبنها كثير فهو المقصود منها اه‍. فإن قلت: الحكم في ذلك الجواز ولوضوحه سكت
المصنف عنه إلا أنه يستثنى من ذلك الضأن والمعز فإنه حكم في المدونة للغنم كلها بأنها
جنس واحد. قال في أول كتاب السلم من المدونة: ولا بأس أن يسلف الإبل في البقر
والغنم، ويسلف البقر في الإبل والغنم، ويسلف الغنم في الإبل والبقر، ويسلف الحمير في
الغنم والإبل والبقر والخيل، وكره مالك أن يسلف الحمير في البغال إلا أن تكون الحمر
الاعرابية التي يجوز فيها أن يسلف الفاره النجيب، وكذلك إذا سلفت الحمير في البغال
والبغال في الحمير، واختلفت كاختلاف الحمار الفاره النجيب بالحمار الأعرابي فجائز اه‍.
ثم قال: ولا يسلف صغار الغنم في كبارها، ولا كبارها في صغارها، ولا معزها في ضأنها،
ولا ضأنها في معزها، لأنها كلها منفعتها للحم لا للحمولة إلا شاة غزيرة اللبن فلا بأس أن
تسلم في مواشي الغنم. وإذا اختلفت المنافع في الحيوان جاز سلم بعضها في بعض اتفقت
أسنانها أو اختلفت اه‍. قال ابن عبد السلام بعد أن ذكر ما ذكرناه: وهذا الذي ذكرناه في
هذا الفصل هو المنصوص لهم، والفقه الجلي هو ما قاله في المدونة بأثر هذه المسألة وهو
قوله: وإذا اختلفت المنافع في الحيوان الخ. فهذا من كلام المتقدمين هو الذي يعتمد عليه
ثم المفتي والقاضي بعد ذلك ينظر في الوجه الذي يكون به الاختلاف غالبا عند الناس،
فيربط الحكم به وربما كان غير الفقيه أعرف بذلك الوجه من الفقيه فلا ينبغي للفقيه أن
يتقيد بهذه المسائل وشبهها مما هو مبني على العرف والرواية بل يتبع مقتضى الفقه حيثما
495

وجده والله أعلم اه‍. كلام ابن عبد السلام ص: (وكصغيرين في كبير إلى آخره) ش: يعني
أن مما يختلف به الجنس الواحد ويصير كالجنسين الصغر والكبر في الحيوان إلا في جنسين
الغنم وبني آدم. قال في التوضيح: قال ابن القاسم: الصغار والكبار من سائر الحيوان مختلفان
إلا في جنسين الغنم وبني آدم اه‍. فلذلك لا يجوز سلم صغيرين في كبير وعكسه أي كبير
في صغيرين وهذا لا خلاف فيه، وأما سلم كبير في صغير وعكسه أو كبيرين في صغيرين
وعكسه ففي ذلك قولان، المشهور الجواز إن لم يؤد للمزابنة وتأولت على خلافه أي إنه لا
يجوز سلم الصغير في الكبير وعكسه، سواء اتحد أو تعدد. قال في التوضيح: وفهم بعضهم
المدونة عليه. وقوله: إن لم يؤد للمزابنة قال في التوضيح: معنى المزابنة هنا يعني القمار
والخطر لأن إعطاء الصغير في الكبير إلى أجل يكبر فيه فكأنه قال له: اضمن هذا إلى أجل
كذا فإن مات كان في ذمتك وإن سلم عاد إلي وكانت منفعته لك، وفيما إذا أعطاه الكبير
في الصغير كأنه قال له: خذ هذا الكبير على صغير يخرج منه اه‍. ص: (كالآدمي والغنم)
ش: أي فلا يجوز من الصنفين صغير في كبير ولا عكسه، ولا صغيران بكبير ولا عكسه ص:
(وكجذع طويل غليظ في غيره) ش: أي في جذع ليس كذلك أي مخالف له في الطول
496

والغلظ وفي جذعين أو ثلاثة ليست مثله. قال في السلم الأول من المدونة: والخشب لا
يسلم منها جذع في جذعين مثله حتى يتبين اختلافهما كجذع نخل كبير غلظه وطوله كذا
في جذوع نخل صغار لا تقاربه فيجوز. وإن أسلمته في مثله صفة وجنسا فهو قرض إن
ابتغيت به نفع الذي أقرضته جاز ذلك إلى أجله، وإن ابتغيت به نفع نفسك لم يجز ورد
السلف، ولا يسلف جذع في نصف جذع من جنسه وكأنه أخذ جذعا على ضمان نصف
جذع، وكذلك هذا في جميع الأشياء، وكذلك ثوب في ثوب دونه أو رأس في رأس دونه
إلى أجل لا خير فيه اه‍. وإذا علم هذا فقول ابن الحاجب: كجذع طويل أو غليظ في
جذع يخالف ليس بظاهر لأنه يقتضي أن اختلافهما في الطول كاف وليس كذلك، وقد
اعترضه ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح وتبع صاحب الشامل كلام ابن الحاجب والله
أعلم. وأما سلم الغليظ في الرقاق فقد اعترضه بأنه يمكن قسمه على جذوع وأجيب
بوجوه: الأول: أن المراد إذا كان الكبير لا يجعل فيما يجعل فيه الصغار أو لا يخرج منه
الصغار إلا بفساد لا يقصده الناس. الثاني: أن الكبير من نوع غير نوع الصغير. الثالث: أن
المراد بالجذع الصغير المخلوق لا المنجور لأن المنجور يسمى جائزة لا جذعا وهذا
الجواب لعياض وهو الظاهر.
تنبيه: يفهم من الجواب الثاني أن الخشب أصناف. قال في التوضيح: وهو ظاهر كلام
ابن أبي زمنين فإنه قال في قول المدونة سلف جذع، لو كان في نصف جذع: لو كان
الجذع مثل الصنوبر والنصف من النخل أو من نوع غير الصنوبر لم يكن به بأس على أصل
ابن القاسم. وفي الواضحة: الخشب كله صنف وإن اختلفت أصوله إلا أن تختلف المنافع
والمصارف مثل الألواح والجوائز وشبهها، وتردد بعضهم هل كلام ابن حبيب موافق لما قاله
ابن أبي زمنين أو مخالف له؟ اه‍ من ابن عبد السلام. ومثله في التوضيح، وجعله الشامل
خلافا وقد تقدم كلام ابن أبي زمنين وعطف الثاني ب‍ " قيل " والله أعلم. والحاصل على هذا
497

الراجح أنه إذا اختلفت أصول الخشب جاز سلم بعضه في بعض،. وإن لم تختلف فلا يجوز
إلا أن تختلف المنفعة كما تقدم والله أعلم. ص: (لا جمل في جملين مثله) ش: لا مفهوم
لقوله مثله وإنما هو تنبيه بالأخف على الأشد. انظر التوضيح والكبير ص: (وكطير علم)
ش: قال ابن عرفة: ابن شد: لا خلاف في المذهب أن ما يقتنى من الطير للفراخ والبيض
كالدجاج والإوز والحمام، كل جنس منه صنف على حدته، صغيره وكبيره، ذكره وأنثاه، وإن
تفاضل بالبيض والفراخ. فإن اختلف الجنسان جاز واحد منه باثنين لأجل. وما كان منه لا
يقتنى لبيض ولا فراخ إنما يتخذ للحم فسبيلها سبيل اللحم عند ابن القاسم لا يراعى حياتها
إلا مع اللحم، وأشهب يراعيها في كل حال فيجوز على مذهبه سلم بعضها في بعض إذا
اختلفت أجناسها بمنزلة ما يقتنى لبيض أو فراخ اه‍. وكلام ابن رشد هذا في رسم باع شاة
من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال. ثم قال ابن عرفة: المتيطي عن ابن حبيب:
498

الدجاج والإوز صنف واحد والحمام صنف، وما لا يقتنى من الوحش كالحجل واليمام هو
كاللحم لا يباع بعضه ببعض حيا إلا تحريا يدا بيد. قال ابن عرفة: قلت: وظاهر كلام ابن
رشد أن الإوز والدجاج جنسان، وظاهر نقل المتيطي أنهما جنس واحد وهما معا في قطر
الأندلس اه‍. ونقله الرجراجي وقال: وأما سائر الطير والوحش مما لا يقتنى لفراخ ولا بيض
مثل الحجل واليمام، مجراه مجرى اللحم لا يباع بعضه ببعض وإن حيا إلا تحريا يدا بيد،
ولا يجوز بإوز أو دجاج أو حمام لأنه من باب اللحم بالحيوان اه‍. ص: (والشئ في مثله
قرض) ش: رد في لمدونة الامر فيه إلى قصد السلم لأنه لم يظهر له منفعة في الخارج
بخلاف لو كان سبب المنفعة ظاهرا والله أعلم. ص: (وإن لم يؤجل بمعلوم) ش: تصوره
ظاهر. قال البرزلي في أوائل البيوع: سئل أبو عمران عمن قال خذ دينارا على قفيزين قمحا
فأنعم له ولم يذكر أجلا ولا صنفا ثم قام إلى ناحية المجلس فدفع له الدينار وذكر الاجل
والصفة، هل يتم ذلك أم لا؟ فأجاب: إن اختلف القمح عندهم أو الاجل فالأول فاسد
ويفسخ إذا كانا افترقا بعد العقد وقبل التقابض، وإن لم يفترقا من المجلس ولم يتباعد ذلك
فالعقد والقبض جائز والسلم جائز، وإن لم يختلف القمح وصفته معلومة عندهم فهو جائز إذا
عجل النقد أو كان ليوم أو يومين اه‍.
فرع: قال ابن رشد في المقدمات: وأما أبعد حد آجال السلم فحد ما يجوز إليه البيع
499

على الاختلاف في ذلك اه‍. وقال في المتيطية: ولا حد لأكثر الاجل في السلم اه‍. وهذا
ليس على ظاهره ولهذا قال ابن هارون في اختصاره لها مسألة لا حد لأكثر أجل السلم. قال
بعض الشيوخ: حده ما يجوز إليه البيع على الخلاف في ذلك اه‍. وقد تقدم الخلاف في
أجل البيع في بيوع الآجال. وقال ابن جزي في القوانين: ولا حد لأكثره إلا إن كان ما ينتهي
الغرر لطوله اه‍. ص: (كالنيروز والحصاد والدراس وقدوم الحاج) ش: قال في البيوع
الفاسدة من المدونة: ولا بأس بالبيع إلى الحصاد والجداد أو العصير أو إلى رفع جرون بئر
زرقون لأنه أجل معلوم، وإن كان العطاء من النيروز والمهرجان وفصح النصارى وصومهم
الميلاد لم يجز، فإن كان معروفا جاز البيع. عياض: الجداد بالفتح والكسر، وجرون بئر
زرقون بضم الجيم والراء جمع جرين وهو الأندر وكذا جاءت الرواية فيه بزيادة واو وصوابه
جرن بغير واو. وبئر زرقون بفتح الزاي فسرها في الكتاب بأنها بئر عليها زرع وحصاد. الشيخ
أبو الحسن: وزرقون المضاف إليه البئر اسمه إبراهيم بن كلي اه‍. والنيروز هو أول يوم من
السنة القبطية والسريانية والعجمية والفارسية ومعناه اليوم الجديد، وهو عند الفرس ستة أيام
500

أولها اليوم الأول الذي هو أول شهر سنتهم، ويسمون الشهر الأول نيروز الخاصة، والسادس
نيروز العامة، والنيروز الكبير. والمهرجان ويسمى عندهم العنصرة وهو مولد يحيى عليه الصلاة
والسلام وهو عيد عظيم الشأن عند الفرس وهو اليوم السادس من شهر مهرماه سابع أشهر
السنة الفارسية وآخر يوم من بؤنة من السنة القبطية، وهو أيضا ستة أيام، واليوم الأول الذي هو
سادس عشر مهرماه يسمى مهرجان العامة، واليوم السادس الذي هو حادي عشرينه يسمى
المهرجان الكبير للخاصة. والفصح بكسر الفاء وقيل بفتحها وسكون الصاد المهملة وبالحاء.
وقال عياض: الفصح بكسر الفاء وإهمال الصاد والحاء يوم فطر النصارى من صومهم اه‍.
وكذا نقله عنه الشيخ أبو الحسن، ورأيت في نسخة ابن عرفة ضبطه في أول بيوع الآجال
بفتح الفاء ناقلا له عن عياض ولعله غلط من الناسخ والله أعلم. أما صوم النصارى والأشهر
التي يدخل فيها من السنة القبطية والعجمية فمعلومة غير أن اليوم الذي يدخل فيه من الأشهر
المعلومة دخوله فيها يتغير بالنسبة لكل يوم منه، فدخوله في الأشهر القبطية دائر ما بين أول
يوم من أمشير إلى رابع يوم من برمهات، وفي العجمية هو أقرب اثنين إلى الاجتماع الكائن
فيما بين اليوم الثاني من شباط إلى اليوم الثامن من آذار، وله طرق يتوصل بها إلى معرفة اليوم
الذي يدخل فيه من الأشهر المذكورة. وأيام صومهم خمسة وخمسون يوما، واليوم السادس
والخمسون هو فطرهم المسمى بالفصح المتقدم ذكره. والميلاد هو الليلة التي صبيحتها
الخامس والعشرون من كانون الأول ودجنبر، والتاسع والعشرون من كيهك، ويسمى عيد
الميلاد ويعنون به ميلاد المسيح.
تنبيه: قال ابن عرفة: اللخمي: إنما يجوز إلى النيروز وما معه إن علما معا حساب
العجم وإن جهله أحدهما لم يجز اه‍.
فرع: قال في أول رسم سلف في الحيوان من سماع ابن القاسم من كتاب السلم
501

والآجال: وسئل عن الرجل يبيع كرمه على أن ينقده عشرين دينارا يعطيه ثلث الثمن إذا قطف
ثلثه ثم يعطيه البقية إذا قطف الثلثين قال: لا خير في هذا، وهذا مما لا يعرف حتى يقطف
الثلث والثلثين، ولكن إن اشترط عليه إذا قطفه لم أر بذلك بأسا وكأنه جعل مثل الحط
والجداد فيما رأيت. قال ابن رشد: وجد ما ذهب إليه مالك أنه إذا سمى الثلث والثلثين فقد
صرح أنه أراد ثلث ذلك الكرم بعينه وثلثيه وذلك غرر إذ لا يعرف متى يقطف الثلث والثلثين
لأنه قد يعجل قطافه وقد يؤخره، وإذا لم يسم ثلثا ولا جزء منه، وإنما باعه على أن يعطيه
ثمنه إذا قطفه كان المعنى عندهم أنهم لا يقصدون إلى قطاف ذلك الكرم بعينه، وإنما أراد
أن يعطيه الثمن إذا قطفه حتى يقطف الناس، فجاز البيع عنده كمن باع إلى الحصاد وإلى
الجداد، ولو بين أنه إنما يبيعه منه على أن يعطيه ثمنه إذا قطفه بعينه عجله أو أخره لما جاز
البيع. وقد ذكر أصبغ أن أشهب أجازه فيما شرط إذا جد ثلثه دفع إليه ثلث الثمن، وإذا جد
البقية دفع إليه البقية. وقال مالك: النصف غير معروف. قيل: إنه يعرف بالفدادين قال: لا
أحب ذلك والبيعة إلى فراغه. فحمل أشهب أمرهما على أن البيع إنما وقع بينهما فيما ظهر
إليه من قصدهما على أن يعطيه ثلث الثمن إذا جد ثلثه والبقية إذا جد البقية على أن يتعجل
عما جرت عادة الناس عليه في الجداد ولا يتأخر عنه، وإلى هذا نحا مالك في هذا القول إلا
أنه رأى النصف والثلث غير معروف إذ لا يعرف إلا بالخرص والتحري إذا تنازعا في ذلك
فلم يجزه، وأجازه في الكل لأنه معروف لا يخفى. وقال أبو إسحاق التونسي: إذا جاز أن
يبيعه إلى فراغ جداده جاز أن يبيعه إلى جداد نصفه، لأن النصف مقدر معروف لا يمكن أن
يخفى، وقول مالك عندي أصح وأولى فلم يختلف قول مالك أنه إذا باعه إلى قطافه أن ذلك
جائز لأنه جعله في القول الأول على أنهما إذا أرادا إلى قطاف الناس لا إلى قطاف ذلك
الكرم بعينه، وفي القول الثاني على أنهما إذا أرادا إلى قطاف ذلك الكرم بعينه على أن لا
يتعجل عن قطاف الناس ولا يتأخر عنه. ولا اختلف قوله أيضا في أنه إذا باعه إلى قطاف
نصفه أو ثلثه أنه لا يجوز لأنهما إن كان أرادا إلى قطاف نصفه أو ثلثه على أن لا يتعجل عن
قطاف الناس ولا يتأخر عنه فالنصف والثلث غير مقدر ولا معروف، فربما تنازعا في ذلك
وهو لا يعرف إلا بالخرص والتحري الذي يجب به حكم. وأجاز أشهب البيع في الوجهين
جميعا أي فيما إذا باعه إلى قطافه أو باعه إلى قطاف نصفه أو ثلثه إذا كان لا يتعجل عن
قطاف الناس ولا يتأخر عنه في الوجهين جميعا والله أعلم.
فرع: قال في السماع المذكور في رسم صلى نهارا: سئل مالك عن التجار يخرجون
في إبان الحصاد يشترون من الزراعين والحصادين وهم على حصادهم وينقدونهم ذهبهم وهم
يقيمون خمسة عشر يوما ونحوها قبل أن يفرغوا قال: أرجو إذا كان قريبا أن يكون خفيفا
وكره أن يحد فيه حدا وكأني رأيته يخففه. قال ابن رشد: إذا اشترى منه كيلا مسمى اشتراه
502

كله كل قفيز بكذا على ما في الجعل والإجارة. من المدونة: وإنما جاز أن يستأجر ذلك أي
هذا المقدار لحاجة البائع إلى المهلة في عمله، ولو كان الشراء بعد درس الطعام وتصفيته لم
يجز أن يتأخر الكيل والقبض فيه إلا اليوم واليومين ونحوهما، ولم يجز أكثر من ذلك إذ لا
يجوز شراء سلعة بعينها على أن يتأخر قبضها اليوم واليومين والثلاثة ونحو ذلك وبالله التوفيق.
ص: (وفسد فيه على المنقول) ش: قال في التوضيح: المنقول عن مالك في المبسوط أنه
يدفع في وسط الشهر. وقاله ابن القاسم في العتبية وفضل اه‍. زاد ابن عرفة في بيوع الآجال
في رواية المبسوط أنه أجل معلوم وهو وسط الشهر. وذكر أن ابن رشد رجحه وكذا ابن
سهل، وكلام ابن رشد في نوازله أصبغ من كتاب الايمان والنذور في المسألة التي تكلم
فيها على الفصول الأربعة، وفي رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب المديان يقتضي
ترجيح القول بصحة السلم في مسألة شهر كذا، ويفهم من كلام ابن رشد في كتاب الديات
أن من أسلم إلى الصيف مثلا أنه يصح ويحل بأوله لأنه أجل معلوم كالشهر ونصه في شرح
قوله في الرواية قيل له: إنما شرط عليه في سنة كذا ولم يسم في شهر منها قال: أرى أن
يعطيها يعني الدية في وسطها يعني السنة. قال ابن رشد: فيه دليل على أن من باع على أن
يقضيه الثمن في شهر كذا أو في سنة كذا أنه بيع جائز ويحل عليه الثمن في وسط الشهر
وفي وسط السنة، خلاف ما يروى عن ابن لبابة أنه قال: البيع على هذا فاسد لأنه أجل
503

مجهول. وقد أجاز في المدونة البيع إلى الحصاد والجداد وجعله أجلا معلوما يحل على
المشتري في عظم الحصاد والجداد، أو باعه إلى الجداد والحصاد يحل عليه الثمن في
الوجهين جميعا في عظم الحصاد والجداد إذ ليس لأول الحصاد والجداد من آخره حد
معلوم محصور، فيحمل في الوجهين على عظمه بخلاف الشهر إذا باعه على أن يعطيه الثمن
في شهر كذا جاز البيع وحل عليه الثمن في وسطه بدليل هذه الرواية. ومن جهة المعنى أن
الشهر لما كان أوله معلوما من آخره كان وسطه معروفا فقضى بحلول الثمن عنده، وإذا باعه
إلى شهر كذا وكذا حل عليه الثمن بحلوله لأنه إلى غاية وهذا بين اه‍. فإذا علم ذلك فمن
باع من رجل بيعا على أن يقضيه الثمن في الصيف فلا إشكال أنه يقضيه في وسط الصيف
على هذا القول الذي رجحه ابن رشد، وعلى قول ابن لبابة يفسد السلم بذلك. وإذا باعه إلى
الصيف فإذا كان المتبايعين يعرفان الحساب ويعرفان أول الصيف وآخره فيحل بأوله، وإن لم
يكونا ممن يعرفان الحساب وإنما الصيف عندهما شدة الحر وما أشبه ذلك صار ذلك بمنزلة
البيع إلى الحصاد والجداد فيحل في معظمه فتأمله. ويرجع في أول الصيف إلى الحساب
الذي يتعارفه أهل ذلك البلد والله أعلم ص: (وجرزة) ش: الجرزة واحدة الجرز. قال في
504

التنبيهات: الجرز رويناه بضمن الجيم والراء وفتح الراء أيضا وآخره زاي وهي القبض اه‍ ص:
(وأن يبين صفاته التي تختلف بها القيمة في السلم عادة) ش: قال في التوضيح:
ويشترط أن تكون الصفات معلومة لغير المتعاقدين لأنه متى اختص المتعاقدان بعلمها دل
ذلك على ندورها، والندور يقتضى عزة الوجود. وأيضا فاختصاصهما بها يؤدي إلى التنازع
بينهما اه‍. وقال في الشامل: وإن تبين صفاته المعلومة لهما ولغيرهما إن كانت قيمة السلم
فيه تختلف بها عادة أو تختلف الأغراض بسببها اه‍. ص: (كالنوع والجودة والرداءة
505

وبينهما) ش: يفهم من كلام المصنف أن نوع المسلم فيه وجودته ورداءته أو كونه بين
الجودة والرداءة يطلب بيانه في كل شئ يسلم فيه وذلك ظاهر، ثم إن بعض الأشياء تفتقر
إلى شئ آخر فشرع المصنف يذكر ذلك ص: (واللون في الحيوان والثوب والعسل) ش:
يعني أن اللون يطلب في هذه الثلاثة الأشياء وهي الحيوان والثياب والعسل وفيما يذكره بعد
هذا، ويريد مع بيان النوع والجودة وضديهما ص: (ومرعاه) ش: يعني أن العسل لا بد فيه
من بيان مرعى نحله. وقال ابن غازي: لا أذكر من ذكر المرعى في العسل والمصنف مطلع
ولم يذكره ابن عرفة مع كثرة اطلاعه اه‍. قلت: ذكره المازري في شرح التلقين ونصه:
والجواب عن السؤال الرابع أن يقال: أما العسل فلا بد من بيان مرعاه لأجل اختلاف طعم
506

العسل وحلاوته وقوامه ولونه باختلاف مراعيه، وهذه مقودة فيه يختلف الثمن باختلافها
اختلافا كثيرا كالنحل الذي مرعاه السعتر، وآخر مرعاه الورد، والأشياء الطيبة والخريفية
كالسعتر وغيره الخريفية كالورد وآخر مرعاه الأسفنارية وشبهها اه‍. ص: (وفي التمر
والحوت والناحية والقدر) ش: لا بد في التمر والحوت مع بيان النوع والجودة وضديهما
واللون من بيان الناحية أي بلده التي يجلب منها، والقدر أي كبر الثمرة وصغرها. قال في
التوضيح: قال المازري: فيحتاج في التمر إلى ذكر النوع والجودة والرداءة. قال: وزاد بعض
العلماء البلد واللون وكبر الثمرة وصغرها وكونه جديدا أو قديما اه‍. فيحتاج إلى ستة
أوصاف: خمسة مفهمومة من كلام المصنف وهي النوع والجودة وضداهما والبلد واللون
والقدر. وبقي السادس وهو كونه قديما أو جديدا، ولو قدمه المصنف عن قوله: والبر لكان
حسنا فإن كلام المصنف يوهم أن الجدة والقدم إنما يطلب بيانه في البر. ص: (وفي البر
وجدته وملئه) ش: يعني أن البر يطلب فيه الأوصاف المتقدمة ويطلب فيه أيضا بيان جدته
وملئه إن اختلف الثمن بسببهما. قال في التوضيح: واشترط بعض العلماء في القمح وصفا
سابعا وهو كون القمح ضامرا أو ممتلئا، ورأي أن الثمن يختلف باختلافه ورأي أن الضامر
يقل ريعه اه‍. ص: (ولو بالحمل) ش: يعني أن البلد إذا كانت فيه السمراء والمحمولة فإن
كانا ينبتان به وجب بيانهما، وإن كان يجلبان إليه فكذلك وإلا فسد السلم في الصورتين
خلافا لابن حبيب وإلى قوله أشار ب‍ لو وهذه طريقة ابن بشير وطريقة ابن يونس عكسها فإنه
507

إنما حكى قول ابن حبيب في البلد الذي ينبتان به. قال ابن غازي: ولم أر من نبه على
اختلاف الطريقتين اه‍. قلت: نبه على ذلك ابن عبد السلام فإنه لما تكلم على قول ابن
الحاجب السابع معرفة الأوصاف استطرد إلى ذكر مسألة المحمولة والسمراء ثم قال: والكلام
فيها طويل فعليك بكلام ابن بشير في التنبيه وقابله بنقل ابن يونس فإنهما مختلفان، ووافق ابن
بشير في الأنواع البديعة ما نقله ابن يونس واستتبع الكلام في الأنوار اه‍. ص: (وفي الحيوان
وسنه) ش: لما كان كلامه الأول يوهم أن الحيوان إنما يطلب فيه بيان النوع والجودة
وضديهما واللون، نبه هنا على أنه يطلب فيه أيضا سنة والذكورة والسمن وضداهما وهو
الأنوثة والهزال. قال ابن الحاجب: فيذكر في الحيوان اللون والنوع والذكورة والأنوثة
والسمن. قال في التوضيح: يحتمل أن يريد بالنوع حقيقته كنوع الانسان والإبل، ويحتمل أن
يريد بالنوع الصنف كالرومي والتركي ولا بد من ذكرهما قال: وجعل المصنف اللون معتبرا
في جميع الحيوان ونص في الجواهر على اعتباره في الخيل والإبل ولم يذكره في الطير.
واعلم أن ذكر الجنس يغني عن ذكر اللون في الرقيق، فجنس النوبة السواد، والروم البياض،
والحبش السمر، لكن يحتاج على هذا إلى بعض عرضيات اللون كالذهبي والأحمر والبياض
الشديد، وذكر سند اللون إنما يعتبر في الرقيق ولعله اعتمد على المازري وأنه لم يذكر اللون
في غيره وليس بظاهر، فإن الثمن يختلف به وقد ذكره بعضهم في الخيل وغيره من الحيوان.
ابن بشير وغيره: وحظ الفقيه المفتي في هذا أن يحيل على العارفين فما حكوا أن الأثمان
508

والأغراض تختلف به يجب ذكره. ص: (وفي الرقيق والقد) ش: اقتصر رحمه الله في ذكر
القد على الرقيق اعتمادا على ما ذكره في التوضيح عن سند أنه لا يشترط ذكر القد فيما عد
الانسان، وهو خلاف قول ابن الحاجب: ويزاد في الرقيق القد وكذا الخيل والإبل وشبههما
قال: فانظر ذلك اه‍. ص: (وكونه دينا) ش: أي في الذمة يعني أن الشرط السادس من شروط
السلم أن يكون المسلم فيه لا يشار إليه بعينه وخصوصيته بل يكون في ذمة المسلم إليه.
قال ابن عبد السلام: ولا أعلم في ذلك خلافا في أن ذلك من شرط حقيقة كونه مسلما.
والذمة أمر تقديري يفرضه الذهن وليس ذاتا ولا صفة لها فيقدر المبيع وما في معناه من
الأثمان كأنه في وعاء عند من هو مطلوب به، فالذمة هي الامر التقديري الذي يحوي ذلك
المبيع أو عرضه، وإنما شرطوا ذلك فيه لأنه لو لم يكن في الذمة لكان معينا وذلك ملزوم
لبيع معين يتأخر قبضه، لأنه إن لم يكن في ملك البائع فالغرر ظاهر لاحتمال أن لا يبيعه من
هو في ملكه، وإن كان في ملك البائع فالغرر أيضا لازم لأن بقاءه على تلك الصفة غير
معلوم، ولأنه يلزم منه الضمان بجعل لأن المسلم يزيد في الثمن ليضمنه له المسلم إليه.
509

واعترض ابن عرفة على ابن عبد السلام في تعريفه الذمة بما تقدم فإنه يلزم كون معنى قولنا
إن قام زيد ونحوه ذمة، والصواب في تعريفها أنها ملك متمول كلي حاصل أو مقدر، ويخرج
عنه ما أمكن حصوله من نكاح أو ولاية أو وجوب حد أو قصاص أو غيره مما ليس متمولا إذ
لا يسمى في العرف ذمة اه‍. وقال في المسائل الملقوطة: الذمة معنى في المكلف قابل
للالزام والالتزام. وقيل: أمر تقديري الخ كلام ابن عبد السلام. وانظر آخر الباب الثاني من
كتاب الكفالة من الذخيرة فإنه تكلم على الذمة أيضا، وانظر أيضا القواعد له والله أعلم ص:
(ووجوده عند حلوله) ش: قال الشارح: ينبغي أن يكون مراده بالوجدان كونه مقدورا على
تحصيله عند حلول السلم. قلت: وهو كذلك وينبغي أن يقيد بقيد آخر وهو أن المعتبر كونه
مقدورا عليه في الغالب. قال ابن الحاجب: الرابع أن يكون مقدورا على تحصيله غالبا وقت
حلوله لئلا يكون تارة سلفا وتارة ثمنا. قال في التوضيح: قوله: غالبا أي فلا يعتبر عدمه نادرا
لأن الغالب في الشرع كالمحقق ص: (وإن انقطع قبله) ش: قال ابن الحاجب: ولا يضره
الانقطاع قبله أو بعده. قال في التوضيح: أي قبل حلوله ولا بعده كالأشياء التي لها إبان وهو
مذهب مالك والشافعي وأحمد خلافا لأبي حنيفة رحمه الله في اشتراط وجوده من حين
السلم فيه إلى حين وجوده لاحتمال الموت والفلس. قال في التوضيح: ولم يعتبر أصحابنا
ذلك لأنه من الأمور النادرة.
فرع: فلو مات المسلم إليه قبل الا بان وقف قسم التركة إليه. وقال ابن رشد: إنما
يوقف إن خيف أن يستغرقها ما عليه من السلم، وإن قل وكثرت وقف قدر ما يرى أنه يفي
بالسلم وقسم ما سواه إلا على رواية أشهب أن القسم لا يجوز إلا وعلى الميت دين وإن
510

كان يسيرا اه‍. وانظر بقية كلام التوضيح وابن عرفة. قال ابن عبد السلام: وإن كان عليه
ديون ضرب للمسلم بقية ذلك الشئ في وقته على ما يعرف في أغلب الأحوال من غلاء أو
رخص. وتمم بعضهم هذا الكلام فقال: ويوقف ما صار له في المحاصة حتى يأتي الا بان
فيشتري له ما أسلم فيه، فإن نقص عن ذلك اتبع بالقيمة ذمة الميت إن طرأ له مال، وإن زاد
لم يشتر له إلا قدر حقه وترك البقية إلى من يستحق ذلك من وإرث أو مديان. قال: ولو
هلك ما وقف له في حال الوقف لكان من المسلم إليه لأنه له نماؤه فعليه نواؤه وحق هذا
غير ما وقف له. قلت: ولم يحك في هذه المسألة بما قاله ابن القاسم فيما للغرماء من مال
المفلس، ولعل ذلك أن مسألة التسلم لم يحل الاجل فيها لكون الا بان لم يأت فلم يتمكن
المشتري من حقه بوجه ولو حل الاجل فيجري فيها حكم ما وقف للغرماء من مال المفلس
اه‍. ص: (وشرط إن سمي سلما لا بيعا إزهاؤه) ش: انظر هذه المسألة في أوائل السلم
الأول من المدونة. وانظر كلام الشيخ أبي الحسن فإنه لم يفرق بين كونه سلما أو مبيعا إلا
في اشتراط الاجل، لأن السلم يقتضي التأجيل، وإن سماه بيعا فلا يشترط ذلك ويحمل على
الحلول والله أعلم.
511

تنبيه: إن قيل ظاهر كلام المصنف أنه إذا سماه سلما يشترط تقديم رأس المال لوجود
ذلك في السلم وقد صرح في المدونة بأن ذلك لا يشترط بل يجوز تأخيره ولو بشرط.
والجواب أن ذلك مفهوم من قول المصنف: وهل القرية الصغيرة كذلك أو إلا في وجوب
تعجيل النقد فيها. ص: (وكيفية قبضه) ش: أي فيذكر القدر الذي يأخذ من كيل أو وزن أو
عدد وما يأخذه كل يوم. وهل الأيام متوالية أو متفرقة؟ ولا يجوز على أن يأخذه كل يوم ما
512

شاء ولو شرط أخذ الجميع في يوم لجاز. قاله في التوضيح ص: (وإن انقطع رجع بحصة ما
بقي وهل على القيمة وعليه الأكثر أو المكيلة تأويلان) ش: قال في المدونة: وإذا
اشترط أخذه رطبا وقبض بعض سلمة ثم انقطع ثمر ذلك الحائط لزمه أخذ بحصته ورجع
بحصة ما بقي من الثمن انتهى. وإلى ما تقدم أشار المصنف بقوله: رجع بحصة ما بقي
وأشار بقوله: وهل على القيمة الخ إلى ما نقله ابن يونس وأبو الحسن بعد الكلام الأول
ونص ما عند ابن يونس وفي كتاب ابن مزين. قلت: كيف يتحاسبان إذا انقطع اللبن والثمرة
على قيمة ما قبض وما بقي أم على الكيل الذي قبض والكيل الذي بقي؟ قال: بل على كيل
ما قبض وما بقي ولا ينظر في هذا أنه إلى القيمة في الذي يبتاع لبن غنم جزافا أياما معدودة
فيحلبها أياما ثم تموت أو يموت بعضها. وحكى ابن القاسم أنه قال: إنما يحسب على
القيمة لا على الكيل لأنه إنما كان يأخذ شيئا فشيئا إلا أن يشترط عليه أن يجده من يومه أو
في يوم واحد مسمى فهذا يجب على الكيل انتهى. وقال في الشامل: وهل على المكيلة أو
513

القيمة إلا بشرط جده في يوم، فعلى المكيلة وعليه الأكثر ورجح تأويلان. ومعنى هذا أنه إذا
سلمه مثلا في عشرة آصع من الرطب وقبض خمسة مثلا ثم انقطع ثمر الحائط، فهل يرجع
على حسب المكيلة فيقال قبض النصف ويرجع بما ينوب النصف الثاني من رأس المال، أو
يقال الخمسة التي قبضها تساوي ثلاثة أرباع رأس المال لأنها في أول الأمر فقيمتها أغلا
فيرجع بربع رأس المال قيمة الخمسة الباقية؟
514

تنبيه: فإن قلت: أطلق المصنف في التأويل الأول وهو يقيد بما إذا لم يشترط جده
515

في يوم واحد. قلت: إنما سكت عن ذلك لوضوحه لأنه إذا شرط جده في يوم واحد لم
تختلف قيمته والله أعلم. فصل فيما يجوز فيه السلم ويفسد به ص: (والشراء من دائم العمل كالخباز وهو بيع وإن لم يدم
فسلم) ش: هذه تسمى بيعة أهل المدينة لاشتهارها بينهم والمسألة في كتاب التجارة إلى
أرض الحرب من المدونة وفي أوائل السلم قال في كتاب التجارة: وقد كان الناس يتبايعون
اللحم بسعر معلوم يأخذ كل يوم شيئا معلوما ويشرع في الاخذ ويتأخر الثمن إلى العطاء،
وكذلك كل ما يباع في الأسواق ولا يكون إلا بأمر معلوم يسمي ما يأخذ كل يوم وكان
العطاء يومئذ مأمونا ولم يروه دينا بدين واستخفوه انتهى. وقد ذكروا أنه يتأخر الشروع العشرة
الأيام ونحوها. وقال في رسم حلف بطلاق امرأته من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع:
وحدثنا مالك عن عبد الرحمن المجمر عن سالم بن عبد الله قال: كنا نبتاع اللحم من
الجزارين بسعر معلوم نأخذ منه كل يوم رطلا أو رطلين أو ثلاثة ويشترط عليهم أن يدفعوا
516

الثمن من العطاء قال: وأنا أرى ذلك حسنا. قال مالك: ولا أرى به بأسا إذا كان العطاء مأمونا
وكان الثمن إلى أجل فلا أرى به بأسا. قال ابن رشد: كنا الخ. يدل على أنه معلوم عندهم
مشهور ولاشتهار ذلك من فعلهم سميت بيعة أهل المدينة، وهذا أجازه مالك وأصحابه اتباعا
لما جرى عليه العمل بالمدينة بشرطين: أن يشرع في أخذ ما أسلم فيه، وأن يكون أصله عند
المسلم إليه على ما قاله غير ابن القاسم في سماع سحنون من السلم والآجال. وليس ذلك
محض سلم ولذلك جاز تأخير رأس المال إليه فيه، ولا شراء فيه بعينه حقيقة ولذلك جاز أن
يتأخر قبض جميعه إذا شرع في قبض أوله. وقد روي عن مالك أنه لم يجز ذلك ورآه دينا
بدين وقال: تأويل حديث المجمر أن يجب عليه ثمن ما يأخذ كل يوم إلى العطاء، وهذا
تأويل سائغ في الحديث لأنه إنما سمى فيه السوم وما يأخذ كل يوم ولم يذكر عدد الأرطال
التي اشترى منه فلم ينعقد بينهما بيع على عدد مسمى من الأرطال، فكلما أخذ شيئا وجب
عليه ثمنه إلى العطاء، ولا يلزم واحدا منهما التمادي على ذلك إذا لم يعقد بيعهما على عدد
معلوم مسمى من الأرطال فكلما أخذ شيئا وجب عليه ثمنه إلى العطاء. وإجازة ذلك مع
تسمية الأرطال التي يأخذ منها في كل يوم رطلين أو ثلاثة على الشرطين المذكورين هو
المشهور في المذهب وهو قوله في هذه الرواية، وأنا أراه حسنا معناه وأنا أجيز ذلك
استحسانا اتباعا لعلم أهل المدينة وإن كان القياس يخالفه انتهى.
فرع: قال في النوادر: ومن أسلم في لحم ضأن يأخذ كل يوم وزنا معلوما فله أن يأخذ
في يومه لحما بقدره ولا يتعجل منه في ذلك اليوم أكثر من شرطه. ومن الواضحة: وإذا شرط
أن يأخذ كل يوم من اللحم كذا فأخذ يوما أكثر من الشرط وأدى ثمن الزائد، فإن كان ما
أخذ مثل صفة شرطه فجائز، وإن كان بخلاف الصفة من ثمن اللحم أو عظم الحيتان أو
وصفا من اللحم غير ما له عليه لم يجز أن يشتري منه زيادة في الوزن، ولو جاءه بمثل الوزن
دون الصفة أو خلاف الجنس ويعطيه معه عرضا أو عينا لم يجز، ولا يأخذ أكثر وزنا وأدنى
صفة ثمنا، ولو سأله أن يعجل له شرط اليومين أو ثلاثة جاز ما لم يعطه أدنى صفة أو أعلا فلا
يجوز اه‍ ص: (كاستصناع سيف أو سرج وفسد بتعيين المعمول منه أو العامل) ش: قال
في المدونة: من استصنع طستا أو قلنسوة أو خفا أو غير ذلك مما يعمل في الأسواق بصفة
517

معلومة، فإن كان مضمونا إلى مثل أجل السلم ولم يشترط عمل رجل بعينه ولا شيئا بعينه
يعمله منه جاز ذلك إذا قدم رأس المال مكانه أو إلى يوم أو يومين، فإن ضرب لرأس المال
أجلا بعيدا لم يجز وصار دينا بدين، وإن اشترط عمله من نحاس أو حديد بعينه أو ظواهر
معينة أو عمل رجل بعينه لم يجز وإن نقده لأنه غرر لا يدري أسلم إلى ذلك أم لا؟ ولا يكون
السلف في شئ معين اه‍. قال أبو الحسن بعد أن ذكر كلام ابن رشد الذي ذكره المصنف
في التوضيح وقاله الشارح في الكبير وابن غازي قالوا: وهذه الأقسام الأربعة في الكتاب
أحدها قوله: فإن كان مضمونا إلى مثل أجل السلم والثلاثة الأقسام تؤخذ من قوله: وإن
اشترط عمله من نحاس بعينه يعني والرجل غير معين، وقوله: رجل بعينه يعني والمصنوع
منه غير معين. ثم قال في الجواب عن الوجهين: لم تجز ولو عين كلا منهما لكان أحرى
518

في المنع إلا أنه انظر كيف يستقيم هذا مع ما ذكره ابن رشد فقال: كلام ابن رشد إنما هو
في بيع النقد أعني فيما عدا الوجه الأول وجاء به في الكتاب إنما هو في بيع الاجل اه‍. ثم
تكلم أبو الحسن على الوجه الرابع في كلام ابن رشد وهو ما إذا كان المصنوع منه مضمونا
والصانع معين لا يجوز وجعله معارضا لما تقدم في مسألة الشراء من دائم العمل. ويمكن أن
يحمل كلام المدونة على ما إذا لم يشتر المعمول منه، وكلام ابن بشير فيما إذا اشترى
المعمول منه، ولعل المصنف فهم ذلك فذكر أولا أنه يفسد بتعيين المعمول منه والصانع ثم
قال: ولو اشترى المعمول منه واستأجره جاز ولهذا قيد ذلك بقوله: إن شرع وإنما لم يجز
إذا لم يشرع لأنه يصير هنا من بيع معين يتأخر قبضه، ويفهم هذا من كلام ابن عبد السلام
ومن كلام الرجراجي والله أعلم. ص: (والجزاف) ش: يشير إلى قوله في المقدمات: فسلف
الدنانير والدراهم جائز في كل شئ من كل من العروض والطعام والرقيق والحيوان وجميع
519

الأشياء حاشا أربعة أحدها: ما لا يصح الانتقال به من الدور والأرضين. والثاني ما لا يحاط
بصفته مثل تراب المعادن والجزاف فيما يصح بيعه جزافا. والثالث ما لا يتعذر وجوده من
الصفة. والرابع ما لا يجوز بيعه بحال مثل تراب الصياغين والخمر والخنزير وجلود الميتة
وجميع النجاسات اه‍. ص: (وحرير في سيوف) ش: لأن الصنعة المفارقة لغو بخلاف
اللازمة. قال ابن عرفة: والصنعة المفارقة في أصله كأصله بخلاف اللازمة كالنسج ثم ذكر
هذه المسألة.
520

ص: (وجاز قبل زمانه قبول صفته فقط) ش: هذا إذا قضاه بشئ من جنسه إذ لا بد
أن يكون موافقا له في صفته لا أدنى ولا أعلى، وأما لو قضاه قبل الاجل بغير جنسه فيشترط
في المتقضى الشروط الثلاثة الآتية فيما إذا قضاه بغير جنسه بعد الاجل، وشرط رابع وهو أن
يكون المقتضى مما يجوز بيعه بالمسلم فيه إلى أجل. قال في التوضيح: فلا يجوز أخذ أعلا
ولا أدنى لأنه يلزم حط الضمان وأزيدك أوضع وتعجل اه‍. ونحوه لابن بشير. والظاهر أن هذا
الشرط الرابع مستغنى عنه لأن الغرض أن المأخوذ من غير جنس المسلم فيه ولا شك أن
الجنسين يجوز سلم أحدهما في الآخر فتأمله، فيشترط فيه الشروط الآتية فقط، ويحمل قول
الشيخ بعد هذا على إطلاقه أي سواء كان ذلك قبل الاجل أو بعده والله أعلم. ص: (كقبل
محله في العرض مطلقا وفي الطعام إن حل) ش: هذا مشكل استشكله جماعة منهم
521

التونسي وابن الكاتب وابن محرز ص: (وجاز أجود وأردأ) ش: أي من جنسه. قال في
المدونة في آخر السلم الأول: وإن أسلمت في محمولة أو سمراء أو شعير أو سلت أو
أقرضت ذلك فلا بأس أن تأخذ بعض هذه الأصناف قضاء من بعض مثل المكيل إذا حل
الاجل وهو بدل جائز، وكذلك أجناس التمر ولا يجوز ذلك كله قبل محل الاجل في البيع
أو في القرض. وإن أسلمت في حنطة فلا تأخذ منه دقيق حنطة وإن حل الاجل، ولا بأس به
من قرض بعد محله. وإن أسلمت في لحم ذوات الأربع أن يأخذ لحم بعضها أو شحمها
قضاء من بعض إذا حل الاجل لأنه بدل، وليس هو بيع طعام قبل قبضه لأنه كله نوع واحد.
ألا ترى أن التفاضل لا يجوز فيه أخذ ما سلف فيه؟ اه‍ ص: (لا أقل إلا عن مثله) ش: أي لا
يجوز أن يأخذ الأجود والأردأ أقل من حقه إلا على وجه القضاء من ذلك المقدار، ثم يبرئه
المسلم مما أدى إلا على وجه المصالحة عن الجميع بالمأخوذ. قال في أواخر السلم
الثالث من المدونة في ترجمة اقتضاء الطعام من ثمن الطعام: وهل تراعى هذه التهمة في
أخذه أقل من ذلك النصف بعينه أم لا؟ ذكر ابن عرفة أنه لا يعتبر وذكر أبو الحسن عن ابن
522

اللباد اعتبار ذلك والله أعلم. ص: (ولا دقيق عن قمح وعكسه) ش: تصوره واضح وهذا
بخلاف القرض وقاله في المدونة في السلم الأول ص: (وبغير جنسه إن جاز بيعه قبل
قبضه) ش: تقدم الكلام عليه.
523

تنبيه: ذكر ابن الحاجب وابن رشد وغيرهم في قضاء المسلم فيه بغير جنسه قبل
الاجل، هل يشترط أن يكون مضى الاجل قبله ما يكون أجلا في السلم قولين من غير
ترجيح، وهل يشترط أن يكون بقي لأجل السلم قدر ذلك والله أعلم. ص: (وجاز بعد أجله
الزيادة ليزيده طولا) ش: يعني أن من أسلم في ثوب على طول معين فلما حل الاجل زاده
524

دراهم على أن أعطاه ثوبا أطول منه فإن ذلك جائز بشرط تعجيل الثوب المأخوذ. قال في
السلم الثاني من المدونة: وإن أسلمت إلى رجل في ثوب موصوف فزدته بعد الاجل دراهم
على أن يعطيك ثوبا أطول منه من صنفه أو من غير صنفه جاز إذا تعجلت ذلك اه‍. قال في
التوضيح بعد ذكره كلام المدونة: هذا إما تعجله وإما لم يتعجله فلا يجوز لأنه بيع للزيادة
وسلف لتأخير الثوب الأول اه‍. وقال ابن يونس: كأنك أعطيت في الثوب المأخوذ الدراهم
التي رددتها والثوب أسلمت فيه، وإن تأخر ذلك كان بيعا وسلفا تأخيره لما عليه سلف
والزيادة بيع، ولو أعطاه من غير مؤخر كان الدين بالدين. اه‍. وظاهر كلام المصنف أنه يزيده
دراهم على أن يزيده في طي الثوب بأن يزيد في نسجه، وهذا غير مراد لقوله في المدونة: إذا
تعجلت ذلك فلا يجوز إذا عجل له الثوب المأخوذ. ص: (كقبله إن عجل دراهمه وغزل
ينسجه لا أعرض ولا أصفق) ش: قال في المدونة: وإن أسلمت إلى رجل في ثياب موصوفة
فزدته قبل الاجل دراهم نقدا على أن يزيدك في طولها جاز لأنهما صفقتان، ولو كانت
صفقة واحدة ما جاز اه‍. وقال أبو الحسن: وأما إن زاده الدراهم قبل الاجل على أن يعطيه
ثوبا أطول منه من صنفه فعند ابن القاسم ذلك جائز وهما صفقتان قال: ولو كانت صفقة
525

واحدة ما جاز يريد أو اشترط عليه في أصل العقد أني أزيدك دراهم بعد مدة على أن تعطيني
ثوبا أطول لم يجز. قال: ولو زاده قبل الاجل على أن يعطيه ثوبا أصفق أو أرق لم يجز
بخلاف إذا لم يخرجه عن الصفقة لأنه في إخراجه إياه عن الصفقة يدخله فسخ الدين في
الدين، وإذا لم يخرجه عن الصفقة وإنما زاده في الطول فإنما هي صفقة ثانية عند ابن القاسم
كما ذكر، لأن الأذرع المشترطة قد بقيت على حالها، والذي استأنفوه صفقة أخرى، ورآه
سحنون غير جائز وهو فسخ الدين في الدين اه‍، فكأنه يقول: إذا زاده دراهم على أن زاده في
الطول فكان الثوب الأول باق على حاله، وزاده تلك الدراهم على أن زاده أذرعا أخرى فهو
صفقة ثانية. وأما إذا زاده قبل الاجل على أن يعطيه أعرض أو أصفق فلا بد من تبديل ذلك
الثوب المسلم فيه، أو لا يشترطاه لأن العرض لا يزاد وكذا الصفاقة. قال في التوضيح:
ولتحقق أنهما صفقتان شرطوا أن يبقى للأجل مثل أجل السلم فأكثر ولزم تعجيل الدراهم
المزادة اه‍ بالمعنى. قال ابن يونس: ولو زاده على أن أعطاه خلاف الصفقة لم يجز. ويدخله
فسخ الدين في الدين لأنه نقله عما أسلم فيه اه‍ وكلام التوضيح يوهم أنه أجاز في المدونة
أن يزيده دراهم قبل الاجل على أن يعطيه ثوبا من خلاف صفقته وليس كذلك إنما قال ذلك
في المدونة بعد الاجل. قال في المدونة: فإن قيل: لم منع التأخير بعده لعلة البيع والسلف
وأجاز ذلك قبل الاجل ولم يعجل له ثوبا مؤجلا ودراهم نقدا بثوب مؤجل أطول منه فيكون
دينا بدين كما قال سحنون؟ قيل: الفرق عنده أنه قبل الاجل لم يكن للمسلم تعجيل الثوب
حتى يعد تأخيره سلفا، وأما بعد فقد ملك تعجيله فيكون تأخيره به سلفا والزيادة بيع فيدخله
البيع والسلف اه‍. وعلم من هذا شرح قول المصنف: لا أعرض وأصفق وأما قوله: وغزل
ينسجه فإشارة لما ذكره ابن القاسم في المدونة على جهة الاستدلال لإجازته الزيادة في
طول الثوب المسلم فيه قبل الاجل وأن ذلك صفقتان فإنه قال إثر الكلام المتقدم: كما لو
دفعت إليه غزلا ينسجه ثوبا ستة في ثلاثة ثم زدته دراهم وغزلا على أن يزيدك في طول أو
عرض فلا بأس به وهما خفيفتان، وهذه إجارة والإجارة بيع من البيوع يفسدها ما يفسد البيع
اه‍. فمسألة الغزل الذي ينسجه ليس من مسائل السلم وإنما هي من مسائل الإجارة، ولذا
جاز فيها أن يزيده غزلا ودراهم على أن يزيده في العرض لأنه لا يدخله هنا فسخ الدين في
526

الدين لأنه إنما يزيده من غزله، ولكن الزيادة في العرض إنما تمكن إذا كان ذلك قبل أن
ينسج له شيئا والله أعلم. ص: (ولا يلزمه دفعه بغير محله ولو خف حمله) ش: يعني ولا
يلزم المسلم إليه دفع المسلم فيه بغير محله ولو خف حمله إلى المسلم إذا طلبه ويريد إلا
العين. وعكس هذا إذا طلب المسلم إليه أن يدفع المسلم فيه إلى المسلم وهو كذلك وهنا
في غير العين. قال ابن رشد في أواخر السلم الأول من التنبيه: وإذ ألقى المسلم المسلم إليه
في غير البلد الذي اشترط فيه القضاء، فإن كان عينا وجب على كل واحد منهما الرضا
بالأخذ إذا طلبه الآخر، فإن كان عروضا لها حمل ومؤنة لم يجبر كل واحد منهما بالقضاء إلا
بالتراضي، فإن كان عروضا لا حمل لها كالجواهر مثلا فهل تكون كالعين أو كالنوع الآخر؟
فيه قولان وهما خلاف في حال، فإن كان الامن في الطريق فلا شك في كونها كالعين، أو
كان غيره فلا شك في كونها كالعرض، وينبغي أيضا أن يكون كالعروض مع الخوف اه‍.
ونقله ابن عرفة عنه فلو ظفر به في غيره وكان في الحمل مؤنة لم يلزمه القضاء على ما تقدم
وطلب المشتري من البائع أن يدفع له المسلم فيه، فإن كان له حمل ومؤنة لم يلزم البائع ما
طلبه به المشتري وإن لم يكن له حمل فقولان والمشهور أنه مثل الأول اه‍. وقال في
التوضيح فإن ظفر من عليه الدين بالطالب وأراد المديان التعجيل فامتنع الطالب ويحتمل
عكسه. فعلى الأول فقال ابن بشير وغيره: المسألة على ثلاثة أقسام: إن كان الدين عينا
وجب القبول قال في أنواره: إلا أن يتفق أن للطالب فائدة في التأخير كما لو حصل في الزمن
خوف أو فيما بين البلدين، وإن كان الدين عروضا لها حمل أو طعاما فلا يجبر على قبوله،
وإن لم يكن لها حمل كالجواهر فقولان والمشهور أنها كالعرض، وقيل كالعين وهو خلاف
في شهادة، فإن كان الامن في الطريق فكالعين وإلا فلا. قال: وهذا إذا كان من البيع، وأما
القرض فيجبر على قبوله مطلقا. وعلى الثاني معنى الاحتمال الثاني في كلام ابن الحاجب
فنص محمد وغيره على أنه ليس للطالب جبر المطلوب مطلقا. اللخمي ولأشهب عن
محمد: ما يفهم منه إذا كان سعر البلدين سواء أو هو في البلد الذي لقيه فيه أرخص أنه
يجبر المسلم إليه على القضاء في البلد الذي لقيه فيه اه‍.
تنبيهات: الأول: المراد بقول المؤلف محله أي المحل الذي شرطه المسلم والمسلم
إليه لقبض المسلم فيه، فإن لم يشترطا فهو بوضع العقد كما أشار إليه ابن عبد السلام.
الثاني: أطلق المصنف في المختصر في قوله: ولم يلزم دفعه وكذا أطلق في
527

التوضيح فيما نقله في قوله: فنص محمد وغيره على أنه ليس للطالب جبر المطلوب
مطلقا، وقد تقدم كلام ابن بشير أنه يلزمه دفع العين، وأن ابن عرفة نقله وقبله وهو كذلك
في غيرهما فيقيد كلام المؤلف في المختصر وفي التوضيح والله أعلم.
الثالث: تقدم فيما نقله في التوضيح عن أنوار ابن بشير أنه إذا أراد المديان التعجيل
وامتنع الطالب أنه يجبر على أخذه مطلقا، وهذا كما ترى ليس بظاهر فإنه مخالف لقول
الشيخ في آخر فصل القرض: ولم يلزم رده إلا بشرط أو عادة كأخذه بغير محله إلا العين
اه‍. ولقول ابن الجلاب: ومن أقرض رجلا شيئا إلى أجل فليس له مطالبته به قبل الاجل، ولو
رده إليه المقرض قبل أجله لزمه قبوله عرضا كان أو عينا إذا رده إليه في المكان الذي اقترضه
منه فيه، أو رده في غير الموضع الذي أخذه فيه لم يلزم ربه قبوله اه‍. ونحوه في الارشاد،
وعكسه في القرض أعني إذا طلب المقرض حقه من المقرض في غير محل السلف. قال في
الجلاب: ومن اقترض قرضا لم يشترط للقضاء موضعا فإنه يلزم المقرض القضاء في الموضع
الذي أقرضه فيه فطالبه بالقضاء لم يلزمه ذلك، ويلزمه أن يوكل من يقضيه عنه في البلد الذي
اقترضه منه، ولو اصطلحا على القضاء في البلد الذي هما فيه وهو غير البلد الذي تقارضا فيه
كان ذلك جائزا إذا كان بعد حلول الأجل، وإن كان قبل حلوله لم يجز اه‍. وأجاز في
الجلاب هذا مطلقا وأبقاه التلمساني والقرافي على إطلاقه وهو مقيد بغير العين، وأما العين فله
أخذه حين ما لقيه بعد الاجل. قاله في كتاب الآجال من المدونة وغيرها والله أعلم.
فصل
ص: (يجوز قرض ما يسلم فيه فقط) ش: مراده بالجواز هنا أصل معناه الشامل
للندب والوجوب، لأن القرض مندوب إليه إذ قد ورد فيه أحاديث كثيرة، ولو قال جاز وندب
528

قرض ما يسلم فيه لكان أتم. ثم قال ابن عرفة: وحكمه من غير ذاته الندب، وقد يعرض ما
يوجبه أو كراهيته أو حرمته وإباحته تعسر اه‍. وهذا نحو ما يأتي في فصل المقاصة أعني
قولهم: تجوز المقاصة. قال ابن عرفة في بيع الآجال: وهي جائزة فيجب تفسيره بالجواز
الأعم من الوجوب لا بقسميه وإلا كان خلاف المشهور كالامكان إذ هو أعم من الواجب،
ومن نحو هذا فقال: يقع في المدونة ما هو من القواعد العقلية المشاركة في علومها أو فطرة
سنية اه‍. ص: (إلا جارية تحل للمقرض) ش: استثنى من ذلك مسألة ذكرها ابن يونس في
كتاب الوكالات ونقلها الشيخ أبو الحسن أيضا في شرح قوله في المدونة: ولا بأس أن تأمره
يبتاع لك عبد فلان بطعامك هذا وتريه هذا، وذلك قرض وعليك المثل فيهما. قال بعض
شيوخنا: أو بجاريتي هذه ويكون عليك مثلها، ولا يتأتى فيه عارية الفروج لأنه لا تصل
للمستقرض. قال أبو الحسن: وربما ألقيت فيقال أين يجوز قرض الجارية من غير المحرم
منها؟ فيقال في مثل هذه الصورة أو تقضي عنه في الدين اه‍. وخرج بقوله: تحل
للمستقرض من كانت لا تحل له إما لمحرمية بينهما أو لغيرها، ويلحق بذلك الصغير
يقترض له وليه والجارية الصغيرة التي لا تشتهى تحل أن تستقرض، ويجوز للنساء أن يقترضن
الجواري، قاله ابن الحاجب وغيره والله أعلم ص: (وحرم هدية) ش: قال ابن رشد في رسم
طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الماشية: لا يحل لمن عليه الدين هدية ولا
أن يطعمه طعاما رجاء أن يؤخره بدينه، ولا يحل لمن عليه الدين أن يقبل ذلك منه إذا علم
ذلك من غرضه، وجائز لمن عليه الدين أن يفعل ذلك إذا لم يقصد ذلك ولا رآه، وصحت
529

نيته فيه كما كان يفعل. ابن شهاب: ويكره لذي الدين أن يقبل ذلك منه وإن تحقق صحة
نيته في ذلك إذا كان ممن يقتدى به لئلا يكون ذريعة لاستجازة ذلك حيث لا يجوز اه‍.
ص: (أو جر منفعة) ش: يريد أن السلف إذا جر منفعة لغير المقترض فإنه لا يجوز، سواء جر
نفعا للمقرض أو غيره. قال في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب
530

السلم: والآجال له على رجل عشرة دنانير حل أجلها فيعسر بها فيقول له رجل أخره بالعشرة
وأنا أسلفك عشرة دنانير قال مالك: إن كان الذي يعطي يكون له على الذي له الحق فلا
خير فيه، وإن كان قضاء عن الذي عليه الحق سلفا له فلا بأس به. قال ابن رشد: هذا بين
على ما قال أن ذلك لا يجوز إذا لم يكن ذلك قضاء من الذي عليه سلفا منه له لأنه أسلف
531

الذي له الحق لغرض له في منفعة الذي عليه الحق فهو سلف جر نفعا إذ لا يحل السلف إلا
إلى مريد به السلف منفعة الذي أسلفه خالصا لوجه الله خاصة لا لنفسه ولا لمنفعة من سواه
وبالله التوفيق.
فرع: قال في الذخيرة: قال سند: ومنع ابن القاسم أن يقول الرجل للرجل: أقرضتك
هذه الحنطة على أن تعطيني مثلها وإن كان القرض يقتضي إعطاء المثل لاظهار صورة
المكايسة، قال أشهب: إن قصد بالمثل عدم الزيادة فغير مكروه، وكذلك إن لم يقصد شيئا
فإن قصد المكايسة كره ولا يفسد العقد لعدم النفع للمقرض اه‍. ص: (كسفتجة) ش: قال
في التوضيح: يقال السفاتج والسفتجاة على جمع السلامة، وواحده سفتجة بكسر السين
المهملة وسكون الفاء وفتح التاء المثناة من فوق وبالجيم وهي كتاب صاحب المال لوكيله
في بلد آخر ليدفع لحامله بدل ما قبضه منه اه‍ ونحوه في تهذيب الأسماء للنووي وزاد:
وهي لفظة أعجمية اه‍. وقال في القاموس: السفتجة كقرطعة يعني بضم السين أن يعطي مالا
لآخر وللآخر مال في بلد المعطى فيوفيه إياها ثم يستفيد أمن الطريق وفعله السفتجة بالفتح
532

اه‍. والسفاتج بكسر التاء على وزن فعالل، والظاهر أنه لا يجوز ضم التاء لأنه ليس في صيغ
الجمع فعالل بضم اللام. ص: (كفدان مستحصد) ش: أي بلغ الحصاد فهو من باب تسمية
الشئ بما قرب منه ص: (ولم يلزم رده إلا بشرط أو عادة كأخذه بغير محله إلا العين)
ش: تصوره ظاهر.
فروع: الأول: قال في المسائل الملقوطة: وإذا وعدت غريمك بتأخير الدين لزمك لأنه
إسقاط لازم للحق، سواء قلت له أؤخرك أو أخرتك اه‍.
الثاني: قال ابن ناجي في شرح قوله في الرسالة: ولا أن يقرضه قرضا شيئا في مثله
صفة ومقدارا يقوم من كلام الشيخ افتقار القرض لأن يكون بلفظ وفيه قولان، ويؤخذ منه
جواز اشتراط ما يوجبه الحكم من قوله في مثله صفة ومقدارا لأن الصفة والمقدار يوجبها
الحكم وإن لم يقع الحكم عليهما في القرض، واختلف في فساد العقد به إن وقع وشرط
على ثلاثة أقوال، ثالثها يمتنع في الطعام فإن وقع فسخ اه‍.
533

الثالث: قال ابن عرفة: وللمقرض رد عين القرض ما لم يتغير وبه اتضح منعه في الإماء
بأنه عارية الفروج، فإن تغير بنقص فواضح عدم القضاء بقبوله، ولو تغير بزيادة فالأظهر وجوب
القضاء بقبوله قبل أجله وهو عرض لانتفاء المنة عن المقرض فيهما لتقدم معروفه عليه
بالقرض ووجوب قضائه بمحل قبضه وهو غير عين، ويجوز بغيره تراضيا الخلاف إن حل
أجله وإلا فلا. ابن عتاب عن المشاور: من أقرض طعاما ببلد فخرب وانجلى أهله وأيس من
عمارته بعد طول فله أخذ قيمته في موضع السلف، وإن رجى قرب عمارته تربص إليها، وإن
كان من سلم خير في الإياس بين تربصه أو أخذ ماله. قلت: الأظهر إن لم ترج عمارته عن
قرب القضاء بالدفع في أقرب موضع عمارة لمحل القرض انتهى.
الرابع: قال ابن ناجي في شرح قول المسألة: وكذلك له أن يعجل الطعام من قرض لا
من بيع. اختلف المذهب إذا أراد المديان دفع بعض ما عليه وهو موسر، هل يجبر رب المال
على قبضه أم لا؟ فروى محمد في رواية أبي زيد أنه يجبر، وقال ابن القاسم في رواية
محمد: لا يجبر. وأما المعسر فيجبر اتفاقا اه‍. وعزا الجزولي القول الأول لمالك، وعطف
الثاني ب‍ قيل، واقتصر الشيخ يوسف بن عمر على الثاني. وفي كتاب المديان من ابن
يونس بن المواز قال مالك: ومن كان له على رجل حق فجاءه ببعضه فقال: لا أقبل إلا كله،
فأرى أن يجبر على أخذ ما جاء به. قال ابن يونس: إن كان الغريم موسرا لم يجبر رب الحق
534

على أخذ ما جاء به اه‍. وانظر رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم من كتاب
الصرف فإنه ذكر المسألة، وانظر هل هو إذا جاء به قبل الاجل أو بعده أو مطلقا فتأمله والله
أعلم.
فصل
ص: (تجوز المقاصة في ديني العين مطلقا) ش: قال في الصحاح: تقاص القوم
إذا قاص كل واحد منهم صاحبه في حساب أو غيره اه‍. وقال ابن عرفة: المقاصة متاركة
مطلوب بمماثل صنف ما عليه لما له على طالبه فيما ذكر عليها، ولا ينتقض طرده بمتاركة
متقاذفين حديهما أو طلبيهما على شرط ثبوت الحد بالحكم به، ولا بمتاركة متجارحين
جرحين متساويين لأن المتماثلين عرفا لا لغة ما صح قيام أحدهما مقام الآخر، وهذا لا
يصدق على حد القذف ولا طلبهما ولا على الجرحين للاجماع على أن أحدهما لا يصح
بدل الآخر بحال وإلا زيد في الرسم مليا. وقولنا: ما عليه خير من لفظ الدين لتدخل
المقاصة فيما حل من كتابة ونفقة الزوجة اه‍. وأما حكمها فقال ابن عرفة إثر الكلام المتقدم
عن ابن رشد في رسم العشور من سماع عيسى من كتاب النذور: ومشهور المذهب وجوب
الحكم بالمقاصة. وروى زياد: لا يحكم بها. ومثله في كتاب الصرف خلاف ما في النكاح
الثاني والسلم الثاني منها، وعلى المشهور: لو اشترى على أن لا مقاصة ففي لغو الشرط
وإعماله سماع القرينين. وقال ابن كنانة مع ابن القاسم في المدونة: وتأول ما في الصرف عنه
لأن كون الشرط على المناجزة كشرط تركها وتعليله يرد هذا التأويل. وقيل: يفسد البيع
بشرط تركها إن كان الدين حالا فيدخله البيع والسلف. روي هذا عن ابن القاسم. وقال
أصبغ: هو حقيق أن تضرب للدين أجلا ولم يشترط إلا أن لا يقبضه ذلك اليوم اه‍. والفرع
الأول في التوضيح وبهرام. قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب في أول المقاصة
جاز اتفاقا، والجواز هنا بمعنى الاذن. وقد اختلف هل يجب أن يعمل على قول من دعا
منهما إليها وهو المشهور، أو القول لمن دعا منهما إلى عدمها رواه زياد عن مالك وأخذ من
المدونة في الصرف والسلم الثاني والنكاح الثاني القولان اه‍. وقال بهرام في شرح قول
المختصر: تجوز المقاصة، والجواز هنا بمعنى الاذن في الاقدام على المعنى باعتبار حق الله
535

تعالى. وهل يجب أن يعمل فيها في حق الآدمي حتى يكون القول قول من دعي إليها وهو
المشهور، أو قول من دعي إلى عدمها وهو رواية زياد عن مالك؟ اه‍. وقوله: في ديني العين
اعلم أن المصنف قسم الدين على ثلاثة أقسام: إما أن يكون عينا أو طعاما أو عرضا، فإن
اختلف الدينان قال ابن بشير: كعروض في ذمة وعين في ذمة أخرى أو عرض وطعام أو عين
وطعام جازت المقاصة على الاطلاق، حل الدينان أم لا يحلا، اتفقت آجالهما أم اختلفت اه‍.
وقوله: مطلقا أي سواء كانا من بيع أو من قرض أو أحدهما من قرض والآخر من بيع. ص:
(وإن اختلفا صفة مع اتحاد النوع) ش: كمحمدية ويزيدية. ص: (أو اختلافه) ش:
كذهب وفضة. ص: (كان اختلفا زنة) ش: سواء اتفقا في الصفة أو اختلفا كما صرح به ابن
بشير ص: (من بيع) ش: قال الشارح: احترازا مما إذا كانا من القرض أو أحدهما فالمقاصة
جائزة وإن اختلفا في الوزن كما تقدم اه‍. وقد تقدم أن الزيادة في القرض ممتنعة إلا اليسيرة
كرجحان ميزان. وقال ابن عرفة: ابن بشير والمازري: والقرض فيما ذكر كالبيع ويغتفر في
القرض، فالزيادة في الصفة لا الزيادة في العدد على المشهور، وفي الموازية: إن اختلف العدد
في القرض منع مطلقا قال: وإن كان أحدهما من القرض والآخر من بيع جازت ما لم يكن
الذي حل أولهما حلول الأقل وما لم يعد إلى المقرض أكثر اه‍. ص: (ويجوز في العرضين
مطلقا إن اتفقا جنسا وصفة) ش: قال ابن بشير: فإن اتفقا في الجنس والصفة جازت
المقاصة، اتفقت الآجال أو اختلفت، حلا أم لم يحلا اه‍. ص: (وإن اتحدا جنسا والصفة
متفقة أو مختلفة جازت إن اتفق الاجل وإلا فلا مطلقا) ش: هكذا يقع في بعض النسخ وفيه
نظر من وجوه: الأول: قد قدم حكم ما إذا اتفق العرضان في صفة فلا حاجة إلى إعادته هنا.
الثاني: أن قوله: وإلا فلا يقتضي أنه إذا لم يتفق الأجلان لم تجز المقاصة وإن اتفقا في
الصفة والجنس وهو ما تقدم أنه إذا اتفقا في الجنس والصفة جازت المقاصة، اتفقا في
الاجل أو اختلفا حلا أو لم يحلا كما تقدم في كلام ابن بشير أيضا. الثالث: كا ينبغي أن
يقول: إن اتفق الاجل وحل لأن حكم الحلول حكم اتفاق الاجل وقد يقال: سكت عن هذا
الثالث لوضوحه وإن كان التنبيه على الأول. الرابع: دخل في قوله: وإلا فلا مطلقا ما إذا
536

كانا من قرض والحال منهما أو الأقرب حلولا أجود وهو جائز إذ لا مانع فيه لأنه إنما يمنع
إذا كانا من بيع لأنه يدخله حط الضمان وأزيدك ولا ضمان في القرض، وكذا إذا كان
أحدهما من قرض والآخر من بيع وكان أقربهما حلولا هو البيع والأفضل جاز للعلة
المذكورة. وقد صرح بذلك ابن بشير وصرح في التوضيح بالجواز في الأول، وقد سلم
كلامه في الشامل من الاعتراضين الأولين ونصه: وإن اتفقا جنسا دون صفة جاز إن حلا وإلا
فلا مطلقا اه‍. ويقع في بعض نسخ المختصر كعبارة الشامل والله أعلم.
تنبيهان: الأول: إذا اتحدا في الجنس واختلفا في الصفة وحلا أو اتفقا أجلا جازت
المقاصة، سواء كان من بيع أو قرض أو أحدهما من القرض والآخر من بيع كما صرح به ابن
بشير والله أعلم.
الثاني: جميع ما تقدم في مسألة العرضين المتفقين في الجنس إنما هو إذا اتفق
عددهما، فإن اختلف وهما من القرض لم يجز على المشهور من منع الزيادة في القرض، وإن
كان من بيع وقد حل الأجلان فيجوز إن كان أحدهما من قرض والآخر من بيع، فإن كان
البيع أكثرهما لم تجز المقاصة لأنه زيادة في القرض والله أعلم.
باب
ص: (باب الرهن) ش: الرهن في اللغة معناه الثبوت والدوام. يقال ماء راهن أي
راكد، ونعمة راهنة أي دائمة. وقال بعضهم: إن معناه في اللغة الحبس لقوله تعالى: * (كل
نفس بما كسبت رهينة) * أي محبوسة بما قدمته، ومن ذلك عليه الصلاة
والسلام: نفس المؤمن مرهونة بدينه حتى يقضى عنه فمعنى مرهونة محبوسة في قبرها،
والمعنى الثاني لازم للمعنى لأن الحبس يستلزم الثبوت بالمكان وعدم مفارقته، أما في الشرع
فهو جعل عين لها قيمة مالية في نظر الشرع أي ما جاز بيعه فكل ما جاز بيعه جاز رهنه إلا
ما سنعرفه. وأما دليله فقد ثبت بالكتاب والسنة والاجماع. أما الكتاب فقد قال تعالى: * (وإن
537

كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) * وأما السنة فلما روي من
أن النبي (ص): رهن درعه عند يهودي يقال له أبو الشحم على ثلاثين صاعا من شعير لأهله
ص: (بذل من له البيع) ش: أي من يحق له بيع العين ويخرج من ذلك المريض إذا كان مدينا
فإن مذهب ابن القاسم أنه يجوز بيعه ولا يجوز رهنه، ونقله في المقدمات والرجراجي وسيأتي
ذلك عند قول المصنف في أول باب التفليس: لا بعضه ورهنه. ويأتي أيضا في كلام الوثائق
المجموعة فتأمله ونبه بقوله ما يباع أو غررا على أنه يشترط في المرهون ما يشترطه في الشئ
المبيع إلا أنه يغتفر فيه الغرر فلا يصح رهن الحمر والخنزير والميتة. وقوله: أو غررا معطوف
على ما في قوله: ما يباع. ونبه به على أنه يجوز رهن الآبق والشارد إذا لم يقارن عقدة البيع
بلا خلاف، وإن قارنها ففيه خلاف والمشهور الجواز وإليه أشار بقوله: ص: (ولو اشترط في
العقد) ش: ومنشأ الخلاف هل للرهن حصة من الثمن أم لا، وقوله: وثيقة بحق فصل خرج به
ما دفع لا على سبيل التوثق بل على سبيل الملك كالبيع والانتفاع كالمستأجر والمعار وهو
حال من ما والباء في بحق للسببية، وهذا الحد قريب من قول ابن الحاجب: إعطاء امرئ
وثيقة بحق. واعترضه ابن عرفة بأنه لا يتناول الرهن بحال لأنه اسم والاعطاء مصدر وهما
متباينان اه‍. يعني أن الرهن وإن كان في الأصل مصدرا ولكن الأغلب في عرف الفقهاء إطلاقه
على الشئ المرهون فكان الأولى أن يقول معطى أو ما أشبهه. وحده ابن عرفة بأنه مال قبضه
توثقا به في دين. قال: فتخرج الوديعة والمصنوع في يد صانعه وقبض المجني عبدا جنى عليه
انتهى. ونقله ابن غازي بلفظ: مال قبض توثقا به في دين. ولقائل أن يقول: إن الرهن كما يطلق
في عرف الفقهاء على الشئ المرهون، فكذلك أيضا يطلق على الرهن الذي هو المصدر كما إذا
قالوا: يصح الرهن أو يبطل الرهن أو يصح رهن كذا أو لا يصح رهن كذا، فاستعمال الرهن بمعنى
المصدر شائع في عرف الفقهاء فلذلك عرفه ابن الحاجب والمصنف بهذا المعنى فتأمله والله
أعلم. ص: (كولي) ش: أبا كان أو وصيا. قال في المدونة: وللوصي أن يرهن مال اليتيم رهنا فيما
يبتاع له من كسوة أو طعام، وليس للوصي أن يأخذ عروض اليتيم بما أسلفه رهنا اه‍. ثم قال: وإذا
رهن الأب من متاع ابنه الصغير في دين عليه ولم يصدقه الولد لم يجز الرهن لأنه لا يجوز له أخذ
538

مال ولده لغير حاجة ص: (ومكاتب) ش: قيده في المدونة بما إذا أصاب وجه الرهن ونقله
في الكبير. ص: (وآبقا) ش: قال ابن الحاجب: ورهن الآبق والبعير الشارد إن قبض قبل موت
صاحبه أو فلسه قال في التوضيح: أي يجوز رهن الآبق والبعير الشارد. وقوله: إن قبض قبل
موت صاحبه أو فلسه ليس بظاهر لأن رهن الآبق والشارد صحيح وإن لم يقبضا قبل موت
صاحبهما، وإنما القبض قبل موت صاحبهما شرط في صحة الاختصاص اه‍. والظاهر ما قاله
ابن الحاجب لأن الرهن يبطل بالموت والفلس قبل قبضه. وقد نقله ابن عرفة عن الصقلي عن
ابن المواز كذلك. وقال في النوادر في كتاب الرهون في ترجمة العين: وما يكال أو يوزن
والمعروف لمالك أنه لا ترهن الأجنة. وقال أحمد بن ميسر: ذلك جائز كما ترهن العبد الآبق
والبعير الشارد ويصح ذلك بالقبض اه‍. وسيأتي أنه لا يصح رهن الجنين.
تنبيه: سئلت عن رهن الدار الغائبة والشئ الغائب فأجبت أنه يصح. ويشترط في
اختصاص المرتهن به أن يقبضه هو أو وكيله قبل موت الراهن أو فلسه وهو كالآبق والشارد بل
أحرى بالجواز، فإن مات الراهن أو فلس قبل قبض المرتهن أو وكيله بطل الرهن ولوجد
فيه، لأن المصنف سيقول: وبموت راهنه أو فلسه قبل حوزه ولوجد فيه. وأيضا فقد نص
في المدونة أن من وهب دارا غائبة ومات قبل أن يحوزها الموهوب له بطلت الهبة ولو لم
يفرط مع أن المشهور في الهبة إذا جد في طلبها لا تبطل. وقد فرق بينهما هنا في التوضيح
بأن الرهن لما كان باقيا على ملك راهنه لم يكتف بالجد بخلاف الموهوب فإنه خرج عن
ملك واهبه والله أعلم. وذكر في التوضيح وغيره أن رهن الدين يصح ولو على غائب ويكفي
في حوزه الاشهاد، والظاهر هنا الصحة أيضا والله أعلم ص: (وخدمة مدبر) ش: أي وجاز
539

رهن خدمة مدبر سواء رهن منها مدة معلومة يجوز بيعها أو رهن جميع خدمته. أما إن رهن
منها مدة معلومة فإن ذلك جائز في عقد البيع وبعده، وأما إن رهن الجميع فيجوز بعد العقد،
ويختلف فيه إذا كان في العقد على الخلاف في رهن الغرر في عقدة البيع والمشهور
الجواز. واحترز بالخدمة من الرقبة ورهن الرقبة على وجهين: الأول أن يرتهن رقبته على أنه إن
مات الراهن ولا مال له بيع له المدبر، فإن كان هذا الشرط في أصل العقد فإنه يجري على
الخلاف في رهن الغرر فإنه لا يدري متى يموت السيد، وإن لم يكن في أصل العقد جاز بلا
خلاف. والثاني أن يرتهن الرقبة على أنه تباع له قبل موت السيد فهذا لا يجوز وإليه أشار
بقوله: لا رقبته. ثم اختلف هل يعود الرهن إلى المنفعة أو لا وإليه أشار بقوله: وهل ينتقل
لخدمته قولان وهذا كله من التوضيح ص: (وما لم يبد صلاحه) ش: يريد وقد خلقت
الثمرة. المازري: وأما إذا لم تخلق فذلك كرهن الجنين. اه‍ من التوضيح ص: (وانتظر
ليباع) ش: أي فإن حل أجل الدين أو مات راهن الثمرة التي لم يبد صلاحها قبل أن يبدو
540

صلاحها ولم يكن له مال انتظر بدو الصلاح لتباع، وإنما انتظر بدو الصلاح لأن بيعها قبل
ذلك لا يجوز. وهذا إذا لم يكن له مال غيرها، أما إن كان فإنه يؤخذ منه لأن حق رب الدين
541

في ذمة المديان. اه‍ من التوضيح كله باللفظ إلا القليل. فظهر لك أن في كلام الشيخ حذفا
تقديره: فإن حل أجل الدين أو مات الراهن ولا مال له انتظر ليباع، والظاهر أن
حكم الفلس حكم الموت بدليل ما بعده والله أعلم. ص: (والمستأجر والمساقي وحوزهما الأول
كاف) ش: هذا إذا كان المستأجر والمساقي هو المرتهن.
فرع: قال في الذخيرة قال الطرطوشي: راهن المغصوب من غاصبه يسقط عنه ضمانه.
وقاله أبو حنيفة وأحمد. وقال الشافعي: لا يسقط عنه ضمان الغصب لنا القياس على ما إذا
باعه منه أو وهبه منه والجامع الاذن في الامساك ص: (والمثلي ولو عينا إن طبع عليه)
ش: يعني أنه يصح رهن المثلي وإن كان عينا بشرط أن يطبع على ذلك المثلي. وظاهر قوله:
ولو عينا أن العين فيها خلاف كما هي قاعدته، والخلاف إنما هو في غير المعين إذا لم
يطبع عليه، فأشهب يقول يصح رهنه، وابن القاسم يقول لا يصح. وأما العين فاتفاقا على أنه
لا يصح رهنها إلا مطبوعا عليها، فهذه طريقة المازري وابن الحاجب. وأما الباجي وابن يونس
542

وابن شاس فلم ينقلوا عن أشهب إلا أن الطبع في النقل مستحب. قاله في التوضيح.
والمشهور وهو مذهب المدونة أن المثليات كلها لا ترتهن إلا مطبوعا عليها. قال في
رهونها: ولا ترهن الدنانير والدراهم والفلوس وما لا يعرف بعينه من طعام أو إدام أو ما يكال
أو يوزن إلا أن يطبع على ذلك ليمنع المرتهن من النفع به ورد مثله. وأما الحلي فلا يطبع
عليه حذر اللبس كما لا يفعل ذلك بسائر العروض لأن ذلك يعرف بعينه اه‍. ابن يونس: قال
أشهب: لا أحب ارتهان الدنانير والدراهم إلا مطبوعة للتهمة في سلفها، فإن لم يطبع عليها
لم يفسد الرهن ولا البيع ويستقبل طبعها إن عثر على ذلك وما بيد أمين فلا يطبع عليه، وما
أدري ذلك عليه في الطعام والإدام وما لا يعرف بعينه وإن كانت تجري مجرى العين لأنه لا
يخاف في غير العين ما يخاف في العين اه‍.
تنبيهات: الأول: لو قال المصنف: والمثلي إن طبع عليه ولو غير عين لكان مشيرا
لخلاف أشهب على طريقة ابن الحاجب، وأما على الطريقة الأخرى فالعين وغيرها سواء فلا
يتأتى في أحدهما إغياء والله أعلم.
الثاني: محل الطبع إذا لم يوضع ذلك على يد أمين، أما إذا وضع تحت يد أمين فلا
يحتاج إلى طبع كما تقدم في كلام ابن يونس، وقاله ابن الحاجب وغيره والله أعلم.
الثالث: قال الشيخ أبو الحسن الصغير: والمراد بالطبع طبع لا يقدر على فكه في
الغالب، وأما الطبع الذي لا يقدر على فكه أصلا فليس في قدرتهما، والطبع الذي يقدر على
فكه كل أحد كلا طبع اه‍.
الرابع: قال الشيخ أبو الحسن أيضا: انظر لو قامت الغرماء على الراهن قبل أن يطبع
على الرهن ففي بعض الحواشي يكون المرتهن أسوة الغرماء وليس هذا ببين، لأن هذا رهن
يجوز فيكون المرتهن أولى به اه‍. ص: (وفضلته إن علم الأول ورضي) ش: قال ابن
سلمون: وإذا كان في الرهن فضل على العدد الواقع فيه فهو رهن معه، وجائز أن يزيد دينا
آخر ويكون رهنا بها إلى أجل دين الرهن، ولا يجوز إلى أبعد منه ولا إلى دونه، ولا يجوز أن
543

يرهن فضلة الرهن من غيره بغير علمه ورضاه على المشهور اه‍. ومعنى الفضلة أن الرهن
قيمته أكثر من الدين فيرهنه عند آخر على أن الأول يستوفى منه دينه وفضلة ثمنه للثاني. قال
في المدونة: وإن ارتهنت ثوبا قيمته مائة دينار في خمسين ثم رهن رب الدين فضلته لغيرك
لم يجز إلا أن يكون ذلك بإذنك فيجوز ويكون جائزا للثاني، فإن هلك الثوب بيدك بعد ما
ارتهن الثاني فضلته ضمنت منه مبلغ دينك وكنت في الثاني أمينا، ويرتجع المرتهن الثاني
بدينه لأن فضلة الرهن على يد عدل.
تنبيهات: الأول: قال في التوضيح: إنما يشترط رضا الأول إذا كان الرهن على يده.
قال في البيان: وأما إذا كان موضوعا على يد عدل فالاعتبار إنما هو بعلمه دون علم المرتهن
اه‍. أي علم العدل.
الثاني: وهذا إذا رهنه الثوب جميعه أو لا، وأما لو رهن نصف العبد أو ربعه ثم رهن
النصف الثاني لآخر فلا إشكال في ذلك. قال الرجراجي: ارتهان فضلة الرهن لا تخلو تلك
الفضلة من أن تكون فضلة في عين ارهن أو تكون فضلة في قيمة الرهن. ومعنى الوجه الأول
أن يرهنه نصف الثوب في عشرة دنانير والنصف الآخر مرتهن، فقبض المرتهن جميع الثوب
ليتم له الحوز. ومعنى الوجه الثاني أن يرهنه الثوب في خمسة وهو يساوي عشرة. وفائدة
544

اختلاف الصورتين معرفة ما يصح للمرتهن الثاني ويكون أحق به من الغرماء إذا صح له
القبض والحوز. ففي الوجه الأول يكون أحق بنصف الثوب من الغرماء، سواء كان النصف
الباقي يفي بحق المرتهن الأول أو عجز عنه. وفي الوجه الثاني يكون المرتهن الثاني أحق بما
ناب عن دين المرتهن الأول من قيمة الرهن، فإن كانت قيمته كفاف دين الأول أو أقل من
دينه فهو أحق بجميع الرهن من الغرماء، ولا حق للمرتهن الثاني إذا ثبت ذلك. فلا يخلو من
أن يكون الرهن على يده أو على يد عدل، فإن كان على يده فلا خلاف في الجواز، وإن
كان المرتهن عين الرهن أو صفته وهو مما يزيد من قيمته على قدر الدين الأول إلا على
مذهب من يرى أن رهن القدر لا يجوز فيمنع في رهن الصفة، لأن ذلك غزر قد يكون وقد لا
يكون، فإن كان على يد عدل فيجري فيه من الخلاف ما نذكره في الوجه الثاني إن شاء الله.
فأما إذا رهنه من غير الأول فلا يخلو من أن يكون على يد عدل أو على يد المرتهن
الأول، فإن كان على يد عدل فإن رضي بالحوز الثاني فالمذهب على قولين: أحدهما أن
ذلك جائز رضي المرتهن الأول أو سخط. وهو قول أصبغ وهو ظاهر المدونة. والثاني أن
ذلك لا يجوز إلا برضا الأول وهو قول مالك في كتاب محمد، وهو أضعف الأقوال إذ لا
فائدة لرضاه. وأما إن كان الرهن على يد المرتهن الأول ففي المذهب ثلاثة أقوال: أحدها أن
ذلك جائز رضي المرتهن الأول بذلك أم كره، وهو ظاهر قول مالك في كتاب الوصايا الثاني
وغيره من كتاب المدونة. والثاني أن ذلك لا يجوز ولا يكون حوزه حوزا للثاني وإن رضي،
لأن قبضه وحوزه أولا إنما كان لنفسه لا لغيره. وهو رواية ابن المواز عن ابن القاسم في
كتابه، ورواه أبو القاسم بن الجلاب أيضا. والثالث التفصيل بين أن يرضى المرتهن الأول
بالحوز الثاني فيجوز، وإن لم يرض فلا يجوز، وهو نص قول مالك في كتاب الرهن وذهب
بعض المتأخرين إلى أن ذلك اختلاف أحوال، وإن معنى الجواز عنده إذا كان أجل الدينين
سواء أو كان الأخير أبعد طولا فلذلك يجوز وإن لم يرض الأول، وإن كان الثاني أقرب
حلولا ودين الأول عوض من بيع ودخل الثاني على أن يقبض حقه إذا حل أجله لم يجز إلا
برضا الأول، لأن الأول يقدر على تقديم حقه قبل أجله، وإن كان دين الأول عينا أو عرضا
من قرض جاز إذا دخل على أن يعجل حقه إذا حل الدين الأول اه‍.
الثالث: قول المصنف: ورضي يغني عن قوله: وعلم الأول ص: (قسم إن أمكن)
545

ش: قال ابن عرفة: قسمه إن انقسم لا أعرفه في هذه المسألة إلا في الجلاب مثل ما ذكره
المؤلف وما وقع الحكم بقسمه في العتبية والموازية إلا في استحقاق بعضه اه‍. وما ذكره
الجلاب هو في آخر باب الرهن.
فرع: قال ابن عبد السلام: فإن حل أجل الثاني قسم الرهن على الدين إن أمكن قسمه
فيدفع للأول قدر ما يتخلص منه لا أزيد، والباقي للثاني إلا أن يكون الباقي يساوي أكثر من
الدين الثاني فلا يدفع منه للثاني إلا مقداره وتكون بقية الرهن كلها للدين الأول ص:
(والمستعار له) ش:.
فرع: قال في كتاب الرهون من المدونة: ولو هلكت السلعة عند المرتهن وهي مما
يغاب عليها لا تبع المعير المستعير بقيمتها، وإن كانت مما لا يغاب عليه لم يضمنها
المستعير ولا المرتهن اه‍. زاد ابن يونس بعد قوله: بقيمتها أو قاص المستعير المرتهن اه‍.
قال في الشامل: فإن هلك الرهن اتبع ربه الراهن المرتهن، فإن كان مما لا يغاب عليه فلا
ضمان عليه اه‍. وهذا إذا ضاع الرهن بيد المرتهن، ولو ضاع بيد عدل جعله عنده راهنه وربه
المعير لكان ضمانه من ربه، ونقله ابن عرفة ص: (وضمن إن خالف) ش: ليس المراد
بالضمان هنا ضمان الرهان والعواري، بل المراد والله أعلم أنه يصير في ضمانه مطلقا، قامت
على هلاكه بينة أم لا، كان مما يغاب عليه أم لا، كما صرح به ابن عبد السلام وبدليل
فرضهم ذلك في العبد ص: (وهل مطلقا إلى آخره) ش: أي سواء أقر المرتهن بما أقر به
المستعير من التعدي أم لا. وهو تأويل ابن أبي زيد. أو إنما يضمن إذا لم يقر المرتهن
546

بالتعدي ولم يحلف المعير على ذلك، وأما إن أقر المرتهن بالتعدي أو حلف المعير على
ذلك فلا ضمان على الراهن المستعير ويصير الرهن فيما قاله الراهن، وهو تأويل ابن يونس
والله أعلم ص: (وبطل بشرط مناف كان لا يقبض) ش: من الشرط المنافي ما ذكره في
أواخر كتاب الرهون من المدونة ونصه: ومن رهن رهنا على أنه إن مضت سنة خرج من
الرهن فلا أعرف هذا من رهون الناس ولا يكون هذا رهنا. ابن يونس: قال ابن المواز: فإن
مات الراهن أو فلس دخل فيه الغرماء اه‍. وليس منه مسألة غلق الرهن كما يأتي في قول
المصنف وباشتراطه في بيع فاسد ظن فيه اللزوم إنما هي من باب الرهن الفاسد والمرتهن
أحق به من الغرماء حتى يقبض حقه والله أعلم. وانظر المشذالي في مسألة غلق الرهن غلقا
إذا استحقه المرتهن. وذلك إذا لم يفتكك في الوقت المشروط وفي الحديث: لا يغلق
الرهن اه‍. وفي موطأ مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله (ص) قال:
لا يغلق الرهن قال مالك: تفسير ذلك فيما نرى والله أعلم أن يرهن الرجل الرهن عند
الرجل بالشئ وفي الرهن فضل عما رهن به، فيقول الراهن للمرتهن إن جئتك بحقك إلى
أجل يسميه له وإلا فالرهن لك بما فيه قال: فهذا لا يصح ولا يحل، وهذا الذي نهى وإن
جاء صاحبه بالذي رهن به بعد الاجل فهو له، وأرى هذا الشرط مفسوخا. قال الباجي: غلق
الرهن معناه أنه لا يفك يقال غلق الرهن إذا لم يفك. ومعنى الترجمة أنه لا يجوز أن يعقد
الرهن على وجه يؤل إلى المنع في فكه، وقوله (ص): لا يغلق الرهن معناه والله أعلم لا
يمنع من فكه، وذلك نهي عن عقد يتضمن ذلك وعن استدامته إن عقد على وجه يتضمنه.
اه‍ من الباجي ص: (وباشتراطه في بيع فاسد ظن فيه اللزوم) ش: قبله الشيخ بهرام
547

والنويري في تكملته على البساطي. وقال ابن غازي: أشار به لقول ابن شاس: أو شرط عليه
رهنا في بيع فاسد وظن لزوم الوفاء به فرهنه فله الرجوع عنه كما لو ظن أن عليه دينا فأداه ثم
تبين أن لا دين فإنه يسترد اه‍. وهو نص ما وقفت عليه في وجيز الغزالي. وقد أصاب ابن
الحاجب في إضرابه عند صفحا، وأما المصنف فنقله في التوضيح عند قوله: أو يعمل له.
وأما ابن عرفة فلم يعرج عليه بقبول ولا رد خلاف المألوف من عادته، وأنا ما أراه إلا مخالفا
للمذهب فتأمله مع ما قبل. ابن عرفة من قول اللخمي: إن كان الرهن بدينارين قضى أحدهما
أو بثمن عبدين استحق أحدهما أو رد بعيب أو بمائة عبد بيع بيعا فاسدا فكانت قيمته
خمسين فالرهن رهن بما بقي. وتأله أيضا مع قول ابن يونس قال ابن حبيب عن أصبغ عن
ابن القاسم فيمن ابتاع بيعا فاسدا على أن يرتهن بالثمن رهنا صحيحا أو فاسدا فرهنه إياه
وقبضه، فإنه أحق به من الغرماء لأنه عليه وقع البيع، وكذا إن كان الرهن صحيحا والبيع
فاسدا، على أن اللخمي وابن يونس لم يتنازلا لظن اللزوم. اه‍ كلام ابن غازي. وكلام
اللخمي الذي ذكره هو في باب من رهن رهنا بدينارين فقضى أحدهما أو بعبدين فاستحق
أحدهما أو كان عبدا واحدا وبيع بمائة بيعا فاسدا فكانت قيمته خمسين، فقيل في جميع
ذلك الرهن رهن بالباقي.
وحكى ابن شعبان إذا كان الرهن في حقوق ثلاثة فقضى أحدها أنه يخرج من الرهن
بقدره. ففي كتاب محمد فيمن له على رجل مائة على أن رهنه رهنا بالأول والثاني قولان:
فقيل يقبض الرهن ويسقط نصفه وهو مقابل الدين الأول، واختار محمد أن يكون جميعه
رهنا بالثاني مثل ما في المدونة، وعلى هذا يفض الرهن في الاستحقاق إذا استحق أحد
العبدين أو رد بعيب. وفي الطلاق إذا رهن بالصداق ثم طلق قبل الدخول والفض أحسن إلا
أن تكون عادة أنه يبقى رهنا في الباقي. ومن أسلم دينارا في ثلاثين درهما وأخذ بها رهنا ثم
فسخ ذلك. فإن كان الدينار والدراهم سواء كان أحق به حتى يعود إليه ديناره، وإن كان
قيمة الدينار أربعين كان أحق بثلاثة أرباع الرهن والباقي هو أسوة الغرماء، لأنه إنما دخل على
أن يكون رهنا في ذلك القدر ثم يسلم. واختلف إذا كانت قيمة الدينار عشرين، هل يكون
أحق بجميعه أو بثلثيه ويسقط من الرهن ما ينوب العشرة الزائدة لأنها كالمستحقة؟ اه‍.
وكلام ابن يونس ذكره في باب الرهن بالعقود الفاسدة. ولنذكر أولا كلام المدونة، ثم نذكر
كلام ابن يونس عليه فإنه صريح في المسألة. والعجب من ابن غازي رحمه الله تعالى حيث
لم ينقله. قال في التهذيب: ومن لك عليه دين إلى أجل من بيع أو قرض فرهنك به رهنا
على أنه إن لم يفتكه منك إلى الاجل فالرهن لك بدينك، لم يجز ذلك وينقص هذا الرهن،
ولا ينظر به إلى الاجل، ولك أن تحبس الرهن حتى تأخذ حقك وأنت أحق به من الغرماء.
قال أبو محمد: يريد ويصير السلف حالا. قال ابن يونس: وهذا إذا كان الرهن في أصل البيع
548

أو السلف، وأما إن كان الامر ليس كذلك فسد البيع والسلف لأنه لا يدرى ما يصح له في
ثمن السلعة الثمن أو الرهن، وكذلك في السلف لا يدرى هل يرجع إليه ما سلف أو الرهن،
فإن عثر على ذلك قبل الاجل أو بعده فسخ البيع إن لم تفت السلعة بحوالة سوق فأعلا،
فتكون فيها القيمة حالة ويصير السلف حالا ويكون المرتهن أولى بالرهن من الغرماء حتى
يأخذ حقه لأنه وقع عليه البيع ولو كان هذا الرهن بعد أن صح البيع أو السلف لم يفسخ إلا
الرهن وحده ويأخذه ربه به ويبقى البيع والسلف بلا رهن إلى أجله، ولا يكون المرتهن أحق
بهذا الرهن في فلس ولا موت كقولهم فيمن له على الرجل دين إلى أجل فأخذ منه قبل
الاجل رهنا على أن يؤخره إلى أبعد من الاجل لأنه لا يجوز لأنه سلف بنفع.
قال غير ابن القاسم: ولا يكون الرهن به ورهنا وإن قبض في فلس الغريم أو موته. قال
أبو الحسن: فحمل أبو محمد وابن يونس مسألة الكتاب على أنهما في أصل العقد. وقال
عياض: ظاهر المسألة أن الرهن بعد عقد البيع في ثمن حال فأخره به لأجل الرهن، فاستوى
هنا فيه البيع والقرض لأنه في هذه المسألة في البيع إذا كان بعد العقد كان تأخيره على هذا
الرهن كالسلف عليه وصار بيعا فاسدا باع منه هذا الرهن بهذا الدين إلى ذلك الاجل بشرط
إن لم يوفه دينه، فإن وفاه فلا بيع بينهما فصار من بيع الغرر والبيع والسلف مرة بيعا ومرة
سلفا فيرد ويفسخ هذا الشرط ولا ينتظر به الاجل، فيأخذ صاحب السلف سلفه والبائع ثمن
سلعته، لأن البيع الأول صح وإنما دخل الفساد في الرهن في ثمنه ويكون هنا أحق برهنه
حتى يأخذ حقه لأنه بمعنى الرهن أخذه اه‍. ولا معارضة بين كلام ابن يونس وعياض فيما
إذا وقع الرهن بعد تمام البيع والسلف لا في حمل لفظ المدونة. ولا في المعنى لأن عياضا
إنما قال: إنه يكون أحق به لأنه فرض أن الثمن والسلف حالان وإنما أخره به لأجل الرهن
فكأنه ابتدأ حينئذ سلفا على رهن. وقد تقدم في كلام ابن يونس أن السلف إذا وقع على رهن
فاسد أنه يفسخ ويصير السلف حالا ويكون المرتهن أحق بالرهن من الغرماء، وأما ابن يونس
ففرض المسألة على أن السلف والثمن مؤجلان وتطوع له بالرهن بشرط أنه إن مضى الاجل
ولم يوفه حقه فالرهن له بحقه، فهذا رهن فاسد وقع بعد تمام البيع والسلف فيرد ولا يكون
أحق به من الغرماء كما سيأتي في كلامه وكلام عياض عن ابن حبيب فتأمله. ويؤخذ هذا
أيضا من قول الشيخ أبي الحسن أراد بعضهم أن يعارضها على ما قال عياض بمسألة كتاب
التفليس فيمن له على رجل دين إلى أجل فأخره برهن إلى أبعد أنه لا يكون الرهن به رهنا،
وهذه المعارضة لا تصح لأن عياضا. قال: من ثمن حال فأخره به لأجل الرهن.
الشيخ: وقول عياض أنه بعد العقد يظهر من قوله فرهنك به والفاء للترتيب، ومن قوله
وينقض هذا الرهن، ولو كان في أصل العقد لقال ينقض البيع. اه‍ كلام الشيخ أبي الحسن.
وكلام عياض في التنبيهات فيه إشارة إلى ما تقدم ونصه إثر كلامه المتقدم وفي كتاب ابن
549

حبيب: إذا وقع الرهن فاسدا بعد تمام البيع ولم يشترط في الرهن بيعا فلا يكون أولى به لأنه
لم يخرج من يده بهذا الرهن شيئا. ويظهر أن هذا خلاف المدونة لأنه قال في الكتاب: أو
قرض من بيع. وقد يكون معنى ما في الكتاب عندي على ما قدمناه أنه أخذه بثمن المبيع
لأجل الرهن فيكون كالسلف سواء. وقد خرج من يده الانتفاع بنقد ثمنه وأخذه لأجل الرهن
كما قال محمد فيمن أخذ بدين لم يحل إلى أبعد من أجله على أن يعطي حميلا أو رهنا أنه
تسقط الحمالة ويرد الرهن إلى ربه إن أدرك قبل أن يدخل في الاجل الثاني لأنه إذا أدخل في
الاجل الثاني فهو كسلف لم يحل فيه رهن مقبوض فالرهن به ثابت. ومعنى مسألة ابن حبيب
أن الثمن كان مؤجلا فها هنا إذا فسخنا الرهن لزمه بحقه، ولم يكن أحق به إذا لم يخرج من
يده شيئا لأجل الرهن، ولم يفسخ الاجل لأنه من بيع ولو كان هذا الشرط في عقد البيع
لكان بيعا فاسدا اه‍. ثم لما أن تمم ابن يونس الكلام على مسألة المدونة هذه كما سنذكر
كلامه إن شاء الله ذكر ما نقله عنه ابن غازي وزاد بعده تتمة للكلام السابق ما نصه: كمن
قال إن جئتك بالثمن إلى سنة وإلا فالرهن لك بالثمن فهو أحق بالرهن. ابن يونس: جعل هذا
بيعا صحيحا وهو لا يدري ما يصح له في ثمن سلعته الثمن الذي باعها به أو الرهن، وهذا
بيع فاسد إلا أن يكون بعد تمام البيع كما بينا اه‍. وقال في الذخيرة.
فرع: قال ابن يونس: وإذا رهنه في بيع فاسد رهنا صحيحا أو فاسدا فقبضه فهو أحق
به من الغرماء لوقوع البيع عليه اه‍. وقال الرجراجي: إذا كانت المعاملة صحيحة والرهن فاسدا
مثل أن يقع البيع أو السلف على وجه الصحة واللزوم إلى أجل، ثم يرهنه به رهنا على أنه إن
مضت السنة خرج من الرهن، فهل يكون أحق بالرهن من الغرماء وهو ظاهر المدونة، والثاني
لا يكون أحق به من الغرماء لأنه لم يخرج بالرهن من يده شيئا وهو قول ابن حبيب؟ والأول
أصح. وإذا كانت المعاملة فاسدة والرهن صحيح مثل أن يقع البيع على نعت الفساد بثمن
إلى أجل فيرهنه بالثمن رهنا صحيحا إلى ذلك الاجل، فإن البيع مفسوخ وترد السلعة مع
القيام ويرد الرهن إلى الراهن، فإن فاتت السلعة بما يفوت به البيع الفاسد فإن المرتهن أحق
بالرهن من الغرماء حتى يقبض القيمة قولا واحدا اه‍. فعلم من هذا أن المؤلف رحمه الله إنما
تبع ابن شاس وأن كلامه مخالف للمدونة ولجميع ما تقدم نقله.
تنبيهات تتعلق بكلام المؤلف وبكلام المدونة المذكور: الأول: قد علم أن السلف
الفاسد حكمه حكم البيع الفاسد.
الثاني: إذا قلنا إن الرهن لا يبطل في البيع الفاسد، فتارة يفسخ مع قيام السلعة قبل
فواتها فهذا ظاهر، وتارة يفسخ في القيمة بعد فوات السلعة، وحينئذ إما أن تكون القيمة
مساوية للثمن أو أقل أو أكثر، فمع التساوي الامر ظاهر، وإن كانت أقل فهل يكون الرهن
550

جميعه رهنا بها وهو مذهب المدونة وهو المشهور أو لا؟ قولان. تقدمت الإشارة إليهما في
كلام اللخمي، وإن كانت القيمة أكثر كان الرهن رهنا في قدر الثمن منها فقط وقد تقدم
ذلك في كلام اللخمي والله أعلم.
الثالث: لا يقال لا مخالفة بين كلام المؤلف وبين ما ذكرتم من النقول. لأنه لا يلزم
من بطلان الرهن منع التوثق به حتى يتصل بعين شيئه لأنا نقول: لا معنى للرهن إلا ذلك، ولا
معنى لعدمه إلا بطلان الرهن وهذا ظاهر، وإنما نبهنا عليه لأنه قد توهمه بعض الناس والله
أعلم.
الرابع: قال ابن يونس: قال ابن حبيب: وإذا وقع الرهن فاسدا بعد تمام البيع ولم يشترط
في البيع رهنا فلا يكون أولى بالرهن لأنه لم يخرج من يده بهذا الرهن شيئا اه‍. وهذا موافق لما
تقدم. وقد يؤخذ من قوله: وبطل بشرط مناف ويريد وكذلك السلف والله أعلم.
الخامس: قال ابن يونس إثر كلامه المتقدم متمما لكلام المدونة: وأما إن حل الاجل
في مسألة الكتاب ولم يدفع إليه ثمنه أو أسلفه فإنه يصير حينئذ كأنه باعه الرهن بيعا فاسدا،
فيفسخ ما لم يفت ويكون أحق به من الغرماء وتستوي حينئذ هذه والتي الرهن فيها في عقد
البيع. قال مالك فيها يعني في المدونة: فإن حل الاجل والرهن بيدك أو بيد أمين فقبضته لأن
ذلك شرطك لم يتم لك ملكك الرهن فيما شرطت فيه ولكن ترده إلى ربه وتأخذ دينك
ولك أن تحبسه حتى تأخذ دينك، يريد أو قيمة سلعتك التي بعت أولا إذا فاتت. قال: وأنت
أحق به من الغرماء حتى تأخذ حقك، فإن فات الرهن بيدك بما يفوت به البيع الفاسد من
حوالة سوق فاعلا في الحيوات والسلع، وأما الدور والأرضون فلا يفيتها حوالة الأسواق ولا
طول الزمان، وإنما يفيتها الهدم والبناء، سواء هدمتها أنت أو تهدمت بأمر من الله، فحينئذ لا
ترد الرهن ويلزمك قيمته يوم حل الاجل لأنه بيع فاسد وقع يوم حل الاجل وأنت للسلعة
قابض يومئذ وتقاصه بدينك وتترادان الفضل. قال بعض الفقهاء: وبحلول الاجل تدخل في
ضمان المرتهن. ابن يونس: يريد وإن كانت مما لا يغاب عليه لأنه بيع فاسد وقع يوم
الاجل وهو قابض للسلعة، فوجب أن يضمنها وإن كانت مما يغاب عليه.
السادس: قال ابن يونس: قال بعض الفقهاء: واختلف إذا كانت بيد أمين، فقيل:
يضمنها أيضا لأن يدربها ارتفعت عنها ويد الأمين كيد المرتهن لأنه وكيله بعد حلول الأجل
فوجب على المرتهن ضمانها، وقيل: لا يضمنها المرتهن إلا بعد قبضها من عند الأمين لأن
الأمين كان جائزا للبائع فبقي على ذلك الحوز اه‍. ابن يونس: والأشبه أن يكون من المرتهن
بخلاف من اشترى سلعة شراء فاسدا ونقد ثمنها ودعا إلى قبضها فهلكت بيد البائع فقال ابن
القاسم: ضمانها منه. وقال أشهب: من المشتري. فالفرق بينهما على مذهب ابن القاسم أن
551

البائع وإن قبض الثمن لا يجوز له تسليم المبيع لفساد البيع فكأنها مبقاة على ملكه ويده
عليها بخلاف البيع الصحيح، وها هنا السلعة خرجت من يد البائع إلى يد وكيل لهما إلى
وقت حلول الأجل فيصير وكيلا للمشتري إذا لم يأت البائع بالثمن فيد وكيل المشتري
كيده. وهذا بين اه‍. ص: (وحلف المخطئ الراهن أنه ظن لزوم الدابة ورجع) ش: وأما لو
علم بلزوم الدية على العاقلة ورهن على ذلك فالرهن صحيح. قال في المدونة: ويجوز الرهن
في دم الخطأ إذا علم الراهن أن الدية على العاقلة، ولو ظن أن ذلك يلزمه وحده لم يجز وله
رد الرهن. أبو الحسن: بعد أن يحلف لقد ظن أن ذلك يلزمه. اه‍. من أوائل كتاب الرهون
ص: (أو في قرض مع دين قديم) ش: هذه المسألة في أواخر كتاب الرهون من المدونة
وفي أثناء كتاب التفليس منها ونصها فيه: وإن أسلفت رجلا مسلما بلا رهن أو برهن ثم
أسلفته سلفا آخر على إن أخذت منه رهنا بالسلف الأول والثاني وجهلتما أن الثاني فاسد،
فقامت الغرماء على الراهن في فلس أو موت، فالرهن الأول في السلف الأول والثاني في
الثاني، ولا يكون الرهن الثاني رهنا في شئ من السلف الأول اه‍. وقوله: مع دين يريد
سواء كان هذا الدين القديم من قرض أو بيع. قاله في التوضيح والشارح في الكبير، وانظر لو
كان الثاني غير قرض بل من ثمن بيع وشرط أن الأول داخل في رهن الثاني والظاهر الجواز.
تنبيهان: الأول: قال في التوضيح: مقتضى كلامه في الجواهر أنا لو اطلعنا على ذلك
قبل قيام الغرماء لرددنا الرهن، ولا يؤخذ ذلك من كلام المصنف يعني ابن الحاجب، وكلامه
رحمه الله في المختصر نص في صحة الرهن ولم أقف على ذلك لغيره بل قال أبو الحسن:
وانظر لو عثرنا على هذا قبل حلول الأجل، هل يرد السلف أو يقال إذا أسقط مشترط السلف
شرطه مضى؟ اه‍.
552

الثاني: قيد ابن المواز المسألة بما إذا كان الدين مؤجلا قال: وأما لو كان حالا أو
حل أجله لصح ذلك إذا كان الغريم مليا، لأن رب الدين قد ملك أخذه فتأخيره كابتداء
سلف. قال ابن المواز: وكذا عندي لو كان عديما وكان الرهن له ولم يكن عليه دين محيط
لأنه حينئذ كالملئ اه‍. وأكثرهم على أنه تقييد والله أعلم. ص: (ولو جد فيه) ش: وكذا
لو كان مشترطا في العقد عند ابن القاسم. قال ابن عرفة: ابن حارث: اختلف ابن القاسم
وسحنون في المشترط في البيع بعينه يدع المرتهن قبضه حتى يقدم الغرماء أو حتى يبيعه
ربه، فأبطله ابن القاسم وقال: ينقض بيعه ويكون أحق به من الغرماء. محمد: فجعل سحنون
قبضه للارتهان حصة من الثمن إذا وقع البيع عليه اه‍. وتقدم عند قول المصنف: وآبقا عن
التوضيح في الفرق بين الرهن والهبة في كون الجد في طلبها وتزكية شهودها حيازة أن الرهن
لم يخرج عن ملك ربه فلم يكتف فيه بالجد بخلافها. وما ذكره ابن حارث عن ابن القاسم
هو نص قولها: وإن بعت من رجل سلعة على أن يرهنك عبده ميمونا بحقك ففارقك قبل
قبضه، ولم يبطل الرهن ولك أخذه منه رهنا ما لم يقم الغرماء فيكون أسوتهم، فإن باعه قبل
أن تقبضه مضى بيعه وليس لك أخذه برهن غيره لأن تركك إياه حتى باعه كتسليمك لذلك
وبيعك الأول غير منتقض اه‍. ص: (وبإذنه في وطئ أو إسكان أو إجارة ولو لم يسكن)
553

ش: يريد ولو لم يوجد ولو لم يؤجر ولم يطأ. قال في المدونة في آخر كتاب حريم البئر:
وللمرتهن منع الراهن أن يسقي زرعه بما ارتهن منه من بئر أو قناة، وإن أذن له أن يسقي بها
زرعه خرجت من الرهن، وكذلك من ارتهن دارا فأذن له لربها أن يسكن أو يكري فقد
خرجت من الرهن حين أذن له وإن لم يسكن ولم يكر اه‍. وقال في كتاب الرهون منها:
وكذلك إن ارتهنت أرضا فزرعها بإذنك وهي في يدك خرجت من الرهن. قال أبو الحسن:
يريد وكذلك إن كانت في غير يدك كأمين أو غيره. وقوله: زرعها ليس بشرط وكذلك من
لم يزرع ولم يسكن ولم يكر كما قال في حريم البئر اه‍. وكذلك الاذن في الوطئ يبطل
الرهن. قال ابن الحاجب: ولو أذن للراهن في وطئ بطل الرهن وكذا في إسكان وإجارة. قال
في التوضيح: مقتضاه أن مجرد الاذن كاف في البطلان وهو نص المدونة في حريم البئر،
وذكر ما تقدم. وأشار ب لو إلى خلاف أشهب فإنه يقول: لا يبطل إلا بالسكنى والكراء،
وحكى بعضهم ثالثا بالفرق بين أن يكون الرهن على يد عدل فيبطل بالاذن، أو على يد
المرتهن فلا يبطل بالاذن لوجود صورة الحوز. وجعله ابن راشد تفسيرا جمعا بين قولي ابن
القاسم وأشهب، وسيأتي عند قول المصنف وهل تكفي بينة على الحوز. ومسألة ما إذا
حاز الراهن ببينة ثم وجد بيد المرتهن فادعى الراهن أنه لم يعلم بذلك وأن المرتهن افتات
عليه في ذلك والله أعلم. ص: (وتولاه المرتهن بإذنه) ش: قال في الذخيرة:
فرع: قال في المنتقى: إن ترك المرتهن أن يكري الدار التي لها قدر أو العبد الكثير
الخراج حتى حل الاجل، ضمن أجرة المثل لتضييعها على الراهن وهو محجور عليه. أما
الحقير فلا. قاله عبد الملك. وقال أصبغ: لا يضمن في الوجهين كالوكيل على الكراء لا
554

يضمن اه‍. وذكر في المتيطية القولين وقال: قال فضل: وقول أصبغ هو قول ابن القاسم. قال:
قال أصبغ: وكذلك لو شرط على المرتهن أن يكريها. وقال عن عبد الملك: إنه يضمن ما لم
يكن المرتهن عالما بذلك. وقال في التوضيح في مسألة اشتراط المرتهن لقلة الرهن: وإذا
رهنه وأذن له في الكراء وأن يقضيه من دينه ففرط حتى حل أجل الدين، فإن كان رب المال
حاضرا وقد علم أنه لم يكرها ولم ينكر فلا شئ على المرتهن وإلا ففي تغريمه كراء المثل
قولان لابن الماجشون وأصبغ. فضل وقول ابن الماجشون هو قول ابن القاسم، وانظر أبا
الحسن في كتاب الغصب في الغاصب إذا لم يكر الأرض.
فرع: فإن طلب المرتهن أجرة على توليه لذلك، فانظر ذلك في رسم طلق من سماع
ابن القاسم من الرهون ونقلت كلامه في كتاب القراض ص: (أو في بيع وسلم) ش: أي
وسلم المرتهن الرهن للراهن ص: (وإلا حلف وبقي) ش: أي وإن لم يسلم المرتهن الرهن
للراهن بل كان بيده وأسلمه للمبتاع فإنه يحلف المرتهن إلى آخره. قاله في أول رهون
المدونة والله أعلم. ص: (وبعارية أطلقت وعلى الرد أو اختيار له أخذه إلا بفوته بكعتق أو
555

حبس أو تدبير أو قيام الغرماء) ش: يعني أن الرهن يبطل بسبب إعادته لراهنه على سبيل
العارية المطلقة أي التي لم يشترط ردها فيه، ولا تبقى له فيه مطالبة برده إلى الراهن حصل
فيه فوت أم لا، قامت الغرماء أم لا؟ وأما إن أعاره إياه على أن يرده إليه أو كان المرتهن أعاد
الرهن إلى راهنه باختياره يعني باختيار من المرتهن للراهن فيه، إما بأن أودعه إياه أو أجره
منه أو بأي وجه كان، فإنه يكون له حينئذ أن يستعيره إلا أن يفوت بتحبيس أو عتق أو تدبير
أو بيع أو قيام الغرماء أو موته ذكر ذلك أبو الحسن الصغير وغيره. أو يرهنه عند غريم آخر، نص
عليه الرجراجي. فحاصل كلام المصنف أن العارية إذا كانت على الرد فإن الرهن لا يبطل بها
وذلك شامل لصورتين: إحداهما أن تكون مؤجلة، والثانية أن لا تكون مؤجلة ولكن إعارة
على رد الرهن. قال في التوضيح: قال اللخمي: فإن كانت العارية مؤجلة ارتجعها إذا انقضى
الاجل، ويختلف إذا لم يكن ضرب أجلا لأن العارية لا أمد لها. وقد قيل في هذا الأصل: إنه
يبقى إلى مدة يرى أنه يعير لمثلها. خليل: وقد يقال لا يلزمه هنا التأخير إلى مدة يمكن
الانتفاع به، ويفرق بين هذه العارية وغيرها بأن بقاء الرهن بيد الراهن يضعف حيازة المرتهن
اه‍. وقوله: أو اختيار يعني إذا رد المرتهن الرهن باختياره يعني بغير العارية لتقدم حكمها بل
على سبيل الوديعة أو الإجارة كما تقدم بيانه، قال في التوضيح: اللخمي: وإنما يرجع في
الإجارة إذا انقضت مدتها، فإذا قام قبل ذلك وقال جهلت أن ذلك نقض لرهني وأشبه ما قال،
حلف ورده ما لم تقم الغرماء.
فإن قلت: كيف تتصور الإجارة والغلات إنما هي للراهن، فكيف يتصور أن يستأجر
من نفسه؟ قيل: يحمل ذلك على ما إذا كان المرتهن اكتراه ثم اكتراه للراهن اه‍.
فرع: إذا كان الرهن مصحفا أو كتبا وقرأ فيها الراهن عند المرتهن دون أن يخرجها
من يده، فلا يبطل الرهن بذلك، أذن المرتهن فيه أم لا؟ إلا أن يكون رهنه على ذلك. اه‍ من
رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من كتاب الرهون. ص: (وغصبا فله أخذه مطلقا) ش:
قال الشارح: سواء فات بما ذكر أم لا، قام غرماؤه أم لا، ونحوه في التوضيح في شرح قوله:
فلو عاد اختيارا. وانظر قولهما: فات بما ذكر أم لا كيف يأخذه إذا فات بعتق ونحوه
وكان الراهن مليا، فإن غاية ذلك أن يكون بمنزلة ما إذا عتق الراهن وهو بيد المرتهن،
556

وسيأتي إن عتق المدبر وكتابته تمضي فكذلك هنا والله أعلم ص: (وإلا بقي) ش: أي وإن
لم يكن الواطئ مليا بقي الرهن إلى أصله ثم بيعت الأمة الرهن بعد الوضع وحلول الاجل،
فإن وفي ثمنها بالدين فلا إشكال، وإن نقص ثمنها عن الدين اتبع المرتهن السيد. قاله في
المدونة. وإن كان فيه فضل بيع منها بقدر الدين. قال في التوضيح: وعتق ما بقي. وقاله ابن
رشد في رسم حبل الحبلة المذكور بعد هذا، وذكر أبو الحسن في عتق ما بقي وإيقافه بعض
أم ولد خلافا، وإن لم يوجد من يبتاع البعض بيعت كلها وقضى المرتهن. قال في التوضيح:
وكان ما بقي للراهن يصنع به ما شاء. وقال ابن رشد في حبل الحبلة من سماع عيسى:
يتصدق به لأنه ثمن أم ولد. قال: وقد قيل إنها تباع كلها وإن وجد من يبتاع منها بقدر الدين
من أجل الضرر الذي عليها في تبعيض العتق والله أعلم.
تنبيه: إذا بيعت يكون لها حضانة ولدها ما لم يسافر بها مبتاعها أو يريد أبو الولد
السفر به كما تقدم في الحضانة، وهذه إحدى المسائل التي تباع فيها أم الولد وهي ست،
ويعبر عنها أيضا بوجه آخر فيقال في هذه المسائل تكون الأمة حاملا بحر.
قلت: ويضاف إلى ذلك الأمة المستحقة والأمة الغارة وأمة المكاتب إذا مات وفيها
وفاء بالكتابة وله ولد، فإنه يبيع أمه ويوفي الكتابة، وذكر ابن غازي هنا المسائل التي تباع
فيها أم الولد، وذكر عكسها وذلك في محل واحد كما ذكره في التوضيح ونصه: وذلك في
العبد إذا وطئ جاريته وحملت وأعتقها ولم يعلم السيد بعتقه لها حتى أعتقه، فإن عتق العبد
أمته ماض وتكون حرة والولد في بطنها رقيق لأنه للسيد. قال في الجلاب: ولو أعتقها بعد
عتقه لم تعتق حتى تضع حملها والله أعلم. اه‍ كلام التوضيح. وقال ابن ناجي في شرح
الرسالة: قبله شيخنا أبو مهدي قائلا: هو المذهب. ومحمله على أن الولد وضعته قبل عتق
السيد، وأما لو كان في بطن أمه حين العتق فإنه يتبع أمه اه‍. وظاهر كلامه في التوضيح أن
الجنين لا يعتق ولو أعتق السيد العبد وأمته حامل وهو الذي يفهم من كلامه في المدونة في
كتاب أمهات الأولاد، فإنه ذكر فيه ما ذكره المصنف في التوضيح عن ابن الجلاب ونصه:
ولو أعتقها المأذون بعد أن عتق لم أعجل لها ذلك وكانت حدودها حدود أمة تضع فيرق
الولد للسيد الأعلى وتعتق هي بالعتق الأول فيها بغير إحداث عتق اه‍. وإذا كان هذا الحكم
فيما إذا أعتقها العبد بعد عتقه، فأحرى أن يكون ذلك حكمها إذا أعتقها في حال رقه، لأن
557

عتقه بعد أن عتق أقوى من عتقه قبل أن عتق. وعلم من كلامه في المدونة أنه لا يحكم لها
بالحرية حتى تضع، فقول المصنف: وغيره أنها حرة حاملة بعبد فيه مسامحة وبهذا تعلم
صحة قول القاضي عبد الوهاب: لا توجد حرة حاملة بعبد وسقط اعتراض ابن ناجي عليه
لما ذكره الشيخ خليل فتأمله والله أعلم. ص: (ولا محجوره) ش: قال في الشامل: وإن ولدا
كبيرا، وكذا إن لم يكن تحت نظره على الأصح، وقاله عبد الملك في الابن والبنت. اه‍
ونحوه في التوضيح.
فرع: وكذا زوجته مثل محجوره على الأصح. قاله في التوضيح وفي الشامل أيضا،
ولعل المصنف اكتفى بذكر محجوره عنها لدخولها في المحجور لأنها محجورة فيما زاد
على الثلث وإن كان لا يطلق عليها في الاصطلاح ص: (ورقيقه) ش: قال في الشامل: وإن
مأذونا له.
فرعان: الأول: قال في التوضيح: المازري: وأما حوز القيم بأمور الرهن والمتصرف
في ماله من شؤونه فقد وقع في الرواية أنه إن حاز جميع الرهن كدار رهن الراهن جميعها
فحازها القائم بشؤون الراهن للمرتهن بإذنه فذلك حوز لا يبطل الرهن، وإن كان إنما رهن
الراهن نصفها وأبقى النصف الآخر بيد القائم بشؤونه، فلا يصح لكون الجزء الآخر الذي لم
يرتهن بحوزه هذا القائم نيابة عن الراهن وهو غير مميز من الجزء المرتهن فكان يد الراهن
على جميع الرهن اه‍. وقاله ابن الماجشون وزاد: إلا أن يكون القيم عبدا فلا يحوز يعني لما
رهن لأن حوز العبد من حوز سيده، سواء كان مأذونا له أم لا انتهى.
558

الثاني: قال في التوضيح أيضا عبد الملك: ولو كان ليتيم وليان فأخذ أحدهما لليتيم
دينا رهن فيه رهنا ووضع على يد أحدهما فليس بحوز، لأن الولاية لهما ولا يحوز المرء على
نفسه اه‍. ص: (وإن أسلمه دون إذنهما للمرتهن ضمن قيمته وللراهن ضمنها أو الثمن)
ش: اعلم أنه إن اطلع على تسليم الرهن لراهنه قبل هلاك الرهن وقبل حصول مانع يمنع من
الرهن في تفليسه أو قيام الغرماء عليه، فإن للمرتهن أن يرده، فإن حصل أو هلك فهو محل
الضمان. ومحل ذلك أيضا ما لم يعلم المرتهن بذلك فيسكت كما قاله ابن يونس، وقاله في
سماع عيسى. وقول المصنف: وللراهن ضمنها أو الثمن كذا في النسخ التي رأيتها وصوابه
أو الدين أي وإن أسلمه للراهن ضمن للمرتهن قيمة الرهن أو الدين كما قاله ابن يونس
وغيره، ونقله في التوضيح. ونص ما في التوضيح عن المدونة: فإن دفعه إلى الراهن ضمنه
للمرتهن وإن كان الدين أقل. ثم ابن يونس وغيره: يريد أنه يضمن له الأقل من قيمته أو الدين
لأنه إن كانت قيمته أقل فهو الذي أتلفه عليه، وإن كان الدين أقل لم تكن له المطالبة بغيره اه‍.
فرع: متى تعتبر القيمة والظاهر أنها يوم هلاكه يؤخذ ذلك مما ذكره في سماع عيسى
فيما إذا أسلم العدل الأمة الرهن للراهن ووطئها الراهن أنه يغرم قيمتها يوم الوطئ والله أعلم.
ص: (وفرخ نخل) ش: المعنى صحيح سواء قرئ بالحاء أو بالخاء. قال في القاموس:
الفرخ ولد الطائر وكل صغير من الحيوان أو النبات، والجمع أفراخ وأفرخ وفراخ وفروخ وأفرخة
559

وفرخان. والزرع المتهيئ للاشتقاق، وفرخ الزرع بنت أفراخه اه‍. ص: (وإن في جعل) ش:
يعني أنه يصح الرهن في الدين اللازم أو الآيل للزوم كالجعل فإنه عقد غير لازم ولكنه يلزم
بالشروع ص: (لا في معين أو منفعة) ش: يعني أن من شروط المرهون به أن يكون دينا في
الذمة لازما له. قال في كتاب الرهون من المدونة وإن استعرت من رجل دابة على أنها
مضمونة عليك لم تضمنها، وإن رهنته بها فمصيبتها من ربها والرهن فيها لا يجوز أي لا ينفذ
ولا يلزم. وقال أشهب: هو رهن إن أصيبت الدابة بما يضمنها به فهو رهن، وإن كان بأمر من
الله بغير تعد لم يكن رهنا إذ لا يضمن ذلك اه‍. وعلى هذا فلا يكون أحق به من الغرماء. ثم
560

قال في المدونة: ويجوز الرهن بالعارية التي يغاب عليها لأنها مضمونة. قال أبو الحسن: كأنه
يقول لا أعيرك إلا أن تعطيني رهنا على تقدير هلاك العارية اه‍. ثم قال فيها: ومن أخذ رهنا
بقراض لم يجز إلا أنه إن ضاع ضمنه إذ لم يأخذه على الأمانة. وفيها أيضا: من استأجر عبدا
من رجل وأعطاه بالإجارة رهنا جاز. قال أبو الحسن: لأنه يجوز الرهن بثمن المنافع كما
يجوز بثمن الأعيان اه‍. ص: (ونجم كتابة من أجنبي) ش: فرق بين الأجنبي والمكاتب تبعا
للمدونة ص: (وجاز شرط منفعته إن عينت ببيع لا قرض) ش: ظاهر كلام المصنف أنه لا
فرق بين الحيوان وغيره وهو اختيار ابن القاسم. وفي المدونة: لا بأس به في الدور
والأرضين. وكرهه مالك في الثياب والحيوان إذ لا يدري كيف يرجع إليه. وقال ابن القاسم:
لا بأس به في الحيوان وغيرها. ولمالك كقول ابن القاسم وبه قال أصبغ وأشهب. اه‍
من التوضيح. ويفهم من كلام المصنف أنه مشى على مذهب ابن القاسم من ذكره مسألة
الضمان لأنه لا يكون إلا في الثياب وما يغاب عليه فتأمله.
تنبيه: انظر إذا اشترط المنفعة في الوجه الممنوع واستعمله ما يلزمه ص: (وفي ضمانه
إذا تلف تردد) ش: ذكر في التوضيح عن ابن رشد أنه قال: الصواب أن يغلب عليه حكم
561

الرهن اه‍. فحقه أن يقول: وضمانه كالرهن على الأظهر ص: (وأجبر عليه إن شرط ببيع
وعين وإلا فرهن ثقة) ش: انظر كلام المدونة عند قول المصنف: كشرط رهن أو حميل
في البيوع الفاسدة ص: (وهل تكفي بينة على الحوز قبله وبه عمل أو التحويز وفيها
دليلهما) ش: أشار بذلك لظاهر كلام المدونة في كتاب الهبة ونصه: ولا يقضى بالحيازة إلا
بمعاينة البينة لحوزه في حبس أو رهن أو هبة أو صدقة، ولو أقر المعطي في صحته أن
المعطي قد حاز وقبض وشهدت عليه بإقراره بينة ثم مات لم يقض بذلك إن أنكر ورثته حتى
تعاين البينة الحوز اه‍. ووجه كون كلامهما المذكور دالا على القولين ما ذكره المصنف في
562

التوضيح يعني إذا وجد بيد من له دين على شخص سلعة للمدين بعد موته أو فلسه وادعى
أنها رهن عنده لم يصدق في ذلك ولو وافقه المرتهن خشية أن يتقارر الاسقاط حق الغرماء.
عبد الملك في الموازية والمجموعة: ولا ينفعه ذلك حتى يعلم أنه حازه قبل الموت
والفلس. محمد: صواب لا ينفعه إلا معاينة الحوز، وهو الذي ذكره اللخمي أنه لا بد من
معاينة البينة لقبض المرتهن. وذكر ابن يونس في كتاب الرهن قولين أعني على يكتفي
بمعاينة الحوز أو التحويز واختار الباجي الحوز قال: ولعل معناه قول محمد ولكن ظاهر لفظه
خلافه. وذكر ابن عبد السلام عن بعض الأندلسيين أن الذي جرى عليه العمل عندهم إذا
وجد الرهن بيد المرتهن وقد حازه كان رهنا وإن لم يحضروا الحيازة. وقول المصنف يعني
ابن الحاجب: بمعاينة أنه حاز ويحتمل كلا من القولين لكن المفهوم من المعاينة أنه لا بد
من الشهادة على التحويز اه‍. فما ذكره المصنف من الاحتمال في قول ابن الحاجب: إلا
بالبينة بمعاينة أنه جاز يأتي مثله في قول المدونة: إلا بمعاينة البينة لحوزه فعلم من هذا
صحة ما أشار إليه المصنف بقوله: وفيها دليلهما وسقط اعتراض الشارح وابن غازي فتأمله
والله أعلم. وأما ابن عبد السلام فأول كلامه يقتضي أن كلام ابن الحاجب محتمل لكل من
القولين وآخره يقتضي قصره على الحوز فقط، ونصه إثر كلام ابن الحاجب المتقدم: وظاهر
كلام المصنف أن مجرد معاينة البينة لحصول الرهن بيد المرتهن قبل الموت والفلس كاف
في الحوز، سواء كان بتحويز من الراهن له أو لم يكن، وكلام المصنف عندي صحيح وهو
موافق في المعنى لما قاله الباجي اه‍. وذكر عن الباجي مثل ما نقل عنه في التوضيح أنه اختار
الحوز فتأمله. وبعض الأندلسيين الذي أشار إليه ابن عبد السلام هو ابن عات كما قال ابن
غازي، وكلامه المذكور هو في أول الجزء الثامن في ترجمة قرض، وكلامه فيها أتم مما
نقله عنه ابن عبد السلام ونصه: ومن الاستغناء إن كانت الحيازة بالمعاينة جاز، ويخرج من
إرادته إلى إرادة المرتهن وملكه والعمل على أنه إذا وجد بيده وقد حازه كان رهنا، وإن لم
يحضروا الحيازة ولا عاينوها لأنه صار مقبوضا وكذلك الصدقة اه‍. فقول المصنف: وبه
عمل أشار به لكلام صاحب الطرر والله أعلم. وانظر رسم الرهون الثاني من سماع عيسى من
كتاب الرهون وكلام ابن رشد هناك فإن فيه شيئا مما يتعلق بالكلام على هذه المسألة.
مسألة: سئل ابن رشد عن مفلس وجد بيد بعض غرمائه متاع زعم أنه رهن عنده
وصدقه المفلس ونازعه الغرماء، فسألهم على أي وجه هو عندي؟ فقالوا: لا يلزمنا ولا ندري
وكيف إن ادعى عليهم علم الرهن وفيهم من لا يلزمه العلم، وكيف إن خاصمه بعضهم في
الرهن فقال حتى
فأجاب: لا يصدق المفلس بعد التفليس في تصديقه للذي عند المتاع في يجتمعوا؟ أنه عنده
رهن رهنه إياه قبل التفليس ويتحاص فيه الغرماء. وإن قالوا لا ندري ما يدعي من أنه رهن
563

رهنه إياه قبل التفليس إلا أن تقوم على ارتهانه إياه قبل التفليس بينة، وإن ادعى عليهم معرفة
ذلك فعليهم اليمين، ولا يجتزئ بعضهم بعضهم بيمين بعض. ومن حلف منهم أخذ ما
وجب له بالمحاصة، ومن نكل منهم رجع حظه فيه إليه بعد يمينه. اه‍ من نوازله. ومن
النوازل المذكورة: وسأل القاضي عياض ابن رشد عن مفلس قام بعض غرمائه بعقد يتضمن
رهنه لدار سكناه قبل تفليسه، وشهدت البينة بتحويز المديان الراهن للغريم، وقال سائر الغرماء
لم يزل الراهن عنده ولا فارقها وأنه الآن ساكن فيها، وأن ذلك كله تحيل لابطال حقهم
وشهد لهم جماعة الجيران، ومنهم من يقول: إن المديان المذكور لم يفارق الدار المذكورة
إلا حين تفليسه، وكشف القاضي عن الدار فوجدها مشغولة بأهل الراهن وأثاثه فوقف المرتهن
على ذلك فقال: لا علم لي بشئ من هذا، وأنا حزت رهني بحضرة بينتي وأخذت المفتاح
وأكريتها من مكتر، وأثبت عند القاضي الكراء المذكور. وإن كان المديان قد رجع إليها فقد
افتات علي ولم أعلم به وجهالته بذلك تبعد من جهة النظر وصورة الحال، وشهادة بعض
الجيران بأن المرتهن عالم بكون المديان في الدار المذكورة من قوله واجتماعه به فيها، فهل
يقدح ذلك في الحيازة؟
فأجاب: ما ذكرته فيه موهن للحيازة قادح فيها ومؤثر في صحتها وقد قال تعالى:
* (فرهان مقبوضة) * فلا ينبغي أن ينفذ الرهن إلا بالحيازة الصحيحة التي لا
علة فيها. وقد قال مالك في أحد أقواله: إن رهن من أحاط الدين بماله لا يجوز، ومراعاة
الخلاف أصل من أصول مالك. فإذا حكمت بإبطال هذه الدار وقضيت بمحاصة جميع
الغرماء فيها كنت قد أخذت بالثقة ولم تحكم بالشك ووافقت الحق. اه‍ من مسائل الحجر
والتفليس. وقال في العتبية في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من كتاب الرهون
مسألة: إذا عاد الرهن لراهنه فلا يبطل إلا إذا علم المرتهن بذلك. وفيها مسائل وفوائد فانظرها
هناك والله أعلم. ص: (ومضى بيعه قبل قبضه إن فرط مرتهنه وإلا فتأويلان) ش: يعني أن
الراهن إذا باع الرهن قبل أن يقبضه المرتهن فإن كان بتفريط منه مضى البيع، يريد وليس له
564

أخذه برهن آخر. قاله في المدونة ونقله عنها المصنف وغيره. وقول المصنف: مضى يفهم
منه أنه لا يجوز ابتداء وهو كذلك قاله في التوضيح. وأما إذا كان المرتهن لم يفرط وإنما
بادر الراهن إلى البيع فقال المصنف فيه تأويلان، يشير بذلك إلى ما ذكره في توضيحه،
وذكره ابن عرفة وغيره من تأويل ابن أبي زيد وتأويل ابن القصار. قال في التوضيح: تأول ابن
القصار وغيره المدونة على أن المرتهن فرط في قبض الرهن لقوله: لأن تركك إياه الخ. ولو
لم يكن من المرتهن تفريط ولا توان لكان له مقال في رد البيع، فإن فات بيد مشتريه كان
الثمن رهنا. وتأولها الشيخ ابن أبي زيد على أنه تراخى في القبض وإن لم يتراخ فبادر الراهن
للبيع لم يبطل الرهن ومضى البيع وكان الثمن رهنا اه‍. ونقل ابن عرفة وأبو الحسن تأويل غير
ابن أبي زيد عن القاضي عياض بلفظ: وقال غيره يعتق غير أبي محمد لا يجوز هنا بيعه ويرد
ويبقى رهنا، فإن فات ببيع مشتريه كان الثمن رهنا اه‍. فمعنى كلام المصنف وإن لم يفرط
ففي إمضاء البيع كما في التفريط وعدم إمضائه تأويلان. قال أبو الحسن: قال عياض في
تأويل أبي محمد: هو الذي يلائم ما قال في كتاب المديان فيما إذا كان الميت موصوفا
بالدين وباع الورثة متاع الميت مبادرة للغرماء فلهم أخذ عروضه ونقض البيع اه‍. ولنذكر لفظ
المدونة ليظهر ذلك التأويلان قال: وإن بعت من رجل سلعة على أن يرهنك عبده ميمونا
بحقك ففارقك قبل قبضه لم يبطل الرهن، ولك أخذه منه رهنا ما لم تقم الغرماء فتكون
أسوتهم، فإن باعه قبل أن تقبضه منه مضى البيع وليس لك أخذه برهن غيره لأن تركك إياه
حتى باعه كتسليمك لذلك وبيعك الا وغير منتقض اه‍. وقال ابن رشد: إنه ليس له رد
البيع وإنما له فسخ البيع عن نفسه لأنه إنما دخل على ذلك الرهن بعينه. وذكر ذلك في
رسم الرهون من سماع عيسى من كتاب الرهون. ولنذكر كلام السماع وكلام ابن رشد عليه.
قال في السماع: وكل رهن لم يقبض من الراهن ويحاز عنه فأمر الراهن فيه جائز إن أعتق أو
565

وطئ أو باع أو وهب أو نحل أو تصدق إذا كان موسرا، ويؤخذ منه ما عليه من الدين
ويعطى صاحبه، وإن لم يكن موسرا لم يجز منه شئ إلا أن يطأ الأمة فتحمل أو شيئا يبيعه
فينفذ بيعه، فأما عتق أو هبة أو صدقة فإنه لا يجوز إلا أن يكون موسرا لأنه لم يقبض فليس
هو برهن، وأما إن فلس قبل أن يقبض المرتهن كان أسوة الغرماء. قال ابن رشد: هذه مسألة
صحيحة لا إشكال فيها ولا اختلاف في شئ من وجوهها. ثم قال: وهذا إذا طاع الراهن
للمرتهن بالرهن بعد عقد البيع أو بعد عقد السلف، وأما إذا باعه بيعا أو أسلفه سلفا على أن
يرهنه عبدا سماه فباعه جو أعتقه فلا حق للمرتهن فيه ولا شئ له على الراهن المبتاع لأنه قد
ترك رهنه بتفريطه في قبضه وإن كان أعتقه أو باعه بفور رهنه إياه دون أن يطول، ولم يكن
من المرتهن تفريط في قبضه بعد العتق والبيع وكان للمرتهن أن يفسخ البيع عن نفسه لأنه
إنما باعه على ذلك الرهن بعينه، فلما فوته عليه كان أحق بسلعته إن كانت قائمة أو قيمتها
إن كانت فائتة. هذا معنى ما في كتاب الرهون من المدونة. وقد قيل: إن الثمن يوضع له
رهنا. قاله أبو إسحاق التونسي على قياس قول أشهب في الراهن يكاتب العبد الرهن قبل أن
يقبضه المرتهن. وفي كتاب ابن المواز: أنه يوضع له رهنا مكانه وقد سأله عن هذا في الموازية
فلم يجبه. وهذا إذا كان المرتهن قد دفع السلعة أو السلف، وأما إن كانت سلعته لم تخرج من
يده ولا سلفه فهو أحق بسلعته وسلفه، سواء فرط في القبض أو لم يفرط. اه‍ كلام ابن رشد
وقوله: ولا شئ له على الراهن المبتاع يعني الذي ابتاع السلعة من المرتهن على أن يرهنه
العبد المسمى فباعه. وما قاله ابن رشد هو أولى مما قاله غيره ويكون ذلك بمنزلة ما لو استحق
عند ابن القاسم، واختيار اللخمي في هذه المسألة مثل قول ابن القصار وغيره والله أعلم.
تنبيهات: الأول: علم من كلام ابن رشد أن الحكم المتقدم إنما هو إذا كان الرهن
مشترطا في أصل العقد أو السلف، وأما إذا طاع به الراهن للمرتهن بعد عقد البيع أو السلف
فحكمه حكم بيع الهبة قبل قبضها. ونقل ذلك في التوضيح عن القاضي عياض عن بعض
شيوخه ونصه عياض: وأشار بعض شيوخنا إلى أن هذا الكلام فيما إذا كان الرهن مشترطا في
أصل العقد، وأما ما تطوع به من الرهن بعد العقد فحكمه في بيعه قبل قبضه حكم بيع الهبة
قبل قبضها، ونقله ابن عبد السلام عن غير واحد انتهى.
الثاني: قال في التوضيح: قيد ابن المواز وغيره ما تقدم من إمضاء بيع الرهن ولا طلب
له برهن آخر بما إذا أسلم البائع السلعة، ولو بقيت بيده لم يلزمه تسليمها فرط أم لا حتى
يأتيه برهن اه‍. ونقله ابن عرفة عن عياض بلفظ: قال بعض الشيوخ وابن عبد السلام بلفظ
وأشار غير واحد، ونقله ابن رشد في كلامه المتقدم على أنه المذهب والله أعلم.
الثالث: علم مما تقدم أن شيوخ المدونة لم يختلفوا في أن المرتهن إذا لم يفرط لا
566

يبطل حقه بالكلية، وإنما اختلفوا هل له رد البيع إن لم يفت وأخذ الرهن، وإن فات كان
الثمن رهنا أوليس له رد البيع فات أو لم يفت ويكون الثمن رهنا؟ وعلى ما قاله ابن رشد
ليس له رد البيع الصادر من الراهن في الرهن ولفسخ البيع عن نفسه، وعلى ما نقله عن
كتاب ابن المواز ليس له رد البيع ويوضع له رهن مكانه اه‍.
الرابع: إن قيل: ما الفرق على قول ابن القاسم بين ما إذ باع الراهن الرهن المعين قبل
قبضه ولم يفرط المرتهن فاختلف فيه كما تقدم، وأما إذا استحق الرهن المعين قبل القبض
أيضا. فقال ابن القاسم: يخير البائع في رد البيع وإمضائه ولو أتاه الراهن برهن آخر قيل: الفرق
بينهما أن الرهن المشترط قد ذهب بالكلية في الاستحقاق ولم يؤخذ له عوض فلا يلزم
المرتهن أخذ رهن آخر بخلاف البيع فإنه وجد شئ ناشئ عنه معوض به فكأنه باق وفيه نظر.
الخامس: قد علم أن هذه المسألة في الرهن المعين، وأمج لو باعه على رهن مضمون
ثم بعد ذلك سمى له رهنا ثم باعه فلا كلام أنه يلزمه الاتيان ببدله لأنه إنما دخل على رهن
مضمون، وكما لو استحق فإنه قد تقدم عن اللخمي في قول المؤلف: كشرط رهن أو
حميل أنه يلزمه الاتيان ببدله وكلامهم هنا إنما يفرضونه في رهن معين والله أعلم ص:
(ومضى عتق الموسر وكتابته وعجل) ش: أفاد بقوله: مضى أن ذلك لا يجوز ابتداء
وكذلك تدبيره كما قاله في التوضيح ناقلا عن المدونة وغيرها. وظاهر كلام المصنف أن
الحكم كما ذكر، سواء كان ذلك قبل الحوز أو بعده. قال في التوضيح: وهو ظاهر المدونة
وصرح به ابن القاسم في العتبية، وهو في سماع عيسى. قوله: وعجل ظاهره يعجل جميع
الدين ولو كان أكثر من قيمة العبد. قال أبو الحسن: وهو ظاهر تأويل ابن يونس. ص:
(والمعسر يبقى) ش: يعني أن عبد الراهن المعسر يبقى إلى الاجل وظاهره في العتق
والكتابة، فأما العتق فظاهر كما صرح في المدونة والكتابة كذلك قال الرجراجي، وأما الكتابة
والتدبير فإن كان الراهن معسرا فإنه يبقى رهنا إلى أجل الدين، مكاتبا كان أو مدبرا، وإن كان
موسرا ففيها ثلاثة أقوال: مذهب ابن القاسم في الكتاب التفصيل بين الكتابة تعجل كالعتق
والتدبير يبقى فيحاز رهنا. قال في الشامل: فإن أدى ما عليه ولو من أجنبي مضى وإن تعذر
567

بيع بضعه كبيع كله اه‍. وظاهره في العتق والكتابة والله أعلم ص: (وحد مرتهن وطئ إلا
بإذن وتقوم بلا ولد حملت أم لا) ش: قال في المدونة: وإن وطئها يعني الأمة الرهن
المرتهن فولدت منه حد ولم يلحق به الولد وكان مع الأمة رهنا وعليه للراهن ما نقصها
الوطئ بكرا أو ثيبا إذا أكرهها إن طاوعته وهي بكر، فإن كانت ثيبا فلا شئ والمرتهن وغيره
في ذلك سواء اه‍. قال ابن يونس: والصواب أن عليه ما نقصها وإن طاوعته، بكرا كان أو
ثيبا، وهو أشد من الاكراه لأنها لا تعد مع الاكراه زانية، وفي الطوع هي زانية فقد أدخل
على سيدها عيبا فوجب عليه غرم قيمته. ونحو هذا في الكتاب المكاتب أن على الأجنبي
ما نقصها بكل حال. وقال أشهب: إن طاوعته فلا شئ عليه مما نقصها بكرا كانت أو ثيبا
وهو ما في كتاب المكاتب من المدونة.
والثالث: الفرق بين البكر والثيب وهو قوله في الرهون في المدونة في بعض الروايات:
وأما إذا غصبها فلا اختلاف أن عليه ما نقصها بكرا كانت أو ثيبا، وإن كانت صغيرة مثلها
يخدع فهي في حكم المغتصبة انتهى. وقد تقدم نقل الأقوال الثلاثة المذكورة في وطئ
الغالط في النكاح وذكرها في الشامل هنا فقال: ويغرم ما نقصها إن أكرهها وإلا فثالثها
الأصح إن كانت بكرا انتهى. وكذا ذكرها في التوضيح وابن عرفة هنا فيتحصل عليه أن عليه
568

ما نقصها في الاكراه مطلقا، وفي الطوع إن كانت بكرا على الراجح الذي هو مذهب
المدونة. وإن كانت ثيبا فرجح ابن يونس أن عليه ما نقصها أيضا، وذكر في الشامل أنه لا
شئ عليه على الأصح والله أعلم. وقوله في المدونة: فولدت قال أبو الحسن: يريد وكذا
إن لم تلد يعني عليه الحد سواء حملت أم لا. ثم قال في المدونة: وإن اشترى المرتهن هذه
الأمة وولدها لم يعتق عليه ولدها لأنه لم يثبت نفسه. قال ابن يونس: ونوقض قولها لا يعتق
الولد بقولها آخر كتاب أمهات الأولاد ولو كان الولد جارية لم تحل له أبدا، وربما أخذ من
عدم عتقه إباحة وطئها كقول عبد الملك قال: وجواب بعض الموثقين بأنه حكم بين حكمين
لا يخفى سقوطه على منصف، ويفرق بأن تأثير مانع احتمال البنوة في حلية الوطئ أخف من
تأثيره في رفع الملك بالوطئ. وقوله: إلا بإذن وتقوم بلا ولد حملت أم لا أشار بذلك إلى
قوله في الجلاب: ومن ارتهن أمة فوطئها المرتهن فهو زان وعليه الحد ولا يلحق به الولد،
وولدها رهن معها يباع ببيعها وإن وطئها بإذن الراهن وإحلالها له ولم تحمل لزم المرتهن
قيمتها وقاصه المرتهن بها من حقه الذي له، وإن حملت كانت أم ولد له ولزمته قيمتها دون
قيمة ولدها ويقاص بقيمتها من حقه الذي عليه اه‍. وهذا الحكم حكم كل أمة محللة أنه لا
حد على الواطئ عالما كان أو جاهلا على المشهور وتقوم عليه، وإن لم تحمل كما ذكره
المصنف في باب الزنى والولد لا حق به وهي به أم ولد.
تنبيه: قال الشارح في شرحه هذا المحل: وأما كون الام تقوم بدون ولدها فلان
المرتهن لا شئ عليه من قيمة ولدها، سواء كان موسر أو معسرا لأنه غير لا حق به اه‍.
فقوله: غير لا حق به غير ظاهر وصوابه وهو لاحق به كما علمت والله أعلم. ص:
569

(كالمرتهن بعده) ش: يعني يكون للمرتهن بيع الرهن إذا أذن له الراهن في بيعه بعد عقد
الرهن، فالضمير عائد على عقد الرهن المتقدم في قوله: بإذن في عقده. وهكذا قال في
التوضيح في قول ابن الحاجب. ولا يستقل المرتهن بالبيع إلا بإذن بعد الاجل. اعترض قول
المصنف إلا بإذن بعد الاجل بأنه لو أذن بعد عقد الرهن وقبل الاجل جاز له بذلك البيع
كبعد الاجل. قال صاحب البيان وابن زرقون. لكن نقل المتيطي عن بعض الموثقين منعه لأنه
هدية مديان اه‍. قال ابن غازي بعد أن نقل كلام التوضيح: والذي لابن رشد في رسم شك
من سماع ابن القاسم من كتاب الرهون أن مذهب المدونة والعتبية أن ذلك لا يجوز ابتداء
لأنها وكالة اضطرار لحاجته إلى ابتياع ما اشترى أو استقراض ما استقرض قال: وأما لو طاع
الراهن للمرتهن بعد العقد بأن يرهنه رهنا ويوكله على بيعه عند أجل الدين لجاز باتفاق، لأن
ذلك معروف من الراهن إلى المرتهن في الرهن والتوكيل على البيع. انتهى القصد منه فقف
عليه كله في أصله. اه‍ كلام ابن غازي. والذي قال ابن رشد أنه لا يجوز ابتداء إنما هو إذا
كان ذلك في عقد الرهن ونصه: واختلف إن شرط المرتهن على الراهن في أصل العقد أنه
موكل على بيع الرهن مثل أن يقول أبيعكه بكذا بأصل كذا على أن ترهنني كذا وأنا موكل
على بيعه دون مؤامرة سلطان على قولين.
أحدهما: أن ذلك لازم ليس له أن يعزله عن بيعه لما في ذلك من الحق وهو إسقاط
العناء عنه في الرفع إلى السلطان إن ألد به وإسقاط الاثبات عنه إن أنكر أو كان غائبا، وهو
قول إسماعيل القاضي وابن القصار وأبي محمد وعبد الوهاب.
والثاني: أن ذلك لا يجوز ابتداء وله أن يعزله. واختلف على هذا القول إن باع قبل أن
يعزله على ثلاثة أقوال فذكرها ثم قال بعد ذكرها: وإنما وقع الاختلاف في توكيل الراهن
للمرتهن على بيع الرهن عند حلول الأجل من غير مؤامرة سلطان لأنها وكالة اضطرار لحاجته
إلى ابتياع ما اشترى أو استقرض، لأن الرهن لا يباع على الراهن إلا إن ألد في بيعه أو بعد
غيبته ولم يوجد له مال يقضي منه الدين فيحتاج إلى البحث عن ذلك وعن قرب غيبته من
بعدها، وذكر ما لا يفعله إلا القاضي فأشبه ذلك حكمه على الغائب، ثم ذكر بقية ما ذكره
570

عنه ابن غازي ص: (وإلا مضى فيهما) ش: الضمير في قوله: فيهما راجع إلى مفهوم قوله:
كالمرتهن بعده فإن مفهومه إذا كان الاذن في عقد البيع فليس له بيعه فإن باعه مضى وهو
كذلك على ما صرح به في رسم شك من سماع ابن القاسم. وإلى مفهوم قوله: إن لم آت
فإن مفهومه أنه إذا قال إن لم آت لم يكن للأمين ولا للمرتهن أن يبيعه، فإن باعه مضى كما
صرح به في المدونة.
فرع: قال في المدونة: وإذا تعدى المرتهن فباع الرهن أو وهبه فلربه رده حيث وجده
فيأخذه ويدفع ما عليه فيه ويتبع المبتاع بائعه فيلزمه بحقه. اللخمي: يريد إذا بيع بعد الاجل
فيدفع الراهن للمرتهن ما عليه ويأخذه رهنه ويتبع المشتري المرتهن بالثمن، وإن كان وهبه
دفع الدين للمرتهن وأخذه من الموهوب له ولا شئ للموهوب له على الواهب، وإن غاب
المرتهن واختلف الدين والثمن فإن كالدين أكثر دفع إلى المشتري ثمنه ووقف السلطان
الفضل، وإن كان الثمن أكثر أخذ الدين واتبع البائع بالفضل، وإن باعه بعرض أو مكيل أو
موزون ثم غاب فإن السلطان يقبض الدين من الراهن ويدفع إليه الرهن ويشتري من الدين مثل
ما قبضه المرتهن من المشتري، فإن فضل الغائب شئ وقف له، وإن فضل عليه شئ اتبع
به، وإن كان باعه بعرض دفع إليه قيمته اه‍. وقال ابن يونس أيضا: يريد أنه باعه بعد الاجل.
وأما إن باعه قبل حلول الأجل فيخير الراهن في إجارة البيع وقبض الثمن ولا يرده للمرتهن
ويجعله ليد عدل رهنا إلى أجله إلا أن يأتي برهن ثقة فله قبض الثمن ويوقف له الرهن،
وكذلك إن أراد البيع فإن الرهن يوقف بيد عدل لئلا يبيعه ثانية. اه‍ بالمعنى. وانظر بقية
كلامه، ويؤخذ من كلام اللخمي المتقدم أن المرتهن إذا غاب وكان الرهن موجودا. وحل
الاجل فيقبض السلطان الدين من الراهن للمرتهن ويدفع الرهن للراهن وهو بين والله أعلم.
ص: (ولا يعزل الأمين) ش: إذا وكل الراهن على بيع الرهن فهل له فسخ الوكالة؟ وسيأتي
الكلام في ذلك في باب الوكالة عن الباجي والقرافي فراجعه والله أعلم ص: (وباع الحاكم
إن امتنع) ش: قال في التوضيح: إذا رفع المرتهن الامر إلى الحاكم أمره بالوفاء، فإن لم يكن
571

عنده شئ قال صاحب البيان: أو ألد أو غاب باع الحاكم عليه الرهن بعد أن يثبت عنده
الدين والرهن. قال في البيان: اختلف هل عليه أن يثبت ملك الراهن له على قولين يتخرجان
على المذهب، وذلك عندي إذا أشبه أن يكون له، وأما إن لم يشبه كرهن الرجل حليا أو ثوبا
لا يشبه لباسه وكرهن المرأة سلاحا فلا يبيعه إلا السلطان بعد إثبات الملك. اه‍ كلام
التوضيح. وما نقله عن ابن رشد هو في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم. وفي
أحكام ابن سهل قال ابن عات: أفتيت في الرهن يسأل المرتهن بيعه يأمر القاضي ببيعه ولا
يحتاج في ذلك إلى إثبات ملك الراهن. وذكر أن بعض أصحابه خالفه في ذلك وأفتى أنه لا
يأمر ببيعه إلا بعد أن يثبت الراهن ملكه ورد عليهم في ذلك وشنعه فقلت له: فإن كان الرهن
دارا؟ فقال: الأصول مخالفة لغيرها ولا بد من ثبوت ملك الراهن قبل أمره ببيعها اه‍. وفي
سماع أصبغ بن الفرج من كتاب السلطان مسألة: وسئل أشهب عن رجل أتى بمكة إلى زمزم
فوجد رجلا معه قدح فقال: ناولني قد حك هذا. فقال: إني أخاف عليه. فقال: هذا كسائي
عندك حتى أعود إليك به فوضع الكساء وأخرج القدح، ثم رجع فلم يجد الرجل قال: لو أتى
السلطان حتى يأمره إن كان صادقا أن يبيع القدح ويقبض ثمنه من الثوب قيل له هو صادق
وهذا صحيح ولا يقبض لنفسه دون السلطان. وقيل له: ويأمره السلطان؟ قال: نعم يأمره من
غير حكم على الغائب ويقول له: إن كنت صادقا فافعل، فإن جاء الرجل كان على خصومته.
قال ابن رشد: هذه المسألة وقعت في بعض الروايات وهي صحيحة على أصولهم، وعلى
معنى ما في طلاق السنة من المدونة، وعلى ما قال في نوازل سحنون من المديان والتفليس،
572

فإن باع القدح بأمر السلطان وقضى ثمنه من ثمن كسائه أي من قيمته فقدم صاحب القدح
بالكساء وأقر بما قال البائع للقدح بأمر السلطان لم يكن له إلا ما باع به القدح لبيعه إياه بأمر
السلطان، ولو باعه بغير أمره لكانت له قيمته. وإن ادعى القدح وأنكر الكساء حلف في
الكساء وأخذ قيمة قدحه، وإن أقر بالكساء وادعى القدح وأنكر الرهن فيه حلف على إنكار
الرهن فيه ورد الكساء وأخذ قيمة قدحه أيضا. وهذا خلاف ما جرى به العمل من أن القاضي
لا يحكم للمرتهن ببيع الرهن حتى يثبت عنده الرهن والدين وملك الراهن له ويحلفه مع ذلك
أنه ما وهب دينه ولا قبضه ولا أحال به وأنه لباق عليه إلى حين قيامه. والذي جرى به العمل
من هذا هو أصل مطرف وابن الماجشون في مسألة طلاق السنة من المدونة التي أشرنا إليها
اه‍. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: ويثبت استمرار ملك الراهن إلى حين حوز
المرتهن له وصحة قبض المرتهن، وهو أن يكون حازه بمعاينة البينة قبل الموت والفلس. نقله
في المسائل الملقوطة من شرح والده، ونقل ابن فرحون في تبصرته في الفصل الخامس من
التنبيه على أحكام تتوقف سماع الدعوى عليها آخر كلام ابن رشد من قوله الذي جرى به
العمل أن القاضي إلى قوله حين قيامه ولم يذكر خلافه والله أعلم. فتحصل في إثبات ملك
الرهن أربعة أقوال.
الأول: أنه لا بد من إثباته وهو أحد القولين اللذين حكاهما ابن رشد وذكر أنه حرى به
العمل وفتوى بعض أصحاب ابن عات. والقول الثاني لا يحتاج إلى إثبات ملكه وهو القول
الآخر في كلام ابن رشد. والثالث اختيار ابن رشد. والرابع فتوى ابن عتاب وكذا حصلها ابن
عرفة.
فروع: الأول: هل يتوقف بيع الحاكم على إثبات أن الثمن الذي سومه قيمة مثله؟
اختيار ابن عرفة عدم ذلك وكذلك اختار أيضا أنه لا يشترط أن يكون أولى ما يباع عليه وفي
هذا نظر، لأنه ذكر النص عن ابن يونس بخلافه وذكر أنه إنما اختار ما ذكر لاخذه من كلام
ابن رشد الذي ذكره يدل على خلاف ما قال وعلى موافقة كلام ابن يونس فراجعه.
الثاني: انظر هل يباع الرهن جميعه أو يباع منه بقدر ما يوفي الدين؟ لم أر في ذلك
نصا صريحا، والذي يظهر أنه ينظر في ذلك، فإن كان يمكن بيع بعضه من غير نقص في
الباقي فإنه يباع بعضه وإلا فيباع جميعه. وقد ذكروا في مسألة رهن فضلة الرهن أنه إذا حل
الثاني أولا أنه إن أمكن قسمه قسم وإلا بيع جميعه. وفق مسألة الرجلين يرهنان من رجل رهنا
فيؤخره أحدهما سنة ويقوم الآخر ببيع الرهن أنه إن كان ينقسم ولا ينقص من الآخر الذي قام
بحقه بيع له نصف الرهن، فإن خيف أن ينقص بيع كله وأعطى حقه من ذلك. ذكرها في
الموطأ واللخمي في آخر الرهون والباجي والقرافي وغيرهم. وفي المنتقى: وإذ أمر الامام ببيع
573

الرهن فبيع بغير العين من عرض أو طعام فقال ابن القاسم في الموازية: لا يجوز ذلك. قال
أشهب: إن باعه بمثل ما عليه وليكن فيه فضل فذلك جائز، وإن كان فيه فضل لم يجز
بيع تلك الفضلة، والمشتري بالخيار فيما بقي إن شاء تمسك أو يرد لما فيه من الشركة وإن
باعه بغير ما عليه لم يجز اه‍. ونقله القرافي وما ذكره عن ابن القاسم في الموازية نحوه في
المدونة قال فيها: وإن باع المأمور الرهن بحنطة أو شعير أو عرض لم يجز، ثم إن ضاع ما
قبض منه ضمنه المأمور بتعديه. قال أبو الحسن: ظاهره ولو كان ما باعه به من جنس الدين.
ابن يونس: ابن المواز عن أشهب: إن باعه بمثل ما عليه ولم يكن في ثمنه فضل فذلك
جائز. الشيخ: يحتمل أن يكون تفسيرا ويحتمل الخلاف اه‍ فتأمل ذلك والله أعلم.
الثالث: ذكر البرزلي في مسائل الأقضية فيمن أثبت دينا على غائب وبيعت فيه داره
ثم قدم الغائب فأثبت أنه قضاه، عن اللخمي في كتاب التخيير أن البيع نافذ، وذكر ابن
فتحون عن أبي الوليد أن المرتهن إذا باع الرهن ثم أثبت الراهن أنه قضاه أن البيع ينتقض،
وذكره أيضا في مسائل الديون والتفليس فانظر كلامه والله أعلم.
الرابع: قال القرافي في ذخيرته: قال صاحب البيان: إذا لم يوجد من يبيع الرهن إلا
بجعل قال ابن القاسم: الجعل على طالب البيع منهما لأنه صاحب الحاجة والراهن يرجو دفع
الحق من غير الرهن. وقال عيسى: على الراهن لوجوب القضاء عليه اه‍. ص: (ففي افتقار
الرهن للفظ مصرح به تأويلان) ش: انظر كلام ابن رشد في أول سماع أبي زيد من كتاب
574

المديان في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم في أثناء المسألة الأخيرة منه من كتاب
الرهون ص (وضمنه مرتهن إن كان بيده مما يغاب عليه ولم تشهد بينة بكحرقه) ش:
575

قال الباجي في المنتقى: إذا قلنا برواية ابن القاسم وقامت بينة بهلاك ما يغاب عليه من
الرهون من غير تضييع من المرتهن ففي المجموعة من رواية ابن القاسم عن مالك لا يضمن،
وكذلك لو رهنه رهنا في البحر في المركب فيغرق المركب أو يحترق منزله أو يأخذه منه
لصوص بمعاينة ذلك كله انتهى. ص: (وإلا فلا) ش: أي وإن لم يكن الرهن مما يغاب عليه
كالحيوان على اختلاف أنواعه مأكولا أو غيره فإنه لا ضمان على المرتهن فيه. قال في
التوضيح: هذا هو المنصوص، وأخذ مما رواه أبو الفرج عن ابن القاسم فيمن ارتهن نصف
عبد وقبضه كله ثم تلف أنه لا يضمن إلا نصفه ضمان ما لا يغاب عليه. قال اللخمي: وأرى
أن يضمن ما يستخف ذبحه وأكله. وحكى ابن بزيزة فيه ثلاثة أقوال، ثالثها إن كان مما
يسرع إليه الاكل كالغنم انتهى. ودخل في قول المصنف: وإلا فلا إذا كان الرهن مما
يغاب عليه ولم يكن بيد المرتهن بأن كان بيد عدل فإنه لا ضمان على العدل ولا على
576

المرتهن، ودخل فيه أيضا ما إذا قامت بينة بحرقه أو تلفه أو ضياعه من غير تفريط من
المرتهن كما إذا ثبت بالبينة أنه في مخزنه أو بيته، وثبت أن بيته احترق أو مخزنه أو أنه كان
الارتهان في البحر وغرق المركب، أو انتهبت اللصوص جميع الحوائج أو لم تشهد البينة
بذلك ولكن علم احتراق محله وجاء ببعضه محرقا.
فروع: الأول: قال في الذخيرة في آخر كتاب الرهون من المدونة: يصدق المرتهن في
دعوى الإباق إلا أن يأتي بمنكر لأنه أمين مطلقا في الحيوان انتهى.
الثاني: إذا سافر المرتهن بغير إذن الراهن فالظاهر أنه ضامن. قال في المدونة: ومن
577

ارتهن عبدا فأعاره لرجل بغير أمر الراهن فهلك عند المعار بأمر من الله لم يضمن هو ولا
المستعير، وكذلك إن استودعه رجلا إلا أن يستعمله المودع أو المستعير عملا أو يبعثه مبعثا
يعطب في مثله فيضمن انتهى. وقال في الذخيرة بعد قوله يعطب في مثله ما نصه: فحينئذ
يتعين أنك تسببت في هلاكه فتضمن انتهى. وقال ابن يونس: قال سحنون: المرتهن ضامن
لتعديه. ابن يونس: وقيل الأشبه في هذا وأمثاله أنه يضمن لأنه نقل الرقبة بغير إذن صاحبها
على وجه الاستعمال، فوجب عليه الضمان كتعديه على الدابة الميل ونحوه فعطبت في ذلك
أنه يضمن مع علمنا أن الميل لا تعطب في مثله. فإن قيل: يحتمل أن يكون مثل هذا في
العبد ليس نقل رقبة لأن للمرتهن أن يسيره في مثل ذلك وإن لم يؤذن له في استخدامه فصار
إنما يضمن للاستعمال. قيل: نقله إلى دار غيره يستعمله تعد من ذلك وإن لم يؤذن له في
استخدامه فصار المرتهن إلى نقل رقبته على هذه الصورة لأنه إنما يجوز له أن يبعثه في
حاجة خفيفة، فأما بعثه في حاجة ليستعمله فذلك تعد والمتعدي على المنافع إن كان لا
يوصل إليها إلا بنقل الرقاب يضمن هما قلنا في الذي تعدى على المنفعة الميل ونحوه
فهلك أنه يضمن انتهى. وقال في النوادر: وفي كتاب الرهون في ترجمة تعدي المرتهن ومن
المجموعة قال سحنون: وإذا تعدى المرتهن فأودع العبد الرهن أو أعاره بغير إذن ربه فإنه
يضمنه، هلك بأمر من الله أو بغير ذلك. ومن كتاب ابن المواز: ومن ارتهن عبدا فأودعه غيره
فمات فلا ضمان عليه انتهى. وفي أحكام ابن سهل في آخر الاستحقاق في ترجمة مسألة
المنديل: إنه إذا سافر المرتهن وترك الرهن في بيته مهملا ولم يودعه أنه ضامن، وكان ينبغي
له عند سفره أن يضعه عند أمين فلذلك ضمنه.
تنبيه: علم من كلام المدونة المتقدم وكلام ابن يونس أن للمرتهن أن يستعمل العبد
الرهن فيما خف بغير إذن سيده، ومثله في كتاب الوديعة والديات والإجارة في العبد المودع
والمستأجر من غير إذن سيده والله أعلم.
الثالث: من ارتهن رهنا وشرط أن يجعله على يد عدل ثم زعم المرتهن أن الرهن ضاع
عند الذي وضعه على يده وليس للمرتهن بينة أنه وضعه إلا قوله وقول العدل قال ابن القاسم:
إن كان الذي زعم أنه وضعه على يده عدلا فلا ضمان عليه ويرجع بجميع حقه على الراهن.
قاله في رسم أوصى من سماع عيسى من الرهون. وحكى ابن رشد عن أصبغ أنه ضامن. قال:
إن وضعه على يد غير عدل ضمنه وإن قامت البينة على تلفه، فإن ادعى أنه لم يعلم أنه غير
عدل وإنما دفعه وهو يظن أنه عدل صدق إلا أن يكون معلنا بالفسق مشهورا به. ومثله من
دفع له شئ ليدفعه إلى ثقة قال: ولا ضمان على المودع على يديه كان عدلا أو غير عدل
انتهى. ونحوه قول ابن سهل في أول كتاب الحدود في غلام ادعى يهودي أنه مملوكه
والغلام يزعم أنه حر وأنه يكره على التهود، فوضعه القاضي عند أمين حتى يكشف عن أمره
578

ويأخذ رأي أهل العلم فيه. فقال الأمين: أبق مني الغلام من غير تفريط في الاحتراس. وقال
اليهودي: إنه كان سبب الإباق أن الأمين خرج به مع نفسه إلى ضيعته وطلب إغرام الأمين
قيمة الغلام. وسئل القاضي وفقه الله، هل يجب على الأمين قيمة الغلام؟ فأجاب عبيد الله بن
وليد: توقيف القاضي الغلام لاستبراء أمره حزم من النظر وصواب في الفعل، والذي يطلبه
اليهودي من إغرام الأمين باطل، لأن رسول الله (ص) قال: ليس على أمين غرم. وقال أهل
العلم: إلا أن يتعدى. ولو ثبت خروج الأمين بالغلام ثم ثبت رجوعه به وأبق ل يضمن أيضا.
وقال عبيد الله بن يحيى وسعد بن معاذ وقال مثله ابن لبابة أيضا. وقال: لو أبق له من البادية
وثبت بالبينة فحينئذ كان يضمن لأنه تعدى بإخراجه عن موضع أمانته. وقال محمد بن غالب:
خروج الغلام مع الأمين محترسا عليه لا يوجب ضمانا حتى يثبت بالبينة العادلة أنه خرج به
لمنفعة نفسه فيكون متعديا فيضمن، وإن رجع فلا ضمان عليه أصلا في كل حال. وقال
يحيى بن عبد العزيز وأيوب بن سليمان مثله انتهى. فهذا قولنا فيما سألنا عنه قاله ابن وليد
انتهى كلام ابن سهل.
الرابع: قال في النوادر في ترجمة المتقدم ذكرها: ومن المجموعة قال سحنون: وإذا
باع المرتهن الدين الذي على الراهن فسأله المشتري دفع الرهن إليه فليس له ذلك، فإن فعل
ضمن انتهى فعلم منه أنه ليس للمشتري أن يطلب الرهن إلا أن يشترط ذلك ولكن لا
يدفع له الرهن إلا بإذن الراهن، فإن دفعه له بغير إذنه ضمن فتأمله والله أعلم.
الخامس: قال في المدونة: وإن ادعيت دينا فأعطاك به رهنا يغاب عليه فضاع عندك
ثم تصادقتما على بطلان دعواك وأنه قضاك ضمنت الرهن لأنك لم تأخذه على الأمانة انتهى.
ونقله في الذخيرة، ونقل بعده بأربعة أوراق ونحوها فرعا آخر ونصه: قال صاحب البيان قال
أشهب: إذا اعترف المرتهن ببطلان دعواه التي قضى له بها عليك والرهن حيوان ضمنه لأنه
أخذه عدوانا، ولو أقيمت عليه بينة ببطلانها لم يضمن لأنه لم يدخل على العدوان بخلاف
الأمة المشتركة يجحد أحدهما نصيب صاحبه فتقوم البينة فإنه يضمن. وعن ابن القاسم أنه لا
يضمن انتهى.
السادس: إذا ادعى المرتهن أنه رد الرهن إلى الراهن وقبض الدين وأنكر الراهن الرد.
فالقول قول الراهن إن كان مما يغاب عليه، قبضه ببينة أو بغير بينة. وإن كان مما لا يغاب
عليه. فالقول قول المرتهن إلا أن يكون قبضه ببينة. قال ابن رشد في رسم الرهون الثاني من
كتاب الرهون وفي أول سماع عيسى من كتاب الرواحل والدواب وفي آخر سماع أبي زيد
من كتاب الوديعة، ونقله في النوادر، وفي كتاب الرهون وسيأتي كلام ابن رشد المشار إليه
في كتاب العارية والله أعلم ص: (أو وهب) ش: يعني أن من له على شخص دين برهن ثم
579

إن رب الدين وهب الدين للمدين ثم ضاع الرهن فإن المرتهن ضامن له. قاله في النوادر وقاله
ابن القاسم وأشهب. قال أشهب: وترجع أنت فيما وضعته من حقك لأنك لم تضع لتتبع
580

بقيمة الثوب فتقاصه بقيمته، فإن كان عندك فضل وديته فإن كان دينه أكثر فلا شئ لك فيه
انتهى. وانظر هل يوافق ابن القاسم أشهب على ما ذكره عنه؟ وظاهر كلام النوادر أن المسألة
في سماع سحنون أو في سماع أشهب فلينظر فيه. وذكر في النوادر في هذا الفصل مسألة
ما إذا تلف الرهن ووجبت لصاحبه القيمة، فهل يكون أحق بالدين الذي في ذمته من غرماء
المرتهن حتى يستوفي منه القيمة التي وجبت له أم لا؟ ذكر ابن القاسم أنه ليس أحق بالقيمة
وعن أشهب أنه أحق بها ص: (والقول لمدعي نفي الرهنية) ش: يعني أنه إذا كان لشخص
على آخر دين وكان تحت يد صاحب الدين شئ للمديان فادعى أحدهما أن ذلك الشئ
رهن في الدين، وقال الآخر ليس برهن، فالقول قول من ادعى نفي الرهنية.
فإن قلت: لم حملت كلام المصنف على هذا ولم تحمله على أن المراد أنه إذا ادعى
صاحب الدين أن الشئ الذي تحت يده رهن وأنكر المديان ذلك فالقول قوله كما قال ابن
581

الحاجب. وإذا اختلفا في الرهنية فالقول قول الراهن وهذا هو المتبادر. وأما كون المديان
يدعي الرهنية ورب الدين ينكرها فهذا لا يحتاج إلى التنبيه ولا إلى أن يقال إن القول قول
رب الدين مع يمينه لأنه قادر على رده لربه؟
قلت: يحتاج إلى ذلك فيما إذا هلك الرهن وكان مما يغاب عليه فادعى المديان أن
المتاع كان رهنا ليضمن المرتهن القيمة وأنكر رب الدين الرهنية فالقول قوله. وقد نص على
ذلك في المدونة قال فيها: وإذا كان بيد المرتهن عبد أن فادعى أنهما رهن بألف وقال
الراهن رهنتك أحدهما بألف وأودعتك الآخر، فالقول قول الراهن لأن من ادعى في سلعة بيده
أو عبدان ذلك رهن وقال ربه بل عارية أو وديعة صدق ربه. ابن يونس: يريد مع يمينه ثم قال
فيها: ولو كان نمطا وجبة فهلك النمط فقال المرتهن أودعني النمط والجبة رهنا وقال الراهن
النمط رهن والجبة هي الوديعة، فكل واحد مدع على صاحبه فلا يصدق الراهن في تضمين
المرتهن لما هلك، ولا يصدق المرتهن أن الجبة رهن ويأخذها ربها اه‍. قال ابن يونس: يريد
ويحلفان ولهذا عدل المصنف عن عبارة ابن الحاجب فقال: والقول لمدعي نفي الرهنية.
وأيضا ففي عبارة ابن الحاجب مسامحة أخرى مريبة وهي قوله الراهن فإنه لم يثبت أنه راهن
ولهذا قال في التوضيح: وقوله يعني ابن الحاجب يريد على دعوى خصمه وإلا فالفرض أن
الرهن لم يثبت.
تنبيهات: الأول: علم مما تقدم أن القول قول مدعي نفي الرهنية مع يمينه.
الثاني: علم مما تقدم أيضا أنه لا فرق بين كون الشئ المختلف فيه متحدا أو متعددا
وسلم الراهن كون الرهنية في بعضه وأنكر الآخر، ولهذا قال في الشامل: وصدق نافي الرهنية
كبعض متعدد. وسيأتي في التنبيه الثالث نقل ابن عرفة عن ابن العطار التفصيل بين المتحد
والمتعدد.
الثالث: قال في التوضيح: قيد اللخمي المسألة بما إذا لم تصدق العادة المرتهن، فإن
صدقته فالقول قوله كبياع الخبز وشبهه يدفع له الخاتم ونحوه ويدعي الرهنية فإن القول قوله،
ولا يقبل قول صاحبه أنه وديعة. خليل: وهو كلام ظاهر اه‍. واعتمد التقييد في الشامل
فقال: وقيل إلا أن يكون المرتهن كخباز يترك عنده الخاتم فإنه يصدق اه‍. وظاهر كلام ابن
عرفة أنه خلاف ونقل عن ابن العطار قولا ثالثا ونصه: ولو ادعى حائز شئ ارتهانه وربه إيداعه
المذهب تصديقه. اللخمي: إن شهد عرف لحائزه صدق كالبقلل في الخاتم ونحوه. ابن
العطار: ولو ادعى حائز عبدين أنهما رهن وقال ربهما بل أحدهما صدق ولو ادعى حائز عبد
الرهن جميعه وقال ربه بل نصفه صدق حائزه اه‍.
فرع: قال في الجواهر: وكذلك لو ادعى المرتهن أن مال العبد أو ثمرة النخل رهن
582

وأنكر الراهن فالقول قوله أيضا اه‍ ص: (كالشاهد في قدر الدين) ش: يعني إذا اتفقا على
الرهنية واختلفا في مقدار الدين المرهون فيه إلى مبلغ قيمته، فيكون القول قول من ادعى أن
الدين المرهون فيه قدر قيمة الرهن، وما جاوز قدر قيمة الرهن فالقول فيه قول الراهن، وسواء
أنكر الراهن بالكلية أو أقر به وادعى أن الرهن في دونه. قال في المدونة: وإن قال المرتهن
ارتهنته في مائة دينار وقال الراهن المائة لك علي لم أرهنك إلا بخمسين، فالقول قول
المرتهن إلى مبلغ قيمة الرهن، فإن لم يساو إلا خمسين فعجل الراهن خمسين قبل الاجل
ليأخذ رهنه وقال المرتهن لا أسلمه حتى آخذ المائة فللراهن أخذه إذا عجل الخمسين قبل
أجلها وتبقى الخمسون بغير رهن كما أنكرها لا يلزمه، فكذلك لا يلزمه بقاء رهنه في
الخمسين اه‍. ولأشهب خلاف ذلك وانظر ابن يونس. ص: (لا العكس) ش: يعني أن الدين
583

لا يكون شاهدا على الرهن، فإن اختلفا في صفة قدر الرهن مثلا بعد هلاكه فقال مالك
وأصحابه: إن القول في ذلك قول المرتهن ولو ادعى صفة دون مقدار الدين لأنه غارم والغارم
مصدق. ابن المواز: إلا في قوله شاذة لأشهب فقال: إلا أن يتبين كذب المرتهن لقلة ما ذكر
جدا فيصير القول قول الراهن. قال ابن يونس بعد أن ذكر كلام أشهب: إنما أعرف ينحو إلى
هذا ابن القاسم وعلى هذه الصورة حمل الشارح كلام المصنف في الوسط. وزاد في الكبير
صورة أخرى ذكرها ابن عبد السلام ونصه: وقد اختلف المذهب أيضا لو لم يدع المرتهن
هلاك الرهن ولكنه أتى برهن يساوي عشر الدين مثلا وقال هو الذي ارتهنت منك بذلك
الدين، هل يكون الدين شاهدا للراهن على قولين، المشهور هنا أنه لا يكون الدين شاهدا. اه‍
كلام ابن عبد السلام ونقله الشارح في الكبير. واستفيد منه أن الدين ليس بشاهد ولم يفهم
منه ما وراء ذلك. وقد ذكر في نوازل أصبغ من كتاب الرهون قولين في كون القول للراهن مع
يمينه إذا أشبه قوله، أو قول المرتهن مع يمينه، وذكرهما أيضا في رسم الرهون من سماع
584

عيسى وذكر القولين في النوادر والله أعلم. ص: (فإن اختلفا فالقول للمرتهن) ش: لأنه
الغارم فيسأل الراهن عن قيمة سلعته ليعلم ما عنده أو ما يدعيه ثم يوقف عليه للمرتهن لأنه
المدعى عليه حتى يعلم منتهى دعوى المدعي في دعواه تلك في قدرها وجنسها فيصح
توقيف المدعى عليه على ذلك أو ينكر. ص: (وإن اختلفا في مقبوض فقال الراهن عن
دين الرهن وزع بعد حلفهما كالحمالة) ش: قال في كتاب الرهون من المدونة: وإن كان
لك على رجل مائتان فرهنك بمائة منها رهنا ثم قضاك مائة وقال هي التي فيها الرهن وقلت
له أنت هي التي لا رهن فيها وقام الغرماء أو لم يقوموا، فإن المائة يكون نصفها بمائة الرهن
585

ونصفها للمائة الأخرى. ابن يونس: يريد بعد أن يتحالفا إن ادعيا البيان. وقال أشهب: القول
قول المقتضى ظاهره أن التحالف إنما هو مع البيان، وبه صرح الشيخ أبو الحسن في مسألة
الحمالة ونصها في الحمالة منها: ومن له على رجل ألف درهم من قرض وألف درهم من
كفالة فقضاه ألفا ثم ادعى أنها القرض. وقال المقتضي بل هي الكفالة قضى بنصفها عن
القرض ونصفها عن الكفالة، وقال غيره: القول قول المقتضي مع يمينه لأنه مؤتمن مدعى
عليه وورثة الدافع في قولهما كالدافع اه‍. وقال مالك مثله في حقين: أحدهما بحمالة والآخر
بغير حمالة، وكذلك حق بيمين وحق بلا يمين. قال أبو الحسن: معناه ليقضينه ماله انتهى.
قال ابن رشد في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع الرهون: فإن حلفا جميعا أو نكلا
جميعا قسم ما اقتضى بين المالين، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف.
وقال أيضا في الرسم المذكور من سماع ابن القاسم من كتاب الرهون: فإن كان الحق الأول
ستين والثاني ثلاثين واقتضى ثلاثين كان للحق الأول عشرون وللثاني عشرة. ونقله في
النوادر، وهو مأخوذ من قول المصنف: وزع. وانظر كلام الرجراجي وأبي الحسن على
مسألة الحمالة.
تنبيه: قال ابن رشد في الرسم المذكور من سماع ابن القاسم المتقدم ذكره، وكذا لو
اختلفا عند القاضي في أي الحقين يبدأ بالقضاء، يجري الامر فيه عندي على هذا الاختلاف
إلا أنه لا يمين في شئ من ذلك. وقد فرق في سماع أبي زيد من كتاب المديان والتفليس
بين اختلافهما عند القضاء وبعد القضاء على اختلاف وقع في ذلك في الرواية فانظر ذلك
وأمعن النظر فيه اه‍. وما عزاه لسماع أبي زيد ليس هو فيه وإنما هو في نوازل سحنون في
آخر كتاب المديان والله أعلم.
فروع: الأول: إذا ادعى أحدهما أنه قضاه من كذا وقال الآخر بل قبضته مبهما فقال
في نوازل سحنون في آخر المديان والتفليس: إن القول قول من قال: إنه مبهم مع يمينه
ويفض على المالين أو الأموال، فإن اتفقا على الابهام فيفض ذلك على المالين من باب
أولى. اه‍ بالمعنى.
الثاني: قال في النوازل عيسى من كتاب المديان والتفليس: وسئل عن رجل كانت له
دنانير أو دراهم أو شئ مما يكال أو يوزن مما يغاب عليه لم يعرف بعينه على رجل وعلى
ابنه، فدفع الأب ما عليه إلى ابنه ليدفعه إلى الغريم. فقال له هذا ما لك على أبي، ثم ادعى
الغريم بعد ذلك أنه إنما قبضه من الابن قضاء عنه وأنه ما قال الابن، فالقول قول الغريم مع "
يمينه إلا أن يأتي الابن ببينة تشهد له أنه قال له هذا الحق عن أبي.
قلت: فإن أتى بالبينة على أمر أبيه أنه يدفع ذلك عنه قال: لا ينفعه ذلك حتى يأتي
586

بالبينة على الدفع، كان على الامر بينة أو لم تكن. قال عيسى: إلا أن تكون البينة أن ذلك
الشئ الذي قضى شئ أبيه. ابن رشد: هذا بين على ما قاله لأن الابن مدع فيما ذكر من
أنه قضاه الحق الذي كان له على أبيه، وقد حكمت السنة أن البينة على المدعي واليمين
على من أنكر اه‍.
الثالث: حكى ابن رشد في رسم العارية من سماع عيسى من البضائع والوكالات فيما
إذا كان لرجل على آخر عشرة ولرجل آخر عليه عشرة ووكلا من يقضي منه العشرين فاقتضى
عشرة ثم فلس وقال الوكيل هي لفلان وقال الغريم للآخر قولان: أحدهما قبول قول الوكيل،
والثاني أن العشرة بينهما ولا عبرة بقول الوكيل والله سبحانه وتعالى أعلم.
587

باب
ص: (للغريم منع من أحاط الدين بماله) ش: هذا باب التفليس. قال في الذخيرة:
وهو مشتق من الفلوس التي هي أحد النقود كأن الانسان لم يترك له شئ يتصرف فيه إلا
التافه من ماله اه‍. وفي أبي الحسن قال عياض: التفليس العدم وأصله من الفلوس أي أنه
صاحب فلوس بعد أن كان ذا ذهب وفضة، ثم استعمل في كل من عدم المال وكذلك يقال
أفلس الرجل بفتح اللام فهو مفلس اه‍. وفي المقدمات: التفليس العدم، والتفليس خلع الرجل
من ماله لغرمائه، والمفلس المحكوم عليه بحكم الفلس الذي لا مال له اه‍.
فوائد: الأولى: قال في المقدمات في كتاب المديان: قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا
إذا تداينتم) * وقال: * (ومن بعد وصية يوصى بها أو دين) *
فدل ذلك على جواز التداين، وذلك إذا تداين في غير سرف ولا فساد وهو يرى أن ذمته تفي
بما يدان ثم قال: وقد استعاذ رسول الله (ص) من الدين فقال: اللهم إني أعوذ بك من المأثم
والمغرم. وقال عمر بن الخطاب: إياكم والدين فإن أوله هم وآخره حرب وحرب بفتح الحاء
والراء قاله في النهاية. وروي بسكون الراء أي نزاع.
الثانية: ذكر في المقدمات أيضا عن النبي (ص) آثارا في التشديد في الدين ثم قال:
فيحتمل أن تكون هذه الآثار إنما وردت فيمن تداين في سرف أو فساد غير مباح، أو فيمن
تداين وهو يعلم أن ذمته لا تفي بما تداين به لأنه متى فعل ذلك فقد قصد استهلاك أموال
الناس. وقد قيل: إن هذا كله إنما كان من النبي (ص) في الدين قبل فرض الزكاة ونزول آية
الفئ والخمس.
588

الثالثة: قال فيها أيضا: فكل من أدان في مباح وهو يعلم أن ذمته تفي بما أدان فغلبه
الدين فلم يقدر على أدائه حتى توفي فعلى الامام أن يؤدي ذلك من بيت مال المسلمين أو
من سهم الغارمين من الزكاة أو من الصدقات محلها إن رأى ذلك على مذهب مالك الذي
يرى أنه إن جعل الزكاة كلها في صنف واحد أجزأه. وقد قيل: إنه لا يجوز أن يؤدي دين
الميت من الزكاة. فعلى هذا القول إنما يؤدي الامام دين من مات من الفئ. وقوله: إدان
يعني استدان. قال في النهاية في حديث الأبقع: فأدان معرضا أي استدان معرضا عن الوفاء اه‍.
الرابعة: قال فيها أيضا: واجب على ما كان عليه دين أن يوصي بأدائه، فإذا فعل وترك
وفاء فليس بمحبوس عن الجنة لدينه، وكذا إن لم يترك وفاء فليس بمحبوس عن الجنة
وعلى الامام وفاؤه، فإن لم يفعل فهو المسؤول عن ذلك إذا لم يقدر على أدائه في حياته
وأوصى به اه‍. وقال في التمهيد في شرح الحديث السابع عشر ليحيى بن سعيد: فالدين
الذي يحبس به صاحبه عن الجنة والله أعلم هو الذي ترك وفاء ولم يوص به أو قدر على
الأداء فم يوف أو أدانه في غير حق أو في سرف ومات ولم يوص به، وأما من أدان في حق
وأحب لفاقته وعسره ولم يترك وفاء فإن الله لا يحبسه به عن الجنة لأن فرضا على السلطان
أن يؤدي عنه دينه من جملة الصدقات أو من سهم الغارمين أو من الفئ الراجع على
المسلمين من صنوف الفئ والله أعلم. ونقل الآبي عن عياض في شرح قوله (ص): ومن
ترك دينا أو ضياعا فعلي وإلي أي فعلي قضاء دينه وإلي كفالة عياله. وهذا مما يلزم الأئمة
في مال الله فينفق منه على الذرية وأهل الحاجة ويقضي ديونهم. ذكره في أحاديث الجمعة
من كتاب الصلاة من شرح مسلم. وقال في الذخيرة: والأحاديث الواردة في الحبس عن
الجنة في الدين منسوخة بما جعله الله من قضاء الدين على السلطان وكان ذلك قبل أن تفتح
الفتوحات اه‍. وتقدم في باب الخصائص كلام ابن بطال والجمع بين ما هنا وما هناك والله
أعلم.
الخامسة: قال في كتاب التفليس من المقدمات: وقد كان الحكم من النبي (ص) في
أول الاسلام بيع المديان فيما عليه من الدين على ما كان عليه من الاقتداء بشرع من قبله
فيما لم ينزل عليه فيه شئ، وذكر قصصا في ذلك ثم قال: نسخ الله ذلك من حكم رسوله
بقوله: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * وقوله للغريم فعيل بمعنى
فاعل أي غارم ويطلق على المدين وعلى رب الدين وهو المراد هنا مشتق من الغرم. قال في
589

الصحاح: الغريم الذي عليه الدين. يقال خذ من غريم السوء ما سنح بالنون وقد يكون الغريم
أيضا الذي له الدين قال كثير:
قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنى غريمها
ص: (من تبرعه) ش: يعني أن من أحاط الدين بماله ممنوع من التبرع بالمال،
ومراده قبل التفليس، وأما بعده فإنه ممنوع من التصرف المالي مطلقا. وما ذكره المصنف من
590

هنا إلى قوله: وفلس من الاحكام التي لمن أحاط الدين بماله فعلها وعدم فعلها فمراده بها
قبل التفليس فتأمله. وقوله: أحاط الدين بماله يقتضي أنه لو لم يحط الدين بماله لم يمنع
من التبرع وهو كذلك، ويؤخذ من قوله: أحاط أنه علم أن الدين أحاط بماله فلو لم يعلم
بذلك لم يمنع من التبرع. قال المشذالي في حاشيته في أول التفليس: ابن هشام: لو وهب
أو تصدق وعليه دين لا يدري هل يفي ماله بهما أم لا، جاز حتى يعلم أن ما عليه من الدين
يستغرق ماله. قال ابن زرب واحتج عليه بما في سماع عيسى من الرضاع فيمن دفع لمطلقته
نفقة سنة ثم فلس بعد ستة أشهر، إن كان يوم دفع النفقة قائم الوجه لم يظهر في فعله سرف
ولا محاباة فذلك جائز. ابن رشد: يريد بقوله: قائم الوجه جائز الامر أن يكون المفلس
مأمونا عليه مع كثرة ديونه ولا يتحقق أنها مغترقة لجميع ماله من قوله هذا إن من وهب أو
591

تصدق وعليه دين لقوم إلا أنه قائم الوجه لا يخاف عليه الفلس أن أفعاله جائزة وإن لم
تحصر الشهود قدر ما معه من المال والدين، وبهذا كان يفتي ابن زرب ويحتج بهذه الرواية
ويقول: لا يخلو أحد من أن يكون عليه دين. وقوله صحيح واستدلاله حسن. وأما إن علم
أن ما عليه من الدين يغترق ما بيده من المال فلا يجوز له هبة ولا عتق ولا شئ من
المعروف، ويجوز له أن يتزوج وينفق على ولده الذين تلزمه نفقتهم ويؤدي منه عن عقل جرح
خطأ أو عمد لا قصاص فيه، ولا يجوز له أن يؤدي عن جرح فيه قصاص. هذا معنى قول
مالك في المدونة وغيرها وبه يقول ابن القاسم.
قلت: وفي سماع أصبغ من الديات ما نصه: إذا كان الرجل قائم الوجه يبيع ويشتري
ويتصرف في ماله فحمالته وهبته وصدقته ماضية كأن علم أن عليه ديونا كثيرة بقي الجواز
حتى يثبت أنه لا وفاء له بما فعل من المعروف.
592

قلت: وفي سماع أبي زيد فيمن أحاط الدين بماله أو بعضه فيتحمل حمالة وهو يعلم
أنه يعدم لا يسعه ذلك بينه وبين الله وحمالته مردودة لأنها معروف. ابن رشد: معناه إذ كان
البعض الباقي عن الدين لا يفي بما تحمل به ولو كان يفي صحت حمالته.
قلت: وأخذوا من هذا ومن نظائره أن من عليه صلاة فرض لا يجوز له أن ينتفل، وأن
أصحاب المكوس لا يصح منهم عتق. وفي أحكام ابن سهل فيمن باع دارا بمحاباة ثم ثبت
593

عليه دين من قبالة أحباس فقال ابن العطار وغيره: إن كان الدين قبل البيع فالدين أحق
بالمحاباة، وإن كان بعد البيع فالمبتاع أولى بها ويحلف ما كان توليجا. وإن كانت الدار لم
تخرج من يد البائع فالدين أولى ولو كان بعد البيع. وقال يحيى بن واقد: إن أثبت صاحب
الحبس المحاباة في الدار فالبيع مردود والدين أحق بالزائد لأن هبة المديان لا تصح.
المشذالي: انظر ابن سهل في مسائل المديان في مسألة رجل لزمته قبالة أحباس فاعتلقت داره
اه‍. ص: (وسفره إن حل بغيبته) ش: يعني أن للغريم أن يمنع المدين من السفر إذا كان
الدين يحل بغيبته وهو واضح.
تنبيهات: الأول: هذا الكلام في المدين لا بقيد كون الدين أحاط بماله كما نبه عليه
ابن غازي رحمه الله.
594

الثاني: أطلق المصنف رحمه الله في منعه من السفر إذا حل بغيبته وهو مقيد بأن لا
يوكل وكيلا بوفاء الحق، فإن وكل فلا منع. هذا الذي عليه أهل المذهب كابن شاس ونصه:
وليس لمن له دين مؤجل منعه من السفر ولا طلب كفيل والاشهاد إلا أن يحل في غيبته
فليوكل من يقبضه عند استحقاقه اه‍. وكذلك ابن الحاجب ومشى عليه في التوضيح. لكن
قال ابن عبد السلام: ظاهر المدونة أنه يمنع من السفر البعيد ولا يقبل منه الوكيل. فقال ابن
غازي: لعل المؤلف لم يقيد المسألة هنا بعدم التوكيل اعتمادا على ما نسبه ابن عبد السلام
لظاهر المدونة على أنه أضرب عن نقل هذا الاستظهار في التوضيح اه‍. وما قاله ليس بظاهر
فإن أهل المذهب كلهم مصرحون بهذا التقييد.
الثالث: فإذا وكل فهل له عزل وكيله؟ ابن عبد السلام: تردد. واختار بعض المحققين
أن له عزله إلى بدل لا مطلقا. وأصل المذهب أنه إذا تعلق بالوكالة حق لاحد الغريمين إلا أن
يكون له العزل اه‍.
الرابع: يفهم من كلام المؤلف بالأحروية لصاحب الدين أن يمنع المدين من السفر إذا
كان الدين حالا حتى يقبضه وهو كذلك والله أعلم.
الخامس: مفهوم قوله: حل بغيبته إذا كان لا يحل بغيبته فإنه ليس له منعه من السفر
ولا تحليفه. ونص في سماع عيسى من كتاب الكفالة أنه يحلفه أنه لم يرد الفرار من الحق
الذي عليه وأنه ينوي الرجوع عند الاجل لقضاء الحق الذي عليه. ابن يونس: وقال بعض
أصحابنا: إنما يحلف المتهم. وجعل الشيخ أبو الحسن هذا تقييدا للمدونة، وكذلك الشيخ
أبو محمد. قال في مختصره بعد أن ذكر لفظ المدونة: يريد ويحلف. نقله المشذالي عنه
وجعله صاحب الشامل المذهب ونصه: ولذي الدين منع المديان من سفر يحل فيه إلا أن
يوكل من يوفيه لا إن كان يحل بعده وحلف أنه لم يرد به فرارا وأن نيته العود لقضائه عند
الاجل. وقيل: إن اتهم وإلا فلا اه‍. وكذلك اللخمي ذكر هذا على أنه المذهب ونصه في
السلم الثالث: ومن كان عليه دين إلى أجل فأراد السفر قبل حلوله لم يمنع إذا بقي من
الاجل قدر سيره ورجوعه وكان مما لا يخشى لدده ومقامه، وإن خشي ذلك منه وكان
معروفا باللدد منع إلا أن يأتي بحميل. وإن كان موسرا أو له عقار كان بالخيار بين أن يعطي
حميلا بالقضاء أو وكيلا بالبيع ويكون النداء قبل الاجل بمقدار ما يرى أنه يكمل الاشهاد
عند محل الاجل، وإن أشكل أمره هل يريد بسفره تغييبا أم لا، حلف أنه ما يسافر فرارا وأنه
لا يتأخر عن العودة لمحل الاجل وترك اه‍. وهو كلام حسن ونقله عنه الشيخ بدر الدين بن
جماعة الشافعي في منسكه الكبير. ومعنى قوله: ويكون النداء الخ فيما يظهر أنه إذ وكل
على البيع يكون ابتداء بيعه وندائه على العقار بمقدار ما يرى الخ.
595

السادس: اعلم أن هذا الكلام كله في المديان الموسر، وأما المعسر فليس للعديم
منعه. صرح به أهل المذهب في باب الحج. قال ابن عرفة في موانع الحج: ابن شاس:
لمستحق الدين منع المحرم الموسم من الخروج ويجب أداؤه ويمتنع تحلله، فإن كان معسرا
أو مؤجلا لم يمنع.
قلت: إن كان إيابه قبل حلوله اه‍.
فرع: قال المشذالي في حاشيته في السلم الثالث: قال ابن سهل: سئل أبو إبراهيم
عمن له دين مؤجل قرب الاجل أم بعد، فزعم رب الدين أن الغريم يريد السفر وأنكر الغريم
ذلك فقال: إن قام الطالب بشبهة بينة وإن لم تكن قاطعة حلف المطلوب ما يريد سفرا، وإن
نكل كلف حميلا ثقة يغرم المال ثم يقال له سافر إن شئت اه‍ فتأمله.
فرع: منه أيضا: قال المتيطي: لا يمنع الخصمان من السفر ولا من أراده منهما وله أن
يوكل عند ذلك. قال ابن العطار: وعليه أن يحلف ما استعمل السفر ليوكل فإن نكل منع من
التوكيل إلا إن شاء خصمه. ابن الفخار: ولا يحلف وله التوكيل إن كان خصمه قد أحرجه أو
شاتمه فحلف لا خاصم بنفسه. قال ابن الفخار: إن حلف لا يخاصمه من غير عذر لم يكن
له أن يوكل اه‍. وسيذكره المؤلف في فصل الوكالة.
فرع: قال الزيزي في تكميله: وهل يحلف على نهاية سفره قولان اه‍. وأصله لابن
رشد في سماع عيسى من الكفالة، ونقله المشذالي لكن ليس على هذا الوجه فراجع أيهما
شئت والله أعلم.
فرع: من التزم لانسان أنه إن سافر فله عليه كذا وكذا فأراد السفر وشرع في أسبابه
وفي تحميل حوائجه. فهل له مطالبته بالالتزام. أجاب الوالد بأنه يطالب بدفع المال الملتزم به
أو بتوكيل وكيل يدفع عنه إذا سافر، لأنه لا يتحقق وجوب المال الملتزم به إلا بعد سفره
لاحتمال موته ولو عند ركوبه أو حصول عائق يمنعه والله أعلم. وأخذ من هنا مسألة مطالبة
الزوجة زوجها بالنفقة عند سفره والله أعلم. ص: (لا بعضه ورهنه) ش: هذا إذا كان
صحيحا، وأما إذا كان مريضا فلا يجوز قضائه ولا رهنه في مذهب ابن القاسم بخلاف بيعه
وابتياعه. قاله ابن القاسم ونقل الرجراجي في ذلك ثلاثة أقوال ونصه: وإذا كان المقر مريضا
596

فلا يخلو إما أن يكون مديانا أو غير مديان، فإن كان مديانا فتصرفه في المعاوضات جائز
قولا واحدا ما لم يحاب، وتصرفه في المعارف ممنوع قولا واحدا إلا بإجازة الورثة، وفي
قضائه ورهنه ثلاثة أقوال: المنع لابن القاسم، والجواز للغير في كتاب المديان، والتفصيل بين
القضاء والرهن وهو القول الذي حكاه أبو الوليد اه‍. ونقل ابن رشد الثلاثة الأقوال في رسم
طلق بن حبيب من كتاب اللقطة والله أعلم. يعني بقوله المعارف المعروف كالصدقة والعتق
ونحو ذلك، وأما إذا لم يكن عليه دين ثم استحدث في مرضه دينا ببيع أو قرض ورهن فيه
رهنا فلا كلام في صحة ذلك والله أعلم. قال في الوثائق المجموعة: فإن كان الراهن حين
الرهن مريضا فليس بضار له لأن بيع المريض جائز ما لم يحاب في ذلك، فكذلك رهنه لأن
الرهن كالبيع وسببه كان اه‍. فتأمله فإنه حسن ص: (وفي تطوعه بالحج تردد) ش: قال في
المقدمات: يجوز إنفاقه المال على عوض فيما جرت العادة بفعله كالتزوج والنفقة على
الزوجة وما أشبه ذلك، ولا يجوز فيما لم تجر العادة بفعله من الكراء في الحج والتطوع وما
أشبه ذلك. وانظر هل له أن يحج الفريضة من أموال الغرماء أم لا؟ وإن كان يأتي على ذلك
الاختلاف في الحج هل على الفور أو على التراخي، وهل له أن يتزوج أربع زوجات وتدبر
ذلك اه‍. وما ذكره الشارح عن المقدمات لم أقف عليه فيها، والعجب من تردد ابن رشد في
حج الفريضة وقد نص في النوادر على أنه لا يحج الفريضة. قال في كتاب الاستطاعة: قال
ابن المواز: قال مالك: وذكر ابن عبدوس من رواية ابن نافع فيمن عليه دين وليس عنده
قضاء فلا بأس أن يحج. قال سحنون: وأن يغزو. قال ابن المواز: قال مالك: وإن كان له وفاء
أو كان يرجو قضاءه فلا بأس أن يحج. قال محمد: معناه وإن لم يكن معه مقدار دينه فليس
597

له أن يحج، يريد محمد إلا أن يقضيه أو يتبع وحده. وقال سند في باب الاستطاعة: وإن
كان عليه دين وبيده مال فالدين أحق بماله من الحج. قاله مالك في الموازية: فإن لم يكن
له مال قال عنه ابن نافع عن ابن عبدوس لا بأس أن يحج. قال سحنون: وأن يغزو، يريد أن
المعسر يجب إنظاره فإذا تحقق فلسه وكان جلدا في نفسه فقط سقط عنه عائق الدين ويلزمه
الحج لقوته عليه، أما من له مال فلا يخرج حتى يؤدي دينه، فإن كان هذا في حكم الحج
الفرض فما بالك بالتطوع فقد سقط التردد الذي في كلام المصنف، والذي في كلام ابن
رشد لوجود النص عن مالك والحمد لله على ذلك. ص: (أو غاب إن لم يعلم ملاؤه) ش:
أطلق رحمه الله والغيبة على ثلاثة أقسام: قريبة وحدها ابن القاسم في العتبية والواضحة بالأيام
اليسيرة، فلا يفلس بل يكشف عن حاله. ابن رشد: ولا خلاف في ذلك. وغيبة متوسطة
وحدها ابن رشد بالعشرة الأيام ونحوها، فإن لم يعلم ملاؤه فلس بلا خلاف، وإن علم لم
يفلس على المشهور خلافا لأشهب. وغيبة بعيدة وحدها ابن رشد بالشهر ونحوه قال: ولا
خلاف في وجوب تفليسه وإن علم ملاؤه. قاله جميعه في رسم الجواب من سماع عيسى
من كتاب المديان، وهذه طريقة ابن رشد. وهذا اللخمي وابن الحاجب فأطلقوا في الغيبة
التعميم وحكوا الخلاف فيها مطلقا من غير تقييد بعشرة أيام كما قال ابن رشد: ونقل في
التوضيح كلام ابن رشد جميعه ومشى عليه صاحب الشامل ونصه: وفلس ذو غيبة بعدت
كشهر أو توسطت كعشرة أيام وجهل تقديم يسره لأن قربت وكشف عنه كأن علم تقديم
يسره على المشهور.
فرع: قال في التوضيح: أما لو حضر الغريم وغاب المال فإن ذلك يوجب تفليس
الغريم إذا كانت غيبة المال بعيدة اه‍. ونقله في الشامل.
فرع: قال في الشامل: واستؤني ببيع سلع من بعدت غيبته كأن قربت على الأظهر اه‍.
ونقله في التوضيح ص: بطلبه وإن أبى غيره دينا حل) ش: الباء متعلقة بقوله: فلس
598

والضمير المجرور في بطلبه عائد على الغريم وهو فاعل المصدر الذي هو طلبا ودينا
مفعوله. وفهم من قوله: فلس بطلب الغريم أنه لا يكون للقاضي تفليس المديان إلا بطلب
الغريم، وأنه لو أراد المدين تفليس نفسه لم يكن له ذلك. وقد اختلف الشافعية هل له ذلك
أم لا قاله في التوضيح. وفهم من إفراد الضمير في طلبه وفي أبى وغيره أنه لو طلب
التفليس واحد من الغرماء فأكثر كان له ذلك وهو كذلك. قال في أول التفليس من المدونة:
وإذا قام رجل واحد على المديان فله أن يفلسه كقيام الجماعة اه‍. وقال ابن عبد السلام في
شروط التفليس: أحدها أن يقوم من الغرماء عليه واحد فأكثر اه‍. وقاله غيره وإنما ذكرت
عبارته مع عبارة المدونة لأنها أصرح في ذلك من عبارة المدونة والله أعلم. ص: (فيمنع من
تصرف مالي لا في ذمته) ش: يعني فبسبب الحكم بتفليسه يمنع من التصرفات المالية.
قال في المقدمات: وأما بعد التفليس فلا يجوز له بيع ولا شراء ولا أخذ ولا عطاء اه‍. وقال
الشارح في حل كلام المصنف لهذه القولة: ولا يبيع بمحاباة اه‍. فتقييده بالمحاباة ليس
بظاهر لأن المذهب منعه من البيع والشراء مطلقا. ونبه عليه ابن غازي. وقوله: يمنع من
تصرف مالي يريد في المال الموجود في يده كما قال ابن الحاجب في المال الموجود.
قال الشيخ: احترازا مما لم يوجد فإنه لا يمنع كالتزامه عطية شئ إن ملكه اللهم إلا أن
يملكه ودينهم باق عليه فلهم حينئذ المنع اه‍. ودخل في قوله: تصرف مالي النكاح ونص
عليه في المدونة ونقله في التوضيح. وقوله: لا في ذمة فلا يمنع من التصرف في ذمته
ويشير لقول ابن الحاجب وتصرفه شارطا أن يقبض من غير ما حجر عليه صحيح. قال ابن
عبد السلام: يريد كما لو اشترى شيئا على أن يدفع ثمنه من غير المال الذي حجر عليه
ولكن ذلك بعد القسمة، فالمسألة أبين لعدم الحاجة للشرط الذي ذكره المؤلف. ولو قيل لا
يحتاج إلى ذلك الشرط مطلقا لأن الحكم يقتضيه لما كان بعيدا. وقال في التوضيح: يعني
إذا اشترى شيئا وشرط أن يقضيه من غير ما حجر عليه مما سيطر أجاز. خليل: وانظر في
هذا فإن فيه البيع لأجل مجهول وقابله بما قالوا لو تزوجها إلى ميسرة. وقد تقدم أن شيخنا
أخذ منه لا يجوز له أن يشتري سلعة بشرط أن يدفع ثمنها إذا فتح الله فانظر ذلك اه‍. ولا
599

يلزم في هذا أن يكون لأجل مجهول فقد يؤجل بأجل معلوم يمكنه أن يتجر فيه في تلك
السلعة ويربح فيها. قال ابن عرفة عن اللخمي وروايته في تبصرته ما نصه: وإن اشترى بعد
الحجر على المال الذي فيه رد إلا أن يكون فيه ويقرب بيعه إلا أن يرضى البائع أن يباع له
ولا يدخل مع الغرماء، وإن اشترى على أن يقبض من غير ما حجر عليه فيه جاز. ونحوه قول
المازري إن كان بيعه وشراؤه مصروفا لذمته كسلم يسلم إليه فيه لأجل بعيد يصح العقد إليه
وما في معناه لم يكن لغرمائه منعه من ذلك اه‍. وما ذكره الشارح في شرح قوله: لا في
ذمته ليس هو محله حيث ذكرته والله أعلم. ص: (وتبعها مالها إن قل) ش: قال
ابن الحاجب: وفي اتباعها مالها إذا لم يكن يسيرا قولان. قال في التوضيح: يعني إذا فرعنا
على المشهور من إمضاء العتق فإن لم يستثن السيد مالها فلمالك في الموازية يتبعها لأن
السيد باعتبارها غير مفلس. وقال ابن القاسم: لا يتبعها إلا أن يكون يسيرا اه‍. وقد صدر في
الشامل بقول مالك لأنه هو المناسب لقوله بعد هذا لأنه لا يلزم بانتزاع أم ولده والله أعلم.
ص: (وحل به وبالموت ما أجل) ش: تصوره واضح.
فرع: لو قال بعض الغرماء لا أريد حلول عروضي وقال المفلس بل حكم بحلول ما
علي ولا أؤخرها. فالقول للمفلس ويخير المستحق. قاله في الموازية والعتبية، واعترضه
اللخمي بأن الحلول إنما كان لحق رب السلع فيكون القول له في التأخير اه‍. ونقله في
الشامل ونصه: فلو أراد بعضهم تأخير سلعة منع وجبر على قبضها ورجح قوله اه‍. يشير برجح
لكلام اللخمي. وقال ابن عرفة: المذهب حلول دين المفلس المؤجل بتفليسه كالموت
مطلقا وسئل السيوري وبعض المغاربة لعدم حلوله فيها خلاف المذهب. ثم قال اللخمي:
القياس إن أتى المفلس بحميل أن يبقى ما عليه لأجله لأن تعجيله إنما هو لخوف أن لا
يكون له عند الاجل شئ. ولابن رشد عن سحنون: ولا يحاصص ذو الدين العرض المؤجل
600

بقيمته حالا بل على أن يقبضه لأجله. قال ابن رشد: وهو بعيد. قال ابن عرفة: ففي حلول الأجل
بتفليسه ثالثها إن لم يأت بحميل به، ورابعها إن لم يكن عرضا للمعروف. وقول
السيوري فيه وفي الموت واللخمي وسحنون اه‍.
فرع: قال في التوضيح: ولو قالت الورثة نحن نأتي بحميل ملئ ونؤدي عند الاجل
ومكنونا من قسم التركة كلها لم يكننهم ذلك. قاله ابن نافع في المبسوط اه‍. وقال في
الشامل: ولو طلب الوارث تأخيره للأجل يحتمل ملئ ويمكن من أخذ التركة منع اه‍. ثم
قال في باب الضمان: ومن مات وعليه دين وهو وتركته مجهولان فضمنه وارثه ليمكن من
التركة جاز إن انفرد بعضهم إن كان النقص عليه والفاضل بينهم لا على أن يختص به اه‍.
وهذه المسألة التي في الضمان ذكرها في التوضيح في الضمان، وابن عرفة أيضا في الضمان
وهو في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم ورسم البيوع من سماع أشهب، وقد
نقلت كلامه في باب الضمان في شرح قول المصنف: وإن جهل والظاهر أنه لا معارضة
بين ما ذكره في التوضيح هنا وبين ما ذكره في باب الضمان لأن مراده بقوله هنا لم يكن
لهم ذلك أنه لا يجبر الغرماء عليه فتأمله والله أعلم. ص: (ولو دين كراء) ش: يشير لقول
المقدمات، وأما ما لا يمكنه دفع العوض فيه ويمكنه دفع ما يستوفي فيه مثل أن يكتري
الرجل دارا بالنقد أو يكون العرف فيه النقد فيفلس المكتري قبل أن يقبض الدار أو بعد أن
قبض وسكن بعض السكنى، فأوجب ابن القاسم في المدونة للمكري المحاصة بكراء ما بقي
من السكنى إذا شاء أن يسلمه، وله مثل ذلك في العتبية. وعلى قياس هذا إن فلس قبل أن
601

يقبض الدار فللمكري أن يسلمها ويحاصص بجميع كرائه. وهذا إنما يصح على قول أشهب
الذي يرى قبض أوائل الكراء قبضا لجميع الكراء فيجيز أخذ الدار للكراء من الدين، وأما ابن
القاسم فالقياس على أصله أن يحاص الغرماء بكراء ما مضى ويأخذ داره ولا يكون له أن
يسلمها، ويحاص الغرماء بجميع الكراء، وإن لم يشترط في الكراء النقد ولا كان العرف فيه
النقد لوجب على المذهب المتقدم إذا حاص أن يوقف ما وجب له في المحاصة، فكلما
سكن شيئا أخذ بقدره من ذلك اه‍. والمسألة في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب
التفليس واستوفى ابن رشد الكلام عليها فراجعه إن أردته والله أعلم ص: (وإن نكل المفلس
حلف كل كهو) ش: فهم من قوله: المفلس أن المدين إذا لم يفلس فليس لغريمه الحلف
مع شاهده. قال ابن عرفة: اللخمي في كتاب الشهادات لابن حبيب عن الأخوين: وإن نكل
مدين عن الحلف مع شاهد له بدين قبل الضرب عليه فليس لغرمائه الحلف عليه وبعده لهم
ذلك اه‍. ومثل المفلس الميت.
تنبيه: إذا قام للميت أو المفلس شاهد بقضاء دينه، فهل يحلف غرماؤه معه أم لا؟ ذكر
في العتبية في سماع عيسى من كتاب التفليس أن لهم ذلك ونصه: وسألته عن الرجل يهلك
602

فتقوم عليه امرأته بصداق عليه إلى أجل ببينة وقام عليه غرماؤه فشهد لهم عليها شاهد واحد
أن المرأة صالحت زوجها على أن وضعت له ذلك الصداق قال: يحلف الغرماء مع شاهدهم
ويستحقون حقوقهم، فإن أبوا أن يحلفوا حلف من رضي واستحقوا حقوقهم. قال ابن رشد:
قوله: إن الغرماء يحلفون مع شاهدهم على إبراء الميت من الصداق ويستحقون حقوقهم في
تركة الميت فيختصون بها دون المرأة صحيح على قياس قول مالك في الميت يقوم عليه
الغرماء له دين بشاهد واحد أن الغرماء يحلفون مع الشاهد على الدين فيستحقونه لأنفسهم
من ديونهم، لأنها يمين مع الشاهد يصلون بها إلى استيفاء حقوقهم في المسألتين جميعا،
فلا فرق في المعنى والقياس بين أن يبرئوا الميت من الصداق بحلفهم مع الشاهد فيستحقون
تركته في ديونهم. وبين أن يثبتوا له الدين بحلفهم عليه مع الشاهد به فيستحقونه في ديونهم.
وقد حكى ابن حبيب عن أصبغ أنه لا يحلف الغرماء في إبراء الميت، وإنما يحلفون في دين
له لأن حلفهم على الدين رجم بالغيب إذ لا يعلمون ذلك وهو بعيد قد أنكره ابن المواز.
وقال: إن ذلك ليس رجما بالغيب وإنما يحلفون بخبر مخبر كما يحلفون على إثبات دين له،
وذلك بين لا فرق في هذا المعنى بين الموضعين اه‍. وذكر ابن فرحون في الباب الحادي
عشر من القسم الثاني المسألة والخلاف في المفلس عن المتيطي.
فرع: وهل يبدأ الورثة أو الغرماء؟ قال ابن رشد إثر كلامه المتقدم: وقوله في هذه
المسألة: إن الغرماء يحلفون مع شاهدهم ويستحقون حقوقهم فالظاهر من قوله أنه يبدأ
الغرماء بالايمان على الورثة وفي هذا تفصيل، أما إن كان فيما ترك المتوفى فضل عن حقوق
الغرماء فلا اختلاف في أن الورثة يبدؤن بالايمان، فإن حلفوا بطل دين المرأة واستحقوا ما
فضل عن ديون الغرماء، فإن أبى الورثة أن يحلفوا حلف الغرماء ويأخذون حقوقهم، فإن
فضل فضل بعد استيفائهم لم يكن للورثة أن يحلفوا عليه ولم يكن لهم شئ منه لأن الايمان
عرضت عليهم أولا فتركوها إلا أن يقولوا لم نكن نعلم أنه يفضل لصاحبنا فضل، أو يعلم أن
نكولهم من أجل ذلك فيحلفون ويأخذون ما بقي من دينه. وإن نكل الغرماء أيضا عن اليمين
حلفت المرأة واستحقت دينها وحاصت الغرماء في جميع ما يحلفه المتوفى، وأما إن لم
يكن فيما ترك فضل عن ديون المتوفى فاختلف قول مالك فيمن يبدأ باليمين، فالظاهر من
قوله في الموطأ أن الورثة يبدؤن باليمين. وروى ابن وهب عنه أن الغرماء يبدؤن وهو اختيار
سحنون وعليه تؤول قول مالك في موطئه فقال: إنما بدئ الورثة باليمين من أجل أن الغرماء
لم يحلفوا، ولو كانوا حلفوا لكانوا هم المبدئين باليمين وهو تأويل بعيد، والصواب أن ذلك
اختلاف من قول مالك ثم وجه كلا من القولين بما يطول ذكره.
فرع: إذا ادعى الغريم أنه لا مال فأقام الطالب بينة على دار أو عرصة أنها ملكه فقال
ابن فرحون في آخر التبصرة في فضل مسائل المديان مسألة في بيع ملك الغريم. وفي
603

المتيطية: وإذا أثبت الطالب مالا للغريم تعينه البينة وقف الغريم على ذلك، فإن أقر بذلك أمره
الحاكم ببيعه وقضاء دينه، فإن أبى ضيق عليه بالضرب والسجن حتى يبيع، ولا يبيعه القاضي
كبيعه على المفلس لأن المفلس ضرب على يديه ومنع من ماله فلذلك بيع عليه وهذا
بخلافه. قال الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن: وإن أنكر الغريم الملك وعجز عن الدفع في
شهادة من شهد له بالملك فقال بعض الموثقين عندي: إنه يبيعه عليه ولا يضطره إلى ما
يستوفى منه اه‍. وكلام المتيطية هذا ذكره فيها في البيوع في الكلام على بيع السلطان
لهلاك الغريم والله أعلم. ص: (وقبل تعيينه القراض والوديعة وإن قامت بينة بأصله) ش:
604

هذا إذا كان إقراره بذلك بعد التفليس قال ابن سلمون: وأما قبل التفليس فجائز لمن لا يتهم
بدين أو وديعة أو قراض أو شئ بعينه مع يمين المقر لهم، وقيل بلا يمين اه‍. ص: (وبيع
ماله بحضرته بالخيار ثلاثا) ش: تصوره واضح.
تنبيه: قال في المقدمات في كتاب التفليس: ويباع ماله من الديون إلا أن يتفق الغرماء
على تركها حتى تقبض عند حلولها اه‍. ص: (وأوجر رقيقه بخلاف مستولدته) ش: مراده
برقيقه من فيه عقد حرية وهو واضح.
605

تنبيه: قال في المقدمات: فإن في أمة أنها أسقطت منه لم يصدق إلا أن تقوم
بينة من النساء أو يكون قد فشا ذلك قبل ادعائه، وإن كان لها ولد قائم فقوله مقبول أنه منه
اه‍. ص: (واستؤني به إن عرف بالدين في الموت فقط) ش: في قوله: في الموت
فقط نظر. قال ابن رشد في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب المديان بعد أن ذكر
الخلاف في الاستيناء في الحاضر والقريب الغيبة: وأما البعيد الغيبة فلا اختلاف في وجوب
الاستيناء به إذا خشي أن يكون عليه دين اه‍. والله أعلم.
فرع: وأما بيع الورثة قبل قضاء الدين أو قسمتهم فقال في الشامل في باب التفليس:
606

ومنع وارث من بيع قبل وفاء دين، فإن فعل ولم يقدر الغرماء على أخذ إلا بالفسخ فلهم ذلك
إلا أن يدفعه الوارث من ماله على الأشهر كما لو أسقطوا دينهم اه‍. وهذا الذي ذكره إذا كان
الورثة عارفين بالدين أو كان الميت مشهورا بالدين وإلا لم ينقض البيع. قال في كتاب
المديان من المدونة: وإذا باع الورثة التركة فأكلوا ذلك واستهلكوا ثم طرأت ديون على
الميت، فإن كان الميت معروفا بالدين فباعوه مبادرة لم يجز بيعهم وللغرماء انتزاع عروضه
ممن هي في يده ويتبع المشتري الورثة بالثمن، وإن لم يعرف الميت بالديون وباعوه على ما
يبيع الناس اتبع الغرماء الورثة بالثمن، كان فيه وفاء أو لم يكن ولا تباعة على من ذلك المال
بيده. قال أبو الحسن: قوله: للغرماء انتزاع عروضه من يد من هي بيده أي من يد المشتري
قال ابن محرز: قال في كتاب ابن المواز: إلا أن يشاء المشترون قيمة السلع يوم قبضوها
على ما هي من نماء أو نقص. وقوله: وإن لم يعرف الميت بالدين هذا مفهوم قوله: إذا
كان الميت يعرف بالدين وباعوا مبادرة فظاهره لا ينتفي عنهم الغرم إلا بشرطين، وليس
كذلك، لأنه إذا لم يعرف الدين سواء باعوا مبادرة أم لا؟ لأنه لا فائدة في الاستيناء. وقوله:
لا تباعة على من ذلك المال بيده قال ابن يونس: يريد إذا لم يحابوا وإن كانوا عد ما
اتبعهم دون المشتري اه‍. وانظر المشذالي في بيع الورثة أو قسمتهم قبل قضاء الدين وتكلم
هناك أيضا على حكم بيع أحد الشركاء طائفة معينة من الأرض. وانظر البرزلي في مسائل
القسمة، وانظر اللخمي في كتاب المديان والتفليس في تبصرته فإنه فصل في بيع الورثة قبل
قضاء الدين والله أعلم. ص: (وقوم مخالف النقد) ش: اعلم أن معرفة وجه التحاصص كما
قال في المقدمات أن يصرف مال الغريم من جنس ديون الغرماء دنانير إن كانت ديونهم
دنانير، أو دراهم إن كانت ديونهم دراهم، أو طعاما إن كانت ديونهم طعاما على صفة
607

واحدة، أو عروضا إن كانت ديونهم عروضا على صفة واحدة، وإن كانت ديونهم مختلفة
صرف مال الغريم عينا دنانير أو دراهم على الاجتهاد في ذلك، ثم تحصر جميع ديونهم إن
كانت صفة واحدة، أو قيمتها إن كانت مختلفة، حلت أو لم تحل اه‍. ص: (ومضى إن
رخص أو غلا) ش: يريد إلا أن يكون ما صار له أكثر من جميع حقه فيرد الفضل للغرماء.
قال في التوضيح: الباجي وصاحب المقدمات: فإن تأخر الشراء حتى غلا أو رخص فلا تراجع
فيه بينه وبين الغرماء إلا أن يكون فيما صار له أكثر من جميع حقه فيرد الفضل إلى الغرماء،
وإنما يكون التحاسب بينه وبين الغريم. وقال المازري: ولو تغير السعر حتى صار يشتري له
أكثر مما كان يشتري له يوم قسمة المال، فالزائد بين الغرماء ويدخل معهم فيه كمال طرأ
للمفلس. وذهب ابن الماجشون إلى أن هذا الفضل الذي حدث بمقتضى اختلاف الأسعار
يستبد به هذا الغريم الموقوف له المال ويشتري له مما بقي له في ذمة المفلس بناء على
أصله أن مصيبة ما وقف له من ذلك ممن له الدين اه‍. وقد حكى في الشامل في ذلك ثلاثة
أقوال ونصه: ومضى وإن غلا أو رخص. وقيل: إلا أن يصير له أكثر فيرد الفاضل للغرماء.
608

وقيل: يشتري له به أيضا مما بقي في ذمة المفلس اه‍. وكأنه غره ظاهر كلام التوضيح حيث
حكى عن الباجي وابن رشد أنه يمضي غلا السعر أو رخص. ثم حكى عن المازري قولين،
فقد يتبادر من ظاهر الكلام أنهما مخالفان لكلام الباجي وابن رشد وليس كذلك، بل القول
الأول في كلام المازري مخالف، والقول الثاني الذي نقله ابن الماجشون موافق لكلام
الباجي وابن رشد ونص كلام ابن الماجشون على ما نقله ابن حبيب في مختصر الواضحة
في ترجمة الرجل المفلس وعليه طعام وعروض، فإن حال السعر بعد أن وضع لهم الثمن
ليشتري لهم بغلاء اتبعوا الغريم بالفضل إلا أن يكون فيما صار لهم أكثر من حقوقهم فيردوا
الفضل على الغرماء. وإنما ذلك حكم نازل يحكم فيه فيمضي عليهم ولا يحول عنهم، وإنما
يحول عن الغريم. وله وإن اعتقبته الأسعار بالرخص والغلاء فكل قد كان عنده اختصاص في
دين الميت سواء اه‍. ولفظ ابن رشد في المقدمات: فإن غلا السعر أو رخص فاشترى له
بذلك أقل مما صار له في المحاصة لغلاء السعر أو أكثر لرخص السعر، فلا تراجع في ذلك
بينه وبين الغرماء إلا أن يكون فيما صار له أكثر من جميع حقه، فيرد الفضل إلى الغرماء،
وإنما التحاسب في زيادة ذلك ونقصانه بينه وبين الغريم يتبعه بما بقي من حقه، قل لرخص
السعر أو كثر لغلائه اه‍. ولفظ الباجي: فإن تأخر الشراء حتى غلا السعر ورخص فإنه لا تراجع
فيه بينه وبين الغرماء، وإنما التحاسب بينه وبين المفلس في زيادة ذلك ونقصانه لا يتعلق بما
يرى الغرماء اه‍. فظهر من هذا موافقة كلام ابن الماجشون كلام الباجي وابن رشد، فليس في
المسألة غير قولين. نقل ابن عرفة كلام ابن رشد وقال بعده: ونحوه للباجي. ولم يتعرض
للقول الذي ذكره المازري. وجعله مقابلا لقول ابن الماجشون، ولا لكلام ابن الماجشون
أيضا. إذا علم ذلك فكلام صاحب الشامل مشكل من وجوه: أحدها حكاية ثلاثة أقوال في
المسألة اعتمادا على ظاهر ما في التوضيح إن كان اعتماده على ذلك. الثاني: جعله بقية قول
الباجي وابن رشد قولا ثانيا وهو قوله: وقيل إلا أن يصير له أكثر فيرد الفضل للغرماء لأن
ذلك من تتمة كلامها، وكلام ابن الماجشون أيضا كما تقدم بيانه. الثالث: عدم ذكره للقول
المقابل للمشهور الذي حكاه المازري وجعله مقابلا لقول ابن الماجشون، وهو أن يكون
على ما نابه بالحصاص يوم القسمة بين الغرماء ويدخل هو معهم فيه، فالثلاثة الأقوال التي
ذكرها على ما تحصل من كلامهم ترجع لقول واحد، لأن القول الثاني في كلامهم هو تتمة
القول الأول، والقول الثالث في كلامه هو قول ابن الماجشون ونقله عنه في التوضيح، وقد
علم مما تقدم أنه موافق لما قاله الباجي وابن رشد فتأمله والله أعلم.
تنبيه: بقي على المصنف أن ينبه على تتمة ما قاله الباجي وابن رشد وابن الماجشون
من أنه يختص بما نابه بالحصاص يوم القسمة دون الغرماء إذا رخص السعر بما إذا لم يزد ما
صار له على جميع حقه فإنه حينئذ يرد الفضل للغرماء. ونبه على ذلك الشارح إلا أن ظاهر
609

كلامه يقتضي أن ذلك في كلام ابن رشد فقط وليس كذلك، بل كلام الباجي شامل له أيضا
والله أعلم. ص: (وإن ظهر دين أو استحق مبيع وإن قبل فلسه رجع بالحصة كوارث أو
موصى له على مثله) ش: تصوره ظاهر.
فرع: فلو بيع بعض مال المفلس وبعض الغرماء حاضر وقسمت التركة وصاحب الدين
حاضر، فنقل الشارح عن بعض الأشياخ في مسألة المفلس الاتفاق على أنه إذا كان الغريم
حاضرا أنه لا يرجع على أحد منهم بشئ. ونقل ابن رشد في ذلك خلافا. قال في العتبية في
610

نوازل عيسى من كتاب التفليس: وسئل عن الرجل يكون له على الرجل الذكر الحق فلا يقوم
به حتى يموت الذي عليه الحق، واقتسم ورثته ماله وهو حاضر ينظر ثم قام بعد بذكر الحق.
قال: فلا شئ له إلا أن يكون له عذر في تركه القيام أو يكون لهم سلطان يمتنعون به أو
نحو هذا مما يعذرون به، فهو على حقه أبدا وإن طال زمانه إذا كان له عذر مما وصفنا لأن
رسول الله (ص) قال: لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم. قال ابن رشد: هذا خلاف قول
سحنون في نوازله من هذا الكتاب أن السلطان إذا باع مال الميت فقضى بعض غرمائه
وبقيتهم حضور، ثم قاموا عليهم أن لهم الدخول، ولا يضرهم علمهم بموت صاحبهم، وأن
ماله بيع لمن قام طالبا لحقه من غرمائه لأنهم يقولون كنا على حقوقنا، وعلمنا أنه لا يبطلها
عنا قيام أصحابنا. وفرق بين ذلك وبين بيع مال المفلس يباع لبعض غرمائه وبعضهم حضور
لا يقومون، أن المفلس له ذمة تتبع فيحمل سكوتهم على أنهم رضوا باتباع ذمته، والميت لا
611

ذمة له فيكون القول قولهم إنهم إذا سكتوا غير راضين بترك حقوقهم. وكان شيخنا أبو جعفر
يقول: ليس بين المسألتين فرق. ولو قيل في هذا الفرق بالعكس لكان أشبه، فتحصل في
المسألة على ما كان يذهب إليه أربعة أقوال: لا قيام في المسألتين والقيام فيهما جميعا،
والفرق بينهما على ما في نوازل سحنون، والفرق بينهما على عكسه حسبما ذكرناه عن
الشيخ وبالله التوفيق. اه‍. بلفظه. ثم لما ذكر مسألة نوازل سحنون لم يتكلم عليها بشئ.
وقوله: لا قيام في المسألتين يعني مسألة الميت والمفلس إذا قضى السلطان بعض الغرماء
كما يظهر بالتأمل. وقال ابن سلمون في فصل الاقرار لما ذكر مسائل يكون فيها السكوت
إقرارا: وكذلك من كان له دين على تركة فقسمت التركة وهو حاضر ساكت، فذلك يبطل
دعواه في الدين. ذكره ابن حبيب عن مالك ولابن القاسم مثله. قال مطرف: إلا أن يكون له
عذر أو لم يجد عقدا أو خوف سلطان أو شبه ذلك فيحلف إنما كان تركه للقيام إلا لما
ذكر ويأخذ حقه. قال بعضهم في هذه المسائل: هي التي فيها السكوت كالاقرار اه‍. وقوله:
أو لم يجد عقدا كأنه والله أعلم إذا قال لم أعلم بالدين إلا حين وجدت العقد، وأما إذا
كان عالما بالدين وقال إنما أخرت الكلام لأني لم أجد العقد أو البينة، فالذي اقتصر عليه
الجزولي والشيخ يوسف بن عمر أن ذلك لا يفيده. وصوبه أيضا ابن ناجي في شرح الرسالة،
وذكر عن شيخه أبي مهدي أنه يقبل قوله ثم رجع عن ذلك. وسيأتي كلامهم في باب
الشهادات عند كلام المؤلف على الحيازة والله أعلم. وقول ابن فرحون في الباب الثالث
والخمسين من التبصرة في القضاء للاقرار أربعة أركان: الأول الصيغة وهي لفظ أو ما يقوم
مقامه كالإشارة والكتابة والسكوت ثم قال: والسكوت مثل الميت تباع تركته وتقسم وغريمه
حاضر ساكت لم يقم فلا قيام له إلا أن يكون له عذر اه‍. وقال في الباب الثاني والستين في
القضاء بشهادة الوثيقة والرهن على استيفاء الحق.
فرع: وفي مختصر الواضحة في آخر باب الحيازات قال عبد الملك: وقال مطرف
وأصبغ: لو مات الذي عليه الحق فقسم ورثته ميراثه وهو حاضر ينظر إليه ثم قام بعد ذلك
يذكر حقه، فلا شئ له إلا أن يكون له عذر في ترك القيام بحقه مثل أن يكون لم يعرف
شهوده أو كانوا غيبا أو لم يجد ذكر حقه إلا عند قيامه أو يكون لهم سلطان يمتنعون به
ونحو هذا مما يعذر فيه، فيحلف بالله ما كان تركه القيام إلا للوجه الذي عذر به، ثم يكون
على حقه وإن طال زمانه لقوله (ص): لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم قالا: فإن أبى أن
612

يحلف حلف الورثة بالله ما يعلمون له حقا، فإن حلفوا برئوا، وإن نكلوا غرموا أو من نكل
منهم. قال فضل بن مسلمة: انظر في هذه المسألة، وانظر فيمن أقام شاهدا على حق له على
ميت ونكل إن كان يحلف الورثة أنهم لا يعلمون هذا الحق مثل ما قال هذا فتدبره اه‍. قال
في المتيطية في كتاب الرهون وكتاب التفليس: وإذا استظهرت المرأة بصداقها بعد وفاة
زوجها بمدة العشر سنين ونحوها وما يخلفه الميت بحاله لم يقسم ولا فوت، فلها القيام
بذلك ويقضى لها به ولا يضرها سكوتها وتحلف لما يجب عليها. قاله غير واحد من
الشيوخ. والدليل على صحة ذلك ما في نوازل عيسى وذكر ما تقدم ولم يذكر خلافه،
وسيأتي في آخر الشهادات في الكلام على الحيازة المدة المسقطة للدين إذا لم يقم به
صاحبه والله أعلم. ص: (والنفقة الواجبة عليه) ش: قال الشارح: يعني ما ينفقه على من
وجبت عليه نفقته كزوجاته وولده وأمهات أولاده ومدبريه اه‍. ولم يذكر الوالدين. وذكر في
التوضيح عن البيان أنه قال في قوله في المدونة في الزكاة الأول يترك له ما يعيش به هو
وأهله الأيام، والمراد بالأهل في المدونة أزواج المفلس ومن تلزمه نفقته من رقيقه وأمهات
أولاده ومدبريه اه‍. ولم يذكر الوالدين. وقال أبو الحسن الصغير في شرح كلام المدونة
المتقدم: والأهل هنا من تلزمه نفقته كالزوجة والولد الصغير والأبوين الفقيرين لأن الغرماء
عاملوه على ذلك، وهذه بخلاف المستغرق الذمة بالمظالم والتباعات فإنه لا يترك له إلا ما
يسد جوعته لأن أهل الأموال لم يعاملوه على ذلك. قاله ابن رشد اه‍ ص: (وكسوتهم كل
دستا معتادا) ش: يعني بالدست القميص والعمامة والسراويل والمكعب وهو المداس، ويزاد
في الشتاء الجبة. هكذا فسر الدست النووي في منهاجه. وزاد بعض شراحه الدراعة التي
تلبس فوق القميص إن كان مما يليق بحاله. ونقل عن الإمام الشافعي أنه لا يترك له
613

الطيلسان، وذكر أنه قال: إن تركه لا يخل بالمروءة. وخالفه في ذلك أصحابه ومنعوا قوله:
لا يخل بالمروءة. قال الشارح: وتزاد المرأة على ما ذكرنا المقنعة والإزار وغيرهما مما
يليق بحالها اه‍. ص: (وحبس لثبوت عسره) ش: قال في المقنع: ويحبس الأخرس فيما
يجب عليه إذا كان يعقل ويكتب ويشير وهو كالصحيح، ويحبس الأعمى والمقعد ومن لا
يدان له ولا رجلان وجميع من به وجع لا يمنعه ذلك من الحبس، والظاهر أن معنى: ومن
به وجع الخ أن من به مرض فإن ذلك لا يمنع من حبسه اه‍.
فرع: قال ابن عرفة: تلقى الأشياخ بالقبول ما في ثمانية أبي زيد لا يسجن في الحديد
إلا من سجن في دم.
قلت: وكذا من لا يؤمن هروبه.
فرع: وانظر أجرة الحباس على من؟ لم أر الآن فيها نصا، والظاهر أنها كأجرة أعوان
القاضي تكون من بيت المال، فإن لم يكن فتكون على الطالب إن لم يلد المطلوب
ويحتفي. كذا نص عليه ابن فرحون في تبصرته والله أعلم ص: (يغرم إن لم يأت ولو أثبت
عدمه) ش: قال في التوضيح: قال ابن راشد القفصي: وإذا قبل منه الحميل ليثبت عدمه
614

فغاب الغريم وأثبت الحميل عدم الغريم فقال ابن رشد: يغرم لتعذر اليمين اللازمة للغريم.
615

وقال اللخمي: لا يغرم لأن اليمين بعد ثبوت الفقر أنه لم يكتم شيئا استظهارا إلا أن يكون
ممن يظن أنه يكتم اه‍. واقتصر في التوضيح في باب الضمان على نقل كلام اللخمي، وذكر
616

أن المازري قال: يجري فيها قولان. وجزم هناك في المختصر بكلام اللخمي فقال: إلا أن
أثبت عدمه فتأمله ذلك والله أعلم، ونبه على هذا ابن غازي ص: (وأخرج لحد) ش: تصوره
ظاهر.
فرع: إذا وجبت عليه دعوى هل يخرج ليسمعها أم لا؟ ظاهر كلام ابن بطال أو
صريحه في كتاب المقنع في باب الحكم على المسجون أنه لا يخرج ونصه: قال ابن كنانة
فيمن سجنه الامام وللناس عليه ديون، هل يسمع الامام بينة خصمه ومن يزكيهم ويقضى
عليه؟ قال: يأمر الامام أن يوكل من يخاصم له ويعذر إليه، فإن أبى أن يوكل يقضى عليه إذا
شهدت البينة وزكوا بعد أن يعذروا إليه، فإن حضر خروج خصمه إلى سفر أو مرض أو خشي
فراقهم أشهد على شهادتهم اه‍. وأصله في النوادر في كتاب الأقضية الثاني. وقوله: وإن
حضر الخ يعني قبل الاعذار إلى المسجون. وما ذكره في هذا الباب مخالف لما ذكره بعد
هذا في باب نظر القاضي في مال الغيب والحبس فيها من أنه يخرج ونصه: ويخرج القاضي
المحبوس في الدين إذا خوصم في مال الآخر حتى يثبت، فإن ثبت عليه مال آخر وكتب به
عليه كتبه القاضي أنه محبوس بذلك أيضا اه‍. ونحوه للمازري ونصه: لو سلم الكفيل الغريم
وهو محبوس في حبس القاضي فإن هذا التسليم يسقط الكفالة لكون المتكفل له يتمكن من
طلبه وهو في الحبس ومحاكمته عند القاضي الذي حبسه حتى يمكنه من حقه ويقضي
بذلك على المحبوس، وإن وجد حبسه زاد في مقدار أمد الحبس لأجل هذا الطلب الثاني
بحسب ما يقتضيه الاجتهاد اه‍. والله أعلم.
617

فرع: قال ابن بطال في باب نظر القاضي: وإذا حبس رجل لرجل في دين فأقر
المحبوس أنه قد كان أجر نفسه من رجل آخر إلى مكة أو على أن يعمل له عملا، لم يخرج
من الحبس بإقراره الذي أقر به ويتهم أن يكون أراد الخروج من الحبس، فإن قامت عليه بينة
بأنه أجر نفسه قبل أن يحبس في حضر أو سفر يسافره أو كان صانعا في شئ يصنعه كان
مما يعمله في الحبس أو يعمله خارجا لم يخرج من الحبس، فإن أوفى وخرج طولب بذلك
بعد الخروج، فإن أراد صاحب الأجرة أن يفسخ الإجارة فذلك له إذا حبس.
فرع: قال ابن بطال أيضا: وإذا أراد رجل أن يخرج إلى بلد ينتقل إليه فأقام رجل عليه
البينة بدين متقدم عليها إن أقرت بينة في ذلك الوقت فبينة، أو ابتاعت من رجل بيعا لزمها
به بدين فأرادوا حبسها في الحبس، وقال الزوج بل أخرجها وتتبعونها حيث كانت، أو قال
إنما أقرت أو ابتاعت لئلا أخرج بها، فأما ما قامت عليه البينة من ذلك فإنها تحبس بذلك ولا
تخرج من الحبس، ولا يخرجها الزوج إلا بعد دفع الحق. وأما إن أقرت بذلك فإن القاضي
ينظر في ذلك، فإن كانت أقرت لأب أو لاحد ممن يتهم أو يرى أنها إنما أرادت أن تعوق
بذلك الزوج عن الخروج بها لم يجز ذلك، وينظر القاضي في ذلك على قدر ما يرى حين
ينزل أو يشاور في ذلك اه‍. ص: (وللغريم أخذ عين ماله المحاز عنه في الفلس لا
الموت) ش: مفهوم قوله: المحاز عنه أنه لو لم يجز عنه ليس كذلك، أما في الفلس فهو
أحق بها من باب أحرى، وأما في الموت فهو أحق بها أيضا. قال في المقدمات: ولا خلاف
في مذهبنا أن البائع أحق بما في يده في الموت والفلس، وأنه أحق بما أسلمه ما ألفاه قائما
618

عند المبتاع في الموت والفلس، وإنما وقع الخلاف بينهم في بعض المسائل لاختلافهم من
أي قسم هي اه‍. وفي بعض ما ذكره نظر اه‍. فتأمله والله أعلم.
فرع: إذا قيم على الفلس فوجد بعض الناس سلعة له فأراد أخذها فخاصمه المفلس
في عينها فوقفت السلعة ثم مات المفلس فقال في كتاب الهبات من المدونة: إن ربها أحق
بها إن ثبتت ببينة اه‍.
فرع: قال الفاكهاني في شرح العمدة في باب الرهن: حيث يكون البائع أحق بسلعته،
هل يفتقر أخذها إلى حكم حاكم أو يستبد بأخذها؟ لا أعلم لأصحابنا فيها نصا، وظاهر
الحديث يدل على الاستبداد اه‍.
قلت: إن سلم الغرماء له أخذها لم يحتج إلى حكم حاكم، وإن لم يسلموا له ذلك
فلا بد من حكم حاكم وهو ظاهر والله أعلم. ص: (وآبقا ولزمه إن لم يجده) ش: هذا قول
ابن القاسم في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب المديان والتفليس. قال ابن رشد: قال
أصبغ: ليس له إلا المحاصة ولا يجوز له أن يتركها ويتبع العبد لأنه دين بدين وخطار وهو
619

أظهر الأقوال اه‍. ونقله أيضا بالنص المذكور في آخر أول رسم من سماع أشهب من كتاب
السلم والآجال، ونقله كذلك أيضا في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب
الجنايات وزاد فيه أيضا بعد قوله وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب اه‍. وفي المسألة قول
ثالث إن البائع مخير بين المحاصة وبين أن يطلب العبد، فإن وجده كان أحق به، وإن لم
يجده رجع فحاص الغرماء. قاله في آخر رسم من سماع أشهب في كتاب السلم، وهو والله
أعلم فيما إذا اشترى عالما بعيب الإباق أو تبرأ منه البائع وبينه والله أعلم. ص: (وذي
حانوت فيما به) ش: لم يتكلم الشارح عليه ويشير به إلى قوله في المدونة: وأرباب الدور
620

والحوانيت أسوة الغرماء في الفلس والموت وليس أحق بما فيها. ونقله في التوضيح في
شرح قول ابن الحاجب في مكري الدابة أحق بما حملت. ص: (وراد لسلعة بعيب) ش:
يعني أن من اشترى سلعة فردها بعيب ففلس البائع قبل أن يأخذ المشتري به الثمن فوجد
المشتري السلعة التي ردها بعيب قائمة بيد المفلس فإنه لا يكون أحق بها بناء على أن الرد
بالعيب نقض بيع. وقيل: هو أحق بها بناء على أنه ابتداء بيع. كذا في المقدمات وقال
الشارح: المعنى أن من اشترى سلعة ثم اطلع بها على عيب فأراد ردها على البائع فوجده قد
فلس، فإن له ردها ولا يكون أحق بها. ونحوه في ابن عبد السلام والتوضيح في شرح قول
ابن الحاجب. والراد السلعة بعيب لا يكون أحق بها في الثمن، وهذا الفرع الذي ذكره
الشارح والمصنف في التوضيح تبعا لابن رشد، ذكره ابن رشد من باب أحرى، والموجب
لحمل المصنف في التوضيح كلام ابن الحاجب على هذا المعنى أنه ذكر هذه المسألة بعد
قوله: وفي كون المشتري أحق بالسلعة تفسخ لفساد البيع قولان، وفي بعض النسخ ثالثها
في النقد دون العين. فلما كان المعنى في هذه المسألة أنه إذا فسخ البيع هل يكون المشتري
أحق بالسلعة حتى يستوفي منها ما دفعه أم لا؟. ناسب أن تحمل المسألة الأخرى على أنه إذا
اطلع المشتري على عيب فأراد أن يرد السلعة بسبب ذلك العيب ويتمسك بها حتى يستوفي
منها ما دفعه، فهل له ذلك أم لا؟ فقال: لا يكون له ذلك في مسألة الرد بالعيب. ولهذا قال
المصنف إثر الكلام المتقدم: ولم يجر في هذه من الخلاف ما جرى في التي قبلها لأن
المشتري ها هنا مختار للرد بخلاف الأولى فإنه مجبر عليه. ثم قال في التوضيح: قال في
621

المقدمات: وهذا على أن الرد بالعيب نقض بيع وعلى أنه ابتداء بيع يكون أحق اه‍. وهذا غير
ظاهر لأن ابن رشد لم يقل هذا في هذه المسألة وإنما قاله في الفرع الذي حملنا عليه كلام
المصنف وهو ما إذا رد ثم فلس. وأما في هذه المسألة وهي ما إذا علم بالفلس ثم رد على
المفلس فينبغي أنه لا يكون أحق بها فتأمله. وأما قول المصنف: وإن
أخذت عن دين فلو قال: وإن أخذت بالنقد كان أبين لأن الذي يفرق بين النقد والدين في
مسألة البيع الفاسد يقول: إذا بيعت بالنقد يكون أحق، وإذا بيعت بالدين لا يكون أحق، على
أني لم أقف على خلاف في هذه المسألة كما قال ابن غازي، وإنما ذكروا التفرقة في مسألة
البيع الفاسد اللهم إلا أن يحمل كلام المصنف على القول الأول في كلام ابن رشد، وهو أن
الراد للسلعة بالعيب يكون أحق بها، ويكون التشبيه في كلامه راجعا لأصل المسألة فتحسن
المبالغة حينئذ، ويكون المعنى أن الراد للسلعة بالعيب أحق بها ولو كان أخذها عن دين
ولم يشترها بالنقد، وهذا هو المتبادر من حل ابن غازي للمسألة فتأمله والله أعلم. ص: (لا
بفداء الجاني) ش: قال ابن الحاجب: ولا يحاص بفداء الجاني إذ ليس في ذمة المفلس.
ابن عبد السلام: يعني أن العبد إذا جنى عند المشتري جناية ثم فلس المشتري فالحكم في
هذا العبد كالحكم إذا كان رهنا ثم جنى، وإنما يفترق الحكم في محاصة السيد خاصة لأن
البائع لا يحاص هنا ويحاص في مسألة الرهن، لأن الدين الذي أراده في مسألة الرهن كان
في ذمة المشتري والجناية لم تكن في ذمة المشتري وإنما كانت في رقبة العبد فلا يرجع به
البائع على المشتري، وهو مراد المؤلف بقوله: ولا يحاص الخ اه‍. ص: (ونقض
المحاصة إن رد بعيب) ش: الأولى أن تكون هذه مستقلة ويكون قوله: وردها من تعلقات
قوله: والمحاصة بعيب سماوي كما نبه عليه الشيخ عبد العزيز التكروري وابن الفرات وابن
622

غازي والله أعلم. ص: (وردها والمحاصة بعيب سماوي) ش: يريد وله أن يتمسك بها ولا
شئ له بسبب العيب الحادث عند الفلس. نص على هذا ابن الحاجب وشارحاه. قال ابن
الحاجب: فلو أخذها فوجد عيبا حادثا فله ردها ويحاص إن حبسها ولا شئ له. ابن عبد
السلام: يعني فلو وجد البائع سلعة بيد المشتري بعد التفليس فأخذها منه ثم اطلع على عيب
حدث عنه المشتري، فللبائع رد السلعة على المشتري ويحاص بثمنها، وله أن يتمسك بها ولا
شئ له بسبب العيب الحادث عند المشتري، ولعل هذا كالمتفق عليه اه‍. ونحوه في
التوضيح. وعلى هذا ففي قول الشارح في الوسط يعني: إن البائع إذا أخد سلعته فوجدها قد
تعيبت عند المفلس عيبا سماويا فإن له أن يحاص الغرماء بأرش العيب إن شاء، وإن شاء ردها
وحاص بجميع الثمن نظر لأنه مخالف لما تقدم ومشى في شامل على ما في شرحه والله
أعلم. ص: (ورد بعض ثمن وأخذها) ش: أي إذا قبض بعض ثمن المبيع ثم فلس المشتري
فللبائع أن يرد البعض الذي قبضه ويأخذ سلعته وله أن يحاص بالباقي. فإن تعدد المبيع كما
لو باع عبدين بعشرين دينار فاقتضى من ثمنهما عشرة وباع المشتري أحدهما وبقي الآخر
عنده وفلس فأراد البائع أخذ العبد الثاني منهما، فليس له أخذه إلا أن يرد من العشرة التي
اقتضاها خمسة، لأن العشرة الأولى كانت مقبوضة عليهما. وهذا إن كانت قيمتهما بعداء
623

وإلا فض العشر المقتضاة أولا عليهما ورد حصة الباقي، وهذا هو المشهور ص: (وأخذ
بعضه وحاص بالفائت) ش: يريد إلا أن يدفع له ثمن الباقي ولو من أموالهم ولا يكونون أحق
بقدر العداء على الأرجح. قاله في الشامل. وظاهر التوضيح ترجيح الثاني ص: (كبيع أم
ولدت) ش: يعني أن من اشترى أمة فولدت عنده ثم باعها دون ولدها ثم فلس فقام البائع
الثمن فوجد الولد دون أمه، فإن حكمه في ذلك حكم ما تقدم من السلعتين، فيكون مخيرا
بين أن يأخذ الولد بما يصيبه من الثمن ويحاص الغرماء بما أصاب الام منه وذلك بأنه يفض
الثمن الذي له على قيمة الام يوم بيعها وقيمة الولد إلا أن يشاء الغرماء أن يدفعوا له جميع
الثمن، وبين أن يترك الولد ويحاص بجميع الثمن. انظر ابن عبد السلام وابن عرفة ص: (وأخذ
الثمرة والغلة) ش: يعني أن المشتري الذي هو المفلس يأخذ الثمرة التي أثمرت عنده والغلة
بخلاف الولد، ولم يذكره الشيخ اكتفاء بما تقدم. قال ابن الحاجب: ويأخذ الولد بخلاف
الثمرة والغلة فليس له أخذهما لأنهما من الخراج والخراج للبائع للضمان. وعطف الغلة على
الثمرة من عطف العام على الخاص، ويحتمل أن يريد بالغلة ما ليس قائم العين.
624

تنبيه: إنما تكون الثمرة التي حدثت عند المشتري غلة إذا جذت، وأما إن دامت في
أصولها فإنها ترد ويأخذهما البائع على المشهور. وقيل: إنها تفوت بالإبار، واتفق على أن
الصوف يرد مع الغنم قبل الانفصال. قاله في التوضيح ص: (إلا صوفا تم أو ثمرة مؤبرة)
625

ش: أي وقت الشراء فإنهما لا يكونان غلة وللبائع أخذهما، فإن فاتا حاص بما ينوبهما من
الثمن. قاله في الشامل وأصله في التوضيح ص: (وفي كون المشتري أحق بالسلعة تفسخ
لفساد البيع أولا أو في النقد أقوال) ش: القول الأول بأنه أحق نقله ابن يونس عن رواية
626

ابن المواز عن ابن القاسم، ذكره في مسألة غلق الرهن فكان ينبغي للمؤلف أن يقتصر عليه
والله أعلم. ص: (وقضى بأخذ المدين الوثيقة أو تقطيعها لا صداق قضى) ش: يعني أن
المديان إذا دفع الحق لصاحبه وأراد أخذ الوثيقة أو تقطيعها فإنه يقضى له بذلك إن امتنع رب
الدين من ذلك. قال الشيخ أبو الحسن الصغير في آخر كتاب المديان عند قول المدونة: ومن
أمر رجلا يدفع إلى فلان ألف درهم، قال عني أو لم يقل، ثم قال الآمر كانت لي دينا على
المأمور وأنكر المأمور وقال بل أسلفته إياها، فالقول قول المأمور. قال أبو إسحاق: إلا أن
يعلم أن مثله لا يملك هذا القدر لعدمه وفلسه. ويؤخذ من هذه المسألة من اقتضى دينا لا
يلزمه أن يدفع الوثيقة لغريمه المطلوب خوف دعوى السلف. وقال ابن عبد الحكم وأصبغ
وابن دينار: يجبر على دفعها وتقطع. قال ابن الهندي: ولا يبرأ بدفعها إلى الغريم إذا قام
627

الطالب عليه واستظهر المطلوب في الوثيقة أنه يقول سقطت مني فحكم عليه بردها للطالب
وبالغرم بعد يمين الطالب اه‍. وقال في العتبية في رسم يوصى من سماع عيسى من كتاب
المديان: وسئل عن رجل لقي رجلا قال أشهدك أني قد تقاضيت من فلان مائة دينار كانت
لي عليه فجزاه الله خيرا فإنه أحسن قضائي فليس لي عليه قليل ولا كثير، فلقي الرجل الذي
أشهد الرجل الذي زعم أنه قضاه فأخبره بما قال له، قال كذب إنما أسلفته ذلك قال ابن
القاسم: القول قول الذي زعم أنه أسلفه مع يمينه إلا أن يأتي الآخر بالبينة أنه تقاضاها في
دينه. قال ابن رشد إثرها: ويأتي على أصل أشهب في قوله إنه لا يؤاخذ أحد بأكثر مما يقربه
على نفسه أن يكون القول قول المقتضي، وهو قول ابن الماجشون نصا في هذه المسألة
بعينها. ويقوم من هذه المسألة أن من كان له حق على رجل بوثيقة فدفع الذي عليه الحق
إلى الذي له عليه الحق ودعا إلى قبض الوثيقة منه أو تحريقها أن ذلك ليس له، وإنما له أن
يشهد عليه وتبقى الوثيقة بيد صاحب الدين لأنه يدفع بها عن نفسه إذ لعل الذي كان عليه
الدين أن يستدعي بينة قد سمعوا إقرار صاحب الدين بقبضه منه أو حضروا دفعه إليه ولم
يعلموا على أي وجه كان الدفع، فيدعي أنه إنما دفع إليه ذلك المال سلفا أو وديعة ويقول
هات بينة تشهد لك إنما قبضت ذلك مني من حق واجب لك، فبقاء الوثيقة وقيامه بها
يسقط هذه الدعوى التي تلزمه. وقد كان شيخنا الفقيه أبو جعفر رحمه الله يقيم ذلك فيما
أخبرني عنه غير واحد من أصحابنا، وما أشك أن يكون في كلام سمعه منه من آخر مسألة
من كتاب المديان من المدونة، وهو كلام صحيح إلا أن محمد بن عبد الحكم يرى له من
الحق أخذ الوثيقة وقطعها، وهو قول عيسى بن دينار في بعض روايات العتبية وهو قول أصبغ
في الواضحة اه‍. وقال ابن فرحون في تبصرته في الباب الثاني والستين: وللذي عليه الدين
أخذ وثيقة الدين من صاحبها أو يقضى عليه بتقطيعها. وقاله ابن العطار، ونحوه في الواضحة
وكتاب الحداني وبه القضاء، وقال محمد بن عبد الحكم: لا يقطع وثيقة الدين ولا يجبر
ربها على إعطائها، ويجبر على أن يكتب له براءة في الموضع الذي فيه الشهود عليه، ونحوه
في وثائق ابن الهندي لأنه سبب لوجوب اليمين عليه إن ادعى عليه بعد ذلك دعوى كاذبة.
وفي أحكام ابن سهل في امرأة قامت بصداق لم تثبته فحلف الزوج ودعا إلى قطعه وأرادت
الزوجة حبس الصداق بيدها، فأفتى ابن لبابة أنه يجاب إلى تقطيعه لأنه سقط عنه بيمينه لما
ادعى عليه بما فيه، وإذا سقط عنه فليقطع. ثم قال: إذا دفع إلى المطلقة أو المتوفى عنها
زوجها كالئها ليس عليها أن تدفع كتاب صداقها إلى الزوج ولا إلى ورثته لما في حبس
صداقها من المنفعة بسبب الشروط التي لها فيه إن كانت، ولأجل لحوق النسب أو الحمل
إن كان حمل بعد موته وفي حياته إلا أن تتطوع بدفعه من غير أن يقضى عليها بذلك. هذا
هو القول المشهور المعمول به وقاله أصبغ في كتاب ابن حبيب قال: لأنه به ثبت نكاحها
628

وبه تأخذ ميراثها تدفع بعد اليوم من دافعها عما ورث، أما لو قامت بباقي المهر في كتاب
غير كتاب نكاحه فأخذت به ما كان لها فإنه يؤخذ منها ويقطع عن الورثة، وإن أخذت بها
أرضا أو عقارا من عقاره لم يؤخذ ذلك منها لأن به تدفع اليوم من دافعها عن ذلك وما
يشبهه مما يلتمس التوثق به، وعلى الورثة أن يستوثقوا لأنفسهم بالاشهاد وذكر الكتاب الذي
بيدها. قال ابن حبيب: وبه أقول وهذا أحب ما فيه إلي. وقيل: لا بد من أخذه وتقطيعه.
ورواه ابن حبيب عن مطرف فيمن مات وقامت امرأته بكتاب مهرها فأخذت به باقيه فأراد
الورثة تقطيعها، فإن لهم وإن قالت به أدفع بعد اليوم من دافعني عما أخذت. ذكره
المتيطي عن ابن سهل. وقال في الاستغناء: إن لم يدخل الزوج بالمرأة وأقرت المرأة أنه لم
يمسها ولا وطئها فإن الصداق يقطع اه‍. نقله المشذالي برمته في آخر كتاب المديان. وزاد
بعده قلت: سئل ابن عبد السلام عمن كان عليه حق بصك وتنازع المديان ورب السلعة في
تقطيعه أو تبطيله وبقائه عند ربه، فما الذي عليه العمل من القولين؟ قال: على الثاني خوف لو
قطعناه أن يسأل المديان رب الدين هل قبض منه شيئا أم لا، فإن قال قبضت ولكن من دين
كان لي عليك لم يقبل منه، وإن قال لم أقبض حلف يمين غموس اه‍.
تنبيهات: الأول: قول المصنف: وقضى بأخذ المدين يريد بعد خصمهما ثم تدفع
للمدين. قال في الشامل: وصوب خصم الوثيقة مع الدفع اه‍. وهو معنى قول المشذالي أو
تبطيله.
الثاني: قال في الذخيرة: إذا طلب المصالح أخذ الوثيقة التي صالح عليها فللآخر منعه
لأنها تشهد له بمال الصلح لثبوت أصل الحق، ويكتب الآخر وثيقة بتاريخ متأخر يشهد له
بصلحه. قاله مطرف فتأمله مع كلام المصنف وانظر تبصرة ابن فرحون والله أعلم.
الثالث: قال ابن رشد في رسم المذكور: وأما إذا أبى الذي بيده الوثيقة من الاشهاد
على نفسه بقبض ما فيها وقال للذي كان عليه الدين خذ الوثيقة أو قطعها فتلك براءتك،
فليس له ذلك ويلزمه الاشهاد على نفسه يقوم ذلك من غير مسألة منها مسألة رسم العرية اه‍.
ص: (ولراهن بيده رهنه بدفع الدين) ش: هذا إذا أقر المرتهن بدفع الرهن إلى الراهن. قال
في المتيطية: ولو لم يقر المرتهن بدفع الرهن إلى الراهن وادعى أنه تلف له وسقط لكان
القول قوله قولا واحدا إذا كان قيامه عليه بالقرب اه‍. وقال قبله: ولا اختلاف بينهم إذا طال
الامر أن القول قول الراهن اه‍. وهكذا نقل المسألة ابن فرحون في تبصرته عن المتيطي في
629

الباب المتقدم ذكره ونصه في المتيطية: ولو كان رب الدين قد أخذ من الغريم رهنا ثم
دفعه إليه وادعى أنه أعطاه الرهن ولم يوفه الغريم حقه، وقال الغريم لم يدفع لي رهني إلا بعد
قبضه دينه فقال مالك في العتبية: أرى أن يحلف الراهن ويسقط عنه ما ادعى به رب الدين،
وكذلك لو أنكر المرتهن أن يكون قبض منه شيئا من حقه وقال دفعت إليه الرهن على أن
يأتيني بحقي فلم يفعل لكان القول قول الراهن على هذه الرواية، على أن ما في هذه الرواية
خلاف ما في نوازل سحنون من أن القول قول المرتهن إذا كان قيامه عليه بالقرب، ولا
اختلاف بينهم إذا طال الامر أن القول قول الراهن، والقول الأول أظهر من قول سحنون. ولو
لم يقر المرتهن بدفع الرهن للراهن وادعى أنه تلف له أو سقط لكان القول قوله قولا واحدا إذا
كان قيامه عليه بالقرب اه‍. فجعل الخلاف بين سحنون وقول مالك إنما هو فيما إذا أقر
المرتهن بدفع الرهن له وادعى أنه لم يوفه والله أعلم.
630

باب
ص: (المجنون محجور عليه للإفاقة) ش: عقب رحمه الله التفليس بالحجر
تكميلا لبيان أسباب الحجر. والحجر مصدر حجر يحجر. ويحجر بضم الجيم وكسرها.
وهو لغة حصر الانسان والمنع والحرام ومنه قوله تعالى: * (حرث حجر) *
وتثلث حاؤه في المعاني الثلاث. قاله في القاموس. وقرئ بهن في الآية. وتقول الكفار يوم
القيامة إذا رأوا ملائكة العذاب حجرا محجورا أي حراما محرما يظنون أن ذلك ينفعهم كما
يقولونه في الدنيا لم يخافونه في الشهر الحرام. قاله في الصحاح. وذكر أن الكسر في
الحجر بمعنى الحرام أفصح. والحجر مثلث أيضا ما بين يدي الانسان من ثوبه. قاله في
المحكم وحكاه في القاموس بالكسر فقط. والحجر يطلق على العقل كقوله تعالى: * (هل
في ذلك قسم لذي حجر) * وعلى حجر الكعبة المدار بها من الجانب الشمالي.
وكل ما حجرته من حائط فهو حجر، وعلى ديار ثمود بالشام عند وادي القرى قال تعالى:
* (ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين) * وعلى الأنثى من الخيل وقول
العامة حجرة بالهاء لحن. اه‍ بالمعنى من القاموس والصحاح. وهو في الجميع بمعنى المنع
لأن العقل يمنع من الرذائل جميعها، والحائط يمنع من الدخول إليه، وكذا ديار ثمود،
والأنثى تمنع صاحبها من العدو. ويطلق أيضا بالكسر على القرابة وعلى فرج الرجل والمرأة.
قاله في القاموس.
والحجر في الشرع قال في الذخيرة: المنع من التصرف نقله عن التنبيهات. وقال ابن
631

راشد: المنع من التصرف في المال. وقال في التوضيح: منع المالك التصرف في ماله لمنفعة
نفسه أو غيره اه‍. وفي الجميع إجمال يجب اجتنابه في الحدود إذ لم يبين هل هو المنع من
التصرف بالتبرع أو بالمعاوضة، وهل في الكل أو في البعض. وقال ابن عرفة: صفة حكمية
توجب منع موصوفها من نفوذ تصرفه في الزائد على قوته أو تبرعه بماله. قال: وبه دخل
حجر المريض والزوجة اه‍. والظاهر أنهما لا يدخلان لأنه إن أراد بقوله ماله كل ماله لم
يدخل الحجر عليهما في التبرع بما زاد على الثلث وكان دون المال كله، وإن أراد بشئ
من ماله فبين فساده، وإن أراد بما زاد على الثلث فلا قرينة تدل عليه، ويخرج من حده
الحجر على المرهون في تصرفه في الرهن، ومن جنى عبده قبل أن يتحمل بالجناية فإنه
ممنوع من التصرف.
تنبيه: قال ابن عرفة: قال ابن الحاجب وابن شاس: أسبابه سبعة: الصبي والجنون
والتبذير والرق والفلس والمرض والنكاح في الزوجة اه‍. وقدم ابن الحاجب على ابن شاس
لأن ابن شاس هو الذي حصرها في سبعة وهو في النسخة: سبع بإسقاط التاء، والصواب
سبعة بإثباتها لأن المعدود مذكر. ثم قال ابن عرفة: قلت: الحصر استقرائي وهو في الأمور
المذهبية للعالم بالمذهب قطعي لأنه عدة منه لموجود عنده. وتعقب ابن عبد السلام على
ابن الحاجب بأنه ترك سببا ثامنا وهو الردة، وبأنه قدم حكم الفلس على ذكر سببه فإن عد
الفلس في الأسباب بعد أن تكلم على أحكام التفليس. ويرد الأول بأنهم إنما ذكروا الحجر
على المالك فيما يملكه لا فيما لا يملكه، وحجر المرتد ليس من حجر المالك على ما
يملكه لأنه لو مات ما ورث عنه. ولعله تبع القرافي في الذخيرة فإنه قال: أسبابه ثمانية فعد
فيها الردة. وأما قوله: قدم الفلس الخ فلا مدخل له في التعقب لأن قوله: سببه إن أراد ما
هو سبب في الفلس فالحاصل أنه قدم حكم الفلس على ذكر سبب الفلس ولا تعقب في هذا
إلا أن يكون من ترك الأولى، ولا مدخل لهذا في الحجر، وإن أراد ما الفلس سبب له وهو
الحجر فحاصله أنه ذكر حكم الفلس قبل ذكر كونه سببا في الحجر وهذا لا تعقب فيه.
وقوله: الأسباب التي ذكرها ابن الحاجب ستة وهم بل هي سبعة كما صرح به ابن شاس
انتهى. والله أعلم. وتبع الشيخ في التوضيح ابن عبد السلام في الاعتراض بالردة وزاد. هو
الحجر على المرهون فقال: وذكر له المصنف سبعة أسباب، ومفهوم العدد يقتضي الحصر
فيها وينتقض بالحجر على الراهن بحق المرتهن وبالحجر على المرتد اه‍. ويزاد أيضا:
الحجر على من جنى عبده قبل محمله الجناية والله أعلم. وقوله: المجنون محجور عليه
للإفاقة يعني أن المجنون سواء كان ذكرا أو أنثى محجور عليه إلى إفاقته. وظاهره أن
بالإفاقة ينفك عنه الحجر وفي ذلك تفصيل، قال في الذخيرة: ويزول الحجر عن المجنون
بإفاقته إن كان المجنون طارئا بعد البلوغ لأنه كان على الرشد، وإن كان قبل البلوغ فبعد
632

إثبات الرشد اه‍. وكذا لو كان بلغ سفيها ثم جن فلا ينفك بالإفاقة فقط والله أعلم. ويمكن
أن يجاب عن المصنف بأنه إنما تكلم في الحجر الحاصل بسبب الجنون، وذكر أن حده
الإفاقة ولم يتكلم على ما إذا كان هناك سبب آخر والله أعلم. قال الشارح: وسواء كان
الجنون بصرع أو وسواس اه‍. قال في الذخيرة عن اللخمي: فاختلف فيمن يخدع في البيوع
فقيل لا يحجر عليه لقوله (ص) لحبان بن منقذ وكان يخدع في البيوع لضربة أصابته في
رأسه: إذا تباعيت فقل لا خلابة. أخرجه الصحيحان، وقال ابن شعبان: يحجر عليه صونا
لماله كالصبي. قال اللخمي: وأرى إن كان يخدع باليسير أو الكثير إلا أنه لا يخفى عليه
ذلك بعد ويتبين ذلك الغبن له فلا يحجر عليه ويؤمر بالاشتراط كما في الحديث، ويشهد
حين البيع فيستغني بذلك عن الحجر، وإن كان لا يتبين له ذلك ويكثر تكرره فيحجر عليه
ولا ينزع المال من يده إلا أن لا ينزجر عن التجر اه‍. وعبارة اللخمي: وإن كان لا يتبين له
ذلك ويكثر نزول ذلك به أمر بالامساك عن التجر ولم يحجر عليه ولم ينزع المال منه لأن
السلطان لا يفعل بعد الحجر أكثر من إمساكه والانفاق عليه منه وهو أولى بإمساكه ماله، وإن
كان لا ينزجر عن التجر انتزع ذلك منه اه‍. وذكر القرطبي القولين في آخر البقرة وقال: وهما
في المذهب، ثم قوى القول بالحجر وهو الظاهر لدخوله في ضابط من يحجر عليه وهو من
لا يحفظ المال كما سيأتي والله أعلم. قال في الذخيرة: وينفك الحجر عن هذا ويدفع له
ماله إذا علم منه دربة البيع ومعرفة وجوه الخديعة اه‍. وأما المغمى عليه فقال القرطبي في
أوائل سورة النساء: استحسن مالك أن لا يحجر عليه لسرعة زوال ما به اه‍. والله أعلم. ص:
(بثمان عشرة) ش: هذا هو المشهور وهو أحد الأقوال الخمسة. وقال البرزلي في كتاب
الصيام: اختلف في السن، ففي رواية ثمان عشرة، وقيل سبع عشرة، وزاد بعد شراح الرسالة
ستة عشر وتسعة عشر، وروى ابن وهب خمسة عشر لحديث ابن عمر اه‍. وقال القرطبي:
قال أبو عمر بن عبد البر: وهذا فيمن عرف مولده، وأما من جهل مولده وعلم سنه أو جحده
فالعمل فيه على ما روى رافع عن أسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى
أمراء الأجناد أن لا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه الموسى اه‍. فظاهره أنه يقبل قوله
في مقدار سنه وهو بين، وسيأتي في كلام الشيخ زروق عند قول المصنف: وصدق إن لم
يرب أنه يصدق في السن إن ادعى ما يشبه حيث يجهل التاريخ والله أعلم.
633

تنبيه: قال البرزلي في مسائل النكاح: سئل اللخمي عن معنى قوله: علامة البلوغ سبع
عشرة أو ثمان عشرة فأجاب: النسبة إلى السنة بالدخول، ومن أكمل سنة وخرج منها ولو
بيوم لم ينسب إليها. وقد وقع في الأحاديث ما يقتضي النسبة إلى السنة الكاملة لحديث ابن
عمر حين قال: أجازني رسول الله (ص) وأنا ابن أربع عشرة. ص: (أو الحيض أو الحمل)
ش: تصوره ظاهر. قال الشيخ يوسف بن عمر في كتاب الصيام في شرح الرسالة: ولا قائل باعتبار التنهيد في الأنثى اه‍. ص: (أو الانبات) ش: قال ابن العربي: المشهور كون الانبات
علامة اه‍. قال الطرطوشي: والمراد بالانبات الانبات الخشن على المذاكر وما حوله دون
الزغب الضعيف اه‍. من الذخيرة. ونقله ابن عرفة وكذلك الأنثى ص: (وهل إلا في حقه
تعالى تردد) ش: صرح في التوضيح بأن المشهور أنه علامة وظاهره مطلقا، وظاهر كلامه هنا
كذلك لتصويره به ولان العمل عليه وهو ظاهر الأحاديث، ولعله يريد مطلق الانبات الذي
تقدم وصفه فلا يوجد إلا في البالغ والله أعلم.
فرع: قال البرزلي في كتاب الصيام: زاد القرافي في العلامات نتن الإبط. وزاد غيره
فرق الأرنبة من الانف. وبعض المغاربة يأخذ خيطا ويثنيه ويديره برقبته ويجمع طرفيه في
أسنانه، فإن دخل رأسه منه فقد بلغ وإلا فلا. وهذا وإن لم يكن منصوصا فقد رأيت في
كتاب التشريح ما يؤيده ولأنه إذا بلغ الانسان تغلظ حنجرته ويمحل صوته فتغلظ الرقبة
كذلك وجربه كثير من العوام فصدق له اه‍. ص: (وصدق إن لم يرب) ش: قال الشيخ
زروق في شرح الارشاد في باب الحجر: فأما الاحتلام والحيض والحمل فلا خلاف في
كونها علامات ويصدق في الاخبار عنها نفيا أو إثباتا، طالبا كان أو مطلوبا، وكذا عن
الانبات ولا تكشف عورته. وقال ابن العربي: ينظر إليه في المرآة. وأنكره بعضهم ويصدق
في السن إن ادعى ما يشبه حيث يجهل التاريخ انتهى.
فرع: قال البرزلي في مسائل النكاح عن نوازل ابن الحاج: إذا قالت عمة صبية
634

تزوجت ابنة أخي قبل البلوغ وقال وليها زوجتها بعد البلوغ، فإنه ينظر إلى الصبية اثنتان من
النساء، فإن شهدتا أن بها أثر البلوغ مضى نكاحها زاد غيره وأنها أنبتت.
قلت: يحتمل أن يكون هذا على قول سحنون إذا اختلفا في الإصابة، وعلى أصل
المدونة القول قول من ادعى الإصابة إذا كانت خلوة اهتداء وأشار إلى هذا في الطرر،
ويحتمل أن يكون هذا متفقا عليه لأنه راجع إلى الصحة والفساد على القول بأن نكاحها قبل
البلوغ من غير عذر ينتح الفساد وفيه ثلاثة أقوال اه‍. وأظن أن في الكلام نقصا فتأمله، ومنه
أيضا ونزلت مسألة وهي أنه وقع عقد على يتيمة مهملة وشهد الشهود على رضاها واعترافها
بالبلوغ، فلما دخلت أنكرت الزواج وادعت أنها غير بالغ وأنه لم يمسها، فصدقها على عدم
المسيس ورفع أمرها للقاضي فينظرها القوابل، فوجدت كما ذكر من عدم البلوغ فحكم
بفسخ نكاحها بطلاق لكونه لم يستوف شرائط تزويج اليتيمة قبل البلوغ. وسأل القاضي
شيخنا الامام عن لزوم الصداق فأفتى بعدم الصداق لأنهما مغلوبان على الفسخ. ومنه في
مسائل النكاح: وسئل السيوري عن البكر اليتيمة تريد النكاح وتدعي البلوغ، أيقبل قولها أو
تكشف؟ فأجاب: يقبل قولها اه‍. ص: (وللولي رد تصرف مميز وله إن رشد ولو حنث
635

بعد بلوغه أو وقع الموقع) ش: يعني أن الولي سواء كان وصيا أو وصي وصي أو مقدم
القاضي فإنه يرد ما تصرف فيه المميز من بيع وغيره، ويريد المصنف المميز المحجور،
وسواء كان صغيرا أو بالغا سفيها، ولو صرح بذلك فقال: وتصرف مميز محجور لكان
أبين، وهذه اللام يظهر فيها أنها لام الإباحة وأن له الرد وله الامضاء وهو إنما يكون بحسب
ما يرى فيه المصلحة لا بحسب شهوته واختياره. قال في الذخيرة عن الجواهر: ولا
يتصرف الولي إلا ما تقتضيه المصلحة لقوله تعالى: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي
أحسن) * فهو معزول بظاهر النص عن غير التي هي أحسن اه‍. وظاهر كلامه
أن ذلك في جميع التصرفات له الإجازة والرد وليس كذلك، وإنما يكون له الإجازة والرد في
التصرفات المالية التي خرجت عن عوض، وأما التبرعات فيتعين عليه ردها. ولنذكر بعض
كلام أهل المذهب في ذلك ليتضح المقصود. قال ابن رشد في المقدمات في باب المأذون
له في التجارة: لا اختلاف بين مالك وأصحابه أن الصغير الذي لم يبلغ الحلم من الرجال
والمحيض من النساء لا يجوز له في ماله معروف من هبة ولا صدقة ولا عطية ولا عتق وإن
أذن له في ذلك الأب أو الوصي إن كان ذا أب أو وصي، فإن باع أو اشترى أو فعل ما يشبه
البيع والشراء مما يخرج عن عوض ولا يقصد فيه إلى معروف كان موقوفا على نظر وليه،
فإن رآه سدادا أو غبطة أجازه وأنفذه، وإن رآه بخلافه رده وأبطله. وإن لم يكن
ولي قدم له ولي نظر بوجه النظر والاجتهاد وإن غفل عن ذلك حتى ولي أمره كان النظر إليه في إجازة
636

إنفاذ ذلك أو رده. واختلف إذا كان فعله سدادا نظرا مما كان يلزم الولي أن يفعله، هل له
أن يرده وينقضه إن آل الامر إلى خلاف ذلك بحوالة أو نماء فيما باعه أو نقصان فيما ابتاعه
أو ما أشبه ذلك، فالمشهور المعلوم في المذهب أن ذلك له. وقيل: إن ذلك ليس له ويلزمه
ما أفسد أو كسر مما لم يؤتمن عليه. واختلف فيما إذا أفسد وكسر مما ائتمن عليه، ولا
يلزمه بعد بلوغه ورشده عتق ما حلف بحريته وحنث به في حال صغره. واختلف فيما حلف
به في حال صغره وحنث به في حال رشده، فالمشهور أنه لا يلزمه. وقال ابن كنانة: يلزمه
ولا تلزمه يمين فيما ادعى عليه به، واختلف هل يحلف مع شاهده، المشهور أنه لا يحلف
ويحلف المدعى عليه، فإن نكل غرم. ولا يمين على الصبي إذا بلغ وإن حلف برز إلى
البلوغ، فإذا بلغ الصغير حلف وأخذ حقه، فإن نكل لم يكن له شئ ولا يلزم المدعى عليه
يمين ثانية. وقد روي عن مالك والليث أنه يحلف مع شاهده ولا شئ عليه فيما بينه وبين
الله من الحقوق والاحكام لقول رسول الله (ص): رفع القلم عن ثلاث فذكر منهم الصبي
حتى يحتمل اه‍. ثم قال في أواخر كتاب المديان: قد أتينا بحمد الله على ما شرطنا من
بيان الحدود المميزة بين من يجوز وبين من لا يجوز في الأبكار وغيرهن، فنرجع الآن إلى
ذكر القول في أحكام من لا تجوز أفعاله من السفهاء البالغين إذ قد تقدم القول في أحكام
أفعال الصبيان فنذكر من ذلك ما أمكن على شرط الايجاز والاختصار.
اعلم وفقنا الله وإياك أن السفيه البالغ تلزمه جميع حقوق الله التي أوجبها الله على
عباده في بدنه وماله، ويلزمه ما وجب في بدنه من حد أو قصاص، ويلزمه الطلاق كان بيمين
حنث فيها أو بغير يمين وكذلك الظهار، وينظر له وليه فيه بوجه النظر، فإن رأى أن يعتق عنه
ويمسك عليه زوجته فعل، وإن رأى أن لا يعتق عليه وإن آل ذلك إلى الفراق بينهما كان
ذلك له ولا يجزئه الصيام ولا الاطعام إذا كان له من المال ما يحمل العتق. وقال ابن المواز:
إذا لم ير له وليه أن يكفر عنه بالعتق فله هو أيصوم فلا يطلق عليه في مذهب ابن المواز
لأن بعد ضرب أجل الايلاء إن طلبت المرأة ذلك كان له أن يكفر بالصيام، وعلى القول
الأول تطلق عليه من ضرب أجل وهو قول أصبغ. وقال ابن كنانة: لا يعتق عليه وليه إلا في
أول مرة، فإن عاد إلى الظهار لم يعتق عنه لأن المرة الواحدة تأتي على الحليم والسفيه وإلى
ذلك ذهب محمد بن المواز. وأما الايلاء فإن كان دخل عليه بسبب يمين بالطلاق هو فيها
على حنث أو بسبب امتناع يمينه على أن يكفر عنه في الظهار لزمه، وأما إن كان حلف على
ترك الوطئ فينظر إلى يمينه، فإن كانت بعتق أو صدقة أو ما أشبه ذلك مما لا يجوز له فعله
ويحجر عليه في ذلك وليه لم يلزمه به إيلاء، وإن كانت بالله لزمه الايلاء إن لم يكن له مال،
ولم يلزمه إن كان له مال، وإن كانت يمينه بصيام أوجبه على نفسه أو ما أشبه ذلك مما
يلزمه لزمه به الايلاء. وعلى قول محمد يلزمه الايلاء باليمين بالله، وإن لم يكن له مال ولا
637

يلزمه هبة ولا صدقة ولا عطية ولا عتق ولا شئ من المعروف في ماله إلا أن يعتق أم ولده
فيلزمه لأنها كالزوجة ليس فيها إلا الاستمتاع بالوطئ. واختلف في مالها هل يتبعها أم لا على
ثلاثة أقوال: أحدها أنه يتبعها وهو قول مالك في رواية أشهب، والثاني أنه لا يتبعها وهو رواية
يحيى عن ابن القاسم، والثالث التفرقة بين القليل والكثير وأراه قول أصبغ. وقال المغيرة وابن
نافع: لا يلزمه عتقها ولا يجوز عليها بخلاف الطلاق، ولا يجوز إقراره بالدين إلا أن يقربه في
مرضه فيكون في ثلثه. قاله ابن كنانة. واستحسن ذلك أصبغ ما لم يكثر جدا وأن حمله
الثلث. وأما بيعه وشراؤه ونكاحه وما أشبه ذلك مما يجري على عوض ولا يقصد به قصد
المعروف فإنه موقوف على نظر وليه إن كان له ولي، وإن لم يكن له ولي قدم له القاضي
ناظرا له ينظر في ذلك نظر الوصي، فإن لم يفعل حتى ملك أمره كان هو مخيرا في رد ذلك
وإجازته اه‍. ولا تظن أن هذا معارض لما سيأتي في قول المصنف: وتصرفه قبل الحجر
محمول على الإجازة عند مالك لا ابن القاسم لأنه هذا الكلام المذكور هنا إنما هو فيمن
حكم له بأن فعله محمول على عدم الإجازة كما تقدم في أول كلام ابن رشد، وهذا الكلام
إنما هو فيمن حكم له بأن فعله لا يجوز فتأمله والله أعلم. وذكر صاحب الذخيرة كلام
صاحب المقدمات بلفظ: لا يختلف مالك وأصحابه أن الانسان قبل البلوغ محمول على
السفه وإن ظهر رشده، وأن تصرفاته من الصدقات وغيرها من المعروف مردوده وإن أذن فيها
الأب أو الوصي، وتصرف المعاوضة موقوف على إجازة الولي إن رآه مصلحة وإلا رده اه‍.
قال في اللباب: وقسم من أفعاله لا يمضي وإن أجازه الولي وهو العتق والصدقة والهبة اه‍.
تنبيهات: الأول: قول المصنف مميزا احترز به من غير المميز فإنه لا يصح تصرفه
ولو بالمعاوضة كما قال في البيع: شرط عاقده تمييز. وقول الشارح نبه بالمميز على أن غير
المميز أحرى بالرد غير بين في أنه يتعين رد تصرف غير المميز والله أعلم.
الثاني: علم مما تقدم أن تصرف المميز السفيه صغيرا كان أو بالغا كلما كان بغير
عوض فإنه مردود، وما كان بعوض فهو موقوف على إجازة وليه.
الثالث: قوله: وإن رشد عائد إلى السفيه المميز بالغا كان أو غير بالغ فله الرد إذا
رشد. وقوله أو وقع الموقع ظاهر كلام المصنف وكلام ابن رشد المتقدم أن له أن يرده بعد
بلوغه ورشده ولو كان وقع الموقع يوم عقده وصرح به في الشامل فقال: فإن لم يكن له ولي
أو كان ولم يعلم بتصرفه حتى رشد. فالنظر له فيه دون الولي ولو كان سدادا اه‍.
الرابع: قوله: ولو حنث بعد بلوغه لو قال بعد رشده لكان أبين وأوضح، وظاهر
كلامه أن ذلك عام في الصغر والسفه.
الخامس: قال في كتاب المديان من المدونة: ولا يجوز للمولى عليه عتق ولا هبة
638

ولا صدقة ولا بيع ولا يلزمه ذلك بعد بلوغه ورشده إلا أن يجيره الآن، وأنا أستحب إمضاءه
ولا أجبره عليه اه‍. عياض: له راجع للعتق وما أشبهه من الصدقة والهبة لغير ثواب وعلى
الجميع اختصره المختصرون، وأنا أستحب له إمضاء جميع ما فعل وفيه نظر، والصحيح سواه
ولا أستحب له أن يمضي إلا ما كان لله فيه قربة، وأما ما بينه وبين العباد مما لم يقصد به
القربة فأي استحباب في هذا؟ وهكذا جاء منصوصا عليه في سماع أشهب على ما تأولناه.
الشيخ أبو الحسن: وقد يكون فيه قربة بإسعاف أخيه المسلم بإمضاء عقدته لغبطة بها كما
يكون قربة في الإقالة والتولية. اه‍ من أبي الحسن. وظاهر ما تقدم من كلام المدونة وكلام
المقدمات أن المولى عليه لا يلزمه ما حلف به في حال سفهه ولو لم يرده من ولي عليه
حتى رشد، وهو الذي وقع في آخر أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، وقال
ابن رشد: هو الأظهر خلاف ما وقع في سماع المحرم من سماع ابن القاسم من النذور أنه
يلزمه. قال ابن رشد: وهذا الاختلاف إنما هو إذا لم يرد الولي على المولى حتى ملك أمره،
وكلام المدونة هنا وكلام المقدمات يرجح ما قاله ابن رشد أنه الأظهر والله أعلم.
السادس: قال في المقدمات بعد قوله المتقدم في السفه: فإن لم يفعل حتى ملك أمره
كان هو مخيرا في إجازة ذلك أو رده، فإن رد بيعه أو ابتياعه وكان قد أتلف الثمن الذي باع
به أو السلعة التي ابتاعها لم يتبع ماله بشئ من ذلك اه‍.
السابع: قال فيها أيضا واختلف إذا كانت أمة فأولدها فقيل: إن ذلك فوت ولا يرد،
وقيل إن ذلك ليس بفوت كالعتق ويرد ولا يكون عليه من قيمة الولد شئ اه‍.
الثامن: قال فيها أيضا: واختلف إذا كان أنفق الثمن فيما لا بدله منه مما يلزمه إقامته،
هل يتبع ماله بذلك أم لا على قولين اه‍. وقال ابن عرفة بعد ذكر هذين القولين: قلت: الذي
في أحكام ابن سهل للأخوين وغيرهما ولابن فتوح اتباعه اه‍. فترجح القول بالاتباع إذا كانت
النفقة في مصالحه. وقال في نوازل أصبغ في كتاب المديان والتفليس: يتحصل فيما باع
اليتيم دون إذن وصيه أو الصغير من عقاره وأصوله بوجه السداد في نفقته التي لا بد له منها
إذا كان لا شئ له غير الذي باع، أو كان ذلك ما باعه من أصوله ثلاثة أقوال: أحدها: أن
البيع يرد على كل حال ولا يتبع بالثمن وهو قول ابن القاسم وأضعف الأقوال. والثاني: أن
البيع يرد إن رأى ذلك الوصي ولا يبطل الثمن عن اليتيم ويؤخذ من ماله وهو قول أصبغ.
والثالث: أن البيع يمضي ولا يرد إلا أن يكون باع بأقل من القيمة أو باع ما غيره أحق بالبيع
في نفقته، فلا يختلف أن البيع يرد وإن لم يبطل الثمن عن اليتيم لادخاله إياه فيما لا بد له
منه. وأما إذا بلغ اليتيم وأنفق في شهواته التي يستغنى عنها فلا اختلاف في أنه يرد البيع ولا
يتبع بشئ من الثمن، كان الذي باع من ماله كثيرا أو يسيرا أصلا أو عرضا اه‍. وقال قبل أن
639

يحصل الأقوال: إن القول الثاني أعني قول أصبغ هو قول ابن كنانة واختاره عيسى بن دينار
قال: وهو الحق الذي لا ينبغي غيره إن شاء الله تعالى فيكون القول بالاتباع هو الراجح، لأن
الأول صرح بأنه أضعف الأقوال والثالث لم يعزه وضعفه ظاهر، وترجح أيضا بتصدير ابن رشد
به في المقدمات وترجيح ابن عرفة له أيضا كما تقدم في كلاهما. وصرح المتيطي فيما نقله
عنه ابن عرفة في أول كتاب البيع بأن المحجور إذا أفات الثمن وقامت بينة على أنه أنفقه في
مصالحه، فالمشهور أخذه من ماله ونصه: ولو أفاته وشهدت بينة أنه أنفقه في مصالحه ففي
أخذه من ماله للمشهور. ونقل يحيى بن إسحاق عن ابن القاسم اه‍. وقال عنه أيضا فيما إذا
لم يفوته: فإن قامت بينة وكان يعرف بعينه أخذه وإن لم يعرف بعينه فيشترك عدم مفارقة
البينة له. قال: وإقرار السفيه بتعيينه لغو اه‍. وقول ابن رشد أو الكلام: اليتيم أو الصغير يريد
وكذلك البالغ السفيه وفرض المسألة التي ذكر ذلك في شرحها في البكر السفيهة والله
أعلم.
التاسع: قال الرجراجي في كتاب المأذون: ولا خلاف أنه لا يتبع بالثمن في ذمته اه‍.
العاشر: قال فيها أيضا: وإن كان الذي اشترى منه المشتري أمة فأولدها أو أعتقها، أو
غنما فتناسلت، أو بقعة فبناها، أو شيئا له غلة فاغتله، كان حكمه في جميع ذلك حكم من
اشترى من مالك فيما يرى فاستحق من يده ما اشترى بعد أن أحدث فيها ما ذكرت يرد إلى
المولى عليه الأمة التي أعتقت وينتقض العتق فيها وتأخذ الأمة التي ولدت منه وقيمة الولد
على الاختلاف المعلوم في ذلك وإن كان الولد من غيره بتزويج أحدهم مع الام، وكذلك
يأخذ الغنم ونسلها وكان له فيما بناه قيمة بنائه قائما وكانت الغلة التي اغتل له بالضمان.
هذا كله إن كان لم يعلم بأنه مولى عليه ولا يجوز بيعه، وأما إن علم أنه مولى عليه متعد
في البيع بغير إذن وليه لسفه يقصده فحكمه حكم الغاصب يرد الغلة وكان له قيمة بنائه
مقلوعا اه‍. فعلم من هذا أن بيع المولى عليه حكمه ما تقدم ولو لم يكن المشتري عالما
بذلك والله أعلم.
الحادي عشر: قال في البيان إثر الكلام المتقدم: وهو محمول فيما باع وقبض من
الثمن أنه إن أنفقه فيما له منه بد حتى يثبت أنه أنفقه فيما ليس له منه بد اه‍.
الثاني عشر: قال في التلقين: من استدان من المحجور عليه دينا بغير إذن وليه ثم فك
حجره لم يلزمه ذلك فيمن حجر عليه لحق نفسه كالسفيه والصغير، ولزم فيمن حجر عليه
لحق غيره كالعبد يعتق إلا أن يفسخه عنه السيد قبل عتقه اه‍. وقال في نوازل سحنون من
كتاب المديان: إذا أولد السفيه جارية ابتاعها بثمن استسلفه أو بثمن سلعة ابتاعها، فلا
اختلاف أنه لا سبيل للذي أسلفه أو باعه عليها لأنها وإن كانت من أموالها فليست عين
640

أموالهما. وأما إذا أولد الأمة التي اشتراها فقيل إنه فوت لا سبيل للذي باعه إياها لأنه هو
الذي سلطه عليها، وهذا استحسان والقول الأول هو القياس انتهى. والقول الأول هو قول
أصبغ أرى أن ترد الأمة إلى بائعها ويرد البائع الثمن كله على السفيه ويكون الولد ولده ولا
يكون عليه من قيمتهما شئ انتهى. قال ابن عرفة عن اللخمي بعد ذكره القولين أن هذا
القول بين.
الثالث عشر: قال البرزلي في أوائل النكاح: إذا كان المحجور يبيع ويشتري ويأخذ
ويعطي برضا حاجره وسكوته، فيحمل على أنه هو الذي فعل. بذلك أفتى شيخنا الامام ووقع
الحكم بذلك بتونس انتهى. وذكرها في مسائل المحجور.
الخامس عشر: قال في كتاب الدعوى والانكار: وإن اشترى عبد أو يتيم سلعة أو
باعها فأراد السيد أو الوصي فسخ ذلك فذلك لهما، فإن أراد المشتري منهما أو البائع أن
يحلف السيد أو الوصي ما أذنا له في ذلك فليس له ذلك انتهى. ونقله ابن فرحون في فصل
الدعاوى التي لا توجد اليمين.
السادس عشر: إذا أفسد الصبي مالا لغيره لم يؤتمن عليه وجب على وليه إخراج
الجابر من مال الصبي، فإذا بلغ الصبي ولم تكن القيمة أخذت من ماله وجب عليه إخراجها
من ماله بعد بلوغه. نقله القرافي في الفرق السادس والعشرين. وقد تقدم في النكاح في وثائق
الجزيري في مسألة نكاح الصبي والسفيه والعبد وإن كان ينظر في ذلك الأب والوصي
والسيد. انظر ابن سلمون في فصل نكاح المحجور بغير إذن وليه فإنه ذكر في ذلك خلافا
عن ابن القاسم عن الأبهري، ونقله صاحب الطرر في ترجمة فسخ الولي نكاح يتيمه من
الجزء الثاني في ترجمة تسجيل القاضي بولاية على من ثبت سفهه من الجزء التاسع، ويأتي
في كتاب الأقضية حكم الدعوى على المحجور، هل تسمع أم لا؟ وفي باب العتق شئ من
الكلام على الصغير والسفيه والله أعلم. ص: (إلى حفظ مال ذي الأب بعده) ش: هذا حد
الرشد الذي لا يحجر على صاحبه باتفاق، واختلف في الذي يخرج به من الحجر هل هو
ذلك أيضا ويزاد فيه اشتراط حسن التنمية؟ ذكر المازري في ذلك قولين: وظاهر كلام
المؤلف في التوضيح ترجيح عدم اشتراط الشرط الثاني وهو ظاهر كلامه هنا، وظاهر المدونة
اشتراط الشرط الثاني ولا يشترط في الرشيد أن يكون عدلا. قال في المتيطية في فصر
641

الولايات والمحجور: وإذا كان اليتيم فاسقا مبرزا وكان مع هذا ناظرا في ماله ضابطا له
وجب إطلاقه من الولاية، وإن كان من أهل الدين والصلاح ولم يكن ناظرا في ماله لم يجب
إطلاقه من الولاية انتهى. قال في المدونة: وصفة من يحجر عليه من الأحرار إن كان يبذر
ماله سرفا في لذاته من الشراب والفسق وغيره ويسقط فيه سقوط من لم يعد المال شيئا، وأما
من أحرز المال وأنماه وهو فاسق في حاله غير مبذر لماله. فلا يحجر عليه، وإن كان له مال
عند وصي قبضه ويحجر على البالغ السفيه ماله وإن كان شيخا ولا يتولى الحجر إلا القاضي.
قيل: وصاحب الشرطة. قال: القاضي أحب إلي، ومن أراد أن يحجر على ولده أتى الامام
ليحجر عليه. ويشهر ذلك في الجامع والأسواق ويشهد على ذلك، فمن باعه أو ابتاع منه
بعد ذلك فهو مردود. انتهى من كتاب المديان. وقال عياض: وقوله أحب للوجوب وقد قال
شيخنا: إن الحجر مما يختص به القضاة دون سائر الحكام لأنه أمر مختلف فيه فيحتاج إلى
نظر واجتهاد انتهى. والسفه ضده فهو عدم حفظ المال في اللذات المحرمة. وقد قال ابن
عبد السلام وغيره: هو ظاهر المذهب ثم ذكر لفظ المدونة. وقال قوله وغيره يفيد ذلك والله
أعلم. ومعنى قول المصنف: إلى حفظ مال ذي الأب بعده أن الصبي لا يخرج من الحجر
ببلوغه بل هو محجور عليه إلى ظهور رشده. قال في التوضيح: ولا خلاف أنه لا يخرج من
الحجر قبل بلوغه وإن ظهر رشده، فإذا بلغ فإما أن يكون أبوه حجر عليه وأشهد بذلك أم لا،
أما إن حجر عليه فحكمه كمن لزمته الولاية، وإن لم يحجر عليه فإن علم رشده أو سفهه
عمل عليه، وإن جهل فالمشهور أنه محمول على السفه. وروى زياد بن غانم عن مالك أنه
محمول على الرشد انتهى. وقال ابن رشد في شرح آخر مسألة من الرسم الأول من سماع
ابن القاسم من كتاب العتق: واختلف هل الولد محمول في حياة أبيه على الرشد أو السفه؟
والمشهور أنه محمول على السفه حتى يعلم رشده انتهى. ص: (وفك وصي أو مقدم) ش:
قال ابن الفرس في أحكام القرآن: واختلف في الوصي من قبل الأب أو القاضي، هل له فك
642

الحجر دون القاضي؟ انتهى. وقال في وثائق الفشتالي: وإذا أراد الوصي أو الأب إطلاق هذا
المحجور من الولاية كان له ذلك ويعقد في ذلك لما تبين لفلان ابن فلان الفلاني رشد
محجوره، أو ولده فلان الذي في ولايته وحسن نظره لنفسه وضبطه لماله، أطلقه من حكم
الولاية ورشده لرشده وملكه أمر نفسه وماله على العموم والاطلاق والشمول والاستغراق، ولم
تبق عليه ولاية وقبل ذلك من ترشيده المرشد المذكور قبولا تاما واعترف برشده، وأنه
بالأحوال الموصوفة شهد على أحوال المرشد والمرشد المذكورين بما فيه عنهما في صحة
وجواز وطوع من المرشد مطلقا ومن المرشد من الآن وعرفهما وفي كذا، وإن ضمن الشهود
معرفة رشد المحجور كان أتم وإن سقط من العقد لم يضره. وقول الأب أو الوصي مقبول
في ذلك فإن سقط ذكر ذلك وباع ماله وأفسده وقامت البينة أنه لم يزل سفيها قد بلغ إلى
وقتهم هذا لزمته الولاية أو إن طلب ترشيد نفسه كلفه القاضي إثبات رشده. قال: فإذا ثبت
ذلك أعذر للأب ورد فعله وعزل القاضي الوصي وجعل غيره عليه ولم يضمن الوصي شيئا
643

مما أتلفه لأنه فعله باجتهاده والوصي أو المقدم فإن لم يكن مدفع أشهدت عليه بذلك. وإن
ادعى خلاف الحالة المذكورة كلف إقامة البينة، فإن أثبت ذلك أعذر فيه المشهود فيه، فإن
وافق فلا إشكال، وإن نازع فيه وعجز عن المدفع فيه من تجريح أو غيره كانت شهادة من
شهد بالسفه أعمل. وقال بعض الموثقين: ينظر إلى أعدل البينتين، فإذا حكم الحاكم وقام
بعد ذلك وادعى أنه لم يزل سفيها هل يمضي أفعاله لأن القاضي حكم بترشيده ولا سيما إن
كانت بينة الترشيد أعدل فيكون قد وافق نقل قائل من أهل العلم، أو يرد ذلك إن كانت بينة
السفه أعمل لأنه حكم بخطأ فتأمله. وانظر أجوبة ابن رشد انتهى. ويشير بذلك لقول ابن رشد
في باب الوصايا في مسألة من أوصى به أبوه إلى أمه فتوفيت ولم توص به إلى أحد، فتزوج
ومات قبل البناء أن في ميراث زوجته وصداقها ثلاثة أقوال: أحدها لا ميراث لها ولا صداق.
الثاني لها الميراث والصداق. الثالث لها الميراث فقط. وأما الصداق فينظر، فإن كان نكاحه
بحيث لو كان له ولي أو اطلع عليه لم يفسخه كان لها الصداق أيضا، وإن كان غير ذلك لم
يكن لها الصداق، وأما إن كان نكاحه بعد أن ثبت عند القاضي رشده فقضى بترشيده فالنكاح
ماض ولها الصداق والميراث قولا واحدا، والحكم نافذ لا يرد بشهادة من شهد أنه لم يزل
644

متصل السفه وإن كانوا أعدل من الشهود الذين قضى القاضي بشهادتهم إذ قد فات موضع
الترجيح بين الشهود وبنفوذ الحكم فإنما توجب شهادتهم الحكم بتسفيهه وتكون أفعاله من
يوم حكم بترشيده إلى يوم حكم بتسفيهه جائزة ماضية انتهى. ص: (وتصرفه قبل الحجر
محمول على الإجازة عند مالك لا ابن القاسم وعليهما العكس في تصرفه إذا رشد بعده
وزيد في الأنثى دخول زوج وشهادة العدول على صلاح حالها) ش: الضمير عائد على
السفيه البالغ الذي لا حجر عليه وهو السفيه المهمل الذي لا أب له ولا وصي ولا مقدم من
قبل القاضي. وما عزاه لمالك قال في المقدمات: هو المشهور من قول مالك وكبراء
أصحابه. والقول الثاني هو المشهور من قول ابن القاسم وفي المسألة قولان آخران سيأتي
ذكرهما في كلام ابن رشد في المقدمات. وعلم من كون الضمير عائدا على السفيه البالغ
الذي لا حجر عليه أن مجهول الحال لا ترد أفعاله وهو كذلك. قال في التوضيح
والمقدمات: اتفاقا وإن الخلاف إنما هو في البالغ السفيه المهمل الذكر، وأما من كان دون
البلوغ فأفعاله مردودة ذكرا كان أو أنثى. قاله في المقدمات في كتاب المأذون له في
645

التجارة. وأما الأنثى المهملة السفيهة فلم يتعرض لها في هذا المختصر، ولم يذكر أيضا
بماذا تخرج من الحجر. وذكر في المقدمات في ذلك قولين: أحدهما أن أفعالها جائزة وهو
قول سحنون في العتبية وقول غير ابن القاسم في المدونة ورواية زياد عن مالك. والثاني أن
أفعالها مردودة ما لم تعنس أو تتزوج ويدخل بها زوجها وتقيم معه مدة يحمل أمرها فيها
على الرشد. قيل: أقصاها العام وهو قول ابن الماجشون. وقيل: ثلاثة: وقال ابن أبي زمنين:
الذي أدركت عليه العمل لا يجوز فعلها حتى يمر بها في بيت زوجها مثل السنتين والثلاث
انتهى. ونقله في التوضيح فعلم من هذا أن أفعالها مردودة قبل هذا. وانظر هل هي داخلة في
قول المؤلف وزيد في الأنثى دخول زوج الخ ويكون المؤلف مشى على القول الثاني
ويكون قوله شهادة العدول على صلاح حالها في هذه بأن تقيم مدة يحمل أمرها فيها على
الرشد، أو نقول ليست داخلة وكلام المؤلف خاص بذات الأب أو الوصي وأما المهملة
فحكمها ما تقدم؟ والظاهر أنها غير داخلة والمشهور فيها مختلف على ما ذكر في البيان،
ويظهر ذلك من كلامه فإنه ذكر في كل واحدة من ذات الأب والمهملة سبعة أقوال، وذكر
المشهور في كل واحدة. ونصه في شرح المسألة السادسة من سماع سحنون من كتاب
المديان والتفليس: وقد اختلف في هاتين اختلافا كثيرا فقيل في ذات الأب: إنها تخرج
بالحيض من ولاية أبيها، وقيل: إنها لا تخرج بها حتى تتزوج ويمر بها عام ونحوه بعد
الدخول، وقيل: عامان، وقيل سبعة. وقيل لا تخرج وإن طالت إقامتها مع زوجها حتى يشهد
العدول على صلاح حالها، وقيل: تخرج بالتعنيس وإن لم يدخل بها زوجها.
واختلف في حد تعنيسها فقيل: أربعون، وقيل: من خمسين إلى ستين، وقيل: أفعالها
جائزة بعد التعنيس إذا أجازها الولي، فهذه سبعة أقوال. وقيل: في اليتيمة المهملة إن أفعالها
بعد البلوغ جائزة، وقيل: لا تجوز حتى يمر بها بعد الدخول العام ونحوه أو العامان
ونحوهما، وقيل: الثلاثة الأعوام ونحوها، وقيل: حتى تدخل ويشهد العدول على صلاح
حالها، وقيل إذا عنست وإن لم تتزوج، واختلف في هذه من الثلاثين سنة ومما دون الثلاثين
إلى الخمسين والستين وهو انقطاع الحيض فهذه ستة أقوال. ويتخرج فيها قول سابع وهو أن
تجوز أفعالها بمرور سبعة أعوام من دخولها. والمشهور في البكر ذات الأب أنها لا تخرج من
ولاية أبيها انتهى. ولا تجوز أفعالها وإن تزوجت حتى يشهد العدول على صلاح أمرها.
والذي جرى به العمل عندنا أن تكون أفعالها جائزة إذا مرت بها سبعة أعوام من دخول زوجها
بها على رواية منسوبة لابن القاسم، والمشهور في البكر اليتيمة المهملة أن تكون أفعالها
جائزة إذا عنست ومضى لدخول زوجها بها العام، وهو الذي جرى به العمل. فإن عنست في
بيت زوجها جازت أفعالها باتفاق إذا علم رشدها أو جهل حالها، وردت إن علم سفهها. هذا
الذي أعتقده في هذه المسألة على منهاج قولهم انتهى. وعلم من قوله: جازت أفعالها باتفاق
646

إذا علم رشدها أو جهل حالها إن معنى قوله: والمشهور في المهملة أن أفعالها جائزة إذا
عنست أو مضى لدخول زوجها بها العام أن ذلك إذا لم يعلم سفهها، والأقوال التي تقدمت
في ذات الأب جميعها إذا لم يعلم سفهها، وأما إن علم سفهها فأفعالها مردودة. هكذا قيد
جميعها في المقدمات في كتاب المأذون له. وكذلك المهملة إذا علم سفهها فلا تجوز
أفعالها إلا قول سحنون وهو شاذ كما سيأتي في كلام ابن رشد بخلاف الذكر إذا علم سفهه
وكان مهملا فإن أفعاله جائزة عند جميع أصحاب مالك إلا ابن القاسم.
قال ابن رشد في المسألة التي بعد المسألة المتقدمة: وأما البكر المهملة دون أب ولا
وصي، فالمشهور أن خلعها لا يجوز ولا شئ من أفعالها، وهو نص قول أصبغ في نوازله من
هذا الكتاب ومن كتاب التخيير والتمليك. وذهب سحنون هنا إلى أن خلعها يجوز وكذلك
سائر أفعالها قياسا على السفيه اليتيم الذي لا وصي له فعلى قوله تجوز أفعالها وإن كانت
سفيهة معلومة السفه وهو شذوذ من قوله لم يتابعه عليه أحد من أصحاب مالك. وأجمع
أصحاب مالك كلهم غير ابن القاسم على أن أفعال السفيه إذا لم يكن في ولايته جائزة، وقد
روى ابن وهب عن مالك أن أفعاله لا تجوز مثل قول ابن القاسم انتهى. وقد حكى في
المقدمات في اليتيم المهمل أربعة أقوال: أحدها قول مالك وكبراء أصحابه أن أفعاله كلها
بعد البلوغ جائزة نافذة، رشيدا كان أو سفيها، معلنا بالسفه أو غير معلن به، اتصل سفهه من
حين بلوغه أو سفه بعد أن أنس منه الرشد من غير تفصيل. الثاني لمطرف وابن الماجشون
وإن كان متصل السفه فلا يجوز وإلا جازت ولزمته ما لم يكن بيعه بيع سفه وخديعة مثل أن
يبيع ما بألف بمائة فلا يجوز ولا يتبع بالثمن إن أفسده من غير تفصيل بين معلن السفه
وغيره. والثالث لأصبغ إن كان معلنا فلا تجوز وإن لم يعلن جازت، اتصل سفهه أم لا؟
وذهب ابن القاسم وهو القول الرابع إلى أنه ينظر يوم بيعه إن كان رشيدا جازت أفعاله، وإن
كان سفيها لم تجز، وليس في كلامه في المقدمات مخالفة لقوله في البيان: أجمع مالك
وأصحابه غير ابن القاسم لأن الخلاف الذي ذكره عن هؤلاء الثلاثة مطرف وابن الماجشون
وأصبغ إنما هو في بعض أحوال السفه فتأمله والله أعلم. وأما اليتيمة ذات الوصي من أبيها
ومقدم من قبل القاضي فقال في المقدمات: لا تخرج من الولاية وإن عنست أو تزوجت
ودخل بها زوجها وطال زمانها وحسنت حالتها ما لم تطلق من ثقاف الحجر الذي لزمها بما
يصح إطلاقها منه، وقد بينا ذلك قبل هذا وهذا هو المشهور في المذهب المعمول به، وقد
تقدم من قول ابن الماجشون أن حالها مع الوصي كالأب في خروجها بالتعنيس أو النكاح
يريد مع طول المدة وتبين الرشد وهي رواية مطرف وابن عبد الحكم وعبد الرحيم عن مالك
انتهى. وهذا يفهم من كلام المصنف لأنه قال في الذكر: إذا كان ذا أب فيخرج بالبلوغ مع
حفظ المال، وإن كان بوصي أو مقدم فيخرج بالبلوغ مع حفظ المال. والبلوغ دخول زوج
647

بها وشهادة العدول على صلاح حالها أن يطلقها الأب قبل ذلك، وذات الوصي والمقدم يراد
لها مع البلوغ وحفظ المال وفك الوصي أو المقدم دخول زوج وشهادة العدول على صلاح
حالها، ولهما أن يطلقاها قبل ذلك على الخلاف والله أعلم.
فرع: إذا مات الوصي وتصرف السفيه بعد موته فالذي جرى به العمل أن تصرفه حينئذ
كتصرفه قبل موته إلا أن يعرف فيه وجه الصواب. ذكره البرزلي في مسائل الوصايا وفي
مسائل المحجور وفي مسائل النكاح. ص: (ولو جدد أبوها حجرا على الأرجح) ش:
كلام ابن غازي في التنبيه على قول المازري على الأرجح كاف في ذلك. ومثله لو أوصى
عليها بعد دخولها وقبل ظهور المرسل ثم تأخر موته حتى ظهر رشدها. انظر المقدمات وفيها
648

خلاف حكاه في المقدمات في كتاب المأذون ونقله عنه في الطرر. ص: (وفي مقدم
القاضي خلاف) ش: مشى في المتيطية على أنه لا يضر عدم العلم برشدها قال: ولو سقط
هذا الفصل يعني ذكر من يعرف رشد اليتيمة لنفذ إطلاق وكيل القاضي ومؤامرته أحسن كان
الذي قدمه أو غيره بعده. اه‍. من فصول المحجور. ص: (وله البيع مطلقا وإن لم يذكر
سببه) ش: يعني أن الأب له أن يبيع على ولده المحجور الربع وغيره لاحد الوجوه المذكورة
بعد أو غيرها. وقاله ابن عبد السلام وغيره. قال في التوضيح: ولو باع من نفسه ولم يذكر أنه
باع لولده فالبيع ماض ولا اعتراض فيه للابن إذا رشد. قاله ابن رشد في الواضحة والثمانية
فإن باع لمنفعة نفسه فسخ اه‍. وقال في الشامل: وحمل في بيعه وشرائه أنه على النظر حتى
يثبت غيره إلا فيما يشتريه له من مال نفسه فالعكس، ولو باع من نفسه ولم يقل لولدي فلا
مقال للولد. ابن رشد: إلا أن يكون باع لمصلحة نفسه على الأصح اه‍. وقال في النوادر في
ترجمة ما يفعله الأب في مال ولده من كتاب التفليس والمأذون والمولى عليهم ما نصه: قال
ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: وما باع الأب أو رهن من متاع ولده لنفسه فهو
مردود وإن عرف أنه فعله لنفسه ولأنه قد يفعله لولده، وإن لم يعرف فهو على أنه فعله لولده
حتى يعلم أنه فعله لنفسه لدين عليه أو غيره وهذا في عدمه، وأما وهو ملئ فذلك ماض
ويضمن الثمن. قال: وما اشترى لنفسه من رقيقهم وعقارهم فذلك نافذ إلا بالنجس البين فيرد
649

كله، ومتى قارب الأثمان مضى، وما باعه من مال ولده الصغير محابي فيه فإن صغرت
المحاباة مضى وكان في مال الأب كالعطية، وما عظم رد كله. ثم قال بعد ذكره
عتقه: وأصبغ يجيز هذا كله من فعل الأب من هبته وبيعه وعتقه وأصدقه النساء، مليا كان أو
معدما، قائما كان أو فائتا، طال أمد العقد أو لم يطل، بنى بالمرأة أو لم يبن، كان البيع له أو
لنفسه، فهذا كله نافذ ويلزم الأب قيمة ذلك لبنيه في ماله وذمته إلا أن يكون السلطان تقدم
إليه في ذلك ونهاه عنه، فلا يجوز بعد ذلك فعله في شئ من ذلك، وبالأول قال ابن حبيب
اه‍. وانظر النوادر أيضا في كتاب النكاح والعتق. وقال في مختصر الواضحة:
قال ابن حبيب: قال لي مطرف وابن الماجشون: يمنع الرجل أن يقضي في مال ولده الصغير إلا بالنظر له
والتنمي في ماله والتوفير عليه، فإذا تصرف فيه بشئ نظر فيه بعد الوقوع، فما أعطى من مال
ولده الصغير ومتاعه ورقيقه وعقاره فسائغ للمعطى وعلى الأب قيمته في ماله عوضا مما
أعطى، شرط الأب العوض يوم أعطى أو لم يشترط، وذلك إذا كان الأب موسرا يوم أعطى أو
معسرا ثم أيسر فلا سبيل للولي إلى المعطى إلا أن يكون الأب قد أعسر من بعد يسره فلم
يجد عنده شيئا فإن الابن يرجع على المعطى بسببه ذلك إن كان قائما، أو قيمته إن فات
عنده بسبب كعتق أو إيلاد أو بلي الثوب أو تغير الطعام أو بيع ويأكل الثمن، ويرجع بذلك
المعطى على الأب ويتبعه به لأنه أعطاه كان جائزا له إذا كان ذا مال، ولما أيسر صار ضامنا
لقيمته لولده فساغت للمعطى. قال: وما كان من فواته من أمر من السماء وما أشبهه فإنه لا
يضمن قال: وإن كان الأب يوم أعطى معسرا فذلك غير جائز، شرط الأب العوض أو لم
يشترطه. فإن أدرك ذلك قائما في يد المعطى وكان الأب متصل العدم رد، وإن فات أخذ
قيمته من المعطى ولم يكن له رجوع على الأب لأنه أعطاه ما لم يكن له إعطاؤه حين كان
معسرا وكان بمنزلة ما أعطى من مال غير ولده ثم أخذ ذلك من المعطى فإنه لا يرجع به
على المعطى. قالا: وما باع الرجل أو رهن من مال ولده فإن جهل أن يكون فعل ذلك لنفسه
أو ولده فهو ماض لأنه يلي ولده وينفق عليهم من مالهم إن شاء ويرهن لهم ويبيع لهم فذلك
جائز حتى يعلم أنه إنما فعل ذلك لنفسه وفي منفعته بخاص أو لدين كأن عليه قديما قبل
أن يصير لولده ذلك المال وما أشبه هذا فيرد. وذلك إن كان الأب معسرا، فأما إن كان ذا
مال أو كان له وفاء بثمن ما باع فبيعه ماض بمنزلة ما لو أعطى فيما فسرت ذلك. ثم قال:
وكذلك ما أصدق النساء من رقيق ولده الصغير أو غير ذلك من متاعه فإن كان موسرا فهو
ماض وهو ضامن للقيمة في ماله، وإن كان معسرا فقال مالك: ترد للولد ما لم يبن الأب بها
فيمضي وإن كان قائما ثم قال: وقد روي عن أبي جعفر عن أشهب أنه سئل عن رجل تزوج
بمال ولده أو أعتق أو وهب أو باع قال: إن كان موسرا يوم فعل ذلك جاز، وإن كان معسرا
لم يجز وأخذ الابن ماله كله كان الابن صغيرا أو كبيرا قال رسول الله (ص): أنت ومالك
650

لأبيك قال عبد الملك بن حبيب: وقد سمعت أصبغ يجيز ذلك كله من فعل الأب بيعه
وعتقه وهبته وإصداق النساء موسرا كان أو معسرا، قائما ذلك كله أو فائتا، طال أمد البعد أم
لم يطل، بني بالمرأة أو لم يبن، كان البيع لنفسه أو لولده، فذلك كله عنده ماض ويلزم الأب
قيمة ذلك في ماله وذمته. وكذلك قال ابن القاسم إذا أصدق المرأة من مال ولده الصغير إلا
أن يكون السلطان تقدم إليه في ذلك ونهاه عنه، فلا يجوز شئ من قضائه فيه بعد ذلك. قال
عبد الملك: ولا أقول به وقولي فيه على قول مطرف وابن الماجشون وقد رجع أصبغ عن
بيعه لنفسه ولم يجزه ورده مثل قولهما. قال عبد الملك: واجتمعوا إذا كان السلطان تقدم
إلى الأب أن لا يصدق من مال ابنه الصغير امرأة ثم إن فعل فلا تمضي ذلك على الولد
ويكون أحق بشيئه من المرأة، بنى بها أبوه أو لم يبن، موسرا كان أو معسرا، علمته المرأة أو
جهلته، وهذا مجتمع عليه من قول مالك وأصحابه اه‍ وقال ابن رشد في رسم استأذن من
سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات: وحكم ما باعه الأب من مال ولده الصغير في
مصلحة نفسه أو حابى فيه حكم ما باعه أو تصدق به ويفسخ في القيام ويكون الحكم فيه
في الفوات حكم ما ذكرته اه‍. والمسألة مطولة فيه. وفي كتاب النكاح من البيان وفي رسم
الجواز من سماع عيسى وسماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس: وقال ابن سلمون: فإن
باع ملك ابنه ولم يذكر أنه باع على ابنه فالبيع ماض على الابن وإن لم يذكر ذلك في
الوثيقة لأنه هو المتولي لأموره والناظر له، وكذلك الكراء إذا قال أكريت ولم يقل على ابني
اه‍. وقال في كتاب الحجر من الذخيرة: ومن باع أو رهن من متاع ولده لنفسه فهو مردود
وإن عرف أنه فعله لنفسه، وإن جهل هل لنفسه أو لولده لا يرد لامكان صحة التصرف. وهذا
في عدمه، وأما في ملائه فيمضي ويضمن الثمن فيما باع لصحة التصرف بحسب الامكان
اه‍. وقال الجزيري في وثائقه: وإن لم يذكر الأب أنه باع على ابنه أو لنفسه والملك للابن
مضى البيع على الابن وكذلك الكراء. قال ابن الماجشون: إلا أن يتبين أنه باع لنفسه بخاص
فيرد. ويجوز بيع الأب العديم مال ابنه إن كان تافها، وإن كان غبيطا باع منه بمقدار ما
يكفيه مدة لا تكون طائلة إذ قد يوسر الأب، ولم يحدوا المدة إذ هي مصروفة إلى الاجتهاد
بحسب ما يقتضيه حال الأب ويفترق حكم من يرجى له ممن لا يرجى. ويعقد في العقد أنه
باع عليه كذا لينفق من الثمن على نفسه ويقيد بعد جواز أمر من يعرف عدم الأب وأنه لا
مال له ظاهرا ولا باطنا في علمه والسداد في البيع وصغر الابن. وإن باع بإذن القاضي كان
أبعد من التهمة ذكر كيفية كتابة ذلك. وقول المؤلف: وله البيع مطلقا ظاهره ولو من نفسه
وهو كذلك كما تقدم في كلام النوادر وهو قوله: وما اشترى لنفسه من رقيقهم وعقارهم
فذلك نافذ إلا بالبخس البين فيرد كله وما قارب الأثمان مضى اه‍. وقال ابن سلمون: وله أن
يشتري مال ابنه لنفسه ولا اعتراض عليه في شئ من ذلك، عقارا كان المال أو سواه، إلا أن
651

يثبت سوء النظر والغبن الفاحش. ثم قال: وإن ضمنت العقد أن الثمن ثمن مثله فحسن وإلا
فهو محمول على السداد حتى يثبت فيه الغبن اه‍. قال في المتيطية: وانظر هذا مع ما قاله
ابن رشد في الرسم الثاني من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات: إنه يحتاج في شراء
مال ولده إلى معرفة السداد للابن لئلا يشتريه بأقل من ثمنه لأن الامر فيما بينه وبينه وهو
فيه محمول على غير السداد. قال: وذلك بين من قوله في كتاب الجعل من المدونة وفي
رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب النكاح لأنه شرط في شراء الأب لنفسه الرأس يساق
إلى ابنته البكر في صداقها أن يكون الشراء صحيحا ببينة وأمر معروف اه‍. ويشير إلى قوله
في ترجمة نزو الفحل: وكره مالك أن يشتري الوصي من مال اليتيم لنفسه، فإن فعل أو أجر
الوصي نفسه في عمل يتيم في حجره، فإن فعله يتعقبه الامام فما كان خيرا لليتيم أمضاه.
وكذلك الأب في ابنه الصغير اه‍. وفي كتاب الصدقة من المدونة ومن تصدق على ابنه
الصغير بجارية فتبعتها نفسه فلا بأس أن يقومها على نفسه ويشهد ويستقصي للابن، وسيأتي
ذلك في كتاب الهبة في كلام المصنف عند قوله: وتقويم جارية أو عبد للضرورة
ويستقصي. ويأتي هناك أيضا عند قوله: وللأب اعتصارها من ولده حكم ما إذا باع ما
وهبه له أو تصدق به عليه والله أعلم.
فائدة: قال في المسائل الملقوطة: الامناء مصدقون على ما في أيديهم ثمانية عشر:
الوالد في مال ولده الصغير وابنته البكر، والوصي في مال اليتيم والمحجور عليه، وأمناء
الحكام، والموضوع تحت أيديهم الأموال، والمستودع، والمقارض، والأجير فيما استؤجر
عليه، والكري في جميع ما استحمله غير الطعام، والصانع غير الصائغ، والراعي ما لم يبعد
فيكون كالصناع، والمستعير والمرتهن فيما يغلب عليه، والوكيل فيما وكل على النظر،
والمأمور بالشراء والبيع، والدلال، والشريك مفاوضا أو غيره، والرسول فيما أرسل به،
والمبضع معه المال للشراء والتبليغ، والمستأجر للأشياء المغيب عليها، كلهم مصدقون وما
ادعى عليهم مما يوجب الضمان فالقول قولهم بلا يمين إلا أن يتهموا فتجب عليهم اليمين
اه. ص: (ثم وصيه وإن بعد وهل كالأب أو إلا الربع فببيان السبب خلاف) ش: ثم
وصيه أو وصي الأب. وظاهر كلامه أن وصي الأب كالأب في القول الأول وأنه يبيع لسبب
من الأسباب الآتية ولغيرها كما في الأب. وظاهر كلامه في التوضيح أن الوصي لا يبيع إلا
652

بسبب من الأسباب الآتية إلا أنه في هذا القول يصدق في أنه باع لسبب من هذه الأسباب،
وأن أفعاله محمولة على السداد كالأب لا في أنه يبيع بغير الوجوه حتى يثبت خلافه.
ويحتمل أن يكون التشبيه إنما هو في كون أفعاله محملة على السداد كالأب لا في أنه يبيع
بغير الوجوه المذكورة. ويحتمل أن يكون أشار بالقول الأول إلى ما ذكره عن ابن المواز وهو
قوله: وقال أبو عمران وغيره من القرويين: فعله في الرباع محمول على غير النظر حتى يثبت
خلافه، وهو معنى ما في الموازية، وقال قبله: وأما الوصي فهو أنقص رتبة من الأب يبيع من
غير ذلك سبب بخلاف الوصي فإنه لا يبيع إلا بعد ذكر سبب بخلاف الأب، وفعل الوصي
على السداد حتى يثبت خلافه، وبه قال جماعة من الأندلسيين وغيرهم. وقال أبو عمران
وغيره: وذكر ما تقدم عنه. وانظر حكم مقدم القاضي، وظاهر كلام المتيطي أن حكمه حكم
الوصي قال في فصل تقديم القاضي على حوز أصول اليتيم: والتقديم على حوز الأصول
خاصة إنما هو على شئ بعينه وليس له أن ينكحه إلا بأمر القاضي ولا أن يبيع عليه كما
يفعل المقدم على النظر في الجميع اه‍. وذكر مثل ذلك في الكلام على إيصاء الوصي عن
بعض الموثقين أن حكم مقدم القاضي كحكم الوصي في جميع أموره. وقال في فصل تقديم
القاضي على الأيتام ويعقد في ذلك ما نصه: قدم القاضي بمدينة كذا أبو فلان فلان ابن فلان
وفقه الله وسدده فلان ابن فلان على النظر لليتيم فلان ابن فلان والتنمي لماله وضبطه وتثقيفه
وإجراء النفقة عليه، ويجب الانفاق عليه وعلى من يجب الانفاق عليه بسببه تقديما أقامه فيه
مقام الوصي التام الايصاء الجائز الفعل بعد أن ثبت عنده من يتم اليتيم وأنه لا وصي له من
قبل الأب ولا مقدم من حاكم ما أوجب التقديم وقبل فلان التقديم الخ. ثم قال: قال بعض
الموثقين: كان بعض القضاة ببلدنا يشترط على من قدمه على اليتيم أن لا يبيع له ملكا ولا
عقارا إلا عن مشورته أو مشورة من يأتي بعده من القضاة. قال: وهو وجه حسن لمن أخذ به
اه‍. وقال في الكلام على بيع الوصي: وتعقد في ذلك هذا ما اشترى فلان بن فلان من
فلان ابن فلان البائع على اليتيم الصغير أو الكبير فلان بن فلان الذي إلي نظره بإيصاء أبيه
فلان به إليه في عهده الذي توفي عنه ولم ينسخه بغيره في علم من شهد به إلى أن توفي أو
بتقديم الفقيه القاضي بموضع كذا إلى فلان وفقه الله وسدده إياه على النظر لليتيم بعد أن
ثبت عنده ما أوجب ذلك. وإن كان القاضي معزولا أو ميتا زدت أيام كونه قاضيا بكذا، ثم
تكلم في بيعه. وهل هو محمول على النظر حتى يثبت أنه على غير نظر، أو محمول على
غير نظر حتى يثبت أنه على النظر؟ وذكر الخلاف في ذلك ثم قال: وحكى الباجي في
وثائقه عن إسماعيل القاضي فرقا بين وصي الأب ووصي القاضي فإنه أجاز لوصي الأب بيع
عقار المحجور لوجه النظر، ومنعه لوصي القاضي إلا بإذن القاضي قال: لأنه كالوكيل
المخصوص على شئ بعينه وليس كالوكيل المفوض إليه اه‍. وفي إرخاء الستور من
653

المدونة: وإن لم يكن للطفل اليتيم وصي فأقام له القاضي خليفة كان كالوصي في جميع
أموره اه‍. قال الشيخ أبو الحسن في الأمهات: كان كالوصي في النكاح وغيره. ويقوم من
هنا أن مقدم القاضي له أن يوكل كالوصي والمشهور أنه لا يوكل اه‍. وقد حكى المتيطي
الخلاف في توكيله، وسيأتي كلامه في الأقضية إن شاء الله تعالى. فهذه المسألة تستثنى من
عموم قوله في المدونة كالوصي في جميع أموره، ويستثنى أيضا المسألة المتقدمة في كلام
المصنف في هذا الباب في الرشد في قوله: وفي مقدم القاضي خلاف ويستثنى أيضا
مسألة ثالثة وهي هل هو كالوصي في إنكاح البكر أم لا؟ ذكر الخلاف في ذلك المتيطي
وغيره ونقله ابن عرفة. ص: (وليس له هبة للثواب) ش: يعني وليس للوصي أن يهب من
مال محجوره للثواب بخلاف الأب. قال في أثناء كتاب الهبات من المدونة: وللأب أن
يهب من مال ابنه الصغير للثواب ويعوض عنه واهبه للثواب اه‍. وقال أيضا قبل ترجمة هبة
المكاتب بأسطر من كتاب الشفعة من المدونة: ومن وهب شقصا من دار لابنه الصغير على
عوض جاز وفيه الشفعة، ولا تجوز محاباته في قبول الثواب ولا ما وهب أو تصدق أو أعتق
من مال ابنه الصغير، ويرد ذلك كله إلا أن يكون الأب موسرا، وإنما يجوز بيع الأب لمال
ابنه على وجه النظر وهبة الوصي لشقص اليتيم كالبيع لربعه لا يجوز إلا لنظر لثمن يرغبه في
ملك يجاوره أو ملئ يصاحب أوليس في غلته ما يكفيه وفيه الشفعة اه‍. أبو الحسن: انظر
جعل للأب أن يهب مال ابنه الصغير على عوض غير مسمى مع أنه قد تتغير الهبة فلا يلزمه
إلا القيمة كما له أن يبيع مال ابنه بمثل الثمن، ولا يجوز ذلك للوصي لأنه ليس له أن يبيع
بمثل الثمن إلا بأزيد. وقوله: لا تجوز محاباته في قبول الثواب لأن ما حابى فيه هبة وكذا
إذا كان مما لا يتغابن الناس بمثله في البيوع. وقوله: إلا أن يكون الأب موسرا راجع للعتق
654

واختصره ابن يونس فقال: ولا تجوز محاباته في قبول الثواب ولا ما وهب أو تصدق من مال
ابنه الصغير ويرد ذلك كله وإن كان الأب موسرا بخلاف عتقه في ملائه فإنه يجوز ذلك على
الأب ويضمن في ماله اه‍. ويأتي في شرح قوله: وللولي ترك التشفع صريحا في نص
المدونة في كتاب القسمة. ص: (وباع بثبوت يتمه الخ) ش:.
فرع: إذا باع القاضي تركة قبل ثبوت موجبات البيع فأفتى السيوري أن بيعه لا يجوز
وينقض، فإن فات لزمه رد مثل المثلي وقيمة المقوم يوم تعدى بسكة ذلك اليوم، وكذلك إذا
655

باع التركة وفرط في قبض الثمن حتى غاب المشترون وهلكوا فإنه ضامن اه‍. من البرزلي في
مسائل الأقضية اه‍. ص: (وللولي ترك التشفيع إلى قوله كأبيه إن أيسر) ش: كلام ابن
غازي في التنبيه على كلام الشارح كاف في ذلك والله أعلم. وقال في ترجمة الحالفة
لتقاسمن إخوتها من كتاب القسمة من المدونة: وإذا قسم الأب على الصغير محابيا لم تجز
محاباته في ذلك ولا هبته ولا صدقة مال ابنه الصغير ويرد ذلك إن وجد بعينه. قال: وترد
الصدقة وإن كان الأب موسرا، فإن فات ذلك عند المعطى وتلف ضمنه الأب إن كان موسرا
يوم يختصمون دون المعطى. وإذا غرم الأب في ملائه لم يكن للأب ولا للابن على الأجنبي
شئ، وإن كان الأب عديما رجع الابن على المعطى. فإن كانا عديمين اتبع أولهما يسارا
بالقيمة، ومن أدى منهما لم يرجع على صاحبه. ولو أيسر الأب أولهما لم يكن للابن تركه
واتباع الأجنبي كما ليس له ذلك في ملائهما، وإن أعتق الأب غلام ابنه الصغير جاز ذلك إن
كان الأب موسرا يوم العتق وعليه الثمن في ماله، وإن كان الأب معسرا يوم أعتق لم يجز
عتقه ورد. قال مالك: إلا أن يتطاول زمان ذلك وينكح الحرائر وتجوز شهادته فلا يرد عتقه
ويتبع الأب بقيمته اه‍. قال أبو الحسن في كتاب المكاتب: لما يلحق في نقض عتقه في
656

النكاح والشهادة من الضرر. وقال فضل: فيما أظن إذا طال الزمان لا بد أن يتخلله يسر
فيكون قد وجبت عليه القيمة اه‍. قال هنا في كتاب القسمة: قوله: أعتق الأب ابن يونس
عن ابن المواز: يريد عن نفسه لا عن الصبي، ولو كان عن الصبي لرد العتق لأنه أعتق ما لا
يملك عن الغير. وقوله: وعليه الثمن أطلق الثمن على القيمة اه‍. وقال في كتاب المكاتب:
ووقت قيمته يوم أعتق. وقاله ابن يونس ومنه قبله بأسطر. قال أبو محمد في كتاب الذب عن
المذهب: الفرق بين عتق الوالد عبد ابنه الصغير عن نفسه وبين صدقته بماله وهبته للناس أن
العتق أدخل به الأب على نفسه تمليك شئ يتعجله وهو ملك الولاء وإنفاذه العتق عن نفسه
فذلك تمليك منه لنفسه مال ولده وله تمليك مال ولده بالمعاوضة فأجزنا ذلك وألزمناه
القيمة، وأما الهبة والصدقة فإنما أخرج ذلك لمن ملك ولده إلى ملك غير ولده بغير عوض
لولده ولا لنفسه اه‍. وذكره أيضا في كتاب الشفعة وقال فيه بعد: الشيخ: ولو قيل فيه إنما
جاز العتق ولزم لحرمته بخلاف الهبة والصدقة لكان ذلك وجها اه‍.
فرع: قال ابن يونس في كتاب المكاتب: قال ابن المواز: وإنما يلزمه العتق إذا أعتق
عبد ابنه الذي هو في ولايته وحجره، وأما الابن الكبير الخارج من ولايته فلا يجوز عتقه في
عبده اه‍. ونقله القرافي في كفاية اللبيب وفي الذخيرة في كتاب المكاتب أيضا، وانظر كلام
اللخمي في العتق والمثلة.
فرع: قال ابن أبي زمنين في أواخر المنتخب: قال ابن مزين: قال أصبغ: إن حلف
رجل بعتق عبد ابنه الصغير أو السفيه أو الكبير وهو ذو مال فحنث فيهم أعتقوا عليه وضمن
قيمتهم وسواء حنث فيهم أو نذر عتقهم اه‍. ص: (وإنما يحكم في الرشد وضده القضاة)
ش: ضد الرشد السفه وتصوره واضح.
657

فرع: قال في وثائق الجزيري: ولا يجدد السفه على ابنه الذكر البالغ إلا في فور بلوغه
فإن تراخى قليلا لم يجز إلا بإقامة الشهادة باتصال سفهه، فإن لم يقم بينة خرج من ولايته
ولا يدخل تحت الولاية إلا أن يثبت عند القاضي سفهه ويعذر إليه، فإن لم يكن مدفع ولي
عليه أباه أو غيره ممن يراه اه‍. فهذا يدل على أن السفيه إذا خرج من حجر والده ثم حصل
له موجب السفه لا يعود النظر لوليه بل يعود للحاكم، ونحوه في ابن سلمون. قال: وكذلك
يقدم القاضي على من فقد عقله مجنون أو غير ذلك. وعلى الشيخ إذا أنكر عقله على ذلك
جمهور العلماء، ويقدم أيضا على من ظهر سفهه وإن كان كبيرا. قال ابن المواز عن ابن
القاسم: وكذلك من انطلق من الولاية ثم ظهر منه سفه فإنه يقدم عليه ثانية. وفي المتيطية
في الكلام على الوصايا والمحاجير نحو ذلك وأبسط منه. وقال فيه أيضا في الكلام على
النكاح من لا يملك نفسه: إن حجر الأب لا يكون إلا بأحد وجهين: الأول: أن يسفهه في
حال الحلم أو قريب منه ويضرب على يديه. والآخر: إذا غفل عنه حتى بعد عن سن
الاحتلام وملك أمر نفسه فلا يكون تسفيهه إلا عند الامام، وكذلك لو بلغ رشيدا ثم حدث به
السفه فإنه يثبته عند القاضي ويقدمه للنظر له إن رأى ذلك وهو أحق بالتقدم عليه إذا كان من
أهل النظر اه‍. وتقدم في كلام المدونة عند قول المؤلف إلى حفظ مال ذي الأب لا يفهم
منه ذلك. ص: (أو غبطة) ش: قال ابن عرفة: أو كثرة الثمن. قال ابن فتوح عن سحنون:
658

ويكون مال المبتاع حلالا طيبا. ونقل عنه المتيطي إن كان مثل عمر بن عبد العزيز. قلت:
الاخذ بظاهر هذا يوجب تعذره. قال عن أبي عمران: فإن علم الوصي أن المالك خبيث
ضمن، وإن لم يعلم فللابن إلزامه ثمنا حلالا أو تباع الدار عليه فيه، ولا ضمان على الوصي
إن لم يعلم. زاد في هذا الوجه: ويرجو أن يعوض ما هو أفيد اه‍. ص: (وحجر على الرقيق
إلا بإذن) ش: قال ابن عرفة: وكون الرق سببا في الحجر يوجب أصالته في كل ذي رق إلا
ما ارتفع بإذن نصا كالمأذون له في التجارة، أو لزوما كالمكاتب. ثم قال: وقول ابن شاس
وابن الحاجب: وللسيد الحجر على رقيقه لفظ يوهم أصالة جواز فعله، وحمله على
المأذون له بعيد لأنه ذكره بعد هذا وصيغة الاذن ما دل عليه ولو ظاهرا والفعل الدال كالقول
اه‍. وما أورده عليهما لا يرد على المصنف. وقوله: الرقيق شمل القن ومن فيه عقد جرية.
قال ابن عرفة: اللخمي: المدبر والمعتق إلى أجل وأم الولد كالقن. ووهم بعض الشيوخ شهود
تونس في أوائل هذا القرن فشهدوا على بيعها لما تقدم من عدم إنصاف أكثر قضاتها من
تقديم من لا يحسن الطلب فضلا عن الفقه لأهواء الله يعلهما اه‍. وقوله: إلا بإذن قال
المشذالي في حاشيته في أول كتاب المأذون: هنا سؤال وهو أن يقال الاذن يتقرر بما دل
عليه، ولو قال: أنت مأذون لك صح كأنت وصيي، ولو قال: أنت وكيلي لم يصح حتى
يذكر المتعلق. ولم يذكر ابن عرفة فرقا وجزم بأنه يكون مأذونا له بقوله: أنت مأذون لك،
ثم ذكر المشذالي الفرق بين الوصية المطلقة والوكالة المطلقة وقال في آخر كلامه: انظر
التوضيح في الوكالة، وقال في التوضيح هنا عن المدونة: وإن أقعد ذا صنعة مثل قصارة
ونحوها فلا يكون ذلك إذنا في التجارة ولا في المداينة لا، وكذا إن قال له أد إلي الغلة
فليس بمأذون له في التجارة اه‍. ونقله ابن عرفة.
تنبيه: هل يصدق العبد فيما ادعاه من الاذن وهو الذي في كتاب الضحايا من المدونة
659

وظاهر سماع أشهب في كتاب المديان في رسم مسائل أنه لا يصدق ص: (ولو في نوع)
ش: قال في التوضيح: وعلى المشهور يعني أنه إذا خصه بنوع من أنواع التجارة أنه يلزمه في
جميع أنواع التجارة، فقيد ذلك بعض الصقليين بأن لا يشهر ذلك ولا يعلنه وأما إن أشهره
فلا يلزمه اه‍. ونقله عن ابن رشد في المقدمات. ونص كلامه في المقدمات في كتاب
المأذون له في التجارة: ولا يجوز له أن يتجر إلا أن يأذن له سيده في التجارة، فإن أذن له
فيها جاز أن يتجر بالدين والنقد، وإن لم يأذن له في التجارة بالدين ولزمه ما داين به في
جميع أنواع التجارات، وإن لم يأذن له إلا في نوع واحد منها على مذهب ابن القاسم في
المدونة إذ لا فرق بين أن يحجر عليه في التجارة بالدين أو يحجر عليه في التجارة في نوع
من الأنواع وهو قول أصبغ في التحجير في الدين. وذهب سحنون إلى أنه ليس له أن يتجر
بالدين إذا حجر عليه في التجارة به، وكذلك يلزم على قوله إذا حجر عليه التجارة في نوع
من الأنواع إلا أن يشهر ذلك ويعلنه في الوجهين جميعا فلا يلزمه. قاله بعض شيوخ صقلية
وهو صحيح في المعنى قائم من المدونة والعتبية اه‍. وقال في المدونة: لأنه لا يدري الناس
لأي نوع التجارة أقعده. قال في أول مسألة من سماع أصبغ من كتاب التفليس: لأنه قد
نصبه للناس وليس كل الناس يعلمون بعضا دون بعض. قال ابن رشد في البيان: دليل قول
أصبغ كالمدونة أنه لو أعلن وأشهر بقصر إذنه على شئ ثم أتجر في غيره لم يلزمه في ماله
ما داين به، ويدخل فيه اختلاف بالمعنى لأنه من باب التحجير. فعلى قولها لا يحجر على
العبد إلا السلطان لم ينفعه الاعلان بقصر إذنه، ويأتي على قول سحنون للسيد أن يحجر على
عبده أن الإشهار ينفعه. قال ابن عرفة بعد نقل ما تقدم: يرد تخريجه الأول بأنه لا يلزم من لغو
الحجر على من ثبت الاذن فيه وعمل به لغيره الاذن فيما قارن إذنه قبل العمل فيه. قال:
وظاهر قول سحنون أنه حجر عليه الدين أن الغرماء لا حق لهم فيما بيده من مال أذن له في
التجارة به وإن لم يعلموا بذلك. ثم قال: قلت: ففي لزوم تخصيص السيد تحجير عبده بنوع
ولغوه فيعم، ثالثها إن أعلم بذلك لسحنون في سماع أصبغ وتخريج ابن رشد والسماع
المذكور. ورابعها اللخمي إن كان العبد يرى أنه لا يخالف ما حد له وإلا فالثاني اه‍. واحتج
سحنون في السماع المذكور لما قاله بما نصه: ألا ترى أن السيد لو دفع للعبد قراضا أنه
660

يصير بذلك مأذونا له، وحكم القراض لا يباع بالدين في الأحرار والعبيد. وكذلك الذي
يشترط على عبده فهو ممنوع من البيع بالدين فإذا باع به كان متعديا ولا يجوز على مولاه
عداؤه. قاله ابن رشد. ومسألة القراض التي احتج بها لا تلزم. ابن القاسم: الحجة بها إذ
يخالفه فيها ويقول إذا دفع إلى عبده قراضا فداين فيه الناس يكون فيه ديونهم إلا أن يعلموا
أنه قراض فلا يكون لهم، وكذلك الحر إذا علم غرماؤه الذين عاملوه بالدين أنه قراض فلا
شئ لهم واتبعوا ذمته، وإن لم يعلموا فيفترق الحر من العبد لأن الحر يلزمه ضمان المال
فيكون لصاحبه محاصة الغرماء فيه، والعبد لا يضمن لسيده، فينفرد الغرماء إذا لم يعملوا
بجميعه لأنه فرط حين لم يعلمهم. اه‍ باختصار.
تنبيه: تقدم عند قول المصنف: وللولي رد تصرف مميز في التنبيه الخامس عشر من
الرعيني وابن فرحون أنه لو طلب من سيد العبد اليمين بأنه لم يأذن له أنه لا يلزمه ذلك والله
أعلم. ص: (ويؤخر) ش: هذا هو المشهور ومنعه سحنون لأنه إن كان من غير فائدة فواضح
وإلا فهو سلف جر نفعا. قال في التوضيح: وأجيب باختيار القسم الثاني ولا يلزم عليه المنع
لأنها منفعة غير محققة، وأيضا فإنه منقوض بالحر فإنه يجوز له التأخير بالأثمان طلبا لمحمدة
الثناء والله أعلم. ص: (ولغير من أذن له القبول) ش: تصوره واضح.
مسألة: من تصدق على محجور بمال وشرط في صدقته أن يترك بيد المحجور ولا
يحجر عليه فيه فذلك له على المشهور. واعترض بعضهم هذا وضعفه بقوله تعالى * (ولا تؤتوا
السفهاء أموالكم) *. قاله ابن الفرس في أحكام القرآن في سورة النساء.، وقال
661

المشذالي في حاشية المدونة: لو وهب هبة لصغير أو يتيم وشرط أن تكون يده مطلقة عليها
وأنه لا نظر لوصيه فيها فعلى ذلك الشرط اه‍. من كتاب الهبة. ص: (لا غلته) ش: التوضيح
قال فيها: وما وهب للمأذون وقد اغترقه دين فغرماؤه أحق به من سيده ولا يكون للغرماء من
عمل يده شئ ولا من خراجه، وإنما ذلك في مال وهب للعبد أو تصدق به عليه أو أوصي
له به فقبله العبد اه‍. وقال ابن رشد في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب الحمالة
بعد أن ذكر لفظ المدونة: معناه عند في العبد الذي لم يؤذن له في التجارة وفيما لزم ذمته
662

مما ليس للسيد أن يسقطه عنه، وأما المأذون له في التجارة فيكون ما لزم ذمته فيما بقي
بيده من عمله بعد خراجه إن كان سيده استعمله بخراج معلوم فيؤديه إليه اه‍. ونقله ابن عرفة
وقبله غير أنه عزاه لسماع عيسى وليس فيه فتأمله.
فرع: وليس للسيد أن يسقط عن المأذون له في التجارة الدين الذي في ذمته ولا عن
غير المأذون له الدين الذي أذن له فيه. قاله في المسألة المذكورة في الرسم المذكور والله
أعلم. ص: (وعلى مريض حكم الطب بكثرة الموت به) ش: قال في المسائل الملقوطة:
ويرجع إلى معرفة الطبيب بأن الهلاك به كثيرا اه‍.
663

تنبيه: انظر من تصرف زمن الطاعون لم أر فيه الآن نصا، والظاهر أنه لا حجر عليه
إلا أن يصيبه الطاعون. ص: (كسل) ش: قال في التوضيح: السل بكسر السين اه‍ ص:
(وقولنج) ش: قال في تهذيب الأسماء واللغات: بضم القاف وسكون الواو وفتح اللام ويقال
فيه قولون وليس بعربي اه‍. ص: (ومعاوضة مالية) ش: وأما رهنه إذا كان مدينا وقضاؤه
664

لبعض غرمائه ففيه خلاف تقدم الكلام عليه في أول باب التفليس. ص: (وعلى الزوجة
لزوجها) ش: تقدم في فصل الصداق عند قول المصنف: وإن صدقته ففي ثلثها عن القرافي
في الذخيرة عن النوادر عن عبد الملك أنها إذا أقرت المرأة في الجهاز الكثير أنه لأهلها
جملوها به والزوج يكذبها، فإن لم يكن إقرارها بمعنى العطية نفذ وبمعنى العطية رد إلى
665

الثلث والله أعلم. ص: (كعتق العبد) ش: قال في كتاب الكفالة من المدونة: ولا يجوز لعبد
ولا مكاتب ولا مدبر ولا أم ولد كفالة ولا عتق ولا هبة ولا صدقة ولا غير ذلك مما هو
معروف عند الناس إلا بإذن السيد، فإن فعلوا بغير إذنه لم يجز إن رده السيد، فإن رده لم
يلزمهم وإن أعتقوا، وإن لم يرده حتى عتقوا لزمهم ذلك، علم به السيد قبل عتقهم أو لم يعلم
اه‍. وقال في كتاب المأذون له في التجارة من المقدمات: ولا يجوز له في ماله معروف إلا
ما جر إلى التجارة فأما هبته وصدقته وعتقه فموقوف على إجازة السيد أورده، فإن لم يعلم
بذلك حتى يعتق مضى ولزم ذلك العبد ولم يكن للسيد أن يرده انتهى.
666