الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ٢٥
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٦ - ١٩٨٦ م
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء الخامس والعشرون من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب المأذون الكبير)
(قال رحمه الله) قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة فخر الاسلام أبو بكر محمد
ابن أبي سهل السرخسي رحمه الله اعلم بان الاذن في التجارة فك الحجر الثابت بالرق شرعا
ورفع المانع من التصرف حكما واثبات اليد للعبد في كسبه بمنزلة الكتابة إلا أن الكتابة لازمة
لأنها بعوض والاذن لا يكون لازما فخلوه عن العوض بمنزلة الملك المستفاد بالهبة مع المستفاد
بالبيع وهذا لأنه أهل للتصرف بعد حدوث الرق فيه كما كان قبله لان ركن التصرف كلام
معتبر شرعا وذلك يتحقق من الرقيق واعتبار الكلام بكونه صادرا عن مميز أو مخاطب ولا
ينعدم ذلك بالرق ومحل التصرفات ذمة صالحة لالتزام الحقوق ولا ينعدم ذلك بالرق فان
صلاحية الذمة للالتزام من كرامات البشر وبالرق لا يخرج من أن يكون من البشر إلا أن
الذمة تضعف بالرق فلا يجب المال فيها الا شاغلا مالية الرقبة وذلك يسقط بوجود الرضا
منه لتعلق الحق بماليه رقبته فكان الاذن فكا للحجر من هذا الوجه وهو نظير ملك الحل
فإنه من كرامات البشر فلا ينعدم بالرق وإن كان ينتقص حتى أن الحل في حق الرقيق نصف
ما هو في حق الحر بيناه في كتاب النكاح وإنما ينعدم بالرق الأهلية لمالكية المال لأنه يصير
به مملوكا مالا وبين كونه مملوكا مالا وكونه مالكا للمال منافاة ولهذا لا ينعدم بالرق الأهلية للمالكية
بالنكاح لأنه لا يصير به مملوكا نكاحا * فان قيل ينبغي أن ينعدم بالرق الأهلية لملك التصرف
لأنه صار مملوكا تصرفا فان المولى يملك التصرفات عليه * قلنا إنما يصير مملوكا تصرفا بنفسه
بيعا أو تزويجا فلا جرم تنعدم الأهلية لمالكية هذا التصرف ويكون نائبا فيه عن المولى متى
باشر بأمره ولكنه ما صار مملوكا تصرفا في ذمته حتى أن المولى لا يملك الشراء بثمن يجب في
ذمة عبده ابتداء فتبقى له الأهلية في ملك هذا التصرف كما أنه لم يصر مملوكا تصرفه عليه في
2

الا قرار والحدود والقصاص بقي مالكا لهذا التصرف فان قيل انعدام الأهلية لخروجه بالرق
من أن يكون أهلا لحكم التصرف وهو الملك المستفاد والتصرفات الشرعية لا تراد لعينها
بل لحكمها وهو ليس بأهل لذلك قلنا لا كذلك وحكم التصرف ملك اليد والرقيق أهل لذلك
(ألا ترى) أن استحقاق ملك اليد يثبت للمكاتب مع قيام الرق فيه وهذا لأنه مع الزق أهل
للحاجة فيكون أهلا لقضائها وأدنى طريق الحاجة ملك اليد فهو الحكم الأصلي للتصرف
وملك العتق مشروع للتوصل إليه فما هو الحكم الا صلى يثبت للعبد وما وراء ذلك يخلفه المولى
فيه وهو نظير من اشترى شيئا على أن البائع بالخيار ثم مات فمتى اختار البائع البيع ثبت ملك
العين للوارث على سبيل الخلافة عن المورث بتصرف باشره المورث بنفسه ثم الدليل على
جواز الاذن للعبد في التجارة شرعا الآثار التي بدأ بها الكتاب فمن ذلك حديث إبراهيم ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار ويجيب دعوة المملوك وفيه دليل تواضع رسول
الله صلى الله عليه وسلم فان ركوب الحمار من التواضع وقد كان يعتاده رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى روى أنه ركب الحمار معروريا وروى أنه ركب الحمار وأردف وذلك من التواضع
قال عليه السلام برئ من الكبر من ركب الحمار وسعى في مهنة أهله وفى لسان الناس ركوب
الفرس عز وركوب الجمال كمال وركوب البغل مكرمة وركوب الحمار ذل ولا ذل كالترجل
وكذلك إجابة دعوة المملوك من التواضع وقد فعله غير مرة على ما روى عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم انه أجاب دعوة عبد وروى أنه كان يجب دعوة الرجل الدون يعنى المملوك
والمملوك لا يتمكن من ايجاد الدعوة ما لم يكن له كسب وطريق الاكتساب التجارة وليس
له أن يباشرها بدون اذن المولى فثبت بهذا الحديث جواز الاذن في التجارة وان ما يكسبه
العبد بعد الاذن حلال وانه لا بأس للعبد المأذون بان يتخذ الدعوة بعد أن لا يسرف في ذلك
ولا بأس بإجابة دعوته اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يجيب الدعوة وكان
يقول من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم وعن إبراهيم انه كان يقول يجوز على العبد كل
دين حتى يحجر عليه وكان يقول إذا حجر الرجل على عبده في أهل سوقه فليس عليه دين
ومعناه يلزمه كل دين يكتسب سبب وجوبه مما هو من صنيع التجار كالاقرار والاستئجار
والشراء لأنه منفك الحجر عنه في التجارة فهو من التزام الدين بسببه كالحر وإذا حجر المولى
عليه في أهل سوقه فليس عليه دين أي لا يلزمه الدين بمباشره هذه الأسباب بعد الحجر في
3

حق المولى ليس المراد أنه يسقط عنه وإنما لا يثبت في حق المولى لانعدام الرضا منه
باستحقاق مالية رقبته بالدين بعد الحجر ولا يجب الدين في ذمته الا شاغلا لمالية الرقبة فإذا
كان لا يستحق مالية رقبته به بعد الحجر فكأنه لا دين عليه وفيه دليل ان الحجر ينبغي أن
يكون عاما منتشرا وأن الانتشار فيه بكونه في أهل سوقه فإنه رفع الاذن الذي هو عام
منتشر وفي تصحيحه بدون الانتشار معنى الاضرار والغرور كما نبينه إن شاء الله تعالى وعن أبي
صالح قال رأيت للعباس بن عبد المطلب عشرين عبدا كلهم يتجر بعشرة آلاف درهم ففيه
دليل جواز الا ذن وانه لا بأس باكتساب الغنى والاستكثار من المال بعد أن يكون من
حله كما قال النبي عليه السلام نعم المال الصالح للرجل الصالح وفي هذا الحديث دليل ظاهر على
غنى العباس فان من كان له عشرون عبدا رأس مال كل عبد عشره آلاف فلا بد أن يكون ذلك
من أموال التجارة وغيرها وكان سبب ثروته انه أخذ منه دنانير في الفداء حين أسر فلما أسلم
وحسن اسلامه كان يتأسف على ذلك فأنزل الله تعالى يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى
ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم وكان العباس رضي الله عنه
يظهر السرور بغناه ويقول إن الله تعالى وعدني بشيئين الغنى في الدنيا والمغفرة في الآخرة وقد
أنجز لي أحدهما وأنا أعلم أنه لا يحرمني من الآخر انه لا يخلف الميعاد وعن الشعبي قال إذا أخذ
الرجل من عبده الضريبة فهي تجارة وبه نأخذ فان المولى استأدى عبده الضريبة فذلك اذن
منه له في التجارة لأنه لا يتمكن من الأداء الا بتحصيل المال ولتحصيله طريقان التكدي
والتجارة والظاهر أن المولى لا يقصد تحصيله المال بالتكدي فالسؤال يدنى المرء ونبخسه قال
عليه السلام السؤال آخر كسب العبد أي يبقى في ذله إلى يوم القيامة وإنما مراده الاكتساب
بطريق التجارة ورضاه بالنجارة يتضمن الرضا منه بتعلق الدين أو أجب بالتجارة بماليه رقبته
ففيه دليل أن الاذن في التجارة ثبت بالدلالة كما ثبتت نصا وعن شريح في عبد تاجر لحقه دين
انه يباع فيه وبه نأخذ فان كل دين ظهر وجوبه على العبد في حق المولى يباع فيه كدين
الاستهلاك فإنه يظهر في حق المولى لان سببه محسوس لا ينعدم بالحجر بسبب الرق فكذلك
دين التجارة بعد الاذن يظهر في حق المولى فيباع فيه وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم
باع رجلا في دينه يقال له سرف فحين كان بيع الحر جائزا باع الحر في دينه وبيع العبد جائز في
الحال فيباع في كل دين يظهر وجوبه في حق المولى وعن ابن سيرين ان رجلا ادعى على عبد
4

رجل دينا فقال الرجل عبدي محجور عليه وقال شريح شاهدا عدل انه كان يشترى في
السوق ويبيع بعلمه أو بأمره ففيه دليل ان المولى إذا أنكر الا ذن كان القول قوله وعلى من
يدعى عليه الاذن أن يثبته بالبينة لأنه يدعي عليه انه أسقط حقه عن مالية الرقبة وفيه دليل
ان الاذن يثبته بالدلالة وان من رأى عبده بيع ويشترى فلم ينهه فإنه يصير به مأذونا بمنزلة
التصريح بالاذن له في التجارة وذلك استحسان عندنا لدفع الضرر والغرور عن الناس وعن أبي
عون الثقفي ان جلا أذن لعبده أن يكون خياط وأذن آخر لعبده أن يكون صباغا فأجاز
شريح على الخياط ثمن الا بر والخيوط وأجاز على الصباغ ثمن الغلي والعصفر وما كان في عمله
وفيه دليل ان مبنى الاذن على التعدي والانتشار وان المولى وان خص نوعا منه فإنه يتعدى
إلى سائر الأنواع لاتصال بعض الأنواع بالبعض فيما يرجع إلى تحصيل مقصود المولى فان
الصباغ لا يتمكن من العمل الا بشراء الصبغ والخياط لا يتمكن من العمل الا بشراء السلك
والا برة والخيوط ثم قد لا يجد ما يحتاج إليه يباع بالنقد ليشتريه وإنما يباع ذلك بالطعام فيحتاج
أن يشترى طعاما ليعطيه في ثمن ذلك وربما يشترى ذلك بالدنانير فيحتاج إلى مصارفة الدراهم
بالدنانير ليحصل الثمن فعرفنا أن مبناه على التعدي والانتشار فيتعدى الاذن في نوع إلى
سائر الأنواع وابن أبي ليلى رحمه الله كان يأخذ بظاهر هذا الحديث فيقول يجوز عليه ما
كان من توابع عمله خاصة وعندنا يجوز عليه ما كان من توابع عمله وما استدار في غيره على
ما نبينه وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال حدثني سلمان رضي الله عنه أنه أهدى إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد قبل أن يكاتب فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته
فأكل وأكل أصحابه وأتاه بصدقه فقبلها وأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل (قال الشيخ) الامام
رضي الله عنه واعلم أن سلمان كان من قوم يعبدون الخيل البلق فوقع عنده انه ليس على شئ
وجعل يتنقل من دين إلى دين يطلب الحق حتى قال له بعض أصحاب الصوامع لعلك تطلب
الحنيفية وقد قرب أوانها وعليك بيثرب ومن علامته انه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة
فتوجه نحو المدينة فاسترقه بعض العرب في الطريق وجاء به إلى المدينة فباعه من بعض
اليهود وكان يعمل في نخيل مولاه باذنه حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
فأتاه سلمان بطبق فوضعه بين يديه فقال ما هذا يا سلمان فقال صدقة فقال لأصحابه كلوا ولم
يأكل فقال سلمان في نفسه هذه واحدة ثم أتاه من الغد بطبق فيه رطب فقال ما هذا يا سلمان
5

قال هدية فجعل يأكل ويقول لأصحابه كلوا فقال سلمان هذه أخرى ثم تحول خلفه فعرف
رسول الله صلى الله عليه وسلم مراده فألقى الرداء عن كتفيه حتى نظر سلمان رضي الله عنه
إلى خاتم النبوة بن كتفيه فأسلم وفيه دليل ان للعبد المأذون أن يهدى فقد قبل رسول الله
صلى الله عليه وسلم هديته ولا جل هذا أورد هذا الحديث وذكر عن أبي سعيد مولى أبى
أسيد قال بنيت باهلي وأنا عبد فدعوت رهطا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم
أبو ذر فحضرت الصلاة فتقدم أبو ذر فقالوا له أتتقدم وأنت في بيته فقدموني وصليت بهم
وفيه دليل ان للعبد المأذون أن يتخذ الدعوة في العرس كما يتخذ الدعوة للمجاهدين إذا
أتوه بتجارة فان الصحابة رضي الله عنهم أجابوا دعوته وأبو ذر مع زهده أجاب دعوته وهو
عبد وفيه دليل انه لا ينبغي للمرء ان يؤم غيره في بيته الا باذنه فإنهم أنكروا على أبي ذر
التقدم عليه في بيته وبيانه في قوله صلى الله عليه وسلم لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه ولا
يجلس على تكرمته الا باذنه وفيه دليل جواز الاقتداء بالعبد وانه متى كان فقيها ورعا فلا
بأس بإمامته (ألا ترى) ان أبا ذر رضي الله عنه مع زهده قدمه واقتدى به لفقهه وورعه
وإذا قال الرجل لعبده قد أذنت لك في التجارة فهو مأذون له في التجارات كلها لا طلاق
الاذن من المولى فلا حاجة في تصحيح الاذن إلى التنصيص على أنواع التجارة لأنه فك
للحجر كالكتابة ولان المقصود به المولى عادة أن يحصل العبد الربح بكسبه واعتبار اذنه شرعا
ليتحقق به الرضا من المولي لتعلق الدين الواجب بالتجارة بمالية رقبته وهذا لا يختلف باختلاف
أنواع التجارات واشتراط مالا يفيد لا يجوز بخلاف التوكيل فالمقصود هناك قيام الوكيل
مقام الموكل في تحصيل مقصوده في العين التي يشتريها ولا يقدر الوكيل على تحصيل ذلك
بمطلق التوكيل قبل التنصيص على جنس ما يشتريه له ثم للعبد أن يشترى ما بدا له من
أنواع التجارات لأنه صار منفك الحجر عنه وتم رضا المولى بتعلق الدين بمالية رقبته وهو
في أصل الالتزام متصرف في ذمته هو حقه من تعامله وإنما نوجب الملك له في محل مملوك
له فيكون صحيحا وله أن يستأجر الاجراء لان الاستئجار من أنواع التجارات ولان المأذون
يحتاج إليه فإنه يعجز عن إقامة بعض الاعمال بنفسه وربما لا يجد من يعينه على ذلك حسبة
فيحتاج إلى الاستئجار الاجراء لإقامة الاعمال التي بها يتم مقصوده وله أن يؤاجر نفسه فيما بدا له
من الاعمال عندنا وفى أحد قولي الشافعي رضي الله عنه ليس له أن يؤاجر نفسه وله أن يؤاجر
6

كسبه لان عبده المأذون نائب عن المولى في التصرف وهو إنما جعله نائبا في التصرف في
كسبه ومنافع بدنه ليس من كسبه وتصرفه فيه بعد الاذن كما قبله والدليل عليه ان رقبته ليست
من كسبه بدليل انه لا يملك بيعها ولا رهنها بدين عليه وما ليس من كسبه فهو لا يملك التصرف
فيه بالإجارة كسائر مماليكه وأما عندنا فالاذن فك الحجر عن المأذون فكان كالكتابة ولا يقال
الكتابة يتعلق بها اللزوم والاذن فيكون هذا بمنزلة الاستئجار والاستعارة وللمستأجر أن
يؤاجر وليس للمستعير ذلك وهذا لان محل التصرف لا يختلف لكونه لازما أو غير لازم
كالبيع مع الهبة فان محل التصرفين واحد وهو العين وإن كان أحدهما يلزم علي وجه لا يملك
الموجب الرجوع لكونه معاوضة والأجر لا يلزم ونحن إنما شبهنا الا ذن بالكتابة من حيث إنه
فك الحجر ثم انفكاك الحجر يثبت له اليد على منافعه فيملك الاعتياض عليها كما ملكه المكاتب
ولما كان للمأذون أن يعين غيره لمنافعه فلا يكون له أن يؤاجر نفسه أولى لان الإجارة أقرب
إلى مقصود المولى من الإعانة وهو أليق بحال المأذون فإنه يملك المعاوضات دون التبرعات والمستعير
إنما لا يؤاجر لما فيه من الحاق الضرر بالغير من حيث استحقاق اليد عليه في العين وذلك
لا يوجد ههنا ثم إجارة النفس نوع تجارة لان رؤس التجارة وهم الباعة يؤاجرون أنفسهم
للعمل والمولى حين أذن له في التجارة مع علمه انه لا يتمكن منها الا برأس مال فالظاهر أنه
جعل رأس ماله منافعه وطريق تحصيل المال مما جعل له من رأس المال الإجارة وإنما لا يبيع
نفسه لما في ذلك من تفويت مقصود المولى ولان حكمه ضد حكم الاذن فان بيع الرقبة إذا
صح أوجب الحجر عليه كما لو باعه المولى فكذلك لا يرهن نفسه لان موجب الرهن ضد
موجب الاذن فان الرهن يوجب يدا مستحقة عليه للمرتهن على وجه يمنع من التصرف لان
موجب الرهن ضد موجب الاذن فان الرهن يوجب يدا مستحقة عليه لمرتهن على وجه
يمنع من التصرف ولا يستفاد ما ليس من موجب ضده موجبه وأما إجارة النفس فلا توجب
الحجر عليه ولا تمنعه من التصرف بدليل انه لو أجره المولى لم يصر محجورا فلهذا لا يملك
أن يؤاجر كسبه وله أن يتقبل الأرض ويأخذها مزارعة كما يأخذ الحر لأنه إن كان البذر
من قبل صاحب الأرض فالمأذون مؤاجر نفسه للعمل ببعض الخارج وإن كان البذر من قبله
فهو مستأجر الأرض ببعض الخارج وذلك أنفع من الاستئجار بالدراهم فان هناك الاجر دين
في ذمته سواء حصل الخارج أولم يخرج وهنا لا شئ عليه إذا لم يحصل الخارج فإذا ملك استئجاره
7

ببعض الدراهم فببعض الخارج أولى وله أن يشترى طعاما ليزرعه في أرضه لان الزراعة من
التجارة قال عليه الصلاة والسلام الزارع يتاجر ربه والتجار يفعلون ذلك عادة قال وليس له
أن يدفع طعاما إلى رجل ليزرعه ذلك الرجل في أرضه بالنصف قال لأنه يصير قرضا وليس
للمأذون أن يقرض لان القرض تبرع قال بعض مشايخنا رحمهم الله وهذا التعليل غلط إنما
الصحيح من التعليل ان هذا دفع البذر مزارعة ودفع البذر مزارعة وحده لا يجوز لان
صاحب البذر مستأجر الأرض وشرط الإجارة التخلية بين المستأجر وبين ما استأجره وذلك
ينعدم إذا كان العامل صاحب الأرض قال (ألا ترى) انه إذا دفع الطعام إلى رب الأرض
مزارعة بالنصف فزرعه كان الخارج كله لرب الأرض وهو ضامن للعبد طعاما مثل طعامه
هكذا ذكر في الكتاب وفي كتاب المزارعة قال إذا دفع البذر مزارعة إلى صاحب الأرض
فالخارج كله لصاحب البذر وللعامل أجر مثله وأجر مثل أرضه وقيل في المسألة روايتان
أصحهما ما قال في المزارعة لان الخارج نماء البذر (ألا ترى) أنه من جنس البذر فيكون لصاحب
البذر ووجه ما قال هنا ان صاحب البذر إنما رضى بالقاء البذر في الأرض بطريق المزارعة
بالنصف فبدون ذلك الطريق لا يكون راضيا بل الزارع بمنزلة الغاصب لبذره ومن غصب من
آخر بذرا وزرعه في أرضه كان الخارج للزارع وعليه مثل ما غصب وقيل إنما اختلف الجواب
لاختلاف الوضع فهناك وضع المسألة في الحر واذن الحر في استهلاك البذر صحيح معتبر
والمزارعة وان فسدت بقي اذنه معتبرا في استهلاك البذر بالقائه في الأرض فكان الالقاء باذن
صاحب البذر كالقائه بنفسه فالخارج كله له وأما اذن العبد في استهلاك بذره لا على وجه
المزارعة فغير معتبر فإنه لا يملك أن يأذن في اتلاف البذر ولا أن يقرض البذر فإذا لم يصح
العقد وسقط اعتبار اذنه فكان لزارع بمنزلة الغاصب المستهلك للبذر بالقائه في الأرض
والخارج كله له وعليه ضمان مثل ذلك البذر للعبد (قال الشيخ) الامام رحمه الله وقد وجدت في
بعض النسخ زيادة في هذا المسألة انه إذا دفع الطعام إلى رب الأرض ليزرعها لنفسه بالنصف
فمع هذه الزيادة لا يبقى الاشكال ويصح التغليل لان قوله ازرعها لنفسك يكون اقراضا
للبذر ثم شرط عليه في بدل القرض نصف الخارج وذلك باطل والزارع في القاء البذر في
الأرض عامل لنفسه فيكون الخارج كله له وليس على المولى أن يشهد الشهود حتى يأذن له في
التجارة لأنه بمنزلة الكتابة والكتابة تصح من غير اشهاد إلا أن هناك يندب الاشهاد لما
8

يتعلق بها من الحق اللازم كما يندب إلى الاشهاد على البيع بيانه في قوله تعالى وأشهدوا إذا
تبايعتم وذلك لا يوجد في الاذن لأنه في نفسه ليس بحق لازم (ألا ترى) أنه يحجر عليه
متى شاء فلهذا لا يكون عليه الاشهاد في ذلك وإذا نظر الرجل إلى عبده يبيع ويشترى فلم ينهه
عن ذلك فهو اذن منه له في التجارة بمنزلة قوله قد أذنت لك في التجارة وهذه مسئلتان
إحداهما إذا أذن له في نوع خاص من التجارة فإنه يكون مأذونا في التجارات كلها عندنا وقال
الشافعي رحمه الله لا يكون مأذونا الا في ذلك النوع خاصة وهو رواية عن زفر رحمه الله
وعنه في رواية أخرى قال إن سكت عن النهى عن سائر الأنواع فان قال اعمل في البر فهو
مأذون في التجارات كلها وان صرح بالنهي عن التصرف في سائر الأنواع فليس له أن
يتصرف الا في النوع الذي أذن له فيه خاصة فالحجة للشافعي انه يتصرف للمولى باذنه فلا
بملك التصرف الا فيما أذن له فيه كالوكيل والمضارب والمستبضع والشريك شركة العنان وبيان
ذلك أن الرق موجب للحجر عليه عن التصرفات والرق بعد الاذن قائم كما كان قبله فيكون
تصرفه بطريق النيابة عن المولى فيه (ألا ترى) ان ما هو المقصود بالتصرف وهو الملك
يحصل للمولى وان العبد بسبب الرق يخرج من أن يكون أهلا للملك الذي هو المقصود فيه
بين أنه ليس باهل للتصرف بنفسه بخلاف المكاتب فان بالكتابة عندي يثبت للمكاتب حق
ويصير بمنزلة الحر يدا ولهذا لا يملك المولى اعتاقه عن كفارته ولا يملك الحجر وإنما يصير أهلا
للتصرف باعتبار ما ثبت له من الحرية يدا ثم المأذون عندي يرجع بالعهدة على المولى الا انه عين
لرجوعه محلا وهو كسبه فلا يملك الرجوع في محل آخر وهكذا مذهبي في الوكيل إذا وكله
بان يشترى ويبيع على أن الربح كله للموكل فان رجوعه بالعهدة فيما يشترى على الموكل
دون غيره وكون هو نائبا عن الموكل في التصرف فكذلك المأذون والدليل عليه انه لو أذن
له في تزويج امرأة لا يملك أن يتزوج امرأتين ولو أذن له في نكاح امرأة بعينها لا يملك أن
فتزوج غيرها فكذلك في التجارة بل أولى لان مقصود ذلك التصرف يحصل للعبد ومقصود
هذا التصرف يحصل للمولى فكذلك إذا أذن له في التجارة لا يملك النكاح وإذا أذن له في
النكاح لا يملك التجارة ولئن كان الاذن اطلاقا وتمليكا لليد منه كما هو مذهبكم فذلك لا يدل
على أنه لا يقبل التخصيص كتقليد القضاء فإنه اطلاق واثبات للولاية ثم يقبل التخصيص
والإعارة والإجارة تمليك المنفعة واثبات اليد على العين ثم بقبل التخصيص بالاذن كذلك وهذا
9

لان التخصيص مفيد فمقصود المولى تحصيل الربح وذلك يحصل بتجارته في نوع لكثرة
هدايته فيه ثم يفوت ذلك بتجارته في نوع آخر لقلة هدايته في ذلك فكان التقييد مفيدا فيما
هو المقصود وزفر رحمه الله على الرواية الأخرى يقول إنما أثبتنا حكما عاما عند سكوته عن
النهى لدلالة العرف وذلك يسقط عند التصريح بالنهي في سائر الأنواع (ألا ترى) أن مطلق
الاذن يوجب التعميم في الوقت ثم إذا صرح بالحجر عليه بعد أن مضى شهر أو يوم يرتفع
ذلك الاذن فهذا مثله * وحجتنا في ذلك طرق ثلاثة أحدها ما بينا أن الاذن في نوع يستدعى
الاذن في سائر الأنواع لاتصال بعض التجارات بالبعض والمتصرف في البرر بما يشترى ذلك
البر بالطعام فلا بد من أن يشترى الطعام ليؤدي ما عليه وربما يحتاج إلى بيع البر بالعبيد والإماء
إذا لم يجد من يشترى ذلك منه بالنقد وإذا كان الاذن في نوع يتعدى إلى سائر أنواع
التجارة لاتصال بعض التجارات بالبعض ولان الاذن في التجارة فك للحجر عنه والعبد
بعد الاذن متصرف لنفسه لانفكاك الحجر عنه كالمكاتب كما أن في الكتابة لا يعتبر التقييد
بنوع خاص فكذلك في الاذن وبيان الوصف ان بمطلق الاذن يملك التصرف والإنابة
لا تحصل بمطلق اللفظ من غير تنصيص على التصرف كما في حق الوكيل والدليل عليه أن
المأذون لا يرجع بما يلحقه من العهدة على مولاه والمتصرف للغير يرجع عليه بما يلحقه من
العهدة وانه إذا قضى الدين من خالص ملكه بعد العتق لا يرجع به على المولى ولو كان هو
بمنزلة الوكيل لكان يرجع على الموكل بما يؤدى من خالص ملكه كالوكيل وإنما يكون رجوع
الوكيل فيما يحصل تصرفه إذا بقي ذلك فأما بعد الفوات فيكون رجوعه على الموكل وهنا وان
هلك كسبه لم يرجع على المولى بشئ ودل انه متصرف لنفسه وقد بينا ان بالرق لم يخرج من
أن يكون أهلا للتصرف ولا من أن يكون أهلا لثبوت اليد له على كسبه ولكنه ممنوع
عن التصرف لحق المولى مع قيام الأهلية فالاذن لإزالة المنع كالكتابة ولا يجوز أن يدعي ان
بالكتابة يثبت له حق العتق أو يجعل كالحر يدا لان الكتابة تحتمل الفسخ والسبب الموجب
لحق العتق متى ثبت لا يحتمل الفسخ كالاستيلاد فثبت ان الكتابة فك الحجر والاذن مثله ثم
فك الحجر عنه بهذين السببين بمنزله الفك التام الذي يحصل بالعتق وذلك لا يختص بنوع دون
نوع سواء أطلق أو صرح بالنهي عن سائر الأنواع لان هذا التقييد منه تصرف في غير ملكه
فكذلك ههنا والثالث أن تصرف العبد يلاقى محلا هو ملكه والمتصرف في ملكه لا يكون نائبا عن
10

غيره وبيانه أن أول التصرفات بعد الاذن من العبد شراء لأنه ما لم يشتر لا يمكنه أن يبيع
وهو بالشراء يلتزم الثمن في ذمته وقد بينا ان الذمة مملوكة بمنزلة ذمته فكما أنه يملك التصرف
في ذمته بالاقرار على نفسه بالقود فكذلك يكون مالكا للتصرف في ذمته الا ان الدين
لا يجب في ذمته الا شاغلا مالية رقبته فيحتاج إلى اذن المولى هنا لا سقاط حقه عن مالية
الرقبة والرضي بصرفها إلى الدين وفي هذا لا يفترق الحال بين نوع من التجارة ونوع فتقييده
بنوع غيره مفيد في حقه فلا يعتبر كما إذا رضى المستأجر يبيع العين من زيد دون عمرو أو
رضى الشفيع بيع المشترى من زيد دون عمرو ولو أسلم البائع المبيع إلى المشترى قبل نقد الثمن
علي أن يتصرف فيه نوعا من التصرف دون نوع لا يعتبر ذلك التقييد لأنه وجد من هؤلاء
اسقاط حق المبيع فأهل التصرف يكون متصرفا لنفسه فتقييده بنوع دون نوع لا يكون
مفيدا وهذا بخلاف النكاح فان ذلك تصرف مملوك للمولى عليه لان النكاح لا يجوز الا
بولي والرق يخرجه عن أن يكون أهلا للولاية فكان هو نائبا عن المولى في النكاح ولهذا
قلنا المولى يجبره علي النكاح فاما هذا التصرف فغير مملوك للمولى عليه فكان الاذن من المولي
اسقاطا لحقه لا إنابة العبد منابه في التصرف وقد بينا انه مع الرق أهل للحكم الأصلي وهو
ملك اليد وان ما وراء ذلك من ملك العين يثبت للمولى على سبيل الخلافة عنه وهذا بخلاف
تقليد القضاء فالقاضي لا يعمل لنفسه فيما يقضى بل هو نائب عن المسلمين ولهذا يرجع بما
يلحقه من العهدة في مال المسلمين وكيف يكون عاملا لنفسه وهو فيما يعمل لنفسه لا يصلح أن يكون
قاضيا وهذا بخلاف المستعير والمستأجر لأنه يتصرف في محل هو ملك الغير بايجاب صاحب
الملك له وايجابه في ملك نفسه يقبل التخصيص فأما العبد فلا يتصرف بايجاب المولى له فقد بينا
أن التصرف غير مملوك للمولى في ذمته فكيف يوجب له مالا يملكه والمسألة الثانية إذا رآه
يبيع ويشترى فسكت عن النهى فهذا اذن له في التجارة عندنا وعند الشافعي لا يكون اذنا
قبل هذا بناء على المسألة الأولى فان عنده لو أذن له نصا في نوع لا يملك التصرف في سائر
الأنواع فكذلك إذا رآه يتصرف في نوع فسكوته عن النهى لا يكون اذنا له في التصرف في
سائر الأنواع وعندنا لما كان اذنه في نوع يوجب الاذن في سائر الأنواع لدفع الغرور والضرر
عن الناس فكذلك سكوته عن النهى عند رؤيته تصرفا منه يكون بمنزلة الاذن دفعا للضرر
والغرور عن الناس وحجته في هذه المسألة أن سكوته عن النهى محتمل قد يكون للرضي
11

بتصرفه وقد يكون لفرط وقلة الالتفات إلى تصرفه لعلمه أنه محجور عن ذلك شرعا
والمحتمل لا يكون حجة فهو بمنزلة من رأى انسانا يبيع ماله فسكت ولم ينهه لا ينفذ ذلك
التصرف بسكوته ولان الحاجة إلى الاذن من المولى والسكوت ليس باذن فالاذن ما يقع
في الاذن ولو أذن له ولم يسمع لم يكن ذلك اذنا فمجرد السكوت كيف يكون اذنا والدليل
عليه ان هذا التصرف الذي يباشره لا ينفذ بسكوت المولى وانه إذا رآه ببيع شيئا من ملكه
فسكت لا ينفذ هذا التصرف فكيف يصير مأذونا له في التصرفات فالحاجة إلى رضى
مسقط لحق المولى عن مالية رقبته وذلك لا يحصل بالسكوت كمن رأى انسانا يتلف ماله
فسكت فلا يسقط الضمان بسكوته وهذا بخلاف سكوت البكر إذا زوجها الولي فان ذلك
محتمل ولكن قام لدليل الموجب لترجيح الرضا فيه وهو ان لها عند تزويج الولي كلامين
لا أو نعم والحياء يحول بينها وبين نعم لما فيه من إظهار الرغبة في الرجال وهي تستقبح منها لا
يحول الحياء بينها وبين لا فسكوتها دليل على الجواب الذي يحول الحياء بينها وبين ذلك
الجواب ولا يوجد مثل ذلك ههنا فلا يترجح جانب الرضا وكذلك سكوت الشفيع عن
الطلب لأنه لاحق للشفيع قبل الطلب وإنما له أن يثبت حقه بالطلب فإذا لم يطلب لم يثبت
حقه وههنا حق المولى في مالية الرقبة ثابت وإنما الحاجة إلى الرضا المسقط لحقه * يوضحه ان حق
الشفعة قبل الطلب ضعيف وإنما يتأكد بالطلب فاعراضه عن الطلب المؤكد لحقه يجعل دليل
الرضا لدفع الضرر عن المشترى فإنه إذا بقي حق الشفيع يتمكن به من نقض تصرف المشترى
وفيه من الضرر عليه مالا يخفى فاما هنا فحق المولى في مالية الرقبة متأكد وفي اسقاطه الحاق
الضرر به عند سكوته لدفع الضرر عمن يعمل العبد معه * وحجتنا في ذلك قوله عليه السلام
لا ضرر ولا ضرار في الاسلام وقال ألا من غشنا فليس منا ولو لم تتعين جهة الرضا عند سكوت
المولي عن النهى أدى إلى الضرر والغرور فالناس يعاملون العبد ولا يمتنعون من ذلك عند
محضر المولى إذا كان ساكتا وإذا لحقته ديون ثم قال المولى كان عبدي محجورا عليه فتتأخر
لديون إلى وقت عتقه ولا يدرى متى يعتق وهل يعتق أولا يعتق فيكون فيه أنواء حقهم ويلحقهم
فيه من الضرر مالا يخفى ويصير المولى غار الهم فلرفع الضرر والغرور جعلنا سكوته بمنزلة
الاذن له في التجارة والسكوت محتمل كما قال ولكن دليل العرف يرجح جانب الرضا
فالعادة أن من لا يرضى بتصرف عبده يظهر النهى إذا رآه يتصرف ويؤدبه على ذلك وإنما
12

يستحق عليه ذلك شرعا لدفع الضرر والغرور فهذا الدليل رجحنا جانب الرضى في سكوت
البكر كما في سكوت الشفيع يرجح جانب الرضى لدفع الضرر عن المشترى والدليل
عليه أنه بعدما أذن له في أهل سوقه لو حجر عليه في بيته لم يصح حجة لدفع الضرر والغرور
فلما سقط اعتبار حجره نصا لدفع الضرر فلا يسقط اعتبار احتمال عدم الرضى من سكوته
لدفع الضرر عن الناس كان أولى ولئن منع الشافعي هذا فالكلام في المسألة يبنى على الكلام
في تلك المسألة فان الكلام فيها أوضح على ما نبينه وهذا بخلاف الوكيل لأنه لا ضرر على من
يعامل الوكيل إذا لم يجعل سكوت الموكل رضى فان تصرف الوكيل نافذ على نفسه ومن
يعامله لا يطالب الموكل بشئ وإنما يطالب الوكيل سواء كان تصرفه لنفسه أو لغيره وقوله
هذا التصرف بسكوت المولى لا ينفذ قلنا لان في هذا التصرف إزالة ملك المولى عما بيعه
وفي إزالة ملكه ضرر متحقق للحال فلا يثبت بسكوته وليس في ثبوت الاذن ضرر على المولى
متحقق في الحال فقد يلحقه الدين وقد لا يلحقه ولو لم يثبت الاذن به تضرر الناس الذين
يعاملون العبد * يوضحه ان في ذلك التصرف العبد نائب عن المولى بدليل انه إذا لحقه عهدة
يرجع بها عليه فيكون بمنزلة الوكيل في ذلك وقد بينا ان الوكالة لا يثبت بالسكوت وأما في
سائر التصرفات فهو متصرف لنفسه كما قررنا والحاجة إلى اذن المولى لا جل الرضا تصرف
مالية رقبته إلى الدين فيثبت ذلك بمجرد سكوته لخلوه عن الضرر في الحال بخلاف ما إذا أتلف
انسان ماله وهو ساكت لان الضرر هناك يتحقق في الحال وسكوته لا يكون دليل التزام
الضرر حقيقة ولأنه لا حاجة إلى تعيين جانب الرضا هناك لدفع الضرر والغرور عن المتلف
وهو ملتزم الضرر باقدامه على اتلاف المال بخلاف ما نحن فيه على ما قررناه ولو قال لعبده أد إلى
الغلة كل شهر خمسه دراهم فهذا اذن منه له في التجارة لأنه استئداء المال مع علمه انه لا يتمكن
من ذلك الا بالاكتساب يكون أمرا له بالاكتساب ضرورة وقد علمنا أنه لم يطلب منه
الاكتساب بالتكدي فعرفنا أن مراده الاكتساب بالتجارة ودليل الرضا في الحكم كصريح
الرضا وكذلك لو قال إذا أديت إلى ألفا فأنت حر لأنه حثه على أداء المال بما أوجب له بإزاء
المال من العتق عند الأداء ولا يتمكن من الأداء الا بالاكتساب وقد علمنا أنه لم يرد أداء
الألف إليه من مال المولى لان ذلك غير مفيد في حق المولى وإنما المفيد في حقه أداء الألف
إليه من كسب يكتسبه بعد هذه المقالة وكذلك لو قال أد إلي ألفا وأنت حر فإنه لا يعتق ما لم
13

يود ولو قال إن أديت ألفا فأنت حر عتق في الحال أدى أولم يود ولو قال إذا أديت إلى ألفا وأنت
حر عتق في الحال أيضا بخلاف قوله فأنت حر فإنه لا يعتق فيه الا بالأداء لان جواب الشرط
بالفاء دون الواو فان الجزاء يتصل بالشرط على أن يتعقب نزوله بوجود الشرط وحرف الفاء
للوصل والتعقيب فيتصل فيه الجزاء بالشرط فاما حرف الواو فللعطف لا للوصل وعطف الجزاء
على الشرط لا يوجب تعليقه بالشرط فكان تنجيزا وأما جواب الامر بحرف الواو على معنى
أنه بمعنى الحال أي وأنت حرفي حال أدائك وأما صفة الامر يكون بمعنى التعليل يقول
الرجل أبشر فقد أتاك الغوث يعنى لأنه أتاك الغوث فإذا قال أد إلى ألفا فأنت حر معناه لأنك
حر فلهذا يتنجز به العتق في الحال وعلى هذا ذكر في السير الكبير إذا قال افتحوا الباب وأنتم
آمنون فما لم يفتحوا لا يأمنوا ولو قال فأنتم آمنون كانوا آمنين فتحوا أولم يفتحوا ولو قال إذا
فتحتم الباب فأنتم آمنون لا يأمنون ما لم يفتحوا ولو قال وأنتم آمنون كانوا آمنين في الحال
ولو قال لعبده اذهب فاجر نفسك من فلإن لم يكن هذا اذنا منه له في التجارة بخلاف قوله أقعد
قصارا وصباغا فان هناك لما لم يعتق من يعامله فقد فوض الامر إلى رأيه في ذلك النوع من
التجارة وههنا عين من يؤاجر العبد نفسه منه ولم يفوض الامر إلى رأيه فيه ولكنه جعله رسولا
قائما مقام نفسه في مباشرة العقد فلا يكون ذلك دليل الرضا بتجارته * يوضحه أنه أمره بان يعقد
على منافعه ههنا ومنافعه مملوكة للمولى فلا يكون ذلك على وجه الرضا بتجارته لا علي وجه
الاستخدام له وفى الأول أمره بتقبل العمل في ذمته وذلك من نوع التجارة (ألا ترى) أن
إجارة نفس العبد مملوكة للمولى فلا يكون ذلك على وجه الرضا بتجارته لا على وجه الاستخدام
له وفى الأول أمره بتقبل العمل في ذمته وذلك من نوع التجارة (ألا ترى) أن إجارة نفس
العبد مملوكة للمولى عليه وان يقبل العمل في ذمة العبد غير مملوك للمولى عليه واستشهد بما
لو أرسل عبدا له يؤاجر عبدا له آخر لم يكن هذا اذنا لواحد من العبدين في التجارة ولو قال
اعمل في النقالين أو في الحناطين أو قال أجر نفسك في النقالين أو الحناطين فهذا منه اذن في
التجارة لأنه فوض ذلك النوع من التجارة إلى رأيه لأنه لم يعين له من يعامله بل جعل تعيينه
موكولا إلى رأيه النقالون الذين ينقلون الخشب من الشطء إلى البيوت والحناطون ينقلون
الحنطة من موضع السفينة إلى البيوت وإنما يعمل ذلك منهم العبيد والأقوياء ولو أرسل عبده
يشترى له ثوبا أو لحما بدراهم لم يكن هذا اذنا له في التجارة استحسانا وفي القياس هو اذن له
14

في التجارة لأنه جعل اختيار من يعامله مفوضا إلى رأيه وفى الاستحسان لا يكون اذنا له في
التجارة فإنه في عادة الناس هذا استخدام ولو جعلناه اذنا في التجارة يتعذر على المولى استخدام
المماليك فان الاستخدام يكون في حوائج المولى وهذا النوع من العقد من حوائجه * يوضحه
أن المولى لا يقصد التجارة بهذا الشراء إنما يقصد كفاية الوقت من الكسوة والطعام والتجارة
ما يقصد به المال والاسترباح وكذلك لو أمره بان يشترى ثوب كسوة للمولى أو لبعض أهله
أو طعاما رزقا لأهله أو للمولى أو للعبد نفسه لا يكون شئ من ذلك اذنا له في التجارة أرأيت
لو أمره ان يشترى نقلا بفلسين أكان يصير به مأذونا وكذلك لو قال اشتر من فلان ثوبا فاقطعه
قميصا أو اشتر من فلان طعاما فكله أو دفع إليه راوية وحمارا وأمره أن يستقى عليه الماء
لمولاه ولعياله ولجيرانه بغير ثمن فشئ من هذا لا يكون اذنا له في التجارة لما قلنا ولو قال استق
على هذا الحمار الماء وبعه كان هذا اذنا له في التجارات كلها لأنه فوض إلى رأيه نوعا من التجارة
وقصد به تحصيل المال والربح ولو أن طحانا دفع إلى عبده حمارا لينقل عليه طعاما له فيأتيه
به ليطحنه لم يكن هذا اذنا منه له في التجارة لأنه استخدمه في نقل الطعام إليه وما أمره بشئ
من عقود التجارات ولا باكتساب المال (ألا ترى) ان المضاربة باعتبار هذا العمل لا تصح
حتى لو أمره أن ينقل الطعام إليه ليبيعه صاحب الطعام بنفسه على أن الربح بينهما نصفان
لا يجوز ولو أمره أن يتقبل الطعام من الناس باجر وينقله على الحمار كان هذا اذنا له في
التجارة لأنه فوض نوعا من التجارة إلى رأيه وأمره باكتساب المال له وأما إذا كان الرجل
تاجرا وله غلمان يبيعون متاعه بأمره فهذا اذن منه لهم في التجارة لان سكوته عن النهى عند
رؤية تصرف العبد جعل اذنا فتمكينه إياهم من بيع أمتعته في حانوته أو أمره إياهم بذلك
أولى أن يجعل اذنا ولذلك لو أمرهم أن يبيعوا لغيره متاعه فإنه فوض نوعا من التجارة إلى
رأيهم ورضي بالتزامهم العهدة فيما يبيعونه لغيرهم (ألا ترى) انه لو أمرهم أن يشتروا له
متاعا أو يشتروا ذلك لغيره فاشتروه لزمهم الثمن وهم تجار في تلك التجارة وغيرها فكذلك
إذا أمرهم بالبيع لان في الموضعين جميعا قد صار راضيا باستحقاق مالية رقبته بما يلحقه من
العهدة في ذلك التصرف (ألا ترى) أنهم إذا باعوا فوجد المشترى بالمبيع عيبا كان له أن
يرده عليهم ويطالبهم بالثمن ولو رأى عبده يبيع في حانوته متاعه لغيره فلم ينهه كان مأذونا
لسكوت المولى عن النهى بعد علمه بتصرفه ولكن لا يجوز ما باع من متاع المولى لأن جواز
15

البيع في ذلك المتاع يعتمد التوكيل وذلك يحصل بالأمر في الابتداء والإجازة في الانتهاء
والسكوت لا يكون أمرا ولا إجازة فلا يثبت به التوكيل (ألا ترى) ان فيما يبيع من
متاع المولى بأمره إذا لحقه عهدة يرجع على المولى وان الضرر يتحقق في حق المولى بزوال
ملكه عن المتاع في الحال فلهذا لا يثبت ذلك بالسكوت بخلاف صيرورته مأذونا فان ذلك
يعتمد الرضى لا التوكيل حتى لا يرجع بما يلحقه من العهدة في سائر التصرفات على المولى
ولا يتحقق الضرر في حق المولى بمجرد صيرورته مأذونا وكذلك عبد دفع إليه رجل
متاعا ليبيعه فباعه بغير أمر المولى والمولى يراه يبيع ولا ينهاه فهو اذن من المولى له في
التجارة والبيع في المتاع جائز بأمر صاحبه لا بسكوت المولى عن النهى حتى أن المولى وان
نهاه أولم يره أصلا كان البيع جائزا لأنه وكيل صاحب المتاع في البيع الا ان تأثر صيرورته
مأذونا في هذا التصرف من حيث إن العهدة تكون على العبد ولو نهاه المولى أولم يره كانت
العهدة على صاحب المتاع لان العبد المحجور لا يلزم العهدة في تصرفه لغيره وإذا تعذر ايجاب
العهدة عليه تعلقت العهدة بأقرب الناس بعده من هذا التصرف وهو الامر الذي انتفع
بتصرف العبد له وإذا اغتصب العبد من رجل متاعا فباعه ومولاه ينظر إليه فلم ينهه عنه فهذا
اذن له في التجارة لوجود دليل الرضى منه بتصرفه حين سكت عن النهى ولا ينفذ ذلك البيع
سواء باعه بأمر المولى أو بغير أمره لان في ذلك البيع إزالة الملك المغصوب منه فلا ينفذ الا
بإجازة فكذلك لو رأى عبده يبيع متاعا له بخمر أو أمره بالبيع والشراء بالخمر فإنه يكون مأذونا
له في التجارة لو جود الرضا منه بتجارته صريحا أو دلالة وان فسد ذلك العقد لكون البدل فيه
خمرا وإنما أورد هذه الفصول لا زالة اشكال الخصم انه لما لم ينفذ ذلك العقد بسكوته فكيف
يصير به مأذونا فان هذا العقد الفاسد لا ينعقد بأمره والعقد على المال المغصوب لا ينعقد بأمر
المولى أيضا ومع ذلك كان العبد به مأذونا ولو أرسل عبده إلى أفق من الآفاق بمال عظيم
يشترى له البز ونهاه عن بيعه فهذا اذن له في التجارة لأنه فوض نوعا من التجارة إلى رأيه
وهو شراء البز ورضى بتعلق الدين الواجب بشراء البز بماليه رقبته ولو رأى عبده يشترى بماله
فلم ينهه عن ذلك ومال المولى دراهم ودنانير فهذا اذن منه له في التجارة وما اشتراه العبد فهو لازم
له وللمولى أن يأخذ من الذي أجازه لان الدراهم والدنانير لا يعينان في العقود وإنما كان شرى
العبد بثمن في ذمته وقد صار المولى بسكوته عن النهى راضيا بتعلق الدين بماليه رقبته ولكن
16

لا يصير به راضيا بقضاء دينه من سائر أمواله كما لو صرح بالاذن له في التجارة وما نقد من
دراهم المولى مال آخر له فيكون العبد في قضاء الدين منه كالمستقرض له من مولاه والاقراض
بالسكوت لا يثبت فلهذا كان للمولى أن يأخذ ماله من الذي أخذه لأنه وجد عين ماله ويرجع ذلك
الرجل على العبد لان ثمن المقبوض لم يسلم له فينتقض قبضه ويبقى الثمن في ذمته على حاله ولو
كان مال المولى ذلك شيئا بعينه من العروض والمكيل والموزون سوى الدراهم والدنانير كان
كذلك إلا أن المولى إذا أخذه انتقض شراء العبد به لان العبد تعلق بعين ما أضيف إليه
فصار قبضه مستحقا بالعقد فإذا فات القبض المستحق فيه باستحقاق المولى بطل العقد بخلاف
الأول وإذا دفع إلى غلامه مالا وأمره أن يخرج به إلى بلد كذا و يدفعه إلى فلان فيشترى به
البر ثم يدفعه إليه حتى يأتي به مولاه ففعله لم يكن هذا اذنا له في التجارة لأنه استخدمه حين
أمره بحمل المال إليه ولم يفوض شيئا من العقود إلى رأيه وإنما جعل الشراء به إلى فلان ثم العبد
يأتيه بما يشتريه فلان له فيكون هذا استخداما وارسالا لا اذنا له في التجارة ولو دفع إلى عبده
أرضا له بيضاء فأمره أن يشترى طعاما فيزرعها ويتقبل الاجراء فيها فيكرون أنهارها
ويسقون زروعها ويكربونها ويؤدى خراجها فهذا اذن منه في التجارة لأنه فوض نوعا من
العقد إلى رأيه وقصد تحصيل الربح و المال بتصرفه ورضى بتعلق ثمن الطعام وأجرة الاجراء
بمالية رقبته فيكون به مأذونا له في التجارة ولو أمره أن يبيع له ثوبا واحدا يريد بذلك
الربح و التجارة فهو اذن له في التجارة لأنه فوض الامر إلى رأيه باختيار من يعامله في عقد
هو تجارة وكان قصده من ذلك تحصيل الربح وصار راضيا بالتزام العهدة في مالية رقبته ولو قال
قد أذنت لك في التجارة يوما واحدا فإذا مضى رأيت رأيا فهو مأذون له في التجارة أبدا حتى
يحجر عليه في أهل سوقه لان فك الحجر لا يقبل التخصيص بالوقت كما لا يقبل التخصيص
بالمكان ولو قال أذنت لك في التجارة في هذا الحانوت كان مأذونا له في جميع المواضع وهذا
لان الفك أنواع ثلاثة نوع هو لازم تام كالا عتاق ونوع هو لازم غير تام كالكتابة ونوع هو
غير لازم ولا تام كالاذن له في التجارة فكما أن النوعين الا آخرين لا يقبلان التخصيص
بالزمان و المكان فكذلك هذا النوع ثم تقييد هذا الاذن بوقت كتقييده بنوع وقد بينا أن
الاذن في نوع خاص يكون اذنا في جميع التجارات وكذلك الا ذن في يوم أو ساعة يكون
اذنا في جميع الأيام ما لم يحجر عليه في أهل سوقه وكذلك لو قال أذنت لك في التجارة في هذا
17

الشهر فإذا مضى هذا الشهر فقد حجرت عليك فلا تبيعن ولا تشترين بعد ذلك فحجره هذا
باطل لأنه أضاف الحجر إلى وقت منتظر وذلك غير صحيح كما لو قال لعبده المأذون قد حجرت
عليك رأس الشهر فإنه يكون باطلا و هذا لأنه إنما يحتمل الإضافة إلى وقت ما يحتمل التعليق
بالشرط والحجر لا يحتمل التعليق بالشرط فإنه لو قال إن كلمت فلانا فقد حجرت عليك كان
هذا باطلا فكذلك لا يحتمل الإضافة إلي وقت وفرق بين هذا وبين الاذن لأنه لو قال لعبده
المحجور إذا كان رأس الشهر فقد أذنت لك في التجارة فهو كما قال ولا يكون مأذونا حتى
يجئ رأس الشهر لان ذلك من باب الاطلاق والاطلاقات تحتمل الإضافة و التعليق بالشرط
لان في اطلاق معنى اسقاط حقه عن مالية رقبته فيكون نظير الطلاق و العتاق فأما الحجر
فمن باب التقييد لأنه رفع للاطلاق وهو في المعنى احراز لماليه رقبته حتى لا يصير مستهلكا
عليه بما يلحقه من الدين بعد ذلك فيكون في معنى التمليك لا يحتمل الإضافة إلى الوقت والتعليق
بالشرط أو يجعل الحجر بمنزلة الرجعة بعد الطلاق وبمنزلة عزل الوكيل وعزل الوكيل لا يحتمل
التعليق بالشرط في الإضافة إلى وقت بخلاف التوكيل وإذا أجر الرجل عبده من رجل فليس
هذا باذن منه له في التجارة لأنه اما يؤاجره للاستخدام ولو استخدمه لنفسه لا يصير به مأذونا
فكذلك إذا أجره من غيره للخدمة ولو أجره منه كل شهر باجر معلوم على أن يبيع له البر
ويشتريه جازت الإجارة لان المعقود عليه منافعه في المدة وهي معلومة فصار العبد مأذونا له في
التجارة لأنه رضى بتجارته والتزامه العهدة لسبب التجارة فما لزمه من دين فيما اشترى للمستأجر
رجع به عليه لأنه في التصرف له نائب كالوكيل فيرجع عليه بما لحقه من العهدة وما لزمه من
دين فيما اشترى لنفسه فهو في رقبته يباع فيه أو يفديه مولاه لان في هذا يتصرف لنفسه
لا للمستأجر إلا أن يقضى المولى عنه وللمكاتب أن يأذن لعبده في التجارة فكذلك المأذون له
أن يأذن لعبده في التجارة سواء كان عليه دين أولم يكن لان كل واحد منهما متصرف لنفسه
بفك الحجر عنه ثم الاذن في التجارة من صنيع التجار ومما يقصد به التجار تحصيل المال فيملك
المأذون والمكاتب ذلك وكذلك الشريك شركة عنان له أن يأذن لعبد من شركتهما في التجارة
وهو جائز على شريكه لأنه من عمل التجارة وكل واحد منهما نائب عن صاحبه فيما هو من
عمل التجارة وكذلك المضارب له ان يأذن لعبد من المضاربة في التجارة لأنه فوض إلى المضارب
ما هو من عمل التجارة في المال المدفوع إليه والاذن في التجارة من عمل التجارة واختلف
18

مشايخنا رحمهم الله في فصل وهو ان المضارب في نوع خاص إذا أذن لعبد من المضاربة في
التجارة ان العبد يصير مأذونا له في جميع التجارات أم في ذلك النوع خاصة فمهم من يقول يصير
مأذونا له في ذلك النوع خاصة لأنه إنما استفاد الاذن من المضارب والمضارب لا يملك التصرف الا
في ذلك النوع لان المضاربة تقبل التخصيص فكذلك المأذون من جهته (قال رضي الله عنه) والأصح
عندي أن يكون مأذونا في التجارات كلها لان السبب في حقه فك الحجر وهو لا يقبل
التخصيص والعبد متصرف لنفسه فإن كان الآذن له مضاربا لا يرجع بالعهدة على المضارب
ولا على رب المال لان المضارب نائب يرجع بما يلحقه من العهدة على رب المال ورب المال لم
يرض برجوعه عليه لعهدة نوع آخر من التصرف فاما هذا العبد فلا يرجع بالعهدة على رب المال
فهو والمأذون من جهة مولاه سواء (ألا ترى) ان عبد المضاربة لو جنى جناية لا يكون
للمضارب أن يدفعه بغير اختيار رب المال ولو أن عبدا لهذا العبد المأذون جنى جناية كان له
أن يدفعه بجنايته بغير محضر من المضارب ولا من رب المال ويجعل فيه كالمأذون من جهة
مولاه فهذا مثله وإذا أمر الرجل عبده بقبض غلة دار أو امره يقبض كل دين له على الناس
أو وكله بالخصومة منه في ذلك فليس هذا باذن له في التجارة فكذلك أن أمره بالقيام علي
زرع له أو أرض أو على عمال في بناء داره أو ان يحاسب غرماءه أو ان يقاضي دينه عن الناس
ويؤدى منه خراج أرضه أو يقضى عليه دينا لم يكن هو مأذونا له في التجارة بشئ من ذلك
لان ما أمره به من نوع الاستخدام لان من نوع التجارة فإنه ما فوض شيئا من عقود التجارة
إلى رأيه ولا رضي منه باكتساب سبب موجب للدين في مالية رقبته فلا يصير به مأذونا * فان
قيل لا كذلك ففي القبض اكتساب سبب موجب للدين في مالية رقبته لو ظهر أن المقبوض
مستحق * قلنا نعم ولكن تعلق الدين بمالية رقبته بهذا السبب لا يتوقف على اذن المولى به فان العبد
المحجور إذا قبض مالا من انسان فهلك في يده ثم استحق كان ذلك المال دينا في ذمته ويتعلق بمالية
رقبته وإنما الاذن ان يرضى المولى بتعلق الدين بماليه رقبته بسبب لولا اذنه لم يتعلق ذلك الدين
بمالية رقبته ولو أمره بقرية له عظيمة أن يؤاجر أرضها ويشترى الطعام ويزرع فيها ويبيع الثمار
فيؤدى خراجها كان اذنا له في جميع التجارات لأنه فوض الامر إلى رأيه في أنواع من التجارات
ورضى بتعلق الديون التي تلزمه بتلك التجارات بمالية رقبته فيصير به مأذونا له في التجارات ولو
قال لعبده اشتر لي البر أو الطعام أو قال اشتر لفلان البر أو الطعام فهذا اذن له في التجارة لأنه
19

رضى بتجارته وتعلق الدين بمالية رقبته سواء أضاف ذلك إلى نفسه أو إلى غيره أو إلى العبد بان
يقول اشتر لنفسك وكذلك لو كان العبد صغيرا الا انه يعقل البيع والشراء في جميع ذلك
وهذا عندنا وبيان هذه المسألة في الباب الذي يلي هذا في تصرفات الصبي حرا كان أو عبدا
وكذلك اذن القاضي لعبده اليتيم في التجارة لان للقاضي ولاية التجارة في مال اليتيم كما للأب
ذلك وللوصي ثم اذنهما في التجارة لعبد الصبي صحيح فكذلك اذن القاضي وان قال القاضي
للعبد اتجر في الطعام خاصة فاتجر في غيره فهو جائز بمنزلة اذن المولى وهذا لأنه ناب عن
الصبي في ذلك ولو كان المولى بالغا فقال لعبده اتجر في البر خاصة كان له أن يتجر في جميع
التجارات فكذلك إذا أذن له القاضي في ذلك وهذا لان الاذن من القاضي ليس على وجه
القضاء لأنه يملك رفعه بالحجر عليه فهو في ذلك كغيره وكذلك لو قال له القاضي اتجر في
البر خاصة ولا تتعد إلى غيره فانى قد حجرت عليك أن تعدوه إلى غيره فهو مأذون له في
جميع التجارات وقول القاضي ذلك باطل لان تقييد الاذن بنوع كان باطلا فقوله بعد ذلك
فانى قد حجرت عليك أن تعدوه إلى غيره حجر خاص في اذن عام أو حجر معلق بشرط
أن لا يعدوه إلى غيره وذلك باطل فان دفع هذا العبد إلي القاضي وقد اتجر في غير ما أمر به
فلحقه من ذلك دين فأبطله القاضي وقضى بذلك على الغرماء ثم رفع إلى قاض آخر أمضى قضاءه
وأبطل دينهم لأنه أمضي فصلا مجتهدا فيه بقضائه وبين العلماء اختلاف ظاهر في أن الاذن في
التجارة هل يقبل التخصيص وقضاء القاضي في المجتهدات نافذ وليس لاحد من القضاة أن
يبطله بعد ذلك وهذا بخلاف أمره إياه في الابتداء أن لا يتصرف الا في كذا لان ذلك الامر
ليس بقضاء لان القضاء يستدعي مقضيا له ومقضيا عليه ولم يوجد ذلك عند الامر فاما قضاؤه
بابطال ديون الغرماء بعد ما لحقه فقضاء صحيح منه لوجود المقضى له والمقضى عليه فلا يكون
لاحد من القضاة أن يبطله بعد ذلك وهو نظير ما لو حجر القاضي على سفيه فان حجره لا
يكون قضاء منه حتى أن لغيره من القضاة أن يبطل حجره ولو تصرف هذا السفيه بعد الحجر
فرفع تصرفه إلى القاضي فأبطله كان هذا قضاء صحيحا منه حتى لا يكون له ولا لغيره من
القضاة أن يصحح ذلك التصرف بعد ذلك والله أعلم بالصواب
(باب الاذن للصبي الحر والمعتوه)
(قال رحمه الله) وإذا أذن الرجل لا بنه الصغير في التجارة أو في جنس منها وهو
20

يعقل البيع والشراء فهو مأذون له في التجارات كلها مثل العبد المأذون عندنا وقال الشافعي
رحمه الله الاذن له في التجارة باطل إذا كان صغيرا أو معتوها حرا كان أو مملوكا وأصل
المسألة ان عبارته صالحة للعقود الشرعية عندنا فيما يتردد بين المنفعة والمضرة وعنده هي غير
صالحه حتى لو توكل بالتصرف عن الغير نفذ تصرفه عندنا ولم ينفذ عنده احتج بقوله تعالى حتى
إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فقد شرط البلوغ وايناس الرشد لجواز دفع المال إليه
وتمكينه من التصرف فيه فدل انه ليس باهل للتصرف قبل ذلك قال تعالى ولا تؤتوا السفهاء
أموالكم التي جعل الله لكم قياما والمراد الصبيان والمجانين انه لا يدفع إليهم أموالهم بدليل
قوله تعالى وارزقوهم فيها واكسوهم فالاذن له في التجارة لا ينفك عن دفع المال إليه ليتجر
فيه والمعنى فيه أنه غير مخاطب فلا يكون أهلا للتصرف كالذي لا يعقل وهذا لان التصرف
كلام وإنما تبنى الأهلية على كونه أهلا لكلام ملزم شرعا وذلك ينبنى على الخطاب (ألا ترى)
أنه لعدم الخطاب بقي مولى عليه في هذه التصرفات ولو صار باعتبار عقله أهلا لمباشرتها لم
يبق مولى عليه فيها لان كونه مولى عليه لعجزه عن المباشرة لنفسه والأهلية للتصرف آية
القدرة وهما متضادان فلا يجتمعان * يوضحه ان اعتبار عقله مع النقصان لأجل الضرورة وإنما
تتحقق هذه الضرورة فيما لا يمكن تحصيله بوليه فجعل عقله في ذلك معتبرا ولهذا صحت منه
الوصية باعمال البر وخيرته بين الأبوين ولا تتحقق الضرورة فيما يمكن تحصيله بوليه فلا
حاجة إلى اعتبار عقله فيه ولان ما به كان محجورا عليه لم يزل بالاذن فان الحجر عليه لا جل الصبا
أو لنقصان عقله لا لحق الغير في ماله إذ لاحق لاحد في ماله وهذا المعنى بعد الاذن قائم
والدليل عليه أن للمولى أن يحجر عليه فلو زال سبب الحجر بإذن الولي لم يكن له الحجر عليه
بعد ذلك وهذا بخلاف العبد فان الحجر هناك لحق المولى في كسبه ورقبته وبالاذن صار
المولى راضيا بتصرفه في كسبه وبخلاف السفيه فالحجر عليه لمكابره عقله وذلك ليس بوصف
لازم ولا يجوز الا ذن له الا بعد زواله إلا أن اذن القاضي إياه دليل زواله * وحجتنا في ذلك قوله
تعالى وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح والابتلاء هو الامتحان بالاذن له في التجارة ليعرف
رشده وصلاحه فلو تصرف بدون مباشرتهم لا يتم به معنى الابتلاء ثم علق إلزام دفع المال
إليه بالبلوغ وذلك عبارة عن زوال ولاية الولي عنه وبه نقول إن ذلك لا يثبت ما لم يبلغ وقال
تعالى وآتوا اليتامى أموالهم واسم اليتيم حقيقة يتناول الصغير فعرفنا أن دفع المال إليه وتمكينه
21

من التصرفات جائز إذا صار عاقلا والمراد بقوله ولا تؤتوا السفهاء أموالكم الذين لا يعقلون
أو المراد النساء وهو أن الرجل يدفع المال لزوجته ويجعل التصرف فيه إليها وذلك منهى عنه
عندنا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة قم يا عمر فزوج أمك من رسول
الله صلى الله عليه وسلم وكان ابن سبع سنين ورأي رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله
ابن جعفر يبيع لعب الصبيان في صغره فقال بارك الله لك في صفقتك فقد مكن الصبي من
التصرف فدل ان عبارته صالحة لذلك والمعنى فيه أنه محجور اذن وليه له وعرفه فينفذ تصرفه
كالعبد وهذا لأنه مع الصغر أهل للتصرف إذا كان عاقلا لأنه مميز والأهلية للتصرف بكونه
متكلما عن تمييز وبيان لاعن تلقين وهذيان وقد صار مميزا الا ان الحجر عليه لدفع الضرر
عنه ولهذا سقط عنه الخطاب لان في توجيه الخطاب عليه اضرارا به عاجلا (ألا ترى) أنه
جعل أهلا للنوافل من الصلوات والصيام لأنه لا ضرر عليه في ذلك ولو توجه عليه الخطاب
ربما لا يؤدى للحرج ويبقي في وباله وهذا لان الصبي يقرب من المنافع ويبعد من المضار
فان الصبا سبب للمرحمة واعتبار كلامه في التصرف محض منفعة لان الآدمي باين سائر
الحيوانات بالبيان وهو من أعظم المنافع عند العقلاء وهذه منفعة لا يمكن تحصيلها له برأي
المولى ولهذا صح منه من التصرفات ما يتمحض منفعة وهو قبول الهبة والصدقة فاما ما يتردد
بين المنفعة والمضرة فيعتبر فيه انضمام رأى إلى رأيه لتوفير المنفعة عليه فلو نفذنا ذلك منه قبل
الا ذن ربما يتضرر به ويزول هذا المعنى بانضمام رأى الولي إلى رأيه ولهذا لو تصرف قبل اذن
الولي فأجازه الولي جاز عندنا وهذا لأنه يتردد حاله بين أن يكون ناظرا في عاقبة أمره بما
أصاب من العقل وبين أن لا يكون ناظرا في ذلك بنقصان عقله ولا يحل للولي أن يأذن له
شرعا ما لم يعرف منه حسن النظر في عاقبه الامر فكان اذن الولي له دليل كمال عقله أو
حسن نظره في عاقبة أمره كاذن القاضي للسفيه بعد الحجر عليه أو فيه توفير المنفعة عليه حين
لزم التصرف بانضمام رأى الولي إلى رأيه فإذا اعتبرنا عقله في هذا الوجه اتسع توفير طريق
المنفعة عليه لأنه يحصل له منفعة التصرف بمباشرته وبمباشرة وليه وذلك أنفع له من أن يسد عليه
أخذ الناس ويجعل لتحصيل هذه المنفعة طريقا واحد الا ان نظره في عاقبة الا مر ووفور عقله
متردد قبل بلوغه فلاعتبار وجوده ظاهرا يجوز للولي أن يأذن له ولتوهم القصور فيه يبقى ولاية
الولي عليه ويتمكن من الحجر عليه بعد ذلك وهو كالسفيه فان القاضي بعدما أطلق عنه الحجر
22

إذا أراد أن يحجر عليه جاز ذلك لهذا المعنى إذا عرفنا هذا فنقول اقراره بعد اذن الولي له
بعين أو دين لغيره صحيح لأنه صار منفك الحجر عنه بالاذن فهو كما لو صار منفك الحجر عنه
بالبلوغ وهذا اشكال الخصم علينا فإنه يقول اقرار الولي عليه باطل فكيف يستفيد هو بإذن الولي
مالا يملك الولي مباشرته ولكنا نقول الولي إنما لا يملك مباشرته لأنه لا يتحقق ذلك
منه فالاقرار قول من المرء على نفسه وما ثبت على الغير فهو شهادة واقرار الولي على الصبي
قول على الغير فيكون شهادة وشهادة الفرد لا يكون حجة فأما قوله بعد الاذن اقرار منه على
نفسه وهو من صنيع التجار ومما لا تتم التجارة الا به لان الناس إذا علموا ان اقراره لا يصح
يتحرزون عن معاملته فمن يعامله لا يتمكن من أن يشهد عليه شاهدين في كل تصرف فلهذا
جاز اقراره في ظاهر الرواية وكما يجوز اقراره فيما اكتسبه يجوز فيما ورثه عن أبيه وفي رواية
الحسن عن أبي حنيفة لا يجوز اقراره فيما ورثه عن أبيه لان صحة اقراره في كسبه لحاجته إلى
ذلك في التجارات وهذه الحاجة تنعدم في الموروث من أبيه * وجه ظاهر الرواية ان انفكاك
الحجر عنه بالاذن في حكم اقراره بمنزلة انفكاك الحجر عنه بالبلوغ بدليل صحة اقراره فيما اكتسبه
فكذلك فيما ورثه لان كل واحد من المالين ملكه وهو فارغ عن حق الغير وهذا لأنه إذا
انضم رأى الولي إلى رأيه التحق بالبالغ ولهذا نفذ أبو حنيفة رحمه الله تصرفه بعد الاذن في
الغبن الفاحش على ما نبينه في موضعه فكذلك في حكم الاقرار يلتحق بالبالغ ثم صحة الاذن له من
وليه ووليه أبوه ثم وصى الأب ثم الجد أب الأب ثم وصيه ثم القاضي أو وصي القاضي فأما
الأم أو وصى الأم فلا يصح الاذن منهم له في التجارة لأنه غير ولى له في التصرفات مطلقا بل
هو كالأجنبي الا فيما يرجع إلى حفظه ولهذا لا يملك بيع عقاره والاذن في التجارة ليس من
الحفظ فلهذا لا يملكه ولو أقر الصبي المأذون بغصب أو استهلاك في حال اذنه أو أضافه إلى
ما قبل الاذن جاز اقراره بذلك لان ضمان الغصب والاستهلاك من جنس ضمان التجارة ولهذا
صح اقراره به من العبد المأذون وكان مؤاخذا به في الحال وانفكاك الحجر عنه بالاذن كانفكاك
الحجر عنه بالبلوغ ولو أقر بعد البلوغ انه فعل شيئا من ذلك في صغره كان مؤاخذا به في
الحال فكذلك إذا أقر بعد الاذن ولو كاتب هذا الصبي مملوكه لم يجز لأنه منفك الحجر عنه
في التجارة والكتابة ليست من عقود التجارة (ألا ترى) ان العبد المأذون لا يملكها ولا يقال
فالأب والوصي يملك الكتابة في عبد الصبي وهذا لان تصرفهما مقيد بشرط النظر ويتحقق
23

في الكتابة النظر وأما تصرف الصبي بعد الاذن فمقيد بالتجارة والكتابة ليست بتجارة ولهذا
لا يملك الصبي المأذون تزويج أمته في قول أبي حنيفة ومحمد وإن كان الأب والوصي يملكان
ذلك وأما تزويج العبد فلا يملكه الصبي لأنه ليس بتجارة ولا يملك أبوه ووصيه لأنه ليس
فيه نظر للصبي بل فيه تعيب العبد والزام المهر والنفقة عليه من غير منفعة للصبي فيه وكذلك
لو كبر الصبي فأجازه لم يجز لأنه إنما يتوقف على الإجازة ماله مجيز حال وقوعه ولا مجيز لهذا
التصرف حال وقوعه فتعين فيه جهة البطلان وكذلك العتق على مال لا يصح من الصبي لأنه
ليس من التجارة ولا من الولي لأنه لا منفعة للصبي في ذلك بل فيه ضرر به من حيث إنه يزول
ملكه في الحال ببدل في ذمة مفلسه ولو أجازه الصبي بعد الكبر لم يجز لأنه لا مجيز له عند
وقوعه وكذلك لو فعله أجنبي بخلاف ما لو زوج الأجنبي أمته أو كاتب عبده فأجازه الصبي
بعد ما كبر فهو جائز لان لهذا التصرف مجيزا حال وقوعه وهو وليه والولي في الإجازة ناظر
له فإذا صار من أهل أن يستبد بالنظر لنفسه نفذ بإجازته وهذا هو الأصل فيه أن كل شئ
لا يجوز للأب والوصي أن يفعلاه في مال الصبي فإذا فعله أجنبي فأجازه الصبي بعدما كبر
فهو جائز لان الإجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء وهذه التصرفات تنفذ بالاذن في
الابتداء ممن قام رأيه مقام رأى الصبي فينفذ بالإجازة في الانتهاء من ذلك الآذن أو من
الصبي بعدما كبر لأنه هو الأصل في هذا النظر ولو زوج هذا الصبي عبده أمته أو فعل
ذلك أبوه أو وصيه لم يجز عندنا خلافا لزفر وقد بيناه في كتاب النكاح قال (ألا ترى) أن
الأمة لو بيعت فأعتقت لحق العبد نفقتها فدل على أنه لا ينفك عن معني الضرر في حق الصبي
ويستوى في ذلك أن كان على الصبي دين أولم يكن لان الدين في ذمته وولاية الولي عليه لا تتعين
بلحوق الدين إياه بخلاف العبد ولو كان للصبي امرأة فخلعها أبوه أو أجنبي أو طلقها أو أعتق
عبده ثم أجاز الصبي بعد ما كبر فهو باطل لأنه لا مجيز لهذا التصرف عند وقوعه فالطلاق
والعتاق محض ضرر عاجل في حقه فلا يعتبر فيه عقله ولا ولاية الولي عليه لان ثبوت الولاية
عليه لتوفير المنفعة له لا للاضرار به وإذا قال حين كبر قد أوقعت عليها الطلاق الذي أوقع
عليها فلان أو قد أوقعت على العبد ذلك العتق الذي أوقعه فلان وقع الطلاق والعتاق لان هذا
اللفظ ايقاع مستقبل (ألا ترى) أنه يملك الايقاع ابتداء بهذا اللفظ فيكون اضافته إلى أوقع
فلان لتعريف العدد والصفة لا أن يكون أصل الايقاع من فلان لكنه من الموقع في الحال
24

وهو من أهله بخلاف الإجازة منه فان الإجازة تقيد للتصرف الذي باشره فلان (ألا ترى) أن
ايقاع الطلاق والعتاق بلفظ الإجازة منه لا يصح ابتداء وقد تعينت جهة البطلان فيما باشره قبل
بلوغه فاجازته لذلك بعد البلوغ تكون لغوا وإذا باع الصبي وهو يعقل البيع عبدا من رجل
بألف درهم وقبض الثمن ودفع العبد ثم ضمن رجل للمشترى ما أدركه في العبد من درك
فاستحق العبد من يد المشترى فإن كان الصبي مأذونا رجع المشترى بالثمن أن شاء على الصبي
وان شاء على الكفيل لان الكفالة التزام المطالبة بما على الأصيل فالصبي المأذون مطالب بضمان
الدرك عند الاستحقاق فيصح التزام الكفيل عنه ذلك ويتخير المشترى فان رجع على الكفيل
رجع الكفيل على الصبي إن كان كفل بأمره لأن هذه الكفالة تبرع على الصبي لا منه وهو
في التبرع عليه كالبالغ وأمر الغير بالكفالة معتبر إذا كان مأذونا بمنزلة استقراضه وإن كان الصبي
محجورا عليه فالضمان عنه باطل لأنه غير مطالب بضمان الاستحقاق فالكفيل عنه التزم
مالا مطالبة عليه فيه فلهذا لا يجب على الكفيل شئ ولا على الصبي أيضا إن كان الثمن قد
هلك في يده أو استهلكه لان فعله كان بتسليط صحيح من المشترى حين سلم الثمن إليه وإن كان
قائما بعينه في يده أخذ المشترى لأنه وجد عين ماله وإن كان الرجل ضمن للمشترى في أصل
الشراء أو ضمنه قبل أن يدفع المشترى الثمن إلى الصبي ثم وقع الثمن على لسان الكفيل ثم
استحق العبد من يده فالضمان جائز ويأخذ المشترى الكفيل بالثمن لان المشترى إنما سلم
الثمن إلى الصبي على أن الكفيل ضامن له فتسليمه على هذا الشرط صحيح لان الكفيل ملتزم
لهذا الضمان وهو من أهله بخلاف الأول فهناك الدفع حصل على أن الصبي ضامن له والصبي
المحجور ليس من أهل التزام هذا الضمان ثم الكفيل بعد ذلك التزم مطالبة ليست على الأصيل
فكان باطلا (ألا ترى) أن رجلا لو قال لرجل ادفع إلى هذا الصبي عشرة دراهم ينفقها على
نفسه على أنى ضامن لها حتى أردها عليك والصبي محجور عليه ففعل كان ضمانها على الكفيل
ولو كان دفع الدراهم أولا إلى الصبي وأمره أن ينفقها على نفسه ثم ضمنها له رجل بعد الدفع كان
ضمانه باطلا والفرق ما بينا وإذا اشترى الصبي المأذون عبدا فأذن له في التجارة فهو جائز
لان الاذن في التجارة من صنيع التجار ومما يقصد به تحصيل الربح ولهذا صح من العبد
المأذون فكذلك من الصبي المأذون وكذلك لو أذن له أبوه أو وصيه في التجارة لان تصرفهما
في كسبه وان مأذونا صحيح بمنزلة البيع والشراء سواء كان على الصبي دين أولم يكن لان
25

دين الحرفي ذمته لا تعلق له بماله بخلاف دين المأذون فإنه يتعلق بكسبه ويصير المولى من التصرف
في كسبه كأجنبي آخر إذا كان الدين مستغرقا واذن القاضي أو الوالي الذي استعمل القاضي لعبد
الصبي في التجارة صحيح منزلة اذنه للصبي لأنه ولاية التصرف عليه فيما يرجع إلى النظر له
ثابت عند عدم الأب والوصي للقاضي أو الوالي واذن أمير الشرط ومن لم يول القضاء له في ذلك
باطل لأنه لا ولاية لهؤلاء عليه في التصرف في نفسه وماله والمعتوه الذي يعقل البيع والشراء
بمنزلة الصبي في جميع ذلك لأنه مولى عليه كالصبي ولكنه يعقل التصرف وفي اعتبار عقله توفير
المنفعة عليه كما قررنا في الصبي وهذا بخلاف التخيير بين الأبوين فإنه لا يعتبر عقل الصبي في ذلك
عندنا لأن الظاهر أنه يختار ما يضره لأنه يميل إلى من لا ينفعه ولا يؤاخذه بالآداب فلم يكن
في هذا التخيير توفير المنفعة عليه ولهذا لا يعتبر عقله في باب الوصية لان الوصية ليست من
التصرفات التي فيها المنفعة له باعتبار الوضع بل هو نظير الهبة في حياته وإن كان المعتوه
لا يعقل البيع والشراء فأذن له أبوه أو وصيه في التجارة لا يصح لأنه بمنزلة الصبي الذي
لا يعقل يتكلم عن هذيان لاعن بيان ولو أذن للمعتوه الذي يعقل البيع والشراء في التجارة
ابنه كان باطلا لأنه لا ولاية للابن على الأب في التصرف في ماله وقد بينا ان الاذن في
التجارة لا يصح ممن لا يثبت له ولاية التصرف مطلقا وعلى هذا لو أذن له أخوه أو عمه أو
واحد من أقربائه سوى الأب والجد فاذنه باطل لما قلنا
(باب الحجر على الصبي والعبد والمعتوه)
(قال رحمه الله) إذا باع العبد المأذون له في التجارة واشترى فلحقه دين أولم يلحقه ثم
أراد مولاه أن يحجر عليه فليس يكون الحجر عليه الا في أهل سوقه عندنا وقال الشافعي
صحيح وإن لم يعلم به أحد من أهل سوقه وهو بناء على مسألة الوكالة ان عزل الوكيل لا يصح
الا بعلمه عندنا وعنده يصح بغير علمه فكذلك الحجر على العبد عنده يصح بغير علم العبد
وبغير علم أهل السوق له لان الاذن عنده إنابة كالتوكيل وهذا لان المولى يتصرف في
خالص حقه فلا يتوقف تصرفه على علم الغير به ولان الاذن لا يتعلق به اللزوم فلو لم يملك
الحجر عليه الا في أهل سوقه لثبت به اللزوم من وجه ثم الاذن صحيح وإن لم يعلم به أهل
سوقه فكذلك الحر الذي يرفعه وعزل الوكيل صحيح بعلمه وإن لم يعلم به من يعامله فكذلك
26

الحجر على العبد ولكنا نشترط علم أهل السوق لدفع الضرر والغرور عنهم فان الاذن عم وانتشر
فيهم فهم يعاملونه بناء على ذلك فلو صح الحجر بغير علمهم تضرروا به لان العبد ان اكتسب
ربحا أخذه المولى وان لحقه دين أقام البينة إن كان قد حجر عليه فتتأخر حقوقهم إلى ما بعد العتق
ولا ندري أيعتق أم لا ومتى يعتق والمولى بتعميم الاذن يصير كالفار لهم فلدفع الضرر قلنا لا يثبت
الحجر ما لم يعلم به أهل سوقه ثم هو بالحجر يلزمهم التحرز عن معاملته والخطاب الملزم للغير
لا يثبت حكمه في حقه ما لم يعلم به كخطاب الشرع (ألا ترى) ان أهل قباء كانوا يصلون إلى
بيت المقدس بعد الامر باستقبال الكعبة وجوز لهم ذلك لأنهم لا يعلمون به وهذا لأنه لا يتمكن
من الائتمار الا بعد العلم به الا ان في الوكالة شرطنا علم الوكيل لدفع الضرر عنه ولا يشترط علم
أهل السوق لأنه لا ضرر عليهم في العزل فان تصرفهم معه نافذ سواء كان وكيلا أولم يكن ثم
الحجر رفع الاذن وإنما يرفع الشئ ما هو مثله أو فوقه فإذا كان الاذن منتشر الا يرفعه الا حجر
منتشر وكان ينبغي أن يشترط اعلام جميع الناس بذلك الا ان ذلك ليس في وسع المولى والتكليف
ثابت بقدر الوسع والذي في وسعه اشهار الحجر بان يكون في أهل سوقه لان أكثر معاملاته
مع أهل سوقه وما ينتشر فيهم يصل خبره إلى غيرهم عن قريب فان حجر عليه في بيته ثم باع
العبد أو اشترى ممن قد علم بذلك فبيعه وشراؤه جائز لان شرط صحة الحجر التشهير ولم يوجد
فلا يثبت حكمه في حق من علم به كما لا يثبت في حق من لم يعلم به وهذا لان الحجر لا يقبل
التخصيص كالاذن ولم يمكن اثباته في حق من لم يعلم به فلو ثبت في حق من علم به كان حجرا
خاصا وذلك لا يكون (ألا ترى) انه لو أذن له في أن يشترى ويبيع من قوم بأعيانهم ونهاه
عن آخرين فبايع الذين نهاه عنهم كان جائزا وهذا بخلاف خطاب الشرع فان حكمه ثبت
في حق من علم به لان الخطاب مما يقبل التخصيص وكل واحد من المخاطبين الحكم في حقه
كأنه ليس معه غيره وإذا أتى المولي بعبده إلى أهل سوقه فقال قد حجرت على هذا فلا تبايعوه
كان هذا حجرا عليه لان المولي أتى بما في وسعه وهو تشهير الحجر فيقام ذلك مقام علم جميع
أهل السوق به بمنزلة الخطاب بالشرائع فان الذمي إذا أسلم ولم يعلم بوجوب الصلاة عليه
حتى مضى زمان يلزمه القضاء لاشهار حكم الخطاب في دار الاسلام والحربي إذا أسلم في دار
الاسلام لا يلزمه القضاء ما لم يعلم لان حكم الخطاب غير منتشر في دار الحرب ثم المولي قد
أنذرهم بما أتى به من الحجر عليه في أهل سوقه وقد أعذر من أنذر فيخرج به من أن يكون
27

غارا لهم أو مضرا بهم بعد ذلك ولكن هذا إذا كان بمحضر الأكثر من أهل سوقه فإن كان
إنما حضر ذلك من أهل سوقه رجل أو رجلان لم يكن ذلك حجر حتى يحضر الأكثر من
أهل سوقه لان المقصود ليس عين السوق (ألا ترى) أنه لو أتى به إلى سوقه ليلا وجعل
ينادى قد حجرت على هذا لم يكن ذلك معتبرا فعرفنا أن المقصود علم أهل السوق وليس في
وسعه اعلام الكل فيقام الأكثر مقام الكل فإذا حضر ذلك الأكثر من أهل سوقه يجعل ذلك
كحضور جماعتهم فثبت حكم الحجر في حق من علم به وفي حق من لم يعلم به وإن لم يحضر ذلك أكثر
أهل السوق جعل كأنه لم يحضر أحد منهم (ألا ترى) انه لو دعا برجل من أهل سوقه إلى
بيته وحجر عليه بمحضر منه لم يكن حجرا ولو دعا إلى منزله جماعة من أهل سوقه فأشهدهم
انه قد حجر عليه كان حجرا وهذا لان ما يكون بمحضر من الجماعة قل ما يخفى فاما ما يكون
بمحضر الواحد والمثنى فقد يخفى على الجماعة وشرط صحة الحجر تشهيره فإذا كان عند جماعة من أهل
سوقه فقد وجد شرطه ولو خرج العبد إلى بلد للتجارة فأنى المولى أهل سوقه فأشهدهم انه قد
حجر عليه والعبد لا يعلم بذلك لم يكن هذا حجرا عليه لأنه إنما خرج ليعامل غير أهل سوقه
فباعلام أهل السوق لا يتم معنى دفع الضرر والغرور ولان علم العبد بالحجر شرط لثبوت حكم
الحجر في حقه كعلم الوكيل بالغرور وهذا لان العبد يتضرر لصحة الحجر عليه قبل علمه لأنه
يتصرف على أن يقضى ديونه من كسبه ورقبته فإذا لحقه دين وأقام المولى البينة انه قد كان حجر
عليه تأخر ديونه إلى عتقه وبعد العتق يلزمه أداؤها من خالص ماله وفيه من الضرر عليه ما لا يخفى
وكذلك لو كان العبد في المصر ولكنه لم يعلم بالحجر فليس هذا بحجر عليه بل ينفذ تصرفه مع
أهل سوقه ومع غيرهم ما لم يعلم بالحجر فإذا علم العبد بذلك بعد يوم أو يومين فهو محجور
عليه حين علم وما اشترى وباع قبل أن يعلم فهو جائز لان شرط صحة الحجر علمه به فكل
تصرف سبق ما هو شرط الحجر فهو كالتصرف الذي سبق الحجر وكل تصرف كان بعد
علمه بالحجر فهو باطل لان دفع الضرر والغرور قد حصل بعلمه بالحجر فإن كان المولى يراه
يشترى ويبيع بعدما حجر عليه قبل أن يعلم به العبد فلم ينهه ثم علم به العبد فباع أو اشترى
بعد علمه فالقياس في هذا أن يكون محجورا وأن لا تكون رؤيته إياه يبيع ويشترى اذنا
مستقبلا لأنه كان مأذونا على حاله حين رآه يشترى ويبيع والسكوت عن النهى دليل الرضا
فإنما يعتبر ذلك في حق من لا يكون مأذونا لرفع الحجر به فاما في حق من هو مأذون فسكوته
28

عن النهى وجودا وعد ما بمنزلته ولكنه استحسن وجعل ذلك اذنا من المولى له في التجارة
وابطالا لما كان اشهد به من الحجر لان الحجر كان موقوفا على علم العبد به والحجر الموقوف
دون الحجر النافذ ثم رؤيته تصرف العبد وسكوته عن النهى لما كان رافعا للحجر النافذ الذي
قد علمه العبد فلان يكون رافعا للحجر الموقوف أولى وهذا لان السكوت بمنزلة الإذن الصريح
ولو قال بعد ذلك الحجر قد أذنت لك في التجارة كان هذا اذنا مبطلا لذلك الحجر
الموقوف فكذلك إذا سكت عن النهى فان ذلك الحجر كان لكراهة تصرفه والسكوت
عن النهى بعد الرؤية دليل الرضا بتصرفه والرضا بعد الكراهة كامل وإذا أذن له في التجارة ولم
يعلم بذلك أحد سوى العبد حتى حجر عليه بعلم منه بغير محضر من أهل سوقه فهو محجور عليه
لوصول الحجر إلى من وصل إليه الاذن وهو العبد فبه تبين أن الحجر مثل الاذن والشئ يرفعه
ما هو مثله ثم اشتراط علم أهل السوق بالحجر كان لدفع الضرر والغرور عنهم وذلك المعنى لا يوجد
هنا لا نهم لم يعلموا بالاذن ليعاملوه بناء على ما علموه فان علم بعد ذلك أهل سوقه باذنه ولم
يعلموا بالحجر عليه فالحجر صحيح لأنه لما كان الحجر قبل علمهم بالاذن فقد بطل به حكم ذلك الاذن
وإنما علموا بعد ذلك باذن باطل بخلاف ما لو علموا بالاذن قبل قول المولي حجرت عليه
ولكنهم لم يعاملوه حتى كان الحجر من المولي عليه لان الحجر ههنا باطل ما لم يعلم به أهل سوقه
لان الاذن قد انتشر فيهم حين علموا به فلا يبطله الا حجر منتشر فيهم ولو لم يعلم بالاذن غير
العبد ثم حجر عليه والعبد لا يعلم به فاشترى وباع كان مأذونا والحجر باطل لأنه ما وصل
الحجر إلى من وصل إليه الاذن وهو العبد وهو نظير عزل الوكيل فإنه إذا علم بالوكالة ولم يعلم
بالعزل لا يصير معزولا سواء كان الوكيل عبدا له أو حرا فكذلك حكم الحجر وإذا أذن العبد
في التجارة فاشترى وباع وهو لا يعلم باذن المولي ولم يعلم به أحد فليس هو بمأذون ولا يجوز
شئ من تصرفاته لان حكم الخطاب لا يثبت في حق المخاطب ما لم يعلم به خصوصا إذا كان
ملزما إياه وهذا خطاب ملزم لأنه لا يطالب بعهدة تصرفاته قبل الاذن في الحال ويطالب بذلك
بعد الآن فكما لا يثبت حكم الحجر في حقه ما لم يعلم به لدفع الضرر عنه فكذلك حكم الاذن فان
علم بعد ذلك فباع واشترى جاز ما فعله بعد العلم بالاذن ولم يجز ما قبله لأنه حين علم فإنما تم شرط
الاذن في حقه الآن وكأنه اذن له في الحال فلا يؤثر هذا الاذن فيما كان سابقا عليه من تصرفاته
ولو أمر المولي قوما أن يبايعوه فبايعوه والعبد لا يعلم بأمر المولي كان شراؤه وبيعه معهم جائزا
29

هكذا ذكر هنا وفي الزيادات قال إذا قال الأب لقوم بايعوا ابني والابن لا يعلم بذلك فان أخبروه
بمقالة الأب قبل أن يبايعوه نفذ تصرفهم معه وإن لم يخبروه لم ينفذ وفى الوكالة ذكر المسألة
في الموضعين إذا قال اذهب فاشتر عبدي هذا من فلان قال في أحد الموضعين ان أعلمه
بمقالة الموكل صح شراؤه منه وقال في الموضع الآخر وإن لم يعلمه ذلك ولكنه اشتراه منه
جاز شراؤه فقيل في الفصول كلها روايتان في احدى الروايتين الاذن في الابتداء كالإجازة
في الانتهاء واجازته كاملة في نفوذ التصرف سواء علم به من باشر التصرف أولم يعلم وكذلك
أمره بالتصرف في الابتداء وفي الرواية الأخرى قال هو ملزم في حق المتصرف والالزام
لا يثبت في حقه ما لم يعلم به وقيل إنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع ففي الزيادات
وضع المسألة في الحر ولى للأب ولاية إلزام الدين في ذمة أبيه فما لم يعلم الابن باذن الأب
لا ينفذ التصرف في حقه وللولي ولاية شغل مالية عبده بدينه (ألا ترى) انه يرهنه بالدين
فيصح والحاجة إلى الاذن ههنا لتعلق الدين بمالية الرقبة لا لثبوته في العبد فالدين بالمعاملة
يجب في ذمته وإن كان محجورا عليه حتى يؤاخذ به بعد العتق ولهذا صح تصرف من أمره
المولي بالمعاملة معه وإن لم يعلم العبد بمقالة المولى وقد قررنا تمام هذا في الزيادات فان اشترى
العبد بعد ذلك من غيرهم وباع فهو جائز لان من ضرورة الحكم بنفوذ تصرفه مع الذين
أمرهم المولى بمبايعته الحكم بأنه مأذون والاذن لا يقبل التخصيص فإذا ثبت في حق البعض
ثبت في حق الكل ولو كان الذين أمرهم المولى أن يبايعوه لم يفعلوا وبايعه غيرهم وهم
لا يعلمون بإذن المولى والعبد لا يعلم به أيضا كانت مبايعتهم إياه باطلة وهو محجور عليه على
حاله لان بمجرد مقالة المولى لا يصير العبد مأذونا قبل أن يعلم به ولكن ثبت حكم الاذن في
حق الذين أمرهم بمبايعته ضمنا لتصرفهم معه للحاجة إلى دفع الضرر والغرور عنهم وما
ثبت ضمنا لشئ لا يثبت قبله وثبوت حكم الاذن في حق سائر الناس كان لضرورة الحكم
بنفوذ تصرفه مع الذين أمرهم المولى بمبايعته فلا يثبت ذلك قبل تصرفه معهم فان بايعه
بعد ذلك الذين أمرهم المولى ثم بايع العبد بعدهم قوما آخرين جازت مبايعته مع الذين
أمرهم المولى بها ومع من بايعهم بعدهم ولم تصح المبايعة التي كانت قبل ذلك أما نفوذ مبايعته
مع الذين أمرهم المولى بها فللحاجة إلى دفع الضرر والغرور عنهم ونفوذه من بعدهم فلان
الاذن لا يقبل التخصيص ولا يوجد ذلك في حق الذين كان عاملهم قبل ذلك وكان الاذن في
30

حق الذين أمرهم ثبت حكمه مقصودا وفي حق غيرهم تبع والتبع يتبع الأصل ولا يسبقه
وإذا باع المولى العبد المأذون وعليه دين أولا دين عليه وقبضه المشترى فهذا حجر عليه علم به
أهل سوقه أو لم يعلموا لان المشترى بالقبض قد ملكه فان قيام الدين على العبد يمنع لزوم
البيع بدون رضا الغرماء ولكن لا يمنع وقوع الملك للمشترى إذا قبضه لان ذلك لا يزيل
تمكن الغرماء من نقضه ولهذا لو أعتقه المشترى كان عتقه نافذا وانفكاك الحجر عنه كان
في ملك المولى وملك المشترى ملك متجدد ثابت بسبب متجدد فلا يمكن إظهار حكم ذلك
الاذن فيه فيثبت الحجر لفوات محل الاذن وذلك أمر حكمي فلا يتوقف على علم أهل
السوق به كما لو أعتق العبد الذي كان وكل الوكيل ببيعه فإنه ينعزل الوكيل وإن لم يعلم به
وكذلك لو وهبه لرجل وقبضه الموهوب له لان الملك تجدد للموهوب له وكذلك لو مات
المولى يصير العبد محجورا عليه علم بذلك أهل سوقه أولم يعلموا لان صحة الاذن باعتبار
رأى المولى وقد انقطع رأيه بالموت وحكم الاذن هو الرضا من المولى بتعلق الدين بمالية
رقبته وقد صار ملك المالية بموته حق ورثته وجدد لهم صفة المالية في مالية رقبته وإن كان
الملك هو الذي كان للمولى ولكن رضا المولى غير معتبر في ابطال حق ورثته عن
مالية الرقبة فلتحقق المنافى قلنا لا يبقي حكم الاذن بعد موت المولى وإذا أشهد المولى أهل
سوقه انه قد حجر على عبده وأرسل إلى العبد به رسولا أو كتب به إليه كتابا فبلغه الكتاب
أو أخبره الرسول فهو محجور عليه حين بلغه ذلك لان عبارة الرسول كعبارة المرسل
والكتاب أحد اللسانين وهو ممن يأتي كالخطاب ممن دنا (ألا ترى) ان النبي صلى الله عليه
وسلم كان مأمورا بالتبليغ إلى الناس كافة ثم كتب إلى ملوك الآفاق وأرسل إليهم من يدعوهم
إلى دين الحق وكان ذلك تبليغا تاما منه صلى الله عليه وسلم وان أخبره بذلك رجل لم يرسله مولاه
لم يكن حجرا في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله حتى يخبره به رجلان أو رجل عدل يعرفه
العبد وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله من أخبره بذلك من رجل أو امرأة أو صبي صار
محجورا عليه بعد أن يكون الخبر حقا وهذا الخلاف في فصول منها عزل الوكيل ومنها سكوت
البكر إذا أخبرها الفضولي بالنكاح ومنها سكوت الشفيع عن الطلب إذا أخبره فضولي بالبيع
ومنها اختيار الفداء إذا أعتق المولى عبده الجاني بعد ما أخبره فضولي بجنايته فطريقهما في الكل
ان هذا من باب المعاملات وخبر الواحد في المعاملات مقبول وإن لم يكن عدلا كما لو أخبر
31

بالوكالة وبالاذن للعبد وهذا لان في اشتراط العدالة في هذا الخبر ضرب حرج فكل أحد
لا يتمكن من احضار عدل عند كل معاملة ولهذا سقط اشتراط العدد فيه بخلاف الشهادات
فلذلك يسقط اعتبار العدالة فيه ومتى كان الخبر حقا فالمخبر به كأنه رسول المولى لان المولى
حين حجر عليه بين يديه فكأنه أمره أن يبلغه الحجر دلالة والدلالة في بعض الأحكام
كالصريح خصوصا فيما بنى على التوسع ولو أرسله لم يشترط فيه صفة العدالة فكذلك ههنا وأبو
حنيفة رحمه الله استدل بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا فقد أمر الله
بالتوقف في خبر الفاسق وذلك منع من العمل بخبر الفاسق فلو أثبتنا الحجر والعزل بخبر الفاسق
لكان ذلك حكما يخالف النص بخلاف الرسول فإنه ثابت عن المرسل فعبارة الرسول كعبارة
المرسل فأما الفضولي فليس بنائب عن المولى لأنه ما أنابه مناب نفسه فيبقى حكم الخبر مقصورا عليه
وهو فاسق فكان الواجب التوقف في خبره بالنص ثم هذا خبر ملزم لأنه يلزم العبد الكف عن
التصرف والشفيع طلب المواثبة والبكر حكم النكاح والمولى حكم اختيار الفداء وخبر الفاسق
لا يكون ملزما كخبره في الديانات بخلاف اخباره بالوكالة والاذن فان ذلك غير ملزم لأنه
بالخياران شاء تصرف وان شاء لم يتصرف وتقرير هذه ان لهذا الخبر شبهين شبه رواية
الاخبار من حيث إلزام العمل به وشبه الاخبار بالوكالة من حيث إنه معاملة وما تردد بين
أصلين يوفر حظه عليهما فلاعتبار معنى الالزام شرطنا فيه العدالة ولشبهه بالمعاملات لا يشترط فيه
العدد واختلف مشايخنا رحمهم الله فيما إذا أخبره بذلك فاسقان فمنهم من يقول لا يصير محجورا
عليه أيضا لان خبر الفاسقين كخبر فاسق واحد في أنه لا يكون ملزما وأنه يجب التوقف فيه
ومن اختار هذا الطريق قال معنى اللفظ المذكور في الكتاب حتى يخبره رجلان أو رجل عدل
فان قوله عدل يصلح نعتا للواحد والمثنى يقال رجل عدل ورجال عدل ومهم من يقول إذا
أخبره بذلك فاسقان صار محجورا عليه فظاهر هذا اللفظ يدل عليه فإنه أطلق الرجلين وإنما
قيد بالعدالة الواحد وهذا لأنه يشترط في الشهادة العدد والعدالة لوجوب القضاء بها وتأثير
العدد فوق تأثير العدالة (ألا ترى) أن قضاء القاضي بشهادة الواحد لا ينفذ وبشهادة الفاسقين
ينفذ وإن كان مخالفا للسنة ثم إذا وجدت العدالة ههنا بدون العدد يثبت الحجر بالخبر فكذلك إذا
وجد العدد دون العدالة وهذا لان طمأنينة القلب تزداد بالعدد كما تزداد بالعدالة ويختلفون على
قول أبي حنيفة في الذمي أسلم في دار الحرب إذا أخبره فاسق بوجوب الصلاة عليه هل يلزمه
32

القضاء باعتبار خبره فمنهم من يقول ينبغي أن لا يجب القضاء عندهم جميعا لان هذا من اخبار
الدين والعدالة شرط بالاتفاق وأكثرهم على أنه على الخلاف كما في الحجر والعزل قال رضي الله عنه
والأصح عندي أنه يلزمه القضاء ههنا لان من أخبره فهو رسول رسول الله بالتبليغ قال
عليه السلام نضر الله امرأ سمع منا مقالة فوعاها كما سمعها ثم أداها إلى من لم يسمعها وقد بينا
في خبر الرسول أنه بمنزلة خبر المرسل ولا يعتبر في الالزام أن يكون المرسل عدلا فكذلك
ههنا ولا يدخل على هذا رواية الفاسق الاخبار لان هناك لا يظهر رجحان جانب الصدق في
خبره وبذلك يتبين كون المخبر به حقا وههنا نحن نعلم أن ما أخبره به حق فيثبت حكمه في حق
من أخبره الفاسق به حتى يلزم القضاء فيما يتركه بعد ذلك وإذا أبق العبد المأذون له في التجارة
فإباقه حجر عليه وقال زفر رحمه الله لا يصير محجورا عليه بالإباق لان صحة الاذن باعتبار
ملك المولى وقيام رأيه ولم يختل ذلك بإباقه والدليل عليه ان الإباق لا ينافي ابتداء الاذن فان
المحجور عليه إذا أبق فأذن له المولي في التجارة وعلم به العبد كان مأذونا وما لا يمنع ابتداء
الاذن لا يمنع بقاءه بطريق الأولى ولكنا نقول لما جعل دلالة الاذن كالتصريح به فكذلك
دلالة الحجر كالتصريح بالحجر وقد وجدت دلالة الحجر بعد إباقه لأن الظاهر أن المولى إنما
يرضى بتصرفهما بقي تحت طاعته ولا يرضى بتصرفه بعد تمرده وإباقه ولهذا صح ابتداء
الاذن بعد الإباق لأنه يسقط اعتبار الدلالة عند التصريح بخلافه * يوضحه ان حكم الاذن
رضا المولى بتعلق الدين بمالية رقبته وقد توت المالية فيه بالاتفاق ولهذا لا يجز فيه شئ
من التصرفات التي تنبنى على ملك المالية فكان هذا وزوال ملك المولى عنه في المعنى سواء
* يوضحه ان المولى لو تمكن منه أوجعه عقوبة جزاء على فعله وحجر عليه فإذا لم يتمكن منه
جعله الشرع محجورا عليه كالمرتد اللاحق بدار الحرب لو تمكن منه القاضي موته حقيقة
بالقتل ويقسم ماله بين ورثته فإذا لم يتمكن من ذلك جعله الشرع كالميت حتى يقسم القاضي
ماله بين ورثته فان بايعه رجل بعد الا باق ثم اختلفا فقال المولى كان آبقا وقال من بايعه لم يكن
آبقا لم يصدق المولى على إباقه الا ببينة لان كونه مأذونا معلوم وسبب الحجر الطارئ عليه
متنازع فيه فالقول قول من ينكره (ألا ترى) ان المولى لو ادعى انه كان حجر عليه أو
كان باعه من انسان قبل مبايعة العبد مع هذا الرجل لا يصدق في ذلك الا ببينة فكذلك
إذا ادعى انه كان آبقا فان أقام البينة على ذلك فقد أثبت الحجر العارض بالحجة وان أقام
33

المولى البينة انه ابق منه إلى موضع كذا وأقام الذي بايع العبد البينة أن المولى أرسله إلي
ذلك الموضع يشترى فيه ويبيع فالبينة بينة الذي بايع العبد أيضا لأنه يثبت إرسال المولى إياه
واذنه في الذهاب إلى ذلك الموضع وبينة المولى تنفى ذلك وفيما هو المقصود وهو تعلق الدين
بمالية رقبته من بائع العبد يثبت لذلك بالبينة والمولى ينفى فكان المثبت أولى فان ارتد العبد
المأذون ثم تصرف فان قتل على ردته أو مات بطل جميع ما صنع في قول أبي حنيفة رحمه الله
وان أسلم جاز جميع ذلك وفي قول أبى يوسف ومحمد جميع ذلك جائز ان أسلم أو قتل على
ردته لان انفكاك الحجر عنه بالاذن كانفكاك الحجر عنه بالعتق ومن أصل أبي حنيفة ان
تصرف المرتد لنفسه يوقف إذا كان حرا فكذلك إذا كان عبدا وان كانت أمة جاز جميع
ما صنعت في ردتها ان أسلمت أولم تسلم بمنزلة الحرة المرتدة وهذا لان الرجل يقتل بالردة
حرا كان أو عبدا فكما يوقف نفسه يوقف تصرفه في كسبه والمرأة لا تقتل فلا يوقف تصرفها
في كسبها كمالا توقف نفسها ثم المرتد هالك حكما لاستحقاق قتله بسبب الردة والموت حقيقة
يوجب الحجر عليه فكذلك إذا توقف حكم نفسه بالردة بتوقف حكم الحجر عليه أبدا وبه
فارق المكاتب فان تصرفه في كسبه بعد ردته نافذ لان انفكاك الحجر عنه من حكم الكتابة
وموته حقيقة لا ينافي بقاء الكتابة فان المكاتب إذا مات عن وفاء أو عن ولد يسعى في بقية
الكتابة فكذلك استحقاق نفسه بالردة لا يمنع بقاء الكتابة فلهذا ينفذ تصرفه بخلاف العبد
وإذا أسر العدو عبدا مأذونا له وأحرزوه في دارهم فقد صار محجورا عليه لزوال ملك المولى
عنه وثبوت ملكهم فيه بالا حراز فان انفلت منهم أو أخذه المسلمون فردوه على صاحبه لم
يعد مأذونا الا باذن جديد لان الاذن بطل لفوات محل حكمه والاذن بعد بطل لا يعود
الا بالتجديد وإن كان أهل الحرب لم يحرزوه في دارهم حتى أنفلت منهم فاخذه المسلمون
فردوه على صاحبه فهو على اذنه لأنه بمنزلة المغصوب في يدهم ما لم يحرزوه والغصب لا يزل
ملك المولى ولا يوجب الحجر على المأذون (ألا ترى) ان المولى لو أعتقه قبل أن يحرزوه
نفذ عتقه بخلاف ما بعد الاحراز وإذا باع المولى عبده المأذون له بيعا فاسدا بخمر أو خنزير
وسلمه إلى المشترى فباع واشترى في يده ثم رده إلى البائع فهو محجور عليه لان المشترى قد
ملكه بالقبض مع فساد البيع وذلك موجب للحجر عليه وكذلك لو قبضه المشترى بأمر البائع
بحضرته أو بغير حضرته أو قبضه بحضرة البائع بغير أمره ولو قبضه بغير أمره بعد ما تفرقا لم
34

يصر محجورا عليه لان القبض في البيع الفاسد بمنزلة القبول في البيع الصحيح فكما أن ايجاب
البيع يكون رضى بقبول المشترى في المجلس لا بعده فكذلك البيع الفاسد يكون رضى من البائع
بقبضه في المجلس لا بعده فإذا قبضه بعد الافتراق لم يملكه لأنه قبضه بغير تسليط من البائع
فلا يصير محجورا عليه وفي المجلس إنما يقبضه بتسليط البائع إياه على ذلك فيملكه ويصير محجورا
عليه فاما إذا أمره بالقبض نصا فهذا أمر مطلق يتناول المجلس وما بعده فمتى قبضه كان قبضه
بتسليط البائع فيملكه ويصير محجورا عليه ولو كان البيع بميتة أو دم لم يصر محجورا عليه في
جميع هذه الوجوه فان البيع بالميتة لا يكون منعقدا ولا يوجب الملك للمشترى وان قبضه
كان العبد على اذنه في يد المشترى ينفذ تصرفه وإن كان المشترى ضامنا له في احدى
الروايتين كما لو غصبه غاصب ولو كان باعه بيعا صحيحا كان محجورا عليه قبضه المشترى أولم
يقبضه لان الملك يثبت للمشترى بنفس العقد ههنا وكذلك أن كان المشترى منه بالخيار ثلاثة
أيام أما عندهما فلان المشترى ملكه مع ثبوت الخيار له وعند أبي حنيفة فلان زواله عن ملك
البائع قد تم ولذلك يفوت محل حكم الاذن وإن كان الخيار للبائع لم يكن ذلك حجر إلا أن يتم
البيع فيه لان خيار البائع يمنع زوال ملكه وما بقي الملك للبائع فيه يبقى محل حكم الاذن ولو لم
يبعه المولى ولكنه وهبه فالهبة الصحيحة في حكم الملك نظير البيع الفاسد من حيث إن الملك
يتأخر إلى وجود القبض لضعف السبب وقد بينا تفصيل حكم القبض في البيع الفاسد ففي
الهبة الصحيحة الجواب كذلك وإذا غصب عبدا محجورا عليه وطلبه صاحبه فجحده الغاصب
وحلف ولم يكن لصاحبه بينة ثم أذن له الغاصب في التجارة فباع واشترى والمغصوب منه
يراه فلم ينهه ثم أقام رب العبد البينة أن العبد عبده فقضي له به فان القاضي يبطل جميع ما باع
واشترى لأنه تبين ان الآذن له كان غاصبا واذن الغاصب لا يوجب انفكاك الحجر عنه ولا
يسقط حق المولى عن مالية الرقبة وفي القياس سكوت المولى عن النهى كالتصريح بالاذن ولو
صرح بالاذن له في التجارة جاز ذلك لقيام ملكه وإن كان الغاصب جاحدا له ولكنه ترك هذا
القياس فقال السكوت عن النهى مع التمكين من النهى دليل الرضا فاما بدون التمكن من النهى
فلا يكون دليل الرضى (ألا ترى) ان سكوت الشفيع عند عدم التمكن من الطلب لا يكون
مسقطا لحقه وسكوت البكر كذلك وهو لم يكن متمكنا من النهى ههنا لأنه ما كان يلتفت
إلى نهيه لو نهاه عن التصرف بل يستخف به فلصيانة نفسه سكت عن النهى (ألا ترى) أن
35

العبد لو ادعي انه حر فجعل القاضي القول قوله فاشترى وباع والمولى ينظر إليه ولا ينهاه ثم
أقام البينة انه عبده لم يجز شراؤه ولا يبعه لان سكوته عن النهى كان لصيانة نفسه وإذا دبر
عبده المأذون فهو على اذنه لان التدبير لا يمنع صحة الاذن ابتداء فلا يمنع بقاءه بطريق الأولى
وهذا لان بالتدبير يثبت للمدبر حق العتق وحق العتق إن كان لا يزيد في انفكاك الحجر
عنه فلا يؤثر في الحجر عليه ولو كانت أمة فاستولد ها المولي لم يكن ذلك حجرا عليها في القياس
وهذا قول زفر رحمه الله لما بينا في التدبير ولكنه استحسن فقال استيلاد المولى حجر عليها لان
العادة الظاهرة أن الانسان يحصن أم ولده ولا يرضى بخروجها واختلاطها بالناس في المعاملة
والتجارة وهذا لأنها تصير فراشا له فلا يأمن من أن يلحق به نسبا ليس منه ودليل الحجر
كصريح الحجر ولا توجد مثل هذه العادة في المدبر وهذا بخلاف ما إذا أذن لام ولده في
التجارة لأنه صرح هناك بخلاف المعتاد وإنما تعتبر العادة عند عدم التصريح بخلافها فاما مع
التصريح بخلاف العادة فلا كتقديم المائدة بين يدي انسان يجعل اذنا في التناول بطريق العرف
فان قال لا تأكل لم يكن ذلك اذنا وإذا أذن العبد التاجر لعبده في التجارة فباع واشترى فلحقه
دين ثم إن المولي حجر على عبده الأول في أهل سوقه بحضرته والعبد الآخر يعلم بذلك أولا
يعلم فإن كان على الأول دين فحجره عليه حجر عليهم جميعا وإن لم يكن عليه دين لم يكن حجره
عليه حجرا على الباقي لأنه إذا لم يكن على الأول دين فالعبد الثاني خالص ملك المولي وهو يملك
الاذن له في التجارة ابتداء فجعل الثاني مأذونا من جهة المولى لا باعتبار العبد كان نائبا عنه في
الاذن ولكن باعتبار أن تخصيص المولى الأول بالحجر عليه دليل الرضي منه بتصرف الثاني
وهذا الرضا يثبت الاذن من جهته ابتداء فكذلك يبقي وأما إذا كان على الأول دين فالمولى
لا يملك الا ذن للثاني لأنه تصرف منه في كسب عبده المستغرق بالدين فلا يمكن أن يجعل الثاني
مأذونا من جهة المولى وإنما كان مأذونا من جهة الأول بالحجر عليه وقد انقطع رأيه فيه وإنما كان
الثاني مأذونا من جهته دون المولى وإن لم يكن عليه دين فالثاني على اذنه لأنه مأذون من جهة
المولى والمولى باق على حاله وان مات المولى كان حجرا عليهما جميعا كان على الأول دين أولم
يكن لأنه إن لم يكن عليه دين فالثاني كان مأذونا من جهة الأول وقد صار الأول محجورا عليه
بموت المولى فكذلك الثاني وإذا أذن المكاتب لعبده في التجارة ثم عجز وعليه دين أوليس
عليه دين فهو حجر على العبد لان الاذن للعبد كان من قبل المكاتب فان المولى من كسب
36

المكاتب أبعد منه من كسب المأذون والمديون وقد بينا هناك ان عبده يكون مأذونا من
جهة المولى فهنا أولى وكذلك أن مات المكاتب عن وفاء أو عن غير وفاء أو عن ولد
مولود في الكتابة لأنه ان مات عن غير وفاء فقد مات عاجزا وعجزه في حياته يكون حجرا
على عبده فموته عاجزا أولى وان مات عن وفاء فهو كالحر وموت الحر حجر على عبده بانقطاع
رأيه فيه فان أذن الولد للعبد بعد موت المكاتب في التجارة لم يجز اذنه لان كسب المكاتب
مشغول بدينه فلا يصير شئ منه ميراثا للولد مع قيام دينه وكما لا ينفذ منه سائر التصرفات
فيه فكذلك الاذن وكذلك الحر إذا مات وعليه دين وله عبد فأذن له وارثه في التجارة
فاذنه باطل لان الوارث لا يملك التركة المستغرقة بالدين ولا ينفذ شئ من تصرفاته فيها
ما لم يسقط الدين كما لا ينفذ تصرفه في حال حياة مورثه فان قضى الوارث الدين من ماله لم
ينفذ اذنه أيضا لأنه غير متبرع فيما قضى من الدين وإنما قصد به استخلاص التركة فيستوجب
الرجوع بما أدى ويقوم دينه مقام دين الغريم فلا ينفذ اذنه لبقاء المانع فان أبرأ أباه من المال
الذي قضي عنه بعد اذنه للعبد نفذ اذنه وجاز ما اشترى قبل قضاء الدين وبعده لان المانع
زال حين سقط دينه بالابراء وصار هو ملكا للتركة من وقت الموت (ألا ترى) أنه ينفذ
سائر تصرفاته في العبد فكذلك اذنه له في التجارة ولو لم يكن على الميت دين وكان الدين
على العبد فان أذن الوارث له في التجارة جاز لان دين العبد لا يملك ملك الوارث في التركة
فإنه مع تعلقه في مالية رقبته ما كان يمنع ملك المولى في حياته فكذلك لا يمنع ملك وارثه بخلاف
دين المولي فإنه في حياته كان في ذمته وإنما يتعلق بالتركة بموته وحق الغريم مقدم على حق
الوارث وكذلك ابن المكاتب لو أذن للعبد الذي تركه أبوه في التجارة ثم استقرض مالا من انسان
فقضى به الكتابة لم يكن اذنه له في التجارة صحيحا لأنه يستوجب الرجوع بما أدى ليقضى
به ما عليه من الدين فقيام دينه بمنزلة قيام دين المولى في أنه يمنع ملكه فلهذا لا ينفذ اذنه
ولو وهب رجل لابن المكاتب مالا فقضى به الكتابة جاز اذنه للعبد في التجارة لان ما وهب
له بمنزلة سائر أكسابه والمكاتب أحق بأكساب ولده المولود في الكتابة ليقضى به مال الكتابة
فكان قضاء بدل الكتابة من هذا الكسب كقضائه من شئ آخر للمكاتب ولا يستوجب
الولد الرجوع عليه بذلك فتبين به زوال المانع من صحة اذنه وإذا أذن الرجل لعبده في التجارة
ثم جن المولى فإن كان جنونه مطبقا دائما فهو حجر على العبد لان المولى صار مولى عليه في
37

التصرف وانقطع رأيه بما أعرض فكان ذلك حجرا عليه وإن كان غير مطبق فالعبد على اذنه
لان المولى لم يصر مولى عليه بهذا القدر من الجنون فهو بمنزلة الا غماء والمرض فلا يوجب
الحجر علي العبد لبقاء ملك المولى وبقاء ولايته والفرق بين المطبق من الجنون وغير المطبق بيناه
في الوكالة ولو ارتد المولى ثم باع العبد واشترى فان قتل أو مات أو لحق بدار الحرب وقضى
القاضي بلحاقه فجميع ما صنع العبد بعد ردة المولي باطل وان أسلم قبل أن يلحق بها أو بعد
ما لحق بها قبل قضاء القاضي ورجع فذلك كله جائز في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف
ومحمد جميع ذلك جائز الا ما صنع العبد بعد لحاق المولي بدار الحرب فان ذلك يبطل إذا لم
يرجع حتى يقضى القاضي بلحاقه وان رجع قبل ذلك جاز وهذا لان استدامة الاذن بعد
الردة كانشائه وتصرف المأذون معتبر بتصرف الآذن ومن أصل أبي حنيفة رحمه الله ان
تصرفات المرتد توقف لتوقف نفسه ويوقف ماله على حق ورثته فكذلك تصرف المأذون
من جهته وعندهما تصرف المرتد قبل لحاقه بدار الحرب نافذ وبعد لحاقه يتوقف بين أن
يبطل القضاء القاضي بلحاقه وكون المال لوارثه من حين لحقه بدار الحرب وبين أن ينفذ
برجوعه مسلما فكذلك تصرف المأذون من جهته ولو كان المولى امرأة فارتدت ثم صنع العبد
شيئا من ذلك فهو جائز لان ابتداء الاذن منها صحيح بعد ردتها ولان تصرف المأذون
كتصرف الآذن وتصرفها بعد الردة نافذ كما كان قبله فان نفسها لم تتوقف بالردة ولو لحقت
بدار الحرب ثم باع العبد أو اشترى فان رجعت قبل أن يقضى بلحاقها فذلك جائز وإن لم
ترجع حتى قضى القاضي بلحاقها وقسم ميراثها وأبطل ما صنع العبد من ذلك ثم رجعت مسلمة
لم يجز للعبد ما صنع بعد لحاقها بدار الحرب لأنه نفسها باللحاق بدار الحرب توقفت على أن تسلم
لها بالاسلام أو يفوت عليها بالاسترقاق فيتوقف تصرفها أيضا وكما يتوقف تصرفها يتوقف
تصرف المأذون من جهتها ولان القاضي إذا قضى بلحاقها جعل المال لوارثها من وقت لحاقها
بدار الحرب كما في حق الرجل ولهذا يعتبر من يكون وارثا لها وقت اللحاق بدار الحرب
فتبين أن ملكها زال من ذلك الوقت وذلك مبطل لتصرفات العبد وكما أن اذن أحد الشريكين
في المفاوضة والعنان للعبد المشترك في التجارة يجعل كاذنهما فكذلك حجر أحدهما عليه كحجرهما
لان كلاهما من التجارة وكل واحد منهما نائب عن صاحبه في التصرف في المال المشترك
بطريق التجارة وإذا أذن المضارب لعبد من المضاربة في التجارة فهو جائز على رب المال وفي
38

رواية هشام عن محمد رحمهما الله لا يجوز لان الاذن أعم من المضاربة فإنه فك للحجر ولا يستفاد
بالشئ ما هو فوقه وفي ظاهر الرواية قال المضارب مفوض إليه وجوه التجارة في مال المضاربة
والاذن في التجارة من التجارة فان حجر عليه رب المال فحجره باطل لان المضارب أحق به
حتى يبيعه فيوفى رأس المال (ألا ترى) ان رب المال لو نهى المضارب لم يعتبر نهيه ونفسه أقرب
إلى رب المال من كسبه فإذا كان لا يعمل نهيه منه في منع المضارب عن التصرف في نفسه
فلان لا يعمل نهيه في منع المأذون من جهته عن التصرف في كسبه كان أولى وإذا اشترى
العبد المأذون عبدا فاذن له في التجارة فحجر المولى على العبد الآخر فحجره باطل كان على
الأول دين أولم يكن لان هذا حجر خاص في اذن عام وهو باطل (ألا ترى) انه عند
ابتداء الاذن لو قال لا تأذن لعبدك في التجارة لم يعتبر نهيه وكذلك بعد الاذن لو نهاه عن
بيع هذا البعد لا يعمل نهيه وكذلك لو كان العبد الأول أمر رجلا ببيع عبده فنهاه المولى
كان نهيه باطلا فكذلك إذا حجر عليه ولو كان المولى حجر على العبد الآخر وقبضه من
الأول فإن كان على العبد الأول دين فهذا والأول سواء لان قبض المولى إياه من الأول
باطل ولا يخرج به الثاني من أن يكون كسبا للأول فان حق غرماء الأول فيه مقدم على
حق المولى فاما إذا لم يكن على الأول دين فقبض المولى العبد الآخر وحجر عليه جاز لان
كسب الأول خالص حق المولى فبقبضه منه يخرج من أن يكون كسبا للأول وصار الأول
بحيث لا يملك التصرف فيه بعد ذلك حتى لو باع لم يجز بيعه فلهذا صار محجورا عليه بحجر
المولى وإذا دفع المولى إلى عبده المأذون مالا وأمره أن يشترى به عبدا ويأذن له في التجارة
ففعل ثم حجر المولى على المولى وعليه دين أولا دين عليه فليس ذلك حجر على الآخر لان
الأول في شراء الثاني والاذن له في التجارة نائب عن المولى حتى إذا لحقه عهدة يرجع به
على المولى ولا يثبت فيه حق غرمائه فيكون الثاني مأذونا من جهة المولى فلا يصير الثاني
محجورا عليه بحجر المولى على الأول وان حجرا لمولى على الآخر كان حجره عليه جائزا
على كل حال لأنه كان مأذونا من جهة المولى كالأول وحجر الأب أو وصيه على الصبي الحر
المأذون له في التجارة مثل الحجر على العبد لأنه من جهة المولى كالأول وحجر الأب أو
وصيه على الصبي الحر استفاد الاذن من جهته وولايته قائمه عليه بعد الاذن فكما ملك الاذن
بولايته يملك الحجر وهذا لأنه قد يؤنس منه رشدا فيأذن له في التصرف ثم يتبين له ان
39

الحجر عليه أنفع فيحجر عليه ولان الابتداء بهذا يحصل أن يأذن له تارة ويحجر عليه تارة
حتى تتم هدايته في التصرفات وكذلك حجر القاضي عليه لان الولاية ثابتة له حسب ما كان
للأب أو للوصي وكذلك حجر هؤلاء على عبد الصبي بعد ما أذنوا له في التجارة لأنهم بالولاية
على الصبي قاموا مقامه في التصرف في ماله فيما يرجع إلى النظر والحجر من باب النظر كالاذن
فكما صح منهم الاذن لعبده في التجارة يصح الحجر وموت الأب أو الوصي حجر على
الصبي وعلى عبده لان تصرفهما كان باعتبار رأيه على ما بينا أن توفر النظر بانضمام رأى الأب
والوصي إلى رأى الصبي وقد انقطع رأيهما بموتهما فيكون ذلك حجرا على الصبي وكذلك
عبد الصبي إنما كان يتصرف برأي الأب والوصي وقيام ولايتهما عليه وقد انقطع ذلك
بموتهما وكذلك جنونهما جنونا مطبقا فإنه كالموت في قطع ولا يتهما عنه وفوات رأيهما في
النظر له وكذلك عزل القاضي الوصي عن الوصية فن ذلك يزيل ولايته ويقطع تدبيره في
النظر له فيكون حجرا على من كان يتصرف باعتبار رأيه وهو الصبي أو عبده ولو كان القاضي
أذن للصبي أو المعتوه في التجارة ثم عزل القاضي كان الصبي والمعتوه على اذنهما لان اذن
القاضي يكون قضاء منه فإنه ليس له ولاية غير ولاية القاضي وبعزل القاضي لا يبطل شئ
من قضاياه ولأنه كالنائب عن المسلمين في النظر لهذا الصبي والتصرف في ماله بالاذن وغيره
لعجز المسلمين عن الاجتماع على ذلك وبعد ما عزل القاضي لم يتبدل حال عامة المسلمين في
الولاية ولهذا لم ينعزل وصيه وقيمه بعزله فكذلك مأذونه وإذا كان للصبي أو المعتوه أب أو
وصى أو جد أبى الأب فرأي القاضي أن يأذن له في التجارة فأذن له وأبى ذلك أبوه أو وصيه
فاذن القاضي له جائز لما بينا ان اذنه بمنزلة القضاء منه وولاية القضاء له في حال قيام الأب وبعد
موته بصفة واحدة ولأنه متى كان النظر في الاذن فكذلك بما يحق على المولى أن يفعله فإذا
امتنع منه كان للقاضي أن ينفذه كالولي إذا امتنع من تزويج المولى عليها من كفؤ زوجها القاضي
إذا طلبت فان حجر عليه أحد من هؤلاء فحجره باطل لأنه بهذا يريد أن يفسخ ما قضى
القاضي عليه ولان حجره عليه كابائه في الابتداء وكما أن إباءه لا يمنع صحة اذن القاضي له فكذلك
حجره عليه بعد الاذن وان مات القاضي أو عزل ثم حجر عليه أحد من هؤلاء فحجره باطل
لان بعزل القاضي وبموته لا تزداد ولا يتهم على الصبي فكما لا ينفذ حجرهم عليهم قبل عزل
القاضي فكذلك بعده وكذلك لو حجر عليه ذلك القاضي بعد عزله لأنه بالعزل التحق بسائر
40

الرعايا فلم يبق له ولاية النظر في حقوق هذا الصبي وإنما الحجر عليه إلى القاضي الذي يستقضى بعد
موت الأول أو عزله لان ولايته عليه في النظر كولاية الأول ولا يقال الثاني بالحجر كيف
ينقض قضاء الأول وهذا لان الأول لو حجر عليه حال كونه قاضيا بعد حجره لا بطريق
أنه نقض لقضائه بالاذن بل بطريق أنه أنشأ نظرا له على ما بينا أن النظر قد يكون بالاذن
له في وقت والحجر عليه في وقت آخر والثاني كالأول فيما يرجع إلى انشاء النظر للصبي كما في
سائر التصرفات في ماله وإذا أذن الرجل لعبد ابنه الصغير في التجارة ثم مات الابن ووارثه
الأب فهذا حجر عليه لان صحة اذنه كان باعتبار انه نائب عن الابن وقد زال ملك الا بن بموته
ولا يقال الأب يخلفه في هذا الملك وهو راض بتصرفه لأنه إنما كان راضيا بتصرفه في ملك
الصبي وذلك لا يكون رضا منه بتصرفه في ملك نفسه وكذلك لو اشتراه الأب من الابن فهو
محجور عليه لان الملك قد انتقل فيه من الابن إلى الأب ولو لم يكن ذلك ولكن أدرك الصبي
أو كان معتوها فأفاق فالعبد على اذنه لان تصرف الأب نفذ في حال قيام ولايته فلا يبطل
بزوال ولايته كسائر التصرفات ثم فك الحجر عنه بالاذن كفك الحجر عنه بالكتابة ولو كاتبه
ثم أدرك الصبي لم تبطل الكتابة وان مات الأب بعد إدارك الصبي وإفاقة المعتوه كان العبد
على اذنه لان بعد ادراكه العبد مأذون من جهته فان الأب كان نائبا عنه فهذا وما لو أذن له بعد
البلوغ ابتداء سواء ثم هو بعد الاذن يتمكن من الحجر عليه فاستدامته الاذن مع تمكنه من
الحجر كانشائه ولا تتغير ولايته عليه بموت الأب وإذا ارتد الأب بعد ما أذن لا بنه الصغير
في التجارة ثم حجر عليه ثم أسلم فحجره جائز لان حجره عليه تصرف كسائر تصرفاته فينفذ
باسلامه وان قتل على ردته فذلك حجر أيضا بمنزله ما لو مات وابنه صغير ولو أذن لابنه في
التجارة بعد ردته فباع واشترى ولحقه دين ثم حجر عليه ثم أسلم فجميع ما صنع الابن من ذلك
جائز وان قتل ذلك على ردته أو مات كان جميع ما صنع الابن من باطل وهذا عندهم جميعا
لان اذنه له في التجارة تصرف بحكم ولايته عليه وولايته عليه توقفت بالردة على أن يتقرر
بالاسلام ويبطل بالنقل وكذلك تصرفه بحكم الولاية وهذا على مذهبهما بخلاف تصرفه
بحكم ملكه فان ملكه لم يزل عنه بردته فلا يمتنع نفوذ تصرفه باعتبار الملك والذمي في اذنه
لابنه الصغير أو المعتوه في التجارة وهو على ذميته بمنزلة المسلم في جميع ما ذكرنا لثبوت
ولايته عليه قال الله تعالى والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ولو كان الولد مسلما باسلام أمه
41

أو باسلام نفسه بان عقل فأسلم كان اذن الأب الذمي له باطلا لأنه لا ولاية للذمي على المسلم
فصحة اذنه باعتبار ولايته فان أسلم الأب بعد ذلك لم يجز ذلك الاذن لأنه تصرف منه قبل
ثبوت ولايته عليه ولا ينفذ بولايته التي تحدث من بعد كالأب إذا كان مملوكا فاذن لولده
الحر ثم عتق لم ينفذ ذلك الاذن والله أعلم
(باب العبد بين رجلين يأذن له أحدهما)
(قال رحمه الله) وإذا كان العبد بين رجلين فأذن له أحدهما في التجارة فباع واشترى
فلحقه دين فذلك كله جائز في نصيب الذي أذن له لان الاذن فك للحجر وذلك لا يحتمل
الوصف بالتجزء ولا يتصور انفكاك الحجر في نصف التصرف دون النصف ولا بد من
تصحيح هذا الفك في نصيب الآذن لأنه تصرف منه في ملكه واسقاط لحقه في المنع من شغل
مالية نصيبه بالدين والاسقاط يتم بالمسقط وقد بينا أن اذن المولى إنما يشترط لوجود الرضا
منه بتعلق الدين بمالية الرقبة وهذا الرضى من الآذن الآن صحيح في نصيب نفسه دون
نصيب صاحبه ويجوز استحقاق مالية الرقبة بالدين كما يجوز استحقاق جميعه فكان هذا محتملا
للوصف بالتجزء فيثبت في نصيب الآذن خاصة وإن كان في يده مال أصابه من تجارته
فقال الذي لم يأذن له أنا آخذ نصف هذا المال فليس له ذلك ولكن يعطى منه جميع دين
الغرماء لان حاجة العبد من كسبه مقدمة على حاجة المولى والذي وجب على هذا العبد ههنا
بسبب ظهر في حق المولى فيقدم من كسبه قضاء الدين على حق المولي فان بقي بعد ذلك
شئ أخذ كل واحد من الموليين نصفه لأنه كسب عبد مشترك بينهما وان زاد الدين على ما في
يديه كانت تلك الزيادة في نصيب الذي أذن له خاصة من الرقبة لوجود الرضا منه باستحقاق
مالية نصيبه بالدين وانعدام الرضا به من الآخر وفرق بين الكسب والرقبة من حيث إن
نصيب الذي لم يأذن من الكسب مصروف إلى الدين دون نصيبه من الرقبة لان
الكسب يتملكه المولى من جهة العبد وسلامته له متعلقه بشرط الفراغ من حاجة العبد
فما لم يفرغ من الدين لا يسلم له فأما الرقبة فلم تحصل للمولى من جهة العبد وإنما تستحق مالية
الرقبة بالدين عند وجود الرضا من المولى يصرفه إلي ديونه ولم يوجد يوضحه ان الدين إنما
لحقه بسبب الذي حصل به الكسب والغنم مقابل بالغرم فكما يكون نصف الكسب للذي
42

لم يأذن له فكذلك يستحق عليه صرف ذلك الكسب إلى قضاء الدين لتتحقق مقابلة الغنم
بالغرم بخلاف الرقبة فان حصول الرقبة للمولى ما كان بالسبب الذي به وجب الدين فلا تصرف
مالية الرقبة إلى الدين ما لم يرض به المولى وكذلك ما أقربه العبد من غصب أو استهلاك
مال أو غيره لان الاقرار من التجارة فالدين الواجب به نظير الواجب بالمبايعة ولو استهلك
مالا بينة كان ذلك في جميع رقبته بمنزلة ما لو استهلكه قبل اذن أحدهما له وهذا لان الحجر
لحق المولى إنما يتحقق في الأقوال ولا يتحقق في الأفعال فإنها محسوسة تحققها بوجودها
(ألا ترى) ان الحجر بسبب الصبي لا يؤثر في الأفعال فبسبب الرق أولى فإذا تحقق السبب
ظهر الدين في حق المولى والدين لا يجب في ذمة العبد الا شاغلا مالية رقبته * فان قيل هذا
في الفصل الأول موجود فالدين بالمبايعة ظهر وجوبه في حق الموليين جميعا ثم لا يستحق
به نصيب الذي لم يأذن له * قلنا لا كذلك فان فيما ثبت الحجر بسبب الرق لا يظهر وجوب
الدين في حق المولى الا بعد فك الحجر عنه وفك الحجر وجد من الآذن خاصة ولكن
حكم نفوذ التصرف لا يحتمل التجزء فظهر في الكل لا جل الضرورة والثابت بالضرورة
لا يعد ومواضعها وليس من ضرورة نفوذ تصرفه ظهور الدين في حق المولى في استحقاق
مالية الرقبة كما لو توكل العبد عن الغير بالبيع والشراء ولكن من ضرورة نفوذ تصرفه في
سلامة الكسب للمولى ظهور الدين في حق ذلك الكسب فمن هذا الوجه يتحقق الفرق فان
اشترى العبد وباع ومولاه الذي لم يأذن له يراه فلم ينهه فهذا اذن منه له في التجارة لان السكوت
عن النهى بمنزلة التصريح بالاذن * فان قيل هذا إذا كان متمكنا من نهيه عن التصرف وهو غير
متمكن من النهى ههنا لوجود الاذن من الآخر فلا يجعل سكوته دليل الرضا بتصرفه * قلنا هو
متمكن من إظهار الكراهة وإزالة احتمال معنى الرضا من سكوته فإذا ترك ذلك مع الامكان قام
ذلك منه مقام الرضا بتصرفه حتى لوجاء به الآخر إلى أهل سوقه فقال إني لست آذنا له في
التجارة فان بايعتموه بشئ فذلك في نصيب صاحبي فباع بعد ذلك واشترى والشريك الذي لم
يأذن له ينظر إليه فهذا لا يكون اذنا منه في نصيبه استحسانا لأنه أتى بما في وسعه من إظهار
الكراهة لتصرفه وبقي الضرر والغرور وفي القياس هذا اذن أيضا لأنه مالك لنصيبه بعد هذه
المقالة فيقاس بما لو كان مالكا لجميعه ولو أتى بعبده إلى السوق وقال لست آذن له في التجارة
فلا تبايعوه ثم رآه بعد ذلك بتصرف كان اذنا منه له في التجارة فكذلك ههنا والفرق بين الفصلين
43

على طريق الاستحسان ان العبد إذا كان كله له فهو قادر على منعه من التصرف حين رآه يتصرف
فيجعل سكوته عن المنع دليل الرضا ولا ينعدم ذلك بما كان منه من إظهار الكراهة قبل هذا
فقد يرضى المرء بتصرف عبده بعدما كان يكرهه وفي هذا الفصل ليس في وسعه أن يمنعه
من التصرف وإنما في وسعه إظهار الكراهة وقد أنى به فلا ينفسخ ذلك بسكوته عن النهى
عند رؤيته يتصرف ولو كان الذي لم يأذن له بايعه بعد مقالته جعل هذا ناسخا لما كان قبله
من إظهار الكراهة فان مبايعته إياه كالتصريح بالرضا بتصرفه فهو وقوله أذنت لك في التجارة
سواء وإذا قال أحد الموليين لصاحبه إئذن لنصيبك منه في التجارة ففعل فالعبد كله مأذون
له في التجارة لو جود الرضا منه بتصرفه من الآذن بالاذن ومن الآخر بقوله إئذن لنصيبك
فهذا اللفظ أدل على الرضا بتصرفه من سكوته عن النهى وإذا جعل سكوته عن النهى دليل
الرضا فأمره بالتسليط أولى أن يجعل دليل الرضا ولو كان العبد بين رجلين فكاتب أحدهما
نصيبه منه فهذا اذن منه لنصيبه في التجارة لان انفكاك الحجر بالكتابة أقوى من انفكاك
الحجر بالاذن والأقوى ينتظم الأضعف ثم هو رضى منه بتصرفه حين رغبه في تحصيل المال
وأدائه ليعتق نصيبه وللآخر أن يبطل الكتابة لدفع الضرر عن نفسه بعتق نصيب المكاتب
عند الأداء وبه فارق الاذن فإنه لا ضرر على الشريك في ثبوت حكم الاذن في نصيب الآذن
في الحال ولا في ثاني الحال فان لحقه دين ثم أبطل الآخر الكتاب كان ذلك الدين في نصيب
الذي كاتب خاصة لوجود الرضا منه بتعلق الدين بنصيبه وإن لم تبطل الكتابة حتى رآه يشترى
ويبيع فلم ينهه لم يكن ذلك منه إجازة للكتابة وله أن يبطلها وكان هذا اذنا منه له في التجارة
لان الاذن في التجارة بمجرد الرضا بتصرف العبد يثبت والسكوت عن النهى دليل عليه فأما في
تنفيذ الكتابة فالحاجة إلى التوكيل لتكون مباشرة الشريك بمنزلة مباشرته والتوكيل بالسكوت
لا يثبت ولان السكوت محتمل وإنما يترجح جانب الرضا فيه لضرورة الحاجة إلى دفع الضرر
والغرور عن الناس وهذه الضرورة ترتفع إذا جعل السكوت اذنا وإن لم يجعل إجازة للكتابة
والثابت بالضرورة يتقدر بقدرها فان ردا لمكاتبة وقد لحق العبد دين بيع كله في الدين إلا أن
يفديه مولاه لوجود الرضا منهما بتعلق الدين بمالية رقبته ولو كان العبد لواحد فكاتب نصفه
كان هذا اذنا لجميعه في التجارة لوجود الرضا منه بتصرفه ثم عندهما يصير الكل مكاتبا وعند
أبي حنيفة يصير نصفه مكاتبا وما اكتسب من مال فنصفه للمولى باعتبار النصف الذي لم
44

يكاتب منه ونصفه للمكاتب باعتبار النصف الذي يكاتب منه وما لحقه من دين كان عليه
أن يسعى فيه لان مكاتبة النصف كمكاتبة الجميع في أنه لا يجوز بيعه فعليه السعاية فيما لحقه
من الدين كما لو كان المأذون مدبرا ولو كان العبد بين رجلين فأذن أحدهما لصاحبه في
أن يكاتب نصيبه فكاتبه فهذا اذن منهما للعبد في التجارة لما قلنا ولكن الكتابة تقتصر على
نصيب المكاتب في قول أبي حنيفة حتى أن نصف كسبه للمولى الذي لم يكاتب وكأنه أورد
هذا الفصل لايضاح ما سبق من أن سكوته عن النهى وأمره أن يكاتب نصيبه سواء فكما أن
تسليطه إياه على ذلك يكون رضي منه بتصرفه ولا يكون أمرا بالكتابة في نصيب نفسه فكذلك
سكوته عن النهى إلا أن تسليطه إياه علي الكتابة يكون رضا منه بالكتابة في نصيب الشريك
فلا يكون له أن يفسخها بعد ذلك وسكوته عن النهى لا يكون رضا منه بالكتابة في نصيب
الشريك فكان له أن يبطلها وكذلك لو وكل أحدهما صاحبه أن يكاتب نصيبه لان مباشرة
الوكيل الكتابة في نصيب الموكل رضا منه بتصرف العبد وبنفوذ الكتابة في نصيب الموكل
فلا يكون ذلك مباشرة منه للمكاتبة في نصيب نفسه فما اكتسب العبد بعد ذلك يكون
نصفه للمكاتب ونصفه للوكيل لان نصيبه لم يصر مكاتبا عنده ولو أذن أحدهما للعبد في
التجارة فلحقه دين ثم اشتري نصيب صاحبه منه ثم اشترى بعد ذلك وباع والمولى لا يعلم
به فلحقه دين فان الدين الأول والآخر كله في النصف الأول لوجود الرضا منه بتعلق الدين
بالنصف الأول ولم يوجد مثل ذلك الرضا فيما اشترى من نصيب صاحبه إذا لم يعلم منه تصرفا
بعد الشراء ولو كان يعلم بيعه وشراءه بعد ما اشتري نصيب صاحبه كان هذا اذنا منه للنصف
الذي اشتراه في التجارة لان استدامته الإذن السابق وتقريره علي التصرف مع علمه منه
بمنزلة ابتداء الاذن ولم يعتبر الرؤية ههنا إنما اعتبر العلم بتصرفه لأنه منفك الحجر في حقه
واعتبار السكوت عن النهى عند الرؤية في المحجور عليه لدفع الضرر والغرور عن الناس
وهذا في المأذون لا يتحقق فإنما يعتبر عامه بتصرفه ليكون مقررا له على ذلك بالفك السابق
ثم الدين الأول في النصف الأول خاصة لأنه حين اكتسب العبد بسببه لم يكن الآذن
مالكا الا لذلك النصف والدين الآخر في جميع العبد لأنه حين اكتسب بسببه كان جميعه
مأذونا من جهة الآذن في ملكه ولو أذن له أحد الموليين في التجارة وأبى الاخر إلى أهل سوقه
فنهاهم عن مبايعته ثم إن الذي لم يأذن له اشترى نصيب صاحبه منه فقد صار العبد محجورا عليه
45

لان حكم الاذن لم يكن ثابتا في نصيب المشترى وإنما كان في نصيب البائع وقد انتقل الملك
في ذلك النصف إلى المشترى ولو كان الكل مأذونا فباعه مولاه صار محجورا عليه فالنصف
يعتبر بالكل فان رآه المشترى يبيع ويشترى فلم ينهه فهذا اذن منه له في التجارة لأنه بعد ما اشترى
نصيب صاحبه يتمكن من نهيه عن التصرف فيجعل سكوته عن النهى دليل الرضا ولا معتبر
بما سبق من النهى عن مبايعته كما لو كان العبد كله له عند ذلك وإذا اشترى الرجل العبد على أنه
بالخيار ثلاثة أيام فاذن له في التجارة أو نظر إليه يشترى ويبيع فلم ينهه كان هذا رضا منه
بالعبد ولزمه البيع والعبد مأذون له قبضه أولم يقبضه لان الاذن في التجارة تصرف منه فيه
بحكم الملك فيكون دليل الرضا منه بتقرير ملكه وذلك اسقاط منه لخياره والسكوت عن
النهى عند التمكن منه بمنزلة الاذن وهو متمكن من الاذن للنهي عن التصرف سواء قبضه
أولم يقبضه فكان سكوته كاذنه ولو كان الخيار للبائع فأذن البائع له في التجارة بغير محضر
من المشترى أو رآه يبيع ويشترى فلم ينهه لم يسقط خياره لذلك ولم ينتقض البيع في قول
أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وفى قول أبى يوسف الآخر هذا نقض منه للبيع وهذا لان
الاذن له في التجارة تصرف بحكم الملك فيكون مقررا به ملكه وذلك منه كالتصريح بالفسخ
ومن أصل أبى يوسف أن من له الخيار ينفرد بالفسخ بغير محضر من صاحبه وفي قول أبي حنيفة
ومحمد لا ينفرد بالفسخ الا بمحضر من صاحبه بخلاف ما سبق فاذن المشترى له في
التجارة بمنزلة الإجازة منه للبيع واجازته بغير محضر من صاحبه صحيحة فان لحقه دين بعد
ما أذن له البائع فهذا نقض منه للبيع لان الدين عيب في العبد وإنما تعيب بهذا العيب بسبب
الاذن الموجود من البائع فالتعييب من البائع في مدة الخيار فسخ وإن لم يكن بمحضر من صاحبه
لأنه فسخ من طريق الحكم وإن لم يلحقه دين حتى مضت الثلاث تم البيع وصار محجورا عليه
لأنه كان مأذونا في ملك البائع وقد تحول الملك فيه إلي المشترى وما اكتسب العبد من شئ
فهو للمشترى لا يملكه عند سقوط الخيار بسبب البيع فيستند ملكه في حكم الكسب إلي
وقت البيع فإن كان المشترى قد قبضه قبل الاكتساب طاب له الكسب وإن كان اكتسبه
قبل قبضه تصدق به لأنه ربح حصل لا على ضمانه وما اكتسبه بعد قبضه فهو ربح حصل
على ضمانه فيطيب له وإذا كان العبد بين رجلين فاذن له أحدهما في التجارة فلحقه دين وفى يده
مال فقال العبد هذا من التجارة وهو للغرماء وصدقه الذي اذن له وقال الذي لم يأذن له هذا
46

مال و وهب لك ولي نصفه فالقياس أن يكون نصفه له ولكنا ندع القياس ونجعله كله للغرماء
ولو علم أن المال وهبه رجل للعبد أو تصدق به أو كان من كسب اكتسبه قبل الدين أو من
كسب كسبه بعد الدين من غير الذي لحقه من قبله الدين فنصف هذا المال للمولى الذي
لم يأذن له ونصفه للغرماء أما إذا علم أنه صدقة أو هبة في يده فسلامة نصفه للذي لم يأذن له
ما كان بالسبب الذي به وجب الدين على العبد ولا بسبب تمكن منه باعتبار اذن الآذن لان
قبول الهبة والصدقة صحيح منه وإن كان محجورا عليه فيكون نصيب الذي لم يأذن من الهبة
والصدقة بمنزلة نصيبه من الرقبة فكما لا يصرف نصيبه من الرقبة إلى دينه فكذلك نصيبه
من الهبة و الصدقة وكذلك ما اكتسبه قبل لحوق الدين أو بعد لحوق الدين من غير السبب
الذي لحقه من قبله الدين فنصف هذا الكسب كان سالما للذي لم يأذن له قبل أن يلحقه الدين
فلا يتغير ذلك بلحوق الدين إياه أو كان يسلم له لولا ما تقدم من لحوق الدين والذي لم يأذن
له ما رضى بلحوق الدين إياه فلا تمتنع سلامة نصيبه له بسبب ذلك الدين وإنما كان ذلك خاصا
فيما اكتسبه بالسبب الذي به لحقه الدين فكان ذلك حكما ثابتا بطريق الضرورة لأنه لا يتمكن
من أخذ نصيبه من ذلك الكسب الا باعتبار الرضا باكتسابه ومن ضرورته تعلق الدين
بذلك الكسب أرأيت لو استقرض العبد من رجل مالا ثم جاء من الغدو في يده ألف
درهم فقال هذه الألف الذي استقرضت أكان للذي لم يأذن له أن يأخذ نصفه لا يكون له
ذلك ويكون للمقرض أخذ ذلك المال من الذي لم يأذن له إذا عرفنا هذا فنقول إذا اختلفا
فقال العبد هذا من التجارة وقال الذي لم يأذن له بل هو في يدك هبة أو صدقة ففي القياس
القول قول الذي لم يأذن له لان سبب سلامة نصف هذا المال له ظاهر وهوانه كسب
عبده والعبد يدعي ثبوت حق الغرماء فيه والمولى منكر فكان القول قوله لانكاره كما لو
اكتسب العبد مالا ولحقه دين ثم ادعى العبد أن المولى كان اذن له في التجارة وأنكر المولى
ذلك فإنه يكون القول قول المولى ولكنه استحسن فجعل المال كله للغرماء لأن الظاهر شاهد
للعبد من حيث إنه صار منفك الحجر عنه في اكتساب المال بطريق التجارة فالظاهر أن
المال في يده بذلك الطريق حصل ولان الدين ظهر عليه مع ظهور هذا الكسب في يده
ولا يعلم لكل واحد منهما سبب فيجعل باعتبار الظاهر سببا واحدا ثم كسب العبد يسلم
للمولى بشرط الفراغ من دينه أو بشرط أن وصوله إلي يده كان بسبب آخر غير السبب
47

الذي به وجب الدين وهذا الشرط لا يثبت بمجرد قول المولى فإذا لم يثبت الاستحقاق الذي
به وجب الدين للمولى بقي مشغولا لحق الغرماء فقلنا يصرف جميع الكسب إلى ديونهم الا
ما علم أنه موهوب والله أعلم
(باب الدين يلحق العبد المأذون)
(قال رحمه الله) وإذا أذن المولى لعبده في التجارة فلحقه دين بسبب التجارة فإن كان في
كسبه وفاء بالدين أمر بقضاء الدين من كسبه عند طلب الغريم وإن لم يكن في يده كسب فيه
وفاء بالدين تباع رقبته في ديونه إلا أن يفديه مولاه بقضاء الدين عندنا وقال الشافعي لا تباع
رقبته في دين التجارة لقوله تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة والعبد الذي لا كسب
في يده معسر فكان مستحقا للنظرة شرعا ولو أجله الطالب لم يجز بيع رقبته فيه فكذلك
إذا انظره الشرع والمعنى فيه أن رقبته ليست من كسبه ولا من تجارته ولا تباع في دينه
كسائر أموال المولى وبيان الوصف انها كانت مملوكة للمولى قبل الاذن له في التجارة
وانه لا يملك بيع رقبته ولا رهنها وتأثيره وهو ان استحقاق قضاء دين التجارة شبه الالتزام
وإنما يجب على من التزمه من ماله لا من مال عبده والعبد هو الملتزم دون المولى إلا أن المولي
بالاذن له يكون ملتزما عهدة تصرفاته في اكسابه لا في رقبته لأنه يقصد تحصيل الربح لنفسه
لا اتلاف ملكه وهذا كاذن الأب والوصي لعبد الصغير في التجارة وهو صحيح وإنما يحصل مقصوده
إذا كان رجوع العبد بالعهدة مقصورا علي كسبه فصار في حق مالية الرقبة ما عبد الاذن كما
قبله وكما لا تباع رقبته في ديون التجارة قبل الاذن فكذلك بعده بخلاف دين الاستهلاك
فان وجوبه يتقرر سببه من غير أن يحتاج فيه إلى اعتبار رضا المولي واستحقاق مالية الرقبة
به لان الجناية الموجودة من ملكه كالجناية الموجودة منه في استحقاق مالية الرقبة * توضيح
الفرق انه لم يوجد من المتلف عليه هناك دليل الرضا بتأخر حقه وفي التأخير إلي وقت عتقه
اضرار به فلدفع الضرر تعلق الدين برقبة العبد وهنا صاحب الدين عامل العبد باختياره
فيكون راضيا بتأخير حقه حين عامله مع علمه انه ليس في يده كسب والمولى غير راض
باتلاف مالية رقبته فمراعاة جانب المولي أولي وأصحابنا استدلوا بما روى أن النبي صلى الله
عليه وسلم باع رجلا في دينه يقال له سرف فحين كان بيع الحر جائزا باعه في دينه ومن ضرورة
48

بيع الحر في دينه بيع العبد في دينه وما ثبت بضرورة النص فهو كالمنصوص ثم انتسخ بيع
الحر وبقي بيع العبد مشروعا فيباع في دينه وإذا كان بيعه في الدين مستحقا بهذا النص ظهر
انه موسر في قضاء الدين بمالية الرقبة والانظار شرعا بعد تحقق العسرة فأما مع اليسار فلا
والمعنى فيه أن هذا دين ظهر وجوبه في حق المولي فتباع رقبة العبد فيه كدين الاستهلاك
وتأثيره بما ذكرنا أن الدين لا يجب في ذمة العبد الا شاغلا مالية رقبته ودين التجارة من
المحجور عليه إنما لا يكون شاغلا لمالية الرقبة لأنه لا يظهر وجوبه في حق المولي فإنه محجور
عن مباشرة سببه لحق المولي فأما بعد الاذن دين التجارة كدين الاستهلاك من حيث إنه
ظهر وجوبه في حق المولي فيكون شاغلا لمالية الرقبة وبهذا تبين ان تأثير الاذن في ظهور
وجوب الدين في حق المولي لتعلقه بمالية الرقبة وان المولي بالاذن يصير كالمتحمل لمقدار مالية
الرقبة من ديونه فبهذا الطريق يتحقق رضى المولي بتعلق الدين بمالية الرقبة ولم يظهر من صاحب
الدين ما يدل على الرضا بتأخير حقه والدليل عليه أن العبد المأذون لو قتل فإنه يقضى بالقيمة
الواجبة على القاتل ديته والقيمة بدل الرقبة فكما يستحق قضاء الدين من بدل رقبته بعد القتل
وإن لم يكن ذلك من كسب العبد فكذلك يستحق قضاء الدين من ثمن الرقبة وهذا لان الرقبة
رأس مال تجارته إلا أنه لا يملك بيعها ولا رهنها لان بين موجب الرهن والبيع وبين موجب
الاذن تضادا فان منع استحقاق قضاء الدين من قيمته فنقول الأصل ان بدل الرقبة يجعل بمنزلة
الكسب في وجوب قضاء الدين منه كالدية في حق الحر فإنه يجعل بمنزلة كسبه في وجوب صرفه إلى
غرمائه فكذلك في حق العبد بل أولى لان حق غرماء الحر كان في ذمته في حياته والدية ليست
ببدل عن الذمة وهنا القيمة بدل عن رقبته وقد كان حق غرمائه متعلقا بالرقبة إذا عرفنا هذا
فنقول كل دين وجب على المأذون بسبب هو من جنس التجارة أو كان وجوبه باعتبار سبب
التجارة فإنه تباع رقبته فيه حتى إذا لحقه الدين من غصب أو وديعة جحدها أو دابة عقرها فذلك
من جنس دين التجارة لأن هذه الأسباب توجب الملك في المضمون بالضمان وهذا إذا كان
ظهور هذه الأسباب باقراره فاما إذا كان بالمعاينة فلا اشكال انه تباع رقبته فيه لان المحجور
عليه يباع في هذا وكذلك أجر الأجير بمنزلة ثمن المبيع سواء ثبت باقراره أو ببينته لان
الاقرار من التجارة وهو منفك الحجر عنه في التجارة (ألا ترى) أن أحد المتعاوضين إذا
أقر بشئ من ذلك كان شريكه مطالبا به فكذلك المأذون إذا أقربه وكذلك مهر جارية اشتراهما
49

فوطئها فاستحقت لان وجوب هذا الدين بسبب التجارة فإنه لولا الشراء لكان الواجب عليه
الحد فيباع فيه سواء ثبت باقراره أو بالبينة بخلاف مهر امرأة تزوجها فوطئها ثم استحقت
لان وجوب ذلك الدين بسبب النكاح والنكاح ليس من التجارة فيتأخر إلى ما بعد عتقه
ولا يجوز بيع المولى العبد بأمر بعض الغرماء ولا بغير أمرهم لان حقهم في العبد مقدم على
حق المولى ولو صولهم إلى حقهم طريقان أحدهما آجل وفيه وفاء بحقوقهم وهو الاستكساب
والثاني عاجل ولكن ربما لا يفي بحقوقهم وهو بيع الرقبة فربما لا يكون بالثمن وفاء بديونهم
وفى بيع المولى إياه بدون رضاهم قطع خيارهم وابطال أحد الطريقين عليهم فلا يملك ذلك
وحق كل واحد منهم ثابت كأنه ليس معه غيره (ألا ترى) أنه لو أسقط الباقون حقهم كان
المنع باقيا لحق هذا الواحد فكذلك إذا رضى بعضهم ولو رفعه بعض الغرماء إلى القاضي ومن
بقي منهم غائب فباعه القاضي للحضور أو أمره مولاه ببيعه جاز بيعه لان الحاضرين طلبوا من
القاضي أن ينظر لهم وينصفهم بايصال حقهم إليهم فعليه أن يجيبهم إلى ذلك وهذا لان في بيع
القاضي نظرا للحاضر والغائب جميعا وللقاضي ولاية النظر في حق الغائب وليس للمولى على
الغائب ولاية النظر فلهذا جاز البيع من القاضي أو بأمره ولا يجوز بدونه ثم القاضي يدفع
إلى الحاضرين حصتهم من الثمن ويمسك حصة الغائب لان دينه ثابت عند القاضي وبثبوت
دينه ثبت مزاحمته مع الحاضرين في الثمن فلا يدفع إلى الحاضرين الا مقدار حصتهم وهذا
بخلاف ما إذا حفر العبد بئرا في الطريق فتلف فيه مال انسان فباعه القاضي في ذلك فإنه
يصرف جميع الثمن إلى صاحب المال وإن كان من الجائز أن يتلف في البئر مال لآخر فيكون
شريكا مع الأول في الثمن لان الثابت ههنا حق الطالب خاصة وما سوى ذلك موهوم
والموهوم لا يعارض المتحقق فلا ينقض شئ من حق الطالب لمكان هذا الموهوم وههنا
حق الغائب ثابت معلوم فهو بمنزلة التركة إذا حضر بعض الغرماء وغاب البعض فباع القاضي
التركة في الدين فإنه لا يدفع إلى الحاضرين الا حصتهم لهذا المعنى فان قال العبد قبل أن يباع
ان لفلان على من المال كذا فصدقه المولي بذلك أو كذبه وفلان غائب وكذبه الحضور من
غرمائه فالعبد مصدق فيه ويوقف حصة المقر له من الثمن حتى يحضر لان العبد ما لم يبع في
الدين فهو على اذنه واقرار المأذون بالدين صحيح في مزاحمة الغرماء في الثمن لان الديون
اجتمعت في حالة واحدة وهي حالة الاذن فكأنها حصلت جملة ولو أقر بذلك بعد ما باعه
50

القاضي وصدقه مولاه لم يصدقا على الغرماء لان العبد بالبيع صار محجورا عليه وحق الغرماء
في ثمنه مقدم على حق المولى فلا يعتبر تصديق المولى ويدفع جميع الثمن إلى الغرماء المعروفين
فان قدم الغائب وأقام البينة على حقه اتبع الغرماء بحصته مما أخذوا من الثمن لان البينة حجة
في حقهم والثابت بالبينة من دينه كالثابت بمعاينة سببه أو بتصادقهم عليه فلا يكون له على العبد
ولا على مولاه البائع ولا على المشترى سبيل لان الثابت للمشترى ملك حادث وهو لم يرض
بتعلق شئ من دينه بملكه والمولى البائع ما كان ملتزما لغرمائه الا مقدار مالية الرقبة وقد
صارت مصروفة إلي الغرماء بأمر القاضي والعبد محجور عليه في الحال فلا يكون مطالبا بشئ
حتى يعتق ويتبعه تحول الاستحقاق من رقبته إلى الثمن فيما يرجع إلى مالية الرقبة والثمن في
يد الغرماء المعروفين فلهذا شاركهم الغائب بحصة ما أثبت من الدين وان أراد القاضي أن
يستوثق من الغرماء بكفيل حتى يقدم الغائب فأبى الغرماء أن يفعلوا لا يجبرون على شئ من
ذلك لان اقرار العبد كما لا يكون حجة عليهم في اثبات المزاحمة للغائب معهم كذلك لا يكون
حجة عليهم في إلزام اعطاء الكفيل (أرأيت) لو أبوا أن يعطوا كفيلا أولم يجدوا كفيلا كان
له أن يمنعهم حقهم بسبب اقرار العبد ولكن ان أعطوه ذلك وطابت به أنفسهم جاز وقيل هذا قول
أبي حنيفة رحمه الله فأما عندهما فالقاضي يأخذ منهم كفيلا على وجه النظر للغائب إذ لا ضرر
عليهم في اعطاء كفيل وأصله ما بينا في كتاب الدعوى إذا قسم القاضي التركة بين الغرماء
أو الورثة هل يأخذ منه كفيلا لحق وارث أو غريم بتوهم حضوره فإذا كان عندهما هناك
يحتاط بأخذ الكفيل فلان يحتاط ههنا بعد اقرار العبد أولى فان قدم الغائب فأقام البينة على اقرار
العبد بدينه قبل البيع فذلك جائز أيضا لان الثابت مع اقراره بالبينة كان له أن يأخذ حصته ان
شاء من الغرماء وان شاء من الكفيل ثم يرجع به الكفيل على الغرماء وإذا أذن لعبده في
التجارة فاكتسب مالا فأخذه المولى منه ثم لحقه دين بعد ذلك وقد استهلك المولي المال أولم
يستهلكه فإن كان على العبد دين يومئذ فان المولى يؤخذ بذلك المال حتى يرده لان المولى في
هذا الاخذ غاصب فإنه لا سبيل له على كسب العبد ما لم يفرغ من دينه والدين وان قل فكل
جزء من الكسب مشغول به فلهذا لا يسلم المقبوض للمولى ولا يخرج بقبضه من أن يكون
كسب العبد بل كونه في يد المولى وكونه في يد العبد سواء فيشترك فيه الغرماء بالحصة وإن كان
قبضه ولا دين فاستهلكه أولم يستهلكه حتى لحقه دين فليس لصاحب الدين على ما قبض
51

المولى سبيل لان كسبه الفارغ عن الدين خالص ملك المولي فهو محق في أخذه ويخرج المقبوض
بقبضه من أن يكون كسب العبد ويلتحق بسائر أموال المولى فإذا لحقه الدين بعد ذلك يقضى
مما بقي في يد العبد من الكسب ومما يكسبه بعد لحوق الدين لان محل قضاء الدين كسبه وما
اكتسبه قبل لحوق الدين ما دام في يده فهو كسبه مثل ما اكتسب بعد لحوق الدين فيصرف
جميع ذلك إلى دينه ولو كان المولى أخذ منه ألف درهم فاستهلكه وعليه دين خمسمائة درهم
يومئذ ثم لحقه بعد ذلك دين آخر يأتي على قيمته وعلى ما قبض المولى فان المولي يغرم الألف
كلها فيكون للغرماء ويباع العبد أيضا في دينه لان المولي غاصب للمأخوذ باعتبار ما على العبد
من الدين وإن كان الدين دون المأخوذ فهو وما لو كان في يد العبد سواء وهذا لأنا لو أوجبنا
على المولي رد مقدار خمسمائة لم يسلم ذلك للغريم الأول بل يشاركه الغريم الثاني فيه لاستواء
حقهما في كسب العبد ثم يستوجب الغريم الأول الرجوع على المولي بما بقي من حقه فإذا
قبض ذلك شاركه فيه الغريم الثاني فلا يزال هكذا حتى يسترد من المولي جميع الألف فقلنا
في الابتداء يسترد منه الكل إذا لا فائدة في الترتيب والتكرار ولو لم يلحق العبد دين آخر
لم يغرم المولي الا نصفه لأنه إذا دفع للغريم خمسمائة فقد وصل إليه كمال حقه وزال المانع من
سلامة الكسب للمولى فيسلم له ما بقي وإذا لحق المأذون دين يأتي على رقبته وعلى جميع ما في
يده فأخذ منه مولاه الغلة بعد ذلك في كل شهر عشرة دراهم حتى أخذ منه مالا كثيرا
ففي القياس عليه رد جميع ما أخذ لأنه أخذ ذلك من كسبه وحق الغرماء في كسبه مقدم على
حق المولى والمولى وان استأداه الضريبة فذلك لا يصير دينا له على عبده فيسترد المأخوذ لحق
الغرماء ولكنه استحسن فقال المقبوض سالم للمولى لان في أخذ المولى الغلة منه منفعة للغرماء
فإنه يبقيه على الاذن بسبب ما اتصل إليه من الغلة فيكتسب ويقضى حق الغرماء من كسبه
وإذا لم يسلم الغلة للمولى حجر عليه فينسد على الغرماء باب الوصول إلى حقهم من كسبه فعرفنا
ان في هذا منفعة للغرماء والمولى يتمكن بسبب ملكه من تصرف مالا يكون فيه ضرر على
الغرماء وما دفع العبد من الغلة إلى المولى مثل ما ينفقه على نفسه في حال تصرفه وكما أن قدر
نفقته مقدم على حق غرمائه فكذلك مقدار ما دفع إلى المولى من غلة مثله يكون مقدما على حق
غرمائه ثم منافعه علي ملك المولى وهو إنما يستوفى منه الغلة بدلا عن المنفعة ولو كان استوفى منفعته
لم يكن للغرماء عليه سبيل في ذلك فكذلك إذا استوفى بدل المنفعة ولو كان قبض منه كل شهر
52

مائة درهم كان باطلا وعليه أن يرد ما زاد على غلة مثله لان في قبض الزيادة على غلة المثل
ضررا على الغرماء والعبد غير محتاج إلى أداء تلك الزيادة إلى المولى فكان المولى غاصبا لتلك
الزيادة فعليه ردها لحق الغرماء ولو أقر العبد المأذون بدين خمسمائة ثم استفاد عبدا يساوى
ألفا فأخذه المولى ثم لحق المأذون بعد ذلك دين يأتي على قيمته وعلى قيمة ما قبضه المولى فان
المقبوض يؤخذ من المولى فيباع ويقسم ثمنه بين سائر الغرماء لما بينا أن المولى غاصب في
أخذ العبد منه لمكان ما عليه من الدين فان أدى المولى الدين الأول ليسلم العبد له لم يسلم وبيع
للآخرين في دينهم لان كونه في يد المولى ككونه في يد العبد فيتعلق به حق كل غريم ثم
المولى أسقط حق الغريم الأول بإيفاء دينه ولو سقط حقه بابرائه لم يسقط به حق الغريم الثاني
عن العبد المأخوذ فكذلك إذا سقط بإيفاء المولى إياه وليس للمولى أن يخاصمهم بما أدى من
الدين الأول لأنه لا يستوجب الرجوع بما أدى على العبد فان المولى لا يستوجب على عبده
دينا والمزاحمة في كسب العبد باعتبار الديون الواجبة عليه فإن لم يؤد المولى ولكن الغريم
الأول أبرأ العبد من دينه بعد ما لحقه الدين الآخر بيع العبد وقبضه المولى في دين الآخرين
لان بابرائه يسقط دينه ولا يتبين أنه لم يكن واجبا يومئذ وان حق الآخرين لم يكن متعلقا
بمالية العبد المأخوذ وإن كان أبرأه منه قبل أن يلحقه الدين الآخر سلم العبد الذي قبضه المولى
له لان المانع من سلامته له قد انعدم بسقوط دينه فصار كما لو أخذه المولى بعدما سقط دينه
قبل أن يلحقه الدين الآخر وبهذا الاخذ يخرج المأخوذ من أن يكون كسبا للمأذون فلا
يتعلق به ما يلحقه من الدين بعد ذلك ولو لم يبرئه حتى لحقه الدين الآخر ثم أقر الغريم الأول
أنه لم يكن له على المأذون دين فان أقر العبد المأذون له بالدين كان باطلا وسلم العبد الذي
قبضه المولى له ولا يتبعه صاحب الدين الآخر بشئ منه بخلاف ما إذا أبرأه الغريم الأول لان
بالابراء يسقط دينه ويتبين أنه لم يكن واجبا فأما باقراره فتبين انه لم يكن له على المأذون دين وان
المقبوض كان سالما للمولى * فان قيل حين لحقه الدين الآخر كان الدين واجبا ظاهرا فباعتباره
يتعلق حق الغريم الآخر بماليه العبد ثم اقرار الأول بعد ذلك لا يكون حجة في ابطال حق
الآخر فينبغي أن يجعل اقراره بمنزلة الا براء المبتدأ * قلنا هذا ان لو كان في المحل الذي تناوله
اقراره حق الغريم الآخر ولا حق للغريم الآخر فيما أقر به الأول انه لم يكن واجبا له
فيكون قراره فيه صحيحا على الاطلاق فيتبين به أن المقبوض كان سالما للمولى وانه خرج
53

بقبضه من أن يكون كسبا للعبد ولو كان المولى أقر بالدين للأول كما أقر به العبد ثم قال
الغريم الأول لم يكن لي على العبد دين واقراره لي كان باطلا فان الغريم الآخر يأخذ العبد
الذي قبضه المولى ليباع في دينه لان المولى أقر أن الدين الأول كان واجبا وانه غاصب
في أخذ العبد واقراره فيما في يده حجة عليه فيجعل ذلك كالثابت باتفاقهم * توضيحه أن المولى
ههنا أقر بان الشركة وقعت بين الغريمين فيما قبضه هو ثم سقط حق أحدهما بسبب اقراره
فبقي حق الآخر كما لو أبرأه غريم الأول وفي الأول لم يقر المولى بثبوت الشركة بين الغرماء
في العبد الذي أخذه ولكن إنما كان يثبت فيه حق الغريم الثاني لو جوب الدين الأول فإذا
ظهر باقرار الأول أنه لم يكن له دين ثم قبض المولى العبد ولا شركة للغريم الآخر معه لان
دينه لحق المأذون بعد ما خرج العبد من أن يكون كسبا له وإذا أذن الرجل لامته فلحقها
دين ثم وهب لها هبة أو تصدق عليها بصدقة أو اكتسبت مالا من التجارة فغرماؤها أحق
بجميع ذلك من مولاها وقال زفر رحمه الله لاحق لغرمائها الا فيما اكتسبت بطريق التجارة
لان وجوب الدين عليها بسبب التجارة فما كان من كسب تجارتها يتعلق الدين به لاتحاد السبب
وما لم يكن من كسب تجارتها فهو كسائر أملاك المولي فلا يتعلق حق غرمائها به (ألا ترى)
أنها لو ولدت ثم لحقها دين بعد ذلك لم يتعلق حق غرمائها بولدها لهذا المعنى وهذا لان
وقوع الملك للمولى في الهبة والصدقة ما كان بسبب فك الحجر عنه * فان قيل الاذن كان
يثبت له الملك في الهبة والصدقة أيضا بخلاف كسب التجارة فحصوله كان بسبب الاذن له
في التجارة * فقلنا بأنه لا يسلم للمولى ما لم يفرغ عن دين العبد * وحجتنا في ذلك أن الهبة والصدقة
كسب العبد فلا يسلم للمولى الا بشرط الفراغ من دين العبد ككسب التجارة وهذا لان
الكسب يوجب الملك للمكتسب بأي طريق كان إلا أن المكتسب إذا لم يكن أهلا للملك
يخلفه في ذلك مولاه خلافة الوارث المورث فكما أنه لا يسلم للوارث شئ من التركة الا بشرط
الفراغ من دين المورث فكذلك لا يسلم للمولى شئ من كسب العبد الا بشرط الفراغ من دينه
وهذا لان العبد وإن لم يكن أهلا للملك فهو من أهل قضاء الدين بكسبه وحاجته في ذلك
مقدمة على حق مولاه في كسبه فما لم يفضل عن حاجته لا يسلم للمولى شئ منه ويستوى إن كان
الكسب قبل لحوق الدين أو بعد لحوق الدين لان يدها في الكسب يد معتبرة حتى
لو نازعها فيه انسان كانت خصما له فباعتبار بقاء يدها تبقى حاجتها فيه مقدمة بخلاف ما إذا كان
54

أخذ المولى منها قبل أن يلحقها الدين وهذا بخلاف ما لو ولدت بعد ما لحقها الدين لان ولدها
ليس من كسبها ولكنه جزء متولد من عينها فكما أن نفسها لا تكون من كسبها ولا يكون
الملك للمولى في نفسها مستفادا من جهتها فكذلك في ولدها إلا أن نفسها تباع في الدين
لالتزام المولى ذلك بالاذن لها في التجارة وذلك لا يوجد في حق الولد ولا يعلق به حق
الغرماء إنما يكون بطريق السراية ولا سراية بعد الانفصال لان الولد بعد الانفصال نفس
على حدة وهذا بخلاف ما إذا كان الدين لحقها قبل أن تلد ثم ولدت لان حق الغرماء تعلق
بها في حال ما كان الولد جزأ متصلا بها فيسرى إلى الولد بحكم الاتصال وينفصل على تلك الصفة
ثم تعلق حق الغرماء بها لا يكون قبل سبب وجوب الدين فإذا كان السبب موجودا بعد
انفصال الولد لا يمكن اثبات الحكم في الولد بطريق السراية وهذا بخلاف الدفع بالجناية فان الجارية
إذا ولدت فلا حق لأولياء الجناية في ولدها لان حقهم هناك في بدل المتلف وهو أرش الجناية أو في
نفسها جرى على الجناية ولكن ذاك ليس بحق متأكد بدليل تمكن المولى من التصرف فيها كيف شاء
بالبيع وغيره فلهذا لا يسرى إلى الولد وههنا حق الغرماء متأكد في ذمتها متعلق بماليتها بصفة التأكيد
بدليل انه لا ينفذ تصرف المولى فيها بالبيع والهبة ما لم يصل إلى الغرماء حقهم فيسرى هذا الحق
المتأكد إلى الولد ولو ولدت ولدا وعليها دين ثم لحقها دين بعد ذلك اشترك الغرماء جميعا في ماليتها
إذا بيعت فأما ولدها فلأصحاب الدين خاصة لأنه انفصل عنها وحقهم ثابت فيها فسرى إلي الولد
وأصحاب الدين الآخر إنما يثبت حقهم فيما بعد انفصال الولد عنها فلهذا لا يثبت حق الغرماء في
ولدها ولو ولدت ولدين أحدهما قبل الدين والآخر بعد الدين لحق الولد الدين الاخر دون الأول
لان الأول انفصل عنها قبل تعلق الدين برقبتها ويعتبر حال كل واحد من الولدين كأنه ليس معه
الولد الآخر ولو جنى عليها جناية فاستوفى أرشها من الجاني أو كان الجاني عبدا فدفع بالجناية
فحكمه حكم ولدها في حق الغرماء لان الأرش مملوك للمولى لا من جهتها ولكن بدل جزء منها
فيكون حكم الأرش حكم ولدها في حق الغرماء وفي الجارية الجانية إذا جنى عليها بدفع الأرش
معها لان الأرش بدل جزء من عينها وحق الدفع كان ثابتا في ذلك الجزء فيثبت في بدله
اعتبار البدل طرفها ببدل نفسها فاما الولد فليس ببدل جزء فائت من عينها ولكنه زيادة
انفصل عنها فلا يثبت فيه حق أولياء الجناية لوجوب دفعها إليهم بالجناية فكان الولد في هذا
قياس العقد فإنها لو وطئت بالشبهة لا يتعلق حق أولياء الجناية بعقدها فكذلك بولدها
55

وإذا أذن لعبده في التجارة فلحقه دين كثير ثم دبره مولاه فالغرماء بالخياران شاؤوا ضمنوا
المولى القيمة وان شاؤوا استسعوا العبد في جميع الدين لان قبل التدبير كان لوصولهم إلى حقهم
طريقان بيع الرقبة في الدين أو الاستسعاء والمولى بالتدبير فوت عليهم أحد الطريقين وهو
استيفاء الدين من المالية لان التدبير لا يمكن بيعه في الدين وما يعرض للطريق الآخر وهو
الكسب لان الكسب بعد التدبير يكون على ملك المولى كما كان قبله فيبقى الخيار لهم ان شاؤوا
ضمنوا المولى لا تلافه مالية الرقبة عليهم وذلك يتقدر بقيمة العبد فإذا استوفوا ذلك منه فلا
سبيل لهم على العبد حتى يعتق لأنه لو وصل ذلك إليهم ببيعه في الدين لم يبق لهم عليه سبيل
حتى يعتق فكذلك إذا وصل إليهم بتضمين المولى فإذا عتق اتبعوه ببقية دينهم لان بقية
الدين كان ثابتا في ذمته فعليه قضاؤه من خالص ملكه وخالص ملكه ما اكتسب بعد العتق
فأما ما كان اكتسبه قبل العتق فهو للمولى والمولى قد ضمن لهم مالية الرقبة فلا يبقى لهم
سبيل على كسب هو ملك المولى فان اختاروا استسعاء المدبر استسعوه في جميع الدين كما قبل
التدبير كان لهم حق استيفاء جميع الدين من كسبه فكذلك بعد التدبير لان الكسب على ملك
المولى والمولى راض بقضاء ديونه من كسبه بخلاف الأول فهناك المولى ضمن مالية الرقبة
فهو غير راض بصرف ما يكتسبه بعد اسلامه مالية الرقبة للغرماء إلى ديونهم فإذا اختاروا أحد
الا مرين فليس لهم أن يرجعوا عنه بعد ذلك لأنهم اختاروا تضمين المولى فقد سلموا ما يكتسبه
المدبر للمولى وان اختاروا استسعاء المدبر فقد أبرؤا المولى فلا يكون لهم أن يرجعوا عنه
كالغاصب مع غاصب الغاصب إذا اختار المغصوب منه تضمين أحدهما فان ضمنوا المولى قيمته
اقتسموها بينهم بالحصص والعبد على اذنه فان اشترى وباع فلحقه دين كان لأصحاب هذا
الدين أن يستسعوه ولا سبيل لهم علي المولى لان حقهم ما تعلق بمالية الرقبة فإنه ما كان محلا
للبيع حين وجب دينهم فإنما يتعلق حقهم بالكسب خاصة ولا يشاركهم الأولون في سعايته لأنهم
باختيار تضمين المولي أسقطوا حقهم عن كسب رقبته ولان استدامة الاذن بعد التدبير
كانشائه فان فضل شئ من كسبه عن دين الآخرين كان للمولى دون الأولين وإذا قتل المدبر
كانت قيمته للآخرين دون الأولين لان القيمة بدل الرقبة فيكون كالكسب في وجوب صرفها
إلى الدين ولان الأولين قد وصل إليهم بدل مالية الرقبة حين ضمنوا المولى قيمته فلا سبيل
لهم على القيمة التي تستوفى من القاتل ولم يسلم للآخرين شئ من ذلك وإذا لحق العبد المأذون
56

دين ثلاثة آلاف درهم لثلاثة نفر وقيمته ألف درهم ثم دبره المولي فاختار بعض الغرماء اتباع
المولى بالقيمة وبعضهم استسعاء العبد فذلك لهم لان لكل واحد منهم فيما اختار غرضا صحيحا
وقد كان لكل واحد منهم هذا الخيار في دينه قبل التدبير فكذلك بعده إلا أن قبل التدبير
إذا اختار أحدهم البيع فبيع له لا يملك ايفاء حق الباقين في الكسب لأنه بالبيع قد انحجر عليه
وههنا بعد التدبير العبد على اذنه فيمكن ايفاء حق من اختار السعاية في كسبه فإن كان اختار
ضمان المولى اثنان منهم كان لهما ثلثا القيمة وسلم للمولى ثلث القيمة لان القيمة على المولى
أثلاثا بينهم لو اختاروا تضمينه والذي اختار الاستسعاء ما أسقط حقه أصلا ولكن عين لحقه
شيئا من ملك المولى وهو الكسب فيكون مزاحمته مع الأولين في حق المولى قائم حكما فلهذا
يسلم حصته من القيمة للمولى ويغرم للآخرين ثلثي القيمة ثم الذي اختار السعاية ان أخذها من
العبد قبل أن يأخذ الآخر ان شاء من القيمة لم يكن لهما حق المشاركة معه فيما قبض لأنهما أسقطا
حقه عن السعاية باختيار التضمين فانقطعت المشاركة بينه وبينهما في السعاية و إذا أراد الذي اختار
السعاية قبل أن يأخذ المولى نصيبه أو شارك صاحبه فيما يقبضان من القيمة لم يكن له ذلك وكذلك
الآخران بعد اختيارهما ضمان المولى و ان أراد أن يتبعا المدبر بدينهما ويدعا تضمين المولى لم يكن
لهما ذلك وان سلم ذلك لهما المولى لان كسب العبد صار حقا للذي اختار السعاية ما لم يصل إليه
كمال دينه وحقه فيه مقدم على حق المولى فلا يتبين رضي المولى في مزاحمة الآخرين معه في
السعاية بعدما أسقطا حقهما عنها باختيار تضمين المولى فان اشترى المدبر بعد ذلك وباع فلحقه
دين آخر كان جميع كسب المدبر بين صاحب الدين الذي اختار سعايته وبين أصحاب الدين الذي
لحقه آخرا ليس لأحد منهم أن يأخذ منه شيئا دون صاحبه لان العبد بقي على اذنه فهذه الديون
جميعها حالة واحدة وهي حالة الاذن فيكون الكسب مشتركا بينهم بالحصة فأيهم أخذ منه
شيئا شاركه أصحابه وقد بينا أن ما اكتسب من ذلك قبل أن يلحقه الدين الآخر أو بعده
في ذلك سواء فإن كان الأول الذي اختار سعايته قبض شيئا من سعايته قبل أن يلحقه الدين
الآخر سلم ذلك له لأنه حين قبضه ما كان لاحد سواه حق في الكسب وما قبضه خرج من أن
يكون كسبا للعبد فلا يتعلق به حق الآخرين بعد ذلك كما لو كان المولى هو الذي قبضه ولو
أقر المدبر لرجل بدين ألف درهم وذكر أنه كان عليه قبل التدبير فصدقه صاحبه أو قال كان بعد
التدبير فذلك سواء ويسعى له المدبر مع غرمائه لأنه باق على اذنه فيما يلزمه باقراره بمنزلة
57

ما يلزمه بالتجارة فما سعى فيه من شئ اشتركوا فيه ولا يصدق المدبر على أن يدخل هذا في
القيمة التي كانت وجبت للأولين على المولى لأنه في اسناد الاقرار إلى ما قبل التدبير متهم في حقهم
فإنه لا يملك اثبات المزاحمة له معهم بطريق الانشاء ولو صدقه المولي في ذلك وأقر انه كان قبل
التدبير واختار هذا الغريم اتباع المولى فإن كان المولى دفع إلى الغريمين اللذين اختارا ضمانه ثلثي
القيمة بقضاء القاضي دفع إلى هذا المقر له سدس القيمة وهو نصف ما بقي عليه لان تصديق المولى
معتبر في حقه غير معتبر في حق الأولين وهو يزعم أن الأولين حقهما في نصف القيمة وان
عليهما رد الزيادة على ذلك ولكنه غير مصدق في استرداد شئ منهما إلا أن ما دفعه بقضاء القاضي
لا يكون مضمونا فيجعل ذلك كالتاوي وما بقي بزعمه بين الآخرين نصفين إلا أن الذي
اختار السعاية يسلم للمولى حصته من ذلك فيدفع إلى المقر له مقدار حقه من ذلك وهو مقدار
نصف ما بقي عليه بزعمه ثم اتبع هذا الغريم المدبر بثلث دينه فيسعى له فيه لأنه تمام حقه في
ربع القيمة وإنما سلم له سدس القيمة وذلك ثلثا حقه ولو لم يسلم له شئ من القيمة كان له أن
يستسعى العبد في جميع دينه فكذلك يستسعيه في ثلث دينه حين لم يسلم له ثلث نصيبه من
القيمة اعتبارا للبعض بالكل ولا يبطل اختياره ضمان المولى حق استسعائه في هذا القدر لان
اختياره ضمان المولى معتبر فيما وصل إليه دون مالا يصل إليه والواصل إليه ثلثا نصيبه من
قيمته فلا يعتبر ذلك الاختيار في ابطال حقه في السعاية في الثلث الباقي وإن كان دفع الثلثين
بغير قضاء قاض غرم للمقر له ربع جميع القيمة لان المولى مقر أن حقه في ربع جميع القيمة
وما دفع إلى الأولين زيادة على حقهما ههنا محسوب عليه في حق المقر له لأنه دفعه باختياره
فلهذا غرم له جميع نصيبه وهو ربع القيمة ثم لا يتبع المقر له المدبر بشئ من دينه حتى يعتق لأنه
وصل إليه كمال حقه من بدل الرقبة قال (ألا ترى) ان غرماءه الثلاثة الأولين لو اختاروا
ضمان المولى فضمنوه القيمة فدفعها إليهم بقضاء ثم ادعى آخر على المدبر دينا ألف درهم قبل
التدبير وصدقه المدبر والمولى في ذلك فلا سبيل لهذا الغريم على تلك القيمة ولا على المولى
ولا يبطل اختياره ضمان المولى حقه في سعاية العبد بخلاف ما إذا كان دفع القيمة إلى الأولين
بغير قضاء قاض فإنه يغرم للدافع كمال حصته وهو ربع القيمة ولو لم يكن المولى دبر عبده
ولكنه أعتقه وهو موسر أو معسر فهو سواء والغرماء بالخيار ان شاؤوا اتبعوا المولى بالقيمة
لأنه أتلف حقهم في ماليته بالاعتاق وضمان الاتلاف لا يختلف باليسار والاعسار فإذا اتبعوه
58

بالقيمة أخذا العبد بما بقي من دينهم لان كسبه بعد العتق خالص حقه والباقي من الدين ثابت
في ذمته فعليه قضاؤه من ملكه بخلاف التدبير فان كسبه بعد التدبير مال المولى وقد ضمن
المولى لهم بدل الرقبة فلا يبقى لهم سبل على شئ من ملكه بعد ذلك حتى يعتق وان شاؤوا
أخذوا جميع دينهم من العبد وأبرأوا المولى لان ضمان القيمة على المولى خالص حقهم وهو
محتمل للاسقاط فيسقط باسقاطهم ويبقى أصل ديونهم على العبد وقد عتق فيتبعوه بجميع
ذلك وان اختاروا اتباع العبد بدينهم ولم يبرؤوا المولي من شئ لم يكن هذا براءة منهم للمولى
لان المولى في مقدار القيمة متحمل لهم عن العبد بمنزلة الكفيل ومطالبة الأصيل بالدين
لا توجب براءة الكفيل بدون الابراء وكذلك لو اختاروا ضمان المولى كان لهم أن يتبعوا
العبد بجميع دينهم إذا لم يقبضوا من المولى شيئا لان اختيارهم تضمين المولى بمنزلة مطالبة الكفيل
بالدين وذلك غير مبرئ للأصيل بخلاف التدبير فهناك حقهم أحد شيئين اما القيمة على
المولى أو استيفاء الدين من كسبه على ملك المولي فاختيارهم أحد الامرين يوجب براءة
الآخر وههنا قد ثبت حقهم في الامرين جميعا لتقرر سببهما في مطالبة المعتق بجميع الدين
لأنه في ذمته وفى مطالبة المولى بالقيمة لأنه متحمل لذلك القدر (ألا ترى) انهم إذا أخذوا
القيمة من المولى كان لهم أن يتبعوا العبد ببقية دينهم فلهذا لا يكون اختيارهم تضمين أحدهما
ابراء للآخر ولو اختار بعض الغرماء اتباع المولي وأبرأوا المولى من أن يكون يتبعه بشئ من
القيمة لم يكن لهم بعد ذلك أن يتبعوه بشئ لصحة الابراء منهم له عن ذلك في حقهم وتكون
القيمة كلها لأصحاب الدين الذين اختاروا تضمين المولى لان النقصان كأن لمزاحمة الآخرين
وقد زال ذلك بالابراء فالتحق بما لو لم يكن الا دينهم وهذا بخلاف التدبير فهناك مزاحمة
الذين اختاروا استسعاء العبد لم ينعدم في حق المولى لان سعايته ملك المولى فلهذا لا يدفع
إلى الذين اختاروا ضمانه لان حصتهم من القيمة وهنا مزاحمة الذين أبرؤا المولى قد انعدمت في
حقه من كل وجه لأنهم يأخذون دينهم من سعاية هي خالص ملك المعتق لا حق للمولى
فيه فلهذا لزمه دفع جميع القيمة إلى الذين اختاروا تضمينه ولهم الخيار كما بينا فان آخذوا
المولى لم يرجع على العبد بشئ لأنه ضامن لاتلافه محل حقهم أو لأنه متحمل عن العبد ولم
يستوجب بهذا التحمل شيئا على العبد وان آخذوا العبد لم يرجع علي المولى بشئ لأنه أصيل
قضي دينه بملكه وما أخذ واحد منهم من القيمة التي على المولى اشترك فيها جميع من اختار
59

ضمان المولى لان وجوب القيمة لهم على المولى بسبب واحد ولان القيمة كالثمن لو بيعت الرقبة
في ديونهم وما أخذ واحد من الغرماء من العبد بعد عتقه فهو له خاصة لا يشاركه فيه الغرماء
لأنه حر ودين الحر في ذمته لا تعلق له بكسبه وإنما وجب دين كل واحد منهم في ذمته
بسبب على حدة بخلاف التدبير فإنه بعد التدبير مملوك والدين في ذمة المملوك يكون شاغلا
لكسبه فلهذا إذا خص أحدهم بقضاء الدين دون أصحابه لم يسلم ذلك له ولو لحق العبد المأذون
دين كبير فأعتقه المولى وأخذ ما في يده من المال فاستهلكه ثم اختار الغرماء اتباع العبد
وأخذوا منه الدين رجع العبد على المولى في المال الذي أخذ منه بما أداه من الدين وضمنه
ذلك لان كسبه إنما كان يسلم للمولى بشرط براءته عن الدين ولم يوجد وهو غير متبرع فيما أدى
من الدين من خالص ملكه بعد العتق بل هو مجبر على ذلك فيكون له أن يرجع على المولى فيما
استهلكه من كسبه بذلك المقدار وإن كان قائما في يد المولى اتبعه العبد حتى يستوفى منه مقدار ما
أدى وما فضل منه فهو للمولى وكذلك لو لم يوف العبد الدين ولكن الغرماء أبرؤه منه لم
يرجع على المولى بشئ من ذلك المال لأنه كان اكتسبه في حال رقه وقد فرغ من دينه
فيكون سالما للمولى وكذلك أن كانت أمة فأعتقها وأخذ منها مالها وولدها وأرش يدها وقد
كان الدين لحقها قبل الولادة والجناية ثم حضر الغرماء فان المولى يجبر على أن يدفع إليها مالها
لتقضي دينها لان كسبها لا يسلم للمولى مع قيام الدين عليها ولا يجبر علي دفع الولد والأرش
ان كأن لم يعتقها ولكن تباع فيقضى من ثمنها ومن أرش اليد الدين لان الولد ليس من
كسبها في شئ بل هو ملك المولى كرقبتها وليس للغرماء أن يعينوا على المولي قضاء الدين من
مالية الولد ولكن الخيار في ذلك إلى المولي فان أرادوا بيع الرقبة لهم في ديونهم وفي الرقبة
وفاء بحقوقهم فقد وصل إليهم كمال حقهم وأرش اليد من جنس حقهم فإذا استوفوا حقهم
منه لا يبقى لهم على الولد سبيل وإن كان المولي أعتقها فللغرماء أن يرجعوا عليه بقيمتها لأنه
أتلف ماليتها عليهم ثم يباع ولدها في دينهم أيضا لأنه انفصل بعد تعلق حقهم بماليتها ويأخذون
من المولى الأرش أيضا لأنه بدل ما كان تعلق حقهم به ثم يتبعون الأمة بما بقي من دينهم
لأنها قد أعتقت وان شاؤوا اتبعوها بجميع الدين وتركوا اتباع المولي فان اتبعوها بدينهم
فأخذوه منها سلم للمولى ولدا لامة وما أخذ من أرش يدها لم يكن لها أن ترجع على المولى بالولد
والأرش كما لا ترجع بقيمة نفسها اعتبار للجزء بالكل والمعنى ان المولى يرجع بما يملكه من جهتها
60

ولها أن ترجع على المولى بما أخذ من مالها لأنه كان يتملكه من جهتها فلا يسلم له ذلك الا ببراءتها
عن الدين فكذلك لو باعها للغرماء بدينهم وقبض الثمن ثم أعتق المشترى الجارية فإن شاء الغرماء
أخذوا الثمن واتبعوا الجارية بما بقي من دينهم لان ما بقي استقر في ذمتها فعليها قضاؤه من ملكها
بعد العتق وان شاؤوا اتبعوها بجميع دينهم فان أخذوا ذلك منها سلم للمولى الثمن لأنها أصل في
جميع الدين والمولى في مقدار الثمن كالكفيل والأصيل إذا قضى الدين من ملكه لم يكن له أن
يرجع على الكفيل بشئ فكذلك إذا كان المولى كاتبها باذن الغرماء ما كان لهم أن يأخذوا جميع
ما يقبض المولى من المكاتبة لان ذلك كسبها وحقهم باق في كسبها وان نفذت الكتابة فيها
برضاهم فليس لهم أن يرجعوا فيها بشئ من دينهم ما دامت مكاتبة لان المكاتبة التي استوفوا
في معنى بدل الرقبة فإذا وصل إليهم بدل الرقبة لا يبقى لهم سبيل على كسبها ما لم تعتق (ألا ترى)
أن كتابة المولى إياها باذن الغرماء كبيعها ولو باعها برضاهم وأخذوا ثمنها لم يبق لهم على كسبها
سبيل ما لم تعتق فكذلك ههنا فان قبض المولى جميع المكاتبة وعتقت فالغرماء بالخيار ان شاؤوا
أخذوا المكاتبة من السيد لأنه بدل ما تعلق به حقهم ثم اتبعوا الأمة بما بقي من دينهم لأنها قد
عتقت وان شاؤوا أخذوا الأمة بجميع دينهم فان أخذوه منها سلمت المكاتبة للمولى بمنزلة الثمن الذي
أخذه المولى ببيعها برضاهم وهذا لان كل واحد منهما بدل الرقبة وحكم البدل حكم الأصل
وملك الرقبة للمولى ما كان مستفادا من جهتها وهي فيما قضت من الدين أصل فلا ترجع
على المولى بشئ بما كان متحملا عنها لغرمائها وإذا أذن للعبد في التجارة فلحقه دين كبير ثم إن
المولى كاتبه فللغرماء أن يفسخوا الكتابة لأنهم يتضررون بما باشره المولى من حيث إنه
يتعذر عليهم استيفاء الدين من مالية الرقبة بالبيع والكتابة تحتمل الفسخ فيفسخونها لدفع
الضرر عنهم كما يفسخون البيع وكما يفسخ الشريك الكتابة فإن لم يعلموا ذلك حتى أدى
الكتابة إلى المولي فقد عتق بأدائها لوجود شرط العتق والمولى كان يملك تنجيز العتق فيه مع
اشتغاله بحق الغرماء فيصح منه أيضا تعلق العتق بأداء المال ويعتق بالأداء ثم للغرماء أن يأخذوا
الكتابة من المولى فيقتسمونها بينهم بالحصص لان المؤدى كسب العبد وحق الغرماء في
كسبه مقدم على حق المولى فلا ينتقض العتق باستيفائهم بدل الكتابة من المولى لأنه لا ناقض
للعتق بعد الوقوع وللغرماء أن يضمنوا المولي قيمته لأنه أتلف عليهم مالية الرقبة بعد
ما تعلق حقهم بها بخلاف المسألة الأولى فهناك إنما كاتبه برضاهم فكذلك يضمن لهم القيمة ثم
61

يتبعوا العبد بما بقي من ديونهم لأنه حر فعليه قضاء دينه من خالص ملكه وان شاؤوا اتبعوا
العبد بجميع دينهم لتقرر الدين في ذمته بعد ما عتق وتسلم الكتابة للمولى وليس للعبد أن
يرجع عليه بشئ مما أدى لان الكتابة بدل ما سلم للعبد من جهة المولى وهو العتق فلا يكون
له أن يرجع على المولى بشئ منه * فان قيل فالغرماء إذا استوفوا الكتابة ينبغي أن لا يكون
لهم أن يضمنوا المولى القيمة لان بدل الرقبة سلم لهم وان كانت الكتابة بمنزلة كسبه
وليست ببدل عن رقبته فينبغي للمكاتب أن يرجع به على المولي كما إذا أخذ كسب عبده
المأذون وأعتقه فقضى الدين من خالص ملكه كان له أن يرجع على المولى بما أخذ منه من
كسبه * قلنا الموجود في حق الغرماء كسب العبد واستيفاء الكسب لا يبطل حقهم عن بدل
الرقبة فأما فيما بين المولى والمكاتب فهو بدل عما أوجبه للمكاتب وقد سلم ذلك للمكاتب من
جهته وهذا لان المولى بعقد الكتابة يكون مسقطا حقه عن كسبه فيأخذون من المولى ما
استوفى باعتبار أنه كسبه ولو كان العبد أدى بعض الكتابة ثم جاء الغرماء فلهم أن يطلبوا
الكتابة ويباع العبد لهم في دينهم لان احتمال الكتابة بالفسخ بعد قبض البدل كما كان قبله
ويأخذون ما قبض المولى من الكتابة لأنه كسب العبد المأذون فإذا أجازوا المكاتبة جازت
لان الإجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء وما كان قبض المولى وما بقي منها فهو بين
الغرماء كما لو كانت الكتابة بإذنهم لما بينا أن المقبوض كسب العبد فإن كان ما قبض المولي
منها هلك قبل الإجازة لم يكن للغرماء الا ما بقي من الكتابة لان اجازتهم دليل الرضا منهم
بقبض ما قبضه المولى فكان أمينا فيه غير ضامن بالهلاك في يده ولو أجاز المكاتبة بعض الغرماء
دون البعض لم يجبر لان لكل واحد منهم حق نقض الكتابة لا جل دينهم وبعضهم لا يملك
ابطال حق النقض والذي أجاز قد أسقط حق نفسه فكأنه لم يكن في الابتداء الا حق الذي
لم يجز ولو أراد وارد المكاتبة فأعطاهم المولى دينهم أو أعطاهم ذلك المكاتب فأبوا أن يقبلوا
وأرادوا رد المكاتبة لم يكن لهم ذلك لان حقهم في ديونهم فإذا وصل إليهم كمال حقهم فقد زال
المانع من نفوذ الكتابة وهم متعنتون في الاباء لأنهم يفسخون الكتابة ليبيعوه في ديونهم وقد
وصلت الهيم ديونهم فلهذا لا يكون لهم أن يفسخوا الكتابة والله أعلم
(باب العبد بين رجلين يلحقه دين)
(قال رحمه الله) وإذا كان العبد بين رجلين فأذنا له في التجارة ثم أدانه أحد الموليين
62

مائه درهم وأدانه أجنبي مائة درهم ثم بيع العبد بمائة درهم أو قتل واستوفيت القيمة مائة
درهم من قاتله أو مات وخلف مائة درهم من كسبه فعند أبي حنيفة رحمه الله تقسم هذه
المائة بين الأجنبي والمولى الدائن أثلاثا بطريق العول يضرب الأجنبي فيه بمائة والمولى الدائن
بخمسين وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يقسم بينهما على طريق المنازعة أرباعا ثلاثة أرباعها
للأجنبي وربعها للمولى الدائن وجه قولهما أن نصف المائة نصيب المولي الدائن ودينه لا يثبت
في نفسه فيسلم ذلك للأجنبي خاصة ونصفه نصيب الذي لم يدن وقد استوفى فيه حق الأجنبي
وحق المولى الدائن من دين كل واحد منهما فيه مقدار خمسين فيقسم ذلك بينهما نصفين
وأبو حنيفة رحمه الله يقول محل الدين هو الذمة وإنما المال محل قضاء الدين لا محل وجوب
الدين وجميع دين الأجنبي ثابت في ذمة العبد والثابت من دين المولى نصفه لان نصف العبد
ملكه ولا يستوجب المولى على عبده دينا فيضرب كل واحد منهما بجميع ما ثبت من دينه لان
قسمة كسب العبد بين غرمائه كقسمة التركة بين الغرماء وإذا اجتمع في التركة دين مائة
لرجل ودين خمسون لآخر والتركة مائة فإنه يضرب كل واحد منهما فيها بجميع حقه وتكون
التركة بينهما أثلاثا فهذا مثله وهذه المسألة بنظائرها واضدادها قد تقدم بيانها في كتاب الدعوى
فلهذا اقتصرنا على هذا الحرف لكل واحد منهما لان مسائل الباب على هذا تدور ولو أدانه
كل واحد من الموليين مائة درهم وأدانه أجنبي مائة درهم والمسألة بحالها فنصف المائة للأجنبي
ونصفها للموليين أما عندهما فلان نصيب الأكبر فارغ عن دينه وقد استوى فيه الأصغر مع
الأجنبي لان الثابت من دين كل واحد منهما فيه بقدر خمسين فيكون بينهما نصفين وكذلك
نصيب الأصغر منهما فارغ عن دينه وقد استوى فيه حق الأكبر والأجنبي فيقسم بينهما
نصفين فبالقسمتين يسلم للأجنبي نصف المائة ولكل واحد من الموليين ربع المائة فاما عند أبي حنيفة
فلان الثابت من دين كل واحد من الموليين خمسون ودين الأجنبي ثابت كله فيضرب
الأجنبي بمائة وكل واحد من الموليين بخمسين فكان للأجنبي نصف المائة وللموليين نصفها
بينهما نصفين وإذا كان رجلان شريكين شركة مفاوضه أو عنان وبينهما عبد ليس من شركتهما
فأدانه أحدهما مائة درهم من شركتهما وأدانه أجنبي مائة ثم مات العبد وترك مائة أو بيع بمائة
فللا جنبي ثلثها وللشريكين ثلثها لان إدانة أحد الشريكين في المال المشترك كادانتهما جميعا
فصار كل واحد منهما مدينا له بقدر الخمسين ثم نصيب الأكبر منهما فارغ عن حقه وقد اجتمع
63

فيه من دين الأجنبي خمسون درهما ومن دين الأصغر خمسة وعشرون لأنه كان مدينا بجميعه
خمسين علي مقدار حقهما أثلاثا وكذلك نصيب الا صغر يقسم بين الأصغر والأجنبي أثلاثا بهذا
الطريق فبالقسمة يحصل للأجنبي ثلثا المائة وللموليين ثلث المائة وعند أبي حنيفة دين الأجنبي
وهو مائة كله ثابت والثابت من دين كل واحد من الموليين مقدار خمسة وعشرين فإذا جعلت
كل خمسة وعشرين سهما صارت المالية التي للأجنبي أربعة أسهم ولكل واحد من الموليين سهم
فتكون القسمة على ستة أربعة للأجنبي وذلك ثلثا المائة وسهمان للموليين وذلك ثلث المائة ولو
كانت شركتهما شركة عنان والعبد من شركتهما فأداناه مائة درهم من غير شركتهما وأدانه
أجنبي مائة درهم كان ثلثا المال للأجنبي وثلثه بين الموليين لما قلنا إن كل واحد منهما صار
مدينا له في مقدار خمسين نصف ذلك لا في نصيبه فلم يثبت ونصفه يثبت باعتبار شريكه فكان
الثابت من دين كل واحد من الموليين خمسة وعشرين ودين الأجنبي ثابت كله فتكون القسمة
بينهم على ستة أسهم على ما بينا ولو كان العبد من شركتهما فأداناه وأدانه أحدهما مائة من
شركتهما وأدانه أجنبي مائة والمسألة بحالها فالمائة كلها للأجنبي ولا شئ لواحد من الشريكين
ههنا لان العبد والمال كله من شركتهما فلا يثبت شئ من دين الموليين لاتحاد المستحق واتحاد
حكم الواجب والمحل الذي يقضى منه وإنما الثابت دين الأجنبي خاصه وهو نظير ما لو كان العبد
لواحد فأدانه مائة وأجنبي مائة ثم بيع بمائة فان الثمن كله للأجنبي ولا يكون للمولى منه شئ
وإذا أذن أحد الرجلين لعبد بينهما في التجارة ثم أدانه أحدهما مائة وأدانه أجنبي مائة ثم إن
المولى الذي لم يأذن للعبد غاب وحضر الأجنبي فأراد بيع نصيب المولى الذي أذن العبد في دينه
بيع له لان دينه متعلق بنصيب كل واحد منهما والحاضر منهما خصم في نصيبه وليس بخصم
في نصيب الغائب ولكن أحد النصفين ينفرد عن الآخر في البيع في الدين فلا يتأخر بيع نصيب
الحاضر لغيبه الآخر فان بيع بخمسين درهما أخذها الأجنبي كلها لأنه لا يثبت شئ من دين المولى
الدائن في نصيبه فيسلم نصيبه للأجنبي فان حضر المولي الآخر فإنه يباع نصيبه للأجنبي
وللمولى الذي أدانه فيقتسمان ذلك نصفين لان دين كل واحد منهما ثابت في نصيبه وقد
استويا في ذلك فان الباقي من دين الأجنبي فيه خمسون والثابت من دين المولى الدائن فيه
خمسون فلهذا يقسم نصيبه بينهما نصفين وهذا شاهد لهما على أبي حنيفة ولكن أبو حنيفة
رحمه الله يقول قد تميز نصيب أحدهما عن نصيب الآخر ههنا حين بيع نصيب كل واحد
64

منهما بعقد على حدة فلا بد من اعتبار حال كل واحد من النصيبين على الانفراد ولو كان ثمن
نصيب المولى الذي أدان العبد توى على المشترى وبيع نصيب الذي لم يدن بخمسين درهما
أو بأكثر أو بأقل فان ذلك يقسم بينهما أثلاثا سهم للأجنبي وسهم للمولى الذي أدان لأنه لم
يصل إلى الأجنبي شئ ء من حقه وجميع دينه ثابت في كل جزء من العبد فهو يضرب بمائة والمولى
الدائن يضرب بما ثبت من دينه وذلك خمسون فلهذا قسم هذا النصف بينهما أثلاثا وهو دليل
لأبي حنيفة في أنه يتميز في حكم الدين بعض العبد عن البعض فان اقتسماه كذلك ثم خرجت
الخمسون الأولى أخذها الأجنبي كلها لأنه قد بقي من دينه هذا القدر وزيادة ولا حق للمولى
الدائن في ثمن نصيبه فيأخذها الأجنبي كلها وكذلك لو كانت أكثر من خمسين درهما حتى تزيد عن ثلثي
المائة فتكون الزيادة للمولى الذي أدان لأنه قد وصل إلى الأجنبي كمال حقه والباقي ثمن نصيب
المولى الدائن قد فرغ من الدين وسلم له ولا يرجع واحد من الموليين على صاحبه بشئ لان
نصيب المولي الذي لم يدن استحق بدين كان متعلقا بنصيبه برضاه فلا يرجع على صاحبه بشئ
وكذلك بخروج ما توى لا يتبين فساد في سبب القسمة الأولى لأنه لا يتبين أن جميع دين
الأجنبي لم يكن ثابتا يومئذ وإذا كان العبد بين رجلين فأدنا له في التجارة ثم إن كل واحد منهما
أدانه مائة درهم من رجل آخر وأدانه أجنبي مائة ثم بيع بمائة درهم فالمائة بين الأجنبي
والموليين أثلاثا لكل واحد منهما ثلثها لان كل واحد من هذه الديون ثابت بكماله في
الفصلين جميعا والمولى إنما لا يستوجب على عبده دينا لنفسه وكل واحد من الموليين في الإدانة
ههنا نائب عن صاحب المال فكان صاحب المال هو الذي أدانه بنفسه فلهذا كانت المائة أثلاثا
بينهم ولو كان المال الذي أدانه الموليان كل واحد من المالين بين المولي الذي أدانه وبين أجنبي
قد أمره بإدانته والمسألة بحالها فان المائة تقسم على عشرة أسهم أربعة للأجنبي الذي أدان العبد
وأربعة للأجنبيين اللذين شاركهما الموليان في المائتين لكل واحد منهما سهمان ولكل واحد من
الموليين سهم لان كل واحد من الموليين نائب عن شريكه في نصف ما أدانه فيثبت على العبد
جميع نصيب كل واحد من الشريكين وفي النصف كل واحد منهما دائن لنفسه فيثبت نصف
ذلك النصف باعتبار نصيب شريكه من العبد ولا يثبت نصفه باعتبار نصيبه من العبد فكان
الثابت على العبد للأجنبي مائة درهم ولكل واحد من شريكي الموليين خمسون ولكل واحد
من الموليين خمسة وعشرون فإذا جعلت كل خمسة وعشرين سهما كان الكل عشرة أسهم
65

فلهذا كانت القسمة بينهم على ذلك وإذا كان العبد بين رجلين وقيمته مائتا درهم فأدانه
أجنبي مائة فحضر الغريم وطلب دينه وغاب أحد الموليين فان نصيب الغائب لا يقضى فيه
بشئ حتى يحضر لما بينا أن كل واحد من الموليين خصم في نصيبه خاصة وأحدهما ليس
بخصم عن صاحبه في نصيبه ولكن بيع نصيب الحاضر يتأنى منفردا عن نصيب الغائب فلهذا
يباع نصيب الحاضر فان بيع بمائة درهم أخذها الغريم كلها لان جميع دينه كان ثابتا في كل
جزء من العبد والذي بيع جزء من العبد ولا فضل في ثمنه على دينه فيأخذ جميع ذلك قضاء
بدينه فإذا حضر الغائب كان للذي بيع نصيبه أن يتبعه بخمسين في نصيبه حتى يباع فيه
أو بعضه لان نصف الدين كان قضاؤه مستحقا من نصيب هذا الذي حضر وقد استوفى
من نصيب الآخر بغير اختياره أو باختياره ولكنه غير متبرع في ذلك بل كان محتاجا إليه
لتخليص ملكه فيرجع على صاحبه في نصيبه بخمسين بمنزلة الوارثين لو اقتسما التركة وغاب
أحدهما ثم حضر الغريم واستوفى جميع دينه من نصيب الحاضر كان له أن يرجع على شريكه
بنصف ما أخذه الغريم منه فهذا كذلك وإذا رجع في نصيبه بخمسين فذلك دين في نصيبه
يباع فيه أو يقضيه وكذلك لو كان العبد قتل فأخذ الحاضر نصف قيمته كان للغريم أن يأخذه
كله ويرجع المأخوذ منه في نصيب شريكه إذا حضر وقبض لان الواجب بالقتل بدل العبد
كما أن الواجب بالبيع ثمن العبد فيعتبر حكم أحدهما بالآخر ولو كان العبد بين رجلين فأذنا له
في التجارة فلحقه من الدين ألفا درهم لرجلين لكل واحد منهما ألف درهم وفى يده ألف درهم
فأخذها أحد الموليين فاستهلكها ومات العبد فللغريمين أن يأخذا المستهلك بالألف فيقتسمانه
نصفين لان حقهما في كسب العبد مقدم على حق الموليين فالمستهلك بمنزلة الغاصب فان رفعاه
في ذلك إلى القاضي فقضى عليه بدفعها إليهما ولم يقبضا شيئا حتى أبرأ أحد الغريمين العبد والموليين
من دينه فان الغريم الآخر يأخذ المستهلك بجميع الألف لان سبب استحقاق كل واحد
منهما لجميع الألف معلوم وإنما كانت القسمة بينهما لأجل المزاحمة فإذا زالت المزاحمة بان
أبرأه أحدهما كان للآخر جميع الألف كالشفيعين إذا أسلم أحدهما الشفعة إلا أن هناك
يفصل بين ما قبل القضاء لهما بالدار وما بعد القضاء لان بالقضاء يتملك كل واحد منهما نصف
الدار ومن ضرورته بطلان حق صاحبه عن ذلك النصف وههنا بالقضاء لا يتملك كل واحد
منهما شيئا لم يكن له قبل القضاء فبقي حق كل واحد منهما في جميع الألف بعد القضاء كما قبله
66

وإنما هذا بمنزلة التركة فان حرا لو مات وترك ألفا وعليه دين لرجلين لكل واحد منهما ألف
فقضى القاضي بقسمتها بينهما فلم يقسماها ولم يقبضاها حتى أبرأ أحد الغريمين الميت من دينه
كانت الألف كلها للغريم الباقي ولو اقتسماها وقبضاها ثم أبرأ أحدهما الميت من دينه سلم له
ما أخذ ولم يكن لصاحبه من ذلك شئ لان البراءة اسقاط لما بقي من حقه دون ما تم استيفاؤه
فكذلك في غريمي العبد لو أخذ الألف من المولي المستهلك ثم أبرأ أحدهما العبد من دينه سلم
لكل واحد منهما ما قبض فكذلك في هذه الفصول لو كان مولى العبد واحدا ولو كان العبد بين
رجلين فأذن له أحدهما في التجارة وأقر العبد بألف في يديه انها وديعة لرجل وأنكر الموليان
فالقياس في هذا أن يأخذ المولى الذي لم يأذن له نصف الألف لان ما في يد العبد كسبه ولكل
واحد من الموليين نصفه بطريق الظاهر واقرار العبد ليس بحجة في نصيب الذي لم يأذن له
فيسلم له نصف الألف وهو حجة في نصيب الآذن لوجود الرضا منه بذلك حين أذن له في
التجارة فكان هذا النصف للمستودع ولكنا نستحسن فنجعل الألف كلها للمستودع لان
اذن أحدهما في نفوذ تصرف العبد كاذنهما والاقرار من التجارة فكما ينفذ جميع تجارة العبد
باذن أحدهما فكذلك ينفذ اقراره باذن أحدهما ويتبين باقراره أن المال للمودع وإنما يثبت
حق الموليين في كسب العبد وإذا ثبت باقراره ان هذا المال ليس من كسبه كان للمودع كله
ولو لم يقر بالوديعة حتى قبض الموليان منه الألف ثم أقر بعد ذلك أنها وديعة لفلان وكذباه
لم يصدق على الألف لان بأخذ الموليين خرج المقبوض من أن يكون كسبا للعبد وصار بحيث
لا ينفذ فيه سائر تصرفاته فكذلك لا ينفذ فيه اقراره لان نفوذ الاقرار باعتبار نفوذ سائر
التصرفات بخلاف الأول وهناك المال باق في يده فينفذ فيه تصرفه فينفذ اقراره ويكون الثابت
باقراره كالثابت بالبينة ولو شهد الشهود عليه بألف درهم وديعة لهذا الرجل ولكنهم لا يعرفونه
بعينها فقال العبد هي هذه الألف كان مصدقا في ذلك فهذا مثله ثم لا شئ عليه في الوديعة إذا
كان اقراره بعد أخذ الموليين لأنه لم يتلفظها وإنما أخذها الموليان بغير رضاه ولو أخذها أجنبي
منه غصبا وجحدها لم يضمن العبد شيئا فكذلك إذا أخذها الموليان منه ولو أذن للعبد أحد
الموليين في التجارة فأدانه أجنبي مائه وأدانه الذي أذن مائة درهم فان نصيبه يباع في دين
الأجنبي خاصة لأنه لا يستوجب الدين في نصيب نفسه ولا في نصيب شريكه فان شريكه
لم يضمن باستحقاق نصيبه بالدين فلهذا يباع نصبه في دين الأجنبي خاصة ولو كان أدانه
67

الذي لم يأذن له مائه درهم فإن كان إنما أدانه قبل إدانة الأجنبي فادانته اذن له في التجارة
لأنه معاملة منه مع العبد وقد بينا ان دليل الرضا بتصرفه فإذا أدانه الأجنبي بعد ذلك كان
ثمن العبد إذا بيع بينهما أثلاثا في قول أبي حنيفة رحمه الله وأرباعا في قولهما وهي مسألة
أول الباب وإن كان أدانه بعد الأجنبي فإنه يباع من العبد نصفه وهو حصة المولى الذي كان
أذن له فيضرب فيه الأجنبي بجميع دينه ويضرب فيه المولي الذي أدانه بخمسين فيقتسمان
ذلك النصف أثلاثا ولا يلحق حصة الذي أدانه من دين الأجنبي شئ لان ثبوت الاذن في
نصيبه كان ضمنا لادانته وقد حصل بعد إدانة الأجنبي والدين السابق على الاذن لا يتعلق
بمالية العبد وان وجد الاذن بعد ذلك كالعبد المحجور إذا لحقه دين بتجارته ثم أذن المولي له
في التجارة لا يلحقه ذلك الدين ما لم يعتق فهذا كذلك ولما ثبت أن نصيب المدين فارغ عن
دين الأجنبي بقي جميع دينه في نصيب الذي أذن له وقد ثبت فيه أيضا من دين المولى الدائن
خمسون فلهذا قسم ثمن نصيبه بينهما أثلاثا والله أعلم
(باب العبد المأذون يدفع إليه مولاه مالا يعمل به)
(قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى عبده مالا يعمل به بشهود وأذن له في التجارة
فباع واشترى فلحقه دين ثم مات وفي يده مال ولا يعرف مال المولى بعينه فجميع ما في يد
العبد بين غرمائه لا شئ للمولى منه لان مال المولى كان أمانة في يده وقد مات مجهلا له
والأمانة بالتجهيل تصير دينا والمولى لا يستوجب على عبده دينا وما في يده كسبه بطريق
الظاهر فيكون مصروفا إلى غرمائه ولا شئ للمولى منه إلا أن يعرف شئ للمولى بعينه فيأخذه
دون الغرماء لأنه عين ملكه وليس من كسب العبد في شئ وكذلك لو عرف شئ بعينه
اشتراه بمال المولى أو باع به مال المولى لأنه بدل ملكه بعينه وحكم البدل حكم المبدل وهذا
لأنه يجوز أن تكون عين ملك المولى في يد عبده على سبيل الأمانة كما يجوز أن تكون في
يد حر ولو كان دفعه إلى آخر فمات كان هو أحق بما عرف من ماله بعينه أو ببدله فهذا
مثله إلا أن هناك إذا لم يعرف بعينه صار دينا وهو يستوجب الدين على الحر وهنا يصير
دينا أيضا ولكن هو لا يستوجب دينا على عبده فيبطل وإذا أقر العبد في حصته بعد ما لحقه
الدين بان هذا المال الذي في يده بعينه هو مال مولاه الذي دفعه إليه لم يصدق على ذلك
68

لأنه تعلق بذلك المال حق غرمائه والمولى يخلف عبده في كسبه خلافة الوارث المورث ثم
اقرار المورث لوارثه بعين بعد تعلق الحقوق بها لا يكون صحيحا فكذلك اقرار العبد لمولاه
والا صح أن نقول العبد في حق مولاه متهم فيجعل هو في الاقرار له بالعتق بعد تعلق حق
الغرماء بالمال بمنزلة المريض يقر لإنسان بعين وعليه ديون في الصحة وهناك لا يصح اقراره في
حق غرماء الصحة فهذا كذلك إلا أن يعرفه الشهود بعينه فحينئذ قد ثبت ملكه بحجة لا تهمة
فيها أو يقر به للغرماء فيكون الثابت في حقهم بتصديقهم كالثابت بالبينة وهو نظير اقرار
المريض المديون بوديعة الأجنبي فان أقام ذلك الرجل بينة انه أودعه عبدا وقبضه المريض
إلا أن الشهود لا يعرفون العبد بعينه لم يصدق على الغرماء في استحقاق المقر له ملك العين
ولكن إذا مات المريض بيع العبد فيقسم ثمنه بين الغرماء وبين المستودع يضرب فيه المستودع
بقيمته لأنه يثبت بالبينة انه أودعه العبد ولم يصح منه تعين العبد فقد مات مجهلا له والوديعة
بالتجهيل تصير دينا ووجوب هذا الدين بسبب لا تهمة فيه والقول في تلك القيمة ان اختلفوا
قول الغرماء مع أيمانهم لانكارهم الزيادة ولو أن العبد أقر بالوديعة بعينها لأجنبي كان اقراره
جائزا والأجنبي أحق بها من الغرماء وإن لم يكن له بينة على أصل الوديعة لأنه غير متهم في
حق الأجنبي وهذا لأنه مأذون أقر بعين بعد ما لحقه الدين واقرار المأذون بالدفع بعد ما لحقه
دين صحيح فكذا إذا أقر بالعين (ألا ترى) انه لو أقر بدين استحق المقر له مزاحمة سائر
الغرماء فكذلك إذا أقر له بعين استحق العين دونهم بخلاف المريض فإنه محجور لحق الغرماء
حتى لو أقر بدين لم يصح اقراره في حق غرماء الصحة فكذلك إذا أقر بالدين ولو دفع المولى
إلى عبده المأذون مالا وأمره أن يشترى الطعام خاصة فاشترى به رقيقا فشراؤه إياه جائز
عليه في عتقه لأنه خالف أمر المولى وتنفيذ العقد عليه ممكن لكونه مأذونا وليس للبائع أن
يأخذ الثمن من المال الذي دفعه إليه المولى لان الثمن فيما اشتراه لنفسه دين في ذمته وإنما يقضى
ديونه من كسبه لامن أمانة للمولى في يده وكذلك لو لم يكن مأذونا له ولكنه دفع إليه المال
وأمره أن يشترى به الطعام لأنه بهذا يصير مأذونا له فقد رضى المولى بنوع من تصرفه
فان نقد الثمن من مال مولاه كان للمولى أن يتبع البائع بذلك المال حتى يسترده منه بعينه
أو مثله إن كان هالكا لأنه غاصب في قبضه مال المولى لنفسه على وجه التملك ثم يرجع البائع
على العبد لان قبضه انتقض من الأصل وكان الثمن دينا في ذمه العبد فبقي كما كان وللبائع
69

أن يطالبه بقضاء الدين من كسبه ولو أن المولى اشترى متاعا من عبده المأذون بمثل ثمنه فهو
جائز لأنه غير متهم في ذلك فإنه ليس في تصرفه ابطال حق الغرماء عن شئ مما تعلق حقهم
به وهو كالمريض يبيع عينا من أجنبي بمثل قيمته وعليه ديون الصحة * فان قيل لماذا لم يجعل
هذا بمنزلة بيع المريض من وراثه بمثل قيمته حتى لا يجوز في قول أبي حنيفة رحمه الله فان
المولي يخلفه في كسبه خلافة الوارث المورث * قلنا منع المريض من هذا التصرف مع الوارث
عبده لحق سائر الورثة لان حقهم متعلق بعين ماله وفي هذا التصرف ايثار بعض الورثة
على البعض بالعين فأما ههنا المنع لحق الغرماء وحق الغرماء في المالية دون العين (ألا ترى)
أن للمولى أن يستخلص اكسابه لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر وليس في البيع بمثل
القيمة ابطال حقهم عن شئ من المالية فإذا أجاز البيع طالب العبد مولاه بالثمن لحق غرمائه
سواء سلم إليه المبيع أو لم يسلم لان المولي في هذه الحالة كالأجنبي من كسبه لحق غرمائه
ولو حابا فيه بما يتغابن الناس فيه أو بما لا يتغابن الناس فيه فهو سواء ويقال للمولى أنت
بالخيار إن شئت فانتقض البيع وإن شئت فأد جميع قيمة ما اشتريت وخذ ما اشتريت لان
في المحاباة ابطال حق الغرماء عن شئ من المالية والعبد في ذلك متهم في حق المولي والمحاباة
اليسيرة والفاحشة في ذلك سواء كما في حق المرتهن لان تصرفه ما كان بتسليط من الغرماء
وإنما يتخير المولي لأنه يلزمه زيادة في الثمن لم يرض بالتزامها * فان قيل هذا قولهما فأما عند
أبي حنيفة فالبيع فاسد بمنزلة بيع المريض من وارثه فان هناك لما تمكنت تهمة الايثار في تصرفه
فسد العقد عنده فكذلك هنا بخلاف البيع بمثل القيمة والأصح ان هذا قولهم جميعا لان
العبد في تصرفه مع مولاه كالمريض المديون في تصرفه مع الأجنبي فإن كان المولي قبضه
واستهلكه فعليه كمال القيمة لان المحاباة لا تسلم له وقد تعذر الرد بالاستهلاك فعليه القيمة
والقول قوله في فصل القيمة لأنه منكر للزيادة فالقول قوله مع يمينه إلا أن يقيم الغرماء
البينة على أكثر من ذلك ولو كان المولى هو الذي باع متاعه من العبد بمثل قيمته أو أقل منها
فبيعه جائز لأنه مفيد فإنه يخرج به من كسب العبد إلى ملك المولى ما كان المولى ممنوعا منه
قبل ذلك لحق الغرماء ويدخل به في كسب العبد ما لم يكن تعلق به حق الغرماء وهذا
التكلف عندهما فأما عند أبي حنيفة فالمولى لا يملك كسب عبده المديون كما لا يملك كسب
مكاتبه فيحوز البيع بينهما وللمولى أن يمنع البيع حتى يستوفى الثمن كما لو باعه من مكاتبه وهذا
70

لان البيع يزيل العتق عن ملك البائع ولا يزيل ملك اليد ما لم يصل إليه الثمن فيبقى ملك اليد
للمولى على ما كان حتى يستوفى الثمن فان دفع إليه الثمن وقبض ما اشترى فهو جائز ولا سبيل
للغرماء على المولى فيما قبض من الثمن لأن المبيع خلف عن الثمن في تعلق حق الغرماء به ولو
سلم المولى ما باعه إلى العبد قبل أن يقبض الثمن والثمن دين على العبد فقبض العبد لما اشترى جائز
وهو للغرماء ولا شئ للمولى من الثمن وعند أبي يوسف قال هذا إذا استهلك العبد المقبوض
فإن كان قائما في يده فللمولى أن يسترده حتى يستوفى الثمن من العبد وجه ظاهر الرواية أنه
بتسلم المبيع أسقط حقه في الحبس وملك اليد الذي كان باقيا له فلو بقي الثمن بقي دينا في ذمة
العبد والمولى لم يستوجب على عبده دينا وجه قول أبى يوسف انه إنما أسقط حقه في العين
بشرط أن يسلم له الثمن ولم يسلم فيبقي حقه في العين على حاله ويتمكن من استرداده ما بقيت
العين لأنه يجوز أن يكون له ملك العين فيما في يد عبده فكذلك يجوز أن يكون له ملك
اليد فيه فاما بعد الاستهلاك فقد صار دينا * ولو كان الثمن عروضا كان المولى أحق بذلك الثمن
من الغرماء لأنه بالعقد ملك العرض بعينه ويجوز أن يكون عين ملكه في عبده وهو أحق به
من الغرماء ولو كان المولي باع متاعه من عبده بأكثر من قيمته بقليل أو كثير فالزيادة
لا تسلم للمولى لكونه متهما في المعاملة مع المولى بحق الغرماء ويكون المولى بالخيار ان شاء
نقض البيع وان شاء أخذ من العبد قدر قيمة ما باع وأبطل الفضل لأنه ما رضى بخروجه
عن ملكه الا بشرط سلامة جميع الثمن له ولم يسلم وإذا خرج العبد إلي مصر فاتجر فيه فلحقه
دين ثم قال لم يأذن لي مولاي فلان في التجارة وقال الغرماء قد أذن لك فللغرماء بيع جميع
ما في يده في دينهم استحسانا وفى القياس لا يباع شئ مما في يده حتى يحضر المولي فتقوم عليه
البينة بالاذن لان السبب الموجب للحجر عليه وهو الرق معلوم والغرماء يدعون عارض
الاذن والعبد ليس بخصم في ذلك ما لم يحضر مولاه وأكثر ما فيه أن تكون معاملته معهم
اقرارا منه بأنه مأذون له ولكن اقراره لا يكون حجة على المولي وما في يده من الكسب ملك
المولي كرقبته فكما لا تباع رقبته في الدين حتى يحضر المولي فكذلك لا يباع كسبة وجه
الاستحسان ان الظاهر شاهد للغرماء لان استبداد العبد بالتصرف معهم دليل ظاهر على
كونه مأذونا ومن حيث العرف الانسان لا يبعث عبده إلى مصر آخر ما لم يأذن له في التجارة
ولكن هذا الظاهر حجة في دفع الاستحقاق لا في اثبات الاستحقاق وفي حق الرقبة حاجتهم
71

إلى استحقاق ماليتها على المولي والظاهر لا يكفي لذلك فما لم يحضر المولي لا تباع الرقبة فأما
في حق الكسب فحاجتهم إلى دفع استحقاق المولى لان المولى يستحق الكسب من جهة
عبده بشرط الفراغ عن دينه * يوضحه أن الكسب حصل في يده بسبب معاملته وديونهم
وجبت بذلك السبب أيضا فهم أحق بالكسب حتى يستوفوا ديونهم منهم بطريق إقامة
البدل مقام المبدل وأما الرقبة فسلامتها للمولى لم يكن بالسبب الذي به وجبت الديون عليه
فلهذا لاتباع حتى يحضر مولاه فان أقام الغرماء البينة ان العبد مأذون له وهو يجحد والمولى
غائب لم تقبل بينتهم لخلوها عن الفائدة فان حقهم ثابت في الكسب من غير بينة والعبد
ليس بخصم في حق الرقبة فلو لم تقم البينة على الاذن وأقر به العبد بيع ما في يده أيضا ولم
تبع رقبته لان الخصم في الرقبة المولى واقرار العبد ليس بحجة على المولى فان حضر مولاه
بعد ما باع القاضي ما في يده فقضاه الغرماء فأنكر أن يكون أذن له في التجارة فان القاضي
يسأل الغرماء البينة على الاذن من المولى لا نهم يدعون عليه الاذن العارض فلا بد أن يقيم
البينة عليه فان أقاموها والا ردوا ما أخذوا * فان قيل فأين ذهب قولكم انهم يستحقون ما في
يده باعتبار الظاهر * قلنا نعم ولكن هذا الاستحقاق إنما يكون في حق من لم يثبت له حقيقة
الاستحقاق بعد ذلك قبل أن يحضر المولى لان الملك في رقبته للمولى لا يثبت حقيقة ما لم
يحضر فيصدقه في ذلك (ألا ترى) أنه لو حضر وقال هو حر أو ملك فلان لغيره لم يكن له
في كسبه سبب الاستحقاق حقيقة فأما بعد ما حضر وادعى رقبته فقد ظهر استحقاقه حقيقة
لكسبه فيسقط اعتبار هذا الظاهر بعد هذا ويحتاج الغرماء إلى اثبات السبب الموجب
للاستحقاق لهم في كسبه ورقبته على المولى وذلك الاذن فإذا لم يقيموا البينة على ذلك لزمهم
رد ما أخذوا وإذا اشتري العبد من رجل متاعا فقال الرجل للعبد أنت محجور عليك فلا
أدفع إليك ما اشتريت منى وقال العبد أنا مأذون لي فالقول في ذلك قول العبد لان معاملة
الرجل معه اقرار منه بصحة المعاملة وكونه مأذونا له في التجارة فإنه لا يحل للرجل أن
يعامل عبد الغير إلا أن يكون مأذونا له فهو في قوله أنت محجور عليك مناقض في كلامه
ساع في نقض ما تم به فلا يقبل قوله ولا يمين على العبد لان اليمين تنبنى على صحة الدعوى
ودعوى الحجر باطلة للتناقض وكذلك لو أقام البينة على ذلك لم يقبل منه ويجبر على دفع
ما باع وأخذ الثمن منه كما التزمه بالبيع وكذلك لو كان العبد هو البائع قال المشترى أنت
72

محجور عليك وقال العبد أنا مأذون لي فالقول قول العبد لما بينا ويجبر المشترى علي أخذ ما اشترى
ودفع الثمن ولا يمين على العبد ولا تقبل بينة المشترى على أنه محجور عليه ولا على اقرار العبد
به عند غير القاضي أنه محجور عليه لأنه مناقض في هذه الدعوى لأنه قد تقدم منه الاقرار بأنه
مأذون له وان أقر العبد بذلك عند القاضي رد البيع لان المشترى وإن كان مناقضا فقد صدقه
خصمه والمناقض إذا صدقه خصمه يقبل قوله * يوضحه ان تصادقهما على أنه محجور عليه اقرار
منهما ببطلان البيع ولو تقايلا البيع عن تراض جاز فان حضر المولى بعد ذلك فقال كنت
أذنت له في التجارة جاز النقض الذي كان فيما بين البائع والمشترى ولم يلتفت إلى قول المولى
لان تصادقهما على بطلان البيع بمنزلة الإقالة منهما والإقالة من العبد المأذون صحيحة وكذلك
إذا قال لم آذن له ولكن أجزت بيعه لم يبطل ذلك النقض لان تصادقهما على بطلان البيع
يوجب انتفاء البيع مأذونا كان أو غير مأذون والإجازة إنما تلحق البيع الموقوف دون
المنتقض ولو لم يحكم القاضي بنقض البيع حتى حضر المولى فقال كنت أذنت له أو قال لم آذن
له ولكني أجزت البيع جاز ذلك البيع لأنهما لو كانا متناقضين في كلامهما فبنفس التكلم
لا ينتقض البيع منهما ما لم يتأكد ذلك بقضاء القاضي فإذا كان البيع قائما قبل أن يحكم القاضي
بنقضه لحقه الإجازة من جهة المولى وينفذ باقراره بأنه كان مأذونا وهذا لأنهما ينكران
أصل جواز البيع وإنما يجعل ذلك عبارة عن نقض البيع بنوع اجتهاد فاما في الحقيقة فنقض
الشئ تصرف فيه بعد صحته وانكار الشئ من الأصل لا يكون تصرفا فيه بالنقض بعد
صحته كما أن انكار الزوج النكاح لا يكون اقرارا بالطلاق فإذا كان مجتهدا فيه لا يثبت حكمه
الا بقضاء القاضي ولو باع العبد متاعا لرجل ثم قال هذا الذي بعتك لمولاي لم يأذن لي في
بيعه وأنا محجور على وقال المشترى كذبت وأنت مأذون لك فالقول قول المشترى لان اقدامهما
على البيع اقرار منهما بصحته فلا يقبل قول من يدعي بطلانه بعد ذلك وكذلك لو كان العبد
هو المشترى ثم قال أنا محجور على لم يصدق ويجبر على دفع الثمن فان حضر المولى وقال لم
آذن له في شئ فالقول قوله ويرد البيع والشراء لان الاذن مدعي على المولى وهو ينكر وكذلك
لو أن عبدا ابتاع من عبد شيئا فقال أحدهما أنا محجور على وقال الآخر أنا وأنت مأذون
لنا فالقول قول الذي يدعى منهما الجواز للبيع والشراء لوجود الاقرار من صاحبه بذلك
ولا يمين عليه ولا تقبل بينة الآخر بالحجر ولا على اقراره به عند غير القاضي لكونه
73

مناقضا في دعواه ولو أقر بذلك عند القاضي أخذ بذلك وأبطل البيع بينهما لتصادقهما على
بطلان البيع وإذا اشترى الرجل وباع ولا يدري أحر هو أو عبد فلحقه دين كثير ثم قال
أنا عبد فلان وصدقه فلان وقال هو عبدي محجور عليه وقال الغرماء هو حر فالدين لازم
للعبد يباع به إلا أن يفديه مولاه لأن الظاهر من حال مجهول الحال الحرية وقد ثبت للغرماء
حق مطالبته بديونهم في الحال فهو إذا أقر بالرق وصدقه المولى فقد زعما ان حق الغرماء
متأخر إلى ما بعد عتقه وذلك غير مقبول منهما في حق الغرماء كما لو ادعى المديون أجلا
في الدين ثم ليس من ضرورة ثبوت الرق باقراره ان تتأخر ديونهم إلى ما بعد العتق بل
يجوز أن يكون مطالبا بالدين في الحال وإن كان رقيقا كالعبد المأذون أو المحجور في دين
الاستهلاك فهو نظير مجهولة الحال إذا أقرت بالرق لا يقبل اقرارها في ابطال النكاح لهذا
المعنى وإذا بقي مطالبا في الحال بالدين وهو رقيق بيع فيه إلا أن يفديه مولاه لأنه ظهر
وجوب هذا الدين في حق المولى والدين لا يجب على العبد الا شاغلا مالية رقبته ولو جني عبده
جناية باقرار أو ببينة ثم قال أنا عبد فلان فصدقه فلان بذلك وقال ولى الجناية بل هو حر فهو
عبد لفلان ولا حق لا صحاب الجناية في رقبته لأنهم ينكرون تعلق الجناية برقبته ويزعمون ان
حقهم على عاقلته ولا يعرف له عاقلة ثم بين ثبوت الرق باقراره ووجوب أرش الجناية على عاقلته
منافاة وبين حريته كما زعموا واستحقاق رقبته بالجناية منافاة والمتنافيان لا يجتمعان واقرار
صاحب الحق معتبر في حقه لا محالة فإذا أقر أنه حر لم يكن له على أخذ الرقبة سبيل بخلاف
الأول فالدين هناك واجب عليه حرا كان أو عبدا إلا أنه إذا ثبت رقه يستوفى الدين من
مالية رقبته أو من كسبه وقد ثبت رقه باقراره وكذلك عبد مأذون عليه دين فقال غرماؤه
لمولاه قد أعتقته وقال المولى لم أعتقه فان العبد يباع للغرماء لأنهم يدعون العتق والضمان
على المولى والمولى منكر فإذا لم يثبت عتقه بقي مستحق البيع في الدين كما كان ولو كان جنى
جناية فقال أصحاب الجناية للمولى قد أعتقته وقال المولى لم أعتقه فالعبد عبد المولى على حاله
لانكاره العتق ولا شئ لا صحاب الجناية لأنهم يزعمون أنه لم يبق لهم حق قبل العبد وإنما
حقهم قبل المولى وهو الفداء إذا كان عالما والقيمة بالاستهلاك إذا لم يكن عالما ولا يستحقون
ذلك على المولى الا بإقامة البينة على العتق وسقط حقهم عن العبد لا قرارهم بأنه لاحق لهم في
رقبته بخلاف الدين فهناك ما أقروا بسقوط حقهم عن ذمة العبد بالعتق (ألا ترى) ان ما ادعوا
74

من العتق لو كان ظاهرا بقي الدين بعده في ذمه العبد وللغرماء أن يطالبوه بجميع ذلك وفى
الجناية لو كان العتق ظاهرا فرغ به العبد من الجناية فلا يكون للأولياء عليه سبيل بعد ذلك
فكذلك إذا ثبت ذلك في حق الأولياء باقرارهم والله أعلم
(باب اقرار العبد المأذون بالدين)
(قال رحمه الله وإذا أقر المأذون بالدين من غصب أو غيره لزمه صدقه المولى أولم
يصدقه لأن الغصب يوجب الملك في المضمون عند أداء الضمان فالضمان الواجب به من
جنس ضمان التجارة واقرار المأذون بمثله صحيح ولهذا لو أقر به أحد المتفاوضين كان شريكه
مطالبا وكذلك لو أقر انه اشترى جارية فوطئها فوجوب العقر هنا باعتبار الشراء لولاه
لكان الواجب الحد وكذلك لو غصب جارية بكرا فافتضها رجل في يده ثم هرب كأن لمولاه
أن يأخذ العبد بعقرها لان الفائت بالافتضاض جزء من ماليتها وهي مضمونة على العبد بجميع
أجزائها فإذا فات جزء منها في ضمانه كان عليه بدل ذلك الجزء وهو مؤاخذ به في الحال اما
لأنه ضمان غصب والعبد مؤاخذ بضمان الغصب في الحال مأذونا كان أو محجورا أو لان
هذا من جنس ضمان التجارة ولو أقر العبد انه وطئ جارية هذا الرجل بنكاح بغير إذن
مولاه فافتضها لم يصدق لأنه ليس من التجارة ولهذا لو أقر به أحد المتفاوضين لم يلزم شريكه
فان صدقه مولاه بذلك بدئ بدين الغرماء لان تصديق المولى في حق الغرماء ليس بحجة
فوجوده كعدمه فان بقي شئ أخذه مولى الجارية من عقرها لان الباقي حق مولى العبد وتصديق
مولى العبد في حقه معتبر ولو كان هذا السبب معاينا كأن لمولى الجارية أن يأخذ عقرها من
كسبه في الحال فكذا إذا ثبت بتصادقهما عليه ولو تزوج العبد المأذون وعليه دين امرأة بإذن مولاه
كانت المرأة أسوة الغرماء بمهرها وبما يجب لها من النفقة وهذا لان النكاح بإذن المولى
صحيح مع قيام الدين عليه فان الدين لا يزيل ملكه عن رقبته وإنما تثبت ولاية التزويج
باعتبار ملكه ثم في النكاح منفعة الغرماء لأنه يستعف به والمرأة تعينه على الاكتساب لقضاء
الدين فظهر وجوب الدين بهذا السبب في حق الغرماء فلهذا كانت المرأة أسوة الغرماء
بمهرها ونفقتها ولو كان العبد أقر انه وطئها بنكاح وجحد المولى أن يكون أذن له في ذلك
لم يؤخذ بالمهر حتى يعتق لان انفكاك الحجر عنه في التجارة والنكاح ليس بتجارة فالمأذون
75

فيه والمحجور سواء ولو أقر المحجور بذلك وكذبه المولى لم يؤاخذ بشئ حتى يعتق وكذلك
لو أقر انه وطئ أمة بنكاح فافتضها بإذن مولاه أو بغير إذن مولاه ومولاه يجحد ذلك فاقراره
بهذا لا يكون حجة على المولى ولا يظهر الدين به في حق المولى لأنه لولا النكاح لكان الواجب
عليه الحد سواء كانت الموطوءة حرة أو أمة فلهذا لا يطالب بشئ حتى يعتق وكذلك لو أقر انه
افتضها بإصبعه غاصبا كان اقراره باطلا في قياس قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لأنه بمنزلة
الجناية فإنه اقرار باتلاف جزء من الآدمي فهو كاقراره بقطع يدها أو رجلها وفى قول أبى يوسف
رحمه الله اقراره جائز ويضرب مولاها بمهرها مع الغرماء لأنه اقرار بدين الاستهلاك والفائت
بهذا الفعل جزء من المالية (ألا ترى) أن هذا السبب لو كان معاينا يباع ولا يدفع به واقرار
المأذون بدين الاستهلاك صحيح في مزاحمة الغرماء وفي حق المولى وقد بينا المسألة في كتاب
الاقرار فإن كان أقر انه غصبها ثم افتضها بإصبعه فان اختار المقر له التضمين بالغصب كان الاقرار
صحيحا لان ضمان الغصب من جنس ضمان التجارة فالاقرار به صحيح ويجعل في الحكم كان غيره
فعل بها ذلك في ضمان العبد وان اختار التضمين بالافتضاض فهو علي الخلاف عند أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله الاقرار باطل وعند أبي يوسف رحمه الله هو صحيح كما بينا وإذا كان على
المأذون دين كثير فأقر بدين لزمه ذلك وتخاصموا فيه لأنه مطلق التصرف ما دام مأذونا وان
لحقه الدين فاقراره يكون حجة بمنزلة البينة في اثبات المزاحمة للمقر له مع سائر الغرماء وهذا
لان الاقرارين متى جمعهما حالة واحدة يجعلان كأنهما كانا معا وكما وجب تصحيح اقرار المأذون
في حق المولى لحاجته إلى ذلك في تجارته يجب تصحيحه في حق غرمائه لان الناس إذا علموا
أن اقراره لهم لا يصح بعد لحوق الدين تحرزوا عن معاملته ولو أقر بشئ بعينه في يديه انه لفلان
غصبه منه أو أودعه إياه وعليه دين كثير بدئ بالذي أقر بعينه لان اقراره بالعين صحيح ما دام
مأذونا ويكون الثابت باقراره كالثابت بالمعاينة وبين أن المقر به ليس من كسبه فلا يتعلق به
حق غرمائه وان أتى ذلك على ما في يده ولو أقر بعبد في يده انه ابن فلان أو دعه إياه أو قال هو
حر لم يملك فالقول قوله لأنه نفى ملكه عن هذا العين ولم يظهر له فيه سبب الملك فان الظاهر
كونه في يده واليد في الآدمي لا تكون دليل الملك (ألا ترى) ان من في يده لو ادعى ذلك
وقال لست بملك له بل أنا حر كان القول قوله ولا سبيل للغرماء عليه فكذلك إذا أقر به
المأذون ولو اشترى المأذون من رجل عبدا ونقده الثمن وعليه دين أو لا دين عليه ثم أقر ان
76

البائع أعتق هذا العبد قبل أن يبيعه إياه وانه حر الأصل وأنكر البائع ذلك فالعبد مملوك على
حاله لان سبب الملك للمأذون فيه قد ظهر وهو شراؤه وانقياد العبد له عند الشراء اقرار منه بأنه
مملوك حتى لو ادعى بعد ذلك أنه حر الأصل وان البائع أعتقه لم يقبل قوله فيه الا بحجة
فاقرار المأذون بذلك بعد ظهور سبب الملك له فيه مع انكار البائع بمنزلة اعتقاقه إياه والمأذون
لا يملك الاعتاق فلا يقبل قوله فيما يوجب العتاق له لان كل واحد من الكلامين ابطال للملك
بعد ظهوره في المحل بظهور سببه بخلاف الأول فالذي ظهر للمأذون هناك اليد في العبد
وهو ليس بدليل الملك فيكون كلامه انكارا لتملكه لا ابطالا للملك الثابت فيه وكذلك لو
أقر بالتدبير من البائع أو كانت جارية فأقر بولادتها من البائع لان التدبير والاستيلاد يوجب
حق العتق للملوك والعبد ليس من أهل ايجابه فلا يصح اقراره به لحقيقة العتق فان صدقه
البائع انتقض البيع بينهما ورجع بالثمن عليه لأنهما تصادقا أن البيع كان باطلا بينهما وهما يملكان
نقض البيع باتفاقهما بالإقالة فيعمل بعد تصادقهما على بطلانه ويرجع العبد بالثمن عليه والحرية أو حق
الحرية يثبت للمملوك بعد تصديق البائع من جهته والبائع أهل لايجاب ذلك بان يشتريه من
العبد ثم يعتقه بخلاف الأول فهناك البائع منكر والبيع بينهما صحيح باعتبار الظاهر فلو ثبتت
الحرية أو حقها للمملوك فإنما تثبت من جهة المأذون وهو ليس بأهل لذلك ولو أقر المأذون أن
البائع كان باعه من فلان قبل أن يبعه منه وقبضه فلان منه ونقده الثمن وجاء فلان يدعى ذلك
فهو مصدق على ذلك ويدفع العبد إلى المقر له لان كلامه اقرار بالملك في العبد للمقر له وهو
من أهل أن نوجب الملك له فيه بطريق التجارة فيكون قوله مقبولا في الاقرار بالملك له وإنما
يثبت الملك للمقر له ههنا من جهة العبد بمنزلة ما لو أقر له بالملك مطلقا بخلاف الأول فكلامه
هناك ابطال للملك والعبد ليس من أهله ثم لا يرجع على البائع بالثمن الا بينة يقيمها علي ما ادعى
أو يقر البائع به أو يأبى اليمين لان اقراره ليس بحجة على البائع والبائع مستحق الثمن باعتبار صحة
البيع ظاهرا فلا يبطل استحقاقه الا بالبينة أو باقراره أو بما يقوم مقام اقراره وهو النكول
* فان قيل كيف تقبل البينة من المأذون أو يحلف البائع علي دعواه وهو مناقض في هذه الدعوى
لان اقدامه على الشراء اقرار منه بالملك لبائعه وبصحة البيع فقوله بعد ذلك بخلافه يكون تناقضا
* قلنا لا كذلك بل هذا اقرار منه ان البائع بسبيل من بيعه لأنه وكيل المشترى أو بائع له بغير أمر
المشترى على أن يجيزه المشترى فإذا أبى أن يجيزه كان له أن يرجع بالثمن عليه فلهذا قبلنا بينته على
77

ذلك وحلفنا البائع لأنه ادعي عليه ما لو أقر به لزمه فإذا أنكر استحلفه عليه ولو باع العبد جارية
من رجل وقبضها ذلك الرجل بمحضر من الجارية ولا يدري ما حالها فادعي رجل انها ابنته وصدقه
بذلك المشترى والعبد فالجارية ابنة الرجل وترد إليه ولا ينتقض البيع فيما بينهما لأنها مملوكة
للمشترى بما جرى من البيع بينه وبين العبد وقد أقر انها حرة بنت المدعي واقراره بذلك صحيح
في ملكه لأنه يملك ايجاب الحرية فيها من قبله فيصح الاقرار به أيضا ولا ينتقض البيع فيما
بينهما لان المأذون قد استحق الثمن عليه فلا يقبل قوله في ابطال ملكه عن الثمن من غير أن
يعود إليه بمقابلته شئ وهذا لان الجارية لما انقادت للبيع والتسليم فذلك اقرار منها انها كانت
مملوكة للعبد حتى لو ادعت الحرية بعد ذلك لا يقبل قولها الا بحجة فاقرار العبد بعد ذلك أنها كانت
حرة الأصل يكون ابطالا لملكه الثابت فيها ظاهرا وقوله في ذلك غير مقبول وليس من
ضرورة ثبوت النسب والحرية لها بتصديق المشترى رجوعه على العبد بالثمن ولو كان اشتراها
من رجل وقبضها منه فأقر البائع بذلك أيضا انتقضت البيوع كلها ويرجعوا بالثمن لان بائعها
من العبد أهل لا يجاب الحرية لها في ملكه فيصح اقراره بحريتها ويكون هذا تصادقا منه على
بطلان البيع جميعا وهم متمكنون من ذلك بنقض البيعين بالإقالة فيعمل تصادقهم على ابطالها
ويرجع بالثمن بعضهم على البعض بخلاف الأول فهناك لو عمل تصديق العبد كانت الحرية لها من
جهته وكسب المأذون لا يحتمل ذلك ولو كان المأذون اشتراها من رجل بمحضر منها وقبضها
وهي ساكتة لا تنكر ثم باعها من رجل وقبض الثمن ثم ادعى أجنبي أنها ابنته وصدقه في ذلك
المأذون والجارية والمشترى وأنكر ذلك البائع من العبد فالجارية حرة بنت الذي ادعاها
باقرار المشترى ولا يبطل البيع الذي كان بين العبد وبين المشترى الآخر لما بينا أن المشترى
من العبد يملك ايجاب الحرية فيها فيعمل تصديقه للأجنبي في ملكه والعبد لا يملك ذلك في
كسبه فلا يعمل تصديقه في ذلك وكذلك لو ادعى المشترى الآخر ان الذي باعها من العبد
كان أعتقها قبل أن يبعها أو دبرها أو ولدت وصدقه العبد بذلك فاقرار المشترى من العبد
بذلك صحيح لتمكنه من ايجاب الحرية أو حق الحرية لها وتصديق العبد إياه بذلك باطل فإن كان
أقر بالحرية فهي حرة موقوفة الولاء لان المشترى ينفى ولاءها عن نفسه ويزعم أن
البائع الأول أعتقها وهو منكر لذلك فتكون موقوفة الولاء ولو كان أقر فيها بتدبير أو
ولادة فهي موقوفة في ملك المشتري الآخر فإذا مات البائع الأول عتقت لان المشترى
78

الآخر مقر بان عتقها تعلق بموت البائع الأول والبائع الأول مقر أن اقرار المشترى الآخر
فيها نافذ لأنها مملوكة له ولا يرجع بالثمن على العبد حتى يعتق فيرجع به عليه حينئذ لأنه بالتصديق
صار مقرا بوجوب رد الثمن عليه ولكن لم يصح اقراره بهذا مع قيام الرق لحق مولاه وغرمائه
فإذا زال ذلك بالعتق كان مأخوذا به كما لو أقر بكفالة أو مهر وكذلك لو كان المأذون منكرا
لجميع ذلك إلا أنه لا يرجع عليه بالثمن في هذا الفصل بعد العتق أيضا لان المشترى يدعي
وجوب رد الثمن عليه وهو منكر لذلك فما لم يثبت المشترى دعوه بالحجة لا يرجع عليه بخلاف
الأول فهناك العبد مصدق له مقر بوجوب رد الثمن عليه بسبب لا يحتمل الفسخ فيجعل
كالمجدد للاقرار به بعد العتق فيرجع عليه بالثمن ولو كان المشترى الآخر ادعى ان الذي باعها
من العبد كان كاتبها قبل أن يبعها وصدقه المأذون في ذلك أو كذبه وادعت الأمة ذلك لم
تكن مكاتبة وهي أمة للمشترى يبيعها ان شاء لان الكتابة تحتمل الفسخ وقد عجزت هي عن
أداء بدل الكتابة بجهالة من يؤدى البدل إليه لان المشترى الآخر يزعم أنها مكاتبة للبائع الأول
وأنه لا ينفعها دفع البدل إليه والبائع الأول ينكر ذلك ويزعم أنها مكاتبة للمشترى الآخر
باقراره فصارت كما لو عجزت عن أداء البدل لعدم ما تؤدى البدل به في يدها وذلك موجب
انفساخ الكتابة فإذا انفسخت كانت أمة فالمشترى يبيعها ان شاء وإن كان على المأذون دين
فأقر بشئ في يده أنه وديعة لمولاه أو لابن مولاه أو لأبيه أو لعبد له تاجر عليه دين أو لا دين
عليه أو لمكاتب مولاه أو لام ولده فاقراره لمولاه ولمكاتبه وعبده وأم ولده باطل لان حق
غرمائه تعلق بكسبه والمولى يخلفه في كسبه خلافة الوارث المورث فكما أن اقرار المريض
لوارثه أو لعبده أو لمكاتبه لا يصح لكونه متهما في ذلك فكذلك اقرار العبد لمولاه لان سبب
التهمة بينهما قائم وكذلك لعبد مولاه أو لام ولده فان كسبهما لمولاه وكذلك اقراره لمكاتب
مولاه لان للمولى في كسب المكاتب حق الملك فأما اقراره لابن مولاه أو لابنه فجائز لأنه
ليس للمولى في ملكهما ملك ولا حق ملك (ألا ترى) أن المريض إذا أقر لا بي وارثه أو
لابن وارثه جاز اقراره لهذا المعنى وإذا صح الاقرار صار المقر به بعينة ملكا للمقر له فلا يتعلق
به حق غرمائه كما لو أقر به لا جنبي ولو لم يكن على العبد دين كان اقراره جائزا في ذلك كله
لأنه لا تهمة في اقراره فإنه لا حق لا حد في كسبه وان لحقه دين بعد ذلك لا يبل حكم ذلك
الاقرار بمنزلة الصحيح إذا أقر بعين لو ارثه ثم مرض ومات فاقراره يكون صحيحا وإن كان
79

أقر بدين لاحد منهم ثم لحقه دين بعد ذلك لم يكن للمقر له شئ إن كان هو المولي أو أم ولده
أو عبده الذي لا دين عليه لان المولي لا يستوجب على عبده دينا فاقراره له ما كان ملزما إياه
شيئا بخلاف اقراره له بالعين فقد يجوز أن يكون للمولى عين في يد عبده وأم ولده وعبده الذي
لا دين عليه كسبهما للمولى فالاقرار لهما كالاقرار للمولى فإن كان عليه دين أو كان أقر
لمكاتب مولاه أو لابنه ثم لحقه دين اشتركوا في ذلك لان المقر له ههنا ممن يستوجب الدين
على العبد وقد صح اقراره له لانتفاء التهمة حين لم يتعلق حق أحدهما بماله فهو كما لو أقر لا جنبي
ثم لحقه دين آخر فيشتركون في كسبه وإذا أقر المأذون لابنه وهو حر أو لابنه أو لزوجته وهي
حرة أو لمكاتب ابنه أو لعبد ابنه وعليه دين أولا دين عليه وعلى المأذون دين أو لا دين عليه
فاقراره لهؤلاء باطل في قول أبي حنيفة وفي قولهما اقراره لهؤلاء جائز ويشاركون الغرماء
في كسبه وهذا لان كسب المأذون فيه حق غرمائه أو حق مولاه واقراره عند أبي حنيفة لمن
لا تقبل شهادته في حق الغير باطل لو كان حرا فكذلك إذا كان عبدا وفى قولهما اقراره
لهؤلاء جائز بمنزلة اقراره لأخيه وأصل المسألة في اقرار أحد المتفاوضين لا بيه أو لابنه بدين
أو وديعة لأنه لا يجوز على شريكه في قول أبي حنيفة رحمه الله وهو جائز في قولهما وقد بيناه في
كتاب الاقرار والشركة أو هو بناء على بيع الوكيل ممن لا تقبل شهادته له بمثل القيمة أو
بالمحاباة وقد بيناه في كتاب البيوع وإذا كان على العبد المأذون دين فأذن لجارية له في التجارة
فلحقها دين ثم أقرت له بوديعة في يدها لم تصدق علي ذلك لان المأذون في حقها بمنزلة المولى
في حق المأذون وقد بينا أن اقرار المأذون المديون لمولاه بعين في يده غير صحيح فكذلك
اقرارها له ولأنها مملوكة للمولى إذا لم يكن على المأذون دين بالاتفاق فاقرارها له بالوديعة اقرار
لعبد مولاها واقرار المأذون لعبد مولاه باطل وان أقر العبد لها بوديعة في يده صدق علي
ذلك بمنزلة اقرار المولى لعبده بعين في يده فإنه يكون صحيحا ويستوى إن كان على المأذون
دين أولم يكن فتكون هي أحق به من الغرماء * فان قيل هي مملوكة للمولى المأذون فاقراره
لها كاقراره لامة مولاه فينبغي أن لا يصح إذا كان على المأذون دين * قلنا نعم ولكن ان صح
لم يكن عليها دين فجميع ما أقر لها به قد يعود إليه ويكون مصروفا إلى غرمائه كسائر أكسابها فلا
يكون في هذا الاقرار ابطال حق الغرماء عن شئ مما تعلق حقهم به ولا ابطال حق المولى
بخلاف اقراره لامة مولاه فليست من كسبه لان فيه ابطال حق الغرماء عما أقر به لها وإن كان
80

عليها دين فاقراره لها يكون اقرارا لغرمائها واقرار المأذون لغرمائها صحيح لأنهم منه بمنزلة
الأجانب فلهذا جاز اقراره لها بخلاف اقرارها لأنه إذا صح اقرارها له يخرج المقر به من أن
يكون كسبا لها ويبطل حق غرمائها عنه فلهذا لا يحكم بصحته وكذلك أن أقر لها بدين إلا أن
في الاقرار بالدين هي تشارك غرماء المأذون في كسبه وفى الاقرار بالعين هي أولى بالعين من
غرماء المأذون فإن كان بعض غرمائها مكاتبا للمولى أو عبدا مأذونا له في التجارة وعليه دين
فإن كان العبد المقر لا دين عليه فاقراره لها بالدين والوديعة صحيح بمنزلة اقراره بذلك لغرمائها
وإن كان عليه دين فاقراره لها باطل لأنه لو جاز ذلك شارك المكاتب والعبد بدينهما سائر
غرمائه فيه واقراره لمكاتب مولاه أو لعبد مولاه باطل إذا كان عليه دين فكذلك اقراره
بما يوجب الشرك لهما يكون باطلا (ألا ترى) أن رجلا لو مات وعليه دين لقوم شتى ثم
حضر رجل آخر الموت فأقر للميت بوديعة ألف درهم في يده أو بدين ثم مات وبعض غرماء
الميت الأول أحد ورثة الآخر كان اقراره باطلا لأنه لو صح اقراره ثبتت لوارثه الشركة
في المقر به ولو كان بعض غرماء الجارية أبا للمولى أو ابنه فأقر لهما العبد بوديعة أو دين وعلى
العبد دين فاقراره جائز لان اقرارا المأذون لأب مولاه أو ابنه بالدين والعين صحيح فكذلك
اقراره بما تثبت فيه الشركة لهما ولو كان بعض غرمائها أب العبد أو ابنه وعلى العبد دين أولا
دين عليه فاقراره في قياس قول أبي حنيفة باطل وهو جائز في قولهما وهذا بناء على الأول في أنه
لو أقر لا بيه أو لابنه بدين أو عين لم يجز عند أبي حنيفة فكذلك اقراره بما يوجب الشركة
لهما في المقر به وكذلك لو كان بعض غرمائها مكاتبا لأبي العبد المأذون أو لابنه ولو كان بعض
غرمائها أخا للعبد كان اقراره لها جائزا لأنه لا تهمة في اقراره لأخته فكذلك لا تهمة في
اقراره لها وإن كان يثبت فيه الشركة لأخته وإذا أقر المأذون وعليه دين أولا دين عليه بدين
كان عليه وهو محجور عليه من قرض أو غصب أو وديعة استهلكها فصدقه رب المال بذلك
أو كذبه وقال ذلك بعد ما أذن لك مولاك في التجارة فالقول قول المقر له والمال لازم للعبد
إذا لم يصدقه المقر له انه كان في حالة الحجر لأنه من أهل التزام المال بالاقرار في الحال وقد
أضاف الاقرار إلى حالة لا تنافى وجوب المال عليه فان المال بهذه الأسباب يجب على المحجور
عليه وان تأخر إلى عتقه فلم يكن هو في هذه الإضافة منكرا وجوب المال عليه بل هو مدع
أجلا فيه إلى وقت عتقه فان صدقه المقر له بذلك لم يؤخذ بشئ منه حتى يعتق الا بالغصب
81

خاصة فضمان الغصب يلزمه في الحال وان كذبه المقر له أخذ بالمال في الحال لان ما ادعى من
الاجل لم يثبت عند تكذيب المقر له فكأنه ادعي الاجل إلى شهر في دين أقر به مطلقا وقيل
في القرض والوديعة التي استهلكها هذا الجواب على قول أبي حنيفة ومحمد فأما عند أبي يوسف
فيؤاخذ به في الحال وان صدقه كما في الغصب وقد بينا المسألة في الوديعة وكذلك الصبي والمعتوه
الذي يعقل البيع والشراء وقد أذن له في التجارة فيقر بنحو ذلك لان الاذن لهما في التجارة صحيح
واقرارهما بعد الاذن نافذ كاقرار العبد وكما ينفذ اقرارهما بعد البلوغ عن عقل إلا أنهما لا يؤاخذان
بالقرض والوديعة المستهلكة إذا صدقهما المقر له في ذلك بعد الكبر والإفاقة لان الثابت
باقرارهما كالثابت بالمعاينة وقد طعن عيسى رحمه الله في مسألة الصبي فقال هذا في قياس قول
أبي حنيفة وأبى يوسف صحيح وهو خطأ في قول محمد على قياس مسألة الاقرار إذا أسلم حربي
ثم قال لرجل غصبتك ألف درهم في دار الحرب وأنا حربي فاستهلكتها وقال الرجل غصبتها
في دار الاسلام فالقول قول الحربي في قول محمد وكذلك إذا قال المولى لمعتقه أخذت منك
ألف درهم في حال ما كنت عبدي فاستهلكتها وقال العبد بل أخذتها بعد العتق فالقول قول
المولى عند محمد لأنه ينكر وجوب الضمان عليه أصلا بإضافته الاقرار إلى الحالة التي أضاف
إليها فكذلك الصبي والمعتوه فإنهما ينكران وجوب المال عليهما أصلا بالإضافة إلى حالة الحجر
فينبغي أن لا يجب المال عليهما عند محمد وان كذبهما المقر له في الإضافة ولكنا نقول الأصح
أن محمدا رحمه الله يفرق بين هذه الفصول فان في مسألة الحربي لا يجب عليه رد ما أخذه حال
كونه حربيا وإن كان غاصبا ذلك وكذلك في مسألة المولى لا يلزمه رد ما أخذه من العبد في حال
قيام رقه وإن كان غاصبا ذلك فإنما أقر بمال لو علم صدقه لم يجب عليه رده قبل تبدل الحال فلا يكون
اقراره ملزما شيئا والصبي أقر بما كان يجب رده لو كان معلوما حال قيام عينه لان ما استقرضه
الصبي أو أخذه وديعة يجب رده ما دام قائما بعينه فلا يخرج اقراره بهذه الإضافة من أن يكون
ملتزما في الأصل فلهذا يلزمه الضمان إذا كذبه المقر له في الإضافة كما في فصل العبد فان أقاما
البينة انهما فعلا ذلك قبل أن يؤذن لهما في التجارة وأقام المقر له البينة أنهما فعلا ذلك بعد ما أذن
لهما في التجارة فالبينة بينة المقر له لان في بينته إلزام المال والبينات لذلك شرعت ولأنه أثبت
بقاء العين في يدهما بعد ما أذن لهما في التجارة وذلك يدفع بينتهما على استهلاك العين قبل أن
يؤذن لهما في التجارة فلهذا كان القول قوله والبينة بينته وإذا أذن لعبده في التجارة ثم حجر عليه
82

ثم أذن له بعد ذلك ثم أقر انه كان استقرض من هذا الرجل ألف درهم في حال اذنه الأول
وقبضها منه أو أنه كان استودعه في حال اذنه الأول ألف درهم فاستهلكها أو ما أشبه ذلك فصدقه
رب المال أو كذبه فالمال لازم للعبد في الوجوه كلها ويحاص به غرماءه المعروفين لأنه أقر
وهو من أهل التزام المال بالاقرار في الحال وأضاف الاقرار إلى حالة لا تنافى وجوب الضمان عليه
بذلك السبب في الحال فهو بمنزلة اقراره بالدين مطلقا في المحاصة مع الغرماء فكذلك
الصبي والمعتوه في نحو هذا بخلاف الأول فهناك أضاف الاقرار إلى حالة تنافى وجوب المال
بذلك السبب على الصبي والمعتوه أصلا وعلى العبد ما لم يعتق فلهذا فرقنا بين تصديق المقر له
في ذلك وتكذيبه هناك وسوينا بينهما ههنا ولو أذن لعبده في التجارة ثم حجر عليه فأقر
بعد الحجر بغصب اغتصبه في حال اذنه أو بقرض أو بوديعة أو مضاربة استهلكها في حال
اذنه فكذبه المولى ولا مال في يد العبد لم يصدق حتى يعتق لأنه حين أقر فهو محجور عن
الاقرار واقراره ليس بحجة في حق المولى إذا كذبه ولكن
اقراره حجة في حق نفسه فإذا سقط حق المولى عنه بالعتق كان مؤاخذا به فإن لم يعتق
حتى أذن له المولى مرة أخرى سأله القاضي عما كان أقر به فان أقر به بعد الاذن الأخير
أخذ به لان اقراره الأول في حالة الحجر كالمعدوم في حق المولى فكأنه ما أقر به حتى الا آن
وهو منفك الحجر عنه حين أقر به الآن وان أنكر ذلك أو قال لم يكن اقراري ذلك بحق
وإن كنت أقررت به في تلك الحالة لم يؤخذ به لأنه لم يوجد بعد انفكاك الحجر منه اقرار
ملزم في حق المولى واقراره في حالة الحجر مما كان ملزما في حق المولى فأكثر ما فيه أنه
ظهر ذلك بقوله الآن ولو كان ظاهرا عند القاضي بان كان في مجلسه في حالة الحجر لم
يؤاخذ به في الاذن الآخر ما لم يعتق فكذلك إذا ظهر بقوله الآن والصبي والمعتوه في ذلك
كالعبد ولو لم يكن أقر في حال حجره ولكن أقر في حال اذنه الآخر انه كان قد أقر وهو
محجور عليا انه غصب من هذا الرجل ألف درهم في حال اذنه الأول أو انه أخذ منه ألف
درهم وديعة أو مضاربة فاستهلكها وصدقه رب المال بذلك لم يلزمه حتى يعتق لان بتصادقهما
ظهر اقراره في حالة الحجر ولو كان اقراره في حالة الحجر معلوما للقاضي لم يقض عليه بشئ
حتى يعتق فكذلك إذا ظهر ذلك بتصادقهما ولو قال المقر له قد أقررت لي بذلك في حال
اذنك الأول أو قال في حال اذنك الآخر فالقول قول المقر له لما بينا ان العبد أضاف الاقرار
83

إلى حال لا ينافي التزام المال بالاقرار وإن كان يتأخر إلى العتق فكان مدعيا للأجل لا منكرا
للمال فإذا كذبه المقر له فيما ادعي من الاجل أخذ بالمال في الحال وان أقاما البينة على ذلك
فالبينة بينة المقر له أيضا لان في بينته اثبات الملك في الحال ولأنه لا منافاة بين البينتين فيجعل
كان الامرين كانا وكأنه أقر بذلك قبل الحجر وأقربه بعد الحجر أو أقر به بعد الحجر وأقر
به في الاذن الآخر أيضا ولو كان ذلك من الصبي والمعتوه لم يلزمهما ذلك باقرارهما كما لزم العبد
باقراره من غير بينة لأنهما أضافا الاقرار إلى حالة معهودة تنافى صحة اقرارهما أصلا فكانا
منكرين للمال بخلاف العبد فهو إضافة الاقرار إلى حالة الحجر وذلك لا ينافي صحة الاقرار
في حقه فان قامت البينة للمقر له على اقرارهما به في حالة الاذن الأول أو في حالة الاذن
الا آخر أخذا بذلك لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وإذا أذن لعبده في التجارة ثم حجر
عليه ثم أذن له وفى يده ألف درهم يعلم أنها كانت في حال الاذن الأول في يده فأقر أنها
وديعة لفلان فهو مصدق في قول أبي حنيفة وكذلك لو أقر بألف في يده أنه غصبها من فلان
في حالة الاذن الأول فهو مصدق في قول أبي حنيفة وقالا لا يصدق العبد على الألف وهي
للمولى ويتبع المقر له العبد بما أقر له به في رقبته فيبيعه فيه وكذلك لو أقر بها بعد ما لحقه الدين
في الاذن الثاني فالألف للمقر له في قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما هي للمولى وأصل هذه
المسألة فيما إذا حجر المولى على عبده المأذون وفي يده مال فلم يأخذ المال من يده حتى أقر
العبد بذلك المال بعينه لإنسان أو أقر بدين له على نفسه فاقراره جائز عند أبي حنيفة وعندهما
اقراره باطل وما في يده للمولى لان صحة اقراره في حق المولى باعتبار الاذن وقد ارتفع
بالحجر فهو كما لو كان محجورا عليه في الأصل فأقر بعين في يده لإنسان أو بدين وهناك
اقراره في حق المولى باطل * يوضحه ان اقراره معتبر كسائر تصرفاته ولو أنشأ تصرفا آخر
فيما في يده بعد الحجر لم ينفذ ذلك منه فكذلك إذا أقربه * يوضحه ان الحجر عليه لما كان منعا له
من التجارة فيما في يده كان قائما مقام أخذ المال منه ولو أخذ المال منه لم يصح اقراره فيه
بعد ذلك فكذلك إذا حجر عليه لان صحة اقراره لحاجته إليه في التجارة ولأبي حنيفة حر فان
أحدهما أن أقرره في هذا المال كان صحيحا في حال اذنه وإنما كان يصح باعتبار يده على
المال لا باعتبار كونه مأذونا (ألا ترى) انه لو أخذ المال منه ولم يحجر عليه لم يصح اقراره فيه
بعد ذلك لانعدام يده فعرفنا ان صحة اقراره فيه بعد ذلك باعتبار يده ويده باقية بعد الحجر
84

عليه ما لم يأخذ المال منه فيصح اقراره فيه كما قبل الحجر بخلاف ما بعد أخذ المال منه والثاني أن
بقاء يده على المال أثر ذلك الاذن وبقاء أثر الشئ كبقاء أصله فيما يرجع إلى دفع الضرر كما أن
بقاء العدة يجعل كبقاء أصل النكاح في المنع لدفع الضرر وصحة اقرار المأذون بالدين والعين
لدفع الضرر عن الذين يعاملون معه والحاجة إلى دفع الضرر باقية بعد الحجر لأنه لو لم يجز
اقراره حجر المولى عليه أيضا إذا صار الكسب في يده قبل أن يقر بما عليه ثم لا يصح اقراره
فيتضرر به الغرماء فلدفع الضرر جعلنا بقاء أثر الاذن كبقاء أصله بخلاف ما بعد أخذ المال
منه لأنه لم يبق هناك شئ من آثار ذلك الاذن وهذا على أصل أبي حنيفة مستمر فإنه جعل
السكر في العصير بعد الشدة بمنزلة بقاء صفة الحلاوة في إباحة شربه والدليل عليه ان العبد
بعد الحجر عليه هو الخصم في حقوق تجاراته حتى لو كان وجد المشترى منه بالمشترى عيبا
كان له أن يخاصمه فيه كما قبل الحجر وصحة اقراره من حقوق تجاراته إلا أنه لا يبقى ذلك بعد
أخذ المال منه لأنه لو بقي كان كلامه استحقاقا للملك على المولى ابتداء وذلك لا يجوز بعد
الحجر فأما ما بقي الكسب في يده فيكون اقراره في المعنى انكارا لاستحقاق المولى إلا أن
يكون استحقاقا عليه ابتداء وبخلاف انشاء التجارة فان ذلك اثبات سبب الاستحقاق ابتداء
على المولى وهو غير محتاج إلى ذلك وإقامة أثر الاذن مقام الاذن باعتبار الحاجة فلا يعدو
موضعها إذا عرفنا هذا فنقول لا أثر للاذن الثاني فيما في يده من المال مما علم أنه كان في
الاذن الأول فيجعل وجوده كعدمه ولو لم يوجد كان الاقرار صحيحا عند أبي حنيفة في
استحقاق المقر له العين وعندهما يكون اقراره باطلا فكذلك بعد الاذن الثاني إلا أن عندهما
اقراره في الاذن الثاني اقرارا بوديعة مستهلكة فيكون اقرارا بالدين وهو لو أقر بدين اتبعه المقر
له في رقبته فباعه فيه فكذلك هنا وإذا أذن لعبده في التجارة فأقر انه كان أقر لهذا الرجل وهو
محجور عليه بألف درهم وقال المقر له قد أقررت لي بعد الاذن فالقول قول المقر له لأنه أضاف
الاقرار إلى حالة لا تنافى صحة اقراره فان اقرار العبد المحجور بالمال ملزم إياه بعد العتق ولو كان
العبد صغيرا أو كان صغيرا حرا أو معتوها فأقروا بعد الاذن انهم قد أقروا له بذلك قبل الاذن
كان القول قولهم لأنهم أضافوا الاقرار إلى حالة معهودة تنافى صحة اقرارهم أصلا فلم يكن كلامهم
في الحال اقرارا بشئ إنما هو بمنزلة قول أحدهم أقررت لك بألف قبل أن أولد أو قبل أن أخلق
فلا يلزمه شئ وان كذبه المقر له في الإضافة لأنه منكر للمال في الحقيقة والله أعلم بالصواب
85

(باب اقرار المحجور عليه)
(قال رحمه الله) وهذا الباب بناء على الخلافية التي بيناها إذا أقر العبد بعد الحجر عليه
بدين أو عين قائمة في يده مضمونة أو أمانة مستهلكة أو غير مستهلكة فإنه يصدق فيما في
يده من المال عند أبي حنيفة ولا يصدق في استهلاك رقبته بالانفاق حتى إذا لم يف ما في يده
بما عليه لاتباع رقبته فيه لان القياس أن لا يصح رق بعد الحجر في شئ مما في يده ولكنه
استحسن أبو حنيفة رحمه الله فأقام أثر الاذن مقام الاذن في تصحيح اقراره وهذا الأثر في
المال الذي في يده لا رقبته لأنه لا يد له في رقبته بعد الحجر ولو ادعي انسان رقبته لم يكن هو
خصما له ولا كسبه مستفادا للمولى من جهته بشرط الفراغ من دينه ورقبته كانت للمولى
قبل الاذن فعادت كما كانت وإن كان عليه دين في حال اذنه باقراره أو بينة كان ذلك الدين
مقدما على ما أقر به بعد الحجر لان ذلك الدين لزمه حال الاطلاق فيكون سببه أقوى مما أقر
به بعد الحجر و الضعيف لا يزاحم القوى كالدين المقر به في المرض مع دين الصحة في حق
الحر و هذا لان ما في يديه من الكسب صار مستحقا للغرماء الذين وجبت ديونهم في حال
الاذن وهو غير مصدق في ابطال استحقاقهم فكذلك في اثبات المزاحمة معهم وإن لم يكن
عليه دين ولم يقر بشئ حتى أخذ مولاه المال منه أو باعه ثم أقر بشئ من ذلك لم يصدق
العبد فيه على شئ من ذلك المال أما إذا أخذ المال منه فلانه لم يبق أثر ذلك الاذن في المال
المأخوذ منه وأما إذا باع فلانه يحول إلى ملك المشتري وذلك مفوت محل الاذن لان محله
كان ملك الاذن وإقامة اثر مقام الأصل في حال بقاء محل الأصل لا بعد فواته ولان
صحة اقراره قبل البيع باعتبار أنه هو الخصم في بقاء تجارته وقد انعدم ذلك بالبيع حتى لا يكون
لاحد ممن عامله أن يخاصمه بعد ما باعه المولي في عيب ولا غيره فلا يصح اقراره بعد ذلك
في حال رقه ولكنه يؤخذ به إذا عتق فيما هو دين عليه من ذلك لأنه مخاطب فاقراره صحيح
في حكم الالتزام في ذمته ولكنه لم يطالب به لحق المولي فإذا سقط حقه بالعتق أخذ بجميع
ذلك والعبد الصغير في جميع ذلك بمنزلة الكبير إلا أنه لا يؤخذ به بعد العتق لأنه غير مخاطب
فلا يكون التزامه صحيحا في حق نفسه وإذا حجر على عبده وفى يده ألف درهم فأخذها
المولى ثم أقر العبد أنها كانت وديعة في يده لفلان وكذبه المولى لم يصدق على ذلك لأنه لم
يبق للعبد فيها يد حين أخذها المولى وكان صحة اقراره باعتبار يده فان عتق لم يلحقه من
86

ذلك شئ لأنه أقر بان المال كان في يده أمانة وقد أخذها المولي من غير رضا العبد وتسليطه فلا
يكون ذلك موجبا للضمان عليه كما لو غصب الوديعة أجنبي من المودع والبضاعة والمضاربة أمانة
في يده كالوديعة ولو كان غصبا أخذ به إذا أعتق لأنه أقر بوجوب الضمان عليه بالغصب وقد عجز
عن رد العين فعليه قيمتها ولو حجر عليه وفى يده ألف درهم وعليه ألف درهم فأقر أن هذه الألف
وديعة عنده لفلان أو مضاربة أو قرض أو غصب فلم يصدقه على ذلك وأخذها صاحب الدين
من حقه ثم عتق العبد كانت الألف دينا عليه يؤاخذ بها لأنه في حق نفسه يجعل كأنما أقربه
حق وقد أقر انه قضى بعين مال الغير دينا عليه وذلك موجب للضمان عليه كان المال في
يده أمانة أو مضمونا ولو حجر عليه وفى يده ألف درهم فأقر بدين ألف درهم عليه ثم أقر ان
هذه الألف وديعة عنده لفلان فالألف في قياس قول أبي حنيفة لصاحب الدين لان صحة
اقراره باعتبار ما في يده وكما لو أقر بالدين صار المقر به مستحقا للمقر له بالدين فاقراره بعد ذلك
بالعين لغيره لابطال استحقاق الأول باطل بمنزلة الوارث إذا أقر بدين علي الميت مثل ما في
يده من التركة ثم أقر بعين التركة لإنسان آخر فإذا صرف المال إلى المقر له بالدين ثم عتق
اتبعه صاحب الوديعة لأنه قضى بالوديعة دينا عليه بزعمه واستفاد به براءة ذمته فيتبعه
صاحب الوديعة بمثلها بعد العتق بخلاف ما يأخذه المولي منه لأنه ما قضى به دينا في ذمته إنما
أزال المولى يده عنه من غير رضاه فيجعل في حقه كالهالك فلا ضمان عليه فيه ولو كان أقر
أولا بالوديعة كانت الألف لصاحب الوديعة ويتبعه صاحب الدين بدينه بعد العتق وفى قول
أبى يوسف ومحمد اقراره بالوديعة باطل والألف يأخذه المولى ولا يتبعه صاحب الوديعة إذا
عتق فأما المقر له بالدين فيبيعه بعد العتق بدينه لان اقراره بالدين في ذمته صحيح ولو أقر اقرار
متصلا فقال لفلان على ألف درهم وهذه الألف وديعة لفلان كانت الألف بينهما نصفين
في قول أبي حنيفة لأنه عطف أحد الكلامين على الآخر وفى آخر كلامه ما يغاير موجب
أوله فيتوقف أوله على آخره ولان اقراره بالوديعة متصلا بالاقرار بالدين بمنزلة الاقرار
بوديعة مستهلكة لأنه حين قدم الاقرار بالدين قد صار كالمستهلك للوديعة فكأنه أقر بدين
ودين في كلامه موصول فيكون الألف بينهما نصفين وإذا عتق أخذاه بما بقي لهما ولو بدأ
في هذا الاقرار المتصل بالوديعة كانت الألف لصاحب الوديعة لأنه يتملك العين بنفس الاقرار
والدين بعد ذلك يثبت في ذمته ثم يستحق به كسبه وقد تبين أن ما في يده لم يكن كسباله
87

فلهذا لا يتعلق به حق المقر له بالدين ولو ادعيا جميعا فقال صدقتما كانت الألف بينهما نصفين
لأنه ما ظهر الاقرار بالوديعة الا والاقرار بالدين ظاهر وذلك يمنع تمام استحقاق العين
للمقر له بالوديعة * والحاصل ان صحة اقراره ههنا باعتبار ما في يده كما أن صحة اقرار الوارث
باعتبار ما في يده من التركة وقد بينا هذه الفصول في الوارث في كتاب الاقرار فكذلك
في حق العبد المأذون بعد الحجر والعبد الصغير والحر الصغير بعد الحجر عليهما في هذا بمنزلة
الكبير إلا أنهما لا يؤاخذان بعد العتق والبلوغ بشئ مما يؤخذ به العبد الكبير بعد العتق
لان اقرارهما في حقهما لم يصح ولو حجر على عبده وفى يده ألف درهم فأقر لرجل بدين
ألف درهم أو بوديعة ألف درهم بعينها ثم ضاع المال لم يلحق العبد من ذلك شئ حتى يعتق لان
صحة اقراره باعتبار ما في يده وقد انعدم ذلك بهلاك ما في يده فكأنه أقر ولا مال في يده
فإذا عتق أخذ بالدين دون الوديعة لان ما أقربه كالمعاين في حقه ولو كان ذلك معاينا معلوما
لم يلحقه معه بعد هلاك الوديعة في يده وكان مؤاخذا بالدين فهذا مثله ولو حجر عليه وفى
يده ألف درهم وعليه دين ألف درهم ثم أذن له فأقر بدين ألف درهم لرجل آخر أو وجبت
عليه ببينة فالألف التي في يده لصاحب الدين الأول خاصة لان الاذن الثاني غير مؤثر فيما في
يده مما كان في الاذن الأول ووجوده كعدمه وقد بينا انه كما أقر بالدين الأول صار ما في يده
مستحقا للمقر له فلا يتغير ذلك بما لحقه من الدين في الاذن الثاني وكذلك أن أقر العبد ان هذا
الدين كان في حال الاذن الأول لأنه غير مصدق في الاسناد في حق المقر له الأول وكذلك
ان أقر انها وديعة عنده لرجل أودعها إياه في حال الاذن الأول فالأول أحق بالألف ويتبع
صاحب الوديعة العبد بها في رقبته لأنه قضى بالوديعة دينا عليه بزعمه وعندهما الألف لمولاه
ويتبع بالدين في رقبته لان الاذن الثاني غير مؤثر فيما في يده من الكسب فان المولى بالحجر
عليه يصير كالمخرج لما في يده من يده ولكن اقراره بالدين في الاذن الثاني صحيح في رقبته
فيباع فيه إلا أن يقضى المولى دينه ولو حجر عليه وفى يده ألف درهم وعليه دين خمسمائة فأقر
بعد الحجر بدين ألف درهم ثم أذن له فأقر أن تلك الألف التي كانت في يده وديعة أودعها
إياه هذا الرجل فإنه لا يصدق على الوديعة والألف التي في يده لصاحب الدين الأول منها
خمسمائة والخمسمائة الباقية للذي أقر له العبد بالألف وهو محجور عليه لان ما وجب عليه في
الاذن الأول مقدم فيما في يده فيأخذ صاحب الدين الأول كمال حقه ثم المقر له بالدين بعد
88

الحجر مستحق لما بقي في يده فيأخذه وقد بقي عليه من الدين خمسمائة فيؤاخذ به بعد العتق ويتبع
صاحب الوديعة العبد بوديعته كلها فيباع فيه إلا أن يقضيه المولى لان اقراره بالوديعة حصل
في حال الاذن الثاني وهو صحيح في حق المولى وقد قضي بالوديعة دينا عليه بزعمه فيؤاخذ
ببدله في الحال وفى قول أبى يوسف ومحمد خمسمائة من الألف لصاحب الدين الأول وخمسمائة
للمولى لان اقراره بالدين بعد الحجر عندهما غير صحيح ويتبع صاحب الوديعة فيه العبد
بخمسمائة درهم ويبطل من وديعته الخمسمائة التي أخذها المولى لان اقراره بالوديعة حصل في
حالة الاذن إلا أنه إنما يصير ضامنا لما قضى به دينا عليه دون ما أخذه المولي بغير اختياره وإنما
قضى الدين الذي عليه بخمسمائة منها فيتبع بذلك خاصة والخمسمائة الأخرى أخذها المولى فهي
في حقه وما لو أخذها غاصب آخر سواء فان هلك من هذه الألف خمسمائة في يد العبد كانت
الخمسمائة الباقية لصاحب الدين خاصة لان حقه مقدم في كسبه على حق من أقر له بعد الحجر
ويلزم رقبة العبد من الوديعة خمسمائة لأنه إنما يكون ضامنا باعتبار أنه قضى الدين بالوديعة وقد
كان ذلك في مقدار الخمسمائة خاصة وما زاد على ذلك هالك في يده من غير صنعه فلا يلزمه ضمانه
وإذا وهب لعبد محجور عليه ألف درهم وقبضها العبد فلم يأخذها منه المولى حتى استهلك
لرجل ألف درهم ببينة ثم استهلك ألفا آخر ببينة فالألف الهبة للمولى لأنه ليس للمحجور
عليه يد معتبرة شرعا فيما هو في يده صورة (ألا ترى) أنه لو باعه في ذلك انسان لم يكن
هو خصما له فهو وما لو أخذه المولي من يده سواء فما يلحقه من الدين بعد ذلك في ذلك
انسان لم يكن هو خصما له يتعلق برقبته دون مال آخر لمولاه ولو كان دينا قبل الهبة كانت
الهبة لصاحب الدين لان الموهوب بالقبض صار كسبا له وحق غرمائه في كسبه مقدم على
حق مولاه لان الكسب إنما يسلم للمولى بشرط الفراغ من دينه بقيام الدين عليه عند
الاكتساب يتعذر هذا الشرط فلهذا كانت الهبة لصاحب الدين بخلاف الأول فان هناك
حين صارت الألف كسبا له ما كان لاحد عليه دين فتم شرط سلامة الكسب للمولى ثم لا يتغير
ذلك بلحوق الدين إياه وان استهلك بعد الهبة ألف درهم لرجل آخر ببينته كانت الهبة لصاحب
الدين الأول وكان ينبغي أن يثبت فيه حق صاحب الدين الثاني لان تعلق صاحب الدين
الأول به يمنع استحقاق المولى وثبوت يده على المال حكما فيثبت فيه حق غريمي العبد باعتبار
يده كما لو كان مأذونا ولكنه قال لو لم يكن عليه الدين الأول لم يثبت لصاحب الدين الثاني
89

حق في ذلك الكسب فتأثير الدين الأول واستحقاق الغريم ذلك الكسب به في نفى ثبوت
حق الغريم الثاني منه لا في اثبات ذلك * يوضحه ان حق الغريم الأول في هذا المال أقوى
من حق المولى لأنه مقدم على المولى ثم استحقاق المولى إياه يمنع ثبوت حق الغريم الثاني
فيه فكذلك استحقاق الغريم الأول إياه بخلاف المأذون لان الاقرارين في حقه جميعهما حالة
الاطلاق وقد بينا ان حال الاذن جعل بمنزلة زمان واحد فكان الدينين وجبا عليه معا
فيستويان في استحقاق الكسب بهما والله أعلم
(باب خصومة العبد المحجور عليه فيما يشترى ويبيع)
(قال رحمه الله) وإذا اشترى العبد المحجور عليه عبدا بغير إذن مولاه فشراؤه باطل
لان في تصحيحه شغل ماليته بالثمن والمولى غير راض به وفيه ادخال المشترى في ملك المولى
بعقد المعاوضة من غير رضاه وليس للحر هذه الولاية على حر فلان لا يكون للعبد على مولاه
أولى ولا يقال إنه يدخل العين في ملكه بقبض الهبة والصدقة لان المولى بملك رقبته ما قصد
الا تحصيل المنفعة لنفسه فيكون راضيا بما هو انتفاع محض محصل له بملك رقبته فان أجازه
المولى بعد الشراء جاز لان الإجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء وهذا لان العبد من أهل
العقد فانعقد العقد فيه وامتنع نفوذه بمراعاة حق المولى وبإجازته يرتفع هذا المانع لوجود
الرضا منه بتعلق الثمن بماليته وكذلك لو باع شيئا من مال مولاه أو مما وهب للعبد فبيعه باطل
لأنه لاقى محلا مملوكا للمولى ومثله من الحر لا يصح الا بإجازة المولى فكذلك من العبد
فان أجازه المولى جاز والعهدة على العبد كما لو أذن له في الابتداء وهذا لان العبد من أهل
التزام العهدة في حقه لأنه مخاطب وإنما امتنع ثبوته في حق المولي لانعدام رضاه به وقد تحقق
الرضا بإجازته والإجارة والرهن والقرض في هذا كالبيع والشراء والصبي والحر والمعتوه
الذي يعقل الشراء والبيع في ذلك كالعبد لأنه من أهل التزام العهدة عند انضمام رأى الولي
إلى رأيه وإذا اشترى العبد المحجور عليه متاعا بغير إذن مولاه ثم أذن له في التجارة لم يجز
شراؤه المتقدم لأنه بالاذن صار منفك الحجر عنه فيما استقبل من التصرفات وصار المولى
راضيا بشغل ماليته بما ينشئه من التصرفات بعد الاذن فلا يؤثر ذلك في تصرف سبق الاذن
فان أجازه العبد بعد ذلك جاز استحسانا لان الإجازة انشاء تصرف منه وهي فيما هو المقصود
90

بمنزلة ابتداء الشراء أو لان المولى صار راضيا بتصرفه فتكون اجازته ذلك العقد بعد رضا
المولى كإجازة المولى ولو أجازه المولى جاز لان بالاذن له في التجارة لم يزل ملك المولى وولايته
عنه فاجازته بعد الاذن له كإجازته قبل أن يأذن له في التجارة ولو أعتقه المولى بطل الشراء
المتقدم لأنه لا وجه لتنفيذه بعد العتق على الوجه الذي انقد حالة الرق فإنه انعقد موجبا
الملك للمولى على سبيل الخلافة عن العبد وبعد العقد لو نفذ كان موجبا الملك للعبد مقصودا
عليه وبه فارق الاذن له في التجارة لأنه لو بقي العقد موقوفا بعد الاذن كان موجبا الملك
للمولى على وجه الخلافة عنه إذا تم بإجازته وإجازة مولاه وههنا بعد العتق لا يبقى كذلك ولا
يجوز أن ينفذ العقد موجبا حكما غير الحكم الذي انعقد له ولهذا لا تعمل إجازة العبد بعد
العتق فيه ولا إجازة المولى ولا اجازتهما جميعا لان بالعتق تعين جهة البطلان فيه فلا ينقلب
جائزا بعد ذلك الا بالتجديد بخلاف النكاح فان العبد لو تزوج بغير إذن المولي ثم أعتقه
المولى نفذ النكاح لان النكاح انعقد موجبا ملك الحل للعبد عند نفوذه وبعد العتق إذا نفذ
ثبت ملك المحل للعقد كما أوجبه العقد وكان المانع من نفوذه حق المولي فإذا سقط حقه
بالعتق نفذ فأما الشراء فانعقد موجبا الملك في المشترى للمولى على وجه الخلافة عن العبد
ولا يمكن إنفاذه كذلك بعد العتق قال (ألا ترى) ان عبدا محجورا عليه لو اشترى جارية
بألف درهم ثم إن المولى باع عبده من رجل فأجاز المشترى شراء الجارية لم يجز لأنه لو نفذ
بإجازته ثبت الملك في المشترى للمشترى على وجه الخلافة عن العبد وإنما انعقد موجبا الملك
للبائع وكذلك لو أجازه البائع لم يجز لأنه لو نفذت اجازته كانت العهدة على العبد في ماليته
ومالية ملك المشتري وهو غير راض بذلك وكذلك لو لم يبعه المولى ولكنه مات فورثه
وارثه فأجاز البيع لم يجز لأنه لو جاز ثبت الملك للوارث على سبيل الخلافة عن العبد فإذا مات
المولى فقد خرج من أن يكون أهلا للتملك بالعقد فتعين جهة البطلان في هذا الشراء وإذا
اشترى المحجور عليه عبدا من رجل بألف درهم وقبض العبد ولم ينقد الثمن حتى مات العبد
في يده فلا ضمان عليه في العبد حتى يعتق لأنه قبضه بتسليم المالك فلا يكون هو جانيا في
القبض على حق المالك ولكن هذا القبض يوجب الضمان عليه بحكم العقد والعبد المحجور
لا يؤاخذ بضمان العقود في حال قيام الرق ويؤاخذ به بعد العتق لان التزامه بالعقد صحيح
في حقه دون حق المولى فإذا عتق لزمه قيمة العبد الذي قبض بالغة ما بلغت لان البيع كان
91

فاسدا لانعدام شرط الجواز فيه وهو اذن المولى والمقبوض بحكم الشراء الفاسد مضمون
بالقيمة بالغة ما بلغت ولو كان قتل العبد حين قبضه من البائع قيل لمولاه ادفعه أو افده بقيمة
المتقول لان البائع كان أحق باسترداده منه وملكه لم يزل بتسليمه إلى البعد لان العبد ليس
من أهل الملك ولا يمكن اثبات الملك للمولى لانعدام الرضا منه بذلك فكان العبد في قتله
جانيا على ملك البائع فيخاطب مولاه بالدفع أو الفداء ولو كان مكان العبد ثياب أو عروض
أو دواب فاستهلكها العبد حين قبضها لم يضمنها حتى يعتق فان عتق ضمن قيمتها بالغة ما بلغت
لان ضمان الاستهلاك من جنس ضمان العقد فإذا ترتب على العقد كان حكمه حكم ذلك العقد
ولا يؤاخذ العبد المحجور بضمان العقود حتى يعتق بخلاف ضمان القتل فإنه ليس من جنس
ضمان العقد حتى لا يملك به المضمون والمستحق به الدفع دون البيع في الدين * وضح الفرق
ان ايجاب البيع تسليط من البائع للمشترى على التصرفات المفضية إلى الاستهلاك كالأكل في
الطعام واللبس في الثوب والركوب على الدواب فلا يكون هذا السبب موجبا الضمان عليه
الا باعتبار العقد كأصل القبض بخلاف القتل وقد قررنا هذا الفرق في الوديعة ولم يذكر خلاف
أبى يوسف في كتاب المأذون والأصح ان عنده يؤخذ بضمان الاستهلاك في الحال كما في الوديعة
عنده وقد تكلف بعضهم للفرق فقالوا البيع تمليك العين من المشتري فيثبت باعتبار التسليط
على الاستهلاك فاما الايداع فإنه استحفاظ فلا يثبت به التسليط على الاستهلاك ولكنه نص على
الخلاف في استقراض العبد المحجور في كتاب الصرف والاقراض تمليك كالبيع قال
وكذلك إذا كان البائع لذلك العبد عبدا مأذونا أو صبيا مأذونا لأنهما في انفكاك الحجر عنهما
كالحر الكبير فيصح منهما التسليط ضمنا لعقد التجارة وكذلك لو كان صبيا محجورا عليه أو
معتوها فهو بمنزله العبد المحجور عليه إلا أنهما إذا قتلا العبد المشترى كانت القيمة على ما قتلهما بمنزلة
ما لو قتلاه قبل الشراء فلا يلحقهما ضمان ما استهلكا من هذا إذا كبر الصبي وعقل المعتوه لان
التزامهما الضمان بالعقد لا يصح في حقهما فإنهما غير مخاطبين شرعا بخلاف العبد فان التزامه
العقد صحيح في حق نفسه فيؤاخذ به بعد العتق ولو كان البائع أيضا عبدا محجورا أو صبيا
محجورا أخذ المشترى بضمان ما في يده من ذلك إذا هلك في يده واستهلكه لان تسليط
المحجور عليه إياه على القبض والاستهلاك غير معتبر في اسقاط الضمان الواجب به والقبض
والاستهلاك فعل موجب للضمان إذا حصل من المحجور عليه بطريق الجبران فلا يسقط
92

ذلك الا باعتبار تسليط صحيح ولم يوجد ذلك فان قتل المشتري العبد المشترى أو الجارية كان
مولاهما بالخيار ان شاء باع العبد في رقبتهما وان شاء أخذه بالجناية عليهما فيدفعه المولى
بذلك أو يفديه لأنه وجد سببان موجبان للضمان أحدهما القبض والآخر القتل فللمولى
أن يضمنه بأي السببين شاء فان اختار التضمين بالقبض صار العبد كالهالك في يده من غير
صنع فيباع في قيمته إلا أن يقضى المولى عنه وان اختار التضمين بالجناية أمر المولى بالدفع
أو الفداء بمنزلة من غصب من آخر عبدا وقتله كان للمولى أن يضمن الغاصب قيمته من
ماله حالا بالغصب وان شاء رجع بقيمته على عاقلته موجبا في ثلاث سنين باعتبار قتله إياه خطأ
وان اشترى العبد المحجور عليه من رجل عبدا بألف درهم وقيمته ألف درهم وقبضه فباعه
وربح فيه ثم اشترى بثمنه وباع حتى صار في يده ألفا درهم ثم حضر البائع فله أن يستوفى
ثمنه مما في يده استحسانا وفي القياس ليس له ذلك لان ما في يده من الكسب ملك مولاه
ودين البائع غير ثابت في حق المولي (ألا ترى) أنه لا يستوفى من مالية رقبته فكذلك في
الكسب الذي في يده ولكنه استحسن فقال إذا علم أن هذا المال في يده حصل بسبب
ذلك المشترى فالبائع أحق به حتى يستوفى ثمنه منه لان حكم البدل حكم المبدل ولو كان
المشترى في يده قائما بعينه كان البائع أحق باسترداده فكذلك بدله وهذا لأنه إذا استوفى الثمن
مما في يده فلا ضرر على المولى إذا علم أن ما في يده من ذلك المشترى بل يكون فيه منفعة
له لان الفضل يسلم للمولى والعبد لا يلحقه الحجر عما يتمحض منفعة للمولى وهو نظير ما لو
أجر المحجور نفسه وسلم من العمل فإن لم يعلم أن الذي في يده من ثمن عبده الذي باعه فذلك
المال للمولى ولا شئ للبائع على العبد حتى يعتق لان استحقاق البائع باعتبار ان ما في يده بدل
عما كان هو أحق به ولا يعلم ذلك في هذا المال الذي في يده وللمولى فيه سبب استحقاق
ظاهر وهو أنه كسب عبده المحجور وفى تقديم البائع عليه مع الاحتمال اضرار بالمولي وتصرف
المحجور فيما يلحق الضرر بالمولي لا يكون نافذا وان قال المولي هذا المال ذهب لعبدي أو
أصابه من غير ثمن عبدك الذي بعت وقال البائع أصابه من ثمن عبدي وصدقه العبد بذلك
فالقول قول المولي لان البائع يدعى سبب استحقاقه لهذا المال والمولى منكر لذلك وتصديق
العبد لا ينفع البائع لأنه محجور لا قول له في حق المولى وان أقاما البينة فالبينة بينة البائع لأنه
ثبت بسبب استحقاقه بالبينة ولأنه هو المحتاج إلى إقامة البينة وكذلك لو كان مكان شراء العبد
93

قرض ألف درهم أو وديعة ألف درهم أو عروض فتصرف فيها العبد فهو بمنزلة ما تقدم
وإن كان المال الذي في يد العبد في جميع ذلك أقل من قيمة ذلك الأصل أخذ صاحب
الأصل ما وجده في يده بما هو بدل ملكه ولم يتبعه بما بقي حتى يعتق لان ما بقي ثابت في حق
العبد دون المولى بمنزلة جميع المال إذا لم يجد منه شيئا في يد العبد المحجور ولو دفع إليه رجل
متاعا بضاعة فباعه العبد جاز بيعه لأنه من أهل البيع وبيعه لاقى ملك المبضع برضاه فينفذ وهذا
لان نفوذ البيع بالتكلم بالايجاب والقبول ولا ضرر على المولى في ذلك وإذا جاز البيع كان الثمن
للآمر والعهدة على الآمر حتى يعتق لان في إلزام العهدة العبد اضرارا بمولاه وذلك لا يجوز
بغير رضاه فإذا تعذر ايجاب العهدة عليه تعلقت العهدة بأقرب الناس إليه وأقرب الناس إليه من
هذا العقد بعد المباشرة هو المبضع فإذا عتق العبد لزمه العهدة لأنه من أهل التزام العهدة في
حقه وإنما امتنع لزومها في حق المولى وقد سقط حقه بالعتق وان وجد المشترى بالمباع عيبا
فالخصم فيه الآمر ما لم يعتق العبد كما لو كان باشر العقد بنفسه إذ جعل العبد رسولا فيه إلا أن
اليمين في حقه بالعلم لأنه يستحلفه على مباشرة غيره وفى استحلافه على البتات على فعل الغير
اضرار به ولو أعتق العبد مولاه وأذن له في التجارة صارت الخصومة لحقه لأنه صار منفك
الحجر عنه بالاذن كما يصير منفك الحجر عنه بالعتق وقد زال المانع من لحوق العهدة إياه وهو انعدام
الرضا من المولى به فإن كان المشترى قد أقام البينة على العيب قبل أن يعتق العبد ثم عتق فهو
الخصم في ذلك ولكن يقضى بتلك البينة فلا يحتاج المشترى إلى اعادتها لأنه أقام البينة على
من هو خصم وهو الآمر فلا يحتاج إلى اعادتها وان تحولت الخصومة إلى العبد كما لو كان
البائع حرا فأقام البنية عليه ثم مات فورثه وارثه وكذلك لو أقام شاهدا واحدا قبل العتق لم
يكلف اعادته على العبد ويحكم عليه إذا أقام شاهدا آخر به على العبد لان الحجة قد تمت فان
قضى القاضي على العبد بالرد بالعيب ونقض البيع فإن كان الآمر هو الذي قبض الثمن من
المشترى لزم الثمن الآمر وليس على العبد منه لا قليل ولا كثير لان وجوب رد الثمن باعتبار
القبض دون العقد والقابض كان هو الآمر دون العبد فعليه أن يرده وهكذا إذا كان الوكيل
حرا وكان الموكل هو الذي قبض الثمن من المشترى فإن كان قبضه العبد فهلك عنده أخذ
العبد به لأنه هو القابض للثمن بحكم العقد فعليه رده إذا انتقض العقد فيرجع بذلك على الامر
لان قبضه كان صحيحا في حق الآمر ولهذا برئ المشترى به فكان هلاكه في يده كهلاكه
94

في يد الآمر ولأنه في القبض كان عاملا له بأمره فيرجع عليه بما يلحقه من العهدة بسببه
ولو كان مكان العبد صبي محجور أو معتوه كانت العهدة في جميع هذه الوجوه على الآمر
والخصومة معه واليمين على العلم وهو الذي يرد الثمن ولا تنتقل العهدة عن الصبي والمعتوه
بالادراك والإفاقة لان التزامهما العهدة غير صحيح في حقهما وإذا لم يكن العاقد من أهل التزام
العهدة وجبت العهدة على من هو أقرب الناس من هذا العبد بعد العاقد وهو الآمر المنتفع به
وإذا وجب للعبد المأذون على رجل دين من ثمن مبيع أو إجارة أو قرض أو استهلاك ثم حجر
عليه مولاه فالخصم فيه العبد لأنه باشر سبب الالتزام في حال انفكاك الحجر عنه وتأثير الحجر
عليه بعد ذلك في منع لزوم العهدة إياه بمباشرة السبب ابتداء لا في اسقاط ما كان لزمه فان دفع
الذي عليه الدين إلى العبد برئ كان عليه الدين أولم يكن لأنه حين عامل العبد فقد استحق
براءة ذمته بتسليم الدين إليه فلا يتغير ذلك بالحجر عليه بعد ذلك وان دفعه إلى مولاه برئ
أيضا إن لم يكن على العبد دين لان كسبه خالص حق المولى وبقبض العبد يتعين الملك له فهو
نظير الموكل إذا دفع الثمن المشترى إليه وإن كان عليه دين لا يبرأ بدفعه إلى المولى لان كسبه
الآن حق غرمائه والمولى من كسبه كأجنبي آخر ما لم يقض دين غرمائه فلا يبرأ المديون
بالدفع إلى المولى صيانة لحق الغرماء إلا أن يقضى المولى الدين فان قضاء برئ المطلوب من
الديون لان المانع قد زال وهو حق الغرماء في كسبه واستدامة القبض في المقبوض بعد
سقوط الدين عن العبد كانشائه ولأنه لا يشتغل بنقض شئ ليعاد مثله وبعد سقوط الدين
عن العبد لو نقضنا قبض المولى احتجنا إلى اعادته لان العبد يقبضه فيسلمه إليه بخلافه حال
قيام دينه لأنه يقبضه ليقضى به دينه فان مات العبد بعد حجره ولا دين عليه فالخصم في ذلك
المولى لان كسبه خالص حق المولي فيكون هو أحق الناس باستيفائه وإن لم يمت ولكن المولى
أخرجه من ملكه فليس للعبد أن يقبض شيئا منه ولا يكون خصما فيه لان منافعه صارت
للمشترى فالمقبوض يسلم للبائع فلا يكون للعبد أن يصرف المنافع التي هي ملك المشتري
إلى القبض والخصومة فيما ينتفع به البائع وان قبض لم يبرأ الغريم بقبضه لأنه خرج من أن
يكون خصما فيه حكما فكان قبضه كقبض أجنبي آخر والمقبوض للبائع ولا يبرأ المديون
بتسليم ملك البائع إلى عبد غيره وقد انقطعت خصومة العبد عن ذلك أن كان عليه دين أو
لم يكن لأنه لما انتقل الملك إلى المشترى صار العبد في تلك الخصومة كالمستهلك فان تجدد
95

سبب الملك فيه بمنزلة تبدل عينه ولكن الخصم في ذلك هو المولى لأنه كان خلفا عن العبد
فإنما هو غنم تلك التصرفات فكذلك في الغرم والخصومة فيه يكون خلفا عنه فيقبضه فإن لم
يكن عليه دين فهو سالم له لأنه كسب عبده وإن كان عليه دين فالمولى هو الخصم أيضا في
الخصومة في جميع ماله على الناس وغيره إلا أنه إذا قضى بذلك لم يكن للمولى قبضه لان حق
الغريم في كسبه مقدم على حق المولى ولم يوجد الرضا من الغرماء بقبض المولي لذلك وهو
ليس بمؤتمن على حق الغرماء فاما أن يقبض الغرماء دينهم من المقبوض فيكون ما بقي للمولى
لأنه كسب عبده وقد فرغ من دينه ولو كان المولي أعتقه كان العبد هو الخصم في قبض جميع
ذلك لأنه هو المباشر لسببه وقد خلصت له منافعه بعد العتق وكذلك لو باعه المولي فأعتقه المشتري
فالعبد هو الخصم في جميع ذلك لخلوص منافعه له وقد كان المانع له من الخصومة قبل العتق
كون منافعه للمشترى وقد زال ذلك بالعتق وإذا باع العبد المأذون متاعا من رجل بألف
وتقابضا ثم حجر عليه المولي فوجد المشتري بالمتاع عيبا فالخصم فيه العبد لان ملك المولي
في منافع باق بعد الحجر وقد كان لزمه العهدة لمباشرته سببه باذن المولي فان قامت عليه بينة
وحكم برده عليه فأبى المشترى أن يدفعه حتى يقبض الثمن فله ذلك لان حال المشتري بعد
الفسخ كحال البائع قبل التسليم وقد كان له أن يحبس المبيع ليستوفى الثمن فللمشتري بعد
الفسخ أن لا يرده حتى يستوفى الثمن فإن لم يكن في يد العبد مال وعليه دين بدئ بالمتاع فبيع
وأعطى المشترى ثمنه لان حقه في المتاع مقدم على حق سائر الغرماء فان دينه بدل هذا
المتاع والمتاع محبوس به كالمرهون في يد المرتهن فلهذا يبدأ من ثمن المتاع بدينه فان فضل
من ثمن المتاع شئ فهو لغرماء العبد وان نقص فالمشترى شريك غرماء العبد في رقبته بما بقي
من دينه لان دينه واجب بسبب ظاهر لا تهمة فيه وان جهل المشترى فدفع إليه المتاع ثم
جاء بعد ذلك يطلب الثمن فهو أسوة الغرماء في المتاع وفي رقبته لان تقدمه عليهم في ثمن المتاع
باعتبار يده وقد انعدم باخراجه من يده فهو نظير البائع إذا سلم المبيع إلى المشترى ثم مات المشترى
كان هو أسوة سائر الغرماء في ثمن المشترى وغيره من تركته ولو لم يقم بينة على العيب وطلب
اليمين فالثمن على العبد دون مولاه لان العبد هو الذي باشر هذا البيع وهو الخصم فيما يدعي
من العيب فيه بعد الحجر كما قبله فيكون اليمين عليه فان نكل عن اليمين رد المتاع عليه بالعيب
وكان حاله بمنزلة ما إذا قامت البينة بالعيب كما لو كانت الخصومة في العيب قبل الحجر عليه ثم
96

هذا على أصل أبي حنيفة رحمه الله واضح لأنه يجعل أثر الاذن في بقايا تجارته بحاصل الاذن
وكذلك عندهما لان المشترى استحق رد المتاع عليه والرجوع بالثمن عند نكوله حالة العقد
فلا يتغير ذلك الاستحقاق بالحجر عليه وكذلك لو أقر بالعيب عند القبض وهو عيب لا يحدث
مثله لأنه لا تهمة في اقراره والقاضي يتيقن بدون اقراره أن العبد كان عنده وإن كان
يحدث مثله لم يرده عليه القاضي باقراره لان اقراره بمنزلة انشاء تصرف منه باختياره وهو
غير صحيح منه في حق مولاه بعد الحجر إذا لم يكن في يده كسب بالاتفاق وههنا لا كسب
في يده فلا يكون اقراره ملزما مولاه شيئا ولا يكون هو خصما فيه بعد ذلك لأنه أقر به
فلا يتمكن من الانكار بعد ذلك ليقام عليه البينة كالوصي إذا أقر على اليتيم بدين لا يكون
هو خصما فيه بعد ذلك ولكن المولي هو الخصم فيه لأنه خلف عنه في غنمه فكذلك في
الخصومة فان أقام المشترى البينة على العيب رده فإن لم يكن له بينة استحلف المولى على علمه
لأنه استحلاف على فعل الغير فان نكل عن اليمين وأقر بالعيب رده بالعيب فإن كان على العبد
دين فكذب الغرماء العبد والسيد بما أقرا به من العيب فاقرارهما يكون حجة في حقهما دون
الغرماء ويباع المتاع المردود في ثمنه فأعطى ثمنه المشترى فان فضل من ثمنه الآخر شئ علي
ثمنه الأول كان لغرماء العبد لان الفاضل كسب العبد فيصرف إلى غرمائه وان نقص عنه
كان الفضل في رقبة العبد إلا أن يباع فيبدأ من ثمنه لغرمائه لان وجوب هذا الفضل كان
باقرار المولى وهو غير صحيح في حق الغرماء فيبدأ من ثمنه بحق غرمائه وان فضل من ثمنه شئ بعد
قضاء دينهم كان للمشترى لان الفاضل حق المولى وهو مقر بدين المشترى وإن لم يفضل شئ
فلا شئ له وإن لم يكن على العبد دين كان ثمن المتاع في رقبته وفي المتاع يباعان فيه باقرار المولى
بذلك للمشترى والحق له في الرقبة والكسب وان حلف المولى لم يرد إن كان على العبد دين أو
لم يكن فإذا عتق رد عليه باقراره لان اقراره حجة في حقه وإنما كان المانع من العمل حق المولى
فإذا عتق صار كالمجدد لذلك الاقرار بعد العتق فيرد عليه ويلزمه الثمن والمتاع له وإذا باع
المأذون متاعا له بألف درهم وقبض الألف فضاعت من يده ثم حجر عليه مولاه وفي يده
ألف درهم ثم طعن المشترى بعيب في المتاع فأقر به العبد ومثله يحدث فهو مصدق في قياس
قول أبي حنيفة رحمه الله لأنه أقر للمشترى بألف درهم عند رد المتاع عليه ولو أقر له بألف
درهم مطلقا وفي يده ألف درهم صح اقراره في قول أبي حنيفة باعتبار ما في يده ولا يصح
97

في قولهما وقد بينا هذا فإن كان المولى قبض من يده ذلك المال قبل اقراره بالعيب لم يصدق
لان اقراره صحيح باعتبار ما في يده ولم يبق في يده شئ حين قبض المولى منه وكذلك لو كان
في يده مال وعليه دين مثله لان ما في يده مستحق لغرمائه فلا يمكن تصحيح اقراره فيه
وحاله كحال ما لو لم يكن في يده شئ سواه ولو باع المأذون متاعا له ثم حجر عليه المولى ثم باعه
مولاه فوجد المشترى بالمتاع عيبا فليس العبد خصما فيه ولكن الخصم هو المولى إن كان على
العبد دين حين باعه مولاه أولم يكن لان منافعه بالبيع صارت مملوكة للمشترى فلا يتمكن
من صرفه إلى خصمائه بغير رضى المشترى فان قامت البينة بالعيب رد المتاع وبيع في ثمنه وكان
المشترى أحق به من الغرماء فإن لم يف بحقه حاص الغرماء فيما قبض من ثمن العبد لان دينه
ثبت بالبينة وهو حجة في حق الغرماء وإن لم يكن له بينة على العبد ولكن أقر به المولى أو
نكل عن اليمين فكذلك إلا أن المشترى لا يحاص الغرماء بما بقي من حقه لان اقرار المولى
ونكوله لا يكون حجة في حق الغرماء ولا يضمن المولى له شيئا لان الغرماء إنما قبضوا ثمن
العبد منه بقضاء القاضي لهم به ولو حجر المولى على العبد ولم يبعه ثم طعن المشتري بعيب في
المتاع فصدقه به العبد وناقضه البيع بغير قضاء قاض والعيب مما يحدث مثله أولا يحدث مثله
فمناقضته إياه باطلة لان قبوله بالعيب بغير قضاء قاض بمنزلة الإقالة والإقالة كالبيع الجديد في
حق غير المتعاقدين فيكون هذا في حق المولى كشراء العبد إياه ابتداء بعد الحجر فان أذن له
المولى بعد ذلك لم تجز تلك الإقالة إلا أن يجيز أو يجدد الإقالة بعد الاذن بمنزلة الشراء المبتدأ
في حال الحجر فإنه لا ينفذ بالاذن إلا أن يجيزه أو يجدده فإن كان العبد أقر بالعيب في حال
الحجر وليس في يده مال ثم أذن له المولى في التجارة لم يؤخذ بذلك الاقرار لان تأثير الاذن
في تنفيذ ما ينشئه من التصرف بعد الاذن لا في تنفيذ ما كان سبق الاذن إلا أن يقر اقرارا
جديدا بعد الاذن فحينئذ هو مؤاخذ به كاقراره بدين آخر عن نفسه فان قال المشترى أقررت
بالعيب بعد الاذن وقال العبد أقررت به في حالة الحجر أخذ باقراره لأنه أضاف الاقرار إلى
حالة لا تنافى الالزام بحكم الاقرار إلا أن يكون العبد صبيا فيكون القول قوله حينئذ لإضافة
الاقرار إلى حالة معهودة تنافى الالتزام بحكم الاقرار أصلا إلا أن يقيم المشترى البينة انه أقر به
بعد الاذن الآخر أو في الاذن الأول فالثابت بالبينة يكون كالثابت معاينة ولو دفع أجنبي متاعا
له إلى عبد مأذون يبيعه له بغير إذن مولاه فباع فهو جائز لان التوكيل بالبيع من صنيع التجار
98

والمأذون يحتاج إلى ذلك لأنه يستعين بالناس في مثله ومن لا يعين غيره لا يعينه غيره عند حاجته
والعهدة على العبد إذا كان عليه دين أو لم يكن لان هذا التصرف مما يتناوله الفك الثابت بالاذن
وكذلك لو كان دفع مولاه إليه متاعا يبيعه له وعليه دين فان المولى لا يكون دون أجنبي آخر
في الاستعانة به في البيع فان حجر المولى على العبد ثم طعن المشترى بعيب في المتاع فالعبد خصم
في ذلك كما لو كان باع المتاع لنفسه وهذا لان المشترى استحق الخصومة معه في العيب فلا يبطل
حقه بحجر المولى فان رد عليه بينته أو باباء يمين أو كان عيبا لا يحدث مثله بيع المتاع في الثمن فان
بقي منه شئ كان في عتق العبد لأنه في حكم العهدة بمنزلة ما لو باشر العقد لنفسه إلا أنه يرجع به
على الأجنبي إن كان باعه له وعلى المولى ان باعه له لان الحق في كسبه ورقبته لغرمائه والمولى
كأجنبي آخر في هذه الحالة وإنما لحقته العهدة بسبب عقد باشره له فرجع به عليه فإن كان
المولى والأجنبي معسرين حاص المشترى الغرماء في رقبة العبد ما بقي شئ ء من حقه لان دينه
ثابت بسبب ظاهر في حق الغرماء ثم يرجع المشترى بما بقي بعد ذلك من حقه على الآمر
ويرجع عليه الغرماء أيضا بما أخذه المشترى من ثمن العبد لان ثمن العبد حقهم وقد أخذ المشتري
بعض ذلك بسبب دين كان العبد في التزامه عاملا للآمر فيرجعون عليه بذلك فيقتسمونه
بالحصة وإن كان العبد أقر بالعيب وهو يحدث مثله فاقراره باطل لأنه محجور عليه فلا يكون
اقراره حجة في حق المولى والغرماء ولا يكون خصما فيه بعد ذلك ولكن رب المتاع هو الخصم
فيه لان المنفعة في هذا العقد كانت له فان أبى اليمين أو قامت البينة على العيب أو أقر به رده
عليه وأخذ منه الثمن أن كان قبضه من العبد أو هلك عند العبد لان العبد كان وكيلا عنه فيده
في الثمن كيد الموكل وان حلف على العيب ثم عتق العبد ورده المشترى عليه باقراره الذي كان
في حال الحجر وأخذ منه اليمين فكان المتاع للعبد المعتق لأنه كالمجدد لذلك الاقرار بعد العتق
ولان اقراره ملزم إياه في حقه وقد خلص الحق له بالعتق
(باب اقرار المولى على عبده المأذون)
(قال رحمه الله) وإذا أذن الرجل لعبده في التجارة ثم أقر عليه بدين أكثر من قيمته
وأنكره العبد فالدين كله لازم لان اقراره في الصورة على العبد وفي الحكم على نفسه فالحكم
الثابت في حالة الرق بيع الرقبة في الدين أو قضا الدين من كسبه وذلك استحقاق على المولى
99

واقراره على نفسه صحيح فيخير المقر له بين ان يطلب بيعه في الدين وبين ان يختار استسعاءه
في جميع الدين وكذلك لو أقر عليه بكفالة بأمره فان كفالة العبد بأمر المولى صحيحة ملزمة
إياه بمنزلة التزام الدين بغيره من الأسباب فإن كانت قيمته ألف درهم فأقر المولى عليه بدين
عشرة آلاف درهم ثم أعتقه فعلى المولى قيمته للغرماء لأنه بالاعتاق أتلف عليهم مالية الرقبة
فيكون ضامنا لهم قيمته ويرجعون أيضا على العبد بقدر قيمته لان المالية هي حقهم سلمت للعبد
بالعتق والاقرار تصرف من المولى عليه باعتبار تلك المالية وهو بملك الرقبة يملك أن يلزمه
السعاية في مقدار قيمته بعد العتق بتصرفه (ألا ترى) انه لو رهنه ثم أعتقه وهو معسر يجب
على العبد السعاية بقدر قيمته وكذلك لو أقر انه مرهون عند فلان بدين له عليه ثم أعتقه
وهو معسر كان على العبد السعاية في مقدار قيمته فكذلك إذا أقر عليه بالدين وهذا لان
محل الدين الذمة ولكن الدين في ذمة المملوك يكون شاغلا لمالية رقبته وهذه المالية ملك
المولى والذمة مملوكة للعبد وفي مقدار مالية الرقبة اقرار المولى كاقرار العبد لمصادفته ملكه
فيلزمه السعاية فيه بعد العتق وهذا المعنى ينعدم في الزيادة على قدر القيمة فلا يسعى العبد فيه
بعد العتق لان الكسب بعد العتق خالص ملكه فلا يلزمه أن يؤدى منه الا مقدار ما هو
ثابت في حقه فأما قبل العتق فالكسب ملك المولى والمولى مقر بان حق المقر له في الكسب
مقدم على حقه فلهذا يقضى جميع الدين من كسبه قبل العتق ثم وجوب قيمة المالية علي المولي
لا يمنع وجوب السعاية علي العبد بقدر قيمته لان السبب مختلف فان السبب في حق المولى
اتلاف مالية الرقبة وفي حق العبد وجوب الدين عليه في مقدار القيمة باعتبار نفوذ تصرف
المولي عليه وعلي هذا لو أبرؤا المولى من القيمة أو قومت عليه لم يرجعوا علي العبد الا بقدر قيمة
العبد لان الثابت في حقه يتصرف المولى عليه بعد العتق هذا القدر وكذلك لو سعى لهم العبد
في خمسة آلاف ثم أعتقه المولى في صحته ثم مات ولم يدع شيئا فعلي العبد أن يسعى لهم في
قيمته لان ما استوفوا كان من ملك المولى وذلك لا يمنع وجوب السعاية علي العبد بعد العتق
في مقدار قيمته يتصرف المولى عليه إلا أن يكون ما بقي من الدين أقل منها فحينئذ يلزمه
السعاية في الأقل بمنزلة المرهون إذا أعتقه الراهن وهو معسر يلزمه السعاية في الأقل من
قيمته ومن الدين وهذا لأنه إذا سعى في مقدار الدين وقد وصل إلى الغرماء كمال حقهم فلا
معنى لا يجاب السعاية عليه في شئ بعد ذلك ولو كان العبد أقر بالدين أيضا لزمه الدين كله كما
100

لو لم يوجد الاقرار من المولى به أصلا وهذا لان الاقرار من العبد التزام في ذمته وهو
خالص حقه وفي الذمة سعة فيثبت جميع الدين باقراره في ذمته ويؤاخذ به بعد العتق فأما
اقرار المولى عليه باعتبار ماليته فلا يثبت به في حق العبد الا بعد ما يتسع له المحل ولو أقر عليه
المولى بدين عشرة آلاف وأنكرها عليه العبد فبيع في الدين واقتسم الغرماء ثمنه فلا سبيل
لهم على العبد عند المشترى لان الدين الذي أقر به المولى عليه لا يكون أقوى من دين واجب
عليه ظاهرا وهناك إذا بيع في الدين لم يكن للغرماء عليه سبيل عند المشترى وهذا لان المشترى
غير راض باستحقاق شئ عليه بالدين ولا يسلم الثمن للغرماء ما لم يسقط حقهم عن مطالبة
في ذلك المشترى لأنهم ان تمكنوا من مطالبته رده المشترى بالعيب ورجع بالثمن فان أعتقه
المشترى رجع الغرماء علي العبد بقيمته لان مقدار القيمة بما أقر به المولى عليه ثبت لزومه
في حق العبد بعد العتق بمنزلة جميع الدين الثابت باقرار العبد أو بتصرفه فكما يطالب هناك
بجميع الدين بعد العتق يطالب ههنا بقيمته بعد العتق ولو لم يبع في الدين حتى دبره المولى
فللغرماء الخيار بين تضمين المولى قيمته وبين استسعاء المدبر في جميع دينهم لان المولى
بالتدبير صار مفوتا عليهم مالية الرقبة بالبيع في الدين فينزل ذلك منزلة الاعتاق في ايجاب
ضمان القيمة لهم على المولى إلا أن الفرق بين هذا وبين الاعتاق من وجهين أحدهما ان هناك
إذا ضمنوا المولى قيمته رجعوا علي العبد بقدر قيمته أيضا وههنا لا شئ لهم علي العبد حتى
يعتق لان كسب المدبر للمولى وهم قد استحقوا على المولى مالية الرقبة حين ضمنوه فلا
يبقى لهم سبيل علي كسب هو ملك المولى وهناك كسب العتق ملكه فتضمينهم المولى قيمته
لا يمنعهم من الرجوع على المعتق بقيمته ليؤدي من كسبه والثاني ان هناك لا يكون لهم
استسعاء العبد الا في مقدار قيمته وهنا لهم حق استسعاء المدبر في جميع دينهم لان الكسب بعد
التدبير ملك المولى والمولى مقر بجميع الدين وكون المقر له أحق بالكسب منه وهناك الكسب
بعد العتق ملك العبد وهو منكر للدين فلا يلزمه أن يؤدى منه الا مقدار ما يقدر فيه تصرف
المولى عليه فان أعتقه بعد التدبير ههنا أخذوه بقيمته فقط لان الكسب بعد العتق ملكه وان
أدى خمسة آلاف ثم أعتقه المولى أخذوا منه أيضا قيمته وبطل ما زاد على ذلك لان المستوفى
من ملك المولي فلا يمنع ذلك وجوب مقدار القيمة عليه بعد العتق لنفوذ تصرف المولى عليه
في ذلك القدر ولو لم يدبره حتى مرض المولى فأعتقه ثم مات ولا مال له غيره فعليه أن يسعى
101

في قيمته فيأخذه الغرماء دون الورثة لان المولى بالاعتاق صار ضامنا مقدار قيمته للغرماء
والعتق في المرض وصية فيتأخر عن الدين فعلى العبد أن يسعى في قيمته لرد الوصية ويأخذه
الغرماء باعتبار انه تركة الميت وحق الغريم في تركته مقدم على حق الوارث ثم يأخذ الغرماء
العبد بعد ذلك أيضا بقيمته لأنه قد لزمه بعد العتق مما أقر به المولى مقدار قيمته ولا شئ للورثة
ولا لغرماء المولى من ذلك لان ما سعى فيه العبد بدل ماليته ودينه في ماليته مقدم على دين
غرماء المولى لان حق غرماء المولى يتعلق بماليته بمرضه وحق غريم العبد كان ثابتا في ماليته
قبل ذلك فلهذا لا يكون لغرماء المولي مزاحمة مع غرماء العبد في شئ مما سعى فيه العبد وإن كان
إنما أقر على العبد بالدين في المرض والمسألة على حالها كانت القيمة الأولى لغرماء المولى
خاصة لان حقهم تعلق بماليته لمرض المولى فاقراره على العبد بالدين بعد ذلك بمنزلة اقراره على
نفسه وكما لا مزاحمة للمقر له في المرض مع غريم الصحة في تركة المولى فكذلك لا مزاحمة
للمقر له في المرض ههنا والقيمة الأولى التي سعى العبد فيها تركة المولي فتكون لغرماء المولى
خاصة ثم يسعى في قيمته لغرماء العبد خاصة لان وجوب القيمة الثانية عليه باعتبار الدين
الواجب عليه لاقرار المولى فيكون ذلك لغرمائه خاصة وهذا لان حق غرماء المولى تعلق
بمالية الرقبة وقد سلمت لهم تلك المالية ولو لم يقر عليه بالدين ولكن أقر عليه بجناية خطأ فإنه
يدفعه بها أو يفديه لان موجب جناية العبد على المولى فان المستحق بالجناية نفس العبد علي
المولى فاقراره عليه بالجناية بمنزلة البينة والمعاينة فيدفع بها أو يفديه وكذلك لو أقر على أمة في
يدي العبد أو عبد في يديه بدين أو جناية كان مثل اقراره على العبد بذلك لان كسب العبد
ملك المولى كرقبته فان أعتقها بعد ذلك فهو بمنزلة ما ذكرنا من اعتاقه العبد بعد الاقرار عليه
بالدين واقرار الأب والوصي على الصبي المأذون له في التجارة أو على عبده باطل لأنه لا ملك
له على الصبي ولا في ماله فاقراره عليه يكون شهادة وبشهادة الفرد لا يستحق شئ ثم ثبوت
الولاية للأب والوصي على الصبي بشرط النظر وليس في اقرارهما عليه في معنى النظر له عاجلا
ولو أذن الصبي التاجر لعبده في التجارة ثم أقر الصبي على عبده بدين أو جناية خطأ وجحده
العبد كان اقرار الصبي عليه في جميع ذلك بمنزلة اقرار الكبير لأنه بالاذن له في التجارة
صار منفك الحجر بمنزلة ما لو صار منفك الحجر عنه بالبلوغ واقراره بعد البلوغ على عبده
بذلك صحيح فكذلك بعد الاذن وكذلك المكاتب أو العبد المأذون يأذن لعبده في التجارة
102

ثم يقر عليه ببعض ما ذكرنا فهو بمنزلة اقرار الحر على عبده لان بالكتابة والاذن له في
التجارة يصير منفك الحجر عنه في الاقرار بالدين والعين إذا أقر به على نفسه فكذلك فيما
يقربه على عبده لان صحة اقراره على العبد باعتبار أن المستحق به ملك المقر والمكاتب والمأذون
في هذا أسوة الحر وإذا اشترى المكاتب ابنه أو أباه أو ولد له من المكاتبة ولد فهو مأذون له
في التجارة وإن لم يأذن له المكاتب قال لأنه مكاتب معه فان المكاتب بمنزلة الحر يدا وولده
ووالده بينهما بعضية فكما يثبت باعتبار هذا السبب حقيقة الحرية له إذا ملكه الحر فكذلك
يثبت له الحرية يدا إذا ملكه المكاتب لان ملك المكاتب يحتمل هذا القدر (ألا ترى) انه
يكاتب عبده فيصح وبهذا يتبين أن من قال من أصحابنا لا يكاتب أحد على أحد فذلك وهم
منه قاله من غير تأمل في الروايات المنصوصة وإذا ثبت انه صار مكاتبا فمن ضرورته الاذن
له في التجارة لان انفكاك الحجر بالكتابة أقوى منه بالاذن له في التجارة فان أقر عليه
المكاتب بدين لم يصدق عليه لان من يكاتب عليه صار ملكا للمولى داخلا في كتابته كنفس
المكاتب واقراره على مكاتب مولاه ليس بصحيح (ألا ترى) أنه لا يملك أن يشغله بالدين بطريق
الرهن فكذلك لا يملك الاقرار عليه بالدين إلا أن المقر له أحق بما يكسبه وبما في يده من
مال كان اكتسبه ولم يأخذه منه المكاتب لان المكاتب كان أحق بكسبه وأخذه فيستعين
به على أداء بدل الكتابة وقد أقر أن المقر له بالدين أحق بهذا الكسب واقراره صحيح في حق
نفسه فإن كان المكاتب قد أخذ منه قبل اقراره مالا فان ذكر المكاتب ان الدين وجب
عليه بعد قبضه المال منه فالقول قوله ولا حق للغريم فيما قبضه لان بقبض المكاتب يخرج
ذلك من أن يكون كسباله والدين إنما يلزمه في كسبه وكسبه ما في يده عند وجوب الدين
عليه أو ما يكتسبه بعد ذلك وان ذكر أنه وجب عليه قبل قبضه فالغريم أحق به منه لا قراره
بتعلق حق الغريم به قبل أن يقبضه منه المولى وان اختلفا في ذلك فالقول قول المكاتب في
ذلك مع يمينه على علمه لان الغريم يدعي استحقاق ذلك المال عليه والمكاتب منكر لذلك ولو أقر
عليه المكاتب بالدين ثم أدى فعتق عتق هذا معه لكونه داخلا في كتابته ولا شئ على واحد
منهما في ذلك الدين أما على المكاتب فلانه لم يتلف على الغرماء شيئا من محل حقهم إذ لا حق
لهم في مالية رقبتهم ما دام مكاتبا وأما على المقر له فلان اقرار المكاتب عليه باطل وإنما كان
يأخذ كسبه باعتبار أن المكاتب أحق بذلك الكسب وبعد العتق الكسب خالص ملكه
103

فلا يلزمه أداء شئ منه باقرار المكاتب عليه ولو كان اشترى أخاه أو ذا رحم محرم فيه فالجواب
كذلك في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لان هؤلاء يتكاتبون عليه عندهما فأما عند أبي
حنيفة رحمه الله فهذا بمنزلة اقراره على عبده لأنهم لا يتكاتبون عليه فإذا أدى المكاتب عتق
وعتقوا جميعا لأنه ملك ذا رحم محرم منه ويضمن المكاتب من الدين الذي أقر به قدر قيمة
المقر عليه يوم عتق ثم يكون على المقر عليه الأقل من قيمته وما بقي من الدين بمنزلة الحر إذا
أقر على عبده ثم أعتقه وهذا لان حق المقر له تعلق بمالية رقبته حين كان يجوز له بيعه ولو كان
حين اشترى ابنه أو أباه أقر عليه بجناية خطأ فاقراره عليه باطل لان موجب جناية المكاتب
يكون عليه دون مولاه ومن يكاتب على المكاتب فهو مملوك للمولى فلهذا بطل اقرار المكاتب
عليه بالجناية عليه فان اكتسب مالا كان المكاتب أحق به من صاحب الجناية لان جناية
المكاتب لا تكون مالا الا بقضاء القاضي ولهذا لو جنى المكاتب ثم عجز فرد في الرق يدفع
به أو يفدى ولا يباع فيه فقبل قضاء القاضي لا تكون جنايته متعلقة بكسبه فلهذا كان كسبه
للمكاتب دون صاحب الجناية فإن لم يأخذه المكاتب منه حتى مات المقر له عليه بالجناية أخذ
صاحب الجناية من ذلك المال الأقل من قيمته ومن أرش الجناية لان بموته تحقق اليأس عن دفعه
فصارت جنايته مالا بمنزلة قضاء القاضي به فيتعلق بكسبه وما بقي من المال في يده فهو في
كسبه فينفذ اقرار المكاتب فيه ولو كان المكاتب قبض منه كسبه قبل موته لم يكن لصاحب
الجناية على ذلك سبيل لأنه إنما تصير جنايته مالا بعد موته وما أخذه قبل ذلك خرج عن أن
يكون كسباله فلا يثبت فيه حق ولى الجناية بمنزلة ما لو أخذ منه كسبه ثم أقر عليه بدين لزمه
بعد ما أخذه ولو لم يمت ولم يأخذ منه المكاتب كسبه حتى أدى المكاتب فعتقا فالكسب كله
للمكاتب ولا شئ لصاحب الجناية فيه ولا على واحد منهما لان اقراره بالجناية عليه كان باطلا
قبل العتق وقد ازداد بالعتق بعدا عنه فلا وجه للحكم بصحة اقراره عليه بعد العتق والجناية
إنما تصير مالا بعد العتق وبعد العتق لا حجة له عليه بالجناية فلهذا لا يجب شئ للمقر له على
واحد منهما ولو كان المكاتب أقر عليه بجناية خطأ ثم أقر عليه بدين ثم اكتسب المقر عليه
مالا كان صاحب الدين أحق به لان الجناية لا تصير مالا الا بقضاء القاضي وما لم يصر مالا
لا يتعلق صاحب الجناية بالكسب فيكون ما اكتسب لصاحب الدين خاصة إذ لا مزاحم له فيه
فإذا لم يأخذه حتى مات تحاص فيه صاحب الجناية الأقل من قيمته ومن أرش الجناية وصاحب
104

الدين بدينه لأنه رفع الناس عن الدفع بموته فتصير الجناية مالا والكسب في يده على حاله
فيتعلق حق صاحب الجناية به لان الوجوب وان تأخر فقد كان بسبب سابق على حق صاحب
الدين فكان حق صاحب الدين أحق بدينه لان لكل واحد من الخصمين نوع قوة من
وجيه أما حق صاحب الجناية فلسبق السبب وأما حق صاحب الدين فلانه تعلق بالكسب
كما أقر به فلهذا الحق سبق من حيث التعلق بالكسب وللآخر سبق من حيث السبب
فيستويان في القوة ويتحاصان في الكسب وكذلك أن كان المكاتب أخذ منه قبل موته كان
أخذه غصبا باعتبار أن حق صاحب الدين فيه مقدم على حقه فكونه في يده وكونه في يد
المقر عليه سواء ولو لم يمت ولكن المكاتب أدى الكتابة كان صاحب الدين أحق بذلك
المال وبطلت الجناية لان الجناية لو صارت مالا إنما تصير مالا بعد العتق ولا وجه لذلك
لانعدام الحجة فاقرار المكاتب لا يكون حجة على المقر عليه بعد العتق باعتبار نفسه ولا باعتبار
كسبه والجناية إنما تصير مالا على أن تكون دينا في ذمته ثم يقضى من كسبه فإذا انعدم ذلك
بعد العتق كان صاحب الدين أحق بذلك المال فان فضل من حقه شئ كان للمكاتب ولو أقر
عليه أولا بدين ثم بجناية ثم مات المقر عليه وفى يده مال بدئ منه بالدين لان الدين أقوى
من حق صاحب الجناية فان أسبق سببا وتعلقا بالكسب واعتبار اقرار المكاتب عليه لأجل
الكسب وإنما يعتبر ذلك إذا فرغ الكسب عن صاحب الدين فأما ما بقي من الدين فحق الغريم
مقدم على حق المكاتب فيه فلا يعتبر اقراره فيه بالجناية فان بقي شئ بعد الذي كان لصاحب
الجناية بموت المقر عليه صارت مالا وهذا الفاضل من الكسب حق المكاتب فأخذه المقر له
بالجناية لحكم اقراره ولو كان أقر بالدين أولا ثم بجناية ثم بدين وهو يجحد ثم مات المقر عليه وفى
يده مال فإنه يبدأ منه بالدين أولا لان حق المقر له الأول أقوى من حق صاحب الجناية
للسبق والتعلق بالكسب كما أقر به وهو أقوى من حق صاحب الدين الآخر لأنه أسبق تعلقا
بالكسب فان فضل من دينه شئ تحاص فيه صاحب الجناية والدين الآخر لان الغريم الأول
لما استوفى حقه صار كأن لم يكن وكأنما يفي هو جميع الكسب وقد أقر عليه بالجناية ثم بالدين
وفي هذا هما يتحاصان لقوة في كل واحد منهما من وجه ولو لم يمت ولكن المكاتب أدى فعتق
بدئ بالدين الأول ثم بالدين الآخر فما فضل عن الدينين فهو للمكاتب لما بينا أنه لا وجه لا يجاب
المال عليه باقرار المكاتب بالجناية عليه بعد العتق فكأنه ما أقر عليه الا بدين ثم بدين فيبدأ
105

من كسبه بالدين الأول لأنه أقوى ولا مزاحمة للضعيف مع القوى ثم بالدين الآخر ولو أقر
عليه بجناية ثم مات المقر عليه وفي يده مال فإنه يتحاص أصحاب الجناية الأولى وصاحب الدين
في ذلك المال لاستوائهما في القوة من حيث إن كل واحد منهما له نوع قوة من وجه ثم
يدخل صاحب الجناية الأخيرة مع صاحب الجناية الأولى فيشاركه فيما أصاب لان صاحب
الدين لما استوفى حقه خرج من الدين وحق صاحب الجناية الأولى والجناية الأخيرة سواء
(ألا ترى) أنه لو لم يتخللهما الاقرار بالدين كانا مستويين في الكسب لان حق كل واحد
منهما إنما يصير مالا بعد موت المقر عليه ويتعلق بالكسب في وقت واحد والأسباب مطلوبة
لاحكامها لا لأعيانها فإذا كان صيرورة الجنايتين مالا في وقت واحد كانا مستويين في الكسب
كما لو أقر بهما معا فلهذا دخل صاحب الجناية الأخيرة مع صاحب الجناية الأولى ويشاركه فيما
أصابه * فان قيل هذا ليس بصحيح لان ما يأخذه صاحب الجناية الأخيرة لا يسلم له وان
صاحب الدين ما استوفى كمال حقه فيكون له أن يأخذ من يد صاحب الجناية الأخيرة ما
يصل إليه ويقول حقي مقدم على حقك في الكسب * قلنا القول بهذا يؤدى إلى دور لا ينقطع أبدا
لأنه إذا أخذ ذلك منه لا يسلم له ولكن يأخذه منه صاحب الجناية الأولى لأنه يقول حقي في
الكسب مثل حقك فليس لك أن تفضل على بشئ من الكسب فإذا أخذ ذلك منه أتاه
صاحب الجناية الأخيرة واسترد ذلك منه لان حقه مثل حقه فلا يزال يدور هكذا فلقطع
هذا الدور قال لا يكون لصاحب الدين سبيل على ما يأخذه صاحب الجناية الأخيرة فان
استوفى صاحب الجناية الأولى وصاحب الدين حقهما وبقي شئ أضيف ذلك الباقي إلى ما أصاب
صاحب الجناية الأولى فاقتسم جميع ذلك صاحبا الجنايتين نصفين حتى يستوفيا حقهما لان حقهما
في الكسب سواء والمانع لصاحب الجناية الأخيرة من المزاحمة حق صاحب الدين وقد انعدم
ذلك بوصول كمال حقه إليه ولو لم يمت المقر عليه ولكن المكاتب أدى فعتق فصاحب الدين
أحق بما في يد المقر عليه حتى يستوفى دينه فما فضل عنه كان للمكاتب ولا شئ لصاحب الجنايتين
بعد عتق المقر عليه لما بينا ولو كان أقر عليه بجناية ثم بجناية في كلام متصل أو منقطع ثم مات
المقر عليه تحاصا في تركته لان كل واحدة من الجنايتين إنما تصير مالا بعد موته وتعلقهما
بالكسب في وقت واحد وفى مثله المتقدم والمتأخر سواء كالمريض إذا أقر بدين ثم بدين ثم
مات تحاصا في تركته سواء كان الاقرار بكلام متصل أو منقطع ولو كان أقر عليه بدينين
106

لرجلين في كلام متصل تحاصا أيضا في تركته لان في آخر كلامه ما يغير موجب أوله وان
موجب أول الكلام اختصاص المقر له بالكسب ويتغير ذلك بالاقرار للثاني فيصير موجبه
المشاركة بينهما في الكسب ومتى كان في آخر كلامه ما يغير موجب أوله توقف أوله على
آخره فكأنه أقر لهما جميعا وإن كان قطع كلامه بين الاقرارين بدئ بالأول فان فضل عنه
شئ كان للثاني سواء مات المقر عليه أو أدى المكاتب مكاتبته لان صحة اقرار المكاتب عليه
باعتبار الكسب وكما أقر للأول بالدين تعلق حق المقر له بالكسب فاقراره بعد ذلك غير مقبول
في اثبات المزاحمة للثاني مع الأول وهو نظير الوارث إذا أقر على الميت بدين ثم بدين فإنه
يبدأ بما في يده بالدين الأول لهذا المعنى وإذا أذن للعبد في التجارة وقيمته ألف درهم فأدان
ألف درهم ثم أقر المولى عليه بدين ألف درهم وهو يجحد ذلك ثم إن المولى أعتقه فالغريم
الذي أدان العبد بالخيار لان حقه أقوى لأنه دين من كل وجه والضعيف لا يظهر مع القوى
فكأنه ليس لأحد عليه شئ سواه فإن شاء ضمن المولي قيمة العبد باتلافه المالية المستحقة له
بالاعتاق وان شاء أخذ دينه من العبد لان دينه كان ثابتا في ذمة العبد قبل العتق فبالعتق
ازداد قوة ووكادة فان ضمنه المولى لم يكن للآخر على المولى ولا على العبد شئ اما على المولي
فلانه ما أتلف الا مالية الرقبة وقد ضمن جميع بدلها مرة واما على العبد فلان صحة اقرار المولى
عليه باعتبار مالية الرقبة (ألا ترى) أنه بعد العتق لا يسعى الا في مقدار مالية الرقبة لو لم
يكن عليه دين آخر وهنا لا فضل في مالية الرقبة على دين العبد فيبطل اقرار المولى عليه
لانعدام محله وان اختار الغريم أخذ دينه من العبد فللمقر له أن يأخذ المولى بقيمة العبد لان
المولى صار متلفا مالية الرقبة بالعتق ولم يغرم لصاحب دين العبد شيئا حين اختار اتباع
العبد فيجعل في حقه كأنه لم يكن على العبد دين سوى ما أقر به المولى عليه فيكون للمقر له أن
يضمنه قيمة العبد لان المولى مصدق على نفسه وإن لم يكن مصدقا على عبده ولو كان المولى أقر
على العبد بدين ألفي درهم ولا دين عليه سواه وجحده العبد ثم صار على العبد ألف درهم
باقرار أو ببينة فإنه يباع فيضرب كل واحد منهما في ثمنه بجميع دينه لان اقرار المولي عليه
صادف محلا فارغا فإنه لم يكن عليه دين آخر حين أقر به المولي فيثبت جميع ما أقر به المولى
في حال رقه وإن كان أكثر من قيمته (ألا ترى) ان للمقر له أن يستسعيه في جميع الدين
وكذلك يثبت ما أقر به العبد على نفسه بعد ذلك لبقائه مأذونا بعد اقرار المولي عليه فإذا بيع
107

ضرب كل واحد منهما في ثمنه بجميع دينه كما لو حصل الاقراران من العبد ولو كان اقرار العبد
أولا بدئ به لان حق غريمه تعلق بمالية رقبته فاقرار المولى بعد ذلك صادف مالية مشغولة
وصحة اقراره باعتبار الفراغ فلا يظهر مع الشغل فلهذا بدئ من ثمنه بما أقر به العبد علي نفسه
بخلاف ما لو كان الاقرار ان من العبد لان صحة اقراره باعتبار الاذن لا باعتبار الفراغ وكذلك
ان بيع بألفي درهم فخرج منهما ألف وتويت ألف كان الخارج منها للذي أقر له العبد لان التاوي
غير معتبر وباعتبار الحاصل اقرار المولي لم يصادف الفراغ في شئ مما أقر به فإن كان العبد
أقر بألف ثم أقر عليه المولي بألف ثم أقر العبد بألف فإنه يباع ويتحاص في ثمنه اللذان أقر
لهما العبد لاستواء حقهما في القوة فان الاقرارين من العبد جميعهما حالة الاذن ولا مزاحمة
معهما للذي أقر له المولى لأنه حقه أضعف فاقرار المولى ما صادف فراغا في شئ من المالية
فان بقي من ثمنه شئ بعد قضاء دينهما كان للذي أقر له المولي لان الفاضل للمولى وقد زعم
هو أن المقر له أحق بذلك منه وزعمه في نفسه معتبر ولو لم يقر العبد على نفسه بشئ وأقر
عليه المولى بدين ألف درهم ثم بدين ألف درهم في كلام منقطع فإنه يباع فيبدأ بالألف لان
حق الأول أقوى فاقرار المولى له صادف فراغا ولان صحة اقرار المولى على عبده باعتبار
المالية وقد صارت المالية مستحقة للمقر له الأول فلا يعتبر اقراره في اثبات المزاحمة
للثاني معه ولكن يستوفى الأول دينه فان بقي شئ كان للثاني وإن كان وصل كلامه فقال
لفلان علي عبدي هذا ألف درهم ولفلان ألف درهم تحاصا في ثمنه لان في آخر كلامه ما يغير
موجب أول كلامه فان صدقه العبد في أحدهما والكلام متصل أو منقطع تحاصا في ثمنه لان
العبد بالتصديق صار مقرا بدين أحدهما فكأن المولى أقر عليه بدين ثم أقر العبد على نفسه
بدين وفى هذا يتحاصان في ثمنه وان صدقه في أولهما بدئ به لان التصديق متى اتصل بالاقرار
كان كالموجود عند الاقرار (ألا ترى) ان الصحيح إذا أقر بدين لغائب ثم حضر المقر له في
مرضه وصدقه جعل ذلك دين الصحة فههنا أيضا يصير العبد بالتصديق كالمقر بذلك الدين
حين أقر المولى به فهو نظير ما لو أقر العبد على نفسه بدين ثم أقر المولى عليه بدين وهذا إذا
كان اقرار المولى بهما منقطعا فإن كان متصلا تحاصا في ثمنه لان باتصال الكلام يصير كان
الاقرارين من المولى وجدا معا فتثبت المحاصة بينهما في ثمنه ثم التصديق من العبد بعد ما أوجب
الدينين في رقبته لا يكون مغيرا للحكم ولو كانت قيمة العبد ألف درهم وخمسمائة فأقر العبد
108

بدين ألف درهم ثم أقر المولى عليه بدين ألف درهم ثم أقر العبد بدين ألف ثم بيع العبد بألفي
درهم فإنه يضرب كل واحد من غريمي العبد في ثمنه بجميع دينه ويضرب الذي أقر له المولى
في ثمنه بخمسمائة فيكون الثمن بينهم أخماسا لان الاقرارين من العبد جميعهما حالة الاذن
فيثبت جميع دين كل واحد منهما فأما الاقرار من المولى فحين وجد كان الفارغ منه بقدر خمسمائة
لان قدر الألف من ماليته كان مشغولا بحق غريم العبد وصحة اقرار المولى عليه باعتبار الفراغ
وإنما يصح من اقرار المولى في حق المزاحمة بقدر الفارغ منه وهو خمسمائة فإذا جعلت كل
خمسمائة سهما كان الثابت علي العبد خمسة أسهم فيجعل ثمنه علي خمسة لكل واحد من غريمي
العبد خمساه وللذي أقر له العبد خمسه ولو لم يبع وأعتقه المولي وقيمته ألف وخمسمائة كان
ضامنا لهما قيمته بالاعتاق ثم هذه القيمة بدل مالية الرقبة كالثمن لو بيع العبد فيقسم بينهم
أخماسا فيجعل لكل واحد من غريمي العبد خمسمائة ويرجع كل واحد منهما على العبد
بما بقي من دينه وهو أربعمائة لان جميع دين كل واحد منهما ثابت علي العبد ويرجع الذي
أقر له المولي علي العبد بمائتين لان الثابت من دينه علي العبد خمسمائة وقد وصل إليه ثلاثمائة
فبقي من هذا الثابت مائتان وان شاء الغرماء تركوا المولي واتبعوا العبد بالثابت من ديونهم
فان اتبعوه أخذ منه الغريمان اللذان أقر لهما العبد جميع دينهما ألفي درهم وأخذ منه الذي
أقر له المولي خمسمائة لان هذا القدر هو الثابت علي العبد باقرار المولي عليه فلا يطالبه
بعد العتق الا به ثم يرجع على المولي بخمسمائة درهم أيضا لان المولي مقربان ذلك الدين علي
عبده وانه استهلك رقبته بالاعتاق وقد برئ من حق غريمي العبد بابرائهما إياه فكان للذي أقر
له المولى أن يرجع عليه بما بقي من دينه حتى يصل إليه كمال حقه ولو كانت قيمة العبد ألف
درهم فأقر العبد بدين ألف درهم ثم أقر المولى عليه بدين ألف درهم ثم ازدادت قيمته حتى
صارت ألفي درهم ثم أقر العبد بدين ألف درهم ثم بيع بألفي درهم فجميع الثمن للذين أقر لهما
العبد خاصة لان المولى أقر عليه وليس في ماليته شئ فارغ عن حق غريم العبد عند ذلك وصحة
اقرار المولى عليه باعتبار الفراغ فلم يثبت شئ مما أقر به المولى في مزاحمة غريمي العبد وبالزيادة
التي حدثت بعد ذلك لا يتغير حكم اقرار المولى إذ لا معتبر بالزيادة المتصلة وحين بيع فلا فضل
في ثمنه على حق غريميه فلهذا كان الثمن كله لغريمي العبد ولو أعتقه المولى يضمن قيمته لان القيمة
بدل المالية كالثمن ولو اختار اللذان أقر لهما العبد اتباعه وأبرأوا من القيمة المولى كان للذي أقر
109

له المولى أن يأخذ المولى بجميع دينه لان المولى استهلك مالية الرقبة وفى زعمه أن حق المقر
له كان ثابتا في هذه المالية وزعمه معتبر في حقه ثم حقه ثابت في هذه المالية إذا فرغ من حق
غريمي العبد بدليل أنهما لو أبرآه عن دينهما بيع للمقر له وحين اختار المقر اتباع العبد فقد فرغت
هذه المالية من حقهما فلهذا كان للذي أقر له المولى أن يضمنه هذه المالية ويستوفيه بدينه
ولو كانت قيمة العبد ألف وخمسمائة فأقر عليه المولى بدين ألف ثم بألف ثم بألف في كلام
منقطع ثم بيع العبد بألفا فهو بين الأولين أثلاثا يضرب فيه الأول بألف والثاني بخمسمائة
لان جميع الدين الأول ثبت على العبد باقرار المولى به فإنه صادف محلا فارغا وقد ثبت من
دين الثاني نصفه باقرار المولى لان الفارغ من ماليته عند ذلك كان بقدر خمسمائة فيضرب كل
واحد منهما في الثمن بما هو ثابت من دينه ولو أعتقه المولى وقيمته ألف درهم ضمن قيمته
ألف درهم لان وجوب الضمان عليه باستهلاك المالية بالاعتاق وإنما يعتبر قيمة المستهلك عند
الاستهلاك ثم يقتسم الأولان هذه القيمة بينهما أثلاثا على قدر الثابت من دين كل واحد
منهما لما بينا أن في ثبوت الدين يعتبر الفراغ وقت الاقرار ثم يرجعان على العبد بخمسمائة
لان الثابت من دينهما على العبد ألف وخمسمائة وقد استوفيا من المولى مقدار ألف فيرجعان
على العبد بما بقي مما هو ثابت من دينهما وهو خمسمائة فيقتسمانها أثلاثا وان طلبا أولا أخذ
العبد أخذاه بألف درهم مقدار قيمته لان العبد بعد العتق لا يلزمه من الدين الذي أقر عليه
المولي به الا مقدار قيمته فيرجعان عليه بألف مقدار قيمته ويقتسمان ذلك أثلاثا على قدر
الثابت من دينهما ثم يرجعان على المولى بجميع قيمته أيضا لأنه استهلك مالية الرقبة فيكون
ضامنا لهما جميع القيمة فإذا استوفيا ذلك منه وصل إليهما جميع دينهما بخلاف ما إذا ضمنا المولي
في الابتداء فهناك لا يتبعان العبد الا بالباقي مما هو ثابت من دينهما وهو خمسمائة لان العبد
كان منكرا لما أقر به المولى عليه فأما إذا أتبعا العبد أو لا بمقدار قيمته والمولى مقر ان جميع
دينهما ثابت فبحكم اقراره يكون لهما أن يأخذا المولى بجميع القيمة حتى يصل إلى كل واحد
منهما كمال حقه وإذا أتبعا المولى فاستوفيا منه خمسمائة اقتسما ذلك أثلاثا أيضا ثم قد وصل
إلى المقر له الأول كمال حقه فالخمسمائة الباقية على المولى يستوفيها المقر له الثاني ولو كان المولي
أقر بهذه الديون اقرارا متصلا كانوا شركاء في ثمن العبد لان باتصال الكلام يصير كان الاقرار
منه لهم حصل في كلام واحد معا وان أعتقه المولى اتبعوا المولى بالقيمة ثم يرجعوا على العبد
110

بقدر قيمته مما بقي من دينهم وما زاد على ذلك فهو تاو لان المولى لا يغرم الا قيمة ما استهلك
والعبد بعد العتق لا يغرم مما أقر به المولي عليه الا مقدار قيمته حتى لو كانت قيمة العبد
ألف درهم فأقر عليه المولى بدين ألف ثم أقر بعد ذلك بدين ألف ثم ازدادت قيمته حتى
صارت ألفين ثم أقر عليه بدين ألف ثم بيع العبد بألفي درهم فهو بين الأول والآخر نصفان
ولا شئ للأوسط لأنه حين أقر للأول ثبت جميع ما أقربه لفراغ ماليته عند ذلك وحين
أقر للثاني لم يثبت شئ مما أقربه لأنه ليس في ماليته فضل على الدين الأول وحين أقر للثالث
ثبت جميع ما أقر به له لان في ماليته فضلا علي حق الأول بقدر الألف واقرار المولى عليه متى
صادف محلا فارغا كان صحيحا فلهذا قسم الثمن بين الأول والآخر نصفين وان بيع بألفين
وخمسمائة استوفى الأول والآخر دينهما وكان الفضل للأوسط لان الفاضل من حقهما للمولى
والمولى مقر بوجوب الدين للثاني عليه وهو مصدق على نفسه ولو أعتقه المولى وقيمته ألفان
أخذ الأول والآخر قيمته من المولى ولا شئ للأوسط لان القيمة بدل المالية كالثمن فان
أعتقه وقيمته ألفان وخمسمائة أخذ الأول والآخر من المولى ألفين وكان الخمسمائة الباقية
للأوسط باعتبار زعم المولى ولا شئ له على العبد لان شيئا من دينه غير ثابت في حق العبد فان
توى بعض القيمة على المولى كان التاوي من نصيب الأوسط خاصة لان حقه في الفاضل
ولا يظهر ذلك ما لم يستوف الأول والآخر كمال حقهما بمنزلة مال المضاربة إذا توى منه كان
التاوي من الربح دون رأس المال ولو كانت قيمة العبد ألفا وخمسمائة فأقر المولى عليه بدين
ألف ثم بألف ثم بألفين ثم بيع العبد بثلاثة آلاف فان الأول يستوفى ألف درهم تمام دينه
وكذلك الثاني ويبقي ألف درهم فهو للثالث فان خرج من الثمن ألف درهم وتوى الباقي كان
ثلثا الألف للأول وثلثها للثاني لان جميع دين الأول ثابت على العبد والثابت من حق الثاني
بقدر خمسمائة لان الفارغ عن ماليته يومئذ كان هذا المقدار فيقتسمان ما يخرج من الثمن على
قدر الثابت من دينهما فيكون الخارج تمام دينه لان حقه أقوى من حق الثالث فالاقرار له
من المولى كان سابقا على الاقرار للثالث فما يتوى يكون على الغريم الثالث وان استوفى
التأني جميع دينه ثم خرج شئ بعد ذلك كان للثالث ولو كان الاقرار كله متصلا كان الخارج
بينهم على قدر دينهم والتاوي بينهم جميعا بمنزلة ما لو حصل الاقرار لهم بكلام واحد ولو كان
الاقرار منقطعا ثم أقر العبد بعد ذلك بدين ألف ثم بيع بثلاثة آلاف فان الغريم الأول والذي
111

أقر له العبد يأخذ كل واحد منهم جميع دينه وكذلك الثاني الذي أقر له المولي يأخذ جميع
دينه مما بقي من الثمن ولا شئ للثالث لان حقه دون حق الثاني وحق غريم العبد ثابت
بعد اقرار المولي لبقاء الاذن فان توى من الثمن ألف درهم وخرجت ألفان كانتا بين
الأول والثاني والذي أقر له العبد أخماسا لان جميع دين الأول ثابت وجميع دين الذي أقر
له العبد على نفسه ثابت والثابت للمقر له الثاني مقدار خمسمائة فان الفارغ من مالية الرقبة
يومئذ كان هذا القدر فيضرب كل واحد منهم في الخارج من الثمن بقدر الثابت من دينه
فيكون مقسوما بينهما أخماسا سواء كان الخارج ألفين أو ألفا وخمسمائة للأول خمسمائة وللذي
أقر له العبد خمسمائة وللثاني الذي أقر له المولى خمسه وإذا أذن لعبده في التجارة وقيمته ألف
درهم فاشترى وباع حتى صار في يده ألف درهم ثم أقر العبد بدين ألف ثم أقر عليه المولى
بألف فالألف الذي في يده بين الغريمين نصفان لان دين العبد يقضى من كسبه كما يقضى
من بدل رقبته وباعتبارهما جميعا اقرار المولى صادف محلا فارغا في جميع ما أقر به فهو كما لو حصل
الاقراران من العبد فيقسم الكسب بينهما نصفان ولو كان المولى أقر عليه بألفين معا قسم
ثمن العبد وماله بينهما نصفين لان الثابت مما أقر به المولى عليه بقدر الفارغ من مالية رقبته
وكسبه وذلك مقدار ألف فلهذا قسم الثمن والكسب بينهما نصفين ولو كان المال في يد العبد
خمسمائة فأقر العبد بدين ألف ثم أقر عليه المولى بدين ألفين ثم أقر العبد بدين ألف لم يضرب
الذي أقر له المولى في ثمن العبد وكسبه مع غريميه الا بخمسمائة لان الفاضل حين أقر له المولي
مقدار خمسمائة فيثبت بما أقر به المولي وجميع دين كل واحد من غريمي العبد ثابت فيقسم
الثمن والكسب بينهم أخماسا ولو كان أقر المولى قبل اقرار العبد بالدين الأول كان ثمن العبد
وماله بينهم أرباعا سهمان من ذلك للذي أقر له المولى ولكل واحد من غريمي العبد سهم لان
المولى حين أقر عليه كان العبد فارغا عن كل دين فثبت جميع ما أقر به المولى في حال رقه وإن كان
أكثر من قيمته فيضرب في الثمن والكسب الذي أقر له المولى في جميع دينه فهذا كانت
القسمة أرباعا بخلاف الأول فهناك اقرار المولى وجد بعد اشتغال العبد بالدين الذي أقر به
على نفسه فلا يثبت مما أقر به المولى عليه الا بقدر الفاضل من ماليته على دين العبد لان مقدار
الفاضل فارغ من دين العبد فيصح اقرار المولى عليه بقدر ذلك والله أعلم
112

(باب اقرار العبد لمولاه)
(قال رحمه الله) وإذا باع العبد المأذون المديون متاعا له من مولاه بقدر قيمته أو بأكثر
فهو جائز لأنه ليس في تصرفه اسقاط حق الغرماء عن شئ مما تعلق حقهم به وقد بينا فرق
أبي حنيفة بين هذا وبين بيع المريض من وارثه فإذا سلم المتاع إلى مولاه وأقر بقبض الثمن
منه لم يصدق على ذلك حتى تشهد الشهود على معاينة القبض لان في تصحيح اقراره ابطال حق
الغرماء عما تعلق حقهم به من مالية الثمن والعبد فيما يقربه لمولاه متهم في حق غرمائه لأنه
يؤثر مولاه على غرمائه واقرار المتهم لا يصح في ابطال حق الغير بخلاف اقراره بقبض
الثمن من أجنبي لأنه غير متهم في ذلك * يوضحه ان اقراره بالقبض في معنى الاقرار بالدين
لان الديون تقضى بأمثالها والمقبوض يصير مضمونا على القابض ثم يسقط الدين بطريق المقاصة
واقراره للأجنبي بالدين أو بالعين صحيح في حق الغرماء فكذلك اقراره بالقبض من
الأجنبي فأما اقراره بالدين والعين لمولاه فلا يكون صحيحا في حق الغرماء فكذلك اقراره
بالقبض والمولى بالخياران شاء أعطى الثمن مرة أخرى وان شاء نقض البيع ورد المتاع لأنه
لزمه زيادة في الثمن لم يرض بالتزامها وذلك مثبت له الخيار واقرار العبد له صحيح في اثبات الخيار
لأنه يملك الإقالة معه إذ ليس فيه ابطال حق الغرماء عن شئ مما تعلق حقهم به فكذلك
اقراره يجعل معتبرا في اثبات حق الفسخ للمولى فإن كان المتاع قد هلك في يده فعليه أن
يؤدى الثمن ولا خيار له لان فسخ العقد في الهالك لا يتحقق واثبات الخيار له للفسخ وكذلك
إن كان حدث به عيب عنده لان في اثبات خيار الفسخ له ههنا اضرارا بالغرماء ولأنه
يثبت له خيار الفسخ لدفع الضرر عن نفسه فلا يجوز اثباته على وجه يكون فيه الحاق الضرر
بغيره وكذلك كل دين وجب للعبد على مولاه فأقر بقبضه منه لم يصدق ولا يبرأ المولى
منه حتى يعاين الشهود القبض لما بينا أن اقراره بالقبض في معنى الاقرار له بالدين أو العين
وكذلك اقرار وكيل العبد بقبض الدين من المولى لان الوكيل قائم مقام الموكل فإنه هو
الذي سلطه على القبض فاقراره بالقبض كاقرار الموكل به صدقه العبد في ذلك أو كذبه وإذا
أذن الرجل لابنه الصغير في التجارة أو أذن له وصى الأب فلحقه دين ثم باع عبدا من ابنه
أو من وصى ابنه فبيعه جائز إذا باعه بالقيمة أو بأقل منها بما يتغابن الناس فيه لان انفكاك
الحجر عنه بالاذن بمنزلة انفاك الحجر عنه بالبلوغ (ألا ترى) أنه في تجارته مع الأجنبي
113

يجعل كذلك فكذلك في تجارته مع الأب والوصي وإن كان باعه بشئ لا يتغابن الناس فيه
لم يجز بيعه في قياس قول أبي حنيفة ولا يجوز في قول أبى يوسف ومحمد أما عندهما فظاهر
لان الصبي المأذون والعبد عندهما لا يملكان البيع بالمحاباة الفاحشة من أجنبي لان في ذلك معنى
التبرع وهما ليسا من أهل التبرع فكذلك بيع الصبي من الأب والوصي بمحاباة فاحشة وعند
أبي حنيفة رحمه الله يملكان البيع من الأجنبي بالمحاباة الفاحشة على ما نبينه في موضعه فاما في
بيع الصبي من وليه بالمحاباة فروايتان في أحدي الروايتين يملك لان رأيه بعد الاذن إذا انضم
إلى رأى وليه كان بمنزلة رأيه بعد البلوغ وفي هذا لا فرق بين أن تكون معاملته مع وليه أو
مع أجنبي وهذا لأنه عامل لنفسه في خالص ملكه إلا أن يكون نائبا عن وليه وفى الرواية
الأخرى لا يجوز هذا لان الولي في هذا الرأي متهم في حق نفسه فباعتبار التهمة ينعدم انضمام
رأى الولي رأيه في هذا التصرف * يوضحه أن الصبي وإن كان متصرفا لنفسه فهو بمنزلة
النائب عن وليه من وجه حتى ملك الحجر عليه فاعتبار معنى النيابة قلنا لا يبيع من وليه بغبن
فاحش كما لا يبيع من نفسه وباعتبار أنه متصرف لنفسه قلنا يبيع من وليه بمثل قيمته أو بغبن
يسير مع أن في بيع اليتيم من الوصي الذي ذكره في السؤال ههنا نظرا فقد ذكر مفسرا في
موضع آخر انه لا يجوز لأنه من وجه نائب والوصي لا يملك بيع مال اليتيم من نفسه بمثل
قيمته ولا بغبن يسير فذلك لا يملكه اليتيم بعد اذن الوصي له لأنه يتمكن فيه تهمة
المواضعة وان الوصي ما قصد بالاذن النظر للصبي وإنما قصد تحصيل مقصود نفسه بخلاف
الأب فإنه يملك بيع مال ولده من نفسه بمثل قيمته وبغبن يسير ولا يتمكن تهمة ترك النظر له
عند الاذن له في التجارة بهذا التصرف فان أقر الصبي بقبض الثمن مع صحة البيع جاز بخلاف
اقرار العبد بقبض الثمن من المولي لما بينا أن الاقرار بالقبض كالاقرار بالدين أو العين واقرار
الصبي المأذون لأبيه أو وصيه بدين أو عين صحيح فكذلك اقراره بقبض الدين منهما وهذا
لان المال خالص ملكه وحق الغرماء في ذمته لا في ماله وقد صار منفك الحجر عنه بالاذن
فيصح اقراره في محل هو خالص حقه فأما دين العبد فمعلق بكسبه فاقراره للمولى بشئ منه
يصادف محلا مشغولا بحق غرمائه فلهذا لا يصح وإذا وكل العبد التاجر المديون وكيلا يبيع
متاعا له من مولاه فباعه جاز كما لو باع العبد بنفسه فان أقر الوكيل أنه قبض الثمن من المولى
ودفعه إلى العبد وصدقه العبد أو كذبه لم يصدق على ذلك إلا أن يعاين الشهود القبض لان
114

الوكيل قائم مقام الموكل وبقبضه يصير المقبوض للموكل ويكون مضمونا عليه فكان هذا
في معنى اقراره للمولى بعين في يده وذلك لا يصح من العبد سواء كان الاقرار منه أو من
وكيله إلا أن للمولى أن ينقض البيع أو يؤدى الثمن لما لزمه من الزيادة في الثمن بزعمه فأيهما
فعل كان له أن يتبع الوكيل بالثمن الذي أقر بقبضه منه لان اقرار الوكيل على نفسه صحيح
في حقه وقد أقر بقبض الثمن فإذا فسخ المولي البيع كان عليه رد المقبوض باعتبار اقراره به
وكذلك أن أدى الثمن مرة أخرى لان الوكيل إنما قبض الثمن منه ليستفيد البراءة عن الثمن
بقبضه ولم يستفد ذلك حين غرم الثمن مرة أخرى فكان له أن يرجع على الوكيل بما أقر
بقبضه ولا يرجع به الوكيل على العبد لان اقراره بالقبض غير صحيح في حق العبد لمراعاة
حق الغرماء وإذا لم يظهر القبض باقراره في حق القيمة لا يكون له أن يرجع عليه بشئ ولو
ظهر القبض في حق العبد باقراره لما غرم له المولى الثمن مرة أخرى ولو دفع العبد إلى مولاه
ألف درهم وديعة أو بضاعة أو مضاربة ثم أقر بقبضها منه فالقول قوله لان المال أمانة في
يد المولى حتى لو قال دفعتها إليه وكذبه العبد كان القول قول المولى لانكاره وجوب الضمان
عليه فكذلك إذا أقر العبد بقبضها منه لأنه إنما لا يصح اقرار العبد إذا كانت المنفعة للمولى في
اقرار العبد بالقبض لأنه يستفيد البراءة بقوله دفعتها وإن لم يقربه العبد بخلاف المال المضمون
عليه * فان قيل بل فيه منفعة وهو سقوط اليمين عن المولى * قلنا نعم ولكن ليس في يمينه حق الغرماء
وإنما لا يقبل قول العبد إذا سقط عنه باقراره شئ مما تعلق به حق غرمائه مع أن الغرماء ان
ادعوا على المولى انه استهلك ذلك المال كان عليه اليمين في ذلك ولو دفع العبد إلى المولى ألف
درهم مضاربة بالنصف فربح فيه المولى ألف درهم ثم قال العبد قد أخذت من المولى رأس
المال وحصتي من الربح وكذبه الغرماء أو ادعي ذلك المولى وكذبه العبد والغرماء فلا ضمان
على المولى مع يمينه لان المال كله أمانة في يد المولى فهو فيما يزعم أنه دفعه إلى العبد ينكر
وجوب الضمان عليه وللعبد أن يأخذ من المولي ما أصابه من الربح فيكون له من رأس ماله
لان العبد والمولى لا يصدقان على أن يسلم للمولى حصته التي قبض من الربح بل يجعل ما ادعي
المولى انه دفعه إلى العبد كالتاوي فكأن المال كله ما بقي في يد المولى فيستوفيه العبد بحساب
رأس ماله ولا يصدق العبد في حق غرمائه في أن ذلك حصة المولى من الربح لان فيه
اسقاط حق الغرماء عما تعلق حقهم به ولو شارك العبد مولاه شركة عنان بخمسمائة درهم
115

مما في يديه وخمسمائة من مال مولاه على أن يبيعا ويشتريا فهو جائز لان المولى من عبده
المديون في حكم التصرف في كسبه كأجنبي آخر فيجوز بين العبد وبينه شركة العنان والمضاربة
فان اشتريا وباعا فلم يربحا شيئا ثم أقر العبد انه قد قاسم مولاه المال واستوفى منه نصفه ودفع
إلى المولى نصفه وصدقه المولى فان العبد لا يصدق على القسمة وللغرماء أن يأخذوا من المولى
نصف ما قبض لان قول المولى مقبول في براءته عن ضمان ما زعم أنه دفعه إلى العبد فإنه
أمين في ذلك واقرار العبد بذلك لا يكون مقبولا لاختصاص المولى بما بقي لما فيه من ابطال
حق الغرماء عن شئ مما تعلق به حقهم فيجعل ما تصادقا على دفعه إلى العبد كالتاوي وكان
مال الشركة هو ما بقي في يدي المولى فللغرماء أن يأخذوا من المولى نصفه وكذلك كل شئ
كان بينهما على الشركة فان العبد لا يصدق على القسمة والقبض إلا أن تعاين الشهود ذلك لحق
غرمائه وإذا وكل المأذون المديون رجلا يبيع له متاعا من مولاه فباعه ثم حجر المولى على
عبده فأقر الوكيل بقبض الثمن لم يصدق على ذلك لأنه قائم مقام الموكل وبالحجر عليه لا يخرج
العبد من أن يكون الحق له في المقبوض بقبضه ليصرفه إلى غرمائه فكما أن اقرار الوكيل
به لا يصح قبل حجر المولى على عبده فكذلك اقراره بعد الحجر لان الوكيل نائب عن
العبد في الوجهين ولو كان القاضي باع العبد للغرماء في دينهم ثم أقر الوكيل انه قد قبض
الثمن من المولى فضاع في يده فهو مصدق مع يمينه لان العبد لما خرج من ملك المولى فقد
خرج الوكيل نائبا عنه في القبض ولكنه نائب عن غرمائه بقبض الثمن لهم فيقضي به دينه
فيكون اقراره كاقرار الغرماء بقبضه وهذا ينبني على ما تقدم بيانه ان العبد لو كان باشر البيع
بنفسه ثم باعه مولاه لم يكن له حق قبض الثمن وإنما ذلك لغرمائه فكذلك إذا كان البائع
وكيله * قلنا ينفذ بيع المولى إياه والوكيل نائب عن الغرماء فيصح اقراره بالقبض وإذا كان
على العبد المأذون دين فأخذ المولى جارية من رقيقه فباعها وقبضها المشترى وتوى الثمن على
المشترى فأقر العبد انه أمر مولاه بذلك فاقراره جائز لأنه يملك الاذن للمولى في بيعها
فيصح اقراره بالاذن له أيضا لان من أقر بما يملك انشاءه لا يكون متهما في اقراره وقد
طعن عيسى رحمه الله في هذا الجواب وقال ينبغي أن لا يصدق العبد على ذلك لان المولى
صار ضامنا قيمتها حين سلمها إلى المشترى قبل أن يظهر أمر العبد إياه ببيعها ففي اقرار العبد
براءة للمولى من شئ قد لزمه وبمجرد قول العبد لا يبرأ المولى عما لزمه لما فيه من ابطال
116

حق غرمائه على قياس مسألة أول الباب ومسألة الإجازة ذكرها بعده ان الجارية لو هلكت
في يد المشترى ثم أقر العبد انه كان أجاز بيع المولى فاقراره باطل والمولى ضامن قيمة الجارية
لهذا المعني ولكن ما ذكره في الكتاب أصح فان في مسألة أول الباب العبد أقر بقبض دين
كان ثابتا على المولى وكان حق الغرماء متعلقا به فكان في اقراره اسقاط حق الغرماء وههنا
هو يقر بان المولى لم يكن ضامنا لان بيعه كان بأمره فلا يكون ذلك اسقاطا منه لحق الغرماء
بل انكار الثبوت حقهم في ذمة المولى وذلك صحيح من العبد (ألا ترى) ان المولى لو وهب
شيئا من عبده في ذمة العبد كان صحيحا وإن كان لو قتله يتعلق به حق غرمائه بخلاف ما لو
وهب العبد المديون شيئا من كسبه من المولي في مسألة الإجازة قد ثبت وجوب الضمان في
ذمة المولى بهلاك الجارية في يد المشترى وتعلق به حق غرمائه فاقراره بالإجازة قبل هلاكها
يكون اسقاطا لحق الغرماء ثم أقر بما لا يملك انشاءه لان أمره إياه ببيعها وهي قائمة في يد
المشترى بعينها يكون صحيحا فكذلك اقراره بالأمر يكون صحيحا ولو أنكر العبد أن يكون
أمر المولي ببيعها ضمن المولى قيمة عبده فكانت بين الغرماء وهذا اللفظ غلط بل إنما يضمن
المولى قيمة الجارية لأنه كان غاصبا في بيعها وتسليمها بغير أمر العبد فهو في ذلك كأجنبي آخر
فيضمن قيمتها لعبده وتكون القيمة بين غرمائه كسائر أكسابه ولو قال العبد لم آمر المولى
بذلك ولكن قد أجزت البيع فإن كانت الجارية قائمة بعينها أو لا يدرى ما فعلت فالبيع جائز
وقد برئ المولى من ضمان الجارية لان البيع كان موقوفا على اجازته كما لو باشره أجنبي والإجازة
في الانتهاء بمنزلة الاذن في الابتداء وكذلك أن كان لا يدرى ما فعلت لأنا قد عرفنا قيامها
وما عرف ثبوته فالأصل بقاؤه ما لم يظهر خلافه وكما يصح منه ابتداء الإجازة يصح منه
الاقرار بالإجازة فإن كانت قد ماتت لم يصح منه انشاء الإجازة لان إجازة العقد الموقوف
إنما تجوز في حال يجوز ابتداء العقد فيه فكذلك اقراره بالإجازة بعد الهلاك باطل لأنه لا يملك
انشاء الإجازة ويكون المولى ضامنا قيمة الجارية كما بينا ولو لم يقر العبد بشئ من ذلك حتى
حجر عليه مولاه ثم أقر أنه أمره بالبيع لم يصدق علي ذلك لأنه أقر بالأمر في حال لا يملك
انشاءه فإنه بعد الحجر كما لا يملك انشاء البيع لا يملك أمر المولى بالبيع فيكون هو متهما
في اخراجه الكلام مخرج الاقرار وإذا لم يصدق على ذلك كان المولى ضامنا قيمتها لحق الغرماء
ولو بيع المأذون في دين الغرماء ثم أقر انه أمر المولى بذلك لم يصدق لأنه بالبيع في الدين
117

صار محجورا عليه وهو أقوى مما لو حجر عليه قصدا فلا قول له بعد ذلك في الاقرار بالأمر
بالبيع كما لا قول له في انشائه وإذا كان علي المأذون دين كثير فباع جارية له من ابن مولاه
أو أبيه أو مكاتبه أو عبد تاجر عليه دين أو لا دين عليه بأكثر من قيمتها ودفعها إلى المشترى
ثم أقر بقبض الثمن منه جاز اقراره بذلك الا في العبد والمكاتب فان كسب العبد لمولاه
وللمولى في كسب المكاتب حق الملك فهما في حكم هذا الاقرار بمنزلة المولى ولو كان المولى
هو المشترى فأقر العبد بقبض الثمن منه لم يجز فكذلك هنا (ألا ترى) ان اقراره لعبد مولاه
أو لمكاتب مولاه بدين أو عين بمنزلة اقراره لمولاه فأما في حق الأب والابن فليس للمولى
في ملكهما ملك ولا حق ملك واقرار العبد بالدين أو العين لا بي مولاه أو ابنه صحيح فكذلك
اقراره بقبض الثمن منه ووكيل العبد في ذلك بمنزلة العبد لأنه نائب عنه ولو كان ابن العبد
حرا فاستهلك مالا للعبد الذي هو أبوه أو امرأته أو مكاتب ابنه أو عبده وعليه دين أو لا دين
عليه فأقر العبد المأذون انه قد قبض ذلك من المستهلك لم يصدق علي ذلك في قول أبي حنيفة
رحمه الله سواء كان على المأذون دين أولم يكن وهو مصدق في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما
الله وهذا بناء علي الأصل الذي بينا ان عند أبي حنيفة رحمه الله الانسان في حق من لا تجوز
شهادته له متهم في حق الغرماء في اقراره كما أنه متهم في شهادته فإن كان علي العبد دين فكسبه
حق غرمائه ومتهم في الاقرار بقبض الدين ممن لا تجوز شهادته له لحق الغرماء وإن لم يكن
عليه دين فكسبه حق مولاه وهو متهم في حق المولى أيضا في اقراره بالقبض ممن لا تجوز
شهادته له وعندهما لا يكون متهما في الوجهين جميعا ولو كان المستهلك أخاه كان اقراره بالقبض
منه جائزا لأنه في حق الأخ غير متهم في الشهادة له بل الأخ في ذلك كأجنبي آخر فكذلك
في الاقرار بالدين له وفى الاقرار بالقبض منه ولا يمين على الأخ بعد اقرار العبد بالقبض منه
لان اليمين ينبنى على دعوى صحيحة ولا دعوى لاحد عليه بعدما حكمنا بصحة اقرار العبد
بالقبض منه وإذا كان علي العبد دين فدفع متاعا إلى مولاه وأمره ن يبيعه فباعه من رجل وسلمه
إليه ثم أقر المولى انه قد قبض الثمن من المشترى ودفعه إلى العبد فهو مصدق على ذلك مع يمينه
لان المولى أمين في بيع المتاع وقبض الثمن فإذا ادعى أداء الأمانة كان القول قوله مع يمينه
ولا يمين على المشترى لان من عامله قد أقر بقبض الثمن منه ولا دعوى لاحد عليه سواه
والاستحلاف ينبنى علي دعوى صحيحة وكذلك لو كان حجر علي العبد قبل الاقرار بقبض الثمن
118

أو باع عبده في الدين ثم أقر بقبض الثمن بعد بيعه فاقراره جائز والمشترى برئ من الثمن
لان المولى إنما يملك قبض الثمن بمباشرته سببه وهو البيع وذلك لا يتغير بحجره علي العبد ولا
ببيعه وهو أمين في الثمن الذي يقبضه بعد الحجر علي عبده وبيعه كما هو أمين فيه قبل الحجر
عليه فإذا ادعي انه قد ضاع في يده صدق مع يمينه لأنه أمين ينكر وجوب الضمان عليه ولو
كان العبد هو الذي باع فأقر بقبض الثمن وعليه دين صدق في ذلك لان الاقرار منه بالدين
للمشترى إذا كان أجنبيا صحيح فكذلك اقراره بقبض الثمن منه ولا يمين على المشترى فيه لأنه
لا دعوى لاحد عليه بعد صحة اقرار من عامله بقبض الثمن منه وكذلك لو أقر بقبض الثمن بعد
ما حجر عليه مولاه لان حق القبض إليه بعد الحجر كما كان قبله فيكون اقراره بالقبض صحيحا
أيضا وهو شاهد لأبي حنيفة رحمه الله في صحة اقراره بالدين بعد ما حجر عليه المولى باعتبار ما في
يده من كسبه فإن كان بيع في الدين ثم أقر بقبض الثمن أو عاينت الشهود دفع الثمن إليه
بعد ما بيع فالثمن على المشترى على حاله لأنه بالبيع ثبت الحجر عليه حكما لتجدد الملك فيه
للمشترى وصار هو في معنى شخص آخر فلا يبقى له حق قبض الثمن كما لا حق في قبض الثمن لغيره
من الأجانب فلا يبرأ المشترى باقراره ولا يدفع الثمن إليه بمعاينة الشهود بخلاف ما إذا حجر
عليه ولم يبعه ولو كان المولى باع متاع العبد بأمره من أجنبي وضمن الثمن عن المشترى لعبده فالبيع
جائز والضمان باطل لان الوكيل بالبيع في حكم قبض الثمن بمنزلة العاقد لنفسه فإنه هو المختص
بالمطالبة وبالقبض على وجه لا يملك أحد عزله عنه فلو صح ضمانه عن المشترى كان ضامنا
لنفسه ولان الوكيل أمين بالثمن فلو صح ضمانه عن المشترى لصار ضامنا مع بقاء السبب الموجب
للأمانة وان قال المولي قد قبض العبد الثمن من المشترى وادعاه المشترى وأنكره العبد والغرماء
فالقول قول المولى مع يمينه لان ضمان المولى لما بطل صار كأن لم يوجد ثم قد أقر بقبض مبرئ
فان قبض الموكل الثمن من المشترى يوجب براءة المشترى عن الثمن واقرار الوكيل بقبض
مبرئ يكون صحيحا (ألا ترى) أنه لو قال قبضت الثمن وهلك في يدي كان القول قوله مع يمينه
فكذلك إذا أقر بقبض الموكل الثمن فالمشترى برئ من الثمن ولا يمين عليه لأنه لا دعوى لاحد
عليه بعد صحة القرار من عامله ببراءته عن الثمن ولكن على المولى اليمين لأنه لو أقر انه قبض وهلك
في يده استحلف على ذلك فكذلك إذا أقر أن العبد قبضه لان العبد والغرماء يزعمون أنه
صار مستهلكا الثمن باقراره كاذبا وانه ضامن الثمن لهم وهو منكر فعليه اليمين وكذلك لو
119

أقر العبد أن المولى قبض الثمن وجحد المولى لان العبد لو قبض الثمن برئ المشترى بالدفع
إليه فإذا أقر أن وكيله قد قبض كان هذا اقرارا منه فهو مبرئ للمشترى فيصدق في ذلك
ولا يمين على المشترى ولا ضمان وكذلك لا ضمان على المولى لان باقرار العبد لم يثبت وصول
شئ إلى المولى في حقه ولو استهلك رجل ألف درهم للعبد فضمنها عنه المولى جاز ضمانه لأنه
التزم المطالبة بدين مضمون على المستهلك وهو في هذا الضمان كأجنبي آخر فان أقر العبد
بقبض المال من المولى أو من المستهلك لم يصدق فيه لان في اقراره هذا ما يوجب براءة
المولي عما لزمه من الدين للعبد فان قبض المال من الأصيل يوجب براءة الكفيل فكذلك
قبضه من الكفيل يوجب براءته لا محالة وقد بينا أن اقرار العبد بالقبض الموجب براءة مولاه
عن الدين الذي عليه باطل وكذلك لو كان الدين على المولى فاستهلكه والأجنبي كفيل عنه
بأمره أو بغير أمره لأنه سواء أقر بقبضه من المولي أو من الكفيل فاقراره يوجب براءة
المولى لان براءة الكفيل بالايفاء توجب براءة الأصيل ولو كان العبد أبرأ الكفيل بغير
قبض لم يجز لأنه لم يتضمن براءة الأصيل فان ابراء الكفيل لا يوجب براءة الأصيل لان
الابراء تبرع والعبد ليس من أهله فابراؤه باطل سواء أبرأ الأصيل أو الكفيل وكذلك
لو كان الغريم مكاتبا للمولى والأجنبي كفيل به أو كان الغريم هو الأجنبي والكفيل مكاتب
للمولى كفل بمال عليه للمكفول عنه فهذا بمنزلة المولى وكفيله لما للمولى من حق الملك في
كسب مكاتبه ولان اقرار العبد لمكاتب مولاه باطل كاقراره لمولاه فكذلك اقراره بقبض
يوجب براءة مكاتب مولاه عن الدين يكون باطلا ولو كان الغريم أبرأ المولى أو كان الكفيل
ابن المولى كان العبد مصدقا على الاقرار بالقبض سواء أقر بقبضه من الأصيل أو من الكفيل
لان اقراره بالدين والعين لأب المولى أو ابنه صحيح فكذلك اقراره بقبض يوجب براءة
ابن المولى أو أبيه عن دين له عليه يكون صحيحا والله أعلم
(باب وكالة الأجنبي العبد بقبض الدين)
(قال رحمه الله وإذا وكل الأجنبي عبدا تاجرا عليه دين أولا دين عليه بقبض دين
له على مولى العبد فالتوكيل جائز لأنه لا حق للعبد في الدين الذي على مولاه للأجنبي ولا
في المحل الذي يستحق قضاء هذا الدين منه وهو مال المولى فيكون العبد فيه كأجنبي آخر
120

فان أقر بقبضه وهلاكه في يده فالقول قوله مع يمينه لأنه أمين فيه كغيره ولا يمين على المولي
لان العبد مسلط على الاقرار بالقبض من جهة صاحب الدين فاقراره به كاقرار صاحب
الدين وبعد هذا الاقرار لا دعوى لاحد عليه حتى يحلفه فان نكل العبد عن اليمين لزمه المال
في عتقه يحاص به الموكل غرماء لان الأجنبي يدعي على العبد انه مستهلك لماله باقراره كاذبا
أو مانع منه بعد ما قبضه من غريمه ولو أقر العبد بذلك لزمه فإذا أنكر يستحلف ويقام نكوله
مقام اقراره فيكون للمقر له المزاحمة به مع غرمائه وإن كان المولى هو الوكيل بقبض دين
على عبده لم يكن وكيلا في ذلك ولم يجز قبضه باقراره ولا بمعاينة الشهود إن كان على العبد دين
أو لم يكن ولا يبرأ العبد من الدين بدفعه إلى مولاه لان ما على العبد من الدين مستحق
على المولى من وجه فإنه يقضي من ملك المولى وهو كسب العبد أو مالية رقبته وما يكون
مستحقا على المرء من الدين لا يصلح هو أن يكون وكيلا في قبضه كما لو وكل المديون بقبض
الدين من نفسه وهذا لان بقبضه يسلم له مالية رقبته ومن ضرورة صحة التوكيل بالقبض صحة
اقراره بالقبض منه وكونه أمينا في المقبوض وهو في هذا الاقرار متهم لماله من الحظ في ذلك
بخلاف الدين الواجب على المولى فإنه غير مستحق على العبد ولا هو متهم في الاقرار بقبضه
وذكر في كتاب الوكالة انه لو وكل رجلا بقبض دين من أبيه أو ابنه أو مكاتبه أو عبده جاز
التوكيل وكأنه في تلك الرواية اعتبر جانب من له الدين وهو أجنبي فيكون توكيله المولي وتوكيله
أجنبيا آخر سواء وأصح الروايتين ما ذكر ههنا ولو كان لرجل عبدان تاجران فوكل أجنبي
أحدهما بقبض دين له علي العبد الآخر فأقر بقبضه وهلاكه في يده فالقول قوله مع يمينه
لان الدين المستحق على العبد لا يكون أقوى من المستحق على المولى وقد بينا أن العبد يصلح
أن يكون وكيلا للأجنبي في قبض دينه من المولى وان اقراره بالقبض بعد الوكالة صحيح
فكذلك في دين واجب على عبد آخر للمولى إلا أن الأجنبي يدعي عليه استهلاك ماله باقراره
فيحلف على ذلك ويجعل نكوله كاقراره فيلزمه ذلك في عتقه وكذلك لو كان الوكيل مكاتبا
للمولى أو ابنه لان المكاتب منه أبعد من عبده وإذا أراد العبد المأذون أن يقضى دين بعض
غرمائه أو يعطيه به رهنا فللآخرين أن يمنعوه لان حق جميع الغرماء تعلق بكسبه وفي
تخصيص بعضهم بقضاء الدين ايثاره والعبد لا يملك ذلك لما فيه من ابطال حق الباقين عن
ذلك المال كالمريض إذا خص بعض غرمائه بقضاء الدين والمقصود بالرهن الاستيفاء لان
121

موجبه يد الاستيفاء فيكون معتبرا بحقيقة الاستيفاء فإن كان الغريم واحدا فرهنه بدينه
رهنا ووضعاه علي يد المولى فضاع من يده ضاع من مال العبد والدين عليه بحاله لان
يد المولى لا تصلح للنيابة عن الأجنبي في استيفاء الدين من العبد حقيقة فكذلك لا تصلح
النيابة للقبض بحكم الرهن لأنه قبض للاستيفاء وهذا لان الدين الذي على العبد من وجه
مستحق على المولى فيكون هذا في معنى ما لو ارتهن بدين له على انسان وجعل الراهن عدلا
فيه فتركه على يده * يوضحه ان بهلاك الرهن يجب للراهن على المرتهن مثل ما كان للمرتهن عليه
ثم يصير قصاصا ولو وضعاه على يد عبد له آخر أو مكاتب أو على يد ابنه فهلك في يد العبد
ذهب بالدين لان هؤلاء يصلحون للنيابة عن الأجنبي في استيفاء دينه من العبد فكذلك في
يد الاستيفاء بحكم الرهن ثم هلاك الرهن في يد العدل كهلاكه في يد المرتهن وكذلك لو
وضعاه على يد عبد للعبد المأذون المديون لان ذلك العبد يصلح وكيلا للأجنبي في قبض دينه
من العبد المأذون فان العبد المأذون مع عبده بمنزلة المولي في حق العبد المأذون وقد بينا أن
العبد يصلح أن يكون وكيلا في قبض الدين من مولاه ولو كان الدين على المولى والعبد هو
العدل في الرهن فهلك ذهب بما فيه لان العبد يصلح أن يكون وكيلا في قبض ما علي مولاه
فيصلح أن يكون عدلا في الرهن به أيضا وكذلك لو لم يعرف هلاكه الا بقول العبد لأنه
لما انتصب عدلا كان أمينا فيه والأمين مسلط على الاخبار من جهة من ائتمنه فاخباره بالهلاك
بمنزلة اقرار المرتهن به فلهذا يصير مستوفيا به دينه وإذا أذن المأذون لعبده في التجارة فلحق
كل واحد منهما دين فوكل بعض غرماء الأول العبد الآخر بقبض دينه فأقر بقبضه جاز
اقراره لان الأول في حق الآخر بمنزلة المولي في حق عبده والدين المستحق على المولى لا يكون
مستحقا على عبده بحال فيصلح أن يكون وكيلا في قبضه ولو أن بعض غرماء الآخر وكل
الأول أو مولاه بقبض دينه من الآخر لم يكن وكيلا في ذلك ولم يجز قبضه لان الأول في
معنى المولى للآخر فالدين الذي على الآخر من وجه كأنه مستحق على الأول فلا يصلح أن
يكون وكيلا في قبضه فكذلك المولى فإنه يملك كسب العبد الأول كما يملك رقبته ويسلم له إذا
فرغ من دينه كما يسلم له الأول فكما لا يكون وكيلا للأجنبي في قبض دينه من الأول فكذلك
من مولاه ولو رهن كل واحد منهما رهنا بدينه ووضعه على يد الآخر فضاع الرهنان فرهن
الأول يذهب بما فيه ورهن الثاني يذهب من مال الثاني لان الثاني يصلح أن يكون عدلا
122

في الرهن بالدين الذي على الأول كما يصلح أن يكون وكيلا بقبضه والأول لا يصلح أن يكون
عدلا في الرهن بالدين الذي على الثاني ولا يصير صاحب الدين مستوفيا دينه بهلاكه ولو أن
العبد المأذون المديون أحال أحد غرمائه بدينه على رجل فإن كان أحاله بما كان للعبد على
المحال عليه فالحوالة باطلة لان ما على المحال عليه للعبد كسبه وهو حق جميع غرمائه فهو بهذه
الحوالة يخص المحال بذلك المال ويبطل حق سائر الغرماء عنه وذلك لا يكون صحيحا من العبد كما
لو خص بعض الغرماء بقضاء دينه * وبيان هذا ان الحوالة لو صحت لم يكن للعبد ولا لسائر الغرماء
مطالبة للمحتال عليه بعد ذلك بشئ مما كان عليه لأنه إنما التزم دين المحتال بالحوالة ليقضيه
من ذلك المال وإن لم يكن للعبد مال على المحتال عليه فالحوالة جائزة لان المحتال عليه تبرع
على العبد باقراض دينه منه لالتزام الدين فيها للمحتال والتبرع على العبد صحيح والعبد مالك
للاستقراض وإنما لا يملك الاقراض وليس في هذه الحوالة ابطال حق سائر الغرماء عن
شئ مما تعلق حقهم به فان وكل الطالب بقبض الدين منه العبد اي كان عليه أصل الدين أو
مولاه لم يجز قبضه لان الثابت في ذمة المحتال عليه عين ما كان في ذمة العبد فان الحوالة لتحويل
الحق من ذمة إلى ذمة وحين كان في ذمة العبد ما كان لا يصلح هو ولا مولاه وكيلا في قبضه
فكذلك بعد التحول إلى ذمة المحتال عليه ولان العبد بهذه الحوالة لم يستفد البراءة الثانية
(ألا ترى) ان المحتال عليه إذا مات مفلسا عاد الدين إلى ذمته فلو صح التوكيل لكان يثبت له
البراءة بقبضه ومولاه لا يصلح أن يكون وكيلا في قبض يوجب براءة عبده عن الدين فان
قبض بحكم هذه الوكالة فعليه رد المقبوض علي صاحبه لأنه قبضه بسبب باطل شرعا وان ضاع
في يده فلا ضمان عليه لأنه قبضه بتسليم صحيح من صاحب المال إليه فيكون أمينا في المقبوض
وإن كان وكل بقبضه عبدا آخر للمولى أو مكاتبه أو ابنا للمولى أو عبدا للعبد المأذون الذي
كان عليه الدين فأقر بقبضه من المحتال عليه جاز اقراره لأنه حين كان هذا الدين في ذمة
المحيل كان هذا الوكيل صالحا للتوكيل في قبضه منه واستفاد البراءة باقراره بالقبض منه فكذلك
بعد ما تحول إلى ذمة المحتال عليه فإن كان الدين على المولى فأحال به على رجل ثم إن الغريم
وكل عبدا للمولى بقبضه فأقر بقبضه من المحال عليه جاز لأنه لو وكله بالقبض من المولى حين
كان الدين في ذمته جاز التوكيل فكذلك إذا وكله بقبضه من المحال عليه وكذلك لو وكل
عبدا للمولى بقبضه فأقر بقبضه جاز لما بينا وإذا وكل الأجنبي بقبض دين له علي عبد مأذون
123

ابن العبد والابن حر أو وكل به مكاتب ابنه أو عبد لابنه مأذونا له في التجارة أو محجورا
عليه فأقر بقبضه جاز في قولهم جميعا لان ابن العبد أجنبي من الدين الذي على العبد وهو غير
مستحق عليه في وجه من الوجوه فيجوز أن يكون وكيلا في قبضه منه ويصح اقراره بقبضه
كأجنبي آخر فان قيل هو بهذا الاقرار ينفع أباه ويبرئ ذمته عن الدين ومن أصل أبي حنيفة
رحمه الله ان الابن غير مقبول الاقرار فيما يرجع إلى منفعة أبيه * قلنا هذا إذا لم يوجد
التسليط من صاحب الحق له على ذلك بعينه وههنا لما وكله بالقبض فقد سلطه فالاقرار
بالقبض رضا فلهذا صح اقراره به وإذا غصب المأذون من رجل ألف درهم فقبضها منه
رجل فهلكت عنده ثم حضر صاحبها فاختار ضمان الأجنبي برئ العبد منها لأنه كان مخيرا
بين تضمين الغاصب الأول أو الثاني والمخير بين شيئين إذا اختار أحدهما تعين ذلك باختياره
وكأنه ما كان الواجب الا ما اختاره وهذا لان اختياره تضمين أحدهما تمليك للمضمون
منه وبعد ما صح التمليك لا يمكنه أن يرجع فيطالب الآخر به بحال فان وكل العبد أو مولاه
بالقبض من الأجنبي جاز اقرار الوكيل بقبضه لان العبد استفاد البراءة علي الاطلاق بهذا
الاختيار (ألا ترى) انه لا يتصور عود ذلك الدين إليه بحال فيكون هو ومولاه كأجنبي
آخر في التوكيل بالقبض بعد ذلك وكذلك إذا اختار ضمان العبد ثم وكل الأجنبي بقبضه منه
جاز لان الأجنبي استفاد البراءة بعد فالاختيار على الاطلاق ولو وكل الموكل بقبضه منه لم
يجز توكيل المولى ولا اقراره بالقبض لان بهذا الاختيار تعين الدين في ذمة العبد والمولى لا يصلح
أن يكون وكيلا للأجنبي في قبض ما على عبده ولو دبر المولى عبده المديون فاختار الغرماء تضمينه
القيمة ثم وكلوا المدبر بقبضها منه لم يجز توكيله ولا اقرار المدبر بالقبض لان جميع الدين
باق على المدبر حتى كان مطالبا به بعد العتق فهو بالقبض والاقرار به يبرئ نفسه عن الدين
والانسان لا يكون وكيلا في قبض دين على نفسه وكذلك أن اختاروا اتباع المدبر ووكلوا
المولى بقبضه منه لم يجز لان المدبر باق على ملكه وكسبه مملوك للمولى وقد بينا أن المولي
لا يكون وكيلا في قبض ما علي مملوكه لان بالقبض يستخلص الكسب لنفسه فان أعتقه
بعد التدبير لم يلزمه ضمانه مستأنفا لأنه بهذا الاعتاق ما أتلف عليهم شيئا فإنه لم يبق لهم حق
في مالية الرقبة بعد التدبير إذ المدبر لا يحتمل البيع في الدين وكسبه كان حق الغرماء وبالاعتاق
لا يبطل حقهم عن الكسب بل يتقرر حقهم به فلهذا لا يجب عليه ضمان لهم فان قبض شيئا من
124

المدبر عن الوكالة الأولى لم يجز قبضه لان تلك الوكالة كانت باطلة ولم ينتصب هو وكيلا
بها فلا تنقلب وكالة صحيحة باعتاقه إياه وان وكلوه بعد العتق جاز لان بعد العتق المولى أجنبي
من الدين الذي عليه وقد استفاد البراءة باختيار الغرماء ابتاع العبد ولا حق له في كسبه بعد
العتق فيجوز أن يكون وكيلا في قبضه كأجنبي آخر ولو أعتق المولى عبده المديون فللغرماء
أن يتبعوا العبد بدينهم كله ويتبعوا المولى بقيمة العبد لأنه أتلف مالية الرقبة عليهم بالاعتاق
ولا يكون اتباع واحد منم ابراء للآخر لان المولى كان متحملا من ديون العبد بقدر مالية
رقبته بمنزلة الكفيل ومطالبة الكفيل بالدين لا توجب براءة الأصيل وكذلك مطالبة الأصيل
لا توجب براءة الكفيل فان أبرؤا العبد عن دينهم برئ المولى من القيمة لان العبد أصيل في
هذا الدين وبراءة الأصيل بالابراء توجب براءة الكفيل ولو أبرؤا المولى من القيمة كان
لهم أن يتبعوا العبد بجميع دينهم لان براءة الكفيل بالابراء لا توجب براءة الأصيل فان ابراء
الكفيل فسخ للكفالة ولا ينعدم به سبب وجوب الدين علي الأصيل فيبقي جميع الدين علي
العبد ببقاء سببه كما لو كان المولى أعتقه برضاهم فان وكلوا المولى بعد ما أبرؤه بقبض دينهم
من العبد فأقر بقبضه جاز اقرارهم عليه لان المولى استفاد البراءة علي الاطلاق بابرائهم إياه
ولا حق له في كسب معتقه ولو كانوا وكلوه بذلك قبل الابراء لم يجز توكيله لأنه في القبض
والاقرار به يبرئ نفسه مما عليه فان أبرأوه بعد الوكالة لم يكن وكيلا في قبضه أيضا لان ذلك
التوكيل كان باطلا فالابراء لا ينقلب صحيحا إلا أن يوكلوه بعد البراءة فيصح انشاء التوكيل
الآن ولو كانوا أبرأوا العبدين من دينهم علي أن يتبعوا المولى بقدر القيمة من دينهم وتراضوا
على ذلك جميعا كان جائزا ويبرأ العبد من الديون ويتبعون المولي بالقيمة لأنهم بهذا الشرط
حولوا ما كان واجبا على المولى بجهة الكفالة كالواجب بطريق الحوالة فكان المولى قبل الحوالة
لهم في مقدار القيمة والحوالة توجب براءة الأصيل ولا توجب براءة المحال عليه فان توت
القيمة على المولى رجعوا على العبد من دينهم بقدر القيمة لان ذلك كان علي المولى بطرق
الحوالة ومتى توى الدين علي المحتال عليه بموته مفلسا أو بجحوده عاد الدين إلى ذمة المحيل
فإن لم يتوما على المولى حتى وكلوا العبد بقبضه من المولى لم يجز توكيله ولا قبضه لان العبد
لم يستفد البراءة عن هذا القدر مطلقا حتى يعود إليه بالتوي فلا يصلح أن يكون وكيلا في
قبضه وقد قررنا هذا المعنى في الحوالة وإذا مات الرجل وعليه دين أو لا دين عليه وله عبد
125

مديون فوكل غرماء العبد الوارث بقبض دينهم من العبد لم يكن وكيلا في ذلك لان الورثة
قائمون مقام المورث في ملك رقبة العبد وكسبه وقد بينا ان المولى لا يكون وكيلا في قبض
ما على عبده فكذلك وارثه بعده وكذلك لو وكلوا بعض غرماء المولي لان حقهم في رقبته
وكسبه مقدم على حق الوارث ولو لم يكن على المولى دين وقد ترك ثلاثمائة درهم سوى العبد
وقد أوصى بنصفها أو ثلثها لرجل فوكل غرماء العبد الموصى له بقبض دينهم من العبد لم يكن
وكيلا في ذلك لان الموصى له شريك الوارث في تركة الميت والوارث لا يكون وكيلا في
ذلك فكذلك الموصى له وهذا لان العبد من مال الميت وفى فراغه عن الدين منفعة للموصي
له (ألا ترى) انه لو صح التوكيل وأقر بالقبض ثم لحق الميت دين كان يقضى ذلك الدين
من مالية الرقبة ويسلم للموصي له جميع وصيته فلهذا لا يصلح وكيلا فيه (ألا ترى) أن الموصى
له لو شهد علي رجل آخر بدين للميت علي انسان لا تقبل شهادته لأنه شريك الوارث في مال
الميت فكذلك في حكم الوكالة ولو أعتق الوارث العبد ولا دين على الميت جاز عتقه عندنا وعلي
قول الحسن بن زياد لا يجوز عتقه قال لان دين العبد أقوى من دين المولى (ألا ترى) ان دين
العبد في القصاص من مالية الرقبة مقدم على دين المولي ثم استغراق رقبته بدين المولي يمنع
ملك الوارث فاستغراقه بدين نفسه أولى أن يمنع ملك الوارث ولكنا نقول الوراث يخلف
ملك المورث بعد موته وقد كان المورث مالكا رقبة العبد مع كونه مستغرقا بدينه فكذلك
وارثه بخلاف دين المولي فان المولى كان مالكا رقبته في حياته باعتبار أن الدين في ذمته لا تعلق
له بماله وبموته قد تعلق حق الغرماء بتركته ولهذا حل الاجل لأنه صار في حكم العين والعين
لا تقبل الاجل وحق الغرماء مقدم على حق الورثة فمن هذا الوجه منع دين المولي ملك
الوارث فأما دين العبد فعلى صفة واحدة في التعلق بمالية الرقبة بعد موت المولى كما كان قبله
وإذا نفذ العتق من الوارث كان ضامنا قيمته للغرماء لأنه أتلف عليهم مالية الرقبة فان اختار
الغرماء اتباع العبد وأبرأوا الوارث من القيمة ثم وكلوا الموصى له بقبض دينهم من العبد فأقر
بقبضه جاز اقراره لان الموصي له في التركة شريك الوارث ولو وكلوا الوارث في هذه
الحالة بالقبض جاز التوكيل لان الوارث استفاد البراءة مطلقا ولا حق له في كسب المعتق
فكذلك إذا وكلوا الموصى له بقبضه ولو وكلوا الموصى له بقبضه قبل ابراء الوارث من القيمة
لم يجز التوكيل لأنهم لو وكلوا الوارث في هذه الحالة لم يجز التوكيل فكذلك إذا وكلوا
126

الموصى له وكذلك لو وكلوه بقبض القيمة من الوارث لم يجز التوكيل لان القيمة التي على
الوارث مال الميت (ألا ترى) انه لو أبرأ الغرماء العبد وظهر علي المولي دين وجب قضاؤه من
تلك القيمة والموصى له شريك الوارث في مال الميت فلا يجوز أن يكون وكيلا في قبضه من
الوارث ولو باع المولى العبد المديون للغرماء برضاهم وقبض الثمن فاستهلكه فلا شئ للغرماء
على العبد حتى يعتق لان العبد صار خالصا للمشترى وحق الغرماء في المطالبة تحول من مالية العبد
إلى بدله وهو الثمن فباستهلاك المولي الثمن يجب عليه ضمان مثله ولا يعود حق الغرماء في مالية
الرقبة فلهذا لا يطالبونه بشئ حتى يعتق فان وكل الغرماء العبد وهو مأذون له أو محجور عليه
بقبض الثمن الذي استهلكه المولي منه لم يجز توكيله ولا قبضه لان أصل الدين باق على العبد
بدليل انه إذا عتق كان مطالبا بجميعه خصوصا إذا توى الثمن على المستهلك فلهذا لا يكون وكيلا
في قبضه ولو دفع العبد المديون ألف درهم مضاربة إلى رجل بالنصف فاشترى المضارب بالألف
عبدا وقبضه ولم ينقد الثمن حتى وكل البائع المأذون أو مولاه أو بعض غرمائه بقبض ذلك
الثمن لم يجز التوكيل ولا القبض لان المضارب متصرف للعبد وما يستحق عليه من الدين
بتصرفه مستحق على العبد حقيقة (ألا ترى) أن المضارب يرجع بما يلحقه من العهدة علي
رب المال فكان هذا في معنى الدين الواجب على العبد حتى لو وكل بعض هؤلاء بقبضه
فأقر بقبضه جاز اقراره بمنزلة ما لو كان العبد هو المشترى بنفسه ثم وكل مولاه أو غريمه
بقبض المشترى فهناك التوكيل صحيح لأنه لا تهمة في اقراره بالقبض ولو وجب للعبد المأذون
ولرجل حر على رجل ألف درهم هما فيه شريكان ثم إن الشريك وكل العبد بقبض نصيبه
فقبضه بمعاينة الشهود فهلك في يده فإنه يهلك من ماليهما جميعا لان العبد لا يجوز أن يجعل قابضا
لنصيب الأجنبي خاصة فان ذلك لا يكون الا بعد القسمة والانسان لا يجوز أن يكون وكيلا
في المقاسمة مع نفسه عن غيره وبدون القسمة المقبوض مشترك بينهما كما كان قبل القبض
مشتركا والعبد في حصة الأجنبي أمين بحكم التوكيل فلهذا كان الهلاك من ماليهما جميعا والباقي
بينهما نصفان وإن كان البعد قبض من الغريم شيئا لنفسه فهلك كان هالكا من ماله خاصة به
لان قبل التوكيل كان يملك قبض نصيبه فبقي مالكا له بعد التوكيل لان بقبول الوكالة لا يتعذر
عليه التصرف في نصيبه وإذا كان المقبوض من نصيبه فان هلك كان من ماله خاصة وإن لم
يهلك كان للأجنبي أن يأخذ منه نصفه كما لو قبضه قبل التوكيل وهذا لان المقبوض جزء
127

من الدين المشترك فلشريكه أن يشاركه فيه ولو كان الشريك وكل مولى العبد بقبض نصيبه
من الدين فإن كان العبد لا دين عليه فهذا ووكالة العبد سواء لان كسب العبد ملك المولى في
هذه الحالة فلو جعلنا المقبوض من نصيب الأجنبي خاصة كان المولى وكيلا عن الأجنبي في
المقاسمة مع نفسه وذلك لا يجوز فلهذا كان المقبوض من نصيبهما وإن كان على العبد دين كان
قبض المولى على الأجنبي جائزا لأنه من كسب عبده المديون بمنزلة الأجنبي فتوكيل الأجنبي
إياه بقبض نصيبه بمنزلة توكيل غيره به وان توى المقبوض في يد المولى توى من مال الأجنبي
لان قبض وكيله له كقبضه بنفسه وكذلك لو أقر المولى بالقبض كان اقراره على الأجنبي
جائزا لأنه بالتوكيل سلطه على الاقرار فيجعل اقراره بذلك كاقرار الأجنبي بنفسه وقد طعن
عيسى رحمه الله في هذا المسألة فقال ينبغي أن لا يجوز اقرار المولى بالقبض ههنا لان فيه
منفعة عبده فان ما بقي في ذمة المديون يخلص للعبد إذا صح اقرار المولى على الأجنبي بالقبض
وفي منفعة العبد منفعة المولى فلا يجوز اقراره واستشهد على ذلك بالمسألة المذكورة بعد هذا
في باب خصومة المأذون إذا مات الغريم فادعى العبد أن شريكه قد قبض حصته فجحده الشريك
ووكل الشريك مولى العبد في خصومة العبد فأقر المولى على الشريك بالاستيفاء لم يجز اقراره
ولم يكن وكيلا له لما فيه من منفعة عبده وقد قيل في الفرق بينهما على جواب الكتاب ان
المولى لا يخاصم عبده لنفسه فكذلك لا يخاصمه لغيره ولو جعلناه وكيلا هنا لكان يخاصم العبد
لغيره وهو الموكل فأما فيما نحن فيه فهو يخاصم الأجنبي لغيره وهو يجوز أن يخاصم الأجنبي
لنفسه فكذلك لغيره وإذا صح التوكيل جاز اقراره على الأجنبي لأنه سلطه على الاقرار عليه
لما وكله به وإذا وكل رجل رجلا ببيع متاعه فباعه من عبد الوكيل وعليه دين أو لا دين عليه
فبيعه باطل لان بيعه من عبده كبيعه من نفسه فان كسب العبد ملكه وله حق استخلاصه
لنفسه بقضاء دينه فيكون متهما في ذلك فإن كان الموكل أمره أن يبيعه من عبد الوكيل فباعه
ولا دين عليه فالبيع باطل كما لو أمره بالبيع من نفسه وإن كان عليه دين فهو جائز لأنه من
كسبه الآن كالأجنبي وإنما لا يجوز بيعه منه بمطلق التوكيل لتمكن تهمة الميل إليه باعتبار
ماله من الحق في كسبه وقد انعدم ذلك بالتنصيص على البيع منه والعهدة على الآمر دون
المولى لان المولى لا يستوجب على عبده الثمن (ألا ترى) أنه لو باع ماله من عبده المديون
لا يستوجب عليه الثمن فكذلك إذا باعه مال الغير منه لان في حقوق العقد والعهدة البائع لغيره
128

كالبائع لنفسه وإذا تعذر ايجاب حقوق العقد على المولي تعلق بمن أنتفع به وهو الآمر فهو
الذي يلي التسليم والتسلم والدليل عليه أنا لو جعلنا حق قبض الثمن إلى المولى لم يكن بد من
صحة الاقرار بقبضه وقد بينا أن في الدين الواجب على العبد للأجنبي المولى لا يكون وكيلا
بالقبض ولا مقبول الاقرار فيه وكذلك لو وكله أجنبي بشراء شئ منه فهو كالوكيل بالبيع
في جميع ما ذكرنا وإن كان المأذون هو الوكيل للأجنبي ببيع شئ أو شرائه من مولاه جاز
لأنه لاحق للعبد في مال مولاه وكانت العهدة عليه مديونا كان أو غير مديون وان أقر
بالقبض جاز اقراره لأنه يصلح وكيلا للأجنبي في قبض الدين من المولي ويصلح مطالبا للمولى
بالثمن إذا باع منه شيئا من أكسابه وعليه دين لمراعاة حق غرمائه فكذلك لمراعاة حق
الموكل وكذلك لو لم يدفع الآمر إلى العبد شيئا من الثمن ووكله بان يشترى له من مولاه جاز
شراؤه وأخذ الثمن من الآمر ودفعه إلي المولى لأنه في التوكيل بالمعاملة مع المولى كهو في
التوكيل بالمعاملة مع أجنبي آخر ولو دفع العبد المأذون لرجل ألف درهم مضاربة بالنصف
فربح فيه أولم يربح حتى وكل العبد أو مولاه أو بعض غرمائه أجبيا ببيع شئ فباعه من
المضارب بمال المضاربة لم يجز لان المضارب مشتر لرب المال ورب المال هو العبد فإذا كان
هو الوكيل بالبيع فكأنه يبيعه من نفسه فكذلك مولاه أو غريمه يكون متهما في البيع من
مضاربه لماله من الحق في كسبه وإن كان الموكل أمره ببيعه منه جاز لأنه التهمة قد انتفت
بقبض الموكل على البيع منه ولكن العهدة على الآمر لما بينا ان العبد لا يصلح وكيلا في قبض
ما على مضاربه لأجنبي وكذلك مولاه وغريمه وأصله ان العاقد متى لم يكن أهلا لعهدة
العقد فالعهدة تكون على الآمر وكذلك هذا في التوكيل بالشراء منه وكل من وصفنا
في هذه المسائل أنه لا يكون وكيلا في القبض فإنه لا يكون عدلا ولا يجوز أن يوضع الرهن
على يده وكل من جاز أن يكون وكيلا في قبضه جاز أن يكون وكيلا في وضع الرهن على
يده لان الرهن مقبوض للاستيفاء فيعتبر تحقيقه للاستيفاء
(باب بيع القاضي والمولى العبد المأذون)
(قال رحمه الله) وإذا دفع الغرماء المأذون إلى القاضي وأرادوا بيعه في ديونهم فان القاضي
يتأنى في ذلك وينظر هل له مال حاضر أو غائب يرجو وصوله لان البداءة في قضاء دين العبد
129

من كسبه وهو الحاصل بتجارته كما أن وجوب الدين بتجارته ومقصود المولى استدامة الملك
في رقبته فلا يجوز تفويت هذا المقصود عليه بدون الحاجة والحاجة ههنا إلى قضاء دين
الغرماء والمال الحاضر أو الغائب الذي يرجى وصوله عاجلا ولو أنتظر القاضي وصوله لم
يكن فيه كثير ضرر على الغرماء فلهذا يتأنى القاضي كما يتأنى في القضاء بقيمة المغصوب بعد
ما أبق من يد الغاصب فإن لم يكن شئ من ذلك باعه لان المولى ضمن للغرماء قضاء الدين من
مالية رقبته عند تعذر ايفائه من محل آخر وقد تعذر ذلك إذا لم يكن له كسب أو كان له دين
مؤجل أو غائب لا يرجى وصوله لان في انتظار ذلك تأخر حق الغرماء وضرر التأخير
كضرر الابطال من وجه ثم لا يبيعه الا بمحضر من المولى لان في بيعه قضاء على المولى
باستحقاق مالية الرقبة وإزالة ملكه والعبد ليس بخصم عنه في ذلك ولان للمولى حق استخلاص
الرقبة لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر فليس للقاضي أن يبطل عليه هذا الحق ببيعه بغير
محضر منه فإذا باعه ضرب كل غريم في الثمن بجميع دينه سواء كان أكثر من الثمن أو أقل
وإذا قسم الثمن بينهم على ذلك فلا سبيل لهم على العبد حتى يعتق لأنه لم يبق لقضاء حقهم محلا في
حال رقه وكسبه بعد البيع ملك المشتري ولم يرض بصرفه إلى ديونه وكذلك أن اشتراه مولاه
الذي باعه القاضي عليه بعد ذلك لم يتبع بشئ بما بقي من الدين لأنه تجدد له فيه ملك بتجدد سببه
فهو في ذلك كغيره فإذا أذن له هذا المولى بعد ما اشتراه فلحقه دين فبيع لغرمائه لم يشارك
الأولون بما بقي من دينهم الآخرين لان الأولين قد استوفوا مالية الرقبة مرة فلا حق لهم في
مالية الرقبة بعد ذلك فهو في هذا الملك المتجدد كعبد آخر فالمولى بالاذن إنما رضي بتعلق حق
الآخرين بملكه فلهذا يباع لهم ولا سبيل للأولين على الثمن حتى يعتق فإذا عتق بيع بجميع ديونه
لان الديون كلها ثابتة في ذمته والذمة بالعتق تزداد قوة فيؤمر بقضائها من كسب هو خالص
حقه وإذا باعه المولى بغير أمر القاضي والغرماء فبيعه باطل لان حق الغرماء يتعلق بمالية الرقبة
وهو مقدم على حق المولى فكان المولى في بيعه بغير رضاهم كأجنبي آخر بمنزلة الراهن يبيع
المرهون وهذا لان للغرماء حق استسعاء العبد في دينهم فربما يكون ذلك أنفع لهم فإنهم
يتوصلون به إلي جميع دينهم فلا يكون للمولى أن يبطل عليهم هذا الحق بغير رضاهم فان
أجازوا البيع أو قضاهم المولى الدين أو كان في الثمن وفاء بدينهم فأعطاهم نفذ البيع لزوال
المانع بوصول حق الغرماء إليهم كالراهن إذا قضي دين المرتهن بعد البيع وأجاز المرتهن البيع
130

فإن لم يبق شئ من ذلك ولن الغرماء وجدوا المشترى والعبد في يده ولم يجدوا البائع لم
يكن المشترى خصما لهم في نقض البيع في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف
رحمه الله هو خصم لان المشترى مالك الرقبة وهم يدعون استحقاق مالية الرقبة فكان هو
خصما له كما لو ادعوا ملك العبد لأنفسهم وهما يقولان الغرماء لا يدعون على المشترى ولا
في ملكه حقا لأنهم إنما يستحقون مالية الرقبة على البائع والمشترى ليس بخصم عن البائع في اثبات
حقهم عليه ونقض البيع ينبنى على ذلك * يوضحه أن البيع يحول حق الغرماء في مالية الرقبة إلى
الثمن بدليل أنه لو باشره القاضي أو المولى فأجازه الغرماء كان حقهم في الثمن لا في مالية الرقبة
وبعد ما صار ملكا للمشترى لا طريق لاثبات حقهم في مالية الرقبة سوى نقض البيع وإنما جرى
البيع بين البائع والمشترى فلا يجوز نقضه بغير محضر من البائع وبدون نقض البيع لاحق
لهم في مالية الرقبة بخلاف ما إذا ادعوا ملك العبد لأنفسهم فهناك إنما يدعون عين ما يزعم
المشترى انه ملكه وقد تقدم نظير هذه المسألة في الشفعة * يوضحه أن حق المشترى لا يسقط
عن العبد ما لم يعد إليه الثمن وذلك لا يكون الا بمحضر من البائع فينتظر حضوره ليأخذ
الغرماء العبد ويرجع المشترى على البائع بالثمن ولو حضر البائع وغاب المشترى وقد قبض العبد
فلا خصومة بين البائع والغرماء في رقبة العبد حتى يحضر المشترى لان الملك واليد للمشترى
وابطال ذلك بدون حضوره لا يمكن فما لم يبطل ملك المشتري لا تكون الرقبة محلا لحق الغرماء
إلا أن لهم أن يضمنوا البائع قيمته لأنه بالبيع والتسليم صار مفوتا محل حقهم فإذا ضمنوه القيمة
جاز البيع فيه وكان الثمن للبائع لان القيمة دين في ذمته وهو الخصم في ذلك وبتضمين القيمة
يسقط حق الغرماء عن مالية الرقبة فينفذ بيعه فيه وان أجازوا البيع وأخذوا الثمن واقتسموه
لان الإجازة في الانتهاء بمنزلة الاذن في الابتداء فان هلك الثمن في يد البائع قبل أن يقبضه
هلك من مال الغرماء على معنى انه لا شئ لهم على المبيع حتى يعتق لفوات محل حقهم وهو
الثمن فالمولى بإجازتهم يخرج من أن يكون جانيا ضامنا لهم ولا حق لهم في ملك المشتري فتتأخر
ديونهم إلى ما بعد العتق وليس المراد من قوله هلك من مال الغرماء أنهم في حكم القابض له
حتى يسقط شئ من دينهم به فكيف يكون كذلك والمولى في البيع عامل لنفسه لأنه متصرف
في ملكه ولهذا إذا أعتق العبد اتبعه الغرماء بجميع دينهم وكذلك لو أجازوا البيع بعد
ما هلك الثمن لان الثمن معقود به ومحل العقد هو المعقود عليه فإذا كان باقيا بعد البيع بالإجازة
131

ثم الإجازة في الانتهاء بمنزلة الاذن في الابتداء وكذلك لو أقر البائع انه قد قبض الثمن فهلك
في يده قبل اجازتهم البيع أو بعدها فكذبوه في القبض فقد أجازوا البيع قبل اقراره أو بعده
فهو مصدق في ذلك مع يمينه لان المولى بإجازتهم صار أمينا كما يصير أمينا في الثمن بإذنهم في
البيع في الابتداء وحق قبض الثمن إليه لأنه باشر سببه فيكون مقبول القول فيه مع يمينه
ولا شئ للغرماء حتى يعتق العبد فإذا عتق اتبعوه بجميع دينهم ولو اختار بعض الغرماء
القيمة واختار بعضهم الثمن كان للذين اختاروا ضمان القيمة حصتهم من القيمة وللذين اختاروا
الثمن حصتهم من الثمن على قدر الدين لان لكل واحد منهما في نصيبه رأيا واستحقاق القيمة
والثمن كل واحد منهما على المولى وكل واحد منهما محل حق الغرماء ولكل واحد منهم
حصة مما اختار وفيما بقي من الثمن للبائع مما ضمن من القيمة ولو أجاز بعض الغرماء البيع
وأبطله بعضهم كان البيع باطلا لان حق كل واحد منهما بانفراده سبب تام للمنع من نفوذ
البيع ولو باع القاضي المأذون للغرماء في دينهم أو باعه أمينه فضاع الثمن في يد الأمين
الذي باعه ثم وجد المشترى بالعبد عيبا فرده على الأمين فان القاضي يأمر الأمين بان يبيعه مرة
أخرى ويبين عيبه اما لا خصومة بين الأمين وبين المشترى بحكم ذلك البيع لان أمين
القاضي بمنزلة القاضي فلا تلحقه العهدة ولكن القاضي يأمر ذلك الأمين أو غيره بان يخاصم
المشترى نظرا منه للمشترى فإذا رده بالعيب أمره ببيعه مع بيان عيبه ولأنه يحتاج إلى ايفاء
حق المشترى في الثمن وطريقه بيع الرقبة وإنما يبين عيبه لكيلا يرد عليه مرة أخرى فإذا
أخذ الثمن بدأ بالمشترى الأول فأوفاه الثمن لان الثمن الثاني بدل مالية الرقبة والثمن
المقبوض من المشترى الأول بدل مالية الرقبة أيضا فكان هو مقدما فيه على سائر الغرماء
فإن كان الثمن الآخر أكثر من الثمن الأول فالفضل للغرماء وإن كان أقل غرم الغرماء
للمشترى الأول تمام حقه ولا غرم على الأمين في ذلك لانتفاء العهدة ولكن بيعه كان بطلب
الغرماء لمنفعتهم فما يلحق من العهدة يكون عليهم ولو فضل شئ كان الفضل لهم فكذلك
النقصان يكون عليهم فإن كان المولى هو الذي باعه للغرماء بأمرهم وقبض الثمن فضاع في يده
ثم وجد المشترى به عيبا فرده على البائع ببينة أو اباء يمين أو بعيب لا يحدث مثله فان القاضي
يبيعه ويوفى المشتري ثمنه لما قلنا فان نقص عن الثمن الأول غرم البائع نقصانه للمشترى لأنه
بمنزلة الوكيل في البيع فالرجوع بالثمن عند الرد يكون عليه ولكنه باعه لمنفعة الغرماء فيكون
132

قرار العهدة عليهم فلهذا رجع هو بما لحقه على الغرماء ولو كان رد عليه باقراره بعيب يحدث
مثله بيع العبد ودفع ثمنه إلى المشترى فان نقص عنه ضمن البائع النقصان ولم يرجع به على
الغرماء لان اقراره لا يكون حجة عليهم إلا أن تقوم له بينة ان العيب كان بالعبد قبل أن
يقبضه المشترى الأول فحينئذ يرجع على الغرماء بما غرم من الثمن لان الثابت بالبينة كالثابت
بتصديق الغرماء وإن لم يكن له بينة يستحلف الغرماء على علمهم لأنه يدعي عليهم ما لو أقروا به
لزمهم وإن كان العبد حين رد على أمين القاضي أو المولى البائع بالعيب في جميع هذه الوجوه
مات قبل أن يباع البيع الثاني رجع المشتري بالثمن على الغرماء إن كان أمين القاضي باعه لأنه
لا ضمان على الأمين فيه ولا عهدة وإن كان المولى هو البائع ضمن الثمن للمشترى ورجع به
علي الغرماء لأنه باعه لمنفعتهم فيرجع عليهم بما يلحقه من العهدة إلا أن يكون القاضي رده عليه
باقراره بعيب يحدث مثله فلا يرجع حينئذ بالثمن علي الغرماء إلا أن تقوم له بينة على العيب
أو يأبى اليمين وصار جميع الثمن في هذا الفصل كالنقصان في الفصل الأول ولو أن أمين
القاضي أو المولى البائع قبل العبد بعيب بغير قضاء القاضي فمات في يده غرم الثمن للمشترى
ولم يرجع به علي الغرماء إن كان العيب يحدث مثله أو لا يحدث لان قبوله بغير قضاء القاضي
بمنزلة شرائه ابتداء في حق الغرماء ولهذا لو لم يمت العبد فهو لازم للمردود عليه وان أراد الغرماء
بيعه وفيه فضل على الثمن الأول لم يكن لهم ذلك بمنزلة ما لو اشتراه ولو كان علي المأذون دين
فباعه المولى بألف درهم وقبض الثمن وسلمه إلى المشترى بعينه فالغرماء بالخيار ان شاؤوا
ضمنوا المشترى قيمة العبد وان شاؤوا البائع لان كل واحد منهما جان في حق الغرماء البائع
بالبيع والمشترى بالقبض فان ضمنوا المشترى رجع بالثمن علي البائع لان استرداد القيمة منه
كاسترداد العبد أن لو ظفروا به ولم يسلم العبد للمشترى بالثمن الذي أداه إلى البائع وان ضمنوا
البائع قيمته سلم المبيع فيما بين البائع والمشترى لزوال المانع وأيهما اختار الغرماء ضمانه برئ
الآخر حتى لو توت القيمة على الذي اختاره لم يرجعوا على الآخر بشئ لان حقهم قبل
أحدهما وكان الخيار إليهم في التعيين والمخير بين الشيئين إذا اختار أحدهما تعين ذلك عليه فان
ظهر العبد بعد ما اختاروا ضمان أحدهما فلا سبيل لهم عليه لان القاضي لما قضى لهم بقيمة العبد
على الذي اختاروا ضمانه ببينة أو باباء يمين تحول حقهم إلى القيمة بقضاء القاضي وإن كان
قضي عليه بقوله وقد ادعي الغرماء أكثر منه فهم بالخياران شاؤوا رضوا بالقيمة وان شاؤوا
133

ردوها وأخذوا العبد فبيع لهم لأنه لم يصل إليهم كمال حقهم بزعمهم وهو نظير المغصوب في
ذلك وقد بيناه في الغصب وان اختاروا البائع فضمنوه قيمته فاقتسموها بينهم ثم ظهر العبد في
يد المشترى ووجد به عيبا فرده على البائع بقضاء القاضي فالبائع بالخيار ان شاء كان العبد له
وسلمت القيمة إلى الغرماء وان شاء استرد من الغرماء ما أعطاهم وبيع العبد لهم لان الرد بقضاء
القاضي فسخ من الأصل فعاد إلى قديم ملك المولى والغرماء ضمنوه القيمة على صفة السلامة
عن العيب فإذا ظهر العيب يخير المولى لما يلحقه من الضرر فإن شاء رضى به وان شاء رده
على الغرماء واسترد منهم ما أعطاهم بمنزلة المشترى الأول مع بائعه إذا رد عليه فان رده عليه
عاد حقهم في العبد كما كان فيباع في دينهم وإن كان البائع قد علم بالعيب قبل أن يبيعه ثم رده على
المشترى بذلك العيب فإن كان الغرماء ضمنوه قيمته صحيحا كان للبائع أن يأخذ منهم القيمة
ويسلم لهم العبد فيباع في دينهم وان شاء سلم لهم القيمة وأمسك العبد وان ضمنوه قيمته وبه
العيب سلم العبد للغرماء لان الضرر مندفع عن المولى وقد كان عالما بالعيب فاندفع به ضرر
جهله وإنما ضمن لهم القيمة معيبا فهذا لا يرجع عليهم بشئ ولو كانوا ضمنوا المشترى قيمته
واقتسموها بينهم ورجع المشترى على البائع بالثمن ثم ظهر العبد فوجد المشترى به عيبا رده
على الغرماء لأنه تملكه من جهتهم بضمان القيمة والبيع الذي كان بينه وبين المولي قد
انفسخ وإنما ضمنه قيمته صحيحا فإذا ظهر انه كان معيبا رده عليهم وأخذ القيمة منهم ثم يباع
لهم وان كانوا ضمنوا البائع القيمة ثم وجد به المشترى عيبا فرده القاضي علي البائع
باقراره والعيب مما يحدث مثله فلا سبيل للبائع على الغرماء في القيمة لان اقراره ليس
بحجة عليهم إلا أن يقيم البينة على العيب أو يأبوا اليمين وان رده بغير قضاء القاضي والعيب
مما يحدث مثله أو لا يحدث فلا سبيل للبائع على الغرماء في القيمة لان الرد بغير قضاء
القاضي بمنزلة الشراء المستقبل في حق الغرماء وكذلك لو كان الشراء بالخيار ثلاثة أيام في العبد
فرده بالخيار بعد ما ضمن الغرماء البائع القيمة لم يكن للبائع أن يرجع عليهم بالقيمة لان المشترى
إنما رده بتسليط البائع بشرط الخيار له وذلك غير عامل في حق الغرماء وكذلك المشترى لو
كان المشترى أرسل رسولا فقبض العبد من البائع ولم يرده فضمن الغرماء البائع القيمة ثم رأى
المشترى العيب فلم يرضه فرده على البائع لم يكن للبائع أن يرجع بالقيمة على الغرماء لأنه وان عاد
إليه بسبب هو فسخ من الأصل فلم يتبين به أن سبب القضاء بالقيمة للغرماء ما لم يكن موجودا
134

يومئذ وكذلك لو كان البائع بالخيار وقد دفع العبد إلى المشترى فضمن الغرماء البائع القيمة ثم
اختار البائع رد العيب واستوضح بالمغصوب قال (ألا ترى) أن الغاصب لو باع المغصوب
ودفعه إلي المشترى ثم إن رب العبد ضمن الغاصب قيمته بقضاء القاضي وقد كان للغاصب فيه
خيار الشرط أو للمشترى أو كان له فيه خيار رؤية ففسخ البيع أو أجاز سلمت القيمة للمغصوب
منه على كل حال وكذلك ما سبق في فصل المأذون ولو باع المولى المأذون بغير أمر الغرماء
فأعتقه المشترى قبل أن يقبضه فعتقه موقوف لان المشترى بنفس العقد لا يتملك العبد ملكا تاما
فان السبب موقوف على إجازة الغرماء وبالسبب الموقوف إنما يثبت الملك الموقوف لان الحكم
بحسب السبب والسبب الضعيف لا يوجب حكما قويا والعتق منهى للملك فإذا كان موقوفا
فما ينهيه يوقف بتوقفه فإذا تم البيع بإجازته أو قضاء دين أو كان في الثمن وفاء فأخذوه بعد
العتق وإن لم يتم البيع أبطله القاضي وباع العبد في دينهم نظرا منه للغرماء وعلل فقال لان البيع
كان فاسدا لا يجوز الا بالإجازة أو ما يقوم مقامها وفي هذا التعليل نظر فان في البيع الفاسد
ان أعتقه المشترى قبل القبض ثم نفذ البيع لا ينفذ ذلك العتق وههنا ينفذ فعرفنا أن مراده
أنه بمنزلة الفاسد في الضعف لا جل التوقف ولو كان أعتقه بعد القبض جاز عتقه لان السبب
الضعيف بالقبض يقوى كما في البيع الفاسد وهذا أقوى من الفاسد * يوضحه أن البيع تسليط
على التصرف وتمام هذا التسليط بالتسليم فان أعتقه بعد القبض فقد أعتقه بعد تمام هذا
التسليط والمسلط لو أعتقه بنفسه بنفذ عتقه واما قبل القبض فالتسليط غير تام ولكن تمامه
موقوف على القبض فيتوقف العتق أيضا وهو نظير الراهن يبيع المرهون ثم يعتقه المشترى ولو
لم يعتقه المشترى ولكنه باعه أو وهبه وسلمه فان تم البيع الأول ببعض ما وصفنا جاز ما فعل
المشترى فيه لأنه باع ملكه وحق الغرماء الذي كان مانعا من نفوذه قد زال وهو نظير
المشترى من المكره إذا تصرف ثم أجاز المكره البيع ولو لم يبعه المولى ولكنه وهبه لرجل
وسلمه ثم ضمنه الغرماء القيمة نفذت الهبة فان رجع في الهبة بحكم أو غير حكم سلم العبد له
ولم يكن له على القيمة ولا للغرماء على العبد سبيل لان حقهم تحول إلى القيمة بقضاء القاضي
فان وجد به عيبا ينقص من القيمة التي غرمها كان له أن يرده ويأخذ القيمة لأنهم ضمنوه
القيمة على صفة السلامة وبالرجوع عاد إلى قديم ملكه فإن كان أعتقه بعد الرجوع في الهبة قبل
أن يعلم بالعيب أو دبره أو حدث به عيب رجع بما بين العيب والصحة من القيمة لأنه تعذر
135

الرد علي وجه لم يصر هو راضيا فيرجع بالتفاوت وللغرماء أن يرد والقيمة ويتبع العبد في
الدين في غير العتق والتدبير لان تعذر الرد لمراعاة حقهم بسبب العيب الحادث وإذا رضوا به
فقد زال المانع إلا أن يشاء المولى أن لا يطالبهم بالنقصان ويرضى به معيبا وإن كان هذا في جارية
قد وطئت بشبهة فوجب لها العقد لم يكن للغرماء عليها سبيل من أجل الزيادة المنفصلة لأنها
تمنع الرد لحق الشرع وردوا نقصان العيب من القيمة لأنه تبين أنهم أخذوا ذلك زيادة على
حقهم ولو كان المولى باعه وعيبه المشترى فضمن الغرماء المولى ثم وجد المشترى بالعبد عيبا
لا يحدث مثله وحدث به عيب آخر فرجع بنقصان القيمة على البائع لم يكن للبائع أن يرجع
على الغرماء بالقيمة ولكنه يرجع بحصة العيب من القيمة التي غرمها للغرماء لأنه ظهر أن ما
بين قيمته معيبا إلى قيمته سليما أخذوه منه بغير حق فعليهم رد ذلك عليه
(باب بيع المولى عبده المأذون فيجوز)
(قال رحمه الله) وإذا كان الدين على المأذون إلى أجل فباعه المولى بأكثر من قيمته
أو بأقل فبيعه جائز لأنه باع ملكه وهو قادر على تسليمه وتحقيقه أن بسبب التأجيل يتأخر
حق الغرماء في المطالبة بقضاء الدين إلى حلول الأجل وامتناع نفوذ تصرف المولى في كسبه
ورقبته لكونه مشغولا بحق الغرماء وحقهم في المال استيفاء الدين منه وبسبب التأجيل
سقط هذا الحق إلى حلول الأجل فلانعدام المانع من نفوذ تصرف المولى فيه ينفذ بيعه فان
قيل حق الغرماء في العبد المديون كحق المرتهن في المرهون وذلك يمنع الراهن من البيع سواء
كان الدين حالا أو مؤجلا كحق الغرماء في مال المرتهن وذلك يمنع التصرف المبطل لحقهم
سواء كان الدين حالا أو مؤجلا أو هو لحق الغرماء في مال المريض وذلك يمنع التصرف
المبطل لحقهم سواء كان الدين حالا أو مؤجلا فهذا مثله قلنا لا كذلك فللمرتهن في المرهون
ملك اليد وذلك قائم مع التأجيل في الدين وبه يعجز الراهن عن التسليم وليس للغرماء ملك
اليد في المأذون ولا في كسبه وإنما لهم حق المطالبة بقضاء الدين وذلك يتأخر إلي ما بعد حلول الأجل
وتصرف المريض في ماله نافذ ما دام حيا وبعد موته لا يبقى الاجل ولهذا لا يتصرف
الوارث في تركته ويؤمر بقضاء الدين في الحال فلما لم يبق الاجل بعد موته كان الدين
الحال والمؤجل في الحكم سواء وإنما لم يبق الاجل لان ذمته لم تبق محلا صالحا لوجوب
136

الدين منه فأما ذمة العبد فمحل صالح لذلك فالدين ثابت في ذمته والأجل فيه صحيح فلا سبيل
للغرماء على منع المولى من التصرف أو مطالبته بشئ حتى يحل دينهم فإذا حل ضمنوه قيمته
لأنه أتلف عليهم محل حقهم وهو المالية ولان المولى كالمتحمل عن العبد لغرمائه مقدار مالية
رقبته والدين إذا حل علي الأصيل بمضي الاجل حل على الكفيل فكان لهم أن يضمنوه قيمته
بعد حل المال ولا سبيل لهم على الثمن أجازوا البيع أولم يجيزوا لأنه كان جائزا بدون
اجازتهم وكان الثمن للمولى سالما كسائر أملاكه فلا يتغير ذلك بإجازتهم ولان ضمان القيمة
دين لهم في ذمة المولى ويعتبر محل قضاء الدين إلى المديون فلا سبيل للغرماء علي الثمن كما
لا سبيل لهم على سائر أملاك المولى بخلاف ما إذا كان البيع بعد حل المال فأجازوه لان
نفوذ البيع هناك يكون بإجازتهم فيتحول حقهم عن مالية العبد إلى بدله وههنا نفوذ البيع
كان بدون اجازتهم وكان الثمن سالما للمولى كسائر أملاكه قبل حلول المال فكذلك بعد حله
وكذلك لو وهبه لرجل وسلمه فان توى ما على المولى من القيمة لم يكن لهم علي العبد ولا
على الوهوب له سبيل لان الملك تجدد للموهوب له في العبد بتجدد سببه ولا حق لهم في
هذا الملك ولا سبيل لهم إلى نقض سببه لان المولى حين باشره لم يكن لهم حق المنع فلا
يثبت لهم حق الابطال بعد ذلك ولكن دينهم على العبد يتأخر إلي عتقه بمنزلة مريض وهب
عبدا لا مال له غيره وعليه دين كثير فباعه الموهوب له أو وهبه وسلمه ثم مات الواهب
الأول فلا سبيل لغرمائه على العبد ولا علي من في يده وإنما لهم القيمة على الموهوب له الأول
لأنه صار متلفا محل حقهم بتصرفه فان توت تلك القيمة عليه لم يكن لهم على العبد ولا على من
هو في يده سبيل وللمولى أن يستخدم العبد المأذون إذا كان دينه إلى أجل لأنه مالك رقبته
والمنفعة تملك بملك الرقبة ولا سبيل للغرماء عليه في مطالبته بشئ في الحال فيتعذر على المولى
استخدامه مراعاة لحقهم ولو كان الدين حالا كان لهم أن يمنعوه من ذلك لان لهم حق
المطالبة بقضاء الدين والاستسعاء فيه وباستخدام المولى إياه يفوت عليهم ذلك أو يتمكن فيه
نقصان فكان لهم أن يمنعوه من ذلك وكذلك لو أراد أن يسافر به لم يكن لهم أن يمنعوه إذا
كان الدين مؤجلا لأنه لا سبيل لهم على العبد في مطالبته بشئ فكيف يثبت لهم السبيل علي
المولى في منعه من السفر به ولو كان الدين حالا كان لهم أن يمنعوه من ذلك لأنه يحول
بينهم وبين حق ثابت لهم وهو المطالبة ببيع الرقبة وقضاء الدين من ثمنه وكذلك له أن يؤاجره
137

ويرهنه إذا كان الدين مؤجلا لما قلنا فان حل الدين قبل انقضاء مدة الإجارة كان هذا عذرا
وللغرماء أن ينقضوا الإجارة لان الإجارة وان كانت من لوازم العقود فإنها تنتقض بالعذر
والحاجة إلى دفع الضرر (ألا ترى) انها تنتقض لدفع الضرر عن المباشر للعقد فلان تنقض
لدفع الضرر عن غير المباشر أولى وتنقض للرد بسبب فساد البيع والرد بسبب العيب في
البيع فينقض أيضا لحق الغرماء في المطالبة ببيع الرقبة بعد حل المال فأما الرهن فهو لازم
من جهة الراهن ولا يثبت للغرماء بعد حل الاجل نقض الرهن كما لا يثبت لهم حق نقض
البيع الذي نفذ من المولى ولكنهم يضمنون المولى قيمته لأنه حال بينهم وبين حقهم في المطالبة
بإيفاء الدين من مالية الرقبة وبالبيع فيضمن لهم القيمة كما لو أتلف عليهم ذلك بابطال المالية
فيه بالاعتاق فإذا أرادوا تضمينه فافتكه من المرتهن ودفعه إليهم برئ من الضمان لان
الحيلولة قد ارتفعت وان افتكه بعد ما قضى عليه القاضي بضمان القيمة فالقيمة عليه والعبد له
ولا سبيل للغرماء علي العبد لان حقهم تحول بقضاء القاضي إلي القيمة والسبب الموجب
له كان قائما وقت القضاء فلا يعود حقهم بعد ذلك بانعدام الحيلولة بالفكاك كالمغصوب إذا
عاد من إباقه بعد ما قضى القاضي علي الغاصب بقيمته ولو أبى المولى أن يفتكه فقضي الغرماء
الدين ليبيعوه في دينهم كان لهم ذلك لان المانع حق المرتهن وحقه يسقط بوصول دينه إليه
وإنما يقصدون بهذا تخليص محل حقهم فلا يكون للمرتهن أن يأبى ذلك عليهم وإذا لم يكن
علي المأذون دين فأمره مولاه أن يكفل عن رجل بألف فقال العبد للمكفول له إن لم يعطك
فلان مالك عليه وهو ألف فهو علي فالضمان جائز لان العبد إنما كان محجورا عن الكفالة
لحق المولى فإذا رضى المولى بكفالته كان هو الحر سواء وكذلك لو قال إن مات فلان ولم
يعطك هذا المال الذي لك عليه فهو جائز على ما قال وقد بينا في كتاب الكفالة معني صحة
تعليق الكفالة بهذه الأسباب فان أخرجه المولى عن ملكه ببيع أو هبة ثم مات المكفول
عنه قبل أن يعطى المكفول له حقه فان المكفول له يضمن المولى الأقل من دينه ومن قيمته
ولا يبطل بيع المولى في العبد ولا هبته لان هذا في معني الدين المؤجل علي العبد حين تصرف
المولى من حيث إنه لم يكن للموهوب له سبيل على مطالبته بشئ يومئذ وهو دونه لان
أصل الوجوب لم يكن ثابتا قبل وجود شرطه وان وجد سببه وهو الكفالة ثم قد بينا ان
هناك الغريم لا يبطل تصرف المولى فههنا أولي وأما تضمين المكفول له المولي قيمته فلانه
138

فوت عليه محل حقه بتصرفه وقد كان سبب وجوب المال منعقدا وان كانت المطالبة به
متأخرة فيكون المولى ضامنا له قيمته بتفويت المال عليه وكذلك هذا في ضمان الدرك لو أمر
عبده أن يضمن الدرك في دار باعها المولى ثم إن المولى باعه ثم استحقت الدار فللمشتري
أن يضمن المولى الأقل من قيمته ومن الثمن باعتبار انه فوت عليه محل حقه فإن لم يخرجه
المولى من ملكه حتى لحق العبد دين يحيط برقبته ثم استحقت الدار من يد المشترى فان
العبد يلزمه ما ضمن مع الدين الذي في عنقه لان سبب وجوب الضمان للدرك كان صحيحا
لكون العبد فارغا عن حق الغرماء عند ذلك وقد تعذر الوجوب بالاستحقاق فيكون هذا
دينا لان ما علي العبد كسائر ديونه في جميع ذلك ولو حفر العبد التاجر بئرا في الطريق ثم
أخرجه المولى من ملكه ثم وقع في البئر دابة تساوى ألف درهم فعطبت فلا سبيل لصاحبها
على العبد ولا على الذي هو في يده لأنه حين أخرجه المولى من ملكه لم يكن البعد مطالبا
بشئ ولم يوجد من العبد صنع هو جناية في الملك الذي تجدد للمشترى فلا سبيل له على المشترى
ولكنه يضمن مولاه الأقل من قيمته ومن قيمة الدابة لان عند وقوع الدابة في البئر يصير
العبد متلفا له بالحفر السابق وذلك الحفر جناية منه في ملك المولى يستحق به صاحب الدابة مالية
رقبته لو لم يخرجه المولي عن ملكه فباخراجه يكون مفوتا عليه محل حقه فلهذا يضمن له المولى
الأقل من قيمته ومن قيمة الدابة فان تويت القيمة عليه لم يتبع عبده بشئ حتى يعتق فيؤخذ
بقيمة الدابة حينئذ لان الدين كان واجبا في ذمته باعتبار جنايته وكان لا يطالب به لحق مولاه
الذي حدث له فإذا سقط حقه بالعتق كان مطالبا بقضاء دينه وإذا كان على العبد التاجر دين
إلى أجل فباعه مولاه ثم اشتراه أو رجع إليه بإقالة أو عيب بعد القبض بغير حكم ثم حل الدين
فلا سبيل للغرماء أما في الشراء فلا اشكال ان الملك متجدد له بتجدد السبب وكذلك في
الإقالة والرد بالعيب بعد القبض بغير حكم فإنه في معنى بيع متجدد في حق غيرهما فكان
وجود هذا العود إليه كعدمه وعود هذا العبد إليه كعود عبد آخر فان اختلاف سبب الملك
بمنزلة اختلاف العين فلهذا ضمنوا المولي قيمته ولو رجع العبد إليه بعيب بقضاء قاض أو خيار
رؤية أو شرط في أصل البيع ثم حل الدين أخذوا العبد وبه ولا سبيل لهم على المولى لأنه عاد
إليه بسبب هو فسخ من الأصل فإنما يعود إلى قديم ملكه الذي كان مشغولا بحق غرمائه
وينعدم به السبب الموجب للضمان على المولى وهو تفويت محل حقهم وان مات في يد المولى
139

بعد ما رجع إليه على هذا الوجه قبل أن يحل دينهم ثم حل الدين فلا ضمان لهم على المولى لان
البيع حين انفسخ من الأصل صار كأن لم يكن ولو مات قبل البيع لم يكن لهم على المولي
ضمان إذا حل دينهم وكذلك المولي لو وهبه وسلمه ثم رجع في الهبة بحكم أو بغير حكم فان
المولي يبرأ من القيمة لان الرجوع في الهبة فسخ من الأصل وإعادة إلى قديم ملكه سواء
كان بقضاء أو بغير قضاء عندنا وقد بيناه في الهبة فإذا عاد محل حقهم صارت الإزالة كأن لم
تكن ولو باعه فمات قبل أن يقبضه المشترى برئ المولي من القيمة لان بمجرد البيع لا يتقرر
السبب الموجب للضمان على المولي وإنما يكون بالتسليم ولو تقرر السبب بالبيع فبالموت قبل
التسليم ينتقض البيع من الأصل ويعود إلى ملك المولى مشغولا بحق الغرماء كما كان فهو كما
لو انتقض البيع بالرد بخيار الشرط ثم مات وان مات بعد ما قبضه المشترى قبل أن يحل الدين
فقد حل عليه بموته لان الاجل حق العبد وقد استغنى عنه بموته ووجوب الدين كان في
ذمته وقد خرجت ذمته من أن تكون محلا صالحا لوجوب الدين فيه فهو وموت الحر سواء
وعلى المولى قيمته إلى أجل الدين لان الاجل كان ثابتا في حق المولي ولم يقع له فيه الاستغناء
عنه وهو بمنزلة الكفيل فيما لزمه من القيمة والدين المؤجل إذا حل علي الأصيل بموته يبقى
الاجل في حق الكفيل وكذلك لو أعتقه المولي ثم مات العبد حل عليه ولم يوجد المولى القيمة
الا إلى الاجل في حق المولى لحاجته إلى ذلك وقيام ذمته محلا صالحا لوجوب الحق فيها ولو
كان الدين على العبد ألفي درهم ألف حالة وألف إلي أجل فباعه المولي أو وهبه وسلمه فلصاحب
الدين الحال أن ينقضه إلا أن يقضى المولى دينه لان الدين المؤجل في حكم نقض تصرف المولى
كالمعدوم وقيام صاحب الدين الحال كاف في نقض تصرف المولى فان قضاه جاز ما صنع الولي
من ذلك به لأنه وصل إليه جميع حقه ولا سبيل لصاحب الدين المؤجل على العبد في الحال فينفذ
تصرفه فيه فإذا حل الدين الآخر لم يشارك الأقل فيما أخذ من المولى لان أصل الدين لم يكن
مشتركا بينهما والمقبوض من محل لا شركة بينهما فيه وهو ملك المولى ولكنه بتبع المولى بالأقل
من دينه ومن جميع قيمته لان حق الآخر سقط بوصول دينه إليه وكان المولى متطوعا فيما
قضاه كأجنبي آخر وصار كأن لم يكن عليه الا الدين المؤجل فباعه المولى (ألا ترى) أنه لو لم يبعه
حتى حل الدين فان العبد كله يباع للغريم الآخر في دينه إلا أن يفديه المولى فكذلك إذا باعه
كان ضامنا بجميع قيمته إلا أن يكون الدين أقل منه ولو لم يقض المولى صاحب الدين الحال حقه
140

فنقض البيع وطلب من القاضي ببيعه فان القاضي يبيعه بمطالبته ثم يدفع إليه نصف الثمن لان
ببيع القاضي يتحول حق الغرماء إلى العبد من الثمن وأصل الاستحقاق لصاحب الدين المؤجل
ثابت وان كانت المطالبة متأخرة إلى حلول الأجل واستحقاق الثمن بثبوت حقه من الدين
في ذمته فكان ذلك بائعا سلامة جميع الثمن لصاحب الدين الحال فيدفع إليه نصف الثمن
ويدفع النصف إلى المولى لأنه حق صاحب الدين المؤجل ولكن مطالبته به تتأخر إلى حلول
الدين (ألا ترى) أن قبل حول المال لم يكن له سبيل على رقبته وكسبه فكذلك على بدل
الرقبة وإذا لم يكن له سبيل كان المولى أحق به لأنه بدل ملكه وعلى قول زفر رحمه الله
لا يتبع القاضي بحل الدين الآخر على العبد ويكون الثمن بينهما نصفين لان الدين يتحول ببيع
القاضي إلى الثمن والثمن عين لا يقبل الاجل فهو بمنزلة موت الحر ولكنا نقول الدين باق
في ذمة العبد حتى إذا عتق كان للغريم أن يطالبه بجميع الدين ان شاء فيبقي الدين ببقاء الاجل
في ذمته فإذا حل الدين الآخر أعطاه المولي ما في يده وان هلك ذلك في يد المولى فلا ضمان
عليه لان حكم البدل حكم المبدل ولو هلك العبد في يد المولى لم يكن على المولى فيه ضمان
ويتبع صاحب الدين الغريم الأول فيأخذ منه نصف ما أخذه لان ثمن العبد كان مشتركا
بينهما فإنما يسلم له المقبوض بشرط سلامة الباقي للغريم الآخر ولم يسلم له ذلك فلهذا يأخذ
منه نصف ما أخذ فإن لم يهلك ذلك ولكن هذا الغريم أبرأ من دينه أو وهبه فان الأول
يأخذ هذه الخمسمائة من المولى لتمام حقه لأنه كان مستحقا لجميع العين بدينه وإنما امتنع سلامة
النصف له لمزاحمة الآخر وقد زالت مزاحمته بالابراء ولان نصف دين الأول باق على
العبد فلا يجوز أن يسلم للمولى شئ من ثمن العبد مع قيام الدين عليه ولو لم يبرئه ولكن
المولى نقد غريما له تلك الخمسمائة التي في يده فهو جائز لأنها مملوكة له. وتصرفه فيها قبل حل
الاجل كتصرفه في الرقبة فلا يمتنع نفوذه لحق صاحب الدين المؤجل ولكن إذا حل دينه
ضمن المولى له تلك الخمسمائة لأنه فوت عليه محل حقه بتصرفه فان تويت عليه رجع على
الأول فيما قبض فيشاركه فيه ثم رجعا على الغريم الذي قضاه المولى بالخمسمائة التي اقتضاها لأنه
حين رجع على الأول بنصف ما قبض ثبت للأول حق الرجوع في نصف ما بقي في يد المولى
ونقض تصرف المولى فيه ثم يشارك فيه الغريم الآخر فلا يزال هكذا حتى يأتي على جميعه
فلهذا كان لهما حق نقض تصرف المولي والرجوع على القابض بالخمسمائة التي قبضها من المولى
141

ولو لم يبع القاضي العبد للغريم ولكن المولى باعه برضى صاحب الدين الحال فبيعه جائز لان
الراضي مسقط حقه في ابطال البيع ولا حق لصاحب الدين المؤجل في ابطال البيع ثم يعطى
نصف الثمن صاحب الدين الحال ويسلم للمولى نصف الثمن فإذا حل الدين الآخر أخذ
صاحبه من المولى نصف القيمة ولا سبيل له على الثمن لان المولى مفوت عليه محل حقه وليس
بمحول حقه إلى الثمن إذ ليس له ولاية تحويل حقه من محل إلى محل بخلاف الأول فهناك إنما
باعه القاضي وللقاضي ولاية تحويل الحق من الرقبة إلى الثمن فلهذا كان المولي ضامنا نصف
القيمة للثاني ههنا وما قبض من نصف الثمن فهو مال سالم له فان توى ما على المولي من نصف
القيمة لم يرجع علي الذي أخذ نصف الثمن بشئ لان أصل الثمن ههنا ما كان مشتركا بينهما
ولا شركة بينهما في أصل الدين * فان قيل لماذا لا يأخذ الأول جميع الثمن من المولى لما لم يكن
للثاني شركة من الأول في الثمن * قلنا لان المولى ضامن للثاني نصف القيمة ولا بد من أن
يسلم ما هو عوض من ذلك النصف من الثمن للمولى فلهذا يعطى للأول نصف الثمن ولا يضمن
للثاني الا نصف القيمة لان الأول استحق عليه نصف بدل المالية فمنع ذلك ثبوت حق الثاني
في تضمين المولى جميع القيمة وإن كان على المأذون ديون إلى آجال مختلفة فباعه المولى قبل
أن يحل شئ منها ثم حل الدين الأول فان قيمة العبد تقسم علي الدين ما حل منه وما لم يحل
فما أضاب الذي حل منها من القيمة أخذه وكذلك كل من حل دينه من غرمائه لما بينا أن
المولى ضامن قيمته بتفويته محل حق الغرماء ولكل واحد منهم حصته من ذلك ولكن
لا يطالبه به الا بعد حل دينه فإن كان الدين ثلاثة آلاف فحل ألف منها فطلب صاحبها من
القاضي بيع العبد فإنه يبيعه ويعطيه ثلث ثمنه ويضع الثلثين الذي هو حق الآخرين في يد
المولى حتى يحل دينهما فإذا حل دين آخر أعطى صاحبه حصته من ذلك وذلك ثلث الثمن فإذا
حل الثالث أعطاه الثلث الباقي فان توى الثلث الباقي على المولى رجع الثالث على الأولين فيأخذ
منهما ثلث ما في أيديهما لان الثمن كان مشتركا بينهم أثلاثا حين كان البيع من القاضي وكان
شرط سلامة الثلثين للأولين أن يسلم الثلث للثالث فإذا لم يسلم كان التاوي من حقوقهم والباقي
مقسوم بينهم على قدر حقهم فرجع على الأولين بثلث ما في أيديهما ليسوي بينهما في ثمنه فان
لقي أحدهما أخذ منه نصف ما في يده لان حقهما في الثمن سواء ثم يرجعان جميعا على الآخر
بثلث ما في يده فيقتسمانه نصفين ليسلم لكل واحد منهما ثلث الثلثين ويستووا في الضرر
142

الحاصل بالتوي فان لقي أحدهما الآخر وحده أخذ منه ربع ما في يده لان الباقي في يده
نصف الثلث وفي يد من لقيه نصف الثلث وفي يد من لقيه الثلث فيضم ما في يده إلى ما في يد
صاحبه ويقتسمان ذلك نصفين ليستويا وإذا فعل ذلك أخذا منه ربع ما في يده حتى يكون
الباقي في يده ثلاثة أرباع الثلث وفي يد هذا الآخر ثلاثة أرباع الثلث أيضا فان لقيهما بعد
ذلك الآخر أخذ منهما تسع ما في أيديهما لان المساواة بينهم بذلك تحصل وإذا أردت معرفة
ذلك جعلت الثمن كله علي اثني عشر فسهام الثلثين ثابتة بينهم أثلاثا لكل واحد منهم سهمان
وثلثا سهم والذي في يد هذا الذي لقيهما نصف الثلث سهمان وفي يد الآخر ستة فيأخذ
منهما ثلثي سهم وثلثا سهم من ستة يكون تسعها فيحصل له سهمان وثلثا سهم وبقي في يد كل
واحد منهما سهمان وثلثا سهم وإذا قال المأذون بأمر مولاه ولا دين عليه لرجل ان مات
فلان ولم يعطك ألفك التي عليه فأنا ضامن لها حتى أدفعها إليك ثم لحق العبد دين ألف درهم
فباعه القاضي في دينهم بألف فإنه يدفعها كلها إلى الغريم لأنه لا مزاحم له في الثمن فان المزاحمة
باعتبار وجوب الدين على العبد ولم يجب للمكفول له شئ بعد وجود سبب قبل شرطه وبه
فارق الدين المؤجل وتأثير الاجل في المنع في المطالبة لا في نفى أصل الوجوب والمتعلق
بالشرط لا يكون موجودا قبل الشرط فإذا دفع الثمن إلى الغريم استوثق منه بكفيل لان
حق المكفول له بعرض اللزوم فان سببه وهو الكفالة مقرر فلتقرر السبب يجب النظر له
بالاستيثاق فإذا لزم العبد ضمان ما كفل به أخذ المكفول من الغريم نصف الثمن الذي أخذه
لان الوجوب إذا ثبت عند وجود شرطه فإنما يحال به علي سببه وهو الكفالة ولهذا لو كانت
الكفالة في الصحة كان هذا من جملة ديون الصحة بقدره وهو ان حق المكفول له أخذ
سببها من الدين الحادث بعد البيع باعتبار ان الوجوب يكون عند وجود الشرط ومن الدين
المؤجل باعتبار أن السبب كان متقررا قبل وجود الشرط فيتوفر حظه عليهما فيقول لشبهه
بالدين الحال يدفع الثمن كله إلى الغريم الأول قبل أن يجب دين الكفالة بالدين ولشبهه بالدين
المؤجل قلنا إذا تحقق لزوم دين الكفالة رجع المكفول له علي الغريم بنصف الثمن الذي أخذه
وإذا كان علي المأذون دين حال فوهبه مولاه لرجل وسلمه إليه فالهبة باطلة إلا أن يجيزها
الغرماء لأنهم أحق بمالية العبد من المولى وفي الهبة تفويت محل حقهم فلا ينفذ الا بإجازتهم
فان أجازوها بطل دينهم لا على معنى انه سقط عن ذمة العبد ولكن علي معنى انه لا شئ لهم
143

على المولى ولا على العبد حتى يعتق لأنهم رضوا بصنع المولى والملك للموهوب له حادث بعد
الدين فلا يستحق بذلك الدين ولكن يتأخر حقهم في المطالبة إلى ما بعد العتق لانعدام محل
الاستيفاء فإذا عتق اتبعوه بجميع دينهم ولو كان الدين كله إلى أجل جازت الهبة لأنه لاحق
للغرماء في المطالبة بشئ قبل حلول الأجل فينفذ تصرف المولى باعتبار ملكه وللغرماء على
المولي قيمته إذا حل دينهم لأنه فوت عليهم محل حقهم بتصرفه فإذا أخذوا القيمة منه أو
قضى بها القاضي عليه ثم رجع في هبته فلا سبيل لهم على العبد لأنه حقهم تحول إلي القيمة
بقضاء القاضي وقد كان السبب قائما عند القضاء فلا يتحول إلى العبد بعد ذلك وان عاد إليه
قديم ملكه بالرجوع في الهبة فان أذن له المولى بعد ذلك في التجارة فلحقه دين بيع في الدين
الآخر خاصة لوجود الرضا من المولى بتعلق هذا الدين بمالية رقبته ولا سبيل للأولين على
هذا الثمن لان حقهم تحول إلى القيمة دينا في ذمة المولى فكما لا سبيل للآخرين على
القيمة إذا أخذها الأولون فكذلك لا سبيل للأولين علي الثمن وان مات المولى قبل أن يباع
ولا مال له غيره بيع فبدئ بدين الآخرين لان حق الأولين أيضا في ذمة العبد حتى يتبعوه
بعد العتق لأنا بينا ان حقهم تحول إلى القيمة فلا يبقى على العبد في حال رقه فان بقي من ثمنه
شئ بعد قضاء دين الآخرين كان للأولين باعتبار انه ملك المولى ودينه بعد موته يقضى
من ملكه فإن كان علي المولى دين سوى ذلك اقتسم هذا الباقي الأولون وأصحاب دين
المولى تصرف فيه أصحاب دين المولى بديونهم الأولون بقيمة العبد لان حقهم في ذمة المولي
بقدر قيمة العبد وإذا كان على المأذون ألف درهم حالة وألف درهم إلى أجل فوهبه مولاه لرجل
وسلمه فلصاحب الدين الحال أن يرد الهبة لان توجه المطالبة له علة تامة تمنع نفوذ تصرف
المولي فان أجازها جازت لوجود الرضا منه ولا سبيل لصاحب الدين علي العبد حتى يحل
دينه (ألا ترى) انه لو لم يكن سوى دينه على العبد كانت الهبة صحيحة فان حل دين الآخر
ضمن المولى قدر القيمة له حتى يستوفى دينه ولا شئ منه للغريم الأول لان الأول بإجازة
الهبة أبطل حقه في حال رق العبد فهو بمنزلة ما لو أبرأه عن دينه وقد فوت المولى على الآخر
محل حقه فيضمن له جميع القيمة ولو أن صاحب الدين الحال لم يجز الهبة ولم يقدر على العبد
فله أن يضمن المولى نصف قيمته لان الدين المؤجل ثابت عليه وان كانت المطالبة به متأخرة
والقيمة عند تعذر الوصول إلى العبد كالثمن عند بيع القاضي إياه وقد بينا هناك أنه لا يسلم
144

لصاحب الدين الحال الا حصته من الثمن فههنا أيضا لا يسلم لصاحب الدين الحال الا حصته من القيمة
وذلك النصف فان ضمنه ثم حضر العبد فالهبة جائزة لان حقه سقط عن العبد بوصول حصته
من الضمان إليه والدين الآخر مؤجل لا يمنع الهبة فإذا حل دين الآخر كان له أن يتبع المولى
بنصف القيمة لأنه فوت محل حقه بتصرفه فإن شاء شارك الأول فيما أخذ لان القيمة
وجبت لهما في ذمة المولى مشتركة بسبب واحد وإنما يسلم المقبوض للأول بشرط أن يسلم
النصف الباقي للآخر فإذا لم يسلم كان له أن يشارك الأول فيما أخذ ثم يتبعان المولى بنصف
القيمة لان المقبوض لما صار مشتركا بينهما كان الباقي مشتركا أيضا ولو لم يحل الدين الثاني حتى
رجع المولى في هبته ثم حل كان لصاحبه أن يتبع نصف العبد بدينه حتى يباع له لان تحول
حقه إلي نصف القيمة لا يتم الا بالقبض أو بقضاء القاضي له بها ولم يوجد فقد عاد العبد
بالرجوع إلي قديم ملك المولي فكان له أن يطالب ببيع حصته منه في الدين وذلك نصفه
وان شاء شارك الأول فيما أخذ لما بينا أن وجوب القيمة لهما بسبب واحد فهو بمنزلة العبد
المشترك إذا غصبه غاصب فأبق ثم إن كان أحدهما خاصم الغاصب وضمنه نصف القيمة ثم رجع
العبد كان للآخر الخيار ان شاء أخذ نصف العبد وان شاء شارك الأول فيما أخذ من نصف
القيمة فان شاركه في ذلك يباع نصف العبد في دينهما لان المقبوض لما صار مشتركا بينهما
كان الباقي كذلك فيباع نصفه في دينهما لان في هذا النصف الحق باق في العبد وإن كان
العبد أعورا في يد الموهوب له قبل أن يرجع فيه الواهب ضمن المولي ربع قيمته وبيع نصفه
في دينه لأن العين من الآدمي نصفه ولو عاد الكل إليه بالرجوع في الهبة كان يباع نصفه
في الدين ولو هلك الكل في يد الموهوب له كان المولى ضامنا نصف قيمته فالجزء يعتبر
بالكل ولفوات النصف ضمن المولى ربع قيمته وبعود النصف إلى قديم ملكه بالرجوع يباع
نصفه في دينه ولو أعورا بعد ما رجع إلى المولى لم يضمن من عوره شيئا لأنه لو هلك العبد
بعد الرجوع في الهبة لم يضمن شيئا فإنه بالرجوع عاد إلي قديم ملكه فعوره في هذه الحالة
كهلاكه قبل الهبة فكذلك إذا أعور قلنا لا يضمن المولى شيئا ولكن يباع نصفه أعور في
دينه وإذا كفل المأذون عن رجل بألف درهم بأمر مولاه ولا دين عليهم باعه المولى فللمكفول
له أن ينقض البيع لأنه صار أحق بماليته من المولى (ألا ترى) انه يطالبه بقضاء دين
الكفالة ويباع له فيه كما يباع في سائر ديونه ولو كانت الكفالة بنفس رجل لم يكن
145

للمكفول له أن ينقض البيع لأنه صار أحق بماليته بهذه الكفالة (ألا ترى) انه لا يطالب
ببيعه في هذه الكفالة فكانت المالية خالص حق المولى فلهذا نفذ بيعه وهذا لان صاحب
الدين إنما ينقض بيع المولى ليستسعيه في دينه ولا حق لصاحب الكفالة بالنفس في استسعائه
في شئ ولكن يبيع العبد بكفالته حيث كان لأنه استحق عليه المطالبة بتسليم النفس فلا
يسقط ذلك ببيع المولى إياه وهذا عيب فيه للمشترى أن يرده به ان شاء لأنه يحبس به ويؤمر
بطلب المكفول بنفسه ليسلمه وفيه حيلولة بين المشترى وبين مقصوده من الخدمة فيثبت له
حق الرد لأجله كما يثبت له حق رد الجارية بعيب النكاح ان شاء فإن كانت الكفالة على أنه
كفيل بنفس المطلوب إن لم يعط المطلوب ما عليه إلى كذا وكذا لم يكن للمشترى ان يرده
بعيب هذه الكفالة قبل وجود الشرط لأنه لا مطالبة بشئ على العبد في الحال فالتزام تسلم
النفس منه كان معلقا بالشرط والمعلق بالشرط معدوم قبله فإذا وجب علي العبد لوجود شرطه
رده المشترى إن لم يكن علم بها حين اشتراه لان الحيلولة وقعت بينه وبين الخدمة بسبب
كان سابقا علي بيعه فان ثبوت الحكم عند وجود الشرط يكون محالا به على السبب وإن كان
علم بها حين اشتراه فليس له أن يرده بهذا العيب أبدا لان تمكنه من الرد بالعيب
لدفع ضرر لم يرض بالتزامه قال والحكم في بيع المولى شيئا من رقيق المأذون أو هبته وعليه
دين حال أو مؤجل على ما وصفنا في المأذون بنفسه لان مطالبة صاحب الدين بإيفاء الدين
من الكسب والرقبة فكما أن في الرقبة إذا انعدمت المطالبة للتأجيل في الدين جعل في حق
تصرف المولى كأنه لا دين عليه فكذلك في تصرفه في كسبه بالبيع والهبة في حكم النفوذ
وحكم تضمين المولى عند حل الدين وفي الأصل إشارة إلى مخالف له في هذا الجواب
واستشهد عليه بشواهد قال أرأيت لو أعتق رقيق العبد قبل أن يحل دين العبد لم يجز عتقه
في قول أبي حنيفة رحمه الله ينبغي لمن زعم أن البيع لا يجوز أن لا يجوز عتقه في الرقيق بمنزلة
ما لو كان الدين حالا وكان محيطا برقبته وما في يده (أرأيت) لو أن المولى لو حجر عليه والدين
عليه مؤجل لم يكن له أن يبيع الرقيق فإذا لم يكن له أن يبيعهم فمن ذا الذي ينفق عليهم فبيع المولى
في هذا كله جائز وهو ضامن للقيمة إذا حل الدين وقيل المخالف أبو يوسف رحمه الله فقد
روى عنه انه لا يجوز بيع المولى كسب العبد وإن كان الدين مؤجلا عليه لان بالتأجيل لا
ينعدم وجوب أصل الدين وحاجة المأذون إلي قضائه وحاجته في كسبه مقدمة على حق المولي
146

فكان المولى ممنوعا من اثبات يده عليه ولا يجوز بيعه ولا هبته فيه ويجوز العتق لان تقرر
العتق لا يستدعي اليد فأما إذا كان الدين حالا على العبد فإن لم يكن محيطا بكسبه ورقبته لا يمنع
نفوذ عتق المولى في رقبته لان المولي يخلف عبده في كسبه خلافة الوارث المورث والدين
على المورث إذا لم يكن محيطا بالتركة لا يمنع ملك الوارث في التركة ونفوذ عتقه في قول أبي حنيفة
رحمه الله الأخير وفى قوله الأول يمنع ذلك وقد بينا هذا في أول الزيادات فكذلك
الدين علي العبد فأما إذا كان الدين محيطا بكسبه ورقبته فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله المولي
لا يملك شيئا من كسبه ولو أعتقه لا ينفذ عتقه في كسبه وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله
المولى يملك كسبه حتى ينفذ عتقه في رقبته كما يملك عتقه لان الكسب بمنزلة الرقبة من
حيث إن حق الغريم فيه مقدم على حق المولي وانه لا يسلم للمولى الا بشرط الفراغ من
دين العبد فكما أن قيام الدين عليه لا ينافي ملك المولى في رقبته فكذلك لا ينافي ملكه في
كسبه وهذا لان الكسب يملك بملك الرقبة وله ملك مطلق في رقبته فيملك كسبه وهذا
بخلاف المكاتب فرقبته مملوكة للمولى من وجه دون وجه لأنه بعقد الكتابة صار بمنزلة
الحر يدا وقد ملك بدل الرقبة وهو دين الكتابة من وجه فكذلك يمنع بقاء ملكه في رقبته
من هذا الوجه فلهذا لا يكون مالكا كسبه فأما رقبة العبد بعد لحوق الدين إياه فمملوكة
للمولى من كل وجه (ألا ترى) أنه يملك استخلاصه لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر
ولا يملك ابطال حق المكاتب بفسخ الكتابة وهذا بخلاف الدين في التركة وذلك لان
الوارث إنما يملك الفاضل عن حاجة الميت (ألا ترى) أن المشغول بالجهاز والكفن لا يكون
مملوكا للوارث فكذلك المشغول بالدين وههنا ملك المولى كسب العبد لا يتعلق بفراغه من
حاجة العبد وان كانت سلامته له تتعلق بذلك (ألا ترى) أن حاجته إلى النفقة والكسوة لا
يمنع ملك المولى في كسبه فكذلك حاجته إلى الدين ولان الشرع جعل الميراث بعد الدين فحال
قيام الدين كحال حياة المورث في أنه لا يكون أو ان الميراث والحكم لا يسبق أو انه فاما
خلافة المولي عبده في ملك الكسب واعتبار الرق ينافي الأهلية لملك المال والكسب موجب
الملك في المكسوب فإذا لم يكن المكتسب من أهله وقع الملك لمن يخلفه وهذا المعنى قائم
حال قيام الدين عليه وأبو حنيفة رحمه الله يقول المولى يخلف عبده في ملك الكسب خلاف
الوارث المورث على معنى أنه يملكه بأكسابه وسلامته له متعلقة بفراغه عن حاجة العبد فكما أن
147

الدين المحيط بالتركة يمنع ملك الوارث في التركة فكذلك الدين المحيط بالكسب والرقبة
يمنع ملك المولى وهذا لان الخلافة في الموضعين جميعا باعتبار انعدام الأهلية للملك في المكتسب
فالميت ليس بأهل للمالكية كالرقيق لان المالكية عبارة عن القدرة والاستيلاء والموت ينافي
ذلك كالرق بل أظهر فالرق ينافي مالكية المال دون النكاح والموت ينافيهما جميعا ثم لقيام
حاجة الميت إلى قضاء ديونه يجعل كالمالك حكما حتى لا يملك الوارث كسبه فكذلك العبد
لقيام حاجته يجعل كالمالك حكما وهذه الحاجة ليست كالحاجة إلى الطعام والكسوة فان الرقيق
لا يحتاج إلى ذلك لأنه يستوجب النفقة على المولى إذا لم يكن له كسب وليس الكسب نظير
الرقبة لان المولى ليس يخلفه في ملك الرقبة بل كان مالكا للرقبة لا بالاكتساب من العبد
فبقي ملكه في الرقبة بعد لحوق الدين وهو نظير المكاتب فالمولى مالك رقبته حتى ينفذ منه
العتق في رقبته وتؤدى به كفارته وبه يتبين أن ملكه في الرقبة مطلق ومع ذلك لقيام حاجته
لا يملك الولي كسبه فكذلك في العبد المديون لا يملك كسبه وإن كان يملك رقبته ولا عتق فيما
لا يملك ابن آدم وإذا أقر العبد المحجور عليه باستهلاك ألف درهم لرجل لم يؤخذ به حتى
يعتق فإذا عتق أخذ بذلك لأنه محجور عن الاقرار لحق المولى فباقراره لا يظهر وجوب الدين
في حق المولى ولكن يظهر في حق العبد لأنه مخاطب لا تهمة في اقراره في حقه فيؤاخذ به
بعد العتق وان ضمن عنه رجل هذا الدين قبل أن يعتق أخذ به الكفيل حالا لان أصل الدين
واجب على العبد وإنما تأخرت المطالبة في حقه لانعدام المحل فإذا ضمنه عنه رجل فقد ضمن
دينا واجبا فيؤاخذ به في الحال بمنزلة الدين على مفلس إذا ضمنه عنه انسان أخذ به في الحال
لهذا المعنى فإذا اشتراه صاحب الدين فأعتقه أو أمسكه بطل دينه عن العبد لان المولى لا
يستوجب على عبده دينا ولكنه يأخذ الكفيل بالأقل من الثمن ومما ضمنه لان الدين لو كان
معروفا على العبد تحول بالبيع إلى الثمن سواء بيع من صاحب الدين أو من أجنبي وهذا الدين
بمنزلة المعروف في حق الكفيل فيحول إلى الثمن لأنه إنما يتحول إلى الثمن بقدر ما يسع من
الثمن لقضاء الدين منه فبقدر ذلك يكون الكفيل مطالبا وما زاد علي ذلك سقط عن الكفيل
بسقوطه عن الأصيل من كل وجه ولو لم يشتره ولكن صاحبه وهبه منه وسلمه إليه بطل
دينه عن العبد وعن الكفيل لان الدين ههنا سقط عن الأصيل والمولى لا يستوجب على عبده
دينا ولم يخلف العبد محلا آخر يمكن تحويل الدين إليه وبراءة الأصيل بأي سبب كان توجب براءة
148

الكفيل فان رجع في هبته لم يعد الدين أبدا وهذا قول محمد رحمه الله وعند أبي يوسف
رحمه الله يعود الدين برجوعه في الهبة وأصل الخلاف في الدين المعروف علي العبد ولم يذكر
قول أبى يوسف ههنا إنما ذكره في أول الزيادات وجه قول محمد رحمه الله ان الدين بالهبة
سقط عن العبد لا إلى بدل فكان كالساقط عنه بالابراء وبعد الابراء لا يتصور عود الدين
إذا تم السقوط بالقبول وهذا لان الساقط يكون متلاشيا والعود يتصور في القائم دون
المتلاشى بخلاف ما إذا اشترى بالدين شيئا أو صالح على عين فهلك قبل القبض لان الدين هناك
لم يسقط وإنما تحولت المطالبة إلى المشترى وإلى ما وقع عليه الصلح وكذلك الحوالة فان الدين
لا يسقط بها ولكن يتحول إلى ذمة المحتال عليه ثم يعود بالتوي إلى المحيل وأبو يوسف رحمه الله
يقول بالرجوع في الهبة بفسخ العقد من الأصل وتعود العين إلى قديم ملكه وسقوط الدين
كان بحكم الهبة فإذا انفسخ عاد الدين كما إذا سقط الدين بالشراء أو الصلح بخلاف الابراء
فالسبب هناك غير محتمل للفسخ بعد تمامه والدليل عليه أن الدين لو كان لصبي فوهبه صاحب
الدين منه وقبضه هو أو وصيه سقط الدين ثم إذا رجع الواهب لو قلنا بأنه لا يعود الدين
كان فيه الحاق الضرر بالصبي واسقاط دينه مجانا وذلك مملوك للصبي فلا بد من القول بعود
الدين لدفع الضرر وقد روى ابن سماعة عن محمد والحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهم انه
ليس للواهب أن يرجع في الهبة بعد سقوط الدين لان ذلك في معنى زيادة حاثة في ملك
الموهوب له والزيادة المتصلة تمنع الواهب من الرجوع ولكن في ظاهر الرواية هذه زيادة
لا تغير صفة العين فتكون كزيادة السعر فلا يمنع الواهب من الرجوع (ألا ترى) أن
المشترى إذا أقر على العبد بالدين قبل القبض لم يصر قابضا وإن كان الدين عينا والمشترى
بالتعيب يصير قابضا ولكن هذا التعييب لما لم يؤثر في العين لم يجعل به قابضا فهذا مثله وقد
أملينا في أول شرح الزيادات هذه الفصول بفروعها ولو أن الدين على العبد لشريكين وبعضه
حال وبعضه مؤجل فوهبه المولي لا حدهما وسلمه إليه فلشريكه أن ينقض الهبة لمكان
حقه في المطالبة بالدين الحال كما لو وهبه لأجنبي آخر فان نقضها بيع العبد فاستوفى
الهبة حقه من الثمن وما بقي هو للمولى ولا شئ للموهوب له على المولى ولا علي العبد
ولا علي الشريك لان الموهوب له حين قبض العبد بحكم الهبة فقد ملكه وإن كان النقض
مستحقا لحق الآخر كالمريض إذا وهب عبده وسلمه صار ملكا للموهوب له وإذا ملكه
149

سقط دينه ولا يعود بعد ذلك اذن فعلى قول أبى يوسف إذا نقض الآخر الهبة عاد الدين
كله إلى العبد كما في الأول ولو باعه المولى من أحدهما بألف درهم وقيمته ألفا درهم فأبطل
الآخر البيع بعد القبض أو قبله بيع لهما فاقتسما ثمنه ولم يبطل من دين المشترى شئ لان
بالبيع تحول حقه إلى الثمن كما لو باعه من أجنبي آخر لا يسقط به دينه ولكن يتحول إلى
الثمن بخلاف الهبة فلهذا يباع العبد ههنا في دينهما بعد نقض البيع وإذا كان علي المأذون دين
مؤجل فباعه المولى من صاحب الدين بأقل من قيمته أو بأكثر فالثمن للمولى وهو أحق
به حتى يحل الدين فيدفع الثمن إلى الغريم وفي قياس قول زفر رحمه الله يحل عليه الدين
بالبيع فيكون الثمن للغريم وقد بينا هذا في البيع من أجنبي آخر إذا كان القاضي هو الذي
باشره حتى يحول به الدين إلى الثمن وكذلك إذا باعه المولى من صاحب الدين لأنه في
البيع من صاحب الدين لا يكون جانيا في حقه ضامنا له شيئا فان توى الثمن في يد المولى
لم يكن للغريم على المولى سبيل لأنه في البيع وقبض الثمن منه لم يكن جانيا في حق الغريم
فهلاك الثمن في يده كهلاك العبد قبل البيع وإن كان على العبد دين لآخر مثل دين المشترى
فحل ضمن نصف القيمة لصاحب الدين الذي لم يشتر العبد لأنه في حقه جان بتفويت محل
حقه بالبيع فيضمن له نصف القيمة ثم يسلم له ذلك ولا يشاركه المشترى فيه كان شريكا
في الدين الذي على العبد أولم يكن شريكا لان وجوب ضمان القيمة على المولى باعتبار جنايته
وهو غير جان في حق المشترى حين ساعده علي الشراء منه فلا يثبت له حق في قيمته ولو
شارك الآخر فيما قبض من القيمة لم يسلم له ولكن يأخذه المولى منه ثم يأتي الشريك الآخر
فيأخذ ذلك من المولى فعرفنا انه لا فائدة في اثبات المشاركة له في المقبوض ولو أمر المولى
عبده المأذون فكفل لرجل بألف درهم عن رجل على أن الغريم ان مات ولم يدفع المال إلى
رب المال فالعبد ضامن للمال فهو جائز لان كفالته باذن المولي إذا لم يكن عليه دين ككفالة
الحر فان باعه المولى من رب المال بألف أو بأقل فبيعه جائز ويقبض الثمن فيصنع به ما بدا له
لان وجوب دين الكفالة متعلق بالشرط فلا يكون ثابتا قبله فان مات المكفول عنه قبل
أن يؤدى المال كان للذي اشترى العبد من المولي أن يرجع بالثمن على المولى فيأخذه منه
قضاء من دينه لان عند وجود الشرط يثبت المال علي العبد مضافا إلى سببه ويكون هذا في
معنى الدين المؤجل فيتحول إلى الثمن ببيعه إياه من الطالب وإن كان الثمن هلك من المولى
150

لم يضمن المولى شيئا لأنه غير جان في حق المكفول له حين اشترى منه العبد فاقدامه على
الشراء يكون رضا ببيعه لا محالة وان هلك بعضه أخذ الباقي بدينه والهالك صار كأن لم يكن
فان هلك الثمن من المولى ثم وجد المشترى بالعبد عيبا رده ان شاء ولم يكن له من الثمن شئ ء
على المولى لان المولى كان عاملا له في بيعه وقبض ثمنه (ألا ترى) ان حقه تحول إلي الثمن
وكان هو أحق به عند وجوب دينه على العبد بوجود شرطه فلو رجع على المولى بشئ
كان للمولى أن يرجع عليه بذلك أيضا وهذا لا يكون مفسدا ولكن يباع له العبد المردود
حتى يستوفى من ثمنه الثمن الذي نقد البائع فان فضل شئ أخذ هذا الفضل من دينه الأول
وان نقص الآخر عن الثمن الأول لم يكن له علي البائع شئ ء من النقصان لما بينا والله أعلم
(باب توكيل العبد المأذون في الخصومة وغيرها)
(قال رحمه الله) توكيل المأذون بالخصومة له وعنه جائز مثل الحر لأنه من صنيع التجار
ومما لا يجد التاجر منه بدا وانفكاك الحجر فيه بالاذن كانفكاك الحجر عنه بالعتق فكل
ما يصح منه من هذا الباب بعد العتق فهو صحيح بعد الاذن وكذلك أن كان الوكيل مولاه أو
بعض غرمائه أو ابنه أو ابن المدعى أو مكاتبه أو عبد مأذون له لأنه صالح للنيابة عنه في تجاراته
واستيفاء حقوقه فيصلح نائبا عنه في المطالبة بحقوقه والخصومة فيها واقرار وكيله عليه عند
القاضي جائز وان أنكر مولاه أو غرماؤه لان الوكيل فيما هو من جواب الخصم قائم مقام
الموكل كما في الحر وقد بينا اختلاف العلماء فيه في كتاب الوكالة فاقرار وكيل العبد ههنا في
مجلس القاضي كاقرار العبد واقرار العبد صحيح وان كذبه مولاه وغرماؤه فكذلك اقرار
وكيله وان أقر عند غير القاضي فقدمه خصمه إلى القاضي وادعي اقراره عند غيره سأله
عن ذلك فان أقر له بذلك قبل أن يتقدم إليه ألزمه ذلك لان كلامه هذا اقرار مستأنف منه
في مجلس القاضي مع حكايته ما كان منه من الاقرار في غير مجلسه فاقراره المستأنف ملزم
لموكله وما كان منه من الحكاية ساقط الاعتبار وان قال أقررت به قبل أن توكلني وقال
الخصم أقر به في الوكالة ألزمه القاضي ذلك باعتبار انه اقرار مستأنف منه وسواء كان اقراره
السابق قبل التوكيل أو بعده فإنما يلزمه باعتبار اقراره المستأنف في مجلسه ثم يدعى هو تاريخا
سابقا في اقراره حين أسنده إلى ما قبل التوكيل وخصمه ينكر هذا التاريخ وحقيقة المعنى
151

فيه أنه ينكر صحة التوكيل لأنه حين كان مقرا قبل التوكيل لا يصلح نائبا في الخصومة في
هذه الحالة وقبوله الوكالة اقرار منه بصحتها فإذا ادعى بعد ذلك أنها لم تكن صحيحة كان مناقضا
وان صدقه خصمه في أنه أقر قبل الوكالة أخرجه القاضي من الوكالة ولم يقض بذلك الاقرار
على الموكل لان المناقض إذا صدقه خصمه كان قوله مقبولا منه وقد تصادقا على أنه لم يصر
وكيلا وانشاء الاقرار في مجلس القاضي ممن هو وكيل يكون ملزما للموكل وإذا تصادقا
انه لم يصر وكيلا لا يقضى القاضي على الموكل باقراره بشئ وإن كان كلامه انشاء الاقرار
ولو جحد الوكيل الاقرار لم يستحلف عليه لان الخصم لا يدعى لنفسه بهذا الاقرار شيئا على
الوكيل إنما يزعم أنه ليس بخصم له لأنه أقر في غير مجلسه وكيف يستحلفه وهو يزعم أنه
ليس بخصم له فان أقام الخصم البينة على اقراره قبل الوكالة أو بعد ما أخرجه القاضي عن الوكالة
لم يجز اقراره على موكله لأنه يثبت اقرار من ليس بوكيل وهو بهذه البينة ثبت انه ليس
بخصم له وان له المطالبة باحضار الوكيل للخصومة معه فتقبل بينته عليه فيكون الثابت بالبينة
كالثابت بالمعاينة وإنما لا يستحلف على ذلك لأنه لو استحلف كان في معنى النيابة عن الموكل
والنيابة لا تجزى في الاستحلاف وتجزى في قبول البينة ولو كان المدعى على العبد وكل مولى
العبد بخصومته وعلى العبد دين أو لا دين عليه كانت وكالته باطلة لأنها لو صحت نفذ اقراره
على موكله في مجلس القاضي وفيه براءة لعبده وقول المولى في ذلك غير مقبول لما فيه من
المنفعة أو لان الوكيل بالخصومة يملك القبض فكان هذا بمنزلة التوكيل بالقبض وقد بينا ان
الطالب إذا وكل مولى العبد بقبض دينه من العبد لم يجز التوكيل وكذلك لو وكل به غريما
من غرمائه لان المنفعة للغريم فيه أظهر ولو كان الوكيل ابن الغريم أو مكاتبه أو عبده كان
جائزا واقراره على موكله جائز بمنزلة ما لو أقر موكله بالقبض وهذا لأنه لا منفعة في
هذا الاقرار للوكيل فهو كأجنبي آخر في حق الاقرار به بخلاف المولى والغريم بنفسه وإذا
قبض المولى ما في يد المأذون ولا دين عليه ثم ادعي رجل فيه دعوى فوكل العبد بخصومته
وكيلا لم يجز توكيله بذلك لان المأخوذ خرج من أن يكون كسباله وصار كسائر أملاك
المولى فلا يكون العبد خصما فيه وتوكيله فيما ليس بخصم فيه باطل وكذلك لو أخذه بعد
ما وكل العبد وكيلا بالخصومة قبل أن يقر الوكيل بما ادعى المدعي ثم أقر له فاقراره باطل لان
العبد خرج من أن يكون خصما فيه قبل اقرار الوكيل وأكثر ما في الباب أن يجعل اقرار
152

الوكيل كاقرار الموكل واقرار الموكل به بعدما أخذه المولى منه باطل فكذلك اقرار الوكيل
ولو كان على العبد دين كانت الوكالة صحيحة والاقرار جائزا لان أخذ المولى بمنزلة الغصب لمكان
حق الغرماء فلا يخرج المأخوذ به من أن يكون كسب العبد وكما يجوز اقرار العبد به في هذه
الحالة فكذلك اقرار وكيله ولو كان المولى حجر عليه وقبض ما في يده ثم ادعى رجل بعض ما
في يده فتوكيل العبد في ذلك باطل إذا لم يكن عليه دين لأنه خرج من الخصومة فيه بما فعله
المولى وتوكيل المولى بالخصومة فيه صحيح واقرار وكيله جائز لان المولي هو الخصم في
ذلك ولو ادعى العبد دينا على رجل فوكل بالخصومة بعد ما حجر عليه المولى جاز لأنه هو
الخصم في بقاء تجاراته فان أقر الوكيل عند القاضي ان العبد قد استوفى دينه كان اقراره
به أيضا كاقرار العبد فينفذ في حق المولى والغرماء وان أقر انه لا حق للعبد قبل الخصم فاقراره
به أيضا كاقرار العبد به يجوز عند أبي حنيفة رحمه الله فيما في يده من المال دون رقبته وعندهما
لا يجوز في شئ وقد تقدم بيان هذا الفصل وإذا وجب للمأذون ولشريك له على رجل ألف درهم
فجحدها فوكل العبد وشريكه بخصومته مولى العبد وعلى العبد دين أو لا دين عليه فأقر المولى
عند القاضي باستيفائهما المال جاز اقراره عليهما لأنه لا منفعة له في هذا الاقرار بل فيه ضرر
فهو كأجنبي آخر ينفذ اقراره عليهما وان جحداه فان ادعي الشريك على العبد انه قبض
نصيبه فإن كان العبد لا دين عليه فان الشريك يرجع في رقبة العبد بنصف حصته فيباع في
ذلك لان باقرار المولي ثبت وصول نصيب العبد إليه فكأنه ثبت ذلك باقرار العبد فكان
للشريك أن يرجع عليه بنصفه ولم يثبت باقرار المولي نصيب الشريك إليه في حق العبد
لأنه كان نائبا عن الشريك في الخصومة مع المطلوب لا مع العبد وصحة اقراره باعتبار انه وكيل
في الخصومة ولان في ثبوت وصول نصيب الشريك إليه منفعة العبد من حيث إنه يسلم
المقبوض أو يثبت للعبد حق الرجوع عليه إن لم يكن هو قبض شيئا واقرار المولى لا يصح
بذلك فلهذا كان للشريك أن يرجع في رقبة العبد بنصف حصته وإن كان على العبد دين فلا
سبيل له عليه ولا على مولاه حتى يقضى دينه لان اقرار المولى على العبد بوصول نصيبه
إليه لا يكون صحيحا في حق غرمائه فإنه إنما ينفذ اقراره عليه بكونه وكيلا في الخصومة
وهو كان وكيلا في الخصومة مع المطلوب لا مع الأجنبي فاقراره على العبد الآن كاقراره
على الأجنبي وإذا استوفى العبد دينه وفضل شئ رجع الأجنبي بحصته في ذلك لان الفاضل
153

خالص ملك المولى وقد أقر بوصول نصيب العبد إليه وللأجنبي أن يرجع في ذلك بنصفه
بحكم اقراره كما لو لم يكن عليه دين ولو كان الشريك صدق المولى فيما أقر به عليهما وكذبه
العبد وعليه دين أولا دين عليه لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشئ لان بتصديق الشريك
ثبت وصول نصيبه إليه وبإقرار المولى علي عبده ثبت وصول نصيب العبد إليه أما إذا لم يكن
عليه دين فغير مشكل وكذلك أن كان عليه دين فإنه يثبت وصول نصيبه إليه في حق المولى
ويكون اقرار المولى عليه بذلك كاقرار العبد ثم باقرار العبد ثبت وصول نصيبه إليه في حق
غرمائه فكذلك باقرار المولى فلهذا لا يرجع واحد منهما على صاحبه بشئ ولو كان الشريك
هو الذي وكل العبد بالخصومة في دينه ولم يوكل المولى بذلك فأقر العبد عند القاضي انه
لاحق للشريك قبل الغريم أو أقر انه استوفي من الغريم نصيبه وجحد ذلك الشريك برئ
الغريم من حصة الشريك لان اقرار وكيله في مجلس الحكم كاقراره فيما يرجع إلى براءة
خصمه ويتبع العبد الغريم بنصف الدين لأنه لم يقر في نصيب نفسه بشئ فإذا أخذه شاركه
الغريم فيه كان على العبد دين أولم يكن لان في اقرار العبد شيئين ابطال حق الشريك
على الغريم وسلامة ما يقبضه له وقوله مقبول فيما يرجع إلى ابطال حق الشريك على الغريم
لا بتوكله بخصومته فيكون راضيا باقراره بذلك ولكن اقراره غير صحيح في سلامة المقبوض
له لان ذلك دعوى منه فكان المقبوض مشتركا بينهما لأنه جزء من دين كان مشتركا
بينهما وهو نظير المودع في مال مشترك إذا ادعي انه رد على أحد الشريكين نصيبه يقبل قوله
ففي براءته عن الضمان ولا يقبل قوله في سلامة الباقي للآخر بل يكون مشتركا بينهما ولو كان
للعبد ولشريكه على رجل ألف درهم هو مقر بها فغاب الغريم وادعى العبد ان شريكه قد
قبض حقه وأراد أن يرجع عليه بنصفه فجحد الشريك ووكل مولى العبد بخصومة العبد في
ذلك وعلى العبد دين أو لا دين عليه أو وكل الشريك بعض غرماء العبد فأقر الوكيل ان الشريك
قد استوفى نصيبه من الغريم فاقراره باطل ولا يكون وكيلا في ذلك لأنه يجر به إلى نفسه
مالا فإنه إذا صح اقراره على الشريك سلم للعبد ما قبضه من الغريم من نصيبه وفيه منفعة لمولاه
ولغرمائه فلهذا لا يكون وكيلا فيه به وقد تقدم بيان الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة
الطعن ولو كان الشريك ادعى على العبد الاستيفاء فوكل العبد بالخصومة لمولاه أو بعض
غرمائه فأقر الوكيل علي العبد بالاستيفاء جاز اقراره عليه لأنه لا منفعة للمقر في هذا الاقرار
154

بل عليه فيه ضرر وهو كأجنبي آخر فيه واقرار الوكيل عند القاضي كاقرار الموكل ولو أقر
العبد بذلك رجع عليه الشريك بنصف ما قبض فهذا كذلك أيضا وإذا حضر الغريم وادعى
أن العبد قد قبض ما قال الوكيل لم يصدق علي ذلك لان العبد إنما كان وكيلا بالخصومة مع
الشريك لا مع الغرماء فاقراره في حق الغريم لا يكون نافذا علي الموكل لان صحة اقرار الوكيل
لضرورة أنه من جواب الخصم وذلك في حق خصمه دون غيره فلهذا كان للعبد أن يرجع
على الغريم بجميع دينه إلا أن يكون العبد لا دين عليه والوكيل هو المولى فيصدق علي عبده
في ذلك لأن جواز اقراره عليه الآن ليس باعتبار أنه جواب الخصم ولكن باعتبار أنه ملكه
وفي ذلك الغريم والخصم سواء (ألا ترى) أن قبل التوكيل لو أقر به عليه في هذه الحالة
جاز اقراره فأما في غيره هذه الحالة فصحة اقراره باعتبار التوكيل بالخصومة كما بينا ثم الغريم قد
برئ من نصف حق الشريك لأنه قد قبضه من العبد فلا يكون له أن يرجع به علي الغريم
وذلك خمسمائة ويرجع الشريك بنصف حقه على الغريم وذلك مائتان وخمسون فما أخذ واحد
منهما من شئ اقتسماه أثلاثا على قدر حقيهما على الغريم حتى يستوفا منه سبعمائة وخمسين
وإذا كان لرجلين على المأذون دين ألف فادعى العبد على أحدهما أنه قد استوفى نصيبه وجحد
المدعى عليه فوكل المدعى عليه مولى العبد بذلك فالتوكيل باطل واقرار المولى به باطل سواء
كان على العبد دين أو لم يكن لان في اقراره منفعة المولى وهو براءة ذمة عبده عن نصيبه
وسلامة ماليته للمولى بذلك القدر وإذا حضر الغريم الآخر فادعى ما أقر به المولى على شريكه
فأراد أن يأخذه بنصفه لم يكن له ذلك لان اقرار المولى به كان باطلا لان المولى لم يكن وكيلا
بالخصومة في حق الشريك وكذلك لو كان الوكيل غريما للعبد لان منفعة المولى في هذا
الاقرار أظهر من منفعة الولي لأنه يخرج به موكله من مزاحمته في مالية العبد ولو كان أحد
الشريكين وكل صاحبه بخصومة العبد في ذلك فادعى عند القاضي أن صاحبه قد استوفى من
العبد حصته جاز ذلك عليه وعلى شريكه ويبطل من الدين خمسمائة لأنه لا منفعة له في هذا
الاقرار ثم ما أخذ الشريك الوكيل من الخمسمائة الباقية أخذ صاحبه منه نصفه لان صحة اقراره
في براءة الغريم لا في سلامة الباقي له إذ هو متهم في ذلك ولو كان الوكيل غريما للعبد ليس
بينه وبين الوكيل شركة في المال الذي على العبد لم يجز اقراره فيما فيه المنفعة له وهو دفع مزاحمة
الموكل عن نفسه في مالية العبد وإذا وجب لرجلين على عبد ألف درهم فادعى أحدهما على
155

صاحبه أنه قبض نصيبه من الدين فأنكر شريكه ووكل بذلك مولى العبد أو العبد أو غريما
للعبد بخصومته فأقر الوكيل عند القاضي أن موكله قد قبض ما ادعاه شريكه لم يجز توكيله
ولا اقراره لان العبد إن كان هو الوكيل فهو بهذا الاقرار يبرئ نفسه والمولى يبرئ به
عبده والغريم يزيل به مزاحمة الموكل معه في مالية العبد فلا يجوز اقرارهم بذلك (ألا ترى)
أنه لو جاز اقرار المولى أو الغريم بذلك كان للمدعى أن يأخذ نصف ما قبض المدعى عليه
ويبرئ العبد من ذلك ولو كان المدعى هو الموكل فأقر وكيله أن المدعى عليه لم يأخذ من
الدين شيئا جاز اقراره على المدعى وكان حقهما على العبد بحاله لأنه لا منفعة للوكيل في هذا
الاقرار وهو فيه كأجنبي آخر والله أعلم
(باب شراء المأذون وبيعه)
(قال رحمه الله) شراء المأذون وبيعه بما يتغابن الناس فيه جائز حالا كان أو إلى أجل
سواء كان بيعا بثمن أو مقابضة عرض بعرض أو سلما لأنه منفك الحجر عنه فيما هو تجارة
وهذه كلها من عقود التجارات والتاجر يحتاج إليها يعنى البيع والشراء بالحال والمؤجل والإسلام
إلى الغير وقبول السلم من الغير والمحاباة بما يتغابن الناس فيه من صنيع التجار عادة ومالا يقدر
التاجر على التحرز عنه في كل تجارة ويحتاج إليه لاظهار المسامحة من نفسه في المعاملة فأما تصرفه
بما لا يتغابن الناس فيه فجائز في قول أبي حنيفة رحمه الله بيعا كان أو شراء سواء كان عليه
دين أولم يكن ولا يجوز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وكذلك الخلاف في المكاتب
والصبي والمعتوه يأذن له أبوه في التجارة فيتصرف بما لا يتغابن الناس فيه وطريقهما ان المحاباة
الفاحشة بمنزلة الهبة (ألا ترى) أن من لا يملك الهبة كالأب والوصي لا يملك التصرف بالمحاباة
الفاحشة وانه متى حصل ذلك من المريض كان معتبرا من ثلثه كالهبة ثم هؤلاء لا يملكون
الهبة فكذلك لا يملكون التصرف بالمحاباة الفاحشة وهذا لأنه ضد لما هو المقصود بالتجارة
فالمقصود بالتجارة الاسترباح دون اتلاف المال وإنما لم ينفذ هذا العقد من الأب والوصي
لدفع الضرر عن الصبي فإذنهما له إنما يصح لتوفر المنفعة عليه لا للاضرار به فحاله فيما يلحق الضرر
به من التصرفات بعد الاذن كما قبله وأبو حنيفة رحمه الله يقول انفكاك الحجر عنه بالاذن
في وجوه التجارات كانفكاك الحجر عنه بالعتق والبلوغ عن عقل وبعد ذلك يملك التصرف
156

بالغبن الفاحش واليسير فكذلك بعد الاذن وهذا لان التصرف بالغبن الفاحش تجارة فان
التجارة مبادلة مال بمال وهذا التصرف في جميع المحل مبادلة مال بمال (ألا ترى) أنه تجب
الشفعة للشفيع في الكل بخلاف الهبة فإنه ليس بتجارة وبخلاف الأب والوصي لأنه لم يثبت
لها الولاية في التجارة في مال الصغير مطلقا بل مقيدا بشرط الأحسن والأصلح ولا يبعد أن
لا يصح التصرف من الأب والوصي ثم يصح ذلك من الصبي بعد الاذن كالاقرار بالدين
والعقد بالغبن الفاحش من صنيع التجار لأنهم لا يجدون من ذلك بدا وربما يقصدون ذلك
لاستجلاب قلوب المجاهرين فيسامحون في التصرف لتحصيل مقصود هم من الربح في تصرف
آخر بعد ذلك فكان هذا والغبن اليسير سواء وبان كان يعتبر في حق المريض من الثلث
لعدم الرضى به من غرمائه وورثته فذلك لا يدل علي أنه لا ينفذ من المأذون كالغبن اليسير
ثم أبو حنيفة في تصرف الوكيل فرق بين البيع والشراء في الغبن الفاحش وفى تصرف المأذون
سوى بينهما لان الوكيل يرجع على الآمر بما يلحقه من العهدة فكان الوكيل بالشراء متهما
في أنه كان اشتراه لنفسه فلما ظهر الغبن أراد أن يلزمه الآمر وهذا لا يوجد في تصرف المأذون
لأنه متصرف لنفسه لا يرجع بما يلحقه من العهدة على أحد فكان البيع والشراء في حقه سواء
وان كانت في يد المأذون جارية فباعها من رجل لغلام وسلم الجارية ولم يقبض الغلام حتى ذهبت
عين الجارية أو شلت يدها ثم مات الغلام فالمأذون بالجارية ان شاء أخذ جاريته ولا يتبع المشترى
بنقصانها وان شاء ضمن المشترى قيمتها يوم قبضها لان البيع قد انتقض بموت الغلام قبل التسليم
لفوات القبض المستحق بالعقد فيثبت له حق الرجوع بملكه إلا أن المشترى للجارية عجز عن
ردها كما قبضها لأنها تعيبت في يده فيثبت للعبد الخيار فان اختار أحدهما فليس له على المشترى
نقصانها لان المشترى قبضها بحكم عقد صحيح وذلك لا يوجب ضمان الأوصاف والفائت وصف
من غير صنع أحد (ألا ترى) أنه لو فات وصف من أوصافها في يد البائع قبل التسليم يثبت الخيار
للمشترى وان اختار الاخذ لم يتبع البائع بشئ من النقصان ولا يسقط شئ من الثمن باعتبار
ذلك النقصان فكذلك إذا حدث النقصان عند المشترى لان ضمان الأصل بحكم العقد الصحيح في
الموضعين وإذا أبى أن يأخذها فقد عجز المشترى عن ردها مع تقرر السبب الموجب للرد فيرد
قيمتها لان القيمة تقوم مقام العين عند تعذر رد العين وإنما يعتبر قيمتها حين دخلت في ضمانه
وذلك وقت القبض فيعتبر قيمتها عند ذلك كما في المغصوبة ولو كان حدث لها ذلك بعد موت
157

الغلام أخذ المأذون جاريته ونقصانها لان بموت الغلام قبل التسليم بطل البيع فبقيت الجارية
مقبوضة بحكم عقد فاسد والأوصاف تضمن في القبض بحكم العقد الفاسد كما لو كان العقد فاسدا
من الأصل وهذا لان الفاسد ضعيف في نفسه فإنما يثبت الضمان به باعتبار القبض والأوصاف
تفرد بالقبض والتناول فتفرد بضمان القبض كما في المغصوبة بخلاف الأول فهناك العقد صحيح
وضمان المقبوض بما يقابله إنما يكون بحكم العقد دون القبض والأوصاف لا تفرد بالعقد فلا
تفرد بضمانه فإن كان حدث بها عيبان أحدهما قبل هلاك الغلام والآخر بعد هلاكه فإن شاء
المأذون أخذها ونقصان عيبها الآخر وان شاء أخذ قيمة الجارية يوم دفعها إليه لأنه يجعل في نقصان
كل واحد من الثمنين كأنه لا عيب سواه ولو لم يحدث ذلك ولكن قطع رجل يدها أو فقأ
عينها أو وطئها بشبهة أو ولدت ولدا من غير سيدها ثم هلك الغلام لم يكن للمأذون الا قيمتها
يوم دفعها لأنه حدث فيها زيادة منفصلة متولدة من عقر أو أرش أو ولد وذلك في العقد
الصحيح بعد القبض فمنع فسخ العقد فيها لمعنى الربا حق للشرع وقد بيناه في البيوع فلا يتغير
ذلك برضا الغير ويكون حقه في قيمتها لأنه تعذر رد عينها مع بقاء السبب الموجب له فيجب
قيمتها يوم دفعها وإن كان ذلك بعد موت الغلام أخذ المأذون جاريته مع هذه الزيادات
لان بموت الغلام بطل العقد وكانت كالمقبوضة بحكم عقد فاسد وهي بمنزلة المغصوبة في أنها
ترد بزوائدها المنفصلة والمتصلة وفى أرش العين واليد يتخير العبد ان شاء أخذ به المشترى
لفوات ذلك الجزء في ضمانه وان شاء اتبع به الجاني وقد بينا في البيوع هذا التفريع في البيع
إذا كان فاسدا من الأصل فهو أيضا فيما إذا فسد العقد قبل الجناية وان كانت الجارية ولدت
ثم هلك الغلام فلم يقض له بقيمة الجارية حتى هلك الولد فيقول الولد حين هلك من غير
صنع أحد صار كأن لم يكن بقي نقصان الولادة في الجارية فيجعل كما لو انتقصت بعيب حادث
فيها من غير صنع أحد قبل هلاك الغلام فيتخير المأذون ان شاء أخذ الجارية ولا شئ له
غيرها وان شاء ضمن المشترى قيمتها يوم دفعها ولو كان مكان الجارية دابة لم يكن له في ذلك
خيار إذا هلك الولد وأخذ الأم لان الولادة نقصان في بنى أدم دون الدواب والولد إذا هلك
صار كأن لم يكن وكان للغلام أن يأخذ الأم فقط لان المشترى قادر على ردها كما قبض فإن كان
ت ولدت ولدا فأعتقه المشترى ثم مات الغلام فعلى المشترى قيمة الجارية ولا يرد الجارية
لان ملك المشتري قد تقرر في الولد والعتق منه للملك والنهى يكون متقررا ولهذا يكون
158

ولاؤه له ومع سلامة الولد له لا يكون متمكنا من رد الجارية وكذلك أن مات الولد بعد العتق
قبل أن يقضى على المشترى بقيمة الجارية فأراد المأذون أخذ جاريته لم يكن له ذلك أن كان
الولد ترك ولدا آخر وولاؤه للمشترى لان الولد الثاني قام مقام الأول فان بقاء الأول بعد
العتق باعتبار ان ولاءه للمشترى وهذا المعنى موجود عند بقاء ولد الولد وهذا لان الولاء
جزء من الملك لأنه أثر من آثار الملك وإن لم يكن ترك ولدا آخر ولاؤه للمشترى فللعبد أن
يأخذ الجارية ان شاء ولا يأخذ نقصانا لان الولد مات ولم يبق له أثر فصار كأن لم يكن فان
قيل فأين ذهب قولكم ان العتق أنهى للملك قلنا المنهى يكون متقررا إلى أن انتهى فلا
يكون قائما بعد الانتهاء كعقد الإجارة فإنه ينتهى بمضي المدة ولا يكون باقيا بعده والمانع من
رد الجارية بقاء شئ من الزيادة للمشترى بعد ردها وذلك يوجد عند بقاء الولاء على الولد
ولا يوجد بعد موت الولد لا إلى خلف وإن كان موته بعد قضاء القاضي بالقيمة على المشترى
فلا سبيل للعبد علي الجارية لان حقه تحول إلى قيمتها بالقضاء ولو كان المشترى حين قبضها
قطع يدها أو وطئها وهي بكر أو ثيب أو ولدت ولدا فقتلها المشترى ثم مات العبد في يد
البائع فإن شاء المأذون أخذ الجارية ولم يضمن المشترى شيئا من ذلك وان شاء أخذ قيمة
الجارية يوم دفعها إليه لان المشترى لم يلزمه ضمان بهذه الأفعال فإنها حصلت في ملك صحيح
تام فكان حدوث هذه المعاني بفعل المشترى كحدوثها بآفة سماوية وهناك يتخير المأذون وان
أراد أخذها لم يضمن المشترى شيئا فهذا كذلك وقد بينا في البيوع ان وطئ الثيب بمنزلة
استيفاء جزء من العين في حكم الرد حتى لا يردها العيب بعده الا برضا البائع كما لو كانت
بكرا فههنا كذلك ولو كانت بهيمة فولدت فقتل المشترى ولدها ولم تنقصها الولادة شيئا
فالمأذون بالخيار ان شاء أخذها ولم يرجع على المشترى بشئ من قيمة ولدها وان شاء أخذ
قيمتها يوم دفعها إليه وكان ينبغي أن لا يثبت له الخيار كما لو هلك الولد من غير صنع أحد
ولكنه قال المشترى استفاد ههنا بملك الولد البراءة عن الضمان فيعتبر ذلك في اثبات الخيار
للمأذون بخلاف ما لو أعتق الولد فهلك فان هناك بملكه ما استفاد البراءة عن الضمان لان
اعتاقه في غير الملك باطل غير موجب للضمان عليه وقتله في غير الملك موجب للضمان عليه
ثم الولد في حكم جزء من عينها فاتلاف ولدها كاتلاف جزء من عينها وذلك معتبر في اثبات
الخيار للمأذون باعتبار انه حابس لذلك الجزء حكما بالقتل الا انه لا يمنع الرد إذا رضى المأذون
159

به لان المانع بقاء الزيادة في ملكه بعد ردها وذلك غير موجود ههنا ولو كان هذا كله
من المشترى بعد هلاك الغلام فان للعبد أن يأخذ الجارية وعقرها وأرشها وقيمة ولدها
إذا قتل الولد لأنها بعد هلاك الغلام كالمقبوضة بحكم شراء فاسد وفي ايجاب العقر على المشترى
الحر بوطئ المشتراة شراء فاسدا اختلاف الروايات في العقر وقد بيناه في البيوع ولو
كانت الجارية زادت في بدنها قبل هلاك الغلام أو بعده أخذها المأذون بزيادتها اما عبد هلاك
الغلام فغير مشكل لأنها كالمقبوضة بحكم شراء فاسد وأما قبل هلاك الغلام فلانه لا معتبر
بالزيادة المتصلة في باب البيع في المنع من الرد والفسخ وقد بينا اختلاف الرواية في ذلك في
البيوع حيث نص على قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله في أن الزيادة المتصلة في المنع
من المخالف كالزيادة المنفصلة وأصح الروايتين ما ذكره هنا فالزيادة المتصلة تبع من كل وجه
وحق المأذون في استردادها عند هلاك الغلام حق قوى فيثبت ذلك فيما هو تبع من كل
وجه وكذلك في جميع هذه الوجوه لو لم يمت العبد ولكن المأذون وجد به عيبا قبل القبض
أو بعده فرده بحكم الحاكم أو غير حكم أو رده بخيار رؤية فالرد في هذا والموت قبل القبض
سواء لأن العقد ينفسخ في الغلام بالرد بهذه الأسباب كما ينفسخ بموته قبل التسليم ولو كان
المأذون اشترط الخيار ثلاثة أيام في الغلام الذي اشتراه فقبضه ودفع الجارية فذهب عينها عند
المشتري من فعله أو فعل غيره أو من غير فعل أحد أو وطئها هو أو غيره أو ولدت ولدا ثم إن
المأذون رد الغلام بخياره فإنه يأخذ الجارية وولدها وعقرها ونصف قيمتها ان كانت عينها
ذهبت عند المشترى من فعله أو من غير فعل أحد وان ذهبت من فعل غير المشترى أخذها
ونصف قيمتها ان شاء من الجاني وان شاء من المشترى ورجع به المشترى على الجاني لان
اشتراطه الخيار فيما اشترى اشتراط فيما باع وخياره فيما باع خيار البائع والمقبوض يتبع فيه
خيار البائع ويكون مضمونا بالقيمة بمنزلة المغصوب والمشترى شراء فاسدا فلهذا كان الحكم
فيها بهذه الصفة وكذلك لو قتلها غير المشترى وقد ازدادت قيمتها في يد المشترى فللمأذون ان
يضمن المشترى قيمتها يوم قبضها حالة ان شاء ويرجع المشترى على القاتل بقيمتها يوم قتلها علي
عاقلته في ثلاث سنين وان شاء المأذون رجع على عاقلة القاتل بقيمتها في ثلاث سنين وهي
بمنزلة المغصوبة ههنا دون المشتراة شراء فاسدا يملكها المشترى بالقبض ومع خيار الشرط
للبائع لا يملكها بالقبض بل هي باقية على ملك بائعها مضمونة في يد البائع كالمغصوبة ثم إن
160

اختار المأذون تضمين المشترى يملكها بالضمان فجناية القاتل حصلت على ملكه فكان له أن
يرجع على عاقلته بقيمتها في ثلاث سنين ويتصدق بالفضل لان هذا ربح حصل لا على ملكه فإنها
ما كانت مملوكة له عند القتل وسواء في جميع ذلك أن كان ما وصفنا قبل أن يختار المأذون
نقض البيع أو بعده لأنها مضمونة بنفسها مملوكة لبائعها في الوجهين جميعا (ألا ترى) أن
المشترى لو أعتق الغلام الذي باع أو أعتق الجارية التي اشترى لم يجز عتقه ما دام خيار المأذون
باقيا لان خيار المأذون فيما باع خيار البائع فيمنع دخولها في ملك المشتري وخياره فيما اشترى
خيار المشترى فيكون خارجا من ملك البائع ولو قبض لكون البيع مطلقا في جانبه فلهذا لا ينفذ
عتقه في واحد منهما وإذا باع المأذون جارية لرجل بغلام فقبض الرجل الجارية ولم يدفع الغلام
حتى هلك في يده ثم أعتق المشترى الجارية فعتقه جائز لان بهلاك الجارية فسد العقد في الجارية
ولو كان العقد فاسدا فيها في الابتداء ملكها المشترى بالقبض وينفذ عتقه فيها فكذلك إذا
فسد العقد فيها بهلاك الغلام يبقى ملك المشتري لبقاء قبضه فينفذ عتقه ويضمن قيمتها يوم
قبضها وكذلك لو قتلها المشترى أو قتلها أجنبي ضمن المشترى قيمتها يوم قبضها ولا سبيل
للمأذون على القاتل الأجنبي لان قتله صادف ملك المشتري لا ملك المأذون بخلاف المشتراة
بشرط الخيار للبائع لم يرجع المشترى بالقيمة على عاقلة المشترى لأنه قبل ملكه ولو كان
المشترى لم يقبض الجارية من المأذون حتى أعتقها فإن كان أعتقها قبل موت الغلام جاز عتقه
لأنها مملوكة له بنفس العقد الصحيح وان أعتقها بعد موته فعتقها باطل لفساد العقد فيها بموت
الغلام والمشتراة شراء فاسدا لا تكون مملوكة قبل القبض للمشترى ولو قبض الجارية
ولم يدفع الغلام حتى حدث به عيب فرده المأذون على المشترى بعيب بحكم أو بغير حكم
ثم أعتق المشترى الجارية فعتقه باطل وكذلك لو رده بخيار الرؤية أو رده بالعيب بعد
القبض بحكم أو رده بالإقالة لان في هذه الوجوه كلها العقد انفسخ فيهما جميعا أم من الأصل
أوفى الجارية سواء كان بحكم أو بغير حكم فعادت هي إلى ملك المأذون وان كانت في يد
المشترى فلهذا لا ينفذ عتقه فيها بخلاف ما إذا هلك الغلام لان هناك العقد في الجارية قد فسد
ولم ينتقض بغير نقض (ألا ترى) أن في الابتداء لو اشتراها بقيمة العبد الهالك كان العقد
فاسدا فيها ويملكها المشترى بالقبض حتى ينفذ عتقه فيها ما لم ينتقض البيع بينهما فكذلك إذا
مات العبد بقيت هي مملوكة للمشترى مع فساد العقد فيها فتعتق باعتاق المشترى إياها والله أعلم
161

باب هبة المأذون ثمن ما باعه
(قال رحمه الله) وإذا باع المأذون جارية ودفعها ثم وهب الثمن للمشترى أو بعضه قبل
القبض أو بعده أو حط عنه فذلك باطل لان الاسقاط بغير عوض تبرع كالتمليك بغير
عوض وهو منفك الحجر في التجارات دون التبرعات فإن كان وهب بعض الثمن أو حطه
قبل القبض أو بعده بعيب طعن به المشترى فهو جائز لان الحط بسبب العيب من صنيع
التجار ثم هو بمقابلة هذا الاسقاط عوض وهو اسقاط حق المشترى في الرد وهذا اسقاط
بحصة الجزء الفائت من الثمن وعجزه عن تسليم ذلك الجزء يسقط حقه في عوضه فكان هذا
اسقاطا بعوض ولو حطوا عنه جميع الثمن أو وهبه لم يجز لأنا نتيقن أن جميع الثمن لم يكن بمقابلة
الجزء الفائت فكان اسقاطا بغير عوض ثم حط جميع الثمن لا يلتحق بأصل العقد ولكنه بر مبتدأ
وحط بعض الثمن يلتحق بالعقد ويصير كأنه عقد بما بقي فيصح من المأذون إذا كان مفيدا ولو
اشترى المأذون جارية وقبضها ثم وهب البائع الثمن للعبد فهو جائز لأنه تبرع على العبد والمتبرع
من أهل التبرع والعبد من أهل التبرع عليه وكذلك لو وهبه للمولى وقبله كان بمنزلة هبته
للعبد كان عليه دين أولم يكن لان المولى يخلف العبد في كسبه خلافة الوارث المورث
وهبة صاحب الدين دينه للوارث بعد موت المورث بمنزلة هبته من المورث سواء كان على
المورث دين أو لم يكن فكذلك المولى ههنا وإن لم يقبلها المولى في هذا الوجه ولم يقبلها العبد
في الوجه الأول كانت الهبة باطلة والمال على العبد بحاله لان رد الهبة امتناع عن التملك لإزالة
الملك الثابت له وهذا الامتناع صحيح من المولى والعبد جميعا بخلاف هبة شئ من أكسابه
ابتداء فان وهب البائع الثمن للعبد أو لمولاه قبل أن يقبضه ثم وجد العبد بالجارية عيبا لم يكن
له أن يردها لأنه لوردها ردها بغير شئ والمقصود بالرد سلامة الثمن له وقد سلم له ذلك
بطريق الهبة فلا يستوجب عند الرد شيئا آخر وهذا استحسان وفي القياس وهو قول زفر
رحمه الله يرده بمثل ذلك الثمن وقد بينا نظير هذا في كتاب الرهن وإذا ثبت أنه يردها بغير
شئ يتعذر الرد لان اخراج العين عن ملكه لا يصح من العبد بغير عوض وكذلك هذا في
كل ثمن كان بغير عينه وإن كان الثمن عرضا بعينه فوهب المأذون العرض للمشترى قبل أن
يقبضه فقبضه المشترى فالهبة جائزة لان هبة المعقود عليه قبل القبض فسخ للعقد لما فيه من
تفويت القبض المستحق بالعقد والمأذون يملك الإقالة إذا ساعده صاحبه عليها بخلاف بيع المبيع
162

قبل القبض لان البيع اسم خاص لمبادلة مال بمال والفسخ ليس بتمليك ولفظ الهبة فيه توسع
قد يكون بمعنى التمليك وقد يكون بمعنى الاسقاط فيمكن أن يجعل مجازا عن الفسخ إذا تعذر
تصحيحه بطريق التمليك فإن لم يقبل المشترى الهبة فالهبة باطلة لان أحد المتعاقدين لا يفرد
بالفسخ بعد لزوم العقد وإن كان المشترى وهب الجارية قبل أن يقبضها العبد فقبلها العبد
جاز سواء كان علي العبد دين أولم يكن وكان ذلك فسخا للعقد وان وهبها للمولى فإن لم يكن
علي العبد دين فهذا نقض صحيح أيضا لان كسب العبد خالص ملك المولى وهو يتمكن من
التصرف فيه بطريق النقض كما يتمكن من التصرف فيه بطريق الايجاب وإن كان على العبد
دين فقبلها المولى وقبضها فهذا ليس بنقض للبيع لان المولى لا يملك انشاء التصرف في
كسب عبده المديون فلا يملك نقض بيعه أيضا ولكن هذه هبة صحيحة من المولى وهو بناء
علي أصل محمد رحمه الله فاما عند أبي يوسف رحمه الله فلا يصح وقد بينا المسألة في البيوع ان
التصرفات التي لا تتم الا بالقبض عند أبي يوسف لا تصح في المبيع قبل القبض وعند محمد
تصح باعتبار انه تسليط على القبض والقابض نائب عن المشترى وهو إنما ينفذ تصرفه بعد قبضه
ولو تقابضا ثم وهب العبد العرض من المشترى فقبله فالهبة باطلة لان هبة المعقود عليه بعد
القبض لا تكون فسخا فان كونه فسخا باعتبار ما فيه من تفويت القبض المستحق بالعقد وذلك
لا يوجد بعد القبض فكان هذا ابراء مبتدأ فلا يصح من المأذون ولو وهب المشتري الجارية
للمأذون أو لمولاه جازت الهبة على سبيل البر المبتدأ فان وجد المأذون بالعرض عيبا ولا دين
عليه فليس له أن يرده بالعيب لأنه لورده بالعيب رده بغير شئ فالجارية التي هي عوض
العرض قد عادت بعينها إلى ما كانت سواء كانت الهبة من العبد أو من المولى لان كسب العبد
خالص حق المولى في هذه الحالة وإن كان عليه دين وقد وهب المشترى الجارية للعبد فكذلك
لان الجارية عادت كما كانت قبل العقد فلو رد العرض رده بغير شئ وإن كان قد وهبها
لمولاه فله أن يرد العرض بالعيب ويضمنه قيمة الجارية يوم قبضها لان المولى من كسب عبده
المديون كالأجنبي ولو وهبها المشترى لا جنبي كان للعبد أن يرد العرض بالعيب وعند الرد
يجب علي بائع العرض رد الجارية وقد تعذر ردها عليه فيغرم قيمتها يوم قبضها ولو باع المأذون
جارية بعرض بعينه وتقابضا فحدث في الجارية عيب عند المشترى من غير فعل أحد أو من
فعل المشترى أو من فعل أجنبي أو ولدت ولدا أو وطئت وهي بكر أو ثيب ثم وهبها
163

المشترى للعبد أو لمولاه وعليه دين أو لا دين عليه ثم وجد المأذون بالعرض عيبا رده وضمنه
قيمتها في جميع ذلك لان ما هو موجب الرد لم يسلم له ههنا قبل الرد (ألا ترى) انه لو لم
يهب الجارية حتى رد العرض عليه بالعيب كان له أن يرجع بقيمة الجارية ولا يسترد الجارية
اما للزيادة المنفصلة في يد مشتريها أو لحدوث العيب فيها فإذا كان حقه ههنا في استرداد
قيمة الجارية لا يبطل بعود الجارية بالهبة ولا يتعذر عليه رد العرض بالعيب ولو اشترى المأذون
جارية من رجل بغلام قيمته ألف درهم وبألف درهم وتقابضا ثم وهب البائع بالألف والغلام
الغلام للمأذون وسلمها إليه ثم وجد المأذون بالجارية عيبا ليس له أن يردها لان نصفها بمقابلة
الغلام وقد عاد إليه الغلام بعينه بالهبة فلو رد ذلك النصف يرده بغير شئ فإذا تعذر الرد في
النصف الأول تعذر في النصف الثاني لما فيه من الضرر علي البائع بتبعيض الملك عليه والمشترى
لا يملك ذلك بالرد بالعيب وكذلك لو كانت الهبة للمولى ولا دين علي العبد وإن كان عليه دين
والهبة للمولى كان له أن يرد الجارية بالعيب ويأخذ من البائع ألف درهم وقيمة الغلام لان الهبة
من المولى في هذه الحالة كالهبة من أجنبي آخر فان تصرف العبد كان لغرمائه دون مولاه ان
أخذ ذلك ثم أبرأه الغرماء من الدين أو وهبوه له أو للمولى أو ورثة المولى من الغريم لم يرد
علي البائع شيئا مما أخذ منه لان بما اعترض من السبب لا يتبين أن الاخذ لم يكن بحق وان
قيمة الغلام مع الألف لم تكن واجبة له يومئذ والعارض من السبب لا يؤثر فيما انتهى حكمه
بالاستيفاء والله تعالى أعلم بالصواب
(باب الإقالة)
(قال رحمه الله) المأذون في إقالة البيع كالحر لأنه فسخ أو بيع مبتدأ في حق غيرهما
والمأذون يملك كل واحد منهما فان اشترى المأذون جارية فزادت في يده حتى صار الثمن
أقل من قيمتها بما لا يتغابن الناس في مثله ثم أقاله البيع فيها فهو جائز في قول أبي حنيفة
رحمه الله ولا يجوز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وهو بناء علي ما تقدم ان المأذون
إذا باع شيئا من كسبه أو اشترى شيئا مما لا يتغابن الناس في مثله فعلى قول أبي حنيفة لما كان
يملك ابتداء التصرف بهذه الصفة فكذلك الإقالة وعندهما لا يملك ابتداء التصرف بهذه
الصفة لحق المولي أو للغرماء فكذلك لا يملك الإقالة لان الإقالة في حق غير المتعاقدين بمنزلة
164

البيع المبتدأ والإقالة من المأذون بعد الحجر المولى عليه باطلة لأنه لا يملك ابتداء البيع والشراء
بعد الحجر وإذا باع المأذون شيئا أو اشترى ثم إن المولى أقال البيع فيه فإن كان المأذون لا دين
عليه يومئذ فما صنع المولي من ذلك علي عبده فهو جائز لان الكسب خالص حقه والمأذون
في حكم العقد كان متصرفا له فتصح الإقالة منه وإن كان عليه دين يومئذ فهو باطل لان
المولى في كسبه كأجنبي آخر وإنما يعتبر قيام الدين عليه عند الإقالة لا عند ابتداء التصرف
لان الإقالة بمنزلة البيع الجديد فإذا كان الدين عليه قائما عند الإقالة لا يصح من المولى هذا
التصرف كما لا يصح ابتداء البيع وإذا لم يكن الدين قائما يومئذ صح منه لمصادفته محله فإن كان
عليه دين عند الإقالة فقضى المولى الدين أو أبرأ الغرماء العبد من دينهم قبل أن يفسخ
القاضي الإقالة صحت الإقالة بمنزلة ما لو باع شيئا من كسبه ثم سقط دينه بهذا الطريق وان
فسخ القاضي الإقالة ثم أبرأه الغرماء من الدين فالفسخ ماض لان السبب الموجب لفسخ
الإقالة وهو حق الغرماء كان قائما حين قضى القاضي به فلا يبطل ذلك الفسخ بسقوط الدين
بعده كما إذا زال العيب بعد ما قضى القاضي بالفسخ وإذا باع عرضا بثمن وتقابضا ثم تقايلا
والعرض باق والثمن هالك قبل الإقالة أو بعدها فالاقالة ماضية وإن كان الثمن باقيا والعرض
هالكا قبل الإقالة أو بعدها فالاقالة باطلة وهذه فصول قد بيناها في البيوع في بيع العرض
بالثمن وفي بيع العرض بالعرض وفى السلم وفى بيع النقود بعضها ببعض وما فيها من الفروق
وقد استقصينا في بيانها في البيوع فإذا باع المأذون جارية بألف وتقابضا ثم قطع المشترى يدها
أو وطئها أو ذهبت عينها من غير فعل أحد ثم تقايلا البيع ولا يعلم العبد بذلك فهو بالخيار
ان شاء أخذها وان شاء ردها لأنه إنما رضى بالإقالة على أن تعود إليه كما خرجت من يده
وقد خرجت من يده غير معيبة والآن تعود إليه معيبة فلا يتم رضاه بها فلهذا كان له الخيار
وحال البائع عند الإقالة كحال المشترى عند العقد ولو حدث بالمبيع عيب بعد العقد و قبل القبض
يخير المشترى فهذا مثله وإنما الاشكال إذا وطئها وهي ثيب فان من اشترى جارية ثيبا ثم علم أن
البائع كان وطئها قبل العقد لم يكن له أن يردها بذلك وههنا قال للعبد أن يردها إذا علم
أن المشترى كان وطئها قبل الإقالة وهذا لان الوطئ في المشتراة بمنزلة التعييب والمستوفى
بالوطئ في حكم جزء من العين ولهذا لو وجد المشترى بها عيبا بعد الوطئ لم يكن له أن
يردها الا برضا البائع فكذلك وطئ المشترى إياها في حكم الإقالة بمنزلة التعييب فلهذا يخير
165

العبد وهذا لأنه لا يرضى بأن يطأها المشترى زمانا ثم يقبل العقد فيها بجميع الثمن بخلاف البيع
المبتدأ فالمشترى هناك يرغب فيها بالثمن المسمى في العقد إن كان يعلم أن البائع وطئها قبل
العقد ولو كان الواطئ أو القاطع أجنبيا فوجب عليه العقر أو الأرش ثم تقايلا البيع والعبد
يعلم بذلك أولا يعلم فالاقالة باطلة في قول أبي حنيفة رحمه الله صحيحة في قول أبى يوسف
ومحمد رحمهما الله وهو بناء علي ما بينا في كتاب الصلح ان الإقالة عند أبي حنيفة فسخ في
حق المتعاقدين فإذا لم يمكن تصحيحه فسخا كان باطلا وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة قبل
القبض كذلك وبعد القبض بمنزلة البيع وفي قول أبى يوسف الإقالة بمنزلة البيع في المستقبل
الا إذا تعذر جعلها بيعا فحينئذ يجعل فسخا وذلك في المنقول قبل القبض وعند محمد الإقالة
بالثمن الأول أو أقل منه تكون فسخا فأما بأكثر من الثمن الأول أو بجنس آخر غير الثمن
الأول تكون بيعا مستقبلا والثمن الأول إنما يكون فسخا إذا كان المحل قابلا للفسخ فأما إذا
لم يكن قابلا لذلك كان بيعا مبتدأ ووجوه هذه الأقاويل بيناها في كتاب الصلح والا آن نقول
العقر والأرش زيادة منفصلة وهي تمنع الفسخ حقا للشرع فلا تصح الإقالة بعد ها عند أبي حنيفة
رحمه الله وعند أبي يوسف الإقالة بمنزلة البيع المستقبل وعند محمد كذلك عند تعذر
الفسخ فجوز الإقالة ههنا بطريق البيع المستقبل ولو اشترى المأذون جارية بألف درهم وقبضها
ولم يدفع الثمن حتى وهب البائع الثمن للعبد ثم تقايلا فالاقالة باطلة في قول أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله لان عند أبي حنيفة الإقالة فسخ ولا يمكن تصحيحها ههنا فسخا فإنه بالفسخ يردها
بغير شئ وعند محمد كذلك لان المحل قابل للفسخ (ألا ترى) انه لو لم يهب الثمن منه كان
الفسخ صحيحا وإن كان المشترى حرا كان الفسخ صحيحا فعرفنا ان المحل قابل للفسخ والإقالة
بالثمن الأول فلو صحت كان فسخا بغير شئ والعبد ليس من أهل رد الجارية بغير شئ وعند أبي
يوسف الإقالة بمنزلة البيع المستقبل فكأنه باعها ابتداء من البائع بألف وذلك صحيح فيأخذ
العبد الألف من البائع ويدفع إليه الجارية ولو أقاله البيع بمائة دينار أو بجارية أخرى أو بألفي
درهم كانت الإقالة باطلة في قياس قول أبي حنيفة ومحمد لأنها فسخ عنده وما سمى فيها من
الثمن باطل فلو ردها ردها بغير شئ وعند أبي يوسف ومحمد هذا جائز أما عند أبي يوسف
فهذا غير مشكل وعند محمد الإقالة بأكثر من الثمن الأول أو بجنس غير جنس الثمن الأول
تكون بيعا مبتدأ فكأنه باعها ابتداء بما سمى من الثمن فيكون صحيحا ولو كان المأذون لم يقبض
166

الجارية حتى وهب البائع ثمنها ثم تقايلا فالاقالة باطلة عندهم جميعا لان قبل القبض لا يمكن
تصحيحها بيعا فيكون فسخا فلو صححناها لكان مخرجا إياها من ملكه بغير عوض وكذلك
لو أقاله بثمن آخر في هذه الحالة فان بيع المبيع قبل القبض لا يجوز بخلاف جنس الثمن الأول
ولا بأكثر من الثمن الأول فكان الجواب في الفصول سواء ولو لم يتقايلا البيع ولكنه رأى
بالجارية عيبا قبل أن يقبضها فلم يرض بها أولم يكن رآها فلما رآها لم يرض بها فنقض البيع وقد
كان البائع وهب له الثمن فقبضه بطل لان الرد بخيار الرؤية فسخ من كل وجه وكذلك الرد
بالعيب قبل القبض فيكون في الرد اخراجها من ملكه بغير عوض والمأذون لا يملك ذلك
ولو كان حين اشتراها اشترط فيها الخيار ثلاثة أيام ثم وهب له البائع الثمن ثم ردها بالخيار فرده
جائز في قول أبي حنيفة وفي قولهما ليس له أن يردها بناء على ما بينا في البيوع ان خيار المشترى
عنده يمنع دخول المبيع في ملكه فهو بهذا الرد لا يخرج العين عن ملكه بغير عوض ولكنه
يمتنع من تملكه وهو صحيح من العبد كالامتناع من قبول الهبة وعندهما السلعة دخلت في
ملك المشتري فهذا الرد اخراج لها من ملكه بغير عوض والمكاتب في جميع ما وصفنا
كالمأذون لأنه ليس من أهل التبرع بكسبه كالمأذون بل أولى فان المكاتب لا يتبرع بإذن المولى
ومن المأذون يصح ذلك أن لم يكن عليه دين ولو باع المأذون جارية من رجل بألف
درهم وتقابضا ثم تقايلا فلم يقبض العبد الجارية حتى قطع رجل يدها أو وطئها فنقصها الوطئ
كان العبد بالخيار للتغيير الحاصل فيها بعد الإقالة قبل الرد ولو اختار أخذها اتبع الواطئ أو
الجاني بالعقر أو الأرش لأنها عادت إلى ملكه ففعل الواطئ أو الجاني حصل في ملكه
فيكون العقر والأرش له أو ان نقض الإقالة فالعقر والأرض للمشترى لأنها تعود إلى ملك المشتري
على ما كانت قبل الإقالة وصار الحال بعد الإقالة قبل الرد ههنا كالجاني بعد الشراء
قبل القبض والمبيعة إذا وطئت بالشبهة ونقصها الوطئ أو جنى عليها قبل القبض يخير المشترى
ان شاء أخذها واتبع الجاني أو الواطئ بالعقر والأرش وان شاء نقض البيع والعقر والأرش
للبائع فكذلك بعد الإقالة ولو كان مكان الألف عرضا بعينه كان العبد بالخيار ان شاء أخذ
الجارية من المشترى واتبع الجاني أو الواطئ بالأرش والعقر وان شاء أخذ قيمة الجارية من
المشترى يوم قبضها وسلم له الجارية وأرشها وعقرها للمشترى لان الإقالة ههنا لا تبطل وان
أبى أن يأخذ الجارية بمنزلة ما لو هلكت فان في بيع المقايضة هلاك أحد العوضين كما لا يمنع
167

بقاء الإقالة لا يمنع ابتداء الإقالة بخلاف ابتداء البيع وإذا بقيت الإقالة وقد تعذر على المشترى
رد عين الجارية للتغيير الحاصل فيها في ضمانه فعليه قيمتها يوم قبضها وكذلك لو كان قبلها
الجاني كان العبد بالخيار ان شاء اتبع عاقلة الجاني بقيمتها لان جنايته حصلت على ملكه وان
شاء اتبع المشترى بقيمتها حالة لان الإقالة لم تبطل وقد تعذر على المشترى ردها فيلزمه رد
قيمتها وهذه القيمة ضمان العقد فتكون حالة في ماله ثم يرجع المشترى علي عاقلة الجاني بقيمتها
في ثلاث سنين لأنها عادت إلي أصل ملكه وكذلك لو ماتت الجارية بعد الإقالة كان للعبد
أن يأخذ من المشترى قيمتها لما بينا أن هلاك الجارية لا يمنع بقاء الإقالة كما لا يمنع ابتداء الإقالة
فعليه رد قيمتها ولو كان حدث بها عيب من فعل المشترى بعد الإقالة يخير العبد فإن شاء
ضمنه قيمتها يوم قبضها منه لأنه تعذر عليه رد عينها كما قبضها وان شاء أخذ الجارية ورجع
على المشترى بنقصان العيب لان الجارية بعد الإقالة مضمونة بنفسها حتى لو هلكت يجب
ضمان قيمتها فتكون كالمغصوبة فيضمن المشترى نقصان العيب بخلاف المبيعة قبل القبض
فإنها مضمونة بالثمن فلا يكون للمشترى أن يتبع البائع بنقصان العيب من القيمة إذا أراد
أخذها ولكن يسقط حصة ذلك من الثمن لان التعييب حصل بقول البائع والأوصاف بالتناول
تصير مقصودة ولو كان العيب أحدثه فيها المشترى قبل الإقالة ثم تقايلا ثم علم العبد بالعيب
تخير لمكان التغيير فإن شاء ضمن المشترى قيمتها يوم قبضها لأنه تعذر عليه ردها كما قبضها
وان شاء أخذها معيبة ولا شئ له غير ذلك لان فعل المشترى حصل في ملك صحيح له وذلك
غير موجب للضمان عليه فهو وما لو تعيبت بغير فعله سواء بخلاف الأول ففعل المشترى
هناك لا في ملك غيره لأنها بالإقالة عادت إلى العبد وهي مضمونة في يد المشترى بنفسها
على ما قررنا ولو كان العيب أحدثه فيها رجل أجنبي قبل الإقالة ثم تقايلا فالاقالة جائزة ولا
سبيل للعبد على الجارية ولكنه يأخذ من المشترى قيمتها يوم قبضها لأنه بحدوث الزيادة
المنفصلة فيها تعذر الفسخ فكأنها ماتت وموتها قبل الإقالة لا يمنع صحة الإقالة ويكون حق
العبد في قيمتها يوم قبضها لتعذر رد العين في قيام السبب الموجب للرد ولو باع العبد إبريق
فضة فيه مائة درهم بعشرة دنانير وتقابضا ثم تقايلا وافترقا قبل القبض فالاقالة منتقضة لان
العبد في حكم الإقالة كالحر وقد بينا في الصرف ان الإقالة بمنزلة العقد الجديد في حكم
استحقاق القبض في المجلس لان ذلك من حقوق الشرع والرد بعد القبض بغير قضاء بمنزلة
168

الإقالة في ذلك بخلاف الرد بالعيب فان فسخ من الأصل فلا يبطل بترك التقابض في
مجلس الرد ولو باع المأذون جارية من رجل بجارية قيمة كل واحدة منهما ألف وتقابضا ثم
تقايلا ولم يتقابضا حتى ولدت كل واحدة منهما ولدا قيمته مثل قيمة أمه فلهما أن يتقابضا
الجاريتين وولديهما لان كل واحدة منهما عادت بالإقالة إلى ملك من خرجت من ملكه
بالعقد ثم ولدت على ملكه فيكون له أن يأخذها مع ولدها كالمبيعة إذا ولدت قبل القبض فإن لم
يتقابضا حتى ماتت الأمهات وأرادا أخذ الولدين فإن كان واحد منهما يأخذ الولد الذي في
يد صاحبه مع نصف قيمة أمة لان كل واحدة منهما حين ولدت فالأخرى تنقسم على قيمتها
وقيمة ولدها وقيمتهما سواء فانقسمت نصفين وقد هلكت الأمتان فكان لكل واحد منهما
أن يأخذ من صاحبه الولد الذي في يده مع نصف قيمة أمه اعتبارا للبعض بالكل وان
كانت قيمة كل واحد من الولدين خمسمائة والمسألة بحالها كان لكل واحد منهما أن يأخذ
الولد الذي في يد صاحبه ويرجع على صاحبه بثلث قيمة الأم التي هلكت في يده لان
انقسام كل واحد منهما على الأم وعلى الولد باعتبار القيمة فيكون أثلاثا فبعد هلاك الأمتين
إنما تبقى الإقالة فيما هو حصة الولد من كل واحدة منهما وحصة ولد هذه من الأخرى الثلث
فعرفنا أن بقاء الإقالة في ثلث الأخرى فيرجع بثلث قيمتها فأما في ثلثيها فقد بطلت الإقالة
بهلاك العوضين جميعا بخلاف الأول فالانقسام هناك نصفان لاستواء القيمتين فبقي كل
واحد من الولدين ببقاء الإقالة في نصف الأم الأخرى حصة هذا الولد فيها فلهذا كان الرجوع
بنصف القيمة ولو هلك الولد وبقيت الأمتان أخذ كل واحد منهما الجارية التي في يد
صاحبه ولم يتبعه بشئ من قيمة الولد لان الولد حدث من غير صنع أحد ومات كذلك
فصار كأن لم يكن ولو هلكت الأمتان وأخذ الولدين فان الذي في يده الولد الحي يدفعه
إلى صاحبه فيأخذ منه ثلث قيمة الأم التي هلكت في يد الآخر لان بقاء الإقالة باعتبار الولد
الحي وإنما يبقى فيما يخصه من الجارية الأخرى وحصة ثلث الجارية الأخرى فلهذا رجع بثلث
قيمتها وفيما سوى ذلك بطلت الإقالة كلها بهلاك العوضين قبل الرد والله أعلم
(باب تأخير العبد المأذون الدين)
(قال رحمه الله) وإذا وجب للعبد المأذون على رجل ألف درهم ومن ثمن مبيع أو غصب
169

أو غير ذلك فأخره العبد عنه سنة فهو جائز لان التأجيل من صنيع التجار وهو منفك
الحجر عنه فيما هو من صنيع التجار وهذا لان التأجيل لا يسقط الدين وإنما يؤخر المطالبة
ولو ترك المطالبة زمانا من غير تأجيل لم يكن به متبرعا عليه بشئ من الدين فكذلك إذا أجله
سنة ولو صالحه على أن أخر ثمن بعضه وحط عنه بعضه كان الحط باطلا والتأخير جائزا اعتبارا
للبعض بالكل ولو كان الدين الواجب له قرضا اقترضه فتأجيله غير لازم كما في الحر وقد
بيناه في كتاب الصرف ولو وجب للمأذون ولرجل على رجل ألف درهم وهما فيه شريكان
فأخر العبد نصيبه منه فالتأخير باطل في قول أبي حنيفة رحمه الله وهو جائز في قول أبى
يوسف ومحمد رحمهما الله وقد بينا المسألة في الحرين في كتاب الصلح فكذلك في العبد مع
الحر وبينا ان علي قولهما الذي لم يؤخر الدين يأخذ حصته فيكون له خاصة فإذا حل الاجل
كان العبد بالخيار ان شاء أخذ من شريكه نصف ما أخذ لان المقبوض كان دينا مشتركا بينهما
وبالتأجيل لم تبطل الشركة فان قسمة الدين قبل القبض لا تجوز إلا أن الاجل كان ما نعا من
مشاركة القابض فإذا ارتفع هذا المانع كان له أن يشاركه في المقبوض ثم يتبعان الغريم بالباقي وان
شاء سلم له المقبوض واختار اتباع الغريم بنصيبه في الدين ولو اقتضى العبد شيئا قبل حل
الاجل كان لشريكه أن يأخذ منه نصفه لان الاجل سقط فيما اقتضاه العبد فكأنه لم يكن
ولان المقبوض من دين مشترك ولا مانع للشريك من مشاركته في المقبوض لان نصيبه من
الدين حال وكذلك أن كان الدين كله مؤجلا فقبض أحدهما شيئا منه قبل حله كان للآخر أن
يشاركه فيه لان الاجل حق المطلوب فهو في مقدار ما أو في قبل حله أسقط حقه من الاجل
فسقط ذلك في حق الشريكين جميعا والحكم في هذا الحر بمنزلة ما لو كان الدين كله حالا
فللذي لم يقبض أن يشارك القابض في المقبوض ولو كان الدين حالا فأجله العبد سنة ثم
قبض الشريك حصته ثم أبطل الغريم الاجل الذي أجله العبد برضى منه قبل مضيه فقد بطل
الاجل لأنه حق الغريم وقد أسقطه ولكن لا سبيل للعبد على ما قبض شريكه في قول أبي حنيفة
ومحمد حتى يحل الاجل لأنه ثبت بالتأجيل حكمان أحدهما سقوط حقه عن مشاركة
القابض في المقبوض قبل حل الاجل و الآخر سقوط حقه عن مطالبة المديون قبل حل
الاجل فاسقاط الغريم الاجل عامل في حقه وليس بعامل في حق القابض إذ لا ولاية له عليه
فيجعل الاجل في حقه كالقائم وهو نظير الدين المؤجل إذا كان به كفيل فأسقط الأصيل
170

الاجل بقي الاجل في حق الكفيل فإذا حل الاجل شاركه في المقبوض ان شاء وإن لم
ينقص الاجل ولكن الغريم مات فحل عليه شارك العبد شريكه فيما قبض لان انتقاض الاجل
بالموت ثابت حكما فيظهر في حق مطالبة الغريم وحق مشاركة القابض في المقبوض بخلاف
الأول فإنه كان عن قصد من الغريم وهذا بخلاف مسألة الكفيل فان الأصيل إذا مات بقي
الاجل في حق الكفيل لان هناك الاجل في حق كل واحد منهما ثابت مقصود والغريم
بالموت قد استغنى عن الاجل والكفيل محتاج إليه فبقي الاجل في حقه فأما ههنا فالاجل
في حق الغريم خاصة فأما مشاركه القابض في المقبوض فلا أجل فيه مقصودا لان ذلك عين
والعين لا تقبل الاجل وإنما كان ذلك بناء على قيام المانع في حق الذي أجله ولم يبقى المانع
بعد موت الغريم حقيقة وحكما فأما بعد اسقاط الاجل من الغريم قصدا فالمانع كالقائم في حق
الشريك حكما فمن هذا الوجه يقع الفرق ولو لم يمت ولكنهما تناقضا الاجل ثم قبض
الشريك حقه كان للعبد أن يشاركه لأنهما حين تناقضا لم يكن في هذا الاجل حق سوى
الغريم فصحت مناقضته مطلقا فصار الدين حالا فإذا قبض الآخر نصيبه بعد ذلك كان له أن
يشاركه بخلاف الأول فهناك حين تناقضا كان حق الشريك ثابتا في ذلك الاجل من حيث
تأخر رجوع الشريك عليه في المقبوض فلا يعمل انتقاضه في حقه * يوضحه أن هناك حين
قبض مع قيام الاجل لم يثبت للشريك حق المشاركة في المقبوض الا بعد حل الاجل فلو
ثبت بعد ذلك أنما يثبت بتصرف الغريم وتصرفه في حق الغير لا يكون صحيحا وههنا حين
قبض بعد مناقضة الاجل حق الشريك ثابت في المشاركة ومناقضة الاجل لم يكن تصرفا منه
في حق الغير فكان صحيحا ولو كان المال حالا فقبض الشريك حقه ثم إن العبد أخر الغريم حقه
وهو يعلم بقبضه أو لا يعلم فتأخيره جائز عندهما ولا سبيل له على ما قبض شريكه حتى يحل
الاجل لان كون نصيبه مؤجلا مانع له من الرجوع علي شريكه في المقبوض قبل حل الاجل
ولو كان هذا المانع قائما عند القبض لم يكن له أن يشاركه فكذلك إذا ثبت هذا المانع بالتأجيل
بعد قبضه ولان نصيبه في حصة الغريم علي حاله (ألا ترى) أنه لو سلم للقابض ما قبض واختار
اتباع الغريم كان له ذلك فإذا صح تأجيله في نصيبه لم يكن له أن يشارك صاحبه في المقبوض
حتى يحل الاجل فإذا حل أخذ منه نصف ما قبض ان شاء * فان قيل لماذا لم يجعل تصرفه في نصيبه
من حيث التأجيل مسقطا حقه في مشاركة القابض * قلنا لأنه لا منافاة بين تأجيله في نصيبه
171

وبين ثبوت حقه في المشاركة في المقبوض بعد حل الاجل وهذا لان حق المشاركة باعتبار
الشركة في أصل الدين وبتأجيله لا ينعدم ذلك ولو كان مالهما إلى سنة فقبض الشريك عاجلا
ثم إن العبد أخر حقه للغريم سنة أخرى وهو يعلم بقبضه أو لا يعلم فتأخيره جائز عندهما
ولا سبيل له على ما قبض شريكه حتى يمضى السنتان جميعا لان الزيادة في الاجل بعد قبض
الشريك بمنزلة أصل التأجيل وقد بينا أن ذلك يمنعه من المشاركة قبل حل الاجل فلا يسقط
حقه في المشاركة بعد حل الاجل فكذلك الزيادة في الاجل ولو كان المال حالا فأخذ
الشريك حقه فسلمه له العبد كان تسليمه جائزا عندهم لأنه يسقط حقه في المشاركة بعوض
وهو ما يستوفى من الغريم من نصيبه من الدين وذلك من صنيع التجار فيكون صحيحا من
العبد ولا يرجع العبد على القابض بشئ حتى يتوى ما على الغريم فإذا توى ما عليه رجع علي
شريكه فيشاركه في المقبوض لأنه سلم له المقبوض بشرط أن يسلم له ما في ذمة الغريم فإذا لم يسلم
عاد حقه كما كان كالمحتال عليه إذا مات مفلسا ولو كان المال إلى سنة فاشترى العبد من الغريم
جارية بحصته فللشريك أن يأخذ العبد بنصف حقه من الدراهم لأنه صار مستوفيا نصيبه بطريق
المقاصة كما هو الأصل في الشراء بالدين فكأنه استوفاه حقيقة وأحد الشريكين إذا استوفى
نصيبه قبل حل الاجل كان للآخر أن يشاركه فيه فان أخذ منه نصف نصيبه من الدراهم ثم
وجد العبد بالجارية عيبا فردها على البائع بقضاء قاض عاد المال إلى أجله لان الرد بقضاء القاضي
فسخ من الأصل وسقوط الاجل كان من حكم البيع ووقوع المقاصة بالثمن وقد بطل ذلك
بانفساخ العقد من الأصل فعاد المال إلى أجله واسترد العبد من شريكه ما أخذه منه لأنه أخذه
باعتبار أنه استوفى نصيه بالمقاصة وقد بطل ذلك من الأصل بانفساخ البيع فتبين أنه استوفى
منه بغير حق فيلزمه رده ولو كان ردها بغير قضاء أو بإقالة لم يرجع على الشريك بشئ مما أعطاه
لان هذا السبب بمنزلة العقد المبتدأ في حق الشريك فلا يتبين به بطلان المقاصة وحكم الاستيفاء
من العبد لنصيبه في حق الشريك فلهذا لا يرجع عليه بشئ ويكون للعبد ولشريكه على الغريم
الخمسمائة الباقية إلى أجلها وللعبد على الغريم خمسمائة حالة فكان ينبغي أن يكون هذا مؤجلا عليه
لان الإقالة والرد بغير قضاء القاضي فسخ في حقهما والأجل في هذا المال من حقهما ولكن
هذا بناء على الأصل الذي بينا فيما أمليناه من شرح الزيادات ان الإقالة والرد بغير قضاء القاضي
فسخ في حقهما فيما هو من حكم ذلك العقد خاصة فأما فيما ليس من حكم ذلك فالعقد يكون
172

بمنزلة البيع المبتدأ وعود الاجل ليس من حكم ذلك العقد فيجعل في حقه كالبيع المبتدأ فكأنه
اشتراها بخمسمائة مطلقة فتكون حالة وكذلك لو كان العبد المشترى الجارية من الغريم بجميع
الألف إلا أن للشريك أن يأخذه بنصف الألف ههنا لأنه صار مستوفيا جميع الدين بطريق
المقاصة واحد الشركين ان استوفى الدين كان للآخر أن يرجع عليه بنصف ذلك الدين سواء
كان الدين حالا أو مؤجلا فإن كان حين إقالة البيع أو رده بغير قضاء شرط عليه البائع ان
الثمن إلى أجله كان إلى أجله لان هذا بمنزلة البيع المبتدأ لكن بثمن مؤجل شرطا وهو نظير
المشترى بالنسبة إذا ولاه غيره مطلقا يكون الثمن في حق البائع حالا إلا أن يكون اشترط في
التولية أن يكون المال إلى أجله فحينئذ يكون مؤجلا كما شرط
(باب وكالة العبد المأذون بالبيع)
(قال رحمه الله) وللمأذون له أن يتوكل لغيره بالشراء بالنقد استحسانا وفي القياس لا يجوز
ذلك لأنه يلتزم الثمن في ذمته بمقابلة ملك يحصل لغيره فيكون في معنى الكفالة بالمال عن الغير
والمأذون ليس من أهله إلا أن يكون بإذن المولى إذا لم يكن عليه دين ولأنه يلتزم العهدة
من غير منفعة له في ذلك فيكون تبرعا منه ولهذا لا يتوكل بالشراء لغيره بالنسيئة * وجه
الاستحسان أن الثمن بالشراء كما يجب على المأذون يجب له على الموكل وتكون العين محبوسة
في يده إلى أن يصل الثمن إليه فلا يلحقه ضرر في ذلك بل هو بمنزلة ما لو اشتراه لنفسه ثم
باعه من غيره بمثل ذلك الثمن بخلاف الكفالة فإنه يلتزم المال في ذمته بالكفالة من غير أن
تكون بمقابلته في يده عين محبوسة وبخلاف الشراء بالنسيئة فإنه لا يستوجب حبس العين
بالثمن ههنا كما أن البائع لا يستوجب الحبس عليه فيكون ذلك في معنى الكفالة ثم هذا التوكيل
منفعة للمأذون لأنه يحتاج في بعض التصرفات إلى الاستعانة بغيره ومن لا يعين غيره لا يعان
عند حاجته وإذا توكل بالشراء نسيئة صار مشتريا لنفسه لأنه لما تعذر تنفيذ شرائه على الموكل
وهو يملك الشراء لنفسه بهذه الصفة نفذ العقد عليه كالحر إذا اشترى لغيره بغير أمره وان
يتوكل لغيره بالبيع بالنقد والنسيئة لأنه في الموضعين جميعا إنما يلتزم تسليم العين ولا يلتزم
في ذمته شيئا من البدل وهو لا يستغنى عن ذلك في التصرفات ولان التوكيل عن الغير
بالشراء أو بالبيع من نوع التجارة فان أعظم الناس تجارة وهم الباعة يتوكلون بالبيع والشراء
173

للناس وللمأذون أن يوكل بالبيع والشراء غيره كما يفعله الحر لان التوكيل من صنيع التجار ولأنه
لا يستغنى عن ذلك في تجارته فان التجارة نوعان حاضرة وغائبة وإذا اشتغل بأحدهما بنفسه يحتاج
إلى أن يستعين في الآخر بغيره لكن لا يفوته مقصود النوعين وإذا باع المأذون جارية رجل
بأمره ثم قتلها الآمر قبل التسليم بطل البيع لان البيع من نائبه كبيعه من نفسه والمبيع مضمون
على الموكل بالثمن لو هلك فلا يكون مضمونا عليه بالقيمة لما بينهما من المنافاة فإذا لم تجب القيمة
بحقوق فوات القبض المستحق بالعقد حين تلف المعقود عليه ولم يخلف بدلا بطل البيع فان
قتلها المأذون قيل لمولاه ادفعه بالجناية أو افده كما لو قتلها قبل البيع وهذا لان بالوكالة لا يثبت
للمأذون فيما ملك ولا حق ملك فقتله إياها جناية على ملك الغير وجناية المملوك بهذه الصفة
توجب على المولى الدفع أو الفداء فأيهما فعل كان المشترى بالخيار لتغير المعقود عليه قبل التسليم
حين تحول البيع إلى البدل فإن شاء نقض البيع وان شاء أخذ ما قام مقام الجارية وأدى الثمن كما
لو كان القاتل عبدا آخر سوي الوكيل ولو كان مولى العبد هو الذي قتلها وعلي العبد دين أو لا دين
عليه فعلى عاقلته قيمتها إلى ثلاث سنين لأنه ليس لمولى العبد فيها ملك ولا حق ملك ثم يتخير
المشترى فإن شاء نقض البيع والقيمة للموكل وان شاء أدى الثمن فاستوفى قيمتها من عاقلة
القاتل في ثلاث سنين ولو كان المأذون باع جارية مما في يده من رجل بجارية ثم قتلها العبد
قبل أن يسلمها بطل العقد لان العبد في التصرف في كسبه كالحر في التصرف في ملكه
فالمبيع في يده مضمون بما يقابله ويستوى إن كان علي العبد دين أولم يكن فيبطل البيع لفوات
القبض المستحق بالعقد وكذلك أن قتلها المولى ولا دين على العبد لان كسب العبد خالص
ملك المولى والعبد بائع للمولى من وجه (ألا ترى) انها لو هلكت بطل ملك المولى عما يقابلها
فكذلك إذا قتلها المولى وإن كان علي العبد دين فالمولى ضامن لقيمتها لان كسبه في هذه
الحالة لغرمائه ولو قتلها المولى قبل البيع كان ضامنا لقيمتها لغرمائه فبعد البيع أولى وهذه القيمة
عليه في ماله لان له حق الملك في كسبه على معنى أنه يسلم له إذا فرغ من دينه والعاقلة لا نتحمل عنه
له فتكون القيمة في ماله سواء قتلها عمدا أو خطأ والمشترى بالخيار لتغيير المعقود عليه قبل
التسليم فإن شاء نقض البيع وكانت القيمة لغرماء العبد وان شاء أخذ القيمة وأدى الثمن
وتصدق بالفضل إن كان في القيمة علي الثمن فضل لان ذلك ربح حصل لا علي ضمانه ولو كان
174

المولى دفع إلى عبده جارية له ليست من تجارة العبد وأمره ببيعها فباعها ولم يقبضها المشترى
حتى قتلها مولى العبد فالبيع منتقض لان العبد في هذا التصرف كان نائبا عن المولى كالحر
وهي مضمونة على المولى بالثمن فينتقض البيع لتفويت القبض المستحق بالعقد فيها وإن كان
العبد هو الذي قتلها فان اختار المولى دفع العبد بالجناية فالمشترى بالخيار لان الجارية صارت
مملوكة للمشترى بالعقد والعبد إنما جني على ملك المشتري وذلك يوجب الخيار للمولى بين الدفع
والفداء فان اختار الدفع فهناك لا يجب في ذمته شئ من قيمتها ولكن يلزمه تسليم العبد وإذا
اختار الدفع قام العبد مقام الجارية ويخير المشترى للتغيير وإذا اختار الفداء انتقض البيع لأنه
حين اختار الفداء فقد صار الضمان دينا في ذمته وإذا صار الضمان عليه بطل الشراء لأنه مضمون
عليه بالثمن قبل التسليم فلا يكون مضمونا بالقيمة كما لو كان هو الذي قتلها بخلاف ما إذا ختار
المشترى امضاء العقد ووجوب تسليم العبد عليه كوجوب تسليم الجارية عليه قبل القتل وإذا
كان بين المأذون وبين حر جارية فأمره الحر بيعها فباعها العبد بألف درهم ثم أقر العبدان
شريكه قد قبض جميع الثمن أو نصفه من المشترى وصدقه المشترى وكذبه الشريك فاقرار
العبد صحيح في براءة المشترى من نصف الثمن لأنه أقر في النصف بقبض مبرئ وهو قبض
الموكل فيكون بمنزلة ما لو أقر بأنه هو الذي قبضه وهذا لان الاقرار بالقبض يملكه المأذون
كانشاء القبض فان ذلك من صنيع التجار ثم يحلف العبد بدعوى الشريك لأنه يزعم أنه أتلف
حقه في الثمن باقراره بالقبض كاذبا ولو أقر العبد لزمه فإذا أنكره يحلف لرجاء نكوله فان
حلف أخذ من المشترى نصف الثمن فيكون بينهما نصفين لان يمينه حجة له في براءته عن
ضمان ذلك النصف الذي زعم أن الموكل قبضه وليست بحجة في وصول ذلك إلى الشريك حقيقة
ولا في سلامة ما بقي له خالصا فهذا الذي بقبضة جزء من دين مشترك بينهما فيكون بينهما
نصفان والنصف الآخر صار كالتاوي وان نكل عن اليمين غرم نصف الثمن للشريك لإقراره
أنه أتلف ذلك عليه ويأخذ من المشترى نصف الثمن فيسلم له لأنه وصل إلى الشريك جميع
حقه ولا يمين على المشترى في شئ من ذلك لأنه لا دعوى لاحد عليه فالمشترى لم يعامله
بشئ والعبد بالنكول صار مقرا بأنه لم يقبض شيئا فلا يسمع منه دعوى القبض لتخلفه ولو كان
الشريك هو الذي أقر أن العبد قبض جميع الثمن وصدقه المشتري وكذبه العبد برئ المشترى
من نصف الثمن أيضا لان الموكل في نصيبه من الثمن كما يملك قبضا يوجب براءة المشترى
175

يملك الاقرار بقبض مبرئ (ألا ترى) أنه لو أقر أنه قبضه بنفسه كان اقراره مبرئا للمشترى
فكذلك إذا أقر أن البائع قبضه ولا يمين على المشتري في ذلك لأنه لا دعوى للعبد عليه في
ذلك النصف بعد اقرار الموكل عليه بقبض مبرئ كما لا دعوى في ذلك للوكيل بعد ابراء
الموكل إياه ويحلف الآمر العبد لأنه يدعى عليه أنه قبض الثمن وانه يمتنع من دفع نصيبه
إليه ولو أقر به لزمه فإذا أنكر يستحلف لرجاء نكوله فان نكل لزمه نصف الثمن للآمر وان
حلف برئ من نصيب الآمر وأخذ العبد من المشترى نصف الثمن لا يشاركه فيه الآمر لان
الآمر صار متلفا نصيبه باقراره أن العبد قبضه فهو بمنزلة ما لو أبرأ المشترى عن نصيبه من
الثمن فلا يكون له مشاركة العبد فيما يقبض من نصيبه ولو أقر الآمر أن العبد قبض نصف
الثمن برئ المشترى من ربع الثمن لأنه نصف ما أقر بعضه نصيب الامر وهو في نصيبه يملك
الاقرار بقبض مبرئ فإذا برئ من ربع الثمن بقي علي المشترى سبعمائة وخمسون درهما فما
قبض العبد منهما فللآمر ثلثه وللعبد ثلثاه علي قدر ما بقي من حقهما في ذمة المشتري فإنه بقي حق
العبد في خمسمائة وحق الآمر في مائتين وخمسين ولو أقر الآمر أن العبد أبرأ المشترى من جميع
الثمن أو أنه وهبه له فاقراره باطل والثمن كله على المشترى لان الثابت باقراره كالثابت بالمعاينة
ولو عاينا هبة العبد الثمن من المشترى كان باطلا في الكل لأنه تبرع والعبد ليس من أهله فيما
باع لنفسه أو لغيره وكذلك لو أقر العبد بذلك على الآمر وأنكره الآمر لان اقرار العبد إنما
يصح بما يملك انشاءه وهو لا يملك انشاء الهبة والابراء فكذلك لا يملك الاقرار به علي نفسه
أو على غيره بخلاف الاقرار بالقبض فإنه يملك انشاء القبض فيملك الاقرار به أيضا ولو كان
شريك العبد هو الذي ولى البيع بأمر العبد ثم أقر على العبد بقبض الثمن أو بقبض حصته
كان ذلك بمنزلة اقرار العبد عليه لو كان العبد هو الذي ولي البيع لان المأذون والحر في الاقرار
بالقبض يستويان كما في انشاء القبض ولو أقر البائع على العبد بالابراء والهبة كان باطلا كما
لو عاينا الابراء والهبة من العبد وكذلك لو أقر العبد على البائع بأنه وهب الثمن أو أبرأ المشترى
منه لان العبد لا يملك الاقرار بالهبة والابراء على نفسه فلا يملكه على غيره بغير دعوى المشترى
على البائع الابراء عن الثمن فيحلف البائع على ذلك فان حلف أخذ جميع الثمن من المشترى
وان نكل برئ المشترى من جميع الثمن وللعبد أن يضمن البائع نصف الثمن في قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله وفي قول أبى يوسف رحمه الله يبرئ من حصة البائع من الثمن
176

خاصة وهو بناء على أن الوكيل بالبيع إذا أبرأ المشترى عن الثمن وإذا كانت الجارية بين رجلين
حرين فباع أحدهما بأمر صاحبه من العبد المأذون بألف درهم ثم أقر الآمر أن البائع أبرأ
المشترى من الثمن أو وهبه له وادعاه العبد وجحده البائع فقد برئ من حصة الآمر من الثمن
في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لأنه أقر فيه بابراء صحيح فابراء الوكيل عندهما يصح في
براءة المشترى ولا يمين على المشترى في شئ من ذلك لان العبد لا دعوى له في ذلك بعد
اقرار الآمر بما يبرئ المشترى ويأخذ البائع من المشترى نصف الثمن فيسلم له بعد ما يحلف
على ما ادعاه الامر لان الآمر يدعى عليه أنه ضامن له نصيبه بالابراء والهبة وهو منكر
لذلك فيستحلف وإذا حلف صار الآمر هو المتلف لنصيبه من الثمن باقراره والنصف الآخر
يسلم للبائع وعند أبي يوسف رحمه الله اقرار الآمر باطل وجميع الثمن على المشترى بينهما
نصفان لان في نصيب البائع لا قول له وفى نصيبه ابراء البائع عنده باطل ولو كان البائع أقر
أن شريكه أبرأ العبد من حصته أو أنه قبض حصته وجحده الشريك وادعاه العبد فان
العبد برئ من نصف الثمن لان البائع أقر بما يوجب براءة المشترى من نصف الثمن وهو
القبض أو الابراء من الآمر ولا يمين عليه لأنه لا دعوى لاحد عليه بعد ذلك لكن يرجع
الآمر على البائع بحصته من الثمن وهو نصفه فيضمنها إياه لان البائع صار متلفا نصيبه من
الثمن باقراره ويكون للبائع على المشترى نصف الثمن في قول أبي حنيفة ومحمد فأما عند أبي
يوسف فاقراره على الآمر بالابراء بمنزلة ابرائه إياه عن نصيبه وذلك باطل عنده ولا يمين
على البائع في ذلك ولكن العبد يستحلف الآمر علي ما يدعى عليه من الابراء والهبة فان نكل
لزمه ما قال البائع وان حلف بقي الثمن كله علي المشترى وإذا دفع المأذون إلى رجل جارية
ببيعها فباعها من رجل له على المأذون دين ودفع الجارية إليه فقد صار الثمن قصاصا بدين العبد
لان الثمن بالبيع وجب للمأذون حتى إذا قبضه الوكيل يؤمر بالتسليم إليه وللمشتري على المأذون
مثل ذلك دينا فيصير قصاصا لأنه لا فائدة في القبض وإن كان الدين للمشترى علي المأمور
دون المأذون فكذلك الجواب في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وفي قول أبى يوسف
رحمه الله لا يكون قصاصا بدين الوكيل وهي فرع مسألة الوكيل إذا أبرأ المشترى عن الثمن
وقد بيناها في البيوع ولو كان للمشترى على العبد ألف وعلى الوكيل ألف كان الثمن قصاصا
بدين الموكل دون الوكيل أما عند أبي يوسف فلا اشكال وأما عندهما فلانه لو جعل قصاصا
177

بدين الموكل لم يجب ضمانه على أحد ولو جعل قصاصا بدين الوكيل كان الوكيل ضامنا مثله
للموكل فكانت المقاصة بدين الموكل أقرب إلى انقطاع المنازعة وإلى إظهار فائدة المقاصة ثم
الثمن ملك الموكل والمطالبة حق الوكيل وعند المعارضة الملك يكون أقوى من الحق فلهذا
يترجح جانب الموكل فيصير قصاصا بدينه
(باب البيع الفاسد من المأذون)
(قال رحمه الله) وإذا باع المأذون جارية بيعا فاسدا من رجل وسلمها إليه جاز للمشترى
فيها من العتق وغير ذلك ما يجوز له في شرائه من الحر لان البيع الفاسد من نوع التجارة
والمأذون فيه كالحر والمشترى بالقبض صار مالكا المبيع في الوجهين فينفذ تصرفه لمصادفته
ملكه وكذلك المأذون لو كان هو الذي اشتراه شراء فاسدا وقبضه فإنه ينفذ فيه من تصرفاته
ما ينفذ في الشراء الصحيح فيكون ضامنا قيمته للبائع لتعذر رد العين لان التزام ضمان القيمة
من العبد بسبب صحيح كالتزام ضمان الثمن فإذا غلت في يد المشترى غلة ثم باعها المأذون من
رجل فالغلة تسلم له سواء كان عليه دين أو لم يكن لان الغلة حصلت علي ملكه وقد تقرر
ملكه حين باعها من غيره وإن لم يبعها ولكن ردها على البائع فالغلة مردودة على البائع لان
الرد بفساد العقد يفسخ البيع من الأصل والمشتراة شراء فاسدا كالمغصوبة في أنها ترد بزوائدها
المنفصلة والمتصلة فترد الغلة أيضا ثم على البائع أن يتصدق بها لان الغلة حصلت لا على ملكه
ولا على ضمانه ولو كان العبد هو الذي باع الجارية أو الغلام بيعا فاسدا ثم أغل غلة عند المشترى
ثم باعها المشترى فالغلة له لتقرير ملكه في الأصل وعليه أن يتصدق بها لان الغلة حين حصلت
كان ملكه فيها بسبب فاسد والمبيع كالمغصوب في يده تسترد بزوائدها المنفصلة والمتصلة فيؤمر
بالتصدق بالغلة ولو ردهما مع الغلة علي المأذون لم يتصدق المأذون بشئ من الغلة وكذلك
في المسألة الأولى إذا كان المأذون هو المشترى فلا يتصدق بالغلة لان كسبه لا يحتمل الصدقة
والغلة صارت من اكسابه فلا يستحق عليه التصدق بها شرعا لكن إن كان على العبد دين
أخذ الغرماء الغلة قضاء من دينهم ولم يتصدقوا بشئ منها لأنهم أخذوها بدلا عن دينهم
فإن لم يكن عليه دين فينبغي للمولى أن يتصدق بها لان كسب العبد خالص حق المولي في
هذه الحالة وإنما يملك على سبيل الخلافة عن المأذون ولو كان المأذون من أهل أن يتصدق كان
178

عليه التصدق بهذه الغلة فكذلك من يخلفه وهو المولى من أهل التصدق فيستحب له أن يتصدق فيستحب له أن يتصدق
بها وإذا باع المأذون جارية من رجل بيعا فاسدا و سلمها فباعها المشترى من المأذون أو من
وكيل مولاه بيعا صحيحا وسلمها إليه فإن لم يكن على المأذون دين فهو نقض للبيع الفاسد
لان بيع المأذون كسبه إذا لم يكن عليه دين يصادف ملك المولى فهو في حكم النائب عنه من
وجه بمنزلة الوكيل فالرد لأجل الفساد مستحق في هذه العين على المولي كما هو مستحق علي
العبد ولو باعه من العبد كان ذلك نقضا للبيع الفاسد سواء كان على العبد دين أو لم يكن فإذا
باعه من المولى ولا دين عليه يكون نقضا للبيع الفاسد أيضا وبيعه من وكيل المولى كبيعه
من المولى وإن كان على المأذون دين فهو بيع جائز لان المولي من كسبه في هذه الحالة كالا جنبي
فيكون هذا بمنزلة بيع المشترى إياها من أجنبي آخر فيلزمه القيمة للعبد المأذون ويكون له الثمن
على من باعها منه وان باعها من عبد آخر للمولى بأجر وسلمها إليه فإن لم يكن على واحد منهما
دين فهو نقض للبيع الفاسد لان تصرف العبد الآخر للمولى من وجه لان كسبه مملوك
للمولى فهو نظير بيعها من وكيل المولى ولا يبرأ من ضمانها الا بردها على المأذون أو على
مولاه لأنها صارت مضمونة عليه بالقبض فبقي الضمان بعد انتقاض العقد لبقاء القبض وإن كان
على أحدهما دين فهو بيع جائز أما إذا كان الدين على البائع فقد بينا انه لو باعها في هذه الحالة
من المولى كان بيعا جائزا فكذلك من عبده وإن كان الدين على المشترى فهو في هذا الشراء
غير متصرف لمولاه بل لغرمائه فبيعها منه كبيعها من أجنبي آخر فيتقرر ضمان القيمة عليه للمأذون وله
الثمن على المشترى منه وإذا باعها من مضارب المأذون البائع فهو جائز لان للمضارب فيما يشترى
حقا في الربح وهو بمنزلة المشترى لنفسه من وجه (ألا ترى) أن رب المال لا يملك نهيه عن
بيعه وان رب المال لو باع شيئا من ماله من المضارب جاز فكذلك هذا المشترى شراء فاسدا
إذا باعها من مضارب البائع جاز بمنزلة بيعها من أجنبي آخر وكذلك أن باعها من مضارب
المولى وعلى العبد دين أو لا دين عليه ولو باعها من ابن المولى أو أبيه أو مكاتبه أو باعها من
المولى لابن صغير له في عياله فهو كله سواء لان التصرف الحاصل لهؤلاء في حق البائع دون
تصرف مضارب البائع وإذا ثبت صحة الشراء الثاني هناك فههنا أولى وكذلك لو أن أجنبيا
وكل المولى بشرائها له فاشترى له أو وكل المأذون بشرائها له فاشتراها له كانت الجارية للآمر
وكان الثمن على العبد المشترى ويرجع به العبد على الآمر وللعبد الآمر قيمة الجارية
179

فتكون القيمة قصاصا بالثمن ويرجع العبد على الآمر بما أدى عنه من الثمن والحاصل أنه متى
كان العقد الثاني موجبا حكما في الملك والضمان غير الحكم الذي كان قبل البيع الفاسد فإنه
لا يكون ذلك نقضا للبيع الفاسد وإن كان لا يوجب حكما آخر سوى ما كان قبل البيع في حق
الملك والضمان فهو نقض للبيع الفاسد ولو كان المأذون البائع هو الذي وكل انسانا بشرائها
من المشترى له ففعل وقبضها فهو نقض للبيع الفاسد فكأنه اشتراها بنفسه لان هذا الشراء
في حكم الملك والضمان لا يوجب الا ما كان قبل العقد الفاسد فان بشراء الوكيل يقع الملك
للموكل وبقبض الوكيل يدخل في ضمان الموكل وإن كان المولي هو الذي أمر رجلا بشرائها
له فهذا وشراء المولي بنفسه سواء في الفرق بينهما إذا كان على العبد دين أو لا دين عليه وإذا
قتلها المأذون في يد المشترى فهو نقض للبيع لأنه بالاتلاف صار مستردا لها وزيادة (ألا ترى)
ان المشترى بالاتلاف يصير قابضا للمبيع وكذلك لو كان حفر بئرا في الطريق قبل البيع
أو بعده فوقعت الجارية فيها أو حدث بها عيب من ذلك ولم يمنعها المشترى منه حتى ماتت
من حفره فهو فسخ للبيع لان العبد بالحفر صار جانيا على الواقع في بئره عند الوقوع حكما
فكأنه حفر بيده والبائع إذا أتلف المعقود عليه أو عيبه في البيع الفاسد صار مستردا له بمنزلة
المشترى في البيع الصحيح لان الاسترداد ههنا مستحق كالقبض هناك إلا أن المشترى لو
منعها منه بعد التعييب بطل حكم استرداده في حكم الضمان بمنع المشترى كما يبطل حكم قبض المشترى
بمنع البائع بعدما عيبها المشترى وإن كان المولى هو الذي فعل ذلك ولا دين على العبد فهو
كذلك لان المولى متمكن من استردادها لفساد البيع في هذه الحالة كالعبد وكما لو كان هو
البائع بنفسه فإن كان عليه دين فالمولى غير متمكن من استردادها في هذه الحالة فيكون هو
كأجنبي آخر فيما فعله فعلى عاقلته قيمتها في ثلاث سنين لان جنايته حصلت علي ملك المشتري
فيجب ضمان القيمة على عاقلته إذا حدث الموت من فعله وإن كان حدث العيب من فعله والموت
من غيره ضمن المشترى قيمتها بسبب القبض وتعذر الرد عليه ويرجع علي المولى بنقصان العيب
في ماله حالا لان النقصان حصل بجناية المولى في ملك المشتري والجناية على المماليك فيما دون
النفس حكمه حكم الأموال في أنه يكون في مال الجاني حالا وان وقعت في بئر حفرها المأذون في
دار من تجارته فمات أو في بئر حفرها المولى في ملكه لا يكون ذلك نقضا للبيع لان الحافر في
ملك نفسه لا يكون جانيا فإنه غير متعد في هذا التسبب وإنما يكون الاتلاف مضافا إليه إذا
180

كان متعديا في التسبب فإذا لم يصر مضافا إليه لانعدام التعدي كان هذا وموتها في يد المشترى
سواء يعطى المشترى ضمان قيمتها ولا شئ له على صاحب البئر من ذلك والله أعلم بالصواب
(باب قبض المأذون في البيوع)
(قال رحمه الله) وحكم المأذون في قبض ما اشتراه باليد أو بالجناية عليه كحكم الحر
لان القبض يصير مستحقا له بالشراء كما للحر وكذلك أن كانت جارية فوطئها فنقصها الوطئ
أو لم ينقصها ثم ماتت في يد المشترى من غير الوطئ قبل أن يمنعها المشترى من العبد فعلى
العبد جميع الثمن لان المستوفى بالوطئ في حكم جزء من العين كالمستوفي بالجناية ثم الوطئ
من الحر يجعل قبضا فكذلك من العبد لان العبد لا يفارق الحر في ذلك الا في حكم
الحل والقبض ليس باعتبار صفة الحل بل باعتبار تمكنه من قبضها والتخلي بها حالة الوطئ أو
باعتبار انه استيفاء جزء منها حكما وفي هذا الحر والعبد سواء وكذلك أن أقر بالوطئ وكذبه
المولى لان الوطئ منه لما كان قبضا فاقراره بالوطئ كاقراره بالقبض واقرار المأذون بقبض
ما اشتراه صحيح صدقه المولى في ذلك أو كذبه وإذا اشترى المأذون من رجل كر حنطة
يساوى مائة درهم بثمانين درهما فصب العبد فيه ماء قبل أن يقبضه فأفسده فصار يساوى
ثمانين درهما ثم إن البائع بعد ذلك صب فيه ماء فأفسده فصار يساوى ستين درهما فالمأذون
بالخيار للتغيير الحاصل فيه بفعل البائع فإنه بما صنع صار مستردا محدثا للعيب فيه ولم يوجد
من العبد الرضا بذلك فكان له الخيار فان اختار أخذ الكر أخذه بأربعة وستين درهما
لان البائع صار متلفا خمس المبيع فسقطت حصته من الثمن وذلك الخمس وخمس ثمانين ستة
عشر فإذا سقط من المشترى ستة عشر درهما بقي عليه أربعة وستون فان قيل أتلف البائع ربع
الباقي لان الثمن حين أفسده البائع كان ثمانين وقد تراجع إلى ستين قلنا إنما يعتبر ما أتلف البائع
من المبيع والمبيع قيمته مائة والجزء الذي أتلفه المشترى تقرر البيع فيه ولم ينتقض فلهذا
سقط بفعل البائع خمس الثمن فان تركه المشترى فلا ضمان عليه لما أفسد لان الكر بعينه قد
رجع إلى البائع فإنما بقي الفائت بفعل المشترى مجرد الجودة ولا قيمة للجودة في الأموال الربوية
منفردة عن الأصل وقد صار البائع راضيا بذلك حين استرده بالافساد بعد فعل المشترى ولو
ضمن له المشترى النقصان عاد إليه الكر تاما مع زيادة دراهم وذلك ربا (ألا ترى) ان الغاصب
181

لو أفسد الكر بصب الماء فيه ثم اختار المغصوب منه أخذه لم يكن له أن يضمن الغاصب النقصان
فهذا مثله بخلاف ما إذا اختار الاخذ فانا لو أسقطنا غن المشترى حصة ما أتلفه البائع من الثمن
لا يؤدى إلى الربا بل يسلم الكر للمشترى بأربعة وستين درهما وذلك صحيح كما لو أبرأه البائع عن خمس
الثمن ولو كان البائع هو الذي صب فيه الماء أولا ثم المشترى صب فيه الماء فان المشترى
يجبر على قبضه لأنه صار راضيا بالتعييب الحاصل بفعل البائع حين قبضه بالتعييب بعده ويؤدى
أربعة وستين درهما لما قلنا وكذلك هذا الحكم في كل مكيل أو موزون ولو كان المبيع
عرضا أفسده المشتري أو لاثم أفسده البائع فإن شاء المشترى أخذه وسقط عنه من الثمن
بحساب ما نقصه البائع ون شاء نقص المبيع وأدى من الثمن بحساب ما نقصه المشترى
لأن المبيع ليس بمال الربا فيكون للوصف منه قيمة منفردا لان الأوصاف بالتناول تصير
مقصودة ويقابلها حصة من الثمن سواء تناولها البائع أو المشترى وقد بينا هذا في البيوع وإن كان
المشترى أفسده بعد البائع لزمه ذلك وسقط عنه من الثمن بحساب ما نقصه البائع لوجود
القبض والرضا من المشترى بعد التعييب الذي كان من البائع وإذا اشترى المأذون كر تمر
جيد بعينه بكر تمر ردئ بعينه فصب العبد في الكر الذي اشتراه ماء فأفسده ثم صب البائع
فيه ماء فأفسده فهو بالخيار لان البائع عيبه فصار مستردا له بعد تعييب المشترى ولم يوجد من
المشترى الرضا بذلك فيتخير لهذا ان شاء أخذه ودفع الكر وان شاء نقض البيع ولا يرجع
واحد منهما على صاحبه بنقصان الكر في الوجهين جميعا أما إذا رده فظاهر وان اختار أخذه
فلانه لو اعتبر جناية البائع ههنا سقط عن المشترى حصته من العوض فيصير بأقل من كر وهو
الربا بعينه بخلاف ما تقدم ولو كان المشترى صب فيه الماء بعد البائع لزمه الكر بجميع الثمن الذي
اشتراه به لأنه صار راضيا به حين عيبه بعد البائع ولا يسقط بتعييب البائع شئ من العوض
لأجل الربا وله أن يرده بعيب ان وجده قبل القبض أو بعده بالتعيب الحاصل من المشترى
بما صب فيه من الماء وإذا اشترى المأذون من رجل عشرة أرطال زيت بدرهمين وأمره أن
يكيله في قارورة جاء بها فكال البائع الزيت في القارورة فلما كال فيها رطلين انكسرت والبائع
والمشترى لا يعلمان فكالا بعد ذلك جميع ما باعه من الزيت فيها فسال ذلك لم يلزم العبد من الثمن
إلا عن الرطل الأول لان القارورة بالانكسار خرجت من أن تكون وعاء فنبين بهذا أنه
حين أمره بالصب كانت القارورة صحيحة وعاء صالحا للزيت فيقيد أمره بحال بقائها وعاء لما
182

عرف من مقصود المشترى إذ مقصوده كان هو الاحراز دون الاتلاف وقد صب الرطل
الأول في القارورة وهي صحيحة فصار المشترى قابضا لذلك الرطل بملكه ثم انكسرت القارورة
فسال ذلك الرطل بعدما صار المشترى قابضا فيلزمه ثمنه ثم بالانكسار خرجت القارورة من
أن تكون وعاء فبطل حكم أمر المشترى فصار البائع بصب ما بقي فيها متلفا المبيع بغير أمر
المشترى فسقط عن المشترى ثمن ما بقي لانفساخ البيع فيه باتلاف البائع وإن كان الرطل الأول
لم يسل كله حين صب البائع الرطل الثاني فيه فالبائع ضامن لما بقي من الرطل الأول في القارورة
لأن المبيع لما انفسخ فيما بقي من الوجه الذي قررنا تبين أن البائع خلط ما بقي من الرطل الأول
في القارورة بمال نفسه ومن خلط زيت غيره بزيت نفسه يكون ضامنا لصاحبه فلهذا ضمن
ما بقي سواء كان نصف الرطل أو ثلثه أو ربعه ولو كانت القارورة مكسورة حين دفعه إليه
فأمره أن يكيل فيها ولا يعلمان بذلك فكال البائع فيها عشرة أرطال فسالت كلها فالثمن كله
لازم على العبد لأنه حين أمره لم تكن القارورة وعاء صالحا لاحراز الدهن فيها فكان ذلك
بمنزلة أمره إياه بالاتلاف ومن اشترى شيئا بعينه ثم أمر البائع أن يتلفه ففعل تقرر على المشترى
جميع الثمن فكذلك هذا والحر والعبد في هذا سواء لان اتلاف البائع بأمر المشترى كاتلاف
المشترى بنفسه وقد بينا أن في حكم القبض والاتلاف الحر والعبد سواء ولا معتبر بعلم المشترى
وجهله بذلك لأنا لو اعتبرنا جهله بذلك لدفع الضرر عنه كان فيه اضرارا بالبائع وكما يجب
دفع ضرر المشترى يجب دفع ضرر البائع ولأنه صرح بالأمر بالصب فيه ومع التصريح
لا معتبر بجهله كما لو قال لرجل أتلف هذا المال فأتلفه ثم تبين انه كان للآمر ولم يكن عالما
به لم يضمن المأمور شيئا وهذا بخلاف الأول فهناك إنما صرح بالأمر بالاحراز لكون
القارورة صحيحة عند الامر بالصب فيها فلا يكون هذا الامر بالاتلاف صريحا فلهذا قيدناه
بحال بقاء القارورة صحيحة وإذا اشترى المأذون جارية فقبضها بغير إذن البائع قبل نقد الثمن
فماتت عنده أو قتلها مولاها ولا دين على العبد أو أعتقها لم يكن للبائع أن يضمن العبد ولا المولى قيمتها لأنها صارت مضمونة عليه بالثمن بهذا القبض وضمان القيمة مع ضمان الثمن
لا يجتمعان ولكنه يطالب العبد بالثمن فيباع له فيه فان نقص ثمنه عن حقه كان علي المولى تمام
لا يجتمعان ولكنه يطالب العبد بالثمن فيباع له فيه فان نقص ثمنه عن حقه كان علي المولى تمام
ذلك من قيمة الجارية التي استهلكها لان الجارية صارت كسبا للعبد وقد أتلفها المولي بالقتل
أو الاعتاق فلا يسلم له ذلك الا بشرط الفراغ من دين العبد فإذا لم يف ثمن العبد بثمن الجارية
183

كان المولى ضامنا الفضل من قيمة الجارية لما بينا ولو كان العبد وكل رجلا بقبضها فقبضها
فماتت في يده ضمن الوكيل قيمتها للبائع لأنه جان في حق البائع حين قبضها بغير أمره قبل
بقد الثمن فيضمن له قيمتها كالراهن إذا وكل وكيلا باسترداد المرهون فاسترده بغير رضا المرتهن
ثم هذه القيمة تكون في يد البائع فان أو في العبد الثمن رجعت القيمة إلى الوكيل وان
هلكت القيمة من الوكيل سقط الثمن عن العبد لان استرداد القيمة كاسترداد عينها ثم يرجع
الوكيل بها على العبد لأنه غرم لحقه في عمل باشره له بأمره فيرجع به عليه سواء كان الثمن
أكثر من ذلك أو أقل وكذلك لو كان المشترى حرا فوكل رجلا بقبضها أو أمره بقتلها
فقتلها وهذا فصل قد بيناه في آخر البيوع وبينا الفرق بينه وبين ما إذا أمر غيره بان يعتقها
فأعتقها على قول أبى يوسف الآخر وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله فالتسوية بينهما على
قوله الأول وذلك كله في البيوع والله أعلم
(باب الرد بالعيب على المأذون)
(قال رحمه الله) وإذا باع المأذون جارية وسلمها إلي المشترى ثم ردها عليه المشترى
بعيب يحدث مثله أو لا يحدث مثله بغير قضاء قاض وقبلها العبد فهو جائز بمنزلة الحر في
ذلك لان الرد بغير قضاء قاض إقالة والمأذون يملك الإقالة فسخا كان أو بيعا مبتدأ وكذلك
لو ردها عليه بقضاء قاض ببينة قامت أو باباء يمين أو باقرار منه بالعيب فهذا كله فسخ يملكه
المأذون فان ردها وأخذ الثمن ثم وجد بها عيبا قد كان حدث عند المشترى ولم يعلم به فهو
بالخيار ان شاء ردها علي المشترى وأخذ منه الثمن وان شاء أمسكها لان حال البائع بعد
الفسخ كحال المشترى عند العقد والمشترى إذا وجد بها عيبا كان عند البائع ثبت له الخيار
فكذلك البائع إذا وجد بها عيبا كان حدث عند المشترى وهذا لأنه إنما رضى بالفسخ علي
أن تعود إليه كما خرجت من يده وكذلك القاضي إنما قضي بالفسخ لدفع الضرر عن المشترى
فينفذ قضاؤه بدفع الضرر على وجه لا يلحق الضرر بالبائع فإذا ظهر أنه كان حدث بها عيب
عند المشترى تضرر البائع بهذا فلهذا ثبت له الخيار فان ردها على المشترى انفسخ ذلك
الفسخ وصار كأن لم يكن فبقي حق المشترى في المطالبة بالجزء الفائت وقد تعذر ردها فيرجع
بحصة العيب من الثمن وإن لم يردها العبد حتى حدث بها عيب عنده لم يكن له أن يردها لأنه
184

يمكنه من ردها لدفع الضرر عن نفسه فلا يكون له أن يلحق الضرر بالمشترى وفي الرد عليه
بعد ما حدث بها عيب عنده اضرار بالمشترى ولكنه يرجع بنقصان العيب الذي حدث عند
المشترى من الثمن كما كان يفعله المشترى قبل الفسخ إذا وجد بها عيبا وقد تعيبت عنده
فإن شاء المشترى أن يأخذها بعيبها الذي حدث عند العبد فله ذلك لان تعذر الرد لمراعاة
حق المشترى وربما يكون قبولها مع العيب أنفع له من الرجوع بحصة العيب من الثمن
فان أخذها ودفع الثمن إلى العبد رجع المشترى على العبد بنقصان العيب الأول من الثمن
لان ذلك الفسخ قد انفسخ بردها على المشترى فيكون حقه في الرجوع بنقصان العيب الأول
من الثمن كما كان قبل الفسخ ولم يكن له أن يرجع بنقصان العيب الآخر لأنه قد رضى به حين
قبلها مع علمه بذلك العيب ويمكنه من أن لا يقبلها وكذلك أن كان العيب الآخر جناية من
العبد أو وطئها لان جنايته على كسبه لا تلزمه أرشا والمستوفى بالوطئ في حكم جزء من العين
كالمستوفى بالجناية وان كانت جناية من أجنبي أو وطئها فوجب العقر أو الأرش رجع العبد
على المشترى بنقصان العيب الحادث عند المشترى من الثمن ولم يكن للمشترى أن يأخذ الجارية
لحدوث الزيادة المنفصلة المتولدة في يد البائع بعد الفسخ وكما أن حدوث هذه الزيادة عند
المشترى يمنع فسخ العقد حقا للشرع فكذلك حدوثها عند البائع بعد الفسخ وإذا تعذر ردها
تعين حق البائع في الرجوع بحصة العيب ولو كان المشترى رد الجارية على العبد أولا بالعيب
فقبضها العبد ثم وجد المشترى قد قطع يدها أو وطئها فلم يردها عليه بذلك حتى حدث بها
عيب عند العبد فالمشترى بالخيار لان المشترى لم يلزمه أرش ولا عقر بما فعله في ملك صحيح
له فهو كحدوث العيب عنده بآفة سماوية وقد حدث بها عيب عند العبد فيخير المشترى ان
شاء أخذها وأعطى العبد جميع الثمن ثم يرجع المشترى علي العبد بنقصان العيب الأول من الثمن
وان شاء دفع إلى العبد نقصان العيب الذي حدث عنده من الثمن يعني في الجارية في الوطئ
إذا كانت بكرا حتى نقصها الوطئ في ماليتها فإن كان المشترى وطئها وهي ثيب فلم ينقصها
الوطئ شيئا لم يرجع العبد على المشترى بشئ من الثمن ولم يرد العبد الجارية لان المستوفى بالوطئ
وإن كان في حكم جزء فهو بمنزلة جزء هو ثمرة (ألا ترى) ان استيفاءه لم يوجب نقصانا في
مالية العين والثمن أنما يقابل المالية فما لا يكون مالا لا يقابله شئ من الثمن فلا يتمكن العبد من
الرجوع بنقصان العيب عند تعذر ردها عليه * فان قيل أليس انه لو علم بوطئ المشترى إياها قبل
185

الرد يكون له أن يقبلها ويجعل ذلك كالخيار فكذلك إذا علم به بعد الرد وقد تعذر ردها بالعيب
الحادث عنده * قلنا امتناع الرد بسبب الوطئ ليس لعين الوطئ بل لدفع الضرر عن البائع ولان
الرد بالعيب بقضاء القاضي فسخ العقد من الأصل فتبين ان الوطئ كان في غير الملك حتى
لو رضي به البائع بالاسترداد ردها لأنه حينئذ لا يكون فسخا من الأصل وهذا المعنى لا يوجد
في رجوع البائع على المشترى بنقصان العيب عند تعذر ردها عليه وكيف يرجع بنقصان العيب
من الثمن ولا ثمن بمقابلة المستوفى بالوطئ لان ذلك ليس بمال ولهذا لو علم المشترى ان البائع كان
وطئها بعد ما باعها منه وهي ثيب لم يكن له خيار في ذلك عند أبي حنيفة رحمه الله ولا يرجع عليه
بشئ من الثمن وإن كان أجنبي قطع يدها عند المشترى أو وطئها فوجب العقر ثم ردها القاضي
على العبد بالعيب الذي كان عنده ولم يعلم صنع الأجنبي ثم حدث بالجارية عيب عند العبد ثم اطلع
على ما كان عند المشترى فان الجارية ترد على المشترى لأنه تبين بطلان قضاء القاضي بالفسخ
للزيادة المنفصلة من العين عند المشترى ويرد عليه معها نقصان العيب الذي حدث عند العبد من
قيمتها لأنه ظهر أن العبد قبضها بحكم فسخ فاسد والمقبوض يفسخ فاسد كالمقبوض بعقد فاسد
فيكون مضمونا بالقيمة بجميع أو صافه تلف بنفسه أو أتلفه البائع ثم يأخذ العبد الثمن من المشترى
إن كان قد رده إليه ويرجع المشترى علي العبد بنقصان العيب الأول لتعذر ردها بالعيب بسبب
الزيادة المنفصلة وإن كان العيب الذي حدث بها عند العبد من فعل الأجنبي فالمشترى بالخيار
ان شاء أخذ ذلك النقصان من العبد ورجع به العبد على الأجنبي وان شاء أخذه من الأجنبي
اعتبارا للمقبوض بفسخ فاسد بالمقبوض بعقد فاسد إذا جنى عليه أجنبي في يدي المشترى
فإنها ترد على البائع ويتخير البائع في تضمين النقصان الجاني بالجناية أو المشترى بالقبض ثم
يرجع المشتري به على الأجنبي فإن كان العبد البائع قتلها أو قتلها أجنبي في يد العبد فهو سواء
ويأخذ المشترى من العبد قيمتها ولا سبيل له علي الأجنبي لان البائع ملكها بالقبض بفسخ
فاسد وجناية الأجنبي إنما صادفت ملكه لا ملك المشتري ولا سبيل للمشترى على الأجنبي
يأخذ قيمتها من البائع لتعذر رد عينها ثم يرجع العبد بالقيمة على الأجنبي لأنه أتلف ملكه وهذا
بخلاف الجناية فيما دون النفس لان هناك استرداد الأصل لم يتعذر وقد بينا هذا الفرق في
المقبوض بحكم شراء فاسد فكذلك المقبوض بحكم فسخ فاسد وإن كان العبد باعها بعد ما قبضها
186

المشترى جاز بيعه لأنه ملكها بالقبض وإن كان الفسخ فاسدا فينفذ بيعه وعليه قيمتها يوم قبضها
من المشترى وقيمتها كاسترداد عينها فيكون له أن يرجع على العبد بنقصان الأول من الثمن وكذلك
لو كان المشترى ردها بهذا العيب على البائع بغير قضاء قاض أو كان ذلك بطريق الإقالة فهو
فسخ في قول أبي حنيفة رحمه الله بمنزلة الرد بالعيب وهذا الحكم كذلك في البيع والشراء إذا
كانا حرين والله أعلم
(باب الخيار في بيع المأذون)
(قال رحمه الله) والمأذون مثل الحر في حكم الخيار المشروط في البيع لان اشتراط
الخيار في البيع لدفع الغبن وحاجة العبد إليه كحاجة الحر وإذا باع المأذون متاعا أو اشتراه
واشترط الخيار لنفسه ثلاثة أيام وعلى العبد دين أو لا دين عليه فنقض المولى البيع في الثلاثة
بمحضر من الآخر لم يجر نقضه لأنه حجر خاص في اذن عام فان هذا التصرف من العبد
تناوله الاذن فالمولى يفسخ هذا التصرف عليه بحجر عليه من امضائه بالإجازة والحجر
الخاص مع قيام الاذن العام باطل كما أن استثناء تصرف من الاذن في التجارة عند ابتداء
الاذن باطل وان أجازه جاز إن لم يكن على العبد دين لان الإجازة اتمام لتصرف العبد فإذا
لم يكن على العبد دين فهو في حكم العقد متصرف للمولى لان كسبه خالص ملك المولى
فيعمل إجازة المولى كما يعمل إجازة الموكل لتفرق الوكيل مع خيار الشرط فإن كان عليه دين
لم يجز إجازة المولى لأنه من كسبه كأجنبي آخر وهذا التصرف من العبد لنفسه فان المقصود
بتصرفه تصرفه لغرمائه والمولى في هذه الحالة منه كالا جنبي فلهذا لا تعمل اجازته فإن كان
الخيار للمشترى مع العبد أو للبائع مع العبد فنقض صاحب الخيار البيع بحضرة المولى وعلي
العبد دين أو لا دين عليه فنقضه باطل في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله أما إذا كان على العبد
دين فلا اشكال فيه وإن لم يكن عليه دين فلا ن النقض تصرف في أصل العقد بالفسخ لا في
حكم العقد والمولى في أصل السبب كأجنبي آخر وعند أبي حنيفة ومحمد فسخ من له الخيار
بغير محضر من عاقده لا ينفذ وإن كان بمحضر من الأجنبي بخلاف الإجازة فالإجازة تصرف
في الحكم بالاثبات أو التقرير والمولى في الحكم ليس كالأجنبي إذا لم يكن على العبد دين بل
العبد بمنزلة النائب عنه ولو باع المأذون جارية على أنه بالخيار ثلاثة أيام فأخذ المولى الجارية فباعها
187

أو وطئها أو قبلها بشهوة أو فقأ عينها بغير محضر من المشترى وذلك بعدما أخذها فإن كان
المأذون لا دين عليه فهذا انقض للبيع والجارية للمولى وقد خرجت من تجارة العبد لأنها بالبيع
بشرط الخيار تخرج من أن تكون كسب العبد والمولى مالك لكسبه إذا لم يكن عليه دين
فيتمكن من أخذها منه واحداث هذه التصرفات منه يوجب تقرير ملكه ومن ضرورته
فسخ ذلك البيع ولهذا لو كان البائع حرا مالكا فتصرف فيه هذه التصرفات بغير محضر من
المشترى انفسخ العقد به حكما فكذلك المولى إذا فعله انفسخ العقد حكما ولا يكون هذا من
المولى حجرا خاصا في اذن عام وكذلك لو قبضها المولى ثم قال قد نقضت البيع بحضر من
المشترى فالبيع منتقض لأنه بالقبض أخرجها من أن تكون كسبا للعبد فنقضه البيع فيها لا يكون
حجرا خاصا في اذن عام لان الاذن العام له في التصرف في كسبه وقد أخرجه من أن
يكون كسباله ولو قبضها ولم ينقض البيع حتى مضت الأيام الثلاثة جاز البيع والثمن للعبد على
المشترى لان بمجرد أخذها لا يكون فسخا للبيع فالأخذ قد يكون للحفظ والنظر فيها
هل تصلح له أم لا وإذا لم يفسخ البيع بالأخذ تم البيع بمضي الأيام وتملكها المشترى من وقت
العقد فيكون الثمن للعبد على المشترى وإن كان على العبد دين في جميع ما وصفنا فنقض المولى
البيع وأخذه الجارية باطل والبيع والخيار فيها على حاله لان المولى ممنوع من أخذها لمكان
الدين على العبد فلا يخرج بأخذه إياها من أن تكون كسبا للعبد فيكون نقضه البيع فيها حجرا
خاصا في اذن عام ولو اشترى المأذون جارية واشترط الخيار لمولاه ثلاثة أيام فان نقض
البيع المولى أو العبد فهو نقض لان اشتراط الخيار لمولاه اشتراط منه لنفسه فإنه يجعل المولى
نائبا عنه في التصرف بحكم الخيار وقد بيناه في البيوع فيما إذا اشترط الخيار لأجنبي فكذلك
لمولاه وكذلك أن أجاز العقد أحدهما فهو جائز فان نقض المولى البيع بمحضر من البائع
وأجازه العبد فالسابق منهما أولى نقضا كان أو إجازة لان بإجازة أحدهما أو لا يتم البيع فلا
ينفرد الآخر بفسخه بعد ذلك وبنقض أحدهما أولا ينفسخ البيع والمفسوخ لا تلحقه
الإجازة وإن كان ذلك منهما معا فالنقض أولى من الإجازة لان النقض يرد علي الإجازة
فالبيع التام يمكن نقضه والإجازة لا ترد علي النقض فالبيع المنقوض لا تمكن اجازته وعند
المعارضة الوارد يترجح علي المورود عليه قال (ألا ترى) أن رجلا لو اشترى جارية بعبد
علي أنه بالخيار ثلاثة أيام في الجارية وتقابضا ثم أعتق المشترى الجارية عتقت وجاز البيع لان
188

خياره فيها خيار المشترى وذلك لا يمنعه من التصرف فيها لأنه لما كان يملك تنفيذ العتق في
كل واحد منهما على الانفراد نفذ عتقه فيها وإن لم يعتقها ولكنه أعتق العبد عتق وهو
فسخ منه للبيع لان خياره فيه خيار البائع وذلك لا يمنع من التصرف فيما باع ومن ضرورة
نفوذ تصرفه انفساخ البيع ولو أعتقها جاز عتقه فيها أيضا وينتقض البيع باعتبار نفوذ عتقه فيما
باع وعليه قيمة الجارية لأنه تعذر ردها لما نفذ عتقه فيها وقد انتقض البيع فعليه رد قيمتها
ومقصوده من هذا الاستشهاد بيان أن النقض أولي من الإجازة وقد بينا ما في هذه المسألة
من الاختلاف في البيوع وكذلك لو باع المأذون جارية واشترط الخيار لمولاه ثلاثة أيام فنقضه
البعد وأجازه المولى معا فالنقض أولى لما بينا ولو اشترى المأذون جارية وقد رآها مولاه ولم
يرها العبد وعليه دين أو لا دين عليه فللعبد الخيار إذا رآها لأنه هو المشترى والشرع إنما
أثبت خيار الرؤية للمشترى والعبد في أصل التسبب مباشر لنفسه كالحر وخيار الرؤية ينبنى
على السبب ثم رؤية المولى لا تكون دليل الرضا منه بها لأنه ما كان يعلم أن عبده يشتريها
وإن كان العبد رآها قبل الشراء ولم يرها المولى لم يكن للمولى أن يردها كان علي العبد
دين أو لم يكن لان العبد في الشراء متصرف لنفسه ورؤيته قبل العقد دليل الرضا منه بها
والفسخ من المولى يكون حجرا خاصا في اذن عام ولو لم يرها واحد منهما قبل الشراء ثم
رأياها فالخيار للعبد لان خيار الرؤية يثبت باعتبار السبب والعبد في أصل السبب متصرف
لنفسه فان رضيها المولى جازت على العبد إن لم يكن عليه دين لان الرضا تقرير بحكم السبب
والعبد فيما يرجع إلى الحكم نائب عن المولى إذا لم يكن عليه دين وإن كان عليه دين فرضا
المولى باطل لأنه في الحكم أجنبي ما بقي ما الدين شئ على العبد وان نقض المولى البيع بمحضر
من البائع فنقضه باطل كان على العبد دين أو لم يكن لان النقض منه حجر خاص في اذن
عام ولو رضيها المولي وردها العبد معا كان رد العبد أولى لما بينا أن النقض يرد على الإجازة
والإجازة لا ترد على النقض وكذلك لو وجد بها عيبا قبل أن يقبضها فالعبد بالخيار ان شاء
أخذها وان شاء تركها لان خيار العيب قبل القبض بمنزلة خيار الرؤية (ألا ترى) أن الراد
ينفرد به من غير قضاء ولا رضا وانه لا يملك رد أحد العبدين به دون الآخر فان رضيها
المولى وعلى العبد دين فرضاه باطل وإن لم يكن عليه دين سوى ثمنها جاز رضا المولى عليه
كما في خيار الرؤية وان نقض المولى البيع فنقضه باطل كان عليه دين أولم يكن لأنه
189

خاص قال (ألا ترى) أن رجلا لو اشترى لرجل جارية بأمره فلم يقبضها الوكيل حتى وجد
بها عيبا فرضيها الآمر جاز وان نقض الآمر البيع لم يجز نقضه وهذا إشارة إلى الحرف الذي
بينا أن الرضا تصرف في الحكم وحكم تصرف الوكيل للموكل والنقض تصرف في السبب
والوكيل أصل في السبب بمنزلة العاقد لنفسه فلم يجز نقض الموكل فيه فكذلك في المأذون مع
مولاه ولو اشترى المأذون جاريتين بألف درهم فلم يقبضهما حتى قتلت إحداهما صاحبتها فالعبد
بالخيار ان شاء أخذ الباقية بجميع الثمن وان شاء نقض البيع ولو ماتت إحداهما موتا أخذ الباقية
بحصتها من الثمن بخلاف الدابتين فهناك سواء قتلت أختهما صاحبتها أو ماتت أخذ الباقية
بحصتها من الثمن وقد بينا هذا الفرق في كتاب الرهن أن فعل البهيمة هدر شرعا فالتي هلكت
فاتت ولم تخلف بدلا فسقطت حصتها من الثمن وفعل الآدمي معتبر شرعا فإذا اختار المشترى
أخذ الباقية انفسخ البيع في التي هلكت وتبين أن ملكه جنى على ملك البائع فوجب اعتباره
ودفع القاتل بالمقتول فتبين أنه فات و أخلف بدلا فيبقي العبد ببقاء البدل فلهذا أخذ الباقية
بجميع الثمن وثبوت الخيار له لتفرق الصفقة قبل التمام ولو اشترى المأذون جارية واشترط
الخيار في الثمن فذلك اشتراط منه للخيار في الجارية سواء كان الثمن عينا أو دينا دفع الثمن أو
لم يدفع لان الخيار إنما يشترط لفسخ العقد أو لا لتنعدم صفة اللزوم به وهذا لا يختص بأحد
العوضين فاشتراط الخيار في أحد العوضين يكون اشتراطا في الآخر ضرورة وتقرير كلامه
كأنه قال إن رضيت أسلم لك الثمن فيما بيني وبين ثلاثة أيام سلمت وإن شئت أخذت
الثمن ولم أسلمه لك ولو صرح بهذا كان ذلك منه شرطا للخيار في العوضين ولو اشترى ثوبين
كل ثوب بعشرة على أن يأخذ أيهما شاء ويرد الآخر فهلك أحدهما عند البائع فالمشترى على
خياره في الباقي لان الخيار كان ثابتا للمشتري فيهما والذي هلك عند البائع انفسخ البيع فيه
لفوات القبض المستحق بالعقد فيبقي هو على خياره في الباقي ولو هلك أحدهما عند المشترى
لزمه البيع فيه لأنه لما أشرف على الهلاك فقد عجز عن رده حكما كما قبضه فيتعين البيع فيه ثم يهلك
على ملكه ومن ضرورته تعين الرد في الآخر ولو حدث بأحدهما عيب عند المشترى لزمه الذي
حدث به العيب لأنه عجز عن رده كما قبضه بخلاف ما إذا حدث بأحدهما عيب عند البائع أو
بهما فالمشترى علي خياره لما بينا ولو باع المأذون من رجل ثوبين علي أن البائع بالخيار يلزمه أيهما
شاء بعشرة ويرد الآخر فهذا وخيار المشترى سواء والقياس فيها أن البيع باطل وفي الاستحسان
190

هو جائز على ما اشترطا وقد بينا ذلك في البيوع فان قبضها المشترى فهلك أحدهما عنده فهو
أمين فيما هلك والبائع بالخيار ان شاء لزمه الباقي بعشرة لأنه قبض أحدهما علي جهة البيع
والآخر لا على جهة البيع فكان أمينا فيما قبضه بإذن المالك لا على جهة البيع والبيع ههنا في
الهالك لم يتعين بل تعين في الباقي ضرورة (ألا ترى) أن البائع ليس له أن يلزمه الهالك لان
تعيين البيع فيه كانشاء البيع وانشاء البيع في الهالك لا يتحقق فكذلك تعين البيع فيه وإذا
ثبت أن البيع متعين في الباقي فالبائع فيه بالخيار ثبت بعين الأمانة في الهالك ولو لم يهلك واحد
منهما ولكن حدث بأحدهما عيب عند المشترى كان البائع على خياره لأنه لا تأثير للعيب
الحادث عند المشترى في اسقاط خيار البائع فالمعيب محل ابتداء العقد كالتسليم بخلاف الهالك
فلهذا كان البائع على خياره يلزمه أيهما شاء فان نقض البيع فيهما أخذهما ونصف قيمة المعيب
في القياس لان المعيب كان متردد الحال بين أن يكون مضمونا باعتبار تعين العقد وبين أن
يكون أمانة باعتبار تعين البيع في الآخر وبحدوث العيب فات جزء منه فيتنصف ضمان ذلك
الجزء باعتبار التردد فيه (ألا ترى) أن البائع لو ألزم المشترى الصفقة فيه كان فوات ذلك
الجزء علي المشترى فلو لزمه في الآخر كان فوات ذلك الجزء على البائع فإذا نقض البيع فيهما
كان على المشتري نصف قيمة المعيب ولكن في الاستحسان لا يأخذ من قيمة المعيب شيئا
لان فوات الجزء معتبر بفوات الكل ولو هلك أحدهما في يد المشترى لم يضمن من قيمته
شيئا للبائع وان فسخ البائع العقد في الآخر فكذلك إذا تعيب في يده ولو هلك أحد الثوبين
عند البائع كان له أن يوجب البيع في الباقي وان شاء نقضه لان الهالك خرج من العقد فيبقى
خيار البائع في الباقي كما كان ولو لم يهلك وحدث بأحدهما عيب عند البائع فهو علي خياره فان
اختار إلزام المشتري الثوب المعيب كان المشترى بالخيار لان البائع لما عين العقد فيه التحق بما
لو كان البيع متعينا فيه في الابتداء وقد تعيب عند البائع فيتخير المشترى بين أن يأخذه أو يتركه
وإذا رده فليس للبائع أن يلزمه الآخر لان تعيينه العيب في المبيع يوجب انتفاء العقد عن
الآخر ضرورة فكيف يلزمه العقد في الآخر بعد ما انتفى العقد عنه والله أعلم
(تم الجزء الخامس والعشرون ويليه الجزء السادس والعشرون
أوله باب البيع على أنه إن لم ينقد الثمن الخ)
191