الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ٣٠
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء الثلاثون من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
باب ميراث ذوي الأرحام
(قال رضى الله) اعلم أن محمدا رحمه الله ذكر هذا الباب قبل باب الولاء وزعم بعض
الفرضيين انه كان ينبغي له أن يقدم باب الولاء لان مولى النعمة عصبة مقدم على ذوي الأرحام
لكنا نقول إنه أراد أن يبين أحكام الميراث بالقرابة ثم يرتب عليه بيان الميراث بما أقيم مقام
القرابة أو لما بين باب الرد وكان الرد بسبب الرحم أعقب ذلك بباب ميراث ذوي الأرحام لان
الاستحقاق هنا بالرحم كما أن هناك بالرحم والولاء نوعان ولاء عتاقة وولاء موالاة وولاء
الموالاة يتأخر عن ذوي الأرحام فلهذا قدم هذا الباب ثم في توريث ذوي الأرحام اختلاف
بين الصحابة والتابعين والفقهاء بعدهم فمن قال بتوريثهم من الصحابة رضوان الله عليهم علي وابن
مسعود وابن عباس في أشهر الروايات عنه ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وأبو عبيدة ابن
الجراح ومن قال بأنهم لا يرثون زيد بن ثابت وابن عباس في رواية عنه ومنهم من روى
ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان ولكن هذا غير صحيح فإنه حكى ان المعتضد سال أبا حازم
القاضي عن هذه المسألة فقال اجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير زيد بن ثابت على
توريث ذوي الأرحام ولا يعتد بقوله بمقابلة اجماعهم وقال المعتضد أليس انه يروى ذلك
عن أبي بكر وعمر وعثمان فقال كلا وقد كذب من روى ذلك عنهم وأمر المعتضد برد ما كان
في بيت المال مما أخذ من تركة من كان ورثه من ذوي الأرحام وقد صدق أبو حازم فيما قال
وقد روى عن أبي بكر أنه قال لا أتأسف على شئ كتأسفي على أنى لم أسل رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن ثلاث عن هذا الامر أهو فينا فنتمسك به أم في غيرنا فنسلم إليه وعن الأنصار
هل لهم من هذا الامر شئ وعن توريث ذوي الأرحام فانى لم أسمع فيه من رسول الله صلى
عليه وسلم شيئا ولكني ورثتهم برأيي وأما الاختلاف بين التابعين فمن قال بتوريثهم شريح
2

والحسن وابن سيرين وعطاء ومجاهد وممن قال إنهم لا يرثون سعيد بن المثيب وسعيد بن
جبير رضي الله عنهم وأما الفقهاء فممن قال بتوريثهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر
وعيسى ابن أبان وأهل التنزيل رحمهم الله وممن قال لا يرثون سفيان الثوري ومالك والشافعي
اما من تفي توريثهم استدل بآيات المواريث فقد نص الله تعالى فيها على بيان سبب أصحاب
الفرائض والعصبات ولم يذكر لذوي الأرحام شيئا وما كان ربك نسيا وأدنى ما في الباب أن
يكون توريث ذوي الأرحام زيادة على كتاب الله وذلك لا يثبت بحبر الواحد والقياس
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ميراث العمة والخالة قال نزل جبريل عليه السلام
وأخبرني أن لا ميراث للعمة والخالة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يستخير
الله تعالى في ميراث العمة والخالة فنزل عليه والوحي أن لا ميراث لهما ومن قال بتوريثهم
استدل بقوله تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله معناه بعضهم أولى من
بعض وقد بينا ان هذا اثبات الاستحقاق بالوصف العام وانه لا منافاة بين الاستحقاق
بالوصف العام والاستحقاق بالوصف الخاص ففي حق من ينعدم فيه الوصف الخاص يثبت
الاستحقاق بالوصف العام فلا يكون ذلك زيادة على كتاب الله وقال النبي صلى الله عليه
وسلم الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث له وفى حديث آخر
قال عليه السلام الخال وارث من لا وارث له يرثه ويعقل عنه ولما مات ثابت الدحداح
رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيس بن عاصم المنقري هل تعرفون له فيكم
شيئا فقال إنه كان فينا ميتا فلا نعرف له فينا الا ابن أخت فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
ميراثه لابن أخته أي لخاله بن عبد الله المنذر وتأويل ما روى من نفى ميراث العمة والخالة
في حال وجود صاحب فرض أو عصبة والكلام في هذه المسألة من حيث المعنى للفريقين
مثل الكلام في مسألة الرد وقد بينا ثم ذوي الأرحام الأقارب الذين لا يستحقون شيئا
بالفريضة والعصوبة من الذكور والإناث واختلفت الروايات فيمن يكون مقدما منهم فروى
عيسى بن أبان عن محمد عن أبي حنيفة أن الجد أبا الأب مقدم على أولاد البنات وفى ظاهر
الرواية ذكر أن أولاد البنات يقدمون علي الجد أب الأم في قول أبي حنيفة وهو قول أبى
يوسف ومحمد وجه ظاهر الرواية أن استحقاق الميراث لذوي الأرحام بالرحم في معنى الاستحقاق
بالعصوبة ولهذا يقدم الأقرب فالأقرب ويستحق الأقرب جميع المال وفى الحقيقة العصوبة
3

بالبنوة مقدمة على الأبوة وابن الابن أولى من الجد فكذلك في معنى العصوبة يقدم أولاد
البنات على الجد أب الأم وجه الرواية الأخرى عن أبي حنيفة ان الجد أب الأب أقوى سببا
من أولاد البنات (ألا ترى) أن الأنثى في درجته تكون صاحبة فرض وهي أم الأم بخلاف
الأنثى في درجة ابن البنت ولان من الناس من يجعل الأنثى التي تدلى بالجد أب الأم صاحبة
فرض وهي أم أب الأم ولا يوجد مثل ذلك في حق أولاد البنات ثم الجد أب الأم مقدم
علي بنات الاخوة وأولاد الأخوات في قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد تقدم بنات
الاخوة وأولاد الأخوات على الجد أب الأم وهذا لان من أصل أبي حنيفة ان في حقيقة
العصوبة الجد يقدم على الاخوة فكذلك في معنى العصوبة يقدم الجد علي بنات الاخوة وأولاد
الأخوات وعندهما يسوى في حقيقة العصوبة بين الجد والاخوة إلا أن هنا قدموا بنات
الاخوة وأولاد الأخوات لان هناك كل واحد منهما يدلى بالأب والجد أب الأم يدلى بالأم
ففي حقيقة العصوبة يعتبر الادلاء بالذكر دون الأنثى ففي معنى العصوبة يقدم الادلاء بالأب
على الادلاء بالأم ثم الذين يورثون ذوي الأرحام أصناف ثلاثة صنف منهم يسمون أهل
القرابة وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وعيسى بن أبان وإنما سموا بذلك لأنهم
يقدمون الأقرب فالأقرب وصنف منهم يسمون أهل التنزيل وهم علقمة والشعبي ومسروق
ونعيم بن حماد وأبو نعيم وأبو عبيده القاسم بن سلام وشريك والحسن بن زياد رحمهم الله سموا
بذلك لأنهم ينزلون المدلى منزلة المدلى به في الاستحقاق وبيان ذلك فيما إذا ترك ابنة ابنة
وابنة أخت على قول أهل القرابة المال لابنة البنت لأنها أقرب وعلى قول أهل التنزيل المال
بينهما نصفان بمنزلة ما لو ترك ابنة وأختا * والصنف الثالث يسمون أهل الرحم منهم حسن
ابن ميسر ونوح بن ذراح سموا بذلك لأنهم سووا بين الأقرب والأبعد في الاستحقاق
وثبتوا الاستحقاق بأصل الرحم ثم كل فريق يزعم أن مذهبه موافق لما نقل في الباب عن
الصحابة رضي الله عنهم والمنقول عن الصحابة في هذا الباب ثلاث مسائل إحداها ما ذكره
إبراهيم النخعي عن علي بن عبد الله فيمن مات وترك عمة وخالة أن المال بينهما أثلاثا الثلثان
للعمة والثلث للخالة فزعم أهل التنزيل أن ذلك موافق لمذهبنا لان العمة تدلي بالأب
فأنزلها منزلة الأب والخالة تدلي بالأم فأنزلها منزلة الأم قال أهل القرابة بل هو موافق
لمذهبنا من اعتبار القرب فان العمة قرابتها قرابة الأب والأبوة تستحق بالفرضية وبالعصوبة
4

جميعا والخالة قرابتها قرابة الأم وبالأمومة تستحق الفرضية دون العصوبة فلهذا جعلنا المستحق
بقرابة الأب ضعف المستحق بقرابة الأم ومن ذلك ما روى الشعبي عن ابن مسعود رضي الله عنه
في ابنة ابنة وابنة أخت أن المال بينهما نصفان فذلك دليل علي أن مذهبه مثل مذهب
أهل التنزيل وروى الشعبي عن علي رضي الله عنه أن ابنة الابنة أولى من ابنة الأخت فهو
دليل على أن مذهبه كمذهبه أهل القرابة وجه قول أهل التنزيل أن سبب الاستحقاق
لا يمكن اثباته بالرأي ولا نص هنا من الكتاب أو السنة أو الاجماع على أن سبب الاستحقاق
لهم فلا طريق سوى إقامة المدلي مقام المدلى به في الاستحقاق ليثبت به الاستحقاق بالسبب
الذي كان ثابتا للمدلى به (ألا ترى) ان من كان منهم ولد عصبة أو صاحب فرض فإنه
يقدم على من ليس بعصبة ولا صاحب فرض وما كان ذلك الا باعتبار المدلى به وأما أهل
الرحم يقولان الاستحقاق لهم بالوصف العام ثابت بقوله تعالى وأولوا الأرحام وفى هذا الوصف
وهو الرحم الأقرب والأبعد سواء وأما وجه قول أهل القرابة أن استحقاقهم باعتبار معنى
العصوبة ولهذا يقدم الأقرب فالأقرب ويستحق الواحد جميع المال ثم في حقيقة العصوبة
تارة تكون زيادة القرب نقصان درجة يعنى أن يكون أقرب بدرجة وتارة وبقوة السبب ولهذا
قدمت البنوة في العصوبة على الأبوة فكذلك في معنى العصوبة يثبت التقديم كما يثبت
بقرب الدرجة وولد الابنة أقوى سببا من ولد الأخت فلهذا كان مقدما عليه ثم القول بما
قال به أهل التنزيل يؤدى إلى قول فاحش وهو حرمان المدلى يكون المدلى يه رقيقا أو
كافرا فان الانسان لا يجوز أن يكون محروما عن الميراث بمعنى غيره ولو كان رق المدلى
به يوجب حرمانه لكان موت المدلى به موجبا حرمانه أيضا وإذا ثبت أن في الحجب والحرمان
لا يعتبر المدلى به فكذلك في الزيادة والنقصان لا يعتبر المدلى به وإنما يكون استحقاقه
باعتبار وصف فيه وهو القرابة ولكن يقدم الأقرب لاعتبار معنى العصوبة كما قال الله تعالى
للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ثم لا خلاف أن الرد على أصحاب الفرائض
مقدم على توريث بعض الأرحام الا شئ يروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قدم ذوي
الأرحام على الرد لأنه لما اعتبر في حق أصحاب الفرائض الوصف الخاص سقط اعتبار الوصف
العام في مقابلة من يستحق بالوصف وهم ذووا الأرحام ولكنا نقول الوصف العام قد
استوى فيه الفريقان ويرجح أصحاب الفرائض باعتبار قوة السبب في حقهم بالوصف الخاص
5

فيقدمون علي ذوي الأرحام ثم ذوي الأرحام في الحاصل سبعة أصناف صنف منهم أولاد
البنات والصنف الثاني بنات الاخوة وأولاد الأخوات والصنف الثالث الأجداد الفواسد
والجدات الفاسدات والصنف الرابع العم لام والعمة لأب وأم أو لأب أو لام والخال
والخالات والصنف الخامس أولاد هؤلاء والصنف السادس أعمام الأب لام وعمات الأب
وأخوال الأب وخالات الأب والصنف السابع أولاد هؤلاء وفى كل ذلك عند التساوي
في الدرجة إذا كان أحدهما ولد صاحب فرض أو ولد عصبة والآخر ليس كذلك فولد
صاحب الفرض والعصبة أولي بيان ذلك في ابنة ابنة ابن مع ابنة ابنة ابنة فقد استويا في
الدرجة ولكن ابنة الابنة الابن ولد صاحب فرض فهي أولى وكذلك لو ترك ابنة ابنة أخ
وابنة ابن أخ فابنة ابن الأخ أولى لأنها ولد من عصبة دوى الأخرى ولو كان أحدهما
ولد صاحب فرض والآخر ولد عصبة فهما سواء كابنة الأخ مع ابنة الأخت فان إحداهما
لا تصير محجوبة بالأخرى وأما إذا كانت إحداهما أقرب فالأقرب أولى وان كانت الأبعد
ولد عصبة أو صاحبة فرض كابنة ابنة الابنة مع ابنة ابنة ابن الابن فان ابنة ابنة الابنة أقرب
بدرجة فهي أولى اعتبارا بحقيقة العصوبة وكذلك ابنة ابنة الأخت تقدم على ابنة ابن ابن
الأخ لأنها أقرب بدرجة وفى حقيقة العصوبة عند المساواة في الدرجة يقدم من هو أقوى
سببا كالأخ لأب وأم مع الأخ لأب وعند التفاوت في الدرجة يقدم الأقرب كابن الأخ
لأب وأم مع الأخ لأب فكذلك في معنى العصوبة ثم اختلفوا بعد ذلك في كيفية قسمة
الميراث بين ذوي الأرحام من أولاد الأولاد فكان أبو يوسف رحمه الله يقول أولا
يعتبر في القسمة أول من يقع فيه الخلاف إذا اتفقت الآباء والأجداد واختلفت
الأبدان فالقسمة على الأبدان للذكر مثل حظ الأنثيين وان اتفقت الأجداد واختلفت
الآباء فالقسمة على الآباء ثم ينقل نصيب كل ذكر من الآباء إلى ولده ذكرا كان أو أنثى
ونصيب كل أنثى إلى ولدها ذكرا كان أو أنثى وان اختلفت الأجداد يقسم أولا على الأجداد
ثم يجمع ما خص الذكور منهم فيقسم على أولادهم للذكر مثل حظ الأنثيين وان اختلفت
صفاتهم في الذكورة والأنوثة يجمع ما خص الإناث فيقسم بين أولادهن كذلك وهكذا
يفعل في الاباء مع الأبدان وهذا قول محمد وهو الظاهر من مذهب أبي حنيفة ثم رجع أبو
يوسف فقال يعتبر في القسمة أبدانهم على كل حال وهو رواية شاذة عن أبي حنيفة والرواية
6

الأولى أشهر فقد ذكرت في الفرائض في الكتاب وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف
ومحمد ثم رجع أبو يوسف عن ذلك وجه قول محمد ان الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا
في العمة والخالة على أن للعمة الثلثين وللخالة الثلث ولو كان المعتبر في القسمة الأبدان
لكان المال بينهما نصفين وفى اتفاقهم على أن المال بينهما أثلاثا دليل على أن المعتبر في القسمة
المدلى به وهو الأب والأم ولأنا أجمعنا على أنه لو كان أحدهما ولد عصبة أو صاحب فرض
كان أولى من الآخر وإنما يرجح بمعنى في المدلى به فإذا كان في الحرمان يعتبر المدلى به ففي
النقصان أولى فبهذا يتبين أن المعتبر أول من يقع به الخلاف لان في هذه المسألة قد استويا
في الأب وهو المنسوب إلى الميت وفى الأبدان وإنما وقع الاختلاف فيما بين ذلك ثم اعتبرنا
من وقع به الخلاف في ترجيح أحدهما على الآخر وهذا بخلاف العدد فان المعتبر فيه أبدانهم
دون المدلي به فإنه واحد وهذا لأن علة الاستحقاق كاملة في حق كل واحد منهم وهو
القرابة والعلة تحتمل العدد فيجعل الأصل كالمتعدد حكما بتعدد الفرع وكمال العلة بكل واحد
منهم بمنزلة جماعة قتلوا رجلا عمدا يجعل كل واحد منهم قاتلا علي الكمال والمقتول وإن كان
واحدا يجعل متعددا حكما لتكامل العلة في حق كل واحد منهم بخلاف صفة الذكورة
والأنوثة فالموجود من ذلك في الفرع لا يمكن أن يجعل كالموجود في الأصل مع تحقق ضده
فيه لأنه لا احتمال لذلك فيعتبر ما في الأصول من الصفة لان الاستحقاق للفروع بناء علي
ذلك وأبو يوسف يقول قد استويا في سبب الاستحقاق فان الاستحقاق للمرء في الأصل
إنما يكون بمعنى فيه لا بمعنى في غيره والاستحقاق عندنا باعتبار القرابة وذلك معنى في أبدانهم
وقد اتحدت الجهة أيضا وهي الولاء فثبتت المساواة بينهم في الاستحقاق وان اختلفت الصفة
في المدلى به (ألا ترى) انه لو كان في بعضهم صفة الرق أو الكفر لم يعتبر ذلك واعتبر حالة
الأبدان في هذه الصفة فكذلك في صفة الذكورة والأنوثة فالدليل عليه العدد فان اعتبار
الذكورة والأنوثة في معنى اعتبار العدد لان كل ذكر بمعنى اثنين فكل أنثى بمعنى واحد فإذا
كان في العدد يعتبر الأبدان فكذلك في صفة الذكورة والأنوثة وهذا بخلاف العمة والخالة
فالجهة هناك قد اختلفت لان الأبوة غير الأمومة والاستحقاق بالسبب فباختلاف الجهة
يختلف السبب معنى فاما عند اتحاد الجهة يكون السبب واحدا فيعتبر في الصفة الأبدان خاصة
وكذلك إذا كان بعضهم ولد صاحب فرض أو عصبة فالفرضية والعصوبة سبب الاستحقاق
7

وعند التفاوت بالسبب يعتبر المدلى به فلا تعتبر المساواة في أصل النسبة إلى الميت لان في
الأنساب إذا أمكن اعتبار الأبدان تعتبر الأبدان خاصة فيما بين الأولاد فإذا تعذر اعتبار
ذلك يعتبر من هو أقرب إلى الأبدان إذا عرفنا هذا فنقول أما إذا اختلفت الأبدان واتفقت
الآباء فصورته فيما إذا ترك ابنة بنت وابن بنت أخرى فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين
بالاتفاق وذكر الطحاوي أن على قول محمد رحمه الله المال بينهما نصفان باعتبار المدلى به وهذا
غلط وإنما هو قول أهل التنزيل علي ما نبينه أما عند أصحابنا المعتبر الأبدان هنا لان أول من
وقع به الخلاف الأبدان فاما إذا اختلفت أبدانهم واختلفت آباؤهم واتفقت أجدادهم فصورته
فيما إذا ترك ابنة ابنة ابنة وابن ابنة ابنة وابنة ابن بنت وابن ابن بنت ففي قول أبى يوسف
الآخر المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على ستة عشر لكل ابن سهمان ولكل ابنة سهم
وأما على قول محمد القسمة أولا على الآباء واثنان منهم ذكران يعنى ابنة ابن الابنة وابن ابن
الابنة واثنان منهم أنثيان فقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على ستة أربعة من ذلك للبنتين
يدليان بالذكر ثم يقسم بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا فانكسر بالأثلاث
وسهمان للتين تدليان بالأنثى ثم يقسم بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا فقد وقع انكسر
بالأثلاث في موضعين ولكن أحدهما يجزئ عن الآخر فتضرب ستة في ثلاثة فيكون ثمانية
عشر كان للتين تدليان بذكر ثلثان اثنا عشر سهما ثمانية لابن ابن البنت وأربعة لابنة ابن
البنت وكان للآخرين الثلث ستة بينهما أثلاثا أربعة لابن ابنة الابنة وسهمان لابنة ابنة البنت
وبين هذه السهام موافقة بالنصف فاقتصر علي النصف فيعود إلى تسعة فالتخريج كما بينا فاما إذا
اختلفت أبدانهم وآباؤهم وأجدادهم فصورته فيما إذا ترك ابنة ابنة ابنة وابنة ابن ابن ابنة
وابن ابنة ابن ابنة فعلى قول أبى يوسف الجواب ظاهر كما بينا وعند محمد يعتبر في القسمة
الأجداد أولا واثنان منهم ذكران يعنى ان ابنة ابن ابن الابنة وابن ابنة ابن ابنة والآخران
أنثيان فتكون القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين علي ستة الثلثان وهو أربعة لهذين والثلث
للآخرين ثم ما أصاب الابنتين يقسم على ابائهما للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا وأما نصيب
الآخرين يقسم على الآباء للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا فيقتصر على تسعة بعد الاقتصار كما
بينا ثم يجمع ما أصاب من اتفقت آباؤهم واختلفت أبدانهم فيقسم ذلك بينهم على الأبدان
للذكر مثل حظ الأنثيين فيتيسر التخريج بالقياس علي الفصل المتقدم كما بينا وان اختلفت
8

الآباء دون الأجداد والأجداد دون الأبدان فصورة ذلك فيما إذا ترك ابنة ابنة ابنة ابنة
وابني ابن ابنة وابنة ابن ابن ابنة وابنة ابنة ابن بنت فعند أبي يوسف القسمة على الأبدان *
فيكون المال بينهم أرباعا بالسوية وعند محمد يعتبر أولاد الأجداد فان أول من وقع به
الخلاف الأجداد واثنان منهم أجدادهما ذكر يعنى ابنة ابن ابن ابنة وابنة ابنة ابن بنت
والأخريان أجدادهما أنثى فتكون القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين على ستة أربعة للبنين
أجدادهما ذكر وسهمان للآخرين ثم ما أصاب اللتين أجدادهما ذكر يقسم بينهما على
الاباء أثلاثا فنصيب ابنة ابن ابن الابنة ثلثي الثلاثين والأخرى ثلث الثلاثين وذلك الثلث
يقسم بين الآخرين على الآباء للذكر مثل حظ الأنثيين فنصيب ابنة ابنة ابنة الابنة ثلث
الثلث والأخرى ثلثا الثلث ثم ما يصيب كل أب فهو متقول إلى ولد فان بين الأبدان موافقة
ولا حاجة إلى قسمة أخرى * مسألة من هذا الجنس هي ألطف مسائل الباب فاعتبرها وهي
ثمانية نفر أربعة أجدادهم أنثى وأربعة أجدادهم ذكر فالأربعة الأولى ابنة ابنة ابنة ابنة وابن
ابنة ابنة ابنة وابنة ابن ابنة ابنة وابن ابن ابنة ابنة والأربعة الذين أجدادهم ذكر ابن ابن
ابن ابنة وابنة ابن ابن ابنة وابنة ابنة ابن بنت وابن ابنة ابن ابنة فعلى قول أبى يوسف الآخر
المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على اثنى عشر سهما باعتبار الأبدان وأما على قول محمد
فالعبرة للأجداد أولا في القسمة فيكون المال على اثنى عشر سهما ثمانية من ذلك نصيب الأربعة
الذين أجدادهم ذكر وأربعة نصيب الأربعة الذين أجدادهم اثنى ثم هذه الأربعة تقسم بينهم
علي الآباء واثنان من الآباء ذكر يعنى ابنة ابن الابنة وابن ابن ابنة الابنة وابن ابن ابنة الابنة
واثنان اثنى فيقسم هذا الثلث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ثلثاه وهو تسعا المال للذين أبوهما
ذكر وتسع المال للاخرتين ثم هذا التسع يقسم بين ابنة ابنة ابنة ابنة الابنة وابن ابنة ابنة الابنة
للذكر مثل حظ الأنثيين على أبدانهما فيكون للأولى ثلث التسع وللابن ثلثا التسع وأما التسعان
فبين ابنة ابن ابنه الابنة وابن ابن ابنة الابنة للذكر مثل حظ الأنثيين على الأبدان للابن ثلثا
التسعين وللابنة الثلث ثم تجئ إلى ثلثي المال فتقسم ذلك بين الأربعة الذين أجدادهم ذكر
على الآباء واثنان منهم ذكران يعنى ابن ابن ابن الابنة وابنة ابن ابن الابنة والآخرين يدليان
بأنثى يعنى ابنة ابنة ابن الابنة وابن الابنة فيقسم الثلثان للذكر مثل حظ الأنثيين على الأبدان
ثلثا ذلك الثلثين للذين أجدادهما ذكر وثلث الثلثين للذين أجدادهما اثنى ثم يقسم ثلث الثلثين
9

على الأبدان للذكر مثل حظ الأنثيين ثلثا ذلك الثلث لابن ابنة ابن الابنة وثلثه لابنة ابنة ابن
الابنة والثلثان يقسم كذلك أيضا فإذا ضرب بعض هذا في بعض بلغ الحساب مائة وثمانية وبين
الأنصباء موافقة بالربع فيقتصر على الربع وذلك سبعة وعشرون تسعة من ذلك للذين أجدادهم
اثنى ثم ستة من هذه التسعة للذين أبوهما ذكر وثلاثة للذين أبوهما أنثى ثم تقسم هذه الثلاثة
بينهما علي الأبدان أثلاثا للذكر سهمان وللأنثى سهم وكذلك الستة تقسم بين الآخرين على الأبدان
للذكر أربعة وللأنثى سهمان وثمانية عشر للذين أجدادهم ذكر تقسم علي الآباء أثلاثا ستة
للذين يدليان بالأنثى ثم تقسم بينهما أثلاثا على الأبدان للأنثى سهمان وللذكر أربعة واثنا عشر
حصة الذين أبوهما ذكر تقسم بينهما أثلاثا على الأبدان للذكر منهما ثمانية وللأنثى أربعة فما
يكون من هذا النحو تخريجه هذا فإن كان مع الثمانية ابنة ابنة ابن الابن فالمال كله لها لأنها
ولد صاحبة فرض فان ابنة ابن الابنة صاحبة فرض وعند المساواة في الدرجة ولد صاحب الفرض
أولى وإن كان معهن ابنة ابن ابن الابن فلا شئ لها لأنها وان كانت ولد صاحب فرض فهي
أبعد بدرجة والبعدى محجوبة بالقربى وان كانت ولد صاحبة فرض أو عصبة وإن كان مع
الكل ابنة ابنة ابنة فهي أولى بجميع المال لأنها أقرب بدرجة من جميع من سمينا وإن كان معها
ذكر يعني ابن ابنة الابنة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شئ لمن سواهما وإن كان
معهم من هو أقرب بدرجة وهو ابنة الابنة فالمال كله لها وإن كان معها ذكر في درجتها
وهو ابن الابنة فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين هذا كله بيان أهل القرابة فاما بيان
قول أهل التنزيل نقول إذا ترك ابنه ابنة ابنة وابن ابنة ابنة فعلي قول أبى عبيد وإسحاق بن
راهويه المال بينهما نصفان سواء كانا من أم واحدة أو من أمين مختلفين وعلي قول أبى نعيم
وشريك والحسن ابن زياد ان كانا من أمين كذلك وان كانا من أم واحدة فالمال بينهما للذكر
مثل حظ الأنثيين أثلاثا لان عند اختلاف الأصول كل فرع يقوم مقام أصله فكأنهما ابنتان
للميت فالمال بينهما نصفان وأما إذا اتحد الأصل فلا يمكن القسمة باعتبار الأصل لان الواحد
لا يقاسم نفسه فلا بد من اعتبار الفرعين في القسمة فيكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين
وجه قول عبيد ان كل فرع قائم مقام أصله فتتحقق المساواة بينهما سواء كان من أم واحدة أو
من أمين فباعتبار تحقق المساواة تكون القسمة بينهما نصفان وهذا لان سبب الاستحقاق في
كل واحد منهما ما في المدلى به وهو التنبيه وفى هذا لا فرق بين أن يكونا من أمين أو من
10

أم واحدة ولو ترك ابنة ابنة وابني ابنة أخرى فعلى قول أهل القرابة المال بينهن أثلاثا وعلى
قول أهل التنزيل القسمة نصفان نصف لابنة الابنة ونصف لابني الابنة نصفين بمنزلة
الابنتين للميت ثم ينتقل إلى فرع كل أصل نصيب ذلك الأصل وكذلك لو ترك ابنة ابنة وعشر
بنات ابنة ابنة فعلى قول أهل القرابة المال بينهن على أحد عشر سهما وعلى قول أهل التنزيل
على عشرين سهما لبنات الابنة عشرة لكل واحدة منهن سهما فان ترك ابنة ابنة وبنتي
ابنة أخرى وثلاث بنات ابنة أخرى فعندنا المال بينهن أسداسا بالسوية وعند أهل التنزيل
المال بينهن أثلاثا ثلث لابنة الابنة وثلثان لابنتي الابنة نصفان وثلث بين ثلاث بنات الابنة أثلاثا
بالسوية فان ترك ثلاثة بنى ابن ابن ابنة وابن ابن ابنة أخرى وابن ابن أخرى لهذه الابنة
فعلي قول أهل القرابة المال بينهم بالسوية أسداسا وعلى قول أهل التنزيل نصف المال لثلاثة
بني ابن البنت والنصف الآخر بين ابني ابن الابنة الأخرى وابن ابنها نصفين بمنزلة ما لو
كان للميت ابنان فيكون المال بينهما نصفين ثم ينتقل نصيب كل منهما إلى أولادهما فالنصف
للثلاثة والنصف للفريقين الآخرين نصف ذلك لابني ابنها ونصفه لابن ابنها لان كل واحد
منهما يقوم مقام من يدلى به إليها في نصيبها من الميراث فان ترك ابنة ابنة ابنة وابنة ابنة أخرى
فعلى قول أهل القرابة المال كله لابنة الابنة وأما على قول أهل التنزيل فقد ذكر محمد بن
سالم عن أبي نعيم أن المال بينهما نصفان لان الأقرب إنما يترجح عند اختلاف الجهة فاما عند
اتحاد الجهة الأقرب والأبعد عندهم سواء وقد اتحدت الجهة هنا وهي الولاء وهذا القول
أقرب من قول أهل الرحم فان ترك ابنة ابنة وابنة ابنة ابن فعلى قول أهل القرابة المال كله لابنة
الابنة وعلى قول أهل التنزيل وقد ذكره محمد بن سالم عن أبي نعيم أن المال بينهما أرباعا ثلاثة
أرباعه لابنة الابنة والربع لابنة الأخرى على قياس قول على في الرد وعلى قياس قول ابن مسعود
في الرد المال كله بينهما أسداسا لان كل واحدة منهما تنزل منزلة المدلى به من صاحب فريضة
وإحداهما ولد الابنة فتنزل منزلتها والأخرى ولد ابنة الابن فتنزل منزلتها ولو ترك ابنة وابنة
ابن كان المال بينهما أرباعا على قياس قول على في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود ثم
ينتقل إلى ولد كل واحدة منهما حصتها من ذلك أو يقام المدلى مقام المدلي به فان ترك ابنة ابن
وابن ابنة أمها واحدة وترك أيضا ابنة ابنة ابن وابن ابنة ابن أمها واحدة فعلى قول أهل
القرابة المال بين ابنة ابنة الابن وابن ابنة الابن للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا لأنهما أقرب بدرجة
11

وعلى قول أهل التنزيل يكون المال بين هاتين وبين الآخرين أرباعا على قياس قول على في
الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود في الرد كما بينا ثم ثلاثة أرباع المال الذي هو نصيب
ولدي الابنة على قول أبى عبيد بينهما نصفان وعلى قول أبى نعيم بينهما أثلاثا على ما بينا أن
الأم إذا كانت واحدة عند أبي نعيم يعتبر في القسمة الأبدان وعند أبي عبيد لا فرق بين أن
يكونا لام واحدة أو لا يكونا في أن القسمة على المدلى به وكذلك الربع الذي أصاب الآخرين
على قول أبى نعيم بينهما نصفان للذكر مثل حظ الأنثيين وعلى قول أبى عبيد بينهما نصفين
فان ترك ثلاثة بنى ابن بنت وابن ابن ابنة وابني ابنة ابنة فنقول أما على قول أبى يوسف الآخر
المال بينهما بالسوية أسداسا وأما على قول محمد يقسم على الآباء أولا لابني ابنة الابنة سهمان
وللأربعة ثمانية أسهم فان أبا كل واحد منهم ذكر ولكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم
فيكون لابني ابنة الابنة في الحاصل خمس المال بينهما نصفين فتكون القسمة بين عشرة وأما
على قول أهل التنزيل فالظاهر من مذهبهم أن المال بين الفرق أثلاثا ثلثه لبنى ابن الابنة
بينهم أثلاثا وثلثه لابني ابنة الابنة وثلثه لابن ابن الابنة اعتبار المدلى به وهو بمنزلة
ما لو ترك ثلاث بنات وقد قال بعضهم المال بين الفريقين الأولين نصفين ولا شئ لابني
ابنة الابنة لان بنى ابن الابنة هم ورثة الجدة (ألا ترى) أنها لو كانت هي الميتة كانوا يرثونها
بالعصبة فأما ابنتا ابنة الابنة فليستا بوارثتين للجدة حتى لا يرثا بأنها لعصوبة فكما أن الفريقين
الآخرين يحجبان ابني ابنة الابنة عن ميراث الجدة فكذلك عن ميراث من يستحق ميراثه
بالادلاء بالجدة ثم يكون المال عندهم على ستة ثلاثة لابن ابن الابنة وثلاثة لبني ابن الابنة لكل
واحد منهم سهم لان كل فريق يقوم مقام المدلى به فكأنهما اثنان يقسم المال بينهما نصفان
ثم ينتقل نصيب كل ابن إلى ولده واحدا كان أو أكثر فان ترك ابنة ابنة ابن وابن ابن ابنة
فعلى قول أهل القرابة المال كله لابنة ابنة الابن لأنها ولد صاحب فريضة وعند المساواة في
الدرجة ولد صاحب الفريضة أولى وعلى قول بعض أهل التنزيل المال كله لابن ابن الابنة فإنه
وارث الجدة دون من سواها وقد بينا أن عندهم يقع الترجيح بهذا وعند بعضهم المال بين
ابنة ابنة الابن وابن ابن الابنة أرباعا على قياس قول على في الرد وأسداسا على قياس قول
ابن مسعود في الرد لان ابنة ابنة الابنة وابن ابنة الابنة صارا محجوبين بابن ابن الابنة على
ما بينا أنه وارث الجدة دونهما بقي ابنة ابنة الابن وابن ابن الابنة فكل واحد منهما يقوم
12

مقام من يدلى من صاحب فريضة وابن ابن الابنة بمنزلة الابنة وابنة ابنة الابن بمنزلة ابنة
الابن فيكون المال بينهما أرباعا على قياس قول على في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود
في الرد وهذا طريق التخريج في هذا الجنس من المسائل والله أعلم بالصواب
باب ميراث أولاد الإخوة والأخوات من ذوي الأرحام
(قال رضي الله عنه) اعلم بان ذوي الأرحام من هذا الصنف فرق أربعة اما أن يكونوا
كلهم لأب وأم أو لأب أو لام أو مختلطين ثم لا يخلوا ما أن يكون بعضهم أقرب من بعض
أو يكونوا متساويين في الدرجة فإن كان بعضهم أقرب فهو بالميراث أحق وان كانوا متساويين
في الدرجة إن كان بعضهم ولد صاحب فريضة أو عصبة فهو أولى ممن ليس بولد عصبة ولا
صاحب فريضة لان ولد العصية وصاحب الفرض أقرب حكما والترجيح بالقرب حقيقة ان
وجد وإن لم يوجد فبالقرب حكما فأما إذا استووا في ذلك أيضا فان انفردوا فكانوا لأب وأم
أو لأب فعلى قول أبى يوسف الآخر القسمة بينهم على الأبدان وعلي قوله الأول وهو قول
محمد على الآباء حتى إذا ترك ابن أخت وابنة أخ وهما لأب وأم أو لأب فعند أبي يوسف
الثلثان لابن الأخت والثلث لابنة الأخ وعند محمد على عكس هذا الثلثان لابنة الأخ والثلث
لابن الأخت بمنزلة الأخ والأخت ثم ينتقل ميراث كل واحد منهما إلى ولده وان كانا جميعا
لام ففي ظاهر الرواية المال بينهما في نصفان وقد روى في رواية شاذة عن أبي يوسف أن المال
بينهما أثلاثا ووجهه بان الأصل في المواريث تفضيل الذكر على الأنثى وإنما تركنا هذا الأصل
في الاخوة والأخوات لام لخصوص القياس بالنص وهو قوله تعالى فهم شركاء في الثلث
والمخصوص في القياس بالنص لا يلحق به ما ليس في معناه من كل وجه وأولاد الاخوة
لام ليس في معنى الآباء لأنهم لا يرثون بالفرضية شيئا فيعتبر فيهم الأصل ثم توريث ذوي
الأرحام بمعنى العصوبة وفى حقيقة العصوبة يفضل الذكر على الأنثى وجه ظاهر الرواية أن
قرابة كل واحد منهما قرابة الأم والاستحقاق بهذه القرابة إذ لا سبب بين الميت وبينهم سوى
هذا وباعتبار قرابة الأم لا يفضل الذكر على الأنثى بحال وربما يفضل الأنثى فان أم الأم
صاحبة فرض دون أب الأم فإن لم تفضل هنا الأنثى فينبغي أن يسوى بينهما اعتبارا بالمدلى
به وأما إذا كانا مختلطين بأن ترك ثلاث بنات اخوة متفرقين فعلى قول أبى يوسف المال كله
13

لابنة الأخ لأب وأم وهو الظاهر من قول أبي حنيفة وعلي قول محمد لابنة الأخ لام السدس
والباقي لابنة الأخ لأب وأم ولا شئ لابنة الأخ لأب رواية عن أبي حنيفة لان محمدا يعتبر
المدلى به فكأنه ترك ثلاث اخوة متفرقين ثم نصيب كل أخ ينتقل إلى ولده وجه قول أبى
يوسف ان الاستحقاق بمعنى العصوبة وفى حقيقة العصوبة يترجح من هو أقوى سببا فكذلك
في معنى العصوبة والذي له اخوة من الجانبين يكون أقوى سببا من الذي تكون أخوته من
جانب فلهذا يقدم ابنة الأخ لأب وأم علي ابنة الأخ لأب * يوضحه أنه لو كان أحدهما
أقرب بدرجة كان هو أولى وكذلك لو كان أحدهما ولد صاحب فرض أو عصبة كان هو
أولى فكذلك إذا كان أحدهما أقوى سببا ولو ترك ثلاث بنات أخوات متفرقات فعلى قول
أبى يوسف وهو الظاهر من قول أبي حنيفة المال كله لابنة الأخت لأب وأم وعلى قول محمد
المال بينهم أخماسا على قياس قول على في الرد وأسداسا على قياس قول ابن مسعود في الرد
اعتبارا بالمدلى به فكأنه ترك ثلاث أخوات متفرقات ثم ينتقل ميراث كل أخت إلى ولدها فان
ترك ابنة أخت لأب وأم وابن أخت لأب وأم فعلى قول أهل القرابة المال بينهما للذكر مثل
حظ الأنثيين وعلى قول أهل التنزيل المال بينهما نصفان وعلى قول أبى عبيد ومن تابعه سواء
كانا من أم واحدة أو من أمين وعلي قول أبى نعيم ومن تابعه ان كانا من أمين فكذلك
وان كانا من أم واحدة فالمال بينهما أثلاثا وقد بينا نظيره في أولاد البنات فهو كذلك في
أولاد الأخوات * فان ترك ابنة ابنة أخت وابنة ابنة ابن أخ فالمال كله لابنة ابنة الأخت
لأنها أقرب درجة وعلى قول أهل التنزيل المال بينهما نصفان لأنهم يعتبرون المدلي به ممن
هو وارث في حق أحدهما هو الأخت وفى حق الآخر ابن الأخ فكأنه ترك أختا وابن
أخ فيكون المال بينهما نصفين ثم ينتقل إلى المدلى ميراث المدلى به فان ترك ابنة أخت وابنة
أخ وابن أخ لأب وأم أو لأب فالمال كله لابن الأخ لأنه عصبة ثم الأنثى في درجته لا
تجعل به عصبة هنا بخلاف الأخوات والأولاد لان الأنثى متى كانت صاحبة فريضة عند
الانفراد تصير عصبة بذكر في درجتها لكن لا يؤدى إلى تفضيل الأنثى على الذكر أو
المساواة بينهما وهذا موجود في البنات والأخوات فأما هنا الأنثى بانفرادها لا تكون
صاحبة فرض وهي ابنة الأخ فلا تصير عصبة يذكر في درجتها أيضا ولكن المال كله للذكر
باعتبار حقيقة العصوبة * فان ترك ثلاث بنات اخوة متفرقين وثلاث بنات أخوات متفرقات
14

فعلى قول أبى يوسف المال كله بين ابنة الأخت لأب وأم وابنة الأخ لأب وأم نصفين
باعتبار الأبدان وعلى قول محمد لابنة الأخت لام مع ابنة الأخ لام الثلث بينهما نصفين
والباقي كله لابنة الأخت والأخ لأب وأم بينهما أثلاثا باعتبار الآباء ثلثاه لابنة الأخ وثلثه
لابنة الأخت ولا شئ للذين هما لأب باعتبار المدلى به
(فصل) في بيان من له قرابتان من البنات والأخوات * قال رضي الله عنه أعلم أنه
يجتمع للواحد قرابتان من أولاد البنات والأخوات فصورة ذلك في أولاد البنات أن يترك
ابنة ابنة ابنة وهي أيضا ابنة ابن ابنة بأن كان لرجل ابنتان لإحداهما ابنة وللأخرى ابن فتزوج
الابن بالابنة فولد بينهما ابنة فهي ابنة ابنة ابنة الجد وهي أيضا ابنة ابن ابنته فلا شك على قول
محمد أنها ترثه بالقرابتين جميعا أما على قياس قول أبي حنيفة فالفرضيون من أهل العراق يقولون
عند أبي يوسف لا ترث هذه الا بجهة واحدة لان الجهة اتحدت وهي الولاء فهي نظير الجدات
على قوله وقد بينا من مذهبه في الجدات أن التي هي جدة من جانب واحد والتي هي جدة
من الجانبين سواء فهذا كذلك فأما الفرضيون من أهل ما وراء النهر يقولون هذه ترث
بالجهتين جميعا عنده وهذا هو الصحيح والفرق له بين هذا وبين الجدات أن الاستحقاق
هناك بالفرضية وبتعدد الجدات لا تزداد فريضتهن فإذا كانت الواحدة منهن والعدد سواء
فلا يعتبر اجتماع الجهتين لواحدة فاما هنا الاستحقاق بمعنى العصوبة فيعتبر الاستحقاق بحقيقة
العصوبة وهو في حقيقة العصوبة يعتبر الجهتان جميعا للترجيح تارة وللاستحقاق أخرى
فللترجيح كالاخوة لأب وأم مع الاخوة لأب وللاستحقاق كالأخ لام إذا كان ابن عم فإنه
يعتبر السببان في جهة الاستحقاق وكذلك ابن العم إذا كان زوجا يعتبر السببان في حقه
للاستحقاق فهنا أيضا يعتبر السببان جميعا * إذا عرفنا هذا فنقول إذا اجتمع مع هذه ابنة ابنة
ابنة أخرى قرابتهما من جهة واحدة فعلى قول أبى يوسف المال بينهما أثلاثا للتي لها قرابتان
ثلثا المال لأنها في معنى شخصين فكأنه ترك ابنة ابنة ابنة وابنة ابنة ابنة أخرى وابنة ابن ابنة
وعند محمد القسمة على الآباء فيكون ثلاثة أرباع المال للتي لها قرابتان وربعه للتي لها قرابة
واحدة بمنزلة ما لو ترك ابن ابنة ابنة ابنة وابنة ابنة أخرى فيكون المال علي أربعة ثم سهمان من
هذه الأربعة للتي لها قرابتان باعتبار أنها ولد الابنة وسهم باعتبار أنها ولد ابنة الابنة فإن كان مع
التي لها قرابتان ابن ابنة ابنة فعلى قول أبى يوسف المال بينهما نصفان لأنه يعتبر الأبدان والتي
15

لها قرابتان بمنزلة اثنين فيكون المال علي أربعة للذكر سهمان ولكل أنثى سهم وعلى قول محمد
للتي لها قرابتان ثلاثة أرباع المال باعتبار المدلى به على ما بينا ثم ميراث كل واحد ممن هو مدل
به يكون لولده فما نجده ذا قرابتين فباعتبار قرابة الأب وهو سهمان من أربعة يسلم له وما
كان باعتبار قرابة الأم بضمه إلى ما أخذ الآخر فيقسم بينهما أثلاثا فتكون القسمة من
اثنى عشر نضرب ثلاثة في أربعة وبعد الاقتصار علي النصف للموافقة تكون القسمة ممن ستة
فإن كان معها ابنة ابن ابنة أخرى فعلى قول أبى يوسف للتي لها قرابتان ثلثا المال على ما بينا وعند
محمد تكون القسمة على خمسة باعتبار الاباء فان هذا بمنزلة ابني ابنة وابنة ابنة فيكون المال بينهم
أخماسا للذكر مثل حظ الأنثيين ثم خمسا المال للتي لها قرابتان باعتبار أنها ولد ابن الابنة وخمس
المال باعتبار أنها ولد ابنة الابنة وللأخرى خمسا المال فإن كان معها ابن ابن بنت فعند أبي يوسف
المال بينهما نصفان باعتبار الأبدان وعند محمد المال بينهما في الابتداء أخماسا باعتبار الاباء ثم
التي لها قرابتان تأخذ خمس المال باعتبار قرابة الأم ويضم خمسا المال للتي تأخذه باعتبار قرابة
الأب إلى ما في يد الآخر فيكون بينهما أثلاثا لاستواء الآباء في هذا المقدار واختلاف الأبدان
فانكسر بالأثلاث فإذا ضربت ثلاثة في خمسة تكون خمسة عشر للتي لها قرابتان بقرابة الأم
ثلاثة وبجهة الأخرى أربعة فتكون لها سبعة ولابن ابن الابنة ثمانية فإن كان معها ابنة ابنة
ابنة وابن ابنة ابنة فيكون لها سبعة ولابن ابنة ا لابنة ثمانية فعند أبي يوسف القسمة على الأبدان
ويكون المال بينهم أخماسا للتي لها قرابتان ثلاثة أخماس المال خمس باعتبار قرابة الأم وخمسان
باعتبار قرابة الأب ثم ما أخذت باعتبار قرابة الأم سلم لها وما أخذت باعتبار قرابة الأم يضم
إلى ما في يد الأخوين فيكون بينهما على الأبدان أرباعا لاستواء الآباء فيضرب خمسة في أربعة
فيكون عشرين لها باعتبار قرابة الأب ثمانية وباعتبار قرابة الأم ربع الباقي وهو ثلاثة فيكون
لها أحد عشر للابن سبعة وللابنة الأخرى الباقي فإن كان معها ابنة ابن ابنة وابن ابن ابنة فعند أبي
يوسف هذا وما تقدم سواء وعند محمد رحمه الله القسمة في الابتداء على الآباء فتكون
علي سبعة للتي لها قرابتان ثلاثة أسهم باعتبار قرابة الأم يسلم لها وسهمان باعتبار قرابة الأب تضمه
إلى ما في يد الآخرين فيقسم بينهم على الأبدان أرباعا لاستواء الآباء واختلاف الأبدان فيضرب
أربعة في سبعة فتكون ثمانية وعشرين للتي لها قرابتان السبع أربعة باعتبار قرابة الأم ويكون
لها مما بقي الربع باعتبار قرابة الأب فيكون لها عشرة ولابنة ابن الابنة ستة ولابن ابن الابنة
16

اثنا عشر فإن كان معها ابنة ابنة ابنة وابن ابنة ابنة وابنة ابن ابنة وابن ابن ابنة فعند أبي
يوسف القسمة على الأبدان على ثمانية أسهم للتي لها قرابتان سهمان وعند محمد القسمة في الابتداء
على الآباء على تسعة للتي لها قرابتان ثلاثة أسهم باعتبار قرابة الأم سهم فيضم ذلك إلى ما في
يد ابنة ابنة الابنة وابن ابنة الابنة فيكون مقسوما بينهم باعتبار الأبدان أرباعا لاستواء الآباء
واختلاف الأبدان وما اتحد من جهتين باعتبار قرابة الأب تضمه إلى ما في يد ابنة ابن الابنة
وابن ابن الابنة فيكون مقسوما بينهم أرباعا على الأبدان لاستواء الآباء فقد وقع الكسر
بالأرباع في موضعين ولكن أحدهما يجزي عن الآخر فتضرب تسعة في أربعة فتكون ستة
وثلاثين منه تصح المسألة الثلث من ذلك اثنا عشر بين التي لها قرابتان وبين الأولين أرباعا لها
ثلاثة وللابنة الأخرى ثلاثة وللابن ستة والثلثان بين التي لها قرابتان وبين ابنة ابن الابنة
أرباعا لابن ابن الابنة اثنا عشر ولابنة ابن الابنة ستة وللتي لها قرابتان ستة فيحصل لها
بالجهتين تسعة هذا طريق التخريج في هذا الجنس والله أعلم
فصل في بيان ذي القرابتين من بنات الاخوة وأولاد الأخوات
(قال رحمه الله) فان مات وترك ابنة أخت لأم وهي ابنة أخ لأب وصورته أن يكون
لرجل أخت لأم وأخ لأب فيزوج أخاه لأبيه أخته لامه فيكون صحيحا لأنه لا قرابة بين
الزوجين فإذا ولدت ابنة كانت هذه له ابنة أخت لأم وهي ابنة أخ لأب فان مات وترك معه
هذه ابنة أخت لأب فعلى قول أبى يوسف الأول وهو قول محمد لذي القرابتين سهم من ستة
باعتبار قرابة الأم والباقي بينهما أثلاثا باعتبار قرابة الأب فينكسر بالأثلاث فتكون القسمة
من ثمانية عشر فإنه يعتبر المدلى به فكأنه ترك أختا لأم وأختا وأخا لأب وعلى قول أبى يوسف
الآخر المال كله لذي القرابتين لان الاستحقاق باعتبار معنى العصوبة وقد اجتمع في جانبها
قرابة الأم وقرابة الأب فتترجح على الأخرى في جميع المال كما في حقيقة العصوبة وهذا لأنه
على القول الآخر يعتبر الأبدان فإن كان معها ابنة أخ لأب فعلى قوله الآخر المال كله لذي
القرابتين وفى قوله الأول وهو قول محمد السدس لذي القرابتين باعتبار قرابة الأم والباقي بينهما
نصفان بمنزلة أخت لأم وأخوين لأب فإن كانت المسألة علي عكس هذا فكانت التي لها قرابتان
ابنة أخت لأب وهي ابنة أخ لام ومعها ابن أخ لام فعلى قوله الآخر هذا وما سبق سواء
17

فكذلك أن كان معها ابنة أخت لأب ففي قوله الأول وهو قول محمد إن كان معها ابنة أخ
لام فلهما الثلث بينهما نصفان باعتبار قرابة الأم ولذي القرابتين النصف باعتبار الأب والباقي
رد عليهما فيكون المال في الحاصل بينهما أخماسا بمنزلة ما لو ترك أختا لأب وأخوين لام
ولو كان معها ابنة أخت لأب فللتي لها قرابتان السدس باعتبار قرابة الأم ولها الثلثان باعتبار
قرابة الأم بينهما نصفان والباقي رد عليهما بمنزلة أختين لأب وأخ لام فتكون القسمة أخماسا
للتي لها قرابتان ثلاثة وللأخرى سهمان فإن كان معها ابنة أخت لأب وأم فالمال بينهما نصفان
لأنه وجد في حق كل واحد منهما قرابة الأب وقرابة الأم فاستويا عند أبي يوسف وكذلك
عند محمد لأنه لا فائدة في تمييز احدى القرابتين عن الأخرى هنا فان ما يسلم لهما باعتبار كل قرابة
بينهما نصفان وإنما الاشكال على قول محمد فيما إذا كان معها ابنة أخ لأب وأم فان تمييز احدى
القرابتين عن الأخرى مقيد هنا فقد مال مشايخنا أيضا إلى التمييز فيكون الثلث بينهما نصفين
باعتبار قرابة الأم والباقي بينهما أثلاثا باعتبار قرابة الأب بمنزلة ما لو ترك أخوين لام وأخا وأختا
لأب والأصح أنه لا يشتغل بهذا التمييز بل يكون المال بينهما نصفين لاستوائهما في الادلاء
بقرابة الأب والأم جميعا وثبوت الاستحقاق لها باعتبار معنى العصوبة والله أعلم بالصواب
باب ميراث العمات والأخوال والخالات
قال رضي الله عنه اعلم بان العمة بمنزلة العم عندنا والخالة بمنزلة الأم وقال بشر المديني العمة
بمنزلة الأم وقال أهل التنزيل العمة بمنزلة لأب والخالة بمنزلة الأم وقال أبو عبيد القاسم بن
سلامة العمة مع بنات الاخوة بمنزلة الجدات لأب وهي مع الخالة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة
الأم وبها تتصل بالميت والخالة ولد الجدة لام وبها تتصل بالميت فالأولى أن يجعل كل
واحدة منهما قائمة مقام المدلى به وهي الواسطة التي تتصل الميت بها للميت فيكون المال كله
للعمة ولا شئ للخالة بمنزلة أب الأب مع أب الأم وأما أهل التنزيل فإنهم قالوا اتفقت الصحابة
رضي الله عنهم على أن للعمة الثلثان وللخالة الثلث إذا اجتمعا ولا وجه لذلك الا بان تجعل العمة
كالأب باعتبار ان قرابتها قرابة الأب والخالة كالأم باعتبار ان قرابتها قرابة الأم وأما أبو عبيد
فكان يقول العمة مع ابنة الأخ بمنزلة الجد لان ابنة الأخ تتصل بالميت بقرابة الأب وتنزل
منزلة ابنها وهو الأخ والعمة أيضا تتصل بقرابة الأب ولو نزلناها منزلة الأب كانت ابنة
18

الأخ محجوبة بها لان الأخ محجوب بالأب فجعلناها بمنزلة الأب لهذا المعنى فاما مع الخالة
فقد جعلنا الخالة بمنزلة الأم الأدنى لان قرابتها قرابة الأم فتجعل العمة معها بمنزلة الأب
الأدنى لان قرابتها قرابة الأب فاما أهل الحديث قالوا العمة ولد الجد وبه تتصل الميت فتقوم
مقام الجد أب الأب والخالة ولد الجد أب الأم والجدة أم الأم ولو جعلناها كالجد أب الأم لم
ترث شيئا ولو جعلناها كالجدة أم الأم كانت وارثة مع العمة فبهذا الطريق جعلناها كالجدة أم
الأم وجه قول علمائنا رحمهم الله ان الأصل ان الأنثى متى أقيمت مقام ذكر فإنها تقوم مقام
ذكر في درجتها ولا تقام مقام ذكر هو أبعد منها بدرجة أو أقرب والذكر الذي في درجة
العمة العم وهو وارث فتجعل العمة بمنزلة العم لهذا فاما أب الأب فهو أبعد منها بدرجة فلا
يمكن اقامتها مقام واحد منهم والخالة لو أقمناها مقام ذكر في درجتها وهو الخال لم ترث مع العمة
فلهذه الضرورة أقمناها مقام واحد منهم والخالة لو أقمناها مقام ذكر في درجتها وهو الخال لم
ترث الثلثين وللخالة الثلث بهذا الطريق بمنزلة ما لو ترك أما وعما يدل عليه ان العمة لو جعلت
كالجد أب الأب لكان العم كذلك فان قرابتهما سواء فينبغي أن يكون العم مزاحما للاخوة
كالجد وإذا سقط اعتبار هذا المعنى في حقيقة العصوبة فكذلك في معنى العصوبة إذا عرفنا
هذا فنقول إذا ترك عما وعمة فاما أن يكونا لأب وأم أو لأب أو لام فإذا كانا لأب وأم أو
لأب فالمال كله للعم لأنه عصبة ولا ميراث لاحد من ذوي الأرحام مع العصبة وكذلك أن
كان العم لأب والعمة لأب وأم أو لأب أو لام فأما إذا كانا جميعا لام فالمال بينهما للذكر مثل
حظ الأنثيين وروى محمد بن جماعة عن أبي يوسف أن المال بينهما نصفان لاستوائهما في
القرابة فان قرابتهما قرابة الأم وباعتبار قرابة الأم لا يفضل الذكر على الأنثى كالأخ والأخت
لام وجه ظاهر الرواية أن توريثهما باعتبار معنى العصوبة وفى العصوبة للذكر مثل ما للأنثى
إذا تساويا في الدرجة وهذا بخلاف الأخ والأخت لام لان توريثهما بالفرضية وفى الاستحقاق
بالفرضية لا يفضل الذكر على الأنثى قال الله تعالى ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما
ترك الآية وكذلك هذا في الأعمام والعمات إذا كثروا فان اجتمع عمات بعضهن لأب وأم
وبعضهن لأب وبعضهن لام فالمال كله للعمة لأب وأم لقوة السبب في حقها باجتماع القرابتين
وعلى هذا أولاد العمات إذا كان بعضهن أقرب فله المال كله وعند الاستواء في الدرجة يترجح
ذو القرابتين على ذي قرابة واحدة وعلي هذا ميراث الأخوال والخالات حتى إذا ترك
19

خالا وخالة فالمال بينهما أثلاثا وفى رواية أبى يوسف المال بينهما نصفان وهذا لان الذكر
هنا ليس بعصبة وتوريثهما باعتبار قرابة الأم وقد استويا في ذلك وفى ظاهر الرواية
الاستحقاق بمعنى العصوبة فيكون للذكر مثل ما للأنثى فإن كان بعضهم لأب وأم وبعضهم
لأب وبعضهم لام فذلك كله لذي القرابتين ذكرا كان أو أنثى لقوة السبب في جانبه باجتماع
القرابتين وان اختلط العمات بالخالات والأخوال فللعمات الثلثان وللأخوال والخالات الثلث
اعتبارا للعمات بالعم والأخوال والخالات بالأم ويستوى في هذا ان استوت الاعداد أو اختلفت
حتى إذا ترك عمة واحدة وعشرة من الأخوال والخالات فللعمة الثلثان والثلث بين الأخوال
والخالات للذكر مثل حظ الأنثيين لان استحقاقهم بقرابة الأم والأمومة لا تحتمل التعدد فهم
بمنزلة أم واحدة وكذلك أن ترك خالة واحدة وعشرة من العمات فللخالة الثلث وللعمات الثلثان
بينهن فان ترك عمة لأب وأم وخالة أو خالا لام فكذلك الجواب في ظاهر الرواية وعن أبي
يوسف أن المال كله للتي لها قرابتان من أي جانب كانت بمنزلة ما لو اتحدت الجهة كالعمين
أو الخالين فأما في ظاهر الرواية ذو القرابتين إنما يترجح على ذي قرابة واحدة إذا كانت من
جهتهما فأما إذا كانت من جهة أخرى فلا لان الخالة كالأم سواء كانت لأب وأم أو لأب
أو لام والعمة كالعم فلهذا كان المال بينهما أثلاثا
فصل في ميراث أولاد العمات والأخوال والخالات
(قال رضي الله عنه) اعلم بأن الأقرب من هؤلاء مقدم على الأبعد في الاستحقاق سواء
اتحدت الجهة أو اختلفت والتفاوت بالقرب بالتفاوت في البطون فمن يكون منهم ذا بطن
واحد فهو أقرب ممن يكون ذا بطنين وذو البطنين أقرب من ذي ثلاث بطون لأنه يتصل
بالميت قبل أن يتصل الأبعد به فعرفنا أنه أقرب وميراث ذوي الأرحام يبنى على القرب وبيانه
فيما إذا ترك ابنة خالة وابنة ابنة خالة أو ابنة ابن خالة أو ابن ابن خالة فالميراث لابنة الخالة لأنها
أقرب بدرجة وكذلك أن ترك ابنة عمة وابنة ابنة خالة فابنة العمة أولى بالمال لأنها أقرب
بدرجة وان كانا من جهتين مختلفتين وان ترك بنات العمة مع ابن خالة واحدة فلبنات العمة
الثلثان ولابنة الخالة الثلث وإن كان بعض هؤلاء ذا قرابتين وبعضهم ذا قرابة واحدة فعند
اختلاف الجهة لا يقع الترجيح بهذا وعند اتحاد الجهة الذي لأب أولى من الذي لام ذكرا
20

كان أو أنثى بيانه فيما إذا ترك ثلاث بنات عمات متفرقات فالمال كله لابنة العمة لأب وأم
وكذلك ثلاث بنات خالات متفرقات فان ترك ابنة خالة لأب وأم وابنة عمة لأب وأم أو
لأب فلابنة العمة الثلثان ولابنة الخالة الثلث وهذا لان المساواة في الدرجة بينهما موجودة
حقيقة يعنى الاتصال إلى الميت ولكن ذو القرابتين أقوى سببا فعند اتحاد السبب يجعل
الأقوى في معنى الأقرب وذلك يعدم عند اختلاف السبب وكذلك توريث ذوي الأرحام
باعتبار معنى العصوبة وقرابة الأب في ذلك مقدمة على قرابة الأم فجعل قوة السبب كزيادة
القرب عند اتحاد الجهة فأما عند اختلاف الجهة يسقط اعتبار هذا المعنى وكذلك أن كان
أحدهما ولد عصبة أو ولد صاحب فرض فعند اتحاد الجهة يقدم ولد العصبة وصاحب الفرض
وعند اختلاف الجهة لا يقع الترجيح بهذا بل يعتبر المساواة في الاتصال بالميت لان في جانب
ولد العصبة وصاحب الفرض قوة السبب باعتبار المدلى به وقد بينا أن قوة السبب إنما تعتبر
عند اتحاد الجهة لا عند اختلاف الجهة بيانه فيما إذا ترك ابنة عم لأب وأم أو لأب وابنة عمة
فالمال كله لابنة العم لأنها ولد عصبة ولو ترك ابنة عم وابنة خال أو خالة فلابنة العم الثلثان
ولابنة الحال أو الخالة الثلث لان الجهة مختلفة هنا فلا يترجح أحدهما بكونه ولد عصبة وهذا
في رواية ابن عمران عن أبي يوسف فأما في ظاهر المذهب ولد العصبة أولي سواء اختلفت
الجهة أو اتحدت لان ولد العصبة أقرب اتصالا بوارث الميت فكان أقرب اتصالا بالميت
فان قيل فعلى هذا ينبغي أن العمة تكون أحق بجميع المال من الخالة لان العمة ولد العصبة
وهو أب الأب والخالة ليست بولد عصبة ولا ولد صاحب فرض لأنها ولد أب الأم قلنا
لا كذلك فان الخالة ولد أم الأم وهي صاحبة فرض فمن هذا الوجه تتحقق المساواة بينهما
في الاتصال بوارث الميت إلا أن اتصال الخالة بوارث هو أم فتستحق فريضة الأم واتصال
العمة بوارث هو أب فتستحق نصيب الأب فلهذا كان المال بينهما أثلاثا فإن كان قوم من
هؤلاء من قبل الأم من بنات الأخوال أو الخالات وقوم من قبل الأب من بنات الأعمام
أو العمات لام فالمال مقسوم بين الفريقين أثلاثا سواء كان من كل جانب ذو قرابتين أو من
أحد الجانبين ذو قرابة واحدة ثم ما أصاب كل فريق فيما بينهم يترجح جهة ذي القرابتين
على ذي قرابة واحدة وكذلك يترجح فيه من كان قرابته لأب على من كان قرابته لام لان
في نصيب كل فريق الاستحقاق لهم بجهة واحدة وكل واحدة منهم إذا انفرد استحق جميع
21

ذلك فعند الاجتماع يراعى قوة السبب بينهم في ذلك المقدار فان استووا في القرابة فالقسمة
بينهم على الأبدان في قول أبى يوسف الآخر وعلى أول من يقع الخلاف فيه من الآباء في قول
أبى يوسف الأول وهو قول محمد رحمهما الله بيانه فيما إذا ترك ابنة خالة وابن خالة فالمال بينهما
للذكر مثل حظ الأنثيين باعتبار الأبدان لان الاباء قد اتفقت فان ترك ابنة خال وابن خالة
فعلى قول أبى يوسف الآخر لابن الخالة الثلثان ولابنة الخال الثلث وعلى قول محمد على عكس
هذا لاختلاف الاباء فيكون لابن الخالة الثلث ولابنة الخال الثلثان ولو ترك ابن عمة وابنة عمة
فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين علي الأبدان ولو ترك ابن عمة وابنة عم فإن كانت ابنة عم
لأب وأم أو لأب فهي أولى لأنها ولد عصبة وابن العمة ليس بولد عصبة وان كانت بنت عم لام فعلى
قول أبى يوسف الآخر المال بينهم أثلاثا على الأبدان لابن العمة الثلثان ولابنة العم الثلث وعند
محمد على عكس ذلك باعتبار الاباء وهذا إذا كان ابن العمة لام فاما إذا كان ابن عمة لأب وأم
فهو أولى بجميع المال لأنه ذو قرابتين وكذلك إذا كان ابن عمة لأب لان الادلاء بقرابة
الأب وفى استحقاق بعض العصوبة يقدم قرابة الأب على قرابة الأم فان ترك ثلاث بنات
أخوال متفرقات أو ثلاث بنات خالات متفرقات وثلاث بنات عمات متفرقات فالثلثان
لبنات العمات ثم يترجح في استحقاق ذلك ابنة العمة لأب وأم على الآخرين لما قلنا والثلث
لبنات الخالات ثم يترجح في استحقاق ذلك ابن الخالة لأب وأم وابنة الخال لأب وأم فتكون
المقاسمة بينهما أثلاثا في قول أبى يوسف الآخر على الأبدان لابن الخالة الثلثان ولابنة الخال
الثلث وعلى قول محمد على عكس ذلك فإن كان مع هؤلاء ثلاث بنات أعمام متفرقات فالمال كله
لابنة العم لأب وأم لأنها ولد عصبة فإن لم تكن فلابنة العم لأب لأنها عصبة فإن لم تكن فحينئذ
الثلثان لقوم الأب ويستحق ذلك ابنة العمة لأب وأم خاصة لان ابنة العمة لام وابنة العم لام
سواء في أن كل واحدة منهما ليست بولد عصبة ولا صاحبة فريضة فكما تترجح ابنة العمة
لأب وأم على ابنة العمة لام فكذلك على ابنة العم لام ولا يتغير هذا الاستحقاق بكثرة العدد
من أحد الجانبين وقلة العدد من الجانب الآخر لان الاستحقاق بالمدلى به وهو الأب والأم
وذلك لا يختلف بقلة العدد وكثرة العدد وهو سؤال أبى يوسف على محمد في أولاد البنات
فان هناك لو كان المدلى به هو المعتبر لما اختلفت القسمة بكثرة العدد وقلة العدد كما في هذا
الموضع إلا أن الفرق بينهما لمحمد ان هناك تتعدد الفروع بتعدد المدلى به حكما وهنا لا يتعدد
22

المدلى به حكما لأنه إنما يتعدد الشئ حكما إذا كان يتصور حقيقة والعدد في الأولاد من
البنين والبنات يتحقق فيثبت التعدد فيهم حكما بتعدد الفروع فاما في الأب والأم لا يتصور
التعدد حقيقة فلا يثبت التعدد حكما بتعدد القرابات والله أعلم
فصل في ميراث أعمام الأم وعماتها وأخوال الأم وخالاتها
(قال رحمه الله) فان ترك الميت خالة لام أو خالا لام فالميراث له إن لم يكن معه غيره
لان الأم وارثة له فخالها وخالتها بمنزلة خاله وخالته في استحقاق الميراث وان تركهما جميعا
فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا باعتبار الأبدان لاستواء المدلى به فان ترك خالة الأم
وعمة الأم فقد ذكر أبو سليمان من أصحابنا ان المال بينهم أثلاثا ثلثاه للعمة والثلث للخالة وذكر
عيسى ابن أبان ان المال كله لعمة الأم وذكر يحيى بن آدم ان المال كله لخالة الأم فوجه رواية
أبى سليمان ان في توريث هذا النوع المدلى به أقيم مقام الميت فعمة الأم بمنزلة عمة الميت
وكذلك خالة الأم بمنزلة خالة الميت فيكون للعمة الثلثان وللخالة الثلث ووجه قول عيسى أن
عمة الأم قرابتها من الأم قرابة الأب وخالة الأم قرابتها من الأم قرابة الأم والتوريث هنا
لمعنى العصوبة فترجح قرابة الأب على قرابة الأم وهكذا كان القياس في عمة الميت وخالته وإنما
تركنا ذلك لاتفاق الصحابة رضي الله عنهم وهذا ليس في معنى هذا فان هناك إحداهما ولد
عصبة والأخرى ولد صاحب فريضة وذلك لا يوجد هنا فرجحنا قرابة الأب اعتبار الحقيقة
العصوبة ووجه ما قال يحيى بن آدم ان خالة الأم ولد صاحب فرض لأنها ولد أم الأم وهي
صاحبة فرض وعمة الأم ليست بولد صاحب فريضة ولا عصبة لأنها ولد أب الأم فلهذا كانت
خالة الأم أولى من عمة الأم وعلي هذا لو ترك خال الأم وخالة الأم مع عمة الأم ثم علي
ظاهر الرواية يستوى أن يكون لهما قرابتان أو لإحداهما قرابتان وللأخرى قرابة واحدة
لان اختلاف الجهة بينهما في حق الأم كاختلاف الجهة في حق الميت فان ترك عمة الأب وعم
الأب فالمال كله لعمة الأب ان كأن لأب وأم أو لأب لأنه عصبة وان كأن لام فالمال بينهما
أثلاثا على الأبدان في قول أبى يوسف الآخر وعلى المدلى به في قوله الأول وهو قول محمد وإن كان
هناك عمة الأب وخالة الأب فعلى رواية أبى سليمان المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين
وعلى قول عيسى ويحيى المال كله لعمة الأب لأنها ولد العصبة وهو أب أب الأب ولأنها تدلى
23

بقرابة الأب وقرابة الأب في معنى العصوبة مقدمة على قرابة الأم فان اجتمع الفريقان يعنى
عمة الأب وخالة الأب وعمة الأم وخالة الأم فلقوم الاباء الثلثان ولقوم الأم الثلث ثم قسمة
كل فريق بين كل فريق في هذا الفصل كقسمة جميع المال فيما تقدم ولا يختلف الجواب
فيكون أحدهما ذا قرابتين والآخر ذا قرابة واحدة في القسمة عند اختلاف الجهة ولكن
في نصيب كل فريق يترجح ذو القرابتين على نحو ما بينا في الفصل المتقدم والكلام في أولاد
هؤلاء بمنزلة الكلام في آبائهم وانها تعم ولكن عند انعدام الأصول فاما عند وجود أحد من
الأصول فلا شئ للأولاد كما لا شئ لاحد من أولاد العمات والخالات عند بقاء عمة أو خالة
للميت ويتصور في هذا الجنس شخص له قرابتان بيانه في امرأة لها أخ لام وأخت لأب
فتزوج أخوها لام أختها لأبيها فولد بينهما ولد ثم مات هذا الولد فهذه المرأة خالتها لأب وهي
أيضا عمتها لام ثم هذا الجواب في هذا الفصل على الاختلاف الذي بيناه ذو قرابتين من بنات
الاخوة وأولاد الأخوات والله تعالى أعلم بالصواب
باب الفاسد من الأجداد والجدات
(قال رضي الله عنه) إعلم بان الجد الفاسد من يتصل إلى الميت بأم والجدة الفاسدة من
يدخل في نسبتها إلى الميت أب بين أمين والكلام في هذا الباب في فصلين أحدهما في ترتيب
التوريث بين هؤلاء والباقي في ترتيب التوريث بينهم وبين غيرهم من ذوي الأرحام فاما بيان
الترتيب فيما بينهم فنقول من يكون أقرب منهم فهو أولى بالميراث والقرب بالبطن فمن يتصل
إلى الميت ببطن واحد فهو أقرب ممن يتصل ببطنين ومن يتصل ببطنين فهو أقرب ممن يتصل
ببطون ثلاثة والجد الذي يتصل إلى الميت ببطن واحد لا يكون الا واحدا وهو أب الأم
والذي يتصل ببطنين ثلاثة وهو أب أم الأم وأب أب الأم وأب أم الأب ولهم من الجدات
الفاسدات واحده وهي أم أب الأم ثم لم يذكر محمد رحمه الله في الفرائض من هذا الجنس
الا مسألة واحدة وهي أب أم الأم وأب أم الأب وقال الميراث بينهما أثلاثا لأب أم الأب
الثلثان ولأب أم الأم الثلث وتقدم مسألة أخرى فيها اختلاف وهي ما إذا ترك أب أم الأم
وأب أب ألام فعلي قول أهل التنزيل علي قياس قول علي وعبد الله المال كله لأب أم الأم
لأنه أقرب أيضا لا لصاحب العصبة لأنك إذا أسقطت من نسبه أيضا يبقى أم الأم وهي
24

صاحبة فرض وإذا أسقطت من نسب الآخر بطنا يبقى أب الأم وهو جد فاسد فلهذا كان
الميراث كله لأب أم الأم وعلى قول عيسى المال كله لأب أب الأم لأنه عصبة الأم وهي صاحبة
فرض في حقه فإنها أم أمه وهو ابن ابنها والآخر ليس بعصبة للأم بل هو ابن ابنها والمعتبر
هنا معنى العصوبة فإذا كان يترجح أحدهما بمعنى العصوبة في نسبته إلى أم الميت كان هو
أولى باعتبار إقامة المدلى به مقام الميت وذكر أبو سليمان ان المال بينهما أثلاثا ثلثاه لأب أب
الأم وثلثه لأب أم الأم لأنا نعتبر في القسمة أول من يقع به الخلاف ثم ينقل نصيب كل واحد
منهما إلى من يدلى به فاما إذا ترك أب أم الأم وأب أم الأب فقد بينا ان في ظاهر الرواية
المال بينهما أثلاثا اعتبارا بالمدلى به فان أب أم الأب يدلى بالأب والأخرى تدلى بالأم فكأنه
ترك أبا وأما وعلى قول أهل التنزيل المال بينهما نصفان لأنهما استويا في الاتصال بصاحب
الفريضة فإنك إذا أسقطت بطنا من أب أم الأب تبقى أم الأب وإذا أسقطت بطنا من
نسب الآخر تبقي أم الأم وبينهما مساواة في الفرضية وعلى قول عيسى المال كله لأب أم
الأب لان اتصاله بقرابة الأب واتصال الآخر بقرابة الأم والاستحقاق بطريق العصوبة
والعصوبة إنما تثبت بقرابة الأب دون قرابة الأم وان ترك أب أب الأم وأب أم الأب
فعلى قياس قول محمد رحمه الله بينهما أثلاثا لان أب أب الأم يدلى بالأم وأب أم الأب
تدلى بالأب وعلى قول أهل التنزيل المال كله لأب أم الأب لأنه أقرب اتصالا بصاحب
الفريضة فإنك إذا أسقطت من نسبه بطنا تبقى أم الأب وهي جدة صحيحة وفى حق الآخر
يبقى أب الأم وهو جد فاسد واختلفت المشايخ على قول عيسى فمنهم من يقول المال كله لأب
أب الأم لأنه عصبة الأم وهي صاحبة فريضة في حقه ولا يوجد ذلك في حق الآخر والأصح
ان عنده المال كله لأب أم الأب لان اتصاله بالميت بقرابة الأب وفى استحقاق العصوبة
لا مزاحمة بين قرابة الأم وبين قرابة الأب وإنما تعتبر الأم في العصوبة في النسبة إلى الميت
لأنه يتعذر اعتبار معنى العصوبة في النسبة إلى الميت فأما هنا اختلفت الجهة فإنما تعتبر العصوبة
في النسبة إلى الميت فكان من يدلى إليه بقرابة الأم أولى بالمال فان ترك أب أم الأم وأب أب
الأم فقد ذكر أبو سليمان ان المال يقسم بينهم أثلاثا الثلثان لأب أم الأب لأنه يدلى بالأب
والآخر ان يدليان بالأم فقاما مقام الأم ثم الثلث الذي أصاب اللذين يدليان بالأم يقسم بينهما
أثلاثا ثلث ذلك لأب أب الأم وثلث ذلك لأب أم الأم وهذا صحيح على أصل محمد في اعتبار
25

أول من يقع به الخلاف في القسمة فاما على قول أهل التنزيل فأب أب الأم ساقط لأنه يسقط
مع أحد الأبوين كما بينا فمعهما أولى ويكون المال بين أب أم الأب وأب أم الأم نصفين وعلى
قول عيسى أب أم الأم ساقط لأنه سقط باب أب الأم إذا انفرد فإذا كان معه غيره أولى
فإذا سقط هو يبقى أب أب الأم وأب أم الأب وفيه اختلاف المشايخ كما بينا فان ترك مع
هؤلاء الثلاثة جدة فاسدة كجدتهم أم أب الأم فعلى قول أهل التنزيل وقول عيسى هذا
وما سبق سواء وهذه الجدة تسقط فاما علي ما ذكره أبو سليمان عن محمد رحمه الله فلأب أم
الأب الثلثان ومن الثلث الباقي ثلثه لأب أم الأم وثلثاه بين أب أب الأم وبين أب أم الأب
أثلاثا لان المدلى بهما في حقهما الأب وإنما اختلفت أبدانهما فتقسم تلك الحصة بينهما على
الأبدان أثلاثا فان ترك أب أم الأب وأب أم أب الأب فعلى قول أهل القرابة المال كله لأب أم
الأب لأنه أقرب بدرجة وعلى قول أهل التنزيل على قياس قول علي رضي الله عنه الجواب
كذلك فاما على قياس قول عبد الله المال بينهما نصفان لان مذهبه ان البعدى من الجدات
الصحيحات تستوى بالقربى إذا لم تكن البعدى أم القربى فكذلك في الفاسد من الأجداد
والجدات فإذا أسقطت من نسب كل واحدة منهما بطنا يبقى صاحبة فرض وهي أم الأب
وأم أب الأب بينهما في الفرضية مساواة عند عبد الله فكذلك هنا فان ترك أم أب أم الأم
وأم أم أب الأم فعلى قول أهل التنزيل المال كله لام أب أم الأم لأنها أقرب اتصالا بصاحب
الفريضة فإنك إذا أسقطت من نسبها بطنين يبقى أم الأم فإذا أسقطت من نسب الأخرى بطنين
يبقى بطنان وهو جد فاسد وعلى قول عيسى المال كله لام أم أب الأم إقامة للأم مقام الميت
فيكون اتصال هذه بالأم باعتبار قرابة الأب واتصال الأخرى بالأم بقرابة الأم واستحقاق
العصوبة بالأب فلهذا كان المال لها فان ترك أب أم أب الأب وأب أب أم الأب فعلي قول
أهل التنزيل المال كله لأب أم أب الأب لأنك إذا أسقطت من نسبه بطنا يبقى أم أب الأب
وهي صاحبة فرض وإذا أسقطت من نسب الآخر بطنا يبقي أب أم الأب وهو جد فاسد
وكذلك على قول عيسى لأنه يقيم الأب المدلى به مقام الميت ثم اتصال أب أم الأب بقرابة
الأب واتصال الاخر به بقرابة الأم فيكون هو أحق بجميع المال وعلى قياس قول محمد ينبغي
أن يكون المال بينهما أثلاثا ثلثاه لأب أم أب الأب وثلثه لأب أب أم الأب اعتبارا لأول
من يقع به الخلاف وفى المسألة الأولى كذلك الثلثان لام أم أب الأم والثلث لام أب أم الأم
26

فاما بيان الترتيب بين هؤلاء وغيرهم من ذوي الأرحام فنقول إذا ترك أب الأم ومعه أولاد
البنات فقد بينا اختلاف الروايات فيه وإن كان معه أولاد الأخوات وبنات الاخوة فقد
بينا الاختلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله فإن كان معه الخال والخالة فالمال كله لأب
الأم بالاتفاق بين أهل القرابة لان أب الأم اتصاله بالأم بالأبوة واتصال الخالة بالأم بالأختية
واتصال الخال بالاخوة والأبوة تقدم في الاستحقاق على الاخوة ولان الخالة أو الخال
يتصلان بالميت بأب الأم وقد بينا ان من يتصل إلى الميت بغيره لا يزاحمه في الاستحقاق
بطريق العصوبة وكذلك أن كان مع أب الأم العم فهو أولى من العمة في درجة الخالة وقد
بينا ان أب الأم مقدم على الخالة فكذلك على العمة ولان الفاسد معتبر بالصحيح لان الفاسد
لا يمكن أن يجعل أصلا والجد أب الأب مقدم علي العم في حقيقة العصوبة فكذلك الجد أب الأم
يكون مقدما على العمة فان ترك أب أب الأم ومعه عمة أو خالة فعندنا العمة والخالة أولى بالميراث
لأنها أقرب وذكر أبو عبيد ان على قول أهل التنزيل إذا كان مع أب أب الأم العمة فالعمة
أولى وإن كان معه الخالة فعلى قياس قول أبى بكر أب أب الأم أولى بمنزلة الجد والأخت
لأنهما يدليان بأب الأم وعلى قياس قول على و عبد الله وزيد المال بينهما أثلاثا بمنزلة الجد مع
الأخت وقال عيسى العمة أولى من أب أب الأم لأنها أقرب ولان قرابتها قرابة الأب وفى
العصوبة تقدم قرابة الأب فاما الخالة ان كانت مع أب أب الأم فأب أب الأم أولى لأنا نقيم
الأم مقام الميت فان اتصالهما جميعا بالميت بالأم ثم أب الأب في العصوبة مقدم على الأخت
والاستحقاق بمعنى العصوبة فلهذا قدم أب أب الأم علي الخالة والله أعلم بالصواب
باب الحرقى والغرقى
(قال رحمه الله) اتفق أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهم
في الغرقى والحرقى إذا لم يعلم أيهم مات أولا انه لا يرث بعضهم من بعض وإنما يجعل ميراث
كل واحد منهم لورثته الاحياء به قضى زيد في قتلي اليمامة حين بعثه أبو بكر لقسمة ميراثهم
وبه قضى زيد في الذين هلكوا في طاعون عمواس حين بعثه عمر رضي الله عنه لقسمة ميراثهم
وبه قضي زيد في قتلى الحرة وهكذا نقل عن علي رضي الله عنه انه قضى به في قتلى الجمل وصفين
وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه أخذ جمهور الفقهاء وقد روى عن علي وعبد الله بن مسعود
27

رضي الله عنه في رواية أخرى أن بعضهم يرث من بعض الا فيما ورث كل واحد منهم من
صاحبه ولم يأخذ بهذه الرواية أحد من الفقهاء وجه هذه الرواية أن سبب استحقاق كل واحد
منهم ميراث صاحبه معلوم وسبب الحرمان مشكوك فيه لان سبب استحقاق حياته بعد
موت صاحبه وقد عرفنا حياته بيقين فيجب التمسك به حتى تأتي بيقين آخر وسبب الحرمان
موته قبل موته وذلك مشكوك فيه فلا يثبت الحرمان بالشك الا فيما ورث كل واحد منهما
من صاحبه لأجل الضرورة لأنا حين أعطينا أحدهما ميراث صاحبه فقد حكمنا بحياته فيما
ورث من صاحبه ومن ضرورته الحكم بموت صاحبه قبله ولكن الثابت بالضرورة لا يعدو
موضع الضرورة وإنما تحققت هذه الضرورة فيما ورث كل واحد منهما من صاحبه ففيما
سوى ذلك يتمسك في بالأصل فان هذا أصل كثير في الفقه أن اليقين لا يزال بالشك كمن تيقن
الطهارة وشك في الحدث أو عكس ذلك فأما وجه القول الآخر ان سبب استحقاق كل
واحد منهما ميراث صاحبه غير معلوم يقينا والاستحقاق ينبنى على السبب فما لم يتيقن السبب
لا يثبت الاستحقاق لان في الفقه أصل كثير ان الاستحقاق بالشك لا يثبت وبيانه ان
سبب الاستحقاق بقاؤه حيا بعد موت مورثه ولا يعلم هذا يقينا وإنما نعرفه بطريق الظاهر
واستصحاب الحال لان ما عرف ثبوته فالظاهر بقاؤه ولكن هذا البقاء لانعدام دليل
المزيل لا لوجود المبقي فإنما يعتبر في بقاء ما كان على ما كان لا في استحقاق ما لم يكن كحياة
المفقود يجعل ثابتا في نفى التوريث عنه ولا يجعل ثابتا في استحقاق الميراث عن مورثه وبهذا
الطريق لا يرث كل واحد منهما من صاحبه ما يرثه عنه فكذلك سائر الأموال وهذا لان
الإرث يثبت بسبب لا يحتمل التحري فإذا تعذر اثباته في البعض يتعذر اثباته في الكل ولا
وجه لاعتبار الأحوال هنا لان ذلك أنما يكون عند التيقن بسبب الاستحقاق وسبب الحرمان
والتردد فيما بين الاشخاص كطلاق المتهم في احدى نسائه إذا لم يدخل بهن فان سبب الإرث
لبعضهن معلوم وهو النكاح وسبب الحرمان لبعضهن معلوم وهو عدم النكاح فتعتبر الأحوال
للتردد بينهن بعد التيقن بأصل السبب ولا تيقن هنا بسبب الاستحقاق فلا معنى لاعتبار
الأحوال * يوضحه أن المقضى له والمقضى عليه هنا مجهول واعتبار الأحوال إنما يكون إذا
كانت الجهالة في احدى الجانبين اما في جانب المقضى له أو في جانب المقضى عليه فأما عند
وقوع الجهالة فيما لا يجوز القضاء أصلا ثم يجعل كأنهما ماتا جميعا لان اسناد موت كل
28

واحد منهما إلى الوقت الذي يمكن إضافة موت الآخر إليه ولا وجه لاثبات تاريخ بين
المورثين من غير دليل وكذلك إذا علم أن أحدهما مات أولا ولا يدرى أيهما لتحقق
التعارض بينهما فيجعل كأنهما ماتا معا إذا عرفنا هذا فنقول اخوان لأب وأم أو لأب غرقا
وترك كل واحد منهما ابنة فميراث كل واحد منهما لابنته بالفرض والرد فان مات الأب
والابن تحت هدم أو غرقا أو احترقا أو ترك الأب أبا وابنة وامرأة ولم يترك الابن أحدا
غير هؤلاء فنقول أما ميراث الأب فلزوجته منه الثمن ولابنته النصف والباقي للأب وأما
ميراث الابن فإن كانت امرأة الأب أم هذا الابن فإنما ترك الابن أما وجدا وأختا وهي
مسألة الحرقى وقد بيناها في باب الجد وإن لم تكن المرأة أم الابن فإنما ترك الابن جدا وأختا
فعلى قول الصديق ميراثه للجد وعند على وعبد الله وزيد بن الجد والأخت بالمقاسمة أثلاثا
فان ترك الابن بنتا فنقول أما ميراث الأب فالأب إنما ترك في الحاصل امرأة وابنة وابنة ابن وأبا
فللمرأة الثمن وللابنة النصف ولابنة الابن السدس والباقي للأب بالفرض والعصوبة وأما
ميراث الابن فإن كانت امرأة الأب أم الابن فإنما ترك ابنة وأما وجدا وأختا فللأم السدس
وللابنة النصف والباقي للجد في قول الصديق وفى قول على للجد السدس والباقي للأخت
وفى قول زيد الباقي بين الجد والأخت بالمقاسمة أثلاثا وفى قول عبد الله الباقي بين الجد
والأخت نصفين فان غرق رجل وابنته وترك الرجل أبا وأختا وامرأة وتركت الابنة زوجا
فنقول أما ميراث الأب فلامرأته الثمن وللابنة النصف والباقي للأب وأما ميراث الابنة
فإن كانت امرأة الأب أمها فإنما تركت زوجا وأما وجدا وأختا وهي مسألة الأكدرية وقد
بيناها وإن لم تكن أمها فإنما تركت زوجا وأختا وجدا فللزوج النصف والباقي للجد وفى قول
الصديق وفى قول على وعبد الله وزيد الباقي بينهما بالمقاسمة أثلاثا وأما بيان الرواية الأخرى
عن علي في مسألة الحرقى والغرقى فنقول اخوان غرقا وترك كل واحد منهما أما وابنة ومولى
وترك كل واحد منهما تسعين دينارا فتركة الأكبر منهما للأم السدس منها خمسة عشر دينارا
وللابنة خمسة وأربعون دينارا ولأخيه ما بقي وذلك ثلاثون وكذلك يقسم تركة الأصغر ثم
بقي من تركة كل واحد منهما ثلاثون دينارا وهو ما ورث كل واحد منهما من صاحبه فلامه
من ذلك السدس خمسة دنانير ولابنته النصف خمسة عشر دينارا والباقي للمولى بالعصوبة لان
كل واحد منهما لا يرث من صاحبه مما ورث صاحبه منه وهذا بيان التخريج والله أعلم بالصواب
29

(باب مواريث أهل الكفر)
(قال رضي الله عنه) اعلم بأن الكفار يتوارثون فيما بينهم بالأسباب التي يتوارث بمثلها
المسلمون فيما بينهم وقد يتحقق فيما بينهم جهات للإرث لا يرث بها المسلمون من نسب أو
سبب أو نكاح ولا خلاف أنهم لا يتوارثون بالأنكحة التي لا تصح فيما بين المسلمين بحال
نحو نكاح المحارم بنسب أو رضاع ونكاح المطلقة ثلاثا قبل زوج آخر ويختلفون في التوارث
بحكم النكاح في العدة والنكاح بغير شهود فقال زفر لا يتوارثون بهما وقال أبو حنيفة رحمه
الله يتوارثون بهما وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يتوارثون بالنكاح بغير شهود ولا يتوارثون
بالنكاح في العدة وهو بناء على اختلافهم في تقريرهم علي هذه الأنكحة إذا أسلموا وقد بينا
ذلك في كتاب النكاح ثم لا خلاف ان الكافر لا يرث المسلم بحال وكذلك لا يرث المسلم الكافر
في قول أكثر الصحابة وهو مذهب الفقهاء وروى عن معاذ ومعاوية رضي الله عنهما قالا
يرث المسلم الكافر لقوله عليه الصلاة والسلام الاسلام يعلو ولا يعلى وفى الإرث نوع ولاية
للوارث على المورث فلعلو حال الاسلام لا تثبت هذه الولاية للكافر على المسلم وتثبت للمسلم
علي الكافر ولان الإرث يستحق بالسبب العام تارة وبالسبب الخاص أخرى ثم بالسبب العام
يرث المسلم الكافر فان الذمي الذي لا وارث له في دار الاسلام يرثه المسلمون ولا يرث المسلم
الكافر بالسبب العام بحال فكذلك بالسبب الخاص والدليل عليه المرتد فإنه يرثه المسلم ولا
يرث المرتد من المسلم بحال والمرتد كافر فيعتبر به غيره من الكفار وقال عليه السلام الاسلام
يزيد ولا ينقص يعنى يزيد في حق من أسلم ولا ينقص شيئا من حقه وقد كان مستحقا للإرث
من قريبه الكافر قبل أن يسلم فلو صار بعد اسلامه محروما من ذلك لنقص اسلامه من حقه
وذلك لا يجوز وحجتنا في ذلك قوله عليه السلام لا يتوارث أهل ملتين بشئ لا يرث المسلم
الكافر ولا يرث الكافر المسلم والكلام من حيث الاستدلال أن الله تعالى قال والذين كفروا
بعضهم أولياء بعض هذا بيان نفى الولاية من الكفار والمسلمين فإن كان المراد به الإرث فهو
إشارة إلى أنه لا يرث المسلم الكافر وإن كان المراد به مطلق الولاية فقد بينا أن في الإرث
معنى الولاية لأنه يخلف المورث في ماله ملكا ويدا وتصرفا ومع اختلاف الدين لا تثبت
الولاية لأحدهما علي الآخر ألا ترى أنه تبقى الولاية بين من هاجر وبين من لم يهاجر حتى كانت
الهجرة فريضة فقال والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا
30

فدل ذلك على نفى الولاية بين الكفار والمسلمين بطريق الأولى وهو الكلام من حيث المعنى
فان الإرث نوع ولاية فالسبب الخاص كما لا يوجب الولاية للكافر على المسلم لا يثبت للمسلم
على الكافر يعنى ولاية التزويج بسبب القرابة وولاية التصرف في المال وبه فارق التوريث
بالسبب العام فان الألوية بالسبب العام تثبت للمسلم على الكافر كولاية الشهادة والسلطنة ولا
تثبت للكافر على المسلم بحال فكذلك التوريث وهذا بخلاف المرتد فالإرث للمسلم منه يستند
إلى حال اسلامه ولهذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه انه يورث عنه كسب اسلامه ولا يورث
عنه كسب الردة ولهذا لا يرث هو من المسلم لأنه لا يتحقق معنى الاستناد في جانبه أو لا يرث
هو عقوبة له على ردته كما لا يرث القاتل بغير حق من المقتول شئ ثم المرتد غير مقر على ما
اعتقده بل هو مجبر على العود إلى الاسلام فيبقى حكم الاسلام في حقه فيرثه وارثه المسلم
باعتبار هذا المعنى ولا يرث هو من أحد شيئا لان حكم الاسلام إنما يعتبر في حقه فيما لا ينتفع
هو به دون ما ينتفع به والمراد بقوله عليه السلام الاسلام يعلو ولا يعلى العلو من حيث الحجة
أو من حيث القهر والغلبة فيكون المراد ان النصرة في العاقبة للمؤمنين وأما الحديث الآخر
قلنا عندنا نفى التوريث يكون محالا به على كفر الكافر لأنه خبيث ليس من أهل أن يجعل
المسلم خلفا له فلا يكون هذا النقصان محالا به على اسلام المسلم كالزوج إذا أسلم وامرأته مجوسية
يفرق بينهما لأنها خبيثة ليست من أهل أن يستفرشها المسلم إلا أن يكون اسلامه مبطلا ملكه
ثم أهل الكفر يتوارثون فيما بينهم وان اختلفت مللهم فاليهودي يرث من النصراني والنصراني
من المجوسي والمجوسي منهما عندنا وهكذا ذكر المزني في المختصر عن الشافعي وروى بعض
أصحاب الشافعي انهم لا يتوارثون إلا عند اتفاق الاعتقاد وهكذا رواه ابن القاسم عن مالك وقال
ابن أبي ليلى اليهود والنصارى لا يتوارثون بينهم ولا يرثهما المجوسي ولا يرثان من المجوسي شيئا
فمن قال لا يتوارثون استدل بقوله عليه السلام لا يتوارث أهل ملتين بشئ وهم أهل ملل مختلفة
بدليل قوله تعالى والذين هادوا والنصارى وإنما يعطف الشئ على غيره لا على بعضه فكما أن
عطف اليهود على المسلمين دليل على أنهم أهل ملتين فكذلك عطف النصارى علي اليهود قال
الله تعالى ولن ترضي عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ومعلوم ان اليهود لا ترضى
الا بان يتبع اليهود معهم والنصارى كذلك فعرفنا ان لكل واحد من الفريقين ملة على حدة
ولان النصارى يقرون بنبوة عيسى عليه السلام والإنجيل واليهود يجحدون ذلك فكان ملة كل
31

واحد منهما غير ملة الآخر كالمسلمين مع النصارى فان المسلمين يقرون برسالة محمد صلى الله
عليه وسلم وبالقرآن فكانت ملتم غير ملة النصارى وبه فارقوا أهل الأهواء لأنهم يتفقون
على الاقرار بالرسل والكتب وإنما الاختلاف بينهم في تأويل الكتاب والسنة فلا يوجب
ذلك اختلافا في الملة فيما بينهم وقد يوجد مثل ذلك فيما بين النصارى كالنسطورية والملكانية
واليعقوبية وفيما بين اليهود أيضا كالفرعية والسامرية وغير ذلك وأما ابن أبي ليلى فقال إن
اليهود والنصارى اتفقوا على دعوى التوحيد وإنما اختلفت نحلهم في ذلك واتفقوا على
الاقرار بنبوة موسى عليه السلام والتوراة بخلاف المجوس فإنهم لا يدعون التوحيد وإنما
يدعون الاثنين يزدان وأهرمن ولا يقرون بنبوة موسى ولا بكتاب منزل ولا يوافقهم اليهود
والنصارى على ذلك فكانوا أهل ملتين والدليل عليه حل الذبيحة والمناكحة فان اليهود والنصاري
في ذلك كشئ واحد بخلاف المجوس وحجتنا في ذلك أن الله تعالى جعل الدين دينين الحق
والباطل فقال الله عز وجل لكم دينكم ولى دين وجعل الناس فريقين فقال فريق في الجنة وهم
المؤمنون وفريق في السعير وهم الكفار بأجمعهم وجعل الخصم خصمين فقال جل جلاله
هذان خصمان اختصموا في ربهم يعنى الكفار أجمع مع المؤمنين والدليل عليه انا نسلم انهم
فيما بينهم أهل ملل فيما يعتقون ولكن عند مقابلتهم بالمسلمين أهل ملة واحدة لان المسلمين
يقرون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن وهم ينكرون ذلك بأجمعهم وبه كفروا فكانوا
في حق المسلمين أهل ملة واحدة في الشرك وان اختلفت نحلهم فيما بينهم وكذلك من يعبد
منهم صنما ومن يعيد صنما آخر ويكفر كل واحد منهم صاحبه فهم أهل ملة واحدة وان اختلفت
نحلهم فكذلك الكفار بأجمعهم وكانوا في هذا كأهل الأهواء من المسلمين وفى قوله عليه السلام
لا يتوارث أهل ملتين إشارة إلى ما بينا فإنه فسر الملتين بقوله لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر
المسلم ففي تنصيصه على الوصف العام في موضع تفسير بيان انهم في حكم التوريث أهل ملة
واحدة وحل الذبيحة والمناكحة لا يقوى الاستدلال بها فان المسلمين مع اليهود والنصارى
استووا في حكم حل الذبيحة والمناكحة ثم لم يكن دليل على اتفاق الملة بينهم فكذلك اختلاف
المجوس مع أهل الكتاب في حل الذبيحة والمناكحة لا يكون دليلا على اختلاف الملة فيما بينهم
وكان المعنى فيه أن شرط حل الذبيحة تسمية الله تعالى على الخلوص والكتابي من أهل ذلك لأنهم
يظهرون دعوى التوحيد وان كانوا يضمرون في ذلك بعض الشرط فلتحقق وجود الشرط
32

في حقهم حلت ذبائحهم بخلاف المجوس فإنهم لا يدعون التوحيد فلا تصح منهم تسمية الله تعالى
على الخلوص وهو شرط الحل ثم ينقطع التوارث فيما بينهم بسب اختلاف الدار حقيقة وحكما
حتى أن الذمي إذا مات لا يرثه قرابته من أهل الحرب وكذلك لا يرث هو قريبه الحربي
لان الذمي من أهل دار الاسلام وبتباين الدار تنقطع العصمة (ألا ترى) أن عصمة النكاح
تنقطع بتباين الدارين حقيقة وحكما فكذلك تنقطع الولاية فينقطع التوارث أيضا باعتبار أن
من مات في دار الحرب يجعل في حق من هو من أهل دار الاسلام كالميت وكذلك
المستأمن في دار الاسلام لا يجرى التوارث بينه وبين الذمي لأنه وإن كان وارثا حقيقة فهو من
أهل الحرب حكما حتى يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب ولا يترك ليستديم المقام في دار
الاسلام ولهذا لا تبين منه زوجته التي في دار الحرب ويجرى التوارث بين هذا المستأمن وبين
أقاربه من أهل دار الحرب لهذا المعنى حتى إذا مات يوقف ماله حتى يأتي دارنا فيأخذه لأنا
أعطيناه الأمان في ماله ونفسه فبعد موته يبقى حكم الأمان في ماله لحقه لا لحق ورثته التي
في دار الحرب لأنا اتصال ماله إلى ورثته من حقه فيمنع ذلك صرف ماله إلى بيت المال بخلاف
الذمي إذا مات ولا وارث له من أهل الذمة فان أهل الحرب لا يرثونه شيئا ومال الميت الذي
لا وارث له يصرف إلى بيت المال كالمسلم الذي ولا وارث له إذا مات وأهل الحرب فيما بينهم
لا يتوارثون إذا اختلفت منعتهم وملكهم بخلاف المسلمين فان أهل العدل مع أهل العدل
يتوارثون فيما بينهم لان دار الاسلام دار أحكام فباختلاف المنعة والملك لا تتباين الدار فيما
بين المسلمين لان حكم الاسلام يجمعهم فاما دار الحرب ليست بدار أحكام ولكن دار قهر
فباختلاف المنعة والملك تختلف الدار فيما بينهم وبتباين الدار ينقطع التوارث وكذلك إذا خرجوا
الينا بأمان لأنهم من أهل دار الحرب وان كانوا مستأمنين فينا فيجعل كل واحد في الحكم
كأنه في منعة ملكه الذي خرج منها بأمان بخلاف ما إذا صاروا ذمة فإنهم صاروا من أهل دار
الاسلام فيتوارثون فيما بينهم بعد ذلك كما لو أسلموا فإنه يجوز التوارث بينهم وان اختلفت
منعتهم في حالة الكفر والله أعلم بالصواب
فصل في ميراث المجوس
(قال عمر وعلي رضي الله عنهما) في المجوسي إذا كان له قرابتان فإنه يستحق الميراث
33

بهما ويكون اجتماع القرابتين في شخص واحد كافتراقهما في شخصين وهو قول علمائنا
رحمهم الله وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول لا يرث الواحد بالقرابتين وإنما يرث بالأقرب
منهما وهكذا يرويه بعض الرواة عن زيد فان خارجة بن زيد يروى عن أبيه مثل هذا
والفرضيون اتفقوا على أن هذه الرواية لا تصح عن زيد وقد حفظت الرواية عنه في ثلاثة
أعمام أحدهم أخ لام أن للأخ لام السدس بالاخوة والباقي بينهم أثلاثا بالعمومة وإنما يتصور
هذا في حق المجوسي بأن يكون المجوسي ثلاثة بنين للابن الأكبر منهم امرأة فلولد له منها
ولد ثم مات الأكبر فتزوجها المجوسي فولد له منها ولد ثم مات المجوسي ثم مات الولد الأكبر
فقد ترك ثلاثة أعمام أحدهم أخ لام وقد ورثه زيد رضي الله عنه بالسببين جميعا فعرفنا ان مذهبه
كمذهب عمر وعلي رضي الله عنهم ومن العلماء من قال إنما يرث أوفر النصيبين ومنهم من
قال إنما يرث بالسبب الذي يتحقق مثله فيما بين المسلمين دون السبب الذي لا يتحقق مثله
فيما بين المسلمين وجه قول من اختار قول ابن مسعود ان توريثه بالسببين يؤدى إلى أن
يستحق شخص واحد فرضين مختلفين وذلك لا يجوز (ألا ترى) ان الأخت لأب وأم مع
الأخت لأب لا ترث فرضين بالأختية لام وبالأختية لأب وكذلك الجدة لا ترث فرضين
ان كانت جدة من جهتين على ما بينا من أصل أبى يوسف فإذا كان هذا لا يثبت فيما بين
المسلمين مع تحقق السببين فكذلك فيما بينهم بخلاف ابن العم الذي هو أخ لام أو زوج لان
هناك إنما يجمع له بين الفرضية والعصوبة وذلك لا يستقيم كالأب مع الابنة يكون صاحب
فرض وعصبة وإنما لا يجوز الجمع بين الفرضين لان الله تعالى بين نصيب كل صاحب فريضة
ففي الجمع بين الفرضين زيادة على ذلك بالسبب الذي ثبت به فريضته نصا وذلك لا يجوز ثم هذا
يؤدى إلى أن يكون المرء حاجبا نفسه وذلك ممتنع فإنه إذا تزوج المجوسي ابنته فولد له ولد
وللمجوسي ابنة أخرى ثم مات المجوسي ثم مات هذا الولد فقد مات عن أم هي أخته لأبيه
وعن أخت أخرى لأب فلو اعتبرنا السببين في حق شخص واحد لكان للأم السدس
بالفريضة فتكون حاجبة نفسها من الثلث إلى السدس وذلك لا يجوز * إذا عرفنا هذا فنقول
لما تعذر توريثه بالسببين رجحنا الأقرب منهما لان الإرث ينبنى على القرب فيقدم الأقرب
من الأسباب على أبعدها ومن قال يرث أوفر النصيبين قال الأقل يدخل في الأكثر ومن
قال يرث بالسبب الذي يتحقق به التوارث بين المسلمين قال إن هذا السبب ثابت على
34

الاطلاق في حقهم وفى حق المسلمين فلا يعارضه السبب الذي لا يكون ثابتا فيما بين أهل
الاسلام (ألا ترى) انهم لا يتوارثون بالأنكحة التي لا تتحقق فيما بين المسلمين كنكاح
المحارم وإن كان لتلك الأنكحة فيما بينهم حكم الصحة حتى يتعلق بها استحقاق النفقة ولا
يسقط الاحصان باعتبارها وحجتنا في ذلك قوله تعالى وان كانت واحدة فلها النصف وقال
عز وجل وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس والله تعالى جعل سبب الاستحقاق
الوصف الذي نص عليه من البنتية والأختية وقد تحقق اجتماع هذين الوصفين في شخص
واحد حقيقة وحكما فيثبت له الاستحقاق بهما بمنزلة ما لو تفرق ذلك في شخصين (ألا ترى)
ان ابن العم إذا كان زوجا وأخا لام فإنه يرث بالسببين جميعا ولا معنى للفرق الذي قالوا فان
الاستحقاق بالعصوبة يزيد في فريضة شخس هو صاحب فرض كما أن الاستحقاق بالفرضية
يزيد في ذلك ثم لما جاز أن يستحق بالفرضية والعصوبة لاجتماع السببين في حقه فكذلك يجوز
أن يستحق بالفرضية باعتبار السببين لما اجتمعا في حقه بخلاف الأخت لأب وأم مع الأخت
لأب فهناك ما اجتمع سببان لان السبب الأختية وبقرابة الأم يتقوى هذا السبب ولا يتعدد
وكذلك الجدة فالاستحقاق بهذا الاسم وهو انها جدة لا يزداد ذلك في حق من كانت جدة
من جهتين فاما هنا الاستحقاق بالبنتية والأختية والأمية وهذه الأسباب مختلفة سواء
اجتمعت في شخص واحد أو افترقت في أشخاص ولا أثر لكونه شخصا في الاستحقاق باتحاد
الشخص لاختلاف الاشخاص في الاستحقاق بهذه الأسباب فاما الأنكحة فنقول إن
تلك الأنكحة ليست بثابتة في حكم الاسلام على لاطلاق (ألا ترى) انه لابقاء لها بعد الاسلام
بحال بخلاف الأنساب فإنها ثابتة بحكم الاسلام حتى أنها تبقي بعد الاسلام ولا تنقطع والدليل
عليه ان استحقاق الإرث لا يكون بنفس النكاح بل بنكاح صحيح مطلقا ينتهى بالموت ونكاح
ذوات المحارم فيما بينهم ليس بهذه الصفة فأما النسب يستحق بها الميراث سواء كان نسبه في
الأصل حراما أو حلالا (ألا ترى) ان النسب إذا ثبت بنكاح فاسد أو وطئ بشبهة يستحق
به التوارث يوضحه ان لتلك الأنكحة حكم الصحة باعتبار اعتقادهم واعتقادهم معتبر فيما يكون
دافعا عنهم لا فيما يكون ملزما بغيرهم وفى الإرث الاستحقاق يثبت ابتداء بطريق الصلة
فاعتقادهم لا يصلح حجة في ذلك بخلاف بقاء الاحصان والنفقة فكان ذلك في معنى الدفع عنهم
وقد قررنا هذا الفرق في كتاب النكاح إذا عرفنا هذا جئنا إلى بيان المسائل فنقول مجوسي
35

مات عن أم وابنة هي أخته لام وصورته فيما إذا تزوج المجوسي أمه فولدت له بنتا ثم مات
المجوسي فقد مات عن أم هي زوجته وعن بنت هي أخته لامه فلا ترث الأم بالزوجية شيئا ولا
الابنة بالأختية لام لان الأخت للأم لا ترث مع الابنة ولكن للأم السدس باعتبار الأمومة
وللابنة النصف والباقي للعصبة فإن لم يكن له عصبة فالباقي رد عليهما أرباعا ولو أن مجوسيا
تزوج أمه فولدت ابنا وابنة ثم فارقها فتزوجها ابنه فولدت له بنتا ثم مات المجوسي فقد مات
عن أم وعن ابن وابنة وابنة ابن فيكون للأم السدس باعتبار الأمية والباقي بين الابن والابنة
للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شئ لابنة الابن فان مات الابن فإنما مات الابن عن زوجة هي
جدته أم ابنه وهي أمه وعن ابنة هي أخته لامه وعن أخت لأب وأم فلا شئ للأم بالزوجية
ولا بكونها جدة لان الجدة لا ترث مع الأم ولكن لها السدس بالأمية وللابنة النصف
بالبنتية ولا شئ لها بالأختية لام وللأخت ما بقي بالعصوبة فإن لم يمت الابن ولكن ماتت
الابنة الكبرى فقد ماتت عن أم هي جدتها أم أبيها وعن أخ لأب وأم وعن ابنة أخ هي
أختها لامها فللأم السدس بالأمية لان معها أخ لأب وأم وأخت لام وهما يردان الأم من
الثلث إلى السدس ولابنة الأخ السدس بالأختية لام والباقي للأخ لأب وأم بالعصوبة
وان كانت الابنة الصغرى هي التي ماتت فإنما ماتت عن أم هي جدتها أم أبيها وعن عمة
هي أختها لامها وعن أب هو أخوها لامها فللأم السدس لان معها أخ وأخت لام والباقي
للأب لان الاخوة والأخوات لا يرثون شيئا مع الأب ولا شئ للابن بالزوجية ولكن المال
بين الابن والبنتين للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شئ للذكر باعتبار انه ابن الابن ولا للأنثى
باعتبار انها ابنة الابن * مجوسي تزوج أمه فولدت له ابنتين فتزوج احدى ابنتيه فولدت له
ابنة ثم مات المجوسي فقد مات عن أم هي زوجته وعن ثلاثة بنات إحداهن زوجته وابنتان
هما أختاه لامه وإحداهن ابنة ابنته فلا شئ للأم بالزوجية ولها السدس بالأمية وللبنات الثلثان
بالبنتية ولا شئ للزوجية منهن بالزوجية ولا للأختين بالأختية ولا للثالثة بكونها ابنة ابنته
ولكن الباقي للعصبة فإن لم تكن فهو رد على الأم والبنات على مقدار حقهن فان ماتت الأم بعد
ذلك فقد مات عن ابنتي صلب وابنة ابن فيكون المال للابنتين بالفرض والردفان ماتت بعدها
الابنة التي هي زوجته فقد ماتت عن ابنة وأخت لأب وأم فللابنة النصف والباقي للأخت
بالعصوبة وإن لم تمت هذه ولكن ماتت الابنة السفلى فإنها ماتت عن أم هي أختها لأبيها
36

وعن أخت لأب أيضا فيكون للأم السدس بالأمية وللأختين الثلثان بالأختية والباقي للعصبة
* مجوسي تزوج ابنته فولدت له ابنتين فمات المجوسي ثم ماتت احدى الابنتين فإنما ماتت عن
أم هي أخت لأب وعن أخت لأب وأم أيضا فذكر في بعض النسخ أن للأم السدس بالأمية
وللأخت لأب وأم النصف وللأم السدس بالأختية لأنا لما اعتبرنا الأختية لأب التي وجدت
في الأم لاستحقاق السدس بها صار ذلك كالموجود في شخص آخر فإنما تركت أختين وهما
يحجبان الأم من الثلث إلى السدس وفى بعض النسخ قال للأم الثلث بالأختية وللأخت لأب
وأم النصف وللأم السدس بالأختية لأب لان صفة الأختية لأب موجودة في الأم وهي لا
تكون حاجبة نفسها فإنما تعتبر القرابة التي فيها للاستحقاق لا للحجب وإذا لم يعتبر ذلك فإنما
بقي أخت لأب وأم والأخت الواحدة لا تحجب الأم من الثلث إلى السدس والأول أصح
لما بينا أن صفة الأختية الموجودة فيها لما اعتبرت للاستحقاق كانت معتبرة للحجب أيضا
بمنزلة الموجود في شخص آخر وما كان من هذا الجنس فطريق تخريجه ما بينا
(فصل) في ميراث المرتد المرتد إذا قتل أو مات أو لحق بدار الحرب فما اكتسبه
في حال اسلامه فهو ميراث لورثته المسلمين ترث زوجته من ذلك إذا كانت مسلمة ومات
المرتد وهي في العدة فأما إذا انقضت عدتها قبل موت المرتد أو لم يكن دخل بها فلا ميراث
لها منه بمنزلة امرأة الفار إنما ترث إذا مات الزوج وهي في العدة وان كانت قد ارتدت
معه لم يكن لها منه ميراث كما لا يرثه أقاربه من المرتدين لما بينا أن المرتد ليس من أهل
الولاية فلا يرث أحدا ولأنه جان بالردة وهذه صلة شرعية فالجاني على حق الشرع يحرم
هذه الصلة عقوبة عليه كالقاتل بغير حق فان ارتد الزوجان معا ثم ولدت منه ثم مات المرتد
فلا ميراث لها منه وان بقي النكاح بينهما وأما الولد فإنه إن ولدته لأقل من ستة أشهر منذ
يوم ارتد فله الميراث لأنا تيقنا أن كان موجودا في البطن حين كانا مسلمين فكان محكوما له
بالاسلام ثم لا يصير مرتدا بردة الأبوين ما بقي في دار الاسلام فان حكم الاسلام يثبت
ابتداء بطريق تبعيته الدار فلان يبقي أولى وإذا بقي الولد مسلما كان من جملة الورثة فأما إذا
ولدته لأكثر من ستة أشهر منذ يوم ارتد فلا ميراث ولان النكاح قائم بينهما وإنما يستند
العلوق إلى أقرب الأوقات وأقرب الأوقات ما بعد ردتهما وإذا علق الولد من ماء المرتد
ابتداء يكون مرتدا معهما لأنه إنما يعتبر تبعية الدار في بقاء حكم الاسلام فأما في الابتداء في
37

الدار لا يعارض الأبوين (ألا ترى) ان الحربي إذا سبي ومعه الولد الصغير فإنه لا يحكم
بالاسلام ابتداء ولا يكون الدار معارضا للأب في الابتداء حكم الاسلام للولد فكذلك هنا
وإذا كان هذا الولد مرتدا لم يكن من ورثته ثم على قول أبي حنيفة إنما يورث منه ما اكتسبه
في حال الاسلام فأما ما اكتسبه في حالة الردة يكون فيأ يوضع في بيت المال وعند أبي يوسف
ومحمد كسب الردة يورث عنه ككسب الاسلام وعند الشافعي نصيب كل واحد من الكسبين
لبيت المال في أحد القولين بطريق أنه فئ وفى القول الآخر بطريق أنه مال ضائع وقد بينا
مسئلته في السير الكبير والله أعلم بالصواب
باب الولاء
(قال رضي الله عنه) اعلم بأن الولاء نوعان ولاء عتاقة وولاء موالاة فصورة ولاء
العتاقة أن يعتق الرجل عبدا أو أمة فيصير المعتق منسوبا إلى المعتق بالولاء ويسمى هذا ولاء
النعمة وولاء العتاقة وبهذا الولاء يرث الأعلى من الأسفل ولا يرث الأسفل من الأعلى
شيئا ويستوى إن كان أعتقه لوجه الله تعالى أو لوجه السلطان أو أعتقه سائبة أو بشرط أن
لا ولاء عليه ويستوى أن كان أعتقه بجعل أو بغير جعل أو بطريق الكتابة * وقال مالك ان
أعتقه لا لوجه الله تعالى أو بشرط أن لا ولاء عليه فلا لأن هذه صلة شرعية يعنى ميراث
المعتق من العتق فإنما يستحق هذه الصلة من يعتق لوجه الله تعالى فأما المعتق لوجه السلطان
جان في قصده فيحرم هذه الصلة والذي يصرح بنفي الولاية يكون مراده لهذه الصلة فلا يكون
مستحقا لها ونظيره الرجعة عقيب الطلاق لما كان ثبوته شرعا بطريق النظر لم يثبت عنده
التصريح بالحرمة والبينونة فهذا مثله وحجتنا في ذلك أن السبب متحقق مع قصده وشرطه
وهذا الاعتاق والحكم يتبع السبب والدليل على أن السبب الاعتاق قوله عليه السلام الولاء
لمن أعتق ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد فساومه ولم يشتره ثم مر بآخر فساومه
فاشتراه وأعتقه فقال عليه السلام هو أخوك ومولاك ولم يستفسره انه أعتقه لوجه الله تعالى
أو أعتقه سائبة ولان المعنى الذي لأجله يثبت الولاء يختلف بهذه الأسباب وهو أن المعتق
مسبب لاحياء المعتق لان الحرية حياة والرق تلف فان الحرية تثبت صفة المالكية التي بها
امتاز الآدمي من سائر الحيوانات فكان المعتق سببا لاحياء المعتق كما أن الأب سبب لايجاد
38

الولد فكما أن الولد يصير منسوبا إلى أبيه بالنسب فالمعتق يصير منسوبا إلى معتقه بالولاء وهذا
معنى قوله عليه السلام الولاء لحمة كلحمة النسب واليه أشار الله تعالى في قوله وإذ يقول للذي
أنعم الله عليه وأنعمت عليه الآية أي أنعم الله عليه بالاسلام وأنعمت عليه بالاعتاق فان الكافر
في معنى الميت قال الله تعالى أو من كان ميتا فأحييناه فبالاسلام يحيا حكما والرقيق في حكم
الهالك فبالعتق يحيا حكما فالمسبب لاحيائه يكون منعما عليه وإذا ثبت أن المعنى الذي لأجله
ثبت الولاء لا يختلف باعتبار هذه المعاني قلنا لا يختلف الحكم أيضا ثم الولاء بمنزلة النسب
لا يورث عنه ولكن يورث به عندنا وكان إبراهيم النخعي يقول الولاء جزء من الملك يورث
عنه كسائر أجزاء الملك قال لأنه ليس للمولى على مملوكه شئ سوى الملك والاعتاق ابطال
للملك فلا يجوز أن يكون مثبتا شيئا آخر سواه ولكن يجوز أن يكون مبطلا بعض الملك
غير مبطل للبعض فما يبقى يكون جزأ من الملك ولكنا نستدل بقوله عليه السلام الولاء لحمة
كلحمة النسب والنسب لا يورث عنه وإنما يورث به ثم الاعتاق ابطال للملك ومع ابطال
الملك لا يجوز أن يبقى شئ من الملك ولكنه احداث القوة المالكية وذلك بمنزلة احيائه حكما
فيعقب ذلك المعنى الولاء بمنزلة النسب ثم المروى عن عمر وعلى وابن مسعود وزيد انهم قالوا
الولاء للكبر وزعم بعض العلماء بظاهر هذا اللفظ ان الولاء لأكبر بنى المعتق بعده وقال
الأكبر قائم مقام الأب في الذب عن العشيرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الأكبر
بقوله الكبر فيقدم أكبر البنين في استحقاق الولاء لهذا والمذهب عندنا ان المراد بالأكبر
الأقرب يعنى ان أقرب البنين أولى باستحقاق الميراث بالولاء حتى إذا مات المعتق عن ابن
وابن ابن فالولاء للابن خاصه دون ابنه في قول وكذلك أن مات عن ابن ابن وابن ابن ابن
فالميراث بالولاء لابن الابن خاصة لأنه أقرب فان مات المعتق عن أب وابن فميراثه لابن
المعتق خاصة دون أبيه في قول زيد وسعيد ابن المسيب وهو قول أبي حنيفة ومحمد وأبى يوسف
الأول وفى قول إبراهيم للأب السدس والباقي للابن وهو قول أبى يوسف الآخر لان
استحقاق الولاء بالعصوبة والأب في حكم العصوبة كالابن فإنه ذكر يتصل بالميت بغير
واسطة كالابن الا ان الابن مقدم عليه شرعا في ميراثه لان الأب لا يصير محروما عن ميراثه
لو قدمنا الابن بالعصوبة فإنه يستحق بالفرضية فأولى الوجوه أن يجعل ميراث المعتق كميراث
المعتق ويجعل كان المعتق الذي استحق ذلك ثم يخلفه في ذلك أبوه وابنه فيكون مقسوما
39

بينهما أسداسا وجه قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ان النبوة في العصوبة مقدمة علي الأبوة
فما كان الأب مع الابن في حكم العصوبة الا نظير الأخ مع الأب فان الاخوة لما كانت دون
الأبوة في العصوبة لم يكن للأخ من الميراث بالولاء شئ مع الأب وكذلك الاخوة لأب وأم
لما كانت مقدمة في العصوبة على الأخ لأب لم يكن للأخ لأب شئ من الميراث بالولاء مع
الأخ لأب وأم فاما ميراث المعتق فإنما استحق الأب السدس منه بالفرضية وبالفرضية يستحق
الميراث بالولاء (ألا ترى) ان المعتق إذا مات عن ابن وابنة لا يكون للابنة من ميراث المعتق
شئ لأنها صاحبة فرض وإنما تصير عصبة تبعا للابن ولا تثبت المزاحمة للتبع مع الأصل فيما
يستحق بغلبة الأصل فان أعتقت المرأة عبدا فهي في استحقاق ميراثه بالولاء كالرجل لان
السبب وهو الاعتاق قد تحقق منها وبعد تحقق السبب الرجل والمرأة في الاستحقاق سواء
فان أعتق معتقها عبدا أو أمة فهي تستحق من معتق معتقها ما يستحق الرجل لان الثاني صار
منسوبا إليها بالولاء كالأول على معنى ان الثاني منسوب بالولاء إلى الأول والأول منسوب
بالولاء إليها فلاتحاد سبب الإضافة جعل الثاني كالأول بخلاف ما إذا أعتق أبوها عبدا لان المعتق
منسوب إلى أبيها بالولاء وهي تنسب إلى الأب بالعصوبة لا بالولاء فلما اختلف السبب لم
يكن مولى الأب مضافا إليها فلا تكون عصبة له والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال لا يرث بالولاء من النساء الا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب
من كاتبن أو جر ولاء معتق معتقهن * إذا عرفنا هذا جئنا إلى بيان المسائل فنقول امرأة عتقت
عبدا ثم ماتت وتركت ابنا هو من غير قومها وابن عم لها ثم مات المعتق فان ميراثه لابنها لأنه
أقرب عصبة لها ولو جنى جناية كان عقل جنايته على ابن العم دون الابن به قضى عمر رضي الله عنه
فان صفية بنت عبد الملك أعتقت عبدا ثم ماتت فاختصم في ولاء معتقها على والزبير
إلى عمر فقال علي أنا أعقل جنايته على ميراثه وقال الزبير مولى أمي فلي ميراثه فقضى عمر بالميراث
للزبير وجعل عقل الجناية على علي رضي الله عنهم وكان المعنى فيه أن استحقاق الميراث بالعصوبة
والابن مقدم في ذلك على ابن العم فاما عقل الجناية فبالتناصر (ألا ترى) ان أهل الديوان يتعاقلون
بالتناصر ولا ميراث بينهم ولا عصوبة والتناصر إنما يكون لها ولمولاها بقوم أبيها لا بأبيها
فلهذا كان عقل الجناية عليهم ولو أن امرأة اشترت عبدا فأعتقته ثم مات المعتق عن ابنة فلها
النصف والباقي للمعتقة بالعصوبة لما روى أن ابنه حمزة رضي الله عنها أعتقت عبدا ثم مات
40

المعتق عن ابنة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه نصفين نصفا لابنته ونصفا لابنة
حمزة وفيه دليل على أن مولى العتاقة عصبة مقدم على الرد وعلى ذوي الأرحام وقد بينا خلاف
ابن مسعود في هذا فان اشترت المرأة أباها فعتق عليها استحقت ولاءه لأنها صارت معتقة
له بالشراء فان شراء القريب اعتاق فان مات الأب بعد ذلك كان لها المال نصفه بالفرضية
ونصفه بالعصوبة بالولاء وإنما يتبين هذا فيما إذا كان معها ابنة أخرى فإنه يكون لهما الثلثان
والباقي للمشترية بالعصوبة خاصة ولو جن الأب جنونا مطبقا كان للمشترية أن تزوجه بولاية
الولاء وهذه من أعجب المسائل أن يثبت للابنة على ابنها ولاية التزويج * ولو أن مملوكا له ابنتان
اشتريا الأب فعتق عليهما ثم إن أحديهما مع الأب اشتريا ابنا للأب فعتق عليهما ثم مات الأب
فإنما مات عن ابن وابنتين فالميراث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شئ للولاء فان مات
الابن بعد ذلك فإنما مات عن أختين وعن ولاء ثابت عليه لشخصين أحدهما ميت وهو
الأب والآخر حي فللأختين الثلثان والثلث الباقي يكون نصفين نصفه للمشترية مع الأب
ونصفه للأب بالولاء فيكون بين الابنتين نصفان للولاء الثابت لهما على الأب فان المرأة ترث
معتق معتقها بالولاء كما ترث معتقها فيكون أصل الفريضة من ثلاثة ثم يكسر بالانصاف مرتين
فإذا أضعف ثلاثة مرتين يكون اثنى عشر فمنه تصح المسألة لهما ثمانية بالأختية وللابنة المشترية
سهمان بولاء نفسها وسهمان بولاء الأب بينهما نصفان فان كن ثلاث بنات اشترى بنتان
منهما أباهما ثم إن الأب مع الثالثة التي لم تشتر الأب اشتريا ابنا له ثم مات الأب فقد مات
عن ابن وثلاث بنات فيكون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين فان مات الأخ بعد ذلك
فإنما مات عن ثلاث أخوات وعن ولاء ثابت عليه لشخصين أحدهما ميت وهو الأب والآخر
حي فيكون لهن الثلثان بينهن أثلاثا لا يستقيم والباقي وهو سهم بين الولاء نصفين لا يستقيم
ثم نصيب الأب بين الابنتين بالولاء لا يستقيم فتضرب ثلاثة في ثلاثة فتكون تسعة ثم تضعف
تسعة مرتين فتكون ستة وثلاثين منه تصح المسألة للبنات الثلثان أربعة وعشرون لكل ابنة
ثمانية وللمشترية نصف الباقي بولاء نفسها وذلك ستة وللتين اشتريا الأب النصف الباقي
وهو ستة بينهما نصفان فحصل لكل واحدة منها أحد عشر وللأخرى أربعة عشر
فاستقام فان اشترى الأب مع احدى الابنتين المشتريتين له ومع الابنة الثالثة الأخ فعتق
عليهم جميعا ثم مات الأب ثم مات الأخ بعده فإنما مات عن ثلاث أخوات وعن ولاء ثابت
41

عليه لاشخاص ثلاثة اثنان منهم حيان والثالث وهو الأب ميت فيكون لهن الثلثان بالأختية
والثلث الباقي يقسم أثلاثا لكل واحدة من اللتين اشتريا الأخ ثلث هذا الباقي بولاء نفسها وثلث
هذا الثلث بين المشتريتين للأب نصفين بولاء الأب فتصح القسمة من ستة وثلاثين أيضا
لهن الثلثان والباقي وهو اثنا عشر بينهن أثلاثا فقلت الذي هو نصيب الأب بين المشتريتين
له لكل واحدة سهمان فان اشترى الابنتان أباهما ثم أب الأب مع أحديهما والأخرى التي
لم تشتر الأب اشتروا أخا لهما ثم أربعتهن جميعا مع الأب والأخ اشتروا أمهم وهي امرأة
الأب ثم مات الابن فإنما مات عن ابن وثلاث بنات فيكون الميراث بينهم للذكر مثل حظ
الأنثيين (فان قيل) فقد مات عن امرأة أيضا قلت لا كذلك فالنكاح قد فسد حين ملك
الأب جزء أمها فان مات الأخ بعد ذلك فإنما مات عن أم وثلاث أخوات وولاء ثابت عليه
لثلاثة نفر اثنان منهم حيان وواحد ميت فيكون للأم السدس وللأخوات الثلثان والباقي
وهو السدس يكون بالولاء أثلاثا لكل ابنة ثلثا ذلك بين المشتريتين للأخ والثلث الآخر
حصة ولاء الأب من المشتريتين وتستقيم المسألة من ستة وثلاثين أيضا لان الباقي يقسم
أثلاثا وثلثه ينقسم نصفين فيستقيم التخريج منه فان ماتت الأم بعد ذلك فإنما ماتت عن ثلاث
بنات وعن ولاء ثابت عليها لخمسة نفر ثلاثة منهم أحياء واثنان ميتان الأب والابن فيكون
للبنات الثلثان وما بقي ينقسم بالولاء أخماسا فانكسر بالأثلاث والأخماس فالسبيل أن تضرب
خمسة في ثلاثة فتكون خمسة عشر ثم خمس الثلث الذي هو نصيب الابن ينكسر أثلاثا بالولاء
الذي عليه فتضرب خمسة عشر في ثلاثة فتكون خمسة وأربعين منه تصح المسألة للبنات
الثلثان ثلاثون وما بقي وهو خمسة عشر ينقسم بالولاء أخماسا لكل بنت ثلاثة باعتبار ولاء
نفسهما وثلاثة باعتبار ولاء الابن فيكون مقسوما أثلاثا للمشتريتين للابن مع الأب لكل واحدة
سهم وسهم للأب بولاء الابن وثلاثة أسهم له بولاء الأم ثم هذه الأربعة بين المشتريتين
للأب نصفين بولائهما عليه لكل واحدة سهمان فحصل لكل واحدة من هاتين مرة عشرة
ومرة ثلاثة ومر سهمان فذلك خمسة عشر وللتي اشترت الابن مع هذا سهم آخر فذلك
ستة عشر وللتي لم تشتر الأب عشرة بالنسب وثلاثة بولاء نفسها وسهم بولاء الابن فذلك
أربعة عشر فإذا جمعت بين هذه السهام كانت خمسة وأربعين فاستقام التخريج والله أعلم
42

فصل في ولاء الموالاة
(قال رضي الله عنه) اعلم أن عقد الموالاة جائز يستحق به الميراث إذا لم يكن هناك
أحد من القرابات ولا مولى العتاقة عندنا وهو مذهب عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس
وابن عمر رضوان الله عليهم أجمعين وعلى قول الشافعي هو باطل لا يستحق به الميراث وهو
مذهب زيد وزعم بعضهم انه قول علي رضي الله عنه أيضا فان رجلا أتاه يسأله ان يعاقده
عقد الموالاة فاؤه الرجل ابن عباس ووالاه ولكن إيتاء لا يدل على أنه لا يرى جواز هذا العقد
وإنما تنبنى هذه المسألة على مسئلتين إحداهما الوصية بجميع المال ممن لا وارث له صحيح
عندنا خلافا له ووجه البناء أن من لا وارث له فإنما يصرف ماله إلى بيت مال المسلمين والموصى
له ساواهم في الاسلام وترجح بايجاب الموصى له فكان هو أولى عندنا فكذلك الذي عاقده
عقد الموالاة وعند الشافعي وارث من لا وارث له جماعة المسلمين فكما لا يملك ابطال حق الورثة
بالوصية بجميع المال لا يملك ابطال حق جماعة المسلمين والثاني أن أهل الديوان يتعاقلون بينهم
عندنا خلافا له فلما كان اثبات الاسم في الديوان سببا لتحمل العقل فكذلك عقد الموالاة
يكون سببا لتحمل العقل وإذا كان يتحمل به العقل يورث به أيضا لان الغرم مقابل بالغنم وعلى
سبيل الابتداء الشافعي احتج فقال إن الملك بطريق الوراثة ليس يثبت ابتداء وإنما يثبت
على سبيل الخلافة فيبقى للوارث ما كان ثابتا للمورث ولهذا يرد الوارث بالعيب ويصير
مغرورا فيما اشتراه مورثه وبالعقد يثبت الملك ابتداء بسبب مقصودا لا ان يبقى ما كان من
الملك الأول فلا يمكن اثبات ملكه بطريق الخلافة هنا بعقد الموالاة لأنه عقد باشراه ابتداء
ولا يمكن اثبات الملك ابتداء لان ذلك لا يكون وراثة وهذا بخلاف الوصية فان ملك الموصى
له لا يكون خلفا عن ملك الموصى بل هو ملك ثبت ابتداء ولهذا لا يرد بالعيب ولا يصير
مغرورا فيما اشتراه الموصى ولان أسباب الإرث معلومة شرعا وعقد الموالاة ليس من
تلك الأسباب وحجتنا في ذلك قوله تعالى والذين عاقدت ايمانكم فآتوهم نصيبهم يعنى نصيبهم
من الميراث والمراد عقد الموالاة بدليل ما سبق من قوله عز وجل ولكل جعلنا موالي مما
ترك الوالدان والأقربون فكما أن المراد من ذلك بيان النصيب على سبيل الاستحقاق إرثا
على سبيل البر والمعونة ابتداء فكذلك المراد بما جعله معطوفا عليه لان حكم المعطوف حكم
المعطوف عليه وليس المراد بقوله تعالى عاقدت أيمانكم القسم بل المراد الصفقة باليمين فان العادة
43

أن المتعاقدين يأخذ كل واحد منهما يمين صاحبه إذا عاقده ويسمى العقد صفقة لهذا وفى
حديث تميم الداري رضي الله عنه انه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الرجل
ليأتيني فيسلم على يدي ويواليني فقال عليه السلام هو أخوك ومولاك فأنت أحق به محياه
ومماته يعنى محياه في تحمل عقل الجناية عنه ومماته في الإرث عنه والمعنى في المسألة ان خلافة
الوارث الموروث في ملكه إنما كانت على سبيل النظر للمالك فان الظاهر أن الانسان يؤثر
قرابته على الأجانب في هذه الخلافة ولهذا قدمنا الأقرب على الأبعد لأنه يؤثر الأقرب علي
الأبعد عادة فما دام هناك أحد من قرابته فقد وجد النظر من الشرع له فوقع الاستغناء عن
نظره لنفسه وإذا لم يكن هناك أحد من القرابة فقد وقعت الحاجة إلى نظره لنفسه فإذا فعل
ذلك وعقد عقد الموالاة مع انسان كان ذلك منه تصرفا في خالص حقه علي سبيل النظر منه
لنفسه فيكون صحيحا بمنزلة الوصية بثلث ماله (ألا ترى) ان مثل هذا النظر منه لنفسه في حال
حياته صحيح بتمليك المال من غيره بعوض وبغير عوض فكذلك في اثبات الخلافة لغيره بعد
موته والحاصل ان كلام الخصم يرجع كله إلى عدم الدليل فان اثبات هذه الخلافة بطريق العقد
قصدا مشروع بالاتفاق وهو عقد النكاح فكأنه يقول لم يقم الدليل على أن بعقد الموالاة تثبت
الوراثة ونحن نقول يجعل هذا العقد قائم مقام ما ورد به الشرع من الأسباب لاثبات الخلافة
بالدليل الذي قلنا ثم بمجرد الاسلام على يدي غيره لا يصير مولى له ما لم يعاقده عقد الموالاة
عندنا وقال بعضهم يصير مولى له وإن لم يعاقده لقوله عليه السلام من أسلم على يد غيره فهو
أخوه ومولاه وفى رواية فهو أحق به في حياته ومماته ولان في الاسلام معنى الحياة حكما
كما في العتق فكما أن المعتق يثبت له الولاء علي المعتق باكتساب سبب احيائه فكذلك الذي
دعاه إلى الاسلام تثبت له الولاية عليه باكتساب سبب احيائه ولكنا نقول في الحديث
المروى زيادة فإنه قال عليه السلام من أسلم على يد غيره ووالاه فهذه الزيادة تبين أن بمجرد
الاسلام على يده لا يصير مولى له والدليل عليه حديث تميم الداري فإنه قال إن الرجل
ليأتيني فيسلم على يدي ويواليني فدل انه كان معروفا بينهم ان بمجرد الاسلام على يده لا تثبت
الولاية عليه وهذا بخلاف ولاء العتق فان سببه الاعتاق وإنما وجد ذلك من المعتق وهنا
سبب حياته الاسلام وهو الذي أسلم بنفسه فلم يكن هذا الذي عرض عليه الاسلام هو
المكسب سبب الحياة له فلا يثبت له عليه الولاء ما لم يعاقده إذا عرفنا هذا فنقول ولاء
44

الموالاة يخالف ولاء العتق في فصول أحدها ان في ولاء العتاقة يرث الأعلى من الأسفل
ولا يرث الأسفل من الأعلى وولاء الموالاة إنما يكون على ما يتفقان عليه حتى إذا اتفقا على
توريث كل واحد منهما من صاحبه يثبت الحكم من الجانبين والفرق ان ولاء العتاقة سبب
الاحياء وذلك أنما يوجد من الأعلى في حق الأسفل ولم يوجد من الأسفل في حق الأعلى
وهنا السبب العقد والشرط فعلى الوجه الذي وجد الشرط يثبت الحكم والثاني ان ولاء العتق
لا يحتمل النقض والفسخ وولاء الموالاة يحتمل ذلك لان السبب هناك الاعتاق والاعتاق
لا يحتمل النقض بعد ثبوته وثبوت الحكم على وفق السبب وهنا السبب الايجاب بطريق
التبرع وهو محتمل للنقض الا انه ينفرد بالفسخ ما لم يعقل عنه وبعد ما عقل عنه الجناية لا تنفرد
بالفسخ لأنه ما لم يعقل جنايته فالعقد تبرع والمتبرع يملك الفسخ قبل حصول المقصود بغير
رضاء الآخر فاما إذا تحمل عنه جنايته صار العقد معاوضة وأحد المتعاوضين لا ينفرد
يفسخ المعاوضة من غير رضا الآخر وكما يملك أن يفسخ العقد يملك أن يتحول بولاية إلى غيره
بأن يعاقد غيره عقد الولاء فيفسخ العقد بينه وبين الأول وبعد ما عقل جنايته لا يملك ذلك
وكذلك الذي لم يوال أحدا إذا جنى جناية وعقل بيت المال جنايته فإنه لا يملك عقد الموالاة
مع أحد بعد ذلك لأنه صار ولاؤه لبيت المال وتأكد ذلك بعقل الجناية فلا يملك ابطاله
بخلاف ما قبل أن يعقل بيت المال جنايته ومن وجه آخر الفرق بين هذا وبين ولاء العتاقة
أن مولى العتاقة آخر العصبات مقدم على ذوي الأرحام ومولى الموالاة مؤخر عن ذوي
الأرحام لان الشرع أثبت العصوبة لمولى العتاقة بقوله عليه السلام كنت أنت عصبته والعصبة
مقدمة على ذوي الأرحام وهنا الموت هو الذي أوجب هذه الصلة له بعقده فيكون بمنزلة
الوصية بجميع ماله وذلك يمتنع لحق ذوي الأرحام كما يمتنع لحق العصبات فكذلك الميراث
بهذا الولاء فقلنا ما دام هناك أحد من ذوي الأرحام فلا شئ لمولى الموالاة ولو أنه والى رجلا
وعاقده ثم أقر بأخ أو ابن عم ثم مات فميراثه لمولى الموالاة لان اقراره بالاخوة والعمومة
باطل فإنه يحمل به النسب علي غيره واقراره ليس بحجة على غيره وأما عقد الموالاة تصرف
منه في حق نفسه وهو من أهل التصرف في حق نفسه ابتداء والسبب الباطل لا يزاحم السبب
الصحيح وحكم الولد بين رجلين في ميراثه من كل واحد منهما حكم ولد كامل له خاصة يعنى
أن الجارية بين رجلين إذا جاءت بولد فادعياه حتى ثبت النسب منهما فإنه يرث من كل واحد
45

منهما ميراث ابن كامل ويزاحم سائر أولاد كل واحد منهما لأنه ابن كامل له لقول عمر وعلى
رضي الله عنهما هو ابنهما يرثهما ويرثانه ولان النبوة لا تحتمل التجزء فاما أن يمتنع ثبوته عند
المعارضة أو يتكامل ولم يمتنع ثبوته هنا فعرفنا أنه تكامل في حق كل واحد منهما ولو مات هذا
الولد فلهما منه جميعا ميراث أب واحد عندنا بينهما نصفان وقال زفر لكل واحد منهما ميراث
أب كامل لان الأبوة لا تحتمل التجزء كالبنوة ومن ضرورته كونه ابنا كاملا لكل واحد
منهما أن يكون كل واحد منهما أبا كاملا ولكنا نستدل بقوله تعالى ولأبويه لكل واحد منهما
السدس والمراد ههنا الأب والأم فهذا تنصيص على أنه يستحق السدس بالأبوة مع الابن
فالقول باستحقاق السدس بالأبوة مع الابن فيكون بخلاف هذا النص ولان الأب في
الحقيقة أحدهما وهو المخلوق من مائة منهما فانا نتيقن أنه غير مخلوق من الماءين ولكن لأجل
المعارضة والمساواة جعلناه منسوبا إليهما وإذا علمنا أن الأب أحدهما قلنا لا يستحق من ماله
بالأبوة الا ميراث أب واحد وهذا بخلاف الابن لان المعارضة في جانبه لا تتحقق وإنما
تتحقق في جانبهما حتى إذا انعدمت المعارضة في جانبهما بأن مات أحدهما ثم مات الابن كان
الباقي منه ميراث أب كامل وهو معنى قول عمر وعلي رضي الله عنهما وهو للباقي منهما وهذا
لان المزاحمة لم تبق بعد موته أحدهما فيرثه الآخر ميراث ابن كامل * رجل وعم له ادعيا
ابنة جارية بينهما ثم مات العم وترك أباه فللابنة النصف والباقي للأب بالفرض والعصوبة وان
مات الابن وترك هذه الابنة فلها النصف والباقي للجد في قول أبي حنيفة وان مات الجد
وترك هذه المدعاة وعصبته فلها النصف والباقي للعصبة لأنها ابنة ابنة من وجه وابنة ابن ابنة
من وجه ولكن الثابت أحد الامرين لا كلاهما فاما أن نقول بنت الأقرب أو نقول هي
لا تستحق الا النصف سواء كان الثابت أقرب الجهتين أو أبعدهما وإنما أوردنا هذا لبيان أنها
ليست تثبت لكل واحد منهما بكماله فإنها لو كانت كذلك لا استحقت الثلثين النصف بكونها
ابنة وابن والسدس بكونها ابنة ابن ابنة فقد بينا فيما سبق أن عند اجتماع السببين في شخص
يستحق الميراث بكل واحد منهما وهنا لا يكون لها الا النصف فعرفنا أن الثابت في الحقيقة
أحد السببين وان الأب أحدهما والله أعلم بالصواب
باب ميراث القاتل
(قال رضي الله عنه) اعلم بأن القاتل بغير حق لا يرث من المقتول شيئا عندنا سواء قتله
46

عمدا أو خطأ وقال مالك ان قتله خطأ فله الميراث لا من الدية وأما في العمد لا ميراث له لما
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأن لا ميراث للقاتل وعن عمر رضي الله عنه قال
لا ميراث لقاتل وعن عبيدة السلماني رضي الله عنه لا ميراث لقاتل بعد صاحب البقرة يعنى
بقرة بني إسرائيل وهو الإشارة إلى المعنى فذلك القاتل قصد استعجال الميراث فصار أصلا
ان كل قاتل قصد استعجال الميراث ولو توهم في القتل العمد ذلك منه فإنه يحرم الميراث
عقوبة له أورد القصد عليه فهذا المعنى موجود في القاتل العمد فأما في الخطأ قال مالك لم يوجد
منه القصد إلى قتل مورثه واستعجال الميراث ينبنى على ذلك ثم الخاطئ معذور فلا يستحق
العقوبة والخطأ موضوع رحمة من الشرع فلا يثبت به حرمان الميراث إلا أنه لا يرث من
الدية لان عاقلته يتحملون عنه الدية فلو ورث من ذلك لتحملوا عنه وذلك لا يجوز وحجتنا
في ذلك أن الحرمان جزاء القتل المحظور شرعا والقتل من الخاطئ محظور لان ضد المحظور
المباح والمحل غير قابل للقتل المباح الاجزاء على جريمة وكما لا يتصور الفعل في غير محل لا يتصور
المباح في غير محل الإباحة فقلنا إن هذا القتل محظور ولهذا تتعلق به الكفارة وهي ساترة
للذنب ومع كونه موضوعا شرعا لما جاز أن يؤاخذ بالكفارة فكذلك جاز أن يؤاخذ بحرمان
الميراث وهذا لان تهمة القصد إلى الاستعجال قائمة فمن الجائز أنه كان قاصدا إلى ذلك وأظهر
الخطأ من نفسه فيجعل هذا التوهم كالمتحقق في حرمان الميراث وكذلك كل قاتل هو في
معنى الخاطئ كالنائم إذا انقلب على مورثه لتوهم أنه كان يتناوم وقصد استعجال الميراث
وكذلك أن سقط من سطح على مورثه فقتله أو وطأ بدابته مورثه وهو راكبها لأنه مباشر
للقتل فإنما مات المقتول بفعله وبتوهم قصده إلى الاستعجال فكان القاضي الجليل رحمه الله
يقول الدابة في يد راكبها يسيرها كيف يشاء فهي بمنزلة حجر في يده وخرجه على مورثه
فقتله فأما القتل بسبب كحافر البئر وواضح الحجر في الطريق ومن أخرج ظلة أو جناحا
فسقط على مورثه فقتله فإنه لا يحرم من الميراث عندنا وعلى قول الشافعي يحرم الميراث لأنه
قاتل بغير حق ودليل كونه قاتلا وجوب الدية على عاقلته بمنزلة الخاطئ ولكنا نقول ليس
هنا يوهم القصد إلى الاستعجال لأنه بما أحدث من السبب لم يقصد قتل مورثه ولا يدرى أن
مورثه يمر في ذلك الموضع ويقع في البئر أو يسقط عليه الجناح ثم حرمان الميراث جزاء مباشرة
القتل المحظور وهذا السبب ليس بقاتل (ألا ترى) أنه لو فعل هذا في ملكه لم يكن مؤاخذا
47

بشئ والقاتل مؤاخذ بفعله سواء كان في ملكه أو في غير ملكه كالرامي ولان القتل لا يتم
الا بمقتول وقد انعدم المقتول عند الحفر فلا يصير هو بالحفر قاتلا ولا يجوز أن يصير قاتلا
عند الوقوع لان الحافر قد يكون ميتا عند وقوع الواقع في البئر فكيف يكون الميت قاتلا
وإذا ثبت أنه ليس بقاتل لم يكن عليه جزاء القتل من حرمان الميراث والكفارة ووجوب
الدية عليه لصيانة دم المقتول عن الهدر وذلك لا يدل على أنه قاتل كما أن الدية تجب على
العاقلة ولا تدل على أن العاقلة قاتلون وأما الصبي والمجنون إذا قتل مورثه لم يحرم الميراث
عندنا وعند الشافعي يحرم الميراث لوجود القتل بغير حق وأكثر ما في الباب أن يكون
فعلهما كفعل الخاطئ والخاطئ يحرم الميراث فكذلك الصبي والمجنون ولكنا نقول هذا جزاء
القتل المحظور وفعلهما لا يوصف بالحظر شرعا لان الفعل المحظور ما يجب الامتناع عنه بخطاب
الشرع وذلك لا يثبت في حقهما ثم حرمان الميراث باعتبار توهم القصد إلى الاستعجال ولا
يعتبر بقصد الصبي والمجنون شرعا إذ حرمان الميراث إنما يكون باعتبار تقصير منه في التحرز
وذلك يتحقق من الخاطئ لأنه من أهل أن ينسب إلى التقصير ولا يتحقق من الصبي والمجنون
فإنهما لا ينسبان إلى التقصير شرعا فاما الأب إذا ختن ولده أو حجمه أو بط قرحه به فمات
من ذلك لم يحرم الميراث لان هذا فعل مباح له شرعا وحرمان الميراث جزاء القتل المحظور
فهو وما لو قتل مورثه بحق سواء ولو أدب ولده بالضرب فمات من ذلك فعلى قول أبي حنيفة
يضمن ديته ويحرم الميراث وعلى قول أبى يوسف ومحمد لا يضمن شيئا ولا يحرم عن الميراث
ولو أن المعلم هو الذي ضربه باذن الأب فمات لم يضمن شيئا بالاتفاق قال رحمه الله وهذا عند
أبي حنيفة ترك لقوله قبل هذا من دوى المناقضة على قول أبي حنيفة وقيل بل هو استدلال
على رجوعه عن جوابه في الفصل الأول وهذا هو الأصح قان المعلم لو أدبه بغير إذن أبيه
فمات كان ضامنا فإذا أدبه باذنه لم يضمن فلما كأن لامره تأثير في اسقاط الضمان عن المعلم عرفنا
انه لا يجب عليه الضمان إذا ضربه بنفسه وهذا لان التأديب يباح له شرعا كالختان والحجامة
ومن حمل المسألة على الاختلاف فوجه قولهما هذا ووجه قول أبي حنيفة لان الأب إنما يؤدب
ولده لمنفعة نفسه وما يباح للمرء شرعا لمنفعة نفسه بتقيد بشرط السلامة كتعزير الزوج زوجته
والرمي إلى الصيد والمشي في الطريق وبيان الوصف أن الأب لا يعزر بسوء أدب ولده وإنما
يزجره عن ذلك لدفع العار واللوم عن نفسه وبه فارق المعلم فإنه لا يؤدب الصبي لمنفعة نفسه فإذا
48

صار مباحا له شرعا لم يتقيد عليه بشرط السلامة وبه فارق الختان والحجام لان ذلك لمنفعة الولد
فان الطهرة به تحصل للولد لا للأب فلهذا لا يتقيد بشرط السلامة بل يجعل فعل الآمر به
كفعله بنفسه يوضحه ان الأب يغيظه سوء أدب ولده وربما يحمله الغيظ على المبالغة في تأديبه
وترك الاحتياط فلهذا يتقيد بشرط السلامة وهذا المعنى لا يوجد في الختان والحجامة ولا في
المعلم إذ أدبه باذن الأب ثم دية المقتول تكون ميراثا عنه لجميع ورثته كسائر أمواله عندنا ومن
الناس من قال ليس للزوج والزوجة من الدية نصيب لان وجوب الدية بعد الموت والزوجية
ترتفع بالموت بخلاف القرابة ولكنا نستدل بحديث الضحاك ان شيبان الكلابي رضي الله عنه
قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أورث امرأة اشيم الضبابي من عقل زوجها اشيم
ولان الدية مال الميت حتى تقضى بها ديونه وتنفد منها وصاياه فيرثها عنه من يرث سائر أمواله
وإنما استحقاق الميراث باعتبار زوجيه قائمة إلي وقت الموت منتهية بالموت لا باعتبار زوجية
قائمة في الحال وفى هذا المعنى الدية بمنزلة سائر الأموال إذا عرفنا هذا فنقول ثلاثة اخوة
قتل أحدهم أباه عمدا فللباقين أن يقتلاه لان السبب الموجب للقود وهو العمد قد تحقق
منه ولا نصيب له في ذلك لان القاتل محروم عن الميراث فان مات أحد الأخوين الباقيين لم
يكن للباقي أن يقتله لان نصيب الميت من القصاص صار ميراثا بموته بين اخوته والقاتل يرث
أخاه لأنه ليس بقاتل له فلا يحرم الميراث عن وإذا ورث جزأ من القصاص الواجب عليه سقط
ذلك وانقلب نصيب الآخر مالا فعليه ثلاثة أرباع الدية في ماله للأخ الباقي في ثلاث سنين
(ألا ترى) انه لو عفا أحدهما انقلب نصيب الآخر مالا فكذلك إذا سقط جزء من القصاص
عن القاتل باعتبار انه ملكه بالميراث ولو أن أخوين وأختا لأب وأم قتل أحد الأخوين
الأم عمدا والزوج وارث معهم وهو أبوهم فللأخ الباقي والأخت والزوج أن يقتلوا القاتل
لان القاتل محروم عن ميراث أمه بالقتل وإن لم يقتلوه حتى مات الأخ الباقي فللأخت والزوج
أن يقتلا القاتل لان الأخ الباقي مات عن أخت وأخ وأب فيكون نصيبه للأب والأخت
ولا شئ للأخ من نصيبه فلا يرث القاتل شيئا من القصاص بموت أخيه فان مات الأب
بعد ذلك لم يكن للأخت أن تقتله لان نصيب الأب من القصاص صار ميراثا بين القاتل
وأخته فلا يكون محروما عن ميراثه ويكون لها عليه نصف الدية لان الأب كان ورث من
امرأته الربع وهو ثلاثة من اثنى عشر وما بقي وهو تسعة بين الأخ والأخت أثلاثا للأخ
49

ثلثاه ستة وللأخت ثلاثة فلما مات الأخ صار نصيبه للأب فإنما مات الأب عن تسعة فيكون
ذلك بين الابن والابنة أثلاثا للابن ستة وللابنة ثلاثة فعرفنا انه اجتمع للأخت ستة من اثنى
عشر وذلك النصف فلهذا كان لها عليه نصف الدية ولو أن أخوين وأختا قتل أحد الأخوين
أباهم وقتل الآخر أمهم فان قاتل الأم يقتل قاتل الأب مع الأخت ولا يقتله قاتل الأب
لأنه كان مستوجبا للقصاص وللأم من ذلك نصيب فلما قتل الآخر الأم صار بعض ذلك
ميراثا منها لقاتل الأب لأنه ليس بقاتل للأم فلهذا سقط عنه القصاص وقاتل الأم قد لزمه
القصاص ولم يسقط عنه شئ من ذلك بملكه فيقتل قصاصا ويغرم قاتل الأب للأخت ثمانية
وثلاثين سهما من اثنين وسبعين سهما من الدية لان الأب خلف امرأة وابنا وابنة فتكون
القسمة من أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة وللابن أربعة عشر وللابنة تسعة فحين قتل الآخر
الأم فنصيبها ميراث بين قاتل الأب والابنة أثلاثا فحصل للابنة ثمانية ثم لما قتل قاتل الأم
قصاصا صار نصيبه وهو أربعة عشر ميراثا بين الأخ والأخت أثلاثا وهو لا يستقيم فتضرب
أربعة وعشرين في ثلاثة فتكون اثنين وسبعين وكان للابنة ثمانية مضروبة في ثلاثة فذلك أربعة
وعشرون وكان الذي لا يستقيم بينها وبين الابن أربعة عشر مضروبة في ثلاثة فتكون اثنين
وأربعين لها من ذلك الثلث أربعة عشر فإذا ضممته أربعة عشر إلى أربعة وعشرين فتكون
ثمانية وثلاثين فلهذا قال يغرم لها ثمانية وثلاثين سهما من اثنين وسبعين سهما من الدية ويبطل
عنه ما سوى ذلك ستة بالميراث عن أمه وثمانية وعشرون بالميراث عن أخيه والله أعلم بالصواب
باب ميراث الحمل
(قال رضي الله عنه) اعلم بان الحمل من جملة الورثة إذا علم بأنه كان موجودا في البطن
عند موته المورث وانفصل حيا وإنما يعلم وجوده في البطن إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر
منذ مات المورث لان أدنى مدة الحمل ستة أشهر وان جاءت به لأكثر من ستة أشهر فلا
ميراث له إذا كان النكاح قائما بين الزوجين وان كانت معتدة فحينئذ إذا جاءت به لأقل من
سنتين منذ وقعت الفرقة بموت أو طلاق فهو من جملة الورثة وان جاءت به لأكثر من ستة
أشهر منذ مات المورث فإنما يرث إذا انفصل حيا وطريق معرفة ذلك أن يستهل صارخا أو
يسمع منه عطاس أو يتحرك بعض أعضائه بعد الانفصال فان خرج بعضه فتحرك قلنا إن
50

خرج أكثره فتحرك عضو من أعضائه دليل على أنه حي وان خرج أقله فكذلك لا يكون
دليل كونه حيا وإنما شرطنا وجوده في البطن عند موت المورث لان الوراثة خلافة والمعدوم
لا يتصور أن يكون خلفا عن أحد فأدنى درجات الخلافة الوجود (فان قيل) الخلافة
لا تتحقق الا باعتبار صفة الخلافة لان الميت لا يكون خلفا عن الميت وأنتم لا تعتبرون ذلك
بل تقولون وإن كان نطفة في الرحم عند موت المورث فإنه يكون من جملة الورثة ولا حياة في
النطفة قلنا نعم تلك النطفة في الرحم ما لم تفسد فهي معدة للحياة ولا يكون منها شخص حي
فيعطى لها حكم الحياة باعتبار المآل كما يعطى للبيض حكم الصيد في وجوب الجزاء على المحرم
إذا كسره وإن لم يكن فيه معنى الصيدية ولهذا قلنا بان اعتاق ما في البطن صحيح والوصية
له صحيحة وان كانت نطفة في الرحم باعتبار الحال ولكن يعتبر المآل فكذلك هنا يعتبر المآل
فكذلك يكون من جملة الورثة ولما جعلنا الجنين في البطن كالمنفصل في منفعة المالكية بالإرث
اعتبارا لمآله فكذلكم النطفة تجعل كالنفس الحية باعتبار المآل ثم الأصل ان العلوق يستند إلى
أقرب الأوقات الا في موضع الضرورة لان المتيقن به ذلك وفى حال قيام النكاح لا ضرورة
فاستندنا إلى أقرب الأوقات وذلك ستة أشهر فأما بعد ارتفاع النكاح بنا حاجة إلى اسناد
العلوق إلى أقرب الأوقات لاثبات النسب وإذا أسندنا إلى ذلك الوقت فقد حكمنا بأنه كان
موجودا في البطن عند موت المورث وعلى هذا الأصل لو قال لامه لها زوج أنت حرة
فجاءت بولد لستة أشهر أو أقل فان ولاء الولد لمولى الأم لأنه كان موجودا عند اعتاق الأم
فصار مقصودا بالعتق وان جاءت به لأكثر من ستة أشهر فولاؤه لموالي الأب لأنه لو لم يكن
موجودا عند اعتاق الأم بتيقن فيكون هو في حكم الولاء تبعا ولو كان الزوج طلقها تطليقتين
ثم أعتقها مولاها فجاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الطلاق فان الولد يكون مولي لموالي
الأم لأنا حكمنا بكونه وقت الاعتاق حين أثبتنا نسبه من الزوج فيصير الولد مقصودا بالعتق
وإنما شرطنا في التوريث انفصال الولد حيا لان حاله عند موت المورث لا يمكن معرفته حقيقة
ولكن إذا انفصل حيا كان ذلك دليلا للحياة يومئذ وتحركه في البطن غير معتبر لكون تحرك
البطن محتملا قد يكون من الريح وقد يكون من الولد أما إذا انفصل واستهل فهو دليل
حياته وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا استهل الصبي ورث وصلى عليه وكذلك
روى عن علي رضي الله عنه والعطاس دليل حياته بمنزلة الاستهلاك وتحرك بعض الأعضاء
51

كذلك وإذا كان الخارج بعضه فنقول إن كان الخارج هو الأكثر فحكم الأكثر حكم الكل
وكأنه خرج كله ثم خرج بعض أعضائه وإن كان الخارج أقله فكأنه لم يخرج منه شئ بعد إذ
الأقل تبع للأكثر بدليل حكم النفاس ثم اختلفت الروايات في مقدار ما يوقف للحمل من
الميراث فروى ابن المبارك عن أبي حنيفة انه يوقف للحمل نصيب أربع بنين وروى هشام
عن أبي يوسف انه يوقف للحمل ميراث ابنين وهو قول محمد وذكر الخصاف عن أبي يوسف
انه يوقف له ميراث ابن واحد وهذا هو الأصح وعليه الفتوى وفى رواية ابن المبارك لا اعتبار
بما يتوهم لان قسمة الميراث لا تكون الا باعتبار المتيقن ولم ينقل عن المتقدمين ان امرأة ولدت
أكثر من أربع بنين وفى رواية هشام قال ولادة المرأة أربع بنين في بطن واحد أندر ما
يكون فلا ينبنى الحكم عليه وإنما ينبني على ما يكون في العادة وهو ولادة اثنين في بطن واحد
وفى رواية الخصاف فان النادر لا يعارض الظاهر والعالم الغالب ان المرأة لا تلد في بطن واحد
الا ولدا واحدا فعلى رواية ابن المبارك إنما يدفع إلى الابن خمس المال ويجعل كان الحمل أربع
بنين وعلى رواية هشام يدفع إلى الابن ثلث المال ويجعل كان الحمل اثنان وعلى رواية الخصاف
يدفع إلى الابن نصف المال ويجعل كان الحمل ابن واحد ثم سائر الورثة مع الحمل لا يخلو حالهم
اما أن يكون الوارث مع الحمل ممن لا تتغير فريضته بالحمل أن ممن تتغير فريضته بالحمل ولا يخلو
اما أن يكون ممن يسقط في بعض الأحوال أو ممن لا يسقط فإن كان ممن لا تتغير فريضته
بالحمل فإنه يعطى فريضته حتى إذا ترك امرأة حاملا وجدة فللجدة السدس لأنها لا تتغير
فريضتها بهذا الحمل وكذلك إذا ترك امرأة حاملا فإنه تعطى المرأة الثمن لأنها لا تتغير فريضتها
بهذا الحمل ولو ترك امرأة حاملا وأخا أو عما لا يعطى الأخ والعم شيئا لان من الجائز أن
يكون الحمل ابنا فيسقط معه الأخ والعم لا يعطى من يرث مع الحمل الا القدر المتيقن به
لان التوريث في موضع الشك لا يجوز فإذا كان ممن تتغير فريضته بالحمل فالمتيقن له أقل النصيبين
فلا يعطى الا ذلك وإذا كان ممن يسقط بحال فاصل الاستحقاق له مشكوك فلهذا لا يعطي
شيئا ثم إن كان الأقل كنصيب سائر الورثة ان يجعل الحمل ذكرا يجعل ذكرا وإن كان
الأقل كنصيب سائر الورثة ان يجعل الحمل أنثى يجعل أنثى فإنما يوقف للحمل أوفر النصيبين
ولا يعطى سائر الورثة الا الأقل احتياطا * بيان ذلك في امرأة ماتت وتركت زوجا وأما
52

وهي حامل من أبيها فان الحمل يجعل أنثى على الروايات كلها لأنا لو جعلنا الحمل ذكرا كان
للزوج النصف كاملا ثلاثة من ستة وللأم الثلث سهمان والباقي وهو سهم للأخ وإذا جعلنا
الحمل أنثى فعلى رواية ابن المبارك الحمل بمنزلة أربع أخوات وعلى رواية هشام الحمل بمنزلة أختين
فيكون لهما الثلثان وتعول المسألة بسهمين للزوج ثلاثة وللأم السدس وللأختين أربعة ولا
شك ان ثلاثة من ثمانية دون ثلاثة من ستة وكذلك على رواية الخصاف لأنا إذا جعلنا الحمل
أنثى فالقسمة من ثمانية للزوج ثلاثة وللأم سهمان فان الأخت الواحدة لا تحجب الأم من
الثلث إلى السدس وللأخت ثلاثة فتكون القسمة من ثمانية فلهذا جعلنا الحمل أنثى ويوقف لها
ثلاثة من ثمانية فان ولدت ابنة فالموقوف يكون لها وتبين صحة القسمة وان ولدت ابنا فقد بطلت
القسمة الأولى وان ولدت ابنتين انتقصت القسمة ويسترد من الأم أحد السهمين فيكون للأختين
وإنما يقسم المال من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم الثلث سهمان والباقي وهو سهم للأخ بالعصوبة
* فان ترك ابنا وامرأة حاملا فولدت الحامل ولدين أحدهما ذكر ولآخر أنثى واستهل أحدهما
ولم يستهل الآخر أو لا يدرى أيهما استهل بان كان ليلا أو لكثرة الزحمة لم يعلم من استهل منهما
والتخريج في هذه المسألة أن نقول هنا حالتان فإن كان الذي استهل منهما الابن فإنما ترك الرجل
ابنين وامرأة فتكون القسمة من ستة عشر للمرأة سهمان ولكل ابن سبعة ثم مات أحد الاخوة
الاثنين عن أخ وأم فللأم الثلث والباقي للأخ وقسمة سبعة أثلاثا لا يستقيم فتضرب ستة عشر
في ثلاثة فيكون ثمانية وأربعين للأم ستة بالميراث من الزوج ولكل ابن أحد وعشرون ثم لها
سبعة من ابنها فيكون لها ثلاثة عشر وللابن خمسة وثلاثون وإن كان الذي استهل الابنة فإنما
مات الرجل عن ابنة وابنة وامرأة فتكون القسمة من أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة وللابنة
سبعة ثم ماتت الابنة عن أم وأخ وقسمة سبعة بينهما أثلاثا لا تستقيم فنضرب أربعة وعشرين
في ثلاثة فتكون اثنين وسبعين للمرأة تسعة وللابنة أحد وعشرون وللابن اثنان وأربعون ثم
قد ورثت الأم من الابنة سبعة فيكون لها في الحاصل ستة عشر وللابن ستة وخمسون إلا أن
بين ستة عشر وستة وخمسين موافقة بالنصف فيقتصر على الثمن من كل واحد منهما وثمن ستة
عشر اثنان وثمن ستة وخمسين سبعة فذلك تسعة فتكون القسمة بينهما في هذه الحالة على تسعة
وفى الحالة الأولى للأم ثلاثة عشر وللابن خمسة وثلاثون ولا موافقة بينهما في شئ إلا أن بين
53

تسعة وبين ثمانية وأربعين وهو جملة من السهام في الحالة الأولى موافقة بالثلث فيقتصر علي الثلث
من أحدهما ويضرب في جميع الآخر وذلك اما ستة عشر في تسعة أو ثلاثة في ثمانية وأربعين
فيكون ذلك مائة وأربعين وأربعين ثم ضعف ذلك لان الحالة حالتان فيكون مائتين وثمانية
وثمانين منه تصح القسمة كان للأم سهمان من تسعة ضربناها في ستة عشر فيكون اثنين وثلاثين
ثم أضعفنا فيكون أربعة وستين فهو نصيب الأم وكان للابن سبعة ضربنا ذلك في ستة عشر
فتكون مائة واثنا عشر ثم أضعفنا ذلك فيكون أربعة وعشرين فهو نصيب الابن فاستقام
التخريج ومتى انفصل الحمل ميتا لا يرث إذا انفصل بنفسه فأما إذا انفصل بسبب فهو من
جملة الورثة وبيانه إذا ضرب انسان بطنها فألقت جنينا ميتا فهذا الجنين من جملة الورثة لان
الشرع أوجب على الضارب الغرم ووجوب الضمان بالجناية على الحي دون الميت فإذا حكمنا
بحياته كان له الميراث وبعد عنه نصيبه كما يورث عنه بدل نفسه وهو العزة والله أعلم بالصواب
فصل في ميراث المفقود
(قال رضي الله عنه وإنما ألحقنا هذا الفصل بما سبق لاستواء حالهما فالمفقود متردد
الحال بين الحياة والموت كالجنين في البطن ثم الأصل فيه أن المفقود يجعل حيا في ماله ميتا في
مال غيره حتى لا يورث عنه ماله ولا يقسم بين ورثته ما لم يعلم موته ولا يعطى له ميراث أحد
من قرابته إذا مات قبل أن يتبين حاله ولكن يوقف نصيب المفقود كما يوقف نصيب الحمل
لان حياته كانت معلومة وما علم ثبوته فالأصل بقاؤه إلا أن الحكم بحياته باعتبار استصحاب
الحال فهو حجة في ابقاء ما كان على ما كان وليس بحجة في اثبات ما لم يكن ثابتا لان ثبوته
لانعدام الدليل المزيل لا لوجود الدليل المنفى فنقول في مال نفسه يجعل حيالا بقاء ما كان علي
ما كان وفى مال غيره لا تثبت حياته لان الحاجة إلى استحقاق الميراث لدفع استصحاب الحال
لا يكفي لذلك ثم اختلفت الروايات أنه متى يحكم بموته فعل ظاهر الرواية قال إذا لم يبق أحد
من أقرانه وفى رواية الحسن عن أبي حنيفة إذا مضى من مولده مائة وعشرون سنة وفى رواية
أخرى مائة سنة وقد بينا هذا في كتاب المفقود ثم إذا وقف نصيبه من ميراث غيره فان
ظهر حيا أخذ ذلك وإن لم يظهر حاله حتى حكم بموته لم يستحق شيئا مما وقف له بمنزلة الحمل إذا
انفصل حيا استحق الميراث وان انفصل ميتا لم يستحق شيئا فإذا مضت مدة يعلم أنه لا يعيش
54

إلى تلك المدة فإنه يحكم موته ويقسم ميراثه بين ورثته وإنما يعتبر من ورثته من يكون باقيا في
هذه الحالة ولا يرثه أحد ممن مات قبل هذا شيئا لأنه إنما يحكم بموته في هذه الحالة وشرط
التوريث بقاء الوارث حيا بعد موت المورث فلهذا لا يرثه الا من كان باقيا من ورثته حين
حكم بموته والله أعلم بالصواب
باب المناسخة
(قال رحمه الله) وإذا مات الرجل ولم تقسم تركته بين ورثته حتى مات بعض ورثته
فالحال لا يخلو اما أن يكون ورثة الميت الثاني ورثة الميت الأول فقط أو يكون في ورثة الميت
الثاني من لم يكن وارثا للميت الأول ثم لا يخلوا اما أن تكون قسمة التركة الثانية وقسمة التركة
الأولى سواء أو تكون قسمة التركة الثانية غير الوجه الذي هو قسمة التركة الأولى ثم لا
يخلو اما أن تستقيم قسمة نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول بين ورثته من غير كسر
أو بكسر فإن كانت ورثة الميت الثاني هم ورثة الميت الأول ولا تغيير في القسمة فإنه يقسم قسمة
واحدة لأنه لا فائدة في تكرار القسمة بيانه إذا مات وترك بنين وبنات ثم مات أحد البنين
أو احدى البنات ولا وارث له سوى الاخوة والأخوات فان قسمة التركة بين الباقين على
صفة واحدة للذكر مثل حظ الأنثيين فيكتفى بقسمة واحدة بينهم وأما إذا كان في ورثة
الميت الثاني من لم يكن وارثا للميت فإنه تقسم تركة الميت الأول أولا ليتبين نصيب الثاني
ثم تقسم تركة الميت الثاني بين ورثته فإن كان يستقيم قسم نصيبه بين ورثته من غير كسر
فلا حاجة إلى الضرب وبيانه فيما إذا ترك ابنا وابنة فلم تقسم التركة بينهما حتى مات الابن
وخلف ابنة وأختا فان تركة الميت الأول تقسم أثلاثا ثم مات الابن عن سهمين وترك ابنة
وأختا فللابنة النصف والباقي للأخت بالعصوبة مستقيم ولا ينكسر وان كأن لا يستقيم قسمة
نصيب الثاني بين ورثته فاما أن يكون بين سهام فريضته موافقة بجزء أو لا يكون بينهما
موافقة فإن كان بينهما موافقة بجزء فإنه يقتصر على الجزء الموافق من سهام فريضته ثم يضرب
سهام فريضة الأول في ذلك الجزء فتصح المسألة من المبلغ ومعرفة نصيب كل واحد من
ورثه الميت الأول أن تضرب نصيبه في الجزء الموافق من فريضة الميت الثاني ومعرفة نصيب
كل واحد من ورثة الميت الثاني أن تضرب نصيبه في الجزء الموافق من فأصيب الميت الثاني
55

من تركة الميت الأول فما بلع فهو نصيبه وإن لم يكن بينهما موافقة بشئ فالسبيل أن تضرب
سهام فريضة الميت الأول في سهام فريضة الميت الثاني فتصح المسألة من المبلغ ومعرفة نصيب
كل واحد من ورثه الميت الأول أن تضرب نصيبه في فريضة الميت الثاني فما بلغ فهو نصيبه
* ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت الثاني أن تضرب نصيبه في نصيب الميت الثاني
من تركة الميت الأول فما بلغ فهو نصيبه وبيانه عند الموافقة أن يخلف الرجل ابنا وابنة ولم
نقسم تركته حتى مات الابن عن ابنة وامرأة وثلاثة بنى ابن ففريضة الميت الأول من ثلاثة
ثم مات الابن عن سهمين وخلف امرأة وابنة وثلاثة بنى ابن فتكون فريضته من ثمانية للمرأة
الثمن سهم وللابنة النصف أربعة والباقي وهو ثلاثة بنى الابن إلا أن قسمة سهمين على ثمانية
لا تستقيم ولكن بين سهمين وثمانية موافقة بالنصف فيقتصر من فريضة الميت الثاني على النصف
وهو أربعة ثم تضرب فريضة الميت الأول وهو ثلاثة في فريضة الميت الثاني وهو أربعة
فيكون اثنى عشر منه تصح المسألة ومعرفة نصيب الابن من فريضة الميت الأول أو تضرب
نصيبه وذلك سهمان في الجزء الموافق من فريضة الميت الثاني وهو أربعة فتكون ثمانية ومعرفة
نصيب الابنة من فريضة الميت الثاني أن تضرب نصيبها وهو أربعة في الجزء الموافق من
نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول وهو سهم فيكون أربعة ومعرفة نصيب المرأة
أن تضرب نصيبها وهو سهم في هذا الجزء الموافق أيضا وهو سهم فيكون لها سهما واحدا
والباقي وهو ثلاثة بين بني الابن لكل واحد منهم سهم وبيان المسألة عند عدم الموافقة أن
نقول رجل مات عن ابن وابنة ولم تقسم تركته حتى مات الابن عن ابن وابنة ففريضة الميت
الأول ثلاثة ثم مات الابن عن سهمين وفريضته أيضا ثلاثة وقسمة سهمين على ثلاثة لا تستقيم
ولا موافقة في شئ فتضرب الفريضة الأولى في الفريضة الثانية وذلك ثلاثة في ثلاثة فتكون
تسعة ومعرفة نصيب الابن انه كان نصيبه من تركة الأول سهمين تضربهما في الفريضة الثانية
وهو ثلاثة فيكون ستة ومعرفة نصيب ابن الميت الثاني أن تضرب نصيبه وذلك سهمان في
نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول وذلك سهمان أيضا فتكون أربعة ومعرفة نصيب
ابنة الميت الثاني أن تضرب نصيبها وذلك سهم في نصيب الميت الثاني من تركة الميت الأول
وذلك سهمان فيكون لها سهمين وللابن أربعة فكذلك أن مات بعض ورثة الميت الثاني قبل
قسمة التركة على ورثته فهو على التقسيمات التي بينا وإن كان في ورثة الميت الثالث من لم يكن
56

وارثا للأولين فالسبيل أن تجعل فريضة الأولين كفريضة واحدة بالطريق الذي قلنا ثم تنظر
إلى نصيب الميت الثالث من تركة الأولين فإن كان يستقيم قسمته بين ورثته من غير كسر
قسمته بينهم وان كأن لا يستقيم نظرت فإن كان بين نصيبه من التركتين وبين فريضته موافقة
بجزء فتقتصر على الجزء الموافق من فريضته ثم تضرب فريضته الأولى والثانية في ذلك الجزء
فتصح المسألة من المبلغ ومعرفة نصيب الميت الثاني من تركة الأولين أن تضرب نصيبه في
الجزء الموافق من سهام فريضته فما بلغ فهو نصيبه ومعرفة نصيب كل واحد من ورثة الميت
الثالث أن تضرب نصيبه في الجزء الموافق من نصيب الميت الثالث من تركة الأولين فما بلغ
فهو نصيبه وإن لم يكن موافقة بشئ ضربت مبلغ الفريضتين في سهام الفريضة الثالثة
فتصح المسألة من المبلغ ومعرفة نصيب الميت الثالث أن تضرب نصيبه في نصيب فريضته فما
بلغ فهو نصيبه من التركتين ومعرفة نصيب كل واحد من ورثته ان تضرب نصيبه في نصيب
الميت الثالث من التركتين فما بلغ فهو نصيبه وبيان هذا ان تقول رجل مات وترك ابنين فلم
تقسم تركته حتى مات أحدهما عن ابنة وعن تركة الميت الأول وهو أخ ثم ماتت الابنة
عن زوج وأم وعن تركة الميت الأول وهو عمها ففريضة الميت الأول من سهمين فإنما مات
أحد الابنين عن سهمين وفريضته من سهمين أيضا للابنة النصف والباقي للأخ وقسمة سهم
على سهمين لا تستقيم فتضرب اثنين في اثنين فتكون أربعة ثم ماتت الابنة عن زوج وأم وعم
فتكون فريضتها من ستة للزوج النصف وللأم الثلث سهمان والباقي للعم وقسمة سهم علي
ستة لا تستقيم ولا موافقة في شئ فتضرب أربعة في ستة فتكون أربعة وعشرين منه تصح
المسألة نصيب الابن من الميت الأول اثنا عشر ومن الميت الثاني ستة فيكون ثمانية عشر
ونصيب الابنة ستة يضرب نصيبها وهو سهم في فريضتها وهو ستة ومعرفة نصيب الزوج
أن يضرب نصيبه وهو ثلاثة في نصيب الميت الثالث من الفريضة الأولى وذلك سهم فيكون
ثلاثة أسهم فللأم سهمان وما بقي وهو سهم فهو للعم وأما عند وجود الموافقة فصورته فيما إذا
ترك امرأة وأما وثلاث أخوات متفرقات فماتت الأم وتركت زوجا وعما ومن تركه الميت
الأول وهما الابنتان فأخت الأول لأب وأم وأخته لام ابنا الميت الثاني وأخته لأبيه أجنبية
عنها ثم لم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأب وأم وتركت زوجا وابنة ومن تركه الميت
الأول والثاني وهما الأخت لأب وأم والأخت لام فالسبيل أن تصحح فريضة الميت الأول
57

فيكون أصله من أنثى عشر للمرأة الربع ثلاثة وللأم السدس سهمان وللأخت لأب وأم النصف
ستة وللأخت لأب السدس سهمان وللأخت لام السدس سهمان فتعول بثلاثة فتكون
القسمة من خمسة عشر ثم ماتت الأم عن سهمين وتركت زوجا وعما وابنتين ففريضتها من
اثني عشر للزوج الربع ثلاثة وللبنتين الثلثان ثمانية والباقي للعم وهو سهم واحد وقسمة سهمين
على اثني عشر لا تستقيم ولكن بينهما موافقة بالنصف فيقتصر على الجزء الموافق وذلك ستة
ثم تضرب الفريضة الأولى وهي خمسة عشر في ستة فتكون تسعين ومعرفة نصيب الأم انه
كان نصيبها سهمين يضرب ذلك في ستة فيكون اثنى عشر بين ورثتها مستقيم ثم ماتت الأخت
لأب وأم تركت زوجا وابنة وأختا لام وأختا لأب ففريضتها من أربعة للزوج الربع سهم
وللابنة النصف سهمان وللأخت لأب الباقي سهم فتكون القسمة من أربعة ثم ننظر إلى نصيبها
من التركتين فنقول كان لها من التركة الأولى ستة ضربناها في ستة فتكون ستة وثلاثين
وكان لها من التركة الثانية أربعه ضربناها في الجزء الموافق من نصيب الأم من تركة الأولى
وهو سهم فكان أربعة فيكون نصيبها من التركتين أربعين وقسمة أربعة علي أربعين تسقيم
ولو مات وترك ابنين وأبوين فمات أحد الابنين عن ابنة ومن تركه الميت الأول وهو أخ
وجد وجدة فنقول فريضة الميت الأول من ستة للأبوين السدسان والباقي وهو أربعة بين
الابنين ثم مات أحد الابنين عن سهمين وخلف ابنا وجدا وجدة وأخا فالفريضة من ستة
للابنة النصف ثلاثة وللجدة السدس سهم والباقي وهو سهمان بين الجد والأخ فالمقاسمة
نصفان في قول زيد وقسمة السهمين على ستة لا تستقيم ولكن بينهما موافقة بالنصف فيقتصر
على النصف وهو ثلاثة ثم تضرب الفريضة الأولى وذلك ستة في ثلاثة فتكون ثمانية عشر منه
تصح المسألة ومعرفة نصيب الميت الثاني أن تأخذ نصيبه من تركه الأول وذلك سهم
تضربه في الجزء الموافق من فريضته وذلك ستة فتكون ستة ومعرفة نصيب ابنته أن تضرب
نصيبها وهو ثلاثة في الجزء الموافق من نصيب الميت الثاني وذلك سهم فيكون ذلك ثلاثة
فهو لها وللجدة سهم والباقي بيني الأخ والجد نصفان بالمقاسمة * رجل مات وترك امرأة وابنتين
له منها وأبوين فماتت احدى الابنتين عن زوج ومن تركه الميت الأول وهو جدها أب أبيها
وجدتها أم أبيها وأختها لأب وأم ففريضة الميت الأول أصلها من أربعة وعشرين وقسمتها
من سبعة وعشرين وهي المنبرية ثم ماتت احدى الابنتين عن ثمانية أسهم وإنما تقسم فريضتها
58

من ستة في الأصل للزوج النصف ثلاثة وللأم الثلث سهمان وللجد السدس سهم وللأخت
النصف ثلاثة تعول بثلاثة فتكون من تسعة ثم ما أصاب الجد والأخت يقسم بينهما أثلاثا
فتضرب تسعة في ثلاثة فتكون سبعة وعشرين منه تصح المسألة ولا موافقة بين سبعة وعشرين
وبين ثمانية في شئ فالسبيل أن تضرب الفريضة الأولى في الفريضة الثانية فتصح المسألة من
المبلغ والطريق في التخريج ما بينا * رجل مات وترك امرأة وأبوين وثلاث أخوات متفرقات
فلم تقسم تركته حتى ماتت الأم وخلفت من خلف الميت الأول فلم تقسم التركة حتى مات
الأب وخلف امرأة ومن خلف الميت الأول فلم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأب وأم
وخلفت زوجا ومن خلفه الأول فلم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأب وخلفت زوجا
وابنتين ومن خلفه الأولون فلم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لام وخلفت زوجا وثلاث بنات
وأبوين فنقول قوله خلفت الأخت لام زوجا وثلاث بنات وأبوين غلط وقع من الكاتب
لأنه ذكر في وضع المسألة ان الامام ماتت أولا فكيف يستقيم قوله بعد ذلك خلفت أبوين
وإنما الصحيح خلفت أبا وزوجا وثلاث بنات ثم وجه التخريج ان فريضة الميت الأول من
اثنى عشر سهما للمرأة الربع ثلاثة وللأم السدس سهمان والباقي وهو سبعة أسهم للأب ولا
شئ للأخوات ثم إن الأم ماتت عن زوج وابنتين فان الأخت لأب وأم والأخت لام
ابنتاها فلهما الثلثان والربع للزوج وأصله من اثنى عشر الا ان بين نصيبها وهو سهمان وبين
سهام فريضتها موافقة بالنصف فيقتصر على النصف وهو ستة ثم تضرب اثنى عشر في ستة
فيكون اثنين وسبعين وكان لها سهمان ضربناه في ستة فيكون اثني عشر للزوج ثلاثة وكان له
من الفريضة الأولى سبعة ضربناها في ستة فيكون اثنين وأربعين فحصل له من التركتين خمسة
وأربعون ثم مات الأب عن امرأة وابنتين وهما الأخت لأب وأم والأخت لأب فتكن
فريضته من أربعة وعشرين لا يستقيم ولكن بينهما موافقة بالثلث فيقتصر على الثلث وهو
ثمانية ثم تضرب اثنين وسبعين في ثمانية فيكون خمسمائة وستة وسبعين وهكذا تغييره في
تركة كل ميت فيعتبر الاقتصاد والضرب إلى أن ينتهى الحساب إلى تسعة وثلاثين ألفا وثلاثمائة
واثنى عشر فمن ذلك تصح المسألة والله أعلم بالصواب
59

باب طلاق المريض
(قال رضي الله عنه) وإنما تنبنى مسائل هذا الباب على من طلق امرأته ثلاثا في مرضه
ثم مات وهي في العدة فإنها ترث بحكم الفرار وقد تقدم بيان هذه المسائل في كتاب الطلاق
والذي زاد هنا ان الفرقة متى وقعت بسبب باشره ابن المريض بأن قبلها بشهوة أو جامعها
وهي مكرهة ثم مات المريض وهي في العدة فإنها ترثه لأنه إذا وقعت الفرقة بايقاع الطلاق
جعلنا النكاح كالقائم بينهما في حكم الميراث باعتبار ان الزوج قصد ابطال حقهما عن ميراثه فرد
عليه قصده ويكون لها الميراث إذا مات الزوج قبل انقضاء العدة فان مات بعد انقضاء العدة
أو كان ذلك قبل الدخول فلا ميراث لها بمنزلة ما لو كان الزوج هو الذي طلقها ولو كان للأب
امرأة أخرى والمسألة بحالها لم ترث هذه المبانة شيئا لأنه لا يتحقق هنا قصد من جهة الابن
فان ميراث النساء يستوى في استحقاقه المرأة الواحدة والثلثان فيبقى جميع ذلك مستحقا عليه
للمرأة الأخرى وان اكتسب سبب الفرقة بين الأب وبين هذه فإذا انتفت التهمة لم تجعل
العدة قائمة مقام النكاح في بقاء ميراثها كما لو كان فعل ذلك في صحة الأب وإن كان من المرأتين
جميعا عن شهوة معا بغير رضاهما فلهما الميراث إذا مات الأب قبل انقضاء عدتها لان تهمة
القصد هنا موجودة ولو وطئ إحداهما ثم الاخر مكرهتين فلا ميراث للأولى وللثانية
الميراث لان القصد منه إلى ابطال ميراث النساء غير موجود حين وطئ الأول وهو
موجود وحين وطئ الثانية ولو وطئها ابن ابنه وهي مكرهة حين وقعت الفرقة بينهما فإن كان
ابنه حيا فلا ميراث للمرأة لان ابن الابن ليس بوارث الجد في هذه الحالة فلا تتحقق منه تهمة
القصد وإن كان أبوه ميتا وكان ابن الابن وارثا فحينئذ لها الميراث لوجود تهمة القصد وكذلك
لو كان الابن فعل ذلك وهو غير وارث بان كان كافرا أو رقيقا لم يكن لها الميراث لان تهمة
القصد هنا لم تتحقق فإن كان وطئتها وهو غير وارث ثم صار وارثا بالسبب الذي كان قائما وقت
الوطئ بان كان رقيقا فعتق أو كافرا فأسلم أو فعله ابن الابن والابن حي ثم مات الابن فإنها ترثه
لان تهمة القصد باعتبار كون المكتسب لسبب الفرقة وارثا والميراث إنما يثبت عند الموت
فيعتبر حالة الموت وإن كان الابن فعل ذلك وهو مجنون أو صبي لم يكن الميراث لان
حكم الفرار باعتبار القصد وذلك على معتبر شرعا وليس للصبي والمجنون قصدا
60

معتبرا شرعا فلا يثبت حكم الفرار بفعلها كما لا يثبت حكم حرمان الميراث بقتل باشره الصبي
والمجنون والله أعلم بالصواب
باب ما يسأل من المتشابه في غير ولاء مجوسي
(قال رضي الله عنه) ولو أن رجلا سئل عن رجل مات وترك خال ابن عمته وعمة
ابن خاله فالسبيل لك أن تقول له خال ابن عمة أخرى وعمة ابن خال آخر غير هذا الأول فان
قال لم يكن له عمة ولا خال غير هذا فقل الميراث بينهما أثلاثا فان خال ابن عمة أبوه وعمة
ابن خاله أمه لان خال ابن عمته هو أخو عمته وأخو عمته أبوه وعمة ابن خاله هي أخت أخي أمه
فهي أمه إذا لم يكن سواهما فلهذا كان للأب الثلثان وللأم الثلث فان سئل عن خال وعم فورث
الخال دون العم فقل ورث الخال لأنه خال أم بسب آخر فان قال لأنه خال فهذا لا يتصور
إلا أن يكون في العم ما يحرمه من رق أو كفر وان قال لا أبين فقل ان الخال هو ابن أخ
الميت وكانت صورة هذه المسألة في أخوين لأب تزوج أحدهما أم أم أخته والنكاح صحيح
لأنه لا قرابة بين هذين فان ولدت له ابنا فهذا الابن ابن أخ الآخر وخاله أخ أمه فإنه
ابن جدته ولكنه ابن أخي الميت وابن الأخ في الميراث بالعصوبة مقدم على العم فان سئلت
عن رجل ورثة سبعة اخوة وأخت المال بالسوية فهذا رجل تزوج امرأة وتزوج أمها ابنه
فولدت منه سبع بنين فصار بنوه اخوة امرأة أبيه ثم مات الرجل وبقي أبوه حيا ثم مات
الأب فإنما مات عن امرأة وسبع بنى ابن فللمرأة الثمن والباقي بين الابن بالسوية وهم اخوتها
لامها فقد ورث لكل واحد منهم ثمن المال بهذا الطريق فان سئلت عن أخوين لأب وأم
ورث أحدهما المال من رجل دون الآخر فقل لعل في الآخر مانعا من رق أو كفر فان
قال لا مانع فقل ان الميت ابن أحدهما أو زوجة أحدهما فهو الذي يرثه دون أخيه فان سئلت
عن أخوين لأب وأم ورث أحدهما ثلاثة أرباع المال والآخر الربع فقل هذه امرأة لها
ابني عم تزوجها أحدهما ثم ماتت فللزوج النصف والباقي بينهما نصفين فحصل للزوج منها ثلاثة
أرباع المال وللآخر الربع فان قال ورث أحدهما الثلثين والآخر الثلث فقل هذه امرأة
لها ابنا عم أحدهما أخوها لامها والآخر زوجها فللأخ لام السدس وللزوج النصف والباقي
بينهما نصفان فتكون القسمة من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأخ لام السدس سهم والباقي
61

وهو سهمان بينهما نصفان فحصل لأحدهما ثلث المال وللآخر الثلثان فان قالوا كانوا ثلاث
اخوة فورث أحدهم الثلثين وورث اثنان منهم سدسا فقل هذه امرأة لها ثلاث بنى عم وهم
اخوة فتزوجها أحدهم ثم ماتت فصار للزوج النصف وما بقي فبينه وبين الاخوة أثلاثا
فصار له الثلثان ولكل واحد منهما السدس * فان سئلت عن رجل وأخوين ورثوا المال للرجل
الثلث ولأحد الأخوين النصف والآخر السدس فقل هذه امرأة لها ابنا عم أحدهما أخوها
لامها والآخر الذي ليس أخاها لامها له أخ لام وليس بابن عم لها وهو زوجها فماتت فصار
لزوجها النصف ولابن العم الذي هو أخوها لامها السدس وما بقي فبين ابني عميها اللذين
أحدهما أخوها لامها نصفين فحصل لأختها لامها الثلث ولابن عمها الآخر السدس وهو
أخ هذه الابنة ولزوجها النصف وهو أخ هذا أيضا لامه فان سئلت عن رجل وأخته ورثا
المال فصار للرجل سبعة أثمان المال ولأخته الثمن فقل هذا رجل تزوج أم امرأة أبيه فولدت
منه غلاما ثم مات الرجل ثم مات أبوه فصار لامرأته الثمن وما بقي فللغلام لأنه ابن وابنه وهو
أخ المرأة لامها * فان سئلت عن رجل وابنة ورثا المال نصفين فقل هذه امرأة تزوجها ابن
عمها وعمها حي ثم ماتت فصار لزوجها النصف وما بقي لأب الزوجة وهو العم * فان سئلت
عن رجل وابنته ورثا المال نصفين فقل هذى امرأة تزوجت ابن عمها فولدت منه ابنة ثم ماتت
المرأة فصار لا بنتها النصف ولزوجها الربع وما بقي فللزوج أيضا لأنه عصبتها * فان سئلت
عن رجل وعمه ورثا المال نصفين فهذا رجل زوج ابنته من ابن أخيه فهو عصبته * فان سئلت
عن رجل وامرأتيه ورثا المال أثلاثا فقل هذا رجل زوج ابنتي ابنيه ابن أخيه ثم مات ولا
وارث له غير هم فصار لا بنتي الا بنين الثلثان وما بقي فلا بن أخيه وهو زوجهما * فان سئلت
عن رجل ورثه ثلاث نسوة المال أثلاثا إحداهن أم الأخرى فقل هذا رجل زوج ابن ابنه
ابنة ابن ابن آخر له فولدت له بنتا ثم مات ابن ابنه فهاتان علي بنتان إحداهما أم الأخرى ثم
مات الرجل وله أخت فصار لهما الثلثان والباقي للأخت بالعصوبة * فان سئلت عن امرأة وابنه
وابن ابنها ورثوا المال ثلاثا فقل هذا رجل زوج ابنة ابنه ابن ابن له آخر فولدت له ابنتان ثم
مات ابن الابن فهاتان الابنتان إحداهما أم الأخرى ثم تزوج ابن أخ له ابنة ابن ابن الميت
فولدت له ابنا ثم مات ابن أخيه ثم مات الرجل وترك ابنتي ابنيه فلهما الثلثان واحدا هما أم
الأخرى وما بقي فلا بن الا بنة لأنه ابن ابن أخيه وهو عصبته * فان سئلت عن رجل ورثه
62

سبعة عشر امرأة ماله بالسوية فقل هذا رجل مات وترك ثمان أخوات لأب وأم وأربع
أخوات لأم وثلاث نسوة وجدتان فللأخوات لأب وأم الثلثان ثمانية من اثنى عشر
وللأخوات لام الثلث وهو أربعة وللنسوة الربع وهو ثلاثة وللجدتين السدس سهمان فتعول
بخمسة فتكون القسمة من سبعة عشر لكل واحدة منهن سهم * فان سئلت عن رجل ترك
عشرين دينارا فورثه امرأة من ذلك دينارا واحدا فقل هذا رجل ترك أختين لأب وأم
وأختين لام وأربع نسوة فللأختين لأب وأم الثلثان ثمانية من اثنى عشر و للأختين لام الثلث
أربعة وللنسوة الربع ثلاثة فتكون القسمة من خمسة عشر للنسوة من ذلك ثلاثة فلا يستقيم
بين أربعة فاضرب خمسة عشر في أربعة فتكون ستين للنسوة من ذلك اثنا عشر لكل واحدة
منهن ثلاثة واثنا عشر من ستين فهو الخمس في الحاصل وخمس عشرين دينارا أربعة دنانير
بينهن لكل واحدة منهن دينار * فان سئلت عن امرأة ورثة أربعة أزواج لها واحدا بعد
آخر صار لها نصف أموالهم جميعا وصار للعصبة النصف فقل هذه امرأة تزوجها أربع اخوة
واحدا بعد واحد وبعضهم ورثة بعض معها وكان جميعا مالهم ثمانية عشر دينارا لأولهم تزوجا
بها ثمانية دنانير وللثاني ستة دنانير وللثالث ثلاثة وللرابع دينار فإنما مات زوجها الأول عن ثمانية دنانير فلها الربع وذلك ديناران وما بقي من اخوته وهم ثلاثة لكل واحد دينار فصار
لصاحب الستة ثمانية ولصاحب الثلاثة خمسة ولصاحب الدينار ثلاثة ثم تزوجها الثاني فمات
عنها فيكون لها الربع ثلاثة وعن أخوين فيكون لها الربع من تركته وذلك ديناران وما بقي
وهو ستة بين أخويه لكل واحد ثلاثة فصار للذي كان له خمسة ثمانية وللذي كان له ثلاثة
ستة ثم تزوجها الثالث فمات عنها وعن أخ فورثته الربع وهو ديناران وصار ما بقي لأخته
وهو ستة فحصل للأخ اثنا عشر دينارا ثم تروج الرابع فمات عنها فيكون لها الربع ثلاثة
والباقي وهو تسعة للعصبة فقد ورثت هي من الثلاثة ستة دنانير من كل واحد دينارين ومن
الرابع ثلاثة فصار لها تسعة وهو نصف مالهم وللعصبة النصف ولو أن رجلا جاء إلى قوم وهم
يقتسمون ميراثا فقال لهم لا تعجلوا بقسمة هذا الميراث فان لي امرأة غائبة فإن كانت حية
ورثة ولم أرث وان كانت ميتة ورثت ولم ترث فهذه امرأة ماتت وتركت أختين لأب
وأم وأما وأخا لأب وهو متزوج بأخت لها لامها فصار للأختين الثلثان وللأم السدس فان
كانت الأخت من الأم حية فلها السدس الباقي ولا شئ للأخ لأب لأنه عصبة ولم يبق من
63

أصحاب الفرائض شئ وان كانت ميتة فالسدس الباقي للأخ لأب لأنه عصبة وهذا الذي جاء
إليهم فقال ما قال إن كانت امرأتي حية ورثت ولم ترث وان كانت ميتة لم أرث أنا ولا
هي فهذه امرأة ماتت وتركت جدها أب أبيها وزوجها وأمها وأخا لها لامها وهو متزوج
أختها لامها فصار للزوج النصف فإن كانت الأخت من الأم حية كان للأم السدس والثلث
الباقي بين الجد والأخ نصفين بالمقاسمة فيرث في هذه الحالة وان كانت الأخت من الأم
ميتة كان للزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وسقط الأخ فلا يرث في هذه الحالة
شيئا لأنه ينقص الجد عن السدس * فان جاءت امرأة وقالت لا تعجلوا بقسمة هذا الميراث
فانى حبلى فان ولدت ولدا حيا ورث معكم غلاما كان أو جارية فان هذا رجل مات أبوه
قبله ولا بيه سرية فمات الرجل بعد ابنه وله امرأة وابنة وعم فقالت سريته لا تعجلوا فأنى
ان ولدت غلاما كان أخا للميت وكان عصبة فكان الباقي له دون العم وكذلك أن ولدت جارية
لأنها أخت الميت لأب والأخت مع الابنة عصبة فكان الباقي لها دون العم فان قالت إن
ولدت غلاما ورث وان ولدت جارية لم ترث فهذا رجل مات أخوه وله سرية حبلى ثم مات
هو وترك ابنتين وعما فقالت سريته لهم ذلك فهي ان ولدت غلاما كان ابن أخ الميت فهو
أولى بالعصوبة من العم وان ولدت جارية كانت ابنة أخ الميت قلا ترث شيئا والباقي للعم
بالعصوبة فان قالت إن ولدت غلاما لم يرث وان ولدت جارية ورثت فهذه امرأة ماتت
عن زوج وأم وأختين لام وسرية ابنها حبلى وهي التي قالت له ذلك فان ولدت جارية كانت
أختا لأب فيكون لها النصف وان ولدت غلاما لم يرث سيأ لأنه عصية ولم يبق من أصحاب
الفرائض شئ فلا شئ له فان قالت إن ولدت غلاما لم يرث وان ولدت جارية لم ترث وان ولدتهما
جميعا ورثا فهذا رجل مات أبوه واه سرية حبلى ثم مات الرجل وترك أمه وأختا لأب وأم
وجد سرية أبيه ان ولدت علاما كان أخا للابن فكان للأم السدس وما بقي بين الجد والأخ
والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين ثم يرد الأخ من الأب على الأخت من الأب والأم ما
في يديه حتى يستكمل النصف ولا يبقي له شئ فان الفريضة من ستة للأم السدس سهم وللجد
اثنان وللأخ من الأب اثنان وللأخت من الأب والأم واحد ثم يرد الأخ ما في يده على الأخت
حتى يسلم لها النصف ثلاثة ويخرج بغير شئ وان ولدت جارية كان للأم السدس وما بقي بين
الجد والأخت من الأب والأم والأخ من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين ثم ردت الأخت
64

من الأب على الأخت من الأب والأم ما في يدها ولم ترث شيئا وان كانت هي ولدت غلاما
وجارية كانت الفريضة من ثمانية عشر سهما للأم السدس ثلاثة وللجد ثلث ما بقي خمسة فان
ذلك خير له من المقاسمة وبقي عشرة للأخت لأب وأم منها كمال النصف تسعة والباقي وهو
سهم بين الأخ والأخت من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين أثلاثا فيرثان جميعا في هذه
الحالة وهذا قول زيد رضي الله عنه فان قالت الحبلى ان ولدت غلاما ورث وورثت وان
ولدت جارية لم أرث ولم فهذا رجل زوج ابن ابنة ابنة ابن ابن له آخر ثم مات
ابن ابنة ابنة وابنة ابن ابنه حبلى من ابن ثم مات الرجل وترك ابنه وعصبة فجاءت
ابنة ابن ابنه هذه فقالت ما قالت فهي ان ولدت جارية لم يكن لها ولا للجارية شئ لان ابنتي
الميت قد أحرزتا الثلثين فريضة البنات فلا شئ لمن دونهما من البنات ولكن الباقي للعصبة
وان ولدت غلاما ورثت هي وهو لأنها ابنة ابن ابن الميت وابنها ابن ابن ابن الميت فتصير
هي عصبة به وكان الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين وان قالت هذه الحبلى ان ولدت
جارية ورثت أنا وهي وان ولدت غلاما لم أرث أنا ولا هو فهذه امرأة تزوج ابن ابنها
ابنة ابن ابنها ثم مات ابن ابنها وابنة ابن ابنها حبلى ثم ماتت المرأة وتركت زوجها وابنتها
أبوبها فجاءت الحبلى وقالت ما قالت فهي ان ولدت غلاما لم يرث هو ولا هي لأن لابنة الميت
النصف ولأبويها السدس وللزوج الربع فقد عالت الفريضة ولم يبق لهما شئ فإنها صارت
عصبة بالذكر في درجتها فإن لم يبق من أصحاب الفرائض شئ فلا شئ للعصبة وان ولدت
جارية كأن لابنة الميت النصف ولهذه مع ابنتها السدس تكملة الثلثين لأنهما ابنتا ابن ابن وللأبوين
السدسان وللزوج الربع فكانت الفريضة من خمسة عشر سهما فان قالت لا تعجلوا فانى حبلى
فان ولدت غلاما حيا وجارية ميتة ورثت أنا والغلام وان ولدت جارية حية وغلاما ميتا لم
يرث واحد منا فهذا رجل له ابنتان وابنة ابن ابن قد تزوجها ابن ابن له آخر ثم مات ابن ابنه
ثم مات الرجل وترك ابنتيه وابنة وابنه وهي حبلى من ابن ابنه فهي ان ولدت غلاما حيا وجارية
ميتة صارت هي عصبة بالغلام فورث الغلام وهي ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين وان ولدت
جارية حية وغلاما ميتا لم يرث واحد منهما شيئا لان الابنتين قد أحرزتا فريضة البنات وكان
الباقي للعصبة والله أعلم بالصواب
65

باب السؤال في بنات الابن والاخوة
(قال رضي الله عنه) قد بينا أكثر مسائل هذا الباب في العويص في ميراث الأولاد
والاخوة والجدات فلا نعيد ههنا شيئا مما ذكرنا وإنما نذكر ما لم نذكره ثمة فنقول رجل ترك
ثلاثة بنات ابن بعضهن أسفل من بعض مع كل واحدة منهن عمة أ وعمة عمها قال رضي الله
عنه اعلم بان أهل الكوفة يجيبون في هذه المسائل بأكثر مما يكون من العدد وأقرب ما يكون
من النسب وأهل المدينة يجيبون فيها بأقل مما يكون من العدد وأقرب ما يكون من النسب
وما ذهب إليه أهل الكوفة رحمهم الله أولى لان فيه تصحيح كلام السائل بأصله ووصفه
وفينا ذهب إليه أهل المدينة ألغى بعض كلام السائل لان ذلك يؤدى إلى العبارة عن شخص
واحد بعبارات وذلك تكرار محض لا فائدة فيه وفيما ذهب إليه أهل الكوفة ألغى صفة
كلامه وهو صفة الوارثة لبعضهم فإنه إذا حمل على أبعد ما يكون من النسب لم يكن وارثا فلهذا
اخترنا طريق أهل الكوفة في ذلك فنقول عمة العليا ابنة الميت وعمة عمتها أخت الميت وعمة
الوسطى درجة العليا وعمة عمتها ابنة الميت أيضا فإنما ترك الميت ابنتين وأختا فللابنتين الثلثان
والباقي للأخت بالعصوبة وعلى ما ذهب إليه أهل المدينة عمة الوسطى هي العليا وعمة عمتها هي
عمه العليا فإنما ترك الميت ابنة وابنة ابن وأخت فللابنة النصف ولابنة الابن السدس والباقي
للأخت فإن كان مع كل واحدة منهن عمها فعم العليا ابن الميت فيكون المال كله له وإن كان
مع كل واحدة منهن عمتها وعمة عمتها وأختها وابنة أختها وجدتها وأمها فلعمة العليا وعمة الوسطى
الثلثان لأنهما ابنتا الميت ولجدة العليا الثمن لأنها امرأة الميت وما بقي فللعليا ولأختها ولابن
أختها ولابنة أختها وللوسطى ولأختها ولعمتها ولعمة السفلي وعمة عمتها بينهم للذكر مثل حظ
الأنثيين لاختلاط الذكور بالإناث في درجة الذكور أو فوقهم فيكونون عصبة فيما بقي ولو أن
رجلا مات وترك ابن ابنته وابنة ابنه مع كل واحدة منهما خال وعم فخال ابن الابنة هو
ابن الميت وكذلك عم ابنة الابن هو ابن الميت فيكون المال بينهما نصفان فإن كان مع كل
واحد منهما خالته وعمته فخالة ابن الابنة ابنة الميت وعمة ابنة الابن كذلك ابنة الميت فلهما
الثلثان والباقي للعصبة فان ترك ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة منهن ثلاثة عمومة
متفرقين فللأخوات فرضهن للأخت لأب وأم النصف وللأخت لأب السدس تكملة الثلثين
66

وللأخت لام السدس والباقي لعم الأخت من الأب والأم لأب وأم ولعم الأخت من الأب
لأب وأم فإنهما عمتا الميت لأبيه وأمه إذا حمل ذلك على أقرب ما يكون من النسب كما هو
اختيار أهل الكوفة فإن كان مع كل واحدة أبوها وأخوها فإنه يحصل في هذا السؤال ان
أبا الميت حي فهو يحرز الميراث دون الاخوة والأخوات فإن كان مع كل واحدة منهن
جدها فإنه يحصل في هذا السؤال أن أب أب الميت حي وقد سبق الكلام في توريث الاخوة
والأخوات مع الجد فان ترك ثلاث عمات متفرقات مع كل واحدة منهن ثلاثة بني اخوة
متفرقين وثلاثة عمومة متفرقين فالمال لابن أخي العمة وأم لابنها وأمها لأنه ابن عم الميت
لأبيه وأمه فهو أقرب العصبات فان ترك أخوين لأب أحدهما لام فالذي لام أخ لأب وأم
فيكون الميراث له دون الآخر فان ترك أخوين لام أحدهما لأب فالذي لأب أخ لأب
فالميراث كله له ولو أن امرأة ماتت وتركت ابني عمها أحدهما أخوها لامها وتركت أخ. ين
لام أحدهما ابن عمها فثلاثة منهم اخوة لام فالثلث بينهم أثلاثا والباقي بين اللذين هما ابنا عم
من هؤلاء الثلاثة وبين الرابع الذي ليس هو أخ لام أثلاثا في قول على وزيد رضي الله عنهما
وقد بينا خلاف ابن مسعود في هذه المسألة فان تركت ابني عمتها إحداهما أختها لامها وأختين
لام إحداهما ابنة عم فإنما تركت ثلاث أخوات لأم فلهن الثلث والباقي للعصبة ولا شئ لبنات
العم فان ترك ابنتي عمه إحداهما امرأته والأخرى أخته لأبيه وثلاثة اخوة لام أحدهم ابن
عم فإنما ترك الميت في الحاصل أختا وثلاثة اخوة لان فلهم الثلث بينهم بالسوية وترك امرأته
فلها الربع وترك ابنة عم وهو أخوه لامه فله فان ترك ابن أخ لان وهو ابن أخت لأب
وخالة وابن عم فالمال لابن الأخ من الأم الذي هو ابن الأخت لأب في قول يعقوب ومحمد
قاساه على قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه يريد به في توريث ذوي الأرحام باعتبار القرابة
وتقديم لا لقرب وقد بينا هذا في باب ذوي الأرحام وما ذكره بعده من الجدتين من جهتين
أو الجدة قد بيناه في باب الجدات والله أعلم بالصواب
باب من متشابه النسب
(قال رضي الله عنه) ولو أن رجلين ليست بينهما قرابة تزوج كل واحد منهما أم
الآخر فولدت كل واحدة منهما غلاما فقرابة ما بين الغلامين ان كل واحد منهما عم الآخر
67

لامه ولا يرث واحد منهما من صاحبة شيئا ان مات وله عصبة وان تزوج كل واحد منهما
ابنة الآخر والمسألة بحالها فقرابة ما بين الغلامين ان كل واحد منهما ابن خال الآخر قلا يرث
مع أحد من العصبات فان تزوج أحدهما أم الآخر وتزوج الآخر ابنته فولد لكل واحد
منهما غلام فقرابة ما بينهما ابن التزوج بالأم خال ابن الذي تزوج الابنة وعمه وابن الذي
تزوج الابنة ابن أخت الذي تزوج الأم وابن أخيه لامه فلا يرث واحد منهما من صاحبه
شيئا لان العم لام وابن الأخ لام من جملة ذوي الأرحام فلا يرثون مع أحد من العصبات
ولو أن رجلا تزوج امرأة وزج ابنتها من ابنه فولد لكل واحد منهما غلام فقرابة ما بين
الغلامين ان أب الذي تزوج الأم عم ابن الابن الذي تزوج الابنة وخاله وابن الابن ابن أخ
الأب وابن أخته فأيهما مات ورث صاحبه هنا من قبل العم من الأب عصبته وكذلك ابن
الأخ لأب عصبة فإذا كان كل واحد منهما عصبة صاحبه من أحد الوجهين كان وارثا له فان
تزوج الأب الابنة وتزوج الابن الأم فولدت كل واحدة منهما غلاما فقرابة ما بين الولدين ان
ابن الأب عم ابن الابن وابن أخته وابن الابن خال ابن الأب وابن أخته فأيهما مات ورثه
صاحبه بالعصوبة وفيه حكاية عبد الملك بن مروان رحمه الله فإنه جلس يوما للمظالم فقام رجل
فقال إني تزوجت امرأة وزوجت أمها ابني فمر بعطائي فقال لو كان علي عكس هذا كان أولى
وانى أسألك عن مسألة فان أحسنت جوابها أمرت بعطائك وإن لم تحسن جوابها لا أعطيك
شيئا فقال هات فقال إن ولد لك غلام ولابنك غلام فأي قرابة تكون بين الغلامين فلم يحسن
الرجل الجواب وقال سل القاضي الذي وليته ما وراء مجلسك فان أحسن الجواب فاصرف
عطائي إليه والا فاعذرني فلم يحسن القاضي ولا أحد من القوم الا رجل في أخريات الناس
فقام فقال إن أجبت فأحسنت هل تقضى حاجتي قال نعم فأجاب كما ذكرنا فاستحسن جوابه
وقال لله در هذا العام ما حاجتك فقال إن عاملك أسقط حرما من كلام الله تعالى قال وما
ذاك قال إن الله تعالى يقول خذ من أموالهم صدقة فهو يسقط حرف من فيأخذ أموالنا
قال هذا أحسن من الأول وعزل ذلك العامل والله أعلم بالصواب
فصل فيما يسأل عنه من المحال الذي لا يكون
(قال رضي الله عنه) ولو أن رجلا سأل عن رجل مات وترك والديه وما ولدا فهذا
68

لا يكون لان ما ولدا هو الميت فكيف يترك الميت نفسه إلا أن يقول وما ولدا سواه فان
سئل عن أم وأبوين فهو محال لان الأم أحد الأبوين فان سئل عن امرأة وأبوين وزوج
فهذا محال لان الميت اما رجل له امرأة أو امرأة لها زوج ولا يتصور ميت ترك زوجا
وامرأة فان سئل عن ابني عم أحدهما أخ لأب فهذا لا يكون لان ابن عم الرجل لا يكون
أخاه لأبيه فان سئل عن ابني عم أحدهما ابن أخ لأب أو لأب وأم فهذا لا يكون أيضا لان
ابن العم لا يكون ابن الأخ بحال فان سئل عمن ترك ابنته وأبوي ابنته فهذا محال لان الميت
أحد أبوى البنت فان سئل عن عم لأب هو أخ لأب فهذا لا يكون لان العم هو جد الميت
فليس له أن يتزوج امرأة ابن أبيه فان سئل عمن مات وترك عم ابن أخيه ولم يكن لابن
أخيه عم فهذا لا يكون لان الميت هو ابن أخ عمه وما ذكرناه يهديك إلى ما يكون من هذا
الجنس والله أعلم بالصواب
باب اقرار الرجل بالنسب
(قال رضي الله عنه) وإذا كان الرجل ذا قرابة أو وارث معروف لم يجز اقراره الا بأربعة نفر الولد
والولد والمرأة ومولى العتاقة ولا يجوز اقرار المرأة الا بثلاث الزوج والوالد والمولى لان اقرار
المرأة على نفسها حجة وعلى غيرها ليس بحجة فالرجل بالاقرار بالأب يلزم نفسه بالانتساب إليه
لأنه يجب على الولد أن ينسب إلى أبيه شرعا قال عليه السلام من انتسب إلى غير أبيه أو انتمى
إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وكذلك
ان أقر بمولى العتاقة فإنما يقر على نفسه بوجوب الانتساب إلى المولى وكذلك إذا أقر بالمرأة
فإنه يقر لها على نفسه بحقوق النكاح وكذلك إذا أقر بابن فإنما يقر على نفسه لان الأب يحمل
نسب الولد على نفسه وكذلك إذا أقر بمولى العتاقة الأسفل لان الولاء بمنزلة النسب فإذا كان
يحمله على نفسه كان مقبول القول في ذلك إذا صدقه صاحبه في جميع هذه الفصول الا في الولد
إذا كان صغيرا في يده أو كان مملوكا لا يحتاج إلى التصديق والمرأة في الاقرار بالأب والزوج
ومولى العتاقة إنما تقر على نفسها أيضا والأبوية لا تمنع صحة اقرارها فإذا أقرت بابن فإنما أقرت
به على غيرها لان نسب الولد يثبت باعتبار الفراش فإنما يثبت من صاحب الفراش أولا وهو
الزوج واقرارها ليس بحجة على الزوج يوضحه انه مع قيام النكاح بينها وبين هذا الزوج
69

لا يتحقق بسبب صحيح بينها وبين غيره يثبت به نسب ولدها من ذلك الغير دون هذا الزوج
وفى جانب الرجل يتحقق بسبب صحيح للنسب بينه وبين امرأة أخرى سوى المعروفة
بالنكاح أو الملك يوضحه ان النسب يثبت من الرجل باعتبار الاعلاق حقيقة وذلك لا يقف
عليه غيره فلا بد من قوله في ذلك وأما النسب من المرأة إنما يثبت باعتبار الولادة وهو
ظاهر يقف عليه غيرها وهي القابلة فلا يجعل مجرد قولها في ذلك حجة وسواء كان هذا
الاقرار في صحة أو مرض لان حالة المرض إنما تخالف حالة الصحة باعتبار تعلق حق الغرماء
والورثة بالتركة فما لا يتعلق به حق الغرماء والورثة كان الاقرار به في الصحة والمرض سواء
والنسب والنكاح والولاء لا يتعلق به حق الغرماء والورثة فإن كان للمقر أب معروف أو
مولى عتاقة معروف لم يجز اقراره بأب آخر ولا بمولى آخر لثبوت حق الأول ولأنه مكذب
في هذا الاقرار شرعا فلا يكون ذلك دون تكذيب المقر له وكذلك لا يجوز اقرار المرأة
بزوج ولها زوج معروف لان المقر له حق الغير وانها مكذبة في هذا الاقرار شرعا بخلاف
الرجل يقر بامرأة وله امرأة معروفة فإنه غير مكذب في هذا الاقرار شرعا ولأنه لاحق له
فيما أقر به (ألا ترى) انها لا تملك ذلك بطريق الانشاء ولا يجوز اقرار واحد منهما بمن
سوى هؤلاء من ابن ابن أو جد أو أخ لأنه يقر على الغير فان نسب النافلة لا يثبت منه
الا بواسطة الأب فكان اقرارا منه على أبيه وكذلك أحد الأخوين لا ينسب إلى صاحبه
الا بواسطة الأب فكان اقرارا منه على ابنه وكذلك الجد فان جمع في الاقرار بين من يجوز
اقراره به ومن لا يجوز اقراره به كان المال لمن جاز اقراره به إن كان ممن يرث جميع المال في حال
انفراده نحو ما إذا أقر بابن وابنة ابن فالمال كله للابن بالفرض والفرد لان اقراره بنسبه صحيح
فيكون ثبوت نسبه باقراره كثبوته بالبينة وإن كان ممن لا يرث جميعه مثل الزوج والزوجة
كان له حظه كاملا والباقي بين الأخوين اللذين لا يثبت نسبهما باقراره على حسابهما لو كانا
معروفين ولم يترك لهما الا باقي المال * بيانه فيما إذا أقر بامرأة وابنة ابن وأخت فللمرأة الربع
كاملا والباقي بين ابنة الابن والأخت على سبعة لابنة الابن أربعة وللأخت ثلاثة لان اقرار
فريضتهما من ثمانية إلا أنه لم يصدق في ادخال النقصان على المرأة فأخذت الربع كاملا وهو
مصدق في حق الآخرين فتضرب ابنة الابن بنصيبها أربعة والأخت بثلاثة * ولو أقر
بابنتي ابن والمسألة بحالها فالباقي بين ابنتي الابن والأخت على أحد وعشرين سهما لان في زعمه
70

أن الفريضة على أربعة وعشرين لابنتي الابن الثلثان ستة عشر وللمرأة الثمن ثلاثة وللأخت
ما بقي وهو خمسة فلم يصدق في حق المرأة وأخذت الربع كاملا فتضرب ابنتا الابن في
الباقي بستة عشر سهما والأخت وان تصادق بعضهم فيما بينهم يجمع نصيب المتصادقين فاقتسموها
على حساب ما تصادقوا عليه لان الثابت فيما بينهم بتصادقهم كالثابت بالبينة أو أقوى منه
فإذا مات الرجل وأقر بعض ورثته بوارث وأنكره الآخرون دخل معه في نصيبه فاقتسماه
على سهامهما نحو ما إذا ترك ابنا فأقر بأخ له فإنه لا يثبت نسبه ولكنه يأخذ نصف ما في
يد المقر الا في رواية عن أبي يوسف أنه يثبت نسبه وقد بينا المسألة في العين والدين فلو ترك
ابنين فأقر أحدهما بأخ له فإنه يعطيه نصف ما في يده لإقراره أن حقهما في التركة سواء
وإن لم يقر بأخ ولكنه أقر بابنة لأبيه فإنه يعطيها ثلث ما في يده لإقراره أن حقها مثل نصف
حقه فإن لم يقر بذلك ولكنه أقر بامرأة لأبيه فإنه يقاسمها ما في يده على تسعة لها سهمان
وله سبعة لأنه يزعم أن الفريضة من ستة عشر سهما للمرأة سهمان وله سبعة ولأخيه سبعة
وكذا لو أقر مقر منهم بوارث آخر فإنه يجمع جميع ما في أيدي المقرين فيقسم بينهم وبين
المقرين له على مقدار حقهم وذلك بأن تصحح الفريضة لو كان المقر به ثابتا في الأصل ثم يضرب
كل واحد منهم بنصيبه بيانه فيما إذا ترك ابنين وابنتين فأقر أحد الابنين بأخ فإنهما يقاسمانه
جميعا ما في أيديها على خمسة للأخ المقر سهمان وللأخت المقرة سهم وللأخ المقر به سهمان
لأنهما زعما أن الفريضة من ثمانية لكل أخ سهمان ولكل أخت سهم فما وصل إليهما يقسم
بينهما وبين المقر به باعتبار زعمهم وفى المسائل التي تخرج على الأصول التي بيناها كثرة ولكن
بالقدر الذي بينا يتيسر تخريج الكل عند التأمل والله أعلم بالصواب
باب اقرار الورثة بوارث بعد وارث
(قال رضي الله عنه) وإذا أقر بوارث معه وأعطاه نصيبه بقضاء قاض ثم أقر بوارث
آخر ولم يصدق الأول قاسمه ما بقي في يده على حساب نصيبهما إلا أن يصدقه الأول لان
الأول قد استحق نصيبه بالاقرار السابق منه فكما لا يملك ابطال حقه بالرجوع عن الاقرار
فكذلك لا يملك اثبات الشركة للغير معه فيما صار مستحقا له ويجعل ثبوت الاستحقاق
للأول باقراره في حقه كثبوته بالبينة أو يكون نسبه معروفا ولا يكون اقراره للغير بعد ذلك
71

حجة عليه الا باعتبار تصديق يكون منه ولا ضمان عليه في شئ مما دفعه إلى الأول لأنه بمجرد
الاقرار للأول ما أتلف على الثاني شيئا والدفع كان بقضاء القاضي فلا يكون موجبا للضمان
عليه ولكن يجعل ذلك القدر في حكم التاوي فكان جميع المال مقدار ما بقي في يده فيقاسمه
المقر له الآخر على حساب نصيبهما وبيانه لو أن رجلا مات وترك ابنين ثم أقر أحدهما بأخ
فإنه يعطيه نصف ما بقي في يديه أيضا بخلاف ما لو أقر أحد الابنين بأخوين معا أو بواحد بعد
واحد بكلام متصل فإنهما يأخذان ثلثي ما في يده لأنه إذا أقر بهما فقد زعم أن حق كل واحد
منهما مثل حقه وكذلك أن أقر أحدهما بعد الاخر في كلام موصول لان في آخر كلامه
ما يغير حكم أوله فيتوقف أوله على آخره فاما إذا فصل بين الكلامين فقد استحق الأول
نصف ما في يده بتقدم الاقرار له فلا يكون اقراره بعد ذلك حجة على الأول في ادخال شئ
من النقصان عليه فان أقر بهما معا فأعطاهما ثلثي ما في يديه بقضاء ثم أقر بأخ أعطاه نصف ما بقي
في يديه لان ما أخده الأولاون في حكم التاوي كما بينا ولو ترك أبنين وأقر أحدهما بأخ وأعطاه
نصف ما في يديه بقضاء قاض ثم أقر بامرأة أعطاها عشر ما بقي في يده لأنه بزعم أن الميت
ترك امرأة وثلاثة بنين فتكون القسمة من أربعة وعشرين للمرأة ثلاثة ولكل ابن سبعة
والأصل في جميع هذه المسائل أن المقر به أولا يجعل معتبرا في المقاسمة مع المقر به آخرا أو
المقر به آخرا لا يعتبر في المقاسمة مع المقر به أولا لأنه حين أقر بالثاني فحق المقر به الأول
ثابت بتقديم الاقرار له فيكون ذلك كالثابت بالبينة وحين أقر بالأول لم يكن حق المقر به الثاني
ثابتا فلا يكون هو معتبرا في المقاسمة مع الأول * ولو ترك ابنة وعصبة فأقرت الابنة بامرأة
فإنها تعطيها خمس ما في يدها لأنها زعمت أن الفريضة من ثمانية لها سهم وللابنة أربعة
فكل واحد منهما يضرب فيما في يد الابنة بحقها فلهذا أخذت خمس ما في يدها فان أعطتها
ذلك بقضاء قاض ثم أقرت بامرأة أخرى أعطتها سهما من تسعة أسهم مما بقي في يدها لأنها
زعمت أن للميت امرأتين وان القسمة من ستة عشر للمرأتين سهمان لكل واحدة سهم
ولها ثمانية فتعطيها سهما من تسعة فان أعطت ذلك بقضاء قاض ثم أقرت بامرأة أخرى أعطتها
سهما من ثلاثة عشر سهما مما بقي في يدها لأنها زعمت أن للميتة ثلاث نسوة وان القسمة
من أربعة وعشرين للنسوة ثلاثة لكل واحدة سهم ولها اثنا عشر فتعطيها سهما من ثلاثة عشر
بهذا الطريق فان أعطتها ذلك بقضاء قاض ثم أقرت بامرأة أخرى أعطتها سهما من سبعة عشر
72

سهما مما بقي في يدها لأنها زعمت أن للميت أربع نسوة وان القسمة من اثنين وثلاثين
للنسوة الثمن أربعة لكل واحدة سهم ولها النصف ستة عشر فهي تضرب فيما بقي في يدها
بستة عشر والمرأة بسهم فلهذا أعطتها سهما من سبعة عشر * ولو ترك أخا فأقر الأخ بابنة للميت
أعطاها نصف ما في يده لأنه زعم أن الميت خلف ابنة وأخا فيكون المال بينهما نصفين فان
أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بابنة أخرى أعطاها نصف ما في يده أيضا لأنه يزعم أن الميت خلف
ابنتين وأخا فيكون للابنتين الثلثان وللأخ ما بقي فحق الثانية بزعمه مثل حقه فلهذا يعطيها
نصف ما في يده فان أعطاها مثل ذلك ثم أقر بابنة أخرى أعطاها خمسي ما في يده لان للميت
بزعمه ثلاث بنات وأخا فتكون القسمة من تسعة للبنات الثلثان ستة بينهن لكل واحدة
سهمان والباقي وهو ثلاثة للأخ فيضرب الأخ فيما بقي في يده بثلاثة وهي بسهمين فلهذا يعطيها
خمسي ما في يده فان أعطى ذلك بقضاء ثم أقر بابنة أخرى أعطاها ثلث ما في يده لان للميت
بزعمه أربع بنات وأخا فللبنات الثلثان أربعة من ستة لكل واحدة سهم والباقي للأخ فهو يضرب
في الباقي بسهم والأخ بسهمين فلهذا يعطيها ثلث ما في يده ولو أقر الأخ أولا بابنة وأعطاها
نصف ما في يده بقضاء ثم أقر بابنة ابن فإنه يعطيها ثلث ما في يده لان للميت بزعمه ابنة وابنة
ابن وأخا فللابنة النصف ثلاثة ولابنة الابن سهم والباقي وهو سهمان للأخ فبهذا الطريق
يعطيها ثلث ما بقي فان أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بابنة ابن أسفل منها فلا شئ لها لأنه ما أقر
لها بشئ من المال فان مع الابنة وابن الابن لا ترث ابنة ابن الابن شيئا والثابت باقراره
لا يكون أقوى من الثابت بالبينة ولو أقر الأخ أولا بابنة ابن ابن فأعطاها نصف ما في يده
بقضاء ثم أقر بابنة ابن أعطاها ثلاثة أخماس ما بقي في يده لأنه يزعم أن الميت ترك ابنة وابن وابنة
ابن ابن وأخا فلابنة الابن النصف ثلاثة ولابنة ابن الابن السدس والباقي وهو سهمان للأخ
فتضرب هي في فيما بقي يدها بثلاثة وهو بسهمين فلهذا يعطيها ثلاثة أخماس ما بقي في يده فان
أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بابنة للميت أعطاها أيضا ثلاثة أخماس ما بقي في يده لأنه زعم أن لها
النصف ثلاثة ولابنة الابن السدس والباقي للأخ فبهذا الطريق يعطيها ثلاثة أخماس ما بقي في
يده ولو لم يقر من ذلك بشئ ولكنه أقر بابن ابن فإنه يعطيه جميع ما في يده لان الميت بزعمه
ترك ابن ابن وأخا فالمال كله لابن الابن وزعمه معتبر فيما في يده فان أعطاها ذلك بقضاء
القاضي ثم أقر بابن الميت فلا ضمان على الأخ لأنه دفعه بقضاء القاضي ولا يدخل الابن مع
73

ابن الابن فيما في يده لان اقرار الأخ ليس حجة عليه ولو أقر الأخ بامرأة للميت فدفع إليها
ربع ما في يده بقضاء ثم أقر بامرأة أخرى أخذت سبع ما في يده لان الميت بزعمه خلف
امرأتين وأخا فتكون القسمة من ثمانية لكل امرأة سهم وللأخ ستة فلهذا يعطيها سبع ما في
يده فان أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بامرأة أخرى أعطاها عشر ما في يده لان الميت بزعمه
ثلاث نسوة والقسمة من اثنى عشر لكل واحدة سهم وللأخ تسعة فان أعطاها العشر بقضاء
ثم أقر بامرأة أخرى فإنها تأخذ منه سهما من ثلاثة عشر مما بقي في يده لان للميت بزعمه
أربع نسوة والقسمة من ستة عشر للنسوة الربع أربعة لكل واحدة سهم والباقي وهو اثنا
عشر للأخ ولو ترك ابنين فأقر أحدهما بامرأة للميت وأعطاها تسعى ما في يده بقضاء ثم أقر
بامرأة أخرى فإنه يعطيها ثمن ما بقي في يده لان للميت بزعمه ابنين وامرأتين فتكون القسمة
من ستة عشر لكل امرأة سهم ولكل ابن سبعة فان أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بامرأة أخرى
أعطاها سهمين من ثلاثة وعشرين سهما مما بقي في يده لأنه يزعم أن للميت ابنين وثلاث
نسوة فيكون أصل أفريضة من ثمانية للنسوة سهم بينهن أثلاثا لا يستقيم والباقي وهو سبعة
بين الابنين لا يستقيم فيضرب ثلاثة في اثنين فيكون ستة ثم يضرب ثمانية في ستة فيكون
ثمانية وأربعين للنسوة ستة بينهن لكل واحدة سهمان ولكل ابن أحد وعشرون فبهذا
الطريق يعطيها مما بقي في يده سهمين من ثلاثة وعشرين فان أعطاها ذلك بقضاء ثم أقر بامرأة
أخرى أعطاها جزأ من خمسة عشر جزأ مما في يده لان للميت بزعمه أربع نسوة والثمن بينهن
أرباعا لا يستقيم والباقي وهو تسعة بين الابنين لا يستقيم إلا أن أربعة تجزى عن سهمين
فيضرب ثمانية في أربعة فيكون اثنين وثلاثين للنسوة الثمن أربعة لكل واحدة سهم ولكل
ابن أربعة عشر فبهذا الطريق يعطيها مما بقي في يده جزأ من خمسة عشر جزأ وإذا دفع إلى المقر
به الأول بغير قضاء قاض ثم أقر بوارث آخر ضمن له جميع نصيبه من الأصل من حصته
دون حصة الباقين من الورثة لان فيما أخذه سائر الورثة لم يوجد منه صنع يوجب الضمان
وفيما دفعه إلى المقر به بغير قضاء القاضي قد وجد منه الصنع الموجب للضمان وهو الدفع
باختياره وهو باقراره الثاني زعم أنه استهلك ذلك بالدفع إلى الأول باختياره فيجعل محسوبا
عليه في حق الثاني ويكون بمنزلة القائم في يده وبيانه لو ترك ابنا فأقر بابن آخر فأعطاه نصف
ما في يده بغير قضاء ثم أقر بآخر فإنه يعطيه ثلثي ما بقي في يده لأنه زعم أن حق الثاني في
74

ثلث جميع التركة والباقي في يده نصف التركة فيعطيه ثلثي ذلك النصف وهو جميع نصيبه
بزعمه فان أعطاه بغير قضاء ثم أقر بابن آخر فإنه يعطيه ربع جميع المال لان في زعمه ان للميت
أربع بنين والباقي في يده سدس المال فيعطيه ذلك ويغرم له نصف السدس من مال نفسه
فان دفع إليه بغير قضاء ثم أقر باخر فإنه يغرم له خمس جميع المال من مال نفسه باعتبار زعمه
ولو ترك ابنين فأقر أحدهما بأخ وأعطاه نصف ما في يده بغير قضاء ثم أقر بآخر أعطاه ثلث
جميع ما كان في يده لأنه غير ضامن شيئا مما أخذه الابن المعروف لأنه أخذه بنسب له معروف
وهو ضامن في حق الثاني ما دفعه إلى الأول زيادة على حقه بزعمه لأنه دفعه بغير قضاء فيجعل
ذلك كالقائم في يده فيغرم للآخر جميع نصيبه مما كان في يده بزعمه وهو ثلث ما في يده فان
أعطاه ذلك بغير قضاء ثم أقر بأخ آخر فإنه يعطيه ربع جميع ما كان في يده وهو ثمن جميع المال
لما بينا ان ما دفع إلى الأول والثاني بغير قضاء زيادة على حقهما يجعل كالقائم في يده ولو ترك
أخا فأقر بأخ آخر وأعطاه نصف ما في يده بغير قضاء ثم أقر بابن للميت فإنه يعطيه جميع ما
بقي في يده ويغرم له أيضا جميع ما أعطى الأخ لأنه زعم أن جميع المال للابن وانه مستهلك بعض
المال بدفعه إلى الأخ باختياره ولو ترك عما فأقر العم بأخ للميت وأعطاه المال بغير قضاء ثم أقر
بابن للميت غرم له مثل جميع المال لأنه زعم أنه أعطى للأول ما ليس له فان أعطاه ذلك بغير
قضاء ثم أقر بابن ابن لم يغرم له شيئا لأنه بعد الاقرار بالابن لا يكون هو مقرا بشئ من المال
لابن الابن بمنزلة ما لو كانا معروفين ولو ترك أخا فأقر الأخ بابن ابن وأعطاه جميع ما في يده
بغيير قضاء ثم أقر بابن وغرم له مثل جميع المال ودفع ذلك بغير قضاء ثم أقر بابن آخر فإنه يغرم
للابن الثاني مثل نصف جميع المال فإنه مستهلك عليه نصف المال بالدفع إلى الابن الأول
باختياره فان دفع ذلك بغير قضاء ثم أقر بامرأة للميت فإنه يغرم مثل ثمن جميع المال باعتباره
زعمه في حقه فان أعطاها بغير قضاء ثم أقر بأم للميت فإنه يعطيها مثل سدس جميع المال
باعتبار اقراره ان ذلك حقها وانه دفعه إلى غيرها باختياره ولو ترك أخا فأقر الأخ بأخ آخر
وأعطاه نصف ما في يده بغير قضاء ثم أقر بأخ آخر وأعطاه ثلث جميع المال بقضاء ثم أقر بأخ
آخر فإنه يعطيه سدس المال وثلث سدس المال لان ما دفع إلى الثاني بقضاء القاضي وهو ثلث
المال لا يكون ذلك مضمونا عليه فيجعل ذلك كالتاوي يبقي ثلثا المال وفى زعمه ان ذلك بينه
وبين الأول والثاني أثلاثا وانه دفع إلى الأول زيادة على حقه بغير قضاء فيجعل ذلك كالقائم
75

في يده فيعطى الثالث كمال حقه وذلك سدس وثلث سدس وفى يده سدس فيعطيه ذلك ويغرم
له ثلث سدس ذلك من ماله فان أعطاه ذلك بقضاء ثم أقر بابن للميت فإنه يغرم له نصف المال
الذي دفع إلى الأول بغير قضاء قاض لأنه دفع ذلك باختياره وزعم أنه دفع إلى من ليس له ولا
يغرم النصف الآخر لأنه دفعه إلى الثاني والثالث بقضاء القاضي وإذا أقر بعض الورثة بوارثين
فصدقه واحد من الورثة في أحدهما فان أبا يوسف رحمه الله قال ينظر في نصيب الذي اجتمعا
عليه من حصة المقر بهما لو كان أقر بهما فيعطى ذلك مما في يد المقر بهما فيضمه إلى ما في يد
الذي صدق به ويقتسمانه على قدر نصيبهما في الأصل ويقسم الباقي في يد المقر بهما بينه وبين
الآخر على حساب نصيبهما في الأصل لو كانا معروفين وزعم أن هذا الأصل هو قياس
قول أبي حنيفة رحمه الله باعتبار ان حق المقر بهما بجعل كان الآخر صدقه فيهما وفى
حق المجحود بجعل كان الآخر كذبه فيهما وبيان هذا الأصل من المسائل ان رجلا مات
وترك فأقر أحدهما بأخوين معا وصدقة الآخر في أحدهما فان المتفق عليه يأخذ من المقر بهما
ربع ما في يدهما لان الآخر لو صدقه فيهما لكان يأخذ منه ربع ما في يده فان زعم أن حق كل
واحد منهما في ربع التركة وفى يده جزء من التركة فإذا أخذ منه ذلك ضمه إلى ما في يد
المصدق فيقتسمانه نصفين وما بقي في يد المقر بهما بينه وبين المجحود نصفين باعتبار زعمهما
وأما عند محمد فالمتفق عليه يأخذ من المقر بهما خمس ما في يدهما لأنه يقول أنا قد أقررت بان
حقك في سهم وحقي في سهم وحق المجحود في سهم الا ان أخي حين صدق بك فقد
يحمل عنى نصف مؤونته فإنما بقي حقك فيما في يدي في نصف سهم وحق المجحود في سهم
فيضعفه للكسر بالانصاف فلهذا يأخذ منه خمس ما في يده ثم التخريج بعد ذلك كما قاله أبو
يوسف وقد قدم هذه المسألة في كتاب الاقرار وادعاها ليبنى عليها أخواتها فقال لو ترك ابنين
فأقر أحدهما بأخ وأخت معا وصدقه الآخر في الأخت وكذبه في الأخ فان الأخت تأخذ
من المقر بهما سبع ما في يده في قول أبى يوسف لأنه يزعم أن الميت خلف ثلاث بنين وابنة
وأن القسمة من سبعة للأخت السبع من التركة فيعطيها سبع ما في يده فيضمه إلى ما في يد
المصدق بها ويقاسمه للذكر مثل حظ الأنثيين باعتبار تصادقهما وما بقي في يد المقر بهما
بينه وبين المجحود نصفان وقال محمد الأخت تأخذ تسع ما في يد المقر بهما لأنه يزعم أن
الميت خلف ثلاث بنين وابنة وان حق الابنة في سهم وحقه في سهمين وحق المجحود في
76

سهمين إلا أن السهم الذي هو لها نصفه في يد المصدق وقد أقر بها فذلك يصل إليها من جهته
فإنما تضرب هي فيما في يده بنصف سهم وهما بأربعة فانكسر بالانصاف فأضعف الحساب
فيكون تسعة فلهذا أخذت تسع ما في يده ثم التخريج كما قال أبو يوسف ولو أقر أحدهما بأخ
فلم يعطه شيئا حتى أقر بابن آخر وصدقه الابن المعروف في الآخر أخذ المقر به الأول نصف
ما في يده لما بينا أن اقراره للثاني في كلام مفصول غير معتبر في حق الأول فيأ خذ منه نصف
ما في يده لهذا ويأخذ الآخر خمس ما في يده لأنه أقر له بسهم أيضا لكن الابن الآخر حين
صدقه فيه فقد يحمل عنه نصف مؤنته فإنما يضرب هو فيما في يده بنصف سهم فلهذا يأخذ
الاخر منه خمس ما في يده بنصف سهم فلهذا يأخذ الآخر منه خمس ما في يده ويضمه إلى ما في يد المصدق فيقتسمانه نصفين ولو كان الأخ
صدقه في المقر به الأول وكذبه في الآخر فان المقر به الأول يأخذ من المقر ثلث ما في يده
لان في زعمه حين أقر به أولا أن حقه وفى ثلث التركة ولكن بعض التركة في يد الآخر
وهو مصدق به فذلك يصل إليه من جهته فلهذا يأخذ مما في يده مقدار ما أقر له به وهو
الثلث فيضمه إلى ما في يد المصدق به فيقتسمانه نصفين لتصادقهما وما بقي في يد المقر بهما
بينه وبين الآخر لاعتبار اقراره في حقه * ولو ترك ابنين فأقر أحدهما بأخ وأعطاه نصف
ما في يده بقضاء قاض ثم أقر بعد ذلك بأخت فان الأخت تأخذ ربع ما في يد المقر بالأول
لان المقر بالأول إنما أقر لها بسبع المال فان للميت بزعمه ثلاث بنين وابنة فتكون القسمة من
سبعة لها سبع التركة في يده جزء من التركة فلها سبع ذلك والباقي بين المقر والمقر به الأول
نصفان لكل واحد منهما ثلاثة وقد أخذ الأول زيادة على حقه بقضاء القاضي فيجعل ذلك كالتاوي
فتضرب الأخت فيما في يد المقر بسهم والمقر بثلاثة فلهذا أخذت ربع ما في يده وضمته إلى ما في
يد الذي صدق بها فاقتسماه للذكر مثل حظ الأنثيين لتصادقهما على أن حقهما في التركة مثل
نصف حقه ولو ترك ابنين فأقر أحدهما بامرأتين لأبيه معا وصدقه الاخر في إحديهما فان
المتفق عليها تأخذ المقر بهما نصف ثمن ما في يده لان حقهما بزعمه في نصف ثمن التركة وفى
يده جزء من التركة فيعطيها نصف ثمنه فيضمه إلى ما في يد الآخر فيقتسمانه على تسعة لان
بزعم الآخر أن الميت خلف ابنين وامرأة وان القسمة من ستة عشر للمرأة سهمان وله
سبعة يقسم ما في يدهما على ذلك باعتبار تصادقهما ثم يقاسم المقر المرأة المجحودة وما بقي
في يده على ثمانية لان بزعمه أن القسمة من ستة عشر وان لها سهم وله سبعة فيقسم ما في يده
77

بينهما على ذلك ولو ترك ابنين فأقر أحدهما بامرأة وأعطاها تسعى ما في يده بقضاء قاض ثم
أقر بامرأتين معا وصدقه أخوه في أحديهما فان المتفق عليها تأخذ من المقر بهن جزأ من عشرين
جزأ وخمس جزء وثلاثة أخماس جزء مما بقي في يده لان الفريضة بزعمه من ثمانية وأربعين
فإنه يزعم أن الميت خلف ابنين وثلاث نسوة فللنسوة الثمن بينهن أثلاثا لا يستقيم والباقي وهو
سبعة بين الابنين لا يستقيم فيضرب اثنان في ثلاثة فتكون ستة ثم ثمانية في ستة فتكون
ثمانية وأربعين للنسوة الثمن من ذلك ستة لكل واحدة سهمان ولكل ابن أحد وعشرون إلا أنه
دفع إلى الأولى تسعى ما في يده والذي في يده كان أربعة وعشرين وتسعاه خمسه وثلث
سهمان من ذلك حقها بزعمه وثلاثة وثلث أعطاها زيادة على حقها وما أعطاها زيادة من حق الاخرتين
لا يكون مضمونا عليه لأنه دفع ذلك بقضاء القاضي ولكنه ما أعطاها من حقه يكون محسوبا
من نصيبه فإذا تأملت ذلك كان ما أعطى من نصيبه سهما وثلاثة أخماس سهم وخمسي خمس سهم
وقد كان نصيبه أحدا وعشرين إذا انتقص منه هذا القدر من حقه بقي تسعة عشر سهما وخمس
وثلاثة أخماس خمس وحق المتفق عليها سهمان ولكن أحدهما في يد الابن الآخر وهو مصدق
بها فإنما تضرب هي بسهم فيما بقي في يد المقر وهو مقدار حقه فتكون الجملة عشرين سهما
وخمس سهم وثلاثة أخماس خمس سهم فلهذا أخدت سهما من ذلك قال الحاكم رحمه الله وهذا
الجواب غير سديد علي الأصل المذكور في الباب لأنه حذف في هذه القسمة نصيب
امرأتين وكان صوابه أن يحذف نصيب المرأة التي أخذت نصيبها بقضاء القاضي ويقسم ما بقي
في يده علي نصيبه ونصيب المرأتين الباقيتين فيعطى المجمع عليها سهما من اثنين وعشرين سهما
وأربعة أخماس خمس سهم وقد فحصت في أصل التخريج والأصل جميعا ولم يتضح لي ذلك بالتأمل
وعسى يتضح إذا تيسر وصولي إلى كتبي أو أصب وقت فراغ خاطري فإذا أخذت ذلك من
المقر بهن فضممته إلى ما في يد الذي صدقه بها فاقتسماه على تسعة أسهم لان بزعمه أن الميت خلف
ابنين وامرأة وأن القسمة من ستة عشر للمرأة سهم ولكل ابن سبعة فيقسم ما في أيديهما بينهما
على تسعة باعتباره زعمهما ويقاسم المقر بهن المرأة المجحودة ما بقي في يده على ثلاثة وعشرين سهما
لان باعتبار زعمهما أن القسمة من ثمانية وأربعين وان لها سهمان وله أحد وعشرون سهما فيقسم ما
بقي في يده على اعتبار زعمهما على ثلاثة وعشرين لها سهمان وله أحد وعشرون سهما وفي هذا
أيضا بعض شبهة باعتبار ما ذكرنا أن ما دفع إلى الأول من نصيبه محسوب عليه حتى ينتقص ذلك
78

القدر من نصيبه ولم يعتبر ذلك بالقسمة مع المجحودة ولو ترك أخوين فأقر أحدهما بابنتين
للميت وصدقه أخوه في إحديهما فان المتفق عليها منها تأخذ من المقر بها ثلث ما في يده لان
بزعمه أن الميت خلف ابنتين وأخوين فللابنتين الثلثان والباقي بين الأخوين نصفين فاما أن
يقول هو قد أقر لهذه بثلث التركة وفى يده جزء من التركة فيعطيها نصف ذلك أو يقول قد
أقر أن حقه مثل نصف حقها لأنه يقول حقها ثلث التركة ويبقى نصف الثلث فلهذا أخذت
ثلث ما في يده ثم ضم إلى ذلك ما في يد الآخر واقتسماه أثلاثا لان الآخر يزعم أن الميت
خلف بنتا وأخوين فلها النصف والباقي بين الأخوين نصفين لكل واحد منهما الربع فحقه
مثل نصف حقها فلهذا اقتسما ما وصل إليهما أثلاثا لها سهمان وله سهم وتقاسم الأخرى
المقر بهما ما بقي في يده أثلاثا لأنه زعم أن لها الثلث وله السدس فيقسم ما بقي بينهما على
هذا لها سهمان وله سهم ولو كان أقر بثلاث بنات وصدقه أخوه في واحدة منهن فان المتفق
عليها تأخذ من المقر بهن تسعى ما في يده لان بزعمه أن الميت خلف ثلاث بنات وأخوين
فيكون للبنات الثلثان بينهن أثلاثا والباقي بين الأخوين نصفين فيحتاج إلى حساب ينقسم
ثلثاه أثلاثا وثلثه نصفين وأقل ذلك ثمانية عشر للبنات اثنا عشر لكل واحدة منهن أربعة فهو
إنما أقر للمتفق عليها بأربعة من ثمانية عشر وذلك تسعا التركة وفى يده جزء من التركة فيعطيها
تسعى ما في يده لهذا فيضمه إلى ما في يد المصدق بها ويقاسمه أثلاثا لان بزعمه ان لها نصف
التركة وله الربع ثم يقاسم المقر بهن الباقيتين ما بقي في يده على أحد عشر سهما لها ثمانية وله
ثلاثة لان بزعمه القسمة من ثمانية عشر ولكل واحدة منهما أربعة وله ثلاثة فيقسم ما في يده
بينهم على أحد عشر سهما لهذا قال في الأصل وهذا كله إذا كان قد دفع إلى الأول شيئا أو لم
يدفع حتى اختصموا ثم دفع بقضاء وكان ذلك اقرارا من الورثة ولم تكن شهادة لأنه إذا شهد
شاهدان من الورثة لآخر انه وارث ثبت نسبه وصار وارثا ودخل علي القوم جميعا إذا لم يكونوا
دفعوا شيئا حتى شهدوا لأنه لا تهمة في شهادتهم بل عليهم ضرر في ذلك وان كانا قد دفعا من
حصتهما نصيب الوارث ثم جاءا بشاهدين لا تقبل شهادتهما لتمكن الشبهة فيهما فأما في حق
الواحد الاقرار والشهادة سواء لان الحجة لا تتم بشهادة الواحد * ولو ترك ابنين وامرأة
فأقر أحد الابنين بامرأة أخرى وكذبه الأخ فيها والمرأة والمعروفة فإنه يقاسمها ما في يده على
ثمانية لان القسمة بزعمه من ستة عشر لكل امرأة سهم ولكل ابن سبعة فان دفع ثمن ما في
79

يده إليها بقضاء أو بغير قضاء ثم أقر بامرأة أخرى فصدقته المرأة المعروفة بذلك فان المقر بها
أخيرا تأخذ نصف ما في يد المرأة المعروفة ولا تدخل في نصيب الابن لان ميراث النساء في
يد المعروفة والابن إنما أقر أن حصتها في يد المعروفة وهي قد صدقته في ذلك فلهذا لا تأخذ
مما بقي في يد الابن شيئا بخلاف الأولى فان المعروفة هناك كذبت بها فلا يصل إليها نصيبها مما في
يد المعروفة فلا بد أن تدخل مع المقر فيما في يده لان ما في يده جزء من التركة وكان حقها
في التركة * وعلى هذا لو ترك ابنا وامرأة ثم أقر الابن بامرأة وصدقته المعروفة فإنها تأخذ
نصف ما في يد المعروفة ولا سبيل لها على ما في يد الابن * ولو ترك ابنين وامرأة فأقر أحد
الابنين بامرأتين معا وصدقته المعروفة في إحديهما وكذبته في الأخرى فان المعروفة تقاسم
التي أقرت بها ما في يدها نصفين لان ميراث النساء في يدها وقد صدقت بهذه وزعمت أن
حقهما سواء ويقاسم الابن المرأة الباقية ما في يده على ثلاثة وعشرين سهما لان القسمة بزعمه
من ثمانية وأربعين لكل امرأة سهمان ولكل ابن أحد وعشرون فهو يضرب في الباقي بأحد
وعشرين وهي بسهمين فيكون بينهما على ثلاثة وعشرين سهما لها من ذلك سهمان وله أحد
وعشرون ولو ترك ابنا وامرأة فأقرت المرأة بابن وصدقها الابن المعروف في ذلك فان المقر
به يقاسم المعروف ما في يده نصفين لان ميراث البنين في يده والذي في يد المرأة ميراث النساء
ولاحظ للبنين في ذلك وان أقرت بابنين وصدقها المعروف في أحدهما فان المتفق عليه
لا يدخل في نصيب المرأة لما بينا والابن الآخر يقاسم المرأة ما في يدها علي عشرة لان القسمة
بزعمها من أربعة وعشرين لها ثلاثة لكل ابن سبعة ولو ترك ابنا وامرأة فأقر الابن بثلاث
نسوة وصدقته المعروفة في امرأتين منهن كان المعروفة تقاسم هاتين ما في يدها أثلاثا لان
ميراث النساء في يدها وقد أقرت بهاتين بالزوجية فان حقهما مثل حقها ويقاسم الابن المرأة
الباقية ما في يده على تسعة وعشرين سهما لان القسمة بزعمه من اثنين وثلاثين للنسوة الثمن
أربعة ولكل واحدة منهن سهم وللابن ثمانية وعشرون فهي تدخل معه فيما في يده فتضرب
بسهم وهو بثمانية وعشرين فان تصادق النسوة كلهن فيما بينهن فإنهن يدخلن مع المعروفة
فيما في يدها فيقسم ذلك بينهن أرباعا لان ميراث النساء في يدها وقد أقرت لهن بالزوجية
ولو كانت المرأة هي التي أقرت بثلاثة بنين فصدقها الابن في أحدهم فالذي صدق الابن به
يقاسمه ما في يده نصفين ويقسم ما في يد المرأة على ثمانية عشر لها أربعة ولكل ابن سبعة
80

لان القسمة بزعمها من اثنين وثلاثين فان الميت خلف أربعة بنين وامرأة فيكون للمرأة الثمن
أربعة ولكل ابن سبعة فما في يدها يقسم بينها وبين الابنين المجحودين على مقدار حقهم ولو
صدقها الابن فيهم جميعا دخلوا معه في نصيبه فيقتسمون ذلك أرباعا ولم يأخذوا من المرأة
شيئا لان نصيب الأولاد في يد الابن المعروف وقد صدقهم فهم بمنزلة أولاد معروفين للميت
وان أقر أحد الورثة بوارث ثم أنكره ثم أقر باخر لم يصدق على الذي أقر به أولا في ابطال
حقه لان رجوعه عن اقراره بعد صحة الاقرار لا يصح فان المقر لا يملك الرجوع بعد الاقرار
ويكون الآخر على حقه فيما بقي في يده على ما وصفنا ان لو لم يكن أنكر الأول وبيان هذا
الأصل رجل مات وترك ابنين فأقر أحدهما بأخ ثم أنكره ثم أقر بأخ فان الأول يأخذ نصف ما في
يده لان بالكلام الأول أقر بان حقهما في التركة على السواء فيضم ما في يده فيقتسمانه بينهما
نصفين ثم يأخذ الآخر نصف ما في يده لأنه بالكلام الاخر أقر ان حقهما في التركة سواء
فما بقي في يده يقسم بينهما نصفان فان قيل لماذا لم يجعل انكاره حجة عليه حتى يكون هو مستهلكا
نصف ما في يده كما لو لم يكن أنكر حقه بعد الاقرار ويأخذ الاخر نصف ما في يده عند
الاقرار للأول وهو جميع ما بقي في يده لان ذلك يكون محسوبا عليه من نصيبه قلنا لأنه
بالاقرار ما صار مستهلكا شيئا وإنما يكون الاستهلاك بالدفع وهو يجبر على ذلك بالحكم فلا
يكون ذلك محسوبا ولو ترك الميتة أخاه فأقر بان للميتة ابنا ثم أنكره ثم قال لا بل فلان ابنه
فان الأول يأخذ جميع ما في يده ولا شئ للآخر لأنه صار مقرا للأول بجميع ما في يده ثم
انكاره رجوع فيكون باطلا ولا شئ للآخر لأنه دفع إلى الأول جميع ما في يده بقضاء
القاضي فلا يصير ضامنا للاخر شيئا ولو كان الاقرار منه بعد الدفع بغير قضاء قاض كان
ضامنا للثاني جميع ما دفع إلى الأول لأنه دفعه باختياره وحين أنكره فقد زعم أنه لم يكن له في
التركة حق وإنما كانت التركة للباقي وقد استهلكا عليه بالدفع إلى غير المستحق باختياره
* رجل مات وترك دارا وابنا ثم مات الابن وترك ابنين فأقر أحدهما بابن للميت الأول
أعطاه ثلثي ما في يده لأنه زعم أن الميت الأول خلف ابنين وان نصف تركته للمقر به والنصف
الآخر بينه وبين أخيه نصفين بالميراث من أبيهما فحقه مثل نصف حق المقر به بزعمه فلهذا
يعطيه ثلثي ما في يده وإن كان الابن حين مات ترك ابنتين فأقرت إحداهما بابن للميت
الأول أعطته أربعة أخماس ما في يدها لأنها زعمت أن للمقر به النصف بالميراث من أبيه
81

وان النصف الباقي قد صار أثلاثا بموت أبيها للابنتين الثلثان وللأخ ما بقي فإذا بزعمها لها سدس
الدار وللمقر به أربعة أسداس فيقسم ما في يدها بينهما على ذلك أخماسا ولو ترك ابنين من أم
ولد له وترك دارا ثم مات أحدهما وترك ابنا وترك عبدا سوى نصيبه من الدار ثم إن عم
الجارية أقر بأخ لأب فإنه يعطيه نصف ما وصل إليه من الدار ولا يعطيه مما ورث من العبد
شيئا أما لا يعطيه من العبد شيئا لان حصته من العبد ميراث من أخيه وبزعمه ان أخاه مات
عن ابنه وأخ لأب وأم وأخ لأب ولا شئ للأخ لأب مع الأخ لأب وأم وأما الدار
فهي ميراث من ابنه وهو يزعم أن المقر به مساو له فيما ورث من أبيه فلهذا يعطيه نصف
ما وصل إليه من الدار قالوا وهذا غير صحيح لان الواصل إليه في الحاصل ثلاثة أرباع الدار
نصفه بالميراث من أبيه والربع بالميراث من أخيه وحق المقر به بزعمه في ثلث الدار فلا معنى
لقوله يعطيه نصف ما وصل إليه من الدار إلا أن يكون مراده نصف ما وصل إليه بالميراث
من أبيه وهو محتمل أيضا لان بعض ما وصل إليه بالميراث من أخيه وذلك سدس الدار
فهو يزعم أن رد ذلك كان مستحقا على أخيه وانه أخذه بذلك الطريق فيثبت حق المقر به
في ذلك الجزء فلا وجه سوى أن يقال موضوع المسألة فيما إذا خلف أحد الابنين ابنتين
فحينئذ العائد إلى الأخ ثلث النصف فيجتمع في يده ثلث الدار فيؤمر بتسليم نصف ذلك إلى
المقر به لإقراره ان ثلث الدار له ارث عن أبيه ولو أقر بأخ لأب وأم قاسمه ما وصل إليه من
الدار والعبد نصفين لان بزعمه ان المقر به مساو له في التركتين جميعا فما وصل إليه من
التركتين يكون بينهما نصفين ولو مات وترك ابنين ثم مات أحدهما وترك ابنة فأقر الثاني
بامرأة للميت وانها أمهما وأنكرت الابنة ذلك فإنه يعطيها مما في يده تسعة عشر سهما من
خمسة وسبعين لان فريضة الأول بزعمه من ستة عشر للمرأة سهمان ولكل ابن سبعة ثم مات
أحد الابنين وترك أما وابنة وأخا فتكن هذه الفريضة من ستة ونصيبه من التركة الأولى
سبعة وقسمة سبعة على ستة لا يستقيم فتضرب ستة عشر في ستة فيكون ستة وتسعين كان
للأم من التركة الأولى سهمان ضربتهما في سته فذلك اثنى عشر ولكل ابن اثنان وأربعون
ثم للأم من التركة الثانية السدس وهو سبعة فإذا ضممت سبعة إلى اثنى عشر تكون تسعة
عشر وللمقر من التركة الأولى اثنان وأربعون ومن التركة الثانية أربعة عشر فيكون ذلك
ستة خمسين فإذا جمعت بينهما كان خمسة وسبعين فلهذا يعطيها مما في يدها تسعة عشر سهما
82

من خمسة وسبعين * رجل مات وترك ابنين وألفى درهم فأخذ كل واحد منهما ألفا ثم مات
أحدهما وترك مائة درهم والأخ وارثه وهما اخوان لأب وأم ثم إن الثاني أقر بأخ لأب
فإنه يقاسمه هذه الألف ومائة درهم نصفين لأنه زعم أن حق الميت الثاني كان في ثلثي الألف
وان ما أخذه زيادة على حقه كان مستحق الرد عليه وإنما استوفى ذلك من تركته قضاء مما
كان مستحقا عليه فيكون كله تركه للميت الأول وقد زعم أن هذا المقر به مساو له في
تركته فلهذا قاسمه ما في يده نصفين وكذلك لو كان ترك أكثر من مائة درهم إلى ثلاثة
آلاف فان ترك أكثر من ثلاثة آلاف أخذ من ذلك ثلث الألف وأخذ من المقر ثلث
الألف الذي كان في يده ولا حق له فيما بقي لان المقر زعم أن حق المقر به في ثلث كل ألف وان
ذلك دين له على الميت الثاني فيأخذ ذلك القدر من تركته ثم ما بقي من ميراث الميت الثاني
وقد ترك أخا لأب وأم وأخا لأب فيكون الميراث كله للأخ لأب وأم * ولو أن رجلا في
يده ألف درهم ورثها عن أبيه وهو مجهول النسب فأقر بأخ له من أبيه فقال المقر به أقررت
ان هذا الألف تركها أبى وانك تزعم أنك ابنه ولست ابنه فادفعها إلى فالقول قول الذي في
يده الألف وللمقر به نصفها لأنه كان مستحقا لما بيده وإنما أقر للمقر به بنصفها ولا يأخذ
أكثر من ذلك إلا أن يقيم البينة على نسبه فحينئذ يأخذ الجميع لأنه أثبت سبب استحقاقه
بالبينة وليس للاخر سبب مثله فلا يزاحمه وفى الأول سبب استحقاقه باقرار ذي اليد وهو
ما أقر له الا بالنصف وصحة اقرار ذي اليد باعتبار كونه وارثا للميت قال وكذلك كل وارث
ما خلا للزوج والمرأة إذا أقر أحدهما بوارث من جهة القرابة وأنكره المقر له أخذ جميع ما في
يده إلا أن يقيم البينة على الزوجية وقد بينا هذا الفرق وما في المسألة من اختلاف الروايات
في كتاب العين والدين * رجل مات وترك أخاه لأبيه وأخاه لامه فاقتسما المال ثم ادعي
رجل أنه أخو الميت لأبيه وأمه فقال الأخ من الأب أنت أخي لأبي وأمي وقال الأخ من
الأم أنت أخي لأبي وأمي فان المقر به يقاسم الأخ من الأب بما في يده نصفين لأنه أقر انه
أخو الميت لأب مساو له في التركة والمقر له صدقه في ذلك وادعى زيادة عليه فيقاسمه ما في
يده نصفين وفي يده خمسة أسداس التركة فقد وصل إلى المقر به سدسان ونصف سدس
ولا يدخل في نصيب الأخ من الأم لان الأخ من الأم يزعم أنه مثله أخ لام وان نصيبه من
التركة السدس وقد وصل إليه أكثر من ذلك فلهذا لا يزاحمه بشئ مما في يده ولو قال الأخ
83

من الأم أنت أخي لأبي وأمي وأنكره الأخ من الأب فإنه يقاسم الأخ من الأم ما في يده
نصفين لإقراره أنه مساو له في تركة الميت ولم يصل إليه شئ من التركة فيعطيه المقر نصف
ما في يده ولو قال الأخ من الأم أنت أخو الميت لأبيه وأمه كما قلت وقال الأخ لأب أنت
أخي لأبي وأمي فان المقر به يقاسم الأخ لأب ما في يده نصفين لما قلنا ثم يضم ذلك النصف
إلى ما في يد الأخ من الأم فيقتسمان ذلك على ستة للأخ من ا لام سهم وللمقر به خمسة لان في
زعم الأخ من الأم ان الميت خلف ثلاثة اخوة متفرقين فيكون للأخ لام السدس والباقي
للأخ لأب وأم ولا شئ للأخ لأب فإنما أخذ هو ما أخذ ظلما فيجعل ذلك كالتاوي وإنما
حاصل التركة ما في أيديهما فيقسم بينهما أسداسا باعتبار زعمهما ولو كان صدقه الأخ من
الأب فإنه يأخذ جميع ما في يد الأخ لأب لان المستحق بالعصوبة ما في يده وقد أقر أنه
مقدم عليه في الاستحقاق بالعصوبة ولا يدخل في نصيب الأخ من الأم سواء أقر له بذلك
أو أنكره لان ما ادعى من الاخوة لو كان ظاهر كان السدس سالما بالفرضية للأخ لام
وليس في يده أكثر من ذلك ولو قال الأخ لام أنت أخو الميت لأبيه وكذبه الأخ لأب
فإنه يقسم ما في يد الأخ لام على سبعة لان بزعمه ان الميت خلف أخا لام وأخوين لأب
فتكون القسمة من اثنى عشر للأخ لام سهمان وللأخ من الأب خمسة فيضرب المقر به فيما
في يده بخمسة والمقر بسهمين فيكون ذلك بينهما أسباعا ولو ادعى رجلان أنهما أخو ا لميت لأبيه وأمه
فقال الأخ لأب لأحدهما أنت أخي لأبي وأمي وكذب الآخر وقال الأخ لام للآخر أنت
أخي لأبي وأمي وكذب المقر بهما فيما بينهما فالذي أقر به الأخ لأب يأخذ منه نصف ما في
يده لإقراره انه مساو له في التركة والذي أقر به الأخ لام يأخذ أيضا منه نصف ما في
يده لإقراره انه مساويه في التركة ولا يرجع أحدهما على الآخر بشئ لان كل واحد منهما
مكذب لصاحبه إلى أن يتصادق المقر بهما فحينئذ يقتسمان ما أخذ بينهما نصفين باعتبار تصادقهما
ولو قال الأخ لأب لأحدهما أنت أخ الميت لابنه وأمه كما قلت وكذب الآخر وقال الأخ
للأم للآخر أنت أخ الميت لأبيه كما قلت وكذب بالذي أقر به الأخ لأب وكذب المقر بهما
فيما بينهما فان الذي أقر به الأخ من الأب يأخذ منه جميع ما في يده لإقراره انه مقدم عليه
فيما هو مستحق بالعصوبة ويقاسم الذي أقر به الأخ من الأم ما في يد الأخ من الأم على
ستة لإقراره ان له خمسة أسداس التركة وللمقر السدس وفى يده جزء من التركة فيقاسمه
84

ما في يده أسداسا وان تصادق المقر بهما بعضهما ببعض أخذ الذي أقر به الأخ لأب
منه جميع ما في يده وقاسم ذلك الآخر نصفين ولا يرجع في نصيب الأخ لام بشئ لأنه قد
استوفى جميع حصته من الميراث بزعمه (ألا ترى) انها لو قامت بينة بذلك أخذا جميعا ما في
يد الأخ لأب ولو لم يكن لهما سبيل على ما في يد الأخ لام ولو قال الأخ لأب لأحدهما أنت
أخي لأبي وأمي وقال الآخر أنت أخي لام وخرج الكلام منهما معا وصدقه الأخ لام في
الذي أقر انه أخ لام فالذي أقر به الأخ من الأم يأخذ من الأخ لأب السدس من جميع
المال لأنه يزعم أن الميت خلف أخوين لام وأخوين لأب فيكون للأخوين لام الثلث لكل
واحد منهما السدس وقد أخذ المعروف منهما السدس فيأخذ هذا المقر به سدسا آخر ولا
يدخل في نصيب الأخ من الأم بشئ ثم ما بقي في يد الأخ لأب يقسم بينه وبين الآخر
الذي أقر له بالاخوة لأب نصفين ولو كان الأخ لأب أقر بأخ من أبيه فدفع إليه نصف ما في
يده بقضاء أو بغير قضاء ثم أقر بأخ لام وصدقه فيه الأخ لام فإن كان النصف إلى
الأول بقضاء قاض فان المقر به الاخر يأخذ ثلث ما بقي في يده لأنه يزعم أن لهذا المقر به
سدس التركة وان له ثلث التركة وللمقر به الأول الثلث وقد دفع إلى الأول زيادة على حقه
بقضاء القاضي فلا يكون ضامنا لذلك ولكن يقسم ما بقي في يده بينه وبين المقر به على مقدار
حقهما فإذا أخذ ثلث ما في يده ضمه إلى ما في يد الأخ لام فيقتسمان ذلك نصفين لان
تصادقهما ان حقهما في التركة سواء وإن كان الدفع إلى الأول بغير قضاء أخذ منه خمس ما في
يده وهو سدس جميع المال ولا يدخل في نصيب الأخ لام لان الأخ لأب قد أقر له
بسدس كامل وما دفعه إلى الأول بغير قضاء محسوب عليه من نصيبه فيجعل ذلك كالقائم
في يده فلهذا يعطيه كمال نصيبه بزعمه وان ترك الرجل أخا لام وأختا لأب وعما فاقتسموا
التركة وأخذت الأخت لأب النصف والأخت لام السدس والعم ما بقي فادعت امرأة انها
أخت الميت لأب وأم فقالت الأخت من الأم أنت أختي لأبي وأمي وقالت الأخت لأب
أنت أختي لأبي وأمي وكذبهما العم فالمقر بها تأخذ نصف ما في يد الأخت لأب ولا يدخل
في نصيب الأخت لام لان الأخت لأب أقرت انها تساويها في تركة الميت فتأخذ نصف
ما في يدها والأخت لام زعمت أن نصيبها سدس التركة وقد وصل إليها الربع فكيف يدخل
في نصيبها سدس التركة ولو كذبتها الأخت من الأب مع العم قسم ما في يد الأخت من الأم
85

بينهما نصفان لاقرارها انها تساويها في سبب الاستحقاق ولم يصل إليها شئ من التركة ولو
قالت الأخت من الأم أنت أخت الميت لأبيه وأمه وكذبت الاخرتان بها قسم ما في يد
الأخت لام على أربعة لأنها تزعم أن لها النصف من التركة ثلاثة من ستة فتضرب هي فيما
في يد الأخت لأب بثلاثة والأخت لام بسهم فان صدقت الأخت من الأب بما قالت
الأخت من الأم قسم ما في يد الأخت من الأب وما في يد الأخت من الأم على خمسة
ثلاثة أسهم للمقر بها وسهم للأخت من الأب وسهم للأخت من الأم لأنهم تصادقوا فيما بينهم
على أن نصيب كل واحدة منهن من التركة هذا المقدار ولو لم يقر بها واحدة منهما ولكن
العم أقر بأخت للميت لأب وأم قسم ما في يد العم على أربعة لان العم يزعم أن حقهما في نصف
التركة ثلاثة وحقه في سهم فإنما تضرب هي بثلاثة والعم بسهم ولو ترك أباه وأمه فأقرت الأم
بأخوين للميت وكذبها الأب في ذلك فالفريضة من ستة للأم السدس وللأب الثلثان ويوقف
السدس الباقي في يد الأم لأنها أقرت ان هذا السدس للأب دونها فان الأخوين يحجبانها من
الثلث إلى السدس والأب كذبها في هذا الاقرار وزعم أن الثلث لها فيبقى موقوفا في يدها
إلى أن يصدقها الأب ولا شئ للأخوين لأنهما لو كانا معروفين ما استحقا شيئا مع الأب
وكذلك أن صدقها الأب في أحدهما لم تأخذ السدس حتى يصدقها فيهما لان الأخ الواحد
لا يحجب الأم من الثلث إلى السدس فإذا صدقها فيهما أخذ سدس الباقي لأنها أقرت له بذلك
بسبب لا يحتمل الفسخ فلا يبطل بتكذيبه وتصديقه إياها في الانتهاء كتصديقه إياها في الابتداء
ولو ترك ابنته وأخاه لأبيه وأمه وامرأته فأقرت الابنة بامرأة للميت فان صدقتها المعروفة
في ذلك فالمقر بها تقاسم المعروفة ما في يدها نصفين ولا تدخل في نصيب الابنة لان ميراث
النساء في يد المعروفة وقد أقرت بها وان كذبتها المعروفة قسم ما في يد الابنة على سبعة
وعشرين سهما لان بزعم الابنة ان الفريضة من ثمانية للمرأتين الثمن بينهما نصفين لا يستقيم
فتكون القسمة من ستة عشر للابنة من ذلك ثمانية ولكل امرأة سهم فالابنة تضرب فيما
في يدها بثمانية والمقر بها بسهم فتكون القسمة على تسعة وفى الكتاب خرجه من ثلاثة أمثاله
فأعطى المقر بها ثلاثة من سبعة وعشرين ولا فرق بين سهم من تسعة وبين ثلاثة من سبعة
وعشرين ولو كانت المرأة المعروفة هي التي أقرت بابنة للميت فصدقتها الابنة المعروفة جمع
ما في يد الابنة وما في يد المرأة المعروفة فاقتسموا ذلك على تسعة عشر سهما لأنهما اتفقا على
86

أن القسمة من أربعة وعشرين للابنتين الثلثان ستة عشر وللمرأة الثمن ثلاثة فيقسم ما في أيديهما
على ما اتفقا عليه ولا يقال عند تصديق الابنة ينبغي أن لا تدخل المقر بها في نصيب المرأة كما
في المسألة الأولى وهذا لان جميع ميراث النساء هناك كان في يد المعروفة وهنا لم يحصل في
يد الابنة المعروفة ميراث الابنتين لان في يدها النصف وميراث الابنتين الثلثان ولو كذبتها
الابنة المعروفة قسم ما في يد المراة على أحد عشر سهما لأنها تضرب بثلاثة والمقر بها بثمانية كما
أقرت لها به وان صدقها الأخ جمع ما في يد الأخ وما في يد المرأة فيقتسمون ذلك على ستة
عشر سهما لان بزعمها ان للمرأة ثلاثة وللمقر بهما ثمانية وللأخ خمسة فيقسم ما في يديهما على
هذا باعتبار زعمهما فلو لم تقر المرأة بها ولكن الأخ أقر بها فإنه يقسم ما في يد الأخ على ثلاثة
عشر سهما لان بزعم الأخ لها ثمانية وله خمسة ولو ترك ابنا فأقر بأخ ودفع إليه نصف ما في يده
ثم إن المقر به أقر بأخ وكذبه الابن المعروف في ذلك فان المقر به يأخذ نصف ما في يد المقر
به الأول لأنه صار أحق بما وصل إليه باقرار الابن المعروف وقد زعم أن المقر به الثاني مساو
له في ذلك فان دفع إليه بقضاء أو بغير قضاء ثم أقر بأخ له آخر وصدقه فيه الابن المعروف
وكذا المقر بهما بعضهما بعضا فإن كان الأخ المقر دفع نصف ما في يده إلى الأول بقضاء أخذ
المقر به الآخر منه خمس ما بقي في يده لأنه لا ضمان عليه في شئ مما دفعه إلى الأول بقضاء
القاضي يبقى ما في يده وهو يزعم أن حقه في سهم من أربعة ونصف ذلك في يده ونصفه في
يد أخيه وهو مقر له بذلك والباقي وهو ثلاثة بين المقر بهما الأولين نصفين لكل واحد منهما
سهم ونصف فانكسر بالانصاف فأضعفه فيكون خمسة فلهذا يأخذ ثلثي ما بقي فإنما يضرب
هو فيما في يده بسهم من أربعة والمقر بسهم ونصف فانكسر بالانصاف فأضعفه فيكون خمسة
فلهذا يأخذ خمسي ما بقي في يده فيضمه إلى ما في يد الابن المعروف فيقتسمان ذلك نصفين
لتصادقهما على أن حقهما في التركة سواء وإن كان دفع بغير قضاء أخذ منه المقر به الآخر ربع
ما كان في يده لأنه أقر ان له الربع من كل جزء من التركة فان الميتة بزعمه خلف أربعة
بنين وما دفعه بغير قضاء محسوب عليه فيجعل كالقائم في يده فيدفع إلى المقر به الآخر جميع
حقه وهو ربع ما كان في يده فيضمه إلى ما في يد الابن المعروف فيقتسمان ذلك نصفين فان
تصادق المقر بهما فيما بينهما أخذ المقر به الاخر ثلث ما بقي في يد الابن المعروف لأنه يزعم أن
الميت خلف ثلاثة بنين وان حق المقر به الآخر في ثلث التركة وفى يده جزء من
87

التركة فيدفع ثلث ذلك فيضمه إلى ما في يد المقر به الأول فيقتسمونه أثلاثا لتصادقهم على أن حقهم في التركة سواء والله أعلم
باب الاقرار بعد قسم الميراث
(قال رضي الله عنه) وإذا مات الرجل وترك ابنين وترك عبدين أو عبدا ودار أو أخذ
كل واحد منهما أحدهما ثم أقر أحدهما بآخر وكذبه الاخر فإنه يعطيه ثلث ما في يده وربع
قيمة ما صار لصاحبه لان المقر يزعم أن الميت خلف ثلاثة بنين وان حق المقر به في ثلث التركة
وفى يده جزء من التركة فيعطيه ثلث ذلك وما أخذه أخوه كان في يدهما في الأصل نصفه
في يد الآخر فلا يضمن المقر شيئا من ذلك للمقر به ونصفه كان في يده سلمه لأخيه فيغرم
للمقر به حصته من ذلك وحصته نصف ذلك النصف ليستوي به في التركة بزعمه فلهذا
يغرم له ربع قيمة ما صار لأخيه ولو أقر أحدهما بأخت وكذبه الآخر أعطاها خمس ما في يده
وخمس قيمه ما صار لصاحبه لان للميت بزعمه ابنين وابنة فحقها في خمس التركة فيعطيها خمس
ما في يده لان النصف الذي دفعه إلى أخيه لو كان في يده كان حقها في ثلث ذلك لان حق
المقر ضعف حق المقر به وإنما يغرم لها ثلث النصف وذلك سدس الكل ولو أقر بأخ وأخت
وكذبه الآخر فيهما وتكاذب فيما بينهما فإنه يعطى الأخت سبع ما بقي يده وعشر قيمة ما صار
لصاحبه لان للميت بزعمه ثلاثة بنين وابنة فيكون نصيب الابنة سهما من سبعة فيعطيها سبع
ما في يده وعشر قيمه ما صار لصاحبه لان النصف الذي دفعه لصاحبه من ذلك لو كان في
يده كان يعطيها خمس ذلك النصف فان ذلك النصف يقسم بين المقر والأخ المقر به والأخت
للذكر مثل حظ الأنثيين فيكون حقهما في خمس ذلك وخمس النصف عشر الجميع ويعطى
الأخ مثل ذلك لان نصيب الأخ بزعمه سهمين من سبعة فيعطيه سبعي ما في يده وخمس قيمة
ما صار لأخيه لان حقه بزعمه في خمس نصف ذلك ولو كان أقر بأختين معا فإنه يعطى كل
واحدة منهما سدس ما في يده لان للميت بزعمه ابنين وابنتين فنصيب كل واحدة من الابنتين
سدس التركة فيعطى لكل واحدة منهما سدس ما في يده وثمن قيمه ما صار لصاحبه لان النصف
الذي سلمه إلى صاحبه لو كان في يده كان يعطى كل واحدة منهما ربع ذلك فان ذلك النصف
بين المقر والمقر بهما للذكر مثل حظ الأنثيين فإنما يغرم لكل واحدة منهما ربع ما في يده
88

في الحكم وذلك النصف وربع النصف ثمن الكل ولو أقر بأخوين معا فإنه يعطي لكل واحد
منهما ربع ما في يده لان النصف الذي كان في يده من ذلك لو لم يدفعه إلى صاحبه لكان
يقسم ذلك بينهم أثلاثا لاستواء حقهم في التركة فإنما يغرم لكل واحد منهما ثلث النصف وهو
سدس الجميع ولو ترك ابنين وابنة وعبدين ودارا فاقتسموا فأخذت الابنة عبدا وأخذ أحد
الابنين عبدا والآخر الدار فأقرت الابنة بأخ أعطته سبعي ما في يدها وقيمة جزء من خمسة
عشر جزأ مما صار لكل واحد من الأخوين لان للميت بزعمها ثلاثة بنين وابنة فتكون القسمة
بينهم على سبعة لكل ابن سهمان فلهذا أعطته سبعي ما في يدها وقد كان في يدها مما وصل إلى
كل واحد من الأخوين الخمس باعتبار نصيبهم في التركة فذلك الخمس لو كان في يدها لكان
بينها وبين المقر به أثلاثا وظهر أن حق المقر به في ثلثي خمس ما صار لكل واحد منهما وذلك
جزآن من خمسة عشر جزأ فان خمس خمسة عشر جزأ ثلاثة وثلثاه جزآن فلهذا تغرم للمقر به
جزئين من خمسة عشر مما صار في يد كل واحد من الأخوين ولو كانت أقرت بأخت أعطتها
سدس ما في يدها وعشر قيمة ما صار لكل واحد من الأخوين لان للميت بزعمها ابنين
وابنتين فتكون القسمة من ستة لكل ابن سهمان ولكل ابنة سهم فلهذا أعطتها ثلث ما في
يدها وكان في يدها مما وصل إلى كل واحد من الأخوين الخمس وكان ذلك بينها وبين
الأخت المقر بها نصفين وخمس النصف عشر الجميع فلهذا تغرم لها عشر ما صار لكل واحد
منهما ولو أقرت بأخ وأخت فإنها تعطى الأخ ربع ما في يدها وعشر قيمة ما صار لكل واحد
من الأخوين لأنه كان في يدها خمس ما صار لكل واحد من الأخوين فكان مقسوما بينها
وبين المقر بهما أرباعا نصف ذلك للأخ والربع لكل أخت ونصف الخمس عشر الجميع فلهذا
تغرم عشر قيمة ما صار للأخوين وتعطي للأخت مثل نصف ذلك لان حقها مثل نصف الأخ
ولو أقرت بأخوين معا أعطت لكل واحد منهما تسعى ما في يدها لان للميت بزعمها أربعة
بنين وابنة فتكون القسمة من تسعة لكل ابن سهمان فلهذا تعطى كل واحد منهما تسعى
ما في يدها وقيمة جزئين من خمسة وعشرين جزأ مما صار للأخوين لأنه كان في يدها خمس
ما صار لكل واحد منهما ولو بقي ذلك في يدها لكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أخماسا
فإنما تغرم لكل واحد منهما خمس الخمس فاحتجنا إلى حساب له خمس ولخمسه خمس و أقل
ذلك خمسة وعشرون خمسه خمسة وخمسا خمسة سهمان فلهذا غرمت لكل واحد منهما جزئين
89

من خمسة وعشرين جزأ مما صار للأخوين ولو كانت أقرت بأختين أعطت كل واحدة منهما
سبع ما في يدها لان للميت بزعمها ثلاث بنات وابنين فتكون القسمة من سبعة فلهذا أعطت
كل واحدة سبع ما في يدها وقيمة جزء من خمسة عشر جزأ مما صار للأخوين لان ما كان في
يدها وهو الخمس مما صار للأخوين لو لم تدفعه إلى الأخوين لكان مقسوما بينها وبين المقر بهما
أثلاثا فحق كل واحدة منهما في ثلث ذلك ا لخمس وهو جزء من خمسة عشر من الكل ولو كان
أحد الابنين أقر بأخ وأخت كذبه الآخران فيهما فإنه يعطى للأخت ثمن ما في يده لان
للميت بزعمه ثلاثة بنين وبنتين فتكون القسمة من ثمانية فلهذا أعطى الأخت ثمن ما في يده
وقيمة جزء من خمسة وعشرين جزأ مما صار للأخوين فإنه كان في يده باعتبار الأصل خمسا ما
صار لكل واحد من الأخوين فلو كان ذلك في يده لكان يقسم بينه وبين المقر بهما أخماسا
للأخت خمسا ذلك وخمسا خمسة وعشرين عشرة فخمس ذلك سهمان فلهذا يغرم للأخت قيمة
جزئين من خمسة وعشرين جزأ مما صار للأخوين ويعطي الأخ مثل ذلك لان حقه في التركة
سواء ضعف حق الأخت ولو كان أقر بأخوين معا فإنه يعطى كل واحد منهما تسعى ما في
يده لان للميت بزعمه أربعة بنين وابنة فتكون القسمة من تسعة ونصيب كل ابن سهمان
فيعطى كل واحد منهما تسعى ما في يده لهذا ويغرم لكل واحد منهما جزئين من خمسة عشر
جزأ مما صار للأخوين لأنه كان في يده باعتبار الأصل خمسا ما في يد كل واحد من الأخوين
ولو بقي ذلك في يده لكان مقسوما بينه وبين المقر بهما أثلاثا فإنما يغرم لكل واحد منهما
ثلثي الخمس لان ثلثي الخمس جزآن من خمسة عشر جزأ ولو ترك ابنا وابنتين وعبدين وأمة
فاقتسموا فاخذ الابن الأمة وكل ابنة عبدا ثم أقرت احدى الابنتين بأختين أعطت كل واحدة
منهما سدس ما في يدها لان للميت بزعمها ابن وأربع بنات فتكون القسمة من ستة لكل
ابنة سهم فهذا تعطى كل واحدة منهما سدس ما في يدها وقيمة جزء من اثنى عشر جزأ مما
صار للأختين لأنه كان في يدها باعتبار الأصل ربع ما في يد كل واحدة منهما ولو بقي ذلك في
يدها لكان مقسوما بينها وبين المقر بهما أثلاثا بالسوية فإنما تغرم لكل واحدة منهما ثلث الربع
وهو جزء من اثنى عشر لان ربع اثنى عشر ثلاثة ولو كانت أقرت بأخوين وأخت معا أعطت
الأخت تسع ما في يدها لان للميت بزعمها ثلاثة بنين وثلاث بنات فتكون القسمة من تسعة
ونصيب الأخت سهم فتعطيها تسع ما في يدها وقيمة جزء من أربعة وعشرين جزأ مما صار
90

للأخوين لأنه كان في يدها ربع ما صار لكل واحد منهما ولو بقي ذلك في يدها لكان مقسوما
بينها وبين المقر بهما أسداسا للأخت سدس ذلك وسدس الربع جزء من أربعة وعشرين
لان ربع أربعة وعشرين ستة وسدسه جزء واحد وتعطي للأخ مثلي ذلك لان نصيبه ضعف
نصيبها ولو كان الابن أقر بثلاث أخوات متفرقات معا وكذبته الأختان في ذلك أعطي كل
واحدة منهن سبع ما في يده لان للميت بزعمه ابنا وخمس بنات فتكون القسمة من سبعة
لكل ابنة سهم ويغرم لكل واحدة منهن قيمة جزئين من عشرين جزأ مما صار للأختين لأنه
كان في يده باعتبار الأصل نصف ما صار لكل واحدة منهما فلو بقي ذلك في يده يكون مقسوما
بينه وبين المقر بهن أخماسا فإنما يغرم لكل واحدة منهن خمس النصف وخمس النصف عشر
الجميع فكان ينبغي أن يقول جزأ من عشرة أجزاء ولكنه بني هذا على ما تقدم من القسمة
بالأرباع حين كانت المقرة بالابنة فجعل في يد الابن جزئين من أربعة فذكر أنه يغرم لكل
واحدة منهن جزأين من عشرين لهذا ولو كان أقر بأخوين وأختين معا فأعطى كل أخ خمس
ما في يده لان للميت بزعمه ثلاث بنين وأربع بنات فتكون القسمة من عشرة لكل ابن سهمان
وسهمان من عشرة الخمس فلهذا يعطى الأخ خمس ما في يده وثمن ما صار للأختين معا لان
ما في يده باعتبار الأصل نصف ذلك ولو بقي ذلك في يده لكان مقسوما بينه وبين المقر بهم
على ثمانية لكل أخ سهمان ولكل أخت سهم فإنما يغرم للأخ ربع النصف مما صار لكل
أخت وربع النصف ثمن الجميع فلهذا قال يغرم للأخ ثمن ما صار للأختين ثم يعطى كل أخت
مثل نصف ذلك لان نصيب الأخ مثل نصيب الأختين فيكون نصيب كل أخت مثل نصف
نصيب الأخ وعلى هذا جميع هذا الوجه وقياسه والله أعلم بالصواب
كتاب فرائض الخنثى
(قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة فخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي
سهل السرخسي رحمه الله) اعلم بان الله تعالى خلق بني آدم ذكورا وإناثا كما قال الله تعالى
وبث منهما رجالا كثيرا ونساء وقال تعالى يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ثم
بين حكم الذكور وحكم الإناث في كتابه ولم يبين حكم شخص هو ذكر وأنثى فعرفنا بذلك
انه لا يجمع الوصفان في شخص واحد وكيف يجتمعان وبينهما مغايرة على سبيل المضادة
91

وجعل علامة التمييز عند الولادة الآلة إلى أن يتبين سائر العلامات بمضي الزمان ثم قد يقع
الاشتباه عند الولادة من وجهين أحدهما بالمعارضة بان يوجد في المولود الآلتان جميعا فيقع
الاشتباه إلى أن تترجح إحداهما بخروج البول منه والوجه الثاني ان تنعدم آلة التمييز أصلا
بأن لا يكون للمولود آلة الرجال ولا آلة النساء وهذا أبلغ جهات الاشتباه ولهذا بدأ الكتاب
به ورواه عن الشعبي رحمه الله انه سئل عن مولود ولد وليس بذكر ولا أنثى وليس له ما
للأنثى وليس له ما للذكر يخرج من سرته كهيئة البول الغليظ فسئل عن ميراثه فقال عمر رضي الله عنه
له نصف حظ الأنثى ونصف حظ الذكر قال محمد رحمه الله وهذا عندنا والخنثى
المشكل في أمره سواء والمراد إذا مات قبل أن يدرك فيتبين حالة بنبات اللحية أو بنبات
الثديين * اختلف العلماء رحمهم الله في حكم الخنثى المشكل في الميراث فقال أبو حنيفة ومحمد
رحمهما الله وهو قول أبى يوسف الأول رحمه الله يجعل هو في الميراث بمنزلة الأنثى إلا أن
يكون أسوأ حاله أن يجعل ذكرا فحينئذ يجعل ذكرا وفى الحاصل يكون له شر الحالين وأقل
النصيبين وفى قول أبى يوسف الآخر له نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى وهو
أقرب من قول الشعبي على ما نبينه أما بيان الحالة التي تكون الذكورة فيه شرا له بان تركت
المرأة زوجا وأختا لأب وأم وشخصا لأب هو بهذه الصفة مشكل فان جعل ذكرا لم يرث
شيئا لان نصف الميراث للزوج والنصف للأخت لأب وأم فلم يبق للأخ لأب شئ ولو
جعل أنثى كان للزوج النصف وللأخت لأب وأم النصف وللأخت لأب السدس تكملة
الثلثين فتعول بسهم والقسمة من سبعة فعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يجعل ذكرا في هذه الحالة
ولا شئ له وفى قول أبى يوسف الآخر له سهم من أربعة عشر نصف ميراثها ان لو كانت أنثى
وكذلك لو تركت زوجا وأما وأخا لام وشخصا هو مشكل لأب وأم فان جعل هذا المشكل
ذكرا فللزوج النصف وللأم السدس وللأخ لام الثلث ولم يبقى للأخ لأب وأم شئ وان
كانت أنثى فلها النصف ثلاثة لأنها أخت لأب وأم وتعول فريضة المسألة بثلاثة فعندهما يجعل
ذكر ولا شئ له وفى قياس قول أبى يوسف الآخر لها ثلاثة من ثمانية عشر نصف ميراثها
ان لو كانت أنثى وبيان الحال الذي تكون الأنوثة فيه شرا لها ظاهر فإنه لو ترك ابنة وعصبته
وولدا هو مشكل فإن كان هذا المشكل ذكرا فله الثلثان وإن كان أنثى فله الثلث فيجعل أنثى
في قول أبي حنيفة ومحمد وفى قول أبى يوسف الآخر نصف في كل حالة نصف الثلثين ونصف
92

الثلث فيكون له في الحال نصف المال وللابنة الثلث والباقي وهو السدس للعصبة وجه
قول أبى يوسف ان حاله متردد والأصل في المسائل اعتبار الأحوال عند التردد ويتوزع
المستحق على الأحوال كما في الطلاق المبهم والعتاق المبهم إذا طلق احدى نسائه الأربع قبل
الدخول ثم مات يسقط نصف صداقها ويتوزع عليهن باعتبار الأحوال وكذلك الميراث بينهن
باعتبار الأحوال فكذلك هنا يعتبر الأحوال بل أولى لان الاشتباه هنا أكثر والحاجة إلى
اعتبار الأحوال بمعنى الاشتباه * ووجه قولهما هو أن اعتبار الأحوال ينبنى على التيقن بالسبب
وسبب استحقاق الميراث الفرضية والعصوبة ولا يتيقن بواحد من السببين بهذا المشكل
وبدون التيقن بالسبب لا يعتبر الأحوال لكن لا يعطى الا القدر الذي يتيقن بأنه مستحق
له بخلاف الطلاق والعتاق فقد تيقنا بالسبب المسقط لنصف الصداق هناك وبالسبب الموجب
لعتق رقبته وإنما وقع الشك في المستحق كذلك فبعد التيقن بالسبب يصار فيه إلى اعتبار الأحوال
ولو مات وترك ولدا خنثى وعصبة ثم مات الولد قبل أن يستبين أمره ومن الاستبانة البول
فإن كان يبول من احدى المبالين فالحكم لذلك وإن كان يبول منهما فمن أيهما أسبق فان خرجا
معا ففيه اختلاف يأتيك بيان هذا في كتاب الخنثى وإنما الكلام هنا في الميراث فعلى قول
أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبى يوسف أولا لا يعطى الا ميراث جارية وذلك نصف المال
والباقي للعصبة وفى قول أبى يوسف الآخر له ثلاثة أرباع المال اما لأنه يستحق الكل في
حال والنصف في حال فيعطى نصف الكل ونصف النصف أو لان النصف اثنان والنصف
الآخر يثبت في حال دون حال فيتنصف فله ثلاثة أرباع المال والباقي للعصبة فإن كان للميت
مع ذلك ابن معروف فعلى قول أبي حنيفة ومحمد للذكر مثل حظ الأنثيين لان أسوأ الحال
للخنثى أن يكون أنثى وتكلموا فيما إذا كان الخنثى حيا بعد توهم أن يتبين أمره في الثاني أنه
كيف يقسم المال بينهما فمنهم من يقول يدفع الثلث إلى الخنثى والنصف إلى الابن ويوقف السدس
كما في الحمل والمفقود فإنه يوقف نصيبهما إلى أن يتبين حالهما وأكثرهم على أنه يدفع ذلك إلى
الابن لان سبب استحقاقه لجميع المال وهو البنوة معلوم فإنما ينتقص من حقه لمزاحمة الغير
والخنثى ما زاحمه الا في الثلث فما وراء ذلك يبقى مستحقا له * يوضحه انا حكمنا بكون الخنثى
أنثى حين أعطيناه الثلث مع الابن وبعد ما حكما بالأنوثة في حقه يعطي الذكر ضعف ما يعطى
الأنثى وبه فارق الحمل والمفقود فانا لم نحكم فيهما بشئ من موت أو حياه فلهذا يوقف نصيبهما
93

وإذا دفع الثلثين إلى الابن هل يوجد منه الكفيل قال بعض مشايخنا رحمهم الله على الخلاف
المعروف فان القاضي إذا دفع المال إلى الوارث المعروف لم يأخذ منه كفيلا في قول أبي حنيفة
وعندهما يحتاط في أخذ الكفيل منه وقيل بل هنا يحتاط في أخذ الكفيل عندهم جميعا لأنه
ان تبين علامة الذكورة في الخنثى كان هو المستحق لما زاد على النصف مما أخذه الابن
فيحتاط لحقه بأخذ الكفيل من الابن وإنما لم يجوز أبو حنيفة أخذ الكفيل للمجهول وهنا
إنما يؤخذ الكفيل لمعلوم فهو طريق مستقيم يصون به القاضي قضاءه وينظر لمن هو عاجز
عن النظر لنفسه وهو الخنثى فيأخذ من الابن كفيلا لذلك فان تبين أن الخنثى ذكر استرد
ذلك من أخيه وان تبين انه أنثى فالمقبوض سالم للابن وأما في قياس قول الشعبي فقد اختلف
أبو يوسف ومحمد في القسمة بين الخنثى والابن المعروف قال أبو يوسف رحمه الله قياس
قوله أن يكون المال بينهما على اثني عشر سهما للابن المعروف سبعة وللخنثى خمسة * أما بيان
قول محمد فظاهر لان الخنثى إن كان ذكرا فالمال بينهما نصفين فإن كان أنثى فالمال بينهما أثلاثا
فيعطيه نصف كل حالة فاحتجنا إلى حساب ينقسم نصفه نصفين وثلثه نصفين وأقل ذلك اثنا
عشر فإن كان الخنثى ذكرا فله الستة من اثني عشر وإن كان له أنثى فله أربعة واما أن تقول له
نصف أربعة وهو سهمان ونصف ستة وهو ثلاثة وذلك خمسة وللابن نصف ثمانية وهو
أربعة ونصف ستة وهو ثلاثة فيكون سبعة أو تقول الثلث متيقن به للخنثى وهو أربعة وما
زاد على ذلك إلى تمام النصف وذلك سهمان يثبت في حال دون حال فينتصف فيكون له خمسة
والباقي وهو سبعة للابن فقد فسر محمد قول الشعبي بهذا ولم يأخذ به وأما بيان قول أبى يوسف
لقول الشعبي أن يقول الخنثى في حال ابن وفى حال ابنة فالابنة في الميراث نصف الابن فيجعل
له نصف كل حال فيكون ثلاثة أرباع ابن فكأنه اجتمع ابن وثلاثة أرباع ابن فيجعل لكل
ربع من الابن سهما فللابن الكامل أربعة أسهم ولثلاثة أرباع ابن ثلاثة فذلك سبعة أو يقول إن
الله تعالى جعل للذكر مثل حظ الأنثيين فكأن الذكر بمنزلة الأنثيين واحدى الأنثيين
في حق الخنثى معلوم والأنثى الأخرى ثابتة في حال دون حال فينتصف فيكون الخنثى بمنزلة
أنثى ونصف ولو تصور اجتماع ابنة ونصف مع ابنة فإنه يكون المال علي سبعة أسهم للابن
أربعة وللابنة ونصف ثلاثة فهاهنا أيضا يقسم المال بينهما على سبعة أسهم للابن أربعة وللابنة
ونصف ثلاثة وأشار في الأصل إلى رجوع أبى يوسف إلى التفسير الذي ذكره محمد رحمه
94

الله لقول الشعبي قالوا وهذا غلط والصحيح ان رجوع إلى التفسير الذي ذكره أبى يوسف
فإنه رجع إلى قول الشعبي رحمه الله تم فسر قوله بما ذكرنا عنه قال ولو كان معنى الخنثى ابنة
معروفة فللابنة ثلث المال وللخنثى نصف المال والباقي يكون للعصبة في قياس قول الشعبي لان
الخنثى إن كان ذكرا فله ثلث المال وإن كان أنثى فلها الثلث فيعطى نصف كل حالة فيكون
له نصف المال والباقي للعصبة لأنه في حال يستحق ثلث المال وهو أن يكون الخنثى أنثى وفى
حال لا شئ له فيكون له نصف الثلث وهو السدس فإن لم يكن للميت عصبة رد الفضل عليها
على قدر ما أخذ معناه يجعل المال في الحاصل بينهما على خمسة سهمان للابنة المعروفة وثلاثة
للخنثى لأنه ليس أحدهما بالرد عليه بأولى من الآخر فيكون المردود بينهما على مقدار أصل
حقهما قال فإن كان مع الخنثى أب للميت فللخنثى ثلث المال وللأب ثلثه في قياس قول الشعبي
لان الخنثى إن كان ذكرا فللأب السدس والباقي للابن فله في هذه الحالة خمسة وإن كان
أنثى فلها النصف والباقي كله للأب بالفرضية والعصوبة فاما أن يقول للخنثى نصف كل حالة
ونصف ثلاثة سهم ونصف ونصف خمسة سهمان ونصف فذلك أربعة وهو ثلثا المال أو يقول
مقدار ثلثه للخنثى بيقين وما زاد إلى تمام خمسة يثبت في حال دون حال فينتصف فيكون له
أربعة والسدس للأب بيقين وما زاد عليه إلى تمام النصف وذلك سهمان يثبت في حال دون
حال فينتصف فيكون للأب سهمان وهو الثلث وللخنثى أربعة وذلك ثلثان وان ترك ابنة
خنثى وابنة ابن خنثى وعصبة ففي قياس قول الشعبي الفريضة من ستة وثلاثين سهما للخنثى
الا على خمسة وعشرون سهما وللأسفل سبعة أسهم وللعصبة أربعة أسهم فإن لم يكن له عصبة
فثلاثة أرباع المال للأعلى وربعه لولد الابن لأنه ينظر إلى أقل ما يصيب كل واحد منهما والى
أكثره فيأخذ نصف ذلك ولا ينظر إلى ما بين ذلك لان في اعتبار الأقل والأكثر اعتبار
ما بين ذلك فيقول النصف للعليا متيقن به ذكرا كان أو أنثى والسدس لا يدعيه العصبة لان
العصبة تقول هما ابنتان فلهما الثلثان والعليا والسفلى كل واحدة منهما تدعى ذلك فيكون ذلك
بينهما نصفان ولا ينظر إلى تفاوت ما بينهما في جهة الدعوى فالأعلى يدعى ذلك من وجه واحد
وهو نصف الذكورة لنفسه والأسفل من وجهين اما لأنه ذكر والعليا أنثى أو لأنهما ابنتان
وهذا لان المستحق من وجه يكون مستحقا من كل وجه فلا فرق بين أن يكون استحقاقه
لهذا السدس من وجه أو من وجهين والثلث الباقي تدعيه العصبة إن كان الخنثيان أنثيين
95

وتدعيه ابنة الابن ان كانت هي ذكرا والعليا هي أنثى وتدعيه العليا ان كانت ذكرا فلا يفضل
فيه البعض علي البعض لان المعتبر في حقهم الأكثر والأقل فيكون بينهم أثلاثا كان أصل الفريضة
من ستة وقد انكسر السدس بالانصاف فصار اثنى عشر ثم انكسر الثلث بالأثلاث فاضرب
اثنى عشر في ثلاثة فيكون ستة وثلاثين أخذت العليا مرة ثمانية عشر ومرة نصف السدس
ثلاثة ومرة ثلث الثلث أربعة فذلك خمسة وعشرون وأخذت السفلي مرة ثلاثة ومرة أربعة
فذلك سبعة وإنما يسلم للعصبة أربعة أسهم وإن لم يكن له عصبة فالنصف وهو ستة من اثنى
عشر للعليا ثلث والثلث بينهما نصفان لما بينا والثلث الباقي ان كانا ذكرين فهو للأعلى وكذلك
إن كان الأعلى ذكرا فإن كانا أنثيين فللعليا ثلاثة أرباعه بالرد وإن كان الأسفل ذكرا والأعلى
أثنى فالثلث للأسفل وقد بينا انه يؤخذ بالأكثر والأقل فيكون هذا الثلث بين الأعلى
والأسفل نصفين فقد أخذ الأعلى مرة ستة ومرة سهما ومرة سهمين فذلك تسعة من
اثنى عشر وهو ثلاثة أرباع المال وأخذ الأسفل مرة سهما ومرة سهمين وذلك ربع المال
* ابنة أخ خنثى وابنة ابن أخ خنثى وابن ابن ابن أخ معروف فعلى قول أصحابنا رحمهم الله
المال بينهم أثلاثا لان العليا إن كان ذكرا فله الميراث كله وان كانت أنثى فلا شئ لها والثانية
ان كانت أنثى فلا شئ لها وإن كان ذكرا والعليا أنثى فالميراث له وان كانتا أنثيين جميعا
فالميراث للأسفل وإنما يؤخذ في هذا بأكثره وأقله فالذي يسقط من وجه ويرث من وجهين
والذي يسقط من وجهين ويرث من وجه سواء في قياس مذهبه وإذا كان كل واحد منهم
استحق جميع المال من وجه فقد استووا في الاستحقاق فالمال بينهم أثلاثا فإن لم يكن للميت
وارث غير هذين الخنثيين فالمال كله للعليا في قولنا لأنهما ابنتان وابنة الأخ مقدمة في الميراث
على ابنة ابن الأخ وفى قياس قول الشعبي المال بينهما نصفان لان الذي يرث من وجوه والذي
يرث من وجه واحد عنده سواء فالمال كله للأعلى أن كانا ذكرين أو كان هو ذكرا أو كانا
أنثيين وان كانت العليا أنثى والآخر ذكرا فالمال كله له فلهذا جعل المال بينهما نصفين * فان
ترك ثلاث بنات أخ خناثى بعضهن أسفل من بعض وأسفل من السفلى ابن أخ ففي قياس قول
الشعبي المال بينهم أرباعا لكل واحد منهم الربع لان العليا إن كان ذكرا ورث دونهم وان كانت
أنثى والثانية ذكرا ورث دونهم وان كانت أنثى والثالثة ذكرا ورثت دونهم وان كن إناثا
جميعا ورث ابن الأخ الأسفل فكل واحد منهم يستحق جميع المال من وجه وذلك يكفي
96

للمزاحمة فكان بينهم أرباعا فإن لم يكن أسفل منهن ذكر ولم يكن للميت عصبة فالمال بينهم
أثلاثا لان كل واحد منهم يرث جميع المال من وجه وإنما يوجد في هذا الأقل والأكثر فكان
المال بينهم أثلاثا فان ترك بنتا خنثى وأختا خنثى ومات قبل أن يستبين أمرهما فللابنة النصف
والباقي للأخت في قول أبي حنيفة وأبى يوسف الأول ومحمد رحمهم الله لأنها ابنة والأخت
مع الابنة تكون عصبة وفى قياس قول الشعبي للابنة ثلاثة أرباع المال وللأخت الربع لان
النصف للابنة بلا شك والنصف الآخر استوت فيه منازعتهما والابنة ان كانت ذكرا كان
هذا النصف له وان كانت أنثى فهذا النصف للأخت ذكرا كان أو أنثى فجعل بينهما نصفان
فيجعل للابنة ثلاثة أرباع المال وللأخت ربعه وان ترك أختا خنثى وابنة أخ خنثى ففي قولنا
للأخت النصف وللعصبة النصف لان الخنثيين أنثيان فللأخت النصف والباقي للعصبة ولا
شئ لابنة الأخ وإن لم يكن للميت عصبة فالمال كله للأخت بالفرض والرد فإنه لا شئ لذوي
الأرحام مع وجود ذي السهم وابنة الأخ من ذوي الأرحام وفى قول الشعبي للأخت الثلثان
ولابنة الأخ السدس وللعصبة السدس لان الأخت لها النصف بلا شك وهي تزاحم الأخرى
في النصف الباقي فإنه إن كان ذكرا فله الباقي وان كانت هي أنثى والأخ ذكر فالنصف الباقي
له وان كانتا أنثيين فالنصف الباقي للعصبة فكان هذا النصف بينهما أثلاثا وإن لم يكن للميت
عصبة فللأخت ثلاثة أرباع المال ولابنة الأخ ربع المال لان النصف العليا بلا شك والنصف
الآخر للعليا ان كانا ذكرين أو أنثيين وان كانت العليا أنثى والسفلى ذكرا فالنصف الباقي له
والذي يسقط من وجه واحد والذي يسقط من وجهين عنده سواء فيكون هذا النصف
بينهما نصفين وكذلك لو ترك ابنة خنثى وابنة أخ خنثى ولا عصبة له فالجواب على ما وصفنا
في الأخت على القولين جميعا فان ترك ابنة خنثى وابنة ابن خنثى وابنة ابن ابن خنثى وعصبة
فعلى قولنا الخناثى إناث فللعليا النصف وللوسطى السدس تكملة الثلثين والباقي للعصبة ولا
شئ للسفلى وإن لم يكن للميت عصبة فالباقي يرد على العليا والوسط أرباعا على قدر مواريثهما
وفى قول الشعبي للعليا ثمانية أسهم من اثنى عشر وللوسطى سهمان وللسفلى سهم وللعصبة سهم
لان النصف للعليا بلا شك والسدس بينهما وبين الوسطى نصفين لان العليا إن كان ذكرا
فهذا السدس له وان كانت أنثى فهذا السدس للوسطى ذكرا كان أو أنثى فكان بينهما نصفين
وبقي ثلث المال كل واحدة منهن تدعيه وتقول انا ذكر والثلثان لي والعصبة إناث جميعا تقول
97

هذا الثلث لنا فباعتبار هذا المعني كان الثلث وبينهم أرباعا فقد أخذت العليا مرة ستة ومرة
سهما ومرة سهما فذلك ثمانية ثلثا المال والوسطى أخذت مرة سهمين ومرة سهمين فذلك الثلث
وإنما أخذت السفلى سهما والعصبة كذلك وذلك نصف السدس وإن لم يكن للميت عصبة
فللعليا النصف بلا شك والسدس بينهما وبين الوسطى نصفين لما بينا والثلث بينهن أثلاثا
فتكون القسمة من ستة وثلاثين للعليا مرة ثمانية عشر ومرة ثلاثة ومرة أربعة وللوسطى
مرة ثلاثة ومره أربعة وللسفلى أربعة فان ترك ابنة وثلاث بناته ابن بعضهن أسفل من
بعض خناثى كلهن وعصبة فعندنا للابنة النصف وللعليا السدس والباقي للعصبة لان الخناثى
إناث ما لم يستبن حالهن وإن لم يكن له عصبه فالباقي رد على الابنة وابنة الابن علي قدر ميراثهما
أرباعا وفى قياس قول الشعبي الفريضة من مائة وثمانين سهما للابنة مائة وثمانية عشر سهما
وللعليا ثمانية وعشرون سهما وللوسطى ثمانية عشر سهما وللسفلى ثمانية أسهم وللعصبة ثلاثة
عشر سهما لان للابنة النصف من غير شك والسدس بينهما وبين العليا من بنات الابن نصفين
لما بينا وثلث الثلث الباقي بين الابنة والعليا والوسطى وللعصبة أرباعا لان السفلى لا تدعى من
ذلك الثلث الا بثلثه فإنها تقول أنا ذكر والبواقي إناث والثلث بيني وبين الوسطي أثلاثا لان
الذكر يعصب من فوقه بدرجة ممن لم يأخذ شيئا كما يعصب من هو في درجته فيخرج ثلث
هذا الثلث عن منازعته وكل واحدة من البواقي تدعى ذلك لنفسها بدعواها الذكورة والعصبة
تدعى ذلك لنفسها أيضا بدعواها انهن إناث وأما ثلث الثلث بينهم جميعا أخماسا لان كل واحدة
منهن تدعى ذلك لنفسها بدعواها صفة الذكورة والعصبة كذلك فقد انكسر الثلث بالأثلاث
والأرباع والأخماس فيضرب ثلاثة في خمسة فتكون خمسة عشر ثم خمسة عشر في أربعة
فتكون ستين ثم في أصل المال ثلاثة فيكون مائة وثمانين فاما الابنة فقد أخذت النصف
تسعين وجعلنا السدس بينها وبين العليا نصفين وذلك ثلاثون لكل واحدة خمسة عشر وجعلنا
ثلث الثلث وذلك عشرون بين الأربعة سوى السفلى أرباعا لكل واحدة خمسة وجعلنا ثلثي
الثلث وذلك أربعون بين الخمسة أخماسا لكل واحدة ثمانية فحصل للابنة مرة تسعين ومرة
خمسة عشر ومرة خمسة ومرة ثمانية فذلك مائة وثمانية عشر ولابنة الابن مرة خمسة عشر
ومرة خمسة ومرة ثمانية فذلك ثمانية وعشرون وللوسطى مرة خمسة ومرة ثمانية فذلك
ثلاثة عشر وكذلك للعصبة ولم يسلم للسفلى الا ثمانية أسهم فاستقام التخريج فإن كان أسفل
98

منهن غلام معروف فعندنا للابنة النصف وللعليا من بنات الابن السدس تكملة الثلثين والباقي
بين الذكر الأسفل وبين الوسطى والسفلى للذكر مثل حظ الأنثيين لأنهما بنتان والذكر
من أولاد الابن يعصب من فوقه من الإناث ممن لم يأخذ شيئا بالفرضية وفى قول الشعبي
نصف المال للابنة والسدس بينها وبين العليا نصفين وثلثا سدس المال بين الابنة والعليا والوسطي
أثلاثا وثلث سدس المال بينهن وبين السفلى أرباعا وسدس المال الباقي بينهن وبين ا لغلام أخماسا
من قبل أن الغلام يدعى انهن إناث وان له نصف ثلث الباقي في الحاصل فنصف الثلث وهو
السدس خارجا عن دعواه والسفلى تدعي انه ذكر وان الثلث الباقي بينه وبين الوسطى أثلاثا
فثلثا السدس بزعمه للوسطى وهو ثلث الثلث وقد استوت منازعة الابنة العليا والوسطي
في هذا الجزء وهو ثلثا السدس كل واحدة منهما تدعى ذلك لنفسها بدعواها صفة الذكورة
فيكون بينهما أثلاثا وثلث السدس هما مع السفلى يدعونه فيكون بينهم أرباعا والسدس الباقي
هم جميعا مع الغلام يدعونه فيكون ذلك بينهم أخماسا فقد انكسر الثلث بالأرباع والأخماس
والأثلاث فإذا ضربت المخارج بعضها في بعض كان ذلك ستين ثم في أصل المال وهو ستة
فيكون ذلك ثلاثمائة وستين فقد أخذت الابنة مرة النصف مائة وثمانين ومرة نصف الثلث
وذلك ثلاثون فهو مائتان وعشرة ومرة ثلث ثلثي السدس أربعين وهو ثلاثة عشر وثلث
ومرة ربع ثلث السدس وذلك خمسة ومرة خمس السدس وذلك اثنا عشر فإذا جمعت ذلك
كله كان ذلك مائتين وأربعين وثلثا وابنة الابن أخذت مرة ثلاثين ومرة ثلاثة عشر وثلثا
ومرة خمسة ومرة اثنى عشر فذلك ستون وثلث والوسطى أخذت مرة ثلاثة عشر وثلثا
ومرة خمسة ومرة اثنى عشر فذلك ثلاثون وثلث والسفلى أخذت مرة خمسة ومرة اثنى عشر
وما أخذ الغلام الا اثني عشر فاستقام التخريج فإن كانت الوسطى أو السفلى معروفتان أيهما
ابنتان والمسألة بحالها ففي قول الشعبي للابنة النصف والسدس بينها وبين العليا نصفين ومن الثلث
الباقي للابنة ثلاثة وللعليا ثلاثة والثلث بين الوسطى والسفلى والغلام للذكر مثل حظ الأنثيين
فصار هذا الثلث مقسوما على اثني عشر سهما فحاجتنا إلى حساب ينقسم ثلثه أرباعا فيكون جملة
المال على ستة عشر وثلاثين سهما نصف ذلك ثمانية عشر للابنة الصلبية بغير شك والسدس وهو
ستة بينها وبين العليا نصفين لان كل واحدة منهما تدعى ذلك بدعواها صفة الذكورة ولا
ينازعهما في ذلك الوسطى والسفلى والغلام لأنهم يزعمون أنهما ابنتان وان الثلثين لهما فلهذا
99

قسم هذا السدس بينهما نصفين وأما الثلث الباقي فالوسطى والسفلى لا يدعيان شيئا من ذلك
لأنفسهما الا بالغلام الذي دونهما لأنهما ابنتان معروفتان حالهما فيعصبهما الغلام الذي هو دونهما
في الباقي فقد استوى في هذا الثلث دعوى الغلام ودعوى العليا وابنة الصلب فيكون ثلاثة
لابنة الصلب وثلاثة للعليا باعتبار ان كل واحدة منهما تدعى جميع ذلك لنفسها بدعوى صفة
الذكورية يبقى الثلث فهو بين الغلام والوسطى والسفلى للذكر مثل حظ الأنثيين فحصل لابنة
الصلب مرة ثمانية عشر ومرة ثلاثة ومرة أربعة فذلك خمسة وعشرون وحصل للعليا مرة
ثلاثة ومرة أربعة فذلك سبعة وحصل للغلام سهمان وللوسطى والسفلى لكل واحدة سهم
وان كانت السفلي هي المعروفة انها ابنة والباقون خناثى فعلى قياس قول الشعبي للابنة النصف
والسدس بين الابنة والعليا نصفين ونصف السدس بين ا لابنة والعليا والوسطى أثلاثا والباقي
بينهم جميعا أرباعا للابنة ربعه وللعليا ربعه وللوسطى ربعه وربعه بين السفلى والغلام للذكر مثل
حظ الأنثيين فيحتاج إلى حساب ينقسم ثلثه أسداسا وأرباعا وأثلاثا وذلك بان تضرب ستة
في أربعة فيكون أربعة وعشرين ثم في ثلاثة فيكون اثنين وسبعين ثم في ثلاثة فيكون مائتين
وستة عشر النصف من ذلك مائة وثمانية للابنة بغير شك والسدس ستة وثلاثون بين
الابنة والعليا نصفين لكل واحدة ثمانية عشر لأنه لا ينازعهما في الثلثين أحد والثلث نصفان
لان لكل واحدة ثمانية عشر لأنه لا ينازعهما في الثلثين أحد والثلث الباقي وذلك اثنان
وسبعون فربعه وهو نصف السدس بين الابنة والعليا والوسطي أثلاثا لان السفلى إنما
تدعي هذا الثلث بالغلام والغلام يزعم أن الوسطى أنثى وان الثلث الباقي بينه وبين الوسطي
والسفلى للذكر مثل حظ الأنثيين أرباعا فربع هذا الثلث لا يدعيه الغلام والسفلى وقد استوى
فيه دعوى العليا والوسطى والابنة كل واحدة تزعم أنها ذكر فيكون بينهم أثلاثا لكل واحدة
ستة والباقي وهو ثلاثة أرباع الثلث وذلك أربعة وخمسون سهما استوى فيه دعوى الابنة
والعليا والوسطى والغلام فيكون أرباعا ربعه للابنة وربعه للعليا وربعه للوسطي وربعه بين
الغلام والسفلى للذكر مثل حظ الأنثيين لان الغلام مقر أن ما يصيبه من هذا الميراث بينه
وبين السفلى للذكر مثل حظ الأنثيين واقراره حجة في حقه وربعه ثلاثة عشر ونصف فإذا
جعل بينهما أثلاثا كان للغلام تسعة وللسفلى أربعة ونصف وإن أردت دفع الكسر بالانصاف
فأضعف الحساب * امرأة تركت زوجها وأمها وأختا لأب وأم خنثى فماتت قبل أن يستبين
100

أمرها ففي قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله للزوج النصف وللأم الثلث والباقي
للخنثى لأنهم يجعلون للخنثى أسوأ حالة وأسوأ الأحوال هنا أن يكون ذكرا وفى الحقيقة
لا يحكم بأنه ذكر ولا أنثى وكيف يحكم بذلك من غير دليل ولكن يعطيه أقل النصيبين لأنه
هو المتيقن به وأقل النصيبين هنا نصف الذكر لأنه إذا جعل أنثى يستحق النصف وتعول
الفريضة بسببها واثبات العول بدون المتيقن لا يجوز ولهذا جعلنا للأخ ما بقي وفى قياس قول
الشعبي الفريضة من ثمانية وأربعين سهما لان الخنثى إن كان ذكرا فالفريضة من ستة وان
كانت أنثى فالفريضة من ثمانية للزوج ثلاثة وللأم سهمان وللأخت ثلاثة فتعول بسهمين
فالسبيل أن يضرب ستة في ثمانية فيكون ثمانية وأربعين ثلاثة أثمان ذلك وهو ثمانية عشر
للزوج يعنى وما زاد على ذلك إلى تمام الثلث وهو ستة يستحقه في حال وهو أن يكون الخنثى
ذكرا ولا يستحقه في حال فيعطيه نصف ذلك فيكون للزوج أحد وعشرون والأم لها اثنا
عشر يعنى وما زاد على ذلك إلى تمام الثلث وهو أربعة يستحقه في حال دون حال فيكون لها
نصف ذلك فلها أربعة عشر والخنثى لها ثمانية يعنى وما زاد على ذلك إلى تمام ثمانية عشر يستحق
في حال دون حال فلها نصف ذلك فحصل لها ثلاثة عشر وللأم أربعة عشر فذلك سبعة
وعشرون وللزوج أحد وعشرون فذلك ثمانية وأربعون وإن كان مع ذلك أخ لام فللخنثى
والزوج مثل ما كان لهما في الوجه الأول في قياس قول الشعبي وللأم والأخ لام مثل ما كان
للأم في الفريضة الأولى بينهما نصفين لان في الفريضة الأولى للأم سهمان من ستة أو من
ثمانية وهنا للأم سهم وللأخ سهم من ستة أو من ثمانية فعرفنا أن نصيبهما هنا مثل نصيب
الأم هناك وان حالهما فيه على السواء فيقسم أربعة عشر بينهما نصفين وعلى قولنا هذا والأول
سواء لان نصيب ا لأخ لام مع الخنثى يحول نصيب الأم إلى السدس ويكون السدس للأخ
لام فإنما يجعل للخنثى ما بقي وهو السدس باعتبار أنه أقل النصيبين له * رجل مات وترك
امرأته وأخوين لامه وأختا لأب وأم هي خنثى فعندنا للمرأة الربع وللأخوين لام الثلث
وما بقي فهو للأخت الخنثى لان أقل النصيبين له نصيب الذكر فإنه يأخذ خمسة من اثنى
عشر ولو جعلته أنثى كان لها ستة من ثلاثة عشر فلهذا جعلنا له الباقي وأما في قياس قول
الشعبي الفريضة من مائة وستة وخمسين سهما لان الخنثى إن كان ذكرا فالفريضة من اثني
عشر وإن كان أنثى فالفريضة من ثلاثة عشر للمرأة سبعة وثلاثون ونصف لان ثلاثة أجزاء
101

من ثلاثة عشر جزأ وذلك ستة وثلاثون لها يعنى والربع تسعة وثلاثون فما زاد على ذلك إلى
تمام الربع لها في حال دون حال فلها سبعة وثلاثون ونصف وللأخوين خمسون لان مقدار ثمانية
وأربعين لهما بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام الثلث وهو أربعة يثبت في حال دون حال فينتصف
وللخنثى ثمانية وستون ونصف لان خمسة اجزاء ذلك ستون له بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام
سبعة وسبعين وذلك سبعة عشر لها في حال دون حال فينتصف فيكون لها ثمانية وستون
ونصف فإن كان ترك مع ذلك أما ففي قولنا للأم السدس سهمان من أثني عشر وللمرأة الربع
ثلاثة وللأخوين لام أربعة وللخنثى ما بقي لان أقل النصيبين نصيب الذكر هناك وفى قول
الشعبي فالفريضة من مائة وعشرين سهما لان الخنثى إن كان ذكرا فالفريضة من اثنى عشر
وان كانت أنثى فلها ستة وللأم السدس سهمان وللأخوين لام أربعة وللمرأة ثلاثة تعول
بثلاثة فتكون من خمسة عشر إلا أن بين خمسة عشر وبين اثنى عشر وبين اثنى عشر موافقة بالثلث فيقتصر على
الثلث من أحدهما وذلك أربعة ثم تضربه في خمسة فيكون ذلك ستين منه تصح المسألة وان
خرج كما في بعض النسخ من ضعف ذلك وهو مائة وعشرون فقد يخرج مستقيما من ستين
فأما مقدار اثنى عشر يعنى وما زاد على ذلك إلى تمام الربع خمسة عشر وذلك ثلاثة لها في حال
دون حال فيكون لها ثلاثة عشر ونصف قلنا وإنما ان مقدار اثنى عشر لها بيقين لان أقل
النصيبين لها ثلاثة من خمسة عشر وهو الخمس وخمس ستين اثنا عشر فللأم ثمانية بيقين وما زاد
على ذلك إلى تمام السدس سهمان وهو عشرة لها في حال دون حال فيكون لها تسعة وللأخوين
لام ستة عشر بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام عشرين في حال دون حال فيكون لها ثمانية عشر
بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام أربعة وعشرين لها في حال دون حال فيكون تسعة عشر ونصفا
وإنما خرجه في بعض النسخ من مائة وعشرين للتحرز عن الكسر بالانصاف فان ترك ابنة
وثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض خناثى كلهن ولا عصبة له ففي قياس قول الشعبي
الفريضة من مائة وثمانية أسهم من قبل أن النصف للابنة ثابت بغير شك والسدس سهمان
بينهما وبين العليا نصفين لان الوسطى والسفلى لا يدعيان ذلك فإنهما يزعمان انهما بنتان وان
الثلثين لهما ثم السفلى تزعم أنها ذكر وان الوسط أنثى والثلث الباقي بينهما للذكر مثل حظ
الأنثيين فهو لا يدعى ثلث هذا الثلث والوسطي والعليا والابنة كل واحدة تدعى ذلك لنفسها
بدعواها صفة الذكورة فيكون بينهن أثلاثا يبقي ثلثا الثلث استوت فيه منازعتهن كل واحدة
102

تدعى ذلك لنفسها فيكون بينهن أرباعا فيحتاج إلى حساب ينقسم ثلاثة أثلاثا وأرباعا فالسبيل
أن يضرب أربعة في ثلاثة فيكون اثنى عشر ثم اثنى عشر في ثلاثة فيكون ستة وثلاثين ثم ستة
وثلاثين في أصل المال وهو ثلاثة فيكون مائة وثمانية للابنة مرة أربعة وخمسون وهو النصف
ومرة نصف السدس تسعة فذلك ثلاثة وستون ومرة أربعة وهو ثلث ثلث الثلث ومرة
ربع ثلثي الثلث وذلك ستة فستة وأربعة يكون عشرة إذا ضممت ذلك إلى ثلاثة وستين
يكون ثلاثة وسبعين وللعليا مرة تسعة ومرة أربعة ومرة ستة فذلك تسعة عشر وليس
للسفلي الا ستة عشر فإذا جمعت بين هذه السهام كانت مائة وثمانية فاستقام التخريج والله
أعلم بالصواب
كتاب الخنثى
(قال رضي الله عنه) ذكر عن أبي يوسف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس
رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سئل عن مولود ولد في قوم له ما للمرأة
وما للرجل كيف يرث فقال النبي صلى الله عليه وسلم من حيث يبول وهكذا روى عن علي
رضي الله عنه وهكذا نقل عن جابر بن زيد وعن قتادة وعن سعد بن المسيب رضي الله عنه
انه يرث من حيث يبول وهذا حكم كان عليه العرب في الجاهلية على ما يحكى ان قاضيا فيهم رفعت
إليه هذه الحادثة فجعل يقول هو رجل وامرأة فاستبعد قومه ذلك فتحير ودخل بيته في
الاستراحة فجعل يتقلب على فراشه ولا يأخذه النوم لتحيره في هذه الحالة وكانت له بنية
فغمزت رجليه فسألته عن تفكره فأخبرها بذلك وقالت دع الحال وابتغ المبال فخرج إلى قومه
وحكم بذلك فاستحسنوا ذلك منه فعرفنا ان حكمه كان في الجاهلية قرره رسول الله صلى الله
عليه وسلم وسيجئ من العني ما يدل عليه فان ما يقع به الفصل بين الذكر والأنثى عند الولادة
الآلة وذلك في الآدمي وفى سائر الحيوانات وعند انفصال الولد من الأم منفعة تلك الآلة
خروج البول منها وما سوى ذلك من المنافع يحدث بعد ذلك فعرفنا ان المنفعة الأصلية في
الآلة انها المبال فإذا كان يبول من مبال الرجل عرفنا ان آلة الفصل في حقه هذا وان الاخر
زيادة خرق في البدن فإذا كان يبول من مبال النساء عرفنا ان الآلة هذا وان هذا بمنزلة
مبالين في البدن فإن كان يبول منهما جميعا فالحكم لأسبقهما خروجا للبول منه لان الترجيح
103

بالسبق عند المعارضة والمساواة أصل في الشرع ولأنه كما خرج البول من أحدهما فقد حكم
باعتبار انه على تلك الصفة (ألا ترى) انه لو لم يخرج من المبال الآخر بعد ذلك كان ما
خرج علامة تمام الفصل وبعد ما حكم له بأحد الوصفين لا يتغير ذلك بخروج ذلك البول من
الآلة الأخرى فهو بمنزلة رجل أقام بينة على نكاح امرأة وقضى له بها ثم أقام الآخر البينة
لا يلتفت للبينة الثانية وكذلك لو ادعى نسب مولود وأقام البينة وقضى له به ثم دعاه آخر
وأقام البينة لا يلتفت إلى ذلك وإن كان يبول منهما جميعا معا قال أبو حنيفة رحمه الله لا علم
لي بذلك وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يورث بأكثرهما بولا لان الترجيح عند المعارضة
بزيادة القوة وذلك يكون بالكثرة كما يكون بالسبق إذ لا مزاحمة بين القليل والكثير كما لا
مزاحمة بين اللاحق والسابق فالظاهر أن الذي يخرج منه البول أكثر هو المبال فالحكم للمبال
وأبو حنيفة أبى ذلك لوجهين أحدهما ان كثرة البول تدل على سعة الخرج ولا معتبر لذلك
فمخرج بول النساء أوسع من مخرج بول الرجال والثاني ان الكثرة والقلة تظهر في البول
لا في المبال والآلة الفصل المبال دون البول وباعتبار السبق يأخذ السابق اسم المبال قبل أن
يأخذ الآخر ذلك الاسم وأما إذا خرج منهما جميعا فقد أخذا اسم المبال في وقت واحد على
صفة واحدة لان هذا الاسم لا يختلف بكثرة ما يخرج منه البول وقلته ثم إن أبا حنيفة رحمه
الله استقبح الترجيح بالكثرة على ما يحكى عنه ان أبا يوسف رحمه الله لما قال بين يديه يورث
من أكثرهما بولا قال يا أبا يوسف وهل رأيت قاضيا يكيل البول بالأواني وانى قد استبعد ذلك
لما فيه من القبح وتوقف في الجواب لأنه لا طريق للتمييز بالرجوع إلى المعقول ولم يجد فيه
نصا فتوقف وقال لا أدرى وهذا من علامة فقه الرجل وورعه أن لا يخبط في الجواب على
ما حكى ان ابن عمر رضي الله عنه سئل عن مسألة فقال لا أدرى ثم قال بخ بخ لابن عمر سئل
عما لا يدرى فقال لا أدى وكذلك أبو يوسف ومحمد قالا إذا استويا في المقدار لا علم لنا بذلك
ولم ينقل عن أحد منهم انه علم ذلك أو وقف فيه على دليل ليكون قول أبي حنيفة وأصحابه
لا علم لنا به بقضايا فيهم والله أعلم وهذا الذي هو مشكل لا يخلوا إذا بلغ هذا المعالم وإنما
لا يبقى الاشكال فيه بعد البلوغ فلا بد أن يزول الاشكال بظهور علامة فيه فإنه إذا جامع
بذكره أو خرجت له لحية أو احتلم كما يحتلم الرجال فهو رجل وقوله في ذلك مقبول لأنه أمر
في باطنه لا يعلمه غيره وقول الانسان شرعا مقبول فيما يخبر عما في باطنه مما لا يعلمه غيره وان
104

كان له ثديان مثل ثديي المرأة أو رآى حيضا كما ترى النساء أو كان يجامع المرأة أو ظهر به
حبل أو نزل في ثدييه لبن فهو امرأة لأن هذه علامات الفصل للبلوغ ولابد أن يظهر عليه
بعضها عند بلوغه فإنه لا يخلوا إذا بلغ عن هذه المعالم قلنا لا يبقى الاشكاك فيه بعد البلوغ
وإنما يكون ذلك في صغره إذا مات قبل أن يبلغ وقد بينا اختلاف العلماء في ميراثه قبل أن
يستبين أمره فيما سبق وان مات قبل أن يستبين أمره وقد راهق لم يغسله رجل ولا امرأة
ولكن ييم الصعيد لان الأصل ان النظر إلى العورة حرام وبالموت لا تنكشف هذه الحرمة
إلا أن نظر هذا الجنس أخف فلأجل الضرورة أبيح النظر للجنس عند الغسل والمراهق
كالبالغ في وجوب ستر عورته فإذا كان هو مشكلا لا يوجد له جنس أو لا يعرف جنسه انه
من الرجال أو من النساء فيعذر عليه لانعدام من يغسله وهو بمنزلة ما لو تعذر غسله لانعدام
ما يغسل به فيمم الصعيد وهو نظير امرأة تموت بين رجال ليس معهم امرأة فإنها تتيمم الصعيد
فهذا مثله فإن كان من ييممه من النساء يممته بعير خرقة وكذلك أن كان من الرجال من ذوي
الرحم المحرم له وإن كان أجنبيا عنه يممه بخرقة ولا بأس بأن ينظر إلى وجهه ويعرض بوجهه
عن ذراعيه لجواز أن يكون امرأة وفى هذا بالاحتياط فيما بنى أمره على الاحتياط وهو
السن والنظر إلى العورة وان سجى دبره فهو أحب إلى لان فيه نوع احتياط فلعله امرأة ومبنى
حالها على الستر ولا بأس بان يسجى دبر الرجل عند العذر كالحر والبرد والمطر واشتباه حاله
في العذر أبلغ من ذلك وان حمل على السرير مقلوبا فهو أحب إلى لان الرجل يحمل على السرير
مستويا بغير نعش والمرأة تحت نعش فان حمل على السرير بغير نعش وهو امرأة كان فيه
تشبيه النساء بالرجال وان جعل علي سريره النعش كان فيه تشبيه الرجال بالنساء إذا كان رجلا
فأولي الوجهين أن يحمل على سريره مقلوبا وان جعل على السرير النعش فيه المرأة فهو جائز
أيضا لأنه أقرب إلى الستر والستر مندوب إليه عند اشتباه الامر ويدخله قبره ذو رحم
محرم منه لقوله تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ولأنه إذا كان أنثى فينبغي أن يرمسه
من هو ذو رحم محرم منه وإن كان ذكرا فلا بأس بأن يرمسه محرمه عند الادخال في قبره فكان
هذا أحوط الوجهين ويكفن كما تكفن الجارية فهو أجب إلى لأنه أقرب إلى الستر ولان
الزيادة في كفن الرجل عند الحاجة جائزة واشتباه أمره من أقوى أسباب العذر فلهذا
يكفن كما تكفن الجارية (ألا ترى) ان في حالة الحياة يؤمر بالستر وينهى عن الكشف
105

فكذلك بعد الموت ما كان أقرب إلى الستر في حقه فهو أولى والأصل فيه قوله عليه السلام
ما اجتمع الحلال والحرام في شئ الا غلب الحرام الحلام وأكره في حياته لبس الحلي والحرير
لان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الذهب بيمينه والحرير بشماله وقال هذان حراما على
ذكور أمتي حل لإناثها فإنما أباح اللبس بشرط أنوثة اللبس وهذا الشرط غير معلوم في
الخنثى ثم ما يتردد بين الحظر والإباحة يترجح معنى الحظر فيه لقوله على السلام الحلال
بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك وترك لبس الحرير
لا يريبه ولبسه يريبه يوضحه ان الاجتناب عن الحرام فرض والاقدام على المباح ليس بفرض
فكان الاحتياط في ترك لبس الحرير لكيلا يكون موافقا للحرام إن كان رجلا وان قبله رجل
بشهوة لم يتزوج أمه حتى يستبين أمره لأنه إن كان أنثى فتقبيله بعد ما راهق يثبت حرمة
المصاهرة فتكون أمه حراما عليه من هذا الوجه وترك نكاح امرأة تحل له أولى من نكاح
امرأة هي محرمة عليه وان زوجه أبوه رجلا أو امرأة فلا علم لي بنكاحه وهو موقوف إلى
أن يبلغ لان الذكر يدخل في النكاح دخول المالكين والأنثى تصير مملوكة بالنكاح ولا
يمكن اثبات واحد من الوصفين في حقه من غير دليل ولا وجه لابطال النكاح الولي في حال
قيام ولايته ما لم يعلم أنه لم يصادق محله فيكون موقوفا إلى أن يبلغ فان ظهرت فيه علامة الرجال
وقد زوجه أبوه امرأة حكم بصحة النكاح من حين عقد الأب لأنه تبين أن تصرفه صادف
محله وإن لم يصل إليها أجل كما يؤجل العنين وإن كان زوجه أبوه من رجل ثم ظهر به علامة
الرجال فقد تبين ان هذا التصرف لم يصادف محله فكان باطلا وان أحرم وقد راهق قال
أبو يوسف لا علم لي بلباسه لان الرجل في احرامه يحرم عليه لبس المخيط والمرأة في احرامها
يلزمها لبس المخيط ويحرم عليها الاكتفاء بلبس الإزار والرداء فلما استوى الجانبان لا يمكن
ترجيح أحدهما بغير حجة فتوقف فيه وقال لا علم لي بلباسه وقال محمد يلبس لباس المرأة لأنه
أقرب إلى الستر ومبنى حاله على الستر كما في غير حالة الاحرام ولان لبس المخيط للرجل في
أرحامه جائز عند العذر واشتباه أمره من أبلغ الاعذار ولا شئ عليه في ذلك لأنه لم يبلغ
وكفارة الاحرام بارتكاب المحظور لا تجب على غير البالغ عندنا ويصلى بقناع أحب إلى
لأنه أقرب إلى الستر ولأنه إن كان رجلا فالتقنع لا يمنع جواز صلاته وإن كان أنثى فإنها تؤمر
بالتقنع في صلاتها إذا كان مراهقة فعند الاشتباه يترجح هذا الجانب ويجلس في صلاته
106

كجلوس المرأة معناه يخرج رجليه من جانب ويفضى بأليتيه إلى الأرض لأنه أقرب إلى
الستر ولان الرجل لا بأس بان يجلس كذلك عند العذر واشتباه الحال أبين الاعذار ويكون
في الجماعة خلف صف الرجال وامام صف النساء لان تمام الاحتياط فيه فإنه إن كان رجلا
فوقوفه في صف النساء يفسد صلاته وان كانت امرأة فوقوفها يفسد صلاة من عن يمينها وعن
يسارها ومن خلفها من الرجال بحذائها لان المراهقة في هذا كالبالغة استحسانا فإذا وقف في
صف الرجال امام صف النساء نتيقن بجواز صلاته وصلاة جميع القوم فان وقف في صف النساء
فأحب إلى أن يعيد الصلاة لان سبب وجوب الصلاة عليه معلوم السقوط بهذا الأداء
مشتبه والاخذ بالاحتياط في باب العبادات أحب إلى الا انه لم يلزمه الإعادة قطعا لان المسقط
وهو الأداء معلوم والمفسد وهو محاذاة المرأة الرجل في صلاة مشتركة موهوم فللتوهم
أحب له أن يعيد الصلاة وان أقام في صف الرجال فصلاته تامة لأنا نتيقن بجواز صلاته ذكرا
كان أو أنثى ويعيد الذي عن يمينه وعن يساره ومن خلفه سجدات صلاتهم والمراد على طريق
الاستحباب لما بينا ان محاذاة المرأة الرجل في حقهم موهوم ومبنى العبادة على الاحتياط
فيستحب لهم أن يعيدوا صلاتهم لهذا وان مات هذا الخنثى المشكل فصلى عليه وعلى رجل
وامرأة وضع الرجل مما يلي الامام والخنثى خلفه مما يلي القبلة والمرأة خلف الخنثى اعتبارا
بحالة الحياة فان صف الرجال أقرب إلى الامام من صف الخناثى لقوله عليه السلام ليلين منكم
أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم فقد أمر بأن يقرب منه من هو أفضل والأصل فيه
قوله تعالى ويؤتى كل ذي فضل فضله وللرجال زيادة درجة على النساء فينبغي أن تكون جنازة
الرجل أقرب إلى الامام من جنازة النساء والخنثى المشكل لتردد الحال فيه تجعل جنازته
خلف جنازة الرجل وامام جنازة المرأة فان دفنوا في قبر واحد من عذر فلا بأس بذلك لان
النبي صلى الله عليه وسلم أمر يوم أحد أن يدفن جماعة من ا لشهداء في قبر واحد وأن يجعل
بين كل ميتين حاجز من التراب فيفعل كذلك هنا ويوضع الرجل مما يلي القبلة ثم خلفه الخنثى
ثم خلفه المرأة لان جهة القبلة أشرف فيكون الرجل بالقرب منه أحق (ألا ترى) في حديث
أحد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتقديم أكثرهم أخذا للقرآن إلى جانب القبلة
ويجعل بين كل ميتين حاجز من الصعيد فيصير ذلك في حكم قبرين وان قذف رجلا بعد
ما بلغ قبل أن يستبين أمره أو سرق منه أقيم الحد عليه لأنه صار بالبلوغ مخاطبا وحد القذف
107

والسرقة لا يختلف بالذكورة والأنوثة واشتباه حاله لا يمنع بتحقق قذفه موجبا للحد عليه ولا
تحقق سرقته والسرقة منه موجب القطع وان قذفه رجل فلا حد على قاذفه بمنزلة المجنون
والرتقاء إذا قذفها رجل وهذا لان القاذف يستوجب الحد بنسبه الرجل إلى فعل يباشره
ونسبة المرأة إلى التمكين من فعل يباشره غيرها ومع اشتباه أمره لا يتقدر السبب ولا
يدري ان قاذفه إلى أي فعل نسبه فإن كان نسبه إلى مباشرة الفعل وهو امرأة كان قد نسبه
إلى محال فيكون بمنزلة قاذف الرتقاء والمجنون وإن كان قد نسبه إلى التمكين وهو رجل كان
قد نسبه إلى ما هو قاصر في حقه غير موجب للحد عليه وعند الاشتباه الامر لا يمكن إقامة
الحد على القاذف وإذا قطع رجل يده أو امرأة قبل أن يستبين أمره فلا قصاص على القاطع
لان حكم القصاص فيما دون النفس يختلف بالذكورة والأنوثة لا يجرى القصاص بين الرجال
والنساء وفى الأطراف فإن كان القاطع رجلا لم يجب القصاص إذا كانت هي امرأة وإن كان
القاطع امرأة لم يجب القصاص إذا كان هو رجلا فعند الاشتباه يتمكن فيه الشبهة والقصاص
عقوبة تندرئ بالشبهات وبه فارق القصاص في النفس فإنه لا يختلف بالذكورة والأنوثة سواء
قتله رجل أو امرأة كان عليه القصاص لتيقنا بوجوبه وتقرر سببه ولو قطع هذا الخنثى يد رجل
أو امرأة أو قتله لم يكن عليه قصاص ولكن الدية على عاقلته لأنه صغير لم يبلغ فعمده وخطؤه
سواء ولو صلى بغير قناع قبل أن يدرك لم آمره بالإعادة لان أسوأ أحواله أن يكون أنثى
والمراهقة إذا صلت بغير قناع لا تؤمر بالإعادة استحسانا زاد في بعض النسخ وإن كان بالغا
فصلي بغير قناع أمرته أن يعيد وهذا بطريق الاحتياط ولكن لا يتصور بقاؤه مشكلا بعد
البلوغ وان تصور يحكم بهذا وأكره له أن ينكشف قدام الرجال وقدام النساء إذا كان قد
راهق حتى يستبين أمره لتوهم أن يكون امرأة والمرأة عورة مستورة وهذه المسألة تدل
على أن نظر المرأة إلى المرأة كنظر الرجل إلى ذوات محارمه لا كنظر الرجل إلى الرجل لأنه
لو كان كنظر الرجل إلى الرجل لجاز للخنثى التكشف من النساء فإنه ليس المراد من التكشف
إبداء موضع العورة لان ذلك لا يحل لغير الخنثى أيضا ولكن المراد أن يكونا في إزار واحد
وفى هذ الفصل روايتان بيناهما في الاستحسان وأكره أن يخلو به من ليس بمحرم له من
رجل أو امرأة لقوله عليه السلام الا لا يخلون رجل بامرأة ليس منها بسبيل فان ثالثهما
الشيطان وإذا خلى الخنثى برجل فمن الجائز انه امرأة فتكون هذه خلوة رجل بامرأة أجنبية
108

وإذا خلا بامرأة فمن الجائز انه ذكر خلا بأجنبية والمراهقة في المنع من هذه الخلوة كالبالغة
لان المنع لخوف الفتنة وكذلك يكره ان تسافر معه امرأة محرما كانت أو غير محرم لان من
الجائز ان الخنثى أنثى فتكون هذه مسافرة امرأتين بغير محرم لهما وذلك حرام ويكره أن
يسافر الخنثى الا مع محرم من الرجال ثلاثة أيام فصاعدا لان من الجائز انه أنثى ولا يجوز شهادته
حتى يدرك لان الصغير يعدم أهلية الشهادة وأكره له أن يلبس الحلي والذهب حتى يستبين
أمره لجواز أن يكون ذكرا ولو كان لرجل ولدان خنثيان فمات أبوهما أحرزا ميراثه كله في
قول الشعبي لان عنده يرث كل واحد منهما نصف ميراث رجل ونصف ميراث أنثى وعندنا
ما زاد على نصيب الابنتين موقوف حتى يستبين أمرهما وقد بينا هذا في فرائض الخنثى ولا يرث
الخنثى بولاء الغير ما لم يستبن أمره لأنه في حكم الميراث أنثى ولو أوصى رجل لما في بطن امرأة
بألف درهم إن كان غلاما وبخمسمائة ان كانت جارية فولدت هذا الخنثى قال يوقف الخمسمائة
الفاضلة في قوله حتى يتبين أمره لان الوصية أخت الميراث وقد جعلناه في الميراث كالأنثى
ما لم يتبين أمره وهذا لأنا لا نعطيه الا بالمتيقن به والمتيقن به هو الأقل وفى قياس قول الشعبي
ينبغي أن يكون له سبعمائة لأنه يجعل الخنثى في الميراث بمنزلة نصف رجل ونصف امرأة
فكذلك في الوصية وهذا لان اعتبار الأحوال عند الاشتباه أصل معتبر في الشرع ولو قال إن
كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت طالق أو قال لامته إن كان أول ولد تلدينه جارية فأنت
حرة فولدت الحرة والأمة هذا الخنثى المشكل لم يقع الطلاق ولا العتاق حتى يتبين أمره
لان المتعلق بالشرط لا ينجز ما لم يوجد الشرط حقيقة ومع الاشكال لا يتبين وجود الشرط
فهذا نظير ما لو قال إن لم أدخل دار فلان فعبده حر ثم مات ولا يعلم أدخل أو لم يدخل
لا يحكم بوقوع العتق لهذا المعنى فكذلك هنا فان فرض لهذا الخنثى في الغنيمة لم يحز حتى
يستبين أمره وان شهد الوقعة وصح له بسهم لأنه صغير ما دام مشكل الحال وقد بينا ان
الاشكال لا يبقى بعد البلوغ ولأنه متردد الحال فلا يثبت في حقه الا أدنى الامرين وكذلك
الضخ دون السهم وان أخذ الخنثى أسيرا من الكفار أو ارتد بعد الاسلام لم يقتل لان القتل
عقوبة يندرئ بالشبهات فاما أن يكون هذا في حال الصغر والصغير لا يستوجب العقوبة
أو بعد البلوغ فيتوهم كونه أنثى وإن كان الخنثى من أهل الذمة لم يوضع عليه خراج رأسه
لهذين المعينين وكذلك لا يدخل الخنثى في القسامة مع العقلاء ولتوهم الأنوثة ولو قال رجل
109

كل عبد لي حر أو قال كل أمة لي حرة وله مملوك خنثى لم يعتق حتى يستبين أمره وان قال
القولين جميعا عتق لأنه عند يتيقن الجمع أن الايجاب يتناوله بأحد اللفظين وعند الانفراد
بأحد اللفظين لا يتيقن ذلك والرق يقين فيه وكذلك أن قال إن ملكت عبدا فامرأته
طالق فاشترى الخنثى لم تطلق وكذلك أن قال القولين جميعا طلقت بشراء الخنثى لتيقننا
بوجود الشرط وان قال الخنثى أنا رجل أو قال أنا امرأة لم يقبل قوله إن كان قد علم أنه
مشكل لأنه يحارف عما يخبر به عن نفسه فإنه لا يعلم من ذلك الا ما يعلم غيره ويكره أن
تجسسه رجل وامرأة حتى يبلغ ويستبين أمره لان المراهق بمنزلة البالغ في وجوب ستر
عورته ونظر الجنس إلى خلاف الجنس لا يباح في حالة الاختيار فسواء جنسه رجل أو
امرأة يتوهم نظر خلاف الجنس ولكن يشترى له جاريه عالمة بذلك من ماله جنسه لأنه
يملكها بالشراء حقيقة فإن كان الخنثى امرأة فهذا نظر الجنس إلى الجنس فإن كان رجلا فهذا
نظر المملوكة إلى مالكها قال محمد رحمه الله إن كان معسرا اشترى له الامام جارية بمال بيت
المال فتجسسه ثم باعها وجعل ثمنها في بيت المال وأبو حنيفة وأبو يوسف لا يخالفان محمدا رحمه
الله في هذا ولكنه خص قوله لأنه لم يحفظ جوابهما ثم مال بيت المال معد لمصالح المسلمين
وهذا من جملتها وفيه إقامة ما هو ظهره بمنزلة المستحقة شرعا فيكون للامام أن يحصل ذلك
بمال بيت المال ولم يذكر في الكتاب انه يزوج امرأة خناثة وكان الشيخ الامام رحمه الله
يقول إنما لم يذكر ذلك لأنه لم يتبين بصحة نكاحه ما لم يتبين أمره ولكن لو فعل مع هذا
كان مستقيما لان الخنثى إن كان امرأة فهذا نظر الجنس إلى الجنس والنكاح لغو وإن كان
رجلا فهذا نظر المنكوحة إلى زوجها وان زوجه أبوه قبل أن يبلغ رجلا أو زوجه امرأة
فان ذلك موقوف لا يجيزه ولا يبطله ولا يتوارث حتى يستبين أمره أما لا تبطله لان العاقد
ولأي ولا نجيزه لأنا لا نعلم بمصادفة هذا العقد محله ولا يتوارث لان التوارث من حكم
انتهاء العقد الصحيح بالموت وان قتل خطأ قبل أن يستبين أمره فعلى قول الشعبي على القاتل
نصف دية المرأة ونصف دية الرجل باعتبار الأحوال وعندنا القول قول القاتل وعلى أولياء
القتيل البينة لان القاتل منكر للزيادة فكان القول قوله مع يمينه وعلى مدعى الزيادة اثباتها
بالبينة * رجل مات وترك ابنا وامرأة وولد من هذه المرأة خنثى فمات الخنثى بعد أبيه
فادعت أمه انه كان غلاما يبول من حيث يبول الغلام وادعى الابن انه كان يبول من حيث
110

تبول الجارية فالقول قول الابن لأنها تدعى الزيادة في ميراثها منه والابن منكر للزيادة
فالقول قوله مع يمينه على علمه لأنه يستخلف على فعل الغير والبينة بينة الأم سواء أقامت
هي وحدها أو أقاما جميع البينة لأنها تثبت الزيادة في حقها والابن ينفى بينة تلك الزيادة
ولو أقامت الأم بينة على ذلك وأقام رجل البينة ان الميت زوجه هذه الصبية على ألف درهم
وانها كانت تبول من حيث تبول النساء وطلب ميراثه منها قال فالبينة بينة الزوج لان
في بينته زيادة اثبات فإنه يثبت صحة النكاح والميراث لنفسه فكانت بينته أولى بالقبول ثم
للأم نصيبها من الصداق وغيره ولا يقال هي تنكر وجوب الصداق فكيف تأخذ
نصيبها منه لأنها صارت مكذبة فيما زعمت في الحكم وقد بينا ان زعم الزاعم يسقط اعتباره
إذا جرى الحكم بخلافه وكذلك أن أقام كل واحد منهما البينة انه كان يبول من المبال
الذي ادعاه ولم يكن يبول من المبال الآخر لان قوله ولم يكن يبول نفى والشهادة بلفظ
النفي لا تكون مقبولة فوجود هذه الزيادة كعدمها ولو أقامت البينة ان أباها زوجا
إياه في حال حياته وأمهرها عنه ألف درهم وانه كان غلاما يبول من حيث يبول الغلام
خاصة وأقامت الأم البينة انه كان يبول من حيث تبول النساء فالبينة بينة المرأة لما فيها من
اثبات الزيادة وهو أصل النكاح والمهر والميراث وكذلك لو صدقتها الأم فيما ادعت وأقام الابن
البينة انه كان جارية فالبينة بينة المرأة لما بينا ولو أقامت هذه المرأة البينة على ما وصفنا وأقام
الزوج البينة على ما وصفنا في المسألة الأولى فالبينة بينة المرأة وهو اثبات الصداق فتترجح
بذلك لان البينتين تعارضتا في اثبات النكاح والميراث وفى بينة المرأة زيادة وهو اثبات
الصداق فتترجح لذلك وان وقعت البينتان في وقتين فالوقت الأول أولى لان صاحب الوقت
الأول يثبت عقده وحده في الخنثى في وقت لا ينازعه غيره فيه وبعد ما ثبت ذلك في الوقت
الأول الذي استند إليه تصير البينة الثانية محالا وإن كان الخنثى حيا أبطلت ذلك كله ولم أقض
بشئ منه لان في حال حياته المقصود هو الحل وقد تعارضت البينتان فيه وانتفتا لاستحالة أن
يكون الشخص الواحد زوجا وزوجة بخلاف ما بعد موته فالعقد قد ارتفع هناك على أي وجه
كان وإنما المقصود المهر والميراث فصرنا إلى الترجيح باثبات الزيادة وهو نظير أختين ادعيا نكاح
رجل بعد موته وأقامت كل واحدة منهما البينة قضى لهما بالميراث منه ولو كان الرجل حيا
لكان يبطل البينتين إذا لم يؤقتا وكذلك لو ادعى رجلان نكاح امرأة فهو على هذا في
111

الفرق بين ما بعد الموت وقبله قال وليس يكون الخنثى مشكلا بعد الادراك على حال من
الحالات لأنه اما أن تحبل أو تحيض أو تخرج له لحية أو يكون له ثديان كثديي المرأة
وبهذا يتبين حاله وإن لم يكن له شئ من ذلك فهو رجل لأن عدم نبات الثديين يكون دليلا
شرعيا على أنه رجل وإذا قال أبوه أو وصيه هو غلام أو قال هي جارية فالقول قوله إذا كان
لا يعلم حاله فان كأن لا يعلم أنه مشكل لم يقبل قوله لأنه قائم مقام الصغير فيكون اخباره
بذلك كاخبار الخنثى بنفسه وإذا مات الخنثى بعد موت أبيه وهو مراهق فأقام الرجل
البينة ان أباه زوجه على هذا الوصف فأمر بدفعه إليها وانه كان يبول من مبال النساء وانه
قد طلقها في حياته قبل أن يدخل بها فوجب له نصف هذا العبد وأقامت امرأة البينة ان
أباها زوجها إياه في حياته على ألف درهم وانه كان يبول من مبال الغلام فان وقتت البينتان
وقتين فصاحب الوقت الأول أولى لأنه أثبت دعواه في وقت لا ينازعه غيره فيه والابطال
للمعارضة وقد انعدم هذا وإن لم توقت البينتان ولا يعرف أيهما أول أبطلت ذلك كله لان
البينتين استويا في معنى الاثبات ففي كل واحد منهما اثبات النكاح والميراث واثبات المهر
أيضا لان الرجل يثبت بينته الملك لنفسه في نصف الوصيف والمرأة تثبت المهر والجمع بينهما
ممتنع فللتعارض قلنا بأنه تبطل البينتان بخلاف ما تقدم فهناك اثبات المهر في بينة المرأة دون
بينة الرجل وكذلك لو أقام الرجل البينة ان أباه زوجها إياه برضاها وانه دخل بها فولدت هذا
الغلام أبطلت ذلك كله لأنه في كل واحدة من البينتين اثبات النكاح والنسب والميراث
فاستويا والجمع بينهما محال وإذا لم يعرف الحق منهما أبطلت ذلك كله ولو قامت احدى
البينتين وقضى القاضي بها ثم جاءت الأخرى لم يلتفت إليها لأنا نتيقن بكذب أحد الفريقين
فمن ضرورة القضاء بصدق الفريق الأول الحكم بكذب الفريق الثاني هذا هو الصحيح من
الجواب * وقع في بعض ذلك تشويش في الرواية فقال إذا لم يكن هناك ولد وقامت البينتان
ولم يوقتا ولم يقض القاضي بواحدة منهما فانى أبطل ذلك كله وأرده وهذا الجواب إنما يكون في
حال حياة الخنثى فاما بعد موته فقد بينا أنه بينة المرأة أولى لما في بينتها من اثبات الزيادة
وهو المهر ولو كان الخنثى من أهل الكتاب فادعى مسلم ان أباه زوجه إياها على مهر مسمى
وأقام بينة من أهل الكتاب وادعت امرأة من أهل الكتاب انه زوجها وأقامت بينة من أهل
112

الكتاب قضيت ببينة المسلم لان المسلم أقام ما هو حجة عليها وهي أقامت ما ليست بحجة عليه
وكذلك لو كان الرجل من أهل الكتاب وبينته من أهل الاسلام قضيت بها له لان ابطال
البينتين بحكم المعارضة والمساواة ولا معارضة بين شهادة المسلمين وشهادة الكفار فلا يجوز
أن تجعل شهادة المسلمين مردودة لمكان شهادة الكفار وإذا مات هذا الخنثى فادعت أمه
ميراث غلام وجحد الورثة ذلك وأقر الوصي به قال إذا جاءت الأموال والديون لم أصدق
الوصي لان عند الدعوى والجحود الحاجة إلى حجة حكمية وقول الوصي لا يكفي لذلك في
حق الورثة بخلاف ما إذا لم يكن هناك دعوى المال فأخبر الوصي انه غلام أو جارية فإنه يقبل
قوله لان الوصي قائم مقامه وهو لو أخبر بنفسه في حياته كان قوله مقبولا إذا لم يعرف
خلاف ذلك منه الا فيما يرجع إلى إلزام الغير فكذلك قول الوصي بعد موته وإن كان الوصي
أخاه فزوجه امرأة ثم مات الخنثى فقال الوصي هو غلام وقال بقية الورثة هو جارية لم يصدق
الأخ الا في نصيبه يرث من ذلك القدر معه لان الوصي أحد ورثة الخنثى وقد أقر بصحة
نكاحه وان لها منه ميراث النساء وأحد الورثة إذا أقر بوارث آخر بسبب القرابة أو النكاح
صدق في نصيب نفسه وإن لم يثبت أصل النسب باقراره فإن كان له أخ آخر فأقر انه جارية
وزوجه رجلا ثم مات الخنثى وهو مراهق لم يتبين حاله فنكاح الأول جائز على الزوج
دون غيره ولا يجوز نكاح الثاني على الثاني ولا على غيره من الورثة لان كل واحد من
الأولين يستند بالعقد كأنه ليس معه غيره فحين زوجه أحدهما لا يحكم ببطلان النكاح ليكون
المزوج وليا ولو جعلنا النكاح من الثاني معتبرا كان من ضرورته الحكم ببطلان النكاح الأول
وذلك لا وجه له ولأنه لما استويا ترجح الأول بالسبق فيتعين جهة البطلان في العقد الثاني
وبالعقد الباطل لا يستحق الميراث فإن لم يعرف أيهما أول أبطلت ذلك كله ولم أورثهما شيئا
لتحقق المعارضة والمساواة بينهما وتنافي الجمع بينهما ويجوز عتق هذا الخنثى عن الرقبة الواجبة
لان الواجب رقبة مطلقة يستوى فيه الذكر والأنثى والخنثى على أحد الوصفين لا محالة
ولا يحضران إن كان مراهقا غسل امرأة ولا رجل كما لا يغسله إذا مات رجل ولا امرأة
لتوهم نظر الجنس إلى خلاف الجنس وإذا زوج خنثى من خنثى وهما مشكلان على أن
أحدهما رجل والآخر امرأة لم أجز النكاح ولم أبطله حتى يتبين أمرهما لأن العقد صدر
بين الوليين فلا يحكم ببطلانه ما لم يعلم أنه لم يصادف محله ولا يحكم بجوازه لتوهم كونهما أنثيين
113

أو ذكرين أو على عكس ما قدره الوليان وان ما تألم يتوارثا لان الإرث إنما يكون بعد الحكم
بصحة النكاح وان كأن لم يعرف كل واحد منهما أنه مشكل أجزت النكاح إذا كان الأبوان
هما اللذان زوجا لان أب الزوج منهما أخبر انه غلام وأب المرأة منهما أخبر أنها امرأة وخبر
كل واحد منهما مقبول شرعا ما لم يعرف خلاف ذلك فوجب الحكم بصحة النكاح بناء على
ذلك فان ماتا بعد ذلك الأبوين وأقام كل واحد من ورثتهما البينة أنه هو الزوج وان
الأخرى هي الزوجة لم أقض بشئ من ذلك فاما إذا قامت البينة بخلاف ما جرى الحكم به
فهو مردود بلا اشكال وإن لم يعلم أيهما كان الزوج فقد تعارضت البينتان واستويا في أن كل
واحدة منهما تنقض الأخرى وان قامت احدى البينتين أولا واتصل القضاء بها تعين البطلان
للبينة الأخرى وإذا شهد شهود على خنثى أنه غلام وشهد شهود آخرون انه جارية فإن كان
يطلب ميراثا بهذه البينة قضيت بشهادة الشهود الذين شهدوا أنه غلام وشهد شهود آخرون انه جارية فإن كان
يطلب ميراثا بهذه البينة قضيت بشهادة الشهود الذين شهدوا أنه غلام لان فيه اثبات الزيادة
وإن كان لا يطلب ميراثا وكان رجل يدعى أنها امرأته قضيت بأنها جارية لان في هذه البينة
اثبات النكاح والحل وان كأن لا يطلب شيئا ولا يطلب من قبله شئ لم أسمع هذه البينة لان قبول
البينة تنبنى على دعوى صحيحة ولا تصح الدعوى لصحة الذكورة والأنوثة إذا لم يدع بها شيئا
فلهذا لا تقبل البينة وهو بمنزلة من أثبت الاخوة بالبينة وهو لا يدعى بذلك شيئا إذ الثابت
بالبينة كالثابت بالاقرار وقد بينا أنه بعد ما عرف كونه مشكلا إذا أقر انه على أحد الوصفين
لم يقبل اقراره بذلك إذا قامت البينة به والله أعلم بالصواب
كتاب حساب الوصايا
قال الشيخ الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل
السرخسي رحمه الله اعلم بأن مسائل هذا الكتاب من تفريع الحسن بن زياد وقد كان هو
المقدم في علم الحساب من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله ويوجد غير هذه المسائل في تصنيف
له سماه التكملات وإنما جمعها محمد بن الحسن رحمه الله في هذا التصنيف بعد ما صنف كتب
الحساب وسماه حساب الوصايا لان مقصوده تحقيق طريق التعميم الذي هو الأصل لأهل
الكوفة في تخريج مسائل الحساب عليه والحساب قل ما يعتمدون ذلك الطريق ولكن
الفقهاء رحمهم الله قدموه على سائر الطرق لأنه أقرب إلى طريق الفقه ومن سلك طريق
114

الورع من أصحابنا لا يشتغل في شرح مسائل كتب الحساب بطريق الحساب ويقولون انا
لا نقف على حقيقة تلك الطرق ولا ندري أنها توافق فقه الشريعة أم لا وليس في الاشتغال بها
كثير فائدة فيكتفى بما هو طريق الفقهاء رحمهم الله ومنهم من اشتغل بذكر ذلك الطريق
وقالوا ان الحساب كسبي في الابتداء ضروري في الانتهاء وفى الفقه كسبى في الابتداء والانتهاء
لان المجتهد في الابتداء لا يدرى أيصيب يقينا أم لا وبعد ما اجتهد لا يدرى أنه أصاب يقينا
أم لا وفى الحساب نتيقن ان أصاب في الابتداء فهو ضروري في الانتهاء فذكر طريق
الحساب في مسائل الفقه لبيان أنه قد يستدل بطريق الفقه على ما يكون بمنزلة الضروري في
الانتهاء وقد ذكرنا طرق الحساب في بعض ما تقدم من المسائل فيكتفى في بيان مسائل
هذا الكتاب بما اعتمده محمد رحمه الله وهذا طريق التعميم وقد سماه ثم الكسر والتعميم هو
الأصل فنقول رجل مات وترك ابنا وابنة وأوصى بمثل نصيب الابن فأجاز الابن ولم تجز
الابنة فالقسمة من خمسة وأربعين سهما للابنة عشرة وللابن ثمانية عشر وللموصى له سبعة عشر
لأنا نصحح الوصية لو أجازا جميعا فنقول عند اجازتهما تكون الفريضة من خمسة أسهم لان
قبل الوصية المال بين الابن والابنة أثلاثا وقد أوصى بمثل نصيب الابن ومثل الشئ غيره
فيزداد للموصى له سهمان فتكون الفريضة من خمسة ثم تصحح الفريضة لو لم يجيز فنقول
الفريضة من تسعة لان الموصى له يأخذ ثلث المال والباقي بين الابن والابنة أثلاثا فتكون
الفريضة من تسعة فإذا أجاز أحدهما ولم يجز الآخر فالسبيل أن نضرب تسعة في خمسة
فيكون خمسة وأربعين خمسة عشر سهما وهو الثلث من ذلك للموصى له بلا منة الإجازة
وللابنة ثلث ما بقي عشرة أسهم لأنها لم تجز الوصية فتأخذ كمال حقها من الثلثين والابن قد
أجاز الوصية وباعتبار الإجازة حقه في خمسي المال وكل خمس تسعة فله ثمانية عشر فهو يأخذ
من الباقي ثمانية عشر ويدفع سهمين إلى الموصي له فيحصل للموصى له سبعة عشر وللابن ثمانية
عشر وإذ لم تجز الابنة أخذت حقها عشرة فانتقص بما كان يسلم للموصى له بالإجازة سهم وبقي
سهمان وضرر الإجازة يكون عليهما بقدر نصيبهما والتفاوت ما بين حالة الإجازة وعدم الإجازة
للموصى له ثلاثة أسهم سهمان من ذلك من نصيب الابن وسهم من نصيب الابنة والابن قد
رضى بالتزام هذا الضرر ورضاه يعمل في نصيبه دون نصيب الابنة فلهذا دفع سهمين من
نصيبه إلى الموصى له * فان قيل ترك ثلاث بنين وأوصى لشخص بمثل نصيب أحدهم ولا آخر
115

بثلث ما بقي من الثلث فالقسمة من ثلاثة وثلاثين للموصى له بمثل نصيب أحدهم ثمانية وللآخر
سهم ولكل ابن ثمانية والطريق في تخريجه أن تأخذ عدد البنين وهو الثلاثة فتزيد عليها سهما
للوصية بمثل النصيب ثم تضرب ذلك في ثلاثة لمكان وصيته بثلث ما بقي من الثلث فيكون اثنا
عشر ثم ادفع منه ما زدت للنصيب وهو واحد لان الوصية بثلث ما بقي بعد النصيب فيبقى
أحد عشر سهما فهو الثلث وجملة ا لمال ثلاثة وثلاثون وإذا أردت أن تعرف النصيب فخذ
النصيب وهو السهم واضربه في ثلاثة فيكون تسعة ثم ارفع منه سهما كما رفعته من أصل الثلث
يبقى ثمانية فهو النصيب إذا رفعت ذلك من الثلث يبقي ثلاثة للموصى له بثلث ما بقي سهم
وترد الباقي وذلك سهمان على ثلثي المال فيكون أربعة وعشرين مقسوم بين ثلاثة بنين لكل
ابن ثمانية مثل النصيب قال في الأصل فان أردت أن تحسبه بالجامع ومراده طريق الخطأين وفى
تخريجه ثلاث طرف أحدها يسمى طريق التقدير والآخر يسمى طريق الجامع الأصغر
والآخر طريق الجامع الأكبر فالذي ذكر في الكتاب أن قال خذ مالا فوق العشرة له
ثلث وهو اثنا عشر فأخرج ثلثه وهو أربعة وأعط بالنصيب منه سهما وبثلث ما يبقى من
الثلث سهما بقي سهمان فردهما على ثلثي المال فيصير عشرة وحاجتك إلى ثلاثة فظهر الخطأ بسبعة
فاحفظ ذلك معك وخذ مالا آخر له ثلث وهو أحد وعشرون فأخرج منه الثلث سبعة
ثم اعط بالنصيب سهما وبثلث ما يبقى سهمين بقي أربعة فزدها على الثلثين فيكون ثمانية عشر
وحاجتك إلى ثلاثة فظهر الخطأ الثاني بزيادة خمسة عشر فاضرب الثلث الأول وهو أربعة في
في الخطأ الثاني وهو خمسة عشر فيكون ستين وثلث الثاني وهو سبعة في الخطأ الأول وهو
سبعة فيكون تسعة وأربعين اطرح الأقل من الأكثر يبقي أحد عشر وهو الثلث ومعرفة
النصيب أن تطرح أقل الخطأين من أكثرهما بلا ضرب فان طرحت سبعة من خمسة عشر
بقيت ثمانية فهو النصيب فهو الذي أشار إليه الجامع الأكبر والفقهاء رحمهم الله يعبرون عنه
بتضعيف الثلث سوى النصيب فهو كذلك فقد جعل الثلث الأول أربعة والثلث الثاني سبعة
وعلى طريق التقدير في الخطأين أن تقول لما ظهر الخطأ الأول بزيادة سبعة تجعل ثلث المال
أربعة ثم تعط بالنصيب سهمين وبثلث ما يبقى ثلثا سهم يبقى سهم وثلث تضمه إلى ثلثي
المال فيصير تسعة وثلثا وحاجة الورثة إلى ستة ظهر الخطأ بزيادة الثلاثة وثلث وكان الخطأ
الأول بزيادة سبعة فلما زدنا في النصيب سهما اذهب خطأ ثلاثة وثلاثين ويبقى خطأ ثلاثة
116

وثلث فتزيد في النصيب ما يذهب الخطأ الباقي وذلك عشرة أجزاء من أحد عشر جزأ لان
كل سهم يؤثر في أحد عشر فتنفذ الوصية في سهمين وعشرة أجزاء بقي سهم وجزء من أحد
عشر جزأ للموصى له بثلث ما يبقي ثلث ذلك فقد انكسر فتضرب أربعة في أحد عشر
فيكون أربعة وأربعين النصيب من ذلك اثنان وثلاثون يبقى من الثلث اثنا عشر للموصى له
بثلث ما يبقى ثلث ذلك وهو أربعة والباقي وهو ثمانية رده على ثلثي المال ثمانية وثمانين فيكون
ستة وتسعين بين ثلاث بنين لكل ابن اثنان وثلاثون مثل النصيب وبين هذه الاجزاء موافقة
بالربع فإذا اقتصرت على ذلك كان الثلث أحد عشر والنصيب ثمانية وثلث يبقى من الثلث
واحد وعلى طريق الجامع الأصغر تقول لما ظهر أن الخطأ الأول بزيادة سبعة والثاني بزيادة
ثلاثة وثلث فتضرب ثلث الأول وهو أربعة في الخطأ الثاني وهو ثلاثة فيكون اثنى عشر
وثلث ثلث الثاني وهو أربعة في الخطأ الأول وهو سبعة فيكون ثمانية وعشرين اطرح الأقل
من الأكثر يبقى أربعة عشر وثلثان وقد انكسر بالأثلاث فاضربه في ثلاثة فيكون أربعة
وأربعين * ومعرفة النصيب أن تضرب نصيب الأول وهو سهم في الخطأ الثاني وهو الثلاثة
والثلث ونصيب الثاني في الخطأ الأول وهو سبعة فيكون أربعة عشر ثم اطرح الأقل من
الأكثر يبقي عشرة وثلثان اضربه في ثلاثة فيكون اثنين وثلاثين فهو النصيب * وإذا أردت
الاقتصار فبين هذه الاعداد موافقة بالربع كما بينا وحاصل طريق الخطأين أنه متى كان الخطأ
إلى زيادة أو نقصان فالسبيل طرح الأقل من الأكثر ومتى كان أحدهما إلى زيادة والآخر
إلى نقصان فالسبيل هو الجمع بينهما ومسائل الحساب تخرج مستقيما على طريق الخطأين إذا لم
يخالطه حذر فان خالطه ذلك فقد يخرج مستقيما وفى الأغلب لا يخرج مستقيما فلهذا لا يشتغل
به أكثر أهل الحساب * قال فان ترك ثلاث بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم والثلث والربع
مما يبقي من الثلث فالثلث أحد وأربعون سهما والنصيب منه تسعة وعشرون والثلث والربع مما
يبقى من الثلث سبعة وثمانون وطريق التخريج أن تأخذ عدد البنين ثلاثة فتزيد عليه سهما
بوصيته بمثل النصيب ثم تضرب ذلك في اثنى عشر لحاجتنا إلى حساب له ثلث وربع لأنه
أوصي بالثلث والربع مما بقي من الثلث فيصير ثمانية وأربعين سهما ثم اطرح من ذلك سبعة
وهو ثلث اثني عشر وربعه لان هاتين الوصيتين بعد النصيب فيبقى أحد وأربعون سهما
فهو ثلث المال والثلثان اثنان وثمانون وإذا أردت معرفة النصيب فخذ النصيب وهو واحد
117

واضربه في ثلاثة يكون ثلاثة ثم اضربه في اثنى عشر فيكون ستة وثلاثين ثم اطرح من ذلك
سبعة ثلث اثني عشر وربعه يبقى تسعة وعشرون فهو النصيب إذا رفعته من أحد وأربعين
بقي اثنا عشر للموصى له الآخر ثلث هذا الباقي وربعه وهو سبعة يبقي خمسة فتضم ذلك إلى
ثلثي المال فيكون سبعة وثمانين مقسوما بين ثلاث بنين لكل ابن تسعة وعشرون مثل النصيب
الكامل فكان مستقيما ولو أوصى بثلث نصيب أحدهم وربع وثلث وسدس ما يبقى من الثلث
الآخر والثلث مما يبقى من ذلك الآخر فالثلث ثمانية وثلاثون والنصيب ستة وعشرون ويبقى من الثلث
من الثلث اثني عشر فثلثها وربعها وسدسها تسعة وثلث ما يبقى بعد ذلك سهم واحد وهذا من
التعميم الكثير أيضا فطريق التخريج فيه أن تأخذ عدد البنين الثلاثة فتزيد عليه النصيب واحدا
ثم تضربه في مال له ثلث وربع وسدس وثلث ما يبقى بعد ذلك وذلك اثنا عشر إذا ضربت
أربعة في اثني عشر تكون ثمانية وأربعين ثم اطرح من ذلك ثلث اثنى عشر وهو أربعة
وربعه وهو ثلاثة وسدسه وهو اثنان وثلث ما يبقى بعد ذلك وهو واحد فيكون جملة ما طرحته
عشرة يبقي ثمانية وثلاثون فهو ثلث المال ومعرفة النصيب وهو واحد فتضربه في ثلاثة ثم في
اثنى عشر فيكون ستة وثلاثين ثم اطرح من ذلك عشرة كما طرحته من الثلث وهو ثلث اثني
عشر وربعه وسدسه وثلث ما بقي بعد ذلك يبقي ستة وعشرون فهو النصيب إذا رفعته من ثمانية
وثلاثين يبقى من الثلث اثنا عشر فللموصي له الآخر ثلثها وربعها وسدسها وذلك تسعة يبقي
ثلاثة للموصى له الآخر ثلث ذلك وهو سهم يبقى سهمان تضمهما إلى ثلثي المال ستة وسبعين
فيصير ثمانية وسبعين بين ثلاث بنين لكل ابن ستة وعشرون مثل النصيب الكامل فاستقام
التخريج وان ترك خمسة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم وثلث ما يبقى من الثلث فالثلث
سبعة عشر والنصيبان أربعة عشر والباقي بعدهما من الثلث ثلاثة فيعطى ثلثيها وهو سهمان
ويرد السهم الباقي إلى الثلثين وطريق التخريج فيه أن تأخذ عدد البنين خمسة فتزيد عليه
النصيبين هو اثنان فيصير سبعة ثم تضرب في ثلاثة لمكان وصيته بثلثي ما يبقي من الثلث لكنا
نطرح باعتبار كل نصيب سهما فإذا كانت الوصية بثلثي ما يبقى من الثلث تطرح باعتبار كل
نصيب سهمين لان الثلثين ضعف الثلث وهذا هو الأصل في هذا الجنس فإذا طرحنا أربعة
من أحد وعشرين يبقي سبعة عشر وهو الثلث ومعرفة النصيبين أن تأخذ النصيبين وذلك اثنان
فتضرب ذلك في ثلاثة فيصير ستة ثم ستة في ثلاثة فتكون ثمانية عشر ثم تطرح من ذلك
118

أربعة باعتبار النصيبين لما بينا يبقي أربعة عشر فهو مقدار النصيبين كل نصيب سبعة إذا رفعت
ذلك من سبعة عشر يبقى ثلاثة للموصى له بثلثي ما يبقى من الثلث سهمان ثلثا ذلك ويبقى من
الثلث سهم فرده على ثلثي المال أربعة وثلاثين فيكون خمسة وثلاثين بين خمس بنين لكل ابن
سبعة مثل النصيب الواحد ولو كان قال وثلث ما بقي من الثلث كان الثلث تسعة عشر والنصيبان
ستة عشر والطريق فيه أن تزيد على عدد البنين سهمين فيكون سبعة ثم تضرب ذلك في
ثلاثة فيكون أحدا وعشرين ثم تطرح باعتبار النصيبين هنا سهمين لأنه أوصى بثلث ما يبقى
من الثلث فيبقى تسعة عشر سهما فهو الثلث وإذا أردت معرفة النصيبين فخذ اثنين واضربهما
في ثلاثة فتصير ستة ثم ستة في ثلاثة فتصير ثمانية عشر ثم ارفع من ذلك اثنين يبقى ستة عشر
فهو النصيبان كل نصيب ثمانية فإذا رفعت من الثلث ستة عشر يبقى ثلاثة فللموصى له بثلث
ما يبقى ثلث ذلك يبقى سهمان فردهما علي ثلثي المال وهو ثمانية وثلاثون فيصير أربعين بين
خمسة بنين لكل ابن ثمانية مثل النصيب قال ولو ترك ثلاث بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم
الا ثلث ما يبقي من الثلث بعد النصيب فالثلث ثلاثة عشر والنصيب عشرة والاستثناء سهم
واحد وطريق التخريج فيه أن تأخذ عدد البنين ثلاثة فتزيد عليه للوصية بالنصيب سهما ثم
اضربه في ثلاثة فيصير اثني عشر سهما ثم زد عليه مقدار النصيب وهو واحد لان الوصية
الثانية هنا بطريق الاستثناء فيكون المستثنى من النصيب فكان الطريق فيه الزيادة بقدر
النصيب بخلاف ما سبق فهناك الوصية الثانية كانت بما بقي من الثلث بعد النصيب فكان
الطريق طرح الزيادة والنصيب من الجملة فإذا زدت سهما على اثني عشر يكون ثلاثة عشر
فهو ثلث المال وإذا أردت معرفة النصيب فخذا واحدا واضربه في ثلاثة فيصير تسعة ثم زد
عليه واحدا كما زدت على أصل الثلث فيكون عشرة فهو النصيب إذا رفعته من الثلث يبقي
ثلاثة فاسترجع من النصيب مثل ثلث ما يبقي من الثلث وهو سهم واحد فيحصل في يدك من
الثلث أربعة وتسلم للموصى له بالنصيب تسعة ثم تزيد هذه الأربعة على ثلثي المال ستة وعشرين
فيصير ثلاثين سهما بين ثلاثة بنين لكل ابن عشرة مثل نصيب الكامل ولو ترك ثلاثة بنين
وأوصى بمثل نصيب ابن رابع لو كان وثلث ما يبقي من الثلث فالثلث اثنان وأربعون والنصيبان
أربعة وعشرون وثلث الباقي ستة والطريق فيه أن تأخذ عدد البنين ثلاثة وتزيد عليه النصيب
وهو واحد فيصير أربعة ثم اضرب ذلك في ثلاثة فيصير اثنى عشر فان قسمته بين ثلاث
119

بنين كان لكل أربعة وان قسمته بين أربعة كان لكل واحد ثلاثة فتبين ان نصيب الرابع
لو كان ثلاثة فزدنا على الاثني عشر مثل نصيب رابع لو كان وهو ثلاثة أسهم فيصير خمسة
عشر سهما ثم اضرب خمسة عشر في ثلاثة لأنه قال وثلث ما يبقى من الثلث فيصير خمسة
وأربعين ثم اطرح منه نصيب رابع لو كان وهو ثلاثة يبقى اثنان وأربعون فهو ثلث المال فإذا
أردت معرفة النصيب فخذ مثل نصيب رابع من اثني عشر وهو ثلاثة فاضربه في ثلاثة
فيكون تسعة ثم تسعة في ثلاثة فيكون سبعة وعشرين ثم اطرح منه أيضا ثلاثة يبقى أربعة
وعشرون فهو نصيب رابع لو كان إذا رفعت ذلك من الثلث يبقي ثمانية عشر سهما للموصى
له بثلث ما يبقي ثلث ذلك وهو ستة يبقي من الثلث اثنا عشر فزده على ثلثي المال وهو أربعة
وثمانون فيصير ستة وتسعين سهما ان قسمته بين ثلاثة بنين كان لكل ابن اثنان وثلاثون
سهما ولو قسمته بين أربعة كان لكل ابن أربعة وعشرون سهما فعرفنا ان نصيب رابع لو كان
أربعة وعشرين وقد نفذنا الوصية للموصى له في ذلك القدر فاستقام * رجل ترك ثلاثة بنين
وأوصي لرجل بمثل نصيب أحدهم ولاخر بربع ماله فأجازوا فالمال ستة عشر للموصى له
بالربع منه أربعة وللموصى له بمثل النصيب ثلاثة والطريق فيه أن تأخذ عدد البنين وذلك ثلاثة
فتزيد عليه بالنصيب واحدا لوصيته بمثل النصيب ثم تزيد عليه للوصية الأخرى مثل ثلثه وذلك
سهم وثلث لأنك إذا زدت علي العدد مثل ثلثه تكون الزيادة ربع الكل ثم تضرب خمسة وثلثا
في ثلاثة فتصير ستة عشر فهو مبلغ المال وقد أوصى لأحدهم بربع جميع المال وذلك أربعة من
ستة عشر فإذا أخذ ذلك يبقي اثنا عشر للموصى له بمثل النصيب ثلاثة لأنا جعلنا النصيب
واحدا وضربنا كل سهم في ثلاثة فإذا أخذ ذلك يبقى تسعة بين ثلاث بنين لكل ابن ثلاثة
مثل النصيب وسمى هذا في الأصل المنكوس لان الأصل فيه أن تزيد أقل مما أوصى به
فإنه إن كان أوصى بربع ماله تزيد مثل ثلث ما معك وإن كان أوصي بخمس ماله تزيد مثل ربع
ما معك وإن كان أوصى بسدس ماله تزيد مثل خمس ما معك فلهذا سماه المنكوس فان ترك
ثلاثة بنين وأوصى بربع ماله وبثلث ماله وبدرهم فالمال على أربعة وعشرين فالسبيل في تخريجه
أن تأخذ حسابا له ثلث وربع وذلك اثنا عشر فتطرح منه الثلث وهو أربعة والربع وهو
ثلاثة فيبقى خمسة ثم تطرح منه الدرهم فيبقى أربعة فإذا قسمته بين البنين الثلاثة لم تستقم
سهامهم صحاحا فتعول إلى اثنى عشر فتعزل منه الثلث والربع ولا تعزل منه الدرهم فيبقى
120

خمسة وكان قد بقي في المرة الأولى أربعة فإذا جمعت بينهما كان تسعة وهو مستقيم بين
البنين ثلاثة لكل ابن من ذلك ثلاثة فاضرب أصل الحساب وهو اثنا عشر في اثنين وإنما
ضربت ذلك في اثنين لأنك جمعت ما بقي من المال الأول والمال الاخر فصار مرتين فلهذا
تضرب أصل الحساب في اثنين فيصير أربعة وعشرين فهو المال الذي تخرج منه الوصايا
فإذا رفعت منه الثلث وهو ثمانية يبقى ستة عشر وإذا رفعت منه الربع أيضا للوصية الأخرى
وهو ستة يبقي عشرة فإذا رفعت منه الدرهم لوصيته به تعول بدرهم يبقى تسعة مثل عدد الباقي
من المالين بعد ما جمعت بينهما فيكون مقسوما بين ثلاث بنين لكل ابن ثلاثة أسهم * ولو ترك
ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم ودرهم وثلث وربع ما يبقى من الثلث ودرهم فالمال كله
علي مائة وتسعة وعشرين سهما والنصيب ثلاثون سهما وخرج هذه المسألة على طريق الخطأين
بطريق الجامع الأصغر فقال السبيل أن تأخذ مالا إذا رفعت منه النصيب والدرهم كان له الثلث
والربع والدرهم وأقل ذلك أربعة عشر فتجعل ثلث المال أربعة عشر وتعطى بالنصيب واحدا
فيبقى ثلاثة عشر ثم تعطى واحدا آخر بقوله ودرهم فيبقي اثنا عشر فتعطي بالوصية الثانية ثلث
وربع ما يبقى وذلك سبعة فيبقي خمسة فتعطى منه واحدا آخر بقوله ودرهم فيبقى أربعة فتزيدها
على ثلثي المال وهو ثمانية وعشرون فيصير اثنين وثلاثين ثم تخرج منه نصيب البنين ثلاثة لأنا
جعلنا النصيب واحدا فتكون حاجة البنين إلى ثلاثة أسهم فظهر الخطأ بزيادة تسعة وعشرين
فعد إلى الأصل وخذ مالا آخر فوق المال الأول بواحد وهو خمسة عشر فارفع منه النصيب
اثنين فبقي ثلاثة عشر فارفع منه الدرهم يبقى اثنا عشر فارفع من ذلك الثلث والربع والدرهم
يبقى أربعة فرده على ثلثي المال وهو ثلاثون فيصير أربعة وثلاثين وحاجة البنين إلى ستة لأنا
جعلنا النصيب سهمين فظهر الخطأ الثاني بزيادة ثمانية وعشرين فاضرب المال الأول وهو أربعة
عشر في الخطأ الثاني وهو ثمانية وعشرون فيصير ثلاثمائة واثنين وتسعين ثم اضرب المال الثاني
وهو خمسة عشر في الخطأ الأول وهو سبعة وعشرون فيصير أربعمائة وخمسة ثم اطرح الأقل
من الأكثر فيبقى ثلاثة وأربعون سهما فهو ثلث المال وجملة المال مائة وتسعة وعشرون ومعرفة
النصيب أن تأخذ نصيب الأول وذلك سهم فتضربه في الخطأ الثاني وهو ثمانية وعشرون
فيكون ثمانية وعشرين فتأخذ النصيب الثاني وذلك اثنان فتضربه في الخطأ الأول وهو تسعة
وعشرون فيصير ثمانية وخمسين اطرح الأقل من الأكثر يبقى ثلاثون فإذا رفعت من الثلث
121

بالنصيب ثلاثين فيبقى ثلاثة عشر ثم ترفع واحدا بقوله ودرهم يبقى اثنا عشر فترفع بالوصية
الأخرى ثلثها وربعها ودرهما وذلك ثمانية يبقى أربعة فرده على ثلثي المال وهو ستة وثمانون
فيصير تسعين سهما بين ثلاث بنين لكل ابن ثلاثون مثل النصيب ثم خرج المسألة على الجامع
الأكبر أيضا على نحو ما خرجنا عليه بعض ما تقدم من المسائل الأول وحاصل الفرق بين
الطريقين أن في الجامع الأصغر بعد الخطأ الأول تزيد في النصيب خاصة فتضعفه وفى الجامع
الأكبر بعد الخطأ الأول تضعف المال سوى النصيب فمن حيث أن التضعيف هناك أكبر سماه
الجامع الأكبر ومن حيث التضعيف هنا أقل سماه الجامع الأصغر وعلى هذا النحو تخريج
ما ذكر بعده * إذا أوصى بمثل نصيب أحدهم ودرهم فإنك تطلب حسابا إذا رفعت بالنصيب
منه واحدا ودرهما يبقي ماله ثلث ثم التخريج إلى آخره كما بينا * رجل ترك ثلاث بنين وامرأة
وترك عشرين درهما وثوبين وأوصى بمثل نصيب امرأته وثلث ما يبقى من الثلث ودرهما
فصار أحد الثوبين بقيمته لأجل البنين فالثوب الآخر بقيمته لامرأته ما قيمة كل ثوب
فالسبيل في معرفة ذلك على طريق الجامع أن تنظر أولا كم نصيب المرأة من نصيب الابن
فنقول أصل الفريضة من ثمانية والقسمة من أربعة وعشرين للمرأة الثمن ثلاثة ولكل ابن
سبعة فظهر أن نصيب المرأة ثلاثة أسباع نصيب الابن فنقول الابن يأخذ العشرين الذي
ترك ويقوم الثوب الذي أخذه الابن بأربعة دراهم والثوب الآخر الذي أخذته المرأة
بالدرهم وخمسة أسباع درهم ثلاثة أسباع أربعة فيجمع بينهما فتكون خمسة وعشرين وخمسة
أسباع ثم يخرج الثلث منها لأنه أوصى من الثلث فذلك ثمانية وأربعة أسباع درهم فتعطى
منها مثل نصيب المرأة وهو درهم وخمسة أسباع درهم يبقى ستة دراهم وستة أسباع فتعطى
بالوصية الثانية ثلثها وذلك درهمان وسبعان فيبقي أربعة دراهم وأربعة أسباع درهم فتعطى
منها درهم بقوله ودرهم فيبقي ثلاثة وأربعة أسباع فتجمعه إلى الثلثين وهو سبعة عشر درهما
وسبع فيكون عشرين درهما وخمسة أسباع فتقسمه بين البنين والمرأة لكل ابن أربعة دراهم
وللمرأة درهم وخمسة أسباع فيكون ذلك ثلاثة عشر درهما وخمسة أسباع إذا رفعنا ذلك من
عشرين درهما وخمسة أسباع يبقى سبعة دراهم فقد ظهر الخطأ بزيادة سبعة فاحفظها وعد إلى
الأصل فقوم الثوب الذي أخذه الابن بسبعة دراهم والثوب الذي أخذته المرأة بثلاثة دراهم
لان نصيبها مثل ثلاثة أسباع نصيب الابن فيكون عشرة ثم يضم ذلك إلى عشرين درهما
122

إلى تركها الميت فيكون ثلاثين الثلث منها عشرة فتعطى منها بالوصية بالنصيب ثلاثة مثل نصيب
المرأة وبالوصية الأخرى درهمين وثلث لان ثلث ما بقي من الثلث وهو سبعة هذا يبقى أربعة
وثلثا درهم فتعطي درهما أيضا بقوله ودرهم فيبقى ثلاثة دراهم وثلثا درهم فتزيده على الثلثين
الباقيين وذلك عشرون فتصير ثلاثة وعشرين وثلثي درهم فاقسمه بين البنين والمرأة لكل
ابن سبعة وللمرأة ثلاثة فجملة ذلك أربعة وعشرون ظهر الخطأ الثاني بنقصان ثلث درهم
وقد بينا ان الخطأين متى كان إلى الزيادة أحدهما والاخر إلى النقصان فالطريق هو الجمع
بينهما وإذا جمعت بينهما كان سبعة وثلثا فانكسر بالأثلاث فاضربه في ثلاثة فيكون اثنين وعشرين
بالاجزاء فاحفظ هذا ثم اضرب الخطأ الأول وهو سبعة في القيمة الثانية لثوب الابن وهو
سبعة فيكون تسعة وأربعين ثم اضرب الخطأ الثاني وهو ثلث في قيمة الثوب الأول وهو
أربعة فيكون درهما وثلثا ثم تجمع بينهما فيكون خمسين وثلثا ثم يضرب ذلك في ثلاثة للكسر
بالثلث كما ضرب سبعة وثلث فيكون مائة وأحدا وخمسين وثلثا ثم تقسمها على الاجزاء التي حفظتها
وذلك اثنان وعشرون وإذا قسمت مائة وأحدا وخمسين على اثنين وعشرين فكل قسم من
ذلك ستة دراهم وتسعة عشر جزأ فهذا هو نصيب الابن وتبين ان قيمة ثوب الابن ستة
دراهم وتسعة جزأ ونصيب المرأة مثل ثلاثة أسباع نصيب الابن فظهر أن قيمة ثوبها
درهمان وعشرون جزأ وخمسة أسباع جزء فظهر المقصود وهو معرفة قيمة كل ثوب * ولو
ترك خمسة بنين وأوصى بدرهم من ماله وبسدس ماله بعد الدرهم فتخرج المسألة من سبعة
لأنك تأخذ عدد البنين خمسة فتزيد عليها درهما لوصيته بسدس ماله لان الطريق في مثله أن
تزيد مثل خمس ما معك والذي معك خمسة وواحد فيصير معك ستة ثم تزيد درهما من أجل
الوصية الأولى وهو الوصية بدرهم قبل السدس فيكون سبعة فترفع من ذلك بالوصية الأولى
درهما وبالوصية الثانية سدس ما معك بعد الدرهم والذي معك ستة فسدسها درهم ثم يبقى
خمسة بين البنين لكل ابن سهم فكان مستقيما * ولو كان ترك أربعة بنين وأوصى بدرهم
وبسدس ماله بعد الدرهم ودرهم بعد السدس فهو يخرج من سبعة أيضا لأنك تأخذ عدد
البنين أربعة فتزيد عليها درهما من أجل قوله ودرهم بعد السدس فان ذلك بمنزلة الوصية بمثل
نصيب أحدهم فيكون معك خمسة ثم تزيد عليها خمسها وهو درهم من أصل وصيته بسدس
ماله فيكون ستة ثم تزيد عليها درهما من أجل الوصية الأولى وهو الوصية بدرهم فيكون
123

ذلك سبعة رفع منها درهم بالوصية الأولى وبالوصية الثانية سدس ما بقي وهو درهم أيضا
وبالوصية الثالثة درهم لأنه قال وبدرهم بعد السدس فيبقى أربعة بين أربعة بنين مستقيم لكل ابن
درهم فان ترك ثلاث بنين وأبوين وأوصى بمثل نصيب احدى البنت لبعضهم وبثلث ما يبقى
من الثلث لأخرى وأوصى لاحدى البنات بتكملة الثلثين مع نصيبها فأجازوا فالثلث خمسون
والنصيب عشرون وثلث الباقي عشرة والتكملة ثلاثون والطريق في ذلك أن تأخذ أصل
الفريضة وهو ثمانية عشر لحاجتك إلى حساب ينقسم ثلثاه بين البنات أثلاثا وذلك ثمانية عشر
للبنات الثلثان اثنا عشر بينهن لكل واحدة أربعة وللأبوين السدسان وهو ستة لكل واحد
ثلاثة ثم تضرب ثمانية عشر في ثلاثة من أجل وصيته بثلث ما يبقى من الثلث فيصير أربعة
وخمسين ثم تطرح منها أربعة أسهم مثل سهام احدى البنات من أصل الفريضة فيبقى خمسون
فهو ثلث المال والثلثان ضعف ذلك فيكون جملة المال مائة وخمسين إذا أردت قسمتها فالسبيل
أن ترفع منها ثلثا يبقى مائة ثم تأخذ من هذه المائة مثل أصل الفريضة ثمانية عشر مرة بعد
مرة حتى يكون الباقي منها دون ثمانية عشر فإذا رفعت منها خمس مرات ثمانية عشر يكون
ذلك تسعين فيبقى عشرة فاحفظ هذه العشرة واقسم التسعين أولا فاعط الأبوين ثلثها وذلك
ثلاثون لكل واحد منهما السدس خمسة عشر ونقسم ستين سهما بين البنات لكل واحدة
عشرين فتبين ان نصيب كل ابنة عشرون فادفع إلى الموصى له بثلث ما يبقى من الثلث ثلث الباقي وهو
عشرة فبقي عشرون فاجمع بينهما وبين العشرة التي بقيت معك من المائة فيكن ثلاثين فردها
على نصيب الابنة التي أوصى لها بتكملة الثلثين فإذا زدت الثلاثين علي عشرين تبلغ الجملة خمسين
وهو ثلث المال فاستقام التخريج * رجل مات وترك ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم
وبثلث ما يبقى من الثلث ودرهم فالمال ثلاثون سهما والثلث عشرة والنصيب سبعة وثلث ما يبقى
من الثلث سهم فالسبيل في ذلك أن تأخذ مالا له ثلث صحيح وذلك ثلاثة فترفع بالنصيب واحدا
وبالدرهم آخر فيبقى واحد فاقسمه بين البنين الثلاثة لكل ابن ثلثا درهم ثم تأخذ عدد البنين
وذلك ثلاثة فرده على نصيب أحدهم وهو الثلث فيكون ثلاثة وثلثا اضربه في ثلاثة فيصير
ذلك عشرة فهو ثلث المال والثلثان ضعف ذلك فيكون المال ثلاثون وإذا أردت معرفة النصيب
فانظر ما بين المال الذي أخذته أول مرة وهو ثلاثة وبين الثلث وهو عشرة فتجد ذلك سبعة
124

فهو النصيب إذا رفعت سبعة من الثلث يبقى ثلاثة للموصى له بثلث ما يبقى ثلث ذلك وهو
سهم وللموصى له بالدرهم مثل ذلك يبقى من الثلث واحد فرده على ثلثي المال وذلك عشرون
وهو مقسوم بين ثلاثة بنين لكل ابن سبعة مثل النصيب وإن كان قال وبربع ما يبقى
من الثلث وبدرهم فتخريجه على هذا النحو أن تأخذ مالا له ربع وهو أربعة فترفع بالنصيب
منه واحدا وترفع الدرهم الذي قال يبقى سهمان فاقسمهما بين البنين الثلاثة لكل ابن ثلثي
سهم فرد ما أصاب واحدا منهم على أصل الفريضة وهو أربعة فيصير أربعة وثلاثين اضرب
ذلك في ثلاثة فيصير أربعة عشر فهو الثلث * وإذا أردت معرفة النصيب نظرت إلى ما بين
أصل الفريضة وهو أربعة وبين الثلث وهو أربعة عشر فذلك عشرة فهو النصيب إذا رفعته
من الثلث يبقى أربعة للموصى له بربع ما يبقى من الثلث سهم وللموصى له بالدرهم آخر يبقى
سهمان فردهما على ثلثي المال وهو ثمانية وعشرون فيكون ثلاثين بين البنين الثلاثة لكل
ابن عشرة مثل النصيب فان قال وبثلث وربع ما يبقى من الثلث ودرهم فهو على هذا القياس
تأخذ مالا له ثلث وربع وهو اثنا عشر فترفع منه الثلث وهو أربعة والربع وهو ثلاثة
يبقى خمسة فترفع منه الدرهم أيضا يبقى أربعة يقسم ذلك بين البنين الثلاثة لكل ابن سهم
وثلث ثم تزيد ما أصاب أحدهم وهو سهم وثلث على أصل الفريضة وهو اثنا عشر فيصير ثلاثة عشر وثلثا اضربه في ثلاثة فيصير أربعين سهما فهو الثلث وإذا أردت معرفة النصيب
فانظر ما بين المال الأول وهو اثنا عشر وبين الثلث وهو أربعون فتجد ما بينهما ثمانية وعشرين
فهو النصيب إذا رفعت ذلك من الثلث يبقى اثنا عشر فتعطى الموصى له بثلث ما يبقي وهو
أربعة والموصى له بربع ما يبقي ثلاثة والموصى له بالدرهم درهما يبقى أربعة فرد ذلك على ثلثي
المال وهو ثمانون ثم اقسمه بين البنين الثلاث لكل ابن ثمانية وعشرون مثل النصيب * فان
ترك خمس بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم وثلث ما يبقى من الثلث ودرهم صحيح يعنى
لا كسر فيه فانا إلى الآن خرجنا على حساب وقع فيه كسر فالسبيل في ذلك أن تأخذ أدنى
مال يكون له ثلث ولثلثه ثلث وأقل ذلك تسعة إلا أنك تبتلى فيه بالتضعيف أيضا فلا
يستقيم من تسعة فالسبيل أن تضعفه فيكون ثمانية عشر فاطرح ثلثها ثم اطرح منها الثلث
والدرهم الثلث سهمان والدرهم سهم يبقى ثلاثة فاحفظها ثم عد إلى الأصل إلى الحساب فخذ
عدد البنين خمسة وزد عليها واحدا من أجل الوصية بمثل نصيب أحدهم فتكون ستة فارفع
125

ثلثها ودرهما يبقى ثلاثة فرد هذه الثلاثة على اثنى عشر ثلثي الثمانية عشر الفريضة الأولى فيكون
خمسة عشر ثم اقسم هذه الخمسة عشر على الثلاثة التي حفظت من الحساب الأول فيكون كل
قسم خمسة فهو النصيب ثم زد هذه الخمسة على الستة وهو ثلث الفريضة الأولى التي أخذت
فيكون أحد عشر وهو ثلث المال وجملة المال ثلاثة وثلاثون ثم ترفع النصيب وهو خمسة من
الثلث يبقي ستة فاعط الموصى له بثلث ما يبقى ثلث ذلك سهمين واعط الاخر درهما يبقى
ثلاثة تضم ذلك إلى ثلثي المال وذلك اثنان وعشرون فيصير خمسة وعشرين مقسوم بين خمسة
بنين لكل ابن خمسة مثل النصيب وهذا هو الفرق في التخريج بناء على طريق الحساب في
الفرق بين الصحاح والكسور ثم ذكر محمد رحمه الله في آخر الكتاب ان هذا شئ ء وضعه
الحساب لا نأخذ به في القضاء لان الميت إذا أوصى بالدرهم إنما يضرب في الثلث يدرهم
من مال الميت فاما أن تجعل له سهما بتسمية الدرهم ثم تشتغل بالفرق بين أن تقول صحيح
أو لا يقول فهذا ليس بطريق القضاء ولكنه بيان على طريق الحساب فان ترك ابنا وابنة
فاختلس كل واحد منهما مالا ثم قال الابن أنا أرد مما اختلسته الثلث وتردين أنت الربع
فيصير ما يبقى في يد كل واحد منا على قدر ميراثه ويقسم ما يزيد على فرائض الله تعالى كم
كان مع كل واحد منهما فالجواب انه كان مع الابنة اثنا عشر ومع الابن سبعة وعشرون
والطريق في تخريجه أن تأخذ مالا له ربع صحيح وهو أربعة فتجعله في يد الابنة تطرح منه
الربع يبقى ثلاثة ثم تنظر مالا إذا ألقيت منه ثلاثة يبقى ستة وهو تسعة تجعله في يد الابن
فتطرح منه الثلث ثم تجمع بين ما طرحت من المالين وذلك ثلاثة وواحد فيكون أربعة فلا
يستقيم قسمها على فرائض الله تعالى بين الابن والابنة أثلاثا فاضرب أصل ما مع كل واحد
منهما في ثلاثة فالذي كان مع الابنة أربعة إذا ضربته في ثلاثة يكون اثني عشر والذي مع
الابن تسعة إذا ضربته في ثلاثة يكون سبعة وعشرين فيرد الابن من سبعة وعشرين الثلث
وهو تسعة يبقى له ثمانية عشر وترد الابنة من اثني عشر الربع وهو ثلاثة يبقى تسعة فهو
بينهما على فرائض الله تعالى للابن ثمانية عشر وللابنة تسعة ثم تجمع بين تسعة وثلاثة فيكون
اثني عشر فاقسمها بينهما على فرائض الله تعالى للابن ثمانية وللابنة أربعة فيصير مع الابن ستة
وعشرون ومع الابنة ثلاثة عشر على فرائض الله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين فان ترك
خمسة بنين وأوصى لأحدهم بتكملة الثلث وللآخر بثلث ما يبقى من الثلث فالثلث ثلاثة
126

عشر والنصيب ستة والتكملة سبعة وطريق تخريج هذه المسألة أن تأخذ عدد البنين وهم
خمسة وتطرح نصيب أحدهم وهو الموصى له بالتكملة فيبقي أربعة ثم تضرب ذلك في ثلاثة
لوصيته بثلث ما يبقى من الثلث فيكون اثنى عشر ثم تزيد عليه ما طرحته في الابتداء وهو سهم
فيكون ثلاثة عشر فهو الثلث ومعرفة النصيب أن تأخذ النصيب وهو واحد فتضربه في ثلاثة
ثم تطرح منه واحدا كما فعلت في الابتداء يبقى سهمان فاضربهما في ثلاثة كما ضربت أربعة
فيكون ستة فهو النصيب إذا رفعت ستة من الثلث وهو ثلاثة عشر يبقى سبعة فظهر أن
الوصية بتكملة الثلث إنما كانت بسبعة أسهم فإذا رفعت سبعة من الثلث يبقى ستة للموصي له
بثلث ما يبقى ثلث ذلك سهمان يبقى أربعة فرده علي ثلثي المال وهو ستة وعشرون فيكون ثلاثين
إذا قسمته بين خمسة بنين كال لكل ابن ستة مثل النصيب فاستقام التخريج فإن كان أوصى
لأحدهم بتكملة الثلث ولآخر بثلث ما دخل على هذا من الرفع فتخريجه على قياس ما سبق
بأن تأخذ عدد البنين وهم خمسة فتطرح منه نصيب أحدهم يبقى أربعة فاضربه في ثلاثة
فيصير اثنى عشر ثم اطرح منه واحدا يبقى أحد عشر فهو ثلث المال وإذا أردت معرفة
النصيب فخذ النصيب وهو واحد فاضربه في ثلاثة ثم اطرح منه النصيب وهو واحد يبقى
سهمان اضربهما في ثلاثة فيصير ستة ثم اطرح منه واحدا كما فعلت في أصل الحساب يبقى
خمسة فهو النصيب إذا رفعت النصيب وهو خمسة من أحد عشر يبقى ستة وهو مقدار الربع
أي الميل الذي مال به الموالي للموصى له بالتكملة وان أوصى لآخر بثلث هذا وهو سهمان إذا
رفعتهما يبقى من الثلث ثلاثة فرد ذلك على ثلثي المال وذلك اثنان وعشرون فيكون خمسة
وعشرين بين خمسة بنين لكل ابن خمسة مثل النصيب فإن كان أوصى لأحدهم بتكملة الثلث
ولآخر منهم بتكملة الربع ولاخر بثلث ما يبقي من الثلث له لثلث أربعة وأربعون والنصيب
ثمانية عشر وتكملة الثلث ستة وعشرون وتكملة الربع خمسة عشر وتخريج هذا أيضا على
قياس ما تقدم بان تأخذ عدد البنين خمسة فتطرح منه سهما نصيب الموصى له بتكملة الثلث
وسهما آخر نصيب الموصي له بتكملة الربع ثم انظر إلى تفاوت ما بين الثلث والربع وذلك واحد
فان الثلث من اثنى عشر أربعة والربع ثلاثة فتفاوت ما بينهما واحد فخذ ذلك للموصى له بالثلث
وثلثا آخر للموصى له بالربع فذلك ثلثا سهم ضمه إلى ما بقي من خمسة وهو ثلاثة فيكون
ثلاثة وثلثين ثم اضرب ذلك في ماله ثلث وربع وهو اثنا عشر فإذا ضربت ثلاثة وثلثين
127

في اثنى عشر يكون ذلك أربعة وأربعين لان الثلاثة في اثني عشر ستة وثلاثون وثلثان في
اثنى عشر ثمانية فذلك أربعة وأربعون فهو ثلث المال والثلثان ضعف ذلك فيكون المال كله
مائة واثنين وثلاثين سهما ومعرفه النصيب أن تأخذ مالا له ثلث وربع وذلك اثنا عشر
فتطرح منه الثلث والربع يبقى خمسة ثم تنظر إلى تفاوت ما بين الثلث والربع وذلك واحد
فتجمع بينه وبين النصيبين فيكون ذلك ثلاثة أسهم فتأخذ ثلث ذلك وهو سهم فتزيده على
الخمسة التي بقيت من اثني عشر فتصير ستة ثم اضرب هذه الستة في ثلاثة فتصير ثمانية
عشر فهو النصيب وثلث المال أربعة وأربعون فإذا رفعت منه النصيب وهو ثمانية عشر يبقى
ستة وعشرون فهو الوصية للموصى له بتكملة الثلث وربع المال يكون ثلاثة وثلاثين إذا
رفعت منه ثمانية عشر يبقى خمسة عشر فهو الوصية بتكملة الربع فإذا رفعت من الثلث وهو
أربعة وأربعون ستة وعشرين للموصى له بتكملة الثلث وخمسة عشر للموصى له بتكملة
الربع يبقى ثلاثة للموصى له بثلث ما بقي ثلث ذلك وهو سهم يبقى سهمان فردهما علي ثلثي المال
وهو ثمانية وثمانون فيكون تسعين مقسوما بين خمسة بنين لكل ابن ثمانية عشر مثل النصيب
فاستقام تخريج الجواب والله أعلم بالصواب
كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى رحمهما الله تعالى
(قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي
سهل السرخسي رحمه الله) اعلم أن أبا يوسف رحمه الله كان يختلف إلى ابن أبي ليلى رحمه الله
في الابتداء فتعلم بين يديه تسع سنين ثم تحول إلى مجلس أبي حنيفة وكان تسع سنين أيضا وقيل
كان سبب تحوله إلى أبي حنيفة تقلد ابن أبي ليلى القضاء فان أبا يوسف كره له تقلد القضاء
فحمله ذلك إلى التحول إلى مجلس أبي حنيفة رحمه الله تعالى فابتلاه الله تعالى حتى تقلد القضاء
وصار ذلك صفة له يعرف بها من بين أصحاب أبي حنيفة فيقال أبو يوسف القاضي ولا يقال
ذلك لاحد سواه ممن تقلد منهم القضاء وممن لم يقلد وقيل كان سببه انه كان تبع ابن أبي ليلي
وقد شهد ملاك رجل فلما نثر السكر أخذ أبو يوسف رحمه الله بعضا فكره له ذلك ابن أبي
ليلى وأغلظ له القول وقال أما علمت أن هذا لا يحل فجاء أبو يوسف إلى أبي حنيفة رحمه الله
فسأله عن ذلك فقال لا بأس بذلك بلغنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضى
128

الله عنهم كان في ملاك رجل من الأنصار نثير الثمر فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع
ذلك ويقول لأصحابه انتهبوا وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لما نحر مائة
بدنة أمر بان يؤخذ له من كل بدنة قطعة ثم قال من شاء أن يقتطع فليقتطع فهذا ونحوه من
الهبة مستحسن شرعا فلما تبين له تفاوت ما بينهما تحول إلى مجلس أبي حنيفة وقيل كان
سبب ذلك أنه كان يناظر زفر رحمه الله وتبين بالمناظرة معه تفاوت ما بين فقه أبي حنيفة
رحمه الله وابن أبي ليلى فتحول إلى مجلس أبي حنيفة ثم أحب أن يجمع المسائل التي كان
فيها الاختلاف بين أستاذيه فجمع هذا التصنيف وأخذ ذلك محمد رحمه الله وروى عنه ذلك
الا انه زاد بعض ما كان سمع من غيره * فاصل التصنيف لأبي يوسف والتأليف لمحمد رحمة
الله عليهما فعد ذلك من تصنيف محمد ولهذا ذكره الحاكم رحمه الله في المختصر ثم بدأ فقال *
رجل غصب جارية من رجل فباعها وأعتقها المشترى فالبيع والعتق باطل في قول أبي حنيفة
وبه نأخذ وهو قول أبى يوسف ومحمد وقال ابن أبي ليلى عتقه جائز وعلى الغاصب القيمة
وجه قوله ان البيع منعقد فان انعقاد البيع لوجود الايجاب والقبول ممن هو من أهله في
محله وقد وجد في الايجاب كلام الموجب وهو تصرف منه في حقه والمحل قابل للعقد
ولهذا ينفذ العقد فيه بإجازة المالك ولو كان هذا العقد بإذن المالك كان نافذا ولا تأثير للاذن
في اثبات الأهلية والمحلية فإذا ثبت انعقاد العقد ثبت انه موجب للملك لان الأسباب
الشرعية غير مطلوبة لعينها بل لحكمها والحكم الخاص بالبيع والشراء الملك فإنما يثبت العتق
بعد الملك لقوله عليه السلام لا عتق الا فيما يملكه ابن آدم وإذا نفذ العتق تعذر على الغاصب
رد العين فيجب عليه ضمان القيمة وقد صار هو متلفا للجارية بتمليكها من المشترى وتسليط
المشترى على اعتاقها فيجعل كأنه أتلفها بالقتل فيضمن قيمتها ويتقرر الثمن على المشترى لأنه
بالعتق صار قابضا منهيا لملكه فيها ويكون الثمن للبائع لأنه وجب بعقده ولأنه بضمان القيمة
قد ملكها والثمن بدل الملك فيكون للغاصب وحجتنا في ذلك أن العتق من المشترى لم
يصادف ملكه ولا عتق فيما لا يملكه ابن آدم وهذا لان عين الملوك محفوظة على المالك بصفة
المالكية فكما لا يجوز ابطال حق الملك عن المالكية باعتاق يصدر من غيره فكذلك لا يجوز
ابطال حقه من غير ملكه (ألا تري) ان الغاصب لو أعتقه بنفسه لم ينفذ عتقه مراعاة لحق
المالك فكذلك المشترى منه فاما قوله العقد موجب للملك وقد انعقد ففيه طريقان لنا أحدهما
129

ان العقد انعقد بصفة التوقف قلنا والحكم يثبت بحسب السبب فإنما يثبت بالعقد الموقوف
ملكا موقوفا (ألا ترى) ان بالعقد النافذ الصحيح يثبت ملك حلال وبالعقد الفاسد يثبت
ملك حرام بحسب السبب فبالعقد الموقوف يثبت ملك موقوف والملك الموقوف دون الملك
الثابت للمكاتب والمكاتب لا يملك الاعتاق بذلك النوع من الملك فكذلك بالملك الموقوف
لان الاعتاق انهاء للملك والموقوف لا يحتمل ذلك والثاني ان الأسباب الشرعية لا تكون
خالية عن الحكم ولكن لا يشترط اتصال الحكم بالسبب بل يقترن به تارة ويتأخر عنه أخرى
(ألا ترى) ان البيع بشرط الخيار للبائع منعقد ويتأخر الحكم إلى سقوط الخيار والبيع الفاسد
منعقد ويتأخر الحكم وهو الملك إلى ما بعد القبض والبيع الموقوف منعقد ويتأخر الحكم إلى
ما بعد إجازة المالك وهذا لان الضرب مدفوع وليس في انعقاد العقد ضرر بالمالك فأما في
ثبوت الملك للمشترى اضرار بالمالك فربما يكون المشترى قريب المشترى فيعتق عليه لو ثبت
الملك بنفس الشراء وفيه ضرر بالمالك لا محالة فيتأخر الملك إلى وجود الرضا من المالك بإجازة
العقد فإذا لم يجز ذلك بطل البيع والعتق جميعا فردت الجارية عليه وإذا اشترى جارية فوطئها
ثم استحقها رجل قضى له القاضي بها وبمهرها على الواطئ لان الحد قد سقط عنه بشبهة
فلزمه المهر إذ الوطئ في غير الملك لا ينفك عن حد أو مهر وهذا الوطئ حصل في غير
الملك عندنا فوجب المهر وعند ابن أبي ليلى الملك وان ثبت للمشتري فهو ليس بملك متقرر
يستفاد به حل الوطئ فيجب المهر كالمشترى شراء فاسدا إذا قبض الجارية ووطئها ثم استردها
البائع فعلى المشترى في أظهر الروايتين * وإن كان هو بالقبض قد ملكها ثم الواطئ يرجع
بالثمن على البائع ولا يرجع بالمهر عندنا وقال ابن أبي ليلى يرجع بالثمن والمهر لأنه صار مغرورا
من جهة البائع فإنه أخبره ان الجارية ملكه وان منفعة الوطئ تسلم للمشترى بغير عوض
بعد ما يشتريها منه فإذا لم يسلم له ذلك رجع يه على البائع كما يرجع بقيمة الولد لو استولدها
وذلك الحكم وإن كان مخصوصا من القياس باتفاق الصحابة رضي الله عنهم ولكن من أصل
أبي حنيفة ان المخصوص من القياس لا يقاس عليه غيره وحجتنا في ذلك أن المهر إنما لزمه عوضا
عما استوفى بالوطئ وهو المباشر للاستيفاء ومنفعة المستوفى له حصلت له فلا يرجع ببدله على
غيره كمن وهب طعاما لإنسان فأكله الموهوب له ثم استحقه رجل وضمن الآكل لم يرجع
به على الواهب وإنما الغرور إنما يكون سببا للرجوع باعتبار المعاوضة والثمن إنما كان عوضا
130

عن العين دون المستوفى بالوطئ وفى حق المستوفى بالوطئ لا فرق بين أن يكون الملك ثابتا
بالشراء أو بالهبة وبه فارق قيمة الولد لان الولد حر ومتولد من العين مع أن ذلك حكم ثبت
بخلاف القياس باتفاق الصحابة رضي الله عنهم والمخصوص من القياس عندنا لا يقاس عليه غيره
لان قياس الأصل يعارضه ثم الغرور بمنزلة العيب في اثبات حق الرجوع فإنما يثبت ذلك
الحكم في العين وفيما هو متولد من العين فاما المستوفى بالوطئ في حكم الثمرة فلا يثبت فيه
حكم الرجوع بسبب العيب فلهذا لا يرجع بالمهر * وإذا اشترى الرجل أرضا وفيها نخل له ثمرة
ولم يشترطها فان أبا حنيفة قال النخل للمشترى والثمرة للبائع إلا أن يشترطها المشترى وبه
أخذ محمد رحمه الله وقال ابن أبي ليلى رحمه الله الثمرة للمشترى وإن لم يشترطها لان الثمرة
متصله بالمبيع اتصال خلقة فتدخل في المبيع من غير ذكر كأطراف العبد وأغصان الشجر
والدليل عليه ان النخل جعل تبعا للأرض بسبب الاتصال حتى يدخل في بيع الأرض من غير
ذكر فكذلك الثمرة لان الاتصال موجود فيها وحجتنا في ذلك حديث جابر رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اشترى نخلا قد أثمر فتمرته للبائع إلا أن يشترط
المبتاع ومن اشترى غلاما وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط ذلك المشترى والمعنى فيه أن
الثمرة بمنزلة المتاع الموضوع في الأرض لان اتصالها بالنخل ليس بالقرار بل للفصل إذا أدرك
(ألا ترى) انه يجد بعد الادراك وانه يسقط أو يفسد إذا ترك كذلك فكان الاتصال في معنى
العارض فيجعل كالمنفصل لا يدخل في المبيع الا بالذكر بخلاف النخل فاتصاله بالأرض بالقرار
ما بقي بمنزلة البناء فكما يدخل البناء في بيع الأرض من غير ذكر فكذلك يدخل النخل
وقال أبو يوسف ان اشترى الأرض بحقوقها ومرافقها دخل الثمار في العقد والا لم تدخل فاما
على قول محمد وهو قول أبي حنيفة لا تدخل الثمار الا بالتنصيص عليها سواء ذكر الحقوق أو لم
يذكر بمنزلة المتاع الموضوع في الأرض وحكى ان أبا يوسف رحمه الله كان أملى هذه المسألة
على أصحابه وكان محمد حاضرا في المجلس فلما ذكر هذا القول قال محمد رحمه الله في نفسه ليس
الامر كما يقول فبادأه المستملى هنا من يخالفك رحمك الله فقال من هو فقال محمد بن الحسن
فقال أبو يوسف ما نصنع بقول رجل قعد عن العلم أي ترك الاختلاف الينا فسكت محمد
ولم يجبه احتراما له * وإذا اشتري الرجل دابة فوجد بها عيبا وقال بعتني وهذا العيب بها
وأنكره البائع ولا بينة للمشترى فعلى البائع اليمين وإنما أراد بهذا عيبا يتوهم حدوثه في مثل
131

تلك المدة وهو عارض فيحال بحدوثه على أقرب الأوقات وهذا حال كونها في يد المشترى
فإذا ادعى استناد العيب إلى وقت سابق وأنكره البائع كان القول قول البائع مع اليمين ولان
مقتضى مطلق البيع اللزوم فالمشترى يدعى لنفسه حق الفسخ بسبب العيب والبائع ينكر
ذلك فكان القول قوله مع يمينه فان قال البائع أنا أرد اليمين عليه يعنى يحلف المشترى حتى
أقبله منه فعندنا لا يرد اليمين عليه * وكان ابن أبي ليلى إذا اتهم المدعي في ذلك رد عليه اليمين
قال لان المشترى من وجه منكر فإنه ينكر لزوم العقد إياه ووجوب ابقاء الثمن عليه ولكنه
في الظاهر مدع فاعتبرنا الظاهر إذا لم يكن هو متهما فأما إذا اتهمه استحلفه لاعتبار معنى
الانكار في كلامه وهذا لان الاستحلاف مشروع لدفع التهمة فان المدعى عليه يثبت في
جانبه نوع تهمة فيحلف المدعى عليه لأنه أتى بخبر متمثل بين الصدق والكذب فلا يكون
حجة بنفسه ولكن يورث تهمة فيحلف المدعى عليه لدفع تلك التهمة عنه فإذا أوجد مثل
تلك التهمة في جانب المدعى رد عليه اليمين ولكنا نستدل بقوله عليه السلام البينة على المدعي
واليمين على من أنكر فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم جنس اليمين في جانب المنكر
فلا يبقي يمين في جانب المدعى ولا يجوز تحويل اليمين عن موضعها الذي وضعه رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيه والمشتري مدع هنا حق الفسخ فلا يمين في جانبه وهذا لان اليمين
في موضعها لابقاء ما كان على ما كان والمدعى يحتاج إلى اثبات حق غير ثابت له فلا يكون
اليمين حجة في جانبه وهذا لان اليمين مشروعة للنفي في موضعه لا يثبت بها حكم النفي حتى
لو أوجد المدعى البينة فأقامها وقضى له بعد اليمين فهي في غير موضعها لأنها لا يثبت بها ما لم
يكن ثابتا أولا * وإذا اشترى الرجل شيئا فادعى رجل فيه دعوى حلف المشترى البتة عندنا
وقال ابن أبي ليلى على العلم لان المشترى يحلف البائع في الملك كما أن الوارث يحلف المورث
ثم فيما يدعى في التركة إنما يستحلف الوارث علي العلم فكذلك المشترى وهذا لان أصل
الدعوى علي البائع (ألا ترى) ان المدعى لو أقام البينة صار البائع مقضيا عليه حتى رجع
المشتري على البائع بالثمن فكان هذا في معنى الاستحلاف على فعل الغير فيكون على العلم
وحجتنا في ذلك أن الشراء سبب متجدد للملك فإنما يثبت به ملك متجدد للمشترى وصار
ثبوت هذا الملك له بالشراء كثبوته بالاصطياد والاسترقاق ثم هناك إذا ادعي انسان
في المملوك دعوى يستحلف المالك على الثبات فهذا مثله بخلاف الإرث فان موت المورث
132

ليس بسبب متجدد لاثبات ملك الوراث ثم يقول المدعى يدعى على المشترى وجوب تسليم
العين إليه وانه غاصب في أخذه ومنعه منه ولو ادعى عليه أنه غصبه منه كان الاستحلاف
على الثبات فهنا كذلك أيضا وهكذا يقول في الوارث إذا أخذ عين التركة فادعي انسان أن
العين ملكه يستحلف على الثبات لهذا المعنى وهذا لان أصل الاستحلاف على الثبات وإنما
اليمين على العلم لدفع الضرر عن الخصم في موضع لا يمكنه أن يحلفه على الثبات ولما كان الشراء
من ذي اليد شيئا موجبا للملك له كل ذلك مطلقا له اليمين على دعوى المدعى فلا حاجة إلى
استحلافه قال والبراءة من كل عيب جائزة روى عن عمر رضي الله عنه أنه باع عبدا له
بثمانمائة درهم بالبراءة فطعن المشترى بعيب فخوصم إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال
يمينك ما بعته وبه عيب علمته وكتمته فأبى أن يحلف فرده عليه فصلح عنه فباعه بألف
درهم وأربعمائة درهم وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه باع بالبراءة وعن شريح رحمه الله
قال لا يبرأ منه حتى يسمى كل عيب وكان ابن أبي ليلى يقول لا يبرأ حتى يسمى العيوب
بأسمائها وقد بينا المسألة في كتاب البيوع والصلح وفيها حكاية قال إن أبا حنيفة رحمه الله وابن أبي
ليلى اجتمعا في مجلس أبى جعفر الدوالقي فأمرهما بالمناظرة في هذه المسألة وكان من مذهب
ابن أبي ليلى أنه لا يبرأ حتى يرى المشترى موضع العيب فقال أبو حنيفة أرأيت لو باع جارية
حسناء في موضع المأتي منها عيب أكان يحتاج البائع إلى كشف عورتها ليرى المشترى ذلك
العيب أرأيت لو أن بعض حرم أمير المؤمنين باع غلاما حبشيا على رأس ذكره برص أكان
يحتاج إلى كشف ذلك ليريه المشترى فما زال يشنع عليه بمثل هذا حتى أفحمه وضحك الخليفة
فجعل ابن أبي ليلى بعد ذلك يقول يحتاج إلى أن يسمى العيوب بأسمائها لان صفة المبيع وماهيته
إنما تصير معلومة بتسمية ما به من العيوب ولكنا نقول الابراء عن العيوب اسقاط للحق
والمسقط يكون متلاشيا فالجهالة لا تمنع صحته ثم البائع بهذا الشرط يمنع من التزام تسليم العين
على وجه لا يقدر علي تسليمه فربما يلحقه الجرح في تسمية العيوب والجرح مدفوع وأكثر
ما فيه أنه يمكن جهالة في الصفة بترك تسمية العيوب ولكن البائع يلاقى العين دون الصفة
فيصح البيع بشرط البراءة عن العيوب ويصح الابراء عن الجهالة لكونه اسقاطا وإذا كان
لرجل على رجل مال من ثمن بيع فقد حل فأخره عنه إلى أجل فهو جائز وليس له أن يرجع
عنه عندنا وقال ابن أبي ليلي له أن يرجع في الاجل إلا أن يكون ذلك على وجه الصلح
133

بينهما وذهب في ذلك إلى أن التأجيل معتاد جرى فيما بينهما أن لا يطالبه بالمال الا بعد
مضى المدة والمواعيد لا يتعلق بها اللزوم إلا أن يكون شرطا في عقد لازم لهذا لا يثبت
الاجل في القرض والعارية لأنه ليس بمشروط في عقد لازم فكذلك لا يثبت في الثمن
وغيره من الديون إلا أن يكون شرطا في عقد لازم وكذلك الصلح أو أصل البيع إذا ذكر
فيه الاجل ولكنا نقول لو باعه بثمن مؤجل في الابتداء يثبت الاجل فكذلك إذا أجله
في الثمن في الانتهاء لان هذا التأجيل يلتحق بأصل العقد بمنزلة الزيادة في الثمن والمثمن
بأصل العقد ويصير كالمذكور فيه والدليل عليه أن الاجل بمنزلة الخيار لأنه يؤثر في تغير حكم
العقد فان توجه المطالبة في الحال من حكم العقد ويتغير بالأجل وثبوت الملك في الحال من
حكم العقد ويتغير بشرط الخيار ثم الخيار لا فرق بين أن يكون مشروطا في أصل العقد أو
يجعله أحدهما لصاحبه بعد العقد فكذلك في حكم الاجل وهذا لأن العقد قائم بينهما يملكان
التصرف فيه بالرفع والابقاء فيملكان التصرف فيه بما يغير حكمه على وجه هو مشروع
وتعتبر حالة الانتهاء بحالة الابتداء وبهذه المعاني يظهر الفرق بين الثمن وبدل القرض ولو كان
لرجل على رجل مال فتغيب حتى حط الطالب بعضه ثم ظهر لم يكن له أن يرجع فيما حط
عنه وقال ابن أبي ليلى له أن يرجع فيه لأنه كان مضطرا في هذا الحط فإنه كأن لا يتمكن من
خصمه ليستوفى منه كمال حقه وبهذا النوع من الضرورة ينعدم تمام الرضا منه بالحط كما ينعدم
بالاكراه فكما أنه لو أكره على الحط لم يصح حطه لعدم تمام الرضا فكذلك هنا ولكنا نقول
الحط اسقاط وهو يتم بالمسقط وحده فإذا أسقطه وهو طائع صح ذلك منه فلا رجوع له فيه
بعد ذلك لان المسقط يكون متلاشيا وإنما يتحقق الرجوع في القائم دون المتلاشى والدليل
عليه أن اسقاط البعض معتبر باسقاط الكل ولو أبرأه عن جميع دينه لم يكن له أن يرجع فيه
وان ظهر خصمه بعد ذلك فكذلك إذا حط بعضه وقوله انه مضطر قلنا لا كذلك فإنه متمكن
من أن يصبر إلى أن يظهر خصمه فالتأخير لا يفوت شيئا من حقه فإذا لم يكن يفعل كان مختارا
طائعا في الحط والصلح بمنزلة المغصوب منه إذا أخذ القيمة بعد ما أبق المغصوب ثم عاد من
إباقه لم يكن له على العبد سبيل ولهذا المعنى صححنا ابراءه عن الكل وفرقنا بينه وبين المكره
على الابراء فكذلك الحط وإذا اشترى الرجل ثمرا قبل أن يبلغ من أصناف الثمار كلها أو
اشترى طلعا حين يخرج جاز العقد عندنا وقال ابن أبي ليلى لا خيار في شئ من ذلك واستدل
134

في ذلك بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وفى رواية
حتى تشقح أي تدرك وفى رواية حتى تزهو أي تنجو من العاهة وهذا بالادراك وحجتنا في
ذلك قوله عليه الصلاة والسلام من باع نخلا مؤبرة فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع والمؤبرة
هي التي يخرج طلعها فإذا شرط المبتاع ذلك فقد صار مشتريا الثمرة مقصودة فإنها لم تدخل في
العقد الا بالذكر فهذا تنصيص على جواز بيعها قبل الادراك ولان محل البيع عين هو مال متقوم
والمالية بالتمول التقوم بكونه منتفعا به شرعا وعرفا وقد تم هذا كله في الثمار قبل الادراك
والعقد متى صدر من أهله في محله كان صحيحا ولا معني لقوله انه غير مقدور التسليم الا بالقطع
وفيه ضرر فيكون ذلك مفسدا للعقد كبيع الجذع في السقف لان البائع قادر علي التسليم من
غير ضرر يلحقه في ذلك وإنما يلحق الضرر المشترى وهو قد رضى بالتزام هذا الضرر فلا يمتنع
صحة العقد بسببه وتأويل الحديث ان المراد بيعها مدركة قبل الادراك بدليل انه عليه السلام
قال في آخر الحديث أرأيت لو أذهب الله تعالى الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه والمراد
به السلم في الثمار قبل أن يبدو صلاحها بدليل أنه قال في بعض الروايات لا تتلفوا في الثمار
حتى يبدو صلاحها فيحمل على ذلك ليكون جمعا بينه وبين ما روينا * فإن كانت الثمار قد تلفت
يعنى انتهى عظمها فاشتراها بشرط الترك إلى أجل معلوم فالعقد فاسد عندنا وقال ابن أبي
ليلى العقد صحيح هكذا قال محمد رحمه الله فيما إذا شرط الترك مدة يسيره لأنه بعد ما يتناهى
عظمها لا تزداد من ملك البائع وإنما تنضجها الشمس بتقدير الله تعالى وتأخذ اللون من
القمر والذوق من النجوم بتقدير الله تعالى فليس في هذا اشتراط شئ مجهول من ملك البائع
وهو شرط متعارف بين الناس فيكون سالما للعقد باعتبار العرف وباعتبار أن العرف فيه
تقريب إلى مقصود المشترى بمنزلة ما لو اشترى بغلا وشراكين بشرط أن يحدوها البائع
أو اشترى حطبا في المصر بشرط أو يوفيه في منزله وجه قولنا ان هذه إعارة أو إجارة
مشروطة في البيع فيبطل بها البيع لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة وبيانه
انه إن كان بمقابلة منفعة الترك في شئ من البدل فهي إجارة مشروطة في البيع وإن لم يكن
بمقابلها شئ من البدل فهي إعارة مشروطة في البيع والعرف إنما يعتبر إذا لم يكن هناك نص
بخلافه فأما وجود النص فلا إذا العرف لا يعارض النص وهكذا كان ينبغي في القياس
أن لا يجوز العقد فيما استشهد به ولكن تركنا القياس هناك للعرف فإنه لا نص فيه بخلافه
135

ثم هذا ليس في معنى ذلك لان في هذا الشرط حيلولة بيع البائع وبين ما لم يدخل تحت
العقد من ملكه وهو النخيل ومثل هذا الشرط لا يلائم العقد وفيه يعتبر ما يتناوله العقد فيكون
بمنزلة ما لو اشترى حنطة بشرط أن يطحنها البائع وذلك مفسد للعقد فكذلك هنا إذا شرط
الترك إلى مدة يفسد بها العقد وإذا اشترى الرجل مائة ذراع مكسرة من أذرع مقسومة
أو عشرة أجربة من أرض غير مقسومة لم يجز الشراء في قول أبي حنيفة وقال ابن أبي ليلي
هو جائز وبه أخذ أبو يوسف ومحمد وقد بينا هذا في البيوع ان الذراع اسم لجزء شائع عندهم
بمنزلة السهم إلا أن السهم غير معلوم المقدار في نفسه وإنما يصير معلوما بالإضافة فسهم من
سهمين النصف وسهم من عشرة العشر فلا بد من أن يبين سهما من كذا سهما والذراع
معلوم المقدار في نفسه فلا حاجة إلى أن يقول من كذا كذا ذراعا والجريب كذلك معلوم
المقدار بالذراع فان اشترى عشرة أجربة وجملة الأرض مائة جريب فإنما اشترى عشرها
وذلك مستقيم وكذلك أن اشترى مائة ذراع فإذا ذرع الكل فكان ألف ذراع عرفنا انه
اشترى عشرها والمكسرة المعروفة من الذراع بين الناس سميت مكسرة لأنها كسرت من
ذراع الملك قبضة وأبو حنيفة يقول الذراع اسم لجزء معين من الأرض وهو ما يقع عليه
الذراع فإذا اشترى مائة ذراع أو عشرة أجربة فإنما سمى في العقد جزأ معينا وهو عشر
معلوم في نفسه فان جوانب الأرض تختلف في الجودة والمالية فتتمكن المنازعة بهذا السبب
بين البائع والمشترى في التسليم وذلك مفسد للعقد كما لو اشترى بيتا من بيوت الدار ثم إذا
جاز العقد عندهم فإن كانت مائة ذراع فهي للمشترى
وان كانت مائتي ذراع فالمشتري يكون شريكا بقدر مائة ذراع وان كانت دون مائة ذراع فللمشتري أن يردها ان شاء
لتغيير شرط العقد عليه وان شاء أخذها بحصتها من الثمن لأنه سمى جملة الثمن بمقابلة مائة
ذراع فإذا لم يسلم له الا خمسون ذراعا لم يكن عليه الا نصف الثمن وهذا بخلاف ما لو اشترى
الأرض على أنها مائة ذراع فوجدها خمسين ذراعا واختار أخذها لزمه جميع الثمن لان هناك
الثمن بمقابلة العين وذكر الذراع على وجه بيان الصفة وهنا الثمن بمقابلة ما سمى من الذراع
هنا لبيان مقدار المعقود عليه فإذا لم يسلم له الا نصف المسمى لا يلزمه الا نصف الثمن كما لو
اشترى عشرة أقفزة حنطة فوجدها خمسة أقفزة * وقال ابن أبي ليلى لا يجوز عتق من قد
فلسه القاضي وحبسه في الدين وعندنا ينفذ عتقه إلا أن عند أبي حنيفة لا سعاية على العبد وعلى
136

قول أبى يوسف ومحمد يلزمه السعاية في قيمته للغرماء وهو بناء على مسألة الحجر بسبب الدين
وقد بينا ذلك في كتاب الحجر فاما ابن أبي ليلى قال إن ماله بالتفليس والحبس صار حقا
لغرمائه فاعتاقه صادف محلا هو حق الغير وفيه اضرار بمنزلة الحق فلا ينفذ عتقه لدفع الضرر
عن صاحب الحق عملا بقوله عليه السلام لا ضرر ولا ضرار في الاسلام وهذا قريب من
قول الشافعي في المرهون انه لا ينفذ عتق الراهن لاشتغاله بحق المرتهن وقد بينا ذلك في
الرهن ولكنا نقول العبد لا يزول عن ملكه بالتفليس والحبس في الدين ولا يصير مملوكا
للغريم (ألا ترى) ان شيئا من تصرفات الغريم لا ينفذ فإذا بقي على ملك صاحبه نفذ عتقه فيه
لان شرط نفوذ العتق ملك المحل والأهلية في العتق وبعد وجودهما لا يمتنع نفوذه لدفع
الضرر عن الغير (ألا ترى) ان عتق أحد الشريكين ينفذ في نصيبه وإن كان يتضرر به
صاحبه وكذلك عتق المشترى في المبيع قبل القبض ينفذ وإن كان يتضرر به البائع خصوصا
إذا كان المشترى مفلسا * وإذا أعطى الرجل الرجل متاعا يبيعه له ولم يسم بالنقد ولا بالنسيئة
فباعه بالنسيئة فالبيع جائز ولا ضمان على البائع عندنا وقال ابن أبي ليلى البائع ضامن لقيمة
المتاع يدفعها إلى الآمر لان مطلق الامر بالبيع معتبر بمطلق ايجاب البيع وذلك منصرف إلى
النقد خاصة فكذلك هذا وإذا انصرف إلى النقد كان هو مخالفا إذا باعه بالنسيئة فيكون بمنزلة
الغاصب ضامنا قيمته للآمر ولأن الانسان إنما يأمر غيره بيع متاعه لحاجته إلى الثمن اما لقضاء
الدين أو للانفاق على عياله والثابت بالعرف كالثابت بالنص ولو صرح بهذا للوكيل كان هو
مخالفا في بيعه بالنسيئة فكذلك إذا ثبت بالعرف ولكنا نقول الامر مطلق فتقييده بالبيع
بالنقد يكون زيادة ومثل هذه الزيادة لا تثبت الا بدليل والعرف لا يصلح مقيدا لهذا فالعرف
مشترك لان الانسان قد يأمر غيره بالبيع للاسترباح والربح إنما يحصل أكثره بالبيع بالنسيئة
ثم يفسد المطلق في معنى نسخ حكم الاطلاق فلا يثبت بمجرد العرف لان العرف لا يعارض
النص والشئ لا ينسخه ما دونه بخلاف ما إذا نص على التقييد وليس هذا نظير ايجاب البيع
لان العمل هناك بالاطلاق غير ممكن فان البيع لا يكون الا بثمن مقيد بوصف اما النقد أو
النسيئة (ألا ترى) انه لو قال بعته منك بألف درهم إن شئت بالنقد وإن شئت بالنسيئة لم يجز
العقد بخلاف التوكيل فان العمل بالاطلاق هنا ممكن بدليل انه لو قال بعد بالنقد أو بالنسيئة
كان صحيحا وهذا لان البيع قد نفذ بسبب حرام وهذه الحرمة كانت لحق الامر فعليه أن
137

يدفع الفضل إلى الآمر وإن كان أقل من القيمة لم يرجع البائع على الآمر بشئ لأنه هو
الذي أضر بنفسه حين باعه بأقل من قيمته على وجه صار مخالفا وهو البيع بالنسيئة فيكون
الخسران عليه * وإذا باع الرجل جارية بجارية وتقابضا ثم وجد أحدهم بالجارية التي قبض
عيبا فإنه يردها ويأخذ جاريته عندنا وقال ابن أبي ليلى يردها ويأخذ قيمتها صحيحة وكذلك
هذا في كل حيوان أو عرض وجه قوله ان كل واحد منهما في العوض الذي من جهة
صاحبه مشترى اشتراه بعوضه وفى العوض الذي من جانبه بائع والبيع غير الشراء فإذا وجد
عيبا بما اشترى فرده يبطل الشراء ولكن لا يبطل البيع وإذا بقي العقد في العوض الآخر
كان علي صاحبه تسليم البدل إليه كما التزمه بالعقد صحيحا وقد عجز عن ذلك فيلزمه رد قيمته
كما في النكاح إذا وجدت المرأة بالصداق عيبا فاحشا فردت رجعت على الزوج بقيمته وكل
واحد منهما عقد معاوضة فإذا كان هناك حكم الرد يقتصر على المردود ولا يتعدى إلى العوض
الآخر فكذلك هنا * يوضحه ان القيمة سميت قيمة لقيامها مقام العين فصارت قدرته على
تسليم قيمتها صحيحة كقدرته على تسليم عينها فيبقى العقد في البدل الموجود على شرط العقد
بقيمة الآخر وجه قولنا ان بالرد بالعيب ينفسخ القبض في المردود من الأصل ويتحقق عجز
بائعها عن تسليمها كما أوجبه العقد وذلك مبطل للعقد (ألا ترى) انه لو هلك أحد العوضين
قبل القبض يبطل العقد فيهما جميعا فكذلك إذا ردتا بالعيب وبه فارق النكاح فان هناك
لو تعذر التسليم بالهلاك قبل القبض لزمه قيمته فكذلك إذا تعذر التسليم بالرد بالعيب وهذا
لان العجز عن التسليم في الابتداء هناك لا يمنع صحة العقد والتسمية بأن يزوج امرأة علي
عبد الغير فان التسمية تصح وإذا عجز عن تسليم المسمى يجب قيمته فهنالك العجز في الانتهاء
وهنا العجز عن التسليم في الابتداء يمنع صحة العقد فإنه لو اشترى جارية بعبد الغير لا يصح
الشراء فكذلك إذ عجز عن التسليم في الانتهاء بطل العقد فيلزمه رد المقبوض بحكمه ثم القيمة
إنما تقوم مقام العين والحاجة هنا إلى تسليم ما تناوله العقد وهي جارية صحيحة لا إلى تسليم العين
لأن العين قد كانت مسلمة إليه فلو قلنا بأنه يأخذ قيمتها لكان يأخذ بحكم العقد ولا يجوز ان
يستحق بالعقد القيمة دينا في الذمة فلهذا لا يبقى العقد بعد ردها بالعيب ولهذا لو اشتراها
بالدراهم ثم ردها بالغيب استرد دراهمه ولم يرجع بقيمتها فهذا مثله وإذا اشترى الرجل سلعة
فطعن فيها بعيب قبل أن ينقد الثمن فله أن يردها إذا أقام البينة على العيب عندنا وقال ابن
138

أبى ليلى لا تقبل شهادة شهود على العيب حتى ينقد الثمن لان قبول البينة ينبنى على دعوى
صحيحة وإنما تصح الدعوى من المشترى عند وجوب العيب لأنه يطالب البائع برد الثمن عليه
وذلك لا يتحقق قبل انقاد الثمن وبدون دعوى صحيحة لا يقبل منه البينة وحجتنا في ذلك أن
الرد بخيار العيب كالرد بخيار الشرط والرؤية وذلك صحيح قبل نقد الثمن إذ الرد بحجة البينة
معتبر بالرد بالاقرار ولو أقر البائع بالعيب كان للمشترى أن يرد عليه قبل نقد الثمن فكذلك إذا
أقام البينة على العيب قوله بان دعواه لا يصح قلنا لا كذلك فإنه يطالب البائع بتسليم الجزء الفائت
وذلك حق مستحق له بالعقد فيصح منه دعوى المطالبة بالتسليم ثم إذ تحقق عجز البائع عن
تسليمه رد عليه بالعيب ثم هو يدعى براءة ذمته عن الثمن بعد رد العين عليه ودعوى سبب البراءة
من الديون دعوى صحيحة فتقبل بينه على ذلك والعقد لازم من حيث الظاهر في حق كل
واحد منهما فهو يدعى انعدام لزومه في جانبه بسبب العيب وهذه دعوى صحيحة منه
كدعوى شرط الخيار * وإذا باع الرجل على ابنه وهو كبير دارا أو متاعا من غير حاجة ولا
عذر لم يجز ذلك عندنا وقال ابن أبي ليلي بيعه جائز لان النبي صلى الله عليه وسلم قال أنت
ومالك لأبيك وقال عليه السلام ان أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وان ولده لمن كسبه
فكلوا من كسب أولادكم ففي الحديثين دليل على أن مال الولد مملوك للوالد بمنزلة مال
نفسه فينفذ تصرفه ففي الحقيقة المسألة تنبنى على هذا فان عنده مال الولد في حكم المملوك للوالد
ولهذا قال له ان يطأ جارية ابنه إذا لم تكن محرمة عليه وعندنا لا ملك له في مال ولده ولا
حق ملك لان الكسب إنما يملك بملك الكاسب وليس له في ولده ملك فكذلك في كسب
ولده والدليل عليه ان الولد مالك لكسبه حقيقة حتى ينفذ تصرفه فيه من الوطئ وغير ذلك
وينفذ فيه اعتاقه وإنما بخلف الكاسب غيره في الملك إذا لم يكن هو من أهل الملك فأما إذا كان
هو من أهل حقيقة الملك لا يملك غيره الكسب على وجه الخلافة عنه ولا يملكه ابتداء لان
ثبوت الملك ابتداء يستدعى سببا له ولم يوجد ذلك وإنما كان يتصرف في حال صغره بولايته
عليه نظرا للولد لأنه كان عاجزا عن التصرف والنظر وقد زال هذا المعنى ببلوغه فلهذا
لا ينفذ تصرفه فيه (ألا ترى) ان تصرفه في نفسه بالتزويج كان ينفذ قبل بلوغه لحاجته
إلى ذلك ثم لا ينفذ بعد البلوغ لانعدام الحاجة فكذلك في ماله * وإذا باع الرجل متاعا لرجل
وهو حاضر ساكت لم يجز ذلك عليه عندنا وقال ابن أبي ليلى سكوته اقرار بالبيع أي هو
139

بمنزلة الإجازة فينفذ به البيع لنفسه لأنه لو لم يتعين جهة الرضا بسكوته تضرر به المشترى
وصار المالك بسكوته كالغار له والغرور حرام والضرر مدفوع فهو قياس سكوت المولى عن
النهى عند رؤيته تصرف العبد أنه يجعل اذنا له في التجارة لهذا المعنى ولان العادة أن صاحب
المال لا يسكت إذ رأى غيره يبيع ما أمر بتسليمه ولم يكن من قصده الرضا به فباعتبار العادة
يجعل سكوته دليل الرضا وكذلك لا يحل له السكوت شرعا إذا لم يكن من قصده الرضا
وفعل المسلم محمول على ما يحل شرعا فجعل سكوته دليل الرضا لهذا كما جعل الشرع سكوت
البكر رضا منها بالنكاح وحجتنا في ذلك أن سكوته محتمل قد يكون بطريق الرضا وقد يكون
بطريق التهاون وقلة الالتفات إلى تصرف الفضولي وقد يكون بطريق التعجب أي لماذا يفعل
هذا في ملكه بغير أمره والى ماذا تؤول عاقبة فعله والمحتمل لا يكون حجة وملك المالك
ثابت في العين بيقين فلا يجوز ازالته بدليل محتمل وهذا هو القياس فيما استشهد به من سكوت
المولى وسكوت البكر إلا أنا تركنا القياس في سكوت البكر بالنص وهذا ليس في معنى ذلك
فان الحياء يحول بينها وبين التصريح بالإجازة هناك وليس هنا ما يحول الحياء بينه وبين
النطق ولو تعين جهة الرضا في سكوت المولى لم يلزمه بذلك شئ لان بمجرد الاذن للعبد في
التجارة لا يجب على المولى شئ ولا يبطل ملكه عن شئ فإنه يتمكن من الحجر عليه قبل أن
يلحقه دين وهنا لو تعين جهة الرضا زال ملك المالك ولزمه حكم تصرف الفضولي وحاصل
هذا الكلام أن هناك لو لم يجعل السكوت رضا تضرر به من عامل العبد ولو جعلنا السكوت
اذنا لم يتضرر به المولى في الحال فرجحنا جانب دفع الضرر وهنا لو جعلنا السكوت رضا تضرر
به المالك ولزمه حكم تصرف الفضولي لان ملكه يزول ولو لم نجعله رضا تضرر به المشترى
فرجحنا جانب المالك لان حقه في العين أسبق والمشترى هو المقر حين لم يسأل المالك أن
البائع وكله أم لا واعتمد سكوتا محتملا ثم الحاجة هنا إلى التوكيل لان المتصرف يكون نائبا
عن المالك ولهذا يرجع عليه بما لحقه من العهدة والتوكيل بالسكوت لا يثبت فاما الاذن في
التجارة اسقاط من المولى حقه في المنع من التصرف فان العبد لا يصير نائبا عن المولي في
التصرف ولهذا لا يرجع عليه بالعهدة وسكوته اعراض منه عن الرد فيمكن أن يجعل اسقاطا
لحقه بمنزلة التصريح بالاذن * وإذا باع لرجل نصيبا في دار غير مقسوم فقد بينا هذه المسألة
بوجوهها في آخر الشفعة ولكن هناك ذكر قول أبى يوسف وحده وان البيع جائز إن لم
140

يعلم المشترى بنصيب البائع وله الخيار إذا علم به وذكر هنا قول محمد مع قول أبى يوسف فعن
محمد فيه روايتان قال ابن أبي ليلى إذا كانت الدار بين اثنين أو ثلاثة أجزت بيع النصيب وإن لم
يسم وان كانت سهاما كثيرة لم أجزه حتى يسمى لان عند كثرة الشركاء تتفاحش الجهالة
والتفاوت إذا لم يكن نصيب البائع معلوما للمشترى وعند قلة الشركاء يقل التفاوت والجهالة
وفى البيع تفصيل بين الجهالة المتفاحشة والجهالة اليسيرة (ألا ترى) أن بيع أحد الأثواب
الثلاثة مع اشتراط الخيار للمشترى إذا سمى ثمن كل ثوب منها يجوز وفيما زاد على الثلاثة
لا يجوز وكان ذلك باعتبار تفاحش الجهالة وقلة الجهالة ولكنا نقول البيع إنما يتناول نصيب
البائع وذلك لا يختلف بكثرة الشركاء وقلة الشركاء فقد يقل نصيبه مع قلة الشركاء وقد يكثر
نصيبه مع كثرة الشركاء فلا معنى للفرق بينهما والمعنى الذي لأجله لا يجوز العقد عند كثرة
الشركاء جهالة المعقود عليه على وجوه تفضى إلى المنازعة بين البائع وبين المشترى وهذا المعنى
موجود عند قلة الشركاء فالمشترى يقول نصيب البائع النصف والبائع يقول نصيبي من
الدار العشر فلهذا لا يجوز العقد وشراء أحد الأثواب الثلاث مستحسن من القياس فلا يقاس
عليه غيره ثم الجهالة هناك لا تفضي إلى المنازعة إذا شرط الخيار للمشترى وإذا ختم الرجل
على شراء لم يكن ذلك تسليما للبيع عندنا وقال ابن أبي ليلى هو تسليم للبيع وبيان هذا أن
الرجل إذا شهد على بيع الدار فكتب شهادته وختمها ثم ادعى بعد ذلك أن الدار له وأقام البينة
فان بينته تكون مقبولة على المشترى عندنا ويقضى له بالملك وقال ابن أبي ليلى الدار سالمة
للمشترى وهذا بناء على ما تقدم فان علي أصله لما جعل السكوت من المالك رضى بالبيع
فختم الشهادة أولى أن يكون رضا بالبيع قال كتبه الشهادة للتوثق وهذا التوثق إنما يحتاج إليه
إذا صح شراؤه فيجعل اقدام الشاهد على ذلك اقرارا منه بصحة شراء المشترى ولكنا نقول
كتبه الشهادة محتمل قد يكون على وجه تسليم المبيع وقد يكون للتعجب حتى ينظر كيف
يقدر البائع على تسليم ملكه أو تحمل الشهادة على معنى التوثق إذا بدا له أن يجيز المبيع أو يحتمل
أن يكون الشاهد لم يعلم عند تحمل الشهادة أن المبيع داره فلعله ظن أن المبيع دارا أخرى حدودها
توافق حدود داره وبالمحتمل لا يزول الملك فلا يجعل ذلك تسليما منه للبيع وإذا بيع الرقيق
أو المتاع في عسكر الخوارج وذلك من مال أهل العدل غلبوهم عليه لم يجز البيع عندنا وقال
أبى أبى ليلى هو جائز وان قتل الخوارج قبل أن يبيعوه وهو بعينه رد على أهله عندهم جميعا
141

فابن أبي ليلى جعل منعه للخوارج كمنعه أهل الحرب باعتبار أن المقابلة بين الفريقين تتناول
الدين والتأويل الذي للخوارج أقرب إلى الصحة من تأويل الكفار فإذا كان هناك باعتبار
المنعة والتأويل يملكون ما أخذوا من أموال المسلمين حتى ينفذ تصرفهم فيه فكذلك
الخوارج يملكون ذلك حتى ينفد تصرفهم فيه إلا أنه إذا قتل الخوارج فلم يبق لهم منعة
وثبوت هذا الحكم كان باعتبار المنعة فإذا لم يبق وجب ردها على أهلها وبهذا لا يستدل على
أنهم لا يملكونها كما لو استولى المشركون على أموال المسلمين ثم وقعت في الغنيمة فوجدها
أصحابها قبل القسمة ردت عليهم محاباة وإن كان المشركون قد ملكوها فهذا مثله والدليل
على التسوية أن الخوارج لا يضمنون ما أتلفوا من أموال أهل العدل ونفوسهم كما لا يضمن
أهل الحرب ذلك للمسلمين فإذا سوى بين الفريقين في حكم الضمان فكذلك في حكم الملك
وحجتنا في ذلك أن حكم الاسلام ثابت في حق الخوارج فهذا استيلاء المسلم على مال المسلم
فلا يوجب الملك كغصب بعض المسلمين مال بعضهم وتقرير هذا الكلام أن منعة الخوارج
من جملة دار الاسلام والملك بطريق القهر لا يثبت ما لم يتم القهر وتمامه بالاحراز بدار تخالف
دار صاحب المال وذلك لا يوجد بعد احراز الخوارج المال بمنعتهم بخلاف أهل الحرب فان
قهرهم يتم بالاحراز بدارهم وما كان منعة الخوارج في دار الاسلام الا كمنعة أهل الحرب في
دار الاسلام وهم لا يملكون أموالنا ما داموا في دارنا وان كانوا ممنعين فكذلك الخوارج فلا
فرق فانا لو قدرنا على الخوارج استبيناهم ورددنا المال علي صاحبه كما لو أنا قدرنا على أهل الحرب
في دار الاسلام عرضنا عليهم الاسلام ورددنا المال على صاحبه يوضحه أن المال ما دام محرزا
بدار الاسلام لا يملك بالقهر لأنه بالاحراز معصوم والقهر يوجب الملك في محل مباح لا في
محل معصوم (ألا ترى) ان الصيد المباح يملك بالأخذ والصيد المملوك لا يملك بالأخذ فباحراز
المشركين المال بدارهم يبطل حكم الاحراز والعصمة في ذلك المال فلهذا لا يملكونه باحراز
الخوارج المال بمنعتهم ولا يبطل حكم الاحراز والعصمة في ذلك المال فلهذا لا يملكونه ولهذا
لو قتل الخوارج وهو باق بعينه رد على صاحبه ولو صار ذلك مملوكا لهم لكان ميراثا عنهم إذا
قتلوا فأما سقوط الضمان فهو حكم ثبت باتفاق الصحابة بخلاف القياس على ما روى عن
الزهري قال وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون فاتفقوا علي أن
142

كل دم أريق بتأويل القرآن فهو موضوع وكل فرج استحل بتأويل القرآن فهو موضوع
وكل مال أتلف بتأويل القرآن فهو موضوع وهذا ليس في معنى ذلك المنصوص فان مع بقاء
الاحراز القسمة قد تسقط بالضمان بأسباب ولكن بقاء الاحراز والعصمة لا يملك المال
بحال * ثم ذكر مسألة الشهادات إذا باع مسلم دابة من نصراني فاستحقها نصراني من يد المشترى
ببينة من النصارى وقد بينا خلاف أبى يوسف في هذه المسألة في كتاب الشهادات وقول
ابن أبي ليلى كقول أبى يوسف وإذا استهلك الرجل الغنى مال ولده الكبير فهو ضامن عندنا
وقال ابن أبي ليلى لا ضمان عليه وهو ينبنى على الأصل الذي بيناه أن عنده الأب مالك مال
ولده شرعا واتلاف الانسان ملكه لا يوجب الضمان عليه وعندنا ليس له في مال ولده ملك
ولاحق ملك فهو ضامن له إذا أتلفه وان ثبت له شرعا حق التناول منه بالمعروف عند الحاجة
فذلك لا ينفى الضمان عند عدم الحاجة كالمرأة فان لها أن تنفق من مال زوجها بالمعروف فان
أتلفت شيئا من ماله بدون الحاجة كانت ضامنة فالأب كذلك * وإذا اشترى الرجل عبد مع الجارية
وزاد معها مائة درهم ثم وجد بالعبد عيبا وقد ماتت الجارية عند المشترى فإنه يرد العبد ويأخذ
المائة وقيمة الجارية وان كانت الجارية هي التي وجد بها العيب وقد مات العبد ردت الجارية
وقسمت قيمة العبد على مائة درهم وعلى قيمة الجارية فيكون له ما أصاب المائة ويرد ما أصاب
من قيمة الجارية من قيمة العبد عندنا وقال ابن أبي ليلى ان وجد بالعبد عيب رده وأخذ قيمته
صحيحة وكانت الدراهم للذي هي في يديه وهذا بناء على ما تقدم فان عند ابن أبي ليل يرد
العبد بالعيب لا ينتقض البيع في الجارية ولكن يرجع بقيمة العبد وإذا بقي العقد في حصة
الجارية من العبد عندنا يبقى في حصة المائة أيضا لأن العقد في ذلك الجزء من العبد وإن كان
بيع بدراهم ولكنه بيع كبيع المقابضة وحكم التبع حكم الأصل فلهذا لا فيبطل العقد فيه
ويأخذ قيمته لما تعذر على بائع العبد تسليم عينه صحيحا فأما عند العقد في الجارية يبطل ما يقابله
من العبد بالعيب فإذا بطل العقد وجب على قابض الجارية ردها وقد تعذر الرد بهلاكها في
يده فيرد قيمتها بمنزلة المشتراة شراء فاسدا إذا هلكت في يد المشترى وأما في حصة المائة فالعبد
كان بيع بالدراهم فإذا رد المعيب بالعيب وجب الرجوع بما يقابله من الثمن وإن كان العيب
بالجارية فردت وقد مات العبد فقد انتقض العقد فيما يقابل الجارية من العبد لان في بيع
المقابضة هلاك أحد العوضين لا يمنع فسخ العقد برد الآخر بالعيب فان العقد إنما ينفسخ في
143

المردود مقصودا ويثبت حكم الفسخ فيما بقي ولا ينفسخ في المردود مقصودا ويثبت حكم
الفسخ فيما بقي ولا ينفسخ العقد في حصة المائة من العبد لان ذلك كان بيع بالدراهم وقد هلك
في يد المشترى فلا يمكن فسخ العقد فيه بعد ذلك فلهذا يقسم العبد على المائة وعلى قيمة الجارية
فيغرم مشترى العبد ما أصاب قيمة الجارية من قيمة العبد ويسقط عنه ما أصاب المائة
الدرهم لبقاء البيع بينهما في ذلك الجزء وإذا اشترى الرجل ثوبين وقبضهما فهلك أحدهما
ووجد بالآخر عيبا فرده ثم اختلفا في قيمة الهالك فالقول فيها قول البائع عندنا وقال ابن أبي
ليلى القول قول المشترى لان البائع يدعى زيادة في قيمة الهالك عند المشترى والمشترى
ينكر تلك الزيادة فيكون القول قوله مع يمينه ولان البائع يدعى زيادة في حقه قبل
المشترى بعد رد الثوب الآخر فيقول قيمة المردود ألف وقيمة الهالك في يدي ألف فلي
عليك نصف الثمن والمشترى يقول قيمة الهالك في يدي كان خمسمائة فإنما هلك على ثلث
الثمن فيكون القول قول المشترى لانكاره الزيادة كما لو قبض أحد الثوبين وهلك الآخر
في يد البائع ثم اختلفا في قيمة الهالك عند المشترى فإنه يكون القول قول المشترى لهذين
المعنيين وحجتنا في ذلك أن الثمن كله قد تقرر على المشترى بقبض ثوبين ثم رد أحدهما بالعيب
يسقط عنه حصته من الثمن فالمشترى يدعى زيادة فيما سقط عنه من الثمن لأنه يقول كان
قيمة الهالك في يدي خمسمائة وقيمة المردود ألفا فسقط عنه ثلثا الثمن والبائع يقول قيمة
الهالك في يدك كان ألفا فإنما يسقط عنك نصف الثمن وبعد ما تقرر الثمن على المشترى لو أنكر
البائع سقوط شئ من الثمن عنه كان القول قوله فكذلك إذا أنكر سقوط الزيادة عنه واعتبار
هذا الجانب أولى لان المقصود ليس هو عين قيمة الهالك بل المقصود سقوط الثمن عن
المشترى بالرد وتقرر عليه بالهلاك في يده فإنما ينظر إلى الدعوى والانكار فيما هو المقصود
وهذا بخلاف ما إذا هلك أحد الثوبين في يد البائع والآخر في يد المشترى لان هناك أن
جميع الثمن لم يتقرر على المشترى لان تقرر الثمن عليه بالقبض وهو ما قبض جميع المعقود عليه
فالاختلاف بينهما في مقدار ما تقرر علي المشترى من الثمن فالبائع يدعى عليه الزيادة وهو
ينكرها لان الاختلاف هناك في مقدار ما قبض من المعقود عليه ولو أنكر القبض أصلا
كان القول قوله فكذلك إذا أنكر قبض الزيادة وهذا الاختلاف في مقدار ما رد من المعقود
عليه ولو أنكر البائع رد شئ عليه كان القول قوله فكذلك إذا أنكر رد الزيادة وإذا اشترى
144

دارا وبنى فيها بناء ثم حضر الشفيع فإنه ينقض بناء المشترى ويأخذ الدار عندنا وعلى قول ابن أبي
ليلى يأخذ الشفيع الدار والبناء ويعطى الثمن وقيمة البناء ان شاء وهو رواية عن أبي يوسف
وهو قول الشافعي وقد بينا هذا في كتاب الشفعة وإذا وجبت الشفعة لليتيم وعلم بها الوصي أو
الأب فلم يطلبها فليس لليتيم شفعة إذا أدرك عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وعلي
قول محمد وزفر له الشفعة إذا أدرك وهو قول ابن أبي ليلى وقد بيناها في الشفعة والصلح
على الانكار جائز عندنا وقال ابن أبي ليلى لا يجوز الصلح على الانكار وقد بينا هذا في كتاب
الصلح وكذلك إذا صلح رجل عن المطلوب والمطلوب متغيب أو أخر الطالب عنه الدين وهو
متغيب جاز عندنا وعلى قول ابن أبي ليلى لا يجوز شئ من ذلك لان التأخير تبرع عن المطلوب
بالأجل ولو تبرع عليه بالمال لم يتم في حال غيبته فكذلك إذا تبرع عليه بالأجل ولكنا نقول
التأجيل اسقاط للمطالبة إلى مدة والاسقاط يتم بالمسقط وحده بمنزلة الابراء وهذا لأنه
تصرف من الطالب في حق نفسه فان المطالبة خالص حقه وليس في التأجيل الا اسقاط
المطالبة فإذا كان تصرفه لا يمس جانب المطلوب كان صحيحا مع غيبته كالعفو عن القصاص في
حال غيبة القاتل وايقاع الطلاق والعتاق في حال غيبة العبد والمرأة وكذلك الصلح من
الفضولي لا يمس المطلوب فان الطالب يسقط حقه بعوض يلزمه المتوسط وقد صح التزام
من المتوسط لان ذلك تصرف منه في ذمته أو في ماله فغيبة المطلوب لا تمنع صحته بمنزلة
ما لو طلق امرأته على مال شرطه على أجنبي وضمن الأجنبي ذلك فإنه يقع الطلاق مع غيبة
المرأة ويجب المال على الضامن * وإذا صالح الرجل عن صلح أو باع بيعا أو أقر بدين ثم أقام
البينة أن الطالب أكرهه على ذلك فان أبا حنيفة قال ذلك جائز ولا أقبل البينة بأنه أكرهه
وقال ابن أبي ليلى أقبل بينته على ذلك وأرده وقال أبو يوسف ومحمد إذا كان ذلك اكراها
في موضعه قبلت البينة عليه وهذه تنبنى على ما بينا في كتاب الاكراه أن عند أبي حنيفة
الاكراه إنما يتحقق من السلطان فاكراه الرعية ليس باكراه وعندهما يتحقق الاكراه ممن
يكون قادرا على ايقاع ما هدد به سلطانا كان أو غيره فيقولا الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة
ولو غائبا أو اكره من عامله علي ذلك لم يمتنع نفوذه عند أبي حنيفة وعندهما يمتنع نفوذه
فكذلك إذا ثبت ذلك بالبينة الا ان عندهما إنما تقبل البينة على هذا إذا كان في موضعه
بأن كان يتصور الاكراه من مثله له وعند ابن أبي ليلى تقبل بينته على ذلك على كل حال
145

لأنه أثبت السبب المبطل للعقد أو للدفع لصفة اللزوم بالبينة والثابت بالبينة كالثابت باتفاق
الخصم ولو ساعده الخصم على ذلك بطل الصلح والبيع فكذلك إذا أثبت بالبينة وإذا اختصم
رجلان عند القاضي فأقر أحدهما بحق صاحبه بعد ما قاما من عنده وقامت عليه البينة باقراره
وهو يجحد فهو جائز في قول علمائنا رحمهم الله وكان ابن أبي ليلى يقول لا اقرار لمن خاصم
إلا عندي ولا صلح لهم إلا عندي وكأن لا يقبل البينة على الاقرار والصلح بعد ما قاما من
عنده قال لان القاضي سمع انكار الخصم وصار له في ذلك علم يقين فكيف يسمع البينة على
ما يعلم يقينا بخلافه يوضحه أنهما لما خاصما بين يديه فقد ثبت له ولاية الحكم بينهما بما هو
موجب الشرع وهذا ان البينة علي المدعي واليمين على من أنكر وفى الصلح والاقرار من
الخصم ابطال هذه الولاية له فلا يكون الا بمحضر منه ولا يكون صحيحا فهذا أولى وجه
قولنا انه لو أقام الخصم البينة على اقرار خصمه أو على الصلح بينهما في المجلس الأول كانت
بينته مقبولة فكذلك إذا أقام البينة على ذلك في المجلس الثاني لان الثابت بالبينة كالثابت
بالمعاينة ولو عاين القاضي صلحهما أو اقرار الخصم يقتضي بذلك فكذلك إذا أثبته بالبينة قوله
إذا كان علم انكاره قلنا نعم ولكن بقاؤه علي ذلك الانكار غير معلوم للقاضي الا بطريق
استصحاب الحال والبينة أقوى من استصحاب الحال وقوله انه ثبت للقاضي ولاية الحكم
بموجب الشرع قلنا نعم ولكن الحكم عليه بالاقرار الثابت بالبينة والصلح الثابت بالبينة من
موجب الشرع فيكون هذا راجعا إلى تقرير ولاية القاضي وهذا لان الشرع أمر القاضي
أن لا يقضى بشئ مما غاب عنه علمه الا بشهادة شاهدين وهذا الصلح والاقرار مما غاب
عنه علمه فإذا ثبت عنده شهادة شاهدين كان عليه أن يقضى بها بمنزلة صلح أو اقرار كان منهما
قبل الخصومة أو يجعل الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم وقال ابن أبي ليلى إذا كفل رجل
لرجل بدين له على آخر فليس للطالب أن يأخذ الأصل بالمال ما لم يتو على الكفيل وإن كان
كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه آخذ به أيهما شاء وقد بينا هذه المسألة في كتاب الكفالة
أن الكفالة عندنا لا توجب براءة الأصيل وللطالب أن يأخذ أيهما شاء وعنده مطلق الكفالة
بمنزلة الحوالة فإنما يطالب الكفيل بالمال ولا يطالب الأصيل ما لم يتوى المال على الكفيل
إلا أن يشترط أن يكون كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه فحينئذ يطالب أيهما شاء بالمال
لمكان الشرط وبعد ما طالب أحدهما له أن يطالب الآخر وعلى قول ابن سرمة إذا اشترط
146

هذا الشرط ثم طالب أحدهما فليس له أن يطالب الآخر بعد ذلك ويجعل اختياره مطالبة
أحدهما ابراء للآخر بمنزلة الغاصب مع صاحب المغصوب إلا أن يشترط أن يؤاخذهما جميعا
فحينئذ بعدما طالب أحدهما له أن يطالب الآخر قال وقد قال بعض مشايخنا أيضا وقيل هو
شريك ابن عبد الله ان شرط هذه الزيادة ثم اختار أحدهما لم يكن له أن يعود على الآخر
إلا أن يفلس هذا أو يموت ولا يترك شيئا وقد بينا وجوه هذه الأقاويل في كتاب الكفالة
فان محمدا ذكر هناك صكا يشتمل على هذه الشرائط وقد بينا انه إنما شرط هذه الزيادات
للتحرز من هذه الأقاويل في كتاب الكفالة قال وكان ابن أبي ليلى لا يجوز الضمان بشئ
مجهول غبر سمى كقوله ما كان لك عليه من حق فهو على أو ما قضى لك القاضي عليه فهو على
لأنه يلزم المال بعقد معتمد تمام الرضا فمع الجهالة المتفاحشة لا يصح التزامه بمنزلة الالتزام بسائر
المعاوضات وبيان الجهالة المتفاحشة هنا انه مجهول الجنس والقدر والصفة ولا جهالة أبلغ من
هذا ولكنا نقول الجهالة هنا لا تمنع صحة الالتزام ولكنا جهالة تقضى إلى المنازعة وهذه
الجهالة لا تقضى إلى تمكن المنازعة فان الطالب لا يطالب الكفيل الا بما ثبت له على الأصيل
ولا تتمكن المنازعة بعد ما ثبت له الحق على الأصيل بالحجة أو بعد ما قضى القاضي به عليه ثم
الالتزام بالكفالة بمنزلة الالتزام بالاقرار فإنه ليس بمقابلة عوض يجب للكفيل على الطالب
وجهالة المقر به لا تمنع صحة الاقرار فكذلك جهالة المكفول به ثم ذكر مسألة الكفالة عن
الميت المفلس وبينا أن قول ابن أبي ليلى فيه كقول أبى يوسف ومحمد رحمهم الله وقد بيناها
وقال علي قول أبي حنيفة إن كان ترك الأصيل شيئا ضمن الكفيل بقدر ما ترك لان صحة
الضمان عنده باعتبار الوفاء على معنى انه يجعل المال خلفا عن الذمة في بقاء الواجب باعتباره
لان المال محل صالح لقضاء الدين منه والوجوب غير مطلوب لعينه بل للاستيفاء فان ما بقي
من المال في ذمة الأصيل بقدر ما يصلح أن يكون تركة خلفا وصحة الكفالة باعتبار بقاء
المال في ذمة الأصيل في أحكام الدنيا فلهذا لا يصح ضمانه الا بقدر تركة الأصيل * وقال ابن أبي
ليلى كفالة العبد المأذون جائزة لان الكفالة من صنيع التجارة وهو منفك الحجر عنه
فيما هو من صنيع التجار ولأنه التزام بعوض فان الكفيل يرجع علي الأصيل بما يؤدى والعبد
المأذون من أهل هذا النوع من الالتزام وقد جعل أبو حنيفة رحمه الله الكفالة من جنس
التجارة فقال إذا كفل أحد المتعاوضين بمال يلزم شريكه فلما جعل في حق المتعاوضين هذا
147

بمنزلة التجارة فكذلك في حق العبد المأذون ولكنا نقول لا تصح كفالة المأذون في حالة رقه
لان الحاجز وهو الرق قائم وإنما أصل الحجر عنه بالاذن فيما هو تجارة أو من توابع التجارة
والكفالة ليست بهذه الصفة فان التجار يتحرزون عن الكفالة غاية التحرز لهذا قيل الكفالة
أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها غرامة فبقي محجورا عنه على ما كان قبل الاذن ثم
الكفالة بمنزلة الاقراض فإنه تبرع في الالتزام وإن كان عند الأداء يرجع كما أن المقرض
تبرع بأداء المال وإن كان له حق الرجوع في المال والعبد المأذون لا يملك الاقراض في حق
مولاه فكذلك لا يملك الكفالة وهذا بخلاف المتعاوضين لان الكفالة في الابتداء تبرع
ولكن في الانتهاء معاوضة ولا بد من تصحيحه من المعاوض الذي باشره وإن كان تبرعا
فإذا صح منه انقلب معاوضة فيطالب به الشريك اما هنا باعتبار كونه تبرعا لا يصح من العبد
المأذون في الابتداء فلا ينقلب معاوضة وقال ابن أبي ليلى إذا أفلس المحتال عليه رجع الطالب
على المحيل وهو بناء على ما سبق ان عند أبي ليلى التفليس والحجر يتحقق وقوله فيه كقولهما
أو أبلغ منه لان عنده بعد التفليس والحبس لا ينفذ عتق المديون في عبده فيتحقق بالتوي
بالتفليس علي قوله وإذا توى المال علي المحتال عليه كان للطالب أن يرجع على المحيل لقوله عليه
السلام لا توى على مال امرئ مسلم فأما علي قول أبي حنيفة التوى لا يتحقق لان التوى أن
يهلك عين الشئ أو محله الذي كان قائما به والدين لا يتصور هلاكه حقيقة ومحله قائم بعد
الافلاس ببقاء الذمة محلا صالحا لالتزام الحقوق وإنما يتأخر الاستيفاء بالافلاس وهذا تأخير
يزول ساعة فساعة لان المال غاد ورائح بخلاف ما إذا مات فان محل الدين خرج من أن
يكون صالحا لالتزام الحقوق وإنما يتأخر الاستيفاء في أحكام الدنيا بخلاف ما لو جحد وحلف
لان الدين هناك صار تاويا حكما حتى أنقطع طريق الوصول إليه عن بينة أو اقرار الخصم وقال
ابن أبي ليلي للوكيل أن يوكل بما وكل به إذا مرض أو أراد سفر فأما إذا كان حاضرا صحيحا
فلا وعندنا بمطلق الوكالة ليس له أو يوكل غيره إلا أن يكون قال له ما صنعت من شئ فهو
جائز فحينئذ يكون له أن يوكل غيره به سواء كان حاضرا صحيحا أو غائبا أو مريضا وجه
قوله ان الوكيل بقبول الوكالة قد التزم أداء هذه الأمانة وتحصيل مقصود الموكل فلا يملك
أن ينيب غيره منابه في ذلك الا في حالة العذر من مرض أو سفر بمنزلة شاهد الأصل فإنه
لا يكون له أن يؤدى الشهادة بالثابت وهو شاهد الفرع إلا عند السفر أو المرض فهذا
148

مثله ولكنا نقول الموكل إنما رضى برأي الموكل فلا يكون له أن يقيم رأى غيره مقام رأي
نفسه لان الناس يتفاوتون في الرأي ومقصود الموكل لا يحصل برأي غيره ثم العذر هنا
لا يتحقق بسفره ومرضه لان الموكل قادر على النظر لنفسه وتحصيل مقصوده بمباشرته
بخلاف شاهد الأصل فان العذر هناك يتحقق عند المرض والسفر لان صاحب الحق
لا يتمكن من احياء حقه بطريق آخر ولا يكون له أن يطالب شاهدي الأصل بالحضور لأداء
الشهادة عند العذر فلهذا قبلت شهادة شهود الفرع على شهادته فأما إذا قال ما صنعت من
شئ فهو جائز فقد رضى هناك برأيه على العموم والتوكيل من رأيه وليس الوكيل في هذا
كالوصي لان الوصي قائم مقام الموصى وثبت له من الولاية ما كان ثابتا للموصى فيملك بولايته
التوكيل والايصال إلى الغير كما كان يملك الموصى ولهذا يستوى فيه حالة العذر وغير حالة
العذر * وكان ابن أبي ليلى لا يجوز اقرار الوكيل على الموكل وهو قول زفر والشافعي وقد
بينا المسألة في كتاب الوكالة * وقال ابن أبي ليلى تقبل الوكالة في القصاص والحدود وإنما
أراد به في الاستيفاء لا في الاثبات وعندنا لا تقبل الوكالة في القصاص والحدود علي معنى
لا يستوفى في حال غيبة الموكل هو لكون القصاص محض حق العبد والتوكيل من صاحب
الحق باستيفاء سائر حقوقه صحيح فكذلك باستيفاء القصاص والحد حق الله تعالى يقيمها
الامام عند ظهور السبب عنده وقد ظهر بخصومة الوكيل ولكنا نقول لو استوفى في حال
غيبة الموكل كان استيفاء مع تمكن الشبهة لأنه يتوهم العفو عن الموكل في القصاص والتصديق
من المقذوف بالحد وما يندرئ بالشبهات لا يجوز استيفاؤه مع تمكن الشبهة بخلاف سائر
الحقوق التي ثبتت مع الشبهات ولئن كان المراد بهذا التوكيل الاثبات فقد بينا الاختلاف
في هذه المسألة بين أصحابنا رحمهم الله في كتاب الوكالة وإذا كان لرجل على رجل مال وللمطلوب
على الطالب مثله فهو قصاص عندنا وقال ابن أبي ليلى لا يكون قصاصا حتى يتراضيا به اعتبارا
للدين الذي لكل واحد منهما في ذمة صاحبة بالعين التي لكل واحد منهما في يد صاحبه
ولو كان لرجل في يد غيره مائة درهم ولآخر في يده مثل ذلك لم يكن أحدهما قصاصا بالآخر
وكان لكل واحد منهما أن يطالب صاحبه بملكه فهذا بمثله بل أولى فان مبادلة العين بالعين صحيح
ومبادلة الدين بالدين باطل فلا يمكن أن يجعل كل واحد منهما مستوفيا حقه بطريق المبادلة لأنه
مبادلة الدين بالدين ولا يمكن أن يجعل مستوفيا باعتبار انه عين حقه لان ما في ذمته حق غيره
149

وحجتنا في ذلك أن مطالبة كل واحد منهما صاحبه بدراهمه اشتغال بما لا يفيد لأنه يستوفى
من صاحبه ويرد عليه من ساعته ما كان له قبله ولا يجوز الاشتغال بما لا يفيد وهذا بخلاف
العين لان في الأعيان للناس أغراضا ولا يوجد مثل ذلك الغرض في الدين فان الديون تقضى
بأمثالها لا بأعيانها فلا فائدة لواحد منهما في مطالبة صاحبه هنا لان التفاوت بين المعنيين متحقق
في معنى من المعاني ولا يتحقق التفاوت بين الدينين إذا استويا من كل وجه وإنما يتحقق
التفاوت إذا اختلفا في صفة الجودة والحلول ولا أحد يقول عند ذلك لا تقع المقاصة بينهما
ومبادلة الدين بالدين إنما تجوز فيما لا يحتاج إلى قبض في المجلس وهنا يحتاج إلى القبض
(ألا ترى) انهما لو تراضيا على المقاصة كان جائزا ومبادلة الدين بالدين حرام شرعا وان وجد
التراضي لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكالئ بالكالئ وإذا كتب الرجل على نفسه صك
حق يعوض ثم أقام البينة ان أصله مضاربة لم تقبل بينته عندنا وقال ابن أبي ليلى أقبل بينته
واجعله مضاربة كذلك لو أقر علي نفسه بمال في صك حق من ثمن متاع ثم أقام البينة انه ربا
لم تقبل بينته عندنا وكان ابن أبي ليلى يقبلها منه ويرده إلى رأس المال والقياس ما قلنا لان قبول
البينة ينبنى على صحة الدعوى وبعد ما أقر ان المال عليه قرضا لا يصح دعواه انه مضاربة لأنه
مناقض في ذلك وبدون الدعوى لا تقبل البينة وكذلك بعد ما أقر ان المال واجب عليه من
ثمن متاع لا يسمع دعواه انه ربا لكونه مناقضا في ذلك فان الربا لا يكون واجبا عليه وبدون
الدعوى لا تقبل بينته واستحسن ابن أبي ليلى رحمه الله في الفصلين جميعا لأنه وجد في ذلك
عرفا ظاهرا بين الناس انهم يكتبون القرض للاحتياط وان كانوا دفعوا المال مضاربة ويقرون
بثمن المتاع وإن كان أصل المعاملة قرضا والزيادة ربا شرط عليه فللعرف الظاهر قال تقبل
بينته على ذلك ولكن هذا ليس بقوى فهذا العرف يدل على شهادة الظاهر له وذلك دليل قبول
قوله مع يمينه لا دليل قبول بينته وبالاتفاق لا يقبل قوله مع يمينه لما سبق من الاقرار فكذلك
لا تقبل بينته ولو أقر بمال في صك حق من ثمن بيع ثم قال لم أقبض المبيع فقد بينا هذه المسألة
في كتاب البيوع ان على قول أبي حنيفة ومحمد لا يصدق وصل أم فصل وفى قول أبى يوسف
الأول ان وصل صدق وان فصل لا يصدق ثم رجع فقال إذا فصل يسأل المقر له عن سبب
وجوب المال فان أقر انه من ثمن بيع فالقول قول المقر انى لم أقبض المبيع وهو قول محمد وفى
قول ابن أبي ليل سواء فصل أم وصل فالقول قوله باني لم أقبض المبيع ولا يلزمه شئ حتى يأتي
150

الطالب ببينة على قبض المتاع للعرف الظاهر أن المشترى يقر بوجوب الثمن عليه بعد البيع
قبل القبض فلا يكون اقدامه على الاقرار بذلك دليلا على قبضه المبيع فإذا قال لم أقبض فهو
منكر للقبض بالحقيقة فالقول قوله مع يمينه وعلى الطالب البينة على تسليم المبيع ولكنا نقول
إذ لم يكن المبيع معينا فثمنه لا يكون واجبا عليه الا بعد القبض وفى اقراره بوجوب المال عليه
دليل الاقرار بالقبض فإذا قال بعد ذلك لم أقبض فهو مناقض في كلامه وإذا شهدت الشهود
على زنا قديم أو سرقة قديمة فعلى قولنا لا يقام الحد في ذلك وعند ابن أبي ليلي يقام الحد وقد
بينا المسألة في الحدود وفيه حديث عمر رضي الله عنه حيث قال أيما قوم شهدوا علي حد لم
يشهدوا عند حضرة ذلك فإنما شهدوا على ضغن فلا شهادة لهم وعن ابن أبي ليلى في حد السكر
ان أتى به وهو غير سكران فلا حد عليه لانعدام العلة الموجبة للحد ولكنا نقول الموجب
للحد هو الشرب لي غاية السكر ولا ينعدم ذلك وان زال ما به من السكر إلا عند أبي حنيفة وأتى
يوسف رحمهما الله فإنهما يشترطا بقاء الرائحة لإقامة الحد عليه وعند محمد لا يشترط ذلك وقد
بيناه في الحدود وإذا دعى الرجل دينا على ميت شهد له به شاهدان ثم شهد هو وآخر على
دين لرجل آخر فشادتهما جائزة عندنا وعلى قول ابن أبي ليلى لا تجوز شهادته لان التركة مشغولة
بحق الغرماء وهي كالمستحقة لهم بدينهم فهذا في معنى شهادة أحد الشريكين له لشريكه ولكنا
نقول الغريم يتضرر بهذه الشهادة لان بدون هذه الشهادة كان هو أحق بالتركة والآن يثبت
لغيره المزاحمة معه في التركة وفى هذا ضرر عليه وإنما تتمكن التهمة في شهادته إذا كان للشاهد
منفعة فيها وأما إذا كان عليه ضرر في شهادته فالتهمة لا تتمكن فيها فيجب قبول الشهادة وقد
تقدم بيان نظائر هذه المسألة في الوصايا وإذا أقر الرجل بالزنا عند غير قاض أربع مرات
فشهد به عليه الشهود لم يحد عندنا ويحد في قول ابن أبي ليلى رحمه الله اعتبارا للاقرار بالزنا
بالاقرار بسائر الأسباب الموجبة للعقوبة كالقتل والقذف فكما أن هناك تقبل البينة على اقراره
بذلك ويجعل الثابت من اقراره بالبينة كالثابت بالمعاينة فكذلك هنا ولكنا نقول الرجوع عن
الاقرار صحيح في باب الزنا والحدود التي هي محض حق الله تعالى (ألا ترى) ان ماعزا رضي الله عنه
لما هرب ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال عليه السلام هلا خليتم
سبيله وإنما قال ذلك لأنه جعل هربه دليل رجوعه عن الاقرار فإذا ثبت ان الرجوع صحيح
هنا قلنا البينة لا تقبل الا علي منكر وانكاره رجوع عما سبق من الاقرار لا محالة فإنما شهد
151

الشهود على اقرار باطل وبه فارق القتل والقذف فالرجوع عن الاقرار فيهما لا يكون صحيحا *
يوضحه ان الاقرار بالزنا في معنى الشهادة ولهذا يشترط فيه عدد الأربع ويصح الرجوع عنه
بمنزلة الشهادة وكما أن الشهادة التي تقوم في غير مجلس القضاء لا يقام بها الحدود فكذلك
الاقرار عند غير القاضي لا يجوز إقامة الحد به وإذا شهد قوم من أهل الكوفة ان ذلك
الشاهد فاسق فان شهادتهم لا تكون مقبولة عندنا وقال ابن أبي ليلي رحمه الله تقبل وترد
شهادة الشاهد لان فسقه لو صار معلوما للقاضي بخبر المخبر رد شهادته فإذا صار معلوما له بشهادة
الشهود أولى ولان الفسق مانع من العمل بشهادته بمنزلة الرق وكونه محدودا في قذف ولو
قامت البينة على ذلك لم يجز القضاء بشهادته فكذلك إذا شهد الشهود بفسقه وجه قولنا ان
المقصود بهذه الشهادة النفي لا الاثبات والبينات للاثبات لا للنفي وبيان الوصف ان المقصود
نفى وجوب العمل بشهادته وبه فارق الرق وإقامة الحد عليه لان تلك البينة تقوم لاثبات
الرق عليه ولاثبات فعل القاضي في إقامة الحد عليه ثم يتضمن ذلك بطلان شهادته حكما
يوضحه ان صفة الفسق ليست بصفة لازمة فان الفاسق إذا تاب لا يبقى فاسقا فالشاهد لا يعلم
بقاء هذا الوصف فيه عند شهادته حقيقة وإنما يقول ذلك باستصحاب الحال وذلك يطلق له
الخبر دون الشهادة فكان محارفا في هذه الشهادة بخلاف الرق وإقامة الحد عليه فان ذلك
صفة لازمة له فيجوز للشاهد أن يشهد على ذلك إذا كان قد علم سببه حقيقة ولان الفسق
يثبت بأسباب يختلف الناس في بعضها فلعل الشاهد بذلك يعتمد لسبب عنده ان ذلك الفسق
وعند القاضي ليس بفسق فلا يجوز له أن يعتمد بمجرد شهادته انه فاسق بخلاف الرق وإقامة
الحد عليه وإذا سافر المسلم فحضره الموت وأشهد علي وصيته رجلين من أهل الكتاب لم تجز
شهادتهما عندنا وقال ابن أبي ليلى رحمه الله تجوز شهادتهما وهو قول شريح رحمه الله فإنه كان
يقول لا تقبل شهادة أهل الكتاب علي المسلمين في شئ الا في الوصية ولا تقبل في الوصية
الا في حالة السفر وقد نقل ذلك عن إبراهيم النخعي لظاهر قوله تعالى اثنان ذوا عدل منكم
أو آخران من غيركم يعنى من غير أهل دينكم بدليل قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم
ولكن نقل عن إبراهيم أنه قال هذه الآية منسوخة نسخها قوله تعالى واشهدوا ذوي عدل
منكم وقد نقل عن عكرمة ان المراد من قوله عز وجل أو آخران من غيركم أي من غير قبيلتكم
وهذا لان العداوة بين القبائل في الجاهلية كانت ظاهرة فبين الله تعالى انه لا معتبر بها بعد
152

الاسلام وان شهادة بعضهم على بعض مقبولة (ألا ترى) ان الله تعالى قال تحبسونهما من بعد
الصلاة فيقسمان بالله وذلك أنما يكون في حق المسلمين الذين يصلون وقد صح الحديث ان النبي
صلى الله عليه وسلم قال لا تقبل شهادة أهل ملة على أهل ملة أخرى الا المسلمين فان شهادتهم
مقبولة على أهل الملل كلها والمعنى الذي لأجله لا تقبل شهادتهم علينا في سائر الحقوق انقطاع
ولايتهم عنا وهذا المعنى موجود في الوصية والمعنى الذي لأجله لا تقبل شهادتهم علي وصية
المسلم في غير حالة السفر موجود في حالة السفر وإذا اختلف الشاهدان في المواطن التي شهدا
فيها على عمل من قتل أو غصب لم تقبل شهادتهما ولا يعزران على ذلك عندنا وكان ابن أبي
ليلى ربما ضربهما وعاقبهما لتمكن تهمة الكذب والمجازفة في الشهادة ولكنا نقول لا ندري أيهما
الكاذب منهما فضرب كل واحد منهما عبث ولا بد من تقرر السبب في حقه حتى يجوز
الاقدام على ضربه وذلك لا يوجد في حق كل واحد منهما وكذلك لو شهدا بأكثر مما ادعى
فعلى قول ابن أبي ليلى يؤدبان على ذلك لتهمة الكذب والمجازفة ولكنا نقول لعل المدعى هو
الغالط والكاذب والشهود صادقون في شهادتهم وبدون تقرر السبب لا تجب عليهم العقوبة
وان كأن لا يعمل بشهادتهم لتكذيب المدعى إياهم وإذا لم يطعن الخصم في الشاهد فعلى قول
أبي حنيفة رحمه الله لا يسأل عنه القاضي وعند ابن أبي ليلى يسأل عنه وهو قول أبى يوسف
ومحمد لان السؤال عن الشهود لصيانة قضائه فإنه ممنوع شرعا من القضاء بشهادة الفاسق وأبو
حنيفة يقول العدالة ثابتة بظاهر الاسلام كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون عدول
بعضهم على بعض فيعتمد القاضي هذا الظاهر ما لم يطعن الخصم فإذا طعن اشتغل بالسؤال لأن الظاهر
من حال الطاعن انه لا يكذب أيضا فإنه مسلم وقد بينا هذه المسألة بفصولها في
أدب القاضي وشهادة الصبيان بعضهم على بعض لا تكون مقبولة عندنا وكان ابن أبي ليلي
يجيزها في الجراحات وتمزيق الثياب التي تكون بينهم في الملاعب ما لم يتفرقوا فإن كانوا
تفرقوا لم تجز شهادتهم لان العدول قل ما يحضرون ملاعب الصبيان فكانت الضرورة داعية
إلى قبول شهادة بعضهم على بعض بمنزلة شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال ولكن هذا
ما لم يتفرقوا فاما إذا تفرقوا وعادوا إلى بيوتهم فإنهم يلقنون الكذب هذا هو العادة فلا تقبل
شهادتهم لذلك ولكنا نقول المعنى الذي لأجله لا تكون لهم شهادة على البالغين انقطاع الولاية
فان الصبي ليس من أهل الولاية على أحد وهذا المعنى موجود في شهادة بعضهم على بعض
153

والضرورة التي اعتادوها لا تتحقق فانا أمرنا أن نمنعهم من الاجتماع للعب فتندفع هذه
الضرورة بمنعنا إياهم عن ذلك ولا يستحلف المدعى شهوده عندنا وكان ابن أبي ليلى يقول
عليه اليمين مع شهوده على قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولكنا لا نأخذ به لقوله عليه
السلام البينة على المدعي واليمين علي من أنكر فهذا دليل على أنه لا يمين في جانب المدعى ولان
التقسيم الذي ذكره صاحب الشرع عليه السلام دليل على أنهما لا يجتمعان في جانب واحد
يعنى البينة واليمين وإذا لم يكن للمدعي شهود كان اليمين على المدعى عليه فان قال المدعى عليه أنا
أرد اليمين فإنه لا ترد اليمين عليه عندنا وقال ابن أبي ليلى إذا اتهمت المدعى رددت اليمين عليه
في دعوى الديون لأنها مشروعة لدفع التهمة بها ولكنا نقول اليمين لابقاء ما كان على ما كان
لا لاثبات ما لم يكن وحاجة المدعى إلى اثبات ما لم يكن ثابتا واليمين لا تصلح حجة في ذلك ثم
هو مخالف للنص فان النبي صلى الله عليه وسلم قال للمدعى ليس لك الا هذا شاهداك أو يمينه
فهو تنصيص على أنه لا يمين في جانب المدعى قال وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يستحلف علي
الصلح في الميراث وغيره ونحن نقول أيضا يستحلف علي الصلح في الميراث وغيره فاما أن
يكون مراده من ذلك أنه كان يستحلف المدعى فيتحقق فيه الخلاف أو مراده انه كان
يستحلف في ذلك من غير طلب المدعى فيتحقق فيه الخلاف لان عندنا لا يستحلف في ذلك
من غير طلب فيتحقق فيه الخلاف لان عندنا لا يستحلف إلا عند طلب المدعي فان اليمين حق
المدعى بدليل ما روينا فيه فإنما يستحلف عند طلبه أو يكون مراده انه يستحلف على العلم في
الصلح في الميراث وغيره وعندنا يستحلف على الثبات إذا كان يدعى عليه صلحا باشره لأنه
استحلاف على فعل نفسه فيكون على الثبات وإذا مات الرجل وترك امرأة وولدا ولم يقر
بحبل امرأته فجاءت بولد بعد موته بأيام وشهدت امرأة على ولادتهما لم يثبت نسبه فلم يرث
في قول أبي حنيفة وقال ابن أبي ليلى رحمه الله يثبت نسبه وهو يرث وهو قول أبى يوسف
ومحمد وقد تقدم بيان المسألة في كتاب الطلاق ان عند أبي حنيفة شهادة المرأة الواحدة لا تكون
حجة على الولادة في اثبات النسب إلا أن يكون هناك حبل ظاهر أو فراش قائم أو اقرار
من الزوج بالحبل وعند انعدام هذه المعاني لا يثبت النسب الا بشهادة رجلين أو رجل
وامرأتين وعند أبي يوسف ومحمد شهادة القابلة على الولادة حجة تامة لاثبات النسب بدون
هذه الشروط وقول ابن أبي ليلى رحمه الله كقولهما وإذا كان الرجل عبدان ولدا في ملكه
154

من أمته فأقر في صحته ان أحدهما ابنه ثم مات ولم يبين لم يثبت نسب واحد منهما عندنا
ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته وكذلك الأمتان وكان ابن أبي ليلى يقول يثبت
نسب أحدهما ويورثهما ميراث ابن واحد ويوجب علي كل واحد منهما السعاية في نصف
قيمته لان النسب مما لا يحتمل الدفع بعد ثبوته فالاقرار به للمجهول صحيح كالعتق والطلاق
فإنه لو أقر بعتق أحد عبديه أو طلاق أحد المرأتين كان ذلك صحيحا والدليل عليه انه يعتق
أحدهما في هذا الموضع باتفاق وثبوت الحرية لا يكون الا بعد صحة الاقرار وهو إنما أقر
بالنسب فلو لم يصح اقراره بذلك لم تثبت الحرية لواحد منهما ثم قد يختلط ولده بولد أمته فلا
يعرف ولده الذي هو ثابت النسب منه من ولد أمته فلو لم يصح اقراره مع هذه الجهالة أدى
إلى الحاق الضرر به ولكنا نقول النسب مما لا يحتمل التعليق بالشرط وما لا يحتمل التعليق
بالشرط لا يصح ايجابه في المجهول كالنكاح والبيع وهذا لان الايجاب في المجهول بمنزلة
التعليق بخطر البيان والنسب لا يحتمل التعليق بسائر الاخطار فكذلك بخطر البيان بخلاف
العتق والطلاق إلا أن اقراره وإن لم يعتبر في حق النسب فإنه يكون معتبرا في حق العتق
بمنزلة ما لو أقر لمن هو معروف النسب من الغير أنه ابنه لا يقبل اقراره وإن لم يعتبر في حق
النسب فإنه يكون معتبرا في حق العتق بمنزلة ما لو أقر لمن هو معروف النسب من الغير
انه ابنه لا يقبل اقراره وإن لم يعتبر في حق النسب فإنه يكون معتبرا في حق العتق تميز
أحدهما بغير عينه وهو عتق في الصحة فيسعى كل واحد منهما في نصف قيمته وعند ابن أبي
ليلى لما ثبت نسب أحدهما ثبت العتق أيضا وليس أحدهما بأولى من الآخر فيسعى كل
واحد منهما في نصف قيمته ويرثان ميراث ابن واحد لثبوت نسب أحدهما واعتبر هذا
يولد جاريه بين رجلين ادعياه ثم مات الولد فإنهما يرثانه ميراث أب واحد إلا أن نقول هناك
هو ثابت النسب منهما كما قال عمر وعلي رضي الله عنهما وهو ابنهما يرثهما ويرثانه وهنا لا
نقول بان نسبهما ثابت منه ولا يمكن اثبات نسب أحدهما بغير عينه والميراث لا يكون قبل
ثبوت النسب (ألا تري) ان في معروف النسب وان ثبت العتق باقراره لا يثبت الميراث
فكذلك هنا قال وكان ابن أبي ليلى لا يورث مولى الموالاة شيئا وهو قول زيد بن ثابت وقد
بينا المسألة في كتاب الفرائض وإذا اشترك الرجلان شركة مفاوضة لأحدهما وألف درهم
وللآخر أكثر من ذلك فعندنا هذه ليست بمفاوضة لكنها عنان عام وقال ابن أبي ليلى هي
155

مفاوضة المال بينهما نصفان فبيننا وبينه اتفاق ان من شرط المفاوضة المساواة في رأس المال
وقلنا لما انعدم ما هو شرط صحة المفاوضة لم تكن الشركة مفاوضة بينهما ولكنه عنان عام
فكأنهما باشرا شركة العنان ولقباها بلقب فاسد وهو يقول قصدا بصحيح المعاوضة ولا وجه
لتصحيحهما الا بعد أن يصير أحدهما مملكا بعض رأس ماله من صاحبه ليستوي به فيجعل
كأنه وهب منه بعض رأس المال حتى يحصل مقصودهما بمنزلة ما لو قال لغيره أعتق عبدك
عني على ألف درهم بدرج التملك في كلامه ليحصل مقصودهما وهذا مستقيم على أصله فإنه
يجوز هبة المتاع فيما يحتمل القسمة من الشريك وهذا لا يجوز عندنا والظاهر أنهما لم يقصداه
لان اشتراط المساواة في رأس المال في هذه الشركة من دقائق العلوم لا يعرفه الا الخواص
من الناس وبين العلماء رحمهم الله فيه اختلاف فلعل المتعاقدين بنيا هذا العقد على قول من يرى
جوازه مع التفاوت في رأس المال ولا يجوز ابطال شئ من الملك على أحدهما بالاحتمال *
قال ابن أبي ليل رحمه الله في عبد بين رجلين كاتبه أحدهما بغير إذن شريكه فالمكاتبة جائزة
وليس للشريك أن يردها لان المكاتبة توجب استحقاق الولاء والعتق فإذا نفذ من أحد
الشريكين في ملكه لا يجوز للآخر أن يبطله كحقيقة الاعتاق والكتابة بمنزلة البيع من حيث إنه
يعتمد الفسخ ويعتمد التراضي ولا يجوز الا بتسمية البدل فكما أن أحد الشريكين إذا باع
نصيبة لم يكن للآخر أن يبطله فكذلك الكتابة وعندنا للآخر أن يرد الكتابة لان في ابقاء
هذا العقد ضررا على شريكه من حيث إنه يتعذر عليه التصرف في نصيبه وتتعذر عليه استدامة
الملك بعد أداء بدل الكتابة ومن تصرف في ملكه تصرفا يلحق الضرر بغيره فان ذلك الغير يتمكن
من دفع الضرر عن نفسه (ألا ترى) ان للشفيع أن يأخذ الشقص بالشفعة لدفع الضرر عن
نفسه وهذا العقد يحتمل الفسخ فقلنا يدفع الشريك الضرر عن نفسه بفسخه (ألا ترى) ان
المكاتب إذا كسر نجما أو نجمين كان للمولى أن يفسخ الكتابة لدفع الضرر عن نفسه وان
المكاتب متى عجز عن أداء بدل الكتابة كان له أن يفسخ العقد لدفع الضرر عن نفسه وبه فارق
حقيقة العتق فإنه غير محتمل للفسخ فدفع الضرر عنه يكون بالتضمين هناك وبه فارق البيع لأنه
لا ضرر على الشريك في ابقاء البيع في نصيب الشريك فإذا أعتقه الشريك الآخر نفذ عتقه
في نصيبه عندنا لبقاء ملكه في نصيبه بعد الكتابة على ما كان قبله وعند أبي ليلى لا ينفذ عتقه
حتى ينظر ما يصنع المكاتب فان أدى بدل الكتابة عتق وعلى الذي كاتبه نصف قيمته والولاء
156

كله له لأنه استحق ولاءه بعقد الكتابة فلا يملك الشريك ابطال هذا الاستحقاق عليه
بالاعتاق كما لا يملكه بفسخ الكتابة عنده وهو بناء على أصله أن الكتابة لا تجزأ فإذا أدى
البدل عتق الكل من جهته فصار ضامنا نصف قيمته لشريكه اما لأنه يملك نصيب شريكه أو
لأنه أفسد على شريكه نصيبه وان عجز المكاتب نفذ العتق من الآخر حينئذ لان المانع قد زال
وهو أن للمكاتب حق الولاء وعند أبي حنيفة الكتابة تجزأ فالمكاتب لم يصر مستحقا نصيب
الشريك فلهذا نفذ العتق من الشريك في نصيبه ويسعى المكاتب في بدل الكتابة وان شاء
في نصف قيمته للشريك الآخر وهذا الخيار عنده باعتبار أن العتق يحتمل التجزء * ولو أن
مملوكا بين اثنين دبره أحدهما لم يكن للآخر أن يبيع حصته عندنا وله ذلك عند ابن أبي
ليلى وهذا بناء علي أن استحقاق العتق يثبت بالتدبير عندنا حتى يمتنع على المدبر بيع نصيبه
فيمتنع على الشريك أيضا بيع نصيبه اعتبار الحق العتق بحقيقة العتق ولابن أبي ليلى أحد الطريقين
اما أن يقال التدبير تعليق العتق بالشرط فلا يثبت به استحقاق العتق ولا يمتنع البيع في نصيب
المدبر ولا في نصيب شريكه كما هو مذهب الشافعي أو يقول استحقاق العتق بالتدبير باعتبار
أنه تعليق بمطل الموت وهذا المعنى وجد في حق المدبر خاصة فلا يظهر الاستحقاق في حق
الشريك ولكن يجعل في حق الشريك هذا كالتعليق بسائر الشروط فلا يمتنع البيع وعلى
هذا قال إذا دبره أحدهما ثم أعتقه الآخر فالعتق جائز والتدبير باطل لان في حق المعتق
التدبير بمنزلة التعليق بشرط آخر والعتق عنده لا يتجزأ فينفذ العتق في جميعه ومن ضرورة
نفوذ العتق بطلان التدبير فيضمن المعتق نصف قيمته لشريكه إن كان موسرا كما لو أعتقه
قبل التدبير ولكن ثبت لنا أن بالتدبير يثبت استحقاق العتق كما يثبت بالاستيلاد وقد
قررنا هذا في العتق كما أنه إذا نفذ الاستيلاد من أحدهما في نصيبه لم يبطل ذلك باعتاق
الاخر فكذلك إذا نفذ التدبير وهذا لان الولاء بالتدبير صار مستحقا له حتى إذا عتق بعد
موته يكون ولاؤه له فلا يتمكن الآخر من ابطال هذا الولاء عليه * وإذا ورث أحد
المتفاوضين مالا فهو له دون شريكه عندنا وقال ابن أبي ليلى هو بينهما نصفين لان مقتضى
عقد المفاوضة الشركة بينهما في الملك الذي يحدث لأحدهما بعده كما لو ملك أحدهما شيئا بسبب
التجارة ولكنا نقول عقد المفاوضة إنما يوجب الشركة بينهما فيما يحصل بطريق التجارة لان
كل واحد منهما يكون وكيلا لصاحبه في ذلك التصرف وهذا في الإرث لا يتحقق ثم الملك
157

بالميراث ليس بحادث فان الوراثة خلافة فيبقى للوارث الملك الذي كان ثابتا للمورث وسبب
هذه الخلافة لم يوجد في حق الشريك ولو قلنا بأن المفاوضة توجب الشركة بينهما في الموهوب
والموروث لبطلت في نفسها لأنها تصير في معنى القمار والمخاطرة وذلك باطل شرعا وإذا كان
الموروث للوارث خاصة فإن كان ذلك من النقود التي تصلح أن تكون رأس مال الشركة
بطلت المفاوضة لوجود التفاوت في رأس المال والطارئ بعد العتق قبل حصول المقصود به
كالمقترن بالسبب * وإذا كاتب الرجل عبدا وللعبد مال فماله لمولاه إلا أن يشترطه المكاتب
عندنا وقال ابن أبي ليلى المال للمكاتب لان المولى يعقد الكتابة بقصد تمكينه من التصرف
ليؤدي بدل الكتابة من الكسب الحاصل بتصرفه ولا يتمكن من التصرف الا برأس المال
فباعتبار هذا المعنى يجعل كأنه شرط له ما في يده من المال بخلاف بيعه من غيره فالمقصود
هناك تمليك العين وذلك حاصل وإن لم يدخل ماله في العقد وهو نظير الشرب والطريق
يدخل في الإجارة من غير ذكر لتحصيل مقصوده وهو الانتفاع وان كأن لا يدخل في البيع
الا بالذكر وقيل في تأويل قوله تعالى وآتوهم من مال الله الذي أتاكم ان المراد هذا وهو
أن يترك له ما في يده من الكسب ليتصرف فيه لكنا نقول ما اكتسبه قبل عقد الكتابة
ملك المولى فهو بمنزلة مال آخر للمولى في يده فلا يستحقه المكاتب بمطلق الكتابة وهذا
لان الاستحقاق بالعقد إنما يثبت فيما يضاف إليه العقد وإنما أضيف العقد هنا إلى رقبته دون
ماله فلا يستحق به المال كما في البيع ونحن نسلم أنه بعقد الكتابة يمكنه من التصرف ولكن
يمكنه من ذلك لمنافعه لا لماله وبعقد الكتابة يصير هو أحق بمنافع نفسه عندنا ثم يجوز فسخ
الكتابة عند غير القاضي عندنا كما يجوز عقد الكتابة وعند ابن أبي ليلى لا يكون رد المكاتب
في الرق إلا عند القاضي لأنه ينبنى على العجز عنده أداء بدل الكتابة ولا يتحقق العجز الا بقضاء
القاضي وقد بينا هذا في كتاب المكاتب وقول ابن أبي ليلى كقول أبى يوسف انه لا يرد
إلى الرق حتى يجتمع عليه نجمان وقال ابن أبي ليلى كفالة المكاتب ونكاحه باطلان لان النكاح
يعتمد الولاية والرق يبقى الولاية وعندنا لا يملك أن يزوج نفسه ولا عبده ولكن يملك أن
يزوج أمته لما فيه من اكتساب المال وبطلان كفالته عنده ليس بطريق أنه ينزع ولكن
بطريق انعدام المحلية لان الكفالة التزام المال في الذمة عنده ولهذا يوجب براءة الأصل
وقيام الرق فيه يخرجه من أن يكون أهلا لالتزام المال في ذمته عنده فلهذا قال لا تنفذ
158

كفالته بعد ما عتق بخلاف الاعتاق والهبة فان ذلك منه موقوف عنده فان عتق بأداء بدل
الكتابة نفذ ذلك كله وان عجز فرد رقيقا بطل ذلك كله لأنه قد ثبت له في كسبه حكم ملك
وحقيقة الملك فيه موقوفة فان عتق تم له الملك بذلك السبب الذي باشره فنفذ تصرفه فان
عجز تم الملك للمولى فتبين ان تصرفه لا في ملك الغير فاما عندنا عتقه وهبته باطلان عجز أو
عتق لان نفوذ هذا التصرف باعتبار حقيقة الملك والرق ينافي الأهلية لذلك وأما كفالته فلا
تكون صحيحة ما لم يعتق فإذا عتق نفذ بمنزلة كفالة العبد فان ذمته خالص حقه ولكن
الدين لا يجب في ذمة الرقيق الا شاغلا مالية رقبته وذلك حق المولى فباعتبار أن تصرفه
لاقى محلا هو حقه كان صحيحا في حقه وباعتبار أنه معلق بمالية المولى قلنا ثانية تؤخر المطالبة
عنه إلى حالة العتق ولو كفل انسان عنه ببدل الكتابة لمولاه لم يجز عندنا لان الكفالة تستدعى
دينا صحيحا وقيام الرق يمنع وجوب دين صحيح للمولى على مملوكه لأنه التزام للمطالبة والمطالبة
يبدل الكتابة لا تقوى في حق المكاتب ولهذا يملك أن يعجز نفسه وعند ابن أبي ليلى
الكفالة صحيحة بمنزلة التبرع بالأداء لان عنده الكفالة توجب أصل المال في ذمة الكفيل
فكما يجوز أن يكون المتبرع مؤديا بدل الكتابة عن المكاتب من مال نفسه يجوز أن يكون
ملتزما بد الكتابة في ذمة نفسه للمولى * رجل قال لعبده ان بعتك فأنت حر فباعه لم يعتق عندنا وقال ابن أبي ليلى يعتق من مال البائع وهذا بناء على أصل مختلف فيه بيننا وبينه وأن
في اليمين بالطلاق والعتاق عندنا يشترط قيام الملك عند وجود الشرط لحصول الجزاء وعنده
لا يشترط ويعتبر قيام الملك في المحل بالأهلية في المتصرف وذلك لا يشترط عند وجود
الشرط حتى أن من قال لعبده ان دخلت الدار فأنت حر ثم جن الحالف ثم وجد الشرط
يقع الطلاق والعتاق ومعلوم أن تأثير الأهلية أكثر من تأثير الملك في المحل فاما إذا كان
يسقط اعتبار الأهلية عند وجود الشرط فلانه يسقط اعتبار الملك في المحل أولى ولكنا نقول
المتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز فكما أن تنجيز العتق لا يصح إلا عند قيام الملك
في المحل فكذلك بزوال الجزاء عند وجود الشرط إلا أنه يصير كالمنجز بذلك الكلام السابق
وذلك الكلام صح منه في حال اقامته والجنون إنما ينافي الأهلية للتكلم بالطلاق والعتاق على
وجه يكون ايقاعا في حقه وهذا غير معتبر عند وجود الشرط إذا عرفنا هذا فنقول إذا قال إن
بعتك فأنت حر فهذا التعليق عنده صحيح لان الملك عند التعليق موجود ولا يشترط
159

وجود الملك عند وجود الشرط على مذهبه وقد وجد الشرط هنا بالبيع فيترك العتق بالسبب
الذي صح منه قبل البيع ويصير به معلقا رقبته فيبطل البيع ويعتق من مال البائع وعندنا
يشترط قيام الملك في المحل عند نزول الجزاء لان الايجاب إنما يتصل بالمحل بعد وجود الشرط
والشرط هنا البيع فإذا زال ملكه بالبيع فقد انعدم الملك في المحل عند وجود الشرط فينحل اليمين ولا يعتق العبد بل يبقى على ملك المشتري وعلى هذا الأصل لو قال لعبده ان
كلمت فلان فأنت حر ثم باعه ثم كلم فلانا أو قال لامرأته أنت طالق ثلاثا ان كلمت فلانا ثم طلقها واحدة بائنة وانقضت عدتها ثم كلمت فلانا عندنا لا يقع الثلاث وعند ابن أبي ليلى
يقع وإذا استأجر دابة إلى مكان فجاوز بها المكان ثم عطبت بعد ضمن قيمتها عندنا ولم
يسقط عنه الاجر وعلى قول ابن أبي ليلى ليس عليه شئ من الاجر لان الاجر والضمان
لا يجتمعان وقد تقرر عليه الضمان ولأنه بالضمان ملك المضمون ولا يوجب عليه الاجر بسبب
الانتفاع بملك نفسه ولكنا نقول لما انتهى إلى ذلك المكان فقد انتهى العقد نهايته وتقرر
الاجل دينا في ذمته ثم بالمجاوزة صار غاصبا ضامنا فلا يسقط عنه الاجر بذلك بمنزلة ما لو ردها
على صاحبها ثم غصبها منه وهذا لان الملك بالضمان إنما يثبت له من وقته وجوب الضمان عليه
وذلك بعد المجاوزة والأجر إنما لزمه بمقابلة منافع استوفاها قبل ذلك * وإذا أدرك الرجل الامام
وهو راكع فكبر معه ولم يركع حتى رفع رأسه فعندنا يسجد معه ولا يعتد بتلك الركعة وعند
ابن أبي ليلى يركع ويسجد ويعتد بها لان حالة الركوع بمنزلة حالة القيام فان القائم إنما يفارق
القاعد في استواء النصف الأسفل منه دون النصف الأعلى والراكع في هذا والمنتصف سواء
ولهذا لو ركع معه كان مدركا للركعة فكان ادراكه إياه في حالة الركوع وادراكه في حالة
القيام سواء ولو أدركه قائما ثم سبقه الامام بالركوع والسجود فإنه يتابعه يركع ويسجد ويكون
مدركا للركعة فكذلك هنا ولكنا نقول شرط ادراك الركعة أن يشارك الامام في حقيقة
القيام أو فيما هو مشبه بالقيام وهو الركوع حتى يكون مدركا للركعة فإذا رفع الامام
رأسه قبل أن يركع هو فقد انعدمت المشاركة بينهما في القيام أو فيما هو مشبه بالقيام وهو
الركوع فإذا أدركه قائما فقد شاركه في حقيقة القيام وكان مدركا للركعة وأما إذا أدركه راكعا
فهو لم يشاركه في حقيقة القيام فلا بد من أن يشركه فيما هو مشبه بالقيام وهو الركوع حتى
يكون مدركا للركعة فإذا رفع الامام رأسه قبل أن يركع فقد انعدمت المشاركة بينهما في
160

القيام وفيما هو مشبه للقيام فلا يعتمد بتلك الركعة كما لو أدرك في السجود يوضحه ان
المسبوق لا يمكنه أن يقضى ما فاته قبل أن يشارك الامام فيما أدرك معه وذلك عمل
بالمنسوخ فيكون مفسدا لصلاته فلهذا يسجد ولا يعتد بتلك الركعة فاما إذا ركع قبل أن يرفع
الامام رأسه فهو مشارك للامام في القيام والركوع جميعا اما في الركوع فلا يشكل وفى القيام
لان حالة الركوع كحالة القيام فبهذا الحرف يقع الفرق بين الفصلين * فإذا أهل الرجل
بعمرة ثم أفسدها فقدم مكة فقضاها فإنه يجزئه أن يقضيها من التنعيم عندنا وقال ابن أبي
ليلى لا يجزئه أن يقضيها لامن وقت بلاده لأنه إنما يقضى ما فاته فعليه أن يقضيها كما فاته ثم
القضاء بصفة الأداء فإذا كان هو في أداء هذه العمرة إنما أحرم لها من الميقات فكذلك في
القضاء ولكنا نستدل بحديث عائشة رضي الله عنها فإنها لما حاضت بسرف بعد ما أحرمت
قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفضي عمرتك واصنعي جميع ما يصنع الحاج غير أن
لا تطوفي بالبيت ثم أمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه أن يعمرها من التنعيم
مكان عمرتها التي فأتتها ولان ما يلزمه بالشروع معتبر بما يلزمه بالنذر ومن نذر عمرة فاداها
من التنعيم خرج عن موجب نذره ولأنه وصل إلى مكة بالاحرام الفاسد فيجعل كما لو وصل
إليها بإحرام صحيح فكما أن هناك يكون هو بمنزلة أهل مكة في الاحرام في الحج والعمرة
الواجب وغير الواجب في ذلك سواء فكذلك هنا هو بمنزلة أهل مكة في حكم قضاء هذه
العمرة ولا بأس بان يخرج الرجل من تراب الحرم وحجارته إلى الحل عندنا وقال ابن أبي
ليلى أكره ذلك لما روى عن عمر وابن عباس رضي الله عنهما انهما كرها ذلك ولكنا نقول
ما جاز الانتفاع به في الحرم يجوز اخراجه من الحرم كالنبات وما لا يجوز اخراجه من الحرم
لا يجوز الانتفاع به في الحرم كالصيد وبالإجماع له أن ينتفع بالحجارة والتراب في الحرم فيكون
له أيضا اخراج ذلك من الحرم وما روى عن عمر وابن عباس رضي الله عنهما شاذ فقد ظهر
عمل الناس بخلافه فإنهم تعارفوا اخراج القدور من الحرم من غير نكير منكر واخراج
التراب الذي يجمعونه من كنس سطح البيت ونحو ذلك ويتبركوا بذلك وكل أثر شاذ
يكون عمل الناس ظاهرا بخلافه فإنه لا يكون حجة * وأما إذا اقتتل القوم فأحلوا عن قتيل ولا
يعلم أيهم أصابه فعلى قول أبي حنيفة ومحمد على عاقلة القبيلة الذين اقتتلوا جميعا واليه رجع
أبو يوسف ذكرنا هنا قوله وقد بينا المسألة في الديات * وإذا قتل الرجل رجلا ضربه بعصا أو
161

حجر أو ضربه ضربات حتى مات من ذلك فان أبا حنيفة رحمه الله قال لا قصاص بينهما وقال
ابن أبي ليلي بينهما القصاص وهو قول أبى يوسف ومحمد إذا وقع موقع السلاح وقد بينا المسألة
في الديات إلا أن هناك يذكر ان عندهما إنما يجب القصاص في القتل بالحجر الكبير والعصا
الكبير فأما القتل بالعصا الصغير بالضرب بالموالاة لا يجب القصاص عندنا وإنما يجب عند
الشافعي وهنا نص على الخلاف في هذا الفصل أيضا وهكذا ذكره الطحاوي رحمه الله وكان
الطحاوي إنما اعتمد هذه الرواية فيما أورده في في كتابه وهو الأصح فالمعتبر عندهما القصد
إلى القتل بما لا تطيق النفس احتماله والعصا الصغير مع الموالاة في ذلك بمنزلة العصا الكبير
* وإذا عض رجل يد رجل فانتزع المعضوض يده من فم العاض فقلع شيئا من أسنانه فعندنا
لا ضمان عليه في السن وعند ابن أبي ليلى هو ضامن العضة لأنا صار قالعا سنه بنزع اليد من
فمه إلا أنه معذور في ذلك وذلك لا يسقط الضمان عنه كالخاطئ والمضطر (ألا ترى) انه لو
جنى على موضع آخر من جسده ليدفع به أذاه عن نفسه كان ضامنا فكذلك إذا نزع يده من
فمه ولكنا نقول هو فيما صنع دافع للأذى غير مباشر للجناية فلا يكون ضامنا بمنزلة ما لو قصد
فتله فدفعه عن نفسه فسقط فمات يوضحه ان صاحب السن هو الجاني بعضه يد غيره على
وجه يسقط سنة بنزع اليد وهذا بخلاف ما إذا جنى على موضع آخر من جسده لان
المعضوض يده هو المباشر لتلك الجناية من غير ضرورة فإنه يتمكن من دفع الأذى عن
نفسه بنزع اليد من فمه فإذا اشتغل بالجناية على جسده في محل آخر كان ضامنا لذلك وهنا
لا يتمكن من دفع الأذى الا بنزع اليد من فمه * وإذا قال الخصم للقاضي لا أقر ولا
أنكر فان أبا حنيفة رحمة الله قال لا يجبره القاضي على ذلك ولكن يدعو المدعى بشهوده وقال
ابن أبي ليلى لا أدعه حتى يقرأ وينكر لان الجواب مستحق عليه فإذا امتنع من ايفاء ما هو
مستحق عليه مع قدرته على ذلك أجبره القاضي على ايفائه بالحبس ثم شرط قبول البينة انكار
المدعى عليه فلا بد أن يجبره القاضي حتى يجيب بالاقرار فيتوصل به المدعي إلى حقه أو بالانكار
فيتمكن من اثبات حقه بالبينة ولكنا نقول الانكار حق المنكر لأنه يدفع به المدعى عن
نفسه ويثبت به حق نفسه فلا يجوز أن يجبر على الاتيان به ثم السكوت قائم مقام الانكار
لان المنكر مانع والساكت كذلك والانكار منازعة بالقول وفى السكوت منازعة بالفعل وهو
الامتناع عن التسليم ومن الجواب بعد ما طولب به فيكون ذلك قائما مقام انكاره ويتمكن
162

المدعي من اثبات حقه بالبينة عند ذلك قال أبو يوسف ومحمد يستحلفه على حق المدعي ويجبره
انه يلزمه القضاء إن لم يحلف فإن لم يحلف قضى عليه بالنكول وان حلف دعي المدعى شهوده
فهما يجعلان سكوته أيضا بمنزلة انكاره الا ان على قولهما إذا طلب المدعي يمين المدعى عليه
استحلفه القاضي فان زعم المدعى ان له شهودا على حقه فعند أبي حنيفة إنما يشتغل بالاستحلاف
إذا قال المدعى لا بينة لي فأما إذا كانت له بينة لا يشتغل بالاستحلاف لان النبي صلى الله عليه
وسلم قال للمدعى ألك بينة قال لا فقال عليه السلام إذا لك يمينه ولأنه إنما يشتغل بالاستحلاف
في موضع ينقطع المنازعة باليمين وإنما يكون ذلك إذا لم يكن للمدعى بينة فأما إذا كان له بينة فالمنازعة
لا تنقطع بالاستحلاف لان المدعى يقيم البينة بعده فليس في الاشتغال بالاستحلاف هنا فائدة
قطع الخصومة وهما يقولان البينة واليمين كل واحد منهما حق المدعى فله في الاستحلاف
مقصود صحيح وهو وصوله إلى حقه في أقرب الأوقات لعلمه ان الخصم لا يحلف كاذبا فكان
له أن يطلبه بذلك وعلى القاضي اجابته إليه (ألا ترى) أنه يسأله الجواب في الابتداء رجاء أن
يقر فلا يحتاج إلى إقامة البينة فكذلك له أن يستحلفه رجاء أن ينكل عن اليمين فلا يحتاج إلى
إقامة البينة وإذا أنكر الخصم الدعوى ثم جاء بالشهود على الحرج منها فان ذلك مقبول منه
عندنا وكان ابن أبي ليلي لا يقبله وتفسير ذلك أن يدعي قبله مالا فيقول ماله قبلي شئ ثم يقيم
الطالب البينة على ماله ويقيم الآخر البينة انه قد أوفاه فان أبى ليلى يقول هو مناقض في
دعواه الايفاء بعد انكاره أصل المال خصوصا إذا قال ما كان له علي ساقط وقبول البينة
ينبنى على دعوى صحيحة ومع التناقض لا تصح الدعوى (ألا ترى) انه لو قال ما كان له على
شئ قط ولا أعرفه لم تقبل منه البينة على الايفاء بعد ذلك لهذا المعنى ولكنا نقول دعواه
الايفاء بعد جحود أصل المال دعوى صحيحة اما باعتبار انه لا شئ عليه في الحال أو انه لم يكن
عليه شئ قط لكنه ادعي مرة هذه الدعوى الباطلة واستوفى المال بها فإذا كانت الدعوى
صحيحة بهذا الطريق من التوثق كان متمكنا من اثباتها بالبينة ثم الثابت بالبينة كالثابت باقرار
الخصم بخلاف ما إذا قال ما كان له على شئ قط ولا أعرفه لان مع ذلك الزيادة في الانكار
متعذر التوفيق بين كلاميه من الوجه الذي * قلنا وإذا ادعى الرجل قبل رجل دعوى وقال
عندي منها المخرج فليس هذا باقرار منه عندنا وقال ابن أبي ليلى هو اقرار لان المخرج منها
إنما يتحقق بعد الدخول فيها فكان هذا وقوله أوفيتها إياه أو أبرأني منها سواء وذلك اقرار
163

بأصل المال ولكنا نقول هو ادعى المخرج من دعواه لامن المال فلا يكون ذلك اقرار بالمال
صريحا ولا دلالة وهكذا يقول في الابراء فإنه لو قال أبرأني من هذه الدعوى لا يكون ذلك
اقرارا بالمال ثم المخرج من الدعوى ببيان وجه الفساد فيه ووجه الفساد غير متعين قد يكون
ذلك ببيان انه ما كان واجبا قط وقد يكون ذلك ببيان المسقط بعد الوجوب ومع الاحتمال
لا يجب المال * وإذا أقر الرجل عند القاضي بشئ فلم يقض به ولم يثبته في ديوانه ثم خوصم إليه
فيه بعد ذلك فعندنا القاضي يقضى به إذا كان يذكره وعند ابن أبي ليل لا يقضى بذلك عليه
وإن كان ذاكرا حتى يثبته في ديوانه والقياس ما قلنا لان القاضي حين سمع اقراره بذلك كان
له أن يقضى به لو طلب الخصم ذلك فكذلك بعد ما مضى علي ذلك مدة إذا كان القاضي
يذكر ذلك والمقصود من الاثبات في ديوانه ان يتذكر ذلك بالنظر فيه عند الحاجة فإذا كان
ذاكرا فما هو المقصود حاصل ولكن استحسن ابن أبي ليلى رحمه الله وقال القاضي لكثرة
اشتغاله ربما يشتبه عليه ذلك ولهذا يثبته في ديوانه ليرجع إليه فينبغي له الشهود فإذا لم
يثبته في ديوانه لو قضى به كان قضاء مع تمكن الشبهة وربما ينسب به إلى الميل فعليه أن يحتاط
في ذلك ولا يقضى بمجرد كونه ذاكرا حتى يثبته في ديوانه * وإذا قال الرجل للرجل لست
من بنى فلان وأمه أمة أو نصرانية وأبوه مسلم فلا حد عليه عندنا وقال ابن أبي ليلى عليه الحد
وهذا بناء على الأصل الذي بيناه في كتاب الحدود ان قوله لغيره لست من بنى فلأن يكون
قذفا لامه عندنا فإذا كانت أمه أمة أو نصرانية فهي غير محصنة وقذف غير المحصنة لا يوجب
الحد وعند ابن أبي ليلى هذا قذف له في نفسه لأنه يلحقه العار بكونه ولد الزنا كما يلحقه العار
بنسبته إلى الزنا فكما أنه لو نسبه إلى الزنا يكون قاذفا له فكذلك إذا نفاه من أبيه يكون قاذفا
له وهو محصن في نفسه فعلى قاذفه الحد * ولو قال لرجل يا ابن الزانيين وقد مات أبواه فعليه
الحد عندنا لان المغلب في حد القذف عندنا حق الله تعالى فعند الاجتماع يتداخل والمقصود
يحصل بإقامة حد واحد وهو معنى الزجر للقاذف ودفع العار عن المقذوف وعند ابن أبي
ليلى يضرب حدين لان عنده المغلب في حد القذف حق العبد كما هو مذهب الشافعي وقد
بينا هذا في الحدود وذكر ان ابن أبي ليلى فعل ذلك في مقام واحد في المسجد وهذه هي
المسألة التي قال أبو حنيفة رحمه الله فيها ان القاضي أخطأ فيها في سبع مواضع فان معتوهة
كانت بالكوفة آذاها رجل فقالت له يا ابن الزنيين فأتى بها إلى ابن أبي ليلى فاعترفت فأقام عليها
164

حدين فذكر ذلك لأبي حنيفة فقال إنه أخطأ في سبع مواضع ثم فسر ذلك فقال بنى الحكم على اقرار
المعتوهة واقرارها هدر وألزمها الحد والمعتوهة ليست من أهل العقوبة وأقام عليها حدين ومن قذف
جماعة لا يقام عليه الا حد واحد وأقام حدين معا ومن اجتمع عليه حدان لا يوالي بينهما ولكن
يضرب أحدهما ثم يترك حتى يبرأ ثم يقام الآخر وأقام الحد في المسجد وليس للامام أن يقيم
الحد في المسجد وضربها قائمة وإنما تضرب المرأة قاعدة وضربها لا بحضرة وليها وإنما يقام
الحد علي المرأة بحضرة وليها حتى إذا انكشف شئ من بدنها في اضطرابها ستر الولي ذلك
عليها فانتشر بالكوفة أن القاضي أخطأ في مسألة واحدة في سبع مواضع * وإذا قال الرجل
لامرأته لا حاجة لي فيك وأراد الطلاق لم تطلق عندنا وقال ابن أبي ليلى هي تطلق ثلاثا
لأنه نفى حاجته فيها على الاطلاق وحقيقة ذلك إذا صارت محرمة عليه وأما ما دامت محللة
في حقه فله فيها حاجة طبعا أو شرعا لأن النساء خلقن لحوائج الرجال إليهن فكان هذا وقوله
أنت محرمة على سواء ولكنا نقول قوله لا حاجة لي فيك بمنزلة قوله لا أشتهيك ولا أريدك
ولا أو هواك ولا أحبك وليس في شئ من هذه الألفاظ ما يدل على الطلاق والنية متى
تجردت عن لفظ يدل عليه كان باطلا والأصل فيه ما روى أن امرأة عرضت نفسها علي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرغبها رغبة فقال لا حاجة لي إلى النساء الحديث ومعلوم
أنه ما كان الطلاق من محتملات لفظه ذلك ولو قال لها أنت طالق ان شاء فلان وفلان غائب
لا يدرى أحي هو أم ميت أو فلان ميت علم بعد ذلك لم تطلق عندنا وقال ابن أبي ليلى هي
طالق لأنه لا يتحقق مشيئة فلان بعد موته ويبقى أصل الايقاع فيقع الطلاق ولكنا نقول
التعليق بشرط لا يكون له تحقيقا للنفي فيخرج به كلامه من أن يكون ايقاعا وهذا لان التعليق
بالشرط يخرج كلامه من أن يكون ايقاعا إلى أن يوجد الشرط وإذا كان مما يتحقق
كونه يخرج كلامه من أن يكون ايقاعا أصلا * وكذلك إذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فقال
مولاه طلقها فهذا لا يكون إجازة للنكاح عندنا وعند ابن أبي ليلى هو إجازة لأنه أمره
بايقاع الطلاق والطلاق لا يقع الا بعد صحة النكاح ولكنا نقول قوله طلقها بمنزلة قوله فارقها
أودعها أو اتركها أو خل سبيلها وشئ من هذا لا يكون إجازة للنكاح يوضحه أن الطلاق
مشتق من الاطلاق وهو الارسال وفى إجازة النكاح اثبات القيد فالامر بالارسال لا
165

يكون اثباتا للقيد منه وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في صحته فجحد ذلك الزوج وادعته المرأة
ثم مات الرجل بعد أن استحلفه القاضي علي ذلك فلا ميراث لها منه عندنا لوجود الاقرار منها
بارتفاع النكاح في حالة الصحة ولأنها تعلم أن سبب الإرث غير متحقق وهو انتهاء النكاح
بالوفاة وعلى قول ابن أبي ليل لها الميراث منه إلا أن يقر بعد موته أنه قد كان طلقها ثلاثا
لان الزوج لما حلف وقضى القاضي بقيام النكاح بينهما كان ذلك تكذيبا منه لها في ذلك
الاقرار والمقر متى صار مكذبا شرعا في اقراره يبطل حكم ذلك الاقرار فلهذا كان لها الميراث
إلا أن يقر بعد موته اقرارا مستقبلا أنه كان طلقها ثلاثا ولكنا نقول القاضي بعد يمين الزوج
لا يقضى بالنكاح ولا يبطل الطلاق الواقع ولكن يمنعها من المنازعة والخصومة من غير حجة
ويبقي ما كان على ما كان فلا يتضمن ذلك الحكم تكذيبها في الدعوى (ألا ترى) أن البينة
بعد اليمين لا تكون مقبولة وإذا تقرر هذا المعنى كان الاقرار السابق منها والموجود بعد
موت الزوج في الحكم سواء * وإذ قال الزوج لامرأته ان ضممت إليك أخرى فأنت طالق
واحدة فطلقها واحدة وانقضت عدتها ثم تزوج امرأة أخرى ثم تزوج امرأته هذه التي حلف
عليها فإنها لا تطلق عندنا وقال ابن أبي ليلى تطلق لان عنده اليمين انعقد صحيحا في الملك
والشرط وجد في الملك أيضا لان الشرط ضم امرأة أخرى إليها وهذا الضم إنما يتحقق إذا
اجتمعتا في نكاحه وذلك بعد ما تزوج بها ولكنا نقول قوله ان ضممت إليك امرأة أخرى
بمنزلة قوله ان تزوجت عليك وهذا لان ضم غيرها إليها إنما يتحقق إذا تزوج الأخرى وهي
في نكاحه فأما إذا تزوج الأخرى بعد انقضاء عدتها ثم تزوجها فإنما ضمها هي إلى الأخرى
(ألا ترى) ان الشرع حرم ضم الأمة إلى الحرة في النكاح ولو تزوج أمة ثم تزوج حرة بقي
نكاح الأمة صحيحا بخلاف ما إذا تزوج حرة ثم تزوج عليها أمة * ولو قال لامرأته ان دخلت
الدار فأنت طالق إن شاء الله فدخلت الدار لم تطلق عندنا وهو قول ابن أبي ليلى أيضا لقوله
عليه الصلاة والسلام من حلف بطلاق أو عتاق واستثنى فلا حنث عليه ولان الاستثناء
الموصول يخرج الكلام من أن يكون عزيمة قال الله تعالى ستجدني إن شاء الله صابرا ولم
يصبر ولم يعاتب علي ذلك والوعد من الأنبياء كالعهد من غيرهم وقد قررنا هذا في الايمان
ولو قال أنت طالق إن شاء الله ولم يقل ان دخلت الدار فكذلك عندنا وقال ابن أبي ليلى يقع
الطلاق هنا وكذلك العتاق وهذا لان الاستثناء إنما يعمل عنده في اليمين بالطلاق وبالعتاق
166

وقوله أنت طالق أو أنت حرة ليس بيمين ثم قوله إن شاء الله في مثل هذا إنما يراد به التحقيق
ولا يراد التعليق لان قوله أنت طالق أو أنت حرة ذكر وصف فيليق به معنى التحقيق ولا
يليق به معنى التعليق ولكنا نقول قوله إن شاء الله تأثيره في اخراج الكلام من أن يكون
عزيمة والايقاع في هذا والتعليق سواء والأصل فيه قوله تعالى ولا تقولن لشئ انى فاعل
ذلك غدا إلا أن يشاء الله * وقال أبو حنيفة لا بأس بنثر السكر والجوز واللوز في العرس
والختان وأخذ ذلك إذا أذن لك أهله فيه وإنما يكره من ذلك أن يأخذه بغير إذن أهله
وبه نأخذ وكان ابن أبي ليلي يكره يثر ذلك وان يؤخذ منه شئ وقد بينا هذا في أول الكتاب
والقياس ما ذهب إليه ابن أبي ليلي قال هذا تمليك من المجهول لأنه لا يدرى من يأخذ وأي
مقدار يأخذ والتمليك من المجهول باطل وإذا بطل التمليك كان النثر تضييعا للمال ولكن تركنا
هذا القياس بما روينا فيه من الآثار وفى التعامل الظاهر بين الناس انهم يفعلون ذلك ولم ينقل
عن أحد أنه تحرز عن نثر ذلك أو عن تحرز أخذه وفى الاخذ بطريق القياس في هذا ايقاع
الناس في الحرج وقد أمرنا بترك العسر لليسر قال الله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم
العسر وعلى هذا قلنا لا بأس بالشرب من ماء السقاية فقد يكون الواضع عند الوضع آذنا للناس
بالتناول ولا بأس بالتناول مما لا يجرى بين الناس فيه الشح والظنة كالثوب ونحو ذلك فان
من غرس الشجرة على ضفة نهر في الطريق فالظاهر أنه آذن للناس في الإصابة من ثمرها فيما
لا يجرى فيه الشح بين الناس فيجوز التناول منه بهذا النوع من الظاهر وكذلك التقاط
النوى وقشور الرمان وقد بينا بعض ذلك في كتاب اللقطة قال وكان ابن أبي ليلى رحمه الله
يكره النبيذ في المزفت والنقير للنهي الوارد في الباب وقال أبو حنيفة رحمه الله لا بأس بذلك
لورود النسخ وهو قوله عليه السلام كنت نهيتكم عن الشرب في الدباء والمزفت فاشربوا في
الظروف ولا تشربوا سكرا وفى رواية فان الظرف لا يحل شيئا ولا يحرمه فلثبوت النسخ قلنا
لا بأس بالشرب في هذه الأواني والله أعلم بالصواب
كتاب الشروط
قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل
السرخسي رحمه الله اعلم بان علم الشروط من آكد العلوم وأعظمها صنعة فان الله تعالى أمر
167

بالكتاب في المعاملات فقال عز وجل إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ورسول
الله صلى الله عليه وسلم أمر بالكتاب في المعاملة بينه وبين من عامله وأمر بالكتاب فيما قلد
فيه عما له من الأمانة وأمر بالكتاب في الصلح فيما بينه وبين المشركين والناس تعاملوه من لدن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ولا يتوصل إلى ذلك الا بعلم الشروط فكان من
آكد العلوم وفيه المنفعة من أوجه أحدها صيانة الأموال وقد أمرنا بصيانتها ونهينا عن
اضاعتها والثانية قطع المنازعة فان الكتاب يصير حكما بين المتعاملين ويرجعان إليه عند المنازعة
فيكون سببا لتسكين الفتنة ولا يجحد أحدهما حق صاحبه مخافة أن يخرج الكتاب وتشهد
الشهود عليه بذلك فيفتضح في الناس والثالثة التحرز عن العقود الفاسدة لان المتعاملين ربما
لا يهتديان إلى الأسباب المفسدة للعقد ليتحرزا عنها فيحملها الكاتب على ذلك إذا رجعا إليه
ليكتب والرابعة رفع الارتياب فقد يشتبه على المتعاملين إذا تطاول الزمان مقدار البدل ومقدار
الاجل فإذا رجعا إلى الكتاب لا يبقى لواحد منهما ريبة وكذلك بعد موتهما تقع الريبة لوارث
كل واحد منهما بناء على ما ظهر من عادة أكثر الناس في أنهم لا يؤدون الأمانة علي وجهها
فعند الرجوع إلى الكتاب لا تبقى الريبة بينهم فينبغي لكل أحد أن يصرف همته إلى تعلم
الشروط لعظم المنفعة فيها ولان الله تعالى عظمها بقوله جل جلاله ولا يأب كاتب أن يكتب
كما علمه الله فقد أضاف الله تعالى تعليم الشروط إلى نفسه كما أضاف تعليم القرآن إلى نفسه فقال
عز وجل الرحمن علم القرآن وأضاف تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى نفسه فقال جل
جلاله وعلمك ما لم تكن تعلم وأبو حنيفة رحمه الله سبق العلماء رحمهم الله ببيان علم الشروط
وبذلك يستدل على أن مذهبه أقوى المذاهب فإنه يبعد أن يقال المبتدئ ببيان ما أخبر الله
تعالى أنه هو المعلم له لم يكن على غير صواب * ثم بدأ الكتاب فقال إذا أراد الرجل أن يشترى
دارا كتب هذا ما اشترى فلان ابن فلان من فلان ابن فلان وبعض أهل الشروط رحمهم الله
لم يستحسن هذا اللفظ وقال هذا إشارة إلى البياض الذي كتب فيه فظاهره يوهم أن المشترى
ذلك البياض ولكن ينبغي أن يكتب هذا كتاب فيه ذكر ما اشترى ولكنا نقول إنما اختار
أصحابنا رحمهم الله هذا اللفظ اقتداء بالكتاب والسنة فان الله تعالى قال هذا ما توعدون لكل أواب
حفيظ ولم يقل هذا كتاب فيه ذكر ما توعدون ولما اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم
168

من العداء عبدا كتب ما اشترى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من العداء بن خالد بن
هودة الحنيفي ولا شك ان الأحسن ما وافق الكتاب والسنة ثم في هذا ايجاز وحذف لما
يحتاج إليه فكل أحد يعرف ان المراد هذا كتاب فيه ذكر ما اشترى وقوله فلان ابن فلان
من فلان بن فلان إنما يستقيم الاكتفاء بهذا على قول أبى يوسف فان عنده التعريف يتم
بذكر اسم الرجل واسم أبيه فاما عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لا يتم التعريف الا بذكر
اسمه واسم أبيه واسم جده أو اسم أبيه وذكر قبيلته واحتج أبو يوسف بما روى في صلح
الحديبية كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ما صالح محمد بن عبد الله وسهل ابن عمرو
على أهل مكة فقد اكتفى بذكر اسم الأب والمعنى فيه أن التعريف يتم بما يمتاز به من غيره
وبمجرد اسمه لا يحصل ذلك فالمسمى بذلك الاسم كثير في الناس فإذا ضم إلى اسمه اسم أبيه
يحصل المقصود باعتبار الظاهر فإنه لا يتفق اسم رجلين واسم أبيهما الا نادرا فلا يعتبر ذلك النادر
لبقاء ذلك مع ذكر اسم الجد فإنه كما يتوهم اتفاق اسمين يتوهم اتفاق أسامي ثلاثة ويسقط
اعتبار ذلك لأنه مخالف للعادة فكذلك هذا وهما يستدلان بما روينا ان النبي صلى الله عيه
وسلم كتب هذا ما اشترى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من العداء بن خالد بن هودة
ففي هذا دليل ان من كان مشهورا يكتفى في تعريفه بذكر اسمه ونعته كما ذكر في حق نفسه
وان من لم يكن معروفا فاتمام تعريفه بذكر اسم أبيه واسم جده كما ذكره في حق العداء ولا
يعارض هذا حديث صلح الحديبية لان الصلح ما كان في ذلك الوقت الا واحدا فكان
لا يقع الالتباس فيه فيحتاج إلى تمام التعريف (ألا ترى) انه في نظره قد اكتفى بذكر الاسم
أيضا وهو فيما كتبه لأكيدر بن عبد الملك فقال هذا ما كتب محمد رسول الله صلى الله عليه
وسلم لأكيدر حين أجاب إلى الاسلام وخلع الأنداد والأصنام ثم أتم الكتاب لأنه ما كان يقع
الاشتباه في ذلك فاكتفى بذكر اسمه وفى المعاملة لما كان يقع الاشتباه ذكر اسم من عامله
واسم أبية واسم جده والدليل على أن تمام التعريف بما قلنا إن من له أب واحد في الاسلام لا
يكون كفؤا لمن له أبوان في الاسلام ومن له أبوان في الاسلام يكون كفؤا لمن له عشرة آباء
في الاسلام وقيل المعتبر ما يتم به التعريف في الاسلام وذلك يحصل بالأب والجد ولا يحصل
بالأب وحده وهذا لأنه قد يتفق اسم رجلين واسم أبيهما في العادة فلا يمتاز أحدهما من
الآخر الا بذكر اسم الجد أو بذكر القبيلة والتعريف في حق الغائب والميت بما يمتاز به عن
169

غيره فإذا كان تمام الامتياز بما قلنا كان على الكاتب أن يكتب ذلك ويكنيه في الكاتب
أيضا إن كان معروفا بكنيته وإن كان له لقب لا يغيظه ذلك ولا يشينه يذكر ذلك أيضا لزيادة
التعريف فاما ذكر الصناعة ذكر الطحاوي عن أبي حنيفة رحمهما الله انه لا يعتبر ذلك في
التعريف لأنه قد يتحول من صناعة إلى صناعة قال الطحاوي رحمه الله وأما نحن فنعتبر ذلك
كما اعتبر المالك في حق المكاتب للتعريف أن يكتب مكاتب فلان وقد يتحول منه إلى العتق
ولكنا نقول مراد أبي حنيفة رحمه الله مما قال ليس ما ذكره الطحاوي رحمه الله بل مراده انه
ليس المقصود بالصناعات التعريف فلا يذكر ذلك عند التعريف وإنما يذكر ما يكون المقصود
به التعريف وهو الاسم والنسب وأما كتبه الحلية فهو حسن للمبالغة في التعريف ولكن
لا يحصل به أصل التعريف لان الحلية تشبه الحلية كما أن النعمة تبه النعمة ثم قال اشترى منه
جميع الدار في بني فلان وإنما أعاد لفظة الشراء لان من عادة أهل اللسان انه إذا تخلل بين الخبر
والمخبر عنه كلام آخر فإنه يعاد الخبر للتأكيد وقوله جميع الدار للتأكيد أيضا فان المقصود
يحصل بقوله الدار التي في بنى فلان ولكن يتوهم أن يكون المراد بعضها فذكر الجميع لقطع
هذا الوهم ثم كما لا بد من تعريف المتعاقدين لا بد من تعريف المشترى وتعريف المشترى
إذا كان محدودا بذكر الحدود والبلدة إلا أن في ظاهر الرواية عندنا يبدأ بالأعم من ذلك وهو
ذكر البلدة ثم المحلة ثم الحدود وأبو زيد البغدادي رحمه الله يذكر في شروطه أن الأحسن
أن يبدأ بالأخص من ذلك ثم يترقى إلى الأعم بمنزلة التعريف بالنسب فإنه يبدأ باسمه لأنه
أخص به ثم باسم أبيه ثم باسم جده ولكنا نقول العام يعرف بالخاص والخاص لا يعرف بالعام
فكانت البداية بالأعم أحسن لهذا المعنى وفى الحقيقة لا فرق بين هذا وبين النسب فان هناك
يبدأ باسمه لان ذلك أعم فالمسمى بذلك الاسم يكثر في الناس عادة ثم بذكر اسم أبيه يصير
أخص به ثم بذكر اسم جده يصير أخص فكذلك يبدأ بذكر البلدة ثم بذكر المحلة ليصير
أخص ثم بذكر الحدود وإذا ذكر الحدود فالأحسن أن يقول أحد حدودها ينتهى إلى كذا
وبعض أهل الشروط يكتب أحد حدودها لزيق كذا أو يلاصق كذا وإنما ذكروا هذه
الألفاظ لأنه لو كتب أحد حدودها دار فلان ثم كتب اشتراها بحدودها دخلت الحدود
في البيع وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة انه لا بأس بأن يكتب أحد حدودها الداخلة أو
الطريق العام ثم يكتب اشتراها بحدودها لأنه لا يسبق إلى وهم أحد بهذا اللفظ لشراء الدجلة
170

وما يدخل تحت البيع وقد روى عن محمد رحمه الله انه استحسن في آخر عمره أن يكتب
أحد حدودها يلي كذا ولكن ما ذكرنا أحسن لان الشئ قد يلي الشئ وان كأن لا يتصل به
قال عليه السلام ليليني منكم أولوا الأرحام والنهى والمراد به القرب دون الاتصال فإذا قلنا
ينتهى إلى كذا أو يلاصق كذا يفهم الاتصال من هذا اللفظ لا محالة ثم ذكر الحدود الأربعة للتحرز
عن الاختلاف وقد قال بعض العلماء رحمهم الله ان التعريف يحصل بذكر حد واحد وعن أبي
يوسف رحمه الله أنه يحصل بذكر حدين وعندنا يحصل بذكر ثلاث حدود وعلى قول زفر
لا يحصل الا بذكر الحدود الأربعة وقد بينا هذا في الشهادات والكتاب يكتب على أحوط
الوجوه ويتحرز فيه عن مواضع الخلاف فلهذا يكتب فيه الحدود الأربعة ثم قال اشترى منه
هذه الدار المحدودة في كتابنا هذا ومن أهل الشروط من يقول الأحسن أن يقول في هذا
الكتاب وهو اختيار هلال وأبى يوسف بن خالد رحمهما الله لأنه إذا قال في كتابنا فظاهره
يوهم ان الكتاب مشترك بينهما فربما يحول البائع بين المشترى وبين الكتاب احتجاجا بهذا
اللفظ ولكنا نقول هذا مما لا يسبق إلى الأوهام واللفظ المذكور في الكتاب أقرب إلى
موافقة كتاب الله تعالى هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ثم قال بحدودها كلها وعن أبي يوسف
ومحمد رحمه الله قال لا أرى أن يكتب بحدودها لان الحد غير المحدود والمشترى المحدود دون
الحد فإذا قال اشتراها بحدودها دخل في العقد الحدود التي تسمى ولكنا نقول قد ذكرنا أنه
إذا كتب أحد حدودها ينتهى إلى كذا فقوله اشتراها بحدودها ينصرف إلى المنتهى دون
المنتهى إليه والمنتهى داخل في العقد فيستقيم أن يكتب اشتراها بحدودها وعلى ما قاله أبو حنيفة
إذا كانت الحدود مما لا يدخل تحت العقد فلا يسبق إلى وهم أحد ذلك فيكتب اشتراها
بحدودها كلها وأرضها وبنائها وسفلها وعلوها من أصحاب الشروط من يختار سفله وعلوه
وقالوا السفل والعلو للبناء لا للدار فالأحسن أن يكتب ومنها سفله وعلوه لان البناء مذكور
لكن الأول أحسن لأنه ربما يكون في الأرض سرداب فإذا قال سفله وعلوه لا يدخل
السرداب لان ذلك ليس ببناء والبناء ما يكون على الأرض فإذا قال سفلها وعلوها دخل جميع
ذلك فان قيل إذا قال سفلها وعلوها يدخل الهواء في ظاهر هذا اللفظ وبيع الهواء لا يجوز
فيفسد به العقد قلنا هذا مما لا يسبق إليه وهم أحد ويعلم أن المراد ما يدخل تحت العقد دون
ما لا يدخل فيه ثم قال طريقها ومرافقها وذكر الطحاوي ان أكثر أهل الشروط يذكرون
171

الطريق والمختار عندنا تركه وكذلك المسيل لأنهم ان ذكروا الطريق مطلقا يتناول ذلك
الطريق العام الذي لا يحوزه وكذلك الميزاب ربما يصب في جزء من طريق العامة فإذا أطلق
ذلك يدخل في البيع ما لا يجوز بيعه فيفسد به العقد وإن كان مال وطريقها وسبيل مائها
الذي من حقوقها فربما لا يكون للدار طريقا خاصا هو من حقوقها فيصير جامعا في العقد بين
المعدوم والموجود والأحسن أن لا يذكر الطريق والمسيل أصلا لان المقصود حاصل بذكر
المرافق فإنه إن كان لها طريق خاص أو مسيل ماء خاص دخل ذلك في العقد بذكر المرافق
وإن لم يكن فإنما ينصرف هذا اللفظ إلى ما وراءهما من المرافق ثم قال وكيل قليل وكثير هو
فيها أو منها وعند أبي يوسف لا يكتب هذا اللفظ لأنه إذا كتب هذا دخل في العقد الأمتعة
الموضوعة فيها فان ذلك كله مما يحتمل البيع وعند زفر بذكر هذا اللفظ يدخل ما يحتمل البيع
وما لا يحتمل من زوجة أو ولد للبائع ومن حشرات هي فيها لأنه من القليل والكثير التي
فيها فزفر رحمه الله يعتبر حقيقة اللفظ وأبو يوسف يعتبر ما يكون صالحا للعقد محلا له لان
قصد المتعاقدين ايراد العقد على ما يكون محلا له قال محمد رحمه الله أرى أن يقيد ذلك الكتاب
فيقول بما هو فيها أو منها من حقوقها فبهذا القيد يتبين ان المراد ما يكون من حقوق المبيع دون
ما ليس من حقوقه من الأمتعة الموضوعة في الدار ثم في هذا الكتاب يقول بكل قليل أو
كثير هكذا ذكر في كتاب الشفعة وفى كتاب الوقف قال بكل قليل أو كثير والذي ذكر
هنا أحسن لان أو للشك وإنما يدخل عند ذكر حرف أو أحد المذكورين لا كلاهما ثم قال
وكل حق هو لها داخل فيها وخارج منها وذكر الطحاوي رحمه الله ان المختار عندنا ان يكتب
بكل حق هو لها داخل فيها وكل حق هو لها خارج منها لأنه إذا قال وخارج منها فإنما يتناول
هذا شيئا واحدا منعوتا بالنعتين جميعا وهذا لا يتصور والمشروط في العقد خارج منها بخلاف
قوله وكل كثير وقليل لان القليل جزء من الكثير فلا حاجة إلى أن يقول بكل قليل وكل
كثير وهنا الحقوق الداخلة غير الحقوق الخارجة فلهذا يذكرهما جميعا على نحو ما بينا ثم قال
كذا بكذا درهما وزن سبعة وهذا إذا كان في البلد نقدا واحدا فينصرف مطلق تسمية الدراهم
إلى ذلك النقد ويحتاج إلى بيان مقداره وبيان وزنه انه وزن سبعة أي كل عشرة منها
وزن سبعة مثاقيل وان كانت النقود مختلفة وكلها في الرواج سواء فلا بد من بيان صفة
الدراهم لأن العقد لا يجوز بدونه ثم قال وقد نقده فلان الثمن كله وافيا وبرئ إليه منه لان
172

من العلماء رحمهم الله من يقول لا يستفيد المشترى البراءة بقبض البائع إذا لم ينقده المشترى
فيكتب هذا اللفظ للتحرز عن قول ذلك القائل ثم قال فما أدرك فلان بن فلان من درك أبى
في هذه الدار فعلى فلان ابن فلان خلاصة حتى يسلمه له وذكر أبو القاسم الصفار رحمه الله انه
ينبغي أن يكتب الدرك على وجه الشرط فيقول على أن ما أدرك فلأن لأنه إذا كتب فما أدرك
فلأن يكون ذلك ابتداء كلام لا علي وجه الشرط فيذكر على وجه الشرط ولكن الأول أصح لان
الرجوع بالدرك لا يكون باعتبار الشرط ولكنه سواء شرط أو لم يشرط فحق الرجوع بالدرك
ثابت وإنما الاختلاف فيما يرجع به عند لحوق الدرك على ما نبينه في موضعه وقد روى عن أبي
يوسف ان الأحسن أن يكتب فما أدرك من يحق له الرجوع من درك ولا يسمى المشترى
لجواز أن يلحق الدرك بعد موته فإنما يكون الرجوع لوارثه ولكنا نقول حق الرجوع بالدرك
يثبت بالعقد فإنما يثبت لمن باشر العقد والدرك هو الاستحقاق الذي يسبق العقد فاما الاستحقاق
بسبب يعترض بعد العقد لا يسمى دركا وبالسبب الذي يسبق العقد فإنما يلحق الدرك المشترى
حيا كان أو ميتا فلهذا كتب فما أدرك فلان بن فلان من درك في هذه الدار ومن أهل الشروط
من يزيد من درهم فما فوقها تحرزا عن قول ابن أبي ليلى رحمه الله ان ضمان الدرك لا يصح الا
بتسمية المقدار فللتحرز عن قوله يكتبون هذه الزيادة ثم قال فعلى فلان ابن فلان خلاصه حتى
يسلمه له معناه يرد عليه ثمن ما لحق الدرك فيه فهو المراد بالخلاص عندنا على ما نبينه ثم قال
شهد أي شهد عليه الشهود المسمون ومن أهل الشروط من يكتب هذا اللفظ في أول الكتاب
فيقول هذا ما شهد عليه الشهود والأحسن عندنا أن يذكره في الكتاب لان الشهود إنما تكون
شهادتهم في آخر الكتاب فالأحسن ذكر هذا اللفظ في الموضع الذي يثبت الشهود فيه
أساميهم فان أخذ منه كفيلا بالدرك كتب فما أدرك فلان من درك في هذه الدار فعلى فلان
ابن فلان وفلان ابن فلان خلاص ذلك وإنما اخترنا لفظ الدرك دون لفظ العهدة كما يكتبه
بعض أهل الشروط فما لحقه في ذلك من عهدة لان العهدة عند بعضهم اسم للصك وعند
بعضهم اسم للعقد الذي جرى بينهما فاخترنا لفظ الدرك لهذا والمراد بالخلاص المذكور رد
الثمن عند استحقاق المبيع عندنا وهو قول شريح رحمه الله فإنه كان يقول من شرط الخلاص
فهو أحمق سلم ما بعت أو رد ما قبضت ولا خلاص وكان سوار بن عبد الله القاضي رحمه
الله يجوز اشتراط الخلاص ويقول إن عجز البائع عن تسليم المبيع فعليه تسليم مثله فيما له مثل
173

وتسليم قيمته فيما لا مثل له إذا شرط الخلاص وقد روى عن عمر وعلي رضي الله عنهما انهما
قضيا بالخلاص وكان عبد الله بن الحسن القاضي رحمه الله يقول عليه أن يخلص المبيع من يد
المستحق بما يقدر عليه بتسليمه إلى المشترى إذا شرط الخلاص وهذا كله غير صحيح عندنا
لان التزام ما لا يقدر على بتسليمه بالعقد لا يصح فإنما عليه تسليم المبيع ان قدر عليه ورد الثمن
ان عجز عنه ومن العلماء رحمهم الله من يقول إن أقر البائع ان المبيع غير مملوك له واشترط
الخلاص فعليه تسليمه أو تسليم مثله عند الاستحقاق فان زعم أنه ملكه فعليه رد الثمن عند
الاستحقاق ثم ينبغي أن يكتب في ضمان الدرك من غير أن يكون ذلك شرطا بينهما في العقد
لأنه إذا شرط كفالة انسان بالدرك ففي القياس يفسد به العقد وفى الاستحسان إذا كان فلان
حاضرا في المجلس وكفل يصح وإن كان غائبا عن المجلس لا يصح فللتحرز عن ذلك يكتب
من غير أن يكون ذلك شرطا في العقد ويكتب وكل واحد منهما ضامن لجميع ما أدرك فلان
فيهما وأيهما شاء فلان يأخذه بذلك تحرزا عن قول ابن أبي ليلى ان مطلق الكفالة يوجب براءة
الأصيل ويكتب ان شاء آخذهما جميعا وان شاء آخذ أحدهما تحرزا عن قول ابن شبرمة فان
على قوله بعد ما اختار مطالبة أحدهما ليس له أن يطالب الآخر فيكتب من شاء وكما شاء تحرزا
من قول بعض العلماء انه بعد ما اختار مطالبة أحدهما ليس له أن يطالب الآخر إلا أن يتوى
حقه على الذي طالبه به ثم يكتب حتى يسلما له هذه الدار أو يردا عليه ثمنها وهو كذا درهما فيكون
ذلك تفسيرا للخلاص وليحصل به التحرز عن قول ابن أبي ليلى رحمه الله ان الكفالة بالمال
المجهول لا تصح ثم تفسير الدرك أن يستحق المبيع كله أو بعضه فاما إذا هلك قبل التسليم أو
وجد به عيبا فرده فهذا لا يكون دركا حتى لا يرجع على ضامن الدرك بشئ الا في رواية
عن أبي يوسف رحمه الله قال إذا باع جارية من انسان وضمن له آخر تسليمها فهلكت فإنه
يكون له أن يرجع على الضامن بالثمن لان الضامن بهذا اللفظ التزم ما هو مستحق على البائع
والمستحق على البائع تسليم المبيع بالمال فان عجز عنه يرد الثمن فالضامن بهذا اللفظ يكون
ملتزما ذلك أيضا وان ضمن الدرك فحينئذ لا يكون عليه رد الثمن وإن كان المشترى منه رجلين
فأراد أن يضمن كل واحد منهما ما أدركه فيه كتب فلان وفلان كفيلان ضامنان لما أدرك
فلان من درك في هذه الدار وكل واحد منهما كفيل ضامن لما أدرك فلان من درك فلان
فيها وأهل الشروط رحمهم الله يقولون يريد في هذا الكتاب اشترى منهما صفقة واحدة
174

لان حكم العقد يختلف بالشراء من رجلين في اتحاد الصفقة واختلاف الصفقة ويكتب أيضا
وكان العقد من كل واحد منهما باذن صاحبه فان على قول بعض العلماء ينصرف ايجاب كل
واحد منهما عند الاطلاق إلى نصيبه ونصيب صاحبه فإذا لم يكتب هذه الزيادة عند الاطلاق
لا ينفذ عقده عنده في نصيب صاحبه ويكتب علي ان كل واحد منهما ضامن له ما يلحقه من
العهدة أو ما أدركه فيه من درك لان العلماء رحمهم الله يختلفون في أن الرجوع بالعهدة يكون
على الوكيل أو على الموكل وكل واحد منهما في نصيب صاحبه يكون بمنزلة الوكيل باعتبار اذن
صاحبه فللتحرز عن هذه الأقاويل يكتب هذه الزيادة وإن لم يقل كفيل ضامن فهو مستقيم
أيضا بقوله فما أدرك فلان من درك فيها ان شاء آخذ أحدهما بذلك جميعا وان شاء آخذ أحدهما حتى
يسلما له الدار أو يردا عليه الثمن وهو كذا كذا درهما فان هذا تفسير للكفالة والضمان وبعد ما
صرح بمعنى العقد فلا معنى للتصريح بلفظ العقد * وان اشترى منزلا في دار كتب حدود
الدار ثم ذكر حدود المنزل وموضعه من الدار انه على يمين الداخل أو على يساره أو مقابله
ووصف فيما يذكر من حقوق طريقه في ساحة الدار إلى باب الدار الأعظم مسلما والأحوط
أن يبين عرض الطريق وطوله فمن العلماء رحمهم الله من يقول إذا لم يبين ذلك فسد العقد
لجهالة مقدار الطريق وعندنا لا يفسد العقد لان ذلك معلوم بطريق العرف ولكن الأحوط
ذكره للتحرز ولو كتب المقصورة وهو منزل عليه حجرة على حدة فهذا مستقيم أيضا وكذلك
لو كتب المسكن أو كتب الحجرة والأبيات التي فيها وهي كذا كذا بيتا فذلك كله مستقيم
وهو تفسير للمنزل ثم يبين بعد هذا ما يدخل في العقد بدون ذكر الحقوق وما لا يدخل الا
بذكر الحقوق وفى الحاصل هذه ثلاثة فصول الدار والمنزل والبيت فان اشترى دارا ولم يقل
بكل حق هو لها كان له بناؤها والجذوع والأبواب وغير ذلك لان الدار اسم لما أدير عليه
الحائط فيدخل فيه السفل والعلو فاما الظلة التي على الهواء أحد جانبيها علي حائط الدار والجانب
الآخر على حائط دار الجار فعند أبي حنيفة لا تدخل الا بذكر الحقوق وعند أبي يوسف
ومحمد إذا كانت مفتحة في الدار فهو داخل في العقد بدون ذكر الحقوق والطريق الخاص لهذا
الدار في دار قوم لا يدخل الا بذكر الحقوق وعن أبي يوسف انه يدخل أيضا كالظلة وفى
الأمالي فرق بينهما فقال الظلة تدخل فاما الطريق الخاص أو مسيل خاص في دار قوم
لا يدخل الا بذكر الحقوق والطريق التي في السكة العظمى لهذه الدار داخل وإن لم يذكر
175

الحقوق وان اشترى منزلا فان قال بحقوقه دخل فيه العلو وإن لم يذكر ذلك لم يدخل العلو
وان اشترى بيتا لم يدخل العلو سواء ذكر الحقوق أو لم يذكرها ما لم ينص على العلو والسفل
لان البيت اسم لمسقف واحد يبات فيه والعلو في هذا كالسفل فلا يكون أحدهما من حقوق
الآخر ومرافقه وأما المنزل فهو الموضع الذي يسكنه المرء بأهله وثقله والأصل في ذلك
السفل ولكن تمام مرافقه بالعلو فان ذكر الحقوق والمرافق دخل فيه العلو وإلا فلا ثم
المنزل دون الدار وفوق البيت فلكونه دون الدار قلنا لا يدخل العلو إذا أطلق اسم المنزل
ولكونه فوق البيت قلنا بأنه يدخل إذا ذكر الحقوق أو المرافق * وان اشترى نصيبا من
الدار غير مسمى فهو باطل لان المعقود عليه مجهول جهالة تفضى إلى المنازعة وان اشترى أذرعا
مسماة من الدار لم يجز في قول أبي حنيفة رحمه الله وفى قولهما يجوز وتذرع الدار فيكون
المشترى شريكا بتلك الأذرع المسماة ان كانت ذرعان الدار أكثر من ذلك وان كانت أقل فهو
بالخيار ان شاء أخذه بجميع الثمن وان شاء تركه إلا أن يكون سمى لكل ذراع ثمنا فحينئذ
يأخذ كل ذراع بالثمن المسمى وقد بينا هذا في البيوع والمأذون وان اشترى نصيب البائع من
الدار فإن كانا يعلمان ذلك أو يعلمه المشترى جاز العقد وإن كان المشترى لا يعلم ذلك لم يجز
في قول أبي حنيفة وفى قول أبى يوسف يجوز للمشترى الخيار إذا علم نصيب البائع وقول محمد
مضطرب ذكر هنا مع أبي يوسف وقد تقدم بيانها في آخر الشفعة فإن كان سمى ربعا أو
ثلثا أو سهما من كذا كذا سهما فذلك جائز وكذلك أن سمى كذا أجزأ من كذا جزأ بعد
الثلث أو كذا سهما من كذا سهما بعد الربع فهذا كله جائز وان سمى كذا ذراعا من كذا
ذراعا من دار لم يجز في قول أبي حنيفة وجاز عندهما وكذلك أن سمى كذا جريبا من كذا
جريبا لان الجريب معلوم المقدار بالذراع فكان تسميته كتسمية الذراع وعندهما تسمية الذراع
كتسمية السهم لان ذراعا من ذراعين نصف الدار وذراعا من عشرة أذرع عشر الدار وأبو
حنيفة رحمه الله يقول الذراع اسم لجزء معلوم يقع عليه الذرع وذلك يتفاوت بتفاوت جانب
الدار فبعض الجوانب يكون عامرا وبعضها غامرا وهذه الجهالة تفضى إلى المنازعة فبطل العقد
بها وقال يكتب في شراء نصيب دار من امرأة اشترى جميع نصيبها من هذه الدار المحدودة
في كتابنا هذا وهو كذا سهما من كذا سهما من جميع هذه الدار بحدوده كله وأرضه وبنائه
وطريقه ومرافقه وكل قليل أو كثير هو فيه أو منه قلت لم كتبه بحدوده وأرضه ولم
176

يثبت بحدودها وأرضها كما في الكتاب المتقدم قال لان النصيب مذكر فلما أضفته إليه ذكرته
وان كتب بحدودها أرضها فهو جائز لان عند ذلك تكون الإضافة إلى الدار وهي مؤنثة
والأول أحبهما إلى وأوضحهما فان المشترى النصيب دون الدار وذكر هذه الأشياء
لبيان المشترى وحقوقه وإذا اشترى منزلا في دار وفوقه منزل واشترط كل حق هو له
وكان العلو لغيره فهو بالخيار ان شاء أخذ السفل وان شاء تركه لان اشتراط كل حق في
المنزل اشتراط العلو فكأنه شرط العلو أيضا فإذا ظهر استحقاق العلو فقد تغير عليه شرط
عقده فكان له الخيار في الباقي بخلاف ما إذا لم يشترط كل حق هو له وإذا اشترى البيت سواء
ذكر كل حق أو لم يذكر لا يدخل العلو فإذا استحق العلو لم يكن له الخيار في السفلى وفي
الدار سواء ذكر كل حق أو لم يذكر إذا استحق العلو أو بعضه يخير فيما بقي لان ذلك داخل
في العقد بمطلق اسم الدار وإن كان للدار طريق خاص في دار انسان فمنع صاحب تلك الدار
الطريق فالقول قوله إلا أن يقيم البائع البينة فحينئذ يثبت له استحقاق الطريق فإن كان ذكر
الحقوق والمرافق كان ذلك للمشترى وان عجز البائع عن إقامة حق البينة يثبت للمشترى حق
الفسخ لأنه تغير عليه شرط عقده وإن كان طريق دار أخرى للبائع في هذه الدار فإذا لم
يذكرها لم يستحق البائع ذلك لأنه أوجب للمشترى ما كان له من الملك في هذه البقعة
فيدخل فيه الطريق وغير الطريق إلا أن يستثنى الطريق بخلاف ما إذا كان الطريق لغير
البائع فان البائع إنما أوجب للمشترى ما هو حقه إلا أن يكون المشترى غير عالم لم يكن
الطريق لغيره فحينئذ الخيار للمشترى لان هذا يعد في الناس عيبا وينتقص باعتباره الثمن
فان اشترى بيت سفل في دار ليس له علو كتب اشترى منه جميع البيت الذي كان في الدار
التي في بنى فلان أحد حدود هذا البيت فيذكر حدوده لان البيت في الدار كما أن الدار في
المحلة فكما أن في شراء الدار ينبغي له أن يذكر المحلة ففي شراء البيت لا بد من اعلام الدار
التي فيها البيت واعلامها بذكر حدودها ثم العقد يتناول بقعة معلومة من الدار وهو موضع
البيت فلا بد من اعلام ذلك على وجه لا يتمكن بينهما المنازعة واعلامه بذكر حدوده ثم
يكتب اشترى منه هذا البيت الذي حددنا في هذه الدار المحدودة في كتابنا هذا بحدوده
كله وأرضه وبنائه وطريقه في ساحة الدار إلى باب الدار الأعظم مسلما لان المشترى بيت وهو
مذكر فيقول بحدوده كله ويذكر طريقه في ساحة الدار لان ذلك لا يدخل بالذكر
177

والانتفاع من حيث السكنى والبيتوتة لا يتأنى الا بذلك وقال أبو يوسف رحمه الله أرى أن
يكتب الحدود الحد الأول من قبل القبلة دار فلان والحد الثاني في شرقي الدار دار فلان
والحد الثالث دبر القبلة دار فلان والحد الرابع الغربي دار فلأن لان جهة القبلة أشرف الجهات
فالبداية أولى منها وان شاء بدأ بالغربي ودار عليها وان شاء بدأ بالذي هو دبر القبلة ثم سمى
الذي يليه وهو قول محمد رحمه الله أيضا وإن لم يكتب ذلك أيضا لم يضره لان المقصود هو
الاعلام وبذكر الحدود صار معلوما وإن لم يقل من قبل القبلة أو دبر القبلة والكلام في قوله
أحد حدودها دار فلان وانتهى إلى دار فلان أو لزيق دار فلان كما بينا وإن كان المشترى
بيتا علوا في الدار ليس له سفل كتب اشترى منه البيت الذي في علو الدار التي في بنى فلان
ويذكر حدود الدار ثم يقول وهذا البيت على البيت الذي من هذه الدار في موضع كذا لأنه
قد ينهدم ذلك البيت فيحتاج المشترى إلى اعادته ولا يتمكن من ذلك الا بعد أن يكون موضعه
من الدار معلوما واعلام موضعه باعلام موضع البيت الذي هذا علوه فيكتب وهو علو سفله
لفلان أحد حدود البيت الذي هذا البيت عليه والرابع أنه ليس للعلو حدود وإنما الحدود
للسفل وذكر الطحاوي رحمه الله قال هذا إذا لم يكن حول هذا العلو حجرة فإن كان ذلك
فعليه أن يذكر حدود العلو أيضا لأن المبيع هو العلو وإنما يثبت اعلام المبيع بذكر حدوده
فان أمكن ذلك فلا بد من ذكر حدود المبيع ثم يكتب اشترى منه هذا البيت الذي حددنا
سفله في هذه الدار المحدودة في كتابنا هذا بحدوده كله وأرضه وبنائه وطريقه في الدرج
وفى ساحة الدار إلى باب الدار الأعظم والى علو البيت مسلما قالوا وينبغي أن يبين موضع
الدرج من الدار أيضا لان ذلك ينقل من موضع إلى موضع فربما ينتفع به صاحب العلو في
جانب ويتضرر به في جانب آخر وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله نرى أن يكتب وقد نقد
فلان بن فلان الثمن كله وقبضه فلان منه وهو كذا درهما لان من العلماء من يقول لا يجبر
البائع على قبض الثمن إذا نقده المشترى ولا يستفيد المشترى بالبراءة ما لم يقبضه البائع منه
فللتحرز عن هذا القول تذكر هذه الزيادة وإن كان بيت فوقه بيت فاشتراهما جميعا
كتب اشترى منه بيتين من الدار التي في بنى فلان أحدهما فوق الآخر لان مطلق اسم
البيتين يتناول بيتين متلاصقين كل واحد منهما سفل فيذكر أحدهما فوق الآخر ويكتب هذا
البنيان من هذه الدار من موضع كذا أحد حدود البيت الأسفل كذا لان الحدود للبيت
178

السفل وبذكرها يصير العلو معلوما ثم يكتب اشترى منه هذين البيتين اللذين حددنا أسفلهما
في هذه الدار المحدودة في كتابنا هذا بحدودهما كلاهما وأرضهما وبنائهما وطريقهما في الدرج
وفى ساحة الدار ويحد به على ما وصفنا لان كل واحد من البيتين أصل هنا لا يدخل في العقد
الا بالذكر فلا بد من أن يسمينها عند ذكر الحدود والمرافق * وإذا اشترى دارا من رجلين
وهي صحراء كتب اشترى منهما الدار التي في بنى فلان أحد حدودها والرابع اشترى منهما
هذه الدار المحدودة في كتابنا هذا وهي صحراء ليس فيها بناء لان اسم الدار يتناول الصحراء
كما يتناول المبنى بدليل مسألة الايمان إذا حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها بعد ما صارت
صحراء كان حانثا في يمينه ولكن في العرف إنما يفهم المبنى عند اطلاق الاسم وربما يبنيهما
المشترى فيستحق بناءه فاما أن يفسخ العقد أو يرجع بقيمة البناء فإذا لم يبين في صك الشراء
انها كانت يومئذ صحراء ربما يقضى القاضي له بذلك بناء على العرف الظاهر فلهذا يكتب هذه
الزيادة في هذا الكتاب قال وقال أبو يوسف ومحمد نرى أن يكتب في الضمان قيمة البناء يعنى
إذا اشترى هذا وضمن له انسان الدرك ينبغي أن يذكر في آخر الكتاب وكل واحد منهما
كفيل ضامن بجميع ما أدرك في هذه الدار وقيمة ما بني فيها من بناء من بين كذا إلى كذا
درهما وإنما استحسن التنصيص على قيمة البناء في الضمان لاختلاف العلماء رحمهم الله فان على
قول أهل المدينة عند الاستحقاق المشترى لا يرجع بقيمة البناء الذي بناه على البائع إلا أن
يكون البائع أمره بالبناء وعلى قول الشافعي لا يرجع بقيمة البناء والأشجار الا إذا ضمن البائع
له ذلك نصا لان البناء ليس بمتولد من عين المبيع وإنما يثبت حكم الغرور في المبيع وفيما يكون
متولدا منه كالأول وعندنا يرجع بقيمة البناء من غير شرط باعتبار ان مطلق العقد يقتضى صفة
السلامة ولا عيب فوق الاستحقاق والبائع بمطلق العقد يصير ضامنا للمشترى قرار البناء
فإذا لم يسلم له ذلك كان له أن يرجع بقيمة البناء فللتحرز عن هذا الخلاف يكتب ضمان قيمة
البناء وينص أيضا على مقدار ذلك بقوله ما بين كذا إلى كذا درهما لان على قول ابن أبي
ليلى الكفالة بالمجهول لا تصح فكان بيان المقدار في الوثيقة للتحرز عن ذلك ثم قال إلى كذا
درهما بقيمة عدل يوم يستحق الدار من يده لان حق الرجوع إنما يثبت له بقيمة البناء عند
الاستحقاق فان المستحق ينقض بناءه فإنه يسلم النقض إلى البائع ويرجع عليه بقيمة البناء مبنيا
وقت الاستحقاق وإنما يرجع بقيمه عدل وهو ما فوق الوكس ودون الشطط ومن أهل
179

الشروط رحمهم الله من استحسن أيضا أن يكتب وذلك البناء قائم يستحق من ذلك لان
المشترى قد يبنى ثم ينهدم البناء قبل الاستحقاق فعند الاستحقاق لا يرجع بقيمة ما انهدم من
البناء الذي أحدثه فيكتب وذلك البناء قائم فيما يستحق من ذلك ولا يقول في هذه الدار لأنه
قد يستحق نصف الدار فإنما يكون رجوعه بقيمة نصف البناء عند ذلك وإن كان على قول
مالك العقد يبطل كله باستحقاق النصف ويكون له أن يرجع بقيمة جميع البناء ولكن هذا فاسد
عندنا فان الرجوع بحكم الاستحقاق فإنما يثبت بمقدار ما يوجد فيه الاستحقاق فلهذا يكتب
بقيمه ما يستحق من ذلك وبعض أهل الشروط يكتب قيمة البناء والعرش وغير ذلك وهذا
غير مستحق عندنا لأنه يتناوله هذا اللفظ مالا رجوع له من مرمة ليست بعين مال أو حفر
فان المشترى إنما يرجع بقيمة البناء باعتبار انه يسلم النقض إلى البائع ولا ينافي ذلك في هذه
الأشياء فاشتراطه في العقد يفسد العقد حتى لو قالوا لو حفر بئرا في الدار وطواها فالحفر
ليس من البناء في شئ والعلو من البناء فيكون له أن يرجع بقيمة ما هو بناء مطوي ويكتب
بعض أهل الشروط الرجوع بما أنفق في البناء وهذا مستحسن عندنا فان رجوع المشترى
بقيمة البناء باعتبار انه يملك النقض من البائع وهذا المعنى لا يوجد فيه لأنه أنفقه لنفسه على
ملكه فلا يرجع به عند الاستحقاق فلهذا كان المختار اللفظ الذي ذكره محمد رحمه الله في
الكتاب وإنما يكتب ان كل واحد منهما ضامن لجميع ذلك لأنه لو لم يكتب هذا رجع علي كل
واحد من البائعين بنصف قيمة البناء فان كل واحد منهم إنما باعه النصف وإنما ضمن له السلامة
باعتبار عقده فلمعنى النظر للمشترى يكتب هذا اللفظ حتى يكون له أن يرجع على أيهما شاء
بجمع قيمة البناء لان في النصف هو بائع وفى النصف الآخر هو ضامن عن صاحبه ويكون
ضمانه كضمان أجنبي آخر وان اشترى بيتين متفرقين في دار واحدة أحدهما علو والآخر
سفل كتب اشترى منه بيتين في الدار التي في بني فلان أحد حدود هذه الدار التي فيها هذان
البيتان والرابع وأحد هذين البيتين في مواضع كذا من هذه الدار من سفل علوه له لان
أحد حدود البيت السفل فيذكر حدوده ثم يذكر حدود البيت الآخر علو سفله لفلان
ويحد البيت السفل فيذكر حدوده ثم يجريه على ما وصفنا وقد بينا هذا في السفل المشترى
وحده والعلو المشترى وحده بدون السفل فكذلك إذا اشترى سفل بيت وعلو بيت آخر
وهما في دار واحدة فلا بد من اعلام كل واحد منهما بذكر الموضع والتحديد واعلام العلو
180

وبتحديد السفل إذا لم يكن حول العلو بناء وإن كان فتحديده ممكن في نفسه على ما فسره
الطحاوي رحمه الله وان اشترى منه طريقا في دار كتب اشترى منه طريقا من الدار التي في
بنى فلان ويحددها وهذا الطريق من هذه الدار ما بين موضع كذا من دار فلان التي إلى جانب
هذه الدار إلى باب هذه الدار المحدودة في كتابنا هذا عرض هذا الطريق عرض باب الدار
لأنه لا بد من اعلام المعقود عليه واعلام الطريق بذكر طوله وعرضه ثم يكتب اشترى منه
هذا الطريق الذي ضمنا في هذه الدار المحدودة في كتابنا هذا بحدوده كلها وأرضه مسلما إلى
باب الدار وقد استحسن بعض أهل الشروط أن يبين ذلك بالذرع طولا وعرضا لان في
قوله عرضه عرض باب الدار بعض الابهام فقد يبدل بالباب باب آخر ولكن يجوز محمد
رحمه الله بهذا القدر من الابهام لان عرض باب الدار طريق متفق عليه وعند المنازعة يرد
المختلف فيه إلى المتفق عليه والمقصود من الطريق التطرق وهذا المقصود إنما يتم إذا كان
الطريق بقدر عرض باب الدار فان ما لا يدخل في ذلك الباب لا يمكنه أن يحمله في الطريق قال
ولو لم يسم عرض الطريق كان يجوز أيضا لهذا المعنى وهو ان التسمية للرجوع إليه وقطع
المنازعة به عند الحاجة وهذا حاصل بمعرفة باب الدار فلا حاجة إلى ذكر ذلك وإن كان علي
هذا الطريق علوا لغيره ينبغي أن يكتب علوه لفلان لقطع المنازعة فان بمطلق التسمية يستحق
المشترى ذلك الموضع من الأرض فربما ينقض العلو الذي للغير عليه أو يمنع صاحب العلو
من أن يبنى عليه علوا بعد الانهدام * وان اشترى حائطا كتب اشترى منه الحائط التي
في الدار الذي في بني فلان وهذا الحائط من هذه الدار في موضع كذا ما بين كذا إلى كذا
عرضه كذا لان بتناول الطول والعرض يصير المشترى وهو البناء وموضعه من الأرض
معلوما ثم يقول اشترى منه هذا الحائط الذي سمينا بحدوده كله أرضه وبنائه لأنه إذا لم
ينص على ذلك دخل فيه اختلاف شبهه العلماء دخول الأصل في البيع وان اشترى دارا غير
بيت فيها كتب اشترى منه الدار التي في بنى فلان غير بيت واحد من هذه الدار وطريقه
وهذا البيت من هذه الدار من موضع كذا وعين حدوده لان البيت المستثنى باق على ملك
البائع ولا يمكنه الانتفاع به الا بالطريق إليه في حاجة الدار فإذا لم يذكر الطريق فيما يستثنى
تضرر البائع في تسليم المعقود عليه لأنه يتعذر عليه الانتفاع بما ليس بمعقود عليه وذلك مفسد
للعقد فلهذا يقول غير هذا البيت وطريقه إلى باب الدار الأعظم ثم يكتب في آخره وقد رأى
181

فلان هذا البيت وعرفه لئلا له الخيار إذا رآه لأنه لما لم ير المستثنى تتمكن به جهالة في
صفة المعقود عليه فان بيوت الدار تختلف في المنفعة والمالية ولهذا لو اشترى بيتا من الدار بغير
عينه لا يجوز وإذا اشترى بيتا لم يره كان له الخيار وإن كان قد رآى ما سواه من البيوت
فكذلك إذا رآى المستثنى بيتا لم يره كان له الخيار في الباقي وان اشترى منزلا في دار ونصف
ساحة تلك الدار ونصف مخرجها والطريق كتب اشترى منه منزلا في الدار التي في بنى
فلان واشترى منه أيضا نصف ساحة هذه الدار ونصف مخرج فيها سوى هذا المنزل ثم
يحدد هذا الدار ثم يكتب وهذا المنزل من هذه الدار في موضع كذا ويذكر حدود المنزل
ثم يكتب وهذا المخرج من هذه الدار في موضع كذا ويذكر حدوده ثم يذكر حدود ساحة
الدار لأن العقد يتناول كل ذلك اما كله أو بعضه فلا بد من أن يحدد جميع ذلك ثم يكتب
اشترى منه هذا المنزل الذي حددنا ونصف هذا المخرج ونصف ساحة هذه الدار بحدودها
كلها وأرضها وبنائها وطريقها إلى باب الدار والى المخرج مسلما ثم يجريه على ما وصفنا * وان
اشترى دارا بناؤها للمشترى يكتب على رسم ما لو اشتراها كلها الا انه لا يكتب وبناءها لان
البناء مملوكا له وشراؤه إنما يتناول ملك البائع لا ملك نفسه ومن أهل الشروط من يقول
الأحسن أن يكتب اشترى أرض دار بناؤها للمشترى لان اسم الدار مطلقا في العرف
يتناول المسمى والأولى أن يستعمل أخص الألفاظ فيما يرجع إلى اعلام المشترى * وان
اشترى نصف دار ونصفها الآخر للمشترى وأراد أن يبنيه كتب اشترى منه نصف الدار
التي في بنى فلان وهدم الدار التي نصفها لفلان أحد حدودها والرابع وإنما يذكر حدود
جميع الدار وإن كان المشترى نصفها لان تحديد نصف الدار غير ممكن وان اشترى دارا
لغيره وأراد أن يكتب اسمه في الشراء كتب اشترى فلان لفلان من فلان وأكثر أهل
الشروط رحمهم الله يكتبون اشترى لفلان بأمره وماله وذلك غير مستحسن عندنا لان
الثمن بالشراء يجب في ذمة المشتري فلا يتصور أن يكون مشتريا بمال الغير لان ما يجب
في ذمته لعقده لا يتصور أن يكون مالا للغير ثم في هذا ضرر على البائع لان الموكل إذا
حضر وأنكر الوكالة كان له أن يسترد المال من البائع لاقرار البائع ان المال له ثم هو يحتاج
إلى الرجوع على المشترى بالثمن وربما لا يقدر على ذلك قال الطحاوي رحمه الله وفيه افساد آخر
أيضا وهو على أن قول زفر والشافعي النفوذ يتعين في العقد فإذا أنكر الموكل الامر ورجع
182

بدراهمه انفسح العقد فلهذا لم يذكر محمد رحمه الله هذه الرواية وإنما ذكر المشترى فلان
لفلان من فلان ويجرى الكتاب على رسمه إلى أن يكتب في آخره فما أدرك فلان بن فلان
من درك فيما اشترى له فلان فعلى فلان خلاصه حتى يسلمه له فقد ذكر ضمان الدرك للوكيل
لان الوكيل بالعقد فيما هو من حقوق العقد ينزل منزلة العاقد لنفسه ولكن إنما ذكر هذا لان
الوكيل بالتسليم يخرج من الوسط فالاستحقاق بعد ذلك يكون للموكل والدرك إنما يلحق
الموكل (ألا ترى) انه ليس للمستحق الخصومة مع الوكيل بعد التسليم وذكر الخصاف أن
محمد بن الحسن رحمه الله حين كان بالرقة كتب للرشيد كتابا بهذه الصفة وكتب فما أدرك
أمير المؤمنين من درك فعلى فلان خلاصه حتى يسلمه له أو يرد الثمن على المشترى وهو فلان
فقال له بعض من حضر المجلس من أصحابه لماذا كتبت الدرك للمشترى له فقال هكذا كتب
أبو حنيفة رحمه الله فقال إذا كتب الدرك له فلماذا لم تكتب رد الثمن عليه قال لان رد الثمن
عند الاستحقاق إنما يكون على من وجب عليه الثمن بالعقد والثمن بالعقد وجب على الوكيل
دون الموكل فكذلك الرد يكون عليه عند الاستحقاق قيل فان كتب كاتب أو يرد الثمن
على المشترى له قال أكره ذلك ولا أفسد به العقد وكأنه سلك في هذا طريقة الاستحسان
على قياس الوكيل بالبيع إذا قبض الموكل الثمن بنفسه فان كتب كاتب فما أدرك فلان المشترى
قال أكره ذلك أيضا ولا أفسد به العقد لان الدرك قد يلحق الوكيل قبل أن يسلمه إلى
الموكل ولكن لو كتب في ضمان قيمة البناء أنه ضامن لقيمة من يبني المشترى كان ذلك يفسد
العقد لان الوكيل في البناء في هذه الدار كأجنبي آخر فإنه ليس له أن يبني بدون رضا الموكل
فاشتراط ضمان بنائه في العقد كاشتراط ضمان أجنبي آخر وذلك مفسد للعقد * وان اشترى
دارا فيها حمام كتب على نحو ما وصفنا في شراء الدار والدارين قال ويسمى فيها قدر الحمام
وهذا تنصيص على أن قدر الحمام لا تدخل في العقد من غير شرط بخلاف الأبواب والسرر
المركبة في شراء الدار لان القدر لا يركب في موضعه ليكون على البناء ولكنه يوضع على
الأبواب ويطين ما حوله لكيلا يخرج النار والدخان من جوانبه وهو بمنزلة المتاع الموضوع
لا يدخل الا بالتسمية وأكثر أصحاب الشروط رحمهم الله يكتبون بعدد ذكر الحمام بحدودها
وقدرها وآنيتها وملقى رمادها وشرافاتها وبئرها والبكرة والدلو والرشاء التي فيها ومستنقع ما
فيها من حقوقها وبعض هذا دخل في العقد من غير ذكر ولكنهم يذكرونه للمبالغة في
183

ذكر ما يختص به الحمام من سائر المحدودات وان اشترى دارا من ثلاثة نفر لأحدهم نصفها
وللآخرين النصف كتب بعد ذكر الحدود اشترى منهم هذه الدار المحدودة في كتابنا هذا
من فلان كذا ومن فلان كذا لان الأنصباء قد تفاوتت والحكم يختلف باختلاف ذلك يعنى
فيما يستوجب كل واحد منهم الثمن. فيما يكون للمشترى فيما يستوجب كل واحد منهم من
الثمن وفيما يكون للمشترى من حق الرجوع على كل واحد منهم عند لحوق الدرك فلا بد من
ذكر نصيب كل واحد منهم نفسه ثم يكتب وقد نقدهم الثمن كله وبرئ إليهم منه فقبض
فلان من ذلك كذا وفلان كذا لان عند الاستحقاق إنما يرجع على كل واحد منهم بما نقده
من الثمن لأنه لو لم يفسره بكذا ربما يدعي صاحب النصف أنه لم يصل إليه الا ثلث الثمن ويحتج
بمطلق اقراره فإنه نقدهم الثمن ثم قال فما أدرك فلان من ذلك في هذه الدار فعلى فلان وفلان
خلاص ذلك على قدر انصبائهم التي اشترى منهم حتى يسلموه له على قدر ما اشترى منهم
وان اشترى ثلاثة نفر من واحد كتب اشتروا منه هذه الدار المحدودة في كتابنا هذا اشترى
منه فلان كذا وفلان كذا وهذا على ما عليه العادة من إعادة الخبر إذا تخلل بينه وبين المخبر
عنه كلام آخر فيكتب اشترى منه فلان كذا وفلان كذا ويكتب وقد نقده الثمن كله وافيا من
أموالهم على قدر انصبائهم التي اشتروا منه نقد فلان من ذلك كذا وفلان كذا وفلان كذا
وبرأوا إليه منه فصار لفلان من هذه الدار كذا ولفلان كذا ولفلان كذا فما أدركهم من ذلك
في ذلك فعلى فلان خلاص ذلك إلى آخره وان اشترى دارا لابنه الصغير كتب اشترى فلان
لابنه فلان وأهل الشروط رحمهم الله يكتبون اشترى لابنه الصغير بماله وبولايته عليه مميزا
لماله وقد بينا في الشراء للغير أن الأحسن أن لا يذكر المال فكذلك في الشراء لابنه واتفق
أهل الشروط هنا على أنه يكتب اسم الأب قبل اسم الابن وفى الشراء للغير منهم من يقدم
اسم الموكل فيكتب اشترى لفلان فلان ومنهم من يقدم اسم المشترى فيكتب اشترى فلان
لفلان الوكيل ولكن يكتب اشترى لفلان الآمر بأمره فلان بن فلان وأهل الشروط
يزيدون في هذا الكتاب عند ذكر الثمن وهو ثمن مثل هذه الدار ولم يذكر محمد رحمه الله
هذه الزيادة لان أهل الشروط بنوا على أنه اشترى بمال الصغير فذكروا هذه الزيادة لأن الشراء
بماله بغبن فاحش لا ينفذ عليه ومحمد رحمه الله لم يذكر ماله أصلا فلهذا لم يتعرض لهذه
184

الزيادة في الابتداء إلا أنه ذكر في آخره وقد نقد فلان الثمن كله وافيا من مال ابنه فلان وإنما
ذكر هذا ليكون فيه نظر للولد فربما يدعى الأب انه نقد الثمن من مال نفسه فيرجع به عليه
أو يدعى ذلك سائر الورثة بعد موته ويكون القول قولهم فلهذا ذكر هذه الزيادة ويكتب
وهو يومئذ صغير في عيال أبيه لان من العلماء رحمهم الله من يقول إذا لم يكن الولد في عياله
فليس له ولاية التصرف في ماله وإن كان الولد صغيرا فللتحرز عن ذلك يكتب هذه الزيادة
ثم يكتب فما أدرك فلانا من درك فيما اشترى له فلان فعلى فلان خلاصه لان بعد بلوغ
الولد إنما يلحق الابن دون الأب وقد استحسن بعضهم أن يكتب هنا وفى الشراء للغير
أيضا وقد وكل فلان يعنى المشترى فلانا بالخصومة فيما يلحقه من العهدة في هذه الدار اما وكالة
مطلقة في الدار في الحال أو مضافة إلى ما بعد البلوغ في حق الولد ويزيدون أيضا على أنه كلما
عزله فهو وكيل من جهته توكيلا جديدا وفى هذا النوع احتياط للموكل وللابن فإنه إذا
دفعت الحاجة إلى الخصومة بالعيب لا يتمكن الموكل ولا الابن من خصومة البائع وربما
يكون المشترى غائبا أو حاضرا ويمتنع من مباشرة الخصومة بنفسه قد ذكر هذا التوكيل
لكيلا يتعذر على المشترى له الوصول إلى حقه وإذا باع رجل داره من ابنه وهو صغير في
عياله كتب هذا كتاب من فلان بن فلان لفلان بن فلان ابنه انى بعتك الدار التي في بنى
فلان ويحددها ويجري الكتاب على الرسم بكذا درهما وقبضت الثمن كله منك وبرئت إلى
منه وأنت يومئذ صغير في عيالي فما أدركك من ذلك في هذه الدار فعلى خلاصه وفى هذا
تنصيص على أن الأب لا يحتاج إلى لفظين في البيع من ولده لنفسه ويحكى عن أبي علي الشاشي
رحمه الله انه كان يقول يحتاج إلى ذلك لأنه في جانب الولد فيما يعامل نفسه فيكون نائبا ولا
يكون كالمباشر للعقد حتى أن العهدة بعد البلوغ فيه تكون على الولد بخلاف ما يعامل غيره فان
الأب فيه مباشر للعقد والعهدة عليه بعد بلوغ الولد وهو في لفظ واحد لا يصلح أن يكون
مباشرا للعقد وسفيرا فلا بد من لفظ هو يكون مباشرا فيه من جانب نفسه ومن لفظ آخر
يكون هو سفيرا فيه عن الابن بخلاف المولى يزوج وليته ممن هو وليه فالعاقد في النكاح يكون
بمنزلة السفير من الجانبين وهو باللفظ الواحد يستقيم أن يكون سفيرا عن جماعة ولكن
الأصح ما ذكره محمد رحمه الله وقد أشار إليه في الزيادات أيضا انه في البيع يتم بقوله بعت منه
بكذا وفى الشراء يتم بقوله اشتريت منه بكذا لان اللفظ الذي به يلتزم العهدة ويكون مباشرا
185

يكون أقوى من اللفظ الذي يكون سفيرا والقوي ينتظم الضعيف ولا يظهر في مقابلته
ففي حق من يكون مباشرا يسقط اعتبار اللفظ الذي يكون به معبرا عن غيره في العقد حتى
قالوا لو ذكر اللفظ الذي هو سفير فيه فقال اشتريت منى هذه الدار بكذا وفى الشراء قال
بعت هذه الدار لابني من نفسي لا يتم لان الضعيف لا ينتظم القوى فلا بد من التصريح باللفظ
الذي به يلتزم العهدة وذلك في البيع بالايجاب وفى الشراء بالقبول قال وقال أبو يوسف
ومحمد رحمهما الله إذا كان في الرسم لفلان فكل شئ أضفته إليه فاجعله بالكاف ولا تجعله
بالياء وإذا كان الكتاب من رجل فكل شئ أضفته إليه فاجعله بالياء ولا تجعله بالكاف
والصواب فاجعله بالهاء ومعنى هذا الكلام انه إذا كتب هذا الكتاب من فلان بن فلان
يكتب انى قد بعتك وكذلك ما بعده كله بالكاف وإذا كتب هذا الكتاب من رجل لابنه فلان
ابن فلان انه باع منه فيذكر هذا وما بعده بالهاء وإذا اشترى رجل دارا بدين له على البائع
كتب هذا كتاب لفلان بن فلان انه كان لك على هذا كذا درهما وهو جميع ما كان لك على
وانى بعتك بذلك كله الدار التي في بنى فلان ويجريه علي الرسم حتى يقول بجميع الدين الذي
لك على وهو كذا درهما ولا يكتب وقد قبضته منك ولكن يكتب وقد برئت إلى من الثمن
كله ولم يستحسن بعض أهل الشروط هذا اللفظ أيضا وقالوا هذا اقرار بالقبض وفى الشراء
بالدين يسقط الدين إذا تم الشراء إلا أن يصير المديون قابضا له لأنه لا يجوز أن يكون قابضا
دين الغير من نفسه ولكنا نقول لا يجوز أن يكون قابضا دين الغير من نفسه للغير ولكن
يجوز أن يكون قابضا لنفسه فيجعله قابضا الثمن لنفسه ولكن قبض حكمي لا حسي فيكتب
وقد برئت إلى من الثمن كله ولا يكتب وقد قبضته منك لان ذلك عبارة عن القبض الحسى
ثم يكتب وقد قبضت هذه الدار منى وقد برئت إليك منها وبرئت أنا مما كان لك على من
الدين وهذه زيادة لا يحتاج إليها ولكن من الألفاظ ما جرى الرسم بذكره للتأكيد فيذكر
محمد رحمه الله بعض تلك الألفاظ كما هو عادة أهل الشروط فان أراد الذي عليه الدين أن
يكتب براءة من الدين كتب هذا كتاب من فلان انه كان لي عليك كذا وهو جميع ما كان
لي عليك وانك يعتنى به دارا كذا وقبضتها منك وبرئت إلى منه فما ادعيت قبلك من دعوى
في هذا الدين أو غيره بعد هذه البراءة فانى فيما ادعيت من ذلك مبطل وأنت مما ادعيت من
ذلك كله برئ وهذه زيادة زيادات لا يحتاج إليها ولم يستحسن بعض أهل الشروط قوله أو
186

غيره لأنه إن كان المراد غير هدا الدين مما كان واجبا له عليه فهو ما برى ء من ذلك بهذا الشراء
وإن كان المراد به غيره مما يجب له عليه بعد هذا الشراء فهو لا يبرأ من ذلك بهذا الشراء وإن كان
المراد غيره مما ليس بواجب فهو مبطل في دعوى ذلك كتب هذا أو لم يكتب فلا فائدة
في هذه الزيادة ولكن جرى الرسم بكتب هذه الزيادة لطمأنينة القلوب وإذا كان الشراء من
وكيل كتب كتاب الوكالة وشهادة الشهود عليها على حدة وكتب كتاب الشراء من الوكيل
باسمه مجردا وجعل تاريخه بعد تاريخ كتاب الوكالة فان كتاب الوكالة حجة الوكيل من وجه
وكتاب الشراء وثيقة للمشترى فينبغي أن يفضل أحدهما عن الآخر وان كتب الكل في
بياض واحد وبدأ بكتاب الوكالة ثم بكتاب الشراء فهو مستقيم أيضا لان مقصودهما بذلك
يحصل وإنما يجعل تاريخ كتاب الشراء بعد تاريخ كتاب الوكالة لان صحة البيع تنبنى على صحة
الوكالة وإنما يكتب كتاب الشراء من الوكيل باسمه لان الوكيل بالبيع بمنزلة البائع لنفسه فيما
هو من حقوق العقد (ألا ترى) ان عند لحوق العهدة إنما يخاصم المشترى الوكيل خاصة
ولا حاجة إلى حضرة الموكل وكذلك أن كان وكيلا من قبل القاضي في بيع مال الميت أو
كان وصيا لميت فهو بمنزلة ما تقدم لان وكيل القاضي تلحقه العهدة وينزل منزلة العاقد لنفسه
والوصي كذلك فان القاضي نائب عن الميت في هذا التوكيل فيكون بمنزلة توكيل الميت إياه في
حياته وفى هذه المواضع يكتب اشترى منه الدار التي في بني فلان ولا ينسب الدار إلى أحد
لان نسبتها إلى العاقد تكون كذبا في الحقيقة والى غيره لا يكون مستقيما لأنه لم يجز ذكر
غيره في كتاب الشراء وإذا هلك صك الشراء فطلب المشترى من البائع أن يكتب له كتابا
آخر فإنه ينبغي له أن يكتب كتاب الشراء كما وصفنا ويكتب في آخره وقد كنت كتبت
لك هذه الدار شراء منى في صك فهلك ذلك وسألتني أن أشهد لك علي شرائك هذه الدار منى
فكتبت لك هذا الكتاب وأشهدت لك عليه الشهود المسمين في هذا الكتاب وإذا ضمن
رجل للمشترى ما أدركه في الدار من درك ثم استحقت فعلى الضامن رد الثمن الذي أخذه البائع
وليس عليه ضمان قيمة البناء لأنه سمى له في الضمان الدرك وقيمة البناء ليس بضمان في شئ فان
صرح به في الضمان كان له أن يطالبه به وان ذكر الدرك خاصة لم يكن له أن يطالبه بضمان
قيمة البناء لان رجوع المشترى على البائع بقيمة البناء إنما يكون بسبب الغرور وضمان الغرور
بمنزلة ضمان العيب والكفيل بالدرك لا يلحقه شئ بسبب العيب فكذلك لا يضمن قيمة البناء ولان
187

البائع إنما يضمن قيمة البناء باعتبار أن المشترى يملكه النقض إذا رجع عليه وهذا لا يوجد
في حق الكفيل فإنه لا يملك شيئا من النقض فلا يكون عليه شئ من قيمة البناء وان استحق
من الدار سدسها للمشترى أن يرد ما يقي لان التبعيض في الاملاك المجتمعة عيب ولكنه
لا يرجع على الكفيل الا بسدس الثمن وهو حصة ما استحق لان لحوق الدرك كان في ذلك
الجزء وإنما رد الباقي بسبب العيب ولو رد الكفيل بالعيب لم يرجع على الكفيل بشئ من الثمن
ولو استحق الكل رجع على الكفيل بجميع الثمن فإذا استحق البعض ورد البعض يجب اعتبار
كل جزء بجملته وإذا قال الرجل للرجل بعتك هذه الدار كل ذراع بدرهم على أنها ألف ذراع
فهو جائز لان ببيان جملة الذرعان يصير جملة الثمن معلوما ولأنه سمى بمقابلة كل ذراع درهما
وإنما يذرع بذراع وسط وهو الذي يسمى الذراع المكسرة لان الذراع الأطول ذراع الملك
ولكن الناس ما اعتادوا الذرع به غالبا ومطلق التسمية في العقد تنصرف إلى المتعارف وهو
الذراع الوسط فان ذرعها ووجدها ألف ذراع فهي له بألف درهم ولا خيار له في ذلك لأنه
وجد المعقود عليه كما شرط له وان وجدها أقل أو أكثر فله الخيار ان شاء أخذها كل ذراع
بدرهم وان شاء ترك لأنه ان وجدها أقل فقد وجدها أضيق مما شرط له في الدار والسعة
في الدار المقصودة فبتغير ما هو المقصود يثبت الخيار للمشترى وان وجدها أكثر فلانه يلزمه
زيادة في الثمن وهو لم يرض بالتزام هذه الزيادة فربما لا يجد من المال أكثر من ألف درهم
فهو يرغب في شراء الدار بها ولا يرغب في شرائها بأكثر من ألف فلهذا يثبت له الخيار في
الوجهين فان اشتراها على أنها ألف ذراع بمائتي درهم فكانت ألفا أو أكثر فهي لازمة
للمشترى لأنها لا تلزمه في الثمن زيادة باعتبار زيادة الذرع فإنه سمى الثمن جملة بمقابلة الدار
والذرع فيها صفة وليس بمقدار وإنما يقابل الثمن العين دون الوصف فلا يزداد الثمن بزيادة
الوصف بخلاف الأول فقد جعل الذراع هناك مقصودا حتى سمى بإزاء كل ذراع درهما وهذا
لان هناك إذا وجدها ألفي ذراع فلو جعلنا الثمن ألفا كان بإزاء كل ذراع نصف درهم وهو
بخلاف ما نص عليه المتعاقدان وان وجدها أقل من ألف ذراع فالمشترى بالخيار لأنه يقر
عليه شرطه وإذا أخذها بجميع الثمن لان الثمن هنا بمقابلة العين وبنقصان الذرع إنما يتمكن
النقصان في الوصف ولا يسقط باعتباره شئ من الثمن وكذلك لو اشترى أرضا معلومة على
أنها عشرون جريبا وعشرون نخلة بكذا درهما فزادت الأرض والنخل فهي للمشترى بما
188

سمي لان النخل صفة في الأرض بمنزلة البناء حتى أنها تدخل من غير الذكر وزيادة الصفة
لا توجب زيادة في الثمن ولا يثبت الخيار للمشترى ثم بعد هذا ثلاث فصول أحدها أن
يشترى براح أرض فيها نخل مطلقا أو يشتريها بدون النخل أو يشترى النخل الذي فيها
دونها فأما إذا اشتراها مطلقا دخل في العقد ما فيها من النخل والأشجار المثمرة وغير المثمرة
والطرفاء والحطب والقصب في ظاهر الرواية وإن لم يذكر الحقوق والمرافق وروى بشر
عن أبي يوسف أن القصب لا يدخل في البيع الا بذكر الحقوق ولا خلاف في قصب
السكر والدريرة أنه لا يدخل في البيع بدون ذكر الحقوق لان ذلك من جملة ريع الأرض
بمنزلة الزرع ولهذا يجب فيه العشر وأبو يوسف الحق القصب الفارسي بقصب السكر فان كل
واحد منهما يقطع إذا أدرك وفى ظاهر الرواية القصب الفارسي ليس من ريع الأرض ولهذا
لا يجب فيه العشر فهو بمنزلة النخل والشجر يدخل في البيع من غير ذكر والثمار التي علي
رؤوس الأشجار لا تدخل بدون ذكر الحقوق والمرافق الا على قول ابن أبي ليلى وعند
ذكر الحقوق والمرافق يدخل في قول أبى يوسف رحمه الله وفى ظاهر الرواية وهو قول
محمد رحمه الله لا يدخل الا بالتنصيص عليها أو بذكر كل قليل أو كثير هو فيها أو منها من
غير أن يقول ومن حقوقها وقد بينا هذا فيما سبق والزرع الذي في الأرض لا يدخل في
العقد بدون ذكر الحقوق وما عليه من الحمل لا يدخل الا بذكر الحقوق لان شجرة لا يعد
من زرع الأرض ولهذا لا يجب فيه العشر (ألا ترى) أنه يوجد منه جملة من غير أن يقطع
من أصله كما يؤخذ الثمر من الشجر والورد من الشجرة فكما أن شجر الورد والياسمين
يدخل في بيع الأرض بدون ذكر الحقوق ولا يدخل ما عليه من الورد والياسمين فكذلك
ما سبق وان اشترى الأرض بدون النخل فالشراء صحيح لان النخل في الأرض بمنزلة البناء
فكما يجوز استثناء البناء في الأرض يجوز استثناء النخل ثم يكتب أنه اشترى البراح بكل حق
هو له بمنزلة النخل التي فيه في موضع كذا وهو كذا نخلة فإنها لم تدخل فيما اشتراه بطريقها إلى
باب البراح وإنما يستثنى الطريق لكيلا يتعطل علي البائع الانتفاع بملكه الذي استثناه لنفسه
وهو النخل فان بذكر النخل يصير مستثنيا أصول النخل في الصحيح من الرواية لأنها إنما
تكون نخلا إذا كانت ثابتة على أصولها فاما بدون ذلك جذوعا ولهذا لو رفع البائع تلك النخل
كان له أن يغرس في منابتها نخيلا آخرا ويضع في ذلك الموضع أسطوانة أو ما أحب وان
189

اشترى النخل الذي في الأرض دون الأرض فهو جائز بمنزلة شراء البناء بدون الأرض لان
ما يجوز استثناؤه من الأرض يجوز ايراد العقد عليه مقصودا بمنزلة الجزء الشائع وما لا يجوز
ايراد العقد عليه لا يجوز استثناؤه من العقد بمنزلة أطراف العبد ثم يكتب حدود البراح في
كتاب الشراء وحدود الموضع الذي فيه النخل ويكتب أنه اشترى النخل بمواضعها من
الأرض وطريقه في البراح لأنه إذا لم يذكر بمواضعها من الأرض يتمكن فيه اختلاف
الروايات وفى النوادر يذكر فيه اختلافا بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله في دخول مواضعها
من الأرض على قولين أحدهما لا يدخل لأنه سمى في العقد النخل واسم النخل لا يتناول
الأرض والنخل تبع للأرض والأصل لا يصير مذكورا بذكر التبع وعلى القول الآخر
يدخل لأنه لا يسمى نخلا الا وهو ثابت في الأرض فكان دخوله في الأرض من ضرورة ما سماه
في العقد فلهذا يذكر مواضعها من الأرض حتى لا يتمكن فيه منازعة بينهما ولم يذكر هذا
فيما إذا اشترى النخيل ولا فرق بينهما في الحقيقة بل الأحوط أن يذكر ذلك في الموضعين
ويذكر طريق النخل في البراح لأنه إذا لم يذكر ذلك الطريق بدون ذكر الحقوق فلا يتمكن
المشترى من الانتفاع بملكه ويذكر عدد النخلات هنا لأنها صارت مقصودة بالعقد فلا بد
من بيانها على وجه لا يبقي منازعة ما بعد التسليم والتسلم ولا يكون الا بذكر عدد النخلات
وربما يقلع البائع بعضها قبل التسليم أو يستحق بعضها فيسقط عن المشترى حصة ذلك من الثمن
وإذا اشترى أرضا فيها عيون النفط والغاز فالعين تدخل في الشراء عندنا وما هو حاصل من
النفط والغاز لا يدخل الا بذكر لان الحاصل فيه بمنزلة الريع للأرض وأما العين فهي جزء من
الأرض فتدخل في العقد بدون ذكر وهذا بخلاف الماء الذي في البئر فإنه لا يدخل ذلك في
شراء الأرض والدار لأن الماء قبل الاحراز لا يكون مملوكا لاحد فلا يتناوله البيع ذكر أو
لم يذكر بخلاف النفط والغاز فإنه مال مملوك بمنزلة الملح في المملحة ومن العلماء من قال العين
لا تدخل في بيع الأرض بدون الذكر لان اسم الأرض يتناول الموضع الذي يمكن الانتفاع
به بالزراعة أو السكنى والعين ليس من ذلك في شئ فلا تدخل في العقد بدون الذكر فللتحرز
عن هذا لخلاف ذكر أنه يكتب اشترى منه الأرض التي يقال لها كذا والعيون التي فيها الغاز
والنفط أحد حدوده هذه الأرض التي فيها العيون اشترى منه هذه الأرض المحدودة في
كتابنا هذا والعيون التي فيها النفط والغاز وما في العيون من النفط والغاز بحدودها كلها وإذا
190

قال المشترى للشفيع أنا أبيعكها بما اشتريتها به فقال قد قبلت ذلك فأبى المشترى بعد ذلك أن
يعطيه فلا شفعة له لأنه أظهر الرغبة في شراء مستقبل وذلك يتضمن اسقاط حقه في الشفعة
ولا يتم البيع بينهما بما جرى من اللفظ لان تمام البيع بلفظين هما عبارة عن الماضي وقول
المشترى أبعتها عبارة عن المستقبل فهو وعد لا ايجاب والمواعيد لا يتعلق بها اللزوم وإذا اقتسم
القوم دارا فإنه ينبغي لهم أن يكتبوا للقسمة بينهم كتابا لان في قسمة الدار معنى المعاوضة فكل
واحد منهم يسلم لأصحابه بعض ملكه عوضا عما يأخذ منهم من انصبائهم والقسمة تكون
مستدامة بينهم فينبغي أن يكتب منهم الوثيقة وصفة ذلك هذا ما اقتسم عليه فلان وفلان
وفلانة بنو فلان اقتسموا الدار التي هي في بنى فلان أحد حدودها والرابع اقتسموها علي
فرائض الله تعالى وكان ذرع جميع هذا الدار كذا ذراعا مكسرة وكان جميع الذي لفلان
من هذه الدار بكل حق هو له كذا ذراعا مكسرة فأصابه ذلك عند القسمة في موضع كذا
من هذه الدار وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله نرى أن يكتب ما أصابه ذلك في موضع
كذا من هذه الدار أحد حدود الذي أصابه كذا والرابع وهذا قولهم جميعا فان أبا حنيفة
رحمه الله لا يخالفهما في تحديد الموضع الذي أصاب كل واحد منهم عند القسمة لان كل واحد
منهم عند المشترى في معنى المشترى لذلك الموضع فقبل هذه القسمة كان حقه شائعا في
جميع الدار وقد تعين الآن في موضع منها فلا بد من تحديد الموضع الذي أصاب كل واحد
منهم حتى يصير معلوما بذكر الحدود فيتم الكتاب وتنقطع المنازعة وإذا كان الحائط بين
رجلين نصفين ولأحدهما عليه خشب كان للآخر أن يضع عليه من الخشب مثل ما وضع
صاحبه لأنهما استويا في أصل الملك ينبغي أن يستويا في الانتفاع بالمملوك فالانتفاع بالحائط
من حيث وضع الخشب فللشريك أن يضع عليه من الخشب مثل ما وضع صاحبه وليس له
أن يرفع شيئا من خشب صاحبه لان فيه ضررا بصاحبه من حيث هدم البناء عليه وإنما له حق
الانتفاع بالملك المشترى ولا يكون له حق الاضرار بشريكه وقيل هذا إذا كان الحائط بحيث
يحتمل مثل ذلك الخشب ان لو وضعه عليه فإن كان يعلم أنه لا يحتمل ذلك وهما متصادقان في أن
أصل الحائط بينهما نصفان فحينئذ يكون له أن يأمر صاحبه برفع بعض الخشب حتى يضع عليه من
الخشب مثل ما يبقي لصاحبه ما يحتمله الحائط وهذا لأنه ان وضع الزيادة بغير إذن الشريك
فهو غاصب وان وضعها عليه باذنه فالشريك معير نصيبه من الحائط منه وللمعير أن يسترد العارية
191

وان أراد أحدهما أن يزيد عليه خشبة واحدة على صاحبه أو يفتح كوة أو يتخذ عليه سترة
أو يفتح فيه بابا لم يكن له ذلك الا باذن صاحبه لأنه تصرف في الملك المشترك وأحد الشريكين
لا ينفرد بالتصرف في الملك المشترى وإنما ينفرد بالتصرف في نصيبه خاصة وهذه التصرفات
لما كانت في نصيبه خاصه ولان في هذا التصرف ضرر من حيث توهين البناء أو زيادة الحمل
عيه وليس لاحد الشريكين ولاية الحاق الضرر بشريكه فلهذا كان ممنوعا من هذه التصرفات
الا باذن شريكه وإذا انهدم الحائط فقال أحدهما نبنيه كما كان ونضع عليه جذوعنا كما كانت وأبى
الآخر لم يجبر الآخر على البناء معه لأنه يحتاج في البناء إلى الانفاق بماله والانسان لا يجبر
على اتلاف ماله في مثل ذلك فان صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم ذم الانفاق في البناء فقال
شر المال ما تنفقه في البنيان وقال عليه السلام إنما يتلف المال الحرام الربا والبناء فلهذا لا يجبر
أحد الشريكين على ذلك عند طلب الآخر وهذا لأنه إنما يجبر الآخر عند طلب أحدهما
على قسمة المشترك ولا شركة بينهما فيما ينفق كل واحد منهما على البناء من ملك نفسه فان قال
الطالب أنا أبنيه بنفقتي وأضع عليه جذوعي كما كانت فله ذلك لأنه ينفق ماله ليتوصل إلى
الانتفاع بملكه ولا ضرر على شريكه في ذلك فلا يمنع منه وإذا منعه شريكه من ذلك يكون
متعنتا قاصدا إلى الاضرار به فلا يمكن من ذلك فان فعله فأراد الاخر أن يضع عليه جذوعه
كما كانت فله ذلك بعد ما يرد عليه نصف قيمة البناء لان البناء ملك الثاني فيكون له أن يمنع
صاحبه من الانتفاع به حتى يرد عليه نصف قيمته فإذا رد ذلك يصير متملكا عليه نصف
البناء بنصف قيمته وهو نظير العلو والسفل إذا انهدما فأبى صاحب السفل أن يبنيه كان
لصاحب العلو أن يبنى السفل ويبنى فوقه بيته ثم يمنع صاحب السفل من الانتفاع بسفله حتى
يرد عليه قيمة البناء وقد بينا هذا في الدعوى إشارة هنا إلى أنه استحسان وليس له في القياس
أن يبنى السفل لأنه يضع البناء في ملك غيره ولا ولاية له على الغير في وضع البناء في ملكه
ولكنه استحسن ذلك لدفع الضرر عنه فإنه لا يتوصل إلى بناء علوه والانتفاع به ما لم يبن
السفل وهذا القياس والاستحسان في الحائط المشترك أيضا وإذا كانت الدار بين رجلين
فاقتسماها على نصفين وباع أحدهما حصته ثم استحقت حصة الآخر قال يرجع على صاحبه
بنصف ما باع يعنى بنصف قيمة ما باع لان ما أخذ كل واحد منهما فإنما أخذ نصفه بقديم
ملكه ونصفه عوضا عما سلم لصاحبه من نصيبه فكأنه ملك ذلك على صاحبه من جهة المعاوضة
192

فحين استحقت حصة أحدهما فقط ظهر أن نصف ما أخذه عوضا عما هو مستحق وبدل المستحق
يملك بالقبض وينفذ تصرف القابض فيه بالبيع ثم بعد الاستحقاق وجب عليه رده وقد
تعذر رد عينه باخراجه من ملكه فيرد نصف قيمته لهذا وإن لم يكن باع رجل عليه بنصف
ما في يده من الدار لان المعاوضة قد بطلت بالاستحقاق ولأنه لما استحق نصيب أحدهما
فقد بطلت القسمة وتبين ان المشترك بينهما النصف الذي هو في يد الآخر فرجع عليه
شريكه بنصف ذلك وإن لم يستحق الا بيت واحد أعيدت القسمة على ما بقي نصفين لان
باستحقاق بيت واحد يتبين انه كان لهما في الدار شريكا في البناء والقسمة لا تصح بدون
رضاه لان فيما يخص البيت القسمة تبطل فلو بقيت فيما سوي ذلك تضرر به المستحق عليه
من حيث إنه يتفرق نصيبه في موضعين والقسمة لدفع الضرر فلهذا تعاد القسمة على ما بقي
نصفين ولو كانت الدار بينهما نصفين فاقتسماها فاخذ أحدهما الثلث من مقدمها بجميع نصيبه
وأخذ الآخر الثلثين من مؤخرها بنصيبه وباع صاحب الثلثين ثم استحق نصف الثلث
قال يرجع على صاحب الثلثين بربع قيمة الثلثين وقال أبو يوسف رحمه الله يرجع عليه
بنصف قيمة الثلثين ويكون ما بقي من الثلث بينهما نصفين وهو قول محمد رحمه الله فان
قول محمد مع قول أبي حنيفة رحمهما الله وقد بينا أصل هذه المسألة في كتاب القسمة أن
باستحقاق نصف نصيب أحدهما عند أبي حنيفة لا تبطل القسمة فيما بقي وهو الصحيح من
قول محمد رحمه الله على ما ذكره الكرخي رحمه الله في كتابه فان ابن سماعة رحمه الله كتب
إلى محمد رحمه الله يسأله عن قوله في هذه المسألة فكتب إليه في جوابه ان قوله كقول أبي حنيفة
وعند أبي يوسف رحمه الله تبطل القسمة باستحقاق نصف نصيب أحدهما وهذه
المسألة تنبني علي تلك المسألة فان عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لو لم يبع صاحب الثلثين
لكانت القسمة تبقى ويتخير المستحق عليه ان شاء رد ما بقي فتبطل القسمة في الكل وان شاء
أمضى القسمة ورجع على صاحبه بربع الثلثين فإذا باع نصيبه فقد تعذر نقض القسمة
لاخراجه نصيبه من ملكه بالبيع فإنما يرجع صاحب الثلث عليه بما يخص به المستحق من
الثلثين ولو استحق جميع نصيبه رجع على شريكه بنصف قيمة الثلثين فإذا استحق نصف
نصيبه رجع عليه بربع قيمه الثلثين وعلى قول أبى يوسف رحمه الله القسمة تبطل بظهور
شريك ثالث لهما في الدار ولكن اخراجه عن ملكه بالبيع كان صحيحا فيرجع عليه بقيمة
193

نصيبه من ذلك وهو نصف قيمة الثلثين ويكون ما بقي من الثلث بينهما نصفين على أصل
الشركة ولو كان عشرون جريب أرض بين رجلين نصفين فاقتسما فأخذ أحدهما خمسة
عشر جريبا تساوي ألف درهم وأخذ الآخر خمسة أجربه تساوى ألفا حصته فباع صاحب
الخسمة عشر ما في يده واستحق نصف ما في يد الآخر قال يرد صاحب الخمسة عشر ربع
قيمة ما كان في يده على الآخر لأنه لو استحق جميع ما في يده رجع على صاحبه بنصف قيمة
ما في يده فان بدل المستحق كان مملوكا له فكان بيعه نافذا فيه فإذا استحق نصفه رجع عليه
بربع قيمة ما كان في يده وهذا لان ما أخذه البائع كان نصفه له بقديم ملكه وأخذ نصفه
من نصيب شريكه عوضا عما سلم لصاحبه من نصيبه في الخمسة عشر الأجربة وقد استحق
نصف الخمسة شائعا فيما كان للمستحق عليه باعتبار قديم ملكه وفيما أخذه بطريق المعاوضة
فلهذا لا يرجع على صاحبه بربع قيمة ما في يده ولو كانت الأرض خمسة عشر جريبا بينهما
أثلاثا فاخذ صاحب الثلث سبعة أجربة بحصة قيمتها خمسمائة وأخذ صاحب الثلثين ثمانية
أجربة بحصة قيمتها ألف درهم فباع صاحب الثلث واستحق نصف ما في يد صاحب الثلثين
وباع ما بقي فإنه يرجع على صاحب الثلث بثلث قيمة ما كان في يده وذلك مائة وستة وستون
وثلثان وقد سلم له مما كان في يده خمسمائة فجملة ذلك ستمائة وستة وستون وثلثان وإنما
سلم لصاحب الثلث ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا وبالاستحقاق تبين ان قيمة المشترك بينهما
كان ألف درهم فإذا سلم لصاحب الثلثين ما يساوى ثلثي الألف وللآخر ما يساوي ثلث
الألف استقامت القسمة ولأنه لو استحق جميع ما في يد صاحب الثلثين رجع على شريكه
بثلثي قيمة ما كان في يده فإذا استحق نصفه رجع عليه بنصف ذلك وهو ثلث قيمة ما كان
في يده ولان ما أخذه صاحب الثلث فإنما سلم ثلثه له بقديم ملكه وثلثيه بطريق المعاوضة
وقد استحق نصف العوض فرجع بما هو عوض المستحق وهو ثلث قيمة ما كان في يده
وفى جميع هذه الفصول إذا كتب الكاتب بينهما كتاب القسمة ينبغي أن يبين كيفية القسمة
بينهما ان وقعت بقضاء القاضي بين ذلك في الكتاب وان كانت بتراضيهما بين ذلك لان
الحكم يختلف باختلاف القسمة بقضاء أو غير قضاء حتى أن في القسمة بقضاء القاضي إذا
ظهر العيب في نصيب أحدهما ترد القسمة والقسمة بالتراضي لا ترد لمكان العيب فلهذا ينبغي
أن يبين صفة القسمة فيما بينهما وإذا كانت الدراهم بين رجلين وهي موضوعة عند أحدهما
194

فقال له الآخر اقسم ما عندك فأعطني حصتي فأعطاه حصته فهو جائز لأن هذه قسمة تمت
بين اثنين وتمامها بدفع نصيب صاحبه إليه وامساكه حصة نفسه بمنزلة أخذه ابتداء بحكم
القسمة لان الاستدامة فيما يستدام بمنزلة الانسان وان قال خذ حصتك ودع ما بقي حتى
أقبضها فاخذ حصته لم يكن ذلك قسمة حتى لو هلك ما بقي كان للآخر أن يأخذ من صاحبه
نصف ما في يده لان القسمة لا تتم بالواحد فان تمامها بالحيازة وذلك لا يكون الا بين اثنين
فكان شرط سلامة المقبوض للقابض أن يسلم ما بقي للآخر فإذا هلك فقد انعدم الشرط فكان
ما هلك من النصيبين وما بقي من النصيبين وإذا كانت الدار لقوم وأحدهم شاهد والآخرون
غيب فأراد الشاهد أن يسكنها انسانا أو يؤاجرها إياه ففيما بينه وبين الله تعالى لا ينبغي له
أن يفعل ذلك لأنه يكون معيرا أو مؤاجرا نصيب شركائه بغير رضاهم ولا ولاية له عليهم
وكما لا يتصرف في عين ملكهم بغير رضاهم لا يتصرف في منفعة ملكهم أيضا ولا يمكنه أن
يتصرف في نصيب نفسه بالاسكان والإجارة الا بعد القسمة والقسمة لا تتم بالواحد وأما
في القضاء فإذا لم يكن لهم خصم يخاصمه لم يحل بينه وبين ذلك لان القاضي لفصل الخصومة
لا لانشائهما وإذا لم يحضر خصم لا يكون له أن يمنع صاحب اليد من التصرف فيما في يده
بالاسكان والإجارة ولكنه إذا علم حقيقة الحال أفتاه بالكف عن ذلك كما يفتيه به غيره وان
أراد أن يسكنها بنفسه ففي القياس يمنع ذلك فيما بينه وبين ربه لأنه يصير مستوفيا منفعة
نصيب شركائه وهو ممنوع من ذلك شرعا (ألا تري) لو كانوا حضورا منعوه من ذلك
فإذا كانوا غيبا لم يبطل حقهم بغيبتهم فكان هو ممنوعا من ذلك شرعا وفى الاستحسان
يرخص له في ذلك لأنهم قد رضوا جميع الدار في يده وليس في سكناه الا اثبات اليد إليه
(ألا ترى) ان من لا يضمن العقار باليد لا يضمنه بالسكنى أيضا لان في سكناه منفعة لشركائه
لان الدار إذا لم يكن فيها ساكن فإنها تخرب وإذا سكنها انسان كانت عامرة ففي هذا التصرف
منفعة لشركائه بخلاف ما تقدم فإنه بالاسكان يثبت يد غيره على الدار ولم يرض به شركاؤه
فربما لا يتمكنون إذا حضروا من ارجاعه واسترداد انصبائهم وان أجرها الحاضر وأخذ
الآخر حصة نصيبه من ذلك تطيب له وحصة نصيب شركائه لا تطيب لأنه بمنزلة الغاصب
يؤاجر في حصتهم فلا يطيب له الاجر ولكنه يتصدق به لان ملكه حصل له بسبب خبيث
ويعطى ذلك شركاءه ان قدر عليهم لان تمكن الخبث كأن لمراعاة حقهم فيرتفع بالرد عليهم
195

وقد بينا نظيره في كتاب الغصب وإذا باع الرجل ليزرعها كتب انك أطعمتني أرض
كذا لأزرع فيها ما بدا لي من غلة الشتاء والصيف وقال أبو يوسف رحمه الله إذا كتب عارية
فهو أحب إلى من أن يكتب أطعمتني وهو قول محمد رحمه الله لأنه بالإعارة يجعل له منفعة الأرض
بغير عوض والعارية اسم موضوع لتمليك المنفعة بغير عوض كما أن استعمال هذا اللفظ
أولى من استعمال غيره مما لم يوضع لتمليك المنفعة في الأصل وهو نظير إعارة الدار وغيرها
من الأعيان وأبو حنيفة يقول لو كتب أعرتني كان المفهوم منه الانتفاع بها من حيث
السكني وإذا كتب أطعمتني كان المفهوم التمكن من الزراعة لان الأرض لا يطعم عينها وإنما
يطعم ما يكون منها وذلك لا يحصل الا بالزراعة وإذا كانت الإعارة للسكنى فلفظ الإعارة
أقرب في بيان ما هو المقصود وإذا كانت الإعارة للزراعة فلفظ الطعمة أقرب إلى بيان ما هو
المقصود فينبغي أن يستعمل في كل فصل ما هو دليل على المقصود وهذه المسألة الجامع الصغير
قال وخراجها على ربها لان الخراج مؤنة الأرض النامية وجوابه يعتمد التمكن من
الانتفاع بالأرض والإعارة لا يزول تمكنه من الانتفاع بها وإنما ينتفع بها المستعير بتسليط المعير
فهو كانتفاع المعير بها بنفسه فان اشترط على المستعير أداء الخراج فبهذا الشرط يخرجه من
الطعمة وتكون إجارة فاسده لأنه لا يعرف خراجها ومعنى هذا ان الخراج على رب
الأرض فإذا شرطه على المستعير فكأنه شرط لنفسه عوضا عن المنفعة فيصير العقد به إجارة
وفسادها لجهالة الخراج قبل هذا في الأراضي الصلحية التي يكون خراج الحماحم والأراضي
جملة تم يقسم على الحماحم والأراضي فعند قلة الحماحم تزداد حصة الأرض وعند كثرة الحماحم
تنتقص فأما خراج الوظيفة يكون معلوم المقدار وقيل بل المراد الجهالة في روادف الخراج
فان ولاة الجور ألحقوا بالخراج روادف وذلك مجهول يزداد وينتقص ولافساد هذا العقد
علة أخرى وهي أن الخراج في ذمة رب الأرض فكأنه شرط على المستأجر أن يتحمل عنه
دينا في ذمته وذلك مفسد للإجارة وذا أوصى الرجل بغلة أرضه فالخراج على الموصى له بالغلة
لان وجوبه باعتبار التمكن من الانتفاع بالأرض والموصى له هو التمكن من الانتفاع
بالأرض دون الوارث وبه فارق الإعارة ولان للخراج تعلقا بالغلة (ألا ترى) انه ان منع الخراج
لم تطب له الغلة وللامام أن يحول بينه وبين الغلة ليؤدي الخراج والموصى له هو المختص
بالغلة فيكون الخراج عليه ولا وجه لايجاب الخراج على الورثة لأنهم زرعوا الأرض
196

واصطلم الزرع آفة لم يلزمهم الخراج فإذا لم يتمكنوا من زراعتها أولى لا يلزمهم الخراج وإذا
استأجر رجل من رجل أرضا مدة معلومة فمات أحدهما قبل مضيها ولم يستحصد الزرع
ترك الزرع فيها إلى وقت الادراك استحسانا وقد بينا هذا في الإجارات قال وجعل
المستأجر آخر ما ترك فيه وظاهر هذا اللفظ يدل علي انه يلزمه أجرة المثل وهو اختيار
بعض مشايخنا رحمهم الله فان العقد قد انفسخ بموت أحد المتعاقدين ثم يبقى الزرع لدفع
الضرر عن المستأجر ودفع الضرر واجب عنه وإنما يتحقق ذلك إذا وجب على المستأجر
لصاحبها أجر المثل في مدة الترك والأصح انه يجب على المستأجر حصة هذه المدة من
المسمى لأنه لما وجب ابتداء عقد الإجارة لدفع الضرر عن المستأجر فلان يجب عليهم
ابقاؤه بعد ظهور السبب المفسد وهو الموت أولى لان بقاء الشئ أهون من ابتدائه وإذا
بقي العقد الأول فإنما يجب باستيفاء المنفعة الاجر المسمي فيه * وإن كان فيها كرم أو رطبة
لم يترك وقطع لأنه لانتهاء ذلك مدة معلومة وتطول مدتها ففي ابقاء العقد في هذه المدة
الطويلة اضرار بوارث المؤاجر بخلاف الأول فلأن لادراك الزرع نهاية معلومة وهي مدة
لا تطول عادة * وإذا استأجر دابة ثم يجعل عليها سرجا وأجرها بأكثر مما استأجرها طاب
له الفضل لان زيادة الاجر في العقد الثاني بإزاء منفعة ما زاد من عنده فلا يتحقق فيه ربح
الا على ضمانه وقبل الزيادة إنما كأن لا يطيب له الفضل لأنه ربح حصل لا علي ضمانه فإذا
انعدم هذا المعنى باعتبار الزيادة كان الفضل طيبا له وكذلك لو استأجر بيتا بمائة درهم ثم أجر
نصفه بمائة درهم الا دانقا ومراده أجر نصفا معينا منه أو نصفا شائعا على قول من يرى
جواز إجارة المشاع وإنما يطيب له الفضل لان الربح لا يتحقق فإنه يمكن أن يجعل الدانق
حصة النصف الآخر ليكون مائة درهم الا دانقا حصة الذي أجره ولا يقال قد كان بمقابلة
كل نصف من البيت في العقد الأول نصف الآخر لان ذلك لم يكن باعتبار تنصيص
المتعاقدين بل باعتبار المعاوضة والمساواة وذلك لا يوجد في العقد الثاني لأنه أجر فيه النصف
فقط والحاصل أن الخبث الذي يمكن في إجارة الشئ بأكثر مما استأجره به يسير فينعدم
ذلك باعتبار الامكان من وجه واحد ولهذا قلنا لو زاد من عنده شيئا قليلا ثم أجره بأضعاف
مما استأجره طاب له الفضل فكذلك إذا أجر بعضه بما دون الاجر الأول والنقصان يسير
قلنا يطيب له الفضل * ولو استأجر عبدا بمائة درهم ثم أجره بالدنانير بأكثر من ذلك يتصدق
197

بالفضل وأشار في غير هذا الموضع إلى أنه لا يلزمه التصدق بالفضل لان معنى الخبث ضعيف
هنا والدراهم والدنانير في الحقيقة جنسان فباعتبار الحقيقة ينعدم ربح ما لم يضمن لاختلاف
الجنس ووجه ما ذكر هنا أن الدراهم والدنانير في الصورة جنسان وفى الحكم جنس واحد
(ألا ترى) أن في شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن جعلا كجنس واحد فكذلك في
الإجارة بأكثر مما استأجره يجعلان كجنس واحد لان المعنى فيهما سواء وهو أن الربح
يحصل لا على ضمانه وان أجر بثوب قيمته أكثر من مائة لم يتصدق بشئ لان جنس
البدلين مختلف حقيقة وحكما فلا يتمكن فيه ربح ما لم يضمن لان تمكن ربح ما لم يضمن
إنما يكون بعد عود رأس المال إليه وإذا استأجر الرجل رجلا يحمل له دن خل فعثر الحمال
فانكسر الحمل قد بينا في الإجارات أن الحمال أجير مشترك وان هذا النوع من الانكسار
يكون جناية يده فيكون ضامنا الا على قول زفر رحمه الله وصاحب الدن بالخيار ان شاء ضمنه
قيمته غير محمول ولا أجر عليه وان شاه ضمنه قيمته محمولا إلى الموضع الذي انكسر فيه
وأعطاه من الاجر بحساب ما حمل ولو تعمد كسره فكذلك الجواب عندنا وقال زفر يضمنه
قيمته محمولا إلى الموضع الذي كسر فيه وأعطاه الاجر بحساب ما حمل وذكر عيسى بن ابان
رحمه الله أن قياس قول أبي حنيفة رحمه الله هكذا لان أجير المشترك عنده أمين لا يضمن
باعتبار القبض فإنما يلزمه الضمان باعتبار جنايته عند الكسر فلا بد من اعتبار قيمته عند تقرر
سبب الضمان لان الحكم لا يسبق سببه ولكنا نقول إذا اختار صاحب الدن أن يضمنه قيمته
غير محمول لم يضمنه ذلك باعتبار القبض ولا باعتبار جنايته أيضا ولكن تفرق عليه الصفقة حين
كسره في بعض الطريق فغير عليه شرط عقده فيكون له أن يفسخ العقد في مقدار ما يحمله
فيسقط حصة ذلك من الاجر ويضمنه قيمته غير محمول * فان قيل كيف يفسخ العقد في
مقدار ما يحمله وذلك متلاش غير قائم قلنا بل هو قائم حكما ببقاء بدله فان الحمال ضامن
قيمته محمولا إلى هذا الموضع بالاتفاق وكما لا يجوز الفسخ عند تفرق الصفقة على العين يجوز
فسخه على بدل العين إذا كان قائما كما لو اشترى عبدين فقتل أحدهما قبل القبض ثم مات الآخر
كان للمشتري أن يفسخ العقد على القيمة في المنقول كتفرق الصفقة عليه ولكن لو انكسر
من غير عمله بأن أصابه حجر من مكان أو وقع عليه حائط أو كسره رجل وهو على رأسه فلا
ضمان عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما هو ضامن إذا تلف بما يمكن الاحتراز عنه
198

وإن لم يكن من عمله وان قال رب الدن عبر فانكسر وقال الحمال أصابه حجر فانكسر أو قال
كان منكسرا فالقول قول الحمال وله الاجر إلى حيث انكسر لأنه ينكر سبب وجوب الضمان
عليه فالقول قوله مع يمينه بمنزلة المودع يدعى عليه صاحب الوديعة الاستهلاك وهو منكر
لذلك وأما الاجر إلى حيث انكسر لان صاحب الدن صار مستوفيا ذلك القدر من المعقود
عليه فيقرر عليه حصته من الاجر ثم مات ولم يخلف بدلا فلا يمكن فسخ العقد فيه باعتبار تفرق
الصفقة فلهذا كان للحمال الاجر حيث انكسر * وإذا دفع الرجل ثوبا إلى صباغ يصبغه فصبغه
فقال رب الثوب أمرتك أن تصبغه أحمر وقال الصباغ أمرتني أن أصبغه أسود فالقول قول
رب الثوب لان الاذن مستفاد من جهته وفيه خلاف ابن أبي ليلى وقد بيناه في الإجارات
فان اختار أخذ الثوب قوم الثوب أبيض وقوم مصبوغا بذلك الصبغ فأعطاه ما زاد الصبغ فيه
ولأنه وافق في أصل الصبغ وان خالف في الصفة ولان الصبغ عين اتصل به فلا يسلم له مجانا
بمنزلة ما لو هبت الريح بثوب انسان وألقته في صبغ غيره أو غصب ثوبا وصبغه واختار
رب الثوب أخذ الثوب فإنه يعطيه ما زاد الصبغ فيه * وإذا تكارى الرجل دابة من البصرة
إلى الكوفة فله أن يذهب بها إلى أي نواحيها شاء لان الكوفة اسم للبلدة الواحدة وجوانب
البلدة الواحدة كمكان واحد (ألا ترى) أن في عقد السلم إذا شرط ابقاء المسلم فيه بالكوفة
جاز العقد فكذلك في الإجارة إذا استأجرها إلى الكوفة جاز العقد له ان يذهب إلى أي
نواحيها شاء باعتبار العادة فان من استأجر دابة من بلد إلى بلد يبلغ عليها إلى منزله في العادة
ولو استأجر دابة إلى الري لم يكن له أن يذهب بها إلى أي نواحيها شاء والكراء إلى الري
فاسد في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله هو جائز وهو
إلى مدينتها دون نواحيها وقد روى هشام عن محمد رحمهما الله ان ذلك جائز إلى مدينتها
بالاستحسان والحاصل أن عند أبي حنيفة ومحمد الري اسم لولاية تشتمل على مدائن ونواحي
فلا يجوز العقد للجهالة التي تقضى إلى المنازعة وعند أبي يوسف إنما يطلق هذا الاسم على مدينتها في العرف والثابت بالعرف كالثابت بالنص ولو سمى مدينة من مدائنها كان جائزا
وكذلك خراسان والشام والعراق ان سمى منها مكانا معلوما جاز العقد وان أطلق فسد
العقد للجهالة التي تقضى إلى المنازعة ونظير هذا في ديارنا لو استأجر دابة إلى كاشغر جاز
العقد فإنه اسم للبلدة خاصة ولو استأجرها من كاشغر إلى فرغانة لم يجز العقد لان الاسم
199

مشتمل على بلاد متباعدة فتمكن فيه جهالة تقضى إلى المنازعة ولو استأجرها إلى أوزجند
جاز العقد ان استأجرها من أوزجند إلى سمرقند لأنه اسم للبلدة أو ان استأجرها
إلى بخارى فقد اختلف فيه مشايخ بخارى رحمهم الله والأظهر أنه لا يجوز فان بخارى من
كرمينية إلى قرير وهي تشتمل علي مواضع متباينة بمنزلة الري فتمكن فيه جهالة تقضى إلى
المنازعة بينهما ولو تكارى دابتين يحمل عليهما إلى المدائن بعشرين درهما فأكرى أحدهما
بتسعة عشر درهما بمثل ذلك الشرط طاب له الفضل لأنه يمكن أن يجعل هذا القدر من المسمى
في العقد الأول خاصة بحصة هذه الدابة فلا يظهر في العقد الثاني ربح ما لم يضمن ولو أكرى
أحدهما بأكثر من الاجر كله يتصدق بالفضل وبشئ من رأس المال لأنا نعلم أن شيئا من
رأس المال بإزاء الدابة الثانية في العقد الأول فيكون ذلك ربحا ما لم يضمن في العقد الثاني مع
الزيادة على المسمى في العقد الأول فيتصدق بذلك الفضل ولو استأجر رجلين يبنيان له حائطا
فعمله أحدهما ومرض الاخر وهما شريكان فالاجر بينهما نصفين استحسانا وفى القياس
لا أجر للذي لم يعمل لان استحقاق الاجر باعتبار العمل ووجه الاستحسان انهما قبلا العقد
جميعا ثم الذي أقام العمل في نصيبه مسلم لما التزمه وفى نصيب شريكه نائب عنه فقام مقامه
فيكون الاجر بينهما نصفين وقد بينا نظائره في الإجارات وذكرنا أن المقصود بالشركة هذا
فيما بين الناس ولو استأجر رجلا يحمل له طعاما معلوما إلى مكان معلوم على دوابه هذه
فحمله علي غير تلك الدواب فله الاجر كله استحسانا وفى القياس لا أجر له لان الإجارة
إنما تتناول منافع الدواب التي عينها ولم يسلم إليه ذلك وفى حق غير تلك الدواب يجعل العقد
كان ليس فكأنه متبرع بحمل طعامه على دوابه فلا أجر له ووجه الاستحسان أنه قبل عمل
الحمل في ذمته بعقد الإجارة وقد أوفى ما قبله سواء حمل الطعام على تلك الدواب أو على
غيرها وهذا لأنه لا حاجة إلى تعيين تلك الدواب في تصحيح العقد بعد اعلام مقدار الطعام
(ألا ترى) انه لو استأجره يحمل له طعاما معلوما إلى مكان معلوم كان العقد جائزا وإن لم
يعين الدواب وكذلك ليس لصاحب الطعام في عين تلك الدواب مقصود وإنما مقصوده
حمل الطعام فإذا سقط اعتبار تعيين الدواب لهذين المعنيين كان له الاجر بإقامة العمل
المشروط وهو حمل الطعام ولو استأجره لحمله بنفسه فحمله على دوابه أو عبيده أو على غيرهم
وذهب معه حتى بلغه ذلك المكان فله الاجر استحسانا لحصول المقصود لان المقصود حمل
200

الطعام وقد أوفاه كما التزم وليس هو بمخالف لأنه ما فارق الطعام حين ذهب معه ولا أخرجه
من يده فلا يكون مخالفا وكذلك أن اشترط له طريقا فحمله في طريق آخر لان مقصود
صاحب الطعام قد حصل حين أوصل الطعام إلى المكان المشروط أي الطريقين حمله وان
حمله في البحر ضمنه ان غرق لأنه عرضه للتلف فان الغالب من حال راكب البحر انه على
شرف الهلاك مع ما معه وان سلم له الاجر استحسانا وهو بمنزلة ما لو كان إلى ذلك الموضع
طريقان في البر أحدهما أمن والآخر مخوف فحمله من الطريق المخوف فان تلف كان ضامنا
وان سلم استحق الاجر استحسانا فكذلك هنا لان البحر بمنزلة الطريق المخوف ولهذا لم
يكن للمودع أن يسافر بالوديعة في طريق البحر كما ليس له أن يسافر بها في الطريق المخوف
ولو استأجر رجلين يحملان له طعاما من الفرات إلى أهله فحمله كله أحدهما وهما شريكان
في العمل فالاجر بينهما لان وجوب الاجر باعتبار تقبل العمل وقد باشراه أو باشره أحدهما
بوكالة لصاحبه لان مبنى شركة العنان على الوكالة ثم هو في إقامة العمل نائب عن صاحبه أيضا
وإن لم يكونا شريكين في العمل فللعامل نصف الاجر في نصف الطعام لأنه إنما قبل حمل
نصف الطعام بنصف الآخر وقد حمله ولا أجر له في النصف الآخر لأنه كان في الحمل
ضامنا للنصف الاجر بمنزلة أجنبي آخر لو حمله وهذا لأنه غير نائب عن الآخر هنا فإنه لم يسبق
بينهما عقد شركة فلم يجعله نائبا عن نفسه فيكون هو في ذلك كأجنبي آخر ولو استأجر رجلا
ليذهب إلى مكان كذا فيجئ باهله كلهم وهم خمسة فذهب وجاء بهم فله الاجر المسمى لأنه
استؤجر على عمل معلوم ببدل معلوم وقد أوفى العمل المشروط عليه بكماله فله الاجر كله فان
وجد بعضهم قد مات فجاء بمن بقي منهم فله أجر ذهابه وله الاجر بحساب من جاء بهم لأنه
في الذهاب أقام ما التزم من العمل على نحو ما التزمه فاستوجب اجر الذهاب وما يكون من
الاجر المسمى فإنه يتوزع على حصة من جاء بهم ومن ماتوا فيلزمه بحصة من جاء بهم لأنه أقام
بعض هذا العمل دون البعض فيكون له من الاجر بحساب ما أقام من العمل وان وجدهم
كلهم قد هلكوا فعاد بنفسه فله أجر ذهابه لأنه في الذهاب أقام ما لزمه بالعقد كما التزمه وفى
الرجوع هو عامل لنفسه بالعود إلى وطنه وليس بعامل للمستأجر حين لم يأته بأحد من أهله
فلهذا كان له أجر الذهاب خاصة ولأنه إنما يذهب لتحصيل مقصود المستأجر فكان عاملا له
في ذلك وليس في رجوعه وحده تحصيل شئ من مقصود المستأجر فلم يكن عاملا له في ذلك
201

فان استأجره على أن يذهب بكتاب له إلى مكان كذا فيدفعه إلى فلان فذهب به فوجده قد
مات أو تحول إلى بلد آخر فرد الكتاب فلا شئ له وإن لم يرد الكتاب فله الاجر بحساب
ذهابه معنى هذا انه استأجره ليذهب بالكتاب إلى فلان ويأتيه بالجواب فإذا ذهب به ولم
يرد الكتاب ولم يأته بالجواب فهو في الذهاب عامل للمستأجر ساع في تحصيل مقصوده
وليس بعامل في الرجوع فيستحق حصة الذهاب من الاجر وان رد الكتاب فلا شئ له في
قول أبي حنيفة لأنه فوت على المستأجر ما يحصل له من المقصود حين رد كتابه إليه فخرج
من أن يكون له عاملا له في الذهاب وعلى قول محمد له أجر الذهاب لأنه ليس للكتاب حمل
ومؤنة وإنما يستوجب الاجر باعتبار ذهابه بنفسه وقد ذهب فقد تقرر حقه في أجر الذهاب
فلا يسقط ذلك بعوده رد الكتاب أو لم يرده ولكنا نقول هو لا يستوجب الاجر بمجرد
الذهاب من غير اعتبار الكتاب (ألا ترى) انه لو ترك الكتاب في أهله وذهب بنفسه لم
يكن له أجر فكذلك إذا رد الكتاب معه وقول أبى يوسف في المسألة مضطرب * وان
استأجره ليحمل له طعاما إلى مكان كذا فيدفعه إلى فلان فوجد فلانا قد مات فرجع بالطعام
إلى الذي استأجره فلا اجر له عندنا وقال زفر رحمه الله له الاجر وهو غاصب في رد الطعام
الذي استأجره ضامن ان هلك في يده لأنه لما حمل الطعام إلى ذلك المكان فقد أوفى العمل
المشروط وما كان البدل بمقابلته فتقرر حقه في الاجر وانتهى العقد نهايته ثم هو في الرجوع
بالطعام غاصب كأجنبي آخر فيكون ضامنا له ان هلك وبغصبه لا يبطل حقه فيما تقرر من
الاجر ولكنا نقول البدل بمقابلة حمل الطعام إلى ذلك المكان وقد فسخ ذلك حين رجع بالطعام
وفوت المعقود عليه قبل التسليم إلى المشترى وان استودع الطعام رجلا في تلك البلاد فهلك
الطعام فهو ضامن له لأنه مخالف في الدفع إلى الأجنبي وهو بمنزلة الأمين في ذلك الطعام ما لم
يدفعه إلى فلان والمودع إذا أودع الوديعة رجلا آخر كان ضامنا إذا هلك في يد المودع الثاني
وإذا صار ضامنا كان هذا وما لو استهلك الطعام سواء ولصاحبه الخيار ان شاء ضمنه قيمته في
المكان الذي حمله من ولا أجر له أو في المكان الذي استودعه وله الاجر وهذا نظير مسألة
الدن إذا تعمد كسره وإنما الشبهة هنا في أنه اعتبر القيمة والطعام من ذوات الأمثال وإنما ينبغي
أن يقال يضمنه مثله في المكان الذي حمله منه ولا أجر له أو في المكان الذي استودعه وله
الاجر إلا أن يكون عدديا متقاربا من الطعام كالبطيخ وغير ذلك فحينئذ يكون مضمونا بالقيمة
202

غير أنه ان انتهى إلى ذلك البلد فوجد صاحبه قد مات فرفع الامر إلى القاضي فامر ببيعه
أو يدفعه إلى رجل آخر ففعل ذلك بأمره فلا ضمان عليه وله الاجر لان للقاضي ولاية
النظر في مال الغائب وفعله بأمر القاضي وفعله بأمر صاحب الطعام سواء ولو فعل شيئا من
ذلك بأمر صاحب الطعام لم يكن ضامنا وله الاجر فكذلك إذا فعل بأمر القاضي قال ولا
ينبغي للقاضي أن يدخل في ذلك لأنه لا يعرف صدقه فيما يقول ولأنه قد التزم حفظه فيوليه
القاضي ما تولى لأنه إنما نصب القاضي لفصل الخصومة لا لانشائها وليس هنا خصم لمن في يده
الطعام فلهذا لا ينظر القاضي في ذلك وهو أولى الوجهين له وإذا قال الرجل من جاءني بمتاعي
من مكان كذا فله درهم فذهب رجل فلم يجد المتاع ثم جاء فلا أجر له اما إذا ذهب فجاء بالمتاع
فله أجر مثله لا يجاوز به المسمى عندنا وعلى قول الشافعي له المسمى لقوله تعالى ولمن جاء به
حمل بعير وأنا به زعيم وما أخبر الله تعالى عن الأمم السالفة فهو ثابت في حقنا حتى يقوم
دليل النسخ ولكنا نقول هذا استئجار المجهول واستئجار المجهول باطل الا انه إذا حمله انسان
بعد ما سمع كلامه فإنما جاء به على جهة تلك الإجارة وقد رضى القائل بذلك فيستوجب أجر
المثل باعتبار ان جهة الشئ بمنزلة حقيقته فأما إذا ذهب فلم يجد المتاع فرجع لم يكن له الاجر
بخلاف ما إذا خاطب به انسانا بعينه فهناك يستحق أجر الذهاب لأن العقد انعقد بينهما حين
خاطبه بعينه فكان هو في الذهاب عاملا للمستأجر ساعيا في تحصيل مقصوده فيستحق
أجر الذهاب وهنا العقد ما انعقد بين المستأجر وبين الذاهب لأنه لم يخاطبه بعينه وإنما يكون
انعقاد العقد باعتبار مجيئه بالمتاع وإذا لم يجئ بالمتاع لم يكن عاملا له في الذهاب والمجئ بحكم العقد
فلهذا لا يستوجب شيئا من الاجر ولو استأجر دابة ليحمل عليها عشرين ثوبا ربطيا فحمل عليها
هرويا فعطبت الدابة لم يضمن استحسانا لان في الضرر على الدابة لا فرق بين الربطي والهروي
وإنما يعتبر من القيمة ما يكون مقيدا دون مالا يقيد كما أنه يعتبر من التعيين ما يكون مقيدا
دون مالا يقيد ولو استأجرها ليحمل عليها هذه الأثواب الربطية فحمل عليها مثلها من الثياب
الربطية فعطبت لم يضمن شيئا فكذلك هنا وإذا تكارى الرجل من الرجل دابة ونقده الكراء
ثم أخذ منه كفيلا بالكراء ثم أفلس المكارى ولم يركب الرجل فعلى الكفيل أن يرد الكراء
لأنه كفيل للمستكرى عن المكارى ما وجب رده من الكراء المقبوض وحين أفلس المكارى
ولم يجد المستكرى الدابة ليركبها فقد وجب على المكارى رد جميع الكراء وقد كفل الكفيل
203

بذلك فكان مطالبا به لأنه إضافة الكفالة إلى سبب الوجوب صحيح فان رضى من الكفيل
أن يحمله إلى المكان الذي تكارا إليه فحمله وأنفق أكثر من الكراء لم يرجع الكفيل على
المكارى الا بالكراء الذي قبض من المستكرى لأنه ما ضمن عنه الا ذلك القدر فهو في
الزيادة متبرع * فان قيل كان ينبغي أن لا يرجع عليه بالكراء المقبوض أيضا لأنه ما نقد عنه
الكراء وإنما أوفى عنه ما التزام من الحمل بعقد الإجارة والمكاري ما أمره أن يكفل عنه ذلك
فكان هو في ايفاء ذلك بمنزلة متبرع أو كفيل بغير الامر قلنا لا كذلك فإنه بما أوفى من
الحمل أسقط عن نفسه ضمان الكراء كما أنه بأداء المقبوض يسقط عن نفسه ضمان الكراء
ولا يكون متبرعا بل هو محتاج إليه ليسقط به الضمان عن نفسه ولما أمره بالكفالة بالكراء
عنه فقد أقامه مقام نفسه في ايفاء ما التزمه فلا فرق بين أن يوفى عنه الكراء وبين أن يوفى
بما التزمه من الحمل فإنه يسقط به مطالبة المستكري إياه في ذلك وان مات المكارى ولم
يحمله فعلى الكفيل أن يرد الكراء لان بموت المكارى قد انفسخ العقد ولزمه رد المقبوض
من الكراء فان كفل الكفيل بذلك وإذا استأجر الرجل الرجل أشهرا معلومة يؤدب ابنه
ويقوم عليه في ذلك فهو جائز لأنه استأجره مدة معلومة لعمل معلوم بطريق العرف وهو
عمل غير مستحق على المؤدب اقامته دينا ولا دينا والاستئجار على مثله صحيح ببدل معلوم
بخلاف تعليم القرآن فإنه عليه دينا لأنه في المعنى خلافة عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم وكل مسلم مأمور به دينا ولو استأجر رجلا ليجصص له حائطا أو ليطين له سطحا ولم يبين
طينا ولا جصا معلوما فهو فاسد لان جهالة ذلك تقضى إلى المنازعة المانعة من التسليم والتسلم
فان عمل الناس في ذلك مختلف وكل نوع منه متعارف فكان العمل المعقود عليه مجهولا فلهذا
فسد العقد وله أجر مثله ان عمل لأنه أوفى العمل بحكم عقد فاسد فلا يلزمه جميع المسمى
لان المستأجر يقول أنا ما رضيت بجميع المسمى بهذا القدر من العمل فإن كان اشترط عليه
أن يجعل غلظة من الجص أو الطين كذا فهو جائز لان المعقود عليه صار معلوما ببيان الغلظة
على وجه لا يقضى إلى تمكن المنازعة بينهما ولو استأجر رجلا ينقد له الدراهم كل ألف بكذا
أو استأجره علي كل شهر بكذا ينقد له فهو جائز لان في الفصل الأول استأجره على عمل
معلوم ببدل معلوم والاستئجار على ذلك متعارف بين الناس وهو الأصل في عقد الإجارة
وفى الفصل الثاني عقد على منافع في مدة معلومة ببدل معلوم ليقيم بتلك المنافع عملا مقصودا
204

في الناس * وإذا كانت الورثة كبارا غيبا وليس على الميت دين ولا وصية فللوصي أن يبيع
الرقيق والمتاع استحسانا لان له ولاية الحفظ إلى أن يحضر الغائب وبيع المنقول من الحفظ
فان حفظ الثمن ربما يكون أيسر من حفظ العين وإنما تثبت هذه الولاية نظرا للغائب ولو أنهم
نهوه عن البيع فباعه بعد ذلك لم يجز بيعه لأنه إنما ثبتت له الولاية لأجل النظر لهم إذا
لم يوجد منهم النهى عن ذلك نصا بخلاف ما إذا كان على الميت دين فهناك إنما يثبت له حق
التصرف نظرا للذي أقامه مقام الميت فنهى الورثة إياه عن البيع لا يصح وإذا كان الوارث
صغيرا وللميت دين على رجل بصك فقال المطلوب للوصي حط عنى النصف لأعطيك
النصف ادفع إلى الصك وكان فيه شهود لا يشهدون إلا أن يروا الصك ويعلموا انه حط
لليتيم في الحال فإنه لا يسع الوصي أن يفعل ذلك لان فيه اتواء ما بقي من ماله يعنى في رد
الصك عليه لان حط الدين عنه باطل وإذا لم يكن الدين واجبا بعقده فلا يتوى به حق
اليتيم ولكن إذا كان الشهود لا يشهدون ما لم يروا الصك ففي دفع الصك إليه اتواء مال اليتيم
حتى إذا كانت الشهود يشهدون بغير صك فلا بأس بأن يفعل ذلك لأنه ليس فيه اتواء ماله
بل فيه نظر له من حيث إنه يستوفى نصف حقه في الحال ثم يقيم البينة على ما بقي فيستوفيه
وحطه باطل إذا أثبت المديون ذلك بالحجة * وإذا دعى رجل في داره دعوى فرأى الوصي
أن يصالحه لأنه يخاف إن لم يصالحه أن يأتي ببينة فإنه لا يسعه أن يصالحه لان بمجرد الدعوى
ما استوجب المدعى شيئا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لو أعطى الناس بدعواهم وما يخافه
الوصي موهوم فليس كل مدع يكون له بينة على دعواه ولا كل شاهد يرغب في حضور
مجلس القاضي لأداء الشهادة وبعد الأداء ربما تظهر عدالته وربما لا تظهر ولو أدى شيئا من مال
اليتيم باعتبار هذا الموهوم كان مخرجا ماله عن ملكه من غير عوض يحصل بمقابلته ولا منفعة
تحصل له حقيقة وليس للوصي هذه الولاية وان جاء المدعي ببينة عدول يعرفهم الوصي وكان
الصلح خيرا لليتيم في رأى الوصي وسعه أن يصالحه لان باعتبار الظاهر حق المدعى قد ثبت ظهوره
بشهادة العدول وقد تحقق ذلك ففي هذا تحصيل المال من الوصي لليتيم أو توفير المنفعة وإنما نصب
الوصي لذلك قال الشيخ الامام الاجل الزاهد رحمه الله كان شيخنا الامام الاجل رضي الله عنه
يقول هذا إذا علم الوصي قبل إقامة البينة من المدعى انه لو لم يجب إلى الصلح حتى يقيم البينة رغب
فيه المدعى بعد ذلك فاما إذا علم أنه بعد إقامة البينة لا يرغب في الصلح فلا بأس بان يصالحه قبل إقامة
205

البينة إذا علم أن له شهودا يشهدون على ذلك بهذا التأخير ينعدم تمكنه من توفير المنفعة عليه
وعلي الوصي أن لا يؤخر ذلك إلى وقت يفوته وإذا كاتب الرجل عبده على نفسه وماله دخل
فيه رقيقه ودوره وكل عين ودين هو من كسبه لان ذلك ماله فالمال يصير مضافا إلى العبد باعتبار
أنه كسبه قال عليه السلام من باع عبدا وماله الحديث والإضافة إليه تبقى ما بقي المال في يده فاما
بعد أخذ المولى المال منه لا يبقى مضافا إليه شرعا وعرفا فلا يكون المقبوض منه فيما سمى
من ماله وان كانت له أمة قد زوجها إياه مولاه لم يدخل في كتابته لان المولى بتصرفه صار
قابضا الأمة منه فالتحقت بغيرها مما قبضته منه (فان قيل) أليس أن المشتري إذا زوج الأمة
المبيعة قبل القبض لا يصير قابضا لها بتصرفه فكيف يصير المولى هنا قابضا وفى الاستحسان
إنما لم يجعله قابضا هناك لان اليد للبائع فيها يد مستحقة والمشترى ممنوع من قبضها ما لم يؤد
الثمن وان تعيبت بالنكاح ولكن لما لم يؤثر هذا العيب في عينها لم يجعل قابضا به وهنا ما كان
للعبد في هذه الأمة يد مستحقة ولا كان المولى ممنوعا من قبضها والتصرف فيها فجعلناه
قابضا لها بالتزويج لان بالتزويج التزام تسليمها إلى الزوج فلا يتمكن من ذلك الا بيده فيها
وإذا أنفق المفاوض على نفسه أفضل من نفقة صاحبه وكانت تطيب نفس صاحبه بذلك
وكان لصاحبه دين على الذي أنفق لم تفسد المفاوضة استحسانا حتى يؤدى إليه وهذا بناء على
الأصل الذي بينا في كتاب الشركة انه متى فضل أحدهما بمال يصلح أن يكون رأس المال
في الشركة تفسد بها المفاوضة وان فضل بمال لا يصلح أن يكون رأس المال في الشركة
لا تصلح بها المفاوضة استحسانا والدين الذي وجب لأحدهما لا يصلح أن يكون رأس المال
في الشركة فإذا قبضه فقد صار نقدا صالحا أن يكون رأس مال في الشركة وعلى هذا لو ورث
أحد المتفاوضين دارا أو رقيقا في القياس تفسد المفاوضة وفى الاستحسان لا تفسد حتى يبيع شيئا
من ذلك فيصير مالا يعنى حتى يقبض الثمن نقدا وقد بينا هذه المسألة في اختلاف أبي حنيفة
وابن أبي ليلى رحمهما الله فان ما ورث أحدهما يكون مشتركا بينهما عنده وعندنا لا يكون
مشتركا ولكن الدار والرقيق لا يصلح أن يكون رأس مال في الشركة فلا تفسد المفاوضة
حتى يصير ثمنه نقدا في يده فحينئذ تفسد المفاوضة لانعدام شرط الصحة وهو المساواة بينهما في
المال الذي يصلح أن يكون رأس مال في الشركة وإذا خلع امرأته التي لم تبلغ وقبل خلعها أبوها
بالمهر وضمن للزوج ما أدركه فيه جاز ذلك علي الأب وتؤاخذ الابنة الزوج بنصف الصداق
206

فيرجع به الزوج على الأب لان وقوع الطلاق بالخلع يفيد وجود القبول من الضامن للدرك
وقد وجد ذلك وقد وقع الطلاق قبل الدخول فيقرر نصف مالها على الزوج لأنه ليس للأب
ولاية على اسقاط حقها من غير عوض يقابله فترجع على الزوج بنصف المهر ويرجع به الزوج
على الأب لأنه ضمن له ما أدركه فيه من الدرك في حقها وإضافة الكفالة إلى سبب الوجوب
بهذا الطريق صحيح وبعض المتأخرين من أصحابنا رحمهم الله يقول الخلع لا يقع الا بالمهر لان
ذلك حقها وليس للأب أن يخلعها من زوجها على مالها بل هو في ذلك كأجنبي آخر فإنما يجعلها
على مال يلزمه في ذمته فكأنه خلعها على مثل ذلك المهر دينا في ذمته وجعل ذلك قصاصا
بالمهر ففيما لم يحصل مقصود الزوج وهو النصف الذي رجعت الابنة به على الزوج كان له
أن يرجع على الأب فيطالبه بذلك بسبب الخلع مع الضمان لان المقاصة لم تقع في ذلك القدر
ولم يستفد الزوج البراءة الا بأداء المال فيرجع به على الأب بهذا الطريق وإذا قال الرجل
لامرأته قد بارأتك بمالك على من المهر فقبلت فهو جائز لأن الخلع والمبارأة يستعملان
استعمالا واحدا وبينهما تفاوت في المعنى والحكم ولو قال خالعتك بمالك على من المهر فقبلت
جاز فكذلك إذا قال بارئتك ولو خلعها علي حكمه ثم حكى بشئ لم ترض به المرأة فله الأقل
من حكمه ومن المهر الذي أعطاها لان المسمى مجهول وهو ما يحكم به فإنه مجهول الجنس
والقدر والخلع على بدل مجهول يوجب عليها رد المقبوض من المهر كما لو خلعها علي ثوب بغير
عينه إلا أن يحكم بأقل من ذلك فإنما حكم على نفسه باسقاط بعض حقه وذلك نافذ منه فان
حكم بأكثر من ذلك فإنما حكم عليها بالزيادة وليس له عليها هذه الولاية فلهذا كان له الأقل
ولو خلعها على أن له عليها أقل مهر يتزوج عليه فالخلع جائز وله عليها المهر الذي أخذت منه
لأنه سمى في الخلع مالا مجهول الجنس والقدر فلم تصح التسمية ولكن ثبت حكم الغرور به
وذلك يوجب عليها رد المقبوض والدليل على فساد هذه التسمية أن المهر لا يجب ما لم تزوج
نفسها ولا يلزمها بهذه التسمية أن تزوج نفسها وربما لا يرغب أو لا يبقي إلى أوانه بعد انقضاء
العدة وإذا أقام رجل البينة في حق له على رجل في بلد آخر فسأل القاضي أن يكتب بشهادة
الشهود وعدالتهم وبتوكيله وكيلا بالقيام مقامه بالمطالبة والقبض إلى قاضي ذلك البلد فله فعله
بعد ما يستخلف بالله ما أخذ من ماله هذا شيئا ولا يعلم وكيلا ولا رسولا له أخذ منه شيئا لأنه
إنما يكتب له بذلك نظرا منه للمدعى والقاضي مأمور بالنظر من الجانبين ففي الاستحلاف
207

بهذه الصفة نظر منه للغائب وهو عاجز عن المطالبة بهذا النظر لغيبته فعليه أن ينظر له وفيه نظر
للمدعى أيضا فربما يدعى الخصم عند القاضي المكتوب إليه أنه قد أوفاه المال ويطلب يمينه ومن
رأى ذلك القاضي أن لا يقضى بالمال ما لم يحلف على قياس مسألة الغيب فيتعذر على وكيله
استيفاء حقه فلهذا يستحلفه على ذلك ويكتب ذلك الاستحلاف في كتابه لان تمام النظر فيه
ولا يستحلف الطالب لقد شهدت شهودك بحق لان الخصم لو كان حاضرا وطلب استحلافه
على ذلك لم يجبه إلى ذلك بخلاف الأول فان الخصم لو كان حاضرا وطلب يمينه ما أخذ من
ماله شيئا أجابه القاضي إلى ذلك فإن كان قاضيا لا يجيز الكتاب الا على ذلك يعنى إن كان يرى
رأى ابن أبي ليلى في استحلاف الطالب لقد شهدت شهودك بحق فقال الطالب استحلفني
واكتب لي بيميني استحلفه بالله لقد شهدك شهودك بحق فان المال له على فلان ثم يكتب له
وإنما يريد بهذا إذا كان القاضي المكتوب إليه يرى ذلك فان في هذا الاستحلاف نظرا للطالب
لان الطالب يريد أن يبعث وكيلا ولا يحضر مجلس ذلك القاضي ليستحلفه فلا يحصل مقصوده
الا بهذا والقاضي مأمور بالنظر له فإذا طلب منه ما فيه نظر له أجابه القاضي إلى ذلك ولو أقام
شاهدا واحدا وسأله أن يكتب شهادته وحاله فعل ذلك لان فيه نظرا للطالب فربما يكون
شاهده الآخر في البلد الذي فيه القاضي المكتوب إليه فلا يتمكن من الجمع بين شهادة
الشاهدين في مجلسه الا بهذا الطريق فيجيبه القاضي إلى ذلك حتى إذا ثبت الكتاب عنده وجاء
بشاهده الآخر فشهد له قضى بحقه لتمام الحجة وإذا أسلمت مدبرة الذمي فاستسعت في قيمتها
فعجزت عن السعاية فإن كان القاضي هو الذي قومها واستسعاها لم يردها وأجبرها على السعاية
لان السبب الموجب للقضاء قائم وهو اسلامها مع كفر المولى فلا يعتبر عجزها بمنزلة معتق
البعض إذا استسعاه القاضي فيما بقي من قيمة الشريك الساكت فعجز عن ذلك وكذلك أن
كان المولى هو الذي صالحها على ذلك إلا أن يكون فيه فضل على القيمة فيبطل القاضي الفضل
ويجبرها على السعاية في القيمة والحاصل أن القاضي لا يشتغل بما لا يفيد ولا بنقض شيئا ليعيد
مثله في الحال وإذا كان الصلح على مقدار القيمة فليس في نفس هذا الصلح فائدة لها فلا
يشتغل القاضي به وإن كان فيه فضل على القيمة ففي نقضه فائدة لها وهو سقوط الزيادة عنها
وعجزها يسقط عنها ما التزمت لمولاها باختيارها لعجز المكاتبة عن أداء بدل الكتابة فلهذا
208

يبطل هذا الصلح عند عجزها ويجبرها على السعاية في القيمة لاسلامها مع اصرار مولاها على
الكفر والله أعلم بالصواب
كتاب الجليل
قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي
سهل السرخسي رحمه الله إملاء اختلف الناس في كتاب الحيل أنه من تصنيف محمد رحمه
الله أم لا كان أبو سليمان الجوزجاني ينكر ذلك ويقول من قال إن محمدا رحمه الله صنف
كتابا سماه الحيل فلا تصدقه وما في أيدي الناس فإنما جمعه وراقو بغداد وقال إن الجهال
ينسبون علماءنا رحمهم الله إلى ذلك على سبيل التعيير فكيف يظن بمحمد رحمه الله أنها سمى
شيئا من تصانيفه بهذا الاسم ليكون ذلك عونا للجهال على ما يتقولون وأما أبو حفص رحمه
الله كان يقول هو من تصنيف محمد رحمه الله وكان يروى عنه ذلك وهو الأصح فان الحيل
في الاحكام المخرجة عن الامام جائزة عند جمهور العلماء وإنما كره ذلك بعض المتعسفين لجهلهم
وقلة تأملهم في الكتاب والسنة والدليل على جوازه من الكتاب قوله تعالى وخذ بيدك ضغثا
فاضرب به ولا تحنث هذا تعليم المخرج لأيوب عليه السلام عن يمينه التي حلف ليضربن
زوجته مائة فإنه حين قالت له لو ذبحت عناقا باسم الشيطان في قصة طويلة أوردها أهل
التفسير رحمهم الله وقال تعالى ولما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه إلى قوله ثم
استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف وذلك منه حيلة وكان هذا حيلة لامساك
أخيه عنده حينئذ ليوقف اخوته على مقصوده وقال جلا جلاله حكاية عن موسى عليه السلام
ستجدني إن شاء الله صابرا ولم يقل على ذلك لأنه قيد سلامته بالاستثناء وهو مخرج صحيح
قال الله تعالى ولا تقولن لشئ انى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله وأما السنة فما روى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب لعروة بن مسعود في شأن بنى قريضة فلعلنا
أمرناهم بذلك فلما قال له عمر رضي الله عنه في ذلك قال عليه السلام الحرب خدعة وكان ذلك
منه اكتساب حيلة ومخرج من الاثم بتقييد الكلام بلعل ولما أتاه رجل وأخبره انه حلف
بطلاق امرأته ثلاثا أن لا يكلم أخاه قال له طلقها واحدة فإذا انقضت عدتها فكلم أخاك ثم
تزوجها وهذا تعليم الحيلة والآثار فيه كثيره من تأمل أحكام الشرع وجد المعاملات كلها
209

بهذه الصفة فان من أحب امرأة إذا سأل فقال ما الحيلة لي حتى أصل إليها يقال له تزوجها وإذا
هوى جارية فقال ما الحيلة لي حتى أصل إليها يقال له اشترها وإذا كره صحبة امرأته فقال ما
الحيلة لي في التخلص منها قيل له طلقها وبعد ما طلقها إذا ندم وسأل الحيلة في ذلك قيل له
راجعها وبعد ما طلقها ثلاثا إذا تابت من سوء خلقها وطلبا حيلة قيل لهما الحيلة في ذلك أن
تتزوج بزوج آخر ويدخل بها فمن كره الحيل في الاحكام فإنما يكره في الحقيقة أحكام الشرع
وإنما يقع مثل هذه الأشياء من قلة التأمل فالحاصل أن ما يتخلص به الرجل من الحرام أو
يتوصل به إلى الحلال من الحيل فهو حسن وإنما يكره ذلك أن يحتال في حق لرجل حتى
يبطله أو في باطل حتى يموهه أو في حق حتى يدخل فيه شبهة فما كان على هذا السبيل فهو
مكروه وما كان على السبيل الذي قلنا أولا فلا بأس به لان الله تعالى قال وتعاونوا علي البر
والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ففي النوع الأول معنى التعاون على البر والتقوى
وفى النوع الثاني معنى التعاون على الاثم والعدوان إذا عرفنا هذا فنقول بدأ الكتاب بحديث
عبد الله بن بريدة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آية من كتاب الله
تعالى فقال عليه السلام للسائل لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بها فقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلما أخرج احدى رجليه من المسجد أخبره بالآية قبل أن يخرج الرجل الأخرى
فأهل الحديث رحمهم الله يروون هذا الحديث على وجه آخر فإنهم يروون عن أبي بن كعب
رضي الله عنه انه كان يصلى في المسجد إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فلما فرغ
من صلاته جاء فقال عليه السلام ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك اما تدرى قول الله تعالى يا أيها
الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم قال كنت في الصلاة يا رسول الله عليك السلام
فقال عليه السلام ألا أنبئك بسورة أنزلت على ليس في التوراة ولا في الإنجيل ولا في
الزبور مثلها فقلت نعم فقال عليه السلام لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بها ثم شغله وفد عنى
فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج جعلت أمشى معه وأقول في نفسي لعله نسي يمينه فلما
أخرج احدى رجليه فقلت السورة التي وعدتني يا رسول الله فقال عليه السلام ماذا تقرأ في
صلاتك قلت أم القرآن قال عليه السلام نعم انها هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيت
ليس في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها وفائدة الحديث انه عليه السلام أخبره
بعد اخراج احدى الرجلين للتحرز عن خلف الوعد فان الوعد من الأنبياء عليهم السلام
210

كالعهد من غيرهم وللتحرز عن الحنث على ما أشار إليه في حديث أبي رضي الله عنه من قوله
لعله نسي يمينه ففيه إشارة إلى أنه كان حلف له وفيه دليل على أنه لا يصير خارجا باخراج احدى
الرجلين ولا داخلا بادخال احدى الرجلين ولهذا قال علماؤنا رحمهم الله من حلف على زوجته
أن لا تخرج من الدار فأخرجت احدى رجليها لم يحنث في يمينه وهذا لان الخروج انتقال من
الداخل إلى الخارج ولا يحصل ذلك الا باخراج القدمين وقد بينا وجوه هذه المسألة في كتاب
الايمان ثم مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من تفضيل آية أو سوره على غيرها هو
الثواب عند التلاوة فان القرآن كله كلام الله تعالى غير محدث ولا مخلوق ولا تفاوت بين
السور والآي في هذا ولكن يجوز أن يقال إن القارئ ينال الثواب على قراءة سورة
ما لا يناله على قراءة سورة أخرى بيانه انه بقراءة سورة الاخلاص يستحق من الثواب
مالا يستحق بقراءة ثبت من حيث إنه في قراءة سورة الاخلاص قراءة القرآن والاقرار
بوحدانية الله تعالى والثناء على الله تعالى بما هو أهله وفى قراءة سورة تبت قراءة القرآن
ولكن ليس فيها ما بينا من المعاني الاخر وما نقل في هذا الباب من الآثار من نحو ما روى أن
من قرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات فكأنما ختم القرآن ومن قرأ سورة الكافرون
فكأنما قرأ ربع القرآن تأويله لما بينا وأيد ما قلنا اتفاق العلماء رحمهم الله على تعيين الفاتحة للقراءة
في كل صلاة عند بعضهم واجبا وعند بعضهم فرضا وذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال
من معاريض الكلام ما يغنى المسلم عن الكذب وفيه دليل على أنه لا بأس باستعمال المعاريض
للتحرز عن الكذب فان الكذب حرام ولا رخصة فيه والذي يروى حديث عقبة ابن أبي
معيط رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في الكذب في ثلاثة مواضع
في الرجل يصلح بين الناس والرجل يكذب لامرأته والكذب في الحرب تأويله في استعمال
معاريض الرجال الكلام فان صريح الكذب لا يحل هنا كما لا يحل في غيره من المواضع
والذي يروى ان الخليل عليه السلام كذب ثلاثة كذبات ان صح فتأويل هذا انه ذكر كلاما
عرض فيه ما خفى عن السامع مراده وأضمر في قلبه خلاف ما أظهره فأما الكذب المحض
من جملة الكبائر والأنبياء عليهم السلام كانوا معصومين عن ذلك ومن جوز عليهم الكذب فقد
أبطل الشرائع لأنه جعل ذلك باختيارهم وإذا جاز عليهم الكذب في خبر واحد جاز في جميع
ما أخبروا به وبطلان هذا القول لا يخفى على ذي لب فعرفنا ان المراد استعمال المعاريض وقال
211

ابن عباس ما يسرني بمعاريض الكلام حمر النعم فإنما يريد به أن بمعاريض الكلام يتخلص المرء
من الاثم ويحصل مقصوده فهو خير من حمر النعم والأصل في جواز المعاريض قوله تعالى ولا
جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء الآية فقد جوز الله تعالى المعاريض ونهى عن
التصريح بالخطبة بقوله عز وجل ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ثم
بيان استعمال المعاريض من أوجه أحدها أن يقيد المتكلم كلامه بلعل وعسى كما قال عليه السلام
فلعلنا أمرناهم بذلك ولم يكن أمر به ولم يكن ذلك كذبا منه لتقييد كلامه بلعل والثاني أنه
يضمر في لفظه معنى سوى ما يظهره ويفهمه السامع من كلامه وبيانه فيما روى أن النبي صلى
الله وعليه وسلم قال لتلك العجوز ان الجنة لا يدخلها العجائز فجعلت تبكي فقال لها رسول الله صلى
الله عليه وسلم أهل الجنة جرد مرد مكحلون أخبرها بلفظ أضمر فيه سوى ما فهمت من
كلامه فدل ان ذلك لا بأس به ومن ذلك ما روى عن عبيدة السلماني رضي الله عنه قال
خطب علي رضي الله عنه فقال والله ما قتلت عثمان ولا كرهت قتله وما أمرت ولا نهيت
فدخل عليه بعض من الله أعلم بحاله فقال له في ذلك قولا فلما كان في مقام آخر فقال من كان
سائلي عن قتل عثمان رضي الله عنه فالله قتله وأنا معه قال ابن سيرين رحمه الله هذه كلمة قرشية
ذات وجوه أما قوله ما قتلت عثمان رضي الله عنه فهو صدق حقيقة ولا كرهت قتله أي كان
قتله بقضاء الله تعالى ونال درجة الشهادة فما كرهت له هذه الدرجة وما كرهت قضاء الله
وقدره وأما قوله فالله قتله وأنا معه مقتول أقتل كما قتل عثمان رضي الله عنه فقد كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه يستشهد بقوله وان أشقى الأولين والآخرين من خضب
بدمك هذه من هذه وأشار إلى عنقه ولحيته وقد كان علي رضي الله عنه ابتلى بصحبة قوم
على همم متفرقة فقد كان يحتاج إلى أن يتكلم بمثل هذا الكلام الموجه ومنه ما يروي عن
سويد ين عفلة ان عليا لما قتل الزنادقة نظر إلى الأرض ثم رفع رأسه إلى السماء ثم قال صدق
الله ورسوله ثم قام فدخل بيته فأكثر الناس في ذلك فدخلت عليه فقلت يا أمير المؤمنين ماذا
فنيت به الشيعة منذ اليوم أرأيت نظرك إلى الأرض ثم رفعك إلى السماء ثم قولك صدق الله
ورسوله أشئ عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شئ رأيته فقال على هل على من
بأس ان أنظر إلى الأرض فقلت لا فقال وهل على من بأس ان أنظر إلى السماء فقلت لا فقال
هل على من بأس ان أقول صدق الله ورسوله فقلت لا فقال فانى رجل مكابد وإنما أشار إلى
212

المعنى الذي بينا انه يحتاج إلى الوقوف على ما يضمره كل فريق من أصحابه وكان يضع مثل
هذا الكلام ويتكلم بكلام موجه لذلك ومنه ما روى أنه كان إذا دخله ريبة من كل فريق
جعل يمسح جبينه ويقول ما كذبت ولا كدت يوهمهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبره بحالهم فيظهرون له ما في بطنهم ومن ذلك ما روى عن علي رضي الله عنه قال والله لا
أغسل شعري حتى أفتح مصر وأترك البصرة كجوف حمار ميت وأعرك اذن عمار عرك
الأديم وأسوق العرب بعصاي فذكروا لابن مسعود رضي الله عنه ذلك فقال إن عليا يتكلم
بكلام لا يصدر وها غرة هامته على مثل الطشت لا شعر عليها فأي شعر يغسله بهذه يبين
ان الكبار من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستعملون معاريض الكلام في حوائجهم وكذلك
من بعدهم من التابعين رحمهم الله على ما يحكى عن رجل قال كنت عند إبراهيم رحمه الله
وامرأته تعاتبه في جاريته وبيده مروحة فقال أشهدكم انها لها فلما خرجنا قال على ماذا شهدتم
قلنا شهدنا علي انك جعلت الجارية لها فقال أما رأيتموني أشير إلى المروحة إنما قلت لكم اشهدوا
انها لها وأنا أعني المروحة التي كنت أشير إليها وكانوا يعلمون غيرهم ذلك أيضا على ما ذكره
في الكتاب عن إبراهيم رحمه الله في رجل أخذه رجل فقال إن لي معك حقا قال لا فقال
احلف لي بالمشي إلى بيت الله تعالى فقال أحلف وأعنى مسجد حيك وإنما يحمل هذا علي
ان إبراهيم رحمه الله علم أن المدعى مبطل وإنما المدعى عليه برئ فلعله الحيلة وهو أن يحلف
بالمشي إلى بيت الله تعالى يعنى مسجد حيه فان المساجد كلها بيوت الله أذن الله أن
ترفع ويذكر فيها اسمه قال عز وجل وان المساجد لله ولكن فيه بعض الشبهة فإنه إن كان
الرجل بريئا عن الحق ما كان يلزمه شئ لو حلف بالمشي إلى بيت الله من غير هذه النية وإن لم
يكن بريئا ما كان له أن يمنع الحق ولا كان يحل لإبراهيم أن يعلمه هذا ليمنع به الحق وما
كان ينفعه هذه النية فان الحالف إن كان ظالما فاليمين علي نية من يستحلفه لا على نية الحالف
ولا يعتبر بنيته على ما بينته في هذا النوع من الشبهة وعن إبراهيم رحمه الله أن رجلا قال له
ان فلانا أمرني ان آتى مكان كذا وأنا لا أقدر على ذلك فكيف الحيلة لي فقال قل والله لا
أبصر الا ما بصرني به غيري وفى رواية الا ما سدد لي غيري يعني الا ما بصرك ربك فيقع
عند السامع أن في بصره ضعفا يمنعه من أن يأتيه في الوقت الذي يطلب منه فلا يستوجس
بامتناعه وهو يضمر في نفسه معنى صحيحا فلا تكون يمينه كاذبة وبيانه فيما روى عن رسول
213

الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من كمال العقل موابأة الناس فيما لا يأثم به وذكر عن ابن
سيرين رحمه الله أنه قال كان رجل من باهلة عيونا فرأى بغلة لشريح رحمه الله فأعجبته فقال
له شريح اما انها إذا ربضت لم تقم حتى تقام أي ان الله عز وجل هو الذي يقيمها بقدرته وقال
الرجل أف أف وفى هذا الحديث زيادة فان الرجل لما أبصر البغلة فأعجبته ربضت من ساعتها
فقال شريح ما قال فلما قال الرجل أف أف قامت وفى هذا دليل أن العين حق وقد كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين السوء ومنه يقال إن العين تدخل الرجل القبر والجمل
القدر فأراد شريح أن يرد عينه بأن يحقرها في عينه وقال ما قال وأضمر فيه معنى صحيحا وهو
أن الله تعالى يقيمها بقدرته وذكر عن النزال بن سيدة قال جعل حذيفة يحلف لعثمان رضي الله عنه
ما على أشياء بالله ما قالها وقد سمعناه يقولها فقلنا له يا أبا عبد الله سمعناك تحلف لعثمان
علي أشياء ما قلتها وقد سمعناك قلتها فقال إني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله
وان حذيفة رضي الله عنه من كبار الصحابة وكان بينه وبين عثمان رضي الله عنه بعض المداراة
فكان يستعمل معاريض الكلام فيما يخبره به ويحلف له عليه فلما أشكل على السامع سأله عن
ذلك فقال إني اشترى ديني بعضه ببعض يعني أستعمل معاريض الكلام على سبيل المداراة
أو كأنه كان يحلف ما قالها ويعنى ما قالها في هذا المكان أو في شهر كذا أو يعنى الذي فان
ما قد تكون بمعنى الذي فهذا ونحوه من باب استعمال المعاريض وبيانه فيما ذكر عن إبراهيم
رحمه الله قال لي رجل انى أنال من رجل شيئا فيبلغه عنى فكيف اعتذر منه فقال له إبراهيم
والله ان الله ليعلم ما قلت لك من ذلك من شئ أي أضمر في قلبك الذي معناه ان الله ليعلم
الذي قلت لك من حقك من شئ وعن عقبة بن غرار رحمه الله قال كنا نأتي إبراهيم رحمه
الله وهو خائف من الحجاج فكنا إذا خرجنا من عنده يقول لنا ان سئلتم عنى وحلفتم فاحلفوا
بالله ما تدرون أين أنا ولا لكم علم بمكاني ولا في أي موضع أنا واعنوا أنكم لا تدرون في أي
موضع أنا فيه قاعد أو قائم فتكونون قد صدقتم وأتاه رجل في الديوان فقال إني اعترضت
على دابة وقد نفقت وهم يريدون يحلفونني أنها الدابة التي اعترضت عليها فكيف أحلف
فقال اركب دابة واعترض عليها على بطنك راكبا ثم احلف لهم أنها الدابة التي اعترضت عليها
فيفهمون الغرض وأنت تعنى اعترضت عليها على بطنك ويحكى عن إبراهيم رحمه الله أنه
كان استأذن عليه رجل وهو لا يريد أن يأذن له ركب رشادا وأراد فرس البخت وقال
214

لجاريته قولي ان الشيخ قد ركب وربما يقول لها اضربي قدمك على الأرض وقولي ليس
الشيخ هنا أي تحت قدمي وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال لان أحلف بالله كاذبا أحب
إلى من أحلف بغيره صادقا ومراده بهذه المبالغة في النهى عن الحلف بغير الله تعالى فقد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف بغير الله فكفارته أن يقول لا إله إلا الله وقال عليه
السلام لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت فالحلف بغير الله منهى عنه سواء كان كاذبا أو صادقا
وليس المراد الرخصة في الحلف بالله كاذبا فان الكذب حرام من غير أن يؤكده باليمين فكيف
يرخص فيه مع التأكيد باليمين وقد أوله بعضهم على أن الحالف بالله تعالى وإن كان كاذبا في
خبره فهو معظم اسم الله تعالى في حلفه ويروون فيه حديثا عن رجل من بني إسرائيل عن رجل
أنه حلف بالله الذي لا إله إلا هو وكان كاذبا في يمينه فنزل الوحي على نبي ذلك الزمان أنه غفر
له ذلك بتوحيده ولكن الأول أصح وذكر عن إبراهيم رحمه الله قال اليمين على نية الحالف
إذا كان مظلوما وإن كان ظالما فعلى نية المستحلف وبه نأخذ ويقول المظلوم يتمكن من دفع
الظلم عن نفسه بما تيسر له شرعا في وإنما يحلف له ليدفع الظلم عن نفسه فتعتبر نيته في ذلك والظالم
مأمور شرعا بالكف عن الظلم واتصال الحق إلى المستحق فلا تعتبر نيته في اليمين وإنما تعتبر
نية المستحلف وهذا لان المدعى إذا كان محقا فاليمين مشروعة لحقه حتى يمتنع الظالم عن اليمين
لحقه فيخرج من حقه أو يهلك ان حلف كاذبا كما أهلك حقه فيكون اهلاكا بمقابلة اهلاك
بمنزلة القصاص وإنما يتحقق هذا إذا اعتبرنا نية المستحلف * فأما إذا كان الحالف مظلوما
فاليمين مشروعة لحقه وهذا رجحان جانب الصدق في حقه وانقطاع منازعة المدعى معه بغير
حجة فتعتبر نية الحالف في ذلك ولهذا يعتبر في اليمين علمه أيضا على ما روى عن الشعبي رحمه
الله قال من حلف على يمين ولا يستثني فالاثم والبر فيهما علي علمه يعني إذا حلف وعنده أن
الامر كما حلف عليه ثم تبين بخلافه لم يكن آثما في يمينه وهو تفسير يمين اللغو عندنا لأنه
ما كان ظالما حين كأن لا يعلم خلاف ما هو عليه فاعتبرنا ما عنده وإذا كان يعلم خلاف ذلك
فهو ظالم في يمينه فيكون آثما ويعتبر فيه نية ما عند صاحب الحق والله أعلم بالصواب
باب الإجارة
(قال رحمه الله) رجل استأجر من رجل دارا سنين معلومة فخاف المستأجر أن يغدر
215

به رب الدار فليسم لكل سنة من هذه السنين أجرا أو يجعل للسنة الأخيرة أجرا كثيرا ومعنى
هذا أن المستأجر خاف أن تنقض الإجارة بينهما قبل انتهاء مدة الإجارة بموت رب الدار
أو بأن يلحقه دين فادح أو غير ذلك من أنواع العذر وقد لا يكون مقصوده الا السكنى
في آخر المدة فالحيلة ما ذكر وهو أن يجعل الاجر للسنين المتقدمة شيئا قليلا حتى إذا انفسخ
العقد قبل حصول مقصوده لا يلزمه من الاجر ما يتضرر به ويمنع رب الدار من الفسخ للعذر
كيلا يفوته معظم الاجر بالسكنى في السنة الأخيرة والأحوط أن يجعل العقد في صفقتين لأنه
إذا جعل الكل صفقة واحدة وفرق التسمية فربما يذهب بعض القضاة إلى رأى ابن أبي ليلي
رحمه الله ويوزع المسمى على جميع المدة بالحصة فلا ينظر إلى تفريق التسمية مع اتحاد
الصفقة وعند اختلاف الصفقة يأمن من ذلك وعلى هذا لو أراد المستأجر أن ينفق على الدار
من مرمتها ويخاف أن لا يرد عليه ذلك رب الدار ان انفسخ العقد فإنه ينبغي له أن ينظر إلي
مقدار ما يريد أن ينفقه فيضم ذلك إلى أجر الدار في السنة الأخيرة ويقر رب الدار انى استسلفت
منه هذا المقدار من أجر السنة الأخيرة حتى إذا انفسخ العقد رجع عليه بما أقر أنه استسلفه
من ذلك وان خاف أن يحلفه رب الدار أنه سلم إليه شيئا كما هو رأى بعض القضاة فإنه ينبغي
أن يبيع منه شيئا بذلك القدر حتى إذا حلف لم يكن كاذبا في يمينه فإن كان رب الدار هو الذي
يخاف أن ينكر المستأجر بعض السنين ويغدر به بعد ذلك أي يفسخ العقد بغدر فالسبيل أن
يجعل أكثر الأجرة للسنة الأولى حتى لا يفسخ المستأجر بعد مضيها العقد في بقية المدة لأنه
قد لزمه أكثر الأجرة وان انفسخ العقد لم يتضرر به صاحب الدار وان خاف أن يغيب
المستأجر ويمتنع أهله من رد الدار إليه إذا طلبه لوقته فينبغي أن يؤاجرها من أهله ويضمن
له الزوج ردها للوقت الذي يسميه فيؤخذ به حينئذ علي الشرط لأنه إذا أجرها من
الأهل فعليه ردها إليه عند انتهاء المدة ويصير الزوج ملتزما ردها بالضمان أيضا فيطالبه به
عند انتهاء المدة قال وفى هذا بعض الشبهة فإنه ليس على المستأجر رد الدار إنما عليه أن لا يمنع
الاجر إذا جاء ليأخذها ومثل هذا لا تصح الكفالة به بمنزلة الكفالة برد الوديعة على
المودع هذا ولان الكفالة إنما تصح بما هو مضمون على الأصيل والرد غير مضمون على
المستأجر فكيف تصح الكفالة به إلا أن يقر الزوج انه ضامن له تسليم الدار إليه في وقت
كذا بحق لازم صحيح فيكون مؤاخذا باقراره ولكن هذا كذب لا رخصة فيه فالأحوط
216

أن يأخذ الزوج الدار منها بعد رضاها علي طريق الاستيلاء ليصير به ضامنا رد الدار عليها
في المدة وعلي مالك الدار بعد مضى المدة ويقر بذلك بين يدي الشهود ويكون لرب الدار
أن يطالبه بتسليم الدار إليه بعد انتهاء المدة وفيه وجه آخر وهو أن يؤاجر الدار من المستأجر
ثم إن المستأجر يوكل رب الدار في الخصومة مع أهله لاسترداد الدار منهم على أنه كلما عزله
فهو وكيل به فإذا غاب المستأجر كان له أن يطالب أهل المستأجر برد الدار عليه بحكم وكالة
المستأجر في وقته وإن كان المستأجر غير ملئ بالأجر فينبغي للآمر أن يأخذ منه كفيلا باجر
الدار ما سكنها أبدا أو يسمى كل شهر للضامن فتكون هذه الكفالة بمال معلوم وهو مضاف
إلى سبب الوجوب فيكون صحيحا ويأخذ الكفيل بها إذا تعذر استيفاؤها من المستأجر
للافلاس ودين الأجرة كسائر الديون فكما أن طريق التوثق في سائر الديون الكفالة فكذلك
في الأجرة * رجل استأجر دارا لأبناء فيها فاذن له رب الدار أن يبنيها ويحسب له رب الدار
ما أنفق في البناء من الاجر فإنه بينه وبين كذا كذا درهما فهو جائز قيل هذا الجواب بناء على
قولهما فاما عند أبي حنيفة رحمه الله لا يجوز لان الاجر دين على المستأجر وإنما أمره أن يشتري
له الآلات بالدين الذي له عليه وأبو حنيفة رحمه الله لا يجوز هذه الوكالة على ما قال في البيوع
إذا قال صاحب الدين للمديون سلم مالي عليك في كذا واشتر لي بمالي عليك عبدا والأصح
ان هذا قولهم جميعا لأنه أمره بالصرف إلى محل معلوم وهو بناء الدار وهو نظير ما قال
في الإجارات إذا أمر صاحب الحمام المستأجر بمرمة الحمام ببعض الأجرة أو استأجره دابة
وغلاما إلى مكان معلوم وأمره بان ينفق بعض الأجرة في علف الدابة ونفقة الغلام فان ذلك
جائز فلهذا مثله وان اختلفا في مقدار ما أنفق فالقول قول رب الدار لان المستأجر يدعى
صرف الزيادة إلى البناء فيما أنفق ورب الدار ينكر فالقول قوله مع يمينه (ألا ترى) انه لو
ادعى تسليم ذلك إلى رب الدار فأنكره رب الدار كان القول قوله وكذلك أن كان رب
الدار أشهد أن المستأجر مصدق فيما يقول إنه أنفق فليس ذلك بشئ فالقول قول رب الدار
لأنه أشهد على ما هو مخالف لحكم الشرع فان الاجر دين مضمون له في ذمة المستأجر وإنما
يقبل قول الأمين في الشرع ولا يقبل قول الضامن فإذا شهد على تصديق الضامن كان
الاشهاد باطلا والقول قول رب الدار (ألا ترى) انه لو شهد عند الإجارة ان المستأجر
مصدق فيما يدعي انفاقه من الأجرة لم يصدق في ذلك وكذلك لو جحد أن يكون بني فيها
217

وقال دفعتها إليه وهذا البناء فيها فالقول قوله لأنه منكر استيفاء شئ من الاجر والبناء تبع
للأصل فاتفاقهما على أن الأصل ملك له لامن جهة المستأجر يكون دليلا على أن البناء له
لامن جهة المستأجر أيضا فإذا ادعى المستأجر انه هو الذي بني هذا البناء كان عليه أن يثبت
ما ادعاه بالبينة فان أراد المشتري أن يصدق في النفقة عجل له من الاجر بقدر النفقة وأشهد
عليه بقبضه ثم يدفعه رب الدار إليه ويوكله بالنفقة على داره فيكون القول قول المستأجر
حينئذ في نفقة مثله وفى هذا الهلاك إذا ادعاه لان بالتعجيل ملك الاجر المقبوض وبرئت ذمة
المستأجر منه ثم إذا رده عليه لينفقه في داره كان أمينا في ذلك والقول قول الأمين في المحتمل
مع اليمين كالمودع يدعي رد الوديعة أو هلاكها الا انه إنما يصدق في نفقة مثله لأن الظاهر
لا يكذبه في ذلك المقدار وفيما زاد على ذلك يكذبه فلا يقبل قوله الا بحجة كالوصي يدعى
الانفاق على اليتيم من ماله يصدق في نفقة مثله ولا يصدق في الزيادة على ذلك وإذا خاف
رب الدار أنه يتعبه المستأجر في رد الدار بعد مضى مدة الإجارة وأجرها منه سنة من يومه
على أن أجرتها بعد مضى السنة تكون كل يوم دينارا فيجوز العقد على هذا الوجه لأن العقد
بعد مضى السنة يكون مضافا إلى وقت في المستقبل وإضافة الإجارة إلى وقت في
المستقبل صحيح فبعد مضى السنة لا يمتنع المستأجر من رد الدار مخافة أن يلزمه كل يوم دينار
فان قال المستأجر أنا لا آمن أن يغيب رب الدار بعض مضى السنة فلا يمكنني أن أردها عليه
ويلزمني كل يوم دينار فالحيلة في ذلك أن يجعلا بينهما عدلا ويستأجر المستأجر الدار من
العدل بهذه الصفة حتى إذا مضت السنة وتغيب رب الدار يتمكن المستأجر من ردها علي
العدل فلا يلزمه الدينار باعتبار كل يوم بعد ذلك وعلي هذا لو استأجر دارا كل شهر بكذا
فلزوم العقد يكون في شهر واحد فإذا تم الشهر فلكل واحد منهما أن يفسخ العقد في الليلة
التي يهل فيها الهلال فالحيلة أن يمضيه قبل الفسخ ليلزم العقد في رأس شهر الداخل فإذا
خاف المستأجر أن يبعث الاجر في الليلة التي يهل فيها الهلال فالحيلة أن يجعلا بينهما عدلا
حتى يتمكن من فسخ الإجارة مع العدل عند رأس الشهر ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول
إذا أدى الاجر في وسط الشهر ومن عزمه الفسخ عند مضى الشهر ينبغي أن يقول له إذا
جاء رأس الشهر فقد فسخت العقد بيني وبينك وهذا فاسد لأنه تعليق الفسخ بالشرط وذلك
لا يجوز ولكن ينبغي أن يقول له فسخت الإجارة بيني وبينك رأس الشهر فتكون هذه
218

إضافة الفسخ إلى وقت في المستقبل ولا تكون تعليقا بالشرط وكما تصح إضافة الإجارة إلى
وقت في المستقبل وان كأن لا يجوز تعليقها بالشرط فكذلك يجوز إضافة الفسخ إلى وقت
في المستقبل وهذا يجوز وان كأن لا يجوز تعليقه بالشرط * وإذا اكترى الرجل إبلا لمتاع له
إلى مصر بمائة دينار فان قصر عنها إلى الرملة فالكراء سبعون دينارا فان قصر عن الرملة إلى
اذرعاب فالكراء ستون دينارا فالإجارة فاسدة على هذا الشرط لجهالة مقدار المعقود عليه
وجهالة الاجر المسمى عند العقد ولأنه علق البراءة من بعض الاجر بالشرط ولو علق البراءة
من جميع الاجر بشرط فيه حظر لم تصح الإجارة فكذلك إذا علق البراءة من بعض الاجر
فان حمله إلى مصر ففي القياس له أجر المثل لأنه استوفى المنفعة بعقد فاسد وفى الاستحسان
تجب المائة الدينار لان المعنى الفاسد قد زال وهو نظير القياس والاستحسان الذي تقدم
في الإجارات انه لو استأجر دابة للركوب باجر معلوم أو ثوبا للبس ولم يبين من يركب
ومن يلبس كان العقد فاسدا ولو ركبها أو لبسه حتى مضت المدة وجب المسمى استحسانا
لانعدام المفسد وهو الجهالة قال والحيلة لهما في ذلك حتى لا يفسد أن يستأجرها إلى أذرعات
بخمسين دينارا ويستأجر من أذرعات إلى الرملة بعشرين دينارا ويستأجر من الرملة إلى
مصر بثلاثين دينارا فإذا بلغ أذرعات فان أراد صاحب المتاع أن لا يذهب إلى الرملة كان
ذلك عذرا له وفى فسخ العقد الثاني والثالث وان أراد أن يحمله إلى الرملة فليس لصاحب الإبل
أن يمتنع وكذلك من الرملة إلى مصر وهذا لان صاحب الإبل عليه تسليم الإبل ولا يلزمه
أن يذهب بنفسه ماشيا وان أبى فلا يكون ذلك عذرا له في فسخ الإجارة وصاحب المتاع له
أن يبيع متاعه باذرعات ولا يخرج منها إلى الرملة فيكون ذلك عذرا له في فسخ الإجارة
وإذا أراد الرجل أن يؤاجر أرضا له فيها ذرع لم يكن له فيها حيلة الا خصلة واحدة وهي أن
يبيعه الزرع ثم يؤاجره الأرض لان شرط جواز عقد الإجارة انه يتمكن المستأجر من
الانتفاع بالأرض بعد الإجارة وإذا باعه الزرع ثم أجر الأرض فهو يتمكن من الانتفاع بها
لأنه يرى زرعه فيها وإذا لم يبعه الزرع لا يتمكن المستأجر من الانتفاع بها وهي مشغولة بزرع
الاخر ولا يمكنه التسليم الا بقلع زرعه وفيه ضرر بين عليه فلهذا كان العقد فاسدا وعلى هذا لو
كانت في الأرض أشجارا أو بناء فأراد أن يؤاجرها منه ينبغي له أن يبيع الأشجار والبناء
منه أولا ثم يؤاجره الأرض وذكر الطحاوي رحمه الله في هذا الفصل انه يبيع الأشجار
219

بطريقها إلى بابها فإن لم يكن لها باب فإنه ينبغي أن يبين طريقا معلوما لها من جانب من جوانب
الأرض حتى يصح الشراء ثم يؤاجر الأرض بعد ذلك فيكون صحيحا لان صحة الإجارة تنبنى
على صحة الشراء فإن لم يبين الطريق في الشراء فسد الشراء لأنه لا يملكها قبل القبض ولو
قبضها كان الرد مستحقا عليه لفساد العقد فلا يتمكن من الانتفاع بالأرض ما لم يكن الشراء
صحيحا فشرط ذلك لبيان الطريق والله أعلم بالصواب
باب الوكالة
(قال رضي الله عنه) رجل وكل رجلا أن يشترى جارية له بعينها بكذا درهما فلما رآها
الوكيل أراد أن يشتريها لنفسه فان اشتراها بمثل ذلك الثمن أو أقل فهو مشترى للآمر وان
نوى الشراء لنفسه عند العقد أو صرح به لأنه ممتثل أمر الموكل فيما باشره من العقد وهو
لا يملك عزل نفسه في موافقة أمر الآمر فيكون مشتريا للآمر وان اشتراها بأكثر مما سمي
له من الثمن أو اشتراها بدنانير كان مشتريا لنفسه لأنه خالف أمر الامر فلا ينفذ تصرفه
عليه وهو بعد قبول الوكالة تام الولاية في تصرفه فيصير مشتريا لنفسه لما تعذر تنفيذه على
الآمر ولا يكون آثما في ذلك لان قبول لوكالة لا يلزمه الشراء للآمر لا محالة (ألا ترى)
انه له أن يفسخ الوكالة وان يمتنع من الشراء أصلا ولا يكون آثما في اكتسابه هذه الحيلة
ليشتريها لنفسه ولا يقال إذا اشترى بأكثر مما سمى له ففي حصة ما سمى له ينبغي له أن
يكون مشتريا للآمر لأنه إنما أمره بشراء جميعها بالمسمى من الثمن لا بشراء بعضها ولان
الوكيل بشراء الجارية لا يملك أن يشترى نصفها للآمر فان مقصود الامر لا يحصل بذلك
فإنه كان أمره أن يشتريها له ولم يسم ثمنا فان اشتراها بأحد النقدين فهو للآمر وان نواها
لنفسه أو اشتراها بمكيل أو موزون بعينه أو بغير عينه أو بعرض بعينه فهو مشتر لنفسه
لان مطلق التوكيل بالشراء ينصرف إلى الشراء بالنقد فهو مختص بالشراء فكأنه صرح
بذلك لان الثابت بالعرف كالثابت بالنص فان أمر الوكيل رجلا آخر أن يشتريها للوكيل
الأول فان اشتراها بمحضر من الوكيل الأول بالدراهم أو الدنانير كان مشتريا للآمر لان
فعل الوكيل الثاني بمحضر من الوكيل الأول كفعل الأول (ألا ترى) ان بمطلق التوكيل
ينفذ هذا التصرف على الآمر فان اشتراها بغير محضر من الوكيل الأول ليس له أن يوكل
220

غيره ليشتريها بمحضر منه وإذا فعل لا ينفذ شراؤه على الآمر فيكون مخالفا أمر الموكل
في هذا العقد فينفذ عليه خاصة إلا أن يكون الآمر الأول قال له اعمل فيها برأيك فحينئذ
يكون شراء الوكيل الآخر للآمر الأول لأنه ممتثل أمر الآمر في هذا التوكيل فإنه
متى فوض الآمر إلى رأى الوكيل على العموم يملك أن يوكل غيره به ويكون فعل الوكيل
الثاني كفعل الوكيل الأول فينفذ على الآمر إذا اشتراها بالنقد ولو كان وكله ببيع جارية
بعينها فليس للوكيل أن يبيعها من نفسه فان أراد أن يجعلها لنفسه فالحيلة في ذلك أن يطلب
من الموكل تفويض الامر إلى رأيه في بيعها على العموم ويقول له ما صنعت في ذلك من
شئ فهو جائز فإذا فعل ذلك وكل الوكيل رجلا آخر يبيعها ثم يشتريها من ذلك الوكيل
فيصح ذلك لان ذلك الوكيل الثاني ليس الوكيل الأول ولكنه وكيل صاحب الجارية
فقد قال له صاحبها ما صنعت من شئ فهو جائز والتوكيل من صنيعه فيصير الثاني بمنزلة ما
لو وكله صاحب الجارية ببيعها فينفذ بيعه إياها من الوكيل الأول وان أبى صاحب الجارية
أن يفوض الامر إلى رأيه على العموم فالسبيل له أن يبيعها ممن يثق به ثم يستقيله العقد
فتنفذ الإقالة على الوكيل خاصة أو يطلب من المشتري أن يوليه العقد فيها أو يشتريها منه
ابتداء ولا يأثم بذلك بعد أن لا يدع الاستقصاء في ثمنها في البيع ممن يثق به لان صاحبها
قد ائتمنه فعليه أن يؤدى الأمانة كما قال عليه السلام أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من
خانك وأداء الأمانة في أن لا يدع الاستقضاء في ثمنها فلو اشتراها الوكيل للآمر في مسألة
التوكيل بالشراء وقبضها ثم وجد بها عيبا قبل أن يدفعها إلى الآمر كان له أن يردها بالعيب
لتمكنه من ردها بكونه في يده والوكيل بالعقد في حقوق العقد بمنزلة العاقد لنفسه فإذا ردها
على البائع بقضاء القاضي انفسخ العقد الأول من الأصل وصار كأن لم يكن وقد بقي هو على
وكالته ما لم يحصل مقصود الآمر فلو أراد أن يشتريها لنفسه بعد ذلك فاشتراها وهو عالم
بعيبها لم يكن الشراء الا للآمر لما مر أنه باق على وكالته ما لم يحصل مقصود الآمر إلا أنه
عالم بعيبها وهو في الابتداء لو علم بعيبها واشتراها لنفسه كان الشراء للآمر فكذلك في المرة
الثانية والوكيل بالبيع يكون خصما في الرد بالعيب بمنزلة البائع لنفسه فان أراد أن يتحرز عن
ذلك فالحيلة فيه أن يأمر غيره ليبيعه بحضرته فينفذ ذلك على الآمر عندنا وخصومة المشترى
في الرد بالعيب لا تكون مع الوكيل وإنما تكون مع عاقده فان أبى المشترى الا بأن يضمن
221

الوكيل الأول الدرك فينبغي له أن لا يتحرز من ذلك لان مقصوده حاصل من غير ضمان
الدرك فان المشترى إذا وجد بالمبيع عيبا فلا خصومة له بالعيب مع الضامن للدرك وإذا رده
على البائع بالعيب لم يكن له أن يرجع بالثمن على الضامن للدرك لان العيب ليس يدرك وإذا
خلع الأب ابنته من زوجها بمالها على الزوج من الصداق لم يجز ذلك ولم تطلق البنت سواء
كانت صغيرة أو كبيرة الا على قول مالك رحمه الله فإنه يجوز خلع الأب على ابنته الصغيرة
كما يجوز تزويج الأب ابنه الصغير بمال الابن وقد بينا المسألة في النكاح فان في الخلع المرأة
تلتزم مالا بإزاء ما ليس بمتقوم لأنه لا يدخل في ملكها بالخلع شئ متقوم وليس للأب هذه
الولاية على ابنته صغيرة كانت أو كبيرة فهي في الخلع كأجنبي إلا أن يضمن الدرك للزوج
فحينئذ ينفذ الخلع على الوجه الذي بيناه في الشروط * وإذا خاف الوكيل بشراء متاع من
بلد من البلدان يبعث بالمتاع مع غيره أو يستودع المال غيره فيصير ضامنا فالحيلة له في ذلك
أن يستأذن رب المال في أن يعمل برأيه فإذا أذن له في العمل برأيه كان له أن يصنع ذلك
وجاز له أن يوكل غيره بالتصرف ويدفع المال إليه فان الموكل أجاز صنيعه على العموم
والتوكيل من صنيعه فينفذ علي الموكل كأنه باشره بنفسه والله أعلم بالصواب
باب الصلح
(قال رحمه الله) رجل له على رجل ألف درهم فصالحه منها على مائة يؤديها إليه في كل
شهر كذا فإن لم يفعل فعليه مائتا درهم فذلك جائز عندنا وهو قول أبى يوسف رحمه الله
ويبطله غيرها يعنى شريك وأبن أبي ليلى رحمهما الله فإنهما كانا يقولان هذا تعليق التزام المال
بالحظر لأنه يقول إن لم يفعل فعليه مائتا درهم يعنى إن لم يؤد المائة في نجومها ولا يدرى
أيؤدى أم لا يؤدي وتعليق التزام المال بالحضر لا يجوز فالفقه في ذلك أن يحط رب المال
عنه ثمانمائة درهم عاجلا ثم يصالحه من المائتين على مائة درهم يؤديها إليه ما بينه وبين شهر
كذا على أنه ان أخرها عن هذا الوقت فلا صلح بينهما على هذا وإذا أراد أن يكاتب عبده
علي ألف درهم يؤديها إليه في سنة فإن لم يفعل فعليه ألف درهم أخرى فان هذا لا يجوز لأنه
صفقتان في صفقة وشرطان في عقد ولان فيه تعليق التزام المال بالحظر وهو أن لا يؤدي
الألف في السنة وان أراد الحيلة في ذلك فالحيلة أن يكاتبه على ألف درهم ثم يصالحه منها على
222

ألف درهم يؤديها إليه في سنة فإن لم يفعل فلا صلح بينهما فيكون العقد صحيحا على بدل
مسمى ويكون الصلح صحيحا على ما وقع الاتفاق عليه بينهما لان عقد الصلح ينبنى على
التوسع ومثل هذا الصلح يصح بين الحرين فبين المولى ومكاتبه أولى ولان مثل هذا
الشرط في البيع يصح فإنه لو باع علي أنه إن لم يؤد الثمن على ثلاثة أيام فلا بيع بينهما كان
جائزا على هذا الشرط فلان يجوز الصلح على شرط أولى * رجل مات وترك دارا في يد
ابنه وامرأته فادعى رجل أنها له فصالحه الابن والمرأة على مائة درهم من غير اقرار منهما
كانت المائة عليهما أثمانا والدار بينهما أثمانا لان الصلح عن الانكار إنما يجوز باعتبار أنه اسقاط
دعوى المدعى حقه وخصومة تلزمه لبعض المصالح ولهذا جاز مع الأجنبي وإن كان بغير أمر
المدعي عليه لو كان منه تمليكا من المدعى عليه لم يجز بغير أمره فإذا صح أنه اسقاط بقيت
الدار بينهما يعد الصلح على ما كانت عليه قبل الدعوى وقد كانت أثمانا وإذا ثبت أن الدار
بينهما على ثمانية ثبت أن المال عليهما يتوزع علي ذلك أيضا لأنه بمطلق قبول العقد إنما يجب
المال على ما ينتفع فيجب على كل واحد منهما من المال بقدر ما ينال من المنفعة وان صالحاه
بعد اقرارهما بها له وأراد بالاقرار تصحيح الصلح فالمائة عليهما نصفان والدار بينهما كذلك
لأنهما لما أقرا أنها للمدعى ثم صالحاه فكأنهما اشتريا الدار بالمائة وظهر باقرارهما أن الدار
لم تكن ميراثا بينهما وبمطلق الشراء يقع الملك للمشتريين في المنزل نصفين ويكون الثمن
عليهما نصفين فان أرادا أن يكون بينهما أثمانا فالحيلة في ذلك أن يقرا للمدعى بالدار ثم
يصالحهما منها على مائة درهم على أن يكون للمرأة ثمن الدار وللابن سبعة أثمانها فإذا صرحا
بذلك كان الملك في الدار بينهما علي ما صرحا به والثمن كذلك بمنزلة ما لو اشترياها على أن
يكون لأحدهما ثمنها وللآخر سبعة أثمانها * رجل ادعى في دار رجل دعوى فصالحه على
مائة ذراع منها فهو جائز لان الصلح على الانكار مبنى على زعم المدعى ولهذا لو وقع الصلح
على دار كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة وفى زعم المدعى أنه يستوفى من الدار مائة ذراع
بملكه القديم إلا أن يتملكها علي ذي اليد ابتداء فيكون صحيحا فان صالحه على مائة ذراع من
دار أخرى لم يجز في قول أبي حنيفة وجاز عندهما لأنه يتملك ما وقع عليه الصلح بعوض فهو
بمنزلة من اشترى مائة ذراع من دار وذلك فاسد عند أبي حنيفة جائز عندهما * مريض
ادعى على رجل مالا وله به عليه بينة فصالحه منه على دراهم يسيرة وأقر المريض انه لم يكن
223

له على هذا المطلوب شئ ثم مات جاز اقراره في القضاء ولم يقبل من ورثته بينة على المطلوب
بذلك المال أما إذا لم يكن يقر بذلك فيتمكن في هذا الصلح محاباة وهو يعتبر من ثلث المال
وأما إذا أقر بذلك فاقراره بما يتضمن براءة الأجنبي معتبر باقراره للأجنبي وذلك صحيح
من جميع ماله فكذلك اقراره أنه لم يكن له على المطلوب شئ يكون صحيحا وبعد صحة الاقرار
منه لا تسمع الدعوى من ورثته لأنهم يقومون مقامه وهو لو ادعى بعد ذلك مالا مطلقا
عليه لم تسمع دعواه ولم تقبل بينته فكذلك الورثة إذا ادعوا ذلك * رجل له على رجل دين
حال فصالحه على أن ينجمه نجوما عليه وأخذ منه كفيلا على أن كل واحد منهما ضامن عن
صاحبه على أنهما ان أخرا نجما عن محله فالمال عليهما حال فهو جائز لأنه إذا أخذ بالمال كفيلا
كان الكفيل مطالبا به كالأصيل فهذا بمنزلة رجل له على رجلين مال وكل واحد منهما ضامن
عن صاحبه فنجمه عليهما نجوما على أنهما لو أخرا نجما عن محله فالمال عليهما حال وذلك جائز
لأنه تنجيم المال عليهما صلح فقد علق بطلان الصلح بعدم الوفاء بالشرط وذلك جائز فإن كان
الطالب إنما أخذ من المطلوب كفيلا بنفسه على أنه إن لم يوف به عند كل نجم فالكفيل ضامن
لجميع المال على النجوم التي سميا فان ذلك جائز عندنا وبعض الفقهاء رحمهم الله يعنى ابن أبي
ليلى لا يجوز تعليق المال بالمال بحظر عدم الموافاة بالنفس وقد بيناه في كتاب الكفالة
فالفقه في ذلك أن يضمن الكفيل المال على أنه يبرأ من كل نجم بدفع المطلوب عند محله إلى
الطالب فيجوز ذلك في قول الكل لان ايفاء المطلوب يوجب براءة الكفيل فاشتراط براءته
عند ايفاء الكفيل شرط موافق لحكم الشرع فيكون صحيحا * رجل صالح غريما له على أن
يؤجله بما عليه علي أن يضمن له فلان المال إلى ذلك الاجل فإن لم يفعل فلا صلح بينهما
والمال حل عليه فذلك جائز ولا آمن أن يبطله بعض الفقهاء يعنى به أن يبطله على طريق
القياس فان الصلح قياس البيع في بعض الأحكام * وإذا شرط في البيع ضمان رجل بعينه
كان ذلك مبطلا للبيع فكذلك الصلح فالفقه في ذاك أن يكون الكفيل حاضرا فيضمنه لان
على طريق القياس إنما لا يصح هذا العقد لبقاء الغرر فيه وهو أنه لا يدرى أيضمن الكفيل
المال أو لا يضمن فإذا ضمنه فقد انعدم معنى الغرور وإن لم يكن حاضرا فالفقه فيه أن يصالحه
على ما ذكرت علي أن فلانا ان ضمن هذا المال ما بينه وبين قوم كذا فالصلح تام وإلا فلا
صلح بينهما فإذا كان العقد بهذه كان تمام الصلح بقدر ما ضمن فلان ولا يبقى غرر إذا ضمن
224

فلان فالصلح بينهما صحيح * وإذا كفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به إلى كذا فالمال
عليه وأخذ الكفيل من المطلوب رهنا لم يجز الرهن لان موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء
وما وجب للكفيل على المطلوب ماله والكفالة بالنفس ليست بمال والكفالة بالمال متعلقة
بعدم الموافاة بالنفس فكيف يصح الرهن من غير دين له عليه فان أراد الحيلة في ذلك فالوجه
ان يبدأ بضمان المال فيقول أنا ضامن لمالك عليه من المال فان وافيت به إلى كذا من الاجل
فانا برئ فان فعل ذلك جاز له أن يرتهن منه رهنا بما ضمنه لأنه كما وجب المال للطالب علي
الكفيل وجب للكفيل على المطلوب فيجوز أخذ الرهن منه به ولم يذكر في الكتاب ما إذا
كانت الكفالة بالنفس فقط وأراد الكفيل أن يأخذ من المطلوب رهنا ولا اشكال ان ذلك
لا يجوز بخلاف ما إذا أخذ منه كفيلا فان صحة الكفالة لا تستدعى دينا واجبا وصحة الرهن
تستدعى ذلك ولهذا لا يجوز الرهن بالدرك وتجوز الكفالة بالدرك ثم الحيلة في هذا أن يقر
المطلوب ان هذا الكفيل ضمن عنه مالا لرجل من الناس باشره ولا يسمى ذلك الرجل ولا
مقدار المال نم يعطيه رهنا بذلك فيكون صحيحا في الحكم ويكون القول قول المطلوب في
مقدار ذلك المال فيمكن بأدائه من اخراج الرهن فان قال الكفيل مقصودي لا يتم بهذا
وربما يقول المطلوب بعد كفالتي بالنصف ان المال درهم فيعطيني ذلك ويسترد النصف
فالسبيل أن يجعلا بينهما عدلا ثقة يثقان به ويكون ارتهان الكفيل من ذلك العدل بأمر
المطلوب فلا يسترد منه الرهن قبل براءته عن الكفالة بالنفس * رجل أخذ من غريمه كفيلا
بنفسه علي انه إن لم يواف به يوم كذا فالكفيل ضامن لنفس فلان غريم آخر للطالب فهو
جائز عندنا يعنى قول أبي حنيفة وأبى يوسف ولا آمن أن يبطله بعض العلماء رحمهم الله يعنى
ان على قول محمد رحمه الله هذا لا يجوز فالفقه فيه أن يكفل بنفس فلان وفلان على أنه ان
وافى بفلان أحدهما ما بينه وبين يوم كذا فهو برئ من الكفالة الأخرى فيكون جائزا
عندهم جميعا لأنه علق البراءة على الكفالتين بالموافاة وبنس أحدهما وكما يجوز تعليق البراءة
عن الكفالة بالنفس بالموافاة بالمال فكذلك يجوز تعليق البراءة عن الكفالتين بالموافاة بنفس
أحدهما ولو أخذ منه كفيلا بنفسه على أنه إن لم يواف به يوم عد فما على المطلوب من المال فهو
على الكفيل فلم يواف به فهو ضامن للمال والنفس لأنه كفل بالنفس كفالة مطلقة فلا يبرأ
الا بتسليم النفس وعلق الكفالة بالمال بحظر عدم الموافاة وقد وجد ذلك فان قال لا آمن أن
225

يبرئه بعض الفقهاء من الكفالة بالنفس ولا يعرف من هذا القائل وله وجه صحيح وهو ان
المقصود المال دون النفس وبعد ما حصل المقصود وتمكن الطالب من استيفاء المال من
الكفيل لا تبقي الكفالة بالنفس وهذا لان اللفظ في معنى توقيت الكفالة بالنفس إلى الوقت
الذي حصل عدم الموافاة فيه فشرط الكفالة بالمال فلا تبقى الكفالة بالنفس بعد مضى وقتها
ثم الفقه في ذلك أن يضمنه المال والنفس علي انه ان وافاه بنفسه لوقت كذا فهو برئ من
النفس والمال وإن لم يوافه به لذلك الاجل فالنفس والمال عليه لأنه كفل له كفالة مطلقة
(مسائل متفرقة) قال وإذا خاف الوصي جهل بعض القضاة في أن يسأله عما وصل إليه
من تركة الميت ثم يسأله البينة على ما أنفق وعمل وإنما سمي هذا جهلا لأنه خلاف حكم
الشرع فالوصي أمين والقول في المحتمل قول الأمين وهو متبرع في قبول الوصاية قائم
مقام الميت فكما لم يكن للقاضي أن يسأل الموصى عما تركه من المال لا يكون له أن يسأل
الوصي عما وصل إليه من المال فمن فعل ذلك من القضاة كان جهلا ولكن رأى بعض
القضاة أن يفعلوا ذلك ويعدونه من الاحتياط فبين الحيلة للوصي في ذلك بان يولى غيره
في قبض التركة وبيعها وقضاء الدين وغير ذلك ولا يشهد الموصى على نفسه بوصول شئ إليه
ولا يباشرها بنفسه بل يأمر غيره بالبيع وقضاء الدين فلا يكون للقاضي أن يسأله شيئا من
ذلك لأنه لم يصل إليه تركة الميت ولا عمل في التركة بنفسه فان أراد القاضي أن يستحلفه
ما قضيت دينا ولا وصل إليك تركة ولا أمرته بشئ منها يباع ولا وكلت به فإذا كان
الوصي وضع التركة مواضعها على حقوقها فهو مظلوم في هذه اليمين فيسعه أن يحلف وينوى
غير ما استحلف عليه لأنه إذا كان مظلوما فيمينه معتبرة شرعا ليتمكن بها من دفع الظلم عن
نفسه والخصاف رحمه الله توسع في كتابه في هذا الباب فقال ينوى ما فعل شيئا من ذلك
في وقت كذا لوقت غير الوقت الذي فعل فيه أو في مكان كذا لمكان غير المكان الذي
فعل فيه أو مع انسان غير الذي عامله وهذا لان من مذهبه أن نية التخصيص فيما ثبت
بمقتضى الكلام صحيحة كما تصح في الملفوظ فان المقتضى عنده كالمنصوص في أن له عموما
فتجوز نية التخصيص فيه وكان يستدل على ذلك بمسألة المساكنة التي وردها محمد رحمه الله
في كتاب الايمان إذا حلف لا يساكن فلانا وهو ينوى مساكنته في بيت أنه يعمل بنيته
والمكان ليس في لفظه فصحت نية التخصيص فيه وقال في الجامع إذا حلف لا يخرج ونوى
226

السفر صحت نيته والموضع الذي يخرج إليه ليس في لفظه وصح نية التخصيص فيه وقال
في كتاب الدعوى إذا أقر بنسب غلام صغير فجاءت أم الصغير بعد موته تطلب ميراث
الزوجات فإنها تستحق ذلك لان اقراره بالنسب يقتضى الفراش بين المقر وبين أم الصغير
فجعل الثابت بمقتضى كلامه كالثابت بالنص ولكن الصحيح من المذهب عندنا ان المقتضى
لا عموم له وان نية التخصيص فيما ثبت بمقتضى الكلام لا تكون صحيحة حتى إذا حلف
لا يأكل أو لا يشرب ونوى طعاما بعينه أو شرابا بعينه لم تعتبر نيته لان المنصوص فعل
الأكل فأما المأكول ثابت بمقتضى كلامه وثبوت المقتضي للحاجة إلى تصحيح الكلام ولهذا
لا يثبت في موضع يصح الكلام بدونه والثابت بالحاجة لا يعدو موضع الحاجة ولا حاجة
إلى اثبات العموم للمقتضى ولا إلي جعله كالمنصوص عليه فيما وراء المحتاج إليه فأما مسألة
المساكنة فهناك نية التخصيص في المكان لا تعمل عندنا حتى لو قال عنيت به المساكنة في
بيت بعينه لا يعمل بنيته ولكن إنما يعمل بنيته فيما يرجع إلى اكمال المنصوص فالمساكنة
تكون تارة في بلده وتارة في محله وتارة في دار وأياما كان من المساكنة أن يكون بينهما
في بيت واحد فهو إنما نوى صفة الكمال في المنصوص عليه فلهذا يعمل بنيته وكذلك في
مسألة الخروج لا نقول بنيته في تخصيص المكان حتى لو نوى الخروج إلى بغداد لا يعمل
بنيته فإذا نوى السفر فإنما نوى نوعا من أنواع الخروج لان الخروج أنواع شرعا خروج
للسفر ولما دون السفر وإنما اختلافهما باختلاف الاحكام فإنما يعمل بنيته في تنوع الخروج
في لفظه لان ذكر الفعل كذكر المصدر وفى مسألة النسب الفراش بينه وبينها ثبت بمقتضى
كلامه ولكن ما ثبت بطريق الاقتضاء يثبت حكمه وإن لم يجعل كالمنصوص عليه كالبيع
الثابت في قوله أعتق عبدك عنى علي ألف درهم يثبت حكمه وهو ملك البدلين وإن لم يجعل
ذلك كالبيع المصرح به * إذا عرفنا هذا فنقول ينبغي أن ينوى شيئا هو من محتملات لفظه
أو يكون راجعا إلى تخصيص ما في لفظه حتى يكون عاملا وأسهل طريق قالوا في هذا
النوع من الايمان ان القاضي إذا قال له قل والله ينبغي أن يقول هو الله فدغم الهاء على وجه
لا يفطن به القاضي ثم يمضى في كلامه إلى آخره فلا يكون ذلك يمينا ولا يأثم به إذا كان
مظلوما وإذا أراد الوصي أن يدفع إلى الورثة أموالهم ويكتب عليهم البراءة من كل قليل
وكثير أيهما أوثق له أن يسمى ما جرى على يده وما أعطاهم أو لا يسمى قال الأوثق له أن
227

يكتب البراءة من كل قليل وكثير ولا يسمى شيئا فإنه لا يأمن أن يحضر صاحب دين أو
وصية أو وارث فيضمنه ما سمى انه دفعه إلى الورثة وإذا كتب براءته من كل قليل وكثير
فليس له ولاية أن يضمنوه شيئا فهذا أوثق للوصي ولكن الأوثق للوارث أن يسمى ذلك
فربما يخفى الوصي بعض التركة فإذا كتبوا له البراءة من كل قليل أو كثير لم يكن لهم سبيل
على ما ظهر عليه من الجناية بعد ذلك فإذا سموا ما وصل إليهم كان لهم أن يخاصموا فيما يظهر
في يده من التركة بعد ذلك وذكر عن سالم ابن عبد الله انه سئل عن رجل طلق امرأته
ثلاثا فانقضت عدتها فتزوجها رجل ليحللها للزوج الأول لم يأمره الزوج بذلك ولا المرأة
قال هذا ما يجوز وهو قول أبي حنيفة رحمه الله وبه نأخذ لأنه تزوجها نكاحا مطلقا والنكاح
سنة مرغوب فيها وإنما قصد بذلك ارتفاع الحرمة بينهما ليمنعها بذلك على ارتكاب المحرم
ويوصلهما إلى مرادهما بطريق حلال فتكون إعانة على البر والتقوي وذلك مندوب إليه
فالظاهر أن كل واحد منهما نادم على ما كان منه من سوء الخلق خصوصا إذا كان بينهما
ولد فلو امتنع الثاني من أن يتزوجها ليحلها للأول ربما يحملها الندم أو فرط ميل كل واحد
منهما إلى صاحبه على أن يتزوجها من غير محلل فهو يسعى إلى تمام مرادهما على وجه يندبان
إليه في الشرع فيكون مأجورا فيه وفى نظيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقال
نادما أقاله الله عثراته يوم القيامة فإذا تقرر هذا تبين ان الحل يحصل بدخول الزوج الثاني
بها وإن كان مراده أن يحلها للأول فإذا تزوجها بهذا الشرط بان قالت المرأة له تزوجني
فحللني أو قال له الزوج الأول تزوج هذه المرأة فحللها لي أو قال الثاني للمرأة أتزوجك
فأحللك للأول فهذا مكروه وهو معنى قوله عليه السلام لعن الله المحلل والمحلل له وقال عليه
السلام ألا أنبئكم بالتيس المستعار قالوا بلى قال هو الرجل يتزوج المرأة فيحللها لزوج
كان لها قبله ولكن مع هذا يجوز النكاح ويثبت الحل للأول بدخول الثاني بها عند أبي
حنيفة رحمه الله لان هذا المنهى لمعني في غير النكاح فلا يمنع صحة النكاح والدخول بالنكاح
الصحيح يحللها للزوج الأول ثبت ذلك بالسنة وعلى قول أبى يوسف رحمه الله هذا النكاح
فاسد لأنه في معنى التوقيت للنكاح والتوقيت مفسد للنكاح كما لو تزوج امرأة شهرا وإذا
فسد النكاح الثاني فالدخول بالنكاح الفاسد لا يوجب الحل للزوج الأول وقال محمد رحمه
الله النكاح جائز ولكن الشرط باطل لان النكاح يهدم الشرط ولا يبطل بالشرط الفاسد
228

إلا أنهما لو قصدا الاستهجان عوضا بالحرمان فلا يثبت به الحل للزوج الأول كما لو قتل
مورثه بغير حق وقد تقدم بيان المسألة في كتاب الطلاق ولو قال الرجل ان خطبت فلانة
أو تزوجتها فأجازت فهي طالق ثلاثا فله أن يخطبها ثم يتزوجها بعد ذلك ولا يحنث لأنه
إذا دخل حرف أو بين الشرطين فيكون الثابت أحدهما وتتحلل اليمين بوجود أحد
الشرطين فان خطبها أولا أنحلت اليمين وهي ليست في نكاحه فلم يقع عليها شئ ثم تزوجها
بعد ذلك ولا يمين فلا تطلق بمنزلة ما لو قال إن قبلتها أو تزوجتها فهي طالق فقبلها ثم
تزوجها لم تطلق ولو تزوجها قبل أن يخطبها ثم بلغها فأجازت طلقت ثلاثا لان الموجب هنا
شرط التزوج واتمام ذلك بإجازتها وهي عند تمام الشرط في نكاحه فتطلق ثلاثا بمنزلة
قوله ان قبلتها أو تزوجتها ثم تزوجها قبل أن يقبلها وتبين بهذه المسألة ان من قال إن خطبت
فلانة فهي كذا أو كل امرأة خطبتها فهي كذا أن يمينه لا تنعقد لان الخطبة غير العقد
وهي تسبق العقد فلا يكون هو بهذا اللفظ مضيفا الطلاق إلى الملك وهذا في لسان العربية
فان عقد يمينه بلسان الفارسية فقال اكر فلانة رابحوا همه ما هودى له بحراهم ففي كل موضع
يكون هذا اللفظ يفهم غير الخطبة لا ينعقد اليمين أيضا هكذا العرف بخراسان وما وراء
النهر فاما في هذه الديار فإنما يريدون بهذا اللفظ التزوج فينعقد اليمين إذا كان مراده هذا ويقع
الطلاق إذا تزوجها * رجل حلف أن لا يتزوج بالكوفة امرأة فزوجه وكيل له بالكوفة فهو
حانث لان الوكيل بالنكاح سفير ومعبر حتى لا يستغنى عن إضافة العقد إلى الموكل ولا
يتعلق به شئ من حقوق العقد فمباشرة الوكيل كمباشرته بنفسه في حق الحنث بخلاف البيع
فإنه إذا حلف لا يشترى شيئا بالكوفة فاشترى له وكيله لا يحنث لان الوكيل في الشراء بمنزلة
العاقد لنفسه حتى يستغني عن إضافة العقد إلى الموكل ويتعلق حقوق العقد به ثم الحيلة في
مسألة النكاح أن توكل المرأة وكيلا يزوجها منه ثم يخرج الوكيل والزوج إلى الحيرة أو غيرها
بعد أن يخرجا من أبيات الكوفة ثم يزوجها منه فلا يحنث لأنه لم يتزوجها بالكوفة (ألا
ترى) أن المقيم بالكوفة إذا خرج من أبيات الكوفة علي قصد السفر كان مسافرا يقصر
الصلاة فعرفنا أن التزوج في هذا الموضع لا يكون تزويجا بالكوفة وإنما ذكر توكيلها لئلا
تبتلى بالخروج مع غير المحرم إلى ذلك الموضع * رجل قال لعبده قد أذنت لك أن تتزوج كل
أمة تشتريها فاشترى العبد أمة فتزوجها ببينة فهو جائز لان ما اشتراها صارت مملوكة للمولى
229

وقد أقامه المولى مقام نفسه في ذلك ولو زوج بنفسه أمته بمحضر من الشهود جاز فكذلك العبد
إذا فعل ذلك وقال أبو حنيفة رحمه الله في رجل له جارية تخرج في حوائجه وهو يطؤها فحملت
وولدت وسعه أن يدعيه وأن يبيعه معها وان كأن لا يدعها تخرج لم يسعه ذلك وإن كان يعزل
عنها ولا يطلب ولدها لم يسعه ذلك إذا حبسها ومنعها من الخروج وهذا فيما بينه وبين ربه فأما
في الحكم لا يلزمه النسب الا بالدعوى إلا أنه إذا حصنها فالظاهر أن الولد منه سواء كان
يعزل عنها أولا يعزل فعليه الاخذ بالاحتياط والبناء على الظاهر وذكر عن علي رضي الله عنه
أن رجلا أتاه فقال إن لي جارية أطؤها وأعزل عنها فجاءت بولد فقال علي رضي الله عنه نشدتك
يا لله هل كنت تعود إلى جماعها قبل أن تبول قال نعم فمنعه من أن ينفيه فهو عندنا على التي قد
حصنت ومعنى هذا أنه يتوهم بقاء بعض المنى في إحليله فبالمعاودة يصل إليها إذا عاد في جماعها
قبل البول ولهذا قال أبو حنيفة رحمه الله إذا أتى أهله واغتسل قبل أن يبول ثم سال منه بقية
المنى يلزمه الاغتسال ثانيا وكذلك أن كان يعزل عنها فصب الماء من فوق فربما يعود إلى فرجها
فتحبل به ولهذا لا يسعه نفى الولد والأصل فيه ما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام انه لما
سئل عن العزل قال إذا أراد الله خلف نسمة من ماء فهو خالقها وان صببتم ذلك على صخرة
فاعزلوا أو لا تعزلوا * وإذا غاب أحد المتفاوضين فأراد الثاني منهما أن يبطل الشركة فالحيلة
له أن يرسل رسولا إليه بأنه قد فارقه ونقض ما بينهما من الشركة فإذا بلغ الرسول ذلك فقد
انقضت الشركة بينهما لان كل واحد منهما ينفرد بنقض الشركة بعد أن يكون ذلك بعلم
صاحبه ليندفع الضرر عنه والغرر عن شريكه بذلك وعبارة الرسول في اعلامه كعبارة
المرسل وهذا في كل عقد لا يتعلق به اللزوم نحو عزل الوكيل والحجر على العبد المأذون
وفسخ المضاربة ونقض ولاء الموالاة إذا كان الأسفل غائبا فأراد الأعلى أن ينقض ولاءه
أرسل إليه رسولا يبلغه عنه أنه قد نقض موالاته فيكون تبليغ الرسول إياه كتبليغ
المرسل بنفسه وان أراد ذلك الأسفل فله ذلك قبل أن يعقل عنه الأعلى وان شاء فعل
كذلك وان شاء إلى غيره فيكون ذلك نقضا للموالاة مع الأول وقد بينا هذا في كتاب
الولاء والله أعلم بالصواب
230

باب الايمان
(قال رحمه الله) ولو حلف لا يلبس من ثياب فلان شيئا وليس لفلان يومئذ ثوب ثم
اشترى ثوبا فلبسه الحالف حنث لأنه عقد يمينه على لبس ثوب مضاف إلى فلان فيعتبر وجود
الإضافة عند اللبس كما لو حلف لا يأكل طعام فلان بشرط وجود الإضافة عند الأكل
وهذا لان الذي دعاه إلى اليمين ليس معنى في الثوب والطعام بل لمعنى لحقه من جهة فلان
وبذلك المعنى إنما يمتنع من اتحاد الفعل فيه لكونه مضافا إلى فلان وقت اتحاد الفعل لا
وقت اليمين وفرق أبو يوسف رحمه الله بين هذا وبين الدار وقال الدار لا يستحدث الملك
فيها في كل وقت فلا يتناول يمينه الا ما كان موجودا في ملك فلان عند يمينه فأما الثوب
والطعام فيستحدث الملك فيهما في كل وقت وإنما يتناول يمينه ما كان في ملك فلان عند وجود
الفعل ولو حلف لا يكسو فلانا فوهب له ثوبا صحيحا وأمره أن يصنع منه قميصا حنث لأنه
قد كساه فهذا اللفظ إنما يتناول تمليك الثوب منه لا البأس الثوب إياه (ألا ترى) ان
كفارة اليمين تتأدى بكسوة عشرة مساكين وذلك بالتمليك دون الالباس ويقال في العادة
كسى الأمير فلانا إذا ملكه سواء لبسه فلان أو لم يلبسه فقد يطلق اسم الكسوة على ما لا
يتأتى فيه اللبس فعرفنا أن المراد به التمليك ولو حلف لا يلبس قميصا لفلان فلبس قميصا
لعبده لم يحنث في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف قال الحاكم رحمه الله يحنث
وهذا خلاف ما مضى في كتاب الايمان ان علي قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله
إذا لم يكن على العبد دين لم يحنث إلا أن ينويه وعلي قول محمد يحنث قال ولكن عندي أن
الجواب الذي ذكر في الكتاب فيما إذا كان على العبد دين مستغرق ونواه فإنه لا يحنث
عند أبي حنيفة لأنه لا يملك كسبه وعند أبي يوسف يحنث لأنه مالك كسبه فأما عند عدم
النية أو عند عدم الدين على العبد فلا خلاف عند أبي حنيفة وأبى يوسف انه لا يحنث
وان حلف أنه لا يكسو فلانا فكسى عبده لا يحنث لأنه ما ملك الثوب من فلان وإنما
ملكه عبده لان الملك يقع للمولى على سبيل الخلافة من عبده حكما وذلك ليس شرط حنثه
ثم هذا على قول أبي حنيفة رحمه الله ظاهر فان عنده لو وهب لعبد أخيه بملك الرجوع فيه
ولم يجعل كهبته لأخيه فكذلك إذا كسى عبد فلأن لا يجعل في حكم الحنث كأنه كسى فلانا
231

وهما يقولان في حكم الرجوع هبته لعبد أخيه كهبته لأخيه لاعتبار أن الخصومة في الرجوع
تكون مع المولى وهو قريب له فرجوعه يؤدى إلى قطيعة الرحم وهنا شرط حنثه نفس
الكسوة لا معنى ينبنى عليه وقد وجد ذلك مع العبد دون المولى (الا ترى) أن القبول
والرد فيه يعتبر من العبد دون المولى وعلى هذا لو حلف لا يبيع من فلان شيئا فباع
من عبده لم يحنث وهذا في البيع أظهر لأنه لو باع من وكيل فلإن لم يحنث فكيف يحنث
إذا باع من عبد فلان والعبد في الشراء يتصرف لنفسه لا لمولاه ولو حلف لا يبيع هذا
الثوب من فلان بثمن فباعه بجارية لم يحنث لان الثمن اسم للنقد الذي يتعين في العقد
ولان البيع بثمن لا يتناول بيع المقابضة فان في بيع المقابضة يكون كل واحد منهما بائعا من
وجه مشتريا من وجه والبيع بثمن ما يكون بيعا من كل وجه ولو حلف لا يشترى من
فلان ثوبا فأمر رجلا فاشترى له منه لم يحنث لان الوكيل بالشراء في حقوق العقد بمنزلة
العاقد لنفسه (ألا ترى) انه يستغنى عن إضافة العقد إلى الآمر قالوا وهذا إذا كان الحالف
ممن يباشر الشراء بنفسه فإن كان ممن لا يباشر ذلك بنفسه فهو حانث في يمينه لأنه يقصد بيمينه
منع نفسه عما لا يباشره عادة وفى اليمين مقصودا لحالف معتبر وحكى أن الرشيد سأل محمدا رحمه
الله عن هذه المسألة فقال أما أنت فنعم يعني إذا كأن لا يباشر العقد بنفسه فجعله حانثا بشراء
وكيله له وان وهب المحلوف عليه الثوب للحالف على شرط العوض لم يحنث لأنه ما اشتراه منه
فالشراء يوجب الملك بنفسه والهبة بشرط العوض لا توجب الملك الا بالقبض ثم بالهبة بشرط
العوض إنما يثبت حكم البيع بعد اتصال القبض به من الجانبين وهو جعل الشرط نفس العقد
وبنفس العقد لا يصير هو مشتريا ولا صاحبه بائعا منه فلهذا لم يحنث قال وسألت أبا يوسف
رحمه الله عن رجل لا يساكن فلانا في دار ولا نية له فسكن معه في دار كل واحد منهما في
مقصورة على حدة قال لا يحنث حتى يكونا في مقصورة واحدة وفيها قول آخر انه يحنث
وهو رواية هشام عن محمد رحمهما الله وهذه ثلاث فصول أحدها أن يسكنا في محلة واحدة
وكل واحد منهما في دار منها لا يحنث بدون النية لان المساكنة على ميزان المفاعلة فتقتضي
وجود الفعل منهما في مسكن واحد وكل دار مسكن على حدة فلم يجمعهما مسكن واحد والثاني
أن يسكنا في دار واحدة وكل واحد منهما في بيت منها فإنه يكون حانثا في يمينه لان جميع
هذه الدار مسكن واحد ويسمى في العرف ساكنا مع صاحبه وإن كان كل واحد منهما
232

في بيت والثالث أن يكون في الدار مقاصير وكل واحد منهما في مقصورة على حدة ومحمد
رحمه الله يقول هنا لدار مسكن واحد والمقاصير فيها كالبيوت (ألا ترى) انه يتخذ المرافق
كالمطبخ والمربط فعرفنا أن جميعها في السكنى مسكن واحد وأبو يوسف رحمه الله يقول
كل مقصورة مسكن على حدة (ألا ترى) ان السارق من بعض المقاصير لو أخذ في صحن
الدار قبل أن يخرج كان عليه القطع وان ساكن احدى المقصورتين لو سرق من المقصورة
الأخرى متاع صاحبه كان عليه القطع فكانت المقاصير في دار بمنزلة الدور في محلة واحدة
بخلاف البيوت فكل بيت من الدار ليس بمسكن على حدة (ألا ترى) ان الكل حرز واحد
حتى أن السارق من بيت إذا أخذ في صحن الدار ومعه متاع لم يقطع والضيف الذي هو
مأذون بالدخول في احدى البيتين إذا سرق من البيت الآخر لم يقطع فعرفنا ان الكل مسكن
واحد هناك ولو حلف لا يدخل علي فلان ولا نية له فدخل عليه في دار قال أبو يوسف
رحمه الله لا يحنث وجعل الدخول عليه في الدار كالدخول في محلة أو قرية وإنما الدخول على
الغير في العرف بان يدخل بيتا هو فيه أو مقصورة هو فيها على قصد زيارته فما لم يوجد ذلك
لا يحنث في يمينه ومشايخنا رحمهم الله قالوا في عرف ديارنا يحنث في يمينه فان الانسان كما يجلس
في بيته ليزوره الناس يجلس في داره لذلك فكان ذلك مقصودا بيمينه قال وكذلك لو دخل
عليه في دهليز لم يحنث في يمينه ومراده من ذلك دهليز إذا رد الباب يبقى خارجا فاما كل
موضع إذا رد الباب يبقى داخلا فإذا دخل عليه في ذلك الموضع ينبغي أن يحنث لان الانسان
قد يجلس في ذلك الموضع ليزوره الناس فيه (ألا ترى) انه ليس لأحد أن يدخل عليه
في ذلك الموضع الا باذنه بخلاف الموضع الذي هو خارج الباب فلكل أحد أن يصل إلى
ذلك الموضع بغير إذنه ولو دخل عليه في المسجد لم يحنث لان لكل واحد أن يدخل
المسجد بدون اذنه فلم يكن ذلك شرط حنثه ولا يسمى دخولا عليه في العادة ولو حلف
لا يدخل على فلان منزلا وحلف الآخر بعد ذلك لا يدخل على الحالف الأول منزلا فدخلا
معا لم يحنث واحد منهما لان كل واحد منهما داخل المنزل ولكن مع صاحبه لا على صاحبه
فالدخول عليه أن يكون قصده عند الدخول لقاءه واكرامه بالزيارة وهذا لا يتحقق إذا كان
هو معه فإنه لا يتصور أن يكون كل واحد منهما داخلا علي صاحبه في موضع واحد في
حالة واحدة وليس أحدهما بان يجعل داخلا على صاحبه بأولى من الآخر ولو حلف لا يطأ
233

منزل فلاذ بقدمه يعنى بذلك لا يضع قدمه علي أرض منزله فدخله وعليه خفان أو نعلان
أو راكبا لم يحنث وإن لم يكن له نية حنث لان المراد من هذا اللفظ في العرف دخوله
منزله فعند الاطلاق يحمل علي ذلك وهو داخل سواء كان راكبا أو ماشيا أو حافيا أو
منتعلا وان نوى حقيقة وضع القدم فإنما نوى حقيقة كلامه لأنه إنما يطأ الشئ بقدميه حقيقة من
غير فاصل بينهما ولا يحصل ذلك إذا دخلها راكبا أو منتعلا ومن نوي حقيقة كلامه عومل
بنيته ولو قال لامرأته ان دخلت دار أبيك الا باذني فأنت طالق فالحيلة في ذلك في أن
لا يحنث أن يقول لها قد أذنت له في دخول هذه الدار كلما شئت فتدخل كلما شاءت
ولا يحنث لأنه جعل الدخول باذنه مستثنى من يمينه والاذن بكملة كلما يتناول مرة بعد
مرة ما لم يوجد النهى فهي كل مرة إنما تدخل باذنه إلا أن يمنعها من الدخول فحينئذ إذا
دخلت بعد ذلك كان دخولا بغير إذنه ولو قال أنت طالق ان خرجت من بيتي ولا نية له
فخرجت من البيت إلى الحجرة لم يحنث لأنها ليست بخارجة من البيت (ألا ترى) ان
المعتدة لا تمنع من ذلك بقوله عز وجل لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ولان مقصوده
من هذا أن لا يراها الناس وإنما يكون ذلك بالخروج إلى السكة لا بالخروج إلى الحجرة
لان الحجرة من حرزه لا يدخلها أحد الا باذنه لمنزله ولو حلف لا يدخل على فلان بيته
فدخل حجرته قيل لا يحنث لأنه ما دخل بيته وهو نظير ما تقدم انه إذا دخل عليه في دار
لم يحنث قالوا وفى عرف ديارنا يحنث في يمينه فاسم البيت يتناول السفل (ألا ترى) ان من
بات في حجرته إذا قيل له أنذيت البلدة الليلة يستجير أن يقول في بيتي ولو حلف لا يأخذ
ماله على فلان الا جميعا فأخذ حقه جميعا الا درهما وهبه للمطلوب لم يحنث لان شرط حنثه
أن يأخذ ماله على فلان متفرقا فإنه لما استثنى الاخذ جملة واحدة عرفنا ان المستثنى منه
الاخذ متفرقا فإذا وهب له البعض أو أبرأه عن البعض فلم يوجد الاخذ متفرقا فلم يحنث
وان أخذ جميع حقه فوجد فيه درهما متفرقا لم يحنث حتى يستبدله فان استبدله حينئذ
يحنث لان قبل الاستبدال لم يوجد أخذ جميع الحق متفرقا وإنما الموجود أخذ بعض حقه
وليس ذلك شرط حنثه فاما بعد الاستبدال فقد أخذ جميع الحق متفرقا وهذا لان الستوق
ليس من جنس الدراهم ويقبضه لا يصير قابضا ولهذا لا يجوز به الصرف والسلم لم يجز
فحين استبدله فقد وجد الآن قبض ما بقي من حقه وقد كان قبض بعضه في الابتداء فعرفنا
234

انه وجد أخذ جميع الحق متفرقا حتى لو وجد الكل ستوقا فاستبدله لم يحنث لأنه ما أخذ
حقه متفرقا وان حلف لا يتقاضى فلانا فلزمه فلم يتقاضاه لم يحنث لان الملازمة غير التقاضي
فالتقاضي يكون باللسان والملازمة تكون بالبدن والملازمة غير التقاضي في عرف الناس ومبنى
الايمان على العرف ولو حلف المطلوب ليعطيه حقه درهما دون درهم فأعطاه بعض حقه لم
يحنث لان الشرط اعطاء جميع حقه متفرقا فان قوله درهما دون درهم عبارة عن التفرق
عادة وهو باعطاء بعض الحق إنما أعطاه حقه متفرقا ولو حلف الطالب لا يفارقه حتى يستوفى
ماله عليه فنام الطالب أو غفل فهرب المطلوب لم يحنث في يمينه لأنه عقد يمينه على فعل
نفسه وهو ما فارق المطلوب إنما المطلوب فارقه حين هرب منه ولو حلف لا يفارقه فأمره
السلطان أن لا يتعرض له وحال بينه وبين لزومه فذهب المطلوب ولم يقدر الطالب على
إمساكه لم يحنث لان الطالب ما فارقه إنما المطلوب هو الذي هرب منه وفعل غيره لا يكون
فعلا له ولكونه بأمر السلطان عجز عن إمساكه وبهذا لا يصير مفارقا له لو قال كل شئ أبايع
به فلانا فهو صدقة ثم بايعه لم يلزمه شئ لان البيع يزيل ملكه فإنما أضاف النذر بالصدقة
إلى حال زوال ملكه عما بايع غيره به والمضاف إلى وقت كالمنشأ في ذلك الوقت وبعد
ما زال ملكه بالبيع عن العين لو قال لله تعالى على أن أتصدق بهذا العين لم يصح نذره فان
قيل لماذا لم يجعل هذا اللفظ التزاما للتصدق بيمينه قلنا لأنه قال فهو صدقة ولم يقل قيمته
صدقة والملتزم للتصدق بالعين لا يكون ملتزما للتصدق بالثمن ولو حلف المطلوب أن لا يعطى
الطالب شيئا ثم أمر المطلوب رجلا فأعطاه حنث في يمينه لان الحالف هو المعطى فان الدافع
رسول من جهته بالتسليم إلى فلان فيصير المعطى فلانا (ألا ترى) انه لو دفع صدقته إلى
انسان ليفرقها على المساكين ثم إن الدافع لم يحضر النية عند التصدق جاز إذا وجدت النية ممن
أمره بالصدقة وجعل كأنه هو المعطي فهذا مثله فان حلف أن يعطيه من يده إلى يده يحنث
لأنه جعل شرط حنثه اعطاء مقيدا بصفة وهو أن يكون بالمناولة وهذا لان الاعطاء من يده
إنما يكون من المعطى وهو المباشر للاعطاء فيه حقيقة وحكما وإذا صرح في يمينه بالاعطاء
على أتم الوجوه لا يحنث بما دونه وإذا أطلق اللفظ يعتبر ما هو المقصود وذلك حاصل سواء
أعطاه بيده أو أمر غيره فأعطاه وان حلف أن لا يعطيه ما عليه درهما فما فوقه فأعطاه حقه
كله دنانير وإنما عنى الدراهم لم يحنث لأنه صرح في يمينه بالدراهم ولا بد من اعتبار ما صرح
235

به خصوصا إذا تأيد ذلك بنيته ولان الانسان قد يمتنع من اعطاء الدراهم ولا يمتنع من اعطاء
الدنانير لماله من المقصود في الصرف والتقييد إذا كان فيه غرض صحيح يجب اعتباره ولو قال
لرجل ان أكلت عندك طعاما أبدا فهو كله حرام ينوى بذلك العين فأكله عنده لم يحنث
لأنه يجعل الحرام ما أكله وبعد ما أكله لا يتصور أن يجعله حراما وهذا لان وصف الشئ
بأنه حرام بطريق انه محل لايقاع الفعل الحرام فيه وذلك لا يتحقق بعد الأكل وتحريم
الحلال إنما يكون يمينا إذا صادف محله فاما إذا لم يصادف محله كان لغوا ومن أصحابنا رحمهم
الله من يقول إنه بعد ما أكله حرام (ألا ترى) انه على أي وجه انفصل عنه كان حراما
فيقول هو صادف محله في كلامه ولكن هذا ليس بصحيح لأنه كما أن تحريم الحلال يمين
فتحريم الحرام يمين حتى إذا قال هذا الخمر على حرام ونوى به اليمين كان يمينا فعرفنا ان الطريق
هو الأول وهو ان هذا التحريم لم يصادف محله أصلا ولو حلف لا يذوق طعاما لفلان
فأكل طعاما له ولآخر حنث لأنه قد ذاق طعام فلان والطعام المشترك بين اثنين لكل
واحد منهما جزء منه والذوق يتم بذلك الجزء كالأكل يتم به ولو حلف لا يأكل طعام فلان
فأكل طعاما له ولآخر كان حانثا في يمينه بخلاف ما لو حلف لا يلبس ثوب فلان فلبس ثوبا
بينه وبين آخر أو لا يركب دابة فلان فركب دابة بينه وبين آخر لان الجزء الذي هو مملوك
لفلان لا يسمى ثوبا ولا دابة وعلى هذا لو حلف لا يأكل لقمة لفلان فأكل طعاما بينه وبين
آخر لم يحنث لان كل لقمة مشتركة بينه وبين فلان وإنما جعل شرط حنثه أكل لقمة فلان
خاصة ولم يوجد ذلك ولو حلف لا يشرب الشراب ولا نية له بهذا غير الخمر فان شرب
غيرها لم يحنث يعني غيرها مما لا يسكر فاما ما يشرب للسكر والتلهي به إذا شرب شيئا منه
كان حانثا لان الشراب في الناس إذا أطلق يراد به المسكر والانسان إنما يمنع من ذلك بيمينه
للتحرز عن السكر فيتناول مطلق لفظه ما يسكر ويسقط اعتبار حقيقة لفظه بالاتفاق حتى
لا يحنث بشرب الماء أو اللبن وهو شراب فالشراب حقيقة ما يشرب ولو حلف لا يزاول
حراما فشرب خمرا لم يحنث إلا أن ينويه لان المراد بهذا اللفظ الفجوز عند الاطلاق
فينصرف يمينه إليه إلا أن ينوى غيره فالحاصل أن دليل العرف يغلب على حقيقة اللفظ في
باب الايمان ولهذا لو حلف لا يشترى بنفسجا ينصرف إلى دهن البنفسج دون الورق
والبنفسج للورق حقيقة فعرفنا أن العرف يعتبر في باب الايمان وان مطلق اللفظ يتقيد
236

بمقصود الحالف ولو قال لامرأته أن أمسيت قبل أن أطعم فأنت طالق ولا نية له قال إن
غربت الشمس ولم يطعم حنث لان المراد بهذا اللفظ دخول الليل وذلك بعد غروب
الشمس فان الامساء قبل الاصباح فإنما يقول الرجل لآخر كيف أصبحت في أول النهار
وكيف أمسيت في آخر النهار عند غروب الشمس (ألا ترى) ان الصائم يحرم عليه الطعام
والشراب من الصباح إلى المساء وينتهى ذلك بغروب الشمس فإذا غربت الشمس ولم يطعم
فقد أمسى قبل أن يطعم فيحنث في يمينه ولو حلف لا يأكل هذا الجمل فكبر حتى صار مسنا
فأكله حنث وقد بينا في الايمان من الجامع وغيره أن في الحيوان العين لا تتبدل بتبدل
الوصف ولهذا لو حلف لا يكلم هذا الصبي وكلمه بعد ما شب أو لا يكلم هذا الشاب فكلمه
بعد ما شاخ حنث بخلاف ما لو حلف لا يأكل هذا الرطب فأكله بعد ما صار تمرا لم يحنث
فهذه المسألة تنبنى على ذلك الأصل والله أعلم بالصواب
باب في البيع والشراء
(قال رحمه الله) امرأة حامل تريد أن تهب مهرها لزوجها على أنها ان ماتت في نفاسها
كان الزوج بريئا من المهر وان سلمت عاد المهر على زوجها فإنه ينبغي لها أن تشترى من
الزوج ثوبا لم تره بان كان في منديل فتشتريه بجميع مهرها أو نصفه فان ماتت في نفاسها برئ
الزوج وان سلمت من علتها ردت الثوب بخيار الرؤية وعاد المهر على زوجها وهذا يستقيم إذا
بقي الثوب على حاله لان الرد بخيار الرؤية غير موقت وبه ينفسخ العقد من الأصل فيعود
المهر عليه كما كان ولكن الثوب قد يتعيب عندها أو يهلك فيتعذر رده فالسبيل أن تشترى
الثوب وتشهد على ذلك من غير أن تقبضه من الزوج حتى لا يتعذر عليها الرد إذا سلمت بوجه
من الوجوه * رجل أمر رجلا أن يشترى دارا بألف درهم وأخبره انه ان فعل اشتراها
الآمر منه بألف ومائة فخاف المأمور ان اشتراها أن لا يرغب الآمر في شرائها قال يشتري
الدار على أنه بالخيار ثلاثة أيام فيها ويقبضها ثم يأتيه الآمر فيقول له قد أخذتها منك بألف ومائة
فيقول المأمور هي لك بذلك ولابد له أن يقبضها على أصل محمد رحمه الله فاما عند أبي حنيفة
وأبي يوسف رحمهما الله لا حاجة إلى هذا الشرط لجواز التصرف في العقار قبل القبض عندهما
والمشترى بشرط الخيار يتمكن من التصرف في المشترى بالاتفاق وانى اختلفوا انه هل يملكه
237

مع شرط الخيار أم لا فإنما قالا الآمر يبدأ ليتمكن من التصرف في المشترى فيقول أخدت منك
بألف ومائة لان المأمور له لو بدأ قال بعتها منك ربما لا يرغب الآمر في شرائها ويسقط
خيار المأمور بذلك فكان الاحتياط في أن يبدأ الآمر حتى إذا قال المأمور هي لك بذلك
تم البيع بينهما وإن لم يرغب الآمر في شرائها يمكن المأمور من ردها بشرط الخيار فيندفع
الضرر عنه بذلك * رجل حلف يعتق كل مملوك يملكه إلى ثلاثين ستة وعليه كفارة ظهار
فأراد أن يعتق ويجوز عن ظهاره قال يقول الرجل أعتق عبدك عنى على ألف درهم فإذا
فعل ذلك عتق لان الملك هنا وإن كان يثبت للآمر فإنما يثبت ذلك في حكم تصحيح العتق
عنه لأنه ثابت بطريق الاضمار والمقصود بالاضمار تصحيح الكلام ففيما يرجع إلى تصحيح
الكلام يظهر حكم المضمر ولا يظهر فيما وراء ذلك فلا يصير شرط الحنث في اليمين
الأولى موجودا بهذا اللفظ فيقع العتق عن الظهار كما أوجبه بالكلام الثاني وهذه
المسألة تصير رواية في فصل وهو من قال لعبد الغير ملكتك فأنت حر ثم قال إن
ملكتك فأنت حر عن ظهاري ثم اشتراه لا بجزئه عن الظهار لان عتقه عند دخوله في ملكه
صار مستحقا بالكلام الأولى على وجه لا يملك ابطاله ولا يملك ابداله بغيره فعند دخوله في
ملكه إنما يعتق بالكلام الأول ولم يقترن به نية الظهار ألا ترى أنه تكلف في هذا الفصل
فقال يقول الرجل أعتق عبدك عنى على كذا ولو كان هو يمكنه اعتاقه عن ظهاره لقال إنه
يقول لهذا المملوك ان ملكتك فأنت حر عن ظهاري ثم يشتريه فلما لم يذكر هكذا عرفنا ان
الصحيح في تلك المسألة أن يعتق عند دخوله في ملكه بالايجاب الأول خاصة * امرأة طلقها
زوجها ولها عليه دين بغير بينة فحلف ما لها عليه حق فأرادت أن تأخذ منه وأنكرت أن تكون
عدتها قد انقضت تريد بذلك أن تأخذ منه نفقة بقدر دينها قال يسعها ذلك لأنها لو ظفرت
بجنس حقها كان لها أن تأخذه بغير علمه فكذلك أن تمكنت من الاخذ بهذا الطريق وهذا
لان هذا الزوج وإن كان يعطيها بطريق نفقة العدة فهي إنما تستوفى بحساب دينها ولها حق
استيفاء مال الزوج بحساب دينها على أي وجه كان منه فان حلفها القاضي على انقضاء عدتها
فحلفت تعنى به شيئا غير ذلك وسعها وقد بينا انها متى كانت مظلومة تعتبر نيتها فإذا حلفت
ما انقضت عدتي تعنى به عدة عمرها وسعها ذلك * ولو أن رجلا أراد أن يدفع مالا مضاربة
إلى رجل وأراد أن يكون المضارب ضامنا له فالحيلة في ذلك أن يقرضه رب المال المال الا درهما
238

ثم يشاركه بذلك الدرهم فيما أقرضه على أن يعملا فما رزقهما الله تعالى في ذلك من شئ فهو
بينهما على كذا وهذا صحيح لان المستقرض بالقبض يصير ضامنا للمستقرض متملكا ثم
الشركة بينهما مع التفاوت في رأس المال صحيح فالربح بينهما على الشرط على ما قال علي رضي الله عنه
الربح على ما اشترطا والوضيعة على المال ويستوى ان عملا جميعا أو عمل به أحدهما
فربح فان الربح يكون بينهما على هذا الشرط وان شاء أقرض المال كله للمضارب ثم يدفعه
المستقرض إلى المقرض مضاربة بالنصف ثم يدفعه المقرض إلى المستقرض بضاعة فيجوز
ذلك في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله لان دفعه إلى صاحب المال بضاعة كدفعه
إلى أجنبي آخر وفى قول محمد رحمه الله الربح كله للعامل هنا لان العامل صاحب المال وهو
في عمله في ملكه لا يصلح أن يكون نائبا عن غيره وقد تقدم بيان هذه المسألة في كتاب
المضاربة فهذه الحيلة على أصل أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله خاصة فالمال كله صار
مضمونا عليه بالقبض على جهة القرض ثم هو العامل في المال والربح على شرط المضاربة فأما
عند محمد رحمه الله الحيلة هي الأولى قال وسألت أبا يوسف رحمه الله عن الرجل يشترى دارا
بألف درهم فخاف أن يأخذها جارها بالشفعة فاشتراها بألفي درهم من صاحبها ثم أعطاه بألف دينار
أو ألف درهم قال هو جائز لأن هذه مصادقة بالثمن قبل القبض وذلك جائز لحديث ابن
عمر رضي الله عنه قال ألا يا رسول الله أعلى بأس أنى أبيع الإبل بالبقيع وربما أبيعها بالدراهم
وآخذ مكانها دنانير فقال عليه السلام لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما عمل فان حلفه القاضي
ما دالست ولا دلست فحلف كان صادقا لأن هذه عبارة عن الغرور والخيانة ولم يفعل شيئا
من ذلك وان أحب أن لا يكون عليه يمين اشتراها كذلك لولده الصغير فلا يكون عليه يمين
في ذلك لان الاستحلاف لرجاء النكول أو الاقرار وهو لو أقر بذلك لم يصح اقراره
في حق الصغير فإن لم يكن له ولد صغير فالسبيل أن بأمر بعض أصدقائه أو يشتريها له كذلك
ويشهد على الوكالة ويجعله جائز الامر في ذلك فان اشتراها لم يكن بين الشفيع والمشتري
في ذلك خصومة في قول محمد رحمه الله وفى قول أبى يوسف ما دامت في يده فهو خصم
للشفيع إلا أن يشهد على تسليمها للآمر ثم يودعها الآمر منه أو يعيرها * رجل أحب أن
يشترى دارا بعشرين ألف درهم فان أخذها الشفيع أخذها بعشرين ألف ولو استحق الدار
لم يرجع على البائع الا بعشرة آلاف قال يشتريها بعشرين ألف درهم وينقده تسعة آلاف
239

وتسعين درهما ودينارا فإنما بقي من الثمن فان رغب فيها الشفيع أخذها بعشرين ألف وان
استحقت يرجع على البائع بما دفع إليه لأنها لما استحقت بطل عقد الصرف لوجود الافتراق
قبل قبض أحد البدلين ولا يرجع الا بما أدى وقبل الاستحقاق الصرف صحيح فلا يأخذ
الشفيع الدار الا بعشرين ألف ولو أعطاه بالباقي مكان الدينار ثوبا أو متاعا رجع عند الاستحقاق
بعشرين ألف لان استحقاق الدار لا يبطل البيع في الثوب والمتاع فيكون قابضا منه عشرين
ألفا فيلزمه رد ذلك عند استحقاق الدار فاما عقد الصرف يبطل باستحقاق الدار فلا يلزمه
الا رد المقبوض فلو لم يستحق ووجد بالدار عيبا ردها بعشرين ألف في جميع ذلك لأنه بالرد
بالعيب لا يتبين ان الثمن لم يكن واجبا قبل القبض وقد بينا في كتاب الشفعة وجوه الحيل
لابطال الشفعة أو لتقليل رغبة الشفيع في الاخذ وذلك لا بأس به قبل وجوب الشفعة عند أبي
يوسف رحمه الله وعند محمد رحمه الله هو مكروه أشد الكراهة لان الشفعة مشروعة
لدفع الضرر عن الشفيع فالذي يحتال لاسقاطها بمنزلة القاصد إلى الاضرار بالغير وذلك
مكروه وأبو يوسف رحمه الله يقول إنه يمتنع من التزام هذا الحق مخافة أن لا يمكنه الخروج
منه إذا التزمه وذلك لا يكون مكروها كمن امتنع من جميع المال كيف يلزمه نفقة الأقارب
والحج فهذا دفع الضرر عن نفسه لا الاضرار بالغير لان في الحجر عليه عن التصرف أو
تملك الدار عليه بغير رضاه اضرار به وهو إنما قصد دفع هذا الضرر وعلى هذا الخلاف الحيلة
لمنع وجوب الزكاة واستدل أبو يوسف رحمه الله على ذلك في الأمالي قال أرأيت لو كان
لرجل مائتا درهم فلما كان قبل الحول بيوم تصدق بدرهم منها كان هذا مكروها وإنما تصدق
بالدرهم حتى يتم الحول وليس في ملكه نصاب فلا يلزمه الزكاة ولا أحد يقول بان هذا يكون
مكروها أو يكون هو فيه آثما * قال وإذا اشترى الرجل دارا لغيره وكتب في الصك ونقد
فلان فلانا الثمن كله من مال فلان الآمر فللبائع أن لا يرضى بهذا لما فيه من الضرر عليه
فربما يجئ الآمر فيقول قد أخذت مالي وأقررت بذلك حين أشهدت على الصك ولم
آمر فلانا بالشراء لي فيسترد ماله ولا يقدر هو على المشترى ليطالبه بثمن الدار وإن لم يكتب
هذا ففيه نوع ضرر على الآمر وهو أن يأخذ المشترى الآمر بالمال ويقول نقدت الثمن
من مالي فالحيلة أن يكتب وقد نقد فلان فلانا الثمن ولا يكتب من مال من هو فإذا ختم
الشهود كانت شهادتهم على البيع وقبض الثمن فقط ثم يقر المشترى بعد ذلك أن ما نقده من
240

الثمن إنما هو من مال الآمر فيكون اقراره حجة عليه للآمر فيندفع الضرر عنهما والله
أعلم بالصواب
باب الاستحلاف
(قال رحمه الله) وإذا أراد الرجل أن يغيب فقالت له امرأته كل جارية تشتريها فهي
حرة حتى ترجع إلى الكوفة ومن رأيه أن يشترى جارية كيف يصنع قال إذا حلف بهذه الصفة
يقول نعم فيريها بهذه الكلمة انه حلف على الوجه الذي طلبت وهو يعنى بني تغلب أو غيره
من أحياء العرب أو ينوى بقلبه واحد الانعام فإنه يقال نعم والانعام هي الإبل والبقر
والغنم قال الله تعالى والانعام خلقها لكم الآية فإذا عني هذا لم يكن حالفا فان أبت إلا أن
الزوج هو الذي يقول كل جارية أشتريها فهي حرة قال فليفعل ذلك وليعن بذلك كل سفينة
جارية قال الله تعالى وله الجواري المنشآت في البحر كالاعلام والمراد السفن فإذا عنى ذلك
عمل بنيته لأنها ظالمة له في هذا الاستحلاف ونية المظلوم فيما يحلف عليه معتبرة وان حلفته
بطلاق كل امرأة يتزوجها عليها فليقل كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق وهو ينوى
بذلك كل امرأة أتزوجها علي رقبتك فيعمل بنيته في ذلك لأنه نوى حقيقة كلامه فلا يحنث
إذا تزوج على غير رقبتها فإن كان إنما عنى لا أتزوج على اطلاقك فهذه النية تعمل فيما بينه
وبين الله تعالى ولا يحنث إذا تزوج امرأة أخرى وكذلك أن عنى بقوله فهي طالق من
الوثاق فنيته صحيحة فيما بينه وبين الله تعالى وان قال كل امرأة أتزوجها فأطؤها فهي طالق
وعني الوطئ بقدمه فهو بدين فيما بينه وبين ربه لان المنوي من محتملات لفظه وقال بعض
مشايخنا رحمهم الله ينبغي أن يدين في هذا الموضع في القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه فالوطئ
يكون بالقدم حقيقة إلا أنا نقول الوطئ متى أضيف إلى النساء فهو حقيقة في الجماع دون الوطئ
بالقدم وإنما يراد الوطئ بالقدم إذا ذكر مطلقا غير مضاف إلى النساء فلهذا لا يدين هنا في
القضاء وهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى * رجل اتهم جارية انها سرقت له مالا فقال أنت
حرة إن لم تصدقيني وخاف المولى أن لا تصدقه فتعتق فما الحيلة فيه قال تقول الجارية قد
سرقته ثم تقول بعد ذلك لم أسرقه فيتيقن انها صدقته في احدى الكلامين ولا تعتق وان
قال لامرأته أنت طالق ان بدأتك بالكلام وقالت له المرأة بعد ذلك وان ابتدأتك
241

بالكلام فجاريتي حرة فالحيلة فيه أن يبدأ الزوج بالكلام لأن المرأة قد كلمته بعد كلامه حين
خاطبته بيمينها فلا يكون الزوج مبتدئا لها بالكلام بعد يمينه وان كانت اليمين منهما جميعا فالحيلة
فيه أن يكلم واحد منهما صاحبه معا علي ما ذكره في الجامع إذا حلف رجلان فقال كل
واحد منهما لصاحبه ان ابتدأتك بالكلام فالتقيا وسلم كل واحد منهما علي صاحبه معالم
يحنث كل واحد منهما في يمينه لان المبتدئ بالشئ من يسبق غيره بذلك الشئ فإذا اقترن
كلامه بكلام صاحبه لم يكن مبتدئا * رجل قال والله أنا لا أجلس فما أقوم حتى أقام يعنى
حتى يقويني الله على ذلك فيقيمني فإنه لا يحنث وهو صادق في يمينه لان المذهب عند أهل
النية والجماعة ان أفعال العباد مخلوقه الله تعالى والله خلقكم وما تعلمون فلا
يقوم أحد ما لم يقمه الله تعالى وقيل في قوله عز وجل يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ان
المراد هذا وهو ان العبد لا يستغنى في شئ من أقواله وحركاته عن الله تعالى وهو نظير
ما قال في كتاب الايمان في الجامع الصغير إذا حلف ليأتينه غدا إلا أن لا يستطيع وهو
يعنى بذلك القضاء والقدر فإنه تعمل نيته ولا يكون حانثا في يمينه بحال ولو قال لامته أنت
حرة ان ذقت طعاما حتى أضربك فأنفت الأمة فالحيلة أن يهبها لولده الصغير ثم يتناول
الطعام فلا يحنث في يمينه لأنه صار قابضا لولده بنفس الهبة فإنما يوجد الشرط وهي ليست
في ملكه فلا يتحقق قال وسئل أبو حنيفة رحمه الله عن امرأة قالت لزوجها اخلعني فقال
أنت طالق ثلاثا ان سألتيني الخلع إن لم أخلعك فقالت المرأة جاريتي حرة إن لم أسئلك
قبل الليل وجاء إلى أبي حنيفة رحمه الله قال أبو حنيفة رحمه الله سليه الخلع فقالت لزوجها
أسألك أن تخلعني فقال أبو حنيفة رحمه الله لزوجها قل قد خلعتك على ألف درهم تعطيها
لي فقال لها الزوج ذلك فقال أبو حنيفة رحمه الله لها قولي لا أقبله فقالت فقال أبو حنيفة رحمه الله
قوما فقد بر كل واحد منكما في يمينه لان شرط برها في اليمين أن تسأله الخلع وقد سألته وشرط
بر الزوج أن يخلعها بعد سؤالها وقد فعل فإنما عقد يمينه على فعل نفسه خاصة وقد وجد ذلك
منه فلم يقع عليها شئ حين ردت الخلع وهذه المسألة تصير رواية فيما إذا قالت المرأة لزوجها
اخلعني فقال الزوج خلعتك على كذا انه لا يقع الفرقة ما لم تقل المرأة قبلت بخلاف ما إذا قالت
اخلعني على كذا فقال قد فعلت فإنه لا تقع الفرقة لأنها إذا لم تذكر البدل كان كلامها سؤالا
للخلع لا أحد شطرى العقد إلا أن في النكاح لا فرق بين أن يذكر البدل وبين أن لا
242

يذكر فان وجوب المهر يستغنى عن التسمية هناك ولا يعتمد الرضى ووجوب البدل في
الخلع لا يكون الا باعتبار التسمية وباعتبار تمام الرضا فلهذا فرقنا بين ما إذا ذكر البدل وبين
ما إذا لم يذكره وذكر الخصاف رحمه الله في كتاب الحيل نظير هذه الحكاية فقال إن بعض
من كان يتأذى منه أبو حنيفة رحمه الله جرى بينه وبين زوجته كلام فامتنعت من جوابه
فقال إن لم تكلميني الليلة فأنت طالق فسكتت وامتنعت من كلامه فخاف أن يقع الطلاق
إذا طلع الفجر فطاف على العلماء رحمهم الله في الليل فلم يجد عندهم في ذلك حيلة فجاء إلى
أبي حنيفة رحمه الله وذكر له ذلك فقال هل أتيت أستاذك فجعل يتعذر إليه ويقول لا فرج
لي الا من قبلك فذكر أنه قال له اذهب فقل للذين حولها من أقاربها ادعوها فماذا أصنع
بكلامها فإنها أهون على من التراب وأسمعها من هذا بما تقدر فجاء وقال ذلك حتى ضجرت
وقالت بل أنت كذا وكذا فصارت مكلمة له قبل طلوع الفجر وخرج من يمينه وهذه
الحكاية أوردها في مناقب أبي حنيفة رحمه الله وقال إنه قال للرجل ارجع إلى بيتك حتى
آتيك فأتشفع لك فرجع الرجل إلى بيته وجاء أبو حنيفة رحمه الله في أثره فصعد مأذنة
محلته واذن فظنت المرأة أن الفجر قد طلع فقالت الحمد لله الذي نجاني منك فجاء أبو حنيفة
رحمه الله إلى الباب وقال قد برت يمينك وأنا الذي أذنت أذان بلال رضي الله عنه في
نصف الليل قال وسئل أبو حنيفة رحمه الله عن أخوين تزوجا أختين فزفت امرأة كل
واحد منهما إلى زوج أختها فلم يعلموا بذلك حتى أصبحوا فذكر ذلك لأبي حنيفة رحمه
الله وقال ليطلق كل واحد منهما امرأته تطليقه ثم يتزوج كل واحد منهما المرأة التي دخل بها
وفي مناقب أبي حنيفة رحمه الله ذكر لهذه المسألة حكاية انها وقعت لبعض الاشراف
بالكوفة وكان قد جمع العلماء رحمهم الله لوليمته وفيهم أبو حنيفة رحمه الله وكان في عداد
الشباب يومئذ فكانوا جالسين على المائدة إذ سمعوا ولولة النساء فقيل ماذا أصابهن
فذكروا انهم غلطوا فأدخلوا امرأة كل واحد منهما على صاحبه ودخل كل واحد منهما بالذي
أدخلت عليه وقالوا ان العلماء على مائدتكم فسلوهم عن ذلك فسألوا فقال سفيان الثوري رحمه الله
فيها قضى علي رضي الله عنه على كل واحد من الزوجين المهر وعلى كل واحدة منهما العدة
فإذا انقضت عدتها دخل بها زوجها وأبو حنيفة رحمه الله ينكث بإصبعه على طرف المائدة
كالمتفكر في شئ فقال له من إلى جانبه أبرز ما عندك هل عندك شئ آخر فغضب سفيان الثوري
243

رحمه الله فقال هل يكون عنده بعد قضاء علي رضي الله عنه يعنى في الوطئ بالشبهة فقال
أبو حنيفة رحمه الله على بالزوجين فأتى بهما فسار كل واحد منهما انه هل تعجبك المرأة التي
دخلت بها قال نعم ثم قال لكل واحد منهما طلق امرأتك تطليقة فطلقها ثم زوج من كل واحد
منهما المرأة التي دخل بها وقال قوما إلى أهلكما على بركة الله تعالى فقال سفيان رحمه الله
ما هذا الذي صنعت فقال أحسن الوجوه وأقربها إلى الألفة وأبعدها عن العدواة أرأيت
لو صبر على كل واحد منهما حتى أنقضت العدة أما كان يبقى في قلب كل واحد منهما شئ
بدخول أخيه بزوجته ولكني أمرت كل واحد منهما حتى يطلق زوجته ولم يكن بينه
وبين زوجته دخول ولا خلوة ولا عدة عليها من الطلاق ثم تزوجت كل امرأة ممن وطئها
وهي معتدة منه وعدته لا تمنع نكاحه وقام كل واحد منهما مع زوجته وليس في قلب كل
واحد منهما شئ فعجبوا من فطنة أبي حنيفة وحسن تأمله وفى هذه الحكاية بيان فقه هذه
المسألة التي ختم بها الكتاب والله أعلم بالصواب
كتاب الكسب
(قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله) وإذ قد أجبتكم إلى ما سألتموني من إملاء شرح المختصر على حسب الطاقة وقدر الفاقة بالآثار المشهورة والإشارات المذكورة في تصنيفات محمد بن
الحسن رحمه الله لاظهار وجه التأثير وبيان طريق التقدير رأيت أن الحق به إملاء شرح
كتاب الكسب الذي يرويه محمد بن سماعه عن محمد بن الحسن رحمه الله وهو من جملة
تصنيفاته الا انه لم يشتهر لأنه لم يسمع منه ذلك أبو حفص ولا أبو سليمان رحمهما الله ولهذا
لم يذكره الحاكم رحمه الله في المختصر وفيه من المعلوم مالا يسع جهلها ولا التخلف عن عملها
ولو لم يكن فيها الا حث المفلسين على مشاركة المكتسبين في الكسب لأنفسهم والتناول من
كد يدهم لكان يحق على كل أحد إظهار هذا النوع من العلماء وقد كان شيخنا الامام رحمه
الله بين بعض ذلك على طريق الايثار فيه فنذكر ما ذكره تبركا بالمسموع منه ونلحق به
ما تكلم فيه أهل الأصول رحمهم الله وما يجود به الخاطر من المعاني والإشارات فنقول
الاكتساب في عرف اللسان تحصيل المال بما حل من الأسباب واللفظ في الحقيقة يستعمل
244

في كل باب وقد قال الله تعالى انفقوا من طيبات ما كسبتم وقال تعالى وما أصابكم من مصيبة
فبما كسبت أيديكم أي بجنايتكم على أنفسكم وقد سمى جناية المرء على نفسه كسبا وقال جل
وعلا في آية السرقة جزاء بما كسبا أي باشرا بارتكاب المحضور فعرفنا ان اللفظ مستعمل في كل
باب ولكن عند الاطلاق يفهم منه اكتساب المال ثم بدأ محمد رحمه الله الكتاب بقوله طلب
الكسب فريضة على كل مسلم وفى رواية وقال طلب الكسب بعد الصلاة المكتوبة الفريضة
بعد الفريضة وقال عليه السلام طلب الحلال كمقارعة الابطال ومن مات دائبا في طلب
الحلال مات مغفورا وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقدم درجة الكسب على درجة
الجهاد فيقول لا أموت بين شعبتي رجل أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله أحب إلى
من أن أقتل مجاهدا في سبيل الله لان الله تعالى قدم الذين يضربون في الأرض يبتغون من
فضله على المجاهدين بقوله وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله الآية وفى الحديث
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صافح سعد بن معاذ رضي الله عنه فإذا يداه قد أكتبتا فسأله النبي
صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال أضرب بالمر والمسحاة لأنفق على عيالي فقبل رسول الله صلى
الله عليه وسلم يده وقال كفان يحبهما الله تعالى وفى هذا بيان ان المرء باكتساب مالا بد له منه ينال
من الدرجات أعلاها وإنما ينال ذلك بإقامة الفريضة ولأنه لا يتوصل إلى إقامة الفرض الا به
فحينئذ كان فرضا بمنزلة الطهارة لأداء الصلاة وبيانه من وجوه أحدها أن يمكنه من أداء الفرائض
بقوة بدنه وإنما يحصل له ذلك بالقوت عادة ولتحصيل القوت طرق الاكتساب أو التغالب
بالانتهاب والانتهاب يستوجب العقاب وفى التغالب فساد والله تعالى لا يحب الفساد فعين جهة
الاكتساب لتحصيل القوت فقال عليه السلام نفس المؤمن بطنته فليحسن إليها يعنى الاحسان بان
لا يمنعها قدر الكفاية وإنما لا يتوصل إلى ذلك الا بالكسب كما لا يتوصل إلى أداء الصلاة الا بالطهارة
ولابد لذلك من كون يستقى به الماء أو دلو أو رشا ينزح به الماء من البئر وكذلك لا يتوصل
إلى أداء الصلاة الا بستر العورة وإنما يكون ذلك بثوب ولا يحصل له ذلك الا بالاكتساب
عادة ومالا يتأتى إقامة الفرض الا به يكون فرضا في نفسه ثم الكسب طريق المرسلين
صلوات الله عليهم وقد أمرنا بالتمسك بهداهم قال الله فبهداهم اقتده وبيانه أن أول
من اكتسب أبونا آدم عليه السلام قال الله تعالى فلا يخرجنكما من الجنة فتشقي أي
تتعب في طلب الرزق وقال مجاهد في تفسيره لا تأكل خبزا بزيت حتى تعمل عملا إلى الموت
245

وفى الآثار أن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض أتاه جبريل عليه السلام بالحنطة
وأمره أن يزرعها فزرعها وسقاها وحصدها ودرسها وطحنها وخبرها فلما فرغ من هذه
الاعمال حان وقت العصر أتاه جبريل عليه السلام وقال إن ربك يقرؤك السلام ويقول إن
صمت بقية اليوم غفرت لك خطيئتك وشفعتك في أولادك فصام وكان حريصا على تناول
ذلك الطعام لينظر يجد له من الطعم ما كان يجد لطعام الجنة فمن ثمة حرص الصائمون بعد
العصر على تناول الطعام وكذا نوح عليه السلام كان نجارا يأكل من كسبه وإدريس عليه
السلام كان خياطا وإبراهيم عليه السلام كان بزارا على ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال عليكم بالبزر فان أباكم كان بزارا يعنى الخليل عليه السلام وداود عليه السلام كان يأكل
من كسبه على ما روي أنه كان يخرج متنكرا فيسأل عن سيرة أهل مملكته حتى استقبله
جبريل عليه السلام يوما على صورة شاب فقال له كيف تعرف داود أيها الفتى فقال نعم العبد
داود إلا أن فيه خصلة قال وما هي قال إنه يأكل من بيت المال وان خير الناس من يأكل من
كسبه فرجع داود عليه السلام إلى محرابه باكيا متضرعا يسأل الله تعالى ويقول اللهم علمني
كسبا تغنيني به عن بيت المال فعلمه الله تعالى صنعة الدرع ولين له الحديد حتى كان الحديد في
يده كالعجين في يد غيره قال الله تعالى وألنا له الحديد وقال عز وجل وعلمناه صنعة لبوس
لكم فكان يصنع الدرع ويبيع كل درع باثني عشر ألفا فكان يأكل من ذلك ويتصدق وسليمان
صلوات الله عليه يصنع المكاييل من الخوص فيأكل من ذلك وزكريا عليه السلام كان نجارا
وعيسى عليه السلام كان يأكل من غزل أمه وربما كان يلتقط السنبلة فيأكل من ذلك وهو نوع
اكتساب ونبينا صلى الله عليه وسلم كان يرعى في بعض الأوقات على ما روى أنه عليه السلام
قال لأصحابه رضي الله عنهم يوما كنت راعيا لعقبة بن معيط وما بعث الله نبيا الا وكان راعيا
وفى حديث السائب بن شريك عن أبيه رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
شريكي وكان خير شريك لا يدارى ولا يمارى أي لا يلاحى ولا يخاصم فقيل فيماذا كانت الشركة
بينكما فقال في الأدم وازدرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة على ما ذكر محمد رحمه الله في كتاب
المزارعة ليعلم أن الكسب طريق المرسلين عليهم السلام ثم الكسب نوعان كسب من المرء
لنفسه وكسب منه على نفسه فالكاسب لنفسه هو الطالب لما لابد له من المباح والكاسب على
نفسه هو الباغي لما عليه فيه جناح نحو ما يكون من السارق والنوع الثاني منه حرام بالاتفاق
246

قال الله تعالى ومن يكسب اثما فإنما يكسبه على نفسه وقال عز وجل ومن يكسب خطيئة أو
اثما الآية والمذهب عند الفقهاء من السلف والخلف رحمهم الله ان النوع الأول من الكسب
مباح على الاطلاق بل هو فرض عند الحاجة وقال قوم من جهال أهل التقشف وحماقى أهل
التصوف أن الكسب الحرام لا يحل إلا عند الضرورة بمنزلة تناول الميتة وقالوا ان الكسب
ينفى التوكل على الله تعالى أو ينقص منه وقد أمرنا بالتوكل قال الله تعالى وعلى الله فتوكلوا
ان كنتم مؤمنين فما يتضمن نفى ما أمرنا به من التوكل يكون حراما والدليل على أنه ينفى
التوكل قوله عليه السلام لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقتم كما يرزق الطير يغدو خماصا
ويروح بطانا وقال تعالى وفى السماء رزقكم وما توعدون وفى هذا حث على ترك الاشتغال
بالكسب وبيان أن ما قدر له من الموعود يأتيه لا محالة وقال عز وجل وأمر أهلك بالصلاة
الآية والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالمراد أمته فقد أمروا بالصبر والصلاة
وترك الاشتغال بالكسب لطلب الرزق لقوله تعالى وما خلفت الجن والإنس الا ليعبدون
وفى الاشتغال بالكسب ترك ما خلق المرء لأجله وأمر به من عبادة ربه واليه أشار النبي
صلى الله عليه وسلم في قوله ما أوحى إلى أن أجمع المال وأكون من المتاجرين وإنما أوحى
إلى فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين الآية وما في القرآن من ذكر البيع والشراء في بعض
الآيات ليس المراد به التصرف في المال والكسب بل المراد تجارة العبد مع ربه عز وجل
ببذل النفس في طاعته والاشتغال بعبادته فذلك يسمي تجارة وقال الله تعالى هل أدلكم على
تجارة الآية وقال عز وجل ان الله اشترى من المؤمنين الآية والمراد هذا النوع وهو بذل
النفس لنيل الثواب بالجهاد وأنواع الطاعة وكذا قد سمى الله تعالى آخذ المال لارتكاب
ما لا يحل له في الدين بائعا نفسه قال الله تعالى ولبئس ما شروا به أنفسهم وقال عز وجل
واشتروا بآيات الله ثمنا قليلا والى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله الناس غاديان
بائع نفسه فموبقها ومشتر نفسه فمعتقها وان الصحابة رضي الله عنهم لم يشتغلوا بالكسب فالقول
مع أصحاب الصفة رضي الله عنهم كانوا يلزمون المسجد فلا يشتغلون بالكسب ومدحوا على
ذلك وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من أعلى الصحابة رضي الله عنهم لم يشتغلوا بالكسب
وهم الأئمة السادة والقدوة والقادة وحجتنا في ذلك قوله تعالي وأحل الله البيع وقال جل وعلا
إذا تداينتم بدين الآية وقال عز وجل إلا أن تكون تجارة عن تراض وقال جل وعلا إلا أن
247

تكون تجارة حاضرة الآية ففي بعض هذه الآيات تنصيص على الحل وفى بعضها ندب إلى
الاشتغال بالتجارة فمن يقول بحرمتها إنما يخاطبنا بما يفهمه ولفظ البيع والشراء حقيقة للتصرف
في المال بطريق الاكتساب والكلام محمول علي حقيقة لا يجوز تركها إلى نوع من المجاز الا
عند قيام الدليل كما فيما استشهدوا به من قوله تعالى ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم فقد
قام الدليل على أن المراد به المجاز ولما لم يوجد مثل ذلك هنا فكان محمولا علي حقيقته وقال الله
تعالى فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا في الأرض والمراد التجارة وقال الله تعالى ليس عليكم
جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم يعنى التجارة في طريق الحج وقال النبي صلى الله عليه وسلم
ان أطيب ما أكلتم من كسب أيديكم وان أخي داود كان يأكل من كسب يده والمراد
الإشارة إلى قوله تعالى كلوا من طيبات ما رزقناكم وأقوى ما تعتمده ان الاكتساب طريق
المرسلين صلوات الله عليهم وقد قررنا ذلك ولا معنى لمعارضتهم إيانا في ذلك بيحيى وعيسى
عليهما السلام فقد بينا ان عيسى عليه السلام كان يأكل من غزل أمه رضي الله عنها ثم يقول إن
الأنبياء عليهم السلام في هذا ليس كغيرهم فقد بعثوا لدعوة الناس إلى دين الحق واظهار
ذلك لهم فكانوا مشغولين بما بعثوا لأجله ولم يشتغلوا عامة أوقاتهم بالكسب لهذا وقد
اكتسبوا في بعض الأوقات ليبينوا للناس ان ذلك مما ينبغي أن يشتغل به المرء وانه لا ينفى
التوكل على الله تعالى كما ظنه هؤلاء الجهال وقد بين هذا عمر رضي الله عنه في حديثه حيث
مر بقوم من القراء فرآهم جلوسا قد نكسوا رؤوسهم فقال من هؤلاء فقال هم المتوكلون
فقال كلا ولكنهم المتأكلون يأكلون أموال الناس ألا أنبئكم من المتوكلون فقيل نعم فقال
هو الذي يلقى الحب في الأرض ثم يتوكل على ربه عز وجل وفى رواية أخرى عنه قال
يا معشر القراء ارفعوا رؤوسكم واكتسبوا لأنفسكم ودعواهم ان الكبار من الصحابة رضي الله عنه
كانوا لا يكتسبون دعوى باطل فقد روى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان
بزارا وعمر رضي الله عنه كان يعمل في الأدم وعثمان كان تاجرا يجلب إليه الطعام فيبيعه وعلى
رضي الله عنه كان يكسب على ما روى أنه أجر نفسه غير مرة حتى أجر نفسه من يهودي
وقال للوزان زن وأرجح فان معاشر الأنبياء هكذا تزن وباع رسول الله صلى الله عليه وسلم
قعبا وحلسا من يزيد واشترى ناقة من اعرابي وأوفاه ثمنها ثم جحد الاعرابي وقال هلم
شاهد قال عليه السلام من يشهد لي فقال خزيمة بن ثابت رضي الله عنه أنا أشهد لك
248

بأنك أوفيت الاعرابي ثمن الناقة فقال عليه السلام كيف تشهد لي ولم تكن حاضرا فقال يا رسول
الله انا نصدقك فيما تأتينا به من خبر السماء أفلا نصدقك فيما تخير به من ايفاء ثمن الناقة فقال
عليه السلام من شهد له خزيمة فحسبه ولا حجة لهم في قوله تعالى وفى السماء رزقكم وما
توعدون فالمراد المطر الذي ينزل من السماء فيحصل به النبات فان ذلك يسمى رزقا على ما نقل
عن بعض السلف يا ابن آدم ان الله تعالى يزرقك ويرزق رزقك ويرزق رزق رزقك يعنى
ينزل المطر من السماء رزقا للنبات ثم النبات رزق الانعام والانعام رزق لبنى آدم ولئن حملنا
الآية على ظاهرها فنقول في السماء رزقنا كما أخبر الله تعالى ولكن أمر باكتساب السبب
ليأتينا ذلك الرزق عند الاكتساب * بيانه في قوله عليه السلام فيما يأثر عن ربه عز وجل
عبدي حرك يدك أنزل عليك الرزق وقد أمر الله تعالى مريم بهز النخلة كما قال الله تعالى
وهزي إليك الآية وهو قادر على أن يرزقها من غير هز منها كما كان يرزقها في المحراب فقال
عز وجل كلما دخل عليها زكريا المحراب الآية وإنما أمرها بذلك ليكون بيان للعباد انه ينبغي
لهم أن لا يدعوا اكتساب السبب وان كانوا يعتقدون ان الله تعالى هو الرزاق وهذا نظير
الخلف فان الله تعالى هو الخالق قد يخلق لامن سبب ولا في سبب كما خلق آدم صلوات الله عليه
وقد يخلق لامن سبب ولا في سبب كما خلق عيسى عليه السلام وقد يخلق من سبب في سبب
كما قال الله تعالى يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر الآية ثم الاشتغال بالنكاح وطلب الولد
لا ينفى يقين العبد بان الخالق هو الله تعالى فكذا أمر الرزق ليعلم أن من يزعم أن حقيقة
التوكل في تركه الكسب فهو مخالف للشريعة واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم
في قوله للسائل الذي قال أرسل ناقتي وأتوكل فقال عليه السلام لا بل اعقلها وتوكل ونظير
هذا الدعاء فقد أمرنا به قال الله تعالى واسألوا الله من فضله ومعلوم ان كل ما قدر لاحد
فهو يأتيه لا محالة ثم أحد لا يتطرق بهذا إلى ترك السؤال والدعاء من الله تعالى والأنبياء
عليهم السلام كانوا يسألون الجنة معه علمهم أن الله تعالى يدخلهم الجنة وقد وعدهم ذلك وهو
لا يخلف الميعاد وكانوا يأمنون العاقبة ثم كانوا يسألون الله تعالى ذلك في دعائهم وكذا أمر
الشفاء فالشافي هو الله وقد أمرنا بالمداواة قال عليه السلام تداووا عباد الله فان الله ما خلق
داء الا وخلق له دواء الا السام أو قال الهرم وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
أحد حين داوى ما أصابه من الجراحة في وجهه ثم اكتساب السبب بالمداواة لا ينفى التيقن
249

بان الله هو الشافي فكذا اكتساب سبب الرزق بالتحرك لا ينفى التيقن بان الله تعالى هو
الرازق والعجب من الصوفية انهم لا يمتنعون من تناول طعام من أطعمهم من كسب يده
وربح تجاراته مع علمهم بذلك فلو كان الاكتساب حراما لكان المال الحاصل به حرام التناول
لان ما يتطرق إليه بارتكاب الحرام يكون حراما (ألا ترى) أن بيع الخمر للمسلم لما كان
حراما كان تناول ثمنها حراما وحيث لم يمتنع أحد منهم من التناول عرفنا ان قولهم من نتيجة
الجهل والكسل ثم المذهب عند جمهور الفقهاء من أهل السنة والجماعة رحمهم الله ان الكسب
بقدر مالا بد منه فريضة وقالت الكرامية بل هو مباح بطريق الرخصة لأنه لا يخلوا اما أن
يكون فرضا في كل وقت أو في وقت مخصوص والأول باطل لأنه يؤدى إلى أن لا يتفرغ
أحد عن أداء هذه الفريضة ليشتغل بغيرها من الفرائض والواجبات والثاني باطل لان
ما يكون فرضا في وقت مخصوص شرعا يكون مضافا إلى ذلك الوقت كالصلاة والصوم ولم
يرد الشرع بإضافة السكب إلى وقت مخصوص ثم لا يخلو اما أن يكون فرضا لرغبة الناس
إليه أو للضرورة والأول باطل فان الرغبة ثابتة في جميع ما في الدنيا من الأموال وأحد
لا يقول يفترض على كل واحد تحصيل جميع ذلك والثاني باطل أيضا فان ما يفترض للضرورة
إنما يفترض عند تحقق الضرورة وبعد تحقق الضرورة يعجز عن الكسب فكيف تتأخر فريضته
إلى حال عجزه ولا يخلو اما أن يفترض جميع أنواعه أو نوع مخصوص منه والأول باطل
فان الأنبياء عليهم السلام ما اشتغلوا بالكسب في عامة أوقاتهم وكذا أعلام الصحابة ومن
بعدهم من الأخيار ولا يظن بهم أنهم اجتمعوا على ترك ما هو فرض عليهم والثاني باطل لأنه
ليس بعض الناس بتخصيصه بهذا الفريضة بأولى من البعض فتبين أن الكسب ليس بفرض
أصلا والدليل عليه انه لو كان أصله فرضا لكان الاستكثار منه مندوبا إليه وكان نفلا بمنزلة
العبادات والاستكثار منه مذموم كما قال الله تعالى إنما الحياة الدنيا لعب ولهو إلى قوله
عذاب شديد وبهذا الحرف يقع الفرق بينه وبين طلب أهل العلم فان أصله لما كان فرضا
كان الاستكثار منه مندوبا إليه وحجتنا في ذلك قوله تعالى انفقوا من طيبات ما كسبتم
والامر حقيقة للوجوب ولا يتصور الانفاق من المكسوب الا بعد الكسب ومالا يتوصل
إلى إقامة الفرض الا به يكون فرضا وقال تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا الآية يعنى الكسب
والامر حقيقة للوجوب * فان قيل قد روى عن مجاهد ومكحول رحمهما الله انها قالا المراد
250

طلب العلم قلنا ما ذكرنا من التفسير مروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال طلب
الكسب بعد الصلاة المكتوبة هي الفريضة بعد الفريضة وتلا قوله تعالى فإذا قضيت الصلاة
فلا يترك ذلك بقول مكحول ومجاهد رحمهما الله والظاهر يؤيد ما ذكرنا بدليل ما ذكر
بعده وإذا رأوا تجارة الآية وكانوا انفضوا بذلك في حال خطبته فنهوا عن ذلك وأمروا
به بعد الفراغ من الصلاة * فان قيل الامر بعد النهى يفيد الإباحة * قلنا الامر حقيقة للإيجاب
ولو كان المراد هو الإباحة والرخصة لقال فلا جناح عليكم أن تبتغوا من فضل الله كما قال في
باب طريق الحج ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم والدليل عليه أن الله تعالى امر
بالانفاق على العيال من الزوجات والأولاد والمعتدات ولا يتمكن من الانفاق عليهم الا
بتحصيل المال بالكسب وما يتوصل به إلى أداء الواجب يكون واجبا والمعقول يشهد له
فان في الكسب نظام العالم والله تعالى حكم ببقاء العالم إلى حين فنائه وجعل سبب البقاء
والنظام كسب العباد وفى تركه تخريب نظامه وذلك ممنوع منه * فان قيل فبقاء هذا النظام يتعلق
بالتسافد بين الحيوان وأحد لا يقول بفرضية ذلك * قلنا نعم ان الله تعالى علق البقاء بتسافد
الحيوانات وركب الشهوة في طباعهم وتلك الشهوة تحملهم على مباشرة ذلك الفعل فلا تقع الحاجة
إلى أن يجعل ذلك فرضا عليهم لكيلا يمتنعوا من ذلك فان الطبع داع إلى اقتضاء الشهوة * فاما
الاكتساب في الابتداء فكد وتعب وقد تعلق به بقاء نظام العالم فلو لم يجعل أصله فرضا
لاجتمع الناس عن آخرهم على تركه لأنه ليس في طبعهم ما يدعو إلى الكد والتعب فجعل
الشرع أصله فرضا لكيلا يجتمعوا على تركه فيحصل ما هو المقصود وجميع ما ذكروا من
التقسيمات يبطل بما أشار إليه محمد رحمه الله في قوله طلب الكسب فريضة كما أن طلب العلم
فريضة * فان هذه التقسيمات تأتي في العلم ومع ذلك كان أصله فرضا بالاتفاق فكذلك
طلب الكسب وكان معنى الفريضة ما بينا من بقاء نظام العالم به ولا يوجد ذلك في الاستكثار
منه على قصد التكاثر والتفاخر وإنما ذم الله تعالى الاستكثار إذا كان بهذه الصفة فقال عز
وجل وتفاخر بينكم وتكاثر ثم ينبنى على هذه المسألة مسألة أخرى وهي انه بعد ما اكتسب ما
لا بد منه هل الاشتغال بالاكتساب أفضل أم التفرغ للعبادة قال بعض الفقهاء رحمهم الله الاشتغال
بالكسب أفضل وأكثر مشايخنا رحمهم الله على أن التفرغ للعبادة أفضل وجه القول الأول أن
منفعة الاكتساب أعم فان ما يكتسبه الزارع تصل منفعته إلى الجماعة عادة والذي يشتغل بالعبادة
251

إنما ينفع نفسه لأنه بفعله يحصل النجاة لنفسه ويحصل الثواب لجسمه * وما كان أعم نفعا فهو
أفضل لقوله عليه السلام خير الناس من ينفع الناس ولهذا كان الاشتغال بطلب العلم أفضل من
التفرغ للعبادة لان منفعة ذلك أعم ولهذا كانت الامارة والسلطنة بالعدل أفضل من التخلي
للعبادة كما اختاره الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم لان ذلك أعم نفعا والى هذا المعنى
أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله العبادة عشرة أجزاء وقوله عليه السلام الجهاد عشرة
أجزاء تسعة منها في طلب الحلال للانفاق على العيال والدليل عليه انه بالكسب يتمكن من أداء
أنواع الطاعات من الجهاد والحج والصدقة وبر الوالدين وصلة الرحم والاحسان إلى الأقارب
والأجانب وفى التفرغ للعبادة لا يتمكن الا من أداء بعض الأنواع كالصوم والصلاة وجه القول
الآخر وهو الأصح أن الأنبياء والرسل ما اشتغلوا بالكسب في عامة الأوقات ولا يخفى على
أحد ان اشتغالهم بالعبادة في عمرهم كان أكثر من اشتغالهم بالكسب ومعلوم انهم كانوا
يختارون لأنفسهم أعلى الدرجات ولا شك ان أعلى مناهج الدين طريق المرسلين عليهم السلام
وكذا الناس في العادة إذا أحرجهم أمر يحتاجون إلى دفعه عن أنفسهم يشتغلون بالعبادات
لا بالكسب والناس إنما يتقربون إلى العباد دون المكتسبين والدليل عليه ان الاكتساب يصح
من الكافر والمسلم جميعا فكيف يستقيم القول بتقديمه على مالا يصح الا من المؤمنين خاصة
وهي العبادة والدليل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أفضل الأعمال قال أحمزها
أي أشقها على البدن وإنما أشار بهذا إلى أن المرء إنما ينال أعلى الدرجات بمنع النفس هواها قال
الله تعالى ونهى النفس عن الهوى الآية * والاشتغال بهذه الصفة في الانتهاء والدوام في
العبادات فاما الكسب ففيه بعض التعب في الابتداء ولكنه فيه قضاء الشهوة في الانتهاء
وتحصيل مراد النفس فلا بد من القول بأن ما يكون بخلاف هوى النفس ابتداء وانتهاء فهو
أفضل ولا يدخل في شئ مما ذكرنا النكاح فان الاشتغال بالنكاح أفضل عندنا من التخلي
لعبادة الله تعالى وهذا المعنى موجود فيه لأنه إنما كان ذلك أفضل لما فيه من تكثير عبادة الله
تعالى وأمة رسوله عليه السلام وتحقيق مباهاة رسول الله بهم وذلك لا يوجد هنا فكان التفرع
للعبادة أفضل من الاشتغال بالكسب بعد ما يحصل مالا بد منه وهذه المسألة تنبنى على مسألة
أخرى اختلف فيها العلماء رحمهم الله وهي ان صفة الفقر أعلى أم صفة الغنى * والمذهب عندنا ان
صفة الفقر أعلي وقال بعض الفقهاء صفة الغنى أعلى وقد أشار محمد رحمه الله في كتاب
252

الكسب في موضعين إلى ما بينا من مذهبنا فقال في أحد الموضعين * ولو أن الناس قنعوا بما
يكفيهم وعمدوا إلى الفضول فوجهوها لامر آخرتهم لكان خيرا لهم وقال في الموضع الآخر
وما زاد على مالا بد منه يحاسب المرء عليه ولا يحاسب أحد على الفقر ولا شك ان مالا يحاسب
المرء عليه يكون أفضل مما يحاسب المرء عليه وأما من فضل الغني فاحتج وقال الغني نعمة والفقر
بؤس ونقمة ومحنة ولا يخفى على عاقل ان النعمة أفضل من النقمة والمحنة والدليل عليه ان
الله تعالى سمى المال فضلا فقال عز وجل وابتغوا من فضل الله وقال تعالى ليس عليكم
جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم وما هو فضل الله فهو أعلى الدرجات وسمى المال خيرا فقال
عز وجل ان ترك خيرا الوصية للوالدين وهذا اللفظ يدل على أنه خير من عنده وقال تعالى
ولقد آتينا داود منا فضلا يعنى الملك والمال حتى روى أنه كانت له مائة سرية فتمنى من الله تعالى
الزيادة على ذلك فقال رب هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي ولا يظن بأحد من الرسل
عليهم السلام انه سأل من الله تعالى الدرجة الدنيا دون الدرجة العليا والدليل عليه ا ن النبي صلى
الله عليه وسلم قال الأيدي ثلاثة يد الله ثم اليد المعطية ثم اليد المعطاة وهي السفلى إلى يوم
القيامة وفى حديث آخر قال عليه السلام اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا هي
اليد المعطية وقال عليه السلام لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه انك ان تدع ورثتك أغنياء
خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لعائشة
رضي الله عنها في مرضه ان أحب الناس إلي غنى أنت وأعزهم على فقرا أنت فهذا يدل على
أن صفة الغنى أعلى من صفة الفقر قال عليه السلام كاد الفقر أن يكون كفرا وقال عليه السلام
اللهم إني أعوذ بك من الفقر الا إليك وقال عليه السلام اللهم إني أعوذ بك من البؤس
والتباؤس البؤس الفقر والتباؤس التمسكن ولا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم انه يتعوذ بالله
من أعلى الدرجات * وحجتنا في ذلك أن الفقر أسلم للعباد وأعلى الدرجات للعبد ما يكون أسلم له
وبيان ذلك أنه يسلم بالفقر من طغيان الغنى قال الله تعالى كلا ان الانسان ليطغي الآية وقال
عز وجل الذين طغوا في البلاد الآية وإنما حملهم على ذلك الطغيان الاغناء يعنى الذين ادعوا
مالا ينبغي لاحد من البشر فإنه لم ينقل ان أحدا من الفقراء وقع في ذلك فدل ان الفقر
أسلم ثم صفة الغنى مما تميل إليه النفس ويدعوا إليه الطبع ويتوصل به إلي اقتضاء الشهوات
ولا يتوصل بالفقر إلى شئ من ذلك وأعلى الدرجات ما يكون أبعد من اقتضاء الشهوات
253

وقال تعالى واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا وقال جل وعلا زين للناس الآية والدليل
عليه قوله عليه السلام حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وقال عليه السلام الفقر
أزين بالمؤمن من العداء الجيد على جيد الفرس وقال عليه السلام ان فقراء أمتي يدخلون
الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم وهو خمسمائة عام وفى الآثار ان آخر الأنبياء عليهم السلام
دخولا الجنة سليمان عليه السلام لملكه وقال عليه السلام يوما لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
ما ما أبطأك عنى يا عبد الرحمن قال وما ذاك يا رسول الله قال إنك آخر أصحابي لحوقا بي
يوم القيامة فأقول ما حبسك عنى فتقول المال كنت محاسبا محبوسا حتى الآن وكان هو من
العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وقد قاسم الله ماله أربع مرات
فتصدق بالنصف وأمسك النصف في المرة الأولى وكان ماله ثمانية آلاف فتصدق بأربعة
آلاف وفى المرة الثانية كان ثمانية آلاف دينار فتصدق بنصفها وفى المرة الثالثة كان ستة
عشر ألف دينار فتصدق بنصفها وفى المرة الرابعة كان اثنين وثلاثين ألف دينار فتصدق
بنصفها ومع ذلك كله قال عليه السلام في حقه ما قال فتبين به ان صفة الفقر أفضل وقال عليه
السلام عرض على مفاتيح خزائن الأرض فاستفتيت أخي جبريل عليه السلام بذلك فأشار إلى
بالتواضع فقلت أكون عبدا أجوع يوما وأشبع يوما فإذا جعت صبرت وإذا شبعت
شكرت وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم أحبني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في
زمرة المساكين ولا شك ان النبي صلى الله عليه وسلم سأل لنفسه أعلى الدرجات وان الأفضل
لنا ما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أنا حظكم
من الأنبياء وأنتم حظي من الأمم ففي هذا إشارة إلى أن الواجب علينا التمسك بهذا ويتبين بما ذكرنا
أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تعوذ من الفقر المطلق وإنما تعوذ من الفقر المنسى على ما روى
في بعض الروايات انه عليه السلام قال اللهم إني أعوذ بك من فقر منسى ومن غنى يطغى
الا انه قيد السؤال في بعض الأحوال ومراده ذلك أيضا ولكن من سمع اللفظ مطلقا
نقله كما سمع وهذه المسألة تنبنى على مسألة أخرى اختلف فيها العلماء وهو ان الشكر على
الغنى أفضل أم الصبر على الفقر واختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على أربعة أقاويل
فمنهم من توقف في جوابها لتعارض الآثار وقال إن أبا أبي حنيفة رحمه الله توقف في أطفال
المشركين لتعارض الآثار فيهم وقال إذا فيقتدى به ويتوقف في هذا الفصل لتعارض الآثار
254

أيضا ومنهم من قال هما سواء واستدلوا بقوله عليه السلام الطاعم الشاكر كالجائع الصابر ولان
الله تعالى اثنى في كتابه على عبدين وأثنى على كل واحد منهم بنعم العبد أحدهما بنعم عليه فشكر
وهو داود قال الله ووهبنا لداود الآية والآخر ابتلى فصبر وهو أيوب عليه السلام قال الله تعالى
انا وجدناه صابرا الآية فعرفنا انهما سواء ومنهم من قال الشكر على الغنى أفضل لقوله عليه السلام
الحمد لله على كل نعمة وقال عليه السلام لو أن جميع الدنيا صارت لقمة فتناولها عبد وقال الحمد لله
رب العالمين كان بما أتى به خيرا مما أوتى يعنى لما في هذه الكلمة من الثناء على الله تعالى وتبين
بالحديث الأول ان الشكر يكون بالثناء علي الله تعالى فكان أفضل من الصبر والدليل عليه قوله
تعالى اعملوا آل داود شكرا وهذا يعم جميع الطاعات ولا شك ان ما يعم جميع الطاعات فهو
أعلى الدرجات وذلك لا يوجد في الصبر على الفقر والمذهب عندنا ان الصبر على الفقر أفضل
قال عليه السلام الصبر نصف الايمان * وقال عليه السلام الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من
الجسد ولان في الفقر معنى الابتلاء والصبر على الابتلاء يكون أفضل من الشكر على النعمة
يعتبر هذا بسائر أنواع الابتلاء فان الصبر على ألم المرض يكون أعظم في الثواب من الشكر
على صحة البدن وكذلك الصبر على العمى أفضل من الشكر على البصر قال عليه السلام فيما
يأثر عن ربه عز وجل من أخذت كريمته وصبر على ذلك فلا جزاء له عندي الا الجنة أو قال
الجنة والرؤية وهذا الفقه وهو أن للمؤمن ثوابا في نفس المصيبة قال عليه السلام يؤجر المؤمن
في كل شئ حتى الشوكة تشاكه في رجله * والدليل عليه أن ماعزا رضي الله عنه حين أصابه
حر الحجارة هرب وكان ذلك منه نوع اضطراب ثم مع ذلك قال فيه رسول الله لقد تاب
توبة لو قسمت توبته على جميع أهل الأرض لوسعتهم فعرفنا أن نفس المصيبة للمؤمن ثواب وفى
الصبر عليها ثواب أيضا فاما نفس المغنى فلا ثواب فيه وإنما الثواب في الشكر علي الغنى وما ينال
به الثواب من الوجهين يكون أعلى مما ينال فيه الثواب من وجه واحد وكما أن في الشكر
على الغنى ثناء على الله تعالى ففي الصبر على المصيبة كذا لقوله تعالى الذين إذا أصابتهم مصيبة
الآية وحكى أن غنيا وفقيرا تناظرا في هذه المسألة فقال الغني الشاكر انا أفضل فان الله
تعالى استقرض من الأغنياء فقال عز وجل من ذا الذي يقرض الله الآية * وقال الفقير
ان الله تعالى إنما استقرض من الأغنياء للفقراء وقد يستقرض من الخبيث وغير الخبيث ولا
يستقرض الا الاجل يوضحه ان الغنى يحتاج إلى الفقير ولا يحتاج الفقير إلى الغني لان الغنى يلزمه
255

أداء حق المال فلو اجتمع الفقراء عن آخرهم على أن لا يأخذوا شيئا من ذلك لم يجبروا على
الاخذ ويحمدون شرعا على الامتناع من الاخذ فلا يتمكن الأغنياء من اسقاط الواجب
عن أنفسهم والله تعالى يوصل الفقراء كفايتهم على حسب ما ضمن لهم فبهذا تبين أن الأغنياء
هم الذين يحتاجون إلى الفقراء والفقراء لا يحتاجون إليهم بخلاف ما ظنه من يعتبر الظاهر ولا
يتأمل في المعنى ويتضح بما قررنا أن الفقير الصابر أفضل من الغنى الشاكر وفى كل خير ثم
الكسب على مراتب فمقدار مالا بد لكل أحد منه يعنى ما يقيم به صلبه يفترض على كل أحد
اكتسابه غنيا أو فقيرا لأنه لا يتوصل إلى إقامة الفرائض الا به وما يتوصل به إلى إقامة الفرائض
يكون فرضا فإن لم يكتسب زيادة على ذلك فهو في سعة من ذلك لقوله عليه السلام من أصبح
آمنا في سربه معافى في بدنه وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها وقال عليه السلام
لابن خنيس رضي الله عنه فيما يعظه لقمة تسد بها جوعتك وخرقة توارى بها سوأتك فإن كان لك
كن يكنك فحسن وإن كان لك دابة تركبها بخ بخ * وهذا إذا لم يكن عليه دين فإن كان عليه
دين فالاكتساب بقدر ما يقضى به دينه فرض عليه لان قضاء الدين مستحق عليه إن كان غنيا قال
عليه السلام الدين مقضى وبالاكتساب يتوصل إليه * وكذا إن كان له عيال من زوجة وأولاد
صغار فإنه يفترض عليه الكسب بقدر كفايتهم غنيا لان الانفاق على زوجته مستحق عليه قال
الله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم معناه فأنفقوا عليهن من وجدكم وهكذا في
قراءة ابن مسعود رضي الله عنه وقال جل وعلا وعلي المولود له رزقهن وكسوتهن الآية وقال
عز وجل ومن قدر عليه رزقه فلينفق الآية وإنما يتوصل إلى ايفاء هذا المستحق بالكسب وقال
صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء اثما ان يضيع من يمون فالتحرز عن ارتكاب المآثم فرض وقال عليه
السلام ان لنفسك عليك حقا وأن لأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه ولكن هذا في
الفرضية دون الأول لقوله عليه السلام ثم من تعول فان اكتسب زيادة على ذلك ما يدخره
لنفسه وعياله فهو في سعة من ذلك لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ادخر قوت عياله لسنة
بعد ما كان منها عن ذلك على ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لبلال رضي الله عنه أنفق بلالا
ولا تخش من ذي العرش اقلالا والمتأخر يكون ناسخا للمتقدم فإن كان له أبوان كبيران معسران
فإنه يفترض عليه الكسب بقدر كفايتهما لان نفقتهما مستحقة عليه بعد عسرته إذا كان متمكنا
من الكسب قال عليه السلام للرجل الذي اتاه وقال أريد الجهاد معك ألك أبوان قال نعم قال عليه
256

السلام ارجع ففيهما فجاهد يعنى اكتسب وأنفق عليهما وقال تعالى وصاحبهما في الدنيا
معروفا وليس من المصاحبة بالمعروف تركهما يموتان جوعا مع قدرته على الكسب ولكن
هذا دون ما سبق في الفرضية لما روى أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم معي دينار
فقال عليه السلام أنفقه على نفسك فقال معي آخر فقال عليه السلام أنفقه على عيالك قال
معي آخر قال عليه السلام أنفقه على والديك الحديث فاما غير الوالدين من ذوي الرحم المحرم
فلا يفترض على المرء الكسب للانفاق عليهم لأنه لا تستحق نفقتهم عليه الا باعتبار صفة
اليسار ولكنه يندب إلى الكسب والانفاق عليهم لما فيه من صلة الرحم وهو مندوب إليه
في الشرع قال عليه السلام لا خير فيمن لا يحب المال فيصل به رحمه ويكرم به ضيفه ويبر به
صديقه وقال عليه السلام لعمرو بن العاص رضي الله عنه وأرغب لك رغبة من المال الحديث
إلى أن قال نعم المال الصالح للرجل الصالح يصل به رحمه وقطيعة الرحم حرام لقوله عليه السلام
ثلاث معلقات بالعرش النعمة والأمانة والرحم نقول النعمة كفرت ولم أشكر وتقول
الأمانة ضيعت ولم أؤد وتقول الرجم قطعت ولم أوصل وقال عليه الصلاة والسلام صلة الرحم
تزيد في العمر وقطيعة الرحم ترفع البركة من العمر قال عليه السلام فيما يأثر عن ربه عز وجل
أنا الرحمن وهي الرحم شققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته وفى
ترك الانفاق عليهم ما يؤدى إلى قطيعة الرحم فيندب إلى الاكتساب للانفاق عليهم وبعد ذلك
الامر موسع عليه فإن شاء اكتسب وجمع المال وان شاء أبى لان السلف رحمهم الله منهم
من جمع المال ومنهم من لم يفعل فعرفنا ان كلا الفريقين مباح أما الجمع فلما روى عن النبي صلى
الله عليه وسلم من طلب الدنيا حلالا متعففا لقي الله تعالى ووجهه كالقمر ليلة البدر ومن طلبها
مفاخرا مكاثرا لقي الله تعالى وهو عليه غضبان فدل ان جمع المال على طريق التعفف مباح
وكان عليه السلام يقول في دعائه اللهم اجعل أوسع رزقي عند كبر سنى وانقضاء عمري
وكان كذا فقد اجتمع له أربعون شاة حلوبة وفدك وسهم بخيبر في آخر عمره وأما الامتناع
من جمع المال فطريق مباح أيضا لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لو كأن لابن آدم واديان من ذهب لتمني إليهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب
ويتوب الله على من تاب وقيل هذا كان مما يتلى في القرآن في سورة يونس من الركوع الثاني
أو الثالث ثم انتسخت تلاوته وبقيت روايته وقال عليه السلام تبا للمال وفى رواية لصاحب
257

الذهب والفضة وقال صلى الله عليه وسلم هلك المكثرون الا من قال بماله هكذا وهكذا يعني
يتصدق من كل جانب وقال عليه السلام يقول الشيطان لن ينجو منى صاحب المال من احدى
ثلاث اما أن أزينه في عينه فيجمعه من غير حله واما ان أحقره في عينه فيعطى في غير حله
واما أن أحببه إليه فيمنع حق الله تعالى منه ففي هذا بيان ان الامتناع من الجمع أسلم ولا عيب
على من اختار طريق السلامة ثم بين محمد رحمه الله ان الكسب فيه معنى المعاونة على القرب
والطاعات أي كسب كان حتى قال إن كسب فتال الحبال ومتخذ الكيزان والجرار وكسب
الحركة فيه معاونة على الطاعات والقرب فإنه لا يتمكن من أداء الصلاة الا بالطهارة ويحتاج
ذلك إلى كوز يستقى به الماء والى دلو ورشاء ينزح به الماء ويحتاج إلى ستر العورة لأداء
الصلاة وإنما يتمكن من ذلك بعمل الحركة فعرفنا ان ذلك كله من أسباب التعاون على إقامة
الطاعة واليه أشار علي رضي الله عنه في قوله لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن الدنيا إلى
الآخرة وقال أبو ذر رضي الله عنه حين سأله رجل عن أفضل الأعمال بعد الايمان فقال
الصلاة وأكل الخبز فنظر إليه الرجل كالمتعجب فقال لولا الخبز ما عبد الله تعالى يعنى بأكل
الخبز يقيم صلبه فيتمكن من إقامة الطاعة ثم المذهب عند جمهور الفقهاء رحمهم الله ان المكاسب
كلها في الإباحة سواء وقال بعض المتقشفة ما يرجع إلى الدناءة من المكاسب في عرف الناس
لا يسع الاقدام عليه إلا عند الضرورة لقوله عليه السلام ليس للمؤمن أن يذل نفسه
وقال عليه السلام ان الله تعالى يحب معالي الأمور ويبغض سفسافها والسفساف ما يدنى المرء
ويبخسه * وحجتنا في ذلك قوله عليه السلام ان من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الصوم ولا الصلاة
قيل فما يكفرها يا رسول الله قال الهموم في طلب المعيشة وقال عليه السلام طلب الحلال
كمقارعة الابطال ومن بات وانيا من طلب الحلال مات مغفورا وقال عليه السلام أفضل الأعمال
الاكتساب للانفاق على العيال من غير تفصيل بين أنواع الكسب ولو لم يكن فيه
سوى التعفف والاستغناء عن السؤال لكان مندوبا إليه فان النبي صلى الله عليه وسلم قال
السؤال آخر كسب العبد أي يبقى في ذله إلى يوم القيامة وقال عليه السلام لحكيم بن حزام
رضي الله عنه أو لغيره مكسبة فيها نقص المرتبة خير لك من أن تسأل الناس أعطوك أو
منعوك ثم المذمة في عرف الناس ليست للكسب بل للخيانة وخلف الوعد واليمين الكاذبة
ومعنى البخل ثم المكاسب أربعة الإجارة والتجارة والزراعة والصناعة وكل ذلك في الإباحة
258

سواء عند جمهور الفقهاء رحمهم الله وقال بعض الزراعة مذمومة لما روى أن النبي صلى الله عليه
وسلم رأى شيئا من آلات الحرابة في دار قوم فقال ما دخل هذا بيت قوم الا دلوا وسئل
النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل ان تطيعوا الذين كفروا يردوكم علي أعقابكم أهو
التعرب قال لا ولكنه الزراعة والتعرب سكنى البادية وترك الهجرة وقال عبد الله بن عمر
رضي الله عنهما إذا تبايعتم بالعين واتبعتم أذناب البقر ذللتم حتى يطمع فيكم * وحجتنا في ذلك ما روى
أن النبي صلى الله عليه وسلم ازدرع بالجرف وقال عليه السلام اطلبوا الرزق تحت خبايا
الأرض يعنى الزراعة وقال عليه السلام الزراع يتاجر ربه وقد كان له فدك وسهم بخيبر فكان
قوته في آخر العمر من ذلك وعمر رضي الله عنه كان له أرض بخيبر يدعى ثمغ وقد كان
لابن مسعود والحسن بن علي وأبي هريرة رضي الله عنهم مزارع بالسواد يزرعونها ويؤدون
خراجها وكأن لابن عباس رضي الله عنهما أيضا مزارع بالسواد وغيرها وتأويل الآثار المروية
فيما إذا اشتغل الناس كلهم بالزراعة وأعرضوا عن الجهاد حتى يطمع فيهم عدوهم وذلك مروى
في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال وقعدتم عن الجهاد وذللتم حتى يطمع فيكم فيما إذا اشتغل
بعضهم بالجهاد وبعضهم بالزراعة ففي عمل المزارع معاونة للمجاهد وفى عمل المجاهد دفع عن
الزارع وقال صلى الله عليه وسلم المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا ثم اختلف مشايخنا رحمهم
الله في التجارة والزراعة فقال بعضهم التجارة أفضل لقوله تعالى وآخرون يضربون في الأرض
الآية والمراد بالضرب في الأرض التجارة فقدمه في الذكر على الجهاد الذي هو سنام الدين
وسنة المرسلين ولهذا قال عمر رضي الله عنه لان أموت بين شعبتي رحلي أضرب في الأرض
أبتغي من فضل الله أحب إلى من أقتل مجاهدا في سبيل الله وقال عليه السلام التاجر
الأمين مع الكرام البررة يوم القيامة وأكثر مشايخنا رحمهم الله على أن الزراعة أفضل من
التجارة لأنها أعم نفعا فبعمل الزراعة تحصيل ما يقيم به المرء صلبه ويتقوى به على الطاعة
وبالتجارة لا يحصل ذلك ولكن ينمو المال وقال عليه السلام خير الناس من هو أنفع للناس
فالاشتغال بما يكون نفعه أعم يكون أفضل ولان الصدقة في الزراعة أطهر فلا بد أن يتناول
مما يكتسبه الزارع الناس والدواب والطيور وكل ذلك صدقة له قال عليه السلام ما غرس
مسلم شجرة فتناول منها انسان أو دابة أو طير الا كانت له صدقة وفى رواية وما أكلت
العافية منها فهي له صدقة والعافية هي الطيور الطالبة لارزاقها الراجعة إلى أوكارها وإذا كان
259

في عادة الناس ذم الكسب الذي ينعدم فيه التصدق كعمل الحياكة مع أنه من التعاون
على إقامة الصلاة عرفنا ان ما يكون التصدق فيه أكثر من الكسب فهو أفضل فأما تأويل
ما تعلقوا به فقد روى مكحول ومجاهد رحمهما الله قالا المراد الضرب في الأرض لطلب العلم
وبه نقول إن ذلك أفضل فقد أشار محمد رحمه الله إلى ذلك في قوله طلب الكسب فريضة كما
أن طلب العلم فريضة فتشبيه هذا بذاك دليل على أن طلب العلم أعلي درجة من غيره وبيان
فرضية طلب العلم في قوله عليه السلام طلب العلم فريضة على كل مسلم والمراد علم الحلال
على ما قيل أفضل العلم علم الحلال وأفضل العمل حفظ الحال وبيان هذا أن ما يحتاج المرء
في الحال لأداء ما لزمه يفترض عليه عينا علمه كالطهارة لأداء الصلاة فان أراد التجارة
يفترض عليه تعلم ما يتحرز به عن الربا والعقود الفاسدة وإن كان له مال يفترض عليه تعلم
زكاة جنس ماله ليتمكن به من الأداء وان لزمه الحج يفترض عليه تعلم ما يؤدى به الحج
هذا معنى علم الحال * وهذا علم لآن الله تعالى حكم ببقاء الشريعة إلى يوم القيامة والبقاء بين
الناس يكون بالتعلم والتعليم فيفترض التعليم والتعلم جميعا وقد قررنا هذا المعنى في بيان فريضة
الكسب والدليل عليه ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الذين لا يعلمون ولا يتعلمون ليرتفع
العلم بهم وقال إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من القلوب ولكن بقبض العلماء فإذا
قبض العلماء اتخذ الناس رؤسا جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا والذي يؤيد هذا كله
قوله تعالى وان أحد من المشركين استجارك الآية وفى هذا إشارة إلى أنه يفترض تعليم
الكافر إذا طلب ذلك فتعليم المؤمن أولى وبيان قولنا انه من آكد الفرائض ان الانسان
لو شغل جميع عمره بالتعلم والتعليم كان مفترضا في الكل ولو شغل جميع عمره بالصوم والصلاة
كان مشتغلا في البعض ولا شك ان إقامة الفرض أعلى درجة من أداء النفل قال وكما أن
طلب العلم فريضة فأداء العلم إلى الناس فريضة لان اشتغال صاحب العلم بالعمل معروف
والعمل بخلافه منكر فالتعليم يكون أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وهو فرض على هذه
الأمة * قال الله تعالى كنتم خير أمة الآية ويختلفون في فصل وهو ان من يعلم حكما
أو حكمين هل يفترض عليه أن يبين ذلك لمن لا يعلمه أم لا فعلى قول بعض مشايخنا رحمهم
الله يلزمه ذلك وأكثرهم على أنه لا يلزمه ذلك وإنما يجب ذلك على الذين اشتهروا بالعلم
ممن يعتمد الناس قولهم وقد أشار في هذا الكتاب إلى القولين واللفظ المذكور هنا
260

يوجب التعميم وقال بعد هذه فعلى البصراء من العلماء أن يبينوا للناس طريق الفقه فهذا
يدل على أن الفرضية على الذين اشتهروا بالعلم خاصة * وجه القول الأول قوله تعالى ان
الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات وقوله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب
الآية فتبين بالآيتين أن الكتمان حرام وان ضده وهو الاظهار لازم فيتناول ذلك كل من
بلغه علم فإنه يتصور منه الكتمان فيما بلغه فيفترض عليه الاظهار وقال صلى الله عليه وسلم
إذا رأيتم آخر هذه الأمة طعن علي أولها فمن كان عنده علم فليظهره فان كاتم العلم يومئذ
ككاتم ما أنزل على محمد ولان تعليم العلم بمنزلة أداء الزكاة وعلى كل أحد أداء الزكاة من
نصابه وصاحب النصاب وصاحب المنصب في ذلك سواء وجه القول الآخر ان العلماء في
كل زمان خلفاء الرسل عليهم السلام كما قال صلى الله عليه وسلم العلماء هم ورثة الأنبياء ومعلوم
ان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو المبين للناس ما يحتاجون إليه من أمر دينهم
فان الله تعالى وصفه بذلك وقال لتبين للناس ما نزل إليهم ولا يجب على أحد سواه شئ من
ذلك بحضرته فكذا في كل حين ومكان إنما يفترض الأداء علي المشهورين بالعلم دون غيرهم
لان الناس في العداة إنما يعتمدون قول من اشتهر بالعم وقلما يعتمدون قول غيرهم وربما
يستخف بعضهم بما يسعه ممن لم يشتهر بالعلم فلهذا كان البيان على المشهورين خاصة وقد نقل
عن الحسن رضي الله عنه أدركت سبعين بدريا كلهم قد انزووا ولم يشتغلوا بتعليم الناس
لأنه كأن لا يحتاج إليهم وكذا علماء التابعين رحمهم الله فمنهم من تصدي للفتوى والتعليم ومنهم
من امتنع من ذلك وانزوى لعلمه انه لا يتمكن الخلل بامتناعه وان المقصود حاصل بغيره وهذا
لان للعلم ثمرتين العمل به والتعليم ومنهم من لا يتمكن منهما جميعا فيكتفى بثمرة العمل به فعرفنا
أن ذلك واسع وان المقصود بالمشهورين من أهل العلم حاصل (قال ولو لم يكن طلب العلم
فريضة لم يكن للناس مخرج من الاثم) يعنى ان التحرز عن ارتكاب الاثم فرض قال الله تعالى
قل إنما حرم ربى الفواحش الآية ولا يتوصل إلى هذا التحرز الا بالعلم قال ولو ترك الناس
العلم لما تميز الحق من الباطل والصواب من الخطأ والبين من الخفي يعنى أن التمييز بين الحق
والباطل أصل الدين ولا يتوصل إليه الا بالعلم قال الله تعالى ويمحو الله الباطل ويحق الحق
وقال في آية أخرى ليحق الحق ويبطل الباطل ولا شك انه يفترض على كل مخاطب التمييز
بين ما أحقه الله تعالى بين ما محاه الله من الباطل وكذا يجب على كل أحد التمسك بما هو
261

صواب والتحرز عن الخطأ بجهده وطريق التوصل إلى ذلك العلم (قال فعلى العلماء إذا ما وصل
إليهم ممن قلهم مما فيه منفعة للناس) يعنى أن بيان المسموع من الآثار واجب على العلماء فان النبي
صلى الله عليه وسلم قال نضر الله امرءا سمع منا مقالة فوعاها كما سمعها ثم أداها إلى من سمعها
فرب حامل فقه إلى غير فقيه ورب حامل فقه إلي من هو أفقه من وقال صلى الله عليه وسلم
تسمعون ويسمع منكم ويسمع من لم يسمع منكم وقال صلى الله عليه وسلم ألا فليبلغ الشاهد
الغائب ثم إنما يفترض بيان ما فيه منفعة الناس وهو الناسخ من الآثار الصحيحة المشهورة
فاما المنسوخ فيجب روايته وكذا الشاذ فيما تعم به البلوى فإنه ليس في روايته منفعة للناس وربما
يؤدى إلى الفتنة والتحرز عن الفتنة أولى والأصل فيه ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه
لو حدثتكم بكل ما سمعت لرميتموني بالحجارة وان معاذا رضي الله عنه كان عنده حديث في
الشهادة وكأن لا يرويه إلى أن احتضر ثم قال لأصحابه سمعته من رسول الله صلى الله عليه
وسلم لولا ما حضرني من أمر الله ما رويته لكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة فكان يمتنع من روايته في صحته لكي
لا يتكل الناس ثم لما خاف الفوت بموته رواه لأصحابه فهذا أصل لما بينا (قال ألا ترى أنه
لو لم يفترض الأداء علينا لم يفترض على من قبلنا حتى ينتهى ذلك إلى الصحابة والتابعين
رضي الله عنهم) يعنى ان الناس في نقل العلم سواء قال صلى الله عليه وسلم ينقل هذا الدين عن
كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف المبطلين وتأويل الجاهلين فلو جوزنا للمتأخرين ترك النقل
لجوزنا مثل ذلك للمتقدمين فيؤدى هذا إلي القول بما ذهب إليه الروافض ان الله تعالى
أنزل آيات في شأن علي رضي الله عنه وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث في
فضله والتنصيص على إمامته غير أن الصحابة رضي الله عنهم كتموا ذلك حسدا منهم له وعند
أهل السنة رحمهم الله هذا كذب وزور لا يجوز أن يظن بأحد من الصحابة رضي الله عنهم
فكيف بجماعتهم ولو كان شيئا من ذلك لاشتهر ولكن ما يذهب إليه الروافض مبنى على
الكذب والبهتان فمحمد رضي الله عنه بهذا الاستشهاد أشار إلى أن الصحابة رضي الله عنهم
أجمعين ما تركوا نقل شئ من أمور الدين فعلى من بعدهم الاقتداء بهم في ذلك ثم الفرض
نوعان فرض عين وفرض كفاية ففرض العين على كل أحد اقامته نحو أركان الدين وفرض
الكفاية ما إذا قام به البعض سقط عن الباقين لحصول المقصود وان اجتمع الناس على تركه
262

كانوا مشتركين في المأثم كالجهاد فان المقصود به اعلاء كلمة الله تعالى واعزاز الدين فإذا حصل
هذا المقصود من بعض المسلمين سقط عن الباقين وإذا قعد الكل عن الجهاد حتى استولى
الكفار على بعض الثغور اشترك المسلمون في المأثم بذلك وكذا غسل الميت والصلاة عليه
والدفن كل ذلك فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين وان امتنعوا من ذلك حتى
ضاع ميت بين قوم مع علمهم بحاله كانوا مشتركين في المأثم فأداء العلم إلى الناس فرض
كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين لحصول المقصود وهو احياء الشريعة وكون العلم
محفوظا بين الناس بأداء البعض وان امتنعوا من ذلك حتى اندرس بشئ بسبب ذلك كانوا
مشتركين في المأثم (قال وما رغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل فأداؤه
إلى الناس فريضة) ومعنى هذا الكلام ان مباشرة فعل التطوعات وما ندب إليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليس بفرض ولا اثم على من امتنع من ذلك ولكن أداء ذلك إلى الناس
فريضة حتى إذا اجتمع أهل زمان على ترك نفل كانوا تاركين لفريضة مشتركين في المأثم
لان بترك النفل يندرس شئ ء من الشريعة وليس في ترك الأداء معنى الاندراس ونظير
هذا ان من امتنع من صلاة التطوع فلا اثم عليه في ذلك ولو صلى التطوع بغير طهارة كان
آثما معاتبا لان في الأداء بغير طهارة تغيير حكم الشرع وليس في ترك الأداء تغيير حكم
الشرع فان المقصود بالتطوعات أحد شيئين قطع طمع الشيطان عن وسوسته بان يقول إذا
كان هذا العبد يؤدى ما ليس عليه كيف يترك أداء ما هو عليه فينقطع طمعه عن وسوسته
بهذا وهو جبر لنقصان الفرائض على ما قال صلى الله عليه وسلم إذا تمكن في فريضة العبد
نقصان يقول الله تعالى لملائكته اجعلوا نوافل عبدي جبرا لنقصان فريضته وإذا كان في
التطوع هذا المقصود فلا يجوز ترك البيان فيه حتى يندرس فيفوت هذا المقصود أصلا فعرفنا
ان أداءه إلى الناس فريضة وإن لم يكن مباشرة فعله فريضة (قال وليس يجب على الفقيه
أن يحدث بكل ما سمع الا لغائب حضر خروجه ممن يعلم أنه لم يشتهر في أهل مصره) يعنى
بهذا ان أصل البيان واجب ولكن الوقت موسع وإنما يتضيق عند خوف الفوت كما بينا
في حديث معاذ رضي الله عنه والذي أتاه كان قصده أن يتعلم منه ما لم يشتهر في مصره مما
فيه منفعة للناس حتى يفتيهم بذلك إذا رجع إليهم قال الله تعالى فلولا نفر من كل فرقة الآية
فما لم يعزم على الرجوع كان الوقت في التعليم واسعا على المعلم وإذا عزم على الخروج فقد
263

تضيق الوقت فلا يسعه تأخير البيان بعد ذلك بمنزلة الصلاة بعد دخول الوقت فرض
ولكن الوقت واسع فإذا بلغ آخر الوقت تضيق فلا يسعه التأخير بعد ذلك وهذا فيما لم
يشتهر في أهل مصر فاما فيما اشتهر فيهم فلا حاجة ولا ضرورة لان الراجع يتمكن من
تحصيل ذلك لنفسه من علماء أهل مصر وأهل مصر يتوصلون إلي ذلك من جهة علمائهم
دون هذا الراجع إليهم والمؤمنون كنفس واحدة يعنى إذا تألم بعض الجسد تألم الكل
وإذا نال الراحة بعض الجسد اشترك في ذلك سائر الأعضاء فإذا كان مشهورا في أهل مصر
لا يندرس بامتناع هذا العالم من البيان له وإذا لم يكن مشهورا فيهم فترك البيان يؤدى إلى
الاندراس في حقهم فكما لا يحل له أن يترك البيان لأهل مصر حتى يندرس فكذا لا يحل
ترك البيان للذي ارتحل إليه من موضع آخر لهذا المقصود وهو غير مشهور في أهل مصر
ثم إن الله تعالى خلق أولاد آدم عليه السلام خلقا لا تقوم أبدانهم الا بأربعة أشياء الطعام
والشراب واللباس ولكن أما الطعام فقال الله تعالى وما جعلناهم جسدا الآية وقال عز وجل
كلوا من طيبات ما رزقناكم وأما الشراب فقال الله تعالى وجعلنا من الماء كل شئ حي وقال
جل وعلا وكلوا واشربوا وأما اللباس فقال الله تعالى يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى
سوآتكم وريشا وقال الله تعالى خذوا زينتكم عند كل مسجد الآية وأما لكن فلأنهم خلقوا
خلقا لا تطيق أبدانهم معه أذى الحر والبرد ولا تبقى على شدتهما قال الله تعالى وخلق الانسان
ضعيفا فيحتاج إلى دفع أذى الحر والبرد عن نفسه لتبقي نفسه فيؤدى بها ما تحمل من أمانة
الله تعالى ولا يتمكن من ذلك الا بكن فصار الكن لهذا بمعنى الطعام والشراب (قال وقد
دلهم المعاش بأسباب فيها حكمة بالغة) يعني ان كل أحد لا يتمكن من تعلم جميع ما يحتاج إليه في
عمره فلو اشتغل بذلك فنى عمره قبل أن يتعلم وما لم يتعلم لا يمكنه أن يحصل لنفسه وقد تعلقت
به مصالح المعيشة فيسر الله تعالى على كل واحد منهم تعلم نوع من ذلك حتى يتوصل إلى
ما يحتاج إليه من ذلك النوع بعلمه فيتوصل غيره إلى ما يحتاج إليه من ذلك بعلمه أيضا واليه
أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا * وبيان هذا
في قوله تعالى ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات الآية يعنى ان الفقير محتاج إلى مال
الغني والغنى يحتاج إلى عمل الفقير فهنا أيضا الزارع يحتاج إلى عمل النساج ليحصل اللباس
لنفسه والنساج يحتاج إلى عمل الزارع ليحصل الطعام والقطن الذي يكون منه اللباس لنفسه ثم
264

كل واحد منهما فيما يقيم من العمل يكون معينا لغيره فيما هو قربة وطاعة فان التمكن من إقامة
القربة بهذا يحصل فيدخل تحت قوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى وقال صلى الله عليه وسلم
ان الله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المسلم وسواء أقام ذلك العمل بعوض
شرطه عليه أو بغير عوض فإذا كان قصده ما بينا كان في عمله معنى الطاعة لقوله صلى الله
عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فإذا نوى العامل بعمله التمكن من
إقامة الطاعة أو تمكين أخيه من ذلك كان مثابا على عمله باعتبار نيته بمنزلة المتناكحين إذا قصدا
بفعلهما ابتغاء الولد وتكثير عباد الله تعالى وأمة الرسول صلى الله عليه وسلم كان لهما الثواب
علي عملهما وان وإن كان ذلك الفعل لقضاء الشهوة في الأصل ولكن بالنية يصير معنى القربة أصلا
ويصير قضاء الشهوة تبعا فهذا مثله (قال فان تركوا الأكل والشرب فقد عصوا لان فيه
تلفا) يعنى ان النفس لما كانت لا تبقى عادة بدون الأكل والشرب فالممتنع من ذلك قاتل
نفسه قال الله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم وهو معرض نفسه للهلاك وقال الله تعالى ولا تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة وبعد التناول فقد ما يسد به رمقه يندب إلى أن يتناول مقدار ما يتقوى
به على الطاعة لأنه إن لم يتناول يضعف وربما يعجز عن الطاعة وقال صلى الله عليه وسلم
المؤمن القوى أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير ولان اكتساب ما يتقوى
به على الطاعة يكون طاعة وهو مندوب إلى الاتيان بما هو طاعة واليه أشار أبو ذر رضي الله عنه
حين سئل عن أفضل الأعمال فقال الصلوات وأكل الخبز قال وقد نقل عن مسروق
رضي الله عنه وغيره ان من اضطر فلم يأكل فمات دخل النار والمراد تناول الميتة لان عند
الضرورة الحرمة تنكشف فيلحق بالمباح وإذا كان الحكم في الميتة هذا مع حرمتها في غير
حالة الضرورة فما ظنك في الطعام الحلال (قال وستر العورة فريضة لقوله تعالى خدوا
زينتكم الآية) والمراد ستر العورة لأجل الصلاة ألا ترى أنه خص المساجد بالذكر والناس
في الأسواق أكثر منهم في المساجد فلا فائدة لتخصيص المساجد بالذكر سوى أن يكون
المراد ستر العورة لأجل الصلاة فهذا يدل على أنه من شرائط الصلاة فيكون فرضا ولئن
كان المراد ستر العورة لأجل الصلاة فالامر حقيقة للوجوب فإن كان خاليا في بيته فهو مندوب
إلى الستر لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكروا عنده كشف العورة قيل له أرأيت
لو كان أخذنا خاليا فقال صلى الله عليه وسلم الله أحق ان يستحى منه (قال وعلى الناس اتخاذ
265

الأوعية لنقل الماء إلى النساء) لأن المرأة تحتاج إلى الماء للوضوء والشرب وان تيممت للوضوء
احتاجت إلى الماء لتشرب ولا يمكنها ان تخرج تستقي الماء من الأنهار والآبار والحياض فإنها
أمرت بالقرار في بيتها قال الله تعالى وقرن في بيوتكن فعلى الرجل ان يأتيها بذلك لان
الشرع ألزمه حاجتها كالنفقة ولا يمكنه ان يأتيها بكفه فلا بد ان يتخذ وعاء لذلك لان مالا يتأتى
إقامة المستحق الا به يكون مستحقا (قال ومن فعل شيئا مما ذكرنا فهو مأمور باتمامه لقوله
تعالى ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها الآية) وهذا مثل ذكره الله تعالى لمن ابتدأ طاعة ثم
لم يتمها فيكون كالمرأة التي تغزل ثم تنقض فلا تكون ذات غزل ولا ذات قطن ومن امتنع
من الأكل والشرب والاستكنان حتى مات أوجب على نفسه دخول النار لأنه قتل نفسه قصدا
فكأنه قتلها بحديدة وقال صلى الله عليه وسلم من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجئ
بها نفسه في نار جهنم ثم تأويل اللفظ الذي ذكره من وجهين أحدهما انه ذكره على سبيل
التهديد وأضمر في كلامه معنى صحيحا وهو انه أراد الدخول الذي هو تحلة القسم قال الله
تعالى وان منكم الا واردها الآية والمراد داخلها عند أهل السنة والجماعة والثاني ان المراد بيان
جزاء فعله يعنى ان جزاء فعله دخول النار ولكنه في مشيئة الله تعالى ان شاء عفى عنه بفضله
وان شاء أدخله النار بعدله وهذا نظير ما قيل في بيان قول الله تعالى فجزاؤه جهنم خالدا فيها
ان هذا جزاؤه ان جازاه الله به ولكنه عفو كريم يتفضل بالعفو ولا يخلد أحدا من المؤمنين
في نار جهنم (قال وكل أحد منهى عن افساد الطعام ومن الافساد الاسراف) وهذا لما
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القيل والقال وعن كثرة السؤال وعن إضاعة المال
وفى الافساد إضاعة المال ثم الحاصل انه يحرم على المرء فيما اكتسبه من الحلال الافساد
والسرف والخيلاء والتفاخر والتكاثر أما الافساد فحرام لقوله تعالى وابتغ فيما آتاك الله الدار
الآخرة الآية وأما السرف فحرام لقوله تعالى ولا تسرفوا الآية وقال جل وعلا والذين إذا
أنفقوا الآية فذلك دليل على أن الاسراف والتقتير حرام وان المندوب إليه ما بينهما وفى
الاسراف تبذير وقال الله تعالى ولا تبذر تبذيرا ثم السرف في الطعام أنواع فمن ذلك الأكل
فوق الشبع لقوله صلى الله عليه وسلم ما ملا ابن آدم وعاء شرا من بطنه فان كأن لابد فثلث
للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس وقال صلى الله عليه وسلم يكفي ابن آدم لقيمات يقمن
صلبه ولا يلام على كفاف ولأنه إنما يأكل لمنفعة نفسه ولا منفعة في الأكل فوق الشبع بل
266

فيه مضرة فيكون ذلك بمنزلة القاء الطعام في مزبلة أو شر منها ولان ما يزيد علي مقدار حاجته
من الطعام فيه حق غيره فإنه يسد به جوعته إذا أوصله إليه بعوض أو بغير عوض فهو في تناوله
جان علي حق الغير وذلك حرام ولان الأكل فوق الشبع ربما يمرضه فيكون ذلك كجراحته
نفسه والأصل فيه ما روى أن رجلا تجشأ في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال نح عنا جشاءك أما علمت أن أطول الناس عذابا يوم
القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا ولما مرض ابن عمر رضي الله عنهما سأل النبي صلى الله عليه
وسلم عن سبب مرضه فقيل إنه أتخم قال ومم ذاك فقيل من كثرة الأكل فقال صلى الله عليه
وسلم أما انه لو مات لم أشهد جنازته ولم أصل عليه ولما قيل لعمر رضي الله عنه ألا
تتخذ لك جوارشا قال وما يكون الجوارش قيل هو صنف يهضم الطعام فقال سبحان الله أو
يأكل المسلم فوق الشبع إلا أن بعض المتأخرين رحمهم الله استثنى من ذلك حالة وهو انه إذا كان
له غرض صحيح في الأكل فوق الشبع فحينئذ لا بأس بذلك بأن يأتيه ضيف بعد تناوله
مقدار حاجته فيأكل مع ضيفه لئلا يخجل وكذا إذا أراد أن يصوم في الغد فلا بأس بأن
يتناول بالليل فوق الشبع ليقوى على الصوم بالنهار ومن الاسراف في الطعام الاستكثار من
المباحات والألوان فان النبي صلى الله عليه وسلم عد ذلك من أشراط الساعة فقال تدار القصاع
على موائدهم واللعنة تنزل عليهم وعن عائشة رضي الله عنها انها كانت في ضيافة فأتيت
بقصعة بعد قصعة فقامت وجعلت تقول ألم تكون الأولى مأكولة وان كانت فما هذه الثانية وفى
الأولى ما يكفينا قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن مثل هذا إلا أن يكون ذلك
عند الحاجة بان يمل من ناحية واحدة فيستكثر من المباحات ليستوفى من كل نوع شيئا
فيجتمع له مقدار ما يتقوى به على الطاعة على ما حكى أن الحجاج كتب إلى عبد الملك بن
مروان يشكو إليه ثلاثا العجز عن الأكل وعن الاستمتاع والعي في الكلام فكتب إليه
أن استكثر من ألوان الطعام وجدد السراري في كل وقت وانظر إلى أخريات الناس في
خطبتك ومن الاسراف أن تضع على المائدة من ألوان الطعام فوق ما يحتاج إليه الآكل
وقد بينا ان الزيادة على مقدار حاجته فيه كان حق غيره إلا أن يكون من قصده أن يدعو
الأضياف قوما بعد قوم إلي أن يأتوا على آخر الطعام فحينئذ لا بأس بذلك لأنه غير مفسد ومن
الاسراف أن يأكل وسط الخبز ويدع حواشيه أو يأكل ما انتفخ من الخبز كما يفعله بعض
267

الجهال يزعمون أن ذلك ألذ ولكن هذا إذا كان غيره لا يتناول ما ترك هو من حواشيه
أما إذا كان غيره يتناول ذلك فلا بأس كأن يختار لتناوله رغيفا دون رغيف ومن الاسراف
التمسح بالخبز عند الفراغ من الطعام من غير أن يأكل مما يمسح به لان غيره يتقذر ذلك فلا
يأكله فأما إذا كان هو يأكل ما يمسح به فلا بأس بذلك ومن الاسراف إذا سقط من يده
لقمة أن يتركها بل ينبغي له أن يبدأ بتلك اللقمة فيأكلها لان في ترك ذلك استخفافا بالطعام
وفى التناول اكراما وقد أمرنا باكرام الخبز قال صلى الله عليه وسلم أكرموا الخبز فإنه من
بركات السماء والأرض ومن اكرام الخبز أن لا ينتظر الادام إذا حضر الخبز ولكن يأخذ
في الأكل قبل أن يؤتى بالإدام وهذا لان الانسان مندوب إلى شكر النعمة والتحرز عن
كفران النعمة وفى ترك اللقمة التي سقطت معنى كفران النعمة وفى المبادرة إلى تناول الخبز
قبل أن يؤتى بالإدام إظهار شكر النعمة وإذا كان جائعا ففي الامتناع إلى أن يؤتى بالإدام
نوع مماطلة فينبغي أن يتحرز عن ذلك وفيه حكاية فان أبا حنيفة رحمة الله عليه لقي بهلولا
المجنون يوما وهو جالس على الطريق يأكل الطعام فقال اما تستحي من نفسك أن يأكل
بالطريق قال يا أبا حنيفة أنت تقول في هذا ونفسي غريمي والخبز في حجري وقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم مطل الغنى ظلم فكيف أمنعها حقها إلى أن أدخل البيت والمخيلة حرام لما
روى أن النبي صلى الله وعليه وسلم قال للمقداد رضي الله عنه في ثوب لبسه إياك والمخيلة
ولا تلام على كفاف والتفاخر والتكاثر حرام لقوله تعالى اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو
الآية وإنما ذكر هذا على وجه الالزام لذلك قال الله تعالى ولا تمنن تستكثر الآية وقال عز وجل
أن كان ذا مال وبنين وقال جل وعلا ألهاكم التكاثر فعرفنا أن التفاخر والتكاثر حرام (قال
وأمر اللباس نظير الأكل في جميع ما ذكرنا) يعنى انه كما نهى عن الاسراف والتكثير من
الطعام فكذلك نهى عن ذلك في اللباس والأصل فيه ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى
عن الثوبين والمراد أن لا يلبس نهاية ما يكون من الحسن والجودة في الثياب على وجه يشار
إليه بالأصابع أو يلبس نهاية ما يكون من الثياب الخلق على وجه يشار إليه بالأصابع فان
أحدهما يرجع إلى الاسراف والآخر يرجع إلى التقتير وخير الأمور أوسطها فينبغي أن يلبس
في عامة الأوقات الغسيل من الثياب ولا يكلف الجديد الحسن عملا بقوله صلى الله وعليه وسلم
البذاذة من الايمان الا انه لا بأس بان يلبس أحسن ما يجد من الثياب في بعض الأعياد
268

والأوقات والجمع لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إن كان له جبة أهداها إليه
المقوقس فكان يلبسها في الأعياد والجمع وللوفود ينزلون إليه وروى أنه كان لرسول الله
صلى الله عليه وسلم قباء مكفوف بالحرير وكان يلبس ذلك في الأعياد والجمع ولان فيلبس
ذلك في بعض الأوقات إظهار النعمة قال صلى الله عليه وسلم إذا أنعم الله على عبد أحب أن يرى
أثرها عليه وفى التكلف لذلك في جميع الأوقات معنى الصلف وربما يغيظ ذلك المحتاجين
والتحرز عن ذلك أولى وكذا في زمان الشتاء لا ينبغي أن يظاهر بين جبتين أو ثلاثة إذا كان
يكفيه لدفع البرد جبة واحدة فان ذلك يغيظ المحتاجين وهو منهى عن اكتساب سبب يؤذى
غيره ومقصوده يحصل بما دون ذلك والأولى له أن يختار الخشن من الثياب للبس على ما روى
عن عمر رضي الله عنه انه كأن لا يلبس الا الخشن من الثياب فان لبس الخشن في مان الشتاء
واللين في زمان الصيف فلا بأس بذلك لان الخشن يدفع من البرد مالا يدفعه اللين فهو
محتاج إلى ذلك في زمان الشتاء واللين منشف من العرق مالا ينشفه الخشن فهو محتاج إلى
ذلك في زمان الصيف وان لبس اللين في الشتاء والصيف فذلك واسع له أيضا إذا كان اكتسبه
من حله لقوله تعالى قل من حرم زينة الله الآية وكما يندب إلى ما بينا في طعام نفسه وكسوته
فكذلك في طعام عياله وكسوتهم لأنه مأمور بالانفاق عليهم بالمعروف والمعروف ما يكون
دون السرف وفوق التقتير حتى قالوا لا ينبغي أن يكلف تحصيل جميع شهوات عياله ولا أن
يمنعها جميع شهواتها ولكن انفاقه بين ذلك فان خير الأمور أوساطها وكذلك لا ينبغي أن
يستديم الشبع من الطعام فان الأول ما اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينه في قوله
أجوع يوما وأشبع يوما وكانت عائشة رضي الله عنها تبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
قبض وتقول يا من لم يلبس الحرير ولم يشبع من خبز الشعير وكانت عائشة رضي الله عنها
تقول ربما يأتي علينا الشهر أو أكثر لا نوقد في بيوتنا نارا وإنما هو الأسودان الماء والتمر
وقد روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في
الدنيا فلهذا كان التحرز عن استدامة الشبع في جميع الأوقات أولى (قال وليس على الرجل
أن يدع الأكل حتى يصير بحيث لا ينتفع بنفسه) يعنى حتى ينتهى به الجوع إلى حال تضره
وتفسد معدته بان تحترق فلا ينتفع بالأكل بعد ذلك لان التهاون عند الحاجة حق قبله قال
صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه نفسك مطيتك فارفق بها ولا تجعها وقال صلى الله عليه وسلم
269

لآخر ان لنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا ولله عليك حقا فاعط كل ذي حق حقه
وقال صلى الله عليه وسلم للمقدام بن معدى كرب كل واشرب والبس عن غير مخيلة والامر
للإيجاب حقيقة ولان في الامتناع من الأكل إلى هذا الغاية تعريض النفس للهلاك وهو
حرام وفيه اكتساب سبب تفويت العبادات ولا يتوصل إلى أداء العبادات الا بنفسه وكما
أن تفويت العبادات المستحقة حرام فاكتساب سبب التفويت حرام فأما تجويع النفس على
وجه لا يعجز معه عن أداء العبادات وينتفع بالأكل بعده فهو مباح لأنه إنما يمنع من الأكل
لاتمام العيادة إذا كان صائما أو ليكون الطعام ألذ عنده إذا تناوله فكلما كان المتناول أجوع
كانت لذته في التناول من الأكل فوق الشبع وهو حرام عليه إلا عند غرض صحيح له في ذلك
فليس له بالامتناع إلى أن يصير بحيث لا ينتفع بالأكل غرض صحيح بل فيه اتلاف النفس
وحرمة نفسه عليه فوق حرمة نفس أخرى فإذا كان يحق عليه احياء نفس أخرى بما يقدر
عليه ولا يحل له اكتساب سبب اتلافها ففي نفسه أولى وقد قال بعض المتقشفة لو امتنع من
من الأكل حتى مات لم يكن آثما لان النفس أمارة بالسوء كما وصفها الله تعالى به وهي عدو
المرء قال صلى الله عليه وسلم ما معناه أعدى عدو المرء بين جنبيه يعنى نفسه وللمرء أن لا يرى
عدوه فكيف يصير آثما بالامتناع من تربيته وقال صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد جهاد
النفس وتجويع النفس مجاهدة لها فلا يجوز أن نجهل ذلك ولكن نقول إن مجاهدة النفس في
حملها على الطاعات وفى التجويع إلى هذه الحالة تفويت العبادة لا حمل النفس على أداء العبادة
وقد بينا أن النفس متحملة لأمانات الله تعالى فان الله تعالى خلقها معصومة لتؤدى الأمانة التي
تحملتها ولا تتوصل لذلك الا بالأكل عند الحاجة ومالا يتوصل إلى إقامة المستحق الا به يكون
مستحقا فأما الشاب الذي يخاف على نفسه من الشبق والوقوع في العيب فلا بأس أن يمتنع
من الأكل ويكسر شهوته فتجويع النفس على وجه لا يعجز عن أداء العبادات مندوب إليه
لقوله صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب عليكم بالنكاح فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له
وجاء ولأنه منتفع بالامتناع من الأكل هنا من حيث إنه يمنع به نفسه عن ارتكاب المعاصي
على ما يحكى عن أبي بكر الوراق رحمه الله قال في تجويع النفس اشباعها وفى اشباعها تجويعها
ثم فسر ذلك فقال إذا جاعت واحتاجت إلى الطعام شبعت عن جميع المعاصي وإذا شبعت عن
الطعام جاعت ورغبت في جميع المعاصي وإذا كان التحرز عن ارتكاب المعصية فرضا وإنما
270

يتوصل إليه بهذا النوع من التجويع كان ذلك فرضا (قال ويفترض على الناس اطعام المحتاج في
الوقت الذي يعجز فيه عن الخروج والطلب) وهذه المسألة تشتمل على فصول أحدها أن
المحتاج إذا عجز عن الخروج يفترض على من يعلم حاله انه يطعمه مقدار ما يتقوى به على الخروج
وأداء العبادات إذا كان قادرا على ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم من بات شبعان وجاره إلى
جنبه طاو حتى إذا مات ولم يطعمه أحد ممن يعلم بحاله اشتركوا جميعا في المأثم لقوله صلى الله
عليه وسلم أيما رجل مات جوعا بين قوم أغنياء فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله فإذا لم
يكن عند من يعلم بحاله ما يعطيه ولكنه قادر على الخروج إلى الناس فيخبر بحاله ليواسوه
ويفترض عليه ذلك لان عليه أن يدفع ما يزيل ضعفه بحسب الامكان والطاعة بحسب الطاقة
فان امتنعوا من ذلك حتى مات اشتركوا في المأثم وإذا قام به البعض سقط عن الباقين وهو
نظير الأسير فان من وقع أسيرا في يد أهل الحرب من المؤمنين وقصدوا قتله يفترض
على كل مسلم يعلم بحاله ان يفديه بماله ان قدر على ذلك والا أخبر به غيره ممن يقدر عليه وإذا
قام به البعض سقط عن الباقين بحصول المقصود ولا فرق بينهما في المعنى فان الجوع الذي
هاج من طبعه عدو يخاف الهلاك منه بمنزلة العدو من المشركين فاما إذا كان المحتاج يتمكن
من الخروج ولكن لا يقدر على الكسب فعليه أن يخرج ليعلم بحاله ومن علم بحاله إذا
كان عليه شئ من الواجبات فليؤده إليه لأنه قد وجد لما استحق عليه مصرفا ومستحقا
فينبغي له ان يسقط الفرض عن نفسه بالصرف إليه حتما لأنه أدنى إليه من غيره وهو يندب
إلى الاحسان إليه إن كان قد أدى ما عليه من الفرائض لقوله تعالى وأحسنوا ان الله يحب
المحسنين وقال الله تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ولما سئل رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال قال افشاء السلام واطعام الطعام والصلاة بالليل والناس
نيام فإن كان المحتاج بحيث يقدر على الكسب فعليه أن يكتسب ولا يحل له أن يسأل لما روي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من سأل الناس وهو غنى عما يسأل كانت مسئلته يوم
القيامة خدوشا أو خموشا أو كدوحا في وجهه وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفرق
الصدقات فاتاه رجلان يسألانه من ذلك فرفع بصره إليهما فرأهما جلدين قال أمانه لاحق
لكما فيه وإن شئتما أعطيتكما معناه لاحق لهما في السؤال وقال صلى الله عليه وسلم لا تحل
الصدقة لغنى ولا لذي مرة سوي يعنى لا يحل السؤال للقوى القادر على التكسب وقال
271

صلى الله عليه وسلم السؤال آخر كسب العبد ولكنه لو سأل فأعطى حل له أن يتناول لقوله
صلى الله عليه وسلم وإن شئتما أعطيتكما فلو كأن لا يحل التناول لما قال صلى الله عليه وسلم
لهما ذلك وقد قال الله تعالى إنما الصدقات للفقراء الآية والقادر على الكسب فقير وإذا كان
عاجزا عن الكسب ولكنه قادر على أن يخرج فيطوف علي الأبواب ويسأل فإنه يفترض
عليه ذلك وإذا لم يفعل ذلك حتى هلك كان آثما عند أهل الفقه رحمهم الله وقال بعض
المتقشفة السؤال مباح له بطريق الرخصة فان تركه حتى مات لم يكن آثما بل هو متمسك بالعزيمة
وهذا قريب مما نقل عن الحسن بن زياد رضي الله عنه ان من كان في السفر ومع رفيق له
ماء وليس عنده ثمنه أنه لا يلزمه أن يسأل رفيقه ولو تيمم وصلى من غير أن يسأله الماء جازت
صلاته عنده ولم تجز عندنا وجه قوله ان في السؤال ذلا وللمؤمن أن يصون نفسه عن الذل
وبيانه فيما نقل عن علي رضي الله عنه
لنقل الصخر من قلل الجبال * * أحب إلى من منن الرجال
يقول الناس لي في الكسب عار * * فقلت العار في ذل السؤال
ولان ما يلحقه من الذل بالسؤال تعين وما يصل إليه من المنفعة موهوم وربما يعطى ما يسأل
وربما لا يعطى فكان السؤال رخصة له من غير أن يكون مستحقا عليه إذ الموهوم لا يعارض
المتحقق * وحجتنا في ذلك أن السؤال يوصله إلى ما تقوم به نفسه ويتقوى به على الطاعة فيكون
مستحقا عليه كالكسب سواء في حق من هو قادر على الكسب ومعنى الذل في السؤال في
هذه الحالة ممنوع (ألا ترى) أن الله تعالى أخبر عن موسى ومعلمه عليهما السلام انهما سألا
عن الحاجة فقال عز وجل استطعما أهلها والاستطعام طلب العام وما كان ذلك منهما بطريق
الأجرة (ألا ترى) أنه قال لو شئت لاتخذت عيه أجرا فعرفنا انه كان بطريق البر على
سبيل الهدية أو الصدقة على ما اختلفوا أن الصدقة كانت تحل للأنبياء سوي نبينا عليه وعليهم
السلام على ما بين وكذا رسول الله وقال صلى الله عليه وسلم لقوم هل عندكم ما يلت في السن
والا اكترعنا من الوادي كرعا وسأل رجلا ذراع شاة وقال ناولني الذراع في حديث فيه طول
فلو كان في السؤال عند الحاجة ذلا لما فعل الأنبياء عليهم السلام ذلك فقد كانوا أبعد الناس
عن اكتساب سبب الذل ولان ما يسد به رمقه حق مستحق له في سؤال الناس فليس في
المطالبة بحق مستحق له من معنى الذل شئ فعليه أن يسأل فاما إذا كان قادرا على الكسب
272

فليس ذلك بحق مستحق له وإنما حقه في كسبه فعليه أن يكتسب ولا يسأل أحدا من الناس
ولكن له أن يسأل ربه كما فعل موسى عليه السلام فقال إني لما أنزلت إلى من خير فقير وقد
أمرنا بذلك قال الله تعالى فاسئلوا الله من فضله وقاله صلى الله عليه وسلم سلوا الله حوائجكم
حتى الملح لقدوركم والشسع لنعالكم (قال والمعطى أفضل من الآخذ وإن كان الآخذ يقيم
بالأخذ فرضا عليه) وهذه المسألة تشتمل علي ثلاث فصول أحدها أن يكون المعطي مؤديا
للواجب والآخذ قادرا على الكسب ولكنه محتاج فهنا المعطى أفضل من الآخذ بالاتفاق لأنه
في الاعطاء يؤدي للفرض والآخذ في الاخذ متبرع فان له أن يأخذ ويكتسب ودرجة أداء
الفرض أعلى من درجة المتبرع كسائر العبادات فان الثواب في أداء المكتوبات أعظم منه في
النوافل والدليل عليه أن المفترض عامل لنفسه والمتبرع عامل لغيره وعمل المرء لنفسه أفضل
لقوله صلى الله عليه وسلم ابدأ بنفسك معني هذا انه بنفس الأداء يفرغ ذمة نفسه فكان
عاملا لنفسه والآخذ بنفس الاخذ لا ينفع بل بالتناول بعد الاخذ ولا يدري أيبقى
إلى أن يتناول أولا يبقى ولهذا لا منة للغنى على الفقير في أخذ الصدقة لان ما يحصل به للغنى
فوق ما يحصل للفقير من حيت أنه يحمل للغنى مالا يحتاج إليه للحال ليصل إليه عند حاجته
إلى ذلك والغنى محتاج إلى ذلك ليحصل به مقصوده للحال ولو اجتمع الفقراء على ترك الاخذ
لم يلحقهم في ذلك مأثم بل يحمدون عليه بخلاف ما إذا اجتمع الأغنياء على الامتناع من أداء
الواجب فعرفنا أن المنة للفقراء على الأغنياء * والفصل الثاني أن يكون المعطى والآخذ كل
واحد منهما متبرع إن كان المعطى متبرعا والآخذ قادرا على الكسب فالمعطى هنا أفضل أيضا
لأنه بما يعطى سلخ عن الغنى ويتماثل إلى الفقير والآخذ بالأخذ يتماثل إلى الغنى وبينا أن درجة
الفقير أعلى من درجة الغني فمن يتماثل إلى الفقير بعمله كان أعلى من درجة الغنى ومن يتماثل إلي
الفقير لعمله كان أعلى درجة لان العبادات مشروعة بطريق الابتلاء قال الله تعالى ليبلوكم أيكم
أحسن عملا ومعنى الابتلاء بالاعطاء أظهر منه بالأخذ لان الابتلاء في العمل الذي تميل
إليه النفس وفى نفس كل أحد داعية إلى الاخذ دون الاعطاء ولهذا قال صلى الله عليه وسلم
ان المسلم يحتاج في تصدقه بدرهم إلى أن يكسر شهوات سبعين شيطانا وإذا كان معنى الابتلاء
في الاعطاء أظهر كان أفضل لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الأعمال
قال أحمزها أي أشقها على البدن وسئل عن أفضل الصدقة قال جهد المقل والآخذ يحصل
273

لنفسه ما يتوصل به إلى اقتضاء الشهوات والمعطي يخرج من ملكه ما كان يتمكن به من اقتضاء
الشهوات وأعلى الدرجات منع النفس عن اقتضاء الشهوات * والفصل الثالث إذا كان المعطى
متبرعا والآخذ مقترضا بأن كان عاجزا عن الكسب محتاجا إلى ما يسد به رمقه فعند أهل
الفقه رحمهم الله المعطى أفضل أيضا وقال أهل الحديث منهم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه
رحمهم الله الاخذ أفضل هنا لأنه بالأخذ مقيم به فرضا عليه والمعطى متنفل وقد بينا أن إقامة
الفرض أ على درجة من التنفل ولان الآخذ لو امتنع من الاخذ هنا كان آثما والمعطى لو امتنع
من الاعطاء لم يكن آثما إذا كان هناك غيره ممن يعطيه ما هو فرض عليه والثواب مقابل
بالعقوبة (ألا تري) أن الله تعالى هدد نساء رسوله صلى الله عليه وسلم بضعف ما هدد به
غيرهن من النساء فقال عز وجل يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة الآية ثم جعل
لهن الثواب على الطاعات ضعف ما لغيرهن لقوله تعالى يؤتها أجرها مرتين فإذا كان الاثم
في حق الآخذ دون المعطى فكذلك الثواب للآخذ أكثر مما للمعطى ولكن هذا كله
مشكل برد السلام فان السلام سنة ورد السلام فريضة ومع ذلك كانت البداءة بالسلام أفضل
من الرد على ما قال صلى الله عليه وسلم للبادئ بالسلام عشرون حسنة وللراد عشر حسنات
وربما يقولون الآخذ يسعى في احياء النفس والمعطى يسعى في تحصين النفس أو في انماء المال
واحياء النفس أعلى درجة من انماء المال * وحجتنا في ذلك ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال اليد العليا خير من اليد السفلى من غير تفضيل بين السفلى بالأداء وبين إقامة الفرض
فان قيل المراد باليد العليا يد الفقير لأنها نائبة عن يد الشرع فان المتصدق يجعل ماله لله خالصا بأن
يخرجه من ملكه ثم يدفعه إلى الفقير ليكون كفاية له من الله تعالى والفقير ينوب عن الشرع
في الاخذ من العين وبيان هذا في قوله تعالى ألم تعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده
الآية وقال صلى الله عليه وسلم ان الصدقة تقع في يد الرحمن فيريبها كما يربى أحدكم فلوه حتى
يصير مثل أحد فبهذا تبين أن اليد العليا في المعنى يد الفقير قلنا هذا التأويل بعيد وقد روى
أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الأيدي ثلاثة يد الله ثم اليد المعطية ثم
اليد المعطاة فهي السفلى إلى يوم القيامة وفى رواية ثم اليد المعطية ثم اليد المعطاة فهي السفلى
إلى يوم القيامة فبهذا بين أن المراد باليد العليا يد المعطى ولان المعطى يتطهر من الدنس بالاعطاء
والآخذ يتلوث وبيان ذلك أن الله تعالى قال خذ من أموالهم صدقة الآية فعرفنا أن في أداء
274

الصدقة معنى التطهير والتنزيه وفى الاخذ تلويث وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم
الصدقة أوساخ الناس وسماها غسالة فقال يا معشر بني هاشم ان الله تعالى كره لكم غسالة الناس
يعنى الصدقة ويدل عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر الاعطاء بنفسه وكان
أخذ الصدقة لنفسه حراما عليه كما قال صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لمحمد ولآل محمد
وتكلم الناس في حق سائر الأنبياء عليهم فمنهم من يقول ما كان يحل أخذ الصدقة
لسائر الأنبياء عليهم السلام ولكنها كانت تحل لقراباتهم ثم إن الله أكرم نبينا صلى الله
عليه وسلم بان حرم الصدقة على قرابته إظهارا لفضله لتكون درجتهم في هذا الحكم كدرجة
الأنبياء عليهم السلام وقيل بل كانت الصدقة تحل لسائر الأنبياء وهذه خصوصية لنبينا صلى الله عليه
وسلم فكيفما كان يجوز أن يقال في تحريم الصدقة عليه أعلى الدرجات معنى الكرامة
والخصوصية له فلو كان الاخذ أفضل من الاعطاء بحال لما كان في تحريم الاخذ عليه وعلى
أهل بيته معنى الخصوصية والكرامة والدليل عليه أن الشرع ندب كل أحد إلى التصدق
وندب كل أحد إلى التحرز عن السؤال قال صلى الله عليه وسلم لثوبان رضي الله عنه لا تسأل
الناس شيئا أعطوك أو منعوك وقال صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه إياك
أن تسأل أحدا شيئا أعطاك أو منعك فكان بعد ما سمع هذه المقالة لا يسأل أحد شيئا ولا يأخذ
من أحد شيئا حتى كان عمر بن خطاب رضي الله عنه يعرض عليه نصيبه مما يعطى فكأن لا يأخذ
ويقول لست آخذ من أحد شيئا بعد ما قال لي رسول الله عليه السلام ما قال وكان عمر رضي الله عنه
يشهد عليه ويقول يا أيها الناس قد أشهدتكم عليه أنى عرضت عليه حقه وهو يأبى وبهذا
تبين أن الاعطاء أفضل من الاخذ وقال الله تعالى يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف الآية
يعنى من التعفف عن السؤال والاخذ وقال صلى الله عليه وسلم من استعف أعفه الله ومن
استغنى أغناه الله ومن فتح على نفسه بابا من الفقر فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر فإذا كان
التعفف في الامتناع من الاخذ كان في الاقدام على الاخذ ترك التعفف من حيث الصورة
فلهذا كان المعطى أفضل من الآخذ وفى كل خير (قال وكل ما كان الأكل فيه فرضا عليه
فإنه يكون مثابا على الأكل لأنه تمثل به الامر فيتوصل به إلى أداء الفرائض من الصوم
والصلاة) فيقول للذي له السعي لأداء الجمعة والطهارة لأداء الصلاة والأصل فيه قوله صلى
الله عليه وسلم يؤجر المؤمن في كل شئ حتى في مباضعته أهله فقيل إنه يقضى شهوته
275

أفيؤجر على ذلك قال أرأيت لو وضعها في غير حله أما كان يعاقب علي ذلك وبمثله نستدل
هنا فنقول لو ترك الأكل في موضع كان فرضا عليه كان معاقبا عليه وعلى ذلك فإذا أكل كان
مثابا عليه وقال صلى الله عليه وسلم أفضل دينار المرء دينار ينفقه على نفسه فإذا كان هو مثابا
فيما ينفقه على غيره ففيما ينفقه على نفسه أولى قال ولا يكون محسنا ولا مسيئا في ذلك ولا معاتبا
ولا معاقبا لأنه مثاب على ذلك كما هو مثاب على إقامة العبادات فكيف يكون معاتبا عليه أو
محاسبا والأصل فيه حديثان أحدهما حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه حيث سأل رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال أكلة أكلتها معك في بيت أبى الهيثم بن التيهان من لحم وخبز شعير
هو من النعم التي نسأل عنها يوم القيامة وتلا قوله تعالى ثم لتسألن يومئذ عن النعيم فقال صلى الله عليه
وسلم يا أبا بكر إنما ذلك للكفار اما علمت أن المؤمن لا يسأل عن ثلاث قال وما هي يا رسول
الله قال صلى الله عليه وسلم ما يوارى سوأته وما يقيم به صلبه وما يكن من الحر والبرد ثم هو
مسؤول بعد ذلك عن كل نعمة والثاني حديث عمر رضي الله عنه فإنه كان مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم في ضيافة رجل فأتى بعذق فيه تمر وبسر ورطب فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لتسألن عن هذا يوم القيامة فأخذ عمر رضي الله عنه العذق وجعل ينفضه حتى
تناثر علي الأرض ويقول أو نسأل عن هذا قال صلى الله عليه وسلم أي والله لتسألن عن كل
نعمة حتى الشربة من الماء البارد إلا عن ثلاث كسرة تقيم بها صلبك أو خرقة توارى بها
سوأتك أو كن يكنك من الحر قال في الكتاب وهذا قول عمر وعثمان وعلى وابن عباس
رضي الله عنهم ان المرء لا يحاسب على هذا المقدار وكفى باجماعهم حجة فمن زجى عمره بهذا
وكان قانعا راضيا دخل الجنة بغير حساب لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال من هدي بالاسلام وقنع بما آتاه الله تعالى دخل الجنة بغير حساب وقيل
في تأويل قوله تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب أن المصلح الذي يصير على هذا
المقدار الذي لا بد منه ثم بعده التناول إلى مقدار الشبع مباح على الاطلاق لقوله تعالى قل
من حرم زينة الله الآية فعرفنا أن ذلك القدر ليس بمحرم فإذا لم يكن محرما فهو مباح على
الاطلاق وكذلك أكل الخبيص والفواكه وأنواع الحلاوات من السكر وغير ذلك مباح
ولكنه دون ما تقدم حتى أن الامتناع منه والاكتفاء بما دونه أفضل له فكان تناول هذه
النعم رخصة والامتناع منها عزيمة فذلك أفضل لحديثين رويا في الباب أحدهما حديث الصديق
276

رضي الله عنه فإنه أتى يوما بقدح تندت بعسل وبرد له فقربه إلى فيه ثم رده وأمر بالتصدق
به على الفقراء وقال أرجو أن لا أكون من الذين يقال لهم أذهبتم طيباتكم الآية ففي هذا
دليل أن تناول ذلك مباح لأنه قربه إلى فيه وفيه دليل أن الامتناع منه أفضل والثاني حديث
عمر رضي الله عنه فإنه اشتري جارية وأمر بها فزينت له وأدخلت عليه فلما رآها بكى
وقال أرجوا لا أكون من الذين يتوصلون إلى جميع شهواتهم في الدنيا ثم دعا شابا من
الأنصار لم يكن تحته امرأة فأهداها له وتلا قوله تعالى ويؤثرون على أنفسهم الآية ولان
أفضل مناهج الدين طريق المرسلين عليهم السلام وقد كان طريقهم الاكتفاء بما دون هذا
في عامة الأوقات وكذا نبينا عليه السلام ربما أصاب في بعض الأوقات من ذلك على
ما روى أنه قال لأصحابه رضي الله عنهم ليت لنا ملتوتا نأكله فجاء به عثمان رضي الله عنه في قصعة
فقيل إنه أصاب منه وقيل لم يصب وأمر بالتصدق به ثم فيما تقدم من تناول الخبز إلى الشبع
لا حساب عليه سوى العرض على ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال صلى الله عليه وسلم
ذاك العرض يا بنت أبي بكر اما علمت أن من نوقش الحساب عذب ومعنى المرض بيان المنة
وتذكير النعمة والسؤال أنه هل قام بشكرها وقيل في تأويل قوله تعالى واما من أوتى كتابه
بيمينه الآية انه العرض بمثل هذا واما في اقتضاء الشهوات من الحلال وتناول اللذات فهو
محاسب على ذلك غير معاقب عليه وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في صفة الدنيا حلالها
حساب وحرامها عقاب والدليل على أن الاكتفاء بما دون ذلك أفضل حديث الضحاك رضي الله عنه
فإنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وافدا من قومه وكان متنعما فيهم قال صلى
الله عليه وسلم ما طعامك يا ضحاك قال اللحم والعسل والزيت ولب الخبز قال ثم تصير إلى ماذا
فقال أصير إلى ما يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان
الله تعالى ضرب للدنيا مثلا بما يخرج من ابن آدم ثم قال له إياك ان تأكل فوق الشبع فقد بين
له النبي صلى الله عليه وسلم ان طعامه وإن كان لذيذا طيبا في الابتداء فإنه يصير إلى الخبث
والنتن في الانتهاء فهو مثل الدنيا وفى هذا بيان أن الاكتفاء بما دون ذلك أفضل وفى
حديث الأحنف بن قيس رضي الله عنه أنه كان عند عمر رضى الله فاتى بقصعة فيها خبز شعير
وزيت فجعل عمر رضي الله عنه يأكل من ذلك ويدعو الأحنف إلي أكله وكأن لا يسعه ذلك
277

فذكر الأحنف ذلك لحفصة وقال إن الله تعالى وسع الدنيا على أمير المؤمنين فلو وسع على
نفسه وجعل طعامه طيبا فذكرت ذلك لعمر رضي الله عنه فبكى وقال أرأيت لو أن ثلاثة
اصطلحوا فتقدم أحدهم في الطريق والثاني بعده ثم خالفهم الثالث في الطريق أكان يدركهم فقالت
لا قال فقد تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصب من شهوات الدنيا شيئا وأبو بكر رضي الله عنه
بعده كذلك فلو اشتغل عمر بقضاء الشهوات في الدنيا متى يدركهم ففي هذا بيان ان
الاكتفاء بما دون ذلك أفضل وفى الحاصل المسألة صارت على أربعة أوجه ففي مقدار ما يسد
به رمقه ويتقوى على الطاعة هو مثاب غير معاقب وفيما زاد علي ذلك إلى حد الشبع هو
مباح له محاسب على ذلك حسابا يسيرا بالعرض وفى قضاء الشهوات ونيل اللذات من الحلال
هو مرخص له فيه محاسب على ذلك مطالب بشكر النعمة وحق الجائعين وفيما زاد على
الشبع هو معاقب عليه فان الأكل فوق الشبع حرام وقد بينا هذا وفى الكتاب قال أكرهه
ومراده التحريم على ما روى أن أبا حنيفة رضي الله عنه قيل له إذا قلت في شئ أكرهه ما
رأيك فيه قال إلى الحرمة أقرب والدليل عليه ما روينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إذا تجشأ أحدكم فليقل اللهم لا تفتنا والجشأ من الأكل فوق الشبع ففي هذا بيان ان الأكل
فوق الشبع من أسباب الموت وتسبب الموت ارتكاب الحرام وهذا كله فيما اكتسبه من
حله فأما ما اكتسبه من غير حله فهو معاقب علي التناول منه ففي غير حالة الضرورة القليل
والكثير منه سواء لحديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال كل لحم نبت من السحت فالنار أولى به وقال صلى الله عليه وسلم ما اكتسب المرء درهما
من غير حله ينفقه على أهله ويبارك له فيه أو يتصدق به فيقبل منه أو يخلفه وراء ظهره الا كان
ذلك زاده إلى النار وقال صلى الله عليه وسلم من اكتسب من حيث شاء ولا يبالي أدخله
الله تعالى النار من أي باب كان ولا يبالي وقال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
طيب طعمتك أو قال أكلتك تستجب دعوتك وفى حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال في بيان حال الناس بعده يصبح أحدهم أشعث أغبر يقول يا رب
يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له وقال صلى الله عليه
وسلم في أشراط الساعة الدرهم الحلال فيهم أعز من أخ في الله والأخ في الله أعز
فيهم من درهم حلال قال في الكتاب وكذلك أمر اللباس يعنى انه مأجور فيما يوارى به سوأته
278

ويدفع أذى الحر والبرد عنه ويتمكن من إقامة الصلوات وما زاد على ذلك مباح له وترك الأجود
من الثياب والاكتفاء بما دون ذلك أفضل كما في الطعام لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
انه لبس يوما ثوبا معلما ثم نزعه وقال شغلني علمه عن صلاتي كلما وقع بصرى عليه وعن عمر رضي الله عنه
أنه رفع ثوبه إلى عامله ليرقعه فزاد عليه ثوبا آخر وجاءه بالثوبين فأخذ عمر رضي الله عنه
ثوبه ورد الآخر وقال ثوبك أجود وألين ولكن ثوبي أنشف للعرق وعن علي رضي الله عنه
انه كان يكره التزيي بالزي الحسن ويقول إنا ألبس من الثياب ما يكفيني لعبادة ربى فيه
فعرفنا أن الاكتفاء بما دون الأجود أفضل له وإن كان يرخص له في لبس ذلك * ثم حول الكلام
إلى فصل آخر حاصله دار على فصل وهو أن مساعي أهل التكليف ثلاثة أنواع نوع منها
للمرء كالعبادات ونوع منها عليه كالمعاصي ونوع منها بينهما لا له ولا عليه وذلك المباحات في
الأقوال والأفعال كقولك أكلت أو شربت أو قمت أو قعدت وما أشبه ذلك هذا مذهب
أهل الفقه رحمهم الله وقالت الكرامية مساعي أهل التكليف نوعان لهم وعليهم وليس شئ
من مساعيهم في حد الاهمال لقوله تعالى فماذا بعد الحق الا الضلال فقد قسم الأشياء قسمين
لا فاصل بينهما اما الحق وهو ما يكون للمرء أو الضلال وهو ما على المرء وقال الله تعالى لها
ما كسبت وعليها ما اكتسبت وما للتعميم فتبين بهذا أن جميع ما يكتسبه المرء له أو عليه وقال
الله تعالى من عمل صالحا فلنفسه الآية فتبين بهذا أن عمله لا ينفك عن أحد هذين اما صالح أو
سيئ وفى كتاب الله تعالى بيان أن جميع ما يتلفظ به المرء مكتوب قال الله تعالى ما يلفظ
من قول الآية وفيه بيان أن جميع ما يفعله المرء مكتوب قال الله تعالى وكل شئ فعلوه في الزبر
وفيه دليل أنه يحضر جميع ما عمله في ميزانه عند الحساب قال الله تعالى ووجدوا ما عملوا
حاضروا وما للتعميم فدل أنه ليس شئ من ذلك هملا والمعنى فيه من وجهين أحدهما أن مواثيق
الله على عباده لازمة له في كل حال يعنى من قوله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وقال
عز وجل ما خلقت الجن والإنس الآية فاما أن يكون هو موقنا بهذا العهد والميثاق فيكون ذلك
له أو تاركا فيكون عليه إذ لا تصور لشئ سوى هذا والدليل عليه ان المباح الذي تصورونه اما أن يكون
من جنس ماله بأن يكون مقربا له مما يحل ويكون هو مأمورا به أو مبعدا له مما
لا يحل فيكون ذلك له أو يكون مقربا له مما لا يحل أو معبدا له مما يحل ويؤمر به فيكون
ذلك عليه فعرفنا أن جميع مساعيه غير خارجة من أن تكون له أو عليه وحجتنا في ذلك أن
279

الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم من التابعين رحمهم الله اتفقوا على أن من
أفعال العباد ما هو مأمور به أو مندوب إليه وذلك عبادة لهم ومنه ما هو منهى عنه وذلك عليهم
ومنه ما هو مباح وما كان مباحا فهو غير موصوف بأنه مأمور به أو مندوب إليه أو منهى عنه
فعرفنا أن هنا قسما ثالثا ثابتا بطريق الاجماع وليس ذلك للمرء ولا علي المرء وما كان هذا بين
القسمين الآخرين الا لحكمة وهي أن يكون مهملا لا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه لان
ما يكون له فهو مثاب عليه قال الله تعالى من عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون الآية وقال
الله تعالى ان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وما يكون عليه فهو معاقب على ذلك قال الله تعالى
وان أسأتم فلها أي فعليها وإذا كان في أفعاله وأقواله مالا يثاب عليه ولا يعاقب عرفنا انه
مهمل والدليل عليه أن الله تعالى قال لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم فالتنصيص على نفى
المؤاخذة في يمين اللغو يكون تنصيصا على أنه لا يثاب عليه وإذا ثبت بالنص انه لا يثاب عليه
ولا يعاقب عرفنا انه مهمل وقال الله تعالى ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولا اشكال انه
لا يثاب علي ما أخطأ به وقد انتفت المؤاخذة بالنص فعرفنا انه مهمل وقال صلى الله عليه وسلم
رفع عن أمتي ثلاث الخطأ والنسيان الحديث معناه ان الاثم مرفوع عنهم ولا شك انهم
لا يثابون على ذلك فإذا ثبت بهذه النصوص ان مالا ينال به المرء الثواب ولا يكون معاقبا عليه
فإنه يكون مهملا لا يوصف بأنه يكون للمرء أو عليه لان ماله خاص بما لا ينتفع به في الآخرة
وما عليه خاص فيما يضره تجاه الآخرة وفى أفعاله وأقواله مالا ينفعه ولا يضره في الآخرة
فكان ذلك مهملا * ثم اختلف الفقهاء رحمهم الله ان ما يكون مهملا من الأفعال والأقوال هل
يكون مكتوبا على العبد أم لا قال بعضهم انه لا يكتب عليه لان الكتابة لا تكون من غير
فائدة والفائدة منفعته بذلك في الآخرة أو المعاقبة معه على ذلك فما يكون خارجا عن هذين
الوجهين فلا فائدة في كتابته عليه وأكثر الفقهاء رحمهم الله على أن ذلك كله مكتوب عليه قال
الله تعالى ونكتب ما قدموا وآثارهم الآية الا انهم قالوا بعد ما يكتب جميع ذلك عليه يبقى في
ديوانه ما فيه جزاء وخير أو شر ويمحى من ديوانه ما هو مهمل وبيانه في قوله تعالى انا
كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وفى حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
إذا صعد الملكان بكتاب العبد فإن كان أوله وآخره حسنة يمحي ما بين ذلك من السيئات
وإن لم يكن ذلك في أوله وآخره يبقي جميع ذلك عليه والذين قالوا يمحى المهل من الكتاب
280

اختلفوا فيه قال بعضهم إنما يمحي ذلك في الاثانين والاخمسة وهو الذي وقع عند الناس
انه تعرض الاعمال في هذين اليومين أي يمحى من الديوان فهيما ما هو مهمل ليس فيه جزاء
وأكثرهم على أنه إنما يمحى ذلك يوم القيامة والأصل فيه حديث عائشة رضي الله عنها وقد
ذكره محمد رحمه الله في الكتاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدواوين عند الله ثلاثة
ديوان لا يعبأ به وهو ما ليس فيه جزاء خير أو شر وديوان مظالم العباد فلا بد فيه من
الانصاف والانتصاف والديوان الثالث ما فيه جزاء من خير أو شر وهذا حديث صحيح
مقبول عند أهل السنة والجماعة رحمهم الله ولكنهم اختلفوا في الديوان الذي لا يعبأ به
قيل هو المهمل الذي قلنا إنه ليس فيه جزاء خير ولا شر وقيل هو ما بين العبد وبين ربه مما
ليس به حق العباد فان الله تعالى عفو كريم قال الله تعالى ما يفعل الله بعذابكم الآية وقيل بل
هو الصغائر فإنها مغفورة لمن اجتنب الكبائر قال الله تعالى ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه الآية
فهو الديوان الذي لا يعبأ به وقيل المراد باعمال الكبائر ما هو في صورة الطاعة فإنه لا يعبأ
به إذا لم يؤمنوا أي لا ينفعهم ذلك لا الشرك غير مغفور لهم قال الله تعالى ان الله لا
يغفر أن يشرك به ولا قيمة لأعمالهم مع الشرك قال الله تعالى وقدمنا إلى ما عملوا الآية والأظهر
هو القول الأول ان الذي لا يعبأ به القسم الثالث الذي بينا انه مباح ليس للمرء ولا عليه هذا
الذي لا يعبأ به فإنه فسر ذلك بقوله وهو ما ليس فيه جزاء خير ولا شر وذكر في الكتاب
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت أن المراد محو بعض الأسماء
من ديوان الأشقياء والاثبات في ديوان السعداء ومحو بعض الأسماء من ديوان السعداء والاثبات
في ديوان الأشقياء وأهل التفسير رحمهم الله إنما يروون هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه كما
روى عن وائل رضي الله عنه أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول في دعائه اللهم ان كنت كتبت
أسماءنا في ديوان الأشقياء فامحها من ديوان الأشقياء وأثبتها في ديوان السعداء فإنك قلت
في كتابك وقولك الحق يمحو الله ما يشاء ويثبت الآية فاما ابن عباس رضي الله عنهما فالرواية
الظاهرة عنه المحو والاثبات في كل شئ الا في السعادة والشقاوة والحياة والموت ومن
الفقهاء رحمهم الله من أخذ بالرواية الأولى وقال إنا نرى الكافر يسلم والمسلم يرتد والصحيح
يمرض والمريض يبرأ وكذا يقول يجوز ان يشقى السعيد ويسعد الشقي من غير أن يتغير علم
الله في كل أحد ولله الامر من قبل ومن بعد يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وعلى ذلك حملوا
281

قوله تعالى فمنهم شقى وسعيد وأكثرهم على أن الصحيح الرواية الثانية عن ابن عباس رضي الله عنه
ما فإنه أقرب إلى موافقة الحديث المشهور السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من
شقى في بطن أمه وتأويل قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت محوه لا يعبأ به من ديوان العبد
مما ليس فيه جزاء خير ولا شر واثبات ما فيه الخير على ما بينا من حديث عائشة رضي الله عنه
ا الدواوين عند الله ثلاثة ولأجله أورد محمد رضي الله عنه هذا الحديث على أثر ذلك
الحديث وقيل المراد محو المعرفة من قلب البعض واثباتها في قلب البعض فيكون هذا
نظير قوله تعالى يضل من يشاء ويهدى من يشاء أو المراد المحو والاثبات في المقسوم لكل عبد
من الرزق والسلامة والبلاء والمرض وما أشبه ذلك ثم روى حديث الصديق رضي الله عنه
حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أكلة أكلتها معك في بيت أبى الهيثم بن
التيهان وقد روينا الحديث بتمامه زاد في آخر الحديث فاما المؤمن فشكره إذا وضع الطعام
بين يديه أن يقول بسم الله وإذا فرغ يقول الحمد الله وهذه الزيادة لم يذكرها أهل الحديث في
كتبهم ومحمد رضي الله عنه موثوق به فيما يروي ويحتمل أن يكون هذا من كلام محمد رضي الله عنه
ذكره بعد رواية الحديث وقد روى في معنى هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال إذا وضع الطعام بين يدي المؤمن فقال بسم الله وإذا فرغ قال الحمد لله تحاتت ذنوبه
ولو كانت مثل زبد البحر كما يتحات ورق الشجر وقال صلى الله عليه وسلم الحمد لله على كل نعمة
وقال صلى الله عليه وسلم لو جعلت الدنيا كلها لقمة فابتلعها مؤمن فقال الحمد لله كان ما أتى به
خيرا مما أوتى وهو كذلك فان الله تعالى وصف الدنيا بالقلة والحقارة قال الله تعالى قل متاع
الدنيا قليل وذكر الله تعالى أعلى وأطيب وفى قوله الحمد لله ذكر الله تعالى بطريق التعظيم
والشكر فيكون خيرا من جميع الدنيا (ثم قال ويكره للرجال لبس الحرير في غير حالة
الحرب) وهذه المسألة ليست من مسائل هذا الباب وهي مذكورة في مواضع من الكتب
إلا أنها تليق بما تقدم ذكره من المسائل في هذا الكتاب فإنه صنف هذا الكتاب في الزهد
على ما حكى انه لما فرغ من تصنيف الكتب قيل له ألا صنفت في الزهد والورع شيئا فقال
صنفت كتاب البيوع ثم أخذ في تصنيف هذا الكتاب فاعترض له داء فخف دماغه ولم يتم
مراده ويحكى أنه قيل له فهرس لنا ما كنت تريد أن تصنف ففهرس لهم ألف باب كان يريد
أن يصنفها في الزهد والورع ولهذا قال بعض المتأخرين رحمهم الله موت محمد رضي الله عنه
282

واشتغال أبى يوسف بالقضاء على أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه فإنه لولا ذلك لصنفا
ما أتعب المتبعين وهذا الكتاب أول تصانيفه في الزهد الورع فذكر في آخره بعض المسائل
التي تليق بذلك في مثل لبس الحرير والأصل فيه ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج
ذات يوم والذهب بيمينه والحرير بشماله وقال هذان حرامان على ذكور أمتي حل لإناثها
ولبس الحرير للرجال في غير حالة الحرب مكروه وفى حالة الحرب كذلك في قول أبي حنيفة
وفى قولهما إذا كان ثخينا يدفع بمثله السلاح فلا بأس بلبسه في حالة الحرب وأما ما يكون
سداه غير حرير ولحمته حرير فلا يحل للرجال لبسه في غير حالة الحرب نحو القباء وما أشبه
ذلك وقد تقدم بيان هذه الفصول في الكتب (قال ولا بأس بان يتخذ الرجل في بيته سريرا
من ذهب أو فضة وعليه الفرش من الديباج يتجمل بذلك للناس من غير أن يقعد أو ينام
عليه فان ذلك منقول عن السلف من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين) روى أن
الحسن أو الحسين رضي الله عنهما من تزوج منهما شاه بانوا على حسب ما اختلف فيه الرواة
زينت بيته بالفرش من الديباج والأواني المتخذة من الذهب والفضة فدخل عليه بعض من
بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم فقال ما هذا في بيتك يا ابن رسول
الله فقال هذه امرأة تزوجتها فاتت بمثل هذه الأشياء ولم أستحسن منعها من ذلك وعن
محمد بن الحنيفة رضي الله عنه أنه زين داره ذلك هذا فعاتبه في ذلك بعض الصحابة رضي الله عنه
م فقال إنما أتجمل للناس بهذه ولست أستعمله وإنما أفعل ذلك لكيلا يشتغل قلب أحد
ولا ينظر إلى غير حماك فعرفنا ان هذا إذا اتخذه المرء على هذا القصد لم يكن به بأس وإن كان
الاكتفاء بما دونه أفضل ويدخل هذا في معنى قوله تعالى قل من حرم زينة الله الآية
والذي قال لا يقعد عليه ولا ينام قول محمد أيضا فأما على قول أبي حنيفة رضي الله عنه فلا
بأس بالجلوس والنوم عليه وإنما المكروه اللبس والملبوس يصير تبعا للابس فأما ما يجلس أو
ينام عليه فلا يصير تبعا له فلا بأس به (قال ولا بأس أن ينقش المسجد بالجص والساج وماء
الذهب) قال رضي الله عنه وكان شيخنا الامام رضي الله عنه يقول تحت اللفظ إشارة إلى أنه
لا يثاب على ذلك فإنه قال لا بأس وهذا اللفظ لرفع الحرج لا لايجاب الثواب معناه يكفيه
أن ينجو من هذا رأسا برأس وهو المذهب عند الفقهاء رحمهم الله وأصحاب الظواهر يكرهون
ذلك ويؤنبون من فعله قالوا لان فيه مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر من
283

الطريقة فإنه لما قيل له ألا نهد مسجدك ثم نبنيه فقال لا عرش كعرش موسى أو قال
عرش كعرش موسى وكان سقف مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جريد فكان
ينكشف إذا مطروا حتى كانوا يسجدون في الماء والطين وعن علي رضي الله عنه إنما مر بمسجد
مزين مزخرف فجعل يقول لمن هذه البيع وإنما قال ذلك لكراهيته هذا الصنع في المساجد
ولما بعث الوليد بن عبد الملك أربعين ألف دينارا ليزين بها مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فمر بها على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقال المساكين أحوج إلى هذا المال من الأساطين
والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من أشراط الساعة ان تزخرف
المساجد وتعلى المنارات وقلوبهم خاوية من الايمان ولكنا نقول لا بأس بذلك لما فيه من
تكثير الجماعة وتحريض الناس على الاعتكاف في المسجد والجلوس فيه لانتظار الصلاة وفى
كل ذلك قربة وطاعة والاعمال بالنيات ثم الدليل على أنه لا بأس بذلك ما روى أن أول من
بنى مسجد بيت المقدس داود عليه السلام ثم أتمه سليمان عليه السلام بعد وزينه حتى نصب
على رأس القبة الكبريت الأحمر وكان أعز وأنفس شئ وجد في ذلك الوقت فكان يضئ
من ميل وكن الغزالات يبصرن ضوءه بالليالي من مسافة ميل والعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه
أول من زين المسجد الحرام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب
رضي الله عنه زين مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فيه وكذلك عثمان رضي الله عنه
بعده بنى المسجد بماله وزاد فيه وبالغ في تزيينه فدل أن ذلك لا بأس به وان تأويل ما روى
بخلاف هذا ما أشار إليه في آخر الحديث وقلوبهم خاوية من الايمان أي يزينون المساجد
ولا يداومون على إقامة الصلاة فيها بالجماعة والمراد التزين بما ليس بطيب من الأموال أو على
قصد الرياء والسمعة فعلى بعض ذلك يحمل ليكون جمعا بين الآثار وهذا كله إذا فعل المرء
هذا بمال نفسه مما اكتسب من حله فاما إذا فعله بمال المسجد فهو آثم في ذلك وإنما يفعل
بمال المسجد ما يكون فيه احكام البناء فاما التزين فليس من احكام البناء في شئ حتى قال
مشايخنا رحمهم الله للمتولى أن يجصص الحائط بمال المسجد وليس له أن ينقش الجص بمال
المسجد ولو فعله كان ضامنا لان في التجصيص احكام البناء وفى النقض على الجص تزيين
البناء لا إحكامه فيضمن المتولي ما ينفق على ذلك من مال المسجد (قال ألا ترى أن الرجل قد
يبنى لنفسه دارا وينقش سقفها بماء الذهب فلا يكون آثما في ذلك) يريد به أن فيما ينفق على ذلك
284

للتزين يقصد به منفعة نفسه خاصة وفيما ينفق على المسجد للتزين منفعته ومنفعة غيره فإذا
جاز له أن يصرف ماله إلى منفعة نفسه بهذا الطريق فلان يجوز صرفه إلى منفعته ومنفعة
غيره كان أولى وقد أمرنا في المساجد بالتعظيم ولا شك ان معنى التعظيم يزداد بالتزيين
في قلوب بعض الناس من العوام فيمكن أن يقال بهذا الطريق يؤجر هو على ما فعله وفى
الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يثاب المؤمن على أنفاق ماله في كل شئ ء الا في
البنيان زاد في بعض الروايات ما خلا المساجد فان ثبتت هذه الزيادة فهو دليل على أنه يثاب
فيما ينفق في بناء المسجد وتزيينه وعلى هذا أمر اللباس فإنه لا بأس للرجل أن يتجمل بلبس
أحسن الثياب وأجودها فقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة فنك علمها من الحرير
فكان يلبسها في الأعياد وللوفود إلا أن الأولى أن يكتفى بما دون ذلك في المعتاد من لبسه
على ما روى أن ثوب مهنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كأنه ثوب دهان وكذلك لا بأس
بأن يتسرى بجارية حسناء فإنه صلى الله عليه وسلم مع ما كان عنده من الحرائر تسرى حتى
استولد مارية أم إبراهيم رضي الله عنهما وعلي رضي الله عنه مع ما كان عنده من الحرائر كان
تسرى حتى استولد أم محمد بن الحنفية رضي الله عنه فعرفنا انه لا بأس بذلك والأصل فيه
قوله تعالى قل من حرم زينة الله الآية (وقال ولو أن الناس قنعوا بما دون ذلك وعمدوا
إلى الفضول فقدموها لآخرتهم كان خيرا لهم والأصل فيه حديث أبي ذر رضي الله عنه
فإنه كان يتعلق بأستار الكعبة في أيام الموسم وينادى بأعلى صوته ألا من عرفني فقد
عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر جندب بن عبادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وان أحدكم إذا أراد سفرا استعد لسفره فمالكم لا تستعدون لسفر الآخرة وأنتم تتيقنون
أنه لابد لكم منه ألا ومن أراد سفرا في الدنيا فان بدا له أن يرجع تمكن وان طلب القرض
وجد وان استوهب ربما يوهب له ولا يوجد شئ من ذلك في سفر الآخرة وسئل يحيى
ابن معاذ رضي الله عنه مالنا نتيقن بالموت ولا نحبه فقال إنكم أحببتم الدنيا فكرهتم أن تجعلوها
خلفكم ولو قدمتم محبوبكم لأحببتم اللحوق به فعرفنا أن الأفضل أن يكتفى من الدنيا بما لا
بد منه ويقدم لآخرته ما هو زيادة على ذلك مما اكتسبه ولكنه لو استمتع بشئ من ذلك
في الدنيا بعد ما اكتسبه من حله لم يكن به بأس والقول بتأثيم من ينفق على نفسه وعياله مما
اكتسبه من حله وأدى حق الله تعالى منه غير سديد إلا أن أفضل الطريق طريق المرسلين
285

عليهم السلام وقد بينا انهم اكتفوا من الدنيا بما لابد لهم منه خصوصا نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه
لما عرض عليه خزائن مفاتيح الأرض ردها وقال أكون عبدا نبيا أجوع يوما وأشبع يوما فإذا
جعت صبرت وإذا شبعت شكرت ولكن مع هذا في بعض الأوقات قد كان يتناول بعض
الطيبات حتى روى أنه قال يوما ليت لنا خبز بر قد لت بسمن وعسل فنأكله فصنع ذلك عثمان
رضي الله عنه وجاء به في قصة فقيل إنه ما تناول من ذلك والصحيح انه تناول بعضه ثم أمر بالتصدق
بما بقي منه وقد أهدى له صلى الله عليه وسلم جدي سمين مشوي فأكل منه مع أصحابه رضي الله عنه
م وقد تناول مما أتى به من الشاة المسمومة وحين قدم بين يديه الجدي المشوي قال لبعضهم
ناولني الذراع فبهذه الآثار تبين أنه كان يتناول في بعض الأوقات لبيان أن ذلك لا بأس به لنا
وكان يكتفى بما دون ذلك في عامة الأوقات لبيان أفضل على ما روى أن عائشة رضي الله عنها
كانت تبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول يا من لم يلبس الحرير ولم يشبع من خبز الشعير
فصار الحاصل أن الاقتصار على أدنى ما يكفيه عزيمة وما زاد على ذلك من النعم والنيل من اللذات
رخصة وقال صلى الله عليه وسلم ان الله يحب أن تؤتي رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه وقال
صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة ولم أبعث بالرهبانية الصعبة فعرفنا انه ان ترخص
بالإصابة من النعم فليس لأحد أن يؤثمه في ذلك وان زم نفسه وكسر شهوته فذلك أفضل له
ويكون من الذين يدخلون الجنة بغير حساب على ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن
الله تعالى وعدني أن يدخل سبعين ألفا من أمتي الجنة بغير حساب فقيل من هم يا رسول الله
قال هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون وفى رواية ثم زادني
معهم سبعين ألفا وفى رواية ثم أضعف لي مع الفريق الأول والآخر سبعين ألفا وفى
الحديث المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل
عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه والي أي محل
صرفه فإذا صرف المال إلى ما فيه ابتغاء مرضاة الله تعالى كان الحساب والسؤال أهون
عليه منه إذا صرفه إلى شهوات بدنه (قال والذي على المرء أن يتمسك به من الخصال التي
يحمد عليها أشياء) منها التحرز عن ارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن ومنها المحافظة
على الفرائض والمداومة على ذلك في أوقاتها ومنها التحرز عن السحت واكتساب المال من
غير حله ومنها التحرز عن ظلم كل أحد من مسلم أو معاهد فأما فيما وراء ذلك فقد وسع
286

الله تعالى الامر علينا فلا نضيق على أنفسنا ولا على أحد من المؤمنين قال محمد بن سماعة
رضي الله عنه قال محمد بن الحسن رضي الله عنه وهذا الذي ثبت لك في هذا الكتاب قول
عمر وعثمان وعلى وابن عباس وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى
عنهم أجمعين وهو مذهب أبي حنيفة وأبى يوسف وزفر ومن بعدهم من الفقهاء رحمهم الله
وبذلك كله نأخذ والله تعالى أعلم بالصواب وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
وحسبنا الله ونعم الوكيل
كتاب الرضاع
قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة فخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل
السرخسي رحمه الله إملاء يوم الخميس الثاني عشر من جمادى الآخرة سنة سبع وسبعين
وأربعمائة * اختلف الناس في كتاب الرضاع هل هو من تصنيف محمد رحمه الله أم لا قال بعضهم
هو ليس من تصنيف محمد رحمه الله وإنما صنفه بعض أصحابه ونسبه إليه ليروج به وفى ألفاظه
ما يدل على ذلك فقد ذكر في حرمة المصاهرة سبب الوطئ الحرام قال والتنزه عنه أفضل
إن شاء الله تعالى ومحمد رحمه الله ما كان يصحح الجواب في مصنفاته في الاحكام خصوصا فيما
فيه نص من الكتاب والسنة فعرفنا أنه ليس من تصنيفاته ولهذا لم يذكره الحاكم الجليل في
المختصر وقال أكثرهم هو من تصنيفاته ولكنه من أوائل تصنيفاته ولكل داخل دهشة وقد
بينا فيما سبق انه كان صنف الكتب مرة ثم أعادها الا قليلا منه فهذا الكتاب من ذلك
لأنه حين أعاد اكتفى في أحكام الرضاع بما أورد في كتاب النكاح واكتفى الحاكم رضي الله عنه
أيضا بذلك فلم يفرد هذا الكتاب في مختصره قال رضي الله عنه ولكني لما فرغت
من إملاء شرح المختصر بحسب الامكان والطاقة عند تحقق الحاجة والفاقة وأتبعته باملاء
كتاب الكسب رأيت الصواب اتباع ذلك باملاء شرح هذا الكتاب ففيه بعض ما لا بد من
معرفته وما يحتاج فيه إلى شرح وبيان ثم إنه بدأ الكتاب ببيان المحرمات من النساء
فقال * أسباب حرمة النساء ثلاثة النسب والصهر والرضاع والمحرمات بالنسب سبعة
وذلك يتلى في قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله تعالى وبنات الأخت * والمصاهرة
كالنسب في ثبوت الحرمة المؤبدة بها بطريق الاكرام فان الله تعالى جمع بينهما قال وهو
287

الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا * والمحرمات بالمصاهرة أربع وذلك يتلى في
القرآن قال الله تعالى وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم
بهن وقال تعالى وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وقال عز وجل ولا تنكحوا ما نكح
آباؤكم * ثم حرم بالرضاع مثل هذا العدد الذي حرم بالنسب والصهر وثبوت الحرمة
بسبب الرضاع منصوص في قوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة
وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وزعم
بعص العلماء رحمهم الله أن طريق معرفة هذه المحرمات النص خاصة ولو خلينا والقياس لم نقل
بشئ من هذه المحرمات فان الإناث خلقن للذكور وهذا محل النكاح باعتبار أنهن مكان حرث
للولد وان التناسل بين الذكور والإناث وبهذه الأسباب لا يختل هذا المعنى والأصح أن
نقول هذه المحرمات ثابتة بالنص وهي مستحسنة في عقول العقلاء أيضا عند رفض العادات
السيئة والعاقل يحرص على حماية أمه وابنته وأخته ودفع العار والشنار عنهما كما يحرص على
دفع ذلك عن نفسه والمقصود بالنكاح الاستعراض للوطئ والعاقل يأنف من ذلك الفعل
في أمه وابنته كما يأنف من ذلك في نفسه (ألا ترى) ان الله تعالى أشار إلى ذلك في الاخبار
عن الذين لم يعرفوا الشريعة وكانوا عقلاء فقال جل وعلا وإذا بشر أحدهم بالأنثى إلى قوله
تعالى أيمسكه على هون أم يدسه في التراب فإذا كان يأنف من ذلك كيف يستجيز من
نفسه أن يباشر فعله وكذا يأنف من ذلك في حق امرأة أبيه التي ربته وهي بمنزلة أمه
باعتبار التربية وفى حق امرأة ابنه التي هي له بمنزلة الولد والمتولد منها يكون ولدا له وكذلك
يأنف من ذلك باعتبار الرضاع الذي هو أحد سببي الكون فان النشر والتسوية يحصل
به ولهذا كانوا في الجاهلية يعظمون أمر الرضاع كما يعظمون أمر النسب ثم بسبب النسب
تتمكن بينهما العصبية أو شبه العصبية واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله أولادنا
أكبادنا وقال صلى الله عليه وسلم ان فاطمة بضعة منى الا ما كان لآدم صلوات الله عليه وقد
كان ذلك بطريق الكرامة لكون الأصل الأول واحدا كما قال تعالى يا أيها الناس اتقوا ربكم
الذي خلقكم من نفس واحدة ثم شبهة التعصبية تعتبر بحقيقة العصبية وفى المصاهرة
شبهه العصبية باعتبار الواسطة وفى الرضاعة شبهة العصبية باعتبار البنوة واليه أشار صلى الله
عليه وسلم في قوله الرضاع ما أنبت اللحم وانشر العظم ثم بين نوعا آخر من الحرمة فقال ومن
288

ذلك ما حرم بالكفر قال الله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن وهذا في المعنى ليس
نظير ما تقدم فتلك حرمة مؤبدة وهذه حرمة مؤقتة إلى غاية هي الاسلام وهذا النوع من
الحرمة سبعة أيضا أحدها إذا كان تحت الرجل امرأة فاختها محرمة عليه إلى غاية وهي أن
يفارقها وكذلك ما في معنى الأخت كالعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت ثبت ذلك بقوله
تعالى وأن تجمعوا بين الأختين وبقوله صلى الله عليه وسلم لا تنكح المرأة على عمتها ولا على
خالتها ولا على ابنة أختها ولا على ابنة أخيها والثانية إذا كان تحته أربعة نسوة فالخامسة محرمة
عليه إلى أن يفارق احدى الأربع ثبت ذلك بقوله تعالى مثنى وثلاث ورباع وبإجماع الجمهور
من علماء المسلمين رحمهم الله على حرمة الجمع بين أكثر من أربع نسوة والثالثة إذا كان تحته
حرة فالأمة محرمة عليه إلى غاية وهي أن يفارق الحرة ثبت ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم لا تنكح
الأمة على الحرة وهي حرمة ثابتة شرعا عندنا لا لحق المرأة حتى أنها وان رضيت لم تحل
الا على قول مالك رضي الله عنه فإنه يقول إذا رضيت الحرة جاز وذكر في الكتاب هذا
القول منسوبا إلى بعض العلماء ومراده مالك رضي الله عنه والرابعة إذا وطئ امرأة بشبهة
فاختها محرمة عليه إلى غاية وهي انقضاء عدة هذه باعتبار أن العدة حق من حقوق النكاح
كأصل النكاح في ايجاب الحرمة كما يجعل الرضاع بمنزلة النسب في ايجاب الحرمة والخامسة
منكوحة الغير أو معتدة الغير فإنها محرمة عليه إلى غاية وهي انقضاء العدة ثبت ذلك بقوله
تعالى والمحصنات من النساء أي أخوات الأزواج وبقوله عز وجل ولا تقربوا عقدة
النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله والسادسة مكاتبة الرجل فإنها محرمة عليه لا يطؤها بالملك
إلى أن تعتق بالأداء فينكحها أو تعجز فيطؤها بالملك والسابعة المشركة فهي محرمة على
المؤمن وزعم مالك رضي الله عنه أن نكاح المشركة لا يجوز لمشرك ولا للمسلم فكان
يقول ببطلان أنكحة المشركين أهل الشرك منهم وهو باطل عندنا فان الله تعالى قال
وامرأته حمالة الحطب فلو لم يكن بينهما نكاح لما سماها امرأته وقال صلى الله عليه وسلم
ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أحد ممن
أسلم وبين زوجته حين أسلمت معه ولم يأمرها بتجديد العقد بل أقرهما على النكاح فعرفنا
ان للأنكحة فيما بينهم حكم الصحة وان نكاح المشركة حرام على المسلم خاصة لخبثها وكرامة
المسلم ففيه معنى الصيانة له عن فراش الخبيثة وبالنكاح ثبت الازدواج وإنما يتحقق ذلك
289

بين المتساويين أو متقاربي الحال ولا مساواة بين المشركة والمسلم فكانت محرمة عليه إلى أن
يؤمن (قال ثم إن الله تعالى أحل نساء أهل الكتاب في قوله عز وجل والمحصنات من
الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) فأحل نساء أهل الكتاب من جملة أهل الكفر وترك
باقي أهل الكفر على التحريم في قوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ومن الناس من قال هذا الكلام مختل فان اسم المشركة لا يتناول الكتابة حتى يقال إنها خرجت من
هذه الحرمة بالنص (ألا ترى) ان الله تعالى عطف المشركين على أهل الكتاب فقال عز
وجل لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين وإنما يعطف الشئ على غيره ولكنا
نقول ما ذكره الكتاب صحيح فان أهل الكتاب في الحقيقة مشركون وان كانوا يدعون
التوحيد قال الله تعالى وقالت اليهود عزير ابن الله إلى قوله عز وجل سبحانه عما يشركون
وعطف المشركين على أهل الكتاب لا يدل على أنهم غير مشركين قال الله تعالى والصابئين
والنصارى والمجوس والذين أشركوا فقد عطف أهل الشرك على المجوس والمجوس مشركون
تتناولهم الجهة الثابتة في قوله عز وجل ولا تنكحوا المشركات فعرفنا ان أهل الكتاب
خصوا من هذه الحرمة بالنص وكان ابن عمر رضي الله عنه لا يخص أهل الكتاب من هذه
الحرمة وكان يقول معنى قوله تعالى والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم اللاتي
أسلمن من أهل الكتاب ولسنا نأخذ بهذا فعلى هذا التأويل لا يبقى للآية فائدة لان نكاح
المسلمة حلال للمسلم سواء كانت كتابية وأسلمت أو لم تكن وإنما المراد بقوله تعالي
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم العفائف منهن أو الحرائر منهن والله أعلم بالصواب
باب تفسير التحريم بالنسب
وهو ما نصه الله تعالى في كتابه وما حرمته السنة واجمع عليه المسلمون فأما نص الله تعالى
في كتابه فتحريم الأم وحرمت السنة والاجماع أم الأم وأم الأب وان بعدت من قبل الأمهات
كانت أو من قبل الاباء وزعم بعض مشايخنا رحمهم الله ان ثبوت حرمة الجدات بالنص
أيضا فاسم الأم يتناول الجدات قال الله تعالى يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم
من الجنة فدل على أن الجدة أم وان الجواب ما ذكره في الكتاب وهو أصح فان اسم الأم
يتناول الجدة مجازا حتى ينفى عنها هذا الاسم باثبات غيره فيقال إنها جدة وليست بأم ولا
290

يجمع بين الحقيقة والمجاز من أداتي لفظ واحد فان قيل لا كذلك فمن أصول علمائنا رحمهم الله
الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد حتى إذا حلف أن لا يضع قدمه في دار فلان فدخلها
حافيا أو منتعلا ماشيا أو راكبا كان حانثا في يمينه وهذا اللفظ للنهار حقيقة ويتناول الليل مجازا
وقال في السير الكبير إذا استأمن الحربي علي بنيه دخل في الأمان بنو بنيه مع بنيه لصلبه
والاسم لبنيه حقيقة ولبنى بنيه مجاز قلنا لا كذلك فالحقيقة استعمال الشئ في موضعه والمجاز
استعارة الشئ واستعماله في غير ما وضع له ولا يتصور أن يكون اللفظ الواحد مستعملا في
موضعه ومستعارا كما لا يتصور أن يكون الثوب على اللابس ملكا له وعارية في يده في حالة
واحدة فأما إذا حلف لا يضع قدمه في دار فلان فذلك عبارة عن الدخول علم ذلك بالعرف
ثم يحنث في الوجوه كلها لأنه دخول لا لاعتبار الحقيقة والمجاز وكذلك اليوم فيما لا يمتد عبارة
عن الوقت الذي هو ظرف له فيحنث في الوجهين لوجود وقت القدوم لا للحقيقة والمجاز
فلهذا قلنا إن فيما يمتد يحمل ذكر اليوم على بياض النهار ليكون معيارا له وفى مسألة الأمان
روايتان كلاهما في السير وفى القياس لا يدخل بنو الابن وإنما أدخلهم استحسانا لان أمر
الامام مبنى على التوسع وأدنى الشبه يكفي لاثباته والسبب الداعي له إلى طلب هذا الأمان
شفقته عليهم وشفقته علي بنيهم كشفقته علي بنيه فلهذا أدخلهم في احدى الروايتين فإذا ثبت
انه لايراد باللفظ الحقيقة والمجاز في حالة واحدة عرفنا ان حرمة الجدات ثبتت بالسنة والاجماع
كما أشار إليه وعلى هذا حرمة الابنة ثابتة بالنص وحرمة ابنه البنت وابنة الابن ثابته بالاجماع
والسنة * قال وحرم الله تعالى الأخوات وبنات الأخت وبنات الأخ بالنسب وحرمت
السنة أسفل من ذلك من ولد الأخت والأخ إلى أسفل الدرجة وحرم الله تعالى العمة
بالنسب وحرمت السنة والاجماع أم العمة وان كانت أمها أم الأب أو غير أم الأب لان العمة
ان كانت لأب وأم أو لام فان العمة أمها أم الأب وهي محرمة عليه وان كانت العمة لأب
فأمها امرأة أب الأب وهي محرمة بقوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء
وأقامت السنة امرأة الجد مقام امرأة الأب وعمة العمة حرام إذا كانت العمة لأب وأم أو
لأب لأنها أخت أبى الأب لان العمة بمنزلة الأم كما أن العم بمنزلة الأب قال الله تعالى قالوا
نعبد إلهك واله آبائك إبراهيم وإسماعيل وهو كان عما وقال صلى الله عليه وسلم لا تؤذوني
في بقية آبائي يعنى العباس رضي الله عنه فإذا كانت العمة بمنزلة الأم أو الأب فعمة العمة
291

بمنزلة عمة الأب فإذا كانت العمة أخت الأب لام فعمة عمتها ليست بمحرمة لان أباها رجل
أجنبي ليس بذي رحم محرم وحرم الله تعالى الخالة وحرمت السنة والاجماع أم الخالة لان
أم الخالة هي الجدة أم الأم وان كانت لأب فأم الخالة امرأة أب الأم والجدة بالسنة قائمة
مقام الأب فامرأة الجد أبى الأم كامرأة الأب في الحرمة وخالة الخالة محرمة عليه إذا كانت الخالة
لأب وأم أو لأب كما بينا في عمة العمة فإن كانت الخالة لأب فخالتها تكون أجنبية عنها على
نحو ما ذكرنا في عمة العمة فاما ابنة العم وابنة العمة وابنة الخالة وابنة الخال فمن جملة المحللات
وذلك يتلى في سورة الأحزاب قال الله تعالى وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات
خالاتك ويتلى في سورة النساء أيضا فان الله تعالى بين المحرمات ثم قال وأحل لكم ما وراء
ذلكم فما تناوله نص التحريم تناوله هذا النص وقوله تعالي وأحل لكم ما وراء ذلكم ومنكوحة
الأب من جملة المحرمات على الابن وعلى ابن الابن وان سفل باعتبار السنة والاجماع
ويستوى ان دخل بها أو لم يدخل بها لأنها مبهمة في كتاب الله وقال ابن عباس رضي الله عنهما
أبهموا ما أبهمه الله تعالى وكذلك أمهات النساء فأما الربائب فلا يحرمن الا بالدخول بالأم قال
الله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن والحجر ليس بشرط وذلك
ثابت في قوله تعالى فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وذكر الحجر في قوله وربائبكم
اللاتي في حجوركم بطريق العادة لا أن يكون الحجر مؤثرا في هذه الحرمة (ألا ترى) ان
الانسان قد يكون في بيته امرأة لها ولد يعولها وينفق عليها ثم يتزوج الابنة إذا كبرت فيجوز
ذلك لان أمها لم تكن في نكاحه وان كانت هي في حجره فعرفنا انه لا تأثير للحجر وانه مذكور
علي طريق العادة بمنزلة قوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد والمباشرة
حرام على المعتكف في المسجد كان أو في غير المسجد وذكر المساجد للعادة إذ الاعتكاف
في العادة يكون في المساجد وحليلة الابن من النسب حرام بالنص وزعم بعض أهل العلم
ان حليلة الابن من الرضاعة لا تكون حراما للقيد المذكور في قوله تعالى وحلائل أبنائكم
الذين من أصلابكم ولكن نقول حليلة الابن من الرضاعة كحليلة الابن من النسب ثبت
بقوله صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والمراد بقوله عز وجل من
أصلابكم يعنى حرمة حليلة الابن من التبني فقد كان التبني معروفا فيما بين أهل الجاهلية
وكان مشروعا في الابتداء ثم نسخه الله تعالى بقوله أدعوهم لآبائهم وتبني رسول الله صلى الله
292

عليه وسلم زيد بن حارثة ثم تزوج زينب امرأة زيد بعد ما فارقها وفيه نزل قوله تعالى ما كان
محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله فالمراد بالتقييد نفى حرمة حليلة الابن من التبني
ثم تحريم حليلة ابن الابن وان سفل بالسنة والاجماع * فان قيل كيف ثبت ذلك مع قوله
عز وجل الذين من أصلابكم فان ابن ابنه ليس من صلبه * قلنا لا كذلك بل يتناوله هذا الاسم
باعتبار ان أصله من صلبه قال الله تعالى هو الذي خلقكم من تراب والمخلوق من التراب
هو الأصل والله أعلم * وما سوى هذا من المسائل المذكورة إلى تفسير لبن الفحل قد تقدم
بيانه في كتاب النكاح وبعض هذه الفصول قد تقدم بيانه هناك أيضا فلهذا لم تستقص
هنا والله أعلم بالصواب
باب تفسير لبن الفحل
(قال رحمه الله) ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرجل يكون له امرأتان أو
أمتان قد ولدتا منه فترضع إحداهما صبيا والأخرى صبية قال ابن عباس رضي الله عنهما اللقاح
واحد وبه نأخذ فنقول تحرم المناكحة بين هذين الصبيين بسبب الاخوة لأب من الرضاع
ومن العلماء من يقول لا تثبت فقالوا حرمة الرضاع إنما تثبت من جانب الآباء فما لم يجتمع
صغيران على ثدي واحد لا تثبت بينهما الاخوة من الرضاعة وهذا لان السبب هو الارضاع
وإنما يتحقق ذلك من جهة النساء دون الرجال وثبوت الحرمة بسبب البعضية تشبهه حرمة
اللبن لقرب بعضها إلى بعض * ولو باشر الرجل الارضاع بان نزل اللبن في ثندؤته فأرضع صبيين
لا تثبت الاخوة بينهما فبارضاع غيره كيف تثبت الاخوة في جانبه * وحجتنا في ذلك حديث
عروة عن عائشة رضي الله عنها ان أفلح بن أبي قعيس استأذن عليها فسألت رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ليلج عليك أفلح فإنه عمك من الرضاعة فقالت إنما أرضعتني
المرأة دون الرجل فقال ليلج عليك أفلح فإنه عمك من الرضاعة وفى حديث آخر عن عائشة
رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها فسمعت صوت رجل يستأذن علي
حفصة رضي الله عنها فقالت يا رسول الله هذا رجل يستأذن على حفصة فقال ما أحسبه الا بداح
عمها من الرضاعة فقالت أرأيت لو كان فلان عمي من الرضاعة حيا أكان يدخل على فقال نعم
ولان النبي صلى الله عليه وسلم شبه الرضاعة بالنسب والحرمة بالنسب تثبت من الجانبين
293

فكذلك سبب الارضاع لان وطئ الزوج كما كان سببا لولادتها كان سببا لنزول اللبن لها
وما ينزل من ثندؤة الرجل ليس بلبن علي الحقيقة لان اللبن إنما يتصور ممن تتصور منه
الولادة وعلى هذا نقول في الأخوين إذا أرضعت امرأة أحدهما صبية فليس للأخ الآخر أن
يتزوجها لأنها ابنة أخيه والأصل فيه ما روى أن عليا رضي الله عنه لما عرض ابنة حمزة على
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ابنة أخي من الرضاعة * ولو أرضعت امرأتا أخوين
كل واحدة منهما رضيعا أحدهما صبي والاخر صبية تجوز المناكحة بينهما لان الصغيرة
ابنة عم الصغير من الرضاعة وابنة العم من النسب حلال فكذلك من الرضاعة * ولو أرضعت
امرأة صغيرين فكبرا ثم إن أحدهما تزوج ابنة صاحبه لم يجز لأنها ابنة أخيه من الرضاعة
والأصل فيه أنه لما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت أبي سلمة قال لو لم
تكن ربيبتي في حجري كانت تحل لي أرضعتني وإياها ثويبة * قال ولو أن رجلا له ابن
وابنة فجاءت امرأة أخيه فأرضعت الابن والابنة جميعا لم يكن للابن الذي أرضعته المرأة أن
يتزوج أحدا من ولد تلك المرأة قبل الرضاع أو بعده من بنات العم كن أو من غيره وامرأة
الأخ والأجنبية في هذا سواء فإنهما لما اجتمعا على ثدي واحد ثبتت الاخوة بين هذا الابن
والابنة وبين جميع أولاد الرجل ما كان من هذه المرأة أو من غيرها من النساء أو السراري
كان قبل الرضاع أو بعده بخلاف ما وقع عند الجهال ان الحرمة إنما تثبت بينهما وبين الأولاد
الذين يحدثون بعد ذلك دون ما انفصلوا قبل الارضاع وهذا لان ثبوت هذه الحرمة
تثبت الاخوة وهو يجمع الكل ولم يكن لاحد من ولد الرجل ولا من ولد المرأة من
يتزوج تلك الجارية ولا ولد ولدها ولا لولد ولد العم أن يتزوجوا تلك الجارية فإنهم
اخوة أولاد اخوة وأخوات فإن كان للجارية المرضعة ولد وللغلام المرضع ولد ولأولاد
المرضعة التي أرضعتها أولاد ولأولاد زوجها أولاد جازت المناكحة فيما بينهم لان الأنثى
منهم ابنة عم للذكر من الرضاعة * قال ولو أن رجلا له ابن فأرضعت امرأة ذلك الولد
لم يكن للولد أن يتزوج أحدا من ولد تلك المرأة ولا من ولد خاله ما كان قبل الرضاع
أو بعده إذا كان اللبن من الخال فإن كان من غيره حرم ولد المرأة عليه ولم يحرم ولد الخال
من غيرها لانعدام سبب الحرمة بينه وبينها * ولو أن رجلا له امرأتان فأرضعت إحداهما
صبية والأخرى صبيا لم يكن لأخي ذلك الرجل لأب وأم أو لأب أو لام أن يتزوج
294

تلك الصبية لأنها ابنة أخيه ولا لعمه أن يتزوجها لأنها ابنة ابن أخيه ولا لابن ذلك الرجل
ولا لابن ابنه وان سفل أن يتزوجها لأنها عمته من الرضاعة وكذلك لا يجوز لخال ذلك الرجل
أن يتزوجها لأنها بنت ابن أخته ولا يجوز لهذا الصبي المرضع أن يتزوج أم المرضعة ولا
جدتها ولا أختها ولا خالتها ولا عمتها اعتبارا للرضاع بالنسب * وإذا أرضعت امرأة صبية لم يكن
لابنها ولا لابن ابنها ولا لابن ابنتها أن يتزوجها لأنها أخته وعمته * ولو أن امرأة أرضعت
صبيا فكبر ذلك الصبي وتزوج امرأة ثم فارقها قبل الدخول أو بعده لم يكن لزوج المرضعة
أن يتزوج تلك المرأة لأنها حليلة ابنه من الرضاعة وقد بينا انه يحرم حليلة الابن من الرضاعة
كما يحرم من النسب وقد قال بعض أهل العلم أنها لم تحرم لان النبي صلى الله عليه وسلم قال
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب قال وليس بينه ربين امرأة ابنه نسب وإنما حرمت على
الأب بسبب النسب وليس في الحديث يحرم من الرضاع ما يحرم بسب النسب ولكن
نقول معنى الحديث ان الحرمة بسبب الرضاع تعتبر بحرمة النسب وهذه الحرمة تثبت
بالنسب فكذلك بالرضاع قال وأكثر أهل العلم على هذا والتنزه عنها أفضل وبمثل هذا
الكلام يستدل على أن الكتاب ليس من تصنيف محمد رضي الله عنه * قال وإذا نزل للبكر
لبن فأرضعت صبيا فإنها تكون أمه من الرضاعة لان السبب وهو الارضاع قد تحقق فان
قيل كيف يتصور أن تكون اما وهي بكر وكما لا تتصور الأمية من حيث النسب مع بقاء صفة
البكارة فكذلك لا تتصور الأمية من الرضاعة مع بقاء صفة البكارة * قلنا هذا تلبيس فان الحكم
مبني على السبب والأمية من النسب سببية الولادة ولا تتصور الولادة مع بقاء صفة البكارة
وتتصوره الأمية من الرضاع مع بقاء صفة البكارة وثبوت الحكم يتقرر بسببه * ولو أن امرأة
طلقها زوجها أو مات عنها فأرضعت صبيا بعد انقضاء عدتها فاتها تثبت حرمة الرضاع بين
هذا الصبي وبين زوجها بمنزلة ما لو كان الارضاع في حال قيام النكاح بينهما لان سبب
نزول اللبن لها كان وطئ ذلك الزوج فما بقي ذلك اللبن يكون مضافا إلى ذلك السبب فان
تزوجت بعد ذلك ثم أرضعت صبيا فكذلك الجواب ما لم تحبل من الثاني لان التزوج ليس
سببا لنزول اللبن لها فوجوده كعدمه فان حبلت من الثاني ثم أرضعت صبيا فكذلك الجواب
عند أبي حنيفة رضي الله عنه أنه تثبت الحرمة بين الصبي والزوج الأول ما لم تلد من الثاني
فان ولدت من الثاني ثم أرضعت فحينئذ يكون حكم الرضاع للثاني وعند أبي يوسف رضى
295

الله عنه إذا ازداد لبنها بسبب الحبل فهو وما لو ولدت سواء في أنه تثبت الحرمة من الثاني
وينقطع حكم الأول وعند محمد رضي الله عنه تثبت الحرمة منهما جميعا استحسانا لان الاحتياط
في باب الحرمة واجب وقد علمنا أن أصل الابن من الأول وازداد سبب الحبل من الثاني
فيجعل بمنزلة ما لو خلط امرأتان اللبن بان حلبتا لبنهما وأوجرتا صبيا وأبو يوسف رحمه الله
يقول لما حبلت من الثاني ونزل لها اللبن كان هذا ناسخا للسبب الذي كان من الزوج الأول
لأنه اعترض عليه ما هو مثله أو أقوى منه وأبو حنيفة رحمه الله يقول نزول اللبن في العادة
إنما يكون بعد الولادة فما لم تلد من الثاني لا ينسخ السبب الأول وهذا لان كون اللبن من
الأول متيقن به وهذه الزيادة يحتمل أن تكون بسبب الحبل من الثاني ويحتمل أن تكون
بقوة طبعها واليقين لا يزول بالشك ولو أخذ لبن امرأة في قارورة ثم ماتت المرأة فأوجر
بعد موتها صبيا تثبت الحرمة بين هذا الصبي وبينها عندنا وللشافعي رضي الله عنه قول أن
حرمة الرضاع لا تثبت بالايجار أصلا وهذا باطل فان ثبوت الحرمة بشبهة البعضية وفى هذا لا فرق
بين الايجار وبين الارتضاع من الثدي وعلي القول الظاهر إذا حلب لبنها وهي حية في قارورة
ثبت حرمة الرضاع بايجار هذا اللبن صبيا سواء أوجر قبل موتها أو بعد موتها فأما إذا
ماتت المرأة وفى ثديها لبن فارتضع صبي منها أو حلب اللبن بعد موتها فأوجر به صبي عندنا
ثبتت الحرمة أيضا وعنده لا تثبت لأصلين له أحدهما أن اللبن يتنجس بالموت عنده لان
فيه حياة فيحيله الموت والثاني ان الحرام عنده لا يحرم الحلال وعندنا لا حياة في اللبن
(ألا ترى) انه يحلب من الحي فلا يتنجس به وما فيه حياة إذا بان من الحي فهو ميت والثاني
أن الحرمة لا تمنع حكم الرضاع بمنزلة لبن وقع فيه قطرة خمر فأوجره صبي وهذا لان الحرمة
باعتبار شبهة البعضية وبالموت لا تنعدم لان اللبن وان تنجس بالموت فهو غذاء يحصل به انبات
اللحم وانتشار العظم كما أن اللحم بالموت لا يخرج من أن يكون غذاء وان تنجس والسعوط
والوجور موجب للحرمة بمنزلة الارتضاع من الثدي عندنا خلافا للشافعي وهذا بناء على
الأصل الذي بينا في كتاب النكاح ان عنده يعتبر العدد في الرضعات ليحصل به انبات اللحم
وانتشار العظم وهذا بالسعوط والوجور لا يحصل وعندنا لا يعتبر العدد وإنما يعتبر وصول
اللبن إلى باطنه على وجه تحصل به التربية وذلك بالسعوط والوجور يحصل فإنه يصل إلى
الدماغ والدماغ أحد الجوفين ولو صب اللبن في أذن صبي أو صبية فإنه لا تثبت به الحرمة
296

وكذلك لو احتقن صبي بلبن امرأة عند محمد رحمه الله انه تثبت الحرمة في الموضعين جميعا لأنه
يصل اللبن إلى أحد الجوفين (ألا ترى) أن الصوم يفسد بهذا وفى ظاهر الرواية يقول
معنى انبات اللحم إنما يصل بما يصل إلى جوفه من الجانب الأعلى لامن الجانب الأسفل وثبوت
الحرمة باعتبار هذا المعنى ثم ذكر ما إذا جعل لبن امرأة في دواء أو طعام وما يكون من
الارضاع بعد مضى الحولين وقد بينا هذه الفصول في كتاب النكاح * ولو أن صبيين شربا
من لبن شاة أو بقرة لم تثبت به حرمة الرضاع لان الرضاع معتبر بالنسب وكما لا يتحقق
النسب بين آدمي وبين البهائم فكذلك لا تثبت حرمة الرضاع بشرب لبن البهائم وكان محمد
ابن إسماعيل البخاري صاحب التاريخ رضي الله عنه يقول تثبت الحرمة وهذه المسألة كانت
سبب اخراجه من بخارا فإنه قدم بخارا في زمن أبى حفص الكبير رحمه الله وجعل يفتى
فنهاه أبو حفص رحمه الله وقال لست بأهل له فلم ينته حتى سئل عن هذه المسألة فأفتى بالحرمة
فاجتمع الناس وأخرجوه (قال والرضاع في دار الاسلام ودار الحرب سواء في ثبوت الحرمة
على قياس النسب فان الأنساب تثبت في دار الحرب فكذلك حكم الرضاع) ولو أن رجلا
تزوج صبية فأرضعت الصبية أم الرجل من النسب أو من الرضاع أو أخته فهذه المسألة تشتمل
على أحكام أربعة حكم الحرمة وحكم وجوب الصداق وثبوت الرجوع على المرضعة وحرمة
التزوج أما حرمة الفرقة فنقول وقعت الفرقة بينهما بسبب الرضاع لأنها صارت أخت الزوج
وإذا ثبتت له أختية يغرم لها نصف الصداق لان فعل الصبي غير معتبر شرعا في بناء الحكم عليه
وإنما وقعت الفرقة من جهتها قبل الدخول فيكون لها نصف الصداق ويرجع به على التي
أرضعتها ان كانت تعمدت الفساد وإن لم تتعمد الفساد فلا شئ عليها الا في رواية عند محمد انه
يرجع عليها على كل حال لأنها تسببت في تقرير نصف الصداق عليه وكان بعرض السقوط
فكأنها ألزمته ذلك ومجرد التسبب عند محمد سبب لوجوب الضمان كما قال فيمن فتح باب القفص
فطار الطير وعندنا التسبب إنما يكون موجبا للضمان إذا كان المسبب متعديا في التسبب ولم
يطرأ عليه مباشرة فاما إذا لم يكن متعديا أو طرأ عليه مباشرة من مختار لم يكن موجبا للضمان
وهنا إذا تعمدت الفساد فهي غير متعدية في التسبب لأنه إذا كان يخاف الهلاك على الرضيع
فارضاعه مندوب إليه أو مأمورة فلا يكون تعديا ولا طريق لمعرفة تعمدها الفساد الا بالرجوع
إليها فيقبل قولها في ذلك لان ما يكون في باطن المرء لا يوقف عليه الا من جهته فيقبل قوله
297

في ذلك فان قالت تعمدت الفساد ضمنت وإلا فلا شئ عليها ثم لا يحل له أن يتزوجها أبدا
لأنها صارت أخته أو ابنة أخته ولو كانت أرضعت هذه الصبية خالة الرجل أو عمته لم يحرم
عليها لأنها صارت ابنة خالته أو ابنة عمته وابتداء المناكحة بينهما يجوز فالبقاء أولى وان أرضعتها
امرأة أبيه فإن كان لبنها من أبيه حرمت عليه لأنها صارت أخته لأبيه وإن كان لبنها من
غير أبيه لم تحرم عليه وكذلك لو أرضعتها امرأة أخيه أو امرأة ابنه (قال ولو أن رجلا له
امرأتان صغيرة وكبيرة فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة بانتا جميعا لأنهما صارتا أختين من
الرضاعة ثم يكون للكبيرة جميع الصداق إن كان دخل بها وان كأن لم يدخل بها فلها نصف
الصداق) لان الفرقة وقعت لا بسبب من جهتها وللصغيرة أيضا نصف الصداق لما بينا ويرجع
بما غرم لها قبل الدخول على المرضعة ان تعمدت الفساد وإن لم تتعمد لم يرجع عليها بشئ كما
في الفصل الأول وإن كان قد دخل بالكبيرة لم يرجع عليها بشئ من مهرها على كل حال
ثم إن كأن لم يدخل بالكبيرة فله أن يتزوج من ساعته أيتهما شاء ولا يجمع بينهما وليس له
أن يتزوج المرضعة لأنها أم امرأته وإن كان قد دخل بالكبيرة فليس له أن يتزوج بالصغيرة
ما لم تنقض عدة الكبيرة لأنها أخت معتدته وله أن يتزوج الكبيرة في الحال لان الصغيرة
ليست في عدته والكبيرة تعتد منه وعدته لا تمنع نكاحه وبعد انقضاء عدة الكبيرة له أن
يتزوج أيتهما شاء وليس له أن يتزوج أم الكبيرة ولا واحدة من حذائها من قبل الأم أو
من قبل الأب وان كانت ابنة الكبيرة أرضعت الصغيرة فإن كان قد دخل بالكبيرة فقد
حرمتا عليه لان الصغيرة صارت ابنة بنت الكبيرة والجمع بين الجدة والنافلة في النكاح حرام
ثم بمجرد العقد على الصغيرة تحرم جدتها عليه على التأبيد كما تحرم أمها والدخول بالجدة
يحرم ابنة الابنة عليه على التأبيد فليس له أن يتزوج واحدة منهما قط ولا للمرضعة أيضا لأنها
من وجه أم امرأته ومن وجه ابنة المرأة التي دخل بها ولو لم يكن دخل بالكبيرة فان المرضعة
لا تحل له قط لأنها أم امرأته ولا تحل له الكبيرة قط لأنها أم أم امرأته وتحل له الصغيرة
لأنها ابنة ابنة امرأته ولم يدخل بها وكما أن ابنة المرأة لا تحرم الا بالدخول فكذلك ابنة
الابنة فإن كانت أرضعتها أخت الكبيرة بانتا أيضا لان الكبيرة صارت خالة للصغيرة والجمع
بين الخالة وابنة الأخت حرام كالجمع بين الأختين فإن كأن لم يدخل بالكبيرة فله أن يتزوج
أيتهما شاء والحكم في هذا كالحكم في الأختين ولو أرضعتهما خالة الكبيرة أو عمتها لم تحرم
298

عليه لان الجمع بين المرأة وابنة عمتها وابنة خالتها حلال ولو كان له امرأتان صغيرتان
فجاءت أم إحداهما فأرضعت الأخرى بانتا جميعا لأنهما صارتا أختين ولكل واحدة منهما
نصف الصداق وحكم الرجوع كما بينا ولو جاءت أختيه فأرضعتهما معها أو إحداهما بعد
الأخرى بانتا جميعا لان الأختية إنما تثبت بينهما بعد ارضاعهما فلا فرق بين أن ترضعهما معا
أو على التعاقب وحكم الصداق والرجوع والحرمة كما بينا وكذلك لو جاءت الصبيتان إلى
امرأة وهي نائمة فشربتا من لبنها لان فعل الصغيرة لا يعتبر في بناء الحكم عليه فيكون لكل
واحدة منهما نصف الصداق ولكن لا رجوع على المرأة بشئ هنا لأنه لم يوجد منها جناية
تسبيبا ولا مباشرة * ولو كانت امرأتان صغيرة وكبيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة بانتا جميعا
لأنهما صارتا أما وبنتا وللصغيرة نصف الصداق ولا شئ للكبيرة إن لم يدخل بها تعمدت
الفساد أو لم تتعمد لان الفرقة جاءت من قبلها والفرقة من جهتها قبل الدخول تسقط جميع
الصداق على كل حال سواء كانت متعدية في التسبيب أو لم تكن متعدية كالمعتقة إذا اختارت
نفسها إلا أن الزوج يرجع عليها بما غرم للصغيرة ان كانت تعمدت الفساد لكونها متعدية
في التسبيب وله أن يتزوج الصغيرة إذا لم يدخل بالكبيرة وليس له أن يتزوج الكبيرة
لان بمجرد العقد على الابنة تحرم الأم على التأبيد والعقد على الأم لا يحرم الابنة قبل الدخول
وإن كان قد دخل بالكبيرة لم يتزوج واحدة منهما قط لوجود العقد الصحيح على الابنة
والدخول بالأم ولو كان تحته صغيرتان وكبيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرتين واحدة بعد
أخرى ولم يكن دخل بالكبيرة فإنما تبين الكبيرة والصغيرة التي أرضعتها أولا لأنهما صارتا
أما وابنتين ولا تبين التي أرضعتها أخيرا لأنه حين أرضعتها لم يكن في نكاحه غيرها وإنما
وجد مجرد العقد على أمها ولو كانت أرضعتهما معا بن جميعا منه لأنها صارت اما وبنتين له أن
يتزوج الكبيرة وله أن يتزوج احدى الصغيرتين شاء ومن العلماء من يقول في هذه الفصول
له أن يتزوج الكبيرة أيضا ان شاء لأنه حين عقد على الصغيرتين لم تكن الكبيرة أما لها
والنص إنما أوجب حرمة أمهات النساء وبعد ثبوت الأمية بالرضاع لم يبق النكاح على
واحدة من الصغيرتين ولكنا نقول هذه الحرمة تثبت بسببين النكاح والأمية ولا فرق
بين أن تثبت الأمية أولا ثم النكاح أو النكاح ثم الأمية لان الحكم الثابت بعلة ذات
وصفين إنما ثبتت عند ثبوت الوصفين جميعا وقد وجدا سواء تقدم النكاح أو الأمية
299

ولو كان دخل بالكبيرة والمسألة بحالها بن جميعا منه سواء أرضعتهما معا أو على التعاقب اما
إذا أرضعتهما معا فغير مشكل وكذلك أن أرضعتهما على التعاقب لأنه حين أرضعت الثانية
فقد صارت ابنة للمرضعة وقد دخل هو بها ولو كان تحته ثلاث نسوة صغيرتان وكبيرة لم
يدخل بها فأرضعت الكبيرة الصغيرتين على التعاقب فإنما تقع الفرقة بينه وبين الكبيرة
والصغيرة الأولى والتي أرضعتها آخرا لا تبين منه لأنه ليس في نكاحه أختها فان الصغيرة
الأخرى لم ترضعها الكبيرة الا والأولى قد بانت فلهذا لا تقع الفرقة بينه وبين التي أرضعت
آخرا وان كانت أرضعتهما معا بن جميعا ولا تبين التي لم ترضع لأنه لم يوجد في حقها سبب
يوجب الفرقة وحكم الصداق والرجوع والحرمة على قياس ما بينا فيما سبق من الفرق بينهما
إذا كان دخل بالكبيرة أو لم يدخل وان كانت أرضعت الثلاث على التعاقب ولم يدخل
بالكبيرة بن جميعا لأنها حين أرضعت الأولى فقد صار أما وبنتا ثم بارضاع الثانية لا تقع
الفرقة بينه وبينها ولكن حين أرضعت الثالثة صارتا أختين فتقع الفرقة بينه وبينها أيضا وحكم
الصداق والرجوع كما بينا ولو كانت أرضعت اثنتين معا ثم الثالثة بانت الكبيرة والتي أرضعتها
معا ولا تبين الثالثة لأنه حين أرضعتها لم يكن في نكاحه غيرها ومجرد العقد على الأم
لا يحرمها قبل الدخول ولو أرضعت احدى الصغار على الانفراد ثم الاخرتين معا فقد صارتا
أختين ولو كان تحته صغيرة وثلاث نسوة كبار ولم يدخل بهن فأرضعت احدى الكبار
الصغيرة بانتا لأنهما صارتا أما وبنتا والباقيتان تحته على حالهما فان أرضعتهما احدى الباقيتين
أيضا بانت هي منه لأنها صارت أم الصغيرة وقد كانت الصغيرة في نكاحه ومجرد العقد على
الابنة يحرم الأم على التأييد فان أرضعتها الكبيرة الثالثة بانت هي أيضا لما بينا وله أن يتزوج
الصغيرة وليس له أن يتزوج واحدة من المرضعات بحال ولو كان دخل بالكبار لم يكن له أن
يتزوج الصغيرة أيضا لوجود الدخول بالأم * ولو كان تحته صغيرة وكبيرة وطلق الكبيرة قبل
الدخول ثم جاءت فأرضعت الصغيرة فنكاح الصغيرة على حاله لأنهما حين صارتا أما وبنتا
فليست الأم في نكاحه ومجرد العقد عليها لا يوجب حرمة الابنة ولو كان دخول بالكبيرة
حرمت الصغيرة سواء أرضعتها قبل انقضاء العدة أو بعده لوجود الدخول بالأم ولو كان
طلق الصغيرة دون الكبيرة ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة بانت الكبيرة دخل بها أو لم يدخل
بها لان الصغيرة قد كانت في نكاحه والعقد على الابنة يحرم الأم ولو كان طلقهما جميعا ثم
300

أرضعت الكبيرة الصغيرة فإن كان دخل بالكبيرة فليس له أن يتزوج واحدة منهما بحال
وان كأن لم يدخل بها فله أن يتزوج الصغيرة وليس له أن يتزوج الكبيرة لان مجرد العقد
على الأم لا يحرم الابنة * ولو أن امرأة جاءت إلى رجل فأرضعت ولده الصغير كان له أن
يتزوجها لأنها أم ولده وأم ولده ليست من المحرمات عليه وكذلك لو أرضعت خالته الصغيرة
أو عمته الصغيرة أو ابنة ابنه وهي صغيرة فالجواب في الكل سواء لما بينا ولو أرضعت أمه
جارية لها اخوة وأخوات كان له أو يتزوج أخوات تلك الجارية لان التي أرضعتها الأم أخته
من الرضاعة ولا سبب بينه وبين أخواتها وإذا كان يجوز للرجل أن يتزوج أخت أخيه من
النسب فكذلك أخت أخته من الرضاع وبيانه انه إذا كان للرجل أخ لأب وأخت لام
يجوز لأخيه لأبيه أن يتزوج أخت أخيه لامه * ولو أن امرأتين لإحداهما بنون وللأخرى
بنات فأرضعت التي لها البنات ابنا من بنى الأخرى فإنما تحرم بناتها على ذلك الابن بعينه لأنه
صار أخا لهن من الرضاعة ولا يحرم أحد من بناتها على سائر بنى المرأة الأخرى لأنه لم يوجد
بينهم الاخوة من الرضاعة حيث لم يجتمعوا على ثدي واحد ولو كانت المرأة التي لها البنون
أرضعت احدى بنات الأخرى حرمت تلك الابنة علي بنى المرضعة وغيرها من بناتها يحل
علي المرضعة ولو كانت أم البنات أضعت أحد البنين وأم البنين أرضعت احدى البنات لم
يكن للابن المرتضع من أم البنات أن يتزوج واحدة منهن وكأن لاخوته ان يتزوجوا بنات
الأخرى الا الابنة التي أرضعتها أمهم وحدها لأنها أختهم من الرضاعة * قال ولو أن رجلا
اشترى ثلاث أخوات متفرقات كان له أن يطأ الأخت من الأب والأخت من الأم لان
كل واحدة من هاتين أجنبية من الأخرى فإن كان وطئ الأخت من الأب والأم لم يكن
له أن يطأ واحدة من هاتين لأنه يصير جامعا بين الأختين وطأ بملك اليمين وذلك لا يحل
وان وطئ الأخت من الأب أولا والأخت من الأم لم يكن له أن يطأ الأخت من الأب
والأم لأنه يصير جامعا بين الأختين وطأ وكان له أن يطأ الأخرى لأنها أجنبية من التي
وطئها ولو كان كل واحدة منهن ابنة لاشتري البنات دون الأمهات فان له أن يطأهن
جميعا لان الجمع بين هؤلاء نكاحا حلال فكذلك الجمع بينهن وطأ بملك اليمين * ولو اشترى
البنات والأمهات كلهن كان له أن يطأ البنات وحدهن ان شاء فإن شاء أن يطأ من الأمهات
الأخت من الأب والأخت من الأم وان شاء الأخت من الأب والأم وحدها دون
301

الاخرتين وان أراد أن يطأ بعض الأمهات فله أن يطأ الأخت من الأب والأخت من
الأم وله أن يجمع بين الأخت من الأب وابنة الأخت من الأم وبين الأخت من الأم
وابنة الأخت من الأب على قياس الجمع بينهما نكاحا ولو وطئ الأخت من الأب والأم
لم يكن له أن يطأ بعده واحدة من الاخرتين ولا واحدة من البنات لأنه ان وطئ واحدة
من البنات فقد صار جامعا بين الأم والابنة أو بين المرأة وابنة الأخت وطأ بملك اليمين
وذلك حرام فإذا أخرج الأخت من الأب والأم من ملكه ببيع أو نكاح أو هبة كان
له أن يطأ الأختين من الأم والأخت من الأب وان شاء ابنة الأخت من الأب وابنة
الأخت من الأم وليس له أن يطأ ابنة الأخت من الأب والأم لأنه قد وطئ أمها فحرمت
هي على التأبيد وإن كان وطئ من البنات ابنة الأخت من الأب والأم لم يكن له أن
يطأ واحدة من الأمهات قبل أن يحرم الموطوأة على نفسه وكان له أن يطأ ابنة الأخت من
الأب وابنة الأخت من الأم لان الجمع بينهن نكاحا حلال فكذلك الجمع بينهن وطأ بملك
اليمين * وإذا تزوج امرأة فشهدت امرأة انها أرضعتهما فهذه المسألة على أربعة أوجه اما أن
يصدقها الزوجان أو يكذبانها أو يصدقها الزوج دون المرأة أو المرأة دون الزوج فان صدقاها
وقعت الفرقة بينهما لا بشهادتها بل بتصادق الزوجين على بطلان النكاح بينهما فإن كان
ذلك قبل الدخول بها فلا مهر لها ولا عدة عليها وإن كان قبل الدخول فلها مقدار مهر مثلها
من المسمى لأنها تصادقا على أنه دخل بما يشبه النكاح من غير عقد صحيح فبحسب
الأقل من المسمى ومن مهر المثل وعليها العدة وان كذباها في ذلك فهي امرأته على حالها
وقد بينا هذا في الاستحسان والنكاح وان شهادة المرأة الواحدة على الرضاع لا تتم حجة
الفرقة عندنا إلا أنه يستحب له من طريق التنزه أن يفارقها إذا وقع في قلبه انها صادقة
لقوله صلى الله عليه وسلم كيف وقد قبل فإن كان قبل الدخول طلقها وأعطاها نصف المهر
وإن كان بعد الدخول أعطاها كمال المسمى والأولى أن لا تأخذ منه شيئا قبل الدخول وبعد
الدخول لا تأخذ الزيادة على مهر مثلها بل تبرئ الزوج من ذلك وان صدقها الزوج وكذبتها
المرأة فإنه تقع الفرقة بينهما باقرار الزوج لأنها أقرت بحرمتها على نفسه وهو يملك أن يحرمها
على نفسه وعليه نصف المهر إن كان قبل الدخول وجميع المسمى إن كان بعد الدخول وان
صدقتها المرأة دون الزوج فهي امرأته على حالها لأنها أقرت بالحرمة وليس في يدها من
302

ذلك شئ إلا أنها إذا علمت صدقها في ذلك فإنه ينبغي لها أن لا تمكنه من نفسها ولكن
تفدي نفسها بمال فتختلع منه وان شهد رجلان أو رجل وامرأتان بالرضاع لم يسعهما ان يقيما
علي النكاح بعد ذلك لأنهما لو شهدا بذلك عند القاضي فرق بينهما وكذلك إذا شهدا به عند
النكاح ولا فرق في الفصلين بين أن تكون الشهادة بعد عقد النكاح أو قبله * قال ولو أن
رجلا له امرأة كبيرة وامرأة صغيرة ولابنه امرأة كبيرة وامرأة صغيرة فأرضعت امرأة
الأب امرأة الابن وأرضعت امرأة الابن امرأة الأب واللبن منهما فقد بانت الصغيرتان
من زوجيهما ولا تحل واحدة منهما للأب وللابن لان امرأة الأب لما أرضعت امرأة الابن
بلبن الأب فقد صارت امرأة الابن أخته لأبيه ولما أرضعت امرأة الابن بلبنه امرأة الأب
فقد صارت ابنة ابنه من الرضاعة ولكل واحدة من الصغيرتين نصف المهر على زوجها
ويرجع ذلك على المرضعة ان كانت تعمدت الفساد ونكاح الكبيرتين ثابت على حاله لان
بهذا الارضاع لم يوجد سبب الحرمة بين الكبيرتين وبين زوجيهما وإن كان مكان الابن
والأب اخوان فكذلك الجواب لان كل واحدة من الرضيعتين صارت بنت أخي روجها ولو
كان رجل وعمه مكان الأخوين بانت امرأة العم الصغيرة من زوجها لأنها صارته ابنة ابن
أخيه ونكاح امرأة ابن الأخ ثابت على حاله لأنها صارت ابنة عمه من الرضاعة * ولو كانا
رجلين غريبين لم تبن كل واحدة منهما من زوجها لان كل واحدة منهما صارت ابنة الزوج
الآخر من الرضاع وليس بين الزوجين قرابة ولو كان اللبن الذي أرضع به من النساء ليس
من الأزواج لم تثبت الحرمة في شئ من الفصول لما بينا والله أعلم بالصواب
باب نكاح الشبهة
(قال) ولو أن أخوين تزوجا أختين فأدخلت امرأة كل واحد منهما على أخيه فوطئها فعلى كل
واحد من الواطئين مهر مثل الموطوأة وعليها العدة ولا يطأ واحد منهما امرأته حتى تحيض
عنده ثلاثة حيض لان كل واحد منهما وطئ امرأة أخيه بشبهة وقضى علي رضي الله عنه
في الوطئ بالشبهة بسقوط الحد ووجوب مهر المثل على الواطئ والعدة على الموطوأة ثم العدة
من الوطئ بشبهة واضعف من النكاح الصحيح فلا تكون له رافعة فترد كل واحدة على
زوجها ولكن لا يطؤها لمعنيين أحدهما انها معتدة من غيره والثاني ان أختها في عدته فان
303

حاضت إحداهما ثلاث حيض دون الأخرى فليس لزوجها أن يطأها أيضا لان أختها في
عدته ولو ولدت كل واحدة منهما ولدا فان الولد يلزم الذي وطئ إذا جاءت به لستة أشهر أو
أكثر ما بينها وبين أربع سنين ما لم تقر بانقضاء العدة وهذا الجواب بناء على قول أبى يوسف ومحمد
رحمهم الله فاما عند أبي حنيفة فيثبت نسب ولدها من الزوج لان فراشه صحيح وفراش الواطئ
فاسد وأصل المسألة في كتاب الدعوة إذا نعى إلى المرأة زوجها فتزوجت بزوج آخر وولدت
منه ثم رجع الزوج الأول حيا ولو جاءت به لأقل من ستة أشهر وقد وطئها لم يثبت النسب
من الواطئ بالاتفاق لان هذا العلوق سبق وطأه وإنما يثبت النسب من الزوج لأنها علقت
به على فراشه ولو أن أحد الأخوين دخل بامرأة أخيه فوطئها والآخر أدخلت عليه فلم
يطأها فان الواطئ يغرم مهر مثل الموطوءة وترد على زوجها ولكن لا يطؤها زوجها حتى
تنقض عدتها من الواطئ ولا مهر على الآخر التي أدخلت عليه لأنه ليس بينه وبينها نكاح
وبمجرد الخلوة بالأجنبية لا يلزمه المهر لان الخلوة إنما تقام مقام الوطئ بعد صحة النكاح
لضرورة وجوب التسليم فترد على زوجها ولكن لا يدخل بها زوجها حتى تنقضي عدة الأخرى
لان أختها في عدته وكذلك لو كان وطئها فيما دون الفرج لم يجب عليه المهر لان الوطئ فيما
دون الفرج لا توجب الحد إذا تعرى عن التسمية ولا يوجب المهر ولا العدة عند تمكن
الشبهة أيضا قال وقد استحسن بعض العلماء إذا كان كل واحد منهما قط وطئ المرأة التي
أدخلت عليه أن يطلق امرأته التي لم يدخل بها ويغرم لها نصف المهر ويتزوج كل واحد منهما
الموطوأة فيغرم لها مهر مثلها بالدخول الأول والمهر بالنكاح وهذا الفصل منقول عن أبي
حنيفة رضي الله عنه وقد بينا حكاية هذه المسألة في كتاب الحبل فبهذا استدلوا على أن الكتاب
ليس من تصنيف محمد رضي الله عنه فإنه في تصنيفاته لا يستر قول أبي حنيفة رضي الله عنه
وقد ستره هنا بقوله وقد استحسن بعض العلماء ولو كان هذان الاخوان تزوجا أجنبيتين
فأدخلت كل واحدة منهما على زوج صاحبتها فهذا وما تقدم سواء الا في خصلة واحدة
إذا حاضت إحداهما ثلاث حيض دون الأخرى كان للزوج الذي حاضت امرأته أن يطأها
لان في المسألة الأولى إنما كأن لا يطؤها في هذا الفصل لان أختها في عدتها وهنا التي في
عدته أجنبية من زوجته فيكون له أن يطأ زوجته إذا انقضت عدتها من غيره * ولو أن أجنبيين
تزوجا أختين فأدخلت كل واحدة منهما على زوج أختها كان الجواب فيها مثل ابنة وأمها
304

أدخلت كل واحدة منهما على غير زوجها ودخل بها فان الذي دخل بالابنة بانت منه امرأته
لأنه وطئ ابنة امرأته وذلك يحرم أمها عليه على التأبيد وعليه للابنة مهر مثلها بدخوله بها
شبهة وللأم نصف المهر لأنها بانت منه قبل أن يدخل بها وأما الذي وطئ الأم فقد بانت
منه امرأته أيضا لأنه وطئ أم امرأته وذلك يحرمها عليه على التأبيد فيغرم للابنة نصف المهر
لوقوع الفرقة بينهما قبل الدخول من جهته ويغرم للأم مهر مثلها لوطئه إياها شبهة وليس
للذي وطئ الأم أن يتزوج واحدة منهما قط لان الابنة كانت في نكاحه بعقد صحيح وذلك
يحرم الأم عليه وقد وطئ الأم وذلك يحرم ابنتها عليه وأما الذي وطئ الابنة فله أن يتزوج
الابنة لان الأم كانت في نكاحه ولكن فارقها قبل الدخول ومجرد العقد على الأم لا يوجب
حرمة الابنة * ولو أن رجلا وابنه تزوجا امرأتين أجنبيتين فأدخلت كل واحدة منهما على
زوج صاحبتها فإن كان الابن هو الذي دخل بامرأة أبيه أو لا فإنه يغرم لها مهر المثل
بدخوله بها وتبين من الأب ولا يغرم لها الأب شيئا لان وطئ الابن إياها يحرمها على الأب
على التأبيد وإنما جاءت الفرقة من جهتها قبل الدخول حين طاوعت ابن زوجها فلهذا لا يكون لها
على الأب شئ ثم الأب يغرم لامرأة ابنه التي دخل بها مهرا بدخوله بها وتبين من الابن
لان أباه قد وطئها وذلك يحرمها عليه ولا يغرم الابن لامرأته شيئا لان الفرقة جاءت بسبب
من قبلها حين طاوعت أب الزوج وليس لواحد منهما أن يتزوج واحدة من المرأتين بحال لان
إحداهما موطوءة الأب والأخرى موطوءة الابن ولو كان الابن وطئ امرأة أبيه ولم يمس
الأب امرأة ابنه فان الابن يغرم للتي وطئها المهر بالدخول وترد عليه امرأته على النكاح الأول
لان أباه لم يمسها إنما خلا بها ومجرد الخلوة لا يوجب حرمة المصاهرة وأما التي وطئها الابن
فقد بانت من الأب ولا مهر لها على الأب وليس الواحد منهما ان يتزوجها لأنها كانت في
نكاح الأب فلا تحل للابن بحال وهي موطوءة الابن فلا تحل للأب بحال ولو كان الأب
هو الذي وطئ امرأة الابن ولم يطأ الابن امرأة الأب فالتي وطئ الأب يغرم لها مهر
مثلها وتبين من الابن ولا يغرم لها الابن شيئا ولا يكون لواحد منهما أن يتزوجها لأنها
كانت في نكاح الابن فلا يتزوجها الأب وقد وطئها الأب فلا يتزوجها الابن ويرد
امرأة الأب إليه بالنكاح الأول لان ابنه خلا بها فقط وذلك لا يوجب حرمة المصاهرة
* قال ولو أن رجلا تزوج امرأة وتزوج ابنه ابنتها فأدخلت امرأة الأب على الابن وامرأة
305

الابن علي الأب فهذه المسألة على ثلاثة أوجه اما أن يكون الابن هو الذي وطئ أولا أو
الأب أو كان الوطئ منهما معا فإن كان الابن هو الذي وطئ أولا فعليه للتي وطئها مهر
مثلها وتبين امرأته ولها عليه نصف المهر لان الابن وطئ أم امرأته وذلك يوجب الفرقة
وتبين امرأته بسبب من جهته فيكون لها عليه نصف المهر ثم يكون على الأب للتي وطئها
مهر مثلها ولا يغرم لامرأته شيئا لأنها قد بانت منه حين طاوعت الابن حتى وطئها فإنما
بانت بسبب من جهتها فإن كان الأب هو الذي وطئها أولا فإنه يغرم للتي وطئتها مهرها وتبين
منه امرأته لأنه وطئ ابنة امرأته ولها نصف المهر لان الفرقة كانت بسبب من جهته قبل
الدخول ثم الابن يغرم للتي وطئها مهر مثلها ولا يغرم لامرأته شيئا لأنها بانت منه حين
طاوعت الأب حتى وطئها فإنما جاءت الفرقة بسبب من جهتها قبل الدخول ولو كان الوطئ
منهما جميعا معا أو كأن لا يعلم أيهما أول فهو بمنزلة ما لو وطئا معا لان كلا الامرين ظهر ولا
يعرف التاريخ بينهما فيجعلا كأنهما وقعا معها ثم يغرم كل واحد منهما للتي وطئها مهر مثلها
ولا يكون لواحدة منهما على زوجها شئ فان السبب المسقط لصداق كل واحدة منهما قد
ظهر وهو مطاوعتها أب الزوج أو ابنه * يوضحه أن المسقط والموجب إذا اقترنا ترجح
المسقط باعتبار أن المسقط يرد على الموجب ولا يرد على المسقط ولان وقوع الفرقة قبل
الدخول مسقط لجميع الصداق في الأصل وإنما تركنا هذا الأصل فيما إذا كانت الفرقة من
جهة الزوج بالنص إذ تعارض السببين يمنع إضافة الفرقة إلى الزوج على الاطلاق فيجب
التمسك فيه بما هو الأصل ولا يكون لواحد منهما أن يتزوج واحدة من المرأتين لان
إحداهما موطوءة الأب والأخرى موطوءة الابن * ولو أن رجلين بينهما جارية جاءت
بولد فادعياه فهو ابنهما يرثهما ويرثانه ولا يكون لواحد منهما أن يطأ الجارية لأنها بقيت
مشتركة بينهما وصارت أم ولديهما ولا يحل لواحد من الشريكين وطئ الجارية المشتركة
ولا يغرم واحد منهما لصاحبه شيئا لان كل واحد منهما ألزم نصف العقر لصاحبه فيكون
أحدهما قصاصا بالآخر فان مات أحدهما عتقت الجارية وسعت في نصف قيمتها لأنها أم
ولد الآخر وهذا قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فأما عند أبي حنيفة رحمه الله فأم الولد
لا تسعى لمولاها في شئ وقد بينا هذا في العتاق ولو كان ادعى أحدهما الولد دون صاحبه
فإنه يثبت نسبه منه وتكون أم ولد له ويغرم لشريكه نصف عقرها ونصف قيمتها وهذا
306

ظاهر * ثم ذكر وطئ الأب جارية ابنه ووطئ الابن جارية أبيه ووطئ الرجل جارية أخيه
وغير ذلك من الأقارب فقد قدمنا هذه الفصول في كتاب النكاح والدعوى ولو أن رجلا
له أم ولد فزوجها من صبي ثم أعتقها فخيرت فاختارت نفسها ثم تزوجت زوجا آخر فأولدها
فجاءت إلى الصبي الذي كان زوجها فأرضعته فإنها تبين من زوجها لأنها حين أرضعت الصبي
صار ابنها من الرضاعة وابن زوجها أيضا لان لبنها منه وقد كانت امرأة هذا الرضيع
وامرأة الابن حرام على الأب على التأييد وقد قررنا أنه لا فرق بين أن تعترض البنوة على
النكاح وبين أن يعترض النكاح على البنوة فتبين من زوجها ولا تحل للغلام لأنها صارت
أمه من الرضاعة ويجوز لمولاها أن يتزوجها لان الابن لم يكن من مولاها ولو لم يكن من
زوجها الثاني ولكنها أرضعته من ابن مولاها الذي كان أعتقها فإنها لا تحرم على زوجها
ولا يحل لمولاها أن يتزوج بها قط لان الرضيع قد صار ابن المولى من الرضاعة وقد
كانت هي في نكاحه مرة ولم يصر ابن الزوج من الرضاعة حين لم يكن اللبن منه * قال ولو
أن رجلا له امرأتان إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة وللكبيرة لبن من غيره ولم يدخل بها
فأرضعت الكبيرة الصغيرة بانتا منه بغير طلاق لأنها صارتا اما وبنتا وذلك ينافي النكاح ابتداء
وبقاء والفرقة بمثل هذا السبب تكون بغير طلاق فان تزوج بعد ذلك الصغيرة كانت عنده
على ثلاث تطليقات وله ان يتزوجها لان مجرد العقد على الأم لا يحرم الابنة من النسب
فكيف يحرم الابنة من الرضاعة وهذا اللبن ليس منه لأنه لم يدخل بها ولا تصير الصغيرة
ابنته من الرضاعة وليس للكبيرة عليه من الصداق شئ لان الفرقة جاءت من قبلها حين
أرضعت الصغيرة وللصغيرة نصف الصداق لان الفرقة لم تكن من قبلها فان فعلها الارتضاع
وذلك لا يصلح لبناء الحكم عليه وفى اسقاط جميع الصداق إذا جاءت الفرقة من قبلها معنى
العقوبة من وجه فلا يثبت ذلك بفصل الصغيرة كما لا يثبت حرمان الميراث بقتل الصغيرة
ويستوى إذا كانت الكبيرة تعلم أن الصغيرة امرأة زوجها أو لا تعلم ذلك فيما بينا من الحكم
الا انها إذا كانت تعلم وقد تعمدت الفساد فإنه يرجع الزوج عليها بنصف مهر الصغيرة وهذا
إذا أقرت انها تعمدت الفساد وإن لم تتعمد الفساد أو لم تعلم أنها امرأته فلا شئ عليها وفيها قول
آخر انه يرجع عليها بنصف الصداق سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمده وقد بينا ان هذه الرواية
عن محمد وهو قول أبى يوسف واحد قولي الشافعي رحمه الله لان السب قد تقرر وإن لم يعلم به
307

الا انا نقول المسبب إذا لم يكن متعديا في التسبيب لا يكون ضامنا كحافر البئر في ملك نفسه
وان اختلفا فقال الزوج تعمدت الفساد وقالت المرأة ما تعمدت ذلك فالقول قولها لان الزوج
يدعى عليها الضمان وهي منكرة ولو كانت الكبيرة مصابة فأرضعت الصغيرة في جنونها بانتا منه
ولكل واحدة منهما نصف الصداق لأنه كما لا يعتبر فعل الصغيرة فيما فيه معنى العقوبة لا يعتبر
فعل المجنونة ولا يرجع الزوج على الكبيرة لأنها غير متعدية في السبب لكونها مصابة وكذلك
لو جاءت الصغيرة إلى الكبيرة وهي نائمة فارتضعت من ثديها كان لكل واحدة منهما نصف
الصداق لأنه لم يوجد من الكبيرة فعل في الفرقة ولا معتبر بفعل الصغيرة * ولو أن رجلا
جاء وأخذ من لبن الكبيرة في مسعط فأوجر به الصغيرة ولا يعلم الكبيرة أي شئ يريد فإنهما
يبينان منه وعلى الزوج نصف الصداق لكل واحدة منهما * فان أقر الرجل أنه أراد الفساد
رجع الزوج بجميع ما غرم لهما لكونه متعديا في التسبب وان قال لم أتعمد الفساد فالقول قوله
ولا يرجع عليه الزوج بشئ في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وفى القول الآخر يرجع وهذا
يبين لك أن القول الآخر قول محمد رحمه الله * وإن كان الزوج هو الذي فعل ذلك يعنى الايجار
بانتا منه وعليه نصف الصداق لكل واحدة منهما ولا رجوع له على أحد لان الفرقة إنما وقعت
بسبب من جهته قبل الدخول * ولو أن رجلا تحته امرأة تصاب في بعض الأيام فتجن وتفيق فدعت
ابن زوجها إلى أن يفجر بها في حال جنونها ففعل بانت من زوجها وكان عليه نصف الصداق
لان تمكينها في حال جنونها غير معتبر في اسقاط الصداق وكذلك لو تزوج امرأة لم تبلغ ومثلها
يجامع فدعت ابن زوجها إلى أن يأتيها ففعل بانت وكان عليه نصف الصداق لان فعل
الصغيرة غير معتبر فيما فيه معنى العقوبة قال فان أقر الابن الذي أمر أنه أراد الفساد يرجع
الزوج عليه بنصف الصداق الذي يلزم للصغيرة في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وفى قوله
الآخر يرجع به عليه أراد الفساد أو لم يرد ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول هذا التقسيم في
الارضاع صحيح فان المرضعة قد تكون محسنة في الارضاع بان تخاف علي الصبي الهلاك فاما
في الزنا لا يتحقق هذا التقسيم فان الزنا فساد كله ليس فيه من معني الصلاح شئ حتى يقال
أراد الزاني الفساد أو لم يرد ولكنا نقول ما ذكره صحيح لان الزنا فساد من حيث إنه كبيرة
ولكن قد يكون مفسدا للنكاح وقد لا يكون فإنما أراد بهذا أنه إذا تعمد فساد النكاح يرجع
الزوج عليه بنصف الصداق وإذا لم يتعمد ذلك بأن لم يعلم أنها امرأة أبيه لم يرجع الأب عليه
308

بشئ وهذا كما يقال إن من زنا في رمضان ناسيا لصومه فهو مرتكب للكبيرة مستوجب
للعقوبة ولكن لا يفسد به صومه لأنه لم يكن عالما بالصوم ولا قاصدا إلى الجناية عليه وقد
روى عن أبي يوسف رحمه الله في الأمالي أن الابن إذا زنا بامرأة أبيه قبل الدخول وقد تعمد
الفساد بان أكرهها على ذلك لم يرجع الأب علي الابن بما يغرم لها من نصف الصداق وإذا
قبلها وهي نائمة أو مكرهة رجع الأب عليه بما غرم من نصف الصداق لأنه إذا زنا بها فعليه
الحد والحد والمهر لا يجتمعان فلا يغرم شيئا من المهر وإذا قبلها لم يلزمه الحد فيكون للأب
ان يرجع عليه بنصف المهر ولكن هذا ضعيف فان المهر لا يجب لها مع وجوب الحد على الواطئ
وهنا نصف المهر على الواطئ إنما يجب للأب ومثل هذا يجتمع مع الحد لفقه وهو ان المهر لها
لا يجب الا بالوطئ وقد وجب الحد بالوطئ فلا يجب المهر وأما حق الرجوع للأب على
الواطئ فيثبت بالتقبيل والمس من غير وطئ فهناك ان الحد وجب عليه بالوطي فيمكن اثبات
الرجوع له عليه باعتبار فعل آخر وهو التقبيل أو المس فاستقام الجمع بينهما والله أعلم بالصواب
* * * نحمدك يا من جعلت الشريعة الغراء كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء * ونصلي ونسلم
على نهاية خلاصة الأصفياء * وذخيرة نخبة العظماء من الأنبياء سيدنا محمد الصادق الأمين. القائل
من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. وعلى آله وأصحابه الذين نجموا في جبهة الدنيا بدور هدى
وكانوا رضوان الله عليهم خير قدوة لمن اقتدى * وعلى التابعين من الأئمة المرشدين القائمين
بعهده * الراشدين برشده * وبعد فان من المقرر عند ذوي البصائر * ان ظهور الانسان بمظهر
الشرف في الدارين * ونيله درجات الكمال في الكونين. اما هو بتحلية الظاهر بالأعمال الصالحة
الدينية بعد تزكية الباطن بالعقائد اليقينية. فالعلم المتكفل من بين العلوم ببيان الأولى
لا ريب يكون بالاشتغال أولى وهو علم الفقه الذي اعتنى بشأنه في كل عصر عصابة هم أهل
الإصابة. فبينوا المعقول فيه والمنقول واستخرجوا أغصان الفروع من شعب الأصول
وأبرزوا حقائقه بعد أن أحرزوا دقائقه وقنصوا شواره ونظموا قلائده وذللوا مصاعبه
وقربوا مطالبه وألفوا فأجادوا وصنفوا فأفادوا وأسنى ما ألف فيه وأبدعه وأعذبه موردا
وأحكمه وأجمعه (كتاب المبسوط) في فقه المذهب الامام الأعظم أبي حنيفة النعمان أنزل الله
عليه غيث الرحمة وشآبيب الرضوان تصنيف العلم التحرير ذي الاتقان والتحرير والحجة
309

لمن بعده والبرهان الذي يوقف عنده شمس الأئمة وحبر الأمة أبى بكر محمد بن أبي سهل
السرخسي رحمه الله وجعل دار النعيم مثواه * كتاب يعلم الله انه جمع فأوعى. وأحاط بالنوادر
والأشباه والنظائر جنسا ونوعا. واستخرج من بحار كتب ظاهر الرواية درها وقرب
للمجتني أزهارها وأثمارها وأبرز دقائقها وكنوزها وحل غوامضها ورموزها ونظمها في
سموط أبواب كتابه أبدع نظام وأدرجها في ادراج فصوله مع حسن انسجام * وبالجملة فهذا
هو الكتاب الذي بظهوره في عالم المطبوعات سدت فرجة واسعة في مؤلفات فقه
الامام الأعظم أبي حنيفة النعمان فان جميع الكتب المؤلفة في مذهبه هي منه بمنزلة الفروع
وهو الأصل. والأبعاض وهو الكل. والجداول وهو البحر الزاخر. وذلك أن هاتيك
الكتب إذا وردت فيها مسائل تستعصى على الفهم. وتختلف فيها أقوال العلماء. وآراء الفقهاء
أحالوا الحكم فيها على كتاب (المبسوط) على أن الحصول كان عليه عسيرا. وكم طرق فقهاء هذا
المذهب أبواب المكاتب. وطالما نقبوا عنه في أدراج الكتبخانات فما عثروا عليه ولا اهتدوا
إليه. وما أحوج علماء الفقه إلى كتب تجمع أقوال الأئمة الكبار. يكون الرجوع إليها والاعتماد
عليها. وكتاب (المبسوط) جمع كل المسائل التي دونها الامام الأعظم ومحمد وأبو يوسف وزفر
والإمام الحسن البصري وأعلام المذهب الذين يعبأ بكلامهم فلله در هذا الكتاب ولله براعة
عباراته ولطافة إشاراته. وتنبيهاته النافعة. وتنويراته الساطعة. الشاهدة له بعلو درجته. وزيادة
مزيته. ولمؤلفه بسعة اطلاعه وطول باعه. وطالما تشوق العلماء. إلى بزوغ بدره. وتشوف
الفقهاء إلى ترشف ثغره. وبقيت النفوس متطلعة إلى طلعة بدره الكاملة. والانظار متوجهة
إلى تخلصه من حجبه الحائلة حتى وفق الله له صاحب الاعمال المشكورة. والهمة العلية
المشهورة (حضرة المحترم الحاج محمد أفندي الساسي المغربي) فاخذ حفظه الله في أسباب
تسهيله باذلا همته في طبعه لعموم نفعه وقسمه إلى ثلاثين جزأ وكلها بحمد الله تمت طبعا مع كمال
التصحيح والتحرير والتنقيح بمباشرة عصابة أولي نجابة. وبراعة وإصابة. فبذل كل منهم جهده
بقدر مالديه. هذا وكان طبعه الناضر ووضعه الباهر. بمطبعة السعادة. الثابت مركزها
بجوار محافظة مصر إدارة مهذب الطبع ذي القدر الجليل. حضرة المحترم محمد أفندي إسماعيل
منحه الله من الثواب الجزيل. وكان لطبعه الختام ولبسه وشاح التمام في شعبان من عام
1331 هجرية علي صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام آمين
310