الكتاب: حاشية رد المحتار
المؤلف: ابن عابدين
الجزء: ٦
الوفاة: ١٢٥٢
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق: إشراف : مكتب البحوث والدراسات
الطبعة: جديدة منقحة مصححة
سنة الطبع: ١٤١٥ - ١٩٩٥ م
المطبعة:
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: المكتبة التجارية - مصطفى أحمد الباز

حاشية
رد المحتار
على
الدر المختار شرح تنوير الابصار
في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان
لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بابن عابدين
ويليه
تكملة ابن عابدين لنجل المؤلف
طبعة جديدة منقحة مصححة
إشراف
مكتب البحوث والدراسات
الجزء السادس
دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع
1

جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر
1415 ه‍ / 1995 م
دار الفكر بيروت - لبنان
دار الفكر: حارة حريك - شارع عبد النور - برقيا: فاكس - تلكس: 41391 فكر
ص. أأدخل 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962
فاكس: 2124187875 - 001
2

كتاب الشهادات
قوله: (كإطلاق اليمين) فإن حقيقة اليمين عقد يتقوى به عزم الحالف على الفعل أو الترك في
المستقبل. والغموس: الحلف على ماضي كذبا عمدا. قوله: (وخاف) أي الشاهد، وقوله: فوته أي
الحق. قوله: (بلا طلب) نظر فيه المقدسي بأن الواجب في هذا إعلام المدعي بما يشهد فإن طلب
وجب عليه أن يشهد وإلا لا، إذ يحتمل أنه ترك حقه ط. قوله: (شرائط مكانها واحد) أي مجلس
القضاء. منح. قوله: (العقل الكامل وقت التحمل) المراد ما يشمل التمييز بدليل ما سيأتي في الباب الآتي. قوله: (عشرة عامة) أي في جميع أنواع الشهادة، أما العامة فهي الحرية والبصر والنطق
والعدالة، لكن هي شرط وجوب القبول على القاضي لا شرط جوازه، وأن لا يكون محدودا في
قذف، وأن لا يجر الشاهد إلى نفسه مغنما ولا يدفع عن نفسه مغرما، فلا تقبل شهادة الفرع لاصله
وعكسه، وأحد الزوجين للآخر، وأن لا يكون خصما، فلا تقبل شهادة الوصي لليتيم والوكيل
لموكله، وأن يكون عالما بالمشهود به وقت الأداء ذاكرا له، ولا يجوز اعتماده على خطه خلافا لهما.
وأما ما يخص بعضها: فالاسلام إن كان المشهود عليه مسلما والذكورة في الشهادة في الحد
والقصاص، وتقدم الدعوى فيما كان من حقوق العباد وموافقتها للدعوى، فإن خالفتها لم تقبل، إلا
إذا وفق المدعي عند إمكانه، وقيام الرائحة بالشهادة على شرب الخمر ولم يكن سكران لا لبعد مسافة (1)
والأصالة في الشهادة في الحدود والقصاص، وتعذر حضور الأصل في الشهادة على الشهادة، كذا في
البحر. لكنه ذكر أولا أن شرائط الشهادة نوعان: ما هو شرط تحملها، وما هو شرط أدائها؟ فالأول
ثلاثة وقد ذكرها الشارح. والثاني أربعة أنواع: ما يرجع إلى الشاهد، وما يرجع

(1) قوله: (ولم يكن سكران لا لبعد مسافة) هكذا في النسخة المجموع منها ولا يخلو عن تأمل فليحرر ا ه‍. مصححه.
3

إلى الشهادة وما يرجع إلى مكانها، وما يرجع إلى المشهود به، وذكر أن ما يرجع إلى الشاهد السبعة عشر العامة والخاصة.
وما يرجع إلى الشهادة: لفظ الشهادة، والعدد في الشهادة بما يطلع عليه الرجل، واتفاق
الشاهدين. وما يرجع إلى مكانها واحد وهو مجلس القضاء، وما يرجع إلى المشهود به علم من السبعة
الخاصة.
ثم قال: فالحاصل أن شرائطها إحدى وعشرون، فشرائط التحمل ثلاثة وشرائط الأداء سبعة
عشر: منها عشرة شرائط عامة، ومنها سبعة شرائط خاصة: وشرائط نفس الشهادة ثلاثة، وشرائط
مكانها واحد ا ه‍. ومقتضاه أن شرائط الأداء نوعان لا أربعة كما ذكر أولا، والصواب أن يقول، إنها
أربعة وعشرون، ثلاثة منها شرائط التحمل، وإحدى وعشرون شرائط الأداء، منها سبعة عشر شرائط
الشاهد وهي عشرة عامة وسبعة خاصة، ومنها ثلاث شرائط لنفس الشهادة، ومنها واحد شرط
مكانها، وبهذا يظهر لك ما في كلام الشارح أيضا. قوله: (أشهد) فلو قال شهدت لا يجوز، لان
الماضي موضوع للاخبار عما وقع فيكون غير مخير في الحال س. قوله: (لتضمنه) أي باعتبار
الاشتقاق. قوله: (معنى مشاهدة) وهي الاطلاع على الشئ عيانا. قوله: (وقسم) لأنه قد استعمل في
القسم نحو أشهد بالله لقد كان كذا: أي أقسم س. قوله: (للحال) ولا يجوز شهدت لان الماضي
موضوع للاخبار عما وقع. قوله: (فتعين الخ) فلذا اقتصر عليه احتياطا واتباعا للمأثور، ولا يخلو عن
معنى التعبد إذ لم ينقل غيره ولا كما بسطه في البحر. قوله: (حتى لو زاد فيما أعلم الخ) فلو قال
أشهد بكذا فيما أعلم له تقبل كما لو قال في ظني، بخلاف ما لو قال أشهد بكذا قد علمت، ولو قال
لا حق لي قبل فلان فيما أعلم لا يصح الابراء، ولو قال لفلان علي ألف درهم فيما أعلم لا يصح
الاقرار، ولو قال المعدل هو عدل فيما أعلم لا يكون تعديلا. بحر. قوله: (ثلاث) خوف ريبة ورجاء
صلح أقارب وإذا استمهل المدعي س. قوله: (قدمناها) أي قبيل باب التحكيم ح. قوله: (إن لم ير
الوجوب) نقله في أول قضاء البحر عن شرح الكنز لباكير. قوله: (وأطلق الكافيجي) أي في رسالته
(سيف القضاة على البغاة) حيث قال، حتى لو أخر الحكم بلا عذر عمدا قالوا إنه يكفر. قوله: (كما
مر) هو قوله: أو خوف فوت حقه. قوله: (وقرب مكانه) فإن كان بعيدا لا يمكنه أن يغدو إلى
القاضي لأداء الشهادة ويرجع إلى أهله في يومه ذلك قالوا يأثم بحيث لأنه يلحقه ضرر بذلك
4

، قال تعالى: * (لا يضار كاتب ولا شهيد) * (البقرة: 282) بحر. قوله: (إن لم يوجد بدله) هذا هو
خامس الشروط. أما الاثنان الباقيان فهما أن لا يعلم بطلان المشهود به، وأن لا يعلم أن المقر
أقر خوفا ح. قوله: (أخذ الأجرة) لينظر مع ما تقدم من قوله: كل ما يجب على القاضي
والمفتي لا يحل لهما أخذ الأجر به وليس خاصا بهما بدليل ما ذكروه من أن غاسل الأموات إذا
تعين لا يحل له أخذ الأجر، فتأمل. قوله: (بلا عذر) بأن كان لهم قوة المشي أو مال يستكرون
به الدواب. قوله: (وبه) أي بالعذر كذا في الهامش. قوله: (مطلقا) أي سواء صنعه لأجلهم أو
لا، ومنعه محمد مطلقا، وبعضهم فصل. قوله: (أربعة عشر) قدمناها في الوقف ح. قوله:
(حسبة) متعلق بالجرح لا بالشاهد ح قال في الأشباه: تقبل شهادة الحسبة بلا دعوى في طلاق
المرأة وعتق الأمة والوقف وهلال رمضان وغيره، إلا هلال الفطر والأضحى والحدود إلا حد
القذف والسرقة. واختلفوا في قبولها بلا دعوى في النسب كما في الظهيرية من النسب، وجزم
بالقبول ابن وهبان في تدبير الأمة وحرمة (1) والخلع والايلاء والظهار، ولا تقبل في عتق العبد
بدون دعوى عنده خلافا لهما.
واختلفوا على قوله في الحرية الأصلية والمعتمد لا ا ه‍. وفي الظهيرية، إذا شهد اثنان على امرأة
أن زوجها طلقها ثلاثا أو على عتق أمة وقالا كان ذلك في العام الماضي جازت شهادتهما، وتأخيرهما لا
يوهن شهادتهما. قيل وينبغي أن يكون ذلك وهنا في شهادتهما إذا علما أنه يمسكها إمساك الزوجات
والإماء لان الدعوى ليست شرطا لقبول هذه الشهادة، فإذا أخروها صاروا فسقة ا ه‍. كذا في
الهامش.
فرع: في المجتبى عن الفضلي: تحمل الشهادة فرض على الكفاية كأدائها وإلا لضاعت الحقوق،
وعلى هذا الكاتب، إلا أنه يجوز له أخذ الأجرة على الكتابة دون الشهادة فيمن تعينت عليه بإجماع
الفقهاء، وكذا من لم تتعين عليه عندنا وهو قول للشافعي، وفي قول: يجوز لعدم تعينه عليه ا ه‍ شلبي
اه‍ ط. قوله: (ثمانية عشر) أي بزيادة عتق العبد وتدبيره والرضاع والجرح. وأما طلاق المرأة وعتق
الأمة وتدبيرها فمن الأربعة عشر ح. قوله: (إلا في الوقف) يعني إذا ادعى الموقوف عليه أصل الوقف

(1) قوله: (وحرمة) هكذا في النسخة المجموع منها، ولعل المضاف إليه المصاهرة وليحرر ا ه‍. مصححه.
5

تسمع عند البعض، والمفتى به عدم سماعها إلا بتولية كما تقدم في الوقف ح. قوله: (والأولى أن يقول الخ) فيه إشارة إلى أن
المراد ستر أسباب الحدود. منهوات ابن كمال. قوله: (ونصابها) لم يقل
وشرطها: أي كما قال في الكنز لما سيأتي أن المرأة ليست بشرط في الولادة وأختيها. ابن كمال.
قوله: (أربعة رجال) فلا تقبل شهادة النساء. قوله: (ابن زوجها) أي إذا كان الأب مدعيا. قال في
البحر: اعلم أنه يجوز أن يكون من الأربعة ابن زوجها.
وحاصل ما ذكره في المحيط البرهاني: أن الرجل إذا كان له امرأتان ولإحداهما خمس بنين فشهد
أربعة منهم على أخيهم أنه زنى بامرأة أبيهم تقبل، إلا إذا كان الأب مدعيا أو كانت أمهم حية اه‍.
قوله: (فأعتقه) أي حكم بعتقه. قوله: (لو وارثه) بأن لم يكن له وارث غيره وإلا لوارثه. قوله:
(والقود) شمل القود في النفس والعضو، وقيد به لما في الخانية: ولو شهد رجل وامرأتان بقتل الخطأ
أو بقتل يوجب القصاص تقبل شهادتهم، وقوله: بخلاف الأنثى أي فإنه يقبل على إسلامها بشهادة
رجل وامرأتين، بل في المقدسي: لو شهد نصرانيان على نصرانية: أي أنها أسلمت جاز وتجبر على
الاسلام.
قلت: وينبغي في النصراني كذلك فيجبر ولا تقبل، ورأيته في الولوالجية انتهى سائحاني. وانظر
لم لم يقل كذلك في شهادة رجل وامرأتين على إسلامه لكنه يعلم بالأولى، وصرح به في البحر عن
المحيط عند قوله والذمي على مثله، وانظر ما مر في باب المرتد عن الدرر. قوله: (ومنه) أي من القود
ح. قوله: (لقتله) أي إن أصر على كفره. قوله: (بخلاف الأنثى) فإنها لا تقبل، فتقبل شهادة رجل
وامرأتين فلذا قيد بذكر. قوله: (رجلان) في البحر: لو قضى بشهادة رجل وامرأتين في الحدود
والقصاص وهو يراه أو لا يراه ثم رفع إلى قاض آخر أمضاه.
وفي الخانية: رجل قال إن شربت الخمر فمملوكي حر فشهد رجل وامرأتان أنه شربه عتق العبد
ولا يحد السيد، وعلى قياس هذا إن سرقت، والفتوى على قول أبي يوسف فيهما، كذا في الهامش.
قوله: (إلا المعلق فيقع) يعني ما علق على شئ مما يوجب الحد أو القود لا يشترط فيه رجلان بل يثبت
برجل وامرأتين، وإن كان المعلق عليه لا يثبت بذلك. قاله في البحر. قوله: (كما مر) أي قريبا.
قوله: (وللولادة) لم يذكرها في الاصلاح. قال: لان شهادة امرأة واحدة على الولادة إنما تكفي
عندهما، خلافا له على ما مر في باب ثبوت النسب، وأما شهادتهما على الاستهلال فتقبل بالاجماع في
حق الصلاة، إنما قلنا في حق الصلاة لان في حق الإرث لا تقبل عنده خلافا لهما ا ه‍. قوله:
(عندهما) قيد للإرث، وأما في حق الصلاة فتقبل اتفاقا كما في المنح. قوله: (وعيوب النساء) أي كما
6

لو اشترى جارية فادعى أن بها قرنا أو رتقا، لكن ذكر في المنح في باب خيار العيب عند قوله ادعى
إباقا: أن ما لا يعرفه إلا النساء يقبل في قيامه للحال قول امرأة ثقة، ثم إن كان بعد القبض لا يرد
بقولها، بل لا بد من تحليف البائع، وإن كان قبله فكذلك عند محمد. وعند أبي يوسف: يرد بقولهن
بلا يمين البائع ا ه‍.
وفي الفتح قبيل باب خيار الرؤية: أن الأصل أن القول لمن تمسك بالأصل. وأن شهادة النساء
بانفرادهن فيما لا يطلع عليه الرجال حجة إذا تأيدت بمؤيد، وإلا تعتبر لتوجه الخصومة لا لالزام
الخصم. ثم ذكر أنه لو اشترى جارية على أنها بكر ثم اختلفا قبل القبض أو بعده في بكارتها يريها
القاضي النساء، فإن قلن بكر لزم المشتري لان شهادتهن تأيدت بأن الأصل البكارة، وإن قلن ثيب لم
يثبت حق الفسخ بشهادتهن لأنها حجة قوية لم تتأيد بمؤيد، لكن تثبت حق الفسخ بشهادتهن لأنها حجة قوية لم تتأيد بمؤيد، لكن تثبت الخصومة ليتوجه اليمين على
البائع فيحلف بالله لقد سلمتها بحكم البيع وهي بكر، فإن نكل ردت عليه، وإلا فلا اه‍
ملخصا. قوله: (رجل واحد) قال في المنح: وأشار بقوله: فيما لا يطلع عليه الرجال إلى أن الرجل لو شهد
لا تقبل شهادته، وهو محمول على ما إذا قال تعمدت النظر. أما إذا شهد بالولادة فاجأتها فاتفق نظري
عليها تقبل شهادته إذا كان عدلا كما في المبسوط اه‍. قوله: (لغيرها) أي لغير الحدود والقصاص
وما لا يطلع عليها الرجال. منح. فشمل القتل خطأ والقتل الذي لا قصاص فيه لان موجبه المال،
وكذا تقبل فيه الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي. رملي عن الخانية، وتمامه فيه. قوله: (ولو للإرث)
في بعض النسخ لو بلا واو، والظاهر حذفها. تأمل. وقوله: للإرث أي عند الامام. قال في
المنح: والعتاق والنسب. قوله: (في حوادث الخ) مكرر مع تقدم. قوله: (فتذكر إحداهما الأخرى)
حكى أن أم بشر شهدت عند الحاكم فقال الحاكم فرقوا بينهما فقالت ليس لك ذلك، قال الله تعالى: *
(أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) * (البقرة: 282) فسكت الحاكم، كذا في الملتقط. بحر.
قوله: (وتوابعها) كالأجل وشرط الخيار. قوله: (لفظ أشهد) قال في اليعقوبية: والعراقيون لا
يشترطون لفظ الشهادة في شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال فيجعلونها من باب الاخبار لا
من باب الشهادة. والصحيح ما في الكتاب لأنه من باب الشهادة ولهذا شرط فيه شرائط الشهادة
من الحرية ومجلس الحكم وغيرها ا ه‍. قوله: (لوجوبه) أي لوجوب القضاء على القاضي. (منح).
قوله: (العدل) قال في الذخيرة. وأحسن ما قيل في تفسير العدالة: أن يكون مجتنبا للكبائر، ولا
7

يكون مصرا على الصغائر، ويكون صلاحه أكثر من فساده وصوابه أكير من خطئه اه‍ فقال.
قوله: (لا لصحته) أي لصحة القاضي (1) يعني نفاذه. منح. قوله: (بشهادة فاسق نفذ) قال في
جامع الفتاوى: وأما شهادة الفاسق، فإن تحرى القاضي الصدق في شهادته تقبل، وإلا فلا اه‍
فقال، وفي الفتاوى القاعدية: هذا إذا غلب على ظنه صدقه وهو مما يحفظ. درر أول كتاب
القضاء. وظاهر قوله وهو مما يحفظ اعتماده اه‍. قوله: (بحر) الذي في البحر أنه رواية عن
الثاني. قوله: (النص) وهو قوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * (الطلاق: 2) وأجبنا عنه
أول القضاء. قوله: (يحتاج الشاهد الخ).
فرع: في البزازية: كتب شهادته فقرأها بعضهم فقال الشاهد أشهد أن لهذا المدعي على هذا
المدعى عليه كل ما سمى ووصف في هذا الكتاب، أو قال هذا المدعي الذي قرئ ووصف في هذا
الكتاب في يد هذا المدعى عليه بغير حق وعليه تسليمه إلى هذا المدعي يقبل، لان الحاجة تدعو إليه
لطول الشهادة ولعجز الشاهد عن البيان ا ه‍. قوله: (أو بلقبه) وكذا بصفته، كما أفتى به في الحامدية
فيمن يشهد أن المرأة التي قتلت في سوق كذا يوم كذا في وقت كذا قتلها فلان تقبل بلا بيان اسمها
وأبيها حيث كانت معروفة لم يشاركها في ذلك غيرها. قوله: (جامع الفصولين) أي في الفصل
التاسع. قوله: (يسأل) أي وجوبا وليس بشرط للصحة عندهما كما أوضحه في البحر. وفيه: ومحل
السؤال عن قولها عند جهل القاضي بحالهم، ولذا قال في الملتقط: القاضي إذا عرف الشهود بجرح
أو عدالة لا يسأل عنهم ا ه‍. قوله: (به يفتى) مرتبط بقوله وعندهما يسأل في الكل.
قال في البحر: والحاصل أنه إن طعن الخصم سأل عنه في الكل وإلا سأل في الحدود
والقصاص، وفي غيرها محل الاختلاف. وقيل هذا اختلاف عصر وزمان، والفتوى على قولهما
في هذا الزمان، كذا في الهداية انتهى. فكان ينبغي للمصنف أن يقدمه على قوله: سرا وعلنا لئلا يوهم
خلاف المراد فإنه سينقل أن الفتوى الاكتفاء بالسر، وجزم به ابن الكمال في متنه. وذكر في البحر أن

(1) قوله: (اي لصحة القاضي) هكذا في الأصل، ولعل الأصوب لصحة القضاء تأمل ا ه‍. مصححه.
8

ما في الكنز خلاف المفتى به،
وبه ظهر أن ما يفعل في زماننا من الاكتفاء بالعلانية خلاف المفتى به، بل في البحر لا بد من تقديم تزكية السر على العلانية، لما في الملتقط عن أبي يوسف: لا أقبل تزكية
العلانية حتى يزكى في السر اه‍ فتنبه. قوله: (الرابع) والامام في القرن الثالث الذي شهد له رسول الله
(ص) بالخيرية. قوله: (هو عدل) أي وجائز الشهادة. قال في الكافي: ثم قيل لا بد أن يقول المعدل هو
عدل جائز الشهادة، إذ العبد والمحدود في القذف إذا تاب قد يعدل. والأصح أن يكتفي بقوله هو
عدل لثبوت الحرية بالدر، كذا في الهامش، لكن في البحر: واختار السرخسي أنه لا يكتفي بقوله هو
عدل، لان المحدود في قذف بعد التوبة عدل غير جائز الشهادة، وينبغي ترجيحه اه‍. وفي الهامش
قوله قول المزكي الخ أو يكتب في ذلك القرطاس تحت اسمه هو عدل، ومن عرف في الفسق لا
يكتب شيئا احترازا عن الهتك أو يكتب الله أعلم. درر. قوله: (الحرية) مخالف لما نقل في بعض
الشروح عن الجامع الكبير من أن الناس أحرار إلا في الشهادة والحدود والقصاص كما لا يخفى،
فليتأمل. يعقوبية. لكن ذكر في البحر عن الزيلعي أن هذا محمول على ما إذا طعن الخصم بالرق كما
قيده القدوري ا ه‍. قوله: (بالمحدود) أي قولهم الأصل فيمن كان في دار الاسلام الحرية بمفهوم
الموافقة المسمى بدلالة النص جواب عن النقض بالمحدود في القذف الوارد على ما تقدم، فإن العدالة
لا تستلزم عدم الحد في القذف، وإنما دل بمفهوم الموافقة لان الأصل فيمن كان في دار الاسلام عدم
الحد في القذف أيضا فهو مساو. ح قوله: (والتعديل) أي التزكية. قوله: (من الخصم) أي المدعى
عليه والمدعي بالأولى، وأطلقه فشمل ما إذا عدله المدعى عليه قبل الشهادة أو بعدها كما في البزازية،
ويحتاج إلى تأمل، فإنه قبل الدعوى لم يوجد منه كذب في إنكاره وقت التعديل، وكان الفسق الطارئ
على المعدل قبل القضاء كالمقارن. بحر. قوله: (لم يصلح) أي لم يصلح مزكيا. قال في الهامش: لان
من زعم المدعي وشهوده أن المدعى عليه كاذب في الانكار وتزكية الكاذب الفاسق، لا تصح، هذا عند
الامام. وعندهما تصح إن كان من أهله بأن كان عدلا، لكن عند محمد لا بد من ضم آخر إليه. قوله:
(عن الأشباه) أي قبيل التحكيم من أن الامام لو أمر قضاته بتحليف الشهود وجب على العلماء أن
ينصحوه ويقولوا له الخ. قوله: (في مثل البيع) ولا بد من بيان الثمن في الشهادة على الشراء
وسنوضحه في باب الاختلاف، فراجعه. قوله: (ولو بالتعاطي) وفيه يشهدون بالأخذ والاعطاء، ولو
9

شهدوا بالبيع جاز. بحر عن البزازية. وفيه عن الخلاصة: رجل حضر بيعا ثم احتيج إلى الشهادة
للمشتري يشهد له بالملك بسبب الشراء ولا يشهد له بالملك المطلق ا ه‍. وفيه: ولا بد من بيان الثمن في
الشهادة على الشراء لان الحكم بالشراء بثمن مجهول لا يصح كما في البزازية، وانظر ما سيأتي وما مر.
وفي الهامش عن الدرر: ويقول أشهد أنه باع أو أقر لأنه عاين السبب فوجب عليه الشهادة به
كما عاين وهذا إذا كان البيع بالعقد ظاهرا، وإن كان بالتعاطي فكذلك، لان حقيقة البيع مبادلة المال
بالمال وقد وجد، وقيل لا يشهدون على البيع بل على الاخذ والاعطاء لأنه بيع حكمي لا حقيقي اه‍.
قوله: (والاقرار) بأن يسمع قول المقر لفلان على كذا. درر. كذا في الهامش. قوله: (ولو بالكتابة) في
البحر عن البزازية ما ملخصه: إذا كتب إقراره بين يدي الشهود ولم يقل شيئا لا يكون إقرارا فلا تحل
الشهادة به ولو كان مصدرا مرسوما وإن الغائب على وجه الرسالة على ما عليه العامة، لان الكتابة قد
تكون للتجربة، وفي حق الأخرس يشترط أن يكون معنونا مصدرا وإن لم يكن الغائب، وإن كتب
وقرأ عند الشهود مطلقا أو قرأه غيره وقال الكاتب اشهدوا علي به أو كتبه عندهم وقال اشهدوا علي
بما فيه كان إقرارا وإلا فلا، وبه ظهر أن ما هنا خلاف ما عليه العامة، لكن جزم به في الفتح وغيره.
قوله: (وإن لم يشهد عليه) لو قال المؤلف: ولو قال لا تشهد على بدل قوله وإن لم يشهد عليه لكان
أفود، لما في الخلاصة: لو قال المقر لا تشهد علي بما سمعت تسعة الشهادة ا ه‍. فيعلم حكم ما إذا
سكت بالأولى. بحر. وفيه: وإذا سكت يشهد بما علم ولا يقول اشهدني لأنه كذب. قوله: (غيره)
انظر عبارة البحر. قوله: (فسر) أي بأنه شاهد على المحجب. قوله: (شخصها) في الملتقط: إذا سمع
صوت المرأة ولم ير شخصها فشهد اثنان عنده أنها فلانة لا يحل له أن يشهد عليها، وإن رأى شخصها
وأقرت عنده فشهد اثنان أنها فلانة حل له أن يشهد عليها بحر ا ه‍ من أول الشهادات، واحترز برؤية
شخصها عن رؤية وجهها. قال في جامع الفصولين: حسرت عن وجهها وقالت أنا فلانة بنت فلان
بن فلان وهبت لزوجي مهري فلا يحتاج الشهود إلى شهادة عدلين أنها فلانة بنت فلان ما دامت حية إذ
يمكن الشاهد أن يشير إليها، فإن ماتت فحينئذ يحتاج الشهود إلى شهادة عدلين بنسبها. قوله: (وعليه
الفتوى) ومقابله يقول: لا بد من شهادة جماعة ولا يكفي الاثنان. ذكر الفقيه أبو الليث عن نصير بن
يحيى قال: كنت عند أبي سليمان فدخل ابن محمد بن الحسن فسأله عن الشهادة على المرأة متى تجوز إذا
لم يعرفها؟ قال: كان أبو حنيفة يقول: لا تجوز حتى يشهد عنده جماعة أنها فلانة، وكان أبو يوسف
وأبوك يقولان: يجوز إذا شهد عنده عدلان أنها فلانة. وهو المختار للفتوى، وعليه الاعتماد لأنه أيسر
على الناس اه‍.
واعلم أنهما كما احتاجا للاسم والنسب للمشهود عليه وقت التحمل يحتاجان عند أداء الشهادة
إلى من يشهد أن صاحبة الاسم والنسب هذه. وذكر الشيخ خير الدين أنه يصح التعريف ممن لا تقبل
10

شهادته لها سواء كانت الشهادة عليها أو لها. سائحاني بزيادة من البحر وغيره. قوله: (لان عند الخ)
اسم إن ضمير الشأن محذوفا والجملة بعده خبرها. قوله: (فيضره) أي يضر المدعى عليه بغضبه
للفقيه. قوله: (وإذا كان بين الخطين الخ) وفي الباقاني عن خزانة الأكمل: صراف كتب على نفسه
بمال معلوم وخطه معلوم بين التجار وأهل البلد ثم مات فجاء غريمه يطلب المال من الورثة وعرض
خط الميت بحيث عرف الناس خطه حكم بذلك في تركته: إن ثبت أنه خطه، وقد جرت العادة بين
الناس أن مثله حجة، وهذا مشكل لكونها شهادة على الخط وهنا لم يعتبروا هذا الاشتباه، ووجهه لا
ينهض وسيجئ، وقدم الشارح أنه لا يعمل بالخط إلا في مسألتين: يعمل بكتاب أهل الحرب بطلب
الأمان كما في سير الخانية، ويلحق به البراءات السلطانية بالوظائف في زماننا. الثانية يعمل بدفتر
السمسار والصراف والبياع كما في قضاء الخانية ا ه‍. كذا في هامش. قوله: (ظاهرة) ضمنه معنى دالة
فعداه بعلي أو متعلقة بقول محذوفا أو لفظ على بمعنى في. قوله: (لا يصدق) هذا خلاف ما عليه
العامة كما قدمناه عن البحر. قوله: (وفتاوى قارئ الهداية) عبارتها: سئل إذا كتب شخص ورقة
بخطه أن في ذمته لشخص كذا ثم ادعى عليه فجحد المبلغ واعترف بخطه ولم يشهد عليه: أجاب إذا
كتب على رسم الصكوك يلزم المال، وهو أن يكتب يقول: فلان بن فلان الفلاني إن في ذمته لفلان ابن
فلان الفلاني كذ وكذا فهو إقرار يلزم به وإن لم يكتب على هذا الرسم فالقول قوله مع يمينه اه‍. ثم
أجاب عن سؤال آخر نحوه بقوله إذا كتب إقراره على الرسم المتعارف بحضرة الشهود فهو معتبر فيسع
من شاهد كتابته أن يشهد عليه إذا جحده إذا عرف الشاهد ما كتب أو قرأه عليه. أما إذا شهدوا أنه
خطه من غير أن يشاهدوا كتابته لا يحكم بذلك اه‍.
وحاصل الجوابين أن الحق يثبت باعترافه بأنه خطه أو بالشهادة عليه بذلك إذا عاينوا كتابته أو
إقراءه عليهم وإلا فلا، وهذا إذا كان معنونا. ثم لا يخفى أن هذا لا يخالف ما في المتن، نعم يخالف
ما في البحر عن البزازية في تعليل المسألة بقوله، لأنه لا يزيد على أن يقول هذا خطي وأنا حررته،
لكن ليس على هذا المال وثمة لا يجب كذا هنا. وقد يوفق بينهما بحمله على ما إذا لم يكن معنونا،
لكن هو قول القاضي النسفي كما في البزازية، وقد قدمنا أنه خلاف ما عليه العامة. قوله: (ما لم
يشهد عليه) أي ما لم يقل له الشاهد أشهد على شهادتي. قوله: (تصوير صدر الشريعة) حيث قال:
سمع رجل أداء الشهادة عند القاضي لم يسغ له أن يشهد على شهادته ح. قوله: (وقولهم) عطف
11

على تصوير ووجه المخالفة الاطلاق وعدم تقييد الاشتراط بما إذا كانت عند غير القاضي. قوله: (وقبول
التحميل) فلو أشهده عليها فقال لا أقبل لا يصير شاهدا، حتى لو شهد بعد ذلك لا يقبل. قنية.
وينبغي أن يكون هذا على قول محمد من أنه توكيل وللوكيل أن لا يقبل. وأما على قولهما من أنه
تحميل فلا يبطل بالرد، لان من حمل غيره شهادة لم تبطل بالرد. بحر. قوله: (بعد المدة) أي بعد أن
حبسه القاضي مدة يعلم من حاله أنه لو كان له مال لقضى دينه ولم يصبر على ذلك الحبس كما تقدم.
مدني. قوله: (فشهادة إجماعا) الأحسن ما في البحر حيث قال: وقيدنا بتزكية السر للاحتراز عن
تزكية العلانية، فإنه يشترط لها جميع ما يشترط في الشهادة من الحرية والبصر وغير ذلك، إلا لفظ
الشهادة إجماعا، لان معنى الشهادة فيها أظهر فإنها تختص بمجلس القضاء، وكذا يشترط العدد فيها
على ما قاله الخصاف اه‍.
وفي البحر أيضا: وخرج من كلامه تزكية الشاهد بحد الزنا فلا بد في المزكي فيها من أهلية
الشهادة والعدد الأربعة إجماعا، ولم أر الآن حكم تزكية الشاهد ببقية الحدود، ومقتضى ما قالوه
اشتراط رجلين لها ا ه‍. قوله: (والخصم) أي المدعي أو المدعى عليه كما في الفتح. قوله: (إلى
المزكي) وكذا من المزكي إلى القاضي. فتح. قوله: (وجاز تزكية الخ) وكذا تزكية المرأة والأعمى،
بخلاف ترجمتهما كما في البحر. قوله: (ووالد) لولد. زاد في البحر: وعكسه: والعبد لمولاه
وعكسه، والمرأة والأعمى، والمحدود في قذف إذا تاب، وأحد الزوجين للآخر. قوله: (تقوم) أي
تقوم الصيد والمتلفات. قوله: (هو جيد) أي المسلم فيه، كذا في الهامش. قوله: (وإفلاسه) يعني إذا
أخبر القاضي بإفلاس المحبوس بعد مضي مدة الحبس أطلقه. حموي على الأشباه. كذا في الهامش.
قوله: (والعيب يظهر) أي في إثبات العيب الذي يختلف فيه البائع والمشتري. قوله: (على ما مر) أي
من رواية الحسن من قبول خبر الواحد بلا عله. قوله: (وموت) أي موت الغائب. قوله: (يخبر) أي
إذا شهد عدل عند رجلين علي موت رجل وسعهما أن يشهدا على موته. والثانية عشر قول أمين
القاضي: إذا أخبره بشهادة شهود على عين تعذر حضورها كما في دعوى القنية. أشباه مدني. قوله:
(وفي الملتقط الخ) وفي الخانية: صبي احتلم لا أقبل شهادته ما لم أسأل عنه، ولا بد أن يتأنى بعد
12

البلوغ بقدر ما يقع في قلوب أهل مسجده ومحلته كما في الغريب أن صالح أو غيره اه‍. وفرق في
الظهيرية بينهما بأن النصراني كان له شهادة مقبولة قبل إسلامه بخلاف الصبي، وهو يدل على أن
الأصل عدم العدالة. بحر. قوله: (ولم يذكرها) وهذا قولهما. وقال أبو يوسف: يحل له أن يشهد.
وفي الهداية محمد مع أبي يوسف وقيل لا خلاف بينهم في هذه المسألة أنهم متفقون على أنه لا يحل له
أن يشهد في قول أصحابنا جميعا إلا أن يتذكر الشهادة، وإنما الخلاف بينهم فيما إذا وجد القاضي
شهادة في ديوانه لان ما في قمطره تحت ختمه يؤمن عليه من الزيادة والنقصان فحصل له العلم ولا
كذلك الشهادة في الصك لأنها في يد غيره، وعلى هذا إذا ذكر المجلس الذي كانت فيه الشهادة أو
أخبره قوم ممن يثق بهم أنا شهدنا نحن وأنت كذا في الهداية. وفي البزدوي: الصغير إذا استيقن أنه
خطه وعلم أنه لم يزده فيه شئ بأن كان مخبوءا عنده وعلم بدليل آخر أنه لم يزد فيه، لكن لا يحفظ ما
سمع، فعندهما لا يسعه أن يشهد وعند أبي يوسف يسعه، وما قاله أبو يوسف هو المعمول به. وقال
في التقويم: قولهما هو الصحيح. جوهرة. قوله: (عن المبتغى) قدمنا في كتاب القاضي عن الخزانة
أي أن يشهد وإن لم يكن الصك في يد الشاهد لان التغيير نادر وأثره يظهر فراجعه، ورجح في الفتح
ما ذكره الشارح وذكر له حكاية تؤيده. قوله: (إلا في عشرة) كلها مذكورة هنا متنا وشرحا آخرها
قول المتن ومن في يده شئ ح. وفي الطبقات السنية للتميمي في ترجمة إبراهيم بن إسحاق من
نظمه:
افهم مسائل ستة واشهد بها * من غير رؤياها وغير وقوف
نسب وموت والولاد وناكح * وولاية القاضي وأصل وقوف
قوله: (والنسب) قال في فتاوى قارئ الهداية: لو أن رجلا نزل بين ظهراني قوم وهم لا
يعرفونه وقال أنا فلان بن فلان، قال محمد رضي الله عنه: لا يسعهم أن يشهدوا على نسبه حتى يلقوا
من أهل بلده رجلين يشهدان عندهم على نسبه، قال الخصاف: وهو الصحيح ا ه‍. كذا في الهامش.
قوله: (والموت) قال في الثاني عشر من جامع الفصولين: شهد أحد العدلين بموت الغائب والآخر
بحياته فالمرأة تأخذ بقول من يخبر بموته، وتمامه فيه ا ه‍. كذا في الهامش. وفيه: إذا لم يعاين الموت إلا
واحد لا يقضي به وحده، ولكن لو أخبر به عدلا مثله فإذا سمع منه حل له أن يشهد بموته فيشهدان
فيقضي جامع الفصولين وفيه: ولو جاء خبر بموت رجل من أرض أخرى وصنع أهله ما يصنع
على الميت لم يسغ لاحد أن يشهد بموته إلا من شهد موته أو سمع من شهد موته، لان مثل هذا الخبر
قد يكون، كذا جامع الفصولين اه‍. قوله: (والنكاح) قال في جامع الفصولين: الشهادة بالسماع من
الخارجين من بين جماعة حاضرين في بيت عقد النكاح بأن المهر كذا يقبل لا ممن سمع من غيرهم اه‍.
كذا في الهامش. قوله: (وولاية القاضي) ويزاد الوالي كما في الخلاصة والبزازية. قوله: (وشرائطه)
المراد من الشرائط أن يقولوا: إن قدرا من الغلة لكذا ثم يصرف الفاضل إلى كذا بعد بيان الجهة. بحر.
13

قوله: (كما مر) أي في كتاب الوقف، وقدمنا هناك تحقيقه. قوله: (عدلين) يعني ومن في حكمهما
وهو عدل وعدلتان كما في الملتقى. قوله: (إلا في الموت) قال في جامع الفصولين: شهد أن أباه مات
وتركه ميراثا له إلا أنهما لم يدركا الموت لا تقبل لأنهما شهدا بملك للميت بسماع لم تجز اه‍. قوله
: (ومن في يده إلخ) في عد هذه من العشرة نظر، ذكره في الفتح والبحر. قوله: (علم رقه) صوابه: لم
يعلم رقه كما هو ظاهر لمن تأمل. مدني. قوله: (لك أن تشهد إلخ) قال في البحر: ثم ألم أنه إنما
يشهد بالملك لذي اليد بشرط أن لا يخبره عدلان بأنه لغيره، فلو أخبره لم تجز له الشهادة بالملك كما
في الخلاصة اه‍. قوله: (ذلك) قال في الشرنبلالية: إذا رأى إنسان درة ثمينة في يد كناس أو كتابا في
يد جاهل ليس في آبائه من هو أهله لا يسعه أن يشهد بالملك له فعرف أن مجرد اليد لا يكفي اه‍ مدني
. قوله: (إذا ادعاه) أشار إلى التوفيق بينه وبين ما في الزيلعي كما أوضحه في البحر. قوله: (أو بمعاينة
اليد) أي بأن يقول لأني رأيته في يده يتصرف فيه تصرف الملاك. جامع الفصولين. وفي الظهيرية: من
الشهر الشرعية أن يشهد عنده عدلان أو رجل وامرأتان بلفظ الشهادة من غير استشهاد ويقع في قلبه
أن الامر كذلك اه‍. مثله في جامع الفصولين. قوله: (على الأصح) انظر ما كتبناه في كتاب الوقف
في فصل يراعي شرط الواقف نقلا عن مجموعة شيخ مشايخنا منلا علي، فإنه صحح عدم القبول تعويلا
على ما في عامة المتون وغيرها، وأن ما في المتون مقدم على الفتاوى، وبه أفتى الرملي ومفتي دار
السلطنة علي أفندي. قوله: (خلاصة) كتبت فيما مر تأييده. قوله: (سمعنا من الناسخ الخ) قال في
الخانية: شهدنا بذلك لأنا سمعنا من الناس لا تقبل شهادتهم.
أقول: بقي لو قال: أخبرني من أثق به، وظاهر كلام الشارح أنه ليس من التسامع، لكن في
البحر عن الينابيع أنه منه، ولو شهدا على موت رجل فإما أن يطلقا فتقبل أو قال لم نعاين موته وإنما
سمعنا من الناس، فإن لم يكن موته مشهورا فلا تقبل بلا خلاف، وإن كان مشهورا ذكر في الأصل أنه
تقبل، وقال بعضهم: لا تقبل وبه أخذ الصدر الشهيد. وفي العناية. هو الصحيح. وإن قالا نشهد أنه
مات أخبرنا بذلك من شهد موته ممن يوقف به جازت، وقال بعضهم: لا تجوز. حامدية. قوله: (في
الكل) أي فيما يجوز فيه الشهادة بالسماع كما في الخانية. كذا في الهامش.
14

باب القبول وعدمه
قوله: (أي من يجب الخ) قال في البحر: والمراد من يجب قبول شهادته على القاضي ومن لا
يجب لا من يصح قبولها ومن لا يصح، لان ممن ذكره ممن لا تقبل الفاسق وهو لو قضى بشهادته
صح، بخلاف العبد والصبي والزوجة والوالد والأصل، لكن في خزانة المفتين: إذا قضى بشهادة
الأعمى والمحدود في القذف إذا تاب أو بشهادة أحد الزوجين مع آخر لصاحبه أو بشهادة الوالد لولده
أو عكسه نفذ حتى لا يجوز للثاني إبطاله، وإن رأى بطلانه فالمراد من عدم القبول عدم حله. وذكر في
منية المفتي اختلافا في النفاذ بشهادة المحدود بعد التوبة ا ه‍. قوله: (لصحة الفاسق) أي شهادته. قوله:
(مثلا) إنما قال مثلا ليشمل الأعمى. قوله: (تقبل الخ) أي لا قبولا عاما على المسلمين وغيرهم، بل
المراد أصل القبول، فلا ينافي أن بعضهم كفار، وإنما تقبل شهادتهم لان فسقهم من حيث الاعتقاد،
وأما أوقعهم فيه إلا التعمق والغلو في الدين، والفاسق إنما ترد شهادته بتهمة الكذب. مدني. قوله:
(لا تكفر) فمن وجب إكفاره منهم فالأكثر على عدم قبوله كما في التقرير. وفي المحيط البرهاني: وهو
الصحيح، وما ذكر في الأصل محمول عليه. بحر. وفيه عن السراج: وأن لا يكون ماجنا، ويكون
عدلا في تعاطيه. واعترضه بأنه ليس مذكورا في ظاهر الرواية، وفيه نظر فإنه شرط في السني فما
ظنك في غيره. تأمل. قوله: (ولكل من حلف أنه محق فودهم الخ) الأولى التعبير بالراء كما في الفتح
بدل الواو، وهذا قول ثان في تفسيرهم كما في البحر وشرح ابن الكمال. نعم في شرح المجمع كما
هنا حيث قال: هم صنف من الروافض ينسبون إلى أبي الخطاب محمد بن أبي وهب الأجدع الكوفي
يعتقدون جواز الشهادة لمن حلف عندهم أنه محق، ويقولون: المسلم لا يحلف كاذبا، ويعتقدون أن
الشهادة واجبة لشيعتهم سواء كان صادقا أو كاذبا ا ه‍. وفي تعريفات السيد الشريف ما يفيد أنهم
كفار، فإنه قال ما نصه: قالوا الأئمة الأنبياء وأبو الخطاب نبي، وهؤلاء يستحلون شهادة الزور
لموافقيهم على مخالفيهم وقالوا: الجنة نعيم الدنيا كالنار آلامها. قوله: (بل لتهمة الخ) ومن التهمة
المانعة أن يجر الشاهد بشهادته إلى نفسه نفعا أو يدفع عن نفسه مغرما. خانية، فشهادة الفرد ليست
مقبولة لا سيما إذا كانت على فعل نفسه. هداية. كذا في الهامش. قوله: (ومن الذمي الخ) قال في
فتاوى الهندية: مات وعليه دين لمسلم بشهادة نصراني ودين لنصراني بشهادة نصراني، قال أبو حنيفة
رحمه الله ومحمد وزفر: بدئ بدين المسلم، فإن فضل شئ كان ذلك للنصراني هكذا في المحيط اه‍
كذا في الهامش. قوله: (على ما في الأشباه) وهي ما إذا شهد نصرانيان على نصراني أنه قد أسلم حيا
كان أو ميتا فلا يصلى عليه، بخلاف ما إذا كانت نصرانية كما في الخلاصة، وما إذا شهدا على نصراني
15

ميت بدين وهو مديون مسلم، وما إذا شهدا عليه بعين اشتراها من مسلم، وما إذا شهد أربعة نصارى
على نصراني أنه زنى بمسلمة إلا إذا قالوا استكرهها فيحد الرجل وحده كما في الخانية، وما إذا ادعى
مسلم عبدا في يد كافر فشهد كافران أنه عبده قضى به فلان القاضي المسلم له كذا في الأشباه والنظائر
مدني. قوله: (بإسلامه) أي إسلام المشهود عليه. قوله: (منه) أي من المستأمن، قيد به لأنه لا يتصور
غيره، فإن الحربي لو دخل بلا أمان قهرا استرق ولا شهادة للعبد على أحد. فتح. قوله: (مع اتحاد
الدار) أي بأن يكونا من أهل دار واحدة، فإن كانوا من دارين كالروم والترك لم تقبل. هداية. ولا
يخفى أن الضمير في كانوا للمستأمنين في دارنا، وبه ظهر عدم صحة ما نقل عن الحموي من تمثيله
لاتحاد الدار بكونهما في دار الاسلام، وإلا لزم توارثهما حينئذ توارثهما حينئذ وإن كانا من دارين مختلفين. وفي
الفتح: وإنما تقبل شهادة الذمي على المستأمن وإن كانا من أهل دارين مختلفين لان الذمي بعقد الذمة
صار كالمسلم، وشهادة المسلم تقبل على المستأمن فكذا الذمي. قوله: (على صغائره) أشار إلى أنه كان
ينبغي أن يزيد: وبلا غلبة. قال ابن الكمال: لان الصغيرة تأخذ حكم الكبيرة بالاصرار، وكذا بالغلبة
على ما أفصح عنه في الفتاوى الصغرى حيث قال: العدل من يجتنب الكبائر كلها حتى لو ارتكب
كبيرة تسقط عدالته، وفي الصغائر: العبرة للغلبة أو الاصرار على الصغيرة فتصير كبيرة ولذا قال:
وغلب صوابه اه‍. قال في الهامش: لا تقبل شهادة من يجلس مجلس الفجور والمجانة والشرب وإن لم
يشرب، هكذا في المحيط فتاوى. هندية. وفيها: والفاسق إذا تاب لا تقبل شهادته ما لم يمض عليه
زمان يظهر عليه أثر التوبة: والصحيح أن ذلك مفوض إلى رأي القاضي ا ه‍. قوله: (وفي الخلاصة الخ)
قال في الأقضية: والذي اعتاد الكذب إذ تاب لا تقبل شهادته. ذخيرة. وسيذكره الشارح. قوله:
(كبيرة) الأصح أنها كل ما كان شنيعا بين المسلمين وفيه هتك حرمة الدين كما بسطه القهستاني وغيره،
كذا في شرح الملتقى. وقال في الفتح: وما في الفتاوى الصغرى: العدل من يجتنب الكبائر كلها، حتى
لو ارتكب كبيرة تسقط عدالته: وفي الصغائر العبرة للغلبة لتصير كبيرة حسن، ونقله عن أدب القضاء
لعصام وعليه المعول، غير أن الحاكم بزوال العدالة بارتكاب الكبيرة يحتاج إلى الظهور، فلذا شرط في
شرب المحرم والسكر والإدمان، والله سبحانه أعلم ا ه‍. قوله: (سقطت عدالته) وتعود إذا تاب، لكن
قال في البحر: وفي الخانية: الفاسق إذا تاب لا تقبل شهادته ما لم يمض عليه زمان يظهر التوبة، ثم
بعضهم قدره بستة أشهر، وبعضهم قدره بسنة، والصحيح أن ذلك مفوض إلى رأي القاضي والمعدل.
وفي الخلاصة، ولو كان عدلا فشهد بزور ثم تاب فشهد تقبل من غير مدة ا ه‍. وقدمنا أن الشاهد إذا
كان فاسقا سرا لا ينبغي أن يخبر بفسقه كي لا يبطل حق المدعي، وصرح به في العمدة أيضا اه‍.
16

فائدة: من اتهم بالفسق لا تبطل عدالته، والمعدل إذا قال للشاهد هو متهم بالفسق لا تبطل
عدالته خانية. قوله: (بحر) مثله في التاترخانية. قوله: (كفر) أشار إلى فائدة تقييده في الهداية بأن لا
يترك الختان استخفافا بالدين. وفي البحر عن الخلاصة: والمختار أو أول وقته سبع وآخره اثنتا عشرة.
قوله: (وخصي) لان حاصل أمره أنه مظلوم. نعم لو كان ارتضاه لنفسه وفعله مختارا منع. وقد قبل
عمر شهادة علقمة الخصي على قدامة بن مظعون، رواه ابن أبي شيبة. منح. قوله: (وأقطع) لما روى
أن النبي (ص) قطع يد رجل في سرقة ثم كان بعد ذلك يشهد فقبل شهادته منح. قوله: (بالزنا) أي
ولو شهد بالزنا على غيره تقبل. قال في المنح: وتقبل شهادة ولد الزنا لان فسق الأبوين لا يوجب
فسق الولد ككفرهما، أطلقه فشمل ما إذا شهد بالزنا أو بغيره خلافا لمالك في الأول اه‍ مدني. قوله:
(كأنثى) فيقب مع رجل وامرأة في غير حد وقود. قوله: (بإثبات العتق) تقدم أنه لا تحالف بعد خروج
المبيع عن ملكه إلى آخر ما مر في التحالف فراجعه. وقوله: العتق لأنه لولا شهادتهما لتحالفا وفسخ
البيع المقتضي لابطال العنق. منح. قوله: (ومن محرم رضاعا) قال في الأقضية: نقبل لأبويه من
الرضاع ولمن أرضعته امرأته لام امرأته وأبيها. بزازية من الشهادة فيما تقبل وفيما لا تقبل اه‍. وتقبل
لام امرأته وأبيها ولزوج ابنته ولامرأة ابنه ولامرأة أبيه ولأخت امرأته ا ه‍. كذا في الهامش عن الحامدية
معزيا للخلاصة. قوله: (امتدت الخصومة) أي سنتين. منح. قوله: (لو عدولا) قال في المنح عن
البحر: وينبغي حمله على ما إذا لم يساعد المدعي في الخصومة أو لم يكثر ذلك توفيقا ا ه‍. ووفق الرملي
بغيره حيث قال: مفهوم قوله: لو عدولا أنهم إذا كانوا مستورين لا تقبل وإن لم تمتد الخصومة للتهمة
بالمخاصمة، وإذا كانوا عدولا تقبل لارتفاع التهمة مع العدالة، فيحمل ما في القنية على ما إذا لم يكونوا
عدولا توفيقا، وما قلناه أشبه، لان المعتمد في باب الشهادات العدالة. قوله: (على ذمي ميت)
نصراني. مات وترك ألف درهم وأقام مسلم شهودا من النصارى على ألف على الميت وأقام نصراني
آخرين كذلك فالألف المتروكة للمسلم عنده وعند أبي يوسف يتحاصان، والأصل أن القبول عنده في
حق إثبات الدين على الميت فقط دون إثبات الشركة بينه وبين المسلم وعلى قول الثاني في حقهما.
ذخيرة ملخصا. وبه ظهر أن قبولها على الميت مقيد بما إذا لم يكن عليه دين لمسلم. نعم هو قيد لإثباتها
الشركة بينه وبين المدعي الآخر فإذا كان الآخر نصرانيا أيضا يشاركه وإلا فالمال للمسلم، إذ لو شاركه
لزمه قيامها على المسلم، وظهر أيضا أن المصنف ترك قيدا لا بد منه وهو ضيق التركة عن الدينين، وإلا
فلا يلزم قيامها على المسلم كما لا يخفى، هذا ما ظهر لي بعد التنقير التام حتى ظفرت بعبارة الذخيرة،
فاغتنم هذا التحرير وادع لي. وفي حاشية الرملي على البحر عن المنهاج لأبي حفص العقيلي: نصراني
مات فجاء مسلم ونصراني وأقام كل واحد منهما البينة أن له على الميت دينا، فإن كان شهود الفريقين
17

ذميين أو شهود النصراني ذميين بدين المسلم، فإن فضل شئ صرف إلى دين النصراني، وروى
الحسن عن أبي يوسف أنه يجعل بينهما على مقدار دينهما، قيل إنه قول أبي يوسف الأخير، وإن كان
شهود الفريقين مسلمين أو شهود الذمي خاصة مسلمين فالمال بينهما في قولهم اه‍. قوله: (بحر)
عبارته: فإن كان فقد كتبناه عن الجامع ا ه‍. والذي كتبه هو قوله: نصراني مات عن مائة فأقام مسلم
شاهدين عليه بمائة ومسلم ونصراني بمثله فالثلثان له والباقي بينهما، والشركة لا تمنع لأنها بإقراره اه‍.
ووجه أن الشهادة الثانية لا تثبت للذمي مشاركته مع المسلم كما قدمناه، ولكن المسلم لما ادعى المائة
مع النصراني صار طالبا نصفها والمنفرد يطلب كلها فتقسم عولا، فلمدعي الكل الثلثان لان له نصفين،
وللمسلم الآخر الثلث لان له نصفا فقط، لكن لما ادعاه مع النصراني قسم الثلث بينهما، وهذا معنى
قوله: والشركة لا تمنع لأنها بإقراره، وانظر ما سنذكر أول كتاب الفرائض عند قوله: ثم تقدم
ديونه. قوله: (كما مر) أي قريبا. قوله: (في مسألتين) حمل القبول فيهما في الشرنبلالية بحثا على ما
إذا كان الخصم المسلم مقرا بالدين منكرا للوصاية والنسب، وأما لو كان منكرا للدين كيف تقبل شهادة
الذميين عليه. قوله: (وأحضر) أي الوصي. قوله: (ابن الميت) أي النصراني. قوله: (على مسلم) أو
قام شاهدين نصرانيين على نسبة تقبل، وهذا استحسان. ووجهه الضرورة لعدم حضور المسلمين موتهم
ولا نكاحهم، كذا في الدرر. كذا في الهامش. قوله: (بحق) أي ثابت كذا في الهامش. قوله:
(كرئيس القرية) قال في الفتح: وهذا المسمى في بلادنا شيخ البلد، وقدمنا عن البزدوي أن القائم
بتوزيع هذه النوائب السلطانية والجبايات بالعدل بين المسلمين مأجور وإن كان أصله ظلما، فعلى هذا
تقبل شهادته اه‍. قوله: (النخاسين) جمع نخاس من النخس وهو الطعن، ومنه قيل لدلال الدواب
نخاس. قوله: (وقيل) هذا ممكن في مثل عبارة الكنز، فإن لم يقل إلا إذا كانوا أعوانا الخ. قوله:
(المحترفين) فيكون فيه رد على من رد شهادة أهل الحرف الخسيسة. قال في الفتح: وأما أهل
الصناعات الدنيئة كالقنواتي والزبال والحائك والحجام فقيل لا تقبل، والأصح أنها تقبل لأنه قد
تولاها قوم صالحون، فما لم يعلم القادح لا يبنى على ظاهر الصناعة، وتمامه فيه فراجعه. قوله: (وإلا
الخ) أي بأن كانوا أبوه تاجرا واحترف هو بالحياكة أو الحلاقة أو غير ذلك لارتكابه الدناءة. كذا في
الهامش. قوله: (فتح) لم أره في الفتح بل ذكره في البحر بصيغة ينبغي، وقال الرملي: في هذا التقييد
18

نظر يظهر لمن له نظر، فتأمل: أي في التقييد بقوله: بحرفه لائقة الخ ووجهه أنهم جعلوا العبرة
للعدالة لا للحرفة، فكم من دنئ صناعة أنقى من ذي منصب ووجاهة، على أن الغالب أنه لا يعدل
عن حرفة أبيه إلى أدنى منها إلا لقلة ذات يده أو صعوبتها عليه، ولا سيما إذا علمه إياها أبوه أو وصيه
في صغره ولم يتقن غيرها فتأمل. وفي حاشية أبي السعود: فيه نظر لأنه مخالف لما قدمه هو قريبا من
أن صاحب الصناعة الدنيئة كالزبال والحائك مقبول الشهادة إذا كان عدلا في الصحيح اه‍.
قلت: ويدفع بأن مراده أن عدوله عن حرفة أبيه إلى أدنى منها دليل على عدم المروءة، وإن كانت
حرفة أبيه دنيئة، فينبغي أن يقال هو كذلك إن علا بلا عذر. تأمل. قوله: (من أعمى) إلا في رواية
زفر عن أبي حنيفة فيما يجزي فيه التسامع، لان الحاجة فيه إلى السماع ولا خلل فيه باقاني على الملتقى.
كذا في الهامش. قوله: (أي لا يقضي بها) خلافا لأبي يوسف فيما إذا تحمله بصيرا فإنها تقبل لحصول
العلم بالمعاينة، والأداء يختص بالقول ولسانه غير موف والتعريف يحصل بالنسبة كما في الشهادة على
الميت. ولنا أن الأداء يفتقر إلى التمييز بالإشارة بين المشهود له والمشهود عليه، ولا يميز الأعمى إلا
بالنغمة، وفيه شبهة يمكن التحرز عنها يحبس الشهود والنسبة لتمييز الغائب دون الحاضر وصار
كالحدود والقصاص اه‍. باقاني على الملتقى. كذا في الهامش. قوله: (بالسماع) كالنسب والموت.
قوله: (خلافا للثاني) أي فيهما، واستظهر قوله بالأول صدر الشريعة فقال: وقوله أظهر، لكن رده في
اليعقوبية بأن المفهوم من سائر الكتب عدم أظهريته. وأما قوله بالثاني فهو مروي عن الامام أيضا. قال
في البحر: واختاره في الخلاصة، ورده للرملي بأنه ليس في الخلاصة ما يقتضي ترجيحه واختياره.
قوله: (بالأولى) لان في الأعمى إنما تتحقق التهمة في نسبته وهنا تتحقق في نسبته وغيرها من قدر
المشهود به وأمور أخر. كذا في الفتح ونقل أيضا عن المبسوط أنه بإجماع الفقهاء لان لفظ الشهادة لا
يتحقق منه. وتمامه فيه. قوله: (ولو مكاتبا) والعتق في المرض كالمكاتب في زمن السعاية عند أبي
حنيفة، وعندهما حر مديون.
تنبيهات: مات عن عم وأمتين وعبدين فأعتقهما العم فشهدا ببنوة أحدهما بعينها: أي أنه أقربها
في صحته لم تقبل عنده، لان في قبولها ابتداء بطلانها انتهاء لان معتق البعض كمكاتب لا بقبل
شهادته عنده لا عندهما ولو شهدا أن الثانية أخت الميت قبل شهادة الأولى أو بعدها، أو معها لا تقبل
بالاجماع، لأنا لو قبلنا لصارت عصبة مع البنت فيخرج العم عن الوراثة، بحر عن المحيط.
أقول هذا ظاهر عند وجود الشهادتين، وأما عند سبق شهادة الأختية فالعلة فيها هي علة البنتية
فتفقه. وفي المحيط: مات عن أخ لا يعلم له وارث غيره فقال عبدان من رقيق الميت إنه أعتقنا في صحته
وإن هذا الآخر ابنه فصدقهما الأخ في ذلك لا تقبل في دعوى الاعتاق لأنه أقر بأنه لا ملك له فيهما بل
هما عنده للآخر لاقرار الأخ إنه وارث دونه فتبطل شهادتهما في النسب، ولو كان مكان الآخر أنثى جاز
شهادتهما وثبت نسبها ويسعيان في نصف قيمتهما لأنه أقر أن حقه في نصف الميراث فصح بالعتق لأنه لا
يتجزأ عندهما، إلا أن العتق في عبد مشترك فتجب السعاية للشريك الساكت. وأقول: عند (أبي حنيفة)
يعتقان كما قالا، غير أن شهادتهما بالبنتية لم تقبل لان معتق البعض لا تقبل شهادته فتفقه.
19

فائدة: قضى بشهادة فظهروا عبيدا تبين بطلانه، فلو قضى بوكالة ببينة وأخذ ما على الناس من
الديون ثم وجدوا عبيدا لم تبرأ الغرماء ولو كان بمثله في وصاية برئوا. لان قبضه بإذن القاضي وإن لم
يثبت الايصاء كأنه لهم في الدفع إلى ابنه، بخلاف الوكالة إذ لا يملك الاذن لغريم في دفع دين الحي
لغيره. قال المقدسي: فعلى هذا ما يقع الآن كثيرا من تولية شخص نظر وقف فيتصرف فيه مثله
من قبض وصرف وشراء وبيع ثم يظهر أنه بغير شرط الواقف أو أن إنهاءه باطل ينبغي أن لا يضمن،
لأنه تصرف بإذن القاضي كالوصي، فليتأمل. قلت: وتقدم في الوقف ما يؤديه. سائحاني. قوله:
(ومغفل) وعن (أبي يوسف) أنه قال: إنا نرد شهادة أقوام نرجو شفاعتهم يوم القيامة، معناه أن شهادة
المغفل وأمثاله لا تقبل وإن كان عدلا صالحا. تاترخانية. قوله: (في حال صحته) أي وقت كونه
صاحبا. كذا في الهامش. قوله: (بعد إبصار) بشرط أن يحتمل وهو بصير أيضا بأن كان بصيرا ثم
عمى ثم أبصر فأدى، فافهم. قوله: (زوجة) أي إن لم يكن حكم بردها لما يأتي قريبا. قوله: (وفي
البحر) أي عن الخلاصة. قوله: (فشهد بها) أي بتلك الحادثة. قوله: (إلا أربعة) أما ما سوى الأعمى
فظاهر لان شهادتهم ليست شهادة، وأما الأعمى فلينظر الفرق بينه وبين أحد الزوجين، ثم رأيت في
الشرنبلالية: استشكل قبول شهادة الأعمى. قوله: (عبد الخ) قال في البحر: فعلى هذا لا تقبل
شهادة الزوج والأجير والمغفل والمتهم والفاسق بعد ردها اه‍.
وذكر في البحر أيضا قبل هذا الباب: اعلم أنه يفرق بين المردود لتهمة وبين المردود لشبهة،
فالثاني يقبل عند زوال المانع، بخلاف الأول فإنه لا يقبل مطلقا وإليه أشار في النوازل اه‍. قوله:
(وإدخال الخ) مع أنه صرح في صدر عبارته بخلافه، ومثله في التاترخانية والجوهرة والبدائع. قوله:
(سهو) لان الزوج له شهادة وقد حكم بردها بخلاف العبد ونحوه. تأمل. قوله: (بتكذيبه) الباء
للتصوير تأمل، ويؤيده ما في الشرنبلابية فراجعها. قوله: (فتقبل) لان للكافر شهادة فكان ردها من
تمام الحد وبالاسلام حدثت شهادة أخرى، وليس المراد أنها تقبل بعد إسلامه في حق المسلمين فقط.
بحر. قوله: (لم تقبل) لأنه لا شهادة للعبد أصلا في حال رقه فيتوقف على حدوثها، فإذا حدثت كان
رد شهادته بعد العتق من تمام الحد. بحر. قوله: (زناه) أي المقذوف. قوله: (إذا تاب الخ) قال
قاضيخان: الفاسق إذا تاب لا تقبل شهادته ما لم يمض عليه زمان يظهر أثر التوبة، ثم بعضهم قدر
ذلك بستة أشهر، وبعضهم قدره بسنة. والصحيح أنه مفوض إلى رأي القاضي والمعدل، وتمامه هناك.
20

وفي خزانة المفتين: كل شهادة ردت لتهمة الفسق فإذا دعاها لا تقبل ا ه‍. كذا في الهامش. قوله: (
سيجئ) أي قبيل باب الرجوع عن الشهادة. قوله: (ترجيح قبولها) وكذا قال في الخانية وعليه
الاعتماد، وجعل الأول رواية عن الثاني. قوله: (لا إلى الشرع) وقيل في كل ذلك تقبل، والأصح
الأول. كذا في القنية جامع الفتاوى. قوله: (وحدهن) قدم في الوقف أن القاضي لا يمضي قاض
آخر بشهادة النساء وحدهن في شجاج الحمام. سائحاني. ويمكن حمله على القصاص بالشجاج. قوله:
(وجاز عليها الخ) قال في الأشباه، شهادة الزوج على الزوجة مقبولة إلا بزناها وقذفها كما في حد
القذف، وفيما إذا شهد على إقرارها بأنها أمة لرجل يدعيها فلا تقبل إلا إذا كان الزوج أعطاها المهر
والمدعي يقول: أذنت لها في النكاح كما في شهادة الخانية ح. كذا في الهامش. قوله: (في الأشباه)
وهما في البحر أيضا. قوله: (ولو شهد لها الخ) وكذا لو شهد ولم يكن أجيرا ثم صار أجيرا قبل أن
يقضي بها. تاترخانية. قوله: (ثم تزوجها) أي قبل القضاء. قوله: (فعلم الخ) الذي يعلم مما ذكره منع
الزوجية عند القضاء، وأما منعها عند التحمل أو الأداء فلم يعلم مما ذكره فلا بد من ضميمة ما ذكره
في المنح عن البزازية: لو تحملها حال نكاحها ثم أبانها وشهد لها: أي يعد انقضاء عدتها تقبل، وما
ذكره أيضا عن فتاوى القاضي: لو شهد لامرأته وهو عدل فلم يرد الحاكم شهادته حتى طلقها بائنا
وانقضت عدتها: روى ابن شجاع رحمه الله أن القاضي ينفذ شهادته.
قال في البحر: والحاصل أنه لا بد من انتفاء التهمة وقت الزوجية، وأما في باب الرجوع في
الهبة فهي مانعة منه وقت الهبة لا وقت الرجوع، فلو وهب لأجنبية ثم نكحها فله الرجوع، بخلاف
عكسه كما سيأتي، وفي باب إقرار المريض: الاعتبار لكونها زوجة وقت الموت لا وقت الوصية اه‍.
قوله: (والفرع) ولو فرعية من وجه كولد الملاعنة، وتمامه في البحر. قوله: (إلا إذا شهد الجد) محل
هذا الاستثناء بعد قوله: وبالعكس إذا الحد أصل لا فرع. قوله: (ولو بطلاق ضرتها) لأنها شهادة
لامه. بحر. كذا في الهامش. قوله: (والام في نكاحه) الواو للحال، وذكر في البحر هنا فروعا
حسنة، فلتراجع. قوله: (في مسألة القاتل) وصورته: ثلاثة قتلوا رجلا عمدا ثم شهدوا بعد التوبة أن
الولي قد عفا عنا: قال الحسن: لا تقبل شهادتهم إلا أن يقول اثنان منهم عفا عنا وعن هذا الواحد،
21

ففي هذا الوجه قال أبو يوسف: تقبل في حق الواحد، وقال الحسن: تقبل في حق الكل ح. كذا في
الهامش. وانظر ما في حاشية الفتال عن الحموي والكفيري. قوله: (ولو بالعكس (1)) ولو كانت
الزوجة أمة. بحر. قوله: (لشريكه) أطلقه فشمل الشركات بأنواعها، وفي المفاوضة كلام البحر،
فراجعه. قوله: (من شركتهما) وتقبل فيما ليس من شركتهما. فتاوى هندية. كذا في الهامش. قوله:
(أن يطعن بثلاثة الخ) انظر حاشية الرملي على البحر قبيل قوله والمحدود في قذف ا ه‍. قوله: (أو
لاخراج للشاهد) أي عليه. قوله: (على ضيعة) لعله على قطعة كما في البزازية، لكن في الفتح كما
هنا. وفي القاموس: الضيعة: العقار والأرض المغلة ا ه‍. وفي الهامش عن الحامدية: شهدوا مع متولي
الوقف على آخر أن هذا القطعة الأرض من جملة أراض قريتهم تقبل ا ه‍ تمرتاشي من الشهادة. قوله: (لا
تقبل) وقيل تقبل مطلقا في النافذة. فتح. قوله: (وكذا) أي تقبل. قوله: (المدرسة) أي في وقفية وقف
على مدرسة كذا وهم من أهل تلك المدرسة، وكذلك الشهادة على وقف مكتب وللشاهد صبي في
المكتب، وشهادة أهل المحلة في وقف عليها، وشهادتهم بوقف المسجد، والشهادة على وقف المسجد
الجامع، وكذا أبناء السبيل إذا شهدوا بوقف على أبناء السبيل، فالمعتمد القبول في الكل. بزازية.
قال ابن الشحنة: ومن هذا النمط مسألة قضاء القاضي في وقف تحت نظره أو مستحق فيه اه‍.
وهذا كله في شهادة الفقهاء بأصل الوقف، أما شهادة المستحق فيما يرجع إلى الغلة كشهادته بإجارة
ونحوها لم تقبل لان له حقا فيه فكان متهما، وقد كتبت فيه حواشي جامع الفصولين أن مثله شهادة
شهود الأوقاف المقررين، في وظائف الشهادة لما ذكرنا، وتقريره فيها لا يوجب قبولها. وفائدتها
إسقاط التهمة عن المتولي فلا يحلف، ويقويه أن البينة تقبل لاسقاط اليمين كالمودع إذا ادعى الرد أو
الهلاك. بحر ملخصا فراجعه. قوله: (انتهى) أي ما في فتاوى النسفي ونقله عنه في الفتح آخر
الباب. وقوله: (أو مشاهرة) أي أو مياومة هو الصحيح. جامع الفتاوى. قوله: (أو التلميذ الخاص)
وفي الخلاصة: هو الذي يأكل معه وفي عياله وليس له أجرة معلومة، وتمامه في الفتح فارجع إليه.
وفي الهامش، ولو شهد الأجير لأستاذه وهو التلميذ الخاص الذي يأكل معه وفي عياله لا تقبل إن لم
يكن له أجرة معلومة، وإن كان له أجرة معلومة مياومة أو مشاهرة أو مسانهة إن أجير واحد لا تقبل،
وإن أجير مشترك تقبل.
وفي العيون قال محمد رحمه الله تعالى: استأجره يوما فشهد له في ذلك اليوم القياس أن لا

(1) قوله: (ولو بالعكس) هكذا في النسخة المجموع منها، ولا وجود لذلك في نسخ الشارح التي بيدي ا ه‍. مصححه.
22

تقبل، ولو أجير خاص فشهد ولم يعدل حتى ذهب الشهر ثم عدل لا تقبل كمن شهد لامرأته ثم
طلقها، ولو شهد ولم يكن أجيرا ثم صار قبل القضاء لا تقبل. بزازية. ثم نقل في الهامش فرعا ليس
محله هنا، وهو: بيده ضيعة وادعى آخر أنها وقف وأحضر صكا فيه خطوط العدول والقضاة الماضين
وطلب الحكم به ليس للقاضي أن يقضي بالصك، لأنه إنما يحكم بالحجة وهي البينة أو الاقرار لا
الصك لان الخط مما يزور، وكذا لو كان باب الحانوت لوح مضروب ينطق بوقفية الحانوت لم يجز
للقاضي بوقفيته به. جامع الفصولين. فعلم من ذلك أنه ليس للقاضي أن يحكم بما في دفتر البياع
والصراف والسمسار خصوصا في هذا الزمان ولا ينبغي الافتاء به لمحرره اه‍، قوله: (ومفاده) صرح
به في الفتح جازما به، لكن في التاترخانية عن الفتاوى الغياثية، ولا تجوز شهادة المستأجر للأجير.
وفي حاشية الفتال عن المحيط السرخسي. قال أبو حنيفة في المجرد: لا ينبغي للقاضي أن يجيز شهادة
الأجير لأستاذه ولا الأستاذ لأجيره، وهو مخالف لما استنبطه من الحديث. قوله: (رفع صوتها) في
النهاية فلذا أطلق في قوله: مغنية وقيد في غناء الرجال بقول للناس، وتمامه في الفتح. وأما الشهادة
عليها بذلك فهي جرح مجرد فلذا اختص الظهور عند القاضي بالمداومة. تأمل. قوله: (درر) ما ذكره
جار في النوح بعينه، فما باله لم يكن مسقطا للعادلة إذا ناحت في مصيبة نفسها. سعدية. ويمكن
الفرق بأن المراد رفع صوت يخشى منه الفتنة. قوله: (ونائحة الخ) لا تقبل شهادة النائحة، ولم يرد به
التي تنوح في مصيبتها، وإنما أراد به التي تنوح في مصيبة غيرها واتخذت ذلك مكسبة. تاترخانية عن
المحيط. ونقله في الفتح عن الذخيرة ثم قال: ولم يتعقب هذا من المشايخ أحد فيما علمت، وتمامه فيه
فراجعه. قوله: (واختيارها) مقتضاه لو فعلته عن اختيارها لا تقبل. قوله: (وعدو
الخ) أي على عدوه ملتقى. قال الحانوتي: سئل في شخص ادعى عليه وأقيمت عليه بينة فقال: إنهم ضربوني خمسة أيام
فحكم عليه الحاكم ثم أراد أن يقيم البينة على الخصومة بعد الحكم فهل تسمع؟ الجواب: قد وقع
الخلاف في قبول شهادة العدو على عدوه عداوة دنيوية وهذا قبل الحكم، وأما بعده فالذي يظهر عدم
نقض الحكم، كما قالوا: إن القاضي ليس له أن يقضي بشهادة الفاسق ولا يجوز له، فإذا قضى لا
ينقضي اه‍. وهو مخالف لما في اليعقوبية. قوله: (واعتمد في الوهبانية الخ) قال في المنح: وما ذكره
هنا في المختصر من التفصيل في شهادة العدو تبعا للكنز وغيره هو المشهور على ألسنة فقهائنا، وقد
23

جزم به المتأخرون، لكن في القنية أن العداوة بسبب الدنيا لا تمنع ما لم يفسق بسببها أو يجلب منفعة أو
يدفع عن نفسه مضرة، وهو الصحيح وعليه الاعتماد، واختاره ابن وهبان، ولم يتعقبه ابن الشحنة،
لكن الحديث شاهد لما عليه المتأخرون ا ه‍. وتمامه فيها. وانظر ما كتبناه أول القضاء.
أقول: ذكر في الخيرية بعد كلام ما نصه: فتحصل من ذلك أن شهادة العدو على عدوه لا تقبل
وإن كان عدلا، وصرح يعقوب باشا في حاشيته بعدم نفاذ قضاء القاضي بشهادة العدو على عدوه
، والمسألة دوارة في الكتب وذكر في الشارح عبارة يعقوب باشا في أول كتاب القضاء. قوله: (أو
اعتاد شتم أولاده) قال في الفتح: وقال نصير بن يحيى: من يشتم أهله ومماليكه كثيرا في كل ساعة لا
يقبل وإن كان أحيانا يقبل، وكذا الشتام للحيوان كدابته ا ه‍. قوله: (كترك زكاة) الصحيح أن تأخير
الزكاة لا يبطل العدالة. وذكر الخاصي عن قاضيخان أن الفتوى على سقوط العدالة بتأخيرها من غير
عذر لحق الفقراء دون الحج خصوصا في زماننا. كذا في شرح النظم الوهباني منح في الفروع آخر
الباب. قوله: (أو ترك جماعة) قال في فتح القدير: منها ترك الصلاة بالجماعة بعد كون الامام لا طعن
عليه في دين ولا حال، وإن كان متأولا كأن يكون معتقدا أفضليتها أول الوقت والامام يؤخر الصلاة
أو غير ذلك لا تسقط عدالته بالترك، وكذا بترك الجمعة من غير عذر، فمنهم من أسقطها بمرة واحدة
كالحلواني، ومنهم من شرط ثلاث مرات كالسرخسي، والأول أوجه ا ه‍. لكن قدمنا عنه أن الحكم
بسقوط العدالة بارتكاب الكبيرة يحتاج إلى الظهور. تأمل. قوله: (بلا عذر) احتراز عما إذا أراد التقوي
على صوم الغد أو مؤانسة الضيف كما في الشرنبلالية والفتح. قوله: (قدوم أمير) إلا أن يذهب
للاعتبار فحينئذ لا تسقط عدالته. قوله: (فيما يتقرض) عبارة غيره يقرض. قوله: (الاشراف من أهل
العراق) أي لأنهم قوم يتعصبون، فإذا نابت أحدهم نائبة أتى سيد قومه فيشهد له ويشفع فلا يؤمن أن
يشهد له بزور ا ه‍. وعلى هذا كل متعصب لا تقبل شهادته. بحر. كذا في الهامش. قوله: (من مذهب
أبي حنيفة) أي استخفافا. قال في القنية من كتاب الكراهية: ليس للعامي أن يتحول من مذهب إلى مذهب ويستوي فيه الحنفي والشافعي، وقيل لمن انتقل إلى مذهب الشافعي ليزوج له أخاف أن
يموت مسلوب الايمان لإهانته للدين لجيفة قذرة. وفي آخر هذا الباب من المنح: وإن انتقل إليه لقلة
مبالاته في الاعتقاد والجراءة على الانتقال من مذهب إلى مذهب كما يتفق له ويميل طبعه إليه لغرض
24

يحصل له فإنه لا تقبل شهادته اه‍. فعلم بمجموع ما ذكرناه أن ذلك غير خاص بانتقال الحنفي، وأنه إذا لم يكن لغرض صحيح،
فافهم ولا تكن من المتعصبين فتحرم بركة الأئمة المجتهدين، وقدمنا هذا البحث مستوفى في فصل
التعزير فارجع إليه. قوله: (وكذا بائع الأكفان) إذا ابتكر وترصد لذلك. جامع الفتاوى وبحر. قوله
: (لتمنيه الموت) وإن لم يتمنه بأن كان عدلا تقبل كذا قيده شمس الأئمة. س. قوله: (وكذا الدلال) أي
فيما عقده أو مطلقا لكثرة كذبه. قوله: (والحيلة الخ) مقتضاه أن من لا تقبل شهادته لعلة يجوز له أن
يخفيها ويشهد، كما إذا كان عبد للمشهود له أو ابنه أو نحو ذلك، فليتأمل. قوله: (بزازية) عبارتها:
وشهادة الوكيلين أو الدلالين إذا قالا نحن
بعنا هذا الشئ أو الوكيلان بالنكاح أو بالخلع إذ قالا نحن فعلنا هذا النكاح أو الخلع لا تقبل، أما لو شهد الوكيلان بالبيع أو النكاح أنها منكوحته أو ملكه تقبل،
وذكر أبو القاسم: أنكر الورثة النكاح فشهد رجل قد تولى العقد والنكاح يذكر النكاح ولا يذكر أنه
تولاه اه‍. قوله: (والوكلاء المفتعلة) أي الدين يجتمعون على أبواب القضاة يتوكلون للناس بالخصومات
ح كذا في الهامش. قوله: (على أبوابهم) أي القضاة. قوله: (وفيها) مكرر مع ما يأتي متنا. قوله:
(ومدمن الشرب) الادمان أن يكون في نيته الشرب متى وجد. قال شمس الأئمة: يشترط مع هذا أن
يخرج سكران ويسخر منه الصبيان أو أن يظهر ذلك للناس، وكذلك مدمن سائر الأشربة، وكذا من
يجلس مجلس الفجور والمجانة في الشرب لا تقبل شهادته وإن لم يشرب. بزازية. كذا في الهامش.
قوله: (وما ذكره ابن الكمال غلط) حيث قال: ومدمن الشراب: يعني شراب الأشربة المحرمة مطلقا
على اللهو، لم يشترط الخصاف في شرب الخمر الادمان. ووجهه أن نفس شرب الخمر يوجب الحد
فيوجب رد الشهادة، وشرط في شهادة الأصل الادمان لأنه إذا شرب في السر لا تسقط عدالته، لان
الادمان أمر آخر وراء الاعلان، بل لان شرب الخمر ليس بكبيرة فلا يسقط العدالة إلا الاصرار عليه
بالادمان. قال في الفتاوى الصغرى: ولا تسقط عدالة شارب الخمر بنفس الشرب لان هذا الحد ما
ثبت بنص قاطع إلا إذا دام على ذلك ح. كذا في الهامش. قوله: (كما حرره في البحر) حيث قال
: وذكر ابن الكمال أن شرب الخمر، ليس بكبيرة فلا يسقط العدالة إلا بالاصرار عليه بدليل عبارة
الفتاوى الصغرى المتقدمة اه‍.
لكن في الهامش قال تحت قول الشارح كما حرره في البحر: أي من أن التحقيق أن شرب قطرة
25

من الخمر كبيرة، وإنما شرط المشايخ الادمان ليظهر شربه عند القاضي ا ه‍ ح. قوله: (القصب) الذي
في المنح: القضيب. قوله: (بأن يرقصوا) وفي بعض النسخ زيادة كانوا فتأمل. والوجه أن اسم
مغنية ومغن: إنما هو في العرف لمن كان الغناء حرفته التي يكتسب بها المال وهو حرام، ونصوا على
أن التغني للهو أو لجمع المال حرام بلا خلاف، وحينئذ فكأنه قال: لا تقبل شهادة من اتخذ التغني
صناعة يأكل بها، وتمامه فيه فراجعه. قوله: (وغيره) كابن
كمال. قوله: (قال) أي العيني. قوله: (جائز اتفاقا) أعلم أن التغني لاسماع الغير وإيناسه حرام عند العامة، ومنهم جوزه في العرس والوليمة، وقيل إن كان يتغنى ليستفيد به نظم القوافي ويصير فصيح اللسان لا بأس. أما التغني
لاسماع نفسه: قيل لا يكره، وبه أخذ شمس الأئمة، لما روى ذلك عن أزهد الصحابة البراء بن
عازب رضي الله عنه. والمكروه على ما يكون على سبيل اللهو، ومن المشايخ من قال ذلك يكره، وبه
أخذ شيخ الاسلام. بزازية. قوله: (ضرب الدف فيه) جواز ضرب الدف فيه خاص بالنساء لما في
البحر عن المعراج بعد ذكره أنه مباح في النكاح وما في معناه من حادث سرور قال: وهو مكروه
للرجال على كل حال للتشبه بالنساء. قوله: (فانقطع الاختلاف) فيه كلام ذكرته في حاشيتي على
البحر، وقد رد السائحاني على صاحب البحر. قوله: (أو يلعب بنرد) أي إذا علم ذلك. فتح. قوله:
(أو طاب) نوع من اللعب كذا في الهامش.
قال في الفتح: ولعب الطاب في بلادنا مثله، لأنه يرمي ويطرح بلا حساب وإعمال فكر، وكل
ما كان كذلك مما أحدثه الشيطان وعمله أهل الغفلة فهو حرام سواء قومر به أو لا اه‍.
قلت: ومثله اللعب بالصينية والخاتم في بلادنا، وإن تورع ولم يلعب ولكن حضر في مجلس
اللعب بدليل من جلس مجلس الغناء، وبه يظهر جهل أهل الورع البارد. قوله: (أما الشطرنج فلشبهة
الاختلاف) أي اختلاف مالك والشافعي في قولهما بإباحته، وهو رواية عن أبي يوسف، واختارها ابن الشحنة.
26

أقول: هذه الرواية ذكره في المجتبى ولم تشتهر في الكتب المشهورة، بل المشهور الرد على
الإباحة، وابن الشحنة لم يكن من أهل الاختيار، سائحاني، وانظر ما في شرح المنظومة المحبية للأستاذ
عبد الغني اه‍. قوله: (شرط واحد) أي لحرمته.
والحاصل أن العدالة إنما تسقط بالشطرنج إذا وجد واحد من خمسة: القمار وفوت الصلاة
بسببه وإكثار الحلف عليه واللعب به على الطريق كما في فتح القدير، أو يذكر عليه فسقا كما في شرح
الوهبانية. بحر. كذا في الهامش. قوله: (على الطريق) قال في الفتح: وأما ما ذكر من أن من يلعبه
على الطريق ترد شهادته فلإتيانه الأمور المحقرة ا ه‍. قوله: (أو يداوم عليه) هذا سادس الستة. كذا
في الهامش. قوله: (قيدوه بالشهرة) قيل لأنه إذا لم يشتهر به كان الواقع ليس إلا تهمة أكل الربا ولا
تسقط العدالة به، وهذا أقرب، ومرجعه إلى ما ذكر في وجه تقييد شرب الخمر بالادمان. قوله:
(فالكل سواء) أي كل المفسقات لا خصوص الربا. سائحاني. قوله: (بحر) أصل العبارة للكمال حيث
قال: والحاصل أن الفسق في نفس الامر مانع شرعا، غير أن القاضي لا يرتب ذلك إلا بعد ظهوره
له، فالكل سواء في ذلك. وقال قبله: وأما أكل مال اليتيم فلم يقيده أحد ونصوا أنه بمرة، وأنت
تعلم أنه لا بد من الظهور للقاضي لان الكلام فيما يرد به القاضي الشهادة فكأنه بمرة يظهر لأنه
يحاسب فيعلم أنه استنقص من المال ا ه‍. قوله: (أو يأكل على الطريق) أي بأن يكون بمرأى من الناس.
بحر.
ثم اعلم أنهم اشترطوا في الصغيرة الادمان، وما شرطوه في فعل ما يخل بالمروءة فيما رأيت،
وينبغي اشتراطه بالأولى، وإذا فعل ما يخل بها سقطت عدالته وإن لم يكن فاسقا حيث كان مباحا،
ففاعل المخل بها ليس بفاسق ولا عدل، فالعدل من اجتنب الثلاثة، والفاسق من فعل كبيرة أو أصر
على صغيرة، ولم أر من نبه عليه. وفي العتابية: ولا تقبل شهادة من يعتاد الصياح في الأسواق. بحر.
قال في النهاية: وأما إذا شرب الماء أو أكل الفواكه على الطريق لا يقدح في عدالته لان الناس لا
27

تستقبح ذلك. منح س. قوله: (أوصى إليه) أي إلى زيد، والأولى إظهاره. قوله: (فإن ادعاه) أي
رضي به. سعدية وعزمية. قوله: (والموصى لهما) أورد على هذا أن الميت إذا كان له وصيان فالقاضي
لا يحتاج إلى نصب آخر، وأجيب بأنه يملكه لإقرارهما بالعجز عن القيام بأمور الميت. كذا في البحر.
قوله: (لثالث) أي لرجل ثالث متعلق بشهادة كقوله على الايصاء: أي على أن الميت جعله وصيا، وهذا
مرتبط بالمسائل الأربع لا بالأخيرة كما لا يخفى، فافهم. وفي البحر: ولا بد من كون الميت معروفا في
الكل: أي ظاهرا إلا في مسألة المديونين، لأنهما يقران على أنفسهما بثبوت ولاية القبض للمشهود له،
فانتفت التهمة وثبت موته بإقرارهما في حقهما، وقيل معنى الثبوت أمر القاضي إياهما بالأداء إليه لا
برأتهما عن الدين بهذا الأداء لان استيفاءه منهما حق عليهما، والبراءة حق لهما فلا تقبل. كذا في
الكافي اه‍ ملخصا. قوله: (على قبول الوصية) ظاهر في أن الوصي من جهة القاضي خلافا لما في
البحر. قوله: (كما لا تقبل لو شهدا الخ) هذا إذا كان المطلوب يجحد الوكالة، وإلا جازت الشهادة
لأنه يجبر على دفع المال بإقراره بدون الشهادة، وإنما قامت الشهادة لإبراء المطلوب عند الدفع إلى
الوكيل إذا حضر الطالب وأنكر الوكالة فكانت شهادة على أبيهما فتقبل. وفرق بينهما وبين من وكل
رجلا بالخصومة في دار بعينها وقبضها وشهد ابنا الموكل بذلك لا تقبل وإن أقر المطلوب بالوكالة، لأنه
لا يجبر على دفع الدار إلى الوكيل بحكم إقراره بل بالشهادة فكانت لأبيهما فلا تقبل. بحر ملخصا عن
المحيط. قوله: (أباهما) أشار إلى عدم قبول شهادة ابن الوكيل مطلقا بالأولى، والمراد عدم قبولها في
الوكالة من كل من لا تقبل شهادته للموكل، وبه صرح في البزازية. بحر. قوله: (الغائب) قيد به
، لأنه لو كان حاضرا لا يمكن الدعوى بها ليشهدا لان التوكيل لا تسمع الدعوى به لأنه من العقود
الجائزة، لكن يحتاج إلى بيان صورة شهادتهما في غيبته مع جحد الوكيل لأنها لا تسمع إلا بعد
الدعوى.
ويمكن أن تصور بأن يدعي صاحب وديعة عليه بتسليم وديعة الموكل في دفعها فيجحد فيشهدان
به وبقبض ديون أبيهما، وإنما صورناه بذلك لان الوكيل لا يجبر على فعل ما وكل به إلا في رد
الوديعة ونحوها كما سيأتي فيها. بحر. وفيه نظر بيناه في حاشيته، فتدبر. قوله: (عن الغائب) لعدم
الضرورة إليه لوجود رجاء حضوره س. قال في البحر بعد ذكر الغائب: إلا في المفقود. قوله:
(بعد) وكذا قبله بالأولى، فكان الأولى أن يقول: ولو بعد ما عزله القاضي، ودلت المسألة على أن
القاضي إذا عزل الوصي ينعزل. بزازية. ويمكن أن يقال: عزله بجنحة. قوله: (ولو شهد الخ) أصل
28

المسألة في البزازية حيث قال: وكله بطلب ألف درهم قبل فلان والخصومة فخاصم عند غير القاضي
ثم عزل الوكيل قبل الخصومة في مجلس القضاء ثم شهد الوكيل بهذا المال لموكله يجوز. وقال الثاني: لا
يجوز بناء على أن نفس الوكيل قام مقام الموكل ا ه‍. فالمراد هنا أنه خاصم فيما وكل به، فإن خاصم في
غيره ففيه تفصيل أشار إليه الشارح فيما يأتي اه‍.
ونقل في الهامش فرعا هو: ادعى المشتري أنه باعه من فلان وفلان يجحد فشهد له البائع لم
تقبل. كذا في المحيط. والبائع إذا شهد لغيره بما باع لا تقبل شهادته، وكذا المشتري، كذا في فتاوى
قاضيخان فتاوى الهندية ا ه‍. قوله: (كالوصي) بناء على أن عنده بمجرد قبول الوكالة يصير خصما وإن
لم يخاصم، ولهذا لو أقر على موكله في غير مجلس القضاء نفذ إقراره عليه. وعندهما: لا يصير خصما
بمجرد القبول، ولهذا لا ينفذ إقراره. ذخيرة ملخصا. قوله: (وفي قسامة الزيلعي الخ) المسألة مبسوطة
في الفصل السادس والعشرين من التاترخانية. قوله: (متفق عليهما) فيه أن أبا يوسف جعل الوكيل
الوصي وإن لم يخاصم مع أنه بعرضة أن يخاصم. قوله: (عندهما) أي خلافا للثاني كما تقدم ح.
قوله: (أو عليه) أي أو شهد عليه أي على الموكل. قوله: (وفي البزازية) بيان لقوله: في غير ما وكل فيه.
قوله: (عند القاضي) متعلق بوكل لا بالخصومة. قوله: (مائة دينار) أي مال غير الموكل به، بخلاف ما مر. قوله: (وتمامه فيها) حيث قال: بخلاف ما لو وكله عند غير القاضي فخاصم مع
المطلوب بألف وبرهن على الوكالة ثم عزله الموكل عنها فشهد له على المطلوب بمائة دينار، فما كان
للموكل على المطلوب بعد القضاء بالوكالة لا يقبل، لان الوكالة لما اتصل بها القضاء صار الوكيل
خصما في حقوق الموكل على غرمائه، فشهادته بعد العزل بالدنانير شهادة الخصم فلا تقبل، بخلاف
الأول لان علم القاضي بوكالته ليس بقضاء فلم يصر خصما في غير ما وكل به وهو الدراهم فتجوز
شهادته بعد العزل في حق آخر ا ه‍ بزيادة من جامع الفتاوى. وزاد في الذخيرة: إلا أن يشهد بمال
حادث بعد تاريخ الوكالة فحينئذ تقبل شهادتهما عنده ا ه‍. ولهذا قال في البزازية بعد ما مر: وهذا غير
مستقيم فيما يحدث، لان الرواية محفوظة فيما إذا وكله بالخصومة في كل حق له وقبضه على رجل:
يعني أنه لا يتناول الحادث، أما إذا وكله يطلب كل حق له قبل الناس أجمعين فالخصومة تنصرف إلى
الحادث أيضا استحسانا، فإذا تحمل المذكورة على الوكالة العامة.
ثم قال: والحاصل أنه في الوكالة العامة بعد الخصومة لا تقبل شهادته لموكله على المطلوب ولا
على غيره في القائمة ولا في الحادثة إلا في الواجب بعد العزل ا ه‍: يعني وأما في الخاصة: فلا تقبل
فيما كان على المطلوب قبل الوكالة وتقبل في الحادث بعدها أو بعد العزل. وإنما جاء عدم الاستقامة
29

بالتقييد بقوله بما كان للموكل على المطلوب بعد القضاء بالوكالة، ولذا لم يقيد بذلك في الذخيرة، بل
صرح بعده بأن الحادث تقبل فيه كما قدمناه، فاغتنم هذا التحرير ا ه‍. وذكر في الهامش عبارة جامع
الفتاوى ونصها: لأنه في الفصل الثاني لما اتصل القضاء بها: أي بالوكالة صار الوكيل خصما في جميع
حقوق الموكل على غرمائه، فإذا شهد بالدنانير فقد شهد بما هو خصم فيه، وفي الأول: علم القاضي
بوكالته ليس بقضاء فلم يصر خصما فكان في غير ما وكل به وهو الدراهم فتجوز شهادته بعد العزل
في حق آخر اه‍. قوله: (شهادة اثنين الخ) راجع الفصل الرابع والعشرين من التاترخانية. قوله: (في
ذلك) أي فيما في الذمة، وإنما تثبت الشركة في المقبوض بعد القبض. ووجه قول أبي يوسف بعدم
القبول أن أحد الفريقين إذا قبض شيئا من التركة بدينه شاركه الفريق الآخر فصار كل شاهدا لنفسه.
قوله: (بخلاف الوصية بغير عين) كما إذا شهد أن الميت أوصى لرجلين بألف فادعى الشاهدان أن
الميت أوصى لهما بألف وشهد الموصى لهما أن الميت أوصى للشاهدين بألف لا تقبل الشهادتان، لان
حق الموصى له تعلق بعين التركة حتى لا يبقى بعد هلاك التركة، فصار كل واحد من الفريقين مثبتا
لنفسه حق المشاركة في التركة فلا تصح شهادتهما، واحترز بالوصية بغير عين عن الوصية بها، كما لو
شهدا أنه أوصى لرجلين بعين وشهد المشهود لهما للشاهدين الأولين أنه أوصى لهما بعين أخرى فإنها
تقبل الشهادتان اتفاقا، لأنه لا شركة ولا تهمة ا ه‍ ح. كذا في الهامش. قوله: (على أجنبي) الظاهر أنه
غير قيد. تأمل. قوله: (حق الله تعالى) ولو كان الحق تعزيزا، وانظر باب التعزير من البحر عند قوله:
يا فاسق يا زاني. قوله: (وإلا لا) تكرار. س. قوله: (بعد التعديل) ولو قبله قبلت. ذكر في البحر أن
التفصيل إنما هو إذا ادعاه الخصم وبرهن عليه جهرا، أما إذا أخبر القاضي به سرا وكان مجردا طلب
منه البرهان عليه، فإذا برهن عليه سر أبطل الشهادة لتعارض الجرح والتعديل فيقدم الجرح، فإذا قال
الخصم للقاضي سرا إن الشاهد أكل ربا وبرهن عليه رد شهادته كما أفاده في الكافي ا ه‍. ووجه أنه لو
كان البرهان جهرا لا يقبل على الجرح المجرد لفسق الشهود به بإظهار الفاحشة، بخلاف ما إذا شهدوا
سرا كما بسطه في البحر.
وحاصله: أنها تقبل على الجرح ولو مجردا أو بعد التعديل لو شهدوا به سرا، وبه يظهر أنه لا بد
من التقييد لقول المصنف لا تقبل بعد التعديل بما إذا كان جهرا وظاهر كلام الكافي أن الخصم لا
يضره الاعلان بالجرح المجرد كما في البحر: أي لأنه إذا لم يشتبه بالشهود سرا وفسق بإظهار الفاحشة
لا يسقط حقه، بخلاف الشهود فإنها تسقط شهادتهم بفسقهم بذلك، وكذا يقبل سؤال القاضي.
قال في البحر أول الباب المار: وقد ظهر من إطلاق كلامهم هنا أن الجرح يقدم على التعديل
30

سواء كان مجردا أو لا عند سؤال القاضي عند الشاهد، والتفصيل الآتي من أنه إن كان مجردا لا تسمع
البينة به أو لا فتسمع إنما هو عند طعن الخصم في الشاهد علانية اه‍.
هذا، وقد مر قبل هذا الباب أنه لا يسأل عن الشاهد بلا طعن من الخصم. وعندهما يسأل
مطلقا، والفتوى على قولهما من عدم الاكتفاء بظاهر العدالة، وحينئذ فكيف يصح القول برد الشهادة
على الجرح المجرد قبل التعديل؟ وأجاب السائحاني بأن من قال تقبل أراد أنه لا يكفي ظاهر العدالة،
ومن قال ترد أراد أن التعديل لو كان ثابتا أو أثبت بعد ذلك لا يعارضه الجرح المجرد فلا تبطل العدالة
اه‍. ويشير إلى هذا قول ابن الكمال.
فإن قلت: أليس الخبر عن فسق الشهود قبل إقامة البينة على عدالتهم يمنع القاضي عن قبول
شهادتهم والحكم بها؟
قلت: نعم، لكن ذلك للطعن في عدالتهم لا لسقوط أمر يسقطهم عن حيز القبول، ولذا لو
عدلوا بعد هذا تقبل شهادتهم، ولو كانت الشهادة على فسقهم مقبولة لسقطوا عن حيز الشهادة ولم يبق
لهم مجال التعديل اه‍. وهذا معنى كلام القهستاني، وكذلك كلام صدر الشريعة ومله خسرو، ويرجع
إلى ما ذكره ابن الكمال. قوله: (وجعله البرجندي) أقول: المتبادر منه رجوعه إلى قوله: لكن يزكي
الشهود سرا وعلنا أما على قول الإمام فيكتفي بالتزكية علنا كما تقدم وهذا محله ما إذا لم يطعن
الخصم. أما إذا طعن كما هنا فلا اختلاف، بل هو على قوله الكل من أنهم يزكون سرا وعلنا، فتأمل
وراجع. ولعل هذا هو وجه أمر الشارح بقوله: فتنبه س. والظاهر أن الضمير راجع إلى الاطلاق
المفهوم من قوله: وأطلق الكمال. قوله: (أو زناه الخ) أي عادتهم الزنا أو أكل الربا أو الشرب،
وفي هذا لا يثبت الحد، بخلاف ما يأتي من أنهم زنوا أو سرقوا مني الخ، لأنها شهادة على فعل خاص
موجب للحد، هذا ما ظهر لي.
فرع: ذكره في الهامش ومن ادعى ملكا لنفسه ثم شهد أنه ملك غيره لا تقبل شهادته، ولو شهد
بملك لانسان ثم شهد به لغيره لا تقبل، ولو ابتاع شيئا من واحد ثم شهد به لآخر ترد شهادته، ولو
برهن أن الشاهد أقر أنه ملكي يقبل، والشاهد لو أنكر الاقرار لا يحلف. جامع الفصولين في الرابع
عشر اه‍. قوله: (فلا تقبل) تكرار مع ما مر. قوله: (واعتمده المصنف) قال: وإنما لم تقبل هذه
الشهادة بعد التعديل، لان العدالة بعد ما ثبتت لا ترتفع إلا بإثبات حق الشرع أو العبد كما عرفت،
31

وليس في شئ مما ذكر إثبات واحد منهما، بخلاف ما إذا وجدت قبل التعديل فإنها كافية في الدفع
كما مر، كذا قاله منلا خسرو وغيره.
فإن قلت: لا نسلم أنه ليس فيما ذكر إثبات واحد منهما: يعني حق الله تعالى وحق العبد، لان
إقرارهم بشهادة الزور أو شرب الخمر مع ذهاب الرائحة موجب للتعزير وهو هنا من حقوق الله تعالى.
قلت: الظاهر أن مرادهم بما يوجب حقا لله تعالى الحد لا التعزير لقولهم: وليس في وسع
القاضي إلزامه لان يدفعه بالتوبة، لان التعزير حق الله تعالى يسقط بالتوبة، بخلاف الحد لا يسقط بها،
والله تعالى أعلم اه‍.
قلت: لكن صرح في تعزير البحر أن الحق لله تعالى لا يختص بالحد بل أعم منه ومن التعزير،
وصرح هناك أيضا بأن التعزير لا يسقط بالتوبة، إلا أن يقال: إن مراده به ما كان حقا للعبد لا يسقط
بها. تأمل. قوله: (كإقرار المدعي) قال في البحر: لا يدخل تحت الجرح ما إذا برهن على إقرار المدعي
بفسقهم أو أنهم أجراء أو لم يحضروا الواقعة أو على أنهم محدودون في قذف أو على رق الشاهد أو على
شركة الشاهد في العين، وكذا قال في الخلاصة للخصم أن يطعن بثلاثة أشياء: أن يقول هما عبدان،
أو محدودان في قذف، أو شريكان، فإذا قال هما عبدان يقال للشاهدين: أقيما البينة على الجرية، وفي
الآخرين يقال للخصم: أقم البينة أنهما كذلك ا ه‍، فعلى هذا الجرح في الشاهد إظهار ما يخل بالعدالة
لا بالشهادة مع العدالة، فإدخال هذه المسائل في الجرح المقبول كما فعل ابن الهمام مردود، بل من
باب الطعن ما في الخلاصة. وفي خزانة الأكمل: لو برهن على إقرار المدعي بفسقهم أو بما يبطل
شهادتهم يقبل، وليس هذا بجرح وإنما هو من باب إقرار الانسان على نفسه ا ه‍. وهذا لا يرد على
المصنف فكان على الشارح أن لا يذكر قوله: الجرح المركب فإنها زيادة ضرر. قوله: (بقذف) لان من
تمام حده رد شهادته وهو من حقوق الله تعالى. قوله: (ولم يتقادم العهد) بأن لم يزل الريح في الخمر ولم
يمض شهر في الباقي، قيد بعدم التقادم، إذ لو كان مقادما لا تقبل لعدم إثبات الحق به لان الشهادة
بحد متقادم مردودة. منح. وما ذكره المصنف بقوله: ولم يتقادم العهد وفق به الزيلعي بين جعلهم
هم زناة شربة الخمر من المجرد وجعلهم زنوا أو سرقوا من غيره ونقل عن المقدسي أن الأظهر أن
قولهم زناة أو فسقة أو شربة أو أكلة ربا اسم فاعل، وهو قد يكون بمعنى الاستقبال فلا يقطع بوصفهم
بما ذكر، بخلاف الماضي ا ه‍ ملخصا. وهو حسن جدا لأنه من المتبادر من تخصيصهم في التمثيل
للأول باسم الفاعل وللثاني بالماضي. قوله: (أو شركاء) فيما إذا كانت الشهادة في شركتهما. منح.
والمراد أن الشاهد شريك مفاوض، فمهما حصل من هذا الباطل يكون له فيه منفعة، لا أن يراد أنه
شريكه في المدعى به وإلا كان إقرارا بأن المدعى به لهما. فتح، ومثله في القهستاني. وما في البحر من
حمله على الشركة عقدا يشمل بعمومه العنان ولا يلزم منه نفع الشاهد فكأنه سبق قلم. وعلى ما قلنا
32

فقول الشارح والمدعي مال أي مال تصح فيه الشركة ليخرج نحو العقار وطعام أهله وكسوتهم مما لا
تصح فيه. قوله: (أو أني صالحتهم) أي شهدوا على قول المدعي إني صالحتهم الخ. قوله: (أي رشوة)
قاله في السعدية. قوله: (فلم يبرح) لأنه لو قام لم يقبل منه ذلك لجواز أنه عزه الخصم بالدنيا. بحر.
قوله: (أخطأت) قال في البحر: معنى قوله: أوهمت أخطأت بنسيان ما كان يحق على ما ذكره أو بزيادة
كانت باطلة. كذا في الهداية، ا ه‍. قوله: (بعض شهادتي) منصوب على نزع الخافض: أي في بعض
شهادتي. سعدية. قوله: (قبلت شهادته) قال في المنح. واختاره في الهداية لقوله في جواب المسألة
جازت شهادته، وقيل يقضي بما بقي إن تداركه بنقصان، وإن بزيادة يقضي بها إن ادعاها المدعي، لان
ما حدث بعدها قبل القضاء يجعل كحدوث عندها، وإليه مال شمس لائمة السرخسي، واقتصر عليه
قاضيخان وعزاه إلى الجامع الصغير ا ه‍. قوله: (لو عدلا) تكرار مع المتن. س. قوله: (وعليه الفتوى)
أي على قوله: ولو بعد القضاء. قوله: (بما بقي) أي أو بما زاد كما صرح به غيره ومثله في البحر.
قال: وعليه فمعنى القبول العمل بقوله الثاني. قوله: (فتنبه وتبصر) في كلام الشارح عفى عنه
في هذا المقام نظر من وجوه
: الأول: أن قوله: ولو بعد القضاء ليس في محله، لان الضمير في قول المصنف قبلت راجع
إلى الشهادة كما نص عليه في المنح، وهو مقتضى صنيعة هنا، وحينئذ فلا معنى لقبولها بعد القضاء،
بل الصواب ذكره بعد عبارة الملتقى.
الثاني: أنه لا محل للاستدراك هنا، لان في المسألة قولين، ولا يقبل الاستدراك بقول على آخر
إلا أن يعتبر الاستدراك بالنظر إلى ترجيح الثاني.
الثالث: أن قوله: وكذا لو وقع الغلط في بعض الحدود أو النسب يقتضي أنه مفرع على القول
المذكور في المتن وليس كذلك.
الرابع: أنه يقتضي أنه لا يقبل قوله بذلك وليس كذلك.
وعبارة الزيلعي تدل على ما قلنا من أوجه النظر المذكورة حيث قال: ثم قيل يقضي بجميع ما
شهد به أولا، حتى لو شهد بألف ثم قال غلطت في خمسمائة يقضي بألف لان المشهود به أولا صار
حقا للمدعي ووجب على القاضي القضاء به فلا يبطل برجوعه. وقيل يقضي بما بقي لان ما حدث
بعد الشهادة قبل القضاء كحدوثه عند الشهادة. ثم قال: وذكر في النهاية أن الشاهد إذا قال أوهمت
في الزيادة أو في النقصان يقبل قوله إذا كان عدلا، ولا يتفاوت بين أن يكون قبل القضاء أو بعد رواه
33

عن أبي حنيفة، وعلى هذا لو وقع الغلط في ذكر بعض حدود العقار أو في بعض النسب ثم تذكر
تقبل لأنه قد يبتلي به في مجلس القضاء فذكره ذلك للقاضي دليل على صدقه واحتياطه في الأمور اه‍.
فتأمل. قوله: (أو النسب) بأن قال محمد بن علي بن عمران: فتداركه في المجلس قيل وبعده، وقوله:
بعض الحدود بأن ذكر الشرقي مكان الغربي ونحوه. فتح. قوله: (أولى من بينة الموت) نقل الشيخ
غانم خلافه عن الخلاصة وغيرها، فراجعه، وأفتى المفتي أبو السعود بخلافه. وذكر في البحر مسائل
في تعارض البينات وترجيحها في الباب الآتي عند قوله: ولو شهدا أنه قتل زيدا يوم النحر الخ. وذكر
في الهامش مسائل في تعارض البينات هي قطع أقامت الأمة بينة أن مولاها دبرها في مرض موته وهو
عاقل وأقامت الورثة بينة أنه كان مخلوط العقل فبينة الأمة أولى، وكذا إذا خالع امرأته ثم أقام الزوج
بينة أنه كان مجنونا وقت الخلع والمرأة على أنه كان عاقلا فبينة المرأة أولى في الفصلين. زوج الأب بنته
البالغة من رجل على أنه يعطيه ألفا فأعطاه ثم ادعت البنت أن الألف مهرها وادعى الأب أنه له لأجل
قفتا نلق وأقاما البينة فبينة البنت أولى، لان بينتها تثبت الوجوب في النكاح وبينته تثبت الرشوة.
حاوي الزاهدي، ولو ادعى أحدهما البيع بالتلجئة وأنكر الآخر فالقول لمدعي الجد بيمينه، ولو برهن
أحدهما قبل، ولو برهنا فالتلجئة كما سبق في البيع تعارضت بينتا صحة الوقف وفساده، فإن الفساد
لشرط في الوقف مفسد فبينة الفساد أولى، وإن كان المعنى في المحل وغيره فبينة الصحة أولى. وعلى
هذا التفصيل إذا اختلف البائع والمشتري في صحة البيع وفساده. باقاني على الملتقي. بينة أنه باعها في
البلوغ أولى من بينة أنه باعها في صغره حاوي الزاهدي: إذا تعارضت بينة القدم والحدوث. ففي
البزازية والخلاصة: بينة القدم أولى. وفي ترجيح البينات للبغدادي عن القنية: بينة الحدوث أولى. وذكر
العلائي في شرح الملتقى أن بينة القدم أولى في البناء وبينة الحدوث أولى في الكنيف اه‍ حامدية. ولو
ظهر جنونه وهو مفيق يجحد الإقامة أولى من بينة الجنون. وعن أبي يوسف: إذا ادعى شراء الدار فشهد
شاهدان أنه كان مجنونا عندما باعه وآخران أنه كان عاقلا فبينة العقل وصحة البيع أولى. إذا اختلف
المبايعان في صحة العقد وفساده فإنما يجعل القول لمن يدعي الصحة والبينة بينة من يدعي الفساد، ولو
قال لا دعوى على تركة أخي أو لا حق في تركة أخي وهو أحد الورثة لا يبطل ولا يدفع الورثة بهذا
اللفظ، بحر عن النوادر ا ه‍. قوله: (من يتيم بالغ) متعلق ببينة. قوله: (ما اشتراه) أي المشتري. قوله:
(من وصيه) أي وصي اليتيم. قوله: (ذا عقل) بينة كون البائع معتوها (1) أولى من بينة كونه عاقلا غانم

(1) قوله: (بينة كون البائع معتوها الخ) هكذا في النسخة المجموع منها، وليتأمل فيه مع قول المصنف وبينة كون
المتصرف ذا عقل الخ وليحرر ا ه‍. مصححه.
34

البغدادي. قوله: (فهو على المرض) لان تصرفه أدنى من تصرف الصحة فيكون متيقنا، وانظر نسخة
السائحاني. قال: مجرد هذه الحواشي الذي في السائحاني هو قوله: ولو قال الشهود لا ندري كان في
صحة أو مرض فهو على المرض: أي لان تصرفه أدنى من تصرف الصحة فيكون متيقنا. وفي جامع
الفتاوى: ولو ادعى الزوج بعد وفاتها أنها كانت أبرأته من الصداق حال صحتها وأقام الوارث بينة أنها
أبرأته في مرض موتها فبينة الصحة أولى، وقيل بينة الورثة أولى، ولو أقر الوارث ثم مات فقال المقر له
أقر في صحته وقال بقية الورثة في مرضه فالقول للورثة والبينة للمقر له وإن لم يقم بينة وأراد
استحلافهم له ذلك. ادعت المرأة البراءة عن المهر بشرط وادعاها الزوج مطلقا وأقاما البينة فبينة المرأة
أولى إن كان الشرط متعارفا يصح الابراء معه، وقيل: البينة من الزوج أولى، ولو أقامت المرأة بينة على
المهر على أن زوجها كان مقرا به يومنا هذا وأقام الزوج بينة أنها أبرأته من هذا المهر فبينة البراءة أولى
وكذا في الدين لان بينة مدعي الدين بطلت كإقرار المدعى عليه بالدين ضمن دعواه البراءة كشهود بيع
وإقالة، فإن بينتها لم يبطلها شئ وتبطل بينة البيع لان دعوى الإقالة إقرار به، وقوله: فهو على
المرض لم يذكر ما إذا اختلفا في الصحة والمرض. وفي الأنقروي: ادعى بعض الورثة أن المورث وهبه
شيئا وقبضه في صحته وقالت البقية كان في المرض فالقول لهم، وإن أقاموا البينة لمدعي الصحة، ولو
ادعت أن زوجها طلقها في مرض الموت ومات وهي في العدة وادعى الورثة أنه في الصحة فالقول
لها، وإن برهنا وقتا واحدا فبينة الورثة أولى ا ه‍. هذا ما وجدته فيها. قوله: (أولى من بينة الطوع) قال
ابن الشحنة:
وبينتا كره وطوع أقيمتا * فتقديم ذات الكره صحح الأكثر
قال في الهامش: تعارضت بينة الاكراه والطوع في البيع والصلح والاقرار فبينة الاكراه أولى.
باقاني عن الملتقى. وخانية في أحكام الشهادات الفاسدة وترجيح البينات. وبينة الرجوع عن الوصية
أولى من بينة كونه موصيا مصرا إلى الوفاة. أبو السعود وحامدية. قوله: (لمدعي البطلان) لأنه منكر
للعقد. قوله: (لمدعي الصحة) مفاده أن البينة الفساد فيوافق ما قبله. قوله: (إلا في مسألة الإقالة) كما
لو ادعى المشتري أنه باع المبيع من البائع بأقل من الثمن قبل النقد وادعى البائع الإقالة فالقول للمشتري
مع أنه يدعي فساد العقد، ولو كان على القلب تحالفا. أشباه. قوله: (وفي الملتقط) أنظر ما كتبناه قبيل
35

الكفالة. قوله: (شهادة النفي المتواتر مقبولة) بخلاف غيره فلا يقبل سواء كان نفيا صورة أو معنى،
وسواء أحاط به علم الشاهد أولا كما مر في باب اليمين في البيع والشراء. نعم تقبل بينة النفي في
الشروط كما قدمناه هناك.
وذكر في الهامش في النوادر عن الثاني: شهدا عليه بقول أو
فعل يلزم عليه بذلك إجارة أو بيع أو كتابة أو طلاق أو عتاق أو قتل أو قصاص في مكان أو زمان وصفات فبرهن المشهود عليه
أنه لم يكن ثمة يومئذ لا تقبل. لكن قال في المحيط في الحادي والخمسين: إن تواتر عند الناس
وعلم الكل عدم كونه في ذلك المكان والزمان لا تسمع الدعوى ويقضي بفراغ الذمة، لأنه يلزم
تكذيب الثابت بالضرورة ما لم يدخله الشك عندنا إلى الكلام الثاني (1) وكذا كل بينة قامت على أن
فلانا لم يقل ولم يفعل ولم يقر. وذكر الناطفي: أمن الامام أهل مدينة من دار الحرب فاختلطوا بمدينة
أخرى وقالوا كما جميعا فشهدا أنهم لم يكونوا وقت الأمان في تلك المدينة يقبلان إذا كانا من
غيرهم. بزازية. وذكر الامام السرخسي أن الشرط وإن نفيا كقوله: إن لم أدخل الدار اليوم فامرأته
كذا فبرهنت على عدم الدخول اليوم يقبل. حلفه إن لم تأت صهرتي في الليلة ولم أكلمها فشهدا على
عدم الاتيان والكلام يقبل لان الغرض إثبات الجزاء، كما لو شهد اثنان أنه أسلم واستثنى وآخران
بلا استثناء يقبل ويحكم بإسلامه. بزازية. قوله: (خمسة أخرى) الأولى قال لعبده: إن دخلت هذه
الدار فأنت حر وقال نصراني إن دخل هو هذه الدار فامرأته طالق فشهد نصرانيان على دخوله
الدار: إن العبد مسلما لا تقبل، وإن كافرا تقبل في حق وقوع الطلاق لا العتق: الثانية لو قال: إن
استقرضت من فلان فعبده حر فشهد رجل وأبو العبد أنه استقرض من فلان والحالف ينكر يقبل في
حق المال لا في حق عتق لان فيها شهادة الأب للابن. الثالثة لو قال: إن شربت الخمر فعبده حر
فشهد رجل وامرأتان على تحققه يقبل في حق العتق لا في حق لزوم الحد. الرابعة لو قال: إن
سرقت فعبده حر فشهد رجل وامرأتان عليه بها يقبل في حق العتق لا في حق القطع. الكل من
البزازية.
قلت: ثم رأيت مسألة أخرى فزدتها وهي الخامسة: لو قال لها: إن ذكرت طلاقك إن سميت
طلاقك إن تكلمت بهد فعبده حر فشهد شاهد أنه طلقها اليوم والآخر على طلاقها أمس يقع الطلاق لا
العتاق، وهي في البزازية أيضا. كذا في حاشية تنوير البصائر ا ه‍. وزاد البيري ما في خزانة الأكمل
من اللقطة، وذلك: لقطة في يد مسلم وكافر فأقام صاحبها شاهدين كافرين عليها تسمع على ما في يد
الكافر خاصة استحسانا، وما لو لمات كافر فاقتسم ابناه تركته ثم أسلم أحدهما ثم شهد كافران على أبيه
بدين قبلت في حصة الكافر خاصة اه‍.

(1) قوله: (إلى الكلام الثاني) هكذا في النسخة المجموع منها، ولعل صوابه كلام الثاني بالإضافة وليحرر ا ه‍. مصححه.
36

باب الاختلاف في الشهادة
قوله: (منها أن الشهادة الخ) هذه عبارة الدرر. قال محشيها الشرنبلالي: ليس من هذا الباب لأنه
في الاختلاف في الشهادة لا في قبول الشهادة وعدمه ا ه‍ مدني. قوله: (بأكثر من المدعي) ومنه إذا
دعى ملكا مطلقا أو بالنتاج فشهدوا في الأول بالملك بسبب وفي الثاني بالملك المطلق قبلت، لان الملك
بسبب أقل من المطلق لأنه يفيد الأولوية، بخلافه بسبب فإنه يفيد الحدوث والمطلق أقل من النتاج، لأن المطلق
يفيد الأولوية على الاحتمال والنتاج على اليقين وفي قلبه، وهو دعوى المطلق فشهدوا بالنتاج لا
تقبل، ومن الأكثر ما لو ادعى الملك بسبب فشهدوا بالمطلق لا تقبل إلا إذا كان السبب الإرث. باقاني.
وتمامه هناك. كذا في الهامش. قوله: (باطلة) أي إلا إذا وفق وبيانه في البحر. قوله: (موافقة
الشهادتين الخ) كما لو ادعى دارا في يد رجل أنها لو منذ سنة فشهد أنها منذ عشرين سنة بطلت، فلو
ادعى المدعي أنها منذ عشرين سنة والشهود شهدوا أنها منذ سنة جازت شهادتهم. خانية. وفي
الأنقروي عن القاعدية في الشهادات: الشهادة لو خالفت الدعوى بزيادة لا يحتاج إلا إثباتها أو نقصان
كذلك فإن ذلك لا يمنع قبولها اه‍ حامدية.
وفي الخيرية عن الفصولين: ولا يكلف الشاهد إلى بيان لون الدابة، لأنه سأل عمالا يكلف إلى
بيانه فاستوى ذكره وتركه، ويخرج منه مسائل كثيرة ا ه‍ حامدية.
رجل ادعى في يد رجل متاعا أو دارا أنها له وأقام البينة وقضى القاضي له فلم يقبضه حتى أقام
الذي في يده البينة أن المدعي أقر عند غير القاضي أنه لا حق له فيه، قال: إن شهدوا أنه أقر بذلك
قبل القضاء بطل القضاء. وإن شهدوا أنه أقر به بعد القضاء لا يبطل القضاء لان الثابت بالبينة كالثابت
عيانا، ولو عاين القاضي إقراره بذلك كان الحكم على هذا الوجه خالية من تكذيب الشهود، وكذا في
الهامش. قوله: (فإذا وافقتها قبلت) صدر الباب بهذه المسألة مع أنها ليست من الاختلاف في الشهادة
لكونها كالدليل لوجوب اتفاق الشاهدين، ألا ترى أنهما لو اختلفا لزم اختلاف الدعوى والشهادة كما
لا يخفى على من له أدنى بصيرة. سعدية، وبه ظهر وجه جعل ذلك من الأصول. ثم إن التفريع على
ما قبله مشعر بما قاله في البحر من أن اشتراط المطابقة بين الدعوى والشهادة إنما هو فيما كانت
الدعوى شرطا فيه، وتبعه في تنوير البصائر وهو ظاهر، لان تقدم الدعوى إذا لم يكن شرطا كان
وجودها كعدمها فلا يضر عدم التوافق. ثم إن تفريعه على ما قبله لا ينافي كونه أصلا لشئ آخر وهو
37

الاختلاف في الشهادة، فافهم. وبما تقرر اندفع ما في الشرنبلالية من أن قوله منها أن الشهادة على
حقوق العباد الخ ليس من هذا الباب. لأنه في الاختلاف في الشهادة لا في قبولها وعدمه، فتدبر
. قوله: (وهذا أحد الأصول الخ) نبه عليه دون ما قبله لدفع توهم عدم أصلية سبب كونه مفرعا على
قبله فإنه لا تنافي كما قدمناه وإلا فما قبله أصل أيضا كما علمته، فتنبه. قوله: (أو إرث) تبع فيه
الكنز، والمشهور أنه كدعوى الملك المطلق كما في البحر عن الفتح وسيذكر الشارح، فلو أسقطه هنا
لكان أولى ح. قوله: (قبلت) فيه قيد في البحر عن الخلاصة. قوله: (بأن ادعى
بسبب) أي ادعى العين لا الدين. بحر. قوله: (بالأكثر) وفيه لا تقبل إلا إذا وفق. بحر. قوله: (في غير دعوى
إرث) لأنه مساو للملك المطلق كما قدمناه. قوله: (ونتاج) لأن المطلق أقل منه لأنه يفيد الأولوية على
الاحتمال والنتاج على اليقين، وذكر في الهامش أن الشهادة على النتاج بأن يشهدا أن هذا كان يتبع
هذه الناقة، ولا يشترط أداء الشهادة على الولادة. فتاوى الهندية في باب تحمل الشهادة عن
التاترخانية عن الينابيع ا ه‍. قوله: (وشراء من مجهول) لأن الظاهر أنه مساو للملك المطلق، وكذا في
غير دعوى قرض. بحر. ومثله شراء مع دعوى قبض، فإذا ادعاهما فشهدا على المطلق تقبل. بحر
عن الخلاصة.
وحكى في الفتح عن العمادية خلافا. قوله: (ثلاثة وعشرين) لكن ذكر في البحر بعدها أنه في
الحقيقة لا استثناء، فراجعه. قوله: (خشية التطويل) قدمها الشارح في كتاب الوقف. قوله: (بطريق
الوضع) أن بمعناه المطابقي، وهذا جعله الزيلعي تفسيرا للموافقة في اللفظ حيث قال: والمراد بالاتفاق
في اللفظ تطابق اللفظين على إفادة المعنى بطريق الوضع لا بطريق التضمن، حتى لو ادعى رجل مائة درهم فشهد شاهد بدرهم وآخر بدرهمين وآخر بثلاثة وآخر بأربعة وآخر بخمسة لم تقبل عند أبي حنيفة
رحمه الله تعالى لعدم الموافقة لفظا، وعندهما: يقضي بأربعة اه‍.
والذي يظهر من هذا أن الامام اعتبر توافق اللفظين على معنى واحد بطريق الوضع، وأن
الامامين اكتفيا بالموافقة المعنوية ولو بالتضمن ولم يشترطا المعنى الموضوع له كل من اللفظين، وليس
المراد أن الامام اشترط التوافق في اللفظ والتوافق في المعنى الوضعي، وإلا أشكل ما فرعه عليه من
شهادة أحدهما بالنكاح والآخر بالتزويج، وكذا الهبة والعطية فإن اللفظين فيهما مختلفان ولكنهما توافقا
في معنى واحد، أفاده كل منهما بطريق الوضع. ويدل على هذا التوفيق أيضا ما نقله الزيلعي عن
النهاية حيث قال: إن كانت المخالفة بينهما في اللفظ دون المعنى. تقبل شهادته وذلك نحو أن يشهد
أحدهما على الهبة والآخر على العطية، وهذا لان اللفظ ليس بمقصود في الشهادة بل المقصود ما تضمنه
38

اللفظ وهو ما صار اللفظ علما عليه، فإذا وجدت الموافقة في ذلك لا تضر المخالفة فيما سواها. قال:
هكذا ذكره ولم يحك فيه خلافا ا ه‍. وهذا بخلاف الفرع السابق الذي نقلناه عنه، فإن الخمسة معناها
المطابقي لا يدل على الأربعة بل تتضمنها، ولذا لم يقبلها الامام وقبلها صاحباه لاكتفائهما بالتضمن.
والحاصل: أنه لا يشترط عند الامام الاتفاق على لفظ بعينه، بل إمام بعينه أو بمرادفه، وقول
صاحب النهاية لان اللفظ ليس بمقصود مراده به أن التوافق على لفظ بعينه ليس بمقصود لا مطلقا كما
ظن، فافهم. قوله: (بالموافقة المعنوية) فإن قيل: يشكل على قول الكل ما لو شهد أحدهما أنه قال لها
أنت خلية والآخر أنت برية لا يقضي ببينونة أصلا مع إفادتهما معناها، أجيب بمنع الترادف بل هما
متباينان لمعنيين يلزمهما لازم واحد وهو وقوع البينونة، وتمامه في الفتح. قوله: (لاتحاد معناهما) أي
مطابقة فصار كأن اللفظ متحد أيضا، فافهم. قوله: (ولو شهدا بالاقرار) مقتضاه أنه لا يضر الاختلاف
بين الدعوى والشهادة في قول مع فعل، بخلاف اختلاف الشاهدين في ذلك. قوله: (للجمع بين
قول وفعل) بخلاف ما إذا شهد أحدهما بألف للمدعي على المدعى عليه وشهد الآخر على إقرار المدعى
عليه بألف فإنه يقبل ليس بجمع بين قول وفعل. منلا علي التركماني عن الحاوي الزاهدي. قوله:
(إلا إذا اتحدا) الظاهر أن الاستثناء منقطع لأنه لا فعل مع قول في هذه الصور بل قولان، لان الانشاء
والاقرار به كل منهما قول كما سيذكره. قوله: بألف ومائة بخلاف العشر وخمسة عشر حيث لا يقبل
لأنه مركب كالألفين إذ ليس بينهما حرف العطف ذكره الشارح. بحر. قوله: (إلا أن يوفق) كأن يقول
كان لي عليه كما شهدا إلا أنه أوفاني كذا بغير علمه. وفي البحر: ولا يحتاج هنا إلى إثبات التوفيق
بالبينة لأنه يتم به، بخلاف ما لو ادعى الملك بالشراء فشهد بالهبة فإنه يحتاج لاثباته بالبينة. سائحاني.
قوله: (وهذا في الدين) أي اشتراط الموافقة بين الشهادتين لفظا. قوله: (سواء كان المدعي الخ) وسواء
كان المدعي البائع أو المشتري. درر. قوله: (أو كتابته على ألف) شامل لما إذا ادعاها العبد وأنكر المولى
39

وهو ظاهر، لان مقصوده هو العقد، ولما إذا كان المدعي هو المولى كما زاده صاحب الهداية على
الجامع. قال في الفتح. لان دعوى السيد المال على عبده لا تصح. إذا لا دين له على عبده إلا بواسطة
دعوى الكتابة، فينصرف إنكار العبد إليه للعلم بأنه لا يتصور له عليه دين إلا به، فالشهادة ليست إلا
لإثباتها اه‍.
وفي البحر والتبيين: وقيل لا تفيد بينة المولى لأن العقد غير لازم في حق العبد لتمكينه من
الفسخ بالتعجيز اه‍. وجزم بهذا القيل العيني، وهو
موافق لما يفهم من عبارة الجامع. قوله: (وهو يختلف باختلاف البدل) أشار إلى أنهما لو شهدا بالشراء ولم يبينا الثمن لم نقبل. وتمامه في البحر. وقال
الخير الرملي في حاشية عليه: المفهوم من كلامهم في هذا الموضع وغيره أنه فيما يحتاج فيه إلى القضاء
بالثمن لا بد من ذكره وذكر قدره وصفته، وما لا يحتاج فيه إلى القضاء به لا حاجة إلى ذكره.
تنبيه: في المبسوط، وإذا ادعى رجل شراء دار في يد رجل وشهد شاهدان ولم يسميا الثمن
والبائع ينكر ذلك فشهادتهما باطلة، لان الدعوى إن كانت بصفة الشهادة فهي فاسدة، وإن كانت مع
تسمية الثمن فالشهود لم يشهدوا بما ادعاه المدعي. ثم القاضي يحتاج إلى القضاء بالعقد، ويتعذر عليه
القضاء بالعقد إذا لم يكن الثمن مسمى، لأنه كما لا يصح البيع ابتداء بدون تسمية الثمن فكذلك لا
يظهر القضاء بدون تسمية الثمن ولا يمكنه أن يقضي بالثمن حين لم يشهد به الشهود، ثم قال: فإن
شهد على إقرار البائع بالبيع ولم يسميا ثمنا ولم يشهدا بقبض الثمن فالشهادة باطلة، لان حاجة القاضي
إلى القضاء بالعقد ولا يتمكن من ذلك إذا لم يكن الثمن مسمى، وإن قالا أقر عندنا أنه باعها منه
واستوفى الثمن ولم يسميا الثمن فهو جائز، لان الحاجة إلى القضاء بالملك للمدعي دون القضاء بالعقد
فقد انتهى حكم العقد باستيفاء الثمن قوله: (على كل واحد) لفظ كل مما لا حاجة إليه. سعدية.
قوله: (والرهن) قال في البحر: وظاهر الهداية أن الراهن إنما هو من قبيل دعوى الدين.
وتعقبه في العناية تبعا للنهاية بأن عقد الرهن بألف غيره بألف وخمسمائة، فيجب أن لا تقبل
البينة وإن كان المدعي هو المرتهن لأنه كذب أحد شاهديه. وأجيب بأن العقد غير لازم في حق المرتهن
حيث كان له ولاية الرد متى شاء فكان في حكم العدم فكان الاعتبار الدعوى الدين، لان الرهن لا
يكون إلا بدين فتقبل البينة كما في سائر الديون ويثبت الرهن بالألف ضمنا وتبعا اه‍. وفي الحواشي
اليعقوبية ذكر الراهن. قوله: (إن ادعى العبد) تقييد لمسألة العتق بمال فقط إن أجرى قول المصنف أو
كتابته على عمومه موافقة لما قاله صاحب الهداية أولهما إن خص بما إذا ادعى الكتابة العبد موافقة لما
في الجامع ولما في العيني. قوله: (فكدعوى الدين) أي الدين المنفرد عن العقد. سعدية. قوله: (إذ
مقصودهم المال) لأنه ثبت العتق والعقد والطلاق باعتراف صاحب الحق فلم تبق الدعوى إلا في
الدين. فتح زاد في الايضاح: وفي الرهن إن كان المدعي هو الراهن لا تقبل لأنه لاحظ له في الرهن
فعريت الشهادة عن الدعوى، وإن كان المرتهن فهو بمنزلة دعوى الدين ا ه‍. وفي اليعقوبية: وذكر
40

الراهن في اليمين (1) ليس على ما ينبغي. قوله: (على الأقل) أي اتفاقا إن شهد شاهد الأكثر بعطف
مثل ألف وخمسمائة، وإن كان بدونه والألفين فكذلك عندهما، وعنده: لا يقضي بشئ.
فتح. قوله: (العقد) وهو يختلف باختلاف البدل فلا تثبت الإجارة فتح. قوله: (وكالدين) إذ ليس
المقصود بعد المدة إلا الاجر. فتح. قوله: (بعدها) استوفى المنفعة أولا بعد أن تسلم. فتح. قوله:
(عقد اتفاقا) لأنه معترف بمال الإجارة فيقضي عليه بما اعترف به فلا يعتبر اتفاق الشاهدين أو
اختلافهما فيه، ولا يثبت العقد للاختلاف. فتح. قوله: (مطلقا) سواء ادعى الزوج أو الزوجة الأقل
أو الأكثر، هكذا صححه في الهداية. وذكر في الفتح أنه مخالف للرواية. وتمامه في الشرنبلالية.
قوله: (خلافا لهما) حيث قالا هي باطلة أيضا لأنه اختلاف في العقد وهو القياس. ولأبي حنيفة أن
المال في النكاح تابع والأصل فيه الحل، والملك والازدواج، ولا اختلاف فيما هو الأصل فيثبت، فإذا
وقع الاختلاف في التبع يقضي بالأقل لاتفاقهما عليه. قوله: (في صحة الشهادة) قال في البحر بعد
كلام: وبه ظهر أن الجر شرط صحة الدعوى، لا كما يتوهم من كلام المصنف من أنه شرط القضاء
بالبينة فقط اه‍. أي يشترط أن يقول في الدعوى مات وتركه ميراثا كما يشترط في الشهادة، وإنما لم
يذكره لان الكلام في الشهادة. قوله: (الجر) أي النقل: أي أن يشهدا بالانتقال، وذلك إما نصا كما
صوره الشارح، أو بما يقوم مقامه من إثبات الملك للميت عند الموت، أو إثبات يده أو يد نائبه عند
الموت أيضا، وهو ما أشار إليه بقوله: إلا أن يشهد الخ وهذا عندهما خلافا لأبي يوسف فإنه لا
يشترط شيئا، ويظهر الخلاف فيما إذا شهدا أنه كان ملك الميت بلا زيادة وطولبا بالفرق بين هذا وبين
ما يأتي من أنه لو شهد الحي أنه كان في ملكه تقبل.
والفرق ما في الفتح إلى آخر ما يأتي. قال مجرد هذه الحواشي: وكتب المؤلف على قوله: الجر
هامشة وعليها أثر الضرب، لكني لم أتحققه فأحببت ذكرها وإن كانت مفهومة مما قبلها، فقال: قوله:
الجر هذا عندهما لان ملك الوارث متجدد إلا أنه يكتفي بالشهادة على قيام ملك المورث وقت الموت
لثبوت الانتقال ضرورة، وكذا يده أو يد من يقوم مقامه. وأبو يوسف يقول: إن ملك الوارث ملك
المورث فصارت الشهادة بالملك للمورث شهادة للوارث، فالجر أن يقول الشاهد مات وتركها ميراثا أو
ما يقوم مقامه من إثبات ملكه وقت الموت أو يده أو يد من يقوم مقامه، فإذا أثبت الوارث أن العين
كانت لمورثه لا يقضي له وهو محل الاختلاف، بخلاف الحي إذا أثبت أن العين كانت له
فإنه يقضي له بها اعتبارا للاستصحاب إذ الأصل البقاء انتهى. قوله: (إرث) بأن ادعى الوارث عينا في يد إنسان أنها
ميراث أبيه وأقام شاهدين فشهدا أن هذه كانت لأبيه لا يقضي له حتى يجرا الميراث بأن يقولا الخ.
قوله: (بملكه) أي المورث. قوله: (عند موته) لا بد من هذا القيد كما علمت، وكان ينبغي ذكره بعد

(1) قوله: (في اليمين) لعله للتبيين ا ه‍. منه.
41

الثلاثة. قوله: (لان الأيدي) تعليل للاستغناء بالشهادة على يد الميت عن الجر، وبيان ذلك أنه إذا ثبت
يده عند الموت، فإن كانت يد ملك فظاهر أنه أثبت ملكه، أو أن الانتقال إلى الوارث فيثبت الانتقال
ضرورة كما لو شهد بالملك، وإن كانت يد أمانة فكذلك الحكم لان الأيدي في الأمانات عند الموت
تنقلب يد ملك بواسطة الضمان إذا مات مجهلا لتركه الحفظ والمضمون يملكه الضامن على ما عرف،
فيكون إثبات اليد في ذلك الوقت إثباتا للملك، وترك تعليل الاستغناء بالشهادة على يد من يقوم مقامه
لظهوره لان إثبات يد من يقوم مقامه إثبات يده فيغني إثبات الملك وقت الموت عن ذكر لجر فاكتفى
به عنه اه‍. قوله: (ولا بد مع الجر من بيان سبب الورثة الخ) قال في الفتح: وينسبا الميت والوارث
حتى يلتقيا إلى أب واحد ويذكرا أنه وارثه، وهل يشترط قوله ووارثه في الأب والام والولد؟ قيل
يشترط والفتوى على عدمه، وكذا كل من لا يحجب بحال، وفي الشهادة بأنه ابن ابن الميت أو بنت أو بنت ابنه
لا بد منه، وفي أنه مولاه لا بد من بيان أنه أعتقه اه‍. ولم يذكر هذا الشرط متناولا شرحا، والظاهر أن
الجر مع الشرط الثالث يغني عنه، فليتأمل، وانظر ما مر قبيل الشهادات. قوله: (سبب الوراثة) وهو
أنه أخوه مثلا. قوله: (لأبيه وأمه) ذكر في البحر عن البزازية أنهم لو شهدوا أنه ابنه ولم يقولوا ووارثه
الأصح أنه يكفي، كما لو شهدوا أنه أبوه أو أمه، فإن ادعى أنه عم الميت يشترط لصحة الدعوى أن
يفسر فيقول عمه لأبيه وأمه أو لأبيه أو لامه، ويشترط أيضا أن يقول ووارثه، وإذا أقام البينة لا بد
للشهود من نسبة الميت والوارث حتى يلتقيا إلى أب واحد، وكذلك هذا في الأخ والجد اه‍ ملخصا.
قوله: (وارثا غيره) قال في فتح القدير: وإذا شهدوا أنه كان لمورثه تركه ميراثا له
ولم يقولوا لا نعلم له وارثا سواه، فإن كان ممن يرث في حال دون حال لا يقضي لاحتمال عدم استحقاقه، أو يرث على كل
حال يحتاط القاضي وينتظر مدة هل له وارث آخر أو لا. قال مجردها: هذا بياض تركه المؤلف ونقط
عليه لتوقفه في فهمه من نسخة الفتح الحاضرة عنده فلتراجع نسخة أخرى يقضي بكله، وإن كان نصيبه
يختلف في الأحوال يقضي بالأقل، فيقضي في الزوج بالربع والزوجة بالثمن إلا أن يقولوا لا نعلم له
وارثا غيره. وقال محمد وهو رواية عن أبي حنيفة: يقضي بالأكثر، والظاهر الأول، ويأخذ القاضي
كفيلا عندهما، ولو قالوا لا نعلم له وارثا بهذا الموضع كفى عند أبي حنيفة خلافا لهما ا ه‍. وتقدمت
المسألة قبيل كتاب الشهادات، وذكرها في السادس والخمسين من شرح أدب القضاء منوعة ثلاثة أنواع
فارجع إليه، ولخصها هناك صاحب البحر بما فيه خفاء. وقد علم بما مر أن الوارث إن كان ممن قد
يحجب حجب حرمان فذكر هذا الشرط لأصل القضاء، وإن كان ممن قد يحجب حجب نقصان فذكره
شرط للقضاء بالأكثر، وإن كان وارثا دائما ولا ينقص بغيره فذكره شرط للقضاء حالا بدون تلوم،
فتأمل. قوله: (لعدم معاينة السبب) ولان الشهادة على الملك لا تجوز بالتسامع. فتح. قوله: (البزازي)
وكذا في الفتح. قوله: (وذكر اسم الميت) حتى لو شهدا أنه جده أبو أبيه ووارثه ولم يسم الميت تقبل.
42

بزازية. قوله: (ردت) وعن أبي يوسف تقبل. قوله: (يد الحي) لاحتمال أنها كانت ملكا له أو وديعة
مثلا، وإذا كانت وديعة مثلا تكون باقية على حالها، أما الميت فتنقلب ملكا له إذا مات مجهلا لها كما
تقدم. قوله: (أنها كانت ملكه) أي لو شهد المدعي
ملك عين في يد رجل أنها كانت ملك المدعي يقضي بها وإن لم يشهدا أنها ملكه إلى الآن. والفرق بين هذه وبين ما مر من أنها كانت ملك الميت فإنها
ترد ما لم يشهدا بأنها ملكه عند الموت ما ذكره في الفتح من أنهما إذا لم ينصا على ثبوت ملكه حالة
الموت فإنما يثبت بالاستصحاب والثابت به حجة لابقاء الثابت لا لاثبات ما لم يكن وهو المحتاج إليه
في الوارث، بخلاف مدعي العين فإن الثابت بالاستصحاب بقاء ملكه لا تجدده. قوله: (بذلك) أي بيد
الحي أو ملكه ومن اقتصر على الثاني فقد قصر. قوله: (دفع للمدعي) الأولى أن يقول: فإنه يدفع
للمدعي كما يظهر بالتأمل.
وفي البحر: وإنما قال دفع إليه دون أن يقول إنه إقرار بالملك، لأنه لو برهن على أنه ملكه فإنه
يقبل اه‍. أي في مسألة الاقرار باليد أو الشهادة عليه لأنهما المذكورتان في الكنز دون مسألة الشهادة
بالملك. قوله: (لتنوع اليد) أنه كان له فاشتراه منه. قوله: (بألف) أي ولا يسمع قوله
قضاء. قوله: (إلا إذا شهد معه آخر) لكمال النصاب. قوله: (ولا يشهد) أي بالألف كلها. قوله: (من علمه) أي
قضاء خمسمائة، كذا في الهامش. قوله: (حتى يقر المدعى به) لئلا يكون إعانة على الظلم، والمراد من
ينبغي في عبارة الكنز معنى يجب فلا تحل له الشهادة. بحر. قوله: (إذا لم يذكر المدعي لونها) قال في
الفتح: ولو عين لونها فقال أحدهما سوداء لم يقطع إجماعا، قوله: (مطلقا أو جملة) أما الأول فلان
الاطلاق أزيد من المقيد، وأما الثاني فلاختلاف الشهادة والدعوى للمباينة بين المتفرق والجملة. قوله:
(بحر) أوضحه عند قول الكنز وبعكسه لا، فراجعه. قوله: (قلت) القول لصاحب المنح. قوله: (بيان
43

سببه) قواه المقدسي. قلت: وكذا في نور العين وقال: إن الأول ضعيف وأن الاحتياط في أمر الميت يكفي فيه تحليف
خصمه مع وجود بينة، وأن في هذا الاحتياط ترك احتياط آخر في وفاء دينه الذي يحجبه عن الجنة
وتضييع حقوق أناس كثيرين لا يجدون من يشهد لهم على هذا الوجه ح. قوله: (ملكا في الماضي) بأن
قال كان ملكي وشهد أنه له. قوله: (كما لو شهدا بالماضي أيضا) أي لا تقبل لان إسناد المدعي يدل
على نفي الملك في الحال، إذ لا فائدة للمدعي في إسناد مع قيام ملكه في الحال، بخلاف الشاهدين لو
أسندا ملكه إلى الماضي لان إسنادهما لا يدل على النفي في المال لأنهما لا يعرفان بقاءه إلا
بالاستصحاب. منح. وبهذا ظهر الفرق بين ما هنا وبين ما تقدم متنا من قوله: بخلاف ما لو شهدا
أنها كانت ملكه.
فرع: مهم قال المدعي إن الدار التي حدودها مكتوبة في هذا المحضر ملكي وقال الشهود إن
الدار التي حدودها مكتوبة في هذا المحضر ملكه صح الدعوى والشهادة، وكذا لو شهدوا أن المال
الذي كتب في هذا الصك عليه تقبل، والمعنى فيه أنه أشار إلى المعلوم لو شهدا بملك المتنازع فيه
والخصمان تصادقا على أن المشهود به هو المتنازع فيه ينبغي أن تقبل الشهادة في أصل الدار وإن لم تذكر
الحدود لعدم الجهالة المفضية إلى النزاع في أصل الدار. جامع الفصولين في آخر الفصل السابع.
باب الشهادة على الشهادة قوله: (وإن كثرت) أعني الشهادة على شهادة الفروع ثم وثم، لكن فيها شبهة البدلية لان البدل
ما يصار إليه إلا عند العجز عن الأصل، وهذه كذلك، ولذا لا تقبل فيما يسقط بالشبهات كشهادة
النساء مع الرجال. درر. كذا في الهامش. قوله: (إلا في حد وقود) أي ما يوجب الحد، فلا يرد أنه
إذا شهد على شهادة شاهدين أنه قاضي بلد كذا ضرب فلانا حدا في قذف فإنها تقبل حتى ترد شهادته.
بحر عن المبسوط. وفيه إشعار بأنها تقبل في العزير، وهذه رواية عن أبي يوسف، وعن أبي حنيفة أنها
لا تقبل كما في الاختيار. قهستاني. قوله: (مطلقا) بعذر أو غيره. قوله: (إلا بشرط تعذر حضور
الأصل) أشار إلى أن المراد بالمرض ما لا يستطيع معه الحضور إلى مجلس القاضي كما قيده في الهداية،
وأن المراد بالسفر الغيبة مدته كما هو ظاهر كلام المشايخ وأفصح به في الخانية والهداية، لا مجاوزة
البيوت، وإن أطلقه كالمرض في الكنز ولم يصرح بالتعذر، ولكن ما ذكرنا هو المراد لان العلة العجز،
فافهم. قوله: (وما نقله القهستاني) عبارته: لكن في قضاء النهاية وغيره: الأصل إذا مات لا تقبل
شهادة فرعه فتشترط حياة الأصل اه‍. كذا في الهامش. قوله: (فيه كلام) ويؤيد كلام القهستاني قوله
الآتي وبخروج أصله عن أهلها. قوله: (فإنه نقله عن الخانية عنها) ليس في القهستاني ذلك، وانظر
ما ذكره في كتاب القاضي إلى القاضي. قوله: (والصواب ما هنا) قال في الدر المنتقى: لكن نقل
44

البرجندي والقهستاني كلامهما عن الخلاصة، وكذا في البحر والمنح والسراج وغيرها: أنه متى خرج
الأصل عن أهلية الشهادة بأن خرس أو فسق أو عمى أو جن أو ارتد بطلت الشهدة اه‍ فتنبه ح. كذا
في الهامش. قوله: (وفي القهستاني) عبارته: وتقبل عند أكثر المشايخ، وعليه الفتوى كما في
المضمرات، وذكر القهستاني أيضا أن الأول ظاهر الرواية، وعليه الفتوى.
وفي البحر قالوا: الأول أحسن، وهو ظاهر الرواية كما في الحاوي، والثاني أرفق الخ. وعن
محمد: يجوز كيفما كان، حتى روى أنه إذا كان الأصل في زاوية المسجد والفرع في زاوية أخرى
من ذلك المسجد تقبل شهادتهم. منح وبحر. قوله: (أو كون المرأة مخدرة) قال البزدوي: هي من لا
تكون برزت بكرا كانت أو ثيبا ولا يراها غير المحارم من الرجال، أما التي جلست على المنصة فرآها
رجال أجانب كما هو عادة بعض البلاد لا تكون مخدرة. حموي. قوله: (في الوكالة) وذكره هنا
أيضا. قوله: (عند القاضي) قاله في المنح: قوله: (لاطلاق جواز الاشهاد) يعني يجوز أن يشهد وهو صحيح
أو سقيم ونحوه، ولكن لا تجوز الشهادة عند القاضي إلا وما ذكر موجود.
قال في البحر نقلا عن خزانة المفتين: والاشهاد على شهادة نفسه يجوز وإن لم يكن بالأصول
عذر، حتى لو حل بهم العذر يشهد الفروع اه‍. ومثله في المنح عن السراجية. قوله: (كما مر) أي في
قوله: وجاز الاشهاد مطلقا. قوله: (وما في الحاوي غلط) من أنه لا تقبل شهادة النساء على
الشهادة. وفي الهامش: ولو شهد على شهادة رجل وأحدهما يشهد بنفسه أيضا لم يجز، كذا في محيط
السرخسي. فتاوى الهندية. قوله: (عن كل أصل) فلو شهد عشرة على شهادة واحد تقبل، ولكن لا
يقضي حتى يشهد شاهد آخر لان الثابت بشهادتهم شهادة واحد. بحر عن الخزانة، وأفاد أنه لو شهد
واحد على شهادة نفسه وآخران على شهادة غيره يصح، وصرح به في البزازية. قوله: (وذاك) يعني بأن
يكون الكل شاهد شاهدان متغايران بل يكفي شاهدان على كل أصل. قوله: (ولو ابنه) كما يأتي متنا.
قوله: (إني أشهد بكذا) قيد بقوله: أشهد لأنه بدونه لا يسعه أن يشهد على شهادته وإن سمعها منه،
لأنه كالنائب عنه فلا بد من التحميل والتوكيل، وبقوله: على شهادتي لأنه لو قال أشهد على بذلك لم
يجز لاحتمال أن يكون الاشهاد على نفس الحق المشهود به فيكون أمرا بالكذب وبعلي، لأنه لو قال
بشهادتي لم يجز لاحتمال أن يكون أمرا بأن يشهد مثل شهادتي بالكذب وبالشهادة على الشهادة، لان
الشهادة بقضاء القاضي صحيحة وإن لم يشهدهما القاضي عليه. قوله: (سكوت الفرع) أي عند تحميله.
قال في البحر: لو قال لا أقبل. قال في القنية: ينبغي أن لا يصير شاهدا حتى لو شهد بعد
45

ذلك لا تقبل، ا ه‍. قوله: (حاوي) نقل في البحر، ثم قال بعد ورقة: وفي خزانة المفتين، الفرع إذا لم
يعرف الأصل بعدالة ولا غيرها فهو مسئ في الشهادة على شهادته بتركه الاحتياط ا ه‍. وقالوا:
الإساءة أفحش من الكراهة اه‍. لكن ذكر الشارح في شرحه على النار أنها دونها، ورأيت مثله في
التقرير شرح البزدوي والتحقيق وغيرهما تأمل. قوله: (أن فلانا الخ) ويذكر اسمه واسم أبيه وجده فإنه
لا بد منه كما في البحر. قوله: (هذا أوسط العبارات) والأطول أن يقول أشهد أن فلانا شهد عندي
أن لفلان على فلان كذا وأشهدني على شهادته وأمرني أن أشهد على شهادته وأنا الآن أشهد على شهادته
واشترطوا بذلك، ففيه ثمان شينات. قوله: (وعليه فتوى السرخسي) قال في الفتح: وهو اختيار
الفقيه أبي الليث وأستاذه أبو جعفر، وهكذا ذكره محمد في السير الكبير، وبه قالت الأئمة الثلاثة.
وحكى أن فقهاء زمن أبي جعفر خالفوه واشترطوا زيادة طويلة، فأخرج أبو جعفر الرواية من
السير الكبير فانقادوا له. قال في الذخيرة: فلو اعتمد أحد على هذا كان أسهل، وكلام المصنف: أي
صاحب الهداية يقتضي ترجيح كلام القدوري المشتمل على خمس شينات حيث حكاه، وذكر أن ثم
أطول منه وأقصر، ثم قال: وخير الأمور أوساطها.
وذكر أبو نصر البغدادي شارح القدوري أقصر آخر بثلاث شينات، وهو أشهد أن فلانا أشهدني
على شهادته أن فلانا أقر عنده بكذا، ثم قال: وما ذكره القدوري أولى وأحوط، ثم حكى خلافا في
أن قوله وقال لي اشهد على شهادتي شرط عند أبي حنيفة ومحمد، فلا يجوز تركه لأنه إذا لم يقله احتمل
أنه أمره أن يشهد مثل شهادته وهو كذب وأنه أمره على وجه التحمل فلا يثبت بالشك. وعند أبي
يوسف: يجوز لان أمر الشاهد محمول على الصحة ما أمكن اه‍. والوجه في شهود الزمان القول
بقولهما وإن كان فيهم العارف المتدين، لان الحكم للغالب خصوصا المتخذ بها مكسبة للدراهم اه‍ ما
في الفتح باختصار.
وحاصله: أنه اختار ما اختاره في الهداية وشرح القدوري من لزوم خمس شينات في الأداء،
وهو ما جرى عليه في المتون كالقدوري والكنز والغرر والملتقى والاصلاح ومواهب الرحمن وغيرها.
قوله: (الفرع لاصله) لأنه من أهل التزكية. هداية. قوله: (وإلا لزم تعديل الكل) هذا عند أبي
يوسف. وقال محمد: لا تقبل لأنه لا شهادة إلا بالعدالة، فإذا لم يعرفوها لم ينقلوا الشهادة فلا تقبل.
ولأبي يوسف أن المأخوذ عليهم النقل دون التعديل لأنه قد يخفى عليهم فيتعرف القاضي العدالة، كما
إذا شهدوا بأنفسهم كذا في الهداية وفي البحر. قوله وإلا صادق بصور: الأولى أن يسكتوا وهو المراد
هنا كما أفصح به في الهداية. الثانية أن يقولوا لا نخبرك، فجعله في الخانية على الخلاف بين
الشيخين. وذكر الخصاف أن عدم القبول ظاهر الرواية، وذكر الحلواني أنها تقبل وهو الصحيح لان
الأصل بقي مستورا، إذ يحتمل الجرح والتوقف فلا يثبت الجرح بالشك. ووجه المشهور أنه جرح
46

للأصول، استشهد الخصاف بأنهما لو قالا إنا نتهمه في الشهادة لم يقبل القاضي شهادته، وما استشهد
به هو الصورة الثالثة وقد ذكرها في الخانية اه‍ ملخصا. وحيث كان المراد الأولى فقول الشارح وإلا
لزم الخ تكرار مع ما في المتن. قوله: (لان العدل لا يتهم بمثله) كذا علل في البحر، وفيه عود
الضمير على غير مذكور. وأصل العبارة في الهداية حيث قال: وكذا إذا شهد شاهدان فعدل أحدهما
الآخر يجوز لما قلنا، غاية الأمر أن فيه منفعة من حيث القضاء بشهادته، ولكن العدل لا يتهم بمثله
كما لا يتهم في شهادة نفسه اه‍. قال في النهاية: أي بمثل ما ذكرت منه الشبهة.
وحاصل ما في الفتح أن بعضهم قال: لا يجوز لأنه متهم حيث كان بتعديله رفيقه يثبت القضاء
بشهادة. والجواب أن شهادة نفسه تتضمن مثل هذه المنفعة وهي القضاء بها، فكما أنه لم يعتبر الشرع
مع عدالته ذلك مانعا كذا ما نحن فيه. قوله: (في حاله) فيسأله عن عدالته فإذا ظهرت قبله وإلا لا.
منح. قوله: (على ما في القهستاني) عبارته. وفيه إيماء إلى أنه لو قال الفرع إن الأصل ليس بعدل أو
لا أعرفه لم تقبل شهادته كما قال الخصاف. وعن أبي يوسف أنه تقبل، وهو الصحيح على ما قال
الحلواني كما في المحيط ا ه‍. فتأمل النقل مدني. قوله: (عن المحيط) ذكر في التاترخانية خلافه ولم يذكر
فيه خلافا، وكيف هذا مع أنهما لو قالا نتهمه لا تقبل شهادتهما، وظاهر استشهاد الخصاف به كما مر
أنه لا خلاف فيه. وفي البزازية: شهدا عن أصل وقالا لا خير فيه وزكاه غيرهما لا يقبل، وإن جرحه
أحدهما لا يلتفت إليه ا ه‍. قوله: (بأمور) عد منها في البحر حضور الأصل قبل القضاء مستدلا بما في
الخانية، ولو أن فروعا شهدوا على شهادة الأصول ثم حضر الأصول قبل القضاء لا يقضي بشهادة
الفروع اه‍.
لكن قال في البحر: وظاهر قوله لا يقضي دون أن يقول بطل الاشهاد أن الأصول لو غابوا بعد
ذلك قضى بشهادتهم اه‍. فلهذا تركه الشارح. قوله: (ما يخالفه) وهو خلاف الأظهر. قوله: (وبإنكار
أصله الشهادة) هكذا وقع التعبير في كثير من المعتبرات. وفي الشرنبلالية عن الفاضل جوى زاده ما
يفيد أن الأولى التعبير بالاشهاد، لان إنكار الشهادة لا يشمل ما إذا قال لي شهادة على هذه الحادثة لكن
لم أشهدهم، بخلاف إنكار الاشهاد فإنه يشمل لهذا ويشمل إنكار الشهادة لان إنكارها يستلزم إنكاره،
فإنكار الاشهاد نوعان: صريح، وضمني، ولذا عبر الزيلعي وصاحب البحر بالاشهاد، وبه اندفع
اعتراض الدرر على الزيلعي وظهر أيضا أن قول الشارح هنا أو لم نشهدهم ليس في محله لأنه ليس
من أفراد إنكار الشهادة لان معناه لنا شهادة ولم نشهدهم، فتأمل. قوله: (ما لنا شهادة) يعني ثم غابوا
أو مرضوا ثم جاء الفروع فشهدوا لا تقبل. قوله: (وغلطنا) هو في معنى إنكار الشهادة. تأمل.
47

قوله: (قيل له هات الخ) فهذا من قبيل ما مر شهادة قاصرة يتمها غيرهم كذا في الهامش. قوله:
(ولو مقرة) فلعلها غيرها فلا بد من تعريفها بتلك النسبة. منح. قوله: (إلى القاضي) فإن كتب أن فلانا
وفلانا شهدا عندي بكذا من المال على فلانة بنت فلان الفلانية وأحضر المدعي امرأة عند القاضي
المكتوب إليه وأنكرت المرأة أن تكون هي المنسوبة بتلك النسبة فلا بد من شاهدين آخرين يشهدان أنها
المنسوبة بتلك النسبة كما في المسألة الأولى، كذا في العيني. مدني. قوله: (لاحتمال التزوير) أي بأن
يتواطأ المدعي مع ذلك الرجل. قوله: (البيان) يعني إذا ادعى المدعى عليه أن غيره يشاركه في الاسم
والنسب كان عليه البيان ح كذا في الهامش: أي يقول له القاضي أثبت ذلك، فإن أثبت تندفع عنه
الخصومة كما لو علم القاضي بمشارك له في الاسم والنسب، وإن لم يثبت ذلك يكون خصما. قوله:
(فيهما) أي في الشهادة وكتاب القاضي. قوله: (إلى فخذها) بسكون الخاء وكسرها، يريد به القبيلة
الخاصة التي ليس دونها أخص منها، وهذا على أحد قولين للغويين وهو في الصحاح.
وفي الجمهرة: جعل الفخذ دون القبيلة وفوق البطن، وجعله في ديوان أقل من البطن، وكذا
صاحب الكشاف. قال: العرب على ست طبقات: الشعب كمضر وربيعة وحمير، سميت به لان
القبائل تنشعب عنها، والقبيلة ككنانة. والعمارة كقريش. والبطن كقصي. والفخذ كهاشم. والفصيلة
كالعباس. وكل واحد يجمع ما بعده: فالشعب يجمع القبائل، والعمارة تجمع البطون وهكذا، وعليه
فلا يجوز الاكتفاء بالفخذ ما لم ينسبها إلى الفصيلة. والعمارة بكسر العين، والشعب بفتح الشين. فتح
ملخصا. قوله: (كجدها) الأنسب أو جدها. قوله: (والمقصود الاعلام) قال في الفتح: ولا يخفى
أنه ليس المقصود من التعريف أن ينسب إلى أن يعرفه القاضي لأنه قد لا يعرفه وإن نسبه إلى مائة جد،
بل ليثبت الاختصاص ويزول الاشتراك، فإنه قلما يتفق اثنان في اسمهما واسم أبيهما وجدهما أو
صناعتهما ولقبهما، فما ذكر عن قاضيخان من أنه لو لم يعرف مع ذكر الجد لا يكتفي بذلك، الأوجه
منه ما في الفصولين من أن شرط التعريف ذكر ثلاثة أشياء، غير أنهم اختلفوا في اللقب مع الاسم هل
هما واحد أو لا اه‍. والمراد بالثلاثة اسمه واسم أبيه وجده أو صناعته أو فخذه فإنه يكفي عن الجد
خلافا لما في البزازية.
ففي الهداية: ثم التعريف وإن كان يتم بذكر الجد عندهما خلافا لأبي يوسف على ظاهر
الروايات، فذكر الفخذ يقوم مقام الجد لأنه اسم الجد الاعلى: أي في ذلك الفخذ الخاص، فنزل منزلة
الجد الأدنى، وفي إيضاح الاصلاح وفي العجم ذكر الصناعة بمنزلة الفخذ لأنهم ضيعوا أنسابهم،
والأولى أن يقول بدل الاعلام رفع الاشتراك، لان الاعلام بأن يعرف غير مراد كما مر. والبحر عن
البزازية: وإن كان معروفا بالاسم المجرد مشهورا كشهرة الامام أبي حنيفة يكفي عن ذكر الأب والجد،
48

ولو كنى بلا تسمية لم يقبل إلا إذا كان مشهورا كالامام. قوله: (شهد بزور) والرجال والنساء فيها
سواء. بحر عن كافي الحاكم. قوله: (بأن أقر على نفسه) قال في البحر: وقيد بإقراره لأنه لا يحكم به
إلا بإقراره. وزاد شيخ الاسلام: أن يشهد بموت واحد فيجئ حيا، كذا في فتح القدير، وبحث فيه
الرملي في حاشية البحر.
واعترض بالاقرار صدر الشريعة بأنه قد يعلم بدونه، كما إذا شهد بموت زيد أو بأن فلانا قتله
ثم ظهر زيد حيا أو برؤية الهلال فمضى ثلاثون يوما ليس في السماء علة ولم ير الهلال. وأجاب في
العناية بأنه لم يذكره إما لندرته وإما لأنه لا محيص له أن يقول كذبت أو ظننت ذلك فهو بمعنى كذبت
لاقراره بالشهادة بغير علم. وفي اليعقوبية أيضا يمكن أن يحمل قوله لا يعلم إلا بإقرار على الحصر
الإضافي بقرينة قوله لا يعلم بالبينة. وأجاب ابن الكمال بأن الشهادة بالموت تجوز بالتسامع وكذا
بالنسب، فيجوز أن يقول رأيت قتيلا سمعت الناس يقولون إنه عمرو بن زيد. وأما الشهادة على رؤية
الهلال فالامر فيه أوسع اه‍. قوله: (ولا يمكن إثباته) أي إثبات تزويره، أما إثبات إقراره فممكن كما
لا يخفى. تأمل. قوله: (وزاد ضربه) قال في البحر: ورجح في فتح القدير قولهما وقال: إنه الحق.
قوله: (أن يسحم) السحم بضم السين وسكون الحاء المهملتين السودواني كذا في الهامش. قوله: (إذا
رآه سياسة) قدم الشارح في آخر باب حد القذف ما يخالف هذا حيث قال: واعلم أنهم يذكرون في
حكم السياسة أن الامام يفعلها ولم يقولوا القاضي، فظاهره أن القاضي ليس له الحكم بالسياسة ولا
العمل بها فليحرر. فتال. قوله: (مصرا) قال في الفتح: واعلم أنه قد قيل إن المسألة على ثلاثة أوجه:
إن رجع على سبيل الاصرار مثل أن يقول نعم شهدت في هذه بالزور ولا أرجع عن مثل ذلك فإنه
يعزر بالضرب بالاتفاق، وإن رجع على سبيل التوبة لا يعزر اتفاقا، وإن كان لا يعرف حاله فعلى
الاختلاف المذكور، وقيل لا خلاف بينهم فجوابه في التائب لان المقصود من التعزير الانزجار وقد
انزجر بداعي الله تعالى. وجوابهما فيمن لم يتب ولا يخالف فيه أبو حنيفة. قوله: (أبدا) لان عدالته لا
تعتمد. منلا علي قوله: (تقبل) أي من غير ضرب مرة كما في البحر عن الخلاصة قبيل قوله
والأقلف. وفي الخانية: المعروف بالعدلة إذا شهد بزور عن أبي يوسف أنه لا تقبل شهادته أبدا لأنه لا
تعرف توبته. وروى الفقيه: أبو جعفر أنه تقبل وعليه الاعتماد اه‍. وكلام الشارح صريح في أن
الرواية الثانية عن أبي يوسف أيضا. تأمل.
49

باب الرجوع عن الشهادة
قوله: (فلو أنكرها) أي بعد القضاء. قوله: (مجلس القاضي) وتتوقف صحة الرجوع على القضاء
به أو بالضمان خلافا لمن استبعده كما نبه عليه في الفتح. وفيه أيضا: ويتفرع على اشتراط المجلس أنه
لو أقر شاهد بالرجوع في غير المجلس وأشهد على نفسه به وبالتزام المال لا يلزمه شئ، ولو ادعى
عليه بذلك لا يلزمه إذا تصادقا أن لزوم المال عليه كذا بهذا الرجوع. قوله: (لأنه فسخ) تعليل
لاشتراط مجلس القاضي، وقوله: فسخ أي فيختص بما تختص به الشهادة من مجلس القاضي. منح.
قوله: (وهي) أي التوبة. قوله: (فلو ادعى) بيان لفائدة اشتراط مجلس القاضي. قوله: (عند غيره) أي
عند غير القاضي ولو شرطيا كما في المحيط. قوله: (لا يقبل) أي ولا يستحلف. قوله: (لفساد
الدعوى) أي لان مجلس القاضي شرط للرجوع فكان مدعيا رجوعا باطلا، والبينة أو طلب اليمين إنما
يكون بعد الدعوى الصحيحة. قوله: (وتضمينه) أي القاضي أي حكمه عليهما بالضمان. قوله:
(سقطت) أي الشهادة فلا يقضي القاضي بها لتعارض الخبرين بلا مرجح للأول. قوله: (وعزر) قال
في الفتح: قالوا يعزر الشهود، سواء رجعوا قبل القضاء أو بعده، ولا يخلو عن نظر لان الرجوع ظاهر
في أنه توبة عن تعمد الزور وإن تعمده أو السهو والعجلة إن كان أخطأ فيه، ولا تعزير على التوبة ولا على
ذنب ارتفع بها وليس فيه حد مقدر اه‍. وأجاب في البحر بأن رجوعه قبل القضاء قد يكون لقصد
إتلاف الحق أو كون المشهود عليه غره بمال لا لما ذكره، وبعد القضاء قد يكون لظنه بجهله أنه إتلاف
على المشهود له مع أنه إتلاف لما له بالغرامة. قوله: (عن بعضها) كما لو شهدا بدار وبنائها أو بأتان
وولدها ثم رجعا في البناء والوالد لم يقضى بالأصل. منع. قوله: (مطلقا) قال في المنح: وقولي مطلقا
يشمل ما إذا كان الشاهد وقت الرجوع مثل ما شهد في العدالة أو دونه أو أفضل منه، وهكذا أطلق
في أكثر الكتب متونا وشروحا وفتاوى. وفي المحيط: يصح رجوعه لو حاله بعد الرجوع أفضل منه
وقت الشهادة في العدالة وإلا لا ويعزر ورده في البحر. ونقل في الفتح أنه قول أبي حنيفة أولا، وهو
قول شيخه حماد ثم رجع إلى قولهما، وعليه استقر المذهب، وعزاه في البحر أيضا إلى كافي الحاكم.
قوله: (لترجحه) الأولى لترجحها. قوله: (ويرد ما أخذ) أي إلى المقضي عليه. بحر. قوله: (إذا أخطأ)
وهنا أخطأ بعدم الفحص عن حال الشهود. قوله: (وضمنا ما أتلفاه) اعلم أن تضمين الشاهد لم
50

ينحصر في رجوعه مثل ما إذا ذكر شيئا لازما للقضاء ثم ظهر بخلافه، كما أوضحه في لسان الحكام
وأشار إليه في البحر فراجعهما.
وذكر في البحر ما يسقط به ضمان الشاهد. ويؤخذ من قوله: أتلفاه أنه لو لم يضف التلف
إليهما لا يضمنان، كما لو شهدا بنسب قبل الموت فمات المشهود عليه ورث المشهود له المال من
المشهود عليه ثم رجعا لم يضمنا لأنه ورث بالموت، وذلك لان استحقاق الوارث المال بالنسب والموت
والاستحقاق يضاف إلى آخرهما وجودا فيضاف للموت. ذكره الزيلعي في إقرار المريض. سائحاني عن
المقدسي.
قلت: وفي البحر عن العتابية: شهدوا على أنه أبرأه من الدين ثم مات الغريم مفلسا ثم رجعا لم
يضمنا للطالب لأنه نوى ما عليه بالافلاس ا ه‍. قوله: (لتسببهما) قال في البحر: وفي إيجابه صرف
الناس عن تقلده وتعذر استيفائه من المدعي لأنه الحكم ماض فاعتبر التسبب ا ه‍. كذا في الهامش.
قوله: (لأنه كالملجأ) أي القاضي. قوله: (وقيده الخ) أي وكذا في الهداية والمختار والاصلاح
ومواهب الرحمن، وجزم به في الجوهرة وصاحب المجمع، وأنت على علم بأن اقتصار أرباب المتون
على قول ترجيح له، وما في المتون مقدم على ما في الشروع فيقدم على ما في الفتاوى بالأولى، وما
كان ينبغي للمصنف مخالفة عامة المتون، وما نقله في البحر عن الخلاصة أن ما في الفتاوى هو قول الإمام
الأخير لنا فيه كلامه وكأنه هو الذي غر المصنف. قوله: (فكالأول) أي يضمنه الشهود مطلقا
قبضها المشهود له أو لا، لأن العين يزول ملك المشهود عليه عنها بالقضاء وفي الدين لا يزول ملكه
حتى يقبضه. قوله: (فكالثاني) أي لو رجع الشهود قبل قبضه لا يضمنون ولو بعده يضمنون. قوله:
(ضمن النصف) إذ بشهادة كل منهما يقوم نصف الحجة، فببقاء أحدهما على الشهادة تبقى الحجة في
النصف فيجب على الراجع ضمان ما لم تبق الحجة فيه وهو النصف، ويجوز أن لا يثبت الحكم ابتداء
ببعض العلة ثم يبقى ببقاء بعض العلة، كابتداء الحول لا ينعقد على بعض النصاب ويبقى منعقدا ببقاء
بعض النصاب، منح. قوله: (لم يضمن) أي الراجع. قوله: (ضمنا النصف) وفي المقدسي: فإن قيل:
ينبغي أن يضمن الراجع الثاني فقط لان التلف أضيف إليه. قلنا: التلف مضاف إلى المجموع إلا أن
رجوع الأول لم يظهر أثره لمانع وهو من بقي، فإذا رجع الثاني ظهر أن التلف بهما.
أقول: تقد في الحدود عن المحيط: إذا شهد على حد الرجم خمسة فرجع الخامس لا ضمان،
وإن رجع الرابع ضمنا الربع، وإن رجع ثالث يضمن الرابع، فقوله يضمن الثالث الربع مخالف لما هنا
لان المأخوذ من باب الرجوع في الشهادة أن الخامس والرابع والثالث يضمنون النصف أثلاثا، فما في
المحيط إما غلط أو ضعيف أو غير مشهور. وإذا شهد أربعة على شخص بأربعمائة درهم وقضى بها
فرجع أحدهم عن مائة وآخر عن تلك المائة ومائة أخرى وآخر عن تلك المائتين ومائة أخرى فعلى
51

الراجعين خمسون أثلاثا، لان الأول لم يرجع إلا عن مائة فبقي شاهدا بثلاثمائة، والرابع الذي لم يرجع
شاهد بالثلاثمائة كما هو شاهد بالمائة الرابعة أيضا فوجد نصاب الشهادة في الثلاثمائة فلا ضمان فيها.
وأما المائة الرابعة لما بقي الرابع شاهدا بها ورجع البقية تنصفت لان العبرة لمن بقي فيضمنون نصفها وهو
الخمسون أثلاثا، فإن رجع الرابع عن الجميع ضمنوا المائة أرباعا: يعني المائة التي اتفقوا على الرجوع
عنها، وغير الأول يضمن الخمسين التي اتفقوا على الرجوع عنها أثلاثا. ووجه عدم ضمان المائتين
والخمسين أن الأول بقي شاهدا بثلاثمائة والثالث بقي شاهدا بمائتين فالمائتان تم عليها النصاب وبقي
على الثالثة شاهد واحد لم يرجع، ولكن لما رجع الثلاثة غيره تنصفت فضمنوا الخمسين أثلاثا.
سائحاني. وقوله والثالث بقي شاهد العلة والثاني والمسألة مذكورة في البحر عن المحيط موجهة بعبارة
أخرى فراجعه. قوله: (ضمنت الربع) إذا بقي على الشهادة من يبقى به ثلاثة الأرباع. منح. قوله:
(فإن رجعوا) أي رجع الكل من الرجل والنساء. قوله: (بالأسداس) السدس على الرجل وخمسة
الأسداس على النسوة، لان كل امرأتين تقوم مقام رجل واحد. قوله: (فقط) لأنهن وإن كثرن
بمنزلة رجل واحد. قوله: (ولا يضمن راجع الخ) هذه المسألة على ستة أوجه، لأنهما إما أن يشهدا
بمهر المثل أو بأزيد أو بأنقص، وعلى كل فالمدعي إما هي أو هو، ولا ضمان إلا في صورة ما إذا
شهدا عليه بأزيد، ولو قال المصنف بعد قوله ضمناها للزوج كما في المنح لأفاد جميع الصور خمسة
منطوقا وواحدة مفهوما، ولا غنى عما نقله الشارح عن العزمية، وكان عليه أيضا أن يقول وإن بأقل
ويحذف، ولو شهدا بأصل النكاح لايهامه أن الشهادة في الأول ليست على أصله، وعلى كل فقول
الشارح أو أقل تكرار كما لا يخفى.
قال الحلبي: فلو قال المتن: ويضمن الزيادة بالرجوع من شهد على الزوج بالنكاح بأكثر من مهر
المثل لاستوفى الستة واحدا منطوقا وخمسة مفهوما، ثم ظهر لي أن المصنف أظهر ما
خفي وأخفى ما ظهر من هذه الصور فذكر عدم الضمان في الشهادة بمهر المثل ويلزم منه عدمه في الشهادة بالأقل
وصرح بضمان الزيادة، وهذا كله لو هي المدعية كما نبه عليه الشارح وأشار به إلى أن ما بعده فيما لو
كان هو المدعي، فذكر المصنف بعده أنه لا ضمان لو شهدا بأقل من مهر المثل وسكت عما لو شهدا
بمهر المثل أو أكثر للعلم بأنه لا ضمان بالأولى، لان الكلام فيما إذا كان هو المدعي، ولم يصرح به
الشارح كما صرح بالأقل في الأول اعتمادا على ظهور المراد، فتنبه. قوله: (على المعتمد) خلافا لما في
المنظومة النسفية وشرحها، وتبعهما صاحب المجمع حيث ذكروا أنهما يضمنان عندهما، خلافا لأبي
يوسف.
قال في الفتح: وما في الهداية وشروحها هو المعروف ولم ينقلوا سواه، وهو المذكور في
الأصول كالمبسوط وشرح الطحاوي والذخيرة وغيرها، وإنما نقلوا فيها خلاف الشافعي، فلو كان لهم
52

شعور بالخلاف في المذهب لم يعرضوا عنه بالكلية ولم يشتغلوا بنقل خلاف الشافعي. قوله: (ولو شهدا
بالبيع) قال العيني: فإن شهدا بالبيع بألف مثلا فقضى به القاضي ثم شهدا عليه بعد القضاء بقبض
الثمن فقضى به ثم رجعا عن الشهادتين ضمنا الثمن، وإن كان أقل من قيمة المبيع يضمنان الزيادة أيضا
مع ذلك، وإن شهدا عليه بالبيع وقبض الثمن جملة واحدة فقضى به ثم رجعا عن شهادتهما تجب
عليهما القيمة فقط ح. ولا يظهر تفاوت بين المسألتين في الحكم بالضمان لأنه فيهما يضمن القيمة،
لأنه في الأولى إن كان الثمن مثل القيمة فيها وإن كان أقل منها يضمنان الزيادة أيضا اه‍. قوله: (ضمنا
القيمة) لان المقضي به البيع دون الثمن لأنه لا يمكن القضاء بإيجاب الثمن لاقترانه بما يوجب سقوطه
وهو القضاء بالايفاء، ولذا قلنا لو شهدا أنه باع من هذا عبده وأقاله بشهادة واحدة لا يقضي بالبيع
لمقارنة ما يوجب انفساخه وهو القضاء بالإقالة. فتح. وقوله: ضمنا الثمن لان القضاء بالثمن لا
يقارنه ما يسقطه لأنهما لم يشهدا بالايفاء بل شهدا به بعد ذلك، وإذا صار الثمن مقضيا به ضمناه
برجوعهما. فتح. زاد الزيلعي: وإن كان الثمن أقل من قيمة المبيع يضمنان الزيادة أيضا من ذلك
لأنهما أتلفا عليه هذا القدر بشهادتهما الأولى اه‍. قوله: (وتمامه في خزانة المفتين) عبارتها كما في المنح،
فإن اختار الشهود رجعوا بالثمن على المشتري ويتصدقون بالفضل، فإن رد المشتري المبيع بعيب بالرضا
أو تقايلا رجع على البائع بالثمن ولا شئ على الشهود، وإن رد بقضاء فالضمان على الشهود بحاله،
وإن أديا رجعا بما أديا ا ه‍. قوله: (ضمنا نصف المال المسمى أو المتعة الخ) لأنهما أكدا ضمانا على
شرف السقوط، ألا ترى أنها لو طاوعت ابن الزوج أو ارتدت سقط المهر أصلا. منح. قوله: (قبل
الدخول) قيد في الشهادتين ح. قوله: (لا غير) لأنه لم يقض بشهادة شهود الواحد لأنه لا يفيد، لان
حكم الواحدة حرمة خفيفة وحكم الثلاث حرمة غليظة. منح. قوله: (فلا ضمان) لتأكد المهر
بالدخول فلم يقررا عليه ما كان على شرف السقوط ح. قوله: (ضمن شهود الدخول الخ) لأنهم قرروا
عليه بشهادتهم جميع المهر وقد كان جميعه على شرف السقوط، وهذا يقتضي أن يضمنا جميعه لكن شهود
الطلاق قبل الدخول قرروا عليه نصف المهر وقد كان على شرف السقوط، وقد اختص الفريق الأول
بضمان نصف وتنازع مع الفريق الثاني في ضمان النصف الآخر فيقسم عليهما فيصيب الأول ثلاثة
أرباع والثاني ربع ح. كذا في الهامش. قوله: (اختيار) علله بأن الفريقين اتفقا على النصف فيكون
53

على كل فريق ربعه وانفرد شهود الدخول بالنصف فينفردون بضمانه اه‍.
فقال: وفي البحر عن المحيط: ولو رجع شاهدا الطلاق لا ضمان عليهما لأنهما أوجبا نصف
المهر وشاهد الدخول لا غير يجب عليهما نصف المهر، لأنه يثبت بشهادة شهود الطلاق نصف المهر
وتلف بشاهدي الدخول نصف المهر، وإن رجع من كل طائفة واحد لا يجب على شاهدي الطلاق شئ
ويجب على شاهدي الدخول الربع ا ه‍. قوله: (لأنه ضمان إتلاف) بخلاف ضمان الاعتاق لأنه لم يتلف
إلا ملكه ولزم منه فساد ملك صاحبه فضمنه الشارع صلة ومواساة له. قوله: (بقية قيمته) فإن لم يكن
له مال غير العبد عتق ثلثه وسعى في ثلثه وضمن الشاهدان ثلث القيمة بغير عوض ولم يرجعا به على
العبد، فإن عجز العبد عن الثلثين يرجع به الورثة على الشاهدين ويرجع به الشاهد على العبد عندهما.
بحر. قوله: (يضمنان قيمته) والفرق أنهما بالكتابة حالا بين المولى وبين مالية العبد بشهادتهما غاصبين
فيضمنان قيمته، بخلاف التدبير فإنه لا يحول بل تنقص ماليته. فتح. قوله: (على الشهود) قال في
البحر بعد نقله ذلك عن المحيط: وبه علم أن ما في فتح القدير من أن الولاء للذين شهدوا عليه
بالكتابة سهو اه‍. قوله: (وورثاه) أي المشهود عليه لو كانا وارثين له. قوله: (لا شهود الأصل الخ)
قال المصنف في وجهه: لأنهم أنكروا: أي شهود الأصل السبب وهو الاشهاد وذلك لا يبطل القضاء
لأنه خبر يحتمل الصدق والكذب فصار كرجوع الشاهد بعد القضاء لا ينقض به الشهادة لهذا، بخلاف
ما إذا أنكروا الاشهاد قبل القضاء لا يقضي بشهادة الفرعين كما إذا رجعوا قبله. فتح. قوله: (فلا
ضمان) لأنهم ما رجعوا عن شهادتهم إنما شهدوا على غيرهم بالرجوع. منح. قوله: (وضمن المزكون)
قال في البحر: وأطلق ضمانهم فشمل الدية لو زكوا شهود الزنا فرجم فإذا الشهود عبيد أو مجوس
فالدية على المزكين عنده. قوله: (بكونهم عبيدا) بأن قالوا علمنا أنهم عبيد ومع ذلك زكيناهم، وقيل
الخلاف فيما إذا أخبر المزكون بالحرية بأن قالوا هم أحرار، أما إذا قالوا هم عدول فبانوا عبيدا لا
يضمنون إجماعا، لان العبد قد يكون عدلا. جوهرة. قوله: (أما مع الخطأ) بأن قال أخطأت في
54

التزكية. قوله: (وضمن شهود التعليق) قال في البحر: لأنهم شهود العلة، إذا التلف يحصل بسببه وهو
الاعتاق والتطليق وهم أثبتوه وأطلقه فشمل تعليق العمق والطلاق، فيضمن في الأول القيمة وفي
الثاني نصف المهر إن كان قبل الدخول. كذا في الهامش. قوله: (والشرط) اعلم أن الشرط عند
الأصوليين ما يتوقف عليه الوجود وليس بمؤثر في الحكم ولا مفض إليه، والعلة هي المؤثرة في
الحكم والسبب هو المفضي، إلى الحكم بلا تأثير، والعلامة ما دل على الحكم وليس الوجود متوقفا
عليه، وبهذا ظهر أن الاحصان شرط كما ذكر الأكثر لتوقف وجوب الحد عليه. منح. كذا في
الهامش. قوله: (شاهدا الايقاع) قال في منية المفتي: شهدا على أنه أمر امرأته أن تطلق نفسها وآخران
أنها طلقت نفسها وذلك قبل الدخول ثم رجعوا فالضمان على شهود الطلاق لأنهما أثبتا السبب
والتفويض شرط كونه سببا. بحر. كذا في الهامش. قوله: (لا التفويض) أي تفويض الطلاق إلى المرأة
أو تفويض العتق أو العبد وشهد آخران أنها طلقت وأن العبد عتق الخ. شمني مدني.
55

كتاب الوكالة
قوله: (التوكيل صحيح) لم يذكر ما يصير به وكيلا ولا الفرق بين الوكيل والرسول، وحررته
في بيوع تنقيح الحامدية. قال مجرد هذه الحواشي: ذكر المؤلف رحمه الله في الحامدية في الخيارات
سؤالا طويلا وذيله بالفرق، وها أنا أذكر السؤال من أصله تتميما للفائدة.
قال رحمه الله: سئل في رجل اشترى من آخر نصف أغنام معلومة ولم يرها ووكل زيدا يقبضها
ورآها زيد ويزعم الرجل أن له خيار الرؤية إذا رآها، وإن رآها وكيله بالقبض فهل نظر الوكيل بالقبض
مسقط خيار رؤية الموكل؟ الجواب نعم، وكفى رؤية وكيل قبض ووكيل شراء لا رؤية رسول
المشتري. تنوير من خيار الرؤية. ونظر الوكيل بالقبض: أي قبض المبيع سقط عند أبي حنيفة خيار رؤية
الموكل كالوكيل بالشراء: يعني كما أن نظر الوكيل بالشراء يسقط خياره. وقالا: هو كالرسول: يعني
نظر الوكيل بالقبض كنظر الرسول في أنه لا يسقط الخيار، قيد بالوكيل بالقبض لأنه لو وكل رجلا
بالرؤية لا تكون رؤيته كرؤية الموكل اتفاقا. كذا في الخانية الخ ما ذكر الشارح ابن ملك، والمسألة في
المتون وأطال فيها في البحر فراجعه. وصورة التوكيل بالقبض: كن وكيلا عني بقبض ما اشتريته وما
رأيته. كذا في الدرر.
أقول: ولم يذكر الفرق بين الوكيل والرسول وهو لازم. قال في البحر: وفي المعراج: قيل
الفرق بين الرسول والوكيل لا يضيف العقد إلى الموكل والرسول لا يستغني عن إضافته إلى المرسل
. وفي الفوائد: صورة التوكيل أن يقول المشتري لغيره: كن وكيلا في قبض المبيع أو وكلتك بقبضه.
وصورة الرسول أن يقول: كن رسولا عني في قبضه أو أرسلتك لتقبضه أو قل لفلان أن يدفع المبيع
إليك، وقيل لا فرق بين الرسول والوكيل في فصل الامر، بأن قال اقبض المبيع فلا يسقط الخيار اه‍
كلام البحر. وكتبت فيما علقت عليه أن قوله: وفي الفوائد الخ لا ينافي ما قبله، لان الأول في
الفرق بين الرسول والوكيل، فالرسول لا بد له من إضافة العقد إلى مرسله، لما مر عن الدرر من أنه
معبر وسفير، بخلاف الوكيل فإنه لا يضيف العقد إلى الموكل إلا في مواضع كالنكاح والخلع والهبة
والرهن ونحوها، فإن الوكيل فيها كالرسول، حتى لو أضاف النكاح لنفسه كان له، وما في الفوائد
بيان لما يصير به الوكيل وكيلا والرسول رسولا.
وحاصله: أنه يصير وكيلا بألفاظ الوكالة، ويصير رسولا بألفاظ الرسالة وبالأمر، لكن صرح
في البدائع أن أفعل كذا وأذنت لك أن تفعل كذا توكيل، ويؤيده ما في الولوالجية: دفع له ألفا وقال
اشتر لي بها أو بع أو قال اشتر بها أو بع ولم يقل لي كان توكيلا، وكذا اشتر بهذا الألف جارية، وأشار
إلى مال نفسه، ولو قال اشتر هذه الجارية بألف درهم كان مشورة والشراء للمأمور إلا إذا زاد على أن
أعطيك لأجل شرائك درهما، لان اشتراط الاجر له يدل على الإنابة ا ه‍. وأفاد أنه ليس كل أمر
توكيلا، بل لا بد مما يفيد كون فعل المأمور بطريق النيابة عن الآمر فليحفظ ا ه‍. هذا جميع ما كتبه
نقلته، وبالله التوفيق. قوله: (ووكل عليه الصلاة والسلام الخ) رواه أبو داود بسند فيه مجهول، ورواه
56

الترمذي عن حبيب بن أبي ثابت عن حكيم وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحبيب لم يسمع
عندي من حكيم، إلا أن هذا داخل في الارسال عندنا فيصدق قول المصنف: أي صاحب الهداية
صح إذا كان حبيب إماما ثقة. فتح. قوله: (كأنت وكيلي في كل شئ) نقل في الشرنبلالية وغيرها
عن قاضيخان: لو قال لغيره أنت وكيلي في كل شئ أو قال أنت وكيلي بكل قليل وكثير يكون وكيلا
بحفظ لا غير هو الصحيح، ولو قال أنت وكيلي في كل شئ جائز أمرك يصير وكيلا في جميع
التصرفات المالية كبيع وشراء وهبة وصدقة.
واختلفوا في طلاق وعتاق ووقف، فقيل يملك ذلك لاطلاق تعميم اللفظ، وقيل لا يملك
ذلك إلا إذا دل دليل سابقة الكلام ونحوه وبه أخذ الفقيه أو الليث ا ه‍. وبه يعلم ما في كلام الشارح
سابقا ولاحقا، فتدبر. ولابن نجيم رسالة سماها (المسألة الخاصة في الوكالة العامة) ذكر فيها ما في الخانية
وما في فتاوى أبي جعفر. ثم قال: وفي البزازية: أنت وكيلي في كل شئ جائز أمرك ملك
الحفظ والبيع والشراء وبملك الهبة والصدقة حتى إذا أنفق على نفسه من ذلك المال جاز حتى
يعلم خلافه من قصد الموكل. وعن الامام تخصيصه بالمعاوضات، ولا يلي العتق والتبرع، وعليه
الفتوى، وكذا لو قال طلقت امرأتك ووهبت ووقفت أرضك في الأصح لا يجوز اه‍. وفي
الذخيرة أنه توكيل بالمعاوضات لا بالاعتاق والهبات، وبه يفتى ا ه‍.
وفي الخلاصة كما في البزازية: والحاصل أن الوكيل وكالة عامة يملك كل شئ إلا الطلاق
والعتاق والوقف والهبة والصدقة على المفتى به، وينبغي أن لا يملك الابراء والحط على المديون لأنهما
من قبيل التبرع فدخلا تحت قول البزازي أنه لا يملك التبرع، وظاهر أنه يملك التصرف في مرة بعد
أخرى، وهل له الاقراض والهبة بشرط العوض؟ فإنهما بالنظر إلى الابتداء تبرع، فإن القرض عارية
ابتداء معاوضة انتهاء، والهبة بشرط العوض هبة ابتداء معاوضة انتهاء، وينبغي أن لا يملكهما الوكيل
بالتوكيل العام لأنه لا يملكهما إلا من يملك التبرعات، ولذا لا يجوز إقراض الوصي مال اليتيم ولا
هبته بشرط العوض وإن كانت معاوضة في الانتهاء، وظاهر العموم أنه يملك قبض الدين واقتضاءه
وإيفاءه والدعوى بحقوق الموكل وسماع الدعوى بحقوق على الموكل والأقارير على الموكل بالديون،
ولا يختص بمجلس القاضي لان ذلك في الوكيل بالخصومة لا في العام.
فإن قلت: لو وكله بصيغة وكلتك وكالة مطلقة عامة فهل يتناول الطلاق والعتاق والتبرعات؟
قلت: لم أره صريحا، والظاهر أنه لا يملكها على المفتى به لان من الألفاظ ما صرح قاضيخان وغيره
بأنه توكيل عام ومع ذلك قالوا بعدمه ا ه‍ ما ذكره ابن نجيم في رسالته ملخصا. وقد ساقها القتال
في حاشيته برمتها. قوله: (وفي الشرنبلالية) عبارتها نقلا عن الخانية: وفي فتاوى الفقيه أبو جعفر:
رجل قال لغيره وكلتك في جميع أموري وأقمتك مقام نفسي لا تكون الوكالة عامة، ولو قال: وكلتك
57

في جميع أموري التي يجوز بها التوكيل كانت الوكالة عامة تتناول البياعات والأنكحة. وفي الوجه
الأول إذا لم تكن عامة ينظر: إن كان الرجل يختلف ليس له صناعة معروفة فالوكالة باطلة، وإن كان
الرجل تاجرا تجارة معروفة تنصرف إليها اه‍.
وبه يعلم ما في كلام الشارح، إذ صورة البطلان ليست في قوله أنت وكيلي في كل شئ كما
بنى عليه الشارح هذه العبارات بل في غيرها وهي وكلتك في جميع أموري الخ، إلا أن يقال هما
سواء في عدم العموم ولكن مبنى كلامه على أن ما ذكره عام، ولكنك قد علمت ما فيه مما نقلنا سابقا
أن ما ذكره ليس مما الكلام فيه ا ه‍. قوله: (فلو جهل) كما لو قال وكلتك بمالي. منح. قوله: (نظرا
إلى أصل التصرف الخ) جواب عما يرد على هذا الشرط وهو توكيل المسلم ذميا ببيع خمر أو خنزير
وتوكيل المحرم حلالا ببيع الصيد لأنه صحيح عنده ولا يملكه الموكل س. قوله: (فلا يصح توكيل
مجنون) مصدر مضاف للفاعل. (بتصرف) متعلق بتوكيل. قوله: (إن مأذونا) أي إن كان الصبي
الموكل مأذونا. قوله: (توكيل عبد) مضاف لفاعله. قوله: (توكيل مرتد) بخلاف توكله عن غيره كما
سنذكره. قوله: (وإن امتنع عنه الموكل الخ) ومثله ما لو اشترى عبدا شراء فاسدا وأعتقه قبل قبضه لا
يصح، ولو أمر البائع بإعتاقه يصح لأنه يصير قابضا كما قدمه في البيع الفاسد. قوله: (فتنبه) أشار به
إلا أنه لا تنافي بين كلاميه كما قدمه. قوله: (ثم ذكر) عطف على محذوف: أي ذكر شرط الموكل به
والموكل ثم ذكر الخ. تأمل. قوله: (يعقل العقد) أي يعقل أن البيع سالب للمبيع جالب للثمن وأن
الشراء بالعكس ح. وفي البحر: وما يرجح إلى الوكيل فالعقل فلا يصح توكيل مجنون وصبي لا يعقل
لا البلوغ والحرية وعدم الردة، فيصح توكيل المرتد ولا يتوقف لان المتوقف ملكه والعلم للوكيل
بالتوكيل، فلو وكله ولم يعلم فتصرف توفق على إجازة الموكل أو الوكيل بعد علمه اه‍. قوله: (ولو
صبيا) قال في جامع أحكام الصغار: فإن كان الصبي مأذونا في التجارة فصار وكيلا بالبيع بثمن حال
أو مؤجل فباع جاز بيعه ولزمته العهدة، وإن كان وكيلا بالشراء: فإن كان بثمن مؤجل لا تلزمه العهدة
قياسا واستحسانا وتكون العهدة على الآمر حتى أن البائع يطالب الآمر بالثمن دون الصبي، وإن وكله
بالشراء بثمن حال فالقياس أن لا تلزمه العهدة. وفي الاستحسان: تلزمه ا ه‍ فتال. وتمامه في البحر في
شرح قوله: والحقوق فيما يضيفه الوكيل إلى نفسه الخ فراجعه. قوله: (محجورا) صفة للصبي
58

والعبد. كذا في الهامش. قوله: (فلذا لم يقل ويقصده) أي البيع احترازا عن بيع الهازل والمكره كما
ذكره صاحب الهداية. كذا في الهامش. قوله: (تبعا للكنز) أي حال كونه تابعا في عدم القول للكنز،
وذكره صاحب الهداية محترزا به عن بيع الهازل والكره ح. قوله: (ثم ذكر ضابط الموكل فيه) أي ما
ذكره المصنف ضابط لا حد، فلا يرد عليه أن المسلم لا يملك بيع الخمر ويملك توكيل الذمي به، لان
إبطال القواعد بإبطال الطرد لا العكس، ولا يبطل طرده عدم توكيل الذمي مسلما ببيع خمره، وهو
يملكه لأنه يملك التوصل به بتوكيل الذمي به فصدق الضابط لأنه لم يقل كل عقد يملكه يملك توكيل
كل أحد به بل التوصل به في الجملة. وتمامه في البحر. قوله: (بكل) متعلق بقول الماتن أول الباب
التوكيل صحيح لنفسه أخرج الوكيل فإنه لا يوكل مع أنه يباشر بنفسه. قوله: (فشمل الخصومة) تفريع
على قوله بكل ما يباشره، وهو أولى من قول الكنز بل ما يعقد لشموله العقد وغيره كما في البحر:
أي كالخصومة والقبض. قوله: (فصح بخصومة) شمل بعضا معينا وجميعها كما في البحر: وفيه عن
منية المفتي، ولو وكله في الخصومة له لا عليه، فله إثبات ما للموكل فلو أراد المدعى عليه الدفع لم
يسمع.
قال: فالحاصل أنها تتخصص بتخصيص الموكل وتعمم بتعميمه. وفي البزازية: وله وكله بكل
حق هو له وبخصومته في كل حق له ولم يعين المخاصم به والمخاصم فيه جاز اه‍. وتمامه فيه. قوله:
(برضا الخصم) شمل الطالب والمطلوب. بحر. قوله: (وجوزاه الخ) قال في الهداية: لا خلاف في
الجواز إنما الخلاف في اللزوم: يعني هل ترتد الوكالة برد الخصم؟ عند أبي حنيفة نعم، وعندهما لا
ويجبر. جوهرة. قوله: (وعليه فتوى أبي الليث) أفتى الرملي بقول الامام الذي عليه المتون واختاره غير
واحد. قوله: (تفويضه للحاكم) بحث فيه في البزازية، فانظر ما في البحر. وفي الزيلعي: أي أن
القاضي إذا علم من الخصم التعنت في الاباء عن قبول التوكيل لا يمكنه من
ذلك، وإن علم الموكل قصد الاضرار لخصمه لا يقبل منه التوكيل إلا برضا اه‍. قوله: (لا يمكنه حضور مجلس الحكم)
وإن قدر على الحضور على ظهر الدابة أو ظهر إنسان، فإن ازداد مرضه بذلك لزم توكيله، فإن لم يزد
قيل على الخلاف والصحيح لزومه كذا في البزازية. بحر. قوله: (ويكفي قوله أنا أريد السفر) قال
في البحر، وفي المحيط: وإرادة السفر أمر باطني فلا بد من دليلها، وهو إما تصديق الخصم بها أو
القرينة الظاهر، ولا يقبل قوله إني أريد السفر، لكن القاضي ينظر في حاله وفي عدته فإنه لا يخفى
هيئة من يسافر. كذا ذكره الشارح. وفي البزازية: وإن قال أخرج بالقافلة الفلانية، سألهم عنه كما في
فسخ الإجارة. وفي خزانة المفتين: وإن كذبه الخصم في إرادته السفر يحلفه القاضي بالله إنك تريد
السفر اه‍. قوله: (إذا لم يرض الطالب) قال في الجوهرة: إن كانت هي طالبة قبل منها التوكيل بغير
59

رضا الخصم، وإن كانت مطلوبة إن أخرها الطالب حتى يخرج القاضي من المسجد لا يقبل منها
التوكيل بغير رضا الخصم الطالب لأنه لا عذر لها إلى التوكيل ا ه‍. قوله: (بزازية بحثا) عبارتها: وكونه
محبوسا من الاعذار يلزمه توكيله، فعلى هذا لو كان الشاهد محبوسا أن يشهد على شهادته. قال
القاضي: إن في سجن القاضي لا يكون عذرا لأنه يخرجه حتى يشهد ثم يعيده، وعلى هذا يمكن أن
يقال في الدعوى أيضا كذلك بأن يجيب عن الدعوى ثم يعاد اه‍.
قلت: ولا يخفى أنه مفهوم عبارة المصنف، وهي ليست من عنده بل واقعة في كلام غيره
والمفاهيم حجة، بل صرح به في الفتح حيث قال: ولو كان الموكل محبوسا فعلى وجهين: إن كان في
حبس هذا القاضي لا يقبل التوكيل بلا رضاه، لان القاضي يخرجه من السجن ليخاصم ثم يعيد، وإن
كان في حبس الوالي ولا يمكنه الوالي من الخروج للخصومة يقبل منه التوكيل ا ه‍. قوله: (وله) أي
المدعى عليه. قوله: (فيرسل أمينه) أي القاضي. قوله: (فالقول لها) أي إذا وجب عليها يمين. قوله
: (في الوجهين) أي فيما إذا كانت بكرا أو ثيبا. قوله: (وصح بإيفائه) أي حقوق العباد، أي يصح
التوكيل بإيفاء جميع الحقوق واستيفائها إلا في الحدود والقصاص لان كلا منهما يباشره بنفسه فيملك
التوكيل به، بخلاف الحدود والقصاص فإنها تندرئ بالشبهات، والمراد بالايفاء هنا دفع ما عليه
وبالاستيفاء القبض. منح. قوله: (إلا في حد وقود) استثناء من قوله: وبإيفائها واستيفائها وقوله:
بغيبة موكله قيد للثاني فقط كما نبه عليه في البحر، وقوله قبله باستيفائها أي وكذا بإثباتها بالبينة
عند الامام أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف، ولم يصرح به هنا لدخوله في قوله فصح بخصومة كما في
البحر. قوله: (يتعلق به) أي بالوكيل. منح. قوله: (ما دام حيا ولو غائبا) فإذا باع وغاب لا يكون
للموكل قبض الثمن كما في البحر عن المحيط، وقوله: ما دام حيا عزاه في البحر إلى الصغرى،
ولكن قال بعده: وشمل ما إذا مات، لما في البزازية: إن مات الوكيل عن وصي قال الفضلي: تنتقل
الحقوق إلى وصيه لا الموكل، وإن لم يكن وصي يرفع الحاكم ينصب وصيا عند القبض وهو المعقول.
وقيل ينتقل إلى موكله ولاية قبضه فيحتاط عند الفتوى اه‍.
ثم قال في البحر بعد ورقة ونصف: والوكيل بالشراء إذا اشترى بالنسيئة فمات الوكيل حل عليه
الثمن ويبقى الاجل في حق الموكل، وجزمه هنا أن يدل على أن المعتمد في المذهب ما قال إنه المعقول،
وقد أفتيت به بعد ما احتطت كما قال فيما سبق ا ه‍. قوله: (إن لم يكن) أي الوكيل. قوله: (محجورا)
فإن كان محجورا كالعبد والصبي المحجورين فإنهما إذا عقدا بطريق الوكالة تتعلق حقوق عقدهما بالموكل
60

س. قوله: (كتسليم مبيع) بيان لحقوق العقد. قوله: (ورجوع به عند استحقاقه) شامل لمسألتين.
الأولى: ما إذا كان الوكيل بائعا وقبض الثمن من المشتري ثم استحق المبيع فإن المشتري يرجع
بالثمن على الوكيل، سواء كان الثمن باقيا في يده أو سلمه إلى الموكل وهو يرجع على موكله.
الثانية: ما إذا كان مشتريا فاستحق المبيع من يده فإنه يرجع بالثمن على البائع دون موكله. وفي
البزازية: المشتري من الوكيل باعه من الوكيل ثم استحق من الوكيل رجع الوكيل على المشتري منه وهو
على الوكيل والوكيل على الموكل، وتظهر فائدته عند اختلاف الثمن ا ه‍ بحر. قوله: (في عيب) شامل
لمسألتين أيضا: أما إذا كان بائعا فيرده المشتري عليه، وما إذا كان مشتريا فيرده الوكيل على بائعه، لكن
بشرط كونه في يده، فإن سلمه إلى الموكل فلا يرده إلا بإذنه كما سيأتي في الكتاب. بحر. قوله: (ولو
أضاف الخ) رده في البحر فراجعه، فلا يرد اعتراضه على المصنف. وها هنا كلام في حاشية الفتال:
وحاشية أبي السعود فراجعه، وكذا في نور العين في أحكام الوكالة في الفصل الثالث والثلاثين،
وكتبته في هامش البحر. قوله: (يكتفي) أي من غير لزوم. قوله: (لان الموجب الخ) هذا لا
يناسب كلام المصنف، بل هو جار على القول الثاني من أنه يثبت للوكيل ابتداء ثم ينتقل إلى الموكل. قوله:
(حتى لو أضافه إلى نفسه لا يصح) أي لا يصح على الموكل فلا ينافي قوله الآتي: حتى لو أضاف
النكاح لنفسه وقع النكاح له كما ظن. وفي البزازية: الوكيل بالطلاق والعتاق إذا أخرج الكلام مخرج
الرسالة بأن قال إن فلانا أمرني أن أطلق أو أعتق ينفذ على الموكل لان عهدتهما على الموكل على كل
حال، ولو أخرج الكلام في النكاح والطلاق مخرج الوكالة بأن أضافه إلى نفسه صح إلا في النكاح.
والفرق أنه في الطلاق أضافه إلى الموكل معنى لأنه بناء على ملك الرقبة وهي للموكل في الطلاق
والعتاق، فأما في النكاح فذمة الوكيل قابلة للمهر حتى لو كان بالنكاح من جانبها وأخرج مخرج
الوكالة لا يصير مخالفا لاضافته إلى المرأة معنى فكأنه قال ملكتك بضع موكلتي ا ه‍. قال في البحر:
فعلى هذا معنى الإضافة إلى الموكل مختلف، ففي وكيل النكاح من قبل الزوج على وجه الشرط، وفيما
عداه على وجه الجواز فيجوز عدمه اه‍. وفي حاشية الفتال عن الأشباه: الوكيل بالابراء إذا أبرأ ولم
يضفه إلى موكله لم يصح. كذا في الخزانة اه‍.
61

أقول: وظاهر ما في البحر أنه لا تلزم الإضافة إلا في النكاح، وهو مخالف لكلامهم فانظر ما
في الدرر وتدبر، وانظر ما علقناه على البحر وراجع أيمان شرح الوهبانية. قوله: (أو عن إنكار) هذا
الصلح لا تصلح إضافته إلى الوكيل، بخلاف الصلح عن إقرار فإنه تصح إضافته إلى كل منهما، وقد
عرفت اختلاف الإضافة في الموضعين فافترق الصلحان في الإضافة. ابن كمال. وفيه رد على صدر
الشريعة حيث قال: لا فرق فيهما. قوله: (وهبة وتصدق) انظر ما حقوق الهبة والصدقة المتعلقة
بالموكل. قوله: (سفيرا) السفير: الرسول والمصلح بين القوم صحاح. كذا في الهامش فإنه يضيفهما
إلى موكله فإنه يقول خالعك موكلي بكذا وكذا في أمثاله. ابن ملك مجمع. قوله: (بمهر) أي إذا كان
وكيل الزوج. قوله: (وتسليم) أي إذا كان وكيلها. قوله: (للموكل) لكونه أجنبيا عن الحقوق
لرجوعهما إلى الوكيل أصالة. قوله: (نعم تقع المقاصة) فلو كان للمشتري على الموكل تقع المقاصة
بمجرد العقد بوصول الحق إليه بطريق التقاص، ولو كان له دين عليهما تقع المقاصة بدين الموكل دون
دين الوكيل، ولو كان له دين على الوكيل فقط وقعت المقاصة به ويضمن الوكيل للموكل لأنه قضى
دينه بمال الموكل. وقال أبو يوسف رضي الله عنه: لا تقع المقاصة بدين الوكيل، بخلاف ما إذا باع
مال اليتيم ودفع المشتري الثمن إلى اليتيم حيث لا تبرأ ذمته بل يجب عليه أن يدفع الثمن إلى الوصي
لان اليتيم ليس له قبض ماله أصلا فلا يكون له الاخذ من الدين فيكون الدفع إليه تضييعا فلا يعتد به،
وبخلاف الوكيل في الصرف إذا صارف وقبض الموكل بدل الصرف حيث يبطل الصرف ولا يعتد
بقبضه اه‍. عيني. كذا في الهامش. قوله: (بخلاف) متعلق بقوله وإن دفع له ح، وقوله: وكيل
يتيم أي وصيه. قوله: (فلا يملك) أي المولى. قوله: (بقبض القرض) بأن يقول الرجل أقرضني ثم
وكل رجلا بقبضه بحر عن القنية.
فرع: التوكيل بالاقرار صحيح ولا يكون التوكيل به قبل الأقراء أقرا من الموكل: وعن
الطواويسي معناه أن يوكل بالخصومة ويقول خاصم فإذا رأيت لحوق مؤنة أو خوف عار علي فأقر
بالمدعي يصح إقراره على الموكل. كذا في البزازية، وللشافعية فيها قولان: أصحهما لا يصح. وقدم
الشيخ: يعني صاحب البحر في كتاب الشركة في الكلام على الشركة الفاسدة أنه لا يصح التوكيل في
المباح وأنه باطل. رملي على البحر. والفرع سيأتي متنا في باب الوكالة بالخصومة، والله أعلم.
62

باب الوكالة بالبيع والشراء
قوله: (إن عمت) بأن يقول ابتع لي ما رأيت لأنه فوض الامر إلى رأيه، فأي شئ يشتريه يكون
ممتثلا. درر. وفي البحر عن البزازية: ولو وكله بشراء أي ثوب شاء صح، ولو قال اشتر لي الأثواب
لم يذكره محمد، قيل يجوز، وقيل لا، ولو أثوابا لا يجوز، ولو ثيابا أو الدواب أو الثياب أو دواب
يجوز وإن لم يقدر الثمن. قوله: (بطلت) أي وإن بين الثمن. قوله: (متوسطة) أوضحه في النهاية.
قوله: (زيلعي) عبارته: لان الوكيل قادر على تحصيل مقصود الموكل بأن ينظر في حاله ح.
وفي الكفاية: فإن قيل: الحمير أنواع: منها ما يصلح لركوب العظماء، ومنها ما لا يصلح إلا
ليحمل عليه. قلنا: هذا اختلاف الوصف مع أن ذلك يصير معلوما بمعرفة حال الموكل، حتى قالوا إن
الغازي إذا أمر إنسانا بأن يشتري له حمارا ينصرف إلى ما يركب مثله، حتى لو اشتراه مقطوع الذنب أو
الاذنين لا يجوز عليه اه‍. قوله: (القسم الأول) أي ما فيه جهالة يسيرة وهي جهالة النوع المحض.
قوله: (دار أو عبد) جعل الدار كالعبد تبعا للكنز موافقا لقاضيخان، لكنه شرط مع بيان المحلة كما في
فتاواه مخالفا للهداية فإنه جعلها كالثوب لأنها تختلف باختلاف الاعراض والجيران والمرافق والمحال
والبلدان. وذكر في المعراج أنه مخالف لرواية المبسوط. قال: والمتأخرون قالوا: في ديارنا لا يجوز إلا
ببيان المحال. ووفق في البحر بحمل ما في الهداية على ما إذا كانت تختلف في تلك الدار اختلافا
فاحشا وكلام غيره على غيره. قوله: (أولا) بأن كان يوجد بهذا الثمن أنواع. قوله: (وهي) أي
جهالة الجنس. قوله: (بشراء ثوب أو دابة الخ) أقول: سيأتي متنا في هذا الباب: لو وكله بشراء شئ
بغير عينه فالشراء للوكيل إلا إذا نواه للموكل أو شراه بماله: أي مال الموكل، والظاهر أنه مقيد بما إذا
سمى ثمنا أو نوعا تأمل، ويكون قوله بغير عينه مقابلا لما سمى عينه بعد بين الجنس. قوله: (في
عرفنا) نقوله عن بعض مشايخ ما وراء النهر. قال في البزازية: وعرفنا ما ذكرنا. قال في البحر:
ولكن عرف القاهرة على خلافهما، فإن الطعام عندهم للطبيخ بالمرق واللحم. قوله: (بزازية) قال في
المنح بعد قوله يدخل كل مطعوم كما في البزازية: وفي أيمانها لا يأكل طعاما فأكل دواء ليس بطعام
63

كالسقمونيا لا يحنث، ولو به حلاوة كالسكنجبين اه‍. فليتأمل. قوله: (بالعيب) أشار إلى أنه لو رضي
بالعيب فإنه يلزمه، ثم الموكل إن شاء قبله وإن شاء ألزم الوكيل، وقبل أن يلزم الوكيل لو هلك يهلك
من مال الموكل. كذا في البزازية. وإلى أن الرد عليه لو كان وكيلا بالبيع فوجد المشتري به عيبا ما دام
الوكيل عاقلا من أهل لزوم العهدة، فلو محجورا فعلى الموكل. بحر. قوله: (وهذا الخ) لا حاجة إليه
مع قول المتن ما دام المبيع في يده ح. قوله: (مطلقا) أي وإن سلمه وقبض الثمن وسلمه إلى الموكل
فيسترد الثمن منه بغير رضاه. قوله: (حبس المبيع) الذي اشتراه للموكل منح. قوله: (دفعه) قال في
المنح: قيد بقوله: دفعه لأنه لو لم يكن دفعه فله الحبس بالأولى، لأنه مع الدفع ربما يتوهم أنه متبرع
بدفع الثمن فلا يحبس، فأفاد بالحبس أنه ليس بمتبرع وأن له الرجوع على موكله بما دفعه وإن لم يأمره
به صريحا للاذن حكما. قوله: (أولا) أي لم يدفعه. قوله: (لأنه) تعليل للحبس لا للأولوية. قوله:
(بنقض) أي بثمن حال، فلو بمؤجل تأجل في حق الموكل أيضا فليس للوكيل طلبه حالا. بحر.
قوله: (كل الثمن) أي جملة واحدة. قال في البحر: ولو وهبه خمسمائة ثم الخمسمائة الباقية لم يرجع
الوكيل على الآمر إلا بالأخرى لان الأولى حط والثانية هبة. قوله: (فهو كمبيع) عند محمد، وهو قول
أبي حنيفة. ابن كمال. قوله: (كرهن) أي فيهلك بالأقل من قيمته ومن الثمن. وعند زفر كغصب،
فإن كان الثمن مساويا للقيمة فلا اختلاف، وإن كان الثمن عشرة والقيمة خمسة عشر، فعند زفر:
يضمن خمسة عشر لكن يرجع الموكل على الوكيل بخمسة وعند الباقين يضمن عشرة، وإن كان بالعكس
فعند زفر: يضمن عشرة ويطلب الخمسة من الموكل، وكذا عند أبي يوسف لان الرهن يضمن بالأقل
من قيمته والدين، وعند محمد: يكون مضمونا بالثمن وهو خمسة عشر. ابن كمال. قوله: (وابن
ملك) أي والحدادي نقلا عن المستصفى، ومشى عليه في درر البحار، وعزاه صاحب النهاية إلى الامام
خواهر زاده. واستشكله الزيلعي وصاحب العناية بأن الوكيل أصيل في باب البيع حضر الموكل العقد أو لم
يحضر. وقال الزيلعي: وإطلاق المبسوط وسائر الكتب د ليل على أن مفارقة الموكل لا تعتبر أصلا ولو
كان حاضرا، وهذا منشأ ما مشى عليه المصنف تبعا للبحر، لكن أجاب العيني عن الاشكال بأن
الوكيل نائب فإذا حضر الأصيل فلا يعتبر النائب ا ه‍. وتعقبه الحمودي بأن الوكيل نائب في أصل العقد
أصيل في الحقوق فلا اعتبار بحضرة الموكل، وبه علمت أن ما ذكره الشارح: أي العيني في غير محله.
64

قلت: والذي يدفع الاشكال من أصله ما قدمه الشارح عن الجوهرة من أن العهدة على آخذ
الثمن لا العاقد لو حضرا في أصح الأقاويل، وما ذكره العيني وصاحب العناية مبني على القول الآخر
من أنه لا عبرة بحضرته وهو ما مشى عليه في المتن سابقا، فتنبه. قوله: (ولو صبيا) أتى بالمبالغة لأنه
محل موهم حيث لا ترجع الحقوق إليه. قوله: (فيبطل العقد الخ) كذا قاله صاحب الهداية والكافي
وسائر المتأخرين. درر وهو تفريع على الأصل المذكور. قوله: (بمفارقته) أي الوكيل. قوله: (صاحبه)
وهو العاقد. منح. قوله: (والمراد الخ) قال الزيلعي: وهذا في الصرف مجره على إطلاقه فإنه يجوز
التوكيل فيه من الجانبين. وأما في السلم فإنه يجوز بدفع رأس المال فقط، وأما ما يأخذه فلا يجوز لان
الوكيل إذا قبض رأس المال يبقى المسلم فيه في ذمته وهو مبيع ورأس المال ثمنه، ولا يجوز أن يبيع
الانسان ماله بشرط أن يكون الثمن لغيره كما في بيع العين، وإذا بطل التوكيل كان الوكيل عاقدا
لنفسه فيجب المسلم فيه في ذمته ورأس المال مملوك له، وإذا سلمه إلى الآمر على وجه التمليك منه كان
قرضا اه‍. قوله: (ضعفه) احترز عن الزيادة القليلة كعشرة أرطال ونصف فإنها لازمة للآمر لأنها تدخل
بين الوزنين فلا يتحقق حصول الزيادة. بحر عن غاية البيان. قوله: (خلافا لهما) فعندهما يلزمه
العشرون بدرهم لأنه فعل المأمور وزاده خيرا. منح. قوله: (كغير موزون) قيد به لان في القيميات لا
ينفذ شئ على الموكل. منح. قوله: (بخلاف الخ) محل هذا بعد قوله: لا يشتريه لنفسه ح. قوله:
(والفرق في الواني) ذكره الزيلعي أيضا.
وحاصله: أن النكاح الداخل تحت الوكالة نكاح مضاف إلى الموكل فينعزل إذا خالفه وأضافه إلى
نفسه، بخلاف الشراء فإنه مطلق غير مقيد بالإضافة إلى كل أحد ا ه‍. قوله: (غير الموكل) بالجر صفة
شئ مخصصة، وبالنصب استثناء منه أو حال.
قال في المنح: وإنما قيدنا بغير الموكل للاحتراز عما إذا وكل العبد من يشتريه له من مولاه أو
وكل العبد بشرائه له من مولاه فاشترى فإنه لا يكون للآمر ما لم يصرح به للمولى أن يشتريه فيهما
للآمر مع أنه وكيل بشراء شئ بعينه كما سيأتي ا ه‍. وكأن وجه الاحتراز عما ذكره من الصورتين
باعتبار احتمال لفظ الموكل لاسم الفاعل واسم المفعول، ولا يخفى ما فيه، فكان الأولى أن يقول: غير
الموكل والموكل ا ه‍. قوله: (لا يشتريه لنفسه) أي بلا حضروه. باقاني كذا في الهامش. قوله: (بالأولى)
أوضحه في البحر. قوله: (دفعا للغرر) قال الباقاني: لأنه يؤدي إلى تغرير الآمر حيث اعتمد عليه،
ولان فيه عزل نفسه فلا يملكه على ما قيل إلا بمحضر من الموكل. كذا في الهداية ا ه‍. هكذا في
65

الهامش. وفيه الوكيل بالبيع لا يملك شراءه لنفسه لان الواحد لا يكون مشتريا وبائعا فيبيعه من غيره
ثم يشتريه منه، وإن أمره الموكل أنه يبيعه من نفسه أو أولاده الصغار أو ممن لا تقبل شهادته فباع منه
جاز. بزازية اه‍ حامدية. وإذا وكله أن يشتري له عبدا بعينه بثمن مسمى وقبل الوكالة ثم خرج من
عند الموكل وأشهد على نفسه أن يشتريه لنفسه ثم اشترى العبد بمثل ذلك الثمن فهو للموكل. فتاوى
هندية. قوله: (فلو اشتراه) تفريع على قوله: حيث لم يكن
مخالفا. قوله: (بغير النقود) أي إذا لم يكن الثمن مسمى. قوله: (أو بخلاف) شمل المخالفة في الجنس والقدر، وفيه كلام فانظره في البحر.
قوله: (ما سمى) أي إن كان الثمن مسمى. قوله: (فالشراء للوكيل) المسألة على وجوه كما في البحر.
وحاصلها: أنه إن أضاف العقد إلى مال أحدهما كان المشتري له، وإن أضافه إلى مال مطلق فإن
نواه للآمر فهو له، وإن نواه لنفسه فهو له، وإن تكاذبا في النية يحكم النقد إجماعا، وإن توافقا على
عدمها فللعاقد عند الثاني وحكم النقد عند الثالث، وبه علم أن محل النية للموكل فيما إذا أضافه إلى
مال مطلق سواء نقده من ماله أو من مال الموكل، وكذا قوله: ولو تكاذبا وقوله: ولو توافقا محله
فيما إذا أضافه إلى مال مطلق، لكن في الأول يحكم النقد إجماعا وفي الثاني على الخلاف السابق اه‍.
قوله: (أو شراه) معناه إضافة العقد إلى ماله لا الشراء من ماله. بحر. قوله: (فهلك) الصواب إسقاطه
لقوله: وهي حي كما في الشرنبلالية، وتبع فيه صاحب الدرر وصدر الشريعة. قوله: (قائم) لا
حاجة إليه، ولعله أراد أنه قائم من كل وجه ليحترز به عما إذا حدث به عيب فإنه كالهلاك كما في
البزازية. تأمل. قوله: (للمأمور) أي مع يمينه. يعقوبية. قوله: (وإلا يكن منقودا) سواء كان العبد
حيا أو ميتا ح. وفيه أن صورة الحي مرت وهذه في الميت. قوله: (أي يكون) أي القول: كذا في
الهامش. قوله: (وإلا فللآمر) حاصل المسألة المذكورة على ثمانية أوجه كما قال الزيلعي، لأنه إما أن
يكون مأمورا بشراء عبد بعينه أو بغير عينه، وكل وجه على وجهين: إما أن يكون الثمن منقودا أو غير
منقود. وكل وجه على وجهين: إما أن يكون العبد حيا حين أخبر الوكيل بالشراء أو ميتا. ثم قال:
فحاصله أن الثمن إن كان منقودا فالقول للمأمور في جميع الصور، وإن كان غير منقود ينظر: فإن كان
الوكيل لا يملك الانشاء بأن كان ميتا، فالقول للآمر، وإن كان يملك الانشاء فالقول للمأمور عندهما،
وكذا عند أبي حنيفة في غير موضع التهمة، وفي موضع التهمة القول للآمر، قوله: (للتهمة) فإنه
يحتمل أنه اشتراه لنفسه، فلما رأى الصفقة خاسرة أراد إلزامه للموكل ح. كذا في الهامش. قوله:
66

(خلافا لهما) الخلاف فيما إذا كان منكرا حيرا والثمن غير منقود فقط ح. كذا في الهامش. قوله:
(بقوله بعني الخ) بدل من قوله: بتوكيله. قوله: (أو غير معينين) بحث فيه أبو السعود فانظر ما
كتبناه على البحر. قوله: (إذا نواه الخ) قيد في غير معينين فقط ح. كذا في الهامش. قوله: (كما مر)
قريبا في قوله: وإن بغير عينه فالشراء للوكيل إلا إذا نواه للموكل. قوله: (عن الآمر) لان التوكيل
مطلق): أي عن قيد المعينة، وقد لا يتفق الجمع بينهما. قوله: (معين) لا حاجة إليه مع قول المصنف
وعينه ح. قوله: (وإلا يعين) لا المبيع ولا البائع. قوله: (خلافا لهما) فقالا يلزم الآمر إذا قبضه
المأمور. بحر. قوله: (ما عليه) أي يعقد عقد السلم ح، بأن قال له أسلم الدين الذي لي عليك إلى
فلان جاز، وإن لم يعين فلان لم يجز عنده، وعندهما يجوز كيفما كان، وكذا لو أمره بأن يصرف ما عليه
من الدين، زيلعي. قوله: (أو يصرفه) أي يعقد عقد الصرف ح. كذا في الهامش. قوله: (في
الوكالات عنده) ولذا لو قيدها بالعين منها أو بالدين منها ثم هلك العين أو سقط الدين بطلت الوكالة،
فإذا تعينت فيها كان هذا تمليك الدين من غير من عليه الدين، وذا لا يجوز إلا إذا وكله بقبضه له ثم
بقبضه لنفسه، وتوكيل المجهول لا يجوز فكان باطلا أو يكون أمرا يصرف ما لا يملكه إلا بالقبض
قبله. زيلعي. قوله: (في المعاوضات) عينا كانت النقود أو دينا. قوله: (فجعل المؤجر) بالفتح وهو
الدار مثلا. قوله: (كالمؤجر) بالكسر. قوله: (فراجعه) أقول: الذي رأيته في الشرح المذكور في هذا
67

المحل مثل ما قدمه. ونصه: وأما مسألة إجارة الحمام ونحوها قبل ذلك قولهما، وإن كان قول الكل
فإنما جاز باعتبار الضرورة لان المستأجر لا يجد الآجر في
كل وقت فجعلنا الحمام قائما مقام الآجر في القبض اه‍. ولم أجد هذه العبارة فيه، لكن لا تخالف ما ذكره الماتن لان وجوب الأجرة يكون بعد
استيفاء أو باشتراط التعجيل، وهو معنى قول المتن لما عليه من الأجرة. قوله: (للآمر) وينفذ على
المأمور. زيلعي. قوله: (بلا يمين) في الأشباه: كل من قبل قوله فعليه اليمين، إلا في مسائل عشر
وعدها وليس منها ما ذكره هنا، ويمكن الجواب. تأمل. كذا بخط بعض الفضلاء.
وذكر في الهامش فروعا هي: وإن قال أمرني فدفعته إلى وكيل له أو غريم له أو وهبه لي أو
قضى لي من حق كان لي عليه لم يصدق وضمن المال اه‍ بحر.
وفيه من شتى القضاء: نائب الناظر كهو في قبول قوله، فلو ادعى ضياع مال الوقف أو تفريقه
على المستحقين وأنكروا فالقول له كالأصيل لكن مع اليمين، وبه فارق أمين القاضي لأنه لا يمين عليه
كالقاضي. وفي الخيرية من الوصايا الوصي مثل القيم لقولهم: الوصية والوقف أخوان اه‍ حامدية
اه‍. قوله: (جزم الواني) وكذا اعترضه في اليعقوبية، وقد ذكرت العبارتين في هامش البحر. قوله:
(تحريف) وادعى أنه مخالف للعقل والنقل. قوله: (لكن في الأشباه) في عبارة الأشباه كلام طويل ذكره
الشرنبلالي في رسالة حافلة، وكذا المقدسي له رسالة لخصها الحموي في حاشيته ونقله الفتال، فراجع
ذلك إن شئت. قوله: (المأمور) في صورتين. زيلعي. قوله: (ولو اختلفا الخ) هنا اتفقا على بيان شئ
لكن الاختلاف في المقدار، بخلاف الصورة التي قبلها فإنه لم يبين فيها شئ من الثمن، وما في
الزيلعي سهو كما نبه عليه في البحر. قوله: (بشراء أخيه) أي أخي الآمر. قوله: (فالقول له) أي
للآمر. قوله: (من مولاه بكذا) أي بألف مثلا، وكان ينبغي التعبير به لقوله بعد والألف للسيد.
68

قوله: (سفيرا) فلا ترجع الحقوق إليه والمطالبة بالألف الأخرى على العبد لا على الوكيل هو الصحيح.
بحر. قوله: (فتلغو أحكام الشراء) أي فلا يبطل بالشروط الفاسدة ولا يدخله خيار الشرط ح. كذا
في الهامش. قوله: (إلى العطاء) فإنه لو كان شراء حقيقة لأفسده الاجل المجهول. قوله: (ومعه رجل)
أي تشارك الرجل والعبد في شراء نفس العبد، أي صفقة واحدة. بحر. قوله: (انعقاد البيع في الثاني)
أي في شراء الأب، لان صيغة الشراء استعملت في معناه الحقيقة لا الأول، لان ما وقع من العبد لم
يكن صيغة تفيد الشراء س. قوله: (الحقيقة) وهو ثبوت الملك للمشتري. قوله: (والمجاز) وهو
الاعتاق. قوله: (لزوال حجره) جواب عما يقال العبد المحجور إذا توكل لا ترجع الحقوق إليه، وعزاه
في الهامش الاشكال إلى الدرر. قوله: (الوكيل إذا خالف) قال في الهامش: وكله أن يبيع عبده بألف
وقمته كذلك ثم زادت قيمته إلى ألفين لا يملك بيعه بألف. بزازية اه‍.
فصل: لا يعقد وكيل البيع والشراء
قوله: (والإجارة الخ) أما الحوالة والإقالة والحط والابراء والتجوز بدون حقه يجوز عندهما
ويضمن. وعند أبي يوسف: لا يجوز الوكيل بالبيع يملك الإقالة، حتى لو باع ثم أقال لزمه الثمن
للموكل والوكيل بالشراء لا يملكها، بخلاف الوكيل بالبيع (1) والوكيل بالسلم والوصي والأب المتولي

(1) قوله: (بخلاف الوكيل بالبيع) الظاهر أنه لا حاجة إليه تأمل ا ه‍ مصححه.
69

كالوكيل، ولو قال الموكل للوكيل ما صنعت من شئ فهو جائز يملك الحوالة بالاجماع والإقالة على
خلاف ما مر، وكذا لو أبرأ المشتري عن الثمن صح عندهما لكن يضمن، وهذا إذا لم يقبض الثمن، أما
إذا قبض فلا يملك الحط والإقالة ا ه‍، كذا في الهامش. قوله: (إلا من عبده ومكاتبه) وكذا مفاوضه
وابنه الصغير فالمستثنى من قولهما أربع. بحر. وقيد العبد في المبسوط بغير المديون وفيه إشارة إلى أنه
لو كان مديونا يجوز. بحر. قوله: (كما يجوز عقده) أي عند عدم الاطلاق. قوله: (إلا من نفسه)
وفي السراج: لو أمره بالبيع من هؤلاء فإنه يجوز إجماعا إلا أن يبيعه من نفسه أو ولده الصغير أو عبده
ولا دين عليه فلا يجوز قطعا وإن صرح به الموكل ا ه‍ منح. الوكيل بالبيع لا يملك شراءه لنفسه لان
الواحد لا يكون مشتريا وبائعا فيبيعه من غيره ثم يشتريه منه، وإن أمره الموكل أن يبيعه من نفسه
وأولاده الصغر أو ممن لا تقبل شهادته فباع منهم جاز. بزازية. كذا في البحر. ولا يخفى ما بينهما من
المخالفة، وذكر مثل ما في السراج في النهاية عن المبسوط، ومثل ما في البزازية في الذخيرة عن
الطحاوي وكأن في المسألة قولين خلافا لمن ادعى أنه لا مخالفة بينهما. وقوله: (وصح بيعه بما قل أو
كثر الخ) قال الخجندي: جملة من يتصرف بالتسليط حكمهم على خمسة أوجه: منهم من يجوز بيعه
وشراؤه بالمعروف وهو الأب والجد والوصي وقدر ما يتغابن يجعل عفوا. ومنهم من يجوز بيعه وشراؤه
على المعروف وعلى خلافه وهو المكاتب والمأذون، عند أبي حنيفة يجوز لهم أن يبيعوا ما يساوي ألفا
بدرهم ويشتروا ما يساوي درهما بألف، وعندهما لا يجوز إلا على المعروف وأما الحر البالغ العاقل يجوز
بيعه كيفما كان وكذا شراؤه إجماعا. ومنهم من يجوز بيعه كيفما كان وكذا شراؤه على المعروف وهو
المضارب وشريكا العنان أو المفاوضة والوكيل بالبيع المطلق يجوز بيع هؤلاء عند أبي حنيفة بما عز وهان
عندهما، ولا يجوز إلا بالمعروف، وأما شراؤهم فلا يجوز إلا على المعروف إجماعا، فإن اشترى بخلاف
المعروف والعادة أو بغير النقود نفذ شراؤهم على أنفسهم وضمنوا ما نقدوا فيه من مال غيرهم إجماعا.
ومنهم من لا يجعل قدر ما يتغابن فيه عفوا وهو المريض إذا باع في مرض موته وحابى فيه قليلا وعليه
دين مستغرق فإنه لا يجوز محاباته وإن قلت، والمشتري بالخيار إن شاء وفي الثمن إلى تمام القيمة، وإن
شاء فسخ. وأما وصية بعد موته إذا باع تركته لقضاء ديونه وحابى فيه قدر ما يتغابن فيه صح بيعه
ويجعل عفوا، وكذا لو باع ماله من بعض ورثته وحابى فيه، وإن قل لا يجوز البيع على قول أبي حنيفة،
وإن كان أكثر من قيمته حتى تجيز سائر ورثته، وليس عليه دين، ولو باع الوصي ممن لا تجوز شهادته
له وحابى فيه قليلا لا يجوز وكذا المضارب. ومنهم من لا يجوز بيعه وشراؤه ما لم يكن خيرا وهو
الوصي إذا باع ماله من اليتيم أو اشترى. فعند محمد: لا يجوز بحال، وعندهما: إن خيرا فخير وإلا لم
يجز اه‍ سائحاني.
70

قلت: وفي وصايا الخانية: فسر السرخسي الخيرية بما إذا اشترى الوصي لنفسه مال اليتيم ما
يساوي عشرة بخمسة عشر وباع مال نفسه من اليتيم ما يساوي عشرة بثمانية، وذكر ما قدمناه في منية
المفتي بعبارة أخصر مما قدمناه. قوله: (بزازية) قال العلامة قاسم في تصحيحه على القدوري: ورجح
دليل الامام المعول عليه عند النسفي وهو أصح الأقاويل والاختيار عند المحبوبي، ووافقه الموصلي
وصدر الشريعة اه‍ رملي. وعليه أصحاب المتون الموضوعة لنقل المذهب لما هو ظاهر الرواية.
سائحاني. قوله: (بالنقد بألف جاز) لأنه وإن صار مخالفا إلا أنه إلى خير من كل وجه، وإن باعه بأقل
من الألف بالنقد لا يجوز، لأنه وإن خالف إلى خير من حيث التعجيل خالف إلى شر من حيث المقدار
والخلاف إلى شر من وجه يكفي في المنع، فإن باعه بألفين نسيئة وشهرا أيضا لا يجوز. ذخيرة. وفيها
قبله: وإذا وكله بالبيع نسيئة فباعه بالنقد، إن بما يباع بالنسيئة جاز وإلا فلا ا ه‍. وفي البحر عن
الخلاصة: لو قال بعه إلى أجل فباعه بالنقد. قال السرخسي: الأصح أنه لا يجوز بالاجماع، وفرق بينه
وبين ما نقله الشارح بتعيين الثمن وعدمه.
قلت: لكن ينبغي أن يكون ما في الخلاصة محمولا على ما إذا باع بالنقد بأقل مما يباع بالنسيئة
بدليل ما قدمناه عن الذخيرة، وقوله قبله: بالنسيئة بألف قيد ببيان الثمن، لأنه لو لم يعين وباع بالنقد
لا يجوز كما بينه في البحر. قوله: (بزمان ومكان) فلو قال بعه غدا لم يجز بيعه اليوم، وكذا الطلاق
والعتاق وبالعكس فيه روايتان. والصحيح أنه كالأول س. قوله: (أو إلا بمحضر فلان الخ) قال في
الفتاوى الهندية: وكله بالبيع ونهاه عن البيع إلا بمحضر فلان لا يبيع إلا بحضرته، كذا في وجيز الكردري.
وإذا أمره أن يبيع برهن أو كفيل فباع من غير رهن أو من غير كفيل لم يجز أكده بالنفي أو لم يؤكد.
وإذا قال برهن ثقة لم يجز إلا برهن يكون بقيمته وفاء بالثمن أو تكون قيمته أقل بمقدار ما يتغابن فيه،
وإذا أطلق جاز بالرهن القليل كذا في المحيط، ولو قال بعه وخذ كفيلا أو بعه وخذ رهنا لا يجوز إلا
كذلك اه‍. كذا في الهامش.
وجملة الامر أن كل وجه يلزم رعايته أكده بالنفي أو لا كبعه بخيار فباعه بدونه، نظيره الوديعة
إن مفيدا كاحفظ في هذه الدار تتعين وإن لم يقل لا تحفظ إلا في هذه الدار لتفاوت الحرز وإن لا يفد
71

أصلا لا يجب مراعاته كبعه بالنسيئة فباعه بنقد يجوز، وإن مفيدا من وجه يجب مراعاته إن أكده بالنفي
وإن لم يؤكده به لا يجب، مثاله: لا تبعه إلا في سوق كذا يجب رعايته، بخلاف قوله بعه في سوق
كذا، وكذا في الوديعة إذا قال لا تحفظ إلا في هذا البيت يلزم الرعاية، وإن لم يفد أصلا بأن عين
صندوقا لا يلزم الرعاية، وإن أكده بالنفي والرهن والكفالة مفيد من كل وجه فلا يجوز خلافه أكده
بالنفي أو لا، والاشهاد قد يفيد إن لم يغب الشهود وكانوا عدولا وقد لا يفيد، فإذا أكده بالنفي يلزم
الرعاية وإلا لا عملا بالشبهين. بزازية قبيل الفصل الخامس، وانظر ما قدمناه عن البحر في مسألة البيع
بالنسيئة. قوله: (واقعة الفتوى الخ) المسألة مصرح بها في وصايا الخانية لكن بلفظ بمحضر فلان
والحكم فيها ما ذكره هنا ا ه‍. قوله: (وصح أخذه رهنا الخ) قال في نور العين: وكيل البيع لو أقال أو
احتال أو أبرأ أو حط أو وهب أو تجوز صح عن أبي حنيفة ومحمد وضمن لموكله، لا عند أبي يوسف،
والوكيل لو قبض الثمن لا يملك الإقالة إجماعا اه‍.
قلت: وكذا بعد قبض الثمن لا يملك الحط والابراء. بزازية. قوله: (أو توى المال على
الكفيل) وهو يكون بالمرافعة إلى حاكم مالكي يرى براءة الأصيل عن الدين بالكفالة ولا يرى الرجوع
على الأصيل بموته مفلسا ويحكم به ثم يموت الكفيل مفلسا. ابن كمال. ومثله في الشرنبلالية عن
الكافي، وتحقيقه في شرح الزيلعي اه‍. قوله: (وتقيد شراؤه) لان التهمة في الأكثر متحققة فلعله
اشتراه لنفسه، فإذا لم يوافقه ألحقه بغيره على ما مر، وأطلقه فشمل ما إذا كان وكيلا بشراء معين، فإنه
وإن كان لا يملك شراءه لنفسه فبالمخالفة يكون مشتريا لنفسه، فالتهمة باقية كما في الزيلعي. وفي
الهداية: قالوا ينفذ على الآمر، وذكر في البناية أنه قول عامة المشايخ، الأول قول البعض، وفي
الذخيرة أنه لا نص فيه، بحر ملخصا. قوله: (ما يقوم به مقوم) أي لم يدخل تحت تقويم أحد من
المقومين. قال مسكين: فلو قومه عدل عشرة وعدل آخر ثمانية وآخر سبعة فيما بين الشعرة والسبعة
داخل تحت تقويم المقومين، وتمامه فيه. قوله: (وبناية) هي شرح الهداية. قوله: (لاطلاق التوكيل)
أي إطلاقه عن قيد الاجتماع والافتراق. قوله: (وظاهره الخ) أي لأنه جعله استحسانا وقال في
البحر: ولذا أخره مع دليله كما هو عادته، ولذا استشهد لقول الامام بما لو باع الكل بثمن النصف
فإنه يجوز، وقد علمت أن المفتى به خلاف قوله ا ه‍: أي خلاف قوله فيما استشهد به. قلت: وقد
علمت ما قدمناه عن العلامة قاسم. قوله: (وقيد ابن الكمال الخ) ومثله في البحر معزوا إلى المعراج،
ونقل الاتفاق أيضا في الكفاية عن الايضاح. قوله: (وفي الشراء يتوقف الخ) لا فرق بين التوكيل
72

بشراء عبد بعينه أو بغير عينه. زيلعي. وفيه لا يقال: إنه لا يتوقف بل ينفذ على المشتري. لأنا
نقول: إنما لا يتوقف إذا وجد نفاذا على العاقد، وها هنا شراء النصف لا ينفذ على الوكيل لعدم
مخالفته من كل وجه، ولا على الآمر لأنه لم يوافق أمره من كل وجه فقلنا بالتوقف اه‍ ملخصا. قوله:
(اتفاقا) والفرق لأبي حنيفة بين البيع والشراء أن في الشراء تتحقق تهمة أنه اشتراه لنفسه، ولان الامر
بالبيع يصادف ملكه فيصح فيعتبر فيه الاطلاق، والامر بالشراء صادف ملك الغير فلم يصح فلا يعتبر
فيه التقييد والاطلاق كما في الهداية. قوله: (ولو رد مبيع بعيب على وكيله) أطلقه فشمل ما
إذا قبض الثمن أو لا، وأشار إلى أن الخصومة مع الوكيل فلا دعوى للمشتري على الموكل، فلو أقر
الموكل بعيب فيه وأنكره الوكيل لا يلزمهما شئ لان الموكل أجنبي في الحقوق، ولو بالعكس رده
المشتري على الوكيل لان إقرار صحيح في حق نفسه لا الموكل. بزازية. ولم يذكر الرجوع بالثمن.
وحكمه أنه على الوكيل إن كان نقده، وعلى الموكل إن كان نقده كما في شرح الطحاوي، وإن نقده
إلى الوكيل ثم هو إلى الموكل ثم وجد الشاري عيبا أفتى القاضي أنه يرده على الوكيل. كذا في
البزازية. وقيد بالبيع لان الوكيل بالإجازة إذا آجر وسلم ثم طعن المستأجر فيه بعيب فقبل الوكيل بغير
قضاء يلزم والموكل ولم يعتبر إجارة جديدة، وقيد بالعيب إذ لو قبله بغير قضاء بخيار رؤية أو شرط
فهو جائز على الآمر، وكذا لو رده المشتري عليه بعيب قبل القبض. بحر ملخصا. قوله: (رده الوكيل
على الآمر) لو قال: فهو رد على الآمر، لكان أولى، لان الوكيل لا يحتاج إلى خصومة مع الموكل إلا
إذا كان عيبا يحدث مثله ورد عليه بإقرار بقضاء، وإن بدون قضاء لا تصح خصومته لكونه مشتريا،
كما أفاده في البحر.
وحاصل هذه المسألة، أن العيب لا يخلو إما أن لا يحدث مثله كالسن أو الإصبع الزائدة أو
يكون حادثا لكن لا يحدث مثله قبل هذه المدة أو يحدث في مثلها، ففي الأول والثاني يرده القاضي من
غير حجة من بينة أو إقرار أو نكول لعلمه بكونه عند البائع، وتأويل اشتراط الحجة في الكتاب أن
الحال قد يشتبه على القاضي بأن لا يعرف تاريخ البيع فيحتاج إليها ليظهر التاريخ، أو كان عيبا لا يعرفه
إلا الأطباء أو النساء، وقولهم حجة في توجه الخصومة لا في الرد فيفتقر إلى الحجة للرد، حتى لو عاين
القاضي البيع وكان العيب ظاهرا لا يحتاج إلى شئ منها، وكذا الحكم في الثالث إن كان ببينة أو نكول
لان البينة حجة مطلقة، وكذا النكول حجة في حقه فيرده عليه، والرد في هذه المواضع على الوكيل رد
على الموكل. وأما إن رده عليه في هذا الثالث بإقراره، فإن كان بقضاء فلا يكون ردا على الموكل لأنه
حجة قاصر فلا تتعدى، ولكن له أن يخاصم الموكل فيرده عليه ببينة أو بنكوله، لان الرد فسخ لأنه
حصل بالقضاء كرها عليه فانعدم الرضا وإن كان بغير قضاء فليس له الرد لأنه إقالة وهي بيع جديد في
حق ثالث وهو الموكل في الأول، والثاني لو رد على الوكيل بالاقرار بدون قضاء لزم الوكيل، وليس له
أن يخاصم الموكل في عامة الروايات، وفي رواية يكون ردا على الموكل. وتمامه في شرح الزيلعي. وبه
ظهر أن ما في المتن تبعا للكنز مبني على هذه الرواية، وكذا قال في الاصلاح، وكذا بإقرار فيما لا
يحدث مثله إن رد بقضاء. وفي المواهب: لو رد عليه بما لا يحدث مثله بإقراره يلزم الوكيل ولزوم
73

الموكل رواية ا ه‍. قوله: (الأصل في الوكالة الخصوص الخ) قال:
الأصل في الوكالة الخصوص * لا في المضاربة ذا المنصوص
قوله: (لا ينفذ تصرف أحد الوكيلين) لان الموكل لا يرضى برأي أحدهما، والبدل وإن كان
مقدرا لكن التقدير لا يمنع استعمال الرأي في الزيادة واختيار المشتري. منح: أي التقدير للبدل
لمنع النقصان عنه فربما يزداد عند الاجتماع وربما يختار الثاني مشتريا مليا والأول لا يهتدي إلى ذلك.
قال في الهامش: ولو دفع ألف درهم إلى رجلين مضاربة وقال لهما اعملا برأيكما لم يكن لكل
واحد منهما أن ينفرد بالبيع والشراء، لأنه رضي برأيهما لا برأي أحدهما، ولو عمل أحدهما بغير
إذن صاحبه ضمن نصف المال وله ربحه وعليه وضيعته لا نقد نصف رأس مال المضاربة في الشراء
لنفسه للمضاربة بغير إذن رب المال فصار ضامنا. عطاء الله أفندي. وهكذا وجدت هذه العبارة
فلتراجع من أصلها. قوله: (أو مات) أي الآخر المشتمل على العبد أو الصبي، وكذا قوله: أو
جن. قوله: (أو جن) فلا يجوز للآخر التصرف وحده لعدم رضاه برأيه وحده، ولو وصيين لا
يتصرف الحي إلا برأي القاضي. بحر عن وصايا الخانية. قوله: (بخلاف الوصيين) فإنه إذا أوصى
إلى كل منهما بكلام على حدة لم يجز لأحدهما الانفراد في الأصح، لأنه عند الموت صارا وصيين
جملة واحدة. وفي الوكالة يثبت حكمهما بنفس التوكيل. بحر. قوله: (كما سيجئ) وسيجئ قريبا
متنا. قوله: (فحتى يجتمعا) لكن سيأتي أن الوكيل بالخصومة لا يملك القبض، وبه يفتى. أبو
السعود. قوله: (وظاهره) أي ظاهر قول المصنف، وقوله: عطفه أي التعليق بمشيئتهما. قوله:
(والدرر) حيث قال بعد قوله: لم يعوضا بخلاف ما إذا قال لهما طلقاها إن شئتما أو قال
أمرها بأيديكما لأنه تفويض إلى مشيئتهما فيقتصر على المجلس. قوله: (ولا علقا) استثنى في البحر ثلاث
مسائل غير هذين فراجعه، واعترضه الرملي. قوله: (فلو قبض أحدهما) أي بدون إذن صاحبه
وهلك في يده كما صرح به في الذخيرة، لا بدون حضوره كما توهمه عبارة البحر. قوله: (ضمن
كله) عبارة السراج كما في البحر.
فإن قيل: ينبغي أن يضمن النصف لان كل واحد منهما مأمور بقبض النصف. قلنا: ذاك مع
74

إذن صاحبه، وأما في حال الانفراد فغير مأمور بقبض شئ منه. قوله: (والوصاية) مبتدأ خبره قوله:
كالوكالة وزاد بعد الواو بخلاف ليعطفه على قوله بخلاف اقتضائه فالمعطوف خمسة والسادس
المعطوف عليه فلا اعتراض في كلامه، فتنبه، لكن لا يحسن تشبيه مسألة الاقتضاء بالوكالة لأنها وكالة
حقيقة. قوله: (فإن هذه الستة) فيه أن المذكور هنا خمسة، وإن أراد جميع ما تقدم مما لم يجز فيه الانفراد
فهي تسع عشرة صورة مع مسألة الوكالة ح. كذا في الهامش.
قال جامعه: وقد علمت مما سبق جوابه. قوله: (النظر له) أي للواقف. قوله: (أو مال موكله)
كذا استنبطه العمادي من مسألة ذكرها عن الخانية، ولكن ذكر قبله عنها أنه لو كتب في آخر الكتاب
أنه يخاصم ويخاصم ثم ادعى قوم قبل الموكل الغائب مالا فأقر الوكيل بالوكالة وأنكر المال فأحضروا
الشهود على الموكل لا يكون لهم أن يحبسوا الوكيل لأنه جزاء الظلم ولم يظهر ظلمه، إذ ليس في هذه
الشهادة أمر بأداء المال ولا ضمان الوكيل على الموكل، فإذا لم يجب على الوكيل أداء الماء من مال الموكل
بأمر موكله ولا بالضمان عن موكله لا يكون الوكيل ظالما بالامتناع ا ه‍ ملخصا. ومفاده أنه لو ثبت
أمر موكله أو كفالته عنه يؤمر بالأداء، وعليه كلام قارئ الهداية. تأمل.
ثم رأيته في حاشية المنح حيث قال: أقول كلام الخانية صريح فيما أفتى به قارئ الهداية فإنه
صريح في وجوب أداء المال بأحد شيئين: إما أمر الموكل أو الضمان فليكن المعول عليه، فليتأمل
ا ه‍. ثم قال موفقا بين عبارة الخانية السابقة الثانية القائلة وإن لم يكن له دين على الوكيل لا يجبر
وبين عبارة الفوائد لابن نجيم القائلة لا يجبر الوكيل إذا امتنع عن فعل ما وكل فيه إلا في مسائل
الخ ما نصه: أقول الذي ذكره في الفوائد مطلق عن قيد كونه من ماله أو من مال موكله أو من
دين عليه، والفرع الأخير المنقول عن الخانية مقيد بما إذا لم يكن عليه دين وما قبله بما إذا لم يكن له
مال تحت يده. وأنت إذا تأملت وجدت المسألة ثلاثية: إما أن يوجد آمره ولا مال له تحت يده ولا
دين أو له واحد منهما، والظاهر أن الوديعة مثل الدين لصحة التوكيل بقبضها كهو، فيحمل الدين
في الفرع الثاني على مطلق المال حتى لا يخالف كلامه في الفرع الأول كلامه في الفرع الثاني لصحة
وجهه، ويحمل كلامه في الفوائد على عدم وجود واحد منهما فيحصل التوفيق فلا مخالفة، فتأمل. اه‍.
وحاصله: أنه لا يجبر إذا لم يكن له عند الوكيل مال ولا دين، وعليك بالتأمل في هذا التوفيق.
قوله: (لا يجبر عليه) لو قال: ولا يجبر الوكيل إذا امتنع عن فعل ما وكل فيه إلا في مسائل وهي
الثلاثة الآتية لكان أولى لئلا يختص بما ذكر في المتن كما في الأشباه. كذا في الهامش. قوله: (لا يجبر
عليه) أي على البيع. قوله: (على المعتمد) وسيأتي في باب عزل الوكيل. قوله: (لكونه متبرعا) علة
75

لقوله: لا يجبر. قوله: (بدفع عين ثم غاب) لاحتمال أنها له فيجب دفعها له. نور العين. قوله: (أو
ببيع رهن شرط فيه الخ) أي سواء شرط في عقد الرهن التوكيل بالبيع أو بعده. قال في نور العين: لو
لم يشرط التوكيل في البيع في عقد الرهن وشرط بعده، قيل لا يجب، وقيل يجب وهذا أصح اه‍.
قوله: (بطلب المدعي) سنذكر بيانه في باب عزل الوكيل، وأشار إلى أن المراد بوكيل الخصومة وكيل
المدعى عليه، فقول الدرر: وكيل خصومة لو أبى عنها لا يجبر عليها لأنه وعد أن يتبرع ينبغي أن يخص
بوكيل المدعي كما يفهم مما هنا كما نبه عليه في نور العين، ويبعده قوله إن غاب المدعي فالأحسن ما
سنذكره بعد. قوله: (خلافا لما أفتى به قارئ الهداية) مرتبط بالمتن، فإنه سئل هل يحبس هل يحبس الوكيل في
دين وجب على موكله إذا كان للموكل مال تحت يده: أي يد وكيله وامتنع الوكيل عن إعطائه سواء
كان الموكل حاضرا أو غائبا؟ فأجاب إنما يجبر على دفع ما ثبت على موكله من الدين إذا ثبت أن
الموكل أمر الوكيل بدفع الدين أو كان كفيلا وإلا فلا يحبس ا ه‍ ح. كذا في الهامش. قوله: (وظاهر
الأشباه) حيث قال: ولا يجبر الوكيل بغير أجر على تقاضي الثمن وإنما يحيل الموكل ح.
ويستفاد هذا من قول الشارح لكونه متبرعا قبل الاستثناء. قال في الهامش: ولا يحبس الوكيل
بدين موكله ولو كانت عامة إلا أن يضمن، وتمامه في وكالة الأشباه. قوله: (واقعة الفتوى) أي السابقة
آنفا، وهي ما إذا وكله بقضاء الدين مما له عيه فتصير المستثنيات خمسة بضم الوكيل بالاجر قوله:
(وفي فروق الأشباه) تقدمت أول كتاب الوكالة. قوله: (حاضرا بنفسه) انظر ما معنى هذا، فإنا لم نر
من ذكره، بل المذكور تعذر حضور شرط، ولم أر هذه العبارة في فروق الأشباه فراجعها. قوله:
(الوكيل لا يوكل) المراد أنه لا يوكل فيما وكل فيه فيخرج التوكيل بحقوق العقد فيما ترجع الحقوق فيه
إلى التوكيل فله التوكيل بلا إذن لكون أصيلا فيها ولذا لا يملك نهيه عنها وصح توكيل الموكل كما
قدمناه، بحر. وفيه: وخرج عنه ما لو وكل الوكيل بقبض الدين من في عياله فدفع المديون إليه فإنه
يبرأ لان يده كيده، ذكره الشارح في السرقة ا ه‍. وذكر الثاني المصنف. قوله: (بخلاف شراء الأضحية)
فلو وكل غيره بشرائها فوكل الوكيل غيره ثم وثم فاشترى الأخير يكون موقوفا على إجازة الأول، إن
أجاز وإلا فلا. بحر عن الخانية. قوله: (تقدير الثمن) أي لو عين ثمنه لوكيله س. قوله: (من الموكل
الأول) مخالف لما في البحر وللتعليل كما يظهر مما كتبناه على البحر، والموافق لما في البحر أن يقول من
الوكيل الأول له: أي للوكيل الثاني.
وأفاد اقتصار على هذه المسائل أن الوكيل في النكاح ليس له التوكيل، وبه صرح في الخلاصة
76

والبزازية والبحر من كتاب النكاح، وقدمناه في باب الولي فراجعه، خلافا لما قاله ط هناك بحثا من
أن له التوكيل قياسا على هذه المسألة الثالثة، فافهم. قوله: (لحصول المقصود) لان الاحتياج فيه إلى
الرأي لتقدير الثمن ظاهر وقد حصل، بخلاف ما إذا وكل وكيلين وقدر الثمن، لأنه فوض إليهما مع
تقدير الثمن ظهر أن غرضه اجتماع رأيهما في الزيادة واختيار المشتري كما مر. درر. قوله: (خلافا
للخانية) راجع إلى الخصومة كما قيده في المنح والبحر. قوله: (ينفذ عليه) أي على الأجنبي. بحر عن
السراج. قوله: (وإن وكل) أي الوكيل. قوله: (أي بالامر) أو وكالة ملتبسة بالامر بالتوكيل: أي
الاذن به. قوله: (وينعزلان) أي الوكيل الأول والثاني. قوله: (بموت الأول) أي الموكل، وكان الأولى
التعبير به ح. قوله: (وفي البحر) الذي في البحر نسبة أن الثاني صار وكيل الموكل فلا يملك عزله فيما
إذا قال اعمل برأيك إلى الهداية، ونسبة أن له عزله في قوله اصنع ما شئت إلى الخلاصة. ثم قال:
وهو مخالف للهداية، هلا أن يفرق بين اصنع ما شئت وبين اعمل برأيك، والفرق ظاهر.
وعلل في الخانية بأنه لما فوضه إلى صنعه فقد رضي بصنعه وعزله من صنعه ا ه‍. فليس في كلام
الخلاصة والخانية التصريح بمخالفة أحدهما للآخر فيحتمل أن في المسألة قولين، ودعوى صاحب
البحر ظهور الفرق غير ظاهرة لما في الحواشي اليعقوبية والحواشي السعدية أنه ينبغي أن يملكه في
صورة اعمل برأيك لتناول العمل بالرأي العزل كما لا يخفى اه‍. قوله: (بخلاف اعمل برأيك) بحث
فيه في الحواشي اليعقوبية والسعدية. قوله: (واعلم) تكرار مع ما تقدم أول الكتاب مستوفى ح. قوله:
(زواهر الجواهر وتنوير البصائر) هما حاشيتان على الأشباه: الأولى للشيخ صالح، والثانية لأخيه الشيخ
77

عبد القادر ولدي الشيخ محمد بن عبد الله الغزي صاحب المنح. قوله: (لعدم الولاية)
وكذا لا ولاية لمسلم على كافرة في نكاح ولا مال كما في البحر في كتاب النكاح من باب الولي، وتقدم هناك أيضا
متنا وشرحا فليحفظ، قال تعالى: * (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) * (الأنفال: 73). قوله: (إلى الأب)
حيث لم يكن سفيها، أما الأب السفيه لا ولاية له في مال ولده. أشباه في الفوائد من الجمع والفرق.
وفي جامع الفصولين: ليس للأب تحرير قنه بمال وغيره ولا أن يهب ماله ولو بعوض ولا إقراضه في
الأصح، وللقاضي أن يقرض مال اليتيم والوقف والغائب، وليس لوصي القاضي إقراضه، ولو أقرضه
ضمن، وقيل يصح للأب إقراضه إذ له الايداع فهذا أولى اه‍ عدة. كذا في الهامش. قوله: (يملك
الايصاء) سواء كان وصي الميت أو وصي القاضي. منح. قوله: (ثم وصي وصيه) قال في جامع
الفصولين في: ولهم الولاية في الإجارة في النفس والمال والمنقول والعقار، فلو كان عقدهم بمثل
القيمة أو يسير الغبن صح لا بفاحشة، ولا يتوقف على إجازته بعد بلوغه لأنه عقد لا مجيز له حال
العقد، وكذا شراؤهم لليتيم يصح بيسير الغبن، ولو فاحشا نفذ عليهم لا عليه، ولو بلغ في مدة
الإجارة فلو كانت على النفس تخير أبطل أو أمضي، ولو على أملاكه فلا خيار له، وليس له فسخ البيع
الذي نفذ في صغره فصط، قيل إنما يجوز إجارتهم اليتيم إذا كانت بأجر المثل لا بأقل منه، الصحيح
جوازه ولو بأقل ا ه‍. كذا في الهامش، وقوله: فصط هو رمز لفوائد صاحب المحيط. قوله: (لا
العقار) فيه كلام ذكره أبو السعود في حاشية مسكين فراجعه. قوله: (فله أن يشتري الخ) أي والنفع
ظاهر. أشباه. والفرق أنه إذا اشترى لغيره فحقوق العقد من جانب اليتيم راجعة إليه، ومن جانب
الامر كذلك فيؤدي إلى المضارة بخلاف نفسه. حموي س. قوله: (بالتوكيل) بيانه في الأشباه من
الوكالة.
باب الوكالة بالخصومة والقبض
قوله: (أي أخذ الدين) هذا لغة وعرفا هو المطالبة عناية ح. وكان علية أن يذكر هذا المعنى،
78

فإنهم بنوا الحكم عليه معللين بأن العرف قاض على اللغة، ولا يخفي عليك أن أخذ الدين بمعنى
قبضه، فلو كان المراد المعنى اللغوي يصير المعنى الوكيل بقبض الدين لا يملك القبض وهو غير
معقول. تدبر. قوله: (عند زفر) وروى عن أبي يوسف غرر الأفكار. قوله: (واعتمد في البحر
العرف) حيث قال: وفي الفتاوى الصغرى: التوكيل بالتقاضي يعتمد العرف، إن كان في بلدة كان
العرف بين التجار أن المتقاضي هو الذي يقبض الدين كان التوكيل بالتقاضي توكيلا بالقبض وإلا فلا.
ح. وليس في كلامه ما يقتضي اعتماده. نعم نقل في المنح عن السراجية أن عليه الفتوى، وكذا في
القهستاني عن المضمرات. قوله: (إجماعا) لان الوكيل بعقد لا يملك عقدا آخر. قوله: (وأمرتك
بقبضه توكيل) قال في البحر أول كتاب الوكالة: فإن قلت: فما الفرق بين التوكيل والارسال، فإن
الاذن والامر توكيل كما علمت: أي من كلام البدائع من قوله الايجاب من الموكل أن يقول وكلتك
بكذا أو افعل كذا أو أذنت لك أن تفعل كذا ونحوه؟
قلت: الرسول أن يقول له أرسلتك أو كن رسولا عني في كذا، وقد جعل منها الزيلعي في
باب خيار الرؤية أمرتك بقبضه، وصرح في النهاية فيه معزيا إلى الفوائد الظهيرية أنه من التوكيل، وهو
الموافق لما في البدائع، إذ لا فرق بين افعل كذا وأمرتك بكذا ا ه‍. وتمامه فيه. قوله: (خلافا للزيلعي)
حيث جعل أمرتك بقبضه إرسالا. ح. كذا في الهامش. قوله: (وكيل الصح) لان الصلح مسألة لا
مخاصمة. قوله: (أي الخصومة) حتى لو أقيمت عليه البينة على استيفاء الموكل أو إبرائه تقبل عنده.
وقالا: لا يكون خصما. زيلعي. قوله: (ولو وكيل القاضي) بأن وكله بقبض دين الغائب.
شرنبلالية. قوله: (أمره بقبض دينه) قال في الهامش نقلا عن الهندية: الوكيل بقبض الدين إذا أخذ
العروض من الغريم والموكل لا يرضى ولا يأخذ العروض، فللوكيل أن يرد العروض على الغريم
ويطالبه بالدين، كذا في جواهر الفتاوى.
رجل له على رجل ألف درهم وضح فوكل رجلا بقبضهما وأعلمه أنها وضح فقبض ألف درهم
غلة وهو يعلم أنها غلة لم يجز على الآمر، فإن ضاعت في يده ضمنها الوكيل ولم يلزم الآمر شئ، ولو
قبضها وهو لا يعلم أنها غلة فقبضه جائز ولا ضمان عليه، وله أن يردها ويأخذ خلافها، فإن ضاعت
من يده فكأنها ضاعت من يد الآمر، ولا يرجع بشئ في قياس قول أبي حنيفة، وفي قياس قول أبي
يوسف: يرد مثلها ويأخذ الوضح اه‍.
أقول: الأوضاح حلي من فضة جمع وضح، وأصله البياض. مغرب. وفي المختار: والأوضاح
حلي من الدراهم الصحاح. وذكر في الهامش: دفع إلى رجل ما لا يدفعه إلى رجل فذكر أنه دفعه إليه
وكذبه في ذلك الآمر والمأمور له بالمال فالقول قوله: في براءة نفسه عن الضمان، والقول قول: الآخر
79

أنه لم يقبضه، ولا يسقط دينه عن الآمر، ولا يجب اليمين عليهما جميعا، وإنما يجب على الذي كذبه
دون الذي صدقه، فإن صدق المأمور في الدفع فإنه يحلف بالله ما قبض، فإنه حلف لا يسقط دينه،
وإن نكل سقط وصدق الآخر أنه لم يقبضه، وإن كذب المأمور فإنه يحلف المأمور خاصة لقد دفعه إليه،
فإن حلف برئ، وإن نكل لزمه ما دفع إليه ا ه‍ هندية من فصل: إذا وكل إنسانا بقضاء دين عليه.
قوله: (درهما دون درهم) معناه لا يقبض متفرقا، فلو قبض شيئا دون شئ لم يبرأ الغريم من شئ.
جامع الفصولين. وفيه وكيل قبض الوديعة قبض بعضها جاز، فلو أمر أن لا يقبضها إلا جميعا فقبض
بعضها ضمن ولم يجز القبض، فلو قبض ما بقي قبل أن يهلك الأول جاز القبض على الموكل اه‍.
قوله: (في الأشباه الخ) الظاهر أنه أراد بالنقل المذكور الإشارة إلى مخالفته لما في الأشباه، فإن من جملة
الثلاثة كما تقدم قبل هذا الباب أنه يجبر الوكيل بخصومة بطلب المدعي إذا غاب المدعى عليه، وقد
تبع المصنف صاحب الدرر.
وقال في العزمية: لم نجد هذه المسألة هنا لا في المتون ولا في الشروح، ثم أجاب كالشرنبلالي
بأنه لا يجبر عليها، يعني ما لم يغب موكله، فإذا غاب يجبر عليها كما ذكره المصنف في باب رهن
يوضع عند عدل اه‍. وهذا أحسن مما قدمناه عن نور العين. تأمل. هذا، ولكن المذكور في المنح متنا
موافق لما في الأشباه، فإنه ذكر بعد قوله: لا يجبر عليها: إلا إذا كان وكيلا بالخصومة بطلب المدعى
عليه وغاب المدعي، وكأنه ساقط من المتن الذي شرح عليه الشارح. تأمل. قوله: (وصح إقرار
الوكيل) يعني إذا ثبت وكالة الوكيل بالخصومة وأقر على موكله سواء كان موكله المدعي فأقر باستيفاء
الحق أو المدعى عليه فأقر بثبوته عليه. درر. قوله: (بالخصومة) متعلق بالوكيل. قوله: (لا بغيرها) أي
لا إقرار الوكيل بغير الخصومة أي وكالة كانت. قوله: (بغير الحدود والقصاص) متعلق بإقرار. قوله
: (استحسانا) والقياس أن لا يصح عند القاضي أيضا لأنه مأمور بالمخاصمة والاقرار يضرها لأنه مسالمة
ح. قوله: (انعزل) أي عزل نفسه لأجل دفع الخصم. وأنى. ورده عزمي زاده ط. قال في الهداية
: تحت قوله: انعزل: أي لو أقيمت البينة على إقراره في غير مجلس القضاء يخرج من الوكالة اه‍. قوله:
(حتى لا يدفع إليه المال) أي لا يؤمر الخصم بدفع المال إلى الوكيل، لأنه لا يمكن أن يبقي وكيلا
80

بجواب مقيد وهو الاقرار، وما وكله بجواب مقيد وإنما وكله بالجواب مطلقا اه‍ ح عن شرح
الهداية معزيا لقاضي زاده. قوله: (للتناقض) لأنه زعم أنه مبطل في دعواه. درر. قوله: (بأن قال)
المسألة على خمسة أوجه مبسوطة في البحر. قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية، ومثله استثناء
الانكار فيصح منها في ظاهر الرواية. زيلعي وبيانه فيه. قوله: (أي بالتوكيل) التوكيل بالاقرار
صحيح،، ولا يكون التوكيل به قبل الاقرار إقرارا من الموكل. وعن الطواويسي: معناه أن يوكل
بالخصومة ويقول خاصم فإذا رأيت لحوق مؤنة أو خوف عار علي فأقر بالمدعي يصح إقراره على
الموكل. كذا في البزازية رملي.
قلت: ويظهر منه وجه عدم كونه إقرارا، ونظيره صلح المنكر. قوله: (وبطل توكيل الكفيل)
فلو أبرأه عن الكفالة لم تنقلب صحيحة لوقوعها باطلة ابتداء كما لو كفل عن غائب فإنه يقع باطلا ثم
إذا أجازه لم يجز. قوله: (بالمال) متعلق بالكفيل ح وسيأتي محترزه متنا. قوله: (لو وكله بقبضه) أي فيما
لو أعتق المولى عبده المديون حتى لزمه ضمان قيمته للغرماء ويطالب العبد بجميع الدين، فلو وكله
الطالب بقبض المال عن العبد كان باطلا، لان الوكيل من يعمل لغيره والمولى عامل لنفسه لأنه يبرئ
به نفسه فلا يصح وكيلا كفاية. قوله: (لان الوكيل) قال في الهامش: أي لان الوكيل عامل لغيره،
فمتى عمل لنفسه فقط بطلت الوكالة اه‍ أشباه. قوله: (إلا إذا الخ) الاستثناء مستدرك، فانظر ما في
البحر، والمديون بالنصف وفاعل وكل مستتر فيه. قوله: (قنية) عبارتها كما في المنح، ولو وكله بقبض
دينه على فلان فأخبر به المديون فوكله ببيع سلعته وإيفاء ثمنه إلى رب الدين فباعها وأخذ الثمن وهلك
يهلك من مال المديون لاستحالة أن يكون قاضيا ومقتضيا. والواحد لا يصلح أن يكون وكيلا
للمطلوب والطالب في القضاء والاقتضاء اه‍. وتمامه في البحر فانظره. قوله: (بخلاف كفيل النفس)
قيده الزيلعي بأن يوكله بالخصومة. قال في البحر: وليس بقيد، إذ لو وكله بالقبض من المديون صح
اه‍. قوله: (حيث يصح ضمانهم) بالثمن والمهر، لان كل واحد منهم سفير ومعبر. منح. والمناسب
أن يقول: يصح توكيلهم، لكن لا يظهر في مسألة وكيل الامام ببيع الغنائم. تأمل. قوله: (سفير) أي
معبر عن غيره فلا تلحقه العهدة. قوله: (بخلاف العكس) هو تكرار محض ح: أي مع قوله: وبطل
توكيل الكفيل بالمال، لكن إذا لوحظ ارتباطه بقوله: فتصلح ناسخة إظهارا للفرق بينهما لم يكن
81

تكرارا تأمل. قوله: (وكذا كلما الخ) تكرار محض مع ما قبلها ح. قوله: (للبائع) المناسب للموكل.
قوله: (لم يجز) استشكله الشرنبلالي بوكيل الامام ببيع الغنائم، ودفعه أبو السعود بما مر من أنه سفير
ومعبر فلا تلحقه عهدة. قوله: (عاملا لنفسه) لان حق الاقتضاء له. قوله: (رجع) أي على موكله
بالبيع. ولقائل أن يقول: التبرع حصل في أدائه إليه بجهة الضمان كأدائه بحكم الكفالة عن المشتري
بدون أمره فليتأمل. شرنبلالية. ولا يخفي أن التبرع في المقيس عليه إنما هو في نفس الكفالة، وأما
الأداء فهو ملزم به شاء أو أبى، بخلاف مسألتنا، على أنه إذا أدى على حكم الضمان لا يسمى متبرعا
بل هو ملزم به في ظنه اه‍. قوله: (عملا بإقراره) أي في مال نفسه لان الديون تقضي بأمثلها،
بخلاف اقراره بقبض الوديعة الآتي لان فيها إبطال حق المالك في العين. سائحاني. قوله: (ولا يصدق
الخ) سيأتي متنا في قوله: ولو وكله بقبض مال فادعى الغريم ما يسقط حق موكله. قوله:
(لفساد الأداء) لأنه لم يثبت الاستيفاء حيث أنكر، فقوله بإنكاره الباء للسببية، وقوله: مع يمينه يشير
إلى أنه لا يصدق بمجرد الانكار.
وفي البحر عن البزازية: ولو ادعى الغريم على الطالب حين أراد الرجوع عليه أنه وكل القابض
وبرهن يقبل ويبرأ وإن أنكر حلفه، فأن نكل برئ ا ه‍. وفيه عنها أيضا: وإن أراد الغريم أن يحلفه بالله
ما وكلته له ذلك، وإن دفع عن سكوت ليس له إلا إذا عاد إلى التصديق، وإن دفع عن تكذيب ليس
له أن يحلفه، وإن عاد إلى التصديق لكنه يرجع على الوكيل ا ه‍. فإطلاق الشارح في محل التقييد. تأمل.
قوله: (فإنه يضمن مثله) الأولى بدله. تأمل. قوله: (قد ضمنه) بتشديد الميم بأن يقول أنت وكيله لكن
لا آمن أن يجحد الوكالة ويأخذ مني ثانيا فيضمن ذلك المأخوذ، فالضمير المستتر في وكله عائد إلى
الوكيل والبارز إلى المال. بحر. قوله: (أو قال) أي مدعي الوكالة، قوله: (فهذه) أي الثلاثة. وذكر في
الهامش عن القول لمن من الوكالة في شخص أذن لآخر أن يعطي زيدا ألف درهم من ماله الذي تحت
يده فادعى المأمور الدفع وغاب زيد وأنكر الاذن وطالبه بالبينة على الدفع فهل يلزمه ذلك؟ أجاب إن
82

كان المال الذي عنده أمانة فالقول قول المأمور مع يمينه، وإن كان تعويضا أو دينا لم يقبل قوله: إلا ببينة
اه‍. قوله: (لم يقبل) ولا يكون له حق الاسترداد. قوله: (خلافا لابن الشحنة) فيه أن ابن الشحنة
نقل رواية عن أبي يوسف أنه يؤمر بالدفع وما هنا هو المذهب فلا معارضة ح. قوله: (مطلقا) سواء
سكت أو كذب أو صدق. قوله: (لما مر) أنه يكون ساعيا في نقض ما أوجه للغائب.
وفي البحر: لو هلكت الوديعة عنده بعد ما منع، قيل لا يضمن وكان ينبغي الضمان لأنه منعها
من وكيل المودع في زعمه اه‍. ومثله في جامع الفصولين. قوله: (ولو ادعى) أي الوارث أو الموصى
له. قوله: (على ملك الوارث) أي والموصي قوله: (ولا بد من التلوم الخ) تقدمت هذه المسائل في
متفرقات القضاء، وقدمنا الكلام عليها. قوله: (ودعوى الايصاء كوكالة) فإذا صدقه ذو اليد لم يؤمر
بالدفع له إذا كان عينا في يد المقر لأنه أقر أنه وكيل صاحب المال بقبض الوديعة أو الغصب بعد موته
فلا يصح، كما لو أقر أنه وكيله في حياته بقبضها، وإن كان المال دينا على المقر فعلى قول محمد الأول:
يصدق ويؤمر بالدفع إليه، وعلى قوله: الأخير وهو قول أبي يوسف: لا يصدق ولا يؤمر بالتسليم
إليه، وبيانه في الشرح. بحر. قوله: (أو إقراره) أي الموكل بأنه ملكي. المسألة في جامع الفصولين
حيث قال: قال ادعى أرضا وكالة أنه ملك موكلي فبرهن فقال ذو اليد إنه ملكي وموكلك أقر به، فلو
لم يكن له بينة فله أن يحلف الموكل لا وكيله، فموكله لو غائبا فللقاضي أن يحكم به لموكله، فلو حضر
الموكل وحلف أنه لم يقر له بقي الحكم على حاله، ولو نكل بطل الحكم ا ه‍. وبه يظهر ما في كلام
الشارح. قوله: (لان جوابه تسليم) لأنه إنما ادعى الايفاء وفي ضمن دعواه إقرار بالدين وبالوكالة،
وتمامه في التبيين. قوله: (ما لم يبرهن) أي على الايفاء فتقبل لما مر أن الوكيل بقبض الدين وكيل
بالخصومة. بحر. قوله: (لا الوكيل) أي على عدم علمه باستيفاء الموكل. بحر. قوله: (لان النيابة لا
تجري في اليمين) وكيل قبض الدين ادعى عليه المديون الايفاء إلى موكله أو إبراءه وأراد تحليف الوكيل
83

أنه لم يعلم به لا يحلف، إذ لو أقر به لم يجز على موكله لأنه على الغير. جامع الفصولين. وهذا التعليل
أظهره مما ذكره الشارح فتدبر.
وفي نور العين عن الخلاصة: وفي الزيادات في كل موضع لو أقر لزمه فإذا أنكر يستحلف إلا
في ثلاث مسائل: وكيل شراء وجد عيبا فأراد الرد وأراد البائع تحليفه بالله ما يعلم أن الموكل رضي
بالعيب لا يحلف، فإن أقر الوكيل لزمه.
الثانية: وكيل قبض الدين إذا ادعى عليه المديون أن موكله أبرأه عن الدين واستحلف الوكيل
على العلم لا يحلفه ولو أقر به لزمه. يقول الحقير: لم يذكر الثالثة في الخلاصة. وفي الثانية نظر إذ المقر
به هو الابراء الذي يدعيه المديون فكيف يتصور لزومه على الوكيل. قوله: (ولو وكله بعيب) أي برد
أمه بسبب عيب ح. قوله: (لم يرد عليه الخ) أي لم يرد الوكيل على البائع ح. كذا في الهامش. قوله:
(حتى يحلف الخ) يعني لا يقضي اتفاقا بالرد عليه حتى يحضر المشتري ويحلف أنه لم يرض بالعيب ح.
كذا في الهامش. قوله: (والفرق) أي بين هذه المسألة حيث لا ترد الأمة على البائع وبين التي قبلها
حيث يدفع الغريم المال إلى الوكيل ح، كذا في الهامش. قوله: (خلافا لهما) حيث قالا: لا يؤخر
القضاء في الفصلين، لان قضاء القاضي عندهما ينفذ ظاهرا فقط إذا ظهر الخطأ ح. قوله: (فلا ينفذ
باطنا) اعترضه قاضي زاده أنه إذا جاز نقض القضاء هاهنا عند أبي حنيفة أيضا بأي سبب كان لا يتم
الدليل المذكور للفرق بين المسألتين ح. قوله: (أو الشراء) قيد به، لما في البحر عن الخلاصة: الوكيل
ببيع الدينار إذا أمسك الدينار وباعه ديناره لا يصح. قوله: (عن زكاة) الظاهر أنه ليس بقيد ح. ويدل
عليه إطلاق ما يأتي عن المنتقى. قوله: (إلى غيره) أي غير مال الآمر سواء أضاف إلى مال الآمر أو
أطلق ح. قوله: (وقت إنفاقه) أي أو شرائه أو تصدقه. قوله: (لدين نفسه) أو غيره ح. قوله: (نعم
الخ) لا وجه للاستدراك فإنها لا تنافي ما قبلها، فإن قيام الدين في ذمة المديون كقيام المال في يد
الوكيل وصاحب المنح والبحر ذكراها من غير استدراك ح. قوله: (وصي أنفق الخ) سيأتي تحرير هذه
المسألة في آخر كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى. قوله: (غائب) والحاضر كذلك بالأولى. قوله:
84

(فروع) تكراره مع ما يأتي قريبا أول الباب. قوله: (وبيانه في الدرر) قال فيها. قال في الصغرى:
الوكيل بقبض الدين إذا أحضر خصما فأمر بالتوكيل وأنكر الدين لا تثبت الوكالة: حتى لو أراد الوكيل
إقامة البينة على الدين لا تقبل ا ه‍. أقر بالتوكيل وأنكر الدين لا تثبت الوكالة لأنه لما أقر بالوكالة
لا يكون خصما بالدين، بخلاف ما إذا أنكر الوكالة وأقر بالدين فإنه يكون خصما في إثبات الدين
لكون البينة واقعة على خصم منكر للوكالة فافهم. كذا في الهامش. قوله: (صح التوكيل بالسلم) أي
الاسلام، وقد تقدم التنبيه على هذه المسألة في باب الوكالة بالبيع والشراء حيث قال هناك: والمراد
بالسلم الاسلام لا قبول السلم فإنه لا يجوز. ابن كمال. وأوضحناه بعبارة الزيلعي فراجعه. وفي شرح
الوهبانية: قال في المبسوط. إذا وكله أن يأخذ الدراهم في طعام مسمى فأخذها الوكيل ثم دفعها إلى
الموكل فالطعام على الوكيل وللوكيل على الموكل الدراهم قرض، لان أصل التوكيل باطل لان المسلم
إليه أمره ببيع الطعام من ذمته إلى ذمة الوكيل، ولو أمره أن يبيع عين ماله على أن يكون الثمن على
الآمر كان باطلا، فكذلك إذا أمره أن يبيع طعاما في ذمته وقبول السلم من صنيع المفاليس فالتوكيل به
باطل. قوله: (فللناظر أن يسلم الخ) فرعه على ما قبله لأنه كالوكيل على ما صرحوا به. وفي هذه
العبارة إيجاز ألحقها بالالغاز، وهي مشتملة على مسألتين:
إحداهما يجوز للقيم أن يسلم من ريع الوقف في زيته وحصره كالوكيل بعقد السلم ثم رأس
المال وإن ثبت في ذمته كالمسألة السابقة فهو مأمور بدفع بدله من غلة الوقف، وليس المراد ثبوته في
الذمة متأخرا فيفسد العقد، بل المراد أنه كالثمن ثبت في الذمة ثم ما يعطيه يكون بدلا عما وجب وهنا
يعطيه في المجلس كالتوكيل بالشراء يصح وإن لم يكن الثمن ملكه. أو نقول، الثمن هنا معين: أي
رأس مال السلم، لان مال الأمانة يتعين بالتعيين.
ثانيتهما: قد علمت أن قيم الوقف وكيل الواقف والوكالة أمانة لا يصح بيعها. ولما اشتهر أن
ذلك لا يصح جعل النظار له حيلة إذا أرادوا أن يجعلوا في القرية أمينا يحفظ زرعها ويقررون له على
ذلك جعلا، وهي أن يأمروه بعقد السلم ويستلمون من الوكلاء على ما هو مقرر لهم باطنا فالغلة
المسلم فيها تثبت في ذمة الوكيل، ولو صرفها من غلة الوقف ضمنها، ولو صرف مال السلم على
المستحقين لم يرجع به في غلة الوقف وكان متبرعا لأنه صرف مال نفسه في غير ما أذن له فيه تخريجا
على المسألة السابقة لأنه توكيل بقبول السلم. هذا حاصل ما ذكره شراح الوهبانية في هذا المحل، وقد
صعب علي فهم هذا الكلام، ولم يتلخص منه حاصل مدة طويلة حتى فتح المولى بشئ يغلب على
ظني أنه هو المراد في تصوير هذه الحيلة في المسألة الثانية، وهي أن شخصا يكون ناظرا على وقف
فيريد أن يجعل أمينا قادرا عليه بحيث ينتفع هو عاجلا والأمين آجلا، فإذا أخذ من الأمين شيئا على
ذلك ليقوم مقامه ويأخذ مستغلات الوقف بدلا عن الجعل فهو لا يجوز، لأنه بيع الوكالة في المعنى، لما
علمت أن الناظر وكيل الواقف، هذا يفعل في زمننا كثيرا في المقاطعات والأوقاف ويسمونه التزاما،
فإذا تحيل له بهذه الحيلة، وهي أن يأخذ الناظر من الأمين مبلغا معلوما سلما على غلة الوقف ليصرفه
في مصارفه ويأخذ منه ما عينه له الواقف من العشر مثلا ويستغل ذلك الأمين غلة الوقف على أنه
85

المسلم فيه ليحصل للناظر نفع بنظارته وللأمين بأمانته فهو أيضا لا يجوز، لان الناظر وكيل عن
الواقف، فكأنه صار وكيلا عن الواقف في قبول عقد السلم وأخذ الدراهم على الغلة الخارجة، وقد
علمت أن الجائز التوكيل بعقد السلم لا بقبوله، فإذا أخذ الدراهم وصرفها على المستحقين يكون متبرعا
صارفا من مال نفسه وتثبت الغلة في ذمته فيلزمه مثلها، وهذا ما ظهر لي. ثم لا يخفى أن هذا كله إنما
يكون بعد بيان مقدار المسلم فيه مع سائر شروط السلم وإلا يكون فساده من جهة أخرى كما لا يخفى
والله تعالى أعلم.
باب عزل الوكيل
قوله: (خيار شرط) لأنه إنما يحتاج إليه في عقد لازم ليتمكن من له الخيار من فسخه إذا أراد.
منح قوله: (فللموكل العزل) قال الزيلعي بعد تقرير مسألة عزل الوكيل: ما لم يتعلق به حق الغير،
وعلى هذا قال بعض المشايخ: إذا وكل الزوج بطلاق زوجته بالتماسها ثم غاب لا يملك عزله وليس
بشئ، بل له عزله في الصحيح لأن المرأة لا حق لها في الطلاق، وعلى هذا قالوا: لو قال الموكل
للوكيل كلما عزلتك فأنت وكيلي لا يملك عزله، لأنه كلما عزله تجددت الوكالة له، وقيل ينعزل
بقوله: كلما وكلتك فأنت معزول.
وقال صاحب النهاية: عندي أنه يملك عزله أن يقول عزلتك عن جميع الوكالات فينصرف ذلك
إلى المعلق والمنفذ وكلاهما ليس بشئ، ولكن الصحيح إذا أراد عزله وأراد أن لا تنعقد الوكالة بعد
العزل أن يقول رجعت عن المعقلة وعزلتك عن المنجزة، لان ما لا يكون لازما يصح الرجوع عنه
والوكالة منه اه‍ ملخصا. قوله: (كوكيل خصومة) تمثيل لمدخول النفي: أي ليس له عزله وإن علم به
الوكيل لتعلق حق الغير به، فليس للموكل العزل كوكيل خصومة، وهو ما إذا وكل المدعى عليه وكيلا
بالخصومة يطلب الخصم الذي هو المدعي ثم غاب وعزله فإنه لا يصح لئلا يضيع حق المدعي ح.
قوله: (كما سيجئ) أي قريبا. قوله: (ولو الوكالة دورية) لا يخلو إما أن يكون مبالغة على قوله:
فللموكل العزل أو على قوله: ما لم يتعلق به حق الغير فعلى الأول يكون المعنى أن له العزل ولو
كانت الوكالة دورية والمبالغة حينئذ ظاهرة، وعلى الثاني أنه ليس له العزل في الوكالة الدورية، وعلى
كل ففي كلام الشارح مناقشة. أما على الأول فلمنافاته لقوله: وسيجئ عن العيني خلافه، لان الذي
سيجئ أن له العزل فليس خلافه. وأما على الثاني فلانه يقتضي أنه مما تعلق به حق الغير وليس
كذلك، لان من يقول بعدم عزله في الوكالة الدورية يقول إنه لا يمكن لأنه كلما عزله تجددت له
وكالة، وقوله: في طلاق وعتاق يحتمل أنه حال من الوكالة الدورية ويحتمل أنه مسألة أخرى من
مدخول لو أيضا: أي ولو في طلاق وعتاق لا بقيد كونه في الوكالة الدورية، وفي كل مناقشة أيضا،
لان البزازي لم يصحح شيئا منهما، بل قال: وكله غير جائز الرجوع. قال بعض المشايخ: ليس له أن
86

يعزله في الطلاق والعتاق. وقال بعض مشايخنا: له العزل وليس فيه رواية مسطورة. وقال قبله: لو
عزل الوكيل بالطلاق والنكاح لا يصح بلا علم، لان وإن لم يلحقه ضرر لكنه مكذبا فيكون
غرورا اه‍. نعم يصح حمله على الثاني إن جعلت المبالغة على قوله: فللموكل عزله. ولا يرد حينئذ
عليه أنه مما لا حق فيه للغير كما سيصرح به، والظاهر أن قوله: سيجئ عن العيني خلافه وقع
من سهو القلم، ولو حذفه لاستقام الكلام وانتظم. والعبارة الجيدة أن يقول: فللموكل العزل متى
شاء ولو الوكالة دورية ما لم يتعلق به حق الغير كوكيل خصومة بطلب الخصم بشرط علم الوكيل ولو
في طلاق وعتاق. قوله: (في طلاق وعتاق) لو داخلة على الظرف أيضا فكأنه قال: ولو كانت
الوكالة بطلاق أو عتاق: أي فإن العزل فيها لا يصح س. قوله: (وسيجئ) أي قريبا. قوله: (بشرط
علم الوكيل) فلو أشهد على العزل في غيبة الوكيل لم يتضرر. بحر. قوله: (كالرسول) فإنه ينعزل قبل
علمه. س. قوله: (بعزله) أي إن وصل إليه المكتوب كما سيأتي في الفروع. قوله: (الموكل الخ) هو
مقول القول. قوله: (كأخواتها) وهي إخبار السيد بجناية عبده والشفيع بالبيع والبكر بالنكاح والسلم
الذي لم يهاجر بالشرائع والاخبار بعيب لمريد شراء وحجر مأذون وفسخ شركة وعزل قاض ومتولي
وقف. قوله: (لا الوكيل بنكاح) فإنه يصح عزله نفسه في هذه الأشياء وإن لم يعلم الموكل لعدم
تضرر. ح. قوله: (عزل نفسه) قال في الأشباه: لا يصح عزل الوكيل نفسه إلا بعلم الموكل إلا
الوكيل بشراء شئ بعينه أو بيع ماله. ذكره في وصايا الهداية.
قلت: وكذا الوكيل في النكاح والطلاق والعتاق اه‍. وقال الباقاني: لا يصح ولا يخرج عن
الوكالة قبل علم الموكل. وفي الزيلعي: عزل نفسه عن الوكالة ثم تصرف فيما وكل إليه قبل علم
الموكل العزل صح تصرفه اه‍. كذا في الهامش. قوله: (وإمام) أي للصلاة منح: أي لا يصح العزل
إلا بعلم المولي. ونص الجواهر: لا ينعزل إلا إذا علم به السلطان ورضي بعزله. سائحاني. قوله:
(ولو عزل الخ) العدل فاعل عزل والموكل مبني للمجهول صفة العدل ونفسه مفعول عزل. قوله:
87

(عند غيبته) أي غيبة الخصم الموكل. قوله: (وليس منه) أي ما تعلق به حق الغير حتى لا يملك عزل
نفسه. قوله: (ولا قوله) معطوف على توكيله. قوله: (لعزله) قدمنا عن الزيلعي طرق عزله عن الوكالة
الدورية وما هو الصحيح فيها. وأما ما ذكره هنا ففي البحر: لو قال كلما وكلتك فأنت معزول لم
يصح. والفرق أن التوكيل يصح تعليقه بالشروط والعزل لا كمال صرح به في الصغرى والصيرفية فإذا
وكله لم ينعزل اه‍. قوله: (لم ينعزل بالجحود) وفي حاشية أبي السعود عن
خط السيد الحموي عن الولوالجية تصحيح أن الجحود رجوع. قال: وعليه الفتوى. قوله: (وينعزل الوكيل) وفي شركة
العناية: يشكل على هذا أن من وكل بقضاء الدين فقضاه الموكل ثم قضاه الوكيل قبل العلم لم يضمن
مع أنه عزل حكمي. وأجيب بأن الوكيل بقضاء الدين مأمور بأن يجعل المؤدي مضمونا عن القابض،
لان الديون تقضي بأمثالها وذلك يتصور بعد أداء الموكل ولذا يضمنه القابض لو هلك، بخلاف الوكيل
بالتصدق إذا دفع بعد دفع الموكل، فلو لم يضمن الوكيل يتضرر الموكل لأنه لا يتمكن من استرداده
الصدقة من الفقير ولا تضمينه اه‍ بنوع تصرف. سائحاني. قوله: (فزوجه الوكيل) أشار بهذا وبما قبله
إلى أن نهاية الموكل فيه إما أن تكون من جهة الموكل أو من جهة الوكيل وينعزل الوكيل بها، فلو طلق
الموكل المرأة فليس للوكيل أن يزوجه إياها لان الحاجة قد انقضت. وفي البزازية: وكله بالتزويج
فتزوجها ووطئها وطلقها وبعد العدة زوجها من الموكل صح لبقاء الوكالة. سائحاني.
أقول: الظاهر أن الضمير في تزوجها للوكيل لا الموكل وإلا نافي ما هنا وما يأتي من أن تصرفه
بنفسه عزل. تأمل. قوله: (وينعزل) وفي التجنيس من باب المفقود: رجل غاب وجعل دارا له في يد
رجل ليعمرها فدفع إليه مالا ليحفظه ثم فقد الدافع فله أن يحفظ وليس له أن يعمر الدار إلا بإذن
الحاكم لأنه لعله قد مات، ولا يكون الرجل وصيا للمفقود حتى يحكم بموته ا ه‍. وبهذا علم أن
الوكالة تبطل لفقد الموكل في حق التصرف لا الحفظ. بحر. قوله: (عن المضمرات شهر) أي مقدار
88

شهر. قوله: (بلحوقه مرتدا) في إيضاح الاصلاح، المراد باللحاق ثبوته بحكم الحاكم. بحر. لكن
عبارة درر البحار: ولحاقه بحرب فبطل بغير حكم به قال شارحه: لان أهل الحرب أموات
في أحكام الاسلام وبلحاقه صار منهم اه‍.
وفي المجمع: ولحاق الموكل بعد ردته بدار الحرب يبطل: وقالا: إن حكم به. قال ابن ملك:
لان لحاقه إنما يثبت بقضاء القاضي، قيد باللحاق لان المرتد قبله لا يبطل توكيله عندهما، وموقوف
عنده، إن أسلم نفذ وإن قتل أو لحق بدار الحرب بطل اه‍. فعلم أن ما في الايضاح على قولهما، وفيه
بحث في اليعقوبية فانظر ما كتبناه على البحر. قوله: (بعوده مسلما) أي سواء كان وكيلا أو موكلا.
بحر. قوله: (بحر) عبارته: ومقتضاه أنه لو أفاق بعد جنونه مطبقا لا تعود وكالته. قوله: (العدل)
مفعول وكل، وقوله: أو المرتهن عطف على العدل ح. قوله: (والوكيل ببيع الوفاء) لعل وجهه أن
بيع الوفاء في حكم الرهن فيصير وكيلا بأن يرهن ذلك الشئ فيكون مما تعلق به حق الغير وهو
المشتري: أي المرتهن. تأمل. ثم رأيته منقولا عن الحموي، وما ذكره السائحاني من أنه يبيع الرهن فهو
غفلة فتنبه. قال جامعه: الذي كتبه السائحاني في هذا المحل ما نصه: قوله: والوكيل ببيع الوفاء لعل
صورته ما في المحيط: وكله ببيع عين له عزله إلا أن يتعلق به حق الوكيل بأن يأمره بالبيع واستيفاء
الثمن بإزاء دينه. وقال قاضيخان: إذا دفع إلى صاحب الدين عينا وقال بعه وخذ حقك منه فباعه
وقبض الثمن فهلك في يده يهلك من مال المديون ما لم يحدث رب الدين فيه قبضا لنفسه. زاد في
البزازية: ولو قال بعه لحقك صار قابضا والهلاك عليه لا على المديون اه‍. وأما بيع الوفاء المعهود فهو
في حكم الرهن اه‍. قوله: (بالخصومة) أي بالتماس الطالب. بحر. قوله: (أو الطلاق) فيه أن التوكيل
بالطلاق غير لازم كما تقدم. ح. والظاهر أنه مبني على مقابل الأصح من أنه لازم. قوله: (بزازية)
ونصها: فأما في الرهن فإذا وكل الراهن العدل أو المرتهن ببيع الرهن عند حلول الأجل أو الوكيل
بالامر باليد لا ينعزل وإن مات الموكل أو جن، والوكيل بالخصومة بالتماس الخصم ينعزل بجنون
الموكل وموته، والوكيل بالطلاق ينعزل بموت الموكل استحسانا لا قياسا ا ه‍ بحر. فتأمل. قوله: (وفيما
عداها) أي الوكالة، وهذا ينافي قول المتن: كالوكيل بالامر باليد والوكيل ببيع الوفاء. ح. قوله:
(فإطلاق الدرر) حيث قال: وذا أي انعزال الوكيل في الصور المذكورة إذا لم يتعلق به: أي بالتوكيل
حق الغير، أما إذا تعلق به ذلك فلا ينعزل ا ه‍. فإن قوله: أما إذا تعلق به حق الغير يدخل فيه الوكالة
بالخصومة بالتماس الطالب والحكم فيها ليس كذلك ح. وأصله في المنح. ولا يخفى أنه وارد على ما
89

نقله الشارح عن شرح المجمع أيضا. قوله: (ولو بتوكيل ثالث) أي توكيل الشريكين أو أحدهما ثالثا.
بحر. يعني أنه تبطل الوكالة التي في ضمن الشركة ووكالة وكيلهما بالتصرف. فيه إشكال من حيث إنه
لا يصح أن ينفرد أحدهما بفسخ الشركة بدون علم صاحبه بل يتوقف على علمه لأنه عزل قصدي،
فكيف يتصور أن ينعزل بدونه؟ ويمكن أن يحمل على ما إذا هلك المالان أو أحدهما قبل الشراء، فإن
الشركة تبطل به وتبطل الوكالة التي كانت في ضمنها علما بذلك أو لم يعلما لأنه عزل حكمي إذا لم
تكن الوكالة مصرحا بها عند عقد الشركة. زيلعي س. قوله: (لو مكاتبا) يؤخذ من عموم بطلان
الوكالة بعزل الموكل أن للمكاتب والمأذون عزل وكيلهما أيضا كما نبه عليه في البحر. وقال فيه: وإن
باع العبد، فإن رضي المشتري أن يكون العبد على وكالته فهو وكيل، وإن لم يرض بذلك لم يجبر على
الوكالة، كذا في كافي الحاكم، وهو يقتضي أن توكيل عبد الغير موقوف على رضا السيد، وقد سبق
إطلاق جوازه على أنه لا عهدة عليه في ذلك إلا أن يقال ثم المكاتب لو كوتب أو أذن المحجور إنه من باب استخدام عبد الغير اه‍.
لم تعد الوكالة، لان صحتها باعتبار ملك الموكل التصرف
عند التوكيل وقد زال ذلك ولم يعد بالكتابة الثانية أو الاذن الثاني. شرح مجمع لابن ملك. قوله: (لم
ينعزل) لأنه حجر خاص، والاذن. في التجارة لا يكون إلا عاما فكان العزل باطلا، ألا ترى أن المولى
لا يملك نهيه عن ذلك مع بقاء الاذن س. قوله: (وينعزل الخ) قال في الهامش: ولو وكلت بالتزويج
ثم إن المرأة تزوجت بنفسها خرج الوكيل عن الوكالة علم بذلك أو لم يعلم، ولو أخرجته عن الوكالة
ولم يعلم الوكيل لا يخرج عن الوكالة، وإذا زوجها جاز النكاح ولو كان وكيلا من جانب الرجل
بتزويج امرأة بعينها ثم إن الزوج تزوج أمها أو بنتها خرج الوكيل عن الوكالة. كذا في المحيط هندية.
قوله (والعدة باقية) الواو استئنافية لا للحال، فافهم. قوله: (أو لحق) أي ولم يحكم به فلا ينافي ما
تقدم. قوله: (وتعود الوكالة) أي يعود ملك التصرف للوكيل بموجب الوكالة السابقة، وليس المراد أنها
تعود بعد زوالها لأنه لم ينعزل كما يفهم من قوله: قبله وإلا لا وعبارة الزيلعي: فالوكيل باق على
وكالته. قوله: (بقي على وكالته) وإن رد بما لا يكون فسخا لا تعود الوكالة، كما لو وكله في هبة
شئ ثم وهبه الموكل ثم رجع في هبته لم يكن للوكيل الهبة. منح. قوله: (وبعده لا) أي حتى يصل
90

إليه الخبر. قوله: (دفع إليه الخ) وكيل البيع قال بعته وسلمته من رجل لا أعرفه وضاع الثمن قال
القاضي يضمن لأنه لا يملك التسليم قبل قبض ثمنه، والحكم صحيح والعلة لا، لما مر أن النهي عن
التسليم قبل قبض ثمنه لا يصح، فلما لم يعمل النهي عن التسليم فلان لا يكون ممنوعا عن التسليم
أولى، وهذه المسألة تخالف مسألة القمقمة. بزازية. قوله: (ونسي) أي نسي من دفعها إليه. قوله:
(أبرأه مما له عليه) انظر ما مناسبة ذكر هذا الفرع هنا.
فروع: بعث المديون المال على يد رسول فهلك، فإن كان
رسول الدائن هلك عليه، وإن كان رسول المديون هلك عليه، وقول الدائن ابعث بها مع فلان ليس رسالة منه فإذا هلك هلك على
المديون، بخلاف قوله: ادفعها إلى فلان فإنه إرسال فإذا هلك هلك على الدائن، وبيانه في شرح
المنظومة. أشباه. قوله: (أو بع لخالد) أي أو قال بعه وبع لخالد. قوله: (فخالفه) أي لو خالفه يجوز
البيع لأنه لما أمر بالبيع كان مطلقا، ثم قوله: وبع بالنقد أو بع لخالد بعده كان مشورة، بخلاف
قوله: بع بالنقد أو بعد لخالد ونقل الجواز ولهذا أتى بصيغة قالوا. شرنبلالي ملخصا. قوله: (وفي
الدفع) أي إذا وكله بدفع ألف يقضي بها دينه فادعى الدفع. قوله: (مقدم) على قول الموكل إنه لم
يدفع. قوله: (رب الدين) أي بأنه ما قبض. قوله: (والخصم يجبر) أي يجبر الموكل على الدفع إلى
الطالب. قوله: (مال المبيع) أي الثمن. ابن الشحنة. قوله: (يشطر) أي يصالح بينهما بالنصف.
91

كتاب الدعوى
في الفواكه البدرية لابن الغرس مسائل كثيرة تتعلق بالدعوى فلتراجع. قوله: (لكن جزم)
عبارته مختلفة قال في المصباح (1): وجمع الدعوى الدعاوي بسكر الواو لأنه الأصل كما سيأتي وبفتحها
محافظة على ألف التأنيث ح. كذا في الهامش. قوله: (دعوى دفع التعرض) قال في البحر: اعلم أنه
سئل قارئ الهداية عن الدعوى بقطع النزاع بينه وبين غيره، فأجاب لا يجبر المدعي على الدعوى لان
الحق له اه‍. ولا يعارضه ما نقلوه في الفتاوى من صحة الدعوى بدفع التعرض وهي مسموعة كما في
البزازية والخزانة، والفرق ظاهر فإنه في الأول إنما يدعي أنه إن كان شئ يدعيه وإلا يشهد على نفسه
بالابراء، وفي الثاني إنما يدعي عليه أن يتعرض في كذا بغير حق ويطالبه في دفع التعرض فافهم ح.
كذا في الهامش. قوله: (لهذا القيد) أي قوله: أي دفعه فإنه فصل قصد به الادخال والفصل بعد
الجنس قيد، فافهم. قوله: (فلو) أشار به إلى أن الجبر في أصل الدعوى لا فيمن يدعي بين يديه
والتفريع لا يظهر ط. وفي بعض النسخ بالواو. قوله: (في محلة) أي بخصوصها وليس قضاؤه عاما.
قوله: (بزازية) ليس ما ذكره عبارة البزازية. وعبارتها كما في المنح: قاضيان في مصر طلب كل واحد
منهما أن يذهب إلى قاض فالخيار للمدعي عليه عند محمد، وعليه الفتوى اه‍.
وفي المنح قبل هذا عن الخانية: قال ولو كان في البلدة قاضيان كل واحد منهما في محلة على
حدة فوقعت الخصومة بين رجلين أحدهما من محلة والآخر من محلة أخرى والمدعي يريد أن يخاصمه إلى
قاضي محلته والآخر يأتي ذلك اختلف فيها أبو يوسف ومحمد. والصحيح أن العبرة لمكان المدعى عليه،
وكذا لو كان أحدهما من أهل العسكر والآخر من أهل البلدة ا ه‍. وعلله في المحيط كما في البحر بأن
أبا يوسف يقول: إن المدعي منشئ للخصومة فيعتبر قاضيه، ومحمد يقول: إن المدعى عليه دافع لها
اه‍. وإنما حمل الشارح عبارة البزازية على ما في الخانية من التقييد بالمحلة لما قاله المصنف في المنح.
هذا كله وكل عبارات أصحاب الفتاوى يفيد أن فرض المسألة التي وقع فيها الخلاف بين أبي يوسف
ومحمد فيما إذا كان في البلدة قاضيان كل قاض في محلة. وأما إذا كانت الولاية لقاضيين أو لقضاة على
مصر واحد على السواء فيعتبر المدعي في دعواه فله الدعوى عند أي قاض أراده، إذ لا تظهر فائدة في
كون العبرة للمدعي أو المدعى عليه، ويشهد لصحة هذا ما قدمناه من تعليل صاحب المحيط اه‍. ورده
الخير الرملي وادعى أن هذا بالهذيان أشبه، وذكر أنه حيث كانت العلة لأبي يوسف أن المدعى منشئ
للخصومة، ولمحمد أن المدعى عليه دافع لها لا يتجه ذلك، فإن الحكم دائر مع العلة اه‍. وهو الذي يظهر كما قال شيخنا.

(1) قوله: (قال في المصباح) هو منقول بالمعنى، وفي المقام مزيد بيان وتحقيق يعلم بمراجعة عبارة المصباح ا ه‍.
مصححه.
92

وأقول: التحرير في هذه المسألة ما نقله الشارح عن خط المنصف ومشى عليه العلامة المقدسي
كما نقله عنه أبو السعود.
وحاصله: أن ما ذكروه من تصحيح قول محمد من أن العبرة لمكان المدعى عليه إنما هو فيما إذا
كان قاضيان كل منهما في محلة وقد أمر كل منهما بالحكم على أهل محلته فقط بدليل قول العمادي:
وكذا لو كان أحدهما من أهل العسكر والآخر من أهل البلد فأراد العسكري أن يخاصمه إلى قاضي
العسكر فهو على هذا، ولا ولاية لقاضي العسكر على غير الجندي، فقوله: ولا ولاية دليل واضح على ذلك.
أما إذا كان كل منهما مأذونا بالحكم على أي من حضر عنده من مصري وشامي وحلبي وغيرهم
كما في قضاة زماننا فينبغي التعويل على قول أبي يوسف لموافقته لتعريف المدعى عليه: أي فإن
المدعي هو الذي له الخصومة فيطلبها قبل أي قاض أراد، وبه ظهر أنه لا وجه لما في البحر من أنه لو
تعدد القضاة في المذاهب الأربعة كما في القاهرة فالخيار للمدعى عليه حيث لم يكن القاضي من
محلتهما. قال: وبه أفتيت مرارا.
أقول: وقد رأيت بخط بعض العلماء نقلا عن المفتي أبو السعود العمادي أن قضاة الممالك
المحروسة ممنوعون عن الحكم على خلاف مذهب المدعى عليه اه‍. وأشار إليه الشارح. قوله: (قال
المصنف) فيه رد على البحر لان قضاة المذاهب في زماننا ولا يتهم على السواء في التعميم. قوله: (على
السواء) أي في عموم الولاية. قوله: (لعزله) أي لعزل من اختاره المدعي عن الحكم بالنسبة إلى هذه
الدعوى. قوله: (كما مر) من أن القضاء يتقيد. قوله: (قلت) مكرر مع ما قبله. قوله: (على حدة)
أي لا يقضي على غير أهلها. قوله: (في مجلس) قيد اتفاقي، والظاهر أنه أراد في بلدة واحدة. قوله:
(والولاية واحدة) أي لم يخصص كل واحد بمحلة. قوله: (عند النزاع) قال في البحر: فخرج الإضافة
حاله المسألة فإنها دعوى لغة لا شرعا، ونظيره ما في البزازية: عين في يد رجل يقول هو ليس لي
وليس هناك منازع لا يصح نفيه، فلو ادعاه بعد ذلك لنفسه صح، وإن كان ثمة منازع فهو إقرار
للمنازع، فلو ادعاه بعده لنفسه لا يصح، وعلى رواية الأصل لا يكون قرارا بالملك له اه‍. قال
السائحاني: أقول كلام البزازية مفروض في كون النفي إقرارا للمنازع أو لا، وليس فيه دعواه الملك
93

لنفسه حالة المسالمة. قوله: (وشرطها) لم أر اشتراط لفظ مخصوص للدعوى وينبغي اشتراط ما يدل
على الجزم والتحقيق، فلو قال أشك أو أظن لم تصح الدعوى. بحر.
فائدة: لم تسمع الدعوى بالاقرار لما في البزازية عن الذخيرة: ادعى أن له كذا وأن العين الذي
في يده له لما أنه أقر لما به أو ابتداء بدعوى الاقرار وقال إنه أقر أن هذا لي أو أقر أن لي عليه كذا، قيل
يصح، وعامة المشايخ على أنه لا تصح الدعوى لعدم صلاحية الاقرار للاستحقاق الخ. بحر من فصل
الاختلاف في الشهادة. وسيأتي متنا أول الاقرار. قوله: (فحتى يبرهن أو يحلف) هذان قولان لا قول
واحد يخير فيه بين البرهان والتحليف فراجع البحر. قوله: (ومعلومية المال المدعي) أي بيان جنسه
وقدره كما في الكنز. قوله: (إذا لا يقضي بمجهول) ويستثنى من فساد الدعوى بالمجهول دعوى
الرهن والغصب، لما في الخانية معزيا إلى رهن الأصل: إذا شهدوا أنه رهن عنده ثوبا ولم يسموا الثوب
ولم يعرفوا عينه جازت شهادتهم، والقول للمرتهن في أي ثوب كان وكذلك في الغصب اه‍. فالدعوى
بالأولى اه‍. بحر.
قلت: وفي المعراج: وفساد الدعوى إما أن لا يكون لزمه شئ على الخصم أو يكون المدعي
مجهولا في نفسه، ولا يعلم فيه خلاف إلا في الوصية بأن ادعى حقا من وصية أو إقرار فإنهما يصحان
بالمجهول وتصح دعوى الابراء المجهول بلا خلاف ا ه‍. فبلغت المستثنيات خمسة. تأمل. قوله: (ولا
يقال مدعى فيه وبه) وفي طلبة الطلبة: ولا يقال مدعى فيه وبه وإن كان يتكلم به المتفقهة إلا أنه خطأ
مشهور فهو خير من صواب مهجور. حموي ط قوله: (وإلا كان عبثا) أي وإن لم تكن ملزمة، كما
إذا ادعى التوكيل على وموكله الحاضر فإنها لا تسمع لامكان عزله كما في البحر. ح. كذا في الهامش.
قوله: (وظهورة) بالجر عطف على تيقن. قوله: (في الفواكه البدرية) قال في المنح: لكنه لم يستند في
منع دعوى المستحيل العادي إلى نقل عن المشايخ.
قلت: لكن في المذهب فروع تشهد له، منها ما سيأتي آخر فصل التحالف. قوله: (وسنحققه)
عند قول المصنف وقضى بنكوله مرة. قوله: (أنه في يده) فلو أنكر كونه في يده فبرهن المدعي أنه
كان في يد المدعى عليه قبل هذا التاريخ بسنة هل يقبل ويجبر بإحضاره؟ قال صاحب جامع الفصولين:
94

ينبغي أن يقبل إذا لم يثبت خروجه من يده فتبقى ولا تزول بشك، وأقره في البحر، وجزم به
القهستاني. ورده في نور العين بأن هذا استصحاب، وهو حجة في الدفع لا في الاثبات كما في كتب
الأصول. قوله: (وطلب المدعي الخ) هذا إذا لم يكن المدعى عليه مودعا، فإن ادعى عين وديعة لا
يكلف إحضارها بل يكلف التخلية كما في البحر عن جامع الفصولين. قوله: (بأن كان في نقلها
مؤنة) فيه أن هذا من قبيل الرحي والصبرة فذكره هنا سهو. وقال في إيضاح الاصلاح: إلا إذا تعسر
بأن كان في نقله مؤنة وإن قلت. ذكره في الخزانة ح. قوله: (أو غيبتها) بأن لا يدري مكانها. ذكره
قاضي زاده. ح. قوله: (لأنه) أي القيمة وذكر الضمير باعتبار المذكور وهو علة لقوله: وذكر قيمته.
قوله: (وإن تعذر) أي تعسر. قوله: (وإلا تكن) تكرار مع قوله: وذكر قيمته إن تعذر
س. فرع: وصف المدعي المدعى فلما حضر خالف في البعض، إن ترك الدعوى الأولى وادعي
الحاضر تسمع لأنها دعوى مبتدأة وإلا فلا. بحر عن البزازية. قوله: (بذكر القيمة) لان عين المدعي
تعذر مشاهدتها ولا يمكن معرفتها بالوصف، فاشترط بيان القيمة لأنها شئ تعرف العين الهالكة به
غاية البيان. وفي شرح ابن الكمال: ولا عبرة في ذلك للتوصيف لأنه لا يجدي بدون ذكر القيمة،
وعند ذكرها لا حاجة إليه، أشير إلى ذلك في الهداية ا ه‍. وفي القهستاني: وفي قوله: وذكر قيمته إن
تعذر إشارة إلى أنه لا يشترط ذكر اللون والذكورة والأنوثة والسن في الدابة. وفيه خلاف كما في
العمادية. قال السيد أبو القاسم: إن هذه التعريفات للمدعي لازمة إذا أراد أخذ عينة أو مثله في
المثلي، أما إذا أراد أخذ قيمته في القيمي فيجب أن يكتفي بذكر القيمة كما في محاضر الخزانة اه‍.
قوله: (عين كذا) قال في البحر: والحاصل أنه في دعوى الغصب والرهن لا يشترط بيان الجنس
والقيمة في صحة الدعوى والشهادة ويكون القول في القيمة للغاصب المرتهن اه‍.
قلت: وزاد في المعراج دعوى الوصية والاقرار، قال: فإنهما يصحان في المجهول، وتصح
دعوى الابراء المجهول بلا خلاف ا ه‍. فهي خمسة. قوله: (ولهذا) أي لسماعها في الغصب وإن لم
يذكر القيمة. قال في الدرر: ولو قال غصبت مني عين كذا ولا أدري قيمته قالوا تسمع. قال في
الكافي. وإن لم يبين القيمة وقال غصبت مني عين كذا ولا أدري أهو هالك أو قائم ولا أدري كم
كانت قيمته، ذكر في عامة الكتب أنه تسمع دعواه لان الانسان ربما لا يعلم قيمة ماله، فلو كلف بيان
القيمة لتضرر به.
أقول: فائدة صحة الدعوى مع هذه الجهالة الفاحشة توجه اليمين على الخصم إذا أنكر والجبر
على البيان إذا أقر أو نكل عن اليمين، فتأمل فإن كلام الكافي لا يكون كافيا إلا بهذا التحقيق ح.
95

قوله: (وتقبل ببنته) أي على القيمة. قوله: (أو يحلف) أي عند عدم البينة. قوله: (لأنه) علة للعلة.
قوله: (يشترط ذكر القيمة) قال الشيخ عمر مؤلف النهر: ينبغي أن يكون المعنى أنه إذا كانت العين
حاضرة لا يشترط ذكر قيمتها إلا في دعوى السرقة. حموي. قوله: (وهذا كله) أي المذكور من
الشروط السابقة. قوله: (لا الدين) ستأتي دعوى الدين في المتن. قوله: (اشترط بيان جنسه) أقول: لي
شبهة في هذا المحل، وهي أنه لو ادعى أعيانا مختلفة فقد مر أنه يكتفي بذكر القيمة لكل جملة. وذكر
في الفصولين أنه لو ادعى أن الأعيان قائمة بيده يؤمر بإحضارها فتقبل البينة بحضرتها، ولو قال إنها
هالكة وبين قيمة الكل جملة تسمع دعواه، فظهر أن ما قدمه المصنف في دعوى الأعيان إنما هو إذا
كانت هالكة، وإلا لم يحتج إلى ذكر القيمة لأنه مأمور بإحضارها. وقدمنا عن ابن الكمال أن العين إذا
تعذر إحضارها بهلاك ونحوه فذكر القيمة مغن عن التوصيف، وهو موافق لما ذكره المصنف في الأعيان
من الاكتفاء بذكر القيمة، فقوله: هنا اشترط بيان جنسه ونوعه مشكل. وإن قلنا: إنه لا بد مع ذكر
القيمة من بيان التوصيف لم يظهر فرق بين دعوى القيمة ودعوى نفس العين الهالكة، فما معنى قوله:
تبعا للبحر؟ وهذا كله في دعوى العين لا الدين فليتأمل. وفي البحر عن السراجية: ادعى ثمن محدود
لم يشترط بيان حدوده. قوله: (من بيانه) أي بيان موضع الغصب. قوله: (على الظاهر) قال في نور
العين: وفي غصب غير المثلى وإهلاكه ينبغي أن يبن قيمته يوم غصبه في ظاهر الرواية. وفي رواية
يتخير المالك بين أخذ قيمته يوم غصبه أو يوم هلاكه فلا بد من بيان أنها قيمة: أي اليومين، ولو ادعى
ألف دينار بسبب إهلاك الأعيان لا بد من أن يبين قيمتها في موضع الاهلاك، وكذا لا بد من بيان
الأعيان فإن منها ما هو قيمي ومنها ما هو مثلي ا ه‍. قوله: (في دعوى العقار) في المغرب: العقار
الضيعة، وقيل كل مال له أصل كالدار والضيعة اه‍.
وقد صرح مشايخنا في كتاب الشفعة بأن البناء والنخل من المنقولات، وأنه لا شفعة فيهما إذا
بيعا بلا عرصة، فإن بيعا معها وجبت تبعا، وقد غلط بعض العصرين فجعل النخيل من العقار ونبه
فلم يرجع كعادته. بحر. وفي حاشية أبي السعود: وقوله: لا شفعة فيهما الخ يحمل على ما إذا لم
تكن الأرض محتكرة، وإلا فالبناء بالأرض المحتكرة وتثبت فيه الشفعة، لأنه لما له من حق القرار التحق
96

بالعقار كما سيأتي في الشفعة. قوله: (كما في النسب) فإن ذكر الاسم أعم من الاسم مع ذكر اسم
الأب، وهذا أعم من ذكر الاسم مع اسم الأب واسم الجد. ح. كذا في الهامش. قوله: (فلو ترك)
أي المدعي أو الشاهد فحكمهما في التوي والغلط واحد كما صرح في الفصولين. قوله: (وغلط فيه
لا) أي لا يصح، ونظيره: إذا ادعى شراء شئ بثمن منقود فإن الشهادة تقبل وإن سكتوا عن بيان
جنس الثمن، ولو ذكروه واختلفوا فيه لم تقبل كما في الزيلعي. سائحاني. قوله: (فصولين) وفيه
أيضا: أما لو ادعاه المدعي لا تسمع ولا تقبل بينته، لان المدعى عليه حين أجاب المدعي فقد صدقه أن
المدعي بهذه الحدود فيصير بدعوى الغلط بعده مناقضا، أو نقول: تفسير دعوى الغلط أن يقول المدعى
عليه أحد الحدود ليس ما ذكره الشاهد أو يقول صاحب الحد ليس بهذا الاسم كل ذلك نفي والشهادة
على النفي لا تقبل اه‍.
ولصاحب جامع الفصولين بحث فيما ذكر كتبناه على هامش البحر حاصله: أنه يمكن أن يجيب
المدعي بأن هذا ليس لك فلا يكون مناقضا، أو يجيب ابتداء بأنه مخالف لما حددته فينبغي التفصيل،
وتمامه فيه. وبخط السائحاني: والمخلص أن يقول المدعى عليه هذا المحدود ليس في يدي فيلزم أن
يقول الخصم بل هو في يدك ولكن حصل غلط فيمنع به، ولو تدارك الشاهد الغلط في المجلس يقبل
أو في غيره إذا وفق. بزازية. وعبارتها: ولو غلطوا في حد واحد أو حدين ثم تداركوا في المجلس أو
غيره يقبل عند إمكان التوفيق بأن يقول كان اسمه فلانا ثم صار اسمه فلانا أو باع فلان واشتراه
المذكور. قوله: (ولا بد من ذكر الجد) قدمنا قبيل باب الشهادة على الشهادة أن الدعوى والشهادة
بالمحدود في هذا الصك تصح، أما في الدار فلا بد من تحديده ولو مشهورا عند أبي حنيفة، وتمام حده
بذكر جد صاحب الحد. وعندهما التحديد ليس بشرط في الدار المعروف كدار عمر بن الحارث
بكوفة، فعلى هذا لو ذكر لزيق دار فلان ولم يذكر اسمه ونسبه وهو معروف يكفيه إذ الحاجة إليهما
لاعلام ذلك الرجل، وهذا مما يحفظ جدا. فصولين.
فرع: قال في جامع الفصولين: لو ذكر لزيق دار ورثة فلان لا يحصل التعريف إذ هو بذكر
الاسم والنسب، وقيل يصح لأنه من أسباب التعريف ا ه‍. وعلل للأول قبله بأن الورثة مجهولون منهم
ذو فرض وعصبة وذو رحم ثم رمز: لو كتب لزيق ورثة فلان قبل القسمة قيل يصح، وقيل لا، ثم
رمز: كتب لزيق دار من تركة فلان يصح حدا، ولو جعل أحد حدوده أرضا لا يدري مالكها لا يكفي.
أقول: لو كانت معروفة ينبغي أن يحتاج إلى ذكر صاحب اليد لحصول الغرض اه‍. ولا يخفى
أن بحثه مخالف لقول الامام كما قدمناه عنه. ثم قال: ولو جعل أحد الحدود أرض المملكة يصح وإن لم
يذكر أنه في يد من، لأنها في يد السلطان بواسطة يد نائبه، والطريق يصلح حدا بلا بيان طوله
وعرضه إلا على قول والنهر لا عند البعض، وكذا السور وهو رواية، وظاهر المذهب يصلح والخندق
كنهر، ولو قال لزيق أرض فلان ولفلان في هذه القرية أراض كثيرة متفرقة مختلفة تصح الدعوى
97

والشهادة، ولو ذكر لزيق أرض الوقف لا يكفي، وينبغي أن يذكر أنها وقف على الفقراء أو المسجد أو
نحوه ويكون كذكر الواقف، وقل لا يثبت التعريف بذكر الواقف ما لم يذكر أنه في يد من.
أقول: ينبغي أن يكون هذا على تقدير عدم المعرفة إلا به، وإلا فهو تضيق بلا ضرورة اه‍
ملخصا. وقوله: (منقولا) هو تكرار مع ما مر. س. قوله: (ولا تثبت يده في العقار بتصادقهما الخ)
هذا مما يقع كثيرا ويغفل عنه كثير من قضاة زماننا حيث يكتب في الصكوك فأقر بوضع يده على العقار
المذكور فلا بد أن يقول المدعي إنه واضع يده على العقار ويشهد له شاهدان ولذا نظمت ذلك بقولي:
واليد لا تثبت في العقار * مع التصادق فلا تمار
بل يلزم البرهان إن لم يدع * عليه غصبا أو شراء مدعي
وفي جامع الفصولين برمز الخانية: ادعى شيئا بيد آخر وقال هو ملكي وهذا أحدث يده عليه
بلا حق، قالوا ليس هذا دعى غصب على ذي اليد.
قال صاحب الفصولين: أقول قياس ما مر في فش أنه لو ادعى أنه ملكي وفي يدك بغير حق
يصح، ولو لم يذكر يوم غصبه ينبغي أن يصح هنا أيضا، وتمامه فيه في الفصل السادس. قوله:
(يطالبه به) أي سواء كان عينا أو دينا منقولا أو عقارا، فلو قال: لي عليه عشرة دراهم ولم يزد على
ذلك لم يصح ما لم يقل للقاضي مرة حتى يعطيه، وقيل يصح وهو الصحيح. قهستاني سائحاني. قوله:
(وبه استغنى) أي بذكر أنه يطالب لأنه لا مطالبة له إذا كان محبوسا بحق. قوله: (ذكر وصفه) زاد
في الكنز وأن يطالبه به. قال في البحر: هكذا جزم به في المتون والشروح. وأما أصحاب الفتاوى
كالخلاصة والبزازية فجعلوا اشتراطه قولا ضعيفا، وليس المراد لفظ أطالبه به بل هو أو ما يفيده من
قوله: مره ليعطيني حق كما في العمدة اه‍، ولا يخفى أنه كان ينبغي للمصنف ذكره، لما قالوا: إن ما
في المتون والشروح مقدم على ما في الفتاوى. قوله: (من ذكر الجنس) كحنطة والنوع كمسقية والصفة
كجيدة. قوله: (لم يسمع) ويذكر في السلم شرائطه من أعلام جنس رأس المال وغيره من نوعه وصفته
وقدره بالوزن إن كان وزنيا وانتقاد بالمجلس حتى يصح، ولو قال بسبب بيع صحيح جرى بينهما
صحت الدعوى بلا خلاف، وعلى هذا في كل سبب له شرائط كثيرة لا يكتفي بقوله: بسبب كذا
صحيح، وإذا قلت الشرائط يكتفي. وأجاب شمس الاسلام فيمن قال كفل كفالة صحيحة أنه لا يصح
كالسلم لأنه لعلة صحيح في اعتقاده، لا عند الحنفي المعتقد عدمها بلا قبول، فيقول كفل وقبل
المكفول له في المجلس ويذكر في القرض وأقرضه من نال نفسه لجواز أن يكون وكيلا وهو سفير لا
98

يملك الطلب ويذكر أنه قبضه وصرفه في حوائجه ليكون دينا إجماعا، لأنه عند الثاني موقوف على
صرفه واستهلاكه. بزازية ملخصا. قوله: (فبرهن) ظاهره أن البينة لا تقام على مقر. قال في البحر
: إلا في أربع فراجعه، وفيه لو أقر بعد البينة يقضي به لا بها، وأنه لو سكت عن الجواب يحبس إلى أن
يجيب، راجعه. قوله: (حلفه الحاكم) ولا يبطل حقه بيمينه، لكنه ليس له أن يخاصم ما لم يقم البينة
على وفق دعواه، فإن وجدها أقامها وقضى له بها. درر. كذا في الهامش. قوله: (في أربع) في الرد
بالعيب يحلف المشتري بالله ما رضيت بالعيب، والشفيع بالله ما أبطلت شفعتك، والمرأة إذا طلبت
فرض النفقة على زوجها الغائب تحلف بالله ما خلف لك زوجك شيئا ولا أعطاك النفقة، والرابع يحلف
المستحق بالله ما بايعت. ح. كذا في الهامش: وفيه: فرع: رجل ادعى على رجل أنه كان لأبي عليك
مائة دينار وقد مات أبي قبل استيفاء شئ منها وصارت ميراثا لم بموته وطالبه بتسليم المائة دينارا فقال
المدعى عليه قد كان لأبيك علي مائة دينار إلا أنني أديت منها ثمانين دينارا إلى أبيك في حياته وقد أقر
أبوك بالقبض ببلدة سمرقند في بيتي في يوم كذا بألفاظ فارسية وأقام على ذلك بينة فقال المدعي
للمدعى عليه إنك مبطل في دعواك إقرار أبي بقبض ثمانين دينارا منك، لما أن أبي كان غائبا عن بلدة
سمرقند في اليوم الذي ادعيت إقراره فيه وكان ببلدة كبيرة وأقام على ذلك بينة هل تندفع بينة المدعى
عليه بينة المدعي؟ فقيل لا إلا أن تكون غيبة أبي المدعي عن سمرقند في اليوم الذي شهد شهود
المدعى عليه على إقراره بالاستيفاء بسمرقند وكونه ببلدة كبيرة ظاهرا مستفيضا يعرفه كل صغير وكبير
وكل عالم وجاهل، فحينئذ القاضي يدفع ببينته بينة المدعى عليه. كذا في الذخيرة فتاوى الهندية من
الباب التاسع في الشهادة على النفي والاثبات اه‍. قوله: (وأجمعوا) الأنسب أن يقول: وإلا في دعوى الدين على الميت اتفاقا.
وصورة التحليف أن يقول له القاضي: بالله ما استوفيت من الديون ولا من أحد أداه إليك عنه
ولا قبضه لك قابض بأمرك ولا أبرأته منه ولا شئ منه ولا أحلت بشئ من ذلك أحدا ولا عندك به
ولا بشئ منه رهن، كذا في البحر عن البزازية ح. ويحلف، وإن أقر به المريض في مرض موته كما
في الأشباه عن التاترخانية، وقدمه الشارح قبيل باب التحكيم من القضاء. قوله: (ثم نقل) أي في
مسألة المتن. قال في الهامش: بقوله: ثم نقل عن البدائع: المتبادر أنه راجع إلى مسألة السكوت،
وليس كذلك بل هو راجع إلى المتن. قال في البحر: وفي المجمع، ولو قال لا أقر ولا أنكر فالقاضي لا
يستحلفه. قال الشارح: بل يحبسه عند أبي حنيفة حتى يقر أو ينكر. وقالا: يستحلف. وفي البدائع أنه
إنكار وهو تصحيح لقولها كما لا يخفى، فإن الأشبه من ألفاظ التصحيح كما في البزازية ح. قوله:
99

(إلا إذا كان) استثناء منقطع لان فرض المسألة في أن الحلف الأول
عند غير قاض. قوله: (حلفه الأول عنده) أي عند قاض فيكفي: أي لا يحتاج إلى التحليف ثانيا. هذا، ولا موقع للاستثناء كما لا يخفى ح.
اللهم إلا أن يكون المراد عنده قبل تقلده القضاء. تأمر وراجع. وقوله: حلفه بفتح الحاء وكسر
اللام وضم الفاء والهاء. قوله: (لم يعتبر) هذه المسألة تغاير المتقدمة في المتن فإن تلك فيما إذا حلف
عند غير قاض وهذه فيما إذا حلف عند القاضي باستحلاف المدعي لا القاضي ح. قوله: (وكذا لو
اصطلحا) وفي الواقعات الحسامية قبيل الرهن: وعند محمد قال لآخر لي عليك ألف درهم فقال له
الآخر إن حلفت إنها لك أديتها إلي فحلف فأداها إليه المدعى عليه، إن كان أداها إليه على الشرط
الذي شرط فهو باطل وللمؤدي أن يرجع فيما أدى، لان ذلك الشرط باطل لأنه على خلاف حكم
الشرع، لان حكم الشرع أن اليمين على من أنكر دون المدعي ا ه‍ بحر. قوله: (أو على أن الشهود الخ)
أي أو طالب تحليف الشهود على أنهم صادقون. قوله: (في الملك المطلق) قيد بالملك المطلق لما سيأتي
وهو مقيد بما إذا لم يؤرخا أو أرخا وتاريخ الخارج مساو أو أسبق.
أما إذا كان تاريخ ذي اليد أسبق فإنه يقضي له كما سيأتي في الكتاب، بخلاف ما إذا ادعى الخارج الملك المطلق وذو اليد الشراء من
فلان وبرهنا وأرخا وتاريخ ذي اليد أسبق فإنه يقضي للخارج كما في الظهيرية. بحر. قوله: (بخلاف
المقيد) لان البينة قامت على ما لا يدل عليه اليد فاستويا وترجحت بينة ذي اليد باليد فيقضي له، وهذا
هو الصحيح ودليله من السنة ما روى عن جابر بن عبد الله: أن رجلا ادعى ناقة في يد رجل وأقام
البينة أنها ناقته نتجتها وأقام الذي بيده البينة أنها ناقته نتجتها، فقضى بها رسول الله (ص) للذي هي في
يده وهذا حديث صحيح مشهور. بحر. كذا في الهامش. قوله: (ونكاح) أي لو برهن على نكاح
امرأة فتهاترا تعذر العمل بهما لان المحل لا يقبل الاشتراط، وإذا تهاترا فرق القاضي بينهما حيث لا
100

مرجح كما في القنية، ولا شئ على واحد منهما إن كان قبل الدخول. أما لو كان التهاتر بعد موتها
ولم يؤرخا فإنه يقضي بالنكاح بينهما، وعلى كل واحد منهما نصف المهر ويرثان ميراث زوج واحد.
بحر. وتمامه فيه. كذا في الهامش. قوله: (في الصحيح) أي على قوله: الثاني الذي عليه الفتوى كما
تقدم. قوله: (وعرض اليمين) هو مبتدأ، وقوله: أحوط خبر عنه. قوله: (أحوط) أي ندبا، وعن
أبي يوسف ومحمد أن التكرار حتم حتى لو قضى القاضي بالنكول مرة لا ينفذ، والصحيح أنه ينفذ.
س. قوله: (وهل يشترط) الأولى يفترض. قوله: (قاله المصنف) قال الرملي في حاشية المنح: تقدم أنه
ينزل منكرا على قولهما، وعلى قول أبي يوسف: يحبس إلى أن يجيب، ولكن الأول فيما إذا لزم
السكوت ابتداء ولم يجب عند الدعوى بجواب، وهذا فيما إذا أجاب بالانكار ثم لزم السكوت. تأمل.
قوله: (قدمنا) أي في كتاب القضاء. ح. قوله: (لا يلتفت إليه) أما لو أقام بينة بعده فتقبل كما يأتي
قريبا. قوله: (ثلاثا) بينة وإقرار ونكول. قوله: (والسابع الخ) بحث في هذه السابعة الخير الرملي في
حاشية المنح وقال: إنه غريب لا يقبل ما لم يعضده نقل من كتاب معتمد. وذكر في البحر أن مدارها
على ابن الغرس، لكن عبارة ابن الغرس: فقد قالوا لو ظهر إنسان الخ. قوله: (خلافا لما في شرح
المجمع) ليس فيه ما ينافي ذلك، بل حكى قولين ح. قوله: (بعد يمين المدعى عليه) لان حكم اليمين
انقطاع الخصومة للحال إلى غاية إحضار البينة وهو الصحيح، وقيل انقطاعها مطلقا ط. قوله: (بعد
القضاء بالنكول) كأن فائدتها لتتعدى إلى غيره، لان النكول إقرار وهو حجة قاصرة، بخلاف البينة
شيخنا، وهذا ظاهر في نحو الرد بالعيب. قوله: (خانية) قال في البحر: ثم اعلم أن القضاء بالنكول
لا يمنع المقضي عليه من إقامة البينة بما يبطله، لما في الخانية: رجل اشترى من رجل عبدا فوجد به
عيبا فخاصم البائع فأنكر البائع أن يكون العيب عنده فاستحلف فنكل فقضى القاضي عليه وألزمه
العبد ثم قال البائع بعد ذلك قد كنت تبرأت إليه من هذا العيب وأقام البينة ثبتت بينته اه‍.
101

أقول: إن كان مبني ما ذكره من القاعدة هو ما نقله عن الخانية فقيه نظر، فإن نكوله عن الحلف
بذل أو إقرار بأن العيب عنده، فإقامته البينة بعده على أنه تبرأ إليه من هذا العيب مؤكد لما أقر به في
ضمن نكوله، أما لو ادعى عليه مالا ونكل عن اليمين فقضي عليه به يكون إقرارا به وحكما به،
فإذا برهن على أنه كان قضاه إياه يكون تناقضا ونقضا للحكم، فبين المسألتين فرق فكيف تصح قاعدة كلية؟
ثم لا يخفى أن كلام البحر في إقامة المقضي عليه البينة، وظاهر كلام الشارح أن المدعي هو الذي أقام
البينة كما يدل عليه السياق فلا يدل عليه ما في الخانية من هذا الوجه أيضا، وانظر ما كتبناه في هامش
البحر عن حاشية الأشباه للحموي. قوله: (طلاق الخانية) الذي نقله في البحر عن طلاق الخانية
والولوالجية من الحنث مطلق عن التقييد بالسبب وعدمه، وما في الدرر من عدم الحنث مطلقا جعلوه
إحدى الروايتين عن محمد. والذي جعلوا الفتوى عليه هو الرواية الثانية عنه وهو قول أبي يوسف،
والتفصيل المذكور في المتن ذكره في جامع الفصولين، فعبارة الشارح غير محررة. قوله: (خلافا
لاطلاق الدرر) حيث قال: وهل يظهر كذب المنكر بإقامة البينة؟ والصواب أنه لا يظهر حتى لا
يعاقب عقوبة شاهد الزور. ذكره الزيلعي. قوله: (ثم أقامها المدعي) سيعيد الشارح المسألة بعد نحو
ورقتين. قوله: (أو الايفاء) بحث فيه العلامة المقدسي بأن الأصل في الثابت أن يبقي على ثبوته وقد
حكمتم لمن شهد له بشئ أنه كان له أن الأصل بقاؤه وإذا وجد السبب ثبت والأصل بقاؤه اه‍ ط.
أقول: وجوابه أن إثبات كون الشئ له يفيد ملكيته له في الزمن السابق، واستصحاب هذا
الثابت يصلح لدفع من يعارضه في الملكية بعد ثبوتها له، وقد قالوا: الاستصحاب يصلح للدفع لا
للاثبات، وإذا أثبتنا الحنث يكون الأصل بقاء القرض يكون من الاثبات بالاستصحاب وهو لا يجوز،
فالفرق ظاهر فتأمل. قوله: (ولا تحليف) أي في تسعة. قوله: (بعد عدة) قيد للثاني كما في الدرر.
قوله: (تدعيه الأمة) بأنها ولدت منه ولدا وقد مات أو أسقطت سقطا مستبين الخلق وأنكره المولى. ابن
كمال. قوله: (ولا يأتي الخ) وقلب العبارة الزيلعي وهو سبق قلم. قوله: (ونسب) وفي المنظومة
: وولاد. قال في الحقائق: ولم يقبل ونسب لأنه إنما يستحلف في النسب المجرد عندهما إذا كان يثبت
بإقرار كالأب والابن في حق الرجل والأب في حق المرأة. ابن كمال. قوله: (وولاء) أي بأن ادعى
على معروف الرق أنه معتقه أو مولاه. قوله: (في الأشياء السبعة) أي السبعة الأولى من التسعة. قال
الزيلعي: وهو قولهما، والأول قول الإمام. س. قال الرملي: ويقضي عليه بالنكول عندهما. قوله:
102

(وكذا يستحلف السارق) وكذا يحلف في النكاح إن ادعت هي المال: أي إن ادعت المرأة النكاح
وغرضها المال كالمهر والنفقة فأنكر الزوج يحلف، فإن نكل يلزمه المال ولا يثبت الحل عنده لان المال
يثبت بالبدل لا الحل. وفي النسب إذا ادعى حقا مالا كان كالإرث والنفقة أو غير مال كحق الحضانة
في اللقيط والعتق بسبب الملك وامتناع الرجوع في الهبة، فإن نكل ثبت الحق، ولا يثبت النسب إن
كان مما لا يثبت بالاقرار، وإن كان منه فعلى الخلاف المذكور وكذا منكر العقود الخ. ابن كمال.
وإنكار القود سيذكره المصنف وفي صدر الشريعة: فليغز أيما امرأة تأخذ نفقة غير معتدة ولا حائضة
ولا نفساء ولا يحل وطؤها وفيه: ويلغز أي شخص أخذ الإرث ولم يثبت نسبه كما لو ادعى إرثا
بسبب إخوة فأنكر إخوته.
والحاصل: أن هذه الأشياء لا تحليف فيها عند الامام ما لم يدع معها مالا فإنه يحلف وفاقا.
سائحاني. قوله: (ولم يقطع) اعترض بأنه ينبغي أن يصح قطعه عند أبي حنيفة لأنه بدل كما في قود
الطرف.
والحاصل أن النكول في قطع الطرف والنكول في السرقة ينبغي أن يتحدا في إيجاب القطع
وعدمه ويمكن الجواب بأن قود الطرف حق العبد فيثبت بالشبهة كالأموال، بخلاف القطع في السرقة
فإنه خالص حق الله تعالى وهو لا يثبت بالشبهة، فظهر الفرق فليتأمل. يعقوبية. قوله: (في التعزير)
لأنه محض حق العبد ولهذا يملك العبد إسقاطه بالعفو. س. قوله: (فحيلة دفع يمينها) أي دفع اليمين
عنها كذا في الهامش. قوله: (أن تتزوج) أي بآخر كذا في الهامش. قوله: (في إحدى وثلاثين مسألة)
تقدمت في الوقف س وذكرها في البحر هنا، وذكر في الهامش عن الامام الخصاف. كان الإمام الثاني
وغيره رحمهم الله تعالى من أصحابنا يقولون يحلف في كل سبب لو أقر المدعى عليه لزمه، كما لو ادعى
أنه أبوه أو ابنه أو زوجته أو مولاه، ولو ادعى أنه أخوه أو عمه أو نحوه لا يحلف إلا أن يدعي حقا
في ذمته كالإرث بجهة فحينئذ يحلف، وإن نكل يقضي بالمال إن ثبت المال، ودعوى الوصية بثلث المال
كدعوى الإرث على ما ذكرنا إلا في فصل واحد: وهو أن الوارث لو نكل عن اليمين عن موت مورثه
ودفع ثلث ما في يده من ماله إلى ثلث مدعي الوصية بالثلث ثم جاء المورث حيالا يضمن الوارث
الناكل له شيئا من البزازية من كتاب أدب القاضي في اليمين. قوله: (لا الحلف) يخالفه ما يأتي عن
شرح الوهبانية من أن الأخرس الأصم الأعمى يحلف وليه. قوله: (ولا يحلف الخ) الأولى أن يقول
وفرع على الثاني بقوله: ولا يحلف الخ. قوله: (على الأصيل) أي الوكيل لقط كذا في الهامش. قوله:
103

(فيستحلف الخ) بقي هل يستحلف على العلم أو على البتات؟ ذكر في الفصل السادس والعشرين من
نور العين أن الوصي إذا باع شيئا من التركة فادعى المشتري أنه معيب فإنه يحلف على البتات، بخلاف
الوكيل فإنه يحلف على عدم العلم ا ه‍ فتأمله كذا بخط بعض الفضلاء. قوله: (والصواب في أربع
وثلاثين) أي بضم الثلاثة إلى ما في الخانية، لكن الأولى منها مذكور في الخانية. قوله: (لابن المصنف)
وهو الشيخ شرف الدين عبد القادر وهو صاحب تنوير البصائر وأخوه الشيخ صالح صاحب الزواهر
كذا يفهم من كتاب الوقف. قوله: (سرقة العبد الخ) يعني أن مشتري العبد إذا ادعى أنه سارق أو آبق
وأثبت إباقه أو سرقته في يد نفسه وادعى أنه أبق أو سرق في يد البائع وأراد التحليف يحلف البائع بالله
ما أبق بالله ما سرق في يدك وهذا تحليف على فعل الغير. درر. كذا في الهامش. قوله: (أو إباقه)
ليس المراد بالإباق الذي يدعيه المشتري الإباق الكائن عنده، إذ لو أقر به البائع لا يلزمه شئ لان
الإباق من العيوب التي لا بد فيها من المعاودة بأن يثبت وجوده عند البائع ثم عند المشتري كلاهما في
صغره أو كبره على ما سبق في محله أبو السعود. وفي الحواشي السعدية، قوله يحلف على البتات بالله
ما أبق. أقول: الظاهر أنه يحلف على الحاصل بالله ما عليك الرد، فإن في الحلف على السبب يتضرر
البائع أو قد يبرأ المشتري على العيب ا ه‍. قوله: (على البتات) كل موضع وجب اليمين فيه على العلم
فحلف على البتات كفي وسقطت عنه، وعلى عكسه لا، ولا يقضي بنكوله على ما ليس واجبا عليه.
بحر. قوله: (لأنها آكد) أي لان يمين البتات آكد من يمين العلم ا ه‍ ح. قوله: (ولذا تعتبر مطلقا) أي
ولكون يمين البتات آكد من يمين العلم تعتبر في فعل نفسه وفي فعل غيره. ح. كذا في الهامش.
قوله: (مطلقا) أي فعل نفسه وفعل غيره. قوله: (بخلاف العكس) يعني أن يمين العلم لا تكفي في
فعل نفسه ح. كذا في الهامش. قوله: (عن الزيلعي) قال الزيلعي: وفي كل موضع يجب اليمين فيه
على البتات فحلف على العلم لا يكون معتبرا حتى لا يقضي عليه ولا يسقط اليمين عنه، وفي كل
موضع وجب اليمين فيه على العلم فحلف على البتات يعتبر اليمين حتى يسقط اليمين عنه ويقضي عليه
إذا نكل، لان الحلف على البتات آكد فيعتبر مطلقا، بخلاف العكس اه‍.
وفي جامع الفصولين قبل هذا الفرع مشكل. قال الرملي: وجه إشكاله أنه يقضي عليه مع أنه
104

غير مكلف إلي البت، ويزول الاشكال بأنه مسقط لليمين الواجبة عليه فاعتبر فيكون قضاء بعد نكول
عن يمين مسقط للحلف عنه، بخلاف عكسه، ولهذا يحلف ثانيا لعدم سقوط الحلف عنه بها، فنكوله
عنه لعدم الاعتبار والاحتراز به فلا يقضى عليه بسببه. تأمل اه‍. واستشكل في السعدية الفرعين ولم
يجب على الثاني، وأجاب عن الأول بأنه يجوز أن يكون نكوله لعلمه بعدم فائدة اليمين على العلم فلا
يحلف حذرا عن التكرار ا ه‍. وهو بمعنى ما ذكره الرملي. قوله: (وهو بكر) تفسير للضمير، والأولى أن
يقول: أي خصم بكر وهو زيد.
أقول: تبع الشارح في هذا المصنف وصاحب الدرر. قال بعض مشايخنا: صوابه زيد لأنه هو
المنكر واليمين عليه. ويمكن أن يقال أن يحلف بالبناء للفاعل لا للمفعول ومعناه أن يطلب من القاضي
تحليفه لأن ولاية التحليف له فيكون قوله: وهو بكر تفسيرا للضمير في خصمه لكن فيه ركاكة.
س. وقال في الهامش: قوله: وهو بكر راجع إلى المضاف إليه لا للمضاف، ولو قال وهو زيد لكان
أولى. ح. قوله: (إذا علم القاضي) ينبغي أن يخصص التقييد بذلك بصورة العين كما يظهر من
العمادية، فإن جريان ذلك في الدين مشكل. عزمي. وذكر في البحر تفصيلا في دعوى الدين فراجعه
فإنه مهم. قوله: (كونه ميراثا) أي كون المورث مات وتركه. قوله: (أو برهن الخصم) وهو المدعى
عليه. قوله: (فيحلف) أي الوارث. قوله: (على العلم) أي وإلا بأن لم يعلم القاضي حقيقة الحال ولا
إقرار المدعي بذلك ولا أقام المدعى عليه بينة يحلف على البتات بالله ما عليك تسليم هذه العين إلى
المدعي. عمادية عزمي. قوله: (كموهوب) يعني لو وهب رجل لرجل عبدا فقبضه أو اشترى رجل
من رجل عبدا فجاء رجل وزعم أن العبد عبده ولا بينة له فأراد استحلاف المدعي عليه يحلف على
البتات ح. قوله: (خلافا لهما) فعندهما: يلزمه الأرش فيهما لان النكول إقرار فيه شبهة عندهما فلا
يثبت به القصاص. منح. قوله: (حاضرة في المصر) أطلق حضورها فشمل حضورها في المصر بصفة
المريض، وظاهر ما في خزانة المفتين خلافه، فإنه قال: الاستحلاف يجري في الدعاوي الصحيحة إذا
أنكر المدعي عليه ويقول المدعي لا شهود لي أو شهودي غيب أو في المصر ا ه‍. بحر. قوله: (ويأخذ
القاضي) أي بطلب المدعي كما في الخانية. وفي الصغرى: هذا إذا
كان المدعي عالما بذلك، أما إذا كان جاهلا فالقاضي يطلب. رواه ابن سماعة عن محمد اه‍ بحر. قوله: (في مسألة المتن) قيد بها لأنه
105

لو قال لا بينة لي أو شهودي غيب لا يكفل لعدم الفائدة. كذا في الهداية. قوله: (يؤمن هروبه) بأن
يكون له دار معروفة وحانوت معروف لا يسكن في بيت بكراء ويتركه ويهرب منه. منح. وهذا شئ
يحفظ جدا. بحر عن الصغرى. قال: وينبغي أن يكون الفقيه ثقة بوظائفه في الأوقاف وإن لم يكن له
ملك في دار أو حانوت لأنه لا يتركها ويهرب اه‍.
وفي البحر أيضا عن كفالة الصغرى: لقاضي أو رسوله إذا أخذ كفيلا من المدعى عليه بنفسه
بأمر المدعي أولا بأمره، فإن لم يضف الكفالة إلى المدعي بأن قال أعط كفيلا بنفسك ولم يقل للطالب
ترجع الحقوق إلى القاضي أو رسوله، حتى لو سلم إليه الكفيل يبرأ، ولو سلم إلى المدعي فلا، وإن
أضاف إلى المدعي كان الجواب على العكس ا ه‍. وفيه عنها: طلب المدعي من القاضي وضع المنقول
عند عدل ولم يكتف بكفيل النفس، فإن كان المدعى عليه عدلا لا يجبيه القاضي، ولو فاسقا يجيبه.
وفي العقار: لا يجيبه إلا في السجر الذي عليه الثمر لان الثمر نقلي اه‍. قال في البحر: وظاهره أن
الشجر من العقار وقدمنا خلافه. وفي أبي السعود عن الحموي عن المقدسي التصريح بأنه من العقار.
قوله: (في الصحيح) في البحر عن القنية: ادعي القاتل أن له بينة حاضرة على العفو أجل ثلاثة أيام،
فإن مضت ولم يأت بالبينة وقال لي بينة غائبة يقضي بالقصاص قياسا كالأموال. وفي الاستحسان:
يؤجل استعظاما لأمر الدم اه‍.
وفي البحر أيضا عن قضاء الصغرى أن فائدة الكفالة بالثلاث أو نحوها لا لبراءة الكفيل
بعدها، فإن الكفيل إلى شهر لا يبرأ بعده، لكن التكفيل إلى شهر للتوسعة على الكفيل فلا يطالب إلا
بعد مضيه، لكن لو عجل لا يصح، وهنا للتوسعة على المدعي فلا يبرأ الكفيل بالتسليم للحال إذ قد
يعجز المدعي عن البينة، وإذا أحضرها يعجز عن إقامتها وإنما يسلم إلى المدعي بعد وجود ذلك
الوقت، حتى لو أحضر البينة قبل الوقت يطالب الكفيل. قوله: (إلى مجلسه) إلى القاضي. قوله:
(لازمه) أي دار معه حيث دار فلا يلازمه في مكان معين. وفي الصغرى: ولا يلزمه في المسجد لأنه
بني للذكر، به يفتى. ثم قال: ويبعث معه أمينا يدور معه. ورأيت في زيادات بعض المشايخ أن
للمطلوب أن لا يرضى بالأمين عنده خلافا لهما بناء على التوكيل بلا رضا الخصم. بحر ملخصا،
وتمامه فيه. قوله: (أي مسافرا) تفسير مراد. قوله: (حتى لو علم) بأن قال اخرج غدا مثلا. قوله:
(يكفله) أي إلى وقت سفره. بحر. قوله: (كما مر) أي عند قول المصنف اصطلحا على أن يحلف عند
106

غير قاض الخ لكن هناك اليمين من المدعي، وكما مر عند قوله: وتقبل البينة لو أقامها بعد يمين.
قوله: (فأنكر المدعي) أي مدعي الدين. قوله: (ولا بينة له) أي لمدعي الايصال. قوله: (فطلب يمينه)
أي يمين الدائن. قوله: (فقال المدعي) أي مدعي الدين. قوله: (اجعل حقي في الختم) أي الصك،
ومعناه اكتب لي الصك بالبينة ثم استحلفني مدني، أو المراد إحضار نفس الحق في شئ مختوم وهو
الأظهر. وفي حاشية الفتال عن الفتاوى الأنقروية: يعني أحضر حقي ثم استحلفني، ومثله بخط
للسائحاني، ومثله في الحامدية. قوله: (أنه لو حلفه بغيره) كالرحمن والرحيم. بحر. قوله: (ولم أره
صريحا) فيه أن يقول هم في التغليظ ويجتنب العطف كي لا تتكرر اليمين كما يأتي، وصاحب البحر نفسه
صرح به، وقولهم في كتاب الايمان: والقسم بالله تعالى أو باسم من أسمائه كالرحمن والرحيم والحق،
أو بصفة يحلف بها من صفاته تعالى كعزة الله وجلال الله وكبريائه وعظمته وقدرته يدل على كونه يمينا
اه‍ شيخنا. والعجب من صاحب المنح حيث نقله وأقره عليه، وكذا الشارح، ثم رأيت مثل ما قدمته
منقولا عن المقدسي وكتبته في هامش البحر. قوله: (وإلا فلا فائدة) تظهر فائدته فيما إذا كان جاهلا
بعدم اعتبار نكوله، فإذا طلب حلفه به ربما يمتنع ويقر بالمدعي. درر البحار. قوله: (واعتمد المصنف)
لكن عبارة ابن الكمال: فإن ألح الصخم قيل صح بهما في زماننا، لكن لا يقضي عليه بالنكول لأنه
امتنع عما هو منهي عنه شرعا، ولو قضي عليه بالنكول لا ينفذ انتهت. ومثله في الزيلعي وشرح درر
البحار. وظاهره أن القائل بالتحليف بهما يقول إنه غير مشروع، ولكن يعرض عليه لعله يمتنع، فإن
من له أدنى ديانة لا يحلف بهما كاذبا فإنه يؤدي إلى طلاق الزوجة وعتق الأمة أو إمساكهما بالحرام،
بخلاف اليمين بالله تعالى فإنه يتساهل به في زماننا كثيرا. تأمل. وقوله لأنه امتنع عما هو منهي عنه
شرعا.
أقول: فكيف يجوز للقاضي تكليفه الاتيان بما هو منهي شرعا، ولعل ذلك البعض يقول النهي
عنه تنزيهي. سعدية. قوله: (وقد تقدم) أي قبيل قوله: ولا تحليف في طلاق ورجعة الخ. قوله:
107

(ويغلظ الخ) أي يؤكد اليمين بذكر أوصاف الله تعالى وذلك مثل قوله: والله الذي لا إله إلا هو عالم
الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ما لفلان هذا عليك ولا
قبلك هذا المال الذي ادعاه ولا شئ منه، لان أحوال الناس شتى، فمنهم من يمتنع عن اليمين
بالتغليظ ويحتال عند عدمه فيغلظ عليه لعله يمتنع بذلك. زيلعي عبارته: ولو أمره
بالعطف فأتى بواحدة ونكل عن الباقي لا يقضي عليه بالنكول لان المستحق عليه يمين واحدة وقد
أتى بها اه‍. قوله: (وظاهره أنه مباح) في البحر عن المحيط: لا يجوز التغليظ بالمكان. قوله: (فيغلظ
على كل الخ) قال في البحر: فإن قلت: إذا حلف الكافر بالله فقط ونكل عما ذكر هل يكفيه أم لا،
قلت: لم أره صريحا، وظاهر قولهم إنه يغلط به أنه ليس بشرط وأنه من باب التغليظ فيكتفي بالله ولا
يقضي عليه بالنكول عن الوصف المذكور اه‍. قوله: (صار حالفا) ولا يقول بالله إنه كان كذا لأنه إذا
قال نعم يكون إقرارا لا يمينا كما في الشرنبلالية س. قوله: (أو وصيه أو من نصبه القاضي) وهذا
مستثنى من قولهم: الحف لا يجري فيه النيابة. أبو السعود. قوله: (ويحلف القاضي الخ) قال في
نور العين: النوع الثالث في مواضع التحليف على الحاصل والتحليف على السبب جمع.
ثم المسألة على وجوه: إما أن يدعي المدعي دينا أو ملكا في عين أو حقا في عين، وكل منهما
على وجهين: إما أن يدعيه مطلقا أو بناء على سبب، فلو ادعى دينا ولم يذكر سببه يحلف على الحاصل
ماله قبلك ما ادعاه ولا شئ منه، وكذا لو ادعى ملكا في عين حاضر أو حقا في عين حاضر ادعاه
مطلقا ولم يذكر له سببا يحلف على الحاصل ما هذا لفلان ولا شئ منه، ولو ادعاه بناء على سبب بأن
ادعى دينا بسبب قرض أو شراء أو ادعى ملكا بسبب بيع أو هبة أو ادعى غصبا أو وديعة أو عارية
يحلف على الحاصل في ظاهر الرواية لا على السبب بالله ما استقرضت ما غصبت ما أودعك ما شربت
منه كافي. وعن أبي يوسف يحلف على السبب في هذه الصورة المذكورة إلا عند تعويض المدعى عليه
نحو أن يقول أيها القاضي قد يبيع الانسان شيئا ثم يقبل فحينئذ يحلف على الحاصل. منح. وذكر
شمس الأئمة الحلواني رواية أخرى عن أبي يوسف أن المدعى عليه لو أنكر السبب يحلف على السبب،
ولو قال ما علي ما يدعيه يحلف على الحاصل. قاضيخان. وهذا أحسن الأقاويل عندي وعليه أكثر
108

القضاة، يقول الحقير: وكذا في مختارات النوازل لصاحب الهداية اه‍. قوله: (ما بينكما نكاح قائم)
إدخال النكاح في المسائل التي يحلف فيها على الحاصل عندهما غفلة من صاحب الهداية والشارحين،
لان أبا حنيفة يقول بالتحليف في النكاح إلا أن يقال: إن الامام فرع على قولهما لا على قوله:
كتفريعه في المزارعة على قولهما. بحر. ونقل عن المقدسي أنه محمول على ما إذا كان مع النكاح دعوى
المال. قوله: (بيع قائم) هذا، والحق ما في الخزانة من التفصيل. قال المشتري: إذا ادعى الشراء فإن
ذكر نقد الثمن فالمدعى عليه يحلف بالله ما هذا العبد ملك المدعي ولا شئ منه بالسبب الذي ادعى ولا
يحلف بالله ما بعته، وإن لم يذكر المشتري نقد الثمن يقال له أحضر الثمن، فإذا أحضره استحلفه بالله ما
يملك قبض هذا الثمن وتسليم هذا العبد من الوجه الذي ادعى، وإن شاء حلفه بالله ما بينك وبين
ذا شراء قائم الساعة.
والحاصل: أن دعوى الشراء مع نقد الثمن دعوى المبيع ملكا مطلقا وليست بدعوى العقد ولهذا
تصح مع جهالة الثمن معنى، وليست بدعوى العقد ولهذا تصح مع جهالة المبيع فيحلف على ذلك الثمن
اه‍ بحر. قوله: (لو قائما الخ) زاده لما في البحر، وفي قول المؤلف وما يجب عليك رده قصور،
والصواب ما في الخلاصة: وما يجب عليك عليك رده ولا مثله ولا بدله ولا شئ من ذلك ا ه‍. وكذا في قوله:
وما هي بائن منك الآن لأنه خاص بالبائن. وأما الرجعي فيحلف بالله ما هي طالق في النكاح الذي
بينكما. وأما إذا كانت الدعوى بالطلاق الثلاث فقال الأسبيجابي يحلف بالله ما طلقتها ثلاثا في النكاح
الذي بينكما اه‍. وقد ذكر في البحر هنا جملة مما يحلف فيه على الحاصل فراجعه، وقال بعدها: ثم اعلم أنه تكرر
منهم في بعض صور التحليف تكرار لا في لفظ اليمين خصوصا في تحليف مدعي دين على الميت فإنها
تصل إلى خمسة، وفي الاستحقاق إلى أربعة مع قولهم في كتاب الايمان إن اليمين تتكرر بتكرار حرف
العطف مع قوله: لا كقوله: لا آكل طعاما ولا شرابا، ومع قولهم هنا في تغليظ اليمين يجب الاحتراز
عن العطف لان الواجب يمين واحدة فإذا عطف صارت أيمانا، ولم أر عنه جوابا بل ولا من تعرض
له اه‍. قال الرملي: أقول إذا تأمل المتأمل وحد التكرار المدعي فليتأمل ا ه‍: يعني أن المدعي وإن
ادعى شيئا واحدا في اللفظ لكنه مدع لأشياء متعددة ضمنا فيحلف الخصم عليها احتياطا. قوله: (نظرا
للمدعى عليه) تعليل لقوله: لا على السبب. قوله: (لكونه شافعيا) لان الشافعي يحلف على الحاصل
معتقدا مذهبه أنها لا تستحق نفقة ولا شفعة فيضيع النفع، فإذا حلف أنه ما أبانها واشترى ظهر النفع
ورعاية جانب المدعي أولى، لان السبب إذا ثبت ثبت الحق واحتمال سقوطه بعارض متوهم، والأصل
109

عدمه حتى يقوم الدليل على العارض ا ه‍. قوله: (ففيه خلاف) قيل لا اعتبار به وإنما الاعتبار لمذهب
القاضي. قوله: (والأوجه أن يسأله) أي يسأل المدعي. قوله: (واعتمده المصنف) أي تبعا للبحر،
وانظر هل يجري ذلك في قضاة زماننا المأمورين بالحكم بمذهب أبي حنيفة. قوله: (والصلح منه) أي
على شئ معلوم، والفرق أن الثاني بأقل من المدعي، وأما الأول فقد يكون بمثله كما في القهستاني.
ح. قوله: (ولا يحلف) ضبطها المؤلف رحمه الله بتشديد اللام. قوله: (لأنه أسقط حقه) أي حقه في
الخصومة، والذي في البحر لأنه أسقط خصومته بأخذ المال منه. مدني. قوله: (وبرهن قبل) في البحر
عن البزازية: ولو قال المدعى عليه حين أراد القاضي تحليفه إنه حلفني على هذا المال عند قاض آخر أو
أبرأني عنه إن برهن قبل واندفع عنه الدعوى، وإلا قال الامام البزدوي: انقلب المدعى عليه، فإن نكل
اندفع الدعوى وإن حلف لزم المال، لان دعوى الابراء عن المال إقرار بوجوب المال عليه، بخلاف
دعوى الابراء عن دعوى المال ا ه‍. وظاهر هذا أن قول الشارح وإلا فله تحليفه أي وإلا يبرهن فله
تحليفه: أي تحليف المدعي الأول، تأمل. وعبارة الدرر: ولو لم يكن له بينة واستحلفه: أي أراد
تحليف المدعي جاز. قوله: (وإلا فله تحليفه) أي تحليف المدعي. قال في نور العين: أراد تحليفه فبرهن
أن المدعي حلفني على هذه الدعوى عند قاضي كذا يقبل، ولولا بينة له فله تحليف المدعي لأنه يدعي
بقاء حقه في اليمين، ولو ادعى أن المدعي أبرأني عن هذه الدعوى ليس له تحليفه إن لم يبرهن إذ المدعي
بدعواه استحق الجواب على المدعى عليه. والجواب إما إقرار أو إنكار، وقوله: أبرأني الخ ليس بإقرار
ولا إنكار فلا يسمع ويقال له أجب خصمك ثم ادع ما شئت، وهذا بخلاف ما لو قال أبرأني عن هذا
الألف فإنه يحلف، إذ دعوى البراءة عن المال إقرار بوجوبه والاقرار جواب ودعوى الابراء مسقط
فيترتب عليه اليمين، ومنهم من قال الصواب أن يحلف على دعوى البراءة كما يحلف على دعوى
التحليف وإليه مال. منح. وعليه أكثر قضاة زماننا ا ه‍. وعبارة الدرر: ولو لم يكن له بينة واستحلفه
: أي أراد تحليف المدعي جاز انتهت، وبه علم ما في عبارة الشارح من الايهام، فتنبه. قوله: (ولم أر
110

الخ) وجدت في هامش نسخة شيخنا بخط بعض العلماء ما نصها: قد رأيتها في أواخر القضاء قبيل
كتاب الشهادة من فتاوى الكرنبشي معزيا لأول قضاء جواهر الفتاوى. وعبارته: رجل ادعى على آخر
دعوى وتوجهت عليه اليمين فلما عرض القاضي اليمين عليه قال: إني حلفت بالطلاق إني لا أحلف
أبدا والآن لا أحلف حتى لا يقع علي الطلاق، فإن القاضي يعرض عليه اليمين ثلاثا ثم يحكم
بالنكول، ولا يسقط عنه اليمين بهذا اليمين ا ه‍. قوله: (فيحرر) أقول: سبق عن العناية أن القاضي لا
يجد بدا من إلحاق الضرر بأحدهما في الاستحلاف في الحاصل أو على السبب، فمراعاة جانب المدعي
أولى، فعلى هذا لا يعذر بدعواه الحلف بالطلاق ويقضي عليه بالنكول، على أن ذلك يكون بالأولى لأنه
هو الذي ألحق الضرر بنفسه بإقدامه على الحلف بالطلاق ا ه‍ أبو السعود.
أقول: وأيضا لو كان ذلك حجة صحيحة لتحيل له كل من توجه عليه يمين فيلزم منه ضياع حق
المدعي ومخالفة نص الحديث اليمين على من أنكر فتدبر.
باب التحالف
قوله: (أو وصفه) كالبخاري والبغدادي. قوله: (أو جنسه) كدراهم أو دنانير قوله: (أو في
قدر مبيع) فلو في وصفه فلا تحالف، والقول للبائع كما سيذكره الشارح. قوله: (والاختلاف في
الثمن) أقول: في زيادة لو هنا في الموضعين خلل. وعبارة الهداية: لو كان الاختلاف في الثمن
والمبيع جميعا فبينة جميعا فبينة البائع في الثمن أولى، وبينة المشتري في المبيع أولى نظر إلى زيادة الاثبات، قاله شيخ
والدي المفتي محمد تاج الدين المدني. قوله: (فإن رضي الخ) هذه العبارة لا تشمل إلا صورة الاختلاف
فيهما، فالأولى أن يقول كما قال غيره: فإن تراضيا على شئ: أي بأن رضي البائع بالثمن الذي ادعاه
المشتري أو رضي المشتري بالبيع الذي ادعاه البائع عند الاختلاف في أحدهما أو رضي كل بقول الآخر
عند الاختلاف فيهما. وقال الحلبي: العبارة فاسدة، والصواب كما قال غيره: فإن تراضيا على شئ.
قوله: (فيفسخ من له الخيار) قال في البحر: وأشار بعجزها إلى أن البيع ليس فيه خيار لأحدهما،
ولهذا قال في الخلاصة: إذا كان للمشتري خيار رؤية أو خيار عيب أو خيار شرط لا يتحالفان اه‍.
والبائع كالمشتري، فالمقصود أن من له الخيار متمكن من الفسخ فلا حاجة إلى التحالف، ولكن ينبغي
أن البائع إذا كان يدعي زيادة الثمن وأنكرها المشتري فإن خيار المشتري يمنع التحالف، وأما خيار
البائع فلا، ولو كان المشتري يدعي زيادة المبيع ينكرها فإن خيار البائع يمنعه لتمكنه من
الفسخ، وأما خيار المشتري فلا، هذا ما ظهر لي تخريجا لا نقلا اه‍.
111

وحاصله، أن من له الخيار لا يتمكن من الفسخ دائما فينبغي تخصيص الاطلاق. قوله: (وبدئ
بيمين المشتري) أي في الصورة الثلاث كما في شرح ابن الكمال: وقوله: لأنه البادئ بالانكار قال
السائحاني: هذا ظاهر في التحالف في الثمن، أما في المبيع مع الاتفاق على الثمن فلا يظهر لان البائع
هو المنكر فالظاهر البداءة به، ويشهد له ما سيأتي أنه إذا اختلف المؤجر والمستأجر في قدر المدة بدئ
بيمين المؤجر، وإلى ذلك أومأ القهستاني ا ه‍. وبحث مثل هذا البحث العلامة الرملي. قوله: (بأن كان
مقايضة) أي سلعة بسلعة. قوله: (أو صرفا) أي ثمنا بثمن. قوله: (ويقتصر على النفي) بأن يقول
البائع والله ما باعه بألف والمشتري والله ما اشتراه بألفين. قوله: (في الأصح) وفي الزيادات: يحلف
البائع والله ما باعه بألف ولقد باعه بألفين ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين ولقد اشتراه بألف.
س. قوله: (بل بفسخهما) ظاهر ما ذكره الشارحون أنهما لو فسخاه انفسخ بلا توقف على القاضي
وأن فسخ أحدهما لا يكفي وإن اكتفى بطلب أحدهما. بحر. وذكر فائدة عدم فسخه بنفس التحالف أنه
لو كان المبيع جارية فللمشتري وطؤها كما في النهاية. قوله: (والسلعة قائمة) احتراز عما إذا هلكت،
وسيأتي متنا. قوله: (كاختلافهما في الزق) هو الظرف إذا أنكر البائع أن هذا زقه، وصورته كما في
الزيلعي: أن يشتري الرجل من آخر سمنا في زق وزنه مائة رطل ثم جاء بالزق فارغا ليرده على
صاحبه ووزنه عشرون فقال البائع ليس هذا زقي وقال المشتري هو زقك فالقول قول المشتري
سواء سمي لكل رطل ثمنا أو لم يسم، فجعل هذا اختلافا في المقبوض وفيه القول قول القابض إن
كان في ضمنه اختلاف في الثمن، ولم يعتبر في إيجاب التحاليف لان الاختلاف فيه وقع مقتضى
اختلافهما في الزق ا ه‍. قوله: (نحو أجل) ذكر في البحر هنا مسألة عجيبة فلتراجع. قوله: (نحو
أجل وشرط) لأنهما يثبتان بعارض الشرط والقول لمنكر العوارض، فقد جزموا هنا بأن القول لمنكر
الخيار كما علمت. وذكروا في خيار الشرط فيه قولين قدمناهما في بابه، والمذهب ما ذكروه هنا.
بحر. أطلق الاختلاف في الاجل فشمل الاختلاف في أصله وقدره فالقول لمنكر الزائد، بخلاف ما لو
اختلفا في الاجل في السلم فإنهما يتحالفان كما قدمناه في بابه، وخرج الاختلاف في مضيه فإن القول
فيه للمشتري لأنه حقه وهو منكر استيفاء حقه. كذا في النهاية. بحر. وفيه ويستثني من الاختلاف في
الاجل ما لو اختلفا في أجل السلم بأن ادعاه أحدهما ونفاه الآخر فإن القول فيه لمدعيه عند الامام لأنه
فيه شرط وتركه فيه مفسد للعقد وإقدامهما عليه يدل على الصحة، بخلاف ما نحن فيه، لأنه لا تعلق
له بالصحة والفساد فيه فكان القول لنا فيه. قوله: (وشرط رهن) أي بالثمن من المشتري ط. قوله:
112

(أو ضمان) أي اشتراط كفيل. قوله: (وقبض بعض ثمن) أو حط البعض أو إبراء الكل. بحر.
والتقييد به اتفاقي، إذا الاختلاف في قبض كله كذلك وهو قبول قول البائع وإنما لم يذكره باعتبار أنه
مفروغ عنه بمنزلة سائر الدعاوي. كذا في النهاية. بحر. قوله: (بيمينه) لأنه اختلاف ي غير المعقود
عليه وبه فأشبه الاختلاف في الحط والابراء، وهذا لان بانعدامه لا يختل ما به قوام العقد، بخلاف
الاختلاف في وصف الثمن أو جنسه فإنه بمنزلة الاختلاف في القول في جريان التحالف لان ذلك
يرجع إلى نفس الثمن، فإن الثمن دين وهو يعرف بالوصف ولا كذلك الاجل، ألا ترى أن الثمن
موجود بعد مضيه. بحر. قوله: (إذ اختلفا) أي في مقدار الثمن. معراج. ومثله في متن المجمع.
قوله: (بعد هلاك المبيع) أفاد أنه في الاجل وما بعده لا فرق بين كون الاختلاف بعد الهلاك أو قبله
قوله: (المبيع) أي عند المشتري إذ قبل قبضه ينفسخ العقد بهلاكه. معراج. قوله: (أو تعيبه الخ) فيه
أنه داخل في الهلاك لأنه منه. تأمل. ثم إن عبارتهم هكذا: أو صار بحال لا يقدر على رده بالعيب.
قال في الكفاية: بأن زاد زيادة متصلة أو منفصلة ا ه‍: أي زيادة من الذات كسمن وولد وعقر. قال
في غرر الأفكار: ولو لم تنشأ من الذات سواء كانت من حيث السعر أو غيره قبل القبض أو بعده
يتحالفان اتفاقا ويكون الكسب للمشتري اتفاقا ا ه‍. ثم إن الشارح تبع الدرر. ولا يخفى أن ما قالوه
أولى لما علمت من شموله العيب وغيره. تأمل. قوله: (غير المشتري) فإنهما يتحالفان لقيام القيمة مقام
العين العين كما في البحر س. قوله: (على قيمة الهالك) إن قيميا ومثله إن مثليا خير الدين. س. قوله:
(تحالفا إجماعا) وإن اختلفا في كون البدل دينا أو عينا إن ادعى المشتري أنه كان عينا يتحالفان عندهما،
وإن ادعى البائع أنه كان عينا وادعى المشتري أنه كان دينا لا يتحالفان، والقول قول المشتري. كفاية.
قوله: (لأن المبيع كل منهما) أي فكان قائما ببقاء المعقود عليه فيرده. بحر: أي يرد القائم. قوله:
(كما لو اختلفا) وبهذا علم أن الاختلاف في جنس الثمن كالاختلاف في قدره إلا في مسألة هي ما
إذا كان المبيع هالكا. بحر. قوله: (تحالفا) لأنهما لم يتفقا على ثمن فلا بد من التحالف للفسخ. قوله:
(بعد هلاك بعضه) أي هلاكه بعد القبض كما سيذكره قريبا. قوله: (عند المشتري) قبل نقد الثمن.
قوله: (بعد قبضهما) فلو قبله يتحالفان من موتهما وموت أحدهما وفي الزيادة لوجود الانكار من
الجانبين. كفاية. قوله: (عند أبي حنيفة) لان التحالف مشروط بعد القبض بقيام السلعة وهي اسم
لجميع المبيع فإذا هلك بعضه انعدم الشرط، والقول للمشتري مع يمينه عنده لانكار الزائد. غرر
الأفكار. قوله: (أصلا) أي لا يأخذ من ثمن قيمة الهالك شيئا أصلا ويجعل الهالك كأن لم يكن وكان
العقد على القائم فحينئذ يتحالفان في ثمنه، وبنكول أيهما لزم دعوى الآخر. غرر الأفكار. قوله:
113

(يتحالفان) أي على ثمن الحي ح. قوله: (تخريج الجمهور) من صرف الاستثناء إلى التحالف. قوله:
(وصرف مشايخ بلخ الاستثناء الخ) أي المقدر في الكلام لان المعنى: ولا تحالف بعد هلاك بعضه بل
اليمين على المشتري إلا أن يرضى الخ. قال في غرر الأفكار بعد ما قدمناه: وقيل الاستثناء ينصرف إلى
حلف المشتري المفهوم من السياق: يعني يأخذ من ثمن الهالك قدر ما أقر به المشتري، إذ البائع أخذ
القائم صلحا عن جميع ما ادعاه على المشتري فلم يبق حاجة إلى تحليف المشتري وعن أبي حنيفة أنه
يأخذ من ثمن الهالك ما أقر به المشتري لا الزيادة فيتحالفان ويرادان في القائم اه‍. قوله: (إلى يمين
المشتري) وحينئذ فالبائع يأخذ الحي صلحا عما يدعيه قبل المشتري من الزيادة. زيلعي. قوله: (بعد
إقالة) قيد بالاختلاف (1) بعدها لأنهما لو اختلفا في قدره وتحالفا فالاختلاف في جنسه ونوعه وصفته
كالاختلاف في المسلم فيه في الوجوه الأربعة كما قدمناه. بحر. قوله: (عقد السلم) إنها لم يجز
التحالف لان موجب رفع الإقالة دعوى السلم مع أنه دين والساقط لا يعود. سائحاني. قوله: (للعبد
والمسلم إليه) أي مع يمينهما. بحر. قوله: (ولا يعود السلم) لان الإقالة في باب السلم لا تحتمل
النقض لأنه إسقاط فلا يعود بخلاف البيع كما سيأتي، وينبغي أخذا من تعليلهم أنهما لو اختلفا في
جنسه أو نوعه أو صفته بعدها فالحكم كذلك ولم أره صريحا. بحر. وفيه: وقد علم من تقريرهم هنا
أن الإقالة تقبل الإقالة إلا في إقالة السلم وأن الابراء لا يقبلها، وقد كتبناه في الفوائد. قوله: (لا
تحالف) أي والقول للمنكر. س. قوله: (أو جنسه) كقوله هو هذا العبد وقولها هو هذه الجارية،
فحكم القدر والجنس سواء إلا في فصل واحد، وهو أنه إذا كان مهر مثلها مثل قيمة الجارية أو أكثر
فلها قيمة الجارية لا عينها كما في الظهيرية والهداية. بحر. وفيه: ولم يذكر حكمه بعد الطلاق قبل
الدخول، وحكمه كما في الظهيرية أن لها نصف ما ادعاه الزوج، وفي مسألة العبد والجارية لها المتعة
إلا أن يتراضيا على أن تأخذ نصف الجارية ا ه‍. قوله: (البرهان) أما قبول بينة المرأة فظاهر لأنها تدعي
الألفين ولا إشكال، وإنما يرد على قبول بينة الزوج لأنه منكر للزيادة فكان عليه اليمين لا البينة، كيف
تقبل بينته؟ قلنا هو مدع صورة لأنه يدعي على المرأة تسليم نفسها بأداء ما أقر به من المهر وهي تنكر
والدعوى كافية لقبول البينة كما في دعوى المودع رد الوديعة. معراج. قوله: (لإثباتها) علة للمسألتين.
قال في الهامش: اختلف مع الورثة في مؤخر صداقها على الزوج ولا بينة فالقول قولها بيمينها إلى

(1) قوله: (قيد بالاختلاف إلى آخر القولة) هكذا في النسخة المجموع منها وليس في يدي سواها، وهي عبارة غير ظاهرة
المعنى فلعل لفظة كان ساقطة قبل قوله كالاختلاف في المسلم فيه وليحرر ا ه‍. مصححه.
114

قدر مهر مثلها. حامدية عن البحر. قوله: (على الصحيح) قيد للتهاتر. قال في البحر: فالصحيح
التهاتر، ويجب مهر المثل. قوله: (ولم يفسخ النكاح) لان أثر التحالف في انعدام التسمية وأنه لا يخل
بصحة النكاح لان المهر تابع فيه، بخلاف البيع، لأن عدم التسمية يفسده على ما مر فيفسخ. منح
وبحر. قوله: (ويبدأ بيمينه) نقل الرملي عن مهر البحر عن غاية البيان أنه يقرع بينهما استحبابا،
واختار في الظهيرية وكثيرون أنه يبدأ بيمينه، والخلاف في الأولوية. قوله: (لان أول التسليمين)
تسليم المهر وتسليم الزوجة نفسها. قوله: (ويحكم) هذا أعني التحالف أولا ثم التحكيم قول
الكرخي: لان مهر المثل لا اعتبار به مع وجود التسمية وسقوط اعتبارها بالتحالف، فلهذا تقدم في
الوجوه كلها، وأما على تخريج الرازي فالتحكيم قبل التحالف، وقد قدمناه في المهر مع بيان اختلاف
التصحيح وخلاف أبي يوسف. بحر. قوله: (قبل الاستيفاء) لان التحالف في البيع قبل القبض على
وفق القياس والإجارة قبل الاستيفاء نظيره. بحر. والمراد بالاستيفاء التمكن منه في المدة وبعدمه عدمه
لما عرف أنه قائم مقامه في وجوب الاجر. بحر. قوله: (تحالفا) وأيهما
نكل لزمه دعوى صاحبه وأيهما برهن قبل. قوله: (وبدئ بيمين المستأجر الخ) فإن قيل: كان الواجب أن يبدأ بيمين الآخر لتعجيل
فائدة النكول فإن تسليم المعقود عليه واجب؟ أجيب: بأن الأجرة إن كانت مشروطة التعجيل، فهو
كالأسبق إنكارا فيبدأ به، وإن لم يشترط لا يمتنع الآجر من تسليم العين المستأجرة، لان تسليمه لا
يتوقف على قبض الأجرة. أبو السعود عن العناية. قوله: (لو في المدة) وإن كان الاختلاف فيهما
قبلت بينة كل منهما فيما يدعيه من الفضل، نحو: أن يدعي هذا شهرا بعشرة والمستأجر شهرين
بخمسة فيقضي بشهرين بعشرة. بحر. قوله: (وبعده) أي بعد الاستيفاء. قوله: (وإن اختلف
الزوجان) قيد به للاحتراز عن اختلاف نساء الزوج دونه، وعن اختلاف الأب مع بنته في جهازها أو
مع ابنه فيما في البيت، وعن اختلاف إسكاف وعطار في آلة الأساكفة أو العطارين وهي في أيديهما،
واختلاف المؤجر والمستأجر في متاع البيت،
واختلاف الزوجين فيما في أيديهما من غير متاع البيت وبيان الجميع في البحر فراجعه، وسيأتي بعضه. قوله: (قام النكاح أولا) بأن طلقها مثلا ويستثنى ما
إذا مات بعد عدتها كما سيأتي. قال الرملي في حاشية البحر في لسان الحكام ما يخالف ذلك فارجع
115

إليه، ولكن الذي هنا هو الذي مشى عليه الشراح. قوله: (صلح له) الضمير راجع لكل. وفي القنية
من باب ما يتعلق بتجهيز البنات: افترقا وفي بيتها جارية نقلتها مع نفسها واستخدمتها سنة والزوج
عالم به ساكت ثم ادعاها فالقول له، لان يده كانت ثابتة ولم يوجد المزيل اه‍.
وبه علم أن سكوت الزوج عند نقلها ما يصلح لهما لا يبطل دعواه في البدائع، هذا كله إذا لم
تقر المرأة أن هذا المتاع اشتراه، فإن أقرت بذلك سقط قولها لأنها أقرت بالملك لزوجها، ثم ادعت
الانتقال إليها فلا يثبت الانتقال إلا بالبينة اه‍. وكذا إذا ادعت أنها اشترته منه كما في الخانية، ولا
يخفى أنه لو برهن على شرائه كان كإقرارها بشرائه، فلا بد من بينة على الانتقال إليها منه بهبة ونحو
ذلك، ولا يكون استمتاعها بمشريه ورضاه بذلك دليلا على أنه ملكها ذلك كما تفهمه النساء والعوام،
وقد أفتيت بذلك مرارا. بحر. وذكر في الهامش القول للمرأة مع يمينها فيما تدعيه أن ملكها مما هو
صالح للنساء، ومما هو صالح للرجال والنساء، وكذا القول قولها مع يمينها أيضا فيما تدعيه أنه وديعة
تحت يدها مما هو صالح للنساء ومما هو صالح للنساء والرجال، والله أعلم. كذا في الحامدية عن
الشلبي. قوله: (الظاهرين) أي فرجعنا إلى اعتبار اليد وإلا فالتعارض يقتضي التساقط. قوله: (درر)
عبارة الدرر: إلا إذا كان كل منهما يفعل أو يبيع ما يصلح للآخر اه‍: أي إلا أن يكون الرجل
صائغا، وله أساور وخواتيم النساء والحلي والخلخال ونحوها فلا يكون لها، وكذا إذا كانت المرأة دلالة
تبيع ثياب الرجال، أو تاجرة تتجر في ثياب الرجل أو النساء أو ثياب الرجال وحدهما. كذا في شروح
الهداية اه‍. قال في الشرنبلالية: قوله: إلا إذا كان كل منهما يفعل أو يبيع ما يصلح للآخر ليس
على ظاهره في عمومه. ففي قول أحدهما يفعل أو يبيع (1) الآخر ما يصلح له، لأن المرأة إذا كانت تبيع
ثياب الرجال أو ما يصلح لهما كالآنية والذهب والفضة والأمتعة والعقار فهو للرجل، لأن المرأة وما
في يدها للزوج، والقول في الدعاوي لصاحب اليد، بخلاف ما يختص بها لأنه عارض يد الزوج
أقوى منها، وهو الاختصاص بالاستعمال كما في العناية، ويعلم مما سيذكره المصنف رحمه الله تعالى
اه‍. وحينئذ فقول الدرر: وكذا إذا كانت المرأة دلالة الخ، معناه أن القول فيه للزوج أيضا، إلا أنه
خرج منه ما لو كانت تبيع ثياب النساء بقوله: قبله، فالقول لكل منهما فيما يصلح له، ويمكن حمل
كلام الشارح على هذا المعنى أيضا بجعل الضمير فقوله، فالقول له راجعا إلى الزوج، ثم قوله:
لتعارض الظاهرين لا يصلح علة سواء حمل الكلام على ظاهره أو على هذا المعنى. أما الأول فلانه إذا
كان الزوج يبيع يشهد له ظاهران اليد والبيع لا ظاهر واحد، فلا تعارض إلا إذا كانت هي تبيع ذلك،
فلا يرجح ملكها لما ذكره الشرنبلالي إلا إذا كان مما يصلح لها، لا على أن التعارض لا يقتضي الترجيح،
بل التهاتر. وأما الثاني فلانه إذا كان الزوج يبيع فلا تعارض كما مر، وأما إذا كانت تبيع هي فكذلك
لما مر أيضا، فتنبه.
أقول: وما ذكره الشرنبلاية عن العناية صرح به في النهاية، لكن في الكفاية ما يقتضي أن

(1) قوله: (ففي قول أحدهما يفعل أو يبيع الخ) هكذا في النسخة المجموع منها ولا تخلو العبارة عن تأمل فلعلها محرفة
فينبغي تحريرها بمراجعة عبارة الشرنبلالية ا ه‍. مصححه.
116

القول للمرأة حيث قال: إلا إذا كانت المرأة تبيع ثياب الرجال، وما يصلح للنساء كالخمار والدرع
والملحفة والحلي، فهو للمرأة: أي القول قولها فيها لشهادة الظاهر ا ه‍. ومثله في الزيلعي. قال:
وكذا إذا كانت المرأة تبيع ما يصلح للرجال لا يكون القول قوله: في ذلك ا ه‍. فالظاهر أن في المسألة
قولين فليحرر. قوله: (والبيت للزوج) أي لو اختلفا في البيت فهو له. قوله: (لها بينة) أي فيكون
البيت لها وكذا لو برهنت على كل ما يصلح لها. قوله: (لو حيين) بالتثنية. قوله: (في المشكل) انظر
ما حكم غيره، والظاهر أن حكمه ما مر، ثم رأيته في ط عن الحمودي. قوله: (فالقول فيه للحي) مع
يمينه. در منتقى. إذ لا يد للميت، وذكر في البحر عن الخزانة استثناء ما إذا كانت المرأة ليلة الزفاف
في بيته، فالمشكل وما يجهز مثلها به لا يستحسن جعله للزوج إلا إذا عرف بتجارة جنس منه فهو له،
وألحق صاحب البحر ما إذا اختلفا في الحياة ليلة الزفاف، قال: وينبغي اعتماده للفتوى إلا أن يوجد
نص بخلافه. قوله: (ولو رقيقا) يستغني عنه بما يأتي في المتن ح. قوله: (ولو أحدهما مملوكا إلى
قوله: وللحي في الموت) كذا في عامة شروح الجامع، وذكر الرضي أنه سهو. والصواب أنه للحر
مطلقا. وذكر فخر الاسلام أن القول له هنا في الكل لا في خصوص المشكل كما في القهستاني.
سائحاني. قوله: (تسعة أقوال) الأول ما في الكتاب وهو قول الإمام. الثاني قول أبي يوسف: للمرأة
جهاز مثلها والباقي للرجل: يعني في المشكل في الحياة والموت. الثالث قول ابن أبي ليلى: المتاع كله له
ولها ما عليها فقط. والرابع قول ابن معن وشريك: هو بينهما. الخامس قول الحسن البصري كله لها
وله ما عليه. السادس قول شريح البيت للمرأة: السابع قول محمد في المشكل للزوج في الطلاق
والموت ووافق الامام فيما لا يشكل. الثامن قول زفر المشكل بينهما.
التاسع قول مالك: الكل بينهما هكذا حكى الأقوال في خزانة الأكمل ولا يخفى أن التاسع هو الرابع. بحر. كذا في الهامش. قوله:
(لان يد الحر الخ) لف ونشر مرتب، قوله: (للميت) بحث فيه صاحب اليعقوبية. قوله: (فهو على ما
وصفناه في الطلاق) يعني المشكل للزوج ولها ما صلح لها لأنها وقته حرة كما هو معلوم من السياق
واللحاق، ويؤيده قول السراج: ولو كان الزوج حرا والمرأة مكاتبة أو أمة مدبرة أو أم ولد وقد
أعتقت قبل ذلك ثم اختلفا في متاع البيع فما أحدثاه قبل العتق فهو للرجل، وما أحدثاه بعد فهما
فيه كالحرين. سائحاني. قوله: (في الطلاق) أي في مسألة اختلاف الزوجين التي قبل قوله: وإن مات
117

أحدهما فإنها تشمل حال قيام النكاح وبعده كما ذكره الشارح ا ه‍. قوله: (ثم اعلم أن هذا (1)) أي جميع
ما مر إذا لم يقع التنازع بينهما في الرق والحرية والنكاح وعدمه فإن وقع إلى آخر ما في البحر،
فراجعه. قوله: (لأنها صارت إلى الخ) يفيد أنهما لو ماتا فكذلك. قوله: (بلا نظر) فهذا الفرع خالف
ما قبله والمسائل الآتية بعده.
فرع: رجل تصرف زمانا في أرض ورجل آخر رأى الأرض والتصرف ولم يدع ومات على ذلك لم
تسمع بعد ذلك دعوى ولده فتترك على يد المتصرف لان الحال شاهد ا ه‍. حامدية عن الولوالجية. قوله:
(بدرة) البدرة عشرون ألف دينار. بحر كذا في الهامش. قوله: (قطيفة) دثار مخمل والجمع قطائف
وقطف مثل صحائف وصحف لأنهما جمع قطيفة وصحيفة، ومنه القطائف التي تؤكل. صحاح
الجوهري. كذا في الهامش. قوله: (وآخر ممسك) الظاهر أنه ممسك الدفة التي هي للسفينة بمنزلة اللجام
للدابة. قوله: (بخلاف البقر والغنم) قال في المنح: أما لو كان بقرا أو غنما عليها رجلان أحدهما قائد
والآخر سائق، فهي للسائق إلا أن يقود شاة معه فتكون له تلك الشاة وحدها. كذا في الهامش.
فرع: رجل دفع إلى قصار أربع قطع كرباس ليغسلها فلما فرغ قال له القصار ابعث إلي رسولك
لأنفذ لك فجاء الرسول بثلاث قطع فقال القصار بعثت إليك أربع قطع وقال الرسول دفع إلي ولم يعده
علي يقال لرب الثوب صدق أيهما شئت، فإن صدق الرسول برئ من الدعوى ونوجه اليمين على
القصار إن حلف برئ وإن نكل وجب عليه الضمان، وكذلك إن صدق القصار برئ ووجب اليمين
على الرسول ووجب عليه أجر القصار إذا حلف القصار على ذلك أو صدقه صاحب الثوب، لأنه لما
حلف القصار ففي زعمه أنه أعطاه أربع قطع فيأخذ ذلك. ولوالجية في الفصل الثاني.

(1) قوله: (ثم اعلم أن هذا) لا وجود لذلك هنا في نسخ الشارح التي بيدي فليحرر ا ه‍. مصححه.
118

فصل في دفع الدعاوي
قوله: (أو اودعنيه) ظاهر قوله: أودعنيه وما بعده يفيد أنه لا بد من دعوى إيداع الكل، وليس
كذلك لما في الاختيار أنه لو قال النصف لي والنصف وديعة عندي لفلان وأقام بينة على ذلك اندفعت
في الكل لتعذر التمييز ا ه‍. بحر. وفيه أيضا: وأفاد المؤلف أنه لو أجاب بأنها ليست لي أو هي لفلان
ولم يزد لا يكون دفعا، وقيد بكونه اقتصر على الدفع بما ذكر للاحتراز عما إذا زاد وقال كانت داري
بعتها من فلان وقبضها ثم أودعيها أو ذكر هبة وقبضا لم تندفع إلا أن يقر المدعي بذلك أو يعلمه
القاضي. قوله: (أو رهنيه) زيد أتى بالاسم لعلم، لأنه لو قال: أودعنيه رجل لا أعرفه لم تندفع، فلا
بد من تعيين الغائب في الدفع، وكذا في الشهادات كما سيذكره الشارح، فلو ادعاه من مجهول وشهدا
بمعين أو عكسه لم تندفع. بحر. وفيه عن خزانة الأكمل والخانية: لو أقر المدعي أن رجلا دفعه إليه أو
شهدوا على إقراره بذلك فلا خصومة بينهما وفيه: وأطلق في الغائب فشمل ما إذا كان بعيدا معروفا
يتعذر الوصول إليه أو قريبا، كما في الخلاصة والبزازية. قوله: (على ما ذكر) لكن لا تشترط المطابقة
لعين ما ادعاه، لما في خزانة الأكمل: لو شهدوا أن فلانا دفعه إليه ولا ندري لمن هو فلا خصومة
بينهما، وأراد بالبرهان وجود حجة سواء كانت بينة أو علم القاضي أو إقرار المدعي كما في
الخلاصة، ولو لم يبرهن المدعى عليه وطلب يمين المدعي استحلفه القاضي، فإن حلف على العلم كان
خصما، وإن نكل فلا خصومة كما في خزانة الأكمل. بحر. قوله: (أو العين قائمة) أخذ التقييد من
الإشارة بقوله: هذا الشئ لان الإشارة الحسية لا تكون إلا إلى موجود في الخارج كما أفاده في
البحر، وسيأتي محترزه. قال في الهامش: عبد هلك في يد رجل وأقام رجل البينة أنه عبده وأقام الذي
مات في يده أنه أودعه فلان أو غصبه أو آجره لم يقبل، وهو خصم فإنه يدعي القيمة عليه وإيداع الدين
لا يمكن، ثم إذا حضر الغائب وصدقه في الايداع والإجارة والرهن رجع عليه بما ضمن للمدعي.
أما لو كان غاصبا لم يرجع. وكذا في العارية والإباق مثل الهلاك هاهنا، فإن عاد العبد يوما يكون عبدا
لمن استقر عليه الضمان ا ه‍ بحر. قوله: (نعرفه) أي الغائب. قوله: (أو بوجهه) فمعرفتهم وجهه فقط
كافيه عند الامام. بزازية. قوله: (وشرط محمد) محل الاختلاف فيما إذا ادعاه الخصم من معين بالاسم
والنسب، فشهدا له بمجهول لكن قالا نعرفه بوجهه، وأما لو ادعاه من مجهول لم تقبل الشهادة إجماعا
كذا في شرح أدب القضاء للخصاف. قوله: (فلو حلف) لا يخفى أن التفريع غير ظاهر، فكان الأولى
أن يقول: ولم يكتف محمد بمعرفة الوجه فقط يدل عليه قول الزيلعي: والمعرفة بوجهه فقط لا تكون
معرفة: ألا ترى إلى قوله: عليه الصلاة والسلام لرجل أتعرف فلانا؟ فقال: نعم، فقال: هل تعرف
اسمه ونسبه؟ فقال: لا، فقال: إذن لا تعرفه وكذا لو حلف الخ. قوله: (عن البزازية) ونقل عنها في
119

البحر. قوله: (دفعت خصومة المدعى) أي حكم القاضي بدفعها، وأفاد أنه لو أعاد المدعي الدعوى
عند قاض آخر لا يحتاج المدعى عليه إلى إعادة الدفع بل يثبت حكم القاضي الأول كما صرحوا به.
وظاهر قوله: دفعت أنه لا يحلف للمدعي أنه لا يلزمه تسليمه إليه ولم أره الآن. بحر. وفيه نظر،
فإنه بعد البرهان كيف يحلف، أما قبله فقد نقل عن البزازية أنه يحلف على البتات لقد أودعها إليه لا
على العلم، ثم نقل عن الذخيرة أنه لا يحلف لأنه مدع الايداع ولو حلف لا تندفع، بل يحلف المدعي
على عدم العلم. قوله: (للملك المطلق) ومنه دعوى الوقف دعوى غلته كما حرره في البحر أول
الفصل الآتي. قال في البحر: ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى صورة دعوى المدعي، وأراد بها أن
المدعي ادعى ملكا مطلقا في العين ولم يدع على ذي اليد فعلا بدليل ما يأتي من المسائل المقابلة لهذه.
وحاصل جواب المدعى عليه: أنه ادعى أن يده يد أمانة أو مضمونة والملك للغير، ولم يذكر
برهان المدعي ولا بد منه لما عرف أن الخارج هو المطالب بالبرهان ولا يحتاج المدعى عليه إلى الدفع
قبله. وحاصله: أن المدعي لما ادعى الملك المطلق فيما في يد المدعى عليه أنكره فطلب من المدعي
البرهان فأقامه ولم يقض القاضي به حتى دفعه المدعى عليه بما ذكر وبرهن على الدفع اه‍. قوله:
(بالحيل) بأن يأخذ مال إنسان غصبا ثم يدفعه سرا إلى مريد سفر ويودعه بشهادة الشهود، حتى إذا جاء
الملك وأراد أن يثبت ملكه فيه أقام ذو اليد بينه على أن فلانا أودعه فيبطل حقه. كذا في الدرر. ح.
قوله: (في المختار) وفي المعراج: رجع إليه أبو يوسف حين ابتلى بالقضاء وعرف أحوال الناس فقال:
المحتال من الناس يأخذ من إنسان غصبا ثم يدفعه سرا إلى من يريد السفر حتى يودعه بشهادة الشهود،
حتى إذا جاء المالك وأراد أن يثبت ملكه يقيم ذو اليد بينة على أن فلانا أودعه فيبطل حقه وتندفع عنه
الخصومة. كذا في المبسوط. قوله: (كما بسط في الدرر) ذكر هنا أقوال أئمتنا الثلاثة. الرابعة قول ابن
شبرمة: أنها لا تندفع عنه مطلقا. والخامس: قول ابن أبي ليلى: تندفع بدون بينة لاقراره بالملك
للغائب س. قوله: (وفيه نظر) فيه نظر، لان وكلني يرجع إلى أودعنيه، وأسكنني إلى أعارنيه، وسرقته
منه إلى غصبته منه، وضل منه فوجدته إلى أودعنيه وهي في يدي مزارعة إلى الإجارة أو الوديعة فلا
يزاد على الخمس. وكذا في الهامش. قوله: (بحر) ذكر في البحر بعد هذا ما نصه: والأولان راجعان
إلى الأمانة والثلاثة الأخيرة إلى الضمان إن لم يشهد في الأخيرة وإلا فإلى الأمانة، فالصور عشر، وبه
علم أن الصور لم تنحصر في الخمس ا ه‍ ولا يخفى أنه بعد رجوع ما زاده إلى ما ذكر لا محل للاعتراض
بعد الانحصار. تأمل. قوله: (أو هي في يدي) مقتضى كلامه أن هذه العبارة ليست في البحر مع أنها
والتي بعدها فيه ح. قوله: (ألحق) بصيغة الماضي. قوله: (قال) أي في البزازية. قوله: (فلا يزاد) أي
120

لا تزاد مسألة المزارعة التي زادها البزازي وقد
علمت مما في البحر أنه لا يزاد البقية أيضا. قوله: (وقد حررته الخ) حيث عمم قوله: غصبته منه بقوله: ولو حكما فأدخل فيه قوله: أو سرقته منه أو انتزعته
منه، وكذا عمم قوله: أودعنيه بقوله: ولو حكما، فأدخل فيه الأربعة الباقية، ولا يخفى أنه محرر
أحسن مما هنا، فإنه هنا أرسل الاعتراض ولم يجب عنه إلا في مسألة المزارعة فأوهم خروج ما عداها
عما ذكروه مع أنه داخل فيه كما علمت، فافهم. قوله: (أو أقر ذو اليد) ولو برهن بعده على الوديعة
لم تسمع. بزازية. قوله: (وقال ذو اليد) حاصل هذه أن المدعي ادعى في العين ملكا مطلقا فأنكره
المدعى عليه فبرهن المدعي على الملك فدفعه ذو اليد بأنه اشتراها من فلان الغائب وبرهن عليه لم تندفع
عنه الخصومة: يعني فيقضي القاضي ببرهان المدعي، لأنه لما زعم أن يده يد ملك اعترض بكونه
خصما. بحر. وفيه عن الزيلعي: وإذا لم تندفع هذه المسألة وأقام الخارج البينة فقضى له ثم أحال المقر
له الغائب وبرهن تقبل بينته، لان الغائب لم يصر مقتضيا عليه وإنما قضى على ذي اليد خاصة. قوله:
(اشتريته) ولو فاسدا مع القبض. بحر. قوله: (أو اتهبته) أشار به إلى أن المراد من الشراء الملك مطلقا.
قوله: (بل ادعى عليه) أي على ذي اليد الفعل، وقيد به للاحتراز عن دعواه على غيره فدفعه ذو اليد
بواحد مما ذكر وبرهن فإنها تندفع كدعوى الملك المطلق كما في البزازية. بحر. وأشار الشارح إلى هذا
أيضا بقوله، بخلاف قوله: غصب مني الخ، لكن قوله: وبرهن ينافيه ما سننقله عن نور العين عند
قول المتن اندفعت من أنه لا يحتاج إلى البينة، وكذا مسألة الشراء التي ذكرها المصنف وهي مسألة
المتون. قوله: (أو قال سرق مني) ذكر الغصب تمثيل والمراد دعوى فعل عليه، فلو قال المدعي أودعتك
إياه أو اشتريته منك وبرهن ذو اليد كما ذكرنا على وجه لا يفيد ملك الرقبة لا تندفع. كذا في
البزازية. بحر. فكان الأولى أن يقول: كأن قال. قوله: (وبناه) ويعلم حكم ما إذا بناه للفاعل
بالأولى. بحر. قوله: (الصحيح لا) أقول: هذا المذكور في الغصب، فما الحكم في السرقة؟ ويجب أن
لا تندفع بالأولى كما في بنائه للمفعول وهو ظاهر. تأمل. رملي على المنح. قوله: (بزازية) قال ادعى
أنه ملكه وفي يده غصب فبرهن ذو اليد على الايداع قيل تندفع لعدم دعوى الفعل عليه، والصحيح
أنها لا تندفع. بحر س. قوله: (وبرهن عليه) أراد بالبرهان إقامة البينة، فخرج الاقرار لما في البزازية
معزيا إلى الذخيرة من صار خصما لدعوى الفعل عليه إن برهن على إقرار المدعي بإيداع الغائب منه
تندفع كإقامته على الايداع لثبوت إقرار المدعي أن يديه ليست خصومة ا ه‍. بحر. قوله: (لما قلنا) من أن
المدعي ادعى الفعل عليه، أما في مسألتي المتن فأشار إلى علة الأولى بقوله: أو أقر ذو اليد بيد
الخصومة وإلى علة الثانية بقوله: ادعى عليه الفعل أي فإنه صار خصما بدعوى الفعل عليه لا بيده
بخلاف دعوى الملك المطلق، لأنه خصم فيه باعتبار يده كما في البحر. وأما علة إذا كان هالكا فلم
يشر إليها وهي أنه يدعي الدين ومحله الذمة، فالمدعى عليه ينتصب خصما بذمته، وبالبينة أنه كان في
121

يده وديعة لا يتبين أن ما في ذمته لغيره فلا تنفع كما في المعراج. وكذا علة ما إذا قال الشهود أودعه
من لا نعرفه وهي أنهم ما أحالوا المدعي على رجل تمكن مخاصمته. كذا قيل. قوله: (في مجلسه) أي
مجلس الحكم. قوله: (لسبق إقرار) بإضافة سبق إلى إقرار والدفع مفعول يمنع. قوله: (ذلك) أي
المذكور في كلام المدعي ح. قوله: (أي بنفسه) تقييد لقوله: أودعنيه لا تفسير لقوله: ذلك ح. قال
في الهامش بنفسه: أي بنفس فلان الغائب. قوله: (بلا بينة) لان الوكالة لا تثبت بقوله: معراج،
ولأنه لم يثبت تلقي اليد ممن اشترى هو منه لانكار ذي اليد ولا من جهة وكيله لانكار المشتري. بحر.
قوله: (وإن لم يبرهن) وفي البناية ولو طلب المدعي يمينه على الايداع يحلف على البتات اه‍ بحر.
قوله: (إلا إذا قال) أي المدعي. قوله: (اشتريته) أي من الغائب. كذا في الهامش. قوله: (وهي
عجيبة) لم يظهر وجه العجب. قوله: (ولو ادعى الخ) المسألة تقدمت متنا قبيل باب عزل الوكيل معللة
بأنه إقرار على الغير.
قلت: وكذا لو ادعى أنه أعاره لفلان كما يظهر من العلة. قال في الهامش: الخصم في إثبات
النسب خمسة: الوارث والوصي والموصى له والغريم للميت أو على الميت. بزازية. وكذلك في الإرث
جامع الفصولين اه‍. قوله: (اندفعت) أي بلا بينة. نور العين. قوله: (دعوى سرقة لا) وهذا بخلاف
قوله: إنه ثوبي سرقه مني زيد. وقال ذو اليد: أودعنيه زيد ذلك لا تندفع الخصومة استحسانا. يقول:
الحقير: لعل وجه الاستحسان هو أن الغصب إزالة اليد المحقة بإثبات اليد المبطلة كما ذكر في كتب
الفقه، فاليد للغاصب في مسألة الغصب، بخلاف مسألة السرقة إذا اليد فيها لذي اليد إلا لا يد
للسارق شرعا، ثم إن في عبارة لا يد للسارق نكتة لا يخفى حسنها على ذوي النهي. نور العين. وهذا
أولى، وما قاله السائحاني يجب حمله على ما إذا قال سرق مني أما لو قال سرقه الغائب مني فإنها تندفع
لتوافقهما أن اليد للغائب وصار من قبيل دعوى الفعل على غير ذي اليد، وهي تندفع كما في البحر
لكن ذكر بعده هذه المسألة، وأفاد أنها بنيت للفاعل وصرح بذلك في الفصولين، فلعل في المسألة
قولين قياسا واستحسانا ا ه‍. قوله: (لا تندفع) قال صاحب البحر: وقد سئلت بعد تأليف هذا المحل
بيوم: عن رجل أخذ متاع أخته من بيتها ورهنه وغاب فادعت الأخت به على ذي اليد فأجاب بالرهن.
فأجبت: إن ادعت المرأة غصب أخيها وبرهن ذو اليد على الرهن اندفعت وإن ادعت السرقة لا اه‍:
أي لا تندفع وظاهره أنها ادعت سرقة أخيها مع أنا قدمنا عنه أن تقييد دعوى الفعل على ذي اليد
للاحتراز عن دعواه على غيره فإنه لو دفعه ذو اليد لواحد مما ذكر وبرهن تندفع، فيجب أن يحمل على
122

أنها ادعت أنه سرق منها مبنيا للمجهول ليكون الدعوى على ذي اليد لكن ينافيه قولها إن أخاها أخذه
من بيتها. تأمل. قوله: (يمهل إلى المجلس الثاني) أي بعد أن سأله عنه وعلم أنه دفع صحيح كما
قدمناه قبل التحكيم. قوله: (للمدعي تحليف الخ) خلافا لما في الذخيرة لأنه يدعي الايداع ولا حلف
على المدعي ح. كذا في الهامش.
فروع: ادعى نكاح امرأة لها زوج يشترط حضرة الزوج الظاهر. جامع الفصولين.
السباهي لا ينتصب خصما لمدعي الأرض ملكا أو وقفا. خيرية من الدعوى.
الأصل سقوط دعوى الملك المطلق دون المقيد بسبب، در منتفى. المشتري ليس بخصم للمستأجر والمرتهن. جامع الفصولين في الفصل الثالث.
باب دعوى الرجلين
لا يخفى عليك أن عقد الباب لدعوى الرجلين على ثالث، وإلا فجميع الدعاوي لا تكون إلا
بين اثنين، وحينئذ لا تكون هذه المسألة من مسائل هذا الكتاب، فلذلك ذكره صاحب الهداية والكنز
في أوائل كتاب الدعوى.
قلت: ولعل صاحب الدرر إنما أخرها إلى هذا المقام مقتضيا في ذلك أثر صاحب الوقاية لتحقق
مناسبة بينها وبين مسائل هذا الباب بحيث تكون فاتحة لمسائله وإن لم تكن منه. عزمي. قوله: (حجة
خارج) الخارج وذو اليد لو ادعيا إرثا من واحد فذو اليد أولى كما في الشراء، هذا إذا ادعى الخارج
وذو اليد تلقى الملك من جهة واحد، فلو ادعياه من جهة اثنين يحكم للخارج، إلا إذا ثبت تاريخ ذي
اليد، بخلاف ما لو ادعياه من واحد فإنه ثمة يقضي لذي اليد إلا إذا سبق تاريخ الخارج والفرق في
الهداية ولو كان تاريخ أحدهما أسبق، فهو أولى كما لو حضر البائعان وبرهنا وأرخا وأحدهما أسبق
تاريخا والمبيع في يد أحدهما يحكم للأسبق. ا ه‍ فصولين من الثامن، وتمامه فيه. قوله: (وفي ملك
مطلق) لان الخارج هو المدعي والبينة بينة المدعي بالحديث، قيد الملك بالمطلق احترازا عن المقيد بدعوى
النتاج، وعن المقيد بما إذا ادعيا تلقى الملك من واحد وأحدهما قابض وبما إذا ادعيا الشراء من اثنين
وتاريخ أحدهما أسبق فإن في هذه الصورة تقبل بينة ذي اليد بالاجماع كما سيأتي. درر.
فرع: في الهامش: إذا برهن الخارج وذو اليد على نسب صغير قدم ذو اليد إلا في مسألتين في
الخزانة: الأولى لو برهن الخارج على أنه ابنه من امرأته وهما حران، وأقام ذو اليد بينة أنه ابنه ولم ينسبه
123

إلى أمه فهو للخارج الثانية لو كان ذو اليد ذميا والخارج مسلما، فبرهن الذمي بشهود من الكفار وبرهن
الخارج قدم الخارج سواء برهن بمسلمين أو بكفار، ولو برهن الكافر بمسلمين قدم على المسلم مطلقا.
أشباه قبيل الوكالة ا ه‍. قوله: (فقط) قيد بقوله: فقط لأنه لو وقتا يعتبر السابق، كما يأتي متنا فالمراد
سواء لم يوقتا أو وقت أحدهما وحده، ولو استوى تاريخهما فالخارج أولى، فالأعم قول الغرر: حجة
الخارج في الملك المطلق أولى إلا إذا أرخا وذو اليد أسبق. سائحاني. قوله: (قال في دعواه هذا العبد
الخ) تقدمت المسألة متنا قبيل السلم. قوله: (تاريخ غيبة) لان قوله: منذ شهر متعلق بغاب فهو قيد
للغيبة، وقوله: منذ سنة متعلق بما تعلق به قوله: لي أي ملك لي منذ سنة فهو قيد للملك وتاريخ له،
والمعتبر تاريخ الملك ولم يوجد من الطرفين. قوله: (وقال أبو يوسف) ضعيف. قوله: (ولو حالة الانفراد) ينبغي إسقاطها لان الكلام في حالة
الانفراد. قوله: (كذا في جامع الفصولين) ذكر هذا في
الفصل السادس عشر حيث قال: استحق حمار فطلب ثمنه من بائعه فقال البائع للمستحق من كم مدة
غاب عنك هذا الحمار فقال منذ سنة، فبرهن البائع أنه ملكه منذ عشر سنين قضى به للمستحق، لأنه
أرخ غيبته لا الملك والبائع أرخ الملك، ودعواه دعوى المشتري لتلقيه من جهته فصار كأن المشتري ادعى
ملك بائعه بتاريخ عشر سنين، غير أن التاريخ لا يعتبر حالة الانفراد عند أبي حنيفة فيبقى دعوى الملك
المطلق، فحكم للمستحق.
أقول: يقضي بها للمؤرخ عند أبي يوسف لأنه يرجح المؤرخ خالة الانفراد ا ه‍ ملخصا. وقد
قدمه في الثامن وقال: لكن الصحيح والمشهور من مذهبه: يعني أبا حنيفة أنه: أي تاريخ ذي اليد
وحده غير معتبر، تنبه. ذكره خير الدين الرملي في حاشية الخ. قوله: (ولو برهن خارجان) يعني إذا
ادعى اثنان عينا في يد غيرهما وزعم كل واحد منهما أنها ملكه ولم يذكرا سبب الملك ولا تاريخه قضى
بالعين بينهما لعدم الأولوية، وأطلقه فشمل ما إذا ادعيا الوقف في يد ثالث فيقضي لكل وقف
النصف (1) وهو من قبيل دعوى الملك المطلق باعتبار ملك الواقف. وتمام بيانه في البحر، وفيه بيان أن
الغلة مثله وقيد بالبرهان منهما، إذ لو برهن أحدهما فقط فإنه يقضي له بالكل، فلو برهن الخارج
الآخر يقضي له بالكل لان المقضي له صار ذا يد بالقضاء فتقدم بينة الخارج الآخر عليه. بحر وتمامه
فيه. قوله: (ولو ميتة) أي ولم يؤرخا أو استوى تاريخهما كما هو في عبارة البحر عن الخلاصة. قوله:
(ولو ولدت) أي الميتة قبل الموت وظاهر العبارة أنها ولدت بعده. ولكن ينظر هل يقال له ولادة.

(1) قوله: (فيقضي لكل وقف النصف) هكذا في النسخة المجموع منها ولعله: فيقضي لكل بنصف الوقف وليحرر ا ه‍.
مصححه.
124

قوله: (وتمامه في الخلاصة) هو أنه يرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل، هما يرثان من الابن
ميراث أب واحد ح. قوله: (هي لمن صدقته) يشمل ما إذا سمعه القاضي أو برهن عليه مدعيه بعد
إنكارها له. بحر عن الخلاصة. قوله: (إذا لم تكن الخ) أما إذا كانت في يد من كذبته أو دخل بها فهو
أولى، ولا يعتبر قولها لان تمكنه من نقلها أو من الدخول بها دليل على سبق عقده، إلا أن يقيم الآخر
البينة أنه تزوجها قبل فيكون أولى. لان الصريح يفوق الدلالة. زيلعي: بقي لو دخل بها أحدهما وهي
في بيت الآخر ففي البحر عن الظهيرية أن صاحب البيت أولى. قوله: (هذا إذا لم يؤرخا) وكذا إذا
أرخا واستويا. قوله: (فإن أرخا) أي الخارجان مطلقا. قوله: (فالسابق أحق) أي وإن صدقت الآخر
أو كان ذا يد ودخل بها.
والحاصل كما في الزيلعي: أنهما إذا تنازعا في امرأة وبرهنا فإن أرخا وتاريخ أحدهما أقدم كان
هو أولى، وإن لم يؤرخا أو استويا فإن مع أحدهما قبض كالدخول بها أو نقلها إلى منزله كان هو أولى،
وإن لم يوجد شئ يرجع إلى تصديق المرأة ا ه‍. قوله: (فالسابق أحق بها) أي ولا يعتبر ما ذكره من
كونها في يده أو دخل بها مع التاريخ لكونه صريحا، وهو يفوق الدلالة. منح. قوله: (فلو أرخ
أحدهما) أي وصدقت الآخر أو كان ذا يد فإن لم يوجدا قدم المؤرج، فالتصديق أو اليد أقوى من
التاريخ، وعلم مما مر أن اليد أرجح من التصديق ومن الدخول.
الحاصل كما في البحر: أن سبق التاريخ أرجح من الكل ثلم اليد ثم الدخول ثم الاقرار ثم تاريخ
أحدهما. قوله: (أو لذي اليد) أي لو أرخ أحدهما وللآخر يد فإنها لذي اليد. قوله: (وعلى ما مر عن
الثاني) أي من أنه يقضي للمؤرخ حالة الانفراد على ذي اليد فيقضي هنا للمؤرخ، وإن كان الآخر ذا يد
لترجح جانب المؤرخ حالة الانفراد عند أبي يوسف، وقدمنا عن الزيلعي أنه لو برهن أنه تزوجها قبله
فهو أولى، وسيأتي متنا. قوله: (وإن أقرت لمن لا حجة له فيه له) قال السائحاني: كان عليه أن يقول
فإن لم تقم حجة فهي لمن أقرت له، ثم إن برهن الآخر قضى له الخ. قوله: (من ذي يد) أما لو ادعيا
الشراء من غير ذي اليد فسيأتي متنا في قوله: وإن برهن خارجان على ملك مؤرخ الخ. قوله:
(بنصف الثمن) أي الذي عينه فإن ادعى أحدهما أنه اشتراه بمائة والآخر بمائتين أخذ الأول نصفه
بخمسين والآخر بمائة. قوله: (ما قبضه) أي الثمن. قوله: (وهو لذي يد) أي المدعي بالفتح. قال في
125

البحر: ولي إشكال في عبارة الكتاب هو أن أصل المسألة مفروض في خارجين تنازعا فيما في يد ثالث،
فإذا كان مع أحدهما قبض كان ذا يد تنازع مع خارج فلم تكن المسألة. ثم رأيت في المعراج ما يزيله من
جواز أنه أثبت بالبينة قبضه فيما مضى من الزمان وهو الآن في يد البائع ا ه‍ إلا أنه يشكل ما ذكره بعده
عن الذخيرة بأن ثبوت اليد لأحدهما بالمعاينة ا ه‍ والحق أنها مسألة أخرى وكان ينبغي إفرادها.
وحاصلها: أن خارجا وذا يد ادعى كل الشراء من ثالث وبرهنا قدم ذو اليد في الوجوه الثلاثة
والخارج في وجه واحد ا ه‍. وقد أشار المصنف إلى ذلك حيث ذكر قوله: ولذي وقت ولكن كان
عليه أن يقدمه على قوله: ولذي يد لأنه من تتمة المسألة الأولى، ويكون قوله: ولذي استثناف
مسألة أخرى.
فرع: سئل في شاب أمرد كره خدمة من هو في خدمته لمعنى هو أعلم بشأنه وحقيقته فخرج من
عنده فاتهمه أنه عمد إلى بينته وكسره في حال غيبته وأخذ منه كذا المبلغ سماه وقامت أمارة عليه بأن
غرضه منه استبقاؤه واستقراره في يده على ما سيتواخاه، هل يسمع القاضي والحالة هذه عليه دعواه
ويقبل شهادة من هو متقيد بخدمته وأكله وشربه من طعامه ومرقته والحال أنه معروف بحب الغلمان؟
الجواب ولكم فسيح الجنان. الجواب: قد سبق لشيخ الاسلام أبي السعود العمادي رحمه الله تعالى في
مثل ذلك فتوى بأنه يحرم على القاضي سماع مثل هذه الدعوى معللا بأن مثل هذه الحيلة معهود فيما
بين الفجرة، واختلافاتهم فيما بين الناس مشتهرة، ومن لفظه رحمه الله تعالى فيها لا بد للحكام أن لا
يصغوا إلى مثل هذه الدعاوي بل يعزر والمدعى ويحجزوه عن التعرض لمثل ذلك الغمر المنخدع، وبمثله
أفتى صاحب تنوير الابصار لانتشار ذلك غالب القرى والأمصار. ويؤيد ذلك فروع ذكرت في باب
الدعوى تتعلق باختلاف حال المدعي وحال المدعى عليه، ويزيد ذلك بعد شهادة من بعشائه يتعشى
وبغدائه يتغدى، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ما شاء الله كان
وما لم يشأ لم يكن، والله تعالى أعلم. فتاوى خيرية. وعبارة المصنف في فتاواه بعد ذكر فتوى أبي
السعود وأنا قول: إن كان الرجل معروفا بالفسق وحب الغلمان والتحيل لا تسمع دعواه ولا يلتفت
القاضي لها، وإن كان معروفا بالصلاح والفلاح فله سماعها، والله تعالى أعلم. قوله: (فقط) أقول:
التاريخ في الملك المطلق لا عبرة به من طرف واحد، بخلافه في الملك يسبب كما هو معروف، قاله
شيخ والدي مدني. قوله: (والشراء أحق من هبة) أي لو برهن خارجان علي ذي يد أحدهما على الشراء
منه والآخر على الهبة منه كان الشراء أولى، لأنه أقوى لكونه معاوضة من الجانبين ولأنه يثبت الملك
بنفسه، والملك في الهبة يتوقف على القبض، فلو أحدهما ذا يد والمسألة بحالها يقضي للخارج أو
للأسبق تاريخا، وإن أرخت إحداهما فلا ترجيح، ولو كل منهما ذا يد فهو لهما أو للأسبق تاريخا
كدعوى ملك مطلق وأطلق في الهبة وهي مقيدة بالتسليم، وبأن لا تكون بعوض وإلا كانت بيعا،
وأشار إلى استواء الصدقة والهبة المقبوضتين للاستواء في التبرع، ولا ترجيح للصدقة باللزوم لأنه يظهر
في ثاني الحال، وهو عدم التمكن من الرجوع في المستقبل، والهبة قد تكون لازمة كهبة محرم،
والصدقة قد لا تلزم بأن كانت لغتي ا ه‍ ملخصا من البحر. وفيه: ولم أر حكم الشراء الفاسد مع
126

القبض والهبة مع القبض، فإن الملك في كل متوقف على القبض وينبغي تقديم الشراء للمعاوضة ورده
المقدسي بأن الأولى تقديم الهبة لكونها مشروعة. قوله: (ولو أرخت إحداهما) أي إحدى البينتين.
قوله: (ولو اختلف المملك استويا) لان كلا منهما خصم عن مملكه في إثبات ملكه وهما فيه سواء،
بخلاف ما إذا اتحد لإحتياجهما إلى إثبات السبب وفيه يقدم الأقوى. وفي البحر: لو ادعى الشراء من
رجل وآخر الهبة والقبض من غيره والثالث الميراث من أبيه والرابع الصدقة من آخر قضى بينهم أرباعا
لأنهم يتلقون الملك من مملكهم، فيجعل كأنهم حضروا وأقاموا البينة على الملك المطلق اه‍. قوله:
(وهذا) أي استواؤهما فيما لو اختلف المملك، وكذا لو كانت العين في أيديهما ولم يسبق تاريخ أحدهما
فإنهما يستويان كما قدمناه. قوله: (فيما لا يقسم) كالعبد والدابة. قوله: (لان الاستحقاق الخ) جواب
عما قاله في العمادية من أن الصحيح أنهما سواء، لان الشيوع الطارئ لا يفسد الهبة والصدقة ويفسد
الرهن اه‍. وأقره في البحر وصدر الشريعة.
قال المصنف نقلا عن الدرر: عنده صورة الاستحقاق من أمثلة الشيوع الطارئ غير صحيح،
والصحيح ما في الكافي والفصولين، فإن الاستحقاق إذا ظهر بالبينة كان مستندا إلى ما قبل الهبة
فيكون مقارنا لها لا طارئا عليها ا ه‍: أي وحيث كان من قبيل المقارن، وهو يبطل الهبة إجماعا ينفرد
مدعي للشراء بالبرهان فيكون أولى. قوله: (لا الطارئ) لان الشيوع الطارئ لا يفسد الهبة
والصدقة، بخلاف المقارن. قوله: (وترجع هي) أي على الزوج. قوله: (وهو بنصف الثمن) كالرجوع
ببعض. قوله: (لما مر) أي من تفريق الصفقة. قوله: (فإن سبق تاريخ أحدهما) لكن يشترط في
الشهادة أنه اشترى من فلان وهو يملكها كما في دعوى الحامدية عن البحر معزيا الحزانة الأكمل. كذا
في الهامش. قوله: (مغلطا للجامع) أي جامع الفصولين في قوله: لو اجتمع نكاح وهبة يمكن أن
يعمل بالبينتين لو استويا بأن تكون منكوحة، هذا وهبة الآخر بأن يهبه أمته المنكوحة فينبغي أن لا تبطل
بينة الهبة حذرا من تكذيب المؤمن، وحملا له على الصلاح وكذا الصدقة مع النكاح وكذا الرهن مع
النكاح اه‍. قال مولانا في بحره: وقد كتبت في حاشيته أنه وهم لأنه فهم أن المراد أنهما تنازعا في أمة
أحدهما ادعى أنها ملكه بالهبة والآخر أنه تزوجها وليس مرادهم ذلك، وإنما المراد من النكاح المهر كما
عبر به في الكتاب. وتمامه في المنح. قوله: (نعم الخ) ذكر هذا في الجامع بحثا كما علمت، وقال في
البحر: ولم أره صريحا. قوله: (معه) الضمير راجع للقبض. قوله: (أقوى من الرهن) هذا إذا كانت
127

في يد ثالث س. قوله: (استويا) بحث فيه العمادي بأن الشيوع الطارئ يفسد الرهن، فينبغي أن
يقضي بالكل لمدعي الشراء. لان مدعي الرهن أثبت رهنا فاسدا فلا تقبل بينته فصار كأن مدعي الشراء
انفرد بإقامة البينة. وتمامه في البحر.
قلت: وعلى ما مر من أن الاستحقاق من الشيوع المقارن ينبغي أن يقضي لمدعي الشراء
بالأولى، فالحكم بالاستواء على كل من القولين مشكل، فليتأمل. قوله: (غير ذي يد) قيد به لان
دعواهما الشراء من صاحب اليد قد مر في صدر الباب س. قوله: (على ملك مؤرخ) قيد بالملك لأنه
لو أقامها على أنها في يده منذ سنتين، ولم يشهدوا أنها له قضى بها للمدعي، لأنها شهدت باليد لا
بالملك. بحر. قوله: (فالسابق أحق) لأنه أثبت أنه أول المالكين فلا يتلقى الملك إلا من جهته ولم يتلق
الآخر منه. منح، وقيد بالتاريخ منها لأنه إذا بم يؤرخها أو استويا فهي بينهما في المسألتين الأوليين،
وإن سبقت إحداهما فالسابقة أولى فيهما، وإن أرخت إحداهما فقط فهي الأحمق في الثانية لا الأولى،
وأما في الثانية فالخارج أولى في الصور الثلاث، وتمامه في البحر. قوله: (متفق) صوابه النصب على
الحال من فاعل برهنا ح. قوله: (أو مختلف) أي تاريخهما، باقاني. وإن ادعيا الشراء كل واحد منهما
من رجل آخر فأقام أحدهما بينة بأنه اشتراه من فلان، وهو يملكها وأقام آخر البينة أنه اشتراه من
فلان آخر وهو يملكها فإن القاضي يقضي به بينهما وإن وقتا فصاحب الوقت الأول أولى في ظاهر
الرواية. وعن محمد أنه لا يعتبر التاريخ، وإن أرخ أحدهما دون الآخر يقضي بينهما اتفاقا: فإن كان
لأحدهما قبض فالآخر أولى، وإن كان البائعان ادعيا ولأحدهما يد فإنه يقضي للخارج منهما.
قاضيخان. كذا في الهامش قوله: (عيني) ومثله في الزيلعي تبعا للكافي، أدهى في البحر أنه
يقدم الأسبق كما في دعوى الشراء من شخص واحد، فإنه يقدم الأسبق تاريخا. ورده
الرملي بأنه هو الساهي، فإن في المسألة اختلاف الرواية، ففي جامع الفصولين: لو برهنا على الشراء
من اثنين وتاريخ أحدهما أسبق اختلف الروايات في الكتب، فما ذكر في الهداية يشير إلى أنه لا
عبرة لسبق التاريخ، وفي المبسوط ما يدل على أن الأسبق أولى، ثم رجح صاحب جامع الفصولين
الأول اه‍ ملخصا.
قلت: وفي نور العين عن قاضيخان: ادعيا شراء من اثنين يقضي به بينهما نصفين، وإن أرخا
وأحدهما أسبق فهو أحق في ظاهر الرواية، وعن محمد: لا يعتبر التاريخ: يعني بينهما، وإن أرخ
أحدهما فقط يقضي به بينهما نصفين وفاقا، فللأحدهما يد فالخارج أولى. ثم قال في نور العين: فما
في المبسوط يؤيده ما في قاضيخان أنه ظاهر الرواية، وما في الهداية اختيار قول محمد، ثم قال:
ودليل ما في المبسوط وقاضيخان وهو أن الأسبق تاريخا يضيف الملك إلى نفسه في زمان لا ينازعه غيره
أقوى من دليل ما في الهداية، وهو إنها يثبتان الملك لبائعها فكأنهما حضرا وادعيا الملك بلا تاريخ.
وجه قوة الأول غير خاف على من تأمل اه‍. وكذا بحث في دليل ما في الهداية في الحواشي السعدية
فراجعها. وبه علم أن تقييد المصنف باتفاق التاريخ مبني على ظاهر الرواية، فهو أولى مما فعله الشارح
وإن وافق الكافي والهداية، وأما الحكم عليه بالسهو كما في البحر فمما لا ينبغي. قوله: (من رجل
128

آخر) أي غير الذي يدعي الشراء منه صاحبه. زيلعي. قوله: (استويا) لأنهما في الأولى يثبتان الملك
لبائعهما، فكأنهما حضرا ولو وقت أحدها فتوقيته لا يدل على تقدم الملك لجواز أن يكون الآخر أقدم،
بخلاف ما إذا كان البائع واحدا لأنهما اتفقا على أن الملك لا يلتقي إلا من جهته، فإذا أثبت أحدهما
تاريخا يحكم به حتى يتبين أنه تقدمه شراء غيره. بحر. ثم قال: وإذا استويا في مسألة الكتاب يقضي به
بينهما نصفين ثم يخير كل واحد منهما إن شاء أخذ نصف العبد ينصف الثمن وإن شاء ترك اه‍. قوله:
(ملك بائعه) بأن يشهدوا أنه اشترها من فلان وهو يملكها. بحر. قوله: (أو برهنا) أي الخارج وذو
اليد، وفي البحر أطلقه فشمل ما إذا أرخا واستوى تاريخهما أو سبق أو لم يؤرخا أصلا أو أرخت
إحداهما فلا اعتبار بالتاريخ مع النتاج، إلا من أرخ تاريخا مستحيلا بأن لم يوافق سن المدعي وقت ذي
اليد ووافق وقت الخارج فيحنئذ بحكم للخارج، ولو خالف سنة الوقتين لفت البينتان عند عامة
المشايخ، ويترك في يد ذي اليد على ما كان. كذا في رواية. وهو بينهما نصفين في رواية. كذا في
جامع الفصولين. وفيه برهن الخارج أن هذه أمته وولدت هذا القن. في ملكي وبرهن ذو اليد على
مثله يحكم بها للمدعي، لأنهما ادعيا في الأمة ملكا مطلقا فيقضي بها للمدعي، ثم يستحق القن تبعا
اه‍. وبهذا ظهر أن ذا اليد إنما يقدم في دعوى النتاج على الخارج إذا لم يتنازعا في الام، أما لو تنازعا
في ملك مطلق وشهدوا به وبنتاج ولدها فإنه لا يقدم، وهذه يجب حفظها اه‍. قوله: (كالنتاج) هو
ولادة الحيوان من نتجت عنده بالبناء للمفعول ولدت ووضعت كما في المغرب، والمراد ولادته في
ملكه أو في ملك بائعه أو مورثه، وبيانه في البحر. قوله: (فعلا) أي وإن لم يدع الخارج النتاج،
تأمل. قوله: (في رواية) الأولى أن يقول: في قول كما في الشرنبلالية. قوله: (درر) اقتصر عليها
الزيلعي وصاحب البحر وشراح الهداية. ويؤيده ما كتبناه فيما يأتي تحت قول المصنف فلو لم يؤرخا
فضي بها لذي اليد قال الزيلعي بعد تعليل، تقديم ذي اليد في دعوى النتاج: بأن اليد لا تدل على
أولية الملك فكان مساويا للخارج فيها، فبإثباتها يندفع الخارج وبينة ذي اليد مقبولة للدفع، ولا يلزم ما
إذا ادعى الخارج الفعل على ذي اليد حيث تكون بينته أرجح، وإن ادعى ذو اليد النتاج لأنه في هذه
أكثر إثباتا لإثباتها ما هو غير ثابت أصلا ا ه‍ ملخصا. ويستثنى أيضا ما إذا تنازعا في الام كما مر، وما
إذا ادعى الخارج إعتاقا مع النتاج، وبيانه في البحر. قوله: (ونسج خز) قال في الكفاية: الخز اسم
دابة ثم سمي الثوب المتخذ من وبره خزا، قيل هو نسج، إذا بلى يغزل مرة ثانية ثم ينسج ا ه‍
عزمي. كذا في الهامش. قوله: (بحديث النتاج) هو ما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن
رجلا ادعى ناقة في يد رجل، وأقام البينة أنها ناقته نتجت عنده وأقام الذي هي في يده البينة أنها ناقته
نتجتها فقضى بها رسول الله (ص) للذي هي قي يده وهذا حديث صحيح مشهور فصارت مسألة النتاج
129

مخصومة. بحر. قوله: (من الآخر) أي من خصمه الآخر. قوله: (بلا وقت) فلو وقتا يقضي لذي
الوقت الآخر. بحر. قوله: (وقال محمد يقضي للخارج) لان العمل بهما ممكن فيجعل كأنه اشترى ذو
اليد من الآخر وقبض ثم باع، وتمامه في البحر. قوله: (بالملك له) فصار كأنهما قامنا على الاقرارين
وفيه التهاتر بالاجماع. كذا هنا. قوله: (تهاترتا) لان الجمع غير ممكن. بحر. وهذا في غير العقار
وبيانه في البحر أيضا. قوله: (فهما سواء في ذلك) قال شيخ مشايخنا: ينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم
يصل إلى حد التواتر فإنه حينئذ يفيد العلم فلا ينبغي أن يجعل كالجانب الآخر اه‍.
أقول: ظاهر ما في الشمني والزيلعي يفيد ذلك حيث قال: ولنا أن شهادة كل شاهدين علة تامة
كما في حالة الانفراد والترجيح لا يقع بكثرة العلل بل بقوتها، بأن يكون أحدهما متواترا والآخر
آحادا، أو يكون أحدهما مفسرا والآخر مجملا فيترجح المفسر على المجمل والمتواتر على الآحاد اه‍
بيري. قوله: (بطريق المنازعة) اعلم أن أبا حنيفة رحمه الله اعتبر في هذه المسألة طريق المنازعة، وهو أن
النصف سالم لمدعي الكل بلا منازعة فيبقى النصف الآخر وفيه منازعتهما على السواء فيتنصف،
فلصاحب الكل ثلاثة أرباع ولصاحب النصف الربع، وهما اعتبرا طريق العول والمضاربة، وإنما سمي
بهذا لان في المسألة كلا ونصفا، فالمسألة من اثنين وتعول إلى ثلاثة، فلصاحب الكل سهمان ولصاحب
النصف سهم، هذا هو العول، وأما المضاربة فإن كل واحد يضرب بقدر حقه فصاحب الكل له ثلثان
من الثلاثة فيضرب الثلثان في الدار، وصاحب النصف له ثلث من الثلاثة فيضرب الثلث في الدار
فحصل ثلث الدار، لان ضرب الكسور بطريق الإضافة، فإنه إذا ضرب الثلث
في الستة معناه ثلث الستة وهو اثنان. منح. قوله: (ومحاباة) الوصية بالمحاباة إذا أوصى بأن يباع العبد الذي قيمته ثلاثة
آلاف درهم من هذا الرجل بألفي درهم، وأوصى لآخر أن يباع العبد الذي يساوي ألفي درهم بألف
درهم حتى حصلت المحاباة لهما بألفي درهم كان الثلث بينهما بطريق العول والوصية بالدراهم المرسلة
إذا أوصى لرجل بألف ولآخر بألفين كان الثلث بينهما بطريق العول والوصية بالعتق إذا أوصى بأن
يعتق من هذا العبد نصفه وأوصى بأن يعتق من هذا الآخر ثلثه يقسم ثلث المال بينهما بطريق العول،
130

ويسقط من كل واحد منهما حصته من السعاية ا ه‍ ح. كذا في الهامش، وفيه: مدبر جنى على هذا
الوجه ودفعت القيمة إلى أولياء الجناية كانت القيمة بينهما بطريق العول، وأما ما يقسم بطريق المنازعة
عندهم فمسألة واحدة ذكرها في الجامع: فضولي باع عبدا من رجل بألف درهم وفضولي آخر باع
نصفه من آخر بخمسمائة فأجاز المولى البيعين جميعا يخير المشتريان، فإذا اختار الاخذ أخذ بطريق
المنازعة ثلاثة أرباعه لمشتري الكل وربعه لمشتري النصف عندهم جميعا. وفي البحر) عبد فقأ عين رجل
وقتل آخر خطأ فدفع بهما، يقسم الجاني بينهما بطريق العول: وثلثاه لولي القتيل وثلثه للآخر. بحر
اه‍. قال المؤلف رحمه الله: وأسقط ابن وهبان الوصية بالعتق وبها تم الثمنان. قوله: (لأنه
خارج) لان مدعي النصف تنصرف دعواه إلى ما في يده ولا يدعي شيئا مما في يد صاحبه. قوله: (وبيانه في
الكافي) ذكره في غرر الأفكار فراجعه. قوله: (ولو برهنا) يتصور هذا بأن رأى الشاهدان أنه ارتضع
من لبن أنثى كانت في ملكه، وآخران رأيا أنه ارتضع من لبن أنثى في ملك آخر فتحل الشهادة
للفريقين. بحر عن الخلاصة، وقدمنا أنه لا اعتبار بالتاريخ مع النتاج إلا من أرخ تاريخا مستحيلا الخ،
فتأمل. قوله: (لذي اليد) هذا قيد لما إذا ادعى كل منهما النتاج فقط، إذ لو ادعى الخارج الفعل على
ذي اليد كالغصب والإجارة والعارية، فبينة الخارج أولى لأنها أكثر إثباتا لإثباتها الفعل على
ذي اليد كما
في البحر عن الزيلعي، ونقله في نور العين عن الذخيرة على خلاف ما في المبسوط، وقال: الظاهر أن
ما في الذخيرة هو الأصح، والأرجح لما في الخلاصة عن كتاب الولاء لخواهر زاده: أن ذا اليد إذا
ادعى النتاج وادعى الخارج أنه ملكه غصبه منه ذو اليد أو أودعه له أو أعاره منه كانت بينة الخارج
أولى، وإنما تترجح بينة ذي اليد على النتاج إذا لم يدع الخارج فعلا على ذي اليد، أما لو ادعى فعلا
كالشراء وغير ذلك فبينة الخارج أولى، لأنها أكثر إثباتا لأنها تثبت الفعل عليه اه‍. وانظر أيضا ما كتبناه
قريبا بنحو ورقة. قوله: (مما وقع في الكنز) حيث قال: وإن أشكل فلهما، لان قوله: وإن لم
131

يوافقهما أعم من قول الكنز، وكذا قول الكنز فلهما مقيد بما إذا لم تكن في يد أحدهما. وعبارة
الملتقي والغرر: وإن أشكل فلهما وإن خالفهما بطل. قال الشارح في شرح الملتقي: فيقضي لذي اليد
قضاء ترك. كذا اختاره في الهداية و الكافي.
قلت: لكن الأصح أنه كالمشكل كما جزم به في التنوير والدرر و البحر وغيرهما فليحفظ اه‍.
قلت: نقل الشرنبلالي عن كافي الحاكم أن الأول هو الصحيح للتيقن بكذب البينتين فيترك في
يد ذي اليد وقال: ومحصله اختلاف التصحيح. قوله: (من زيد) هكذا وقع في النسخ، وصوابه على
الغضب من يده أي من يد أحد الخارجين. قال الزيلعي والمنح: معناه إذا كان عين في يد رجل فأقام
رجلان عليه البينة أحدهما بالغضب منه، والآخر بالوديعة استوت دعواهما حتى يقضي بها بينهما
نصفين، لان الوديعة تصير غصبا بالجحود حتى يجب عليه الضمان. مدني. والظاهر أن أراد على
الغضب الناشئ من زيد فزيد هو الغاصب، فمن ليست صلة الغضب بل ابتدائية تأمل. قوله:
(الشهادة) فيسأل عن الشاهد إذا طعن الخصم بالرق لا إن لم يطعن فلا يقبل قوله: أنا حر بالنسبة إليها
ما لم يبرهن، وإذا قذف ثم زعم أن المقذوف عبد لا يحد حتى يثبت المقذوف حريته بالحجة، وكذا لو
قطع يد إنسان وكذا لو قتله خطأ وزعمت العاقلة أن المقتول عبد ط. قوله: (والدية) الثلاث بمعنى
واحد في المآل. قوله: (واللابس للثوب) قال الشيخ قاسم: فيقضي له قضاء ترك لا استحقاق، حتى
لو أقام الآخر البينة بعد ذلك يقضي له. شرنبلالية. قوله: (ومن في السرج) نقل الناطفي هذه الرواية
عن النوادر، وفي ظاهر الرواية هي بينهما نصفين.
أقول: لكن في الهداية والملتقى مثل ما في المتن فتنبه، بخلاف ما إذا كانا راكبين في السرج فإنها
بينهما قولا واحدا كما في الغاية، ويؤخذ منه اشتراكهما إذا لم تكن مسرجة. شرنبلالية. قوله: (وذو
حملها أولى ممن علق كوزه) احتراز هما لو كان له بعض حملها، إذ لو كان لأحدهما من
والآخر مائة من كانت بينهما كما في التبيين. قوله: (لاهدبته) يقال له بالتركي سجق: سعدية. قوله: (بخلاف جالسي
دار) كذا قال في العناية، ويخالفه ما في البدائع: لو ادعيا دارا وأحدهما ساكن فيها فهي للساكن
وكذلك لو كان أحدهما أحدث فيها شيئا من بناء أو حفر فهي له، وإن لم يكن شئ من ذلك ولكن
أحدهما داخل فيها والآخر خارج عنها فهي بينهما، وكذا لو كانا جميعا فيها لان اليد على العقار لا
تثبت بالكون فيها وإنما تثبت بالتصرف اه‍.
تنبيه: قال في البدائع: كل موضع قضى بالملك لأحدهما لكون المدعي في يده يجب عليه اليمين
132

لصاحبه إذا طلب، فإن نكل قضي عليه به. شرنبلالية. قوله: (وهنا علم) أي في الجلوس على
البساط، والأولى وهناك قال الزيلعي: وكذا إذا كانا جالسين عليه فهو بينهما بخلاف ما إذا كانا
جالسين في دار وتنازعا فيها حيث لا يحكم لهما بها لاحتمال أنها في يد غيرهما، وهنا علم أنه ليس
في يد غيرهما اه‍. قوله: (لمن جذوعه عليه) ولو كان لأحدهما جذع أو جذعان دون الثلاثة وللآخر
عليه أجذاع أو أكثر ذكر في النوازل: أن الحائط يكون لصاحب الثلاثة
ولصاحب ما دون الثلاثة موضع جذعه. قال: وهذا استحسان وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف آخرا. وقال أبو يوسف: إن
القياس أن يكون الحائط بينهما نصفين، وبه كان أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يقول أولا، ثم رجع إلى
الاستحسان. قاضيخان في دعوى الحائط والطريق. وبه أفتى الحامدي، وإذا لزم تعميره فعلى صاحب
الخشبة عمارة موضعها كما في الحامدية: يعني ما تحتها من أسفل إلى الاعلى مما شاء أن تكتفي به
الخشبة كما ظهر لي. سائحاني.
ثم قال: وفي البزازية: جدار مشترك بين اثنين لأحدهما عليه حمولة للآخر أن يضع عليه مثل
صاحبه إن كان الحائط يحتمل، وإلا يقال لذي الجذوع إن شئت فارفعها ليستوي صاحبك وإن شئت
فحط بقدر ما يمكن محمل الشريك اه‍ ملخصا. وفي البزازية أيضا. جدار بينهما أراد أحدهما أن يبني
عليه سقفا آخر أو غرفة يمنع، وكذا إذا أراد أحدهما وضع السلم يمنع إلا إذا كان في القديم اه‍
حامدية. وأفتى فيها بحلافه نقلا عن العمادية فراجعها. قوله: (أو متصل به اتصال تربيع) ثم في
اتصال التربيع هل يكفي من جانب واحد؟ فعلى رواية الطحاوي يكفي، وهذا أظهر، وإن كان في
ظاهر الرواية يشترط من جوانبه الأربع، ولو أقاما البينة قضى لهما ولو أقام أحدهما، قضى له.
خلاصة حامدية. كذا في الهامش. وإن كان كلا الإتصالين اتصال تربيع أو اتصال مجاورة يقضي
بينهما، وإن كان لأحدهما تربيع والآخر ملازقة يقضي لصاحب التربيع، وإن كان لأحدهما تربيع
والآخر عليه جذوع فصاحب الاتصال أولى وصاحب الجذوع أولى من اتصال الملازقة. ثم في اتصال
التربيع (1) هلى يكفي من جانب واحد؟ فعلى رواية الطحاوي يكفي، وهذا أظهر، وإن كان في ظاهر
الرواية يشترط من جوانبه الأربع، ولو أقاما البينة قضى لهما ولو أقام أحدهما البينة قضى له. خلاصة
وبزازية. كذا بخط منلا علي قوله: (في لبنات الآخر) انظر ما في الزيلعي عن الكرخي وقد أشبع
الكلام هنا رحمه الله. قوله: (أو نقب) أي بأن نقب وأدخلت الخشبة، وهذا فيما لو كان من خشب.
قوله: (أو هرادي) الهرادي جمع هردية: قصبات تضم ملوية بطاقات من أقلام يرسل عليها قضبان
الكرم. وكذا في الهامش. وفي منهوات العزمية: الهردية بضم الهاء وسكوت الراء المهملة وكسر الدال
المهملة والياء المشددة، والهرادي بفتح الهاء وكسر الدال ا ه‍. قوله: (ولو لأحدهما جذوع) قال منلا

(1) قوله: (ثم في اتصال الربيع الخ) هو مكرر مع ما في الصدر القولة ا ه‍. مصححه.
133

علي: وإن كانت جذوع أحدهما أسفل وجذوع الآخر أعلى بطبقة وتنازعا في الحائط، فإنه لصاحب
الأسفل لسبق يده ولا ترفع جذوع الاعلى. عمادية في الفصل الخامس والثلاثين، ومثله في
الفصولين. قوله: (وإجارة) أي إجارة داره. قوله: (أشباه من أحكام الساقط لا يعود) رجل استأذن
جارا له في وضع جذوع له على حائط الجار أو في حفر سرداب تحت داره فأذن له في ذلك ففعل، ثم
إن الجار باع داره فطلب المشتري رفع الجذوع والسرداب كان له ذلك، إلا إذا كان البائع شرط في
البيع ذلك فحينئذ لا يكون للمشتري أن يطلب ذلك. قاضيخان من باب ما يدخل في البيع تبعا
من الفصل الأول، ومثله في البزازية من القسمة، وفي الأشباه من العارية، وراجع السيد أحمد محشيه منلا
علي، والمسألة ستأتي في العارية. قوله: (في حق ساحتها) إذا لم يعلم قدر الأنصباء.
منية المفتي. قوله: (كالطريق) الطريق يقسم على عدد الرؤوس لا بقدر مساحة الاملاك إذا لم يعلم قدر الأنصباء،
وفي الشرب متى جهل قدر الأنصباء يقسم على عدد الاملاك لا لا الرؤوس. منية.
فرع: الساباط إذا كان على حائط إنسان فانهدم الحائط ذكر صاحب الكتاب أن حمل الساباط
وتعليقه على صاحب الحائط لان حمله مستحق عليه، وبه كان يفتي أبو بكر الخوارزمي، ويريد به أنه
يملك مطالبته ببناء الحائط ا ه‍ من الفصل الثالث من كتاب الحيطان لقاسم بن قطلو بغا اه‍ من مراصد
الحيطان. وقوله ويريد به الخ: أي بقوله، لان حمله الخ، كذا ظهر لي فتأمل وانظر ما كتبناه في
متفرقات القضاء. قوله: (بخلاف الشرب) دار فيها عشرة أبيات لرجل وبيت واحد لرجل تنازعا في
الساحة، أو ثوب في يد رجل وطرف منه في يد آخر تنازعا فيه فذلك بينهما نصفان، ولا يعتبر بفضل
اليد كما اعتبار بفضل الشهود لبطلان الترجيح بكثرة الأدلة. بزازية من الفصل الثالث عشر. وبه علم
أن ذلك حيث جهل أصل الملك، أما لو علم كما لو كانت الدار المذكورة كلها لرجل ثم مات عن
أولاد تقاسموا البيوت منها فالساحة بينهم على قدر البيوت. قوله: (بقدر سقيها) فعند كثرة الأراضي
تكثر الحاجة إليه فيتقدر بقدر الأراضي، بخلاف الانتفاع بالساحة فإنه لا يختلف باختلاف الاملاك
كالمرور في الطريق. زيلعي.
واعلم أن القسمة على الرؤوس في الساحة والشفعة وأجرة القسام والنوائب: أي الهوائية
المأخوذة ظلما والعاقلة وما يرمي من المركب خوف الغرق والطريق. كذا بخط الشيخ شاهين أبو
السعود. قوله: (أي الخارجات) كذا في الدرر و المنح، وعبارة الهداية والزيلعي كغيرهما تفيد أنهما ذو
يد، وفي الفصولين: ادعى كل منهما أنه لو وفي يده. ذكر محمد في الأصل أن على كل منهما البينة،
وإلا فاليمين إذ كل منهما مقر بتوجه الخصومة عليه لما ادعى اليد لنفسه، فلو برهن أحدهما حكم له
باليد ويصير مدعي عليه والآخر مدعيا ولو برهنا يجعل المدعي في يدهما لتساويهما في إثبات اليد، وفي
دعوى الملك في العقار لا تسمع إلا على ذي اليد ودعوى اليد تقبل على غير ذي اليد لو نازعه ذلك
الغير في اليد فيجعل مدعيا لليد مقصودا ومدعيا للملك تبعا اه‍. وفي الكفاية وذكر التمرتاشي: فإن
134

طلب كل واحد يمين صاحبه ما هي في يده حلف كل واحد منهما ما هي في يد صاحبه على البتات،
فإن حلفا لم يقض باليد لهما وبرئ كل دعوى صاحبه وتوقف الدار إلى أن يظهر المال، فإن نكلا
قضى لكل بالنصف الذي في يد صاحبه، وإن نكل أحدهما قضى عليه بكلها للحالف نصفها الذي
كان في يده ونصفها الذي كان في يد صاحبه بنكوله، وإن كانت الدار في يد ثالث لم تنزع من يده
لان نكوله ليس بحجة في حق الثالث اه‍. فعلم أن الخارجين قيد اتفاقي فالأولى حذفه. قوله: (قضى
به) لا يقال الاقرار بالرق من المضار فلا يعتبر من الصبي لأنا نقول لم يثبت بقوله: بل بدعوى ذي اليد
لعدم المعارض ولا نسلم أنه من المضار لامكان التدارك بعده بدعوى الحرية، ولا يقال: الأصل في
الآدمي الحرية فلا تقبل الدعوى بلا بينة وكونه في يده لا يوجب قبول قوله عليه كاللقيط لا يقبل قول
الملتقط أنه عبده وإن كان في يده لأنا نقول: إذا اعترض على الأصل دليل خالفه بطل، وثبوت اليد
دليل الملك ولا نسلم أن اللقيط إذا عبر عن نفسه وأقر بالرق يخالفه في الحكم وإن لم يعبر فليس في يد
الملتقط من كل وجه لأنه أمين. زيلعي ملخصا.
باب دعوى النسب
قوله: (الدعوة) أي بكسر الدال في النسب وبفتحها الدعوة إلى الطعام. قوله: (في ملك
المدعي) أي حقيقة أو حكما كما إذا وطئ جارية ابنه فولدت وادعاه فإنه يثبت ملكه فيها ويثبت عتق
الولد ويضمن قيمتها لولده كما تقدم وجعلها الإتقاني دعوة شبهة. قوله: (واستنادها) عطف علة على
معاول قال في الدرر: والأول أقوى لأنه أسبق لاستنادها. ح. قوله: (من ستة أشهر) أفاد أنهما اتفقا على
المدة وإلا ففي التاترخانية عن الكافي قال البائع بعتها منك منذ شهر والولد مني، وقال المشتري
بعتها مني لأكثر من سنة والولد ليس منك فالقول للمشتري بالاتفاق فإن أقاما البينة فالبينة للمشتري
أيضا عند أبي يوسف وعند محمد للبائع، وسيذكره الشارح بقوله: ولو تنازعا وقيد بدعوى البائع إذ لو
ادعاه ابنه وكذبه المشتري صدقه البائع أولا فدعوته باطلة وتمامه فيها. قوله: (فادعاه) أفاد بالفاء أن
دعوته قبل الولادة موقوفة، فإن ولدت حيا ثبت وإلا فلا كما في الاختيار، ويلزم البائع أن الأمة لو
كانت بين جماعة فشراها أحدهم فولدت فادعوه جميعا ثبت منهم عنده وخصاه باثنين وإلا فلا كما في
135

النظم وبالاطلاق أنه لو لم يصدق المشتري البائع وقال لم يكن العلوق عندك كان القول للبائع بشهادة
الظاهر، فإن برهن أحدهما فبينته وإن برهنا فبينة المشتري عند الثاني وبينة البائع عند الثالث كما في المنية
شرح الملتقى. قوله: (البائع) ولو أكثر من واحد. قهستاني. قوله: (ثبت نسبه) صدقه المشتري أو لا
كما في غرر الأفكار وأطلق في البائع، فشمل المسلم والذمي والحر والمكاتب، كذا رأيته معزوا
للاختيار. قوله: (استحسانا) أي لا قياسا لان وبيعه إقرار منه بأنها أمه فيصير مناقضا. قوله: (وأميتها)
عطف على فاعل ثبت ح. وهذا لو جهل الحال لما سبق في الاستيلاد أنه لو زنى بأمة فولدت فملكها لم
تصر أم ولد، وإن ملك الولد عتق عليه، ومر فيه متنا.
استولد جارية أحد أبويه وقال ظننت حلها لي فلا نسب، وإن ملكه عتق عليه. قال الشارح
ثمة: وإن ملك أمه لا تصير أم ولده لعدم ثبوت نسبه. سائحاني. قوله: (بإقراره) ثم لا تصح دعوى
البائع بعده لاستغناء الولد بثبوت نسبه، ولأنه لا يحتمل الابطال. زيلعي. قوله: (ولو ادعاه) أي وقد
ولدته لدون الأقل. قوله: (بخلاف موت الولد) أي وقد ولدته لدون الأقل فلا يثبت الاستيلاد في
الام لفوات الأصل، فإنه استغنى بالموت عن النسب، وكان الأولى للشارح التعليل بالاستغناء كما لا
يخفى، فتدبر. قوله: (كل الثمن) لأنه تبين أنه باع أم ولده وماليتها غير متقومة عنده في العقد
والغضب فلا يضمنها المشتري، وعندهما متقومة فيضمنها. هداية. قوله: (وقالا حصته) أي حصة
الولد: أي لا يرد حصة الام. قوله: (الام والولد) الواو بمعنى أو مانعة الخلو، والظاهر أنها حقيقيه
لاحد الشيئين. تأمل. قوله: (كموتهما) حتى لو أعتق الام لا الولد فادعاه البائع أنه ابنه صحت دعوته
ويثبت نسبه منه، ولو أعتق الولد لا الام لا تصح دعوته لا في حق الولد ولا في حق الام كما في
الموت. منح. قوله: (ويرد حصته) أي فيما لو أعتق الام أو دبرها لا الولد. قوله: (وكذا حصتها)
فصار حاصل هذا أن البائع يرد كل الثمن وهو حصة الام وحصة الولد في الموت والعتق عند الامام،
ويرد حصة الولد فقط فيهما عندهما. وعلى ما في الكافي: يرد حصته فقط في الاعتاق عند الامام
كقولهما. قوله: (أيضا) أي في التدبير والاعتاق، وأما في الموت فيرد حصتها أيضا عند أبي حنيفة
رحمه الله قولا واحدا كما يدل عليه كلام الدرر حيث قال: وفيما إذا أعتق المشتري الام أو دبرها يرد
البائع على المشتري حصته من الثمن عندهما، وعنده يرد كل الثمن في الصحيح كما في الموت. كذا في
الهداية ح. قوله: (ونقله في الدرر) وذكر في المبسوط: يرد حصته من الثمن لا حصتها بالاتفاق،
وفرق على هذا بين الموت والعتق بأن القاضي كذب البائع فيما زعم حيث جعلها معتقة من المشتري
136

فبطل زعمه ولم يوجد التكذيب في فصل الموت فيؤاخذ بزعمه فيسترد حصتها. كذا في الكافي اه‍.
لكن رجع في الزيلعي كلام المبسوط وجعله هو الرواية فقال بعد نقل التصحيح عن الهداية وهو
مخالف الرواية: وكيف يقال يسترد جميع الثمن والبيع لم يبطل في الجارية حيث لم يبطل إعتاقه، بل يرد
حصة الولد فقط بأن يقسم الثمن على قيمتها، وتعتبر قيمة الام يوم القبض لأنها دخلت في ضمانه
بالقبض وقيمة الولد يوم الولادة لأنه صار له قيمة بالولادة فتعتبر قيمته عند ذلك اه‍. قوله: (ما في
الكافي) وهو رد حصته لا حصتها بالاتفاق. قوله: (لأكثر من حولين) مثله تمام السنتين إذا لم يوجد
اتصال العلوق بملكه يقينا وهو الشاهد والحجة. شرنبلالية. قوله: (ثبت النسب) وإن ادعاه المشتري
وحده صح وكانت دعوه استيلاد، وإن ادعياه معا أو سبق أحدهما صحت دعوة المشتري لا البائع.
تاترخانية. قوله: (نكاحا) بأن زوجه إياها المشتري وإلا كان زنا. قوله: (فحكمه كالأول) فيثبت
النسب ويبطل البيع والأمة أم ولد. تاترخانية. قوله: قبل بيعه قال في التاترخانية: هذا الذي ذكرنا
إذا علمت المدة، فإن لم تعلم أنها ولدت لأقل من ستة أشهر أو لأكثر إلى سنتين أو أكثر من وقت
البيع، فإن ادعاه البائع لا يصح إلا بتصديق المشتري، وإن ادعاه المشتري تصح، وإن ادعياه معا لا
تصح دعوة واحدة منهما وإن سبق أحدهما فلو المشتري صحت دعوته، ولو البائع لم تصح دعوة واحد
منهما. قوله: (وإلا) أي بأن كذبه وإن لم يدعه أو ادعاه أو سكت فهو أعم من قوله: ولو تنازعا
ح. قوله: (ولو تنازعا) أي في كونه لأقل من ستة أشهر أو لأكثر كما قدمناه عن التاترخانية. قوله:
(والآخر لأكثر) أي وليس بينهما ستة أشهر. قوله: (وكذا الحكم لو كاتب) أي المشتري.
واعلم أن عبارة الهداية كذلك: ومن باع عبدا ولد عنده وباعه المشتري من آخر ثم ادعاه البائع
فهو ابنه وبطل البيع لان البيع يحتمل النقض وماله من حق الدعوة لا يحتمله فينتقض البيع
لأجله، وكذلك إذا كاتب الولد أو رهنه وآجره أو كاتب الام أو رهنها أو زوجها، ثم كانت الدعوة
لأن هذه العوارض تحتمل النقض فينقص ذلك كله وتصح الدعوة، بخلاف الاعتاق والتدبير على ما
مر. قال صدر الشريعة: ضمير كاتب إن كان راجعا إلى المشتري، وكذا في قوله أو كاتب الام يصير
تقدير الكلام: ومن باع عبدا ولد عنده وكاتب المشتري الام، وهذا غير صحيح لان المعطوف عليه بيع
الولد لا بيع الام، فكيف يصح قوله: وكاتب المشتري الام، وإن كان راجعا إلى من في قوله: ومن
137

باع عبدا، فالمسألة أن رجلا كاتب من ولد عنده أو رهنه أو آجره ثم كانت الدعوة فحينئذ لا يحسن
قوله: بخلاف الاعتاق لان مسألة الاعتاق التي مرت ما إذا أعتق المشتري الولد، لان الفرق صحيح
إذ يكون بين إعتاق المشتري وكتابته لا بين إعتاق المشتري وكتابه البائع. إذا عرفت هذا فمرجع الضمير
في كاتب الولد هو المشتري، وفي كاتب الام من في قوله: من باع اه‍.
أقول: الأظهر أن المرجع فيهما المشتري، وقوله لان المعطوف عليه بيع الولد لا بيع الام مدفوع
بأن المتبادر بيعه مع أمه بقرينة سوق الكلام، ودليل كراهة التفريق بحديث سيد الأنام عليه الصلاة
والسلام. نعم كان مقتضى ظاهر عبارة الوقاية أن يقال بالنظر إلى قوله: بعد بيع مشتريه وكذا بعد كتابة
الولد ورهنه الخ، لكنه سهو، لكنه سهو، وإني على الدرر. قوله: (أو كاتب الام) أي لو كانت بيعت مع الولد
فالضمير في الكل للمشتري وبه يسقط ما في صدر الشريعة. قوله: (يعني علقا) محترزه قوله: (لو
اشتراها حبلى. قوله: (ثم ادعى البائع الولد) لان دعوة البائع صحت في الذي لم يبعه لمصادفة العلوق
والدعوى ملكه فيثبت نسبه ومن ضرورته ثبوت الآخر لأنهما من ماء واحد فيلزم بطلان عتق المشتري،
بخلاف ما إذا كان الولد واحدا. وتمامه في الزيلعي. قوله: (وهو حرية الأصل) أي الثابتة بأصل
الخلقة، وأما حرية الاعتاق فعارضة. قوله: (لأنهما علقا في ملكه) بخلاف ما إذا كان الولد واحدا
حيث لا يبطل فيه إعتاق المشتري، لأنه لو بطل فيه بطل مقصودا لأجل حق الدعوة للبائع وأنه لا
يجوز، وهنا تثبت الحرية في الذي لم يبع ثم تتعدى إلى الآخر، وكم من شئ يثبت
ضمنا ولم يثبت مقصودا. عيني. قوله: (حتى لو اشتراها) أي البائع، قوله: حبلى وجاءت بهما لأكثر من سنتين.
عيني. قوله: (لم يبطل) قال الأكمل: ونوقض بما إذا اشترى رجل أحد توأمين واشترى أبوه الآخر
فادعى أحدهما الذي في يده بأنه ابنه يثبت نسبهما منه ويعتقان ولم تقتصر الدعوى. وأجيب: بأن ذلك
لموجب آخر وهو إن كان الأب فالابن قد ملك أخاه وإن كان هو الابن فالأب قد ملك حافده فيعتق،
ولو ولدت توأمين فباع أحدهما ثم ادعى أبو البائع الولدين وكذباه: أي ابنه البائع والمشتري صارت أم
ولده بالقيمة وثبت نسبهما، وعتق الذي في يد البائع ولا يعتق المبيع لما فيه من إبطال ملكه الظاهر
بخلاف النسب لأنه لا ضرر فيه. والفرق بينه وبين البائع إذا كان هو المدعي أن النسب ثبت في دعوى
البائع بعلوق في ملكه وهنا حجة الأب أن شبهة أنت ومالك لأبيك تظهر في مال ابنه البائع فقط.
وتمامه في نسخة السائحاني عن المقدسي. قوله: (لأنها دعوة تحرير) لعدم العلوق في ملكة. قوله:
(فتقتصر) بخلاف المسألة الأولى وهو ما إذا كان العلوق في ملكه حيث يعتقان جميعا لما ذكر أنها دعوة
استيلاد فتستند، ومن ضرورته عتقهما بطريق أنهما حرا الأصل، فتبين أنه باع حرا. عيني. قوله:
(أبدا) أي وإن جحد العبد. قوله: (خلافا لهما) هما قالا: إذا جحد زبد بنوته فهو ابن للمقر، وإذا
138

صدقه زيد أو لم يدر تصديقه ولا تكذيبه لم تصح دعوة المقرة عندهم. درر. قوله: (بعد ثبوته) وهنا
ثبت من جهة المقر للمقر له. قوله: (حتى لو صدقه) أي صدق المقر له المقر، وفي التفريع خفاء.
وعبارة الدرر: وله أي لأبي حنيفة أن النسب لا يحتمل النقض بعد ثبوته والاقرار بمثله لا يرتد بالرد
إذا تعلق به حق المقر له ولو صدقه بعد التكذيب يثبت النسب منه، وأيضا تعلق به حق الولد، فلا
يرتد برد المقر له فظهر أنه مفرع على تعلق حق المقر له به. قوله: (لا ينتفي بالنفي) وهذا إذا صدقه
الابن، أما بمضي تصديق (1) فلا يثبت النسب إذا لم يصدقه الابن ثم صدقه ثبتت البنوة، لان إقرار
الأب لم يبطل بعدم تصديق الابن. فصولين. قال جامعه: أظن أن هذه القولة مشطوب عليها فلتعلم.
قوله: (في عبارة العمادي) عبارته: هذا الولد ليس مني، ثم قال، هو مني صح، إذ بإقراره بأنه منه
ثبت نسبه فلا يصح نفيه فقيها سهو كما قال منلا خسرو لأنه ليس في العبارة سبق الاقرار على النفي
اه‍. كذا في الهامش. قوله: (كما زعمه) تمثيل للمنفي، وقوله: كما أفاده تمثيل للنفي قال في
الهامش: وهو عدم السهو، ونصه: والذي يظهر لي أن اللفظة الثالثة وهي قوله: هو مني صح ليس له
فائدة في ثبوت صحة النسب، لأنه بعد الاقرار به أولا، لا ينتفي بالنفي، فلا يحتاج إلى الاقرار به
بعده، فليتأمل. قوله: (إذ التناقض الخ) ذكر في الدرر في فصل الاستشراء فوائد جمة فراجعها. قوله: (اسم
الجد) بخلاف الاخوة فإنها تصح بلا ذكر الجد كما في الدرر.
واعلم أن دعوى الاخوة ونحوها مما لو أقر به المدعى عليه لا يلزمه لا تسمع ما لم يدع قبله مالا.
قال في الولوالجية: ولو ادعى أنه أخوه لأبويه فجحد: فإن القاضي يسأله: ألك قبله ميراث تدعيه أو
نفقة أو حق من الحقوق التي لا يقدر على أخذها إلا بإثبات النسب، فإن كان كذلك يقبل القاضي بينته
على إثبات النسب، وإلا فلا خصومة بينهما، لأنه إذا لم يدع مالا لم يدع حقا، لان الاخوة المجاورة
بين الأخوين في الصلب أو الرحم، ولو ادعى أنه أبوه وأنكر فأثبته يقبل، وكذا عكسه وإن لم يدع قبله
حقا لأنه لو أقر به صح فينتصب خصما، وهذا لأنه يدعي حقا فإنه الابن يدعي حق الانتساب إليه
والأب يدعي وجوب الانتساب إلى نفسه شرعا. وقال عليه الصلاة والسلام: من انتسب إلى غير أبيه
أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين اه‍ ملخصا. وتمامه فيها وفي
البزازية. قوله: (أني ابنه) مكرر مع ما قدمه قريبا. قوله: (ولا تسمع) أي بينة الإرث كما في

(1) قوله: (أما بمضي تصديق الخ) هكذا في النسخة المجموع منها ولا تخلو العبارة عن تأمل ولعل فيها تحريفا،
والأصل: اما بدون تصديق فلا يثبت النسب وإذا لم يصدقه الخ ولتراجع عبارة الفصولين ا ه‍. مصححه.
139

الفصولين. قوله: (أو دائن) انظر ما صورته، ولعل صورته أن يدعي دينا على الميت وينصب له
القاضي من يثبت في وجهه دينه، فحينئذ يصير خصما لمدعي الإرث ومثل ذلك يقال في الموصى له. تأمل. قوله: (أو موصى له)
أو الوصي بزازية. كذا في الهامش. قوله: (فلو أقر) أي المدعى عليه
وقوله: به أي بالبنوة وبالموروث. قوله: (ولو أنكر) أي المدعى عليه. قوله: (تحليفه) أي المنكر.
قوله: (على العلم) أي على نفي العلم بأن يقول: والله لا أعلم أنه ابن
فلان الخ. قوله: (بأنه ابن فلان) الظاهر أن تحليفه على أنه ليس بابن فلان إنما هو إذا أثبت المدعي الموت، وإلا فلا فائدة في
تحليفه إلا على عدم العلم بالموت. تأمل. قوله: (بذلك) أي بالمال الذي أنكره أيضا. قوله: (السابع
والعشرين) صوابه الفصل الثامن والعشرين. كذا في الهامش. قوله: (وقال الكافر هو ابني) قال في
شرح الملتقى: وهذا إذا ادعياه معا، فلو سبق دعوى المسلم كان عبدا له، ولو ادعيا البنوة كان ابنا
للمسلم إذ القضاء بنسبه من المسلم قضاء بإسلامه. قوله: (والاسلام مآلا) لظهور دلائل التوحيد لكل
عاقل، وفي العكس يثبت الاسلام تبعا ولا يحصل له الحرية مع العجز عن تحصيلها. درر. قوله:
(لكن جزم الخ) فيه أنه لا عبرة للدار مع وجود أحد الأبوين ح.
قلت: يخالفه ما ذكروا في اللقيط: لو ادعاه ذمي يثبت نسبه منه، وهو مسلم تبعا للدار وقدمناه
في كتابه عن الولوالجية. قوله: (بأنه يكون مسلما) أي وابنا للكافر. قوله: (معهما) أي في يدهما احترز
به عما لو كان في يد أحدهما. قال في التاترخانية: وإن كان الولد في يد الزوج أو يد المرأة فالقول
للزوج فيهما، وقيد بإسناد كل منهما الولد إلى غير صاحبه لما فيها أيضا عن المنتقى: صبي في يد رجل
وامرأة قالت المرأة هذا ابني من هذا الرجل وقال ابني من غيرها يكون ابن الرجل ولا يكون للمرأة،
فإن جاءت بامرأة شهدت على ولادتها إياه كان ابنها منه وكانت زوجته بهذه الشهادة، وإن كان في يده
وادعاه وادعت امرأته أنه ابنها منه وشهدت المرأة على الولادة لا يكون ابنها منه بل ابنه، لأنه في يده،
واحترز عما فيها أيضا: صبي في يد رجل لا يدعيه أقامت امرأة أنه ابنها ولدته ولم تسم أباه وأقام رجل
أنه ولد في فراشه ولم يسم أمه يجعل ابنه من هذه المرأة، ولا يعتبر الترجيح باليد كما لو ادعاه رجلان
وهو في يد أحدهما فإنه يقضى لذي اليد. قوله: (لان) تعليل للمسألة الأولى فكان الأولى تقديمه على
قوله: وإلا. قوله: (ولو ولدت أمة) أي من المشتري وادعى الولد. حموي. قوله: (يوم الخصومة) أي
140

لا يوم القضاء كما في الشرنبلالية وإليه يشير قوله: لأنه يوم المنع. وتمامه في الشرنبلالية. قوله: (أي
سبب كان) كبدل أجرة دار وكهبة وصدقة ووصية إلا أن المغرور لا يرجع بما ضمن في الثلاث كما في
أبي السعود. قوله: (غرم قيمة ولده) أي ولا يرجع بذلك على المخبر كما مر في آخر باب المرابحة.
قوله: (فيرثه) ولا يغرم شيئا لان الإرث ليس بعوض عن الولد فلا يقوم مقامه، فلا تجعل سلامة
الإرث كسلامته. قوله: (بالقيمة) يعني في صورة قتل غير الأب. أما إذا قتله الأب كيف يرجع بما
غرم وهو ضمان إتلافه، وقد صرح الزيلعي بذلك: أي بالرجوع فيما إذا قتله غيره وبعدمه بقتله اه‍
شرنبلالية. وعلى هذا فقول الشارح في الصورتين معناه في صورة قبض الأب من دينه قدر قيمته
وصورة قبضه أقل منها، أو المراد صورتا الشراء والزواج كما نقل عن المقدسي. قال السائحاني: قوله:
في الصورتين: أي الشراء والزواج، ولا يرجع على الواهب والمتصدق والموصي بشئ من قيمة الأولاد
مقدسي اه‍. قوله: (وكذا الخ) أي فإنه يرجع على المشتري الأول بالثمن وقيمة الولد. قوله: (منافعها)
أي بالوطئ. قوله: (عفو) في الأشباه: يعذر الوارث والوصي والمتولي للجهل ا ه‍. لعله لجهله بما فعله
المورث والموصي والمولى، وفي دعوى الأنقروي في التناقض: المديون بعد قضاء الدين، والمختلعة بعد
أداء بدل الخلع لو برهنت على طلاق الزوج قبل الخلع وبرهن على إبراء الدين يقبل. لكن نقل أنه إذا
استمهل في قضاء الدين ثم ادعى الابراء لا يسمع. سائحاني. قوله: (لا تسمع الدعوى) أي ممن له دين
على الميت. قوله: (على غريم ميت) الظاهر أن المراد منه مديون الميت. حموي. قوله: (إلا إذا وهب)
استثناء منقطع لأنه ليس غريما إلا إذا كان الموهوب عينا مغصوبة ونحوها كان خصما لمدعيها. حموي
ملخصا. قوله: (لكونه زائدا) عبارة الأشباه: زائد. قوله: (لا يجوز للمدعى عليه الانكار الخ) قال
بعض الفضلاء. يلحق بهذا مدعي الاستحقاق للمبيع، فإنه ينكر الحق حتى يثبت ليتمكن من الرجوع
على بائعه، ولو أقر لا يقدر، وأيضا ادعاء الوكالة أو الوصاية وثبوته لا يكون إلا على وجه الخصم
141

الجاحد كما ذكره قاضيخان، فإن أنكر المدعى عليه ليكون ثبوت الوكالة والوصاية شرعا صحيحا يجوز،
فيلحق هذا أيضا بهما ويلحق بالوصي أحد الورثة إذا ادعى عليه الدين، فإنه لو أقر بالحق يلزم الكل من
حصته، وإذا أنكر فأقيمت البينة عليه يلزم من حصته وحصتهم. حموي. قوله: (دعوى دين على ميت)
أجمعوا على أن من ادعى دينا على الميت يحلف بلا طلب وصي ووارث بالله ما استوفيت دينك منه، ولا
من أحد أداه عنه وما قبضه قابض ولا أبرأته ولا شيئا منه وما أحلت به ولا شئ منه على أحد ولا
عندك، ولا بشئ منه رهن. خلاصة. فلو حكم القاضي بالدفع قبل الاستحلاف لم ينفذ حكمه. وتمامه
في أوائل دعوى الحامدية. ومرت في أول كتاب الدعوى تحت قول الماتن ويسأل القاضي المدعي بعد
صحتها الخ ومرت في كتاب القضاء. قوله: (ودعوى آبق) لعل صورتها فيما إذا ادعى على رجل أن
هذا العبد عبدي أبق مني وأقام بينة على أنه عبده فيحلف أيضا لاحتمال أنه باعه. تأمل. ثم رأيت في
شرح هذا الشرح نقل عن الفتح هكذا. وعبارته: قال في الفتح يحلف مدعي الآبق مع البينة بالله أنه أبق
على ملكك إلى الآن لم يخرج ببيع ولا هبة ولا غيرها ا ه‍. قوله: (الاقرار لا يجامع البينة) لأنها لا تقام إلا
على منكر، ذكر هذا الأصل في الأشباه في كتاب الاقرار عن الخانية: واستثنى منه أربع مسائل: وهي
ما سوى دعوى الآبق، وكذا ذكرها قبله في كتاب القضاء والشهادات، ولم يذكر الخامسة، بل زاد
غيرها، وعبارته: لا تسمع. البينة على مقر إلا في وارث مقرب دين على الميت فتقام البينة للتعدي. وفي
مدعى عليه أقر بالوصاية فبرهن الوصوفي مدعى عليه أقر بالوكالة فيثبتها الوكيل دفعا للضرر. وفي
الاستحقاق: تقبل البينة به مع إقرار المستحق عليه ليتمكن من الرجوع على بائعه. وفيما لو خوصم
الأب بحق عن الصبي فأقر لا يخرج عن الخصومة، ولكن تقام البينة عليه مع إقراره بخلاف الوصي،
وأمين القاضي إذا أقر خرج عن الخصومة وفيما لو أقر الوارث للموصى له، فإنها تسمع البينة عليه
مع إقراره. وفيما لو آجر دابة بعينها من رجل ثم من آخر فأقام الأول البينة، فإن كان الآجر حاضرا تقبل
عليه البينة. وإن كان يقر بما يدعي ا ه‍. ملخصا فهي سبع. قوله: (إلا في أربع) هي سبع كما في
الحموي والمذكور هنا خمسة. قوله: (من مشتر) فتقبل البينة به مع إقرار المستحق عليه ليتمكن من
الرجوع على بائعه. كذا ذكره في الأشباه. لكن مع إقراره كيف يكون له الرجوع؟ تأمل. قوله: (وفي
رهن مجهول) كثوب مثلا. قوله: (في دعوى البحر) قبيل قوله: ولا ترد يمين على مدع. قوله: (وهي
ما لو قال الخ) ستأتي هذه المسألة في كتاب الغصب، وكتب المحشي هناك على قوله: فلو لم يبين،
142

فقال: الظاهر أن في النسخة خللا. لأنه إذا لم يبين فما تلك الزيادة التي يحلف عليها: أي على نفيها،
وفي ظني أن أصل النسخة: فإن بين: يعني أنه لو بين حلف على نفي الزيادة التي هي أكثر مما بينه،
وأقل مما يدعيه المالك، هذا وينبغي أن يقارب في البيان حتى لو بين قيمة فرس بدرهم لا يقبل منه كما
تقدم نظيره اه‍. وكتب على قوله هناك، ولو حلف الملك أيضا على الزيادة أخذها لم يظهر وجهه،
فليراجع اه‍. قوله: (يحلف على الزيادة) أي التي يدعيها المالك. قوله: (أو قيمته) عطف على الضمير
المجرور: أي أخذ قيمته.
143

كتاب الاقرار
قوله: (وهو أقرب) أي المقر. قوله: (إخبار بحق عليه) لعله ينقض بالاقرار بأنه لا حق له على
فلان بالابراء وإسقاط الدين ونحوه كإسقاط حق الشفعة. سعدية. وقد يقال: فيه إخبار بحق عليه
وهو عدم وجوب المطالبة. تأمل. قوله: (إنشاء من وجه) هو الصحيح، وقيل إنشاء، وينبني عليه ما
سيأتي، لكن المذكور في غاية البيان عن الاسروشنية.
قال الحلواني: اختلف المشايخ في أن الاقرار سبب للملك أم لا. قال ابن الفضل: لا، واستدل
بمسألتين: إحداهما: المريض الذي عليه دين إذا أقر بجميع ماله لأجنبي يضح بلا إجازة الوارث، ولو
كان تمليكا لا ينفذ إلا بقدر الثلث عند عدم الإجازة. والثانية: أن العبد المأذون إذا أقر لرجل بعين في
يده يصح، ولو كان تمليكا يكون تبرعا منه فلا يصح. وذكر الجرجاني أنه تمليك واستدل بمسائل
منها: إن أقر في المرض لوارثه بدين لم يصح اه‍ ملخصا. فظهر أن ما ذكره المصنف وصاحب البحر
جمع بين الطريقتين، وكأنه وجهه ثبوت ما استدل به الفريقان. تأمل. قوله: (لأنه لو كان لنفسه) أي
على الغير، ولو للغير على الغير فهو شهادة. قوله: (لا إقرارا) ولا ينتقض بإقرار الوكيل والولي
ونحوهما لنيابتهم مناب المنوبات شرعا. شرح ملتقى. قوله: (صح إقراره بمال الخ) ويجبر الغاصب
على البيان لأنه أقر بقيمة مجهولة، وإذا لم يبين يحلف على ما يدعي المالك من الزيادة، فإن حلف ولم
يثبت ما ادعاه المالك يحلف أن قيمته مائة، ويأخذ من الغاصب مائة، فإذا أخذ ثم ظهر الثوب خير
الغاصب بين أخذه أو رده، وأخذ القيمة.
وحكي عن الحاكم أبي محمد العيني أنه كان يقول: ما ذكر من تحليف المغصوب منه وأخذ المائة
بقيمتها من الغاصب هذا بالانكار يصح، وكان يقول: الصحيح في الجواب أن يجبر الغاصب على
البيان، فإن أبى يقول له القاضي أكان قيمته مائة فإن قال لا يقول أكان خمسين؟ فإن قال لا يقول له
خمسة وعشرين إلى أن ينتهي إلى ما لا تنقص عنه قيمته عرفا وعادة فيلزمه ذلك. من متفرقات إقرار
التاترخانية. قوله: (برهة) أي قليلا. قوله: (ولا يرجع) لاقتصار إقراره عليه فلا يتعدى إلى غيره.
قوله: (مكرها) لقيام دليل الكذب وهو الاكراه والاقرار إخبار يحتمل الصدق والكذب، فيجوز تخلف
مدلوله الوضعي عنه. منح. قوله: (لعدم التخلف) أي لعدم صحة تخلف المدلول الوضعي للانشاء عنه
144

كذا في الهامش: أي فإن الانشاء لا يتخلف مدلوله عنه. قوله: (والمسلم بخمر) حتى يؤمر بالتسليم
إليه ولو كان تمليكا مبتدأ لما صح. وفي الدرر: وفيه إشارة إلى أن الخمر قائمة لا مستهلكة، إذ لا يجب
بدلها للمسلم نص عليه في المحيط كما في الشرنبلالية. قوله: (وبنصف داره) أي القابلة للقسمة.
قوله: (بناء على الاقرار) يعني إذا ادعى عليه شيئا لأنه أقر له به لا تسمع دعواه، لان الاقرار إخبار لا
سبب للزوم المقر به على المقر. وقد علل وجوب المدعى به على المقر بالاقرار، وكأنه قال أطالبه بما لا
سبب لوجوبه عليه أو لزومه بإقراره، وهذا كلام باطل. منح. وبه ظهر أن الدعوى بالشئ المعين،
بناء على الاقرار كما هو صريح المتن لا بالاقرار بناء على الاقرار، فقوله بأنه أقر له لا محل له. تأمل.
قوله: (لم يحل له) أي للمقر له. كذا في الهامش. قوله: (ثم لو أنكر الخ) وفي دعوى الدين لو قال
المدعى عليه: إن المدعي أقر باستيفائه وبرهن عليه، فقد قيل إنه لا تسمع، لأنه دعوى الاقرار في
طرق الاستحقاق، إذ الدين يقضي بمثله، ففي الحاصل هذا دعوى الدين لنفسه فكان دعوى الاقرار
في طرق لا استحقاق فلا تسمع ط. ذ. جامع الفصولين وفتاوى قدوري. كذا في الهامش والطاء
للمحيط، والذال للذخيرة ومثل ما هو المسطور في جامع الفصولين في البزازية وزاد فيها: وقيل يسمع
لأنه في الحاصل يدفع أداء الدين عن نفسه، فكان في طرق، ذكره في المحيط.
وذكر شيخ الاسلام: برهن المطلوب على إقرار المدعى بأنه لا حق له في المدعي أو بأنه ليس
بملك له أو ما كانت ملكا له، تندفع الدعوى إن لم يقر به لانسان معروف وكذا لو ادعاه بالإرث،
فبرهن المطلوب على إقرار المورث كما ذكرنا وتمامه فيها. كذا في الهامش. قوله: (وأما دعوى الاقرار)
أي بأن المدعي ملك عليه وأما دعوى الاقرار بالاستيفاء فقيل لا تسمع. قال في الهامش:
واختلفوا أنه هل يصح دعوى الاقرار في طرق الدفع، حتى لو أقام المدعى عليه بينة أن المدعي أقر أن
هذه العين ملك المدعى عليه هل تقبل؟ قال بعضهم: لا تقبل وعامتهم ها هنا على أنها تقبل. درر.
قوله: (ثم قبل لا يصح) محله فيما إذا كان الحق فيه لواحد مثل الهبة والصدقة، أما إذا كان لهما مثل
الشراء والنكاح فلا، وهو إطلاق في محل التقييد، ويجب أن يقيد أيضا بما إذا لم يكن المقر مصرا على
إقراره لما سيأتي من أنه لا شئ له إلا أن يعود إلى تصديقه وهو مصر. حموي. وبخط السائحاني عن
الخلاصة لو قال لآخر: كنت بعتك العبد بألف فقال لآخر لم أشتره منك فسكت البائع حتى قال
المشتري في المجلس أو بعده بلى اشتريته منك بألف فهو الجائز، وكذا النكاح وكل شئ يكون لهما
جميعا فيه حق، وكل شئ يكون فيه الحق لواحد مثل الهبة والصدقة لا ينفعه إقراره بعد ذلك. قوله:
(فلا يرتد) لأنه صار ملكه ونفي المالك ملكه عن نفسه عند عدم المنازع لا يصح: نعم لو تصادقتا على
145

عدم الحق صح لما مر في البيع الفاسد أنه طلب ربح مال ادعاه على آخر فصدقه على ذلك فأوفاه ثم
ظهر عدمه بتصادقهما، فانظر كيف التصادق اللاحق نقض السابق، مع أن ربحه طيب حلال.
سائحاني. قوله: (قال البديع) هو شيخ صاحب القنية. قوله: (الزوائد المستهلكة) يفيد بظاهره أنه يظهر
في حق الزوائد الغير المستهلكة وهو مخالف لما في الخانية: قال رجل في يده جارية وولدها أقر
أن الجارية لفلان لا يدخل فيه الولد، ولو أقام بينة على جارية أنها له يستحق أولادها، وكذا لو قال هذا
العبد ابن أمتك وهذا الجدي من شاتك لا يكون إقرارا بالعبد وكذا بالجدي فليحرر. حموي س. وقيد
بالمستهلكة في الاسروشنية ونقله عنها في غاية البيان. قوله: (فلا يملكها) شرى أمة فولدت عنده
باستيلاده، ثم استحقت ببينة يتبعها ولدها ولو أقر بها لرجل لا، والفرق أنه بالنية يستحقها من الأصل
ولذا قلنا: إن الباعة يتراجعون فيما بينهم، بخلاف الاقرار حيث لا يتراجعون ف. ثم الحكم بأمة
حكم بولدها وكذا الحيوان إذ الحكم حجة كاملة، بخلاف الاقرار فإنه لم يتناول الولد لأنه حجة ناقصة
وهذا لو الولد بيد المدعى عليه فلو في ملك آخر هل يدخل في الحكم اختلف المشايخ نور العين في
آخر السابق ففيه مخالفة المفهوم كلام المصنف. قوله: (أقر حر مكلف) اعلم أن شرطه التكليف والطوع
مطلقا والحرية للتنفيذ للحال لا مطلقا. فصح إقرار العبد للحال فيما لا تهمة فيه كالحدود والقصاص،
ويؤخر ما فيه تهمة إلى ما بعد العتق، والمأذون بما كان من التجارة للحال وتأخر بما ليس منها إلى
العتق كإقراره بجناية ومهر موطوءة بلا إذن والصبي والمأذون كالعبد فيما كان من التجارة لا فيما ليس
منها، كالكفالة وإقرار السكران بطريق محظور صحيح، إلا في حد الزنا وشرب الخمر مما يقبل
الرجوع، وإن بطريق مباح لا. منح. وانظر العزمية. قوله: (إن أقروا بتجارة) جوابه قول المصنف
الآتي صح أي صح للحال، زاد الشمني. أو ما كان من ضرورات التجارة كالدين والوديعة والعارية
والمضاربة والغصب دون ما ليس منها كالمهر والجناية والكفالة لدخول ما كان من باب التجارة تحت
الاذن دون غيره ا ه‍ فتال. قوله: (وقود) أي مما لا تهمة فيه فيصح للحال. قوله: (وإلا) أي بأن كان
مما فيه تهمة. قوله: (تضره الجهالة) لان من أقر أنه باع من فلان شيئا أو
اشترى من فلان كذا بشئ أو أجر فلانا شيئا لا يصح إقراره، ولا يجبر المقر على تسليم شئ. درر. كذا في الهامش. قوله: (بين
نفسه وعبده) قال المقدسي: هذا في حكم المعلوم، لان ما على عبده يرجع إليه في المعنى، لكن إنما
يظهر هذا فيما يلزمه في الحال، أما ما يلزمه بعد الحرية فهو كالأجنبي فيه، فإذا جمعه مع نفسه كان
كقوله لك علي أو على زيد فهو مجهول لا يصح. ذكره الحموي على الأشباه، فتال. قوله: (علي
146

كذا) بتشديد الياء. قوله: (ولا يجبر على البيان) زاد الزيلعي: ويؤمر بالتذكر لان المقر قد نسي صاحب
الحق، وزاد في غاية البيان أنه يحلف لكل واحد منهما إذا ادعى. وفي التاترخانية: ولم يذكر أنه
يستحلف لكل واحد منهما يمينا على حدة، بعضهم قالوا نعم. ويبدأ القاضي بيمين أيهما شاء أو
يقرع، وإذا حلف لكل لا يخلو من ثلاثة أوجه: إن حلف لأحدهما فقط يقضي بالعبد للآخر فقط،
وإن نكل لهما يقضى به وبقيمة الولد بينهما نصفين، سواء نكل لهما جملة بأن حلفه القاضي لهما يمينا
واحدة أو على التعاقب بأن حلفه لكل على حدة، وإن حلف فقد برئ عن دعوة كل، فإن أراد أن
يصطلحا وأخذ العبد منه لهما ذلك في قول أبي يوسف الأول، وهو قول محمد كما قبل الحلف، ثم
رجع أبو يوسف وقال: لا يجوز اصطلاحهما بعد الحلف. قالوا: ولا رواية عن أبي حنيفة اه‍.
فرع: لم يذكر الاقرار العام وذكره في المنح، وصح الاقرار بالعام كما في يدي من قليل أو كثير
أو عبد أو متاع أو جميع ما يعرف بي أو جميع ما ينسب إلى فلان، وإذا اختلفا في عين أنها كانت
موجودة وقت الاقرار أو لا فالقول قول المقر، إلا أن يقيم المقر له البينة أنها كانت موجودة في يده
وقته.
واعلم أن القبول ليس من شرط صحة الاقرار لكنه يرتد برد المقر له. صرح به في الخلاصة
وكثير من الكتب المعتبرة. واستشكل المصنف بناء على هذا قول العمادي وقاضيخان: الاقرار للغائب
يتوقف على التصديق. ثم أجاب عنه، وبحث في الجواب الرملي.
ثم أجاب عن الاشكال بما حاصله: أن اللزوم غير الصحة، ولا مانع من توقف العمل مع
صحته كبيع الفضولي، فالمتوقف لزومه لا صحته، فالاقرار للغائب لا يلزمه حتى صح إقراره لغيره،
كما يلزم من جانب المقر له حتى صح رده. وأما الاقرار للحاضر فيلزم من جانب المقر حتى لا
يصح إقراره لغيره به قبل رده، ولا يلزم من جانب المقر له فيصح رده. وأما الصحة فلا شبهة فيها في
الجانبين بدون القبول. قوله: (عزمي زاده) وحاصله: أن ما ذكره صاحب الدرر من الجبر إنما هو إذا
جهل المقر به لا المقر له، لقول الكافي: لأنه إقرار للمجهول وهو لا يفيد، وفائدة الجبر على البيان إنما
تكون لصاحب الحق وهو مجهول. قوله: (كشئ وحق) ولو قال أردت حق الاسلام لا يصح إن قاله
مفصولا، وإن موصولا يصح. تاترخانية وكفاية. قوله: (في علي مال) بتشديد الياء. قوله: (ومن
النصاب) معطوف على قوله: من درهم وكذا المعطوفات بعده. قوله: (وقيل إن المقر الخ) قال
الزيلعي: والأصح أن قوله يبنى على حال المقر في الفقر والغنى، فإن القليل عند الفقير عظيم
، وأضعاف ذلك عند الغني ليس بعظيم، وهو في الشرح متعارض، فإن المائتين في الزكاة عظيم، وفي
السرقة والمهر العشرة عظيمة فيرجع إلى حاله. ذكره في النهاية وحواشي الهداية معزيا إلى المبسوط.
شرنبلالية. وذكر في الهامش عن الزيلعي: وينبغي على قياس ما روى عن أبي حنيفة أن يعتبر فيه حال
147

المقر شرنبلالية. قوله: (في مال عظيم) برفع مال وعظيم. قوله: (لو بينه) بأن قال مال عظيم من
الذهب أو قال من الفضة. قوله: (ومن خمس وعشرين) أي ولا يصدق في أقل من خمس وعشرين لو
قال مال عظيم من الإبل. قوله: (ومن قدر النصاب قيمة) بنصب قيمة. (ومن ثلاثة نصب) من
أي جنس سماه تحقيقا لأدنى الجمع، حتى لو قال من الدراهم كان ستمائة درهم، وكذا في كل جنس
يريده حتى لو قال من الإبل يجب عليه من الإبل خمس وسبعون. كفاية. قوله: (اعتبر قيمتها) ويعتبر
الأدنى في ذلك للتيقن به. زيلعي: أي أدنى النصب من حيث القيمة. أبو السعود. قوله: (اسم
الجمع) يعني يقال عشرة دراهم ثم ثقال أحد عشر، فيكون هو الأكثر من حيث اللفظ كما في الهداية
س. قوله: (وكذا) أي لو قال له علي كذا درهما يجب درهم. قوله: (على المعتمد) لان ما في المتون
مقدم على الفتاوى. شرنبلالية. وفي التتمة والذخيرة، درهمان، لان كذا كناية عن العدد وأقله اثنان،
إذ الواحد لا يعد حتى يكون معه شئ وفي شرح المختار: قيل يلزمه عشرون، وهو القياس، لان أقل
عدد غير مركب يذكر بعده الدرهم بالنصب عشرون. فتح. قوله: (وكذا كذا درهما) أي بالنصب
وبالخفض ثلاثمائة، وفي كذا كذا درهما وكذا كذا دينارا عليه من كل أحد عشر، وفي كذا كذا دينارا
ودرهما أحد عشر منهما جميعا، ويقسم ستة من الدراهم وخمسة من الدنانير احتياطا، ولا يعكس لان
الدراهم أقل مالية والقياس خمسة ونصف من كل لكن ليس في لفظه ما يدل على الكسر. غاية البيان
ملخصا. قوله: (ولو ثلث) بأن قال كذا كذا كذا درهما. قوله: (إذ لا نظير له) وما قيل نظيره مائة
ألف ألف فسهو ظاهر، لان الكلام في نصب الدرهم وتمييز هذا العدد مجرور ولينظر هل إذا جره
يلزمه ذلك؟ وظاهر كلامهم لا. قوله: (ولو خمس زيد الخ) فيه أنه يضم الألف إلى عشرة آلاف.
قوله: (عشرة آلاف) هذا حكاه العيني بلفظ ينبغي لكنه غلط ظاهر، لان العشرة آلاف تتركب مع
الألف بلا واو، فيقال أحد عشر ألفا فتهدر الواو التي تعتبر معه ما أمكن، وهنا ممكن فيقال أحد
وعشرون ألفا ومائة وأحد وعشرون درهما نعم قوله: ولو سدس الخ مستقيم. سائحاني: أي بأن
يقال مائة ألف وأحد وعشرون ألفا وأحد وعشرون درهما، وكذا لو سبع زيد قبله ألف، وما ذكره
أحسن من قول بعضهم. قوله: (زيد عشرة آلاف) فيه أنه يضم الألف إلى العشرة آلاف، فيقال أحد
عشر، والقياس لزوم مائة ألف وعشرة آلاف الخ اه‍. لان أحد وعشرون ألفا أقل من مائة ألف، وقد
أمكن اعتبار الأقل فلا يجب الأكثر ويلزم أيضا اختلال المسائل التي بعده كلها فيقال لو خمس زيد مائة
ألف ولو سدس زيد ألف ألف وهكذا، بخلافه على ما مر فتدبر. قوله: (زيد مائة ألف) فيقال مائة
148

ألف وأحد وعشرون ألفا ومائة وأحد وعشرون. قوله: (أو قبلي) في بعض النسخ وقبلي. قوله:
(عندي أو معي) كأنه في عرفهم كذلك، أما العرف اليوم في عندي ومعي للدين، لكن ذكروا علة
أخرى تفيد عدم اعتبار عرفنا. قال السائحاني نقلا عن المقدسي: لأن هذه المواضع محل العين لا
الدين، إذ محله الذمة، والعين يحتمل أن تكون مضمونة وأمانة، والأمانة أدنى فحمل عليها، والعرف
يشهد له أيضا، فإن قيل: لو قال علي مائة وديعة دين أو دين وديعة لا تثبت الأمانة مع أنها أقلهما.
أجيب: بأن أحد اللفظين إذا كان للأمانة والآخر للدين، فإذا اجتمعا في الاقرار يترجح الدين اه‍ أي
بخلاف اللفظ الواحد المحتمل لمعنيين. قوله: (بالشركة) قال المقدسي: ثم إن كان متميزا فوديعة وإلا
فشركة. سائحاني. فكان عليه أن يقول: أو بالوديعة. قوله: (بخلاف الاقرار) فإنه لو كان إقرارا لا
يحتاج إلى التسليم. قوله: (متى أضاف) ينبغي تقييده بما إذا لم يأت فلفظ في كما يعلم مما قبله.
قوله: (المقر به) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء. قوله: (كان هبة) لان قضية الإضافة تنافي حمله
على الاقرار الذي هو إخبار لا إنشاء، فيجعل إنشاء فيكون هبة فيشترط فيه ما يشترط في الهبة. منح.
إذا قال: اشهدوا أني قد أوصيت لفلان بألف وأوصيت أن لفلان في مالي ألفا فالأولى وصية، والأخرى
إقرار. وفي الأصل: إذا قال في وصيته سدس داري لفلان فهو وصية، ولو قال لفلان سدس في داري
فإقرار، لأنه في الأول: جعل له سدس دار جميعها مضاف إلى نفسه وإنما يكون ذلك بقصد التمليك،
وفي الثاني: جعل دار نفسه ظرفا للسدس الذي كان لفلان، وإنما تكون داره ظرفا لذلك السدس إذا
كان السدس مملوكا لفلان قبل ذلك فيكون إقرارا، أما لو كان إنشاء لا يكون ظرفا لان الدار كلها له،
فلا يكون البعض ظرفا للبعض، وعلى هذا إذا قال له ألف درهم من مالي فهو وصية استحسانا إذا كان
في ذكر الوصية، وإن قال: في مالي فهو إقرار اه‍. من النهاية أول كتاب الوصية. فقول المصنف فهو
هبة أي إن لم يكن في ذكر الوصية، وفي هذا الأصل خلاف كما ذكره في المنح، وسيأتي في متفرقات
الهبة عن البزازية وغيرها: الدين الذي لي على فلان لفلان إنه إقرار، واستشكله الشارح هناك وأوضحناه ثمة
فراجعه. قوله: (ولا يرد) أي على منطوق الأصل المذكور، وقوله: ولا الأرض أي لا يرد على
مفهومه، وهو أنه إذا لم يضفه كان إقرارا وقوله: للإضافة تقديرا علة لقوله: ولا الأرض. قوله:
(ما في بيتي) وكذا ما في منزلي ويدخل فيه الدواب، التي يبعثها بالنهار وتأوي إليه بالليل وكذا العبيد
كذلك كما في التاترخانية أي فإنه إقرار. قوله: (لأنها إضافة) أي فإنه أضاف الظرف لا المظروف المقر
به. قوله: (ولا الأرض) لا ورود لها على ما تقدم، إذ الإضافة فيها إلى ملكه. نعم نقلها في المنح عن
الخانية على أنها تمليك، ثم نقل عن المنتقى نظيرتها على أنها إقرار، وكذا نقل عن القنية ما يفيد ذلك
حيث قال: إقرار الأب لولده الصغير بعين من ماله تمليك إن أضافه إلى نفسه في الاقرار، وإن أطلق
فإقرار كما في سدس داري وسدس هذه الدار، ثم نقل عنها ما يخالفه.
149

ثم قال قلت: بعض هذه الفروع يقتضي التسوية بين الإضافة وعدمها، فيفيد أن في المسألة
خلافا، ومسألة الابن الصغير يصح فيها الهبة بدون القبض، لان كونه في يده قبض فلا فرق بين
الاقرار والتمليك، بخلاف الأجنبي، ولو كان في مسألة الصغير شئ مما يحتمل القسمة ظهر الفرق
بين الاقرار والتمليك في حقه أيضا لافتقاره إلى القبض مفرزا اه‍.
ثم قال: وهنا مسألة كثيرة الوقوع وهي ما إذا أقر لآخر الخ ما ذكره الشارح مختصرا.
وحاصله: أنه اختلف النقل في قوله: الأرض التي حدودها كذا لطفلي هل هو إقرار أو هبة؟
وأفاد أنه لا فرق بينهما إلا إذا كان فيها شئ مما يحتمل القسمة، فتظهر ثمرة الاختلاف في وجوب
القبض وعدمه، وكان مراد الشارح الإشارة إلى أن ما ذكره المصنف آخرا يفيد التوقف بأن يحمل قول
من قال إنها تمليك، على ما إذا كانت معلومة بين الناس أنها ملكه، فتكون فيها الإضافة تقديرا، وقول
من قال إنها إقرار، على ما إذا لم تكن كذلك، فقوله: ولا في الأرض أي ولا ترد مسألة الأرض التي
الخ على الأصل السابق فإنها هبة: أي لو كانت معلومة أنها ملكه للإضافة تقديرا، لكن لا يحتاج إلى
التسليم كما اقتضاه الأصل لأنها في يده، وحينئذ يظهر دفع الورود. تأمل. قوله: (مفرزا للإضافة)
في بعض النسخ يوجد هنا بين قوله: مفرزا وقوله: للإضافة بياض، وفي بعضها لفظ ا ه‍. وقدمنا
قريبا أن قوله: للإضافة علة لقوله: ولا الأرض. قوله: (فهل يكون إقرارا) أقول المفهوم من
كلامهم أنه إذا أضاف المقر به أو الموهوب إلى نفس كان هبة، وإلا يحتمل الاقرار والهبة فيعمل
بالقرائن، لكن يشكل على الأول ما عن نجم الأئمة البخاري أنه إقرار في الحالتين، وربما يوفق بين
كلامهم بأن الملك إذا كان ظاهرا للملك فهو تمليك، وإلا فهو إقرار إن وجدت قرينة، وتمليك إن
وجدت قرينة تدل عليه. فتأمل. فإنا نجد في الحوادث ما يقتضي. رملي. وقال السائحاني: أنت خبير
بأن أقوال المذهب كثيرة، والمشهور هو ما مر من قول الشارح والأصل الخ وفي المنح عن السعدي:
أن إقرار الأب لولده الصغير بعين ماله تمليك إن أضاف ذلك إلى نفسه. فانظر لقوله
بعين ماله ولقوله لولده الصغير، فهو يشير إلى عدم اعتبار ما يعهد بل العبرة للفظ اه‍
. قلت: ويؤيده ما مر من قوله: ما في بيتي وما في الخانية جميع ما يعرف بي أو جميع ما ينسب
إلي لفلان قال الإسكاف إقرار ا ه‍. فإن ما في بيته وما يعرف به وينسب إليه يكون معلوما لكثير من
الناس أنه ملكه، فإن اليد والتصرف دليل الملك، وقد صرحوا بأنه إقرار، وأفتى به في الحامدية وبه
تأيد بحث السائحاني، ولعله إنما عبر في مسألة الأرض بالهبة لعدم الفرق فيها بين الهبة والاقرار إذا
كان ذلك لطفله، ولذا ذكرها في المنتقى في جانب غير الطفل مضافة للمقر حيث قال: إذا قال أرضي
هذه وذكره حدودها لفلان أو قال الأرض التي حدودها كذا لولدي فلان وهو صغير كان جائزا ويكون
150

تمليكا، فتأمل والله أعلم. قوله: (فهو إقرار له بها) وكذا لا أقضيكها أو والله لا أقضيكها ولا أعطيكها
فإقرار. وفي الخانية: لا أعطيكها لا يكون إقرارا، ولو قال أحل غرماءك علي أو بعضهم أو من شئت
أو من شئت منهم فإقرار بها. مقدسي. وفيه قال أعطني الألف التي لي عليك فقال اصبر أو سوف
تأخذها لا، وقوله اتزن (1) إن شاء الله إقرار. وفي البزازية: قوله عند دعوى المال ما قبضت منك بغير
حق لا يكون إقرارا، ولو قال بأي سبب دفعته إلي قالوا يكون إقرارا، وفيه نظر اه‍. قدمه إلى الحاكم
قبل حلول الأجل وطالبه به، فله أن يحلف ما له علي اليوم شئ، وهذا الحلف لا يكون إقرارا. وقال
الفقيه: لا يلتفت إلى قول من جعله إقرارا. سائحاني. وفي العيني عن الكافي زيادة، ونقله الفتال،
وذكر في المنح جملة منها فراجعها. قوله: (لرجوع الضمير إليها) فكأنه قال أتزن الألف التي لك علي.
قوله: (على سبيل الاستهزاء) أي بالقرائن. قوله: (إلى المذكور) أي انصرافا متعينا وإلا فهو محتمل.
قوله: (والأصل أن كل ما يصلح الخ) كالألفاظ الماردة، وعبارة الكافي بعد هذا كما في المنح: فإن ذكر
الضمير صلح جوابا لا ابتداء وإن لم يذكره لا يصلح جوابا، أو يصلح جوابا وابتداء فلا يكون إقرارا
بالشك. قوله: (جوابا) ومنه ما إذا تقاضاه بمائة درهم فقال قضيتكها أو أبرأتني. قوله: (لا للبناء) أي
على كلام سابق بأن يكون جوابا عنه. قوله: (وهذا) أي التفصيل بين ذكر الضمير وعدمه كما يستفاد مما
نقلناه قبل. قوله: (مطلقا) أي ذكر الضمير كقوله نعم هو علي أو لم يذكره كما مثل. قوله: (لا
يستخدم فلانا) أي فأشار إلى خدمته. كذا في الهامش ويأتي في الشرح. قوله: (إلا في تسع) ينبغي أن
يزاد تعديل الشاهد من العالم بالإشارة فإنها تكفي كما قدمناه في الشهادات فتال.

(1) قوله: (اتزن الخ) لعل صوابه اتزنهما كما هي عبارة البزازية وحينئذ فلا اشكال ا ه‍.
151

فرع: ذكره في الهامش ادعى بعض الورثة بعد الاقتسام دينا على الميت يقبل، ولا يكون
الاقتسام إبراء عن الدين لان حقه غير متعلق بالغير، فلم يكن الرضا بالقسمة إقرارا بعدم التعلق،
بخلاف ما إذا ادعى بعد القسمة عينا من أعيان التركة حيث لا تسمع، لان حقه متعلق بعين التركة
صورة ومعنى فانتظمت القسمة بانقطاع حقه عن التركة صورة ومعنى، لان القسمة تستدعي عدم
اختصاصه به. بزازية ا ه‍. قوله: (بلا شرط) فالأجل فيها نوع فكانت الكفالة المؤجلة أحد نوعي
الكفالة، فيصدق لان إقراره بأحد النوعين لا يجعل إقرارا بالنوع الآخر. غاية البيان. وقد مرت المسألة
في الكفالة عند قوله لك مائة درهم إلى شهر. قوله: (وشراؤه أمة متنقبة الخ) وفي البزازية علل لذلك
بقوله: والضابط أن الشئ إن كان مما يعرف وقت المساومة كالجارية القائمة المتنقبة بين يديه لا يقبل إلا
إذا صدقه المدعى عليه في عدم معرفته إياها فيقبل، وإن كان مما لا يعرف كثوب في منديل أو جارية
قاعدة على رأسها غطاء لا يرى منها شئ يقبل، ولهذا اختلفت أقاويل العلماء ا ه‍. ويظهر لي أن
الثوب في الجراب كهو في المنديل. سائحاني. قوله: (كثوب) أي كشراء ثوب في جراب. قوله:
(وكذا الاستيام) انظر جامع الفصولين، ونور العين في الفصل العاشر وحاشية الفتال
. فرع: ذكره في الهامش رجل قال لآخر: لي عليك ألف درهم فقال له المدعى عليه: إن حلفت
أنها ما لك علي دفعتها إليك، فحلف المدعي ودفع المدعى عليه الدراهم، قالوا: إن أدى الدراهم
بحكم الشرط الذي شرط فهو باطل وللدافع أن يسترد منه لان الشرط باطل. خانية. قوله: (والإعارة)
الأولى أن يقال: الاستعارة كما في جامع الفصولين في العاشر. كذا في الهامش.
فرع: في الهامش: شراه فشهد رجل على ذلك وختم فهو ليس بتسليم، يريد به أنه إذا شهد
بالشراء: أي كتب الشهادة في صك الشهادة وختم على صك الشهادة ثم ادعاه صح دعواه، ولم تكن
كتابة الشهادة إقرارا بأنه للبائع، وهذا لان الانسان يبيع مال غيره كمال نفسه، والشهادة بالبيع لا تدل
على صحته، جامع الفصولين في الرابع عشر. قوله: (ذكره في الدرر) الضمير راجع إلى المذكور متنا
من قوله: وكذا الخ سوء الإجارة، وإلى المذكور شرحا، فجميع ذلك مذكور فيها، والضمير في
قوله: وصححه في الجامع الخ راجع إلى ما في المتن فقط يدل عليه قول المصنف في المنح، وممن
صرح بكونه إقرارا منلا خسرو. وفي النظم الوهباني لعبد البر خلافه.
ثم قال: والحاصل أن رواية الجامع أن الاستيام والاستئجار والاستعارة ونحوها إقرار بالملك
152

للمساوم منه والمستأجر منه، ورواية الزيادات أنه لا يكون ذلك إقرارا بالملكية وهو الصحيح، كذا في
العمادية وحكي فيه الروايات على أنه لا ملك للمساوم، ونحوه فيه، وعلى هذا الخلاف ينبغي
صحة دعواه ملكا لما ساوم فيه لنفسه (1) أو لغيره ا ه‍. وإنما جزمنا هنا بكونه إقرارا أخذا برواية الجامع
الصغير والله تعالى أعلم اه‍. قال السائحاني: ويظهر لي أنه إن أبدى عذرا يفتى بما في الزيادات من أن
الاستيام ونحوه لا يكون إقرارا. وفي العمادية وهو الصحيح، وفي السراجية أنه الأصح، قال
الأنقروي: والأكثر على تصحيح ما في الزيادات وأنه ظاهر الرواية. قوله: (وصححه في الجامع) أي
جامع الفصولين وهذه رواية الجامع للإمام محمد، والضمير في صححه لكونه إقرارا بالملك لذي
اليد. قال في الشرنبلالية: كون هذه الأشياء إقرارا بعدم الملك للمباشر متفق عليه، وأما كونها إقرارا
بالملك لذي اليد ففيه روايتان: على رواية الجامع يفيد الملك لذي اليد، وعلى رواية الزيادات لا، وهو
الصحيح. كذا في الصغرى. وفي جامع الفصولين صحح رواية إفادته الملك فاختلف التصحيح
للروايتين، ويبتنى على عدم إفادته ملك المدعى عليه جواز دعوى المقر بها لغيره ا ه‍. ونقل السائحاني
عن الأنقروي أن الأكثر على تصحيح ما في الزيادات، وأنه ظاهر الرواية اه‍.
قلت: فيفتى به لترجحه لكونه ظاهر الرواية وإن اختلف التصحيح.
تتمة: الاشتراء (2) من غير المدعى عليه في كونه إقرارا بأنه لا ملك للمدعي كالإشتراء من
المدعى عليه حتى لو برهن يكون دفعا. قال في جامع الفصولين بعد نقله عن الصغرى أقول: ينبغي
أن يكون الاستيداع وكذا الاستيعاب ونحوه كالإستشراء.
مهمة: قال في البزازية: ومما يجب حفظه هنا أن المساومة إقرار بالملك للبائع أو بعدم كونه ملكا
ضمنا لا قصدا، وليس كالاقرار صريحا بأنه ملك البائع والتفاوت يظهر فيما إذا وصل إلى يده يؤمر
بالرد إلى البائع في فصل الاقرار الصريح، ولا يؤمر في فصل المساومة، وبيانه: اشترى متاعا من
إنسان وقبضه، ثم إن أبا المشتري استحقه بالبرهان من المشتري وأخذه ثم مات الأب
وورثه الابن المشتري لا يؤمر برده إلى البائع ويرجع بالثمن على البائع ويكون المتاع في يد المشتري هذا بالإرث، ولو
أقر عند البيع بأنه ملك البائع ثم استحقه أبوه من يده ثم مات الأب وورثه الابن المشتري لا يرجع على
البائع، لأنه في يده بناء على زعمه بحكم الشراء لما تقرر أن القضاء للمستحق لا يوجب فسخ البيع قبل
الرجوع بالثمن اه‍. ذكره في الفصل الأول من كتاب الدعوى، وفيه فروع جمة كلها مهمة فراجعه.
قوله: (لتصحيح الوهبانية) أي في مسألة الاستيام. قوله: (لا) بل يكون استفهاما وطلب إشهاد على
إقرار بإرادة بيع ملك القائل فيلزمه بعد ذلك. شرنبلالية. قوله: (فإنه ليس بإقرار) أي فما هنا أولى أو
مساو. قال في الهامش: وإن رأى المولى عبده يبيع عينا من أعيان المولى فسكت لم يكن إذنا، وكذا

(1) قوله: (لنفسه الخ) الصواب اسقاطها إذ لا وجه لصحة الدعوى لنفسه بعد اتفاق الروايات على أنه لا ملك للمساوم
ونحو ا ه‍.
(2) قوله: (الاشتراء الخ) لعل صوابه الاستشراء وكذا ما بعده بقرينة عبارة جامع الفصولين ا ه‍.
153

المرتهن إذا رأى الراهن يبيع الرهن فسكت لم يبطل الرهن. وروى الطحاوي عن أصحابنا: المرتهن إذا
سكت كان رضا بالبيع ويبطل الرهن. خانية من كتاب المأذون. قوله: (والموزون) كقوله مائة وقفيز كذا
أو رطل كذا، ولو قال له نصف درهم ودينار وثوب فعليه نصف كل منها، وكذا نصف هذا العبد
وهذه الجارية، لان الكلام كله وقع بغير عينه أو بعينه فينصرف النصف إلى الكل، بخلاف ما لو كان
بعضه غير معين كنصف هذا الدينار ودرهم يجب الدرهم كله. قال الزيلعي: وعلى تقدير خفض
الدرهم مشكل.
وأقول: لا إشكال على لغة الجوار، على أن الغالب على الطلبة عدم التزام الاعراب. سائحاني:
أي فضلا عن العوام، ولكن الأحوط الاستفسار، فإن الأصل براءة الذمة فلعله قصد الجر. تأمل.
قوله: (كلها ثياب) لأنه ذكر عددين مبهمين وأردفهما بالتفسير فصرف إليهما لعدم العاطف. منح.
قوله: (بحرف العطف) بأن يقول مائة وأثواب ثلاثة كما في مائة وثوب. قوله: (وإن أمكن نقله) كتمر
في قوصرة. قوله: (خلافا لمحمد) فعنده لزماه جميعا، لان غصب غير المنقول متصور عنده. زيلعي.
قوله: (في خيمة) فيه أن الخيمة لا تسمى ظرفا (1) حقيقة، والمعتبر كونه ظرفا حقيقة كما في المنح.
قوله: (لزماه) لان الاقرار بالغصب إخبار عن نقله ونقل المظروف حال كونه مظروفا لا يتصور إلا
بنقل الظرف، فصار إقرارا بغصبهما ضرورة، ورجع في البيان إليه لأنه لم يعين، هكذا قرر في غاية
البيان وغيرها هنا وفيما بعده، وظاهر قصره على الاقرار بالغصب، ويؤيده ما في الخانية له على ثوب
أو عبد صح، ويقضى بقيمة وسط عند أبي يوسف. وقال محمد: القول له في القيمة اه‍. وفي البحر
والأشباه. لا يلزمه شئ اه‍. ولعله قول الإمام. فهذا يدل على أن ما هنا قاصر على الغصب، وإلا
لزمه القيمة أو لم يلزمه شئ. ثم رأيته في الشرنبلالية عن الجوهرة حيث قال: إن أضاف ما أقر به إلى
فعل بأن قال غصبت منه تمرا في قوصرة لزمه التمر والقوصرة والإبل. ذكره ابتداء وقال علي تمر في
قوصرة فعليه التمر دون القوصرة، لان الاقرار قول والقول بتمييزه البعض (2) دون البعض، كما لو
قال بعت له زعفرانا في سلة ا ه‍ ولله الحمد. ولعل المراد بقوله فعليه التمر قيمته. تأمل. قوله: (لزمه
الثوب) هو ظاهر، ويدل عليه ما يأتي متنا وهو ثوب في منديل أو في ثوب، فإن ما هنا أولى. وفي
غاية البيان: ولو قال غصبتك كذا في كذا والثاني لا يكون وعاء (3) للأول لزماه وفيها: ولو قال علي

(1) قوله: (فيه ان الخيمة لا تسمى ظرفا الخ) غير مسلم نعم هي لا تسمى ظرفا عرفا وكذا الاصطبل لا يسمى ظرفا في
العرف وان كان يسمى ظرفا حقيقة والمعتبر انما هو التسمية الحقيقية كما قال فافهم ا ه‍.
(2) قوله: (والقول بتمييزه البعض الخ) هكذا في النسخة المجموع منها وانظر ما معناه تأمل ا ه‍، مصححه.
(3) قوله: (والثاني لا يكون وعاء) لعل الأولى مما لا يكون تأمل ا ه‍.
154

درهم في قفيز حنطة لزمه الدرهم فقط، وإن صلح القفيز ظرفا بيانه ما قاله جواهر زاده أنه أقر بدرهم
في الذمة، وما فيها لا يتصور أن يكون مظروفا في شئ آخر ا ه‍. ويظهر لي أن هذا في الاقرار
ابتداء، أما في الغصب فيلزمه الظرف أيضا كما في غصبته درهما في كيس، بناء على ما قدمناه ويفيده
التعليل، وعلى هذا التفصيل درهم في ثوب. تأمل. قوله: (جفنه) بفتح الجيم: أي غمده. قوله:
(وحمائله) أي علاقته. قال الأصمعي: لا واحد لها من لفظها وإنما واحدها محمل. عيني. قوله: (في
قوصرة) بالتشديد وقد تخفف مختار. قوله: (وطعام في بيت) الأصل في جنس هذه المسائل أن الظرف
إن أمكن أن يجعل ظرفا حقيقة ينظر: فإن أمكن نقله لزماه، وإن لم يمكن نقله لزمه المظروف خاصة
عندهما، لأن الغصب الموجب للضمان لا يتحقق في غير المنقول، ولو ادعى أنه لم ينقل المظروف لا
يصدق، لأنه أقر بغصب تام إذ هو مطلق فيحمل على الكمال. وعند محمد: لزماه جميعا لان غصب
المنقول (1) متصور عنده، وإن لم يمكن أن يجعل ظرفا حقيقة لم يلزمه إلا الأول كقولهم درهم في درهم
لم يلزمه الثاني لأنه لا يصلح أن يكون ظرفا. منح. كذا في هامش. قوله: (لا تكون ظرفا) خلافا
لمحمد، لأنه يجوز أن يلف الثوب النفيس في عشرة أثواب. منح كذا في الهامش. قوله: (خمسة) لان
أثر الضرب في تكثير الاجزاء لا في تكثير المال. درر. كذا في الهامش. وفي الولوالجية إن عنى
بعشرة في عشرة الضرب فقط أو الضرب بمعنى تكثير الاجزاء فعشرة، وإن نوى بالضرب تكثير العين
لزمه مائة. سائحاني. قوله: (وعشرة إن عنى مع) وفي البيانية على درهم مع درهم أو معه درهم
لزماه، وكذا قبله أو بعده، وكذا درهم فدرهم أو ودرهم، بخلاف على درهم أو قال درهم
درهم لان الثاني تأكيد، وله علي درهم في قفيز بر لزمه درهم، وبطل القفيز كعكسه، وكذا له فرق
زيت في عشرة مخاتيم حنطة ودرهم ثم درهمان لزمه ثلاثة ودرهم بدرهم واحد لأنه للبدلية اه‍
ملخصا.
وفي الحاوي القدسي: له علي مائة ونيف لزمه مائة والقول له في النيف، وفي قريب من ألف
عليه أكثر من خمسمائة والقول له في الزيادة. وفي الهامش: لو قال أردت خمسمائة مع خمسمائة (2) لزمه
عشرة لان اللفظ يحتمله، قال تعالى: * (فادخلي في عبادي) * (الفجر: 29) قيل مع عبادي، فإذا احتمله
اللفظ ولو مجازا ونواه صح، لا سيما إذا كان فيه تشديد على نفسه كما عرف في موضعه. درر اه‍.

(1) قوله: (لان غصب المنقول الخ) لعل صوابه زيادة غير تأمل ا ه‍.
(2) قوله: (أردت خمسمائة مع خمسمائة الخ) لعل صوابه خمسة مع خمسة ليناسب قوله: لزمه عشرة تأمل ا ه‍.
155

قوله: (تسعة عند أبي حنيفة) وقالا يلزمه عشرة وقال زفر ثمانية وهو القياس، لأنه جعل الدرهم الأول
والآخر حدا والحد لا يدخل في المحدود، ولهما أن الغاية يجب أن تكون موجودة، إذ المعدوم لا يجوز
أن يكون حدا للموجود ووجوده يوجبه فتدخل الغايتان، وله أن الغاية لا تدخل لان الحد يغاير
المحدود، لكن هنا لا بد من إدخال الأولى، لان الدرهم الثاني والثالث لا يتحقق بدون الأولى فدخلت
الآية الأولى ضرورة ولا ضرورة في الثانية. درر. كذا في الهامش، قوله: (بخلاف الثانية) أي الغاية
الثانية. قوله: (إلا قفيزا) من شعير وعندهما كران. منح. كذا في الهامش. قوله: (لما مر) أي من أن
الغاية الثانية لا تدخل لعدم الضرورة.
واعلم أن المراد بالغاية الثانية المتمم للمذكور، فالغاية في إلى عشرة وفي إلى ألف الفرد الأخير،
وهكذا على ما يظر لي. قال المقدسي: ذكر الإتقاني عن الحسن أنه لو قال من درهم إلى دينار لم يلزمه
الدينار. وفي الأشباه: علي من شاة إلى بقرة لا يلزمه شئ سواء كان بعينه أو لا، ورأيت معزيا
لشرحها، قال أبو يوسف: إذا كان بغير عينه فهما عليه، ولو قال ما بين درهم إلى درهم
فعليه درهم عند أبي حنيفة ودرهمان عند أبي يوسف. سائحاني. قوله: (لما مر) من أن الغاية الثانية لا تدخل، وأن
الأولى تدخل للضرورة: أي ولا ضرورة هنا. تأمل. وعلل له في البرهان كما في الشرنبلالية بقيامهما
بأنفسهما. قوله: (وصح الاقرار بالحمل) سواء كان حمل أمة أو غيرها بأن يقول حمل أمتي أو حمل شاتي
لفلان، وإن لم يبين له سببا لان لتصحيحه وجها وهو الوصية من غيره، كأن أوصى رجل بحمل شاة
مثلا لآخر ومات فأقر ابنه بذلك فحمل عليه. قوله: (المحتمل) أي والمتيقن بالأولى، ولعل الأولى أن
يقول المتيقن وجوده شرعا. قوله: (لثبوت نسبه) فيكون حكما بوجوده. قوله: (لكن في الجوهرة)
الاستدراك على ما تضمنه الكلام السابق من الرجوع إلى أهل الخبرة إذ لا يلزم فيما ذكر. قوله: (وصح
له) أي للحمل المحتمل وجوده وقت الاقرار، بأن جاءت به لدون نصف حول أو لسنتين وأبوه ميت،
إذ لو جاءت به لسنتين وأبوه حي ووطئ الام له حلال فالاقرار بالحمل (1)، لأنه محال بالعلوق إلى أقرب
الأوقات فلا يثبت الوجود وقت الاقرار لا حقيقة ولا حكما. بيانية وكفاية. قوله: (بخلاف الميراث)

(1) قوله: (فالاقرار بالحمل الخ) هكذا في النسخة المجموع منها وليتأمل ا ه‍. مصححه.
156

فإنه فيد للذكر مثل حظ الأنثيين. قوله: (فإنه صحيح) لان الاقرار لا يتوقف على القبول، ويثبت الملك
للمقر له من غير تصديق لكن بطلانه يتوقف على الابطال كما في الأنقروي. سائحاني. والفرق بينه
وبين الحمل سيذكره الشارح. قوله: (في الجملة) أي بأن يعقد مع وليه، بخلاف الحمل فإنه لا يلي عليه
أحد. قوله: (لم يعتبر) ينبغي أن يقول، فإنه لم يعتبر لان أن وصلية فلا جواب لها ح. قوله: (أو
قصيرة) الأولى حذفها كما لا يخفى ح. قوله: (لأنها أفعال) لان الشئ المقر به قرض أو غصب أو
وديعة أو عارية. قوله: (بكتابة الاقرار) بخلاف أمره بكتابة الإجارة وأشهد ولم يجز عنه لا تنعقد.
أشباه. قوله: (يكون بالبنان) بالباء الموحدة والنون، ومقتضى كلامه أن مسألة المتن من قبيل الاقرار
بالبنان، والظاهر أنها من قبيل الاقرار باللسان بدليل قوله كتب أم لم يكتب، وبدليل ما في المنح عن
الخانية حيث قال: وقد يكون الاقرار بالبنان كما يكون باللسان رجل كتب على نفسه ذكر حق بحضرة
قوم أو أملى على إنسان ليكتب ثم قال اشهدوا علي بهذا لفلان كان إقرارا ا ه‍. فإن ظاهر التركيب أن
المسألة الأولى مثال للاقرار بالبنان والثانية للاقرار باللسان فتأمل. ح.
فرع: ادعى المديون أن الدائن كتب على قرطاس بخطه أنه الدين الذي لي على فلان
ابن فلان أبرأته عنه صح وسقط الدين، لان الكتابة المرسومة المعنونة كالنطق به، وإن لم يكن كذلك لا يصح
الابراء ولا دعوى الابراء، ولا فرق بين أن تكون الكتابة بطلب الدائن أو لا بطلب. بزازية من آخر
الرابع عشر من الدعوى، وفي أحكام الكتابة من الأشباه: إذا كتب ولم يقل شيئا لا تحل الشهادة قال
القاضي النسفي: إن كتب مصدرا: يعني كتب في صدره أن فلان بن فلان له علي كذا أو أما بعد
فلفلان علي كذا يحل للشاهد أن يشهد وإن لم يقل اشهد علي به، والعامة على خلافه لان الكتابة قد
تكون للتجربة، ولو كتب وقرأه عند الشهود وإن لم يشهدهم (2) ولو كتب عندهم وقال اشهدوا علي
بما فيه إن علموا بما فيه كان إقرارا، وإلا فلا. وذكر القاضي ادعى على آخر مالا وأخرج خطا وقال

(2) قوله: (ولو كتب وقرأ عند الشهود وان لم يشهدهم) هكذا في النسخة المجموع منها بدون ذكر جواب للرد وليحرر
ا ه‍. مصححه.
157

إنه خط المدعى عليه بهذا المال فأنكر كونه خطه، فاستكتب وكان بين الخطين مشابهة ظاهرة تدل على
أنهما خط كاتب واحد لا يحكم عليه بالمال في الصحيح، لأنه لا يزيد على أن يقول هذا خطي وأنا
حررته، لكن ليس علي هذا المال، وثمة لا يجب كذا هنا إلا في دفتر السمسار والبياع والصراف اه‍.
وقدمنا شيئا من الكلام عليها في باب كتاب القاضي وفي أثناء كتاب الشهادات، ومثله في البزازية.
وقال السائحاني: وفي المقدسي عن الظهيرية لو قال وجدت في كتابي أن له علي ألفا أو وجدت
في ذكري أو في حسابي أو بخطي أو قال كتبت بيدي أن له علي كذا كله باطل، وجماعة من أئمة بلخ
قالوا في دفتر البياع: إن ما وجد فهي بخط البياع فهو لازم عليه، لأنه لا يكتب إلا ما على الناس له
وما للناس عليه صيانة عن النسيان، والبناء على العادة الظاهرة واجب اه‍.
فقد استفدنا من هذا أن قول أئمتنا لا يعمل بالخط يجري على عمومه، واستثناء دفتر السمسار
والبياع لا يظهر، بل الأولى أن يعزى إلى جماعة من أئمة بلخ، وأن يقيد بكونه فيما عليه، ومن هنا
يعلم أن رد الطرسوسي العمل به مؤيد بالمذهب فليس إلى غيره نذهب. وانظر ما قدمناه في باب كتاب
القاضي إلى القاضي. قوله: (أحد الورثة) وإن صدقوا جميعا لكن على التفاوت، كرجل مات عن ثلاثة
بنين وثلاثة آلاف فاقتسموها وأخذ كل واحد ألفا فادعى رجل على أبيهم ثلاثة آلاف فصدقه الأكبر في
الكل والأوسط في الألفين والأصغر في الألف أخذ من الأكبر ألفا (2) ومن الأوسط خمسة أسداس
الألف، ومن الأصغر ثلث ألف عند أبي يوسف. وقال محمد: في الأصغر والأكبر كذلك، والأوسط
يأخذ الألف، ووجه في الكافي.
تنبيه: لو قال المدعي عليه عند القاضي كل ما يوجد في تذكرة المدعي بخطه فقد التزمته ليس
بإقرار، لأنه قيده بشرط لا يلائمه، فإنه ثبت عن أصحابنا رحمهم الله أن من قال كل من أقر به على
فلان فأما مقر به فلا يكون إقرارا لأنه يشبه وعدا. كذا في المحيط شرنبلالية.
في رجل كان يستدين من زيد ويدفع له ثم تحاسب على مبلغ دين لزيد بذمة الرجل، وأقر الرجل

(2) قوله: (أخذ من الأكبر ألفا الخ) وجه ما قاله أبو يوسف ان الكل اتفقوا على الألف فيؤخذ من يد كل واحد منهم ثلثه
وحينئذ يكون قد وصل إليه كل ما أقر به الأصغر ثم اتفق الأوسط والأكبر على ألف آخر فيؤخذ من كل واحد منهما
نصفه فيبقى في يد الأوسط سدس الألف فهو له إذ قد وصل إليه كل ما أقر به ذلك الأوسط وبقي في يد الأكبر سدس
الألف فيأخذه الدائن لأنه مقر ان الدين مستغرق للتركة ولا ارث له, ووجه قول محمد ان الأصغر يزعم أن المدعي
يدعي ثلاثة آلاف ألفا بحق والفين بغير حق فإذا اخذ من الأكبر ألفا فقد اخذ ثلث الألف بحق والثلثين بدونه والأوسط
يزعم أن الدعوى حق في الفين وكذب في الف فيكون قد اخذ من الأكبر ثلثي الألف بحق وثلثه بدونه فعلى زعم
الأصغر يكون قد بقي من دعوى المدعي الحق ثلثا الف وعلى زعم الأوسط الف وثلث فقد اتفقا على ثلثي الف الذي
هو زعم الأصغر فيؤخذ من كل واحد ونصف ما اتفقا عليه وهو ثلث الألف فيبقى للدائن من اقرار الأوسط ثلثا الف
وذلك في يده فيدفعه إليه فلم يبق في يده شئ ا ه‍. من كافي النسفي ببعض تغييره.
158

بأن ذلك آخر كل قبض وحساب، ثم بعد أيام يريد نقض ذلك وإعادة الحساب فهل ليس له ذلك
الجواب؟ نعم لقول الدرر: لا عذر لمن أقر. سائحاني.
وفيها في شريكي تجارة حسب لهما جماعة الدفاتر فتراضيا وانفصل المجلس وقد ظنا صواب
الجماعة في الحساب، ثم تبين الخطأ في الحساب لدى جماعة أخرى، فهل يرجع للصواب؟ الجواب:
نعم لقول الأشباه: لا عبرة بالظن البين خطؤه.
في شريكي عنان تحاسبا ثم افترقا بلا إبراى أو بقيا على الشركة ثم تذكر أحدهما أنه كان أوصل
لشريكه أشياء من الشركة غير ما تحاسبا عليه فأنكر الآخر ولا بينة فطلب المدعي يمينه على ذلك، فهل
له ذلك لان اليمين على من أنكر؟ الجواب نعم ا ه‍. قوله: (أقر بالدين) سيأتي في الوصايا قبيل باب
العتق في المرض. قوله: (وقيل حصته) عبر عنه بقيل، لان الأول ظاهر الرواية كما في فتاوى
المصنف، وسيجئ أيضا وهذا بخلاف الوصية، لما في جامع الفصولين: أحد الورثة لو أقر بالوصية
يؤخذ منه ما يخصه وفاقا، وفي مجموعة منلا علي عن العمادية في الفصل التاسع والثلاثين: أحد الورثة
إذا أقر بالوصية يؤخذ منه ما يخصه بالاتفاق، وإذا مات وترك ثلاثة بنين وثلاثة آلاف درهم، فأخذ كل
ابن ألفا فادعى رجل أن الميت أوصى له بثلث ماله وصدقه أحد الابنين (1) فالقياس أن يؤخذ منه ثلاثة
أخماس ما في يده، وهو قول زفر. وفي الاستحسان: يؤخذ منه ثلث ما في يده، وهو قول علمائنا
رحمهم الله. لنا أن المقر أقر بألف شائع في الكل ثلث ذلك في يده وثلثاه في يد شريكيه، فما كان
إقرارا فيما في يده يقبل، وما كان إقرارا في يد غيره لا يقبل فوجب أن يسلم إليه: أي إلى الموصى له
ثلث ما في يده اه‍. قوله: (ولو شهد هذا المقر مع آخر) وفي جامع الفصولين ح: ينبغي للقاضي أن
يسأل المدعى عليه هل مات مورثك؟ فإن قال نعم، يسأله عن دعوى المال، فلو أقر وكذبه بقية الورثة
ولم يقض بإقراره حتى شهد هذا المقر وأجنبي معه يقبل ويقضي على الجميع، وشهادته بعد الحكم عليه
بإقراره لا تقبل، ولو لم يقم البينة أقر الوارث أو نكل، ففي ظاهر الرواية يؤخذ كل الدين من حصة
المقر لأنه مقر بأن الدين مقدم على أرثه، وقال ث: هو القياس، ولكن المختار عندي أن يلزمه ما
يخصه، وهو قول الشعبي والحسن البصري ومالك وسفيان وابن أبي ليلى وغيرهم ممن تابعهم. وهذا
القول أعدل وأبعد من الضرر به، ولو برهن لا يؤخذ منه إلا ما يخصه وفاقا انتهى. بقي ما لو برهنا
على أحد الورثة بدينه بعد قسمة التركة، فهل للدائن أخذه كله من حصة الحاضر؟ قال المصنف في
فتاواه: واختلفوا فيه، فقال بعضهم: نعم، فإذا حضر الغائب يرجع عليه. وقال بعضهم: لا يأخذ منه
إلا ما يخصه اه‍ ملخصا.
وفي جامع الفصولين أيضا: وكذا لو برهن الطالب على هذا المقر تسمع البينة عليه كما في وكيل
قبض العين لو أقر من عنده العين أنه وكيل بقبضها لا يكفي إقراره، ويكلف الوكيل إقامة البينة على
إثبات الوكالة حتى يكون له قبض ذلك فكذا هنا. قوله: (بمجرد إقراره) ولو كان الدين يحل في نصيبه

(1) قوله: (أحد الابنين) هكذا بالأصل المجموع منه ولعله أحد الابنين وليحرر ا ه‍. مصححه.
159

بمجرد الاقرار ما قبلت شهادته لما فيه من دفع المغرم عنه. باقاني ودرر. كذا في الهامش. قوله:
(أشهد على ألف الخ) نقل المصنف في المنح عن الخانية روايتين عن الامام ليس ما في المتن واحدة
منهما: إحداهما أن يلزمه المالان إن أشهد في المجلس. الثاني عين الشاهدين الأولين، وإن أشهد
غيرهما كان المال واحدا وأحراهما أنه إن أشهد على كل إقرار شاهدين يلزمه المالان جميعا، سواء أشهد
على إقراره الثاني الأولين أو غيرهما ا ه‍. فلزوم المالين إن أشهد في مجلس آخر آخرين ليس واحدا مما
ذكر. ونقل في الدرر عن الامام الأولى وأبدل الثانية بما ذكره المصنف متابعة له، واعترضه في العزمية
بما ذكرنا وأنه ابتداع قول ثالث غير مسند إلى أحد ولا مسطور في الكتب. قوله: (في مجلس آخر)
بخلاف ما لو أشهد أولا واحدا وثانيا آخر في موطن أو موطنين فالمال واحد اتفاقا، كذا لو أشهد على
الأول واحدا وعلى الثاني أكثر في مجلس آخر فالمال واحد عندهما، وكذا عنده على الظاهر. منح.
قوله: (لزم ألفان) واعلم أن تكرار الاقرار لا يخلو إما أن يكون مقيدا بسبب أو مطلقا. والأول على
وجهين إما بسبب متحد فيلزم مال واحد وإن اختلف المجلس، أو بسبب مختلف فمالان مطلقا، وإن
كان مطلقا فإما بصك أو لا. والأول على وجهين: إما بصك واحد فالمال واحد مطلقا، أو بصكين
فمالان مطلقا. وأما الثاني فإن الاقرار في موطن واحد يلزم مالان عنده وواحد عندهما، وإن
كان في موطنين، فإن أشهد على الثاني شهود الأول فمال واحد عنده إلا أن يقول المطلوب هما مالان،
وإن أشهد غيرهما فمالان وفي موضع آخر عنه على عكس ذلك، وهو إن اتحد المشهود فمالان عنده،
وإلا فواحد عندهما. وأما عنده فاختلف المشايخ، منهم من قال القياس على قوله مالان. وفي
الاستحسان مال واحد، وإليه ذهب السرخسي. ومنهم من قال على قول الكرخي مالان، وعلى قول
الطحاوي واحد، وإليه ذهب شيخ الاسلام، ملخصا من التاترخانية وكل ذلك مفهوم من الشرح.
وبه ظهر أن ما في المتن رواية منقولة، وأن اعتراض العزمية على الدرر مردود حيث جعله قولا
مبتدعا غير مسطور في الكتب، مستندا إلى أنه في الخانية حكي في المسألة روايتين الأولى لزوم مالين
إن اتحد الشهود، وإلا فمال الثانية لزوم مالين إن أشهد على كل إقرار شاهدين اتحدا أو لا، وقد أوضح
المسألة في الولوالجية فراجعها. قوله: (كما لو اختلف السبب) ولو في مجلس واحد، في البزازية جعل
الصفة كالسبب حيث قال إن أقر بألف بيض ثم بألف سود فمالان، ولو ادعى المقر له اختلاف السبب
وزعم المقر اتحاده أو الصك أو الوصف فالقول للمقر، ولو اتحد السبب والمال الثاني أكثر يجب المالان،
وعندهما: يلزم الأكثر. سائحاني. قوله: (اتخذ السبب) بأن قال له علي ألف ثمن هذا العبد ثم أقر
بعده كذلك في المجلس أو في غيره. منح. قوله: (أو الشهود) هذا ما ذهب إليه السرخسي كما علمته
مما مر. قوله: (ثم عند القاضي) وكذا لو كان كل عند القاضي في مجلس ط. قوله: (والأصل أن
المعرف) كالاقرار بسبب متحد. قوله: (أو المنكر) كالسببين وكالمطلق عن السبب. قوله: (ولو نسي
160

الشهود) في صورة تعدد الاشهاد. قوله: (وتمامه في الخانية) ونقلها في المنح. قوله: (أقر) أي بدين أو
غيره كما في آخر الكنز. قوله: (ثم ادعى) ذكر المسألة في الكنز في شتى الفرائض. قوله: (وبه يفتى)
وهو المختار. بزازية. وظاهره أن المقر ادعى الاقرار كاذبا يحلف المقر له، أو وارثه على المفتى به
من قول أبي يوسف مطلقا، سواء كان مضطرا إلى الكذب في الاقرار أو لا. قال شيخنا: وليس كذلك
لما سيأتي في مسائل شتى قبيل كتاب الصلح عند قول المصنف أقر بمال في صك وأشهد عليه به ثم
ادعى أن بعض هذا المال المقر به قرض وبعضه ربا الخ حيث نقل الشارح عن شرح الوهبانية
للشرنبلالي ما يدل على أنه يفتى بقول أبي يوسف: من أنه يحلف له أن المقر كاذبا في صورة
يوجد فيها اضطرار المقر إلى الكذب في الاقرار كالصورة التي تقدمت ونحوها، كذا في حاشية مسكين
للشيخ محمد أبي السعود المصري. وفيه أنه لا يتعين الحمل على هذا، لان العبارة هناك في هذا
ونحوه، فقوله ونحوه يحتمل أن يكون المراد به كل ما كان من قبيل الرجوع بعد الاقرار مطلقا، ويدل
عليه ما بعده من قوله وبه جزم المصنف فراجعه. قوله: (فيحلف) أي المقر له. وقال بعضهم: إنه لا
يحلف. بزازية. والأصح التحليف. حامدية عن صدر الشريعة. وفي جامع الفصولين: أقر فمات
فقال ورثته إنه أقر كاذبا فمل يجز إقراره والمقر له عالم به ليس لهم تحليفه، إذ وقت الاقرار لم يتعلق
حقهم بمال المقر فصح الاقرار، وحيث تعلق حقهم (1) صار حقا للمقر له ص.
أقر ومات فقال ورثته إنه أقر تلجئة حلف المقر له بالله لقد أقر لك إقرارا صحيحا ط.
وارث ادعى أن مورثه أقر تلجئة، قال بعضهم: له تحليف المقر له ولو ادعى أنه أقر كاذبا لا
يقبل. قال في نور العين: يقول الحقير كان ينبغي أن يتحد حكم المسألتين ظاهرا إذ الاقرار كاذبا
موجود في التلجئة أيضا، ولعل وجه الفرق هو أن التلجئة أن يظهر أحد شخصين أو كلاهما في العلن
خلاق ما تواضعا في السر، ففي دعوى التلجئة يدعي الوارث على المقر له فعلا له وهو تواضعه
مع المقر في السر فلذا يحلف، بخلاف دعوى الاقرار كاذبا كما لا يخفى على من أوتي فهما صافيا اه‍
من أواخر الفصل الخامس عشر.
ثم اعلم أن دعوى الاقرار كاذبا إنما تسمع إذا لم يكن (2) إبراء عاما، فول كان تسمع، لكن
للعلامة ابن نجيم رسالة: في امرأة أقرت في صحتها لبنتها فلانة بمبلغ معين ثم وقع بينهما تبارؤ عام
ثم ماتت فادعى الوصي أنها كاذبة فأفتى بسماع دعواه وتحليف البنت وعدم صحة الحكم قبل

(1) قوله: (وحيث تعلق حقهم الخ) في العبارة تحريف وأصلها وحيث تعلق حقهم لم يتعلق بما صار حقا للمقر له اي
وقت تعلق حقهم لم يكن للمقر له حق فيما تعلق به حقهم لما ان حقه تعلق بشئ قبل موت مورثهم لا ينزل
استحقاقهم عليه ا ه‍.
(2) قوله: (إذا لم يكن الخ) اي الاقرار ابراء عاما، قال شيخنا فعلى هذا لو قال لا حق لي عليك ثم ادعى الكذب في هذه
المقالة لا تسمع دعواه وهو غير ظاهر للوجه ا ه‍.
161

التحليف، لأنه حكم بخلاف المفتى به وأن الابراء هنا لا يمنع، لان الوصي يدعي عدم لزوم شئ،
بخلاف ما إذا وقع المقر المال به إلى المقر له فإنه ليس له تحليف المقر لأنه يدعي استرجاع المال
والبراءة مانعة من ذلك، وأما في الأولى فإنه لم يدع استرجاع شئ وإنما يدفع عن نفسه فافترقا، والله
أعلم.
باب الاستثناء وما في معناه
قوله: (تكلم بالباقي) أي معنى لا صورة. درر. قوله: (بعد الثنيا) بضم فسكون وفي آخره
ألف مقصورة اسم من الاستثناء. سائحاني. قوله: (لأنه للتنبيه) أي تنبيه المخاطب، وتأكيد الخطاب،
لان المنادى هو المخاطب ومفاده لو كان المنادى غير المقر له يضر. ونقل عن الجوهرة ولم أره فيها، لكن
قال في غاية البيان: ولو قال لفلان على ألف درهم يا فلان إلا عشرة كان جائزا، لأنه أخرجه مخرج
الاخبار لشخص خاص، وهذا صيغته فلا يعد فاصلا ا ه‍. تأمل. وفي الولوالجية: لان النداء لتنبيه
المخاطب وهو محتاج إليه لتأكيد الخطاب والاقرار فصار من الاقرار اه‍. قوله: (ولو الأكثر)
أي أكثر من النصف. كذا في الهامش. قوله: (لفظ الصدر) كعبيدي أحرار إلا عبيدي. قوله: (مساويه) كقوله
إلا مماليكي. قوله: (وإن بغيرهما) بأن يكون أخص منه في المفهوم لكن في الوجوب يساويه. قوله:
(إيهام البقاء) أي بحسب صورة اللفظ، لان الاستثناء تصرف لفظي، فلا يضر إهمال المعنى، قوله:
(ووقع ثنتان) وإن كانت الست لا صحة لها من حيث الحكم، لان الطلاق لا يزيد على الثلاث، ومع
هذا لا يجعل كأنه قال أنت طالق ثلاثا إلا أربعا فكان اعتبار اللفظ أولى. عناية. قوله: (كما صح)
فصله عما قبله لأنه بيان للاستثناء من خلاف الجنس، فإن مقدرا من مقدر صح عندهما استحسانا،
162

وتطرح قيمة المستثنى مما أقر به، وفي القياس لا يصح، وهو قول محمد وزفر، وإن غير مقدر من مقدر
لا يصح عندنا قياسا واستحسانا، خلافا للشافعي في نحو مائة درهم إلا ثوبا. غاية البيان، لكن حيث
لم يصح هنا الاستثناء يجبر على البيان، ولا يمتنع به صحة الاقرار لما تقرر أن جهالة المقر به لا تمنع
صحة الاقرار، ولكن جهالة المستثنى تمنع صحة الاستثناء. ذكره في الشرنبلالية عن قاضي زاده.
قوله: (لثبوتها) أي هذه المذكورات. قوله: (فكانت كالثمنين) لأنها بأوصافها أثمان حتى لو عينت
تعلق العقد بعينها، ولو وصفت ولم تتعين صار حكمها كحكم الدينار. كفاية. قوله: (لكن في
الجوهرة) ومثله في الينابيع، ونقله قاضي زاده على الذخيرة كما في الشرنبلالية. وفيها قال الشيخ:
علي عشر دراهم إلا دينارا وقيمته أكثر أو إلا كر بر، كذلك إن مشينا على أن استثناء الكل بغير لفظه
صحيح ينبغي أن يبطل الاقرار، لكن ذكر في البزازية ما يدل على خلافه قال: علي دينار إلا مائة
درهم بطل الاستثناء لأنه أكثر من الصدر: ما في هذا الكيس من الدراهم لفلان إلا ألفا ينظر، إن فيه
أكثر من ألف فالزيادة للمقر له والألف للمقر، وإن ألف أو أقل فكلها للمقر له لعدم صحة الاستثناء.
قلت: ووجهه ظاهر بالتأمل اه‍.
قلت: فكان ينبغي للمصنف أن يمشي على ما في الجوهرة حيث قال فيما قبله وإن استغرقت
تأمل. قوله: (فيحرر) الظاهر أن في المسألة روايتين مبنيتين على أن الدراهم والدنانير جنس واحد أو
جنسان ح. قوله: (مخرجا) بالبناء للمفعول. قوله: (فليزمه تسعمائة الخ) لأنه ذكر كلمة الشك في
الاستثناء فيثبت أقلهما، وهذه رواية أبي سليمان، وفي رواية أبي حفص: يلزمه تسعمائة، قالوا والأول
أصح. كاكي. وصحح قاضيخان في شرح الزيادات الثاني، وهو الموافق لقواعد المذهب كما في الرمز
حموي. وكتب السائحاني على الأول: هذا ظاهر على مذهب الشافعي من أنه خروج بعد دخول، وأما
على مذهبنا من أن التركيب مفاده مفرد، فكأنه قال له تسعمائة أو تسعمائة وخمسون فنوجب التسعمائة
لأنها أقل، حتى إنهم قالوا ثمرة الخلاف تظهر في مثل هذا التركيب، فعندنا يلزمه الأقل، لأنه لما كان
تكلما بالباقي بعد الثنيا شككنا في المتكلم به والأصل فراغ الذمم، وعند الشافعي: لما دخل الألف
صار الشك في المخرج فيخرج الأقل. زيلعي وصححه قاضيخان ا ه‍. وتعبيرهم بقولهم قالوا والأول
أصح يفيد التبري. تأمل. قوله: (في المخرج) بالبناء للمفعول. قوله: (بخروج الأقل) وهو ما دون
النصف، لان استثناء الشئ استثناء الأقل عرفا فأوجبنا النصف وزيادة درهم لان أدنى ما تتحقق به
القلة النقص عن النصف بدرهم. قوله: (أو فلان) ولو شاء لا تلزمه. ولوالجية. قوله: (على خطر)
163

كإن حلفت فلك ما ادعيت به، فلو حلف لا يلزمه ولو دفع بناء على أنه يلزمه فله استرداده كما في
البحر في فصل صلح الورثة، وقيد في البحر التعليق على خطر بأن لم يتضمن دعوى الاجل. قال:
وإن تضمن كإذا جاء رأس الشهر فلك علي كذا لزمه للحال، ويستحلف المقر له في الاجل اه‍.
تأمل. وفي البحر أيضا: ومن التعليق المبطل له ألف إلا أن يبدو لي غير ذلك أو أرى غيره أو فيما
أعلم وكذا اشهدوا أن له علي كذا فيما أعلم. قوله: (فإنه ينجز) أي في تعليقه بكائن لأنه ليس تعليقا
حقيقة بل مراده به أن يشهدهم لتبرأ ذمته بعد موته إن جحد الورثة فهو عليه مات أو عاش ليكن قدم
في متفرقات البيع أنه يكون وصية. قوله: (بطل إقراره) على قول أبي يوسف أن التعليق بالمشيئة
إبطال. وقال محمد: تعليق بشرط لا يوقف عليه، والثمرة تظهر فيما إذا قدم المشيئة فقال إن شاء الله
أنت طالق عند أبي يوسف لا يقع لأنه إبطال. وقال محمد: يقع لأنه تعليق، فإذا قدم الشرط ولم يذكر
الجزاء لم يتعلق وبقي الطلاق من غير شرط. كفاية. ولو جرى على لسانه إن شاء الله من غير قصد
وكان قصده إيقاع الطلاق لا يقع، لان الاستثناء موجود حقيقة والكلام معه لا يكون إيقاعا. عيني.
قوله: (لو ادعى المشيئة) أي ادعى أنه قال إن شاء الله تعالى ح. قوله: (قاله المصنف) قال الرملي
في حواشيه: أقول: الفقه يقتضي أنه إذا ثبت إقراره بالبينة لا يصدق إلا ببينة، أما إذا قال ابتداء أقررت له
بكذا مستثنيا في إقراري يقبل قوله بلا بينة كأنه قال له عندي كذا إن شاء الله تعالى، بخلاف الأول لأنه
يريد إبطاله بعد تقرره. تأمل ا ه‍. قوله: (لدخول تبعا) ولهذا لو استحق البناء في البيع قبل القبض لا
يسقط شئ من الثمن بمقابله بل يتخير المشتري، بخلاف البيت تسقط حصته من الثمن. قوله: (وإن
قال بناؤها الخ) قال في الذخيرة: واعلم أن هذه خمس مسائل وتخريجها على أصلين. الأول: أن
الدعوى قبل الاقرار لا تمنع صحة الاقرار بعده والدعوى بعد الاقرار في بعض ما دخل تحت الاقرار لا
تصح. والثاني: أن إقرار الانسان حجة على نفسه لا غيره. إذا عرفت هذا فنقول إذا قال بناؤها لي
وأرضها لفلان إنما كان لفلان لأنه أولا البناء وثانيا أقر به لفلان تبعا للأرض، والاقرار بعد
الدعوى صحيح، وإذا قال أرضها لي وبناؤها لفلان فكما قال، لأنه أولا ادعى البناء لنفسه تبعا وثانيا
أقر به لفلان والاقرار بعد الدعوى صحيح، ويؤمر المقر له بنقل البناء من أرضه، أو إذا قال أرضها
لفلان وبناؤها لي فهما لفلان، لأنه أولا أقر له بالبناء تبعا وثانيا ادعاه لنفسه والدعوى بعد الاقرار في
164

بعض ما تناوله الاقرار ر تصح، وإذا قال أرضها لفلان وبناؤها لفلان آخر فهما للمقر له الأول، لأنه
أولا أقر بالبناء له تبعا للأرض، وبقوله وبناؤها لفلان آخر يصير مقرا على الأول والاقرار على الغير لا
يصح، وإذا قال بناؤها لفلان وأرضها لفلان آخر فكما قال، لأنه أولا بالبناء للأول وثانيا صار
مقرا على الأول بالبناء للثاني فلا يصح. كفاية ملخصا. قوله: (فكما قال) وكذا لو قال بياض هذه
الأرض لفلان وبناؤها لي. قوله: (هي البقعة) فقصر الحكم عليها يمنع دخول الوصف تبعا. قوله:
(فص الخاتم) انظر ما في الحامدية على الذخيرة. قوله: ونخلة البستان إلا أن يستثنيها بأصولها، لان
أصولها دخلت في الاقرار قصدا لا تبعا. وفي الخانية بعد ذكر الفص والنخلة وحيلة السيف قال: لا
يصح الاستثناء وإن كان موصولا، إلا أن يقيم المدعي البينة على ما ادعاه، لكن في الذخيرة. لو أقر
بأرض أو دار لرجل دخل البناء والأشجار حتى لو أقام المقر بينة بعد ذلك على أن البناء والأشجار له لم
تقبل بينته اه‍، إلا أن يحمل على كونه مفصولا لا موصولا كما أشار لذلك في الخانية. سائحاني.
قوله: (وطوق الجارية) استشكل بأنهم نصوا أنه لا يدخل معها تبعا إلا المعتاد للمهنة لا غيره كالطوق
إلا أن يحمل على أنه لا قيمة له كثيرة.
أقول: ذاك في البيع لأنها وما عليها للبائع، أما هنا لما أقر بها ظهر انها للمقر له، والظاهر منه
أن ما عليها لمالكها فيتبعها ولو جليلا. تأمل. قوله: (فيما مر) أي من أنه لا يصح. قوله: (له علي
ألف) قيد به لأنه لو قال ابتداء اشتريت منه مبيعا إلا أني لم أقبضه قبل قوله كما قبل قول البائع بعته
هذا ولم أقبض الثمن والمبيع في يد البائع لأنه منكر قبض المبيع أو الثمن والقول للمنكر، بخلاف ما
هنا لان قوله ما قبضته بعد قوله له علي كذا رجوع فلا يصح. أفاده الرملي، قوله: (حال منها) أي من
الجملة. قوله: (فإن سلمه) لعلهم أرادوا بالتسليم هنا الاحضار أو يخص هذا من قولهم يلزم المشتري
تسليم الثمن أولا لأنه ليس ببيع صريح. مقدسي أبو السعود ملخصا. قوله: (إن كذبه) في كونه زورا
أو باطلا. قوله: (إن كذبه لزم البيع وإلا لا) وفي البدائع: كما لا يجوز بيع التلجئة لا يجوز الاقرار
بالتلجئة بأن يقول لآخر إني أقر لك في العلانية بمال وتواضعا على فساد الاقرار لا يصح إقراره حتى
165

لا يملكه المقر له. سائحاني. قوله: (صدق مطلقا) لان الغاصب يغصب ما يصادف والمودع يودع ما
عنده فلا يقتضي السلامة. ومما يكثر وقوعه ما في التاترخانية: أعرتني هذه الدابة فقال لا ولكنك
غصبتها، فإن لم يكن المستعير ركبها فلا ضمان، وإلا ضمن، وكذا دفعتها إلي عارية أو أعطيتنيها
عارية. وقال أبو حنيفة: إن قال أخذتها منك عارية وجحد الآخر ضمن، وإذا قال: أخذت هذا
الثوب منك عارية فقال أخذته مني بيعا فالقول للمقر ما لم يلبسه لأنه منكر، فإن لبس ضمن أعرتني
هذا فقال: لا بل آجرتك لم يضمن إن هلك، بخلاف قوله عصبته لكن يضمن إن كان استعمله.
قوله: (أي الدراهم) مثله في الشرنبلالية، لكن في العيني قوله: إلا أنه ينقض كذا: أي مائة درهم
وهذا ظاهر. فتال. قوله: (وإلا فقيمته) فيه أن فرض المسألة في المشار إليه، إلا أن يقال كان موجودا
حين الإشارة ثم استهلكه المقر. تأمل. فتال. قوله: (هذا الألف وديعة فلان الخ) وسيأتي قبيل الصلح
ما لو قال أوصى أبي بثلث ماله لفلان بل لفلان. قوله: (لأنه لم يقر بإيداعه) أي فلم يكن مقرا بسبب
الضمان بخلاف الأولى، فإنه حيث أقر بأنه وديعة لفلان آخر يكون ضامنا حيث أقر بها للأول لصحة
إقراره بها للأول، فكانت ملك الأول ولا يمكنه تسليمها للثاني، بخلاف ما إذا باع الوديعة ولم يسلمها
للمشتري لا يكون ضامنا بمجرد البيع حيث يمكنه دفعها لربها، هذا ما ظهر فتأمل.
فرع: أقر بمالين واستثنى كله على ألف درهم ومائة دينار إلا درهما، فإن كان المقر له في المالين
واحدا يصرف إلى المال الثاني، وإن لم يكن من جنسه قياسا وإلى الأول استحسانا لو من جنسه، وإن
كان المقر له رجلين يصرف إلى الثاني مطلقا مثل لفلان علي ألف درهم ولفلان آخر علي مائة دينار
إلا درهما هذا كله قولهما، وعلى قول محمد: إن كان لرجل يصرف إلى جنسه وإن لرجلين لا يصح
166

الاستثناء أصلا تاترخانية عن المحيط. قوله: (أكثرهما قدرا) أي لو جنسا واحدا فلو جنسين كألف
درهم لا بل ألف دينار لزمه الألفان ط ملخصا. قوله: (ولو قال الدين الخ) عبارة الحاوي القدسي
قال: الدين الذي لي على فلان لفلان ولم يسلطه على القبض ا ه‍. بلا ذكر لفظة لو تحرير. كذا في
الهامش. قوله: (لما مر) أوائل كتاب الاقرار. قوله: (فيلزم التسليم) أي فلا تصح هبته من غير من
عليه الدين إلا إذا سلطه على قبضه. قوله: (ولو لم يسلطه الخ) لو هنا شرطية لا وصلية. قوله:
(واسمي الخ) حاصله إن سلطة على قبضه أو لم يسلطه ولكن قال اسمي فيه عارية يصح كما في فتاوى
المصنف، وعلى الأول يكون هبة، وعلى الثاني إقرارا وتكون إضافته إلى نفسه إضافة نسبة لا ملك، كما
ذكره الشارح فيما مر. وإنما اشترط قوله: واسمي عارية ليكون قرينة على إرادة إضافة النسبة وعليه
يحمل كلام المتن، ويكون إطلاقا في محل التقييد فلا إشكال حينئذ في جعله إقرارا، ولا يخالف الأصل
المار للقرينة الظاهرة، وفي شرح الوهبانية: امرأة قالت الصداق الذي لي على زوجي ملك فلان بن
فلان لا حق لي فيه وصدقها المقر له ثم أبرأت زوجها، قيل يبرأ وقيل لا، والبراءة أظهر لما أشار إليه
المرغيناني من عدم صحة الاقرار فيكون الابراء ملاقيا لمحله ا ه‍. فإن هنا الإضافة للملك ظاهرة، لان
صداقها لا يكون لغيرها فكان إقرارها له هبة بلا تسليط على القبض، وأعاد الشارح المسألة في
متفرقات الهبة واستشكلها، وقد علمت زوال الاشكال بعون الملك المتعال فاغتنمه. قوله: (وهو
المذكور) أي قوله: وإن لم يقله لم يصح.
باب إقرار المريض
قوله: (وحده) مبتدأ وقوله: مر الخ خبر، في الهندية: المريض مرض الموت من لا يخرج
لحوائجه خارج البيت وهو الأصح اه‍. وفي الإسماعيلية: من به بعض مرض يشتكي منه، وفي كثير
من الأوقات يخرج إلى السوق ويقضي مصالحه لا يكون مريضا مرض الموت، وتعتبر تبرعاته من كل
ماله، وإذا باع لوارثه أو هبه لا يتوقف على إجازة باقي الورثة. قوله: (نافذ) لكن يحلف الغريم كما
مر قبيل باب التحكيم، ومثله في قضاء الأشباه. قال في الأصل: إذا أقر الرجل في مرضه بدين لغير
وارث فإنه يجوز، وإن أحاط ذلك بماله، وإن أقر لوارث فهو باطل إلا أن يصدقه الورثة اه‍. وهكذا
في عامة الكتب المعتبرة من مختصرات الجامع الكبير وغيرها. لكن في الفصول العمادية أن إقرار
167

المريض للوارث لا يجوز حكاية ولا ابتداء وإقراره للأجنبي يجوز حكاية من جميع المال وابتداء من ثلث
المال اه‍.
قلت: وهو مخالف لما أطلقه المشايخ فيحتاج إلى التوفيق، وينبغي أن يوفق بينهما بأن يقال: المراد
بالابتداء ما يكون صورته صورة إقرار، وهو في الحقيقة ابتداء تمليك بأن يعلم بوجه من الوجوه أن
ذلك الذي أقربه ملك له، وإنما قصد إخراجه في صورة الاقرار حتى لا يكون في ذلك منع ظاهر
على المقر، كما يقع أن الانسان يريد أن يتصدق على فقير فيقرضه بين الناس، وإذا خلا به وهبه منه أو
لئلا يحسد على ذلك من الورثة فيحصل منهم إيذاء في الجملة بوجه ما، وأما الحكاية فهي على حقيقة
الاقرار، وبهذا الفرق أجاب بعض علماء عهدنا المحققين وهو العلامة على المقدسي كما في حاشية الفصولين للرملي.
أقول: ومما يشهد لصحة ما ذكرنا من الفرق ما صرح به صاحب القنية: أقر الصحيح بعبد في
يد أبيه لفلان ثم مات الأب والابن مريض، فإنه يعتبر خروج العبد من ثلث المال، لا إقراره متردد
بين أن يموت الابن أولا فيبطل، وبين أن يموت الأب أولا فيصح فصار كالاقرار المبتدأ في المرض.
قال أستاذنا: فهذا كالتنصيص على أن المريض إذا أقر بعين في يده للأجنبي فإنما يصح إقراره من جميع
المال إذا بم يكن تمليكه إياه في حال مرضه معلوما حتى أمكن جعل تمليكه إظهارا، فأما إذا علم تملكه
في حال مرضه فإقراره به لا يصح إلا من ثلث المال. قال رحمه الله: وإنه حسن من حيث المعنى اه‍.
قلت: وإنما قيد حسنه بكونه من حيث المعنى، لأنه من حيث الرواية مخالف لما أطلقوه في
مختصرات الجامع الكبير، فكان إقرار المريض لغير وارثه صحيحا مطلقا وإن أحاط بماله، والله سبحانه
أعلم. معين المفتي. ونقله شيخ مشايخنا منلا علي ثم قال بعد كلام طويل: فالذي تحرر لنا من المنون
والشروح أن إقرار المريض لأجنبي صحيح، وأن أحاط بجميع ماله وشمل الدين والعين والمتون
لا تمشي غالبا إلا على ظاهر الرواية وفي البحر من باب قضاء الفوائد: متى اختلف الترجيح رجح إطلاق
المتون ا ه‍. وقد علمت أن التفصيل مخالف لما أطلقه، وأن حسنه من حيث المعنى لا الرواية اه‍. وقد
علمت أن ما نقله الشارح عن المصنف لم يرتضه المصنف إلا إذا علم تملكه لها: أي بقاء ملكه لها في
زمن مرضه. قوله: (في معينه) وهو معين المفتي للمصنف. قوله: (ودين الصحة) مبتدأ خبرة جملة
قدم. قوله: (فباطلة) أي إن لم تجزها الورثة لكونها وصية لزوجته الوارثة. قوله: (والمريض) بخلاف
الصحيح كما في حبس العناية. قوله: (ليس له) أي للمريض، ومفاده أن تخصيص الصحيح صحيح
كما في حجر النهاية، شرح الملتقى. قوله: (بعض الغرماء) ولو غرماء صحة. قوله: (إعطاء مهر)
بهمز إعطاء ونصبه وإضافته إلى مهر. قوله: (فلا يسلم لهما) بفتح الياء واللام وإسكان السين المهملة:
أي بل يشاركهما غرماء الصحة، لان ما حصل له من النكاح وسكنى الدار لا يصلح لتعلق حقهم
168

فكان تخصيصهما إبطالا لحق الغرماء، بخلاف ما بعده من المسألتين لأنه حصل في يده مثل ما نقد
وحق الغرماء تعلق بمعنى التركة لا بالصورة، فإذا حصل له مثله لا يعد تقويتا. كفاية. قوله: (أي
ثبت كل منهما) أي من القرض والشراء. قوله: (وإذا أقر الخ) ولو الوارث عليه دين فأقر بقبضه لم
يجز، سواء وجب الدين في صحته أو لا على المريض دين أو لا. قطنط. أقرت بقبض مهرها، فلو
ماتت وهي زوجته أو معتدته لم يجز إقرارها وإلا بأن طلقها قبل دخوله جاز. جغ فصولين قع عت.
مريض قال في مرض موته: ليس لي في الدنيا شئ ثم مات فلبعض الورثة أن يحلفوا زوجته وبنته على
أنهما لا يعلمان شيئا من تركة المتوفى بطريقة أسنع، وكذا لو قال ليس لي في الدنيا شئ سوى هذا.
حاوي الزاهدي. قرمز قع للقاضي عبد الجبار، وعت لعلا تاجري، وأسنع للاسرار لنجم الدين. إبراء
الزوجة زوجها في مرض موتها الذي ماتت فيه موقوف على إجازة بقية الورثة. فتاوى الشلبي حامدية.
كذا في الهامش. قوله: (الوديعة أولى) لأنه حين أقر بها علم أنها ليست من تركته ثم إقراره بالدين لا
يكون شاغلا لما لم يكن من جملة تركته. بزازية. قوله: (وإيراؤه مديونه وهو مديون) قيد به احترازا عن
غير المديون فإن إبراءه الأجنبي نافذ من الثلث كما في الجوهرة. سائحاني.
فائدة: أقر في مرضه بشئ فقال كنت قلته في الصحة كان بمنزلة الاقرار في المرض من غير
إسناد إلى زمن الصحة. أشباه. وفي البزازية عن المنتقى: أقر فيه أنه باع عبده من فلان وقبض الثمن
في صحته وصدقه المشتري فيه صدق في البيع لا في قبض الثمن إلا من الثلث ا ه‍. ونقله في نور
العين عن الخلاصة، ونقل قبله عن الخانية: أقر أنه أبرأ فلانا في صحته من دينه لم يجز إذ لا يملك
إنشاءه للحال. فكذا الحكاية، بخلاف إقراره بقبض إذ يملك إنشاءه فيملك الاقرار به، ثم قال: فلعل
في المسألة روايتين أو أحدهما سهو، والظاهر أن ما في الخانية أصح. وقال أيضا: قوله إذ لا يملك
إنشاءه للحال، مخالف لما فيها أيضا أنه يجوز إبراء الأجنبي إلا أن يخص عدم القدرة على الانشاء بكون
فلان وارثا أو بكون الوارث كفيلا لفلان الأجنبي ففي إطلاقه نظر اه‍.
قلت: أو يكون المقر مديونا كما أفاده المصنف. قوله: (أجنبيا) إلا أن يكون الوارث كفيلا عنه
فلا يجوز، إذ يبرأ الكفيل ببراءة الأصيل. جامع الفصولين. ولو أقر الأجنبي باستيفائه دينه منه صدق
كما بسطه في الولوالجية. قوله: (فلا يجوز) سواء كان من دين له عليه أصالة أو كفالة، وكذا إقراره
بقبضه واحتياله به على غيره. فصولين. وفي الهامش: أقر مريض مرض الموت أنه لا يستحق عند
زوجته هند حقا وأبرأ ذمتها من كل حق شرعي ومات عنهما وورثه غيرها وله تحت يدها أعيان وله
بذمتها دين والورثة لم يجيزوا الاقرار لا يكون الاقرار صحيحا. حامدية. قوله: (يشمل الوارث) صرح
به في جامع الفصولين حيث قال: مريض له على وارثه دين فأبرأه لم يجز، ولو قال لم يكن لي عليك
169

شئ ثم مات جاز إقراره قضاء لا ديانة ا ه‍. وينبغي لو ادعى الوارث الآخر أو المقر كاذب في إقراره
أن يحلف المقر له بأنه لم يكن كاذبا بناء على قول أبي يوسف المفتى به كما مر قبيل باب الاستثناء. وفي
البزازية: ادعى عليه ديونا ومالا وديعة فصالح الطالب على يسير سرا وأقر الطالب في العلانية أنه لم
يكن له على المدعى عليه شئ، وكان ذلك في مرض المدعي، ثم مات فبرهن الوارث أنه كان لمورثي
عليه أموال كثيرة وإنما قصد، حرماننا لا تسمع، وإن كان المدعي عليه وارث المدعي وجرى ما ذكرنا
فبرهن بقية الورثة على أن أبانا قصد حرماننا بهذا الاقرار تسمع اه‍. وينبغي أن يكون في مسألتنا
كذلك، لكن فرق في الأشباه بكونه متهما في هذا الاقرار لتقدم الدعوى عليه والصلح معه على يسير،
والكلام عند عدم قرينته على التهمة اه‍.
قلت: وكثيرا ما يقصد المقر حرمان بقية الورثة في زماننا، وتدل عليه قرائن الأحوال القريبة من
الصريح، فعلى هذا، تسمع دعواهم بأنه كان كاذبا وتقبل بينتهم على قيام الحق على المقر له، ولهذا قال
السائحاني: ما في المتن إقرار وإبراء وكلاهما لا يصح للوارث كما في المتون والشروح فلا يعول عليه
لئلا يصير حيلة لاسقاط الإرث الجبري ا ه‍ والله أعلم. قوله: (صحيح قضاء) ومر في الفروع قبيل
باب الدعوى. قوله: (كما بسطه في الأشباه) أقول: قد خالفه علماء عصره وأفتوا بعدم الصحة،
منهم ابن عبد العال والمقدسي، وأخو المصنف والحانوتي والرملي، وكتب الحموي في الرد على ما قاله
نقلا عمن تقدم كتابه حسنة، فلتراجع.
أقول: وحاصل ما ذكره الرملي: أن قوله لم يكن عليه شئ مطابق لما هو الأصل من خلو ذمته
عن دينه، فليس إقرارا بل كاعترافه بعين في يد زيد بأنها لزيد قانتفت التهمة، ومثله ليس له على والده
شئ من تركه أمه وليس لي على زوجي مهر على المرجوح، بخلاف ما هنا فإن إقرارها بما في يدها
إقرار بملكها للوارث بلا شك، لان أقصى ما يستدل به على الملك اليد، فكيف يصح وكيف تنتفي
التهمة والنقول مصرحة بأن الاقرار بالعين التي في يد، المقر كالاقرار بالدين، وإذا بم يصح في المهر على
الصحيح، مع أن الأصل براءة الذمة فكيف يصح فيما فيه الملك مشاهد باليد؟ نعم لو كانت الأمتعة
بيد الأب فلا كلام في الصحة. وفي حاشية الباري: الصواب أن ذلك إقرار للوارث بالعين بصيغة
النفي، وما استند له المصنف في الدين لا العين وهو وصف في الذمة وإنما يصير مالا بقبضه. قوله:
(أو مع أجنبي) قال في نور العين: أقر لوارثه ولأجنبي بدين مشترك بطل إقراره عندهما تصادقا في
الشركة أو تكاذبا. وقال محمد: للأجنبي بحصته لو أنكر الأجنبي الشركة، وبالعكس لم يذكره محمد،
ويجوز أن يقال إنه على الاختلاف، والصحيح أنه لم يجز على قول محمد كما هو قولهما. قوله: (إلا أن
يصدقه) أي بعد موته، ولا عبرة لاجازتهم قبله كما في خزانة المفتين وإن أشار صاحب الهداية لضده،
170

وأجاب به ابنه نظام الدين وحافده عماد الدين. ذكره القهستاني شرح الملتقى. وفي التعمية: إذا صدق
الورثة إقرار المريض لوارثه في حياته لا يحتاج لتصديقهم بعد وفاته. وعزاه لحاشية مسكين. قال: فلم
تجعل الإجازة كما التصديق، ولعله لأنهم أقروا ا ه‍. وقدم الشارح في باب الفضولي: وكذا وقف بيعه
لوارثه على إجازتهم اه‍. في الخلاصة: نفس البيع من الوارث لا يصح إلا بإجازة الورثة: يعني في
مرض الموت وهو الصحيح، وعندهما: يجوز، لكن إن كان فيه غبن أو محاباة يخير المشتري بين الرد
أو تكميل القيمة. سائحاني. قوله: (أو أوصى) في بعض النسخ وأوصى بدون ألف. قوله:
(لزوجته) يعني ولم يكن له وارث آخر، وكذا في عكسه كما في الشرنبلالية. قاله شيخ والدي مدني.
قوله: (صحت) ومثله في حاشية الرملي على الأشباه فراجعها. قوله: (وأما غيرهما) أي غير الزوجين.
وفي الهامش: أقر رجل في مرضه بأرض في يده أنها وقف إن أقر بوقف من
قبل نفسه كان من الثلث، كما لو أقر المريض بعتق عبده أو أقر أنه تصدق به على فلان وهي المسألة الأولى. قال: وإن
أقر بوقف من جهة غيره وإن صدقه ذلك الغير أو ورثته جاز في الكل، وإن أقر بوقف ولم يبين أنه منه
أو من غيره فهو من الثلث. ابن الشحنة. كذا في الهامش. قوله: (صح الخ) هذا مشكل فليراجع.
قوله: (لما زعمه الطرسوسي) أي من أنه يكون من الثلث مع تصديق السلطان ا ه‍ ح. كذا في الهامش.
قوله: (ولو كان ذلك) أي الاقرار ولو وصلية. قوله: (بقبض دينه) قال في الخانية: لا يصح إقرار
مريض مات فيه بقبض دينه من وارثه، ولا من كفيل وارثه، إلى آخر ما يأتي في القرب من ذلك عن
نور العين، وقيد بدين الوارث احترازا عن إقراره باستيفاء دين الأجنبي.
والأصل فيه: أن الدين لو كان وجب له على أجنبي في صحته جاز إقراره باستيفائه ولو عليه
دين معروف سواء وجب ما أقر بقبضه بدلا عما هو مال كثمن أو لا كبدل صلح دم العمد والمهر
ونحوه، ولو دينا وجب في مرضه وعليه دين معروف أو دين وجب بمعاينه الشهود، فلو ما أقر
بقبضه بدلا عما هو مال لم يجز إقراره أي في حق غرماء الصحة كما نقله السائحاني عن البدائع، ولو
بدلا عما ليس بمال جاز إقراره بقبضه ولو عليه دين معروف. جامع الفصولين. وفيه: لو باع في
مرضه شيئا بأكثر من قيمته فأقر بقبضه لم يصدق وقيل للمشتري أد ثمنه مرة أخرى أو انقض البيع،
عند أبي يوسف وعند محمد: يؤدي قدر قيمته أو نقض البيع. قوله: (أو غصبه) أي بقبض ما غصبه
منه. قوله: (ونحوه ذلك) كأن يقر أنه قبض المبيع فاسدا منه أو أنه رجع فيما وهبه به مريضا. حموي ط.
فرع أقر بدين لوارثه أو لغيره ثم برئ فهو كدين صحته ولو أوصى لوارثه ثم برئ بطلت
وصيته جامع الفصولين.
تتمة في التاترخانية عن واقعات الناطفي: أشهدت المرأة شهودا على نفسها لابنها أو لأخيها
تريد بذلك إضرار الزوج، أو أشهد الرجل شهودا على نفسه بمال لبعض الأولاد يريد به إضرار باقي
الأولاد، والشهود يعلمون ذلك وسعهم أن لا يؤدوا الشهادة، إلى آخر ما ذكره العلامة البيري، وينبغي
171

على قياس ذلك أن يقال: إن كان للقاضي علم بذلك لا يسعه الحكم. كذا في حاشية أبي السعود على
الأشباه والنظائر. قوله: (ولو فعله) أي الاقرار بهذه الأشياء للوارث. قوله: (من ورثه المريض) كما إذا
أقر لابن ابنه ثم مات ابن الابن عن أبيه. قوله: (وسيجئ) أي قريبا. قوله: (بوديعة) الأصوب
باستهلاك الوديعة. أي المعرفة بالبينة. قوله: (مستهلكة) أي وهي معروفة. قوله:) (وصورته) قد أوضح
المسألة في الولوالجية ولم يبين بهذه الصورة أن الوديعة معروفة كما صرح به في الأشباه وفي جامع
الفصولين راقما صورتها، أودع أباه ألف درهم في مرض الأب أو صحته عند الشهود فلما حضره الموت
أقر بإهلاكه صدق، إذ لو سكت ومات ولا يدري ما صنع كان في ماله، فإذا أقر بإتلافه فأولى اه‍.
والحاصل: أن مدار الاقرار هنا على استهلاك الوديعة المعروفة لا عليها. قوله: (والحاصل) فيه
مخالفة للأشباه، ونصها: وأما مجرد الاقرار للوارث فهو موقوف على الإجازة سواء كان بعين أو
دين أو قبض منه أو أبرأه لا في ثلاث: لو أقر بإتلاف وديعته المعروفة، أو أقر بقبض ما كان عنده وديعه، أو
بقبض ما قبضه الوارث بالوكالة من مديونه، كذا في تلخيص الجامع. وينبغي أن يلحق بالثانية إقراره
بالأمانات كلها ولو مال الشركة أو العارية والمعنى في الكل أنه ليس فيه إيثار البعض، فاغتنم هذا
التحرير فإنه من مفردات هذا الكتاب اه‍ ط. قوله: (إقراره بالأمانات) أي بقبض الأمانات التي عند
وارثه لا بأن هذه العين بوارثه، فإنه لا يصح كما صرح به الشارح قريبا وصرح به في الأشباه، وهذا
مراد صاحب الأشباه بقوله: وينبغي أن يلحق بالثانية إقراره بالأمانات كلها، فتنبه لهذا فإنا رأينا من
يخطئ فيه ويقول: إن إقراره لوارثه بها جائز مطلقا مع أن النقول مصرحة بأن إقراره بالعين كالدين
كما قدمناه عن الرملي، ومن هذا يظهر لك ما في بقية كلام الشارح، وهو متابع فيه للأشباه مخالفا
للمنقول وخالفه فيه العلماء الفحول كما قدمناه.
وفي الفتاوى الإسماعيلية: سئل فيمن أقر في مرضه أن لا حق له في الأسباب والأمتعة المعلومة مع بنته المعلومة
وأنها تستحق ذلك دونه من وجه شرعي، فهل إذا كانت الأعيان المرقومة في يده
وملكه فيها ظاهر ومات في ذلك المرض فالاقرار بها لوارثه باطل؟ الجواب: نعم على ما اعتمده
المحققون ولو مصدرا بالنفي خلافا للأشباه، وقد أنكروا عليه ا ه‍. ونقله السائحاني في محتومته ورد على
الأشباه والشارح في هامش نسخته، وفي الحامدية: سئل في مريض مرض الموت، أقر فيه أنه لا
يستحق عند زوجته هند حقا وأبرأ ذمتها عن كل حق شرعي ومات عنها وعن ورثه غيرها وله تحت
يدها أعيان وله بذمتها دين الورثة لم يجيزوا الاقرار فهل يكون غير صحيح؟ الجواب: يكون الاقرار
غير صحيح والحالة هذه، والله تعالى أعلم اه‍. قوله: (ومنها النفي) فيه أنه ليس بإقرار للوارث كما
172

صوبه في الأشباه. قوله: (كلا حق لي) هذا صحيح في الدين لا في العين كما مر. قوله: (أو أمي)
ومنها إقراره بإتلاف وديعته المعروفة كما في المتن. كذا في الهامش. قوله: (ومنه هذا الشئ) هذا غير
صحيح كما علمته مما مر. قال في البحر في متفرقات القضاء: ليس لي على فلان شئ ثم ادعى عليه
مالا وأراد تحليفه لم يحلف، وعند أبي يوسف: يحلف للعادة، وسيأتي في مسائل شتى آخر الكتاب: أن
الفتوى على قول أبي يوسف، اختاره أئمة خوارزم، لكن اختلفوا فيما إذا ادعاه وارث المقر على قولين،
ولم يرجح في البزازية منهما شيئا، وقال الصدر الشهيد: الرأي في التحليف إلي القاضي، وفسره في
فتح القدير بأنه يجتهد بخصوص الوقائع، فإن غلب على ظنه أنه لم يقبض حين أقر يحلف الخصم، وإن
لم يغلب على ظنه ذلك لا يحلفه، وهذا إنما هو في المتفرس في الاخصام اه‍. قلت: وهذا مؤيد لما
بحثنا والحمد لله.
تتمة قال في التاترخانية عن الخلاصة: رجل قال استوفيت جميع مالي على الناس من الدين لا يصح
إقراره، وكذا لو قال أبرأت جميع غرمائي لا يصح إلا أن يقول قبيلة فلان وهم يحصون فحينئذ
يصح إقراره وإبراؤه. قوله: (بسبب قديم) أي قائم وقت الاقرار، ولو أقر لوارثه وقت إقراره ووقت
موته وخرج من أن يكون وارثا فيما بين ذلك بطل إقراره عند أبي يوسف لا عند محمد. نور العين،
عن قاضيخان. وفي جامع الفصولين: أقر لابنه وهو قن ثم عتق فمات الأب جاز للمولى لا للقن،
بخلاف الوصية لابنه وهو قن ثم عتق فإنها تبطل لأنها حينئذ للابن اه‍. وبيانة في المنح، وانظر ما
كتبناه في الوصايا. قوله: (ليس بوارث) يفيد أنها لو كانت حية وارثة لم يصح. قال في الخانية: لا
يصح إقرار مريض مات فيه بقبض دين من وارثه ولا من كفيل وارثه ولو كفل في صحته، وكذا لو
أقر بقبضه من أجنبي تبرع عن وارثه. وكل رجلا ببيع شئ معين فباعه من وارث موكله وأقر بقبض
الثمن من وارثه، أو أقر أن وكيله قبض الثمن ودفعه إليه لا يصدق، وإن كان المريض هو الوكيل
173

وموكله صحيح فأقر الوكيل أن قبض الثمن من المشتري وجحد الموكل صدق الوكيل، ولو كان
المشتري وارث الوكيل والموكل والوكيل مريضان فأقر الوكيل بقبض الثمن لا يصدق، إذ مرضه يكفي
لبطلان إقراره لوارثه بالقبض فمرضهما أولى. مريض عليه دين محيط فأقر بقبض وديعة أو عارية أو
مضاربة كانت له عند وارثه صح إقراره، لان الوارث لو ادعى رد الأمانة إلى مورثه المريض وكذبه
المورث يقبل قول الوارث ا ه‍ من نور العين قبيل كتاب الوصية. قوله: (خلافا لمحمد).
فرع: باع فيه من أجنبي عبدا وباعه الأجنبي لا من وارثه أو وهبه منه صح إن كان بعد القبض،
لان الوارث ملك العبد من الأجنبي لا من مورثه. بزازية. قوله: (عمادية) قدمنا عبارتها عن نور
العين. قوله: (لمن طلقها) أي في مرضه.
فرع: إقراره لها: أي للزوجة بمهرها إلى قدر مثله صحيح لعدم التهمة فيه، وإن بعد الدخول
قال الامام ظهير الدين: وقيل جرت العادة بمنع نفسها قبل قبض مقدار من المهر فلا يحكم بذلك القدر
إذا لم تعترف بالقبض. والصحيح أنه يصدق إلى تمام مهر مثلها وإن كان الظاهر أنها استوفت شيئا.
بزازية. وفيها أقر فيه لامرأته التي ماتت عن ولد بقدر مهر مثلها وله ورثة أخرى لم يصدقوه في ذلك.
قال القاضي الامام: لا يصح إقراره، ولا يناقض هذا ما تقدم لان الغالب هنا بعد موتها استيفاء ورثتها
أو وصيها المهر، بخلاف الأول اه‍.
فرع: في التاترخانية عن السراجية: ولو قال مشترك أو شركة في هذه الدار فهذا إقرار
بالنصف، وفي العتابية: ومطلق الشركة بالنصف عند أبي يوسف، وعند محمد ما يفسره المقر، ولو قال
في الثلثين موصولا صدق، وكذا قوله بيني وبينه أو لي وله ا ه‍. قوله: (وإن أقر لغلام) كان الأولى
تقديم هذه المسألة على قوله: وإن أقر لأجنبي ثم أقر ببنوته لان الشروط الثلاثة هنا معتبرة هناك
أيضا. كذا في حاشية مسكين عن الحموي قوله: (أو في بلد) حكاية قول آخر: قال في الحواشي
اليعقوبية: مجهول النسب من لا يعلم له أب في بلده على ما ذكر في شرح تلخيص الجامع لاكل
الدين، والظاهر أن المراد به بلد هو فيه كما ذكر في القنية لا مسقط رأسه كما ذكره البعض، لان
المغربي إذا انتقل إلى المشرق فوقع عليه حادثة يلزم أنه يفتش عن نسبه في المغرب، وفيه من الحرج ما لا
يخفى فليحفظ هذا اه‍. قوله: (وحينئذ) ينبغي حذفها، فإن بذكرها صار الشرط بلا جواب ح. قوله:
174

(هذه الشروط) أي أحدهما ح. قوله: (من حيث استحقاق المال) إن كان المراد بالمال هو المقر به كما هو
ظاهر قوله: كما مر أعني بأن لأجنبي ثم أقر ببنوته ولم تثبت بسبب انتفاء شرط فمع أنه تكرار لا
محل له هنا، وإن كان المراد به الإرث كما هو ظاهر قوله كما لو أقر بأخوة غيره، فيكون المعنى: إن
أقر لغلام أنه ابنه ولم يثبت نسبه بسبب انتفاء شرط من هذه الشروط شارك الورثة فلا يظهر وجهه إذ
تقدم أن إقراره له بالمال صحيح، ولا يصح الاقرار لوارث كما مر مع أن المؤاخذة حينئذ ليست للمقر،
بل للورثة حيث شاركهم في الإرث، ومع هذا فإن كان الحكم كذلك فلا بد له من نقل صريح حتى
يقبل، وقد راجعت عدة كتب فلم أجده ولعله لهذه أمر الشارح بالتحرير، فتأمل. قوله: (عن الينابيع)
الذي قدمه الشلانبلالي عن الينابيع عند قوله: أقر لأجنبي ثم ببنوته نصه ولو كذبه أو كان معروف
النسب من غيره لزمه ما أقر به ولا يثبت النسب ا ه‍. ثم كتب هنا ما نقله الشارح عنه. قوله: (فيحرر)
لم يظهر لي المخالفة الموجبة للتحرير. تأمل ح. قوله: (والرجل صح إقراره) في بعض النسخ إسقاط
الرجل ولفظه وصح إقراره. قوله: (أي المريض) الأولى تركه ح. قوله: (وإن عليا) بتحريك ثلاثة
حروفه: أي الوالدان، وفيه نظر وجهه ظاهر فهو كإقراره ببنت ابن. قال في جامع الفصولين: أقر
ببنت فلها النصف والباقي للعصبة إذ إقراره ببنت جائز الابن ا ه‍. وما ذاك إلا لان فيه تحميل
النسب على الابن، فتدبر ط. قوله: (لا يصح) وسيأتي متنا التصريح به. قوله: (وكذا صح) أي
إقرارها. قوله: (ولو قابلة) أفاده بمقابلته بعده بقوله أو صدقها الزوج أن هذا حيث جحد الزوج
وادعته منه وأفاد أنها ذات زوج، بخلاف المعتدة كما صرح به الشارح، أما إذا لم تكن ذات زوج ولا
معتدة أو كان لها زوج وادعت أو الولد من غيره فلا حاجة إلى أمر زائد على إقرارها، صرح بذلك كله
ابن الكمال وسيأتي. قوله: (بتعين الولد) كما علمت مما قدمناه أن الكلام فيما إذا أنكر الولادة
175

وشهادة القابلة بتعين الولد فيما إذا تصادقا على الولادة وأنكر التعيين. وعبارة غاية البيان عن شرح
الأقطع: فتثبت الولادة بشهادتهما ويلتحق النسب بالفراش اه‍. والظاهر أن ما أفاده الشارح حكمه
كذلك. قوله: (وصح مطلقا) أفاد أن ما ذكره من الشروط إنما هو لصحة الاقرار بالنسب لئلا يكون
تحميلا على الزوج، فلو فقد شرط صح إقرارها عليها فيرثها الولد وترثه إن صدقها ولم يكن لهما وارث
غيرهما فصار كالاقرار بالأخ، ويفهم هذا مما قدمنا، وفي غاية البيان: ولا يجوز إقرار المرأة بالولد، وإن
صدقها: يعني الولد، ولكنهما يتوارثان إن لم يكن لهما وارث معروف لأنه اعتبر إقرارها في حقها،
ولا يقضي بالنسب لأنه لا يثبت بدون الحجة وهي ما إذا شهدت القابلة على ذلك وصدقها الولد
فيثبت، وما إذا صدقها زوجها فيثبت بتصادقهما لأنه لا يتعدى إلى غيرهما اه‍. قوله: (من غيره) أي
فصح إقرارها في حقها فقط. قوله: (قلت) أقول: غاية ما يلزم على عدم معرفة زوج آخر كونه من
الزنا أنه ليس بلازم، وبفرض تحقق كونه من الزنا يلزمها أيضا لان ولد الزنا واللعان يرث بجهة الام
فقط، فلا وجه للتوقف في ذلك. كذا في حاشية مسكين لأبي السعود المصري. قوله: (وصح
التصديق الخ) أي ولو بعد جحود المقر لقول البزازي: أقر أنه تزوج فلانة في صحة أو مرض ثم جحد
وصدقته المرأة في حياته أو بعد موته جاز. سائحاني. قوله: (بموتها) كذا في نسخة وهي الصواب
موافقا لما في شرحه على الملتقى. قوله: (في باب ثبوت النسب) حيث قال: أو تصديق بعض الورثة
فيثبت في حق المقرين، وإنما يثبت النسب في حق غيرهم حتى الناس كافة إن تم نصاب الشهادة بهم:
أي بالمقرين، وإلا يتم نصابها لا يشارك المكذبين اه‍. قوله: (أو الورثة) يغني عنه قوله ومنه إقرار اثنين
ط. لكن كلامنا هنا في تصديق المقر وهناك في نفس الاقرار وإن كانا في المعنى سواء، لكن بينهما
فرق وهو أن التصديق بعد العلم بإقرار الأول كقوله نعم أو صدق، والاقرار لا يلزم منه العلم.
تأمل. قوله: (كذوي الأرحام) فسر القريب في العناية بذوي الفروض والصبات والبعيد بذوي
176

الأرحام، والأول أوجه لان مولى الموالاة إرثه بعد ذوي الأرحام. شرنبلالية. قوله: (ورثه).
تتمة: إرث المقر له حيث لا وارث له عيره يكون مقتصرا عليه، ولا ينتقل إلى فرع المقر له ولا
إلى أصله لأنه بمنزلة الوصية. شيخنا عن جامع الفصولين. كذا في حاشية مسكين. قوله: (المعروف)
قريبا أو بعيد فهو أحق بالإرث من المقر له حتى لو أقر بأخ وله عمة أو خالة فالإرث للعمة أو للخالة
لان نسبه لم يثبت فلا يزاحم الوارث المعروف. درر. كذا في الهامش. قوله: (والمراد غير الزوجين)
أي بالوارث الذي يمنع المقر له من الإرث. قوله: (وإن صدقه المقر له) صوابه المقر عليه كما عبر به
فيما مر، ويدل عليه كلا المنح حيث قال: وقوله: أي الزيلعي للمقر إنه يرجع عنه، محله ما إذا لم
يصدق المقر له على إقراره أو لم يقر بمثل إقراره الخ، وعزاه لبعض شروح السراجية فقوله أو لم يقر،
لا شك أن الضمير فيه للمقر عليه لا المقر له، فعلم أن المقر له صوابه المقر عليه كما عبر به صاحب
المنح في كتاب الفرائض، ويدل عليه قوله الآتي إن بالتصديق يثبت النسب، ولا يكون ذلك إلا من
المقر عليه
. قال في رواه الشروح على السراجية. واعلم: أنه إن شهد مع المقر رجل آخر أو صدقه المقر
عليه أو الورثة وهم من أهل الاقرار فلا يشترط الاصرار على الاقرار إلى الموت ولا ينفع الرجوع
لثبوت النسب ح اه‍.
وفي شرح فرائض الملتقى للطرابلسي: وصح رجوعه لأنه وصية معنى ولا شئ للمقر له من
تركته. قال في شرح السراجية المسمى بالمنهاج: وهذه إذا لم يصدق المقر عليه إقراره قبل رجوعه أو لم
يقر بمثل إقراره، أما إذا صدق إقراره قبل رجوعه أو أقر بمثل إقراره فلا ينفع المقر رجوعه عن
إقراره، لان نسب المقر له قد ثبت من المقر عليه ا ه‍. فهذا كلام شراح السراجية، فالصواب التعبير
بعليه كما عبر به في المنح كتاب الفرائض، وإن كانت عبارتها هنا كعبارة الشارح، وكذا عبارة
الشارح في الفرائض غير محررة، فتنبه. قوله: (عند الفتوى) أقول: تحريره أنه لو صدقه المقر له فله
الرجوع، لأنه لم يثبت النسب وهو ما في البدائع، ولو صدقه المقر عليه لا يصح رجوعه، لان بعد
ثبوته وهو ما في شروح السراجية فمنشأ الاشتباه تحريف الصلة فالموضوع مختلف ولا يخفى أن هذا كله
في غير الاقرار بنحو الولد. قوله: (نصف نصيب المقر) ولو معه وارث آخر. شرح الملتقى وبيانه في
الزيلعي. قوله: (في حق نفسه) فصار كالمشتري إذ أقر أن البائع كان أعتق العبد المبيع يقبل إقراره في
العتق ولم يقبل في الرجوع بالثمن. بيانية. وفي الزيلعي: فإذا قبل إقراره في حق نفسه يستحق المقر له
نصف نصيب المقر مطلقا عندنا. وعند مالك وابن أبي ليلى: يجعل إقراره شائعا في التركة فيعطي المقر
من نصيبه ما يخصه من ذلك، حتى لو كان لشخص مات أبوه أخ معروف فأقر بأخ آخر فكذبه أخوه
المعروف فيه أعطى المقر نصف ما في يده، وعندهما: يعني عند مالك وابن أبي ليلى ثلث ما في يده
177

، لان المقر قد أقر له بثلث شائع في النصفين فنفذ إقراره في حصته وبطل ما كان في حصة أخيه،
فيكون له ثلث ما في يده وهو سدس جميع المال، والسدس الآخر في نصيب أخيه بطل إقراره فيه لما
ذكرنا ونحن نقول: إن في زعم المقر أنه يساويه في الاستحقاق والمنكر ظالم بإنكاره، فيجعل ما في يد
المنكر كالهالك فيكون الباقي بينهما بالتسوية، ولو أقر بأخت تأخذ ثلث ما في يده وعندهما خمسه، ولو
أقر ابن وبنت بأخ وكذبهما ابن وبنت يقسم نصيب المقرين أخماسا وعندهما أرباعا والتخريج ظاهر، ولو
أقر بامرأة أنها زوجة أبيه أخذت ثمن ما في يده، ولو أقر بجدة هي أم الميت أخذت سدس ما في يده
فيعامل فيما في يده كما يعامل لو ثبت ما أقر به ا ه‍. وتمامه فيه. قوله: (بابن) أي من أخيه الميت.
قوله: (انتفى) هذه مسألة الدور الحكمي التي عدها الشافعية من موانع الإرث لأنه يلزم من التوريث
عدمه، بيانه: أنه إذا أقر أخ حائز بابن للميت لا يثبت نسبه ولا يرث لأنه لو ورث لحجب الأخ فلا
يكون الأخ وارثا حائزا فلا يقبل إقراره بالابن، فلا يثبت نسبه فلا يرث، لان إثبات الإرث يؤدي إلى
نفيه، وما أدى إثباته إلى نفيه انتفى من أصله، وهذا هو الصحيح من مذهبهم لكن يجب على المقر باطنا
أن يدفع للابن التركة إذا كان صادقا في إقراره. قوله: (وظاهر كلامه نعم) يعني ظاهر كلامهم صحة
إقرار هذا الأخ بالابن، ويثبت نسبه في حق نفسه فقط فيرث الابن دونه لما قالوا: إن الاقرار بنسب
على غيره يصح في حق نفسه، حتى تلزمه الاحكام من النفقة والحضانة لا في حق غيره، وقد رأيت
المسألة منقولة ولله تعالى الحمد والمنة في فتاوى العلامة قاسم بن قطلوبغا الحنفي ونصه: قال محمد في
الاملاء: ولو كانت للرجل عمة أو مولى نعمة فأقرت العمة أو مولى النعمة بأخ للميت من أبيه أو أمه
أو بعم أو بابن عم أخذ المقر له الميراث كله، لان الوارث المعروف أقر بأنه مقدم عليه في استحقاق
ماله وإقرار حجة على نفسه ا ه‍. هذا كلامه. ثم قال: فلما لم يكن في
هذا دور عندنا لم يذكر في الموانع وذكر في بابه ا ه‍. قوله: (إلى نصيبه) فيجعل كأنه استوفى نصيبه، ولان الاستيفاء إنما يكون
بقبض مضمون لان الديون تقضي بأمثالها ثم تلتقي قصاصا، فقد أقر بدين على الميت فيلزم المقر كما
مر قبل باب الاستثناء، ولا يجري في هذه المسألة الخلاف السابق كما لا يخفى على الحاذق. قوله: (بعد
حلفه) أي حلف المنكر أي لأجل الأخ لا لأجل الغريم، لأنه لا ضرر على الغريم فلا ينافي ما يأتي،
ولو نكل شاركه المقر. قوله: (لكنه) الاستدراك يقتضي أن لا يحلف في الأولى، وبه صرح الزيلعي،
وهو مخالف لما قدمه عن الأكمل ومر جوابه. قوله: (يحلف) أي المنكر بالله لم يعلم أنه قبض الدين،
فإن نكل برئت ذمة المدين، وإن حلف دفع إليه نصيبه، بخلاف المسألة الأولى حيث لا يحلف لحق
الغريم، لان حقه كله حصل له من جهة المقر فلا حاجة إلى تحليفه، وهنا لم يحصل إلا النصف فيحلفه.
178

زيلعي. فصل في مسائل شتى
قوله: (وهي في الأشباه) وعبارتها: الاقرار حجة قاصرة على المقر ولا يتعدى إلى غيره، فلو أقر
المؤجر أن الدار بغيره لا تنفسخ الإجارة إلا في مسائل: لو أقرت الزوجة بدين فللدائن حبسها وإن
تضرر الزوج، ولو أقر المؤجر بدين لا وفاء إلا من ثمن العين فله بيعها لقضائه وإن تضرر المستأجر،
ولو أقرت مجهولة النسب بأنها بنت أبي زوجها وصدقها الأب انفسخ النكاح بينهما بخلاف ما إذا أقرت
بالردة، ولو طلقها ثنتين بعد الاقرار بالرق لم يملك الرجعة، وإذا ادعى ولد أمته المبيعة وله أخ ثبت
نسبه وتعدى إلى حرمان الأخ من الميراث لكونه للابن، وكذا المكاتب إذا ادعى نسب ولد حرة في حياة
أخيه صحت وميراثه لولده دون أخيه كما في الجامع ا ه‍. قوله: (وينبغي) البحث لصاحب المنح.
قوله: (إفتاء وقضاء) بنصبهما. قوله: (لان الغالب) فيه نظر إذ العلة خاصة والمدعي عام، لأنه لا
يظهر فيما إذا كان الاقرار لأجنبي. قوله: ليتوصل الخ لا يظهر أيضا إذ الحبس عند القاضي لا عند
الأب، فإذا المعول عليه قول الإمام، وأيضا لم يستند ف‍ هذا التصحيح لاحد من أئمة الترجيح ط.
لكن قول إذ الحبس عند القاضي مخالف لما مر في بابه أن الخيار فيه للمدعي. قوله: (مجهولة النسب
أقرت) ليس على إطلاقه لما في الأشباه: مجهول النسب إذا أقر بالرق لانسان وصدقه المقر له صح وصار
عبده إذا كان قبل تأكد الحرية بالقضاء، أما بعد قضاء القاضي عليه بحد كامل أو بالقصاص في
الأطراف لا يصح إقراره بالرق بعد ذلك اه‍. سائحاني. قوله: (فولد) التفريع غير ظاهر ومحله فيما
بعد، والظاهر أن يقال: فتكون رقيقة له كما أفاده في العزمية. قوله: (كما حققه في الشرنبلالية)
حيث قال: لأنه نقل في المحيط عن المبسوط أن طلاقها ثنتان وعدتها حيضتان بالاجماع لأنها صارت
أمة، وهذا حكم يخصها. ثم نقل عن الزيادات: ولو طلقها الزوج تطليقتين وهو لا يعلم بإقرارها
ملك عليها الرجعة، ولو علم لا يملك وذكر في الجامع لا يملك علم أو لم يعلم قيل ما ذكر قياس،
وما ذكره في الجامع استحسان، وفي الكافي: آلى وأقرت قبل شهرين فهما عدته، وإن أقرت بعد
مضي شهرين فأربعة. والأصل أنه متى أمكن تدارك ما خاف فوته بإقرار الغير ولم يتدارك بطل حقه،
179

لان فوات حقه مضاف إلى تقصيره، فإن لم يمكن التدارك لا يصح الاقرار في حقه، فإذا أقرت بعد
شهر أمكن الزوج التدارك، وبعد شهرين لا يمكنه، وكذا الطلاق والعدة حتى لو طلقها ثنتين ثم أقرت
يملك الثالثة، ولو أقرت قبل الطلاق تبين بثنتين، ولو مضت من عدتها حيضتان ثم أقرت يملك
الرجعة، ولو مضت حيضة ثم أقرت تبين بحيضتين اه‍.
قلت: وعلى ما في الكافي لا إشكال لقوله إن فوات حقه مضاف إلى تقصيره. تأمل. قوله:
(حرر عبده) ماض مبني للفاعل وعبده مفعول. قوله: (فيرث الكل) إن لم يكن له وارث أصلا. قوله:
(أو الباقي) إن كان له وارث لا يستغرق. قوله: (وشرنبلالية) عبارة الشرنبلالية عن المحيط: وإن كان
للميت بنت كان النصف لها والنصف للمقر له ا ه‍. وإن جنى هذا العتيق سعى في جنايته لأنه لا
عاقلة له، وإن جنى عليه أرش يجب عليه أرش العبد وهو كالملوك في الشهادة، لان حريته في
الظاهر وهو يصلح للدفع لا للاستحقاق ا ه‍. قوله: (أرش العبد) وعليه فقد صار الاقرار حجة متعدية
في حق المجني عليه، فينبغي زيادة هذه المسألة على الست (1) المتقدمة آنفا. قوله: (ونحوه) بأن كرر
اليقين أيضا معرفا أو منكرا. قوله: (كقوله البر حق الخ) هذا مما يصلح للاخبار ولا يتعين جوابا.
والذي في الدرر: البر الحق. وهو في بعض النسخ كذلك، وهو ظاهر فإنه يحمل على الابدال ط.
قوله: (لأنه نداء) إي فيما عدا الأخيرة، والنداء: إعلام المنادي وإحضاره لا تحقيق الوصف. قوله:
(حيث ترد) أي لو اشتراها من لم يعلم بهذا الاخبار ثم علم ط. قوله: (بخلاف الأول) فإن السيد لا

(1) قوله: (على الست الخ) فيه انه لم يذكر السادسة وانما ذكرها ط حيث قال السادسة باع المبيع ثم أقر ان البيع كان
تلجئة وصدقه المشتري فله الرد على بائعه بالعيب ا ه‍. مصححه.
180

يتمكن من إثبات هذه الأوصاف فيها ط. قوله: (بطريق متعلق بالسكران). قوله: (عليه الحد) لعله
سبق قلم، والصواب القصاص فليراجع. قوله: (كما بسطه سعدي) وعبارته هناك: وقال صاحب
النهاية: ذكر الامام التمرتاشي ولا يحد السكران بإقراره على نفسه بالزنا والسرقة، لأنه إذا صحا ورجع
بطل إقراره، ولكن يضمن المسروق، بخلاف حد القذف والقصاص حيث يقام عليه في حال سكره،
لأنه لا فائدة في التأخير لأنه لا يملك الرجوع لأنهما من حقوق العباد، فأشبه الاقرار بالمال والطلاق
والعتاق اه‍. ولا يخفى عليك أن قوله لان لا فائدة في التأخير محل بحث. وفي معراج الدراية:
بخلاف حد القذف، فإنه يحبس حتى يصحو ثم يحد للقذف ثم يحبس حتى يخف منه الضرب ثم يحد
للسكر ذكره في المبسوط وفي معراج الدراية قيد بالاقرار، لأنه لو زنى وسرق في حاله يحد بعد
الصحو بخلاف الاقرار. وكذا في الذخيرة ا ه‍. قوله: (سقوط القضاء) أي قضاء صلاة أزيد من يوم
وليلة، بخلاف الاغماء. قوله: (على ما هنا) أي على ما في المتن وإلا فسيأتي زيادة عليها. قوله:
(بالحرية) فإذا أقر أن العبد الذي في يده حر ثبتت حريته وإن كذبه العبد ط. قوله: (في الإسعاف)
ونصه: ومن قبل ما وقف عليه ليس الرد بعه، ومن رده أول مرة ليس له القبول بعده اه‍. وتمام
التفاريع فيه. ولا يخفى أن الكلام في الاقرار بالوقف لا في الوقف. وفي الإسعاف أيضا: ولو أقر
لرجلين بأرض في يده أنها وقف عليهما وعلى أولادهما ونسلهما أبدا ثم من بعدهم على المساكين
فصدقه أحدهما وكذبه الآخر ولا أولاد لهما يكون نصفها وقفا على المصدق منهما والنصف الآخر
للمساكين، ولو رجع المنكر إلى التصديق رجعت الغلة إليه، وهذا بخلاف ما لو أقر لرجل بأرض
فكذبه المقر له ثم صدقه فإنها لا تصير له ما لم يقر بها ثانيا، والفرق أنه الأرض المقر بوقفيتها لا
تصير ملكا لاحد بتكذيب المقر له فإذا رجع ترجع إليه، والأرض المقر بكونها ملكا ترجع إلى ملك المقر
بالتكذيب اه‍. قوله: (لو وقف) فيه أن الكلام في الاقرار بالوقف لا في الوقف، وأيضا الكلام فيما
لا يرتد ولو قبل القبول على أن عبارة الإسعاف على ما في الأشباه والمنح أن المقر له إذا رده ثم صدقه
صح ح. قوله: (قضاء البحر) وعبارته: قيد بالاقرار بالمال احترازا عن الاقرار بالرق والطلاق والعتاق
والنسب والولاء فإنها لا ترد بالرد. أما الثلاثة الأول: ففي البزازية: قال لآخر: أنا عبدك فرد المقر له
ثم عاد إلى تصديقه فهو عبده، ولا يبطل الاقرار بالرق بالرد كما لا يبطل بجحود المولى، بخلاف
الاقرار بالعين والدين حيث يبطل الرد، والطلاق والعتاق لا يبطلان بالرد، لأنهما إسقاط يتم بالمسقط
181

وحده. وأما الاقرار بالنسب وولاء العتاقة ففي شرح المجمع من الولاء، وأما الاقرار بالنكاح فلم أره
أن اه‍. وتمامه هناك. قوله: (واستثنى ثمة) لا حاجة إلى ذكرهما هنا فإنهما ليستا مما نحن فيه ح:
أي لان الكلام في الاقرار وما ذكر في الابراء قوله: (مسألتين) حيث قال: ثم اعلم أن الابراء يرتد
بالرد إلا فيما إذا قال المديون أبرئني فأبرأه فإنه لا يرتد كما في البزازية، وكذا إبراء الكفيل لا يرتد
بالرد، فالمستنثى مسألتان، كما أن قولهم إن الابراء لا يتوقف على القبول يخرج عنه الابراء عن بدل
الصرف والسلم فإنه يتوقف على القبول ليبطلاه كما قدمناه في باب السلم. قوله: (فيها) أي في
الوكالة. قوله: (أو قال) عطف على صالح، لأنها مسألة أخرى في أوائل الثلث الثالث من فتاوى
الحانوتي كلام طويل في البراءة العامة فراجعه. وفي الخانية: وصبي الميت إذا دفع ما كان في يده من
تركة الميت إلى ولد الميت وأشهد الولد على نفسه أنه قبض التركة ولم يبق من تركة والده قليل ولا كثير
إلا قد استوفاه ثم ادعى في يد الوصي شيئا وقال من تركة والدي وأقام على ذلك بينة، وكذا لو أقر
الوارث أنه قبض جميع ما على الناس من تركة والده ثم ادعى على رجل دينا لوالده تسمع دعواه.
قلت: ووجه سماعها أن الولد لم يتضمن إبراء شخص معين، وكذا إقرار الوارث بقبضه جميع ما
على الناس ليس فيه إبراء، ولو تنزلنا للبراءة فهي غير صحيحة في الأعيان. شرح وهبانية للشرنبلالي.
وفيه نظر لأن عدم صحتها معناه أن لا تصير ملكا للمدعى عليه، وإلا فالدعوى لا تسمع كما يأتي في
الصلح. قوله: (صلح البزازية) وعبارة البزازية: قال تاج الاسلام (1): واحد صالح الورثة وأبرأ إبراء
عاما ثم ظهر في التركة شئ لم يكن وقت الصلح لا رواية في جواز الدعوى: ولقائل أن يقول: تجوز
دعوى حصته فيه وهو الأصح. ولقائل أن يقول: لا ا ه‍. وللشرنبلالي رسالة سماها (تنقيح الاحكام في
الاقرار والابراء الخاص والعام).
أجاب فيها بأن البراءة العامة بين الوارثين مانعة من دعوى شئ سابق عليها عينا أو دينا
بميراث أو غيره، وحقق ذلك بأن البراءة إما عامة كلا حق أو لا دعوى أو لا خصومة لي قبل فلان
أو هو برئ من حقي أو لا دعوى لي عليه أو لا تعلق لي عليه أو لا استحق عليه شيئا أو أبرأته من
حقي أو مما لي قبله، وإما خاصة بدين خاص كأبرأته من دين كذا أو عام كأبرأته مما لي عليه فيبرأ عن

(1) قوله: (قال تاج الاسلام الخ) قال شيخنا: عبارة البزازية أحد الورثة صالح وأبرأ الخ وحينئذ فتكون مساوية لعبارة
الخانية المارة، ويكون الحكم سماع الدعوى حيث لم يكن في العبارة تعيين المبرإ، وحيث إن المصنف نقل عبارة
البزازية هذه تحكم بان ذكر الضمير بعد أبرأ فيه تحريف، إذ ليس هذا الضمير موجودا في البزازية. نعم يبقى قول
الشارح لم يبق لي حق من تركة أبي عند الوصي مشكلا ا ه‍.
182

كل دين دون العين. وأما خاصة بعين فتصح لنفي الضمان لا الدعوى فيدعي بها على المخاطب
وغيره، وإن كان عن دعواها فهو صحيح. ثم إن الابراء لشخص مجهول لا يصح، وإن لمعلوم صح
ولو بمجهول، فقوله قبضت تركة مورثي كلها أو كل من لي عليه شئ أو دين فهو برئ ليس إبراء
عاما ولا خاصا، بل هو إقرار مجرد لا يمنع من الدعوى لما في المحيط قال: لا دين لي على أحد ثم
ادعى على رجل دينا صح لاحتمال وجوبه بعد الاقرار، وفيه أيضا: وقوله هو برئ مما لي عنده إخبار
عن ثبوت البراءة لا إنشاء. وفي الخلاصة: لا حق لي قبله فيدخل فيه كل عين ودين وكفالة وإجارة
وجناية وحد ا ه‍. وفي الأصل: فلا يدعي إرثا ولا كفالة نفس أو مال ولا دينا أو مضاربة أو شركة
أو وديعة أو ميراثا أو دارا أو عبدا أو شيئا إلا شيئا حادثا بعد البراءة ا ه‍. فما في شرح المنظومة (1)
عن المحيط: أبرأ أحد الورثة الباقي ثم ادعى التركة وأنكر وإلا تسمع دعواه، وإن أقروا بالتركة أمروا
بالرد عليه اه‍. ظاهر فيما إذا لم تكن البراءة عامة لما علمته، ولما سنذكر أنه لو أبرأه عاما ثم أقر بعده
بالمال المبرأ به لا يعود بعد سقوطه. وفي العمادية: قال ذو اليد: ليس هذا لي وليس ملكي أو لا حق
لي فيه أو نحو ذلك ولا منازع له حينئذ، ثم ادعاه أحد فقال ذو اليد هو لي فالقول له، لان الاقرار
لمجهول باطل، والتناقض إنما يمنع إذا تضمن إبطال حق على أحد اه‍. ومثله في الفيض وخزانة
المفتين، فبهذا علمت الفرق بين أبرأتك أو لا حق لي قبلك وبين قبضت تركة مورثي أو كل من لي
عليه دين، فهو برئ ولم يخاطب معينا، وعلمت بطلان فتوى بعض أهل زماننا بأن إبراء الوارث
وارثا آخر إبراء عاما لا يمنع من دعوى شئ من التركة، وأما عبارة البزازية: أي التي قدمناها
فأصلها معزو إلى المحيط، وفيه نظر ظاهر. ومع ذلك لم يقيد الابراء بكونه لمعين أو لا، وقد علمت
اختلاف الحكم في ذلك ثم إن كان المراد به اجتماع الصلح المذكور في المتون والشروح في مسألة
التخارج مع البراءة العامة لمعين فلا يصح أن يقال فيه لا رواية فيه، كيف وقد قال قاضيخان: اتفقت
الروايات على أنه لا تسمع الدعوى بعده إلا في حادث، وإن كان المراد به الصلح والابراء بنحو
قوله: قبضت تركة مورثي ولم يبق لي فيها حق إلا استوفيته، فلا يصح قوله لا رواية فيه أيضا لما
قدمناه من النصوص على صحة دعواه بعده، واتفقت الروايات على صحة دعوى ذي اليد المقر بأن لا
ملك له في هذا العين عند عدم المنازع. والذي يتراءى أن المراد من تلك العبارة الابراء لغير معين
مع ما فيه، ولو سلمنا أن المراد به المعين وقطعنا النظر عن اتفاق الروايات على منعه من الدعوى بعده
فهو مباين لما في المحيط عن المبسوط والأصل والجامع الكبير ومشهور الفتاوى المعتمدة كالخانية
والخلاصة، فيقدم ما فيها ولا يعدل عنها إليه، وأما ما في الأشباه والبحر عن القنية: افترق الزوجان
وأبرأ كل صاحبه عن جميع الدعاوي وللزوج أعيان قائمة لا تبرأ المرأة منها وله الدعوى، لان الابراء
إنما ينصرف إلى الديون لا الأعيان اه‍. فمحمول على حصوله بصيغة خاصة كقوله أبرأتها عن جميع
الدعاوي مما لي عليها فيختص بالديون فقط كونه مقيدا بما لي عليها ويؤيده التعليل، ولو بقي على

(1) قوله: (فما في شرح المنظومة الخ) قال شيخنا: لا حاجة إلى هذا الحمل بل الحكم كذلك ولو كانت البراءة هامة، إذ
غاية ما في البراءة العامة منع الدعوى في الأعيان لكن لا تصير العين بها ملكا للمبرإ فلو أقر بها يؤمر بالدفع بخلاف
الدين فإنه يملك بالبراءة فلا يؤمر بالدفع لو أقر ومنع المبرأ من الدعوى لا ينافي أمر المقر بالدفع. الا ترى ان من منع
من سماع الدعوى لطول المدة لو أقر خصمه بالمدعى فإنه يؤمر بالدفع ا ه‍.
183

ظاهره فلا يعدل عن كلام المبسوط والمحيط وكافي الحاكم المصرح بعموم البراءة لكل من أبرأ إبراء
عاما إلى ما في القنية اه‍.
هذا حاصل ما ذكره الشرنبلالي في رسالته وهي قريب من كراسين، وقد أكثر فيها من النقول،
فمن أراد الزيادة فليرجع إليها، وبه علم أنه ما كان ينبغي للمصنف أن يذكر ما في البزازية متنا، وأما
ما سيجئ آخر الصلح فليس فيه إبراء عام فتدبر، وانظر شرح الملتقى في الصلح. قوله: (عن
الأعيان) سيأتي الكلام على ذاك في الصلح. قوله: (في الصلح) أي في آخره.
قوله: (أقر رجل) تقدمت المسألة متنا في متفرقات القضاء. قوله: (شرح وهبانية) وبه أفتى في
الحامدية والخيرية من الدعوى. قوله: (لا عذر لمن أقر) فيه أن اضطراره (1) إلى هذا الاقرار عذر.
قوله: (غايته) حاصله: أنه لا فائدة لدعواه أن بعض المقر به ربا، إلا تحليف المقر له بناء على أن الثاني
إذا ادعى أنه أقر كاذبا يحلف المقر له، وهذه المسألة من أفرادها، فلذا قال في هذه ونحوها: ولقد
أبعد من حمل قول أبي يوسف على الضرورة فقط كما في هذه المسألة كما مر قبيل الاستثناء. قوله:
(أن يقال الخ) ولأنه لا يتأتى على قول الإمام لأنه يقول بلزوم المال ولا يقبل تفسيره وصل أو فصل
وعندهما، إن وصل قبل وإلا فلا، ولفظة ثم تفيد الفصل فلا يقبل اتفاقا. شرنبلالية. قوله: (وبه
جزم) أي بقول أبي يوسف. قوله: (فيمن أقر) وفي نسخة فيما مر وعليها فإنه مر قبيل الاستثناء.
قوله: (من نسخ الشرح) أي المنح. قوله: (أن يستحقه) يعمل بالمصادقة على الاستحقاق، وإن خالفت
كتاب الوقف تكن في حق المقر خاصة الخ ما مر في الوقف. قوله: (وسقط حقه) الظاهر أن المراد
سقوطه ظاهرا، فإذا لم يكن مطابقا للواقع لا يحل للمقر له أخذه، ثم إن هذا السقوط ما دام حيا،
فإذا مات عاد على ما شرط الواقف. قال السائحاني في مجموعته وفي الخصاف: قال المقر له بالغلة
عشر سنوات من اليوم لزيد، فإن مضت رجعت للمقر له، فإن مات المقر له والمقر قبل مضيها ترجع

(1) قوله: (فيه ان الخ) فيه ان المراد ينفي العذر نفي قبوله اي لا عذر مقبول ولو كان موجودا تأمل ا ه‍.
184

الغلة على شرط الواقف، فكأنه صرح ببطلان المصادقة بمضي المدة أو موت المقر.
وفي الخصاف أيضا: رجل وقف على زيد وولده ثم للمساكين، فأقر زيد به وبأنه على بكر ثم
مات زيد بطل إقراره لبكر. وفي الحامدية: إذا تصادق جماعة الوقف ثم مات أحدهم عن ولد فهل
تبطل مصادقة الميت في حقه؟ الجواب: نعم، ويظهر لي من هذا أن من منع عن استحقاقه بمضي المدة
الطويلة إذا مات فولده يأخذ ما شرطه الواقف له، لان الترك لا يزيد على صريح المصادقة، لان الولد
لم يتملكه من أبيه وإنما يتملكه من الواقف ا ه‍. قوله: (ولو جعله الخ) وفي إقرار الإسماعيلية فيمن
أقرت بأن فلانا يستحق ريع ما يخصها من وقف كذا في مدة معلومة بمقتضى أنها قبضت منه مبلغا
معلوما، فأجاب بأنه باطل لأنه بيع الاستحقاق المعدوم وقت الاقرار بالمبلغ المعين، وإطلاق قولهم لو
أقر المشروط له الريع أنه يستحقه فلانه دونه يصح، ولو جعله لغيره لم يصح يقضى ببطلانه، فإن
الاقرار بعوض معاوضة اه‍. ملخصا.
وفي الخصاف: فإن كان الواقف جعل أرضه موقوفة على ز يد ثم من بعده على المساكين فأقر زيد
بهذا الاقرار: يعني بقوله جعلها وقفا علي وعلى هذا الرجل، يشاركه الرجل في الغلة أبدا ما كان
حيا، فإن مات زيد كانت للمساكين، ولم يصدق زيد عليهم، وإن مات المقر له وزيد في الحياة
فالنصف الذي أقر به زيد للمساكين والنصف لزيد، فإذا مات صارت الغلة كلها للمساكين. وكذا لو
أقر أنها على هذا الرجل وحده فالغلة كلها للرجل ما دام زيد المقر حيا، فإذا مات فللمساكين ولا
يصدق عليهم، وإنما يصدق على إبطال حق نفسه ما دام حيا ا ه‍ ملخصا. ويظهر من هذا أن المصادقة
على الاستحقاق تبطل بموت المقر للزوم الضرر على من بعده، ولا تبطل بموت المقر له عملا بإقرار
المقر على نفسه. بقي ما لو أقر جماعة مستحقون كثلاثة إخوة مثلا موقوف عليهم سوية، فتصادقوا على
أن زيدا منهم يستحق النصف، فإذا مات زيد تبقى المصادقة، وإن مات المقران تبطل، وإن مات
أحدهما تبطل في حصته فقط. والذي يكثر وقوعه في زماننا المصادقة في النظر
والذي يقتضيه النظر بطلانها بموت كل منهما ويرجع التوجيه إلى القاضي، هذا ما ظهر لنا فتأمل. قوله: (كذا في نسخ
185

المتن) أي بعضها، وفي بعض نسخ المتن المغصوب منه. قوله: (من الكل) وقد تقدم قبل إقرار
المريض. قوله: (بناء على إفتاء المفتي) وفي البزازية: ظن وقوع الثلاث بإفتاء من ليس بأهل، فأمر
الكاتب بصك الطلاق فكتب، ثم أفتاه عالم بعدم الوقوع له أن يعود إليها في الديانة، لكن القاضي لا
يصدقه لقيام الصك. سائحاني. قوله: شئ محال كما لو أقر له بأرش يده التي قطعها خمسمائة
درهم ويداه صحيحتان لم يلزم شئ كما في حيل التاترخانية، وعلى هذا أفتيت ببطلان إقرار إنسان
بقدر من السهام لوارث وهو أزيد من الفريضة الشرعية لكونه محالا شرعا، ولا بد من كونه محالا من
كل وجه، وإلا فلو أقر أن لهذا الصغير علي ألف درهم قرض أقرضنيه أو من ثمن مبيع باعنيه صح
الاقرار كما مر. أشباه ملخصا. قوله: (وبالدين) قيد به لان إقراره بالعين بعد الابراء العام صحيح مع
أنه يبرأ من الأعيان في الابراء العام كما صرح به في الأشباه، وتحقيق الفرق في رسالة الشرنبلالي في
الابراء العام. قوله: (بعد هبتها له على الأشبه) قال في البزازية وفي المحيط: وهبت المهر منه ثم قال
اشهدوا أن لها علي مرها كذا، فالمختار عند الفقيه أن إقراره جائز وعليه المذكور إذا قبلت لان الزيادة
لا تصح بلا قبولها، والأشبه أن لا يصلح، ولا تجعل زيادة بغير قصد الزيادة. عن الحموي: برهن أنه
أبرأني عن هذه الدعوى ثم ادعى المدعي ثانيا أنه أقر لي بالمال بعد إبرائي فلو قال المدعى عليه أبرأني
وقبلت الابراء وقال صدقته فيه لا يصح الدفع: يعني ودعوى الاقرار، ولو لم يقله يصح الدفع
لاحتمال الرد، والابراء يرتد بالرد فيبقى المال عليه، بخلاف قبوله إذ لا يرتد بالرد بعده. جامع
الفصولين. لكن كلامنا في الابراء عن الدين، وهذا في الابراء عن الدعوى. وفي الرابع والعشرين
من التاترخانية: ولو قال أبرأتك مما لي عليك فقال لك علي ألف قد صدقت فهو برئ استحسانا. لا
حق لي في هذه الدار فقال كان لك سدس فاشتريتها منك فقال لم أبعه فله السدس، ولو قال خرجت
عن كل حق لي في هذه الدار أو برئت منه إليك أو أقررت لك فقال الآخر اشتريتها منك فقال لم
أقبض الثمن فله الثمن ا ه‍. وفيها عن العتابية: ولو قال لا حق لي قيل برئ من كل عيب ودين،
وعلى هذا لو قال فلان برئ مما لي قبله دخل المضمون والأمانة، ولو قال هو برئ مما لي عليه دخل
المضمون دون الأمانة، ولو قال هو برئ مما لي عنده فهو برئ من كل شئ أصله أمانة ولا يبرأ عن
المضمون، ولو ادعى الطالب حقا بعد ذلك وأقام بينة فإن كان أرخ بعد البراءة تسمع دعواه وتقبل
بينته، وإن لم يؤرخ فالقياس أن تسمع وحمل على حق وجب بعدها. وفي الاستحسان: لا تقبل بينته.
186

قوله: (ذكره المصنف في فتاويه) ونصه: سئل عن رجلين صدر بينهما إبراء عام، ثم إن رجلا منهما
بعد الابراء العام أقر أن في ذمته مبلغا معينا للآخر فهل يلزمه ذلك أم لا؟ أجاب: إذا أقر بالدين بعد
الابراء منه لم يلزمه كما في الفوائد الزينية نقلا عن التاترخانية. نعم إذا ادعى عليه دينا بسبب حادث
بعد الابراء العام وأنه أقر به يلزمه ا ه‍. وانظر ما في إقرار تعارض البينات لغانم البغدادي. قوله:
(قلت ومفاده) أي مفاد تقييد اللزوم بدعواه بسبب حادث، وقوله: لو أقر ببقاء الدين أي بأن قال ما
أبر أني منه باق في ذمتي، والفرق بين هذا وبين قوله السابق: وبالدين بعد الابراء منه أنه قال هناك
بعد الابراء لفلان على كذا. تأمل. قوله: (ببقاء الدين) أي بعد الابراء العام. قوله: (كالأول) أي
الاقرار بالدين بعد الابراء منه. قوله: (تتمة) اسم كتاب. قوله: (أقر بمهر المثل) قيد به، إذ لو كان
الاقرار بأزيد منه لم يصح. قوله: (الإيهاب) أي لو أقامت الورثة البينة، ومثله الابراء كما حققه ابن
الشحنة. قوله: (من قبل تهدر) أي في حالة الصحة أن المرأة وهبت مهرها من زوجها في حياته لا
تقبل، ولا ينافي هذا ما قدمه الشارح من بطلان الاقرار بعد الهبة لاحتمال أنه أبانها ثم تزوجها على
المهر المذكور في هذه المسألة. كذا قيل، وفيه أن الاحتمال موجود ثمة. قوله: (وإسناد) قال في
المنتقى: لو أقر في المرض الذي مات فيه أنه باع هذا العبد من فلان في صحته وقبض الثمن وادعى
ذلك المشتري فإنه يصدق في البيع ولا يصدق في قبض الثمن إلا بقدر الثلث، هذه مسألة النظم، إلا
أنه أغفل فيه قيد تصديق المشتري. ابن الشحنة. مدني. وقدمنا قبل نحو خمسة أوراق عن نور العين
كلاما فراجعه. قوله: (فيه) أي في ضعف الموت. قوله: (من ثلث التراث) أي الميراث. قوله:
(تشهد) بإسكان الدال المهملة. قوله: (نعده) بفتح النون وبالعين ورفع الدال المشددة. قوله: (فخلف)
برفع الخاء وإسكان اللام. قال المقدسي: ذكر محمد أن قوله لا تخبر فلانا أن له علي ألفا إقرار. وزعم
السرخسي أن فيه روايتين. سائحاني. قوله: (منشأ) أي كان هبة. قوله: (مظهر) بضم الميم: أي مقر.
187

كتاب الصلح قوله: (مطلقا) فيما يتعين وفيما لا يتعين. قوله: (بلا قبول) لأنه إسقاط وسيجئ قريبا. قوله:
(وشرطه الخ) وشرطه أيضا قبض بدله إن كان دينا بدين، وإلا لا كما سيأتي في مسائل شتى آخر
الكتاب فراجعه، وأوضحه في الدرر هنا. قوله: (فصح من صبي الخ) وكذا عنه بأن صالح أبوه عن
داره وقد ادعاها مدع وأقام البرهان. قوله: (لو فيه نفع) لو قال لو لم يكن فيه ضرر بين لكان أولى،
ليشمل ما إذا لم يكن فيه نفع ولا ضرر، أو كان فيه ضرر غير بين ط. قوله: (معلوما) قال في جامع
الفصولين عازيا للمبسوط: الصلح على خمسة أوجه: صلح على دراهم أو دنانير أو فلوس فيحتاج إلى
ذكر القدر. الثاني: على بر أو كيلي أو وزني مما لا حمل له ولا مؤنة، فيحتاج إلى ذكر قدر وصفة، إذ
يكون جيدا أو وسطا أو رديئا فلا بد من بيانه الثالث: علي كيلي أو وزني مما له حمل ومؤنة، فيحتاج إلى
ذكر قدر وصفة ومكان تسليمه عند أبي حنيفة كما في السلم. الرابع: صلح على ثوب، فيحتاج إلى
ذكر ذرع وصفة وأجل، إذ الثوب لا يكون دينا إلا في السلم وهو عرف مؤجلا. الخامس: صلح على
حيوان، ولا يجوز إلا بعينه، إذ الصلح من التجارة والحيوان لا يصلح دينا فيها اه‍. قوله: (إلى قبضه)
بخلاف ما لا يحتاج إلى قبضه، مثل أن يدعي حقا في دار رجل وادعي المدعى عليه حقا في أرض بيد
المدعي فاصطلحا على ترك الدعوى جاز. قوله: (والتعزير) أي إذا كان حقا للعبد (1) كما لا يخفى ح.
قوله: (أو مجهولا) أي بشرط أن يكون مما لا يحتاج إلى التسليم كترك الدعوى مثلا، بخلاف ما لو كان
عن تسليم المدعي. وفي جامع الفصولين: ادعى عليه مالا معلوما فصالحه على ألف درهم وقبض بدل
الصلح وذكر في آخر الصك وأبرأ المدعي عن جميع دعاواه وخصوماته إبراء صحيحا عاما فقيل: لم يصح الصلح لأنه لم
يذكر قدر المدعى فيه، ولا بد من بيانه ليعلم أن هذا الصلح وقع معاوضة أو إسقاطا أو
وقع صرفا شرط فيه التقابض في المجلس أو لا، وقد ذكر قبض بدل الصلح ولم يتعرض
لمجلس الصلح، فمع هذا الاحتمال لا يمكن القول بصحة الصلح. وأما الابراء فقد حصل على سبيل
العموم فلا تسمع دعوى المدعي بعين للابراء العام لا للصلح اه‍. وتقدم التصريح به في الاستحقاق،
وانظر ما كتبناه عن الفتح أواخر خيار العيب. قوله: (كحق شفعة) إذ هو عبارة عن ولاية الطلب
وتسليم الشفعة لا قيمة له، فلا يجوز أخذ المال في مقابلته. قوله: (والثالث) هو إحدى الروايتين، وبها

(1) قوله: (إذا كان حقا للعبد) أما إذا كان حقا لله تعالى كقبلة في أجنبية فالظاهر عدم صحة الصلح عنه وحرره ا ه‍. ط.
188

يفتى كما في الشرنبلالية عن الصغرى. أما بطلان الأول فرواية واحدة كما فيها أيضا عن الصغرى.
قوله: (للحاكم) ظاهره أنه يبطل بالصلح أصلا، وهو الذي في الشرنبلالية عن قاضيخان، فإنه قال:
بطل الصلح وسقط الحد إن كان قبل أن يرفع إلى القاضي، وإن كان بعده لا يبطل الحد، وقد سبق أنه
إنما سقط بالعفو لعدم الطلب، حتى لو عاد وطلب حد، إلا أن يحمل ما في الخانية على أنه لم يطلب
بعد. قوله: (مطلقا) قبل الرفع وبعده. قوله: (وطلب الصلح) فاعل طلب مستتر فيه والصلح
مفعوله، ولا حاجة إليه لأنه تكرار مع ما في المتن. قوله: (على ذلك) وفي بعض النسخ هذه
قوله: (بالمقسط) هذا يفيد أنه لا يشترط الطلب كما لا يشترط القبول ط. قوله: (وحكمه وقوع الخ)
قال في البحر: وحكمه في جانب المصالح عليه وقوع الملك فيه للمدعي، سواء كان المدعى عليه مقرا
أو منكرا، وفي المصالح عنه وقوع الملك فيه للمدعى عليه إن كان مما لا يحتمل التمليك كالمال وكان
المدعى عليه مقرا به، وإن كان مما لا يحتمل التمليك كالقصاص فالحكم وقوع البراءة كما إذا كان منكر
مطلقا. قوله: (ووقوع الملك) أي للمدعي أو المدعى عليه. قوله: (عليه) أي مطلقا ولو منكرا. قوله:
(كبيع) أي فتجري فيه أحكام البيع، فينظر إن وقع على خلاف جنس المدعى فهو بيع وشراء كما ذكر
هنا، وإن وقع على جنسه فإن كان بأقل من المدعى فهو حط وإبراء، وإن كان مثله فهو قبض
واستيفاء، وإن كان بأكثر منه فهو فضل وربا ا ه‍ من الزيلعي. رملي. قال في البحر: اعتبر بيعا إن كان
على خلاف الجنس إلا في مسألتين، وتمامه فيه. قوله: (فتجري فيه) أي في هذا الصلح. منح. فشمل
المصالح عنه والمصالح عليه، حتى لو صالح عن دار بدار وجبت فيها الشفعة ط. قوله: (وتشترط) في
موضع التعليل لقوله: ويفسده جهالة البدل. قوله: (من المدعي) بالبناء للمفعول. قوله: (إن كلا
الخ) أشار إلى أن من بيانية أو تبعيضية وكل مراد. تأمل. قوله: (كما ذكرنا) أي إن كلا فكلا أو
بعضا فبعضا ح. قوله: (لأنه معاوضة) مقتضى المعاوضة أنه إذا استحق الثمن: فإن مثليا رجع بمثله،
أو قيميا فبقيمته ولا يفسد العقد.
فرع: قال في البزازية: وفي نظم الفقه: أخذ سارقا من دار غيره، فأراد دفعه إلى صاحب المال،
فدفع له السارق مالا على أن يكف عنه يبطل، ويرد البدل إلى السارق لان الحق ليس له، ولو كان
الصلح مع صاحب السرقة برئ من الخصومة بأخذ المال، وحد السرقة لا يثبت من غير خصومة
ويصح الصلح اه‍ وفيها أيضا: اتهم بسرقة وحبس فصالح، ثم أن الصلح كان خوفا على نفسه
189

: إن في حبس الوالي تصح الدعوى لان الغالب أنه حبس ظلما، وإن في حبس القاضي لا تصح لان
الغالب أنه يحبس بحق ا ه‍. قوله: (إن احتيج إليه) كسكنى دار. قوله: (بموت أحدهما) أي إن عقدها
لنفسه. بحر. قوله: (وبهلاك المحل) أي قبل الاستيفاء، وتمامه في البحر. قوله: (لو وقع) كان ينبغي
ذكره قبل قوله: فشرط التوقيت فيه. قوله: (عن منفعة) يعني أنه يصلح الصلح، فلو ادعى مجرى في
دار أو مسيلا على سطح أو شربا في نهر فأقر أو أنكر ثم صالحه على شئ معلوم كما في
القهستاني. علائي شرح ملتقى. كذا في الهامش. قوله: (عن جنس آخر) كخدمة عبد عن سكنى
دار. قوله: (في حق المدعي) فبطل الصلح على دراهم بعد دعوى دراهم إذا تفرقا قبل القبض. بحر.
قوله: (عن دار) يعني إذا ادعى رجل على آخر داره فسكت الآخر وأنكر فصالح عنها بدفع شئ لم
تجب الشفعة لأنه يزعم أنه يستبقي الدار المملوكة على نفسه بهذا الصلح ويدفع خصومة المدعي عن
نفسه، لا أنه يشتريها، وزعم المدعي لا يلزمه. منح. ادعيا أرضا في يد رجل بالإرث من أبيهما
فجحد ذو اليد فصالحه أحدهما على مائة لم يشاركه الآخر، لان الصلح معاوضة في زعم المدعي فداء
يمين في زعم المدعى عليه، فلم يكن معاوضة من كل وجه فلا يثبت للشريك حق الشركة بالشك،
وفي رواية عن أبي (1) يشاركه. خانية ملخصا. قوله: (وتجب) أي تجب الشفعة في دار وقع الصلح
عليها بأن تكون بدلا. قوله: (بأحدهما) أي الانكار والسكوت. قوله: (لخلو) علة لقوله: رد لمدعي
حصته. قوله: (رجع) أي المدعي. قوله: (إلى الدعوى) إلا إذا كان مما لا يتعين بالتعيين وهو من
جنس المدعى به، فحينئذ يرجع بمثل ما استحق ولا يبطل الصلح، كما إذا ادعى ألفا فصالحه على مائة
وقبضها فإنه يرجع عليه بمائة عند استحقاقها، سواء كان الصلح بعد الاقرار أو قبله، كما لو وجدها
ستوقة أو نبهرجة، بخلاف ما إذا كان من غير الجنس كالدنانير هنا إذا استحقت بعد الافتراق فإن
الصلح يبطل، وإن كان قبله رجع بمثلها ولا يبطل الصلح كالفلوس. بحر. قوله: (رجع إلى الدعوى)
إلا إذا كان المصالح عنه مما لا يقبل النقض فإنه يرجع بقيمة المصالح عليه كالقصاص والعتق والنكاح
والخلع كما في الأشباه عن الجامع الكبير، وتمام الكلام عليه في حاشية الحموي. قوله: (في كله) إن

(1) قوله: (عن أبي) قد سقط من أصل نسخة المؤلف لفظ ما يضاف إليه أبي فتركت محله بياضا ليوضع فيه ما يوجد في
الخانية بعد مراجعتها ا ه‍. من هامش الأصل.
190

استحق كل العوض. قوله: (أو بعضه) إن استحق بعضه. قوله: (لان إقدامه) أي المدعى عليه. قوله:
(بالملكية) أي للمدعي، بخلاف الصلح لأنه لم يوجد منه ما يدل على أنه أقر بالملك له، إذ الصلح قد
يقع لدفع الخصومة. قوله: (كاستحقاقه) فيرجع بالمدعي أو بالدعوى. درر منتقى. كذا في الهامش.
قوله: (كذلك) أي كلا أو بعضا. قوله: (بعض ما يدعيه) أي وهو قائم، ويأتي حكم ما إذا كان هالكا
عند قول الماتن والصلح عن المغصوب الهالك وقال القهستاني: لان المدعي بهذا الصلح استوفى بعض
حقه وأبرأ عن الباقي، والابراء عن الأعيان باطل اه‍ مدني. قوله: (أو يلحق) منصوب بأن مثل أو
يرسل. قوله: (عن دعوى الباقي) قيد بالابراء عن دعواه، لان الابراء عن عينه غير صحيح، كذا في
المبسوط. ابن ملك. بأن يقول: برئت عنها أو عن خصومتي فيها أو عن دعوى هذه الدار، فلا تسمع
دعواه ولا بينته، وأما لو قال أبرأتك عنها أو عن خصومتي فيها فإنه باطل، وله أن يخاصم كما لو قال
لمن بيده عبد برئت منه فإنه يبرأ، ولو قال أبرأتك لا، لأنه إنما أبرأه عن ضمانه، كما ي الأشباه من
أحكام الدين.
قلت: ففرقوا بين أبرأتك، وبرئت أو أنا برئ لإضافة البراءة لنفسه فتعم، بخلاف أبرأتك لأنه
خطاب الواحد، فله مخاصمة غيره كما في حاشيتها معزيا للولوالجية شرح الملتقى. وفي البحر: الابراء
إن كان على وجه الانشاء، فإن كان عن العني بطل من حيث الدعوى، فله الدعوى بها المخاطب
وغيره، ويصح من حيث نفي الضمان، فإن كان عن دعواها: فإن أضاف الابراء إلى المخاطب كأبرأتك
عن هذه الدار أو عن خصومتي فيها أو عن دعواي فيها لا تسمع دعواه على المخاطب فقط، وإن
أضافه إلى نفسه كقوله برئت عنها أو أنا برئ فلا تسمع مطلقا، هذا لو طريق الخصوص: أي عين
مخصوصة، فلو على العموم فله الدعوى على المخاطب وغيره كما لو تبارأ الزوجان عن جميع الدعاوي
وله أعيان قائمة له الدعوى بها، لأنه ينصرف إلى الديون لا الأعيان وأما إذا كان على وجه الاخبار
كقوله هو برئ مما لي قبله فهو صحيح متناول للدين والعين، فلا تسمع الدعوى وكذا لا ملك لي في
هذه العين ذكره في المبسوط والمحيط. فعلم أن قوله لا أستحق قبله حقا مطلقا ولا دعوى يمنع
الدعوى بالعين والدين، لما في المبسوط: لا حق لي قبله يشمل كل عين ودين فلو ادعى حقا لم يسمع
ما لم يشهدوا أنه بعد البراءة ا ه‍ ما في البحر ملخصا، وقوله بعد البراءة يفيد أن قوله لا حق لي إبراء
عام لا إقرار. قوله: (مطلقا) أي سواء وجد أحد الامرين أو لم يوجد فلا يسمع دعوى الباقي ح.
191

قوله: (وقولهم) جواب سؤال وارد على كلام الماتن لا على ظاهر الرواية، إذ لا تعرض للابراء فيها،
وما تضمنه الصلح إسقاط للباقي لا إبراء، فافهم. قوله: (عن دعوى الخ) كذا عبارة القهستاني ويجب
إسقاط لفظ دعوى بقرينة الاستدراك الآتي. ونقل الحموي عن حواشي صدر الشريعة للحفيد معنى
قولنا البراءة عن الأعيان لا تصح: أن العين لا تصير للمدعي عليه لا أن يبقى المدعي على دعواه
الخ. أبو السعود. وهذا أوضح مما هنا. قال السائحاني: والأحسن أن يقال: الابراء عن الأعيان باطل
ديانة لا قضاء. قال في الهامش: وعبارته في شرح الملتقى معناه أن العين لا تصير ملكا للمدعي
عليه، لا أنه يبقى على دعواه، بل تسقط في الحكم كالصلح عن بعض الدين، فإنه إنما يبرأ عن باقيه
في الحكم لا في الديانة، فلو ظفر به أخذه. ذكره القهستاني والبرجندي وغيرهما. وأما الابراء عن
دعوى الأعيان فصحيح اه‍ ما في الهامش. وهو مخالف لما نقلناه عن شرح الملتقى آنفا. وفي الخلاصة:
أبرأتك عن هذه الدار أو عن خصومتي فيها أو عن دعواي فيها فهذا كله باطل، حتى لو ادعى بعده
تسمع، ولو أقام بينة تقبل اه‍. قوله: (وأما الصلح) مقابل قوله أي عين يدعيها. قوله: (بعض
الدين) قال المقدسي عن المحيط: له ألف فأنكره المطلوب فصالحه على ثلاثمائة من الألف صح، ويبرأ
عن الباقي قضاء لا ديانة، ولو قضاه الألف فأنكر الطالب فصالحه بمائة صح، ولا يحل له أخذها ديانة
فيؤخذ من هنا. ومن أن الربا لا يصح الابراء عنه ما يفيد عينه عدم صحة براءة علماء قضاة زماننا مما
يأخذونه. ويطلبون الابراء فيبرئونهم، بل ما أخذوه من الربا أعرق بجامع عدم الحل في كل.
واعلم أن عدم براءته في الصلح، استثنى منه في الخانية ما لو زاد وأبرأتك عن البقية.
سائحاني. ويظهر من هذا أن ما تضمنه الصلح من الاسقاط ليس إبراء من كل وجه، وإلا لم يحتج
لقوله أبرأتك عن البقية. قوله: (أي قضاء) وحينئذ فلا فرق بين الدين والعين على ظاهر الرواية.
تأمل. قوله: (من الأشباه) قال فيها عن الخانية: الابراء عن العين المغصوبة إبراء عن ضمانها، وتصير
أمانة في يد الغاصب، ولو كانت العين مستهلكة صح الابراء وبرئ من قيمتها اه‍.
فقولهم: الابراء عن الأعيان باطل، معناه: أنها لا تكون ملكا له بالابراء، وإلا فالإبراء عنها
لسقوط ضمانها صحيح أو يحمل على الأمانة ا ه‍ ملخصا: أي أن البطلان عن الأعيان محله إذا كانت
الأعيان أمانة، لأنها إذا كانت أمانة لا تلحقه عهدتها، فلا وجه للابراء عنها. تأمل.
وحاصله: أن الابراء المتعلق بالأعيان إما أن يكون عن دعواها وهو صحيح بلا خلاف مطلقا
وإن تعلق بنفسها، فإن كانت مغصوبة هالكة صح أيضا كالدين، وإن كانت قائمة فمعنى البراءة عنها
البراءة عن ضمانها لو هلكت وتصير بعد البراءة من عينها، كالأمانة لا تضمن إلا بالتعدي عليها
، وإن كانت العين أمانة فالبراءة لا تصح ديانة بمعنى أنه إذا ظفر بها مالكها أخذها وتصح قضاء فلا
يسمع القاضي دعواه بعد البراءة، هذا ملخص ما استفيد من هذا المقام ط. وهو كلام حسن يرشدك
إلى أن قول الشارح معناه محمول على الأمانة. بقي لو ادعى عليه عينا في يده فأنكر ثم أبرأه المدعي
192

عنها فهو بمنزلة دعوى الغصب، لأنه بالانكار صار غاصبا، وهل تسمع الدعوى بعده لو قائمة؟
الظاهر نعم. قوله: (ولو بإقرار) أي صح الصلح عن دعوى المال، ولو كان الصلح بإقرار المدعى
عليه وسواء كان الصلح عنه بمال أو بمنفعة وقوله هنا عنه: أي عن المال. قوله: (أو بمنفعة) أي ولو
بمنفعة. قوله: (وعن دعوى المنفعة) صورة دعوى المنافع: أن يدعي على الورثة أن الميت أوصى
بخدمة هذا العبد، وأنكر الورثة، لان الرواية محفوظة على أنه لو ادعى استئجار عين والمالك ينكر ثم
صالح لم يجز اه‍. وفي الأشباه: الصلح جائز عن دعوى المنافع إلا دعوى إجارة كما في المستصفى اه‍
رملي. وهو مخالف لما في البحر. تأمل. قوله: (عن جنس آخر) كالصلح عن السكنى على خدمة
العبد، بخلاف الصلح عن السكنى على سكنى، فلا يجوز كما في العيني والزيلعي. قال السيد
الحموي: لكن في الولوالجية ما يخالفه حيث قال: وإذا ادعى سكنى دار مصالحة عن سكنى دار
أخرى مدة معلومة جاز، وإجارة السكنى بالسكنى لا تجوز. قال: وإنما كان كذلك لأنهما ينعقدان
تمليكا بتمليك ا ه‍ أبو السعود. ذكره ابن ملك في شرح النقاية مخالفا لما ذكره في شرحه على المجمع.
قال في اليعقوبية: والموافق للكتب ما في شرح المجمع. قوله: (على مال) أي في حق المدعي وفي
حق الآخر دفعا للخصومة. بحر. قوله: (لو بإقرار) أي من العبد. قوله: (لا يستحق المدعي) بالبناء
للمفعول وسيأتي آخر الباب استثناء مسألة. قوله: (لأنه بأخذ البدل) بإضافة أخذ إلى البدل. قوله:
(على غير مزوجة) لأنه لو كانت ذات زوج لم يصح الصلح وليس عليها العدة ولا تجديد النكاح مع
زوجها كما في العمادية. قهستاني. قوله: (وكان خلعا) ظاهره أنه ينقص عدد الطلاق فيملك عليها
طلقتين لو تزوجها بعد، أما إذا كان عن إقرار فظاهر، وأما إذا كان عن إنكار أو سكوت فمعاملة له
بزعمه فتدبر ط. قوله: (لو مبطلا) هذا عام في جميع أنواع الصلح. كفاية. قوله: (لم يصح) وأطال
صاحب غاية البيان في ترجيحه. حموي. قوله: (في درر البحار) وأقره في شرحه غرر الأفكار.
وعليه اقتصر في البحر فكان فيه اختلاف التصحيح، وعبارة المجمع: أو ادعت منع نكاحه فصالحها
جاز، وقيل لم يجز. قوله: (عمدا) قيد به لأنه لو كان القتل خطأ فالظاهر الجواز (1) لأنه يسلك به
مسلك الأموال ط. قوله: (فلم يلزم المولى) قال المقدسي: فإن أجازه صح. سائحاني. قوله: (عبد)

(1) قوله: (فالظاهر الجواز) قال شيخنا الظاهر عدم الجواز لان ما ذكره الشارح من التعليل في جانب العمد يجري هنا
أيضا فيكون مثله ا ه‍.
193

فاعل قتل. قوله: (المغصوب) أي القيمي لأنه لو كان مثليا فهلك، فالمصالح عليه إن كان من جنس
المغصوب لا تجوز الزيادة اتفاقا، وإن كان من خلاف جنسه جاز اتفاقا، وقيد بالهلاك إذ لو كان قبله
يجوز اتفاقا. ابن ملك، وسيذكره محترز قوله: قبل القضاء وقيد بقوله: على أكثر من قيمته لأنه
محل الخلاف.
وفي جامع الفصولين: غصب كر بر أو ألف درهم فصالح على نصفه: فلو كان المغصوب
هالكا جاز الصلح، ولو قائما لكن غيبه أو أخفاء وهو مقر أو منكر جاز قضاء لا ديانة، ولو
حاضرا يراه لكن غاصبه منكر جاز كذلك، فلو وجد المالك بينة على بقية ماله قضى له به، والصلح
على بعض حقه في كيلي أو وزني حال قيامه باطل، ولو أقر بغصبه وهو ظاهر ويقدر مالكه على
قبضه فصالحه على نصفه على أن أبرأه مما بقي جاز قياسا لا استحسانا، ولو صالحه في ذلك على
ثوب ودفعه جاز في الوجوه كلها، إذ يكون مشتريا للثوب بالمغصوب، ولو كان المغصوب قنا أو
عرضا فصالح غاصبه مالكه على نصفه وهو مغيبه عن مالكه وغاصبه مقر أو منكر لم يجز، إذ صلحه
على نصفه إقرار بقيامه، بخلاف كيلي أو وزني إذ يتصور هلاك بعضه دون بعضه عادة، بخلاف ثوب
وقن اه‍. قوله: (من قيمته) ولو بغبن فاحش. قال في غاية البيان: بخلاف الغبن اليسير، فإنه لما
دخل تحت تقويم المقومين لم يعذ ذلك فضلا فلم ليكن ربا: أي عندهما. قوله: (بالقيمة جائز) لان
الزيادة لا تظهر عند اختلاف الجنس، فلا يكون ربا، وهذا جائز عند الامام خلافا لهما، لان حق
المالك في الهالك لم ينقطع، ولم يتحول إلى القيمة فكان صلحا عن المغصوب لا عن قيمته. قوله:
(بعرض) أي سواء كانت قيمته كقيمة الهالك أو أقل أو أكثر، وإنما ذكرها الشارح هنا مع أنها
ستأتي متنا إشارة إلى أن محلها هنا ح. قوله: (موسر) قيد به، لأنه لو كان معسرا يسعى العبد في
نصفه كما في مسكين. قوله: (وصح في الجناية العمد) شمل ما إذا تعدد القاتل أو انفرد، حتى لو
كانوا جماعة فصالح أحدهم على أكثر من قدر الدية جاز، وله قتل البقية والصلح معهم لان حق
القصاص ثابت على كل واحد منهم على سبيل الانفراد. تأمل. رملي. قوله: (لعدم الربا) لان
الواجب فيه القصاص وهو ليس بمال. قوله: (كذلك) أي ولو في نفس مع إقرار. ح. قوله:
(الزيادة) أفاد صحة النقص. قوله: (حتى لو صالح) أفاد أن الكلام فيما إذا صالح على أحد مقادير
194

الدية وصح مائة بعير (1) أو مائتا بقرة أو مائتا شاة أو مائتا حلة أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم
كما في العزمية عن الكافي. قوله: (بشرط المجلس أي بشرط القبض في المجلس، وهذا مقيد بما
إذا كان الصلح بمكيل أو موزون كما قيده في العناية ح. قوله: (أحدها) كالإبل مثلا. قوله:
(يصير) بضم الياء وفتح الصاد وكسر الياء المشددة فعل مضارع. قوله: (كجنس آخر) فلو قضى
القاضي بمائة بعير فصالح القاتل عنها على أكثر من مائتي بقرة وهي عنده ودفعها جاز، وتمامه في
الجوهرة. قوله: (ويسقط القود) أي في العمد: يعني يصير الصلح الفاسد فيما يوجب القود عفوا
عنه، وكذا على خنزير أو حر كما في الهندية. سائحاني. وهذا بخلاف ما إذا فسد بالجهالة.
قال في المنح: ثم إذا فسدت التسمية في الصلح كما لو صالح على دابة أو ثوب غير معين تجب
الدية لان الولي لم يرض بسقوط حقه مجانا، بخلاف ما إذا لم يسم شيئا أو سمى الخمر ونحوه حيث لا
يجب شئ لما ذكرنا: أي من أن القصاص إنما يتقوم بالتقدم ولم يوجد. قوله: (ما يرجع إليه) إذ لا
دية فيه، بخلاف الخطأ فإنه إذا بطل الصلح يرجع إلى الدية المتقدمة قريبا. قوله: (أو على) نسخ المتن
أو عن. قوله: (يدعيه على آخر) العبارة مقلوبة، والصواب يدعيه عليه آخر يدل عليه قوله: لزم
بدله الموكل. قوله: (فيؤاخذ) أي ويرجع على الموكل به، وكذا الصلح بالخلع، وكذا يرجع في الصورة التالية لهذه كما في
المقدسي. سائحاني. قوله: (فيلزم الوكيل) أي ثم ترجع به على الموكل.
قوله: (لأنه حينئذ كبيع) والحقوق فيه يرجع إلى المباشر فكذا ما كان بمنزلته. قوله: (مطلقا) سواء كان
عن مال بمال أو لا. ح. قوله: (صالح عنه فضولي الخ) هذا فيما إذا أضاف العقد إلى المصالح عنه لما
في آخر تصرفات الفضولي من جامع الفصولين ف. الفضولي إذا أضاف العقد إلى نفسه يلزمه البدل،
وإن لم يضمنه ولم يضفه إلى مال نفسه ولا إلى ذمة نفسه، وكذا الصلح عن الغير ا ه‍. قوله: (وسلم) أي
في الذخيرة. قوله: (صح) مكرر بما في المتن.
وفي الدرر: أما الأول فلان الحاصل للمدعى عليه البراءة وفي حقها الأجنبي والمدعى عليه
سواء، ويجوز أن يكون الفضولي أصيلا إذا ضمن كالفضولي بالخلع إذا ضمن البدل، وأما الثاني فلانه
إذا أضافه إلى نفسه فقد التزم تسليمه فصح الصلح، وأما الثالث فلانه إذا عينه للتسليم فقد اشترط له
سلامة العوض فصار العقد تاما بقبوله، وأما الرابع فلان دلالة التسليم على رضا المدعي فوق دلالة

(1) قوله: (على أحد مقادير الدية وصح مائة بعير) لعل الصواب وهي مائة بعير وكذا قوله أو مائتا شاة لعل صوابه ألف شاة
كما هو معلوم تأمل ا ه‍.
195

الضمان والإضافة لنفسه على رضاه ا ه‍ باختصار. قوله: (في الكل) فلو استحق العرض في الوجوه
التي تقدمت أو وجده زيوفا أو ستوقة لم يرجع على المصالح، لأنه متبرع التزم تسليم شئ معين ولم
يلتزم الايفاء عن غيره فلا يلزمه شئ آخر، ولكن يرجع بالدعوى لأنه لم يرض بترك حقه مجانا، إلا
في صورة الضمان فإنه يرجع على المصالح لأنه صار دينا في ذمته ولهذا لو امتنع من التسليم يجبر
عليه. زيلعي. قوله: (بأمره) فرجع على المصالح عنه إن كان الصلح بأمره. بزازية. فتقييد الضمان
اتفاقي وفيها الامر بالصلح والخلع أمر بالضمان لعدم توقف صحتها على الامر فيصرف الامر إلى
إثبات حق الرجوع، بخلاف الامر بقضاء الدين (1) ا ه‍. قوله: (عزمي) لم أجده فيه فليراجع. قوله:
(وإلا يسلم) كان ينبغي أن يقول: وإلا يوجد شئ مما ذكر من الصور الأربعة كما يعلم مما نقلناه عن
الدرر. قوله: (وإلا فهو موقوف) هذه صورة خامسة مترددة بين الجواز والبطلان، ووجه الحصر كما
في الدرر أن الفضولي إما أن يضمن المال أو لا، فإن لم يضمن فإما أن يضيف إلى ماله أو لا، فإن لم
يضفه فإما أن يشير إلى نقد أو عرض أو لا، فإن لم يشر فإما أن يسلم أو لا فالصلح جائز في الوجوه
كلها إلا الأخير وهو ما إذا لم يضمن البدل، ولم يضفه إلى ماله ولم يشر إليه ولم يسلم إلى المدعي حيث
لا يحكم بجوازه بل يكون موقوفا على الإجازة إذ لم يسلم للمدعي عوض ا ه‍. وجعل الصور الزيلعي
أربعا، وألحق المشار بالمضاف. قوله: (الخمسة) التي خامستها قوله: وإلا بطل أو التي خامستها
قوله: وإلا فهو موقوف بعد (2) قوله: أو على هذا ويؤيد قول الشارح سابقا في الصورة الرابعة.
قوله: (في دعواه) فيه أنه إذا كان صادقا في دعواه كيف يطيب له وفي زعمه أنها وقف وبدل الوقف
حرام تملكه من غيره مسوغ فأخذه مجرد رشوة ليكف دعواه، فكان كما إذا لم يكن صادقا، وقد يقال إنه
إنما أخذه ليكف دعواه لا ليبطل وقفيته، وعسى أن يوجد مدع آخر ط.
قلت: أطلق في أول وقف الحامدية الجواب بأنه لا يصح، قال: لان المصالح يأخذ بدل الصلح
عوضا عن حقه على زعمه فيصير كالمعاوضة، وهذا لا يكون في الوقف لان الموقوف عليه لا يملك
الوقف فلا يجوز له بيعه، فهاهنا إن كان الوقف ثابتا فالإستبدال به لا يجوز، وإلا فهذا يأخذ بدل
الصلح لا عن حق ثابت فلا يصح ذلك على حال. كذا في جواهر الفتاوى ا ه‍. ثم نقل الحامدي ما
هنا ثم قال فتأمل اه‍. وانظر ما كتبناه في باب البيع الفاسد عن النهر عند قوله: بخلاف بيع قن ضم
إلى مدبر. قوله: (كل صلح بعد صلح) المراد الصلح الذي هو إسقاط. أما لو اصطلحا على عوض

(1) قوله: (بخلاف الامر بقضاء الدين) قال شيخنا: انظر ما الفرق مع أن الدين أيضا لا تتوقف صحة قضائه على الامر،
فكان ينبغي ان يصرف الامر به إلى اثبات حق الرجوع فليتأمل ا ه‍.
(2) قوله: (بعد الخ) بتشديد الدال لا ظرفا اي بجعل الإشارة صورة مستقلة غير داخلة في الإضافة واما لو جعلت هي
والإضافة صورة واحدة يحتاج في اتمامها خمسة إلى جعل والا بطل صورة خامة ا ه‍
.
196

ثم على عوض آخر فالثاني هو الجائز وانفسخ الأول كالبيع. نور العين عن الخلاصة. قوله: (فالثاني
باطل) قاله القاضي الامام. قوله: (وكذا النكاح الخ) وتمامه في جامع الفصولين في الفصل العاشر.
كذا في الهامش. قوله: (بعد النكاح) وفيه خلاف، فقيل تجب التسمية الثانية، وقيل كل منهما. قوله:
(والحوالة الخ) بأن كان له على آخر ألف فأحال عليه بها شخصا ثم أحال عليه بها شخصا آخر.
شيخنا. قوله: (بعد الشراء) أي بعد ما اشترى المصالح عنه. قوله: (إلا في ثلاث) قلت: زاد في
الفصولين الشراء بعد الصلح. قوله: (الكفالة) أي لزيادة التوثق. أشباه. قوله: (والشراء) أطلقه في
جامع الفصولين، وقيده في القنية بأن يكون الثاني أكثر ثمنا من الأول أو أقل أو بجنس آخر، وإلا فلا
يصح. أشباه. قوله: (والإجارة الخ) أي من المستأجر الأول فهي نسخ للأولى. أشباه. قوله: (ليس لي
قبل) بكسر ففتح. قوله: (ما كان لي قبله) بكسر ففتح أيضا. قوله: (قال المصنف) نصه: وفي العمادية
ادعى فأنكر فصالحه ثم ظهر بعده أن لا شئ عليه بطل الصلح اه‍.
أقول: يجب أن يقيد قوله ثم ظهر بغير الاقرار قبل الصلح لما تقدم من مسألة المختصر، وبه
صرح مولانا صاحب البحر. ح. ولا يخفى أن علة مضي الصلح على الصحة في مسألة المتن المتقدمة
عدم قبول الشهادة (1) لما فيه من التناقص، فلا يظهر حينئذ أن لا شئ عليه فلم تشملها عبارة
العمادية، فافهم. قوله: (عن دعوى البزازية) ونصها: وفي المنتقى ادعى ثوبا وصالح ثم برهن المدعى
عليه على إقرار المدعي أنه لا حق له فيه: إن على إقراره قبل الصلح فالصلح صحيح، وإن بعد الصلح
يبطل الصلح، وإن علم الحاكم إقراره بعدم حقه ولو قبل الصلح يبطل الصلح، وعلمه بالاقرار السابق
كإقراره بعد الصلح، هذا إذا اتحد الاقرار بالملك بأن قال لا حق لي بجهة الميراث ثم قال إنه ميراث لي
عن أبي، فأما غيره إذا ادعى ملكا لا بجهة الإرث بعد الاقرار بعدم الحق بطريق الإرث بأن قال حقي
بالشراء أو بالهبة لا يبطل ا ه‍. قوله: (فيحرر) ما نقل عن البزازية لا يحتاج إلى تحرير، لأنه تقييد مفيد،
ولعله أراد تحرير ما قاله المصنف من تقييد ما في العمادية فإنه غير ظاهر كما علمت، والله أعلم.
قوله: (والفاسدة) مثال الدعوى التي لا يمكن تصحيحها: أو ادعى أمة فقالت أنا حرة الأصل فصالحها
عنه فهو جائز، وإن أقامت بينة على أنها حرة الأصل بطل الصلح، إذ لا يمكن تصحيح هذه الدعوى
بعد ظهور حرية الأصل. ومثال الدعوى التي يمكن تصحيحها: لو أقامت بينة أنها كانت أمة فلان
أعتقها عام أول وهو يملكها بعدما ما ادعى شخص أنها أمته لا يبطل الصلح، لأنه يمكن تصحيح

(1) قوله: (عدم قبول الشهادة الخ) وحيث لم تقبل الشهادة لا يقال ظهر أن لاحق وحينئذ فلا تكون هذه الصورة من
موضوع كلام العمادية لان موضوعه فيما إذا ظهر ان لاحق فتكون عبارة العمادية هي عين الشق الثاني في كلام
المصنف فكيف يكون فيما لها ا ه‍.
197

دعوى المدعي وقت الصلح بأن يقول إن فلانا الذي أعتقك كان غصبك مني حتى لو أقام بينة على هذه
الدعوى تسمع. حموي مدني. وقوله هنا وهو يملكها جملة حالية. قوله: (وحرر الخ) هذا التحرير غير
محرر، ورده الرملي وغيره بما في البزازية، والذي استقر عليه فتوى أئمة خوارزم أن الصلح عن دعوى
فاسدة لا يمكن تصحيحها لا يصح، والتي يمكن تصحيحها كما إذا ترك ذكر أحد الحدود يصح اه‍.
وهذا ما ذكره المصنف، وقد علمت أنه الذي اعتمده صدر الشريعة وغيره فكان عليه المعول. قوله: (
وقيل الخ) الأخصر أن يقال: وقيل يصح مطلقا. قوله: (آخر الباب) فيه نظر، فإن عبارته هكذا،
ومن المسائل المهمة أنه هل يشترط لصحة الصلح صحة الدعوى أم لا؟ فبعض الناس يقولون يشترط،
لكن هذا غير صحيح لأنه إذا ادعى حقا مجهولا في دار فصولح على شئ يصح الصلح على ما مر في
باب الحقوق والاستحقاق، ولا شك أن دعوى الحق المجهول دعوى غير صحيحة. وفي الذخيرة
مسائل تؤيد ما قلنا: أي فالمتبادر أنه أراد الفاسدة بدليل التمثيل لأنه يمكن تصحيحها بتعين الحق
المجهول وقت الصلح، وفي حاشية الرملي على المنح بعد نقله عبارته:
أقول: هذا لا يوجب كون الدعوى الباطلة كالفاسدة، إذ لا وجه لصحة الصلح عنها كالصلح
عن دعوى حد أو ربا وحلوان الكاهن وأجرة النائحة والمغنية الخ، وكذا ذكر الرملي في حاشيته على
الفصلين نقلا عن المصنف بعد ذكره عبارة صدر الشريعة قال ما نصه: فقد أفاد أن القول باشتراط
صحة الدعوى لصحة الصلح ضعيف ا ه‍. قوله: (وحق الشفعة) أي دعوى حقها لدفع اليمين،
بخلاف الصلح عن حقها الثابت كما مر. قوله: (دينا بعين) وفي بعض النسخ بدين. قوله:
(وصيرفية) الأولى الاقتصار على العزو إلى القنية، لأنه في الصيرفية نقل الخلاف في الصحة وعدمها
مطلقا، وأما في القنية فقد حكى القولين ثم وفق بينهما بما هنا فقال: الصواب أن الصلح إن كان
الخ. قوله: (على سكنى بيت) قيد بالسكنى، لأنه لو صالحه على بيت منها كان وجه عدم الصحة كونه
جزءا من المدعى بناء على خلاف ظاهر الرواية الذي مشى عليه في المتن سابقا، وقيد بقوله أبدا ومثله
حتى يموت كما في الخانية، لأنه لو بين المدة يصح لأنه صلح على منفعة فهو في حكم الإجارة فلا بد
من التوقيت كما مر، وقد اشتبه الامر على بعض المحشين قوله: (إلى الحصاد) لأنه بيع معنى فتضر
198

جهالة الاجل. قوله: (بغير دعوى) أي الدعوى من المودع. قوله: (ويصح الصلح) أي لو ادعى مالا
فأنكر وحلف ثم ادعاه عند قاض آخر فأنكر فصولح صح، ولا ارتباط لهذه بمسألة الوديعة: قال
المودع ضاعت الوديعة أو رددتها وأنكر ربها الرد أو الهلاك صدق المودع بيمينه ولا شئ عليه، فلو
صالح ربها بعد ذلك على شئ فهو أربعة وجوه: أحدها: أن يدعي ربها الايداع وجحده المودع،
ثم صالحه على شئ معلوم جاز اتفاقا. الثاني: أن يدعي الوديعة
وطالبه بالرد فأقر المودع بالوديعة وسكت ولم يقل شيئا ورب المال يدعي عليه الاستهلاك ثم صالحه على شئ معلوم جاز أيضا وفاقا.
الثالث: أن يدعي عليه الاستهلاك وهو يدعي الرد أو الهلاك ثم صالحه على معلوم جاز عند محمد وأبي
يوسف آخرا، ولم يجز عند أبي حنيفة وأبي يوسف أولا، وأجمعوا على أنه لو صالح بعد ما
حلف أنه رد الوديعة أو هلكت لا يجوز الصلح إنما الخلاف فيما لو صالح قبل اليمين. الرابع: أن
يدعي المودع الرد أو الهلاك ورب المال سكت ولم يقل شيئا: فعند أبي يوسف لا يجوز الصلح، وعند
محمد يجوز، قال المودع بعد الصلح كنت قلت قبل الصلح إنها هلكت أو رددتها فلم يصح الصلح على
قول أبي حنيفة وقال رب المال ما قلت، فالقول للمنكر ولا يبطل الصلح. خانية. هذا ما رأيته في
الخانية بنوع اختصار، ورأيته في غيرها معزوا إليها كذلك، ونقلها في المنح، لكن سقط من عبارته
شئ اختل به المعنى، فإنه قال في الوجه الثالث: جاز الصلح في قول محمد وأبي يوسف الأول،
وعليه الفتوى، والذي رأيته في الخانية أن الفتوى على عدم الجواز. وبقي خامسة ذكرها المقدسي
وهي: ادعى ربها الاستهلاك فسكت فصلحه جائز، لكن هذا هو الثاني في الخانية.
ثم اعلم أن كلام الماتن والشارح غير محرر، لان قوله: بغير دعوى الهلاك شامل للجحود
والسكوت ودعوى الرد وهو الوجه الأول والثاني وأحد شقي الثالث والرابع، وقد علمت أنه في
الأول والثاني جائز اتفاقا، ولا يجوز في أحد شقي الثالث والرابع على الراجح.
والصواب أن يقول بعد دعوى الرد أو الهلاك بإسقاط غير والتعبير ببعد وزيادة الرد فيدخل فيه
الوجه الثالث بناء على المفتى به، والوجه الرابع بناء على قول أبي يوسف، وهو المعتمد لتقديم صاحب
الخانية إياه كما هو عادته، قوله: لأنه لو ادعاه أي الهلاك شامل لما إذا ادعى المالك الاستهلاك،
وهو أحد شقي الوجه الثالث، أو سكت وهو أحد شقي الرابع وعلمت ترجيع عدم الجواز فيهما،
فقوله: صح به يفتى في غير محله، وقوله: وصالحة قبل اليمين هذا وارد على إطلاق المتن أيضا،
ورأيت عبارة الأشباه نحو ما استصوبته ونصها: الصلح عقد يرفع النزاع، ولا يصح مع المودع بعد
دعوى الهلاك إذ لا نزاع. ثم رأيت عبارة متن المجمع مثل ما قلته ونصها: وأجاز صلح الأجير
الخاص والمودع بعد دعوى الهلاك أو الرد ولله الحمد. قوله: (بإقامة) متعلق بالنزاع. قوله: (بعده) أي
الصلح. قوله: (فإنها تقبل) أفاد أنها لو موجود عند الصلح وفيه غبن لا يصح الصلح، وبه صرح في
البزازية. سائحاني. قوله: (ولو طلب) أي الصبي بعد بلوغه. قوله: (وقيل لا) وجه بأن اليمين بدل
199

المدعى فإذا حلفه فقد استوفى البدل. حموي عن القنية. قوله: (في السراجية) وكذا جزم به في البحر.
قال الحموي: وما مشى عليه في الأشباه رواية محمد عن أبي حنيفة وما مشى عليه في البحر قولهما
وهو الصحيح كما في معين المفتي ا ه‍. قوله: للأول صوابه للثاني على ما نقله الحموي. قوله:
(والابراء) الواو هنا وفيما بعده بمعنى أو حموي. قوله: (عن عيب) أي عيب كان لا خصوص
البياض. قال: وتمامه في المنح.
فصل في دعوى الدين
قوله: (في دعوى الدين) الأولى في الصلح عن دعوى الدين. قال في المنح: لما ذكر حكم
الصلح عن عموم الدعاوي ذكر في هذا الباب حكم الخاص وهو دعوى الدين، لان الخصوص أبدا
يكون بعد العموم اه‍. قوله: (على بعض الخ) قيد بالبعض فأقاد أنه لا يجوز على الأكثر، وأنه يشترط
معرفة قدره، لكن قال في غاية البيان عن شرح الكافي: ولو كان لرجل على رجل دراهم لا يعرفان
وزنها فصالحة منها على ثوب أو غيره فهو جائز، لان جهالة المصالح عنه لا تمنع من صحة الصلح،
وإن صالحه على دراهم فهو فاسد في القياس، لأنه يحتمل أن بدل الصلح أكثر منه، ولكني أستحسن
أن أجيزه لأن الظاهر أنه كان أقل مما عليه، لان مبنى الصلح على الحط والإغماض، فكان تقديرهما
بدل الصلح بشئ دلالة ظاهرة على أنهما عرفاه أقل مما عليه وإن كان قدر ما عليه لنفسه اه‍. قوله:
(من دين) أي بالبيع أو الإجارة أو القرض. قهستاني. قوله: (وحط لباقيه) فلو قال المدعي للمدعي
عليه المنكر صالحتك على مائه من ألف عليك كان أخذ المائة إبراء عن تسعمائة، وهذا قضاء لا ديانة،
إلا إذا أبرأتك قهستاني. وقدمناه مثله معزوا للخانية. قوله: (حالا) لأنه اعتياض عن الاجل وهو
حرام. قوله: (فيجوز) لان معنى الارفاق فيما بينهما أظهر من معنى المعاوضة، فلا يكون هذا مقابلة
الاجل ببعض المال، ولكنه إرفاق من المولى بحط بعض المال ومساهلة من المكاتب فيما بقي قبل حلول الأجل
ليتوصل إلى شرف الحرية. قوله: (فمعاوضة) أي ويجري فيه حكمها فإن تحقق الربا أو شبهته
فسدت، وإلا صحت ط، قال ط: بأن صالح على شئ هو أدون من حقه قدرا أو وصفا أو وقتا وإن
منهما: أي من الدائن بأن دخل في الصلح ما لا يستحقه الدائن من وصف كالبيض بدل
200

السود، أو ما هو في معنى الوصف كتعجيل المؤجل، أو عن جنس بخلاف جنسه ا ه‍. قوله: (لم يعد)
أي الدين مطلقا أدى أو لم يؤد. قوله: (ما بقي غدا) لو قال: أبرأتك عن الخمسة على أن تدفع الخمسة
حالة إن كانت العشرة حالة صح الابراء، لان أداء الخمسة يجب عليه حالا فلا يكون هذا تعليق الإبراء
بشرط تعجيل الخمسة، ولو مؤجلة بطل الابراء إذا لم يعطه الخمسة. جامع الفصولين. كذا في
الهامش. قوله: (بصريح الشرط) قال القهستاني: وفيه إشعار بأنه لو قدم الجزاء صح في الظهيرية لو
قال حططت عنك النصف إن نقدت إلي نصفها فإنه حط عندهم وإن لم ينقده. سائحاني. قوله: (كإن
أديت) الخطاب للغريم، ومثله الكفيل كما صرح به الاسبيجاني في شرح
الكافي. قاضيخان في شرح الجامع. قال في غاية البيان: وفيه نوع إشكال، لان إبراء الكفيل إسقاط محض ولهذا لا يرتد برده،
فينبغي أن يصح تعليقه بالشرط، إلا أنه كإبراء الأصيل من حيث إنه لا يحلف به بالطلاق
فيصح تعليقه بشرط متعارف لا غير المتعارف، ولذا قلنا: إذا كفل بمال عن رجل وكفل بنفسه أيضا
على أنه إن وافي بنفسه غدا فهو برئ عن الكفالة بالمال فوافي بنفسه برئ عن المال لأنه تعليق بشرط
متعارف فصح اه‍. قوله: (بمكره عليه) لأنه لو شاء لم يفعل إلا أن يجد البينة أو يحلف الآخر عن
اليمين، إتقاني. قوله: (أخذ منه) يفيد أو قول المدعي عليه لا أقر لك بمالك الخ إقرار، ولذا قال في
غاية البيان: قالوا في شروح الجامع الصغير: وهذا إنما يكون في السر، أما إذا قال ذلك علانية يؤخذ
بإقراره اه‍. قوله: (الدين المشترك) قيد بالدين، لأنه لو كان الصلح عن عين مشتركة يختص المصالح
ببدل الصلح، وليس لشريكه أن يشاركه فيه لكونه معاوضة من كل وجه، لان المصالح عنه مال حقيقة
بخلاف الدين. زيلعي، فليحفظ فإنه كثير الوقوع. وفي الخانية: رجلان ادعيا أرضا أو دارا في يد
رجل وقالا هي لنا ورثناها من أبينا فجحد الذي هي في يده فصالحه أحدهما عن حصته على مائة درهم
فأراد الابن الآخر أن يشاركه في المائة لم يكن له أن يشاركه، لان الصلح معاوضة في زعم المدعي فداء
عن اليمين في زعم المدعي عليه فلم يكن معاوضة من كل وجه فلا يثبت للشريك حق الشركة
بالشك، وعن أبي يوسف في رواية: لشريكه أن يشاركه في المائة اه‍. قوله: (صفقة واحدة) بأن كان
201

لكل واحد منهما عين على حدة، أو كان لهما عين واحدة مشتركة بينهما وباعا الكل صفقة واحدة من
غير تفصيل ثمن نصيب كل واحد منهما زيلعي. واحترز بالصفقة الواحدة عن الصفقتين، حتى لو كان
عبد بين رجلين باع أحدهما نصيبه من رجل بخمسمائة درهم وباع الآخر نصيبه من ذلك الرجل
بخمسمائة درهم وكتبا عليه صكا واحدا بألف وقبض أحدهما منه شيئا لم يكن للآخر أن يشاركه، لأنه
لا شركة لهما في الدين، لان كل دين وجب بسبب على حدة. عزمية. وتمامه في المنح. قوله:
(موروث) أو كان موصى به لهما أو بدل فرضهما. أو السعود عن شيخه. قوله: (أو اتبع الغريم)
فلو اختار اتباعه ثم توى نصيبه بأن مات الغريم مفلسا رجع على القابض بنصف ما قبض ولو من
غيره. بحر. وراجع (الزيلعي). قوله: (أي خلاف الخ) لأنه لو صالح على جنسه يشاركه فيه أو يرجع
على المدين وليس للقابض فيه خيار لأنه بمنزلة قبض بعض الدين. زيلعي. قوله: (نصفه) أي نصف
الدين من غريمه أو أخذ نصف الثوب. منح. قوله: (إلا أن يضمن) أي الشريك المصالح. قوله:
(ربع أصل الدين) أفاد أن المصالح مخير إذا اختار شريكه اتباعه، فإن شاء دفع له حصته من المصالح
عليه، وإن شاء ضمن له ربع الدين، ولا فرق بين كون الصلح عن إقرار أو غيره. قوله: (ما مر) أي
في مسألة القبض أو الصلح والشراء. قوله: (قبل وجوب الخ) أما لو كان حادثا حتى التقيا قصاصا
فهو كالقبض. بحر. قوله: (عليه) أي على المديون. قوله: (المديون) بالنصب مفعول أبرأ. قوله:
(قسم الباقي الخ) حتى لو كان لهما على المديون عشرون درهما فأبرأه أحد الشريكين عن نصف نصيبه
كان له المطالبة بالخمسة والساكت المطالبة بالعشرة. كذا في الهامش. قوله: (على سهامه) أي الباقية لا
أصلها. سائحاني. قوله: (ومثله المقاصة) بأن كان للمديون على الشريك خمسة مثلا قبل هذا الدين فإن
القسمة على ما بقي بعد المقاصصة. قوله: (والغصب) أي إذا عصب أحدهما من المديون شيئا ثم أتلفه
شاركه الآخر لأنه يملكه من وقت الغصب عند أداء الضمان، وكذا لو استأجر أحدهما منه دارا بحصته
سنة وسكنها، وكذا خدمة العبد وزراعة الأرض، وكذا لو استأجره بأجر مطلق. وروى ابن سماعة
عن محمد: لو استأجر بحصته لم يشاركه الآخر وجعله كالنكاح، وتمامه في شرح الهداية. قوله: (لا
التزوج) أي تزوج المديونة على نصيبه فإنه إتلاف في ظاهر الرواية بخلاف ما إذا تزوجها على دراهم
لأنها صارت قصاصا وهو كالاستيفاء. إتقاني. قوله: (جناية عمد) أي لو جنى أحدهما عليه جناية عمد
202

فيما دون النفس أرشها مثل دين الجاني فصالحه على نصيبه، وكذا لو فيها قصاص. اتقاني. قوله:
(يبرئه) أي الشريك الغريم. قوله: (عن نصيبه) أي من المسلم فيه. قوله: (من رأس المال) بأن أراد أن
يأخذ رأس ماله ويفسخ عقد الشركة. إتقاني. فالصلح مجاز عن الفسخ. عزمية. قوله: (عليهما)
والمقبوض بينهما وكذا ما بقي من المسلم فيه. درر البحار. قوله: (رد) وبقي السلم كما كان.
فصل في التخارج
قوله: (أخرجت الخ) أوصى لرجل بثلث ماله ومات الموصي فصالح الوارث الموصى له من
الثلث بالسدس جاز الصلح. وذكر الامام المعروف بخواهر زاده أن حق الموصى له وحق الوارث قبل
القسمة غير متأكد يحتمل السقوط بالاسقاط اه‍.
فقد علم أن حق الغانم قبل القسمة وحق حبس الرهن وحق المسيل المجرد وحق الموصى له
بالسكنى وحق الموصى له بالثلث قبل القسمة وحق الوارث قبل القسمة يسقط بالاسقاط. وتمامه في
الأشباه فيما يقبل الاسقاط وما لا. كذا في الهامش. قوله: (صرفا للجنس) علة للأخير. قوله: (لكن
بشرط) قال في البحر: ولا يشترط في صلح أحد الورثة المتقدم أن تكون أعيان التركة معلومة، لكن
إن وقع الصلح عن أحد النقدين بالآخر يعتبر التقابض في المجلس، غير أن الذي في يده بقية التركة
إن كان جاحدا يكتفي بذلك القبض لأنه قبض ضمان فينوب عن قبض الصلح، وإن كان مقرا غير
مانع يشترط تجديد القبض اه‍. قوله: (أكثر من حصته) فإن لم يعلم قدر نصيبه من ذلك الجنس،
فالصحيح أن الشك إن كان في وجود ذلك في التركة جاز الصلح، وإن علم وجود ذلك في التركة
لكن لا يدري أن بدل الصلح من حصتها أقل أو أكثر أو مثله فسد. بحر عن الخانية. قوله: (وكذا لو
أنكروا إرثه) أي فإنه يجوز مطلقا. قال في الشرنبلالية: وقال الحاكم الشهيد إنما يبطل على أقل من
نصيبه في مال الربا حالة التصادق، وأما في حالة التناكر بأن أنكروا وراثته فيجوز، وجه ذلك: أن في
حالة التكاذب ما يأخذه لا يكون بدلا في حق الآخذ ولا في حق الدافع، هكذا ذكر المرغيناني، ولا بد
203

من التقابض فيما يقابل الذهب والفضة منه لكونه صرفا ولو كان بدل الصلح عرضا في الصور كلها
جاز مطلقا، وإن قل ولم يقبض في المجلس ا ه‍. قوله: (ديون) أي على الناس بقرينة ما يأتي وكذا لو
كان الدين على الميت. قال في البزازية: وذكر شمس الاسلام أن التخارج لا يصح إذا كان على الميت
دين: أي يطلبه رب الدين، لان حكم الشرع أن يكون الدين على جميع الورثة ا ه‍. قوله: (بشرط)
متعلق بأخرج. قوله: (لان تمليك الدين) وهو هنا حصة المصالح. قوله: (من عليه الدين) وهم الورثة
هنا. قوله: (باطل) ثم يتعدى البطلان إلى الكل، لان الصفقة واحدة سواء بين حصة الدين أو لم يبين
عند أبي حنيفة وينبغي أن يجوز عندهما في غير الدين إذا بين حصته. ابن ملك. قوله: (إبراء الغرماء)
أي إبراء المصالح الغرماء. قوله: (وأحالهم) لا محل لهذه الجملة هنا، وهي موجودة في شرح الوقاية
لابن ملك في بعض النسخ وأحالهم. قوله: (عن غيره) أي عما سوى الدين. قوله: (أحسن الحيل)
لان في الأولى ضررا للورثة، حيث لا يمكنهم الرجوع على الغرماء بقدر نصيب المصالح، وكذا في
الثانية لان النقد خير من النسيئة. إتقاني. قوله: (والأوجه) لان في الأخيرة لا يخلو عن ضرر التقدم
في وصول مال، ابن ملك. قوله: (شبهة الشبهة) لأنه يحتمل أن لا يكون في التركة من جنسه ويحتمل
أن يكون، وإذا كان فيها يحتمل أن يكون الذي وقع عليه الصلح أكثر، وإن احتمل أن يكون مثله أو
دونه وهو احتمال الاحتمال، فنزل إلى شبهة الشبهة وهي غير معتبرة. قوله: (يدر) بالبناء للمفعول.
قوله: (أو موزون) أي ولا دين فيها ووقع الصلح على مكيل وموزون. إتقاني. قوله: (في الأصح)
وقيل لا يجوز لأنه بيع المجهول. لان المصالح باع نصيبه من التركة وهو مجهول بما أخذ من المكيل
والموزون. إتقاني.
خاتمة: التهايؤ: أي تناوب الشريكين في دابتين غلة أو ركوبا مختص جوازه بالصلح عند أبي
حنيفة لا الجبر، وجائز في دابة غلة أو ركوبا بالصلح فاسد في غلتي عبدين عنده لو جبرا. درر البحار
وفي شرحه غرر الأفكار.
ثم اعلم أن التهايؤ جبرا في غلة عبد أو دابة ر يحوز اتفاقا للتفاوت، وفي خدمة عبد أو عبدين
جاز اتفاقا لعدم التفاوت ظاهرا ولقلته، وفي غلة دارا أو دارين أو سكنى دار أو دارين جاز اتفاقا
لامكان المعادلة، لان التغير لا يميل إلى العقار ظاهرا، وأن التهايؤ صلحا جائز في جميع الصور، كما
204

جوز أبو حنيفة أيضا قسمة الرقيق صلحا اه‍. قوله: (أو يوفي) بالبناء للمفعول بضم ففتح فتشديد.
قوله: (لئلا الخ) قال العلامة المقدسي: فلو هلك المعزول لا بد من نقض القسمة ط. قوله: (على
السواء) أفاد أن أحد الورثة إذا صالح البعض دون الباقي يصح وتكون حصته له فقط، كذا لو صالح
الموصى له كما في الأنقروي. سائحاني.
مسألة: في رجل مات عن زوجة وبنت وثلاثة أبناء عم عصبة وخلف تركة اقتسموها بينهم، ثم
ادعت الورثة على الزوجة بأن الدار التي في يدها ملك مورثهم المتوفى فأنكرت دعواهم، فدفعت لهم
قدرا من الدراهم صلحا عن إنكار، فهل يوزع بدل الصلح عليهم على قدر مواريثهم، أو على قدر
رؤوسهم؟ الجواب قال في البحر: وحكمه في جانب المصالح عليه وقوع الملك فهي للمدعي، سواء
كان المدعي عليه مقرا أو منكرا، وفي المصالح عنه وقوع الملك فيه للمدعي عليه اه‍. ومثله في المنح.
وفي مجموع النوازل: سئل عن الصلح على الانكار بعد دعوى فاسدة هل يصح؟ قال: لان تصحيح
الصلح عن الانكار من جانب المدعي أن يجعل ما أخذ عين حقه أو عوضا عنه لا بد أن يكون ثابتا في
حقه ليمكن تصحيح الصلح من الذخيرة، فمقتضى قوله وقوع الملك فيه للمدعي، قوله أو يجعل عين
حقه أو عوضا عنه أن يكون على قدر مواريثهم مجموعة منلا علي. قوله: (من مالهم) أي وقد استووا
فيه ولا يظهر عند التفاوت ط قوله: (فعلى قدر ميراثهم) وسيأتي آخر كتاب الفرائض بيان قسمة التركة
بينهم حينئذ.
تتمة ادعى مالا أو غيره فاشترى رجل ذلك من المدعي يجوز الشراء ويقوم مقام المدعي في
الدعوى، فإن استحق شيئا من ذلك كان له وإلا فلا، فإن جحد المطلوب ولا بينة فله أن يرجع على
المدعي. بحر. وتأمل في وجهه، ففي البزازية من أول كتاب الهبة: وبيع الدين لا يجوز، ولو باعه من
المديون أو وهبه جاز. قوله: (صالحوا الخ) أقول قال في البزازية في الفصل السادس من الصلح: ولو
ظهر في التركة عين بعد التخارج لا رواية في أنه هل يدخل تحت الصلح أم لا، ولقائل أن يقول
205

يدخل، ولقائل أن يقول لا ا ه‍. ثم قال بعد نحو ورقتين. قال تاج الاسلام وبخط صدر الاسلام
وجدته: صالح أحد الورثة وأبرأ إبراء عاما، ثم ظهر في التركة شئ لم يكن وقت الصلح لا رواية في
جواز الدعوى، ولقائل أن يقول بجواز دعوى حصته منه، وهو الأصح، ولقائل أن يقول لا، وفي
المحيط: لو أبرأ أحد الورثة الباقي ثم ادعى التركة وأنكر وإلا تسمع دعواه، وإن أقروا بالتركة أمروا
بالرد عليه ا ه‍ كلام البزازية. ثم قال بعد أسطر: صالحت: أي الزوجة عن الثمن ثم ظهر دين أو عين
لم يكن معلوما للورثة، قيل لا يكون داخلا في الصلح ويقسم بين الورثة، لأنهم إذا لم يعلموا كان
صلحهم عن المعلوم الظاهر عندهم لا عن المجهول، فيكون كالمستثنى من الصلح فلا يبطل الصلح،
وقيل يكون داخلا في الصلح لأنه وقع عن التركة والتركة اسم للكل، إذا ظهر دين فسد الصلح
ويجعل كأنه كان ظاهرا عند الصلح اه‍.
والحاصل: من مجموع كلامه المذكور أنه لو ظهر بعد الصلح في التركة عين هل تدخل في
الصلح فلا تسمع الدعوى بها، أو لا تدخل فتسمع الدعوى؟ قولان. وكذا لو صدر بعد الصلح إبراء
عام ثم ظهر للمصالح عين هل تسمع دعواه؟ فيه قولان أيضا. والأصح السماع بناء على القول بعدم
دخولها تحت الصلح، فيكون هذا تصحيحا للقول بعدم الدخول، وهذا إذا اعترف بقية الورثة بأن
العين من التركة، وإلا فلا تسمع دعواه بعد الابراء، كما أفاده ما نقله عن المحيط، وإنما قيد بالعين
لأنه ظهر بعد الصلح في التركة دين فعلى القول بعدم دخوله في الصلح يصح الصلح ويقسم الدين
بين الكل، وأما على القول بالدخول فالصلح فاسد، كما لو كان الدين ظاهرا وقت الصلح، إلا أن
يكون مخرجا من الصلح بأن وقع التصريح بالصلح عن غير الدين من أعيان التركة، وهذا أيضا ذكره
في البزازية حيث قال: ثم ما ظهر بعد التخارج على قول من قال إنه لا يدخل تحت الصلح لا خفاء،
ومن قال يدخل تحته فكذلك إن كان عينا لا يوجب فساده، وإن دينا إن مخرجا من الصلح لا يفسد،
وإلا يفسد ه‍. قوله: (بل بين الكل) أي بل يكون الذي ظهر بين الكل. قوله: (قلت
الخ) قلت: وفي الثامن والعشرين من الفصولين أنه الأشبه: أي لو ظهر عين لا دين. قوله: (ولا يبطل الصلح)
أي لو ظهر في التركة عين. أما لو ظهر فيها دين فقد قال في البزازية: إن كان مخرجا من الصلح لا
يفسد، وإلا يفسد اه‍: أي إن كان الصلح وقع على غير الدين لا يفسد، وإن وقع على جميع التركة
فسد، كما لو كان الدين ظاهرا وقت الصلح. قوله: (وفي مال طفل) أي إذا كان لطفل مال بشهود لم
يجز الصلح فيه وما يدعي: أي ولا يجوز فيما يدعي خصم من المال على الطفل، ولا يتنور ببينة له
بما ادعاه، ومفهومه أنه يجوز الصلح حيث لا بينة للطفل وحيث كانت للخصم بينة. ابن الشحنة، كذا
في الهامش. قوله: (وصح على الابراء الخ) فلو صالح من العيب ثم زال العيب بأن كان بياضا
في عين عبد فانجلى بطل الصلح ويرد ما أخذ، لان المعوض عنه هو صفة السلامة وقد عادت، فيعود
206

العرض فيبطل الصلح ابن الشحنة شرح الوهبانية. كذا في الهامش. قوله: (ومن قال الخ) أي إن
اصطلحا على أن يحلف المدعى عليه، وإن حلف برئ فحلف المدعي عليه ما له قبله قليل ولا كثير
فالصلح باطل، ويكون المدعي على دعواه إن أقام البينة قبلت، وإن لم يكن له بينة وأراد أن يستحلفه
عند القاضي كان له ذلك، وإن اصطلحا على أن يحلف المدعي
على دعواه على أنه إن حلف فالمدعي عليه يكون ضامنا لما يدعيه فهذا الصلح باطل. ابن الشحنة. كذا في الهامش. قوله: (ولو مدع) لو
وصلية. كذا في الهامش.
207

كتاب المضاربة قوله: (من جانب المضارب) قيد به لأنه لو اشترط رب المال أن يعمل مع المضارب فسدت، كما
سيصرح به المصنف في باب المضارب يضارب، وكذا تفسد لو أخذ المال من المضارب بلا أمره وباع
واشترى به، إلا إذا صار المال عروضا فلا تفسد لو أخذه من المضارب كما سيأتي في فصل المتفرقات.
قوله: (إيداع ابتداء) قال الخير الرملي: سيأتي أن المضارب يملك الايداع في المطلقة مع ما تقرر أن
المودع لا يودع، فالمراد في حكم عدم الضمان بالهلاك وفي أحكام مخصوصة لا في كل حكم، فتأمل.
قوله: (ومن حيل الخ) ولو أراد رب المال إن يضمن المضارب بالهلاك يقرض المال منه،
ثم يأخذه منه مضاربة ثم يبضع المضارب كما في الواقعات. قهستاني. وذكر هذه الحيلة الزيلعي أيضا، وذكر قبلها ما
ذكره الشارح، وفيه نظر لأنها تكون شركة عنان شرط فيها العمل على الأكثر مالا وهو لا يجوز،
بخلاف العكس فإنه يجوز، كما ذكره في الظهيرية في كتاب الشركة عن الأصل للإمام محمد. تأمل.
وكذا في شركة البزازية حيث قال: وإن لأحدهما ألف ولآخر ألفان واشتركا واشترطا العمل على
صاحب الألف والربح أنصافا جاز، وكذا لو شرطا الربح والوضيعة على قدر المال والعمل من أحدهما
بعينه جاز، ولو شرطا العمل على صاحب الألفين والربح نصفين لم يجز الشرط والربح بينهما أثلاثا،
لان ذا الألف شرط لنفسه بعض ربح مال الآخر بغير عمل ولا مال، والربح إنما يستحق بالمال أو
بالعمل أو بالضمان ا ه‍ ملخصا. لكن في مسألة الشارح شرط العمل على كل منهما لا على صاحب
الأكثر فقط.
والحاصل: أن المفهوم من كلامهم أن الأصل في الربح أن يكون على قدر المال، إلا إذا كان
لأحدهما عمل فيصح أن يكون ربحا بمقابله عمله، وكذا لو كان العمل منهما يصح التفاوت أيضا.
تأمل. قوله: (وتوكيل مع العمل) فيرجع بما لحقه من العهدة على رب المال. درر. قوله: (بالمخالفة)
فالربح للمضارب لكنه غير طيب عند الطرفين. در منتقى. قوله: (مطلقا) هو ظاهر الرواية.
208

قهستاني قوله: (ربح أولا) وعن أبي يوسف إذا لم يربح لا أجر له، وهو الصحيح لئلا تربو الفاسدة
على الصحيحة. سائحاني. ومثله في حاشية ط عن العيني. قوله: (على المشروط) قال في الملتقى: ولا
يزاد على ما شرط له. كذا في الهامش: أي فيما إذا ربح، وإلا فلا تتحقق الزيادة فلم يكن الفساد
بسبب تسمية دراهم معينة للعامل. تأمل. قوله: (خلافا لمحمد) فيه إشعار بأن الخلاف فيما إذا ربح،
وأما إذا لم يربح فأجر المثل بالغا ما بلغ، لأنه لا يمكن تقدير بنصف الربح المعدوم كما في الفصولين،
لكن في الواقعات ما قاله أبو يوسف مخصوص بما إذا ربح، وما قاله محمد: إن له أجر المثل بالغا
ما بلغ فيما هو أعم. قهستاني. قوله: (والثلاثة) فعنده له أجر مثل عمله بالغا ما بلغ إذا ربح. در منتقى.
كذا في الهامش.
سئل فيما إذا دفع زيد لعمرو بضاعة على سبيل المضاربة وقال لعمرو: بعها ومهما ربحت يكون
بيننا مثالثة، فباعها وخسر فيها فالمضاربة غير صحيحة ولعمرو أجر مثله بلا زيادة على المشروط.
حامدية.
رجل دفع لآخر أمتعة وقال: بعها واشتراها وما ربحت فبيننا نصفين فخسر فلا خسران على
العامل، وإذا طالبه صاحب الأمتعة بذلك فتصالحا على أن يعطيه العامل إياه لا يلزمه، ولو كفله إنسان
ببدل الصلح لا يصح ولو عمل هذا العامل في هذا المال فهو بينهما على الشرط، لان ابتداء هذا ليس
بمضاربة بل هو توكيل ببيع الأمتعة، ثم إذا صار الثمن من النقود فهو دفع مضاربة بعد ذلك فلم
يضمن أولا، لأنه أمين بحق الوكالة ثم صار مضاربا فاستحق المشروط. جواهر الفتاوى. قوله:
(وصي الخ) ظاهره أن للوصي أن يضارب في مال اليتيم بجزء من الربح، وكلام الزيلعي فيه أظهر
، وأفاد الزيلعي أيضا أن للوصي دفع المال إلى من يعمل فيه مضاربة بطريق النيابة عن اليتيم كأبيه أبو
السعود. قوله: (إذا عمل) لان حاصل هذا أن الوصي يؤجر نفسه لليتيم وأنه لا يجوز. قوله: (لقلة
ضرره) أي ضرر القرض بالنسبة إلى الهبة فجعل قرضا ولم يجعل هبة. ذكره الزيلعي. قوله: (من
الأثمان) أي الدراهم والدنانير، فلو من العروض فباعها فصارت نقودا انقلبت مضاربة واستحق
المشروط كما في الجواهر. قوله: (وهو معلوم للعاقدين) ولو متاعا لما في التاترخانية، وإذا دفع ألف
209

درهم إلى رجل وقال نصفها معك مضاربة بالنصف صح، وهذه المسألة نص على أن قرض المشاع جائز
ولا يوجد لهذا رواية إلا هاهنا، وإذا جاز هذا العقد كان لكل نصف حكم نفسه، وإن قال على أن
نصفها قرض وعلى أن تعمل بالنصف الآخر مضاربة على أن الربح كله لي جاز، ويكره لأنه قرض جر
منفعة، وإن قال: على أن نصفها قرض عليك ونصفها مضاربة بالنصف فهو جائز، ولم يذكر الكراهية
هنا. فمن المشايخ من قال: سكوت محمد عنها هنا دليل على أنها تنزيهية. وفي الخانية قال: على أن
تعمل بالنصف الآخر على أن الربح لي جاز ولا يكره، فإن ربح كان بينهما على السواء والوضيعة
عليها لان النصف ملكه بالقرض والآخر بضاعة في يده، وفي التجريد يكره ذلك. وفي المحيط:
ولو قال على أن نصفها مضاربة بالنصف ونصفها هبة لك وقبضها غير مقسومة فالهبة فاسدة والمضاربة
جائزة، فإن هلك المال قبل العمل أو بعده ضمن النصف حصة الهبة فقط، وهذه المسألة نص على أن
المقبوض بحكم الهبة الفاسدة مضمون على الموهوب له ا ه‍ ملخصا، وتمامه فيه فليحفظ فإنه مهم. وهذه
الأخير ستأتي قبيل كتاب الايداع قريبا. قوله: (وكفت فيه) أي في الاعلام. منح. قوله: (لم يجز)
وما اشتراه له والدين في ذمته. بحر. قوله: (وإن على ثالث) بأن قال اقبض مالي على فلان، ثم اعمل
به مضاربة ولو عمل قبل أن يقبض الكل ضمن، ولو قال: فاعمل به لا يضمن، وكذا بالواو لان ثم
للترتيب، فلا يكون مأذونا بالعمل إلا بعد قبض الكل، بخلاف الفاء والواو، ولو قال اقبض ديني
لتعمل به مضاربة لا يصير مأذونا ما لم يقبض الكل. بحر قال في الهامش. قال في الدرر: فلو قال
اعمل بالدين الذي في ذمتك مضاربة بالنصف لم يجز، بخلاف ما لو كان له دين على ثالث فقال:
اقبض مالي على فلان واعمل به مضاربة حتى لا يبقى لرب المال فيه يد. ا ه‍. قوله: (وكره) لأنه اشترط
لنفسه منفعة قبل العقد. منح. قوله: (اشتر لي عبدا) هذا يفهم أنه لو دفع عرضا وقال له بعه واعمل
بثمنه مضاربة أنه يجوز بالأولى وقد أوضحه الشارح، وهذه حيلة لجواز المضاربة في العروض، وحيلة
أخرى ذكرها الخصاف أت يبيع المتاع من رجل يثق به ويقبض المال فيدفعه إلى المضارب مضاربة، ثم
يشتري هذا المضارب هذا المتاع من الرجل الذي ابتاعه من صاحبه ط. قوله: (عينا) أي معينا وليس
المراد بالعين العرض ط. قوله: (لا دينا) مكرر مع ما تقدم. قوله: (مسلما) فلو شرط رب المال أن
يعمل مع المضارب لا تجوز المضاربة، سواء كان المالك عاقدا أو لا، كالأب والوصي إذا دفع مال
الصغير مضاربة وشرط عمل شريكه مع المضارب لا تصح المضاربة، وفي السغناقي: وشرط عمل
الصغير لا يجوز، وكذا أحد المتفاوضين وشريكي العنان إذا دفع المال مضاربة وشرط عمل صاحبه فسد
العقد. تاترخانية. وسيأتي في الباب الآتي متنا بعض هذا. قوله: (كل شرط الخ) قال الأكمل: شرط
210

العمل على رب المال يفسدها، وليس بواحد مما ذكر، والجواب أن الكلام في شروط فاسدة بعد كون
العقد مضاربة، وما أورد لم يكن العقد فيه عقد مضاربة، فإن قلت: فما معنى قوله يفسدها إذ النفي (1)
يقتضي الثبوت؟ قلت سلب الشئ عن المعدوم صحيح كزيد المعدوم ليس ببصير، وسيأتي في المتن
أنه مفسد. قال الشارح: لأنه يمنع التخلية فيمنع الصحة، فالأولى الجواب بالمنع فيقال لا نسلم أنه غير
مفسد. سائحاني. قوله: (في الربح) كما إذا شرط له نصف الربح أو ثلثه بأو الترديدية س. قوله:
(فيه) كما لو شرط لأحدهما دراهم مسماة س. قوله: (بطل الشرط) كشرط الخسران على المضارب س.
قوله: (وما في الأشباه) من قوله القول قول مدعي الصحة، إلا إذا قال رب المال شرطت لك
الثلث وزيادة عشرة وقال المضارب الثلث فالقول للمضارب كما في الذخيرة ا ه‍. قوله: (فيه اشتباه)
أي اشتبه عليه مسألة بأخرى وهي المذكورة هنا، لان التي ذكرها داخلة تحت الأصل المذكور، لان من
له القول فيها مدع للصحة فلا يصح استثناؤها بخلاف التي هنا. قوله: (أو نوع) أي أو شخص كما
سيذكره. قوله: (ولو فاسدا) يعني لا يكون به مخالفا فلا يكون المال خارجا عن كونه في يده أمانة،
وإن كانت مباشرته العقد الفاسد غير جائزة وخرج الباطل كما في الأشباه. قوله: (بنقد ونسيئة) ولو
اختلفا فيهما فالقول للمضارب في المضاربة، وللموكل في الوكالة كما مر متنا، في الوكالة. قوله:
(والشراء) الاطلاق مشعر بجواز تجارته مع كل أحد، لكن في النظم أنه لا يتجر مع امرأته وولده
الكبير العاقل ووالديه عنده خلافا لهما، ولا يشتري من عبده المأذون، وقيل من مكاتبه بالاتفاق.
قهستاني. فروع مهمة: له أن يرهن ويرتهن لها ولو أخذ نخلا أو شجرا معاملة على أن ينفق في تلقيحها
وتأبيرها من المال لم يجز عليها، وإن قال له اعمل برأيك: فإن رهن شيئا من المضاربة ضمنه (2)، ولو
أخر الثمن جاز على رب المال ولا يضمن، بخلاف الوكيل الخاص، ولو حط بعض الثمن إن العيب
طعن فيه المشتري وما حط صحته أو أكثر يسيرا جاز، وإن كان لا يتغابن الناس في الزيادة يصح،
ويضمن ذلك من ماله لرب المال وكان رأس المال ما بقي على المشتري، ويحرم عليه وطئ الجارية ولو

(1) قوله: (النفي الخ) المراد نفي الصحة الذي هو معنى لفظ فسد، وليس المراد به حرف النفي كما قد يتوهم فيستصوب
بقاء لا في المحشي فان عبارة الأكمل ليس فيها حرف نفي أصلا يفسد وحينئذ فلا معنى لقول المحشي وسيأتي الخ
وكذا قوله فالأولى الجواب بالمنع ا ه‍.
(2) قوله: (ضمنه) اي إذا رهنه فيما عليه خاصة وليس المراد انه يضمنه إذا رهنه فيما على المضاربة لئلا ينافي صدر
العبارة ولأنه من صنيع التجار ا ه‍. شيخنا فهو مؤيد لقولهم المضارب ان يرهن ا ه‍.
211

بإذن رب المال، ولو تزوجها بتزويج رب المال جاز إن لم يكن في المال ربح وخرجت الجارية عن
المضاربة، وإن كان فيه ربح لا يجوز، وليس له أن يعمل بما فيه ضرر ولا ما لا يعمله التجار، وليس
لاحد المضاربين أن يبيع أو يشتري بغير إذن صاحبه، ولو اشترى بما لا يتغابن الناس في مثله يكون
مخالفا، وإن قيل له اعمل برأيك، ولو باع بهذه الصفة جاز خلافا لهما كالوكيل بالبيع المطلق، وإذا
اشترى بأكثر من المال كانت الزيادة له ولا يضمن بهذا الخلط الحكمي، ولو كان المال دراهم فاشترى
بغير الأثمان كان لنفسه وبالدنانير للمضاربة لأنهما جنس هنا. الكل من البحر. قوله: (ولا تفسد) لان
حق التصرف للمضارب. قوله: (والاستئجار) أي استئجار العمال للأعمال والمنازل لحفظ الأموال
والسفن والدواب. قوله: (والخلط بمال نفسه) أي أو غيره كما في البحر، إلا أن تكون معاملة التجار
في تلك البلاد أن المضاربين يخلطون ولا ينهونهم، فإن غلب التعارف بينهم في مثله وجب أن لا
يضمن كما في التاترخانية.
وفيها قبله: والأصل أن التصرفات في المضاربة ثلاثة أقسام: قسم هو من باب المضاربة وتوابعها
فيملكه من غير أن يقول له اعمل ما بدا لك كالتوكيل بالبيع والشراء والرهن والارتهان والاستئجار
والايداع والابضاع والمسافرة. وقسم لا يملك بمطلق العقد، بل إذا قيل اعمل برأيك كدفع المال إلى
غيره مضاربة أو شركة أو خلط مالها لماله أو بمال غيره. وقسم لا يملك بمطلق العقد ولا بقوله
اعمل برأيك إلا أن ينص عليه وهو ما ليس بمضاربة ولا يحتمل أن يلحق بها كالاستدانة عليها اه‍
ملخصا. قوله: (بمال نفسه) وكذا بمال غيره كما في البحر: وهذا إذا لم يغلب التعارف بين التجار
في مثله كما في التاترخانية وفيها من الثامن عشر: دفع إلى رجل ألفا بالنصف ثم ألفا أخرى كذلك
فخلط المضارب المالين فهو على ثلاثة أوجه: إما أن يقول المالك في كل من المضاربتين اعمل برأيك أو
لم يقل فيهما، أو قال في إحداهما فقط، وعلى كل فإما أن يكون قبل الربح في المالين أو بعده فيهما
أو في أحدهما. ففي الوجه الأول لا يضمن مطلقا. وفي الثاني: إن خلط قبل الربح فيهما فلا ضمان
أيضا، وإن بعده فيهما ضمن المالين وحصة رب المال من الربح قبل الخلط، وإن بعد الربح في أحدهما
فقط ضمن الذي لا ربح فيه. وفي الثالث: إما إن يكون قوله اعمل برأيك في الأولى أو يكون في
الثانية، وكل على أربعة أوجه إما أن يخلطهما قبل الربح فيهما أو بعده في الأولى فقط، أو بعده في
الثانية فقط، أو بعده فيهما قبل الربح فيهما، أو بعده في الثانية. فإن قال في الأولى لا يضمن الأول
ولا الثاني فيما لو خلط قبل الربح فيهما ا ه‍. قوله: (إذ الشئ) علة لكونه لا يملك المضاربة ويلزمه
منها نفي الأخيرين لان الشركة والخلط أعلى من المضاربة لأنهما شركة في أصل المال. قوله: (لا
يتضمن مثله) لا يرد على هذا المستعير والمكاتب فإن له الإعارة والكتابة، لان الكلام في التصرف نيابة
وهما يتصرفان بحكم المالكية لا النيابة، إذ المستعير ملك المنفعة والمكاتب صار حرا يدا والمضارب يعمل
بطريق النيابة فلا بد من التنصيص عليه أو التفويض المطلق إليه كما في الكفاية. قوله: (ولا الاقراض)
212

ولا أن يأخذ سفتجة. بحر. أي لأنه استدانة وكذلك لا يعطى سفتجة لأنه قرض ط عن الشلبي.
قوله: (والاستدانة) كما إذا اشترى سلعة بثمن دين وليس عنده من مال المضاربة شئ من جنس ذلك
الثمن، فلو كان عنده من جنسه كان شراء على المضاربة ولم يكن من الاستدانة في شئ كما في شرح
الطحاوي. قهستاني. والظاهر أن ما عنده إذا لم يوف فما زاد عليه استدانة وقدمنا عن البحر إذا اشترى
بأكثر من المال كانت الزيادة له، ولا يضمن بهذا الخلط الحكمي.
وفي البدائع: كما لا يجوز الاستدانة على مال المضاربة لا تجوز على إصلاحه، فلو اشترى بجميع
مالها ثيابا ثم استأجر على حملها أو قصرها أو فتلها كان متطوعا عاقدا لنفسه ط عن الشلبي وهذا ما
ذكره المصنف بقوله فلو شرى بمال المضاربة ثوبا الخ فأشار بالتفريع إلى الحكمي. قوله: (وإن
استدان) أي بالاذن وما اشترى بينهما نصفان وكذا الدين عليهما ولا يتغير موجب المضاربة فربح
مالهما على ما شرط. قهستاني. وقال السائحاني: أقول: شركة الوجوه هي أن يتفقا على الشراء نسيئة
والمشترى عليهما أثلاثا أو أنصافا قال والربح يتبع هذا الشرط ولو جعلاه مخالفا ولم يوجد ما ذكر
فيظهر لي أن يكون المشتري بالدين للآمر لو المشتري معيبا أو مجهولا جهالة نوع وسمي ثمنه أو جهالة
جنس وقد قيل له اشتر ما تختاره وألا فللمشتري كما تقدم في الوكالة لكن ظاهر المتون أنه لرب المال
وربحه على حسب الشرط ويغتفر في الضمني ما لا يغتفر في الصريح ا ه‍. قوله: (بماله) متعلق بكل
من قصر وحمل. قوله: (ذلك) أي اعمل برأيك. قوله: (بهذه المقالة) وهي اعمل برأيك.
قلت: والمراد بالاستدانة نحو ما قدمناه عن القهستاني فهذا يملكه إذا نص، أما لو استدان نقودا
فالظاهر أنه لا يصح لأنه توكيل بالاستقراض وهو باطل كما مر في الوكالة وفي الخانية من فصل شركة
العنان، ولا يملك الاستدانة على صاحبه ويرجع المقرض عليه لا على صاحبه، لان التوكيل بالاستدانة
توكيل بالاستقراض وهو باطل لأنه توكيل بالتكدي، إلا أن يقول الوكيل للمقرض إن فلانا يستقرض
منك كذا فحينئذ يكون على الموكل لا الوكيل ا ه‍: أي لأنه رسالة لا وكالة، والظاهر أن المضاربة كذلك
كما قلنا. قوله: (ولو بعد العقد) بأن كان رأس المال بحالة.
فرع: قال في الهامش: لو نهى رب المال المضارب بعد أن صار المال عرضا عن المبيع بالنسيئة
213

قبل أن تباع ويصير المال ناضا لا يصح نهيه، وأما قبل العمل أو بعد العمل وصار المال ناضا يصح
نهيه، لأنه يملك عزله في هذه الحالة دون الحالة الأولى. منح ا ه‍. قوله: (عن بيع الحال) يعني ثم باعه
بالحال بسعر ما يباع بالمؤجل كما في العيني. سائحاني. قوله: (بالنهي) مثل لا تبع في سوق كذا.
قوله: (الشراء له) وله ربحه وعليه خسرانه، ولكن يتصدق بالربح عندهما، وعند أبي يوسف: يطيب
له أصله المودع إذا تصرف فيها وربح. إتقاني. قوله: (ولو لم يتصرف) أشار إلى أن أصل الضمان
واجب بنفس المخالفة. لكنه غير قار إلا بالشراء فإنه على عرضية الزوال بالوفاق. وفي رواية الجامع أنه
لا يضمن إلا إذا اشترى، والأول هو الصحيح كما في الهداية. قهستاني.
قلت: والظاهر أن ثمرته فيما لو هلك بعد الاخراج قبلي الشراء يضمن على الأول لا على الثاني.
قوله: (حتى عاد الخ) يظهر في مخالفته في المكان. تأمل. قوله: (وكذا لو الخ) قال الإتقاني: فإن
اشترى ببعضه في غير الكوفة ثم بما بقي في الكوفة فهو مخالف في الأول، وما اشتراه بالكوفة فهو
على المضاربة، لان دليل الخلاف وجد في بعضه دون بعضه. قوله: (عاد في البعض) أي تعود
المضاربة، لكن في ذلك البعض خاصة. قال الإتقاني: ما تقدم. قوله: (أو يمين) بأن قال إن ملكته
فهو حر فإنه يملك ذلك، والفرق أن الوكالة بالشراء مطلقة وفي المضاربة مقيدة بما يظهر الربح فيه
بالبيع، فإذا اشترى مالا يقدر على بيعه خالف. قوله: (كما بسطه العيني) عبارته: إذا كان رأس المال
ألفا وصار عشرة آلاف درهم ثم اشترى المضارب من يعتق عليه وقيمته ألف أو أقل لا يعتق عليه،
وكذا لو كان له ثلاثة أولاد أو أكثر وقيمة كل واحد ألف أو أقل فاشتراهم لا يعتق منهم شئ، لان
كل واحد مشغول برأس المال، ولا يملك المضارب منهم شيئا حتى تزيد قيمة كل عين على رأس المال
على حدة من غير ضمه إلى آخر. عيني. كذا في الهامش. قوله: (ربح) أي في الصورة الثانية. قوله:
(للصغير) علة قاصرة، والعلة في الشريك هي المذكورة في المضارب من قصد الاسترباح ط. قوله:
(بالنصف) متعلق بمضارب. كذا في الهامش. قوله: (أمة) فوطئها ملتقى. كذا في الهامش. قوله:
214

(موسرا) لأنه ضمان عتق وليس بقيد لازم. بل ليفهم أنه لا يضمن لو معسرا بالأولى كما نبه عليه
مسكين. قوله: (كما ذكرنا) أي في قوله: مساويا له فالكاف بمعنى مثل خبر صار وألفا بدل منه أو
ألفا هو الخبر والجار والمجرور قبله حال منه. قوله: (سعى) الأولى سعى عطفا على نفذت.
قوله: (المدعي) وهو المضارب. قوله: (تملك) بخلاف ضمان الولد لأنه ضمان عتق، وهو يعتمد
التعدي ولم يوجد. قوله: (لظهور) أي لوقوع دعوته صحيحة ظاهرا. قوله: (حبلى منه) تنازع فيه كل
من تزوجها واشتراها: أي حملا لامره على الصلاح، لكن لا تنفذ هذه الدعوى لعدم الملك، وهو شرط
فيها إذ كل واحد من الجارية وولدها مشغول برأس المال، فلا يظهر الربح فيه لما عرف أن مال المضاربة
إذا صار أجناسا مختلفة كل واحد منها لا يزيد على رأس المال لا يظهر الربح عنده لان بعضها ليس
بأولى به من البعض، كحينئذ لم يكن للمضارب نصيب في الأمة ولا في الولد، وإنما الثابت له مجرد
حق التصرف فلا تنفذ دعوته، فإذا زادت قيمته وصارت ألفا وخمسمائة ظهر الربح وملك المضارب منه
نصف الزيادة فنفذت دعوته السابقة لوجود شرطها وهو الملك فصار ابنه وعتق بقدر نصيبه منه وهو
ربعه، ولم يضمن حصة رب المال من الولد، لان العتق ثبت بالملك والنسب، فصارت العلة ذات
وجهين والملك آخرهما وجودا فيضاف العتق إليه ولا صنع له في الملك، فلا ضمان لعدم التعدي،
فإذا اختار الاستسعاء استسعاه في ألف رأس ماله وفي ربعه نصيبه من الربح، فإذا قبض الألف صار
مستوفيا لرأس ماله وظهر أن الام كلها ربح بينهما نصفين ونفذ فيها دعوة المضارب وصارت
كلها أم ولد له، لان الاستيلاد إذا صادف محلا يحتمل النقل لا يتجزأ إجماعا، ويجب نصف قيمتها لرب
المال. فإن قيل: لم لم يجعل المقبوض من الولد من الريح؟ قلنا: لأنه من جنس رأس ماله وهو مقدم على
الربح فكان أولى بجعله منه. زيلعي ملخصا. قوله: (وضمن للمالك) لأنها لما زادت قيمتها ظهر فيها
الربح وملك المضارب بعض الربح فنفذت دعوته فيها فيجب عليه لرب المال رأس ماله ونصيبه من
الربح، فإذا وصل إليه ألف استوفى رأس ماله وصار الولد كله ربحا فيملك المضارب منه نصفه فيعتق
عليه، وما لم يصل إليه الألف فالولد رقيق على حاله على نحو ما ذكرنا في الام.
باب المضارب
يضارب قوله: (على الظاهر) أي الرواية عن الامام وهو قولهما. منح. قوله: (فاسدة) قال في
البحر: وإن كانت إحداهما فاسدة أو كلاهما فلا ضمان على واحد منهما، وللعامل أجر المثل على
215

المضارب الأول ويرجع به الأول على رب المال والوضيعة على رب المال، والربح بين الأول ورب المال
على الشرط بعد أن أخذ الثاني أجرته إذا كانت المضاربة الأولى صحيحة، وإلا فللأول أجر مثله اه‍.
قوله: (خاصة) والأشهر الخيار فيضمن أيهما شاء كما في الاختيار. سائحاني. قوله: (خير رب المال)
فإن ضمن الأول صحت المضاربة بينه وبين الثاني وكان الربح على ما شرطا، وإن ضمن الثاني رجع بما
ضمن على الأول وصحت بينهما وكان الربح بينهما وطاب للثاني ما ربح دون الأول. بحر. وفيه:
ولو دفع الثاني مضاربة إلى ثالث وربح الثالث أو وضع، فإن قال الأول للثاني: اعمل فيه برأيك فلرب
المال أن يضمن أي الثلاثة شاء ويرجع الثالث على الثاني والثاني على الأول، والأول لا يرجع على أحد
إذا ضمنه رب المال، وإلا لا ضمان على الأول وضمن الثاني والثالث كذا في المحيط. قوله: (ضمن
الثاني) فيه إشعار بأنه إذا ضمن يرجع على الأول ويطيب الربح له دون الأول لأنه ملك مستند قهستاني
سائحاني. قوله: (ليس له الخ) لان المال بالعمل صار غصبا، وليس للمالك إلا تضمين البدل عند
ذهاب العين المغصوبة، وليس له أن يأخذ الربح من الغاصب كذا ظهر لي ط. قوله: (فإن أذن) مفهوم
قوله: بلا إذن. قوله: (عملا بشرطه) لأنه شرط نصف جميع الربح له. قوله: (الباقي) الأولى إسقاطه.
حلبي. والباقي هو الفاضل عما اشترطه للثاني، لان ما أوجبه الأول ينصرف إلى نصيبه خاصة، إذ
ليس له أن يوجب شيئا لغيره من نصب المالك، وحيث أوجب للثاني الثلث من نصيبه وهو النصف
يبقى له السدس. قال في البحر: وطاب الربح للجميع لان عمل الثاني عمل عن المضارب كالأجير
المشترك إذا استأجر آخر بأقل مما استؤجر. قوله: (لعبد المالك) قيد بعبد رب المال لان عبد المضارب لو
شرط له شئ من الربح ولم يشترط عمله لا يجوز، ويكون ما شرط له لرب المال إذا كان على العبد
دين، وإلا يصح سواء شرط عمله أو لا ويكون للمضارب. بحر. وقيد بكون العاقد المولى لأنه لو
216

عقد المأذون فسيأتي، وشمل قوله: لعبد ما لو شرط للمكاتب بعض الربح فإنه يصح، وكذا لو كان
مكاتب المضارب، لكن بشرط أن يشترط عمله فيهما وكان المشروط للمكاتب له لا لمولاه، وإن لم
يشترط عمله لا يجوز، وعلى هذا غيره من الأجانب فتصح المضاربة وتكون لرب المال ويبطل الشرط.
بحر. وسيأتي الكلام فيه. والمرأة والولد كالأجانب هنا. كذا في النهاية. بحر. وقيد باشتراط عمل
العبد احترازا عن عمل رب المال مع المضارب فإنه مفسد كما سيأتي. قوله: (للمولى) لكن المولى لا
يأخذ ثلث العبد مطلقا لما في التبيين، ثم إن لم يكن على العبد دين فهو للمولى سواء شرط فيها عمل
العبد أو لا، وإن كان عليه ديون فهو كغرمائه إن شرط عمله، لأنه صار مضاربا في مال مولاه فيكون
كسبه له فيأخذه غرماؤه، وإن لم يشترط عمله فهو أجنبي عن العقد، فكان كالمسكوت عنه فيكون
للمولى لأنه نماء ملكه، إذ لا يشترط بيان نصيبه بل نصيب المضارب لكونه كالأجير اه‍ ملخصا. قوله:
وفي نسخ المتن الخ) أما المتن فقد رأيت في نسخة منه: ولو شرط للثاني ثلثيه ولعبد المالك ثلثه على أن
يعمل معه ولنفسه ثلثه صح اه‍. وهو فاسد كما ترى. وأما الشرح فنصه: وقوله: على أن يعمل معه
عادي، وليس بقيد بل يصح الشرط ويكون لسيده، وإن لم يشترط عمله لا يجوز ح. كذا في الهامش.
قوله: (واشتراط) هذه المسألة كالتعليل لما قبلها، فكان الأولى تقديمها وتفريع الأولى عليها. قوله:
(بخلاف مكاتب) أي إذا دفع مال مضاربة لآخر. قوله: (مولاه) أي فإنه لا يفسد مطلقا، فإن عجز قبل
العمل ولا دين عليه فسدت. بحر. قوله: (أو في الرقاب) أي فكها، وفساد الشرط في الثلاث لعدم
اشتراط العمل كما سيظهر. قوله: (ولم يصح الشرط) وما في السراجية من الجواز محمول على جواز
العقد لا الشرط. منح. فلا يحتاج إلى ما قيل إن المسألة خلافية، لكن عدم صحة الشرط في هذين إذا لم
يشترط عملهما كما سيشير إليه بقوله: ومتى شرط لأجنبي الخ ومر عن النهاية أن المرأة والولد
كالأجنبي هنا. وفي التبيين: ولو شرط بعض الربح لمكاتب رب المال أو المضارب إن شرط عمله جاز
وكان المشروط له لأنه صار مضاربا، وإلا فلا لان هذا ليس بمضاربة، وإنما المشروط هبة موعودة فلا
يلزم، وعلى هذا غيره من الأجانب إن شرط له بعض الربح وشرط عمله عليه صح، وإلا فلا اه‍.
قوله: (لا يصح) لأنه لم يشترط عمله. قوله: (صح) أي الاشتراط كالعقد. قوله: (لكن القهستاني)
217

لا محل للاستدراك، لان قوله: يصح مطلقا أي عقد المضاربة صحيح سواء شرط عمل الأجنبي أو
لا، غير أنه إن شرط عمله فالمشروط له، وإلا فلرب المال لأنه بمنزلة المسكوت عنه، ولو كان المراد أن
الاشتراط صحيح مطلقا نافى قوله: وإلا أي وإن لم يشترط عمله فللمالك. قوله: (ويكون) أي
البعض. قوله: (قضاء) نائب فاعل المشروط. قوله: (بحر) عبارته: ولا يجبر على دفعه لغرمائه اه‍. كذا
في الهامش. قوله: (المسافرة) أي إلى غير بلد رب المالي. ط عن البزازية. قوله: (فإن عاد الخ) ينبغي
أن يكون هذا إذا لم يحكم بلحاقه، أما إذا حكم بلحاقه فلا تعود المضاربة لأنها بطلت كما هو ظاهر
عبارة الإتقاني في غاية البيان لكن في العناية أن المضاربة تعود سواء حكم بلحاقه أم لا فتأمل. رملي.
قوله: (بخلاف الوكيل) أي لو ارتد موكله ولحق ثم عاد فلا تبقى الوكالة على حالها، والفرق أن محل
التصرف خرج عن ملك الموكل ولم يتعلق به حق الوكيل فلذا قال لأنه الخ س. قوله: (بخلاف
المضارب) فإن له حقا، فإذا عاد المالك فهي على حالها. قوله: (ولو ارتد) محترز قوله: وبلحوق.
قوله: (فقط) على هذا لا فرق بين المالك والمضارب، فلو قال وبلحوق أحدهما
ثم قال ولو ارتد أحدهما فقط الخ لكان أخصر وأظهر. تأمل لكل الفرق أنه إذا ارتد المضارب فتصرفه نافذ. قوله: (غير مؤثرة)
سواء كانت هي صاحبة المال أو المضاربة إلا أن تموت أو تلحق بدار الحرب فيحكم بلحاقها، لان ردتها
لا تؤثر في أملاكها فكذا في تصرفاتها. منح. قوله: (ولو حكما) أي ولو العزل حكما فلا ينعزل في
الحكمي إلا بالعلم، بخلاف الوكيل حيث ينعزل في الحكمي، وإن لم يعلم كذا قالوا، فإن قلت: ما
الفرق بينهما؟ قلت: قد ذكروا أن الفرق بينهما أنه لا حق له، بخلاف المضارب. منح. قوله: (ولو
حكما) أي كارتداده مع الحكم بلحاقه س. قوله: (فالدراهم) التفريع غير ظاهر، فالأولى الواو كما في
البحر والمنح. قوله: (جنسان) فإن كان رأس المال دراهم وعزله ومعه دنانير له بيعها بالدراهم
استحسانا. منح. وانظر ما مر في البيع الفاسد عند قول المصنف والدراهم والدنانير جنس. قوله:
(باعها) أي له بيعها ولا يمنعه العزل من ذلك. إتقاني. قوله: (عنها) أي عن النسيئة كما لا يصح نهيه
218

عن المسافرة في الروايات المشهورة، وكما لا يملك عزله لا يملك تخصيص الاذن، لأنه عزل من وجه.
بحر عن النهاية، وسيأتي. قوله: (ويبدل) لا حاجة إليه لفهمه مما قبله حيث بين المراد من العروض هنا
قريبا، وأن الدراهم والدنانير جنسان. قوله: (خلافه به) أي له أن يبدل خلاف رأس المال من النقد
رأس المال. قال في البحر: وإن كان رأس المال دراهم وعزله ومعه دنانير يبيعها بالدراهم استحسانا.
مدني. قوله: (لوجوب الخ) أي إن امتنع المالك من خلاف الجنس كما يفيده ما قدمنا عن الإتقاني.
فرع: قال في القنية: من المضاربة أعطاه دنانير مضاربة ثم أراد القسمة له أن يستوفي دنانير،
وله أن يأخذ من المال بقيمتها، وتعتبر قيمتها يوم القسمة لا يوم الدفع ا ه‍. وفي شرح الطحاوي: من
المضاربة، ويضمن لرب المال مثل ماله وقت الخلاف. يبرئ في بحث القول في ثمن المثل. وهذه
فائدة طالما توقفت فيها، فإن رب المال يدفع دنانير مثلا بعدد مخصوص ثم تغلو قيمتها ويريد أخذها
عددا لا بالقيمة. تأمل. والذي يظهر من هذا أنه لو علم عدد المدفوع ونوعه فله أخذه، ولو أراد أن
يأخذ قيمته من نوع آخر يأخذه بالقيمة الواقعة يوم الخلاف: أي يوم النزاع والخصام، وكذا إذا لم
يعلم نوع المدفوع كما يقع كثيرا في زماننا حيث يدفع أنواعا ثم تجهل فيضطر إلى أخذ قيمتها لجهالتها
فيأخذ بالقيمة يوم الخصام والله أعلم. تأمل. قوله: (في هذه الحالة) أي حالة كون المال عروضا لان
للمضارب حقا في الربح. بحر. قوله: (صح) أي الفسخ. قوله: (على اقتضاء الديون) أي طلبها من
أربابها. قوله: (إذ حينئذ) عبارة البحر: لأنه كالأجير والربح كالأجرة وطلب الدين من تمام تكملة
العمل فيجبر عليه. قوله: (بالأجرة) ظاهره ولو كان الربح قليلا قال في شرح الملتقى: ومفاده أن نفقة
الطلب على المضارب، وهذا لو الدين في المصر، وإلا ففي مال المضاربة. قال في الهندية: وإن طال
سفر المضارب ومقامه حتى أتت النفقة في جميع الدين: فإن فضل على الدين حسب له النفقة مقدار
الدين، وما زاد على ذلك يكون على المضارب. كذا في المحيط ط. قوله: (والسمسار) هو المتوسط بين
البائع والمشتري بأجر من غير أن يستأجر. قوله: (زيلعي) وتمام كلامه: وإنما جازت هذه الحيلة لأن العقد
يتناول المنفعة، وهي معلومة ببيان قدر المدة، وهو قادر على تسليم نفسه في المدة، ولو عمل من
غير شرط وأعطاه شيئا لا بأس به لأنه عمل معه حسنة فجازاه خيرا وبذلك جرت العادة، (وما رآه
المسلمون حسنا فهو عند الله حسن). قوله: (ولو فاسدة) أي سواء كانت المضاربة صحيحة أو فاسدة،
وسواء كان الهلاك من عمله أو لا ح. قوله: (من عمله) يعني المسلط عليه عند التجار، وأما التعدي
219

فيظهر أنه يضمن. سائحاني. قوله: (فهو بينهما) أي بعد دفع النفقة. قوله: (لما مر) أي من أنه أمين
فلا يضمن. قوله: (في يد المضارب) مثله في العزمية عن صدر الشريعة، وهو نص على المتوهم، وإلا
فبالأولى إذا دفعه لرب المال بعد الفسخ ثم استرده وعقد أخرى. قوله: (النافعة للمضارب) أي لو
خاف أن يسترد منه رب المال الربح بعد القسمة بسبب هلاك ما بقي من رأس المال، وعلم مما مر آنفا
أنه لا يتوقف صحة الحيلة على أن يسلم المضارب رأس المال إلى رب المال، وتقييد الزيلعي به اتفاقي
كما نبه عليه أبو السعود.
فصل في المتفرقات
قوله: (لا مضاربة) أي فإنها تفسد، وقد تبع الزيلعي ومفهومه أنه لو دفعه مضاربة تفسد الأولى
مع أن الذي يفسد الثانية لا الأولى كما في الهداية. قال في البحر: وتقييده بالبضاعة اتفاقي، لأنه لو
دفع المال إلى رب المال مضاربة لا تبطل الأولى، بل الثانية، لان المضاربة تنعقد شركة على مال رب المال
وعمل المضارب، ولا مال هنا، فلو جوزناه يؤدي إلى قلب الموضوع، وإذا لم يصح بقي عمل رب المال
بأمر المضارب، فلا تبطل الأولى. كذا في الهداية. وبه علم أنها بضاعة وإن سميت مضاربة، لان المراد
بالبضاعة هنا الاستعانة، لان الابضاع الحقيقي لا يتأتى هنا وهو أن يكون المال للمبضع والعمل من
الآخر ولا ربح للعامل، وفهم من مسألة الكتاب جواز الابضاع مع الأجنبي بالأولى ا ه‍. قوله: (لما مر)
أي من أن الشئ لا يتضمن مثله. قوله: (وإن أخذه) محترز قوله: بدفع. قوله: (وإن صار عرضا)
أي في يد المضارب. قوله: (ثم إن باع) أي ما صار عرضا. قوله: (لما مر) أي من أنه عامل لنفسه
قال في الهامش: فلو باع أي رب المال العروض بنقد ثم اشترى عروضا كان للمضارب حصته من
ربح العروض الأولى لا الثانية، لأنه لما باع العروض وصار المال نقدا في يده كان ذلك نقضا
للمضاربة، فشراؤه به بعد ذلك يكون لنفسه، فلو باع العروض لعروض مثلها أو بمكيل أو موزون
وربح كان بينهما (1) على ما شرطا. بحر ومنح عن المبسوط. قوله: (ولو يوما) لان العلة في وجوب
النفقة حبس نفسه لأجلها، فعلم أنه ليس المراد بالسفر الشرعي بل المراد أن لا يمكنه المبيت في منزله،

(1) قوله: (كان بينهما الخ) لان رب المال لا يتمكن من نقض المضاربة ما دام المال عروضا ا ه‍.
220

فإن أمكن أنه يعود إليه في ليلة فهو كالمصر لا نفقة له. بحر. قوله: (ولو بكراء) بفتح الراء ومدها
وكسر الهمزة بعدها. قوله: (لأنه أجير) أي في الفاسدة. قوله: (خلاف) فإنه صرح في النهاية
بوجوبها في مال الشركة. منح. وجعله في شرح المجمع رواية عن محمد. وفي الحامدية في كتاب
الشركة عن الرملي على المنح أقول: ذكر التاترخانية عن الخانية قال محمد: هذا استحسانا اه‍: أي
وجوب نفقته في مال الشركة، وحيث علمت أنه الاستحسان فالعمل عليه، لما علمت أن العمل على
الاستحسان إلا في مسائل ليست هذه منها. خير الدين على المنح ه‍. قوله: (ما لم يأخذ مالا) يعني لو
نوى الإقامة بمصر ولم يتخذه دارا فله النفقة، إلا إذا كان قد أخذ مال المضاربة في ذلك المصر فلا نفقة
له ما دام فيه، ولا يخفى ما فيه من الايجاز الملحق بالالغاز.
قال في البحر: فلو أخذ مالا بالكوفة وهو من أهل البصرة، وكان قدم الكوفة مسافرا فلا نفقة
له في المال ما دام في الكوفة، فإذا خرج منها مسافرا فله النفقة حتى يأتي البصرة، لان خروجه لأجل
المال، ولا ينفق من المال ما دام بالبصرة لان البصرة وطن أصلي له فكانت إقامته فيه لأجل الوطن لا
لأجل المال، فإذا خرج من البصرة له أن ينفق من المال إلى أن يأتي الكوفة، لان خروجه من البصرة
لأجل المال، وله أن ينفق أيضا ما أقام بالكوفة حتى يعود إلى البصرة، لان وطنه بالكوفة كان وطن
إقامة، وأنه يبطل بالسفر فإذا عاد إليها وليس له بها وطن كانت إقامته فيها لأجل المال. كذا في البدائع
والمحيط والفتاوى الظهيرية ا ه‍. ويظهر منه (1) أنه لو كان له وطن بالكوفة أيضا ليس له الانفاق إلا في
الطريق، ورأيت التصريح به في التاترخانية من الخامس عشر. قوله: (أو خلط الخ) أو بعرف شائع
كما قدمنا أنه لا يضمن به. تأمل. قوله: (بإذن) أي وتصير شركة ملك فلا تنافي المضاربة، ونظيره ما
قدمناه لو دفع إليه ألفا نصفها قرض ونصفها مضاربة صح، ولكل نصف حكم نفسه ا ه‍. مع أن المال
مشترك شركة ملك فلم يضمن المضاربة (2) وبه ظهر أنه لا ينافي ما قدمه الشارح عن الكافي من أنه
ليس للشريك نفقة فافهم. قوله: (أو بمالين) أي وإن كان أحدهما بضاعة فنفقة في مال المضاربة إلا
أن يتفرع للعمل في البضاعة فمن مال نفسه دون البضاعة إلا إن أذن له المستبضع بالنفقة منها لأنه
متبرع. تاترخانية في الخامس عشر عن المحيط. وفيها عن العتابية: ولو رجع المضارب من سفره بعد
موت رب المال فله أن ينفق من المال عن نفسه وعلى الرقيق، وكذا بعد النهي، ولو كتب إليه ينهاه وقد

(1) قوله: (ويظهر منه الخ) نقل ط عن مكي عن المبسوط ما نصه وان تزوج امرأة واتخذها وطنا زالت نفقته من مال
المضاربة لان مقامه بها بعد ما تزوج كان لأجل أهله بمنزلة وطنه الأصلي ا ه‍.
(2) قوله: (فلم يضمن المضاربة) لعل الصواب فلم تبطل المضاربة تأمل ا ه‍.
221

صار المال نقدا لم ينفق في رجوعه اه‍. قوله: (ولو هلك) أي مالها. قوله: (ويأخذ) أي من الربح.
قوله: (من رأس) متعلق بأنفق، وحاصل المسألة أنه لو دفع له ألفا مثلا فأنفق المضارب من رأس
المال مائة وربح مائة يأخذ المالك المائة الربح بدل المائة التي أنفقها المضارب ليستوفي المالك جميع
رأس ماله، فلو كان الربح في هذه الصورة مائتين يأخذ مائة بدل النفقة ويقتسمان المائة الثانية.
قوله: (من الحملان) قال في مجمع البحرين: والحملان بالضم: الحمل مصدر حمله والحملان أيضا
أجر ما يحمل اه‍. وهو المراد ط. قوله:
(حقيقة) كالصبع. قوله: (أو حكما) كالقصارة. قوله: (والعادة) قد سبق في المرابحة أن العبرة في الضم لعادة التجار، فإذا جرت بضم ذلك يضم ط.
قوله: (أي ثيابا) قال في البحر: وقال محمد في السير: البز عند أهل الكوفة ثياب الكتان أو القطن
لا ثياب الصوف أو الخز، كذا في المغرب اه‍. قوله: (نصف الربح) لأنه ظهر فيها ربح ألف لما
صار المال نقدا، فإذا اشترى بالألفين عبدا صار مشتركا ربعه للمضارب والباقي لرب المال فيكون
مضمونا عليهما بالحصص. قوله: (الباقي) ولكن الألفان يجبان جميعا للبائع على المضارب، ثم يرجع
المضارب على رب المال بألف وخمسمائة، لان المضارب هو المباشر للعقد وأحكام العقد ترجع إليه.
إتقاني. قوله: (لكونه) علة لقوله خارجا. قوله: (وبينهما) أي بين الضمان المفهوم من مضمون وبين
الأمانة. قوله: (لها) لان ضمان رب المال لا ينافي المضاربة س. قوله: (ولو بيع) أي والمسألة
بحالها. قوله: (فحصتها) أي المضاربة. قوله: (لان ربعه) أي ربع العبد ملك للمضارب كما تقدم،
وفي الهامش قوله: ربعه وهو الألف اه‍. قوله: (بينهما) أي والألف يختص بها المضارب كما مر.
قوله: (عبدا) أي قيمته ألف فالثمن والقيمة سواء، وإنما قلنا ذلك لأنه لو كان فيهما فضل بأن
اشترى رب المال عبدا بألف قيمته ألفان ثم باعه من المضارب بألفين بعد ما ربح المضارب ألفا فإنه
يرابح على ألف وخمسمائة، وكذا لو الفضل في قيمة المبيع دون الثمن بأن كان العبد يساوي ألفا
وخمسمائة فاشتراه رب المال بألف وباعه من المضارب بألف فإنه يرابح على ألف ومائتين وخمسين،
222

وكذا عكسه بأن شرى قيمته ألف بألف فباعه منه بألف (1) فالمسألة رباعية: قسمان لا يرابح
فيهما إلا على ما اشترى رب المال، وقسمان يرابح فيهما عليه وعلى حصة المضارب، وهذا إذا كان
البائع رب المال، فلو كان المضارب فهو على أربعة أقسام أيضا كما يأتي. وتمامه في البحر عن
المحيط. قوله: (شراه) صفة عبدا. قوله: (رابح) جواب لو. قوله: (وكذا عكسه) وهو ما لو كان
البائع المضارب، والمسألة بحالها بأن شرى رب المال بألف عبدا شراه المضارب بنصفه ورأس المال
ألف فإنه يرابح بنصفه، وهذا إذا كانت قيمته كالثمن لا فضل فيهما، ومثله لو الفضل في القيمة
فقط، أما لو كان فيهما فضل أو في الثمن فقط فإنه يرابح على ما اشترى به المضارب وحصة
المضارب، وبه علم أن المسألة رباعية أيضا. وتمامه في البحر. قوله: (ولو شرى) أي من معه ألف
بالنصف كما قيد به الكنز. قوله: (بالفداء) لأنه لما صار المال عينا واحدا ظهر الربح وهو ألف
بينهما وألف لرب المال، فإذا فدياه خرج عن المضاربة لان نصيب المضارب صار مضمونا عليه،
ونصيب رب المال صار له بقضاء القاضي بالفداء عليهما، وإذا خرج عنها بالدفع أو بالفداء غرما
على قدر (2) ملكهما. بحر. والفرق بين هذا وبين ما مر حيث لا يخرج هناك ما خص رب المال عن
المضاربة، وهنا يخرج أن الواجب هناك ضمان التجارة وهو لا ينافي المضاربة، وهنا ضمان الجناية
وهو ليس من التجارة في شئ فلا يبقى على المضاربة. كفاية. قوله: (كما مر) أي قريبا من أن
ضمان المضارب ينافي المضاربة س. قوله: (ولو اختار المالك الدفع الخ) قال في البحر: قيد بقوله
قيمته ألفان، لأنه لو كانت قيمته ألفا فتدبير الجناية إلى رب المال، لان الرقبة على ملكه لا ملك
للمضارب فيها، فإن اختار رب المال الدفع والمضارب الفداء مع ذلك فله ذلك لأنه يستبقي بالفداء
مال المضاربة، وله ذلك لان الربح يتوهم. كذا في الايضاح اه‍. ونحوه في غاية البيان.
ولا يخفى أن الربح في مسألة المتن محقق، بخلاف هذه فقد علل لغير مذكور، على أن الظاهر أنه
في مسألة المتن لا ينفرد أحدهما بالخيار لكون العبد مشتركا يدل له ما في غاية البيان، ويكون الخيار
لهما جميعا إن شاءا فديا وإن شاءا دفعا، فتأمل. قوله: (ما دفع) فلا يظهر الربح إلا بعد استيفاء المالك
الكل، لكن المضارب لا يرابح إلا على ألف كما مر. قوله: (بخلاف الوكيل) أي إذا كان الثمن
مدفوعا إليه قبل الشراء، ثم هلك فإنه لا يرجع إلا مرة. قوله: (لان يده ثانيا الخ) الضمير في للوكيل

(1) قوله: (فباعه منه بألف الخ) لعل الصواب بالفين تأمل ا ه‍.
(2) قوله: (أو بالفداء غرما على قدر الخ) لعل الصواب يخدمهما على قدر الخ تأمل ا ه‍.
223

بيانه أن المال في يد المضارب أمانة، ولا يمكن حمله على الاستيفاء لأنه لا يكون إلا بقبض مضمون،
فكل ما قبض يكون أمانة وقبض الوكيل ثانيا استيفاء، لأنه وجب له على الموكل مثل ما وجب عليه
للبائع، فإذا صار مستوفيا له صار مضمونا عليه فيهلك عليه. بخلاف ما إذا لم يكن مدفوعا إليه إلا
بعد الشراء حيث لا يرجع أصلا لأنه ثبت له حق الرجوع بنفس الشراء، فجعل مستوفيا بالقبض بعده
إذ المدفوع إليه قبله أمانة، وهو قائم على الأمانة بعده فلم يصر مستوفيا فإذا هلك يرجع مرة فقط لما
قلنا. قوله: (مع ذلك) أي مع الاختلاف في رأس المال. قوله: (الربح) صورته: قال رب المال رأس
المال ألفان وشرطت لك ثلث الربح وقال المضارب: رأس المال ألف وشرطت لي النصف. قوله:
(فقط) لا في رأس المال بل القول فيه للمضارب كما علمت. قوله: (فالبينة الخ) لان بينة رب المال
في زيادة رأس المال أكثر إثباتا وبينة المضارب في زيادة الربح أكثر إثباتا كما في الزيلعي ويؤخذ من
هذا ومن الاختلاف في الصفة أن رب المال لو ادعى المضاربة وادعى من في
يده المال أنها عنان وله في المال كذا وأقاما البينة فبينة ذي اليد أولى لأنها أثبت حصة من المال وأثبتت الصفة. سائحاني. قوله:
(فالقول للمالك) لان المضارب يدعي عليه تقوم عمله أو شرطا من جهته أو يدعي الشركة وهو ينكر.
منح. قوله: (المضارب) الأولى ذو اليد. قوله: (هي قرض) ليكون كل الربح له قوله: (فالقول
للمضارب) مثله في الخانية وغاية البيان والزيلعي والبحر ونقله ابن الشحنة عن النهاية وشرح التجريد.
وحكى ابن وهبان في نظمه قولين وفي مجموعة منلا علي عن مجموعة الأنقروي عن محيط السرخسي لو
قال رب المال هو قرض والقابض مضاربة فإن بعد ما تصرف فالقول لرب المال والبينة بينته أيضا،
والمضارب ضامن وإن قبله فالقول قوله: ولا ضمان عليه أي القابض، لأنهما تصادقا على أن القبض
كان بإذن رب المال ولم يثبت القرض لانكار القابض اه‍. ونقل فيها عن الذخيرة من الرابع عشر مثله،
ومثله في كتاب القول لمن عن غانم البغدادي عن الوجيز، وبمثله أفتى علي أفندي مفتي الممالك
العثمانية، وكذا قال في فتاوى ابن نجيم القول لرب المال، ويمكن أن يقال إن ما في الخانية والتنوير
فيما إذا كان قبل التصرف حملا للمطلق على المقيد لاتحاد الحادثة والحكم وبالله التوفيق من مجموعة منلا
علي ملخصا. قوله: (بالأصل) لان الأصل في المضاربة العموم إذ المقصود منها الاسترباح والعموم والاطلاق يناسبانه، وهذا إذا تنازعا بعد تصرف المضارب فلو قبله فالقول للمالك كما إذا ادعى المالك
بعد التصرف العموم والمضارب الخصوص فالقول للمالك. در منتقى. قوله: (كل نوعا) بأن قال
أحدهما في بر وقال الآخر في بر. قوله: (فالقول
224

للمالك) لأنهما اتفقا على الخصوص فكان القول قول من يستفاد من جهته الاذن س. قوله: (فيقيمها) أي البينة.
قو له: (على صحة الخ) يعني أن البينة تكون حينئذ على صحة تصرفه لا على نفي الضمان حتى تكون على النفي فلا تقبل. قوله: (ولو وقت)
في بعض النسخ ولو وقتت. قوله: (البينتان) فاعل وقت والمسألة بحالها بأن قال رب المال أديته
إليك مضاربة أن تعمل في بز في رمضان وقال المضارب: دفعت إلي لاعمل في طعام في شوال وأقاما
البينة. قوله: (قضى بالمتأخرة) لان آخر الشرطين ينسخ أولهما. قوله: (وإلا) أي إن لم يوقتا أو وقتت
إحداهما دون الأخرى. قوله: (إلى نفسه) الضمير راجع إلى الوصي. قوله: (وقيده الطرسوسي) أي
بحثا منه، ورده ابن وهبان بأنه تقييد لاطلاقهم برأيه مع قيام الدليل على الاطلاق، واستظهر ابن
الشحنة ما قاله الطرسوسي نظرا للصغير.
أقول: لكن في جامع الفصولين عن الملتقط: ليس للوصي في هذا الزمان أخذ مال اليتيم
مضاربة، فهذا يفيد المنع مطلقا. قوله: (في تركته) لأنه صار بالتجهيل مستهلكا، وسيأتي تمامه في
الوديعة إن شاء الله تعالى، وأفتى به في الحامدية قائلا: وبه أفتى قارئ الهداية. قوله: (وفيه لو شرى
الخ) الكلام هنا في موضعين: الأول حق إمساك المضارب المتاع من غير رضا رب المال، والثاني إجبار
المضارب على البيع حيث لا حق له في الامساك. أما الأول فلا حق له فيه سواء كان ف بالمال ربح أو
لا، إلا أن يعطي لرب المال رأس المال فقط إن لم يربح أو مع حصته من الربح فحينئذ له حق الامساك.
وأما الثاني وهو إجباره على البيع فهو أنه إن كان في المال ربح أجبر على البيع إلا أن يدفع للمالك رأس
ماله من حصته من الربح، وإن لم يكن في المال ربح لا يجبر، ولكن له أن يدفع للمالك رأسه ماله أو
يدفع له المتاع برأس ماله. هذا حاصل ما فهمته من عبارة المنح عن الذخيرة وهي عبارة معقدة، وقد
راجعت عبارة الذخيرة فوجدتها كما في المنح، وبقي ما إذا أراد المالك أن يمسك المتاع والمضارب يريد
بيعه وهو حادثة الفتوى، ويعلم جوابها مما مر قبيل الفصل من أنه لو عزله وعلم به والمال عروض باعها
وإن نهاه المالك، ولا يملك المالك فسخها ولا تخصيص الاذن لأنه عزل من وجه. قوله: (حصة الهبة)
225

لان هبة المشاع الذي يقبل القسمة غير صحيحة فيكون في ضمانه. قوله: (وهي الخ) ونقلها الفتال عن
الهندية. قوله: (تملك بالقبض) أقول: لا تنافي بين الملك بالقبض والضمان. سائحاني.
أقول: نص عليه في جامع الفصولين حيث قال رامزا لفتاوى الفضلي: الهبة الفاسدة تفيد الملك
بالقبض وبه يفتى، ثم إذا هلكت أفتيت بالرجوع للواهب هبة فاسدة لذي رحم محرم منه إذ الفاسدة
مضمونة، فإذا كانت مضمونة بالقيمة بعد الهلاك كانت مستحقة الرد قبل الهلاك اه‍ فتنبه.
فروع: سئل فيما إذا مات المضارب وعليه دين وكان مال المضاربة معروفا، فهل يكون رب المال
أحق برأس ماله وحصته من الربح؟ الجواب: نعم كما صرح به في الخانية والذخيرة البرهانية حامدية.
وفيها عن قارئ الهداية من باب القضاء في فتاواه: إذا ادعى أحد الشريكين خيانة في قدر معلوم
وأنكر حلف عليه، فإن حلف برئ وإن نكل ثبت ما ادعاه، وإن لم يعين مقدارا فكذا الحكم، لكن إذا
نكل عن اليمين لزمه أن يعين مقدار ما خان فيه والقول قوله: في مقداره مع يمينه، لان نكوله كإقرار
بشئ مجهول والبيان في مقداره إلى المقر مع يمينه إلا أن يقيم خصمه بينة على أكثر اه‍.
226

كتاب الايداع
قوله: (بغيبة الخ) قيد به، لان المالك لو كان حاضرا لم يضمن كما حققه المصنف. انظر
اليعقوبية. قال في المنح: إن الأمانة علم لما هو غير مضمون، فشمل جميع الصور التي لا ضمان فيها
كالعارية والمستأجرة والموصى بخدمته في يد الموصى له بها، والوديعة ما وضع للأمانة بالايجاب
والقبول فكانا متغايرين. واختاره صاحب النهاية وفي البحر، وحكمهما مختلف في بعض الصور، لأنه
في الوديعة يبرأ عن الضمان إذا عاد إلى الوفاق، وفي الأمانة لا يبرأ عن الضمان بعد الخلاف.
نكتة ذكرها في الهامش روي: أن زليخا لما ابتليت بالفقر وابيضت عيناها من الحزن على
يوسف عليه السلام جلست على قارعة الطريق في زي الفقراء، فمر بها يوسف عليه السلام فقامت تنادي: أيها
الملك اسمع كلامي، فوقف يوسف عليه السلام، فقالت: الأمانة أقامت المملوك مقام الملوك، والخيانة
أقامت الملوك مقام المملوك، فسأل عنها فقيل إنها زليخا فتزوجها رحمة عليها اه‍ زيلعي. قوله: (أو
كناية) المراد بها ما قابل الصريح مثل كنايات الطلاق لا البيانية. قوله: (لان الخ) التعليل في البحر
أيضا. قوله: (ولم يقل الخ) فلو قال لا أقبل الوديعة لا يضمن، إذ القبول عرفا لا يثبت عند الرد صريحا.
قال صاحب الفصولين: أقول دل هذا على أن البقار لا يصير مودعا في بقرة من بعثها إليه فقال
البقار للرسول اذهب بها إلى ربها فإني لا أقبلها فذهب بها، فينبغي أن لا يضمن البقار، وقد مر
خلافه. بقول الحقير قوله: ينبغي لا ينبغي، إذ الرسول لما أتى بها إليه خرج عن حكم الرسالة وصار
أجنبيا، فلما قال البقار ردها على مالكها صار كأنه ردها إلى أجنبي أو ردها مع أجنبي فلذا يضمن،
بخلاف مسألة الثوب. نور العين. وتمامه فيه.
وفيه أيضا عن الذخيرة: ولو قال لم أقبل حتى لم يصر مودعا وترك الثوب ربه وذهب فرفعه من
لم يقبل وأدخله بيته ينبغي أن يضمن، لأنه لما لم يثبت الايداع صار غاصبا برفعه. يقول الحقير: فيه
إشكال، وهو أن الغصب إزالة يد المالك ولم توجد، ورفعه الثوب لقصد النفع لا الضرر، بل ترك
المالك ثوبه إيداع ثان ورفع من لم يقبل قبول ضمنا، فالظاهر أنه لا يضمن والله تعالى أعلم اه‍. قوله:
(شيئا) فلو قال لا أقبل لا يكون مودعا، لان الدلالة لم توجد. بحر. وفيه عن الخلاصة: لو وضع
كتابه عند قوم فذهبوا وتركوه ضمنوا إذا ضاع، وإن قاموا واحدا بعد واحد ضمن الأخير لأنه تعين
للحفظ فتعين للضمان ا ه‍. فكل من الايجاب والقبول فيه غير صريح كمسألة الخاني الآتية قريبا.
227

فرع: في جامع الفصولين: لو أدخل دابته دار غير وأخرجها رب الدار لم يضمن، لأنها تضر
بالدار، ولو وجد دابة في مربطه فأخرجها ضمن. سائحاني. قوله: (كما لو سكت) أي فإنه قبول،
وبعد أن ذكر هذا في الهندية قال: وضع شيئا في بيته بغير أمره فلم يعلم حتى ضاع لا يضمن لعدم
التزام الحفظ. وضع عند آخر شيئا وقال احفظ فضاع لا يضمن لعدم التزام الحفظ ا ه‍. ويمكن التوفيق
بالقرينة الدالة على الرضا وعدمه. سائحاني. قوله: (من الثيابي) ولا يكون الحمامي مودعا ما دام الثيابي
حاضرا، فإن كان غائبا فالحمامي مودع. بحر. وفيه عن إجارات الخلاصة لبس ثوبا فظن الثيابي أنه
ثوبه، فإذا هو ثوب الغير ضمن هو الأصح: أي لأنه بترك السؤال والتفحص يكون مفرطا، فلا ينافي
ما يأتي من أن اشتراط الضمان على الأمين باطل. أفاده أبو السعود. قوله: (وهذا) أي اشتراط القبول
أيضا. قوله: (وإن لم يقبل) قد مر أن القبول صريح ودلالة فلعله هنا بمعنى الرد، أما لو سكت فهو
قبول دلالة. تأمل. قوله: (لاثبات اليد) قال بعض الفضلاء: فيه تسامح إذ المراد إثبات اليد بالفعل،
ولا يكفي قبول الاثبات كما أشار إليه في الدرر بقوله: وحفظ شئ بدون إثبات اليد عليه محال. تأمل
فتال. وأجاب عنه أبو السعود. قوله: (فلو أودع صبيا) قال الرملي في حاشية المنح: ويستثنى من إيداع
الصبي ما إذا أودع صبي محجور مثله وهي ملك غيرهما فللمالك تضمين الدافع والآخذ، كذا في
الفوائد الزينية. مدني. وانظر حاشية الفتال. قوله: (ضمن بعد عتقه) أي لو بالغا وإلا فلا ضمان.
فرع: قال في الهامش: لو احتاج إلى نقل العيال أو لم يكن له عيال فسافر بها لم يضمن، هذا لو
عين المكان، فلو لم يعين بأن قال احفظ هذا ولم يقل في مكان كذا فسافر به، فلو كان الطريق مخوفا
ضمن بالاجماع، وإلا لا عندنا، كالأب أو الوصي لو سافر بمال الصبي، وهذا إذا لم يكن حمل
ومؤنة. جامع الفصولين. فلو كان لها حمل ومؤنة وقد أمر بالحفظ مطلقا، فلو كان لا بد له من السفر
وقد عجز عن حفظه في المصر الذي أودعه فيه لم يضمن بالاجماع، فلو له بد من السفر فكذلك عند
أبي حنيفة رحمه الله قريبا وبعيدا، وعن أبي يوسف رحمه الله: ضمن لو بعيدا لا لو قريبا، وعن محمد:
ضمن في الحالين. جامع الفصولين. المودع بأجر ليس له أن يسافر بها لتعيين مكان العقد للحفظ.
جامع الفصولين. قوله: (عند الطلب) إلا في مسائل ستأتي. قوله: (بأجر) سيأتي أن الأجير المشترك
لا يضمن وإن شرك عليه الضمان، وأيضا قول المتن هنا واشتراط الخ يرد عليه، وهذا مع الشرط
فكيف مع عدمه. وفي البزازية: دفع إلى صاحب الحمام واستأجره وشرط عليه الضمان إذا تلف قد
ذكرنا أنه لا أثر له فيما علي الفتوى. سائحاني. وانظر حاشية الفتال، وقد يفرق بأنه هنا مستأجر على
228

الحفظ قصدا، بخلاف الأجير المشترك فإنه مستأجر على العمل. تأمل. قوله: (للزيلعي) ومثله في
النهاية والكفاية وكثير من الكتب. رملي على المنح. قوله: (غير المغل) أي الخائن. كذا في الهامش.
قوله: (كالحمامي) أي معلم الحمام، وأما من جرى العرف بأنه يأخذ في مقابلة حفظه أجرة يضمن
لأنه وديع بأجرة، لكن الفتوى على عدمه. سائحاني. قوله: (فلو دفعها) تفريع على قوله: أو
حكما. قوله: (لولده المميز) بشرط أن يكون قادرا على الحفظ. بحر عن الخلاصة. قوله: (ضمن)
أي بدفعها له، وكذا لو تركه في بيته الذي فيه ودائع الناس وذهب فضاعت ضمن. بحر عن
الخلاصة. قوله: (في عياله) الضمير في عياله الأخير يصح أن يرجع للعيال الأول وبه صرح
الشرنبلالي، ويصح أن يرجع إلى المودع وبه صرح المقدسي، وفيه لا يشترط في الأبوين كونهما في
عياله، وبه يفتى، ولو أودع غير عياله وأجاز المالك خرج من البين، ولو وضع في حرز غيره بلا
استئجار يضمن، ولو آجر بيتا من داره ودفعها: أي الوديعة إلى المستأجر: إن كان لكل منهما غلق
على حدة يضمن، وإن لم يكن وكل منهما يدخل على صاحبه من غيره حشمة لم يضمن، وفي سكوتهم
عن الدفع لعيال المودع إشارة إلى أنه لا يملكه، ونقل شيخنا اختلافا وترجيح الضمان. سائحاني.
وأراد بشيخنا أبا السعود.
فرع: لو قال ادفعها لمن شئت يوصلها إلي فدفعها إلى أمين فضاعت: قيل يضمن، وقيل لا
يضمن تاترخانية سائحاني.
فرع: حضرتها الوفاة فدفعت الوديعة إلى جارتها فهلكت عند الجارة، قال البلخي: إن لم يكن
بحضرتها عند الوفاة أحد ممن يكون في عياله لا يضمن، كما لو وقع الحريق في دار المودع له دفعها
لأجنبي. خانية. قوله: (وعليه الفتوى) ونقله في البحر عن النهاية وقال قبله: وظاهر المتون أن كون
الغير في عياله شرط، واختاره في الخلاصة. قوله: (وكان غالبا محيطا) وفي التاترخانية عن التتمة:
وسئل حميد الوبري عن مودع وقع الحريق ببيته، ولم ينقل الوديعة إلى مكان آخر إن مع تمكنه منه فتركها
حتى احترقت ضمن اه‍. ومثله ما لو تركها حتى أكلها العت كما يأتي في النظم. ذكر محمد في حريق
وقع في دار المودع فدفعها إلي أجنبي لم يضمن، فلو خرج من ذلك ولم يستردها ضمن. وتمامه في نور
229

العين. وفي جواهر الفتاوى: وإذا دفع الوديعة لآخر لعذر فلم يسترد عقب زواله فهلكت عند الثاني لا
يضمن، لان المودع يضمن بالدفع، ولما لم يضمن به للعذر لا يضمن بالترك، يدل عليه لو سلمها إلي
عياله وتركها عندهم لا يضمن للاذن، وكذا الدفع هنا مأذون فيه ا ه‍ ملخصا. قوله: (أو ألقاها) أي
في السفينة. قوله: (كلامي الخلاصة الخ) نص الخلاصة: إذا علم أنه وقع الحريق في بيته قبل قوله
وإلا فلا. وعبارة الهداية أنه لا يصدق إلا ببينة. قال في المنح: ويمكن حمل كلام الهداية على ما إذا
لم يعلم بوقوع الحريق في بيته، وبه يحصل التوفيق ومن ثم عولنا عليه في المختصر ح. قوله: (كوكيله)
في الخلاصة: المالك إذا طلب الوديعة فقال المودع لا يمكنني أن أحضرها الساعة فتركها وذهب: إن
تركها عن رضا فهلكت لا يضمن، لأنه لما ذهب فقد أنشأ الوديعة، وإن كان عن غير رضا يضمن.
ولو كان الذي طلب الوديعة وكيل المالك يضمن، لأنه ليس له إنشاء الوديعة، بخلاف المالك اه‍.
وهذا صريح في أنه يضمن بعدم الدفع إلى وكيل المالك كما لا يخفى.
وفي الفصول العمادية معزيا إلى الظهيرية: ورسول المودع إذا طلب الوديعة فقال لا
أدفع إلا للذي جاء بها ولم يدفع إلى رسول حتى هلكت ضمن، وذكر في فتاوى القاضي ظهير الدين هذه
المسألة، وأجاب نجم الدين أنه يضمن، وفيه نظير بدليل أن المودع إذا صدق من ادعى أنه وكيل بقبض
الوديعة، فإنه قال في الوكالة: لا يؤمر بدفع الوديعة إليه، ولكن لقائل أن يفرق بين الوكيل والرسول
لان الرسول ينطق على لسان المرسل، وإلا كذلك الوكيل. ألا ترى أنه لو عزل الوكيل قبل علم
الوكيل بالعزل لا يصح، ولو رجع عن الرسالة قبل علم الرسول صح. كذا في فتاواه اه‍ منح.
قال محشيه الرملي في حاشية البحر: ظاهر ما في الفصول أنه لا يضمن في مسألة الوكيل فهو
مخالف للخلاصة، ويتراءى لي التوفيق بحمل ما في الخلاصة على ما إذا قصد الوكيل إنشاء الوديعة عند
المودع بعد منعه ليدفع له في وقت آخر، وما في الفصول والتجنيس على ما إذا منع ليؤدي إلى المودع
بنفسه، ولذا في جوابه: لا أدفع إلا للذي جاء بها. وتمامه فيها. قوله: (كطلب الظالم) الظاهر أن
المراد بالظالم هنا المالك، لان الكلام في طلبه هو فما بعده مفرع عليه: أعني قوله: فلو كانت الخ
يدل عليه قول المصنف في المنح لما فيه من الإعانة على الظلم.
فرع: ذكره في الهامش: مرضت الدابة الوديعة فأمر المودع إنسانا فعالجها ضمن المالك أيهما
شاء، فلو ضمن المودع لا يرجع على المعالج، ولو ضمن المعالج يرجع على المودع علم أنها للغير أو
لا، إلا إن قال المودع ليست لي أو لم آمره بذلك فحينئذ لا يرجع. كذا في جامع الفصولين. قوله:
230

(المودع) بالفتح. قوله: (مجهلا) أما بتجهيل المالك فلا ضمان والقول للمودع بيمينه بلا شبهة. قال
الحانوتي: وهل من ذلك الزائد في الرهن على قدر الدين؟ اه‍.
أقول: الظاهر أنه منه لقولهم ما يضمن به الوديعة يضمن به الرهن، فإذا مات مجهلا يضمن ما
زاد وقد أفتيت به. رملي ملخصا. قوله: (فإنه يضمن قال في مجمع الفتاوى: المودع أو
المضارب أو المستعير أو المستبضع وكل من كان المال بيده أمانة إذا مات قبل البيان ولم تعرف الأمانة بعينها فإنه
يكون دينا عليه في تركته، لأنه صار مستهلكا للوديعة بالتجهيل، ومعنى موته مجهلا أن لا يبين حال
الأمانة كما في الأشباه. وقد سئل الشيخ عمر بن نجيم عما لو قال المريض عندي ورقة في الحانوت
لفلان ضمنها دراهم لا أعرف قدرها فمات ولم توجد، فأجاب بأنه من التجهيل لقوله في البدائع هو
أن يموت قبل البيان ولم تعرف الأمانة بعينها اه‍. قال بعض الفضلاء: وفيه تأمل، فتأمل ملخصا.
قوله: (إلا إذا علم) أي المجهل، وإذا قال الوارث ردها في حياته أو تلفت في حياته لم يصدق بلا
بينة، ولو برهن أن المودع قال في حياته رددتها يقبل. سائحاني. قوله: (عنده) أي عند المودع بالفتح
وادعى المالك هلاكها، والمقصود أن الوارث كالمودع بالفتح فيقبل قوله في الهلاك إذا فسرها فهو
مثله، إلا أنه خالفه في مسألة قال ربها مات المودع مجهلا وقال ورثته كانت قائمة يوم موته ومعروفة ثم
هلكت بعد موته صدق ربها هو الصحيح (1)، إذ الوديعة صارت دينا في التركة في الظاهر فلا يصدق
الورثة، ولو قال ورثته: ردها في حياته أو تلفت في حياته لا يصدقون بلا بينة لموته مجهلا، فتقرر
الضمان في التركة، ولو برهنوا أن المودع قال في حياته رددتها تقبل، إذ الثابت ببينة كالثابت بعيان.
جامع الفصولين عن الذخيرة. قوله: (إلا إذا الخ) استثناء من قوله: والمودع إذا دل ضمن قال ط
عن الخلاصة: المودع إنما يضمن إذا دل السارق على الوديعة إذا لم يمنعه من الاخذ حال الاخذ، فإن
منعه لم يضمن. قوله: (منعه) أي المودع السارق فأخذ كرها. فصولين. قوله: (سائر الأمانات) ومنها
الرهن إذا مات المرتهن مجهلا يضمن قيمة الرهن في تركته كما في الأنقروي: أي يضمن الزائد كما
قدمنا عن الرملي، وكذا الوكيل إذا مات مجهلا ما قبضه كما يؤخذ مما هنا، وبه أفتى الحامدي بعد
الخيري، وفي إجارة البزازية: المستأجر يضمن بالموت مجهلا. سائحاني. قوله: (بالموت) ويكون أسوة
للغرماء يبري على الأشباه. قوله: (ومفاوض) وكمرتهن أنقروي. كذا في الهامش. قوله: (على ما في
الأشباه) وعبارتها: الوصي إذا مات مجهلا فلا ضمان عليه كما في جامع الفصولين، والأب إذا مات

(1) قوله: (صدق ربها هو الصحيح) اي إذا لم تفسر الورثة الوديعة أما إذا فسروا فيصدقون ولا ضمان عليهم ا ه‍.
231

مجهلا مال ابنه، والوارث إذا مات مجهلا ما أودع عنه مورثه، وإذا مات مجهلا لما ألقته الريح في بيته أو
لما وضعه مالكه في بيته بغير علمه، وإذا مات الصبي مجهلا لما أودع عنده محجورا اه‍ ملخصا. فهي
سبعة (1) وذكر المصنف ثلاثة فهي عشرة. قوله: (أودع) عبارة الدرر قبض وهي أولى. تأمل. قوله: (
غلات الوقف) أقول: هكذا وقع مطلقا في الولوالجية والبزازية: وقيد قاضيخان بمتولي المسجد إذا
أخذ غلات المسجد ومات من غير بيان اه‍.
أقول: أما إذا كانت الغلة مستحقة لقوم بالشرط فيضمن مطلقا، بدليل اتفاق كلمتهم فيما إذا
كانت الدار وقفا على أخوين غاب أحدهما وقبض الآخر غلتها تسع سنين ثم مات الحاضر وترك وصيا
ثم حضر الغائب وطالب الوصي بنصيبه من الغلة، قال الفقيه أبو جعفر: إذا كان الحاضر الذي قبض
الغلة هو القيم إلا أن الأخوين (2) آجرا جميعا فكذلك، وإن آجر الحاضر كانت الغلة كلها له في
الحكم ولا يطيب له اه‍ كلامه.
أقول: ويلحق بغلة المسجد ما إذا شرط ترك شئ في يد الناظر للعمارة، والله تعالى أعلم.
بيري على الأشباه. قال الحقير: وهذا مستفاد من قولهم: غلات الوقف وما قبض في يد الوكيل ليس
غلة الوقف بل هو مال المستحقين بالشرط. قال في الأشباه من القول في الملك: وغلة الوقف يملكها
الموقوف عليه وإن لم يقبل اه‍ ملخصا من مجموعة منلا علي، آخر كتاب الوقف، نقل ذلك حيث سئل
عن وكيل المتولي إذا مات مجهلا هل يضمن.
قلت: وقد ذكر في البحر في باب دعوى الرجلين أن دعوى الغلة من قبيل دعوى الملك
فراجعه، وأشرنا إلينا ثم فراجعه، وبه علم أن إطلاق المصنف والشارح في محل التقييد ويفيده عبارة
أنفع الوسائل الآتية، فتنبه. قوله: (المصنف) أي في المنح. قوله: (ابنه) الشيخ صالح. قوله:
(بالفجأة) لعدم تمكنه من البيان فلم يكن حابسا ظلما.
قلت: هذا مسلم لو مات فجأة عقب القبض. تأمل. قوله: (في أنفع الوسائل) من أنه إن
حصل طلب المستحقين وأخر حتى مات مجهلا ضمن، وإن لم يطلبوا: فإن محمودا معروفا بالأمانة لا
يضمن، وإلا ولم يعطهم بلا مانع شرعي ضمن.
وحاصل الرد أنه مخالف لما عليه أهل المذهب من الضمان (3) مطلقا محمودا أو لا وأفتى في

(1) قوله: (فهي سبعة) فيه ان الذي ذكره ستة فقط فليحرر ذلك بمراجعة الأشياء ا ه‍. مصححه.
(2) قوله: (هو القيم الا ان الأخوين الخ) فيه سقط واصله على هذا الوقف كان الغائب ان يرجع في تركة الميت وأما إذا
لم يكن الحاضر هو القيم الا ان الخ ا ه‍.
(3) قوله: (من الضمان الخ) مبني على كلام البيري اي اطلاق ضمان غير المسجد وقد علمت خلافه ا ه‍.
232

الإسماعيلية بضمان الناظر إذا مات بعد ما طلب المستحق استحقاقه فمنعه منه ظلما، ووجهه ظاهر لان
الأمانة تضمن بالمنع. قوله: (ومنها قاض) لو قال القاضي في حياته ضاع مال اليتيم عندي أو قال
أنفقتها على اليتيم لا ضمان عليه، ولو مات قبل أن يقول شيئا كان ضامنا. خانية في الوقف. كذا في
الهامش. قوله: (ضمن) لعل وجه الضمان كونها لا تتخطى الورثة فالغرم بالغنم، ويظهر من هذا أن
الوصي إذا وضع مال اليتيم في بيته ومات مجهلا يضمن، لان ولايته قد تكون مستمدة من القاضي أو
الأب فضمانه بالأولى. وفي الخيرية وفي الوصي قول بالضمان. سائحاني. قوله: (وأقره) أي
الصواب. قوله: (محشوها) أي الأشباه. قوله: (تسعة) بإخراج أحد المفاوضين. قوله: (ووصية الخ)
داخل في قول الأشباه الوصي، إلا أن يقال حمله على وصي الأب لبيان التفصيل قصدا للإيضاح.
تأمل. قوله: (وستة من المحجورين) وهم ما عدا الصغير وإنما أسقطه لأنه مذكور في الأشباه، ومراده
الزيادة على ما في الأشباه، فافهم. قوله: (يشمل سبعة) لينظر الخارج من السبعة حتى صارت ستة.
قوله: (فإنه لصغر) مسألة الصغير من العشرة التي في الأشباه إلا أن يقال: عدها هنا باعتبار، قوله:
وإن بلغ ثم مات لا يضمن. تأمل، ثم ظهر لي أن مراده مجرد عد المحجورين سبعة، وأن مراده بستة
منهم ما عدا الصغير لأنه مذكور في الأشباه، ولذا قال: وستة من المحجورين. قوله: (ودين) بفتح
الدال وسكون الياء. قوله: (كصبي) لعله قصد بهذا التشبيه الإشارة إلى ما يأتي عن الوجيز. تأمل.
قال في تلخيص الجامع: أودع صبيا محجورا يعقل ابن اثنتي عشرة سنة ومات قبل بلوغه مجهلا لا يجب
الضمان س. قوله: (وإن بلغ) أي الصبي. قوله: (يحصر) أي يحفظ مفعوله العين قبله. قوله: (تصير)
بالبناء للمجهول. قوله: (مفاوض) خلاف المعتمد كما قدمه. قوله: (ومودع) بكسر الدال والمؤمر
بتشديد الميم الثانية. قوله: (لو ألقاه) بفتح الواو ووصلها باللام. قوله: (بها) أي بالدار. قوله: (يشعر)
233

تبع فيه صاحب الأشباه حيث قال: بغير علمه. واعترضه الحموي بأن الصواب: بغير أمره كما في
شرح الجامع، إذ يستحيل تجهيل ما لا يعلمه ا ه‍. فكان عليه أن يقول في النظم: ليس يأمر. قوله:
(كذا ولد) برفعه وتنوينه كجد. قوله: (وقاض) بحذف يائه وتنوينه. قوله: (وصيهم) برفعه. قوله:
(ومحجور) إن كان المراد من المحجور ستة كما قدمه يكن الموجود في النظم سبعة عشر. تأمل. قوله:
(فوارث) إذا مات مجهلا لما أخبره المورث به من الوديعة. قوله: (وكذا لو خلطها) ولو خلط المتولي ماله
بمال الوقف لم يضمن. وفي الخلاصة ضمن، وطريق خروجه من الضمان الصرف في حاجة المسجد
أو الدفع إلى الحاكم. منتقى. القاضي لو خلط مال صبي بماله لم يضمن، وكذا سمسار خلط مال رجل
بمال آخر، ولو بماله ضمن، وينبغي أن يكون المتولي كذلك، ولا يضمن الوصي بموته مجهلا ولو خلط
بماله ضمن يقول الحقير: وقد مر نقلا عن المنتقى أيضا أن الوصي لو خلط ماله بمال اليتيم لم يضمن.
وفي الوجيز أيضا: قال أبو يوسف: إذا خلط الوصي مال اليتيم بماله فضاع لا يضمن. نور العين أو
آخر السادس والعشرين بخط السائحاني عن الخيرية. وفي الوصي قول بالضمان ا ه‍. قلت: فأفاد
أن المرجح عدمه.
والحاصل: أن من لا يضمن بالخلط بماله المتولي والقاضي والسمسار بمال رجل آخر والوصي،
وينبغي أن الأب كذلك يؤيده ما في جامع الفصولين: لا يصير الأب غاصبا بأخذ مال ولده وله أخذه
بلا شئ لو محتاجا، وإلا فلو أخذه لحفظه فلا يضمن إلا إذا أتلفه بلا حاجة ا ه‍. بل هو أولى من
الوصي. تأمل والمراد بقوله: ولده الولد الصغير كما قيده في الفصول العمادية. قوله: (لا تتميز)
فلو كان يمكن الوصول إليه على وجه التيسير كخلط الجوز باللوز والدراهم السود بالبيض فإنه لا
ينقطع حق المالك إجماعا. واستفيد منه أن المراد بعدم التمييز عدمه على وجه التيسير لا عدم إمكانه
مطلقا. بحر. قوله: (لاستهلاكه) وإذا ضمنها ملكها، ولا تباح له قبل أداء الضمان، ولا سبيل
للمالك عليها عند أبي حنيفة، ولو أبرأه سقط حقه من العين والدين. بحر. قوله: (خلطه) أي الجيد.
قوله: (شريك) نقل نحوه المصنف عن المجتبى، ولعل (1) ذلك في غير الوديعة أو قول مقابل لما سبق
من أن الخلط في الوديعة يوجب الضمان مطلقا إذا كان لا يتميز ط. قوله: (لعدمه) أي التعيب المفهوم
من عيبه. قوله: (بغير صنعه) فإن هلك هلك من مالهما جميعا، ويقسم الباقي بينهما على قدر ما كان
لكل واحد منهما كالمال المشترك. بحر.

(1) قوله: (ولعل ذلك الخ) قال شيخنا: هو قولهما في الوديعة وغيرها، قالا إن الخلط موجب الشركة ما لم يوجب عيبا
في الأمانة ا ه‍.
234

قوله: (غير المودع) سواء كان أجنبيا أو من في عياله. بحر عن الخلاصة. قوله: (فرد مثله) ابن سماعة عن محمد في رجل أودع رجلا ألف درهم فاشتري بها
ودفعها ثم استردها بهبة أو شراء وردها إلى موضعها فضاعت لم يضمن: وروي عن محمد أو قضاها
غريمه بأمر صاحب الوديعة فوجدها زيوفا فردها على المودع فهلكت ضمن (1) تاترخانية. قوله: (الكل)
البعض بالانفاق والبعض بالخلط. س بحر. قوله: (التمييز) أي كخلط الدراهم السود بالبيض أو
الدراهم بالدنانير، فإنه لا يقطع حق المالك بالاجماع. مسكين س. قوله: (ولم يرد) بتشديد الدال.
قوله: (أو أودع) بضم الهمزة. قوله: (وهذا) مرتبط بقوله: أو أنفق ولم يرد كما في البحر. قال ط:
ولم أر فيما إذا فعل ذلك فيما يضره التبعيض هل يضمن الجميع أو ما أخذ ونقصان ما بقي، فيحرر.
قوله: (التبعيض) كالدراهم والدنانير والمكيل والموزون. قوله: (أشباه) عبارتها: أن المودع إذا تعدى ثم
زال التعدي ومن نيته أن يعود إليه لا يزول التعدي ا ه‍. كذا في الهامش. قوله: (من شروط النية)
وذكره هنا في البحر عن الظهيرية قال: حتى لو نزع ثوب الوديعة ليلا ومن عزمه أن يلبسه نهارا ثم
سرق ليلا لا يبرأ عن الضمان. قوله: (والمستأجر) مستأجر الدابة أو المستعير لو نوى أن لا يردها ثم
ندم: لو كان سائرا عند النية ضمن لو هلكت بعد النية، أما لو كان واقفا إذا ترك نية الخلاف عاد
أمينا. جامع الفصولين. قوله: (فلو أزالاه) أي التعدي. قوله: (بخلاف مودع الخ) ولو مأمورا بحفظ
شهر فمضى شهر ثم استعملها، ثم ترك الاستعمال وعاد إلى الحفظ ضمن إذا عاد والامر بالحفظ قد
زال. جامع الفصولين. قوله: (ووكيل) بأن استعمل ما وكل ببيعه ثم ترك وضاع لا يضمن. قوله:
(أو إجارة) بأن وكله ليؤجر أو يستأجر له دابة فركبها ثم ترك. قوله: (أو مفاوضة) أما شريك الملك
فإنه إذا تعدى ثم أزال التعدي لا يزول الضمان كما هو ظاهر لما تقرر أنه أجنبي في حصة شريكه، فلو
أعار دابة الشركة فتعدى ثم أزال التعدي لا يزول الضمان، ولو كانت في نوبته على وجه الحفظ فتعدى
ثم أزاله يزول الضمان، وهي واقعة الفتوى سئلت عنها فأجبت بما ذكرت وإن لم أرها في كلامهم
للعلم بها مما ذكر إذ هو مودع في هذه الحالة، وأما استعمالها بلا إذن الشريك فهي مسألة مقررة
مشهودة عندهم بالضمان ويصير غاصبا. رملي على المنح. قوله: (ومستعير لرهن) أي إذا استعار عبدا
ليرهنه أو دابة فاستخدم العبد وركب الدابة قبل أن يرهنها ثم رهنا بمال مثل القيمة ثم قضى المال ولم
يقبضها حتى هلكت عند المرتهن لا ضمان على الراهن. لأنه قد برئ عن الضمان حين رهنها. منح.

(1) قوله: (ضمن الخ) قال شيخنا وجهه انه لما قضاها غريمه بأمر صاحبها صار مستقرضا لها وخرجت عن ملك صاحبها
وانتقل الحق إلى الطمة وبردها لا يعود الحق فيها ا ه‍.
235

وهذه المسألة مستثناة من قوله: بخلاف المستعير كما في البحر. قوله: (ثم أزال) أي التعدي. قوله:
(في عودة للوفاق الخ) عبارة نور العين (1) عن مجمع الفتاوى وكل أمين خالف ثم عاد إلى الوفاق عاد
أمينا كما كان، إلا المستعير والمستأجر فإنهما بقيا ضامنين ا ه‍. وهي أولى. تدبر. قوله: (له) أي
للمالك. قوله: (للمودع) بفتح الدال لأنه ينفي الضمان عنه. قوله: (هبة الخ) أي أنه وهبها منه أو
باعها له. قوله: (بعد طلب) متعلق بجحوده. قوله: (ربها) أفاد في الخانية أن طلب امرأة الغائب
وجيران اليتيم من الوصي لينفق عليه من ماله كذلك. سائحاني، ومثله في التاترخانية. قوله: (وقت
الانكار) ظاهره أنه متعلق بنقلها وهو مستبعد الوقوع. وعبارة الخلاصة: وفي غصب الأجناس إنما
يضمن إذا نقلها عن موضعها الذي كانت فيه حال الجحود، وإن لم ينقلها وهلكت لا يضمن اه‍. وهو
ظاهر، وعليه فهو متعلق بقوله: مكانها وفي المنتقى: لو كانت العارية مما يحول يضمن بالانكار وإن
لم يحولها، وذكر شيخنا عن الشرنبلالية أنه لو جحدها ضمن ولو لم تحول، يؤيده قول البدائع إن العقد
ينفسخ بطلب المالك فقد عزل نفسه عن الحفظ فبقي مال الغير في يده بغير إذنه فيكون مضمونا، فإذا
هلك تقرر الضمان. سائحاني.
وفي التاترخانية عن الخانية: ذكر الناطفي: إذا جحد المودع الوديعة يحضره صاحبها يكون ذلك
فسخا للوديعة، حتى لو نقلها المودع من المكان الذي كانت فيه حالة الجحود يضمن، وإن لم ينقلها من
ذلك المكان بعد الجحود فهلكت لا يضمن اه‍. فتأمل. قوله: (خلاصة) لم يقتصر في الخلاصة على
هذا، بل نقله عن غصب الأجناس، ثم قال بعده: وفي المنتقي: إذا كانت الوديعة والعارية مما يحول
يضمن بالجحود وإن لم يحولها ا ه‍. وذكر الرملي الظاهر أنه: أي ما في الأجناس قول لم يظهر
لأصحاب المتون صحته فلم ينظروا إليه فراجع المطولات يظهر لك ذلك. قوله: (لمالكها) أو وكيله كما
في التاترخانية. قوله: (ولو جحدها الخ) ولو قال ليس له علي شئ ثم ادعى الرد أو الهلاك يصدق
، ولو قال لم يستودعني ثم ادعى الرد أو الهلاك لا يصدق بحر. وكأن وجه الأول أن علي للدين فلم
يكن منكرا للوديعة. تأمل.

(1) قوله: (عبارة نور العين الخ) محل هذه العبارة عند قول الشارح والحاصل ان الأمين الخ وقوله وهي أوفى لان قول
الشارح ثم أزال التعدي فيه شئ لأنه بعد مضي الزمن الذي تحقق فيه يستحيل ازالته واما قول صاحب مجمع الفتاوى
ثم عاد إلى الوفاق لا شئ فيه فكان أول ا ه‍.
236

وفي جامع الفصولين: طلبها ربها فقال اطلبها غدا فقال في الغد تلفت قبل قولي اطلبها غدا
ضمن لتناقضه لا بعده. طلبها فقال أعطيتكها ثم قال لم أعطكها ولكن تلفت ضمن ولم يصدق
التناقض. ثم قال: وكل فعل يغرم به المودع يغرم به المرتهن. قوله: (كما لو برهن الخ) هكذا نقله في
الخانية والخلاصة. ونقل في البحر عن الخلاصة أنه لا يصدق، لكن في عبارته سقط، ويدل عليه أن
الكلام في البينة لا في مجرد الدعوى، حتى يقال لا يصدق، وقد راجعت الخلاصة وكتبت السقط على
هامش البحر، فتنبه. قوله: (أني دفعتها) بفتح همزة أني وكسر نونها مشددة: أي عند الايداع.
قوله: (إن علم) الأصوب علمت: أي القسمة، ونقل في المنح قبله عن الخلاصة ضمان القيمة يوم
الايداع بدون تفصيل، لكنه متابع في النقل عن الخلاصة لصاحب البحر، وفيما نقله سقط فإن ما رأيته
في الخلاصة موافق لما في العمادية، فتنبه. قوله: (قيوم) بنصفه مضافا للإيداع. قوله: (جحد) أي قال
لرب المال لم تدفع إلي شيئا. قوله: (اشترى) يعني بعدما أقر ورجع عن الجحود بأن قال بلى قد دفعت
إلي، بخلاف ما لو أقر جحد الشراء فيضمن والمبتاع له. منح عن الخانية. قوله: (فإن له) بتسكين
النون. قوله: (وبأهله لا) وأجمعوا على أنه لو سافر بها في البحر يضمن. قال الأسبيجابي. كذا في
العيني. مدني. قوله: (مثليا أو قيميا) وخلافهما في الأول قياس على الدين المشترك. بحر. قوله: (لم
يجز) قدره بناء على ما سيأتي من أنه لو دفع لم يضمن، فلم يبق المراد بنفي الدفع إلا عدم الجواز،
وسيأتي ما فيه. وفي البحر: وأشار بقوله: لم يدفع إلى أنه لا يجوز له ذلك حتى لا يأمره القاضي
بدفع نصيبه إليه في قول أبي حنيفة، وأما أنه لو دفع لا يكون قسمة اتفاقا حتى إذا هلك الباقي (1) رجع
صاحبه على الآخذ بحصته وإلى أن لأحدهما أن يأخذ حصته منها إذا ظفر بها. قوله: (المودع) بفتح
الدال. قوله: (إلى أحدهما) أي أحد المودعين بكسر الدال. قوله: (في غيبة صاحبه) عند أبي حنيفة
رحمه الله، وهو مروي عن علي رضي الله عنه، وقالا له ذلك لأنه طلب نصيبه كما لو حضرا وبه
قالت الثلاثة، وإن كانت الوديعة من غير ذوات الأمثال ليس له ذلك إجماعا، قاله العيني. وفي الدرر:
قيل الخلاف في المثليات والقيميات معا، والصحيح أنه في المثليات فقط اه‍.
فتبين أن ما في المتن والشرح غير الصحيح المجمع عليه شيخنا القاضي عبد المنعم. مدني. قال

(1) قوله: (حتى إذا هلك الباقي الخ) واما هو هلك ما في يد الآخذ ليس له ان يشارك الغائب فيما بقي غاية البيان ا ه‍.
237

الفقير محمد البيطار: وأظن أن هذه القولة رجع عنها المؤلف، لأنه شطب عليها شطبا لا يظهر جدا،
ورأيتني أني لا أكتبها، لكن وقع في قلبي شئ فأحببت كتابتها والتنبيه عليها فأعلمه بالمراجعة. وفي
الهامش وفي الدر المنتقى: لو دفع المودع إلى الحاضر نصفها ثم هلك ما بقي وحضر الغائب، قال أبو
يوسف رحمة الله عليه: إن كان الدفع بقضاء فلا ضمان على أحد، وإن كان بغير قضاء، فإن الذي
حضر يتبع الدافع بنصف ما دفع ويرجع به الدافع على القابض وإن شاء أخذ من القابض نصف ما
قبض. كذا في الذخيرة: فتاوى الهندية من الباب الثاني في الوديعة. فأفاد أن المودع لو دفع الكل
لأحدهما بلا قضاء وضمنه الآخر حصته من ذلك فله الرجوع بما ضمنه على القابض اه‍. قوله: (هو
المختار) قال المقدسي: مخالف لما عليه الأئمة الأعيان، بل غالب المتون عليه متفقون. وقال الشيخ
قاسم: اختار النسفي قول الإمام والمحبوبي وصدر الشريعة. أبو السعود عن الحموي. قوله: (ضمن
الدافع) أي النصف فقط كما في الاصلاح وقوله: الدافع: أي لا القابض لأنه مودع المودع. بحر.
قوله: (لا بد منه) أشار إلى أنه لا بد أن تكون الوديعة مما يحفظ في يد من منعه، حتى لو كانت فرسا
منعه من دفعها إلى امرأته أو عقد جوهر منعه من دفعه إلى غلامه فدفع ضمن. بحر. قوله: (وإلا
ضمن) كما إذا كان ظهر البيت المنهي عنه إلى السكة. بحر. قوله: (فقط) أي في إيداع قصدي. قال
في جامع الفصولين: دخل الحمام ووضع دراهم الوديعة مع ثيابه بين يدي الثيابي، قال ح: ضمن
لإيداع المودع، وقال صط: لا يضمن لان الايداع ضمني، وإنما يضمن بإيداع قصدي ا ه‍. ولو أودع
بلا إذن ثم أجاز المالك خرج الأول من البين. بحر عن الخلاصة. قوله: (لم يصدق) لأنه أقر بوجوب
الضمان عليه ثم ادعى البراءة فلا يصدق إلا ببينة. جامع الفصولين. قوله: (وفي الغصب الخ) أي إذا
غصبت من الوديع فادعى الوديع الرد بصدق إذ لم يفعل الوديع ما يوجب الضمان، فهو على ما كان
أمين عند الرد وقبله وبعده، بخلاف دفعه للأجنبي لأنه موجب للضمان. سائحاني.
فرع: دفع إلى رجل ألف درهم وقال ادفعها إلى فلان بالري فمات الدافع فدفع المودع المال إلى
رجل ليدفعه إلى فلان بالري فأخذ في الطريق لا يضمن المودع لأنه وصي الميت (1)، فلو كان الدافع
حيا ضمن المودع لأنه وكيل، إلا أن يكون الآخر في عياله فلا يضمن حينئذ. خانية. برهن عليه أنه

(1) قوله: (لأنه وصي الميت) قال شيخنا: صريحه ان الوكيل يصير وصيا بموت الموكل ولو لم يقل الموكل في حياتي
وبعد وفاتي وهو مخالف لما تقدم في الوكالة من أنه لا يصير وصيا الا بالمقالة المذكورة فليحرر هذا الفرع ا ه‍.
238

دفعه إليه عشرة فقال دفعته إلي لأدفعه إلى فلان فدفعت يصح الدفع. بزازية من الدعوى. قوله: (على
الأول) في جامع الفصولين: ولو ضمن المعالج رجع على المودع علم أنها للغير أو لا، إلا إن قال
المودع ليست لي ولم أؤمر بذلك فحينئذ لا يرجع اه‍. تأمل.
فرع: لو قال وضعها بين يدي وقمت ونسيتها فضاعت يضمن، ولو قال وضعتها بين يدي في
داري والمسألة بحالها إن مما لا يحفظ في عرصة الدار كسرة النقدين يضمن، ولو كان مما تعد عرصتها
حصنا له لا يضمن. بزازية وخلاصة وفصولين وذخيرة وخانية. وظاهره أنه يجب حفظ كل شئ في
حرز مثله. تأمل. لكن تقدم في السرقة أن ظاهر المذهب كل ما كان حرزا لنوع فهو حرز لكل
الأنواع، فيقطع بسرقة لؤلؤة من إصطبل. تأمل. وقد يفرق بين الحرز في السرقة والحرز في الوديعة،
وذلك أن المعتبر في قطع السارق بتلك الحرز وذلك لا يتفاوت باعتبار المحرزات، والمعتبر في ضمان
المودع التقصير في الحفظ: ألا ترى أنه لو وضعها في داره الحصينة وخرج وكانت زوجته غير أمينة
يضمن، ولو أحد سرقها يقطع لان الدار حرز، وإنما ضمن للتقصير في الحفظ، ولو وضعها في الدار
وخرج والباب مفتوح ولم يكن في الدار أحد أو في الحمام أو المسجد أو الطريق أو نحو ذلك وغاب
يضمن مع أنه لا يقطع سارقها. ونظائر هذا كثيرة، فإذا اعتبرنا هنا الحرز المعتبر في السرقة لزم أن لا
يضمن في هذه المسائل ونحوها فيلزم مخالفة ما أطبقوا عليه في هذا الباب، فظهر يقينا صحة ما قلنا
من الفرق والله أعلم، وبه ظهر جواب حادثة: وهي أن مودعا وضع بقجة شال غالية الثمن في
إصطبل الخيل فسرقت. والجواب أنه يضمن وإن قطع سارقها، والله تعالى أعلم. قوله: (بخلاف مودع
الغاصب) والفرق بينهما على قول أبي حنيفة أن مودع الغاصب غاصب لعدم إذن المالك ابتداء وبقاء.
قوله: (درر) وجزم به في البحر. قوله: (فنكل عن الحلف) صور هذه المسألة ستة: أقر لهما
نكل لهما حلف لهما أقر لأحدهما ونكل للآخر أو حلف نكل لأحدهما وحلف للآخر. سائحاني. قوله: (ولو
حلف الخ) أشار إلى أن المودع يحلف إذا أنكر الايداع، كما إذا ادعى الرد أو الهلاك، إما لنفي التهمة
أو لانكاره الضمان وإلى أنه لو حلف لا شئ عليه لهما، وإلى أن للقاضي أن يبدأ بأيهما شاء والأولى
القرعة، وإلى أنه لو نكل للأول يحلف للثاني ولا يقضي بالنكول، بخلاف ما إذا أقر لأحدهما لان
الاقرار حجة بنفسه، وتمامه في البحر. قوله: (ونكل للآخر) في التحليف للثاني يقول بالله ما هذه
العين له ولا قيمتها، لأنه لما أقر بها للأول ثبت له الحق فيها فلا يفيد إقراره فيها للثاني، فلو اقتصر على
الأول لكان صادقا. بحر.
له على رجل دين فأرسل الدائن إلى مديونه رجلا ليقبضه فقال المديون دفعته إلى الرسول وقال
239

دفعته إلى الدائن وأنكر الدائن فالقول قول الرسول (1) مع يمينه. والذي في نور العين: فالقول للمرسل
بيمينه تأمل. قال الدائن ابعث الدين مع فلان فضاع من يد الرسول ضاع من المديون. بزازية. قوله:
(وضاعت) يعني غابت ولم تظهر ولا حاجة إليه. شيخنا. قوله: (على الأصح) مقتضاه أن الأجير
المشترك لا يضمن لكن أفتى الخير الرملي بالضمان، وعزاه في حاشية الفصولين إلى البزازية معللا بأنه
تضييع في زماننا. تأمل. قوله: (بخلاف الخ) هذا مخالف لما في جامع الفصولين ونور العين وغيرهما
من أنه لا يضمن، وهكذا في نسخة المنح، لكن لفظة لا ملحقة بين الأسطر وكأنها ساقطة من
النسخ فنقلها الشارح هكذا، فتنبه.
فرع: في الهامش وفي النوازل: مر بمال اليتيم على ظالم وخاف إن لم يهد إليه هدية أن يأخذه
كله لا يضمن، وكذا المضارب، والمشايخ أخذوا بهذا القول. أنقروي. وفي فتاوى النسفي: أنفق
الوصي على باب القاضي يضمن الأعطى على وجه الرشوة لا على وجه الإجارة إذا لم يزد على أجر
المثل. أنقروي ا ه‍. قوله: (فإنه يضمن) قاضيخان قال: وضعتها في داري فنسيت المكان لا يضمن،
ولو قال وضعتها في مكان حصين فنسيت الموضع ضمن، لأنه جهل الأمانة كما لو مات مجهلا صح.
وقيل لا يضمن كقوله: ذهبت ولا أدري كيف ذهبت، ولو قال دفنت في داري أو في موضع آخر
ضمن، ولو لم يبين مكان الدفن ولكنه قال سرقت من مكان دفنت فيه لم يضمن، ولو دفنها في الأرض
يبرأ لو جعل هنالك علامة وإلا فلا، وفي المفازة ضمن مطلقا، ولو دفنها في الكرم يبرأ لو حصينا بأن
كان له باب مغلق، ولو وضعها بلا دفن برئ لو موضعا لا يدخل فيه أحد بلا إذن. توجهت
اللصوص نحوه في مفازة فدفنها حذرا فلما رجع لم يظفر بمحل دفنه، لو أمكنه أن يجعل فيه علامة ولم
يفعل ضمن، وكذا لو أمكنه العود قريبا بعد زوال الخوف فلم يعد ثم جاء ولم يجدها لا لو دفنها بإذن
ربها فظاهر (2) وضعها في زمان القنية في بيت خراب ضمن لو وضعها على الأرض لا لو دفنها. نور

(1) قوله: (فالقول قول الرسول) اي في حق براءة نفسه لا في براءة ذمة المديون إذ لو قبلنا قوله حتى في براءة ذمة
المديةن لزم ايجاب دين على الدائن بمجرد قول الرسول لما ان الديون تقضى بأمثالها وقوله فالقول للمرسل اي في
بقاء دينه على الدائن ومثل هذا كثير في الفروع. ا ه‍.
(2) قوله: (فظاهر) هكذا في نسخة المجموع منها ولعل صوابه فضاعفت تأمل ا ه‍. مصححه.
240

العين. قوله: (ماله كله) أما لو خاف أخذ ماله ويبقى قدر الكفاية يضمن. فصولين. قوله: (ولو أنفق
الخ) ولو لم ينفق عليها المودع بالفتح حتى هلكت يضمن لكن نفقتها على المودع بالكسر منلا علي
حاوي الزاهدي. قوله: (على المنارة) فيما لو كانت المنارة وديعة. قوله: (أبدا) أي ما لم يقر الوارث
بالأداء. قوله: (إلى الوارث) ظاهرة سواء كان الدين مستغرقا لما دفعه أو لا، وسواء كان الدين
مستغرقا أو لا، والظاهر أن يقيد عدم البراءة بما إذا كان الدين مستغرقا لما دفعه والوارث غيره مؤتمن
كما قيده بهما في المودع إذا دفع الوديعة للوارث. حموي. قوله: (وديعة العبد) تاجرا كان أو محجورا
عليه دين أو لا، وهذا إن لم يعلم أن الوديعة كسب العبد، فلو علم فله أخذها، وكذا لو علم أنها
للمولى. تاترخانية. قوله: (قلت) القول لصاحب الأشباه. قال في الهامش. قوله: (مقرضا) أي
نصفه. قوله: (ومقارضا) أي مضاربا نصفه. كذا في الهامش. قوله: (وربح) مضبوط بالقلم (2) بفتح
الراء. قوله: (قراضا) أي مضاربة. كذا في الهامش. قوله: (فالقول قوله) أي قول رب المال. قال في
الهامش: وإذا أقام البينة فالبينة بينة العامل، وأن هلك المال في يد المضارب بعد ما اختلفا فالعامل
ضامن جميع ما في يده لرب المال عمل أو لم يعمل. شرح وهبانية لابن الشحنة. قوله: (يضمن

(2) قوله: (مضبوط بالقلم الخ) فيه توقف فليتأمل ا ه‍.
241

المتأخر) مفهومه أنهم إذا قاموا جملة ضمنوا، وبه صرج قاضيخان، ويظهر لي أن كل ما لا يقسم
كذلك. سائحاني. قال في الهامش: ولو ترك واحد لقوم وديعة وقام الكل دفعة وتركوها ولم يأخذها
منهم ضمنها الكل، ابن الشحنة. قوله: (فعث) بالمثلة. قوله: (ولم يعلم الخ) الواو بمعنى أو
وبضم ياء يعلم. كذا في الهامش. قوله: (وينبغي) البحث للطرسوسي حيث قال: وينبغي أن يكون
فيها التفصيل، لان الامر دائر بين الاعلام للمودع أو السد بدونه، وهو موجود وارتضاه. ابن الشحنة
وأقره الشرنبلالي.
فروع ربطها في طرف كمه أو عمامته أو شدها في منديل، ووضعه في كمه أو ألقاها في
جيبه، ولم تقع فيه وهو يظن أنها وقعت فيه لا يضمن.
خرج وترك الباب مفتوحا ضمن لو لم يكن في الدار أحد ولم يكن في مكان يسمع حس
الداخل:
جعلها في الكرم، فلو له حائط بحيث لا يرى المارة ما في الكرم لا يضمن إذا أغلق الباب،
وإلا ضمن.
سوقي قام إلى الصلاة وفيه ودائع (1) لم يضمن إذ جيرانه يحفظونه وليس بإيداع المودع لكنه مودع لم
يضيع، وذكر الشارح (2) ما يدل على الضمان، فليتأمل عند الفتوى. جامع الفصولين: وفي البزازية:
والحاصل أن العبرة للعرف اه‍. غاب رب الوديعة ولا يدري أهو حي أم ميت يمسكها حتى يعلم موته ولا يتصدق بها، بخلاف
اللقطة، وإن أنفق عليها بلا أم القاضي فهو متطوع، ويسأله القاضي البينة على كونها وديعة عنده،
وعلى كون المالك غائبا، فإن برهن: فلو مما يؤجر وينفق عليها من غلتها أمره به، أو لا يأمره بالاتفاق
يوما أو يومين أو ثلاثة رجاء أن يحضر المالك لا أكثر، بل يأمره بالبيع وإمساك الثمن، وإن أمره بالبيع
ابتداء فلصاحبها الرجوع عليه به إذا حضر، لكن في الدابة يرجع بقدر القيمة لا بالزيادة، وفي العبد
بالزيادة على القيمة بالغة ما بلغت، ولو اجتمع من ألبانها شئ كثير أو كانت أرضا فأثمرت وخاف
فساده فباعه لأمر القاضي، فلو في المصر أو في موضع يتوصل إلى القاضي قبل أن يفسد ذلك ضمن.
تاترخانية من العاشر في المتفرقات.
تتمة: في ضمان المودع بالكسر في قاضيخان: مودع جعل في ثياب الوديعة ثوبا لنفسه فدفعها إلى
ربها ونسي ثوبه فيها فضاع عنده ضمنه، لأنه أخذ ثوب الغير بلا إذنه، والجهل فيه لا يكون عذرا. قال
في نور العين: وينبغي أن تقيد المسألة بما لو كان غير عالم ثم علم بذلك وضاع عنده، وإلا فلا سبب
للضمان أصلا، فالظاهر أن قوله: والجهل فيه لا يكون عذرا ليس على إطلاقه، والله أعلم اه‍ ملخصا.

(1) قوله: (وفيه ودائع) هكذا بالأصل، ولعله عنده ودائع وفي حانوته مثلا وليحرر ا ه‍. مصححه.
(2) قوله: (وذكر الشارح الخ) صوابه وذكر صش وهو رمز للصدر الشهيد تأمل. ا ه‍.
242

كتاب العارية
قوله: (مشددة) كأنها منسوبة إلى العار لان طلبها عار وعيب. صحاح. ورده في النهاية بأنه (ص)
باشر الاستعارة، فلو كان العار في طلبها لما باشرها، وقوله: على ما في المغرب (1) من أنها اسم من
الإعارة وأخذها من العار العيب خطأ اه‍ وفي المبسوط: من التعاور وهو التناوب كما في البحر
وتخفف. قال الجوهري: منسوبة إلى العار، ورده الراغب بأن العار يأتي والعارية واوي وفي المبسوط:
إنها من العرية: تمليك الثمار بلا عوض ورده المطرزي لأنه يقال استعاره منه فأعاره واستعار الشئ
على حذف من الصواب أن المنسوب إليه العارة اسم من الإعارة، ويجوز أن تكون من التعاور التناوب.
قهستاني ملخصا. قوله: (تمليك) فيه رد على الرخي القائل بأنها إباحة وليست بتمليك، ويشهد له
انعقادها بلفظ التمليك، وجواز أن يعير مالا يختلف بالمستعمل، والمباح له لا يبيح لغيره وانعقادها بلفظ
الإباحة لأنه استعير للتمليك. بحر. قوله: (ولو فعلا) أي كالتعاطي في القهستاني، وهذا مبالغة على
القبول، وأما الايجاب فلا يصح به، وعليه يتفرع ما سيأتي قريبا من قول المولى خذه واستخدمه.
والظاهر أن هذا هو المراد بما نقل عن الهندية، وركنها الايجاب من المعير، وأما القبول من المستعير
فليس بشرط عند أصحابنا الثلاثة. ا ه‍ أي القبول صريحا غير شرط بخلاف الايجاب، ولهذا قال في
التاترخانية: إن الإعارة لا تثبت بالسكوت ا ه‍. وإلا لزم أن لا يكون أخذها قبولا. قوله: (بجواز
إعارة المشاع) إعارة الجزء الشائع تصح كيفما كان في التي تحتمل القسمة أو لا تحتملها من شريك أو
أجنبي، وكذا إعارة الشئ من اثنين أجمل أو فصل بالتصنيف أو بالأثلاث. قنية. قوله: (وبيعه) وكذا
إقراضه كما مر، وكذا من الشريك لا الأجنبي، وكذا وقفه عند أبي يوسف خلافا لمحمد فيما
يحتمل القسمة وإلا فجائز. وتمامه في أوائل هبة البحر فراجعه. قوله: (لان جهالة
الخ) أفاد أن الجهالة لا تفسدها قال في البحر: والمراد بالجهالة: جهالة المنافع المملكة لا جهالة العين المستعارة، بدليل ما في

(1) قوله: (على ما في المغرب الخ) لم يظهر لي مرجع الضمير على أن العبارة كلها لا تخلو عن نظر فالاوصح عبارة
المصباح ونصه بعد أن قال: وتعاوروا الشئ واعتوروه تداولوه والعارية من ذلك والأصل فعلية بفتح العين. قال
الأزهري نسبة إلى العارة وهي اسم من الإعارة يقال أعرته الشئ إعارة وعارة مثل أطعته إطاعة وطاعة وأجبته إجابة
وجابة. وقال الليث: سميت عارية لأنها عار على طلبها. وقال الجوهري مثله وبعضهم يقول مأخوذ من عار الفرس
إذا ذهب من صاحبه لخروجها من يد صاحبها وهما غلط لان العارية من الواو لان العرب يقولون هم يتعاورون
العواري في الشعر والجمع العواري بالتخفيف وبالتشديد على الأصل انتهت عبارته ا ه‍. مصححه.
243

الخلاصة: لو استعار من آخر حمارا فقال ذلك الرجل لي حماران في الإصطبل فخذ أحدهما وأذهب
فأخذ أحدهما وذهب به يضمن إذا هلك، ولو قال خذ أحدهما أيهما شئت لا يضمن. قوله: (للجهالة)
وفي بعض النسح للمنازعة. قوله: (لأنه وديعة) أي أباح له بها الانتفاع. قوله: (لأنه صريح) أي
حقيقة. قال قاضي زاده: الصريح عند علماء الأصول ما انكشف المراد منه في نفسه فيتناول الحقيقة
غير المهجورة والمجاز المتعارف ا ه‍. فالأول أعرتك والثاني أطعمتك أرضي ط. قوله: (لأنه صريح)
هذا ظاهر في منحتك، أما حملتك فقال الزيلعي: إنه مستعمل فيهما يقال حمل فلان فلانا على دابته يراد
به الهبة تارة والعارية أخرى، فإذا نوى أحدهما صحت نيته، وإن لم تكن له نية حمل على الأدنى كي لا
يلزمه الاعلى بالشك ا ه‍. وهذا يدل على أنه من المشترك بينهما، لكن إنما أريد به العارية عند التجرد
عن النية لئلا يلزمه الاعلى بالشك ط. وانظر ما كتبناه على البحر عن الكفاية ففيه الكفاية. قوله: (بها)
أي بالنية. قوله: (شهرا) فلو لم يقل شهرا لا يكون إعارة. بحر عن الخانية: أي بل إجارة فاسدة،
وقد قيل بخلافه. تاترخانية. وينبغي هذا لأنه إذا لم يصرح بالمدة ولا بالعوض، فأولى أن يكون إعارة
من جعله مع التصريح بالمدة دون العوض. شيخنا. ونقل الرملي في حاشية البحر عن إجارة
البزازية: لا تنعقد الإعارة بالإجارة، حتى لو قال آجرتك منافعها سنة بلا عوض تكون إجارة فاسدة
لا عارية ا ه‍. قال: فتأمله مع هذا. قوله: (مجانا) أي بلا عوض. قوله: (مدة عمرك) هذا وجه آخر
ذكره القهستاني وهو كون عمري ظرفا. قوله: (ولو مؤقتة) ولكن يكره قبل تمام الوقت، لان فيه خلف
الوعد. ابن كمال.
أقول: من هنا تعلم أن خلف الوعد مكروه لا حرام. وفي الذخيرة: يكره تنزيها لأنه خلف
الوعد ويستحب الوفاء بالعهد. سائحاني. قوله: (فتبطل) أي بالرجوع. قوله: (فله أجر المثل) أي
للمعير والأولى فعليه: أي على المستعير. قوله: (للقنية) لم أجده في القنية في هذا المحل. قوله: (وقت
البيع) أي إلا إذا شرط البائع وقت البيع بقاء الجذوع والوارث في هذا بمنزله المشتري، إلا أن للوارث
244

أن يأمره برفع البناء على كل حال كما في الهندية. ومنه يعلم أن من أذن لاحد ورثته ببناء محل في داره
ثم مات فلباقي الورثة مطالبته برفعه إن لم تقع القسمة أو لم يخرج في قسمه.
وفي جامع الفصولين: استعار دارا فبنى فيها بلا أم المالك أو قال له ابن لنفسك ثم باع الدار
بحقوقها يؤمر الباني بهدم بنائه، وإذا فرط في الرد بعد الطلب مع التمكن منه ضمن. سائحاني. قال
في الهامش: وسيأتي مسألة من بنى في دار زوجته في شتى الوصايا وفيه زيادة مسألة السرداب على
الجذوع فقال رجل وضع جذوعه على حائط جاره بإذن الجار أو حفر سردابا في داره بإذن الجار ثم باع
الجار داره وأراد المشتري أن يرفع جذوعه وسردابه كان للمشتري ذلك، إلا إذا كان البائع شرط في
البيع بقاء الجذوع والسرداب تحت الدار، فحينئذ لا يكون للمشتري أن يطالبه برفع ذلك. وتمامه في
الخانية في فصل ما يتضرر به الجار ا ه‍. قوله: (وبالقيل الخ) وأفتى به في الخيرية. كذا في الهامش.
قوله: (في الخلاصة) وكذا في الخانية كما قدمنا عبارته قبيل دعوى النسب. قوله: (ولا تضمن) هذا
إذا لم يتبين أنها مستحقة للغير، فإن ظهر استحقاقها ضمنها، ولا رجوع به على المعير لأنه متبرع،
وللمستحق أن يضمن المعير، وإذا ضمنه لا رجوع له على المستعير، بخلاف المودع إذا ضمنها
للمستحق حيث يرجع على المودع لأنه عامل له. بحر. قوله: (بالهلاك) هذا إذا كانت مطلقة، فلو
مقيدة كأن يعيره يوما فلو لم يردها بعد مضيه ضمن إذا هلكت كما في شرح المجمع وهو المختار كما
في العمادية اه‍. قال في الشرنبلالية: سواء استعملها بعد الوقت أو لا. وذكر صاحب المحيط وشيخ
الاسلام: إنما يضمن إذا انتفع بعد مضي الوقت لأنه حينئذ يصير غاضبا. أبو السعود. قوله:
(للجوهرة) حيث جزم فيها بصيرورتها مضمونة بشرط الضمان، ولم يقل في رواية مع أن فيها روايتين
كما يؤخذ من عبارة الزيلعي س. قوله: (على المختار) فإنها تعار. أشباه. قال محشيها: إذا كان مما لا
يختلف بالاستعمال كالسكنى والحمل والزراعة وإن شرط أن ينتفع هو بنفسه، لان التقييد بما لا يختلف
غير مفيد كما في شروح المجمع س. وفي البحر: وله يعني المستعير أن يودع على المفتى به وهو
المختار، وصحح بعضهم عدمه ويتفرع عليه ما لو أرسلها على يد أجنبي فهلكت ضمن على الثاني لا
الأول، وسيأتي قريبا اه‍. قوله: (وأما المستأجر) في وديعة البحر عن الخلاصة: والوديعة لا تودع
ولا تعار ولا تؤجر ولا ترهن، والمستأجر يؤاجر ويعار ويودع، ولم يذكر حكم الرهن، وينبغي الخ. وفي
قول الخلاصة وينبغي الخ كلام كتباه في هامش البحر. قوله: (ويودع) لكن الأجير المشترك يضمن
بإيداع ما تحت يده لقول الفصولين: ولو أودع الدلال ضمن. سائحاني. قوله: (لا يملكه) بتشديد اللام
245

وابتداء البيت الثاني من نون دون. قوله: (ومؤجر) بفتح الجيم. قوله: (فيها) أي الإعارة والإجارة،
وهذا لو قيد بلبسه ركوبه، وإلا فقد مر ويأتي أنه يعير ما يختلف لو لم يقيد بلابس وراكب. سائحاني.
الوكيل لا يوكل والمستعير للبس أو ركوب ليس أن يعير لمن يختلف استعماله، والمستأجر ليس له أن
يؤجر لغيره مركوبا كان أو ملبوسا إلا بإذن. قوله: (ومستودع) بفتح الدال. قوله: (ضمنه المعير)
بتشديد ميم ضمنه مبينا للفاعل والمعير فاعل والضمير في ضمنه راجع للمستعير. قوله: (على أحد)
عبارة مسكين: على المتأجر، وهكذا أقره القهستاني، وقال: فلا فائدة في النكرة العامة. قال أبو
السعود: وتعقبه شيخنا بأن سلب الفائدة منوع لجواز كون قيمة الرهن عشرين وكان رهنا بعشرة فلا
يرجع بالزائد على المرتهن. قوله: (المستأجر) مفعول ضمن هكذا مضبوط بالقلم. قوله: (عن المرتهن)
قال في الشرنبلالية: وسكت عما لو ضمن المرتهن فينظر حكمه، قال شيخنا: حكم المرتهن في هذه
الصورة حكم الغاضب كما ذكره نوح أفندي، لأنه قبض مال الغير بلا إذنه ورضاه فيكون للمعير
تضمينه، وبأداء الضمان يكون الرهن هالكا على ملك مرتهنه، ولا رجوع له على الراهن المستعير بما
ضمن لما علمت من كونه غاضبا ويرجع بدينه ا ه‍. وتقييده بقوله: ولا رجوع له على الراهن المستعير
للاحتراز عما لو كان الراهن مرتهنا فإنه يرجع على الأول. أبو السعود. وهذا ما ذكره الشارح بقوله:
وفي شرح الوهبانية الخ فليس بيانا لما سكت عنه المصنف كما يوهمه كلامه بل بيان لفائدة أخرى.
تأمل. قوله: (وفي شرح الخ) ظاهره أنه بيان لما سكت عنه المصنف مع أنه ليس من قبيلة، لان الكلام
في المستعير إذا آجر أو رهن. قوله: (أن يرهن) أي بدون إذن الراهن شرح وهبانية، كذا في الهامش.
قوله: (ويرجع الثاني) أي إن ضمن، وإن ضمن الأول لا يرجع على أحد. ابن الشحنة، كذا في
الهامش. قوله: (إن لم يعين) أي بأن نص على الاطلاق كما سنذكره قريبا، كما لو استعار دابة
للركوب أو ثوبا للبس له أن يعيرهما، ويكون ذلك تعيينا للراكب واللابس، فإن ركب هو بعد ذلك،
قال الإمام علي البزدوي: يكون ضامنا، وقال السرخسي وخواهر زاده: لا يضمن. كذا في فتاوى
قاضيخان. وصحح الأول في الكافي. بجر وسيأتي. قوله: (وإن اختلف) أي إن عين منتفعا واختلف
استعماله لا يعير للتفاوت، قالوا: الركوب واللبس مما اختلف استعماله، والحمل على الدابة
246

والاستخدام والسكنى مما لا يختلف استعماله. أبو الطيب مدني. قوله: (المؤجر) بالفتح: أي إذا آجر
شيئا فإن لم يعين من ينتفع به فللمستأجر أن يعيره سواء اختلف استعماله أو لا وإن عين يعير ما لا
يختلف استعماله لا ما اختلف. منح. قوله: (أو استأجرها) فله الحمل في أي وقت وأي نوع شاء.
باقاني كذا في الهامش. قوله: (مطلقا) أقول: الظاهر أنه أراد بالاطلاق عدم التقييد بمنتفع معين، لأنه
سيذكر الاطلاق في الوقت والنوع وإلا لزم التكرار. تأمل. قوله: (بلا تقييد) قال في التبيين: ينبغي
أن يحمل هذا الاطلاق الذي ذكره هنا فيما يختلف باختلاف المستعمل كاللبس والركوب والزراعة على
ما إذا قال على أن أركب عليها من أشاء، كما حمل الاطلاق الذي ذكره في الإجارة على هذا اه‍. وأقره
في الشرنبلالية، فما أوهمه قول المؤلف بلا تقييد بالنظر لما يختلف لا يتم ط.
قلت: فعلى هذا يحمل قول المصنف سابقا إن لم يعين بالنسبة للمختلف على ما إذا نص على
الاطلاق لا على ما يشمل السكوت، لكن في الهداية: لو استعار دابة ولم يسم شيئا له أن يحمل ويعير
غيره للحمل ويركب غيره الخ، فراجعها. قوله: (يحمل ما شاء) أي من أي نوع كان لا الحمل فوق
طاقتها، كما لو سلك طريقا لا يسلكه الناس في حاجة إلى ذلك المكان ضمن، إذا مطلق الاذن
ينصرف المعارف، وليس من المتعارف الحمل فوق طاقتها، والتنظير في ذلك والتعليل في جامع
الفصولين، وسيأتي في الإجارة مثله في المتن. كذا في الهامش. قوله: (ويركب) بفتح أوله وضمه.
سائحاني. قوله: (أولا) بفتح الهمزة وتشديد الواو. قوله: (بغيره) أي فيما يختلف بالمستعمل كما يفيده
السياق واللحاق. سائحاني. وقدمنا عن الزيلعي أنه ينبغي تقييد عدم الضمان فيما يختلف بما إذا اطلق
الانتفاع، فافهم. قوله: (انتفع) فلو لم يسم موضعا ليس له إخراجها من الفصولين. قوله: (أو بهما)
فتتقيد من حيث الوقت كيفما كان، وكذا من حيث الانتفاع فيما يختلف باختلاف المستعمل، وفيما لا
يختلف لا تتقيد لعدم الفائدة كما مر، ولم يذكر التقييد بالمكان، لكن أشار إليه الشارح في الآخر.
وذكره المصنف قبل قوله: ولا تؤجر فقال: استعار دابة ليركبها في حاجة إلى ناحية سماها فأخرجها
إلى النهر ليسقيها في غير تلك الناحية ضمن إذا هلكت، وكذا إذا استعار ثورا ليركب أرضه فكرب
أرضا أخرى يضمن، وكذا إذا قرنه بثور أعلى منه لم تجر العادة به. وفي البدائع: اختلفا في الأيام أو
المكان أو ما يحمل فالقول للمعير بيمينه. سائحاني. استعارها شهرا فهو على المصر، وكذا في إعارة
خادم وإجارته وموصى له بخدمته. فصولين. قوله: (قرض) أي إقراض، لان العارية بمعنى الإعارة
كما مر وهي التمليك. وتمامه في العزمية. قوله: (حتى الخ) تفريع على مفهوم قوله: عند الاطلاق.
247

قوله: (ليعير) بتشديد الياء الثانية، الأصل عاير والجوهري نهى أن يقال عير. يعقوبية. قوله: (أو
يزين) بتشديد الياء الثانية. قوله: (كان عارية) لأنه عين الانتفاع، وإنما تكون قرضا عند الاطلاع كما
تقدم. قوله: (فقرض) فعليه مثلها أو قيمتها. منح. قوله: (ونصح عارية السهم) أي ليغزو دار الحرب
لأنه يمكن الانتفاع به في الحال وإنه يحتمل عوده إليه برمي الكفرة بعد ذلك. منح عن الصيرفية.
ونقل عنها قبل هذا أنه إن استعار سهما ليغزو دار الحرب لا يصح، وإن استعار ليرمي الهدف صح،
فإنه في الأول لا يمكن الانتفاع بعين السهم إلا بالاستهلاك، وكل عارية كذلك تكون قرضا لا عارية
اه‍. قوله: (ولا يضمن) عبارة الصيرفية كما في المنح قال: هو يصح عارية السلاح، وذكر في السهم
أنه يضمن كالقرض، لان الرمي يجري مجرى الهلاك، وهذه النسخة التي نقلت منها نسخة مصححة
عليها خطوط بعض العلماء، وكان في الأصل مكتوبا: لا يضمن، فحك منها لفظة لا ويدل عليه
تنظيره بقوله: كالقرض، ولكن كان الظاهر على هذا أن يقال في التعليل: لان الرمي يجري مجرى
الاستهلاك، فتعبيره بالهلاك يقتضي عدم الضمان، فتأمل وراجع. قوله: (للعلم) تأمل في هذا
التعليل: استعار رقعة يرقع بها قميصه أو خشبة يدخلها في بنائه أو آجرة فهو ضامن لأنه قرض، إلا
إذا قال لأردها عليك فهي عارية. تاترخانية. قوله: (مقلوعين) أو يأخذ المستعير غراسه وبناءه بلا
تضمين المعير. هداية. وذكر الحاكم أن له أن يضمن المعير قيمتها قائمين في الحال ويكونان له، وأن
يرفعهما إلا إذا كان الرفع مضرا بالأرض، فحينئذ يكون الخيار للمعير كما في الهداية، وفيه رمز إلى
أن لا ضمان في العارية المطلقة. وعنه أن عليه القيمة، وإلى أن لا ضمان في الموقتة بعد انقضاء
الوقت، فيقلع المعير البناء والغرس إلا أن يضر القلع، فحينئذ يضمن قيمتها مقلوعين لا قائمين كما
في المحيط. قهستاني. كذا في الهامش. قوله: (ما نقص البناء) هذا مشى عليه في الكنز والهداية.
وذكر في البحر عن المحيط ضمان القيمة قائما إلا أن يقلعه المستعير ولا ضرر، فإن ضر فضمان القيمة
مقلوعا، وعبارة المجمع: وألزمناه الضمان فقيل ما نقصهما القلع، وقيل قيمتها، ويملكهما، وقيل
إن ضر يخير المالك: يعني المعير يخير بين ضمان ما نقص وضمان القيمة، ومثله في درر البحار
والمواهب والملتقى، وكلهم قدموا الأول وبعضهم جزم به وعبر عن غيره بقيل، فلذا اختار المصنف،
وهي رواية القدوري، والثاني رواية الحاكم الشهيد كما في غرر الأفكار. قوله: (قائما) فلو قيمته قائما
في الحال أربعة وفي المآل عشرة ضمن ستة، شرح الملتقي. قوله: (المضروبة) فيضمن ما نقص عنها.
قوله: (القيمة) أي ابتداؤها. قوله: (وقتها) بتشديد القاف. قوله: (فتترك الخ) نص في البرهان على
أن الترك بأجر استحسان، ثم قال عن المبسوط: ولم يبين في الكتاب أن الأرض تترك في يد المستعير
إلى وقت إدراك الزرع بأجر أو بغير أجر، قالوا: وينبغي أن تترك بأجر المثل كما لو انتهت مدة الإجارة
248

والزرع بقل بعدا ه‍ شرنبلالية. قوله: (أعطيك البذر) بضم الهمزة والبذر مفعوله. قوله: (وكلفتك)
بضم الكاف وتسكين اللام وفتح الباقي. قوله: (الجواز) وهو المختار كما في الغياثية ط. قوله: (على
المستعير).
فروع علف الدابة على المستعير مطلقة، أو مقيدة ونفقة العبد كذلك والكسوة على المستعير (1).
بزازية وقدمه الشارح أول الترجمة وآخر النفقة. جاء رجل إلى مستعير وقال إني استعرت دابة عندك
من ربها فلان فأمرني بقبضها فصدقه ودفعها ثم أنكر المعير أمره بذلك ضمن المستعير، ولا يرجع على
القابض إذا صدقه، فلو كذبه أو لم يصدقه أو شرط عليه الضمان فإنه يرجع.
قال: وكل تصرف هو سبب الضمان لو ادعى المستعير أنه فعله بإذن المعبر فكذبه ضمن المستعير
ما لم يبرهن فصولين.
استعار قدرا لغسل الثياب ولم يسلمه حتى سرق ليلا ضمن. بزازية. تأمل. قوله: (لان)
مستدرك بفاء التفريع. قوله: (إلا إذا استعارها الخ) فمؤنة الرد على المعير، والفرق ما أشار إليه لأن هذه
إعارة فيها منفعة لصاحبها فإنها تصير مضمونة في يد المرتهن، وللمعير أن يرجع على المستعير
بقيمته، فكانت بمنزلة الإجارة. خانية. فقد حصل الفرق بين العارية للرهن وغيرها من وجهين:
الأول هذا، والثاني ما مر في الباب قبله عند قوله: بخلاف المستعير والمستأجر أنه لو خالف ثم عاد
إلى الوفاق برئ عن الضمان. أفاده في البحر. قوله: (هذا الخ) الأولى ذكره قبل الغاضب، لأنه
راجع إلى كون مؤنة الرد على المؤجر: يعني إنما تكون عليه إذا أخرجه المستأجر بإذنه، وإلا فعلى
المستأجر، فيكون كالمستعير. وفي البحر عن الخلاصة: الأجير المشترك كالخيار ونحوه مؤنة الرد عليه لا
على رب الثوب. قوله: (لو الاخراج) أي إلى بلد آخر مثلا، والظاهر أن المراد بالاذن الاذن صريحا
وإلا فالاذن دلالة موجود. تأمل. قوله: (بخلاف شركة الخ) فإن أجرة ردها على صاحب المال
والواهب كما في المنح. قوله: (مع عبده) أي مع من في عيال المستعير. قهستاني. قال في الهامش:
ردها مع من في عياله برئ. جامع الفصولين. قوله: (لا مياومة) لأنه ليس في عياله. قهستاني.
قوله: (أو مع عبد الخ) أي مع من في عيال المعير. قهستاني. قوله: (يقوم عليها) أي يتعاهدها

(1) قوله: (والكسوة على المستعير الخ) لعل صوابه: المعير فإنه الذي قدمه الشارح تأمل ا ه‍.
249

كالسائس. قوله: (مع الأجنبي) قال في الهامش: المستأجر لو رد الدابة مع أجنبي ضمن. جامع
الفصولين. قوله: (وإلا فالمستعير الخ) إشارة إلى فائدة اشتراط التوقيت. قال الزيلعي: وهذا أي
قوله بخلاف الأجنبي يشهد لمن قال من المشايخ: إن المستعير ليس له أن يودع، وعلى المختار تكون
هذه المسألة محمولة على ما إذا كانت العارية موقتة فمضت مدتها ثم بعثها مع الأجنبي، لأنه بإمساكها
بعد يضمن لتعديه فكذا إذا تركها في يد الأجنبي ا ه‍. وفي البرهان: وكذا يعني يبرأ لو ردها مع أجنبي
على المختار بناء على ما قال مشايخ العراق من أن المستعير يملك الايداع، وعليه الفتوى، لأنه لما ملك
الإعارة مع أن فيها إيداعا وتمليك المنافع، فلان يملك الايداع وليس فيه تمليك المنافع أولى، وأولوا
قوله: وإن ردها مع أجنبي ضمن إذا هلكت بأنها موضوعة فيما إذا كانت العارية موقتة وقد انتهت
باستيفاء مدتها، وحينئذ يصير المستعير مودعا والمودع لا يهلك الايداع بالاتفاق ا ه‍ شرنبلالية.
قلت: ومثله في شروح الهداية، ولكن تقدم متنا أنه يضمن في المؤقتة، وفي جامع الفصولين:
لو كانت العارية موقتة فأمسكها بعد الوقت مع إمكان الرد ضمن، وإن لم يستعملها بعد الوقت هو
المختار سواء توقتت نصا أو دلالة، حتى إن من استعار قدوما ليكسر حطبا فكسره فأمسك ضمن ولو
لم يوقت اه‍. فعلى هذا فضمانه ليس بالارسال مع الأجنبي، إلا أن يحمل على ما إذا لم يمكنه الرد.
تأمل، ومع هذا يبعد هذا التأويل التقييد، ولا بالعبد والأجير فإنه على هذا لا فرق بينهما وبين
الأجنبي، حيث لا يضمن بالرد قبل المدة مع أي من كان، ويضمن بعدها كذلك، فهذا أدل على
قول من قال: ليس له أن يودع، وصححه في النهاية كما نقله عنه في التاترخانية. قوله: (فيما يملك)
وهو ما لا يختلف، وظاهره أنه يملك الايداع فيما يختلف وليس كذلك. وعبارة الزيلعي: وهذا لان
الوديعة أدنى حالا من العارية، فإذا كان يملك الإعارة فيما لا يختلف فأولى أن يملك الايداع على ما
بينا، ولا يختص بشئ دون شئ لان الكل لا يختلف في حق الايداع، وإنما يختلف في حق الانتفاع
اه‍. اللهم إلا أن يقال ما عبارة عن الوقت: أي في وقت يملك الإعارة، وهو قبل مضي المدة إذا
كانت موقتة، وهو بعيد كما لا يخفي. تأمل.
فرع: في الهامش إذا اختلف المعير والمستعير في الانتفاع بالعارية فادعى المعير الانتفاع بقول (1)
مخصوص في زمن مخصوص وادعى المستعير الاطلاق القول قول المعير في التقييد، لان القول في
أصل الإعارة فكذا في صفتها. قارئ الهداية في القول لمن. قوله: (على هذا) وهو كون العارية موقتة
وقد مضت مدتها ثم بعثها مع الأجنبي، لكن لا يخفى أن الضمان حينئذ بسبب مضي المدة لا من كونه
بعثها مع الأجنبي، إذ لا فرق حينئذ بينه وبين غيره. قوله: (وبخلاف) معطوف على قول المتن
بخلاف وكان الأولى ذكره هناك. تأمل. قوله: (فإنه ليس الخ) كذا في الهداية، ومسألة الغير
خلافية، ففي الخلاصة قال مشايخنا: يجب أن يبرأ. قال في الجامع الصغير للامام قاضيخان: السارق
والغاضب لا يبرآن بالرد إلى منزل ربها أو مربطه أو أجيره أو عبده ما لم يردها إلى مالكها. قوله: (لا

(1) قوله: (الانتفاع بقول الخ) لعل صوابه بنوع. تأمل ا ه‍.
250

زرعها) اللام للتعليل. قوله: (فيخصص) أي فلا يقول أعرتني. قوله: (يملك الإعارة) وكذا الصبي
المأذون. وفي البزازية: استعار من صبي مثله كالقدوم ونحوه إن مأذونا، وهو ماله لا ضمان، وإن
لغير الدافع المأذون يضمن الأول لا الثاني، لأنه إذا كان مأذونا صح منه الدفع وكان التلف حاصلا
بتسليطه، وإن الدافع محجوزا يضمن هو بالدفع والثاني بالأخذ لأنه غاصب الغاصب ا ه‍. قوله:
(واستهلكه الخ) لان المعير سلطه على إتلافه وشرط عليه الضمان فصح تسليطه وبطل الشرط في حق
المولى. درر. كذا في الهامش. قوله: (عبد محجوز عبدا محجوزا) فعبد محجوز فاعل أعار وصفة فاعله،
كما أن عبدا مفعوله وموصوف محجوزا. كذا ضبط بالقلم. قوله: (ضمن الثاني) لأنه أخذه بغير إذن
فكان غاصبا. قوله: (للحال) لان المحجور يضمن بإتلافه حالا. درر. كذا في الهامش. قوله: (لأنه)
علة لقوله: لم يضمن. قوله: (يملكها) أي الإعارة. قوله: (وضعها) أي المستعير. قوله: (يديه) أي
يد المستعير. قوله: (مضطجعا) هذا في الحضر. قال في جامع الفصولين: المستعير إذا وضع العارية
بين يديه ونام مضطجعا ضمن في حضر لا في سفر، ولو نام فقطع رجل مقود الدابة في يده لم يضمن
في حضر وسفر، ولو أخذ المقود من يده ضمن لو نام مضطجعا في الحضر وإلا فلا ا ه‍. وفي
البزازية: نام المستعير في المفازة ومقصودها في يده فقطع السارق المقود لا يضمن، وإن جذب المقود من
يده ولم يشعر به يضمن. قال الصدر: هذا إذا نام مضطجعا، وإن جالسا لا يضمن في الوجهين،
وهذا لا يناقض ما مر أن نوم المضطجع في السفر ليس بترك للحفظ، لان ذاك في نفس النوم وهذا في
أمر زائد على النوم ا ه‍. وفيها استعار منه مرا للسقي واضطجع ونام وجعل المر تحت رأسه لا يضمن،
لأنه حافظ، ألا يرى إن السارق من تحت رأس النائم يقطع وإن كان في الصحراء، وهذا في غير
السفر، وإن في السفر لا يضمن نام قاعدا أو مضطجعا والمستعار تحت رأسه أو بين يديه أو بحواليه
يعد حافظا اه‍. قوله: (أنه يضمن) وبه جزم في البزازية. قال: لأنه أخذ بلا إذنه وقال: ولو استعار
من آخر ثوره غدا فقال نعم فجاء المستعير غدا فأخذه فهلك لا يضمن، لأنه استعار منه غدا وقال نعم
فانعقدت الإعارة، وفي المسألة الأولى وعد الإعارة لا غير. قوله: (جهز ابنته الخ) وفي الولوالجية: إذا
جهز الأب ابنته ثم بقية الورثة يطلبون القسمة منها، فإن كان الأب اشترى لها في صغرها أو بعدها
كبرت وسلم إليها وذلك في صحته فلا سبيل للورثة عليه ويكون للبنت خاصة اه‍ منح. كذا في
251

الهامش. قوله: (فإن القول له) ظاهره أن القول له حينئذ في الجميع لا في الزائد على جهاز المثل،
وليحرر. قوله: (وأمثالها) كالعلماء والاشراف. قال بعض الفضلاء: ينبغي أن يقيد بأن لا يكون
الناظر معروفا بالخيانة كأكثر نظار زماننا، بل يجب أن لا يفتوا بهذه المسألة. حموي ط. قوله: (المرتزقة)
مثل الامام والمؤذن والبواب لان له شبها (1) بالأجرة، بخلاف الأولاد ونحوهم لأنه صلة محضة.
قوله: أخي زاده أي على صدر الشريعة. قوله: (مستحقها) أي الأمانات. قوله: (إلا في الوكيل)
أفاد الحصر قبول القول من وكيل البيع، ويؤيده ما في وكالة الأشباه: إذا قال بعد موت الموكل بعته
من فلان بألف درهم وقبضتها وهلكت وكذبته الورثة في البيع فإنه لا يصدق إذا كان المبيع قائما
بعينه، بخلاف ما إذا كان هلكا. سائحاني. قوله: (بعد موت الموكل) بخلافه في حياته.
فروع: شحي لو ذهب إلى مكان غير المسمى ضمن ولو أقصر منه، وكذا لو أمسكها في بيته ولم
يذهب إلى المسمى ضمن. قاضيخان. لأنه أعارها للذهاب لا للامساك في البيت. يقول الحقير: يرد
على المسألتين إشكال وهو أن المخالفة فيهما إلى خير لا إلى شر، فكان الظاهر أن لا يضمن فيهما،
ولعل في المسألة الثانية روايتين، إذ قد ذكر في يد: لو استأجر قدوما لكسر الحطب فوضعه في بيته
فتلف بلا تقصير قيل ضمن وقيل لا شحي، والمكث والمعتاد عفو. نور العين. إذا مات المعير أو المستعير
تبطل الإعارة. خانية.
استعار من آخر شيئا فدفعه ولده الصغير المحجور عليه إلى غيره بطريق العارية فضاع يضمن
الصبي الدافع وكذا المدفوع إليه، تاترخانية عن المحيط.
رجل استعار كتابا فضاع فجاء صاحبه وطالبه فلم يخبره بالضياع ووعده بالرد ثم أخبره بالضياع.
قال في بعض المواضع: إن لم يكن آيسا من رجوعه فلا ضمان عليه، وإن كان آيسا ضمن، لكن هذا
خلاف ظاهر الرواية. قال في الكتاب: يضمن لأنه متناقض. ولوالجية.

(1) قوله: (لان له شبها بالاجرة) شبهه المولى أبو السعود بما إذا استأجر شخصا للبناء في الجامع بأجرة معلومة ثم ادعى
تسليم الاجرة إليه فإنه لا يقبل قوله ا ه‍.
252

وفيها: استعار ذهبا فقلده صبيا فسرق إن كان الصبي يضبط حفظ ما عليه لا يضمن، وإلا
ضمن.
وفيها: دخل بيته بإذنه فأخذ إناء لينظر إليه فوقع لا يضمن ولو أخذه بلا إذنه، بخلاف ما لو
دخل سوقا يباع فيه الاناء يضمن اه‍.
جاء رجل إلى مستعير وقال إني استعرت دابة عندك من ربها فلان فأمرني بقبضها فصدقه ودفعها
ثم أنكر المعير أمره ضمن المستعير ولا يرجع على القابض، فلو كذبه أو لم يصدقه أو شرط عليه
الضمان فإنه يرجع. قال: وكل تصرف هو سبب للضمان لو ادعى المستعير أنه فعله بإذن المعير وكذبه المعير ضمن المستعير ما لم يبرهن. فصولين.
وفيه: استعارة وبعث قنه ليأتي به فركبه قنه فهلك به ضمن القن ويباع فيه حالا، بخلاف قن
محجور أتلف وديعة قبلها بلا إذن مولاه ا ه‍. قوله: (في حياته) أي الموكل. قوله: (مثل المقبوض) لان
الديون تقضى بأمثالها. قوله: (لا في حق نفسه) أي فيضمن. قوله: (ولا في حق الموكل) أي في
إيجاب الضمان عيه بمثل المقبوض. قوله: (بعضهم) هو من معاصري صاحب المنح كما ذكره فيها،
وذكر الرملي في حاشيتها أنه هو الذي لا محيد عنه، وليس في كلام أئمتنا ما يشهد لغيره. تأمل اه‍.
قلت: وللشرنبلالي رسالة في هذه المسألة فراجعها كما أشرنا إليه في كتاب الوكالة وكتبت منها
شيئا في هامش البحر هناك. قوله: (بينهم) أي بين أصحاب الدين ورب الوديعة. قوله: (لأنه عارية)
أي فلا يضمن إلا بالتعدي ولم يوجد. قوله: (بلا عوض) أي أو هنا جعل له عوضا. وفي البزازية:
دفع داره على أن يسكنها ويرمها ولا أجر فهي عارية، لان المرمة من باب النفقة وهي على المستعير:
وفي كتاب العارية بخلافه. سائحاني. قوله: (بجهالة المدة) عبارة البحر عن المحيط: لجهالة المدة
253

والأجرة، لان البناء مجهول فوجب أجر المثل اه‍. فأفاد أن الحكم كذلك لو بين المدة لبقاء جهالة
الأجرة وهو ظاهر. قوله: (لو شرط الخ) أي تكون إجارة فاسدة لأنه عليه ولما شرطه على
المستعير، فقد جعله بدلا عن المنافع فقد أتى بمعنى الإجارة والعبرة في العقود للمعاني. قوله:
(لجهالة البدل) أما لو كان خراج المقاسمة فلان بعض الخارج يزيد وينقص، وأما إذا كان خراجا موظفا
فإنه وإن كان مقدرا إلا أن الأرض إذا لم تحتمله ينقص عنه. منح ملخصا. قوله: (منه) أي من ذلك
البدل. قوله: (وأي معير الخ) أرض آجرها المالك للزراعة ثم أعارها من المستأجر وزرعها المستعير،
فلا يملك استرجاعها لما فيه من الضرر، وتنفسخ الإجارة حين الإعارة. ابن الشحنة، كذا في
الهامش. قوله: (يجوز رجوعه) والجواب أن هذا الابن مملوك الغير والمملوك لا يملك شيئا فيقع لغيره
وهو سيد فيصح الرجوع. كذا في الهامش. قوله: (وهل مودع) المودع لو دفع الوديعة إلى الوارث بلا
أمر القاضي ضمن إن كانت مستغرقة بالدين ولم يكن مؤتمنا، وإلا فلا إذا دفع لبعضهم فوائد زينية.
كذا في الهامش.
254

كتاب الهبة
قوله: (وجه المناسبة ظاهر) لان ما قبلها تمليك المنفعة بلا عوض وهي تمليك العين كذلك. قوله:
(مجانا) زاد ابن الكمال للحال لاخراج الوصية. قوله: (بلا عوض) أي بلا شرط عوض فهو على حذف
مضاف، لكن هذا يظهر لو قال بلا عوض كما في الكنز، لان معنى مجانا عدم العوض لا عدم
اشتراطه، على أنه اعترضه الحموي كما في أبي السعود بأن قوله: بلا عوض نص في اشتراط عدم
العوض والهبة بشرط العوض نقيضه فكيف يجتمعان ا ه‍: أي فلا يتم المراد بما ارتكبه، وهو شمول
التعريف للهبة بشرط العوض، لأنه يلزم خروجها عن التعريف حينئذ كما نبه عليه في العزمية أيضا.
قلت: التحقيق أنه إن جعلت الباء للملابسة متعلقة بمحذف حالا من تمليك لزم ما ذكر، أما لو
جعل المحذوف خبرا بعد خبر: أي هي كائنة بلا شرط عوض على معنى أن العوض فيها غير شرط،
بخلاف البيع والإجارة فلا يرد ما ذكر، فتدبر. قوله: (شرط فيه) وإلا لما شمل الهبة بشرط العوض
ح. قوله: (وأما تمليك الدين الخ) جواب عن سؤال مقدر، وهو أن تقييده بالعين مخرج لتمليك الدين
من غير من عليه مع أنه هبة فيخرج عن التعريف. فأجاب: بأنه يكون عينا مآلا، فالمراد بالعين في
التعريف ما كان عينا حالا أو مآلا. قال بعض الفضلاء: ولهذا لا يلزم إلا إذا قبض، وله الرجوع
قبله منعه، حيث كان بحكم النيابة على القبض، وعليه تبتنى مسألة موت الواهب قبل قبض الموهوب
له في هذه، فتأمل. بقي هل الاذن يتوقف على المجلس؟ الظاهر نعم فليراجع، ولا ترد هبة الدين ممن
عليه فإنه مجاز عن الابراء والفرد المجازي لا ينقض، والله سبحانه أعلم اه‍. قوله: (صحت) أي
ويكون وكيلا عنه فيه. قال في البحر عن المحيط: ولو وهب دينا له على رجل وأمره أن يقبضه فقبضه
جازت الهبة استحسانا فيصير قابضا للواهب بحكم النيابة ثم يصير قابضا لنفسه بحكم الهبة، وإن لم
يأذن بالقبض لم يجز اه‍.
وفي أبي السعود عن الحموي: ومنه يعلم أن تصيير معلومه المتجمد للغير بعد فراغه له غير
صحيح ما لم يأذنه بالقبض وهي واقعة الفتوى. وقال في الأشباه: صحت، ويكون وكيلا قابضا
للموكل ثم لنفسه، ومقتضاه عزله عن التسليط قبل القبض ا ه‍. قوله: (قال الامام) بيان للاخروي ح.
قوله: (يعلم) بكسر اللام مشددة. قوله: (تهادوا تحابوا) بفتح تاء تهادوا وهائه وداله وإسكان واوه،
وتحابوا بفتح تائه وحائه وضم بائه مشددة. قوله: (ولو مكاتبا) فغيره كالمدبر وأم الولد والمبعض
255

بالأولى. قوله: (صحتها) أي بقائها على الصحة كما سيأتي. قوله: (مقبوضا) رجل أضل لؤلؤة فوهبها
لآخر وسلطه على طلبها وقبضها متى وجدها. قال أبو يوسف: هذه هبة فاسدة لأنها على خطر،
والهبة لا تصح مع الخطر. وقال زفر: تجوز. خانية. قوله: (مشاع) أي فيما يقسم كما يأتي وهذا في
الهبة، وأما إذا تصدق بالكل على اثنين فإنه يجوز على الأصح. بحر: أي بخلاف ما إذا تصدق
بالبعض على واحد فإنه لا يصح كما يأتي آخر المتفرقات، لكن سيأتي أيضا أنه لا شيوع في الأولى،
وقد ذكر في البحر هنا أحكام المشاع وعقد لها في جامع الفصولين ترجمة فراجعه.
فائدة: من أراد أن يهب نصف دار مشاعا يبيع منه نصف الدار بثمن معلوم ثم يبريه عن الثمن.
بزازية. قوله: (هو الايجاب) وفي خزانة الفتاوى إذا دفع لابنه مالا فتصرف فيه الابن يكون للأب إلا
إذا دلت دلالة التمليك. بيري.
قلت: فقد أفاد أن التلفظ بالايجاب والقبول لا يشترط، بل تكفي القرائن الدالة على التمليك،
كمن دفع لفقير شيئا وقبضه ولم يتلفظ واحد منهما بشئ، وكذا يقع في الهداية ونحوها فاحفظه،
ومثله ما يدفعه لزوجته أو غيرها، وقال وهبت منك هذه العين فقبضها الموهوب له بحضرة الواهب ولم
يقل قبلت صح، لان القبض في باب الهبة جار مجرى الركن فصار كالقبول. ولوالجية. وفي شرح
المجمع لابن ملك عن المحيط: لو كان أمره بالقبض حين وهب لا يتقيد بالمجلس ويجوز قبضه بعده.
قوله: (والقبول) فيه خلاف. ففي القهستاني: وتصح الهبة بكوهبت، وفيه دلالة على أن القبول ليس
بركن كما أشار إليه في الخلاصة وغيرها. وذكر الكرماني أن الايجاب في الهبة عقد تام. وفي
المبسوط: أن القبض كالقبول في البيع، ولذا لو وهب الدين من الغريم لم يفتقر إلى القبول كما في
الكرماني، لكن في الكافي والتحفة أنه ركن، وذكر في الكرماني: أنها تفتقر إلى الايجاب لان ملك
الانسان لا ينقل إلى الغير بدون تمليكه، وإلى القبول لأنه إلزام الملك على الغير، وإنما يحنث إذا حلف
أن لا يهب فوهب ولم يقبل، لان الغرض عدم إظهار الجود وقد وجد الاظهار، ولعل الحق الأول،
فإن في التأويلات التصريح بأنه غير لازم ولذا قال أصحابنا لو وضع ماله في طريق لكون ملكا للرافع
جاز اه‍. وسيأتي تمامه قريبا. قوله: (فلو شرطه) بأن وهبه على أن الموهوب له بالخيار ثلاثة أيام.
قوله: (وكذا لو الخ) أي لا يصح خيار الشرط: أي لو أبرأه على أنه بالخيار ثلاثة أيام يصح الابراء،
256

ويبطل الخيار. منح. وهذا مخالف لما مر في باب خيار الشرط. قوله: (المزاح) رده المقدسي (1) على
صاحب البحر وأجبنا عنه في هامشه. قوله: (بخلاف جعلته باسمك) قال في البحر: قيد بقوله:
لك لأنه لو قال جعلته باسمك لا يكون هبة، ولهذا قال في الخلاصة: لو غرس لابنه كرما إن قال
جعلته لابني يكون هبة، وإن قال باسم ابني لا يكون هبة، ولو قال أغرس باسم ابني فالامر متردد
وهو إلى الصحة أقرب اه‍. وفي المنح عن الخانية بعد هذا: قال جعلته لابني فلان يكون هبة، لان
الجعل عبارة عن التمليك، وإن قال أغرس باسم ابني لا يكون هبة، وإن قال جعلته باسم ابني يكون
هبة، لان الناس يريدون به التمليك والهبة ا ه‍. وفيه مخالفة لما في الخلاصة كما لا يخفى اه‍. قال
الرملي: أقول: ما في الخانية أقرب لعرف الناس. تأمل ا ه‍. وهنا تكملة لهذه لكن أظن أنها مضروب
عليها لفهمها مما مر وهي ظاهرة أنه أقره على المخالفة، وفيه أن ما في الخانية فيه لفظ الجعل وهو مراد
به التمليك، بخلاف ما في الخلاصة ا ه‍. تأمل. نعم عرف الناس التمليك مطلقا. تأمل. قوله: (ليس
بهبة) بقي ما لو قال ملكتك هذا الثوب مثلا فإن قامت قرينة على الهبة صحت، وإلا فلا لان التمليك
أعم منها لصدقه على البيع والوصية والإجارة وغيرها، وانظر ما كتبناه في آخر هبة الحامدية، وفي
الكازروني أنها هبة. فروع: في الهامش: رجل قال لرجل قد متعتك بهذا الثوب أو هذه الدراهم فقبضها فهي هبة،
وكذا لو قال لامرأة قد تزوجها على مهر مسمى قد متعتك بهذه الثياب أو بهذه الدراهم فهي هبة. كذا
في محيط السرخسي. فتاوى هندية.
أعطى لزوجته دنانير لتتخذ بها ثيابا وتلبسها عنده فدفعتها معاملة فهي لها. قنية.
اتخذ لولده الصغير ثوبا يملكه وكذا الكبير بالتسليم. بزازية.
لو دفع إلى رجل ثوبا وقال ألبس نفسك ففعل يكون هبة ولو دفع دراهم وقال أنفقها عليك
يكون قرضا. باقاني.

(1) قوله: (رده المقدسي) ونص عبارته: الذي في الخلاصة انه طلب الهبة مزاحا لا جدا فوهبه جدا وسلم صحت الهبة
لان الواهب غير مازح وقد قبل الموهوب له قبولا صحيحا ا ه‍. وما نقله المصنف عن الخلاصة مستدلا به على ما في
متنه لا يفيد فإنه نحو ما في الخلاصة، وعبارتها لو قال هبي هذا الشئ على وجه المزاح فقالت وهبت إليك وسلم
جاز ا ه‍. وكذا ما في القهستاني لا يفيده ونصه ويدخل فيه ما يكون على وجه المزاح فلو قال وهبت لي كذا فقال
وهبت وقال الآخر قبلت وسلم إليه جاز ا ه‍. كذا في ط.
257

اتخذ لولده ثيابا ليس له أن يدفعها إلى غيره، إلا إذا بين وقت الاتخاذ أنها عارية، وكذا لو اتخذ
لتلميذه ثيابا فأبق التلميذ فأراد أن يدفعها إلى غيرها. بزازية. كذا في الهامش. قوله: (مشورة) بضم
الشين: أي فقد أشار في ملكه بأن يسكنه، فإن شاء قبل مشورته وإن لم يقبل، كقوله هذا الطعام
لك تأكله أو هذا الثوب لك تلبسه. بحر. قوله: (لو قال هبة سكنى) منصوب على الحال أو التمييز.
بحر. قوله: (أو سكنى هبة) بالنصب. قوله: (باسم ابني) قدمنا الكلام فيه تقريبا.
أقول: قوله: جعلته باسمك غير صحيح كما مر، فكيف يكون ما هو أدنى رتبة منه أقرب إلى
الصحة؟ سائحاني.
قلت: قد يفرق بأن ما مر لي خطابا لابنه بل لأجنبي، وما هنا مبني على العرف. تأمل.
قوله: (وتصح بقبول) أي لو فعلا، ومنه وهبت جاريتي هذه لاحدكما فليأخذها من شاء فأخذها رجل
منهما تكون له وكان أخذه قبولا. وما في المحيط من أنها تدل على أنه لا يشترط في الهبة القبول
مشكل. بحر.
قلت: يظهر لي أنه أراد بالقبول قولا، وعليه يحمل كلام غيره أيضا، وبه ظهر التوفيق بين
القولين باشتراط القبول وعدمه والله الموافق، وقدمنا نظيره في العارية وانظر ما كتبناه على البحر. نعم
القبول شرط لو كان الموهوب في يده كما يأتي. قوله: (بخلاف البيع) فإنه إن لم يقبل لم يحنث. قوله:
(صحته) أي القبض بالتخلية. قال في التاترخانية: وهذا الخلاف في الهبة
الصحيحة، فأما الهبة الفاسدة فالتخلية ليست بقبض اتفاقا، والأصح أن الاقرار بالهبة لا يكون إقرارا بالقبض. خانية.
قوله: (وفي النتف ثلاثة عشر) أحدها الهبة. والثاني الصدقة. والثالث الرهن. والرابع الوقف في قول
محمد بن الحسن والأوزاعي وابن شبرمة وابن أبي ليلى والحسن بن صالح. والخامس العمري.
والسادس النحلة، والسابع الجنين. والثامن الصلح. والتاسع رأس المال في السلم. والعاشر البدل في
السلم إذا وجد بعضه زيوفا، فإن لم يقبض بدلها قبل الافتراق بطل حصتها من السلم. والحادي عشر
الصرف. والثاني عشر إذا باع الكيلي بالكيلي والجنس مختلف مثل الحنطة بالشعير جاز فيه التفاضل لا
258

النسيئة. والثالث عشر إذا باع الوزني بالوزني مختلفا مثل الحديد بالصفر أو الصفر بالنحاس أو النحاس
بالرصاص جاز فيهما التفاضل لا النسيئة. منح الغفار. كذا في الهامش. قوله: (بالقبض) فيشترط
القبض قبل الموت ولو كانت في مرض الموت للأجنبي كما سبق في كتاب الوقف. كذا في الهامش.
قوله: (بالقبض الكامل) وكل الموهوب له رجلين بقبض الدار فقبضاها جاز. خانية. قوله: (منع
تمامها) إذ القبض شرط فصولين، وكلام الزيلعي يعطي أن هبة المشغول فاسدة، والذي في العمادية
أنها غير تامة. قال الحموي في حاشية الأشباه: فيحتمل أن في
المسألة روايتين، كما وقع الاختلاف في هبة المشاع المحتمل للقسمة، هل هي فاسدة أو غير تامة؟ والأصح كما في البناية أنها غير تامة فكذلك
هنا كذا بخط شيخنا، ومنه يعلم ما وقعت الإشارة إليه في الدر المختار، فأشار إلى أحد القولين بما
ذكره أولا من عدم التمام، وإلى الثاني مما ذكره آخرا من عدم الصحة فتدبر. أبو السعود.
واعلم أن الضابط في هذا المقام أن الموهوب إذا اتصل بملك الواهب اتصال خلقة وأمكن
فصله لا تجوز هبته ما لم يوجد الانفصال والتسليم، كذا إذا وهب الزرع أو الثمر بدون الأرض
والشجر أو بالعكس، وإن اتصل اتصال مجاورة: فإن كان الموهوب مشغولا بحق الواهب لم يجز، كما
إذا وهب السرج على الدابة، لان استعمال السرج إنما يكون للدابة فكانت للواهب عليه يد مستعملة،
فتوجب نقصانا في القبض. وإن لم يكن مشغولا جاز كما إذا وهب دابة مسرجة دون سرجها لان
الدابة تستعمل بدونه، ولو وهب الحمل عليها دونها جاز، لان الحمل غير مستعمل بالدابة، ولو وهب
دارا دون ما فيها من متاعه لم يجز، وإن وهب ما فيها وسلمه دونها جاز. كذا في المحيط شرح مجمع.
قوله: (وإن شاغل لا) تجوز هبة الشاغل لا المشغول. فصولين.
أقول: هذا ليس على إطلاقه فإن الزرع والشجر في الأرض شاغل لا مشغول، ومع ذلك لا
تجوز هبته لاتصاله بها. تأمل خير الدين على الفصولين. قوله: (فلو وهب الخ) وإن وهب دارا فيها
متاع وسلمها كذلك ثم وهب المتاع منه أيضا جازت الهبة فيهما (1)، لأنه حين هبة الدار لم يكن
للواهب فيها شئ، وحين هبة المتاع في الأولى زال المانع عن قبض الدار، لكن لم يوجد بعد ذلك فعل
في الدار ليتم قبضه فيها فلا ينقلب القبض الأول صحيحا في حقها. بحر عن المحيط. قوله:
(وسلمها كذلك الخ) قال صاحب الفصولين: فيه نظر، إذ الدابة شاغلة للسرج واللجام لا مشغولة.
يقول الحقير صل: أي الأصل عكس في هذا، والظاهر أن هذا هو الصواب، يؤيده ما في
قاضيخان: وهب أمة عليها حلي وثياب وسلمها جاز، ويكون الحلي وما فوق ما يستر عورتها من
الثياب للواهب لمكان العرف، ولو وهب الحلي والثياب دونها لا يجوز حتى ينزعهما ويدفعهما إلى

(1) قوله: (جازت الهبة فيهما) فيه سقطت وأصله: جازت الهبة في المتاع خاصة وان بدأ فوهب له المتاع وقبض الدار
والمتاع ثم وهب الدار جازت الهبة فيهما ا ه‍.
259

الموهوب له، لأنهما ما دام عليها يكون تبعا لها ومشغولا بالأصل فلا تجوز هبته. نور العين. قوله:
(لان شغله) تعليل لقوله: لا مشغول به أي بملك الواهب حيث قيده بملك الواهب، فافهم.
أقول: الذي في البحر والمنح وغيرهما تصوير المشغول بملك الغير بما إذا ظهر المتاع مستحقا أو
كان غصبه الواهب أو الموهوب له، وانظر ما كتبناه على البحر عن جامع الفصولين. قوله: (بغير ملك
واهبه) وفي بعض النسخ: بملك غير واهبه اه‍. قوله: (كرهن وصدقة) أي كما أن شغل الرهن
والصدقة بملك غير الراهن وغير المتصدق لا يمنع تمامها كما في المحيط وغيره. مدني. قال في المنح:
وكل جواب عرفته في هبة الدار والجوالق بما فيها من المتاع فهو الجواب في الرهن والصدقة، لان
القبض شرط تمامهما كالهبة. قوله: (إلا إذا وهب) كأن وهبه دارا (1) والأب ساكنها أو له فيها متاع
لأنها مشغولة بمتاع القابض، وهو مخالف لما في الخانية، فقد جزم أولا بأنه لا تجوز، ثم قال: وعن
أبي حنيفة في المجزد تجوز ويصير قابضا لابنه. تأمل. قوله: (وكذا الدار) مستدرك بأن الشغل هنا بغير
ملك الواهب، والمراد شغله بملكه. قوله: (المعارة) أي لو وهب طفله دارا يسكنها فيها قول بغير أجر
جاز ويصير قابضا، لا نبه لو كان بأجر. كذا نقل عن الخانية. قوله: (تصح المحرر) وكان أصله:
وهم فيها فقولان يزبر
بضم الميم (2) من هم لأجل الوزن. قوله: (مفرغ) تفسير لمجوز، واحترز به عن هبة التمر على
النخل ونحوه لما سيأتي. درر. قوله: (بعد أن يقسم) ويشترط في صحة هبة المشارع الذي لا يحتملها أن
يكون قدرا معلوما، حتى لو وهب نصيبه من عبد ولم يعلمه به لم يجز، لأنها جهالة توجب المنازعة.
بحر. وانظر ما كتبناه عليه. قوله: (وحمام) فيه أن الحمام مما لا يقسم مطلقا ح. في الهامش. قوله:
(في عامة الكتب) وصرح به الزيلعي وصاحب البحر. منح. قوله: (هو المذهب) راجع لمسألة الشريك
كما في المنح. قوله: (وهو المختار) قال الرملي: وجد بخط المؤلف: يعني صاحب المنح بإزاء هذا ما

(1) قوله: (كأن وهبه دارا الخ) الذي نقله أبو السعود قي حواشي الأشباه عن الولوالجية والبزازية ان ما عليه الفتوى هو
الجواز وانه قول أبي يوسف ا ه‍.
(2) قوله: (بضم الميم الخ) لا حاجة إليه كما لا يخفى ا ه‍. مصححه.
260

صورته: ولا يخفى عليه أنه اختلاف المشهور. قوله: (فإن قسمه) أي الواهب بنفسه أو نائبه، أو أمر
الموهوب له بأن يقسم مع شريكه كل ذلك تتم به الهبة كما هو ظاهر لمن عنده أدنى فقه. تأمل رملي.
والتخلية في الهبة الصحيحة قبض لا في الفاسدة. جامع الفصولين. قوله: (ولو سلمة شائعا الخ) قال
في الفتاوى الخيرية: ولا تفيد الملك في ظاهر الرواية. قال الزيلعي: ولو سلمه شائعا لا يملكه حتى
لا ينفذ تصرفه فيه فيكون مضمونا عليه وينفذ فيه تصرف الواهب، ذكره الطحاوي وقاضيخان، وروي
عن ابن رستم مثله، وذكر عصام أنها تفيد الملك وبه أخذ بعض المشايخ ا ه‍. ومع إفادتها للملك عند
هذا البعض أجمع الكل على أن للواهب استردادها من الموهوب له، ولو كان ذا رحم محرم من
الواهب. قال في جامع الفصولين رامزا لفتاوى الفضلي: ثم إذا هلكت أفتيت بالرجوع للواهب هبة
فاسدة لذي رحم محرم منه، إذ الفاسدة مضمونة على ما مر، فإذا كانت مضمونة بالقيمة بعد الهلاك
كانت مستحقة الرد قبل الهلاك ا ه‍. وكما يكون للواهب الرجوع فيها يكون لوارثه بعد موته لكونها
مستحقة الرد، ويضمن بعد الهلاك كالبيع الفاسد إذا مات أحد المتبايعين فلورثته نقضه، لأنه مستحق
الرد ومضمون بالهلاك. ثم من المقرر أن القضاء يتخصص، فإذا ولى السلطان قاضيا ليقضي بمذهب
أبي حنيفة لا ينفذ قضاؤه بمذهب غيره، لأنه معزول عنه بتخصيصه فالتحق فيه بالرعية، نص على
ذلك علماؤنا رحمهم الله تعالى ا ه‍ ما في الخيرية. وأفتى به في الحامدية أيضا والتاجية، وبه جزم في
الجوهرة والبحر.
ونقل عن المبتغى بالغين المعجمة: أنه لو باعه الموهوب له لا يصح، وفي نور العين عن الوجيز:
الهبة الفاسدة مضمونة بالقبض، ولا يثبت الملك فيها إلا عند أداء العوض، نص عليه محمد في
المبسوط، وهو قول أبي يوسف، إذ الهبة تنقلب عقد معاوضة ا ه‍. وذكر قبله: هبة المشاع فيما يقسم
لا تفيد الملك عند أبي حنيفة، وفي القهستاني: لا تفيد الملك، وهو المختار كما في المضمرات، وهذا
مروي عن أبي حنيفة وهو الصحيح اه‍.
فحيث علمت أنه ظاهر الرواية وأنه نص عليه محمد ورووه عن أبي حنيفة ظهر أنه الذي عليه
العمل وإن صرح بأن المفتى به خلافه، ولا سيما أنه يكون ملكا خبيثا كما يأتي، ويكون مضمونا كما
علمته فلم يجد نفعا للموهوب له فاغتنمه، وإنما أكثرت النقل في مثل هذه لكثرة وقوعها وعدم تنبيه
أكثر الناس للزوم الضمان على قول المخالف ورجاء لدعوة نافعة في الغيب. قوله: (بالقبض) لكن
ملكا خبيثا، وبه يفتى. قهستاني: أي وهو مضمون كما علمته آنفا فتنبه. وفي حاشية المنح: ومع
إفادتها للملك يحكم بنقضها للفساد كالبيع الفاسد ينقض له. تأمل. قوله: (في البزازية) عبارتها: هل
يثبت الملك بالقبض. قال الناطفي عند الامام: لا يفيد الملك. وفي بعض الفتاوى يثبت فيها فاسدا.
وبه يفتى. ونص في الأصل أنه لو وهب نصف داره من آخر وسلمها إليه فباعها الموهوب له لم يجز دل
أنه لا يملك حيث أبطل البيع بعد القبض، ونص في الفتاوى أنه هو المختار، ورأيت بخط بعض
الأفاضل على هامش المنح بعد نقله ذلك وأنت تراه عزا رواية إفادة الملك بالقبض والافتاء بها إلى بعض
الفتاوى فلا تعارض رواية الأصل، ولذا اختارها قاضيخان وقوله: لفظ الفتوى الخ قد يقال بمنع
261

عمومه، لا سيما هذه الصيغة في مثل سياق البزازي، فإذا تأملته تقضي برجحان ما دل عليه الأصل
اه‍. قوله: (وتعقبه) قد علمت ما فيه مما قدمناه عن الخيرية، فتنبه. قوله: (للعقد لا طارئ) أقول:
منه ما لو وهب دارا في مرضه وليس له سواها ثم مات ولم يجز الورثة الهبة بقيت الهبة في ثلثها وتبطل
في الثلثين كما صرح به في الخانية. قوله: (البعض الشائع) أي حكما، لان الزرع مع الأرض بحكم
الاتصال كشئ واحد، فإذا استحق أحدهما صار كأنه استحق البعض الشائع فيما يحتمل القسمة فتبطل
الهبة في الباقي. كذا في الكافي. درر. قال في الخانية: والزرع لا يشبه المتاع. قوله: (بالبينة) لينظر
لو ظهر بإقرار الموهوب له، أما إقرار الواهب فالظاهر أنه لغو، لأنه أقر بملك الغير. قوله: (لأنه
كمشاع) قال في شرح الدرر: هذه نظائر المشاع لا أمثلتها (1) فلا شيوع في شئ منها لكنها في حكم
المشاع حتى إذا فصلت وسلمت صح، وقوله: لأنه بمنزلة المشاع.
أقول: لا يذهب عليك أنه لا يلزم أن يأخذ حكمه في كل شئ، ولا لزم أن لا تجوز هبة النخل
من صاحب الأرض، كذا عكسه، والظاهر خلافه، والفرق بينهما أنه ما من جزء من المشاع وإن دق
إلا وللشريك فيه ملك فلا تصح هبته، ولو من الشريك لان القبض الكامل فيه لا يتصور، وأما نحو
النخل في الأرض والتمر في النخل والزرع في الأرض، لو كان كل واحد منها لشخص فوهب
صاحب النخل نخله كله لصاحب الأرض أو عكسه فإن الهبة تصح، لان ملك كل منهما متميز عن
الآخر، فيصح قبضه بتمامه، ولم أر من صرح به لكن يؤخذ الحكم من كلامهم، ولكن إذا وجد النقل
فلا يسعنا إلا التسليم.
فرع: له عليه عشرة فقضاها فوجد القابض دانقا زائدا فوهبه للدائن أو للبائع أن الدراهم صحاحا
يضرهما التبعيض يصح لأنه مشاع لا يحتمل القسمة. وكذا هبة بعض الدراهم والدنانير إن ضرها
التبعيض تصح، وإلا لا. بزازية. قوله: (ظاهر الدرر نعم) أقول: صرح به في الخانية فقال: ولو
وهب زرعا بدون الأرض أو تمرا بدون النخل وأمره بالحصاد والجذاذ ففعل الموهوب له ذلك جاز،
لان قبضه بالاذن يصح في المجلس وبعده. وفي الحامدية عن جامع الفتاوى: ولو وهب زرعا في

(1) قوله: (لا أمثلتها) لعل الأولى لا أمثلته وقوله لأنه بمنزلة المشاع لعل ذلك في نسخته والا فعبارة الشارح الذي بأيدينا
لأنه كمشاع وعبارة شرح الدرر لكنها في حكم المشاع والمسآل واحد ا ه‍. مصححه.
262

أرض أو ثمرا في شجر أو حلية سيف أو بناء دار أو دينارا على رجل أو قفيزا من صبرة وأمره بالحصاد
والجذاذ والنزع والنقض والقبض والكيل ففعل صح استحسانا الخ. قوله: (أصلا) أي وإن سلمها
مفرزة. قوله: (لأنه معدوم) أي حكما، وكذا لو وهب الحمل وسلم بعد الولادة لا يجوز، لان في
وجوده احتمالا فصار كالمعدوم. منح. قوله: (جديد) وهذا لان الحنطة استحالت وصارت دقيقا،
وكذا غيرها، وبعد الاستحالة هو عين آخر على ما عرف في الغصب، بخلاف المشاع لأنه محل للملك
لا أنه لا يمكن تسليمه، فإذا زال المانع جاز. منح. قوله: (بالقبول) إنما اشترط القبول نصا، لأنه إذا
لم يوجد كذلك يقع الملك فيها بغير رضاه لأنه لا حاجة إلى القبض، ولا يجوز ذلك لما فيه من توهم
الضرر، بخلاف ما إذا لم يكن في يده وأمره بقبضه فإنه يصح إذا قبض، ولا يشترط القبول لأنه إذا
قدم على القبض كان ذلك قبولا ورضا منه بوقوع الملك له فيملكه ط ملخصا. وهذا معنى قوله: بعد
لأنه حينئذ عامل لنفسه أي حين قبل صريحا. قوله: (بلا قبض) أي بأن يرجع إلى الموضع الذي فيه
العين ويمضي وقت يتمكن فيه من قبضها. قهستاني. قوله: (ولو بغصب) انظر الزيلعي. قوله: (عن
الآخر) كما إذا كان عنده وديعة فأعارها صاحبها له فإن كلا منهما قبض أمانة فناب أحدهما عن
الآخر. قوله: (عن الأدنى) فناب قبض المغصوب والمبيع فاسدا عن قبض المبيع الصحيح، ولا ينوب
قبض الأمانة عنه. منح. قوله: (لا عكسه) فقبض الوديعة مع قبض الهبة يتجانسان لأنهما قبض أمانة،
ومع قبض الشراء يتغايران لأنه قبض بلا ضمان، فلا ينوب الأول عنه كما في المحيط، ومثله في شرح
الطحاوي لكنه ليس على إطلاقه، فإنه إذا كان مضمونا بغيره كالبيع المضمون بالثمن والمرهون المضمون
بالدين لا ينوب قبضه عن القبض الواجب كما في المستصفى، ومثله في الزاهدي، فلو باع من المودع
احتاج إلى قبض جديد وتمامه في العمادي. قهستاني. قوله: (على الطفل) فلو بالغا يشترط قبضه ولو
في عياله. تاترخانية. قوله: (في الجملة) أي
ولو لم يكن له تصرف في ماله. قوله: (بالعقد) أي بالايجاب فقد كما يشير إليه الشارح. كذا في الهامش، وهذا إذا أعلمه أو أشهد عليه والاشهاد للتحرز
عن الجحود بعد موته، والاعلام لازم لأنه بمنزلة القبض. بزازية. قال في التاترخانية: فلو أرسل
العبد في حاجة أو كان آبقا في دار الاسلام فوهبه من ابنه صحت، فلو لم يرجع العبد حتى مات الأب
لا يصير ميراثا عن الأب ا ه‍. قوله: (لو الموهوب الخ) لعله احتراز عن نحو: وهبته شيئا من مالي.
تأمل. قوله: (معلوما) قال محمد رحمه الله: كل شئ وهبه لابنه الصغير وأشهد عليه وذلك الشئ
معلوم في نفسه فهو جائز. والقصد أن يعلم ما وهبه له، والاشهاد ليس بشرط لازم لان الهبة تتم
بالأعلام. تاترخانية. قوله: (أو يد مودعه) أي أو يد مستعيره لا كونه في يد غاصبه أو مرتهنه أو
المشتري منه بشراء فاسد. بزازية. قال السائحاني: إنه إذا انقضت الإجارة أو ارتد الغصب تتم الهبة
كما تتم في نظائره. قوله: (يتولاه) كبيعه ماله من طفله. تاترخانية. قوله: (ثم وصيه) ثم الوالي ثم
263

القاضي ووصي القاضي كما سيأتي في المأذون، ومر قبيل الوكالة في الخصومة والوصي كالأب والام
كذلك لو الصبي في عيالهما إن وهبت له أو وهب له تملك الام القبض، وهذا إذا لم يكن للصبي أب
ولا جد ولا وصيهما، وذكر الصدر أن عدم الأب لقبض الام ليس بشرط، وذكر في الرجل إذا زوج
ابنته الصغيرة من رجل فزوجها يملك قبض الهبة لها، ولا يجوز قبض الزوج قبل الزفاف وبعد
البلوغ. وفي التجريد: قبض الزوج يجوز إذا لم يكن الأب حيا، فلو أن الأب ووصيه
والجد ووصيه غائب غيبة منقطعة جاز قبض الذي يتولاه، ولا يجوز قبض غير هؤلاء الأربعة مع وجود واحد منهم
، سواء كان الصغير في عياله أو لا، وسواء كان ذا رحم محرم أو أجنبيا، وإن لم يكن واحد من هؤلاء
الأربعة جاز قبض من كان الصبي في حجره، ولم يجز قبض من لم يكن في عياله. بزازية. قال في
البحر: والمراد بالوجود الحضور اه‍.
وفي غاية البيان: ولا تملك الام وكل من يعول الصغير مع حضور الأب. وقال بعض مشايخنا:
يجوز إذا كان في عيالهم كالزوج، وعنه احترز في المتن بقوله في الصحيح ا ه‍. ويملك الزوج القبض
لها مع حضور الأب، بخلاف الام وكل من يعولها غير الزوج، فإنهم لا يملكونه إلا بعد موت الأب
أو غيبته غيبة منقطعة في الصحيح، لان تصرف هؤلاء للضرورة لا بتفويض الأب، ومع حضور الأب
لا ضرورة. جوهرة. وإذا غاب أحدهما غيبة متقطعة جاز قبض الذي يتلوه في الولاية، لان التأخير
إلى قدوم الغائب تفويت للمنفعة للصغير فتنقل الولاية إلى من يتلوه كما في الانكاح، ولا يجوز قبض
غير هؤلاء مع وجود أحدهم، ولو في عيال القابض أو رحما محرما منه كالأخ والعم والام. بدائع
ملخصا. لو قبض له من هو في عياله مع حضور لأب قيل لا يجوز، وقيل يجوز، وبه يفتى. مشتمل
الاحكام. والصحيح الجواز كما لو قبض الزوج والأب حاضر. خانية. والفتوى على أنه يجوز.
اسروشني. فقد علمت أن الهداية والجوهرة على تصحيح عدم جواز قبض من يعوله مع عدم غيبة
الأب، وبه جزم صاحب البدائع، وقاضيخان وغيره من أصحاب الفتاوى صححوا خلافه، وكن على
ذكر مما قالوا لا يعدل عن تصحيح قاضيخان، فإن فقيه النفس، ولا سيما وفيه هنا نفع للصغير، فتأمل
عند الفتوى، وإنما أكثرت من النقول لأنها واقعة الفتوى، وبعض هذه النقول نقلتها من خط منلا علي
التركماني، واعتمدت في عزوها عليه فإنه ثقة ثبت رحمه الله تعالى. قوله: (عدمهم) ولو بالغيبة
المنقطعة. قوله: يعقل التحصيل) تفسير التمييز. قوله: (لكن) استدراك على قوله: وعند عدمهم
ح. قوله: (بوصل ولو بأمه) يعني جاز وصل قول المتن ولو مع وجود أبيه بقوله: بأمه وأجنبي ح.
كذا في الهامش. قوله: (ولو بأمه) متعلق بوصل. قوله: (وصح رده) أي رد الصبي، وانظر حكم رد
الولي، والظاهر أنه لا يصح حتى لو قبل الصبي بعد رد وليه يصح ط. قوله: (لها) أي للهبة. قوله:
(وهب له) قال في التاترخانية: روي عن محمد نصا أنه يباح. وفي الذخيرة وأكثر مشايخ بخارى على
أنه لا يباح. وفي فتاوى سمرقند: إذا أهدى الفواكه للصغير يحل للأبوين الاكل منها إذا أريد بذلك الأبوان، لكن الاهداء للصغير استصغارا للهدية اه‍.
264

قلت: وبه يحصل التوفيق ويظهر ذلك بالقرائن، وعليه فلا فرق بين المأكول وغيره، بل غيره
أظهر فتأمل. قوله: (فأفاد) أصله لصاحب البحر وتبعه في المنح. قوله: (إلا لحاجة) قال في
التاترخانية: وإذا احتاج الأب إلى مال ولده: فإن كانا في المصر واحتاج لفقره أكل بغير شئ، وإن
كانا في المفازة واحتاج إليه لانعدام الطعام معه فله الاكل بالقيمة ا ه‍. قوله: (فالقول له) لأنه هو
المملك. قوله: (وكذا زفاف البنت) أي على هذا التفصيل بأن كان من أقرباء من الزوج أو المرأة، أو قال
المهدي: أهديت للزوج أو المرأة كما في التاترخانية. وفي الفتاوى الخيرية: سئل فيما يرسله الشخص
إلى غيره في الأعراس ونحوها هل يكون حكمه حكم القرض فيلزمه الوفاء به أم لا؟ أجاب: إن كان
العرف بأنهم يدفعونه على وجه البدل يلزم الوفاء به مثليا فبمثله، وإن قيميا فبقيمته، وإن كان العرف
خلاف ذلك بأن كانوا يدفعونه على وجه الهبة ولا ينظرون في ذلك إلى إعطاء البدل فحكمه حكم الهبة
في سائر أحكامه فلا رجوع فيه بعد الهلاك أو الاستهلاك، والأصل فيه أن المعروف عرفا كالمشروط
شرطا اه‍. قلت: والعرف في بلادنا مشترك، نعم في بعض القرى يعدونه فرضا حتى إنهم في كل وليمة
يحضرون الخطيب يكتب لهم ما يهدي، فإذا جعل المهدي وليمة يراجع المهدي الدفتر فيهدي الأول إلى
الثاني مثل ما أهدى إليه. قوله: (لولده) أي الصغير، وأما الكبير فلا بد من التسليم كما في جامع
الفتاوى، وأما التلميذ فلو كبيرا فكذلك، ويملك الرجوع عن هبته لو أجنبيا مع الكراهة، ويمكن حمل
قوله: ليس له الرجوع عليه. سائحاني. قوله: (أو لتلميذه) مسألة التلميذ مفروضة بعد دفع الثياب
إليه. قال في الخانية: اتخذ شيئا لتلميذه فأبق التلميذ بعد ما دفع إليه إن بين وقت الاتخاذ أنه إعارة
يمكنه الدفع إليه (1) فافهم. قوله: (وإن قصده) بسكون الصاد ورفع الدال. وعبارة المنح: وإن قصد به
الاضرار، وهكذا رأيته في الخانية. قوله: (وعليه الفتوى) أي على قول أبي يوسف: من أن التنصيف

(1) قوله: (يمكنه الدفع إليه) لعل صوابه إلى غيره وليحرر ا ه‍. مصححه.
265

بين الذكر والأنثى أفضل من التثليث الذي هو قول محمد.
رملي. قوله: (ولو بعوض) وأجازها محمد بعوض مساو كما ذكر آخر الباب الآتي، وعبارة المجمع: وأجازها محمد بشرط عوض مساو اه‍.
وسيأتي قبيل المتفرقات. سئل أبو مطيع عن رجل قال لآخر ادخل كرمي وخذ من العنب، كم يأخذ؟
قال: يأخذ عنقودا واحدا. وفي العتابية: هو المختار. وقال أبو الليث: مقدار ما يشبع إنسان.
تاترخانية. وفيها عن التتمة: سئل عمر النسفي عمن أمر أولاده أن يقتسموا أرضه التي في ناحية كذا
بينهم، وأراد به التمليك فاقتسموها وتراضوا على ذلك، هل يثبت لهم الملك أم يحتاج إلى أن يقول لهم
الأب ملكتكم هذه الأراضي، أو يقول لكل واحد منهم ملكتك هذا النصيب المفرز؟ فقال: لا. وسئل
عنها الحسن فقال: لا يثبت لهم الملك إلا بالقسمة. وفي تجنيس الناصري: ولو وهب دارا لابنه
الصغير ثم اشترى بها أخرى فالثانية لابنه الصغير خلافا لزفر، ولو دفع إلى ابنه مالا فتصرف فيه الابن
يكون للابن إذا دلت دلالة على التمليك ا ه‍.
وسئل الفقيه عن امرأة وهبت مهرها الذي لها على الزوج لابن صغير له وقبل الأب؟ قال: أنا
في هذه المسألة واقف فيحتمل الجواز كمن كان له عبد عند رجل وديعة فأبق العبد ووهبه مولاه من
ابن المودع فإنه يجوز. سئل مرة أخرى عن هذه المسألة فقال: لا يجوز، وقال الفقيه أبو الليث: وبه
نأخذ. وفي العتابية: وهو المختار. تاترخانية. قوله: (دارا) المراد بها ما يقسم. قوله: (وبقلبه) وهو
هبة واحد من اثنين. قال في الهامش: دفع لرجل ثوبين وقال أيهما شئت فلك والآخر لابنك فلان،
إن يكن قبل أن يتفرقا جاز، وإلا لا.
له على آخر ألف نقد وألف غلة فقال وهبت منك أحد المالين جاز، والبيان إليه وإلى ورثته بعد
موته. بزازية. قوله: (لكبيرين) أي غير فقيرين، وإلا كانت صدقة فتصح كما يأتي. قوله: (يحتمل
القسمة) انظر القهستاني. قوله: (بكبيرين) هذه عبارة البحر وقد تبعه المصنف، وظاهرها أنهما لو كانا
صغيرين في عياله جاز عندهما. وفي البزازية ما يدل عليه فراجعه. وأقول: كان الأولى عدم هذا القيد
لأنه لا فرق بين الكبيرين والصغيرين والكبير والصغير عند أبي حنيفة، ويقول أطلق ذلك، فأفاد أنه لا
فرق بين أن يكونا كبيرين أو صغيرين أو أحدهما كبيرا والآخر صغيرا، وفي الأوليين خلافهما. رملي.
قوله: (في عيال الكبير) صواب: في عيال الواهب، كما يدل عليه كلام البحر وغيره. قوله: (أو
لابنيه الخ) عبارة الخانية: وهب داره لابنين له أحدهما صغير في عياله كانت الهبة فاسدة عند الكل،
بخلاف ما لو وهب من كبيرين وسلم إليهما جملة، فإن الهبة جائزة لأنه لم يوجد الشيوع وقت العقد،
ولا وقت القبض، وأما إذا كان أحدهما صغيرا فكما وهب يصير قابضا حصة الصغير فيتمكن الشيوع
266

وقت القبض ا ه‍ فليتأمل. ثم ظهر أن التفصيل مبني على قولهما، أما عنده فلا فرق بين الكبيرين
وغيرهما في الفساد. قوله: (لم يجز) والحيلة أن يسلم الدار إلى الكبير ويهبها منهما. بزازية. وأفاد أنها
للصغيرين تصح لعدم المرجح لسبق قبض أحدهما، وحيث اتحد وليهما فلا شيوع في قبضه. ويؤيده
قول الخانية: داري هذه لولدي الأصاغر يكون باطلا لأنها هبة، فإذا لم يبين الأولاد كان باطلا اه‍.
فأفاد أنه لو بين صح. ورأيت في الأنقروي عن البزازية أن الحيلة في صحة الهبة لصغير مع كبير أن
يسلم الدار للكبير ويهبها منهما، ولا يرد ما مر عن الخزانة. ولو تصدق بدار على ولدين له صغيرين لم
يجز، لأنه مخالف لما في المتون والشروح. سائحاني: أي من أن الهبة لمن له ولاية تتم بالعقد. قوله:
(اتفاقا) لتفرق القبض. قوله: (صدقة) انظر ما نكتبه بعد الباب عند قول المتن والصدقة كالهبة
وفي المضمرات: ولو قال وهبت منكما هذه الدار والموهوب لهما فقيران صحت الهبة بالاجماع.
تاترخانية. لكن قال بعده: وفي الأصل: هبة الدار من رجلين لا تجوز، وكذا الصدقة، فيحتمل أن
قوله: وكذا الصدقة: أي على غنيين، والأظهر أن في المسألة روايتين ا ه‍. قال في البحر: وصحح
في الهداية ما ذكره في الفرق. قوله: (لا لغنيين) هذا قوله، وقالا يجوز، وفي الأصل أن الهبة لا
تجوز، وكذا الصدقة عنده ففي الصدقة عنه روايتان. خانية. قوله: (لا تملك) تقدم أن المفتى به أن
الفاسدة تملك بالقبض، فهو مبني على ما قدمنا ترجيحه. تأمل. قوله: (لو قسمها الخ) قاله: في
البحر. قوله: (إن استويا) أي وزنا وجودة. خانية. قوله: (جاز) مخالف لما في الخانية، فإنه ذكر
التفصيل فيما إذا قال نصفهما، ثم قال: وإن قال أحدهما لك هبة لم يجز كانا سواء أو مختلفين.
قوله: (ثلثهما جاز) هذا يفيد أن المراد بقوله سابقا أو نصفهما واحد منهما لا نصف كل، وإلا فلا
فرق بينه وبين الثلث في الشياع، بخلاف حمله على أن المراد أحدهما فإنه مجهول فلا يصح. قوله:
(مطلقا) استويا أو اختلفا. منح. قوله: (تجوز هبة حائط الخ) وفي الذخيرة: هبة البناء دون الأرض
جائزة. وفي الفتاوى عن محمد فيمن وهب لرجل غلة وهي قائمة لا يكون قابضا لها حتى يقطعها
ويسلمها إليه. وفي الشراء إذا خلي بينه وبينهما صار قابضا لها. متفرقات التاترخانية وقدمنا نحوه
عن حاشية الفصولين للرملي.
267

باب الرجوع في الهبة
في الهامش: ولو قال الواهب أسقطت حقي في الرجوع لا يبطل حقه في. بزازية. قوله:
(لكن سيجئ) أي عن المجتبى، والضمير في اشتراطه للعوض. قال الرملي: وقد يقال: ما في
الجواهر لم يدخل في كلام المجتبى، إذ ما في الجواهر صلح عن حق الرجوع نصا وقد صح الصح فلزم
سقوطه ضمنا، بخلاف ما لو أسقطه قصدا، فكم من شئ يثبت ضمنا ولا يثبت قصدا، وليس بحق
مجرد حتى يقال بمنع الاعتياض عنه كما هو ظاهر. وما في المجتبى مسألة أخرى فتأمله. قوله:
(اشتراطه) أي العوض، لكن سيجئ البحث في هذا الاشتراط. قوله: (ويمنع الرجوع الخ) هو كقول
بعضهم:
(الرجز)
ويمنع الرجوع في فضل الهبة * يا صاحبي حروف دمع خزقه
قال الرملي: قد نظم ذلك والدي العلامة شيخ الاسلام محيي الدين فقال:
منع الرجوع من المواهب سبعة * فزيادة موصولة موت عوض
وخروجها عن ملك موهوب له * زوجية قرب هلاك قد عرض
قوله: (يعني الموانع) لا يقال بقي من الموانع الفقر لما سيأتي أنه لا رجوع في الهبة للفقير لأنها
صدقة. شرنبلالية. قوله: (فالدال الزيادة) قيد بها لان النقصان كالحبل وقطع الثوب بفعل الموهوب له
أو لا غير مانع. بحر. وفي الحيل كلام يأتي. قوله: (في نفس العين) خرج الزيادة من حيث السعر
فله الرجوع. بحر. قوله: (القيمة) خرج الزيادة في العين فقط كطول الغلام وفداء الموهوب له لو
جنى الموهوب خطأ. بحر وتمامه فيه. قوله: (كأن شب ثم شاخ) فيه أنه من قبيل زوال المانع كما قاله
الأسبيجابي ولهذا سموها موانع. وعبارة القهستاني مانع الزيادة إذا ارتفع، كما إذا بني ثم هدم عادم
حق الرجوع كما في المحيط وغيره، ومن الظن أنه ينافيه ما في النهاية أنه حين زاد لا يعود حق
الرجوع بعده، لأنه قال ذلك فيما إذا زاد وانتقص جميعا كما صرح به نفسه اه‍.
قلت: في التاترخانية: ولو كانت الزيادة بناء فإنه يعود حق الرجوع والمانع من الرجوع الزيادة
في العين. كذا ذكر شمس الأئمة السرخسي. قوله: (لان الساقط) تعليل لما يفهم من قوله: فليتنبه
له فإنه بمنزلة قوله: وفيه نظر ح. قوله: (وإلا رجع) أي إن لم يعدا زيادة رجع. قال في الخانية:
وهب دارا فبنى الموهوب له في بيت الضيافة التي تسمى بالفارسية كاسناه تنورا للخبز كان للواهب
268

أن يرجع، لان مثل هذا يعد نقصانا لا زيادة ا ه‍. قوله: (ولو عدا الخ) مفهوم قوله: في كل الأرض
وقوله: في قطعة منها بأن كانت عظيمة. قوله: (ومداواته) أي لو كان مريضا من قبل، فلو مرض
عنده فداواه لا يمنع الرجوع. بحر. قوله: (وحمل تمر) قال الزيلعي: ولو نقله من مكان
إلى مكان حتى ازدادت قيمته واحتاج فيه إلى مؤنة النقل: ذكر في المنتقى أن عندهما ينقطع الرجوع. وعند أبي
يوسف لا، لان الزيادة لم تحصل ف يا لعين فصار كزيادة السعر. ولهما أن الرجوع يتضمن إبطال حق
الموهوب له في الكراء ومؤنة النقل، بخلاف نفقة البعد، لأنها ببدل وهو المنفعة والمؤنة بلا بدل اه‍.
قلت: ورأيت في شرح السير الكبير للسرخسي أنه لو كانت الهبة في دار الحرب فأخرجها
الموهوب له إلى موضع يقدر فيه على حملها لم يكن للواهب الرجوع، لأنه حدث فيها زيادة بصنع
الموهوب له، فإنها كانت مشرفة على الهلاك في مضيعة وقد أحياها بالاخراج من ذلك الموضع اه‍.
لكنه ذكر ذلك في صورة ما إذا ألقى شيئا وقال حين ألقاها من أخذه فهو له. ذكره في التاسع
والتسعين اه‍. قوله: (وفي البزازية) أقول: ما في البزازية جزم به في الخلاصة. قوله: (وإن نقص لا)
قال في الهداية: والجواري في هذا تختلف، فمنهن من إذا حبلت اصفر لونها ودق ساقها، فيكون ذلك
نقصا فيها لا يمنع الواهب من الرجوع ا ه‍. وينبغي حمل هذا على ما إذا كان الحبل من غير الموهوب
له، فلو منه لا رجوع، لأنها ثبت لها بالحمل منه وصف لا يمكن زواله، وهو أنها تأهلت لكونها أم
ولده كما إذا ولدت منه بالفعل كما ذكره بعض المتأخرين تفقها، وقد ذكروا أن الموهوب له إذا دبر
العبد الموهوب انقطع الرجوع ط. قوله: (كولد) بنكاح أو سفاح. بزازية. قوله: (قول أبي يوسف)
أقول: وظاهر الخانية اعتماد خلافه حيث قال: ولو ولدت الهبة ولدا كان للواهب أن يرجع في الام
في الحال. وقال أبو يوسف: لا يرجع حتى يستغني الولد عنها، ثم يرجع في الام دون الولد اه‍.
وكتبنا في أول العتق عند قوله: والولد تبع الام الخ مسألة الحبل فراجعها. قوله: (ولو حبلت) تقدم
قريبا أن الحبل إن زاد خيرا منع، وإن نقص لا فليكن التوفيق. سائحاني. قوله: (ولم تلد) مفهومه أنها
لو ولدت ثبت الرجوع كما لو زال البناء. تأمل. قوله: (وقال الزيلعي الخ) والتوفيق ما مر عن
البزازية وعن الهندية. قوله: (نعم) لأنه نقصان، وقدم في باب خيار العيب عن النهر أن الحبل عيب
في بنات آدم لا في البهائم اه‍. قوله: (مريض مديون الخ).
269

فروع: وهب في مرضه ولم يسلم حتى مات بطلت الهبة، لأنه وإن كان وصية حتى اعتبر فيه
الثلث فهو هبة حقيقة فيحتاج إلى القبض.
وهب المريض عبدا لا مال له غير ثم مات وقد باعه الموهوب له لا ينقض البيع ويضمن ثلثيه،
وإن أعتقه الموهوب له والواهب مديون ولا مال له غيره قبل موته جاز، وبعد موت الواهب لا لان
الاعتاق في المرض وصية، وهي لا تعمل حال قيام الدين، وإن أعتقه الواهب قبل موته ومات لا
سعاية على العبد لجواز الاعتاق ولعدم الملك يوم الموت. بزازية. ورأيت في مجموعة منلا علي الصغيرة
بخطه عن جواهر الفتاوى: كان أبو حنيفة حاجا فوقعت مسألة الدور بالكوفة، فتكلم كل فريق بنوع،
فذكروا له ذلك حين استقبلوه، فقال من غير فكر ولا روية: أسقطوا السهم الدائرة تصح المسألة،
مثاله: مريض وهب عبدا له من مريض وسلمه إليه ثم وهبه من الواهب الأول وسلمه إليه ثم ماتا
جميعا ولا مال لهما غيره، فإنه وقع في الدور حتى رجع إليه شئ منه زاد في ماله، وإذا زاد في ماله
زاد في ثلثه، وإذا زاد في ثلثه زاد فيما يرجع إليه، وإذا زاد فيما يرجع إليه زاد في ثلثه، ثم لا يزال
كذلك فاحتيج إلى تصحيح الحساب، وطريقه أن تطلب حسابا له ثلث وأقله تسعة ثم تقول: صحت
الهبة في ثلاثة منها ويرجع من الثلاثة سهم إلى الواهب الأول، فهذا السهم هو سهم الدور فأسقطه من
الأصل بقي ثمانية، ومنه تصح. وهذا معنى قول أبي حنيفة: أسقطوا السهم الدائر. وتصح الهبة في
ثلاثة من ثمانية، والهبة الثانية في سهم فيحصل للواهب الأول ستة ضعف ما صححناه في هبته،
وصححنا الهبة الثانية في ثلث ما أعطينا فثبت أن تصحيحه بإسقاط سهم الدور، وقيل دع الدور يدور
في الهواء اه‍ ملخصا. وفيه حكاية عن محمد فلتراجع. قوله: (وقد وطئت) أي من الموهوب له أو غير
ط. قوله: (والميم الخ) لينظر ما لو حكم بلحاقه مرتدا، أما إذا مات الموهوب له فلان الملك قد انتقل
إلى الورثة. وأما إذا مات الواهب فلان النص لم يوجب حق الرجوع إلا للواهب، والوارث ليس
بواهب. درر.
قلت: مفاد التعليل أنه لو حكم بلحاقه مرتدا فالحكم كذلك، وليراجع صريح النقل، والله
أعلم. قوله: (بطل) يعني عقد الهبة، والأولى بطلت: أي لانتقال الملك للوارث قبل تمام الهبة.
سائحاني. قوله: (ولو اختلفا) أي الشخصان لا بقيد الواهب والموهوب له، وإن كان التركيب يوهمه
بأن قال وارث الواهب ما قبضته في حياته وإنما قبضته بعد وفاته وقال الموهوب له بل قبضته في
حياته والعبد في يد الوارث ط. قوله: (فالقول للوارث) لان القبض قد علم الساعة والميراث قد تقدم
القبض. بحر. قوله: (كفارة) سقوطها إذا لم يوص بها، وكذا الخراج. قوله: (دية) بسكون الهاء،
وخراج بإسكان الجيم (1)، ولو قال هكذا لكان موزونا. خراج ديات ثم كفارة كذا. قوله: (ضمان)
أي إذا أعتق نصيبه موسرا فضمنه شريكه. قوله: (نفقات) أي غير المستدانة بأمر القاضي. قوله:

(1) قوله: (وخراج باسكان الجيم) فيه نظر والمناسب عبارة ط ونصها قال ح: هو من الطويل من الضرب الثالث منه
والجزء الأول والجزء الثاني مقبوض مع تسكين هاء دية ا ه‍.
270

(صلات) بكسر الصاد. قوله: (والعين العوص) وهب لرجل عبدا بشرط أن يعوضه ثوبا إن تقايضا
جاز، وإلا لا. خانية. قوله: (سقط الرجوع) أي رجوع الواهب والمعوض كما في الأنقروي، وإليه
يشير مفهوم الشارح. سائحاني. قال في الهامش: المرأة إذا أرادت أن يتزوجها الذي طلقها فقال المطلق
لا أتزوجك حتى تهبيني ما لك علي فوهبت مهرها الذي عليه على أن يتزوجها ثم أبى أن يتزوجها
قالوا: مهرها الذي عليه على حاله تزوجها أو لم يتزوجها، لأنها جعلت المال على نفسها عوضا عن
النكاح، وفي النكاح العوض لا يكون على المرأة. خانية. وأفتى في الخيرية بذلك اه‍. قوله: (رجع كل) برفع كل منونا عوضا عن المضاف إليه، لان التمليك المطلق يحتمل الابتداء ويحتمل المجازاة،
فلا يبطل حق الرجوع بالشك. مستصفى. قوله: (بهبته) ها هنا كلام، وهو أن الأصل المعروف
كالملفوظ كما صرح به في الكافي، وفي العرف يقصد التعويض، ولا يذكر خذ بدل هبتك ونحوه
استحياء، فينبغي أن لا يرجع، وإن لم يذكر البدلية. وفي الخانية: بعث إلى امرأته هدايا وعوضته المرأة
وزفت إليه ثم فارقها فادعى الزوج أن ما بعثه عارية وأراد أن يسترد وأرادت المرأة أن تسترد العوض
فالقول للزوج في متاعه لأنه أنكر التمليك، وللمرأة أن تسترد ما بعثه إذ تزعم أنه عوض للهبة، فإذا لم
كن ذلك هبة لم يكن هذا عوضا فلكل منهما استرداد متاعه. وقال أبو بكر الإسكاف: إن صرحت
حين بعثت أنه عوض فكذلك، وإن لم تصرح به ولكن نوت أن يكون عوضا كان ذلك هبة منها
وبطلت نيتها، ولا يخفى أنه على هذا ينبغي أن يكون في مسألتنا اختلاف. يعقوبية. قوله: (أو
يسيرا) أي أقل من الموهوب، لان العوض ليس ببدل حقيقة، وإلا لما جاز بالأقل للربا. قوله: (أن يعوض)
وإن عوض فللواهب الرجوع لبطلان التعويض. بزازية. قوله: (من ماله) أي من مال الصغير، ولو
من مال الأب صح لما سيأتي من صحة التعويض من الأجنبي. سائحاني. قوله: (وهب العبد) فوهب
مبني للمفعول. أي وهب له شخص شيئا. قوله: (ثم عوض) أي عوض العبد عن هبته. قوله:
(الرجوع) لعدم ملك التاجر المأذون الهبة فلم يصح العوض. قوله: (بحر) لان العبد المأذون لا يملك
أن يهب أولا أو آخرا في التعويض. سائحاني. ويحتمل أن وهب مبني للفاعل وعوض مبني
للمفعول. قوله: (من نصراني) من بمعنى اللام. قوله: (خمرا) مفعول تعويض. قوله: (في هبة) يعني
إذا وهبه دراهم تعينت، فلو أبدلها بغيرها كان إعراضا منه عنها، فلو أتى بغيرها ودفعه له فهو هبة
مبتدأة وإذا قبضها الموهوب له وأبدلها بجنسها أو بغير جنسها لا رجوع عليه، ومثل الدراهم الدنانير
271

ط. قوله: (ورجوع) أي ليس له أن يرجع إلا إذا كانت دراهم الهبة قائمة بعينها، فلو أنفقها كان
إهلاكا يمنع الرجوع ط. قوله: (بالطحن) أي فلا يقال إنه عين الموهوب أو بعضه. قوله: (ثم عوضه)
أي البعض: أي جعله عوضا عن الهبة لحصول الزيادة فكأنه شئ آخر. قوله: (امتنع الرجوع) لأنه
ليس له الرجوع في الولد فصح العوض. قوله: (ولا رجوع) أي للمعوض على الموهوب له ولو كان
شريكه سواء كان بإذنه أو لا، لان التعويض ليس بواجب عليه، فصار كما لو أمره أن يتبرع لانسان
إلا إذا قال على أني ضامن، بخلاف المديون إذا أمر رجلا بأن يقضي دينه حيث يرجع عليه وإن لم
يضمن، لان الدين واجب عليه. منح. قوله: (لعدم) علة لقوله: ولا رجوع. قوله: (والأصل الخ)
تقدم قبل كفالة الرجلين أصلان آخران. قوله: (لكن) استدراك على قوله: وما لا فلا قوله: (رجع
بنصف العوض) قال في الجوهرة: وهذا أي الرجوع فيما إذا لم يحتمل القسمة، وإن فيما يحتملها إذا
استحق بعض الهبة بطل في الباقي ويرجع بالعوض اه‍: أي لان الموهوب له تبين أنه لم يملك ذلك
البعض المستحق فبطل العقد من الأصل لأنه هبة مشاع فيما يحتمل القسمة. قوله: (وعكسه لا) أي إن
استحق نصف العوض لا يرجع بنصف الهبة، لان النصف الباقي مقابل لكل الهبة، فإن الباقي يصلح
للعوض ابتداء فكان إبقاء، إلا أنه يتخير، لأنه ما أسقط حقه في الرجوع إلا ليسلم له كل العوض ولم
يسلم له فله أن يرده. قوله: (ليسلم) الأولى لأنه لم يسلم له العوض. قوله: (الغير المشروط) أي في
العقد. قوله: (ولو عوض النصف الخ) عوضه في بعض هبته بأن كانت ألفا عوضه درهما منه، فهو
فسخ في حق الدرهم ويرجع في الباقي، وكذا البيت في حق الدار. بزازية. قوله: (ولا يضر الشيوع)
272

أي الحاصل بالرجوع في النصف. قوله: (ولم أر من صرح الخ) قائله صاحب المنح. أقول: صرح به
في غاية البيان ونصه: قال أصحابنا: إن العوض الذي يسقط به الرجوع ما شرط في العقد، فأما إذا
عوضه بعد العقد لم يسقط الرجوع، لأنه غير مستحق على الموهوب له، وإنما تبرع به ليسقط عن نفسه
الرجوع يكون هبة مبتدأة، وليس كذلك إذا شرط في العقد، لأنه يوجب أن يصير حكم العقد حكم
البيع، ويتعلق به الشفعة ويرد بالعيب، فدل أنه قد صار عوضا عنها. وقالوا أيضا: يجب أن يعتبر في
العوض الشرائط المعتبرة في الهبة من القبض وعدم الإشاعة لأنه هبة. كذا في شرح الأقطع. وقال في
التحفة: فأما العوض المتأخر عن العقد فهو لاسقاط الرجوع، ولا يصير في معنى المعاوضة لا ابتداء
ولا انتهاء، وإنما يكون الثاني عوضا عن الأول بالإضافة إليه نصا كهذا عوض عن هبتك، فإن هذا
عوض إذا وجد القبض ويكون هبة يصح، ويبطل فيما تصح وتبطل به الهبة، وأما إذا لم يضف إلى
الأول يكون هبة مبتدأة وثبت حق الرجوع في الهبتين جميعا اه‍ مع بعض اختصار. ومفاده: أنهما
قولان أو روايتان: الأول لزوم اشتراطه في العقد. والثاني لا بل لزوم الإضافة إلى الأول. وهذا
الخلاف في سقوط الرجوع، وأما كونه بيعا انتهاء فلا نزاع في لزوم اشتراطه في العقد. تأمل. قوله:
(وفروع المذهب الخ) قلت: الظاهر أن الاشتراط بالنظر لما سبق من توزيع البدل على المبدل لا مطلقا،
وحينئذ فما في المجتبى لا يخالف إطلاق فروع المذهب فتأمل. أبو السعود المصري. قوله: (كما مر)
من دقيق الحنطة وولد إحدى جاريتين. قوله: (سواء كان) أي رجوع الثاني. قوله: (فسخ) فإذا عاد
إلى الواهب الثاني ملكه عاد بما كان متعلقا به. قوله: (لم يرجع الأول) لان حق الرجوع لم يكن ثابتا
في هذا الملك. درر عن المحيط. قوله: (لا يمنع الرجوع) وجازت الأضحية كما في المنح عن
المجتبى. قوله: (فجعله) أي الموهوب له. قوله: (عبد عليه دين
الخ) صبي له على مملوك وصية دين، فوهب الوصي عبده للصبي ثم أراد الوصي الرجوع، في ظاهر الرواية له ذلك، وعن محمد المنع.
بزازية. قوله: (استحسانا) قال في الخانية: وفي القياس لا يصح رجوعه في الهبة، وهو رواية الحسن
عن أبي حنيفة والمعنى عن أبي يوسف وهشام عن محمد، وعلى قول أبي يوسف: إذا رجع في الهبة
ويعود الدين والجناية، وأبو يوسف استفحش قول محمد وقال: أرأيت لو كان على العبد دين لصغير
فوهبه مولاه منه فقبل الوصي وقبض فسقط الدين، فإن رجع بعد ذلك لو قلنا لا يعود الدين كان
273

قبول الوصي الهبة تصرفا مضرا على الصغير ولا يملك ذلك، وأما مسألة النكاح ففيها روايتان عن أبي
يوسف في رواية: إذا رجع الواهب يعود النكاح ا ه‍. قوله: (كعكسه) أي لو وهبت لرجل ثم نكحها
رجعت ولو لزوجها. قوله: (لذي رحم محرم) خرج من كان ذا رحم وليس بمحرم، ومن كان محرما
وليس بذي رحم. درر. فالأولى كابن العم، فإذا كان أخاه من الرضاع أيضا فهو خارج أيضا،
واحترز عنه بقوله: نسبا فإنه ليس بذي رحم محرم من النسب كما في الشرنبلالية، والثاني كالأخ
رضاعا. قوله: (منه نسبا) الضمير في منه للرحم، فخرج الرحم غير المحرم
كابن العم، والمحرم غير الرحم كالأخ رضاعا، والرحم المحرم الذي محرميته لا من الرحم كابن عم هو أخ رضاعا، وعلى
هذا لا حاجة إلى قوله: نسبا. نعم يحتاج إليه لو جعل الضمير للواهب ليخرج به الأخير. تدبر
. قوله: (ولو ابن عمه) أي ولو كان أخوه رضاعا ابن عمه، وهذا خارج بقوله:
منه أو بقوله: نسبا لان محرميته ليست من النسب بل من الرضاع. ولا يخفي أن وصله بما قبله غير ظاهر، لان
قوله: المحرم بلا رحم لا يشمله لكونه رحما، ويمكن أن يقال قوله: بلا رحم الباء فيه للسببية: أي
لمحرم بسبب غير الرحم كالباء في قوله بعده بالمصاهرة قوله: (ولمحرم) عطف على لمحرم فلا يمنع
الرجوع. باقاني. قوله: (والربائب الخ) وأزواج البنين والبنات. خانية. قوله: (رجع) لان الملك لم
يقع فيها للقريب من كل وجه بدليل أن العبد أحق بما وهب له إذا احتاج إليه وهذا عنده، وقالا:
يرجع في الأولى دون الثانية كما في البحر. قوله: (ذا رحم محرم) صورته: أن يكون لرجل أختان
لكل واحدة منهما ولد وأحد الولدين مملوك للآخر، أن يكون له أخ من أبيه وأخ من أمه وأحدهما
مملوك للآخر. قوله: (هلاك العين) وكذا إذا استهلكت كما هو ظاهر، صرح به أصحاب الفتاوى.
رملي: قلت: وفي البزازية: ولو استهلك البعض له أن يرجع بالباقي. قوله: (مسبب النسب) بضم
الميم وفتح السين وتشديد الباء وهو المال: أي ادعى بسبب النسب مالا لازما وكان المقصود إثباته دون
النسب. منح. قوله: (ولا يصح الخ) قال قاضيخان: وهب ثوبا لرجل ثم اختلسه منه فاستهلكه
274

ضمن الواهب قيمة الثوب للموهوب له، لان الرجوع في الهبة لا يكون إلا بقضاء أو رضا.
سائحاني. قوله: (أو بحكم الحاكم إلخ) الواهب إذا رجع في هبته في مرض الموهوب له بغير قضاء
يعتبر ذلك من جميع مال الموهوب له أو من الثلث: فيه روايتان، ذكر ابن سماعة في القياس: يعتبر
من جميع ماله. خانية. قوله: (بمنعه) أي وقد طلبه لأنه تعدي، فلو أعتقه قبل القضاء نفذ، ولو منعه
فهلك لم يضمن لقيام ملكه فيه، وكذا إذا هلك بعد القضاء لأنه أول القبض غير مضمون وهذا دوام
عليه. بحر. قوله: (وإعادة) بنصبه مطوف على فسخا. قوله: (لا هبة) أي كما قاله زفر رحمه الله.
قوله: (في الشائع) بأن رجع لبعض ما وهب. قوله: (على بائعه) أي بحكم خيار العيب: يعني ولم
يعلم بالعيب قبل الهبة. أبو السعود. قوله: (مطلقا) حال من رجوع الواهب. قوله: (وصف
السلامة) ولهذا لو زال العيب امتنع الرد. قوله: (لعاد المنفصل) أي الزوائد المنفصلة المتولدة من
الموهوب. كذا في الهامش. قوله: (لا صح رجوعه) صفة للموضع. كذا في الهامش. قوله: (لأنها
هبة) أي الإقالة هبة: أي مستقلة. وعبارة البزازية: استقال المتصدق عليه بالصدقة فأقاله لم يجز حتى
يقبض لأنه هبة مستقلة، وكذا إذا كانت الهبة لذي رحم محرم، وكل شئ لا يفسخه الحاكم إذا
اختصما إليه فهذا حكمه، وتمامه فيها فراجعها في نسخة صحيحة، قوله: (وكل شئ يفسخه) قيل
الظاهر أنه سقط منه لفظة لا والأصل لا يفسخه كما هو الواقع في الخانية اه‍. وبه يظهر المعنى
ويكون المراد منه تعميم المحارم وغيرهم مما لا رجوع في هبتهم. قوله: (ولو وهب إلخ) سيجئ في
الورقة الثانية أن المعتمد الصحة. سائحاني. قوله: (عاد الرجوع) مبني على ما قدمه عن الخانية واعتمده
القهستاني، لكن في كلامه هناك إشارة إلى اعتماد خلافه.
قلت: ولا يخفى ما في إطلاق الدرر، فإن المانع قد يكون خروج الهبة من ملكه ثم تعود بسبب
جديد، وقد يكون للزوجية ثم نزول، وفي ذلك لا يعود رجوع كما صرحوا به، نعم صرحوا به فيما
إذا بنى في الدار ثم هدم البناء وفيما إذا وهبها لآخر ثم رجع، ولعل المراد زوال المانع العارض،
فالزوجية وإن زالت لكنها مانع من الأصل، والعود، بسبب جديد بمنزلة تجدد ملك حادث من جهة
غير الواهب فصارت بمنزلة عين أخرى غير الموهوبة، بخلاف ما إذا عادت إليه بما هو فسخ، هذا ما
275

ظهر لي فتدبره. قوله: (وضمن) بتشديد الميم والمستحق فاعله والموهوب مفعوله. قوله: (التقابض) أي
في المجلس وبعده بالاذن. سائحاني. قوله: (في العوضين) فإن لم يوجد التقابض فلكل واحد منهما
أن يرجع، وكذا لو قبض أحدهما فقط فلكل الرجوع، القابض وغيره سواء. غاية البيان. قوله: (بيع
انتهاء) أي إذا اتصل القبض بالعوضين. غاية البيان. إلا أنه لا تحالف لو اختلفا في
قدر العوض لما في المقدسي عن الذخيرة اتفاقا على أن الهبة بعوض. واختلفا في قدره ولم يقبض والهبة قائمة، خير
الواهب بين تصديق الموهوب له والرجوع في الهبة أو بقيمتها لو هالكة، ولو اختلفا في أصل العوض
فالقول للموهوب له في إنكاره، وللواهب الرجوع لو قائما، ولو مستهلكا فلا شئ له، ولو أراد
الرجوع فقال أنا أخوك أو عوضتك أو إنما تصدقت بها فالقول للواهب استحسانا ا ه‍ ملخصا. قوله:
(بلا شرط) متعلق بوهب. قوله: (إلى الفرق) قال شيخ والدي: وقد يفرق بينهما بأن الواقف لما شرط
الاستبدال وهو يحصل بكل عقد يفيد المعاوضة كان هذا العقد داخلا في شرطه، بخلاف هبة الأب
مال ابنه الصغير. كذا قاله الرملي في حاشيته على المنح. مدني.
فصل في مسائل متفرقة
قوله: (إلا حملها) اعلم أن استثناء الحمل ينقسم ثلاثة أقسام: في قسم يجوز التصرف ويبطل
الاستثناء كالهبة والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد. وفي قسم لا يجوز أصل التصرف كالبيع
والإجارة والرهن، لأن هذه العقود تبطل بالشروط، وكذا باستثناء الحمل. وفي قسم يجوز التصرف
والاستثناء جميعا كالوصية، لان أفراد الحمل بالوصية جائز فكذا استثناؤه. يعقوبية. قوله: (شيئا عنها)
أي شيئا مجهولا ح. قوله: (لأنه بعض) وقد مر متنا أنه يشترط أن لا يكون العوض بعض الموهوب.
قوله: (أو مجهول) الأول: راجع إلى صورة هبة الدار، والثاني: إلى قوله: أو على أن يعوض ولا
276

يشمل الثلاث التي بعد الأولى، فالأولى تعليل الهداية بأن هذه الشروط تخالف مقتضى العقد، فكانت
فاسدة والهبة لا تبطل بها، إلا أن يقال قوله: والهبة لا تبطل بالشروط من تتمة التعليل. قوله: (ولا
تنس الخ) نبه عليه إشارة إلى دفع ما قاله الزيلعي تبعا للنهاية من أن قوله: أو على أن يعوض الخ فيه
إشكال، لأنه إن أراد به الهبة بشرط العوض، فهي والشرط جائزان فلا يستقيم قوله: بطل الشرط
وإن أراد به أن يعوضه عنها شيئا من العين الموهوبة فهو تكرار محض، لأنه ذكره بقوله: على أن يرد
عليه شيئا منها وحاصل الدفع أن المراد الأول، وإنما بطل الشرط لجهالة العوض. كذا أفاده في
البحر. ثم رأيت صدر الشريعة صرح به فقال: مرادهم ما إذا كان العوض مجهولا، وإنما يصح
العوض إذا كان معلوما. قوله: (بشرط محض الخ).
فروع: وهبت مهرها لزوجها على أن يجعل أمر كل امرأة يتزوجها عليها بيدها ولم يقبل الزوج،
قيل لا يبرأ، والمختار أن الهبة تصح بلا قبول المديون، وإن قبل إن جعل أمرها بيدها فالإبراء ماض،
وإن لم يجعل فكذلك عند البعض، والمختار أنه يعود، وكذا لو أبرأته على أن لا يضربها ولا يحجرها
أو يهب لها كان فإن لم يكن هذا شرطا في الهبة لا يعود المهر.
منعها من المسير إلى أبويها حتى تهب مهرها، فالهبة باطلة لأنها كالمكرهة. وذكر شمس الاسلام
خوفها بضرب حتى تهب مهرها فإكراه إن كان قادرا على الضرب، وذكر بكر سقوط المهر.
لا يقبل التعليق بالشرط، ألا ترى أنها لو قالت لزوجها إن فعلت كذا فأنت برئ من المهر لا
يصح.
قال لمديونه: إن لم أقتض ما لي عليك حتى تموت فأنت في حل فهو باطل، لأنه تعليق والبراءة
لا تحتمله. بزازية. قوله: (لأنه مخاطرة) لاحتمال موت الدائن قبل الغد أو قبل موت المديون ونحو
ذلك، لان المعنى إذا مت قبلي وإن جاء الغد والدين عليك فيحتمل أن يموت الدائن قبل الغد أو قبل
موت المديون، فكان مخاطرة. كذا قرره شيخنا.
وأقول: الظاهر أن المراد أنه مخاطرة في مثل إن مت من مرضك هذا، وتعليق في مثل إن جاء
الغد والابراء لا يحتملهما، وأن المراد بالشرط الكائن الموجود حالة الابراء. وأما قوله إن مت بضم التاء
فإنما صح وإن كان تعليقا لأنه وصية، وهي تحتمل التعليق فافهم. وتقدمت المسألة في متفرقات
البيوع فيما يبطل بالشرط، ولا يصح تعليقه به. قوله: (جاز العمرى) بالضم من الأعمار كما في
الصحاح. قال في الهامش: العمى هي أن يجعل داره له عمره فإذا مات ترد عليه اه‍. قوله: (لا
277

تجوز الرقبى) هي أن تقول إن مت قبلك فهي لك لحديث أحمد وأبي داود والنسائي مرفوعا من أعمر
عمري الخ كذا في الهامش في كافي الحاكم الشهيد باب الرقبى.
رجل حضرته الوفاة فقال داري هذه حبيس، لم تكن حبيسا وهي ميراث، وكذا إن قال داري
هذه حبيس على عقبى من بعدي، والرقبى هو الحبيس وليس بشئ.
رجل قال لرجلين عبدي هذه لأطولكما حياة، أو قال عبدي هذا حبيس على أطولكما حياة فهذا
باطل وهو الرقي، وكذا لو قال لرجل داري لك حبيس، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو
يوسف: أما أنا فأرى أنه إذا قال لك حبيس فهي له إذا قبضها، وقوله: حبيس باطل، وكذلك إذا
قال هي لك رقبى اه‍. وفيه أيضا فإذا قال داري هذه لك عمري تسكنها وسلمها إليه فهي هبة، وهي
بمنزلة قوله: طعامي هذا لك تأكله وهذا الثوب لك تلبسه، وإن قال وهبت لك هذا العبد حياتك
وحياته فقبضه فهي هبة جائزة، وقوله: حياتك باطل، وكذا لو قال أعمرتك داري هذه حياتك أو قال
أعطيتكها حياتك فإذا مت فهي لي وإذا مت أنا فهي لوارثي، وكذا لو قال هو هبة لك ولعقبك من
بعدك، وإن قال أسكنتك داري هذه حياتك ولعقبك من بعدك فهي عارية، وإن قال هي لك ولعقبك
من بعدلك فهي هبة له، وذكر العقب لغو ا ه‍. قوله: (فلا عوض) لأنها إنما قصدت التعويض عن
هبة، فلما ادعى العارية ورجع لم يوجد التعويض فلها الرجوع. قوله: (من غير قبول) لما فيه من معنى
الاسقاط ح. قوله: (عقد صرف أو سلم) لأنه لا يتوقف على القبول في السلم والصرف لكونه موجبا
للفسخ فيهما لا لكونه هبة. منح. قوله: (لكن يرتد الخ) استدراك على قوله: يتم من غير قبول
بمعنى أنه وإن تم من غير قبول لما فيه من معنى الاسقاط لكنه يرتد بالرد لما فيه من معنى التمليك ح.
قال في الأشباه: الابراء يرتد بالرد إلا في مسائل: الأولى: إذا أبرأ المحتال المحال عليه فرده لا
يرتد. وكذا إذا قال المديون أبرئني فأبرأه، وكذا إذا أبرأ الطالب الكفيل. وقيل يرتد. الرابعة: إذا قبله
ثم رده لم يرتد اه‍. قوله: (الاسقاط) تعليل للتعميم: يعني وإنما صح الرد في غير المجلس لما فيه من
معنى الاسقاط، إذ التمليك المحض يتقيد رده بالمجلس، وليس تعليلا لقوله: يرتد بالرد لما علمت أن
علته ما فيه من معنى التمليك فتنبه ح. قوله: (لكن في الصيرفية) استدراك على تضعيف صاحب
العناية القول الثاني. قوله: (لكن في المجتبى) استدراك على جعلهم كلا من الهبة والابراء إسقاطا من
وجه تمليكا من وجه، وأنت خبير بأن هذا الاستدراك مخالف للمشهور ح. قوله: (تمليك) أي فيحتاج
278

إلى القبول. قال في الهامش: فمن قال بالتمليك يحتاج إلى الجواب. منح. قوله: (إسقاط) ومن قال
للاسقاط لا يحتاج إليه منح. كذا في الهامش. قوله: (على قبضه) أي وقبضه. قال في جامع
الفصولين: هبة الدين ممن ليس عليه لم تجز إلا إذا وهبه وأذن له بقبضه جاز صك لم يجز، إلا إذا سلطه
على قبضه فيصير كأنه وهبه حين قبضه ولا يصح إلا بقبضه ا ه‍. فتنبه لذلك. رملي. قال السائحاني:
وحينئذ يصير وكيلا في القبض عن الامر، ثم أصيلا في القبض لنفسه. ومقتضاه صحة عزله عن
التسليط قبل القبض، وإذا قبض بدل الدراهم دنانير صح، لأنه صار الحق للموهوب له فملك
الاستبدال، وإذا نوى في ذلك التصدق بالزكاة أجزأه كما في الأشباه اه‍. قوله: (ما على أبيه) أي
وأمرته بالقبض. بزازية مدني. قوله: (للتسليط) أي إذا سلطته على القبض كما يشير إليه قوله: ومنه
وفي الخانية: وهبت المهر لابنها الصغير الذي من هذا الزوج الصحيح أنه لا تصح الهبة إلا إذا سلطت
ولدها على القبض فيجوز ويصير ملكا للولد إذا قبض ا ه‍. فقول الشارح للتسليط أي التسليط صريحا
لا حكما كما فهمه السائحاني وغيره، لكن لينظر فيما إذا كان الابن لا يعقل فإن القبض يكون لأبيه،
فهل يشترط أن يفرز الأب قدر المهر ويقبضه لابنه أو يكفي قبوله كما في هبة الدين ممن عليه. قوله:
(بالبيع) فلو دفع للموكل عن دين المشتري على أن يكون ما على المشتري للوكيل لا يجوز. قوله:
(وليس منه) أي من تمليك الدين ممن ليس عليه. قوله: (فتأمله) يمكن الجواب بأن المراد الدين الذي لي
على فلان بحسب الظاهر هو لفلان في نفس الامر، فلا إشكال فتدبر ح.
أقول: ويمكن أن يكون مبينا على الخلاف، فإنه قال في القنية راقما لعلي السعدي: إقرار الأب
لولده الصغير بعين من ماله تمليك إن أضافه إلى نفسه في الاقرار، وإن أطلق فإقرار كما في سدس
داري وسدس هذه الدار، ثم رقم لنجم الأئمة البخاري إقرار في الحالتين لا تمليك اه‍. قال في إقرار
المنح: فيفيد أن في المسألة خلافا، ولكن الأصل المذكور هو المشهور، وعليه فروع الخانية
وغيرها. وقد يجاب بأن الإضافة في قوله: الدين الذي لي إضافة نسبة لا مالك، كما أجاب به
الشارح في الاقرار عن قولهم جميع ما في بيتي لفلان فإنه إقرار، وكذا قالوا من ألفاظ الاقرار جميع ما
يعرف بي أو جميع ما ينسب إلي، والله تعالى أعلم. وقد مرت المسألة قبيل إقرار المريض وأجبنا عنه
بأحسن مما هنا فراجعه. قوله: (غير مقبوضة) فإن قلت: قدم أن الصدقة لفقيرين جائزة فيما يحتمل
القسمة بقوله: وصح تصدق عشرة لفقيرين. قلت: المراد هنا من المشاع أن يهب بعضه لواحد فقط
279

فحينئذ هو مشاع يحتمل القسمة، بخلاف الفقيرين فإنه لا شيوع كما تقدم. بحر. قوله: (ولو على
غني) اختاره في الهداية مقتصرا عليه، لأنه قد يقصد بالصدقة على الغني الثواب لكثرة عياله. بحر.
وهذا مخالف لما مر قبيل باب الرجوع من أن الصدقة على الغني هبة، ولعلهما قولان. تأمل. قوله:
(فأمر السلطان) هذا إنما يتم في أرض موات أو ملك السلطان، أما إذا أقطعه من غير ذلك فللامام
أن يخرجه متى شاء كما سلف ذلك في العشر والخراج ط. قوله: (أو أقرضته) وسيأتي ما لو تصرف
في ما لها وادعى أنه بإذنها. قوله: (وإلا فميراث) بأن دفع إليه ليعمل للأب.
فروع: دفع دراهم إلى جل وقال أنفقها ففعل فهو قرض، ولو دفع إليه ثوبا وقال ألبسه نفسك
فهو هبة، والفرق مع أنه تمليك فيهما أن التمليك قد يكون بعوض، وهو أدنى من تمليك المنفعة، وقد
أمكن في الأول لان قرض الدراهم يجوز، بخلاف الثانية. ولوالجية. وفيها: قال أحد الشريكين للآخر
وهبتك حصتي من الربح والمال قائم لا تصح، لأنها هبة مشاع فيما يحتمل القسمة، ولو كان استهلكه
الشريك صحت.
رجل اشتري حليا ودفعه إلى امرأته واستعملته ثم ماتت، ثم اختلف الزوج وورثتها أنها هبة أو
عارية، فالقول قول الزوج مع اليمين أنه دفع ذلك إليها عارية، لأنه منكر للهبة. منح. وانظر ما كتبناه
أول كتاب الهبة عن خزانة الفتاوى: قال الرملي: وهذا صريح في در كلام أكثر العوام أن تمتع المرأة
يوجب التمليك ولا شك في فساده ا ه‍. وسبقه إلى هذا صاحب البحر كما ذكرناه عنه في باب
التحالف، وكتبنا هناك عن البدائع: أن المرأة إن أقرت أن هذا المتاع اشتراه ليس سقط قولها، لأنها أقرت
بالملك لزوجها ثم ادعت الانتقال إليها فلا يثبت إلا بالبينة ا ه‍. وظاهره شمول ثياب البدن، ولعله في
غير الكسوة الواجبة وهو الزائد عليها. تأمل وراجع. ويدل عليه ما مر أول الهبة من قوله: اتخذ
لولده ثيابا الخ فحيث لا رجوع له هناك ما لم يصرح بالعارية فهنا أولى. قوله: (خوان) بكسر الخاء
280

وأخونة قبلها بكسر التاء منونة. قوله: (على الصلات) بكسر الصاد. قوله: (مطلقا) أي سواء قبل
المديون أو لا، وقيل لا بد من القبول، ويظهر لك منه ما في كلام البحر حيث قال أول باب الرجوع:
وأطلق الهبة فانصرفت إلى الأعيان، فلا رجوع في هبة الدين للمديون بعد القبول، بخلافه قبله لكونه
إسقاطا اه‍. وكأنه اشتبه عليه الرد بالرجوع، تأمل. قوله: (وإبراء ذي نصف الخ) قال قاضيخان: وإذا
كان دين شريكين فوهب أحدهما نصيبه من المديون جاز، وإن وهب نصف الدين مطلقا ينفذ في الربع
كما لو وهب نصف العبد المشترك اه‍. كذا في الهامش. قوله: (على حجها الخ) اشتمل البيت على
مسألتين: الأولى: امرأة تركت مهرها للزوج على أن يحج بها فلم يحج بها، قال محمد ابن مقاتل إنها
تعود بمهرها، لان الرضا بالهبة كان بشرط العوض، فإذا انعدم العوض انعدم الرضا والهبة لا تصح
بدون الرضا. والثانية: إذا قالت لزوجها وهبت مهري منك على أن لا تظلمني فقبل صحت الهبة،
فلو ظلمها بعد ذلك فالهبة ماضية. وقال بعضهم: مهرها باق إن ظلمها. كذا في الهامش. قوله:
(معلق تطليق الخ) البيت للشرنبلابي نظم فيه مسألة سئل عنها وهي: قال لها متى نكحت عليك
أخرى وأبرأتني من مهرك فأنت طالق، فهل إذا ادعى أنه أوفاها المهر فلم يبق ما تبرئه عنه وأنكرت
يقبل في عدم الحنث؟ وإن لم يقبل بالنظر بسقوط حقها كما يقبل قوله: لو اختلفا في وجود الشرط؟
فأجاب: أن رد الابراء لم يحنث، لأنه لو كان كما ادعت فرده أبطله، وإن كان كما ادعى فالرد معتبر
لبطلان الابراء المقتضي للحنث، وإنما اعتبر الرد مع دعوى الدفع لما يأتي أنه إذا قبض دينه ثم أبرأ
غريمه وقبل صح الابراء ويرجع عليه بما قبض ا ه‍ ملخصا. ومفهومه: أنه لو لم يقبل لم يصح
الابراء، قال: وإنما سطرته دفعا لما يتوهم من الحنث بمجرد الابراء، وانظر ما ذكر الشارح في آخر
باب التعليق. وقال في الهامش: أي إذا علق طلاق امرأته على نكاح أخرى مع الابراء عن المهر
فتزوج فادعت امرأته الابراء فادعى دفع المهر فالقول له في عدم الحنث، لكن قال في الأشباه: وعلى
أن الابراء بعد القضاء صحيح لو علق طلاقها بإبرائها عن المهر ثم دفعه لها لا يبطل التعليق، فإذا
أبرأته براءة إسقاط وقع ا ه‍. كذا في الهامش. قوله: (وإن قبض الانسان) باع متاعا وقبض الثمن من
المشتري ثم أبرأ البائع المشتري من الثمن بعد القبض يصح إبراؤه، ويرجع المشتري على البائع بما كان
دفعه إليه من الثمن. كذا في الهامش. قوله: (صحيحة) أي هي صحيحة. كذا في الهامش. قوله:
281

(أي بنكاح) عبارة الشرنبلالي: أي بقهر المرأة لبقائها في نكاحه مع الضرة، وهو الأنسب حيث كان
المعلق طلاقها لا طلاق الضرة.
فائدة: قال الزاهدي في كتابه المسمى بحاوي المنية للقاضي عبد الجبار: انتهب وسادة
كرسي العروس وباعها بحل إن كانت وضعت للنهب اه‍.
أقول: وعليه يقاس شمع الأعراس والموالد. رملي على المنح، والله سبحانه أعلم.
قال الفقير إلى الباري سبحانه المرتجى كرمه وإحسانه وامتنانه محمد علاء الدين ابن المؤلف: هذا
آخر ما وجدته على نسخة شيخنا المؤلف المرحوم الوالد السيد محمد أفندي عابدين عليه رحمة
أرحم الراحمين وأحسن له الفوائد، ولكن يحتاج بعضه إلى مراجعة أصله المنقول عنه، فإنه لم يظهر لي، وليس
عندي أصله لأرجع إليه، والله المسؤول وعليه التكلان ونسأله سبحانه التوفيق لأقوم طريق وهو حسبي
ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وذلك في خامس وعشري صفر
الخير نهار الأربعاء قبيل الظهر سنة ألف ومائتين وستين، أحسن الله ختامها آمين.
282

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه آمين.
كتاب الإجارة
أقول: الإجارة بكسر الهمزة هو المشهور، وحكى الرافعي ضمها. وقال صاحب المحكم: هي
بالضم اسم للمأخوذ، مشتقة من الاجر وهو عوض العمل. ونقل عن ثعلب الفتح فهي مثلثة الهمزة.
وفي تكملة البحر للعلامة عبد القادر الطوري: لو قال الايجار لكان أولى، لان الذي يعرف هو الايجاز
الذي هو بيع المنافع، لا الإجارة التي هي الأجرة، قال قاضي زاده: ولم يسمع في اللغة أن الإجارة
مصدر. ويقال أجره: إذا أعطاه أجرته، وهي ما يستحق على عمل الخير، وفي الأساس: آجرني داره
واستأجرتها وهو مؤجر، ولا تقل مؤاجر فإنه خطأ وقبيح. قال: وليس آجر هذا فاعل بل هو أفعل اه‍.
قلت: لكن نقل الرملي في حاشية البحر: قال الواحدي عن المبرد: يقال: أجرت داري ومملوكي
غير ممدود وممدودا والأول أكثر إجارا وإجارة، وعليه فلا اعتراض. تدبر. قوله: (لكونها تمليك عين)
أي والأعيان مقدمة على المنافع، ولأنها بلا عوض وهذه به والعدم مقدم، ثم للإجارة مناسبة خاصة
لفصل الصدقة من حيث إنهما يقعان لازمين فلذا عقبها بها. أفاده الطوري. قوله: (اسم للأجرة) قال
الزيلعي: وفي اللغة: الإجارة فعالة اسم للأجرة، وهي ما يعطى من كراء الأجير، وقد أجره: إذا
أعطاه أجرته اه‍. وفي العيني: فعالة أو إعالة بحذف فاء الفعل اه‍. وقدمنا أنها تكون مصدرا. قوله:
(وهو ما يستحق) ذكر الضمير لعوده على الاجر المفهوم من ذكر مقابله وهي الأجرة، والأوضح
الاظهار فلا خلل في كلامه، فافهم. قوله: (تمليك) جنس يشمل بيع العين والمنفعة، وهو وإن كان
جنسا كما يكون مدخلا يكون مخرجا، فدخل به العارية لأنها تمليك المنافع والنكاح لأنه تمليك البضع
وليس بمنفعة، وبقوله نفع (1) تمليك العين، وقوله بعوض تمام التعريف. طوري.
قال في المنح: وهو أولى بالقبول، من قولهم تمليك نفع معلوم بعوض كذلك، لأنه إن كان تعريفا
للإجارة الصحيحة لم يكن مانعا لتناوله الفاسدة بالشرط الفاسد وبالشيوع الأصلي، وإن كان تعريفا للأعم
لم يكن تقييد النفع والعوض بالمعلوم صحيحا، وما اختير في هذا المختصر تبعا للدرر تعريفا للأعم اه‍.
وفيه نظر، لان التي عرفها أئمة المذهب الإجارة الشرعية وهي الصحيحة، والفاسدة ضدها فلا يشملها
التعريف. قال في المبسوط: لا بد من إعلام ما يرد عليه عقد الإجارة على وجه ينقطع به المنازعة ببيان
المدة والمسافة والعمل، ولا بد من إعلام البدل اه‍. وإلا كان العقد عبثا كما في البدائع، على أنه لا تمليك
بعوض غير معلوم فعاد إلى كلامهم. وتمامه في الشرنبلالية. قوله: (مقصودة من العين) أي في الشرع

(1) قوله: (وبقوله نفع الخ) لا يظهر عطفه على قوله فدخل به على ما لا يخفى، ولعل الصواب فدخل به سائر
التمليكات، وخرج بقوله نفع النكاح لأنه الخ وتمليك العين، وبقوله عوض العارية لأنها تمليك النفع الا انها بدون
عوض ا ه‍.
283

ونظر العقلاء، بخلاف ما سيذكره، فإنه وإن كان مقصودا لمستأجر لكنه لا نفع فيه وليس من المقاصد
الشرعية، وشمل ما يقصد، ولو لغيره لما سيأتي عن البحر من جواز استئجار الأرض مقيلا ومراحا، فإن
مقصوده الاستئجار للزراعة مثلا، ويذكر ذلك حيلة للزومها إذا لم يمكن زرعها. تأمل قوله: (أو أواني)
منصوب بفتحة ظاهرة على الياء، وفي بعض النسخ بحذفها، وكأنه من تحريف النساخ. قوله: (أنه له)
أي الدار أو العبد وما بعده، وأفرد الضمير لعطف المذكورات بأو، وهذه المسائل ستأتي متنا في الباب
الآتي. قوله: (ولا أجر له) أي ولو استعملها فيما ذكره، وقولهم إن الأجرة تجب في الفاسدة بالانتفاع محله
فيما إذا كان النفع مقصودا ط. وقيد في الخلاصة عدم الاجر في جنس هذه المسائل بقوله: إلا إذا كان
الذي يستأجر قد يكون يستأجر لينتفع به اه‍. وسيأتي تمام الكلام فيه. قوله: (وسيجئ) أي في باب ما
يجوز من الإجارة. قوله: (أي بدلا في البيع) فدخل فيه الأعيان، فإنها تصلح بدلا في المقايضة فتصلح
أجرة. قوله: (لأنها ثمن المنفعة) أي وهي تابعة للعين، وما صلح بدلا عن الأصل صلح بدلا عن التبع.
قوله: (ولا ينعكس كليا) قيد به ليفهم أن المراد به العكس اللغوي لا المنطقي، وهو عكس الموجبة الكلية
بالموجبة الجزئية، إذ يصح بعض ما صلح أجرة صلح ثمنا. قوله: (كما سيجئ) أي في آخر باب الإجارة
الفاسدة. قوله: (وتنعقد بأعرتك إلخ) وبلفظ الصلح كما ذكره الحلواني. والأظهر أنها تنعقد بلفظ البيع إذا
وجد التوقيت، وإليه رجع الكرخي كما في البحر، لكن في الشرنبلالية جزم في البرهان بعدم الانعقاد
فقال: لا تنعقد ببعت منفعتها لان بيع المعدوم باطل، فلا يصح تمليكا بلفظ البيع والشراء اه‍. ونقل مثله
عن الخانية. قوله: (بخلاف العكس) يعني أن الإجارة بلا عوض (1) لا تنعقد إعارة. قال في البزازية:
لو قال آجرتك منافعها سنة بلا عوض تكون إجارة فاسدة لا عارية اه‍.
وفي المنح عن الخانية: لو قال آجرتك هذه الدار بغير عوض كانت إجارة فاسدة ولا تكون
عارية، كما لو قال: بعتك هذه العين بغير عوض كان باطلا أو فاسدا لا هبة، ويخالفه ما في عارية
البحر عن الخانية: آجرتك هذه الدار شهرا بلا عوض كانت إعارة، ولو لم يقل شهرا لا تكون إعارة
اه‍. قال في التاترخانية: بل إجارة فاسدة، وقد قيل بخلافه اه‍. وانظر ما قدمنا في العارية. قوله:

(1) قوله: (يعني ان الإجارة بلا عوض الخ) قال شيخنا: والفرق ان الإعارة من التعاور وهو التناوب قد يكون
بأجر، وقد يكون بدونه. فإذا ذكر البدل في الإعارة، يكون المراد أحد ما يتناوله اللفظ، بخلاف الإجارة فإنها اسم
للانتفاع بعوض فإذا ذكر البدل في الإعارة، يكون المراد أحد ما يتناوله اللفظ، بخلاف الإجارة خاصة بانتفاع فيه
عوض. وبين أول الكلام وآخره تناف فان لفظ الإجارة يقتضي عوضا، وقج صرح بنفيه فتعين ان يكون إجارة فاسدة
ا ه‍.
284

(منافعها شهرا بكذا) تنازع في هذه المعمولات الثلاث الفعلان قبلها، وما في المتن ذكره في البحر،
لكن ذكر بعده: لو أضاف العقد إلى المنافع لا يجوز، بأن قال: آجرتك منافع هذه الدار شهرا بكذا،
وإنما يصح بإضافته إلى العين اه‍. وبينهما تناف. لكن قال الرملي: ذكر في البزازية وكثير من الكتب
قولين في المسألة اه‍. وفي الشرنبلالية عن البرهان: لا تنعقد بأجرت منفعتها لأنها معدومة، وإنما
تجوز بإيراد العقد على العين ولم يوجد. وقيل تنعقد به لأنه أتى بالمقصود من إضافة الإجارة إلى العين
اه‍. وظاهره ترجيح خلاف ما مشى عليه المصنف والشارح، ولذا اقتصر عليه الزيلعي. قوله: (أفاد
أن ركنها الايجاب والقبول) أي بقوله هي تمليك أو بقوله وتنعقد. تأمل. ثم الكلام فيهما وفي
صفتهما كالكلام فيهما في البيع. بدائع. وفي تكملة الطوري عن التاترخانية: تنعقد أيضا بغير لفظ، كما لو
استأجر دارا سنة فلما انقضت المدة قال ربها للمستأجر: فرغها لي اليوم، وإلا فعليك كل شهر بألف
فجعل بقدر ما ينقل متاعه بأجرة المثل، فإن سكن شهرا فهي بما قال اه‍. قوله: (وشرطها إلخ) هذا
على أنواع: بعضها شرط الانعقاد، وبعضها شرط النفاذ، وبعضها شرط الصحة، وبعضها شرط
اللزوم، وتفصيلها مستوفى في البدائع، ولخصه ط عن الهندية. قوله: (كون الأجرة والمنفعة معلومتين)
أما الأول فكقوله بكذا دراهم أو دنانير وينصرف إلى غالب نقد البلد، فلو الغلبة مختلفة فسدت الإجارة
ما لم يبين نقدا منها، فلو كانت كيليا أو وزنيا أو عدديا متقاربا فالشرط بيان القدر والصفة، وكذا مكان
الايفاء لو له حمل ومؤنة عنده، وإلا فلا يحتاج إليه كبيان الاجل، ولو كانت ثيابا أو عروضا فالشرط
بيان الاجل والقدر والصفة لو غير مشارا إليها، ولو كانت حيوانا فلا يجوز إلا أن يكون معينا. بحر
ملخصا. وأما الثاني فيأتي في المتن قريبا. قوله: (ساعة فساعة) لان المنفعة عرض لا تبقى زمانين، فإذا
كان حدوثه كذلك فيملك بدله كذلك قصدا للتعادل، لكن ليس له المطالبة بالبدل إلا بمضي منفعة
مقصودة كاليوم في الدار والأرض والمرحلة في الدابة كما سيأتي. قوله: (وهل تنعقد بالتعاطي) قال
في الوهبانية:
وقد جوزوها في القدور تعاطيا
قال الشرنبلالي: المسألة من الظهيرية: استأجر من آخر قدورا بغير أعيانها لا يجوز للتفاوت بينها
صغرا وكبرا، فلو قبلها المستأجر على الكراء الأول جاز، وتكون هذه إجارة مبتدأة بالتعاطي،
وتخصيصه في النظم بالقدور اتباع للنقل، وإلا فهو مطرد في غيرها.
ففي البزازية: غير الإجارة الطويلة ينعقد بالتعاطي لا الطويلة، لان الأجرة غير معلومة لأنها
تكون في سنة دانقا أو أقل أو أكثر اه‍. وفي التاترخانية عن التتمة: سألت أبا يوسف رحمه الله تعالى
عن الرجل يدخل السفينة أو يحتجم أو يفتصد أو يدخل الحمام أو يشرب الماء من السقاء ثم يدفع
الأجرة وثمن الماء. قال: يجوز استحسانا ولا يحتاج إلى العقد قبل ذلك اه‍. قلت: ومنه ما قدمناه عنها من انعقادها بغير لفظ، وسيأتي في المتفرقات عن الأشباه السكوت
في الإجارة رضا وقبول، وفي حاوي الزاهدي رامزا: استأجر من القيم دارا وسكن فيما ثم بقي ساكنا
285

في السنة الثانية بغير عقد وأخذ القيم شيئا من الأجرة فإنه ينعقد به في كل السنة لا في حصة ما أخذ
فقط اه‍. ومثله في القنية في باب انقضاء الإجارة بعد انقضاء مدتها ووجوب الاجر بغير عقد. حامدية.
قوله: (ظاهر الخلاصة نعم) عبارتها كعبارة البزازية المذكورة آنفا. قوله: (إن علمت المدة) صوابه
الأجرة. قال في المنح بعد نقل ما في الخلاصة: مفاده أن الأجرة إذا كانت معلومة في الإجارة
الطويلة تنعقد بالتعاطي، لأنه جعل العلة في عدم انعقادها كون الأجرة فيها غير معلومة، والله تعالى
أعلم. اه‍. قوله: (وفي البزازية) يوهم أنه غير في الخلاصة مع أن عبارتهما واحدة، ثم إن الإجارة
الطويلة على ما سيأتي بيانها الأجرة فيها معلومة، لكنها فيما عدا السنة الأخيرة تكون بشئ يسير،
فتأمل. قوله: (ببيان المدة) لأنها إذا كانت معلومة كان قدر المنفعة معلوما. قوله: (وإن طالت) أي ولو
كانت لا يعيشان إلى مثلها عادة، واختاره الخصاف، ومنعه بعضهم. بحر. وظاهر إطلاق المتون ترجيح
الأول. قوله: (وللمؤجر بيعها اليوم) أي قبل مجئ وقتها بناء على أن المضافة تنعقد ولكنها غير لازمة،
وهو أحد تصحيحين. وأيد عدم اللزوم بأن عليه الفتوى كما سيأتي في المتفرقات. وفي البزازية: فإن
جاء غد والمؤجر عاد إلى ملكه بسبب مستقبل لا تعود الإجارة، وإن رد بعيب بقضاء أو رجع في الهبة
عادت إن قبل مجئ الغد. قوله: (في الأوقاف) وكذا أرض اليتيم كما في الجوهرة وأفتى به صاحب
البحر والمصنف، وأكثر كلامهم على أنه المختار المفتى به لوجود العلة فيهما وهي صونهما عن دعوى
الملكية بطول المدة، بل هذا أولى (1). رملي. وسيأتي عن الخانية أيضا.
وفي فتاوى الكازروني عن شيخه حنيف الدين المرشدي: وأما أراضي بيت المال فإطلاقهم
يقتضي جوازها مطلقا. وأيضا اتساعهم في جواز تصرف الامام فيها بيعا وإقطاعا يفيده اه‍. ملخصا.
لكن في حاشية الرملي أنها مثل عقار اليتيم. قال في الحامدية: والوجه ما قاله اه‍. وفي الخيرية من
الدعوى: أراضي بيت المال جرت على رقبتها أحكام الوقوف المؤبدة اه‍. قوله: (على ثلاث سنين) محله
ما إذا آجره غير الواقف وإلا فله ذلك. وفي القنية: آجر الواقف عشر سنين ثم مات بعد خمس وانتقل
إلى مصرف آخر انقضت الإجارة ويرجع بما بقي في تركة الميت. ط عن سري الدين.
قلت: وفيه كلام سيذكر الشارح آخر باب الفسخ. قوله: (في غيرها) كالدار والحانوت. قوله:
(كما مر في بابه) أي في كتاب الوقف متنا. قال الشارح هناك: إلا إذا كانت المصلحة بخلاف ذلك،
وهذا مما يختلف زمنا وموضعا اه‍. وما مشى عليه المصنف هنا من الاطلاق تبعا للمتون. قال في
الهداية: هو المختار، وما حمله عليه الشارح موافقا لما قدمه في الوقف هو ما أفتى به الصدر الشهيد.
قال في المحيط: وهو المختار للفتوى كما في البحر. قوله: (والحيلة) أي إذا احتاج القيم أن يؤجر

(1) قوله: (بل هذا أولى) لعل وجهه ان الوقف غالبا يكون مشهورا، فلو ادعى المستأجر الملكية يمكن ان تقام عليه
الشهرة حجة وأيضا مال اليتيم ليس له الا خصم واحد، بخلاف الوقف فإنه تصح دعوى كل أحد انه وقف لأنه حق
الله ولو مآلا ا ه‍.
286

الوقف إجارة طويلة. قوله: (متفرقة) عبارة الخانية مترادفة قال: ويكتب في الصك استأجر فلان بن
فلان أرض كذا أو دار كذا ثلاثين سنة بثلاثين عقدا كل عقد سنة بكذا من غير أن يكون بعضها شرطا
في بعض اه‍. ولينظر هل يشترط أن يعقد على كل سنة بعقد مستقل أو يكفي قوله استأجرت ثلاثين
سنة بثلاثين عقدا فينوب عن تكرار العقود؟ والظاهر الأول لقوله: والحيلة أن يعقد عقودا مترادفة.
تأمل. قوله: (كل عقد سنة) أقول: قيد بالسنة ليصح في الضياع وغيرها لا لأنه لازم مطلقا، لأنه لو
جعله في الضياع كل عقد ثلاث سنين صح، بخلاف الأربع فأكثر فيها والزائد على السنة في غيرها،
فإن الحيلة حينئذ لا تجدي نفعا. قوله: (لا الباقي إلخ) مبني على المفتى به من عدم لزوم المضافة كما
قدمه ويأتي. قوله: (يتبع) أي شرطه، لان اتباع شرطه لازم. قوله: (إلا إذا كانت الخ) بأن كان الناس لا
يرغبون في استئجارها سنة وإيجارها أكثر من سنة أدر على الوقف وأنفع للفقراء. إسعاف. قوله:
(فيؤجرها القاضي) قال في الإسعاف: ولو استثنى في كتاب وقفه فقال: لا تؤجر أكثر من سنة إلا إذا
كان أنفع للفقراء فحينئذ يجوز إيجارها إذا رأى ذلك خيرا من غير رفع إلى القاضي للاذن له منه فيه.
قوله: (لان ولايته عامة) لان له ولاية النظر للفقراء والغائبين والموتى. إسعاف. والظاهر أنه لو أذن
في ذلك للمتولي صح، فافهم. قوله: (قلت الخ) فالحيلة حينئذ أن يحكم بها حنبلي كما يفعل في زماننا.
قوله: (وسيجئ متنا) لم أره، نعم سيجئ شرحا بعد صفحة. قوله: (وتفسخ في كل المدة أي لا
في الزائدة فقط. قوله: (لأن العقد الخ) هذا ما استظهره في الخانية.
قال في المنح: وفي فتاوى قاضيخان: الوصي إذا آجر أرض اليتيم أو استأجر لليتيم أرضا بمال
اليتيم إجارة طويلة رسمية (1) ثلاث سنين لا يجوز ذلك، وكذلك أبو الصغير ومتولي الوقف، لان
الرسم أن يجعل شئ يسير من مال الإجارة بمقابلة السنين الأولى ومعظم المال بمقابلة السنة
الأخيرة، فإن كانت الإجارة لأرض اليتيم أو الوقف لا تصح في السنين الأولى لأنها بأقل من أجر
المثل، فإن استأجر أرضا لليتيم أو للوقف ففي السنة الأخيرة يكون الاستئجار بأكثر من أجر المثل فلا
يصح، وإذا فسدت في البعض في الوجهين هل يصح فيما كان خيرا لليتيم؟ والوقف على قول من
يجعل الإجارة الطويلة عقدا واحدا لا يصح. وعلى قول من يجعلها عقودا يصح فيما كان خيرا لليتيم
ولا يصح فيما كان شرا له، والظاهر هو الفساد في الكل اه‍. وقوله: ثلاث سنين الظاهر أن المراد
عقود كل عقد ثلاث سنين يدل عليه أول كلامه وآخره، فتأمل. قوله: (ورجحه المصنف على ما في أنفع
الوسائل) أي من أنه يفسخ الزائد على الثلاث في الضياع وعلى السنة في غيرها، سواء كانت عقدا

(1) قوله: (رسمية الخ) قال شيخنا: عبارة المنح وقاضيخان رسم بصيغة الفعل. قال: وحينئذ تكون العبارة ظاهرة في أنها
عقود كثيرة رسم كل عقد بثلاث سنين ا ه‍.
287

واحدا زائدا على ما ذكر أو عقودا متفرقة، حتى لو عقد في الضياع على أربع سنين مثلا بعقد أو أكثر
يصح في ثلاث ويفسخ في الباقي. وهل يحتاج ذلك الفسخ إلى طلب الناظر أو ينفسخ بدخول المدة
الزائدة؟ الظاهر الأول، وتمامه في أنفع الوسائل.
قلت: لكن في شرح البيري عن خزانة الأكمل: استأجر حجرة موقوفة ثلاثين سنة بقفيز حنطة
فهي باطلة، إلا في السنة الأولى اه‍. ومثله في تلخيص الكبرى معزيا إلى أبي جعفر اه‍. ومقتضاه
البطلان بلا طلب. قوله: (وأفاد) أي المصنف حيث قال بعد عبارة الخانية قلت: يستفاد من هذا فساد ما
يقع إلخ. قوله: (فيستأجر أرضه الخالية) أي بياضها بدون الأشجار، وإنما لا يصح استئجار الأشجار
أيضا لما مر أنها تمليك منفعة، فلو وقعت على استهلاك العين قصدا فهي باطلة. قال الرملي: وسيأتي في
إجارة الظئر أن عقد الإجارة على استهلاك الأعيان مقصودا، كمن استأجر بقرة ليشرب لبنها لا يصح،
وكذا لو استأجر بستانا ليأكل ثمره. قال: وبه علم حكم إجارات الأراضي والقرى التي في يد
المزارعين لاكل خراج المقاسمة منها، ولا شك في بطلانها والحال هذه، وقد أفتيت بذلك مرارا اه‍.
قوله: (بمبلغ كثير) أي بمقدار ما يساوي أجرة الأرض وثمن الثمار. قوله: (ويساقي على أشجارها)
يعني قبل عقد الإجارة، وإلا كانت إجارة الأرض مشغولة فلا تصح كما سيأتي.
وفي مسائل الشيوع من البزازية: استأجر أرضا فيها أشجار أو أخذها زراعة وفيها أشجار: إن
كان في وسطها لا يجوز إلا إذا كان في الوسط شجرتان صغيرتان مضى عليهما حول أو حولان لا
كبيرتان، لان ورقهما وظلهما يأخذ الأرض والصغار لا عروق لها، وإن كان في جانب من الأرض
كالمسناة والجداول يجوز لعدم الاخلال اه‍. قوله: (بسهم) أي بإعطاء سهم واحد لليتيم أو الوقف
والباقي للعامل. قوله: (فمفاده) أي مفاد ما تقدم من قوله: فتفسخ (1) في كل المدة إلخ وقدمنا أن
المصنف استفاده من كلام الخانية، وهو بمعنى ما استفاده منه الشارح (2) فافهم. قوله: (بالأولى) وجه
الأولوية أنه إذا فسد العقد في كل المدة مع اشتماله على ما هو خير لليتيم وشر له ففساد عقد مستقل
هو شر محض لليتيم أولى بالفساد.
ثم اعلم أنه حيث فسدت المساقاة بقيت الأرض مشغولة فيلزم فساد الإجارة أيضا كما قدمناه
وإن كان الحظ والمصلحة فيها ظاهرين، فتنبه لهذه الدقيقة. وفي فتاوى الحانوتي: التنصيص في الإجارة
على بياض الأرض لا يفيد الصحة، حيث تقدم عقد الإجارة على عقد المساقاة، أما إذا تقدم عقد
المساقاة بشروطه كانت الإجارة صحيحة كما صرح به في البزازية، وإذا فسدت صارت الأجرة غير

(1) قوله: (من قوله فتفسخ الخ) الذي تقدم وتفسخ بالواو كما هو في الشارح ا ه‍ مصححه.
(2) قوله: (ما استفاده منه الشارح) هو قوله فلو أجر المتولي أكثر لم تصح وتفسخ الإجارة. ووجه الإفادة انه حيث قلنا
بعدم صحة الإجارة الطويلة لعدم تمحضها للخيرية بل هي بالنسبة لآخر المدة نفع للوقف أو اليتيم، وبالنسبة لأولها
ضر. وعليهما، فالأولى ان نقول بفساد ما هو ضرر محض وعقد واحد وذلك عقد المساقاة ويتبعه عقد الإجارة على
ما يذكره المحشي ا ه‍.
288

مستحقة لجهة الوقف والمستحق إنما هو الثمرة فقط، وحيث فسدت المساقاة لكونها بجزء يسير لجهة
الوقف كان للعامل أجر مثل عمله، وهذا بالنسبة إلى الوقف. وأما مساقاة المالك فلا ينظر فيها إلى
المصلحة كما لو أجر بدون أجر المثل اه‍. ملخصا. وفيه تصريح بما استفاده المصنف وبما نبهنا عليه،
فليحفظ. قوله: (قلت الخ) هو تأييد لما في أنفع الوسائل ح. قوله: (فتدبر) أشار إلى أن مقتضى هذا أن
تفسد في القدر الزائد فقط، لأنه قد جمع بين جائز وفاسد في عقد واحد، والفساد غير قوي لعدم
الاتفاق عليه فلا يسري، لان المتقدمين لم يدروها بمدة. قوله: (وجعلوه أيضا من الفساد الطارئ) هذه
تقوية أخرى: أي فلا يسري وفي كونه طارئا. تأمل ط.
قلت: لعل وجه طريانه كونها تنعقد ساعة فساعة. قوله: (فتنبه) لعله أشار به إلى ما قلنا. قوله:
(ومن حوادث الروم الخ) تقوية أخرى، فإن البيع أقوى من الإجارة، وقد صدر في الملك والوقف
بعقد واحد وصح في الملك ط. قوله: (لدين) أي على زيد الميت. قوله: (على أنها ملكه) أي بناء على أنها
كلها كانت ملك زيد الميت. قوله: (ملخصها ترجيح الأول) قدمنا عن النهر في باب البيع الفاسد عند
قوله: بخلاف بيع قن ضم إلى مدبر ما يؤيده. قوله: (فتأمل) أشار به إلى أن الإجارة تصح فيما عدا
الزائد كذلك، بل أولى لما مر. قوله: (وفي جواهر الفتاوى الخ) يحتمل أن يكون تأييدا رابعا بقوله: ولو
قضى قاض بصحتها يجوز فإنه يفيد أنه مثل الجمع بين العبد والمدبر لا الحر والعبد، فيكون تأييدا
للتأييد الأول، والظاهر أنه شروع في تأييد ما اختاره المصنف حيث أطلق عدم الصحة فشملت
العقود كلها، مع أن العقد الأول ناجز، وظاهر كلام عدم صحته أيضا. ووجه كما في الوالوالجية أن
هذا العقد عقد واحد صورة، وإن كان عقودا من حيث المعنى بعضها ينعقد في الحال وبعضها مضاف
إلى الزمان المستقبل اه‍. قوله: (ثلاث سنين) صوابه ثلاثين سنة كما هو في المنح وغيرها، ووجدته
كذلك في بعض النسخ مصلحا. قوله: (صيانة للأوقاف) أي من أن يدعي المستأجر ملكيتها لطول
المدة، وإلا فالوجه يقتضي صحة العقد الأول لأنه ناجز وما بعده مضاف، وفي لزومه تصحيحان كما
قدمناه، ولكن اعتبر عقدا واحدا كما مر لأجل ذلك، ولهذا قدرها المتأخرون بالسنة أو الثلاث مخالفين
لمذهب المتقدمين. قوله: (ولو قضى قاض الخ) أي مستوفيا شرائط القضاء، ولكن هذا في غير القاضي
الحنفي، أما قضاة زماننا الحنفية المأمورون بالحكم بمعتمد المذهب فلا تصح. قوله: (قلت وسيجئ) أي
289

في أواخر هذا الباب هذا تأييد أيضا لما رجحه المصنف. ووجهه أنه حيث اختلفت الآراء في سراية
الفساد وعدمها يرجح ما هو الأنفع للوقف وهو السريان لئلا يقدم مرة الري على هذا العقد. قوله:
(وفي صلح الخانية) ذكره المصنف في المنح تأييد ا لما رجحه، ولكن ما في الخانية ذكره في صلح الزوجة
عن نصيبها على أن يكون نصيبها من الدين للورثة وفي شمول ذلك لمسألتنا تأمل. إذ قد مر أنهم
جعلوها من الفساد الطارئ، وما في الخانية في الفساد المقارن. نعم ما نقلناه سابقا عن الخانية من
قوله والظاهر هو الفساد في الكل يفيد ترجيحه، وحيث علمت ما مر عن جواهر الفتاوى أنها لا تصح
الإجارة الطويلة إذا كانت عقودا مع أن العقد الأول ناجز، فما ظنك فيما إذا كانت بعقد واحد لفظا
ومعنى. فالظاهر اعتماد ما رجحه المصنف من كلام قارئ الهداية، فإن له سندا قويا وهو ما في
الخانية وجواهر الفتاوى، هذا ما ظهر للفهم القاصر، والله تعالى أعلم. قوله: (بما يرفع الجهالة) فلا بد
أن يعين الثوب الذي يصبغ ولون الصبغ أحمر أو نحوه وقدر الصبغ إذا كان يختلف. وفي المحيط: لو
استأجر لقصر عشرة أثواب ولم يرها فالإجارة فاسدة لأنه يختلف بغلظه ورقته. ذكره في البحر. قوله:
(بيان الوقت أو الموضع) قال في البزازية: استأجر دابة ليشيع عليها أو يستقبل الحاج لا يصح بلا ذكر
وقت أو موضع. وفيها: استأجرها من الكوفة إلى الحيرة يبلغ عليها إلى منزله ويركبها من منزله، وكذا
في حمل المتاع. وفيها: استأجر أجيرا ليعمل له يوما فمن طلوع الشمس بحكم العادة. قوله: (فهي
فاسدة) أي فلا يجب أجر المثل إلا بحقيقة الانتفاع ط. قوله: (بالإشارة الخ) لأنه إذا علم المنقول والمكان
المنقول إليه صارت المنفعة معلومة، وهذا النوع قريب من النوع الأول. زيلعي. وحاصله أن الإشارة
أغنت عن بيان المقدار فقط. قوله: (لا يلزم بالعقد) أي لا يملك به كما عبر في الكنز، لأن العقد وقع
على المنفعة وهي تحدث شيئا فشيئا، وشأن البدل أن يكون مقابلا للمبدل، وحيث لا يمكن استيفاؤها
حالا لا يلزم بدلها حالا إلا إذا شرطه ولو حكما بأن عجله لأنه صار ملتزما له بنفسه حينئذ وأبطل
المساواة التي اقتضاها العقد فصح. قوله: (بل بتعجيله) في العتابية: إذا عجل الأجرة لا يملك
الاسترداد، ولو كانت عينا فأعارها أو أودعها رب الدار فهو كالتعجيل. وفي المحيط: لو باعه بالأجرة
عينا وقبض جاز لتضمنه تعجيل الأجرة. طوري. قوله: (أو شرطه) فله المطالبة بها وحبس المستأجر
عليها وحبس العين المؤجرة عنه، وله حق الفسخ إن لم يعجل له المستأجر. كذا في المحيط. لكن ليس
له بيعها قبل قبضها. بحر. وانظر كيف جاز هذا الشرط مع أنه مخالف لمقتضى العقد وفيه نفع أحدهما ط.
قلت: هو في الحقيقة إسقاط لما استحقه من المساواة التي اقتضاها العقد، فهو كإسقاط المشتري
حقه في وصف السلامة في المبيع، وإسقاط البائع تعجيل الثمن بتأخيره عن المشتري مع أن العقد
اقتضى السلامة وقبض الثمن قبل قبض المبيع. تأمل. قوله: (أما المضافة الخ) أي فيكون الشرط باطلا
290

ولا يلزمه للحال شئ، لان امتناع وجوب الأجرة فيها بالتصريح بالإضافة إلى المستقبل والمضاف إلى
وقت لا يكون موجودا قبله فلا يتغير عن هذا المعنى بالشرط، بخلاف المنجزة لأن العقد اقتضى
المساواة وليس بمضاف صريحا فيبطل ما اقتضاه بالتصريح بخلافه. زيلعي ملخصا. قوله: (وقيل تجعل
عقودا الخ) هذا الكلام في المضافة الطويلة، وهي ما قدمه الشارح عن جواهر الفتاوى. ولها صورة
أخرى، وهي أن يؤجرها ثلاثين سنة عقودا متوالية غير ثلاثة أيام من آخر كل سنة ويجعل معظم
الأجرة للسنة الأخيرة والباقي لما قبلها، أما استثناء الأيام فيكون كل منهما قادرا على الفسخ، وأما
جعل الأجرة القليلة لما عدا الأخيرة فلئلا يفسخ المؤجر الإجارة في تلك الأيام، فلو أمنا الفسخ لا تلزم
تلك القيود، وهذا بناء على أن المضافة لازمة، فإذا احتاج الناظر إلى تعجيل الأجرة يعقد كذلك، ولكن
أورد أنه إن اعتبرت عقدا واحدا يلزم ثبوت الخيار في عقد واحد أكثر من ثلاثة أيام، وإن عقودا فلا
تملك بالتعجيل ولا باشتراطه لأنها مضافة فيفوت الغرض. وأجيب: إنما اختاره الصدر الشهيد من أنها
تجعل عقدا واحدا في حق ملك الأجرة بالتعجيل أو اشتراطه وعقودا في حق سائر الأحكام، وبأنا لم
نجعل تلك الأيام مدة خيار بل خارجة عن العقد، وبهذا تعلم أن كلام الشارح غير محرر. قوله: (أو
تمكنه منه) في الهداية: وإذا قبض المستأجر الدار فعليه الأجرة وإن لم يسكن.
قال في النهاية: وهذه مقيدة بقيود: أحدها: التمكن، فإن منعه المالك أو الأجنبي أو سلم الدار
مشغولة بمتاعه لا تجب الأجرة. الثاني: أن تكون صحيحة، فلو فاسدة فلا بد من حقيقة الانتفاع.
الثالث: أن التمكن يجب أن يكون في محل العقد، حتى لو استأجرها للكوفة فأسلمها في بغداد بعد
المدة فلا أجر. الرابع: أن يكون متمكنا في المدة، فلو استأجرها إلى الكوفة في هذا اليوم وذهب بعد
مضي اليوم بالدابة ولم يركب لم يجب الاجر، لأنه إنما تمكن بعد مضي المدة. طوري. وبه علم أن
الأولى ذكر القيود فيستغنى عن قوله: إلا في ثلاث كما سيظهر لك. قوله: (إلا في ثلاث) الأولى:
إذا كانت الإجارة فاسدة. الثانية: إذا استأجر دابة للركوب خارج المصر فحبسها عنده ولم يركبها.
الثالثة: استأجر ثوبا كل يوم بدانق فأمسكه سنين من غير لبس لم يجب أجر ما بعد المدة التي لو لبسه
فيها لتخرق، وفي هذا الاستثناء نظر، لان الكلام في الصحيحة كما هو صريح المتن على أن الفاسدة
سيذكرها، ولان الأثنية والثالثة يستغنى عنهما بذكر القيود السابقة للمسألة، فإن الثانية خارجة بالقيد
الثالث لعدم التمكن في المكان المضاف إليه العقد، بخلاف ما لو استأجرها للركوب في المصر لتمكنه
منه إتقاني. والثالثة لم يوجد فيها التمكن في المدة التي سقط أجرها فهي خارجة بالرابع. قوله: (ثم فرع
على هذا) أي الأخير وهو التمكن من الانتفاع ط. قوله: (لدار قبضت) أي خالية من الموانع. قوله: (إلا
بحقيقة الانتفاع) أي وإذا وجد التسليم إلى المستأجر من جهة الآجر، أما إذا لم يوجد من جهته فلا أجر
وإن استوفى المنفعة. إتقاني.
واعلم أن الاجر الواجب في الفاسدة مختلف، تارة يكون المسمى، وتارة يكون أجر المثل بالغا ما
291

بلغ، وتارة لا يتجاوز المسمى، وسيأتي بيانه في بابها. قوله: (وظاهر ما في الإسعاف) حيث قال: ولو
استأجر أرضا أو دارا وقفا إجارة فاسدة فزرعها أو سكنها يلزمه أجرة مثلها، وإلا لا، على قول
المتقدمين. قال في المنح: فأخذ مولانا صاحب البحر، من مفهومه ما ذكره فإنه يفيد لزوم الاجر على
قول المتأخرين، وهذا ظاهر.
إذا علمت ذلك ظهر لك أن منلا خسرو أطلق في محل التقييد اه‍. ولا يخفى عليك أنه وارد على
متنه أيضا. وتعقبه العلامة البيري فقال: لم نر في المسألة للمتأخرين كلاما. والذي رأيناه في وقف
الناصحي: وإن كانت الإجارة فاسدة فقبضها المستأجر فلم يزرع الأرض أو لم يسكن الدار فلا شئ
عليه، ثم قال: فيؤخذ من هذا أن المستأجر للوقف فاسدا لا يعد غاصبا ولا يجب عليه الاجر إن لم
ينتفع به، ثم نقل عن الأجناس التصريح بأنها لا تجب إلا بحقيقة الاستيفاء. قال: ولا تزاد على ما
رضي به المؤجر اه‍
. أقول: عدم الوقوف على التصريح بذلك في كلام المتأخرين لا ينافيه أبو السعود في حواشي
الأشباه: أي الاحتمال أن ما في وقف الناصحي والأجناس على مذهب المتقدمين فلا ينافي مفهوم
الإسعاف، والله تعالى أعلم. قوله: (والمستأجر في البيع وفاء) بفتح الجيم: يعني إذا استأجر من المشتري
ما باعه منه وفاء بعد قبض المبيع صح كما مر قبيل الكفالة.
قال الشارح هناك. قلت: وعليه فلو مضت المدة وبقي في يده، فأفتى علماء الروم بلزوم أجر
المثل. واعترضه شيخ مشايخنا السائحاني بأن الاملاك الحقيقية لم تجب الأجرة بالتمكن في فاسد إجارتها
فكيف هذا اه‍. وقال ط: وفيه أنه لا إجارة أصلا بعد انقضاء المدة، فتدبر اه‍.
أقول: ولا سيما على المعتمد من أنه في حكم الرهن فإنه لا يلزمه الاجر، ولو استوفى المنفعة في
المدة ولو بعد القبض كما في النهاية. وأفتى به في الخيرية و الحامدية من كتاب الرهن، خلافا لما قدمه
الشارح عن الجلبي قبيل الكفالة. وقال في البزازية: من جعله فاسدا قال: لا تصح الإجارة ولا يجب
شئ، وكذا من جعله رهنا. ومن جوزه جوز الإجارة من البائع وغيره وأوجب الاجر اه‍. قوله: (محل
تردد) أقول: لا تردد في مال اليتيم، لان منافعه تضمن بالغصب وهذا من قبيله. سائحاني. وينافيه ما
قدمناه آنفا عن البيري من أن المستأجر للوقف فاسدا لا يعد غاصبا إلخ. قوله: (بالغصب) لان تسليم
المحل إنما أقيم مقام تسليم المنفعة للتمكن من الانتفاع، فإذا فات التمكن فات التسليم. منح. قال
الرملي: فلو لم تفت المنفعة بالغصب كغصب الأرض المقررة للغرس والبناء مع الغرس والبناء لا تسقط
لوجوده معه وهي كثيرة الوقوع، فتأمل. قوله: (لا تجري في العقار) أي خلافا لمحمد. قوله: (وهل
تنفسخ بالغصب الخ) ثمرة الخلاف تظهر فيما إذا زال الغصب قبل انقضاء المدة، فعلى القول بعدم
الفسخ يستوفي ما بقي من المدة وعليه الاجر بحسابه. أبو السعود. وكلام المصنف مفرع عليه. قوله:
292

(ولو غصب في بعض المدة فبحسابه) وكذا لو سلمه الدار إلا بيتا أو سكن معه فيها كما في البحر.
وفي الشرنبلالية عن البرهان: ويسقط الاجر بغرق الأرض قبل زرعها، وإن اصطلمه آفة سماوية لزمن
الاجر تاما في رواية عن محمد لأنه قد زرعها، والفتوى على أنه يلزمه أجر ما مضى فقط إن لم يتمكن
من زرع مثله في الضرر اه‍. وسيذكره الشارح قبيل فسخ الإجارة، ويذكر أنه اعتمده في الولوالجية،
وأنه في الخانية جزم بالأول. قوله: (بشفاعة) أي باستعطاف خاطر الغاصب أو حماية: أي دفع ذي
شوكة، فإن أمكن ذلك لا تسقط وإن لم يخرجه لأنه مقصر. وأما لو لم يمكن إخراجه إلا بإنفاق مال
فلا يلزمه كما في القنية وغيرها. ذكره أبو السعود في حاشية الأشباه. قوله: (بحكم الحال) فإن كان
فيها غير المستأجر فالقول للمستأجر ولا أجر عليه. بحر. قوله: (كمسألة الطاحونة) يعني لو وقع
الاختلاف بينهما بعد انقضاء المدة في أصل انقطاع الماء عنها.
وفي الخامس والعشرين في الاختلاف من التاترخانية: الاختلاف هنا على وجهين: إما في مقدار
المدة بأن قال المؤجر انقطع الماء خمسة أيام والمستأجر
عشرة، وإما في أصل الانقطاع بأن قال المستأجر انقطع عشرة أيام وأنكره المؤجر، ففي أول القول للمستأجر مع يمينه، وفي الثاني يحكم الحال: إن كان
الماء جاريا وقت الخصومة فالقول للمؤجر مع يمينه، وإن منقطعا وقتها فللمستأجر اه‍ ملخصا. ولا
يخفى أن هذا حيث لا بينة كما ذكره المصنف، ولذا قال في الذخيرة: ولو أقام المستأجر البينة أن الماء
كان منقطعا فيما مضى يقضى بها وإن كان جاريا للحال اه‍. وسيذكر المصنف المسألة آخر باب ضمان
الأجير. قوله: (ولا يقبل قول الساكن الخ) أي في مسألة الغصب: يعني لو آجره الدار وفيها شخص
ساكن وخلى بينه وبينها فقال بعد المدة منعني الساكن ولا بينة له والساكن مقر أو جاحد لا يلتفت إلى
قول الساكن لأنه شاهد على الغير أو مقر، وشهادة الفرد والاقرار على الغير لا يقبل، فبقي الاختلاف
بينهما: فينظر إن كان المستأجر هو الساكن حال المنازعة فالقول للمؤجر، وإن كان الساكن غيره
فللمستأجر. ذخيرة. قوله: (وبقوله) عطف على بقوله السابق، فيفيد أنه مفرع على التمكن أيضا مع
أنه من فروع قوله: ولا يلزم بالعقد فكان عليه إبقاء المتن على حاله وجعلها مسألة مستقلة. قوله: (لأنه لم يملكه بالعقد) فإن قيل يشكل عليه صحة الابراء عن الأجرة والكفالة والرهن بها.
قلت: لا إذ ذلك بناء على وجود السبب فصار كالعفو عن القصاص بعد الجرح. إتقاني. قوله:
(والمراد من تمكنه الخ) أشار إلى أن ما في المتن تفريع على مقدر. قوله: (إلى المستأجر) يشمل الوكيل
بالاستئجار، لكن لو سكنها الوكيل بنفسه قال الثاني لا أجر. وقال محمد: على الموكل، لان قبض
الوكيل كقبضه فوقع القبض أولا للموكل وصار الوكيل بالسكنى غاصبا فلا يجب عليه الاجر، وفيه
نظر، لأن الغصب من المستأجر يسقط الاجر. بزازية. قوله: (فلو سلمه) أي أراد تسليمه، فافهم. قوله:
(المؤجرة) من باب الحذف والإيصال ح: أي المؤجر فيها، بخلاف المؤجر الأول كما هو ظاهر. قوله:
293

(كما في البيع) أي إذا اشترى نحو بيوت مكة قبل زمن الموسم فلم يقع التسليم الا بعد فوته فإن
المشتري يخير لفوات الرغبة ط. ولم يعزه لاحد فليراجع. وقال ح: يعني إذا استحق بعض المبيع فإن
المشتري يتخير لتفرق الصفقة اه‍. قال شيخ مشايخنا الرحمتي: وهذا يقتضي أن يكون للمستأجر الخيار
مطلقا سواء كان وقتا يرغب فيه أو لا لتفرق الصفقة، ولأنه حيث منعه من التسليم في أول المدة ربما
يكون مضطرا إلى العين المؤجرة فيستأجر غيرها، فإذا ألزمها بعد مضي بعض المدة بما يتضرر بذلك،
فليتأمل اه‍. والأظهر ما قاله أبو الطيب: أي إذا لم يوجد في البيع الصفة التي اشتراها للرغبة فيها
كالخياطة والكتابة خير المشتري. قوله: (لضياعه) علة لعدم القدرة. وعبارة الذخيرة: وفي الجامع
الأصغر: آجر من آخر حانوتا ودفع إليه المفتاح ولم يقدر على فتحه وضل المفتاح أياما ثم وجده: فإن
كان يمكن فتحه به فعليه أجر ما مضى، وإلا فلا. وفي البزازية: إن قدر على الفتح بلا مؤنة لزم
الاجر، وإلا فلا، وليس له أن يحتج ويقول: هلا كسرت الغلق ودخلت. قوله: (ولو اختلفا) أي في
العجز وعدمه يحكم الحال.
قال في الذخيرة: ولو اختلفا ولا بينة لهما ينظر إلى المفتاح الذي دفع إليه للحال: إن لاءم هذا
الغلق وأمكن فتحه به فالقول للمؤجر، وإلا للمستأجر. قوله: (ولو برهنا فبينة المؤجر) أي وإن كان
المفتاح لا يلائم لأنه لا عبرة لتحكيم الحال متى جاءت البينة بخلافه كمسألة الطاحونة، وإنما تقبل إذا
كان المؤجر يدعي أنه كان يلائم الغلق ولكن غيره والمستأجر يقول لا، بل لم يكن ملائما من الأصل.
ذخيرة. قوله: (وكذا البيع) أي إذا اشترى دارا وقبض مفتاحها ولم يذهب إليها: فإن كان المفتاح بحالة
يتهيأ له أن يفتحه من غير كلفة يكون قابضا، وإلا فلا. منح. وقد ظهر مما تقرر أن تسليم المفتاح مع
التخلية بين المستأجر والدار وإمكان الفتح به بلا كلفة تسليم للدار فيجب الاجر بمضي المدة وإن لم
يسكن، وقيده في القنية بأن يكون في المصر حيث قال: وتسليم المفتاح في السواد ليس بتسليم للدار
وإن حصر في المصر والمفتاح في يده، وأقره في البحر والمنح، لكنه بخلاف ما أفتى به قارئ الهداية
وأقره محشو الأشباه كما سيأتي قبيل مسائل شتى. قوله: (للدار والأرض الخ) المراد كل ما تقع الإجارة
فيه على المنفعة أو على قطع المسافة أو على العمل. قوله: (ولو بين تعين) أي لو بين وقت الاستحقاق
في العقد تعين، ولذا قال في العزمية: هذا إذا لم تكن الأجرة معجلة أو مؤجلة أو منجمة، وهذا
قولهم جميعا على ما قرر في الخلاصة اه‍. فالمراد فيما ذكره المصنف ما إذا سكت عن البيان. قوله: (إذا
294

فرغ وسلمه) اعلم أن أبا حنيفة كان أولا يقول: لا يجب شئ من الأجرة ما لم يستوف جميع المنفعة
والعمل، لأنه المعقود عليه فلا يتوزع الاجر على الاجزاء كالثمن في المبيع، ثم رجع فقال: إن وقعت
الإجارة على المدة كما في إجارة الدار والأرض أو قطع المسافة كما في الدابة وجب بحصة ما استوفى
لو له أجرة معلومة بلا مشقة ففي الدار لكل يوم وفي المسافة لكل مرحلة. والقياس أن يجب في كل
ساعة بحسابه تحقيقا للمساواة، لكن فيه حرج، وإن وقعت على العمل كالخياطة والقصارة فلا يجب
الاجر ما لم يفرغ منه فيستحق الكل لان العمل في البعض غير منتفع به، وكذا إذا عمل في بيت
المستأجر ولم يفرغ لا يستحق شيئا من الأجرة على ما ذكره صاحب الهداية والتجريد.
وذكر في المبسوط و الفوائد الظهيرية والذخيرة ومبسوط شيخ الاسلام وشرح الجامع لفخر
الاسلام وقاضيخان والتمرتاشي أنه إذا خاط البعض في بيت المستأجر يجب الاجر بحسابه، حتى إذا
سرق الثوب بعد ما خاط بعضه استحق ذلك. فهذا يدل على أنه يستحق الاجر ببعض العمل في كل
ما مر، لكن بشرط التسليم إلى المستأجر، ففي سكنى الدار وقطع المسافة صار مسلما بمجرد تسليم
الدار وقطع المسافة في الخياطة بالتسليم حقيقة أو حكما كأن خاطه في منزل المستأجر لان منزله في
يده. زيلعي ملخصا.
وحاصله: أنهم اتفقوا على قول أبي حنيفة أنه لا يجب الاجر على البعض بلا تسليم أصلا، وأما
مع التسليم فيجب الاجر على البعض في سكنى الدار وقطع المسافة.
واختلفوا على قوله في الاستئجار على العمل كالخياطة، فالأكثرون على أنه يجب أيضا بالتسليم،
ولو حكما، وخالفهم صاحبا الهداية والتجريد فقالا: لا يجب. قال الزيلعي: وهو الأقرب إلى المروي
عن أبي حنيفة من الفرق بينهما في القول المرجوع إليه، وعلى ما ذكروه لا فرق بين الكل اه‍. وبه ظهر
أن تقييد المصنف بالفراغ والتسليم مبني على ما في الهداية، والتسليم يشمل الحقيقي والحكمي وهو ما
عبر عنه بقوله: وإن عمل في بيت المستأجر فلو قال: ولو حكما لكان أخصر وأظهر، ولا معنى
لقول من قال: لا معنى له، فافهم. قوله: (وكذا كل من لعمله أثر) أي في أنه لو هلك في يده لا أجر
له، وسيذكر الشارح بعد ورقة المراد بالأثر. قوله: (نعم لو سرق الخ) هذا مبني على قول الأكثرين من
وجوب الاجر على بعض العمل بالتسليم ولو حكما، وأراد به الاستدراك على المصنف، بما ذكره في
البحر، حيث قال: وتبعه العلامة الطوري وتلميذه المصنف في شرحه مسألة البناء منصوص عليها في
الأصل أنه يجب الاجر بالبعض لكونه مسلما إلى المستأجر، ونقله الكرخي عن أصحابنا، وجوم به في
غاية البيان رادا على الهداية فكان هو المذهب ولذا اختاره المصنف: أي صاحب الكنز في المستصفى
وإن كانت عبارته هنا مطلقة اه‍. فلكلام الشارح وجه وجبه كما علمت وإن كان فيه خفاء، فافهم.
لكن في كون ما في الهداية خلاف المذهب تأمل يظهر مما مر عن الزيلعي، فلو جعله خلاف الأصح
لكان أنسب. تأمل. قوله: (بعد ما خاط بعضه) يعني في بيت المستأجر، فلو في بيت الأجير لا أجر
له اتفاقا لعدم التسليم أصلا. قوله: (أو انهدم ما بناه) أي قبل الفراغ منه. قوله: (قبل أن يقبضه رب الثوب)
295

قد علمت أن العمل في بيت المستأجر تسليم. قوله: (فلا أجر له) لان الخياطة مما له أثر فلا أجر قبل
التسليم كما في المبيع. قوله: (بل له) أي للخياطة لأنه بدل ما أتلفه عليه حتى سقطت أجرته. بحر.
قوله: (تضمين الفاتق) أي قيمة خياطته لا المسمى، لأنه إنما لزم بالعقد ولا عقد بينه وبين الفاتق.
رحمتي. قوله: (ولا يجبر الخ) لأنه التزم العمل ووفى به. رحمتي. قوله: (كأنه لم يعمل) فلم يوف ما
التزمه من العمل فيجبر عليه، لان عقد الإجارة لازم. رحمتي. قوله: (بخلاف فتق الأجنبي) لا حاجة
إليه ط. قوله: (الأصح لا) كذا صححه في الخلاصة والبزازية، وفرضوا المسألة بما إذا دفع إليه الثوب
فقطعه ومات من غير خياطة وعللوها بأن الاجر في العادة للخياطة لا للقطع.
قلت: فلو بقي حيا لا تظهر الثمرة لأنه يجبر على الخياطة، لكن لو تفاسخا العقد بعد القطع
فالظاهر أن حكمه كالموت. تأمل ويظهر من التعليل أنه لو دفعه للتفصيل فقط يلزم أجره، وهو ظاهر
لأن العقد ورد عليه فقط. قوله: (لكن في حاشيتها) أي للشيخ شرف الدين الغزي حيث قال: قلت:
وفي فتاوى قاضيخان والظهيرية قطع الخياط الثوب ومات قبل الخياطة له أجر القطع هو الصحيح،
وفي جامع المضمرات والمشكلات عن الكبرى وعليه الفتوى: وينبغي اعتماده لتأيده بأن الفتوى عليه
اه‍. قوله: (أن الفتوى على الأول) صوابه على الثاني لما سمعت آنفا من عبارة الكبري، وهو الذي رأيته
في التاترخانية. قوله: (جوهرة) ومثله في غاية البيان معللا بأن العمل في ذلك القدر صار مسلما إلى
صاحب الدقيق اه‍. وظاهره أنه لا يجري فيه الخلاف المار في الخياط، ولعل العلة وجود الانتفاع هنا.
تأمل. قوله: (وقالا يضمن الخ (1)) هكذا ذكر الخلاف في الهداية، وعليه فلا فرق بين ما إذا كان في
بيت المستأجر أو لا كما سيأتي، فيكون أيضا من مسألة الأجير المشترك الآتية في ضمان الأجير.
وحاصلها: أن المتاع في يده أمانة عند الامام ومضمون عندهما، لكن ذكر في غاية البيان أن ما
ذكر من الخلاف إنما ذكره القدوري برواية ابن سماعة عن محمد، وأنه لم يذكر محمد في الجامع الصغير
ولا شراحه خلافا. بل قالوا: لا ضمان مطلقا، فعن هذا قالوا: ما في الجامع مجري على عمومه. أما
عند أبي حنيفة فلانه لم يهلك بصنعه. وأما عندهما فلانه هلك بعد التسليم اه‍. وعلى ما ذكره الإتقاني
في غاية البيان مشى في البحر والمنح، ولما اقتصر بعضهم على ما رجعتهما قال: ما ذكره الشارح سبق

(1) قوله: (وقالا يضمن) كذا بخطه، والذي في نسخ الشارح وقالا يغرم، وهو المناسب لقول المصنف ولا غرم، وان
كان المآل واحدا ا ه‍ مصححه.
296

قلم، مع أن من تبع الهداية لم يضل فافهم. قوله: (لتقصيره) أي بعدم القلع من التنور، فإن ضمنه
قيمته مخبوزا أعطاه الاجر، وإن دقيقا فلا. بحر. قوله: (لعدم التسليم حقيقة) يعني أنه حيث لم يكن في
بيت المستأجر لم يوجد التسليم الحكمي فلا بد من التسليم الحقيقي ولم يوجد أيضا فلذا لم يجب الاجر.
قوله: (لو سرق) المناسب زيادة أو احترق ط. وكأنه تركه لان المراد بعد الاخراج والحرق بعد نادر،
فمن قال تركه لأنه يضمن فيه اتفاقا فقد وهم. قوله: (وإن احترق الخبز أو سقط من يده الخ) تقدم أن
الحكم كذلك لو كان بيت المستأجر، فلو أن المصنف حذف قوله السابق وقبله لا أجر ويغرم وجعل
ما هنا راجعا للمسألتين لكان أولى كما أفاده ط. قوله: (فله الاجر) لان المستأجر وصل إليه العمل معنى
لوصول قيمته ط. قوله: (ولا يضمن الحطب والملح) لأنه صار مستهلكا قبل وجوب الضمان عليه،
وحيثما وجب عليه الضمان كان رمادا، زيلعي. قوله: (إلا إذا كان لأهل بيته) أفاد أن ما ذكره المصنف
في الولائم وأنواعها أحد عشر نظمها بعضهم في قوله:
إن الولائم عشرة مع واحد * من عدها قد عز في أقرانه
فالخرس عند نفاسها وعقيقة * للطفل والاعذار عند ختانه
ولحفظ قرآن وآداب لقد * قالوا الحذاق لحذقه وبيانه
ثم الملاك لعقده ووليمة * في عرسه فاحرص على إعلانه
وكذاك مأدبة بلا سبب يرى * ووكيرة لبنائه لمكانه
ونقيعة لقدومه ووضيمة * لمصيبة وتكون من جيرانه
ولأول الشهر الأصم عتيرة * بذبيحة جاءت لرفعة شأنه
ط ملخصا. قوله: (لأهل بيته) المستأجر ح. قوله: (والأصل في ذلك العرف) فمطلق
العقد يتناول المعتاد إذا لم يوجد شرط بخلافه. إتقاني. قوله: (فهو ضامن) ومقتضى ما سبق في الخبز أنه
يخير بين أن يضمنه قبل الطبخ ولا أجر له، أو بعده وله الاجر ط. قوله: (للاذن) لأنه لا يصل إلى
العمل إلا بذلك وهو مأذون له فيه. بحر. قوله: (ولضرب اللبن) هو بفتح اللام وكسر الباء والكسر مع
السكون لغة، وتفسد بلا تعيين اللبن ما لم يغلب واحد عرفا أو لم يكن غيره. قهستاني ملخصا. قوله:
(بعد الإقامة) لأنها لتسوية الأطراف فكانت من العمل كشف والإقامة النصب بعد الجفاف، فلو ضربه
فأصابه مطر فأفسده قبل أن يقيم فلا أجر له وإن عمل في داره. قهستاني. قوله: (وقالا بعد تشريحه)
297

بالشين والجيم المعجمتين، وقولهما استحسان. زيلعي. ولعله سبب كونه المفتى به. لكن ذكر الإتقاني
أن دليلهما ضعيف. تأمل. قال في البحر: وفائدة الاختلاف فيما إذا تلف اللبن قبل التشريح: فعنده
تلف من مال المستأجر، وعندهما من مال الأجير، أما إذا تلف قبل الإقامة فلا أجر إجماعا. قوله: (أي جعل بعضه على بعض) أي
بعد الجفاف قوله: قوله: (حتى يعده منصوبا) عبارة المستصفى حتى يسلمه
منصوبا عنده ومشرجا عندهما كذا في الايضاح والمبسوط اه‍. فلم يشترط العد وهو الأولى، لأنه لو
سلمه بغير عد كان له ا لاجر كما لا يخفى. بحر. وذكر الإتقاني عن شرح الطحاوي مثل ما في
المستصفى، وفسر التسليم بالتخلية بين المستأجر وبين اللبن. قوله: (واشتراط الورق عليه يفسدها) أما
اشتراط الحبر فلا. حموي. قوله: (حبسها) فعل ماض أو مصدر مبتدأ ثان وخبره محذوف: أي له
والجملة خبر من.
بقي هنا إشكال، وهو أنه إنما يستحق المطالبة بعد التسليم كما مر، فإذا حبس فلا
تسليم فلا مطالبة. ويمكن دفعه بأن قوله فيما مر له الطلب إذا فرغ وسلم مفهومه معطل بالمنطوق هنا.
سائحاني، لكن يرد عليه أنه حينئذ لا فائدة لذكر التسليم، وقد قالوا: لا يجب الاجر إلا بالتسليم، فلو
هلك في يده قبله سقط لأنه لم يسلم المعقود عليه وهو أثر العمل، بخلاف ما لا أثر له فإن الاجر يجب
كما فرغ، ولا يمكن حمله على الحبس بعد التسليم، بمعنى أن له الاسترداد لقول الآتي: فإن حبس
فضاع فلا أجر مع أن بالتسليم وجب الاجر على أنه بعد التسليم الحكمي كعمله في بيت المستأجر ليس
له الحبس كما سيذكره فكيف بعد الحقيقي، والظاهر أن فائدته عدم الضمان فقط، إذ لو لم يكن له
الحبس لضمن بالضياع بعده، فليتأمل. قوله: (أصحهما الثاني) وكذا صححه في غرر الأفكار وغاية
البيان تبعا لقاضيخان. قال في البحر: وصحح النسفي في مستصفاه معزيا إلى الذخيرة الأول فاختلف
التصحيح، وينبغي ترجيحه، وقد جزم به في الهداية بقوله: وغسل الثوب نظير الحمل اه‍. قوله:
(والخياط والخفاف) هذا ظاهر على القول بأن الخيط على رب الثوب في عرف صاحب الظهيرية، وأما
على عرف من قبله وهو عرفنا الآن من أنه على الخياط فلا يظهر لان الخيط كالصبغ. سائحاني. قوله:
(بالاجر) الباء للسببية أو للتعليل. قوله: (لتسليمه حكما) لكون البيت في يده وهو كالتسليم الحقيقي
فلا يملك الحبس بعده. قوله: (فإن حبس) أي فيما إذا كان الاجر حالا. قوله: (لعدم التعدي) فبقي
298

أمانة كما كان، وهذا علة لعدم الضمان، وعلة عدم الاجر هلاك المعقود عليه قبل التسليم. قوله: (ومن
لا أثر لعمله) إلا راد الآبق. ابن كمال. قوله: (كالحمال) ضبطه بالحاء أولى من الجيم ليشمل الحمل على
الظهر كما ذكره الإتقاني وأشار إليه الشارح. قوله: (والملاح) بالفتح والتشديد: صاحب السفينة. قوله:
(لا لتحسينه) وإلا كان ممن لعمله أثر، لان البياض كان مستترا وقد أظهره فكأنه أحدثه فله الحبس على
الخلاف السابق. قوله: (وسيجئ في بابه) وذلك أنه لو مثليا وجب مثله، وإن انقطع فقيمته يوم القضاء
أو الغصب أو الانقاع على خلاف يأتي، ولو قيميا فقيمته يوم غصبه إجماعا. قوله: (أي بدلها) تعميم
ليشمل المثليات ح. قوله: (بأن يقول له: اعمل بنفسك أو بيدك) هذا ظاهر إطلاق المتون وعليه
الشروح، فما في البحر والمنح عن الخلاصة من زيادة قوله: ولا تعمل بيد غيرك فالظاهر أنه لزيادة
التأكيد لا قيد احترازي ليكون بدونه من الاطلاق. تأمل. قوله: (لا يستعمل غيره) ولو غلامه أو
أجيره. قهستاني. لان المعقود عليه العمل من محل معين فلا يقوم غيره مقامه كما إذا كان المعقود عليه
المنفعة، بأن استأجر رجلا شهرا للخدمة لا يقوم غيره مقامه لأنه استيفاء للمنفعة بلا عقد. زيلعي.
قال في العناية: وفيه تأمل، لأنه إن خالفه إلى خير بأن استعمل من هو أصنع منه أو سلم دابة أقوى
من ذلك ينبغي أن يجوز اه‍. وأجاب السائحاني بأن ما يختلف بالمستعمل فإن التقييد فيه مفيد وما ذكر
من هذا القبيل اه‍. وفي الخانية: لو دفع إلى غلامه أو تلميذه لا يجب الاجر اه‍. وظاهر هذا مع
التعليل المار أنه ليس المراد بعدم الاستعمال حرمة الدفع مع صحة الإجارة واستحقاق المسمى أو مع
فسادها واستحقاق أجر المثل وأنه ليس للثاني على رب المتاع شئ لعدم العقد بينهما أصلا، وهل له
على الدافع أجر المثل؟ محل تردد فليراجع. قوله: (بشرط وغيره) لكن سيذكر الشارح في الإجارة
الفاسدة عن الشرنبلالية أنها لو دفعته إلى خادمتها أو استأجرت من أرضعته لها الاجر، إلا إذا شرط
إرضاعها على الأصح، وكأن وجه ما هنا أن الانسان عرضة للعوارض فربما يتعذر عليها إرضاع
الصبي فيتضرر فكان الشرط لغوا. تأمل. قوله: (وإن أطلق) بأن لم يقيده بيده وقال: خط هذا الثوب لي
أو أصبغه بدرهم مثلا، لأنه بالاطلاق رضي بوجود عمل غيره. قهستاني. ومنه ما سيذكره المصنف.
قوله: (أفاد بالاستئجار) أي بقوله: يستأجر غيره قوله قوله: (لأجنبي) أي غير أجير ح. قوله: (ضمن
الأول) أي إذا سرق بلا خلاف. قهستاني. قوله: (لا الثاني) هذا عنده. وعندهما: له تضمين أيهما شاء.
خلاصة. قوله: (ففرط)
أي تماهل ولم يعمل في تلك المدة ولم يقصر في حفظه. قوله: (لا يضمن) كأنه لان اليوم مثلا يذكر
299

للاستعجال ط. قوله: (وأجاب شمس الأئمة) ظاهره هذا الصنيع أن المعتمد الأول لانفراد شمس الأئمة
بهذا الجواب ط.
قلت: في جامع الفصولين: واستفتيت أئمة بخاري عن قصار شرط عليه أن يفرغ اليوم من
العمل فلم يفرغ وتلف في الغد. أجابوا: يضمن، ونقل مثله عن الذخيرة. ثم نقل عن فتاوى
الديناري: ولو اختلفا ينبغي أن يصدق القصار لأنه ينكر الشرط والضمان والآخر يدعيه، ثم لو شرط
وقصره بعد أيام ينبغي أن لا يجب الاجر إذ لم يبق عقد الإجارة، بدليل وجوب ضمانه لو هلك وصار
كما لو جحد الثوب ثم جاء به مقصورا بعد جحوده اه‍. قوله: (إطلاق) أي حكمه حكم الاطلاق ح.
قوله: (فمات بعضهم الخ) فلو ماتوا جميعا لا أجر أصلا، لان المعقود عليه المجئ بهم ولم ويجد. رملي.
قوله: (فله أجره بحسابه) أي أجر المجئ، وأما أجر الذهاب فبكماله. مقدسي عن الكفاية. سائحاني.
قلت: وقال في المعراج بعد نقله عبارة الهداية: وهي استأجره ليذهب إلى البصرة فيأتي بعياله
إلخ هذا اختيار الهندواني: وعن الفضلي: استؤجر في المصر ليحمل الحنطة من القرية فذهب فلم يجد
الحنطة فعاد: إن كان قال: استأجرتك حتى تحمل من القرية لا يجب شئ، لان في الأول العقد على
شيئين. الذهاب إلى القرية، والحمل منها. وفي الثاني شرط الحمل ولم يوجد فلا يجب شئ، كذا في
الذخيرة وجامع التمرتاشي اه‍. ومثله في التبيين عن النهاية، وظاهر المتون اختيار قول الهنداوني،
ولينظر ما الفرق بين القولين على عبارة الهداية، فإن فيها الاستئجار على شيئين. نعم هو على عبارة
المصنف كالكنز ظاهر، ولعل التصريح بالذهاب غير قيد فيظهر الفرق، ويؤيده ما في التاترخانية:
استأجره ليحمل له كذا من المطمورة فذهب فلم يجد المطمورة استحق نصف الاجر اه‍. وعليه فلو
مات كل العيال وجب أجر الذهاب وهو مخالف (1) لما قدمناه عن الرملي، فتأمل. قوله: (أي للعاقدين)
أو ذكر عددهم للأجير. شرنبلالية. قوله: (أي له كل الاجر) في القهستاني: فإن جهلوا فسدت ولزم
أجر المثل اه‍. وإن حمل الكل هنا على كل أجر المثل زال التنافي ط. قوله: (إن كانت المؤنة تقل إلخ)
تقييد لقول المصنف فله أجره بحسابه وهو منقول عن الامام الهندواني. قوله: (وإلا فكله) كما لو كان
الفائت صغيرا أو كان ذلك في استئجار السفينة لأنه لا يظهر التفاوت فيها بنقصان عدد ولو من
الكبار، وهذا إذا كان الاستئجار على أن يحملهم، فلو على مصاحبتهم والحمل على المرسل أو كان
المحل قريبا وهم مشاة أو بعيدا ولهم قدرة على المشي يلزمه الكل، لان مصاحبة جماعة لا تنقص بنقص
فرد أو فردين إلا أن يكونوا أرقاء فحفظ البعض منهم أخف من حفظ الكل، حموي بحثا ط. قوله:

(1) قوله: (وهو مخالف الخ) يمكن دفع هذه المخالفة بحمل المنفي في عبارة الرملي على ما عدا أجر الذهاب ا ه‍.
300

(لإيصال قط) بالكسر والتشديد، والمراد لإيصال شئ مما ليس له مؤنة، وقوله: أو زاد أي مما له
مؤنة قوله: قوله: (لا شئ له) أي من أجرة الذهاب والمجئ للزاد بلا خلاف وللكتاب عندهما، وأما عند
محمد: فأجرة الذهاب واجبة سواء شرط المجئ بالجواب أم لا كما في النهاية وغيرها، فمن الظن أنه
لا بد من التقييد بالمجئ بالجواب حتى يتأتى خلاف محمد (1)، وإن لم يقيد به ينبغي أن يكون له تمام الأجرة
عند محمد. قهستاني.
أقول: نعم، لكن التقييد به كما وقع في الجامع الصغير والهداية والكنز لازم بالنظر للمسألة
الآتية عن الدرر كما سيظهر، ومبنى الخلاف بين محمد وشيخيه أن الاجر مقابل عنده بقطع المسافة
لما فيه من المشقة دون حمل الكتاب، بخلاف حمل الطعام فإنه مقابل فيه بالحمل لما فيه من المؤنة دون
قطع المسافة، وعندهما مقابل بالنقل فيهما لأنه وسيلة إلى المقصود وهو وضع الطعام هناك وعلم ما في
الكتاب، فإذا رده فقد نقص المعقود عليه. قوله: (ويدعو فلانا) صورها قاضيخان في تبليغ الرسالة
وفرق بينها وبين مسألة إيصال الكتاب بأن الرسالة قد تكون سرا لا يرضى المرسل بأن يطلع عليها
غيره، أما الكتاب فمختوم، فلو تركه مختوما لا يطع عليه غيره اه‍. وجزم الحلواني بأن الكتاب
والرسالة سواء في الحكم وجعل الشارح دعاءه كالرسالة ط.
قلت: أي لأنه من أفرادها. تأمل. وقد ذكر الشراح أنه لو وجده ولم يبلغه الرسالة ورجع له
الاجر بالاجماع أيضا. ووجهه كما في الزيلعي عن المحيط أن الاجر بقطع المسافة لأنه في وسعه، وأما
الاسماع فليس في وسعه فلا يقابله الاجر، فليتأمل. قوله: (وجب الاجر بالذهاب) أي إجماعا كما ذكره
الإتقاني وغيره. قوله: (وهو نصف الاجر المسمى) اعترضه في العزمية بأنه غلط فاحش، فإن كون أجر
الذهاب وأجر الاتيان سواء على سبيل المناصفة مما لا يكاد يتفق، ولم نجد هذه العبارة في كلام غيره.
قوله: (ولكن تعقبه المحشون الخ) كالواني والشرنبلالي. قال في الشرنبلالية: فيه نظر، بل له الاجر
كاملا، إذ المعقود عليه الايصال لا غير وقد وجد، فما وجه التنصيف؟ على أن المتن صادق بوجوب
تمام الاجر، والمسألة فرضها صاحب المواهب في الاستئجار للإيصال ورد الجواب معا اه‍. قوله: (عن
النهاية) وصرح به في غيرها. قوله: (فليكن التوفيق) لكن هذا لا يدفع الاعتراض على صاحب الدرر
حيث لم يقيد برد الجواب أولا وقيد بنصف الاجر ثانيا. قوله: (واختلف فيما لو مزقه) قال في الخانية:

(1) قوله: (حتى يتأتي خلاف محمد) اي الخلاف على هذا الوجه فلا ينافي وجود الخلاف أيضا إذا قيد أو اطلق الا انه لا
على هذا الوجه ا ه‍.
301

له الاجر في قولهم إذ لم ينقض عمله. وقيل إذا مزقه ينبغي أن لا يجب الاجر، لأنه إذا تركه ثمة ينتفع
به وارث المكتوب إليه فيحصل الغرض، بخلاف التمزيق اه‍. ومقتضى النظر أنه إن مزقه بعد إيصاله
فله أجر الذهاب، وإن كان قبله فلا أجر له فيحرر ط.
قلت: وقول الخانية: له الاجر: أي أجر الذهاب كما تفيده عبارة القهستاني وهو ظاهر، وهذا
إن شرط المجئ بالجواب، ولينظر فيما لو مزقه المكتوب إليه أو لم يدفع له الجواب وكان شرط المجئ
بالجواب هل له نصف الاجر أم كله؟ لان إخباره بما صنع جواب معنى، فليحرر. قوله: (بغير أجر
المثل) الأولى بدون أجر المثل، لان الغير صادق بالأكثر وإن كان المقام يعين المراد ط. قوله: (كما غلط
فيه بعضهم) قال في البحر: وقد وقعت عبارة في الخلاصة أوهمت أن الناظر يضمن تمام أجر المثل
فقال متولي الوقف آجر بدون أجر المثل يلزمه تمام أجر المثل اه‍. وقد رده الشيخ قاسم في فتاواه بأن
الضمير يرجع إلى المستأجر، يدل عليه ما ذكره في تلخيص الفتاوى الكبرى: يلزم مستأجرها إتمام أجر
المثل عند بعض علمائنا، وعليه الفتوى اه‍. وفي الذخيرة: لو يسلمها المستأجر كان عليه أجر المثل
بالغا ما بلغ على ما اختاره المتأخرون من المشايخ اه‍. ملخصا. قوله: (وكذا حكم وصي وأب) أي إذا
آجرا عقار الصغير بدون أجر المثل وتسلمه المستأجر فإنه يلزمه تمام الاجر ط. قوله: (في غصب عقار
الوقف) قال في قوله: الولوالجية): الفتوى في غصب العقار والموقوف بالضمان نظرا للوقف، متى قضى عليه
بالقيمة تؤخذ منه فيشتري بها ضيعة أخرى تكون على سبيل الوقف الأول، ذكره في شرح تنوير
الأذهان ط. قوله: (وغصب منافعه) قال في جامع الفصولين: شرى دارا ثم ظهر أنها وقف أو للصغير
فعليه أجر المثل صيانة لمالهما اه‍. ومقابل المفتى به ما صححه في العمدة أنه لا تضمن منافعه، وتبعه
في القنية ملخصا. قوله: (عند الزيادة الفاحشة) أي زيادة أجر المثل من غير تعنت كما يأتي قريبا ط.
قوله: (وصيانة لحق الله تعالى) لان الوقف حبس العين والتصدق بمنفعته لوجهه تعالى قوله: قوله: (حتى
فسخ العقد) أي بسبب الموت. وفي بعض النسخ متى بدل حتى ولو قال: فانفسخ لكان أولى.
قوله: (لو العين في يده) أي لو العين المؤجرة مقبوضة في يد المستأجر. قال في جامع الفصولين:
استأجر بيتا إجارة فاسدة وعجل الاجر ولم يقبض البيت حتى مات المؤجر أو انقضت المدة فأراد حبس
البيت لاجر عجله ليس له ذلك في الجائزة ففي الفاسدة أولى، ولو مقبوضا صحيحا أو فاسدا فله
الحبس بأجر عجله، وهو أحق بثمنه لو مات المؤجر اه‍: يعني إذا مات المؤجر وعليه ديوان لغير
المستأجر فبيعت الدار فالمستأجر أحق بالثمن من سائر الغرماء إن كان الثمن قدر الأجرة المعجلة، وإن
302

زاد فالزائد للغرماء أبو السعود على الأشباه. قوله: (بأقل من قيمته ومن الدين) تركيب فاسد،
وصوابه: بالأقل من قيمته ومن الدين فتكون من بيانية لا تفصيلية ح: أي لاقتضائه أن المضمون
شئ هو أقل منهما وهو غيرهما مع أنه واحد منهما وهو الأقل. تأمل. قوله: (تصح) أي إن كانت من
خلاف جنس ما استأجره (1) فلو من جنسه فلا، بخلاف الزيادة من جانب المؤجر فتجوز مطلقا ط عن
الهندية ملخصا. قوله: (وبعدها) صوابه لا بعدها كما هو في الأشباه والمنح، لان محل العقد قد فات
والمراد بعد مضي كلها. أما إذا مضى بعضها: فقال في خزانة الأكمل: لو استأجر دارا شهرين أو دابة
ليركبها فرسخين فلما سكن فيها شهرا أو سافر فرسخا زاد في الأجرة فالقياس أن تعتبر الزيادة لما بقي
ومحمد استحسن وجعلها موزعة لما مضى ولما بقي أبو السعود عن البيري. قوله: (ولو ليتيم) عبارة
الأشباه: وهو شامل لمال اليتيم بعمومه. قال الحموي: سوى في الإسعاف بين الوقف وأرض اليتيم
حيث قال: ولو أجر مشرف حر الوقف أو وصى اليتيم منزلا بدون أجر المثل. قال ابن الفضل: ينبغي
أن يكون المستأجر غاصبا. وذكر الخصاف: لا يكون غاصبا ويلزمه أجر المثل، وصرح في الجوهرة بأن
أرض اليتيم كالوقف اه‍.
أقول: وكذا ذكره الشارح قبل أسطر، لكنه غير ما نحن فيه كما لا يخفى على النبيه، فافهم، فإن
ما استشهد به فيما لو آجر بدون أجر المثل وكلامنا في الزيادة عليه بعد العقد، والفرق مثل الصبح.
قوله: (لم تقبل) قال في الأشباه: مطلقا اه‍: أي قبل المدة وبعدها قوله: (كما لو رخصت) أي الأجرة
بعد العقد فلا يفسخ لان المستأجر رضي بذلك. قوله: (فإن الإجارة فاسدة الخ) سيأتي آخر السوادة، لو
آجرها بما لا يتغابن الناس فيه تكون فاسدة فيؤجرها صحيحة من الأول أو من غيره بأجر المثل الخ،
وهو صريح في أنه لو كان الفساد بسبب الغبن الفاحش لا يلزم عرضها على الأول، وفي العمادية
خلافه، لكن ذكر في حاشية الأشباه أن الذي في عامة الكتب هو الأول. قوله: (لكن الأصل صحتها
بأجر المثل) كذا في الأشباه. وفي بعض النسخ: لكن الأصح الخ. ومعنى الاستدراك أن الكلام في
الزيادة على المستأجر في الوقف، وأن قوله: فإن الإجارة فاسدة الخ كلام مجمل لاحتمال أن المراد
فسادها بسبب كون الأجرة عند العقد بدون أجر المثل، فإذا ادعى فسادها بذلك آجرها الناظر بلا
عرض على الأول، لأنه لا حق له، فاستدرك عليه بأن المقام يحتاج إلى التفصيل، وهو أن الأصل
صحتها بأجر المثل، فمجرد دعوى الزيادة لا يقبل، بل إن أخبر القاضي واحد بذلك يقبل إلى آخر ما
قرره الشارح. وقد اضطربت آراء محشي الأشباه وغيرهم في تقرير هذه العبارة وهذا ما ظهر لي،
فليتأمل. ثم رأيت في أنفع الوسائل: قرر كلامه كذلك، وعليه فكان المناسب أن يأتي بالفاء التفريعية
بدل الواو في قوله: ولو ادعى. قوله: (بغبن فاحش) هو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين في التفسير

(1) قوله: (من خلاف جنس ما استأجره) اي كما لو زاده منفعة عهد وقد استأجر دارا، اما لو زاده منفعة دار والمسألة
بحالها لا يصح انه يكون إجارة السكنى بالسكنى ا ه‍.
303

المختار، وتمامه في رسالة العلامة قنلي زاده. قوله: (فإن أخبر الخ) يعني أن القاضي لا يقبل قول ذلك
المدعي لأنه متهم بإرادة استئجارها لو أجنبيا أو باستخلاصها وإيجارها لغير الأول لو هو العاقد، ومع
أن الأصل في العقود الصحة. قوله: (ذو خبرة) أفاد أن الواحد يكفي، وهذا عندهما خلافا لمحمد.
أشباه. قوله: (وإن شهدوا الخ) وصل بما قبله، وسيأتي عن الحانوتي آخر السوادة ما يخالفه، إلا أن
يراد الشهادة بدون اتصال القضاء ممن يرى ذلك، ويأتي تمام بيانه هناك. قوله: (وإلا) أي وإن لم يخبر
ذو خبرة أنها وقعت بغبن فاحش ففيه تفصيل، وهذا في المعنى مقابل لقوله: فإن الإجارة فاسدة
لأنها حينئذ صحيحة، فقد استوفى الكلام على القسمين. قوله: (إضرارا وتعنتا) فسر ذلك ابن نجيم في
فتاواه بالزيادة التي لا يقبلها إلا واحد أو اثنان اه‍. وفي الينابيع: زاد بعض الناس في أجرتها، لم
يلتفت إليه لعله متعنت اه‍ ط. قوله: (وإن كانت الزيادة أجر المثل) عبارة الأشباه لزيادة باللام وهي
كذلك في بعض النسخ، والمراد أن تزيد الأجرة في نفسها لغلو سعرها عند الكل. أما إذا زادت
أجرة المثل لكثرة رغبة الناس في استئجاره فلا، كما في شرح المجمع للعيني. حموي. ومثله في
شرح ابن مالك.
أقول: وهو غير مغفول، إذ لو كانت الأجرة حنطة مثلا وزادت قيمتها أثناء المدة كما مثل به ابن
ملك فما وجه نقض الإجارة؟ بل المراد أن تزيد أجرة المثل بزيادة الرغبات كما وقع في عبارات مشايخ
المذهب. وفي حاشية الأشباه لأبي السعود عن العلامة البيري ما حاصله: أنه لا تعتبر زيادة السعر في
نفس الأجرة، فإنه لا فائدة ولا مصلحة في النقض للوقف ولا للمستحقين، كما أفاده العلامة
الطرابلسي في فتاواه ورد به ما في شرح المجمع، وجعله من المواضع المنتقدة عليه اه‍.
مطلب في بيان المراد بالزيادة على أجر المثل
بقي شئ يجب التنبيه عليه، وهو ما المراد بزيادة أجر المثل؟ فنقول: وقعت الزيادة في أغلب
كلامهم مطلقة، فقالوا: إذا زادت بزيادة الرغبات. ووقع في عبارة الحاوي القدسي أنها تنقض عند
الزيادة الفاحشة. قال في وقف البحر: وتقييده بالفاحشة يدل على عدم نقضها باليسير، ولعل المراد
بالفاحشة ما لا يتغابن الناس فيها، كما في طرف النقصان فإنه جائز عن أجر المثل إن كان يسيرا،
والواحد في العشرة يتغابن الناس فيه كما ذكروه في كتاب الوكالة، وهذا قيد حسن يجب حفظه، فإذا
كانت أجرة دار عشرة مثلا وزاد أجر مثلها واحدا فإنها لا تنقض كما لو آجرها المتولي بتسعة فلأنها لا
تنقض، بخلاف الدرهمين في الطرفين اه‍.
أقول: لكن صرح في الحاوي الحصيري كما نقله عن البيري وغيره أن الزيادة الفاحشة مقدارها
نصف الذي أجر به أولا اه‍. ونقله العلامة قنلي زاده. ثم قال: ولم نره لغيره.
والحق أن ما لا يتغابن فيه فهو زيادة فاحشة نصفا كانت أو ربعا. وقال في موضع آخر: وهل
هما روايتان، أو مراد العامة أيضا ما ذكره الحصيري؟ لم يحرره أحد قبلنا.
أقول: وكلامه الثاني أقبل، فإن الحكم عليه بالبطلان لا بد له من برهان على أن الأصل عدم
304

تعدد الرواية فيحمل كلام العامة عليه (1) ما لم يوجد نقل بخلافه صريحا فيضطر إلى جعلهما روايتين،
وقد أقر العلامة البيري وغيره ما ذكره الامام الحصيري وتبعه في الحامدية، فاحفظ هذه الفائدة السنية.
قوله: (فيفسخها المتولي الخ) قال العلامة قنلي زاده: وهل المراد أنه يفسخها القاضي أو المتولي ويحكم به
القاضي؟ لم يحرره المتقدمون، وإنما تعرض له صاحب أنفع الوسائل وجزم بالثاني، وإنما يفسخ
القاضي إذا امتنع الناظر عنه اه‍.
أقول: والقول بالفسخ هو إحدى الروايتين، وسيأتي أه المفتى به. ثم اعلم أن الشارح قد أطلق
الفسخ هنا مع أنه قد فصل بعده.
وحاصل التفصيل: أن ما وقعت عليه الإجارة لا يخلو: إما أن يكون أرضا فارغة وقت الزيادة
عن ملك المستأجر كالدار والحانوت والأرض السليخة، أو مشغولة به كما لو زرعها أو بنى فيها أو
غرس. ففي الوجه الأول: يفسخها المتولي ويؤجرها لغيره إن لم يقبل الزيادة العارضة بعد ثبوتها. وفي
الثاني: إن كان زرعها في المدة لا تؤجر لغيره وإن فرغت المدة ما لم يستحصد الزرع بل تضم عليه
الزيادة من وقتها إلى أن يستحصد، لان شغلها بملكه مانع من صحة إيجارها لغيره كما يأتي. وإن كان
بنى فيها أو غرس. فإن فرغت المدة كما لو استأجرها مشاهرة وفرغ الشهر فسخها وآجرها لغيره إن لم
يقبل الزيادة، وإن كانت المدة باقية لم تؤجر لغيره ما قلنا من أن شغلها بملكه مانع بل تضم عليه الزيادة
كما مر في المزروعة، لكن هنا تبقى إلى انتهاء العقد فقط، إذ لا نهاية معلومة للبناء والغرس بخلاف
الزرع. هذا خلاصة ما ذكره الشارح تبعا للأشباه، وهو مأخوذ من أنفع الوسائل عن البدائع وغيرها
صريحا ودلالة. ثم لا يخفى أن ضم الزيادة عليه إنما هو حيث رضي به، وإلا يؤمر بالقلع إن لم يضر
بالوقف وتؤجر لغيره صيانة للوقف، وهذا كله إذا زادت أجرة الأرض في نفسها لا بسبب بنائه مثلا،
وإلا فلا تضم عليه الزيادة أصلا، لان الزيادة حصلت من ملكه كما هو ظاهر. قوله: (ثم يؤجرها ممن
زاد) الأولى حذفه ليتأتى التفصيل المذكور بعده كما فعل صاحب البحر في الوقف وإن عبر في الأشباه
كما هنا. قوله: (عرضها على المستأجر) ولا يعرض في الفاسدة، وقيل يعرض فيها أيضا ط قوله:
(فقط) أي لا من أول المدة أشباه. بل الواجب من أولها إلى وقت الفسخ الاجر المسمى. قوله: (عليه)
أي على المنكر لتثبت الزيادة، لان القول قوله والبينة على المدعي، والأصل بقاء ما كان
على ما كان. حموي. والظاهر أن هذا على قول محمد، لما مر أن الواحد يكفي عندهما. تأمل. قوله: (لم تصح إجارتها
لغير صاحب الزرع) أي إن كان مزروعا بحق، فلو لم يكن بحق كالغاصب والمستأجر إجارة فاسدة لا
يمنع صحة الإجارة كما في الظهيرية والسراجية لكونه لا يمنع التسليم. بحر. وسيذكره الشارح ويأتي

(1) قوله: (فيحمل كلام العامة عليه) لاخفاء في بعد هذا الحمل، فالصواب اثبات الخلاف، ومقتضى قولهم يفتى بما هو
الأنفع للوقف ان لا يعمل بقول الحصيري فيه تأمل.
305

متنا بعد ورقة. قوله: (من وقتها) أي وقت الزيادة، ووجب لما مضى قبلها من المسمى بحسابه كما في
البحر. قوله: (فإن كان استأجرها مشاهرة) في هذا التعبير مسامحة، لان هذا مقابل قوله الآتي: وإن
كانت المدة باقية الخ فكان المناسب أن يقول: فإن كانت المدة قد فرغت فإنها تؤجر لغيره إن لم يقبلها:
أي الزيادة، لكن لما كان الشهر مدة قليلة صار كأن المدة قد فرغت، فإنه إذا استأجرها مشاهرة كل
شهر بكذا صح في واحد وفسد في الباقي على ما يأتي بيانه في الباب الآتي. قوله: (والبناء يتملكه
الناظر بقيمته) أي جبرا على المستأجر إن ضر قلعه بالأرض كما يأتي بيانه قريبا. قوله: (مستحق القلع)
سيأتي بيانه في الباب الآتي. قوله: (للوقف) متعلق بقوله: يتملكه. قوله: (أو يصبر الخ) يعني إذا
رضي الناظر بذلك إن كان القلع يضر، لان الخيار للناظر حينئذ بين تملكه جبرا على المستأجر وبين أن
يتركه إلى أن يتخلص بناء المستأجر من الأرض كلما سقط شئ دفعه إليه بناء على ما يأتي عن الشروح.
نعم لو لم يضر فالخيار للمستأجر كما يأتي بيانه. قوله: (وأما إذا زاد الخ) يغني عنه قوله سابقا: وإن
كانت الزيادة أجر المثل الخ ط، وقد صحح هذا القول بلفظ الفتوى ولفظ المختار كما هنا ولفظ
الأصح كما في كتاب الوقف، فكان المعتمد وإن مشى على خلافه في الإسعاف و التاترخانية و
الخانية قائلين: إن أجر المثل يعتبر وقت العقد فلا تعتبر الزيادة بعده، ولكن د علمت مما قدمناه عن
الحصيري ما المراد بالزيادة. قوله: (قلت الخ) أصل البحث للمصنف في المنح ذكره أول الباب تحت
قوله: فلو آجرها المتولي أكثر لم تصح. قوله: (أنه يتملكه) أي إن أراد الناظر، وإلا فيترك إلى أن
يتخلص فيأخذه مالكه. قوله: (كما في عامة الشروح) أي شروح الهداية والكنز وغيرهما، ذكروا ذلك
في الباب الآتي عند قوله: إلا أن يغرم له المؤجر قيمته مقلوعا وهو مفهوم عبارات المتون أيضا،
ويتناول بإطلاقه الملك والوقف كما نبه عليه المصنف. قوله: (بخلاف نقول الفتاوى) منها المحيط
والتجنيس والخانية والعمادية، فإنهم قالوا: إن كان يضر لا يرفعه المستأجر، بل إما أن يرضى بأن
يتملكه الناظر للوقف وإلا يصبر إلى أن يتخلص ملكه، لان تملكه بغير رضاه لا يجوز، ومنها ذكره
الشارح عن فتاوى مؤيد زاده.
وحاصله: أنهم جعلوا الخيار للمستأجر ولو كان القلع يضر، وأصحاب الشروح جعلوا الخيار
للناظر إن ضر وإلا فللمستأجر، ثم هذا إذا كان البناء بغير إذن المتولي، فلو بإذنه فهو للوقف ويرجع
الباني على المتولي بما أنفق كما في فتاوى أبي الليث. والظاهر أنه أراد إذنه بالبناء لأجل الوقف، فلو
لنفسه وأشهد عليه فلا يكون للوقف كما أفاده العلامة قنلي زاده.
306

أقول: وسيأتي في الباب الآتي أن للمستأجر استبقاء البناء والغرس بعد مضي المدة بأجر المثل
جبرا إن لم يضر بالوقف، وهذا مخالف لما تقدم عن الشروح، ولما تقدم عن الفتاوى أيضا، ولما يأتي عن
المتون كما سننبه عليه إن شاء الله تعالى.
تنبيه مهم: إذا أذن القاضي أو الناظر عند من لا يرى الاحتياج إلى إذن القاضي للمستأجر بالبناء
ليكون دينا على الوقف حيث لا فاضل من ريعه وهو ما يسمونه في ديارنا بالمرصد فالبناء يكون
للوقف، فإذا أراد الناظر إخراجه يدفع له ما صرفه في البناء، ثم لا يخفى أنه يزيد أجر المثل بسبب
البناء، فالظاهر أنه يلزمه إتمام أجر المثل.
والفرق بين هذا وما تقدم عن الأشباه أن البناء هنا للوقف
فلم يزد بسبب ملكه. ثم رأيت في الفتاوى الخيرية التصريح في ضمن سؤال طويل بلزوم أجر المثل
بالغا ما بلغ قبل العمارة وبعدها والرجوع بما صرفه فراجعه. والواقع في زماننا أنه يستأجر بدون أجر
المثل بكثير ويدفع بعض الأجرة ويقتطع بعضها من العمارة.
وقد يقال: لجوازه وجه. وذلك أنه لو أراد آخر أن يستأجره ويدفع للأول ما صرفه على العمارة
لا يستأجره إلا بتلك الأجرة القليلة. نعم لو استغنى الوقف ودفع الناظر ما للأول فإن كل أحد
يستأجره بأجر مثله الآن، فما لم يدفع الناظر ذلك تبقى أجرة المثل تلك الأجرة القليلة، فلا فرق حينئذ
بين العمارة المملوكة للمستأجر وبين هذه.
مطلب في المرصد والقيمة ومشد المسكة
ورأيت في وقف الحامدية عن فتاوى الحانوتي: شرط جواز إجارة الوقف بدون أجر المثل إذا نابه
نائبة أو كان دين الخ، فهذا مؤيد لما قلنا، إذ لا شك أن المرصد دين على الوقف تقل أجرته بسببه،
فتأمل. وفي شرح الملتقى عن الأشباه: ولا يؤجر الوقف إلا بأجر المثل إلا بنقصان يسير، أو إذا لم
يرغب فيه إلا بالأقل اه‍. تأمل. ومثل هذا يقال في الكدك، وهو ما يبنيه المستأجر في حانوت الوقف
ولا يحسبه على الوقف فيقوم المستأجر بجميع لوازمه من عمارة وترميم وإغلاق ونحو ذلك ويبيعونه
بثمن كثير، فباعتبار ما يدفعه المستأجر من هذا الثمن الكثير وما يصرفه في المستقبل على أرض الوقف
تكون أجرة المثل تلك الأجرة القليلة التي يدفعونها، وقد تكون أصل عمارة الوقف من صاحب الكدك
يأخذها منه الواقف ويعمر بها ويجعلها للمستأجر ويؤجره بأجرة قليلة وهو المسمى بالخلو، ومثله يقال
في القيمة ومشد المسكة في البساتين ونحوها، وهي عبارة عن القمامة والكراب وما يزرعه مما تبقى
أصوله ونحو ذلك وحق الغرس والزرع فإنها تباع بثمن كثير، فبسببها تزيد أجرة الأرض زيادة كثيرة،
وهذه أمور حادثة تعارفوا عليها.
وفي فتاوى العلامة المحقق عبد الرحمن أفندي العمادي مفتي دمشق جوابا لسؤال عن الخلو
المتعارف بما حاصله: أن الحكم العام قد يثبت بالعرف الخاص عند بعض العلماء كالنسفي وغيره،
ومنه الأحكار التي جرت بها العادة في هذه الديار، وذلك بأن تمسح الأرض وتعرف بكسرها ويفرض
على قدر من الأذرع مبلغ معين من الدراهم ويبقى الذي يبني فيها يؤدي ذلك القدر في كل سنة من
غير إجارة كما ذكره في أنفع الوسائل فإذا كان بحيث لو رفعت عمارته لا تستأجر بأكثر تترك في يده
بأجر المثل، ولكن لا ينبغي أن يفتي باعتبار العرف مطلقا خوفا من أن ينفتح باب القياس عليه في كثير
307

من المنكرات والبدع. نعم يفتى به فيما دعت إليه الحاجة وجرت به في المدة المديدة العادة وتعارفه
الأعيان بلا نكير كالخلو المتعارف في الحوانيت، وهو أن يجعل الواقف أو المتولي أو المالك على الحانوت
قدرا معينا يؤخذ من الساكن ويعطيه به تمسكا شرعيا فلا يملك صاحب الحانوت بعد ذلك إخراج
الساكن الذي ثبت له الخلو ولا إجارتها لغيره، ما لم يدفع له المبلغ المرقوم، فيفتى بجواز ذلك قياسا
على بيع الوفاء الذي تعارفه المتأخرون احتيالا عن الربا، حتى قال في مجموع النوازل: اتفق مشايخنا في
هذا الزمان على صحته بيعا لاضطرار الناس إلى ذلك. ومن القواعد الكلية: إذا ضاق الامر اتسع
حكمه، فيندرج تحتها أمثال ذلك مما دعت إليه الضرورة. والله أعلم اه‍ ملخصا. قوله: (رفعه) أي جبرا.
قوله: (من تحت البناء) الأولى حذف تحت ط. قوله: (حيث لا يملك رفعه) حيثية تعليل ط. قوله:
(ولو اصطلحوا الخ) هذا إما بيان للأفضل فلا ينافي الجبر عند عدم الاصطلاح، أو هو رواية ضعيفة.
رملي على البحر ملخصا. وعلى أول يوافق ما مر عن الشروح، وعلى الثاني يوافق ما أطبق عليه أرباب
الفتاوى. قوله: (ولو لحق الآجر دين الخ) محله باب فسخ الإجارة، وسيأتي بيانه هناك. قوله: (وتجوز
بمثل الأجرة الخ) أي تجوز الإجارة بأجرة المثل أو بالأكثر منها مطلقا ما لم تكن بمال وقف أو يتيم كما
علم مما مر في الإجارة الطويلة عن الخانية. قوله: (بما يتغابن فيه الناس) قيد للأقل، فافهم، ثم هذا
كله مكرر إذ قد علم مما مر. قوله: (وفي فتاوى الحانوتي الخ) ونصه: سئل ما قولكم فيما لو حكم
حاكم بصحة إجارة وقف وأن الأجرة أجرة المثل بعد أن أقيمت البينة بذلك ثم أقيمت بينة بأنها دون
أجر المثل فيعمل ببينة بطلانها أم لا؟ فأجاب: أجاب الشيخ نور الدين الطرابلسي قاضي القضاة الحنفي
بما صورته: الحمد لله العلي الاعلى: بينة الاثبات مقدمة، وهي التي شهدت بأن الأجرة أجرة المثل
وقد اتصل بها القضاء فلا تنقض. وأجاب الشيخ ناصر الدين اللقاني المالكي وقاضي القضاة أحمد بن
النجار الحنبلي بجوابي كذلك، فأجبت: نعم الأجوبة المذكورة صحيحة اه‍.
قلت: وهذا حيث لم تكن الشهادة الأولى يكذبها الظاهر، وإلا فلا تقبل وتنقض كما في الحامدية.
قوله: (وقد اتصل بها القضاء) أي واستكمل شروطه. وفي فتاوى ابن نجيم: ولا يمنع قبولها: أي
308

الزيادة حكم الحنبلي بالصحة لأنه غير صحيح اه‍. قال في الحامدية: وفيه نظر، لان حكم الحاكم يرفع
الخلاف. تأمل اه‍.
أقول: مراده أن حكمه بصحة الإجارة ابتداء وأنها بأجر المثل لا يمنع فسخها للزيادة العارضة
بكثرة الرغبات بناء على قول المفتى به، لان ذلك غير محكوم به، فيمنع حكم الحنبلي الأول لذلك غير
صحيح. نعم لو حكم بإلغاء الزيادة العارضة بحادثة بخصوصها مستجمعا شرائطه منع من قبولها،
وقد صرح بذلك الحانوتي في فتاواه أيضا، حيث ذكر أنه لا يمنع الحاكم الحنفي من قبول الزيادة حكم
الحنبلي بصحة الإجارة ولو وقعت بعد دعوى شرعية، لان الفسخ بقبول الزيادة حادثة أخرى لم يقع
الحكم بها اه‍. وذكر مثله في موضع آخر، وصرح به أيضا العلامة قنلي زاده، وذكر أنه لا يكفي قوله:
ثبت عندي أن هذا من أجر المثل، ولا قوله: ألغيت الزيادة العارضة، لان ذلك فتاوى لا أحكام نافذة
ما لم تكن على وجه خصم جاحد اه‍. ومثله ما لو حكم بصحة الإجارة شافعي مثلا لا يمنع الحنفي
فسخها بالموت ما لم يحكم الشافعي بخصوص ذلك بعد الموت كما صرح به ابن الغرس، فتنبه. والله
تعالى أعلم.
باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها أي في الإجارة
قوله: (وما يكون خلافا) أي والفعل الذي يكون خلاف الجائز فيها. قوله: (حانوت) على وزن
فاعول وتاؤه مبدلة عن هاء، وقيل: فعلوت كملكوت. وهو كما في القاموس: دكان الخمار
والخمار نفسه يذكر ويؤنث، والنسبة إليه حاني وحانوتي. وفسر الدكان به أيضا، فقال كرمان: الحانوت جمعه
دكاكين معرب، وعليه فهما مترادفان، والمراد به هنا: ما أعد ليباع فيه مطلقا. قوله: (بلا بيان ما يعمل
فيها) أي في هذه الأماكن وهي الحانوت والدار، فأطلق الجمع على ما فوق الواحد. تأمل. قوله:
(لصرفه للمتعارف) وهو السكنى وأنه لا يتفاوت. منح. قوله: (فله أن يسكنها غيره) أي ولو شرط أن
يسكنها وحده منفردا. سري الدين. وهذا في الدور والحوانيت ط. ومثله عبد الخدمة فله أن يؤجره
لغيره، بخلاف الدابة والثوب وكذا كل ما يختلف باختلاف المستعمل كما في المنح. قوله: (فيتد)
مضارع من باب المثال: أي يدق الوتد ح. قوله: (ويربط دوابه) أي في موضع أعد لربطها لان ربطها
في موضع السكنى إفساد كما في غاية البيان. قال السائحاني: وينتفع ببئرها، ولو فسدت لم يجبر على
إصلاحها، ويبنى التنور فيها فلو احترق به شئ لم يضمن. قلت: إلا إذا فعله في محل لا يليق به
كقرب خشب. مقدسي اه‍. قوله: (ويكسر حطبه) ينبغي تقييده أخذا مما قبله ومما بعده بأن يكون بمحل
لا يحصل به إضرار بالأرض وما تحتها من مجرى الماء. ثم رأيت الزيلعي قال: وعلى هذا له تكسير
الحطب المعتاد للطبخ ونحوه لأنه لا يوهن البناء، وإن زاد على العادة بحيث يوهن البناء فلا، إلا برضا
المالك، وعلى هذا ينبغي أن يكون الدق على هذا التفصيل اه‍. قوله: (ويطحن برحى اليد وإن ضر، به
يفتى. قنية) لم أر هذه المسألة في القنية، بل رأيت ما قبلها. وأما هذه فقد ذكرها في البحر معزوة
309

للخلاصة، وتبعه المصنف في المنح وتبعهما الشارح، وفيه سقط، فإن الذي وجدته في الخلاصة هكذا:
لا يمنع من رحى اليد إن كان لا يضر، وإن كان يضر يمنع، وعليه الفتوى، ومثله في الشرنبلالية عن
الذخيرة. قوله: (بالبناء للفاعل أو المفعول) سهو منه، وإنما هو بفتح الياء من الثلاثي المجرد أو بضمها
من الرباعي، وحدادا حال على الأول ومفعول به على الثاني ح. ووجه كونه سهوا أنه بالبناء للفاعل
على الوجهين. قوله: (لأنه يوهن الخ) قال الزيلعي: فحاصله أن كل ما يوهن البناء أو فيه ضرر ليس
له أن يعمل فيها إلا بإذن صاحبها، وكل ما لا ضرر فيه جاز له بمطلق العقد واستحقه به. قوله:
(فيتوقف على الرضا) أي رضا المالك أو الاشتراط. وفي أبي السعود عن الحموي: يفهم منه أنه لو كان
وقفا ورضي المتولي بسكناه لا يكون كذلك. قوله: (كما لو أنكر أصل العقد) فإن القول له: أي فكذا
إذا أنكر نوعا منه ط. قوله: (ولو فعل ما ليس له) أي وقد انقضت المدة، أما لو مضى بعضها هل يسقط
أجره (1) أو يجب؟ يحرر. ط عن المقدسي. قوله: (ولا أجر) أي فيما ضمنه. نهاية. وأما الساحة فينبغي
الاجر فيها، كذا في الذخيرة. سائحاني. قوله: (يبطل) بضم الياء من أبطل، ويجوز الفتح ولكن كان
حقه أن يجعله مستأنفا ويقول ويبطل فيه. قوله: (بخلاف ما يختلف به) كالركوب واللبس. قوله: (كما
سيجئ) أي بعد نحو ورقة. قوله: (بخلاف الجنس) أي جنس ما استأجر به، وكذا إذا آجر مع ما
استأجر شيئا من ماله يجوز أن تعقد عليه الإجارة فإنه تطيب له الزيادة كما في الخلاصة. قوله: (أو
أصلح فيها شيئا) بأن جصصها أو فعل فيها مسناة وكذا كل عمل قائم، لان الزيادة بمقابلة ما زاد من
عنده حملا لامره على الصلاح كما في المبسوط، والكنس ليس بإصلاح، وإن كرى النهر قال الخصاف:
تطيب، وقال أبو علي النسفي: أصحابنا مترددون، وبرفع التراب لا تطيب وإن تيسرت الزراعة، ولو
استأجر بيتين صفقة واحدة وزاد في أحدهما يؤجرهما بأكثر ولو صفقتين فلا (2) خلاصة ملخصا. قوله:
(لا تصح) أي قبل القبض أو بعده كما في الجوهرة ولو تخلل ثالث على الراجح، وهي رواية عن محمد
وعليها الفتوى. بزازية. قوله: (وتنفسخ الإجارة في الأصح) أي الإجارة الأولى، وأما الثانية فبالاتفاق.

(1) قوله: (هل يسقط أجره) قد استظهر شيخنا لزوم الاجر اعتبارا للبعض بالكل ا ه‍.
(2) قوله: (ولو صفقتين فلا) قال شيخنا لأنه إذا استأجرها صفقتين يكونان شيئين حقيقة وحكما فتكون الزيادة موزعة
عليهما بخلاف ما إذا كانا بعقد واحد فإنهما في الحكم كعين واحدة زاد فيها فيكون له اجارتها بأكثر مما استأجر، ولا
توزيع ا ه‍.
310

قوله: (وسيجئ) أي في المتفرقات، وسيذكر الشارح التوفيق هناك ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
قوله: (للجهالة) المفضية إلى المنازعة في عقد المعاوضة، فإن من الزرع ما ينفع الأرض ومنه ما يضرها.
قوله: (وتنقلب صحيحة بزرعها) أي استحسانا، لان المعقود عليه صار معلوما بالاستعمال، وصار كأن
الجهالة لم تكن. زيلعي مختصرا. قال العلامة المقدسي: ينبغي تقييده بما إذا علم المؤجر بما زرع فرضي
به، وبما إذا علم من لبس الثوب وإلا فالنزاع ممكن. ط مختصرا. قوله: (وللمستأجر الشرب والطريق)
أي وإن لم يشترطهما، بخلاف البيع لان الإجارة تعقد للانتفاع ولا انتفاع إلا بهما فيدخلان تبعا. وأما
البيع فالمقصود منه ملك الرقبة لا الانتفاع في الحال، حتى جاز بيع الجحش والأرض السبخة دون
إجارتهما. منح. قوله: (ويزرع زرعين) قال في القنية: لو استأجرها سنة لزرع ما شاء له أن يزرع
زرعين: ربيعيا، وخريفيا اه‍. فأنت ترى أن هذه مفروضة في استئجار مدة يمكن فيها زرعان وقد
أطلق في عقد الإجارة ط. قوله: (وتمامه في القنية) حيث قال: كما لو استأجرها في الشتاء تسعة أشهر
ولا يمكن زراعتها في الشتاء جاز لما أمكن في المدة. أما لو لم يمكن الانتفاع بها أصلا بأن كانت سبخة
فالإجارة فاسدة. وفي مسألة الاستئجار في الشتاء يكون الاجر مقابلا بكل المدة لا بما ينتفع به
فحسب، وقيل بما ينتفع به اه‍.
قلت: وسيذكر الشارح في باب الفسخ عن الجوهرة: لو جاء من الماء ما يزرع بعضها: إن شاء
فسخ الإجارة كلها، أو ترك ودفع بحساب ما روى منها. قوله: (بزرع غيره) أي غير المستأجر، فلو
كان الزرع لا يمنع صحتها، والغير يشمل المؤجر والأجنبي، فلو كان للمؤجر: أي رب الأرض
فالحيلة أن يبيع الزرع منه بثمن معلوم ويتقابضا ثم يؤجره الأرض كما في الخلاصة عن الأصل، وكذا
لو ساقاه عليه قبل الإجارة لا بعدها كما قدمناه. قوله: (إن كان الزرع بحق) كأن كان بإجارة ولو
فاسدة كإجارة الوقف بدون أجر المثل على ما رجحه الخصاف من أن المستأجر بدون أجر المثل لا يكون
غاصبا وعليه أجر المثل. وفي فتاوى قارئ الهداية: أن المستأجر إجارة فاسدة إذا زرع يبقى، وكذا
المساقاة اه‍ ط. وسيأتي أنه يلحق بالمستأجر المستعير فيترك إلى إدراكه بأجر المثل. قوله: (ما لم يستحصد)
أي يدرك ويصلح للحصاد. قوله: (به يفتى بزازية) ومثله في الخانية. قوله: (إلى المستقبل) أي إلى وقت
يحصد الزرع فيه وتصير الأرض فارغة عنه. قوله: (مطلقا) أي سواء كان الزرع بحق أو لا، وسواء
استحصد أو لا. قوله: (بجبره) أي بسبب جبر الزارع. قوله: (وسيجئ في المتفرقات) أي متفرقات
311

كتاب الإجارة، وسيجئ أيضا حمل ما في الأشباه على ما لو استأجر عينا بعضها
فارغ وبعضها مشغول: يعني وفي تفريغ المشغول ضرر فلا ينافي ما في الوهبانية. قوله: (ومقيلا ومراحا) عطف على
قوله: للبناء. مثل قوله تعالى: * (لتركبوها وزينة) * (النحل: 8)، والمقيل: مكان القيلولة، والمراح بالضم:
مأوى الماشية، والمراد بهما هنا المصدر الميمي ليصح جعلهما مفعولا لأجله، ثم هذا ذكره صاحب
البحر بحثا وتبعه الطوري وأفتى به الشهاب الشلبي والحانوتي، ويراد به إلزام الأجرة بالتمكن من
الأرض شملها الماء وأمكن زراعتها أو لا. قال: ولا شك في صحته لأنه لم يستأجرها للزراعة
بخصوصها حتى يكون عدم ريها فسخا لها، وأطال فوقف الأشباه في الاستدلال على ذلك، ونقل
الحموي أنه توقف في صحتها بعضهم وأطال أيضا فراجعهما. قوله: (أمكن زراعتها أم لا) هذا فيما لم
يستأجرها للزرع فلو له لا بد من إمكانه كما مر ويأتي، فتنبه. قوله: (قلعهما) أي إلا أن يكون في
الغرس ثمرة فيبقى بأجر المثل إلى الادراج ط. قوله: (وسلمها فارغة) وعليه تسوية الأرض لأنه هو
المخرب لها. ط عن الحموي. قوله: (لعدم نهايتهما) أي البناء والغرس، إذ ليس لهما مدة معلومة،
بخلاف الزرع كما يأتي. قوله: (مقلوعا) أي مستحق القلع فإنه أقل من قيمة المقلوع كما في الغصب.
قهستاني. وفي الشرنبلالية: أي مأمورا مالكهما بقلعهما، وإنما فسرناه بكذا لان قيمة المقلوع أزيد من
قيمة المأمور بقلعه لكون المؤنة مصروفة للقلع. كذا في الكفاية اه‍. قوله: (بأن نقوم الأرض بهما) أي
مستحقي القلع كما علمته. وبه اندفع اعتراض العيني في الغصب بأن هذا ليس بضمان لقيمته
مقلوعا، بل هو ضمان لقيمته قائما، وإنما يكون ضمانا لقيمته مقلوعا أن لو قوم البناء والغرس
مقلوعا موضوعا على الأرض اه‍. وكأنه فهم أنه تقوم الأرض بهما مستحقي البقاء، وليس المراد هذا
ولا الثاني الذي ذكره بل ما مر، فتدبر. قوله: (لان فيه نظرا لهما) حيث أوجبنا للمؤجر تسلم الأرض
بعد انقضاء مدة الإجارة وللمستأجر قيمتهما مستحقي القلع، لان أصل وضعهما بحق. قوله: (قال في
البحر الخ) لا يخفى أن مفاد الكلام حينئذ أن للمؤجر أن يتملكه جبرا على المستأجر، سواء نقصت
الأرض بالقلع أم لا، مع أنه ليس له ذلك إلا إذا كانت تنقص به، فلهذا قال الزيلعي وغيره من شراح
الهداية: هذا إذا كانت تنقص بالقلع دفعا للضرر عن المؤجر ولا ضرر على المستأجر، لان الكلام في
مستحق القلع والقيمة تقوم مقامه، فإن لم تنقص به لا يتملكه إلا برضا المستأجر لاستوائهما في ثبوت
الملك وعدم ترجح أحدهما على الآخر اه‍ ملخصا.
فعلم أن قول البحر بعد بيان مرجع الاستثناء لا حاجة إلى هذا الحمل كما فعل الزيلعي وغيره
غير ظاهر، مع أنه اضطر ثانيا إليه فذكر هذا التفصيل كما فعل شارحنا بقوله: لكن الخ فتنبه، وهذا
312

ما مرت الإشارة إليه قبل هذا الباب من أن ما في الفتاوى مخالف لما في الشروح بل ولما في المتون،
وقدمنا عن المصنف هناك أنه يشمل الملك والوقف. قوله: (إن بأجر) بأن يعقد لبقائهما عقد إجارة
بشروطها ط. قوله: (فلهما) مرتبط بقوله: وإلا فإعارة ط: أي لأنه لو كان الترك بأجر لم يبق لرب
الأرض مدخل. قوله: (المسبلة) قال الرملي: تقدم في كتاب الوقف أن السبيل هو الوقف على العامة.
قوله: (إلى آخره) تمام عبارة القنية: ويجوز للمستأجر غرس الأشجار والكروم في الموقوفة إذا لم يضر
بالأرض بدون صريح إذن من المتولي دون حفر الحياض، وإنما يحل للمتولي الاذن فيما يزيد به الوقف
خيرا، وهذا إذا لم يكن له قرار العمارة فيها، أما إذا كان فيجوز الحفر والغرس والحائط من ترابها
لوجود الاذن في مثلها دلالة اه‍. بحر. قوله: (ولو استأجر أرض وقف) قيد بالوقف، لما في الخيرية
عن حاوي الزاهدي عن الاسرار من قوله: بخلاف ما إذا استأجر أرضا ملكا ليس للمستأجر أن
يستبقيها كذلك إن أبى المالك إلا القلع، بل يكلفه على ذلك إلا إذا كانت قيمة الغراس أكثر من قيمة
الأرض فيضمن المستأجر قيمة الأرض للمالك فيكون الاغراس والأرض للغارس، وفي العكس
يضمن المالك قيمة الاغراس فتكون الأرض والأشجار له، وكذا الحكم في العارية اه‍. قوله: (وبنى)
الواو بمعنى أو ط. قوله: (كذا في القنية) الإشارة لجميع ما ذكره المصنف، وأفتى به في الخيرية قائلا:
وأنت على علم أن الشرع يأبى الضرر خصوصا والناس على هذا، وفي القلع ضرر عليهم، وفي
الحديث الشريف عن النبي المختار: لا ضرر ولا ضرار اه‍. وأفتى به في الحامدية، لكنه في الخيرية
أفتى في موضع آخر بخلافه، وقال: يقلع وتسلم الأرض لناظر الوقف كما صرحت به المتون قاطبة
اه‍.
أقول: وحيث كان مخالفا للمتون فكيف يسوغ الافتاء به مع أنه من كلام القنية، ولا يعمل بما
فيها إذا خالف غيره كما صرح به ابن وهبان وغيره، وما في المتون قد أقره الشراح وأصحاب
الفتاوى، وإنما اختلفوا في تملك المؤجر البناء والغرس جبرا على المستأجر كما مر، وحيث قدم ما في
الشروح على ما تفق عليه أصحاب الفتاوى في تلك المسألة، فما اتفق عليه الكل أولى بالتقديم، فليت
المصنف لم يذكره في متنه وما أجاب به أبو السعود في حاشية مسكين بأن ما في القنية مفروض فيما إذا
اشترط الاستبقاء، وما مر في المتن من اشتراط رضا المؤجر فيما إذا لم يشترط الاستبقاء لا ينفي
المخالفة، لان ما في المتون مطلق ومفاهيمها حجة، ما أنه قد يقال: هذا الشرط مفسد لما فيه من نفع
313

المستأجر إن لم يؤد إلى استيلائه على الوقف، وتصرفه فيه تصرف الملك كما هو مشاهد في زماننا،
ويصير يستأجره بما قل وهان ويدعي أن الزيادة عليه ظلم وبهتان. ومنشأ ذلك من النظار أعمى الله
أنظارهم طمعا في الرشوة التي يسمونها بالخدمة، على أن ما في القنية لو قوي بما ذكره الخصاف كما
يأتي وفرض أن ذلك صار صالحا لمعارضة المتون والشروح والفتاوى لا يفتى به، لما مر أن يفتى بكل ما
هو أنفع للوقف مما اختلف العلماء فيه وبنوا عليه تصحيح القول بفسخ الإجارة لزيادة أجر المثل في
المدة كما مر، وكل ذلك صار الامر فيه بالعكس في زماننا، حتى إن القضاة حيث لم يجدوا حيلة في
المذهب على الوقف توسلوا إليها بمذهب الغير، فآل الامر إلى الاستيلاء على الأوقاف واندراس المساجد
والمدارس والعلماء وافتقار المستحقين وذراري الواقفين. وإذا تكلم أحد بين الناس بذلك يعدون كلامه
منكرا من القول، وهذه بلية قديمة، فقد ذكر العلامة قنلي زاده ما ملخصه: أن مسألة البناء والغرس
على أرض الوقف كثيرة الوقوع في البلدان خصوصا في دمشق، فإن بساتينها كثيرة وأكثرها أوقاف
غرسها المستأجرون وجعلوها أملاكا، وأكثر إجاراتها بأقل من أجر المثل، إما ابتداء، وإما بزيادة
الرغبات، وكذلك حوانيت البلدان، فإذا طلب المتولي أو القاضي رفع إجاراتها إلى أجر المثل يتظلم
المستأجرون ويزعمون أنه ظلم وهم ظالمون، كما قال الشاعر:
تشكو المحب ويشكو وهي ظالمة * كالقوس تصمي الرمايا وهي مرنان (1)
وبعض الصدور والأكابر يعاونونهم ويزعمون أن هذا يحرك فتنة على الناس، وأن الصواب إبقاء الأمور على ما هي عليه، وأن شر الأمور
محدثاتها، ولا يعلمون أن الشر في إغضاء العين عن الشرع، وأن
إحياء السنة عند فساد الأمة من أفضل الجهاد، وأجزل القرب، فيجب على كل قاض عادل عالم وعلى
كل قيم أمين غير ظالم أن ينظر في الأوقاف، فإن كان بحيث إذا رفع البناء والغرس تستأجر بأكثر أن
يفسخ الإجارة ويرفع باءه وغرسه أو يقبلها بهذه الأجرة، وقلما يضر الرفع بالأرض، فإن الغالب أن
فيه نفعا وغبطة للوقف، إلى آخر ما قال رحمه الله تعالى، وهذا علم في ورق، ولا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم.
مطلب في الأرض المحتكرة ومعنى الإستحكار قوله: (المحتكرة) قال في الخيرية: الإستحكار عقد إجارة يقصد بها استبقاء الأرض مقررة للبناء
والغرس أو لأحدهما. قوله: (وهي منقولة الخ) الضمير لمسألة القنية، والمقصود تقويتها فيكون مخصصا
لكلام المتون، ووجهه إمكان رعاية الجانبين من غير ضرر وعدم الفائدة في القلع، إذ لو قلعت لا
تؤجر بأكثر منه، وعليه فلو مات المستأجر فلورثته الاستبقاء، ولو حصل ضرر ما بأن كان هو أو وارثه
مفلسا أو سئ المعاملة أو متغلبا يخشى على الوقف منه أو غير ذلك من أنواع الضرر لا يجبر الموقوف
عليهم. تأمل. رملي ملخصا. وقد أفتى بخلافه في فتاواه قبيل باب ضمان الأجير في خصوص
الأرض المحتكرة فقال: للقيم أن يطالب برفع البناء وتسليم الأرض فارغة كما هو مستفاد من
إطلاقاتهم. اه‍. ولا يخفى أن الضرر الآن متحقق. وقد صرح في الإسعاف: لو تبين أن المستأجر يخاف

(1) قوله: (المرنة أسن صوت القوس *) والمرنان مثله صحاح ا ه‍ منه.
* - قوله: (اسم صوت القوس) الذي في الصحاح: والمرنة القوس الخ ا ه‍.
314

منه على رقبة الوقف يفسخ القاضي الإجارة ويخرجه من يده اه‍. فكيف تؤجر منه بعد مضي مدتها؟
قوله: (والرطبة كالشجر) هذه من مسائل المتون، فصل المصنف بينها وبين ما قبلها بعبارة القنية، فقوله
كالشجر: أي في الحكم المار من لزوم القلع، إلا أن يغرم المؤجر قيمتها الخ. وبه ظهر أن قول
الشارح: فتقلع الخ تفريع صحيح وليس تفريعا على ما في القنية فافهم. قوله: (أو زهرة) الأولى
التعبير بالثمر ليعم الزهر وغيره ط. قوله: (كما في الفجل) بضم الفاء. وفيه أن الفجل والجزر ليسا من
الرطبة بل يقلعان مرة واحدة ثم لا يعودان ط. قوله: (وقواه بما في معاملة الخانية) المعاملة: المساقاة.
ذكر في الهندية: لو دفع أرضا ليزرع فيها الرطاب أو دفع أرضا فيها أصول رطبة باقية ولم يسم المدة:
فإن كان شيئا ليس لابتداء نباته ولا لانتهاء جذه وقت معلوم فالمعاملة فاسدة، فإن كان وقت جذه
معلوما يجوز ويقع على الجذة الأولى كما في الشجرة المثمرة ط. قوله: (قلت بقي الخ) الباذنجان من هذا
القبيل في بعض البلاد، وكذا البيقيا. سائحاني. قوله: (والزرع يترك) أي بالقضاء أو الرضا كما سيأتي.
قوله: (رعاية للجانبين) أي جانب المؤجر بإيجاب أجر المثل له، وجانب المستأجر بإبقاء زرعه إلى انتهائه.
قوله: (بخلاف الموت (1)) والفرق كما سيشير إليه الشارح أنه بانتهاء مدة الإجارة لم يبق حكم ما
تراضيا من المدة، ألا ترى أنه بانقضاء المدة ارتفعت هي فاحتيج إلى تسمية جديدة، ولا كذلك قبل
انقضائها، لأنه بقي بعض المدة التي سمياها فلم يرفع حكمها فاستغنى عن تسمية جديدة إتقاني. قوله:
(وإن انفسخت الإجارة) يخالفه ما في الباب الخامس من جواهر الفتاوى: لو استأجرا من رجل أيضا ثم
مات أحد المستأجرين لا تنفسخ بموته إذا كان الزرع في الأرض، ويترك في ورثته بالمسمى لا بأجر
المثل حتى يدرك الزرع وهو الصحيح، بخلاف ما إذا انقضت المدة الخ، ومثله ما سيذكره الشارح في
باب فسخ الإجارة عن المنية أنه يبقى العقد بالمسمى حتى يدرك، فتأمل. ثم رأيت في البدائع أن
وجوب المسمى استحسان، والقياس أن يجب أجر المثل لأن العقد انفسخ حقيقة، وإنما أبقيناه حكما
فأشبه شبهة العقد فوجب أجر المثل كما لو استوفاها بعد انقضاء المدة اه‍. قوله: لا تنفسخ وقوله: يبقى
العقد، أي حكما لا حقيقة.
تنبيه: لو تفاسخا عقد الإجارة والزرع بقل: قيل: لا يترك، وقيل: يترك. ذخيرة. واقتصر في
البزازية على الأول لان المستأجر رضي به. قوله: (فيترك إلى إدراكه بأجر المثل) أي سواء وقتها أو لا،
وفي الكلام إشعار بأنه استعارها للزرع، وقدم في العارية أنه لو استعارها للبناء والغرس صح، وله
الرجوع متى شاء ويكلفه قلعهما إلا إذا كان فيه مضرة بالأرض فيتركان بالقيمة مقلوعين، وإن وقت

(1) قوله: (بخلاف الموت) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح (بخلاف موت أحدهما) بحر، وليحرر ا ه‍ مصححه.
315

العارية فرجع قبله ضمن للمستعير ما نقص بالقلع، وقدمنا الكلام عليه. قوله: (مطلقا) أي وإن لم يدرك ط.
قوله: (حتى لا يجب الخ) هذا في غير ما استثناه المتأخرون من الوقف والمعد للاستغلال ومال
اليتيم، فإنها إذا مضت المدة وبقي الزرع بعدها حتى أدرك يقضي بأجر المثل لما زاد على المدة مطلقا.
شرنبلالية. قوله: (للركوب والحمل) لكن لو استأجرها للحمل له الركوب بخلاف العكس، فلو حمل
عليها لا أجر عليه لان الركوب يسمى حملا، يقال: حمل معه غيره لا العكس. بحر عن الخلاصة
مختصرا. وفيه عن العمادية: استأجرها ليحمل حنطة من موضع إلى منزله يوما إلى الليل فحمل وكلما
رجع كان يركبها. قال الرازي: يضمن لو عطبت. وقال أبو الليث في الاستحسان: لا لجريان العادة
به والاذن دلالة اه‍.
فالحاصل: أنهم اتفقوا على أنها لو للحمل له الركوب، لكن الرازي قيده بأن لا يجمع بينهما
والفقيه عممه اه‍. قوله: (والثوب للبس) ويكفي في استئجاره التمكن منه وإن لم يلبس وهو كالسكنى،
وفي الدابة لا يكفي (1) التمكن لما في العمادية: استأجر دابة ليركبها إلى مكان معلوم فأمسكها في منزله
في المصر لا يجب الاجر ويضمن لو هلك اه‍. بحر ملخصا. ومن تمامه. قوله: (ليجنبها) يقال جنب
الدابة جنبا بالتحريك: قادها إلى جنبه، ومنه قولهم خيل مجنبة: شدد للكثرة. والجنيبة: الدابة تقاد،
وكل طائع منقاد جنيب. والأجنب: الذي لا ينقاد. صحاح ملخصا. قوله: (جنيبة بين يديه) أي مقادة
كما علم مما مر، وكأن التقييد بالظرف للعادة، وإلا فظاهر الصحاح الاطلاق. قوله: (ولا يركبها) لم
يصرح بمفهومه، وهو يفيد أنه لو استأجرها لهما يصح نظرا للركوب وغيره تبع له، ويحرر ط.
أقول: ذكر في الخلاصة والتاترخانية بعد سر نظائر هذه المسألة: أن الإجارة فاسدة، ولا أجر
له إلا إذا كان الذي يستأجر قد يكون يستأجر لينتفع به اه‍. وظاهره أنه إذا كان كذلك فعليه الاجر
وإن لم يذكر الركوب ونحوه، فإذا استأجرها لهما لزمه بالأولى، وهذا بالنظر إلى لزوم الاجر، وأما
الصحة فراجعة إلى بيان المنفعة. قوله: (ليصلي فيه) وقع في عبارة الخانية: استأجر بيتا من مسلم ليصلي

(1) قوله: (وفي الدابة لا يكفي الخ) قال شيخنا: قد تقدم ان التمكن في مكان العقد شرط، حتى لو تمكن لا في محله لا
يجب الاجر ومثلوا له بهذه المسألة فالحق ان عدم لزوم الاجر في هذه لعدم التمكن في مكان
العقد، الا ترى انه لو أخرجها من المصر ولم يركبها قالوا عليه الاجر، وكذا لو استأجرها ليذهب بها إلى مكان كذا
من المصر وأمسكها يكون عليه الاجر للتمكن في محل العقد ا ه‍.
316

فيه، واحترز به ابن وهبان عن الكافر. قال ابن الشحنة: ينبغي كون مفهومه مهجورا لان العلة
جهل المدة، فلو علمت تصح، وكذا لو جعلت كون المنفعة غير مقصودة فتأمله اه‍ ملخصا.
أقول: وفي التاترخانية: استأجر الذمي من الذمي بيتا يصلي فيه لا يجوز، ولو استأجر من المسلم
بيعه ليصلي فيها لا يجوز أيضا، وفي السواد جاز، ولو استأجر مسلم من مسلم بيتا يجعله مسجدا يصلي
فيه لا يجوز في قول علمائنا، لان الاستئجار على ما هو طاعة لا يجوز، وكذلك الذمي يستأجر رجلا
ليصلي بهم لا يجوز اه‍ ملخصا، ففيه التصريح بأن المسلم غير قيد، وأن العلة غير ما ذكره، ومفاده
عدم الجواز وإن بين المدة. قوله: (أو كتابا الخ) لان القراءة إن كانت طاعة كالقرآن أو معصية كالغناء
فالإجارة عليها لا تجوز، وإن كانت مباحة كالأدب والشعر فهذا مباح له قبل الإجارة فلا تجوز، ولو
انعقدت تنعقد على الحمل وتقليب الأوراق، والإجارة عليه لا تنعقد ولو نص عليه لأنه فائدة فيه
للمستأجر، ولوالجية. قوله: (وإن لم يقيدها) صادق بالاطلاق كقوله: للركوب أو اللبس مثلا ولم يزد
عليه، وبالتعميم كقوله على أن أركب أو ألبس من شئت، هذا هو المراد هنا، كما أن المراد الأول بقول
الشارح بعده ولو لم يبين، ولكن في التعبيرين خفاء، فافهم. والفرق أنه في الاطلاق صار الركوبان
مثلا من شخصين كالجنسين فيكون المعقود عليه مجهولا، وفي التعميم رضي المالك بالقدر الذي يحصل
في ضمن الركوب فصار المعقود عليه معلوما. أفاد في البحر. قوله: (فسدت) ومثله الحمل لما في
البزازية: استأجر ولم يذكر ما يحمل فسدت. وفي الخانية: ليطحن بها كل يوم بدرهم وبينما يطحن من
الشعير أو نحوه، ذكر في الكتاب أنه يجوز وإن لم يبين مقداره. وقال في خواهر زاده: لا بد من بيان
مقدار ما يطحن كل يوم، وعليه الفتوى. قوله: (وتنقلب صحيحة بركوبها) سواء ركبها أو أركبها،
ويجب المسمى استحسانا لزوال الجهالة بجعل التعيين انتهاء كالتعيين ابتداء، ولا ضمان بالهلاك لعدم
المخالفة. زيلعي ملخصا. قوله: (ضمن) لأنه صار متعديا لا الركوب واللبس مما يتفاوت فيه الناس،
فرب خفيف جاهل أضر على الدابة من ثقيل عالم. قوله: (وإن سلم) لان يكون غاصبا ومنافع الغصب
غير مضمونة إلا فيما استثنى ط. قوله: (وأنه مما لا يوهن) أي بالفعل وإن كان مما من شأنه أن يوهن،
فافهم. قوله: (لأنه مع الضمان ممتنع) تعليل لقوله: ولا أجر عليه لكنه خاص بحالة العطب، فإن سلم
فقد مر تعليله. قوله: (ومثله في الحكم) أي في كونه يضمن إذا عطبت مع المخالفة والتقييد. بحر. قوله:
كالفسطاط) قال في الدرر: حتى لو استأجره فدفعه إلى غيره إجارة أو إعارة فنصبه وسكن فيه: ضمن
عند أبي يوسف لتفاوت الناس في نصبه واختيار مكانه وضرب أوتاده. وعند محمد: لا يضمن لأنه
للسكنى فصار كالدار اه‍. وقوله ضمن عند أبي يوسف، وقال أبو السعود: أي إن كان قيد بأن
يستعمله بنفسه. حموي. وكذا عند أبي حنيفة على ما نقله شيخنا عن المفتاح اه‍.
317

وفي التاترخانية: استأجر قبة لنصبها في بيته شهرا بخمسة دراهم جاز وإن لم يسم مكان النصب، ولو نصبها في الشمس أو المطر وكان فيه ضرر عليها ضمن ولا أجر، وإن سلمت عليه الاجر استحسانا،
وإن نصبها في دار أخرى في ذلك المصر لا يضمن، وإن أخرجها إلى السواد لا أجر سلمت أو هلكت،
ولو استأجر فسطاطا يخرج به إلى مكة أن يستظل بنفسه وبغيره لعدم التفاوت، ولو انقطع أطنابه وانكسر
عموده فلم يستطع نصبه لا أجر، وإن اختلفا في مقدار الانتفاع فالقول للمستأجر وإن في أصله حكم
الحال كمسألة الطاحون، وتمامه فيها. قوله: (له أن يسكن غيره) أي غير ذلك الواحد. وفي شرح الزيلعي
أول الباب: وله: أي للمستأجر أن يسكن غيره معه أو منفردا، لان كثرة السكان لا تضر بها بل تزيد
في عمارتها، لان خراب المسكن بترك السكن اه‍. وقدمنا أن له ذلك وإن شرط أن يسكن وحده منفردا،
فما قيل إن سكنى الواحد ليس كسكنى الجماعة بحث معارض للمنقول وإن كان ظاهرا، لكن قد يقال:
معنى كلامهم أن له أن يسكن غيره في بقية بيوت الدار، لأنه إذا سكن في بيت منها وترك الباقي خاليا
يلزم الضرر لعدم تفقده من وكف المطر ونحوه بما يخر بها. تأمل. قوله:
(لما مر) أي أول الباب. قوله: (ككر بر) الكر قدر، والبر نوع. والكر: ستون قفيزا. وثمانية مكاكيك. والمكوك: صاع ونصف،
فيكون اثني عشر وسقا. مصباح. وهذا عند أهل بغداد والكوفة. ط عن الحموي. قوله: (له حمل مثله)
أي في الضرر بشرط التساوي في الوزن، وما في الدرر من قوله: وإن تساويا في الوزن، قال
الشرنبلالي: الواو فيه زائدة. قوله: (مقدرة) أي معينة قدرا دخل فيه زراعة الأرض إذا عين نوعا للزراعة
له أن يزرع مثله أخف لا أضر كما في البحر. قوله: (أو مثلها) كما لو حمل كر بر لغيره بدل كر بر. قال
في البحر: وغلط من مثل بالشعير، للمثل، لأنه يلزم عليه أنه لو استأجرها لحمل كر
شعير له أن يحمل كر حنطة، وليس كذلك لأنه فوقه. قوله: (أو دونها) ككر شعير بدل كر بر لأنه أخف وزنا. قوله: (ومنه) أي
مما لم يخرج. قوله: (لا شعيرا في الأصح) أي لو عين قدرا من الحنطة فحمل مثل وزنه شعيرا جاز، فلا
يضمن لو عطبت استحسانا وهو الأصح، لان ضرر الشعير في حق الدابة عند استوائهما وزنا أخف من
ضرر الحنطة، لأنه يأخذ من ظهر الدابة أكثر مما تأخذه الحنطة فيكون أخف عليها بالانبساط، بخلاف ما
إذا حمل مثل وزن الحنطة قطنا لأنه يأخذ من ظهرها أكثر من الحنطة وفيه حرارة فكان أضر عليها من
الحنطة، فصار كما إذا حمل عليها تبنا أو حطبا، وكذا لو حمل مثل وزنها حديدا أو ملحا لأنه يجتمع في
مكان واحد من ظهرها فيضرها، فحاصله متى كان ضرر أحدهما فوق ضرر الآخر من وجه لا يجوز وإن
كان أخف ضررا من وجه آخر. كذا أفاده الزيلعي. أقول: ولم يذكر ما يضمن في هذه الأوجه.
وحاصل ما في البدائع: أن الخلاف الموجب للضمان إما في الجنس أو في القدر أو الصفة،
فالأول: كما إذا استأجرها لحمل كر شعير فحمل كر حنطة يضمن كل القيمة لأنها جنس آخر وأثقل
فصار غاصبا ولا أجر لأنهما لا يجتمعان. والثاني: كما إذا استأجرها ليحمل عشرة أقفزة حنطة فحمل
أحد عشر، فإن سلمت لزم المسمى وإلا ضمن جزءا من أحد عشر جزءا من قيمتها. والثالث: كما إذا
استأجرها ليحمل مائة رطل قطن فحمل مثل وزنه أو أقل حديدا يضمن قيمتها، لان الضرر ليس
للثقل فلم يكن مأذونا، ولا أجر لما قلنا، وسيأتي تمامه. قوله: (ولو أردف) الرديف: من تحمله خلفك
318

على ظهر الدابة، واحترز به عما لو أقعده في السرج، ويأتي الكلام فيه. قوله: (يضمن النصف) أي
سواء كان أخف أو أثقل. إتقاني. لان ركوب أحدهما مأذون فيه دون الآخر وعليه الاجر لأنه استوفى
المعقود عليه وزيادة، غير أن الزيادة استوفيت من غير عقد فلا يجب لها الاجر. بدائع. قوله: (ولا
اعتبار للثقل) أي فلا يضمن بقدر ما زاد وزنا فصار كحائط بين شريكين أثلاثا أشهد على أحدهما
فوقعت منه آجرة على رجل فعلى المشهد عليه نصف الدية وإن كان نصيبه من الحائط أقل من النصف
، لان التلف ما حصل بالثقل بل بالجرح، والجراحة اليسيرة كالكثيرة في الضمان، كمن جرح إنسانا
جراحة وجرحه آخر جراحتين فمات ضمنا نصفين. بدائع. قوله: (بكل حال) أي وإن كان لا يستمسك
ط. قوله: (لكونه في مكان واحد) فيكون أشق على الدابة. زيلعي. قوله: (صغير لا يستمسك) محترز
قوله: من يستمسك وانظر هل الكبير الذي لا يستمسك كالصغير. قوله: (بقدر ثقله) ذكره الزيلعي
والإتقاني، وهو مخالف للتعليل السابق. تأمل. والعلة أنه لعدم استمساكه اعتبر كالحمل. إتقاني. وعليه
فالكبير العاجز مثل. فليراجع. قوله: (كحمله شيئا آخر) أي فإنه يضمن بقدر الزيادة إذا لم يركب على
موضع الحمل. قوله: (وليس المراد الخ) جواب عما يقال: قدر الزيادة المحمولة لا تعرف إلا بعد وزنها
ووزن الرجل، فيخالف ما مر من أن الآدمي غير موزون. قوله: (لما مر) أي من كونهما في مكان واحد.
قوله: (وكذا لو لبس ثيابا كثيرة) أي يضمن الكل لو لبس أكثر مما كان عليه وقت الاستئجار وكان مما
لا يلبسه الناس عادة، كذا يفهم من المجتبى. قوله: (لركوبه بنفسه) أشار به مع ما بعده إلى ما قاله في
البحر.
لا يقال: كيف اجتمع الاجر والضمان. لأنا نقول: إن الضمان لركوب غيره والاجر لركوبه
بنفسه، وسيأتي إيضاحه. قوله: (لركوب غيره) أي لو ممن يستمسك، وإلا فقد تقدم التصريح بأنه
يضمن بقدر ثقله لا النصف، فافهم. قوله: (ثم إن ضمن الراكب) أراد بالراكب المستأجر. قوله: (لا
يرجع) أي على الرديف لأنه ملكها بالضمان، فصار الرديف راكبا دابته بإذنه فلا رجوع عليه سواء كان
الرديف مستأجرا منه أو مستعيرا. رحمتي. قوله: (رجع) أي على الراكب لأنه غره في ضمن عقد
المعاوضة، بخلاف ما لو كان مستعيرا فلا رجوع له، لأنه لم يضمن له السلامة حيث لم يكن بينهما
عقد. رحمتي قوله: (وإلا لا) أي وإلا يكن الرديف مستأجرا من المردف، بل كان مستعيرا. قوله: (لأنها
لو سلمت) أي في جميع الصور ط. قوله: (عن الغاية) أي غاية البيان، ونصها: هذا إذا أردفه حتى
319

صار كالأجنبي كالتابع له، فأما إذا أقعده في السرج صار غاصبا ولم يجب عليه شئ من الاجر لأنه
رفع يده عن الدابة وأوقعها في يد متعدية فصار ضامنا، والاجر لا يجامع الضمان اه‍. وعزاه إلى شرح
الكافية. قوله: (لكن في السراج الخ) فإنه قال: قوله فأردف رجلا معه خرج مخرج العادة،
لان العادة أن المستأجر يكون أصلا ولا يكون رديفا، إذ المستأجر لو جعل نفسه رديفا وغيره أصلا
فحكمه كذلك اه‍: أي فيجب عليه أيضا النصف لو تطيق مع لزوم الاجر كما مر عن البدائع، ولولا
تطيق فالكل، وحيث جعله في الغاية مقابلا للأول وصرح بأنه لم يجب عليه شئ من الاجر فهو صريح
في المخالفة خلافا لمن وهم. قوله: (فليتأمل عند الفتوى) إشارة إلى إشكاله، فلا ينبغي الاقدام على
الافتاء به قبل ظهور وجهه. قوله: (كيف وفي الأشباه الخ) استبعاد لما في السراج وبيان لوجه التوقف
عند الفتوى فإنه مخالف للقاعدة المذكورة. قوله: (لا يجتمعان) أي وهنا لما صار غاصبا وضمن ملكه
مستندا فإذا ألزمناه الاجر بإرتدافه لزم اجتماعهما لوجوب الاجر فيما ملكه. والفرق بينه وبين ما لو
أردف غيره أنه هنا لما أخرجها من يده صار غاصبا، كما لو استأجرها ليركب بنفسه فأركب غيره يجب
كل القيمة كما مر، فإذا ارتدف خلفه صار تابعا ولا يمكن وجوب الاجر بارتدافه لما قلنا. أما لو
ركب في السرج فقد أتى بما هو مأذون فيه، فإذا أردف غيره فقد خالف فيما شغله بغيره، ولا يملك
شيئا بالضمان فيما شغله بركوب نفسه وجميع المسمى بمقابلة ذلك، وإنما يضمن ما شغله بركوب الغير
ولا أجر بمقابلة ذلك ليسقط عنه، وإذا راجعت النهاية اتضح لك ما قررناه، فافهم. قوله: (أكثر منه)
أشار إلى أنه من جنس المسمى كما يأتي مع ذكر محترزه. قوله: (ضمن ما زاد الثقل) أشار إلى أن الضمان
في مقابلة الزائد والاجر في مقابلة الحمل المسمى فلم يجتمعا كما مر نظيره، أفاده في البحر، وسيشير
إليه بعد أيضا. قوله: (عمادية) وعبارتها كما في البحر: استكرى إبلا على أن يحمل كل بعير مائة رطل
فحمل مائة وخمسين إلى ذلك المحل ثم أتى الجمال بإبله وأخبره المستكري أنه ليس كل حمل إلا مائة
رطل فحمل الجمال إلى ذلك الموضع وقد عطب بعض الإبل لا ضمان على المستكري، لان صاحب
الجمل هو الذي حمل فيقال له: كان ينبغي لك أن تزن أولا اه‍. قوله: (وجب النصف) أي وجب عليه
من قيمة الدابة ما يقابل النصف من الزيادة، ثم ما في المتن نقله في المنح عن المحيط ونقل بعده عن
الخلاصة أنه يضمن ربع القيمة، ومثله في التاترخانية عن الذخيرة والشرنبلالية عن تتمة الفتاوى.
فالصواب أن المراد الربع إذا كانت الزيادة مساوية للمشروط، لما في البزازية: استأجره ليحمل
عشرة مخاتيم فجعل عشرين وحملا معا ضمن ربع القيمة، لان النصف مأذون والنصف لا، فيتنصف
هذا النصف. قوله: (في جولقين) الجوالق بكسر الجيم واللام وبضم الجيم وفتح اللام وكسرها: وعاء
320

معروف جمعه جوالق كصحائف وجواليق وجوالقات. قاموس. فحقه أن يرسم بعد الواو ألف في مثناه
ومفرده أيضا وهو خلاف ما رأيته في النسخ. قوله: (أو متعاقبا) لم يذكره في المنح، ولم أره في عبارة
غاية البيان. قوله: (ومفاده الخ) إنما يكون مفاده ذلك لو غبر في الغاية بقوله: أو متعاقبا، وإنما عبر
بقوله ووضعاه على الدابة جميعا وعزاه إلى تتمة الفتاوى، وهكذا عبر في التاترخانية عن الذخيرة،
وهكذا عبر في الخلاصة، وزاد بعده: وكذا لو حمل المستأجر أو لا الخ فما في الغاية لا يخالف ما في
الخلاصة، بل زاد في الخلاصة مسألة أخرى لم تفهم من كلام الغاية، وهي ما ذكره الماتن من التفصيل،
ولو فرض أن قوله: أو متعاقبا موجود في عبارة الغاية فهو مفهوم، وما في الخلاصة منطوق صريح
فكيف يعدل عنه، وقد قالوا: إن صاحب الخلاصة من أجل من يعتمد عليه فيجب المصير إلى ما قاله
اتباعا للنقل، والله أعلم. قوله: (فتنبه) أقول: تنبه لما قدمته لك فهو أظهر. قوله: (أي ما مر من الحكم)
وهو ضمان ما زاد الثقل في المسألة الأولى ط. قوله: (الاجر للحمل الخ) جواب عن اجتماعهما كما
قدمناه آنفا. قوله: (وأفاد الخ) لان الزيادة من جنس المزيد عليه ط. قوله: (ثم حمل عليها الزيادة وحدها)
قيده في التاترخانية بما لو حملها على مكان المسمى، فلو في مكان آخر ضمن قدر الزيادة، ومثله في
جامع الفصولين، وفيه أيضا: بخلاف ما لو استأجر ثورا ليطحن به عشرة مخاتيم فطحن أحد عشر أو
ليكرب به جريبا فكرب جريبا ونصفا فهلك ضمن كل القيمة، إذ الطحن يكون شيئا فشيئا، فلما
طحن عشرة انتهى العقد، فهو في الزيادة مخالف من كل وجه فضمن كلها، والحمل يكون دفعة
وبعضه مأذون فيه فلا يضمن بقدره اه‍. قوله: (قال ولم يتعرضوا الخ) أقول: صرح به في البدائع كما
قدمناه قوله: (ومن علم الخ) أي علم أنه إن زاد شيئا وسلمت أنه يجب المسمى فقط وإن كان لا يحل له
الزيادة إلا برضا المكاري، ولهذا قالوا: ينبغي أن يرى المكاري جميع ما يحمله. بحر. ولهذا روي عن
بعضهم أنه دفع إليه صديق له كتابا ليوصله فقال: حتى استأذن من الجمال اه‍. وهذا لو عين قدرا،
وسيذكر المصنف في المتفرقات أنه يصح استئجار جمل ليحمل عليه محملا وراكبين إلى مكة، وله الحمل
المعتاد ورؤيته أحب.
فرع: في المنح عن الخانية: ليس لرب الدابة وضع متاعه مع حمل المستأجر، فإن وضع وبلغت
321

المقصد لا ينقص شئ من الا جر، بخلاف شعل المالك بعض الدار فإنه ينقص بحسابه اه‍ ملخصا.
قوله: (وكبحها) بالباء الموحدة والحاء المهملة. في المغرب: كبح الدابة باللجام: إذا ردها، وهو أن
يجذبها إلى نفسه لتقف ولا تجري، كذا في المنح ح. قوله: (لتقييد الاذن بالسلامة) لان السوق يتحقق
بدون الضرب وإنما تضرب للمبالغة. قوله: (ضمن) أي الدية وعليه الكفارة، بخلاف ضرب القاضي
الحد والتعزير، لأن الضمان لا يجب بالواجب. ط عن الحموي. قوله: (لوقوعه) أي إنما يضمن لان
التأديب يمكن وقوعه بزجر وتعريك بدون ضرب ح. والتعريك: فرك الاذن. قوله: (وقالا لا يضمنان
بالمتعارف) أي الأب والوصي لا يضمنان بالضرب المتعارف لأنه لاصلاح الصغير، فكان كضرب المعلم
بل أولى، لأنه يستفيد ولاية الضرب منهما، والخلاف جار في ضرب الدابة وكبحها أيضا لاستفادته
بمطلق العقد، وهذا بخلاف ضرب العبد المستأجر للخدمة حيث يضمن بالاجماع. والفرق لهما أنه
يؤمر وينهى لفهمه فلا ضرورة إلى ضربه، وأطلق في ضرب الدابة وكبحها، وهو محمول على ما إذا
كان بغير إذن صاحبها، فلو بإذنه وأصاب الموضع المعتاد لا يضمن بالاجماع كما في التاترخانية. قوله: (
وفي الغاية عن التتمة الخ) ظاهرة أن رجوعه في مسألة الصغير دون الدابة، وينبغي أن يكون كذلك،
لان مسألة الدابة جرى عليها أصحاب المتون، فلو ثبت رجوع الامام فيها لما مشوا على خلافه، لان ما
رجع عنه المجتهد لم يكن مذهبا له، على أن المصنف مشى في كتاب الجنايات على قول الإمام في مسألة
الصغير، وعبر عن رجوعه بقيل، وسيأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى. قوله: (لا بسوقها) أي المعتاد لما
في التاترخانية: إذ عنف في السير ضمن إجماعا. قوله: (وظاهر الهداية الخ) كذا قاله في البحر، ولعله
أخذه من تعليله الضمان عند الامام بتقييد الاذن بالسلامة، فيفيد أن الضرب مأذون فيه بشرط
السلامة. وفي معراج الدراية: وقد صح أن النبي (ص) نخس بعير جابر وضربه
وكان أبو بكر ينخس بعيره بمحجنه، ثم قال: وفعل النبي (ص) يدل على إباحته، ولا
ينفى الضمان لأنه مقيد بشرط السلامة اه‍. فالحاصل إباحة الضرب المعتاد للتأديب للمالك وغيره ولو
غير مستأجر. تأمل. قوله: (وأما ضربه دابة نفسه الخ) قال في القنية: وعند أبي حنيفة لا يضربها أصلا
وإن كانت ملكه، وكذا حكم كل ما يستعمل من الحيوانات. ثم قال: لا يخاصم ضارب الحيوان فيما
يحتاج إليه للتأديب ويخاصم فيما زاد عليه. كذا في البحر.
أقول: الظاهر أن المراد بقول الامام لا يضربها أصلا: أي لا ينبغي له ذلك ولو للتأديب وإن
كان ضرب التأديب المعتاد مباحا فلا ينافي ما قدمناه. ويدل عليه قوله: لا يخاصم فيما يحتاج إليه
للتأديب. ونقل ط عن شرح الكنز للحموي قالوا: يخاصم ضارب الحيوان بلا وجه لأنه إنكار حال
مباشرة المنكر، ويملكه كل أحد، ولا يخاصم الضارب بوجه إلا إذا ضرب الوجه فإنه يمنع ولو بوجه.
وهذا معنى قول محمد في المبسوط: يطالب ضارب الحيوان لا بوجهه إلا بوجهه. قوله: (وبنزع السرج
والإيكاف) أفاد الحموي والشلبي أن مجرد نزع السرج موجب للضمان. وفي الجوهرة: استأجرها
322

ليركبها بسرج لم يركبها عريانا، ولا يحمل متعا، ولا يستلقي، ولا يتكئ على
ظهرها، بل يركب على العرف والعادة. ط ملخصا. بقي لو استأجره عريانا فأسرجه: ففي كافي الحاكم يضمن. وقال
الأسبيجابي في شرحه: هذا لو حمارا لا يسرج مثله عادة، فلو كان يسرج لا يضمن. وقال القدوري:
فصل أصحابنا وقالوا إن ليركبه خارج المصر لا يضمن، وكذا لو فيه وهو من ذوي الهيئات وإلا
ضمن، وهل يضمن كل القيمة أو بقدر ما زاد؟ صحح قاضيخان في شرح الجامع الأول.
قلت: وينبغي كون الأصح الثاني لأنه كالحمل الزائد على الركوب. غاية البيان ملخصا.
أقول: وفيه نظر، لما مر أنه لو ركب موضع الحمل ضمن الكل، وقد نقله الإتقاني نفسه، فتدبر
وفي البحر أن ما في الكافي هو المذهب لأنه ظاهر الرواية كما لا يخفى اه‍. قوله: (ووضع الايكاف) لا
معنى لتقدير هذا المضاف، فإن معنى الايكاف وضع الأكاف ح: أي فقد اشتبه عليه الايكاف مصدرا
بالاكاف الذي هو اسم لما يوضع على ظهر الدابة، ويمكن الجواب بأن الإضافة بيانية، والداعي لتقديره
المضاف إفادته أنه معطوف على نزع لا على السرج. تأمل. قوله: (سواء وكف بمثله أو لا) لان
الجنس مختلف لان الأكاف للحمل والسرج للركوب، وكذا ينبسط أحدهما على ظهر الدابة ما لا ينبسط الآخر
فصار نظير اختلاف الحنطة والحديد. زيلعي. قوله: (وبالاسراج) معطوف على الايكاف، والأولى حذف
الباء الجارة وعطفه بأو كما في الكنز لئلا يوهم العطف على نزع. قال ابن الكمال: أي إن نزع السرج
وأسرجه بسرج آخر، فإن كان هذا السرج مما لا يسرج هذا الحمار بمثله يضمن. قوله: (جميع قيمته) أي
عند الامام في رواية الجامع الصغير وقدر ما زاد في رواية الأصل وهو قولهما، هذا إذا كان الحمار
يوكف بمثله، وإن كان لا يوكف أصلا أو لا يوكف بمثله ضمن كل القيمة عندهم. كذا في الحقائق،
ابن كمال. ونقل الشرنبلالي أن الفتوى على قولهما.
قال الزيلعي: وتكلموا على معنى قولهما أنه يضمن بحسابه، وهو إحدى الروايتين عن أبي
حنيفة، فمنهم من قال إنه مقدر بالمساحة، حتى إذا كان السرج يأخذ من ظهر الدابة قدر شبرين،
والإكاف قدر أربعة أشبار فيضمن بحسابه، وقيل يعتبر بالوزن. قوله: (مكان الايكاف) أي بدله. قوله:
(وكذا لو أبدله) تشبيه بحكم مفهوم المتن بقرينة التعلل، والشارح تبع البحر والمنح. والذي في غاية
البيان هكذا. وقال الكرخي: إن لم يكن عليه لجام فألجمه فلا ضمان عليه إذا كان مثله يلجم بذلك
اللجام، وكذلك إن أبدله، وذلك لان الحمار لا يختلف باللجام وغيره ولا يتلف به فلم يضمن بإلجامه
اه‍. قوله: (غير ما عينه المالك) أي مالك الطعام كما في الهداية، وكذا مالك الدابة كما في الغاية، فلو
لم يعين لا ضمان. بحر. قوله: (بحيث لا يسلكه الناس) وأما إذا كان بحيث يسلك فظاهر الكتاب
أنه إن كان بينهما تفاوت ضمن وإلا فلا. بحر. ونقله الزيلعي عن الكافي والهداية معللا بأنه عند
323

عدم التفاوت لا يصح التعيين لعدم الفائدة. قوله: (أو حمله في البحر) أي حمل المتاح. قوله: (وإن بلغ
المنزل) السماع في بلغ بالتشديد: أي وإن بلغ الجمال المتاع إلى ذلك الموضع المشروط، ويجوز التخفيف
على إسناد الفعل إلى المتاع: أي إن بلغ المتاع إلى ذلك الموضع. إتقاني. قوله: (فله الاجر) أي المسمى.
قوله: (لحصول المقصود) لان جنس الطريق واحد، فلا يظهر حكم الخلاف إلا بظهور أثر التفاوت
وهو الهلاك، فإذا سلم بقي التفاوت صورة لا معنى فوجب المسمى. إتقاني. قوله: (بزرع رطبة) كالقثاء
والبطيخ والباذنجان وما جرى مجراه. ط عن السمرقندي. قوله: (وأمر بالبر) الواو للحال. قوله: (لان
الرطبة أضر من البر) لانتشار عروقها وكثرة الحاجة إلى سقيها فكان خلافا إلى شر مع اختلاف الجنس
فيجب عليه جميع النقصان، بخلاف ما لو أردف غيره أو زاد على المحمول المسمى حيث يضمن بحسابه
لتلفها بمأذون فيه وغيره، فيضمن بقدر ما تعدى لاتحاد الجنس. زيلعي ملخصا. قوله: (ولا أجر)
أقول ينبغي أن يرجع لجميع المسائل التي قيد فيها، والتقييد مفيد إذا خالف. طوري قوله: (لأنه
غاصب) أي لما خالف صار غاصبا واستوفى المنفعة بالغصب، ولا تجب الأجرة به. زيلعي. قوله: (إلا
فيما استثنى) قال في المنح قلت: ما ذكر هنا من عدم وجوب الاجر ووجوب ما نقص من الأرض
مذهب المتقدمين من المشايخ. وأما مذهب المتأخرين فيجب أجر المثل على الغاصب لأرض الوقف
واليتيم والمعد للاستغلال كالخان ونحوه. قوله: (وبخياطة قباء) القميص إذ قد من قبل كان قباء طاق
فإذا خيط جانباه كان قميصا، وهو المراد بالقرطق. زيلعي ملخصا. وذكر الإتقاني أن السماع في
القرطق في الهداية بفتح الطاء، وفي مقدمة الأدب سماعا عن الثقات بالضم، ولهما وجه. قوله: (وله
أخذ القباء) أي في ظاهر الرواية لأنه يشبه القميص من وجه، فإن الأتراك يستعملونه
استعمال القميص. وروى الحسن أنه ليس له أخذه بل يترك الثوب ويضمنه قيمته. قوله: (ودفع أجر مثله) لأنه
غير عليه العمل فيغير عليه الاجر، كما لو اشترط على الحائك رقيقا فجاء صفيقا أو بالعكس. إتقاني.
وسيأتي آخر الباب الآتي ما إذا اختلفا في المأمور به. قوله: (فإن الحكم كذلك) وهو التخير لاتحاد أصل
المنفعة من الستر ودفع الحر والبرد، ولوجود الموافقة في نفس الخياطة. زيلعي. قوله: (في الأصح)
وقيل يضمن بلا خيار للتفاوت في المنفعة والهيئة. قوله: (فتقييد الدرر) أي بقوله وبخياطة قباء، ومثله
في عامة المتون اتباعا للفظ محمد في الجامع الصغير، لكن زاد بعده في الهداية والملتقى قوله: وكذا إذا
خاطه سراويل، فأفاد أن القيد اتفاقي. قوله: (قيمة ثوب أبيض) أي إن كان دفعه مالكه كذلك. قوله:
(لا يضمن) أي وله الاجر المسمى فيما يظهر ط.
324

قلت: يدل عليه ظاهر قوله الآتي: إن قدر أصبع ونحوها عفو لكن في البزازية عن المحيط: أمره
بزعفران ويشبع الصبغ ولم يشبع ضمنه قيمة ثوبه أو أخذه وأعطاه أجر المثل لا يزاد على المسمى. تأمل.
قوله: (عند أهل فنه) أي صنعته. قوله: (كذا) راجع للثلاثة قبله. قوله: (عفو) أي وله الاجر كما في
البزازية لقلة التفاوت، ولعسر الاحتراز عنه، والأولى فهو عفو. قوله: (ضمنه) لأنه مما يخل بالمقصود فيعد
إتلافا ط. قوله: (لا يضمن) لأنه قطعه بإذن، وفي الأول أذن بقطعه بشرط الكفاية، وكذا لو قال الخياط:
نعم فقال المالك: فاقطعه أو قطعه إذن ضمن إذ علق الاذن بشرط. فصولين. وفيه: دفع إليه ثوبا ليخيطه
فخاطه قميصا فاسدا وعلم به ربه ولبسه ليس له أن يضمنه إذ لبسه رضا، وعلم منه مسائل كثيرة اه‍.
قوله: (فالعبرة لعادتهم) أي لعادة أهل السوق، فإن كانوا يعملون بأجر يجب أجر المثل وإلا فلا. قوله:
(اعتبر عرف البلدة الخ) فإن كان العرف يشهد للأستاذ يحكم بأجر مثل تعليم ذلك العمل، وإن شهد
للمولى فأجر مثل الغلام على الأستاذ. درر. قوله: (مطلقا في الأصح) أي استأجرها ذاهبا
فقط أو ذاهبا وجائيا، وقيل هذا إذا استأجرها ذاهبا فقط لانتهاء العقد بالوصول. قوله: (كما في العارية) بخلاف المودع
لأنه مأمور بالحفظ قصدا فيبقى الامر بعد العود للوفاق، وفي الإجارة والإعارة مأمور به تبعا
للاستعمال، فإذا انقطع الاستعمال لم يبق هو نائبا. هداية. قوله: (لا أجر له) لنقضه العمل، وظاهره أنه
لا أجر له بقدر ما سأل أيضا يدل عليه ما مر عند قوله: استأجره لإيصال قط أو زاد فراجعه.
مطلب: خوفوه من اللصوص ولم يرجع
بقي لو خوفوه ولم يرجع هل يضمن؟ قال في البزازية: استأجرها إلى موضع وأخبر بلصوص في
الطريق فسلكه مع ذلك ولم يلتفت فأخذوها إن سلكه الناس مع سماع ذلك الخبر لا يضمن، وإلا
ضمن اه‍. قوله: (وينبغي أن يجبر على الإعادة) لبقاء العقد يدل عليه ما تقدم من أن الخياط لو فتق
325

الثوب يجبر على الإعادة، ولو فتقه غيره لا. ومثله ما في الطوري عن المحيط: رد السفية إنسان لا
أجر للملاح، وليس عليه أن يعيدها، وإن ردها الملاح لزمه الرد. قوله: (لا ضمان) لأنه لا يتمكن من
فسخ الإجارة وحده بلا رضا صاحبه إلا بعذر فبقي حكم العقد بعد النهي، ومن حكمه كون العين
أمانة عند الأجير فلا يضمن بلا تقصير. وتمامه في جامع الفصولين. قوله: (قال لا) سيأتي أن أجير
الواحد يستحق الاجر وإن لم يعمل، لكن في البزازية: يستحق الاجر بلا عمل، لكن لو لم يعمل لعذر
كمطر وغيره لا يلزم الاجر. سائحاني. قوله: (فحملها دونه) فلو عجزت عن المضي فتركها وضاعت
أفتى القاضي بعدم الضمان. بزازية. قوله: (ما لم يمنع حسا من الطحن) المراد والله تعالى أعلم أن يحال
بينه وبين الدوارة فلا يقدر عليها ط. قوله: (فغرق مدة) أي وصار بحيث لا ينتفع به انتفاع مثله. بزازية.
قوله: (ويسقط) أي يسقط جميع الاجر عن المستأجر مدة العمارة إن انهدم جميع الدار ح. قوله: (مثل ما)
بالنصب صفة مصدر محذوف: أي سقوطا مماثلا لسقوطه: أي الاجر لو انهدم بعض الدار. قوله:
(فالهدم يحرز) بتقديم الزاي على الراء: أي يعلم قدر أجر المنهدم بالحزر والتخمين ويسقط، ومثله في
البزازية، لكن قال ابن الشحنة: ظاهر الرواية أنه لا يسقط من الاجر شئ بانهدام بيت منها أو حائط،
بخلاف ما إذا شغل المؤجر بيتا منها لأنه بفعله فيسقط بحسابه اه‍ ملخصا. ونقل نحوه السائحاني عن
المقدسي. وذكر في البزازية: وإذا سقط حائط من الدار، فإن كان لا يضر بالسكنى ليس له أن يفسخ،
وإن ضر له الفسخ، وإذا لم يفسخ يلزمه المسمى. قوله: (وخالف) فعل ماض وآمر فاعله والمفعول
محذوف: أي خالف المستأجر. وصورتها: أمره رب الدار بالبناء ليحسبه من الاجر فاتفقا على البناء
واختلفا في مقدار النفقة فالقول لرب الدار بيمينه لأنه ينكر الزيادة قالوا: هذا إذا أشكل الحال بأن
اختلف فيه أهل تلك الصناعة، أما إذا اجتمعوا على قول أحدهما وقالوا يذهب من النفقة في مثل هذا
البناء ما يقوله أحدهما فالقول قوله ولا يلتفت إلى قولهما. ذخيرة ملخصا. ومثله في التاترخانية
والبزازية، وأفتى به الرملي. والحيلة في تصديقه أن يعجل من الأجرة قدرا ويقبضه المؤجر ثم يأمره
بإنفاقه فيكون القول له لأنه أمين كما نظمه في المحبية. قوله: (في قدر العمارة) أي قدر نفقتها. قوله:
326

(قلت) البحث للشرنبلالي ح. قوله: (ومفاده) أي مفاد إطلاق النظم الآمر عن التقييد بالرجوع، فافهم.
قوله: (بمجرد الامر) أي وإن لم يقل على أن ترجع بذلك علي وهو الصحيح خانية، ونقله ابن الشحنة
عن القنية. قوله: (إلا في تنور وبالوعة الخ) لان المقصود منهما نفع المستأجر. قوله: (ولو خربت الدار
الخ) تكرار مع صدر البيت الأول مع ما بيناه ح. قوله: (بحضرة المؤجر) تبع فيه الشرنبلالي. وقد قال في شرحه على الملتقى ناقلا عبارة الصغرى مع توضيح أنه بانهدام جدار أو بيت من دار يفسخ بحضرته
إجماعا وبانهدام كلها له الفسخ بغيبته، ولا تنفسخ ما لم يفسخ هو الصحيح لصلاحيتها لنصب
الفسطاط، لكن تسقط الأجرة فسخ أو لم يفسخ لعدم تمكنه مما قصده.
قلت: وهي صريحة في الفرق بين انهدام كلها وبعضها فيرجع إلى المخل وغير المخل، ولا خيار
في غير المخل أصلا على ما مر فتدبر اه‍. ملخصا. وقد رد الشارح بذلك على القهستاني حيث أطلق
عدم اشتراط حضرته وهنا أطلق اشتراطها، ففيما نقله (1) رد على إطلاقه هنا أيضا، وقد صرح
بالتفصيل أيضا في الخانية وغيرها. وفي القنية: انهدم بعضها والمؤجر غائب أو متمرض لا يحضر
مجلس القاضي ينصب عنه القاضي وكيلا فيفسخه، وسيأتي في باب الفسخ تمام الكلام عليه، وعلى
اشتراط القضاء أو الرضا. قوله: (وإذا بنيت لا خيار له) لزوال سببه قبل الفسخ، والظاهر أنه فيما لو
بناها كما كانت وإلا فله الفسخ، وليحرر. قوله: (قاله ابن الشجنة) ووقع مثله في الهندية عن محيط
السرخسي ط. قوله: (قلت) البحث للشرنبلالي ح (2). قوله: (أما أجرة المثل) أي مثل العرصة، قوله:
أو حصة العرصة أي من الاجر المسمى ط. قوله: (ما يفيده) هو قوله: وفي التبيين: لو انقطع ماء
الرحى والبيت مما ينتفع به لغير الطحن فعليه من الأجرة بحصته لبقاء المعقود عليه، فإذا استوفاه لزمه
حصته اه‍ ح.
قلت: سنذكر في باب الفسخ ما يفيد تقييده بما إذا كان منفعة السكنى مثلا معقودا عليها مع
منفعة الطحن، وبه يشعر قول التبيين لبقاء المعقود عليه، وحينئذ فلا يتم الاستشهاد تأمل. وظاهر ما
قدمناه عن شرح الملتقى من قوله لعدم تمكنه مما قصده يفيده أيضا، ويفيد عدم لزوم أجر أصلا، ولعل

(1) قوله: (ففيما نقله الخ) قال شيخنا: لا يخفى عليك ان ما نقله في شرح الملتقى مذيل بالصحيح وما هنا بالأصح،
فلعل في المسألة قولين مشى في الملتقى على صحيحهما وهنا على أصحهما خصوصا وقد تبع فيما هنا فقيه النفس
الامام الشرنبلالي فلا ينبغي الاقدام على توهيمهما بلا ثبت، بل الذي ينبغي التوفيق، وحيث أمكن يكون أمكن ا ه‍.
(2) قوله: (البحث للشرنبلالي) قال شيخنا: هو مخالف للمنقول فلا يعمل به، وقول المحشي ولعل في المسألة خلافا لا
وجه له بعد رد الاستشهاد بعبارة التبيين، وانما كان يصح الترجي لو كانت عبارة التبيين مفيدة لبحث الشرنبلالي،
فينبغي التعويل على ما قاله ابن الشحنة حيث كان منقولا في محيط السرخسي حتى يوجد غيره ا ه‍.
327

في المسألة خلافا، والله تعالى أعلم. قوله: (للعطلة) بالضم: اسم من تعطل بقي بلا عمل. قاموس.
ويعني أنها تفسد، وكان الأولى أن يصرح به كما في البزازية، لكنه يعلم من مقابله، ووجه الفساد أن
مقتضى العقد أن لا تلزم الأجرة مدة العطلة قلت أو كثرت كما في الذخيرة، فتقييد حظ الشهرين مما
لم يقتضه العقد، بخلاف اشتراط حط قدرها، وهذا نظير ما لو شرى زيتا في زق واشترط حط أرطال
لأجل الزق فسد، بخلاف حط مقدار الزق. قوله: (أجرة السجن) الظاهر أنه مفروض فيما لو كان
مملوكا لاحد، فلو مبنيا من بيت المال أو مسبلا فلا أجر. تأمل. قوله: (في زماننا) لعل وجهه عدم
انتظام بيت المال، فلو منتظما فالسجن وأجرة السجان منه. تأمل. قوله: (على رب الدين) لأنه محبوس
لأجله ولم يفرقوا بين كون المدين مماطلا أو لا ط.
قلت: وذكر الشارح في كتاب السرقة أجر المحضر للخصوم في بيت المال، وقيل على المتمرد.
وفي قضاء الخانية: هو الصحيح، لكن في قضاء البزازية: وقيل على المدعي وهو الأصح اه‍. قوله: (لا
يلزمه الكراء لهذه السنة الخ) سيأتي أواخر باب الفسخ عن الخانية: استأجر دارا أو حماما شهرا فسكن
شهرين يلزمه أجر الشهر الثاني إن معدا للاستغلال وإلا لا، به يفتى، ويأتي تمامه. قوله: (آجر داره الخ)
سيذكر المصنف هذه المسألة متنا في الباب الآتي. قوله: (فلكل الفسخ الخ) لان الشهر الأول صحيح وما
بعده فاسد، أو لان الأول منجر وما بعده مضاف، وفي لزومه خلاف كما مر ويأتي، ثم إن الفسخ
إنما يكون بمحضر من صاحبه، وإلا لا يصح خلافا لأبي يوسف، وقيل اتفاقا كما في ط عن الهندية.
قوله: (لأنها ليست بخصم) ولاشتراط حضوره كما مر. قوله: (فتنفذ الثانية) أي يظهر أثر عقدها وإلا فالعقد
الأول صحيح ط، والله أعلم.
باب الإجارة الفاسدة
تأخير الإجارة الفاسدة عن صحيحها لا يحتاج إلى معذرة لوقوعها في محلها. منح. قوله: (من
العقود) احتراز عن العبادات، إذ لا فرق بين فاسدها وباطلها. قوله: (دون وصفه) وهو ما عرض عليه
من الجهالة أو اشتراط شرط لا يقتضيه العقد حتى لو خلا عنه كان صحيحا ط. قوله: (والباطل) كأن
استأجر بميتة أو دم أو استأجر طيبا ليشمه أو شاة لتتبعها غنمه أو فحلا لينزو أو رجلا لينحت له صنما
328

ط. قوله: (ولا بوصفه) لأنه حيث بطل الأصل تبعه الوصف. قوله: (وجوب أجر
المثل) أي أجر شخص مماثل له في ذلك العمل، والاعتبار فيه لزمان الاستئجار ومكانه من جنس الدراهم والدنانير لا
من جنس المسمى لو كان غيرهما، ولو اختلف أجر المثل بين الناس فالوسط والاجر يطيب وإن كان
السبب حراما كما في المنية. قهستاني. ونقل في المنح أن شمس الأئمة الحلواني قال: تطيب الأجرة في
الأجرة الفاسدة إذا كان أجر المثل، وذكر في المسألة قولين وأحدهما أصح، فراجع نسخة صحيحة.
وفي غرر الأفكار عن المحيط: ما أخذته الزانية إن كان بعقد الإجارة فحلال عند أبي حنيفة لان أجر
المثل في الإجارة الفاسدة طيب وإن كان الكسب حراما، وحرام عندهما، وإن كان بغير عقد فحرام
اتفاقا لأنها أخذته بغير حق اه‍. قوله: (بالاستعمال) أي بحقيقة استيفاء المنفعة فلا يجب بالتمكن منها
كما مر ويأتي، إلا في الوقف على ما هو ظاهر عبارة الإسعاف كما مر أول كتاب الإجارة. قوله: (لو
المسمى معلوما) هذا إنما يصح لو زاد المصنف لا يتجاوز به المسمى، كما فعل ابن الكمال تبعا للهداية
والكنز، فكان على الشارح أن يقول: إذا لم يكن مسمى أو لم يكن معلوما، لان وجوب أجر المثل بالغا
ما بلغ على ما أطلقه المصنف إنما يجب في هذين الصورتين (1)، أما لو علمت التسمية فلا يزاد على
المسمى كما يأتي. قوله: (فإنه لا أجر فيه بالاستعمال) ظاهره ولو معدا للاستغلال، لأنه إنما يجب الاجر
فيه إذا لم يستعمله بتأويل عقد أو ملك كما سلف، وهنا استعمله بتأويل عقد باطل، ويحرر ط. وفيه
أن الباطل لا حكم له أصلا فوجوده كالعدم كما في البدائع. تأمل. وينبغي وجوبه في الوقف ومال
اليتيم، لان ما ذكر من اشتراط عدم الاستعمال بتأويل إنما هو في المعد للاستغلال كما يأتي في
الغصب. وفي البزازية حيث قال: والسكنى بتأويل ملك أو عقد في الوقف لا يمنع لزوم أجر المثل،
وقيل دار اليتيم كالوقف. ثم ذكر: لو سكن في حوانيت مستغلة وادعى الملك لا يلزم الاجر، وإن
برهن المالك عليه ثم قال المستأجر إذا سكن بعد فسخ الإجارة بتأويل، إن له حق الحبس حتى يستوفي
الاجر الذي أعطاه عليه الأجرة إذا كانت معدة للاستغلال في المختار، وكذا في الوقف على المختار اه‍.
فتأمل. وقد صرحوا أنه لو اشترى دارا وسكنها ثم ظهر أنها وقف أو ليتيم لزم أجر المثل صيانة لما لهما
كما مر في الوقف، وهو المعتمد ويأتي في الغصب. قوله: (بخلاف فاسد الإجارة) لان قبض المنفعة
غير متصور، إلا أنا أقمنا قبض العين مقام قبض المنفعة وذلك إنما يتأتى في العقد الصحيح ضرورة
إتمامه. قوله: (حتى لو قبضها الخ) تفريع على عدم الملك في الفاسدة. قوله: (وجب أجر المثل) أي على
المستأجر الأول لأنه يعد به مستعملا، ولا يكون بفعل ما ليس له فعله غاصبا حتى لا تجب عليه
الأجرة - وأما المستأجر الثاني إذا سمى بينهما أجر هل يجب المسمى نظرا للتسمية وهو الظاهر أو أجر
المثل لترتبها على فاسد؟ يحرر ط. قوله: (وللأول) أي للمؤجر الأول نقض الثانية أي ويأخذ الدار،

(1) قوله: (في هذين الصورتين) هكذا بخطه، والأولى هاتين كما لا يخفى ا ه‍ مصححه.
329

لأنه لو باع بيعا فاسدا ثم المشتري آجره فله أن ينقض الإجارة، فكذا هذا بخلاف البيع، لان الإجارة تفسخ
بالأعذار والبيع لا، كذا في المضمرات. منح. قوله: (جاز) وفي النصاب هو الصحيح. وفي
السراجية: وبه أفتى ظهير الدين المرغيناني. تاترخانية. ونقل ابن المصنف عن البزازية والعمادية
والخلاصة مثله. قال الرملي: ومن طالع في كتبهم علم أن في المسألة اختلاف تصحيح وإفتاء اه‍.
أقول: لكن المعظم على الجواز كما ترى، ولذا عبر المصنف عن مقابله بقيل فيما سيأتي. وقال
البزازية: يجوز في الصحيح. وقيل لا استدلالا بما لو دفع إليه دارا ليسكنها ويرمها ولا أجر وآجر
المستأجر من غيره وانهدمت من سكنى الثاني ضمن اتفاقا لأنه صار غاصبا. وأجابوا بأن العقد فيه
إعارة ولا إجارة، لأنه ذكر المرمة على سبيل المشورة لا الشرط اه‍. قوله: (وسيجئ) أي متنا آخر
المتفرقات. قوله: (فكل) تفريع على مقدر، أي الإجارة نوع من البيع إذ هي بيع المنافع. قوله: (أو مدة)
إلا فيما استثنى. قال في البزازية: إجارة السمسار والمنادي والحمامي والصكاك وما لا يقدر فيه الوقت
ولا العمل تجوز لما كان للناس به حاجة، ويطيب الاجر المأخوذ لو قدر أجر المثل وذكر أصلا يستخرج
منه كثير من المسائل، فراجعه في نوع المتفرقات والأجرة على المعاصي. قوله: (وكشرط طعام عبد
وعلف دابة) في الظهيرية: استأجر عبدا أو دابة على أن يكون علفها على المستأجر، ذكر في الكتاب أنه
لا يجوز وقال الفقيه أبو الليث: في الدابة نأخذ بقول المتقدمين، أما في زماننا فالعبد يأكل من مال
المستأجر عادة اه‍. قال الحموي: أي فيصح اشتراطه. واعترضه ط. بقوله: فرق بين الاكل من مال
المستأجر بلا شرط ومنه بشرط اه‍.
أقول: المعروف كالمشروط، وبه يشعر كلام الفقيه كما لا يخفى على النبيه، ثم ظاهر كلام الفقيه
أنه لو تعورف في الدابة ذلك يجوز. تأمل. والحيلة أن يزيد في الأجرة قدر العلف ثم يوكله ربها
بصرفه إليها، ولو خاف أن لا يصدقه فيه فالحيلة أن يعجله إلى المالك ثم يدفعه إليه المالك ويأمره
بالانفاق فيصير أمينا. بزازية ملخصا. قوله: (ومرمة الدار أو مغارمها) قال في البحر: وفي الخلاصة
معزيا إلى الأصل: لو استأجر دارا على أن يعمرها ويعطي نوائبها تفسد لأنه شرط مخالف لمقتضى العقد
اه‍. فعلم بهذا أن ما يقع في زماننا من إجارة أرض الوقف بأجرة معلومة على أن المغارم وكلفة
الكاشف على المستأجر أو على أن الجرف على المستأجر فاسد كما لا يخفى اه‍.
أقول: وهو الواقع في زماننا، ولكن تارة يكتب في الحجة بصريح الشرط فيقول الكاتب: على
أن ما ينوب المأجور من النوائب ونحوها كالدك وكري الأنهار على المستأجر، وتارة يقول: وتوافقا على
أن ما ينوب إلخ. والظاهر أن الكل مفسد لأنه معروف بينهم وإن لم يذكر، والمعروف كالمشروط.
تأمل. قوله: (أو خراج) قيل هذا خراج المقاسمة لأنه مجهول، أما خراج الوظيفة فجائز، لكن الفتوى
على أنه لا يجوز مطلقا ح عن المنح. وجعل الفساد في حواشي الأشباه على قول الإمام لان الخراج على
المؤجر عنده ط. ووجه المفتى به أن خراج الوظيفة قد ينقص إذا لم تطق الأرض ذلك فيلزم الجهالة أيضا.
قوله: (بالشيوع) أي فيما يحتمل القسمة أو لا عنده، وعليه الفتوى. خانية. قوله: (بأن يؤجر نصيبا من
داره) أي ويجب أجر المثل هو الصحيح. وقيل لا ينعقد حتى لا يجب الاجر أصلا. جامع الفصولين.
330

قوله: (أو نصيبه من دار مشتركة) فيه روايتان، والأظهر أنه لا يجوز. نور العين عن الخانية. قوله: (على
الظاهر) أي ظاهر الرواية عند أبي حنيفة وينشدها في رواية جامع الفصولين. قوله: (أو آجر الواحد الخ)
أي تفسد في حصة الميت وتبقى في حصة الحي في الصورتين كما في جامع الفصولين. وفيه: ولو
وكله له فآجره من اثنين، فإن أجمل وقال آجرت الدار منكما جاز وفاقا، ولو فصل بقوله: نصفه منك
ونصفه منك أو نحوه كثلث أو ربع يجب أن يكون عند أبي حنيفة، على خلاف مر فيما إذا كان بينهما
وآجر أحدهما النصف من أجنبي اه‍. ومر أن عدم الجواز الأظهر. وعن هذا أفتى في الحامدية: في
رجلين استأجرا معا سوية من زيد طاحونة بأن لفظ سوية بمنزلة التفصيل فتفسد. قوله: (وهو الحيلة
الخ) الضمير راجع للطارئ: أي في بعض صوره وهي الصورة الأولى، أو للفسخ المفهوم من فسخ،
ومثله ما لو حكم بها حاكم. قال ط عن الهندية: والمحكم كالقاضي إن تعذرت المرافعة. قوله:
(فيجوز) أي في أظهر الروايتين. خانية، قوله: (وجوزاه بكل حال) أي سواء كان من شريكه أو لا فيما
يحتمل القسمة أو لا ح. لكن بشرط بيان نصيبه، وإن لم يبين لا يجوز في الصحيح. زيلعي. قوله: (فلا
يعول عليه) بل المعول عليه ما في الخانية أن الفتوى على قول الإمام، وبه جزم أصحاب المتون
والشروح فكان هو المذهب، أفاده المصنف وعليه العمل اليوم. قوله: (وفي البدائع الخ) تخريج على
قول الإمام ط. قوله: (وسلم جاز) ظاهره ولو بعد المجلس ويدل عليه ما بعد فإنه اعتبر الحكم ط. قوله:
(لم يجز) ينبغي أن تجوز إجارة بالتعاطي إذ لا مانع منه بعد فسخ الأولى. رحمتي.
مطلب في إجارة البناء
قوله: (ويفتى بجوازه الخ) قال في الدر المنتقى: وذكر القهستاني أن الفتوى على جواز إجارة
البناء وحده، وقيل: لا، لأنه كالمشاع.
قلت: لكن نص محمد أن من استأجر أرضا فبنى فيها بناء ثم آجرها من صاحبها استوجب من
الاجر حصة البناء، فلولا جواز البناء لما استحق الاجر وقاسه على الفسطاط، وبه أفتى مشايخنا
، ولو كان البناء ملكا والعرصة وقفا وآجر المتولي بإذن مالك البناء فالاجر ينقسم على البناء والعرصة،
وجاز إجارة بنائه لمالك الأرض اتفاقا، وكذا لغيره على المفتى به. وتمامه في العمادية وأقره الباقاني اه‍.
وسيأتي تمامه آخر المتفرقات قوله: (يعني الوسط منه) أي من الفصل المذكور والأوضح أن يقول
أعني والواقع أنه قريب من النصف الثاني منه ط. قوله: (كتسمية ثوب أو دابة) مثال لمجهول الكل
331

وما بعده مثال مجهول البعض ويلزم منه جهالة الكل، فصح قوله بعد فيصير الاجر مجهولا. قوله:
(لصيرورة المرمة) أي نفقتها. قوله: (وبعد التسمية) كآجرتك داري شهرا أو سنة ولم يقل بكذا منح.
قوله: (أو بتسمية خمر أو خنزير) يفيد أن هذه إجارة فاسدة لا باطلة ط: أي فيخالف ما مر. قوله:
(يعني الوسط منه) أي عن اختلاف الناس فيه ط. قوله: (لا بالتمكين) أي تمكين المالك له من
الانتفاع. وفي بعض النسخ بالتمكن أي تمكن المستأجر منه. قوله: (كما مر) أي متنا في قوله أول
هذا الباب بالاستعمال وفي قوله أول كتاب الإجارة. أما في الفاسدة فلا يجب إلا بحقيقة الانتفاع،
وقدمنا تقييده بما إذا وجد التسليم إليه من جهة الإجارة، وتقدم هناك استثناء الوقف وما بحثه
الشارح، فراجعه. قوله: (بالغا ما بلغ) أي إذا لم يبينه المؤجر بعد، أما إذا بينه فليس له أزيد منه. قال
في الولوالجية: وإن تكارى دابة إلى بغداد، إن بلغه إياها فله رضاه فبلغه فقال: رضاي عشرون درهما
فله أجر مثلها إلا أن يكون أكثر من عشرين فلا يزاد عليها لان الاجر مجهول، ولا يزاد على عشرين
لأنه أبرأه عن الزيادة. سائحاني. قوله: (ولا ينقص عن المسمى) هكذا يوجد في موضعين: الأول بعد
قوله: يعني الوسط منه، والثاني بعد قوله: لعدم ما يرجع إليه، وأفاد المحشي أنه لا حاجة إلى هذه
الزيادة، بل لا معنى لها في الموضعين: أي لأن المفروض جهالة المسمى. قيل إلا أن يريد بالمسمى ما
جهل بعضه كإجارتها بعشرة على أن يرمها اه‍.
أقول: لا يصح (1) ذلك فإنه ذكر في الخانية أنه يجب في جهالته بعضا أو كلا أجر المثل بالغا ما
بلغ ثم قال: فأما إذا فسد بحكم شرط فاسد ونحوه فلا يزاد على المسمى اه‍. وكيف يصح ذلك مع
قوله لعدم ما يرجع إليه. قوله: (لم يزد على المسمى) فلو كان أجر المثل اثني عشر والمسمى عشرة فهي له.
قوله: (وينقص عنه) بأن كان المسمى خمسة عشر فله اثنا عشر. قوله: (لفساد التسمية) أي بفساد العقد
لأنه إذا فسد الشئ فسد ما في ضمنه. قوله: (واستثنى الزيلعي الخ) أي من كونه لا يزاد على المسمى
إذا فسدت بالشرط، وقد تبع الشارح فيه صاحب البحر، وليس في كلام الزيلعي استثناء، بل ظاهر
كلامه أنه من فروع جهالة المسمى فراجعه. قوله: (فسدت) لان فيه نفعا لرب الدار لا يقتضيه العقد،

(1) قوله: (أقول لا يصح الخ) قال شيخنا: لا يصح ذلك منه، فان عبارة الخانية ليس فيها ما يفيد مدعاه، بل فيها
التنصيص على الزيادة ليس الا، ويؤيده قوله في المسألة الثانية المقابلة فلا يزاد على المسمى، ولا يلزم من تجاوز
المسمى النقصان عنه، وقد ذكر العلامة المحشي نفسه المسألة بعينها عن غاية البيان فيما كتب على قول الشارح، لكن
رجعه حيث قال: فان لم يفعل، يجب أجر المثل بالغا ما بلغ ولا ينقص عن المسمى، فأنت ترى قولهم بالغا ما بلغ
لا يفيد النقصان عن المسمى فكلام العلامة ح موافق للمنقول فليجب توجيه الشارح به ا ه‍.
332

لأنه إذا لم يسكن فيها لا تمتلئ البالوعة والمتوضاة، وإن لم يكن في الدار بالوعة أو بئر وضوء لا تفسد
بالشرط لعدم ما قلنا. بزازية وغيرها. قوله: (وحمله في البحر الخ) حيث قال: وفيه يعني في استثناء
الزيلعي نظر، الأجرة إن لم تكن مسماة فهي المسألة المتقدمة، وإن كانت مسماة ينبغي أن لا يجاوز
به المسمى كغيرها من الشروط، وقد ذكرها في الخلاصة. ولم يتعرض للأجرة اه‍. وظاهر كلامه اختيار
الشق الأول بدليل ما ذكره عن الخلاصة ووجه كونه من جهالة المسمى مع عدم التسمية أن الشرط
المذكور فيه نفع للمالك وقد جعله بدلا وهو مجهول فيجب أجر المثل بالغا ما بلغ. تأمل. قوله: (لكن
أرجعه الخ) اعترض بأنه عين ما في البحر فلا وجه للاستدراك.
قلت: قد يجاب أنه حمله على الشق الثاني، وهو ما إذا كانت الأجرة مسماة. ووجه إرجاعه إلى
جهالة المسمى حينئذ أنه جعل الأجرة ذلك المسمى وعدم السكنى فصار نظير ما تقدم فيما لو استأجر
بمائة درهم على أن يرمها المستأجر، وعلل الشارح المسألة بقوله: لصيرورة المرمة من الاجر فيصير
الاجر مجهولا.
وحاصله: أنه بجهالة البعض يحصل جهالة الكل فلهذا قال: أرجعه إلى جهالة المسمى، بخلاف
ما في البحر فإنه محمول على جهالة الكل ابتداء، هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم.
ثم رأيت في غاية البيان ما يدل على ما قلته، ولله تعالى الحمد، فإنه قال: إذا فسدت الإجارة
لفوات شرط مرغوب من جهة الأجير كما لو آجر داره كل شهر بعشرة على أن يعمرها ويؤدي نوائبها
فسدت، فإن لم يفعل يجب أجر المثل بالغا ما بلغ ولا ينقص عن المسمى، وكذا لو قال: آجرتك هذه
الدار شهرا بعشرة على أن لا تسكنها فسدت، فإن سكن يجب أجر المثل بالغا ما بلغ ولا ينقص عن
المسمى، وهذا أيضا يرجع إلى جهالة المسمى في الحقيقة كذا قال في فخر الدين قاضيخان اه‍. فقد فرض
المسألة فيما لو كان مسمى وشبهها بمسألة المرمة، وقال: وهذا أيضا يرجع إلى جهالة المسمى: أي كما
يرجع الأول وهذا عين ما حملت عليه كلامه قبل أن أراه، والحمد لله. قوله: (فافهم) لعله إشارة إلى
الفرق الذي ذكرناه، ونكات هذا الشارح الفاضل أدق من هذا كما يعرفه من مارس كلامه وعلم مرامه.
قوله: (قلت الخ) هو منقول في جامع الفصولين سائحاني.
أقول: بل تقدم متنا حيث قال: متولي أرض الوقف آجرها بغير أجر المثل يلزم مستأجرها تمام
أجر المثل. وقال الشارح هناك عن مجمع الفتاوى: وكذا حكم وصي وأب اه‍. ومما استثنى ما لو
استأجر دارا بعبد معين فسكن شهرا ولم يدفع العبد حتى أعتقه صح وكان عليه للشهر الماضي أجر المثل
بالغا ما بلغ وتنقض الإجارة فيما بقي لفسادها بإعتاقه وفيها تفصيل ينظر في خزانة الأكمل. وفي
البزازية: استأجرها على عين مسماة وسكن الدار وهلكت العين قبل التسليم أو استهلكها المستأجر يجب
أجر المثل بالغا ما بلغ، بخلاف سائر الإجارات فإنه لا يزاد فيه على المسمى اه‍. فهذا المسمى فيه معلوم
معين ووجب الاجر بالغا ما بلغ. قوله: (ولم يدفعه) أما لو عجله وقبله المؤجر منه لا يزاد به عليه لرضاه
وهل تنقلب صحيحة يراجع. رحمتي.
333

وفي الشرنبلالية وجوب أجر المثل غير متوقف على عدم دفعه إذ هو الواجب للفساد فلا مفهوم
له بل هو بيان للواقع، بخلاف ما إذا عينه الخ. قوله: (حانوتا) مثال، لأنه لو استأجر ثورا ليطحن عليه
كل يوم لو بدرهم فالحكم كذلك. طوري. قوله: (وفسد في الباقي) مقيد بثلاثة أمور تعلم مما بعده بألا
يسكن فيما بعد الشهر الأول، وأن لا يعجل أجرته، وأن لا يسمي جملة الشهور، فإن وجد واحد منها
صح فيه. وفي البزازية: فلو أبرأه عن أجرة الأبد لا يصح إلا عن شهر واحد. قوله: (لجهالتها) أي
الشهور. قوله: (متى دخل كل) أي لفظ كل. قوله: (فيما لا يعرف منتهاه) كالأشهر والأيام، وهذا يفيد
أن قوله كل شهر مثال، فمثله كل سنة أو يوم أو أسبوع كما أفاده الرملي. قوله: (تعين أدناه) أي تعين
للصحة، إذ ما بعد الأول داخل تحت العقد ولهذا اشترط حضورهما عند الفسخ فهو فاسد، لكن
ينقلب صحيحا بالسكنى هكذا يستفاد من كلامه. ثم رأيت الطوري قال: وظاهر قوله صح في شهر
واحد الفساد في الباقي. قال في المحيط: وهذا قول بعضهم. والصحيح أن الإجارة كل شهر جائزة
وإطلاق محمد يدل عليه، فيجوز العقد في الشهر الأول والثاني والثالث، وإنما يثبت خيار الفسخ في
أول الثاني لأنها مضافة إلى المستقبل ولكل منهما فسخ المضافة اه‍. وهو مخالف لقول المصنف كالهداية
والتبيين وفسد في الباقي، إلا أن يقال: المراد بالفساد عدم اللزوم، وأطلق عليه ذلك لأنه قابل
للافساد. تأمل. قوله: (بشرط حضور الآخر) والحيلة إذا غاب أن يؤجر من آخر فإذا انقضى الشهر
صح للآخر في الثاني وانفسخ الأول كما في جامع الفصولين: أي لأنه يغتفر في الضمني ما لا يغتفر
في الصريح. سائحاني. وقدم الشارح ذلك قبيل هذا الباب. قوله: (وبه يفتى) وهو ظاهر الرواية.
وذكر بعض المشايخ أنه ساعة من أوله، وعليه مشى القدوري وصاحب الكنز وهو القياس وفيه حرج.
كذا في الهداية والزيلعي.
قال الرملي: وفي البزازية: الأصح أن وقت الفسخ اليوم الأول مع ليلته واليوم الثاني والثالث،
لان خيار الفسخ في أول الشهر وأول الشهر هذا وعليه الفتوى اه‍. وهذا خلاف القولين المذكورين،
وقد صرح بأن الفتوى عليه فتأمل فيه وفي قول الشارح وبه يفتى.
وقد تقرر أنه إذا تعارضت الشروح والفتاوى فالاعتبار لما في الشروح اه‍. مع أن ما في الشروح
ظاهر الرواية كما علمت. قوله: (حتى ينقضي) أي ذلك الشهر الذي سكن في أوله على الأقوال الثلاثة.
قوله: (إلا بعذر) أي من أعذار الفسخ الآتية. قوله: (كما لو عجل) تنظير في الصحة لما في المتن. قال
الزيلعي: فلا يكون لواحد منهما الفسخ في قدر المعجل أجرته لأنه بالتقديم زالت الجهالة في ذلك
القدر فيكون كالمسمى في العقد. قوله: (إلا أن يسمي الكل) استثناء من قوله: وفسد في الباقي أي
كل ما قصد العقد عليه، هذا كما إذا قال آجرتها ستة أشهر كل شهر بكذا. قوله: (لزوال المانع) أي
334

الذي كان في صورة عدم تسمية الكل. قوله: (وتقسم سوية) أي على المشهور، وفائدته تظهر في الفسخ
أثناء المدة. وفي التاترخانية: ولو قال آجرتك سنة بألف كل شهر بمائة فقبل فهو إجارة بألف ومائتين
كل شهر بمائة والأخير يكون فسخا للأول. قال الفقيه: وهذا إذا كان قصدا، فلو غلطا فالاجر هو
الأول. قوله: (إن سمى) بأن يقول من شهر رجب من هذه السنة. درر: أي ما لم يكن خيار شرط،
فإن كان فمن وقت سقوطه. سري الدين عن الكافي ط. قوله: (والمراد اليوم الأول) أي لا وقت إبصار
الهلال حقيقة. قوله: (اعتبر الأهلة) حتى لو نقص الشهر يوما كان عليه كمال الأجرة. بدائع. قوله:
(وإلا فالأيام) أي وإن كان في أثناء الشهر فيعتبر الأيام لان الشهر الأول يكمل بالأيام من الثاني فيصير
أول الثاني بالأيام فيكمل بالثالث وهكذا. بدائع. قوله: (وقال يتم الأول بالأيام وفي الذخيرة: إن عقد
الإجارة على كل شهر بدرهم وإن وجدت في وسطه يعتبر كل شهر بالأيام بلا خلاف، لأنهما إنما
يعتبران أن الأهلة إذا علم آخر المدة ليمكن تكميله منه اه‍. وعن أبي يوسف رواية كأبي حنيفة. قال ابن
الكمال: وعند محمد وهو رواية أخرى عن أبي يوسف: يعتبر الأول بالأيام ويكمل من الأخير ويعتبر
الباقي بالأهلة، فإن آجر في عاشر ذي الحجة سنة فذو الحجة إن تم على ثلاثين يوما، فالسنة تتم عند
محمد على عاشر ذي الحجة، وإن تم على تسعة وعشرين فالسنة تتم على الحادي عشر من ذي الحجة.
فإن قلت: هلا يلزم أن يتكرر عيد الأضحى في سنة واحدة؟ قلت نعم، لكن في السنة التي
قدرت بها مدة الإجارة لا في السنة المعروفة، فالمحذور غير لازم واللازم غير محذور اه‍. قوله: (كما
مر) أي قبل ورقة ومر الكلام فيه. قوله: (وجاز إجارة الحمام) قدمنا أن الإجارة اسم للأجرة: أي جاز
أخذ الحمامي أجرة الحمام. وفي أبي السعود عن الحموي: الحمام مؤنث في الأغلب وجمعه حمامات
على القياس. وفي ذكرى أول من وضعه نبي الله سليمان عليه السلام.
مطلب في حديث دخوله عليه الصلاة والسلام الحمام
وحديث ما رآه المؤمنون حسنا
قوله: (لأنه عليه الصلاة والسلام دخل حمام الجحفة) قال منلا علي القاري: ذكر الدميري
والنووي أنه ضعيف جدا، فقول شيخنا ابن حجر المكي في شرح الشمائل: إنه موضوع باتفاق الحفاظ
وإن وقع في كلام الدميري وغيره ليس في محله اه‍ ملخصا. قوله: (وللعرف) لان الناس في سائر
الأمصار يدفعون أجرة الحمام وإن لم يكن يعلم مقدار ما يستعمل من الماء ولا مقدار القعود، فدل
إجماعهم على جواز ذلك، وإن كان القياس يأباه لوروده على إتلاف العين مع الجهالة. إتقاني. قوله: (كما
ذكره ابن حجر) وكذا رواه أحمد في كتاب السنة من حديث أبي وائل عن ابن مسعود قال: إن الله نظر
335

في قلوب العباد فاختار محمدا (ص) فبعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد فاختار له أصحابا فجعلهم
أنصار دينه ووزراء نبيه، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند
الله قبيح وهو موقوف حسن، وكذا أخرجه البزار والطيالسي والطبراني في ترجمة ابن مسعود من الحلية
اه‍. من المقاصد الحسنة ط. قوله: (هو الصحيح) ومن العلماء من كرهه لما روي عن عمارة بن عقبة أنه
قال: قدمت على عثمان بن عفان فسألني عن مالي، فأخبرته أن لي غلمانا وحماما له غلة، فكره لي غلة
الحجامين وغلة الحمام وقال: إنه بيت الشياطين، وسماه رسول الله (ص) شر بيت، فإنه تكشف فيه
العورات وتصب الغسالات والنجاسات. ومنهم من فصل بين حمام الرجال وحمام النساء. زيلعي.
قوله: (لكثرة أسباب اغتسالهم) أي من الحيض والنفاس والجنابة، واستعمال الماء البارد قد يضر وقد
لا يتمكن من الاستيعاب به وإزالة الوسخ. زيلعي. قوله: (وقيل إلا لمريضة أو نفساء) روي في السنن
مسندا إلى عبد الله بن عمر أن رسول الله (ص) قال: إنها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتا
يقال لها الحمامات فلا يدخلها الرجال إلا بالإزار، وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء إتقاني. قوله:
(قلت الخ) قائله ابن الهمام.
أقول: ولا يختص ذلك بحمام النساء، فإن في ديارنا كشف العورة الخفيفة أو الغليظة متحقق
من فسقة العوام الرجال، فالذي ينبغي التفصيل، وهو إن كان الداخل يغض بصره بحيث لا يرى
عورة أحد ولا يكشف عورته لاحد فلا كراهة مطلقا، وإلا فالكراهة في دخول الفريقين حيث كانت
العلة ما ذكر، فتدبر. قوله: (لأنه عليه الصلاة والسلام احتجم الخ) روى البخاري مسندا إلى ابن عباس.
قال: احتجم النبي (ص) وأعطى الحجام أجرة ولو علم كراهية لم يعطه. وفي رواية السنن: ولو
علمه خبيثا لم يعطه. إتقاني. قوله: (وحديث النهي) وهو ما ذكره صاحب السنن بإسناده إلى رافع بن
خديج أن رسول الله (ص) قال:
كسب الحجام خبيث، وثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث إتقاني. قوله: (منسوخ) أي
بما روي: أنه عليه الصلاة والسلام قال له رجل: إن لي عيالا وغلاما حجاما أفأطعم عيالي من
كسبه؟ قال: نعم زيلعي. وأجاب الإتقاني بحمل حديث الخبث على الكراهة طبعا من طريق المروءة لما
فيه من الخسة والدناءة. قال: على أنا نقول راويه رافع ليس كابن عباس في الضبط والاتقان والفقه
فيعمل بحديث ابن عباس دونه اه‍. وفي الجوهرة: وإن شرط الحجام شيئا على الحجامة كره. قوله:
(والظئر) بالجر عطفا على الحمام. قوله: (بكسر فهمز) أي همزة ساكنة ويجوز تخفيفها. حموي. قوله:
(المرضعة) خير لمبتدأ محذوف. وفي القاموس: الظئر: العاطفة على ولد غيرها المرضعة له في الناس
336

وغيرهم للذكر والأنثى، وجمعه أظؤر وأظآر وظؤر وظؤورة وظؤار وظؤرة. قوله: (لتعامل الناس) علة
للجواز، وهذا استحسان لأنها ترد على استهلاك العين وهو اللبن. ويشترط التوقيت إجماعا. حموي عن
المنصورية. والاطلاق مشير إلى أنه يجوز للمسلمة أن تؤجر نفسها لارضاع ولد الكافر، وبه صرح في
الخانية، بخلاف ما إذا أجرت نفسها لخدمة الكافر فإنه لا يجوز. قال في الأشباه: استأجر نصراني
مسلما للخدمة لم يجز، ولغيرها جاز إن وقت. أبو السعود. قوله: (بخلاف بقية الحيوانات) أي بخلاف
استئجارها للارضاع. وفي التاترخانية: استأجر بقرة ليشرب اللبن أو كرما أو شجرا ليأكل ثمره أو
أرضا ليرعى غنمه القصيل أو شاة ليجز صوفها فهو فاسد كله وعليه قيمة الثمرة والصوف والقصيل
لأنه ملك الآجر وقد استوفاه بعقد فاسد، بخلاف ما إذا استأجر أرضه ليرعى الكلأ. قوله: (وكذا
بطعامها وكسوتها) أشار إلى أنها مسألة مستقلة، وأنهما عليها إن لم يشترطا على المستأجر بالعقد. قوله:
(لجريان العادة الخ) جواب عن قولهما لا تجوز لان الأجرة مجهولة. ووجهه أن العادة لما جرت
بالتوسعة على الظئر شفقة على الولد لم تكن الجهالة مفضية إلى النزاع، والجهالة ليست بمعانة لذاتها بل
لكونها مفضية إلى النزاع. قوله: (وللزوج أن يطأها) أي وإن رضي بالإجارة فليس للمستأجر منعه مخافة
الحبل، لأنه ضرر موهوم والمنع من الوطئ ضرر متحقق، وليس للظئر أن تمنعه نفسها. إتقاني. قوله:
(شأنه إجارتها أولا) أي سواء كانت الإجارة تشين الزوج: أي تعبيه بأن كان وجيها بين الناس أو لا،
لما أن له أن يمنعها من الخروج وأن يمنع الصبي الدخول عليها، ولان الارضاع والسهر بالليل يضعفها
ويذهب جمالها، فكان له المنع كما يمنعها من الصيام تطوعا. زيلعي. قوله: (وللمستأجر فسخها الخ)
لان لبين الحبلى والمريضة يضر بالصغير وهي يضرها أيضا الرضاع، فكان لها ولهم الخيار ولها أيضا
الفسخ بأذية أهله لها، وكذا إذا لم تجر لها عادة بإرضاع ولد غيرها، وكذا إذا عيروها به لأنها تتضرر به
على ما قيل: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها. زيلعي. وهذا إذا أمكن معالجته بالغذاء أو بأخذ لبن للغير
وإلا فليس لها الفسخ، وعليه الفتوى كما بسطه في التاترخانية. قوله: (وفجورها) أي زناها لأنها
تشتغل به عن حفظ الصبي. قوله: (ونحو ذلك) كما إذا أرادوا سفرا وأبت الخروج معهم أو كانت بذية
اللسان أو سارقة أو يتقيأ لبنها أو لا يأخذ ثديها، وكذا كل ما يضر بالصبي لا محالة نحو الخروج من
منزله زمانا كثيرا وما أشبهه، فلهم أن يمنعوها عنه لا ما لا يضر، وأما ما كان فيه وهم الضرر فليس
لهم منعها عنه، وليس عليها أن ترضعه في منزل الأب ما لم يكن عرف بين الناس أو يشترطوا ذلك
عليها. تاترخانية وغيرها. قوله: (لا بكفرها) لان كفرها في اعتقادها. زيلعي. قال ط: ويخالفه في
الخانية إذا ظهرت الظئر كافرة أو مجنونة أو زانية أو حمقى فلهم فسخ الإجارة. قوله: (ولو مات أبوه لا)
أي لا تنتقض لان الإجارة واقعة للصبي لا للأب سواء كان له مال أو لا، ولهذا لو كان للصبي مال
337

تجب الأجرة من ماله إذ هي كالنفقة. زيلعي. قوله: (وثيابه) بالجر عطف على الصبي وأطلق في غسل
الثياب.
وفي الكفاية: الصحيح أن غسل ثياب الآي من البول ونحوه عليها، ومن الوسخ والدرن لا
يكون عليها. حموي. ومثله في شرح المجمع. قوله: (وإصلاح طعامه) يريد به أن تصنع له الطعام ولا
تأكل شيئا يفسد لبنها ويضر به. تاترخانية عن المضمرات. قوله: (فعادة أهل الكوفة) وقد قالوا في
توابع العقود التي لا ذكر لها فيها: إنها تحمل على عادة كل بلد كالسلك على الخياط، والدقيق الذي
يصلح الحائك به الثوب على رب الثوب، وإدخال الحنطة المنزل على المكاري، بخلاف الصعود بها إلى
الغرفة أو السطح، والإكاف على رب الدابة، والحبال والجوالق على ما تعارفوه. بدائع ملخصا. قوله:
(على أبيه) قال في التاترخانية وفي الظهيرية: ولو لم يكن له مال حين استأجرها الأب ثم أصاب
الصغير مالا، قال: سئل والدي عنها، فقال: قيل (1): أجر ما مضى على الأب، وما بقي في مال
الصغير اه‍. وفيها إرضاع اليتيم على من تجب عليه نفقته، فإن كان لا وارث له ففي بيت المال. قوله:
(فإن أرضعته بلبن شاة) أي بأن أقرت به أو شهدت بينة به، وإن جحدت فالقول لها مع يمينها
استحسانا، ولو شهدوا أنها ما أرضعت بلبن نفسها لم يقبل لقيامها على النفي مقصودا، بخلاف الأول
لدخوله في ضمن الاثبات، وإن أقام فالبينة بينة الظئر كما في الذخيرة شرنبلالية. قوله: (لأن الصحيح
الخ) أي فلم تأت بالعمل الواجب عليها وهو الارضاع وهذا إيجار وليس بإرضاع.
وفي المحيط: استأجر شاة لترضع جديا أو صبيا لا يجوز، لان للبن البهائم قيمة فوقعت
الإجارة عليه وهو مجهول فلا يجوز، وليس للبن المرأة قيمة فلا تقع الإجارة عليه، وإنما تقع على فعل
الارضاع والتربية والحضانة. زيلعي. قوله: (هو الارضاع) وهو ما يقع بلبن الآدمية وما وراءه يكون
إطعاما. إتقاني. قوله: (لا اللبن) أي مطلقا ط. قوله: (حيث تستحق الأجرة) أي استحسانا، لان
الانسان تارة يعمل بنفسه وتارة بغيره، ولأنها لما عملت بأمر الأولى صار كأنها عملت بنفسها. بدائع.
قوله: (عن الذخيرة) ونصها: اختلف المشايخ فيه، والصحيح أنها لا تستحق اه‍. ومثله في التاترخانية.
قوله: (لذلك) أي للارضاع. قوله: (ولم يعلم الأولون) أي حتى يفسخوا هذه الإجارة. تاترخانية.
ومفاده أن لهم فسخ الثانية. قوله: (أثمت) لأنه استحق عليها كمال الرضاع، فلما أرضعت صبيين

(1) قوله: (فقال قيل الخ) قال شيخنا: هذا أحد أقوال ثلاثة، وقيل الكل على الأب، وقيل الكل على الصغير لان العقد
له، وايجاب الاجر على الأب انما هو لضرورة فقر الصغير فإذا صار ذا مال يكون عليه وهو المعول عليه ا ه‍.
338

فقد أضرت بأحدهما لنقصان اللبن. قوله: (ولها الاجر كاملا على الفريقين) ويطيب لها، ولا ينقص من
الاجر الأول إن أرضعت ولدهم في المدة المشروطة ويطرح من الاجر بقدر ما تخلفت. تاترخانية.
قوله: (لشبهها بالأجير الخاص والمشترك) جواب إشكال، وهو أن أجير الواحد ليس له أن يؤجر نفسه
من آخر، فإن آجر لا يستحق تمام الاجر على المستأجر الأول ويأثم. قال في الذخيرة: وهذا لا يشكل
إذا قال أبو الصغير استأجرتك لترضعي ولدي هذا سنة بكذا، لأنها في هذه الصورة أجيرة مشتركة
لأنه أوقع العقد أولا على العمل، وإنما يشكل إذا قال استأجرتك سنة لترضعي الخ لأنه أوقع العقد
على المدة أولا، وسيأتي بيانه. والوجه أن الأجير الواحد في الرضاع يشبه المشترك من حيث إنه
يمكنه إيفاء العمل بتمامه إلى كل واحد منهما كالخياط، وإن كان أجير واحد فتأثم لشبهها بأجير
الواحد ولها الاجر كاملا لشبهها بالمشترك اه‍ ملخصا. قوله: (لا تصح الإجارة لعسب التيس) لأنه
عمل لا يقدر عليه وهو الاحبال.
مطلب في الاستئجار على المعاصي
قوله: (مثل الغناء) بالكسر والمد: الصوت، وأما المقصور فهو اليسار. صحاح. قوله: (والنوح)
البكاء على الميت وتعديد محاسنه. قوله: (والملاهي) كالمزامير والطبل، وإذا كان الطبل لغير اللهو فلا بأس
به كطبل الغزاة والعرس لما في الأجناس: ولا بأس أن يكون ليلة العرس دف يضرب به ليعلن به
النكاح. وفي الولواجية: وإن كان للغزو أو القافلة يجوز. إتقاني ملخصا. قوله: (يباح) كذا في المحيط.
وفي المنتقى: امرأة نائحة أو صاحبة طبل أو زمر اكتسبت مالا ردته على أربابه إن علموا وإلا
تتصدق به، وإن من غير شرط فهو لها. قال الامام الأستاذ: لا يطيب، والمعروف كالمشروط اه‍.
قلت: وهذا مما يتعين الاخذ به في زماننا لعلمهم أنهم لا يذهبون إلا بأجر البتة ط.
مطلب في الاستئجار على الطاعات
قوله: (ولا لأجل الطاعات) الأصل أن كل طاعة يختص بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليها
عندنا لقوله عليه الصلاة والسلام: اقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به وفي آخر ما عهد رسول الله (ص) إلى عمرو
بن العاص: وإن اتخذت مؤذنا فلا تأخذ على الاذان أجرا ولان القربة متى حصلت وقعت على
العامل ولهذا تتعين أهليته، فلا يجوز له أخذ الأجرة من غيره كما في الصوم والصلاة. هداية.
مطلب: تحرير مهم في عدم جواز الاستئجار على التلاوة والتهليل ونحوه مما لا ضرورة إليه
قوله: (ويفتى اليوم بصحتها لتعليم القرآن الخ) قال في الهداية: وبعض مشايخنا رحمهم الله تعالى
استحسنوا الاستئجار على تعليم القرآن اليوم لظهور التواني في الأمور الدينية، ففي الامتناع تضييع
حفظ القرآن، وعليه الفتوى اه‍. وقد اقتصر على استثناء تعليم القرآن أيضا في متن الكنز و مواهب
الرحمن وكثير من الكتب، وزاد في مختصر الوقاية ومتن الاصلاح تعليم الفقه، وزاد في متن المجمع
الإمامة، ومثله في متن الملتقى ودرر البحار، وزاد بعضهم: الأذان والإقامة والوعظ، وذكر المصنف
339

معظمها، ولكن الذي في أكثر الكتب الاقتصار على ما في الهداية، فهذا مجموع ما أفتى به المتأخرون
من مشايخنا وهم البلخيون على خلاف في بعضه، مخالفين ما ذهب إليه الامام وصاحباه، وقد اتفقت
كلمتهم جميعا في الشروح والفتاوى على التعليل بالضرورة وهي خشية ضياع القرآن كما في الهداية،
وقد نقلت لك ما في مشاهير متون المذهب الموضوعة للفتوى فلا حاجة إلى نقل ما في الشروح
والفتاوى، وقد اتفقت كلمتهم جميعا على التصريح بأصل المذهب من عدم الجواز، ثم استثنوا بعده ما
علمته فهذا دليل قاطع وبرهان ساطع على أن المفتى به ليس هو جواز الاستئجار على كل طاعة، بل
على ما ذكروه فقط مما فيه ضرورة ظاهرة تبيح الخروج عن أصل المذهب من طرو المنع، فإن مفاهيم
الكتب حجة ولو مفهوم لقب على ما صرح به الأصوليون بل هو منطوق، فإن الاستثناء من أدوات
العموم كما صرحوا به أيضا. وأجمعوا على أن الحج عن الغير بطريق النيابة لا الاستئجار، ولهذا لو
فضل مع النائب شئ من النفقة يجب عليه رده للأصيل أو ورثته، ولو كان أجره لما وجب رده، فظهر
لك بهذا عدم صحة ما في الجوهرة من قوله. واختلفوا في الاستئجار على قراءة القرآن مدة معلومة:
قال بعضهم: لا يجوز، وقال بعضهم: يجوز وهو المختار اه‍. والصواب أن يقال على تعليم القرآن،
فإن الخلاف فيه كما علمت لا في القراءة المجردة فإنه لا ضرورة فيها، فإن كان ما في الجوهرة سبق
قلم فلا كلام، وإن كان عن عمد فهو مخالف لكلامهم قاطبة فلا يقبل.
وقد أطنب في رده صاحب تبيين المحارم مستندا إلى النقول الصريحة: فمن جملة كلامه قال تاج
الشريعة في شرح الهداية: إن القرآن بالأجرة لا يستحق الثواب لا للميت ولا للقارئ، وقال العيني
في شرح الهداية: ويمنع القارئ للدنيا، والآخذ والمعطي آثمان.
فالحاصل: أن ما شاع في زماننا من قراءة الاجزاء بالأجرة لا يجوز، لان فيه الامر بالقراءة
وإعطاء الثواب للآمر والقراءة لأجل المال، فإذا لم يكن للقارئ ثواب لعدم النية الصحيحة فأين يصل
الثواب إلى المستأجر، ولولا الأجرة ما قرأ أحد لاحد في هذا الزمان، بل جعلوا القرآن العظيم مكسبا
ووسيلة إلى جمع الدنيا. إنا لله وإنا إليه راجعون. اه‍. وقد اغتر بما في الجوهرة صاحب البحر في كتاب
الوقف وتبعه الشارح في كتاب الوصايا حيث يشعر كلامها بجواز الاستئجار على كل الطاعات ومنها
القراءة. وقد رده الشيخ خير الدين الرملي في حاشية البحر في كتاب الوقف حيث قال: أقول: المفتى
به جواز الاخذ استسحانا على تعليم القرآن لا على القراءة المجردة، كما صرح به في التاترخانية حيث
قال: لا معنى لهذه الوصية ولصلة القارئ بقراءته، لان هذا بمنزلة الأجرة والإجارة في ذلك باطلة،
وهي بدعة ولم يفعلها أحد من الخلفاء، وقد ذكرنا مسألة تعليم القرآن على استحسان اه‍: يعني
للضرورة، ولا ضرورة في الاستئجار على القراءة على القبر. وفي الزيلعي وكثير من الكتب: ولو لم
يفتح لهم باب التعليم بالاجر لذهب القرآن فأفتوا بجوازه ورأوه حسنا، فتنبه اه‍ كلام الرملي.
وما في التاترخانية فيه رد على من قال: لو أوصى لقارئ يقرأ على قبره بكذا ينبغي أن يجوز على
وجه الصلة دون الاجر، وممن صرح ببطلان هذه الوصية صاحب الولوالجية والمحيط والبزازية، وفيه
رد أيضا على صاحب البحر حيث علل البطلان بأنه مبني على القول بكراهة القرآن على القبر وليس
كذلك، بل لما فيه من شبه الاستئجار على القراءة كما علمت، وصرح به في الاختيار وغيره، ولذا قال
في الولوالجية ما نصه: ولو زار قبر صديق أو قريب له وقرأ عنده شيئا من القرآن فهو حسن، أما
340

الوصية بذلك فلا معنى لها، ولا معنى أيضا لصلة القارئ، لان ذلك يشبه استجاره على قراءة القرآن
وذلك باطل، ولم يفعل ذلك أحد من الخلفاء اه‍. إذ لو كانت العلة ما قاله لم يصح قوله هنا فهو
حسن، وممن أفتى ببطلان هذه الوصية الخير الرملي كما هو مبسوط في وصايا فتاواه، فراجعها.
ونقل العلامة الحلواني في حاشية المنتهى الحنبلي عن شيخ الاسلام تقي الدين ما نصه: ولا يصح
الاستئجار على القراءة وإهدائها إلى الميت، لأنه لم ينقل عن أحد من الأئمة الاذن في ذلك. وقد قال
العلماء: إن القارئ إذا قرأ لأجل المال فلا ثواب له فأي شئ يهديه إلى الميت؟ وإنما يصل إلى الميت
العمل الصالح، والاستئجار على مجرد التلاوة لم يقل به أحد من الأئمة، وإنما تنازعوا في الاستئجار
التعليم اه‍ بحروفه. وممن صرح بذلك أيضا الامام البركوي قدس سره في آخر الطريقة المحمدية.
فقال: الفصل الثالث في أمور مبتدعة باطلة أكب الناس عليها على ظن أنها قرب مقصودة، إلى أن
قال: ومنها الوصية من الميت باتخاذ الطعام والضيافة يوم موته أو بعده وبإعطاء دراهم لمن يتلو القرآن
لروحه أو يسبح أو يهلل له، وكلها بدع منكرات باطلة، والمأخوذ منها حرام للآخذ، وهو عاص
بالتلاوة والذكر لأجل الدنيا اه‍ ملخصا. وذكر أن له فيها أربع مسائل.
فإذا علمت ذلك ظهر لك حقيقة ما قلناه، وأن خلافه خارج عن المذهب، وعما أفتى به
البلخيون وما أطبق عليه أئمتنا متونا وشروحا وفتاوى، ولا ينكر ذلك إلا غمر مكابر أو جاهل لا
يفهم كلام الأكابر، وما استدل به بعض المحشين على الجواز بحديث البخاري في اللديغ فهو خطأ،
لان المتقدمين المانعين الاستئجار مطلقا جوزوا الرقية بالأجرة ولو بالقرآن كما ذكره الطحاوي، لأنها
ليست عبادة محضة بل من التداوي. وما نقل عن بعض الهوامش وعزي إلى الحاوي الزاهدي من أنه لا
يجوز الاستئجار على الختم بأقل من خمسة وأربعين درهما فخارج عما اتفق عليه أهل المذهب قاطبة.
وحينئذ فقد ظهر لك بطلان ما أكب عليه أهل العصر من الوصية بالختمات والتهاليل مع قطع النظر
عما يحصل فيها من المنكرات التي لا ينكرها إلا من طمست بصيرته، وقد جمعت فيها رسالة سميتها
(شفاء العليل وبل الغليل في حكم الوصية بالختمات والتهاليل) وأتيت فيها بالعجب العجاب لذوي الألباب،
وما ذكرته هنا بالنسبة إليها كقطرة من بحر أو شذرة من عقد نحر، وأطلعت عليها محشي هذا
الكتاب فقيه عصره ووحيد دخر، السيد أحمد الطحاوي مفتي مصر سابقا، فكتب عليها وأثنى
الثناء الجميل، فالله يجزيه الخير الجزيل، وكتب عليها غيره من فقهاء العصر. قوله: (فسدت في
الكل) ويجب أجر المثل لا يجاوز به المسمى. زيلعي. قوله: (بجزء من عمله) أي ببعض ما يخرج
من عمله، والقدرة على التسليم شرط وهو لا يقدر بنفسه. زيلعي. قوله: (عن قفيز الطحان)
وهو المسألة الثالثة التي ذكرها المصنف كما ذكره الزيلعي. قوله: (والحيلة أن يفرز الاجر أولا)
أي ويسلمه إلى الأجير، فلو خلطه بعد وطحن الكل ثم أفرز الأجرة ورد الباقي جاز، ولا يكون
341

في معنى قفيز الطحان إذ لم يستأجره أن يطحن بجزء منه أو بقفيز منه كما في المنح عن جواهر
الفتاوى. قال الرملي: وبه علم بالأولى جواز ما يفعل في ديارنا من أخذ الأجرة من الحنطة
والدراهم معا ولا شك في جوازه اه‍. قوله: (بلا تعيين) أي من غير أن يشترط أنه من المحمول
أو من المطحون فيجب في ذمة المستأجر. زيلعي. قوله: (نصف هذا الطعام) قيد بالنصف، لأنه لو
استأجره ليمل الكل بنصفه لا يكون شريكا فيجب أجر المثل وهي مسألة المتن. النهر لا أجر له
أصلا أي لا المسمى ولا أجر المثل. عناية. قوله: (لصيرورته شريكا) قال الزيلعي: لان الأجير
ملك النصف في الحال بالتعجيل فصار الطعام مشتركا بينهما فلا يستحق الاجر، لأنه لا يعمل
شيئا لشريكه إلا ويقع بعضه لنفسه هكذا قالوا.
وفي إشكالان: أحدهما: أن الإجارة فاسدة والأجرة لا تملك بالصحيحة منها بالعقد عندنا،
سواء كان عينا أو دينا على ما بيناه من قبل، فكيف ملكه هنا من غير تسليم ومن شرط التعجيل.
والثاني أنه قال ملكه في الحال، وقوله لا يستحق الاجر ينافي الملك، لأنه لا يملكه إذا ملكه إلا بطريق
الأجرة، فإذا لم يستحق شيئا فكيف يملكه وبأي سبب يملكه؟ اه‍. قوله: (أجاب عنه المصنف)، قلت:
وأجاب في الحواشي السعدية بقوله: لعل مرادهم: أي بقولهم لا يستحق الاجر نفي الملك، لان
وجوده يؤدي إلى عدمه وما هو كذلك يبطل، فقولهم: ملك الاجر في الحال كلام على سبيل الفرض
والتقدير، والظاهر أن وضع المسألة فيما إذا سلم إلى الأجير كل الطعام فيكون تقدير الكلام: لو وجب
الاجر في الصورة المفروضة لملك الأجير الأجرة في الحال بالتعجيل، والثاني باطل إذ يكون حينئذ
مشتركا فيفضي إلى عدم وجوب الأجرة، وكل ما أفضى وجوده إلى انتفاء لزومه فهو باطل اه‍.
وحاصل جواب المصنف عن الأول: أن الأجرة هنا معجلة كما صرح به الزيلعي في صدر
تقريره، وهي تملك بالتعجيل كما تملك باشتراطه. وعن الثاني: أنه لما ملكه بالتعجيل وعمل تبين بعد
العمل عدم استحقاقه لشئ من الأجرة، كما لو عجلها عند العقد فاستحقها مستحق تبين كونه ليس
بمالك لها اه‍. وفيه نظر فإن هذا العقد لا يخلو إما أن يكون باطلا أو فاسدا أو صحيحا، أما الباطل
فلا أجر فيه أصلا كما مر أول الباب فكيف يملك بالتعجيل؟ وأما الفاسد فلا يجب الاجر فيه إلا
بحقيقة الانتفاع كما مر مرارا فلا يملك بالتعجيل أيضا قبل العمل، وبعد العمل يجب أجر المثل،
وفرض المسألة هنا أنه لا أجر أصلا. وأما الصحيح فيملك الاجر بالتعجيل مع الافراز وهنا حصل في
ضمن التسليم، إذ لو أفرزه وسلمه إلى الأجير ثم خلطه وحمل الكل معا جاز كما قدمناه آنفا عن
جواهر الفتاوى، إلا أن يقال (1): انعقد صحيحا ثم طرأ عليه الفساد عند العمل قبل الافراز، وحينئذ

(1) قوله: (الا ان يقال الخ) سريع في أن بطلان الملك انما جاء من عدم الافراز وهو يقتضي اشتراط الافراز. قال
شيخنا: ولا قائل به في عقود المعاوضة. وقد رأيت في تكملة الفتح معزيا لشرح الجامع للامام السرخسي ما هو
قريب من جواب المصنف، اي وجواب المصنف فيه للتصريح بالملك بدون اشتراط للافراز، وان الفساد لم يجئ
من عدم الافراز بل من جهة أخرى، ولا يخفى ان كلام السرخسي حجة فيكون جوابه نصا في المسألة فليكن التعويل
عليه ا ه‍.
342

فقول الزيلعي: إن هذه الإجارة فاسدة: أي مآلا، أما في الحال فهي صحيحة، فليتأمل.
مطلب: يخص القياس والأثر بالعرف العام دون الخاص
قوله: (كما زعمه مشايخ بلخ) قال في التبيين: ومشايخ بلخ والنسفي يجيزون حمل الطعام ببعض
المحمول ونسج الثوب ببعض المنسوج لتعامل أهل بلادهم بذلك، ومن لم يجوزه قاسه على قفيز
الطحان.
والقياس يترك بالتعارف. ولئن قلنا: إنه ليس بطريق القياس بل النص يتناوله دلالة فالنص يخص
بالتعارف، ألا ترى أن الإستصناع ترك القياس فيه، وخص من القواعد الشرعية بالتعامل، ومشايخنا
رحمهم الله لم يجوزوا هذا التخصيص، لان ذلك تعامل أهل بلدة واحدة وبه لا يخص الأثر، بخلاف
الإستصناع فإن التعامل به جرى في كل البلاد، وبمثله يترك القيام ويخص الأثر اه‍. وفي العناية: فإن
قيل: لا نتركه بل يخص عن الدلالة بعض ما في معنى قفيز الطحان بالعرف كما فعل بعض مشايخ
بلخ في الثياب لجريان عرفهم بذلك. قلت: الدلالة لا عموم لها حتى تخص اه‍. ط. قوله: (فيفضي
للمنازعة) فيقول المؤجر المعقود عليه العمل والوقت ذكر للتعجيل ويقول المستأجر بل هو الوقت
والعمل للبيان. وقال الصاحبان: هي صحيحة، ويقع العقد على العمل، وذكر الوقت للتعجيل
تصحيحا للعقد عند تعذر الجمع بينهما فترتفع الجهالة. وظاهر كلام الزيلعي ترجيح قولهما، وهذا إذا
أخر الأجرة، أما إذا وسطها فالمعقود عليه المتقدم لتمام العقد بذكر الاجر، ثم المتأخر إن كان وقتا
فللتعجيل، وإن كان عملا فلبيان العمل في ذلك الوقت فلا يفسد، كما نقله ابن الكمال عن الخانية،
ومثله في القهستاني عن الكرماني، وزاد في المنية: وإذا قدمها فسد أيضا.
ثم اعلم أن الخلاف أيضا فيما إذا كان العمل مبين المقدار معلوما حتى يصلح لكونه معقودا
عليه فيزاحم الوقت فيفسد، ولذا قال ليخبز له كذا قفيز دقيق، فلو لم يبين صح لأنه لجهالته كأنه لم
يذكر إلا الوقت، كما إذا استأجر رجلا يوما ليبني له بالآجر والجص جاز بلا خلاف، فلو بين العمل
على وجه يجوز إيراد العقد عليه بأن بين قدر البناء لا يجوز عند الامام كما ذكره في الأصل، وحينئذ
فلا يشكل ما سيأتي في بحث الأجير الخاص لو استأجره شهرا لرعي الغنم بكذا صح، مع أن فيه
الجمع بين المدة والعمل لأنه لم يبين قدر الغنم المرعي كما نبه عليه العلامة الطوري فاحفظه. قوله:
(جازت إجماعا) أما في الأول وهو رواية عن الامام كما ذكره الزيلعي فلان كلمة في للظرف لا
لتقدير المدة فلا تقتضي الاستغراق، فكان المعقود عليه العمل وهو معلوم، بخلاف ما إذا حذفت فإنه
يقتضي الاستغراق، وقد مر نظيره في الطلاق في قوله: أنت طالب غدا أو في الغد. وأما في الثاني
فلان اليوم لم يذكر مقصودا كالعمل حتى يضاف العقد إليهما، بل ذكر لاثبات صفة في العمل والصفة
تابعة للموصوف غير مقصودة بالعقد كما في التبيين. قوله: (بشرط أن يثنيها) في القاموس ثناة تثنية:
جعله اثنين اه‍. وهو على حذف مضاف: أي يثني حرثها.
343

وفي المنح: إن كان المراد أن يردها مكروبة فلا شك في فساده، وإلا فإن كانت الأرض لا تخرج
الريع إلا بالكراب مرتين لا يفسد وإن ما تخرج بدونه، فإن كان أثره يبقى بعد انتهاء العقد يفسد لان
فيه منفعة لرب الأرض، وإلا فلا اه‍ ملخصا. وذكر في التاترخانية عن شيخ الاسلام ما حاصله: أن
الفساد فيما إذا شرط ردها مكروبة بكراب يكون في مدة الإجارة، أما إذا قال على أن تكربها بعد
مضي المدة أو أطلق صح وانصرف إلى الكراب بعده. قال: وفي الصغرى واستفدنا هذا التفصيل من
جهته، وبه يفتى.
قلت: ووجهه أن الكراب يكون حينئذ من الأجرة. تأمل. قوله: (أي يحرثها) فالحرث هو الكرب
وهو إثارة الأرض للزراعة كالكراب. قاموس. قوله: (أو يكري) من باب رمى: أي يحفر. قوله:
(العظام) لان أثره يبقى إلى القابل عادة، بخلاف الجداول: أي الصغار فلا تفسد بشرط كربها هو
الصحيح. ابن كمال. قوله: (أو يسرقنها) أي يضع فيها السرقين وهو الزيل لتهييج الزرع ط. قوله: (فلو
لم تبق) بأن كانت المدة طويلة لم تفسد لأنه لنفع المستأجر فقط. قوله: (أو بشرط أن يزرعها الخ) أي
استأجر أرضا ليزرعها وتكون الأجرة أن يزرع المؤجر أرضا أخرى هي للمستأجر لا يجوز عندنا. منح.
فهو إجارة المنفعة بالمنفعة المتحدة، وسيأتي الكلام فيها. قوله: (لما يجئ) أي قريبا ح. قوله: (أن الجنس
بانفراده يحرم النساء) والزراعة المطلقة من جنس الزراعة المطلقة
فإن قلت: العين قائمة مقام المنفعة على ما هو مقرر فلم يوجد النساء. قلنا: العين إنما تقام مقام
المنفعة على خلاف القياس للضرورة، وذلك فيما إذا وقعت المنفعة معقودا عليها وهي في مسألتنا ما لم
يصحبه الباء، فما صحبه لا تقام العين فيه مقام المنفعة فبقي على الأصل نسيئة ح. قوله: (لأنه شرط
يقتضيه العقد) لان نفعه للمستأجر فقط. قوله: (فلا أجر له) أي لا المسمى ولا أجر المثل. زيلعي. لان
الاجر يجب في الفاسدة إذا كان له نظير من الإجارة الجائزة وهذه لا نظير لها. إتقاني. وظاهر كلام
قاضيخان في الجامع أن العقد باطل لأنه قال لا ينعقد العقد. تأمل. قوله: (لأنه لا يعمل الخ) فإن
قيل: عدم استحقاقه للاجر على فعل نفسه لا يستلزم عدمه بالنسبة إلى ما وقع لغيره. فالجواب أنه
عامل لنفسه فقط لأنه الأصل، وعمله لغيره مبني على أمر مخالف للقياس فاعتبر الأول، ولأنه ما من
جزء يحمله إلا هو شريك فيه فلا يتحقق تسليم المعقود عليه لأنه يمنع تسليم العمل إلى غيره فلا
أجر. عناية وتبيين ملخصا.
وفي غاية البيان: طعام بين اثنين ولأحدهما سفينة فاستأجر الآخر نصفها بعشرة دراهم جاز،
وكذا لو أراد أن يطحنا الطعام فاستأجر نصف الرحى الذي لشريكه استأجر أنصاف جواليقه هذه
ليحمل الطعام إلى مكة جاز، ولو استأجر عبد صاحبه أو دابة عبد صاحبه أو دابته ليحمله أو استأجر
العبد لحفظ الطعام لا يجوز سواء استأجر العبد أو الدابة كله أو نصفه ولا أجر له، والأصل أن كل ما
344

لا يستحق الاجر إلا بإيقاع عمل في العين المشتركة لا يجوز، وكل ما يستحق بدونه يجوز، فإنه تجب
الأجرة بوضع العين في الدار والسفينة والرحى لا بإيقاع عمل اه‍. ملخصا: أي فإن للعبد والدابة
عملا في العين المشتركة وهو الحمل أو الحفظ، أما السفينة مثلا فلا عمل لها أصلا. قوله: (لنفعه
بملكه) الذي ينبغي أن يقول لانتفاعه بملكه اح. وإنما كان كذلك لان المرتهن غير مالك للمنافع فلا
يملك تمليكها وإنما هي للراهن ولكنه ممنوع من الانتفاع لتعلق حق المرتهن، فإذا آجره فقد أبطل حقه.
قوله: (لأنه يسترد الخ) بيانه أنه قد باعه منفعة الحمام مدة معلومة وقد استوفى المؤجر بعضها فانفسخ
بقدره، ثم الأجرة تثبت في ذمة المستأجر بالعقد، والقدر الذي فسخت فيه غير معلومة ولا يمكن
إسقاط شئ بحسابه للجهالة فبقي جميع الأجرة على المستأجر. رحمتي. قوله: (أو أي
شئ يزرعها) أي أو ذكر أنه يزرعها ولم يذكر أي شئ يزرع. قوله: (كما مر) أي أول باب ما يجوز من الإجارة، وهذه
المسألة في الحقيقة تصريح بمفهوم قوله هناك: وأرض للزراعة الخ. قوله: (عاد صحيحا) كذا في
الملتقى والغرر والاصلاح والمنح، واعترضه في الشرنبلالية بأن صحة العقد لا تتوقف على مضي الاجل
بعد الزراعة، بل إذا زرع ارتفعت الجهالة اه‍.
أقول: إنما ذكره ليفرع عليه قوله: فله المسمى فإنه لو بقي فاسدا وجب أجر المثل. قوله:
(وكذا لو لم يمض الاجل) أي يعود صحيحا، وهو إشارة إلى ما قدمناه عن الشرنبلالي، ومنشأ
الاعتراض زيادة قوله عاد صحيحا وإنما ذكره ثم اعترضه لان المصنف ذكر في تقرير شرح متنه فكان
مرادا له. وقد يدفع الاعتراض بأن عوده صحيحا بعد الزرع ومضي الاجل صحيح: أي بعد مجموع
هذين الشيئين فليس فيه ما يقتضي توقف عوده صحيحيا على مضي الاجل، فتأمل. قوله: (قبل تمام
العقد) أي قبل تمام مدته، وقول العناية: قبل تمام العقد بنقض الحاكم مما لا تقبله الفطرة السليمة فإنه
ينفسخ من الأصل بنقض الحاكم، فكيف يتم به وتمام الشئ من آثار بقائه. طوري. قوله:
(كقاضيخان) وعبارته: فإن زرعها فله ما سمى من الاجر لأنه عاد جائزا، وهذا استحسان لان
الإجارة تنعقد ساعة فساعة على حساب حدوث المنفعة، والفساد كان لأجل الجهالة، فإذا ارتفعت كان
الارتفاع في هذه الساعة كالارتفاع في وقت العقد فيعود جائزا. قوله: (فحمله المعتاد)
خرج غير المعتاد فيضمن إن هلك كما في الإتقاني. قوله: (لفساد الإجارة الخ) كذا في الدرر والمنح، والأولى قول
345

الهداية: لأن العين أمانة وإن كانت الإجارة فاسدة. قوله: (لما مر في الزراعة) أي من ارتفاع الجهالة قبل
تمام العقد، وظاهره أنها تنقلب صحيحة بمجرد حمل المعتاد قبل بلوغه إلى بغداد، وبه صرح الإتقاني،
وتقدم في كلام الشارح في باب ما يجوز من الإجارة حيث قال: ولو لم يبين من يركبها فسدت للجهالة
وتنقلب صحيحة بركوبها اه‍. وهو مخالف لما تقدم عن الهداية آنفا. تأمل. قوله: (فسخت) أي أبطلها
القاضي لأن العقد الفاسد يجب نقضه وإبطاله. ذخيرة. قوله: (دفعا للفساد) الأولى رفعا بالراء مكان
دفعا بالدال لان الفساد قائم يحتاج إلى الرفع لا غير قائم حتى يحتاج إلى الدفع فافهم، إتقاني. قوله:
(لقيامه بعد) أي في الحال ط. قوله: (والاجر والضمان لا يجتمعان) أي أجر ما بعد الجحود مع ضمان
الدابة لو هلكت بعد الجحود ح.
قلت: وأما أجر ما قبل الجحود فيجب وإن هلكت بعده، ولا يلزم اجتماعهما لاختلاف الجهة
كما مر نظيره. تأمل. قوله: (وعند محمد يجب المسمى) أي إن سلمت الدابة. قال المقدسي في شرح
الكنز: وأوجب محمد الاجر لأنه سلم من الاستعمال فسقط الضمان، كذا في التبيين وشروح المجمع.
وأنت خبير بأن المسألة السابقة ونظائرها تؤيد ما قال ح.
قلت: وفيه نظر، فإنه في المسألة السابقة غير غاصب لاقراره بالإجارة وانقلابها صحيحة بارتفاع
الجهالة كما مر.
مطلب: يجب الاجر في استعمال المعد للاستغلال ولو غير عقار
نعم ينبغي وجوب الاجر لو مدة للاستغلال فإنه لا يختص بالعقار كما وهم، وقد أفتى في
الحامدية بوجوب الاجر على مستعمل دابة المكاري مستندا للنقل كما سنذكره في الغصب، ومثله في
المرادية، فتنبه. قوله: (وفي الأشباه الخ) كلام مجمل، وبيانه ما في الولوالجية: رجل دفع ثوبا إلى قصار
ليقصره فجحده ثم جاء به مقصورا وأقر بذلك: إن قصره قبل الجحود له الاجر لان العمل وقع
لصاحب الثوب، وإن بعده لا لوقوع العمل للعامل لأنه غاصب بالجحود، ولو كان صباغا والمسألة
بحالها: إن صبغه قبل الجحود له الاجر، وإن بعده إن شاء رب الثوب أخذه وأعطاه قيمة ما زاد
الصبغ فيه، وإن شاء تركه وضمنه قيمته أبيض، ولو دفع غزلا إلى نساج والمسألة بحالها: إن نسجه
قبل الجحود له الاجر، وإن بعده لا أجر له والثوب للنساج وعليه قيمة الغزل، كما إذا كان حنطة
فطحنها. قوله: (إجارة المنفعة الخ) هذه أعم من قوله السابق أو أن يزرعها بزراعة أرض أخرى. قوله:
346

(كإجارة السكنى بالسكنى) أي سكنى دار بأخرى، فلو بحانوت يصح للاختلاف منفعة، وقيل لا
يصح. ومعاوضة البقر بالبقر في الأكداس لا تجوز لاتحاد الجنس، والبقر بالحمير يجوز لاختلاف
الجنس، جامع الفصولين، والكدس: بالضم: الحب المحصود المجموع. قاموس، وفي شرح
قاضيخان: وخدمة العبد والأمة جنس واحد، فإن خدم أحد هذين دون الآخر: في رواية: يجب أجر
المثل، وفي رواية: لا يجب شئ اه‍. وفي التاترخانية: إذا قوبلت المنفعة بجنسها واستوفى الآخر عليه
أجر المثل في ظاهر الرواية، وعليه الفتوى. قوله: (لما تقرر الخ) تقدم الكلام فيه، وعلل بعلة أخرى،
وهي أن عنده من ذلك الجنس ملكا والإجارة جوزت على خلاف الجنس للحاجة. قوله: (لفساد العقد)
الأولى أن يقول: بحكم عقد فاسد، ويكون الجار متعلقا باستيفاء ط. قوله: (جاز) لأنه أجير وحد
وشرطه بيان لا الوقت. قوله: (وإلا لا) أي والحطب للعامل ط. قوله: (فسد) قال في الهندية: ولو قال
هذا الحطب فالإجارة فاسدة والحطب للمستأجر وعليه أجر مثله اه‍. ط. قوله: (وبه يفتى. صيرفية) قال
فيها: إن ذكر اليوم فالعلف للآمر وإلا فللمأمور، وهذه رواية الحاوي، وبه يفتى. قال في المنح:
وهذا يوافق ما قدمناه عن المجتبى، ومن ثم عولنا عليه في المختصر. قوله: (لم يجز) لان هذا العمل من
الواجب عليها ديانة لان النبي (ص) قسم الأعمال بين فاطمة وعلي، فجعل عمل
الداخل على فاطمة وعمل الخارج على علي وأفاد المصنف آخر الباب أن استئجار المرأة للطبخ والخبز
وسائر أعمال البيت لا تنعقد ونقله عن المضمرات ط.
قلت: كأنه واجب عليها ديانة، ثم راجعت باب النفقة فرأيته علل به وزاد: ولو شريفة، لأنه
عليه الصلاة والسلام قسم الأعمال الخ، وهذا يدل على ما قدمناه من أن المفتى به عند المتأخرين في
الاستجئار على الطاعات ما نصوا عيه لا كل طاعة. قوله: (فلا أجر) لان منفعة السكنى تعود إليها،
ولان الزوج يخرج من الدار في بعض الأوقات، وعسى أن يكون عامة نهاره في السوق وتكون الدار
في يد المرأة. خانية. قوله: (قال قاضيخان) ذكره في شرحه على الجامع الصغير. وفي الزيادات له: ما
تقدم ذكره في فتاواه أفاده المصنف في المنح، وحيث ذكره في شرحه كان هو المعتمد، ولهذا قال
الشيخ شرف الدين: قوله لا أجر، أقول: هذا قول، والمفتى به وجوبه الخ. قوله: (لتبعيتها له في
347

السكنى) فلا تمنع من التخلية والتسليم. قوله: (والمدة) عبر في الذخيرة وغيرها بأو، فالواو هنا
بمعناها.
مطلب في استئجار الماء مع القناة واستئجار الآجام والحياض للسمك
قوله: (والنهر) هو مجرى الماء. قوله: (مع الماء) أي تبعا. قال في كتاب الشرب من البزازية: لم
تصح إجارة الشرب لوقوع الإجارة على استهلاك العين مقصودا، إلا إذا آجر أو باع مع الأرض فحينئذ
يجوز تبعا، ولو باع أرضا مع شرب أرض أخرى: عن ابن سلام أنه يجوز، ولو آجر أرضا مع شرب
أرض أخرى لا يجوز. وتمامه فيه (1).
مطلب: الإجارة إذا وقعت على العين لا تصح والحيلة فيه
وذكر هنا الإجارة إذا وقعت على العين لا تصح، فلا تجوز على استئجار الآجام والحياض لصيد
السمك أو رفع القصب وقطع الحطب أو لسقي أرضها أو لغنمه منها، وكذا إجارة المرعى. والحيلة في
الكل أن يستأجر موضعا معلوما لعطن الماشية ويبيح الماء والمرعى، وإنما يحتاج إلى إباحة ماء البئر
والعين إذا أتى الشرب على كل الماء، وإلا فلا حاجة إلى الاذن إذا لم يضر بحريم البئر أو النهر.
استأجر نهرا يابسا أو أرضا أو سطحا مدة معلومة ولم يقل شيئا صح، وله أن يجري فيه الماء اه‍.
مطلب في أجرة الدلال
تتمة: قال في التاترخانية: وفي الدلال والسمسار يجب أجر المثل، وما تواضعوا عليه أن في كل
عشرة دنانير كذا فذاك حرام عليهم. وفي الحاوي: سئل محمد بن سلمة عن أجرة السمسار، فقال:
أرجو أنه لا بأس به، وإن كان في الأصل فاسدا لكثرة التعامل، وكثير من هذا غير جائز فجوزوه
لحاجة الناس إليه كدخول الحمام. وعنه قال: رأيت ابن شجاع يقاطع نساجا ينسج له ثيابا في كل
سنة.
مطلب: أسكن المقرض في داره يجب أجر المثل
وفي الخانية: رجل استقرض دراهم وأسكن المقرض في داره، قالوا: يجب أجر المثل على
المقرض لان المستقرض إنما أسكنه في داره عوضا عن منفعة القرض لا مجانا، وكذا لو أخذ المقرض
من المستقرض حمارا ليستعمله إلى أن يرد عليه الدراهم اه‍. وهذه كثيرة الوقوع، والله تعالى أعلم.
باب ضمان الأجير
لما فرغ من ذكر أنواع الإجارة صحيحها وفاسدها شرع في بيان الضمان، لأنه من جملة العوارض
التي تترتب على عقد الإجارة فيحتاج إلى بيانها. كذا في غاية البيان، ولا يخفى أن معنى ضمان الأجير
إثباتا ونفيا، ولو لم يكن معناه ذلك بل إثبات الضمان فقط لزم أن لا يصح عنوان الباب على قول

(1) قوله: (وتمامه فيه الخ) قال شيخنا: والفرق بين البيع والإجارة ان الإجارة هي بيع المنافع فتكون واردة على استهلاك
العين فيه، بخلاف البيع فان المقصود منه تملك الأعيان والشرب عين يصح ايراد العقد عليه ا ه‍.
348

الامام أصلا لأنه لا ضمان عنده على أحد من الأجير المشترك والخاص. طوري.
مبحث للأجير المشترك
قوله: (فالأول الخ) قال في العناية: والسؤال عن وجه تقديم المشترك على الخاص دوري اه‍.
يعني لو قدم الخاص لتوجه السؤال عن سبب تقديمه على المشترك أيضا، لان لتقديم كل منهما على
الآخر وجها، أما المشترك فه بمنزلة العام بالنسبة إلى الخاص مع كثرة مباحثه، وأما الخاص فلانه
بمنزلة المفرد من المركب، لكن تقديم المشترك هنا أولى، لان الباب باب ضمان الأجير وذلك في
المشترك، فتأمل. فإن بما ذكر لم يظهر وجه اختيار تقديم المشترك كما لا يخفى وكان لا بد منه، سعدية.
قوله: (من يعمل لا لواحد) قال الزيلعي: معناه من لا يجب عليه أن يختص بواحد عمل غيره أو لم
يعمل، ولا يشترط أن يكون عاملا لغير واحد، بل إذا عمل لواحد أيضا فهو مشترك إذا كان بحيث لا
يمتنع ولا يتعذر عليه أن يعمل لغيره. قوله: (ونحوه) أتى به وإن أغنت عنه الكاف لئلا يتوهم أنها
استقصائية، فافهم. قال الطوري: وفي العتابية: المشترك الحمال والملاح والحائك والخياط والنداف
والصباغ والقصار والراعي والحجام والبزاغ البناء والحفار اه‍. قوله: (وسيتضح) أي في بحث الأجير
الخاص، لكنه هناك أحال تحقيقه على الدرر، وسنذكره إن شاء الله تعالى. قوله: (وفي جواهر الفتاوى
الخ) أراد به التنبيه على حكم الأجير المشترك والمعقود عليه، قال الزيلعي: وحكمهما: أي المشترك
والخاص أن المشترك له أن يتقبل العمل من أشخاص، لان المعقود عليه في حقه هو العمل أو أثره،
فكان له أن يتقبل من العامة لان منافعه لم تضر مستحقة لواحد، فمن هذا الوجه سمي مشتركا والخاص
لا يمكنه أن يعمل لغيره لان منافعه في المدة صارت مستحقة للمستأجر والاجر مقابل بالمنافع ولهذا
يبقى الاجر مستحقا وإن نقض العمل اه‍. قال أبو السعود: يعني وإن نقض عمل الأجير رجل،
بخلاف ما لو كان النقض منه فإنه يضمن كما سيأتي. قوله: (حتى يعمل) لان الإجارة عقد معاوضة
فتقتضي المساواة بينهما، فما لم يسلم المعقود عليه للمستأجر لا يسلم له العوض والمعقود عليه هو
العمل أو أثره على ما بينا فلا بد من العمل. زيلعي. والمراد لا يستحق الاجر مع قطع النظر عن أمور
خارجية، كما إذا عجل له ا لاجر أو شرط تعجيله كما في السعدية، وقدمناه أوائل كتاب الإجارة،
وتقدم هناك أنه لو طلب الاجر إذا فرغ وسلمه فهلك قبل تسليمه يسقط الاجر، وكذا كل من لعمله
أثر، وما لا أثر له كحمال له الاجر كما فرغ وإن لم يسلم. قوله: (مجتبى) عبارته: شارط قصارا على أن
يقصر له ثوبا مرويا بدرهم ورضي به، فلما رأى الثوب القصار قال: لا أرضى، فله ذلك، وكذا
349

الخياط، والأصل فيه أن كل عمل يختلف باختلاف المحل يثبت فيه خيارا الرؤية عند رؤية المحل، وما
لا فلا، كمن استأجر ليكيل له هذه الحنطة أو يحجم عبده فلما رأى محل العمل امتنع ليس له ذلك، ثم
قال: والأصل أن الاستئجار على عمل في محل هو عنده جائز، وما ليس عنده فلا، كبيع ما ليس
عنده (1) اه‍. منح. ومثله في البزازية قبيل الخامس. قوله: (ولا يضمن الخ) اعلم أن الهلاك إما بفعل
الأجير أو لا، والأول إما بالتعدي أو لا. والثاني إما أن يمكن الاحتراز عنه أولا، ففي الأول بقسميه
يضمن اتفاقا. وفي ثاني الثاني لا يضمن اتفاقا، وفي أوله لا يضمن عند الامام مطلقا، ويضمن عندهما
مطلقا، وأفتى المتأخرون بالصلح على نصف القيمة مطلقا، وقيل إن مصلحا لا يضمن، وإن غير
مصلح ضمن، وإن مستورا فالصلح اه‍. ح. والمراد بالاطلاق في الموضعين المصلح وغيره.
مطلب: يفتى بالقياس على قوله
وفي البدائع: لا يضمن عنده ما هلك بغير صنعه قبل العمل أو بعده لأنه أمانة في يده وهو
القياس. وقالا: يضمن إلا من حرق غالب أو لصوص مكابرين وهو استحسان اه‍. قال في الخيرية:
فهذه أربعة كلها مصححة مفتى بها، وما أحسن التفصيل الأخير، والأول: قول أبي حنيفة رحمه
الله تعالى. وقال بعضهم: قول أبي حنيفة قول عطاء وطاوس وهما من كبار التابعين، وقولهما قول عمر
وعلي، وبه يفتى احتشاما لعمر وعلي وصيانة لأموال الناس، والله أعلم اه‍. وفي التبيين: وبقولهما
يفتى لتغير أحوال الناس وبه يحصل صيانة أموالهم اه‍. لأنه إذا علم أنه لا يضمن ربما يدعى أنه سرق
أو ضاع من يده. وفي الخانية والمحيط والتتمة: الفتوى على قوله، فقد اختلف الافتاء، وقد سمعت ما
في الخيرية. وقال ابن ملك في شرح المجمع: وفي المحيط: الخلاف فيما إذا كانت الإجارة صحيحة،
فلو فاسدة لا يضمن اتفاقا، لأن العين حينئذ تكون أمانة لكون المعقود عليه وهو المنفعة مضمونة بأجر
المثل اه‍.
قلت: ومحل الخلاف أيضا فيما إذا كان الهالك محدثا فيه العمل كما في الجوهرة للحدادي أو لا
يستغنى عنه ما يحدث فيه العمل، لما في البدائع: روى هشام عن محمد فيمن دفع إلى رجل مصحفا
يعمل فيه ودفع الغلاف معه أو سكينا ليصقله ودفع الجفن معه، قال محمد: يضمن المصحف والغلاف
والسيف والجفن، لان المصحف والسيف لا يستغنيان عن الغلاف والجفن، فإن أعطاه مصحفا يعمل
له غلافا أو سكينا يعمل له نصابا فضاع المصحف أو السكين لم يضمنه لأنه لم يستأجره على أن يعمل
فيهما بل في غيرهما ه‍. قوله: (وبه جزم أصحاب المتون) كالوقاية والملتقى والغرر والاصلاح، فكلهم
صرحوا بعدم الضمان وإن شرطه. وأما القدوري والهداية والكنز والمجمع فأطلقوا عدم الضمان فيفهم
ذلك من كلامهم. قوله: (خلافا للأشباه) أي من أنه إن شرط ضمانه ضمن إجماعا ح. وهو منقول عن
الخلاصة، وعزاه ابن مالك للجامع. قوله: (وأفتى المتأخرون بالصلح) أي عملا بالقولين، ومعناه عمل
في كل نصف بقول حيث حط النصف وأوجب النصف. بزازية. قال في شرح الملتقى: قال

(1) قوله: (عنده) اي عند المستأجر ا ه‍ منه.
350

الزاهدي: على هذا أدركت مشايخنا بخوارزم، وأقره القهستاني اه‍. وفي جامع الفصولين: منهم شمس
الأئمة الأوزجندي وأئمة فرغانة. قوله: (وقيل إن الأجير مصلحا الخ) عزاه في جامع الفصولين إلى
فوائد صاحب المحيط. قوله: (وهل يجبر عليه) أي على الصلح. قوله: (حرر في تنوير البصائر نعم)
حيث قال: فإن قلت: كيف يصح الصلح جبرا؟ قلت: الإجارة عقد يجري فيها الجبر بقاء، ألا ترى
أن من استأجر دابة أو سفينة مدة معلومة وانقضت مدتها في وسط البرية أو في لحجة البحر فإنها تبقى
الإجارة بالجبر ولا يجري الجبر في ابتدائها، وهذه الحالة حالة البقاء فيجري فيها الجبر اه‍.
قلت: هذا السؤال والجواب مذكوران في البزازية بالحرف مع زيادة في الجواب، ذكرهما
صاحب البزازية بعد قوله: وبعضهم أفتوا بالصلح، ثم قال بعدهما: ولا يرد ما قاله في العون ربما لا
يقبلان: أي الأجير والمستأجر الصلح فاخترت قول الإمام، لما قلنا: إن الصلح مجاز عن الحط. ثم قال
في البزازية: وأئمة سمرقند أفتوا بجواز الصلح بلا جبر اه‍. فعلم أنهما قولان في الجبر وعدمه، بدليل
قوله: حط النصف وأوجب النصف، فإن الايجاب جبري والصلح فيه مجاز عن الحط كما علمت،
وهذا قول الأوزجندي وأئمة خوارزم وفرغانة كما مر، والثاني قول أئمة سمرقند، فما في المنح مما يفيد
أن الامام ظهير الدين رجع عن القول بالجبر لا يدل على أن القول به مهجور، إلا أن ينقل الرجوع عن
كل من قال به، فافهم. قوله: (تبقى الإجارة بالجبر) بيان لوجه الشبه الذي تضمنه الكاف ط. وبحث
فيه بعضهم بأنه قياس مع الفارق لتحقق الضرورة في المقيس عليه. قوله: (ويضمن ما هلك بعمله) أي
من غير قصد في قول علمائنا الثلاثة، ولا يستحق الأجرة لأنه ما أوفى بالمنفعة بل بالمضرة. بدائع.
وعمل أجيره مضاف إليه فيضمنه وإن لم يضمن الأجير لأنه أجير وحد له ما لم يتعد كما سيذكره آخر
الباب. قوله: (من دقه) أي بنفسه أو بأجيره، فلو استعان برب الثوب فتخرق ولم يعلم أنه من أي دق
فعلى قول الإمام ينبغي عدم الضمان للشك، وعن الثاني يضمن نصف النقصان، كما لو تمسك به
لاستيفاء الاجر فجذبه صاحبه فتخرق. حموي عن الظهيرية ملخصا. قال في التبيين: ثم صاحب
الثوب إن شاء ضمنه غير معمول ولم يعطه الاجر، وإن شاء ضمنه معمولا وأعطاه الاجر. ط ملخصا.
قوله: (وزلق الحمال) الظاهر أنه بالحاء المهملة، المراد الحمال على ظهره مثلا، أما بالجيم فعلى تقدير
مضاف: أي جمل الجمال. قال في شرحه على الملتقى: أي إذا لم يكن من زحمة الناس. فلو منها لم
يضمن خلافا لهما كما في شرح المجمع. قال: وكذا يضمن لو ساق المكاري دابته فعثرت فسقطت
الحمولة اه‍. وكذا يضمن بانقطاع الحبل الذي يشد به المكاري كما في الكنز والملتقى، ولو كان الحبل
لصاحب المتاع فانقطع لا يضمن. كذا في التاترخانية: وفي البدائع: وكذا يضمن الراعي المشترك إذا
ساق الدواب على السرعة فازدحمت على القنطرة أو الشط فدفع بعضها بعضا فسقطت في الماء أو عطبت
الدبة بسوقه أو ضربه ولو معتادا. قوله: (وغرق السفينة من مده) قيد بالمد، لأنها لو غرقت من ريح أو
موج أو شئ وقع عليها أو صدم جبل فهلك ما فيها لا يضمن في قول الإمام رحمه الله. قلت: ويجب
351

على المستأجر أجر ما سارت السفينة قبل الغرق بحسابه، وفروع المذهب تشهد لذلك اه‍. سري الدين
عن المجتبى، وهذا إنما يظهر إذا كان المستأجر معه، وإلا فلم يوجد تسليم، وقد سبق أنه لا أجر
للمشترك إلا به، فتأمل ط. قوله: (ونحوه) كالبزاغ والفصاد. قوله: (والفرق في الدرر وغيرها) حاصله
أن بقوة الثوب ورقته يعلم ما يتحمله من الدق بالاجتهاد فأمكن تقييده بالسلامة منه، بخلاف الفصد
ونحوه فإنه ينبني على قوة الطبع وضعفه، ولا يعرف ذلك بنفسه ولا ما يتحمل من الجرح فلا يمكن
تقييده بالسلامة فسقط اعتباره اه‍ ح. قوله: (على خلاف ما بحثه صدر الشريعة) حيث قال: ينبغي أن
يكون المراد بقوله: ما تلف بعمله عملا جاوز فيها لقدر المعتاد على ما يأتي في الحجام اه‍ ح. قوله:
(لكن قوى القهستاني) حيث قال: بل يضمن بعمله ما هلك من حيوان وغيره عملا غير مأذون فيه
كالدق المخرق للثوب كما في المحيط وغيره فهو غير معتاد بالضرورة، ولذا فسر المصنف: أي صدر
الشريعة العمل به، فمن الباطل ما ظن أنه بطل تفسير المصنف بما في الكافي في أن قوة الثوب ورقته
مثلا تعرف بالاجتهاد، فأمكن التقييد بالمصلح اه‍ ح.
أقول: ومقتضى كلامه أن كل عمل متلف يكون غير معتاد فلا يصح تقييد صدر الشريعة ما
تلف بعمله بقوله عملا غير معتاد، ويبقى مخالفا لما في الكافي المفيد أن العمل المتلف قد يكون معتادا.
هذا، الذي يظهر لي أنه لا منافاة بين كلامهم، وأن الكل يقولون إن المتلف للثوب غير معتاد،
ولكن لما كان نحو الحجام ضمانه مقيد بغير المعتاد دون المعتاد أرادوا التنبيه على أن نحو القصار غير
مقيد بهذا القيد ليفيدوا الفرق بينهما، ولكن الخروج عن المعتاد في نحو الثوب فلا يظهر لنا إلا
بالاتلاف، فحيث كان متلفا علم أنه غير معتاد فيضمن لتقصيره، فإن الماهر في صنعته يدرك المتلف،
بخلاف نحو الحجام فإن لعمله محلا مخصوصا، فإذا لم يتجاوزه لا يضمن، فإنه لا يمكن إدراكه بمهارته
فأنيط الضمان على مجاوزته المحل المخصوص، فظهر بهذا أن كل متلف في عمل نحو القصار خارج
عن المعتاد يدل عليه ما في البدائع، وهو أنه يمكنه التحرز بالاجتهاد بالنظر في آلة الدق ومحله وإرسال
المدقة على المحل على قدر ما يحتمله مع الحذاقة في العمل، وعند مراعاة هذه الشرائط لا يحصل
الفساد، فلما حصل دل أنه مقصر وهو في حقوق العباد ليس بعذر اه‍. فعلم أنه لا فرق بين الكلامين
وإن كان في التعبير مسامحة، فافهم. قوله: (فتنبه) لعله يشير إلى ما قلنا، والله أعلم. قوله: (هذا إذا لم
يكن الخ) الإشارة إلى الضمان المذكور في المتن ضمنا.
مطلب: ضمان الأجير المشترك مقيد بثلاث شرائط
وحاصل ما في الطوري عن المحيط أن ضمان المشترك ما تلف مقيد بثلاث شرائط: أن يكون
في قدرته رفع ذلك، فلو غرقت بموج أو ريح أو صدمة جبل لا يضمن، وأن يكون محل العمل
مسلما إليه بالتخلية، فلو رب المتاع أو وكيله في السفينة لا يضمن، وأن يكون المضمون مما يجوز أن
يضمن بالعقد فلا يضمن الآدمي كما يأتي. قوله: (إذا لم يتجاوز المعتاد) ولم يتعمد الفساد. شرنبلالية عن
352

الخانية. وكان بأمر يمكن التحرز عنه. أفاده المكي. ط. قوله: (وركبها الخ) وكذا إذا كان هو والمكاري
راكبين على الدابة أو سائقين وقائدين، لان المتاع في أيديهما فلم ينفرد الأجير باليد.
وروى بشر عن أبي يوسف: إذا سرق من رأس الحمال ورب المتاع يمشي معه لا ضمان، لأنه لم
يخل بينه وبين المتاع، وقالوا: إذا كان المتاع في سفينتين وصاحبه في إحداهما وهما مقرونتان أو لا إلا
أن سيرهما وحبسهما جميعا لا يضمن الملاح، وكذا القطار إذا كان عليه حمولة وربها على بعير أن المتاع
في يد صاحبه لأنه الحافظ له. بدائع. وفيه كلام يأتي قريبا. قوله: (وقدمنا) أي في كتاب الوديعة أراد
به التنبيه على أن المودع بأجر يخالف الأجير المشترك وإن شرط عليه الضمان، كان الأولى ذكره عند قول
المصنف: ولا يضمن الخ كما فعل الزيلعي. وذكر الفرق بأن المعقود عليه في الأجير المشترك هو
العمل والحفظ واجب تبعا، بخلاف المودع بأجر فإنه واجب عيه مقصودا ببدل.
أقول: وذكر المصنف في الوديعة أن اشتراط الضمان على الأمين باطل، به يفتى اه‍. وفي
البزازية: دفع إلى صاحب الحمام واستأجره وشرط عليه الضمان إذا تلف لا أثر له فيما عليه الفتوى،
لان الحمامي عند اشتراط الاجر للحفظ والثيابي كالأجير المشترك اه‍. قوله: (مطلقا) أي صغيرا أو كبيرا
على الصحيح كما في التبيين،، وقيل عدم الضمان إذا كان كبيرا يستمسك على الدابة ويركب وحده وإلا
فهو كالمتاع. ط عن المكي. قوله: (بل بالجناية) ولهذا يجب على العاقلة، وضمان العقود لا تتحمله
العاقلة. ابن كمال. قوله: (لاذنه فيه) أي من المستأجر أصيلا أو وليا لعبد أو صغير. قوله: (وإن انكسر
دن الخ) في البزازية عن المنتقى: حمل متاعا وصاحبه معه فعثر وسقط المتاع ضمن، لان عثاره جناية
يده. استأجر حمولة بعينها ورب المتاع معه فساق المكاري فعثرت الدابة ضمن عندنا لأنه أجير مشترك
أفسد بيده اه‍. ولينظر الفرق بينه وبين ما قدمناه عن البدائع، ولعله اختلاف رواية أو محمول على ما
إذا ساقها بعنف. تأمل. ثم رأيت صاحب الذخيرة فرق بين ما إذا كان صاحب المتاع راكبا عليها
فعثرت من سوق الأجير لا يضمن، وبين ما إذا كان يسير خلفها مع الأجير فيضمن. وتمامه فيها.
قوله: (في الطريق) قيد به لما في البدائع، وإن حمله إلى بيت صاحبه ثم أنزله الحمال من رأسه
وصاحب الزق فوقع من أيديهما ضمن، وهو قول محمد الأول، ثم رجع وقال: لا يضمن. قوله:
(بصنعه) يشمل ما لو زلقت رجله في الطريق أو غيره فسقط وفسد حمله. بدائع. قوله: (فلا ضمان)
لان المتاع أمانة عنده. قوله: (خلافا لهما) فيضمن قيمته في موضع الكسر بلا خيار كما في التبيين.
وفي البدائع: ولو زحمه الناس حتى فسد لم يضمن بالاجماع لأنه لا يمكنه حفظ نفسه عن ذلك فكان
بمعنى الحرق الغالب، ولو كان الحمال هو الذي زاحم الناس ضمن عند علمائنا الثلاثة اه‍. فتأمل.
353

قوله: (أي بيطار) فهو خاص بالبهائم. قوله: (لم يجاوز الموضع المعتاد) أي وكان بالاذن
. قال في الكافي: عبارة المختصر ناطقة بعدم التجاوز وساكتة عن الاذن، وعبارة الجامع الصغير
ناطقة بالاذن ساكتة عن التجاوز، فصار ما نطق به هذا بيانا لما سكت عنه الآخر، ويستفاد بمجموع
الروايتين اشتراط عدم التجاوز والاذن لعدم الضمان، حتى إذا عدم أحدهما أو كلاهما يجب الضمان
انتهى. طوري. وعليه ما يأتي عن العمادية. قوله: (فلو قطع الختان الحشفة) أي كلها. قال في
الشرنبلالية: وبقطع بضعها يجب حكومة عدل كما ذكره الإتقاني. قوله: (دية كاملة) قال الزيلعي: هذا
من أعجب المسائل حيث وجب الأكثر بالبرء والأقل بالهلاك. قوله: (تجب دية الحر) أي لو كان الغلام
حرا وقيمة العبد لو كان عبدا. قال ح: لان فعله غير مأذون فيه حيث لم يعتبر إذنهما للحجر عليهما
في الأقوال. قوله: (لأنه خطأ) أي من القتل خطأ إذا لم يتعمد قتله، والدليل عليه عدم مجاوزة الفعل
المعتاد ط. قوله: (قال يجب القصاص) لأنه قتله بمحدد ط: أي وهو قاصد لقتله فكان عمدا. قوله:
(ويسمى أجير واحد) بالإضافة خلاف المشترك من الوحد بمعنى الوحيد، ومعناه أجير المستأجر
الواحد، وفي معناه الأجير الخاص، ولو حرك الحاء يصح لأنه يقال رجل وحد بفتحتين: أي منفرد
مغرب، وظاهره أنه لا فرق بينهما، وسنذكر ما يفيد أن بينهما عموما مطلقا. قوله: (وهو من يعمل)
صوابه إسقاط العاطف لأنه خبر المتبدأ ح.
مبحث: الأجير الخاص
قوله: (لواحد) أي لمعين واحدا أو أكثر. قال القهستاني: لو استأجر رجلان أو ثلاثة رجلا لرعي
غنم لهما أو لهم خاصة كان أجيرا خاصا كما في المحيط وغيره اه‍. فخرج من له أن يعمل لغير من
استأجره أو لا. قوله: (عملا مؤقتا) خرج من يعمل لواحد من غير توقيت كالخياط إذا عمل لواحد ولم
يذكر مدة ح. قوله: (بالتخصيص) خرج نحو الراعي إذا عمل لواحد عملا مؤقتا من غير أن يشرط
عليه عدم العمل لغيره. قال ط: وفيه أنه إذا استؤجر شهرا لرعي الغنم كان خاصا وإن لم يذكر
التخصيص، فلعل المراد بالتخصيص أن لا يذكر عموما، سواء ذكر التخصيص أو أهمله، فإن الخاص
يصير مشتركا بذكر التعميم كما يأتي في عبارة الدرر. قوله: (وإن لم يعمل) أي إذا تمكن من العمل، فلو
354

سلم نفسه ولم يتمكن منه لعذر كمطر ونحوه لا أجر له كما في المعراج عن الذخيرة. قوله: (للخدمة)
أي لخدمة المستأجر وزوجته وأولاده ووظيفته الخدمة المعتادة من السحر إلى أن تنام الناس بعد
العشاء الأخيرة وأكله على المؤجر، فلو شرط على المستأجر كعلف الدابة فسد العقد، كذا في كثير من الكتب،
لكن قال الفقيه: في زماننا العبد يأكل من مال المستأجر. حموي عن الظهيرية والخانية. وتقدم ما فيه
ط: أي أول الباب السابق. قوله: (أو لرعي الغنم المسمى) كذا قيده في الدرر والتبيين. وقد ذكر
المصنف في الباب السابق: لو استأجر خبازا ليخبز له كذا اليوم بدرهم فسد عند الامام لجمعه بين
العمل والوقت فيخالف ما هنا، ولذا قال الشرنبلالي: إذا وقع العقد على هذا الترتيب كان فاسدا كما
قدمناه، وصحته أن يلي ذكر المدة الاجر اه‍.
قلت: وقدمنا هناك ما يقتضي وجوب حذف قوله المسمى، فراجعه. قوله: (وتحقيقه في الدرر)
ونصه: اعلم أن الأجير للخدمة أو لرعي الغنم إنما يكون أجيرا خاصا إذا شرط عليه أن لا يخدم غيره
أو لا يرعى لغيره أو ذكر المدة أو لا، نحو أن يستأجر راعيا شهرا ليرعى له غنما مسماة بأجر معلوم
فإنه أجير خاص بأول الكلام.
أقول: سره أنه أوقع الكلام على المدة في أوله فتكون منافعه للمستأجر في تلك المدة فيمتنع أن
تكون لغيره فيها أيضا، وقوله بعد ذلك لترعى الغنم يحتمل أن يكون لايقاع العقد على العمل فيصير
أجيرا مشتركا لأنه من يقع عقده على العمل، وأن يكون لبيان نوع العمل الواجب على الأجير الخاص
في المدة، فإن الإجارة على المدة لا تصح في الأجير الخاص ما لم يبين نوع العمل، بأن يقول
استأجرتك شهرا للخدمة أو للحصاد فلا يتغير حكم الأول بالاحتمال فيبقى أجير واحد ما لم ينص على
خلافه بأن يقول على أن ترعى غنم غيري مع غنمي، وهذا ظاهر، أو أخر المدة بأن استأجره ليرعى
غنما مسماة له بأجر معلوم شهرا، فحينئذ يكون أجيرا مشتركا بأول الكلام لايقاع العقد على العمل في
أوله، وقوله شهرا في آخر الكلام يحتمل أن يكون لايقاع العقد على المدة فيصير أجير واحد، ويحتمل
أن يكون لتقدير العمل الذي وقع العقد عليه فلا يتغير أول كلامه بالاحتمال ما لم يكن بخلافه اه‍.
مطلب: ليس للأجير الخاص أن يصلي النافلة
قوله: (وليس للخاص أن يعمل لغيره) بل ولا أن يصلي النافلة. قال في التاترخانية: وفي فتاوى
الفضلي وإذا استأجر رجلا يوما يعمل كذا فعليه أن يعمل ذلك العمل إلى تمام المدة ولا يشتغل بشئ
آخر سوى المكتوبة. وفي فتاوى سمرقند: وقد قال بعض مشايخنا: له أن يؤدي السنة أيضا. واتفقوا
أنه لا يؤدي نفلا، وعليه الفتوى. وفي غريب الرواية قال أبو علي الدقاق: لا يمنع في المصر من
إتيان الجمعة، ويسقط من الاجر بقدر اشتغاله إن كان بعيدا، وإن قريبا لم يحط بشئ، فإن كان بعيدا
واشتغل قدر ربع النهار يحط عنه ربع الأجرة. قوله: (ولو عمل نقص من أجرته الخ) قال في
التاترخانية: نجار استؤجر إلى الليل فعمل لآخر دواة بدرهم وهو يعلم فهو آثم، وإن لم يعلم فلا شئ
355

عليه وينقص من أجر النجار بقدر ما عمل في الدواة. قوله: (وظاهر التعليل الخ) أي فقول الجوهرة:
ما دام يرعى منها شيئا لا مفهوم له. ورأيت بخط بعض الفضلاء أن مراد الجوهرة تحقيق تسليم نفسه
بذلك لا شرط استحقاق الاجر كما فهم المصنف والمتون، والتعليل يفيده اه‍. وهو حسن. قوله: (وبه
صرح في العمادية) وهو الموافق لتصريح المتون بأنه يستحق الاجر بتسليم نفسه في المدة وإن لم يعمل.
فرع: أراد رب الغنم أن يزيد فيها ما يطيق الراعي له ذلك لو خاصا، لأنه في حق الرعي بمنزلة
العبد، وله أن يكلف عبده من الرعي ما يطيق. تاترخانية. قوله: (ولا يضمن ما هلك في يده) أي بغير
صنعه بالاجماع، وقوله أو بعمله: أي المأذون فيه، فإن أمره بعمل فعمل غيره ضمن ما تولد منه.
تاترخانية. وفيها: وإذا ساق الراعي الغنم فنطح أو وطئ بعضها بعضا من سوقه، فإن كان الراعي
مشتركا ضمن على كل حال، وكذا لو كانت لقوم شتى وهو أجير أحدهم. وإن كان خاصا: فإن
كانت الأغنام لواحد لا ضمان، وإن لاثنين أو ثلاثة ضمن. وصورة الأجير الخاص في حق الاثنين أو
الثلاثة أن يستأجر رجلان أو ثلاثة راعيا شهرا ليرعى غنما لهما أو لهم اه‍. وقال في الذخيرة: فقد
فرق في الأجير الخاص بين أن يكون لواحد أو لغير واحد، يحفظ هذا جدا اه‍.
قلت: ومفاده أن بين الخاص والواحد عموما مطلقا كما قدمناه. وفي جامع الفصولين: ولا
يضمن لو هلك شئ في سقي أو رعي، ولو ذبحها الراعي أو الأجنبي، ضمن لو رجا حياتها أو أشكل
أمرها، ولو تيقن موتها لا للاذن دلالة هو الصحيح، ولا يذبح الحمار ولا البغل إذ لا يصلح لحمهما
ولا الفرس عنده لكراهته تحريما، ولو قال ذبحتها لمرضها لم يصدق إن كذبه لاقراره بسبب الضمان
ويصدق في الهلاك وإن شرط أن يأتيه بسمة ما هلك اه‍ ملخصا: أي يصدق بيمينه كما في الجوهرة.
قوله: (كالمودع) أي إذا تعمد الفساد فإنه يضمن ط. قوله: (لكونها أجير وحد) قال أبو السعود:
الحاصل أن المسائل في الظئر تعارضت، فمنها ما يدل على أنها في معنى أجير الوحد كقولهم بعدم
الضمان في هذه، ومنها ما يدل على أنها في معنى المشترك كقولهم إنها تستحق الاجر على الفريقين إذا
أجرت نفسها لهما. قال الإتقاني: والصحيح أنه إن دفع الولد إليها لترضعه فهي أجير مشترك، وإن
حملها إلى منزله فهي أجير وحد اه‍. ملخصا ط.
مطلب في الحارس والخاناتي
قوله: (وكذا لا ضمان على حارس السوق وحافظ الخان (1)) قال في جامع الفصولين: استؤجر

(1) وما على الحارس شئ لو نقب * في السوق حانوت على ما قد كتب
وليس يضمن الذي منه سرق * إذ بالأجير الخاص ذاك يلتحق
ا ه‍ من المنظومة المحبية.
356

رجل لحفظ خان أو حوانيت فضاع منها شئ: قيل ضمن عند أبي يوسف ومحمد لو ضاع من خارج
الحجرة لأنه أجير مشترك، وقيل: لا في الصحيح، وبه يفتى لأنه أجير خاص، ألا ترى أنه لو أراد أن
يشغل نفسه في صنع آخر لم يكن له ذلك، ولو ضاع من داخلها بأن نقب اللص فلا يضمن الحارس
في الأصح، إذ الأموال المحفوظة في البيوت في يد مالكها وحارس السوق على هذا الخلاف اه‍. وكذا
في 24 من الذخيرة. قال في الحامدية: ويظهر من هذا أنه إذا كسر قفل الدكان وأخذ المتاع يضمن
الحارس اه‍.
قلت: إنما يظهر هذا على القول بأنه أجير مشتر ك، أما على القول بأنه خاص فلا، لما سمعت
من المفتى به. نعم يشكل ما مر آنفا عن التاترخانية والذخيرة في الراعي لو كان خاصا لأكثر من واحد
يضمن، فليتأمل، اللهم إلا أن يقال: إذا (1) كسر القفل يكون بنومه أو غيبته فهو مفرط فيضمن. وفي
الخلاصة: ولو استأجره واحد من أهل السوق فكأنهم استأجروه، ولكن هذا إن كان ذلك الواحد
رئيسهم ويحل له الأجرة. وفي المحيط: ولو كرهوا ولم يرضوا فكراهتهم باطلة. قوله: (وصح ترديد
الاجر) قيد إتقاني، إذ لا فرق بين ترديده ونفيه لما في المحيط: إن خطته اليوم فلك درهم، وإن غدا
فلا أجر لك. قال محمد: إن خاطه في الأول فله درهم، وإن في الثاني فأجر المثل لا يزاد على درهم
في قولهم جميعا. طوري. قوله: (في الأول) متعلق بقوله: وصح. قوله: (ملحقا) قال الرملي: ليس
في متنه وكتبه في الشرح بالأحمر ملحقا على هامشه. قوله: (ولم يشرحه) نعم لم يشرحه عقبه بل شرحه
بعد قوله: والحمل وأطال فيه. ونقل عبارته المحشي، وكأن الشارح لم ينظر تمام كلامه. قوله:
(وسيتضح) أي حكمه بعد أسطر، وبه يستغنى عن قوله: قال شيخنا الخ كما قاله ح. قوله: (وكذا
لو خيره بين ثلاثة) أي من هذه المسائل كلها ط. قوله: (كما في البيع) قيد للثلاثة والأربعة، والجامع
دفع الحاجة، وانظر ما في العزمية. قوله: (إلا في تخيير الزمان الخ) تقدم مثاله، لأن العقد المضاف إلى
الغد لم يثبت في اليوم فلم يجتمع في اليوم تسميتان فلم يكن الاجر مجهولا في اليوم والمضاف إلى اليوم
يبقى إلى الغد، فيجتمع في الغد تسميتان درهم ونصف درهم، فيكون الاجر مجهولا وهي تمنع جواز
العقد. درر. وهذا مذهب الامام. وعندهما: الشرطان جائزان. وعند زفر: فاسدان. وتمامه في
المنح. قوله: (لا يزاد على درهم) أي ولا ينقص عن نصف، وهذا يدل على أنه قد يزاد على نصف درهم.

(1) قوله: (اللهم الا ان يقال إذا الخ) جواب عن معاوضة ما في الحامدية لما عليه الفتوى من عدم ضمان الخاص.
ومحصل الجواب ان قولهم الأجير الخاص لا يضمن مقيد بما إذا لم ظهر تفريطه. وعبارة الحامدية محمولة على ما
إذا ظهر تفريطه ا ه‍.
357

وروي عن أبي حنيفة أنه لا يزاد على نصف درهم لأنه المسمى صريحا، فعنه روايتان. وجه ظاهر
الراوية أنه اجتمع في الغد تسميتان، فتعتبر الأولى لمنع الزيادة عليها، والثانية لمنع النقصان عملا بهما،
وهذا أولى من الترجيح بالمصرح. كفاية ملخصا. وصحح الزيلعي الرواية الثانية، ومثله في الايضاح
وذكر أنها رواية الأصل. قوله: (وفيه خلافهما) قال الزيلعي: ولو خاطه بعد غد فالصحيح أنه لا
يجاوز به نصف درهم عند أبي حنيفة لأنه لم يرض بتأخيره إلى الغد بأكثر من نصف درهم، فأولى أن لا
يرضى إلى ما بعد الغد، والصحيح على قولهما أنه ينقص من نصف درهم ولا يزاد عليه. قوله: (أو
كانونا) هو المناسب لذكر الاحتراق. أفاده ح. قوله: (لا ضمان عليه) لان هذا انتفاع بظاهر الدار على
وجه لا يغير هيئة الباقي إلى النقصان، بخلاف الحفر لأنه تصرف في الرقبة، وبخلاف البناء لأنه
يوجب تغير الباقي إلى النقصان. جامع الفصولين. قوله: (إن علم أنه لا يجده) الظاهر أن المراد به غلبة
الظن، وظاهر هذا الصنيع أنه يصدق في دعواه أنه لا يجده ط.
قلت: وفي البزازية: دفع إلى المشترك ثورا للرعي فقال: لا أدري أين ذهب الثور، فهو إقرار
بالتضييع في زماننا. قوله: (بعد الطلب) أي في حوالي مكان ضل فيه، ولو ذهب وهو يراه ولم يمنعه
ضمن، يريد به لو غاب عن بصره لتقصيره في حفظه لعدم المنع، وعلى هذا لو جاء به إلى الخباز
واشتغل بشراء الخبز فضاع لو غاب عن بصره ضمن، وإلا فلا. خلاصة. وفي الخانية: إذا غيبها عن
نظره لا يكون حافظا لها وإن ربطها بشئ. قوله: (فلا يضمن) أي إجماعا لو خاصا، ولو مشتركا
فكذلك عنده. منح. قوله: (ضمن) لأنه ترك الحفظ بعذر يمكن الاحتراز عنه. قال في الذخيرة
: ورأيت في بعض النسخ: لا ضمان عليه فيما ندت إذا لم يجد من يبعثه لردها أو يبعثه ليخبر صاحبها
بذلك، وكذا لو تفرقت فرقا ولم يقدر على اتباع الكل لأنه ترك الحفظ لعذر، وعندهما: يضمن اه‍.
قال في البزازية: لأنه تعذر طمعا في الاجر الوافر بتقبل الكثير. قوله: (يوم الخلط) لأنه يوم الاستهلاك.
قوله: (ولا يسافر بعبد) أي بل يخدمه في المصر وقراه فيما دون السفر. ط عن البزازية قوله: (لمشقته)
أي لمشقة السفر، ولان مؤنة الرد على المولى ويلحقه ضرر بذلك فلا يملكه إلا بإذنه. زيلعي. قوله: (إلا
بشرط) أو يرضى به بعده ط. قوله: (لان الشرط أملك) أي أشد ملكا وأدخل في الاتباع فهو أفعل
358

تفضيل من المبني للفاعل أو المفعول: أي أشد مالكية أو مملوكية بالنظر لمن اشترطه أو لمن اشترط عليه
ط. قوله: (عليك) متعلق بمحذوف حال من الضمير في أملك ط. قوله: (أم لك) فيه الجناس التام
اللفظي كقوله:
إذا ملك لم يكن ذا هبه * فدعه فدولته ذاهبه
قوله: (وكذا لو عرف بالسفر) أي وكا متهيئا له كما في التبيين. قوله: (بخلاف العبد الموصى
بخدمته) مثله المصالح على خدمته. ط عن سري الدين. قوله: (مطلقا) أي سواء شرط السفر به أم لا.
منح. قوله: (لان الاجر والضمان لا يجتمعان) أي في حالة واحدة، فلو أوجبنا الاجر عند السلامة
وأوجبنا الضمان عند الهلاك في سفره لاجتمعا في حالة واحدة وهي حالة السفر ط. قوله: (من عبد أو
صبي) أي آجر نفسه بلا إذن مولى أو ولي. قوله: (أجرا) مفعول يسترد، والمراد به أجر المثل في
الصورتين كما في التبيين عن النهاية. قوله: (لعودها بعد الفراغ صحيحة) لأنه محجور عن التصرف
الضار لا النافع، ولذا جاز قبول الهدية بلا إذن وجواز الإجارة بعد ما سلم من العمل تمحض نفعا
لحصول الاجر بلا ضرر فصح قبضه الأجرة لأنه العاقد فلا يملك المستأجر الاسترداد. زيلعي ملخصا.
قال ط: وهذا التعليل يقتضي لزوم المسمى اه‍. وإذا هلك المحجور من العمل: إن كان صبيا فعلى
عاقلة المستأجر ديته وعليه الاجر فيما عمل قبل الهلاك، وإن كان عبدا فعليه قيمته ولا أجر عليه فيما
عمل له، لأنه إذا ضمن قيمته صار مالكا له من وقت الاستعمال فيصير مستوفيا منفعة عبد نفسه.
كفاية ملخصا.
قال الزيلعي: فإن أعتقه المولى في نصف المدة نفذت الإجارة ولا خيار للعبد، فأجر ما مضى
للمولى وما يستقبل للعبد، وإن آجره المولى ثم أعتقه في نصف المدة فللعبد الخيار: فإن فسخ الإجارة
فأجر ما مضى للمولى، وإن أجاز فأجر ما يستقبل للعبد والقبض للمولى لأنه هو العاقد اه‍. قوله:
(استحسانا) والقياس له أن يأخذه، لان عقد المحجور عليه لا يجوز فيبقى على ملك المستأجر لأنه
بالاستعمال صار غاصبا له. زيلعي. قوله: (ولا يضمن غاصب عبد الخ) أي إذا غصب رجل
عبدا فآجر العبد نفسه فأخذ الغاصب الأجرة من يد العبد فأكلها لا ضمان عليه. زيلعي. قوله: (لعدم تقومه)
لأنه غير محرز، لان الاحراز إنما يثبت بيد حافظة كيد الملك أو نائبه ويد المالك لم تثبت عليه ويد العبد
ليست يد المولى، لان العبد في يد الغاصب حتى كان مضمونا عليه، ولا يحرز نفسه عن الغاصب
فكيف يكون محرزا ما في يده. كفاية. قوله: (عند أبي حنيفة) وقالا: عليه ضمانه لأنه أتلف مال الغير
بغير إذنه من غير تأويل. قوله: (وجاز للعبد قبضها) أي الأجرة الحاصلة من إيجاره نفسه اتفاقا لأنه نفع
359

محض مأذون فيه كقبول الهدية. وفائدته تظهر في حق خروج المستأجر عن عهدة الأجرة بالأداء إليه.
درر. قال الطوري: وهذه مكررة مع قوله: زولا يسترد مستأجر الخ لأنه أفاد صحة القبض ومنع
الاخذ، فتأمل. قوله: (لأنه العاقد) أي لان المولى. كذا تفيده عبارة العناية، فلبس عله لقوله: وجاز
للعبد قبضها لو آجر نفسه وإن كان صالحا لها، وانظر ما لو آجره الغاصب هل يملك العبد القبض؟
ومفاد التعليل أنه لا يجوز قبضه ط. قوله: (أخذها) لأنه وجد عين ماله. ابن كمال. قوله: (كمسروق
بعد القطع) فإنه لم يبق متقوما، حتى لا يضمن بالاتلاف ويبقى الملك فيه حتى يأخذه المالك. زيلعي.
قوله: (صح على الترتيب) لأنه إن لم ينصرف الشهر المذكور أولا إلى ما يلي العقد لكان الداخل في
العقد شهرا منكرا من شهور عمره، وهذا فاسد، فلا بد من صرفه إلى ما يلي العقد تحريا لجوازه،
وكذلك الاقدام على الإجارة دليل تنجز الحاجة إلى تملك منفعة العبد فوجب صرف الشهر المذكور أولا
إلى ما يليه قضاء للحاجة الناجزة. كفاية.
مبحث: اختلاف المؤجر والمستأجر
قوله: (في إباق العبد أو مرضه) كأن قال المستأجر في آخر الشهر أبق أو مرض في المدة وأنكر المولى ذلك أو أنكر
إسناده إلى أول المدة فقال: أصابه قبل أن يأتيني بساعة. زيلعي. قوله: (فيكون
القول قول من يشهد له الحال) لان وجوده في الحال يدل على وجوده في الماضي فيصلح الظاهر
مرجحا وإن لم يصلح حجة، لكن إن كان يشهد للمؤجر ففيه إشكال من حيث إنه يستحق الأجرة
بالظاهر وهو لا يصلح للاستحقاق، وجوابه أنه يستحقه بالسبب السابق وهو العقد، وإنما الظاهر
يشهد على بقائه إلى ذلك الوقت. زيلعي. ملخصا. قوله: (فالقول قول من في يد الثمر) هذا إنما يظهر
إذا كان الثمر باقيا، فأما إذا كان هالكا أو مستهلكا فلم يتكلم عليه، والظاهر أنه ينظر ليد من هلك
عنده أو استهلك، ويحرر ط. قوله: (فالقول للمستأجر) لانكاره ضمان الزائد. قوله: (ولو في نفسه) أي
نفس الانقطاع، وهو من تتمة ما في الخلاصة ويغني عنه ما في المتن. قوله: (والقول قول رب الثوب
الخ) بأن قال أمرتك أن تعمله قباء. وقال الخياط: قميصا أو أن تصبغه أحمر وقال الصباغ أصفر أو أن
تعمله لي بغير أجر وقال: بل بأجر فالقول لرب الثوب، لان الاذن يستفاد من جهته فكان أعلم
بكيفيته، ولأنه ينكر تقوم عمله ووجوب الاجر عليه. زيلعي ملخصا. قوله: (بيمينه) فإذا حلف في
الصورة الأولى: إن شاء ضمنه قيمة الثوب غير معمول ولا أجر له، وإن شاء أخذه وأعطاه أجر مثله
360

لا يتجاوز به المسمى لأنه امتثل أمره في أصل ما أمر به وهو القطع والخياطة، لكن خالفه في الصفة
فيختار أيهما شاء، وفي الثانية: إن شاء ضمنه قيمة ثوب أبيض، وإن شاء أخذ ثوبه وأعطاه أجر مثله
لا يجاوز به المسمى أيضا. درر. قوله: (معاملا له) قال في العناية: بأن تكررت تلك المعاملة بينهما
بأجر. وفي التبيين: بأن كان يدفع إليه شيئا للعمل ويقاطعه عليه. قوله: (بشهادة الظاهر) لأنه لما فتح
الدكان لأجله جرى ذلك مجرى التنصيص عليه اعتبارا لظاهر المعتاد. زيلعي. قوله: (فيتحالفان) ويبدأ
بيمين المستأجر لان كلا تتمة: يدعي عقدا والآجر ينكره، فأحدهما يدعي هبة العمل والآخر بيعه. اختيار
قال في الخانية: استأجر شيئا فلم يتصرف به حتى اختلفا فقال المستأجر: الاجر خمسة
دراهم، وقال المؤجر: عشرة يتحالفان، وأي نكل لزمه ويبدأ بيمين المستأجر، فإذا تحالفا فسخ القاضي
العبد وأي برهن يقبل، وإن برهنا يقضى ببينة المؤجر لأنه يثبت حق نفسه، وكذا لو اختلفا في مدة أو
مسافة، إلا أنه يبدأ فيهما بيمين المؤجر وأي برهن يقبل، ولو برهنا يقضي ببينة المستأجر، ولو قال
المستأجر: آجرتني شهرين بعشرة وقال الآخر بل شهرا واحدا بعشرة فأيهما برهن يقبل، ولو برهنا فبينة
المستأجر ولو اختلفا في أجر ومدة جميعا أو في أجر ومسافة جميعا يتحالفان فتفسخ الإجارة وأي برهن
يقبل، ولو برهنا يقضي بهما جميعا فيقضي بزيادة الاجر ببينة المؤجر وبزيادة المدة أو المسافة ببينة
المستأجر وأي بدأ بالدعوى يحلف صاحبه أولا، ولو اختلفا في هذه الوجوه بعد مضي مدة الإجارة
عند المستأجر أو بعدما وصل المقصد فالقول للمستأجر بيمينه ولا يتحالفان إجماعا، ولو اختلفا في
الاجر بعد مضي بعض المدة أو بعد ما سار بعض الطريق يتحالفان فتفسخ فيما بقي والقول للمستأجر
في حصة الماضي اه‍. قوله: (يضمنه أستاذه) لأنه عمل بإذنه ولا يضمن هو لأنه أجير واحد لأستاذه
يستحق الاجر بتسليم نفسه في المدة كما قدمناه. قوله: (ادعى نازل الخان الخ) قال في التاترخانية: بناء
على أن الخان غالبا يكون معدا للكراء فسكناه رضا بالاجر. وبعض المشايخ قالوا: الفتوى على لزوم
الاجر، إلا إذا عرف بخلافه بأن صرح أنه نزل بطريق الغصب، أو معروفا بالظلم مشهورا بالنزول،
في مساكن الناس، لا بطريق الإجارة اه‍.
أقول: والظاهر أن هذا مبني على قول المتقدمين بأن منافع الغصب غير مضمونة مطلقا، أما
على ما أفتى به المتأخرون من ضمان المعد للاستغلال ومال الوقف واليتيم فالاجر لازم، ادعى الغصب
أو لا عرف به أولا. تأمل. قوله: (وساكن المعد للاستغلال) عطف عام على خاص. قوله: (والاجر
361

واجب) أي أجر المثل ط. قوله: (كالخراج) أي الموظف لاخراج المقاسمة وهو ظاهر ح. قوله: (على
المعتمد) مخالف لما في حواشي الأشباه عن الوالوالجية من أن ما وجب من الأجرة قبل الاصطلام لا
يسقط، وما وجب بعده يسقط ولا يؤخذ بالخراج، لان سبب وجوبه ملك أرض نامية حولا كاملا
حقيقة أو اعتبارا، والاعتماد على هذه الرواية. قوله: (وسقط ما بعده) لكن هذا إذا بقي بعد هلاك
الزرع مدة لا يتمكن من إعادة الزراعة، فإن تمكن من إعادة مثل الأول أو دونه في الضرر يجب
الاجر. قال في البزازية عن المحيط: وعليه الفتوى، ومثله في الذخيرة والخانية والخلاصة
والتاترخانية. والظاهر أن التقييد بإعادة مثل الأول أو دونه مفروض فيما إذا استأجرها على أن يزرع
نوعا خاصا، أما لو قال: على أن أزرع فيها ما أشاء فلا يتقيد، فإن التعميم صحيح كما مر تأمل. قوله:
(وهو ما اعتمده في الولوالجية) قدمنا آنفا حاصل عبارته عن حواشي الأشباه. قوله: (لكن جزم في
الخانية الخ) ما ذكره في الخانية ذكره في الولوالجية أيضا واعتمد خلافه كما سمعت، على أنه في الخانية
ذكر التفصيل المار، وقال: وهو المختار للفتوى فكيف يكون جازما بخلافه؟ وقد علمت التصريح بأن
عليه الفتوى عن عدة كتب. قوله: (لزم الاجر) أي بتمامه، والله تعالى أعلم.
باب فسخ الإجارة
تأخر هذا الباب ظاهر المناسبة، لان الفسخ بعد الوجود. معراج. قوله: (تفسخ) إنما قال:
تفسخ لأنه اختار قول عامة المشايخ وهو عدم انفساخ العقد بالعذر وهو الصحيح، نص عليه في
الذخيرة، وإنما لم ينفسخ لا لامكان الانتفاع بوجه آخر، لأنه غير لازم، بل لان المنافع فاتت على وجه
يتصور عودها. ذكره في الهداية. ابن كمال.
وفي الفتاوى الصغرى والتتمة: إذا سقط حائط أو انهدم بيت من الدار للمستأجر الفسخ ولا
يملكه بغيبة المالك بالاجماع، وإن انهدمت الدار كلها فله الفسخ من غير حضرته، لكن لا تنفسخ ما لم
يفسخ لان الانتفاع بالعرصة ممكن.
وفي إجارات شمس الأئمة: إذا انهدمت كلها فالصحيح أنه لا تنفسخ لكن سقط الاجر فسخ
أو لا. إتقاني. وقدمناه قبيل الإجارات الفاسدة. قوله: (بالقضاء أو الرضا) ظاهره أنه شرط (1) في خيار
الشرط والرؤية والعيب والعذر لأنه ربطه بالكل، وفيه كلام سيأتي قريبا. قوله: (بخيار شرط الخ) أي

(1) قوله: (ظاهره انه شرط) هذا انما يظهر على ما في بعض النسخ من حذف الواو الداخلة على بخيار، اما على ما بأيدينا
مما ثبت فيها للواو فلا كما لا يخفى ا ه‍.
362

قبل انقضاء الأيام الثلاثة، فلو استأجر دكانا شهرا على أنه بالخيار ثلاثة أيام يفسخ فيها، فلو فسخ في
الثالث (1) منها لم يجب أجر اليومين، لان ابتداء المدة من وقت سقوط الخيار، وفيه إشعار (2) بأنه لا
يشترط حضور صاحبه ولا علمه خلافا للطرفين، والأول أصح. وقيل للمفتي الخيار في ذلك كما في
المضمرات. قهستاني. وهذا خلاف ما أشهر به كلام الشارح. قوله: (ورؤية) فلو استأجر قطعات من
الأرض صفقة واحدة ثم رأى بعضها فله فسخ الإجارة في الكل، وفيه إشعار بأنه لا يشترط في هذا
الفسخ القضاء ولا الرضا، وينبغي أن يكون فيه خلاف خيار الشرط. قهستاني. وتقدم أول باب
ضمان الأجير أن للأجير المشترك خيار الرؤية في كل عمل يختلف باختلاف المحل.
والحاصل: أنه لا يشترط القضاء أو الرضا في خيار الشرط والرؤية. وأما في خيار العيب ففي
نحو انهدام الدار كلها يفسخ بغيبة صاحبه، بخلاف انهدام الجدار ونحوه كما مر. وأما في غيره من
الاعذار فسيأتي أن العذر إن كان ظاهرا ينفرد. وإن مشتبها لا ينفرد، ثم إن خيار الشرط
يثبت للعاقدين، أما خيار الرؤية فلا يكون للمؤجر كما في البيع. قال الحموي: ولم أره، وهكذا بحثه
غيره وهو ظاهر استدلالهم هنا بالحديث: من اشترى شيئا ولم يره فله الخيار وقولهم إنها بيع
المنفعة، وبه أفتى مله علي التركماني. قوله: (حاصل قبل العقد) أي ولم يره قبله، فإن رآه فلا خيار
لرضاه به كما في الاختيار، ولو استوفى المنفعة فيما له الخيار بحدوثه يلزمه الاجر كاملا كما سيذكره
الشارح.
وفي الخلاصة: خيار العيب في الإجارة يفارق البيع في أنه ينفرد بالرد بالعيب قبل القبض لا
بعده، وفي الإجارة ينفرد المستأجر بالرد قبل القبض وبعده (3) اه‍. ولا تنس ما مر. قوله: (يفوت النفع
به) والأصل فيه أن العيب إذا حدث بالعين المستأجرة: فإن أثر في المنافع يثبت الخيار للمستأجر،
كالعبد إذا مرض والدار إذا انهدم بعضهم، لان كل جزء من المنفعة كالمعقود عليه، فحدوث عيب قبل
القبض يوجب الخيار، وإن لم يؤثر في المنافع فلا كالعبد المستأجر للخدمة إذا ذهبت إحدى عينيه أو
سقط شعره، وكالدار إذا سقط منها حائط لا ينتفع به في سكناها، لأن العقد ورد على المنفعة دون
العين، وهذا النقص حصل بالعين دون المنفعة، والنقص بغير المعقود عليه لا يثبت الخيار. إتقاني. وفي
الذخيرة: إذا قلع الآجر شجرة من أشجار الضياع المستأجرة فللمستأجر حق الفسخ إن كانت الشجرة
مقصورة. قوله: (وانقطاع ماء الرحى) فلو لم يفسخ حتى عاد الماء لزمت ويرفع عنه من الاجر بحسابه،

(1) قوله: (فلو فسخ الخ) انما يكون له ذلك إذا لم ينتفع، أما إذا انتفع به فيسقط خياره ويكون أول المدة من حين
الانتفاع لا ما بعد الثالث ا ه‍.
(2) قوله: (وفيه اشعار) اي في كلام الوقاية، فان هذه العبارة قالها القهستاني في شرح كلام الوقاية، وليس مرجع الضمير
المجرور يفي هو الكلام السابق يعني قوله يفسخ فيها لو فسخ الخ فإنه من كلام القهستاني في شارح مصنفه ا ه‍.
(3) قوله: (وبعده) اي لان المبيع فيها انما هو المنافع وهي معدومة لا يتصور قبضها الا بالاستيفاء، بخلاف العين المبيعة
وهو ظاهر ا ه‍. وفيه انه حيث لا يتصور قبضها الا باستيفائها كيف يتصور ردها بعد الاستيفاء.
ويمكن ان يقال: ان المراد بالقبض في قولهم له الرد بعد القبض قبض العين تسامحا، فإنه لما كان قبض المبيع في
الإجارة لا يمكن الا بقبض العين المؤجرة صار كأن قبضها قبض له. ا ه‍.
363

قيل: حساب أيام الانقطاع، وقيل: بقدر حصة ما انقطع من الماء، والأول أصح لان ظاهر الرواية
يشهد له، فإنه قال في الأصل: الماء إذا انقطع الشهر كله ولم يفسخها المستأجر حتى مضى الشهر فلا
أجر عليه في ذلك، ولو كانت منفعة السكنى معقودا عليها مع منفعة الطحن وجب بقدر ما يخص
منفعة السكنى. كذا في التاترخانية، ومفاده أنه لا يجب أجر بيت الرحى صالحا لغر الطحن كالسكنى
ما لم تكن معقودا عليها. ونقل بعده عن القدوري: إن كان البيت ينتفع به لغير الطحن فعليه من الاجر
بحصته اه‍. ونحوه ما يأتي عن التبيين. تأمل. والانقطاع غير قيد. لما في التاترخانية أيضا: وإذا
انتقص الماء: فإن فاحشا فله حق الفسخ، وإلا فلا. قال القدوري: إذا صار يطحن أقل من النصف
فهو فاحش، وفي واقعات الناطفي: لو يطحن على النصف له الفسخ، وهذه تخالف رواية القدوري،
ولو لم يرده حتى طحن كان رضا منه وليس له الرد بعده اه‍. قوله: (كما مر) أي صريحا قبيل الإجارة
الفاسدة حيث قال: ولو خربت الدار سقط كل الاجر ولا تنفسخ به ما لم يفسخها المستأجر هو الأصح اه‍.
ودلالة من قول المصنف تفسخ فإنه يفيد عدم الانفساخ، وقدمنا التصريح به عن التاترخانية
والإتقاني. قوله: (ودفع بحساب ما روي منها) نظيره ما قدمه الشارح عن الوهبانية قبيل الإجارة
الفاسدة: لو انهدم بيت من الدار يسقط من الاجر بحسابه، لكن قدمنا هناك عن ابن الشحنة وغيره أنه
خلاف ظاهر الرواية، فتأمل. قوله: (وفي الولوالجية الخ) ذكره في الفصل الثالث من كتاب المزارعة.
وفيها: وإن استأجرها بشربها سقط عنه الاجر (1) لفوات التمكن من الانتفاع. ثم قال: ولو لم ينقطع
الماء لكن سال عليها حتى لا تتهيأ له الزراعة فلا أجر عليه لأنه عجز عن الانتفاع به وصار كما إذا
غصبه غاصب اه‍. قوله: (بغير شربها) أقول: تقدم في باب ما يجوز من الإجارة وما لا يجوز أن
للمستأجر الشرب والطريق، وقدمنا هناك الفرق بينها وبين البيع فلعل ما هنا محمول على التصريح بعدم
الشرب. تأمل. وتقدم هناك فروع متعلقة بعدم التمكن من الزراعة فراجعها. قوله: (استأجر حماما الخ)
في التاترخانية: سئل شمس الأئمة الحلواني عمن استأجر حماما في قرية فنفر الناس ووقع الجلاء
ومضت مدة الإجارة هل يجب الاجر؟ قال: إن لم يستطع الرفق بالحمام فلا. وأجاب ركن الاسلام
السغدي بلا مطلقا، ولو بقي بعض الناس وذهب البعض يجب الاجر ه‍. والظاهر أن المراد بالرفق به
الارتفاق: أي الانتفاع بنحو السكنى. وفرض المسألة فيما إذا مضت المدة، فلو لم تمض فالظاهر أن له
خيار الفسخ لأنه مخل بالمنفعة كمسألة الجوهرة. تأمل. وتقدم قبيل الإجارة الفاسدة أن الحمام لو غرق

(1) قوله: (سقط عنه الاجر) اي بانقطاع الشرب كما صرح به ط فيما نقله عن الهندية. قال شيخنا: وحينئذ لا فرق يظهر
بين نفي الشرب وعدمه، الا ان يقال الفرق انه فيما إذا نفى الشرب يكون المناط عدم امكان سقيها بوجه ما وأما إذا لم
ينف فالمناط عدم امكان السقي من شربها خاصة ا ه‍.
364

يجب بقدر ما كان منتفعا. قوله: (ففزعوا ورحلوا) عبارة لسان الحكام: فوقع الجلاء ونفر الناس. قوله:
(في الجملة) أي دون الانتفاع المعتاد. قوله: (كمرض العبد) في البزازية: استأجر عبدا للخدمة فمرض
العبد: إن كان يعمل دون العمل الأول له خيار الرد، فإن لم يرد وتمت المدة عليه الاجر، وإن كان لا
يقدر على العمل أصلا لا يجب الاجر، وعلى قياس مسألة الرحى يجب أن يقال: إذا عمل أقل من
نصف عمله له الرد اه‍.
وفي الولوالجية: وكذا لو أبق فهو عذر أو كان سارقا لأنها توجب نقصانا في الخدمة اه‍. وقيد
بمرض العبد، إذ لو مرض الحر المستأجر، وإن كان يعمل بأجرائه فليس بعذر، وإن بنفسه فعذر كما
في البزازية. قوله: (ودبر الدابة) بالفتح: جرح ظهر الدابة أو خفها. قاله ابن الأثير ط. قوله: (وبسقوط
حائط دار) أي إن كان يضر بالسكنى، وإلا فليس له أن يفسخ كما قدمناه عن البزازية. قوله: (وفي
التبيين الخ) مثله في الهداية. قوله: (والبيت) أي بيت الرحى. قوله: (لغير الطحن) كالسكنى مثلا. قوله:
(بحصته) ى بحصة ما ينتفع به من غير الطحن. قوله: (لبقاء بعض المعقود عليه) يشعر بأن منفعة غير
الطحن معقود عليها، فلو لم تكن معقودا عليها فلا أجر، وقدمنا عن التاترخانية أنه الأصح، وأن ظاهر
الرواية يشهد لهذا، لكن لقوله: فإذا استوفاه الخ (1) يفيد أنه لو لم يستوفه بالفعل لا يجب، ولو لكان
معقودا عليه لوجب وإن لم يستوف، فتأمل. ويدل على الأول ما ذكره الزيلعي وغيره في الاستدلال
على القول بعدم انفساخ الإجارة بانهدام الدار ما لم يفسخها، لان أصل الموضع مسكن بعد انهدام البناء
ويتأتى فيه السكنى بنصب الفسطاط فبقي العقد، لكن لا أجر على المستأجر لعدم التمكن من الانتفاع
على الوجه الذي قصده بالاستئجار اه‍ وتقدم الكلام قبيل الإجارة الفاسدة فيما لو سكن في الساحة
. قوله: (فإن لم يخل العيب به) أي بالنفع كما قدمناه عن عور العبد وسقوط شعره وسقوط حائط الدار
الذي لا يخل. قوله: (أو أزاله المؤجر) أي أزال العيب كما لو بنى المنهدم، ومثله ما لو زال بنفسه كما
لو برئ العبد المريض.
وفي التاترخانية وغيرها: قال محمد رحمه الله في السفية المستأجرة: إذا انقضت وصارت ألواحا
ثم ركبت وأعيدت سفينة لم يجبر على تسليمها إلى المستأجر اه‍: أي لأنها بالنقض لم تبق سفينة ففات
المحل كموت العبد، بخلاف انهدام الدار. تأمل. قوله: (أو انتفع بالمخل) بالخاء المعجمة والبناء
للفاعل: أي بالشئ المستأجر المشتمل على العيب المخل أو بالبناء للمفعول. قال الزيلعي: لأنه
قد رضي بالعيب فيلزمه جميع البدل كما في البيع. قوله: (لزوال السبب) علة لقوله: أو أزاله المؤجر لان

(1) قوله: (لكن قوله فإذا استوفاه الخ) يمكن عمل الاستيفاء في كلام الشارح على الأعم من الحقيقي والحكمي وهو
التمكن وحينئذ يندفع التنافي ا ه‍.
365

العقد يتجدد ساعة فساعة فلم يوجد العيب فيما يأتي بعده فسقط الخيار. زيلعي. قوله: (وتطيينها) أي
تطيين سطحها كما عبر به في الولوالجية لان عدمه مخل بالسكنى، بخلاف تطيين جدرانها. تأمل.
مطلب: إصلاح بئر الماء والبالوعة والمخرج على المالك وإخراج التراب والرماد على المستأجر
قوله: (وإصلاح بئر الماء الخ) هذه المسألة مثل ما قبلها من كل وجه فلا معنى لفصلها بكلام على
حدة ح. وتفريغ البئر إذا امتلأت على المالك بلا جبر أيضا. قال في الولولجية: لان المعقود عليه منفعة
السكنى وشغل باطن الأرض لا يمنع الانتفاع بظاهرها من حيث السكنى، ولهذا لو سكنه مشغولا
لزمه كل الاجر، وإنما للمستأجر ولاية الفسخ لأنه تعيب المعقود عليه. قوله: (والبالوعة والمخرج)
عطف على الماء لقول البزازية: وإصلاح بئر البالوعة والماء الخ، وكذا تفريغهما، ولو امتلأ من المستأجر
على المالك كما في المنح، وأفتى به في الحامدية، وكذا في الخيرية ونقله عن عدة كتب. وقال في
الولوالجية: وأما البالوعة وأشباهها فليس على المستأجر تفريغها استحسانا. والقياس أن يجب لان
الشغل حصل من جهته. وجه الاستحسان أن المشغول بهذه الأشياء باطن الأرض فلا يمنع التسليم بعد
انقضاء العقد، ولو شرطه رب الدار على المستأجر حين آجره في الاستحسان لا يجوز ويفسد العقد،
لأنه لا يقتضيه ولأحدهما فيه منفعة اه‍. وفي البزازية: ولو امتلأ مسيل الحمام فعلى المستأجر تفريغه
ظاهرا كان أو باطنا اه‍. وفيها: وتسييل ماء الحمام وتفريغه على المستأجر وإن شرط نقل الرماد
والسرقين رب الحمام على المستأجر لا يفسد العقد، وإن شرط على رب الحمام اه‍. فتأمل. ولعله
مفرع على القياس أو مبني على العرف، ففي البزازية: وفي استئجار الطاحونة في كري نهرها يعتبر
العرف، وفيها: خرج المستأجر من البيت وفيه تراب أو رماد على المستأجر إخراجه، بخلاف البالوعة،
وإن اختلفا في التراب الطاهر فالقول للمستأجر أنه استأجرها وهو فيه. قوله: (لأنه لا يجبر على إصلاح
ملكه) قال الحموي: يفهم من هذا التعليل أن الدار لو كانت وقفا يجبر الناظر على ذلك اه‍ ط. قوله:
(فهو متبرع) أي ولا يحسب له من الاجر: بقي هل له قلعه؟ فيه تفصيل قال في جامع الفصولين:
بنى بلا أمر ثم انفسخت الإجارة أو انقضت مدتها، فلو كان البناء من لبن اتخذ من تراب الدار
فللمستأجر رفع البناء ويغرم قيمة التراب لمالكه، وإن كان من طين لا ينقض إذ لو نقض يعود ترابا
اه‍.
وحاصله: أنه إن عمر بما لو نقض يبقى مالا فله نقضه وإلا فلا، ويتفرع عليه أمور كثيرة.
سائحاني. قوله: (فله تركهما) عبارة البزازية: فله ترك الأخرى لتفرق الصفقة. قوله: (وفي حاشية
366

الأشباه الخ) قال أبو السعود في حاشيتها: ثم الفسخ إنما يكون بالقضاء على رواية الزيادات، حتى لو
باع المؤجر دكانه قبل القضاء لا يجوز، وعلى رواية الأصل يكون بدونه فيجوز بيعه، والأولى أصح لان
الفسخ مختلف فيه فيتوقف على القضاء كالرجوع في الهبة. قال الولوالجي: وهذا في الدين خاصة، أما
في أعذار أخر ينفرد من له العذر بالفسخ بلا قضاء هو الصحيح من الرواية، ومن المشايخ من وفق
بينهما بأن العذر إن كان ظاهرا لم يحتج إلى القضاء وإلا كالدين الثابت بإقراره يحتاج إليه ليصير العذر
بالقضاء ظاهرا. وقال قاضيخان والمحبوبي: القول بالتوفيق هو الأصح، وقواه الشيخ شرف الدين بأن
فيه إعمال الروايتين في مناسبة في التوزيع فينبغي اعتماده. وفي تصحيح العلامة قاسم: ما يصححه
قاضيخان مقدم على ما يصححه غيره لأنه فقيه النفس، وبه ظهر أن قول الشارح أول الباب: تفسخ
بالقضاء أو الرضا ليس على ما ينبغي مع إيهامه اشتراط ذلك في خيار الشرط والرؤية أيضا، وقد
علمت ما فيه مما قدمناه عن القهستاني هناك، فتنبه. قوله: (إن العذر ظاهرا) كمسألة سكون الضرس
واختلاع المرأة. قوله: (وبعذر الخ) فلا تفسخ بدونه إلا إذا وقعت على استهلاك عين كالاستكتاب،
فلصاحب الورق فسخها بلا عذر، وأصله في المزارعة لرب البذر الفسخ دون العامل. أشباه.
وفي حاشيتها لأبي السعود عن البيري: والحاصل أن كل عذر لا يمكن معه استيفاء المعقود
عليه إلا بضرر يلحقه في نفسه أو ماله يثبت له حق الفسخ.
مطلب في رجم الدار من الجن هل هو عذر في الفسخ؟
قال البيري: يؤخذ منه أن الرجم الذي يقع كثيرا في البيوت ويقال إنه من الجان عذر في فسخ
الإجارة لما يحصل من الضرر الخ ما ذكره اه‍.
أقول: يظهر هذا لو كان الرجم لذات الدار، أما لو كان لشخص مخصوص فلا، وقد أخبرني
بعض الرفقاء أن أهل زوجته سحروا أمه، فكلما دخلت داره يحصل الرجم، وإذا خرجت ينقطع، والله
تعالى أعلم. تأمل.
مطلب: فسق المستأجر ليس عذرا في الفسخ
فرع كثير الوقوع: قال في لسان الحكام: لو أظهر المستأجر في الدار الشر كشرب الخمر وأكل
الربا والزنا واللواطة يؤمر بالمعروف وليس للمؤجر ولا لجيرانه أن يخرجوه فذلك لا يصير عذرا في
الفسخ ولا خلاف فيه للأئمة الأربعة. وفي الجواهر: إن رأى السلطان أن يخرجه فعل اه‍. وقدمنا عن
الإسعاف: لو تبين أن المستأجر يخاف منه على رقبة الوقف يفسخها القاضي ويخرجه من يده، فليحفظ.
قوله: (كما في سكون ضرس الخ) التقييد بسكون الضرس وموت العرس أو اختلاعها يفهم منه أنه
بدونه لا يكون له الفسخ. قال الحموي: وفي المبسوط: إذا استأجره ليقطع يده للأكلة أو لهدم بناء له
ثم بدا له في ذلك كان عذرا، إذ في إبقاء العقد إتلاف شئ من بدنه أو ماله، وهذا صريح في أنه
لو لم يسكن الوجع يكون له الفسخ اه‍.
أقول: وفي جامع الفصولين: كل فعل هو سبب نقص المال أو تلفه فهو عذر لفسخه كما لو
استأجره ليخيط له ثوبه أو ليقصر أو ليقطع أو يبني بناء أو يزرع أرضه ثم ندم له فسخه اه‍. زاد في
367

غاية البيان عن الكرخي: أو ليفصد أو ليحجم أو يقلع ضرسا له صم يبدو له أن لا يفعل فله في
ذلك كله الفسخ لان فيه استهلاك مال أو غرما أو ضررا اه‍.
ثم رأيت الشرنبلالي بحث كما قلناه وقال: ثم رأيته في البدائع إلا مسألة الخلع لكنه يفيد ذلك اه‍. أقول: وذكر شراح الجامع أنه يقال للشافعي رحمه الله: ما تقول فيمن استؤجر لقلع سن أو اتخاذ
وليمة ثم زال الوجع وماتت العرس فحينئذ يضطر إلى الرجوع عن قوله الخ، فظهر أن القيد ذكر لزيادة
الالزام فلا مفهوم له فتنبه. قوله: (وبعذر لزوم دين) أطلقه فشمل القليل والكثير كما في شرح البيري
عن جوامع الفقه. وإذا فسخت يبدأ من الثمن بدين المستأجر وما فضل للغرماء، حتى لو لم يكن في
الثمن فضل لا تفسخ كما في الزيادات. وفي البزازية: والدرهم دين قادح تفسخ به، بخلاف الأقل.
وفي الولوالجية: أراد نقض الإجارة وبيع الدار لنفقته ونفقة أهله لكونه معسرا له ذلك. وفي شرح
الزيادات للسرخسي: قيل يفسخها القاضي ثم يبيع، والمختار أنها تنفسخ ضمن القضاء بنفاذ البيع، أبو
السعود على الأشباه. وحكي في الخلاصة قولين في فسخها للنفقة: الأول عن أبي الليث، والثاني عدم
الفسخ عن ظهير الدين. قوله: (بعيان أو بيان الخ) الظاهر أن أحدهما مغن عن الآخر، وأن المراد
بالاقرار: الاقرار السابق على ا لاجارة، وإلا يلزم أن يكون حجة متعدية. منلا مسكين. وفي كلام
الشارح إشارة إلى دفع الأول لان المراد بالعيان مشاهدة الناس وبالبيان إقامة البينة، وينافي الثاني قولهم
في الاستدلال للامام جوابا عن قول الصاحبين: إن هذا الاقرار يضر المستأجر فلم يجز في حقه،
وللامام أن الاقرار يلاقي ذمة المقر ولا حق لاحد فيه فيصح ثم يتعدى اه‍. تأمل. ثم رأيت في غاية
البيان عن شرح الطحاوي صرح بكون الاقرار بالدين بعد عقد الإجارة فتأيد ما قلناه.
فرع: أقر بداره لرجل بعدما آجرها صح في حق نفسه لا في حق المستأجر، فإذا مضت المدة
يقضى للمقر له. ولوالجية. قوله: (أي المستأجر) بالبناء للمفعول تفسيرا للضمير في غيره أو للفاعل
تفسيرا للضمير في له، ولكل مرجح فتبصر. قوله: (لأنه يحبس به) باعتبار أنه قد لا يصدق على عدم
مال آخر. ابن كمال. قوله: (تستغرق قيمتها) أي قيمة العين المستأجرة: أي بأن لا يكون في قيمتها
فضل على دين المستأجر من الأجرة المعجلة، وبه صرح في الزيادات، فقول الحانوتي: هذا قيد حسن
في فسخها وهو غريب لم أقف عليه غير مسلم. أفاده أبو السعود. قوله: (وبعذر إفلاس مستأجر دكان)
وكذا إذا كسد سوقها حتى لا يمكنه التجارة. هندية. وفي المنية: لا يكون الكساد عذرا اه‍. ويمكن
حمله على نوع كساد. سائحاني. أما لو أراد التحول إلى حانوت آخر هو أوسع أو أرخص ويعمل ذلك
العمل لم يكن عذرا، وإن ليعمل عملا آخر ففي الصغرى عذر. وفي فتاوى الأصل إن تهيأ له الثاني
على ذلك الدكان فلا، وإلا فنعم. تاترخانية. فاففلاس غير قيد وسيأتي. قوله: (لا بإبرته) لان رأس
ماله حينئذ إبرة ومقراض، فيعمل بالاجر فلا يتحقق في حقه العذر إلا بأن تظهر خيانته عند الناس
فيمنعونه عن تسليم الثياب. تاترخانية. قوله: (استأجر عبدا الخ) صفة ثانية لخياط. قوله: (وبعذر بداء
368

مكتري دابة) البداء بالمد وفتحتين مصدر بدا له: أي ظهر له رأي غير الأول منعه عنه. منح. فالظاهر
أن من في قوله: من سفر بمعنى: عن أو للبدلية. تأمل. وفي الخلاصة: ولو اشترى المستأجر إبلا
فهذا عذر اه‍. بخلاف ما لو اشترى منزلا فأراد التحول إليه، والفرق مكان إكراء الدار لا الدابة،
لان الركوب يختلف باختلاف المستعمل، بخلاف السكنى. بزازية. قوله: (وسهولة) الواو بمعنى أو ط.
قوله: (بخلاف بداء المكاري) أي بلا سبب ظاهر يصلح عذرا، كما إذا وجد من يستأجر بأكثر،
وسيذكر الشارح ما لو مات المكاري في الطريق. قوله: (قلت وبالأولى يفتى) نقله في شرحه عن
القهستاني، وقال: إنه المختار عند المصنف: أي لأنه قدمه كما هو عادته. قوله: (ثم قال) أي في
الملتقى. قوله: (فعذر) كذا أطلقه في البزازية، ثم نقل عن المحيط ما قدمنا آنفا من التفصيل، وسينقله
عن الولوالجية.
مطلب: ترك العمل أصلا عذر
بقي شئ: وهو أن قولهم: فتركه لعمل آخر مع هذا التفصيل يفيد أنه لو ترك العمل أصلا
كان عذرا، ويدل عليه ما في الخانية: استأجر أرضا ليزرعها ثم بدا له ترك الزراعة أصلا كان عذرا
اه‍. وقد علمت أن الافلاس في مسألة الدكان غير قيد، وهكذا حرره الرملي في حاشيته. واستشهد
له بما في جواهر الفتاوى: استأجر حماما سنة وصار بحال لا يتحصل من الغلة قدر الأجرة وأراد أن يرد
الحمام: إن لم يعمل الحمامي فله أن يرده: أي حيلته أن يترك العمل الخ، فراجعه. ويظهر لي أنه
يحلف كمسألة السفر الآتية. تأمل.
مطلب: إرادة السفر أو النقلة من المصر عذر في الفسخ
قوله: (ثم أراد السفر) وكذا الانتقال من المصر عذر في نقض إجارة العقار، لأنه لا يمكنه
الانتفاع إلا بحبس نفسه وهو ضرر. جامع الفتاوى وغيره، ومثله في القنية. ثم قال رامزا طب، وهذا
يدل على أن القروي إذا استأجر دارا في الشتاء وأراد الخروج في الصيف إلى قريته، أو المصري أراد
الخروج إلى الرستاق صيفا فله نقض الإجارة، ولا يشترط أن يكون بين المصرين مسيرة سفر اه‍. وفي
البزازية: استأجر أرضا في قرية وهو ساكن في أخرى: إن بينهما مسيرة سفر فعذر، وإلا فلا اه‍.
تأمل. قوله: (ولو اختلفا) بأن قال المستأجر: أريد السفر وقال المؤجر: إنه يتعلل. قوله: (فيخلف الخ)
هذا أحد أقوال، وإليه مال الكرخي والقدوري. وقيل: يسأل رفقته، وقيل: يحكم زيه وثيابه، وقيل:
القول لمنكر السفر. وفي الخلاصة: لو خرج إلى السفر بعد الفسخ ثم رجع وقال بدا لي في ذلك وقال
خصمه إنه كاذب: يحلف بالله إنك صادق في خروجك بعد الفسخ. قوله: (وفي الأشباه الخ) ذكره في
369

الولوالجية عن خواهر زاده. ثم قال: وذكر محمد في الكتاب أنه يؤمر أن يرسل غلاما يتبع الدابة، لان
الواجب على الآجر التخلية بين الدابة والمستأجر وقد وجد فيجب الاجر اه‍. وهو تعليل للأول كما لا
يخفى، وظاهره في ترجيحه ولذا اقتصر عليه في الأشباه. تأمل. قوله: (وبخلاف ترك خياطة الخ)
تركيب ركيك المعنى مع تتابع الإضافة، ولو قال: وبخلاف خياط استأجر عبدا للخياطة فتركها ليعمل
في الصرف لكان أوضح ط. قوله: (ليخيط) متعلق بمستأجر. قوله: (لامكان الجمع) إذ يمكنه أن يعقد
الغلام للخياطة في ناحية ويعمل في الصرف في ناحية. منح. قوله: (وبخلاف بيع ما آجره) أي بدون
إذن المستأجر.
قال في البزازية: فلو أذن حتى انفسخت الإجارة ثم المشتري رد المبيع بطريق ليس بفسخ لا
تعود الإجارة بلا إشكال، وإن بطريق هو فسخ تعود، وبه يفتى اه‍. وقيد بالبيع لما في التاترخانية عن
المحيط: اشترى شيئا وآجره من غيره ثم اطلع على عيب فله رده بالعيب وتفسخ الإجارة. قوله: (نفذ)
لان عند الإمام الثاني يجوز البيع. بزازية.
قلت: هذا في غير قضاة زماننا، فتدبر. قوله: (للمرتهن فسخه) قال الشرنبلالي في شرح
الوهبانية: والمختار أنه موقوف، فيفتى بأن بيع المستأجر صحيح لكنه غير نافذ، ولا يملكان فسخه في
الصحيح وعليه الفتوى، وإذا علم المشتري بكونه مرهونا أو مستأجرا: عندهما يملك النقض، وعند أبي
يوسف لا يملك مع علمه، وبه أخد المشايخ اه‍. رحمتي. قوله: (بلا حاجة إلى الفسخ) بخلاف ما مر،
ولذا عبر هناك بقوله: تفسخ وهنا بقوله: تنفسخ. قوله: (لا بجنونه مطبقا) قال في الدر المنتقى:
ولا بردته إلا أن يلحق بدراهم ويقضى به، فإن عاد مسلما في المدة عادت الإجارة كما في الباقاني عن
الظهيرية. قوله: (إلا لضرورة) قال في الدر المنتقى: وقد تقرر استثناء الضروريات، فمن الظن أنه
ينتقض بموت المزارع أو المكاري في طريق مكة فإنه لا ينفسخ حتى يبلغ مأمنا، لان الإجارة كما
تنتقض بالأعذار تبقى بالأعذار، فليحفظ. نعم يشكل بموت المعقود عليه كدابة معينة فإنه ينفسخ اه‍.
قلت: وتبطل بعجز المكاتب بعدما استأجر شيئا كما في البدائع، وبملك المستأجر العين بميراث
أو هبة أو نحو ذلك كما في التاترخانية. قوله: (كموته) أي موت المؤجر، فلو مات المستأجر لزمه
الاجر بحساب ما سار. ولوالجية. قوله: (في طريق مكة ولا حاكم) قال في الولوالجية: قالوا: هذا إذا
كان في موضع يخاف أن ينقطع به وليس ثمة قاض ولا سلطان يرفع الامر إليه، فكان المؤثر في بقاء
عقد الإجارة كلا المعنيين اه‍. وذكر في التاترخانية أن المستأجر إذا أنفق عليها في الطريق أو استأجر من
370

يقوم عليها لا يرجع على ورثه المكاري. قوله: (فيؤجرها) أي ممن هي في يده للإياب. قوله: (بلا
خصم) أو ينصب القاضي وصيا عنه كما في الولوالجية. قوله: (لأنه يريد الخ) وإنما يشترط الخصم
لقبول البينة إذا أراد المدعي أن يأخذ منه شيئا من يده. ولوالجية. قوله: (إن معدا للاستغلال نعم) قال
الشارح في كتاب الغصب: بأن بناه لذلك أو اشتراه لذلك، قيل أو أجره ثلاث سنين على الولاء
وبموت رب الدار وبيعه يبطل الاعداد، ولو بنى لنفسه ثم أراد أن يعيد: فإن قال بلسانه ويخبر الناس
صار. ذكره المصنف اه‍. وقدمنا أنه غير مختص بالعقار، وسيأتي في الغصب إن شاء الله تعالى. قوله:
(وإلا لا) لكن لو دفع أجرة ما سكن لا يستردها منه، وهكذا ذكره في التاترخانية، ولم يقيده بالمعد
للاستغلال. قوله: (قلت فكذا الوقف الخ) هذه الملحقات مصرح بها في شرح الوهبانية ح. قوله:
(وطالبه بالاجر) عطف تفسير على تقاضاه: أي طلب منه أجر الشهر الثاني ح. قوله: (قيل نعم) في
التاترخانية عن جامع الفتاوى: عليه الفتوى لأنه مضى على الإجارة وما غصب خصوصا في مواضع
أعدت للعقد. قوله: (وقيل هو كالمسألة الأولى) أي مسألة ما إذا إذا سكن شهرين ح. وهذا القول رجحه
في البزازية حيث قال: سكن المستأجر بعد موت المؤجر، قيل يجب الاجر بكل حال لأنه ماض على
الإجارة، والمختار للفتوى جواب الكتاب وهو عدم الاجر قبل طلبه، أما إذا سكن بعد طلب الاجر
يلزم، ولا فرق بين المعد للاستغلال وغيره، وإنما الفرق في ابتداء الطلب. وفي المحيط: والصحيح
لزوم الاجر إن معدا بكل حال اه‍.
والحاصل: أن المرجح في سكناه بعد الموت كما في سكناه قبله، فإن معدا للاستغلال أو تقاضاه
هو أو الوارث يلزم، وإلا لا، ومثله لو تقاضاه ولى اليتيم، ولا يتأتى هنا الوقف لأنه لا يكون ميراثا
ولا تفسد إجارته بموت المؤجر، وظاهره أن الاعداد لا يبطل بالموت فيخالف ما قدمناه عن الشارح،
فتأمل. قوله: (وينبغي الخ) مذكور في الخانية، ونقله في المنح مصدرا بقوله: وقال مولانا الخ، والمراد
به قاضيخان لا صاحب البحر شيخ المصنف، فافهم. ثم إن قوله: لا يظهر
الانفساخ أي لا يظهر حكمه، ومقتضاه أنه يجب الاجر المسمى في العقد السابق كما سيذكره عن المنية في مسألة الزرع. قوله:
(ما لم يطالب الوارث الخ) أي فيظهر حكم الانفساخ، لان مطالبته بالتفريغ دليل عدم رضاه بالمضي
على العقد السابق وبإنشاء عقد لاحق، ومطالبته بالتزام أجر آخر دليل رضاه بإنشاء عقد لاحق ونقض
حكم العقد السابق، فيظهر حينئذ حكم الانفساخ وهو عدم وجوب المسمى في العقد السابق. قوله:
(ولو معدا للاستغلال) لا يخفى أن قاعدة لو الوصلية أن يكون نقيض ما بعدها أولى بالحكم نحو:
371

أكرمك ولو أهنتني، وهنا كذلك، فإنه إذا ظهر الانفساخ في المعد بالمطالبة المذكورة مع أن الاعداد
دليل بقاء الإجارة فغير المعد أولى، فافهم. قوله: (لأنه فصل) علة لقوله: لا يظهر الخ. قوله: (وهل
يلزم الخ) هذا راجع إلى ما قبل قوله: وينبغي الذي بحثه في الخانية، أما ذلك البحث فقد علمت أنه
لو سكن قبل المطالبة يجب المسمى في العقد السابق. وأما بعدها: فإن طالبه بالتفريغ وسكن بعده
فينبغي وجوب أجر المثل لو معدا للاستغلال دون المسمى في العقد السابق لظهور انفساخه، وإن طالبه
بأجر آخر وسكن بعده ينبغي لزوم ذلك الاجر الذي طالبه به كما سيظهر في المتفرقات عن الأشباه.
قوله: (وفي المنية الخ) حاصله التفرقة فيما إذا لم يدرك الزرع بين موت أحدهما في أثناء المدة وبين
انقضائها، ففي الأول يترك إلى الحصاد بالمسمى، وفي الثاني بأجر المثل، وقد تقدمت المسألة متنا في
باب ما يجوز من الإجارة، وحررنا هناك أن العقد انفسخ بالموت حقيقة واعتبر باقيا حكما للضرورة
فلذا وجب المسمى، فقوله هنا: بقي العقد أي حكما لا حقيقة، فتنبه. قوله: (أي لجوازها بالتعاطي)
لان ظاهره أنه لم يصدر لفظ من كل منهما، ولذا قال في البدائع: ويكون بمنزلة عقد مبتدأ اه‍. أما
لو قال اتركها في يدي بالاجر السابق فقال: رضيت أو نعم، فهو إيجاب وقبول صريحان لا يحتاج
التنبيه عليه.
وفي التاترخانية عن الملتقط: استأجر أجيرا للحفظ كل شهر بكذا ثم مات فقال وصية للأجير:
اعمل على ما كنت تعمل فإنا لا نحبس عنك الاجر باع الوصي الضيعة فقال المشتري للأجير
كذلك، فمقدار ما عمل في حياة الأول يجب المسمى في تركته، وفيما عمل للوصي والمشتري أجر
المثل. قال الفقيه: إذا لم يعلما مقدار المشروط من الميت، فإن علماه فالمسمى أيضا. وسيأتي قريبا في
المتفرقات عن الأشباه: السكوت في الإجارة رضا وقبول الخ. قوله: (وفي حاشية الأشباه الخ) مخالف
لما قدمه قبيل باب ما يجوز من الإجارة من أن المستأجر أحق لو العين في يده ولو بعقد فاسد،
372

وسيذكره أيضا في المتفرقات، وقدمنا بيانه عن جامع الفصولين. وفي الحموي عن العمادية والبزازية: بين فاسد هذه العقود وصحيحها فرق في مسألة واحدة،
وهي ما إذا وقعت الإجارة أو البيع كان للمستأجر أو المشتري على الآجر أو البائع ثم فسخا العقد
وكان فاسدا لا يكون للمشتري ولا للمستأجر حق الحبس لاستيفاء الدين، ولا يكون أولى بها من سائر
الغرماء، بخلاف ما إذا كان العقد صحيحا والرهن الفاسد كالصحيح في الحياة والممات فالمرتهن أحق
به، لكن إذا لحق الدين الرهن الفاسد، أما لو سبق الدين ثم تفاسخا بعد قبضه فليس أحق به وليس له
الحبس اه‍ ملخصا. فالظاهر أن المراد بما نقله عن حاشية الأشباه من الفرق بين الصحيح والفاسد هذه
المسألة فلا يخالف ما مر، فتدبر. قوله: (لاتفاقهم على عدم عتق قريب الوكيل) أي لو اشتراه، وتمام
عبارة شيخه الرملي: وعدم فساد نكاحها لو اشتراها. قوله: (والفساد) أي فساد النكاح فيما إذا
اشترى بالوكالة امرأته من سيدها. قوله: (بموت المستأجر) أي الوكيل المستأجر ح. قوله: (والنقل به مستفيض)
قال السائحاني: ففي البدائع أن الإجارة لا تبطل بموت الوكيل سواء كان من طرف المؤجر أو المستأجر اه‍.
قلت: ومثله في القهستاني عن قاضيخان: وفي التاترخانية: كل من وقع له عقد الإجارة إذا
مات تنفسخ الإجارة بموته، ومن لم يقع العقد له لا ينفسخ بموته وإن كان عاقدا يريد الوكيل
والوصي، وكذا المتولي في الوقف اه‍. قوله: (لبقاء المستحق له) عبارة الدرر والمنح: لبقاء المستحق عليه
والمستحق اه‍ والمراد بالأول المستأجر لأنه استحق عليه الأجرة، وبالثاني أهل الوقف ونحوهم. تأمل.
قوله: (قلت وإطلاق المتون بخلافه) ذكر هذه العبارة صاحب الأشباه. وفي بعض النسخ قال بدل
قلت وضميره لصاحب الأشباه. قال العلامة عبد البر: والذي في غالب كتب المذهب يقتضي عدم
بطلان الإجارة في الوقف بموت المؤجر سواء الواقف وغيره من القيم والوصي والقاضي، وذلك
مقتضى تعليلاتهم أن المستحق إذا كان ناظرا لا تبطل بموته وإن كان مستحقا لجميع الريع، إذ لا ملك
له في الرقبة وإنما حقه في الغلة، وذكره الشرنبلالي ط. قوله: (أفتى قارئ الهداية) حيث قال: لا
تنفسخ بموت الناظر المؤجر وإن كان هو المستحق بانفراده. قوله: (إلا في مسألتين) الاستثناء منقطع،
أما في الأولى فلانه بطل بالردة كما صرح به في التعليل وصارت ميراثا بالموت، فتأمل. وأما في الثانية
373

فلما قال ابن الشحنة: إن أصل المسألة في وقف أوجر وهذا مؤجر ملك لا وقف. قوله: (على معين)
الذي في معاياة الوهبانية وشرحها على غير معين. قوله: (تنفسخ) لان ابتداء العقد كان لنفسه ح. قوله:
(لكنه مخالف الخ) أقول: بل هو مخالف لسائر المتون، ويكن أن يجاب عن ابن نجيم بأن يكون المراد
بالمؤجر والمستأجر في كلامه الناظر، وأنه قصد الجواب عن مسألتين: الأولى إذا آجر الناظر أرض الوقف، والثانية إذا استأجر الناظر أرضا
من شخص من مال الوقف يستغلها للوقف ح. قوله: (وفيها
أيضا) هذا أيضا مما يرد على ما نقله صاحب الأشباه فيما إذا كان المؤجر متولي وقف خاص وجميع غلته
له، فالأولى ذكر ذلك قبل قوله: وفي فتاوى ابن نجيم وأشار بقوله فتنبه إلى الرد المذكور ط.
قوله: (وبقيت في حصة الحي) ولا يضره الشيوع لأنه طارئ كما تقدم في محله. قوله: (أو غيره)
كوكيله وليس موجودا في عبارة الأشباه. قوله: (إحياء لمال الوقف) لأنه بدون التسليم لا تلزم الأجرة،
لكن لا يخفى أن التسليم ليس شرطا لصحة العقد، وقد تقدم وقد تقدم أنه إذا كانت الإجارة صحيحة وتمكن من
الانتفاع يجب الاجر، أما في الفاسدة فلا يجب إلا بحقيقة الانتفاع، وتقدم أيضا أن ظاهر الإسعاف
إخراج الوقف فتجب أجرته في الفاسدة بالتمكن، فينبغي حمل كلامه هنا على ما إذا لم يتمكن منه،
فتأمل. قوله: (عن بيوع فتاوى قارئ الهداية) ونصها: سئل عن شخص اشترى من آخر دارا ببلد
وهما ببلدة أخرى وبين البلدتين مسافة يومين ولم يقبضها، بل خلى البائع بين المشتري والمبيع التخلية
الشرعية ليتسلم، فهل يصح ذلك وتكون التخلية كالتسليم؟ أجاب: إذا لم تكن الدار بحضرتهما وقال البائع: سلمتها لك وقال
المشتري: تسلمت لا يكون ذلك قبضا ما لم تكن الدار قريبة منهما بحيث
يقدر المشتري على الدخول فيها والاغلاق فحينئذ يصير قابضا، وفي مسألتنا: ما لم تمض مدة يتمكن
من الذهاب إليها والدخول فيها لم يكن قابضا اه‍.
مطلب في تخلية البعيد
وفي حاشية الحموي قال بعض الفضلاء: ما ذكره المصنف من أن تخلية البعيد باطلة مخالف لما
في المحيط كما هو في شرح الكنز وفي ابن الهمام قبيل باب خيار الشرط، وقد أطنبنا فيه اه‍. قوله:
374

(والدخول فيها) أقول: فائدة ذكره حصول التمكن من الانتفاع، إذ لو لم يتمكن من الدخول فيها
لوجود غاصب ونحوه لا يجب الاجر كما مر، وليس المراد أن الدخول نفسه شرط، فافهم، والله تعالى
أعلم.
مسائل شتى قوله: (أي بقايا الخ) تفسيري مراد. قال في المنح: حصائد جمع حصيد وحصيدة، وهما الزرع
المحصود والمراد بها ها هنا ما يبقى من أصول القصب المحصود في الأرض اه‍: أي لجريان العادة
بإحراقه. قوله: (مستأجرة أو مستعارة) قال منلا مسكين في شرحه: وإنما وضع المسألة فيهما دون
أرض ملكه لما لم يضمن هنا فعدم الضمان بالاحراق في أرضه بالأولى اه‍. ومقتضى هذه العبارة مع
عبارة المتن أنه لو كانت في أرض الغير بلا إذنه أنه يضمن ما أحرقته في مكان تعدت إليه، وهو
خلاف ما في جامع الفصولين وكثير من الكتب، فقد قال في جامع الفصولين: أوقد نارا في أرض
بلا إذن المالك ضمن ما أحرقته في مكان أوقدت فيه لا ما أحرقته في مكان آخر تعدت إليه، وفرق
بين الماء والنار، فإنه لو أسال الماء إلى ملكه فسال إلى أرض غيره وأتلف شيئا ثمة ضمن، بخلاف النار
إذ طبع النار الخمود، والتعدي يكون بفعل الريح ونحوه فلم يضف إلى فعل الموقد فلم يضمن، ومن
طبع الماء السيلان، فالاتلاف يضاف إلى فعله اه‍ فتدبر. رملي.
أقول: لكن هذا حيث زالت عن ذلك الموضع بمزيل، فلو زالت لا بمزيل يضمن كما حققه في
الخانية وسيذكره الشارح قريبا. قوله: (ومثله الخ) قاله شيخه الرملي أيضا. قوله: (وحاصله) ليس حاصلا
لما نحن فيه فكان عليه تأخيره. سائحاني. قوله: (بنفس) متعلق بأحرقته. قوله: (لا ما نقلته الريح) أي
التي هبت بعد وضعه كما يعلم مما سيأتي ح. قوله: (على ما عليه الفتوى) أي من التفصيل المذكور، فقد
قال في الخانية: إنه أظهر، وعليه الفتوى، ومقابله ما قاله الحلواني: إذا وضع جمرة في الطريق أو مر
بنار في ملكه أنه لا يضمن وأطلق الجواب فيه. قوله: (لأنه تسبب) وشرط الضمان فيه التعدي ولم
يوجد، فصار كمن حفر بئرا في ملك نفسه فتلف به إنسان، بخلاف ما إذا رمى سهما في ملكه
فأصاب إنسانا حيث يضمن لأنه مباشر فلا يشترط فيه التعدي. زيلعي. قوله: (إن لم تضطرب الرياح)
أي بأن كانت ساكنة وقت الوضع ح، وقيده في جامع الفصولين عن الذخيرة بما لو أوقد نارا يوقد
مثلها، ونقل عن غيرها لا يضمن مطلقا.
ثم نقل عن فتاوى أبي الليث: أحق شوكا أو تبنا في أرضه فذهبت الريح بشرارات إلى أرض
جاره وأحرقت زرعه: إن كان ببعد من أرض الجار على وجه لا يصل إليه الشرر عادة لم يضمن لأنه
375

حصل بفعل النار وإنه هدر، ولو بقرب من أرضه على وجه يصل إليه الشرر غالبا ضمن، إذ له الإيقاد
في ملك نفسه بشرط السلامة اه‍. ومثله في غاية البيان، وقال: هذا كما إذا سقى أرض نفسه فتعدى
إلى أرض جاره. قوله: (ضمن أي استحسانا. طوري) عن الخانية. قوله: (لأنه يعلم الخ) يظهر منه أنه
لو كانت الريح تتحرك خفيفا بحيث لا يتعدى الضرر ثم زادت لم يضمن، فليحرر. قوله: (على كل
حال) فسره الشارح بعد بقوله: سواء تلف الخ. قوله: (ثم آخر) أي ثم وضع آخر فالمعطوف محذوف
وهو وضع. وقال ح: هو عطف على فاعل الوضع المحذوف: أي كوضع شخص جرة في الطريق
ثم وضع آخر أخرى اه‍. فليتأمل ط. قوله: (فتدحرجتا) فلو تدحرجت إحداهما على الأخرى وانكسرت
المتدحرجة ضمن صاحب الواقفة، وكذا دابتان أوقفا، ولو عطبت الواقفة لا ضمان لإنتساخ الفعل
الأول، سائحاني عن قاضيخان. قوله: (وكذا يضمن في كل موضع الخ) هذا لم يذكره صاحب الخانية،
بل اعتبر حق الوضع وعدمه. وقد يثبت حق المرور ولا يثبت حق الوضع كما في الطريق، وإنما الذي
اعتبر حق المرور وعدمه صاحب الخلاصة، وذكر أن عليه الفتوى. قال في المنح: وفصل في الخلاصة
فيما لو سقط منه جمرة في موضع ليس له فيه حق المرور بين أن يقع منه فيضمن، وبين إن ذهبت بها
الريح فلا يضمن. قال: وهذا أظهر، وعليه الفتوى، وغالب الكتب على ما ذكره قاضيخان ط. قوله:
(من الكير) هو بالكسر: زق ينفخ فيه الحداد، وأما المبني من الطين فكور والجمع أكيار وكيرة كعنبة
وكيران. قاموس. فالمناسب الكور لأنه هو الذي يخرج منه ط. لكن ورد في الحديث: المدينة كالكير
تنفي خبثها فلعله مشترك. تأمل. وعبر الإتقاني بالكور. قوله: (وأحرق شيئا ضمن) وإن فقأ عين رجل
فديته على عاقلته إتقاني. قوله: (لا تحتمله) يعني لا تحتمل بقاءه بأن كانت صعودا وأرض جاره هبوطا
يعلم أنه لو سقى أرضه نفذ إلى جاره ضمن، ولو كان يستقر في أرضه ثم يتعدى إلى أرض جاره، فلو
تقدم إليه بالأحكام ولم يفعل ضمن، ويكون هذا كإشهاد على حائط، ولو لم يتقدم لم يضمن كما في
جامع الفصولين. شرنبلالية.
أقول: زاد في نور العين عن الخانية بعد قوله ضمن ما نصه: ويؤمر بوضع المسناة حتى يصير
376

مانعا ويمنع عن السقي قبل وضع المسناة، وفي الفصل الأول: لا يمنع عن السقي: يعني بالفصل
الأول صورة عدم التقدم اه‍. وبهذه الزيادة حصل الجواب عن اعتراض ط بأنه يلزم أن لا يتصور
انتفاع رب الصاعدة اه‍. فافهم. وفي شرب الخلاصة المذكورة في عامة الكتب: أنه إذا سقى غير
معتاد ضمن، وإن معتادا لا يضمن. قوله: (صح) لان شركة الصنائع يتقبل كل منهما العمل، على أن
ما يتقبله يكون أصلا فيه بنفسه ووكيلا عن شريكه فيكون الربح بينهما وهنا كذلك، فإن ما يلقيه عليه
صاحب الحانوت من العمل يعمله الصانع أصالة عن نفسه ووكالة عن صاحب الحانوت فيكون الاجر
بينهما كذلك. رحمتي. قوله: (استحسانا) والقياس أن لا يصح، وبه أخذ الطحاوي، لأنه استئجار
بنصف ما يخرج من عمله وهو مجهول كقفيز الطحان. قوله: (لأنه شركة الصنائع) فيه تعريض بصاحب
الهداية حيث جعلها شركة وجوه.
ورده الزيلعي بأن شركة الوجوه أن يشتركا على أن يشتريا بوجوههما ويبيعا، وليس في هذا بيع
ولا شراء. وأجاب في العزمية بأنه لم يرد بها المصطلح عليها، بل ما وقع فيها تقبل العمل بالوجاهة
يرشدك إليه قوله: هذا بوجاهته يقبل وهذا بحذاقته يعمل اه‍. وفيه بعد. قوله: (كاستئجار جمل).
التشبيه في كون صحة كل على خلاف القياس. قوله: (محملا) بفتح الميم الأول وكسر الثاني أو
بالعكس: الهودج الكبير الحجاجي. إتقاني عن المغرب. قوله: (وله المحمل المعتاد) أي في كل بلدة.
قال في الجوهرة: ولا بد من تعيين الراكبين أو يقول على أن أركب من أشاء. أما إذا قال: استأجرت
على الركوب فالإجارة فاسدة، وعلى المكري تسليم الحزام والقتب والسرج والبرة التي في أنف البعير
واللجام للفرس والبردعة للحمار، فإن تلف شئ في يد المكتري لم يضمنه كالدابة، وعلى المكري إشالة
المحمل وحطه وسوق الدابة وقودها وأن ينزل الراكبين للطهارة وصلاة الفرض، ولا يجب للاكل
وصلاة النفل لأنه يمكنهم فعلها على الظهر، وعليه أن يبرك الجمل للمرأة والمريض والشيخ الضعيف.
قوله: (ورؤيته أحب) نفيا للجهالة وخروجا من خلاف الإمام أحمد. قوله: (وفي الولوالجية) عبارتها:
وإذا تكارى من الكوفة إلى مكة إبلا مسماة بغير أعيانها فالإجارة جائزة، وينبغي أن لا تجوز لان المعقود
عليه حينئذ مجهول، كما لو استأجر عبدا لا بعينه لا يجوز.
قال خواهر زاده في شرح الكافي: ليس صورة المسألة أن يكاري إبلا مسماة بغير أعيانها، لكن
صورتها أن المكاري يقبل الحمولة، كأن قال المستكري: احملني إلى مكة على الإبل بكذا فقال المكاري:
قبلت فيكون المعقود عليه حملا في ذمة المكاري وإنه معلوم والإبل آلة المكاري ليتأدى ما وجب في
ذمته، وجهالة الآلة لا توجب إفساد الإجارة، قال الصدر الشهيد: عندي يجوز كما ذكر في الكتاب
اه‍. ومراده بالكتاب الأصل للإمام محمد وهو المذكور أولا، فقد نقله في التاترخانية عنه. وفي
377

البزازية: ويفتى بالجواز للعرف، فإن لم يصر معتادا لا يجوز اه‍. فقول الشارح: ويجعل المعقود عليه
الخ هو تفسير خواهر زاده، وقد علمت أن المفتى به خلافه إن تعورف. قوله: (وجوه) قال الإتقاني:
وكذا غير الزاد من المكيل والموزون إذا انتقص له أن يزيد عوض ذلك. قوله: (إلا إذا أنكره الخ) أي لم
يجب المسمى، وهل يجب أجر المثل؟ وسيأتي في الغصب أنه يجب في الوقف ومال اليتيم والمعد
للاستغلال. ولك أن تقول: إذا أنكر الملك (1) في المعد للاستغلال لا يكون غاصبا ظاهرا. سائحاني:
أي فلا يلزمه أجرة لما سيأتي أنه لو سكن المعد للاستغلال بتأويل ملك لا يلزمه أجر. قوله: (فلو قال
الخ) في التاترخانية: اكترى دارا سنة بألف فلما انقضت قال: إن فرغتها اليوم وإلا فهي عليك كل
شهر بألف والمستأجر مقر له بالدار، فإنا نجعل في قدر ما ينقل متاعه بأجر المثل وبعد ذلك بما قال المالك. قوله: (بقي لو سكت الخ) هذه حادثة بيت المقدس سنة 996 أجاب عنها المصنف بما ذكر كما
قاله قبيل باب ضمان الأجير، ثم قال: وقد صرحوا بالحكم هكذا في كثير من المسائل.
مطلب في إجارة المستأجر للمؤجر ولغيره
قوله: (للمستأجر أن يؤجر المؤجر الخ) أي ما استأجره بمثل الأجرة الأولى أو بأنقص، فلو
بأكثر تصدق بالفضل إلا في مسألتين كما مر أول باب ما يجوز من الإجارة. قوله: (قيل وقبله) أي
فالخلاف في الإجارة كالخلاف في البيع، فعندهما: يجوز، وعند محمد: لا يجوز، وقيل: لا خلاف في
الإجارة، وهذا في غير المنقول، فلو منقولا لم يجز قبل القبض. كذا في التاترخانية. قوله: (من غير
مؤجره) سواء كان مؤجره مالكا أو مستأجرا من المالك كما يفيده التعليل الآتي، لان المستأجر من
المالك مالك للمنفعة. ووقع في المنح عن الخلاصة أن المستأجر الثاني إذا آجر من المستأجر الأول
يصح، وقد راجعت الخلاصة فلم أجد هذه الزيادة، وهكذا رأيت في هامش المنح بخط بعض الفضلاء
أنه راجع عدة نسخ من الخلاصة فلم يجد ذلك، فتنبه. قوله: (وإن تخلل ثالث) أي بأن استأجر من

(1) قوله: (ولك ان تقول إذا أنكر الملك) اي صاحب الرقبة: اي وادعى ملك نفسه بدليل قول المحشي لما سيأتي الخ
فإنه انما أناط السقوط بتأويل الملك، فلو أنكر الملك وسكت ولم يدع ملكا لنفسه يجب الاجر ا ه‍.
378

المستأجر شخص فآجر للمؤجر الأول. قوله: (به يفتى) وهو الصحيح، وبه قال عامة المشايخ. ابن
الشحنة. قوله: (للزوم تمليك المالك) لان المستأجر في حق المنفعة قائم مقام المؤجر فيلزم تمليك المالك.
منح. وفي التاترخانية: استأجر الوكيل بالايجار من المستأجر لا يجوز لأنه صار آجرا ومستأجرا. وقال
القاضي بديع الدين: كنت أفتي به ثم رجعت، وأفتى بالجواز.
أقول: يظهر من هذا حكم متولي الوقف لو استأجر الوقف ممن آجره له، وقد توجه فيه بعض
الفضلاء وقال: لم أره. تأمل. قوله: (الصحيح لا) بل في التاترخانية عن شمس الأئمة أن القول
بالانفساخ غلط، لان الثاني فاسد والأول صحيح: أي والفاسد لا ويرفع الصحيح. قوله: (وقدمنا) أي
في باب ما يجوز من الإجارة. قوله: (عن الخلاصة) ونصها: وتأويل ما ذكر في النوازل أن الآجر قبض
المستأجر بعد ما استأجر، لأنه لو قبض منه بدون الإجارة سقط الاجر عن المستأجر فهذا
أولى. قال في المحيط: وإن لم يقبض منه فعلى المستأجر الأول الاجر اه‍.
أقول: فيه نظر، فإن الكلام في انفساخ الأولى وعدمه وسقوط الاجر لا يستلزم الانفساخ كما لا
يخفى، ويدل عليه ما في التاترخانية عن العتابية: إن قبضها رب الدار سقط الاجر عن المستأجر ما
دامت في دية وللمستأجر أن يطالبه بالتسليم اه‍. فقد صرح بسقوط الاجر وبأن له المطالبة بتسليم
العين المستأجرة، ولو انفسخت لم يكن له ذلك. قوله: (فتأمل) قد علمت أن هذا التوفيق غير ظاهر
فتعين ما قاله ح. الذي يظهر ما في الوهبانية نظرا للعلة ولتصحيح قاضيخان والمضمرات. قوله: (وهل
تسقط الأجرة الخ) أقول: الذي في شرح الوهبانية عن أبي بكر البلخي أنه لا يسقط الاجر عن
المستأجر. ونقل في البزازية عن أبي الليث موافقة البلخي. وذكر في المنتقى بالنون الصحيح أن الإجارة
والإعارة لا يكونان فسخا، لكن لا يجب الاجر على المستأجر ما دام في يد الآجر اه‍ ملخصا. وأنت
خبير أن ما قدمه من التوفيق محله هنا على ما قررناه سابقا، بأن يقال: إن قبضه من المستأجر سقط
الاجر وإلا فلا، فتدبر، وقد أفادت عبارة المنتقى أن الإعارة حكمها كالإجارة في الصحيح.
فرع: في فتاوى ابن نجيم: إذا تقايل المؤجر الأول والمستأجر منه فالتقايل صحيح وتنفسخ
الأولى والثانية اه‍. قوله: (ورجع الوكيل بالاجر على الآمر) سواء منعها من الآمر أو لا. درر. ونقل في
البزازية الرجوع عن أبي يوسف. ثم قال: الصحيح أنه لا يرجع على الآمر استحسانا لأنه بالحبس صار
غاصبا، والغصب من غير المالك متصور اه‍. ومثله في الخلاصة وغيرها عن جد صاحب المحيط.
فرع: وهب الآجر الاجر من الوكيل أو أبرأه صح، وللوكيل أن يرجع على الآمر. خلاصة.
379

مطلب في إجارة المستأجر للمؤجر ولغيره
قوله: (يستحق القاضي الاجر الخ) قيل على المدعي
إذ به إحياء حقه فنفعه له، وقيل على المدعى عليه إذ هو يأخذ السجل، وقيل على من استأجر الكاتب، وإن لم يأمره أحد وأمره القاضي فعلى من
يأخذ السجل وعلى هذه أجرة الصكاك على من يأخذ الصك في عرفنا، وقيل يعتبر العرف. جامع
الفصولين. وفي المنح عن الزاهدي: هذا إذا لم يكن له في بيت المال شئ اه‍. تأمل. قوله: (قدر ما
يجوز لغيره) قال في جامع الفصولين: للقاضي أن يأخذ ما يجوز لغيره، وما قيل في كل ألف خمسة
دراهم لا نقول به ولا يليق ذلك بالفقه، وأي مشقة للكاتب في كثرة الثمن؟ وإنما أجر مثله بقدر مشقته أو بقدر
عمله في صنعته أيضا كحكاك وثقاب يستأجر بأجر كثير في مشقة قليلة اه‍. قال بعض
الفضلاء: أفهم ذلك جواز أخذ الأجرة الزائدة وإن كان العمل مشقته قليلة ونظرهم لمنفعة المكتوب له
اه‍.
قلت: ولا يخرج ذلك عن أجرة مثله، فإن من تفرغ لهذا العمل كثقاب اللآلئ مثلا لا يأخذ
الاجر على قدر مشقته فإنه لا يقوم بمؤنته، ولو ألزمناه ذلك لزم ضياع هذه الصنعة فكان ذلك أجر
مثله. قوله: (ليكتب شهادته) لعل المراد بها خطه الذي يكتب على الوثيقة، وإلا فالكلام في القاضي لا
الشاهد ط. قوله: (وقيل مطلقا) أي ولو لم يكن في البلدة غيره، وهو ظاهر ما مر في المتن، ووجهه
ظاهر للتعليل المذكور. قوله: (لأجل السحر) أي لأجل إبطاله، وإلا فالسحر نفسه معصية بل كفر لا
يصح الاستئجار عليه. قوله: (إن بين قدر الكاغد) ليظهر مقدار ما يسعه من السطور عرضا، والتفاوت
في الزيادة لبعض الكلمات مغتفر، وقوله: والخط الظاهر أن المراد به عدد الأسطر. ط. قوله: (وكذا
المكتوب) أي إذا استأجر رجلا ليكتب كتابا إلى حبيبه فإنه يجوز إذا بين قدر. قوله: (وكذا المكتوب) أي إذا استأجر رجلا ليكتب كتابا إلى حبيبه فإنه يجوز إذا بين قدر الخط والكاغد. منح. قوله:
(بخلاف المشتري) فإنه يكون خصما للكل. منح. قوله: (وهل يشترط الخ) قال في المنح: ما في
الصغرى من أن المشتري لا يكون خصما للمستأجر: يعني بانفراده، بل لا بد من حضور الآخر،
يخالفه ما في البزازية عن فتاوى القاضي: آجر ثم باع وسلم تسمع دعوى المستأجر عن المشتري وإن
كان الآجر غائبا، لكن نقل بعده ما يوافق ما في الصغرى، فليتأمل عند الفتوى اه‍ ملخصا. قوله:
380

(والمعاملة) أي المساقاة. قوله: (كل ما كان تمليكا للحال) أي أمكن تنجيزه للحال فلا حاجة لاضافتها.
بخلاف الفصل الأول لان الإجارة وما شاكلها لا يمكن تمليكها للحال، وكذا الوصية، وأما الامارة
والقضاء فمن باب الولاية، والكفالة من باب الالتزام. زيلعي. قوله: (وإبراء الدين) احتراز عن
الابراء عن الكفالة فيصح مضافا عند بعضهم. ط عن الحموي. قوله: (به يفتى) أي بأن للمتولي فسخها
فكان عليه أن يذكره عقبه كما فعل في السوادة قبيل باب ما يجوز من الإجارة. قوله: (أو فاسدا الخ)
هذا موافق لما ذكره قبيل ما يجوز من الإجارة من أنه مقدم على الغرماء، ومخالف لظاهر ما قدمه قبيل
قوله: فإن عقدها لغيره وقدمنا تأويله. قوله: (استأجر مشغولا وفارغا الخ) تقدمت أول باب ما يجوز.
قوله: (لكن حرر محشي الأشباه الخ) حيث قال: ينبغي حمل ما ذكر المصنف على ما ذكره قاضيخان،
وهو لو استأجر ضياعا بعضها فارغ وبعضها مشغول. قال ابن الفضل: تجوز في الفارغ المشغول اه‍.
لأنه إذا استأجر بيتا مشغولا لا يجوز ويؤمر بالتفريغ والتسليم، وعليه الفتوى كما في الخانية فتعين حمل
كلامه على الضياع فقط اه‍.
وفي حاشية البيري عن جوامع الفقه: كانت الدار مشغولة بمتاع الآجر والأرض مزروعة، قيل
لا تصح الإجارة، والصحيح الصحة، لكن لا يجب الاجر ما لم تسلم فارغة أو يبيع ذلك منه، ولو
فرغ الدار وسلمها لزمت الأجرة. قوله: (ما لم يكن فيه ضرر) كما إذا كان الزرع لم يستحصد. قوله:
(فله الفسخ) تفريع على المنفي وهو يكن. قوله: (لعدم العرف) ولأنها وقعت على إتلاف العين، وقد مر
في إجارة الظئر في باب الإجارة الفاسدة. قوله: (المستأجر فاسدا الخ) تقدمت أول باب الإجارة
381

الفاسدة. قوله: (وتقدم الكل) أي كل هذه المسائل، وقد بينت لك مواضعها. قوله: (بشروط الإجارة)
أما ما يفعلونه في هذه الأزمان حيث يضمنها من له ولايتها لرجل بمال معلوم ليكون له خراج
مقاسمتها ونحوه فهو باطل، إذ لا يصح إجارة لوقوعه على إتلاف الأعيان قصدا ولا بيعا، لأنه معدوم
كما بينه في الخيرية.
مطلب في إجارة المقطع وانفساخها بموت المقطع وإخراجه له
قوله: (فهي صحيحة) سئل العلامة قاسم: هل للجندي أن يؤجر ما أقطعه الامام من أراضي
بيت المال؟ فأجاب: نعم له ذلك، ولا أثر لجواز إخراج الامام له في أثناء المدة، كما لا أثر لجواز
موت المؤجر في أثناء مدة الإجارة، وإذا مات أو أخرجه الامام تنفسخ الإجارة اه‍ ملخصا.
أقول: وقدمنا البحث في مدة إجارته عند قوله أول كتاب الإجارة: ولم تزد في الأوقاف على
ثلاث سنين وهل تنفسخ لو فرغ المؤجر لغيره وقرر السلطان المفروغ له فإنه يتضمن إخراج الأول أم لا
كالبيع؟ لم أره فليراجع، وهي حادثة الفتوى. ثم رأيت شيخ مشايخنا السائحاني في كتابه الفتاوى النعمية
ذكر الانفساخ بالفراغ أو الموت أخذا من قولهم: من عقد الإجارة لغيره لا تنفسخ بموته كوكيل، لأنهم
آجروا لغيرهم أو استأجروا لغيرهم، قال: وهنا آجر لنفسه وربما يضرر من سيصير له لو لم تفسخ اه‍.
تأمل. قوله: (صح استئجار قلم الخ) في التاترخانية: استأجر قلما ليكتب به، إن بين لذلك وقتا صحت،
وإلا فلا. وفي النوازل إذا بين الوقت والكتابة صحت. قوله: (لزم الاجر) قال الفقيه: لأنه خلاف إلى
خير وفي الدابة إلى شر، ولأنه يحتاج في الدابة إلى ذكر المكان وفي الثوب إلى ذكر الوقت. بزازية. فتأمل.
قوله: (إلا لعذر بها) أي بحيث لا يقدر على الركوب كما في غاية البيان. قوله: (وأعطى أجر مثله) ولا يجاوز
به المسمى. ولوالجية. قوله: (وأخذ منه القيمة) أي قيمة الكاغد والحبر. قوله: (أعطاه بحسابه من
المسمى) هذا فيما أصاب به ويعطيه لما أخطأ أجر مثله، لأنه وافق في البعض وخالف في البعض. ذكره
في الولوالجية. قوله: (استرد الأجرة الخ) لأنه إنما أعطاه الاجر ليميز الزيوف من الجياد.
مطلب: أنكر الدافع وقال: ليس هذا من دراهمي فالقول للقابض
في الذخيرة: ولو أنكر الدافع وقال: ليس هذا من دراهمي فالقول قول القابض، لأنه لو أنكر
القابض أصلا كان القول قوله.
382

مطلب: ضل لهن شئ فقال: من دلني عليه فله كذا
قوله: (إن دلني الخ) عبارة الأشباه: إن دللتني. وفي البزازية والولوالجية: رجل ضل له شئ
فقال من دلني على كذا فله كذا فهو على وجهين: إن قال ذلك على سبيل العموم بأن قال: من دلني،
فالإجارة باطلة لان الدلالة والإشارة ليست بعمل يستحق به الاجر. وإن قال على سبيل الخصوص بأن
قال لرجل بعينه: إن دللتني على كذا فلك كذا: إن مشى له فدله فله أجر المثل للمشي لأجله لان ذلك
عمل يستحق بعقد الإجارة إلا أنه غير مقدر بقدر فيجب أجر المثل، وإن دله بغير مشي فهو والأول
سواء. قال في السير الكبير: قال أمير السرية: من دلنا على موضع كذا فله كذا يصح ويتعين الاجر
بالدلالة فيجب الاجر اه‍. قوله: (إلا إذا عين الموضع) قال في الأشباه بعد كلام السير الكبير: وظاهره
وجوب المسمى، والظاهر وجوب أجر المثل إذ لا عقد إجارة هنا. وهذا مخصص لمسألة الدلالة على
العموم لكونه بين الموضع اه‍: يعني أنه في الدلالة على العموم تبطل، إلا إذا عين الموضع فهي مخصصة
أخذا من كلام السير، لان قول الأمير على موضع كذا فيه تعيينه، بخلاف من ضل له شئ فقال: من
دلني على كذا: أي على تلك الضالة فلا تصح لعدم تعيين الموضع، إلا إذا عرفه باسمه ولم يعرفه بعينه
فقال: من دلني على دابتي في موضع كذا فهو كمسألة الأمير، وهذا معنى قول الشارح: إلا إذا عين
الموضع وقول الأشباه: والظاهر وجوب أجر المثل الخ، وحاصله البحث في كلام السير، فإنه حيث
كان عاما لم يوجد قابل يقبل العقد فانتفى العقد.
أقول: حيث انتفى العقد أصلا كان الظاهر أن يقال: لا يجب شئ أصلا كما في مسألة الضالة.
والجواب عما قاله ما ذكره الشيخ شرف الدين من أنه يتعين هذا الشخص والعقد بحضوره وقبوله
خطاب الأمير بما ذكر، فيجب المسمى لتحقق العقد بين شخصين معينين لفعل معلوم. وأما إذا لم يكن
الفعل معلوما كمسألة الضالة فلا يجب شئ، بخلاف ما إذا كان الشخص معينا لوقوع العقد حينئذ
على المشي لكنه غير مقدر فوجب أجر المثل، فقد ظهر الفرق بين المسائل الثلاث، وقد خفي على بعض
محشي الأشباه فوقع في الاشتباه. نعم يمكن أن يقال: لما لم يتعين الشخص بحضورهم وقبولهم
خطاب صاحب الضالة كمسألة الأمير فينعقد العقد على المشي وإن لم يتعين الموضع كما لو خاطب
معينا، فليتأمل. قوله: (عشرة في عشرة) بالنصب تمييز: أي مقدرا عشرة طولا في عشرة عرضا. قوله:
(وبين العمق) أي والموضع. قال في التاترخانية: لا بد أن يبين الموضع وطول البئر وعمقه ودوره اه‍.
وتمام تفاريعه فيها من الفصل 25. قوله: (كان له ربع الاجر) لان العشرة في العشرة مائة والخمسة في
الخمسة خمسة وعشرون فكان ربع العمل. أشباه. قوله: (هذا قولهما وهو المختار) لان عند الصاحبين
تصح إجارة المشاع، لكنه خلاف المعتمد كما مر في الإجارة الفاسدة. وفي البدائع: استأجر طريقا من
دار ليمر فيه وقتا معلوما لم يجز في قياس قوله: لان البقعة غير متميزة فكان إجارة المشاع، وعندهما:
383

يجوز. قوله: (من دلنا الخ) هذه مسألة السير الكبير، وقد علمت أنه يجب فيها المسمى لتعين الموضع
والقابل للعقد بالحضور وإن كان لفظ من عاما، وقوله: لان الاجر يتعين أي يلزم ويجب. قوله:
(إجارة هبة الخ) قال في الولوالجية: ولو قال داري لك هبة إجارة كل شهر بدرهم أو إجارة هبة فهي
إجارة، أما الأول فلانه ذكر في آخر كلامه ما يغير أوله، وأوله يحتمل التغيير بذكر العوض، وأما
الثاني فلان المذكور أولا معاوضة فلا تحتمل التغيير إلى التبرع، ولذا لو قال آجرتك بغير شئ لا تكون
إعارة وتنعقد الإجارة بلفظ العارية اه‍. ملخصا. قوله: (غير لازمة الخ) قال الإتقاني: ولم يذكر في
المبسوط أنها لازمة أو لا. وحكي عن أبي بكر بن حامد قال: دخلت على الخصاف واستفدنا منه فوائد
إحداها هذه وهو أنها لا تلزم، فلكل الرجوع قبل القبض وبعده، ولكن إذا سكن يجب الاجر لأنه أمكن
العمل باللفظين فيعمل بهما بقدر الامكان كالهبة بشرط العوض اه‍ ملخصا. وظاهره أنه يجب الاجر
المسمى. وفي البيري عن الذخيرة التصريح بوجوب أجر المثل. قوله: (وفي لزوم الإجارة المضافة
تصحيحان) عبر باللزوم لأنه لا كلام في الصحة فلا ينافي ما قدمه الشارح قريبا من صحتها بالاجماع،
فافهم. قوله: (بأن عليه الفتوى) لما في الخانية: لو كانت مضافة إلى الغد ثم باع من غيره، قال في
البزازية المنتقى، فيه روايتان، والفتوى على أنه يجوز البيع وتبطل الإجارة المضافة وهو اختيار الحلواني اه‍.
وقدمنا بقية الكلام أول الكتاب، ثم الظاهر أن عدم اللزوم من الجانبين لا من جانب المؤجر فقط فلكل
فسخها كما هو مقتضى إطلاقهم. تأمل. قوله: (وبه يفتى) تقدم نحوه في أول الإجارة الفاسدة وتكلمنا
هنا عليه، وقال في القنية: وفي ظاهر الرواية لا يجوز لأنه لا ينتفع بالبناء وحده. قوله: (وكره إجارة
أرضها) هكذا قال في الهداية، وفي خزانة الأكمل: لو آجر أرض مكة لا يجوز فإن رقبة الأرض غير
مملوكة. قال: ومفهومه يدل على جواز إيجار البناء: شرح ابن الشحنة. قوله: (وفي الوهبانية) فيه أن
البيت الخامس والشطر الثاني من البيت الرابع من نظم ابن الشحنة، وليس أيضا من نظم الشرنبلالي
كما قيل. قوله: (وفي الكلب) أي كلب الصيد أو الحراسة. قوله: (والبازي) بالتشديد. قوله: (قولان)
يعني روايتان حكاهما قاضيخان الأولى: لا يجب الاجر، والثانية: إن بين وقتا معلوما يجب، وإلا فلا.
ولا يجوز في السنور لاخذ الفأر مطلقا، لان المستأجر يرسل الكلب والبازي فيذهب بإرساله فيصيد
وصيد السنور بفعله، وفي استئجار الفرد لكنس البيع خلاف. وتمامه في الشرح. قوله: (كأم القرى)
هي مكة المشرفة: أي في إيجار بنائها قولان. قال الناظم: وإنما نصصت عليه مخافة أن يتوهم أنه لا
يجوز كما لا يجوز بيع الأرض. قوله: (أو أرضها) مبتدأ والجملة بعده خبر، وأو بمعنى الواو
الاستئنافية. تأمل. قوله: (لو راح الخ) أي لو ذهب التاجر بالثوب ولم يظفر به الدلال لا يضمن لأنه
مأذون له في هذا الدفع عادة. قال قاضيخان: وعندي إذا فارقه ضمن، كما لو أودعه عند أجنبي أو
384

تركه عند من يريد الشراء، والنظم لا إشعار له باختيار قاضيخان. شرح. قوله: (ومن قال الخ) تقدم
عليها الكلام في باب الفسخ. قوله: (فافسخن) أمر من الفسخ مؤكد بالنون، وفي بعض النسخ
فامتحن من الامتحان إشارة إلى القول بتحكيم الزي والهيئة، والأولى أولى لقوله فحلفه، فافهم. قوله
: (من ترك التجارة) أي من أجل تركها، وتقدم الكلام عليها. قوله: (ما اكترى) مفعول يفسخ. قوله: (ولو
كان) أي المستأجر: يعني لو سار بعض الطريق فبدا له أن لا يذهب له ذلك على ما مر بيانه. قوله:
(ومؤجر) أي ضعف المؤجر: أي وللمؤجر فسخها إذا مرض. قال ابن الشحنة: وهو خلاف هذه
الرواية، وإليه أشار بقوله يذكر، لكن قدم الشارح أن به يفتى تأمل. ذي ضعف أي مريض
مرض الموت. قوله: (من الكل جائز) أي نافذ من كل ماله. قال في العمادية: تبرع المريض بالمنافع يعتبر
من جميع المال، لأنها لا تبقى بعد الموت حتى يتعلق بها حق الورثة والغرماء. اه‍. ملخصا. قوله: (من
ذاك) أي تعجله لمدة مستقبلة. قوله: (أجدر) أي المستأجر أوله به من الغرماء، إلا أنه لو هلك عنده لا
يسقط دينه بخلاف الرهن، والله تعالى أعلم.
385

كتاب المكاتب
المكاتب اسم مفعول من كاتب مكاتبة، والمولى مكاتب الكسر، وكان الأنسب أن يقول كتاب
الكتابة، لان علم الفقه يبحث فيه عن فعل المكلف وهو الكتابة لا المكاتب، لكن في القهستاني: هو
مصدر ميمي بمعنى الكتابة، والعدول عنها للتباعد عن نوع تكرار. قوله: (مناسبته للإجارة الخ) فيه
إشارة للجواب عما يقال: كان الأولى ذكره عقب العتاق لان مالهما الولاء كما فعل الحاكم الشهيد،
والجواب أن العتق إخراج الرقبة عن الملك بلا عوض، والكتابة لبست كذلك، بل فيها ملك الرقبة
للسيد والمنفعة للعبد وهو أنسب للإجارة، لان نسبية الذاتيات أولى من العرضيات كما حققه في
العناية، وقدمت الإجارة لشبهها بالبيع في التمليك والشرائط وجريانها في غير الخولي وعبده، وقيل
لان المنافع فيها يثبت لها حكم المال ضرورة بخلاف الكتابة، والكل مناسبات تقريبية لا تحتمل
التدقيقات المنطقية. قوله: (وهو جمع الحروف) الأولى وهو الجمع مطلقا ومنه الكتابة لأنها جمع الحروف.
قوله: (سمي به الخ) قال في المستصفى: الكتب الجمع لغة، ويستعمل في الالزام، فالمولى يلزم العبد
البدل، والعبد يلزم المولى العتق عند أداء البدل. قال المطرزي: قولهم: إنه ضم حرية اليد إلى حرية
الرقبة ضعيف، والصحيح أن كلا منهما كتب على نفسه أمرا: هذا الوفاء وهذا الأداء، وسمي كتابة
لأنه يخلو عن العوضين في الحال ولا يكون الموجود عند العقد إلا الكتابة، وسائر العقود لا تخلو عن
الأعواض غالبا اه‍.
أقول: قوله غالبا قيد لهما فتدبر، ولعل وجه الضعف ما قاله السائحاني: إن حرية اليد لم تكن
في العقد وإن حرية الرقبة بعد انتهائه. قوله: (تحرير المملوك) أي كلا أو بعضا كما سيذكره، وأطلقه
فشمل القن والمدبر وأم الولد. قوله: (يدا) أي تصرفا في البيع والشراء ونحوهما. جوهرة. قوله: (أي
من جهة اليد) أشار إلى أنه منصوب على التميز.
وفي شرح مسكين أنه بدل بعض. واعترض بأنه لا بد له من رابط، وبأن اليد هنا بمعنى
التصرف لا الجارحة، فكان الظاهر أن يقول بدل اشتمال والرابط محذوف، ومثله يقال في رقبة. قوله:
(حالا) أي عقب التلفظ بالعقد حتى يكون العبد أحق بمنافعه. ط عن الحموي. قوله: (ورقبة مآلا)
أخرج العتق المنجز والمعلق، ثم هذا تعريف بالحكم، ولو أراد التعريف بالحقيقة لقال: هي عقد يرد
على تحرير اليد. طوري. قوله: (يعني عند أداء البدل) أفاد أن تأخير الأداء غير شرط. قوله: (حتى لو
أداه حالا عتق حالا) تفريع على التفسير، ولا تظن أن العتق معلق على الأداء، بل إنما عتق عند
الأداء، لان موجب الكتابة العتق عند الأداء، وكان القياس أن يثبت العتق عند العقد لان حكمه يثبت
عقبه، لكن يتضرر المولى بخروج عبده عن ملكه بعوض في ذمة المفلس.
والفرق بين التعليق والكتابة في مسائل: منها أنه في التعليق يجوز بيعه ونهيه عن التصرف
386

ويملك أخذ كسبه بلا إذنه كما في التبيين. وفي غاية البيان: ولو مات قبل الأداء لا يؤدي عنه مما
ترك، وكذا لو مات المولى يورث عنه العبد مع أكسابه، ولو ولدت ثم أدت لم يعتق ولدها، ولو حط
عنه البعض فأدى الباقي أو أبرأه عن الكل لم يعتق، بخلاف الكتابة وبخلاف العتق على مال، كأنت
حر على ألف فقبل العبد فإنه يعتق من ساعته والبدل في ذمته اه‍. ملخصا. قوله: (وركنها الخ) الحاجة
إليه فيمن يثبت حكم العقد فيه مقصودا لا تبعا كالولد ونحوه مما يأتي. بدائع ملخصا. قوله: (أو ما
يؤدي معناه) كما يأتي قريبا متنا. قوله: (وشرطها الخ) هذا الشرط راجع إلى البدل ومثله كونه مالا،
وأن لا يكون البدل ملك المولى وهي شروط انعقاد، وكونه متقوما وهو شرط صحة.
وأما ما يرجع إلى المولى: فالعقل والبلوغ والملك والولاية، فلا تنفذ من فضولي بل من وكيل،
وكذا أب ووصي استحسانا للولاية، وهذه شروط انعقاد. والرضا وهو شرط صحة احترازا عن
الاكراه والهزل لا الحرية والاسلام، لكن مكاتبة المرتد موقوفة عنده نافذة عندهما. وأما ما يرجع إلى
المكاتب فمنها العقل وهو شرط انعقاد. وأما ما يرجع إلى نفس الركن فمنه خلو العقد عن شرط فاسد
في صلبه مخالف لمقتضاه، فإن لم يخالف جاز الشرط أو لم يدخل في صلبه بطل وصح العقد. بدائع
ملخصا. لكن اشتراط كون البدل مالا خلاف ما سيأتي من صحتها على الخدمة إلا أن يراد المال وما في
معناه. تأمل. قوله: (معلوما الخ) في البزازية الخانية: كل ما يصلح مهرا في النكاح يصلح بدلا في الكتابة.
قوله: (منجما أو مؤجلا) الفرق بينهما أن المؤجل ما جعل لجميعه أجل واحد، والمنجم كما سيأتي ما
فرق على آجال متعددة لكل بعض منه أجل ط. قوله: (لصحتها بالحال) خلافا للشافعي رحمه الله. قوله:
(لا الرقبة) ولهذا يقال: المكاتب طار عن ذل العبودية ولم ينزل في ساحة الحرية، فصار كالنعامة إن
استطير تباعر وإن استحمل تطاير. زيلعي. قوله: (إلا بالأداء) فإن أدى يعتق وإن لم يقل له المولى: إذا
أديته إلي فأنت حر خلافا للشافعي. زيلعي. قوله: (وعوده لملكه الخ) هذا من الأحكام المتعلقة بالعبد،
وأما بالنظر إلى المولى فاسترداده إلى ملكه إذا عجز، وبه عبر في الدرر ط. قوله: (يعقل): أي يعقل البيع
والشراء لان الكتابة إذن له بالتجارة وهو صحيح عندنا، فلو كان لا يعقل أو مجنونا فأدى عنه رجل
فقبل المولى لا يعتق واسترد ما أدى، ولو قبل عنه رجل الكتابة ورضي به المولى لم يجز أيضا، وهل
تتوقف على إجازة العبد بعد البلوغ؟ الصحيح لا تتوقف، إذ لا مجيز له وقت التصرف والصغير ليس
من أهل الإجازة، بخلاف الكبير الغائب لو قبل عنه فضولي توقف على إجازة العبد، فلو أدى القابل
عن الصغير إلى المولى عتق استحسانا، وكذا إذا كان كبيرا غائبا ولا يسترد المؤدي، فإن أدى البعض
استرده إلا إذا بلغ العبد فأجاز قبل أن يسترد، فليس للقابل الاسترداد وإن عجز العبد عن أداء الباقي،
لان المكاتبة لا تنفسخ بالرد إلى الرق بل تنتهي، فكان العقد قائما فيما أدى، بدائع ملخصا. قوله:
(بمال) ليس قيدا احترازيا عن الخدمة لما سيأتي. شرنبلالية. قوله: (حال) كقوله علي ألف درهم فإنه
387

يمكنه أن يحصله بالاستقراض أو الاستيهاب عقب العقد. إتقاني. قال في الهداية: وفي الحال كما
امتنع من الأداء يرد في الرق. قال الإتقاني: ولكن لا يرد إلا بالتراضي أو بقضاء القاضي، وإن قال:
أخرني وله مال حاضر أو غائب يرجى قدومه آخر يومين أو ثلاثة. قوله: (أو مؤجل) هو أفضل كما في
السراج. شرنبلالية. قوله: (فإن أديته فأنت حر) لا بد منه لان ما قبله يحتمل الكتابة والعتق على مال،
ولا تتعين جهة الكتابة إلا بهذا القيد. وأما قوله: وإن عجزت لا حاجة إليه، وإنما ذكره حثا للعبد
على الأداء عند النجوم، كذا في النهاية والكفاية و التبيين، وما زعمه الواني وغيره من لزوم الثاني أيضا
رده في العزمية بحصول المراد بالأول، وما قدمناه عن الزيلعي من أنه يعتق وإن لم يقل إذا أديته فأنت
حر فذاك في الكتابة الصريحة كما نبه عليه الإتقاني. قوله: (لاطلاق قوله تعالى: * (فكاتبوهم) *) فإنه
يتناول جميع ما ذكر: الحال والمؤجل والصغير والكبير. وقال الشافعي رحمه الله: لا تجوز كتابة الصغيرة
ولا الحالة. زيلعي. قوله: (والامر للندب) أي للوجوب بإجماع الفقهاء. هداية. وخص الفقهاء لأنه عند
الظاهرية للوجوب إذا طلبها العبد وعلم المولى فيه خيرا. كفاية. قوله: (على الصحيح) احتراز عن قول
بعض مشايخنا إنه للإباحة، كقوله تعالى: * (فاصطادوا) * وهو ضعيف لان فيه إلغاء الشرط وهو
الخيرية، لان الإباحة ثابتة بدونه وفي الندب إعمال له. قوله (والمراد بالخيرية الخ) وقيل: الوفاء وأداء
الأمانة والصلاح، وقيل المال. زيلعي. قوله: (جاز) فإن أدى الكتابة عتق نصفه وسعى في بقية قيمته
كما سيذكره آخر الباب الآتي. قوله: (ثم فرع عليه) أي على قوله: خرج من يده لا على قوله: دون
ملكه كما لا يخفى، وفيه إشارة إلى أنه كان ينبغي أن يأتي بالفاء بدل الواو كما فعل في المجمع، وبهذا
اعترض الطوري على الكنز حيث أتى بالواو، فافهم. قوله: (وغرم الخ) قال صاحب التسهيل: ولو
شرط وطأها في العقد لا يضمن العقر اه‍. وفي غاية البيان في أوائل باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله
ما يخالفه فراجعه. سعدية.
أقول: الذي رأيته في غاية البيان فساد الكتابة بهذا الشرط، فتأمل، لكن في الطوري عن
المحيط: فإن وطئت ثم أدت غرم عقرها لأن العقد الفاسد ملحق بالصحيح. قوله: (لحرمته عليه)
أقول: الحرمة لا تستلزم العقر كما لا يخفى، فالمناسب ما في الهداية من قوله لأنها صارت أخص
بأجزائها. ثم العقر كما في الشرنبلالية عن الجوهرة في الحرائر مهر المثل، وفي الإماء عشر القيمة لو
بكرا، ونصف العشر لو ثيبا. ولو وطئ مرارا لا يلزمه إلا عقر واحد، وما تأخذه من العقر تستعين
به على الكتابة لأنه بدل منفعة مملوكة كما في البدائع. قال الشرنبلالية: وقد قال في البدائع قبل
388

هذا: ثم مال العبد ما يحصل بعد العقد بتجارة أو بقبول الهبة والصدقة لان ذلك ينسب إلى العبد، ولا
يدخل فيه الأرش والعقر وإن حصلا بعد العقد ويكون للمولى لأنه لا ينسب إلى العبد اه‍. فليتأمل.
وكذا قال الحدادي. وأما أرش الجراحة والعقر فذلك لا يدخل وهو المولى اه‍. فلينظر فيه مع إلزام
المولى العقر بوطئها والأرش بالجناية عليها اه‍. ووفق بينهما أبو السعود في حاشية مسكين بحمل هذا
على ما إذا كاتبه عن نفسه فقط، وما تقدم على ما إذا كاتبه عن نفسه وعن المال الذي في يداه اه‍.
قلت: يؤيده ما الشرنبلالية عن السراج: الكتابة إما عن النفس خاصة أو عنها وعن المال
الذي في يد العبد وكلاهما جائز، ولو كان ما في يده أكثر من بدلها فليس للمولى إلا بدل الكتابة اه‍.
لكن يعكر عليه ما في الهندية عن المضمرات حيث ذكر مسألة الكتابة عن النفس والمال. ثم قال:
وما له هو حصل له من تجارته أو وهب له أو تصدق عليه. وأما أرش الجناية والعقر فللمولى اه‍.
وهكذا ذكر في البدائع، وعليه فلم يظهر بين الكتابتين فرق، فليتأمل. قوله: (أو أتلف المولى مالها) أي
فإنه يغرم مثله أو قيمته أو أرشه لو عبدا مثلا. قوله: (للشبهة) أي شبهة ملك الرقبة. قوله: (مجانا) أي لو
كان المولى صحيحا، فلو مريضا اعتبر من الثلث. قهستاني. قوله: (وفسد إن كاتبه) لا معنى لتقدير
فسد كما لا يخفى ح: أي للاستغناء عنه بقول المصنف بعد فهو فاسد وسيأتي في باب موت المكاتب
أن في الفاسدة للمولى الفسخ بلا رضاه، بخلاف الجائزة، وأن المكاتب يستقل بالفسخ مطلقا. قوله:
(فلو كانا ذميين جاز) أفاد أنه لو كان أحدهما مسلما لا يجوز للعلة المذكورة. قوله: (أو على قيمته) كان
ينبغي ذكره قبل الخمر والخنزير لئلا يوهم عود الضمير على الخنزير وإن صح عوده على الخمر. قوله:
(لجهالة القدر) أي باختلاف التقويم، لكن يعتق بأداء القيمة وتثبت بتصادقهما، وإلا فإن اتفق اثنان
على شئ فهو القيمة، وإلا فيعتق بأداء الأقصى. قهستاني. قوله: (معينة) أي نتعين بالتعيين كالثوب
والعبد ونحوهما من المكيل والموزون غير النقدين، حتى لو كاتب على دراهم أو دنانير بعينها وهي لغيره
يجوز. منح. قوله: (لغيره) فلو كاتبه على عين في يد العبد من جملة كسبه فيه روايتان. وفي الإتقاني عن
شرح الكافي: والصحيح أنه يجوز، وإذا أدى يعتق. قوله: (وصيفا) هو الغلام وجمعه وصفاء، والجارية
وصيفة وجمعها وصائف. مغرب. قوله: (غير معين) هذا عندهما خلافا لأبي يوسف، فلو معينا جازت
بالاتفاق كما في غاية البيان. قوله: (لما ذكرنا) أي من العلل الأربع ح. قوله: (فإن أدى الخمر عتق) لم
يبين حكم العتق في باقي الصور الفاسدة، وقدمنا أنه يعتق بأداء قيمته إذا كاتبه عليها لأنها معلومة من
وجه، وتصير معلومة من كل وجه عند الأداء. وإذا كاتبه على عين لغيره، ففي العناية لم ينعقد العقد
في ظاهر الرواية إلا إذا قال: إن أديت إلي فأنت حر فحينئذ يعتق بحكم الشرط اه‍. فهذا يفيد أنه
باطل لا فاسد، وأما مسألة الوصيف فظاهر كلام الزيلعي أنه باطل. شرنبلالية ملخصا. فالمراد
بالفاسد هنا ما يعم الباطل كما في العزمية. قوله: (بالأداء) أي أداء عين الخمر والخنزير، سواء قال إن
389

أديت فأنت حر أو لا، لأنهما مال في الجملة، بخلاف الميتة والدم فلم ينعقد العقد أصلا، فاعتبر
فيهما معنى الشرط لا غير وذلك بالتعليق صريحا. وتمامه في المنح. قوله: (وسعى في قيمته)
أي قيمة نفسه. قوله: (يعني قبل أن يترافعا) تقييد لقوله: فإن أدى لا لقوله: عتق لانفهامه من قوله بالأداء.
قال في الكفاية وفي المبسوط: فإن أداه قبل أن يترافعا إلى القاضي وقد قال له أنت حر إذا أديته أو لم
يقل فإنه يعتق اه‍. فافهم. قوله: (واعلم الخ) قال الزاهدي في شرحه: فإن قلت: قوله ولم ينقص من
المسمى ويزاد عليه لا يتصور في الكتابة بالقيمة، ولا بالخمر والخنزير لأنه لا يجب المسمى فلا يتصور
النقصان والزيادة عليه.
قلت: قد تأملت في الجواب عنه زمانا وفتشت الشروح وباحثت الأصحاب فلم يغني ذلك منه
شيئا حتى ظفرت بما ظفر الامام ركن الأئمة الصباغي في شرحه فقال: وهذا إذا سمى مالا وفسدت
الكتابة بوجه من الوجوه لا ينقص من المسمى ويزاد عليه.
والحاصل: أن هذه الصورة مستأنفة غير متصلة بالأول، وهذا كمن كاتب عبده على ألف رطل
من خمر، فإذا أدى ذلك عتق عليه سواء قال إذا أديت إلي ألفا فأنت حر أو لم يقل، وتجب عليه الزيادة
إن كانت القيمة أكثر، وإن كانت قيمته أقل من الألف لا يسترد الفضل عندنا اه‍. فقد رمز الشارح إلى
هذا. قوله: (لم ينقص الخ) لان المولى لم يرض أن يعتقه بأقل مما سمى فلا ينقص منه إن نقصت قيمته
عنه والعبد يرضى بالزيادة حتى ينال شرف الحرية فيزاد عليه إذا زادت قيمته. زيلعي. قوله: (إلا إذا
علقه بالشرط صريحا فيعتق) ولا شئ عليه لعدم المالية، كذا في الاختيار. ثم قال: ولو علق عتقه
بأداء ثوب أو دابة أو حيوان لا يعتق للجهالة الفاحشة اه‍. ويخالفه قول الزيلعي: يعتق بأداء ثوب لأنه
تعليق صريح فصار من باب الايمان وهي تنعقد مع الجهالة فينصرف إلى ما يطلق عيه اسم الثوب اه‍.
شرنبلالية. قوله: (بين جنسه فقط الخ) كذا قال في العناية: إذا كاتبه على حيوان وبين جنسه كالعبد
والفرس ولم يبين النوع أنه تركي أو هندي، ولا الوصف أنه جيد أو ردئ جازت، وينصرف إلى
الوسط لان الجهالة يسيرة، ومثلها يتحمل في الكتابة لان مبناها على المساهلة فيعتبر جهالة البدل بجهالة
الاجل، حتى لو كاتبه إلى الحصاد صحت اه‍. ولكن في الاختيار: الكتابة على الحيوان والثوب
كالنكاح إن بين النوع صح، وإن أطلق لا يصح اه‍. ومثله في البدائع. ثم قال: وإن على عبد أو
جارية صح لأنها جهالة الوصف فقد سمي النوع جنسا والوصف نوعا فلا مخالفة في الحكم. قوله:
(ويجبر على قبولها) كما يجبر على قبول العين لان كل واحد أصل،
فالعين أصل تسمية، والقيمة أصل أيضا لان الوسط لا يعلم إلا بها فاستويا. زيلعي. قوله: (فله قيمة الخمر) لتعذر تسليم عينها بالاسلام.
390

قوله: (وعتق بقبضها) يحتمل رجوع الضمير إلى القيمة، وعليه مشى المصنف وهو ما لا خلاف فيه،
ويحتمل رجوعه إلى الخمر وهو ما قرره الشارح وعليه مشى في الهداية والدرر وغيرهما، وفيه روايتان
كما في العناية. قوله: (كما مر) في مسألة كتابة المسلم على خمر أو خنزير. قوله: (على خدمته شهرا) هذا
استحسان لأنها تصير معلومة بالعادة، وبحال المولى أنه في أي شئ يستخدمه، وبحال العبد أنه لأي
شئ يصلح كما لو عينها نصا، ولم يذكر الوقت فسدت لان البدل مجهول. بدائع. قوله: (والآجر) بالمد
والتشديد: اللبن المحرق. شرنبلالية. قوله: (بما يرفع النزاع) بأن سمى له طول البئر وعمقها ومكانها
ويريه آجر الدار وجصها وما يبنى بها. بدائع. قوله: (لحصول الركن والشرط) أي الايجاب والقبول
ومعلومية البدل. قوله: (لا تفسد الكتابة بشرط) أي شرط فاسد وهو المخالف لمقتضى العقد، كما
إذا كاتبه على أن لا يخرج من المصر أو أن لا يتجر ونحوه مما لا يدخل في صلب الكتابة. إتقاني. قوله:
(لأنها الخ) بيان لوجه الشبه، وقوله: وهو التصرف أي غير المال هو التصرف: أي فك الحجر إذ
البدل مقابل به. قوله: (لشبهها بالبيع انتهاء) كذا في الدرر، وفيه كلام يعلم من الشرنبلالية. قوله: (لأنه
في البدل) أي لان الشرط في صلب العقد واقع في البدل كالكتابة على بدل مجهول أو حرام، أو على
ألف على أن يطأها ما دامت مكاتبة أو تخدمه ولم يبين وقتا أو وهي حامل من غيره، واستثنى ما في
بطنها. إتقاني. والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله
قوله: (للمكاتب البيع والشراء) كذا الإجارة والإعارة والايداع والاقرار بالدين واستيفائه وقبول
الحوالة بدين عليه، لا إن لم يكن عليه، وأن يشارك عنانا لا مفاوضة لاستلزامها الكفالة، وله الشفعة
فيما اشتراه المولى، وللمولى الشفعة فيما اشتراه المكاتب، وأن يتوكل بالشراء وإن أوجب عليه ضمان
الثمن للبائع، وأن يأذن لعبده، وأن يحط شيئا بعد البيع بعيب ادعى عليه أو يزيد في الثمن، وأن يرد
بالعيب ولو اشترى من مولاه إلا أنه لا يجوز له أن يرابح فيما اشتراه من مولاه إلا أن يبين، وكذلك
المولى فيما اشتراه منه، ولا أن يبيع من مولاه درهما بدرهمين لأنه صار أحق بمكاسبه فصار كالأجنبي
في المعاوضة المطلقة. كذا في البدائع ملخصا.
ولا يرد ما مر أن له أن يكاتبه عن نفسه وماله الذي في يده ولو أكثر من البدل لورود العقد ثمة
وهو قن، وإن أوصى بوصية ومات قبل الأداء لا تجوز وإن ترك وفاء، وإن مات بعد الأداء: فإن
قال: إذا عتقت فثلث مالي وصية صحت إجماعا، وإن أوصى بعين ماله لا تجوز إجماعا، لأنه ما أضافها
إلى حالة فتعلقت بملكه في وقت لا يملك التبرع إلا إذا أجازها بعد العتق، وإن أوصى بثلث
391

ماله فعنده: لا تجوز إلا أن يجيزها بعد العتق. وعندهما: تجوز. بدائع ملخصا. قوله: (يسيرة) تقييد
لاطلاق المتن تبعا للشرنبلالية عن الخانية مع أنه هو قول الإمام.
قال في البدائع: وله أن يبيع بقليل الثمن وكثيره وبأي جنس كان، وبالنقد والنسيئة في قول أبي
حنيفة وعندهما: لا يملك البيع إلا بما يتغابن الناس في مثله، وبالدراهم والدنانير، وبالنقد لا بالنسيئة
كالوكيل بالبيع المطلق اه‍. قوله: (وإن شرط المولى عدمه) أي عدم السفر، لان البيع والشراء ربما لا
يتفق في الحضر ولا يبطل العقد لان الشرط ليس في صلبه: أي لم يدخل في أحد البدلين كما مر.
قوله: (وتزويج أمته) وكذا مكاتبته لأنه من باب الاكتساب، بخلاف عبده. بدائع. ولا يزوجها من
عبده. وعن أبي يوسف: أنه يجوز. قهستاني. قوله: (وكتابة عبده) إلا ولده ووالديه لأنهم يعتقون بعتقه
فلا يجوز أن يسبق عتقهم عتقه، ولأنهم دخلوا في كتابته فلا يكاتبون ثانيا. بدائع. قوله: (بعد عتقه) أي
عتق الأول لأنه صار أهلا للولاء. قوله: (فلسيده) ولا يرجع الولاء إلى الأول بعد عتقه، لأنه متى ثبت
لا يحتمل الانتقال بحال. بدائع. قوله: (لا التزوج) فإن عتق قبل إجازته نفذ على المكاتب كما مر في
النكاح، قيل وكذا التسري وسيجئ. در منتقى. قوله: (ولا الهبة الخ) قال في البدائع: وإذا وهب هبة
أو تصدق ثم عتق ردت حيث كانت لأنه عقد لا مجيز له حال وقوعه فلا يتوقف، وظاهره المنع منهما
ولو بإذن المولى. قال أبو السعود: وهو مصرح به، ووجهه أن المولى لا ملك له في كسبه. قوله: (إلا
بيسير منهما) قيد في الشرنبلالية التصدق باليسير من المأكول مستندا للبدائع.
أقول: ونصها: ولا يملك التصدق إلا بشئ يسير حتى لا يجوز له أن يعطي فقيرا درهما ولا أن
يكسيه ثوبا، وكذا لا يجوز أن يهدي إلا شيئا قليلا من المأكول، وله أن يدعو إلى الطعام اه‍. وفي
القهستاني عن الكرماني: اليسير هو ما دون الدرهم لأنه يتوسع فيه الناس اه‍. فتأمل. قوله: (ولا
التكفل) أي عن غير سيده فيجوز عنه، لان بدل الكتابة واجب عليه فلم يكن متبرعا والأداء إليه وإلى
غيره سواء. بدائع. قوله: (ولو بإذن بنفس) تفسير للاطلاق: أي سواء كانت بإذن المولى أو المكفول أو
لا بنفس أو مال، فقوله: بنفس داخل تحت المبالغة: أي ولو بنفس. وفي البدائع: فإن أدى فعتق
لزمته الكفالة لوقوعها صحيحة في حقه لأنه أهل بخلاف الصبي. قوله: (لأنه تبرع) فإنها التزام تسليم
النفس أو المال بغير عوض والمولى لا يملك كسبه فلا يصح إذنه بالتبرع. قوله: (ولا الاقراض) لأنه تبرع
بابتدائه. بدائع. وينبغي جوازه باليسير كالهبة. قهستاني. بل هو أولى. برجندي. قوله: (ولو بمال)
كأنت حر على ألف فإذا قبل عتق، وكذا تعليقه بأدائه كإن أديت إلي ألفا فأنت حر، وكذا قوله وبيع
نفسه: أي نفس العبد منه لان فيها إسقاط الملك وإثبات الدين على المفلس. قوله: (وتزويج عبده) ولو
من أمته كما مر. قوله: (في رقيق صغير) تركيب إضافي لا توصيفي. قوله: (فيما ذكر) من التصرفات
392

ثبوتا ونفيا، فيملكان كتابة قنه وإنكاح أمته لا إعتاق عبده ولو بمال الخ. وإذا أقر بقبض بدل الكتابة،
فإن كانت ظاهرة بمحضر من الشهود صدقا وعتق، وإن لم تكن معروفة لم يجز الاقرار بالعتق، لأنه في
الأول إقرار باستيفاء الدين فيصح، وفي الثاني بالعتق فلا يصح بدائع. قوله: (ولو مفاوضة) كذا في
الكافي حيث جعله كالمأذون، وجعله في النهاية كالمكاتب. قوله: (على الأشبه) قال الزيلعي: وجعله
كالمأذون أشبه بالفقه. قوله: (لاختصاص تصرفهم بالتجارة) فإن الأصل أن من كان تصرفه عاما في
التجارة وغيرها يملك تزويج الأمة والكتابة كالأب ونحوه، ومن كان تصرفه خاصا بالتجارة لا يملكه.
قوله: (تبعا له) لان المشري لو كان مكاتبا أصالة لبقيت بعد عز المكاتب الأصلي. قوله: (والمراد قرابة
الولاد) وأقواهم دخولا الولد المولود في الكتابة، ثم الولد المشتري، ثم الأبوان، وعن هذا يتفاوتون
في الاحكام كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في باب موت المكاتب. قوله: (خلافا لهما) حيث قالا:
يكاتب عليه، لان وجوب السلة يشمل القرابة المحرمية للنكاح، ولهذا يعتق على الحر كل ذي رحم
محرم منه، وله أن للمكاتب كسبا لا ملكا ولذا تحل له الصدقة وإن أصاب مالا، ولا
يملك الهبة، ولا يفسد نكاح امرأته إذا اشتراها، غير أن الكسب يكفي للصلة في الولاد، حتى أن القادر على الكسب
يخاطب بنفقة الوالد والولد ولا يكفي لغيرها، حتى لا تجب نفقة الأخ إلا على الموسر. وتمامه في
الهداية وشروحها وثمرة الخلاف أنه لو ملكه له بيعه عنده خلافا لهما كما في الدرر، وأنه إذا مات
لا يقوم مقامه فلا يسعى على نجومه عنده كما يظهر من الشرنبلالية. قوله: (أم ولده) يعني المستولدة
بالنكاح. عزمية. قوله: (وكذا لو شراها ثم شراه) قال ابن الملك: والأصح أنه إذا اشتراه أولا ثم
اشتراها حرم بيعها، لان الولد يكاتب عليه أولا وبواسطته تكاتبت أمه. وإذا اشتراها أولا لا يحرم
بيعها لانتفاء المقتضى وهو تكاتب الولد، ثم إذا اشترى الولد حرم بيعها عند شراء الولد لوجود
المقتضى اه‍. فالمدار على اجتماعهما في ملكه أعم من أن يكون قد اشتراهما معا أو متعاقبا، فالتقييد
بالمعية خلاف الأصح. قوله: (لتبعيتها لولدها) لقوله (ص): أعتقها ولدها. قوله: (لأنه
لم يملكها) أي حقيقة فهي كسبه لا ملكه كما مر، وهذا علة للمفرع، والمفرع عليه. قوله: (فجاز) تفريع
على قوله: ولا ينفسخ نكاحه. قوله: (فكذا المكاتبة الخ) أي فله أن يطأها بالنكاح لأنها لم تملك رقبته
حقيقة. هندية عن البناية. العيني. قوله: (مطلقا) أي سواء كان معه ولده منها أو لا رحمتي. قوله:
(لان الحرية لم تثبت من جهتها) يعني الحرية المنتظرة، والمعنى أنها إذا اشترت بعلها مع ابنها منه تبعها
ابنها في الكتابة ولا يتبعه أبوه في تلك الكتابة المؤدية إلى الحرية، لان التبعية للولد خاصة بجهتها، فهي
التي تتبع ولدها كما يتبعها هو في الرقبة والحرية والتدبير، فشراء الولد يمنع بيع أصله لو كانت الحرية
المنتظرة من جهة الام بأن كان ذلك الأصل، أما كما في المسألة السابقة، فلو كان أبا لا يمتنع بيعه،
393

هذا ما ظهر لي، وعبارة الزيلعي: لان الجزئية بالجيم والزاي. والمعنى أن البعضية التي تمنع بيع الأصل
معتبرة من جهتها كما قدمناه ولم توجد هنا، ولم أر من أوضح هذه العبارة بعد المراجعة الكثيرة، فتأمل.
قوله: (وإن ولد له من أمته ولد) اعترض بأن المكاتب لا يملك وطئ أمته. وأجيب بأن النسب لا
يتوقف على الحل كما في وطئ أمة ابنه أو أمة مشتركة فيثبت لشبهة ملك اليد كما في شروح الهداية.
قال في الجوهرة: أو نقول: صورته أن يتزوج أمة قبل الكتابة، فإذا كوتب اشتراها فتلد له ولدا اه‍.
وعلى هذا فلا يحتاج إلى قول الشارح: فادعاه لبقاء النكاح بعد الشراء كما مر. قوله: (لأنه كسب
كسبه) وهو الولد. قال الزيلعي: فإنه في حكم مملوكه. قوله: (زوج المكاتب) كذا في غير ما كتاب.
واستشكله في الشرنبلالية بما تقدم من أن المكاتب لا يزوج عبده، وليس تزويجه عبده يكون
موقوفا كتزوجه، إذ لا مجيز له حال صدوره فصار كهبته الكثير، وتزوجه هو له مجيز وهو للولي الحر.
ثم أجاب بأنه لا يمنع ثبوت النسب لأنه يثبت للشبهة كالنكاح الفاسد كما مر اه‍. وأرجع ابن ملك
الضمير للمولى وهو المتبادر من التبيين و الهداية وشروحها، وظاهره إنه المولى الحر، وعليه فلا إشكال
أصلا.
ونقل أبو السعود عن الشلبي وغيره أنه ينبغي أن يقرأ المكاتب بكسر التاء، وأنه لو ذكر المولى
لكان أولى اه‍. قلت: ويحتاج إلى ادعاء مجاز الأول. قوله: (فولدت) أشار إلى أنهما لو قبلا الكتابة عن
أنفسهما وعن ولد لهما صغير فقتل الولد تكون قيمته بينهما، ولا تكون الام أحق به لان دخوله في
الكتابة هنا بالقبول عنه لا بمجرد التبعية والقبول وجد منهما فيتبعهما. زيلعي. قوله: (لان تبعيتها
أرجح) من إضافة المصدر إلى مفعوله، وذلك لأنه انفصل من الأب وليس له قيمة وانفصل من الام
متقوما فكان تبعيتها أرجح، ولأنه يتبعها في الرق والحرية فلذا كانت أخص بكسبه. إتقاني. قوله:
(خلافا لمحمد) حيث قال: هو حر بالقيمة يعطيها للمستحق في الحال إن كان التزوج بإذن المولى وإلا
فبعد العتق، ثم يرجع هو بما ضمن من قيمة الولد على الأمة المستحقة بعد العتق إن كانت هي الغارة
، وكذا إذا غره عبد مأذون أو غير مأذون له في التجارة أو مكاتب رجع عليه بعد العتق لأنه ليس من
باب التجارة فلا ينفذ في حق مولى الغار، وإن غره حر رجع عليه في الحال، وكذا حكم المهر فإن
المستحق يرجع عليه في الحال إذا كان التزويج بإذن مولاه، وإلا فبعد الحرية، وليس له هو أن يرجع
على أحد بالمهر على ما عرف في موضعه، وحكم الغرور يثبت بالتزويج دون الاخبار بأنها حرة. زيلعي.
قوله: (لأنه ولد المغرور) دليل قول محمد فهو علة لمحذوف: أي فإنه قال: هو حر بالقيمة لأنه ولد
المغرور دفعا للضرر عنه كالحر. قوله: (وخصا المغرور الخ) قال الزيلعي: ولهما أنه مولود بين رقيقين
فيكون رقيقا، إذ الولد يتبع الام في الرق والحرية، وتركنا هذا في الحر بإجماع الصحابة رضي الله تعالى
394

عنهم، والعبد ليس في معنى الحر لان حق المولى وهو المستحق في الحر مجبور بقيمة واجبة في الحال،
وفي العبد بقيمة متأخرة إلى ما بعد العتق فتعذر الالحاق لعدم المساواة، هكذا ذكروا هنا اه‍.
وحاصله أن المغرور خاص بالحر، ولا يمكن قياس الرقيق عليه لأنه لا مساواة بينهما فإنه لا
يطالب بالقيمة حالا كالحر فيلزم ضرر المستحق. قوله: (واستشكله الزيلعي) حيث قال: وهذا مشكل
جدا، فإن دين العبد إذا لزمه بسبب أذن فيه المولى يظهر في حق المولى ويطالب به للحال، والموضوع
هنا مفروض فيما إذا كان بإذن المولى، وإنما يستقيم هذا إذا كان التزوج بغير إذن المولى لأنه لا يظهر
الدين فيه في حق المولى فلا يلزمه المهر ولا قيمة الولد في الحال، وتشهد المسألة التي تلي هذه المسألة
بهذا المعنى اه‍... وهو في الحقيقة استشكال لقوله في الاستدلال بتأخر المطالبة إلى ما بعد العتق مع
إذن المولى بالنكاح لا لتخصيصهما المغرور بالحر كما يوهمه كلام الشارح. وأجاب بعضهم بأن إذن
المولى هنا ليس سببا لحرية الولد أو رقه، وإنما سببها حرية الام أو شرط كون الولد حرا في الزوج الحر
فلم يظهر في حقه فلم يطالب به في الحال. ونقل ط عن الرازي نحوه، وعن الواني أن الاذن
بالشئ إنما يكون إذنا بما يتعلق به إذا كان من لوازمه والوطئ ليس كذلك اه‍. فتأمل. وأجاب
الطوري بأن المكاتب والمأذون أعطيناهما حكم الأحرار ولم يتضمن ما أذن فيه المولى النكاح وتوقف
صحته على الاذن للحل لا ليضمن ذلك المولى، بخلاف مسألة البيع الآتية لان الاذن فيها تناول الفاسد
فافترقا اه‍. ولا يخفى ضعف الكل، فتأمل.
هذا، والمصرح به في المعراج والكفاية أنه على قول محمد: لو نكح بإذن المولى لزم قيمة الولد
والمهر في الحال وإلا فبعد العتق، وقد مر أيضا فاستشكال الزيلعي على ما ذكر في الاستدلال موافق
للمنقول عن محمد، فتأخر المطالبة المذكور في الاستدلال خاص بما إذا كان بلا إذن كما قيده به في
الكفاية، وبه يندفع الاشكال، نعم يرد عليه أنه ليس فرض المسألة ولذا حذفه بعض الشراح واستغنى
بالكلام الأول. قوله: (فوطئها) أي بغير إذن المولى. هداية. أما بإذن فبالأولى. معراج. قوله: (لشرائها)
الأولى حذفه كما في عبارة الدرر. قوله: (أو شراها صحيحا) اعترضه في الشرنبلالية بأن الاستحقاق
يمنع صحة الشراء اه‍. فالأولى الاقتصار على عبارة المتن، وإن أجيب عنه بأنه وصفه بالصحة باعتبار
الظاهر. قوله: (لدخوله في كتابته) أي لدخول العقر. قال في الهداية: لان التجارة وتوابعها داخلة
تحت الكتابة وهذا العقر من توابعها أو لدخول الشراء ولو فاسدا، لان الكتابة تنتظمه بنوعيه كالتوكيل
كما في الهداية أيضا، أو لدخول المذكور من الشراء مطلقا والعقر وهو أولى ليشمل الصور تين. قوله:
(لان الاذن بالشراء إذن بالوطئ) أخذه من الدرر حيث قال فيها: قال صدر الشريعة: ولقائل أن يقول:
إن العقر يثبت بالوطئ لا بالشراء، والاذن بالشراء ليس إذنا بالوطئ، والوطئ ليس من التجارة في
شئ فلا يكون ثابتا في حق المولى.
أقول: جوابه أنا سلمنا أن العقر ثبت بالوطئ لا بالشراء ابتداء، لكن الوطئ مستند إلى الشراء إذ
395

لولاه لكان الوطئ حراما بلا شبهة فلا يثبت به العقر ويجب الحد، فيكون الاذن بالشراء إذنا بالوطئ،
والوطئ نفسه وإن لم يكن من التجارة لكن الشراء منها فيكون ثابتا في حق المولى اه‍.
قال في الشرنبلالية: قوله: فيكون الاذن بالشراء إذنا بالوطئ غير مسلم فكان ينبغي تركه،
والاقتصار على ما ذكره قبله وبعده يوضحه ما في العناية: الكتابة أوجبت الشراء، والشراء أوجب
سقوط الحد، وسقوط الحد أوجب العقر، فالكتابة أوجبت العقر ولا كذلك النكاح: أي في المسألة
الآتية. قوله: (بلا إذنه) متعلق بنكاح. قال ط: أما بالاذن فيظهر في حق المولى ويطالب المكاتب به
حالا. شلبي اه‍. قوله: (أي بعد عتقه) هذا إذا كانت المرأة ثيبا، فلو بكرا فافتضها يؤاخذ به في الحال.
إتقاني عن شرح الطحاوي. قوله: (لعدم دخوله) أي النكاح بلا إذن ح: أي لأنه ليس من الاكتساب.
قوله: (كما مر) أي أول الباب من أن المكاتب ليس له التزوج بلا إذن. قوله: (في الفصلين) بدل من
قوله: فيهما أي فصل الشراء بقسميه وفصل النكاح والعلة واحدة، فإن الاذن رفع الحجر كالكتابة
فيملك التجارة والنكاح ليس منها، بخلاف الشراء. قوله: (فلها الخيار) لأنه تلقاها جهتا حرية عاجلة
ببدل وآجلة بغير بدل فتتخير بينهما. عيني. قوله: (إن شاءت مضت على كتابتها) فإن مات المولى عتقت
بالاستيلاد وسقط عنها البدل. زيلعي. قوله: (وتأخذ العقر منه) وتستعين به في أداء بدل الكتابة إذا كان
العلوق في حال الكتابة، لان المولى كالأجنبي في منافعها ومكاسبها والعقر بدل بضعها. إتقاني. ويعلم
كون العلوق في حال الكتابة بإقراره أو بأن تلد لأكثر من ستة أشهر مذ كاتبها، فإن جاءت به لأقل فلا
عقر عليه. قوله: (عجزت نفسها) أي أقرت بالعجز عن أداء البدل. قوله: (ويثبت نسبه بلا تصديقها)
وإن ولدت آخر لم يثبت من غير دعوى حرمة وطئها عليه، وولد أم الولد إنما يثبت نسبه بلا دعوى
إذا كان وطؤها حلالا، وما في الدرر من جواز استيلاد المكاتبة فالمراد به الصحة لا الحل كما نبه عليه
الشرنبلالي. قوله: (لأنها ملكه رقبة) بخلاف ما إذا ادعى ولد جارية المكاتبة حيث لا يثبت النسب منه
إلا بتصديق المكاتبة لأنه لا ملك له حقيقة في ملك المكاتبة وإنما له حق الملك. منح. قوله: (بموته
بالاستيلاد) الباء الأولى للمصاحبة والثانية للسببية: أي عتقت بموته بلا شئ وسقط عنها البدل،
لأنها عتقت بسبب أمومية الولد لبقاء حكم الاستيلاد بعد الكتابة لعدم التنافي بينهما وتسلم لها الأولاد
والاكساب لأنها عتقت وهي مكاتبة، كما إذا أعتقها المولى حال حياته. زيلعي. قوله: (وسعى المدبر
في ثلثي قيمته الخ) لأنه سلم له بالتدبير السابق على الكتابة الثلث فيكون البدل بمقابلة الثلثين، لأنه لما
كان الاعتاق عند الامام متجزئا بقي ما وراء الثلث عبدا وبقيت الكتابة فيه، فتوجه لعتقه جهتان: كتابة
مؤجلة وسعاية معجلة فيخير، لجواز أن يكون أكثر البدلين أيسر باعتبار الاجل وأقلهما أعسر أداء
396

لكونه حالا، فكان فيه فائدة وإن كان جنس المال متحدا. وعند أبي يوسف: يسعى في الأقل منهما.
وعند محمد: في الأقل من ثلثي قيمته وثلثي البدل. وتمامه في التبيين. قوله: (لم يترك غيره) فلو موسرا
بحيث يخرج من الثلث عتق بالتدبير. در منتقى. قوله: (ولو دبر مكاتبه) هذه عكس ما قبلها لان التدبير
هنا بعد الكتابة. قوله: (صح) أي التدبير لأنه يملك تنجيز العتق فيه فيملك التعليق فيه بشرط الموت.
زيلعي. قوله: (وإلا) أي وإلا يعجز، فإن أدى بدلها قبل موت السيد عتق وإلا سعى الخ. قوله: (في
ثلثي قيمته الخ) هذا عنده. وقالا: يسعى في الأقل منهما، فالخلاف في الخيار مبني على تجزي الاعتاق
وعدمه، أما المقدار فمتفق عليه لان بدل الكتابة مقابل بكل الرقبة إذ لم يستحق شيئا من الحرية قبل
ذلك، فإذا عتق بعض الرقبة مجانا بعد ذلك سقط حصته من البدل، بخلاف ما إذا تقدم التدبير لأنه
سلم له بالتدبير الثلث فيكون البدل مقابلا بما لم يسلم له وهو الثلثان. زيلعي. وقولهما أظهر كما في
المواهب. أبو السعود عن الحموي. قوله: (فإنه يعتق مجانا) وسقط عنه بدل الكتابة لأنه التزمه لتحصيل
العتق وقد حصل بدونه، وذا المولى كان يستحقه مقابلا بالتحرير وقد فات ذلك بالإعتاق مجانا.
زيلعي.
هذا، وقال في غاية البيان وقول صاحب الهداية مع سلامة الاكساب له يفهم منه أن الاكساب
تسلم للمكاتب بعد الاعتاق، وفيه نظر لان الرواية لم توجد في كتب محمد ومن بعده من المتقدمين
كالطحاوي والكرخي وأبي الليث وغيرهم، فينبغي أن يكون الاكساب للمولى بعدما أعتقه كما بعد
عجز المكاتب، ثم أطال في الاستدلال، ولم أر من تعرض لهذا من الشراح كالمعراج والعناية والكفاية،
والله تعالى أعلم. قوله: (صح استحسانا) والقياس أن لا يصح لأنه اعتياض عن الاجل بالمال. ووجه
الاستحسان أن الاجل في حق المكاتب مال من وجه لأنه لا يقدر على الأداء إلا به، وبدل الكتابة ليس
مالا من وجه حتى لا تصح الكفالة به فاعتدلا. ابن كمال. قوله: (على ألفين) قال في الحقائق: التقدير
ليس بلازم، بل المراد أن بدل الكتابة أكثر من قيمته. ابن كمال. ولو استويا بأن كان البدل ألفا وجب
تعجيل ثلثي الألف اتفاقا كما في حاشية أبي السعود عن المفتاح. قوله: (التأجيل) قيد به لان المريض
لم يتصرف في حق الورثة إلا في حق التأجيل فكان لهم أن يردوه، إذ تأجيل المال أخر حق الورثة، وفيه
ضرر عليهم فلا يصح بدون إجازتهم. كذا في المبسوط. معراج. قوله: (ولم يترك غيره) أما إذا ترك
مالا غيره يخرج هذا البدل من ثلثه صح التأجيل فيه، لان الوصية تصح بعينه، فلان تصح بتأجيله
أولى، كذا ظهر لي وحرره ط. قوله: (ثلثي القيمة) وهي الألف. قوله: (والباقي إلى أجله) أي الباقي من
الألفين على القولين ح. قوله: (لقيام البدل الخ) تعليل لقوله: أدى ثلثي البدل ح. قوله: (على ألف)
397

أي على نصف قيمته. قوله: (اتفاقا) والفرق لمحمد بين هذه وبين الأولى أن الزيادة على القيمة كانت حق
المريض في الأولى حتى كان يملك إسقاطها بالكلية بأن يبيعه بقيمته فتأخيرها أولى لأنه أهون من
الاسقاط، وهنا وقعت الكتابة على أقل من قيمته فلا يملك إسقاط ما زاد على ثلث قيمته ولا تأجيله
لان حق الورثة تعلق بجميعه، بخلاف الأولى. زيلعي. قوله: (الغائب) قيد به لأنه فرض المسألة في
كلام المصنف كما يشهد به السباق واللحاق وإلا فالحاضر مثله. قوله: (وقبل المولى) صوابه: الحر أو
الرجل كما عبر به الزيلعي ومله مسكين. قال محشيه أبو السعود نقلا عن الحموي: وهذا صريح في
أن الامر لا يكون إيجابا في باب الكتابة كالبيع، فليحرر. قوله: (ثم أدى الحر ألفا) يفهم منه بعد قوله:
وقبل الرجل أنه لو لم يقبل وأدى ألفا لا يعتق، خلافا لما يظهر من الدرر حيث أطلق في أنه يعتق
بالأداء ولم يقيده بقبول الرجل، ولهذا قيده في العزمية بقوله: عتقه بالأداء مقيد بما إذا قبل الرجل ثم
أدى ألفا كما ذكره الزيلعي اه‍. أبو السعود. قوله: (عتق العبد) ويقع العتق عن المأمور، وكذا لو قال:
كاتب عبدك عني بألف بخلاف أعتق عبدك عني بألف فإنه يقع عن الآمر، والفرق بينهما مبسوط في
المعراج. قوله: (يعتق استحسانا) أي لا قياسا، بخلاف الأولى فهي قياس واستحسان. ووجه القياس
هنا أن العقد موقوف والموقوف لا حكم له ولم يوجد التعليق. قوله: (لنفوذ تصرف الفضولي الخ) قال
في الكفاية: وهذا لان المولى ينفرد بإيجاب العتق والحاجة إلى قبول المكاتب لأجل البدل، فإذا تبرع
الفضولي بأدائه عنه تنفذ الكتابة في حق هذا الحكم وتتوقف في حق لزوم الألف على العبد. قوله: (ولا
يرجع الحر على العبد) وقيل يرجع على المولى ويسترد: ما أداه إن أداه بضمان لان ضمانه كان باطلا لأنه
ضمي غير الواجب. زيلعي. قوله: (لأنه متبرع) يعني وقد حصل مقصوده وهو عتق العبد، ولا بد
من هذه الزيادة لأنه إذا أدى بعض البدل يرجع بما أداه على المولى لعدم حصول مقصوده وهو العتق،
سواء أدى بضمان أو بغير ضمان. شرنبلالية.
أقول: كون هذه الزيادة لا بد منها محل نظر، لان الكلام في الرجوع على العبد. تأمل. قوله:
(صار مكاتبا) لان الكتابة كانت موقوفة على إجازته وقبوله فصار إجازته انتهاء كقبوله ابتداء، ولو قال
العبد: لا أقبله فأدى عنه الرجل الذي كاتب عنه لا تجوز لأن العقد ارتد برده، ولو ضمن الرجل لم
يلزمه شئ لان الكفالة ببدل الكتابة لا تجوز. زيلعي. قوله: (إنما يحتاج لقبوله الخ) أي توقف الكتابة
في حق لزوم البدل عليه متوقف على قبوله كما قدمناه. قوله: (على نفسي) كذا عبارة التبيين، والأولى
عن بدل على كما في الهداية وغيرها. قوله: (صح العقد استحسانا) وفي القياس يصح عن نفسه
398

لولايته عليها، ويتوقف في حق الغائب لعدم الولاية عليه. هداية. قوله: (في الحاضر أصالة الخ) قال
الزيلعي: وجه الاستحسان أن المولى خاطب الحاضر قصدا وجعل الغائب تبعا له، والكتابة على هذا
الوجه مشروعة، كالأمة إذا كوتبت دخل في كتابتها ولدها المولود في الكتابة والمشتري فيها والمضموم
إليها في العقد تبعا لها حتى يعتقوا بأدائها وليس عليهم شئ من البدل، ولان هذا تعليق العتق بأداء
الحاضر والمولى ينفرد به في حق الغائب فيجوز من غير توقف ولا قبول من الغائب اه‍.
قلت: وفي التعليل الثاني نظر لأنه يحصل بالعتق بأداء الغائب، وكذا بإبراء الحاضر كما يأتي.
تأمل. قوله: (بلا رجوع) أي من كل على صاحبه لان الحاضر قضى دينا عليه والغائب متبرع به غير
مضطر إليه. هداية. قوله: (من أحدهما) أما الحاضر فلان البدل عليه، وأما الغائب فلانه ينال به شرف
الحرية وإن لم يكن البدل عليه، وصار كمعير الرهن إذا أدى الدين. هداية. قوله: (لا يعتبر) أي في
كونه مطالبا. قال في الدرر: فلا يؤخذ بشئ لنفاذ العقد على الحاضر اه‍: أي بلا توقف ولا قبول من
الغائب كما مر.
قلت: وبه ظهر الفرق بين هذه وبين المسألة السابقة حيث قدم أنه إذا بلغ العبد فقبل صار
مكاتبا: يعني نفذت الكتابة في حق لزوم البدل عليه كما قدمناه، فدبر. وقد توقف فيه الواني وأقره
نوح أفندي كما ذكره أبو السعود. قوله: (ولو حرره) أي أعتق الغائب. قوله: (سقط عن الحاضر حصته)
أي من البدل، لان الغائب دخل في العقد مقصودا فكان البدل منقسما وإن لم يكن مطالبا به، بخلاف
الولد المولود في الكتابة حيث لا يسقط عن الام شئ من البدل بعتقه، لأنه لم يدخل مقصودا ولم يكن
يوم العقد موجودا وإنما دخل بعد ذلك تبعا لها. زيلعي. قوله: (أدى الغائب حصته حالا وإلا رد قنا)
لأنه دخل مقصودا، بخلاف المولود في الكتابة حيث يبقى على نجوم والده إذا مات. كذا في الدرر.
فإن قلت: هذا ينافي ما تقدم من أنه داخل في العقد تبعا. قلت: هو أصيل باعتبار إضافة العقد
إليه تبع باعتبار عدم مشافهته به، بخلاف المولود في الكتابة فإنه تبع من كل وجه لعدم وجوده وقت
العقد. كذا يؤخذ من العناية ح.
قلت: ويؤخذ مما قدمناه عن الزيلعي أيضا. قوله: (ولو أبرأ الحاضر أو وهبه له عتقا) أي وهبه
البدل، وقيد بالحاضر لأنه لو أبرأ الغائب أو وهبه لا يصح لعدم وجوبه عليه كما في التبيين. قوله:
(وإن كاتب الأمة الخ) والحكم في العبد كذلك، وكذا في الكبيرين. وفائدة التقييد بالأمة والصغيرين
مبسوطة في المعراج. قوله: (صح استحسانا) وذهب بعض المشايخ إلى أنه هنا قياس واستحسان لان
الولد تابع لها، بخلاف الأجنبي فإنه استحسان لا قياس. قال في العناية: وأرى أنه الحق. شرنبلالية.
قوله: (لما مر) أي من التبعية فهي أصل وأولادها تبع، بل هي أولى من الأجنبي كما في الهداية،
399

وليس بطريق الولاية، إذ لا ولاية للحرة على ولدها فكيف الأمة. إتقاني. قوله: (ممن ذكر) أي من الام
أو الابنين إذا كبرا. إتقاني. قوله: (إلى آخر ما مر) قال الزيلعي: وقبول الأولاد الكتابة وردهم لا يعتبر،
ولو أعتق المولى الام بقي عليهم من بدل الكتابة بحصتهم يؤدونها في الحال، بخلاف الولد المولود
في الكتابة والمشتري حيث يعتق بعتقها ويطالب المولى الام بالبدل دونهم، ولو أعتقهم سقط عنها حصتهم
وعليها الباقي على نجومها، ولو اكتسبوا شيئا ليس للمولى أن يأخذه ولا له أن يبيعهم، ولو أبرأهم عن
الدين أو وهبهم لا يصح ولها يصح، فتعتق ويعتقون معها لما ذكرنا في كتابة الحاضر مع الغائب. قوله:
(فرع) تقدم أول الكتاب مع زيادة في كل من الموضعين على الآخر ح. قوله: (وسعى في بقية قيمته)
وما اكتسب قبل الأداء نصفه له ونصفه للمولى، لان نصفه مكاتب ونصفه رقيق عند أبي حنيفة لنجزي
الكتابة عنده. بدائع.
وفي الهندية: فإن اشترى المولى منه جاز في النصف، وإن اشترى هو من المولى جاز في الكل
استحسانا كما لو اشترى من غيره.
مطلب: القياس مقدم هنا
وفي القياس: لا يجوز إلا في النصف، وبالقياس أخذ. كذا في المبسوط اه‍.
باب كتابة العبد المشترك
أخره لان الأصل عدم الاشتراك. إتقاني. وقال غيره: لان الاثنين بعد الواحد. قوله: (لصاحبه) أي شريكه الآخر. قوله: (حظه) أي
حظ المأذون. كفاية. قوله: (ويقبض) قال الزيلعي: فائدة الاذن بالكتابة
أن لا يكون له حق الفسخ كما إذا لم يأذن. وفائدة إذنه بالقبض أن ينقطع حقه فيما قبض اه‍. وسيشير
الشارح إلى ذلك. قوله: (عند الامام) وعندهما غير متجزئة، فالاذن بكتابة نصيبه إذن بكتابة الكل، فهو
أصيل في البعض وكيل في البعض والمقبوض مشترك بينهما، ويبقى كذلك بعد العجز كما في الهداية.
قوله: (لاذنه) أما إذا كاتبه بغير إذن شريكه صار نصيبه مكاتبا، وعندهما كله لما مر، وللساكت الفسخ
اتفاقا قبل الأداء دفعا للضرر عنه، بخلاف ما لو باع حظه إذ لا ضرر، وبخلاف العتق وتعليقه بشرط إذ
لا يقبل الفسخ، ولو أدى البدل عتق نصيبه خاصة عنده لما مر، وللساكت أن يأخذ من الذي كاتبه نصف
ما أخذ من البدل. وتمامه في التبيين. قوله: (بعض الألف) بدل من قوله: بعضه. قوله: (لاذنه له
بالقبض) ال الزيلعي: لان إذنه بالقبض إذن للعبد بالأداء يه منه فيكون متبرعا بنصيبه على المكاتب
فيصير المكاتب أخص به، فإذا قضى به دينه اختص به القابض وسلم له كله اه‍. قوله: (فيكون متبرعا) أي
400

على العبد المكاتب كما سمعته من عبارة الزيلعي. وفي الاصلاح والدرر: على القابض. وادعى في
العزمية أنه غير صواب.
قلت: ولا منافاة لما في الكفاية حيث قال: فيصير الآذن متبرعا بنصيب نفسه من الكسب على
العبد ثم على الشريك، فإذا تبرعه بقبض الشريك لم يرجع الخ. قوله: (عتق حظ القابض) ولا
يضمن لشريكه لأنه برضاه، ولكن يسعى العبد في نصيب الساكت. عزمية عن الكافي. قوله: (خلافا
لهما) حيث لا تصح دعوة الأخير عندهما.
واعلم أنهم ذكروا في جميع الكتب خلافهما بعد تمام المسألة: أي بعد قوله وهو ابنه، والشارح
قدمه، فيوهم أن لا اختلاف في ثبوت النسب من الثاني وليس كذلك. قال العيني وغيره: وهذا كله
عند أبي حنيفة. وعندهما: هي أم ولد الأول، وهي مكاتبة كلها، وعليه نصف قيمتها لشريك عند أبي
يوسف وعند محمد: الأقل من نصف قيمتها ومن نصف ما بقي من بدل الكتابة، ولا يثبت نسب الولد
الأخير من الآخر، ولا يكون الولد بالقيمة ويغرم العقر لها، وهذا الخلاف مبني على الاختلاف في
تجزي استيلاد المكاتبة فعنده يتجزى لا عندهما، واستيلاد القنة لا يتجزى بالاجماع، واستيلاد المدبرة
يتجزى بالاجماع. قوله: (بعد ذلك) أي بعد الوطأين والدعوتين. قوله: (لزوال المانع) وهو الكتابة من
الانتقال: أي من انتقال الاستيلاد تماما إليه مع قيام المقتضى فيعمل المقتضى عمله من وقت وجوده
كالبيع بشرط الخيار للبائع إذا أسقط الخيار يثبت الملك به من وقت وجوده. زيلعي. قوله ووطؤه
سابق جواب عما عساه يقال إن كلا له ملك فيها وقد وطئ كل وادعى، فما المرجح لاختصاص
الأول بكونها أم ولد له؟ ط. قوله: (وضمن لشريكه نصف قيمتها) يعني حال كونها مكاتبة لأنه تملك
نصيبه لما استكمل الاستيلاد. درر. وفي الشرنبلالية عن الفتح: وقيمة المكاتب نصف قيمته قنا لأنه
حر يدا وبقيت الرقبة. قوله: (ونصف عقرها) لوطئه أمة مشتركة فوجب العقر كله عليه، ثم لما عجزت
سقط عنه نصيبه وبقي نصيب صاحبه. إتقاني. قوله: (لوطئه أم ولد الغير حقيقة) بناء على ما مر من أنها
لما عجزت استكمل الاستيلاد للأول لزوال المانع. قوله: (لأنه بمنزلة المغرور) لأنه وطئها على ظن أنها
على حكم ملكه، وظهر بالعجز وبطلان الكتابة أنه لا ملك له فيها، وولد المغرور ثابت النسب منه حر
بالقيمة. زيلعي. وادعى بعض الشراح أن ضمان الثاني القيمة قولهما، لان ولد أم الولد كأمه في عدم
التقوم عند أبي حنيفة. قال الحموي: وهو ممنوع، فقد أطبق الشراح على أنه قول أبي حنيفة، غاية ما
فيه أنه يشكل على قوله، وقد أجيب عنه بأن عنه روايتين في تقدمهما اه‍. والأحسن ما أجاب به في
المبسوط كما نقله بعضهم، من أن عدم تقوم ولد أم الولد عنده بعد ثبوت أمية الولد ولم تثبت في الولد
401

لأنه حر الأصل، فلهذا كان مضمونا بالقيمة. قوله: (ترده للمولى) أي ترد العقر لأنه ظهر اختصاصه
بها. زيلعي. قوله: (والمسألة بحالها) أي وقد كاتباها ووطئ الأول فولدت فادعاه. قوله: (بطل التدبير)
لأنه لم يصادف الملك. أما عندهما فظاهر لان المستولد تملكها قبل العجز. وأما عنده فلانه بالعجز تبين
أنه تملك نصيبه من وقت الوطئ فتبين أنه مصادف ملك غيره والتدبير يعتمد الملك، بخلاف النسب
لأنه يعتمد الغرور على ما مر. هداية. قوله: (نصف قيمتها) لأنه تملك نصفها بالاستيلاد على ما بينا،
وقوله: نصف عقرها أي لوطئه جارية مشتركة. زيلعي. قوله: (والولد للأول) لان دعواه قد صحت
على ما مر، وهذا كله بالاجماع. زيلعي. واعترض قوله: والولد للأول بأنه يوهم كون الثاني وطئ
وادعى والمفروض خلافه، فلو أبدله بقوله وتم الاستيلاد للأول لكان أولى. قوله: (فعجزت) قيد به لأنه
يظهر به أثر الاعتاق ويصير تعديا فيغرم، أما قبله فلا يضمن شيئا عند أبي حنيفة لأنها مكاتبة في
نصيب شريكه كما كانت لتجزي الاعتاق عنده فلم يتلف نصيب صاحبه، لان معتق النصف يسعى
بمنزلة المكاتب وهنا ذلك النصف مكاتب قبل الاعتاق فلم يظهر الاعتاق فيه. وعلى قولهما يغرم في
الحال لعدم تجزي الاعتاق. وتامه في غاية البيان. قوله: (فرع) هو من مسائل المتون. قوله: (أو ضمن
شريكه في الأولى فقط) أي ضمنه قيمته مدبرا وهي ثلثا قيمته قنا لأنه أتلفه وهو مدبر، بخلاف ما إذا
تأخر التدبير حيث لا يضمنه لأنه بمباشرة التدبير يصير ميراثا للمعتق عن الضمان لمعني، وهو أن
نصيبه كان قنا عند إعتاق المعتق فكان تضمينه إياه متعلقا بشرط تملك العين بالضمان وقد فوت ذلك
التدبير. كذا في العناية ح. والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى
تأخيره ظاهر التناسب إذ الموت والعجز بعد العقد. قوله: (عن أداء نجم) النجم: هو الطالع، ثم
سمي به الوقت المضروب، ثم سمي به ما يؤدي فيه من الوظيفة، واشتقوا منه قولهم: نجم الدية: أي
أداءها نجوما. صحاح ومغرب ملخصا. فاستعماله بمعنى ما يؤدي مجاز بمرتبتين. قوله: (سيصل إليه)
كدين يقتضيه أو مال يقدم. هداية. قوله: (الحاكم) شمل المحكم لان حكمه يصح فيما سوى الحدود
والقصاص إذا كان له أهلية القضاء. إتقاني. قوله: (لإبلاء الاعذار) أي لاختيار أصحابها، قال في
الهداية: كإهمال الخصم للدفع والمديون للقضاء. قوله: (وإلا عجزه إلخ) أي إن لم يرج له مال وهذا
عندهما، وهو الصحيح. قهستاني عن المضمرات. وقال أبو يوسف: لا يعجزه حتى يتوالى عليه نجمان
402

لقول علي رضي الله عنه: إذا توالى عليه نجمان رد في الرق وحملاه على الندب: أي يندب أن لا يرده
قبلهما لتعارض الآثار. قوله: (وفسخها) أي وجوبا، وذكر الفسخ بعد التعجيز لان التعجيز غير كاف.
ط عن الحموي. قوله: (فالمولى له الفسخ) بل يجب عليه رفعا للإثم بالرجوع عن سببه ط. قوله: (وعاد
رقه) أي حكم رقه، والأولى قول الهداية والكنز أحكام الرق لان رقه لم يزل. أفاده القهستاني. قوله:
(وما في يده لمولاه) ولو صدقة وهو غني في الصحيح كما سيأتي. قوله: (وله مال لم تفسخ) لأنه عقد
معاوضة، وفيه إشعار بأنه إذا لم يترك وفاء تنفسخ، حتى لو تبرع أحد بالبدل لا يقبل منه، وهذا قول
أبي بكر الإسكاف. وذهب الفقيه أبو الليث إلى أنه لا ينفسخ بدون الحاكم كما في الصغرى. قهستاني.
قوله: (وتؤدى كتابته من ماله) فلو عليه ديون للمولى ولأجنبي ففي البدائع: يبدأ بدين الأجنبي ثم
ينظر: فإن كان في التركة وفاء بدين المولى وبالكتابة بدئ بدين المولي، وإلا فبالكتابة، ويستوفي المولى
الدين إذا ظهر لهمال. أما لو بدئ به صار عاجزا، ولا يجب للمولى على عبده القن دين. قوله: (كما
يحكم بعتق أولاده الخ) هذا يقتضي أنه لا يحكم بعتق أصوله وفروعه الذين اشتراهم في كتابته مع أنه
يحكم بعتقهم، فالصواب أن يقال: كما يحكم بعتق من دخل في كتابته ح. وفي الغرر: وحكم بعتق
بنيه، سواء ولدوا في كتابته أو شراهم حال كتابته أو كوتب هو وابنه صغيرا أو كبيرا بمرة: أي بكتابة
واحدة، فإن كلا منهم يتبعه في الكتابة وبعتقه عتقوا اه‍ ط. قوله: (المولودين في كتابته) أي من أمته
بالتسري وإن حرم لعدم منافاتها ثبوت النسب كما قدمناه عن الشرنبلالية، وسنذكر صورتين عن البدائع
غير هذا. قوله: (لورثته) أي لأولاده الأحرار، بأن ولدوا من امرأة حرة، وكذا المولودون في الكتابة
والذين اشتراهم فيها ووالداه يعتقهم بعتقه، وكذا ولده المكاتب معه بمرة لا المكاتب على حدة لأنه
يموت حرا وولده مكاتب والمكاتب لا يرث. بدائع. فإن لم يكن له وارث من القرابة فلسيده بالولاء.
قوله: (ولو لم يترك مالا) لا حاجة إلى التقدير مع قول المتن: ولا وفاء له ح. قوله: (ولد في كتابته)
بأن تزوج أمة بإذن مولاه فولدت منه ثم اشتراها المكاتب وولدها أو المكاتبة ولدت من غير مولاها.
بدائع. قوله: (وسعى) ظاهره أنه لا بد أن يكون قادرا على السعي وليس
كذلك. قال في الكافي: لو كاتب أمته على أنه بالخيار ثلاثة أيام فولدت في مدة الخيار وماتت وبقي
الولد يبقى خياره وعقد الكتابة عند الامام. والثاني: وله أن يجيزه. وإذا أجاز يسعى الولد على نجوم
الام، وإن أدى عتقت الام في آخر جزء من أجزاء حياتها، وهذا استحسان. وعند الثالث: تبطل
الكتابة، ولا تصح إجازة المولى وهو القياس (1) اه‍ طوري. وظاهره أنه ينتظر قدرته على السعي،

(1) قوله: (وهو القياس) اي لان شرط بقاء العقد الموقوف بقاء العاقدين، فلو مات أحدهما بطل العقد فكان مقتضى
القياس هنا كذلك لموت أحد العاقدين وهم الأم ا ه‍.
403

وتوقف فيه الشرنبلالي، ونقل عنه أنه أجاب في هامش حاشيته بأن القاضي ينصب له شخصا وصيا
فيجمع له مالا وتنفك رقبته، ومثل الصغير المقعد والزمن والمجنون اه‍. والله تعالى أعلم. قوله: (على
نجومه) فلا يرد إلى الرق إلا إذا أخل بنجم أو نجمين على الاختلاف. بدائع. قوله: (حكم بعتق أبيه
قبل موته وبعتقه) كذا جعل العتق مستندا صاحب الهداية والكنز وغيرهما. قال في الشرنبلالية: ويخالفه
ما في الظهيرية من أنه لا يستند بل يقتصر على وقت الأداء. قوله: (أدى البدل حالا أو رد الخ) هذا
قول الإمام، لان الاجل يثبت بالشرط في العقد فيثبت في حق من دخل تحت الكتابة، والمشتري لم
يدخل لأنه لم يضف إليه العقد ولم يسر حكمه يه لكونه منفصلا وقت الكتابة.
وأورد عليه أنه قد مر في فصل تصرفات المكاتب أنه إذا اشترى أباه أو ابنه دخل في كتابته:
وأيضا لو لم يسر حكمه إليه لما عتق عنده بأداء البدل حالا. وأجيب بأن المراد بدخول المشتري ليس
لسراية حكم العقد الجاري بين المكاتب والمولي إليه، بل يجعل المكاتب مكاتبا لولده باشترائه إياه تحقيقا
للصلة، وبأن عتق الولد المشتري عنده بالأداء حالا ليس الاجل السراية أيضا بل بصيرورة المكاتب كأنه
مات عن وفاء كما أفصح عنه في الكافي. طوري ملخصا. قوله: (وسويا بينهما) فيسعى على نجوم أبيه
عندهما، وكذا كل ذي رحم محرم منه اشتراهم. إتقاني. قوله: (فيردان للرق) هذا على رواية الأصل.
وفي إملاء رواية أبي سليمان جعله كالولد المشتري في الكتابة، فعن أبي حنيفة روايتان كما في
التاترخانية، ونقل في غاية البيان الثانية عن شرح الكافي للبزدوي، وعليها اقتصر في البدائع، ثم هذا
إذا لم يكن للمكاتب أحد من أولاده. قال في الجوهرة: فإن ترك مع الولود في الكتابة أبوي وولدا آخر
مشتري في الكتابة فهم موقوفون على أداء بدل الكتابة من المولود في الكتابة، وليس للمولي بيعهم ولا
أن يستسعيهم، فإذا أدى المولود فيها بدلها عتق وعتقوا جميعا، وإن عجز ورد في الرق رد هؤلاء معه
إلا أن يقولوا نحن نؤدي المال الساعة فيقبل ذلك منهم قبل قضاء القاضي بعجز المولود في الكتابة.
قوله: (كما مات) أي بمجرد موته، ولا يقبل منهما بدل حال ولا مؤجل عند الامام ح. قوله: (وقالا
إن أديا حالا عتقا وإلا لا) المصرح به في شرح المجمع والشرنبلالية أن الأصول كالفروع عندهما في
السعي على النجوم، فلينظر من أين أخذ الشارح هذا الكلام ح.
أقول: الذي أوقعه في ذلك الشرنبلالي، فإنه ذكر في فصل تصرفات المكاتب أن الوالدين يردان
للرق كما مات، وعزاه للتبيين والعناية. ثم قال: ويخالفه ما في ئ: إذا مات المكاتب من غير مال
يقال للولد المشتري وللوالدين: إما أن تؤدوا الكتابة حالا، وإلا رددناكم في الرق، بخلاف الولد
المولود في الكتابة اه‍. لكن تنتفي المخالفة بحمل ما في البدائع على قول الصاحبين: وبحمل غيره على
قول الإمام كما صرح به في مختصر الظهيرية، وسنذكره. اه‍ كلام الشرنبلالي. ثم نقل في هذا الباب
عن مختصر الظهيرية أن الولدين ليسا كالولد فيباعان كسائر أكسابه، وهذا عند أبي حنيفة. وعندهما: إذا
ترك ولدا مشترى أو أبا أو أما يسعى على نجوم المكاتب كالمولود في الكتابة اه‍. فحمله ما في البدائع
من أن الوالدين كالمشتري في الكتابة على قول الصاحبين هو عين ما قاله الشارح وهو غير صحيح، بل
ما في البدائع هو رواية الاملاء عن أبي حنيفة كما قدمناه عن التاترخانية، وما استند إليه في الحمل
404

المذكور من كلام مختصر الظهيرية لا يفيده بوجه من الوجوه، فإنه مصرح بأن الأبوين عندهما كالمولود
في الكتابة لا كالمشتري.
والحاصل: أن الوالدين والولد المشتري في الكتابة وكذا كل ذي رحم محرم اشترى فيها يسعون
على نجوم المكاتب عند الصاحبين كالمولود فيها بلا فرق بين الجميع. وأما عند الامام فلكل حكم
يخصه بينه المصنف والشارح، سوى المحارم لعدم دخولهم عنده في كتابته كما مر في محله، وهذا على
رواية الأصل. وعلى رواية الاملاء: الوالدان كالولد المشتري عنده، وهي ما مشى عليه في البدائع،
فاغتنم هذا التحرير بعون الملك القدير. قوله: (وابنه الكبير) التقييد بالكبير خطأ مخالف لصريح الغرر
حيث قال: أو كوتبغ هو وابنه صغيرا أو كبيرا بمرة ح.
أقول: وعلله ابن الكمال بقوله: فإن الصغير يتبعه وهو مع الكبير جعلا كشخص واحد اه‍.
فلما كان الصغير تابعا له قيد بالكبير لتظهر الفائدة. تأمل. قوله: (كتابة واحدة) فلو كل على حدة فلا
يرث لأنه يموت والولد مكاتب كما قدمناه عن البدائع. قوله: (أي معتقة) فسر الحرة بذلك، أخذا من
قوله: ولو قضى به أي بالولاء لقوم أمه، فإن حرة الأصل لا ولاء لاحد على ولدها كما سيذكره
الشارح قبيل فصل ولاء الموالاة. قوله: (ضرورة أن الأب) الخ علة للقضاء على عاقلة الام ح. قوله: (لم
يعتق بعد) لأنه وإن ترك مالا وهو الدين لا يحكم بعتقه إلا عند الأداء. قوله: (لعدم المنافاة) أي لعدم
منافاة القضاء على عاقلة الام للكتابة، بل قال في الهداية: إن هذا القضاء يقرر حكم الكتابة، لان من
قضيتها إلحاق الولد بموالي الام وإيجاب العقل عليهم، لكن على وجه يحتمل أن يعتق فينجر الولاء إلى
موالي الأب والقضاء بما يقرر حكمه لا يكون تعجيزا. قوله: (ولا رجوع) فيه طي، والتقدير كما في
غاية البيان: فإن خرج الدين وأديت الكتابة رجع ولاء الولد إلى موالي الأب ولا رجوع لموالي الام بما
عقلوا عنه بعد وفاته اه‍. لكن يخالفه قول الطوري: وكانوا مضطرين فيما عقلوا فلهم الرجوع على
موالي الأب اه‍. نعم ذكر في النهاية والمعراج تفصيلا يدفع المخالفة، وهو أنهم لا يرجعون بما عقلوا
من جناية الولد في حياة المكاتب على موالي الأب، لأنه إنما حكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته
فلا يستند عتقه إلى أول عقد الكتابة، أما لو عقلوا عن جنايته بعد موت الأب قبل أداء البدل رجعوا
لان عتق الأب استند إلى حال حياته فتبين أن ولاءه كان لموالي الأب من ذلك الوقت ووالي الام كانوا
مجبورين على الأداء اه‍. ومثله في حاشية أبي السعود عن تكملة فتح القدير للعلامة الديري، وبه ظهر
أن قول الشارح: ولا رجوع في غير محله، لان فرض المسألة في كلام المصنف كالكنز فيما إذا جنى
الولد بعد موت المكاتب، ولهذا اقتصر الطوري على قوله: فلهم الرجوع. قوله: (قيد بالدين الخ) قال
الزيلعي: هذا كله فيما إذا مات المكاتب عن وفاء فأديت الكتابة أو عن ولد فأداها، فأما إذا مات لا
عن وفاء ولا عن ولد فاختلفوا في بقاء الكتابة. قال الإسكاف: تنفسخ، حتى لو تطوع إنسان بأداء
405

البدل لا يقبل منه. وقال أبو الليث: لا تنفسخ ما لم يقض بعجزه اه‍. ومقتضاه أن الدين ليس بقيد
وأن أداء الولد: أي المولود في الكتابة أو المشتري فيها كخروج الدين. قوله: (لان في العين) يعني الموفى
بالبدل لتعليله بإمكان الوفاء في الحال. شرنبلالية. قال ط: والمراد بالعين ما يعم النقود الموجودة في
التركة اه‍. قوله: (لامكان الوفاء في الحال) إن قلت: إنه قد يمكن الوفاء من الدين في الحال بأن يكون
المديون حاضرا ساعة موت المكاتب فيطالب ما عليه فيدفع حالا. قلت: المراد الامكان القريب وهذا
إمكان بعيد ط. قوله: (ولو قضى به الخ) يعتني اختصموا بعد موت الولد في إرثه بالولاء قبل أداء
البدل فقضى القاضي بالولاء لقوم الام يكون قضاء بعجز المكاتب وموته عبدا، لان من ضرورة كون
الولاء لقوم الام موت المكاتب عبدا، لأنه لو مات حرا لإنجر الولاء من قوم الام. كفاية. قوله: (لأنه
في فصل مجتهد فيه) علة لما تضمنه. قوله: فهو تعجيز من نفاذ القضاء. قال في الهداية: فهو قضاء
بالعجز، لان هذا اختلاف في الولاء مقصودا، وذلك يبتني على بقاء الكتابة وانتقاضها، فإنها إذا
فسخت مات عبدا واستقر الولاء على موالي الام، وإذا بقيت واتصل بها الأدء مات حرا وانتقل الولاء
إلى موالي الأب، وهذا فصل مجتهد فيه فينفذ ما يلاقيه اه‍.
وحاصله: أن ثبوت التعجيز للقضاء بالولاء الام فالتعجيز ثابت ضمنا، وإنما نفذ هذا
القضاء لان المكاتب عند بعض الصحابة يموت عبدا وإن ترك وفاء، فكان قضاء في فصل مجتهد فيه
وهو نافذ إجماعا فتجب رعايته، وإن لزم منه بطلان الكتابة لأنها مختلف فيها فصيانته أولى. قوله: (ما
أدى) أي المكاتب إليه: أي إلى المولى. قوله: (فعجز) كذا لو عجز قبل الأداء إلى المولى، وهذا عند
محمد ظاهر لأنه بالعجز يتبدل الملك، وكذا عند أبي يوسف، وإن كان بالعجز تقرر ملك المولى عنده،
لأنه لا خبث في نفس الصدقة وإنما الخبث في فعل الاخذ لكونه إذلالا به، ولا يجوز ذلك للغني من
غير حاجة ولا للهاشمي لزيادة حرمته والاخذ لم يوجد من المولى. هداية. قوله: (لتبدل الملك) فإن العبد
يتملكه صدقة والمولى عوضا عن العتق. قوله: (وأصله حديث بريرة) يوهم أنها أهدت إليه (ص) بعدما
عجزت مع أنها أهدت إليه وهي مكاتبة كما في العناية ح. قوله: (هي لك) الذي في الهداية وشروطها
لها بضمير الغائبة. قوله: (فإنها تطيب له) لما مر أن الخبث في فعل الاخذ. قوله: (لان الملك لم يتبدل)
لان المباح له يتناوله على ملك المبيح. ونظيره المشتري شراء فاسدا إذا أباح لغيره لا يطيب له، ولو
ملكه يطيب. هداية. قوله: (جاهلا بجنايته) إذ لو كان عالما بها عند الكتابة يصير مختارا للفداء كما في
الداية. قوله: (بما جنى) أي بموجبه. معراج. قوله: (فعجز) أي في الصرتين. قوله: (دفع العبد) أي
406

لولي الجناية. قوله: (لزوال المانع) أي من الدفع وهو الكتابة، فصار قنا قبل انتقال الحق عن الرقبة فعاد
الحكم الأصلي، وهو إما الدفع أو الفداء. قوله: (بيع فيه لانتقال الحق من رقبته إلى قيمته) يشير إلى أن
الواجب هو القيمة لا الأقل منها ومن الأرش، وهو مخالف لما ذكرنا من رواية الكرخي والمبسوط،
وعلى هذا يكون تأويل كلامه إذا كانت القيمة أقل من أرش الجناية. كذا في العناية ح. قوله: (ويلزمه
الأقل الخ) فلو الأرش أقل وجب لان المجني عليه لا يستحق أكثر منه، ولو القيمة أقل وجبت لان
حكم الجناية تعلق برقبته. قوله: (قبل القضاء) أي بموجب الجناية الأولى. قوله: (فعليه قيمة واحدة)
يعني إذا كانت أقل من الأرش، وإلا فالواجب الأقل منها ومن الأرش كما صرح به في شرح المجمع
والشرنبلالية.
بقي هنا ثلاثة أمور: أن المراد بالأرش في هذه المسألة جملة أروش الجنايات التي جناها
فيصير المعنى: يجب الأقل من قيمة واحدة ومن جملة الأرش. الثاني أن ذلك الأقل يقسم بين أرباب
الجنايات بالحصص. الثالث أن ما بقي من الأروش يطالب به بعد العتق، وكل من هذه الثلاثة يحتاج
إلى التنقير في كتب المذهب ح.
أقول: عبارة شرح درر البحار تفيد الأولين حيث قال: فيؤمر بالسعاية للأولياء في أقل من
قيمته وأرش الجنايات لتعذر دفع نفسه للكتابة. قوله: (ولو بعده فقيم) حتى لو جنى جنايتين مثلا وجب
عليه الأقل من قيمته من أرش الأولى، ويجب عليه الأقل من قيمته ومن أرش الثانية. ج. قوله:
(بطلت) أي في الحال في حق المولى. قال في شرح درر البحار: لو عجز بعد إقرار بقتل خطأ قبل
القضاء بقيمته يطالب بعد عتقه اتفاقا اه‍. وأما ما في الشرنبلالية عن شرح المجمع من أنه لو أقر به
فقضى عليه ثم عجز يطالب به بعد العتق عنده، وقالا مطلقا: أي في الحال وبعده اه‍. فليس مما نحن
فيه لان كلام الشارح في العجز قبل الحكم، فافهم. قوله: (ويؤدي المال إلى ورثته) لأنهم قاموا مقامه.
قال في الجوهرة: ولو دفع إلى وصي الميت عتق، سواء كان على الميت دين أو لا، لان الوصي قائم
مقام الميت، فصار كما لو دفعه إليه، وإن دفعه إلى الوارث إن كان على الميت دين لم يعتق، لأنه دفعه
إلى من لا يستحق القبض منه، فصار كالدفع إلى أجنبي، وإن لم يكن عليه دين لم يعتق أيضا حتى يؤدى
إلى كل واحد من الورثة حصته ويدفع إلى الوصي حصة الصغار، لأنه إذا لم يدفع على هذا الوجه لم
يدفع إلى المستحق اه‍.
وظاهر إطلاقه أنه إذا لم يدفع للوصي ودفع للوارث وكان عليه دين لا يعتق وإن لم يكن الدين
مستغرقا، وبه صرح الزيلعي. قال أبو السعود: وفيه نظر، ففي غاية البيان: إذا كان الدين محيطا بماله
يمنع انتقاله إلى الوارث فيفيد أن غير المحيط لا يمنع فحينئذ يعتق بقبض الوارث، فتدبر اه‍. قوله:
407

(لخراب ذمته) أي يبطل الاجل، لان ذمته قد خربت وانتقل الدين إلى التركة وهي عين. زيلعي. قوله:
(إلا من الثالث) أي فيؤدى ثلثي البدل حالا والباقي على نجومه. شرنبلالية. والمسألة مرت في باب ما
يجوز للمكاتب مع ما فيها من التفصيل والخلاف. قوله: (عتق مجانا) أي وسقط عنه مال الكتابة،
ومعناه: يعتق من جهة الميت حتى أن الولاء يكون لذلك سور من عصبته دون الإناث. جوهرة. قوله:
(استحسانا) وفي القياس: لا يعتق لأنهم لم يرثوا رقبته وإنما ورثوا دينا فيها. جوهرة. قوله: (ويجعل
إبراء اقتضاء) هذا وجه الاستحسان، قال في الجوهرة: وجه الاستحسان أن عتقهم تتميم لكتابة،
فصار كالأداء أو الابراء ولأنهم بعتقهم إياه مبرئون له من المال وبراءته توجب عتقه كما لو استوفوا منه،
ولا يشبه هذا ما إذا أحدهم لان إبراءه له إنما يصادف حصته لا غير، ولو برئ من حصته
بالأداء لم يعتق. كذا هذا. قوله: (على الصحيح) وقيل: يعتق إذا أعتقه الباقون ما لم يرجع الأول.
زيلعي وبالثاني جزم القهستاني، ولينظر وجه الأول وما نقله المحشي عن العناية إنما يظهر فيما لو
أعتقه البعض فقط، وكذا ما قدمناه عن الجوهرة.، تأمل. قوله: (فملكها) يعني بعد عتقه. شرنبلالية.
وقوله: أن يطأها أي بملك اليمين، لان المملوكة لا ينكحها مولاها وليس للمكاتب التسري بها.
قال ح: وهذه المسألة ليست من كتاب المكاتب في شئ، فإن كل رجل حرا كان أو قنا أو
مدبرا أو مكاتبا أو ابن أم ولد أو مستسعى إذا طلق امرأته الأمة ثنتين غلظت حرمتها فلا يحل له إيراد
عقد النكاح عليها ولا وطؤها بملك اليمين حتى تنكح زوجا غيره، وإلى هذا أشار الشارح بقوله:
كما تقرر في محله اه‍. قوله: (كاتبا عبدا كتابة واحدة الخ) قيد بالعبد الواحد احترازا عن عبدين
لرجلين كاتباهما كتابة واحدة ثم عجز أحدهما كان لمولاه أن يفسخ الكتابة وإن كان مولى الآخر غائبا.
هندية عن المحيط ط. قوله: (لأنهما) أي السيدين كسيد واحد وهو لا يقبل التجزي ط. قوله: (يعجزه
بطلب أحدهم) أي بعد طلب العبد لان أحد الورثة ينتصب خصما عن الباقين ط. قوله: (بمرة) أي
بعقد واحد ط. قوله: (ولم يعلم) أي القاضي، والظاهر أنه ليس بقيد احترازي، وأن فائدة ذكره جواز
الاقدام على الرد. قوله: (لم يصح) لان كتابتهما واحدة وليس أحدهما نائبا عن الآخر كما في المسألة
التي قبلها. رحمتي. قوله: (فليس للآخر) كذا في المنح، أبو داود الذي رأيته في نسختي المجتبى: فليس
للقاضي، وفي الهندية و التاترخانية عن المحيط: فإن غاب هذا الذي رد في الرق بسبب عجزه وجاء
408

الآخر واستسعاه المولى في نجم أو نجمين فأراد أن يرده أو القاضي فليس له ذلك. قوله: (في قدر
البدل) وكذا في جنسه، كأن قال المولى كاتبتك على ألفين أو على الدنانير وقال العبد: بل على ألف
أو على الدراهم. بدائع. وإن اختلفا في الاجل أو في مقداره فالقول للمولي. ولو في مضيه فللعبد
ولو في مقدار ما نجم عليه في كل شهر فللمولى. هندية. قوله: (فالقول للمكاتب عندنا) سواء أدى
شيئا من البدل أو لا، وهو قول أبي حنيفة آخرا، لأنه متى وقع الاختلاف في قدر المستحق أو جنسه
فالقول للمستحق عليه، وكان يقول: يتحالفان ويتردان كالبيع. بدائع. قوله: (في الكتابة) أي في
بدلها، وفي للسببية كما في: دخلت النار امرأة في هرة حبستها وإنما لا يحبس به لأنه دين قاصر
حتى لا تجوز الكفالة به. بدائع. قوله: (وفيما سوى دين الكتابة) كدين استهلاك أو دين أخذه من سيده
حال إذنه ثم كاتبه أو قرض ط. قوله: (وفي غير جنس الحق الخ) فيه ثلاث مسائل:
الأولى: لو كان المولى استولى على مال لمكاتبه من غير جنس بدل الكتابة له مطالبته به ويحبسه
الحاكم عليه. الثانية: من مفهوم ذلك لو كان من جنسه قاصصه به. الثالثة: أن العبد مخير في الكتابة
له فسخها بلا رضا المولي. قوله: (ولاء) مبتدأ، وقوله: لأولاد متعلق بمحذوف نعت ولاء وقوله:
لزوجين نعت أولاد. وقوله: حررا بالبناء للمجهول: أي أعتقا نعت زوجين وقوله: لمولى
أبيهم متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وقوله: ليس للام أي لولاها خبر مقدم، ومعبر مصدر ميمي
من العبور بمعنى الدخول مبتدأ مؤخر، والجملة استئنافية مؤكدة لما قبلها. والمعنى: ولاء أولاد
الزوجين المعتقين لموالي الأب دون موالي الام لان الأب هو الأصل، ولو تزوجت عبدا أو مكاتبا
فالولاء لمواليها، فإذا أعتق الأب جر الولاء إلى مواليه. وتمامه في شرح ابن الشحنة. قوله: (توفي وما
وفى) الضميران للمكاتب، وأما مفعول بع ولميت نعت لاما ومن الولد بضم الواو وسكون
اللام بيان لميت والحي مبتدأ على حذف مضاف تقديره: وأم الحي، وتسعى خبره وتحضر من
أحضر: أي تحضر البدل. والمعنى: أن المكاتب إذا توفي لا عن وفاء وله أم ولد قد ولد في كتابة أبيه
أو اشتراه معها حتى دخل في كتابته، فإن لم يكن معها الولد بأن مات بيعت، إلى آخر ما قال الشارح،
والله تعالى أعلم.
409

كتاب الولاء أورده عقب المكاتب لأنه من آثار زوال ملك الرقبة، ولم يذكره عقب
العتق ليكون واقعا عقب سائر أنواعه. قوله: (مشتق من الولي) بفتح الواو وسكون اللام مصدر وليه يليه بالكسر فيهما، وهو
شاذ. كذا في جامع اللغة ح. قوله: (وبهذا علم الخ) فيه تعريض بصدر الشريعة حيث فسره بالميراث،
وتعريض بالمصنف أيضا تبعا لصاحب الحقائق، ولذا عدل عن تفسيريهما بقوله: بل قرابة حكمية تبعا
للكنز وغيره، فإن الولاء يتحقق بدون الإرث والتناصر، كما إذا أعتق كافر مسلما، قال في المبسوط:
لا يرثه لكونه مخالفا له في الملة، ولا يعقل عنه لأنه باعتبار النصرة، ولا نصرة بين المسلم والكافر.
قاله ابن الكمال وسيشير إليه الشارح: وأيضا فإن ما ذكره المصنف مفض إلى الدور لاخذه الولاء في
تعريفه. قوله: (بل قرابة حكمية) أي حاصلة من العتق أو الموالاة. كنز. قوله: (تصلح سببا للإرث) أتى
بلفظ تصلح للإشارة إلى أنه لا يكون سببا للإرث دائما كما علمته آنفا، ولأنه إنما يكون عند عدم
العصبة النسبية. قوله: (لا الاعتاق) خلافا للجمهور مستدلين بحديث: الولاء لمن أعتق فإن ترتيب
الحكم على المشتق دليل على أن المشتق منه علة الحكم. والجواب: أن الأصل في الاشتقاق هو مصدر
الثلاثي وهو العتق. قوله: (لان بالاستيلاد) اسم أن ضمير الشأن محذوفا، والمراد به أن تكون الجارية
أم ولده فإنها تعتق عليه بموته لا بإعتاقه ط. قوله: (وإرث القريب) كما لو مات أبوه وهو مالك لأخيه
لامه. قوله: (فجرى على الغالب) أو أن القصر إضافي. حموي عن المقدسي. فيكون المعنى: الولاء لمن
أعتق لا لمن شرطه لنفسه من بائع ونحوه كواهب وموص. أبو السعود. قوله: (ولو من وصية) كما لو
أوصى بأن يعتق عبده بعد موته أو يشتري عبدا من ماله بعد موته ثم يعتق ح: أي لانتقال فعل الوصي
أيه. زيلعي. قوله: (أو يفرع له) أي للاعتاق. قوله: (ولو امرأة) أي ولو كان السيد امرأة وأتى بذلك
للتنبيه على مخالفته للعصبة النسبية فإنه ليس فيها أنثى. قوله: (أو ذميا) وإن كان لا يرث العتق المسلم.
قوله: (أو ميتا) أشار به إلى ما ذكره ابن الكمال حيث قال: لا يقال كيف يكون الولاء بالتدبير
والاستيلاد للسيد والمدبر وأم الولد إنما يعتقان بعد موت السيد لما عرفت: أن الولاء ليس نفس الميراث
بل قرابة حكمية تصلح سببا له وثبوتها بالتدبير، والاستيلاد لا يتوقف على العتق بموت المدبر والمتولد،
صرح بذلك في المبسوط حيث قال: لان المدبر والمكاتب والمستولد استحق ولاءهم لما باشر السبب،
ولو سلم أنه ميراث فمعنى كونه للمولى أنه يستوفي منه ديونه، وتنفذ وصاياه ولو كان لورثته لما كان
كذلك، وبما قررنا تبين أن ما ارتكبوه في دفع ما ذكر من فرض ارتداد المولى منشؤه قلة التدبر بل عدم
التدرب اه‍. قوله: (حتى تنفذ وصاياه الخ) بأن مات بعده قبل قبض ميراثه منه. قوله: (لمخالفته للشرع)
410

وهو ما روي أن عائشة رضي الله تعالى عنها أرادت أن تشتري بريرة لتعتقها فقال أهلها: على أن
ولاءها لنا، فقال رسول الله (ص): لا يمنعك ذلك، فإن الولاء لمن أعتق. إتقاني. قوله: (الموجود
عند العتق) أشار به إلى علة عدم الانتقال، وإلا فهو معلوم من قوله: فولدت لأقل من نصف حول
لكن يوجد في بعض النسخ بعد قوله: أبدا ما نصه: لان الحمل كان موجودا وقت الاعتاق، فإعتاقه
وقع قصدا فلا ينتقل ولاؤه عن معتقه. صدر الشريعة اه‍. قال الطوري: وأورد أن هذا مخالف لقولهم
في كتاب الاعتاق: وإن أعتق حاملا عتق حملها تبعا لها اه‍.
قلت: قد يجاب بأنه من حيث لم يرد عليه الاعتاق بخصوصه، وإنما ورد على الام كان تبعا ومن
حيث إنه جزء منها، وإعتاقها إعتاق لجميع أجزائها كان مقصودا. تأمل، والأحسن أن يقال: لما
لم يشترط في عتقه ولادته لأقل المدة ذكروا التبعية لعدم تحقق الجزئية دائما، ولما كان نظرهم هنا إلى عدم
انتقال الولاء والشرط فيه، ولادته للأقل ذكروا القصدية لتحقق الجزئية، فتدبر. قوله: (أبدا) أي ولو عتق
أبوه حتى لو جنى الولد حكم بجنايته على موالي الام. ط عن الحموي. قوله: (ضرورة كونهما توأمين)
أي حملت بهما جملة لعدم تخلل مدة الحمل بينهما، فإذا تناول الأول الاعتاق تناول الآخر أيضا. زيلعي.
قوله: (لأكثر من نصف حول) الأولى أن يقول: لنصف حول فأكثر كما في البدائع، وأما التعبير بأكثر
من الأقل فهو مساو لتعبير الشارح، فافهم. قوله: (لتعذر تبعيته للأب) يعني أنه وإن انتفى تحقق الجزئية
هنا لاحتمال علوقه بعد العتق لكن لا يمكن تبعيته للأب لأنه لم يعتق بعد فيثبت من موالي
الام على وجه التبعية لأنه عتق تبعا لا مقصودا. قوله: (قبل موت الولد لا بعده) قال في إيضاح
الاصلاح: يعني إن أعتق الأب قبل موت الولد، لأنه إن مات قبل عتقه لا ينتقل ولاؤه من موالي الام
اه‍. وهو يقتضي أنه لو كان لهذا الولد الميت ولد لا ينتقل ولاؤه إلى موالي الأب، فليراجع ح.
أقول في الذخيرة: الجد لا يجر ولاء حافده في ظاهر الرواية، سواء كان الأب حيا أو ميتا،
وروى الأب الحسن أنه يجر.
وصورته: عبد تزوج بمعتقه قوم وحدث له منها ولد ولهذا العبد أب حي وأعتق الأب بعد
ذلك وبقي العبد على حاله ثم مات العبد وهو أبو هذا الولد، ثم مات الولد ولم يترك وارثا يجر ميراثه
كان لموالي الام اه‍. قوله: (لزوال المانع) وهو رق الأب، ولأنه لم يرد العتق على الحمل قصدا بل عتق
تبعا لامه كما قدمناه، والمنافي لنقل الولاء عتقه قصدا. قوله: (هذا) أي جر الولاء والتفصيل بين
الولادة لأقل من نصف حول أو لأكثر. قوله: (إذا لم تكن معتدة) أي وقت عتقها. قوله: (من الفراق)
أي بموت أو طلاق ح. قوله: (لا ينتقل لموالي الأب) لتعذر إضافة العلوق إلى ما بعد الموت وهو ظاهر،
وإلى ما بعد الطلاق البائن لحرمة الوطئ، وكذا بعد الرجعي لأنه يصير مراجعا بالشك، لأنه إذا جاءت
411

به لأقل من سنتين احتمل أن يكون موجودا عند الطلاق فلا حاجة إلى إثبات الرجعة لثبوت النسب،
واحتمل أن يكون فيحتاج إلى إثباتها ليثبت النسب، وإذا تعذر إضافته إلى ما بعد ذلك أسند إلى حاجة
النكاح فكان الولد موجودا عند الاعتاق فعتق مقصودا فلا ينتقل ولاؤه، وتبين من هذا أنها إذا جاءت
به لأقل من ستة أشهر كان الحكم كذلك بطريق الأولى للتيقن بوجود الولد عند الموت أو الطلاق، وأما
إذا جاءت به لأكثر من سنتين فالحكم فيه يختلف بالطلاق البائن والرجعي، ففي البائن مثل ما كان،
وأما الرجعي فولاء الولد لموالي الأب لتيقننا بمراجعته. عناية. قوله: (عجمي) الخ العجم جمع
العجمي، وهو خلاف العربي وإن كان فصيحا. كذا في المغرب.
وفي الفوائد الظهيرية هذه المسألة على وجوه: إن زوجت نفسها من عربي فولاء الأولاد لقوم
الأب في قولهم، وإن من عجمي له آباء الاسلام فلقوم الأب عند أبي يوسف، وعلى قولهما
اختلف المشايخ: حكي عن أبي بكر الأعمش وأبي بكر الصفار أنه لقوم الأب، وقال غيرهما لقوم
الام، وإن من حربي أسلم ووالى أحدا أو لم يوال فهي مسألة الكتاب، وإن من عبد أو مكاتب فلموالي
الام إجماعا إلا إذا أعتق العبد فيجر الولاء. كفاية. قوله: (أو لم يكن له ذلك) إنما فرضه المتن فيمن له
مولى موالاة لفهم مقابلة بالأولى، فلو قال فولاء ولدها لمواليها، وإن كان له مولى الموالاة كما في الكنز
لكان أولى ح. قوله: (لا يكون في العرب) أي لا يكون العربي مولى أسفل ح. قوله: (ولو لعربي)
صوابه: ولو لعجمي، لأنه إذا كان الولاء للمولى العجمي كان للعربي بالأولى ح. قوله: (لمولاها) هذا
عندهما، وعند أبي يوسف: لمولى الأب ترجيحا لجانب الأب. قوله: (حتى اعتبر فيه الكفاءة) مر بيانه
في بابها ويأتي قريبا، وأيضا فإنه مقدم على ذي الأرحام، ولا يقبل الفسخ بعد الوقوع، والموالاة
بعكس ذلك كله. قوله: (لا في العجم وولاء الموالاة) أي لا تعتبر الكفاءة فيهما من حيث النسب
والحرية، فإن الحرية والنسب في حق العجم ضعيفان، لان حريتهم تحتمل الابطال بالاسترقاق،
بخلاف العرب، ولأنهما ضيعوا أنسابهم، فإن تفاخرهم قبل الاسلام بعمارة الدنيا وبعده به، وإليه أشار
سيدنا سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه بقوله: سلمان أبوه الاسلام. فإذا ثبت الضعف في جانب
الأب كان هو والعبد سواء. قوله: (والمعتق مقدم على الرد) من هنا إلى بيت المال من مسائل الفرائض
فينبغي حذفها ح. قوله: (مؤخر عن العصبة
النسبية) أي بأقسامها الثلاث: بالنفس، وبالغير، ومع
الغير. واحترز بالنسبية عن النوع الآخر من السببية وهو مولى الموالاة، فإن المعتق مقدم عليه وعصبة
المعتق مثله. قوله: (لأنه عصبة سببية) أي والنسب أقوى. قوله: (ثم المعتق) بفتح التاء. قوله: (ولا وارث
له نسبي) يعم صاحب الفرض والعصبي. قوله: (لأقرب عصبة المولى) أخرج عصبة عصبته، فلو أعتقت
عبدا ثم ماتت عن زوج وابن منه وأخ لغير أم ثم مات العبد فالولاء لابنها فقط، فإن كان مات الابن
وترك خاله وأباه فهو للخال لأنه عصبتها دون الأب، لأنه عصبة ابنها. وتمامه في البدائع والذخيرة.
412

قوله: (الذكور نعت للعصبة) أي لا للنساء، إذ ليس هنا عصبة بغيره أو مع غيره للحديث المذكور
. قوله: (وسنحققه في بابه) أي في باب الميراث، ولم يزد على ما هنا سوى التعليل بالحديث. قوله:
(وليس للنساء الخ) استئناف في موقع الاستثناء، لان قوله: لأقرب عصبة المولى يشمل بعض
النساء، ولذا فرع عليه بعده بقوله: فلو مات الخ وبهذا علمت أن تقييد الشارح أولا بالذكور غير
لازم. قوله: (المذكور في الدرر وغيرها) وهو قوله (ص): ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق
من أعتقن، أو كاتبن أو كاتب من كاتبن، أو دبرن أو دبر من دبرن، أو جر ولاء معتقهن أو معتق
معتقهن اه‍. وقوله جر عطف على دبر أو أعتق وولاء مفعوله ومعتقهن فاعله. قهستاني. فإذا دبرت
عبدا فماتت ثم مات العبد فولاؤه لها حتى يكون للذكور من عصبتها، وكذا لو ماتت فعتق المدبر
بموتها فدبر عبدا ثم مات فولاؤه لعصبتها.
تتمة: قال أبو السعود عن تكملة الفتح للديري: عبر بما الموضوعة لما لا يعقل، لان الرقيق بمنزلة
الميت الملحق بالجماد، نظيره. قوله تعالى: * (أو ما ملكت أيمانهم) * (المؤمنون: 6) وبعد عتقه عبر بمن في أو
أعتق من أعتقن لأنه صار بالعتق حيا حكما. قوله: (لكن قال العيني وغيره الخ) وقال: والوارد عن علي
وابن مسعود وابن ثابت أنهم كانوا لا يورثون النساء من الولاء إلا ما كاتبن أو أعتقن. قوله: (وسيجئ
الجواب عنه في الفرائض) نصه هناك، وهو وإن كان في شذوذ لكنه تأكد بكلام كبار الصحابة فصار
بمنزلة المشهور كما بسطه السيد وأقره المصنف ح. وسنذكر هناك تمام الكلام عليه إن شاء الله تعالى. قوله:
(وذكر الزيلعي الخ) ومثله في الذخيرة، قال: وهكذا كان يفتي الإمام أبو بكر البرزنجري والقاضي
الامام صدر الاسلام لأنها أقرب إلى الميت من بيت المال، فكان الصرف إليها أولى، إذ لو كانت ذكرا
تستحق المال. قوله: (ترث في زماننا) عبارة الزيلعي: يدفع المال إليها لا بطريق الإرث، بل لأنها أقرب
الناس إلى الميت ح. قوله: (وكذا ما فضل الخ) عزاه في الذخيرة إلى فرائض الامام عبد الواحد الشهيد.
قوله: (للابن أو البنت رضاعا) عزاه في الذخيرة إلى محمد رحمه الله. قوله: (وأقره المصنف وغيره) قال في
شرح الملتقى: قلت: ولكن بلغني أنهم لا يفتون بذلك فتنبه، وفيه من كتاب الفرائض.
قلت: ولم أر في زماننا من أفتى بهذا ولا من قضى به، وعلى القول به فينبغي جوازه ديانة،
فليحرر وليتدبر اه‍. قوله: (ولو مسلما) أتى به لان الكلام في ثبوت الولاء، وأما الميراث فلا يثبت ما
دام المعتق كافرا وسينبه عليه، فافهم. قوله: (فلو مسلما لا يرثه) لانعدام شرط الإرث وهو اتحاد الملة،
413

حتى لو أسلم الذمي قبل موت المعتق ثم مات المعتق يرث به، وكذا لو كان للذمي عصبة من المسلمين
كعم مسلم يرثه لأنه يجعل الذمي كالميت، فإن لم يكن له عصبة مسلم يرد إلى بيت المال، ولو كان عبد
مسلم بين مسلم وذمي فنصف ولائه للمسلم والنصف الآخر لأقرب عصبة الذمي من المسلمين إن
كان، وإلا رد لبيت المال. بدائع. قوله: (ولا يعقل عنه) فإن كان المعتق من نصارى تغلب فالعقل على
قبيلته كما في التاترخانية، ويؤخذ منه أنه إذا لم يكن للمعتق الذمي قبيلة فعقل العبد المسلم على نفسه،
فإنه صرح في المسألة السابقة، وهي ما إذا لم يكن له عصبة مسلم فالإرث لبيت المال (1) والعقل على
العبد نفسه. قوله: (وبهذا اتضح الخ) لان الولاء وجد بلا ميراث ح. قوله: (ولو أعتق حربي) التقييد
بالحربي مفيد بالنظر إلى قوله: لا يعتق إلا أن يخلى سبيله لأنه في المسلم يعتق بمجرد القول كما
سيذكره، وأما بالنظر إلى قوله: ولا ولاء له فإنه والمسلم سواء، وسنذكر قريبا الكلام فيه. لم يتم عبدا
حربيا فلو مسلما أو ذميا أعتق بالاجماع وولاؤه له. بدائع. قوله: (فإذا خلاه عتق) أي صح عتقه، لكنه
العتق في حق زوال الرق وإن صح في حق إزالة الملك، لان كون الحربي في داره سبب لرقه. طوري
عن المحيط. قوله: (ولا ولاء له) هذا قول أبي حنيفة ومحمد لأنه لم يعتق عندهما بكلام الاعتاق بل
بالتخلية، والعتق الثابت بها لا يوجب الولاء. بدائع. لما علمت أنها لا تزيل الرق وإن أزالت الملك.
قوله: (خلافا للثاني) فعنده ولاؤه له، لان إعتاقه بالقول صح، وكذا إن دبره في دار الحرب فهو على
هذا الاختلاف، ولا خلاف أن استيلاده جائز لان مبناه على ثبوت النسب وهو يثبت في دار الحرب.
بدائع. قوله: (عتق بلا تخلية) أي وكان ولاؤه له كما يفيده التعليل المار فإنه عتق بالقول لا بالتخلية،
لكن في الشرنبلالية عن البدائع أنه لا يعتق بالقول بل بالتخلية عنده، وعند أبي يوسف: يصير مولاه
اه‍. وهو خلاف ما ذكر الشارح. ولم أجده في نسختي البدائع. نعم، رأيت في الهندية معزيا إلى
البدائع: لو أعتق مسلم عبدا له مسلما أو ذميا في دار الحرب فولاؤه له لان إعتاقه جائز بالاجماع، وإن
أعتق عبدا له حربيا في دار الحرب لا يصير مولاه عنده، وعند الثاني يصير اه‍. وليس فيه أنه لا يعتق
بالقول لان قوله لا يصير مولاه لا يستلزم عدم العتق، بل صرح في التاترخانية بأنه يعتق حيث قال:
إذا دخل المسلم دار الحرب فاشترى حربيا وأعتقه عتق، إلا أن الولاء لا يثبت منه في قولهما. وقال أبو
يوسف: يثبت استحسانا، وذكر نحوه الطوري عن المحيط. ثم رأيت في كتاب الاعتاق من البحر ما
نصه: المسلم إذا دخل دار الحرب فاشترى عبدا 6 حربيا فأعتقه ثمة فالقياس أنه لا يعتق بدون التخلية،
وفي الاستحسان: يعتق بدونها ولا ولاء له عندهما قياسا، وله الولاء عند أبي يوسف استحسانا اه‍.
وبه يحصل التوفيق، فتدبر. قوله: (ولو كان العبد مسلما الخ) لم يستوف الأقسام.

(1) قوله: (فالإرث لبيت المال الخ) هكذا بخطه ولعل الأولى ان يقول: بان الإرث الخ ليكون صلة لصرح تأمل ا ه‍
مصححه.
414

وحاصل ما في التاترخانية لا يخلو أن يكون المعتق مسلما أو ذميا فيثبت الولاء له وإن كان العبد
ذميا، أما لو حربيا ففيه الخلاف المار، ولو كان المعتق حربيا فإن في دار الاسلام عتق وثبت له الولاء،
سواء كان العبد مسلما أو ذميا أو حربيا، وإن في دار الحرب والعبد مسلم أو ذمي فكذلك، ولو حربيا
لا يعتق بلا تخلية، وإذا عتق فلا ولاء. قوله: (في دار الاسلام) مثله ما إذا كان في دار الحرب والمولى
مسلم كما قدمناه عن الهندية.
فرع مهم: شرى حربي مستأمن عبدا فأعتقه ثم رجع إلى داره فسبي فاشتراه عبده المعتق فأعتقه
كان كل منهما مولى للآخر، وكذلك ذمي أو امرأة مرتدة لحقا بدار الحرب فسبيا. بدائع. قوله: (يقضي
بالميراث والولاء لهما) أي ولو كان المال في يد أحدهما، إذ المقصود من هذه الدعوى الولاء وهما
سيان، ولم يرجح ذو اليد لان سبب الولاء وهو العتق لا يتأكد بالقبض، بخلاف الشراء كما في مختصر
الظهيرية، وهذا إذا لم يوقنا ولم يسبق القضاء بإحدى البينتين لما قال في البدائع: لو وقتا فالسابق أولى
لأنه أثبت العتق في وقت لا ينازعه فيه أحد، ولو كان هذا في ولاء الموالاة كان ذو الوقت الأخير
أولى، لان ولاء الموالاة يحتمل النقص والفسخ، فكان عقد الثاني نقضا للأول، إلا أن يشهد شهود
صاحب الوقت الأول أنه كان عقل عنه لأنه حينئذ لا يحتمل النقض فأشبه ولاء العتاقة. وتمامه في
الشرنبلالية. قوله: (المولى) أي المعتق ولو بكتابة أو تدبير أو استيلاد ط. قوله: (يستحق الولاء أولا) أي
إذا مات، أما لو كان حيا فلا شبهة فيه، وهذا مكرر مع قوله فيما سبق: أو ميتا الخ. قوله: (في ولاء العتاقة) بخلاف ولاء
الموالاة كما مر. قوله: (فمعتقه التاجر الخ) الأنسب أن يقول: فمعتق التاجر كف ء
لمعتقة العطار، ولا يكون كفؤا لها معتق الدباغ، لان الكفاءة تعتبر لها لا له، فليتأمل ط. قوله:
(بمعنى عدم الرق في أصلها) أي ولا فيها أيضا، وإنما فسره بذلك لان حر الأصل يطلق أيضا على
من لم يجر عليه نفسه رق، سواء جرى على أصله رق أو لا، وليس بمراد هنا كما حققه في الدرر ح.
قوله: (فلا ولاء على ولدها) أي وإن كان الأب معتقا لما ذكرنا أن الولد يتبع الام في الرق والحرية
ولا ولاء لاحد على أمه فلا ولاء على ولدها. بدائع. ووافقه في شرح التكملة ومختصر المحيط ومختصر
المسعودي كما ذكره في الدرر. قال في سكب الأنهر: هذا فرع مهم فاحفظه فإنه مزلة الاقدام اه‍.
وفي العزمية: اعلم أن سادتنا العلماء الذين أفتوا بقسطنطينية المحمية بالامر السلطاني والنصف
الخاقاني من حين الفتح إلى عامنا هذا وهو السادس والثلاثون بعد الألف افترقوا فرقتين، فذهبت فرقة
منهم إلى هذا القول المنقول من البدائع كصاحب الدرر والمولى ابن كمال باشا والمولى قاضي زاده
والمولى بستان زاده والمولى زكريا والمولى سعد الدين بن حسن خان والمولى صنع الله، وذهبت فرقة
منهم أخرى إلى عدم اشتراط ذلك منهم المولى سعد جلبي والمولى علي الجمالي والمولى الشهير بجوى
زاده الكبير وابنه، وقد أفتى المولى أبو السعود أولا على هذا وصرح برجوعه في فتوى منه فأفتى بعده
415

على موافقة ما في البدائع، واستقر رأيه على ذلك إلى أن قضى نحبه، جعل الله سعيهم مشكورا
وعملهم مبرورا. ورأيت في شرح الوجيز ما نصه من أمه حرة أصلية وأبوه رقيق لا ولاء عليه ما دام
الأب رقيقا، فإن أعتق فهل يثبت الولاء عليه لموالي الأب يحكى فيه قولان اه‍. ونحوه في المعراج.
قوله: (والأب إذا كان كذلك) أي الأصل. قوله: (فلو عربيا) التقييد به اتفاقي، لأنه لو كان الأب
مولى عربي لا ولاء لاحد على ولده لان حكمه حكم العربي لقول النبي (ص): إن مولى القوم منهم
كذا في البدائع. شرنبلالية ومثله في الهندية. قوله: (مطلقا) أي لا لقوم الأب ولا لقوم الام لان
الولاء لجهة الأب ولا رق في جهته ح. وفسر الاطلاق في العزمية بقوله: أي سواء كانت أمه معتقة
أو لا. قوله: (خلافا لأبي يوسف) أي فإنه يقول الولد يتبع الأب في الولاء كما في العربي، لان
النسب للآباء وإن ضعف. ولهما أنه للنصرة ولا نصرة له من جهة الأب، لان من سوى العرب لا
يتناصرون بالقبائل. بدائع.
والحاصل: أن الصور خمسة: أربعة وفاقية، والخامسة خلافية. الأولى: حران أصليان بمعنى
عدم دخول رق فيهما ولا في أصولهما فلا ولاء على أولادهما. الثانية: معتقان أو في أصلهما معتق
فالولاء لقوم الأب. الثالثة: الأب معتق أو في أصله معتق والام حرة الأصل بذلك المعنى عربية أولى
فلا ولاء لقوم الأب. الرابعة: الام معتقة والأب حر الأصل بذلك المعنى، فإن عربيا لا ولاء لقوم
الام، وإلا وهي الخامسة: الخلافية، فعندهما: لقوم الام، وعند الثاني: لا ولاء عليه. وتمام تحقيق
المسألة في الدرر. والله تعالى أعلم.
فصل في ولاء المولاة
أخره لأنه قابل للتحول والانتقال، ولأنه مختلف فيه، فعند مالك والشافعي: لا اعتبار له أصلا
بخلاف العتاقة والأدلة في المطولات. قوله: (رجل مكلف) أي عاقل بالغ، فليس للصبي العاقل أن
يوالي غيره ولو بإذن وليه على ما يأتي بيانه والتقييد بالرجل اتفاقي لصحته من المرأة كما يأتي. قوله: (أو
والى غيره) أي غير من أسلم على يده، وعند عطاء: هو مولى للذي أسلم على يده. بدائع. قوله:
(الشرط كونه عجميا لا مسلما) تعقب على قوله: أسلم قال في اللتاترخانية: وقد صرح شيخ الاسلام
في مبسوطه بأنه ذكر على سبيل العادة. قوله: (على ما مر وسيجئ) مرتبط بقوله: عجميا فإنه ذكر
قبل هذا الفصل أن الموالاة لا تكون في العرب وسيجئ أيضا في قوله: أن لا يكون عربيا ويصرح
بعده بأن الاسلام ليس بشرق. قوله: (على أن يرثه) بأن يقول: أنت مولاي ترثني إذا مت وتعقل عني
إذا جنيت، فيقول: قبلت أو يقول: واليتك، فيقول: قبلت بعد أن ذكر الإرث والعقل في العقد.
بدائع. وظاهره أن ذكره شرط وسيصرح به. قوله: (وإرثه له) قال في المبسوط: ولو مات الاعلى ثم
416

الأسفل فإنما يرثه الذكور من أولاد الاعلى دون الإناث على نحو ما بينا في ولاء العتاقة. طوري. قوله:
(وكذا لو شرط الإرث من الجانبين) أي بعد استيفاء الشروط الآتية في كل منهما فيرث كل صاحبه
الذي مات قبله، وقد ذكر في عامة الكتب من غير خلاف، ونقل المقدسي عن ابن الضياء أنه عند أبي
حنيفة يصير الثاني مولى الأول، ويبطل ولاء الأول، وقالا: كل مولى صاحبه. تمامه في الشرنبلالية
ونقل الخلاف أيضا في غاية البيان عن التحفة. قوله: (ولو والى صبي عاقل) قيد به لأنه إذا لم يعقل
لم يعتبر تصريفه أصلا. درر. وعبارة الزيلعي: ولو عقد ومع الصغير أو مع العبد اه‍. فالأولى أن يقول:
صبيا عاقلا أو عبدا بالنصب ليفهم أن الصبي أو العبد مولى أعلى لما في البدائع. وأما البلوغ فهو
شرط الانعقاد في جانب الايجاب، حتى لو أسلم الصبي على يدي رجل ووالاه لم يجز وإن أذن أبوه
الكافر، إذ لا ولاية للأب الكافر على الابن المسلم، ولهذا لا تجوز سائر عقوده بإذن كالبيع ونحوه،
فأما من جانب القبول فهو شرط النفاذ، حتى لو والى بالغ فقيل صبيا توقف على إجازة أبيه أو وصيه،
وكذا لو والى رجل عبدا توقف على إجازة المولى، إلا أن الولاء من المولى وفي الصبي منه لأنه أهل
للملك والمكاتب كالعبد اه‍ ملخصا. قوله: (لضعفه) لان الموالاة عقدهما فلا يلزم غيرهما، وذو الرحم
وارث شرعا فلا يملكان إبطاله. درر. قوله: (وله النقل عنه بمحضره) أي بعلمه. بدائع. والضمير في
له للمولى الأسفل، وقوله: إلى غيره متعلق بالنقل، والضمير فيه للأعلى، وتقييده بالحضرة مخالف لما
في الهداية، حيث اعتبرها قيدا للتبري عن الولاء دون الانتقال في ضمن عقد آخر مع غيره. وقال في
الكفاية: للمولى الأسفل أن يفسخ الولاء بغير محضر من الآخر في ضمن عقد الموالاة مع غيره، ولكن
ليس للأعلى والأسفل أن يفسخ الولاء بغير محضر من صاحبه قصدا اه‍.
ومثله في البدائع والتبيين وغرر الأفكار والدرر والملتقى و الجوهرة وغيرها وكذا في غاية
البيان عن كافي الحاكم، لان عقده مع غيره فسخ حكمي فلا يشترط فيه العلم، وقد يثبت الشئ
ضرورة وإن كان لا يثبت قصدا كما لو وكل ببيع عبد وعزله والوكيل غائب لم يصح، ولو باع العبد أو
أعتقه انعزل علم أو لا. بدائع. وعبارة الكنز مساوية لعبارة المصنف. وقيد ابن الكمال في الاصلاح
بالحضرة في الموضعين، فهذا إن لم يكن قولا آخر يحتاج إلى إصلاح، ولم أر من نبه على ذلك. نعم،
ذكر في الشرنبلالية نحو ما في الاصلاح عن تاج الشريعة، فليتأمل. قوله: (أو عن ولده) يشير إلى أنه
يدخل في العقد أولاده الصغار، وكذا من يولد له بعده كما في التبيين، بخلاف الكبار، حتى لو والى
ابنه الكبير رجلا آخر فولاؤه له، ولو كبر بعض الصغار، فإن كان المولى عقل عنه أو عن أبيه أو عن
واحد منهم لم يكن له أن يتحول. بدائع. قوله: (لا ينتقل) وكذا ولده كما علمت. قوله: (لتأكيده)
بالياء، وفي بعض النسخ لتأكده لأنه صار كالعوض في الهبة. قوله: (للزوم ولاء العتاقة) لان سببه
وهو العتق لا يحتمل النقض بعد ثبوته، فلا ينفسخ ولا ينعقد معه، لأنه لا يفيد. زيلعي. وفي
التاترخانية: ذمي أعتق عبدا ثم لحق بدار الحرب فاسترق ليس لمعتقه أن يوالي آخر، لان له مولى عتاقة،
فإن عتق مولاة فإنه يرثه إن مات، وإن جنى بعد ذلك عقل عن نفسه، ولا يعقل عنه مولاه في عامة الروايات.
417

وفي بعضها قال: يرثه ويعقل عنه اه‍. فأفاد المنع من الموالاة ولو مع قيام المانع في مولى
العتاقة. قوله: (مجهول النسب) هو الذي لا يدرى له أب في مسقط رأسه ط. قوله: (لأنه نفع محض
لأنه يعقله إذا جنى فصار كقبول الهبة وما ذكر قول الإمام، وعندهما: لا يتبعها. قوله: (وعقد الموالاة)
على حذف مضاف: أي وعاقد عقد الموالاة ح. والمراد بالعاقد الموجب لا القابل. قوله: (أن يكون حرا)
لا ينافي ما مر من صحة موالاة العبد بإذن سيده كما وهم، لان ذاك في القابل وكلامنا في الموجب.
قوله: (مجهول النسب) أقول: صرحوا بأن للابن أن يعقد الموالاة أو يتحول بولائه إلى غير مولى الأب
إذا لم يعقل المولى عنه، فهذا الشرط لا يوافقه. سعدية. ونقل نحوه ح عن المقدسي.
أقول: ويؤيده قوله في غرر الأفكار: ولو علم نسبه، وهو المختار، وفي شرح المجمع: كونه
مجهول النسب ليس بشرط عند البعض وهو المختار. قوله: (وأن لا يكون عربيا) يعني: ولا مولى
عربي كما في البدائع، ويغني عن هذا كونه مجهول النسب لان العرب أنسابهم معلومة. شرنبلالية
وسعدية. قوله: (وأن لا يكون له ولاء عتاقة) أي وإن قام بالمولى مانع كما قدمناه. قوله: (ولا ولاء موالاة
الخ) لو قال ولا عقل عنه غير الذي والاه كما في البدائع لدخل فيه الرابع، فإذا عقل عنه بيت المال
صار ولاؤه لجماعة المسلمين، فلا يملك تحويله إلى واحد منهم بعينه. بدائع. قوله: (والخامس) بقي
سادس وسابع وثامن. قال الزيلعي: وأن يكون حرا عاقلا بالغا اه‍، فإنها شروط في العاقد الموجب،
وقد علمت مما مر، وهذا الخامس صرح باشتراطه كثيرون منهم صاحب الهداية، واعترضه في غاية
البيان بعبارات لم يصرح فيها به ورده قاضي زادة وغيره بأنه لا يدل على عدم الاشتراط. قوله: (وأما
الاسلام فليس بشرط الخ) استشكله في الدرر بأن الإرث لازم للولاء، واختلاف الدينين مانع من
الإرث، ثم قال: اللهم إلا أن يقال معناه: أن سبب الإرث يثبت في ذلك الوقت، ولكن لا يظهر ما
داما على حالهما، فإذا زال المانع يعود الممنوع، كما أن كفر العصبة أو صاحب الفرض مانع من
الإرث، فإذا زال قبل الموت يعود الممنوع اه‍. ورده الشرنبلالي بما نقله الشارح عن البدائع، وفيه نظر
ظاهر، لأنه إن أراد أن العقد صحيح فهو مما لا نزاع فيه، لان الاستشكال في وجه الحكم لا في نقله،
وإن أراد أن تنزيله منزلة الوصية يفيد استحقاق الموالي المال بعد موت من والاه لا عن وارث، وإن
اختلف الدين كما فهمه بعضهم فيحتاج إلى نقل صريح، كيف وقد عدوا الموالاة من أسباب الميراث
وسموه وارثا مستحقا جميع المال، على أنه نقل الطوري عن المحيط: ذمي والى مسلما فمات لم يرثه، لان
الإرث باعتبار التناصر، والتناصر في غير العرب إنما هو بالدين اه‍. واستشكله وأجاب بما ذكره في
الدرر وحيث ثبت النقل بصحة العقد، وبعدم الإرث مع قيام المانع وجب المصير إليه. والله تعالى أعلم.
قوله: (فتجوز موالاة المسلم الذمي) وإن أسلم على يد حربي ووالاه هل يصح؟ لم يذكره في الكتاب،
وفيه خلاف: قيل يصح لأنه يجوز أن يكون للحربي ولاء العتاقة على المسلم، فكذا ولاء الموالاة كما في
418

الذمي، وقيل: لا يصح لان فيه تناصر الحربي وموالاته وقد نهينا عنه، بخلاف الذمي. درر عن المحيط.
قوله: (والذمي الذمي وإن أسلم الأسفل) عبارة البدائع: وكذا الذمي إذا والى ذميا ثم أسلم الأسفل.
واعترض بأنه لا وجه للتقييد بإسلام الأسفل، ولا حاجة إليه مع قوله فتجوز موالاة المسلم الذمي
وعكسه.
أقول: لعل فائدته التنبيه على أنه لا فرق بين كون اختلاف الدين حاصلا وقت العقد أو بعده،
وعبارة الشارح في هذا التأويل أظهر من عبارة البدائع، فتأمل. قوله: (كالوصية) أي في صحتها من
المسلم والذمي للمسلم أو الذمي، لكن بينهما فرق من جهة أن الموصى له يستحقها بعد موت الموصى
مع اختلاف الدين، بخلاف المولى كما علمت. قوله: (ولاؤه) مبتدأ ثان وله خبره، والجملة خبر
الأول وهو معتق ط. قوله: (فالولاء له) لأنه هو المعتق ط. قوله: (والاجر له (1) إن شاء الله) أتى
بالمشيئة لأنه ثابت بخير ا لواحد وهو لا يفيد القطع، قال عبد البر ط.
مطلب: يصل ثواب أعمال الاحياء للأموات
قوله: (من غير أن ينقص من أجر الابن) المناسب زيادة والفاعل. قال العلامة عبد البر:
والمسألة مبنية على وصول ثواب أعمال الاحياء للأموات، وقد ألف فيها قاضي القضاة السروجي
وغيره، وآخر من صنف فيها شيخنا قاضي القضاة سعد الدين الديري كتابا سماه (الكواكب النيرات) محط
هذه التأليفات أن الصحيح من مذهب جمهور العلماء الوصول ط. والله تعالى أعلم.

(1) قوله: (والاجر له) هكذا بخطه والذي في نسخ الشارح التي بيدي والاجر للأب وهو أوضح ا ه‍ مصصحه.
419

كتاب الاكراه
قيل في مناسبته: إن الولاء من آثار العتق، والعتق لا يؤثر فيه الاكراه فناسب ذكره عقبه، أو
لأنه نادر كالموالاة. قوله: (وشرعا: فعل) أي لا بحق، لان الاكراه بحق لا يعدم ا لاختيار شرعا،
كالعنين إذا أكرهه القاضي بالفرقة بعد مضي المدة، ألا ترى أن المديون إذا أكرهه القاضي على بيع ماله
نفذ بيعه، والذمي إذا أسلم عبده فأجبر على بيعه نفذ بيعه، بخلاف ما إذا أكرهه على البيع بغير حق.
منح عن مجمع الفتاوى. والفعل يتناول الحكمي كما إذا أمر بقتل رجل ولم يهدد بشئ إلا أن المأمور
يعلم بدلالة الحال أنه لو لم يقتله لقتله أو قطعه الآمر فإنه إكراه. قهستاني وسيجئ. ويشمل الوعيد
بالقول، ولذا قال في الدرر: أعم من اللفظ وعمل سائر الجوارح. قوله: (في المحل) أي المكره بفتح
الراء ح. قوله: (يصير) أي المحل وضمير به للمعنى الذي هو الخوف ح. قوله: (مدفوعا إلى الفعل)
أي بحيث يفوت رضاه به وإن لم يبلغ حد الجحر بحيث يفسد الاختيار فيشمل القسمين كما يظهر قريبا.
قوله: (وهو نوعان) أي الاكراه، وكل منهما معدم للرضا، لكن الملجئ وهو الكامل يوجب الالجاء
ويفسد الاختيار، فنفي الرضا أعم من إفساد الاختيار والرضا بإزاء الكراهة والاختيار بإزاء الجبر، ففي
الاكراه بحبس أو ضرب لا شك في وجود الكراهة وعدم الرضا وإن تحقق الاختيار الصحيح، إذ
فساده إنما هو بالتخويف بإتلاف النفس، أو العضو وحكمه إذا حصل بملجئ أن ينقل الفعل إلى
الحامل فيما يصلح أن يكون المكره آلة للحامل، كأنه فعله بنفسه كإتلاف النفس والمال، وما لا يصلح
أن يكون آلة له اقتصر على المكره كأنه فعله باختياره مثل الأقوال والاكل، لان الانسان لا يتكلم بلسان
غيره ولا يأكل بفم غيره، فلا يضاف إلى غير المتكلم والآكل، إلا إذا كان فيه إتلاف فيضاف إليه من
حيث الاتلاف لصلاحية المكره آلة للحامل فيه، فإذا أكرهه على العتق يقع كأنه أوقعه باختيار حتى
يكون الولاء له ويضاف إلى الحامل من حيث الاتلاف فيرجع عليه بقيمته. وتمامه في التبيين. قوله: (أو
عضو) كذا بعض العضو كأنملة. شرنبلالية. قوله: (أو ضرب مبرح) أي موقع في برح قال في
القاموس: البرح: الشدة والشر اه‍. وعبر في الشرنبلالية عن البرهان بقوله: أو ضرب يخاف منه على
نفسه أو عضو من أعضائه. قوله: (وإلا فناقص) كالتخويف بالحبس والقيد والضرب اليسير. إتقاني.
قوله: (سلطانا أو لصا) هذا عندهما، وعند أبي حنيفة: لا يتحقق إلا من السلطان، لان القدرة لا
تكون بلا منعة، والمنعة للسلطان. قالوا: هذا اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان، لان في
زمانه لم يكن لغير السلطان من القوة ما يتحقق به الاكراه، فأجاب بناء على ما شاهد وفي زمانهما ظهر
الفساد وصار الامر إلى كل متغلب، فيتحقق الاكراه من الكل. والفتوى على قولهما. كذا في الخلاصة
درر. واللص: السارق، وفسره القهستاني بالظالم المتغلب غير السلطان. قال: وإنما ذكره بلفظ اللص
تبركا بعبارة محمد، ولذا سعى به بعض حساده إلى الخليفة. وقال سماك في كتابه: لصا. وتمامه فيه.
قوله: (أو نحوه) لا يحتاج إليه بناء على ما ذكرناه عن القهستاني. قوله: (في الحال) كذا في الشرنبلالية
420

عن البرهان، والظاهر أنه اتفاقي، إذ لو توعده بمتلف بعد مدة وغلب على ظنه إيقاعه به صار ملجأ.
تأمل. لكن سيذكر الشارح آخرا أنه إنما يسعه ما دام حاضرا عنده المكره وإلا لم يحل. تأمل. قوله:
(ليصير ملجأ) هذه الشروط لمطلق الاكراه لا للملجئ فقط، فالمناسب قول الدرر ليصير محمولا على ما
دعي إليه من الفعل. وقدمنا أن المراد بالحمل ما يفوت به الرضا فيشمل النوعين. قوله: (متلفا نفسا) أي
حقيقة أو حكمية كتلف كل المال فإنه شقيق الروح كما في الزاهدي. قهستاني. وتقييده بكل المال
مخالف لما سيشير إليه الشارح آخرا عن القنية كما سنبينه إن شاء الله تعالى. قوله: (يعدم الرضا) أي مع
بقاء الاختيار الصحيح، وإلا فالإكراه بمتلف يعدم الرضا أيضا، ولكنه يفسد الاختيار كما قدمناه.
قوله: (إما لحقه) أي إما أن يكون امتناعه عما أكره عليه لكونه خالص حقه كإكراهه على إتلاف ماله
ولو بعوض كبيعه، ويأتي الاكراه في ذلك بغير الملجئ، بخلاف القسمين بعده كما يأتي. قوله: (متلف)
فيه أن التصرفات الآتية من البيع ونحوه يتحقق فيه الاكراه ولو بغير ملجئ كما مر ويجئ، لتفويته
الرضا والمتلف من الملجئ، ولا يتوقف فوات الرضا عليه ولذا قال فيما يجئ: بخلاف حبس يوم الخ
لأنه لا يعدم الرضا. قوله: (لا على المذاكير والعين) لأنه يخشى منه التلف. قوله: (أو حبس)
أي حبس نفسه. قال الزيلعي: والاكراه بحبس الوالدين أو الأولاد لا يعد إكراها لأنه ليس بملجئ ولا يعدم
الرضا بخلاف حبس نفسه اه‍. لكن في الشرنبلالية عن المبسوط: أنه قياس، وفي الاستحسان: حبس
الأب إكراه. وذكر الطوري أن المعتمد أنه لا فرق بين حبس الوالدين والولد في وجه الاستحسان. زاد
القهستاني: أو غيرهم من ذوي رحم محرم، وعزاه للمبسوط. قوله: (بخلاف حبس يوم أو قيده) فيه
إشارة إلى أن الحبس المديد ما زاد على يوم، وكذا يستفاد من العيني والزيلعي ط. وفي الخانية: أما
الضرب بسوط واحد أو حبس يوم أو قيد يوم لا يكون إكراها في الاقرار بألف اه‍. وظاهر أنه يكون
إكراها في المال القليل. قوله: (إلا لذي جاه) لان ضرره أشد من ضرر الضرب الشديد، فيفوت به
الرضا. زيلعي. وفي مختارات النوازل: أو لذي ضعف. قوله: (فسخ ما عقد) لا يشمل الاقرار فهو
مجاز أو اكتفاء كما نبه عليه القهستاني.
مطلب: بيع المكره فاسد وزوائده مضمونة بالتعدي
قوله: (ولا يبطل إلى قوله أو أمضى) مأخوذ من حاشية شيخه على المنح. وقال بعد قوله:
ويضمن بالتعدي تأمل. فيشير إلى أنه ذكره تفقها وهو تفقه حسن، لأنهم صرحوا بأن بيع المكره
فاسد إلا في أربع صور تأتي متنا. وقال في جامع الفصولين: زوائد المبيع فاسدا لو منفصلة متولدة
421

تضمن بالتعدي لا بدونه، ولو هلك المبيع فللبائع أخذ الزوائد وقيمة المبيع ولو منفصلة غير متولدة له
أخذ المبيع مع هذه الزوائد، ولا تطيب له ولو هلكت في يد المشتري لم يضمن، ولو أهلكها ضمن
عندهما لا عنده، ولو هلك المبيع لا الزوائد فهي للمشتري، بخلاف المتولدة ويضمن قيمة المبيع فقط
اه‍. قوله: (بموت أحدهما) أي المكره والمكره فيقوم ورثة كل مقامه كورثة المشتري. قوله: (ولا بالزيادة
المنفصلة) سواء كانت متولدة كالثمرة أو كالأرش، وكذا المتصلة المتولدة كالسمن، وأما غير المتولدة
كصبغ وخياطة ولت سويق فتمنع الاسترداد إلا برضا المشتري، كذا ذكروا في البيع الفاسد. وفي
البحر: متى فعل المشتري في المبيع يعني فاسدا فعلا ينقطع به حق المالك في الغصب ينقطع به حق
المالك في الاسترداد: كما إذا كان حنطة فطحنها. قوله: (وسيجئ) أي قريبا. قوله: (يعدمان الرضا)
قال ابن الكمال في هامش شرحه: أخطأ صدر الشريعة في تخصيصه إعدام الرضا بغير الملجئ اه‍.
قوله: (فلذا صار له حق الفسخ والامضاء) أي لفقد شرط الصحة وهو الرضا فيتخير، فإن اعتبار هذا
الشرط ليس لحق الغير بل لحقه، ولهذا خالف سائر البيوع الفسادة، فإن الفسخ فيها واجب عند فقد
شرط الصحة، لان الفساد فيها لحق الشرع. وقد صرحوا بأن بيع المكره يشبه الموقوف ويشبه الفاسد
فافهم. قوله: (ثم إن تلك العقود نافذة عندنا) أي عند أئمتنا الثلاثة وليست بموقوفة. قوله: (وحينئذ) أي
حين إذ قلنا إنها نافذة غير موقوفة تفيد الملك بالقبض: أي يثبت بالبيع أو بالشراء مكرها الملك
للمشتري لكونه فاسدا كسائر البياعات الفاسدة. وقال زفر: لا يثبت به الملك لأنه بيع موقوف وليس
بفاسد، كما لو باع بشرط الخيار وسلمه. زيلعي.
قال ابن الكمال: فمن قال إن الابراء يمنع النفاذ فقد ضل عن سبيل السداد، وكتب في هامش
هذا من المواضع التي أخطأ فيها صدر الشريعة، وكأنه غافل عن أن النافذ يقابل الموقوف، فما لا يكون
نافذا يكون موقوفا فينطبق ما ذكره على قول زفر اه‍. وسنذكر جوابه قربا. قوله: (وكذا كل تصرف لا
يمكن نقضه) كالتدبير والاستيلاد والاستيلاد والطلاق، فلا يصح بيعه وهبته وتصدقه ونحوها مما يمكن نقضه.
قهستاني. قوله: (فإن قبض الخ) تفريع على ما فهم من التخيير السابق، وهو أن تمام البيع بانقلابه
صحيحا موقوف على إجازته بناء على أن الفساد كان لحقه لا لحق الشرع، فكأنه يقول: لما توقف انقلابه
صحيحا على رضا البائع وإجازته فبقبضه الثمن أو تسليمه المبيع طوعا ينقلب صحيحا بدلالتها على
الرضا والإجازة. ابن كمال. قوله: (أو سلم المبيع) قيد بالمبيع للاحتراز عن الهبة، فإذا أكره عليها، ولم
يذكر الدفع فوهب ودفع يكون باطلا، لان مقصود المكره الاستحقاق لا مجرد اللفظ، وذلك في الهبة
بالدفع وفي البيع بالعقد، فدخل الدفع في الاكراه على الهبة دون البيع. هداية. وقيده في البزازية
بحضور المكره، فقال: الاكراه على الهبة إكراه على التسليم إذا كان المكره وقت التسليم حاضرا، وإلا
لا قياسا واستحسانا اه‍. وأراد بقوله باطلا: الفاسد لأنه يملك فاسدا بالقبض. إتقاني. قوله: (نفذ)
422

لوجود الرضا. قوله: (لما مر) تعليل لتفسير النفاذ باللزوم، ومقتضاه أن النفاذ واللزوم متغايران، فيراد
بالنفوذ الانعقاد وباللزوم الصحة، فبيع المكره نافذ: أي منعقد لصدوره من أهله في محله والمنعقد منه
صحيح. ومنه فاسد، وهذا العقد فاسد، لان من شروط الصحة الرضا وهو هنا مفقود، فإذا وجد
ولزم، وهذا موافق لما مر أن النافذ مقابل للموقوف، فإن الموقوف كما في بيوع البحر ما لا حكم له
ظاهرا: يعني لا يفيد حكمه قبل وجود ما توقف عليه، وهذا يفيد حكمه وهو الملك قبل الرضا، لكن
بشرط القبض كما في سائر البيوع الفاسدة، وهذا منها عندنا كما صرحوا به قاطبة خلافا لزفر.
فظهر بهذا التقرير: أن اللزوم أمر وراء النفاذ كما حققه ابن الكمال حيث نقل عن شرح
الطحاوي أنه إذا تداولته الأيدي فله فسخ العقود كلها، وأيا أجازه جازت كلها لأنها كانت نافذة، إلا
أنه كان له الفسخ لعدم الرضا اه‍. فهذا صريح في أن النفاذ كان موجودا قبل الرضا، وأن الموقوف
على الرضا أمر آخر، وهو لزومها وصحتها فتعين أن يفسر قوله: نفذ بلزم، وبالجملة فالرضا شرط
اللزوم لا النفاذ، ولكن هذا مخالف لما في كتاب الأصول كالتوضيح والتلويح والتقرير وشرح التحرير
وشروح المنار حيث قالوا: إن بيع المكره ينعقد فاسدا لعدم الرضا الذي هو شرط النفاذ، فلو أجازه
بعد زوال الاكراه صريحا أو دلالة بقبض الثمن أو تسليم المبيع طوعا صح لتمام الرضا والفساد كان
لمعنى وقد زال اه‍. وهذا موافق لما قاله المصنف، ولقول صدر الشريعة: إن الاكراه يمنع النفاذ، فالمراد
في كلامهم بالنفاذ اللزوم فهما بمعنى واحد وهو الصحة. وبه يحصل التوفيق بينه وبين ما في شرح
الطحاوي، وظهر به أن تعبير المصنف بقوله: نفذ كالوقاية والدرر لا اعتراض عليه، ولا لوم لموافقته
لكلام القوم، واندفع تشنيع ابن الكمال المار على صدر الشريعة بالكلمات الفظيعة، والله تعالى الموفق لا
رب سواه. قوله: (أن ما لا يصح مع الهزل) كالبيع والشراء. قوله: (وما يصح) أي مع الهزل وهو ما
يستوي فيه الجد والهزل كالطلاق والعتاق. قوله: (يجوز بالإجازة) أي ينقلب صحيحا بها، بخلاف غيره
من البيوع الفاسدة كبيع درهم بدرهمين مثلا لا يجوز، وإن أجازاه لان الفساد فيه لحق الشرع. قوله:
(والفعلية) كقبض الثمن وتسليم المبيع طوعا. قوله: (المشترى منه) أي من البائع المكره. قوله: (وإن
تداولته الأيدي) لان الاسترداد فيه لحقه لا لحق الشرع. قوله: (وقت الاعتاق دون وقت القبض) مخالف
لما في البزازية حيث قال: إن احتمل النقض نقضه وإلا يحتمل يضمن المكره قيمته يوم التسليم إلى
المشتري، وإن شاء ضمن المشتري يوم قبضه أو يوم أحدث فيه تصرفا لا يحتمل النقض، لأنه أتلف به
حق الاسترداد، بخلاف المشتري شراء فاسدا حيث لا يضمنه يوم الاحداث بل يوم قبضه اه‍. ومثله
في غاية البيان، فكان عليه أن يقول: له تضمين القيمة يوم الاعتاق أو القبض. قوله: (الثمن) أي فيما
إذا كان المكره هو البائع، وقوله: والمثمن أي فيما إذا كان هو المشتري. قوله: (أماة في يد المكره)
423

وهو البائع في الأول والمشتري في الثاني. قوله: (لاخذه بإذن المشتري) أي أو البائع ح. قوله: (بخلافها)
أي الصور الأربع ح.
تنبيه: أكرها على بيع العبد وشرائه وعلى التقابض فهلك الثمن والعبد ضمنهما المكره لهما، فإن
أراد أحدهما تضمين صاحبه سئل كل عما قبض، فإن قال: كل قبضت على البيع الذي أكرهنا عليه
ليكون لي فالبيع جائز ولا ضمان على المكره، وإن قال: قبضته مكرها لأرده على صاحبه وآخذ منه ما
أعطيت وحلف كل لصاحبه على ذلك لم يضمن أحدهما الآخر، وإن نكل أحدهما: فإن كان المشتري
ضمن البائع أيا شاء، فإن ضمن المكره قيمته رجع بها على المشتري، وإن ضمنها المشتري لم يرجع على
المكره بها ولا على البائع بالثمن، وإن كان الناكل البائع: فإن شاء المشتري ضمن المكره الثمن ورجع به
على البائع، وإن شاء ضمنه البائع ولم يرجع به على المكره اه‍ ملخصا من الهندية عن المبسوط. قوله:
(يقتله الخ) هذا في الاكراه الملجئ كما مر. قوله: (أو تلف عضوه) التلف مخاف منه لا مخالف عليه،
فالأصوب حذف تلف أو الاتيان به على صيغة المضارع. قوله: (وبه يفتى) أي بأنه يتحقق الاكراه بما
ذكر من غير السلطان. قوله: (الزوج سلطان زوجته) يعني إن قدر على الايقاع كما سيأتي ح. قال في
البزازية: وسوق اللفظ يدل على أنه على الوفاق، وعند الثاني: لو بنحو السيف فإكراه، وعند محمد:
إن خلا بها في موضع لا تمتنع منه فكالسلطان اه‍.
قلت: وظاهر قولهم سلطان زوجته أن يتحقق بمجرد الامر حيث خافت منه الضرر، ويدل
عليه ما سيذكره الشارح عن شرح المنظومة. تأمل. قوله: (أكره المحرم) الأولى ذكرها بعد مع مسائل
الاكراه على المعصية. قوله: (كان مأجورا) لأنه من حقوقه تعالى ثابت بنص القرآن كما يأتي في كلام
الشارح، فإن قتل الصيد فلا شئ عليه قياسا، ولا على الآمر. وفي الاستحسان: على القاتل الكفارة،
وإن كانا محرمين فعلى كل كفارة، ولو توعده بالحبس وهما محرمان ففي القياس تلزم الكفارة القاتل
فقط. وفي الاستحسان: على كل الجزاء ولو حلالين في الحرم، فإن توعده بالقتل فالكفارة على الآمر
وإن بالحبس فعلى القاتل خاصة. هندية عن المبسوط. قوله: (لا المشتري) فلو كان مكرها أيضا فقد مر
في قوله: الثمن والمثمن أمانة. وفي الخانية: ولو كان المشتري مكرها دون البائع فهلك عنده بلا تعد
يهلك أمانة اه‍. وفي القهستاني عن الظهيرية: أكره البائع فقط لم يصح إعتاقه قبل القبض، وفي عكسه
نفذ إعتاق كل قلبه، وإن أعتقا معا قبله فإعتاق البائع أولى. قوله: (ضمن قيمته) لو قال: ضمن بدله
كان أولى لأنه يشمل المثلي والقيمي. طوري. قوله: بقبضه بعقد فاسد) أي بسبب قبضه مختارا على
سبيل التملك بعقد فاسد. قوله: (له أن يضمن أيا شاء) لان المكره كالغاصب والمشتري كغاصب
424

الغاصب، وإن ضمن المشتري لا يرجع على المكره. زيلعي. قوله: (رجع على المشتري بقيمته) لأنه بأداء
الضمان ملكه فقام مقام المالك المكره فيكون مالكا من وقت وجب السبب بالاستناد. زيلعي. قوله:
(يعني جاز) المراد هنا بالجواز الصحة لا الحل كما لا يخفى، فافهم. قوله: (لما مر) من أنه نافذ قبل
الإجازة والموقوف عليها اللزوم بمعنى الصحة بناء على ما في شرح الطحاوي، وقد مر الكلام فيه.
قوله: (كل شراء بعده) أي لو تعدد الشراء، وكذا نفذ شراء المشتري من المكره، وهذا مسألة ذكرها
الزيلعي مستقلة موضوعها: لو تداولته الأيدي، وما قبلها موضوعها: في مشتر واحد جمعهما المصنف
في كلام واحد اختصارا. قوله: (لو ضمن المشتري الثاني مثلا) أفاد بقوله: مثلا أن له أن يضمن أيا
شاء من المشترين، فأيهم ضمنه ملكه كما في التبيين. قوله: (أحد البياعات) ولو العقد الأخير. أبو
السعود. قوله: (لزوال المانع بالإجازة) قال الزيلعي: لان البيع كان موجودا والمانع من النفوذ حقه وقد
زال المانع بالإجازة فجاز الكل، وأما إذا ضمنه فإنه لم يسقط حقه، لان أخذ القيمة كاسترداد العين
فتبطل البياعات التي قبله، ولا يكون أخذ الثمن استردادا للبيع بل إجازة فافترقا. قوله: (فإن أكره على
أكل ميتة الخ) الاكراه على المعاصي أنواع: نوع يرخص له فعله ويثاب على تركه كإجراء كلمة الكفر
وشتم النبي (ص) وترك الصلاة وكل ما ثبت بالكتاب، وقسم يحرم فعله ويأثم بإتيانه: كقتل مسلم أو
قطع عضوه أو ضربه ضربا متلفا أو شتمه أو أذيته والزنا. وقسم يباح فعله ويأثم بتركه: كالخمر وما
ذكر معه. طوري عن المبسوط. وزاد في الخانية رابعا: وهو ما يكون الفعل وعدمه سواء كالاكراه
على إتلاف مال الغير لكنه مخالف لما سيأتي كما سننبه عليه. قوله: (أو شرب خمر) عبارة ابن الكمال أو
شرب دم أو خمر، وكتب في هامشه: الدم من المشروب. قال في المبسوط: ذكر عن مسروق قال: من
اضطر إلى ميتة أو لحم خنزير أو دم ولم يأكل ولم يشرب فمات دخل النار. قوله: (بحبس) قال بعض
المشايخ: أن محمدا أجاب هكذا بناء على ما كان من الحبس في زمانه، فأما الحبس الذي أحدثوه اليوم
في زماننا فإنه يبيح التناول كما في غاية البيان. شرنبلالية. قوله: (أو ضرب) إلا على المذاكير والعين
كما مر فإنه يخاف منه التلف. قوله: (أو ضرب مبرح) قدره بعضهم بأدنى الحد وهو أربعون سوطا،
ورد بأنه لا وجه للتقدير بالرأي والناس مختلفة، فمنهم من يموت بأدنى منه، فلا طريق سوى الرجوع
إلى رأي المبتلي كما في التبيين.
قال في البزازية: ويحكى عن جلاد مصر أنه يقتل الانسان بضربة واحدة بسوطه الذي علق عليه
الكعب. قوله: (حل الفعل) لأن هذه الأشياء مستثناة عن الحرمة في حال الضرورة، والاستثناء عن
الحرمة حل. ابن كمال. قوله: (أثم) لان إهلاك النفس أو العضو بالامتناع عن المباح حرام. زيلعي.
قوله: (إلا إذا أراد مغايظة الكفار) لم يعز الشارح هذا لاحد، وقد راجعت كتبا كثيرة من كتب الفروع
425

والأصول فلم أجده، والله تعالى أعلم. ثم رأيته بعد حين ولله تعالى الحمد في كتاب مختارات النوازل
لصاحب الهداية. قوله: (في أول الاسلام) أي في عهد النبي (ص). إتقاني: يعني قبل انتشار الاحكام،
وليس المراد أول إسلام المخاطب لما قالوا: تجب الاحكام بالعلم بالوجوب أو الكون في دارنا، وعليه
فمن أسلم في دارنا يجب عليه قضاء ما ترك من نحو صوم وصلاة قبل تعلمه، وإن كان جهله عذرا
في رفع الاثم، فافهم. قوله: (أو في دار الحرب) أي في حق من أسلم من أهلها فيها. قوله: (كما في
المخمصة) أي المجاعة الشديدة فإنه إن صبر أثم، وهذا يشير إلى أن قوله تعالى: * (إلا ما اضطررتم
إليه) * (الانعام: 119) يشمل الاكراه الملجئ لأنه من الضرورة، وإن خص بالمخمصة فالإكراه ثابت بدلالة
النص كما بيناه في حاشيتنا على شرح المنار للشارح. قوله: (مجمع وقد ورى) أي ذكر مسألة السب في
المجمع ومختصر القدوري، فافهم. قوله: (بقطع أو قتل) أي بما يخشى منه التلف. قوله: (ويوري) التورية
أن يظهر خلاف ما أضمر في قلبه. إتقاني. قال في العناية فجاز أن يراد بها هنا اطمئنان القلب وأن يراد
بها هنا اطمئنان القلب وأن يرد الاتيان بلفظ يحتمل معنيين اه‍. وفيه أنه قد يكره على السجود للصنم أو الصليب ولا لفظ، فالظاهر
أنها إضمار خلاف ما أظهر من قول أو فعل، لأنها بمعنى الاخفاء فهي من عمل القلب. تأمل. قوله:
(ثم إن ورى لا يكفر) كما إذا أكره على السجود للصليب أو سب محمد (ص) ففعل وقال: نويت به
الصلاة لله تعالى ومحمدا آخر غير النبي. قوله: (وبانت امرأته قضاء لا ديانة) لأنه أقر أنه طائع بإتيان ما لم
يكره عليه وحكم هذا الطائع ما ذكرنا. هداية. قوله: (وإن خطر بباله التورية الخ) أي إن خطر بباله
الصلاة لله تعالى وسب غير النبي ولم يور كفر، لأنه أمكنه دفع ما أكره عليه عن نفسه ووجد مخرجا عما
ابتلي به، ثم لما ترك ما خطر على باله، وشتم محمدا النبي (ص) كان كافرا، وإن وافق المكره فيما أكرهه،
لأنه وافقه بعد ما وجد مخرجا عما ابتلي فكان مضطر. قال في المبسوط: وهذه المسألة تدل على أن
السجود لغير الله تعالى على وجه التعظيم كفر. كفاية. وبقي قسم ثالث، قال في الكفاية: وإن لم يخطر
بباله شئ وصلى للصليب أو سب محمدا (ص) وقلبه مطمئن بالايمان لم تبن منكوحته لا قضاء ولا ديانة
لأنه فعل مكرها، لأنه تعين ما أكره عليه ولم يمكنه دفعه عن نفسه إذا لم يخطر بباله غيره اه‍
وظهر من هذا أن التورية إنما تلزم عند خطورها، فإذا خطرت لزمته وبقي مؤمنا ديانة، وظهر
أن التورية ليست الاطمئنان لفقدها في الثالث مع وجوده فيه، خلافا لما قدمناه عن العناية.
واعلم أن هذا الثالث هو المراد بقول المصنف الآتي: ولا ردته فلا تبين زوجته كما صرح به
الزيلعي، فلا ينافي ما هنا كما خفي على الشارح كما يأتي. قوله: (نوازل وجلالية) الأقرب عزوه إلى
الهداية، فإنها من المشاهير المتداولة. قوله: (ويؤجر لو صبر) أي يؤجر أجر الشهداء لما روي: أن خبيبا
وعمارا ابتليا بذلك فصبر خبيب حتى قتل، فسماه النبي (ص) سيد الشهداء وأظهر عمار وكان قلبه
مطمئنا بالايمان، فقال النبي (ص): فإن عادوا فعد أي إن عاد الكفار إلى الاكراه فعد أنت إلى مثل ما
أتيت به أولا من إجراء كلمة الكفر على اللسان وقلبك مطمئن بالايمان. ابن كمال. وقصتهما شهيرة.
426

قوله: (لتركه الاجراء المحرم) أتى بلفظ المحرم ليفيد الفرق بينه وبين ما قبله، فإن ذاك زالت حرمته
فلذا يأثم لو صبر. فإن قيل: كما استثنى حالة الضرورة في الميتة استثنى حالة الاكراه هنا. قلنا: ثمة
استثنى من الحرمة فكان إباحة فلم يكن رخصة وهنا من الغضب، فينتفي الغضب في المستثني، ولا
يلزم من انتفائه انتفاء الحرمة فكان رخصة. وذكر في الكشاف: من كفر بالله شرط مبتدأ وجوابه
محذوف، لان جواب من شرح دال عليه كأنه قيل: من كفر بالله فعليهم غضب إلا من أكره فليس عليه
غضب، ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله. كفاية. قوله: (كإفساد صوم) أي من مقيم
صحيح بالغ، فلو مسافرا أو مريضا يخاف على نفسه، فلم يأكل ولم يشرب، وعلم أن ذلك يسعه يكون
آثما كما في غاية البيان. قوله: (وصلاة) عبارة غاية البيان: وكذلك المكره على ترك الصلاة المكتوبة في
الوقت إذا صبر حتى قتل وهو يعلم أن ذلك يسعه كان مأجورا اه‍. ولو لغيره وهذا ظاهر، أما إفسادها فقد ذكروا
جواز قطعها لدرهم، تأمل. وقد يجاب بأن الكلام في الاجر على الصبر لاخذه العزيمة وإن
جاز الاخذ بالرخصة. قوله: (وقتل صيد حرم) بإضافة صيد إلى حرم وقوله: أو في آحرام عطف
على حرم وقدمنا عن الهندية الكلام عليه. قوله: (وكل ما ثبتت فرضيته بالكتاب) زاد الإتقاني: ولم يرد
نصا بإباحته حالة الضرورة، وفيه أنه ورد بإباحة ترك الصوم لأقل من الضرورة، وهو السفر
فينبغي أن يأثم لو صبر، إلا أن يقال: الكلام في الافساد بعد الشروع والوارد إباحته الافطار قبله.
تأمل. وفي غاية البيان: اضطر إلى الميتة وهو محرم وقدر على صيد لا يقتله ويأكل الميتة. قوله: (يعني بغير
الملجئ) أشار بهذه العناية إلى أن القتل والقطع ليسا قيدا، بل ما كان ملجئا فهو في حكمهما كالضرب
على العين والذكر وحبس هذا الزمان كما قاله بعض أهل بلخ، والتهديد يأخذ كل المال كما بحثه
القهستاني ط. وقدمنا أنه نقله عن الزاهدي لا أنه بحث منه. قوله: (إذ التكلم بكلمة الكفر لا يحل أبدا)
هذا إنما يصلح علة لقوله سابقا: لترك الاجراء المحرم فالأولى ذكر ذلك بلصقه ط. قوله: (ويؤجر لو
صبر) لاخذه بالعزيمة، لان أخذ مال الغير من المظالم وحرمة الظلم لا تنكشف ولا تباح بحال كالكفر.
إتقاني. وفيه إشارة إلى أن ترك الاتلاف أفضل، ولذا قالوا: إن تناول مال الغير أشد حرمة من شرب
الخمر كما في القهستاني عن الكرماني. وقدمنا عن الخانية أن الفعل والترك سواء. وفي الخانية: اضطر
حال المخمصة وأراد أخذ مال الغير فمنعه صاحبه ولم يأخذ حتى مات يأثم اه‍. ونقل الإتقاني أنهم فرقوا
بينها وبين الاكراه، وأن الفقيه أبا إسحاق الحافظ كان يقول: لا فرق بين المسألتين بتأويل ما في
المخمصة على ما إذا كان صاحبه يعطيه بالقيمة، فلم يأخذ حتى مات يأثم، وكذا في الاكراه لو كان رب
المال يعطيه بالقيمة يأثم. قوله: (كالآلة) وذلك لان فعل المكره آلة (1) للمكره ينقل إلى المكره، والاتلاف

(1) قوله: (لان فعل المكره آلة الخ) الذي في خطه لان فعل المكره، فيما يصلح آلة الخ وهو الملائم لقوله بعد بخلاف ما
لا يصلح آلة الخ الا ان لفظ فيما يصلح أشبه بمضروب عليه فليراجع ا ه‍ مصححه.
427

من هذا القبيل بأن يأخذه ويلقيه على مال الغير فيتلفه، فصار كأن المكره باشره بنفسه فلزمه الضمان،
بخلاف ما لا يصلح آلة كالأكل والوطئ والتكلم، ولذا لو أكره على الاعتاق ضمن المكره، لان المكره
في حق الاتلاف يصلح آلة، لكن الولاء للمكره لأنه لا يصلح آلة في حق التكلم. إتقاني وفي
الشرنبلالية عن السراج: حتى لو حمله مجوسي على ذبح شاة الغير لا يحل أكلها اه‍. وسيأتي خلافه. قوله:
(أو سبه) مخالف لما في والقهستاني عن المضمرات من أنه بالملجئ يرخص شتم المسلم، وأنه لو أكره على
الافتراء على مسلم يرجى أن يسعه كما في الظهيرية اه‍. وقال في التاترخانية: ألا ترى أنه لو أكره
بمتلف أن يفتري على الله تعالى كان في سعة فهنا أولى، إلا أنه علق الإباحة بالرجاء، وفي الافتراء على
الله لم يعلق، لأنها هناك ثابتة بالنص، وهنا ثبت دلالة. قال محمد عقيب هذه المسألة: ألا ترى أنه لو
أكره بوعيد تلف على شتم محمد (ص) كان في سعة إن شاء الله تعالى، وطريقه ما قلنا، ولو صير حتى
قتل كان مأجورا وكان أفضل اه‍. قوله: (أو قطع عضوه) أي ولو أذن له المقطوع غير مكره، فإن قطع
فهو آثم ولا ضمان على القاطع ولا على المكره، ولو أكره على القتل فأذن له فقتله أثم والدية في مال
الآمر. تاترخانية. لكن في الخاني: قال له السلطان اقطع يد فلان وإلا لأقتلنك، وسعه أن يقطع وعلى
الآمر القصاص عندهما، ولا رواية عن أبي يوسف اه‍. ثم رأيت الطوري وفق بأنه إن أكره على القطع
بأغلظ منه وسعه، وإن بقطع أو بدونه فلا. تأمل. وأتى بضمير الغيبة العائد على غيره لما في الهندية:
أكره بالقتل على قطع يد نفسه وسعه ذلك، وعلى المكره القود، ولو على قتل نفسه فقتل فلا شئ على
المكره اه‍. وفي المجمع أكره على قطع يده: أي يد الغير ففعل ثم قطع رجله طوعا فمات يوجب أبو
يوسف الدية في ماليهما، وأوجبا القصاص عليهما. قوله: (ويقاد في العمد المكره فقط) يعني أنه
لا
يباح الاقدام على القتل بالملجئ، ولو قتل أثم ويقتص الحامل (1) ويحرم الميراث لو بالغا، ويقتص المكره
من الحامل (2) ويرثهما. شرنبلالية. قوله: (خلافا لما في النهاية) من قوله سواء كان الآمر بالغا أو لا
عاقلا أو معتوها، فالقود على الآمر وعزاه للمبسوط، ورده في العناية تبعا لشيخه السكاكي صاحب
المعراج نقلا عن شيخه علاء الدين عبد العزيز بأن عبارة المبسوط: سواء كان المكره الخ، وهو بفتح
الراء فتوهم أنه بالكسر فعبر بالآمر، وهو سهو يؤيده ما قاله أبو اليسر في مبسوطه: ولو كان المكره
الآمر صبيا أو مجنونا لم يجب القصاص على أحد، لان القاتل في الحقيقة هذا الصبي أو المجنون وهو ليس
بأهل لوجوب العقوبة عليه.
أقول: ولم يذكر الشراح حكم الدية في هذه الصورة، وفي الخانية: تجب على عاقلة المكره: أي
بالكسر في ثلاث سنين. قوله: (لان القاتل كالآلة) أي فيما يصلح آلة وهو الاتلاف، بخلاف الاثم لأنه
بالجناية على دينه، ولا يقدر أحد أن يجني على دين غيره، وكذا لو أكره مسلم مجوسيا على ذبح شاة،
فإنه ينقل الفعل إلى المسلم الآمر في حق الاتلاف، فيجب عليه الضمان، ولا ينقل في حق الحل في

(1) قوله: (ويقتص الحامل) هكذا بخطه ولعله سقط من قلمه كلمة من والأصل من الحامل تأمل ا ه‍ مصححه.
(2) قوله: (ويقتص المكره من الحامل) صورته: أكره رجل أخاه على قتل ابن الأخ فقتل المكره ابنه يقتص من الحامل
ويرث المكره ابنه والحامل وان كان قتلهما من جهته تأمل ا ه‍ منه.
428

الذبح في الدين، وبالعكس يحل. زيلعي. ومثله في المعراج، فما في الشرنبلالية من عكسه الحكم
سهو في النقل. قوله: (ونفاه أبو يوسف عنهما) لكن أوجب الدية على الآمر في ثلاث سنين. خانية.
قوله: (للشبهة) أي شبهة العدم، فإن أحدهما قاتل حقيقة لا حكما، والآخر بالعكس. وقال زفر: يقاد
الفاعل لأنه المباشر. قوله: (ولو أكره) أي بملجئ ويدل عليه ما يجئ. قوله: (بضياعها) لان ولد الزنا
هالك حكما لعدم من يربيه، فلا يستباح بضرورة ما كالقتل. درر. قوله: (بل يغرم المهر) ولا يرجع
على المكره بشئ، لان منفعة الوطئ حصلت للزاني، كما لو أكره على أكل طعام نفسه جائعا. تاترخانية.
قوله: (لأنهما) أي المهر والحد لا يسقطان جميعا في دار الاسلام. قوله: (لا ينقطع) أي عن الام. قوله:
(لكنه يسقط الحد في زناها) أي بغير الملجئ، لأنه لما كان الملجئ رخصة لها كان غيره شبهة لها.
قوله: (لأنه لما لم يكن الملجئ له الخ) تعليل لقوله: لا زناه وإذا لم يرخص له يأثم في الاقدام عليه،
وأما المرأة هل تأثم؟ ذكر شيخ الاسلام: إن أكرهت على أن تمكن من نفسها فمكنت تأثم، وإن لم
تمكن وزنى بها فلا، وهذا لو بملجئ، وإلا فعليه الحد بلا خلاف لا عليها، ولكنها تأثم. هندية.
قوله: (ظاهر تعليلهم) أي بأنه لا يرخص للرجل لان فيه قتل النفس، ويرخص للمرأة لعدم قطع
النسب منها. قوله: (أن حكم اللواطة) أي من الفاعل والمفعول ولو برجل ط. قوله: (فترخص بالملجئ)
في باب الاكراه من النتف: لو أكره على الزنا واللواطة لا يسعه وإن قتل اه‍. فمنع اللواطة مع أنها لا
تؤدي إلى هلاك الولد ولا تفسد الفراش اه‍. سري الدين. وظاهر إطلاق النتف يعم الفاعل والمفعول
ط. وقد ذكر في المنح أيضا عبارة النتف. قوله: (لأنها لم تبح بطريق ما) بخلاف الوطئ في القبل فإنه
يستباح بعقد وبملك، فافهم. قوله: (ولكون قبحها عقليا) لان فيها إذلالا للمفعول ويأبى العقل ذلك،
وقد انضم قبحها العقلي إلى قبحها طبعا، فإنه محل نجاسة وفرث وإخراج لا محل حرث وإدخال
وطهارة وإلى قبحها شرعا ط. قوله: (وصح نكاحه) فلو أكره عليه بالزيادة بطلت الزيادة، وأوجبها
الطحاوي، وقال: يرجع بها على المكره. بزازية. قوله: (لو بالقول لا بالفعل الخ) تبع ابن الكمال في
ذكره ذلك هنا، وصوابه ذكره بعد قوله: ورجع بقيمة العبد لان الفرق بينهما في الرجوع وعدمه لا
في صحة العتق. وعبارة الأشباه سالم من هذا الاشتباه حيث قال: أكره على الاعتاق فله تضمين
المكره، إلا إذا أكره على شراء من يعتق عليه باليمين أو بالقرابة اه‍.
وفي البزازية: أكره على شراء ذي رحمه أو من حلف بعتقه وقيمته ألف على أن يشتري بعشرة
آلاف، فاشترى عتق ولزمه ألف لا عشرة، لان الواجب فيه القيمة لا الثمن، ولا يرجع بشئ على
429

المكره لأنه دخل في ملكه قبل ما خرج اه‍. قوله: (ورجع بقيمة العبد) يعني في صورة الاكراه على
الاعتاق لأنه صلح له آلة فيه من حيث الاتلاف فانضاف إليه. ابن كمال. والولاء للمأمور لما مر عن
الإتقاني، ويرجع بالقيمة عليه ولو معسرا لأنه ضمان إتلاف، ولا يرجع المكره على العبد بما ضمن
لوجوبه عليه بفعله، ولا سعاية على العبد. وتمامه في الزيلعي. قوله: (ونصف المسمى إن لم يطأ) لان ما
عليه كان على شرف السقوط بوقوع الفرقة من جهتها بمعصية كالارتداد وتقبيل الزوج، وقد تأكد
ذلك بالطلاق، فكان تقريرا للمال من هذا الوجه فيضاف تقريره إلى المكره، والتقرير كالايجاب فكان
متلفا له فيرجع عليه، وقيد بالمسمى لأنه إن لم يكن مسمى فيه ورجع عليه بما لزمه من المتعة. ابن
كمال. وقيد بقوله: إن لم يطأ لأنه إن وطئ لا يرجع، لان المهر تقرر هنا بالدخول لا بالطلاق.
زيلعي. والمراد بالوطئ ما يعم الخلوة، وفيه إشارة إلى أن الحامل أجنبي، فلو كان زوجة لم يكن لها
شئ عليه، وهذا إذا أكرهت بالملجئ، وأما بغيره فعليه نصف المهر كما في الظهيرية. قهستاني.
قوله: (ونذره) أي بكل طاعة كالصوم والصدقة والعتق وغيرها لأنه مما لا يحتمل الفسخ فلا يتأتى فيه
أثر الاكراه. قهستاني. لأنه من اللاتي هزلهن جد، ولا يرجع على المكره بما لزمه لأنه لا مطالب له في
الدنيا فلا يطالب هو به فيها. زيلعي. قوله: (ويمينه وظهاره) أي اليمين على الطاعة أو المعصية، وذلك
لان اليمين والظهار لا يعمل فيهما بالاكراه، لأنهما لا يحتملان الفسخ فيستوي فيهما الجد والهزل.
زيلعي. قوله: (ورجعته) لأنها استدامة النكاح فكانت ملحقة به. زيلعي. قوله: (وإيلاؤه وفيئه فيه) لان
الايلاء يمين في الحال وطلاق في المآل، والفئ فيه كالرجعة في الاستدامة، ولو بانت بمضي أربعة
أشهر ولم يكن دخل بها لزمه نصف المهر، ولا يرجع على المكره لتمكنه من الفئ في المدة، وكذا الخلع
لأنه طلاق أو يمين من جانب الزوج، وكل ذلك لا يؤثر فيه الاكراه، ثم إن كانت المرأة غير مكرهة
لزمها البدل. زيلعي. وفي البزازية: أكرهت على أن قبلت من الزوج تطليقة بألف وقعت رجعية ولا
شئ عليها. قوله: (بقول أو فعل) كذا قال أيضا في شرحه على الملتقى. والذي في عامة الكتب
كشروح الهداية وشروح الكنز والدرر والمنح تخصيصه القول، ولعل وجهه كون الكلام فيما لا يؤثر
فيه الاكراه من الأقوال، فليس التقييد احترازيا لان الفعل أقوى من القول، فإذا لم يحتمل القول الفسخ
فالفعل أولى، وهكذا يقال في الرجعة تشمل القول والفعل لكن الكلام في الأقوال. تأمل. قوله: (وما
في الخانية من التفصيل) من أنه لو حربيا يصح ولو ذميا فلا، ومثله في مجمع الفتاوى عن المبسوط،
وجعل المستأمن كالذمي، وبين في المنح وجه الفرق بأن إلزام الحربي بالاسلام ليس بإكراه لأنه بحق،
بخلاف الذمي فإنه لا يجبر عليه. قوله: (والاستحسان صحته مطلقا) قال الرملي: وقد علم أن العمل
على جواب الاستحسان إلا في مسائل ليست هذه منها، فيكون المعول عليه اه‍. والفرق بينه وبين
الكفر أن الاسلام يعلو ولا يعلى عليه، وهذا في الحكم، وفيما بينه وبين الله تعالى لا يصير مسلما.
سائحاني. قوله: (وتوكيله بطلاق وعتاق الخ) مقتضاه أنه لو أكره على التوكيل بالنكاح يصح وينعقد،
ولكن لم أره منقولا. كذا في حاشية أبو السعود على الأشباه عن حاشية الشيخ صالح. ويخالف ما في
430

حاشية المنح للرملي حيث قال: أقول: لم يتعرض كغيره للنكاح، ولم أر من صرح به، والظاهر أن
سكوتهم عنه لظهور أنه لا استحسان فيه بل هو على القياس اه‍.
أقول: علة الاستحسان تشمل جميع أنواع الوكالة، فإنهم قالوا: القياس أن لا تصح الوكالة لأنها
تبطل بالهزل، فكذا مع الاكراه كالبيع وأمثاله، ووجه الاستحسان أن الاكراه لا يمنع انعقاد البيع ولكن
يوجب فساده، فكذا التوكيل ينعقد مع الاكراه، والشروط الفاسدة لا تؤثر في الوكالة لكونها من
الإسقاطات، فإذا لم يبطل نفذ تصرف الوكيل اه‍. ثم رأيت الرملي نفسه ذكر في حاشيته على البحر في
باب الطلاق الصريح أن الظاهر أنه كالطلاق والعتاق لتصريحهم بأن الثلاث تصح مع الاكراه، ثم ذكر
ما قدمناه ثم قال: فانظر إلى علة الاستحسان في الطلاق تجدها في النكاح فيكون حكمهما واحدا.
تأمل (1) اه‍.
ثم اعلم أن المكره يرجع على المكره استحسانا ولا ضمان على الوكيل، ولو أكره بملجئ على
توكيل هذا ببيع عبده بألف وعلى الدفع إليه فباع الوكيل وأخذ الثمن فهلك العبد عند المشتري وهو
والوكيل طائعان ضمن أي الثلاثة شاء، فإن ضمن المشتري لا يرجع بالقيمة على أحد بل بالثمن على
الوكيل، وإن ضمن الوكيل رجع على المشتري بالقيمة وهو عليه بالثمن فيتقاصان ويترادان الفضل، وإن
ضمن المكره رجع على المشتري أو على الوكيل، ولو الاكراه بغير ملجئ لم يضمن المكره شيئا، وإنما
للمولى تضمين الوكيل القيمة ويتقاص مع المشتري بالثمن أو تضمين المشتري، ثم لا رجوع للمشتري
على أحد اه‍ ملخصا من الهندية. عن المحيط. قوله: (ما في الأشباه من خلافه) وهو عدم الوقوع
بطلاق الوكيل وإعتاقه. قوله: (يصح مع الاكراه) أي فيما عدا مسألة الوكالة لما علمت من خروجها عن
القياس. قوله: (لا يؤثر فيه الاكراه) أي من حيث منع الصحة، لان الاكراه يفوت الرضا وفواته يؤثر
في عدم اللزوم وعدمه يمكن المكره من الفسخ، فالإكراه يمكن المكره من الفسخ بعد التحقق، فما لا
يحتمل الفسخ لا يعمل فيه الاكراه. منح. قوله: (وعديناها) صوابه عددناها لأنه من العد لا من
التعدية. قوله: (نظما) هو لصاحب النهر، وعبارته هناك: نظم في النهر ما يصح مع الاكراه، فقال:
طلاق وإيلاء ظهار ورجعة * نكاح مع استيلاد عفو عن العمد
رضاع وأيمان وفئ ونذره * قبول لإيداع كذا الصلح عن عمد
طلاق على جعل يمين به أتت * كذا العتق والاسلام تدبير للعبد
وأيجاب إحسان وعتق فهذه * تصح مع الاكراه عشرين في العد

(1) أقول: لكن تأمل هذا مع ما يأتي عن الهندية فان الظاهر أن توكيله ببيع العبد، لم يصح مع الاكراه ولذا كان له تضمين
اي الثلاثة شاء، ويبعد ان يقال لا يصح بيع المكره ويصح توكيله بالبيع، فعلم أن الاستحسان لا يجري في جميع
أنواع الوكالة، فهذا يؤيد ما بحثه الرملي أولا لكن قد يقال ان الاستحسان انما هو الوكالة على نحو الطلاق
والعتاق مما ليس من المعاوضات المالية. والحاصل، ان المحل محتاج إلى زيادة تحرير وهذا غاية ما وصل إليه فهمنا
القاصر، والله تعالى أعلم ا ه‍ منه.
431

أقول: والتحقيق أنها خمسة عشر للتداخل، ولان قبول الايداع ليس منها كما في النهر،
والمذكور منها في عامة الكتب عشرة نظمها ابن الهمام بقوله:
يصح مع الاكراه عتق ورجعة * نكاح وإيلاء طلاق مفارق
وفئ ظهار واليمينين ونذره * وعفو لقتل شاب منه مفارق
وزدت عليه الخمسة الباقية بقولي:
رضاع وتدبير قبول لصلحه * كذلك إيلاد والاسلام فارق
قوله: (أو إبراؤه كفيله) وكذا قبول الكفالة على ما أفتى به الحامدي وغيره، وكذا قبول الحوالة
على ما في حوالة البحر. سائحاني. قوله: (لان البراءة تصح مع الهزل) لأنها إقرار بفراغ الذمة فيؤثر فيها
الاكراه. قوله: (لا تبطل شفعته) فإذا زال الاكراه فإن طلب عند ذلك وإلا بطلت، وكذا لو أكره على
تسليمها بعد طلبها لا تبطل. هندية وغيرها. قوله: (ولا ردته الخ) ذكره ليفرع عليه قوله: فلا تبين
زوجته وإلا فقد مر ما يغني عنه. قوله: (لأنه لا يكفر به) ذكر الضمير لان المراد التلفظ اللساني. قال
في الهداية: لان الردة تتعلق بالاعتقاد، ألا ترى لو كان قلبه مطمئنا بالايمان لا يكفر، وفي اعتقاده
الكفر شك فلا تثبت البينونة بالشك. قوله: (والقول له) أي لو ادعت تبدل اعتقاده وأنكر هو فالقول له.
قوله: (استحسانا) والقياس أن يكون القول قولها حتى يفرق بينهما، لان كلمة الكفر سبب لحصول
الفرقة، فيستوي فيه الطائع والمكره كلفظة الطلاق. ووجه الاستحسان أن هذه اللفظة غير موضوعة
للفرقة، وإنما تقع الفرقة باعتبار تغير الاعتقاد، والاكراه دليل على عدم تغيره فلا تقع الفرقة ولهذا لا
يحكم عليه بالكفر. زيلعي. قوله: (وقدمنا عن النوازل الخ) الذي قدمه عن النوازل أنه إن ورى بانت
قضاء فقط، وإلا مع خطورها بباله بانت ديانة أيضا. وقدمنا أنه بقي قسم ثالث: وهو ما إذا لم يخطر
بباله شئ أصلا وأتى بما أكره به مطمئنا فلا بينونة ولا كفر أصلا، وصرح الزيلعي بأن هذا هو المراد
بالمذكور في المتن كما قدمناه فلا منافاة أصلا. قوله: (أكره القاضي) قيد به لأنه الذي يقيم الحدود في
العادة، وإلا فلكل متغلب كذلك، ولا فرق بين كونه بملجئ أو غيره لما في التاترخانية عن التجريد:
أكره بضرب أو حبس حتى يقر بحد أو قصاص فهو باطل، فإن خلاه ثم أخذه فأقر مستقبلا
أخذ به. قوله: (على ما ذكر) أي بناء على إقراره مكرها. قوله: (وإن متهما الخ) أي ولا بينة عليه. هندية.
قوله: (لا يقتص من القاضي استحسانا) ولكنه يضمن جميع ذلك في ماله كما في الهندية عن المحيط.
قوله: (للشبهة) أي شبهة أنه فعل ما أقر به مع دلالة الحال عليه. قوله: (قيل له الخ) أي أكره بملجئ
432

على فعل أحد هذين الفعلين. قوله: (فهو إكراه) أي فيخير بين الفسخ والامضاء بعد زوال الاكراه، لان
حرمة الشرب قطعية فلم يكن راضيا بالبيع. تأمل. وهل يسعه الشرب وترك البيع؟ الظاهر: نعم، لان
الشرب يباح عند الضرورة. تأمل. وفي الخانية: أكره بالقتل على الطلاق أو العتاق فلم يفعل حتى قتل
لا يأثم، لأنه لو صبر على القتل ولم يتلف مال نفسه يكون شهيدا، فلان لا يأثم إذا امتنع عن إبطال
ملك النكاح على المرأة كان أولى اه‍. قوله: (وكذا الزنا وسائر المحرمات) أي لو أكرهه على البيع أو الزنا
ونحوه فباع يكون مكرها، وهذا في الترديد بين محرم وغيره، ولم يذكر لو ردد له بين محرمين أو غير
محرمين. وفي الخانية: أكره بملجئ على كفر أو قتل مسلم لم يقد استحسانا، وتجب الدية في ماله في
ثلاث سنين إن لم يعلم أنه يرخص له إجراء الكفر مطمئنا وإن علم: قيل يقتل، وقيل لا، ولو على
قتل أو زنا لا يفعل واحدا منهما لان كلا لا يباح بالضرورة، فإن زنى لا يحد استحسانا وعليه المهر،
وإن قتل يقتل الآمر لأنه لا يخرج عن كونه مكرها، ولو على قتل أو إتلاف مال الغير له أن لا يتلف
ولو المال أقل من الدية لأنه مرخص لا مباح، فإن قتل يقتل به إذ لا يرخص، وإن أتلف ضمن الآمر
ولو على طلاق قبل الدخول أو عتق غرم الآمر الأقل من قيمة العبد ومن نصف المهر، وإن كان دخل
لا يلزم الآمر شئ اه‍ ملخصا. قوله: (صادره السلطان) أي طالبه بأخذ ماله. قال في القاموس: صادره
على كذا: طالبه به. قوله: (لعدم تعينه) أي البيع، إذ يمكنه أداء ما طلبه منه بالاستقراض ونحوه. قوله:
(والحيلة) أي ليكون بيعه فاسدا، ولا بد فيه أيضا من أن يكرهه على التسليم وقبض الثمن، وإلا نفد
البيع كما مر متنا. قوله: (فقد صار مكرها فيه) أي في البيع لما مر أن أمر السلطان إكراه وإن لم يتوعده،
فافهم. قوله: (بالضرب) قيده في الخانية بالمتلف، والظاهر أنه اتفاقي قوله: (فليس بإكراه) لان كل فعل
من هذه الأفعال جائز شرعا، والافعال الشرعية لا توصف بالاكراه ط.
قلت: نعم، ولكن يدخل عليها غما يفصد صبرها ويظهر عذرها، وقد مر ان البيع ونحوه يفسد
بما يوجب غما بعدم هذه الرضا، ويدل عليه ما يذكره بعده، فإن منع المريضة عن أبويها ومنع البكر
عن الزفاف لا يغمها أكثر من الافعال، ولكن لا مدخل للعقل مع النقل. هذا، وقدمنا أن ظاهر
قولهم الزوج سلطان زوجته أنه يكفي فيه مجرد الامر حيث كانت تخشى منه الأذى. والله تعالى أعلم.
قوله: (وبه أفتى أبو السعود) وكذلك الرملي وغيره، ونظمه في فتاواه بقوله:
ومانع زوجته عن أهلها * لتهب المهر يكون مكرها
433

كذاك منع والد لبنته * خروجها لبعلها من بيته
ثم قال: وأنت تعلم أن البيع والشراء والإجارة كالاقرار والهبة، وأن كل من يقدر على المنع من
الأولياء كالأب للعلة الشاملة فليس قيدا، وكذلك البكارة ليست قيدا كما هو مشاهد في ديارنا من
أخذ مهورهن كرها عليهن حتى من ابن ابن العم وإن بعد، وإن منعت أضر بها أو قتلها اه‍. قوله:
(المكره بأخذ المال) الأولى التعبير بعلى ط. قوله: (لا يضمن) بل الضمان على الآمر. قوله: (فالقول
للمكره مع يمينه) لانكاره الضمان ومثله لو أكره على قبول الوديعة أو الهبة وقال: قبضتها لأردها إلى
مالكها كما في الخانية. قوله: (ما دام حاضرا عنده المكره) قال في الهندية عن المبسوط: فإن كان أرسله
ليفعل فخاف أن يقتله إن ظفر به إن لم يفعل لم يحل، إلا أن يكون رسول الآمر معه على أن يرده عليه
إن لم يفعل، ولو لم يفعل حتى قتل كان في سعة إن شاء الله تعالى، ولو هدده بالحبس أو القيد لم يسعه
الاقدام اه‍. قوله: (لزوال القدرة والإلجاء بالبعد) لكن يخاف عوده، وبه لا يتحقق الاكراه. بزازية.
قوله: (إن جائعا لا رجوع) فإن قلت: يشكل بما لو كان الطعام للغير حيث يضمن الآمر مع أن النفع
للمأمور. قلت: هناك أكل طعام الآمر، لان الاكراه على الاكل إكراه على القبض لعدم إمكانه بدونه،
فكأنه قبضه وقال له كل، وهنا لا يمكن جعل الآمر غاصبا قبل الاكل، لأنه لا يمكن وهو في يده أو
فمه فصار آكلا طعام نفسه، إلا أنه إن كان شبعانا فقد أكره على إتلاف ماله فيضمن الآمر. بزازية
ملخصا. قوله: (وإن شبعانا) صرفه لان مؤنثه قابل للتاء كما في القاموس، فافهم. قوله: (لامتناع
الكذب على الأنبياء) تعليل لقوله: لا يسعه أي لان قول النبي حجة على الخلق فلا يباح الكذب،
بخلاف غيره فلذلك يسعه. خانية. قوله: (لم يحل) أي دفع الجارية، لان هذا ليس إكراها حتى يرخص
لها الزنا، ولم يكره على الدفع. وأما الأسارى فالله تعالى قادر على تخليصهم وتصبيرهم على بليتهم ط.
قوله: (لم يعتق) لان الاقرار يفسده الاكراه كما مر، وكذا لو أكره ليقر بطلاق أو نذر أو حد أو قطع
أو نسب لا يلزمه شئ. خانية. قوله: (ظاهر القنية نعم) وعبارتها ف ع متغلب قال لرجل: إما أن
434

تبيعني هذه الدار أو أدفعها إلى خصمك فباعها منه، فهو بيع مكره إن غلب على ظنه تحقيق ما أوعده.
قال رضي الله تعالى عنه: فهذه إشارة إلى أن الاكراه بأخذ المال إكراه شرعا، وفي بعض ألفاظ متعارضة
الدلالة، ولم أجد فيه رواية إلا هذا القدر اه‍. وظاهره عدم اشتراط كونه كل المال، وقدمنا عن
القهستاني ما يخالفه. وفي الهندية عن المسوط: قال الفقيه أبو الليث: إن هدد السلطان وصي يتيم
بملجئ ليدفع ماله إليه ففعل لم يضمن، ولو بأخذ مال نفسه إن علم أنه يأخذ بعض ماله ويترك ما
يكفيه يسعه، فإن فعل ضمن مثله، وإن خشي أخذ جميع ماله فهو معذور، وإن أخذه السلطان
بنفسه لا ضمان على الوصي في الوجوه كلها. قوله: (إني مرافع) أي مرافعك للحاكم: أي وكان ظلما
يؤذي بمجرد الشكاية كما في القنية. قوله: (لتبرئ) ظاهره أنه علة للمرافعة ولا يصح، لان المعنى إن
لم تبرئني أرافعك فالعلة عدم الابراء، ويمكن جعله علة لقوله: وإن يقل لكن كان الظاهر أن يقال
ليبرئ بضمير الغائب. تأمل قوله: (وصح) إلى آخر البيت مكرر مع قوله المار وإسلامه وإسلامه سوى قوله
ويجبر: أي على الاسلام بالحبس. والله سبحانه وتعالى أعلم.
435

كتاب الحجر
أورده بعد الاكراه، لان في كل سلب ولاية المختار عن الجري على موجب الاختيار، والاكراه
أقوى لان فيه السلب ممن له اختيار صحيح وولاية كاملة فكان بالتقديم أحرى. قوله: (هو لغة المنع)
يقال حجر عليه حجرا من باب قتل: منعه من التصرف، فهو محجور عليه والفقهاء يحذفون الصلة
تخفيفا، ومنه سمي الحطيم حجرا بالكسر، لأنه منع من الكعبة، وكذا العقل لمنعه من القبائح. قوله:
(مطلقا) ولو عن الفعل أو عما هو مطلوب ط. قوله: (وشرعا منع من نفاذ تصرف قولي) أي من
لزومه، فإن عقد المحجور ينعقد موقوفا، والنافذ أعم من الزم. قهستاني. وقدمنا ما فيه الاكراه.
والحاصل: أن المنع من ثبوت حكم التصرف فلا يفيد الملك بالقبض، وفيه أنه لا يشمل سوى
العقود الدائرة بين النفع والضر، مع أن القول قد يلغو أصلا كطلاق الصبي، وقد يصح كطلاق
العبد، فالمناسب في تعريفه ما في الايضاح بقوله: وفي اصطلاح الفقهاء عبارة عن منع مخصوص
بشخص مخصوص عن تصرف مخصوص أو عن نفاذه. وتفصيله أنه منع للرقيق عن نفاذ تصرفه
الفعلي الضار وإقراره بالمال في الحال، وللصغير والمجنون عن أصل التصرف القولي إن كان ضررا
محضا، وعن وصف نفاذه إن كان دائرا بين الضرر والنفع اه‍. وكتب في هامشه: الحجر على مراتب:
أقوى، وهو المنع ن أصل التصرف ومتوسط وهو المنع عن وصفه وهو النفاذ، وضعيف، وهو المنع
عن وصف وصفه وهو كون النفاذ حالا اه‍. وقد أدخل في التعريف المنع عن الفعل كما ترى، ودخل
فيه نحو الزنا والقتل في الصبي والمجنون، فإنه محجور عليهما بالنسبة لحكمه، وهو الحد
والقصاص كما في الجوهرة، ويظهر لي أن هذا هو التحقيق، فإنه إن جعل الحجر هو المنع من ثبوت
حكم التصرف فما وجه تقييده بالقولي ونفي الفعلي مع أن لكل حكما؟ وبهذا يندفع ما استشكله
الشارح من أصله، واما ما علل به من قوله: لان الفعل بعد وقوعه لا يمكن رده نقول الكلام في
منع حكمه لا منع ذاته، ومثله القول لا يمكن رده بذاته بعد وقوعه بل رد حكمه.
فإن قلت: قيد بالقولي لان الافعال لا يحجر عنها كلها فإن ما يوجب الضمان منها يؤاخذ بها.
قلت: وكذلك القول بعضه غير محجور عنه كالذي تمحض نفعا كقبول الهبة والهدية والصدقة، إلا أن
يفرق بالقلة والكثرة، فليتأمل. قوله: (لمنع نفاذ فعله في الحال) كاستهلاكه للأموال فإنه صدق عليه منع
النفاذ في الحال، ومع أنه فعل لا قول، ونفاذه في المآل لا ينافي وجود المنع في الحال، وإلا لزم أن لا
يصح قولنا محجور عن الاقرار مثلا في حق المولى، فافهم. وهذا من المنع عن وصف الوصف كما
قدمناه. قوله: (بل بعد العتق الخ) أي بل ينفذ بعده، ولان توقفه كان لحق المولى وقد زال.
ثم اعلم أن الذي يتوقف هو إقراره بالمال كما يأتي، وكذا مطالبته بالمهر ولو تزوج بلا إذن مولاه
ودخل بها كما ذكره الزيلعي في باب النكاح الرقيق، وكأنه لما كان برضاها صارت راضية بتأخير المهر.
وأما ما ذكره عن البدائع تبعا لابن الكمال. من أنه لو أتلف مال الغير لا يؤاخذ به في الحال، فهو
436

المتبادر من التبيين والدرر، ويخالفه ما نقله المصنف عن ابن مالك من أنه مؤاخذ في الحال بما استهلكه.
وسيأتي مثله في المأذون عن العمادية. قال الرملي: ومثله في النهاية والجوهرة والبزازية والخلاصة
والوالوجية. ثم قال: والحاصل أن النقل مستفيض في هذه المسألة بالضمان في الحال فيباع أو يفديه
المولى اه‍ ملخصا ومثله في الحامدية عن السراج. ثم قال: وفي التاترخانية من الكفالة: فإن كان له
كسب يوفى ذلك من كسبه وإلا تباع رقبته بدين الاستهلاك إلا أن يقضيه المولى اه‍. وفي القنية من باب
أمر الغير بالجناية رامزا لبكر خواهر زاده: عبد محجور جنى على مال فباعه المولى بعد علمه بالجناية،
فهو في رقبة العبد يباع فيها على من اشتراه، بخلاف الجناية على النفس، وفي التاترخانية من التاسع
من الجنايات: فرق بين الجناية على الآدمي وبين الجناية على المال، ففي الأول خير المولى بين الدفع
والفداء، وفي الثاني خير بين الدفع والبيع اه‍. قوله: (اللهم إلا أن يقال) أي في الجواب عن الاشكال،
وهذه الصيغة تؤتى في صدر جواب فيه ضعف كأنه يطلب من الله تعالى صحته. قوله: (الأصل فيه
ذلك) أي الأصل في فعله النفاذ في الحال لما يأتي أن الرق ليس بسبب للحجر في الحقيقة. لكنه
أي النفاذ أخر لعتقه أي لوقت عتقه أو إليه لقيام المانع وهو حق المولى. قوله: (وسببه صغر والجنون)
اعلم أن الله تبارك وتعالى جعل بعض البشر ذوي النهي، وجعل منهم أعلام الدين وأئمة الهدى
ومصابيح الدجى، وابتلى بعضهم بما شاء من أسباب الردى كالجنون الموجب لعدم العقل والصغر
والعته الموجبان (1) لنقصانه، فجعل تصرفهما غير نافذ بالحجر عليهما، ولولا ذلك لكان معاملتهما
ضررا عليهما بأن يستجر من يعاملهما مالهما باحتياله الكامل، وجعل من ينظر في مالهما خاصا
كالأب وعاما كالقاضي، وأوجب عليه النظر لهما، وجعل الصبا والجنون سببا للحجر عليهما، كل
ذلك رحمة منه ولطفا والرق ليس بسبب للحجر في الحقيقة لأنه مكلف محتاج كامل الرأي كالحر غير
أنه وما في يده ملك المولى، فلا يجوز له أن يتصرف الاجل حق المولى والانسان إذا منع عن التصرف
في ملك الغير يكون محجورا عليه كالحر، لا يقال إنه محجور عليه، مع أنه ممنوع عن التصرف في
ملك الغير، ولهذا يؤخذ العبد بإقراره بعد العتق، لزوال المانع وهو حق المولى ولعدم نفوذه في الحال
وتأخره إلى ما بعد الحرية جعله من المحجور عليهم. زيلعي. قوله: (يعم القوي والضعيف) أشار إلى
أن سبب الحجر هو مطلق الجنون كما في الايضاح، وأراد بالقوي المطبق وبالضعيف غيره، أو أراد
بالقوي القسمين والضعيف العته، فقوله كما في المعتوه الكاف فيه للتنظير على الأول، وللتمثيل على
الثاني تأمل. واختلفوا في تفسير المعتوه وأحسن ما قيل هو هو من كان قليل الفهم مختلط الكلام فاسد
التدبير إلا أنه لا يضرب ولا يشتم كما يفعل المجنون. درر. قوله: (وحكمه كمميز) أي حكم المعتوه
كالصبي العاقل في تصرفاته وفي رفع التكليف عنه. زيلعي. قوله: (فلا يصح طلاق صبي) أين ولو
مميزا. قوله: (ومجنون مغلوب الخ) قد يذكر هذا القيد ويراد به الغلبة على العقل، فيحترز به عن المعتوه
كما وقع في الهداية، حيث قال: ولا يجوز تصرف المجنون المغلوب بحال، وقد يراد به من صار

(1) قوله: (الموجبان) هكذا بخطه ولعل الظاهر الموجبين كما لا يخفى ا ه‍ مصححه.
437

مغلوبا للجنون، بحيث لا يفيق أي لا يزول عنه ما به من الجنون قويا كان أو ضعيفا، فيدخل فيه
المعتوه ويحترز به عمن يجن ويفيق فإنه يجوز تصرفه عل ما يأتي فمن احترز به عن المعتوه فقد وهم لظنه
أن المراد في الكلامين واحد مع أن طلاق المعتوه أيضا لا يصح. كذا أفاده ابن الكمال وتبعه الشارح.
قوله: (وأما الذي يجن ويفيق فحكمه كمميز) ومثله في المنح والدرر وغاية البيان وكذا في المعراج حيث
فسر المغلوب بالذي لا يعقل أصلا ثم قال: واحترز به عن المجنون الذي يعقل البيع ويقصده فإن
تصرفه كتصرف الصبي العاقل على ما يجئ فيتوقف إلى إجازة الولي اه‍. وهذا هو المعتوه كما قدمناه
وبه صرح في الكفاية، وجعله الزيلعي في حال إفاقته كالعاقل والمتبادر منه أنه كالعاقل البالغ. وبه اعترض
الشرنبلالي على الدرر، فلا تتوقف تصرفاته ووفق بينهما الرحمتي والسائحاني بحمل ما هنا على ما إذا لم
يكن تام العقل في حال إفاقته، وما ذكره الزيلعي على ما إذا كان تام العقل ووفق الشلبي في حاشية
الزيلعي بحمل ما هنا على ما إذا لم يكن لافاقته وقت معلوم، وما في شرح الزيلعي على ما إذا كان لها
وقت معلوم: أي لأنه في الأول لا يتحقق صحوه. أقول: والذي يحل عقدة الاشكال ما قدمناه عن
ابن الكمال فإنه إن أريد بالمغلوب من غلب على عقله: أي الذي لا يعقل أصلا فيراد بالذي جن ويفيق
ناقص العقل وهو المعتوه كما صرح به صاحب الكفاية وغيره حيث قال: والمجنون الذي يجن ويفيق،
وهو المعتوه الذي يصلح وكيلا عن غيره، وهو قد يعقل البيع ويقصده، وإن كان لا يرجح المصلحة
على المفسدة اه‍. ومعنى إفاقته على هذا أنه يعقل بعض الأشياء دون بعض والمعتوه في تصرفاته كمميز
كما مر فلهذا جعله شراح الهداية مثله وإن أريد به من لا يفيق من جنونه الكامل أو الناقص، فيحترز
به عمن يفيق أحيانا أي يزول عنه ما به بالكلية، وهذا كالعاقل البالغ في تلك الحالة، وهو محمل كلام
الزيلعي، ومنشأ الاشتباه عدم التفرقة بين الكلامين فاغتنم هذا التحقيق وبالله التوفيق. وبه ظهر أنه كان
ينبغي للشارح أن يقول: فحكمه كعاقل أي في حال إفاقته كما قاله الزيلعي ليظهر للتقييد بالمغلوب
فائدة فإنه حيث كان غير المغلوب كمميز لا يصح طلاقه ولا إعتاقه كالمغلوب، وأما ما نقله عن النهاية
فهو موافق لعبارة الهداية حيث لم يخصص فيها بعض التصرفات بالذكر.
والحاصل: أنه يتعين أن يحترز بالمغلوب في عبارة الهداية عن المعتوه، وفي عبارة المصنف عن
الذي ما به بالكلية، فتدبر. قوله: (وإقرار ما) أي المغلوب والصبي، والمراد الصبي المحجور، فلو
مأذونا يصح إقراره كالمعتوه والعبد المأذون كما يأتي آخر كتاب المأذون. قوله: (نظرا لهما) علة لقوله لا
يصح. قوله: (وصح طلاق عبد) لأنه أهل ويعرف وجه المصلحة فيه، وليس فيه إبطال ملك المولى، ولا
تفويت منافعه، درر. قوله: (في حق نفسه فقط) قيل الواجب إسقاطه ليكون التفصيل الآتي بيانا
لاجمال صحة الاقرار اه‍. تأمل. قوله: (لا سيده) أي لا في حق سيده رعاية لجانبه، لان نفاذه لا يعرى
عن تعلق الدين برقبته أو كسبه وكلاهما إتلاف ماله. درر. قوله: (فلو أقر) أي العبد المحجور لان
الكلام فيه، وقد علم من عدم صحة إقرار الحر الصغير عدم صحة إقرار العبد الصغير بالأولى. قوله:
(أخر إلى عتقه) لوجود الأهلية حينئذ وارتفاع المانع. قوله: (هدر) أي أي لا يلزمه شئ بعد عتقه، لما تقرر
أن المولى لا يستوجب على عبده مالا. درر. قوله: (وبحد وقود) أي بما يوجبهما، والواو بمعنى أو
438

ولهذا أفرد الضمير في قوله: أقيم. قوله: (أقيم في الحال) وحضرة المولى ليست بشرط، وهذا إذا أقر،
وأما إذا أقيم عليه البينة فحضرة المولى شرط عندنا وقال أبو يوسف: ليست بشرط. جوهرة. وفيها قتل
رجلا عمدا ووجب القصاص فأعتقه المولى لا يلزمه شئ، ولو كان للقتيل وليان فعفا أحدهما بطل حقه
وانقلب نصيب الآخر مالا، وله أن يستسعي العبد في نصف قيمته، ولا يجب على المولى شئ لأنه
انقلب مالا بعد الحرية ويجب نصف القيمة لان أصل الجناية كان في حال الرق. ولو أقر بقتل خطأ لم
يلزم المولى شئ وكان في ذمة العبد يؤخذ به بعد الحرية. كذا في الخجندي. وفي الكرخي: إقراره
بجناية الخطأ وهو مأذون أو محجور باطل، فإن أعتق لم يتبع بشئ من الجناية اه‍. وسيأتي تمامه في كتاب
الجنايات إن شاء الله تعالى. قوله: (في حقهما) أي الحد والقود لأنهما من خواص الآدمية، وهو ليس
بمملوك من حيث إنه آدمي، وإن كان مملوكا من حيث إنه مال، ولهذا لا يصح إقرار المولى عليه بهما،
وإذا بقي على أصل الحرية فيهما ينفذ إقراره لأنه أقر بما هو حقه وبطلان حق المولى ضمني. كفاية.
قوله: (يدور بين نفع وضر) أما النفع المحض فيصح كقبوله الهبة والصدقة، وكذا إذا آجر نفسه ومضى
على ذلك العمل وجبت الأجرة استحسانا، ويصح قبول بدل الخلع من العبد المحجور بغير إذن المولى،
لأنه نفع محض، وتصح عبارة الصبي في مال غيره وطلاقه وعتاقه إذا كان وكيلا. جوهرة. قوله: (من
هؤلاء المحجورين) المراد الصبي والرقيق فأطلق لفظ الجمع على الاثنين كقوله تعالى: * (فإن كان له
إخوة) * (النساء: 11) والمراد أخوان، وقيل المراد العبد والصبي والمجنون الذي يفيق. جوهرة. قوله:
(يعرف أن البيع سالب الخ) سيأتي في المأذون قيد آخر، وزاد في الجوهرة: ويعلم أنه لا يجمع الثمن
والمثمن في ملك واحد. قال في شاهان: ومن علامة كونه غير عاقل إذا أعطى الحلواني فلوسا فأخذ
الحلوى وبقي يقول أعطني فلوسي، وإن ذهب ولم يسترد الفلوس فهو عاقل اه‍. قوله: (أجاز وليه) أي
إن لم يكن فيه غبن فاحش، فإن كان لا يصح وإن أجازه الولي بخلاف اليسير. جوهرة. وسيأتي بيان
الولي آخر المأذون وإنه يصح إذن القاضي وإن أبى الأب. قوله: (أي هؤلاء المحجورين) صوابه
المحجورون. قوله: (ضمنوا) فلو أن ابن يوم انقلب على قارورة إنسان مثلا فكسرها يجب الضمان
عليه في الحال، وكذا العبد والمجنون إذا أتلفا شيئا لزمهما ضمانه في الحال. كذا في النهاية ويوافقه
ما في الكافي. عزمية. قوله: (لكن ضمان العبد بعد العتق) يعني في إتلافه المال، أما في النفس
فيقتص منه في الحال إن جنى على النفس بما يوجب القصاص، ويدفع أو يفدي إن جنى عليها بما لا
يوجب القصاص، أو جنى على الطرف عمدا أو خطأ ح. قوله: (على ما مر) أي عن البدائع، وعلمت
أنه مخالف لما في النهاية وغيرها، ووافق بينهما ط والسائحاني بحمل ما في البدائع على ما إذا ظهر
بإقراره لما في الغاية إذا كان الغصب ظاهرا يضمن في الحال فيباع فيه، ولو ظهر بإقراره لا يجب إلا
بالعتق. كذا قال الفقيه. قوله: (مؤاخذ فأفعاله) هذا من باب خطاب الوضع، وهو لا يتوقف على
439

التكليف لان الخطاب نوعان: خطاب وضع، وخطاب تكليف كما في جمع الجوامع. قوله: (وإذا قتل)
أي الصبي المحجور. وليس التقييد بالحجر في هذه احترازيا، حتى لو كان مأذونا له في التجارة
فالحكم كذلك. أبو السعود على الأشباه. قوله: (إلا في مسائل) استثناء من قوله: فيضمن أي فلا
يضمن في هذه، لأنه مسلط من المالك كما أفاده في الأشباه. لكن في أبي السعود في القنية: أنها
ضمان عقد عندهما، والصبي ليس من أهل إلزام الضمان، وعند أبي يوسف: ضمان فعل وهو من
أهل التزام الفعل اه‍. وفي التاترخانية: أودع صبيا أو عبدا مالا فاستهلكه لم يضمن عند محمد، وقال
أبو يوسف: يضمن العبد بعد العتق والصبي بعد زوال الحجر اه‍. فتأمل. وسنذكر له تتمة آخر كتاب
المأذون. قوله: (لو أتلف ما اقترضه) أطلق الجواب في نسخ أبي حفص، وفي نسخ أبي سليمان أنه
قولهما، وفي قول أبي يوسف: هو ضامن وهو الصحيح، بيري عن الذخيرة. والظاهر أنه تصحيح
لنقل الخلاف لا لقول أبي يوسف. تأمل. قال أبو السعود عن شرح تنوير الأذهان: ولو أتلف مال
غيره بلا سبق إيداع أو إقراض ضمن أأدخل الاجماع. قوله: (وما أودع عنده) احترز به عما إذا إتلف ما أودع
عند أبيه فإن يضمنه، وأطلق عدم الضمان في الوديعة، وهو مقيد بما سوى العبد والأمة، أما إذا
كانت عبدا أو أمة واستهلكه يضمن إجماعا، بيري عن البدائع. قال الحموي: وفي أحكام الصغار
للاستروشني ما يخالفه حيث قال: صبي محجور أودع عبدا فقتله فعلى عاقلته القيمة، ولو طعاما فأكله
لا يضمن اه‍.
قلت: وقد يوفق بأن الضمان إجماعا على العاقلة. تأمل. قوله: (بلا إذن وليه) يغني عنه ما بعده،
فلو إذن وليه في أخذ الوديعة يضمن اتفاقا كما في المصفى، أبو السعود. قوله: (ويستثنى من إيداعه
الخ) يستثنى أيضا ما إذا كانت عبدا بناء على ما في البدائع. قوله: (مثله) أي صبيا محجورا وهو بالنصب
مفعول أول لأودع والثاني محذوف: أي وديعة. قوله: (فللمالك تضمين الدفع أو الآخذ) قال في جامع
الفصولين: وهي من مشكلات إيداع الصبي. وأجاب في الأشباه بأنه لم يوجد فيها التسليط من
مالكها، بخلاف ما مر وأورد عليه بأنه وجد التسليط بنفس الدفع إلى الأول كما في الحموي.
قلت: مدفوع إذ لو دفعه المالك إلى الأول لم يكن له تضمينه كما مر في المستثنيات. قوله: (ولا
يحجر حر الخ) في بعض النسخ على حر.
واعلم أن الحجر عند أبي حنيفة على الحر العاقل البالغ لا يجوز بسبب السفه والدين والفسق
والغفلة وعندهما: يجوز بغير الفسق، وعند الشافعي: يجوز بالكل كفاية. وأما الحجر على المفتي
الماجن وأخويه فليس بحجر اصطلاحي كما يأتي، وظاهر الدرر أن عندهما أيضا يحجر عليه بالفسق،
وهو مخالف لعامة الكتب كما نبه عليه في العزمية، وكلام المصنف والشارح هنا مجمل، فتأمل. قوله:
(هو تبذير المال الخ) فارتكاب غيره من المعاصي كشرب الخمر والزنا لم يكن من السفه المصطلح في
شئ. قهستاني. والمراد أنه كان رشيدا ثم سفه لما يأتي متنا أنه لو بلغ غير رشيد لم يسلم إليه ماله الخ.
440

قوله: (على خلاف مقتضى الشرع أو العقل) كالتبذير والاسراف في النفقة، وأن يتصرف تصرفات لا
لغرض أو لغرض لا يعده العقلاء من أهل الديانة غرضا، كدفع المال إلى المغنين واللعابين وشراء
الحمامة الطيارة بثمن غال والغبن في التجارات من غير محمدة. وأصل المسامحات في التصرفات والبر
والاحسان مشروع، إلا أن الاسراف حرام كالإسراف في الطعام والشراب، قال تعالى: * (إذا أنفقوا لم
يسرفوا ولم يقتروا) * (الفرقان: 67) كفاية. قوله: (فيحجر عليه عندهما) مستدرك مع ما يأتي مع عدم صحة
التفريع أيضا ح. قوله: (وتمامه الخ) هو ما ذكرناه آنفا عن الكفاية. قوله: (وفسق) أي من غير تبذير
مال. فان الفاسق أهل للولاية على نفسه وأولاده عند جمع أصحابنا وان لم يكن حافظا لماله. قهستاني.
قوله: (ودين) وإن زاد على ماله وطلب الغرماء من القاضي الحجر عليه، قهستاني. قوله: (وغفلة) أي
لا يحجر على العاقل بسبب غفلة وهو ليس بمفسد ولا يقصده، لكنه لا يهتدي إلى التصرفات الرائجة
فيغبن في البياعات لسلامة قلبه: زيلعي. قوله: (بل يمنع) أشار به إلى أنه ليس المراد به حقيقة الحجر،
وهو المنع الشرعي الذي يمنع نفوذ التصرف، لان المفتي لو أفتى بعد الحجر وأصاب جاز، وكذا
الطبيب لو باع الأدوية نفذ، فدل أن المراد المنع الحسي كما في الدرر عن البدائع. قوله: (ماجن) قال في
الجمهرة: مجن الشئ يمجن مجونا: إذا صلب وغلظ وقولهم رجل ماجن كأنه مأخوذ من غلظ الوجه
وقلة الحياء وليس بعربي محض. ابن كمال. قوله: (كتعليم الردة الخ) وكالذي يفتي عن جهل.
شرنبلالية عن الخانية. قوله: (وطبيب جاهل) بأن يسقيهم دواء مهلكا، وإذا قوي عليهم لا يقدر على
إزالة ضرره. زيلعي. قوله: (ومكار مفلس) بأن يكري إبلا وليس له إبل ولا مال ليشتريها به، وإذا جاء
أوان الخروج يخفي نفسه. جوهرة. فمنع هؤلاء المفسدين للأديان والأبدان والأموال دفع إضرار
بالخاص والعام، فهو من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في القهستاني وغيره، قيل وألحق بهذه
الثلاثة ثلاثة أخرى: المحتكر، وأرباب الطعام إذا تعدوا في البيع بالقيمة، وما لو أسلم عبدا لذمي
وامتنع من بيعه باعه القاضي اه‍.
قلت: وباب الامر بالمعروف أوسع من هذا. تأمل. نعم، ينبغي ذكر المريض فإنه ممنوع عن
التصرف فيما فوق الثلث.
تنبيه: يعلم من هذا عدم جواز ما عليه أهل بعض الصنائع والحرف من منعهم من أراد الاشتغال
في حرفتهم وهو متقن لها أو أراد تعلمها فلا يحل التحجير كما أفتى به في الحامدية. قوله: (وعندهما
يحجر على الحر) أي العاقل البالغ. قال في الجوهرة: ثم اختلفا فيما بينهما: قال أبو يوسف: لا يحجر
عليه إلا بحجر الحاكم، وينفك حتى يطلقه. وقال محمد: فساده في ماله يحجره وإصلاحه فيه يطلقه
والثمرة فيما باعه قبل حجر القاضي يجوز عند الأول لا الثاني. قوله: (بالسفه والغفلة) أي والدين كما
يأتي، وعبر بعضهم عن الغفلة بالفساد ليس المراد به الفسق. فافهم. قال في الدر المنتقى: ويشترط
لصحة الحجر عندهما القضاء بالافلاس ثم الحجر بناء عليه، ولا يشترط ذلك في الحجر بالسفه مع
441

كونه يعم جميع الأموال. وأما الحجر بالدين فيخص المال الموجود، حتى ينفذ تصرفه في مال حدث
بعده بالكسب كما يعلم من القهستاني والبرجندي، فليحفظ اه‍.
وفي التاترخانية: الحجر بالدين يفارق الحجر بالسفه من وجوه ثلاثة: أحدها، أن حجر السفيه
لمعنى فيه وهو سوء اختياره لا لحق الغرماء بخلافه بسبب الدين فيفتقر للقضاء. الثاني: أن المحجور
بالسفه إذا أعتق عبدا ووجبت عليه السعاية وأدى لا يرجع بما سعى على المولى بعد زوال الحجر،
بخلاف المحجور بالافلاس الثالث: أن المحجور بالدين لو أقر حالة الحجر ينفذ إقراره بعد زوال
الحجر، وكذا حالة الحجر فيما سيحدث له من المال حالة الحجر والمحجور بالسفه لا يجوز إقراره
لا حال الحجر ولا بعده، ولا في المال القائم ولا الحادث اه‍ ملخصا.
قلت: ويزاد ما مر من توقف الحجر بالدين على القضاء: أي على قول أبي يوسف لكونه لحق
الغرماء، بخلاف الحجر بالسفه لأنه لحقه فلا يتوقف كما أشير إليه فيما مر، وظاهر كلامهم ترجيحه
على قول محمد. قوله: (به) أي بقولهما يفتى به، صرح قاضيخان في كتاب الحيطان، وهو صريح
فيكون أقوى من الالتزام. كذا قال الشيخ قاسم في تصحيحه. ومراده أن ما وقع في المتون من القول
بعدم الحجر على الحر مصحح بالالتزام، وما وقع في قاضيخان من التصريح بأن الفتوى على قولهما
تصريح بالتصحيح فيكون هو المعتمد، وجعل عليه الفتوى مولانا في فوائده. منح. وفي حاشية الشيخ
صالح: وقد صرح في كثير من المعتبرات بأن الفتوى على قولهما. وفي القهستاني عن التوضيح أنه
المختار اه‍. وأفتى به البلخي وأبو القاسم كما ذكره في المنح عن الخانية قبيل قوله الآتي: والقاضي
يحبس الحر المديون. قوله: (كصغير) أي يعقل ومثله البالغ المعتوه كما في حواشي الأشباه. قوله: (إلا
في نكاح وطلاق) فإن سمى جاز منه مقدار مهر المثل وبطل الفضل، وإن طلقها قبل الدخول وجب
نصف المسمى، لان التسمية صحيحة في مقدار مهر المثل، وكذا لو تزوج أربع نسوة أو تزوج كل يوم
واحدة فطلقها، لان التزوج من حوائجه الأصلية، زيلعي. قوله: (وعتاق) وعلى العبد أن يسعى في
قيمته عند محمد وهو الصحيح. طوري. قوله: (واستيلاد) بأن ولدت جاريته فادعاه ثبت نسبه وصارت
أم ولده وتعتق من جميع ماله بموته، ولا تسعى هي ولا ولدها في شئ، لان ثبوت نسب الولد شاهد
لها، ولو لم يكن معها ولد فقال: هذه أم ولدي لم تبع وسعت بموته في كل قيمتها بمنزلة المريض.
زيلعي. وهي ثلث قيمتها قنا. جوهرة. قوله: (وتدبير) ويسعى بموت المولى غير رشيد في قيمته مدبرا
وقيمة المدبر ثلثا قيمته قنا، وقيل نصفها، وعليه الفتوى. جوهرة. لكن سيأتي صحة وصاياه بالقرب
من الثلث والتدبير منها. وفي الطوري عن المحيط: قال مشايخنا: هذا: أي سعيه إذا كان أهل الصلاح
يعدون هذه الوصية إسرافا، فإن كانوا لا يعدونها إسرافا بل معهودا حسنا لا يسعى في قيمته إذا
كان يخرج من الثالث. قوله: (ووجوب زكاة) ويدفعها القاضي إليه ليفرقها لأنها عبادة لا بد فيها من نيته،
ولكن يبعث معه أمينا كي لا يصرفها في غير وجهها. هداية. قوله: (وفطرة) فيه أنها تجب على الصغير
حتى لو لم يخرجها وليه وجب الأداء بعد البلوغ كما مر في بابها فليست مما خالف فيها الصغير، وإلا
أن يقال المخاطب بها وليه. تأمل. قوله: (وحج) لأنه واجب بإيجاب الله تعالى من غير صنعه، ولا يمنع
442

من عمرة واحدة فيها استحسانا، ولا من القرآن لأنه لا يمنع من إفراد السفر لكل واحدة منهما، فلا
يمنع من الجمع بينهما للخلاف في وجوبها، ويسلم النفقة إلى ثقة لئلا يتلفها، فإن جامع قبل الوقوف
يدفع القاضي نفقة الرجوع، ولا تلزمه الكفارة إلا بعد زوال الحجر، وإن أفسد العمرة يقضيها بعد
زواله أيضا. وتمامه في الجوهرة. ولو أحرم بحجة تطوع دفع إليه من النفقة مقدار ما لو كان في
منزله، ويقال له: إن شئت فاخرج ماشيا، إلا أن يكون القاضي وسع في النفقة، فقال: أنا أكري بذلك
الفضل وأنفق على نفسي فلا يمنع من ذلك. طوري. قوله: (وعبادات) أي بدلية لا مالية ولا مركبة
منهما أيضا. ففي شرح المفتاح لابن السبكي: كل موضع يدعى فيه أنه من عطف العام على الخاص، يراد بالعام ما عدا ذلك الخاص
فيكون من عطف المباين. قال: وهذا هو التحقيق. حموي. وبه صرح
في السعدية أبو السعود.
قلت: فيكون من العام المخصوص أو المراد به الخصوص، وهل الأول حقيقة في الباقي أو مجاز
كالثاني؟ خلاف بينته في حاشية شرح المنار أول بحث العام، هذا وفي استثناء الحج والعبادات نظر،
فإنها تصح من الصغير أيضا، إلا أن يقال: المراد صحتها على سبيل الوجوب. تأمل. قوله: (وزوال
ولاية أبيه أو جده) يعني عدم ولايتهما عليه، بخلاف الصغير. حموي: أي فإن ولايتهما عليه ثابتة.
قوله: (وفي صحة إقراره بالعقوبات) كما لو أقر على نفسه بوجوب القصاص في نفس أو فيما دونها
، حموي. قوله: (وفي الانفاق) أي على نفسه وولده وزوجته ومن تجب عليه نفقته من
ذوي أرحامه من ماله. شرح تنوير الأذهان. وفي بعض النسخ: وفي الايقاف من أوقف، ولكن في الأشباه: إن وقفه
باطل. واختلفوا فيما لو كان بإذن القاضي: فصححه البلخي، وأبطله أبو القاسم اه‍. قوله: (وفي
صحة وصاياه بالقرب من الثالث) يعني إذا كان له وارث، والقياس أن لا تجوز وصيته كتبرعاته. وجه
الاستحسان أن الحجر عليه لمعنى النظر له كي لا يتلف ماله ويبقى كلا على غيره، وذلك في حياته لا
فيما ينفذ من الثلث بعد وفاته حال استغنائه، وذلك إذا وافق وصايا أهل الخير والصلاح كالوصية
بالحج أو للمساكين أو بناء المساجد والأوقاف والقناطر والجسور، وأما إذا أوصى بغير القرب لا تنفذ
عندنا. طوري. قوله: (كبالغ) أي غير محجور وإلا فهو بالغ ح. قوله: (وفي كفارة كعبد) فلو حلف
وحنث أو نذر نذرا من هدي أو صدقة أو ظاهر من امرأته لا يلزمه المال، ويكفر يمينه وغيرها
بالصوم. زيلعي. قوله: (والحاصل الخ) مستغنى عنه بقوله: ثم هذا الخلاف الخ لكن أعاده لقوله: إلا
بإذن القاضي وإنما حصره به لما مر من زوال ولاية أبيه وجده. قوله: (لم يسلم إليه ماله الخ) هذا
بالاجماع كما في الكفاية، وإنما الخلاف في تسليمه له بعد خمس وعشرين سنة كما يأتي، فلو بلغ
مفسدا وحجر عليه أولا فسلمه إليه فضاع ضمنه الوصي، ولو دفعه إليه وهو صبي مصلح وأذن له في
التجارة فضاع في يده لم يضمن كما في المنح عن الخانية. وفي حاشية أبي السعود معزوا للولوالجية:
وكما يضمن بالدفع إليه وهو مفسد فكذا قبل ظهور رشده بعد الادراك اه‍.
وسئل العلامة الشلبي: عمن بلغت وعليها وصي، هل يثبت رشدها بمجرد البلوغ أم لا بد من
443

البينة؟ فأجاب: بأنه لا يثبت إلا بحجة شرعية، ومثله في الخيرية. وفي شرح البيري عن البدائع: لا
بأس للولي أن يدفع إليه شيئا من ماله ويأذن له بالتجارة للاختبار، فإن آنس منه رشدا دفع إليه الباقي.
قوله: (حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة) أي ما لم يؤنس رشده قبلها. قوله: (فصح تصرفه قبله) الأولى
التعبير بالواو كما في الكنز، لمن لما كان قوله: لم يسلم إليه بمعنى المنع لان العاقل البالغ لا يحجر
عليه عند الامام، وإنما هذا منع للتأديب لا حجر صح التفريع، فافهم. قوله: (ضمن) أي إذا هلك
في يده لتعديه في المنع، وأما إذا بلغ فمنعه فقبل أن ينكشف حاله ويعلم رشده وصلاحيته بالاختبار
فهلك لا يضمن. قال شهاب الدين الجلبي في فتاواه: والواجب على الوصي أن لا يدفع إليه المال إلا
بعد الاختبار، فإذا منعه لذلك كان منعا لواجب فلا يكون متعديا، وفي الخانية ما يشهد له. رملي.
قوله: (قاله شيخنا) يعني الرملي في حاشية المنح. قوله: (وإن لم يكن رشيدا) لأنه قد بلغ سنا يتصور
أن يصير جدا، ولان منع المال عنه للتأديب، فإذا بلغ هذا السن فقد انقطع رجاء التأدب. زيلعي
ملخصا. قوله: (وقالا لا يدفع) أي وإن صار شيخا، وبه قالت الأئمة الثلاثة. معراج. قوله: (ولا
يجوز تصرفه فيه) أي ما لم يجزه القاضي على ما مر، وهذه ثمرة الخلاف، وتظهر أيضا في الضمان
عندهما لو دفع إليه بعد ما بلغ هذه المدة مفسدا إلا عنده. قوله: (فإن آنستم) أي عرفتم أو أبصرتم
ذكره البكري في تفسيره ط. قوله: (هو كونه مصلحا في ماله) هو معنى ما في البيري عن النتف
الرشيد عندنا أن ينفق فيما يحل ويمسك عما يحرم ولا ينفقه في البطالة والمعصية ولا يعمل فيه
بالتبذير والاسراف. قوله: (فقط) أي لا في دينه أيضا، خلافا للشافعي رحمه الله. قوله: (ولو فاسقا)
تأكيد لقوله: فقط وأطلقه فشمل الفسق الأصلي والطارئ كما في الهداية، وهذا ما لم يكن مفسدا
لماله. قوله: (ليبيع ماله) أطلق المال فشمل المرهون والمؤجر والمعار، وكل ما هو ملك له. رملي. ولا
يكون ذلك إكراها لأنه بحق كما مر في محله إذ هو ظالم بالمنع. قوله: (يعني بلا أمره) لان للدائن أن
يأخذ بيده إذا ظفر بجنس حقه بغير رضا المدين فكان للقاضي أن يعينه. زيلعي. قوله: (وكذا لو كان)
أي كل من ماله ودينه وفي نسخ كانا بضمير التثنية. قوله: (استحسانا) والقياس أن لا يجوز، لان
هذا الطريق غير متعين لقضاء الدين فصار كالعروض. قوله: (لاتحادهما في الثمنية) بيان لوجه
الاستحسان، ولهذا يضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة مع أنهما مختلفان في الصورة حقيقة وهو
ظاهر، وحكما لأنه لا يجري بينهما ربا الفضل، فبالنظر للاتحاد يثبت للقاضي ولاية التصرف،
وبالنظر للاختلاف يسلب عن الدائن ولاية الاخذ عملا بالشبهين، بخلاف العروض لان الأغراض
تتعلق بصورها وأعيانها.
أقول: ورأيت في الحظر والإباحة من المجتبى رامزا ما نصه: وجد دنانير مديونة وله عليه درهم
444

له أن يأخذه لاتحادهما جنسا في الثمنية اه‍. ومثله في شرح تلخيص الجامع الكبير للفارسي في باب
اليمين في المساومة.
تنبيه: قال الحموي في شرح الكنز نقلا عن العلامة المقدسي عن جده الأشقر عن شرح
القدوري للأخصب: إن عدم جواز الاخذ من خلاف الجنس كان في زمانهم لمطاوعتهم في الحقوق،
والفتوى اليوم على جواز الاخذ عند القدرة من أي مال كان لا سيما في ديارنا لمداومتهم العقوق. قال
الشاعر:
عفاء على هذا الزمان فإنه * زمان عقوق لا زمان حقوق
وكل رفيق فيه غير مرافق * وكل صديق فيه غير صدوق
ط قوله: (خلافا لهما وبه يفتى) الأولى أن يقول وقالا: يبيع وبه يفتى كما لا يخفى ح. قوله: (أي
بقولهما يبيعهما) العرض والعقار، وأشار بهذا التفسير إلى أن ما عداه لا خلاف فيه. قوله: (اختيار)
ومثله في الملتقى. قوله: (ويبيع كل ما لا يحتاجه في الحال) قال في التبيين: ثم عندهما يبدأ القاضي ببيع
النقود، ثم العروض، ثم العقار. وقال بعضهم: يبدأ ببيع ما يخشى عليه التوى من عروضه، ثم بما
لا يخشى عليه، ثم بالعقار.
فالحاصل: أنه يبيع ما كان أنظر له ويترك عليه دست من ثيابه: يعني بدلة، وقيل: دستان لأنه
إذا غسل ثيابه لا بد له من ملبس. وقالوا: إذا كان يكتفي بدونها تابع ويقضي الدين ببعض ثمنها
ويشتري بما بقي ثوبا يلبسه، وكذا يفعل في المسكن. وعن هذا قالوا: يبيع ما لا يحتاج إليه في الحال
كاللبد في الصيف والنطع في الشتاء، وينفق عليه وعلى زوجته وأطفاله وأرحامه من ماله اه‍ ملخصا.
قال الرحمتي: ومفاده أنه لا يكلف إلى أن يسكن بالأجرة كما قالوا في وجوب الحج. تأمل اه‍.
وفي حاشية المدني: أقول: وكذا لو كان عنده عقارات وقف سلطاني زائدة على سكناه أو
صدقات في الدفاتر السلطانية لا يؤمر ببيعها كما أفتى به غير واحد من العلماء اه‍: أي لا يؤمر
بالفراغ عنها إذ لا يجوز بيعها. تأمل.
مطلب: تصرفات المحجور بالدين كالمريض
قوله: (يلزمه بعد الديون) أي يقضيه بعد قضاء الديون التي حجر لأجلها ونحوها مما ذكره بعد،
وهذا ما لم يكن استفاد مالا بعد الحجر، وإلا فيقضى ما أقر به منه كما في المواهب والهداية، وقدمناه
عن التاترخانية وشرح الملتقى. وفي التاترخانية: ثم إذا صح الحجر بالدين صار المحجور كمريض عليه
ديون الصحة، فكل تصرف أدى إلى إبطال حق الغرماء فالحجر يؤثر فيه كالهبة والصدقة. وأما البيع:
فإن بمثل القيمة جاز، وإن بغبن فلا، ويتخير المشتري بين إزالة الغبن وبين الفسخ كبيع المريض، فإن
باع من الغريم وقاصصه بالثمن جاز لو الغريم واحدا، وإلا صح البيع من أحدهم لو بمثل القيمة دون
المقاصصة، وكذا لو قضى دين البعض كالمريض اه‍. ملخصا. قوله: (ببينة) بأن شهدوا على
الاستقراض أو الشراء بمثل القيمة، تاترخانية. قوله: (أو علم قاض) المعتمد عدم جواز القضاء بعلمه
445

ط. قوله: (كمال استهلكه) فإن مالكه يزاحم الغرماء، وكذا لو تزوج امرأة بمهر مثلها. ابن ملك
والمراد باستهلاكه المال أنه ثبت بغير إقراره مما مر، فلو به، ففي التاترخانية أنه يسأل عن إقراره بعد ما
صار مصلحا أن ما أقر به كان حقا أو لا؟ فإن قال: نعم يؤاخذ به، وإلا فلا، ويجب أن يكون
الجواب في الصبي المحجور كذلك اه‍. قوله: (أفلس الخ) أي صار إلى حال ليس له فلوس وبعضهم
قال: صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم. مصباح. والمراد حكم الحاكم بتفليسه.
واعلم أنه إنما يستوي مع الغرماء إذا كان الثمن حالا فلو مؤجلا لم يشاركهم ولكن يشاركهم
بعد الحلو فيما قبضوه بالحصص كذا في المقدسي سائحاني. قوله: (كان له استرداده) أي فيما لو أفلس
بعد قبضه بغير إذن. وقوله: وحبسه بالثمن فيما لو أفلس قبله، ففيه لف ونشر على عكس الترتيب.
تأمل. قوله: (كذا في الخانية الخ) استدراك على المتن تبعا للشرنبلالية، حيث نقل ما في الخانية ثم قال:
فقد شرط مع الاطلاق إجازة صنعه اه‍.
أقول: الذي يظهر أن الإجازة شرط لجواز صنعه لا لجواز الاطلاق، والمذكور في المتن جواز
الاطلاق فلا استدراك بل هو إفادة حكم آخر. تأمل. قوله: (لان حجر الأول مجتهد فيه) علله في
الهداية أولا بأن الحجر منه فتوى وليس بقضاء، لأنه لم يوجد المقضي له والمقضي عليه، ثم قال: ولو
كان قضاء فنفس القضاء مختلف فيه فلا بد من الامضاء. قال الزيلعي: يعني حتى يلزم، لان
الاختلاف إذا وقع في نفس القضاء لا يلزم، ولا يصير مجمعا عليه، وإنما يصير مجمعا عليه أن لو كان
الاختلاف موجودا قبل القضاء فيتأكد أحد القولين بالقضاء، فلا ينقص بعد ذلك، وأما إذا كان
الاختلاف في نفس القضاء، فبالقضاء يحصل الاختلاف، فلا بد من قضاء آخر ليصير مجمعا عليه
لقضائه بعد وجود الاختلاف، هذا معناه، ولكن فيه إشكال هنا لان الاختلاف فيه موجود قبل
القضاء، فإن محمدا يرى حجره بنفس السفه، ولا تنفذ تصرفاته أصلا فيصير القضاء به على هذا التقدير
قضاء بقول محمد فيتأكد قوله بالقضاء، بخلاف القضاء على الغائب فإن الاختلاف فيه في نفس القضاء
هل يجوز أم لا؟ فعندنا لا ينفذ، وعند الشافعي يجوز فيحصل الاختلاف بالقضاء فلا يرتفع حتى يحكم
بجواز هذا القضاء اه‍. قوله: (ما لم يعلم) أي بالحجر. قال في البزازية: فلو أخبره عدل وصدقه انحجر،
وإن لم يصدقه فكذلك، ثم قال: ولا فرق بين الاذن والحجر في أنه يصير مأذونا إذا ترجح الصدق في
خبره عند العبد أو صدقه. ذكره الفقيه أبو بكر البلخي، وعليه الفتوى والاعتماد خلافا لمن يفرق
بينهما اه‍. ثم إن هذا مبني على قول أبي يوسف لما مر أن السفيه ينحجر عند محمد بلا قضاء. قوله:
446

(ولا يرتفع الحجر بالرشد الخ) هذا أيضا قول أبي يوسف، خلافا لمحمد كما قدمناه عن الجوهرة مع
بيان ثمرة الخلاف. قوله: (ولو ادعى الرشد) يعني بعد ما حجر عليه القاضي ادعى أنه صار رشيدا
ليبطل حجره. قوله: (أشباه) استدل فيها على ذلك بما في المحيط عند ذكره دليل أبي يوسف، على أن
السفيه لا ينحجر إلا بحجر القاضي من أن الظاهر زوال السفه، لان عقله يمنعه. قال في الأشباه:
وكل بينة شهد لها الظاهر لم تقبل اه‍.
أقول: الظاهر أن ظهور زوال السفه فيما إذا كان قبل الحكم يدل على سياق كلام المحيط، أما
بعد الحكم كما هو موضوع المسألة في الأشباه فقد تأكد وثبت فالأصل بقاؤه، ويدل عليه أن الحجر
بعد ثبوته لا يرتفع عند أبي يوسف إلا بالقضاء، فلو كان الأصل زواله لما احتاج إليه. ولذا قال
المقدسي في حاشية الأشباه: لم يوجد بعد الحجر من القاضي ما يقتضي خلافه، فالظاهر بقاؤه اه‍.
وهكذا نقل الحموي عن الشيخ الصالح فينبغي تقديم بينة الزوال، وذكر نحوه العلامة البيري ثم قال:
ورأيت في ذخيرة الناظر الجزم به، ونقله أبو السعود وأقره، وبالجملة لم نر أحدا تابع صاحب الأشباه
سوى الشارح، والله أعلم. قوله: (وفي الوهبانية الخ) الشطر الثاني من البيت الأول مغير، وأصله:
فمن يدعي التأخير ليس يؤخر ويحجر في محل جر مضاف إلى قبل. ومعنى البيت الأول: أنه لو قال
بعد صلاحه أقررت وأنا محجور بأني استهلكت لك كذا وقال رب المال بل حال صلاحك فالقول للمقر
لأنه إضافة إلى حالة معهودة تنافي صحة الاقرار، فيكون في الحقيقة منكرا لا مقرا، وكذا لو قال:
أقررت لي به حال فسادك لكنه حق وقال المقر: لم يكن ذلك حقا فالقول له، ومعنى الثاني لو باع
المحجور وأجاز القاضي بيعه لكن نهى المشتري عن دفع الثمن إليه فدفعه وهلك يضمن الثمن للقاضي،
لأنه لما نهاه صار حق القبض للقاضي والمجور كالأجنبي، فلو لم ينهه جاز لان في إجازته البيع إجازة
لدفع الثمن كالوكيل بالبيع وكيل بالقبض، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل: بلوع الغلام بالاحتلام الخ
بتنوين فصل وبلوغ مبتدأ وما بعده خبر ومعطوف عليه، والجارية مجرور عطفا على الغلام أو
مرفوع على تقدير مضاف محذوف، وإنابته منابه، والبلوغ لغة: الوصول، واصطلاحا: انتهاء حد
الصغر، ولما كان الصغر أحد أسباب الحجر وكان له نهاية ذكر هذا الفصل لبيانها. والغلام كما قال
عياض يطلق على الصبي من حين يولد إلى أن يبلغ، وعلى الرجل باعتبار ما كان. قوله: (بالاحتلام) قال
في المعدن: الاحتلام جعل اسما لما يراه النائم من الجماع، فيحدث معه إنزال المني غالبا، فغلب لفظ
الاحتلام في هذا دون غيره من أنواع المنام لكثرة الاستعمال اه‍ ط. قوله: (والانزال) بأي سبب كان.
447

قوله: (والأصل هو الانزال) فإن الاحتلام لا يعتبر إلا معه، والاحبال لا يتأتى إلا به. قوله: (والجارية)
هي أنثى الغلام. قوله: (صريحا) قيد به لأنه مذكور ضمنا في الاحتلام والحبل. فإن لم يوجد
فيهما أي في الغلام والجارية شئ مما ذكر الخ، مفاده: أنه لا اعتبار لنبات العانة خلافا للشافعي،
ورواية عن أبي يوسف، ولا اللحية. وأما نهود الثدي فذكر الحموي أنه لا يحكم به في ظاهر الرواية،
وكذا ثقل الصوت كما في شرح النظم الهاملي أبو السعود، وكذا شعر الساق والإبط والشارب. قوله:
(به يفتى) هذا عندهما، وهو رواية عن الامام، وبه قالت الأئمة الثلاثة، وعند الامام: حتى يتم له
ثماني عشرة سنة ولها سبع عشر سنة. قوله: (لقصر أعمار أهل زماننا) ولان ابن عمر رضي الله تعالى
عنهما عرض على النبي (ص) يوم أحد وسنه أربعة عشر فرده ثم يوم الخندق وسنة خمسة عشر فقبله،
ولأنها العادة الغالبة على أهل زماننا وغيرها احتياط فلا خلاف في الحقيقة، والعادة إحدى الحجج
الشرعية فيما لا نص في نص عليه الشمني وغيره. در منتقى. قوله: (وأدنى مدته) أي مدة البلوغ
والضمير في له للغلام وفي لها للجارية. قوله: (كما في أحكام الصغار) هو اسم كتاب
للاستروشني. قوله: (فإن راهقا) يقال رهقه: أي دنا منه رهقا: أي دنا منه رهقا، ومنه: إذا صلى أحدكم إلى سترة
فليرهقها، وصبي مراهق مدان للحلم. مغرب. قوله: (إن لم يكذبهما الظاهر) هو معني قوله الآتي:
وهو أن يكون بحال يحتلم مثله.
وفي المنع عن الخاينة: صبي أقر أنه بالغ وقاسم وصي الميت: قال ابن الفضل: إن كان مراهقا
ويحتلم يقبل قوله وتجوز قسمته، وإن كان مراهقا ويعلم أن مثله لا يحتلم لا تجوز قسمته ولا يقبل قوله
لأنه يكذب ظاهرا، وتبين بهذا أن بعد اثنتي عشرة سنة إذا كان بحال لا يحتلم مثله إذا أقر بالبلوغ لا
يقبل اه‍. قوله: (فعبد ثنتي عشرة سنة) ادعى صاحب جامع الفصولين أن الصواب إبدال بعد بقبل،
زعما منه أنه شرط لغير المراهق، ورده في نور العين ونسبه إلى الوهم وقلة الفهم. قوله: (وفي
الشرنبلالية) وعبارتها: يعني وقد فسرا ما به علما بلوغهما وليس عليهما يمين اه‍. قال أبو السعود:
والظاهر أن هذا هو المراد مما نقله الحموي عن شرح درر البحار من أنه يشترط لقبول قولهما أن يبينا
كيفية المراهقة حين السؤال عنه اه‍.
قلت: وفي جامع الفصولين فتاوى النسفي عن القاضي محمود السمرقندي أن مراهقا أقر في
مجلسه ببلوغه فقال: بماذا بلغت؟ قال: باحتلام، قال: فماذا رأيت بعد ما انتهبت؟ قال:
الماء، قال: أي ماء فإن الماء مختلف؟ قال المني؟ قال: ما المني؟ قال ماء الرجل: الذي يكون منه الولد، قال: على
ماذا احتلمت على ابن، أو بنت أو أتان؟ فقال القاضي: لا بد من الاستقصاء فقد يلقن
448

الاقرار بالبلوغ كذبا. قال شيخ الاسلام: هذا من باب الاحتياط، وإنما يقبل قوله مع التفسير، وكذا
جارية أقرت بحيض اه‍. والظاهر (1) أن المراد بقوله وإنما يقبل مع التفسير: أي تفسير ما بلغ به من
احتلام أو إحبال فقط أأدخل هذا الاستقصاء. قوله: (لا تصح البينة) صوابه البتة من البت وهو القطع كما
جاء في جامع الفصولين، وقد وجد كذلك في بعض النسخ: أو يقول لا يصح الاقرار

(1) قوله: (والظاهر الخ) رأيت في الحامدية عن الجواهر الغفاري وانما يقبل قوله بغير هذا التفسير الخ ا ه‍ منه.
449

كتاب المأذون أي الاذن فهو مصدر كمعسور، وإن كان الظاهر أنه صفة لكنه يحتاج لحذف المضاف والصلة،
في الكرماني: يقال مأذون له أو لها وترك الصلة ليس من كلام العرب، وأقره القهستاني. در منتقى.
وتقدير المضاف إذن المأذون، لان البحث عن الافعال لا عن الذوات، وفي المصباح أن الفقهاء
يحذفون الصلة لفهم المعنى، وأورده بعد الحجر لان الاذن يقتضي سبق الحجر. قوله: (الاذن لغة
الاعلام) تبع الزيلعي والنهاية، قال الطوري: قال شيخ الاسلام في مبسوطه: الاذن هو الاطلاق لغة
لأنه ضد الحجر وهو المنع، فكان إطلاقا عن شئ إلى شئ اه‍.
وفي النهاية: الاذن في الشئ: رفع المانع لمن هو محجور عنه وإعلام بإطلاقه فيما حجر عليه،
من أذن له في الشئ إذنا، وأبعد الامام الزيلعي حيث قال: إنه الاعلام، ومنه الاذان وهو الاعلام،
لان الاذن من أذن في كذا إذا أباحه، والاذان من أذن بكذا إذا أعلم اه‍. وفي أبي السعود: قال قاضي
زاده في التكملة: لم أر قط كتب اللغة مجئ الاذن بمعنى الاعلام. قوله: (عن العبد المأذون) الأول
إسقاط لفظة العبد، فإن حكم في الصبي والمعتوه كذلك ح. قوله: (في غير باب التجارة) كالتزوج
والتسري والاقراض والهبة ونحوها مما سيأتي. قوله: (وإسقاط الحق) كالتفسير لقوله فك الحجر، ولا
يخفى عليك أن الصبي والمعتوه ليس فيه إسقاط حق. سعدية. لكن قال ابن الكمال: يعني حق المنع لاحق المولى لأنه من اختصاصه بإذن العبد غير صحيح، لان حق المولى لا يسقط بالاذن ولذلك يأخذ من
كسبه جبرا على ما سيأتي اه‍. قوله: (هو توكيل وإنابة) ستأتي ثمرة الخلاف. قوله: (ثم يتصرف) عطف
على المعنى فكأنه قال: إذا أذن المولى ينفك العبد من الحجر ثم يتصرف الخ. ابن كمال. قوله: (العبد)
إنما خص البيان به الخفاء الحال فيه، وإلا فالحكم مشترك. ابن كمال. قوله: (لنفسه) أي لا لسيده
بطريق الوكالة، قهستاني. ولا يلزم أن يكون مالكا له لأنه بجملته مملوك للمولى، فإذا تعذر ملكه لما
تصرف فيه يخلفه المولى في الملك. شرنبلالية. قوله: (بأهليته) لان العبد أهل للتصرف بعد الرق، لان
ركن التصرف كلام معتبر شرعا لصدوره عن تمييز، ومحل التصرف ذمة صالحة لالتزام الحقوق وهما لا
يفوتان بالرق لأنهما من كرامات البشر، وهو بالرق لا يخرج عن كونه بشرا إلا أنه حجر عليه من
التصرف لحق المولى، كي لا يبطل حقه بتعلق الدين برقبته لضعف ذمته بالرق، حتى لا يجب المال في
ذمته إلا وهو شاغل لرقبته، فإذا أذن المولى فقط أسقط حقه فكان العبد متصرفا بأهليته الأصلية. زيلعي.
قوله: (ولا يتخصص بنوع) أي ولا بمكان. قهستاني. وفي التاترخانية: هذا إذا صادف الاذن عبدا
محجورا، أما إذا صادف عبدا مأذونا يتخصص، فلو أذن له في التجارة ثم دفع إليه مالا وقال: اشتر لي
به الطعام، فاشترى العبد الرقيق يصير مشتريا لنفسه، نص عليه محمد رحمه الله. قوله: (تفريع على كونه
إسقاطا) فإن الإسقاطات لا تقبل التقييد كما يأتي كالطلاق والعتاق، ولا يقال: لو كان إسقاطا لما ملك
450

نهيه. لأنا نقول: ليس بإسقاط في حق ما لم يوجد، فيكون النهي امتناعا عن الاسقاط فيما لم يوجد.
زيلعي. قوله: (ولا يرجع بالعهدة) أي بحق التصرف كطلب الثمن وغيره، والعهدة فعله بمعنى مفعول
من عهدة لقيه. قهستاني. قوله: (لفكه الحجر) ظاهره أن قوله ولا يرجع تفريع على قوله فك الحجر،
وجعله القهستاني تفريعا على كون تصرفه لنفسه. قوله: (تفريع على فك الحجر) فيه نظر، والظاهر أنه
تفريع على التفريع، وهو قوله فلا يتوقف كما يدل عليه التعليل. تأمل. قوله: (لان الإسقاطات لا
تتوقت) لأنها تتلاشى عند وقوعها. قوله: (فإذا أذن في نوع الخ) سواء سكت عن غيره أو نهى بطريق
الصريح نحو أن يأذن في شراء البز وقال: لا تشتر غيره اه‍ تاترخانية عن المضمرات. قوله: (لأنه فك
الحجر لا توكيل) أعاده، وإن مر التنبيه على ثمرة الخلاف بيننا وبين زفر والشافعي، فافهم. قوله: (ثم
اعلم الخ) قال في المنح: التخصيص قد لا يكون مفيدا إذا كان المراد به الاستخدام، لأنه لو جعل
ذلك إذنا لا نسد باب الاستخدام لافضائه إلى أن من أمر عبده بشراء بقل بفلسين كان مأذونا يصح
إقراره بديون تستغرق رقبته ويؤخذ بها في الحال، فلا يتجرأ أحد على استخدام عبده فيما اشتد له
حاجته، لان غالب استعمال العبيد في شراء الأشياء الحقيرة، فلا بد من حد فاصل بين الاستخدام
والاذن بالتجارة وهو أنه إن أذن بتصرف مكرر صريحا مثل أن يقول: اشتر لي ثوبا وبعه، أو قال بع
هذا الثوب واشتر بثمنه، أو دلالة كأد إلي الغلة كل شهر أو أد إلي ألفا وأنت حر، فإنه طلب منه المال
وهو لا يحصل إلا بالتكسب وهو دلالة التكرار، ولو قال: أقعد صباغا أو قصارا، لأنه أذن بشراء ما
لا بد منه دلالة، وهو نوع من الأنواع يتكرر بتكرر العمل المذكور كان ذلك إذنا، وإن أذن بتصرف
غير مكرر كطعام أهله وكسوتهم لا يكون إذنا كما قررناه. وبهذا التفصيل صرح في البزازية.
فإن قلت: ينتقض هذا الأصل بما إذا غصب العبد متاعا وأمره مولاه ببيعه فإنه إذن في
التجارة، وليس الامر بعقد مكرر. قلت: أجيب عنه بأنه أمر بالعقد المكرر دلالة، وذلك لان تحصيصه
ببيع المغصوب باطل لعدم ولايته عليه، والاذن قد صدر منه صريحا، فإذا بطل التقييد ظهر الاطلاق
اه‍. وكلام البزازية الهداية يشير إلى الفاصل هو التصرف النوعي والشخصي والاذن بالأول إذن دون الثاني
فتأمل، كذا في العناية وكلام الوقاية يقيده اه‍. ويثبت الاذن دلالة الخ في الحقائق: إنما يجعل
سكوت المولى إذنا لم يسبق منه ما يوجب نفي الاذن حالة السكوت كقوله: إذا رأيتم عبدي يتجر
فسكت، فلا إذن له بالتجارة، ثم رآه يتجر فسكت لا يصير مأذونا اتفاقا. قوله: (فعبد رآه سيده الخ)
عبد مبتدأ خبره مأذون، وساغ الابتداء به لوقوعه موصوفا. وأفاد الزيلعي أنه إذا رأى أجنبيا يبيع
ماله وسكت، فإن سكوته لا يكون إذنا له، وكذا لو أتلف مال غيره وصاحبه ينظر وهو ساكت حتى كان له أن يطالبه بالضمان اه‍.
قال بعض الفضلاء: ولينظر هذا مع قول الفصول العمادية في الثالث والثلاثين: ولو شق زق
غيره فسال ما فيه وهو ساكت فإنه يكون رضا، اللهم إلا أن يحمل ما هنا على الاتلاف الغير الممكن
451

تداركه، فليتأمل اه‍. قوله: (بزازية) عبارتها: وإن رآه يشتري ويبيع فسكت فأذن إلا أن ينهاه ولكنه فيما
باع من مال مولاه لا يجوز حتى يأذن له بالنطق اه‍. قوله: (ودرر على الخانية) في عبارة الخانية
اضطراب، فإنه قال أول الباب: رأى المولى عبده يبيع عينا من أعيان المالك فسكت لم يكن إذنا،
وقال بعد أسطر: ولو رآه في حانوته فسكت حتى باع متاعا كثيرا كان إذنا، ولا ينفذ على المولى بيع العبد
ذلك المتاع، ثم قال: ولو أن رجلا دفع إلى عبد رجل متاعا ليبيعه فباع فرآه المولى ولم ينهه كان إذنا
له في التجارة، ويجوز ذلك البيت على صاحب المتاع اه‍ حموي.
أقول: لا اضطراب في كلامه، فإن معنى كلامه الأول لم يكن إذنا في ذلك البيع المسكوت عنه
فلا ينفذ بيعه عليه، وإن صار مأذونا في التجارة بعده كما فسره كلام الثاني والثالث، وإنما نفذ البيع
في متاع الأجنبي لاذنه: أي الأجنبي فيه، وهذا معنى ما في البزازية، ويدل على ما قلنا ما في شرح
البيري عن البدائع: رأى عبده يبيع ويشتري فسكت صار مأذونا عندنا إلا في البيع الذي صادفه
السكوت، بخلاف الشراء اه‍.
ثم رأيت العلامة الطوري وفق كذلك مستدلا بعبارة البدائع وغيرها، واعترض على الزيلعي
حيث قال: ولا فرق في ذلك بين أن يبيع عينا مملوكا للمولى أو لغيره بإذنه أو بغير إذنه بيعا صحيحا
أو فاسدا. هكذا ذكر صاحب الهداية. وذكر قاضيخان: إذا رأى عبدا يبيع عينا من أعيان المالك
فسكت لم يكن إذنا اه‍. فاعترضه بأن ظاهر كلامه أنه فهم المخالفة بين كلام الهداية والخانية، ثم قال:
ويكف يجوز حمل كلام الخانية على خلاف ما ذكره محمد في الأصل اه‍. فقول الشارح فيما نقله عن
البزازية: ولم يجز حتى يأذن بالنطق، معناه لم يجز ذلك البيع بخصوصه على المولى، وإن صار العبد به
مأذونا، وليس معناه لم يكن إذنا له كما فهمه المحشي والشارح وغيرهما، والحاصل أنه لا فرق في كونه
مأذونا بين كل المبيع ملكا للمولى أو لغيره، وإنما الفرق في جواز ذلك البيع الذي صادفه السكوت،
فإن كان لأجنبي جاز وإن للمولى فلا إلا بالنطق، فاغتنم هذا التحرير في هذا المقام فإنه من مزال أقدام
الافهام. قوله: (لكن سوى بينهما الزيلعي وغيره) أي كصاحب الهداية كما سمعت عبارته،
والاستدراك مبني على ما فهمه كغيره من مخالفة ما في البزازية والخانية لما في الهداية، وقد علمت أنه
لا مخالفة في أنه يصير مأذونا بعد السكوت مطلقا. وإنما أفاد في الخانية شيئا لم يذكره في الهداية،
وهو أنه لا يجوز ذلك البيع بخصوصه لو ملكا للمولى وإلا جاز. قوله: (ورجحه في الشرنبلالية) أي
رجح ما ذكره الزيلعي وابن الكمال وغيرهما من التسوية بين مال المولى وغيره. ونقل بعده عن جامع
الفصولين ما قدمناه من أن أثر الاذن يظهر في المستقبل لا في ذلك الشئ، وغاب عنه أنه مراد
قاضيخان وغيره وعلى ما مر، فلا مخالفة بين ما في المتون والشروح وبين ما في الفتاوى. والله تعالى
الموفق. قوله: (ويشتري ما أراد) الواو بمعنى أو بقرينة قول الشارح بعد: أو شرائه ولعل المراد
بالتعميم أن المراد بالشراء ما يعم أنواع المشتري ولو محرما، ولذلك قال القهستاني: ويشتري ولو كان
خمرا ط. قوله: (إلا إذا كان المولى قاضيا) قال الحموي في شرح الكنز: وقال المقدسي في الرمز: ظهر
لي في توجيهه أن القاضي ممن لا يباشر الأعمال بنفسه، فلا يدل مع تكرار الأعمال من عبده على إذنه
452

لقوة احتمال التوكيل اه‍. فأفاد هذا التعليل أن القاضي ذكر للتمثيل، فالمراد به كل من لا يباشر
الأعمال بنفسه.
وقال في حاشية الأشباه: أقول: لم يذكر صاحب الظهيرية هذه المسألة على سبيل الاستثناء،
وذكرها قاضيخان لا على طريق الاستثناء، فقال القاضي: إذا رأى عبده يبيع ويشتري فسكت لم يكن
إذنا اه‍. وقد قدمنا أن إطلاق صاحب الهداية يفهم منه أنه لا فرق بين أن يكون المولى قاضيا أو لا،
وأن ما في المتون والشروح مقدم على ما في الفتاوى اه‍. وأقره أبو السعود في حاشية الأشباه.
وأقول: لا يبعد أن يكون مراد قاضيخان أنه لا يصير مأذونا في ذلك التصرف الذي صادفه
السكوت، كما أن ذلك، والمراد من كلامه المار كما علمت فيكون مأذونا بعده، وعليه فلا استثناء،
وما ذكره المقدسي يصلح وجها لتنصيصه على القاضي مع أنه داخل في عموم كلامه السابق: يعني أن
حكم عبد القاضي كغيره وإن قوي احتمال كونه وكيلا عنه فلا ينافي إطلاق المتون والشروح، ولذا لم
يذكره في الخانية و الظهيرية على طريق الاستثناء كما فعل في الأشباه، ثم رأيت الطوري قال بعد ذكر
المسألة: وفهم بعض أهل العصر أن سكوت القاضي لا يكون إذنا، بخلاف سكوت المولى كما فهم
الامام الزيلعي اه‍. وظاهره أن هذا الفهم مخالف لكلامهم كفهم الزيلعي المار. وهذا مؤيد لما قلناه،
فتدبر. قوله: (لا في ذلك الشئ) فيه أن الكلام مفروض فيما إذا باع ملك الأجنبي، وحينئذ لا يتصور
أن يكون سكوت السيد إذنا في بيع ذلك الشئ حتى يصح نفيه، وإلى هذا أشار الشارح بقوله: فلا
ينفذ على المولى بيع ذلك المتاع لكنه شرح لا يطابق المشروح، فكان عليه أن يبرزه في قالب الاعتراض
ح.
وحاصله: أن عدم كونه مأذونا في بيع ذلك الشئ إنما هو فيما لو باع ملك المولى، أما لو باع
ملك الأجنبي بإذنه نفذ عليه كما قدمناه، ونفاذه لا بسكوت المولى بل بأمر صاحب المتاع، وهل العهدة
على العبد أو على صاحب المتاع؟ اختلف المشايخ فيه، ذخيرة وتاترخانية. لكن ظاهر كلام السراج يفيد
عدم الفرق، فإنه قال: ولو رأى عبده يبيع ويشتري فسكت ولم ينهه صار مأذونا، ولا يجوز هذا
التصرف الذي شاهده المولى إلا أن يجيزه بالقول، سواء كان ما باعه للمولى أو لغيره ويصير مأذونا فيما
يتصرف بعد هذا اه‍ إلا أن يرجع التعميم إلى قوله: صار مأذونا، أو يحمل على ما إذا لم يكن بإذن
الأجنبي وهو الأقرب، فلا ينافي ما قدمناه عن البزازية والخانية وغيرهما، فتأمل. قوله: (قبل أن يصير
مأذونا) لأنه لا يثبت الاذن إلا إذا باع أو اشترى بحضرته لا قبله، فبالضرورة يكون ذلك البيع غير
مأذون فيه فلا ينفذ. قوله: (وهو باطل) لأنه يلزم عليه تقدم الشئ على نفسه. قوله: (معزيا للذخيرة)
نص عبارة الذخيرة هكذا: وإذا رأى عبده يشتري بماله: يعني بمال المولى فلم ينهه فهذا من المولى
إذن له في التجارة، وما اشتراه فهو لازم وللمولى أن يسترد ماله، ثم إذا استرد المولى ماله دراهم أو
دنانير لا ينتقض البيع وإن كان ماله عرضا أو مكيلا أو موزونا ينتقض البيع اه‍. قوله: (من ماله مولاه)
الأولى أن يقول بمال بالباء بدل من كما لا يخفى. قوله: (فيفتقر إلى الفرق) الأولى حذف الفاء ط.
453

ولعل الفرق ما ذكروه في باب الفضولي من أن الشراء أسرع نفاذا، فتأمل ح.
قلت: وفي شرح درر البحار في صورة الشراء ينفذ على المولى لدخول المبيع في ملكه، وفي
صورة البيع لا ينفذ عليه لزوال المبيع من ملكه اه‍. ونقل مثله الحموي عن البدائع شرح المجمع،
وأورد عليه أن في كل إدخالا وإخراجا.
أقول: إن كان الثمن دراهم أو دنانير لا يشكل، لأنها لا تتعين بالتعيين بل تجب في الذمة، ولذا
لو استرد المولى لا ينتقض البيع كما قدمناه، وإن كان غيرهما فيشكل لأنه بيع مقايضة والثمن فيها مبيع
من وجه، فيصدق عليه أنه باع ملك المولى، وقد مر غير مرة أنه لا ينفذ عليه، وأنه إنما يصير مأذونا
بعده، وجوابه: أن اللازم ما اشتراه العبد، وأما ما دفعه من ملك المولى فلم ينفذ على المولى، ولذا كان
له أن يسترد، فإذا أجاز مصنع العبد ولم يسترده نفذ عليه ذلك وصار مأذونا فيه وفيما بعده، لان
الإجازة اللاحقة كالسابقة، هذا ما ظهر لي. قوله: (بلا قيد) بيان للاطلاق بأن قال له: أذنت لك في
التجارة، ولم يقيده بشراء شئ بعينه، ولا بنوع من التجارة. زيلعي. قوله: (صح كل تجارة منه) لان
الفظ يتناول جميع أنواع التجارات. زيلعي. قوله: (أما لو قيد) أي بنوع من التجار أو بوقت أو
بمعاملة شخص. زيلعي. أو بمكان كما مر. وأما لو أمره بشراء شئ بعينه كالطعام والكسوة لا
يكون مأذونا له لأنه استخدام كما مر بيانه. قوله: (خلافا للشافعي) أي ولزفر بناء على أنه توكيل
عندهما، وعندنا إسقاط ط كما مر. قوله: (ولو بغبن فاحش) أطلقه فشمل ما إذا نهاه عن البيع بالغبن
الفاحش أو أطلق له كما في البزازية. منح. قوله: (خلافا لهما) وعلى هذا الخلاف بيع الصبي والمعتوه
المأذون لهما. زيلعي. قوله: (ويوكل بهما) أي بالبيع والشراء. زاد في شرح الملتقى: ويسلم ويقبل
السلم. وفي التبيين: وله المضاربة أخذا ودفعا. قوله: (لأنه من عادة التجار) يصلح علة للجميع حتى
الغبن الفاحش، فإنه من صنيعهم استجلابا للقلوب، ويبيع بغبن فاحش في صفقة ويربح في أخرى
كما في التبيين، وفيه لو مرض العبد المأذون له وحابى فيه يعتبر من جميع المال إذا لم يكن عليه دين،
وإن كان فمن جميع ما بقي بعد الدين، لان الاقتصار في الحر على الثالث لحق الورثة ولا وارث للعبد
والمولى رضي بسقوط حقه بالاذن، بخلاف الغرماء، وإن كان الدين محيطا يقال للمشتري: أد جميع
المحاباة وإلا فرد المبيع كما في الحر، وهذا لو المولى صحيحا، وإلا فلا تصح محاباة العبد إلا من ثلث
مال المولى، لان المولى باستدامة الاذن بعد ما مرض أقامه مقام نفسه فصار تصرفه كتصرفه، والفاحش
من المحاباة وغير الفاحش فيه سواء، فلا ينفذ الكل إلا من الثالث اه‍ ملخصا. قوله: (ويصالح الخ) لأنه
كأنه اشتراه ببدل الصلح وله الشراء ط. قوله: (فلا) لان فيه تهمة، فلا يجوز هذا لان حق الغرماء تعلق
بالمالية فليس له أن يبطل حقهم، بخلاف ما إذا حابى الأجنبي عند أبي حنيفة، لأنه لا تهمة فيه.
وقالا: يجوز ولو بغبن فاحش، ولكن يخير المولى بين أن يزيل الغبن أو ينقض البيع، بخلاف ما إذا باع
من الأجنبي به حيث لا يجوز أصلا عندهما، لان المحاباة على أصلهما لا تجوز إلا بإذن المولى، وهو آذن
454

فيما يشتريه بنفسه غير أن إزالة المحاباة لحق الغرماء. واختلفوا في قوله: قيل يفسد البيع، والأصح أن قوله كقولهما فصار تصرفه مع مولاه كتصرف
المريض المديون مع الأجنبي، والغبن الفاحش واليسير سواء عنده كقولهما. زيلعي. قوله:
(ويبطل الثمن) وإذا بطل الثمن صار كأنه باع بغير ثمن فلا يجوز البيع، ومراده ببطلان
الثمن بطلان تسليمه والمطالبة به وللمولى استرجاع المبيع. جوهرة. لكن في التبيين بعد ما ذكر أنه لا يطالب العبد
بشئ، لأنه بتسليم المبيع سقط حقه في الحبس، وإن عندهما تعلق حقه بعينه فكان أحق به من
الغرماء، إلى أن قال: هذا جواب ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف أن للمولى أن يسترد المبيع إن كان
قائما ويحبسه حتى يستوفي الثمن اه‍. وكذا قال في النهاية: بطلان الثمن جواب ظاهر الرواية. وعن
أبي يوسف هذا: إذا استهلك العبد المبيع، فلو قائما فللمولى أن يسترده الخ. قوله: (خلافا لما صححه
المجمع الخ) حيث قال: وقيل لا يبطل الثمن وإن سلم المبيع أو لا، لأنه يجوز أن يعقد البيع
ويتأخر وجوب الثمن دينا كما تأخر في المبيع بالخيار إلى وقت سقوطه. قال صاحب المحيط: هذا
القول هو الصحيح اه‍ كلام شارح المجمع.
ورأيت بهامشه ما نصه: فيه نظر، لان صاحب المحيط إنما حكم بصحة القول بجواز البيع من
العبد لا بعدم سقوط الثمن عنه على تقدير بيع مولاه منه كما فهمه الشارح ح. قوله: (حتى لو كان)
تفريع على قوله: دين وبيان لمفهومه، لان العرض لما تعين بالعقد ملكه بعينه، ويجوز أن يكون غير
ملكه في يد عبده وهو أحق به من الغلماء. نهاية. قوله: (وهذا كله) أن بيع العبد من مولاه وعكسه
بالقيمة أو لا. قوله: (وإلا لم يجز بينهما بيع) لعدم الفائدة، لان الكل مال المولى ولا حق فيه لغيره:
زيلعي. قوله: (فيما كان من التجارة) لم أر من ذكره غير المصنف. وقال ط: لم أر مفهوم التقييد به،
ولعله يحترز به عن المبيع إذا كان للاكل أو للبس فإنه لا فسخ فيه وحرره اه‍. قوله: (بحق ما) كبيع
وإجارة وشراء أو شهدوا عليه بغصب أو استهلاك وديعة أو على إقراره بذلك. عمادية. أي ويؤاخذ بما
أقر به من ذلك في الحال كما في البزازية. قوله: (يعني لا تقبل على مولاه) حتى لا يخاطب المولى ببيع
العبد. عمادية. قوله: (ولو حضرا) أي المولى والمحجور. قوله: (قضى على المولى) فيخاطب ببيعه لان العبد
مؤاخذ بأفعاله. قوله: (على المحجور) مستدرك، لان كلامه فيه. قوله: (تسمع على العبد) أي فيؤاخذ بعد
عتقه. قوله: (وقيل على المولى) قائله أبو يوسف، والأول قولهما كما في العمادية. وفي البزازية: فإن لم
455

يقر لكن أقيمت عليه البينة فحضرة المولى شرط إلا عند الثاني. قوله: (ولو شهدوا على إقرار العبد) أي
المحجور، فالأولى أن يأتي بالمضمر مكان المظهر، أما إقرار المأذون فقد علمت أنها تقبل على المولى،
وسيأتي له تتمة. قوله: (لم يقض على المولى) أي بل يؤخر إلى عتقه، وقد ذكر أول كتاب الحجر: لو أقر
العبد بمال أخر إلى عتقه لو لغير مولاه، ولو له هدر وبحد وقود أقيم في الحال.
وفي البزازية: والمحجور يؤاخذ بأفعاله لا بأقواله إلا فيما يرجع إلى نفسه كالقصاص والحدود.
وحضرة المولى لا تشترط، ولو أتلف ما لا يؤاخذ به في الحال، أما الاقرار بجناية توجب الدفع أو
الفداء لا يصح محجورا أو مأذونا، وإقرار المحجور بالدين والغصب وعين مال لا يصح، وفي المأذون
يصح ويؤاخذ به في الحال، ولو أقر المأذون بمهر امرأته أو صدقة (1) يؤخذ به بعد الحرية اه‍. قوله:
(مطلقا) سواء كان المولى حاضرا أو غائبا. عمادية. قوله: (ومزارعة) في البزازية: ويأخذها مزارعة
ويدفعها مطلقا كان البذر منه أو لا اه‍. وهي في المعنى إيجار أو استئجار كما يأتي في بابها فكانت من
التجارة. قوله: (ويؤاجر ويزارع) يعني له أن يدفع الأرض إجارة ومزارعة. قوله: (ويشارك عنانا) قال
في النهاية: شركة العبدان المأذونان شركة عنان على أن يشتريا بالنقد والنسيئة بينهما لم يجز من ذلك النسيئة، وجاز النقد،
لان في النسيئة معنى الكفالة عن صاحبه، ولو أذن لهما الموليان في الشركة على الشراء بالنقد والنسيئة
ولا دين عليهما فهو جائز، كما لو أذن لكل واحد منهما مولاه بالكفالة أو التوكيل بالشراء بالنسيئة.
كذا في المبسوط والذخيرة، غير أنه ذكر في الذخيرة: وإذا أذن له المولى بشركة المفاوضة، فلا تجوز
المفاوضة لان إذن المولى بالكفالة لا يجوز في التجارات. كذا في الشرنبلالية.
أقول: يمكن حمل كلام الذخيرة آخرا على ما إذا كان المأذون مديونا ح. قوله: (لا مفاوضة) لعدم
ملكه الكفالة فمفاوضته تنقلب عنانا. بزازية. قوله: (ويستأجر ويؤجر) أي يستأجر أجراء ويؤجر غلمانه
ويستأجر البيوت والحوانيت، ويؤجرها لما فيها من تحصيل المال. ذكره الزيلعي. قوله: (ولو نفسه) أتى
به لان فيه خلاف الشافعي رحمه الله. قوله: (ويقر بوديعة الخ) لان الاقرار من توابع التجارة، لأنه لو لم
يصح إقراره لم يعامله أحد. زيلعي. وفيه إشعار بأن المأذون بالتجارة مأذون بأخذ الوديعة كما في
المحيط وغيره، لكن في وديعة الحقائق خلافه. قهستاني. وأطلقه فشمل ما إذا أقر للمولى أو لغيره،
وما إذا كان عليه دين أو لا، وما إذا كان في صحته أو مرضه أو صحة مولاه أو مرضه، ويأتي بيان
ذلك. وفي التاترخانية: وإذا أقر بعد الحجر بدين أو بعين لرجل جاز بقدر ما في يده فقط اه‍. وفي
البزازية: يجوز إلا فيما أخذه المولى منه. قوله: (ولو عليه دين) أي إذا كان الاقرار في
صحته، فلو في المرض قدم غرماء الصحة كما في حق الحر.
فحاصله: أن ما يكون من باب التجارة من ديونه ويصح إقراره به صدقه المولى أو لا، وما لا
يكون من باب التجارة لا يصدق فيه إلا بتصديقه لأنه في كالمحجور. زيلعي. والأول يؤاخذ به في

(1) قوله: (أو صدقة الخ) لعل الصواب: أو دية كما هو مفهوم من أول العبارة تأمل ا ه‍.
456

الحال، والثاني بعد العتق كما في الهندية. ومثال الثاني: إقراره بمهر امرأته أو بجناية كما مر (1) عن
البزازية. وفي الطوري عن المبسوط: لو أقر بدين في مرض مولاه فعلى أقسام:
الأول: لا دين عليه وعلى المولى دين الصحة، جعل كأن المولى أقر في مرضه، ويبدأ بدين
الصحة.
الثاني: على العبد دين ولا دين على المولى في صحته، فإقرار العبد به صحيح، لأنه إنما يحجر
في مرض سيده لو على السيد دين صحة محيط بماله ورقبة العبد وما في يده.
الثالث: على كل دين صحة فلا يخلو إما أن تكون رقبة العبد وما في يده لا يفضل عن دينه أو
يفضل عنه لا عن دين المولى أو يفضل عنهما ففي الأول لا يصح إقراره لأنه شاغل لرقبته وما في يده وفي
الثاني يكون الفاضل لغرماء صحة المولى وفي الثالث يصح إقراره في ذلك الفاضل ولولا دين عل أحدهما
فأقر المولى في مرضه بألف ثم العبد بألف تحاصا في ثمن العبد ولو أقر العبد أولا ثم المولى بدئ بدين
العبد اه‍ ملخصا. قوله: (لغير زوج الخ) أي لمن لا تقبل شهادة العبد له لو كان حرا كما في الخانية.
قوله: (وولد ووالد) قال في المبسوط إذا أقر المأذون لابنه وهو حر أو لأبيه أو لزوجته وهي حرة
أو مكاتب ابنه أو لعبد ابنه وعليه دين أو لا فإقراره لهؤلاء باطل في قول الإمام وفي قولهما جائز ويشاركون
الغرماء في كسبه ط. قوله: (وسيد الخ) قال في الهندية: وإن كان على المأذون دين فأقر بشئ في يده أنه
وديعة لمولاه أو لابن مولاه أو لأبيه أو لعبد تاجر عليه دين أو لا أو لمكاتب مولاه أو لام ولده فإقراره
لمولاه ومكاتبه وعبده وأم ولده باطل فأما إقراره لابن مولاه أو أبو لأبيه فجائز ولو لم يكن عليه دين كان
إقراره جائزا في ذلك كله اه‍ ط. قوله: (ولو بعين صح الخ) في المبسوط إذا أقر المأذون بعين في يده لمولاه
أو لعبد مولاه إن لم يكن عليه دين جاز وإلا فلا ولو أقر بدين لمولاه لا يجوز مطلقا لأنه لا يستحق على
عبده دينا طوري وظاهر التعليل احتصاص التفرقة بين الدين والعين وبالولي دون زوج المقر وولده ووالده
وهو خلاف ما يفهم من كلام الشارح، ولم أر من صرح به فليراجع وعبارة الوهبانية:
وإقراره بآلعين لا الدين جائز * لمولاه إلا حيثما الدين يظهر
ولو أقر لمولاه أو عبده بدين ولا دين عليه ثم لحقه دين بطل إقراره، ولو بعين فلا حتى يكون
المولى أحق بها من الغرماء. وفيها أقر لابن نفسه أو أبيه أو مكاتب لابنه لم يجز شئ مما أقر
به عليه دين أو لا عند الامام اه‍. فقوله: لم يجز شئ يشمل الدين والعين فيؤيد ما قلناه. تأمل. ثم
رأيت في حاشية أبي السعود التعليل لقول الامام بأن إقراره لهم إقرارا صورة وشهادة
معنى، وشهادته لهم غير جائزة لو كان حرا فكذا إقراره. ثم نقل عن شيخه أنه اعترض على صاحب الدرر في تقييده
بطلان الاقرار لهم بالدين بأن الزيلعي أطلقه. اه‍. ويؤيده التعليل بأنه شهادة معنى فلا فرق بين الدين
والعين إلا في المولى ولله الحمد. قوله: (بما لا يعد سرفا) حذف الشارح جملة فيها متعلق الباء، وأصل
العبارة كما في المنح عن البزازية: ولهذا يملك إهداء مأكول وإن زاد على درهم بما لا يعد سرفا، فإن

(1) قوله: (كما مر الخ) اي فيما كتبه على قول الشارح، ولو شهدوا باقرار العبج لم يقض على المولى وهو يؤيد ان
الصواب في العبارة السابقة عن البزازية ابدال صدقة بدية تأمل. ا ه‍.
457

الباء متعلقة بزاد ح. قوله: (وجزم به ابن الشحنة) حيث قال بعد كلام: وقد علمت تقييدهم ما يملكه
من الهدية بالمأكولات فيحتاج إلى التنبيه عليه في النظم لأنه أطلق اه‍.
قلت: ومثله في التبيين، وصرح به في التاترخانية عن المحيط فقال: ولا يملك الاهداء بما
سوى المأكولات من الدراهم والدنانير اه‍. وفيها عن الأصل: ولو وهب هبة وكانت شيئا سوى
الطعام وقد بلغت قيمته درهما فصاعدا لا يجوز، وإن أجاز المولى هبته إن لم يكن عليه دين تعمل إجازته
وإلا فلا، وكذا لا يتصدق إلا بدرهم فما دونه. قوله: (بخلاف ما لو دفع إليه قوت شهر) لأنهم لو
أكلوه قبل الشهر يتضرر به المولى. هداية. قوله: (كرغيف ونحوه) لان ذلك غير ممنوع عنه في العادة.
هداية. بقي لو كان في بيته من في مقام المرأة كحاجبه وغلامه، نقل ابن الشحنة عن ابن وهبان أنه لم
يره في كلامهم، وأنه ينبغي أن يجوز قياسا عليها، ثم نقل عنه أنه لو كانت الزوجة ممنوعة من التصرف
في بيته تأكل معه بالفرض، ولا يمكنها من طعامه والتصرف في شئ من ماله ينبغي أن لا يجوز لها
الصدقة، واعترضه بأنه جرى العرف بالتصدق بذلك مطلقا. تأمل. قوله: (بقدر ماله) أي ما في
يده من مال التجارة. قال ابن الشحنة عن التتمة: حتى روي عن ابن سلمة إذا كان عشرة آلاف درهم
فاتخذ ضيافة بعشرة دراهم تكون يسيرة، وإن كان عشرة دراهم فبدانق كثيرة فينظر في العرف في قدر
مال التجارة ثم قال: وأطلق في المنتقى عن أبي يوسف أنه لا بأس للرجل أن يجيب دعوة العبد
المحجور عليه اه‍. قلت: والمأذون بالأولى. تأمل. قوله: (بعيب) فلا يحط بدونه إذ هو تبرع محض منح.
قوله: (ويحابي) أي ابتداء لأنه قد يحتاج إليه التاجر قدمنا عن الزيلعي شيئا من الكلام على المحاباة.
قوله: (مجتبى) ومثله في التبيين قوله: (ولا يتزوج) لان ليس من باب التجارة ولان فيه ضررا على
المولى بوجوب المهر والنفقة في رقبته، زيلعي قوله: ولا يتسرى لأنه مبني على ملك الرقبة والعبد لا
يملك وإن ملك قوله: (وقال أبو يوسف يزوج الأمة) لما فيه من تحصيل المهر وسقوط النفقة فأشبه
إجارتها، ولهذا جاز للمكاتب ووصي الأب والأب. ولهما أن الاذن تناول التجارة والتزويج ليس
منها، بخلاف المكاتب لأنه يملك الاكتساب وذلك لا يختص بالتجارة، وكذا الأب والجد والوصي،
ولان تصرفهم مقيد بالأنظر للصغير وتزويج الأمة من الا نظر، وعلى هذا الصرف الصبي والمعتوه
المأذون لهما والمضارب والشريك عنانا ومفاوضة، وجعل صاحب الهداية الأب والوصي على هذا
الخلاف وهو سهو. زيلعي. قوله: (ولا يكاتبه) لأنها توجب حرية اليد حالا والرقبة مآلا، والاذن لا
يوجب شيئا من ذلك والشئ لا يتضمن ما هو فوقه. زيلعي. قوله: (إلا أن يجيزه المولى) لان الامتناع
لحقه، فإذا أجازه زال المانع فينفذ. قوله: (ولا دين عليه) جملة حالية: أي دينا مستغرقا. قال الزيلعي:
وذكر في النهاية: لو عليه دين قليل أو كثير فكتابته باطلة وإن أجازها المولى، وهذا مشكل، فإن لم
458

يستغرق رقبته وما في يده لا يمنع الدخول في ملك المولى إجماعا، حتى جاز للمولى عتق ما في يده،
وإنما الخلاف في المستغرق فيمنع عنده لا عندهما اه‍.
قلت: وأجيب بإمكان حمله على قول الإمام أولا بأن غير المستغرق يمنع الدخول أيضا، وما ذكر
قوله: آخرا. قوله: (وولاية القبض للمولى) لان العبد نائب عن المولى كالوكيل فكان قبض البدل لمن نفذ
العقد من جهته، لان الوكيل فيه سفير ومعبر، فلا تتعلق به حقوق العبد كالنكاح، بخلاف المبادلة
المالية، ولو أدى المكاتب البدل إلى المولى قبل الإجازة ثم أجاز المولى لا يعتق وسلم المقبوض إلى المولى
لأنه كسب عبده. زيلعي. قوله: (ولا يعتق) لأنه فوق الكتابة فكان أولى بالامتناع. زيلعي. قوله: (إلى
آخر ما مر) أي من قوله: ولا دين عليه وولاية القبض للمولى، ولو اقتصر على هذا الاستثناء هنا
وقال: إلا أن يجيزهما المولى الخ كما فعل في شرحه على الملتقى لكن أخصر. قال الزيلعي: وإن كان
عليه دين مستغرق لا ينفذ عند أبي حنيفة خلافا لهما بناء على أنه يملك ما في يده أم لا اه‍. قوله: (ولا
بغيره) أي بغير مال وهو أولى بالمنع من الأول كما لا يخفى. منح. قوله: (ولا يقرض) لأنه تبرع ابتداء
وهو لا يملكه. منح. قوله: (ولا يهب) قدمنا عن التاترخانية عن الأصل أنه يهب ويتصدق بما دون
الدرهم، وجرى عليه في الشرنبلالية. قوله: (ولو بعوض) لأنه تبرع ابتداء، أو ابتداء وانتهاء. زيلعي.
يعني لو بلا عوض ولا يبرئ لأنه كالهبة. درر. قوله: (ولا يكفل) لأنها ضرر محض. درر. قوله: (ولا
يصالح الخ) لأنه تصرف في رقبته ولم يدخل تحت الاذن وعفوه تبرع ط. قوله: (ويصالح عن قصاص
الخ) مستدرك مع ما تقدم ح: أي تقدم متنا. قوله: (وأمثلة الثاني) المناسب ذكره قبل قوله: وإجارة
واستئجار لأنهما بمعنى التجارة كغرم الوديعة وما بعده، نص عليه في الكفاية. قوله: (وأمانة)
كمضاربة وبضاعة وعارية. قوله: (فتنبه) لعله يشير إلى أن عبارة المصنف أحسن، لان غرم الغصب
يكون بلا جحود لأنه متعد به، بخلاف الوديعة والأمانة فإنه إذا جحدها ضمنهما كما إذا استهلكهما،
لكن كان الأحسن تقديم الغصب على الوديعة.
فإن قلت: قدمت عن البزازية إن إقرار المأذون بالدين والغصب وعين مال يصح ويؤاخذ به في
الحال بخلاف المحجور عليه فلم قيد بالجحود؟ قلت: ليصير دينا فيدخل تحت قوله: وكل دين لان
الكلام فيما يتعلق برقبته، ولا يكون كذلك إلا بالجحود وإن كان مؤاخذا بإقراره بالعين كما قدمه.
فإن قلت: الغصب عين. قلت: نعم قبل التعدي عليه، وكلامه في غرمه ولا يكون إلا بعده
فيكون دينا. قوله: (وعقر الخ) لاستناده إلى الشراء، فإنه لولا الشراء لوجب عليه الحد لا العقر، سواء
وجب بإقراره أو البينة. كفاية: أي فيكون في حكم الشراء، واحترز به عما وجب عليه بالتزويج فليس
بمعنى التجارة. قهستاني. قوله: (بعد الاستحقاق) متعلق بوجب لا بوطئ ط. قوله: (يتعلق برقبته) لأنه
دين ظهر وجوبه في حق المولى. درر. واستثنى في الأشباه عن إجارة منية المفتي ما إذا كان أجيرا في
459

البيع والشراء: أي فإن الضمان يتعلق بالآذن، وهو المستأجر وما قاله المقدسي من أنه لا يحتاج إلى
الاستثناء إذ ليس بمأذون بل كوكيل المستأجر بحث في معرض النقل. بيري. قوله: (كدين الاستهلاك)
أي كدين ترتب بذمته بسبب استهلاكه لشئ آخر ط. قوله: (يباع فيه) ولا يجوز بيعه إلا برضا الغرماء
أو بأمر القاضي، لان الغرماء حق الاستسعاء ليصل إليهم كمال حقهم، ويبطل ذلك ببيع المولى فاحتيج
إلى رضاهم. والوالجية. وفيها: ولو باعه القاضي لمن حضروا يحبس حصة من غاب من ثمنه. قال
الزيلعي: ولا يعجل القاضي ببيعه بل يتلوم، لاحتمال أن يكون له مال يقدم عليه أو دين يقتضيه، فإذا
مضت مدة التلوم ولم يظهر له وجه باعه اه‍. وفيه من موضع آخر: ثم المولى ببيع عبده المأذون له المديون
بعد العلم بالدين لم يجعل مختارا للفداء بالقيمة وببيع العبد الجاني بعد العلم بالجناية جعل مختارا للفداء
بالأرش، لان الدين هنا على العبد بحيث لا يبرأ بالعتق، ولا يجب على المولى شئ. ولو اختار المولى
الفداء صريحا بأن قال: أقضي دينه كان عدة منه تبرعا فلا يلزمه، بخلاف الجناية فإن موجبها على
المولى خاصة. قوله: (لاحتمال الخ) علة لاشتراط الحضرة، وأفاد أن بيعه غير حتم، بل يخير مولاه بين
البيع أو الفداء: أي أداء جميع الديون، ولم يرد به أداء قيمته نبه عليه في الكفاية. قوله: (لان العبد خصم
فيه) أي في كسبه دون رقبته، فإذا ادعى رقبته إنسان كان المولى هو الخصم دون العبد، وإذا ادعى كسبه
فالعبد خصم فيه دون المولى كما في التبيين. قوله: (ويقسم ثمنه بالحصص) سواء ثبت الدين بإقرار
العبد، أو بالبينة. جوهرة. قال الرحمتي: وهذا كله إذا كان الدين حالا، ولو بعضه مؤجلا يعطي
أرباب الحال حصتهم ويمسك حصة صاحب الاجل إلى حلوله.
قال في الرمز: قلت: مر في المفلس عن الينابيع أنه يعطى الكل لصاحب الحال، فإذا حل
المؤجل قيل له: شاركه، وهذا إذا كان كل الدين ظاهرا، ولو بعضه لم يظهر، ولكن ظهر سببه كما لو
حفر بئرا في طريق وعليه دين يباع، ويدفع للغريم قدر دينه من الثمن، وإن كان الدين مثل الثمن
دفعه كله، فإذا وقع في البئر دابة رجع صاحبها على الغريم بحضرته (1) يضرب كل بماله اه‍. حموي عن الكنز. قوله:
(قبل الدين) أي وبعد الاذن، بخلاف ما قبله كما سيذكره. قوله: (هذا) أي قوله: وإن لم يحضر وقوله: قيد الأولى أن يقول: تعميم في الكسب والاتهاب ط. لكن على جعله شرطا
محذوف الجواب يصح لان الشروط قيود. تأمل. قوله: (لأنه الخصم في كسبه) مستغنى عنه بما تقدم
قبله قريبا ط. قوله: (ثم إنما يبدأ بالكسب) لأنه أهون على المولى مع إيفاء حق الغرماء. زيلعي. قوله:
(وعند عدمه) أي أصلا أو عدم أيفائه ط. قوله: (مطلقا) يعني سواء وجده في يد

(1) قوله: (بحضرته) لعله: بحصته ا ه‍ منه.
460

العبد أو في يد الغريم، ولو استهلكه الغريم للمولى أن يضمنه. رملي. قوله: (ومفاده) أي مفاد كون المولى أحق بكسب
عبده الحاصل قبل الاذن. قوله: (وأودعه) الضمير المستتر عائد على المحجور فيفيد أن إيداعه قبل الاذن
بالتجارة، والظاهر أن إيداعه بعد الاذن كذلك، لأنه إيداع مال الغير بدون إذنه. قوله: (للمولى تضمينه
الخ) أقول: ما بحثه صرح به في الأشباه من كتاب الأمانات حيث قال: وفي البزازية: الرقيق إذا
اكتسبه واشترى شيئا من كسبه وأودعه وهلكت عند المودع فإنه يضمنه لكونه مال المولى مع أن للعبد
يدا معتبرة، حتى لو أودع شيئا وغاب فليس للمولى أخذه اه‍. وقوله: فليس للمولى أخذه: أي سواء
كان العبد مأذونا أو محجورا مديونا أو لا. بيري. لكن هذا إذا لم يعلم أنه ماله أو كسب عبده، فإن
علم فله حق الاخذ بلا حضور العبد. حموي عن البزازية. قوله: (لأنه كمودع الغاصب) عبادة الرملي:
لأنه ماله: أي مال السيد أودعه عنده بلا إذنه فصار كمودع الغاصب. قال ط: يفاد من هذا التعليل
أن للمودع أن يرجع على العبد بما غرمه بعد عتقه، فتأمل. قوله: (قبل الدين) قيد به لما في الطوري
عن المحيط: لو كان عليه دين يوم أخد قليلا كان أو كثيرا لم يسلم للمولى ما أخذه، ويظهر ذلك فيما
إذا لحقه دين آخر يرد المولى جميع ما كان أخذه، لأنا لو جعلنا بعضه مشغولا بقدر الدين وجب على
المولى رد قدر المشغول على الغريم، فإذا أخذه كان للغريم الثاني أن يشاركه فيه إن كان دينهما سواء،
وكان للغريم الأول أن رجع بما أخذه منه على السيد، وإذا أخذ منه ثانيا كان للغريم الآخر أن يشاركه
ثم وثم إلى أن يأخذ منه جميع ما أخذه من كسبه اه‍.
وفي القهستاني: يتعلق ذلك الدين بما أخذه بعد الدين فيسترد منه، كما إذا كان على المأذون
خمسمائة وكسبه ألف فأخذه السيد ثم لحقه دين خمسمائة أخرى فإنه يسترد الألف من السيد اه‍. وعزاه
للكرماني. وفي الذخيرة: فإن لم يلحقه دين آخر فالمولى لا يغرم إلا خمسمائة. وفي النهاية: رد ما أخذ
لو قائما بعينه وضمانه له مستهلكا اه‍. وهذا بخلاف الضريبة فإنه يرد ما زاد على غلة مثله كما يأتي
قريبا، فافهم. قوله: (وطولب المأذون بما بقي) لتقرر الدين في ذمته وعدم وفاء الرقبة. درر. وصرح
بالمأذون لئلا يتوهم عود الضمير على المولى. قوله: (ولا يباع ثانيا) لان المشتري يمتنع حينئذ عن شرائه،
فيؤدي إلى امتناع البيع بالكلية فيتضرر الغرماء. درر. وكذا لو اشتراه سيده بعد ذلك لأنه ملك جديد،
وتبدل الملك كتبدل العين حكما فصار كأنه عبد آخر. زيلعي. وإنما يباع في نفقة الزوجة مرارا لأنها
وجبت شيئا فشيئا كما مر في النكاح. قهستاني. قوله: (ولمولاه أخذ غلة مثله) فلو أخذ أكثر رد الفضل
على الغلماء لتقدم حقهم، ولا ضرورة فيه. درر. وقال في العناية: ومعناه له أن يأخذ الضريبة التي
ضربها عليه في كل شهر بعد ما لزمه الديون كما كان يأخذ قبل ذلك، وما زاد على ذلك من ريعه
يكون للغرماء اه‍.
وفي البحر عن الفتح قبيل كتاب العتق: يجوز وضع الضريبة على العبد، ولا يجبر عليها، بل إن
اتفقا على ذلك اه‍.
وفي القهستاني: للسيد أن يأخذ منه غلة قبل وضع الضريبة وقبل لحوق الدين، وأن يأخذ أكثر
461

من غلة مثله قبل الدين، ولا يأخذ الأكثر بعده، وأن يضع الضريبة بعد الدين كما في الكرماني اه‍.
وفي قوله: وأن يضع الضريبة بعد الدين، مخالفة لما قدمناه عنه وعن غيره من أنه يسترد منه بعد
الدين، ولتقييد الشارح كغيره بقوله: قبل لحقوق الدين، إلا أن يوفق بأن له وضعها بعد الدين غير
المستغرق لما في يده: أي بقدر ما يفضل بعد الدين أو أقل دون الأكثر، ويحتمل أن يعطف قوله: وأن
يضع على مدخول النفي في قوله ولا يأخذ، فتأمل. قوله: (بوجود دينه) الظاهر أن الباء بمعنى مع.
رحمتي.
قلت: وبها عبر ابن الكمال. قوله: (استحسانا) والقياس أن يرد جميع ما أخذ، لان حق الغرماء
في كسبه مقدم على حق المولى. نهاية. قوله: (فينسد باب الاكتساب) فصار ما يأخذه كالتصيل
للكسب، وأما أخذ الأكثر فلا يعد من التحصيل فلا يحصل مقصود الغرماء. نهاية. قوله: (لدفع الضرر
عنه) قال في الهداية: لأنه يتضرر به حيث يلزمه قضاء الدين من خالص ماله بعد العتق وما رضي به
ح. قوله: (وأكثر أهل سوقه) هذا استحسان، لان إعلام الكل متعذر أو متعسر، فلو حجر عليه
بحضرة الأقل لم يصر محجورا عليه، حتى لو بايعه من علم منهم ومن لم يعلم جاز البيع، لأنه لما صار
مأذونا له في حق من لم يعلم صار مأذونا في حق من علم أيضا، لان الحجر لا يقبل التخصيص ولا
يتجزأ كالاذن. قال في النهاية: ثبت بهذا عدم صحة الحجر الخاص، وإن من شرط صحة الحجر
التعميم. قوله: (إن كان الاذن شائعا) وكذا بشرط كون الحجر قصدا. قال في النهاية: ثم اعلم أن
اشتراط إضهار الحجر فيما بين أهل سوقه فيما إذا ثبت الحجر قصدا كعزل الوكيل، فلو ضمناه لغيره
فلا، كما إذا باع عبده المأذون غير المديون اه‍. وسيشير إليه قريبا. قوله: (أما إذا لم يعلم الخ) محترز
قوله: شائعا. قوله: (كفى في حجره علمه به فقط) فلو لم يعلم فاشترى وباع كان مأذونا والحجر
باطل، لان حكم الحجر لا يلزمه إلا بعلمه. إتقاني. قوله: (باع عبده المأذون الخ) وكذا لو وهبه من
رجل وقبضه، فلو رجع في الهبة لا يعود الاذن، وكذا رده المشتري بالعيب بالقضاء وإن عاد إليه
قديم ملكه. نهاية. قوله: (لصحة البيع) وهو حجر ثبت حكما للبيع لا مقصودا، لان البيع لم يوضع
للحجر، ويجوز أن يثبت الشئ حكما لغيره وإن لم يثبت قصدا كعزل الوكيل الغائب. نهاية. قوله: (وان عليه دين) أي وباعه بلا اذن الغرماء، وقوله (لا) أي: لا يصير محجورا، قوله: (لفساد البيع) علة
لقوله: لا وقد وقع في كلام الإمام محمد أن البيع باطل، فقيل أراد سيبطل لأنه موقوف على
إجازة الغرماء، وقيل أراد به أنه فاسد إلا أن الفساد فيه دون سائر العقود الفاسدة لأنه خال عن
الشروط الفاسدة والمالك غير مكره عليه، إنما عدم الرضا من صاحب الحق لا غير، فأظهرنا زيادته
462

على سائر العقود الفاسدة في إفادته قبل القبض ملكا موقوفا. تاترخانية ملخصا. وعليه لينظر ما فائدة
قول الشارح: ما لم يقبضه المشتري فإن الملك حاصل قبله. تأمل. قوله: (إن ديونهم حلة نعم) أي
لهم فسخه، ولو مؤجلة فلا، فإن حل الاجل ضمن المولى لهم قيمته، وكذا لو وهب العبد قبل حلول
الدين لرجل وقبضه أو آجره جاز، فإن حل الاجل ضمن لهم القيمة وليس لهم رد الهبة وكان لهم
نقض الإجارة، وأما الرهن فكالبيع. تاترخانية. وأما العتق فسيأتي متنا. قوله: (وفاء) أي بديون المأذون.
قوله: (وبموت سيده) وكذا الصبي يحجر بموت الأب والوصي. وأما المأذون من قبل القاضي فلا
ينعزل بموته لأنه حكم كما في شرح المجمع. در منتقى. قوله: (وجنونه مطبقا) سنة فصاعدا أو يفوض
للقاضي، وبه يفتى، فإن مست الحاجة إلى التوقيت يفتى بسنة كما في تتمة الواقعات. در منتقى. قوله:
(ولحوقه) قال في شرح المجمع: أقول قد تسامح فيه لان اللحاق بدون القضاء لا يكون كالموت عندنا.
قوله: (وكذا بجنون المأذون ولحوقه أيضا) فلو قال وموت أحدهما ولو حكما أو جنونه مطبقا لكان أتم
وأخصر. عزمية. قوله: (وإن لم يعلم أحد به) أي بهذا الحجر أو بالموت، وما ذكر بعده قال الزيلعي:
فصار محجورا عليه في ضمن بطلان الأهلية فلا يشترط فيه علمه ولا علم أهل سوقه، لان الحجر
حكمي فلا يشترط فيه العلم كانعزال الوكيل بهذه الأشياء اه‍. قوله: (لأنه موت حكما) حتى يعتق
مدبروه وأمهات أولاده، ويقسم ماله بين ورثته، وهذا علة لقوله: ولحوقه فكان ينبغي تقديمه على
قوله: وإن لم يعلم أحد به. قوله: (وينحجر حكما) كان ينبغي ذكره عند قوله: وبموت سيده لان
كل ذلك حجر حكمي كما علمت. قوله: (بإباقه) لان المولى لم يرض بتصرف عبده المتمرد الخارج عن
طاعته عادة فكان حجرا عليه دلالة. زيلعي. وسيذكر آخرا عن الأشباه تصحيح خلافه ويأتي ما فيه.
قوله: (وإن لم يعلم أحد) أي من أهل سوقه. قوله: (كان حجرا دلالة) هذا استحسان، لان العادة
جرت بتحصين أمهات الأولاد، وأنه لا يرضى بخروجها واختلاطها بالرجال في المعاملة ودليل الحجر
كصريحه. زيلعي. قوله: (ما لم يصرح بخلافه) لان الصريح يفوق الدلالة. زيلعي. قوله: (لا بالتدبير)
لان العادة لم تجر بتحصين المدبرة فلم يوجد دليل الحجر. منح. وكذا المدبر بالأولى. قوله: (وضمن بهما
قيمتهما) أي ضمن المولى بالاستيلاد والتدبير قيمتهما، لأنه أتلف بهما محلا تعلق به حق الغرماء لأنه
بفعله امتنع بيعهما. زيلعي.
وظاهر كلام المصنف أن يضمن القيمة مطلقا مع أنه يتوقف على اختيار الغرماء، فلو زاد إن
شاؤوا لكان أولى لما في المحيط، وإن شاؤوا استسعوا العبد في دينهم، وإن ضمنوا المولى لا سبيل لهم
على العبد حتى يعتق. وفيه: عليه دين لثلاثة لكل ألف اختار اثنان ضمان المولى فضمناه ثلثي قيمته
واختار الثالث استسعاء العبد في جميع دينه جاز، ولا يشارك أحدهما الآخر فيما قبض، بخلاف ما إذا
كان الغريم واحدا، فإذا اختار أحدهما بطل حقه في الآخر. طوري. قوله: (فقط) أي لا ما زاد على
463

القيمة من الدين بل يطالبان به بعد العتق. قوله: (أن ما معه) قيد بالمعية، إذ إقراره في حق رقبته بعد
الحجر لا يصح حتى لا تباع رقبته بالدين إجماعا كما في التبيين. قوله: (صحيح) أي بشروط تؤخذ من
الزيلعي وغيره، وهي أن لا يكون إقراره بعد أخذ المولى ما في يده أو بعد ما باعه من غيره، وأن لا
يكون عليه دين مستغرق لما في يده وقت الحجر، وأن لا يكون ما في يده اكتسبه بعد الحجر. قوله:
(وقالا لا يصح) يعني حالا وهو القياس. شرنبلالية. قوله: (فلم يعتق عبد الخ) أي في حق الغرماء،
فلهم أن يبيعوه ويستوفوا ديونهم، وأما في حق المولى فهو حر بالاجماع حتى أن الغرماء لو أبرؤوا العبد
من الدين أو باعوه من المولى أو قضى المولى دينه فإنه حر. تاترخانية عن الينابيع. قوله: (وقالا يملكه)
لأنه وجد سبب الملك في كسبه وهو ملك رقبته، ولهذا يملك إعتاقه ووطئ المأذونة. وله أن ملك
المولى إنما يثبت خلافه عن العبد عند فراغه عن حاجته والمحيط به الدين مشغول بها فلا يخلفه فيه.
هداية. قوله: (ولو اشترى الخ) معطوف على لم يعتق فهو مفرع على قول الإمام. قوله: (ولو ملكه لم
يضمن) ظاهره أن عند القائل بالملك لا يضمن، وليس كذلك بل الضمان متفق عليه. لكن يضمن
قيمته للحال عندهما لأنه ملكه، وإنما ضمنه لتعلق حق الغير به، وعنده في ثلاث سنين لأنه ضمان
جناية لعدم ملكه كما في التبيين. قوله: (خلافا لهما) راجع إلى مسألة ذي الرحم أيضا اه‍ ح. قوله:
(صح تحريره) أي تحرير المولى العبد الذي اكتسبه المأذون. قوله: (إجماعا) أي عندهما، وعنده في قوله الأخير وفي قوله
الأول لا يملك، فلا يصح أعتاقه. زيلعي. قوله: (حال كون المأذون) الأنسب أن
يقول: أي المأذون حال كون ح. قوله: (ولو بمحيط) هذا بالاجماع لقيام ملكه فيه، وإنما الخلاف في
أكسابه بعد الاستغراق بالدين وقد بيناه. زيلعي. قوله: (وضمن المولى الخ) سواء علم المولى بالدين أو
لا بمنزلة إتلاف مال الغير لما تعلق به حقهم. زيلعي. قوله: (الأقل من دينه وقيمته) لان حقهم تعلق
بماليته فيضمنها، كما إذا أعتق الراهن المرهون. زيلعي. قوله: (وإن شاؤوا اتبعوا العبد) لان الدين
مستقر في ذمته. زيلعي. قال في المحيط: وما قبضه أحدهم من العبد لا يشاركه فيه الباقون، بخلاف
ما قبضه أحدهم من القيمة التي على المولى، لأنها وجبت لهم على المولى بسبب واحد وهو العتق والدين
متى وجب لجماعة بسبب واحد كان مشتركا بينهم اه‍. طوري. قوله: (لا يبرأ الآخر) لأنه وجب على كل
واحد منهما دين على حدة، بخلاف الغاصب مع غاصب الغاصب، لأن الضمان واجب على أحدهما.
زيلعي. قوله: (بعد عتقه) مستدرك لان الفرض أنه قد أعتق. قوله: (وصح تدبيره الخ) إنما أعاد صدر
464

المسألة مع تصريح المصنف به آنفا ليرتب عليه عجزها ط. قوله: (ويخير الغرماء) إن شاؤوا ضمنوا المولى
قيمة العبد، وإن شاؤوا استسعوا العبد في ديونهم، فإن ضمنوا المولى القيمة فلا سبيل لهم على العبد
حتى يعتق وبقي العبد مأذونا على حاله، وإن استسعوا العبد أخذوا من السعاية ديونهم بكمالها وبقي
العبد مأذونا على حال. هندية. وبه ظهر معنى الاستثناء ط: أي في قوله: إلا أن الخ بخلاف
العتق كما مر فإنه باتباع أحدهما لا يبرأ الآخر. قوله: (أحد الشيئين) وهما تضمين المولى واستسعاء العبد.
قوله: (ولو أعتقه المولى الخ) هذه مرتبط بقوله: وصح إعتاقه لا بمسألة المدبر. قال الزيلعي: ولو
أعتقه المولى بإذن الغرماء فلهم أن يضمنوا مولاة القيمة، وليس هذا كإعتاق الراهن عبد الرهن بإذن
المرتهن وهو معسر، لأنه قد خرج (1) عن الرهن بإذنه، والعبد المأذون له لا يبرأ من الدين بإذن الغريم اه‍:
أي في عتقه. أما المدبر فلا ضمان بإعتاقه مطلقا لما ذكره المؤلف من التعليل، فتدبر ط. وعبارة
الطوري: وقوله وضمن شمل ما إذا أعتق بإذن الغرماء الخ قوله: (بأقل من الديون) أو وكان بلا إذن
الغرماء والدين حال، وأما إذا كان بخلاف هذه الأشياء الثلاثة فلا ضمان على المولى. نهاية. وزاد
المقدسي عن شرح الجامع لأبي الليث: وكان البيع بأقل من القيمة، أما لو باعه بقيمته أو أكثر وقبض
هو في يده فلا فائدة في التضمين ولكن يدفع الثمن إليهم اه‍. نقله السائحاني. قوله: (وغيبه) بالغين
المعجمة در منتقى. قوله: (كان لهم فسخ البيع) أي قبل القاضي لهم بالقيمة، فلو بعده ففيه
تفصيل يأتي عن الزيلعي. قوله: (كما مر) أي قبل نحو صفحة السراجية. قوله: (ضمن الغرماء
البائع قيمته) أي سواء كانت قدر الثمن أو دونه أو أزيد، هذا إذا كانت قدر الدين أو دونه، فلو كانت
أزيد يضمن بقدر الدين فقط. رحمتي. قوله: (لتعديه) أي ببيعه وتسليمه إلى المشتري. منح. قوله: (فإن
رد العبد) يعني إذا اختاروا أخذ القيمة من المولى ثم ظهر العبد واطلع المشتري على عيب ورده به الخ.
قوله: (قبل القبض الخ) نظر فيه الشرنبلالي بأن الصورة فيما إذا غيبه المشتري، وليس إلا بعد القبض،
قال: ولعله إنما ذكر ذلك لقوله: مطلقا ليقابله بقوله: أو بعده بقضاء. قوله: (مطلقا) أي بقضاء أو
رضا ح. قوله: (أو بخيار رؤية أو شرط) أي مطلقا قبل القبض أو بعده بقضاء أو رضا فكان عليه

(1) قوله: (لأنه قد خرج الخ) قال شيخنا هذا تعليل لغير مذكور وتقديره ولهم استسعاء العبد الذي أذنوا بعتقه، وليس
للمرتهن استسعاء عبد الرهن الذي اذن الراهن بعتقه وهو معسر لأنه الخ.
وحاصل الفرق، ان اذن الغرماء باعتاق العبد ليس ابراء للعبد ولهم استسعاؤه واما اذن المرتهن فاخراج العبد عن
الرهن، واسقاط لماله فيه من حق الحبس فلا يكون له استسعاؤه ولو كان المولى مصرا، فلا يقال انه يستسعى العبد
حال اعسار المولى لأنه المنتفع بهذا الاعتاق ولا يمكن الرجوع على المولى لاعساره لما علمت من اسقاطه حقه
بالاذن وبهذا تعلم أنه كان الأحسن ابدال قوله فلهم ان يضمنوا المولى بقوله فلهم استسعاء العبد ا ه‍.
465

تأخير قيد الاطلاق إلى هنا ح. وإنما لم يحتج للقضاء لان العيب يمنع تمام الصفقة فيكون الرد فسخا،
وخيار الشرط يمنع ابتداء الحكم فكأن البيع لم يكن لعدم شرطه وهو الرضا، وخيار الرؤية يمنع تمام
الحكم فالرد بهما لا يكون إلا فسخا. رحمتي. قوله: (أو بعده بقضاء) راجع لما في المتن: أي أو رد
بعيب بعد القبض بقضاء لأنه بالقضاء يصير فسخا. رحمتي. قوله: (لزوال المانع) أي من تعلق حقهم
بالعبد وهو البيع والتسليم الذي هو سبب الضمان. قال الزيلعي: فصار كالغاصب إذا باع وسلم
وضمن القيمة ثم رد عليه بالعيب كان له أن يرد المغصوب على المالك ويرجع عليه بالقيمة التي دفعها
إليه. قوله: (فلا سبيل لهم على العبد) أي في استسعائه. قوله: (ولا للمولى على القيمة) أي في
استردادها من الغرماء. قوله: (وهي بيع في حق غيرهما) أي غير المتبايعين كما تقدم في الإقالة أنها فسخ
في حق المتبايعين بيع جديد في حق ثالث والغرماء ثالث، ففي حقهم كأنه اشتراه من مشتريه وبيعه
الأول على حاله. رحمتي. فلذا قال: فلا سبيل لهم على العبد ولا للمولى على القيمة، فليس المراد
بالغير العبد، فافهم. قوله: (أو ضمنوا مشتريه) أي ضمنوه القيمة لأنه متعد بالشراء والقبض والتغييب.
زيلعي. قال ح: وأنت خبير أن الثمن وإن كان أقل من الدين في مسألتنا كما ذكره الشارح، لكن
القيمة قد تكون أكثر من الدين. فينبغي تقييد ضمان القيمة بما إذا كانت مثل الدين أو أقل. أما لو
كانت أكثر فينبغي أن لا يضمن إلا مقدار الدين كما لا يخفى، وحينئذ ينظر في كيفية الرجوع على
البائع اه‍. قال ط: إن كان الثمن قدر ما ضمن من القيمة رجع به، وإن كان المضمون أكثر فلا وجه
لرجوع المشتري على البائع بالزيادة، فليتأمل اه‍. قوله: (عطف على البائع) إنما يصح لو كان قوله
: ضمنوا ليس من عبارة المتن، وهو خلاف ما رأيناه في النسخ، وعليه فهو عطف على قوله: ضمن
من عطف الجمل. قوله: (ويرجع المشتري بالثمن عل البائع) لان أخذ القيمة منه كأخذ العين. زيلعي.
وقوله: بالثمن أشار به إلى أنه لا يرجع بما ضمن، بل بما أداه للبائع من الثمن، وما بقي من القيمة
لا مطالبة له على البائع به، وظاهر أن هذا فيما إذا كانت القيمة أكثر من الثمن اه‍. شرنبلالية. قوله:
(أو أجازوا البيع الخ) قال الزيلعي: حاصله: أن الغرماء يخيرون بين ثلاثة أشياء: إجازة البيع،
وتضمين أيهما شاؤوا، ثم إن ضمنوا المشتري رجع المشتري بالثمن على البائع، وإن ضمنوا البائع سلم
المبيع للمشتري وتم البيع لزوال المانع، وأيهما اختاروا تضمينه برئ الآخر حتى لا يرجعون عليه وإن
نويت القيمة عند الذي اختاروه، ولو ظهر العبد بعدما اختاروا تضمين أحدهما ليس لهم عليه سبيل
إن كان القاضي قضى لهم بالقيمة ببينة أو بإباء يمين لان حقهم تحول إلى القيمة بالقضاء، وإن قضى
بالقيمة بقول الخصم مع يمينه، وقد ادعى الغرماء أكثر منهم فهم بالخيار: إن شاؤوا رضوا بالقيمة،
وإن شاؤوا ردوها وأخذوا العبد فبيع لهم، لأنه لم يصل إليهم كمال حقهم بزعمهم وهو نظير المغصوب في ذلك. كذا ذكره في النهاية، وعزاه إلى المبسوط.
قال الراجي عفو ربه: الحكم المذكور في المغصوب مشروط بأن تظهر العين وقيمتها أكثر مما
466

ضمن، ولم يشترط هنا ذلك، وإنما شرط أن يدعي الغرماء أكثر مما ضمن، وأن كمال حقهم لم يصل
إليهم بزعمهم، وبينهما تفاوت كثير لان الدعوى قد تكون غير مطابقة، فيجوز أن تكون قيمته مثل ما
ضمن أو أقل، فلا يثبت لهم الخيار فيه، وإنما يثبت لهم الخيار إذا ظهر وقيمته أكثر مما ضمن فلا
يكون المذكور هنا مخلصا اه‍.
ويجاب بما ذكره الشلبي عن خط قارئ الهداية بأن لهم أن يردوا ما أخذوا وإن كانت قيمته مثل
ما ضمن أو أقل، لان لهم فيه فائدة وهو حق استسعائه بجميع دينه. أبو السعود. وبمثله أجاب
الطوري. قوله: (معلما بدينه) اسم فاعل من الاعلام حال من ضمير السيد. وعبارة الهداية والكنز:
وأعلمه بالدين. قال في الكفاية: أي أعلم البائع المشتري بأن هذا العبد مديون، وفائدته سقوط خيار
المشتري في الرد بعيب الدين حتى يقع البيع لازما فيما بين البائع والمشتري، وإن لم يكن لازما في حق
الغرماء إذا لم يكن في ثمنه وفاء بديونهم اه‍. ومثله في التبيين وغيره وسيشير إليه الشارح. قوله: (يعني
مقرا به لا منكرا كما سيجئ) قد علمت أن قوله: معلما حال من السيد البائع فهو وصف له،
والذي سيجئ اعتبار إقرار المشتري لا البائع، وأصل هذا الكلام لابن الكمال حيث ذكر أن فائدة
قوله: معلما تظهر في المسألة الآتية وهي قوله: وإن غاب البائع فالمشتري ليس بخصهم لهم لو
منكرا دينه قال: فإنه دل بمفهومه على أنه يخاصم مقرا فلا بد من فرض العلم حتى يتيسر تصوير
الانكار مرة والاقرار أخرى اه‍. لكنه لم يفسر الاعلام بالاقرار كما فعل الشارح، بل جعله مبني تصوير
الانكار الآتي صريحا والاقرار المفهوم ضمنا ولذا قال ح: إن قوله مقرا به لا يصلح تفسيرا للمتن ولا
تقييدا له، وقد غلط في عبارة ابن الكمال ولم يفهمها اه‍.
ويمكن أن يكون قوله: يعين مقرا تفسيرا لمفعول باع الأول: أي باع مشتريا مقرا أو حالا من المشتري المفهوم من
المقام، ولو قال لمقر لكان أظهر، وفيما ذكره ابن الكمال من الفائدة نظر لان المسألة
رباعية غاب العبد، وقد مر غاب البائع أو غاب المشتري وسيأتي، حضر الكل: وهي التي الكلام
فيها، ولذا قال ط: هذا مفروض فيما إذا كان العبد حاضرا ليباين قوله سابقا: وإن باعه سيده وغيبه
المشتري فلو قال المصنف: وإن كان العبد حاضرا فلهم الفسخ بحضرتهما لكان أخصر وأوضح اه‍.
وفي هذه إن كان المشتري مقرا بالدين فالامر ظاهر، وإن كان منكرا فعلى الغرماء إثباته لعدم المانع
لوجود الخصم فيها، وإنما الكلام في غيبة البائع، فإن كان المشتري مقرا لهم رد البيع لأنه خصم،
وإلا فلا، فقوله: معلما في مسألة حضرة الكل لا يظهر له فائدة في هذه مسألة أصلا، وإنما فائدته
ما مر عن الكفاية وغيرها فتدبر. هذا ما ظهر لي. قوله: (لتحقق المخاصمة) تحقق فعل مضارع حذف
منه إحدى التاءين، والمخاصمة فاعل: يعني أن فائدة إقرار المشتري بالدين فيما إذا غاب البائع صحة
كونه خصما للغرماء في رد البيع. قوله: (فللغرماء رد البيع) لان حقهم تعلق به وهو حق الاستسعاء أو
الاستيفاء من رقبته. وفي كل منهما فائدة: فالأول تام مؤخر، والثاني ناقص معجل، وبالبيع تفوت
هذه الخيرة فكان لهم رده. زيلعي. قوله: (إن لم يصل ثمنه إليهم) قال في الهداية: قالوا تأويل المسألة
إذا لم يصل إليهم الثمن، فإن وصل ولا محاباة في البيع ليس لهم أن يردوه لوصول حقهم. قال
467

الزيلعي: وفيه نظر لأنه يشير إلى أنهم لا يكون لهم خيار الفسخ عند وصول الثمن إليهم، إذا لم يكن
في البيع محاباة وإن لم يف الثمن بحقهم، وإن كان في البيع محاباة ثبت لهم خيار الفسخ وإن وفى الثمن
بحقهم، وليس كذلك بل لهم خيار الفسخ إذا لم يف الثمن بحقهم، وإن لم يكن فيه محاباة لأجل
الاستسعاء وقد ذكره بنفسه قبيله، ولا خيار لهم إن وفى الثمن بحقهم وإن كان فيه محاباة لوصول
حقهم إليه (1). ولو قال وتأويل المسألة فيما إذا باعه بثمن لا يفي بدينهم استقام وزال الاشكال، لان
الثمن إذا لم يف بدينهم لهم نقض البيع كيفما كان، وإذا وفى ليس لهم نقضه كيفما كان، وإذا لم يوجد
شئ مما ذكرنا من تأجيل الدين وطلبهم البيع ووفاء الثمن بالدين فالبيع موقوف حتى يجوز بإجازة
الغرماء وهي مسألة الكتاب اه‍. ونحوه في شروح الهداية. قوله: (لان قبضهم الخ) تعليل لمفهوم قوله:
إن لم يصل ثمنه إليهم والتقدير: فإن وصل ليس لهم الرد لان الخ، والأولى أن يقول بالبيع ط.
ثم إن هذا جواب عن صاحب الهداية وأصله لصاحب النهاية حيث قال: اللهم إلا أن يريد
بقوله: فإن وصل ولا محاباة في البيع رضاهم بأخذ الثمن وهو رضا بالبيع، ثم قال: ولكن احتمال
إحضار الثمن والتخلية بينهم وبين الثمن بلفظ الوصول باق، فكان المعول عليه قول الإمام قاضيخان:
تأويله إذا باع بثمن لا يفي بديونهم اه‍.
وحاصله: أن الوصول يحتمل معنى الاحضار والتخلية كما يحتمل معنى القبض فلا يدل على
الرضا. أقول: لكن قول صاحب الهداية قبله: إن له الخيار إذا لم يف الثمن بحقهم قرينة ظاهرة، على
أنه أراد بالوصول القبض كي لا يتناقض كلامه، وإعمال الكلام أولى من إهماله سيما من مثل هذا
الامام، ولذا جزم به ابن الكمال وجعل ما سواه من حشاوي الأوهام قوله: (إلا إذا كان فيه محاباة) إذ
لهم حينئذ أن يقولوا: إنما قبضنا الثمن لاعتقادنا أنه تمام القيمة. ابن مال: أي فلا يدل على الرضا ما
لم يف الثمن بحقهم. قوله: (وقال المصنف) أي تبعا للزيلعي وغيره. قوله: (هذا) أي ثبوت رد البيع
للغرماء. قوله: (وإلا فالبيع نافذ) أي بأن كان الدين مؤجلا، لأنه باع ملكه قادرا على تسليمه قبل تعلق
حق الغير، أو كان البيع بإذنهم لأنه بمنزلة بيعهم لأنفسهم، ومحله إذا باعه من غير محاباة، وإلا
فالظاهر ثبوت الرد لهم لما تقدم. ط.
قلت: الظاهر كون المولى وكيلا عنهم فيجري فيه ما مر في كتاب الوكالة. تأمل. قال أبو
السعود: وكذا ينفذ إذا كان بإذن القاضي كما قدمناه اه‍. أو كان لثمن يفي بدينهم لان حقهم قد
وصل إليهم. قوله: (لزوال المانع) وهو حق الغرماء. قوله: (ليس بخصم لهم) لان الدعوى تتضمن
فسخ العقد، فيكون الفسخ قضاء على الغائب. زيلعي. قوله: (منكرا دينه) أي لو كان المشتري منكرا
دين العبد. قوله: (خلافا للثاني) حيث قال: هو خصم ويقضي للغرماء بدينهم لأنه يدعي الملك لنفسه

(1) قوله: (لوصول حقهم إليه) هكذا بخطه ولعل الصواب: لوصول حقهم إليهم تأمل ا ه‍ مصححه.
468

في العين فيكون خصما لمن ينازعه فيها. زيلعي. قوله: (ولو مقرا فخصم) لان إقراره حجة عليه فيفسخ
بيعه إذا لم يف الثمن بديونهم. زيلعي. قوله: (لا خصومة إجماعا) لان الملك واليد للمشتري، ولا يمكن
إبطالهما وهو غائب، فما لم يبطل ملكه لا تكون الرقبة محلا لحقهم. زيلعي. قوله: (لكن لهم تضمين
البائع قيمته) لأنه صار مفوتا حقهم بالبيع والتسليم، فإذا ضمنوه القيمة جاز البيع فيه وكان الثمن
للبائع. زيلعي. قوله: (أو إجازة البيع) وتكون بمنزلة الإذن السابق، ولم يذكر تضمين المشتري إذا كان
مقرا بديونهم. والظاهر أن لهم ذلك ويحرر، وهي الخيارات التي جرت في المسألة السابقة ط. قوله:
(فهو مأذون) أي يصدق في حق كسبه حتى تقضي به ديونه استحسانا ولو غير علد لان في ذلك
ضرورة وبلوى، لان إقامة الحجة عند كل عقد غير ممكن. زيلعي. قوله: (ساكتا) حال من العبد: أي
لم يخبر بشئ. قوله: (ومفاده) أي مفاد قوله: وأمر مسلم وكذا قول الزيلعي: لأن الظاهر أنه مأذون
له لان عقله ودينه يمنعانه عن ارتكاب المحرم، لكن قال ح: في النفس منه شئ اه‍.
قلت: لأنه خبر في المعاملة، وقد قالوا: الخبر ثلاثة: خبر في الديانة تشترط له العدالة دون
العدد، وخبر في الشهادة فالعدالة والعدد، وخبر في المعاملة. فلا يشترط واحد لئلا يضيق الامر،
ولأنه في الهداية علله بأنه إن أخبر بالاذن فالاخبار دليل عليه، وإلا فتصرفه جائز لأن الظاهر أن
المحجور يجري على موجب حجره، والعمل بالظاهر هو الأصل في المعاملات كي لا يضيق الامر على
الناس اه‍. فقد اقتصر على العمل بالظاهر والضرورة، فيشمل الكل، ولا ينافيه ذكر العقل والدين،
ولأنه بالنظر لبعض الاشخاص. تأمل. قوله: (بالمسلم) أي بالعبد المسلم. قوله: (ولكن لا يباع الخ) لأنه
لا يقبل قوله في الرقبة لأنها خالص حق المولى، بخلاف الكسب لأنه حق العبد. هداية. قوله: (أو
أثبته الغريم بالبينة) أي بحضرة المولى وإلا فلا تقبل، لان العبد ليس بخصم في رقبته، وإن أقر العبد
بالدين فباع القاضي أكسابه وقضى دين الغرماء ثم جاء المولى وأنكر الاذن، فإن برهن الغرماء على الاذن
وإلا ردوا للمولى ما أخذوا من ثمن كسبه، ولا ينقض بيع القاضي لان له ولاية بيع مال الغائب،
ويؤخر حقهم إلى العتق لان المحجور لا يؤاخذ بأقواله للحال. إتقاني عن مبسوط شيخ الاسلام.
مبحث في تصرف الصبي ومن له الولاية عليه وترتيبها
قوله: (وتصرف الصبي والمعتون الخ) ذكر هذه المسألة في هذا الكتاب نظرا إلى إذن ولي الصبي،
وكونه مأذونا بإذنه وبين حكم.، وذكرها في كتاب الحجر حيث قال: ومن عقد منهم وهو يعقله أجاز
وليه أو رده نظرا إلى كونه محجورا وبين حكمه. يعقوبية. قوله: (الذي يعقل البيع والشراء) صفة لكل
469

من الصبي والمعتوه ط عن الحموي. قوله: (محضا) أي من كل الوجوه. قوله: (والاتهاب) أي قبول
الهبة وقبضها وكذا الصدقة. قهستاني. قوله: (وإن ضارا) أي من كل وجه: أي ضررا دنيويا، وإن كان
فيه نفع أخروي كالصدقة والقرض. قوله: (كالطلاق والعتاق) ولو على مال فإنهما وضعا لإزالة الملك
وهي ضرر محض، ولا يضر سقوط النفقة بالأول وحصول الثواب بالثاني وغير ذلك مما لم يوضعا له،
إذ الاعتبار للوضع، وكذا الهبة والصدقة وغيرهما. قهستاني. قوله: (لا وإن أذن له وليهما) لاشتراط
الأهلية الكاملة، وكذا لو أجازه بعد بلوغه، إلا إذا كانت بلفظ يصلح لابتداء العقد كأوقعت الطلاق
أو العتاق، وكذا لا تصح من غيره كأبيه ووصيه والقاضي للضرر.
قلت: ومواضع الضرورة مستثناة عن قواعد الشرع كما لو كان مجبوبا أو ارتد أو أسلمت امرأته
وأبى الاسلام أو كاتب وليه حظه من عبد مشترك واستوفى بدلها فقد صار الصبي مطلقا في قول كما
صار معتقا. وتمامه في القهستاني والبرجندي. در منتقى. قوله: (كالبيع) أي ولو يضعفا القيمة لان
العبرة بأصل وضعه دون ما عرض له باتفاق الحال وهو بأصله متردد بخلاف الهبة له، وتحقيقه في
المنح. قوله: (في كل أحكامه) فيصير مأذونا بالسكوت ويصح إقراره بما في يده من كسبه، ولا يملك
تزويج عبده ولا كتابته كما في العبد. جوهرة. ولا يتقيد بنوع من التجارة، ويجوز بيعه بالغبن الفاحش
عنده خلافا لهما إلى غير ذلك من الاحكام التي في العبد. زيلعي. ثم استثنى آخر الباب فقال: إلا
أن الولي لا يمنع من التصرف في مالهما وإن كان عليهما دين، ولا يقبل إقراره عليهما وإن لم يكن
عليهما دين، بخلاف المولى. والفرق أن إقرار الولي عليهما شهادة، لأنه إقرار على غيره فلا يقبل،
ودينهما غير متعلق بمالهما وإنما هو في الذمة لأنهما حران فكان للولي أن يتصرف بعد الدين كما كان
له قبله اه‍.
أقول: وهذا في الحقيقة فرق بين المولى والولي لا بين العبد والصبي، فلا حاجة لاستثنائه لان
الكلام في تصرفات الصبي أشار إليه في المعراج. قوله: (أن يعقلا البيع الخ) أي أن يعرفا مضمون البيع
لا مجرد العبارة. يعقوبية وغيرها. قال في الولوالجية: فإنه ما من صبي لقن البيع والشراء إلا ويتلقنهما.
قوله: (سالبا للملك) أي ملك المبيع وجالبا للثمن وبالعكس في الشراء. قوله: (زاد الزيلعي) أي تبعا
لغيره من شراح الهداية وغيرهم. قوله: (وإن يقصد الربح) كان ينبغي له أن يأتي بألف التثنية في يقصد
ويعرف ليناسب المتن ح. لكن حكى الشارح عبارة الزيلعي: وإفراد الضمير هنا باعتبار المذكور والخطب
سهل. قوله: (ويعرف الغبن الخ) بحث شيخنا في هذا الشرط بأن الفرق بين اليسير والفاحش مختص
بحذاق التجار فينبغي أن لا يعتبر ح.
قلت: وأصله للعلامة يعقوب باشا محشي صدر الشريعة ذكره أوائل كتاب الوكالة، لكنه بحث
470

مصادم للمنقول في المذهب، فالشأن في تأويله: ولعل مرادهم فيما تكون قيمته معروفة مشهورة، وإلا
فغيره قد يغبن فيه أعقل الناس، أو المراد أن يعرف أن الخمسة فيما قيمته عشرة مثلا غبن فاحش وأن
الواحد فيها يسير، فإن من لم يدرك الفرق بينهما غير عاقل، كصبي دفع له رجل كعبا وأخذ به ثوبه،
فإنه إذا فرح به ولم يعرف أنه مغبون لا يصح تصرفه أصلا. والظاهر أن هذا هو المراد. وأجاب في
وكالة السعدية بأنه قد يقام التمكن من الشئ مقام ذلك الشئ، فالتمكن من المعرفة بالعقل وذلك
موجود في الصبي الذي كلامنا فيه، فليتأمل اه‍.
وحاصله: أن ما ذكر كناية عن أن يكون عاقلا، وليس المراد حقيقة هذه المعرفة فهو من إطلاق
اللازم وإرادة الملزوم، والله تعالى أعلم. قوله: (وهو ظاهر) كأنه ظاهر بالنسبة إليه أو الجملة حالية.
والمعنى أن يعرف الغبن المذكور حال كونه ظاهرا لكل ذي عقل فيكون بمعنى ما أجبنا به. قوله:
(ووليه أبوه) أي الصبي. وفي الهندية: والمعتوه الذي يعقل البيع يأذن له الأب الوصي والجد دون
الأخ والعم، وحكمه حكم الصبي، ثم ذكر بطلان إذن ابنه له. ويمكن رجوع الضمير في المتن إلى
الصبي والمعتوه باعتبار المذكور، ثم هذا إذا بلغ معتوها، أما إذا بلغ عاقلا ثم عته لا تعود الولاية إلى
الأب قياسا بل إلى القاضي أو السلطان. وفي الاستحسان: تعود إليه، قيل الأول قول أبي يوسف،
والثاني قوله محمد، وقيل الأول قول زفر، والثاني قول زفر، والثاني قول علمائنا الثلاثة كما في التاترخانية. قوله: (ثم
وصى وصيه) قال الرملي في حاشية البحر: أي وإن بعد كما في جامع الفصولين. قوله: (الصحيح)
احتراز عن الجد الفاسد كأبي الام. قوله: (ثم الوالي) المراد بالوالي من إليه تقليد القضاة بدليل قول
الهداية: بخلاف صاحب الشرط لأنه ليس إليه تقليد القضاة ح. وأخر في العناية الوالي عن وصي
القاضي. قال في اليعقوبية: وفيه كلام. قوله: (بالطريق الأولى) أي ثبوت الولاية للوالي أولى، لان
القاضي يستمدها منه. قوله: (ثم القاضي أو وصيه) إنما سمي وصيا مع أن الايصاء هو الاستخلاف
بعد الموت، لأنه هنا يصير خليفة للأب كأن الأب جعله وصيا، فإن فعل القاضي يصير كفعل الأب،
أبو السعود عن الشمني. واستشكل في اليعقوبية تأخير القاضي بما سيأتي من أن القاضي لو أذن
للصغير وأبى أبوه يصير مأذونا، قال: فإنه يستلزم تقدمه على الأب في الاذن كما لا يخفى اه‍.
أقول: وسنذكر جوابه. قوله: (أيهما تصرف صح الخ) أي أن كلا منهما في مرتبة واحدة كما
قاله في الدر المنتقى. قال القهستاني: وإنما عدل عن كلمة الترتيب إلى التسوية إشعارا بصحة ولاية كل
من الوالي والقاضي ووصيه بعد موت وصي وصي الجد اه‍.
وحاصله: أنه لا ولاية للجد مع وصي الأب ولا للوالي والقاضي مع الجد أو وصيه وبعد الجد
أو وصية لا ترتيب. قوله: (دون الام أو وصيها) قال الزيلعي: وأما ما عدا الأصول من العصبة كالعم
والأخ أو غيرهم كالأم ووصيها وصاحب الشرطة لا يصح إذنهم له، لأنهم ليس لهم أن يتصرفوا في
ماله تجارة، فكذا لا يملكون الاذن له فيها، والأولون يملكون التصرف في ماله فكذا يملكون الاذن له
في التجارة اه‍. قوله: (هذا في المال) ليس على إطلاقه. ففي وكالة البحر عن خزانة المفتين: وليس
471

لوصي الام ولاية التصرف في تركة الام مع حضرة الأب أو وصيه أو وصي وصيه أو الجد، وإن لم يكن
واحد ممن ذكرنا فله الحفظ وبيع المنقول لا العقار والشراء للتجارة، وما استفاده الصغير من غير
مال الام مطلقا. وتمامه فيها اه‍. لكن بيع المنقول من الحفظ. قال في السابع والعشرين من جامع
الفصولين: ولو لم يكن أحد منهم، فلوصي الام الحفظ وبيع المنقول من الحفظ، وليس له بيع عقاره
ولا ولاية الشراء على التجارة إلا شراء ما لا بد منه من نفقة وكسوة، وما ملكه اليتيم من مال غير
تركة أمه فليس لوصي أمه التصرف فيه منقولا أو غيره. وتمامه فيه فراجعه. قوله: (بخلاف النكاح) فإنه
لا مدخل للأوصياء فيه بل هو للأولياء وللأم ولايته أيضا عند عدم العصبة.
تتمة: للصبي أو المعتوه المأذون أن يأذن لعبده أيضا، لان الاذن في التجارة تجارة، وليس لابن
المعتوه أن يأذن لأبيه المعتوه، ولا أن يتصرف في ماله، وكذا إذا كان الأب مجنونا. وتمامه في التبيين.
قوله: (أو عبد نفسه) أي عبد القاضي نفسه بناء على ما فهمه صاحب الأشباه وقدمنا ما فيه. قوله:
(كما مر) أي أوائل كتاب المأذون. قوله: (لا يكون إذنا) لأنه لا حق له في مال الغير حتى يكون الاذن
إسقاطا لحقه. ذكره الزيلعي أو الكتاب، وهو يفيد كونه إذنا لعبده فيتأيد ما قدمناه. قوله: (إذا كان لكل
واحد منهما) صوابه: أو كان بأو بدل إذا عطفا على لم يكن كما عبر به الزيلعي عند قول الكنز:
ويثبت بالسكوت وقوله: ولعبدهما عطف على اليتيم والمعتوه، وانظر ما نكتة تأخيره، وقوله عند
طلب متعلق بقوله يأذن.
والحاصل: أن القاضي يصح إذنه لهما عند عدم الولي، فإن كان فلا، إلا إذا امتنع الولي، وهذا
ما يأتي عن البرجندي والنظم، وعلله في معراج الدراية بأن الأب صار عاضلا له، فتنتقل الولاية إلى
القاضي بسبب عضله كالولي في باب النكاح اه‍. وبه ظهر أنه لا يلزم منه تأخر ولاية الأب عن
القاضي. ولذا قال في التاترخانية: فإنه جائز وإن كانت ولاية القاضي مؤخرة عن ولاية الأب
والوصي، وبه اندفع ما قدمناه عن اليعقوبية. فتدبر. قوله: (قلت وفي
البرجندي الخ) ومثله في الخلاصة، ولعله أعاده مع أنه ما في المتن، لأنه ليس فيه تقييد
الاذن بوقت الطلب، فيفيد أنه قيد اتفاقي ومثله ما يأتي عن النظم، وكذا قول الهندية عن المحيط: فرأى القاضي أن يأذن له وأبى أبوه.
تأمل. قوله: (لا يتجر (1) بعد ذلك أصلا) أي وإن مات القاضي أو عزل، بخلاف موت الأب أو

(1) قوله: (لا يتجر) وكذلك قوله (فلا يتجر بحجر الأب) هكذا بخطه والذي في نسخ الشارح (ولا ينحجر) ولعله
الصواب فليتأمل ا ه‍ مصححه.
472

الوصي للعلة التي ذكرها، وبه صرح في التاترخانية. قوله: (إلا بحجر
قاض آخر) فلا يتجر بحجر الأب. تاترخانية. قوله: (ولو أقر الانسان) أي أقر للصبي والمعتوه المأذونان كما في النهاية والهندية،
والمراد بالانسان غير الأب الآذن لما في التاترخانية: الصبي المأذون من جهة الأب إذا أقر لأبيه بمال في
يده أو بدين لم يصح إقراره اه‍. ومفهومه أنه لو كان مأذونا من جهة القاضي يصح إقراره لأبيه، يدل
عليه ما في الولوالجية: لو باع صبي مأذون له من أبيه وعليه دين بما يتغابن فيه جاز، فإن أقر بقبض
الثمن لم يصدق إلا ببينة، لأنه إقرار للأب وقد استفاد الاذن منه كما لو ادعى الأب الايفاء اه‍. قوله:
(بما معهما) يتناول العين والدين. نهاية. قوله: (صح على الظاهر) يعني إن أقرا أن ما ورثاه من أبيهما
لفلان صح في ظاهر الرواية، وعن أبي حنيفة أنه لا يصح فيما ورثه، لان صحة إقراره في كسبه
لحاجته إلى ذلك في التجارات ولا حاجة في الموروث، وجه الظاهر أنه بانضمام رأي الولي التحق
بالبالغ وكل من المالين ملكه فصح إقراره فيهما. درر. وكون الميراث من الأب غير قيد كما في النهاية.
قوله: (كمأذون) هذا ليس في الدرر على أن المأذون لا إرث له. سائحاني. قوله: (إلا في مسألة الخ)
حاصله: أن اشتراط العلم إذا كان الاذن قصديا، فلو ضمنيا كهذه جاز بدونه، ونقل البيري عن
الولوالجية أنه لا يصير مأذونا، قال: فصار فيه روايتان. قوله: (فبايعوه وهو لا يعلم صار مأذونا) فكان
له أن يبايع غيرهم، ولو لم يبايعوه بل بايعه قوم آخرون لا تصح مبايعتهم ولا يصير مأذونا لان الاذن
ثبت في ضمن مبايعة الذين أمرهم فلا يثبت الاذن قبلها. تاترخانية. وبه يظهر كون الاذن فيها ضمنيا
وإن قال: فإني أذنت له، فتدبر. بخلاف قوله بايعوا ابني الصغير لم يظهر لي وجه الفرق
فلينظر.
حموي. قلت: وعلى الرواية الثانية لا فرق، وفي شرح تنوير الأذهان عن الزيادات لو قال بع عبدك
من ابني الصغير بألف فباعه بها: إن علم الابن أمر الأب جاز، وإلا فلا، وفي بعض الروايات: جاز
مطلقا، وحمل بعض المشايخ الأول على القياس، والثاني على الاستحسان، وبعضهم قال على الروايتين.
والحاصل: أن الاذن بالتصرف لو ثبت مقصودا يشترط له علم المأذون لو ثبت ضمنا لغيره،
فقيل فيه قياس واستحسان، وقيل: روايتان، ومن المشايخ من قال: لا فرق بينهما وهو الظاهر اه‍.
ملخصا. قال أبو السعود: وهو صريح في رد المخالفة التي ذكرها المصنف بقوله: بخلاف ما إذا قال
بايعوا ابني الصغير اه‍. وأقره شيخنا هبة الله البعلي في شرحه على الأشباه. قوله: (لا يصح الاذن
للآبق) عللوا عدم انحجار العبد بالإباق على قول زفر بأنه لا ينافي ابتداء الاذن، وعليه مشى في فن
القواعد من الأشباه فقال: الاذن له صحيح، لكن قال الزيلعي: لنا أن نمنعه، لان الإباق يمنع
الابتداء على ما ذكره شيخ الاسلام، وذكر في شرح المجمع أنه محمول على اختلاف الرواية. وذكر في
العناية: إن علم به كان مأذونا. قوله: (المجحود ولا بينة) أي تشهد بالغصب. وفي الخانية أذن للآبق لا
473

يصح وإن علم الآبق، وإن أذن له في التجارة مع من كان العبد في يده صح، وإن أذن للمغصوب أن
الغاصب مقرا أو عليه بينة صح، وإلا فلا، لأنه لو باعه في هذا الوجه جاز بيعه فجاز إذنه. قوله: (على
الصحيح) في الخانية: العبد المأذون ينحجر بالإباق لا المدبر المأذون، والصحيح أن العبد المأذون لا
ينحجر بالغصب، وكذا بالأسر قبل الاحراز بل بعده، فإن وصل إلى مولاه بعد ذلك لا يعود مأذونا،
وكذا إن عاد من الإباق في الأصح اه‍. ملخصا. قال في شرح تنوير الأذهان: فكلام المصنف ليس على
إطلاقه اه‍: أي بالنسبة إلى الإباق، فكلامه محمول على المدبر المأذون لا العبد المأذون: أي القن، وبه
تندفع المنافاة بين ما هنا وبين ما مر في المتن، فافهم. قوله: (ولو أذن القاضي) مستغنى عنه بما مر متنا
وشرحا. قوله: (يعقوب) هو اسم يوسف العلم. قوله: (الصغير) أي المحجور. وفي القنية: استودع صبيا
ألفا فاستهلكها لم يضمن عندهما. وقال أبو يوسف: يضمن في ماله. ولو ركب الدابة الوديعة فعطبت
على الخلاف، وإن استودعها عبدا محجورا فاستهلكها منها بعد العتق عندهما. وقال أبو يوسف: يباع
فيها، ولو كانت عبدا فقتله الصبي أو العبد فهو كفيلهما ما ليس بوديعة عندهما، والفرق أن المولى لا
يملك روح العبد، ولا التسليط عليه، بخلاف المتاع والدابة، ولو أقرض صبيا وعبدا محجورين لا
ضمان في الحال ولا المآل بلا خلاف، وقيل القرض على الخلاف. شرنبلالي. قوله: (وتحليفه الخ)
أي المأذون: أي لو ادعى على المأذون شيئا فأنكره اختلفوا في تحليفه: ذكر في كتاب الاقرار يحلف وعليه
الفتوى. خانية. فلو قال: وحلف مأذونا إذا هو ينكر لكان أشبه. شرنبلالي. قوله: (ولو رهن المحجور)
المراد به هنا العبد وإن كان الصبي العاقل مثله، فافهم. قوله: (فما يتغير) أي بل يبقى ما صنعة على
حاله لصحته بأجرة مولاه. قوله: (قال) يعني ابن وهبان المفهوم من قوله وفي الوهبانية. قوله: (وكذا)
أي كالعبد المحجور فيما ذكر. قوله: (قلت الخ) البحث للشرنبلالي، على أن هذا وارد على القرض ولم
يذكر في النظم، وإنما ذكره الشرنبلالي، فهو اعتراض على غير مذكور ح. أقول: هو داخل في عموم
التصرف المذكور في التعليل فافهم، والله تعالى أعلم.
474

كتاب الغصب
وجه المناسبة كما قال الإتقاني: إن المأذون يتصرف في الشئ بالاذن الشرعي، والغاصب بلا
إذن شرعي، ولما كان الأول مشروعا قدمه، وسيأتي أن الغصب نوعان: ما فيه إثم، وما لا إثم فيه،
وأن الضمان يتعلق بهما. قوله: (هو لغة أخذ الشئ) وقد يسمى المغصوب غصبا تسمية بالمصدر. قوله:
(إزالة يد محقة) أي بفعل في العين كما ذكره ابن الكمال ليخرج الجلوس على البساط، فإن الإزالة
موجودة فيه لكن لا بفعل في العين ح. وفي كون الإزالة موجودة هنا نظر كما ستعرفه، فتدبر. ولا
يضمن ما صار مع المغصوب بغير صنعه، كما إذا غصب دابة فتبعتها أخرى أو ولدها لا يضمن التابع
لعدم الصنع، وكذا لو حبس الملك عن مواشيه حتى ضاعت لا يضمن لما ذكرنا ولعدم إثبات اليد
المبطلة. زيلعي. فإن قيل: وجد الضمان في مواضع ولم يتحقق العلة المذكورة كغاصب الغاصب فإنه
يضمن، وإن لم يزل يد الملك بل أزال يد الغاصب والملتقط إذا لم يشهد مع القدرة على الاشهاد مع أنه
لم يزل يدا، وتضمن الأموال بالاتلاف تسببا كحفر البئر في غير الملك، وليس ثمة إزالة يد أحد ولا
إثباتها، فالجواب: أن الضمان في هذه المسائل لا من حيث تحقق الغصب، بل من حيث وجد التعدي
كما في العناية. وقال الديري في التكملة: وقد يدخل في حكم الغصب ما ليس بغصب إن ساواه
في حكمه كجحود الوديعة، لأنه لم يوجد الاخذ ولا النقل اه‍.
إذا علمت هذا ظهر سقوط ما أورده الشلبي معزيا للخانية، وجرى عليه بعضهم من أنه إذا قتل
إنسانا في مفازة وترك ماله ولم يأخذه فإنه يكون غصبا مع عدم أخذ شئ، وما إذا غصب عجلا
فاستهلكه حتى يبس لبن أمه يضمن قيمة العجل ونقصان الام وإن لم يفعل في الام شيئا لما علمت من
أن وجود الضمان، لا باعتبار تحقق الغصب، بل من حيث وجود التعدي وإن لم يتحقق الغصب. أبو
السعود.
أقول: التزام هذا يوجب ضمان العقار والزوائد لوجود التعدي، فليتأمل. وزاد بعضهم بعد
قوله: إزالة يد محققة أو قصرها عن ملكه كما إذا استخدم عبدا ليس في يد مالكه.
قلت: يرد عليه أنه يشمل العقار مع أن المراد إخراجه، فتأمل. قوله: (ولو حكما) مبالغة على
قوله إزالة يد فإن يد المودع يد صاحب الوديعة قبل الجحود وبعده أزيلت يد صاحبها حكما، ولو
أخره بعد قوله بإثبات يد مبطلة لكان أولى، فإن ذلك إثبات يد مبطلة حكما فيكون راجعا إليهما ط،
وعلى ما مر لا حاجة إلى هذا التعميم فإنه تعد لا غصب، لكن في جامع الفصولين في ضمان المودع
عن فتاوى رشيد الدين: لو جحدها إنما يضمن إذا نقلها من مكان كانت فيه حال الجحود وإلا فلا،
فلو قلنا بوجوب الضمان في الوجهين فله وجه اه‍. وعلى الأول الإزالة حقيقية. تأمل. نعم نقل في
الخلاصة عن المنتقى: الضمان مطلقا. قوله: (بإثبات يد مبطلة) الباء بمعنى مع كما أشار إليه مسكين،
والنسبة بين إزالة اليد وإثباتها بالعموم والخصوص الوجهي، فيجتمعان في أخذ شئ من يد مالكه بلا
رضاه، وينفرد الأول في تبعيد المالك والثاني في زوائد المغصوب. أفاده أبو السعود. وفي القهستاني:
الأصل إزالة اليد المحقة لا إثبات المبطلة، ولهذا لو كان في يد إنسان درة فضرب على يده فوقعت في
475

البحر يضمن وإن فقد إثبات اليد، ولو تلف ثمن بستان مغصوب لم يضمن، وإن وجد الاثبات لعدم
إزالة اليد اه‍. وهذا منطبق على قول محمد كما يأتي، فإنه صريح في أن الغصب هو الإزالة فقط، وهو
خلاف كلام غيره من أنه لا بد من الإزالة والاثبات معا، لكن قال بعده: وذكر الزاهدي أنه على
ضربين: ما هو موجب للضمان فيشترط له إزالة اليد وما هو موجب للرد فيشترط له إثبات اليد اه‍:
أي كغصب العقار فإنه موجب للرد دون الضمان عندهما. قال أبو السعود: وبه يحصل التوفيق
في كلامهم اه‍. تأمل. قوله: (واعتبر الشافعي إثبات اليد فقط) واعتبر محمد إزالة اليد المحقة في غصب
المنقول، وفي غيره يقيم الاستيلاء مقام الإزالة كما حققه في النهاية ولذا ضمن العقار وإن لم تتحقق فيه
الإزالة. قوله: (والثمرة الخ) أي ثمرة الخلاف تظهر في زوائد المغصوب. قوله: (لا تضمن عندنا) أي
بالهلاك متصلة أو منفصلة لعدم إزالة اليد ما لم يمنعها الطلب فتضمن بالاجماع. غاية البيان.
قلت: وسيأتي في الفصل متنا أنها تضمن بالتعدي أيضا، وشرحا لو طلب المتصلة لا يضمن. قوله:
(فلا يتحقق في ميتة وحر) وكذا في كف من تراب وقطرة ماء ومنفعة، فلو منع صاحب الماشية من نفعها
فهلكت لم يضمن. قهستاني عن النهاية. قال الرحمتي: والمراد بالميتة: أي حتف أنفها من غير السمك
والجراد، أما المنخنقة وما في حكمها فهي من الثاني وهو غير المتقوم، وأما السمك والجراد فهو مال
يتحقق فيه الغصب اه‍. قوله: (قاله متقوم) هو بكسر الواو حيث ورد لأنه اسم فاعل، ولا يصح الفتح على أن
يكون اسم مفعول، فإنه مأخوذ من تقوم وهو قاصر، واسم المفعول لا يبنى إلا من متعد. رحمتي عن
شرح المنهاج للدميري، وفسره القهستاني بمباح الانتفاع شرعا. قال: وهو احتراز عن الخمر والخنزير
والمعازف عندهما ه‍. وكأنه لم يفسره لما له قيمة لئلا يتكرر مع قوله مال لكن يخرج عنه خمر الذمي مع أن
الغصب يجري في مال الكافر لا محالة كما في العزمية، وإليه أشار الشارح تبعا لابن الكمال وصدر
الشريعة بقوله: خمر مسلم فالأولى تفسيره بما له قيمة شرعا، وهو أخص من قوله مال فيكون فصلا فلا
يتكرر. قوله: (فلا يتحقق في خمر مسلم) قال في المجتبى: غصب من مسلم خمرا فعليه ضمان الرد وإن لم
يكن عليه ضمان القيمة اه‍. فقوله: لا يتحقق أي غصب الضمان لا غصب الرد، فتأمل ط. قوله: (في
مال حربي) كذا في النهاية و التبيين، لكن مع زيادة كونه في دار الحرب. شرنبلالية. قوله: (قابل للنقل)
مستدرك مع إزالة اليد بفعل في العين، لكن المصنف لما لم يذكر القيد في الأول احتاج إلى هذا القيد ح.
قال ط: قلت: قد يوجد الفعل في غير القابل، كما إذا هدم الدار وكرب الأرض: يعني أن
العين يشمل غير القابل فتعبير المصنف أحسن. تأمل. قوله: (فلا يتحقق في العقار) خلافا لمحمد لعدم
إزالة اليد كما يأتي بيانه. قال القهستاني: والصحيح الأول في غير الوقف، والثاني في الوقف كما في
العمادي اه‍. وسيذكره الشارح. قوله: (بغير إذن مالكه) لا حاجة إليه مع قوله بإثبات اليد المبطلة ح.
قوله: (عن الوديعة) أي ونحوها كالعارية لصدق التعريف عليهما سوى قوله بإثبات يد مبطلة وقوله
476

بغير إذن مالكه. قوله: (لكان أولى) أي وإن أمكن أن يراد بالمالك ولو للمنفعة كما قال بعضهم: أو للتصرف، وكالوقف الموصى بمنفعته وما في يد وكيل أو أمين. قوله: (وفيه لابن الكمال كلام)
حاصلة: أن السرقة داخلة باعتبار أصلها في الغصب، إلا أن فيها خصوصية أدخلتها في الحدود، فلا
ينافي دخولها باعتبار أصلها في الغصب كالشراء من الفضولي فإنه غصب، مع أنه مذكور في باب من
البيوع باعتبار ما فيه من خصوصية بها صار من مسائل البيوع اه‍. وأجاب السائحاني بأنه أراد بقوله لا
بخفية ما يقطع به، فإنه لو هلك لا يضمن مع أن المغصوب شأنه أن يضمن بعد الهلاك اه‍. وهو
حسن. قوله: (فاستخدام العبد) أي ولو مشتركا كما في القهستاني، وهذا لو استعمله لنفسه فلو لغيره:
أي في عمل غيره لا ضمان كما يأتي آخر الغصب. وسنذكر عن البزازية هناك أن هذا أيضا إذا خدمه
عقب الاستخدام، وإلا لا ضمان. قوله: (وتحميل الدابة) أي ولو مشتركة وكذا ركوبها، فيضمن نصيب
صاحبها، ولو ركب فنزل وتركها في مكانها لم يضمن، لأن الغصب لم يتحقق بدون النقل كما في
المحيط. وينبغي أن يكون الاستخدام كذلك. قهستاني. لمن إذا تلفت بنفس الحمل والركوب يضمن،
وإن لم يحولها لوجود الاتلاف بفعله كما يأتي، وكذا يضمن ببيع حصته من الدابة المشتركة وتسليمها
للمشتري بغير إذن شريكه كما في فتاوى قارئ الهداية. أبو السعود. وقدمه الشارح آخر الشركة عن
المحبية. قوله: (لإزالة يد المالك) أي وإثبات اليد المبطلة فيهما. منح. قوله: (لعدم إزالتها) أي يد المالك،
لان البسط فعل المالك فتبقى يد المالك ما بقي أثر فعله، لعدم ما يزيلها بالنقل والتحويل، تبيين
وغيره. ومثله لو ركب الدابة ولم يزل عن مكانه. معراج. فقول ح: صوابه لازالتها لا بفعل في العين
اه‍. فيه كلام، وهو مبني على ما قدمه على ابن الكمال. قوله: (وكذا لو دخل الخ) التشبيه في الضمان
المقدر بعد قوله: ما يهلك بفعله فإن تقديره فيضمن. قوله: (وإن لم يحوله) أي يحول ما استعمله من
العبد والدابة، وهو إشارة إلى ما قدمناه، وقوله: ولم يجحد أي في مسألة أخذ المتاع، وهو محترز قوله:
وجحد ومثله الدابة لما في البزازية: قعد في ظهرها ولم يحولها لا يضمن ما لم يجحدها، وقوله: ما لم
يهلك بفعله أو يخرجه من الدار أي في مسألة المتاع أيضا، فانظر ما أحسن هذه العبارة القليلة وما
تضمنته من الفوائد الجليلة. قوله: (ولغير من علم الأخيران) أي وحكمه لغير من علم أنه مال الغير الرد
أو الغرم فقط دون الاثم قوله: (بالحديث) وهو قوله عليه الصلاة والسلام: رفع عن أمتي الخطأ
والنسيان معناه: رفع مأثم الخطأ. إتقاني. قوله: (المغصوب منه مخير الخ) وكذا له تضمين كل بعضا
كما سيأتي متنا، ويستثنى أيضا ما في جامع الفصولين: هشم إبريق فضة لاحد ثم هشمه الآخر برئ
الأول من الضمان (1) وضمن الثاني مثلها، وكذا لو صب ماء على بر ثم صب عليه الآخر ماء وزاد في

(1) قوله: (برئ الأول من الضمان) اي ضمان القيمة اما ضمان النقصان الذي حصل بهشمه فعليه ولا يبرأ منه لان الثاني
انما يضمنه على الحالة التي هشم فيها وهو حينئذ كان ناقصا بهشم الأول وكذا يقال في المسألة البراءة ا ه‍.
477

نقصانه برئ الأول وضمن الثاني قيمته يوم صب الثاني، إذ لا يمكن للمالك رد البر والإبريق إلى
الحالة التي فعل الأول ليضمنه المثل أو القيمة اه‍. تأمل. هذا وكالغصب منه ما إذا رهنه الغاصب أو
آجره أو أعاره فهلك كما في شرح الطحاوي، وقال في حاوي القدسي: الغاصب إذا أودع المغصوب
عند إنسان فهلك فلصاحبه أن يضمن أيهما شاء: فإن ضمن المودع رجع به على الغاصب وإن ضمن
الغاصب لم يرجع بشئ، وإن غصب من الغاصب فهلك في يد الثاني: إن ضمن الثاني لم يرجع على
الأول، وإن ضمن الأول رجع على الثاني. بيري. وسيأتي قبيل الفصل مسائل أخر. قوله: (المغصوب)
نعت للوقف. قوله: بأن غصبه) أي الغاصب الثاني. قوله: (وقيمته أكثر) جملة حالية قيد لقوله غصبه.
قوله: (كذا في وقف الخانية) أي في آخر الأوقاف منها. ونصها: رجل غصب أرضا موقوفة
قيمتها ألف ثم غصب من الغاصب رجل آخر بعد ما ازدادت قيمة الأرض وصارت تساوي ألفي
درهم، فإن المتولي يتبع الغاصب الثاني إن كان مليا على قول من يرى جعل العقار مضمونة بالغصب،
لان تضمين الثاني أنفع للفقير، وإن كان الأول أملا من الثاني يتبع الأول، لان تضمين الأول يكون
أنفع للوقف، وإذا اتبع القيم أحدهما برئ الآخر عن الضمان، كالمالك إذا اختار تضمين الغاصب
الأول أو الثاني برئ الآخر اه‍. وهكذا نقلها البيري. ونقلها أيضا في شرح تنوير الأذهان، لكن قال:
وإن كان الأول أملا من الثاني يتبع القيم أحدهما، وباتباع أحدهما يبرأ الآخر عن الضمان الخ: قال أبو
السعود في حاشية الأشباه: فالنقل عن الخانية قد اختلف، وعبارة المصنف يستفاد من مفهومها موافقة
ما ذكره البيري اه‍.
أقول: الذي وجدته في الخانية هو ما قدمته بحروفه، والمستفاد من كلام المصنف هو الثاني. وقد
يقال: لا مخالفة ولا اختلاف في النقل، فإن قول الخانية: وإن كان الأول أملا يتبع الأول ليس على
سبيل اللزوم، بل له أن يتبع الثاني بدليل ما بعده، فمن قال يتبع أحدهما أتى بحاصل كلام الخانية،
ويقربه أنه عبر بقوله أملا فيفيد أن الثاني ملئ أيضا، لان أملا أفعل تفصيل، فلذا كان القيم بالخيار،
وهذا هو المفهوم من قول المصنف مخير إلا إذا كان الخ فإن مفهومه أنه إذا لم يكن الثاني أملا: أي بأن
كان الأول يبقى على خياره، فقول ح: في كلام المصنف اختصار مخل مدفوع (1) فافهم. قوله:
(وفي غصبها) أي غصب الخانية، ونقله في النهاية عنها وعن الذخيرة قائلا: إن هذا الفرع مخالف
للأصل الذي ذكروه حيث أوجب نقصان الام، وإن لم يفعل الغاصب في الام فعلا يزيل يد المالك
اه‍. وقدمنا الكلام على أول الكتاب. قوله: (من هدم حائط غيره ضمن نقصانه) في شرح النقاية
للعلامة قاسم: إن شاء ضمنه قيمة الحائط والنقض للضامن، وإن شاء أخذ النقض وضمنه النقصان،
وليس له أن يجبره على البناء كما كان، لان الحائط ليس من ذوات الأمثال، وطريق تضمين النقصان أن
تقوم الدار مع حيطانها وتقوم بدون هذه الحائط فيضمن فضل ما بينهما اه‍. ومنه يظهر ما في كلام

(1) قوله: (مدفوع) قد يقال هو باق فان مفهوم عبارة المصنف لو كان الثاني ليس أملا تكون المسائل على أصل الخيار
وتحت هذا المفهوم ثلاث صور: منها ما إذا كان الثاني مليئا لا أملأ فمقتضاه ثبوت الخيار مع أن المذكور في الخانية
اتباعه ل الخيار. نعم قد اندفع اعتراض ح بالنسبة لعجز عبارة الخانية ا ه‍.
478

المصنف. حموي. وقيل: إن كان الحائط جديدا أمر بإعادته، وإلا لا.
وفي البزازية: هدم جدار غيره من التراب وأعاده مثل ما كان برئ، وإن كان من الخشب
فأعاده كما كان فكذلك، وإن بناه من خشب آخر لا يبرأ لأنه متفاوت، حتى لو علم أن الثاني أجود
يبرأ اه‍. وفيها: لو فيه تصاوير مصبوغة يضمن قيمة الجدار والصبغ لا التصاوير لأنها حرام اه‍:
يعني إذا كانت لذي روح، وإلا فيضمن قيمتها أيضا. أبو السعود. وهذا في غير الوقف. بيري.
وأما الوقف فيأتي قريبا. قوله: (إلا في حائط المسجد) لم يذكر قاضيخان على سبيل الاستثناء كما ذكره
المصنف، ولم يظهر لي الفرق بين حائط المسجد وحائط غيره، والعلة بأنه ليس من ذوات الأمثال جارية
في حائط المسجد. حموي. وفي شرح البيري: أما الوقف فقد قال في الذخيرة: وإذا غصب الدار
الموقوفة فهدم بناء الدار وقطع الأشجار للقيم أن يضمنه قيمة الأشجار والنخيل والبناء إذا لم يقدر
الغاصب على ردها، ويضمن قيمة البناء مبنيا وقيمة النخيل نابتا في الأرض، لأن الغصب ورد هكذا
اه‍.
مطلب فيما لو هدم حائط
أقول: ومقتضاه أنه إذا أمكنه رد البناء كما كان وجب، ولم يفصل فيه (1) بين المسجد وغيره من
الوقف ولهذا قال البيري فيما سبق: وهذا في غير الوقف. وفي إجازات فتاوى قارئ الهداية فيمن
استأجر دارا وقفا فهدمها وجعلها طاحونا أو فرنا، أجاب بأنه ينظر القاضي إن كان ما غيرها إليه أنفع
وأكثر ريعا أخذ منه الأجرة وأبقى ما عمره للوقف وهو متبرع، وإلا ألزم بهدمه وإعادته إلى الصفة
الأولى بعد تعزيزه بما يليق بحاله اه‍. فظهر أن لا فرق بين المسجد وغيره من الوقف، بخلاف الملك
ويحتاج إلى وجه الفرق كما مر، ولعله قولهم يفتي بما هو أنفع للوقف، ولا شك أن تعميريه كما كان
أنفع من الضمان. تأمل. ثم رأيت في حاشية الرملي على الفصولين عن الحاوي: ولو ألقى نجاسة في
بئر خاصة يضمن النقصان دون النزح وفي بئر العامة يؤمر بنزحها كما مر في هدم حائط المسجد، لان
للهادم نصيبا في العامة ويتعذر تمييز نصيب غيره عن نصيبه في إيجاب الضمان، بخلاف الخاصة اه‍.
قوله: (وفي القنية الخ) ونصها: رجل كان يتصرف في غلات امرأته ويدفع ذهبها بالمرابحة ثم ماتت
فادعى ورثتها أنك كنت تتصرف في ما لها بغير إذنها فعليك الضمان، فقال الزوج بل بإذنها، فالقول قول الزوج
لأن الظاهر شاهد له: أي والظاهر يكفي للدفع. حموي.
قلت: وسيأتي في شتى الوصايا فيما لو عمر دار زوجته أنه لو اختلفا في الاذن وعدمه فالقول
لمنكره. تأمل.
مطلب في رد المغصوب وفيما لو أبى المالك قبوله
قوله: (ويجب رد عين المغصوب) لقوله عليه الصلاة والسلام: على اليد ما أخذت حتر ترد

(1) قوله: (ولم يفصل فيه الخ) انظر كيف يتأتى التفصيل المذكور مع كون موضوع المسألة معينا وهو الدار ا ه‍.
479

ولقوله عليه الصلاة والسلام: لا يحل لأحدكم أن يأخذ مال أخيه لاعبا ولا جادا، وإن أخذه فليرده
عليه زيلعي. وظاهره أن رد العين هو الواجب الأصلي، وهو الصحيح كما سيذكره الشارح
وسنوضحه. قوله: (ما لم يتغير تغيرا فاحشا) سيأتي تفسيره بأنه ما فوت بعض العين وبعض نفعه وإنه
حينئذ يتسلم الغاصب العين ويدفع قيمتها، أو يدفعها ويضمن نقصانها، والخيار في ذلك للمالك.
رحمتي. قوله: (لتفاوت القيم الخ) فلو غصب دراهم أو دنانير فطالبه المالك في بلدة أخرى عليه
تسليمها، وليس للمالك طلب القيمة وإن اختلف السعر، ولو غصب عينا فلو القيمة في هذا المكان
الغصب أو أكثر فللمالك أخذ المغصوب لا القيمة، ولو القيمة أقل أخذ القيمة على سعل مكان الغصب
أو انتظر حتى يأخذه في بلده، ولو وجده في بلد الغصب وانتقص السعر بأخذ العين لا القيمة يوم
الغصب، وإن كان هلك وهو مثلي وسعر المكانين واحد يبرأ برد المثل، ولو سعر هذا المكان الذي التقيا
فيه أقل أخذ المالك القيمة في مكان الغصب وقت الغصب أو انتظر، ولو القيمة في هذا المكان أكثر
أعطاه الغاصب مثله في مكان الخصومة أو قيمته حيث غصب ما لم يرض المالك بالتأخير، ولو القيمة
في المكانين سواء للمالك أن يطالبه بالمثل. منح عن الخانية ملخصا. قوله: (ويبرأ بردها) أي رد العين
المغصوبة إلى المغصوب منه: أي العاقل لما في البزازية: غصب من صبي ورده إليه إن كان من أهل
الحفظ يصح الرد، وإلا لا اه‍.
وشمل الرد حكما لما في جمع الفصولين: وضع المغصوب بين يدي مالكه برئ، وإن لم يوجد
حقيقة القبض، وكذا المودع، بخلاف ما لو أتلف غصبا أو وديعة فجاء بالقيمة لا يبرأ ما لم يوجد
حقيقة القبض. وفيه: أتى بقيمة المتلف فلم يقبلها المالك، قال أبو نصر: يرفع الامر إلى القاضي حتى
يأمر بالقبول فيبرأ. وفيه. جاء لما غصبه فلم يقبله مالكه فحمله الغاصب إلى بيته برئ ولم يضمن،
ولو وضعه بين يديه فلم يقبله فحمله إلى بيته ضمن، وهو الأصح لأنه يتم الرد في الثانية بوضعه، وإن
لم يقبله فإذا حمله بعده إلى بيته غصب ثانيا: أما إذا لم يضعه بين يديه لم يتم الرد اه‍. والمراد بوضعه
وضعه بحيث تناله يده كما في البزازية. فيها: أما إذا كان في يده ولم يضعه عند المالك فقال: للمالك
أخذه فلم يقبله صار أمانة في يده. قوله: (غصب دراهم إنسان من كيسه) أي أخذ جميع ما فيه (1) لما في
الثالث من البزازية أيضا: ولو في كيسه ألف أخذ رجل نصفها ثم رد النصف إلى الكيس بعد أيام
يضمن النصف المأخوذ المردود لا غير. وقيل يبرأ بردها إلى الكيس اه‍. تأمل. وفيها ركب دابة غيره
وتركها مكانها يضمن على قول الثاني، والصحيح أنه لا يضمن عند الامام حتى يحولها من موضعها
وإذا لبس ثوب غير ثم نزعه ووضعه في مكانه فهو على الخلاف، وهذا في لبسه على العادة، فإن كان
قميصا فوضعه على عاتقه ثم أعاده إلى مكانه لا يضمن اتفاقا لأنه حفظ لا استعمال ه‍. قوله: (خلافا

(1) قوله: (اي أخذ جميع ما فيه) قال شيخنا: الذي يظهر ان الخلاف في مثل هذا الرد لا في خصوص البعض لأنه لا
فرق بين كل وبعض ويقربه ما سيأتي في رد الدابة المغصوبة إلى اسطبل مالكها هل يكفي أو لا بد من التسليم في اليد
تأمل ا ه‍.
480

للشافعي) أي في مسألة الاكل. قال في جامع الفصولين: وأجمعوا أنه لو كان برا فطحنه وخبزه
وأطعمه مالكه أو تمرا فنبذه وسقاه إياه أو كرباسا فقطعه وخاطه وأكساه إياه لم يبرأ إذ ملكه زال لما فعل.
قوله: (وهو مثلي) سنذكر بيان المثلي في آخر سوادة الشارح الآتية. قوله: (ابن كمال) ومثله في التبيين
عن النهاية معزيا إلى البلخي. قوله: (يوم الخصومة) أي المعتبرة، وهي ما تكون عند القاضي ولذا قال:
أي وقت القضاء. قوله: (ورجحا) أي قول أبي يوسف وقول محمد، وكان الأولى أن يقول أيضا: أي
كما رجح قول الإمام ضمنا لمشي المتون عليه وصريحا. قال القهستاني: وهو الأصح كما في الخزانة
وهو الصحيح كما في التحفة، وعند أبي يوسف يوم الغصب، وهو أعدل الأقوال كما قال المصنف،
وهو المختار على ما قاله صاحب النهاية، وعند محمد يوم الانقطاع، وعليه الفتوى كما في ذخيرة
الفتاوى، وبه أفتى كثير من المشايخ. قوله: (يوم غصبه إجماعا) هذا في الهلاك كما هو فرض المسألة.
قال القهستاني: إذا إذا استهلكت فكذلك عنده، وعندهما يوم الاستهلاك اه‍. وفي جامع الفصولين
: غصب شاة فسمنت ثم ذبحها ضمن قيمتها يوم غصب لا يوم ذبحه عنده، وعندهما يوم ذبحه، ولو
تلف بلا إهلاكه ضمن قيمتها يوم غصب اه‍. قوله: (وشيرج الخ) أفاد أنه لا فرق بين ما تعسر تمييزه أو
تعذر. قوله: (كدهن نجس) فإنه قيمي، ولعله أراد المتنجس كما عبر به فيما يأتي قريبا لأنه المتقوم. قال
الشارح في باب البيع الفاسد: ونجيز الدهن المتنجس والانتفاع به في غير الاكل، بخلاف الودك اه‍.
أي لأنه جزء الميتة، نعم قدم في باب الأنجاس جواز الاستصباح بالودك في غير مسجد لكن لا يلزم
منه تقومه، نعم قدمنا قبيل الشهادات عند قوله صب دهنا لانسان وقال كانت نجسة عن الشيخ شرف
الدين أنه يضمن القيمة لا المثل. بقي ما لو كان طاهرا فنجسه، ففي حاشية الأشباه عن البزازية: نظر
إلى دهن غيره وهو مائع حي أراد الشراء فوقع من أنفه دم وتنجس: إن بإذنه لا يضمن، وإلا فإن
الدهن مأكولا ضمن مثل ذلك القدر والوزن، وإن غير مأكول يضمن النقصان. تأمل. قوله: (كقمقم
وقدر) وكذا القلب بالضم وهو السوار المفتول من طاقين، لكن قال في الخلاصة: إذا غصب قلب
فضة إن شاء المالك أخذه مسكورا وإن شاء تركه وأخذ قيمته من الذهب، وإن كان القلب من الذهب
يضمن من الدراهم. قال في العناية: إذ لو أوجبنا مثل القيمة من جنسه أدى إلى الربا أو مثل وزنه
أبطلنا حق المالك في الجودة والصنعة اه‍ ملخصا. قوله: (ورب وقطر) في القاموس: الرب بالضم
سلافة خثارة كل ثمرة بعد اعتصارها. والقطر ما قطر الواحد قطرة، وبالكسر النحاس الذائب،
وبالضم الناحية اه‍. وهو في عرق مصر والشام: السكر المذاب على النار. قوله: (يتفاوت بالصنعة) قال
في حاوي الزاهدي: أتلف دبسه فعليه قيمته، لان كل ما كان من صنيع العباد لا يمكنهم مراعاة
الممائلة لتفاوتهم في الحذاقة، ولو جعل الدابس أجره في الإجارات لا يجوز، ثم رمز أنه يجوز
481

استقراضه، وقال: فعليه هو مثلي. قوله: (والجبن قيمي) لأنه يتفاوت تفاوتا فاحشا. جامع الفصولين
وهو بالضم وبضمتين وكعتل. قاموس. قوله: (ولو نيئا) هذا هو الصحيح والمطبوخ بالاجماع. فصولين.
قوله: (والآجر) بالمد، وفيه روايتان عن الامام. هندية. قوله: (وفيما يجلب التيسير) عطف على هنا ح.
مطلب: الصابون مثلي أو قيمي
قوله: (وكذا الصابون) نقل في الإسماعيلية من السلم عن الصيرفية قولين، قال: ولم نر ترجيحا
لأحدهما، إلا أن في كلام الصيرفية ما يؤذن بترجيح صحة السلم فيه، ثم قال: فتلخص من كلامهم
أنه يتسامح في السلم ما لا يتسامح في ضمان العدوان اه‍. وأفتى في الإسماعيلية من الغصب في
وضع بأنه قيمي، وفي آخر بأنه مثلي.
وأقول: المشاهد الآن تفاوته في الصنعة والرطوبة والجفاف وجودة الزيت المطبوخ منه وغير
ذلك، ولذا قال في الفصولين: حتى لو كانا سواء بأن اتخذا: أعني الصابونين من دهن واحد يضمن
مثله اه‍. فعلى هذا ينبغي أن يقال: إن أمكنت المماثلة كأن أتلف مقدارا معلوما وعنده من طبخته
المسماة في عرفنا فسخة يضمن مثله منها، وإلا فقيمته. قوله: (والورق) أي ورق الأشجار، أما الكاغد
فمثلي كما في الهندية ط.
قلت: وكذا في الفصولين، ومقتضى ما قدمناه عن الحاوي أنه قيمي والمشاهد تفاوته. تأمل.
قوله: (والعصفر) كذا قال في الفصولين، وذكر قبله عن كتاب آخر أنه مثلي لأنه يباح وزنا وما يباع
وزنا يكون مثليا. قوله: (والصرم) بالفتح الجلد معرب، وبالكسر الضرب والجماعة. أفاده صاحب
القاموس، ولعله أراد الإهاب قبل دبغه وبالجلد ما دبغ ط. قوله: (والدهن المتنجس) مكرر بما مر على
ما قدمناه. قوله: (وكذا الحفنة) يعني ما دون نصف سماع كما عبر به القهستاني. وفي جامع
الفصولين الخبز قيمي في ظاهر الروايات والماء قيمي عندهما، وعند محمد أنه مكيل، والصحيح أن
النحاس والصفر مثليان، وثمار النخل كلها جنس واحد لا يجوز فيها التفاضل للحديث، وأما بقية
الثمار فكل نوع من الشجر جنس يخالف ثمرة النوع الآخر، والخل والعصير والدقيق والنخالة والجص
والنورة والقطن والصوف وغزله والتبن بجميع أنواعه مثلي اه‍. وفي الحاوي في كون الغزل مثليا
روايتان، ومن أراد الزيادة فعليه بالفتاوى الحامدية. قوله: (وكل مكيل) مبتدأ خيره مضمون. قوله:
(كسفينة موقورة) المقصود من التمثيل المكيل والموزون المطروحان ط. والوقر بالكسر الحمل الثقيل أو
أعم، ويقال دابة موقرة كما في القاموس. تأمل. قوله: (يضمن قيمتهما ساعته) أي
ساعة الالقاء: أي قيمته مشرفا على الهلاك، فإن له قيمة وإن قلت لاحتمال النجاة، وأفاد أن المثلي يخرج عن المثلية بمعنى
خارج، ثم هذا إذا ألقى بلا إذن واتفاق، وإلا ففيه تفصيل سنذكره إن شاء الله تعالى آخر كتاب القسمة.
482

قوله: (وفي الصيرفية الخ) مثله في التاترخانية عن القدوري قال: وكذا لو صب ماء في دهن أو زيت.
قوله: (هذا إذا لم ينقلها) أي قبل الصب، والإشارة إلى ضمان القيمة. قال في التاترخانية: لأنه لم يكن
فيه غصب متقدم. قوله: (فلو نقلها لمكان الخ) الظاهر أن المراد مجرد تحويلها عن مكانها. قوله: (بخلاف
ما لو صب الخ) لأن الغصب حصل بالاتلاف وليس سابقا عليه كما مر، وهو حين الاتلاف لم يبق
مثليا فيضمن قيمته سابقا عليه. تأمل. قوله: (وسيجئ الخ) أي في سوط الفصل الآتي. قوله:
(والحاصل الخ) قال في المنح عن الوقاية: ويجب المثل في المثلي كالمكيل والموزون والعددي والمتقارب.
قال صدر الشريعة: اعلم أنه جعل هذه الأقسام الثلاثة مثليا، مع أن كثيرا من الموزونات ليس
بمثلي بل من ذوات القيم كالقمقمة والقدر ونحوهما.
فأقول: ليس المراد بالوزني مثلا ما يوزن عند البيع، بل ما يكون مقابلته بالثمن مبنيا على الكيل
أو الوزن أو العدد ولا يختلف الصنعة، فإنه إذا قيل هذا الشئ بدرهم إنما يقال إذا لم يكن فيه
تفاوت، وحينئذ يكون مثليا، وإنما قلنا: لا يختلف بالصنعة حتى لو اختلف كالقمقمة والقدر لا يكون
مثليا، ثم ما لا يختلف بالصنعة: إما غير مصنوع، وإما مصنوع لا يختلف كالدراهم والدنانير
والفلوس، وكل ذلك مثلي. وإذا عرفت هذا عرفت حكم المذروعات، وكلما يقال يباع من هذا الثوب
ذراع بكذا فهذا إنما يقال فيما لا يكون فيه تفاوت. وقد فصل الفقهاء المثليات وذوات القيم ولا
احتياج إلى ذلك، فما يوجد له المثل في الأسواق بلا تفاوت يعتد به فهو مثلي، وما ليس كذلك فمن
ذوات القيم، وما ذكر من الكيلي وأخواته فمبني على هذا اه‍. قوله: (بلا تفاوت يعتد به) الظاهر أنه ما
لا يختلف بسببه الثمن. تأمل. قوله: (مرتبطة الخ) أي هذه العبارة وارتباطها من جهة التفريع على ما مر
من وجوب رد العين في المثلي والقيمي. قوله: (لأنه الموجب الأصلي) لأنه أعدل وأكمل في رد الصورة
والمعنى، ولذا يطالب به قبل الهلاك، ولو أتى بالقيمة أو المثل لا يعتد به، ولذا يبرأ برد العين بلا علم
المالك بأن سلمه بجهة أخرى بهبة أو إطعام أو شراء أو إيداع، وقيل هو المثل أو القيمة ورد العين
مخلص، ولذا صح إبراؤه عن الضمان مع قيام العين فلا يضمن بالهلاك، وتصح الكفالة بالمغصوب،
ولا يصح الابراء عن العين ولا الكفالة بها. وتمام تحقيقه في التبيين. وأفاد القهستاني ضعف الأول،
وأن الجمهور ذهبوا إلى الثاني وعزاه إلى رهن الهداية والكافي. قوله: (ورد المثلي) الأصوب المثل بلا ياء.
قوله: (حبس حتى يعلم) يعني القاضي لا يعجل بالقضاء، وليس لمدة التلوم مقدار بل ذلك موكول إلى
رأي القاضي، وهذا التلوم إذا لم يرض المغصوب منه بالقضاء بالقيمة له وأما إذا رضي بذلك أو تلوم
القاضي: فإن اتفقا على قيمتها على شئ أو أقام المغصوب منه البينة على ما يدعي من قيمتها قضي
483

بذلك. شرنبلالية. قوله: (وقيمة) الواو بمعنى أو. قوله: (وعكسه) فعل ماض لا مصدر بالنصب
عطفا على الهلاك، والمراد عكس قوله: عند صاحبه وأما عكس قوله: بعد الرد فهو صحيح،
ولكن لا يكون له مفهوم إلا إن كان الهلاك بهلاك البعض أو بالنقصان: أي هلاك الوصف، فتدبر.
قوله: (أولى) أي عند محمد لأنه يثبت الرد وهو عارض والبينة لمن يدعي العوارض. زيلعي. قوله:
(خلافا للثاني) فعنده بينة المالك أولى لأنها تثبت وجوب الضمان والآخر ينكر والبينة للاثبات.
زيلعي. وظاهره اعتماد قول محمد وهو خلاف ما قدمه في القضاء ط. قوله: (وسيجئ) أي أول
الفصل، وسيجئ أيضا أن القول للغاصب بيمينه إن لم يبرهن المالك، وما لو قال: لا أعرف قيمته
لكن علمت أنها أقل مما يقوله المالك، ويأتي بيان ذلك. قوله: (ولو في نفس المغصوب) بأن قال
الغاصب لثوب هذا هو الذي غصبته وقال المالك بل هو هذا. قوله: (فالقول للغاصب) لان القول
للقابض في تعيين ما قبض أمينا كان أو ضمينا. قوله: (لم يضمن) أي عندهما لما قدمناه من عدم
إمكان إزالة اليد المحقة عنه. قوله: (خلافا لمحمد) فإنه كما قدمناه عن النهاية، وإن كان الغصب
عنده بإزالة اليد المحقة، لكنه في غير المنقول يقيم الاستيلاء مقام الإزالة. قوله: (وبه يفتى في
الوقف) أي بأن هلك لا بفعل الغاصب كسكناه مثلا بل بآفة سماوية، فالمراد ضمان ذاته لا منافعه
بقرينة ما يأتي عن ظهير الدين، ولان الكلام فيه لا في المنافع. وسيأتي في الفصل متنا أن منافع
الغصب غير مضمونة، إلا أن يكون وقفا أو مال يتيم أو معدا للاستغلال، فصرح بضمان منافع
الثلاثة، وهنا صرح بضمان ذات الوقف، وهل مثله مال اليتيم والمستغل؟ لم أره صريحا فليراجع.
ثم رأيت في حاشية الأشباه قال الكمال: الفتوى على ضمان العقار في ثلاثة أشياء الخ. قوله:
(الموقوفة) نعت للعقار والدور جميعا ح.
مطلب: شرى دارا وسكنها فظهرت لوقف أو يتيم وجب الاجر وهو المعتمد
قوله: (لزمه أجر المثل) خلافا لما صححه في العمدة ومشى عليه في القنية وإن أفتى به في
الإسماعيلية فإنه ضعيف كما في وقف البحر. وفي القنية من موضع آخر: ادعى القيم منزلا وقفا في
يد رجل فجحد، فأقام البينة عليه وحكم بالوقفية لا يجب عليه أجر ما مضى، وأما إذا أقر أو كان
متعنتا في الانكار وجبت الأجرة اه‍. وفي الاختيار: باع المتولي منزل الوقف فسكنه المشتري فعلى
المشتري أجر المثل اه‍.
484

قال الحمولي: وهو مبني على تصحيح المحيط، وهو الذي ينبغي اعتماده. وقال الشيخ شرف
الدين: وهو المختار كما في التجنيس والمزيد.
قلت: وهو ما اعتمده في وقف البحر ومشى عليه الشارح هناك في موضعين وهنا. وأفتى به
في الخيرية وغيرها فليحفظ. قوله: (في الرد) أي في وجوب رده على مالكه، فلو لم يتحقق الغصب
عندهما أيضا فيما عدا الضمان لما تحقق وجوب الرد. قوله: (فكذا في استحقاق الأجرة) استشكله محشو
هذا الكتاب بأن منافع الغصب إذا استوفاها الغاصب لا تضمن إلا في الثلاثة المستثناة كما سيذكره في
الفصل.
وأقول: كأنهم ظنوا وجوب الاجر عليه بسكناه وليس كذلك، بل المراد أنه لو أجره الغاصب
فالاجر المسمى يستحقه العاقد، وإن كان لا يطيب له بل يتصدق به أو يرده على المالك كما سنذكره
قريبا، وكيف يصح حمله على ما ظنوا مع مناقضته لصدر العبارة، فإن وجوب الاجر عليه ضمان،
ووجه تحقق الغصب فيه أنه لو لم يتحقق لكان المستحق للأجرة المالك لا الغاصب، فافهم. قوله: (قيل
الخ) هذه عبارة متن الدرر، وتعبيره بقيل ربما يشعر بالضعف، وليس في كلام الفصول، ثم قوله
الأصح الخ يفيد الاختلاف فيه. وقول جامع الفصولين: يضمن بالبيع والتسليم بالاتفاق، والعقار
يضمن بالانكار عند أبي حنيفة رحمه الله، حتى لو أودع رجلا وجحد الوديعة هل يضمن؟ فيه روايتان
أيضا عنه، والأصح أنه يضمن بالبيع والتسليم بالجحود أيضا اه‍. يفيد أوله لا خلاف فيه، وآخره أن
فيه خلافا. شرنبلالية.
أقول: تعبيره بقيل مناسب، لان المتون والفتوى على قول الإمام من أن الغصب لا يتحقق في
العقار، وذكر هده المسائل كالاستثناء من قوله لم يضمن، وقول جامع الفصولين: والأصح الخ: أي
على قول الإمام وأبي يوسف، فيكون موافقا لقول محمد فلا ينافي قوله قبله بالاتفاق: أي بين أئمتنا
الثلاث، فتدبر، نعم صحح في الهداية أن مسألة البيع والتسليم على الخلاف في الغصب. قال
الإتقاني: احترازا عن قول بعضهم إنها بالاتفاق، وفي التبيين: ومسألة الوديعة على الخلاف في
الأصح، ولئن سلم: أي أنها على الاتفاق فالضمان فيها بترك الحفظ الملتزم بالجحود، والشهود إنما
يضمنون العقار بالرجوع، لأنه ضمان إتلاف لا ضمان غصب اه‍. وظاهره تسليم أن مسألة الشهود
على الوفاق. تأمل. قوله: (بالبيع والتسليم) يعني إذا باعه الغاصب وسلمه لأنه استهلاك. خانية. قوله:
(في العقار الوديعة) الذي في أغلب النسخ والوديعة بالعطف ولا محل له، لان المراد جحود العقار إذا
كان وديعة. قوله: (وبالرجوع عن الشهادة) بأن شهدا على رجل بالدار ثم رجعا بعد القضاء ضمنا. درر.
قوله: (وعد هذه الثلاثة) الضمان فيها من حيث كونه إتلافا لا من حيث كونه غصبا كما أفاده تعليلهم ط.
وزاد في الدر المنتقى: الوقف ومال اليتيم والمعد للإستعلال، قال: فهي ستة اه‍. تأمل. قوله:
(ضمن النقصان بالاجماع) لأنه إتلاف، وقد يضمن بالاتلاف ما لا يضمن بالغصب أصله الحر. إتقاني.
485

واختلفوا في تفسير النقصان، قال نصير بن يحيى: أنه ينظر بكم تستأجر هذه الأرض قبل
الاستعمال وبعده، فيضمن ما تفاوت بينهما من النقصان، وقال محمد بن سلمة: يعتبر ذلك بالشراء:
يعني أنه ينظر بكم تباع قبل الاستعمال وبكم تباع بعده، فنقصانها ما تفاوت من ذلك فيضمنه وهو
الأقيس. قال الحلواني: وهو الأقرب إلى الصواب، وبه يفتى كما في الكبرى، لان العبرة لقيمة العين
لا المنفعة، ثم يأخذ الغاصب رأس ماله وهو البذر وما غرم من النقصان وما أنفق على الزرع،
ويتصدق بالفضل عند الإمام محمد، فلو غصب أرضا فزرعها كرين فأخرجت ثمانية ولحقه من المؤنة
قدر كر ونقصها قدر كر فإنه يأخذ أربعة أكرار ويتصدق بالباقي، وقال أبو يوسف: لا يتصدق بشئ،
وبيانه في التبيين. قال في الدر المنتقى: وأفاد أنه لا يصرفه لحاجته إلا إذا كان فقيرا كالغني لو تصرف
تصدق بمثله، ولو أدى لمالكه حل له التناول لزوال الخبث، ولا يصير حلالا بتكرار العقود وتداول
الألسنة. ذكره القهستاني. قوله: (فيعطي ما زاد البذر) التفريع غير ظاهر. قال في المنح عن المجتبى:
زرع أرض غيره ونبت، فللمالك أن يأمره بقلعه، فإن أبى يقلعه بنفسه، وقبل النبات ترك الأرض
حتى تنبت، فيأمره بقلعه أو أعطاه ما زاد البذر، فتقوم مبذورة ببذر غيره له حق القلع، وتقوم غير
مبذورة فيعطى فضل ما بينهما. وعن أبي يوسف أن يعطيه مثل بذره، والأول أصح اه‍. قوله: (وتمامه
في المجتبى) حيث قال بعد ما مر: ولو زرعها أحد الشريكين بغير إذن صاحبه فدفع إليه صاحبه نصف
البذر ليكون الزرع بينهما قبل النبات لم يجز، وبعده يجوز، وإن أراد قلع الزرع من نصيبه يقاسمه
الأرض فيقلعه من نصيبه ويضمن الزارع نقصان الأرض بالقلع. قال أستاذنا: الصواب نقصان
الزرع (1) كما ذكره القدوري في شرحه اه‍. قال الشيخ خير الديم: الظاهر أن الصواب الأول كما هو
المروي لنقصها بقلع الزرع منها قبل إدراكه لضعفها عن الغلة الكاملة في عامها ذلك كما هو مشاهد،
وأما الثاني فليس له وجه. قوله: (بفعله) عبارة الهداية: بفعله أو بفعل غيره، قال الإتقاني: لأنه
مضمون عليه بمجرد الغصب، فلم يتفاوت هلاكه بفعله أو بغير فعله، ولذا وجب عليه قيمته يوم
الغصب اه‍. وقوله: أو بغير فعله أعم من قول الهداية أو بفعل غيره لشموله نحو العور والشلل
والصم فإنه يضمن به أيضا كما صرح به في مسكين. قوله: (ضمن هو لا الغاصب) كذا في جامع
الفصولين وهو مناسب لتقييده أو لا بفعله، لكن علمت ما فيه. وقال السائحاني: الذي في المقدسي
إن كان النقص بفعل الغير خير المالك بين تضمين الغاصب، ويرجع على الجاني أو يضمن الجاني، ولا
يرجع على أحد اه‍. ونقله ط عن الهندية: وفي الجوهرة: فإن كان بفعل غيره رجع عليه بما ضمن،
لأنه قرر عليه ضمانا كان يمكنه أن يتخلص منه برد العين اه‍.

(1) قوله: (الصواب نقصان الزرع) اي النقصان الحاصل في الأرض بسبب الزرع وليس معناه النقصان الحاصل في الزرع
بسبب قلعه كما فهم الرملي فصوب وكيف يحمل كلام هذا الأستاذ على هذا مع أن فرض المسألة ان فاعل ضمن
الزراع ولا يخفى ان الزرع ملك له فيكون ضامنا لنفسه ولا يتصور صدور هذا عن عقل فضلا عن نفي الوجه خصوصا
وقد نقله عن شرح القدوري ويحملنا كلام الأستاذ على ذلك الوجه بتحد مع عبارة الرملي بل هي أفرد مما قاله الخبر
فتأمل ا ه‍.
486

أقول: ويمكن الجواب بأنه لما كان مدار الضمان على الجاني قال ضمن هو لا الغاصب فلا ينافي
ما مر، فتدبر.
تنبيه: النقصان أنواع أربعة: بتراجع السعر، وبفوات أجزاء العين، وبفوات وصف مرغوب فيه
كالسمع والبصر واليد والاذن في العبد والصياغة في الذهب واليبس في الحنطة، وبفوات معنى
مرغوب فيه.
فالأول: لا يوجب الضمان في جميع الأحوال إذا رد العين في مكان الغصب.
والثاني: يوجب الضمان في جميع الأحوال.
والثالث: يوجب الضمان في غير مال الربا نحو أن يغصب حنطة فعفنت عنده أو إناء فضة
فهشم في يده فصاحبه بالخيار: إن شاء أخذ ذلك نفسه ولا شئ له غيره، وإن شاء تركه وضمنه مثله
تفاديا عن الربا.
والرابع: هو فوات المعنى المرغوب فيه في العين كالعبد المحترف إذا نسي الحرفة في يد
الغاصب، أو كان شابا فشاخ في يده يوجب الضمان أيضا، هذا إذا كان النقصان قليلا، أما إذا كان
كثيرا فيخير المالك بين أخذه وتركه مع أخذ جميع قيمته، وستعرف الحد الفاصل بينهما من مسألة الخرق
اليسير والفاحش. مسكين. قوله: (في هذه الإجارة) الذي في المنح: في مدة الإجارة، وهي أحسن.
قوله: (من نسخ الشرح) أي من المتن الممزوج فيه. قوله: (لدخوله إلخ) إنما يظهر دخوله على ما في
نسخ المنح من قوله: وإن استغله ضمن ما نقص وتصدق بالغلة، والشارح ذكر ضمان النقصان شرحا
لا متنا على ما وجدناه من النسخ. قوله: (ضمن النقصان) أي من حيث فوات الجزء لا من حيث السعر،
ومراده غير الربوي، إذ فيه لا يمكن ذلك مع استرداد الأصل لأنه يؤدي إلى الرباء. جوهرة. قوله:
(وتصدق إلخ) أصله أن الغلة للغاصب عندنا، لان المنافع لا تتقوم إلا بالعقد، والعاقد هو الغاصب
فهو الذي جعل منافع العبد مالا بعقدة، فكان هو أولى ببدلها، ويؤمر أن يتصدق بها لاستفادتها ببدل
خبيث وهو التصرف في مال الغير. درر. قوله: (بما بقي) أخرج به عبارة المتن كالكنز عن ظاهرها لما
قال الزيلعي: كان ينبغي أن يتصدق بما زاد على ما ضمن عندهما لا بالغلة كلها ه‍. وهو وإن كان
ذكره بحثا لكن جزم به في متن الملتقى، فالظاهر أنه منقول والملتقى من المتون المعتبرة. هذا، وقال
الزيلعي: ولو هلك في يده بعد ما استغله له أن يستعين بالغلة في أداء الضمان، لان الخبث كان لأجل
المالك فلا يظهر في حقه، بخلاف ما لو باعه الغاصب فهلك وضمن المالك المشتري قيمته فرجع على
الغاصب بالثمن لا يستعين بها في أداء الثمن، لان المشتري ليس بمالك إلا إذا كان الغاصب فقيرا اه‍.
ملخصا. فتلخص أنه لا فرق بين النقصان والهلاك في أنه يستعين ويتصدق بما بقي. قوله: (لكن نقل
المصنف الخ) استدراك على إطلاق قوله وتصدق بما بقي أي فإنه مقيد بالفقير لما في البزازية:
الغاصب إذا أجر المغصوب فالاجر له، فإن تلف المغصوب من هذا العمل أو تلف لا منه وضمنه
الغاصب له الاستعانة بالاجر في أداء الضمان وتصدق بالباقي إذا كان فقيرا، فإذا كان غنيا له أن
487

يستعين بالغلة في أداء الضمان في الصحيح اه‍. وهذه مساوية لعبارة الزيلعي، وكلامنا في النقصان
وهذه في الهلاك، والظاهر عدم الفرق فيصح الاستدراك، فافهم. قوله: (والوديعة) أي بغير إذن المالك.
قوله: (إذا كان متعينا بالإشارة) وذلك كالعروض فلا يحل له الربح: أي ولو بعد ضمان القيمة. قال
الزيلعي: فإن كان مما يتعين لا يحل له التناول منه قبل ضمان القيمة وبعده يحل، إلا فيما زاد على قدر
القيمة وهو الربح فإنه لا يطيب له ويتصدق به. وفي القهستاني: وله أن يؤديه إلى المالك، ويحل له
التناول لزوال الخبث. قوله: (أو بالشراء) لا محل للعطف هنا ولذا قال ط: الأخصر والأوضح أن يقول:
أو غير متعين ونقده. قوله: (يعني يتصدق بربح) تفسير للتشبيه فيقوله: كما لو تصرف وبيان لما
بعده بعبارة أوضح. قوله: (فعلى أربعة أوجه) زاد في التاترخانية عن المحيط خامسا، وهو ما إذا دفعها
إلى البائع ثم اشترى وحكمه كالأول. قوله: (فكذلك يتصدق) لان الإشارة إليه لا تفيد التعيين،
فيستوي وجودها وعدمها إلا إذا تأكد بالنقد منها. زيلعي. قوله: (أو أطلق) بأن قال اشتريت بألف
درهم ونقد من دراهم الغصب أو الوديعة عزمية، وفي التاترخانية عن الذخيرة أنه إذا أطلق ولم يشر،
فإن نوى النقد منها فلا يخلو إن حقق نيته فنقد منها، فالأصح أنه لا يطيب، وإن لم يحقق نيته يطيب،
لان مجرد العزم لا أثر له، وإن لم ينو ثم نقد منها طاب. قال الحلواني: إنما يطيب إذا نوى أن لا ينقد
منها ثم بدا له فنقد، أما إذا نوى النقد منها مع علمه أنه ينقد لا يطيب اه‍. ملخصا.
وفي البزازية: وقول الكرخي عليه الفتوى، ولا تعتبر النية في الفتوى، ثم حمل ما مر على حكم
الديانة. قوله: (قيل وبه يفتى) قاله في الذخيرة وغيرها كما في القهستاني، ومشى عليه في الغرر
ومختصر الوقاية والاصلاح، ونقله في اليعقوبية عن المحيط، ومع هذا لم يرتضه الشارح فأتى بقيل لما
في الهداية. قال مشايخنا: لا يطيب قبل أن يضمن وكذا بعد الضمان بكل حال، وهو المختار لاطلاق
الجواب في الجامعين والمضاربة: أي كتاب المضاربة من المبسوط. وإني على الدرر.
قال الزيلعي: ووجهه أن بالنقد منه استفاد سلامة المشري، وبالإشارة استفاد جواز العقد،
لتعلق العقد به في حق القدر والوصف، فيثبت فيه شبهة الحرمة لملكه بسبب خبيث. قوله: (مطلقا) أي
في الأوجه الأربعة. قوله: (واختار بعضهم إلخ) هذا من كلام الزيلعي المعزو آخر العبارة وأتى به، وإن
علم مما مر لاشعار هذا التعبير بعدم اعتماده نفيه تأييد لتعبيره بقيل مخالفا لما جزم به المصنف، ولكن لا
يخفى أنهما قولان مصححان. قوله: (كما لو اختلف الجنس) قال الزيلعي: وهذا الاختلاف بينهم فيما
إذا صار بالتقلب من جنس ما ضمن بأن ضمن دراهم مثلا وصار في يده من بدل المضمون دراهم،
ولو طعام أو عروض لا يجب عليه التصدق بالاجماع، لان الربح إنما يتبين عند اتحاد الجنس، وما لم
488

يصر بالتقلب من جنس ما ضمن لا يظهر الربح اه‍. ثم هل الدراهم والدنانير هنا جنس واحد نظرا
للثمنية أو جنسان؟ يراجع. رحمتي.
أقول: رأيت في الطوري عن المحيط: ولو
اشترى بالدراهم المغصوبة طعاما حل التناول، ولو اشترى بها دنانير لم يجز له أن يتصرف فيها، فوجب عليه ردها لان البيع في الطعام لا ينتقض
باستحقاق الدراهم لأنه يجب عليه رد مثلها لا عينها اه‍. فأفاد أنهما جنس واحد حيث أوجب ردها مع
أن المغصوب دراهم، وهذه مما يزاد على قول العمادية: الدنانير تجري مجرى الدراهم في سبعة كما مر
في باب البيع الفاسد. وفي الطوري أيضا: ولو اشترى بالثوب المغصوب جارية يحرم عليه وطؤها حتى
يدفع قيمة الثوب إلى صاحبه، ولو اشتراها بالدراهم يحل وطؤها لفساده باستحقاق الثوب لتعلق البيع
بعينه دون الدراهم، ولو زوج بالثوب امرأة له وطؤها، لان النكاح لا ينتقض باستحقاق المهر اه‍.
وفي الملتقى وشرحه: ولو اشترى بألف الغصب أو الوديعة جارية تعدل ألفين، فوهبها أو طعاما
فأكله، أو تزوج بأحدهما امرأة أو سرية أو ثوبا حل الانتفاع، ولا يتصدق بشئ اتفاقا لان الحرمة عند
اتحاد الجنس اه‍. ونحوه في القهستاني. ونقل ط عن الحموي عن صدر الاسلام: أن الصحيح لا يحل
له الاكل ولا الوطئ لان في السبب نوع خبث اه‍. فيتأمل. قوله: (وغير المغصوب) أي بالتصرف فيه
احترازا عن صبي غصبه، فصار ملتحيا عنده فإنه يأخذه بلا ضمان. قهستاني.
ومثله في التاترخانية، وفيها: ولو غصب جارية ناهدة الثديين فانكسر ثديها عنده أو عبدا معترفا
فنسي ذلك عنده ضمن النقصان اه‍. ومثله ما سيذكره آخرا عن الوهبانية. تأمل. وفي الدرر: صار
العنب زبيبا بنفسه أو الرطب تمرا أخذه المالك أو تركه وضمنه. قوله: (فزال اسمه) احتراز عن كما غد
فكتب عليه أو قطن فغزله، أو لبن فصيره مخيضا أو عصير فخلله، فإنه لا ينقطع به حق المالك، وقيل
ينقطع. قهستاني عن المحيط. وعما إذا غصب شاة فذبحها فإن ملك مالكها لم يزل بالذبح المجرد حيث
يقال شاة مذبوحة. درر. قوله: (فسبكها) عطف على محذوف: أي غصبها فسبكها. قوله: (بضرب)
كذا قيد به في السراح، فلو صاغ الدراهم بعد سبكها دراهم لا ينقطع بالأولى وسواء كانت مثل
الدراهم الأولى أم لا، وحرره اه‍ ط. قوله: (مغنيا عن أعظم منافعه) من جعلها ثمنا والتزين بها ط
قوله: (مغنيا عن أعظم منافعه) أي عن هذا اللفظ. قوله: (وغيره) هو صاحب العناية، فإن هذا القيد
جعله في الكفاية احترازا عن حنطة غصبها وطحنها، قال: فإن المقاصد المتعلقة بعين الحنطة كجعلها
هريسة ونحوها تزول بالطحن، قال في العناية: وتبعه في الدرر، وظاهر أنه تأكيد لان قوله زوال
اسمه يتناوله، فإنها إذا طحنت صارت دقيقا لا حنطة اه‍. وما ذكره الشارح من بيان المحترز والإيراد
مأخوذ من القهستاني. قوله: (بملك الغاصب) وكذا بمغصوب آخر لما في التاترخانية عن الينابيع:
غصب من كل واحد منهما ألفا فخلطهما لم يسع أن يشتري بهما شيئا مأكولا فيأكله، ولا يحل له أكل
ما اشترى حتى يؤدي عوضه اه‍.
489

وفيها عن المنتقى: معه سويق ومع آخر سمن فاصطدما فانصب السمن في سويقه يضمن مثل
السمن، لأنه استهلكه دون الآخر، لان هذا زيادة في السويق. وفيها عن الخانية: اختلطت نورته
بدقيق آخر بلا صنع أحد يباع المختلط، ويضرب كل واحد منهما بقيمته، إذ ليس أحدهما أولى بإيجاب
النقصان عليه. قوله: (كبره بشعيرة) أي بر الغاصب بعشير الغصب أو بالعكس. قوله: (ضمنه وملكه)
أي الضمان فللتعدي وأما الملك في التغير وزوال الاسم فلانه أحدث صنعة متقومة، وفي الاختلاط
لئلا يجتمع البدلان في ملك المغصوب منه.
تتمة: كل موضع ينقطع حق المالك فيه، فالمغصوب منه أحق بذلك الشئ من سائر الغرماء
حتى يستوفي حقه، فإن ضاع ذلك ضاع من مال الغاصب اه‍. أبو السعود عن الحموي عن
التاترخانية. وزاد في البزازية: وليس بمنزلة الرهن قوله: (بلا حل انتفاع إلخ) وفي المنتقى: كل ما
غاب صاحبه ويخاف عليها لفساد فلا بأس بأن ينتفع به بعد ما يشهد على نفسه بضمانه، ولا يخرجه
ذلك من إثم الغصب. وفي جامع الجوامع: اشترى الزوج طعاما أو كسوة من مال خبيث جاز للمرأة
أكله ولبسها والاثم على الزوج. تاترخانية. قوله: (أي رضا مالكه إلخ) أشار إلى أن المراد بالأداء رضا
الملاك وهو أعم. قوله: (أو تضمين قاض) فإن الرضا من المالك موجود فيه أيضا لأنه لا يقضي إلا
بطلبه كما أشير إليه في الهداية. عزمية. هذا، وما أفاده كلامه من أن الملك في المغصوب ثابت قيل
أداء الضمان، وإنما المتوقف على أداء الضمان الحل هو ما في عامة المتون، فما في النوازل من أنه بعد
الملك لا يحل له الانتفاع لاستفادته بوجه خبيث كالملوك بالبيع الفاسد عند القبض إلا إذا جعله صاحبه
في حل اه‍. مخالف لعامة المتون. نبه عليه في المنح. وفي القهستاني: وقال بعض المتأخرين: إن سبب
الملك الغصب عند أداء الضمان كما في المبسوط. فلو أبى المالك أخذ القيمة وأراد أخذ المغير لم يكن له
ذلك كما في النهاية. قوله: (وهو رواية) جعلها في الخلاصة وغيرها قول الإمام: والاستحسان
قولهما. وفي البزازية: وكان الامام نجم الدين النسفي ينكر أن يكون هذا قول الإمام ويقول: أجمع
المحققون من أصحابنا أنه لا يملكه إلا بأحد الأمور الثلاثة، وقالوا جميعا: الفتوى على قولهما اه‍.
قلت: ما قاله المحققون مخالف لعامة المتون كما مر، فتدبر. ثم رأيت بعضهم نقل أن العلامة
قاسم (1) تعقبه. قوله: (كذبح شاة) تمثيل لقوله: فإن غصب وغير، أو تنظير لقوله: ضمنه وملكه
أي كما يضمنه في ذبح شاة إلخ. قوله: (بالتنوين بدل الإضافة) فيه أنهم قسموا تنوين العوض إلى ما
يكون عوضا عن جملة أو عن حرف أو عن كلمة كقوله تعالى: * (فضلنا بعضهم على بعض) * (الاسراء:
12) * (وكل في فلك) * (يس: 40) * (أيا ما تدعوا) * (الاسراء: 110) والإضافة أمر معنوي، فالأنسب
إبدالها بالمضاف إليه، على أن بعض المحققين أنكر القسم الثالث، وقال إنه من تنوين التمكين يزول مع

(1) قوله: (ان العلامة قاسم) هكذا بخطه ولعله على لغة ربيعة والا فظاهر رسمه قاسما بألف كما لا يخفى ا ه‍ مصححه.
490

الإضافة ويثبت مع عدمها. قوله: (وطبخها أو شيها) إنما ذكره لان بمجرد الذبح لا يتغير الاسم، بل
ولو مع التأريب: أي التقطيع، لأنه لا يفوت ما هو المقصود بالذبح بل يحققه. سائحاني. قوله: (والبناء
على ساجة) في الهداية: قال الكرخي والفقيه أبو جعفر: إنما لا ينقض إذا بنى في حوالي الساجة لأنه
غير معتد في البناء، أما إذا بنى على نفس الساجة ينقض، لأنه متعد، وجواب الكتاب يرد ذلك وهو
الأصح. قوله: (بالجيم) أما الساحة بالحاء فتأتي. قوله: (خشبة عظيمة الخ) أي صلبة قوية تستعمل في
أبواب الدور وبنائها وأساسها. إتقاني. قوله: (وقيمته أي البناء أكثر منها) جملة حالية: قال في المنح:
وأما إذا كان قيمة الساجة أكثر من قيمة البناء، فلم ينقطع حق المالك عنها كما في النهاية عن الذخيرة،
وبه قيد الزيلعي كلام الكنز اه‍. وفيها عن المجتبى: فله أخذها، وكذا في الساحة: أي بالحاء. قوله:
(وكذا لو غصب أرضا إلخ) هذه مسألة الساحة بالحاء وستأتي متنا: أي فلو قيمة البناء أكثر يضمن
الغاصب قيمة الأرض ولا يؤمر بالقلع، وهذا قول الكرخي. قال في النهاية: وهو أوفق لمسائل
الباب: أي مسألة الدجاجة الآتية ونحوها، لكن في العمادية: ونحن نفتي بجواب الكتاب اتباعا
لمشايخنا فإنهم كانوا لا يتركونه أي من أنه يؤمر بالقلع والرد إلى المالك مطلقا.
وفي الحامدية عن الأنقروي: أنه لا يفتى بقول الكرخي، صرح به المولى أبو السعود المفتي.
قال: وبالأمر بالقلع أفتى شيخ الاسلام علي أفندي مفتي الروم أخذا من فتاوى أبي السعود والقهستاني،
ونعم هذا الجواب، فإن فيه سد باب الظلم، ويمكن أن يفرق بين هذه وبين مسألة اللؤلؤة ونحوها بأنه
في تلك أمر اضطراري صدر بدون قصد معتبر، وأما الغصب فهو فعل اختياري مقصود اه‍ ملخصا.
وقد ظهر لك أن الشارح جرى هنا على قول الكرخي، وكذا فيما سيأتي حيث قيد قول المتن
يؤمر بالقلع بما إذا كانت قيمة الأرض أكثر، فما اقتضاه التشبيه في قوله وكذا لو غصب أرضا من
أنه لا يؤمر بالقلع صحيح، لان الكلام فيما إذا كانت قيمة البناء أكثر، ولم يتعرض لكلام غير الكرخي
وإن كان المفتى به كما علمت، فافهم. قوله: (يضمن صاحب الأكثر قيمة الأقل) فإن كانت قيمتهما
على السواء يباع عليهما، ويقتسمان الثمن. تاترخانية. قوله: (فمات) فلو بقي حيا يضمن قيمتها، ولا
ينتظر إلى أن تخرج منه. تاترخانية. قوله: (وفي تنوير البصائر أنه الأصح) وفي البزازية: وعن محمد: لا
يشق بطنه لو درة، وعليه الفتوى، لان الدرة تفسد فيه فلا يفيق الشق والدنانير لا تفسد. وفي البيري
عن تلخيص الكبرى: لو بلع عشرة دراهم ومات يشق، وأفاد البيري عدم الخلاف في الدارهم
491

والدنانير لعدم فسادها، وقد علم اختلاف التصحيح في الدرة ولفظ الفتوى أقوى: تأمل. قوله: (يباع
البناء عليهما) هكذا العبارة في البزازية والشرنبلالية، وظاهر أن المراد يباع مع الساجة بقرينة ما بعده.
قوله: (إن قضى عليه بالقيمة لا يحل) وإذا نقص لم يستطع رد الساجة. شرنبلالية عن الذخيرة. قوله:
(لتضييع المال) عبارة القهستاني: قيل يحل، وقيل لا يحل لتضييع المال. قوله: (وهو لمالكه مجانا) فلا
يضمن للغاصب شيئا لأجل الصياغة، لأنه لم يوجد إلا مجرد العمل، إلا إذا جعله من أوصاف ملكه،
بحيث يكون في نزعه ضرر كما لو جعله عروة مزادة أو صفائح في سقف ونحو ذلك، فقد انقطع
لصاحبه اليد عنه وقت غصبه. تاترخانية. قوله: (أو أخذها وضمنه نقصانها) لأنه إتلاف من وجه لفوات
بعض المنافع كالحمل والدر والنسل، وبقاء بعضها وهو اللحم. درر. قوله: (وكذا الحكم لو قطع يدها)
لأنه إتلاف من وجه أيضا، وهذا في مثل البقر ونحوه ظاهر، وكذا في الشاة لأنها تضعف عن الذهاب
إلى المرعى فيقل درها ويضعف نسلها. تأمل. قوله: (أو قطع طرف دابة غير مأكولة) لوجود الاستهلاك
من كل وجه. هداية. وقيد باليد والطرف، لان في عين الحمار أو البغل أو الفرس ربع القيمة، وكذا
في عين البقرة والجزور، وفي عين الشاة ما نقصها، وسيجئ ذلك في كتاب الديات إن شاء الله
تعالى. إتقاني. قوله: (غير سديد هنا) لان قوله: أو أخذها وضمنه نقصانها خاص بالمأكولة، وعلى
أسقاط لفظة غير يكون من التعميم بعد التخصيص. قوله: (قلت الخ) جواب عن الملتقى.
وحاصله: أن مراده بإلحاق غير المأكولة بالمأكولة في الحكم من حيث وجود التخيير فيهما بين
طرحها على الغاصب، وبين إمساكها، وإن كان بينهما فرق من حيث أنه إذا أمسك المأكولة له أن
يضمن الغاصب النقصان، بخلاف غير المأكولة لما علمت من وجود الاستهلاك من كل وجه، وقد نبه
الشارح على هذا الفرق بقوله: لكن إذا اختار الخ فافهم.
أقول: وقد يجاب بأن المراد الرجوع بالنقصان أيضا كالمأكولة كما هو قضية التشبيه، ولكن يقيد
بما إذا كان لما بقي قيمة لعدم وجود الاستهلاك من كل وجه، والقرينة على هذا التقييد لفظ النقصان،
فإنه إذا لم يكن لما بقي قيمة لم يقل له نقصان بلا هلاك، ودليل ذلك على ما في النهاية وغيرها. عن المنتقى
بالنون قطع يد حمار أو رجله وكان لما بقي قيمة فللمالك أن يمسكه ويأخذ النقصان، وكذا لو ذبحه
وكان لجلده ثمن لا إن قتله، لان الذبح بمنزلة الدباغ اه‍ ملخصا. هذا، وفي النهاية عن المبسوط ما
يفيد أن المراد هنا بغير المأكولة ما يشمل الفرس. (بخلاف طرف العبد) مرتبط بقوله: لكن إذا
492

اختار ربها أخذها لا يضمنه شيئا. قوله: (فإن فيه الأرش) أي له أخذه مع الأرش لأنه ينتفع به أقطع،
ولا كذلك الدابة الغير المأكولة. منح. قوله: (خرق ثوبا إلخ) معطوف على ما قبله: أي للمالك أيضا
أن يطرحه عليه ويضمنه القيمة، أو يمسكه النقصان. قوله: (وهو ما فوت إلخ) اقتصر عليه
لأنه هو الصحيح في الفرق بين الفاحش واليسير من أقوال أربعة مذكورة في الشرنبلالية وغيرها. قوله:
(لا كله) أي كل النفع. قوله: (ضمن كلها) أي كل العين. قوله: (نقصه) أي نقص العين، وذكر الضمير
باعتبار الثوب، ويصح إرجاعه للنفع، وقوله بعده ولم يفوت شيئا من النفع أي لم يفوته بتمامه. قال
في الهداية: واليسير ما لا يفوت به شئ من المنفعة، وإنما يدخل فيه النقصان، لان محمدا جعل في
أصل قطع الثوب نقصانا فاحشا والفائت به بعض المنافع اه‍.
والحاصل كما في النهاية وغيرها: أنه ما تفوت به الجودة بسبب نقصان في المالية. قوله: (ما لم
يجدد فيه صنعة) بأن خاطه قميصا فإن ينقطع به حق المالك عنه عندنا. زيلعي. قوله: (أو يكون ربويا)
فيخير المالك بين أن يمسك العين ولا يرجع على الغاصب بشئ، وبين أن يسلمها ويضمنه مثلها أو
قيمتها، لان تضمين النقصان متعذر لأنه يؤدي إلى الربا. زيلعي. وقوله: أو قيمتها أي في نحو
مصوغ. تأمل. قوله: (ومنه يعلم) أي من قوله أو يكون ربويا. قوله: (حياصة) الأصل حواصة وهي
سير يشد به حزام السراج. قاموس. قوله: (بين تضمينها مموهة) أي تضمين القيمة من غير الجنس على
الظاهر ط. قوله: (لأنه تابع) عبارة شيخه الرملي: لان الذهب بالتمويه صار مستهلكا تبعا للفضة فتعتبر
جميعها فضة غير أنها انتقصت بذهابه. قوله: (شراء) بالمد والتنوين: أي بأن اشترتها بفضة مساوية لها
وزنا وزال التمويه عندها: يعني ووجدت بها عيبا قديما. قوله: (فلا رد) أي بالعيب القديم لتعيبها
بزوال التمويه عندها وهو مانع من الرد. قوله: (ولا رجوع بالنقصان) أي نقصان العيب القديم. قوله:
(للزوم الربا) لأنه يبقى أحد البدلين زائدا على الآخر بلا عوض يقابله، وهذه مما يزاد على المسائل التي
تمنع الرجوع بالنقصان المذكورة في باب خيار العيب ولهذا قال: فاغتنمه الخ. قوله: (قاله شيخنا) يعني
الخير الرملي في حواشي المنح. قوله: (ومن بنى) أي بغير تراب تلك الأرض، وإلا فالبناء لرب
الأرض، لأنه لو أمر بنقضه يصير ترابا كما كان. در منتقى. قوله: (بغير إذنه) فلو بإذنه فالبناء لرب
الدار، ويرجع عليه بما أنفق جامع الفصولين من أحكام العمارة في ملك الغير، وسيذكر الشارح في
شتى الوصايا مسألة من بنى في دار زوجته مفصلة. قوله: (لو قيمة الساحة أكثر) بالحاء المهلة، ولو
493

قيمتها أقل فللغاصب أن يضمن له قيمتها ويأخذ. درر عن النهاية. وهذا على قول الكرخي وقدمنا
الكلام عليه آنفا. قوله: (أي مستحق القلع الخ) وهو أقل من قيمته مقلوعا مقدار أجرة القلع، فإن
كانت قيمته الأرض مائة وقيمة الشجر المقلوع عشرة وأجرة القلع درهم بقيت تسعة دراهم، فالأرض
مع هذا الشجر تقوم بمائة وتسعة دراهم فيضمن المالك التسعة. منح. قوله: (إن نقصت الأرض به) أي
نقصانا فاحشا بحيث يفسدها، أما لو نقصها قليلا فيأخذ أرضه ويقلع الأشجار ويضمن النقصان.
سائحاني عن المقدسي.
مطلب: زرع في أرض الغير يعتبر عرف القرية
قوله: (ولو زرعها يعتبر العرف إلخ) قال في الذخيرة قالوا إن كانت الأرض معدة للزراعة،
بأن كانت الأرض في قرية اعتاد أهلها زراعة أرض الغير وكان صاحبها ممن لا يزرع بنفسه ويدفع
أرضه مزارعة، فذلك عن المزارعة، ولصاحب الأرض أن يطالب المزارع بحصة الدهقان على ما هو
متعارف أهل القرية النصف أو الربع أو ما أشبه ذلك. وهكذا ذكر في فتاوى النسفي وهو نظير الدار
المعدة للإجارة إذا سكنها إنسان، فإنه يحمل على الإجارة، وكذا ها هنا، وعلى هذا أدركت مشايخ
زماني، والذي تقرر عندي وعرضته على من أثق به أن الأرض وإن كانت معدة للزراعة تكون هذه
مزارعة فاسدة، إذ ليس فيها بيان المدة، فيجب أن يكون الخارج كله للمزارعة، وعلى المزارع أجر مثل
الأرض اه‍.
أقول: لكن سيذكر الشارح في كتاب المزارعة: أن المفتى به صحتها بلا بيان المدة، وتقع على
أول زرع واحد، فالظاهر أن ما عليه المشايخ مبني على هذا، في مزارعة البزازية بعد نقله ما مر عن
الذخيرة: قال القاضي: وعندي أنها إن معدة لها وحصة العامل معلومة عند أهل تلك الناحية جاز
استحسانا، وإن فقد أحدهما لا يجوز وينظر إلى العادة إذا لم يقر بأنه زرعها لنفسه قبل الزراعة أو
بعدها، أو كان ممن لا يأخذها مزارعة ويأنف من ذلك حينئذ تكون غصبا. والخارج له وعليه نقصان
الأرض، وكذا لو زرعها بتأويل بأن استأجر أرضا لغير المؤجر بلا إذن ربها، ولم يجزها ربها وزرعها
المستأجر لا تكون مزارعة، لأنه زرعها بتأويل الإجارة اه‍. قوله: (وإلا فالخارج للزارع إلخ) أي إن لم
يكن عرف في دفعها مزارعة ولا في قسم حصة معلومة يكون الزارع غاصبا فيكون الخارج له.
وقوله: وعليه أجر مثل الأرض مشكل، ولا تفيده النقول المارة، لأنها حينئذ ليست مما أعد
للاستغلال، حتى يجب عليه الاجر، بل الواجب عليه نقصانها. اللهم إلا أن يحمل على أنها مال يتيم،
وهو بعيد جدا، أو أعدها صاحبها للإجارة، فتكون مما أعد للاستغلال وأما الوقف فيأتي قريبا، وليس
في جامع الفصولين ما يفيد ما ذكره أصلا، فإن الذي فيه من الفصل الحادي والثلاثين نحو ما قدمناه
عن الذخيرة و البزازية. قوله: (وأما في الوقف إلخ) عبارة الفصولين: إلا في الوقف: فيجب فيه الحصة
أو الاجر بأي جهة زرعها أو سكنها أعدت للزراعة أو لا، وعلى هذا استقر فتوى عامة المتأخرين اه‍.
ورأيت في هامشه عن مفتي دمشق العلامة عبد الرحمن أفندي العمادي أن قوله تجب الحصة
494

أي في زرع الأرض، وقوله: أو الاجر أي في سكنى الدار، فقوله زرعها أي الأرض، أو سكنها:
أي الدار ففيه لف ونشر مرتب اه‍. ودخل في قوله بأي جهة زرعها ما لو زرعها على وجه الغصب
صريحا أو دلالة أو على وجه المزارعة أو تأويل عقد، فإن ذلك مذكور في عبارة الفصولين قبل قوله:
إلا في الوقف. وذكر في الإسعاف أنه لو زرع أرض الوقف يلزم أجر مثلها عند المتأخرين اه‍.
أقول: والظاهر حمله على ما إذا لم يكن عرف أو كان الاجر أنفع للوقف. تأمل. ويمكن تفسير
قول الفصولين فتجب الحصة: أي إن كان عرف، وقله أو الاجر أي إن لم يكن عرف، أو كان
الاجر أنفع. تأمل.
مطلب مهم
والحاصل: أنها إن كانت الأرض ملكا: فإن أعدها ربها للزراعة اعتبر العرف في الحصة، وإلا
فإن أعدها للايجاب فالخارج للزارع وعليه أجر المثل، وإلا فعليه النقصان إن انتقصت، وإن كانت وقفا
فإن ثمة عرف وكان أنفع اعتبر، وإلا فأجر المثل لقولهم يفتى بما هو أنفع للوقف، فاغتنم هذا التحرير
المفرد المأخوذ من كلامهم المبدد.
بقي هنا شئ يخفى على كثيرين وهو: ما لو كانت الأرض سلطانية أو وقفا بيد زارعها الذين
لهم مشد مسكتها كغالب الأراضي الدمشقية إذا زرعها غير من له المشد بغير إذنه ودفع ما عليها من
الحصة للمتكلم عليها، هل لصاحب المشد أن يطالبه بحصة من الخارج، أو بأجرة زرعها دراهم أم لا؟
أجاب في الخيرية بقوله: لا، وإن قلنا: لا ترفع يده عنها ما دام مزارعا يعطي ما هو المعتاد فيها على
وجهه المطلوب اه‍. فعلم بهذا أن الحصة لا يستحقها صاحب المشد، بل صاحب الاقطاع أو المتولي،
فتنبه.
وفي الحامدية: سئل في أرض وقف سليخة جارية في مشد مسكة رجل زرعها زيد بلا إذن من
المتولي ولا من ذي المشد ولم تكن في إجازته. أجاب: للناظر مطالبة زيد بأجرة مثلها، والله أعلم.
فليحفظ ذلك فإنه مهم. قوله: (بكل حال) علمت معناه مما قدمناه. قوله: (فصبغه) فلو الصبغ بلا فعل
أحد كإلقاء الريح فلا خيار لرب الثوب، بل يدفع قيمة الصبغ لصاحبه، لأنه لا جناية من صاحب
الصبغ حتى يضمن الثوب. زيلعي. قوله: (لا عبرة للألوان إلخ) بيان لنكتة عدم تعرض المصنف للون
الصبغ، وإن ما روي عن الامام إن السواد نقصان وعندهما زيادة كالحمرة والصفرة راجع إلى اختلاف
عصر وكان، فمن الثياب ما يزداد بالسواد ومنها ما ينتقص كما في التبيين وغيره. قوله: (بل لحقيقة
الزيادة والنقصان) فلو كان ثوبا ينقصه الصبغ بأن كانت قيمته ثلاثين درهما مثلا فتراجعت الصبغ إلى
عشرين، فعن محمد ينظر إلى ثوب يزيد فيه ذلك الصبغ، فإن كانت الزيادة خمسة يأخذ رب الثوب ثوبه
وخمسه دارهم، لان صاحب الثوب وجب له على الغاصب ضمان نقصان قيمة ثوبه عشرة دراهم،
ووجب عليه للغاصب قمة صبغه الخمسة بالخمسة قصاص، ويرجع عليه بما بقي من النقصان وهو خمسة. رواه هشام عن محمد.
495

واستشكله الزيلعي (1) بما حاصله: أن المالك لم يصل إليه كل حقه ولم ينتفع بالصبغ بل ضره،
فكيف يغرم والاتلاف موجب لكل القيمة صار مسقطا؟ وأجاب الطوري بما لا يشفى فراجعه. قوله:
(فالمالك مخير) لأنه صاحب أصل والآخر صاحب وصف، يقال: ثوب مصبوغ وسويق ملتوت فخير
لتعذر التمييز. قوله: (وسماه) أي القيمة بمعنى البدل ح. وهو جواب عن المتن حيث يفهم منه خلاف
ما في المبسوط. وقوله: وقدمنا قولين: أي أوائل الغصب جواب آخر، فما في المتن مبني على القول
الآخر وهو ظاهر المتون، وفي الدر المنتقى أنه مثلي، وقيل قيمي لتغيره بالقلي لكن تفاوته قليل، فلم
يخرج عن كونه مثليا كما في شرح المجمع اه‍. وصحح الإتقاني أنه قيمي. قوله: (وغرم ما زاد الصبغ)
برفع الصبغ فاعل زاد: أي غرم من النقود بقدر الزيادة الحاصلة في الثوب بسبب الصبغ. قوله: (وغرم
السمن) أشار إلى أن السمن منصوب عطفا على ما، والمراد غرم مثل السمن، وبين فائدة إدراجه لفظة
غرم المانعة من عطفه على الصبغ المرفوع بقوله: لأنه مثلي أي فالواجب فيه ضمانه: أي ضمان مثله
لا قيمته. وفي الدر المنتقى: وقيل بالرفع والصواب النصب. ذكره الزاهدي اه‍، قبل اتصاله لم
يقل وقت اتصاله كما قاله في سابقه، لان خروج الصبغ عن المثلية بامتزاجه بالماء كان قبل اتصاله
بالثوب، بخلاف السمن، فإنه لم يخرج عنها إلا وقت اتصاله بالسويق، فافهم. وهذا وجه الفرض بين
ضمان مثل السمن وبدل الصبغ.
مطلب في أبحاث غاصب الغاصب
قوله: (إذا كان قبضه القيمة معروفا) الظاهر أن الحكم في رد عين المغصوب كذلك، فلو أقر
الغاصب بقبضه منه وأنكره المالك لا يصدق في حق المالك، لأنه بقبضه دخل في ضمانه. وبدعوى
الرد يدفع الضمان عنه فلا يصدق في حق نفسه، فتأمل وراجع المنقول. رملي على الفصولين. ونقله ط

(1) قوله: (واستشكله الزيلعي الخ) حيث قال وهو مشكل من حيث إن المغصوب منه لم يصل إليه المغصوب كله بل
بعضه وكان من حقه ان يطالب هو إلى تمام حقه فكيف يتوجه عليه الطلب، وهو لم ينتفع بالصبغ شيئا ولم يحصل له
به الا تلف ماله، وكيف يسقط عن الغاصب بعض قيمة المغصوب بالاتلاف مقرر لوجوب جميع القيمة وكيف صار
مسقطا له هنا انتهى.
قال الطوري: لك ان تقول لا اشكال لان الشارع ناظر إلى حق كل منهما فلو ألزمناه بالعشرة ضاع مال الغاصب، وهو
الصبغ مجانا وذلك ظلم والمظلوم لا يظلم فأوجبناها على رب الثوب فوصل إلى المغصوب منه كل حقه ما عليه، وما
بقي له وكون الاتلاف مقررا لا تنافي كونه مسقطا لان الاتلاف بالنظر إلى النقصان والاسقاط بالنظر إلى عين الصبغ
فتأمل انتهى. ا ه‍ منه.
496

عن الحموي عن العمادي، والله أعلم. قوله: (أو بينة) أي أقامها غاصب الغاصب. قوله: (لا بإقرار
الغاصب) أي الأول فلا يصدق في حق المالك، فهو بالخيار في تضمين أيهما شاء. بيري. قوله: (إلا
في حق نفسه وغاصبه) أي فيما إذا اختار المالك تضمين الثاني يرجع على الأول بما أقر بقبضه، وكذا
فيما إذا اختار تضمين الأول وأراد الأول الرجوع على الثاني ليس له ذلك مؤاخذة له بإقراره، فإنه لولا
إقراره لرجع كما يأتي. قوله: (بعض الضمان) أطلقه فشمل النصف أو الثالث أو الربع كما في الهندية
قوله: (له ذلك سراجية) اختلف النقل عن السراجية، فبعضهم نقل ليس له، وبعضهم نقل كما هنا،
وهو المذكور في الفصولين عن فوائد صدر الاسلام وفي الهندية عن الذخيرة. قوله: (والمالك بالخيار)
إلا في مسألة تقدمت متنا أول الغصب.
وفي الهندية: إن ضمن الأول يرجع الأول على الثاني بما ضمن، وإن ضمن الثاني لا يرجع على
الأول اه‍.
وفي البزازية: وهب الغاصب المغصوب أو تصدق أو أعار هلك في أيديهم وضمنوا للمالك لا
يرجعون بما ضمنوا للمالك على الغاصب، لأنهم كانوا عاملين في القبض لأنفسهم، بخلاف المرتهن
والمستأجر والمودع فإنهم يرجعون بما ضمنوا على الغاصب، لأنهم عملوا له، والمشتري إذا ضمن قيمته
يرجع بالثمن على الغاصب البائع لان رد القيمة كرد العين اه‍. قوله: (وإذا اختار تضمين أحدهما) أي
ولم يقبض منه القيمة، ولم يقض عليه بها كما يأتي. قوله: (لم يملك تركه) أي وإن توى المال عليه كما
في الفصولين: أي بأن وجده معدما أو مات مفلسا وشمل تضمين أحدهما البعض، فليس له بعد أن
ضمن أحدهما البعض أن يضمن ذلك البعض للآخر، بخلاف الباقي.
قال في البزازية: تضمين
الكل تمليك من الضامن، فلا يملك التمليك من الآخر، وتضمين البعض تمليك ذلك فيملك تمليك الباقي بعد ذلك من الآخر. قوله: (وقيل يملك) جزم في الفصولين
بالأول، ثم رمز وقال: فيه روايتان. وفي الهندية عن المحيط: لو اختار تضمين أحدهما ليس له
تضمين الآخر عندهما. وقال أبو يوسف: له ذلك ما لم يقبض الضمان منه اه‍. وظاهره أن بعد القبض
لا يملك تضمين الثاني بلا خلاف، ولذا عبر بالاختيار، وكالقبض بالتراضي القضاء بالقيمة كما في
الهندية أيضا.
فرع: أخذه من الغاصب ليرده إلى المالك فلم يجده فهو غاصب الغاصب يخرج عن العهدة برده
إلى الغاصب الأول. هندية.
مطلب في لحوق الإجازة للاتلاف ولإفعال
قوله: (الإجازة لا تلحق الاتلاف) يستثنى منه ما ذكره الحموي: لو جاء رب اللقطة وأجاز
تصدق الملتقط بها لأنه كالاذن ابتداء، والاذن حصل من الشارع لا من المالك، ولذا لا تتوقف على
497

قيامها في يد الفقير، بخلاف إجازة بيع الفضولي. قوله: (معزيا للبزازية) أي من كتاب الدعوى، وفي
البيري عنها: اتخذ أحد الورثة ضيافة من التركة حال غيبة الآخرين، ثم قدموا وأجازوا ثم أرادوا
تضمينه لهم ذلك، لان الاتلاف لا يتوقف حتى تلحقه الإجارة. قوله: (عن العمادية) ذكره في
الفصولين في آخر الفصل 24 في بحث ما ينفذ من التصرفات السابقة بإجازة لاحقة، فراجعه. قوله:
(تلحق الافعال) قال في جامع الفصولين: بعث دينه بيد رجل إلى الدائن، فجاء إليه الرجل وأخبره به
فرضي وقال: اشتر لي به شيئا ثم هلك، قيل: يهلك من مال المديون، وقيل: من مال الدائن، وهو
الصحيح، إذا الرضا بقبضه في الانتهاء كالاذن ابتداء وهذا التعليل إشارة إلى أن الصحيح أن الإجازة
تلحق الافعال وهو الصحيح اه‍. قوله: (قال) أي المصنف وقال ابنه الشيخ صالح: ألا أن يقال: المراد
بالافعال غير الاتلاف عملا بقول المشايخ كلهم مع إمكان الحمل اه‍. قال الحموي: يعني أن الافعال
منها ما يكون إعداما، ومنها ما يكون إيجادا، فيحمل قول المشايخ على الفعل الذي لا يكون إعداما
اه‍. أبو السعود على الأشباه.
أقول: ذكر في البزازية: أفسد الخياط الثوب فأخذه صاحبه ولبسه عالما بالفساد، ليس له
التضمين اه‍، قال في التاترخانية: ويعلم من هذه المسألة كثير من المسائل اه‍. فتأمل. قوله: (لا
يملكه) قال في التاترخانية: ولم يتعرض لما إذا زادت قيمته بالكسر، وينبغي أن لا يملكه أيضا اه‍.
قوله: (تطيب به) ولا فرق بين أن تكون الأجرة قدر أجرة المثل أم لا، أبو السعود على الأشباه
(قول: فوصله) أي عند الحداد. قوله: (انقطع حقه) لأنه أحدث به صنعه. قوله: (وعلى المستعير قيمته
منكسرا) لأنه انكسر حال استعماله فلم يكن مضمونا عليه. قوله: (شرح وهبانية) ذكره عند قول
النظم:
(الطويل)
ولو رفأ المخروق في الثوب خارق * يغرم النقص فيه فيقدر
يقال: رفيت الثوب ورفوته، وبعض العرب يهمزه رفأت: إذا أصلحته: أي يقوم صحيحا ويقوم
مرفوا فيضمن فضل ما بينهما، شرنبلالي. قوله: (فانهدم شئ بركوبه) قيد بالانهدام، إذا لو هدم دار
غيره بغير أمره وبغير أمر السلطان حتى ينقطع عن داره ضمن ولم يأثم، بمنزلة جائع في مفازة ومع
صاحبه طعام له أخذه كرها ثم يضمنه، ولا إثم عليه. تاترخانية. وظاهره أنه بأمر السلطان لا يضمن.
قال الشيخ خير الدين: ووجهه أن له ولاية عامة يصح أمره لرفع الضرر العام اه‍.
أقول: والظاهر أنه يضمن ما هدمه مشرفا على الهلاك نظير ما قدمه الشارح من مسألة السفينة
498

الموقرة تأمل. قوله: (لا يجوز دخول بيت إنسان إلا بإذنه) قيد بالبيت لما في التاترخانية: أراد أن يمر
بأرض إنسان أو ينزل بها إن كان لها حائط أو حائل ليس له ذلك لأنه دليل عدم الرضا، وإلا فلا بأس
به، وفي الكبرى: المعتبر في ذلك عادات الناس اه‍. مطلب فيما يجوز فيه دخول دار غيره بلا إذن منه
قوله: (إلا في الغزو) أي إذا كان ذلك البيت مشرف على العدو فللغزاة دخوله ليقاتلوا العدو منه
أو نحو ذلك. تأمل. قوله: (وخاف لو أعلمه أخذه) وينبغي أن يعلم الصلحاء أنه إنما يدخل لذلك،
ولو لم يخف أخذه لا يجوز من غير ضرورة، ذخيرة. وفيها مسائل أخر. منها: نهب منه ثوبا ودخل
الناهب داره لا بأس بدخولها ليأخذ حقه، لان مواضع الضرورة مستثناة، ومنها: له مجرى في دار
رجل أراد إصلاحه ولا يمكن أن يمر في بطنه يقال لرب الدار: إما أن تدعه يصلحه وإما أن تصلحه.
ومنها: أجر دارا وسلمها له دخولها لينظر حالها فيرمها وإن لم يرض المستأجر عندهما، وعنده إن
رضي. قوله: (فله نبشه) أي نبشه لاخراج الميت. قوله: (وله تسويته) أي بالأرض والزراعة فوقه. أشباه
قوله: (وإن وقفا فكذلك) أي فله قيمة حفره، وهذا ذكره في الأشباه بحثا فقال: وينبغي أن يكون
الوقف من قبيل المباح فيضمن قيمة الحفر، ويحمل سكوته عن الضمان في صورة الوقف عليه اه‍: أي
على الضمان في المباح، وفي حاشية أبي السعود عن حاشية المقدسي: وهذا لو وقف للدفن فلو على
مسجد للزرع والغلة فكالمملوكة. تأمل. اه‍. قوله: (ولا يكره لو الأرض متسعة) أي لا يكره الدفن (1).
نظيره في بسط المصلي في المسجد أو نزل في الرباط فجاء آخر، فلو في المكان سعة لا يزاحم الأول،
وإلا فله ولوالجية. وأفاد كراهة الدفن لو لم تكن الأرض متسعة فلا يصح التعبير بقولنا ولو متسعة كما
لا يخفى، فافهم.
مطلب فيما يجوز من التصرف بمال الغير بدون إذن صريح
قوله: (إلا في مسائل مذكورة في الأشباه) الأولى: يجوز للولد والوالد الشراء من مال المريض ما
يحتاج إليه المريض بلا إذنه، ولا يجوز في المتاع، وكذا أحد الرفقة في السفر لأنه بمنزلة أهله في
السفر. الثانية: أنفق المودع على أبوي المودع بلا إذنه وكان في مكان لا يمكن استطلاع رأي القاضي لم
يضمن استحسانا، وإطلاق الكنز الضمان محمول على الامكان. الثالثة: إذا مات بعض الرفقة في

(1) قوله: (لا يكره الدفن الخ) قال شيخنا: مقتضى قياس هذه المسألة على مسألة بسط المصلي ان ينعكس ما قاله الشارح
فيكون الحكم الحل بدون كراهة حال عدم الاتساع والكراهة حال السبعة ا ه‍.
ويمكن ان يقال نائب فاعل يكره الحفر لا الدفن، وقوله لان الحافر الخ تعليل المفهوم.
وحاصل المعنى على هذا، انه لا يكره الحفر حال اتساع الأرض ويكره حال عدمه لأنه لا يدري باي أرض يموت
فيكون مضيقا مع عدم الجزم بالدفن في حفيرته ا ه‍.
499

السفر فباعوا فراشه وعدته وجهزوه بثمنه وردوا البقية إلى الورثة أو غمي عليه فأنفقوا عليه من ماله لم
يضمنوا استحسانا.
وحكى عن محمد أنه مات بعض تلامذته فباع محمد كتبه لتجهيزه، فقيل إنه لم يوص، فتلا قوله تعالى: * (والله يعلم المفسد من المصلح) * فما كان على قياس هذا لا
يضمن ديانة، أما في الحكم
فيضمن وكذا المأذون في التجارة لو مات مولاه فأنفق في الطريق لم يضمن، وكذا لو أنفق بعض أهل
المحلة على مسجد لا متولي له من غلته لحصير ونحوه، أو أنفق الورثة الكبار على الصغار ولا وصي
لهم، أو قضى الوصي دينا علمه على الميت بلا معرفة القاضي فلا ضمان في الكل ديانة اه‍. من
الأشباه وحواشيها، وفي التاترخانية: وضع القدر على الكانون وتحتها الحطب فجاء آخر وأوقد النار
فطبخ لا يضمن استحسانا. ومن هذا الجنس خمس مسائل: إحداها: هذه. الثانية: طحن حنطة غيره
ضمن، ولو أن المالك عل الحنطة في الزورق وربط الحمار وجاء آخر فساقه لا يضمن. الثالثة: رفع
جرة غيره فانكسرت ضمن، ولو رفعها صاحبها وأمالها إلى نفسه فجاء آخر وأعانه فانكسرت لا،
الرابعة: حمل على دابة غيره فهلكت ضمن، ولو حملها المالك شيئا فسقط فحملها آخر فهلكت لا.
الخامسة: ذبح أضحية غيره في غير أيامها لا يجوز ويضمن، ولو في أيامها يجوز ولا يضمن. ومن
جنسها أحضر فعله لهدم دار فجاء آخر وهدمها لا يضمن استحسانا، ذبح شاة القصاب إن بعد ما شد
القصاب رجلها لا يضمن، وإلا ضمن. والأصل في جنس هذه المسائل كل عمل لا يتفاوت فيه الناس
تثبت الاستعانة من كل أحد دلالة، وإلا فلا، فلو علقها بعد الذبح للسلخ فسلخها آخر بلا إذنه ضمن
اه‍. ملخصا.
وفي القنية: أخذ أحد الشريكين حمار صاحبه الخاص وطحن به فمات لم يضمن للاذن دلالة.
قال: عرف بجوابه هذا أنه لا يضمن فيما يوجد الاذن دلالة وإن لم يوجد صريحا، كما لو فعل بحمار
ولده أو بالعكس، أو أحد الزوجين: أو أرسل جارية زوجته فأبقت اه‍. قوله: (ضمنه) مخالف لما في
المعراج والبزازية وغيرهما من أنه إن لم يسقه معها لا يضمنه، وقدمناه أول الغصب عن الزيلعي. لكن
نقل عن الشرنبلالي عن قاضيخان: أنه ينبغي أن يضمنه أيضا لأنه لا يساق إلا بسوقها، كما قالوا: إذا
غصب عجلا فيبس لبن أمه ضمنه مع نقصان الام اه‍.
أقول: إن كانت المسألة من تخريجات المشايخ فما اختاره قاضيخان وجيه، ولذا مشى عليه ابن
وهبان، وإن كان منقولة عن المجتهد فاتباعه أوجه، فليراجع. قوله: (بما يتغير) الظاهر أن المراد به
المضمون وهو الجحش هنا، فإنه لما هلك تغير عن حاله وقد ضمنه مع أنه لم يباشر فيه فعلا، تأمل.
قوله: (هل له منه شربه) الجواب: نعم إن حول النهر عن موضعه كره الشرب والتوضؤ منه لظهور أثر
الغصب بالتحويل، وإلا لا لثبوت حق كل أحد فيهما. ابن الشحنة. قوله: (وهل ثم نهر طاهر لا
مطهر) الجواب أنه القرس السريع فإنه يسمى نهرا وبحرا لقوله بعضهم في قوله تعالى: * (وهذه الأنهار
تجري من تحتي) * (الزخرف: 51) أي الخيل، ولقوله (ص) في فرس أب طلحة:
إنا وجدناه لبحرا ابن الشحنة. والله تعالى أعلم.
500

فصل
لما ذكر مقدمات الغصب وكيفية ما يوجب الملك للغاصب بالضمان ذكر في هذا الفصل مسائل
متفرقة تتصل بمسائل الغصب كما هو دأب المصنفين. نهاية. قوله: (غيب) الأولى أن يقول غاب
ليشمل ما إذا كان عبدا فأبق، فإنه إذا ضمن قيمته ملكه. أفاده الطوري وقال: يعلم حكم التغييب
بالأولى. قوله: (وضمن قيمته لمالكه) أي إن شاء المالك التضمين، وإلا فله أن يصبر إلى أن يوجد كما
في العناية ح. قوله: (ملكه عندنا إلخ) أي خلافا للشافعي لما مر أن الغصب محظور فلا يكون سببا
للملك كما في المدبر (1). ولنا أنه ملك البدل بكماله والمبدل قابل للنقل من ملك إلى ملك فيملكه
دفعا للضرر عنه، بخلاف المدبر لأنه غير قابل للنقل. ابن كمال. قوله: (فتسلم له الاكساب لا الأولاد)
تفريع على قوله مستندا لأنه الملك الثابت الاستناد ناقص يثبت من وجه دون وجه، فلم يظهر أثره
في الزيادة المنفصلة. كذا في العناية وغاية البيان. والفرق أن الولد بعد الانفصال غير تبع، بخلاف
الكسب فإنه بدل المنفعة، فيكون تبعا محضا. أقول: وظاهره أن المراد بالاكساب مطلق الزيادة المتصلة
كالحس والسمن، وبالولد مطلق الزيادة المنفصلة كالدر والثمر، فلا تسلم له إذا ملك المغصوب
بالضمان، يدل عليه ما مر وقول الزيلعي: بخلاف الزيادة المتصلة والكسب لأنه تبع، ولا كذلك
المنفصلة، بخلاف البيع الموقوف أو الذي فيه الخيار، حيث يملك به الزيادة المنفصلة أيضا لأنه سبب
موضوع للملك فيستند من كل وجه اه‍. تأمل. قوله: (والقول له بيمينه) أي للغاصب لانكاره الزيادة
التي يدعيها المالك بأن يقول ما قيمته إلا عشرة مثلا. منية المفتي. قوله: (فللمالك) لأنها مثبتة للزيادة.
قال في النهاية: ويشترط في دعوى المالك ذكر أوصاف المغصوب، بخلاف سائر الدعاوي، وينبغي
أن تحفظ هذه المسألة اه‍. شرنبلالية. قوله: (ولا تقبل بينة الغاصب إلخ) قال في المنح: فإن عجز المالك
عن إقامة البينة وطلب يمين الغاصب وللغاصب بينة تشهد بقيمة المغصوب لم تقبل، بل يحلف على
دعواه، لان بينته تنفي الزيادة والبينة على النفي لا تقبل. وقال بعض مشايخنا: ينبغي أن تقبل لاسقاط
اليمين كالمودع إذا ادعى رد الوديعة فإن القول قوله، ولو أقام بينة على ذلك قبلت. وكان أبو علي
النسفي يقول: هذه المسألة عدت مشكلة، ومن المشايخ من فرق بينهما وبين مسألة الوديعة وهو

(1) قوله: (كما في المدبر) اعلم أن مشايخنا قالوا ان الغاصب يملك العين المغصوبة بأداء الضمان فرارا من اجتماع البدل
والمبدل في ملك واحد اورد عليهم من طرف الشافعي رضي الله عنه مسألة المدبر فإنه قد اجتمع فيها البدلان في ملك
واحد فهلا سووا بين المدبر وغيره وبهذه التسوية يندفع عنهم اشكال آخر وهو ان الغصب قبيح والملك نعمة فكيف
يجعل القبيح سببا للنعمة. وأجيب عن الثاني بأنه لم يجعل الغصب سببا للملك بل الغصب موجبا لرد المغصوب
ورد البدل كرد العين فبرد البدل يتملك المغصوب ضرورة عدم صحة اجتماع البدلين في ملك، وعن الأول باجتماع
البدلين في مسألة المدبر ضرورة ان المدبر لا يقبل الانتقال بخلاف غيره فلا تصح التسوية ا ه‍.
501

الصحيح. وكذا في العناية والنهاية والتبيين اه‍. قوله: (ونقل المصنف إلخ) نقل المصنف ذلك في منحه
عن البحر عن جواهر الفتاوى عند قوله أول الغصب ولو ادعى الغاصب الهلاك الخ ثم عاد النقل عن
جواهر الفتاوى هنا، وقد نقل الشارح المسألة قبيل كتاب الاقرار وعزاها لدعوى البحر
ونقلها في البحر قبيل الكنز: ولا ترد يمين على مدع، وعزاها إلى المحيط عن الإمام محمد، ونقل عن المحيط أنه
قال: وهذه من خواص هذا الكتاب وغرائب مسائله فيجب حفظها، وقد لفق الشارح هذه العبارة من
عبارة البحر المنقولة عن المحيط، ومن عبارة الجواهر على أحسن وجه، فإنه في عبارة الجواهر على أحسن وجه، فإنه في عبارة البحر بين حكم
ما إذا حلف الغاصب وسكت عما إذا نكل، وفي عبارة الجواهر بعكس ذلك، وجميع ما ذكره الشارح
منقول لم ينفرد بشئ منه سوى حسن التعبير، فجزاه الله خيرا. قوله: (لو قال الغاصب إلخ) أي بعد
ما بين المالك مقدارا بأن قال قيمته مائة مثلا. قوله: (فالقول للغاصب) اقتصر عليه لان المودع بتعدية
صار غاصبا ح. قوله: (ويجبر على البين) لأنه أقر بقيمة مجهولة. بحر عن المحيط: أي يأمره القاضي
بذلك لاحتمال كذبه بقوله لا أعرف قيمته. قوله: (فإن لم يبين الخ) عبارة البحر: فإذا لم يبين يحلف على
ما يدعي المغصوب منه في الزيادة، فإن حلف يحلف المغصوب منه أيضا أن قيمته مائة، ويأخذ من
الغاصب مائة اه‍. فالمراد بالزيادة ما تضمنتها دعوى المالك التي نفاها الغاصب بقوله: علمت أن قيمته
أقل مما يقوله، والمراد أنه يحلف على نفيها بأن يقول ليست قيمته مائة كما ادعاه المالك، وقيد بقوله لم
يبين عما إذا بين وقال قيمته خمسون مثلا فإن القول له، وهي مسألة المتن السابقة فلا يصح أن يكون
أصل النسخة فإن بين لاختلاف حكم المسألتين، فافهم. قوله: (ولو حلف المالك أيضا) أفاد بلفظ
أيضا أن المراد حلف بعد ما حلف الغاصب. قال ح: لم يظهر وجهه فليراجع اه‍: أي وجه تحليف
المالك أيضا.
وأقول وبالله التوفيق: لعل وجهه أن الغاصب لما لم يبين لم يمكن أن يكون القول له بيمينه،
بخلاف مسألة المتن فلم ترتفع دعوى المالك، لأنها ترتفع لو بين شيئا يصدق فيه باليمين وفائدة تحليفه،
وإن كان لا يرفع دعوى المالك التوصل إلى ثبوتها بنكوله، فإذا حلف لم تثبت دعوى المالك، لعدم
النكول ولم ترتفع لعدم البيان فبقيت بحالها فاحتاجت إلى التنوير باليمين، وإن كانت من المدعي لعدم
إفادة يمين المدعى عليه، ونظير ذلك مسائل منها: لو اختلف المتبايعان في قدر الثمن أو المبيع تحالفا،
مع أن أحدهما مدع والآخر منكر، وهي من مسائل المتون، هذا ما ظهر لي. وجه المقل دموعه، هذا
وذكرى البيري في دعوى الأشباه عن التاترخانية أن الحاكم أبا محمد طعن على محمد رحمه الله تعالى بأن
اليمين لم تشرع عندنا للمدعي، وقال: الجواب الصحيح عندي أن يقول القاضي للغاصب بعد ما امتنع
عن البيان: أكانت قيمته مائة أكانت خمسين أكانت ثلاثين إلى أن ينتهي إلى أقل ما لا ينقص منه قيمته
في العرف والعارة، فإذا انتهى إلى ذلك لزمه وجعل القول له في الزيادة مع يمينه، كالجواب فيما إذا
أقر بحق مجهول في عين في يده لغيره يسمى له القاضي السهام حتى ينتهي إلى أقل ما لا يقصدونه
بالتمليك عرفا وعادة ويلزمه به اه‍ ملخصا. قوله: (ثم إن ظهر إلخ) لا حاجة إليه مع ما يذكره المصنف
بعد. لان الغاصب ضمن بقول المالك على ما ذكر فلا خيار للمالك ط.
502

قلت: قصد الشارح ذكر عبارة البحر بتمامها مع أن المصنف لم يصرح بخيار الغاصب، بل نفى
خيار المالك ولا تلازم بينهما، على أن في ثبوت الخيار للغاصب في مسألة المتن كلاما سنذكره، فافهم.
قوله: (ودفع قيمته) أي إن لم يكن دفعها. قوله: (وأخذ القيمة) أي إن كان دفعها. قوله: (وهي من
خواص كتابنا) قد ذكرنا سابقا أن ذلك من كلام صاحب المحيط من جملة المنقول قبله، ووجه
الخصوصية تضمنها ورود اليمين على المدعي، فإنه لم يشتهر في الكتب، فافهم. قوله: (على الأصح)
راجع لقوله أو مثله أو دونه وهو ظاهر الرواية، لأنه لم يتم رضاه حيث لم يعط ما يدعيه والخيار
لفوات الرضا، خلافا لقول الكرخي: إنه لا خيار له. هداية. قوله: (فالأولى ترك قوله وهي أكثر) أو
يفعل كما فعل القدوري وصاحب الكنز والملتقى حيث قدموا ذكر المسألة الثانية على الأولى، وجعل
بعض الشراح ذلك قيدا للسابقة فقط، ولكن الأولى كما قال الشارح تبعا للقهستاني فإنه ليس قيدا فيهما.
قوله: (وقد ضمن بقوله) أي الغاصب مع يمينه. قوله: (أخذه المالك) وللغاصب حبسه حتى يأخذ
ما دفعه. زيلعي. قوله: (ولا خيار للغاصب إلخ) فيه رد على ما بحثه في اليعقوبية بأنه على التعليل بعدم
رضا المالك ينبغي ثبوت الخيار للغاصب لو قيمته أقل لعدم رضاه أيضا ولذا قال: ولو قيمته أقل،
فافهم. قوله: (للزوم بإقراره) أقول: ولأنه ظالم بغصبه وتغييبه، لان تمام ملكه كان متوقفا على رضا
المغصوب منه وقد وجد. تأمل. قوله: (أو نكول الغاصب) أي عن الحلف بأن القيمة ليست كما يدعي
المالك. شرنبلالية. قوله: (فهو له ولا خيار للمالك) وكذا لا خيار للغاصب لرضاه حيث أقدم على
الغصب. رحمتي. وذكر ط أن له الخيار أخذا من قوله في الأولى: ولا خيار للغاصب بطريق الإشارة
اه‍.
وأقول: قد راجعت كثيرا فلم أظفر بصريح النقل في ذلك، والذي يقتضيه النظر ما قاله
الرحمتي، فإن الغاصب ظالم بالغصب وبالتغييب عن المالك، فإصراره على ذلك دليل الرضا، وحيث
كان ظالما لا يراعي جانبه يدل عليه اقتصارهم على بيان الخيار في المسألتين من جانب المالك فقط لكونه
مظلوما، ولذا قال الإتقاني في تعليل خيار المالك في الأولى: لأنه كالمكره على نقل حقه من العين إلى
بدل لم يرض به، والمكره يثبت له الخيار في الفسخ اه‍.
وقول المصنف كغيره، فهو له ظاهر في عدم الخيار له لان ملكه كان موقوفا على رضا المالك
وقد وجد، ولا سيما فيما إذا كان نكل فإن النكول إقرار. وأما ثبوت الخيار له في المسألة السابقة عن
البحر والجواهر فلا يدل على ثبوته هنا، لاختلاف موضوعهما، ولأنه ظهر صدقه في يمينه الذي حلفه
ولم يرض بقول المالك ولم يقم عليه برهان ولم ينكل عن اليمين، بخلاف هذه المسألة في جميع ما ذكر،
وبالجملة فإثبات الخيار له حكم شرعي يحتاج للنقل، فليراجع. قوله: (فضمنه المالك)
قيد بتضمين المالك احترازا عما لو باعه الغاصب فباعه المالك من الغاصب أو وهبه له أو مات المالك والغاصب وارثه،
503

فإن بيع الغاصب يبطل، لأنه طرأ ملك بات على موقوف على أداء الضمان فأبطله أبو السعود عن
شيخه. قوله: (نفذ بيعه) هذا إن ضمنه قيمته يوم الغصب. قال في جامع الفصولين قبيل الخامس
والعشرين: غصب شيئا وباعه، فإن ضمنه المالك قيمته يوم الغصب جاز بيعه، لا لو ضمنه قيمته يوم
البيع اه‍. قوله: (لان تحرير) تعليل للتفسير المفهوم من أي ح. قوله: (نافذ في الأصح) أي لو أعتق
المشتري من الغصب م ضمن المالك الغاصب نفذ إعتاقه في الأصح عند الشيخين، وكذا ينفذ بإجازة
المالك البيع لأنه عتق ترتب على سبب ملك تام بنفسه بدليل أن المبيع يملك عند الإجازة بزوائده
المتصلة والمنفصلة ولو لم يكن تاما بنفسه لما كان كذلك. وتمامه في التبيين. قوله: (لان المالك الناقص
إلخ) نقصانه بثبوته مستندا كما مر، ولم يرتض ابن الكمال هذا التعليل، قال: لأنه منقوض بإعتاق
المشتري من الغاصب، وعلل بأن الغصب غير موضوع لإفادة الملك اه‍. فتأمل. قوله: (وزوائد
المغصوب إلخ) ليس منها الاكساب الحاصلة باستغلال الغاصب فإنها غير مضمونة وإن استهلكها، لأنها
عوض عن منافع المغصوب ومنافعه غير مضمونة عندنا كما يأتي فكذا بدلها. كفاية. قوله: (أمانة لا تضمن
إلا بالتعدي) أي خلافا للشافعي، وهذه ثمرة الخلاف بيننا وبينه في حقيقة الغصب كما نبه عليه
الشارح أول الغصب، فلو قتله الغاصب ضمنه مع الزيادة ابن ملك. ولو هلكت الجارية بعد الزيادة
ضمن قيمتها وقت الغصب ولا يضمن الزيادة، وكذا لو زادت قيمتها. نهاية. قوله: (لأنها أمانة) مكرر
مع ما في المتن. قوله: (ولو طلب المتصلة لا يضمن) لان دفعها غير ممكن فلا يكون مانعا اه‍ ح. بقي
ما لو طلبها مع الأصل بأن قال سلمني الجارية أو الدابة بعد الحسن أو السمن فمنعه ينبغي أن يضمنه
كالأصل، وليحرر. رحمتي.
أقول: ذكر في المجمع أن الزيادة المتصلة لا تضمن بالبيع والتسليم. قال شارحه: أي عند أبي
حنيفة: أما المنفصلة فمضمونة اتفاقا، لأنه بالتسليم إلى المشتري صار متعديا اه‍. وفي الاختيار: وإن
طلب المتصلة لا يضمن بالبيع للغير، لان الطلب غير صحيح لعدم إمكان رد الزوائد بدون الأصل اه‍.
فحيث لم تضمن بالتسليم إلى المشتري لا تضمن بالمنع أيضا. وقدمنا أول الغصب عن جامع الفصولين:
غصب شاة فسمنت فذبحها ضمن قيمتها يوم غصب لا يوم ذبحه عند أبي حنيفة كما لو تلفت بلا
إهلاكه. تأمل. قوله: (وما نقصته الجارية) أي انتقصت، لان نقص يجئ لازما ومتعديا وهاهنا لازم.
ابن مالك. وأما الضمير المتصل به فلا يدل على التعدي، لأنه ضمير المصدر فإنه عائد إلى ما الواقعة
على النقصان. قوله: (مضمون) أي إذا حبلت عند الغاصب أو زنت بعبد الغاصب، أما إذا كان الحبل
من الزوج أو المولى لا ضمان. جوهرة. وفي الطوري عن المحيط: غصبها حاملا أو مريضة فماتت في
يده من ذلك ضمنها وبها ذلك العيب. قوله: (بقيمته) أي إن نزل حيا، وهو بدل من قوله: بولدها
والمراد إذا ردها وولدها يجبر نقصان الولادة به نظرا إلى قيمته. قوله: (أو بغرته) أي لو ضرب الغاصب
أو غيره بطنها فألقته ميتا وهي نصف عشر قيمته. حيا لو ذكرا وعشر قيمته لو أنثى. قال في الاختيار:
لأنها قائمة مقامه لوجوبها بدلا عنه. قوله: (إن وفى به) أي بالنقصان، وكذا إن زاد كما في غاية البيان.
504

قوله: (وإلا إلخ) أي إن لم يف به يجبر بقدره وضمن الباقي. قوله: (ولو ماتت إلخ) في هذه المسألة
ثلاث روايات عن الامام: يبرأ برد الولد، يجبر بالولد قدر نقصان الولادة، ويضمن ما زاد على ذلك
من قيمة الام. وفي ظاهر الراوية: عليه رد قيمتها يوم الغصب كاملة كما في النهاية عن المبسوط.
شرنبلالية. قوله: (زنى بأمة) أي الغاصب أو غيره. ط عن الحموي وقيد به، إذ لو حبلت من الزوج أو
المولى فلا ضمان وإن ماتت. إتقاني. قوله: (أي غصبها) فائدة هذا التفسير دفع ما ربما يتوهم من شمول
قوله: مغصوبة ما إذا زنى بأمة غصبها غيره، فإن الضمان على الغاصب لا الزاني، فافهم. قوله:
(فماتت بالولادة) أي بسببها لا على فورها. قال قاضيخان: وماتت في الولادة أو في النفاس، فإن على
قول أبي حنيفة إن كان ظهر الحبل عند المولى لأقل من ستة أشهر من وقت رد الغاصب ضمن قيمتها
يوم الغصب اه‍.
وقال في المواهب: عليه قيمتها يوم العلوق عند أبي حنيفة، وقالا: عليه نقص الحبل على الأصح
اه‍. شرنبلالية. قوله: (ضمن قيمتها) أي وإن بقي ولدها، ولا يجبر بالولد كما في الهندية لأنه غصبها،
وما انعقد فيها سبب التلف وردت وفيها ذلك فلم يوجد الرد على الوجه الذي أخذ فلم يصح الرد فلا
يبرأ عن الضمان، كما إذا جنت عنده فردها فقتلت بتلك الجناية أو دفعت بها فيرجع عليه المالك بكل
القيمة كأنه لم يردها. قوله: (يوم علقت) كذا في الهداية والمجمع وغيرهما، وبحث فيه في اليعقوبية أنه
ينبغي أن يكون يوم الغصب فراجعها، ويوافقه ما قدمناه آنفا عن قاضيخان. قوله: (بخلاف الحرة) أي
إذا زنى بها رجل مكرهة أو لا. إتقاني. فما في الدرر فيه نظر. عزمية. وفيه نظر، فتدبر. قوله: (بعد
فساد الرد) أي بسبب الحبل. زاد الزيلعي والمصنف: ولا يجب ردها أصلا.
قال الرملي: سيأتي في الجنايات أن من خدع امرأة رجل يحبس حتى يردها أو يموت، فلعل ما
هنا قياس وما هناك استحسان قطعا للفساد. تأمل. قوله: (ولو ردها محمومة إلخ) أي الأمة، والفرق
بين هاتين المسألتين ومسألة المتن أن الهلاك لضعف الطبيعة عن دفع آثار الحمى المتوالية، وذلك لا
يحصل بالحمى الأولى عند الغاصب فإنه ليس بموجب لما بعده، والزنا يوجب جلدا مؤلما لا متلفا، فلا
يضاف إلى الزنا، بخلاف الهلاك بحبل الزنا فإنه بالسبب الأول. قوله: (لا يضمن) أي لا يضمن كل
القيمة بل نقصان الحمى كما في الدر المنتقى. قوله: (وكذا) أي لا يضمن القيمة بل نقصان عيب الزنا.
زيلعي. قوله: (ولو زنى بها) أي بأمة غصبها واستولدها: أي حبلت منه. درر. قوله: (ثبت النسب) أي
إن ضمنها وادعاه كما في الدرر ح. قوله: (والولد رقيق) لان التضمين ممن له حق التضمين أورث
شبهة والنسب يثبت بالشبهة، بخلاف الحرية. درر عن الكافي. ونقل في العزمية (1) أن صاحب الدرر

(1) قوله: (ونقل في العزمية الخ) قد تقدم ان الملك بالضمان يكون مستندا فلا تسلم الأولاد للغاصب وحيث لم تسلم
الأولاد للغاصب تبقى على ملك صاحب الام فتكون رقيقة فقد أجاد صاحب الدرر لله دره وما في التاترخانية لا ينافيه على أنه غير ظاهر للوجه لان ثبوت النسب أقل ما يستند عليه الشبهة ولم توجد حيث أخذ الأمة صاحبها ولذلك
قال العلامة المحشي تأمل في وجهه ا ه‍.
505

أساء التحرير في المسألة، ولا تتضح إلا بمراجعة الكافي.
قلت: وذكر في التاترخانية المسألة حيث قال: ليس للغاصب أن يستخدم أو يملك من غيره،
حتى يختار المولى، فإن اختار أخذ القيمة استأنف الاستبراء، وإن اختار أخذها بطل ما فعل من
التصرف إلا إذا استولدها يثبت النسب استحسانا والولد رقيق اه‍.
فقد فرض ما مر فيما إذا اختار
المالك أخذها لا أخذ القيمة، فتأمل في وجهه.
مطلب في ضمان منافع الغصب
قوله: (منافع الغصب) أي المغصوب. قوله: (استوفاها أو عطلها) صورة الأول: أن يستعمل
العبد شهرا مثلا ثم يرده على سيده، والثاني: أن يمسكه ولا يستعمله ثم يرده كما في الدرر. قوله:
(عندنا) أي خلافا للشافعي رحمه الله. قوله: (لكن لا يلائمه إلخ) أقول: بل يلائمه بعطفه عليه بالرفع
فيفيد أنه غير مضمون ط: أي بتقدير حذف الخبر، والأصل: وخمر المسلم غير مضمون بدليل ما قبله،
كقولك هند غير قائمة وعمرو، على أن عدم الملاءمة فيما ذكره أشد، لأنه معطوف على قوله:
بخلاف الحرة ومخالطة الحرة للأمة في الحكم ظاهر وبينهما مناسبة، بخلاف منافع الغصب، إذ لا
مناسبة بينهما إلا بتكلف. تأمل. قوله: (مع أنه) أي ما شرح عليه. قوله: (أن يكون وقفا) وكما تضمن
منافعه تضمن ذاته كما قدمه عن العيني وغيره عند الكلام على غصب العقار. وفي الولوالجية: ومتى
قضى عليه بالقيمة تؤخذ منه فيشتري بها ضيعة أخرى على سبيل الوقف الأول اه‍. قوله:
(للسكنى أو للاستغلال) أقول: أو لغيرهما كالمسجد، فقد أفتى العلامة المقدسي في مسجد تعدى عليه
رجل وجعله بيت قهوة بلزوم أجرة مثله مدة شغله كما في الخيرية والحامدية. قوله: (أو مال يتيم)
أقول: وكذا اليتيم نفسه لما في البزازية: يتيم لا أب له ولا أم استعمله أقرباؤه مدة في أعمال شتى بلا
إذن الحاكم وبلا إجارة له طلب أجر المثل بعد البلوغ إن كان ما يعطونه من الكسوة والكفاية لا يساوي
أجر المثل اه‍. وبه أفتى في الخيرية والحامدية.
وفي إجارات القنية: غصب صبيا حرا وأجره وعمل فالاجر للعاقد، ثم رمز الاجر للصبي، ثم
رمز وهو الصواب، لأنه ذكر في المنتقى: أجر عبده سنة ثم أقام العبد بينة أن مولاه أعتقه قبل الإجارة
فله الاجر إلخ. قوله: (سكنت أمه) أي أم اليتيم. قوله: (في داره) أي اليتيم. قوله: (بلا
أجر) أي بلا التزام أجر بعقد إجارة من وليه. تأمل. قوله: (ليس لهما ذلك) أي يحرم عليهما. قوله: (قلت ويستثنى
أيضا) قائله الشيخ شرف الدين. قوله: (سكنى شريك اليتيم) أي بأن كانت بينه وبين بالغ فسكنها البالغ
506

مدة. قوله: (وكذا الأجنبي بلا عقد) أي وكدا إذا سكنها أجنبي عنه غير أمه وغير شريكه. قوله: (وقيل
دار اليتيم كالوقف) أي في ضمان منافعهما وهو قول المتأخرين، وهو المعتمد كما يأتي في كلام
الشارح. قوله: (قلت ويمكن حمل كلا الفرعين) أي فرع أم اليتيم، وفرع سكنى شريكه، وصرح بذلك
الحموي، وبحمل الأول صرح صاحب المنح. قوله: (بعدم أجرته) أي بعدم لزومها. قوله: (وأما على
القول المعتمد إلخ) أي وحينئذ فلا استثناء، ولذا قال العلامة البيري: والعجب من المؤلف كيف عدل
عما عليه الفتوى بلا موجب فاحذره. قوله: (فتلزمه الأجرة) لان الأجرة تجب على الغاصب دون من
يتبعه، ونقل البيري عن المحيط: إن لم يكن لها زوج لها السكنى بحكم الحاجة، وإن كان فلا، كما إذا
كان لها مال. قوله: (وما في الصيرفية إلخ) عبارتها: سكنت مع زوجها ببيت ابنها الصغير. قال: إن
كان بحال لا يقدر على المنع بأن كان ابن سبع سنين أو ست فعليها أجر المثل، لأنها غير محتاجة حيث
كان لها زوج، وإن كان بحال يقدر على المنع فلا أجر عليها اه‍.
وفيها مخالفة لما في البيري عن المحيط حيث فرض المسألة فيما إذا سكنت بغير أم الزوج وقدر
مدة قدرة الابن على المنع بأن كان ابن عشر فأكثر، فإن ظاهره أنها سكنت وحدها، وأنه له كان ابن
ثمان أو تسع يلزمها الاجر. تأمل. قوله: (وإلا فعليها) في بعض النسخ بضمير التثنية، وهو غير موافق
لعبارة الصيرفية المارة. قوله: (غير ظاهر) خبر المبتدأ، ووجهه أنه وإن قدر على المنع فلا عبرة بتبرعه
وهو صبي. قوله: (وعليه) أي على القول المعتمد من أنها كالوقف. كذا في تنوير البصائر. لا على ما
في الصيرفية كما قيل، فافهم. قوله: (فهو عليه) أي فالاجر واجب على الزوج لا عليها.
أقول: وعلى ما قدمناه من ظاهر عبارة المحيط: فهو عليها لا عليه. قوله: (ثم نقل عن الخانية
إلخ) نقل أولا عن العمادية عن محمد: إن علم الحاضر أن الزرع ينفعها لها زرع كلها، فإذا حضر
الغائب له أن ينتفع بكل الأرض مثل تلك المدة لثبوت رضا الغائب بمثل ذلك دلالة، وإن علم أنه
ينقصها ليس للحاضر ذلك، فإن الرضا غير ثابت. ثم نقل عن القنية أن الحاضر لا يلزمه في الملك
المشترك أجر، وليس للغائب استعماله بقدر تلك المدة لان المهايأة بعد الخصومة. قال: وبينهما تدافع،
إلا أن يفرق بين الأرض والدار، وهو بعيد، أو أنهما روايتان. ثم نقل عن الخانية أن مسألة الدار
كمسألة الأرض، وأن للغائب أن يسكن مثل ما سكن شريكه، وأن المشايخ استحسنوا ذلك، وهكذا
روي عن محمد وعليه الفتوى اه‍. ملخصا. ونقل البيري عبارة الخانية أيضا مفصلة وأقرها، وكذلك
المحشي أبو السعود. قوله: (قالوا وعليه الفتوى) لفظة قالوا يؤتى بها غالبا للتضعيف، ولم أرها في
507

هذه المسألة في كلام غيره، ولعله زادها إشعارا باختيار خلافه، وهو ما ذكره آخر كتاب الشركة عن
المنظومة المحبية، وبه أفتى ابن نجيم، وهو الذي عليه العمل اليوم، هذا وكان ينبغي للشارح أن يذكر
هذه المسألة بعد قوله: إلا إذا سكن بتأويل ملك كما فعل البيري وغيره. قوله: (قيل أو آجره إلخ)
نقل المصنف في المنح أنه يصير معدا لذلك، ثم نقل أنها بسنة أو سنتين أو أكثر لا تصير معدة.
أقول: وفي أوائل إجارات القنية عن الأصل: استأجر أرضا فزرعها سنين، فعليه أجر السنة
الأولى الأولى ونقصان الأرض فيما بعدها، ويتصدق بالفضل عند أبي حنيفة ومحمد. قال القاضي الصدر:
هذا إذا لم تكن الأرض معروفة بالإجارة بأن كانت لا تؤجر كل سنة، فلو عرفت بها يجب أجر السنين
المستقبلة بلا خلاف، فعرف بهذا أن عند أبي حنيفة ومحمد لا تصير الأرض معدة للإجارة سنة
أو سنتين، ونحوه في المحيط اه‍،
أقول: وظاهره اعتماد أنها تصير معدة بأكثر من الثلاث، ففي إطلاق الأشباه الآتي نظر، فتدبر.
قوله: (لا تصير الدار إلخ) قيد بها لان الأرض تصير معدة للزراعة، بأن كانت في قرية اعتاد أهلها
زراعة أرض الغير وكان صاحبها ممن لا يزرع بنفسه فلصاحبها مطالبة الزارع بالمتعارف كما في البيري
عن الذخيرة وقدمنا الكلام عليه مستوفى. قوله: (بالنسبة للمشتري) أي ما لم يشترها المشتري لذلك.
قوله: (وأن لا يكون المستعمل مشهورا بالغصب) كذا قيده في الذخيرة حيث قال: قالوا في المعدة
للاستغلال يجب الاجر إذا سكن على وجه الإجارة عرف ذلك منه بطريق الدلالة، وذكر في مزارعتها
أن السكنى فيها تحمل على الإجارة إلا إذا سكن بتأويل ملك اه‍. تأمل.
أقول: وذكر الشارح قبيل فسخ الإجارة ما نصه: وفي الأشباه ادعى نازل الخان وداخل الحمام
وساكن المعد للاستغلال الغصب لم يصدق والاجر واجب.
قلت: فكذا مال اليتيم على المفتى به فتنبه اه‍. فتأمل.
أقول: وهذا كله إذا لم يطالبه بالاجر، وإلا فيجب ولو لم يكن معدا للاستغلال لما في إجارات
القنية، قالوا جميعا: المغصوب منه إذا أشهد على الغاصب أنه إن رددت إلى داري وإلا أخذت منك كل
شهر ألف درهم فالاشهاد صحيح، فلو أقام فيها الغاصب بعده يلزمه الاجر المسمى اه‍. قوله: (قاله
شيخنا) أي في حاشية المنح ولم يعزه لاحد.
أقول: وينبغي تقييده بما إذا لم يكن إعداده ظاهرا مشهورا كالخان والحمام، وبه يحصل التوفيق
بين هذا وبين ما قدمناه آنفا أنه لو ادعى الغصب لم يصدق. تأمل. قوله: (صار) في بعض النسخ
جاز.
تنبيه: قدمنا في كتاب الإجارات أن المعد للاستغلال غير خاص بالعقار، فقد أفتى في الحامدية
508

بلزوم الاجر على مستعمل دابة المكاري بلا إذن ولا إجارة، ونقل عن مناهي الأنقروي عن حاشية
القنية عن ركن الأئمة: استعمل ثور إنسان أو عجلته يجب عليه أجر المثل، إذا كان أعده للإجارة بأن
قال بلسانه أعددته لها اه‍. فليحفظ فهو محل اشتباه. قوله: (إلا في المعد للاستغلال إلخ) أفاد أن
الاستثناء من قوله أو معدا فقط، وأن الوقف ومال اليتيم يجب فيه الاجر على كل حال، والداعي إلى
هذا التقييد مع أنه خلاف المتبادر من عبارة المتن ما قدمه من القول المعتمد، ولذا قدم الشارح عند
الكلام في غصب العقار أنه لو شرى دارا وسكنها فظهرت وقفا أو الصغير لزمه الاجر صيانة لهما،
وقدمنا أنه المختار مع أنه سكنها بتأويل ملك أو عقد، فاحفظه فقد يخفى على كثير. قوله: (كبيت) وكذا
الحانوت كما في العماية. قوله: (فتنبه) أي ولا تغفل عن كونه مبنيا على قول المتقدمين ح. قوله: (إذا
سكنه أحدهما) أي أحد الموقوف عليهما أو أحد الشريكين، بأن كان البعض ملكا له والبعض وقفا على
الآخر. قوله: (بالغلبة) قيد به لما قدمه أول كتاب الوقف أنه لو سكن بعضهم ولم يجد الآخر موضعا
يكفيه فليس له أجرة ولا له أن يقول أنا أستعمله بقدر ما استعملته، لان المهايأة إنما تكون بعد
الخصومة إلخ. قوله: (ثم بان للغير) أي ظهر أن البيت لغير الراهن حال كونه معدا للإجارة ح. قوله:
(فلا شئ عليه) لأنه لم يسكنها ملتزما للاجر كما لو رهنها المالك فسكنها المرتهن. قنية.
أقول: بل الاجر على الراهن لأنه غاصب فتأمله. بيري. قوله: (بقي لو آجر الغاصب أحدها) أي
أحد ما منافعه مضمونة من مال وقف أو يتيم أو معد للاستغلال. أشباه. قوله: (فعلى المستأجر المسمى)
أي للغاصب لأنه العاقد. قوله: (ولا يلزم الغاصب الاجر) أي أجر المثل كما هو في عبارة الأشباه.
قوله: (بل يرد ما قبضه للمالك) حاصله: أنه لا يلزمه إلا الذي آجر به وإن كان دون أجر المثل.
حموي. قوله: (وقنية) عبارتها: ولو غصب دارا معدة للاستغلال أو موقوفة أو ليتيم وآجرها وسكنها
المستأجر يلزمه المسمى أجر المثل، قيل له: وهل يلزم الغاصب الاجر لمن له الدار؟ فكتب لا، ولكن
يرد ما قبض على المالك وهو الأولى. ثم سئل: يلزم المسمى للمالك أم للعاقد؟ فقال: للعاقد، ولا
يطيب له بل يرده على المالك، وعن أبي يوسف: يتصدق به اه‍.
قال العلامة البيري: الصواب أن هذا مفرع على قول المتقدمين، وأما على ما عليه المتأخرون فعلى
الغاصب أجر المثل اه‍: أي إن كان ما قبضه من المستأجر أجر المثل أو دونه، فلو أكثر برد الزائد أيضا
لعدم طيبه له كما حرره الحموي وأقره أبو السعود. قوله: (وفي الشرنبلالية إلخ) عبارتها: إلا إذا سكن
بتأويل ملك أو عقد وينظر ما لو عطل إلخ أقول: إن كان الضمير في عطل للساكن فلا معنى له
لأنه مستوف لا معطل، وإن كان لمن له تأويل ملك فلا وجه للتوقف، لأنه إذا سكن واستوفى المنفعة
لا يلزمه أجر فكيف يلزمه إذا عطلها، وإن كان للغاصب: أي لو عطل غاصب منفعة أحد هذه الثلاثة
ولم يستوفها فهو معلوم من عبارة المصنف وصاحب الدرر، لان استثناء هذه الثلاثة من قوله سابقا
استوفاها أو عطلها يفيد أنها مضمونة بالاستيفاء أو التعطيل. تأمل.
509

وسئل في الحامدية عن حانوت وقف عطله زيد مدة فأفتى بلزوم أجر المثل مستدلا بعبارة
المصنف، وأما عود الضمير للمستأجر من الغاصب فلا مساغ له فإنه لم يتعرض في الشرنبلالية
للمستأجر، فافهم. قوله: (بأن أسلم وهما في يده) وكذا لو حصلهما وهو مسلم، فإن الحكم لا
يختلف فيما يظهر، وإنما ذكر ذلك تحسينا للظن بالمسلم ط.
وفي جواهر الفتاوى: مسلم غصب من مسلم خمرا، هل يجب على الغاصب أداء الخمر إليه حتى
لو لم يرده يؤاخذ به يوم القيامة إذا علم قطعا أنه يستردها ليخللها يقضي بردها إليه، وإن علم أنه
يستردها ليشربها يؤمر الغاصب بالإراقة كمن في يده سيف لرجل فجاء مالكه ليأخذه منه إن علم أنه يأخذه ليقتل به مسلما يمسكه إلى أن يعلم أنه
ترك هذا الرأي اه‍. منح. قوله: (فلا ضمان) نتيجة قوله وبخلاف إلخ ووجهه عدم تقومها في حق المسلم لأنه باعتبار دين المغصوب منه. قال في
الشرنبلالية: وكذا لا يضمن الزق بشقه لإراقة الخمر على قول أبي يوسف وعليه الفتوى كما في
البرهان اه‍. وهذا حكم الدنيا، بقي حكم الآخرة: فإن كان المغصوب منه خلا لإتخذا العصير للخل
فعلى الغاصب إثم الغصب، وإن اتخذها للشرب فلا حق له عليه في الآخرة، كما في المنح عن جواهر
الفتاوى. قوله: (المسلم) أما الذمي فيضمن مثل الخمر وقيمة الخنزير. ابن ملك. قوله: (قيمتهما) أي
الخمر والخنزير، وفي بعض النسخ قيمتها بلا ضمير تثنية: أي قيمة الخمر، والأولى هي الموافقة لقول
المصنف كالكنز والقدوري: لو كانا لذمي بالتثنية، والثانية موافقة لتعليل الشارح، ولما في غاية البيان
في شرح الكافي: إذا أتلف المسلم الخنزير على ذمي فلا ضمان عليه عنده خلافا لهما. وتمامه فيه.
قوله: (قيمي حكما) أي وإن كانت من ذوات الأمثال، لان المسلم ممنوع عن تمليكها وتملكها لما فيه من
إعزازها. زيلعي. قوله: (لو كانا لذمي) أطلقه فشمل ما إذا أظهر بيعهما. قال في المنح عن المجتبى:
ذمي أظهر بيع الخمر والخنزير في دار الاسلام يمنع منه، فإن أراده رجل أو قتل خنزيره ضمن، إلا
أن يكون إماما يرى ذلك فلا يضمن الزق ولا الخنزير ولا الخمر لأنه مختلف فيه اه‍. ونقل ط عن البرهان
تقييد الاطلاق بما إذا لم يظهرها. تأمل. وسيأتي تمام الكلام عليه. قوله: (يرى ذلك عقوبة) حال من
الامام: أي يرى جواز العقوبة به بأن كان مجتهدا أو مقلدا لمجتهد يراه كما يفيده التعليل السابق. تأمل.
قوله: (ولا ضمان في ميتة ودم أصحا) أي مطلقا، ولو لذمي كما سيصرح به، إذ لا يدين تمولهما أحد
من أهل الأديان. هداية. وهذا في الميتة حتف أنفها، لان ذبيحة المجوسي ومخنوقته وموقوذته يجوز
بيعها عند أبي يوسف، خلافا لمحمد فينبغي أن يجب الضمان. إتقاني. وجزم به في الكفاية. قوله:
(وشربها) المراد مطلق الاتلاف كما في المنح عن القنية. قوله: (لأنه فعله إلخ) بيان لوجه المخالفة بين
الغصب والشراء.
قال في المنح: لكن فيه أنه مخالف للقاعدة المشهورة: وهي أن المتضمن يبطل ببطلان المتضمن،
وهنا لما بطل البيع في الخمر وجب أن يبطل ما في ضمنه من التسليط، إلا أن يدعي خروجه عن
510

القاعدة ببيان وجه أو أنها أكثرية اه‍. قال الرملي: لقائل أن يمنع كونه منها، إذ التسليط حصل بالفعل
قصدا لا ضمنا، فتأمل اه‍. قوله: (ثم أسلما أو أحدهما) أي قبل القضاء بمثل الخمر أو بعده. منح.
قوله: (إلا في رواية) أي عن الامام وهي قول محمد. قوله: (على قيمة الخمر) أي على المتلف إذا أسلم
وحده، وكذا إذا أسلما وسبق إسلامه. قال الزيلعي: ولو أسلم الطالب بعد ما قضى له بمثلها فلا
شئ له على المطلوب، لان الخمر في حقه ليست بمتقومة فكان بإسلامه مبرئا له عما كان في ذمته من
الخمر، وكذا لو أسلما لان في إسلامهما إسلام الطالب.
ولو أسلم المطلوب وحده أو أسلم المطلوب ثم أسلم الطالب بعده، قال أبو يوسف: لا يجب
عليه شئ، وهو رواية عن أبي حنيفة. وقال محمد: يجب قيمة الخمر، وهو رواية عن أبي حنيفة اه‍.
فافهم. وقيد بالخمر لما في التاترخانية أنه في الخنزير يبقى الضمان بأسلامهما أو إسلام أحدهما، لان
موجبه الأصلي القيمة والاسلام لا ينافيها اه‍. قوله: (أخذهما المالك مجانا) لان ذلك تطهير له بمنزلة
الغسل فيبقى على ملكه إذ لا تثبت المالية به. قوله: (ولكن لو أتلفهما ضمن) لما كان هنا المغصوب خمر
المسلم وقد مر أن خمر المسلم لا يضمن بالاتلاف كان مظنة لتوهم عدم الضمان هنا أيضا، فالاستدراك
في محله، فافهم. قوله: (ضمن) أي مثل الخل وقيمة الجلد ح. قوله: (يضمن قيمته مدبوغا) أي في
صورة الاتلاف ط. قوله: (واعتمده في الملتقى) حيث قال: فلو أتلفه الغاصب ضمن قيمته. مدبوغا،
وقيل طاهرا غير مدبوغ. قوله: (ملكه) لان الملح والخل مال متقوم والخمر غير متقوم فيرجح جانب
الغاصب فيكون له بلا شئ. قوله: (لمالكه) أي المالك الأول. قوله: (خلافا لهما) فعندهما يأخذ المالك
إن شاء ويرد قدر وزن الملح من الخل، فلو أتلفها الغاصب لا يضمن خلافا لهما. ملتقى. قوله:
(كقرظ) بفتحتين وبالظاء المشالة: ورق السلم. شرنبلالية. وما في المنح بخط المصنف كقرض
بالضاد تصحيف كما نبه عليه الرملي. قوله: (الجلد) مفعول دبغ. قوله: (أخذه المالك) وقول صدر
الشريعة: وإذا دبغ بذي قيمة يصير ملكا للغاصب سهو من قلم الناسخ الأول كما بسطه الباقاني. در
منتقى. قيل: والفرق بين الخل والجلد في أن المالك يأخذ الجلد لا الخل، أن الجلد باق لكن أزال عنه
النجاسات، والخمر غير باقية بل صارت حقيقة أخرى. ولابن الكمال فيه كلام. قوله: (ورد ما زاد
الدبغ) بأن يقوم مدبوغا وذكيا غير مدبوغ ويرد فضل ما بينهما. ملتقى. قال في شرحه: وليس له أن
يدفع الجلد للغاصب ويضمنه قيمته غير مدبوغ لعدم تقومه قبل الدبغ. قوله: (وللغاصب حبسه إلخ)
فإن هلك في يده سقط عن المالك قيمة الزيادة. ابن كمال. قوله: (ولو أتلفه
لا يضمن) أي لو أتلفه عند أبي حنيفة، وقالا: يضمن قيمته طاهرا، لان تقوم الجلد حصل بفعله وحقه قائم فيه، والجلد تبع
لفعله في حق التقوم لأنه لم يكن متقوما قبل الدباغة، والأصل وهو الصنعة غير مضمون عليه
بالاتلاف، فكذا تبعه، بخلاف المدبوغ بما لا قيمة له لأنه ليس للغاصب فيه شئ متقوم، وبخلاف ما
511

لو استهلكه غير الغاصب لان الأصل مضمون عليه. فكذا التبغ. ابن ملك.
وفي النهاية: لو جعله الغاصب بعد دباغته فروا: فإن جلد ذكي فعليه قيمته يوم الغصب اتفاقا،
وإن جلد ميتة فلا شئ عليه لأنه تبدل اسمه ومعناه بفعله. وتمامه في التبيين. قوله: (ولا ضمان إلخ)
مكرر مع ما مر، لكن أعاده ليربطه بما بعده إظهارا للفرق بينهما كما أشار إليه في الهداية من أنا لما
أمرنا بترك أهل الذمة على ما اعتقدوه من الباطل وجب علينا ترك أهل الاجتهاد على ما اعتقدوه مع
احتمال الصحة فيه بالأولى، والفرق أن ولاية المحاجة ثابتة لقيام الدليل على الحرمة فلم يعتبر اعتقاد
الضمان، فافهم. قوله: (ولو لمن يبيحه) أي ولو كان مملوكا لمبيحه كشافعي. قوله: (لأن ولاية المحاجة
ثابتة) أي بنص. ولا تأكلوا. قال في العناية: لقائل أن يقول: لا نسلم ذلك لان الدليل الدال على ترك
المحاجة مع أهل الذمة دال على تركها مع المجتهدين الطريق الأول على ما قررتم. والجواب: أن
الدليل هو قوله عليه الصلاة والسلام: اتركوهم وما يدينون وكان ذلك بعقد الذمة وهو منتف في
حق المجتهدين اه‍.
وفي الحواشي السعدية: والأولى أن استحلال متروك التسمية مخالف لنص الكتاب والخصم
مؤمن به يثبت ولاية المحاجة. قوله: (آلة اللهو) كبربط ومزمار ودف وطبل وطنبور. منح. والذي قاله
ابن الكمال أن العزف بلا ميم هو آلة اللهو، وأما المعزف بالميم فهو نوع من الطنابير يتخذه أهل
اليمن. وكتب على الهامش أن صدر الشريعة أخطأ حيث لم يفرق بين المعزف والعزف وهو كفلس،
جمعه معازف على غير قياس، وعزف كضرب. سائحاني. ومثله في القهستاني. قوله: (ولو لكافر)
الأولى ولو لمسلم ليفيد الكافر بالأولى لما قيل إنه بالاتفاق كما يأتي، ولان خمر المسلم غير مضمون،
بخلاف خمر الكافر كما مر، فإذا ضمن معزف المسلم مع عدم ضمان خمره علم ضمان معزف الكافر
بالأولى، فتدبر. وعبارة ابن الكمال: وإنما لم يقل لمسلم كما قال صاحب الهداية لعدم الفرق بين
كونه (1) له وكونه لكافر. قوله: صالحا لغير اللهو) ففي الدف قيمته دفا يوضع فيه القطن، وفي البربط
قصعة ثريد. إتقاني. قوله: (سيجئ بيانه) بينه في الهداية هنا فقال: السكر: أي بفتحتين اسم للنئ
من ماء الرطب إذا اشتهد، والمنصف ما ذهب نصفه بالطبخ. قوله: (وصح بيعها كلها) لأنها أموال
متقومة لصلاحيتها للانتفاع بها لغير اللهو، فلم تناف الضمان كالأمة المغنية، بخلاف الخمر فإنها حرام
لعينها. وأما السكر ونحوه فحرمته عرفت بالاجتهاد وبإخبار الآحاد فقصرت عن حرمة الخمر، فجوزنا
البيع، وقلنا: يضمن بالقيمة لا بالمثل، لان المسلم يمنع عن ذلك، ولكن لو أخذ المثل جاز لعدم
سقوط التقوم. إتقاني ملخصا. وبه يندفع توقف المحشي. قوله: (وقال إلخ) هذا الاختلاف في الضمان

(1) قوله: (لعدم الفرق بين كونه الخ) ظاهر هذا انه يضمن لهما صالحا لغير اللهو وبه جزم القهستاني كما يأتي في
المحشي، وحينئذ يكون قول الشارح: ولو لكافر مناسبا لأنه ربما يتوهم في عزف الكافر بالغا ما بلغ ضمانه، وحينئذ
يكون حكم عزف المسلم معروفا بالأولى ا ه‍.
512

دون إباحة إتلاف المعازف، وفيما يصلح لعمل آخر وإلا لم يضمن شيئا اتفاقا، وفيما إذا فعل بلا إذن الإمام
، وإلا لم يضمن اتفاقا، وفي غير عود المغني وخابية الخمار، وإلا لم يضمن اتفاقا، لأنه لو لم
يكسرها عاد لفعله القبيح، وفيما إذا كان لمسلم، فل لذمي ضمن اتفاقا قيمته بالغا ما بلغ، وكذا لو
كسر صليبه، لأنه مال تقوم في حقه.
قلت: لكن جزم القهستاني وابن الكمال أن الذمي كالمسلم فليحرر. در منتقى.
أقول: وجزم به في الاختيار أيضا، ولعله اقتصر في الهداية على ذكر المسلم لكونه محل الخلاف
وبه يتحرر المقام، فتدبر. قوله: (والدف الذي يباح إلخ) احتراز عن المصنج. ففي النهاية عن أبي
الليث: ينبغي أن يكون مكروها. قوله: (غير صالحة لهذا الامر) أي ويضمن قيمة العبد غير خصي ط.
قوله: (فهلكت) عبر به ليفيد أنه لو حصل ذلك بفعله ثبت موجبه من غير خلاف، وحرره ط.
أقول: في التاترخانية عن شرح الطحاوي: ولو جنى على كل منهما يجب أرش الجناية على الجاني
بالاجماع قوله: (لتقوم المدبر) أي بثلثي قيمة القن، وقيل بنصفها. أفاده العيني. ولا يملكه بأداء
الضمان لأنه لا يقبل النقل من ملك إلى ملك. أبو السعود. قوله: (لتقومها) أي أم الولد وقيمتها ثلث
قيمة القن. حموي وفي بعض النسخ بضمير التثنية. قوله: (حل قيد عبد غيره) الخلاف في العبد
المجنون، فول عاقلا لا يضمن اتفاقا. شرنبلالية عن البزازية. قوله: (فذهبت هذه المذكورات) عدم
الضمان قولهما خلافا لمحمد في الدابة والطير، وظاهر القهستاني والبرجندي أن الخلاف في الكل،
وأن المودع لو فعل ما ذكر ضمن بالاتفاق لالتزامه الحفظ. در منتقى. وفي الشرنبلالية: قال في
النظم: لو زاد على ما فعل بأن فتح القفص وقال للطير كش كش أو باب اصطبل فقال للبقر هش هش
أو للحمار هر هر يضمن اتفاقا، وأجمعوا أنه لو شق الزق والدهن سائل أو قطع الحبل حتى سقط
القنديل يضمن اه‍ ط.
مطلب في ضمان الساعي
قوله: (أو سعى إلى سلطان) الظاهر أن هذه المسألة والتي بعدها لا ضمان فيهما اتفاقا لإزالة
الضرر اه‍ ط. قوله: (قد يغرم وقد لا يغرم) بتشديد الراء على البناء للفاعل من مزيد الثلاثي. قال في
المنح: والفتوى اليوم بوجوب الضمان على الساعي مطلقا. قوله: (فقال) الأول إسقاطه. قوله: (إنه وجد
كنزا) زاد في جامع الفصولين: فظهر كذبه ضمن إلا إن كان عدلا، أو قد يغرم وقد لا يغرم، ورمز
513

أيضا السعاية الموجبة للضمان أن يتكلم بكذب يكون سببا لاخذ المال منه، أو لا يكون قصده إقامة
الحسبة كما لو قال إنه وجد مالا وقد وجد المال فهذا يوجب الضمان، إذ الظاهر أن السلطان يأخذ منه
المال بهذا السبب اه‍. قوله: (وبه يفتى) أي دفعا للفساد وزجرا له وإن كان غير مباشر، فإن السعي
سبب محض لاهلاك المال والسلطان يغرمه اختيارا لا طبعا، هذا وفي الإسماعيلية ما يفيد أنه ورد نهي
سلطاني عن سماع القضاة هذا الدعوى، فإنه أفتى بأنه لا يقضي عليه بالضمان إلا بأمر سلطاني. قوله:
(وعزر) قال في الخيرية: وقد جوز السيد أبو شجاع قتله، فإنه ممن يسعى في الأرض بإفساد ويثاب
قاتلهم، وكان يفتى بكفرهم، ومختار المشايخ أنه لا يفتى بكفرهم، وجواز القتل لا يدل على الكفر كما
في القطاع والأعونة من المحاربين الله ورسوله. قاله في البزازية اه‍. قوله: (ونقل المصنف) أي عن
العمادية: فيما لو ادعى عليه سرقة فحبس، فسقط من السطح لما أراد أن ينفلت خوفا من التعذيب
فمات ثم ظهرت السرقة على يد غيره، ثم نقل المصنف عن القنية: شكى عند الوالي حق وأتى
بقائد فضرب المشكو فكسر سنه أو يده يضمن الشاكي أرشه كالمال، وقيل إن من حبس بسعاية فهرب
وتسور جدار السجن فأصاب بدنه تلف يضمن الساعي، فكيف هنا؟ فقيل: أتفتي بالضمان في مسألة
الهرب؟ قال: لا إلخ. تأمل. قوله: (غرم الشاكي) أي لو بغير حق كما يفهم مما مر من عدم غرامة
الأموال فليكن مثلها غرامة النفس. سائحاني.
قلت: ويؤخذ أيضا من قول العمادية: ثم ظهرت السرقة على يد غيره كما مر. تأمل. قوله:
(والفرق إلخ) استشكله في جامع الفصولين بما في فوائد صاحب المحيط: أمر قن غيره بإتلاف مال
رجل يغرم مولاه ثم يرجع على آمره، إذ الآمر صار مستعملا للقن فصار غاصبا. قال: ويمكن
الجواب بأنه لا ضمان على القنو ولا على مولاه في إتلاف مال مولاه فلا رجوع على الآمر، بخلاف
إتلاف مال غيره، أو في المسألة روايتان لكنه يفيد أن الآمر يضمن، وإن لم يكن سلطانا ولا مولى ويأتي
خلافه. قال: ويمكن الجواب بأن المراد ثمة هو الضمان الابتدائي الذي بطريق الاكراه، ألا ترى أن
المباشر لا يضمن ثمة، بخلاف ما نحن فيه فافترقا.
مطلب: الآمر لا ضمان عليه إلا في ستة
قوله: (واعلم أن الآمر لا ضمان عليه) فلو خرق ثوبا بأمر غيره ضمن المخرق لا الآمر. جامع
الفصولين.
514

قال الرملي في حاشيته عليه: أقول وجه عدم صحة الامر أن لا ولاية له أصلا عليه، فلو كان
له عليه ولاية كدابة مشتركة بين اثنين استعارها أجنبي من أحدهما فأمر رجلا بتسلمها للمستعير فدفعها
له فلا شبهة في ضمان الآمر الشريك، لان تسليم مأموره كتسليمه هو، وإن شاء ضمن المأمور لتعديه
بدفع مال الغير بغير إذنه. تأمل ا ه. قوله: (إلا في ستة) هذا على ما في بعض نسخ الأشباه، وفي
بعضها خمسة بإسقاط أو أبا. قوله: (إذا كان الآمر سلطانا) لان أمره إكراه كما مر في بابه. قوله: (أو
أبا) صورته: أمر الأب ابنه البالغ ليوقد نارا في أرضه ففعل، وتعدت النار إلى أرض جاره فأتلفت
شيئا يضمن الأب لان الامر صح، فانتقل الفعل إليه كما لو باشره الأب، بخلاف ما لو استأجر نجارا
ليسقط جداره على قارعة الطريق ففعل وتلف به إنسان، فإن الضمان على النجار لعدم صحة الامر.
كذا في شرح تنوير الأذهان، وظاهر هذا التصوير أنه ليس المراد كل أمر من الأب للبالغ، حتى لو
أمره بإتلاف مال أو قتل نفس يكون ضمانه على الابن لفساد الامر ط.
أقول: ووجهه أنه في الأول استخدام فصح الامر لوجوب خدمة الأب، بخلاف غيره فإنه
عدوان محض. تأمل. وينبغي تقييده بما لو أوقد النار في يوم ريح، أو نارا لا يوقد مثلها، أو كانت
أرض الجار قريبة، بحيث يصل إليها شرار النار غالبا، وإلا فلا ضمان على المالك لو فعل ذلك كما
في جامع الفصولين، فكذا بفعل ابنه بأمره. قوله: (أو سيدا) اي والمأمور منه قوله: (أو المأمور صبيا)
كما إذا أمر صبيا بإتلاف مال الغير فأتلفه ضمن الصبي ويرجع به على الآمر. أشباه. وفي الخانية: حر
بالغ أمر صبيا بقتل رجل فالدية على قالة الصبي، ثم يرجعون على عاقلة الآمر، فلو الآمر صبيا أيضا
فلا رجوع، ولو عبدا مأذونا لا يضمن الآمر اه‍. ملخصا.
وفي جامع الفصولين: قال لصبي اصعد هذه الشجرة فانفض لي ثمرها فصعد فسقط تجب ديته
على عاقلة آمره، وكذا لو أمره بحمل شئ أو كسر حطب بلا إذن وليه، ولو لم يقل اصعد لي بل قال
أصعدها وانفض لنفسك أو نحوه فسقط ومات فالمختار هو الضمان، وقيل لا ضمان اه‍. قوله: (أو
عبدا أمره بإتلاف مال غير سيده) أو بالإباق أو بقتل نفسه كما مر، فلو أمره بإتلاف مال سيده لا
يضمن كما مر أيضا. قال الحموي: إذ لو ضمن لرجع على سيد العبد بما ضمنه لسيده ولا فائدة فيه
اه‍. قوله: (وإذا أمره) الضمير المنصوب يعود إلى المأمور لا بقيد كونه صبيا أو عبدا. قوله: (ورجع على
الآمر) أفاد في التاترخانية أن الرجوع فيما إذا قال له احفر لي بزيادة لفظة لي أو قال في حائطي أو
كان ساكنا في تلك الدار أو استأجره على ذلك دون ذلك كله من علامات الملك، وإلا فلا يرجع لان
الامر لم يصح بزعم المأمور اه‍. وعليه فلو قال احفر لي في حائط الغير أو علم أنه للغير لا يرجع،
فإطلاق الشارح في محل التقييد، فتنبه.
تتمة: في الهندية عن الذخيرة: أمر غيره أن يذبح له هذه الشاة، وكانت لجاره ضمن الذابح
علم أو لا، لكن إن علم لا يكون له حق الرجوع، وإلا رجع اه‍. وفي البزازية: أمر أجيره برش الماء
في فناء دكانه فرش فما تولد منه فضمانه على الآمر، وإن بغير أمره فالضمان على الراش اه‍.
قلت: فصارت المستثنيات ثمانية، ويزاد تاسعة، وهي ما قدمناه قريبا عن الرملي، والتتبع ينفي
515

الحصر. قوله: (استعمل عبد الغير) ومثله الصبي كما مر، فلو غصب حرا صغيرا ضمن إلا إن مات
حتف أنفه، فلو غرق أو قتله قاتل ضمن اه‍. جامع الفصولين. قوله: (لنفسه) زاد في البزازية قيدا آخر
ونصه: استخدام عبد الغير إذا اتصل به الخدمة غصب لقبضه بلا إذنه، حتى إذا هلك من ذلك العمل
يضمن، وإن لم تتصل به الخدمة لا يضمن، علم أنه عبد الغير أو لا اه‍. قوله: (وفيها إلخ) مكرر مع
المتن ح، إلا أن يقال: قصد بنقلها توضيح المتن. قوله: (أي في عمل غيره) أي ولو كان ذلك الغير
نفس العبد وحده كما يدل عليه ما بعده. قوله: (لم يضمن الآمر) لعله مبني على خلاف المختار الذي
قدمناه عن جامع الفصولين، إلا أن يدعي الفرق بين الصبي والعبد. فليتأمل. قوله: (لأنه استعمله كله
في نفعه) هذا ما علل به قاضيخان حين أفتى بالضمان، ووجهه أن نفع الآمر لا يحصل إلا باستعمال
العبد كله لعدم تجزيه وإن قصد العبد نفع نفسه أيضا، ولأنه لم يصعد إلا بأمره يوضحه ما في العمادية
أيضا: غلام حمل كوز ماء لبيت مولاه بإذنه فدفع إليه رجل كوزه ليحمل ماء له من الحوض فهلك في
الطريق، قال صاحب المحيط مرة: يضمن نصف القيمة، ثم قال في المرة الثانية: كلها، لأنه نسخ فعله
فعل المولى اه‍. فحيث ضمن الكل مع أن العبد في خدمة المولى يضمن في مسألتنا بالأولى. قوله: (فغيره
بالأولى) كذا قاله في المنح، وظاهره أن العاقلة تضمنه أيضا، وقد علل ضمان العاقلة في المعتاد في
جامع الفصولين بأنه خطأ، وهل غير المعتاد خطأ أيضا؟ محل نظر فليحرر. وقدم الشارح المسألة في
باب ضمان الأجير وذكر أنه لو فصد نائما وتركه حتى مات من السيلان يجب القصاص. قوله: (ضمن
قيمة العبد عاقلة الفصاد) لان إذنه لا يعتبر، وظاهره ولو مأذونا لان ذلك ليس من التجارة، ومثله
الصبي ط. قوله: (صار غاصبا للمال أيضا) فلو أبق ضمن غاصبه المال وقيمته. فصولين. قوله: (بل
قالوا إلخ) وجه الترقي أن الثياب تابعة له، بخلاف المال. قوله: (بخلاف الحر) لان ثيابه تحت يده.
فصولين. وفي البزازية: ضرب رجلا وسقط حتى مات، قال محمد: يضمن ماله وثيابه التي عليه اه‍:
أي لفساد اليد. تأمل. قوله: (ولو نسي الحرفات) جمع حرفة: أي في يد الغاصب. قوله: (أو شاخ) أي
صار شيخا أو عجوزا لفوات وصف مقصود يزيد في المالية. قوله: (يذكر) أي ضمان النقصان. قوله:
516

(ولو علم الدلال إلخ) قال الشرنبلالي عن القنية: الدلال إذا علم القيمة ونقص منها المباع للخزانة
السلطانية أو للأمير بما لا يتغابن فيه يضمن النقص، وخرج على هذا تقويم شهود القيمة والقسمة
وشيخ الصحافين ونحوهم لأموال الأيتام والأوقاف الخراب للأمراء والنواب والحاكم كما هو المعتاد،
ويظهر فيه الغبن الفاحش، وقد يعلم القاضي حالهم سيما في الإستبدالات من جهتي المسوغ والقيمة،
وحينئذ ينبغي القول بتضمين القاضي أيضا اه‍. قوله: (ومتلف إحدى فردتين) المراد أحد شيئين لا ينتفع
صاحبهما الانتفاع المقصود إلا بهما معا كمصراعي باب وزوجي خف أو مكعب. قوله: (يسلم البقية)
أل من البقية تتمة الشطر الأول: أي يدفع للغاصب الفردة البقية: أي الباقية إن شاء ويضمنه قيمة
المجموع. وقال بعضهم: يمسك الباقية ويضمن الثنتين. قوله: (وأقره الشرنبلالي) أي في شرحه على
النظم. قوله: (وذكر ما يفيد أن السلطان إلخ) أي الواقع في النظم، وقدمنا عبارته آنفا.
خاتمة: غصب السلطان نصيب أحدهم من شرب أو دار وقال لا أغصب إلا نصيبه فهو بينهم
جميعا. فصولين. لكن في التاترخانية: المختار أن غصب المشاع يتحقق. تشبث رجل بالثوب فيجذبه
صاحبه فانخرق ضمن الرجل نصف الثوب. قام فانشق ثوبه من جلوس رجل عليه ضمن الرجل
نصف الشق، وعلى هذا المكعب دخلت دابة زرعه فأخرجها ولم يسقها بعد ذلك لم يضمن هو المختار،
وإن ساقها بعد ما أخرجها يضمن سواء ساقها إلى مكان يأمن فيه منها على زرعه أو أكثر منه، وعليه
الفتوى.
ماتت دابة لرجل في دار آخر إن لجلدها قيمة يخرجها المالك والأقرب الدار. قال مشايخنا رحمهم
الله تعالى: الغاصب إذا ندم ولم يظفر بالمالك يمسك المغصوب إلى أن ينقطع رجاؤه فيتصدق به إن
شاء بشرط أن يضمن إن لم يجز صدقته، والأحسن أن يرجع ذلك إلى الامام لان له تدبيرا ورأيا في مال
الغيب. الكل من التاترخانية. والله تعالى أعلم، وله الحمد على ما علم.
517

كتاب الشفعة
قوله: (مناسبته إلخ) أي مناسبته للغصب، ولم يذكر وجه تقديمه عليها مع أنها مشروعه بخلافه،
وهو كثرة وقوعه، وأنه قد يدخل في العقار والمنقول، بخلافها لما قال في السعدية: إن بيان وجه
تأخيره عن المأذون يغني عنه. قوله: (هي لغة الضم قال) الزيلعي: مأخوذة من الشفع، وهو الضم ضد
الوتر، ومنه شفاعة النبي (ص) للمذنبين لأنه يضمهم بها إلى الفائزين. يقال: شفع الرجل شفعا: إذا كان
فردا فصار ثانيا، والشفيع يضم المأخوذ إلى ملكه فلذلك سمي شفعة اه‍.
وفي القهستاني: هي لغة فعلة بالضم بمعنى المفعول اسم للملك المشفوع بملك اه‍. وأفاد في المغرب استعمالها في
المعنيين وأنه لم يسمع من الشفعة فعل، وأما قولهم: الدار التي يشفع بها فمن
استعمال الفقهاء. قوله: (وشرعا تمليك البقعة) الأول ما وقع في الكنز وغيره تملك لأنه من أوصاف
الشفيع، وهو مالك لا مملك، بل الأولى ما في غاية البيان أنها عبارة عن حق التملك، إذ لولا هذا
المضاف كما قال قاضي زاده في تكملة الفتح لزم أن لا يكون لقوله وتستقر بالاشهاد صحة، لان
التملك لا يوجد بدون القضاء أو الرضا، وأيضا فإن حكمها جواز الطلب وحكم الشئ يعقبه أو
يقارنه، فلو حصل التملك قبل الطلب لزم تحصيل الحاصل، والمراد البقعة أو بعضها ليشمل ما إذا
اشتراها أحد شفعائها كما سيأتي. قوله: (جبرا على المشتري) ليس للاحتراز عما لو رضي بذلك، بل
لان الغالب عدم رضاه كما أشار إليه القهستاني. أبو السعود. وأفاد ابن الكمال أن المراد به عدم اعتبار
الاختيار، لا أنه يعتبر عدم الاختيار، واحترز بقوله على مشتريه عما ملكه بلا عوض كما بالهبة
والإرث والصدقة، أو بعوض غير عين كالمهر والإجارة والخلع والصلح عن دم عمد، ودخل فيه ما
وهب بعوض فإنه اشتراء انتهاء. قهستاني. وبه ظهر أنه ليس الأولى تركه بل زيادة البائع، لأنه قد
يكون جبرا عليه إذا أقر بالبيع وأنكر المشتري. وفي الفتاوى الصغرى: الشفعة تعتمد زوال الملك عن
البائع لا على ثبوته للمشتري، ولذا تثبت إذا باع بشرط الخيار للمشتري اه‍. فافهم. قوله: (بما قام
عليه) يعني حقيقة أو حكما كما سيأتي في الخمر وغيره. طوري. والمراد ما لزم المشتي من المؤن
بالشراء، وبه يعلم ما في كلام العيني كصاحب الدرر من القصور حيث قال بما: أي بالثمن الذي قام
عليه، فلو أبقى المتن على عمومه لكان أولى. أبو السعود. قوله: (وسببها
إلخ) قال الطوري: وسببها دفع الضرر الذي ينشأ من سوء المجاورة على الدوام من حيث إيقاد النار وإعلاء الجدار وإثارة الغبار
اه‍.
والظاهر أنه سبب المشروعية وما ذكره المصنف سبب الاخذ. تأمل. لا يقال: ما ذكر ضرر
موهوم، والأخذ من المشتري ضرر محقق به. لأنا نقول: هو غالب فيرفع قبل وقوعه، وإلا فربما لا
يمكن رفعه، وما أحسن ما قيل
كم معشر سلموا لم يؤذهم سبع * وما نرى أحدا لم يؤذه بشر
قوله: (بالمشتري) بفتح الراء. قوله: (بشركة أو جوار) متعلق باتصال، وشمل الشركة في البقعة
518

والشركة في الحقوق كما يأتي، وشمل قليل الشركة وكثيرها كالجوار، نبه عليه الإتقاني ط. قوله:
(وشرطها إلخ) المراد بالعقار هنا غير المنقول، فدخل الكرم والرحا والبئر والعلو وإن لم يكن طريقه في
السفل، وخرج البناء والأشجار فلا شفعة فيهما إلا بتبعية العقار وإن بيع بحق القرار. در منتقى،
ويشترط كونه مملوكا كما علم مما قدمه ويأتي فخرج الوقف، وكذا الأراضي السلطانية لا العشرية
والخراجية، إذ لا ينافي ذلك الملك كما سنذكره قبيل الباب الآتي، وكون العقد معاوضة، وزوال ملك
البائع عن المبيع فلا شفعة في بيع بخيار، وزوال حق البائع فلا شفعة في شراء فاسد، وملك الشفيع لما
يشفع به وقت الشراء، وعدم الرضا من الشفيع بالبيع ولو دلالة كما يعلم ذلك كله مما يأتي. قوله: (وإن
لم يكن طريقه في السفل) أي طريق العلو المبيع.
قال في الذخيرة: فإن كان طريقه في السفل فالشفعة بسبب الشركة في الطريق، وإن في السكة
العظمى فبسبب الجوار، وإن لم يأخذ صاحب العلو السفل بها حتى انهدم العلو فعلى قول أبي يوسف
بطلت، لان الجوار بالاتصال وقد زال كما لو باع التي يشفع بها قبل الاخذ. وعلى قول محمد تجب،
لأنها ليست بسبب البناء بل بالقرار وحق القرار باق، وإن كانت ثلاثة أبيات بعضها فوق بعض وباب
كل إلى السكة فبيع الأوسط تثبت للأعلى والأسفل، وإن بيع الأسفل أو الاعلى فالأوسط أولى اه‍
ملخصا. قوله: (بما له من حق القرار) لان حق التعلي يبقى على الدوام وهو غير منقول فتستحق به
الشفعة كالعقار. زيلعي. وظاهره ترجيح قول محمد المار. قوله: (إذا بيع مع حق القرار) كالبناء في
الأرض السلطانية أو أرض الوقف المحتكرة. قوله: (فرده شيخنا إلخ) اقتصر في الرد على الاستناد إلى
النقل، وكان ينبغي إبداء الفرق بينه وبين مسألة العلو للإيضاح، ولعله أن البناء فيما ذكر ليس له حق
البقاء على الدوام بل هو على شرف الزوال، لما قالوا: إن الأرض المحتكرة إذا امتنع المحتكر من دفع
أجرة المثل يؤمر برفع بنائه وتؤجر لغيره وكذا يقال في السلطانية: إذا امتنع من دفع ما عينه السلطان،
بخلاف حق التعلي فإنه يبقى على الدوام كما مر. وبه اندفع ما ذكره ح من أن تعليلهم إلحاق العلول
بالعقار بأن له حق القرار يؤيد ابن الكمال اه‍. فتأمل. قوله: (تبعا للبزازية وغيرها) ففي البزازية: ولا
شفعة في الكردار: أي البناء، ويسمى بخوارزم حق القرار لأنه نقلي كالأراضي السلطانية التي حازها
السلطان لبيت المال ويدفعها مزارعة إلى الناس بالنصف فصار لهم فيها كردار كالبناء والأشجار والكبس
بالتراب فبيعها باطل، وبيع الكردار إذا كان معلوما يجوز لكن لا شفعة فيه اه‍ ملخصا. ونحوه في
النهاية والذخيرة.
وفي التاترخانية عن السراجية: رجل له دار في أرض الوقف فلا شفعة له، ولو باع هو عمارته
فلا شفعة لجاره اه‍.
مطلب في الكلام على الشفعة في البناء نحو الأرض المحتكرة
هذا، وقد انتصر أبو السعود في حاشية مسكين لابن الكمال وجزم بخطأ من أفتى بأنه لا شفعة
519

في البناء في الأرض المحتكرة كالطوري، إذ لا سند له في فتواه، ثم استدل بما في شرح المجمع
الملكي: لو بيع النخل وحده أو البناء وحده فلا شفعة لأنهما لا قرار لهما بدون العرصة. قال: فتعليله
كالصريح في ثبوت الشفعة في البناء في المحتكرة لما له من حق القرار اه‍. واستدل قبل هذا أيضا بما
هو دليل عليه لا له كما تعرفه. وأما ما في شرح المجمع فلا دليل فيه أيضا، لان التعليل المذكور لبيان
الفرق بين بيع البناء أو النخل وحده وبين بيعه مع محله القائم فيه فإنه تثبت فيه الشفعة لوجود حق
القرار على الدوام، بخلاف بيع البناء أو الشجر وحده ولو في الأرض المحتكرة كما علمته مما قررناه
سابقا، ويمكن أن يكون مراد ابن الكمال بحق القرار المحل القائم فيه فلا يكون فين مخالفة لغيره،
وقوله إذ لا سند له في فتواه عجيب بعد ما قدمناه من النقول، ومما يدل عليه قطعا ما في الجامع
الصعير أن بيع أرض مكة لا يجوز وإنما يجوز بيع البناء فلا تجب الشفعة. وروى الحسن عن أبي حنيفة
أنها تجب، وهو قولهما وعليه الفتوى لأنه باع المملوك اه‍.
قال في شرح الوهبانية: ولا يخفى أن مفاد هذا الكلام أن الشفعة فيها إنما تثبت بناء على القول
بأن أرضها مملوكة، لا أن مجرد البناء فيها يوجب الشفعة فيكون حكمه مخالفا لحكم غيره من الأبنية كما
توهمه عبارة ابن وهبان اه‍: أي فإن عبارته توهم أن ثبوت الشفعة فيها لمجرد البناء فتجب، ولو قيل إن
أرضها غير مملوكة فيخالف حكم غيره من الأبنية وليس كذلك، بل ثبوتها خاص بالقول بملكية أرضها
ليكون تابعا للأرض فلا يكون من بيع المنقول.
والعجب من أبي السعود حيث استدل بهذا الكلام وجعله صريحا فيما ادعاه مع أنه صريح
بخلافه كما لا يخفى فإنه على القول بأن أرضها غير مملوكة فالبناء فيها له حق القرار على الدوام، ومع
هذا لا شفعة فيه فكيف البناء في الأرض المحتكرة. لا يقال: يلزم من هذا عدم ثبوتها في العلو. لأنا
نقول: البناء من المنقول بخلاف العلو كما مر، وأشار إليه الزيلعي فيما يأتي، فاغتنم هذه الفوائد،
الفرائد. قوله: (ولو بعد سنين) مرتبط بقوله: جواز الطلب أي إذا لم يعلم بها ط. قوله: (لا عليه) أي
لا يجب عليه الطلب بها، فالمراد بالوجوب الثبوت كما قال الإتقاني. قوله: (بعد البيع) لم يقل بالبيع لأنه
شرط. ابن كمال. قوله: (ولو فاسدا انقطع فيه حق المالك) بالهبة أو البناء أو الغرس. قوله: (كما يأتي)
أول الباب الثاني. قوله: (أو بخيار للمشتري) متعلق بمحذوف منصوب على الحالية عطفا على قوله:
ولو فاسدا المقرون بالواو الحالية لا على مدخول لو لفساد المعني، لأنه لو كان الخيار للبائع أو لهما
فلا شفعة اتفاقا، لأن المبيع لم يخرج عن ملك بائعه، بخلاف ما إذا كان للمشتري، وسيأتي تمام الكلام
على ذلك في الباب الثاني.
وفي القهستاني عن قاضيخان: لا شفعة في بيع الوفاء لان حق المالك لا ينقطع رأسا. قوله:
(وتستقر بالاشهاد) أي بالطلب الثاني وهو طلب التقرير. والمعنى أنه إذا أشهد عليها لا تبطل بعد ذلك
520

بالسكوت إلا أن يسقطها بلسانه أو يعجز عن إيفاء الثمن فيبطل القاضي شفعته، ولا بد من طلب
المواثبة لأنها حق ضعيف يبطل بالاعراض فلا بد من الطلب والاشهاد. جوهرة. قوله: (في مجلسه أي
طلب المواثبة) هو أن يطلب كما سمع، وهذا هو الطلب الأول من الثلاثة الآتية، وفيه مخالفة لما قدمناه
عن الجوهرة، ولقوله فلا تبطل بعده لان تأخير طلب التقرير مبطل لها أيضا كما يأتي، وهو متابع
لابن الكمال حيث قال: أراد بالاشهاد طلب المواثبة، لان حق الشفعة قبله متزلزل بحيث لو أخر
تبطل، وإذا لم يؤخر استقر: أي لا تبطل بعد ذلك اه‍.
ويمكن أن يجاب عن عبارة الشارح بأن يقال: المراد بالاشهاد هو الطلب الثاني إذا كان في مجلس
طلب المواثبة لما سيأتي أنه حينئذ يقوم مقال الطلبين، لكن يبعده الضمير في مجلسه، فإنه لو رجع إلى
طلب المواثبة لزوم عدوه على غير مذكور، والظاهر أنه راجع إلى الاشهاد، وقد فسره بقوله: أي طلب
المواثبة فينافي حمله على طلب الثاني. والعبارة الصحيحة أن يقال ولو في مجلس طلب المواثبة بزيادة
لو وإسقاط الضمير وأداة التفسير، ويكون المراد بالاشهاد الطلب الثاني كما قلنا، فتدبر. قوله: (فلا
تبطل بعده) أي بتأخير الطلب الثالث وهو طلب التملك، إما مطلقا أو إلى شهر كما يأتي. قوله:
(ويملك) بالياء المثناة التحتية. قال في الدرر: أي العقار وما في حكمه اه‍. ونحوه في المنح. والذي
رأيناه في النسخ تملك بالتاء الفوقية، وعليه فالضمير يعود إلى البقعة المذكورة أولا. قوله: (بالأخذ
إلخ) لان ملك المشتري تم فلا ينتقل عنه إلا بأحدهما كالرجوع في الهبة، فلو مات أو باع المستحق بها
أو بيعت دار بجنبها قبل الاخذ أو الحكم بطلت ولو أكل المشتري ثمرا حدث بعد قبضه لم يضمنه.
وتمامه في الجوهرة. قوله: (عطف على الاخذ) فلو قدمه عليه كما في الغرر لسلم من الايهام ط. قوله:
(كما حرره منلا خسرو) أي تبعا لغيره من الشراح. قوله: (بقدر رؤوس الشفعاء) لاستوائهم في
استحقاق الكل لوجود علته فيجب الاستواء في الحكم، وشمل ما لو كان المشتري أحدهم وطلب
معهم فيحسب واحدا منهم ويقسم المبيع بينهم كما في الوهبانية وشروحها، وسيأتي في الباب الثاني.
قوله (إن لم يكن) أي لم يوجد خليط في نفس المبيع مستحق بأن لم يوجد أصلا، أو كان غائبا، أو
كان حاضرا وسقطت شفعته بمسقط غير التسليم. قوله: (له) متعلق بتجب ولم يعده الشارح لظهوره
بعد ما نبه عليه فيما قبله، وقوله في حق المبيع متعلق بالضمير المجرور لعوده على الخيط وهو جائز
عند بعضهم كقول الشاعر:
وما هو عنها بالحديث المرجم
أي وما الحديث عنها، والأولى إظهاره وإضمار ما بعده بأن يقول ثم للخليط في حقه، ولذا قال
ابن الكمال: من قال ثم له في حق المبيع أضمر فيما حقه الاظهار وأظهر فيما يكفي فيه الاضمار.
قوله: (وهو الذي قاسم إلخ) كذا في العيني: قال المرحوم الشيخ شاهين: فيه نظر لان الخليط في حق
521

المبيع أعم ممن قاسم أو لا، بأن كان خليطا في حق المبيع من غير
قسمة، ويمكن أن يجاب بأنه غير احترازي، فالمتن على إطلاقه اه‍.
وأقول: بل هو احترازي لأنه قبل القسمة يستحقها من حيث كونه شريكا في نفس المبيع لا في
حقه، إذ الشريك في المبيع مقدم على الخليط في حقه. أبو السعود. قوله: (كالشرب والطريق إلخ)
الشرب بكسر الشين: النصيب من الماء، وعطف القهستاني الطريق بثم وقال: فلو بيع عقار بلا شرب
وطريق وقت البيع فلا شفعة فيه من جهة حقوقه، ولو شاركه أحد في الشرب وآخر في الطريق
فصاحب الشرب أول. قال في الدر المنتقى: ونقل البرجندي أن الطريق أقوى من المسيل فراجعه اه‍.
قوله: (لا تجري فيه السفن) قيل أراد به أصغر السفن، وعامة المشايخ على أن الشركاء على النهر إن
كانوا يحصون فصغير وإلا فكبير. ثم اختلفوا، فقيل ما لا يحصى خمسمائة، وقيل أربعون، وقيل
الأصح تفويضه إلى رأي كل مجتهد في زمانه اه‍. كفاية ملخصا. قال العيني: وهو الأشبه. وفي الدر
المنتقى عن المحيط، وهو الأصح. وفيه عن النتف: فلو باع حصته بشربها فالشفعة للخليط ثم لأهل
الجدول ثم لأهل الساقية ثم لأهل النهر العظيم اه‍.
أقول: أصل مياه دمشق من بردى، ويتشعب منه أنهار كقنوات بانياس وتورا، ويتشعب منها
لشرب البيوت طوالع، وكل طالب قد يتشعب منه طوالع وهكذا، ومقتضى ما في النتف أن يعتبر
أخص طالع ثم ما فوقه وهكذا إلى أن ينتهي إلى النهر العظيم وهو بردى الذي يسقي دمشق وقراها،
ومسافة ذلك أكثر من ثمان ساعات فلكية، وعليه فلو بيعت أرض شربها من أصل بردى ولا شركة
فيها نفسها فلجميع أهل تلك المسافة حق أخذها بالشفعة، وفيه توسيع للدائرة جدا، فلا جرم كان
الأصح الأشبه تفويضه لرأي المجتهد في كل زمان. والظاهر أن المراد بالمجتهد الحاكم ذو الرأي المصيب
للعلم بانقطاع المجتهد المصطلح عليه. نعم على ما نذكره قريبا عن الهداية لا يلزم المحذور، والله تعالى
أعلم. قوله: (وطريق لا ينفذ) فكل أهلها شفعاء ولو مقابلا، والمراد بعدم النفاذ أن يكون بحيث يمنع
أهله من أن يستطرقه غيرهم كما في الدر المنتقى، فلو فيه مسجد فنافذ حكما إذا كان مسجد خطة لا
محدثا. وتمامه في البزازية: فإن كانت سكة غير نافذة يتشعب منها أخي غير نافذة مستطيلة لا شفعة
لأهل الأولى في دار من هذه، بخلاف عكسه. ولو كان نهر صغير يأخذ منه نهر أصغر منه فهو على
قياس الطريق فلا شفعة لأهل النهر الصغير في أرض متصلة بالأصغر كما في الهداية وشروحها،
وخرج بالمستطيلة المستديرة ومر بيان ذلك وتوجيهه في متفرقات القضاء. قوله: (شرب نهر) أي صغير.
قوله: (فلكل أهل الشرب) أي من ذلك النهر الخاص ومثله الطريق الخاص، فكل أهله شفعاء ولو
مقابلا كما قدمناه، فالذي في أوله كالذي في آخر. إتقاني. قوله: (ثم لجار ملاصق) ولو متعددا،
والملاصق من جانب واحد ولو بشبر كالملاصق من ثلاثة جوانب فهما سواء. إتقاني. وفي القهستاني:
522

الملاصق المتصل بالمبيع ولو حكما كما إذا بيع بيت من دار فإن الملاصق له ولأقصى الدار في الشفعة
سواء اه‍. قوله: (بابه في سكة أخرى) نافذة أو لا. در منتقى. قوله: (وظهر داره لظهرها) أي لظهر
الدار المشفوعة، وعبارة الهداية: وغيرها على ظهرها، وهذا القيد غير لازم، وما ذكره الإتقاني وغيره
أنه للاحتراز عن المحاذي معناه: ولو بينهما طريق نافذ، لما في الجوهرة: ثم الجار هو الملاصق الذي
إلى ظهر المشفوعة وبابه من سكة أخرى دون المحاذي وبينهما طريق نافذ فلا شفعة له وإن قربت
الأبواب، لان الطريق الفارقة تزيل الضرر اه‍. أبو السعود ملخصا. أقول: إذ لو كان محاذيا والطريق
غير نافذة فهو خليط لا جار كما مر ويأتي. قوله: (فلو بابه في تلك السكة) أي وهي غير نافذة كما
سبق ط. قوله: (كما مر) من قوله وطريق لا ينفذ.
تنبيه: بينهما منزل في دار لقوم باع أحدهما نصيبه منه فشريكه فيه أحق، ثم الشركاء في الدار
لأنهم أقرب، ثم في السكة، ثم للجار الملاصق. نهاية وغيرها. قال أبو السعود: لأنها لدفع الضرر
الدائم، فكلما كان أخص اتصالا كان أخص بالضرر فكان أحق بها إلا إذا سلم اه‍.
واعلم أن كل موضع سلم الشريك الشفعة فإنما تثبت للجار إن طلبها حين سمع البيع وإن لم
يكن له حق الاخذ في الحال. أما إذا لم يطلب حق سلم الشريك فلا شفعة له. شرح المجمع. ومثله
في النهاية وغيرها. قوله: (وواضع جذع على حائط) أي حائط لا ملك له فيه وإلا فهو المسألة الآتية.
قوله: (ولو في نفس الجدار فشريك) أي ولو كان شريكا في نفس الجدار فهو شريك في المبيع: أي
في بعضه. قوله: (قلت لكن إلخ) وفق الشارح في الدر المنتقى بحمل ما في الملتقى على ما إذا كان البناء
والمكان الذي عليه البناء مشتركا اه‍ ح.
أقول: وهو المصرح به في الكفاية عن المغني حيث قال: الجار المؤجر عن الشريك في الطريق
أن لا يكون شريكا في أرض الحائط المشترك، أما إذا كان شريكا فيقدم إلخ. قوله: (لا يستحق بها
الشفعة) أي شفعة الشريك لا مطلقا لأنه جار ملاصق، أو المعنى: لا يستحق الشفعة وحده دون بقية
الجريان. تأمل. قوله: (وكذا للجار المقابل إلخ) دفع به ما يتوهم من قوله: وظهر داره لظهرها أنه
قيد ط. وفيه أنه لا ملاصقة هنا. وأيضا فإن ما مر فيما إذا كان بابه في سكة أخرى وفيما نحن فيه
السكة واحدة فيما يظهر، ولذا وجهه أبو السعود بأن استحقاقها فيه للشركة في حق المبيع فلا تعتبر
الملاصقة، فالظاهر أنه تعمي لقوله: وطريق لا ينفذ أفاد به أنه يشمل المقابل، وبهذه الإفادة لا يقال
إنه مكرر فافهم. نعم كان ينبغي ذكره هناك. قوله: (بخلاف النافذة) قدمنا وجهه عن الجوهرة. قوله:
(أسقط بعضهم حقه إلخ) قد مر أن الشفيع يثبت له الملك بمجرد الحكم قبل الاخذ، وسيذكر المصنف
آخر الباب الآتي أنه ليس له تركها بعد القضاء، فإن حمل الاسقاط هنا على أنه تمليك للبائع أو المشتري
523

فلم لا يكون لمن بقي أخذها به، فليتأمل. ثم رأيت ط نقل عن العلامة المكي أن عدم أخذ الباقين
نصيب التارك لعدم صحة الترك لتقرر ملكه بالقضاء لا لانقطاع حقهم به مع صحة الترك منه اه‍. وبه
يزول الاشكال. قوله: (لزوال المزاحمة) أي مزاحمة المشارك لهم في الاستحقاق وزوالها بتركه قبل تقرر
ملكه. وفي النهاية: إذا سلم أحدهما لم يكن للآخر إلا أن يأخذها كلها أو يدعها لان مزاحمة من سلم
قد زالت فكأنه لم يكن. قوله: (في الجميع) أي جميع المبيع. قوله: (وكذا لو كان الشريك غائبا إلخ) يغني
عنه ما قبله. تأمل. قوله: (ثم إذا حضر وطلب) أي الغائب في الصورتين. قوله: (قضى له بها) قال في
الهداية: وإن قضى لحاضر بالجميع ثم حضر آخر يقضي له بالنصف، ولو حضر ثالث فبثلث ما في يد
كل واحد تحقيقا للتسوية. قوله: (فلو مثل الأول) أي لو كان الذي حضر مثل الأول كشريكين أو
جارين. قوله: (ولو فوقه) كأن يكون الأول جارا والثاني شريكا فيقضي له بالكل ويبطل شفعة الأول.
قوله: (ولو دونه) كعكس ما قلنا. قوله: (لفقد شرطه وهو البيع) أي وإن وجد السبب وهو اتصال
ملك الشفيع بالمشري لأنه لا يكون سببا إلا عند وجود الشرط كما في الطلاق المعلق. منح ملخصا.
قوله: (لم يملك ذلك) فيه إشارة إلى أن شفعته لم تبطل بذلك. وفي المجمع: ولا يجعل: يعني أبو يوسف
قوله أخذ نصفها تسليما، وخالفه محمد. قال شارحه: وفي المحيط: الأصح قول محمد اه‍.
ومثله في غرر الأفكار وشرحه. وفي الخانية: قال للمشتري سلم لي نصفها فأبى المشتري لا تبطل
شفعته في الصحيح، لان طلب تسليم النصف لا يكون تسليما اه‍: يعني إسقاطا للباقي. قوله: (ولو
جعل إلخ) أي قبل القضاء، أما بعده فلا يسقط حقه كما يعلم مما مر. قوله: (بناء أنه)
أي على أنه. قوله: (إذ شرط صحتها أن يطلب الكل) لأنه يستحق الكل والقسمة للمزاحمة، وكذا لو كانا حاضرين
فطلب كل منهما النصف بطلت، ولو طلب أحدهما الكل والآخر النصف بطل حق من طلب
النصف، وللآخر أن يأخذ الكل أو يترك، وليس له أن يأخذ النصف. زيلعي.
أقول: والظاهر أن المراد بالطلب هنا طلب المواثبة والاشهاد، وما قدمناه آنفا عن المجمع
محمول على ما إذا طلب أخذ النصف بعدهما فلا منافاة، فتأمل، وسيأتي بعيد الحيل ما يؤيده، فتأمل.
قوله: (فتجب الشفعة فيها) أفاد أن وجوبها فرع عن جواز بيع أرضها على قولهما المفتى به، وإلا
524

فمجرد البناء لا يوجب الشفعة، وقدمنا بيانه. قوله: (وسنحققه في الحظر) نقل فيه عن إجارة الوهبانية
والتاترخانية. قال أبو حنيفة: أكره إجارة بيوت مكة أيام الموسم، وكان يفتي لهم أن ينزلوا عليهم في
بيوتهم، لقوله تعالى: * (سواء العاكف فيه والباد) * ورخص فيها في غير الموسم.
قلت: وبه يظهر الفرق والتوفيق: أي الفرق بين أيام الموسم وغيرها والتوفيق بين من عبر
بكراهة الإجارة وبين من نفاها ط. قوله: (ويصح الطلب إلخ) قال في الولوالجية: الوكيل بشراء الدار
إذا اشترى وقبض فطلب الشفيع الشفعة منه إن لم يسلم الوكيل الدار إلى الموكل صح، وإن سلم
لا يصح الطلب وتبل شفعته هو المختار اه‍. ومثله في التاترخانية والقنية. ولعل وجه البطلان أن الوكيل
بعد التسليم لم يبق خصما، وإنما الخصم هو الموكل فصار مؤخرا للطلب بطلبه من غير خصم مع
القدرة على الطلب من الخصم. تأمل. قوله: (ولا شفعة في الوقف) أي إذا بيع. قال في التجريد: ما
لا يجوز بيعه من العقار كالأوقاف لا شفعة في شئ من ذلك عند من يرى جواز بيع الوقف، ثم قال:
لا شفعة في الوقف ولا بجواره اه‍. نقله الرملي. قوله: (ولا له) يغني عنه قول المصنف بعده ولا
بجواره ولعله ذكره لأنه أعم من الجوار لشموله ما إذا كان خليطا مع الملك المبيع كما صور به الشارح
فيما يأتي فليس تكرارا محضا، فافهم. قوله: (شرح مجمع) عبارته ما في المتن. قوله: (وخانية) عبارتها
كما في المنح: ولا شفعة في الوقف لا للقيم ولا للموقوف عليه. قوله: (خلافا للخلاصة والبزازية)
حيث قالا: وكذا تثبت الشفعة لجوار دار الوقف اه‍.
أقول: وفي نسختي البزازية: لا تثبت. نعم رأيت في نسختي الخلاصة كما قال. قوله: (ولعل
لا ساقطة) يؤيده أنه ذكر في كل من الخلاصة والبزازية قبله بأقل من سطر: ما لا يجوز بيعه من
العقار لا شفعة فيه إلخ، فالتشبيه (1) يقتضيه فافهم. قوله: (وحمل شيخنا الرملي) أي في حاشية المنح.
وحاصله أن الوقف منه ما لا يملك بحال فلا شفعة فيه لعدم صحة بيعه، ولا له: أي لا لقيمه ولا
للموقوف عليه لعدم المالك. ومنه ما قد يملك، كما إذا كان غير محكوم به فلا شفعة له
لعدم المالك، بل فيه الشفعة إذا بيع لجواز البيع. فيحمل الأول وهو ما في النوازل وشرح المجمع من
عدم الشفعة فيه أو له على ما إذا كان لا يملك بحال، وما في الخلاصة والبزازية من ثبوتها بجواره على
ما إذا كان قد يملك، والمراد من ثبوتها بجواره ثبوتها فيه إذا بيع نفسه بسبب جواره. وأما التوفيق بين
ما في الخانية من أنه لا شفعة فيه وبين ما في البزازية والخلاصة من ثبوتها بجواره. فهو بحمل الأول
على الاخذ به: أي أخذ دار بيعت في جواره، والثاني على أخذه نفسه إذا كان مما قد يملك هكذا يفهم
من كلام شيخه في الحاشية، وبه ظهر أنه اقتصر على التوفيق فقط، إذ ما في النوازل و شرح

(1) قوله: (فالتشبيه) اي الواقع في عبارة الخلاصة والبزازية المنقولة آنفا في القولة التي قبل هذه ا ه‍ منه.
525

المجمع لا يمكن حمله على الاخذ به فقط كما لا يخفى فاغتنم هذا التحرير. قوله: (الأول) هو ما
في الخانية فقط لما علمته، فكان ينبغي له عبارتها. قوله: (والثاني) هو ما في الخلاصة والبزازية. قوله: (وأما
إذا بيع بجواره) الباء زائدة، والجوار بمعنى المجاور نائب فاعل، أو الباء بمعنى في الظرفية متعلقة
بمحذوف صفة لموصوف محذوف: أي بيع عقار كائن في جواره. تأمل. وقد تبع شيخه في هذا
التعبير. قوله: (أو كان بعض المبيع ملكا إلخ) حاصله أنه لا شفعة له لا بجوار ولا بشركة، فهو صريح
بالقسمين كما أشار إليه الشارح بنقل عبارة النوازل، ونبهنا عليه. قوله: (فلا شفعة للوقف) إذ لا مالك
له.
مطلب مهم
كون الأرض عشرية أو خراجية لا ينافي الملكية، فتجب فيها الشفعة ما لم تكن سلطانية
تتمة: قدمنا أنه لا شفعة في الأراضي السلطانية، وذكر في الخيرية أين كون الأرض عشرية أو
خراجية لا ينافي الملك، ففي كثير من الكتب: أرض الخراج أو العشر مملوكة يجوز بيعها وإيقافها
وتورث، فتثبت فيها الشفعة، بخلاف السلطانية التي تدفع مزارعة لا تباع فلا شفعة فيها، فلو ادعى
واضع اليد أن الأرض ملكه وأنه يؤدي خارجها فالقول له على من نازعه في الملكية البرهان إن صحت
دعواه عليه، وإنما ذكرته لكثرة وقوعه في بلادنا اه‍ ملخصا. وقدمنا أيضا أنه لا شفعة في البناء في
الأرض المحتكرة ولا لها كالوقف.
مطلب: باع دارا بعضها محتكر هل تثبت للجار الشفعة
وسئلت من نائب قاضي دمشق عما إذا بيعت دار فيها قطعة محتكرة فهل للدار الشفعة؟ فأجبته:
بأني لم أرها صريحا، ولكن الظاهر أن له أخذ الدار سوى تلك القطعة وما عليها من البناء، بشرط أن
لا يكون جواره للدار المبيعة بملاصقته لتلك القطعة، أخذا من قولهم: باع أرضين صفقة ورجل شفيع
لواحدة له أخذها فقط. ومما سيأتي في الحيل: لو باع عقارا إلا ذرعا في جانب الشفيع فلا شفعة لعدم
الاتصال. تأمل. والله تعالى أعلم.
باب طلب الشفعة
قوله: (من مشتر) متعلق بعلمه ح. قوله: (أو عدل أو عدد) أي لو كان المخبر فضوليا، والمراد
بالعدد عدد الشهادة رجلان أو رجل وامرأتان، وأفاد عدم اشتراط العدالة في العدد، وكذا في
المشتري لأنه خصم، ولا تشترط العدالة في الخصوم، ومثله رسوله كما في التاترخانية. وفيها: إن
كان الفضولي واحدا غير عدل: فإن صدقه ثبت الشراء، وإن كذبه لا، وإن ظهر صدق الخبر عند أبي
حنيفة اه‍. قال في الدرر: وقالا: يكفي واحد حرا كان أو عبدا صبيا أو امرأة إذا كان الخبر صدقا.
526

قوله: (بالبيع) متعلق بعلمه. قوله: (وإن امتد المجلس) ما لم يشتغل بما يدل على الاعراض. درر
البحار. قوله: (كالمخيرة) أي كخيار المخيرة وهي التي قال لها زوجها أمرك بيدك. قوله: (هو
الأصح) واختاره الكرخي. قوله: (وعليه المتون) أي ظاهرها ذلك لأنهم عبروا بالمجلس. قوله: (خلافا لما
في جواهر الفتاوى إلخ) أشار إلى عدم اختياره لمخالفته لظاهر المتون، لكن هذا القول مناسب لتسميته
طلب المواثبة، ولظاهر الحديث الآتي، وظاهر الهداية اختياره ونسبه إلى عامة المشايخ. قال في
الشرنبلالية: وهو ظاهر الرواية، حتى لو سكت هنية بغير عذر ولم يطلب أو تكلم بكلام لغو بطلت
شفعته كما في الخانية والزيلعي وشرح المجمع اه‍. وقوله وعليه الفتوى من كلام الجوهري، وهذا
ترجيح صريح مع كونه ظاهر الرواية فيقدم على ترجيح المتون بمشيهم على خلافه لأنه ضمني.
فروع: أخبر بكتاب والشفعة في أوله أو وسطه وقرأه إلى آخره بطلت. هداية. سمع وقت
الخطبة فطلب بعد الصلاة إن بحيث يسمع الخطبة لا تبطل، وإلا ففيه اختلاف المشايخ، ولو أخبر في
التطوع فجعله أربعا أو ستا فالمختار أنها تبطل، لا إن أتم ما بعد الظهر أربعا في الصحيح، ولو ستا
تبطل، ولا تبطل إن أتم القبلية أربعا. وسلامه على غير المشتري يبطلها، ولو عليه لا، كما لو سبح أو
حمدل أو حوقل أو شمت عاطسا. تاترخانية: أي على رواية اعتبار المجلس. كفاية وشرنبلالية.
مطلب: لو سكت لا تبطل المشتري والثمن
وفي الخانية: أخبر بها فسكت، قالوا: لا تبطل ما لم يعلم المشتري والثمن، كالبكر إذا استؤمرت
ثم علمت أن الأب زوجها من فلان صح ردها اه‍.
أقول: وبه أفتى المصنف التمرتاشي في فتاواه، فليحفظ. قوله: (بلفظ يفهم طلبها) متعلق بقوله
يطلبها، والمراد أي لفظ كان، حتى حكى ابن الفضل: لو قال القروي شفعة شفعة كفى. تاترخانية.
قوله: (طلب المواثبة) سمي به تبركا بلفظه (ص): الشفعة لمن واثبها أي طلبها على وجه السرعة. إتقاني.
قوله: (أي المبادرة) مفاعلة من الوثوب على الاستعارة، لان من يثب: هو من يسرع في طي الأرض
بمشيه. إتقاني. قوله: (والاشهاد فيه ليس بلازم) كذا في الهداية وغيرها، لان طلب المواثبة ليس لاثبات
الحق بل ليعلم أنه غير معرض عن الشفعة. نهاية ومعراج. قوله: (بل لمخافة الجحود)
أي جحود المشتري الطلب. كما قالوا: إذا وهب الأب لطفله وأشهد على ذلك، وما ذكروا الاشهاد لكونه شرطا
لصحة الهبة بل لإثباتها عند إنكار الأب. معراج. قال السائحاني: وظاهره أنه لا يصدق بيمينه مع أنه
يصدق إذا قال طلبت حين علمت. نعم لو قال علمت أمس وطلبت كلف إقامة البينة كما في الدرر
اه‍.
هذا، وظاهر الكلام الدرر أن الاشهاد فيه لا يلزم فيما إذا كان في مكان خال من الشهود، لأنه
صرح بأن مما يبطلها ترك الاشهاد عليه مع القدرة لأنه دليل الاعراض، لكن قال الشرنبلالي: إنه سهو،
لان الشرط الطلب فقط دون الاشهاد عليه اه‍. ويأتي تمام الكلام فيه في الباب الآتي. وفي القهستاني:
يجب الطلب وإن لم يكن عنده أحد لئلا تسقط الشفعة ديانة وليتمكن من الحلف عند الحاجة كما في
527

النهاية، ولا يشترط الاشهاد فيصح بدونه لو صدقه المشتري كما في الاختيار وغيره اه‍. فهذا دليل على
أنه غير شرط مطلقا، وكذا يدل عليه تصديقه بيمينه فيما مر، فتدبر. قوله: (ثم يشهد إلخ) أتى بثم
إشارة إلى أن مدة هذا الطلب ليست على فور المجلس في الأكثر، بل مقدرة بمدة التمكن من الاشهاد
كما في النهاية وغيرها. قهستاني. قوله: (لو العقار في يده) وإلا فلا يصح الاشهاد على ما ذكره
القدوري وعصام والناطفي، واختار الصدر الشهيد، وذكر شيخ الاسلام وغيره أنه يصح استحسانا
كما في المحيط. قهستاني. قوله: (وإن لم يكن ذا يد إلخ) رد على المصنف في المنح لمخالفته لما في
الجوهرة والدرر والنهاية والخانية وغيرها. قوله: (أو عند العقار) لتعلق الحق به. اختيار. قوله: (وهو
طلب إشهاد) أقول: ظاهر عباراتهم لزوم الاشهاد فيه، لكن رأيت في الخانية: إنما سمي الثاني طلب
الاشهاد شرط بل لتمكنه إثبات الطلب عند جحود الخصم اه‍. تأمل. قوله: (حتى لو
تمكن إلخ) أشار إلى أن مدته مقدرة بالتمكن منه كما مر، فلو افتتح التطوع بعد طلب
المواثبة قبل طلب الاشهاد بطلت خانية.
مطلب: طلب عند القاضي قبل طلب الاشهاد بطلت
وأفتى في الخيرية بسقوطها إذا طلب عند القاضي قبل طلب الاشهاد، فليحفظ. وفي الخانية:
إن كان المتبايعان والشفيع والدار في مصر والدار في يد البائع فإلى أيهم ذهب الشفيع وطلب صح، ولا
يعتبر فيه الأقرب والابعد لان المصر مع تباعد الأطراف كمكان واحد إلا أن يجتاز على الأقرب ولم
يطلب فتبطل، وإن كان الشفيع وحده في مصر آخر فإلى أيهم ذهب صح، وإن أحد المتبايعين في مصر
الشفيع فطلب من الابعد بطلت اه‍ ملخصا. قوله: (لي) أي مملوكة لي حال من دار. قوله: (لشمل
الشريك في نفس المبيع) لان قوله بدار كذا يفيد أنها غير الدار المشفوعة فيكون جارا أو شريكا في
الحقوق فقط، بخلاف قوله بسبب كذا فإنه يشمل الثلاثة، فافهم. قوله: (هذا) أي قول الشفيع
للقاضي مرة: أي مر المشتري مفروض فيما لو قبضها المشتري: يعني أو وكيله. قوله: (وطلب الخصومة
لا يتوقف عليه) أي على قبض المشتري، إذ لو كانت في يد البائع يصح الطلب أيضا ويأمره بتسليمها
للشفيع، وإنما يتوقف على حضرة المشتري وحده مطلقا أو مع البائع لو قبل التسليم كما يذكره قريبا.
وحاصل كلامه: أن كون الامر متوجها للمشتري ليس بقيد، لان قبضه غير شرط لصحة
الطلب، فافهم. قوله: (به يفتى) كذا في الهداية والكافي. درر. قال في العزمية: وقد رأيت فتوى
528

المولى أبي السعود على هذا القول. قوله: (وقيل يفتى بقول محمد) قائله شيخ الاسلام وقاضيخان في
فتاواه وشرحه على الجامع، ومشى عليه في الوقاية والنقاية والذخيرة والمغني.
وفي الشرنبلالية عن البرهان أنه أصح ما يفتى به. قال: يعني أنه أصح من تصحيح الهداية
والكافي. وتمامه فيها. وعزاه القهستاني إلى المشاهير كالمحيط والخلاصة والمضمرات وغيرها. ثم قال:
فقد أشكل ما في الهداية والكافي. قوله: (بلا عذر) فلو بعذر كمرض وسفر أو عدم قاض يرى
الشفعة بالجوار في بلده لا تسقط اتفاقا. شرح مجمع. قوله: (يعني دفعا للضرر) بيان لوجه الفتوى
بقول محمد. قال في شرح المجمع: وفي جامع الخاني: الفتوى اليوم على قول محمد لتغير أحوال
الناس في قصد الاضرار اه‍. وبه ظهر أن إفتاءهم بخلاف ظاهر الرواية لتغير الزمان فلا يرجح
ظاهر الرواية عليه وإن كان مصححا أيضا كما مر في الغصب في مسألة صبغ الثوب بالسواد، وله
نظائر كثيرة، بل قد أفتوا بما خالف رواية أئمتنا الثلاثة كالمسائل المفتى فيها بقول زفر وكمسألة
الاستئجار على التعليم ونحوه، فافهم. قوله: (قلنا إلخ) أي في الجواب عن ذلك، وظاهر كلام
الشارح أنه يميل إلى ظاهر الرواية كالمصنف، وهو خلاف ظاهر كلامه في شرحه على الملتقى.
والجواب عنه أنه ليس كل أحد يقدر على المرافعة، وقد لا يخطر بباله أن دفع الضرر بذلك
خصوصا بعد ما إذا بنى أو غرس فإن الضرر أشد، وقد شاهدت غير مرة من جاء يطلبها بعد عدة
سنين قصدا للاضرار وطمعا في غلاء السعر، فلا جرم كان سد هذا الباب أسلم، والله أعلم. قوله:
(وإذا طلب الشفيع إلخ) ذكر سؤال القاضي الخصم عقب طلب الشفيع، وليس كذلك، بل القاضي
يسأل أولا الشفيع عن موضع الدار وحدودها لدعواه فيها حقا فلا بد من العلم بها، ثم هل قبض
المشتري الدار، إذ لو لم يقبض لم تصح دعواه عليه ما لم يحضر البائع، ثم عن سبب شفعته وحدود
ما يشفع به فلعل دعواه بسبب غير صالح أو هو محجوب بغيره، ثم متى علم وكيف صنع، فلعله
طال الزمان أو أعرض، ثم عن طلب التقرير كيف كان وعند من أشهد، وهل كان أقرب أم لا؟
فإذا بين ولم يخل بشرط تم دعواه وأقبل على الخصم فسأله. زيلعي ملخصا. قوله: (الخصم) وهو
المشتري. زيلعي: أي لان المصنف فرضه كذلك. قوله: (عن مالكية الشفيع) لأنه بمجرد كونها في
يده لا يستحق الشفعة. ابن ملك. قوله: (أو نكل) قدمه هنا وفيما يأتي على قوله: أو برهن مع أن
المناسب تأخيره عنه، لان النكول بعد العجز عن البرهان رعاية للاختصار، إذ لو أخره احتاج إلى
إبراز الفاعل، فافهم. قوله: (على العلم) بأن يقول بالله ما أعلم أنه مالك لما يشفع به لأنها يمين على
فعل الغير، وهذا قول الثاني، وعند الثالث على البتات، والفتوى على الأول كما في القهستاني. قال
ابن ملك: وهذا إذا قال المشتري ما أعلم، ولو قال أعلم أنه مملوك يحلف على البتات. قوله: (أو
برهن إلخ) بأن يقولا إنها ملك هذا الشفيع قبل أن يشتري هذا المشتري هذا العقار وهي له إلى
الساعة ولم نعلم أنها خرجت عن ملكه، فلو قالا إنها لهذا الجار لا يكفي كما في المحيط. وعن أبي
يوسف لا حاجة إلى البرهان. قهستاني. قوله: (سأله عن الشراء) ليثبت كونه خصما عنده. ابن
529

ملك. قوله: (على الحاصل في شفعة الخليط) لان ثبوت الشفعة فيه متفق عليه، فيقول بالله ما استحق
الشفيع في هذا العقار الشفعة من الوجه الذي ذكره. قهستاني، لان في الاستحلاف على السبب
إضرار للمدعى عليه لجواز أن يكون فسخ العقد. ابن ملك. قوله: (أو على السبب إلخ) بأن
يقول بالله ما اشتريت هذه الدار، لأنه لو حلف فيه على الحاصل يصدق في يمينه في اعتقاده فيفوت
النظر في حق المدعي. قوله: (هذا إذا لم ينكر المشتري إلخ) ظاهره أنه إذا أنكر طلبه الشفعة وقد
كان أنكر الشراء فأقام عليه البرهان به أو عجز عن فطلب يمينه فنكل أن يكون القول قوله، ولا
يعد متناقضا ويحرر ط. قوله: (فالقول له بيمينه) أي المشتري، فإن أنكر طلب المواثبة حلف على
العلم أو طلب التقرير فعلى البتات لإحاطة العلم به كما في الكبرى. قهستاني. لكن قدمنا عنه عن
النهاية أن طلب المواثبة واجب لئلا تسقط شفعته وليتمكن من الحلف عند الحاجة، ومفاده أن القول
للشفيع بيمينه في طلب المواثبة، إلا أن يحمل ما هنا على ما إذا قال علمت أمس وطلبت، أما إذا
قال طلبت حين علمت فالقول له بيمينه كما قدمناه عن الدرر، فتدبر. قوله: (وإن لم يحضر الثمن) إن
وصلية: أي لم يحضره إلى مجلس القاضي، لان الثمن لا يجب قبل القضاء. قال في الهداية: وهذا
ظاهر رواية الأصل. وعن محمد: لا يقضي حتى يحضره، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، لان
الشفيع عساه يكون مفلسا. قوله: (فلو قيل للشفيع إلخ) أي قيل له ذلك بعد القضاء بها فأخر: أي
قال ليس عندي الثمن أو أحضره غدا أو ما أشبه ذلك لا تبطل شفعته بالاجماع، وإن قال ذلك قبل
القضاء تبطل عند محمد، نص عليه الزيلعي. رملي. قوله: (والخصم للشفيع المشتري مطلقا إلخ) المراد
بالاطلاق قبل التسليم أو بعده، وبالتسليم تسليم المبيع للمشتري وبالأول المشتري وبالثاني البائع،
الباء في بملكه وبيده للسببية: أي أن الأول خصم بسبب ملكه والثاني بسبب كون العقار المبيع
بيده. وفي ذكر الاطلاق هنا نظر يظهر من سوق كلام ابن الكمال، فإنه قال: والخصم للشفيع
البائع والمشتري إن لم يسلم أحدهما بيده والآخر بملكه فلا تسمع البينة على البائع حتى يحضر
المشتري، وإن سلم إلى المشتري لا يشترط حضور البائع لزوال الملك واليد عنه اه‍. ملخصا.
وحاصله: أن الخصم قبل التسليم هو البائع والمشتري وبعد المشتري وحده، فقول الشارح
الخصم المشتري إن أراد وحده لا يصح قوله مطلقا، وإن أراد مع البائع لا يناسب قوله قبل التسليم،
فكان عليه أن لا يذكر الاطلاق. وأما كون الخصم بعد التسليم هو المشتري وحده فسينبه عليه بعده،
فتدبر. قوله: (ولكن لا تسمع) الاستدراك في محله بالنظر إلى مجرد المتن، وأما بالنظر إلى عبارة الشارح
حيث زاد أولا المشتري فهو مستدرك، والمقام مقام التفريع كما قدمناه في عبارة ابن الكمال. تأمل.
530

قوله: (لأنه المالك) قال الزيلعي: لان الشفيع مقصوده أن يستحق الملك واليد فيقضي القاضي بهما لان
لأحدهما يدا وللأخر ملكا. اه‍: أي فلذا كان لا بد من حضورهما كما في الهداية، وفي قوله: ويفسخ
بحضوره إشارة إلى علة أخرى لحضور المشتري وهي أن يصير مقضيا عليه بالفسخ كما نبه عليه في
الهداية: لان القضاء على الغائب لا يجوز ملكا أو فسخا. كفاية. قوله: (ويفسخ بحضوره) أي حضور
المشتري. وصورة الفسخ أن يقول: فسخت شراء المشتري ولا يقول فسخت البيع لئلا يبطل حق
الشفعة لأنها بناء على البيع فتتحول الصفقة إلى الشفيع ويصير كأنه المشتري، أفاده صاحب الجوهرة فلم
ينفسخ أصله وإنما انفسخت إضافته إلى المشتري ط. وهذا في الحكم على البائع قبل التسليم، أما بعده
فالحكم على المشتري. لان البائع صار أجنبيا كما مر يكون الاخذ منه شراء من المشتري كما يأتي قريبا.
تأمل. قوله: (لزوال الملك واليد عنه) فصار أجنبيا هداية.
فرع: اشترى دارا بألف وباعها لآخر بألفين ثم حضر الشفيع وأراد أخذها بالبيع الأول: قال أبو يوسف:
يأخذها من ذي اليد بألف ويقال اطلب بائعك بألف أخرى. وعندهما: يشترط حضرة
المشتري الأول، وإن طلب البيع الثاني لا يشترط حضرة الأول اتفاقا. تاترخانية. قوله: (والعهدة) بالجر
مع جواز الرفع. قهستاني. فقوله على البائع متعلق بيقضي وعلى الرفع خبر. قوله: (لضمان الثمن إلخ)
أي ضمان الثمن الذي تقلده الشفيع إذا استحق المبيع. قوله: (وعلى المشتري لو بعده) في التاترخانية عن
الثاني: إذا كان المشتري نقد الثمن ولم يقبض الدار حتى قضى للشفيع بالشفعة فنقد الشفيع الثمن
للمشتري فالعهدة عليه وإن للبائع فالعهدة عليه اه‍. طوري. قوله: (لما مر) من قوله: لزوال الملك
واليد عنه. قوله: (للشفيع خيار الرؤية والعيب) لان الاخذ
بالشفعة شراء من المشتري إن كان الاخذ بعد القبض، وإن كان قبله فشراء من البائع لتحول الصفقة إليه، فيثبت له الخيار إن فيه كما إذا اشتراه
منهما اختيارهما، ولا يسقط خياره برؤية المشتري ولا بشرط البراءة منه، لان المشتري ليس بنائب عن
الشفيع فلا يعمل شرطه ورؤيته في حقه. زيلعي. قوله: (دون خيار الشرط والأجل) أي لعدم الشرط
كما في القهستاني والأجل عطف على خيار الشرط لا على الشرط اه‍ ح. والمراد الاجل في الثمن. قوله:
(إلا في ضمان الغرور) فلو استحق المبيع بعد ما بنى الشفيع لا يرجع بنقصان قيمة البناء على البائع أو
المشتري، لأنه لم يصر مغرورا لتملكه جبرا، والمسألة ستأتي في هذا الباب متنا، وقوله المنح كالأشباه.
فلا رجوع للمشتر على الشفيع قاصر ومقلوب، فتنبه. قوله: (في الثمن) أي في جنسه كقول أحدهما
هو دنانير والآخر دراهم، أو قدره كقول المشتري بمائتين والشفيع بمائة أو صفته كاشتريته بثمن معجل
وقال الشفيع بل مؤجل. درر البحار. قوله: (والدار مقبوضة والثمن منقود) أي مقبوضة للمشتري
والثمن منقود منه للبائع، وقد راجعت كثيرا فلم أجد من ذكر هذين القيدين سوى بعض شراح الكنز
لا أدري اسمه، ثم رأيته أيضا في هامش نسخة عتيقة من نسخ الكنز معزيا للكافي.
531

وفي تكملة الطوري ما نصه: وأطلق المؤلف فشمل ما إذا وقع الاختلاف قبل القبض الدار ونقد
الثمن أو بعدهما قبل التسليم إلى الشفيع أو بعده. لكن في التاترخانية: اشترى دارا وقبضها ونقد الثمن
ثم اختلف الشفيع والمشتري في الثمن فأقول للمشتري. انتهى ما في التكملة. وزاد في الذخيرة على
ما في التاترخانية: فالقول للمشتري مع يمينه، ولا يتحالفان لان الشفيع مع المشتري بمنزلة البائع مع
المشتري، إلا أن البائع والمشتري يتحالفان إلخ، فتأمل. وقال ط: وقد يقال: إن الثمن إن كان غير
منقود يرجع إلى البائع فيؤخذ بقوله إن كان أقل مما يدعيه المشتري ويكون خطأ كما في المسألة الآتية:
وعلى هذا فالمدار على كون الثمن منقودا فقط اه‍. قوله: (لأنه منكر) فإن الشفيع يدعي استحقاق الدار
عند نقد الأقل وهو ينكره. هداية. قوله: (ولا يتحالفان) لان المشتري لا يدعي على الشفيع شيئا، لان
الشفيع مخير بين الاخذ والترك فلم يتحقق كونه مدعى عليه، لأنه الذي إذا ترك الدعوى لا يترك فلم
يكن في معنى النص، وهو إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة تحالفا وتردا، لأنه فيما إذا وجد الانكار
والدعوى من الجانبين. إتقاني. قوله: (لان بينته ملزمة) أي للمشتري، بخلاف بينة المشتري لان
الشفيع مخير والبينات للالزام فالأخذ ببينته أولى. إتقاني. قال القهستاني: وفيه إشعار بأنه لو اختلف
البائع والمشتري أو هما والشفيع فبينة البائع أحق لأنها تثبت الزيادة. قوله: (بلا قبضه) أي قبض البائع
كل الثمن سواء قبض المشتري العقار أو لا. قهستاني. قوله: (فالقول له) أي بلا يمين. قهستاني.
فيأخذها الشفيع بما قال البائع، لأنه إن كان كما قال فظاهر، وإلا فهو حط والحط يظهر في حق
الشفيع. قوله: (ومع قبضه للمشتري) فيأخذ الشفيع بما قال المشتري إن شاء، ولا يلتفت إلى قول
البائع، لأنه لما استوفى الثمن انتهى حكم العقد وخرج هو من البين وصار كالأجنبي، فبقي الاختلاف
بين المشتري والشفيع، وقد بيناه. هداية: بأن القول فيه للمشتري.
واعلم أن هذا إذا كان القبض ظاهرا بأن أثبته (1) المشتري بالبينة أو اليمين كما في الدرر، بقي ما
إذا كان القبض غير ظاهر: أي غير معلوم للشفيع، فإما أن يقر البائع بالقبض أو لا، فإن كان الثاني

(1) قوله: (بان أثبته الخ) اي أثبت القبض بالبينة أو اليمين، وهذا صريح في اعتبار يمين المشتري في القبض مع أنه مدع
وهو بمعزل عن قواعد المذهب. وعبارة الدرر: وان كان البائع قبض الثمن أخذها الشفيع بما قال المشتري إذا أثبت
ذلك بالبينة أو بيمينه ا ه‍.
وقوله ذلك، اي قال يعني لقدر الذي ادعاه، وحينئذ صح قوله أو بيمينه فلا غبار عليها.
إذا علمت ذلك ظهر ان ما قاله المحشي باطل حيث كان مستنده على زعمه كلام الدرر وقد علمته تأمل منصفا، لكن
نقل بعض الأفاضل ان العلامة الشرنبلالي أرجع اسم الإشارة في عبارة الدرر إلى القبض المفهوم من قبض، وعليه
فيكون المراد يمين البائع اي، نكوله المرتب على لهب اليمين منه.
وحاصل المعنى عليه وان كان البائع قبض الثمن أخذها الشفيع بما قال المشتري إذا أثبت المشتري القبض بالبينة أو
نكول البائع، وحينئذ يصح ما قاله العلامة المحشي. ورأيت بهامش نسخة شيخنا ما نصه: ورأيت بخط العلامة الشيخ
عبد الحي الشرنبلالي التأشير على الضمير في يمينه في عبارة الدرر بالرجوع إلى الشفيع ا ه‍. ولا أظن صحة المعنى
عليه ا ه‍.
532

ولم يذكره في الكتاب فالظاهر أن حكمه حكم ما إذا كان غير مقبوض، وإن كان الأول والمشتري
يدعي الأكثر والدار في يده، فإما أن يقر أو لا بمقدار الثمن ثم بالقبض أو بالعكس، فإن كان الأول
كما لو قال بعت الدار منه بألف وقبضته أخذها الشفيع بألف، لأنه إذا بدأ بالاقرار بالبيع بمقدار
تعلقت الشفعة به ثم بقوله قبضت يريد إسقاط حق الشفيع المتعلق بإقراره من الثمن، لأنه إذا تحقق
ذلك يبقى أجنبيا من العقد، إذ لا ملك له فيجب الاخذ بما يدعيه المشتري، لما مر آنفا أن الثمن إذا
كان مقبوضا أخذ بما قال المشتري وليس له إسقاط حق الشفيع، فيرد عليه قوله قبضت، وإن كان
الثاني، كما لو قال قبضت الثمن وهو ألف لم يلتفت إلى قوله ويأخذها بما قال المشتري، لأنه بإقراره
بالقبض صار أجنبيا وسقط اعتبار قوله في مقدار الثمن. عناية. قوله: (بما قال البائع) لان فسخ البيع لا
يوجب بطلان حق الشفيع، وهل يحلف البائع؟ ينبغي أن لا يحلف لأنه حلف مرة، إتقاني عن
الأسبيجابي. قوله: (وحط البعض) أي حط البائع بعض الثمن عن المشتري، فلو حط وكيل البائع: أي
بالبيع لا يلتحق بأصل العقد فلا يظهر في حق الشفيع. أشباه: أي وإن صح حطه وبرئ المشتري،
لان الوكيل يضمن ما حطه فكأنه هبة مبتدأة كما أوضحه الحموي. قوله: (فيأخذ بالباقي) أو يرجع على
المشتري بالزيادة إن كان أوفاه الثمن كما في العزمية. قوله: (إلا إذا كانت بعد القبض) أي قبض الثمن،
لأنه صار عينا بالتسليم فلا يسترد الشفيع شيئا، أما قبله فيسترد لأنها هبة دين في الذمة. شرح تنوير
الأذهان. قال الحموي: بقي أن يقال: يفهم من التقييد بهبة البعض أو هبة الكل لا تظهر في حق
الشفيع مطلقا فهل يأخذ بالمسمى أو بالقيمة؟ لم أر نقلا صريحا.
وفي الظهيرية شرى دارا بألف ثم تصدق بها على المشتري يأخذها الشفيع بالقيمة إلا أن يكون
بعد قبض الألف اه‍. فعلى قياسه يقال: إن وهب كل الثمن قبل القبض يأخذ الشفيع بالقيمة، وإلا
فبالثمن اه‍ ملخصا.
أقول: ورأيت في التاترخانية عن المحيط ما ملخصه: الحط والهبة والابراء إذا كانت قبل
القبض، فلو كانت في بعض الثمن تظهر في حق الشفيع ولو في كله فلا، وإذا كانت بعد القبض
فالحط والهبة على هذا التفصيل، وأما الابراء عن الكل أو البعض فلا يصح اه‍. وعليه جرى
القهستاني، فتأمل. قوله: (وحط الكل والزيادة لا) أي لا يظهر إن في حق الشفيع، أما حط الكل فلانه
لا يلتحق بأصل العقد وإلا بقي العقد بلا ثمن، وهو فاسد لا باطل خلافا لما في الدرر، ولا شفعة في
الفاسد كما يأتي، لكنه: أي حط الكل يظهر في حق المشتري. قهستاني. وأما الزيادة فلأنها وإن
التحقت ففيها إبطال حق الشفيع لاستحقاقه الاخذ بالمسمى قبلها، والمراد الزيادة في الثمن. أما في
المبيع فتظهر كما يذكره الشارح قريبا عن القنية لأنها من قبيل الحط. قوله: (ولو حط النصف إلخ)
النصف ليس بقيد. قال في الجوهرة: هذا أي عدم الالتحاق إذا حط الكل بكلمة واحدة، أما إذا
533

كان بكلمات يأخذ بالأخيرة اه‍ ط. قلت: ووجهه أنه كلما حط شيئا يلتحق بالعقد ويصير الثمن ما بقي،
فإذا حط جميع ما بقي يكون حطا لكل الثمن وهو ما بقي فيأخذه به. قوله: (ولو علم إلخ) أشار إلى أنه لا فرق بين ما إذا كان
الحط قبل الاخذ بالشفعة أو بعده كما في التبيين. قوله: (كما لو باعه بألف) أي له الشفعة أيضا لما
قدمنا آنفا، وهل يأخذ الزيادة أيضا، توقف فيه بعضهم، ثم رأيت في النهاية قال: يأخذ الدار
بحصتها من الثمن اه‍. ولا يخالفه ما في شرح المجمع: الملكي باع عقارا مع العبيد والدواب تثبت في
الكل تبعا للعقار اه‍. لان المراد به الأرض والحراثون وآلة الحراثة، فتتحقق التبعية لوجود ما هو
المقصود من الأرض ولذا صح فيها الوقف تبعا كما مر في موضعه، بخلاف الجارية أو المتاع مع الدار،
هذا ما ظهر لي، فتأمل. قوله: (ولو حكما كالخمر إلخ) لو ذكره بعد قوله وفي القيمي لسلم مما
اعترضه ح بأنه يقتضي أن الخمر مثلي حكما في حق المسلم وأنه يأخذ بمثل الخمر، وليس كذلك بل
بقيمتها لأنها مثلي حقيقة قيمي حكما في حقه، وعبارة ابن الكمال لا غبار عليها حيث قال: وبالمثل
في الشراء بثمن مثلي حقيقة وحكما، لان من المثلي ما التحق بغير المثلي كالخمر في حق المسلم اه‍
ملخصا. فقوله حقيقة وحكما للاخراج لا للادخال. قوله: (بالقيمة) أي وقت الشراء لا وقت الاخذ
بالشفعة كما في الذخيرة. قهستاني. قوله: (يأخذ الشفيع) أي شفيع كل من العقارين. قوله: (مؤجل)
أي بأجل معلوم وإلا يفسد البيع، ولا شفعة في البيع الفاسد. معراج. وسيأتي من الشارح التنبيه على
ذلك آخر هذا الباب. قوله: (يأخذ بحال) أي يأخذ في الحال بتخفيف اللام بثمن حال بتشديدها، لان
الاجل ثبت بالشرط ولا شرط بين الشفيع والبائع، ثم إن أخذ بثمن حال من البائع سقط الثمن عن
المشتري، لما مر أن البيع انفسخ في حق المشتري، وإن أخذ من المشتري رجع البائع على المشتري بثمن
مؤجل كما كان، لان الشرط الذي جرى بينهما لم يبطل بأخذ الشفيع. هداية. قوله: (أو طلب) عطف
على يأخذ: أي أنه مخير بين الاخذ في الحال بحال وبين الطلب في الحال والاخذ بعد الاجل. قوله:
(ولا يتعجل إلخ) كذا في الملتقى، والمراد لو أخذ الشفيع بثمن حال من المشتري لا من البائع كما
قدمناه آنفا. قوله: (ولو سكت عنه إلخ) فائدة قوله: أو طلب في الحال. قوله: (بطلت شفعته) لان حقه
قد ثبت، ولذا كان له أن يأخذ بثمن حال، ولولا أن حقه ثابت لما كان له الاخذ في الحال، والسكوت
عن الطلب بعد ثبوت حقه يبطلها. زيلعي ودرر. وفيه نظر لان هذا طلب تملك، ولا تبطل الشفعة
بتأخيره إلى حلول الأجل، لا عند الامام لأنه لم يقدر له مدة، ولا عند محمد لتقديره بشهر.
شرنبلالية، وما قيل في الجواب: المراد طلب المواثبة يأباه قوله لان حقه قد ثبت فإنه يقتضي أن المراد
طلب التملك. أبو السعود.
أقول: النظر معلول والجواب مقبول، لان ثبوت الشفعة للشفيع بعد البيع واستقرارها بعد
534

الطلبين كما مر متنا، فإذا صدر البيع وثبت حقه فيها ثم علم به ولم يطلب طلب مواثبة بطلت لأنه
سكت بعد ثبوت حقه، ومنشأ ما مر اشتباه الثبوت بالاستقرار، فتدبر. قوله: (بمثل الخمر وقيمة
الخنزير) فلو بيعت بميتة فلا شفعة إلا إن كانوا يتمولونها، إتقاني. قوله: (والشفيع ذميا) ومثله المستأمن
لا المرتد قبل أو مات أو لحق خلافا لهما، ولا تثبت لورثته، أما لو شرى فقتل لم تبطل شفعة الشفيع
لتعلقها بالخروج عن الملك، ولو شرى مسلم في دار الحرب دارا شفيعها مسلم لا شفعة له وإن أسلم
أهلها، لان أحكامنا لا تجري فيها. إتقاني. قوله: (لا بد أن يكون إلخ) بيان لفائدة زيادة البائع والمشتري.
قوله: (لما مر) أي في كتاب الغصب حيث قال: إن الخمر في حقنا قيمي حكما، أو في قوله آنفا ولو
حكما كالخمر في حق المسلم بناء على ما قدمنا من أن حقه أن يذكره بعد قوله وفي القيمي. قوله:
(لو كان الشفيع مسلما) فلو مسلما وكافرا فالنصف للمسلم بنصف قيمة الخمر وللكافر بمثل نصفه.
إتقاني. وفيه أسلم قبل الاخذ لم تبطل وصار كالمسلم الأصلي. وإن أسلم أحد المتابعين والخمر غير
مقبوضة انتقض البيع قبضت الدار أو لا، ولم تبطل الشفعة لان انفساخ البيع لا يبطلها. قوله: (ثم
قيمة الخنزير إلخ) جواب سؤال مقدر وهو أنه مر في باب العاشر أنه يعشر الخمر: أي يأخذ من
قيمته لا الخنزير لأنه قيمي، وقيمة القيمي كعينه، وتقرير الجواب ظاهر، وقدم الشارح جوابا غيره في
باب العاشر عن سعدي، وهو أنه لو لم يأخذ الشفيع بقيمة الخنزير يبطل حقه أصلا فيتضرر ومواضع
الضرورة مستثناة. قوله: (بخلاف المرور على العاشر) فإنه يعشر الخمر لا الخنزير، فافهم فغيره سبق قلم.
قوله: (بالرجوع) الباء للتصوير. قوله: (إلى ذمي أسلم إلخ) وفي البحر من باب العاشر في الكافي:
يعرف بالرجوع (1) إلى أهل الذمة. قوله: (ولو اختلفا فيه) أي اختلف الشفيع والمشتري فيما ذكر من
القيمة ط. قوله: (فالقول للمشتري) قال في العناية: كما لو اختلفا في مقدار الثمن. قوله: (كما مر في
الغصب) من أن قيمتهما مستحقي القلع أقل من قيمتهما مقلوعين بقدر أجرة القلع ط. قوله: (قلت
وأما لو دهنها إلخ) بيان للفرق بين البناء والدهن، وكان ينبغي تأخيره عن قوله: أو كلف المشتري
قلعهما فإن المخالفة بينهما من هذه الجهة. تأمل. قوله: (أو طلاها بجص كثير) ليس من عبارة

(1) قوله: (يعرف بالرجوع الخ) قال مولانا: اي إذا كان قولهم يوافق قول المعلم، أما إذا كان عليه فلا لما فيه من الزام
المسلم بقول الذميين وهو لا يصح ا ه‍.
535

الزاهدي، بل ذكره الرملي بعدها بقوله: أقول وعلى هذا لو طلاها إلخ. قوله: (لتعذر نقضه) علة
لمحذوف تقديره: ولا يكلف المشتري النقض لتعذر نقضه: أي على وجه ما يكون له قيمة. قوله:
(وسيجئ) أي ما ذكره بقوله وأما لو دهنها آخر كتاب الشفعة في الفروع. قوله: (أو كلف) عطف
على يأخذ. قوله: (إلا إذا كان إلى قوله وعن الثاني) موجود في بعض النسخ. قال ط: هو استثناء من
محذوف تقديره ولا يجبر المشتري على البيع اه‍.
قلت: يؤيده قول الإتقاني: ويأمره القاضي بالقلع إلا إذا كان إلخ. قوله: (أن يأخذها) أي
الأرض جبرا على المشتري. قوله: (مع قيمة البناء والغرس) والأوضح قول النهاية: مع البناء والاغراس
بقيمتها. قوله: (مقلوعة) أي مستحقة القلع، وبدل عليه قوله غير ثابتة ط. قوله: (وعن الثاني إلخ) أي
في مسألة المتن، فلا يكلف المشتري القلع لأنه ليس بمعتد في البناء والغرس لثبوت ملكه فيه بالشراء
فلا يعامل بأحكام العدوان الذي هو القلع ط. قوله: (وقيمة البناء والغرس) أي قائمين على الأرض غير
مقلوعين. نهاية عن شرح الطحاوي. قوله: (ولذا) أي لكون حق الغير وهو الشفيع أقوى. قوله: (ويبقى
بالاجر) أي رعاية لجانب المشتري والشفيع كما أوضحه الزيلعي.
هذا، وعبارة الإتقاني عن شرح الطحاوي: لا يجبر المشتري على قلعة بالاجماع، بل ينظر إلى
وقت الادراك ثم يقضي للشفيع اه‍. ومقتضاه عدم الاجر إذا لم تخرج الأرض عن ملك المشتري لعدم
القضاء تأمل. وقال السائحاني: الذي في المقدسي ثم الأرض تترك بغير أجر، وعن أبي يوسف بأجر
اه‍.
قلت: ومثله في التاترخانية. قوله: (ولا يرجع بقيمة البناء والغرس) يعني بنقصان قيمتها، وعن
أبي يوسف أنه يرجع. قوله: (على أحد) أي سواء تسلمها من البائع أو من المشتري ط. قوله: (لأنه ليس
بمغرور) لأنه أخذها بالشفعة جبرا كما مر. قوله: (بخلاف المشتري) إذا استحق ما اشتراه بعد البناء،
لان البائع غره بالعقد فيرجع عليه بما خسر. قوله: (ويأخذ بكل الثمن إلخ) أي إذا اشترى رجل دارا
فخربت أو بستانا فجف الشجر فللشفيع الاخذ بكل الثمن لأنهما تابعان للأرض. منح. قوله: (بلا فعل
أحد) يأتي محترزه متنا. قوله: (لا الوصف) أي ما لم يقصد إتلافه فيقابل بحصته من الثمن كما يأتي.
رحمتي. والأولى أن يقول لا التبع. لان البناء والشجر ليسا وصفا للدار والبستان. نعم الجفاف وصف.
536

قال في التبيين: لأنهما تابعان للأرض حتى يدخلان في البيع من غير ذكر فلا يقابلهما شئ من
الثمن ولهذا يبيعهما مرابحة في هذه الصورة من غير بيان اه‍ ط. قوله: (من نقض أو خشب) لف ونشر
مرتب ط. قوله: (حيث لم يكن تبعا للأرض) علة لقوله تسقط حصته من الثمن ط. فهو عين مال
قائم تفي محتبسا عند المشتري. زيلعي. قوله: (فقد هلك ما دخل تبعا) أي لما كان من التوابع وتحولت
الصفقة إلى الشفيع فقد هلك التبع بعد دخول الأصل في ملك الشفيع قبل القبض، فافهم.
فإن قلت: تقدم عن الزيلعي أن الأخذ بالشفعة شراء من المشتري إن كان الاخذ بعد القبض،
وإلا فمن البائع لتحول الصفقة إليه، ومقتضاه عدم السقوط فيما أخذه المشتري أيضا لأنه قبل شراء
الشفيع وقبضه فلم يدخل تبعا.
قلت: تقدم أيضا أن الشفعة تملك البقعة بما قام على المشتري، فلو لم تسقط حصته من الثمن لم
يكن كذلك، تأمل. وكذا يقال فيما يأتي. قوله: (لان الفائت بعض الأصل) في بعض النسخ: لان
الغائب والكل صحيح، لان المراد بالفائت الهالك، وبالغائب: أي في الماء الهالك أيضا، ولكن الأول
الذي في الزيلعي. ثم هذا بيان وجه المخالفة بينه وبين المسألة السابقة. قوله: (إن نقص المشتري البناء)
فلو لم ينقضه ولكن باعه من غيره بلا أرض فللشفيع نقض البيع، وكذا النبات والنخل، طوري عن
التاترخانية. قوله: (لأنه قصد الاتلاف) أي والتبع إذا صار مقصودا به يسقط ما يقابله من الثمن ط.
قوله: (ويقسم الثمن إلخ) فتقوم الأرض وعليها البناء وتقوم بغيره، فبقدر التفاوت يسقط من الثمن ط.
قلت: فلو اختلفا في قيمة البناء فالقول للمشتري أيضا
ولو في قيمة الأرض يوم وقع الشراء نظرا إلى قيمته اليوم، لأن الظاهر أنه كان كذلك، فمن شهد له
كان القول له. إتقاني. قوله: (بخلاف انهدامه إلخ) أي بخلاف ما إذا انهدم بنفسه وأخذ النقص حيث
يعتبر قيمته يوم الاخذ كما مر، لأنه صار مانعا بحبسه فيقول عليه بالحبس في يومه. تأمل وافهم.
قوله: (والنقص بالكسر) قال المكي: قلت وقد حصل في نقض البناء وهو منقوض لغتان، ضم النون
وكسرها، فالأزهري وصاحب المحكم اقتصر على الضم، والجوهري وابن فارس على الكسر، وهو
537

القياس كالذبح والرعي والنكث بمعنى المذبوح والمرعى والمنكوث ط. قوله: (بثمرها) الباء بمعنى مع ط.
قوله: (لاتصاله) هذا وجه الاستحسان، وفي القياس: لا يكون له أخذ الثمرة لعدم التبعية كالمتاع
الموضوع فيها. منح. وبيان وجه الاستحسان أنه باعتبار الاتصال صار تبعا للعقار كالبناء في الدار.
هداية. قوله: (وثمرا) بأن شرطه في البيع لان الثمر لا يدخل في البيع إلا بالشرط لأنه ليس بتبع.
زيلعي. قوله: (بعد الشراء في يده) متعلقان بأثمر، وقيد بقوله: في يده لأنه إذا أثمر في يد البائع
قبل القبض ثم قبضه المشتري له حصة من الثمن، كما إذا كان موجودا وقت الشراء. كفاية. قوله:
(وإن جذه) بالذال المعجمة المشددة. قال الزيلعي في باب البيع الفاسد: الجذاذ بالذال عام في قطع
الثمار، وبالمهملة خاص بالنخل اه‍. ط عن الحموي. وضبطه مسكين هنا بالمهملة. قال أبو السعود:
لأنه أنسب بالمقام، وقوله المشتري ليس بقيد بل مثله البائع والأجنبي كما في غاية البيان. قوله:
(فليس للشفيع أخذه) أي في الفصلين. هداية: أي إذا اشتراه بالثمر أو أثمر في يده وكان عليه أن
يقول: وليس بالواو ويذكره بعد جواب الشرط الآتي. قوله: (لما مر) أي آنفا من قوله لزوال التبعية
بانفصاله ولا يخفى أن الثمر في الأولى وإن دخل بالشرط كما مر ووقع الشراء عليه قصدا، لكن
دخوله في الشفعة بالتبعية للعقار باعتبار الاتصال كما قدمناه، وبالإنفصال تزول التبعية للعقار فتسقط
الشفعة، فافهم. قوله: (وقد اشتراها بثمرها) مزيدة على الدرر ولا معنى لها ح: أي لمنافاته للتفصيل
الآتي. قوله: (سقط حصته من الثمن في الأول) لأنه دخل في البيع قصدا فيقابله شئ من الثمن. هداية.
قوله: (لحدوثه بعد القبض) فلا يكون مبيعا إلا تبعا فلا يقابله شئ من الثمن. هداية. قوله: (لتحويل
الصفقة إليه) أي ولا يجوز له إبطالها منفردا من غير مقتض شرعا ط. قوله: (بخلاف ما قبل القضاء)
قدم المصنف أنها تملك بالأخذ بالتراضي وبقضاء القاضي، فالقضاء هنا غير قيد. تأمل. قوله: (وقت
انقطاع) حق البائع كان تصرف فيها المشتري ببناء ونحوه كما يأتي. قوله: (وفي هبة بعوض مشروط) أي
في العقد. وصورته أن يقول: وهبت هذا لك على أن تعوضني كذا، وأجمعوا أنه لو قال وهبت هذا
لك بكذا أنه بيع. إتقاني. وفي الخانية: فلو كانت بغير شرط العوض ثم عوضه بعدها فلا شفعة. قوله:
(ولا شيوع فيهما) أي فبالهبة والعوض بأن كان العوض عقارا أيضا. قال ط: أما إذا كانت في شائع: فإن كانت مما يقسم فهي فاسدة، وإلا فهي صحيحة وتجري فيها الشفعة، وهذا قياس ما تقدم في الهبة اه‍.
وفي غاية البيان: قال أصحابنا: إذا وهب نصف دار بعوض فلا شفعة فيه، لان هبة المشاع فيما
يقسم لا تجوز اه‍. قوله: (وقت التقابض) أي من الجانبين، فلو قبض أحد العوضين فلا شفعة. إتقاني.
538

ولو سلمها قبل قبض الآخر فهو باطل كما سيذكره الشارح عن المبسوط، ومثله في الجوهرة عن
المستصفى.
قال في النهاية: ولا بد من القبض عندنا خلافا لزفر فلا شفعة ما لم يتقابضا. وعلى قوله تجب
قبل التقابض بناء على أن الهبة بشرط العوض عنده بيع ابتداء وانتهاء، وعندنا بر ابتداء، وبمنزلة البيع
إذا اتصل به القبض من الجانبين. كذا في المبسوط اه‍.
وفي القهستاني عن المحيط: يعتبر الطلب عند التقابض في ظاهر الرواية، فقول السائحاني عن
المقدسي: وفي رواية وقت العقد وهو الصحيح مشكل، فإنه مبني على قول زفر، ولم أر من صححه
من شراح الهداية وغيرها، فتأمل. قوله: (ووقت الإجازة عند الثالث) هذا هو الصحيح كما سيذكره
الشارح أول الباب الآتي، وفيه كلام ستعرفه. قوله: (يقول له إلخ) قال في البزازية: ولم يذكر في
الكتب أن من لا يرى الشفعة بالجوار إذا طلبها عند حاكم يراها: قيل لا يقضي له لأنه يزعم بطلان
دعواه، وقيل يقضي لان الحاكم يراها، وقيل يقول له إلخ. قال الحلواني: وهذا أحسن الأقاويل اه‍.
قوله: (وإلا يقله) عبارة البزازية (1): وإن قال لا فلا. تأمل. قوله: (إيجاب الطلب) أي إثباته عند
القاضي، فإن الطلب عنده وهو الثالث متضمن إثبات طلب المواثبة وطلب التقرير، فلفظ إيجاب في
محلة فافهم، وهذا مبني على قول محمد المفتى به من أنه لو أخرها شهرا بلا عذر بطلت كما مر. قوله:
(فامتنع) أي القاضي أو من وجبت عليه الشفعة: أفاده أبو السعود ط. قوله: (بخلاف سبت اليهودي)
فإن القاضي يحضره وإن كان يوم السبت، هذا إن كانت الشفعة واجبة عليه، وإن كانت واجبة له
فالمعنى يطلب من القاضي وإن كان يوم السبت وهذا يظهر إذا كان يوم السبت آخر الشهر، إذ تأخر
الطلب قبل الشهر لا يبطلها اتفاقا، إلا أن يكون المراد طلب المواثبة أو التقرير. تأمل. ومثل السبت
الاحد للنصراني كما أفاده الحموي. قوله: (كما يأتي) أي في الفروع آخر كتاب الشفعة. قوله: (أخذها
بخمسين) عزاها في الخانية إلى ابن الفضل ثم قال بعده: وقال القاضي السعدي: لا يطرح عن الشفيع
نصف الثمن وإنما يطرح عنه حصة النقصان، وظاهر تقديم الخانية الأول اعتماده كما هو عادته. قوله:
(لان ثمنها إلخ) ظاهر التعليل أن قيمتهما سواء وقت العقد، فلو اختلفت لا يتعين أخذها بخمسين بل

(1) المقصود من نقل عبارة البزازية انه لا يفهم منها ما لو سكت الشفيع ولم يقل نعم أو لا بخلاف تعبير المصنف ا ه‍ منه.
539

يقسم الثمن بحسبها، تأمل. قوله: (إذا قبض الكل) مبني للمجهول: أي كل من البدلين أو للمعلوم:
أي كل من المتبادلين. قوله: (فهو) أي التسليم. قوله: (كان له أن يأخذ الدار بالشفعة) لأنه وقت انعقاد
المعاوضة، ولذا عبر المصنف بالتقابض الدال على حصول القبض من الاثنين في قوله وفي هبة بعوض
وقت التقابض ط. والله تعالى أعلم.
باب ما تثبت هي فيه أو لا قوله: (لا تثبت قصدا إلخ) قيد به لأنها تثبت في غير العقار تبعا له كالبناء والغرس والثمرة على
ما مر وكذا في آلة الحراثة تبعا للأرض كما قدمناه عن شرح المجمع. قوله: (ملك) بالتشديد أو
التخفيف صفة عقار، وسيأتي محترزه وهو ما بيع بخيار للبائع ونحوه. قوله: (خرج الهبة) أي التي لم
يشترط فيها العوض، وهذه المحترزات أتى بها المصنف بعد فالأولى حذفها ط. قوله: (وإن لم يكن
يقسم) أدرج لفظ يكن ليفيد أن المراد ليس مما اتصف بكونه يقسم: أي يقبل القسمة، وليس المراد
نفي القسمة أعم من كونه قابلا لها أو لا. تأمل. قوله: (خلافا للشافعي) لان من أصله أن الاخذ
بالشفعة لدفع ضرر مؤنة القسمة وذا لا يتحقق فيما لا يحتملها. وعندنا لدفع ضرر التأذي بسوء
المجاورة على الدوام. كفاية. قوله: (وحمام) فيأخذه الشفيع بقدره لأنه من البناء دون القصاع لأنها غير
متصلة بالبناء. نهاية. وفي الطوري عن المحيط: ويدخل في الرحى الحجر الأسفل دون الاعلى، لأنه
مبني بالأرض. قوله: (بالسكون) أي سكون الراء.
وفي المغرب: العرض بفتحتين ويجمع على عروض: حطام الدنيا. قوله: (ما ليس بعقار) تفسير
مراد هنا، قال في الصحاح: والعرض بسكون الراء: المتاع، وكل شئ فهو عرض سوى الدراهم
والدنانير وقال أبو عبيدة: العروض: الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن، ولا تكون حيوانا ولا
عقارا. قوله: (إذ بيعا قصدا) أي بيعا قصديا فتثبت الشفعة فيهما بتبعية العقار، فلو اشترى نخلة أو
بأرضها ففيها الشفعة تبعا للأرض، بخلاف ما إذا اشترى ليقلعها حيث لا شفعة فيها لأنها نقلي كما
في البناء والزرع كما في المحيط. قهستاني. قوله: (ولو مع حق القرار) قدمنا الكلام فيه بما لا مزيد
540

عليه. قوله: (ولا في إرث) أي موروث. درر. لان الوارث يملك على حكم ملك الميت ولهذا يرد على
بائعه بالعيب فكأن ملك الميت لم يزل. إتقاني فهو أيضا محترز قوله ملك. تأمل. قوله: (وصدقة وهبة
إلخ) لأنها ليست بمعاوضة مال بمال فصارت كالإرث منح. قوله: (لا بعوض مشروط) قدمنا فائدته.
قوله: (ودار قسمت) أي بين الشركاء لان القسمة فيها معنى الافراز ولهذا يجري فيها الجبر، والشفعة لم
تجر إلا في المبادلة المطلقة. منح. قوله: (أو جعلت أجرة إلخ) لأنها تثبتت، بخلاف القياس بالآثار في
معاوضة مال بمال مطلق فيقتصر عليها، منح. قوله: (أو صلح عن دم عمد) قيد به لما في المبسوط: لو
كان عن جناية خطأ تجب الشفعة، فلو عن جنايتين عمد وخطأ لا شفعة عنده. وعندهما تجب فيما
يخص الخطأ اه‍. طوري. وإن ادعى حقا على إنسان فصالحه على دار للشفيع أخذها، سواء كان عن
إقرار أو إنكار أو سكوت لزعم المدعي أنها عوض حقه فيؤاخذ بزعمه، ولو ادعى عليه دارا فصالحه
على دراهم: فإن عن إقرار تجب لزعمه ملكها بعوض لا إن كان عن إنكار لزعمه أنها لم تزل عن
ملكه، أو سكوت لزعمه أن المعطي لافتداء يمينه كما في درر البحار. قوله: (أو مهر) صوابه أو مهرا
بالنصب كما في الغرر عطفا على أجرة، إذ لو جعلت بدل مهر المثل أو المسمى عند العقد أو بعده
تثبت فيه الشفعة لأنه مبادلة مال بمال لأنه بدل عما في ذمته من المهر كما في التبيين وغيره. قوله: (وإن
قوبل ببعضها مال) بأن تزوج امرأة على دار على أن ترد عليه ألف درهم فلا شفعة في شئ منها.
منح. قوله: (لان معنى البيع تابع فيه) أي في هذا العقد، لأنه وإن اشتمل على نكاح وبيع لكن
المقصود منه النكاح بدليل أنه ينعقد بلفظ النكاح، ولا شفعة في الأصل فكذا التبع. قوله: (بيعت بخيار
البائع) وكذا بخيارهما، لأن المبيع لم يخرج عن ملكه، بخلاف خيار المشتري وهذا في التي فيها الخيار،
فلو بيعت دار بجنبها والخيار لأحدهما فله الشفعة، فلو للبائع سقط لإرادته الاستبقاء وكذا المشتري
وتصير إجازة، بخلاف ما إذا اشتراها ولم يرها فلا يبطل خياره بأخذ ما بيع بجنبها، لان خيار الرؤية
لا يبطل بصريح الابطال فكيف بدلالته؟ ثم إذا حضر شفيع الأولى له أخذها دون الثانية لانعدام ملكه
في الأولى حين بيعت الثانية. عناية ملخصا. قوله: (في الصحيح) كذا في الهداية معللا بأن البيع يصير
سببا لزوال الملك عند ذلك، ومثله في الجوهرة والدرر والمنح، وأقره شراح الهداية. وقال في العناية
ومعراج الدارية: وقوله في الصحيح احترازا عن قول بعض المشايخ: إنه يشترط الطلب عند وجود
البيع لأنه هو السبب اه‍.
أقول: لكن في الظهيرية قال: يشترط الطلب والاشهاد عند البيع، حتى لو لم يطلب ولم يشهد
عند البيع ثم جاز البيع بالإجازة أو عند مضي مدة الخيار فلا شفعة له في ظاهر الرواية. وقال بعض
العلماء: إنما يشترط عند جواز البيع، وهو رواية عن أبي يوسف، ونظيره: الدار إذا بيعت ولها جار
وشريك فالشفعة للشريك لا للجار، ولكن مع هذا يشترط الطلب من الجار عند البيع، بخلاف بيع
541

الفضولي فإن الطلب عند إجازة المالك. والفرق أن البيع بالخيار عقد تام، ألا ترى أنه يعمل من غير
إجازة أحد ولا كذلك عقد الفضولي اه‍. فليتأمل.
وفي القهستاني: يطلب بعد سقوط الخيار، وقيل عند البيع، والأول أصح كما في الكافي،
والثاني الصحيح كما في الهداية اه‍.
والظاهر أن العبارة مقلوبة، لان المصحح في الهداية هو الأول، فقد ظهر تصحيح كل من
القولين، ولكن إن ثبت أن الثاني ظاهر الرواية لا يعدل عنه. قوله: (أو بيعت الدار بيعا فاسدا) أي لا
شفعة فيها أيضا، أما قبل القبض فلعدم زوال ملك البائع، وأما بعده فلاحتمال الفسخ، وفي إثبات
الشفعة تقرير للفساد فلا يجوز. جوهرة. وفي الكلام تلويح إلى أنه وقع فسادا ابتداء، لان الفساد إذا
كان بعد انعقاده صحيحا فحق الشفعة على حاله، فإن النصراني لو اشترى من نصراني دارا بخمر فلم
يتقابضا حتى أسلما أو أسلم أحدهما أو قبض الدار ولم يقبض الخمر فإنه يفسد البيع وحق الشفعة باق
لفساده بعد وقوعه صحيحا. عناية. قوله: (كأن بنى المشتري فيها) أو أخرجها عن ملكه بالبيع أو غيره،
فإن باعها فللشفيع أخذها بالبيع الثاني بالثمن أو بالبيع الأول بقيمتها لأنها الواجبة فيه، وتمامه في
التبيين. قوله: (كما مر) أي قبيل الباب. قوله: (خلافا لما زعمه المصنف إلخ) حيث علقه برد. قال في الشرنبلالية: وهو خطأ في
الرد بخيار رؤية أو شرط، على أن القضاء في الرد بعيب ليس شرطا لابطال
الاخذ بالشفعة مطلقا بل فيما بعد القبض، لأنه قبل القبض فسخ من الأصل كما في الكافي وغيره،
وفيما بعد القبض يكون إقالة لعدم القضاء به، وهي بيع جديد في حق ثالث وهو الشفيع فله الشفعة.
قال في الذخيرة: إذا سلم الشفيع الشفعة ثم إن المشتري رد الدار على البائع: إن كان الرد بسبب
هو فسخ من كل وجه نحو الرد بخيار الرؤية أو الشرط وبالعيب قبل القبض بقضاء أو بغير قضاء وبعد
القبض بقضاء لا يتجدد للشفيع حق الشفعة، فإن كان الرد بسبب هو بيع جديد في حق ثالث نحو
الرد بالعيب بعد القبض بغير قضاء والرد بحكم الإقالة تتجدد للشفيع الشفعة اه‍. قوله: (بعد ما
سلمت) فلو قبله تبقى شفعته مع كل فسخ وبدون فسخ. شرنبلالية. قوله: (لأنه فسخ) علة للثلاث.
قوله: (بعد القبض) هذا التقييد لصاحب الهداية موافق لما قدمناه آنفا عن الذخيرة.
قال الزيلعي: إنما يستقيم على قول محمد، لان بيع العقار عنده قبل القبض لا يجوز كما في
المنقول فلا يمكن حمله على البيع، وأما عندهما فيجوز بيعه قبل القبض فما المانع من حمله على البيع:
أي بالنظر إلى الشفيع، وتامه فيه. قال أبو السعود: وتعقبه الشلبي نقلا عن خط قارئ الهداية بأن
الرد بالعيب قبل القبض فسخ في حق الكل، حتى كان له أن يرده على بائعه وإن كان بغير قضاء،
وصار بمنزلة خيار الشرط والرؤية فبطل بحثه اه‍. قوله: (والإقالة) بالنصب عطفا على الرد والظرف
بعده خبر إن، وكون الإقالة بمنزلة بيع مبتدأ إذا كانت بلفظ الإقالة، فلو بلفظ مفاسخة أو متاركة أو
542

تراد لم تجعل بيعا اتفاقا كما مر في بابها. سائحاني. قوله: (المستغرق) بصيغة اسم الفاعل: أي الذي
استغرق نفسه وماله بالدين وبصيغة اسم المفعول: أي الذي استغرقه الدين ط. قوله: (ليس بشرط) بل
الشرط كونه مديونا إذا كان البائع مولى العبد المأذون والعبد شفيعه أو بالعكس. أما إذا كان غير المولى
فلا يشترط وجود الدين أصلا كما أفاده في النهاية. قوله: (وشراء أحدهما من الآخر يجوز) أي إن كان
العبد مديونا كما قدمناه، وإلا فهو باطل، فلا شفعة للمولى لان البيع وقع له لا للغرماء. قوله: (أصالة
أو وكالة) لكن الوكيل يطلب الشفعة من الموكل، بخلاف الأصيل فإنه لا يحتاج إلى الطلب كما في
الخانية، وكذا تثبت للأب لو شرى لطفله على ما يأتي بيانه في الفروع. قوله: (وفائدته أنه لو كان
المشتري) أي أصالة أو وكالة.
وبيان ذلك: باع أحد شريكين في دار حصته منها للآخر فاشترى لنفسه أو لغيره بالوكالة أو باع
أحدهما حصته لوكيل الشريك الآخر فجاء ثالث وطلب الشفعة: فإن كان شريكا قسمت بينه وبين
المشتري في الأول، أو بينه وبين الموكل في الثاني، وإن كان جارا فلا شفعة له مع وجود المشتري أو
موكله لأنه شريك ما لم يسلم. وفي القنية: اشترى الجار دارا ولها جار آخر فطلب الشفعة وكذا
المشتري، فهي بينهما نصفين لأنهما شفيعان. قال ابن الشحنة: فقوله وكذا المشتري: أي إذا طلب ولم
يسلم للشفيع الآخر، وعلى هذا لو جاء ثالث قسمت أثلاثا أو رابع فأرباعا، ثم نقل عن الظهيرية: لو
سلم الجار المشتري كلها للجار الآخر كان نصفها له بالشفعة والنصف بالشراء اه‍. قال الشرنبلالي:
وفيه تأمل.
أقول: الظاهر أنه شراء بالتعاطي لأنه تملك النصف بالشفعة جبرا على المشتري، فإذا سلم له
النصف الثاني برضاه فقبله الآخر كان شراء. تأمل.
هذا، وفي كلام ابن الشحنة إشارة إلى أن قول القنية فطلب الشفعة، المراد به أنه لم يسلم الكل
للآخر لا حقيقة الطلب، فلا ينافي ما قدمناه عن الخانية أن الأصيل لا يحتاج إلى الطلب. تأمل. قوله:
(لا شفعة لمن باع أصالة) كأن باع عقارا له مجاورا لعقار له آخر وللعقار المبيع جار طلب الشفعة لا
يشاركه البائع فيها. قوله: (أو وكالة) كأن باع عقارا بالوكالة مجاورا لعقاره. قوله: (أي وكل بالبيع)
تفسير لقوله أو بيع له كأن وكل غيره ببيع عقار بجنب عقار الموكل. قوله: (أو ضمن الدرك) بفتحتين
أو السكون: أي الثمن عند الاستحقاق، فلا شفعة لضامنه في عقار البائع لأنه كالبائع. قهستاني. لان
ضمان الدرك تقرير للبيع كما في الدرر. قوله: (والأصل إلخ) وأخذه بالشفعة يكون سببا في نقض
ماتم من جهته وهو الملك واليد للمشتري، وسعى الانسان في نقض ما تم من جهته مردود. درر
: أي بخلاف الوكيل بالشراء أو المشتري نفسه لأنه محقق لما تم من جهته. والله تعالى أعلم.
543

باب ما يبطلها قوله: (يبطلها ترك طلب المواثبة) أي ولو جاهلا بثبوت الطلب له، لما في الخانية: رجلان ورثا
أجمة وأحدهما لم يعلم بالميراث فبيعت أجمة بجنبها فلم يطلب الشفعة، فلما علم أن له فيها نصيبا طلب
الشفعة في المبيعة، قالوا: تبطل شفعته والجهل ليس بعذر اه‍. قوله: (وتقدم ترجيحه) أي على القول
بأنه على فور العلم وعلمت ما فيه في باب الطلب. قوله: (أو ذي يد) الأولى أن يقول: أو أحد
العاقدين، لما تقدم أنه يصح الاشهاد على المشتري وإن لم يكن العقار في يده، وكذا على البائع وإن لم
تكن الدار في يده استحسانا كما ذكره شيخ الاسلام ط. قوله: (لا الاشهاد) عطف على طلب لا على
الاشهاد كما لا تخفى ح. قوله: (لأنه غير لازم) كذا قال في الهداية، بل فائدته مخافة الجحود فيصح
الطلب بدونه لو صدقه المشتري كما قدمناه، وهذا رد على صاحب الدرر حيث قال: يبطلها ترك
الاشهاد على طلب المواثبة قادرا اغترارا بظاهر قول الهداية هنا، إذا ترك الشفيع الاشهاد حين علم وهو
يقدر على ذلك بطلت شفعته اه‍. فحمله على ما إذا علم وكان عنده من يشهده فسكت ولم يشهد بدليل
قوله وهو يقدر، وحمل قول الهداية أولا أنه غير لازم على ما إذا علم في مكان خال. ورده الشرنبلالي
بأن الشرط الطلب فقط دون الاشهاد عليه، وبما قاله الأكمل وغيره أن المراد بالاشهاد في قوله
الهداية، إذ ترك الاشهاد نفس طلب المواثبة بدليل قوله لاعراضه عن الطلب، وبأنه صرح قبل هذا بأن
المراد بقول القدوري أشهد في مجلس هو طلب المواثبة، فلا تنافي بين كلامي الهداية اه‍ ملخصا.
وقد يقال: المراد إذا ترك الاشهاد على أحد العاقدين أو عند الدار حين علم فتركه وهو يقدر
بطلت، لكن فيه أنها لا تبطل بدليل أنه لو صدقه المشتري صح كما علمته، فافهم. قوله: (مع القدرة
كما مر) حيث قال: وهذا الطلب لا بد منه، حتى لو تمكن ولو بكتاب أو رسول ولم يشهد بطلت
شفعته وإن لم يتمكن منه لا تبطل اه‍: أي بأن سد أحد فمه أو كان في الصلاة. منح. ولا تنس ما
قدمناه عن الخانية من أن الاشهاد غير شرط فيه أيضا. قوله: (ويبطلها تسليمها) قال في التاترخانية: إذا
قال سلمت شفعة هذه الدار صح وإن لم يعين أحدا، وكذا لو قال للبائع سلمت لك شفعتها ولو بعد
قبض المشتري استحسانا لان معناه لأجلك، وكذا لو قال للوكيل ولو بعد الدفع إلى الموكل استحسانا،
ولو قال لأجنبي، فإن مسبوقا بكلام كقوله سلم لهذا المشتري فقال الشفيع سلمها لك صح، ولو
ابتداء كلام فلا، وإذا سلم الجار مع قيام الشريك صح، فإن سلم الشريك بعده ليس للجار الاخذ اه‍
ملخصا. وفي المجمع: ولا يجعل: أي أبو يوسف قول الشفيع آخذ نصفها تسليما، وخالفه محمد،
والأول أصح. ابن ملك عن المحيط. قوله: (علم بالسقوط أو لا) قال في المنح: لأنه لا يعذر بالجهل
بالأحكام في دار الاسلام اه‍. والأصح أن يذكره فيما إذا سكت لأنه هو الذي يتوهم كونه الجهل فيه
عذرا، أما عند التسليم منه فلا وجه له ط.
قلت: فالمناسب ما في التاترخانية: علم بوجوب الشفعة أو لا، وعلم من سقط إليه هذا الحق
544

أو لا. قوله: (لا قبله كما مر) لم أره فيما مر صريحا. قوله: (خلافا لمحمد) حيث أبطل التسليم وجعل
للصغير أخذها بعد البلوغ، وعلى هذا الخلاف إذا بلغهما شراء دار بجوار دار الصبي فلم يطلبا. ابن
ملك. قوله: (فيما بيع بقيمته أو أقل) فلو بأكثر مما لا يتغابن الناس في مثله جاز التسليم اتفاقا،
والأصح أنه لا يجوز اتفاقا لأنه لا يملك الاخذ فلا يملك التسليم. ابن ملك. ومقتضاه أنه لو سلم
فيما بيع بأكثر ثم بلغ الصبي له الطلب. قوله: (وإلا لم يصح) هذا قولهما وقول أبي يوسف الأول.
وقال آخرا: يصح مطلقا كما في التاترخانية. وفيها عن الولوالجية تسليم الشفعة من الوكيل صحيح
وإن لم تكن الدار في يده عندهما، وعليه الفتوى خلافا لمحمد. قوله: (وسكوت من يملك التسليم
تسليم) ومنه الأب والوصي كما قدمنا آنفا، ولا تنس ما قدمناه عن الخانية وفتاوى المصنف أن الشفيع
إذا سمع بالبيع فسكت لا تبطل شفعته ما لم يعلم المشتري والثمن كالبكر إذا استؤمرت. قوله: (ويبطلها
صلحه منها على عوض إلخ) لأنها ليست بحق متقرر في المحل بل مجرد حق التملك فلا يصح
الاعتياض عنه، ولا يتعلق إسقاطه بالجائز من الشروط فبالفاسد أولى فيبطل الشرط ويصح الاسقاط.
هداية. وفي عدم جواز التعليق كلام سنذكره في الفروع إن شاء الله تعالى. قوله: (لما يأتي) أي
بعد سطر ونصف، وكان ينبغي ذكره هنا قبل مسألة البيع. قوله: (ويبطلها بيع شفعته بمال) قال في الهداية: لما
بينا. وقال في النهاية بعد عزوه بطلانها إلى المبسوط أيضا. وفي الذخيرة: وإذا وهبها أو باعها لانسان لا
يكون تسليما، لان البيع لم يصادف محله، والأول أصح اه‍. ملخصا.
أقول: وفي الخانية: الشفيع إذا باع الشفعة أو وهبها لانسان بعدما وجبت له لا تبطل لأنها لا
تحتمل التمليك فلم يصادف محله اه‍. وظاهره حمل البطلان على ما إذا كان البيع قبل الوجوب لما فيه
من ترك الطلب إلا أن يكون مبنيا على مقابل الأصح، وتأمل هذا مع ما ذكره في المنح عن الخانية
والمجتبى. قوله: (وكذا الكفالة) يعني إذا صالح الكفيل بالنفس المكفول له على مال تسقط الكفالة، ولا
يجب المال في رواية وهي الأصح، وفي أخرى لا تبطل ولا يجب المال. وتمامه في الكفاية وغاية البيان.
قوله: (بخلاف القود) لأنه حق متقرر في المحل، فإن نفس القاتل كانت مباحة في حق من له
القصاص وبالصلح يحدث له العصمة في دمه فيجوز العوض بمقابلته. معراج. قوله: (ولا تسقط
شفعته) لأنه لم يوجد منه الاعراض عن الاخذ بالشفعة، بخلاف مسألة المتن السابقة.
فالحاصل كما في النهاية أن صلح الشفيع مع المشتري على ثلاثة أوجه: في وجه يصح، وفي
وجه لا يصح ولا تبطل الشفعة، وفي وجه تبطل ولا يجب المال. قوله: (ويبطلها موت الشفيع إلخ)
545

لأنها مجرد حق التملك وهو لا يبقى بعد
موت صاحب الحق فكيف يورث. درر. قوله: (ولو مات بعد القضاء لا تبطل) لما تقدم متنا أنها تملك بالأخذ بالتراضي وبقضاء القاضي. قوله: (لا موت المشتري)
وكذا البائع. خانية. ولا تباع في دين المشتري ووصيته، ولو باعها القاضي أو الوصي أو أوصى
المشتري فيها بوصية فللشفيع أن يبطله ويأخذ الدار لتقدم حقه ولهذا ينقض تصرفه في حياته. هداية.
قوله: (ويبطلها بيع ما يشفع به) أي كله لما في الخانية: الشفيع بالجوار إذا باع الدار التي يستحق بها
الشفعة إلا شقصا منها لا تبطل شفعته، لان ما بقي يكفي للشفعة ابتداء فيكفي لبقائها اه‍. قوله: (علم
ببيعها) أي بيع المشفوعة وقت بيعه ما يشفع به. قوله: (وكذا) عطف على يبطلها: أي وتبطل بهذه
الأشياء قبل القضاء بالشفعة لأنها بمنزلة الزائل عن ملكه كما في الدرر. قوله: (أو وقفا مسجلا) ينبغي
على القول بلزوم الوقف بمجرد القول أن تسقط به وإن لم يسجل. شرنبلالية. قوله: (ولو باع إلخ) أي
الشفيع ما يشفع به، وأفاد أن المراد بقوله بيع ما يشفع به البيع البات. قوله: (لبقاء السبب هو اتصال
ملكه بالمشفوعة لان خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه. وعبارة الهداية: لأنه يمنع الزوال فبقي
الاتصال اه‍. فافهم. قوله: (ويبطلها شراء الشفيع من المشتري) لأنه بالاقدام على الشراء من المشتري
أعرض عن الطلب وبه تبطل الشفعة. منح. قوله (فلمن دونه) كما إذا كان شريكا وللمبيع جار. قوله:
(بالعقد الأول أو الثاني) انظر ما كتبناه عن التاترخانية عند قول المصنف ويفسخ بحضوره. قوله:
(بخلاف ما لو اشتراها ابتداء) أي قبل أن يثبت له فيها حق الأخذ، لأنه لم يتضمن إعراضا لإقباله على
التملك وهو معنى الاخذ بالشفعة، وإنما اشتراها لعدم التمكن من أخذها بطريق آخر. زيلعي. قوله:
(حيث لا شفعة لمن دونه) بل تكون له ولمن هو مثله كما أوضحناه قبيل هذا الباب. قوله: (إن
استأجرها أو ساومها إلخ) أي بعد علمه بالبيع. معراج. وقيد بضمير المشفوعة، لما في التاترخانية:
اشترى دارا فساوم الشفيع داره وقد أشهد على طلبه فهو على شفعته. قوله: (أو طلب
منه) أي طلب الشفيع من المشتري. قوله: (أو يوليه) أي يبيعه تولية وهي البيع بمثل الثمن الأول ح، ومثل التولية
المرابحة ط. وكذا لو طلبها مزارعة أو مساقاة بعد علمه بالبيع. إتقاني. قوله: (مستدرك بما مر آنفا) لم
يمر في هذا الباب المعقود للبطلان، وقد مر قبيله ط. قوله: (قيمته ألف أو أكثر) وكذا لو أقل بالأولى
كما في العناية. قوله: (فله الشفعة) لان التسليم كان لإستكثار الثمن في الأول، أو لعدم قدرته على
الدراهم في الثاني فلا يلزم منه التسليم منه. قوله: (قيمتها الف) أي أو أكثر بالأولى، بخلاف الأقل
546

قوله: (والفرق بينهما) أي بين العرض وبين البر والشعير، والعددي المتقارب أن العرض قيمي
والواجب فيه القيمة وهي دراهم أو دنانير فلا يظهر فيه التيسير، وذاك مثلي يؤخذ بمثله فربما يسهل
عليه لعدم قدرته على الدارهم. وأما الفرق في مسألة الدنانير فلأنهما كما في العناية جنس واحد في
المقصود وهو الثمنية عندنا، ومبادلة أحدهما بالآخر متيسرة عادة. وقال زفر: له الشفعة لاختلاف
الجنس.
تنبيه: أخبر أن الثمن عروض كالثياب والعبيد فبان أنه مكيل أو
موزون أو أخبر أنه مكيل أو موزون فبان أنه جنس آخر منه فهو على شفعته، وإن بان أنه جنس آخر من عروض أو فضة أو ذهب
كقيمة ما بلغه فلا شفعة لعدم الفائدة. زيلعي. قوله: (ولو علم أن المشتري هو مع غيره) الأنسب ولو
بان كما لا يخفى ح. قوله: (لا شفعة له) قال في الذخيرة: هذا محمول على ما إذا كان ثمن النصف مثل
ثمن الكل، بأن أخبر بشراء الكل بألف فسلم فظهر أنه اشترى النصف بالألف، فلو ظهر بخمسمائة
فهو على شفعته. جوهرة. وعبر عنه الزيلعي بقيل. قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية. قال في
العناية: احترازا عما روي عن أبي يوسف على عكس هذا، لأنه قد يتمكن من تحصيل ثمن النصف
دون الجميع، وقد تكون حاجته إلى النصف لتتم به مرافق ملكه. قوله: (إلا ذراعا مثلا) أي مقدار
عرض ذراع أو شبر أو أصبع وطوله تمام ما يلاصق دار الشفيع. درر. قوله: (لعدم الاتصال) استشكل
السائحاني هذه الحيلة بما نقله الشرنبلالي عن عيون المسائل: دار كبيرة ذات مقاصير باع منها مقصورة
فلجار الدار الشفعة لأن المبيع من حملة الدار، وجار الدار جار المبيع وإن لم يكن متصلا به اه‍. أقول:
المشكل ما في العيون لا ما هنا. تأمل. قوله: (والقول) مبتدأ وسهو الثاني خبره، وهذا رد على صاحب
الدرر حيث قال: وكذا لا تثبت فيما بيع إلا ذراع، وما في الوقاية من قوله إلا ذراعا بالنصب كأنه
سهو اه‍. وأجاب عنه في العزمية بأنه مستثنى من مالا من ضمير بيع، فالنصب على التبعية باعتبار محل
المجرور والتبعية لضمير بيع تقتضي الرفع لأنه كلام تام غير موجب اه‍. ملخصا.
أقول: أما النصب في عبارة المصنف فواجب بلا شبهة لأنه استثناء من كلام تام موجب. وأما
في عبارة الوقاية والدرر فكذلك، والاستثناء من ضمير بيع لا من الموصول وهو من كلام تام موجب
أيضا لأن النفي غير متوجه إليه، يوضحه لو أهانك جماعة إلا زيدا منهم فقلت لا أكرم من أهانوني إلا
زيدا، على أن زيدا مستثنى من الواو ولا من الموصول وجب فيه النصب لأنه مستثنى من الواو قبل
دخول النفي، لان المعنى من أهانوني إلا زيدا لا أكرمهم، وصار زيد كالمسكوت عنه في حصول
الاكرام له وعدمه، ولو جعلته مستثنى من الموصول بأن كان من المهينين أيضا جاز فيه النصب والرفع
547

لأنه من كلام تام غير موجب وصار محكوما عليه بالاكرام قطعا. وعبارة الدرر من قبيل الأول، لان
المعنى ما بيع إلا ذراعا لا شفعة فيه، ولو كان الذراع مستثنى من الموصول لكان المعنى أن الشفعة تثبت
فيه ولا يخفى فساده، فاغتنم هذا التحرير في هذا المقام فقد زل فيه كثير من الافهام. قوله: (لو وهب
هذا القدر) أي الذراع مثلا، والظاهر أن المراد وهبه بعد بيع ما عدا هذا القدر بقرينة قوله للمشتري،
ومثله ما لو باعه له لأنه صار شريكا في الحقوق فلا شفعة للجار، وعلى هذا فليست هذه حيلة ثانية بل
من تتمة الأولى، ويحتمل أن الهبة قبل البيع، فقوله للمشتري من مجاز الأول، فيشترط في الهبة أن لا
تكون بعوض مشروط عليه فهي حيلة ثانية. تأمل. قوله: (فالشفعة للجار في السهم الأول فقط) قال
في المستصفى: تأويل هذه المسألة إذا بلغه بيع سهم منها فرده، أما إذا بلغه البيعان فله الشفعة،
والتعليل بقوله لان الشفيع جار فيها إلا أن المشتري في الثاني شريك فيقدم عليه يقتضي الاطلاق،
وعلى هذا عبارة عامة الكتب. كفاية. قوله: (لأنه شريك) أي نظرا إلى ما قبل الاخذ منه. قال في
العناية: لأنه حين اشترى الباقي كان شريكا بشراء الجزء الأول، واستحقاق الشفيع الجزء الأول لا
يبطل شفعة المشتري في الجزء الثاني قبل الخصومة لكونه في ملكه بعد فيتقدم على الجار اه‍.
قلت: ونظيره ما ذكره الإتقاني: إذا اشترى دارا لصيق داره ثم باع داره الأولى ثم حضر جار
آخر للثانية يقضي له بالنصف. قوله: (وحيلة كله) أي حيلة منع الشفعة في كل العقار: أي لأنه وإن
ثبت له الشفعة في السهم الأول، لكنه ذا رآه ببيع بمعظم الثمن تقل رغبته فيمتنع عن أخذه، ولا
يخفى أن الأولى حيلة كله أيضا لان مشتري الذراع صار شريكا في الحقوق فيقدم على الجار كما
قدمناه، فكلامه بالنظر إلى الثانية فقط. قوله: (أن يشتري الذراع أو السهم) أي يشتري جزءا معينا
كذراع مثلا من أي جهة كانت أو جزءا شائعا كتسع أو عشر.
أقول: وأما ما وقع في كلامهم من حمل الذراع على المذكور في الحيلة الأولى ففيه نظر لاستقلاله
فيها بمنع الشفيع عن الكل بلا توقف على كثرة الثمن، فافهم.
واعلم أن هذه الحيلة لتقليل رغبة الشفيع كما قدمناه، والأولى لابطال شفعته، وأن هذه الحيلة
مضرة للمشتري لو كانت الدار لصغير لعدم جواز بيع الباقي بالباقي لما فيه من الغبن الفاحش فيلزم
المشتري السهم بالثمن الكثير، ولا يجوز شراؤه للباقي كما في غاية البيان.
فائدة: إذا خاف أحدهما أن لا يوفي صاحبه يشترط الخيار لنفسه ثلاثة أيام، فإذا لم يوف له في
المدة فسخ فيها، وإن خافا شرط كل منها الخيار لنفسه ثم يجيزان معا، وإن خاف كل منهما إذا أجاز أن
لا يجيز صاحبه يوكل كل منهما وكيلا ويشترط عليه أن يجيز بشرط أن يجيز صاحبه. زيلعي بزيادة.
قوله: (وليس له تحليفه إلخ) سيأتي آخر الباب تحقيق ذلك بما لا مزيد عليه إن شاء الله تعالى. قوله: (ما
كان تلجئة) بيع التلجئة: هو أن يظهرا عقدا وهما لا يريدانه يلجئ إليه خوف عدوه وهو ليس ببيع في
الحقيقة، بل كالهزل كما تقدم قبيل كتاب الكفالة ح. قوله: (وإن ابتاعه) أي ابتاع العقار كما يظهر من
كلام الشرح، ولا مانع من إرجاع الضمير إلى السهم. تأمل. قوله: (بثمن كثير) كأضعاف قيمته. قوله:
548

(ثم دفع ثوبا عنه) أي دفع عن ذلك الثمن الكثير: أي بدله ثوبا قيمته كقيمة المبيع. قوله: (لا بالثوب)
لان الثوب عوض عما في ذمة المشتري فيكون البائع مشتريا للثوب بعقد آخر غير العقد الأول. زيلعي.
قوله: (فلا يرغب) أي الشفيع في ذلك المبيع لكثرة الثمن، وأشار إلى
هذه الحيلة لا تبطل شفعته، إذ لو رضي بدفع ذلك الثمن له الاخذ، بخلاف الحيلة الأولى كما قدمناه. قوله: (وهذه حيلة تعم الشريك
والجار) أي بخلاف ما قبلها فإنهما لا يحتال بهما في حق الشريك، أما الأولى فظاهر، وأما الثانية فلان
للشريك أخذ نصف الباقي بنصف الباقي من الثمن القليل. قوله: (لكنها تضر بالبائع) الأولى قد تضر.
قوله: (إذ يلزمه كل الثمن إلخ) لوجوبه عليه بالبيع الثاني ثم براءته، كأن حصلت بطريق المقاصة بثمن
العقار، فإذا استحق بطلت المقاصة. زيلعي. قوله: (بدينار) الأولى بدنانير بقدر قيمة العقار كما عبر
الزيلعي. قوله: (ليبطل الصرف إذا استحق) لأنه يكون صرفا بما في ذمته من الدراهم، فإذا استحق
العقار تبين أن لا دين على المشتري فيبطل الصرف للافتراق قبل القبض فيجب رد الدنانير لا غير.
زيلعي. قوله: (مع قبضة فلوس إلخ) القبضة بالفتح وضمه أكثر: ما قبضت عليه من شئ. قاموس.
ومثلها الخاتم المعلوم العين المجهول المقدار كما في المنح. قوله: (أشير إليها) قيد به ليصح إلحاقها
بالثمن، وبقوله وجهل قدرها لتسقط الشفعة، وبقوله وضيع إلخ لئلا يمكن للشفيع معرفتها، ولذا
زاد في المجلس أخذا من قول المنح عن المضمرات: ثم يستهلكه من ساعته، فافهم. قوله: (عن
مقطعات الظهيرية) أي من كتاب الشفعة، وعادته التعبير عن المتفرقات بالمقطعات، ولم يذكر في المنح
لفظ مقطعات بل ذكره الرملي. ونص ما فيها: اشترى عقارا بدراهم جزافا واتفق المتبايعان على أنهما لا
يعلمان مقدار الدراهم وقد هلك في يد البائع بعد التقابض فالشفيع كيف يفعل؟ قال القاضي الامام عمر بن أبي بكر: يأخذ الدار بالشفعة ثم يعطي الثمن على زعمه، إلا إذا أثبت المشتري زيادة عليه اه‍.
أقول: وهذا مشكل، إذ كيف يحل له الاخذ جبرا على المشتري بمجرد زعمه مع أن الشفيع إنما
له الاخذ بما قام على المشتري من الثمن، اللهم إلا أن يكون عالما بقدره بقرينة قوله: إلا إذا أثبت
المشتري زيادة عليه، فإنه يدل على أن الثمن علم قبل هلاكه، فتأمل. قوله: (وأقره شيخنا) أي الخير
الرملي في حاشية المنح وفي فتاواه الخيرية. قوله: (لكن تعقبه ابنه) ابن المصنف. قوله: (بأنه مخالف
للأول) أي ما في المتن.
549

أقول: لا مخالفة، بل غايته أنه تخصيص لاطلاق الأول أنه ليس فيه أن هذه الحيلة باطلة، بل أن
صحتها مبنية على ما إذا وافقهما الشفيع على عدم معرفة الفلوس، فإن كان يعلمها وادعى ذلك فقد
بطلت الحيلة لعدم الجهالة المانعة من حكم الحاكم، ويدل على هذا التخصيص نفس كلام المضمرات
حيث علل السقوط بها بأن الشفيع يأخذ المبيع بمثل الثمن أو قيمته، وهنا يعجز القاضي عن القضاء
بهما جميعا بسبب الجهالة.
وقال الرملي: ظاهر ما في الظهيرية أن الشفيع لا يحلف على ما زعم، لان المتبايعين لم يدعيا قدرا
معينا أنكره الشفيع، بل اتفقا على أنهما لا يعلمان قدر الثمن، فلا يقال: إنه منكر فلا يحلف. وبهذا
علم أن هذه الحيلة إنما تتم لو وافقهما الشفيع على عدم المعرفة، ويشير إليه قولهم لتعذر الحكم، فتأمل
اه‍. وهو عين ما قلناه. قوله: (وما في المتون) كالغرر والشروح كالمضمرات فإنه شرح علي القدوري،
وقوله مقدم خبر ما وذلك لان مسائل المتون هي المنقولة عن أئمتنا الثلاثة أو بعضهم وكذلك
الشروح، بخلاف ما في الفتاوى فإنه مبني على وقائع تحدث لهم ويسألون عنها وهم من أهل
التخريج، فيجيب كل منهم بحسب ما يظهر له تخريجا على قواعد المذهب إن لم يجد نصا، ولذا ترى في
كثير منها اختلافا، ومعلوم أن المنقول عن الأئمة الثلاثة ليس كالمنقول عمن بعدهم من المشايخ، ولا
يخفى عليك أن مسألتنا هذه ليست كذلك، فإنها لم تذكر في المتن التي شأنها كذلك كمختصر
القدوري و الهداية والكنز والوقاية والنقاية والمجمع والملتقى والمواهب والاصلاح. وقد قال في المنح:
ولم أقف على هذه الحيلة في غير الكتاب المذكور: يعني الدرر والغرر، ثم رأيتها في المضمرات اه‍.
وذكرها في المضمرات لا يدل على أنها منقولة عن أئمة المذهب حتى تترجح على ما في الفتاوى، كيف
وكثير من الشروح كالنهاية وغيرها ينقلون عن أصحاب الفتاوى فيحتمل أنه نقلها عنهم أيضا، فتأمل
منصفا. قوله: (وقدمنا إلخ) هذه ذكرها الرملي عن حاوي الزاهي من جملة الحيل.
أقول: ولا شبهة في أنه لا يحل فعلها وأنها مضرة لفاعلها في دينه بمباشرة العقد الفاسد وفي
دنياه إذا طلب الشفيع بعد ما سقط الفسخ ببناء ونحوه. قوله: (ذكره البزازي) أقول: ما اقتصر عليه
البزازي لا يصح مسقطا، إذ لو سكت الشفيع أو قال لا أشتري لا تسقط شفعته. وعبارة النهاية:
وذلك أن يقول المشتري للشفيع أنا أبيعها منك بما أخذت فلا فائدة لك في الاخذ فيقول الشفيع نعم
أو يقول اشتريت فتبطل شفعته اه‍.
أقول: ومنها أن يشتري منه الشفعة أو يصالحه عليها بمال فإنها تبطل ويسترد المال كما تقدم.
قوله: (ويفتى بقول أبي يوسف في الشفعة) بل نقل في النهاية أن منهم من قال: إنه لا خلاف فيها.
وفي البزازية: وإن قبل الثبوت لا بأس به عدلا كان: يعني الشفيع، أو فاسقا في المختار لأنه ليس
550

بإبطال. قوله: (واستحسنه محشي الأشباه) هو العلامة شرف الدين الغزي في تنوير البصائر، حيث قال:
وينبغي إعماد هذا القول لحسنه ا ه ط. قوله: (في الزكاة والحج وآية السجدة) كأن يبيع السائمة بغيرها
قبل الحول أو يهب لابنه المال قبله أو قبل أشهر الحج أو يقرأ سورة السجدة ويدع آيتها.
قال ط: قلت: أو يقرأها سرا بحيث لا يسمع نفسه على المشهور اه‍: أي من أن المعتبر إسماع
نفسه لا مجرد تصحيح الحروف. قوله: (لاسقاط الحيلة) أي في الشفعة، أما في غيرها فقد وجد كما
بينه البيري. قوله: (قال) أي في البزازية.
أقول: أصل هذا الكلام لصاحب الظهيرية عن والده، وذكر الرحمتي أن ما تقدم من أن له أن
يحلفه أن البيع الأول ما كان تلجئة، وكذا قوله أنا أعلم قيمة الفلوس يصلح حيلة لاسقاط الحيلة.
مطلب: لا شفعة للمقر له بدار (1)
تتمة: رأيت بخط شيخ مشايخنا مله علي عن جواهر الفتاوى ما حاصله: أقر بسهم من الدار ثم
باع منه البقية لا شفعة للجار، ذكره الخصاف وأنكره الخوارزمي، والمذهب ما قاله. فالرواية منصوصة
فيمن أقر بدار لآخر وسلمها، ثم بيعت دار بجنبها لا شفعة للمقر له في قول أبي حنيفة ومحمد، خلافا
لأبي يوسف اه‍: أي لان الاقرار حجة قاصرة، ومقتضاه أن لا شفعة للمقر أيضا مؤاخذة له بإقراره.
تأمل. قوله: (والبائع واحد) أقول: فلو تعدد كل من البائع والمشتري لم أره، والظاهر أنه كذلك لا
كالعكس كما يفيده التعليل الآتي، وليراجع. قوله: (لان فيه تفريق الصفقة على المشتري) أي فيتضرر
بعيب الشركة. وفي الكفاية عن الذخيرة: لو اشترى نصيب كل بصفقة فللشفيع أخذ نصيب أحدهم
لان المشتري رضي بهذا العيب حيث اشترى نصيب كل بصفقة اه‍. ثم بين ما تتفرق به الصفقة وما
تتحد، فراجعه. قوله: (لقيام الشفيع إلخ) ولان الجار متعدد فله أن يرضى بأحدهما دون غيره، أما
إذا رضي بجوار المشتري في نصيب واحد فقد رضي أيضا في نصيب آخر لعدم تجزئ جوار
الواحد. درر البحار. قوله: (بلا فرق إلخ) هو الصحيح، إلا أن قبل القبض لا يمكنه أخذ نصيب
أحدهم إذا نقد ما عليه ما لم ينقد الآخر حصته كي لا يؤدي إلى تفريق اليد على البائع بمنزلة أحد
المشتري. هداية: أي إذا نقد ما عليه من الثمن لا يقبض نصيبه من الدار حتى يؤدي المشترون ما
عليه من الثمن، وكذا الشفيع. قوله: (قبل القبض أو بعده) أي قبض المشتري الدار. معراج. قوله:

(1) وفي المنتقى عن أبي يوسف: رجل في يده دار فقال الشفيع بعد بيع الدار التي فيها الشفعة داري هذه لفلان وقد بعتها
منه منذ سنة وقال هذا في وقت يقدر على أخذ الشفعة لو طلبها لنفسه، قال: لا شفعة له ولا للمقر له تاترخانية ا ه‍
منه.
551

(فهو على شفعته) أي في الباقي، وقيل بطلت. قهستاني. وفي التاترخانية: وإذا كان المشتري واحدا
والبائع اثنين وطلب الشفيع نصيب أحدهما مع أنه ليس له أن يأخذه هل يكون على شفعته؟ ذكر في
الأصل نعم. قال بعضهم: هذا محمول على ما إذا كان بعد طلب المواثبة وطلب الاشهار في الكل،
فلو طلب في النصف أولا بطلت. وقال بعضهم على إطلاقه اه‍.
قلت: يؤيد الأول ما قدمه الشارح قبيل باب الطلب عن الزيلعي من أن شرط صحتها أن يطلب
الكل، وبه يتأيد ما ذكرناه هناك من التوفيق بينه وبين قول المجمع. ولا يجعل قوله آخذ نصفها
تسليما، فتدبر. قوله: (لا أحدهما) وقال زفر: له شفعة أحدهما، قيل والفتوى على قوله، وقيد بمصرين
لما في الحقائق لو كانا في مصر واحد، فقوله كقولنا. وفي المصفى والايضاح أنه قيد اتفاقي وبصفقة،
إذ لو بيعتا بصفقتين له أخذ أيهما شاء اتفاقا وبكونه شفيعا لهما، إذ لو كان شفيعا لأحدهما يأخذ التي
هو شفيعها اتفاقا، لان الصفقة وإن أتحدث فقد اشتملت على ما فيه الشفعة، وعلى ما ليست فيه حكم
بها فيما تثبت فيه أداء لحق العبد. كذا في درر البحار وشرح المجمع. قوله: (ويأتي) أي عن النظم
الوهباني. قوله: (فلو وكل واحد جماعة) أي بالشراء فاشتروا له عقارا واحدا بصفقة واحدة أو متعددة.
زيلعي. وتمام التفريع: ولو وكل جماعة واحدا به ليس للشفيع أخذ نصيب بعضهم. قوله: (فللشفيع
إلخ) هذا إذا وكل كلا في نصيب، وأما إذا وكل كلا في شراء الجميع فلا شفعة إلا في الجميع،
فليتأمل ط.
أقول: هذا مقبول للنفس لو لم يخالفه ما نقلناه آنفا عن الزيلعي، فتأمل. قوله: (وإن وقع في
غير جانبه) وعن أبي حنيفة أنه يأخذه إذا وقع في جانب الدار التي يشفع بها لأنه لا يبقى جارا فيما يقع
في الجانب الآخر. هداية. قوله: (أو رضا على الأصح) وعن أبي حنيفة: لو بغير قضاء له النقض.
إتقاني. قوله: (لأنها من تمام القبض) لما عرف أن قبض المشاع فيما يحتمل القسمة قبض ناقص. كفاية.
قوله: (حتى لو قاسم) أي المشتري وهو تفريع على التعليل بكون القلسمة من تمام القبض. أفاده ط.
قوله: (حيث يكون للشفيع نقضه) لأن هذه القسمة لم تجر بين العاقدين فلا يمكن جعلها قبضا بحكم
العقد فجعلت مبادلة، وللشفيع أن ينقض المبادلة. كفاية. قوله: (كما لو اشترى إلخ) تشبيه في النقض
552

ط. قوله: (وللجار تحليفه على العلم) لأنه تحليف على فعل غيره. منح. فيقول: لا أعلم أنه مالك لما
يشفع به. قوله: (فإنه يحلف على العلم) موافق لما في التاترخانية عن فتاوى أبي الليث، وهو محمول على
ما إذا قال الشفيع علمت أمس وطلبت فإنه يكلف إقامة البينة، فإن لم يقمها حلف المشتري، أما لو قال
طلبت حين علمت: أي ولم يسنده لما مضى فالقول له بيمينه كما في الدرر والخانية والبزازية فيحصل
التوفيق. أفاده الرملي وقدمناه. قوله: (عند لقائه) قيد به لأنه لو أنكر طلب الاشهاد عند لقاء البائع أو
عند الدار حلف على العلم لعدم إحاطة العلم اه‍ ح. قوله: (فبينة الشفيع أحق) لأنها تثبت الاخذ
والبينات للاثبات ط. قوله: (وهو) أي الغير الذي هو المستأجر. قوله: (أخذها بالشفعة) لوجود سببها
وبطلان الإجارة. قوله: (وإلا بطلت الإجارة وإن ردها) عبارة الأشباه: بأن ردها (1)، وعزا المسألة إلى
الولوالجية. قال الحموي: وفيه نظر لأن عدم إجازة البيع لا يوجب بطلان الإجارة. والذي في
الولوالجية: ولو لم يجز البيع ولكن طلب الشفعة أبطلت الإجارة لأنه لا صحة للطلب إلا بعد بطلان
الإجارة اه‍. فالصواب أن طلبها: يعني الشفعة اه‍ ملخصا. وما في الولوالجية مذكور في الخانية
والقنية والهندية عن المحيط. قال ط: وأفاد هذا أن له الاخذ بالشفعة لنفاذ البيع بين المتعاقدين،
وحينئذ فلا فرق بين أن يجيز ويطلب أو يطلب الشفعة فقط، والعبارة لا تخلو عن ركاكة اه‍: أي
لايهامها أن لا شفعة له إن طلب فقط مع أن له الشفعة كما صرح به في الخانية.
أقول: المسألة مسوقة في الولوالجية وغيرها لبيان الفرق بينها وبين ما إذا باع دارا على أن يكفل
الشفيع الثمن فكفل لا شفعة له. والفرق أنه لما كانت الكفالة شرطا في البيع صار جوازه مضافا إليها
وصار الشفيع بمنزلة البائع، أما هنا البيع جائز من غير إجازة المستأجر إلى آخر ما ذكروه.
وحاصله: أن للمستأجر الشفعة سواء أجاز البيع صريحا أو ضمنا، بخلاف الكفيل، فلا ركاكة
في كلامهم بعد الوقوف على مرامهم، فافهم. قوله: (الشفعة) فيقول اشتريت وأخذت بالشفعة فتصير
الدار له ولا يحتاج إلى القضاء. خانية، وقيده في النهاية والمعراج بما إذا لم يكن فيه للصبي ضرر ظاهر
كما في شرائه مال ابنه لنفسه. قوله: (والوصي كالأب) أي على قول من يقول: للوصي شراء مال
اليتيم لنفسه، وعلى قول من يقول: لا يملك ذلك فله الشفعة أيضا، لكن يقول اشتريت وطلبت
الشفعة ثم يرفع الامر إلى القاضي لينصب قيما عن الصغير فيأخذ الوصي منه بالشفعة ويسلم الثمن إليه

(1) قوله: (عبارة الأشياء بان ردها) عبارة الأشياء ان ردها بدون باء.
553

ثم هو يسلم الثمن إلى الوصي. ولولجية وخانية وقنية. قوله: (لكن في شرح المجمع ما يخالفه) حيث
قال: وقيد بالأب لان الوصي لا يملك أخذها لنفسه اتفاقا، لان ذلك بمنزلة الشراء، ولا يجوز
للوصي أن يشتري مال اليتيم لنفسه بمثل القيمة اه‍. ومثله في درر البحار والخانية أيضا في موضع
آخر، لكن بلا ذكر الاتفاق.
ويمكن التوفيق بأنه ليس له ذلك بلا رفع إلى القاضي ونصب قيم، لكن في خزانة الأكمل أن
الوصي يطلب ويشهد ويؤخر الخصومة لبلوغ الصغير، وهو ما يأتي عن المنظومة الوهبانية، وبه وفق
الطرسوسي فحمل ما مر آنفا على نفي طلب التملك للحال كما نقله الشرنبلالي.
أقول: وينبغي أن يكون لزوم التأخير المذكور إذا لم يرفع الامر إلى القاضي، وبه يوفق بين ما في
الخزانة وما قدمناه عن الولوالجية وغيرها.
هذا، وقد ذكر في النهاية والمعراج وتبعهما الزيلعي تفصيلا آخر، وهو أن الوصي له الاخذ إذا
كان فيه للصغير نفع ظاهر بأن كان في الشراء غبن يسير، وإلا بأن وقع الشراء للصغير بمثل القيمة فلا
بالاتفاق، كما في شرائه مال صغير لنفسه اه‍. ملخصا. ومثله في الذخيرة والتاترخانية، وعليه يحمل ما
قدمناه من النقول السابقة أيضا.
والذي تحرر من هذا كله أن للوصي الشفعة إن كان ثمة نفع ظاهر للصغير بشرط أن يرفع الامر
إلى القاضي وإلا يؤخر الخصومة إلى البلوغ، وإن لم يكن فيه نفع ظاهر فلا، فاغتنم هذا التوفيق المفرد
بين كلامهم المبدد. قوله: (لبعض المبيع) كذا في الأشباه. ومعناه: إذا كان المبيع متعددا كدارين له جوار
بإحداهما كما ذكره الحموي وغيره، وقدمناه عن الإتقاني: لو كان أحد الجارين ملاصقا للمبيع من
جانب والآخر من ثلاث فهما سواء، فتنبه.
وفي البزازية: قرية خاصة باعها بدورها وناحية منها تلي أرض إنسان فللشفيع أخذ الناحية التي
تليه اه‍: أي لأنها في حكم المتعدد. تأمل. قوله: (الابراء العام من الشفيع) كما إذا قال له البائع أو
المشتري أبرئنا من كل خصومة لك قبلنا. ولوالجية. قوله: (مطلقا) أي سواء علم أنه وجبت له قبلهما
شفعة أو لا. قوله: (لا ديانة إن لم يعلم بها) قال في زواهر الجواهر: هذا على قول محمد، أما على قول
أبي يوسف فيبرأ قضاء وديانة في البراءة من المجهول، وعليه الفتوى كما في شرح المنظومة والخلاصة
اه‍ ح.
أقول: علل في الولوالجية عدم البراءة ديانة بقوله: لأنه لو علم بذلك الحق لم يبرئهما. قال:
ونظيره لو قال الآخر: اجعلني في حل لا يبرأ ديانة إذا كان بحال لو علم ذلك الحق لم يبرئه اه‍.
فتأمل. هذا، واستشكل المسألة الحموي بما في الظهيرية: لو قال إن لم أجئ بالثمن إلى ثلاثة أيام فأنا
برئ من الشفعة فلم يجئ، قال عامة المشايخ: لا تبطل شفعته وهو الصحيح، لأنها متى ثبتت بطلب
المواثبة وتقررت بالاشهاد لا تبطل ما لم يسلم بلسانه اه‍. وهو صريح في أنها لا تبطل بالابراء الخاص
554

فبالعام أولى اه‍. واعترض بأنه لا معنى لهذا الاستشكال، لان غاية ما استفيد من الظهيرية أن الشفعة
لا يبطلها الابراء العام في الصحيح اه‍.
أقول: وفيه غفلة عن كون هذا المستفاد هو منشأ الايراد. وقد يجاب عن الاشكال بأن ما في
الظهيرية بعد استقرار الشفعة بالطلبين، والظاهر أن مسألتنا فيما قبل ذلك، فتأمل. قوله: (إذا صبغ
المشتري إلخ) مستدرك هو وما بعده بما تقدم في باب الطلب. أفاده ط. قوله: (أخر بالجار طلبه إلخ)
قدمنا أنه مبني على قول محمد المفتى به. قوله: (يهودي سمع إلخ) الظاهر أنه قيد اتفاقي فليس الاحد
عذرا للنصراني، ونكتة تخصيص اليهودي بالذكر أنهم نهوا عن الأعمال يوم السبت ولم تنه النصارى عنها
يوم الأحد لكنه نسخ في شرعنا. حموي. قوله: (لم يكن عذرا) وكذا لو كان الشفيع في عسكر الخوارج
أو أهل البغي فخاف على نفسه أن يدخل في عسكر العدل فلم يطلبها بطلت لأنه غير معذور. خانية.
قوله: (قاله المصنف) أي قبيل باب ما تثبت هي فيه أو لا ح. قوله: (وسنذكره) أي كلام الوهبانية قريبا
ح. قوله: (لان ابن المصنف) الظاهر أنه علة للإعادة المفهومة من قوله: وسنذكره فإنها تقتضي العناية
والتأكيد ط. قوله: (أيده) حيث قال: أقول ما ذهب إليه ابن وهبان أولى من جهة الفقه، لأنه قال: كل
موضع لو أقر به لا يلزمه شئ لو أنكره لا يحلف وهنا لو أقر بالحيلة لعدم ثبوتها ابتداء لا يلزمه شئ
فلا يحلف، والحيلة لعدم ثبوتها (1) ابتداء لا تكره عند أبي يوسف. وعلى قوله الفتوى كما في الدرر
والغرر. وقال قاضيخان بعد ذكر جملة من الحيل المبطلة للشفعة ففي هذه الصور: ولو أراد الشفيع أن
يحلف المشتري أو البائع بالله تعالى ما فعل هذا فرارا عن الشفعة لم يكن له ذلك لأنه يدعي شيئا لو أقر
به لا يلزمه اه‍.
أقول: والعبد الضعيف إلى ما ذهب إليه ابن وهبان وأفاده العلامة فقيه النفس فخر الدين
قاضيخان أميل.
أقول: وفي الولوالجية: ثم ذكر في بعض كتب الشفعة عقب هذه الحيل وقال: يستحلف
المشتري بالله تعالى ما فعلت هذا فرارا من الشفعة، ولا معنى لهذا لأنه يدعي عليه معنى لو أقر به لا
يلزمه شئ، فكيف يستخلف اه‍ كلام ابن المصنف في الزواهر ح.
أقول وبالله التوفيق: ذكر في الولوالجية أيضا أول الفصل الثالث: تصدق بالحائط الذي يلي جاره

(1) قوله: (الحاشية لعدم ثبوتها) اي الشفعة وهو متعلق بالحيلة ا ه‍ منه.
555

على رجل بما تحته وقبضه ثم باع منه ما بقي فليس للجار شفعة، فإن طلب يمين المشتري بالله تعالى ما
فعل الأول ضررا ولا فرارا من الشفعة على وجه التلجئة له ذلك لأنه يدعي عليه معنى لو أقر به لزمه
وهو خصم، فإن حلف فلا شفعة، وإلا ثبتت لأنه ثبت كونه جارا ملازقا اه‍. وقال الامام قاضيخان
بعد عبارته السابقة: لكن إن أراد تحليف المشتري أن البيع الأول ما كان تلجئة له ذلك لأنه ادعى عليه
معنى لو أقر به يلزمه، قال: وما ذكر في الأصل أن الشفيع إذا أراد تحليفه أنه لم يرد به إبطال الشفعة
كان له ذلك معناه إذا ادعى أن البيع كان تلجئة اه‍. ومثله في التجنيس والمزيد لصاحب الهداية،
وقدمه الشارح عن مؤيد زاده معزوا للوجيز وبه ظهر عدم المنافاة بين ما ذكره الشارح هنا تبعا للأشباه
وبين ما يأتي عن الوهبانية، وقدمنا أن بيع التلجئة هو أن يظهرا عقدا لا يريد أنه إلخ فيكون البيع
باطلا.
هذا، ولا يخفى أن المفهوم مما نقلناه أن المتعاقدين إن قصدا حقيقة البيع فرارا من الشفعة كان بيعا
جائزا وإلا بل أظهراه للشفيع لم يكن جائزا لأنه تلجئة، ولذا يجاب الشفيع إلى التحليف لو ادعى الثاني
دون الأول، وليس في كلامهم أن كل ما يحتال به لابطال الشفعة يكون تلجئة وإلا بطل قولهم: إنه
ليس له أن يحلفه أنه ما فعل هذا فرارا من الشفعة إلخ، فمن استشكل ذلك وقال: لم أر من تعرض
لذكره ثم أجاب بما لا يجدي فقد خفى عليه المرام، فاغتنم هذا التحقيق في هذا المقام. قوله: (تعليق
إبطالها بالشرط جائز) قال في الجامع الصغير: لو قال الشفيع سلمت لك الشفعة إن كانت اشتريتها
لنفسك وقد اشتراها لغيره فليس بتسليم، لان تسليم الشفعة إسقاط محض كالطلاق والعتاق فصح
تعليقه بالشرط ولا ينزل إلا بعد وجوده اه‍. قال في العناية: وهذا يناقض قول المصنف: يعني
صاحب الهداية فيما تقدم: ولا يتعلق إسقاطه بالجائز من الشروط فبالفاسد أولى اه‍.
قال الطوري: وقد يجاب بالفرق بين شرط وشرط، فما سبق في الذي يدل على الاعراض عن
الشفعة والرضا بالمجاورة وما هنا فيما لا يدل على ذلك اه‍.
أقول: وأورد في الظهيرية على ما في الجامع ما ذكره السرخسي في مبسوطه أن القصاص لا يصح تعليق إسقاطه بالشرط ولا
يحتمل الإضافة إلى الوقت وإن كان إسقاطا محضا، ولهذا لا يرتد برد
من عليه القصاص، ولو أكره علي إسقاط الشفعة لا تبطل. قال: وبهذا يتبين أن تسليمها ليس بإسقاط
محض، وإلا لصح مع الاكراه كعامة الإسقاطات اه‍. وبنى على ذلك الخير الرملي أن الشفيع لو قال قبل
البيع إن اشتريت فقد سلمتها أنه لا يصح، وقدمنا ذلك قبيل باب الصرف فراجعه. قوله: (يقول هذه
الدار داري إلخ) لأنه إذا ادعى رقبتها تبطل شفعته، وإذا ادعى الشفعة تبطل دعواه في الرقبة لأنه يصير
متناقضا، فإذا قال ذلك لا يتحقق السكوت عن طلب الشفعة لان الجملة كلام واحد، وأفاد أبو
السعود أن هذا مبني على اشتراط الطلب فورا، وأما على الصحيح (1) من أن له الطلب في مجلس علمه

(1) قوله: (واما على الصحيح الخ) قال مولانا: هذا مقيد بما إذا لم يحصل في المجلس ما يدل على الاعراض، وحينئذ
فلا مخلص الا ما قاله الشارح فإنه بدعوى الرقبة يكون معرضا ا ه‍.
556

فيمكن أن يدعي رقبتها وهو في المجلس ثم يطلب الشفعة فيه إن منع. قوله: (إن اعتمد على قول عالم)
بحث فيه في الزواهر بأن قولهم لا يثبت الملك للشفيع إلا بعد الاخذ بالتراضي أو بعد قضاء القاضي
يقتضي أن استيلاءه حرام، ولا ينفعه قول العالم اه‍ ح.
أقول: عبارة الولوالجية: إن كان من أهل الاستنباط وقد علم أن بعض الناس قال ذلك لا يصير
فاسقا لأنه لا يصير ظالما إلخ، فالبحث غير متوجه، فتدبر. قوله: (وإلا كان ظالما) يؤخذ منه أن يعزر
اه‍. أبو السعود عن الزواهر. قوله: (أشياء على عدد الرؤوس) أي تقسم على عدد الرؤوس لا على قدر
الأنصباء. قوله: (العقل) أي الدية أو القيمة، فإذا وجد حر أو عبد قتيلا في مكان مملوك قسمت القيمة
أو الدية على عدد الملاك دون قدر الملك، وتمام بيانه في حاشية الأشباه للحموي. قال: وعلى كون
العقل بمعنى الدية استحسن الدماميني قول ابن نباتة:
أعيذ سناه والعذار وريقه * بما قد أتى في النور والنمل والنحل
وأصبوا إلى السحر الذي في جفونه * وإن كنت أدري أنه جالب قتلي
وأرضى بأن أمضي قتيلا كما مضى * بلا قود مجنون ليلى ولا عقل
قوله: (وأجرة القسام) قيد بالقسام لما يذكره الشارح قريبا في القسمة أن أجرة الكيال والوزان
بقدر الأنصباء إجماعا، وكذا سائر المؤن إلخ. قوله: (والطريق إذا اختلفوا فيه) لم يرد به هنا طريقا عاما
لأنه غير مملوك لاحد، بل ما يكون في سكة غير نافذة. حموي.
تتمة: تقدم في متفرقات القضاء أن ساحة الدار إذا اختلفوا فيها تقسم على عدد الرؤوس، فذو
بيت من دار كذي بيوت منها، وسيذكر الشارح آخر القسمة أن الغرامات لو لحفظ الأنفس فكذلك،
وكذا ما اتفقوا على إلقائه من السفن لو خافوا الغرق، ويأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى، فالمجموع
سبعة نظمها الفاضل الحموي بقوله:
إن التقاسم بالرؤوس يكون في * سبع لهن حلي عقد نظام
في ساحة مع شفعة ونوائب * إن من هواء أجرة القسام
وكذاك ما يرمى من السفن التي * يخشى بها غرق وطرق كرام
وكذاك عاقلة وقد تم الذي * حررته لأفاضل الاعلام
قال: وبقي ما في فتاوى الحانوتي، وهو أن الضيافة التي جرت بها العادة في الأوقاف تقسم على
عدد الرؤوس لا قدر الوظائف. ومنها ما أفتى به شيخنا يعني الشرنبلالي تبعا لمشايخه، وهو الحلوان
الذي جرت به العادة في الأوقاف يقسم على عدد الرؤوس لا على قدر الوظائف، ولا يختص به
الناظر. ومنها ما ذكره القهستاني بحثا: لو قتل صيد الحرم حلالان فعلى كل نصف قيمته، وينبغي أن
يقسم على عدد الرؤوس إذا قتله جماعا اه‍. قوله: (لا ولي له) أي من أب أو جد أو وصي أحدهما،
557

وأشار إلى أن الخصم عن الصبي في الشفعة له أو عليه من ذكر، وعند عدمهم القاضي أو قيمة كما في
الشرنبلالية، وتقدم أول هذا الباب الكلام في تسليمهم شفعته والسكوت عنها. قوله: (لا تبطل شفعته)
فله أن يطلبها إذا بلغ ط. قوله: (إن الأشجار وقت القبض مثمرة) سواء كانت مثمرة عند العقد أو
أثمرت بعد العقد قبل القبض كما أفاده المصنف سابقا ط. قوله: (ويأخذ إلخ) في البيت مسألتان قدمنا
قريبا الكلام عليهما مستوفى، وقوله أب تنازع فيه يأخذ ويشتري، وقوله: ووصي مبتدأ والواو فيه
للاستئناف وجملة يؤخر خبره وللبلوغ متعلق به. قوله: (وليس له) أي للشفيع، وقوله: بيعتا أي
صفقة واحدة وهو شفيعهما فيأخذهما جميعا أو بتركهما لتفريق الصفقة كما تقدم، وقوله: ولو غير
جار أي لهما جميعا بل لأحدهما، ولو فيه وصلية، وقوله: والتفرق أجدر مبتدأ وخبر ترجيح للقول
بأن له أخذ ما يجاوره فقط، وهو قولهما وقول الإمام آخرا، وعليه الفتوى..
وفي نسخ الوهبانية: فالتفرق بالفاء بدل الواو، فلو شرطية. قوله: (وما ضر إلخ) أي لا بأس
بإسقاط الشفعة بالحيلة والمصدر مضاف إلى فاعله والمفعول محذوف: أي الشفعة، وفاعل صر المصدر
ومفعوله قوله: مسقطا لا محذوف فافهم. قوله: (وتحليفه إلخ) أي تحليف الشفيع أحد العاقدين في
وقت إنكاره التحيل أنكر: أي منكر شرعا لأنه يدعي عليه معنى لو أقر به لا يلزمه، وهو محمول على
ما إذا لم يدع أن البيع كان تلجئة وإلا فله التحليف، فلا منافاة بينه وبين ما مر كما نبهنا عليه سابقا،
والله تعالى أعلم. ونسأل الله تعالى ولي كل نعمة، أن يقسم لنا من شفاعة ورسوله نبي الرحمة، (ص) أوفر
القسمة، إنه جواد كريم، رؤوف رحيم.
558

كتاب القسمة هي مشروعة بالكتاب. قال تعالى: * (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم) * (القمر: 28)، أي لكل شرب
محتضر. وقال: * (لها شرب ولكم شرب يوم معلوم) * (الشعراء: 55)، وقال: * (وإذا حضر القسمة أولى
القربى) * (النساء: 8) وبالسنة فإنه عليه الصلاة والسلام باشرها في الغنائم والمواريث وقال: أعط كل
ذي حق حقه، وكان يقسم بين نسائه وهذا مشهور، وأجمعت الأمة على مشروعيتها. معراج. قوله:
(مناسبته إلخ) الأولى أن تكون المناسبة أن الشفيع يملك مال المشتري جبرا عليه، وفي القسمة يملك
نصيب الشريك جبرا عليه إذ هي مشتملة على معنى المبادلة مطلقا في القيمي والمثلي، وإنما قدم الشفعة
لأنها تملك كلي وهذا تملك البعض فكانت أقوى. رحمتي. قوله: (اسم للإقتسام) كما في المغرب وغيره،
أو التقسيم كما في القاموس، لكن الأنسب بما يأتي من لفظ القاسم أن تكون مصدر قسم الشئ
بالفتح: أي جزأه كما في المقدمة وغيرها. قهستاني. قوله: (كالقدوة) مثلثة الأول وكعدة ما تسننت
به واقتديت به. قاموس. فقوله: للاقتداء المناسب فيه من الاقتداء لئلا يوهم أنه اسم مصدر له. تأمل.
قوله: (في مكان) متعلق بجمع. قوله: (على وجه الخصوص) لان كل واحد من الشريكين قبل القسمة
منتفع بنصيب صاحبه فالطالب للقسمة يسأل القاضي أن يخصه بالانتفاع بنصيبه ويمنع الغير من الانتفاع
بملكه فيجب على القاضي إجابته إلى ذلك. نهاية. قوله: (ككيل وذرع) وكذا الوزن والعد. نهاية.
وفيه بحث لأنهم اختلفوا في أن أجرة القسمة على الرؤوس أو الأنصباء، واتفقوا على أن أجرة الكيل
ونحوه على الأنصباء. شرنبلالية عن المقدسي: أي ومقتضى كونه ركنا أن يكون على الخلاف أيضا.
قال أبو السعود: ويجاب بما سيأتي من أن الكيل والوزن إن كان للقسمة قيل هو محل الخلاف اه‍.
فليتأمل. قوله: (وشرطها إلخ) أي شرط لزومها بطلب أحد الشركاء. شرنبلالية. قوله: (المنفعة) أي
المعهودة وهي ما كانت قبل القسمة، إذ الحمام بعدها ينتفع به لنحو ربط الدواب، وسيذكره الشارح
عن المجتبى. قوله: (ولذا لا يقسم نحو حائط) يعني عند عدم الرضا من الجميع،
أما إذا رضي الجميع صحت كما سيأتي متنا اه‍ ح. قوله: (وحكمها) وهو الأثر المترتب عليها. منح. قوله: (مطلقا) أي سواء
كانت في المثليات أو القيميات. منح. قوله: (والإفراز هو الغالب على المثلي) لان ما يأخذه أحدهما نصفه
ملكه حقيقة ونصفه الآخر بدل النصف الذي بيد الآخر، فباعتبار الأول إفراز وباعتبار الثاني مبادلة،
559

إلا أن المثلي إذا أخذ بعضه بدل بعض كان المأخوذ عين المأخوذ عنه حكما لوجود المماثلة، بخلاف
القيمي. قوله: (وما في حكمه) أي حكم المثلي.
أقول: نقل في جامع الفصولين عن شرح الطحاوي: كل كيلي ووزني غير مصوغ وعددي
متقارب كفلوس وبيض وجوز ونحوها مثليات والحيوانات والذرعيات، والعددي المتفاوت كرمان
وسفرجل، والوزني الذي في تبعيضه ضرر وهو المصوغ قيميات اه‍. ثم نقل عن الجامع العددي
المتقارب كله مثلي كيلا وعدا ووزنا. وعند زفر قيمي، وما تتفاوت آحاده في القيمة فعددي متفاوت
ليس بمثلي إلخ. فتأمل. قوله: (في الخانية إلخ) أراد به بيان فائدة هي أنه إذا قسم ذو اليد حصته بغيبة
صاحبه كما قال في المتن: لا تنفذ القسمة ما لم تسلم حصة الآخر. قوله: (إن سلم حط الآخرين) أي
الغائب والصغير، ومفهومه أن سلامة ما أخذه لا تشترط كما سيظهر. قوله: (وإلا لا) وإن لم
يسلم بأن هلك قبل وصوله إليهما لا تنفذ القسمة بل تنتقض ويكون الهالك على الكل ويشاركه
الآخران فيما أخذ لما في هذه القسمة من معنى المبادلة. قوله: (بين دهقان) هو من له عقار كثير كما في
المغرب، والمراد به هنا رب الأرض. قوله: (أمره الدهقان بقسمتها) أي فقسمها الدهقان غائب. منح.
قوله: (فهلاك الباقي عليهما) أي إذا رجع فوجد ما أفرز لنفسه قد هلك فهو عليهما ويشارك الدهقان
فيما سلمه إليه، وقوله: وإن بحظ نفسه أي وإن ذهب بنصيب نفسه إلى بيته أو لا، فلما رجع وجد
ما أفرزه للدهقان قد هلك فهو على الدهقان خاصة كما في المنح عن الخانية، ولعل وجهه أنه في
الأولى لما ذهب بحصة الدهقان أولا قصد القبض للدهقان أولا والقبض لنفسه فيما بقي بعد رجوعه،
فلما رجع ورأي الباقي قد هلك كان الهلاك قبل القبض منهما فيكون عليهما كهلاك البعض قبل
القسمة أصلا، بخلاف ما إذا حمل نصيب نفسه إلى بيته أولا فإنه بمجرد التحميل والذهاب صار قابضا
فقد هلك الباقي بعد قبض نصيبه يقينا فيكون هلاكه على صاحبه، لكن لا يخفى مخالفته لقوله في
المسألة الأولى نفذت القسمة إن سلم حظ الآخرين وإلا لا فإنه هنا لما سلم حظ الغائب وهو الدهقان
انتقضت القسمة فجعل الهلاك عليهما، ولما سلم حظ الحاضر وهو الزراع دون الغائب نفذت، وكون
القسمة هنا مأمور بها من الغائب بخلافها في المسألة الأولى لا يظهر به الفرق، ولئن سلم فالمراد عدم
الفرق كما يقتضيه التشبيه في قوله كصبرة. فليتأمل.
هذا، وقد نقل في البزازية بعد ما تقدم عن واقعات سمرقند ما نصه: إذا تلف حصة الدهقان
قبل قبضه نقضها ويرجع على الأكار بنصف المقبوض، وإن تلف حصة الأكار لا تنقض لان تلفه بعد
قبضه والغلة كلها في يده، والأصل أن هلاك حصة الذي المكيل في يده قبل قبض الآخر نصيبه لا
560

يوجب انتقاض القسمة، وبهلاك حصة من لم يكن المكيل في يده قبل قبض حصته يوجب انتفاضها
اه‍. وهذا التقرير والأصل واضح وموافق للمسألة الأولى، وقد أطال صاحب الذخيرة في تقريره
وعزاه إلى شيخ الاسلام، وقال: عليه يخرج جنس هذه المسائل. ثم قال: وقال الحاكم عبد الرحمن
وساق ما ذكره الشارح هنا عن الخانية، ولعل قول الخانية: كذا قاله بعض المشايخ أراد به الحاكم
المذكور، وأشار بلفظ كذا إلى عدم اختياره والله تعالى أعلم. قوله: (وإن أجبر عليها إلخ) إن وصلية،
والمراد بذلك بيان عدم المنافاة بين كون المبادلة غالبة في القيمي وبين كونه يجبر على القسمة في متحد
الجنس منه، وذكر وجهه الشارح بقوله لما فيها إلخ.
فائدة: القسمة ثلاثة أنواع: قسمة لا يجبر الآبي عليها كقسمة الأجناس المختلفة، وقسمة يجبر في
المثليات. وقسمة يجبر في غير المثليات كالثياب من نوع واحد والبقر والغنم. والخيارات ثلاثة: شرط،
وعيب، ورؤية. ففي قسمة الأجناس المختلفة تثبت الثلاثة، وفي المثليات يثبت خيار العيب فقط، وفي
غيرها كالثياب من نوع واحد يثبت خيار العيب، وكذا خيار الرؤية والشرط على الصحيح المفتى به.
وتمامه في الشرنبلالية. قوله: (في متحد الجنس منه) أي من غير المثلى، وقوله فقط قيد لمتحد الجنس،
ويدخل متحد الجنس المثلى بالأولى كما أفاده ط. وظن الشرنبلالي أنه قيد لغير المثلي فقال فيه تأمل، لأنه
يوهم أنه في متحد الجنس المثلي لا يجبر الآبي عليها وهو خلاف النص اه‍. قوله: (سوى رقيق غير
المغنم) لان رقيق المغنم يقسم بالاتفاق، ورقيق غير المغنم لا يقسم بطلب أحدهم ولو كان إماء خلصا
أو عبيدا خلصا عند أبي حنيفة. والفرق له بين الرقيق وغيره من متحد الجنس فحش تفاوت المعاني
الباطنة كالذهن والكياسة، وبين الغانمين وغيرهم حق الغانمين بالمالية دون العين، حتى كان للامام بيع
الغنائم وقسم ثمنها. زيلعي. قوله: (على أن المبادلة إلخ) ترق في الجواب: أي وإن نظرنا إلى ما فيها
من معنى المبادلة فلا منافاة أيضا لان المبادلة إلخ، وهذه مبادلة تعلق فيها حق الغير لان الطالب للقسمة
يريد الاختصاص بملكه ومنع غيره عن الانتفاع به فيجري الجبر فيها أيضا. قوله: (وينصب قاسم) أي
ندب للقاضي أو للامام نصبه. ملتقى وشرحه. قوله: (يرزق من بيت المال) أي المعد لمال الخراج،
وغيره مما أخذ من الكفار كالجزية وصدقة بني تغلب فلا يرزق من بيوت الأموال الثلاثة الباقية كبيت
مال الزكاة وغيره إلا بطريق القرض. قهستاني. قوله: (غلط) لمناقضته لما بعده إن عاد ضمير هو إلى قوله
بلا أجر وإن عاد إلى النصف فلمخالفته لقول الملتقى وغيره ندب. تأمل. قوله: (لأنها ليست بقضاء
حقيقة إلخ) قال في العناية: ويجوز للقاضي أن يقسم بنفسه بأجر، لكن الأولى أن لا يأخذ لان القسمة
ليست بقضاء على الحقيقة حتى لا يفترض على القاضي مباشرتها، وإنما الذي يفترض عليه جبر الآبي
على القسمة، إلا أن لها شبها بالقضاء من حيث إنها تستفاد بولاية القضاء، فإن الأجنبي لا يقدر على
الجبر، فمن حيث إنها ليست بقضاء جاز أخذ الأجر عليها، ومن حيث إنها تشبه القضاء يستحب عدم
561

الاخذ اه‍. ومثله في النهاية والكفاية والمعراج والتبيين. وفي الدرر ما يخالفه، فإنه ذكر أن
الأصح أن القسمة من جنس عمل القضاة. ثم قال: فإن باشرها القاضي بنفسه، فعلى رواية كونها من جنس
عمل القضاة لا يجوز له الاخذ، وعلى رواية عدم كونه منه جاز اه‍. ومقتضاه ترجيح عدم الجواز،
ونقله في الدر المنتقى عن الخلاصة والوهبانية قال: وأقره القهستاني وغيره اه‍. قلت: لكن المتون على
الأول. تأمل.
هذا وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين كون القاسم القاضي أو منصوبة فلذا قال الشارح فجاز
له أي للقاضي كما في المخ مع أن الكلام في منصوبه. تأمل. قوله: (مأقا) أي سواء تساووا في
الأنصباء أم لا، وسواء طلبوا جميعا أو أحدهم. قال في الهداية: وعنه أنه على الطالب دون الممتنع
لنفعه ومضرة الممتنع. قوله: (خلافا لهما) حيث قالا: الاجر على قدر الأنصباء لأنه مؤنة الملك، وله أن
الاجر مقابل بالتمييز، وهو قد يصعب في القليل وقد ينعكس فتعذر اعتباره فاعتبر أصل التمييز. ابن
كمال. قوله: (قيد بالقاسم) أي في قوله وينصف قاسم أو هو على تقدير مضاف: أي بأجر القاسم
الذي عاد عليه الضمير في قوله وهو على عدد الرؤوس وهذا أنسب بما بعده. تأمل. قوله: (وغيرها)
كأجرة بناء الحائط المشترك أو تطيين السطح أو كري النهر أو إصلاح القناة لأنها مقابلة بنقل التراب أو
الماء والطين، وذلك يتفاوت بالقلة والكثرة، أما التمييز فيقع لهما بعمل واحد. معراج. قوله: (زاد في
الملتقى) أي بعد قوله إجماعا. قوله: (إن لم يكن) أي الكيل أو الوزن للقسمة بل كان للتقدير. قال
الشارح: بأن اشتريا مكيلا أو موزونا وأمرا إنسانا بكيله ليعلما قدره، فالاجر بقدر السهام اه‍. قوله:
(لكن ذكره في الهداية) أي ذكر هذا التفصيل بلفظ قيل فأشعر بضعفه، بل صرح بعده بنفسه حيث
قال: ولا يفصل. قال الإتقاني: يعني لا تفصيل في أجرة الكيل والوزن بل هي بقدر الأنصباء اه‍.
وفي المعراج عن المبسوط: والأصح الاطلاق. قوله: (وتمامه إلخ) أي تمام هذا الكلام، وهو بيان الفرق
لأبي حنيفة بينه وبين القسام بأن الاجر هنا على الأنصباء وإن كان الكيل للقسمة للتفاوت في العمل،
لان عمله لصاحب الكثير أكثر فكان أصعب والاجر بقدر العمل، بخلاف القسام. قوله: (يجب كونه
عدلا إلخ) لان القسمة من جنس عمل القضاة هداية. وأفاد القهستاني أن هذا التعليل مشعر بأن ما ذكر
غير واجب لعدم وجوبه في القضاء، فالمراد بالوجوب العرفي الذي مرجعه إلى الأولوية كما أشار إليه
في الاختيار وخزانة المفتين اه‍.
أقول: تقدم في القضاء أن الفاسق أهل له لكنه لا يقلد وجوبا ويأثم مقلده، فعلم أنه لا يجب
في صحة القضاء العدالة بل يجب على الامام أن يولي عدلا، وكذا يقال هنا: يجب أن ينصب قاسما
عدلا، ولا يجب في صحة نصبه العدالة والوجوب الأول على حقيقته والثاني بمعنى الاشتراط فتدبر.
قوله: (أمينا) ذكر الأمانة بعد العدالة وإن كانت من لوازمها لجواز أن يكون غير ظاهر الأمانة كفاية.
واعترضه في اليعقوبية بأن ظهور العدالة يستلزم ظهورها كما لا يخفى اه‍. وأجيب بأن المذكور العدالة
562

لا ظهورها. قوله: (ولا يتعين إلخ) الأولى قول الملتقى كالهداية، ولا يجبر الناس على قاسم واحد ولا
يترك القسام ليشتركوا. قوله: (بالزيادة) أي على أجر المثل. بالقسام بالضم والتشديد جمع قاسم.
قوله: (خوف تواطئهم) أي على مغالاة الاجر وعند عدم الشركة يتبادر كل منهم إليه خيفة الفوت
فيرخص الاجر. هداية. قوله: (وصحت إلخ) ما مر في القسمة بالجبر، وهذا في القسمة بالتراضي.
قوله: (إلا إذا كان) استثناء منقطع كما يفيده قوله بعد لعدم لزومها استثناء من محذوف: أي ولزمت
اه‍ ط. وأراد بالصحة اللزوم. قوله: (إلا بإجازة القاضي) الظاهر رجوعه للمستثنيات الثلاث. قوله: (أو
الغائب أو الصبي إذا بلغ) ولو مات الغائب أو الصبي فأجازت ورثته نفذت عندهما خلافا لمحمد. منية
المفتي. والأولى استحسان والثاني قياس، وكما تثبت الإجازة صريحا بالقول تثبت دلالة بالفعل كالبيع
كما في التاترخانية. وفي المنح عن الجواهر: طفل وبالغ اقتسما شيئا ثم بلغ الطفل وتصرف في نصيبه
وباع البعض يكون إجازة. قوله: (هذا) أي لزومها بإجازة القاضي ونحوه لو كانوا شركاء في الميراث
فلو شركاء في غيره تبطل، ومقتضاه أنهالا تنفذ بالإجازة فليتأمل. وعبارة المنية هكذا: اقتسم الورثة
لا بأمر القاضي وفيهم صغير أو غائب لا تنفذ إلا بإجازة الغائب أو ولي الصغير أو يجيز إذ بلغ اقتسم
الشركاء فيما بينهم وفيهم صغير أو غائب لا تصح القسمة، فإن أمرهم القاضي بذلك صح اه‍.
أقول: سيذكر المصنف تبعا لسائر المتون أن القاضي لا يقسم لو كانوا مشترين وغاب أحدهم
فكيف تصح قسمة الشركاء بأمر القاضي؟ اللهم إلا أن يراد به الشركاء في الميراث، لكن يبقى قول
الشارح ولو شركاء بطلت محتاجا إلى نقل. ونقل الزاهدي في قنيته: قسمت بين الشركاء وفيهم
شريك غائب فلما وقف عليها قال لا أرضى لغبن فيها ثم أذن لحراثه في زراعة نصيبه لا يكون رضا
بعد ما رد اه‍ فليحرر ولا تنس ما قدمه من أن للشريك أخذ حصته من المثلي بغيبة صاحبه، وما نقله
عن الخانية فإنه مخصص لما هنا. قوله: (ملكه مطلقا) أي غير بيان سبب ط. قوله: (أو شراءه) الأولى أن يقول أو بسبب ليعم نحو الهبة ط. قوله: (فلا فرق إلخ) أي من حيث إنه يقسم بمجرد الاقرار
اتفاقا، وإنما اقتصر المصنف على الإرث، لان العقار الموروث يفتقر إلى البرهان ولأنه هو الذي فيه
الخلاف، فما سكت عنه يفهم حكمه مما ذكره بالطريق كما نبه عليه في المنح. قوله: (ومن النقلي
البناء والأشجار) يعني فتقسم، وقوله: حيث لم تتبدل إلخ متعلق بهذا المقدار. وعبارة شيخه في حاشية
المنح في هذا المحل: أقول: دخل في النقلي البناء والأشجار لأنها من قسم المنقولات كما صرح به في
البحر في كتاب الدعوى، فتجري فيه قسمة الجبر حيث لم تتبدل المنفعة بالقسمة وإن تبدلت بها لا تجوز
كالبئر والحائط والحمام ونحوها تأمل اه‍.
563

أقول: وبعد التقييد بالحيثية المذكورة لا ينافيه ما في المبسوط (1) حيث قال: بناء بين رجلين في
أرض رجل قد بنياه بإذنه ثم أرادا قسمته وصاحب الأرض غائب فلهما ذلك بالتراضي، وإن امتنع
أحدهما لم يجبر عليه اه‍. ونظمه ابن وهبان. تأمل. قوله: (وقالا يقسم) أي العقار المدعى إرثه باعترافهم
كما يقسم في الصور الأخر، وهي النقلي مطلقا والعقار المدعى شراؤه أو ملكيته المطلقة. لهما أه في
أيديهم، وهو دليل الملك ولا منازع لهم. وله أن التركة قبل القسمة مبقاة على ملك الميت بدليل ثبوت
حقه في الزوائد كأولاد ملكه وأرباحه حتى تقضى منها ديونه وتنفذ وصاياه، وبالقسمة ينقطع حقه
عنها فكانت قضاء عليه بإقرارهم، وهو حجة قاصرة فلا بد من البينة، بخلاف المنقول لأنه يخشى عليه
التلف والعقار محصن، وبخلاف العقار المشترى لأنه زال عن ملك البائع قبل القسمة فلم تكن القسمة
على الغير، وبخلاف المدعى ملكيته المطلقة لأنهم لم يقروا بالملكية لغيرهم، هذا حاصل ما في الدرر
وشرح المجمع. قوله: (ولا إن برهنا) عطف على قوله لا يقسم قال العيني تبعا لزيلعي: وهذه المسألة
بعينها هي المسألة السابقة وهي قوله أو ملكه مطلقا، لان المراد فيها أن يدعوا الملك ولم يذكروا كيف
انتقل إليهم ولم يشترط فيها إقامة البينة على أنه ملكهم وهو رواية القدوري، وشرط ها هنا وهو رواية
الجامع الصغير، فإن كان قصد الشيخ تعيين الروايتين فليس فيه ما يدل على ذلك، وإلا فتقع
المسألة مكررة اه‍. وأجاب المقدسي بحمل ما في الجامع على ما إذا ذكر أنه بأيديهما فقط وبرهنا عليه فلا
يكون من اختلاف الروايتين لاختلاف الموضوع فلا تكرار اه‍.
أقول: وهو الظاهر من قول الهداية. وفي الجامع الصغير: أرض ادعاها رجلان وأقاما البينة أنها
في أيديهما لم تقسم حتى يبرهنا أنها لهما لاحتمال أن تكون لغيرهما: أي بوديعة أو بإجارة أو إعارة
كما قال الشارح، وهكذا قرره في العزمية، فافهم. قوله: (اتفاقا في الأصح) قال في الهداية بعد ما
نقلناه آنفا: ثم قيل هو قول أبي حنيفة خاصة، وقيل قول الكل وهو الأصح، لان قسمة الحفظ في
العقار غير محتاج إليها وقسمة الملك تفتقر إلى قيامه ولا ملك فامتنع الجواز. قوله: (فتكون قسمة حفظ
إلخ) وهي ما تكون بحق إليه لأجل الحفظ والصيانة كقسمة المودعين الوديعة بينهما للحفظ، وقسمة
الملك ما تكون بحق الملك لتكميل المنفعة كما في غاية البيان. قوله: (ولو برهنا) أي برهن بالغان
حاضران فيكون الصغير أو الغائب ثالثهما فصار الورثة متعددين، فلذا أتى بضمير الجمع في قوله فيهم
وبينهم، وأتى به مثنى في قول معهما: أي مع اللذين برهنا مخالفا لما في الهداية لما سيذكره أنه لو كان
مع الصغير أو الغائب شئ منه لا يقسم، وإن أجيب عن الهداية بأنه مبني على أن أقل الجمع اثنان.

(1) قوله: (لا ينافيه ما في المبسوط الخ) هذا انما يتم لو كان المراد قسمته يعد نقضه وليس في العبارة ما يفيد، اما لو
أراد القسمة والبناء قائم لا يحصل تبدل في المنفعة فلا تزول المنافاة تأمل ا ه‍.
564

قوله: (بالأولى) إذا لا يشترط فيه البرهان على الموت وعدد الورثة عنده كما مر. قوله: (وفيهم صغير)
أي حاضر كما يأتي. قوله: (قسم بينهم) أفاد أن القاضي فعل ذلك. قال في المحيط: فلو قسم بغير
قضاء لم تجز إلا أن يحضر أو يبلغ فيجيز. طوري. وهذا ما قدمه الشارح. قوله: (ونصب قابض لهما)
وهو وصي عن الطفل ووكيل عن الغائب. درر. قوله: (ولا بد من البينة على أصل الميراث) كذا في
الدرر، ولعل المراد به جهة الإرث كالأبوة ونحوها. والذي في الهداية والتبيين: ولا بد من إقامة البينة
هنا أيضا عنده، وليس فيهما ذكر أصل الميراث ولم يذكر في المسألة الأولى، فالمراد أن قوله ولو برهنا
على الموت وعدد الورثة لا بد منه عنده أيضا كما في المسألة السابقة، بل أولى لان الورثة هناك كلهم
كبار حضور، واشترط البرهان وهنا فيه قضاء على الغائب أو الصغير كما أفاده في النهاية. قوله:
(خلافا لهما) فعندهما يقسم بينهما بإقرارهما. قوله: (لا يقسم إلخ) أي وإن أقام البينة لان الواحد لا
يصلح مخاصما ومخاصما، وكذا مقاسما ومقاسما. هداية. والأول عند الامام بالبينة، والثاني
عندهما لقولهما بعدمها. وعن أبي يوسف أن القاضي ينصب عن الغائب خصما، ويسمع البينة عليه
ويقسم. أفاده في الكفاية. قوله: (ولو أحدهما صغيرا) فينصب القاضي عنه وصيا كما مر.
واعلم أن هنا مسألة لا بد من معرفتها، هي أنه إنما ينصب القاضي وصيا عن الصغير إذا كان
حاضرا فلو غائبا فلا، لان الخصم لا ينصب عن الغائب إلا لضرورة، ومتى كان المدعى عليه صبيا ووقع
العجز عن جوابه لم يقع (1) عن إحضاره، فلا ينصب خصما عنه في حق غير الحضرة فلم تصح الدعوى
لأنها من غير مدعى عليه حاضر ولا كذلك إذا حضر، لأنه إنما عجز عن الجواب فينصب من يجيب
عنه، بخلاف الدعوى على الميت، لان إحضاره وجوابه لا يتصور فينصب عنه واحدا في الامرين (2)
جميعا. كفاية، ونحوه في النهاية والمعراج وغيرهما. قال في البزازية: وهذا يدل (3) على أن من ادعى على
صغير بحضرة وصيه عند غيبة الصغير أنه لا يصح، وقد مر خلافه في الدعوى اه‍. ومثله في المنية.
قلت: وفي أوائل دعوى البحر: والصحيح أنه لا تشترط حضرة الأطفال الرضع عند الدعوى اه‍.
فتأمل ويرد عليه ما في الكفاية وغيرها أنه منقوض بالغائب البالغ كما في الشرنبلالية عن
المقدسي، لكن ذكر أبو السعود أنه أجيب عنه بأن الشرنبلالية عن المقدسي، لكن ذكر أبو السعود أنه أجيب عنه بأن اشتراط حضوره للنصب خاص بما إذا كان الوارث
الحاضر واحدا لأنه لتصحيح الدعوى، أما إذا كانا اثنين فالنصب للقبض، إذا صحة الدعوى والقسمة
موجودة قبله بجعل أحدهما خصم. قوله: (أو موصى له) لأنه يصير شريكا بمنزلة الوارث فكأنه حضر
وارثان. معراج. قوله: (مشترين) بياء واحدة لا بياءين كما في بعض النسخ لأنه مثل مفتين وقاضين

(1) قوله: (لم يقع الخ) لأنه يمكن للقاضي ان يأمر باحضاره، إذ ليس المراد من الغيبة السفر ا ه‍ منه.
(2) قوله: (في الامرين) اي في حق غيبته وحق عجزه عن الجواب ا ه‍ منه.
(3) قوله: (وهذا يدل الخ) انظر ما في وجه الدلالة المذكورة مع ظهور الفرق بين المسألتين، فان الكلام الان في تجديد
النصب للخصومة والوصي ثابت النيابة من قبل تأمل ا ه‍.
565

كما هو ظاهر. قوله: (أي شركاء إلخ) أفاد به أن المراد مطلق الشركة في الملك بغير الإرث، وهو
مأخوذ من حاشية شيخه الرملي. قوله: (بخلاف الإرث) قال في الدرر: فإن ملك الوارث ملك خلافه،
حتى يرد بالعيب على بائع المورث، ويصير مغرورا بشراء الموروث حتى لو وطئ أمة اشتراها
مورثه فولدت فاستحقت رجع الوارث على البائع بثمنها وقيمة الولد للغرور من جهته، فانتصب
أحدهم خصما عن الميت فيما في يده والآخر عن نفسه، فصارت القسمة قضاء بحضرة المتقاسمين.
وأما الملك الثابت بالشراء فملك جديد بسبب باشره في نصيبه ولهذا لا يرد بالعيب على بائع بائعه فلا
ينتصب الحاضر خصما عن الغائب، فتكون البينة في حق الغائب قائمة بلا خصم فلا تقبل اه‍.
تتمة: الشركة إذا كان أصلها الميراث فجرى فيها الشراء بأن باع واحد منهم نصيبه أو كانت
أصلها الشراء فجرى فيها الميراث بأن مات واحد منهم، ففي الوجه الأول يقسم القاضي إذا حضر
البعض لا في الثاني، لأنه في الأول قام المشتري مقام البائع في الشركة الأولى وكانت أصلها وراثة،
وفي الثاني قام الوارث مقام المورث في الشركة الأولى وكان أصلها الشراء، فينظر في هذا الباب إلى
الأول. ولوالجية وغيرها. قوله: (في صورة الإرث) وهي قوله ولو برهنا إلخ وهذه محترز قوله هناك
وهو أي العقار معهما. قوله: (أو بعضه) مكرر مع قول المتن أو شئ منه حقوله. قوله: (مع الوارث الطفل
أو الغائب) أو يد مودع الغائب أو يد أم الصغير والصغير غائب فلا يقسم وإن كان الحاضر أمينا.
بزازية وغيرها. قوله: (للزوم القضاء) أي لئلا يلزم القضاء عليهما بإخراج شئ مما في أيديهما بلا
خصم حاضر منهما: أي من جهتهما. والذي في الهداية وغيرها عنهما. هذا، وذكر القهستاني أنه لا
يقسم إلا أن ينصب عنه خصما ويقيم البينة فإنه يقسم على ما روى عن الثاني انتهى. وأقره في
العزمية.
قلت: لكن في الهداية والتبيين: ولا فرق في هذا بين إقامة البينة: أي على الإرث، وعدمها هو
الصحيح كما أطلق في الكتاب: أي في قوله لا يقسم وهو احتراز عن رواية المبسوط أنه يقسم إذا
قامت البنية. كفاية فتأمل. قوله: (وقسم المال المشترك) أي الذي تجري فيه القسمة جبرا بأن كان من
جنس واحد كما مر ويأتي. قوله: (وبطلب ذي الكثير) أي إن انتفع بحصته وأطلقه لعلمه من المقام،
ومفهومه أنه لا يقسم بطلب ذي القليل الذي لا ينتفع إذا أبى المنتفع. ووجهه كما في الهداية أن
الأول منتفع فاعتبر طلبه والثاني متعنت فلم يعتبر اه‍. ولذا لا يقسم القاضي بينهم إن تضرر الكل وإن
طلبوا كما في النهاية، وحينئذ فيأمر القاضي بالمهايأه كما سيذكره الشارح. قوله: (وفي الخانية) وقيل
بعكس ما تقدم. قوله: (فعليهما المعول) وصرح في الهداية وشروحها بأنه الأصح، وزاد في في الدرر: وعليه
الفتوى. قوله: (لم يقسم إلا برضاهم) ظاهره كعبارة سائر المتون أن للقاضي مباشرتها. وقال الزيلعي:
566

لكن القاضي لا يباشر ذلك وإن طلبوا منه لأنه لا يشتغل بما لا فائدة فيه ولا يمنعهم منه، لان
القاضي لا يمنع من أقدم على إتلاف ماله في الحكم اه‍. وعزاه ابن الكمال للمبسوط، وذكر الطوري
أن فيه روايتين. قوله: (لئلا يعود على موضوعه بالنقض) يعني أن موضوع القسمة الانتفاع بملكه على
وجه الخصوص وهو مفقود هنا. حلبي. قوله: (في المجتبى إلخ) أراد به بيان المراد بالانتفاع المذكور في
المتن، وإلا فنحو الحمام قد ينتفع به بعد القسمة لربط الدواب ونحوه كما قدمناه. قوله: (وقسم عروض
اتحد جنسها) لان القسمة تميز الحقوق، وذلك ممكن في الصنف الواحد كالإبل أو البقر أو الغنم أو
الثياب أو الدواب أو الحنطة أو الشعير، يقسم كل صنف من ذلك على حدة. جوهرة. قوله: (بعضهم
في بعض) أي بإدخال بعض في بعض، بأن أعطى أحدهما بعيرا والآخر شاتين مثلا جاعلا بعض هذا
في مقابلة ذاك. درر. قوله: (فتعتمد التراضي إلخ) لأن ولاية الاجبار للقاضي تثبت بمعنى التمييز لا
المعاوضة. درر. قوله: (ولا الرقيق) لان التفاوت في الآدمي فاحش فلا يمكن ضبط المساواة، لان
المعاني المقصودة منه: العقل والفطنة والصبر على الخدمة الاحتمال والوقار والصدق والشجاعة
والوفاق، وذلك لا يمكن الوقوف عليه فصاروا كالأجناس المختلفة، وقد يكون الواحد منهم خيرا من
ألف من جنسه. قال الشاعر:
ولم أر أمثال الرجال تفاوتا * إلى الفضل حتى عد ألف بواحد
بخلاف سائر الحيوانات لان تفاوتها يقل عند اتحاد الجنس، ألا ترى أن الذكر والأنثى من بني
آدم جنسان ومن الحيوانات جنس واحد. جوهرة. قوله: (وحده) اعلم أنه إذا كان مع الرقيق دواب أو
عروض أو شئ آخر قسم القاضي الكل في قولهم، وإلا فإن ذكورا (1) أو إناثا فكذلك عنده، وإن
ذكورا وإناثا فلا إلا برضاهم.
والحاصل: أن عند أبي حنيفة لا يجوز الجبر على قسمة الرقيق إلا أن يكون معه شئ آخر هو
محل لقسمة الجمع كالغنم والثياب فيقسم الكل قسمة جمع. وكان أبو بكر الرازي يقول: تأويل هذا
المسألة أنه يقسم برضا الشركاء، فأما مع كراهة بعضهم فالقاضي لا يقسم. والأظهر أن قسمة الجبر
تجرى عند أبي حنيفة باعتبار أن الجنس الآخر الذي مع الرقيق يجعل أصلا في القسمة، والقسمة جبرا
تثبت فيه فتثبت في الرقيق أيضا تبعا. وقد يثبت حكم العقد في الشئ تبعا وإن كان لا يجوز إثباته
مقصودا كالشرب والطريق في البيع والمنقولات في الوقف. كذا في شروح الهداية والكنز والدرر. فما
مشى عليه في المنح خلاف الأظهر. قوله: (كما تقسم الإبل) أي ونحوها كالبقر والغنم. قوله: (ورقيق

(1) قوله: (والا فان ذكورا الخ) اي وان لم يكن مع الرقيق شئ آخر هو محل القسمة فكذلك، فان ذكورا أو إناثا
فكذلك، اي كالمختلط مع غيره، ولا يخفى ان هذا ليس مذهب الامام فلعل الصواب عندهما بدل عنده تأمل ا ه‍.
567

المغنم) قدمنا عن الزيلعي وجه الفرق بينه وبين رقيق غيره. قوله: (والحمام والبئر والرحى) ينبغي تقييد
بما إذا كان صغيرا لا يمكن لكل من الشريكين لانتفاع به كما كان، فلو كان كبيرا بأن كان الحمام ذا
خزانتين والرحى ذات حجرين يقسم. وقد أفتى في الحامدية بقسمة معصرة زيت لاثنين مناصفة وهي
مشتملة على عودين ومطحنين وبئرين للزيت قابلة للقسمة بلا ضرر، مستدلا بما في خزانة الفتاوى
: لا يقسم الحمام والحائط والبيت الصغير إذا كان بحال لو قسم لا يبقى لكل موضع يعمل فيه. قوله:
(وكل ما في قسمه ضرر) فلا يقسم ثوب واحد لاشتمال القسمة على الضرر، إذ لا تتحقق إلا
بالقطع. هداية. لان فيه إتلاف جزء عناية، ولا يقسم الطريق لو فيه ضرر. بزازية. قوله: (لما مر) من
قوله لئلا يعود على موضوعه بالنقض وهو علة لعدم القسمة. قوله: (ولا تقسم بالأوراق ولو
برضاهم) الظاهر أن المراد لا يباشر القاضي قسمتها، لما مر أن القاضي لا يباشر ذلك ولا يمنعهم منه.
وتأمل عبارة المنح.
مطلب: لكل من الشركاء السكنى في بعض الدار بقدر حصته
قوله: (قوله أمر القاضي بالمهايأة) أقول: ذكر في العمادية في الفصل 34 لكل واحد من الشركاء أن
يسكن في بعض الدار بقدر حصته اه‍. وبمثله أفتى في الحامدية. وانظر إذا طلب أحدهما ذلك والآخر
المهايأة أيهما يقدم؟ وهي تقع كثيرا. يقول لي خشبة أسكن تحتها فليحرر. وسيأتي بيان المهايأة وأحكامها
آخر الباب، وأن الأصح أن القاضي يجبر عليها بطلب أحدهما ومنه يظهر الجواب. تأمل. قوله: (دور
مشتركة) مثلها الأقرحة كما في الهداية وهي جمع قراح: قطعة من الأرض على حيالها لا شجر فيها
ولا بينا. واحترز بالدور عن البيوت، والمنازل جمع منزل أصغر من الدار وأكبر من البيت، لأنه دويرة
صغير فيها بيتان أو ثلاثة، والبيت مسقف واحد له دهليز. قوله: (منفردة) أي يقسم كل من الدور أو
الدار، والضيعة: وهي عرصة غير مبنية أو الدار، والحانوت: وهو الدكان قسمة فرد، فتقسم العرصة
بالذراع والبناء بالقيمة، قهستاني. لا قسمة جمع، بأن يجمع حصة بعضهم في الدار مثلا وحصة الآخر
في غيرها، لأنها أجناس مختلفة أو في حكمها كما يعلم في الهداية. ولذا قال القهستاني: لو اكتفى بما
سبق من قوله ولا الجنسان لكن أخصر. قوله: (مطلقا) يفسره ما بعده، ولم يذكر المنازل والبيوت
المحترز عنها. قال مسكين: والبيوت تقسم قسمة واحدة متباينة أو متلازقة، والمنازل كالبيوت لو
متلازقة، وكالدور لو متباينة. وقالا في الفصول كلها: ينظر القاضي إلى أعدل الوجوه فيمضي القسمة
568

على ذلك اه‍ قال الرملي: ويستثنى منه ما إذا كانا في مصرين فقولهما كقوله اه‍.
أقول: ولعل هذا في زمانهم، وإلا فالمنازل والبيوت ولو من دار واحدة تتفاوت تفاوتا فاحشا
في زماننا، يدل عليه قولهم هنا: لان البيوت لا تتفاوت في معنى السكنى ولهذا تؤجر أجرة واحدة
في كل محلة، وكذا ما ذكروه في خيار الرؤية، وإفتاؤهم هناك بقول زفر من أنه لا بد من رؤية داخل
البيوت لتفاوتها. تأمل. قوله: (أو مصرين) مكرر مع قول المتن أولا اه‍ ح. قوله: (إذا كانت كلها في
مصر واحد أو لا) لو قال ولو في مصر لكان أخصر وأظهر اه‍ ح. قوله: (فقولهما كقوله) الأولى أن
يقول فكقوله. قوله: (ويصور القاسم إلخ) أي ينبغي إذا شرع في القسمة أن يصور ما يقسمه بأن
يكتب في كاغده أن فلانا نصيبه كذا وفلانا كذا ليمكنه حفظه إن أراد رفعه للقاضي ليتولى الاقراع بينهم
بنفسه ويعدله: أي يسويه، ويروي يعزله: أي يقطعه بالقسمة عن غيره ليعرف قدره. عناية. قوله:
(ويذرعه) شامل للبناء، لما قال الزيلعي: ويذرعه يقوم البناء لان قدر المساحة يعرف بالذرع والمالية بالتقويم، ولا بد من معرفتهما ليمكن التسوية في المالية،
ولا بد من تقويم الأرض وذرع البناء اه‍.
شرنبلالية. قوله: (ويفرز إلخ) بيان للأفضل، فإن لم يفعل أو لم يمكن جاز. هداية وغيرها. والظاهر أن
معناها: إذا شرط القاسم ذلك فلا ينافي ما يأتي من أنه إذا لم يشترط فيها صرف إن أمكن وإلا فسخت
القسمة، فافهم. قوله: (لتطيب القلوب) أشار إلى أن القرعة غير واجبة، حتى أن القاضي لو عين لكن
واحد نصيبا من غير إقراع جاز لأنه في معنى القضاء فملك الالزام. هداية.
مطلب في الرجوع عن القرعة
تنبيه: إذا قسم القاضي أو نائبه بالقرعة فليس لبعضهم الاباء بعد خروج بعض السهام كما لا
يلتفت إلى إبائه قبل خروج القرعة، ولو القسمة بالتراضي له الرجوع، إلا إذا خرج جميع السهام إلا
واحدا لتعين نصيب ذلك الواحد وإن لم يخرج، ولا رجوع بعد تمام القسمة. نهاية. قوله: (فمن خرج
اسمه أولا إلخ) بيانه: أرض بين جماعة لأحدهم سدسها والآخر نصفها ولآخر ثلثها يجعلها أسداسا
اعتبارا بالأقل ثم يلقب السهام بالأول والثاني إلى السادس ويكتب أسامي الشركاء ويضعها في كمه،
فمن خرج اسمه أولا أعطي السهم الأول، فإن كان صاحب السدس فله الأول، وإن صاحب الثلث
فله الأول والذي يليه، وإن صاحب النصف فله الأول واللذان يليانه كما في العناية. قوله: (واعلم أن
الدراهم) قيد الدراهم في الدرر بالتي ليست من التركة، وذكر في الشرنبلالية أنه غير احترازي فلا
تدخل في القسمة ولو من التركة.
أقول: وما في الدرر ذكره ابن الكمال والقهستاني وشراح الهداية كالمعارج والنهاية الكفاية.
وعلل المسألة الزيلعي بأنه لا شركة فيها، ويفوت به التعديل أيضا في القسمة، لان بعضهم يصل إلى
569

عين المال المشترك في الحال ودراهم الآخر في الذمة فيخشى عليها التوى، ولان الجنسين المشتركين لا
يقسمان فما ظنك عنه عدم الاشتراك اه‍. فقد يقال، التعليل الأخير يفيد ما ذكره الشرنبلالي. تأمل.
قوله: (أو منقول) صرح به القهستاني. قوله: (إلا برضاهم) فلو كان بعض العقار ملكا وبعضه وقفا:
فإن كان المعطي هو الواقف جاز ويصير كأنه أخذ الوقف واشترى بعض ما ليس بوقف من شريكه،
وإن بالعكس فلا لأنه يلزم منه نقض بعض الوقف، وحصة الوقف وقف ما اشتراه ملك له ولا يصير
وقفا، كذا في الإسعاف من فصل المشاع. قوله: (ولا تمكن التسوية) بأن لم تف العرصة بقيمة البناء.
زيلعي. قوله: (واستحسنه في الاختيار) وقال في الهداية: إنه يوافق رواية الأصول. قوله: (لم يشترط)
أما لو اشترط تركهما على حالهما فلا تفسخ، ويكون له ذلك على ما كان قبل القسمة. جوهرة. قوله:
(واستؤنفت) أي على وجه يتمكن كل منهما من أن يجعل لنفسه طريقا ومسيلا لقطع الشركة.
بقي ما إذا لم يمكن ذلك أصلا وإن استؤنفت فكيف الحكم، والظاهر أنها تستأنف أيضا لشرط
فيها فليراجع. قوله: (أبقيناه) المناسب لما في الزيلعي نبقيه. ونصه: ولو اختلفوا في
إدخال الطريق في القسمة بأن قال بعضهم لا يقسم الطريق بل يبقى مشتركا كما كان قبل القسمة نظر فيه الحاكم: فإن
كان يستقيم أن يفتح كل في نصيبه قسم الحاكم من غير طريق لجماعتهم تكميلا للمنفعة وتحقيقا للإفراز
من كل وجه. وإن كان لا يستقيم ذلك رفع طريقا بين جماعتهم لتحقيق تكميل المنفعة فيما وراء الطريق
اه‍. قوله: (إن أمكن إفراز كل) من إضافة المصدر إلى فاعله والمفعول محذوف: أي إفراز كل منهم
طريقا على حدة. قوله: (اختلفوا في مقدار عرض الطريق) أي في سعته وضيقه وطوله، فقال بعضهم:
يجعل سعته أكبر من عرض الباب الأعظم وطوله من الأعلى إلى السماء. وقال بعضهم غير ذلك.
عناية. وبه ظهر أن الاختلاف في تقدير الطريق المشترك لا في طريق كل نصيب، فافهم. قوله: (أي
ارتفاعه) أفاد أن المراد هو الطول من حيث الاعلى لا من حيث المشي وهو ضد العرض، لأنه إنما يكون
إلى حيث ينتهون بها إلى الطريق الأعظم أفاده في الكفاية وغيرها من شروح الهداية، وأفادوا أنه يقسم
بينهم ما فوق طول الباب من الأعلى ويبقى قدر طول الباب من الهواء مشتركا بينهم. قوله: (إن فوق
الباب) أي له ذلك إن كان فيما فوق طول الباب لأنه مقسوم بينهم كما علمت، فصار بانيا على خالص
حقه لا فيما دونه لبقائه مشتركا، وبما قررناه اندفع ما بحثه الحموي. قوله: (مشترك) لان اختلاف
570

الشركاء في تقدير طريق واحد مشترك بينهم كما أفاده ما قدمناه عن العناية لا في طريق لكل نصيب
بانفراده حتى يرد أنه حق المقاسم، فافهم. قوله: (جاز) لان رقبة الطريق ملك لهم وهي محل
للمعاوضة، ولوالجية. قوله: (بالأكرار) جمع كر: كيل معروف. وفي الولوالجية: تجوز بالحمال لان
التفاوت فيها قليل. قوله: (بالشريجة) قال في القاموس في فصل الشين المعجمة من باب الجيم: الشريجة
شئ من سعف يحمل فيه البطيخ ونحوه. قوله: (سفل) بضم السين وكسرها. قوله: (وعلو مجرد مشترك)
أي بين الشريكين في السفل الأول كما في شرح المجمع، وتظهر ثمرته على قولهما، تدبر. قوله:
(وقسم بالقيمة) لان السفل يصلح لما لا يصلح له العلو من اتخذه بئر ماء أو سردابا أو إصطبلا أو غير
ذلك فلا يتحقق التعديل إلا بالقيمة. هداية. قوله: (عند محمد) وعندهما يقسم بالذراع، ثم اختلفا،
فقال الامام: ذارع من سفل بذراعين من علو، وقال الثاني: ذراع بذراع، وبيانه في الهداية وشروحها،
ثم الاختلاف في الساحة. أما البناء فيقسم بالقيمة اتفاقا كما في الجوهرة والايضاح. قوله: (تقبل)
لأنهما شهدا بالاستيفاء وهو فعل غيرهما لا بالقسمة. وفي الجوهرة: هذا قولهما، وقاسم القاضي
وغيره سواء. قوله: (وإن قسما بأجر في الأصح) مثله في الجوهرة معزو للمستصفى، وذكر قبله أن عند
محمد لا تقبل في الوجهين لأنهما يشهدان على فعل أنفسهما لان فعلهما التمييز. وأما إذا قسما بالاجر
فلان لهما منفعة إذا صحت القسمة إلخ. قوله: (أو لم يقربه) أقوله: هذا يفهم بالأولى من جهة أنه
يصدق بالبرهان فإن لم يتناقض أصلا. فإذا صدق به مع الاقرار فمع عدمه بالأولى، وإنما احتيج
للبرهان هنا أيضا لما في الخانية من أن الظاهر وقوع القسمة على وجه المعادلة فلا تنقض إلا ببينة، وإن
لا بينة فبالنكول. قوله: (أو نكوله) فلو كانوا جماعة ونكل واحد جمع نصيبه مع نصيب المدعي وقسم
بينهما على قدر أنصبائهما كما في الهداية. قوله: (فلو قال إلخ) قال في القاموس: البرهان الحجة، فلا
فرق حينئذ، إذ كل منهما يعم البينة وإقرار الخصم أو نكوله. رحمتي. قوله: (ولا نناقض إلخ) جواب
عن قول صاحب الهداية: ينبغي أن لا تقبل دعواه أصلا لتناقضه، وإليه أشار
القدوري إليه بقوله بعده: وإن قال قبل إقراره بالاستيفاء أصابني من كذا إلى كذا إلخ فإنه يفيد أنه لو
أقر فلا تحالف. وما ذاك إلا لعدم صحة الدعوى بسبب التناقض، وأقره الشراح على هذا البحث.
571

واستدلوا له بما يأتي متنا وشرحا عن الخانية: وبما في المبسوط: اقتسما الدار وأشهد على
القسمة والقبض والوفاء ثم ادعى أحدهما بيتا في يد صاحبه لم يصدق إلا أن يقر به صاحبه لأنه
متناقض، ووفق ابن الكمال يحمل الحجة على الاقرار، وزاد القهستاني: أو يراد بالغلط الغصب اه‍.
وقال صدر الشريعة: وجه رواية المتن أنه اعتمد على فعل القاسم في إقراره. ثم لما تأمل حق
التأمل ظهر الغلط في فعله فلا يؤاخذ بذلك الاقرار عند ظهور الحق اه‍. ومثله في الدرر، وهو الذي
ذكره الشارح، وأخذ منه في الحامدية توفيقا حسنا بحمل ما في المتن على ما إذا باشر القسمة غيره،
وما في الخانية و المبسوط على ما إذا باشر القسمة بنفسه بدليل قول المبسوط: اقتسما فإن ظاهره أنه
بأنفسهما. تأمل وظاهر كلام صدر الشريعة أنهما روايتان فلا حاجة إلى التوفيق، بل الأهم الترجيح.
فتقول: عامة المتون على ما مشى عليه المصنف، وهي الموضوعة لنقل المذهب، ولما عليه الفتوى.
وعبارة متن المواهب: تقبل بينته، وقيل لا. وفي الاختيار: وقيل لا تقبل دعواه للتناقض، فأفادا عدم
اعتماد الثانية. وفي البزازية: وإن أقر وبرهن لا تصح الدعوى إلا على الرواية التي اختارها المتأخرون
أن دعوى الهزل في الاقرار تصح ويحلف المقر له على أنه ما كان كاذبا وفي إقراره اه‍.
قلت: وقدم الشارح في كتاب الاقرار قبيل باب الاستثناء أنه بها يفتى، لكن تبقى المنافاة بين
هذا وبين مفهوم ما يأتي متنا كما أشار إليه في الهداية، وما ذكره صدر الشريعة لا يدفع المنافاة، لان هذا الاقرار إن
كان مانعا من صحة الدعوى لا تسمع البينة لابتناء سماعها على صحة الدعوى، وإن لم
يكن مانعا ينبغي أن يتحالفا كما في الحواشي السعدية. وقد يجاب بأن قولهم هنا وقد أقر بالاستيفاء
صريح، وقولهم الآتي قبل إقراره بالاستيفاء مفهوم، والمصرح به أن الصريح مقدم على المفهوم،
فليتأمل. قوله: (لان منكر) أي والآخر يدعي عليه الغصب. قوله: (وإن قال قبل إقراره بالاستيفاء) المراد
أنه لم يحصل منه إقرار أصلا. ط عن الشرنبلالية. قوله: (أصابني من ذلك كذا إلى كذا) الأولى حذف
لفظ ذلك كما عبر في الغرر. قوله: (تحالفا وتفسخ القسمة) لان الاختلاف في مقدار ما حصل له بها.
هداية. قوله: (ولو اقتسما دارا إلخ) هذه عين قوله فيما مر ولو ادعى إلخ إلا أنها أعيدت لبناء مسائل
أخر عليها. كفاية. قوله: (لأنه خارج) فترجع بينته على بينة ذي اليد كما مر في محله. قوله: (وإن كان
قبل الاشهاد) مفهوم قوله وأصاب كلا طائفة فإن المراد وأشهدوا على ذلك اه‍ ح. قوله: (وكذا لو
اختلفا في الحدود) بأن قال أحدهما هذا الحد لي قد دخل في نصيبه وقال الآخر كذلك وأقاما البينة
يقضي لكل واحد بالجزء الذي في يد صاحبه لما مر، وإن قامت لأحدهما بينة قضى له، وإن لم تقم
لواحد تحالفا كما في البيع. هداية وكفاية. قوله: (وإن استحق بعض معين إلخ) قيد بالبعض لأنه لو
572

استحق جميع ما في يده يرجع بنصف ما في يد شريكه كما في شرح المجمع. قوله: (على الصحيح)
الأولى أن يقول على الصواب كما يظهر من كلام شراح الهداية. قوله: (تفسخ اتفاقا) لأنه لو بقيت
لتضرر المستحق بتفرق نصيبه في النصيبين، بخلاف النصيب الواحد إذ لا ضرر. أفاده في الهداية.
قوله: (لا تفسخ جبرا) أي على المستحق منه لان له الخيار. قوله: (خلافا للثاني) فعنده تفسخ لأجل
المستحق، لأنه ظهر أنه شريك ثالث بلا رضاه باطلة، وأشار إلى أن قوله محمد كقول الامام وهو
الأصح كما في الهداية. قوله: (بل المستحق منه يرجع إلخ) يوهم أنه في الأولى ليس كذلك، فلو قال
كابن الكمال وإن استحق بعض حصة أحدهما مشاع أو لا لم تفسخ ورجع بقسطه في حصة شريكه أو
نقضها وتفسخ في بعض مشاع في الكل لكان أخصر وأظهر. قوله: (أو نقض القسمة) هذا إذا لم يكن
باع شيئا مما في يده قبل الاستحقاق، وإلا فله الرجوع فقط كما أفاده في الهداية. قوله: (قلت إلخ)
هذه العبارة لابن الكمال ملخصة من كلام صدر الشريعة المذكور في المنح. قوله: (فإن كان شائعا)
كالنصف مما في يد كل مشاعا أو نصف أحدهما وربع الآخر فهذا صادق على التساوي والتفاوت،
بخلاف الشيوع في الكل في المسألة السابقة فإنه على التساوي فقط، كما لو اقتسما دارا مثالثة فاستحق
نصفها مشاعا فله نصف ما في يد كل، لكن الحكم في كل الشيوعين واحد وهو الفسخ لما قدمناه،
فافهم. قوله: (فإن تساويا فظاهر) أي أنه لا فسخ ولا رجوع، كما لو استحق من نصيب كل خمسة
أذرع. قوله: (وإلا) أي إن لم يتساويا كأربعة من أحدهما وستة من الثاني: فلا فسخ أيضا لعدم الضرر
على المستحق كما قدمناه، ويرجع الثاني على الأول بذراع لأنه زاد عليه به. قوله: (فلذا إلخ) تفريع على
قوله كما مر: أي لما شابهت هذا المسائل ما مر في الاحكام لم يفردوها بالذكر لفهمها من العلل
السابقة، أما الفسخ في الشائع وعدمه في المعين فللضرر على المستحق وعدمه كما علمته، وأما الرجوع
على الشريك عند عدم التساوي فإنه يعلم من قوله: يرجع في نصيب شريكه أي ليصل كل إلى حقه
بلا زيادة لأحدهما على الآخر، ومقتضاه أن له نقض القسمة أيضا دفعا لضرر التشقيص، وأما عدم
الرجوع عند التساوي فظاهر لأنه لم يزد أحدهما على الآخر بشئ فافهم.
تتمة: إذا جرت القسمة في دارين أو أرضين وأخذ كل واحدة ثم استحقت إحداهما بعد ما بنى
فيها صاحبها يرجع على صاحبه بنصف قيمة البناء، قيل هذا قول الإمام لان عنده قسمة الجبر لا تجري
في الدارين فكانت في معنى البيع، والأصح أنه قول الكل خانية، ولو في دار لم يرجع. تاترخانية.
قوله: (ظهر دين إلخ) ومثله لو ظهر موصى له بألف مرسلة فتفسخ إلا إذا قضوه لتعلق حق الدائن
والموصى له مرسلا بالمالية، بخلاف ما إذا ظهر وارث آخر أو موصى له بالثلث أو الربع فقال الورثة
573

نقضي حقه ولا تفسخ القسمة لتعلق حقهما بعين التركة فلا ينتقل إلى مال آخر إلا برضاهما كما في
النهاية، لكن هذا إذا كانت القسمة بغير قاض، فلو به فظهر وارث وقد عزل القاضي نصيبه لا تنقض
وكذا لو ظهر الموصى له في الأصح كما في التاترخانية. قوله: (ذمم الورثة) كذا في الدرر. قال ط:
فيه أن الدين تعلق بعين التركة بعد تعلقه بذمة الميت اه‍.
تتمة: أجاز الغريم قسمة الورثة قبل قضاء الدين له نقضها، وكذا إذا ضمن بعض الورثة دين
الميت برضا الغريم، إلا أن يكون بشرط براءة الميت لأنها تصير حوالة فينتقل الدين عليه وتخلو التركة
عنه وهي الحيلة لقسمة تركة فيها دين كما بسطه في البزازية وغيرها. قوله: (ولو ظهر غبن فاحش في
القسمة) أي في التقويم للقسمة، بأن قوم بألف فظهر أنه يساوي خمسمائة، قيد بالفاحش لأنه لو يسيرا
يدخل تحت تقويم المقومين لا تسمع دعواه، ولا تقبل بينته كما في المنح. قوله: (خلافا لتصحيح
الخلاصة) من أنه لا تسمع دعواه. قال المصنف في المنح: والصحيح المعتمد ما قدمناه عن الكافي
وقاضيخان، وبه جزم أصحاب المتون وصححه أصحاب الشروح، وبه أفتيت مرارا. قوله: (قلت إلخ)
مأخوذ من حاشية الرملي حيث قال: وقوله بطلت. قال في الكنز: ولو ظهر غبن فاحش في القسمة
تفسخ، وفي متن الغرر تبطل، فتبعه بقوله هنا بطلت فيفهم ظاهره أنها تحتاج إلى الفسخ مع أن الامر
بخلافه، فكان ينبغي له موافقته دون متن الغرر اه‍.
أقول: وفيه نظر يدل عليه قول الخانية تسمع دعواه في الغبن، وله أن يبطل القسمة كما لو
كانت بقضاء القاضي وهو الصحيح، فمقتضاه أنها تحتاج إلى الفسخ، وأن معنى تبطل وبطلت له
إبطالها، وبه يشعر قول الكنز تفسخ حيث لم يقل تنفسخ، والظاهر أن لفظة لا ساقطة من قلم الرملي
قبل قوله تحتاج. تأمل. قوله: (لا تسمع دعوى الغلط) تقدم الكلام عليه مستوفى وأنه مخالف للمتون.
قوله: (وتمامه في الخانية) ذكر عبارتها في المنح. قوله: (صح دعواه) فتنقض القسمة إلا بالقضاء أو
الابراء كما مر، ولو كان باع أحدهم حصته بطل البيع كالقسمة كما في الخانية. قوله: (لتعلق الدين
بالمعنى) وهو مالية التركة، ولذا كان لهم أن يقضوا الغريم ويستقلوا بها كما مر. قوله: (بأي سبب كان)
أي بشراء أو هبة أو غير ذلك. ونقل السائحاني عن المقدسي: اقتسما التركة ثم ادعى أحدهما أن أباه
كان جعل هذا المعين له، إن كان قال في صغري يقبل، وإن مطلقا لا اه‍. لان التناقض في موضع
الخفاء عفو كما مر في محله. قوله: (إذ الاقدام على القسمة) قيد به لأنها إذا كانت جبرا على المدعي
574

تسمع دعواه ولا يكون تناقضا. رملي. قوله: (لم تقبل بينته) لدخول البناء والنخل تبعا، فلو اقتسموا
شجرا أو بناء فادعى أحدهما الأرض كلها أو بعضها جاز لعدم التبعية لجواز كونه مشتركا دون
الأرض.
ففي الخلاصة وغيرها: لو ادعى شجرا فقال المدعى عليه ساومني ثمره أو اشتر مني لا يكون
دفعا لجواز كونه الشجر له والثمرة لغيره وهي واقعة الفتوى، وأفتيت بسماعها لما ذكر. رملي ملخصا.
قوله: (ليس له أن يجبره على قطعها) أي الأغصان. قال في الخانية: كما لو وقع في قسم أحدهما
حائط عليه جذوع للآخر فإنه لا يؤمر برفعه. قوله: (لأنه استحق الشجرة بأغصانها) أي على هذه الحالة
ط. قوله: (بغير إذن الآخر) وكذا لو بإذنه لنفسه لأنه مستعير لحصة الآخر، وللمعير الرجوع متى شاء.
أما لو بإذنه للشركة يرجع بحصته عليه بلا شبهة. رملي. على الأشباه. قوله: (وإلا هدم البناء) أو أرضاه
بدفع قيمته. ط عن الهندية.
أقول: وفي فتاوى قارئ الهداية: وإن وقع البناء في نصيب الشريك قلع وضمن ما نقصت
الأرض بذلك اه‍. وقد تقدم في كتاب الغصب متنا أن من بنى أو غرس في أرض غيره أمر بالقلع،
وللمالك أن يضمن له قيمة بناء أو غرس أمر بقلعه إن نقصت الأرض به، والظاهر جريان التفصيل
هنا كذلك. تأمل. قوله: (في عقار أو غيره) لم أر هذا التعميم لغيره وإن كان ظاهر المتن، لان المصنف
عزاه للبزازية. وعبارتها: قسموا الأراضي وأخذوا حصتهم إلخ، فهو خاص بالعقار كما يظهر قريبا.
قوله: (لان قسمة التراضي) كذا في غالب النسخ، وفي بعضها الأراضي وهو الذي في المتن، وهكذا
رأيته في البزازية وغيرها. وعلل في الذخيرة بأن القسمة في غير المكيل والموزون في معنى البيع فكان
نقضها بمنزلة الإقالة اه‍.
أقول: والظاهر منه أن القسمة في المثلي لا تنتقض بمجرد التراضي لأنها ليست بعقد مبادلة، لان
الراجح فيه جانب الافراز كما مر. نعم إذا خلطوا ما قسموه من المثلى برضاهم تجددت شركة أخرى،
وبه ظهر ما ذكرناه آنفا. تأمل. قوله: (ومبادلتها) عبارة البزازية: وإقالتها. قوله: (جزم بالقيل في
575

الأشباه) لكن اعترضه البيري بأنه مبني على ما ظنه من أن الباطل والفاسد في القسمة سواء، والمنقول
خلافه. ونقل الحموي عن المصنف أنه لم يطلع على ما ذكره في الأشباه، وذكر هو أيضا أنه لم يقف
عليه وأنه يحتمل أن لا وقعت سهوا. ثم قال: وعلى كل فالفتوى والعمل على أنها تملك بالقبض لأنه
هو المنقول في كتب المذهب وغيره لم يطلع عليه إلا في عبارة الأشباه مع ما فيها من الاحتمال فلا
يصح أن يعول عليها اه‍.
أقول: والعجب من المصنف حيث ذكره في متنه بعد قوله لم أطلع عليه وكان في سعة من
عدم ذكره ولا سيما المتون مبنية على الاختصار وموضوعة عليه الفتوى.
تتمة: اقتسموا أرضا موقوفة بتراضيهم ثم أراد أحدهم بعد سنين إبطال القسمة له ذلك، لان
قسمتها بين الموقوف عليهم لا تجوز عند الجميع. حاوي الزاهدي. وفيه: أرض قسمت فلم يرض
أحدهم بنصيبه ثم زرعه لم يعتبر لان القسمة ترتد بالرد. قوله: (ولو تهايأ) الهيئة: الحالة الظاهرة
للمتهيئ للشئ، والتهايؤ تفاعل منها. وهو أن يتواضعوا على أمر فيتراضوا به، والمهايأة بإبدال الهمزة
ألفا لغة، وهي في لسان الشرح: قسمة المنافع، وإنها جائزة في الأعيان المشتركة التي يملك الانتفاع
بها على بقاء عينها. وتمامه في شرح الهداية. قوله: (يسكن هذا بعضا إلخ) أشار إلى أن التهايؤ قد يكون
في الزمان وقد يكون من حيث المكان، والأول متعين في العبد الواحد ونحوه كالبيت الصغير، ولو
اختلفا في التهايؤ من حيث الزمان والمكان في محل يحتملها يأمر القاضي بأن يتفقا لأنه في المكان أعدل
لانتفاع كل في زمان واحد، وفي الزمان أكمل لانتفاع كل بالكل، فلما اختلفت الجهة فلا بد من
الاتفاق، فإن اختاراه من حيث الزمان يقرع في البداية نفيا للتهمة. هداية. وقيد بالزمان لان التسوية
في المكان تمكن في الحال بأن يسكن هذا بعضا والآخر بعضا، أما الزمان فلا تمكن إلا بمضي مدة
أحدهما. كفاية.
أقول: لكن قد يقع الاختلاف في تعيين المكان فينبغي أن يقرع. تأمل. قال الرملي: ولو تشاحا
في تعيين المدة مثلا بأن قال أحدهما سنة بسنة والآخر شهر بشهر لم أره، والظاهر تفويضه للقاضي.
ولا يقال: يأمرهما بالانفاق كالاختلاف من حيث الزمان والمكان لان مع كل وجها فيها، بخلافه هنا،
وإن قيل يقدم الأقل حيث لا ضرر بالآخر لأنه أسرع وصولا إلى الحق فله وجه. تأمل اه‍.
تنبيه: في الهداية: لكل واحد أن يستغل ما أصابه بالمهايأة وإن لم يشرط ذلك لحدوث المنافع على
ملكه اه‍. قال السائحاني: أفاد في التاترخانية أن تهايؤ المستأجرين صحيح غير لازم، وإن شرطا على
المؤجر أن لأحدهما مقدم الدار وللآخر مؤخرها فسد العقد، ولو لم تسع سكناهما وأحدهما ساكن
وطلب الآخر التهايؤ زمانا يجاب كما في حيطان الخانية اه‍. قوله: (كذلك) أي يأخذ هذا شهرا والآخر
شهرا، أو يأخذ هذا غلة هذه والآخر غلة الأخرى. قوله: (ولا تبطل بموت أحدهما إلخ) لأنها لو
576

بطلت لإستأنفها الحاكم ولا فائدة في الاستئناف. زيلعي. وإذا تهايأ في مملوكين استخداما فمات
أحدهما أو أبق انتقضت، ولو استخدمه الشهر كله إلا ثلاثة أيام نقص من الشهر الآخر ثلاثة أيام، ولو
زاد ثلاثة لا يزيد الآخر، ولو أبق الشهر كله واستخدم الآخر فيه فلا أجر ولا ضمان، ولو عطب أحد
الخادمين أو انهدم المنزل من السكنى أو احترق من نار أوقدها فلا ضمان. تاترخانية. قوله: (بطلت)
عبارة الهداية: يقسم وتبطل المهايأة، وقد أفاد أنه لو طلب أحدهما المهايأة والآخر القسمة يجاب الثاني
كما في الهداية. وفي التاترخانية: أجر كل منهما الدار التي في يده فأراد أحدهما نقض المهايأة وقسمة
رقبة الدار له ذلك إذا مضت مدة الإجارة، وذكر قبله: لكل نقض المهايأة ولو بلا عذر في ظاهر
المذهب. قال الحلواني: هذا إذا قال أريد بيع نصيبي أو قسمته، أما لو أراد عود المنافع مشتركة فلا.
وقال شيخ الاسلام: ما في ظاهر الرواية من أن له نقضها ولو بلا عذر إذا حصلت بتراضيهما، فلو
بالقضاء فلا ما لم يصطلحا، لأنه في الأول يحتاج إلى ما هو أعدل وهو القسمة بالقضاء. قوله: (ولو
اتفقا إلخ) وكذا لو سكتا فطعام كل مخدومه استحسانا، وفي القياس عليهما، وقوله بخلاف الكسوة
فيه تفصيل، إن لم يبينا مقدارا معلوما لا يجوز، وإن بينا يجوز استحسانا، أما الطعام فجائز اشتراطه على
من يخدم، وإن لم يبين مقداره استحسانا، أفاده ط عن الهندية. قوله: (وما زاد إلخ) أي من الغلة وهو
مرتبط بقول المصنف: أو في غلة دار أو دارين. قوله: (مشترك) لتحقيق التعديل، بخلاف ما إذا كان
التهايؤ على المنافع فاستغل أحدهما في نوبته زيادة، لان التعديل فيما وقع عليه التهايؤ حاصل وهو
المنافع فلا يضره زيادة الاستغلال. هداية.
أقول: ظهر من هذا أن زيادة الغلة في نوبة أحدهما لا تنافي صحة المهايأة والجبر عليها، ويتأمل
هذا مع ما في فتاوى قارئ الهداية أن السفينة لا يجبر على التهايؤ فيها حملا ولا استغلالا من حيث
الزمان بأن يستغلها هذا شهرا والآخر شهرا بل يؤجرانها والأجرة لهما اه‍. وعلله بعضهم بأنه قد
تكون غلة شهر أزيد من غلة آخر فلا يوجد التساوي اه‍. ولعل المراد لا يجبر على وجه يختص كل
منهما بالزائد من الغلة وإلا فهو مشكل، فليتأمل. قوله: (لا في الدارين) لان فيهما معنى التمييز
والإفراز راجع لاتحاد زمان الاستيفاء، وفي الدار الواحدة يتعاقب الوصول فاعتبر قرضا وجعل كل
منهما في نوبته كالوكيل عن صاحبه. هداية. قوله: (على السكنى والخدمة) بأن يسكن أحدهما الدار سنة
ويستخدم الآخر العبد سنة، وعلى الغلة باطلة عنده خلافا لهما. ذخيرة. قال في الدر المنتقى: الجواز
في المتحد، ففي المختلف أولى. قوله: (وكذا في كل مختلفي المنفعة) قال في الدر المنتقى: كسكنى الدور
وزرع الأرضين وكحمام ودار كما في الاختيار. قوله: (وتمامه إلخ) هو ما ذكرناه. قوله: (لا يصح في
المسائل الثمان) لكن الثانية والرابعة والخامسة والسادسة عند الامام والباقي بالاتفاق كما أوضحه في المنح.
577

قال في الدرر: أما في عبد أو بغل واحد فلان النصيبين يتعاقبان في الاستيفاء، فالظاهر التغير
في الحيوان فتفوت المعادلة، بخلاف الدار الواحدة لأن الظاهر عدم التغير في العقار، وأما في عبدين
أو بغلين فلان التهايؤ في الخدمة جوز للضرورة لامتناع قسمتها ولا ضرورة في الغلة لأنها تقسم، وأما
في ركوب بغل أو بغلين فلتفاوته بالراكبين فلا تتحقق التسوية فلا يجبر القاضي عليه، وأما في ثمرة
شجرة أو لبن شاة ونحوه فلأن التهايؤ مختص بالمنافع لامتناع قسمتها بعد وجودها بخلاف الأعيان اه‍
ملخصا. ولو لهما جاريتان فتهايأ على أن ترضع إحداهما ولد أحدهما والأخرى ولد الآخر جاز، لان
لبن الآدمي لا قيمة له فجرى مجرى المنافع. منح. قوله: (ونحوها) أي من الأعيان التي لا تجري فيها
المهايأة.
أقول: ومنها عدة الحمام كالمزبلة والحمير والمناشف ونحوها، فتنبه له فإنه مما يغفل عنه. قوله:
(أن يشتري حظ شريكه) أي من الشجرة والشاة كما في الكفاية لا من الثمرة، فافهم. قوله: (ثم يبيع
كلها) أي حصتها وما اشتراه من شريكه، فافهم. قوله: (أو ينتفع باللبن) هذا مقابل لقوله أن يشتري
لكنه ناظر إلى الشاة: أي إما أن يشتري حظه من الشاة، وإما أن يستقرض لبنها فلا يصح عطفه
بالواو، فافهم. قوله: (بمقدار معلوم) بأن يزن ما يحلبه كل يوم حتى تفرغ المدة ثم يستوفي صاحبه
مقداره في نوبته. وفي الخانية: تواضعا في بقرة على أن تكون عند كل منهما خمسة عشر يوما يحلب
لبنها كان باطلا، ولا يحل فضل اللبن لأحدهما وإن جعله صاحبه في حل لأنه هبة المشاع فيما يقسم،
إلا أن يكون استهلكه فيكون إبراء عن الضمان فيجوز. قوله: (إذ قرض المشاع جائز) ومنه ما في هبة
النهاية: إذا دفع إليه ألفا وقال خمسمائة قرضا وخمسمائة شركة جاز، واعترض في السعدية بأن قرض
المشاع وإن جاز لكن تأجيله لا يجوز. قلت: فيه نظر لأنه غير لازم لا غير جائز كما مر في بابه،
فتدبر.
تتمة: لم يذكر في الكتاب المهايأة على بس الثوبين. قال بعض مشايخنا: لا يجوز عند الامام
خلافا لهما لتفاوت الناس في اللبس تفاوتا فاحشا. طوري عن المحيط. قوله: (إن كانت) هذا أحد
أقوال ثلاثة حكاها في الولوالجية وغيرها، ثانيها على الاملاك مطلقا، ثالثها عكسه. بقي الكلام في
معرفة ما هي لحفظ الاملاك وما هي لحفظ الرؤوس في زماننا وهو عسير، فإن الظلمة يأخذون المال
من أهل قرية أو محلة أو حرفة مرتبا في أوقات معلومة وغير مرتب بسبب وبلا سبب. ورأيت في آخر
قسمة الحامدية ما ملخصه موضحا: ولم أر أحدا تعرض للتفصيل غير المرحوم والدي علي أفندي
العمادي، وهو أن القاعدة أنه إذا قطع النظر عن إضافة الاملاك إلى أهل القرية صار أهلها كالتركمان
والعربان فلا يوزع عليهم إلا ما يطلبه السلطان من نحو التركمان كالعوارض وجريمة ما يتهمون به من
سرقة أو قتل أو عدم مدافعة ذلك، وكالقيام بالضيف إلا نحو العلف لأنهم لا يزرعون، وما يأخذه
الوالي من المشاهرة وما عداه مما يطلب بسبب الاملاك كالتبن والشعير والحطب والذخيرة فعلى الملاك
بحسب أملاكهم اه‍. فتأمل. قوله: (ولا يدخل صبيان ونساء) الظاهر أنه خاص فيما لحفظ الأنفس
578

يرشد إليه التعليل. قال في النهر، الولوالجيه: فإن لتحصين الاملاك فعلى قدرها لأنها لتحصين الملك فصارت
كمؤنة حفر النهر، وإن لتحصين الأبدان فعلى قدر الرؤوس التي يتعرض لهم لأنها مؤنة الرأس، ولا
شئ على النساء والصبيان لأنه لا يتعرض لهم اه‍. فتدبر. قوله: (ولو خيف الغرق إلخ) نقله في
الأشباه عن فتاوى قارئ الهداية. قوله: (فاتفقوا إلخ) يفهم منه أنهم إذا لم يتفقوا على الالقاء لا يكون
كذلك بل على الملقى وحده، وبه صرح الزاهدي في حاويه. قال رامزا: أشرفت السفينة على الغرق
فألقى بعضهم حنطة غيره في البحر حتى خفت يضمن قيمتها في تلك الحال اه‍. رملي على الأشباه.
وقوله في تلك الحال متعلق بقيمتها: أي يضمن قيمتها مشرفة على الغرق كما ذكره الشارح في كتاب
الغصب ثم قال رملي: ويفهم منه أن لا شئ على الغائب الذي له مال فيها ولم يأذن بالإلقاء، فلو أذن
بأن قال: إذا تحققت هذه الحالة فألقوا اعتبر إذنه اه‍. قوله: (بعدد الرؤوس) يجب تقييده بما إذا قصد
حفظ الأنفس خاصة كما يفهم من تعليله. أما إذا قصد حفظ الأمتعة فقط كما إذا لم يخش على
الأنفس وخشي على الأمتعة بأن كان الموضع لا تغرق فيه الأنفس وتتلف فيه الأمتعة فهي على قدر
الأموال، وإذا خشي على الأنفس والأموال فألقوا بعد الاتفاق لحفظهما فعلى قدرهما، فمن كان غائبا
وأذن بالإلقاء إذا وقع ذلك اعتبر ماله لا نفسه، ومن كان حاضرا بماله اعتبر ماله ونفسه، وما كان
بنفسه فقط اعتبر نفسه فقط، ولم أر هذا التحرير لغيري، ولكن أخذته من التعليل فتأمل. رملي على
الأشباه. وأقره الحموي وغيره. قوله: (المشترك إذا انهدم إلخ) استثنى الشيخ شرف الدين منه مسألة،
وهي جدار بين يتيمين خيف سقوطه وفي تركه ضرر عليهما ولهما وصيان فأبى أحدهما العمارة يجبر
على البناء مع صاحبه، وليس كإباء أحد المالكين لرضاه بدخول الضرر عليه عليه فلا يجبر وهنا الضرر على
الصغير كما في الخانية، ويجب أن يكون الوقف كذلك اه‍. أبو السعود ملخصا. قوله: (وإلا بنى إلخ)
في حاشية الشيخ صالح على الأشباه: أطلق المصنف في عدم الجبر فيما لا يحتمل القسمة فشمل ما إذا
انهدم كله وصار صحراء أو بقي منه شئ.
وفي الخلاصة: طاحونة أو حمام مشترك انهدم وأبى الشريك العمارة يجبر، هذا إذا بقي منه
شئ، أما إذا انهدم الكل وصار صحراء لا يجبر، وإن كان الشريك معسرا يقال له أنفق ويكون دينا
على الشريك إلخ. وفي الخلاصة أيضا: ولو أبى أحدهما أن يسقي الحرث يجبر. وفي أدب القضاء من
الفتاوى: لا يجبر ولكن يقال اسقه وأنفق ثم ارجع بنصف ما أنفقت اه‍. أبو السعود.
أقول: استفيد مما في الخلاصة أن عدم الجبر لو معسرا. تأمل. ولا يخفى أن نحو الحمام مما لا
يقسم إذا انهدم كله وصار صحراء صار مما يقسم كما صرحوا به فلا يرد على إطلاق المصنف، لان
الكلام فيما لا يحتمل القسمة، فافهم. هذا، وظاهر كلام الخلاصة الثاني أن الجبر بنحو الضرب
والحبس، وقد فسره في موضع آخر بأمر القاضي بأن ينفق ويرجع بنصفه، ومثله في البزازية: تأمل.
وما ذكره الشارح سيأتي قريبا عن الوهبانية.
تتمة: زرع بينهما في أرضهما طلبا قسمته دون الأرض، فلو بقلا واتفقا على القلع جازت، وإن
شرطا البقاء أو أحدهما فلا ولو مدركا، فإن شرطا الحصاد جازت اتفاقا أو الترك
فلا عندهما وجازت عند محمد، وكذلك الطلع على النخيل على التفصيل، ولو طلبا من القاضي لا يقسمه بشرط الترك،
579

وأما بشرط القلع فعلى الروايتين (1)، ولو طلب أحدهما منه لا يقسم مطلقا. تاترخانية. قوله: (له
التصرف في ملكه إلخ) إن أريد بالملك ما يعم ملك المنفعة شمل الموقوف للسكنى أو الاستغلال. أفاده
الحموي. قوله: (قال المصنف إلخ) ونقله ابن الشحنة عن أئمتنا الثلاثة وعن زفر وابن زياد، وقال: وهو
الذي أميل إليه وأعتمده، وأفتى به تبعا لوالدي اه‍. وجعله في العمادية للقياس وقال: لكن ترك
القياس في المواضع التي يتعدى ضرر تصرفه إلى غيره ضررا بينا، وبه أخذ كثير من مشايخنا وعليه
الفتوى اه‍. وهذا قول ثالث. قال العلامة البيري: والذي استقر عليه رأي المتأخرين أنه الانسان
يتصرف في ملكه وإن أضر بغيره ما لم يكن ضررا بينا، وهو ما يكون سببا للهدم أو ما يوهن البناء أو
يخرج عن الانتفاع بالكلية، وهو ما يمنع من الحوائج الأصلية كسد الضوء بالكلية، والفتوى عليه اه‍.
وفي حاشية الشيخ صالح: والمنع هو الاستحسان، وهو الذي أميل إليه إذا كان الضرر بينا اه‍.
وبه أفتى أبو السعود مفتي الروم، وهو الذي عليه العمل في زماننا، ومشى عليه الشرنبلالي، وكذا
المصنف في متفرقات القضاء، وارتضاه الشارح هناك. ثم قال: وبقي ما لو أشكل هل يضر أم لا؟
وقد حرر محشي الأشباه المنع قياسا على مسألة السفل والعلو أنه لا يتد إذا ضر، وكذا إن أشكل على
المختار إلخ. قوله: (وفي الوهبانية وشرحها) الثلاثة الأول من الوهبانية والأربعة الباقية من نظم شارحها
ابن الشحنة، لكنه ذكر الأخير بعد أبيات، فافهم. قوله: (ولو زرع الانسان أرزا إلخ) الأرز كقفل، وقد
تضم راؤه وتشدد الزاي، وبعضهم يفتح الهمزة وبعضهم يحذفها، وهذا مبني على ظاهر الرواية،
والفتوى على التفصيل. شرنبلالي. قوله: (وحيط) جعله ابن الشحنة مجرورا بواو رب، والأولى رفعه
مبتدأ وجملة له أهل أي أصحاب صفة له، وقوله: فحمل واحد أي وضع عليه جذوعه معطوف
على متعلق الجار، وقوله: ولا حمل فيه قبل جملة حالية وفي بمعنى على أي لم يكن عليه جذوع
قبل ذلك، وجملة ليس يغير خبر المبتدأ: أي ليس للشريك الآخر رفع ما حمله أحدهم. قال ابن
الشحنة: وهذا لو الحائط يحتمل ذلك كما في البزازية، ويقال للآخر ضع أنت مثل ذلك إن شئت،
وهذا بخلاف ما إذا كان لهما عليه خشب فأراد أحدهما أن يزيد على خشب صاحبه أو يتخذ عليه سترا
أو يفتح كوة أو بابا فللآخر منعه لان القياس المنع من التصرف في المشترك إلا أنا تركنا القياس في
الأولى للضرورة، إذ ربما لا يأذن له شريكه فيتعطل عليه منفعة الحائط اه‍ بمعناه. قوله: (وما لشريك

(1) قوله: (فعلى الروايتين) اي في جواز مباشرة القاضي لمثل هذه القسمة من كل قسمة اشتملت على الضرر، فعلى
إحدى الروايتين يجوز وعلى الأخرى لا ا ه‍.
580

إلخ) صورة ذلك: حائط بين رجلين قدر قامة أراد أحدهما أن يزيد في طوله وأبى الآخر فله منعه.
ذخيرة وغيرها. وإلى ترجيحه لكونه رواية عن محمد (1) أشار بتقديمه، وتعبيره عن الثاني بقيل أفاده ابن
الشحنة، ثم نقل تقييد المنع بما إذا كان شيئا خارجا عن العادة، ووفق به بين القولين، واعتمده ونظمه
في بيت غير به نظم الوهبانية، وكأن الشارح لم يعول عليه لظهور الوجه للأول، لأنه تصرف المشترك
بلا ضرورة فيبقى على الأصل من المنع، ولذا اقتصر عليه في الخانية في باب الحيطان وقال: ليس له
الزيادة بلا إذن أضر الشريك أو لا. وفي الخيرية: ومثله في كثير من الكتب والفقه، فيه أنه يصير
مستعملا لملك الغير بلا إذنه فيمنع، وهذا مما لا شبهة فيه اه‍. فتنبه. قوله: (وممنوع قسم) أي ما لا
تمكن قسمته كالحمام، وقوله: من الرم متعلق بمنع: أي عند امتناع الشريك من الترميم، وقوله
قاض مؤجر مبتدأ وخبر والجملة خبر المبتدأ وهو ممنوع يعني أن القاضي يؤجره ويعمره بالأجرة،
وهذا أحد قولين حكاهما في الخانية. قوله: (وينفق في المختار إلخ) هذا هو القول الثاني. قال في
الخانية: والفتوى عليه. قال ابن الشحنة: والمراد بالراضي الراضي بالرم والعمارة، يظهر ذلك من
مقابلته بالآبي، وضمير إذنه للقاضي، وقبل يخسر: أي قبل أن يخسر للباني ما يخصه مما صرفه اه‍.
وحاصله: أنه ينفق الراضي بالترميم بإذن القاضي ويمنع الآبي من الانتفاع قبل أداء ما يخصه.
وقال ابن الشحنة: ومفهوم التقييد بالرم أنه لو انهدم جميعه حتى صار صحراء لا يجري ما ذكر من
الاختلاف كما صرح به في البزازية اه‍: أي لأنه يصير حينئذ مما يقسم كما قدمناه. قوله: (وخذ منفقا)
بفتح اسم مفعول، وهذا زاده ابن الشحة تفصيلا لبيت من الوهبانية، وهو هذا:
وذو العلو لم يلزم لصاحب سفله * بناه خلا من هذه منه يصدر
قال الشرنبلالي: عدى اللزوم إلى مفعولين بالهمزة في بناه وهو المفعول الأول وباللام في الثاني
وهو لصاحب، ويقال هد البناء: إذا هدمه، والمسألة من الذخيرة: إذا انهدم السفل بغير صنع لا يجبر
صاحبه على البناء، ويقال لذي العلو: إن شئت فابن السفل من مالك لتصل لنفعك، فإذا بناء بإذن
القاضي أو أمر شريكه يرجع بما أنفق وإلا فبقيمة البناء وقت البناء، وهذا هو الصحيح المختار
للفتوى، فيمنع صاحب السفل من الانتفاع حتى يأخذ ذلك منه جبرا. وأما إذا هدمه بصنعه فإنه
يؤاخذ بالبناء لتفويته حقا استحق وليصل صاحب العلو لنفعه، ونظم الشارح التفصيل. والتصحيح في
بيت فقال: وخذ منفقا إلخ اه‍. ونقل الشارح ابن الشحنة هذا التفصيل في الجدار أيضا فالضمير في
منه لصاحب العلو أو الشريك في الجدار، وقوله: كحاكم على تقدير مضاف: أي كإذن حاكم،
وقوله: إلا بكسر همزة إن الشرطية: أي إن لا إذن ممن ذكر، فافهم. وهذه المسألة هي التي قدمها
الشارح عن الأشباه، وظاهر كلامه هناك عدم اختصاص الحكم بالسفل والجدار، والله تعالى أعلم.

(1) قوله: (لكونه رواية عن محمد) علة لقوله أشار: اي انما أشار إلى ترجيحه، ولم يكتف بذكر مقابله بقيل لكونه رواية
عن محمد رحمه الله مظنة للضعف ا ه‍.
581

كتاب المزارعة
وتسمى المخابرة والمحاقلة، ويسميها أهل العراق: القراح، وبيانه في المنح. قوله: (مناسبتها
ظاهرة) وهي قسمة الخارج. قوله: (هي لغة مفاعلة من الزرع) ذكر في البدائع أن المفاعلة على بابها، لان
الزرع هو الانبات لغة وشرعا، والمتصور من العبد التسبب في حصول النبات، وقد وجد من أحدهما
بالعمل ومن الآخر بالتمكين منه بإعطاء الآلات إلا أنه اختص العامل بهذا الاسم في العرف كاسم
الدابة لذوات الأربع اه‍. أو يقال: إن المفاعلة قد تستعمل فيما لا يوجد إلا من واحد كالمداواة
والمعاجلة. قال الحموي: ولا حاجة إلى هذا كله، فإن الفقهاء نقلوا هذا اللفظ وجعلوه علما على هذا
العقد اه‍. أبو السعود ملخصا.
أقول: وفيه نظر، فإن الكلام في المعنى اللغوي لا الاصطلاحي. تأمل. قوله: (من الزرع) هو
طرح الزراعة بالضم: وهو البذر، وموضعه المزرعة مثلثة الراء كما في القاموس، إلا أنه مجاز حقيقته
الانبات، ولذا قال (ص): لا يقولن أحدكم زرعت بل حرثت أي طرحت البذر كما
في الكشاف وغيره. قهستاني. قوله: (عقد على الزرع) يصح أنه يراد بالزرع الصدر واسم المفعول، لما
في البزازية: زرع أرض غيره بغير إذنه ثم قال لرب الأرض ادفع إلي بذري فأكون أكارا: إن البذر
صار مستهلكا في الأرض لا يجوز، وإن قائما يجوز، معناه: أن الحنطة المبذورة قائمة في الأرض
ويصير الزارع مملكا الحنطة المزروعة بمثلها وذا جائز، لكن تفسد المزارعة لعدم الشرائط، وإذا لم يتناه
الزرع فدفعه إلى غيره مزارعة ليتعاهده صح لا إن تناهى اه‍. سائحاني. قوله: (ببعض الخارج) لا
ينتقض بما إذا كان الخارج كله لرب الأرض أو العامل فإنه ليس مزارعة، إذ الأول استعانة من
العامل والثاني إعارة من المالك كما في الذخيرة. قهستاني. قوله: (وأركانها إلخ) وحكمها في الحال
ملك المنفعة وفي المآل الشركة في الخارج، وصفتها أنها لازمة من قبل من لا بذر له فلا يفسخ بلا
عذر، وغير لازمة ممن عليه البذر قبل إلقاء البذر في الأرض فملك الفسخ بلا عذر حذرا عن إتلاف
بذره، بخلاف المساقاة فإنها لازمة من الجانبين لعدم لزوم الاتلاف فيها. بزازية موضحا. قوله: (ولا
تصح عند الامام) إلا إذا كان البذر (1) والآلات لصاحب الأرض والعامل فيكون الصاحب مستأجرا
للعامل والعامل للأرض بأجرة ومدة معلومتين ويكون له بعض الخارج بالتراضي، وهذه حيلة زوال
الخبث عنده، وإنما لم يصح بدونها لاختلاف فيه من الصحابة والتابعين لتعارض الاخبار عن سيد
المرسلين صلوات الله عليه وعليهم إلى يوم الدين كما في المبسوط. وقضى أبو حنيفة بفسادها بلا
حد. ولم ينه عنها أشد النهي كما في الحقائق، ويدل عليه أنه فرع عليها مسائل كثيرة، حتى قال

(1) قوله: (الا إذا كان البذر الخ) بحث فيه شيخنا بأنه يكون العامل مستأجرا بعض الأرض وهو مشاع، فتكون الإجارة
فاسدة لا تصح مباشرتها، وأيضا العامل يكون عاملا في المشترك ولا أجر للعمل فيه. ثم قال: والذي ذكره في
تطييب الأنصباء ان يكون البذر والآلات لصاحب الأرض، وحينئذ يكون مستأجرا للعامل بشئ في الذمة يعوضه بدله
شيئا من الخارج ا ه‍ لكن هذا ليس من الباب في شئ بل هو إجارة محضة.
582

محمد: أنا فارس فيها، لان فرع عليها وراجل في الوقف لأنه لم يفرع عليه كما في النظم قهستاني.
وفي الهداية: وإذا فسدت عنده فإن سقى الأرض وكربها ولم يخرج شئ فله أجر مثله لو البذر
من رب الأرض، ولو منه فعليه أجر مثل الأرض والخارج في الوجهين لرب البذر. قوله: (لأنها كقفيز
الطحان) لأنها استئجار ببعض ما يخرج (1) من عمل فتكون بمعناه، وقد نهى عنه (ص)،
وهو أن يستأجر رجلا ليطحن له كذا منا من الحنطة بقفيز من دقيقها. وتمام الأدلة من الجانبين مبسوط
في الهداية وشروحها، وفي الشرنبلالية عن الخلاصة أن الامام فرع هذا المسائل في المزارعة على قول
من جوزها لعلمه أن الناس لا يأخذون بقوله. قوله: (صلاحية الأرض للزرع) فلو سبخة أن نزة لا تجوز،
ولو لم تصلح وقت العقد بعارض على شرف الزوال كانقطاع الماء وزمن الشتاء ونحوه اه‍ ط ملخصا.
قوله: (وأهلية العاقدين) بكونهما حرين بالغين أو عبدا وصبيا مأذونين أو ذميين، لأنه لا يصح عقد
بدون الأهلية كما في الهداية فلا تختص به فتركه أولى. قهستاني. قوله: (مجتبى وبزازية) عبارة البزازية:
وعن محمد جوازها بلا بيان المدة، وتقع على أول زرع يخرج واحد، وبه أخذ الفقيه وعليه الفتوى،
وإنما شرط محمد بيان المدة في الكوفة ونحوها، لان وقتها متفاوت عندهم وابتداؤها وانتهاؤها مجهول
عندهم اه‍. لكن قال في الخانية بعد ذلك: والفتوى على جواب الكتاب: أي من أنه شرط. قال في
الشرنبلالية: فقد تعارض ما عليها لفتوى اه‍. قوله: (وذكر رب البذر) ولو دلالة بأن قال دفعتها إليك
لتزرعها لي أو أجرتك إياها أو استأجرتك لتعمل فيها: فإن فيه (2) بيان أن البذر من قبل رب الأرض،
ولو قال: لتزرعها بنفسك ففيه بيان أن البذر من العامل، وإن لم يكن شئ من ذلك قال أبو بكر
البلخي: يحكم العرف في ذلك إن اتحد وإلا فسدت، لان البذر إذا كان من رب الأرض فهو مستأجر للعامل، أو من العامل فهو مستأجر
للأرض وعند اختلاف الحكم لا بد من البيان كما في الواقعات.
قهستاني. قوله: (وذكر جنسه) لان الاجر بعض الخارج وإعلام جنس الاجر شرط، ولان بعضها أضر
بالأرض، فإذا لم يبين فإن للبذر من رب الأرض جاز لأنها لا تتأكد عليه قبل إلقائه، وعند الالقاء
يصير الاجر معلوما، وإن من العامل لا يجوز إلا إذا عمم بأن قال تزرع ما بد لك وإلا فسدت، فإن
زرعها تنقلب جائزة خانية وظهيرية. وفي منية المفتي: قال إن زرعتها حنطة فبكذا

(1) قوله: (ببعض ما يخرج الخ) قال مولانا: هذا لا يظهر الا إذا كان البذر لصاحب الأرض فإنه حينئذ يكون مستأجرا
للعامل ببعض أثر عمله، أما إذا كان البذر لصاحب العمل فلا يظهر التشبيه بقفيز الطحان، لان صاحب البذر يكون
مستأجرا للأرض ببعض الخارج منها ولا عمل في هذه الحالة من قبل من يأخذ الأجر، فالفساد في هذه الصورة لشئ
غير المشابهة ا ه‍.
(2) قوله: (فيه الخ) قال مولانا: وعبارة الحموي بعد ما ذكر الصور الثلاث المذكورة هنا: فان قوله دفعتها لك لتزرعها
لي، وقوله استأجرتك لتحمل فيها متضمن بيان ان البذر على رب الأرض، وساكت على الثانية هنا لظهور انه على
المستأجر، اي العامل ا ه‍ والمعنى وهي أحسن من عبارة القهستاني تأمل ا ه‍.
583

أو شعيرا فبكذا جاز، ولو قال على أن تزرع بعضها حنطة وبعضها شعيرا لا. قوله: (لا قدرة إلخ) كذلك قاله في
الخانية. ومفاد التعليل أن معرفة الأرض شرط، لكن في الخانية أيضا: وينبغي أن يكون العامل يعرف
الأرض، لأنه إذا لم يعلم والأراضي متفاوتة لا يصير العمل معلوما اه‍. تأمل.
وقد يقال: إن القدر ليس إن علمت الأرض وإلا فهو شرط، وبه يحصل التوفيق بين ما في
الخانية وما في الاختيار. تأمل. قوله: (وذكر قسط العامل الآخر) المراد منه من لا بذر منه. وكان
الأوضح ذكر العامل بعد لفظ الآخر لئلا يوهم تعدد العامل.
وفي الخانية: الشرط الرابع بيان نصيب من لا بذر منه، لان ما يأخذه إما أجر لعمله أو لأرضه
فيشترط إعلام الاجر، وإن بينا نصيب العامل وسكتا عن نصيب رب البذر حاز العقد، لان رب البذر
يستحق الخارج بحكم أنه نماء ملكه لا بطريق الاجر، وبالعكس لا يجوز قياسا لان ما يأخذه أجر
فيشترط إعلامه وفي الاستحسان: يجوز العقد، لأنه لما بين نصيب رب البذر كان ذلك بيان أن الباقي
للأجير اه‍.
وحاصله: أنه يشترط بيان نصيب من لا بذر منه صريحا أو ضمنا. تأمل. قوله: (وبشرط التخلية
إلخ) وهي أن يقول صاحب الأرض للعامل سلمت إليك الأرض، فكل ما يمنع التخلية كاشتراط
عمل صاحب الأرض مع العامل يمنع الجواز، ومن التخلية أن تكون الأرض فارغة عند العقد، فإن
كان فيها زرع قد نبت يجوز العقد ويكون معاملة لا مزارعة، وإن كان قد أدرك لا يجوز العقد لان
الزرع بعد الادراك لا يحتاج إلى العمل فيتعذر تجويزها معاملة أيضا. خانية. قوله: (ولو مع البذر) يعني
ولو كان البذر من رب الأرض، وإنما قال كذلك لأنه لو كان من العامل تشترط التخلية بالأولى لأنه
يكون مستأجرا للأرض لان الأصل أن من كان البذر منه فهو المستأجر كما سنذكره فقد صرح
بالمتوهم، وذلك أنه إذا كان البذر من رب الأرض يكون مستأجرا للعامل فربما يتوهم أنه لا تشترط
التخلية بينه وبين الأرض لكونها غير مستأجرة، فافهم. قوله: (وبشرط الشركة في الخارج) أي بعد
حصوله لأنه ينعقد شركة في الانتهاء، فما يقطع هذه الشركة كان مفسدا للعقد. هداية. وفي
الشرنبلالية أن هذا الشرط مستدرك للاستغناء عنه باشتراط ذكر قسط العامل. قوله: (فتبطل) أي تفسد
كما يفيده ما نقلناه آنفا عن الهداية. قوله: (أو رفع) بالرفع في الموضعين عطفا على قفزان المرفوع على
النيابة عن الفاعل لشرط المذكور فافهم. قوله: (وتنصيف الباقي) بالرفع معمول لشرط أيضا. قال ح
: وهو راجع للمسائل الأربع اه‍. وإنما فسدت فيها لأنها قد تؤدي إلى قطع الشركة في الخارج فإنه
يحتمل أن لا تخرج الأرض إلا ذلك المشروط. قوله: (بعد رفعه) أي رفع ذلك المشروط والظروف متعلق
بالباقي، فافهم. قوله: (للأرض أو لأحدهما) اللام فيهما للتعليل اه‍ ح: أي العشر للأرض بأن كانت
584

عشرية أو لأحدهما بأن شرطا رفع العشر من الخارج لأحدهما والباقي بينهما فإنه يجوز.
قال القهستاني: وهذا حيلة لرب الأرض إذا أراد أن يرفع بذره، وقال السائحاني: فلو لم يشترط
رفع عشر الأرض، قال الشارح في الزكاة: إن كان البذر من رب الأرض فعليه، ولو من العامل
فعليهما أقول: هو تفصيل حسن اه‍. قوله: (أو شرط التبن إلخ) هذه المسألة تشتمل على ثمان صور:
ستة منها فاسدة، وثنتان صحيحتان كما في الخانية، وأسقط هنا واحدة، وهي ما إذا شرطا تنصيف
التبن وسكتا عن الحب، وهي غير جائزة، وذكر سبعة، لان قوله هنا لأحدهما وقوله بعده والحب
لأحدهما تحتهما أربع صور، لان المراد بالأحد فيهما إما رب البذر أو العامل. قوله: (والتبن لغير رب
البذر) برفع التبن عطفا على تنصيف، وكذا قوله والحب لأحدهما. قوله: (لأنه خلاف مقتضى العقد)
ولأنه يؤدي إلى قطع الشركة، إذ ربما يصيب الزرع آفة فلا يخرج إلا التبن. معراج چ قوله: (كما هو
مقتضى العقد) لأنه لو سكتا عنه كان له فمع الشرط أولى، لأنه شرط موجب العقد وبه ولا تتغير صفة
العقد. معراج. قوله: (تبعا للصدر) أي صدر الشريعة وغيرها كصاحب الهداية، فإنه قال: ثم التبن
يكون لصاحب البذر لأنه نماء بذره وفي حقه لا يحتاج إلى الشرط. وقال مشايخ بلخ: التبن بينهما
أيضا اعتبارا للعرف فيما لم ينص عليه المتعاقدان، ولأنه تبع للحب والتبع يقول بشرط الأصل اه‍. وفي
شرح الوهبانية للشرنبلالي: ويكون التبن لرب البذر وهو ظاهر الرواية اه‍. قال في الكفاية: والجواب
عما قاله مشايخ بلخ أن الأصل فيها عدم الجواز، لأنها تثبت مع المنافي، فبقدر ما وجد المجوز يعمل
به وما لم يوجد فلا اه‍. قوله: (المزارع بالربع إلخ) هذا محمول على ما إذا كان شرط أو عرف في
الصورتين بدليل ما مر عن مشايخ بلخ، وإلا فالذي يقتضيه الفقه المشاركة على حسب نصيب كل
منهما، وكذا حققه السيد المرشدي اه‍ ح ملخصا.
أقول: وقد صرح في القنية بالتعليل بقوله لمكان التعارف، ثم قال أيضا: قال أستاذنا: والمختار
في زماننا أنه لا شئ للمزارع بالربع من التبن لمكان العرف وظاهر الرواية اه‍. وذكر ابن الشحنة أن
أقول: والحاصل، أن مبنى كلام القنية فيما إذا كان العل خاصة من المزارع اه‍.
كل من المسألتين على اعتبار العرف كما هو مذهب البلخيين، لكن
انضم إلى الأولى مع العرف موافقتهما لظاهر الرواية من كون التبن لرب البذر فصارت وفاقية وبقيت
الثانية مبنية على مذهبهم فقط، هذا هو التحرير لهذا المحل بعون الله تعالى. وأما كون مقتضى الفقه
المشاركة حيث لا عرف، ولا شرط ففيه نظر، بل مقتضى الفقه ظاهر الرواية بل هي الفقه، فافهم.
585

قوله: (وكذا صحت إلخ) هذه الجمل من جملة شروطها. زيلعي. قوله: (فهذه الثلاثة جائزة) لان من
جوزها إنما جوزها على أنها إجازة ففي الأولى: يكون رب البذر والأرض مستأجرا للفاعل وبقره تبعا
له لاتحاد المنفعة لان البقر آلة له، كمن استأجر خياطا ليخيط له بإبرته. وفي الثاني: يكون رب البذر
مستأجر للأرض بأجر معلوم من الخارج فتجوز كاستئجارها بدراهم في الذمة. وفي الثالثة: يكون
مستأجرا للعامل وحده. والأصل فيها أن صاحب البذر هو المستأجر وتخرج المسائل على هذا كما
رأيت. زيلعي ملخصا. وقد نظمت هذه الثلاثة في بيت واحد فقلت:
أرض وبذر كذا أرض كذا عمل * من واحد ذي ثلاث كلها قبلت
قوله: (وبطلت في أربعة أوجه إلخ) أما الأول، فلان رب البذر استأجر الأرض واشتراط البقر
على صاحبها مفسد للإجارة، إذ لا يمكن جعل البقر تبعا للأرض لاختلاف المنفعة، لان الأرض
للانبات والبقر للشق. وأما الثاني، فلان الأرض لا يمكن جعلها تبعا لعمله كذلك. وأما الثالث
فقالوا هو فاسد، وينبغي أن يجوز قياسا على العامل وحده أو الأرض وحدها، والجواب أن القيام أن
لا تجوز المزارعة لما فيها من الاستئجار ببعض الخارج، إنما ترك بالأثر وهو ورد في استئجار العامل أو
الأرض فيقتصر عليه، وأما الرابع، فلما ذكرنا في الثاني. زيلعي ملخصا. وفي اليعقوبية: ما صدر
فعله عن القوة الحيوانية جنس، وما صدر عن غيرها جنس آخر اه‍.
وفي الكفاية: واعلم أن مسائل المزارعة في الجواز والفساد مبنية على أصل وهو أنها تنعقد إجارة
وتتم شركة، وإنما تنعقد إجارة على منفعة الأرض أو العامل، ولا تجوز على منفعة غيرهما من بقر وبذر
اه‍. وقد جمعت هذه الأربعة في بيت أيضا فقلت:
والبذر مع بقر أو لا كذا بقر * لا غير أو مع أرض أربع بطلت
قوله: (فهي بالتقسيم العقلي سبعة أوجه) الحصر صحيح بناء على أن بعض الأربعة من واحد
والباقي من آخر، أما لو كان بعضها من واحد والباقي منهما فهي أكثر من سبعة كما لا يخفى.
بقي الكلام في حكم ما عدا هذه السبعة، وقد ذكر له البزازي ضابطا فقال: كل ما لا يجوز إن
كان من واحد لا يجوز إذا كان من اثنين، وفرع عليه ما لو أخذ رجلان أرض رجل على أن يكون البذر
من أحدهما والبقر والعمل من آخر لا يصح اه‍: أي لان الأرض هنا منهما، ولو كانت من أحدهما
لا يصح ونقل هذا الضابط الرملي وقال: وبه تستخرج الاحكام، مثلا: إذا كان البذر مشتركا والباقي
من واحد لا يجوز، لأنه لو كان من واحد لا يجوز فكذا إذا كان منهما، ومثله إذا كان الكل مشتركا،
لكن في هاتين الصورتين يكون الخارج بينهما على قدر بذرهما ولا أجرة للعامل لعمله في المشترك،
فافهم. واستخرج بقية الاحكام بفهمك اه‍. ويأتي في عبارة المتن ما هو من هذا النوع. أقول: وقد ذكر
القهستاني ما يخالف هذا الضابط، فراجعه. متأملا. قوله: (فهي ثلاثة) لان الأرض إما أن يكون معها
586

البذر أو البقر أو العمل والباقيان من الآخر اه‍ ط. قوله: (ومتى دخل ثالث فأكثر بحصة فسدت) قال
في الخانية: لو اشترك ثلاثة أو أربعة ومن البعض البقر وحده أو البذر وحده فسدت، وكذا لو من
أحدهم البذر فقط أو البقر فقط، لان رب البذر مستأجر للأرض فلا بد من التخلية بينه وبينها وهي
في يد العامل لا في يده اه‍. وعد في جامع الفصولين من الفاسدة ما لو كان البذر لواحد والأرض
لثان والبقر لثالث والعمل لرابع أو البذر والأرض لواحد والبقر لثان والعمل لثالث، لان استئجار البقر
ببعض الخارج لم يرد به أثر، فإذا فسدت في حصة البقر تفسد في الباقي، وعنهما فساد البعض لا
يشيع في الكل، وتمامه في الفصل الثلاثين.
وفي البزازية: دفع إليه أرضا ليزرعها ببذره وبقره ويعمل هذا الأجنبي على أن الخارج بينهم
أثلاثا لم يجز بينهما وبين الأجنبي، ويجوز بينهما، وثلث الخارج لرب الأرض والثلثان للعامل، وعلى
العامل أجر مثل عمل الأجنبي، ولو كان البذر من رب الأرض جاز بين الكل اه‍. وبه يظهر ما في
كلام الشارح من الاجمال. قوله: (في الصحيحة) ويأتي محترزه قريبا، ولكن يغني عنه قوله وإذا
صحت وإنما لم يكن له شئ لأنه يستحقه شركة ولا شركة في غير الخارج، بخلاف ما إذا فسدت
لان أجر المثل في الذمة لا تفوت الذمة بعدم الخارج. هداية. قوله: (إلا رب البذر إلخ) لأنه لا يمكنه
المضي إلا بإتلاف ماله وهو إلقاء البذر في الأرض، لا يدري هل يخرج أم لا؟ فصار نظير ما إذا
استأجره لهدم داره ثم امتنع. منح.
قال الرملي: أما إذا لم يأب لكن وجد عاملا أرخص منه أو أراد العلم بنفسه يجبر لعدم العلة
يدل عليه التشبيه، إذ لو لم يمتنع عن الهدم لكن وجد أرخص منه أو أراد هدمها بنفسه ليس به ذلك،
وعلى هذا للعامل تحليفه عند الحاكم على الامتناع لأنه يجوز أن يريد غير ما أظهره. وقد ذكر في
الجوهرة في الإجازة في مسألة يد المستأجر عن السفر ما يفيد هذه الأحكام وهي كثيرة الوقوع. تأمل
اه‍. قوله: (ومتى فسدت إلخ) فإن أراد أن يطيب الخارج لهما يميزا نصيبهما ثم يصالح كل صاحبه بهذا
القدر عما وجب عليه، فإن لم يفعل: فإن كان رب البذر صاحب الأرض لا يتصدق بشئ، وإلا
تصدق بالزائد عما غرمه من نفقة وأجر، ولا يعتبر أجرة نفسه لعدم العقد على منافعه لأنه صاحب
الأصل الذي هو البذر كما في المقدسي. سائحاني. قوله: (ويكون الآخر) أي للعامل لو كان البذر من
رب الأرض أو لرب الأرض لو كان البذر من العامل كما في الهداية، فقوله أجر مثل عمل أو
أرضه لف ونشر على ذلك، ولو جمع بين الأرض والبقر حتى فسدت فعلى العامل أجر مثل الأرض
والبقر هو الصحيح. هداية. وقيل أجر مثل الأرض مكروبة. نهاية. قوله: (وبالغا ما بلغ عند محمد)
عطف على قوله ولا يزاد إلخ وانتصاب بالغا على الحال من أجر، وما اسم موصول أو نكرة موصوفة
في محل نصب مفعول بالغا، وجملة بلغ صلة أو صفة. قوله: (ولو امتنع رب الأرض) أي والبذر من
587

قبله كما في الهداية وإلا فيجبر على المضي كما تقدم. قوله: (إذ لا قيمة للمنافع) فيه إيجاز، وعبارة
شراح الهداية: لان المأتي به مجرد المنفعة وهي لا تتقوم إلا بالعقد والعقد مقوم بجزء من الخارج وقد
فات. قوله: (ويسترضي ديانة) أي يلزمه استرضاؤه فيما بينه وبين الله تعالى، وهذا حكاه في الهداية
بقيل، لكن جزم به في الملتقى و التبيين وغيرهما. قوله: (فيفتي) أي يفتيه المفتي بذلك وإن كان القاضي
لا يحكم عليه به. قوله: (لغرره) أي لأنه صار مغرورا في عمله من جهة رب الأرض بالعقد ط ثم
تعيينه الاسترضاء بأجر المثل موافق لما في التبيين، لكن في القهستاني أنه لم تثبت رواية في مقدار ما به
الاسترضاء اه‍. تأمل. قوله: (وتفسخ) أي ويجوز فسخ المزارعة ولو بلا قضاء ورضا كما في رواية
الأصل: وإليه ذهب بعضهم، ويشترط فيه أحدهما في رواية، وبه أخذ بعضهم كما في الذخيرة
قهستاني. بقي ما لو كان البذر منه.
وفي المقدسي: ويضمن له بذره عند أبي يوسف، وقال محمد: تقوم الأرض مبذورة وغير
مبذورة، فيضمن ما زاد البذر، وقيل لاتباع لان الالقاء ليس باستهلاك حتى ملكه الوصي ونحوه.
سائحاني. قوله: (بدين محوج إلى بيعها) فيه إشارة إلى أنه لا مال له سواها، وإنما لم يذكر ما يوجب
الفسخ من جانب المزارع كمرضه وخيانته اكتفاء بما سيأتي في المساقاة، ومنه عزيمة سفره والدخول
في حرفة أخرى كما في النظم، وإلى أنه لو باع بعد الزرع بلا عذر توقف على إجازة المزارع، فإن لم
يجزه لم تفسخ حتى يستحصد أو تمضي المدة على ما قال الفضلي كما في قاضيخان. قهستاني. قوله:
(لكن يجب أن يسترضي إلخ) كذا قاله ابن الكمال، ولم أره لغيره، وعبارة الملتقى: ولا شئ للعامل
إن كرب الأرض أو حفر النهر، وكذا في الهداية والتبيين والدرر وغيرها، مع أنهم ذكروا في المسألة
السابقة أنه يسترضي إلا أن يحمل نفيهم هنا على القضاء كما حمل عليه الشارح. عبارة الملتقى في
شرحه، تأمل.
ثم رأيت في النهاية قال: إن قوله ولا شئ للعامل إنما يصح لو البذر منه، فلو من رب
الأرض فللعامل أجر مثله عمله لأنه في الأول يكون العالم مستأجرا للأرض فيكون العقد واردا على
منفعة الأرض فيبقى عمل العامل من غير عقد ولا شبهة عقد فلا يتقوم على رب الأرض. وفي الثاني
يكون رب الأرض مستأجرا للعامل فكان العقد واردا على منافع الأجير فتقوم على رب الأرض ويرجع
عليه بأجر مثل عمله، كذا في الذخيرة عن مزارعة شيخ الاسلام اه‍. فتأمله ممعنا. قوله: (فإن مضت
إلخ) الأولى الاتيان بالواو بدل الفاء كما في الملتقى وغيره لئلا يوهم التفريع على مسألة الفسخ.
واعلم أن من تتمة أحكام هذه المسألة كون نفقة الزرع عليهما بقدر الحصص إلى أن يدرك،
588

وسيذكره المصنف بعد، فكان عليه أن يؤخر قوله فإن مضت إلخ على المسائل التي فصل فيها بينه
وبين تمام أحكامه، ليتم نظام كلامه وليتضح فهم مرامه.
وعبارة الدرر والغرر: مضت المدة قبل إدراكه فعلى المزارع أجر مثل نصيبه من الأرض حتى
يدرك الزرع، لأنه استوفى منفعة بعض الأرض لتربية حصته فيها إلى وقت الادراك، ونفقة الزرع كأجر
السقي والمحافظة والحصاد والرفاع والدوس والتذرية عليهما بقدر حقوقهما حتى يدرك. وفي موت
أحدهما قبل إدراك الزرع يترك في مكانه إلى إدراكه، ولا شئ على المزارع، لأنا أبقينا عقد الإجارة ها
هنا استحسانا لبقاء مدة الإجارة فأمكن استمرار العامل أو وارثه على ما كان عليه من العمل، أما في
الأول فلا يمكن الابقاء لانقضاء المدة اه‍. قوله: (أجر مثل نصيبه) أي أجر مثل ما فيه نصيبه من
الأرض. ابن كمال. قوله: (كما في الإجارة) أي إذا استأجر أرضا فمضت المدة قبل الادراك يبقى
الزرع فيها إلى إدراكه بأجر المثل كما مر في بابه. قوله: (حيث يكون الكل) أي من أجر السقي
والمحافظة إلى آخر ما قدمناه. وعبارة الهداية: حيث يكون العمل. قوله: (على أن يزرعها) أي الآخر،
وكذا الضميران بعده. قوله: (فالمزارعة فاسدة) لما سيذكره من اشتراط الإعارة. قوله: (ويكون الخارج
بينهما نصفين) تبعا للبذر. قوله: (أجر نصف الأرض لصاحبها) فلو كانت الأرض لبيت المال يدفع
لبيت المال ما هو له ثم يقسم الباقي بينهما نصفين، وهذه واقعة الحال. رملي على جامع الفصولين.
قوله: (لفساد العقد) أي وقد استوفى بهذا العقد الفاسد منافع نصف الأرض فيجب أجره. قوله:
(والريع) الفتح وسكون الياء والمثناة التحتية الفضل، والمراد به الخارج. قوله: (لاشتراطه الإعارة في
المزارعة) أي إعارة بعض الأرض للعامل، فافهم.
قال في الخانية: لان صاحب الأرض يصير قائلا للعامل ازرع أرضي ببذري على أن يكون
الخارج كله لي وأزرعها ببذرك على أن يكون الخارج كله لك، فتفسد، لأنها مزارعة بجميع الخارج
بشرط إعارة نصف الأرض من العامل، وكذا لو شرطاه أثلاثا اه‍ والمراد بالخارج الأول الخارج من
بذر رب الأرض، وبالثاني الخارج من بذر العامل. ثم قال في الخانية: وإذا فسدت فالخارج بينهما على
قدر بذرهما وسلم لرب الأرض ما أخذ لأنه نماء ملكه في أرضه ويطيب للعامل قدر بذره ويرفع قدر
أجر نصف الأرض وما أنفق أيضا، ويتصدق بالفضل لحصوله من أرض الغير بعقد فاسد، ولو كانت
الأرض لأحدهما والبذر منهما وشرطا العمل عليهما على أن الخارج نصفان جاز لان كلا عامل في
نصف لأرض ببذرة فكانت إعارة لا بشرط العمل، بخلاف الأول اه‍: أي فلم تكن مزارعة حتى يقال
شرط فيها إعارة كما أفاده في الفصولين. وتمام هذا المسائل في الخانية فراجعها. قوله: (مطلقا) أي
589

سواء احتيج إليها قبل انتهاء الزرع أو بعده ح. قوله: (بعد مضي مدة المزارعة) الذي أحوجه إلى هذا
التقييد فصل المصنف بينه وبين قوله فإن مضت المدة ولو وصله به كغيره لم يحتج إلى ذلك. قوله:
(عليهما) لأنها كان على العامل لبقاء العقد لأنه مستأجر في المدة، فإذا مضت المدة انتهى العقد فتجب
عليهما مؤنته على قدر ملكهما لأنه مشترك بينهما. منح. قوله: (كنفقة بذر) أي بذره في الأرض وحمله
إلى موضع إلقائه ط. قوله: (كحصاد) بفتح الحاء وكسرها، وكذا الرفاع: وهو جمع الزرع إلى موضع
الدياس: أي الدراس، وهذا الموضع يسمى الجرن البيدر، سائحاني. قوله: (وحمل عليه أصل صدر
الشريعة) حيث قال: وبهذا ينكشف لك أن قول صدر الشريعة. فالحاصل أن كل عمل قبل الادراك
فهو على العامل محمول على ما إذا كان قبل مضي مدة المزارعة ليتصور بقاء العقد واستحقاق العمل على
العامل، إذ لو مضت فلا عقد ولا استحقاق. قوله: (فإن شرطاه) الضمير راجع إلى نفقة الزرع لا مطلقا
بل النفقة المحتاج إليها بعد الانتهاء، ففي الكلام شبه الاستخدام اه‍ ح. قوله: (فسدت) هذا ظاهر
الرواية كما في الخانية، ويأتي تصحيح خلافه. قوله: (بخلاف) متعلق بقوله ونفقة الزرع عليهما
بالحصص. قوله: (أو وارثه) فيما لو كان الميت العامل وسيأتي في الفروع عن الملتقى، أو كان الميت
كل منهما. تأمل. قوله: (لبقاء مدة العقد) أي فيكون العقد باقيا استحسانا فلا أجر عليه للأرض، لكن
ينتقض العقد فيما بقي من السنين كما في الخانية وغيرها لعدم الضرورة.
قال في التاترخانية: وهذا إذ قال المزارع لا أقلع الزرع، فإن قال أقلع لا يبقى عقد الإجارة،
وحيث اختار القلع فلورثة رب الأرض خيارات ثلاثة: إن شاؤوا قلعوا والزرع بينهم، أو أنفقوا عليه
بأمر القاضي ليرجعوا على المزارع بجميع النفقة مقدرا بالحصة (1) أو غرموا حصة المزارع والزرع لهم،
هذا إذا مات رب الأرض بعد الزراعة، فلو قبلها بعد عمل المزارع في الأرض انتقضت ولا شئ له،
ولو بعدها قبل النبات ففي الانتقاض اختلاف المشايخ، وإن مات المزارع والزرع بقل، فإن أراد ورثته
القلع لا يجبرون على العمل ولرب الأرض الخيارات الثلاثة اه‍ ملخصا.
وفي الذخيرة: وفرق بين موت الدافع والزرع بقل وبين انتهاء المدة كذلك أن ورثة الدافع في
الثاني يرجعون بنصف القيمة مقدرا بالحصة، لان بعد انتهاء المدة النفقة عليهما نصفان، وفي الموت على
العامل فقط لبقاء العقد. وفرق من وجه آخر هو أن ورثة الدافع لو غرموا حصة العامل من الزرع

(1) قوله: (مقدرا بالحصة) معناه ان رجوع الورثة على المزارع بجميع النفقة مقيد بقدر حصة المزارع: اي إذا بلغت النفقة
قدر قيمة حصته أو أقل أخذت كلها منه، وان زادت على قيمة حصته يؤخذ قدر الحصة فقط دون الزائد ا ه‍.
590

يغرمونه نابتا غير مقلوع، لان له حق القرار والترك لقيام المزارعة، وفي انقضاء المدة يغرمونه مقلوعا اه‍
بالمعنى. وسيأتي إن شاء الله تعالى في المساقاة مزيد بيان. قوله: (كما مر) من قوله: وأما قبل مضيها
إلخ. قوله: (ولا شئ لكرابه) بخلاف ما مر من أنه لو امتنع رب الأرض من المضي فيها وقد كرب
العامل يسترضي ديانة. قال الزيلعي: لأنه كان مغرورا من جهته بالامتناع باختياره، ولم يوجد ذلك هنا
لان الموت يأتي بدون اختيار اه‍. قوله: (كما مر) لم أر ما يفيده في كلامه للسابق. قوله: (وكذا لو
فسخت بدين محوج) أي ليس للعامل أن يطالبه بشئ. زيلعي، وظاهره أنه لا يؤمر باسترضائه ديانة
وهو خلاف ما قدمه المصنف وقدمنا الكلام فيه. قوله: (وصح اشتراط العمل) أي المحتاج إليه بعد
الانتهاء، وهذا مقابل ظاهر الرواية الذي قدمه. قوله: (ونسف) هو تخليص الحب من تنبه ويسمى
بالتذرية. سائحاني. قوله: (للتعامل) فصار كالإستصناع. در منتقى. قال في الخانية: لكن إن لم يشترط
يكون عليهما، كما لو اشترى حطبا في المصر لا يجب على البائع أن يحمله إلى منزل المشتري، وإذا
شرط عليه لزمه للعرف، ولو شرط الجذاذ على العامل في المعاملة فسد عند الكل لعدم العرف. وعن
نصر بن يحيى ومحمد بن سلمة أن هذا كله على العامل شرط عليه أم لا للعرف. قال السرخسي: وهو
الصحيح في ديارنا أيضا، وإن شرطا شيئا من ذلك على رب الأرض فسد العقد عند الكل لعدم العرف
اه‍. قوله: (ولو فاسدة) بيان للاطلاق. قوله: (ولو فاسدة) بيان للاطلاق. قوله: (فلا
تصح الكفالة بها) أي بحصة رب الأرض منها فلا يضمن الكفيل ما هلك عند العامل بلا صنعه، سواء كان البذر من رب الأرض أو العامل لان
حصته أمانة عند المزارع وتفسد المزارعة إن كانت الكفالة شرطا فيها كالمعاملة. خانية. قوله: (نعم لو
كفله) أي كفل له رجل عن صاحب بحصته ط. قوله: (إن استهلكها) شرط لكفل لا لصحت. قوله:
(صحت المزارعة والكفالة) لان الكفالة أضيفت إلى سبب وجوب الضمان وهو الاستهلاك. خانية.
قوله: (وإلا) بأن كانت على وجه الشرط فسدت المزارعة، لان دين الاستهلاك لا يجب بعقد المزارعة
فتفسد المزارعة، كمن كفل للبائع عن المشتري بما يجب على المشتري لا بعقد البيع، خانية. وتخصيص
الفساد بالمزارعة يفهم صحة الكفالة لعدم المنافاة فيما يظهر لي فليراجع، ثم رأيته صريحا في التاترخانية
عن المحيط. قوله: (بهذا السبب) هو التقصير. قوله: (كما مر) في قوله: وأما قبل مضيها إلخ. قوله:
(وهي) أي حصة الآخر بقرينة المقام، إذ ليس كل الزرع في يده أمانة لان بعضه له، فافهم. قوله: (في
591

السراجية إلخ) المقصود من نقله بيان المضمون. قوله: (فيضمن فضل ما بينهما) أي نصف الفضل كما
في الخانية. قوله: (لا يضمن) لأنه ليس بتقصير. قوله: (وإلا ضمن) أي لو المزارعة صحيحة كما مر.
قوله: (شرط عليه الحصاد إلخ) هذا بناء على الأصح من صحة اشتراطه عليه. قوله: (ترك حفظ الزرع
إلخ) هذا إذا لم يذرك الزرع، فأما إذا أدرك فلا ضمان على المزارع بترك الحفظ. هندية عن الذخيرة.
وسيأتي أنه على العامل للعرف ط. قوله: (حتى أكله كله) التقييد بالكل اتفاقي فيما يظهر ط. قوله:
(زرع أرض رجل إلخ) قدمنا الكلام عليه في كتاب الغصب مستوفى، فراجعه. قوله: (حرث) أي زرع
قاموس، وقوله بين رجلين: أي مشترك بينهما لا بالمزارعة، لان المزارع يضمن إذا قصر بلا مرافعة
كما قدمه، وما ذكره هنا في جامع الفصولين، وكذا في التاترخانية عن أبي يوصف. قوله: (أبى
أحدهما) أي امتنع عن السفي لما طلب الآخر منه أن يسقيه معه. قوله: (أجبر) أي أجبره الحاكم، وهذا
أحد قولين قدمناهما في آخر القسمة عن الخلاصة. ثانيهما: أنه لا يجبر ويقال للطالب اسقه وأنفق ثم
ارجع بنصف ما أنفقت. ونقل الثاني في التاترخانية عن جامع الفتاوى مقتصرا عليه. قوله: (وإن رفع
إلى القاضي إلخ) وجه الضمان أنه بأمر القاضي تحقق الوجوب عليه كالإشهاد على صاحب الحائط
المائل، فإذا امتنع بعده وفسد الزرع صار فيضمن حصة شريكه، لان الزرع مشاع بينهما لا
يمكن شريكه أن يسقي حصته منه، ولا يلزمه سقي الجميع وحده، ولا يمكنه قسمته جبرا ولا
بالتراضي ما لم يتفقا على القلع كما قدمناه في القسمة، هذا ما ظهر لي، فافهم. قوله: (شرط البذر إلخ)
ذكر في جامع الفصولين مسائل من هذا النوع.
ثم قال: فالحاصل: أنه لو كان البذر لرب الأرض أو المزارع وزرعه أحدهما بلا إذن الآخر
ونبت الزرع أو لم ينبت حتى قام عليه الآخر بلا إذنه حتى أردك، ففي كل الصور يكون الخارج بينهما
إلا في صورة واحدة. وهي أن يكون البذر لرب الأرض وزرعها ربها بلا إذن المزارع ونبت ثم قام
592

عليه المزارع فالخارج كله لرب الأرض اه‍. قوله: (من الآجر) بالجيم: أي المؤجر متعلق بدفع. قوله:
(جاز أن البذر من المستأجر) إذ لو كان من المؤجر مع أن الأرض له والعمل منه لم يبق من الآخر شئ
فينتفي مفهوم المزارعة اه‍ ح.
أقول: وهذا التفصيل خلاف المعتمد، فقد ذكره في البزازية عن أبي يوسف. ثم قال: وقال
محمد: لو البذر من المستأجر أو المؤجر يجوز. ثم رجع وقال لا، وهو المأخوذ به لأنه أجبر بنصف ما
يخرج من أرضه إلا أن يكون استأجر الرجل بدراهم اه‍. وذكر في المنح أيضا أنه الأصح. قوله:
(ومعاملة) أي مساقاة معطوف على مزارعة. قوله: (لم يجز) قال ح: لما قدمنا. قوله: (ليعمل فيها) أي
عمل كان غير المعاملة، فإن حكمها عدم الجواز كما ذكره بقوله: ومعاملة لم يجز ط. قوله: (بستاني) أي
معامل لا أجير بقرينة ما يأتي ح. قوله: (وتلفت الكروم) أي الأشجار. قوله: (يضمن الكروم) إذا يجب
عليه حفظها لا الحيطان. جامع الفصولين. قوله: (لا العنب إلخ) قال في جامع الفصولين: ولكن يجب
نقصان الكرم، إذ حفظه يلزمه فيقوم الكرم مع العنب (1) وبدونه فيرجع بفضل ما بينهما، وهذا جواب
الكتاب. أما على قول المشايخ يضمن مثل العنب حصة رب الكرم. قوله: (أنفق بلا إذن الآخر) فيه
إشعار بأن الآخر حي. قال في منية المفتي: مات العامل فأنفق رب الكرم بغير أمر القاضي لم يكن
متبرعا ورجع في الثمن بقدر ما أنفق، وكذا في المزارعة، ولو غاب العامل والمسألة بحالها لم يرجع اه‍.
قوله: (كمرمة دار مشتركة) تقدم الكلام عليه آخر القسمة. قوله: (فله ذلك) لبقاء العقد حكما نظرا
للوارث، وقدمنا أنه إن اختار القلع له ذلك ولرب الأرض خيارات ثلاثة. قوله: (إن كان ما هو ببذر)
ما نافية، وضمير هو لليتيم.
وحاصله: أنه إن كان البذر من جهة الوصي يجوز، وإن من جهة اليتيم لا، وعليه الفتوى، لأنه
في الأول يصير مستأجرا أرض اليتيم ببعض الخارج، وفي الثاني يصير مؤجرا نفسه من اليتيم، والأول
جائز لا الثاني. ولوالجية. قال ابن وهبان: وينبغي أن تكون الغبطة فيما يشترط لليتيم على ما هو

(1) قوله: (الكرم مع العنب) اي مع شجر العنب، فحينئذ يكون المراد بالكرم الأرض لا الشجر، وليس المراد بالعنب
نفس الثمر بقرينة ما يأتي من قوله اما على قول المشايخ الخ ا ه‍.
593

المعروف في سائر التصرفات التي لليتيم، وعلى هذا ينبغي أن يجوز للوصي المعاملة في أشجار اليتيم.
وتمامه في شرح ابن الشحنة. قوله: (مزارع) فاعل قال والحصد مصدر حصد.
والمسألة من قاضيخان: زرع أرض غيره حصد الزرع قال صاحبها كنت أجيري زرعتها ببذري
وقال المزارع كنت أكارا وزرعت ببذري فالقول للمزارع، لأنهما اتفقا على أن البذر كان في يده اه‍
وتمامه في الشرح.
خاتمة بفرع مهم: يقع كثيرا ذكره في التاترخانية وغيرها: مات رجل وترك أولادا صغارا وكبارا
وامرأة والكبار منها أو من امرأة غيرها فحرث الكبار وزرعوا في أرض مشتركة أو في أرض الغير كما
هو المعتاد والأولاد كلهم في عيال المرأة تتعاهدهم وهم يزرعون ويجمعون الغلات في بيت واحد
وينفقون من ذلك جملة صارت هذه واقعة الفتوى. واتفقت الأجوبة أنهم إن زرعوا من بذر مشترك
بينهم بإذن الباقين لو كبارا أو إذن الوصي لو صغارا فالغلة مشتركة، وإن من بذر أنفسهم أو بذر مشترك
بلا إذن فالغلة للزارعين اه‍. والله سبحانه وتعالى أعلم.
594

كتاب المساقاة
قوله: (لا تخفى مناسبتها) وهي الاشتراك في الخارج ثم مع كثرة القائلين بجوازها وورود
الأحاديث في معاملة النبي (ص) أهل خيبر، قدمت المزارعة عليها لشدة الحاجة إلى
معرفة أحكامها وكثرة فروعها ومسائلها كما أفاده في النهاية. قوله: (هي المعاملة إلخ) وآثر المساقاة لأنها
أوفق بحسب الاشتقاق قهستاني: أي لما فيها من السقي غالبا، وقدمنا الكلام على المفاعلة. قوله: (فهي
لغة وشرعا معاقدة) أفاد اتحاد المعنى فيهما تبعا لما في النهاية والعناية أخذا مما في الصحاح: أنها
استعمال رجل في نخيل أو كروم أو غيرهما لاصلاحها على سهم معلوم من غلتها، وفسرها الزيلعي
وغيرها لغة بأنها مفاعلة من السقي، وشرعا بالمعاقدة.
أقول: والظاهر المغايرة لإعتبار شروط لها في الشرع لم تعتبر في اللغة، والشروط قيود،
والأخص غير الأعم مفهوما، فتدبر. قوله: (معاقد دفع الشجر) أي كل نبات بالفعل أو بالقوة يبقى في
الأرض سنة أو أكثر بقرينة الآتي فيشمل أصول الرطبة والفوة وبصل الزعفران، وذلك بأن يقول دفعت
إليك هذه النخلة مثلا مساقاة بكذا ويقول المساقي قبلت، ففيه إشعار بأن ركنها الايجاب والقبول كما
أشير إليه في الكرماني وغيره. قهستاني. قال الرملي: وقيد بالشجر لأنه لو دفع الغنم والدجاج ودود
القز معاملة لا يجوز كما في المجتبى وغيره، وكذا النخل.
وفي التاترخانية: أعطاه بذر الفيلق ليقوم عليه ويعلفه بالأوراق على أن الحاصل بينهما فهو لرب
البذر وللرجل عليه قيمة الأوراق وأجر مثله، وكذا لو دفع بقرة بالعلف ليكون الحادث نصفين اه‍.
قوله: (وهل المراد إلخ) الجواب نعم كما يفيده كلام القهستاني المار، ولا ينافي تصرحي التعريف بالثمر،
لان الراد به ما يتولد منه، فيتناول الرطبة وغيرها كما صرح به القهستاني أيضا، أو هو مبني على
الغالب. تأمل. قوله: (لم أره) أقول: في البزازية ما نصه: يجوز دفع شجر الحور معاملة لاحتياجه إلى
السقي والحفظ. حتى لو لم يحتج لا يجوز اه‍ وفيها آخر الباب: معاملة الغيظة لأجل السعف والحطب
جائزة كمعاملة أشجار الخلاف اه‍. والخلاف بالكسر والتخفيف على وزن (1) ضد الوفاق: نوع من
الصفصاف وليس به كما في القاموس. قوله: (إلى من يصلحه) بتنظيف السواقي والسقي والتلقيح
والحراسة وغيرها. قهستاني. قوله: (حكما) وهو الصحة على المفتى به، وخلافا: أي بين الامام وصاحبيه.
قوله: (تمكن) صفة لقوله شروطا وقوله ليخرج إلخ تعليل للتقييد به فإنه لا يشترط بيان البذر هنا:
أي بيان جنسه، وكذا بيان ربه وصلاحية الأرض للزراعة، فهذه الثلاثة لا تمكن هنا فلا تشترط، وكذا
بيان المدة، وبقي من شروط المزارعة الثمانية الممكنة هنا أهلية العاقدين، وذكر حصة العامل، والتخلية
بينه وبين الأشجار، والشركة في الخارج، ويدخل في الأخير كون الجزء المشروط له مشاعا، فافهم.

(1) هكذا هو بالأصل، ولعله على وزن كتاب ا ه‍ مصححه.
595

وفي التاترخانية: ومن شروط المعاملة أن يقع العقد على ما هو في حد النمو بحيث في نفسه
بعمل العامل اه‍، وأما صفتها فقدمنا أنها لازمة من الجانبين، بخلاف المزارعة. قوله: (فلا تشترط هنا
إلخ) تبيع فيه المصنف حيث قال: إلا في أربعة أشياء استثناء من قوله وشروطا اه‍. والأولى أن يجعل
مستثنى من قوله وهي كالمزارعة فإن المستثنيات ليست كلها شروطا في المزارعة، فتدبر ط. قوله:
(بخلاف المزارعة) فإن رب البذر إذا امتنع قبل الالقاء لا يجبر عليه الضرر. قوله: (تترك بلا أجر) أي
للعامل القيام عليها إلى انتهاء الثمرة لكن بلا أجل عليه، لان الشجر لا يجوز استئجاره. قوله: (وفي
المزارعة بأجر) أي في الترك والعمل، لان الأرض يجوز استئجارها والعمل عليهما بحسب ملكهما في
الزرع لان رب الأرض لما استوجب الاجر على العامل لا يستوجب عليه العمل في نصيبه بعد انتهاء
المدة، وهنا العمل على العامل في الكل لأنه لا يستوجب رب النخل عليه أجرا كما قبل انقضاء المدة
فيكون العمد على العامل كما كان قبل الانقضاء. كفاية. قوله: (وإذا استحق النخيل يرجع إلخ) مقيد
بما إذا كان فيه ثمر، وإلا فلا أجر له.
قال في الولوالجية: وإذا لم تخرج النخيل شيئا حتى استحقت لا شئ للعامل، لان في المزارعة
لو استحقت الأرض بعد العمل قبل الزراعة لا شئ للمزارع فكذا هنا، ولو أخرجت رجع العامل
بأجر مثله على الدافع، لان الأجرة صارت عينا انتهاء وهو كالتعيين في الابتداء، ومتى كانت عينا
واستحقت رجع بقيمة المنافع، وكذا لو دفع إليه زرعا بقلا مزارعة فقام عليه حتى عقد ثم استحقت
يخير بين أخذ نصف المقلوع أو رده ورجع على الدافع بأجر مثله، وكذا لو دفع إليه الأرض مزارعة
والبذر ما الدفع فزرعها ونبت ثم استحقت قبل أن يستحصد فاختار المزارع رد المقلوع يرجع بأجر مثل
عمله. وقال الهنداوني: بقيمة حصته نابتا. قوله: (وفي المزارعة بقيمة الزرع) كذا أطلقه الزيلعي، وقد
علمت التفصيل.
وفي التاترخانية: دفع أرضه مزارعة والبذر من العامل ثم استحقت أخذها المستحق بدون
الزرع، وله أن يأمره بالقلع، ولو الزرع بقلا ومؤنة القلع على الدافع والمزارع نصفين: والمزارع بالخيار
إن شاء رضي بنصف المقلوع ولا يرجع على الدفاع بشئ أو رد المقلوع عليه وضمنه قيمة حصته نابتا له
حق القرار، ولو البذر من الدافع خير المزارع إن شاء رضي بنصف المقلوع أو رده عليه ورجع بأجر
مثل عمله عند البلخي، وبقيمته عند أبي جعفر اه‍. ومثله في الذخيرة، وتأمله مع ما قدمناه عن
الولوالجية. قوله: (ليس بشرط هنا) أي في المساقاة إن علمت المدة كما يفيده التعليل لا مطلقا بدليل ما
يأتي. قوله: (للعلم بوقته عادة) لان الثمرة لادراكها وقت معلوم قلما يتفاوت، بخلاف الزرع، لأنه إن
قدم في إبقاء البذر يتقدم حصاده وإن أخر يتأخر لأنه قد يزرع خريفا وصيفا وربيعا. إتقاني. فإذا كان
لابتداء الزرع وقت معلوم عرفا جاز أيضا وتقدم أن عليه الفتوى فلا فرق. قوله: (وحينئذ) أي حين إذ
لم يشترط بيان المدة ولم يبيناها. قال القهستاني: وأول المدة وقت العمل في الثمر المعلوم، وآخرها وقت
596

إدراكه المعلوم اه‍. فرع: تجوز إضافة المزارعة والمعاملة إلى وقت في المستقبل، بزازية. قوله: (في أول السنة) عبارة
ابن ملك: في تلك السنة لأنه متيقن وما بعده مشكوك اه‍. وهي أولى ط. قوله: (وفي الرطبة) بالفتح
بوزن كلبه: القصب ما دام رطبا والجمع رطاب بوزن كلاب. وقيل جميع البقول. ط عن الحموي
ويأتي ما فيه. قوله: (على إدراك بذرها) يعني إذا دفعها مساقاة لا يشترط بيان المدة فيمتد إلى إدراك بذرها
لأنه كإدراك الثمر في الشجر. ابن كمال. وهذا إذا انتهى جذاذها كما قيد به في العناية، وسيذكره
المصنف، وإلا كان المقصود الرطبة ويقع على أول جزة كما يأتي. قوله: (إن الرغبة فيه وحده) كذا قيد به
في العناية أيضا قال: لأنه يصير في معنى الثمر للشجر، وإدراكه له وقت معلوم وهو يحصل بعمل
العامل فصح اشتراط المناصفة فيه والرطبة لصاحبها، ولو ذكر هذا القيد عند كلام المصنف الآتي لكان
أخصر وأظهر. قوله: (فإن لم يخرج إلخ) مرتبط بالمتن، وقد نقله المصنف عن الخانية وهذا إذا لم يسم
مدة، وإذا سمى مدة فسيأتي بيانه ط قوله: (لعدم التيقن إلخ) بل هو متوهم في كل مزارعة
ومساقاة بأن يصطلم الزرع أو الثمر آفة سماوية. درر. قوله: (فعلى الشرط) هذا إذا كان الخارج يرغب
فيه، وإن لم يرغب في مثله في المعاملة لا يجوز. شرنبلالية عن البزازية: لان ما ما لا يرغب فيه وجوده
وعدمه سواء. خلاصة.
قلت: وأفتى في الحامدية بأن لو برز البعض دون البعض في المدة فله أخذ ما برز بعمله فيها
دون البارز بعدها. قوله: (وإلا فسدت) أي وإلا يخرج في الوقت المسمى بل تأخر فللعامل أجر المثل
لفساد العقد، لأنه تبين الخطأ في المدة المسماة فصار كما إذا علم ذلك في الابتداء، بخلاف ما إذا لم
يخرج أصلا أن الذهاب بآفة فلا يتبين فساد المدة فبقي العقد صحيحا، ولا شئ لكل واحد منهما على
صاحبه. هداية. قوله: (ليدوم عمل إلخ) عبارة صدر الشريعة: ليعمل إلى إدراك الثمر.
واعترضها المصنف تبعا لليعقوبية وغيرها بأن مفادها أن الاجر بمقابلة العمل اللاحق إلى النضج
وليس كذلك، لأنه لما تبين فساد العقد بعدم الخروج لزم أجر العمل السابق. وأجابوا بأن يمكن أن
يقال: معنى قوله ليعمل: ليدوم عمله، والإدراك بمعنى الخروج، لأنه ما لم يخرج لا يستحق الاجر
أصلا لجواز أن لا يخرج أصلا لآفة سماوية اه‍. وأجاب ابن الكمال بأن المعنى أجر مثل العامل
المستأجر ليعمل إلى إدراك الثمر لا أجر مثل العامل المستأجر إلى زمان ظهور فساد العقد فإن أجر المثل
يتفاوت بقلة المدة وكثرتها. فافهم فإنه دقيق اه‍. تأمل. قوله: (لم تبلغ الثمرة) أي لم تبلغ الغراس الثمرة.
كذا في شروح الهداية. فالثمرة بالنصب مفعول تبلغ، وفاعله ضمير الغراس. والمعنى: أنها لم تبلغ
زمنا تصلح فيه للاثمار لا أنها لم تثمر بالفعل، لأنها لو كانت صالحة للاثمار لكنها وقت الدفع لم تكن
مثمرة يصح بلا بيان المدة ويقع على أول ثمرة تخرج كما مر، ولهذا عبر هناك بالشجر وهنا عبر
597

بالغراس فتفطن لهذه الدقيقة. قوله: (تفسد) لان الغراس يتفاوت بقوة الأرض وضعفها تفاوتا فاحشا،
فلا يمكن صرفه إلى أول ثمرة تخرج منه. زيلعي. قوله: (وكذا لو دفع أصول رطبة إلخ) أي تفسد،
وقوله بخلاف الرطبة إلخ يوهم أن الفرق بينهما من حيث إن المدفوع في الأولى أصول الرطبة، وفي
الثانية الرطبة نفسها، وليس كذلك، بل الفرق أنه إذا لم يعلم أول جزة منها متى تكون تفسد، وإن
علم تجوز.
قال في غاية البيان: ولو دفع أصول رطبة يقوم عليها حتى تذهب أصولها ينقطع نبتها وما خرج
نصفان فهو فاسد، وكذلك النخل والشجر لأنه ليس لذلك وقت معلوم فكانت المدة مجهولة، أما إذا
دفع النخيل أو أصول الرطبة معاملة ولم يقل حتى تذهب أصولها إلخ يجوز، وإن لم يبين المدة إذا كان
للرطبة جزة معلومة فيقع على أول جزة، وفي النخيل على أول ثمرة تخرج. وإذا لم يكن للرطبة جزة
معلومة، فلا يجوز بلا بيان المدة. قوله: (على أول جز) بفتح الجيم وتشديد الزاي: أي مجزوز بمعنى
مقطوع. قوله: (جاز) أي إن كان البذر يرغب فيه كما مر
مطلب في المساقاة على الحور والصفصاف
تنبيه: قدمنا صحة المعاملة في نحو الحور والصفصاف مما لا ثمرة له، والظاهر أن حكمه
كالرطبة فيصح وإن لم يسم المدة ويقع على أول جزة، وكذا إذا دفع له أصوله وسمي مدة. تأمل. قوله:
(المراد منها جميع البقول) كذا قاله ابن الكمال. والضمير للرطب. وفي الجوهرة: الرطاب جمع رطبة
كالقصعة والقصاع والبقول غير الرطاب، فالبقول مثل الكرات والسلق ونحو ذلك، والرطاب كالقثاء
والبطيخ والرمان والعنب والسفرجل والباذنجان وأشباه ذلك ه‍. تأمل. قوله: (له فيه إلخ) ليس المراد
بالتقييد الاحتراز عن شجر ثمرة له لما علمت، بل عما فيه ثمرة مدركة بقرينة ما بعد. قوله: (يعني
تزيد بالعمل) أقول: أراد بالعمل ما يشمل الحفظ، لما في الولوالجية وغيرها: دفع كرما معاملة لا يحتاج
لما سوى الحفظ: إن بحال لو لم يحفظ يذهب ثمره قبل الادراك جاز ويكون الحفظ زيادة في الثمار،
وإن بحال لا يحتاج للحفظ لا يجوز ولا نصيب للعامل من ذلك اه‍. قوله: (وإن مدركه إلخ) قال
الكرخي في مختصره: دفع إليه نخلا فيه طلع معاملة بالنصف جاز، وكذا لو دفعه وقد صار بسرا
أخضر أو أحمر إلا أنه لم يتناه عظمه، فإن دفعه انتهى عظمه ولا يزيد قليلا ولا كثيرا إلا أنه لم يرطب
فسد، فإن أقام عليه وحفظه حتى صار ثمرا فهو لصاحب النخل وللعامل أجر مثله، وكذلك العنب
وجميع الفاكهة في الأشجار، وكذلك الزرع ما لم يبلغ الإستحصاد، وإذا استحصد لم يجز دفعه لمن يقوم
598

عليه ببعضه، والجواب فيه كالأول. إتقاني. قوله: (بيضاء) أي لا نبات فيها. قوله: (مدة معلومة)
وبدونها بالأولى. قوله: (وتكون الأرض والشجر بينهما) قيد به، إذا لو شرط أن يكون هذا الشجر
بينهما فقط صح.
مطلب: يشترط في بيان المدة
قال في الخانية: دفع إليه أرضا مدة معلومة على أن يغرس فيها غراسا على أن ما تحصل من
الاغراس والثمار يكون بينهما جاز اه‍، ومثله في كثير من الكتب، وتصريحهم بضرب المدة صريح في
فسادها بعدمه. ووجهه أنه ليس لادراكها مدة معلومة، كما قالوا فيما لو دفع غراسا لم تبلغ الثمرة على
أن يصلحها خيرية من الوقف والمساقاة، ومثله في الحامدية والمرادية، وهكذا حققه الرملي في الحاشية،
وهذه تسمى مناصبة ويفعلونها في زماننا بلا بيان مدة، وقد علمت فسادها، قال الرملي: وإذا فسدت
لعدم المدة ينبغي أن يكون الثمر والغرس لرب الأرض وللآخر قيمة الغرس وأجرة المثل، كما لو
فسدت باشتراط بعض الأرض لتساويهما في العلة وهي واقعة الفتوى اه‍.
أقول: وفي الذخيرة: وإذا انقضت المدة يخير رب الأرض، إن شاء غرم نصف قيمة الشجرة
ويملكها وإن شاء قلعها اه‍. وبيان ذلك فيها في الفصل الخامس، فراجعها.
هذا، وفي التاترخانية والذخيرة: دفع إلى ابن له أرضا ليغرس فيها أغراسا على أن الخارج بينهما
نصفان ولم يؤقت له وقتا فغرس فيها ثم مات الدافع عنه وعن ورثة سواه فأراد الورثة أن يكلفوه قلع
الأشجار كلها ليقسموا الأرض: فإن كانت الأرض تحتمل القسمة قسمت، وما وقع في نصيب غيره
كلف قلعه وتسوية الأرض ما لم يصطلحوا، وإن لم تحتمل يؤمر الغارس بقلع الكل ما لم يصطلحوا اه‍.
فهذا كالصريح في أن المناصبة تفسد بلا بيان المدة كما فهمه الرملي من تقييدهم بالمدة، إذ لو صحت
لكان الغراس مناصفة كما شرطا، لكنه يفيد أنه حيث فسدت فالغراس للغارس لا للدافع، وهو
خلاف ما بحثه الرملي، فليتأمل.
ويمكن ادعاء الفرق بين هذا وبين ما إذا فسدت باشتراط نصف الأرض، ويظهر ذلك مما عللوا
به الفساد، فإنهم عللوا له بثلاثة أوجه: منها كما في النهاية أنه جعل نصف الأرض عوضا عن جميع
الغراس ونصف الخارج عوضا لعمله فصار العامل مشتريا نصف الأرض بالغراس المجهول فيفسد
العقد، فإذا زرعه في الأرض بأمر صاحبها فكأن صاحبها فعل ذلك بنفسه فيصير قابضا ومستهلكا
بالعلوق فيجب عليه قيمته وأجر المثل اه‍. ولا يتأتى ذلك في مسألتنا، بل هو في معنى استئجار
الأرض بنصف الخارج، وإذا فسد العقد لعدم المدة يبقى الغراس للغارس، ونظيره ما مر في المزارعة
أنها إذا فسدت فالخارج لرب البذر، ولا يخفى أن الغرس كالبذر، وينبغي لزوم أجر مثل الأرض كما
في المزارعة، هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم. قوله: (لاشتراط الشركة إلخ) هذا ثاني الأوجه التي
عللوا بها الفساد، وعليه اقتصر في الهداية وقال: إنه أصحها. قال في العناية: لأنه نظير من استأجر
صباغا ليصبغ ثوبه بصبغ نفسه على أن يكون نصف المصبوغ للصباغ، فإن الغراس آلة تجعل الأرض بها
بستانا كالصبغ للثوب، فإذا فسدت الإجارة بقيت الآلة متصلة بملك صاحب الأرض وهي متقومة
599

فيلزمه قيمتها، كما يجب على صاحب الثوب قيمة ما زاد الصبغ في ثوبه وأجر عمله اه‍. قوله: (فيما
هو موجود قبل الشركة) وهو الأرض. قوله: (فكان كقفيز الطحان) إذ هو استئجار ببعض ما يخرج من
عمله وهو نصف البستان. هداية.
هذا، وأما وجه صحة المناصبة فقال في الذخيرة: لأنهما شرطا الشركة في جميع ما يخرج بعمل
العامل، وهذا جائز في المزارعة فكذا في المعاملة اه‍. ومقتضى هذا أن كونها في معنى قفيز الطحان
لا يضر إذ هو جار في معظم مسائل المزارعة والمعاملة، ولهذا قال الامام بفسادهما، وترك صاحباه
القياس استدلالا بأنه عليه الصلاة والسلام عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج من ثمر أو زرع وهذا
يفيد ترجيح الوجه الذي قدمناه عن النهاية، فليتأمل. قوله: (يوم الغرس) كذا أفاده الرملي، وقال:
لأن الضمان في مثله من وقت الاستهلاك فتعتبر قيمته من وقته لا من وقت صيرورته شجرا مثمرا ولا
من وقت المخاصمة، فاعلم ذلك فإن المحل قد يشتبه اه‍. قوله: (وحيلة الجواز إلخ) هذه الحيلة وإن
أفادت صحة الاشتراك في الأرض والغراس لكنها تضر صاحب الأرض، لان استئجار الشريك على
العمل في المشترك لا يصح ولا يستحق أجرا إن عمل، فقد يمتنع عن العمل ويأخذ نصف الأرض
بالثمن اليسير، اللهم إلا أن يحمل على أنهما أفرزا الغراس وغرس كل نصف في جانب فتصح الإجارة
أيضا، فتأمل. قوله: (إلا بعد ذهاب لحمها) أي وبعد ذهابه لا قيمة للنواة فكانت كالمسألة الأولى ط
قال في المنح عن الخانية: بخلاف الصيد إذا فرخت في أرض كالمسألة الأولى ط إنسان أو باضت، لان الصيد
ليس من جنس الأرض ولا متصل بها. قوله: (فإن مات العامل إلخ) أشار إلى أن العقد وإن بطل لكنه
يبقى حكما: أي استحسانا كما في شرحه على الملتقى وغيره دفعا للضرر، فاندفع ما في الشرنبلالية
من دعوى التنافي. تأمل. قوله: (وإن أرادوا القلع) التعبير به يناسب المزارعة لا المساقاة اه‍ ح.
قلت: والأحسن القطع لأنه أشمل. تأمل. قوله: (لم يجبروا على العمل) أي بل يخير الآخر بين أن
يقسم البسر على الشرط، وبين أن يعطيهم قيمة نصيبهم من البسر، وبين أن ينفق على البسر حتى يبلغ
فيرجع بذلك في حصتهم من الثمر كما في الهداية. قوله: (يقوم العامل إلخ) ولو التزم الضرر تتخير
600

ورثة الآخر كما مر، ونظيره في المزارعة كما في الهداية أيضا. واستشكل الزيلعي الرجوع
على العامل أو ورثته في حصته من الثمر فقط، وكان ينبغي الرجوع بجميع النفقة، لان العامل إنما يستحق بالعمل وكان العلم كله عليه، ولهذا إذا اختار المضي أو لم
يمت صاحبه كان العمل كله عليه، فلو كان الرجوع بحصته فقط يؤدي إلى أن العمل يجب عليهما
حتى تستحق المؤنة بحصته فقط، وهذا خلف لأنه يؤدي إلى استحقاق العامل بلا عمل في بعض المدة،
وكذا هذا الاشكال وارد في المزارعة أيضا اه‍. وأجاب في السعدية بأن المعنى أن الرجوع في حصة
العامل بجميع النفقة لا بحصته كما فهمه هذا الفاضل اه‍. وهذا الجواب موافق لما قدمناه في المزارعة
على التاترخانية، من أنه يرجع بجميع النفقة مقدارا بالحصة، ولقول الهداية هناك: يرجع بما ينفقه في
حصته، ولم يقل بنفسه ولا بحصته، ومعنى كونه مقدرا بالحصة أنه يرجع بما أنفق في حصة العامل إن
كان قدرها أو دونها لا بالزائد عليها كما نقل عن المقدسي. قال الحموي: نعم يرد هذا: أي إشكال
الزيلعي على ما في الكافية والغاية والمبسوط من أنه يرجع بنصف ما أنفقه.
هذا، واعلم أن الرجوع بجميع النفقة هو الموافق لما قرره في المزارعة، وتقدم متنا من أنه لو
مات رب الأرض والزرع بقل فالعمل على العمال لبقاء العقد، ولو انقضت المدة فعليهما بالحصص،
وعن هذا صرح في الذخيرة بأن ورثة رب الأرض إذا أنفقوا بأمر القاضي رجعوا بجميع النفقة مقدارا
بالحصة، وفي انتهاء المدة يرجع رب الأرض على الزارع بالنصف مقدارا بالحصة. والفرق بقاء العقد في
الأول، وكون العمل على العامل فقط، بخلاف الثاني. وتمامه مر في المزارعة. وهذا كله وإن كان في
المزارعة، لكن المساقاة مثلها كما قدمناه آنفا عن الهداية ويأتي، ولم يفرقوا هنا بينهما إلا من وجه واحد
يأتي قريبا. ثم اعلم أن ظاهر التقييد بأمر القاضي أنه لا رجوع بدونه، فتنبه. قوله: (وإن ماتا إلخ) قال
في الهداية: فإن أبى ورثة العامل أن يقوموا عليه كان الخيار في ذلك لورثة رب الأرض على ما وصفنا.
قوله: (بل انقضت مدتها) أي والثمر نئ، فهذا الأول سواء. هداية. قوله: (إن شاء عمل) أي
كالمزارعة، لكن هنا لا يجب على العامل أجر حصته إلى أن يدرك لان الشجر لا يجوز استئجاره،
بخلاف المزارعة حيث يجب عليه أجر مثل الأرض، وكذا العمل كله على العامل وفي المزارعة عليهما،
زيلعي. وإن أبى عن العمل خير الآخر بين خيارات ثلاثة كما بينا. إتقاني.
فرع: قال العامل على الكرم أياما ثم ترك فلما أدرك الثمر جاء يطلب الحصة: إن ترك في وقت
صار للثمرة قيمة له الطلب، وإن قبله فلا. بزازية. قوله: (وتفسخ بالعذر) وهل يحتاج إلى قضاء
القاضي؟ فيه روايتان ذكرناهما في المزارعة. إتقاني. وهل سفر العامل عذر؟ فيه روايتان. قال في
البزازية: والصحيح أنه يوفق بينهما، فهو عذر إذا شرط عليه عمل نفسه، وغير عذر إذا أطلق، وكذا
التفصيل في مرض العامل اه‍. قوله: (وسعفه) بالتحريك جمع سعفة: غصن النخل صحاح، ونقله ابن
الكمال عن المغرب، وكتب في الهامش أن ما في زكاة العناية من أنه ورق الجريد الذي يتخذ منه
المرواح ليس بذاك اه‍. لكن ذكر القهستاني أنه عليهما يطلق. قوله: (منه) أي من العامل متعلق بقوله
601

يخاف. قوله: (ولو شرط على العامل فسدت اتفاقا) عبارة الهداية: ولو شرط الجذاذ على العامل
فسدت اتفاقا لأنه لا عرف فيه اه‍. وقدم الشارح آخر المزارعة عن الخلاصة أنه يضمن العنب بترك
الحفظ للعرف، فتنبه. قوله: (والأصل إلخ) لم يفد شيئا زائدا على ما قبله، فإن ما قبله أصل لذكره على
وجه العموم. تأمل.
وذكر في التاترخانية عن الينابيع أن اشتراط ما لا تبقى منفعته بعد المدة على المساقي كتلقيح
والتأبير والسقي جائز، وما تبقى منفعته بعدها كإلقاء السرقين ونصب العرائش وغرس الأشجار ونحو
ذلك مفسد. قوله: (كما بعد القسمة) أي كالعمل الذي بعد قسمة الخارج. قال في العناية: كالحمل إلى
البيت والطحن وأشباههما وهما ليسا من أعمالها فيكونان عليهما، لكن فيما هو قبل القسمة على
الاشتراك، وفيما هو بعدها على كل واحد منهما في نصيبه خاصة لتميز ملك كل واحد منهما عن
ملك الآخر. قوله: (ثم زاد أحدهما إلخ) ذكر في الهندية أصلا حسنا فقال: الأصل ما مر مرارا أن كل
موضع احتمل إنشاء العقد احتمل الزيادة، وإلا فلا، والحط جائز في الموضعين، فإذا دفع نخلا
بالنصف معاملة فخرج الثمر: فإن لم يتناه عظمه جازت الزيادة منهما أيهما كان، ولو تناهى عظم البسر
جازت الزيادة من العامل لرب الأرض، ولا تجوز الزيادة من رب الأرض للعامل شيئا اه‍. فإن حمل ما
ذكر هنا على ما إذا تناهى العظم حصل التوفيق، أما قبل التناهي فهو بمنزلة إنشاء العقد، وإنشاؤه
حينئذ من الطرفين جائز كما يشير إليه أصل الهندية، فتدبر اه‍ ط.
قلت: وذكر نحو هذا الأصل في التاترخانية، وذكر أن المزارعة والمعاملة سواء. قوله: (دفع
الشجر لشريكه مساقاة لم يجز) أي إذا شرط له أكثر من قدر نصيبه، قال في التاترخانية: وإذا فسدت
فالخارج بينهما نصفان على قدر نصيبهما في النخيل، ولو اشتراطا أن يكون الخارج بينهما نصفين جاز
اه‍. وفساد مساقاة الشريك مذكور في المنح وغيرها، وبه أفتى في الخيرية والحامدية، فما يفعل في
زماننا فاسد، فتنبه. وقيد بالمساقاة لان المزارعة بين الشريكين في أرض وبذر منهما تصح في أصح
الروايتين. والفرق كما في الذخيرة أن معنى الإجارة في المعاملة راجح على معنى الشركة، وفي
المزارعة بالعكس.
فرع: لو ساق أحد الشريكين على نصيبه أجنبيا بلا إذن الآخر هل يصح؟ فعند الشافعية نعم.
قال الرملي: والظاهر أن مذهبنا كذلك لان المساقاة إجارة وهي تجوز في المشاع عندهما، والمعول عليه
في المساقاة والمزارعة مذهبهما، فتجوز المساقاة في المشاع، ولم أر من صرح به. ثم رأيت المؤلف أجاب
بأنها تصح عندهما كما تفقهت، ولله تعالى الحمد والمنة اه‍.
أقول: فيه بحث، لان معنى الإجارة وإن كان راجحا في المساقاة كما قدمناه آنفا، لكن الإجارة
602

فيها من جانب العامل لا الشجر، لان استئجار الشجر لا يجوز كما مر، فالعامل في الحقيقة أجير لرب
الشجر بجزء من الخارج، ولا شيوع في العامل بل الشيوع في الأجرة فلم يوجد هنا إجارة المشاع التي
فيها الخلاف، فتدبر.
على أنه ذكر في التاترخانية في الفصل الخامس ما نصه: إذا دفع النخيل معاملة إلى رجلين: يجوز
عند أبي يوسف، ولا يجوز عند أبي حنيفة وزفر، ولو دفع نصف النخيل معاملة لا يجوز اه‍. فإن كان
المراد أن النخيل كله للدافع كما هو المتبادر فعدم الجواز فيه يدل على عدم الجواز في المشترك بالأولى،
بل يفيد عدم الجواز ولو بإذن الشريك كما لا يخفى على المتأمل، وإن كان المراد أن النخيل مشترك
ودفع أحدهما لأجنبي فالامر أظهر، فتعين ما قلناه وثبت أن مساقاة الشريك لأجنبي ولو بإذن الشريك
الآخر لا تصح كمساقاة أحد الشريكين للآخر، هذا ما ظهر لفهمي القاصر، والله أعلم. قوله: (لأنه
شريك إلخ) هذا يوضح لك ما أردناه على الحيلة التي نقلها عن صدر الشريعة. قوله: (فيقع العمل
لنفسه) أي أصالة ولغيره تبعا ط. قوله: (وما للمساقي إلخ) فلو ساقى بلا إذن فالخارج للمالك كما أفتى
به في الحامدية.
قال في الذخيرة: دفع إليه معاملة ولم يقل له اعمل برأيك فدفع إلى آخر فالخارج لمالك النخيل
وللعامل أجر مثله على العامل الأول بالغا ما بلغ، ولا أجر للأول لأنه لا يملك الدفع، إذ هو إيجاب
الشركة في مال الغير، وعمل الثاني غير مضاف إليه لأن العقد الأول لم يتناوله، ولو هلك الثمر في يد
العامل الثاني بلا عمله وهو على رؤوس النخيل لا يضمن وإن من عمل الأجير في أمر يخالف فيه أمر
الأول يضمن لصاحب النخيل العامل الثاني لا الأول، وإن هلك من عمله في أمر لم يخالف أمر الأول
فلرب النخيل أن يضمن أيا شاء، وللأخير إن ضمنه الرجوع على الأول اه‍. ومثله في التاترخانية
والبزازية، وبه أفتى العلامة قاسم، ونقله عن عدة كتب، فتنبه لذلك فإنه خفي على كثيرين.
بقي أنه لم يبين حكم المزارع، وذكر في الذخيرة وغيرها أنه على وجهين: الأول أن يكون البذر
من رب الأرض، فليس للمزارع دفعها مزارعة إلا بإذن ولو دلالة، لان فيه اشتراك غيره في مال رب
الأرض بلا رضاه. والثاني أن يكون من المزارع فله الدفع ولو بلا إذن لأنه يشرك غيره في ماله،
وتفاصيل المسألة طويلة فلتراجع. قوله: (وأي شياه إلخ) هي الشاة التي ندت خارج المصر ولا يقدر على
أخذها يكفي فيها الجرح في أي مكان مع التسمية كالصيد، والمراد بالكفر الستر، سمي الزارع كافرا
لأنه يستر الحب، فكل مزارع ومساق إذا بذر يكفر: أي يستر، شرنبلالي. وفي كون المساقي يستر
نظر، فتدبر والله تعالى أعلم.
603

كتاب الذبائح قوله: (مناسبتها للمزارعة إلخ) كذا في شروح الهداية. قال في الحواشي السعدية: كان ينبغي
أن تبين المناسبة بين الذبائح والمساقاة لذكرها بعد المساقاة، ويقول في كل منهما إصلاح مالا ينتفع به
بالاكل في الحال للانتفاع في المآل اه‍.
أقول: قد يجاب بأنه، لما كانت المساقاة متحدة مع المزارعة شروطا وحكما وخلافا كما مر،
وذكرا في كثير من الكتب في ترجمة واحدة، ونقل القهستاني عن النتف أن المساقاة من المزارعة تسامحوا
في ذلك. قوله: (إتلافا في الحال) لان فيهما إلقاء البذر في الأرض واستهلاكه فيه وإزهاق روح
الحيوان وتخريب بنيته، لكن هذا الاتلاف في الحقيقة إصلاح فلا ينافي ما مر، فتدبر. قوله: (الذبيحة
اسم ما يذبح) فالاطلاق باعتبار ما يؤول. قوله: (كالذبح بالكسر) فهما بمعنى واحد، ومنه قوله تعالى: *
(وفديناه بذبح عظيم) *. قوله: (وأما بالفتح) في بعض النسخ: وأما الفتح، والمراد المفتوح. قوله: (
فقطع الأوداج) فيه تغليب كما يأتي. قوله: (من شأنه الذبح) أي شرعا لان السمك والجراد يمكن
ذبحهما ط: أي إن كان لهما أوداج، وإلا فلا يمكن فيهما أصلا. تأمل. قوله: (ودخل) أي فيما
يحرم المتردية والنطيحة، وكذا المريضة والتي بقر الذئب بطنها على ما يأتي بيانه. قوله: (وكل ما لم يذك)
هذا الدخول اقتضى خروج المتن عن كونه قيدا في التعريف اه‍ ح. قوله: (ذكاء شرعيا) المعروف الذكاة
بالهاء فليراجع اه‍ ح.
أقول: في القاموس: التذكية: الذبح كالذكاء والذكاة. قوله: (وذكاة الضرورة) أي في صيد غير
مستأنس ونحوه مما يأتي متنا وشرحا. قوله: (وطعن وإنهار دم) كذا في المنح، فالأول عطف خاص على
عام، والثاني مسبب عنهما. قال ط: ولو اقتصر على الجرح كما اقتصر غيره لكان أولى. قوله: (بين
الحلق واللبة) الحلق في الأصل الحلقوم كما في القاموس: أي من العقدة إلى مبدأ الصدر، وكلام
التحفة والكافي وغيرهما يدل على أن الحلق يستعمل في العنق بعلاقة الجزئية، فالمعنى بين مبدأ الحلق:
أي أصل العنق كما في القهستاني، فكلام المصنف محتمل للروايتين والآتيتين. قوله: (بالفتح) أي
والتشديد. قوله: (وعروقه) أي الحلق لا الذبح. قهستاني. قوله: (الحلقوم) هو الحلق زيد فيه الواو والميم
كما في المقاييس. قهستاني. قوله: (وسطه أو أعلاه أو أسفله) العبارة للإمام محمد في الجامع الصغير
لكنها بالواو، وأتى الشارح بأو إشارة إلى أن الواو فيها بمعنى أو، إذ ليس الشرط وقوع الذبح في الأعلى
والأوسط والأسفل بل في واحد منها، فافهم. قال في الهداية وفي الجامع الصغير: لا بأس
بالذبح في الحلق كله وسطه وأعلاه وأسفله، والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: الذكاة ما بين
604

اللبة واللحيين ولأنه مجمع العروق يحصل بالفعل فيه أنهار الدم على أبلغ الوجوه، فكان حكم لكل
سواء اه‍. وعبارة المبسوط: الذبح ما بين اللبة واللحيين كالحديث.
قال في النهاية: وبينهما اختلاف من حيث الظاهر، لان رواية المبسوط تقتضي الحل فيما إذا
وقع الذبح قبل العقدة لأنه اللبة واللحيين، ورواية الجامع تقتضي عدمه، لأنه إذا وقع قبلها لم يكن
الحلق محل الذبح فكانت رواية الجامع مقيدة لاطلاق رواية المبسوط. وقد صرح في الذخيرة بأن الذبح
إذا وقع أعلى من الحلقوم لا يحل، لان الذبح هو الحلقوم، لكن رواية الامام الرستغفني (1) تخالف
هذه، حيث قال: هذا قول العام وليس بمعتبر، فتحل سواء بقيت العقدة مما يلي الرأس أو الصدر،
لان المعتبر عندنا قطع أكثر الأوداج وقد وجد، وكان شيخي يفتي بهذه الرواية ويقول: الرستغفني إمام
معتمد في القول والعمل، ولو أخذنا يوم القيامة للعمل بروايته نأخذه كما أخذنا اه‍. ما في النهاية
ملخصا. وذكر في العناية أن الحديث دليل ظاهر لهذه الرواية ورواية المبسوط تساعدها، وما في
الذخيرة مخالف لظاهر الحديث اه‍.
أقول: بل رواية الجامع تساعد رواية الرستغفني أيضا، ولا تخالف رواية المبسوط بناء على ما مر
عن القهستاني من إطلاق الحلق على العنق، وقد شنع الإتقاني في غاية البيان على من خالف تلك
الرواية غاية التشنيع، وقال: ألا ترى قول محمد في الجامع أو أعلاه: فإذا ذبح في الأعلى لابد ان تبقى
العقدة تحت، ولم يلتفت إلى العقدة في كلام الله تعالى ولا كلام رسوله (ص)، بل الذكاة بين اللبة
واللحيين بالحديث، وقد حصلت لا سيما على قول الإمام من الاكتفاء بثلاث من الأربع أيا كانت.
ويجوز ترك الحلقوم أصلا، فبالأولى إذا قطع من أعلا، وبقيت العقدة أسفل اه‍. ومثله في المنح
عن البزازية، وبه جزم صاحب الدرر والملتقى والعيني وغيرهم، لكن جزم في النقاية والمواهب
والاصلاح بأنه لا بد أن تكون العقدة مما يلي الرأس، وإليه مال الزيلعي، وقال: ما قاله الرستغفني
مشكل، فإنه لم يوجد فيه قطع الحلقوم ولا المرئ، وأصحابنا وإن اشترطوا قطع الأكثر فلا بد من
قطع أحدهما عند الكل، وإذا لم يبق شئ من العقدة مما يلي الرأس لم يحصل قطع واحد منهما فلا يؤكل
بالاجماع إلخ. ورده محشيه الشلبي والحموي. وقال المقدسي: قوله لم يحصل قطع واحد منهما ممنوع بل
خلاف الواقع، لان المراد بقطعهما فصلهما عن الرأس أو عن الاتصال باللبة اه‍. وقال الرملي: لا يلزم
منه عدم قطع المرئ إذ يمكن أن يقطع الحرقد كزبرج وهو أصل اللسان وينزل على المرئ فيقطعه
فيحصل قطع الثلاثة اه‍.
أقول: والتحرير للمقام أن يقال: إن كان بالذبح فوق العقدة حصل قطع ثلاثة من العروق.
فالحق ما قاله شراح الهداية تبعا للرسغفني، وإلا فالحق خلافه، إذ لم يوجد شرط الحل باتفاق أهل
المذهب، ويظهر ذلك بالمشاهدة أو سؤال أهل الخبرة، فاغتنم هذا المقال ودع عنك الجدال. قوله: (على
الصحيح) لأنه المذكور في أكثر كتب اللغة والطب.

(1) قوله: (الرستغفني) هو علي بن سعيد أبو الحسن، من رستغفن بضم الراء وسكون السين المهملتين وضم التاء ثالث الحروف
وسكون الغين المعجمة وبالنون بعد الفاء: إحدى قرى سمرقند، كذا في طبقات عبد القادر ا ه‍ مؤلفه.
605

وفي الهداية أنه مجرى العلف والماء، والمرئ مجرى النفس. قال صدر الشريعة: وهو سهو،
لكن نقل مثله ابن الكمال عن الكشاف في تفسير سورة الأحزاب والقهستاني عن المبسوطين. وقال في
الطلبة: الحلقوم مجرى الطعام، والمرئ مجرى الشراب. وفي العيني أنه مجراهما. قوله: (والمرئ)
بالهمزة، قال في القاموس كأمير. قوله: (والودجان) تثنية ودج بفتحتين: عرقان عظيمان في جانبي قدام
العنق بينهما الحلقوم والمرئ. قهستاني. قوله: (إذ للأكثر حكم الكل) ولقوله عليه الصلاة والسلام:
أفر الأوداج بما شئت وهو اسم جمع وأقله الثلاث، قال في العناية: والفري القطع للاصلاح،
والافراء للافساد فكسر الهمزة أنسب. قوله: (وهل يكفي قطع أكثر كل منها) أي من الأربعة، وهذا
قول محمد والأول قول الإمام. وعند أبي يوسف يشترط قطع الأولين وأحد الودجين، وكان قوله قول الإمام
. وعن أبي يوسف رواية ثالثة، وهي اشتراط قطع الحلقوم مع آخرين. ذكره الإتقاني وغيره.
قوله: (وصحح البزازي إلخ) عبارته: أصح الأجوبة في الأكثر عنه: إذا قطع الحلقوم والمرئ والأكثر
من كل ودجين يؤكل وما لا فلا اه‍. ويظهر من كلام غيره أن الضمير في عنه راجع للإمام محمد،
فتأمل. قوله: (وسيجئ) أي قبيل قوله ذبح شاة. وفي المنح عن الجوهرة والينابيع: إذا مرضت الشاة
ولم يبق فيها من الحياة إلا مقدار ما يعيش المذبوح، فعندهما لا تحل بالذكاة، والمختار أن كل شئ ذبح
وهي حي أكل، وعليه الفتوى لقوله تعالى: * (إلا ما ذكيتم) * (المائدة: 3) من غير تفصيل. قوله: (بكل)
متعلق بقطع. قوله: (أراد بالأوداج إلخ) يشير إلى أنه ليس المراد خصوص الودجين والجمع لما فوق
الواحد، بل المراد الأربعة تغليبا: أي بكل آلة تقطعها، ولا يخفى أن وصف الآلة بذلك لا يفيد
اشتراط قطع الأربعة للحل حتى ينافي ما مر، فافهم. قوله: (ولو بنار) قال في الدر المنتقى: وهل تحل
بالنار على المذبح؟ قولان، الأشبه لا كما في القهستاني عن الزاهدي.
قلت: لكن صرحوا في الجنايات بأن النار عمد وبها تحل الذبيحة، لكن في المنح عن الكفاية:
إن سال بها الدم تحل وإن تجمد لا اه‍. فليحفظ وليكن التوفيق اه‍. قوله: (أو بليطة) بكسر اللام
وسكون الياء آخر الحروف: هي قشر القصب اللازق والجمع ليط اه‍. ط عن الحموي. قوله: (أو
مروة) صححها بعض شراح الوقاية بكسر الميم ولم نجده في المعتبرات من اللغات، وقد أوردها
صاحب الدستور في الميم المفتوحة كذا قاله أخي زاده. منح. قوله: (مع الكراهة) أي كراهة الذبح بها،
وأما أكل الذبيح بها لا بأس به كما في العناية والاختيار. شرنبلالية. قوله: (بشفرة) بفتح الشين. ح
عن جامع اللغة. وفي القاموس أنها السكين العظيم، وما عرض من الحديد وحد وجمعه شفار. قوله:
(وندب إلخ) للامر به في الحديث، لأنها تعرف ما يراد بها كما جاء في الخبر أبهمت البهائم إلا عن
606

أربعة: خالقها، ورازقها، وحتفها، وسفادها شرنبلالية عن المبسوط. قوله: (إن بقيت حية إلخ) قال
الفقيه أبو بكر الأعمش: وهذا إنما يستقيم أن لو كانت تعيش قبل قطع العروق بأكثر مما يعيش المذبوح
حتى تحل بقطع العروق ليكون الموت مضافا إليه، وإلا فلا تحل لأنه يحصل الموت مضافا إلى الفعل
السابق. إتقاني. لكن رأيت بهامشه، قال الحاكم الشهيد: هذا التفصيل يصح فيما إذا قطعه بدفعتين،
فلو بدفعة فلا حاجة إليه كما قلنا في الديات: لو شجه موضحتين بضربة ففيه أرش وبضربتين أرشان
اه‍.
أقول: وهو الذي يظهر لمن تدبر، ولذا لم يذكر جمهور الشراح هذا التفصيل. قوله: (والنخع)
بالنون والخاء المعجمة والعين المهملة. قوله: (بلوغ السكين النخاع) المناسب إبلاغ السكين اه‍ ح. وقيل
النخع: أن يمد رأسه حتى يظهر مذبحه، وقيل أن يكسر عنقه قبل أن يسكن عن الاضطراب، فإن
الكل مكروه لما فيه من تعذيب حيوان بلا فائدة. هداية. وذكر الزمخشري أن الأخير هو البخع بالباء
دون النون، وصوبه المطرزي وغيره، إلا أن الكواشي رده بأن البخاع بالباء لم يوجد في اللغة. وقال
ابن الأثير: طالما بحثت عنه في كتب اللغة والطب والتشريح فلم أجده، فمجرد منع الفاضل التفتازاني
لذلك ليس بشئ. قهستاني. والنخاع بالنون قال في العناية: بالفتح والكسر والضم لغة. قوله: (وكره
إلخ) هذا هو الأصل الجامع في إفادة معنى الكراهة. عناية. قوله: (أي تسكن عن الاضطراب) كذا
فسره في الهداية. قوله: (وهو تفسير باللازم) لأنه يلزم من برودتها سكوتها بلا عكس. قوله: (لمخالفته
السنة) أي المؤكدة لأنه توارثه الناس فيكره تركه بلا عذر. إتقاني. قوله: (إن كان صيدا) قيد لقوله
حلالا، وقوله خارج الحرم، واحترز به عن ذبح الشاة ونحوها فتحل من محرم وغيره ولو في الحرم.
قوله: (فصيد الحرم لا تحله الذكاة في الحرم مطلقا) أي سواء كان المذكى حلالا أو محرما، كما أن
المحرم لا يحل الصيد بذكاته في الحل أو الحرم، وتقييده بقوله في الحرم يفيد أن الحلال لو أخرج إلى
الحرم وذبحه فيه يحل. قال ط: والظاهر خلافه اه‍.
أقول: يؤيده إطلاق الإتقاني حيث قال: وكذا صيد الحرم لا تحل ذبيحته أصلا لا للمحرم ولا
للحلال، ويؤيده أيضا قول الهداية: لان الذكاة فعل مشروع، وهذا الصنيع محرم فلم يكن ذكاة. قوله:
(ذميا أو حربيا) وكذا عربيا أو تغلبيا، لان الشرط قيام الملة. هداية. وكذا الصابئة لأنهم يقرون بعيسى
عليها السلام. قهستاني.
وفي البدائع: كتابهم الزبور ولعلهم فرق، وقدم الشارح في الجزية أن السامرة تدخل في اليهود
لأنهم يدينون بشريعة موسى عليه السلام، ويدخل في النصارى الإفرنج والأرمن سائحاني. وفي
الحامدية: وهل يشترط في اليهودي أن يكون إسرائيليا وفي النصراني أن لا يعتقد أن المسيح إله؟
607

مقتضى إطلاق الهداية وغيرها عدمه، وبه أفتى الجد في الإسرائيلي، وشرط في المستصفى لحل
مناكحتهم عدم اعتقاد النصراني ذلك. وفي المبسوط: ويجب أن لا يأكلوا ذبائح أهل الكتاب إن
اعتقدوا أن المسيح إله وأن عزيا إله، ولا يتزوجوا بنسائهم، لكن في مبسوط شمس الأئمة: وتحل
ذبيحة النصارى مطلقا سواء قال ثالث ثلاثة أو لا، ومقتضى الدلائل الجواز كما ذكره التمرتاشي في
فتاواه، والأولى أن لا يأكل ذبيحتهم ولا يتزوج منهم إلا للضرورة كما حققه الكمال ابن الهمام اه‍.
وفي المعراج أن اشتراط ما ذكر في النصارى مخالف لعامة الروايات. قوله: (إلا إذا سمع منه عند
الذبح ذكر المسيح) فلو سمع منه ذكر الله تعالى لكنه عنى به المسيح قالوا يؤكل، إلا إذا نص فقال باسم
الله الذي هو ثالث ثلاثة. هندية. وأفاد أنه يؤكل إذا جاء به مذبوحا. عناية. كما إذا ذبح بالحضور
وذكر اسم الله تعالى وحده. قوله: (ولو الذابح مجنونا) كذا في الهداية، والمراد به المعتوه كما في العناية
عن النهاية لان المجنون لا قصد له ولا نية، لان التسمية شرط بالنص وهي بالقصد وصحة القصد بما
ذكرنا: يعني قوله إذا كان يعقل التسمية والذبيحة ويضبط اه‍. ويضبط اه‍. ولذا قال في الجوهرة: لا تؤكل ذبيحة
الصبي الذي لا يعقل والمجنون والسكران الذي لا يعقل اه‍. شرنبلالية، لكن في التبيين: لو سمى ولم
تحضره النية صح اه‍. فيفيد أنه لا حاجة إلى التأويل كذا قيل، وفيه نظر لقول الزيلعي بعده لان ظاهر
حاله يدل على أنه قصد التسمية على الذبيحة اه‍. فإن المجنون المستغرق لا قصد له، فتدبر. قوله: (يعقل
التسمية إلخ) زاد في الهداية - ويضبط، وهما قيد لكل المعطوفات السابقة واللاحقة، إذا الاشتراك أصل
في القيود، كما تقرر. قهستاني. فالضمير فيه للذابح المذكور في قوله وشرط كون الذابح لا للصبي
كما وهم.
واختلف في معناه، ففي العناية قيل: يعني يعقل لفظ التسمية، وقيل يعقل أن حل الذبيحة
بالتسمية ويقدر على الذبح ويضبط: أي يعلم شرائط الذبح من فرى الأوداج والحلقوم اه‍.
ونقل أبو السعود عن مناهي الشرنبلالية أن الأول الذي ينبغي العمل به، لان التسمية شرط
فيشترط حصوله لا تحصيله، فلا يتوقف الحل على علم الصبي أن الذبيحة إنما تحل بالتسمية اه‍.
وهكذا ظهر لي قبل أن أراه مسطورا، ويؤيده ما في الحقائق والبزازية: لو ترك التسمية ذاكرا لها غير
عالم بشرطيتها فهو في معنى الناسي اه‍. قوله: (أو أقلف) هو الذي لم يختن وكذا الأغلف. وذكره
احترازا عما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يكره ذبيحته. إتقاني. قوله: (أو أخرس)
مسلما أو كتابيا، لان عجزه عن التسمية لا يمنع صحة ذكاته كصلاته. إتقاني. قوله: (لا تحل ذبيحة
غير كتابي) وكذا الدروز كما صرح به الحصني من الشافعية، حتى قال: لا تحل القريشة المعمولة من
ذبائحهم وقواعدنا توافقه، إذ ليس لهم كتاب منزل ولا يؤمنون بنبي مرسل. والكتابي من يؤمن بنبي
ويقر بكتاب. رملي.
أقول: وفي بلاد الدروز كثير من النصارى، فإذا جئ بالقريشة أو الجبن من بلادهم لا يحكم
بعدم الحل ما لم يعلم أنها معمولة بأنفحة ذبيحة درزي، وإلا فقد تعمل بغير إنفحة، وقد يذبح الذبيحة
نصراني. تأمل. وسيأتي عن المصنف آخر كتاب الصد أن العلم يكون الذابح أهلا للذكاة ليس بشرط،
608

ويأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى. قوله: (وجنى) لما في الملتقط نهى رسول الله (ص) عن ذبائح الجن
أشباه. والظاهر أن ذلك محلهما لم يتصور بصورة الآدمي ويذبح، وإلا فتحل نظرا إلى ظاهر الصورة
ويحرراه ط. قوله: (وجبري إلخ) الظاهر أن صاحب الأشباه أخذ ن القنية، ونص عبارتها بعد أن
رقم لبعض المشايخ: وعن أبي علي أنه تحل ذبيحة المجبرة إن كان آباؤهم مجبرة فإنهم كأهل الذمة، وإن
كان آباؤهم من أهل العدل لم تحل لأنهم بمنزلة المرتدين اه‍. ومراده بأبي علي الجبائي رئيس أهل
الاعتزال، وبالمجبرة أهل السنة والجماعة، فإنهم يسمون أهل السنة بذلك كما يفسح عنه كلام البيهقي
الجشمي منهم في تفسيره، والمراد بأهل العدل أنفسهم كما علم ذلك في علم الكلام، فقد غير
صاحب الأشباه المجبرة بالجبرية اه‍. منح.
أقول: وأيضا غير أهل العدل بالسني، فإن المعتزلة لم يتسموا بأهل السنة بل بأهل العدل لقولهم
بوجوب الصلاح والأصلح على الله تعالى، وأنه تعالى لا يخلق الشر لزعمهم الفاسد أن خلاف ذلك
ظلم، تعالى الله عما لا يليق به علوا كبيرا، لكن تغييره المجبرة بالجبرية لا ضرورة فيه، لما في تعريفات
السيد الشريف: الجبر إسناد فعل العبد إلى الله تعالى. والجبرية اثنتان: متوسطة تثبت للعبد كسبا في
الفعل كالأشعرية، وخالصة لا تثبته كالجهمية اه‍. فالجبرية يطلق عليهما، لكن الجبرية الخالصة يقولون
إن العبد بمنزلة الجمادات، وأن الله تعالى لا يعلم الشئ قبل وقوعه، وأن علمه حادث لا في محل،
وأنه سبحانه لا يتصف بما يوصف به غيره كالعلم والقدرة، وأن الجنة والنار يفنيان. ووافقوا للمعتزلة
في نفي الرؤية وخلق الكلام كما في المواقف.
والحاصل: أنه إن أريد بالجبري من هو من أهل السنة والجماعة وأن ذبيحته لا تحل لو أبوه من
أهل العدل كما في القنية، فهذا الفرع مخرج على عقائد المعتزلة الفاسدة، وعلى تكفيرهم أهل السنة
والجماعة لقولهم بإثبات صفات قديمة له تعالى، فإن المعتزلة قالوا: إن النصارى كفرت بإثبات قديمين
فكيف بإثبات قدماء كثيرة؟ ورد ذلك موضح في علم الكلام وإن كان المراد به الجهمية، وأن ذبيحة
الجهمي لا تحل لو أبوه سنيا لأنه مرتد، فهو مبني على القول بتكفير أهل الأهواء. والراجح عند أكثر
الفقهاء والمتكلمين خلافه، وأنهم فساق عصاة ضلال ويصلي خلفهم وعليهم ويحكم بتوارثهم مع
المسلمين منا. قال المحقق ابن الهمام في شرح الهداية: نعم يقع في كلام أهل ا لمذاهب تكفير كثير
منهم، ولكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم، ولا عبرة بغير الفقهاء،
والمنقول عن المجتهدين عدم تكفيرهم اه‍.
فإذا علمت ذلك ظهر لك أن هذا الفرع إن كان مبنيا على عقائد المعتزلة فهو باطل بلا شبهة وإن
كان مبنيا على عقائدنا، وصاحب الأشباه قاسه على تفريع المعتزلة فإنهم فرضوه فينا وهو فرضه في
أمثالهم بقرينة قوله لو سنيا فهو مبني على خلاف الراجح، وما كان ينبغي ذكره ولا التعويل عليه،
وكيف ينبغي القول بعدم حل ذبيحته مع قولنا بحل ذبيحة اليهودي والنصارى القائلين بالتثليث،
وانتقاله عن مذهب أبيه السني إلى مذهب الجبرية لم يخرجه عن دين الاسلام لأنه مصدق بنبي مرسل
وبكتاب منزل، ولم ينتقل إلا بدليل من الكتاب العزيز وإن كان مخطئا فيه، فكيف يكون أدنى حالا من
النصراني المثلث بلا شبهة دليل أصلا، بل هو مخالف في ذلك لرسوله وكتابه لقوله تعالى: * (وما أرسلنا
قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا) * (الأنبياء: 25)، * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له
609

الدين) * (البينة: 5) وغير ذلك، والحمد لله على التوفيق. قوله
: (لأنه صار كمرتد) علة لعدم الحل. قوله: (بخلاف يهودي إلخ) مرتبط بقوله ومرتد وقوله: لأنه يقر إلخ هو الفرق بينهما، فإن المسلم إذا انتقل
إلى أي دين كان لا يقر عليه. قوله: (فيعتبر ذلك) أي ما انتقل إليه دون ما كان عليه، وهذه قاعدة كلية.
قوله: (لأنه أخف) لما مر في النكاح أن الولد يتبع أخف الأبوين ضررا. ولا شبهة أن من يؤمن بكتاب
وإن نسخ أخف من مشرك يعبد الأوثان، إذ لا شبهة له يلتجئ إليها في المحاجة، بخلاف الأول فإنه
كان له دين حق قبل نسخه. قوله: (وتارك تسمية عمدا) بالجر عطفا على وثني أي ولا تحل ذبيحة من
تعمد ترك التسمية مسلما إلا كتابيا لنص القرآن ولانعقاد الاجماع ممن قبل الشافعي على ذلك وإنما
الخلاف كان في الناسي ولذا قالوا: لا يسمع فيه الاجتهاد، ولو قضى القاضي بجواز بيعه لا ينفذ،
وقوله (ص): المسلم يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم محمول على حالة النسيان دفعا للتعارض بينه
وبين قوله عليه الصلاة والسلام حين سأله عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه عما إذا وجد مع كلبه
كلبا آخر لا تأكل، إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك علل الحرمة بترك التسمية، وتمام
المباحث في الهداية وشروحها، وعلى هذا الخلاف إذا ترك التسمية عند إرسال البازي والكلب وعند
الرمي. هداية. قوله: (خلافا للشافعي) يوجد بعده في بعض النسخ: وهو مخالف للاجماع قبله كما
بسطه الزيلعي. قوله: (فإن تركها ناسيا حل) قدمنا عن الحقائق والبزازية أن في معنى الناسي من تركها
جهلا بشرطيتها. واستشكل بما في البزازية وغيرها: لو سمى وذبح بها واحدة ثم ذبح أخرى وظن أن
الواحدة تكفي لها لا تحل.
أقول: يمكن أن يفرق بين غير العالم بالشرطية أصلا وبين العالم بها بالجملة، فيعذر الأول دون
الثاني لوجود علمه بأصل الشرطية، على أن الشرط في التسمية الفور كما يأتي وبذبح الأولى انقطع
الفور في الثانية مع علمه بالشرطية. تأمل. لكن ذكر في البدائع أنه لم يجعل ظنه الاجزاء عن الثانية
عذرا كالنسيان لأنه من باب الجهل بحكم الشرع وذلك ليس بعذر، بخلاف النسيان كمن ظن أن
الاكل لا يفطر الصائم، فليتأمل. قوله: (خلافا لمالك) كذا في أكثر كتبنا، إلا أن المذكور في مشاهير
كتب مذهبه أنه يسمي عند الارسال وعند الذبح، فإن تركها عامدا لا يؤكل على المشهور، وناسيا
يؤكل. غرر الأفكار. قوله: (بلا عطف) أفاد أن المراد بالوصل هنا ترك العاطف بقرينة قوله وإن عطف
على خلاف اصطلاح البيانيين في الوصل والفصل. قوله: (كقوله بسم الله اللهم تقبل من فلان) أقول
: فلو عطف هنا ينبغي أن لا يضر لما في غاية البيان: لو قال بسم الله صلى الله على محمد يحل، والأولى
أن لا يفعل، ولو قال مع الواو يحل أكله. قوله: (ومنه) أي من الوصل بلا عطف. قوله: (ولو بالجر أو
النصب حرم) نقله في غاية البيان عن الفتاوى والروضة لأنه يكون بدلا مما قبله على اللفظ أو المحل.
610

قوله: (قيل هذا) أي التحريم فيما لو وصل مع الجر أو النصب. قال في النهاية: فيما لو وصل بلا
عطف، إن بالرفع يحل وبالخفض لا، كذا في النوازل. وقال بعضهم: هذا إذا كان يعرف النحو.
وقال بعضهم: على قياس ما روي عن محمد أنه لا يرى الخطأ في النحو معتبرا في الصلاة ونحوها: لا
تحرم الذبيحة. كذا في الذخيرة.
وذكر الامام التمرتاشي أن وصله بلا واو يحل في الأوجه كلها لأنه غير مذكور على سبيل
العطف فيكون مبتدئا، لكن يكره لوجود الوصل صورة، وإن مع الواو: فإن خفضه لا يحل لأنه يصير
ذابحا بهما، وإن رفعه يحل لأنه كلام مبتدأ، وإن نصبه اختلفوا فيه اه‍. ومثله في الكفاية و المعراج،
وجزم به في البدائع بما قاله التمرتاشي. قوله: (والأوجه إلخ) عبارة الزيلعي هكذا: والأوجه أن لا يعتبر
الاعراب بل يحرم مطلقا بالعطف لان كلام الناس لا يجري عليه اه‍. قال الشيخ الشلبي في حاشيته:
هكذا هو في جميع ما وقفت عليه من النسخ وهو غير ظاهر، لان الكلام فيما إذا لم يكن هناك عطف،
والظاهر أن يقال: بل لا يحرم مطلقا بدون العطف اه‍. وأبو السعود. وأيده ط بما مر آنفا عن النهاية،
وقدمنا أنه جزم به في البدائع. قوله: (كما أفاده بقوله وإن عطف إلخ) فإن ظاهره الحرمة مع العطف في
حالة الجر وغيرها حيث أطلق ولم يقل كقول الهداية ومحمد رسول الله بكسر الدال، وكون هذا مفاد
كلام الزيلعي يقتضي أنه حمل كلامه على ظاهره، ويؤيده أن ابن مالك قال في صورة العطف: قيل ولو
رفع يحل. لكن الأوجه إلى آخر ما قدمناه عن الزيلعي ولم يعزه لاحد. نعم عبارة الزيلعي مفروضة في
صورة عدم العطف على ما هو ظاهر فيترجح ادعاء ما مر عن الشلبي، والله تعالى أعلم. قوله: (وإن
عطف حرمت) هو الصحيح. وقال ابن سلمة: لا تصير ميتة لأنها لو صارت ميتة يصير الرجل كافرا.
خانية.
قلت: تمنع الملازمة بأن الكفر أمر باطني والحكم به صعب فيفرق، كذا في شرح المقدسي.
شرنبلالية. قوله: (أو فلان) في بعض النسخ أو وفلان بالواو بعد أو وهي أظهر، والمراد أنه لا فرق
في العطف بين تكرار اسم مضاف إلى فلان وعدمه. قوله: (لأنه أهل به لغير الله) كذا في الهداية، لان
الاهلال لله تعالى لا يكون إلا بذكر اسمه مجردا لا شريك له. قوله: (لا أذكر فيهما) يؤخذ من المقام أن
هذا النهي للتحريم فإنه بذكره على الذبيحة تحرم وتصير ميتة على ما تقدم من التفصيل، وهل الحكم
كذلك عند العطاس أو يكون ذكره (ص) عنده خلاف الأولى. يحرر اه‍ ط. قوله: (فإن فصل) أي بين
التسمية وغيرها، وقوله صورة ومعنى الذي يظهر لي أن الواو فيه بمعنى أو مانعة الخلو، فقوله قبل
الاضجاع مثال للفصل صورة ومعنى وكذا قوله: أو بعد الذبح وقوله وقبل التسمية مثال للفصل
معنى فقط، فإنه إذا أضجعها ثم دعا وأعقب الدعاء بالتسمية والذبح لم يحصل الفصل صورة: أي حسا
بل معنى: أي تقديرا لان الواجب تجريد التسمية وقد حصل، بخلاف ما إذا دعا بعد التسمية قبل
الذبح نحو بسم الله اللهم تقبل مني أو اغفر لي فإنه يكره، لأنه لم يجرد التسمية كما نقله في
الشرنبلالية عن الذخيرة وغيرها. تأمل. قوله: (لا بأس به) أي لا يكره، لما روي عن النبي (ص) أنه قال
611

بعد الذبح: اللهم تقبل هذا عن أمة محمد ممن شهد لك بالوحدانية ولي بالبلاغ وكان عليه الصلاة
والسلام إذا أراد أن يذبح قال: اللهم هذا منك ولك، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، بسم الله والله أكبر، ثم ذبح وهكذا روي
عن علي كرم الله وجهه. زيلعي وغيره قوله والشرط في التسمية هو الذكر الخالص) بأي اسم كان
مقرونا بصفة الله كالله أكبر أو أجل أو أعظم أو لا كالله أو الرحمن وبالتهليل والتسبيح جهل التسمية أو
لا بالعربية أو لا ولو قادرا عليها ويشترط كونها من الذابح لا من غيره. هندية وباقي شروطها يعلم
مما يأتي، وينبغي أن يزاد في الشروط أن لا يقصد معها تعظيم مخلوق، لما سيأتي أنه لو ذبح لقدوم أمير
ونحوه يحرم ولو سمى. تأمل. قوله: (عن شوب) أي خلط. قوله: (مريدا به التسمية) قيد به لما في غاية
البيان: لو لم يرد به التسمية لا يؤكل. قال شيخ الاسلام في شرحه: لأن هذه الألفاظ ليست بصريح
في باب التسمية إنما الصريح بسم الله فتكون كناية، والكناية إنما تقوم مقام الصريح بالنية كما في
كنايات الطلاق. قوله: (لعدم قصد التسمية) يريد به أنه قصد به التحميد للعطاس، إذ لو أراده للذبيحة
حلت، وكذا لو لم تكن له نية. شرنبلالية.
أقول: وفي الأخير نظر لما علمت آنفا أنه كناية، بخلاف قوله بسم الله فإنه يصح ولو لم تحضره
نية كما يأتي لأنه صريح، فتنبه. قوله: (قلت ينبغي حمله على ما إذا نوى) أي نوى به التحميد للخطبة،
وفيه أنه حينئذ لا فرق بينهما لما علمت أنه في الذبح لا بد من النية له أيضا.
وفي البزازية ما نصه: ولو عطس فقال الحمد لله يريد التحميد على العطاس فذبح لا يحل،
بخلاف الخطيب إذا عطس على المنبر فقال الحمد لله فإنه تجوز به الجمعة في إحدى الروايتين عن أبي
حنيفة، لان المأمور به في الجمعة ذكر الله تعالى مطلقا، وهاهنا الشرط ذكر اسم الله تعالى على الذبح اه‍.
ومثله في النهاية والمعراج. فقوله في إحدى الروايتين يظهر منه التوفيق بحمل ما مر في الجمعة
على الرواية الأخرى وهي الأصح. وعبارة المصنف هناك: فلو حمد الله تعالى لعطاسه لم ينب عنها على
المذهب اه‍. فافهم. قوله: (والمستحب أن يقول بسم الله) بإظهار الهاء، فإن لم يظهرها إن قصد ذكر الله
يحل، وإن لم يقصد وقصد ترك الهاء لا يحل. إتقاني عن الخلاصة. قوله: (لأنه يقطع فور التسمية) قال
الإتقاني: وفيه نظر اه‍. ووجهه يظهر مما يأتي قريبا فيما يقطع الفور، والظاهر أن الراد كمال الفورية،
وإلا لزم أن تكون الذبيحة ميتة، وإن يكون الفصل حراما لا مكروها، لكن فيه أنه لو اقتصر على قوله
: الله أكبر قاصدا به التسمية يكفي. تأمل. قوله: (وقال قبله إلخ) ونصه: وما تداولته الألسن عند الذبح
612

وهو بسم الله والله أكبر منقول عن النبي (ص)، وعن علي وابن عباس مثله. قال ابن عباس في تفسير
قوله تعالى: * (فاذكروا اسم الله عليها صواف) * (الحج: 36) اه‍. ونقل في الذخيرة عن البقال أنه
المستحب. وفي الجوهرة: وإن قال بسم الله الرحمن الرحيم فهو حسن. قوله: (ولو سمى) أي قال بسم
الله كما عبر في الخانية، لما مر أن الكناية لا بد فيها من النية. قوله: (صح) عند العامة وهو الصحيح.
خانية. قوله: (كما لو قال إلخ) مرتبط بقوله: بخلاف إلخ. قوله: (من الذابح) أراد بالذابح محلل
الحيوان ليشمل الرامي والمرسل وواضع الحديد اه‍ ح. واحترز به عما لو سمى له غيره فلا تحل كما
قدمناه وشمل ما إذا كان الذابح اثنين، فلو سمى أحدهما وترك الثاني عمدا حرم أكله كما في
التاترخانية، وسيذكره لغزا مع جوابه نظما في آخر الأضحية. قوله: (حال الذبح إلخ) قال في الهداية:
ثم التسمية في ذكاة الاختيار تشترط عند الذبح، وهي على المذبوح، وفي الصيد تشترط عند الارسال
والرمي، وهي على الآلة حتى أضجع شاة وسمى وذبح غيرها بتلك التسمية لا يجوز، ولو رمى إلى
صيد وسمى وأصاب غيره حل، وكذا في الارسال، ولو أضجع شاة وسمى ثم رمى بالشفر وذبح
بأخرى أكل، وإن سمى على سهم ثم رمى بغيره صيدا لا يؤكل اه‍. قوله: (إذا لم يقعد عن طلبه) قيد
في المسائل الثلاث اه‍ ح.
فإن قلت: ذكروا أنه إذا وضع منجلا ليصيد به حمار الوحش ثم وجد الحمار ميتا لا يحل.
قلت: قال البزازي: والتوفيق أنه محمول على ما إذا قعد عن طلبه، وإلا فلا فائدة للتسمية عند الوضع
اه‍. منح.
أقول: يخالفه ما ذكره الزيلعي في مسائل شتى قبيل الفرائض من أنه لا يؤكل ولو وجده ميتا من
ساعته، لان الشرط أن يجرحه إنسان أو يذبحه وبدون ذلك هو كالنطيحة أو المرتدية، وبه جزم الشارح
هناك إلا أن يقال: إن كلام الزيلعي مخالف لكلام الكنز وغيره حيث قال: فجاء في اليوم الثاني فوجده
مجروحا ميتا لم يؤكل، فهذا يؤيد توفيق البزازي، وإن قال الزيلعي: إن تقييده باليوم الثاني وقع اتفاقا،
ولعل مراد الزيلعي لا يحل إذا قدر على الذكاة الاختيارية، وإلا فجرح الانسان مباشرة ليس شرطا في
الذكاة الاضطرارية فليتأمل. قوله: (كما سيجئ) أي في مسائل شتى آخر الكتاب وعلمت مخالفته لما هنا.
قوله: (قبل تبدل المجلس) أي حقيقة أو حكما كالفاصل الطويل كما يأتي، فافهم. قال الزيلعي: حتى إذا
سمى واشتغل بعمل آخر من كلام قليل أو شرب ماء أو أكل لقمة أو تحديد شفرة ثم ذبح يحل، وإن كان
كثيرا لا يحل لان إيقاع الذبح متصلا بالتسمية بحيث لا يتخلل بينهما شئ لا يمكن إلا بحرج عظيم
فأقيم المجلس مقام الاتصال، والعمل القليل لا يقطعه والكثير يقطع اه‍. قوله: (لان الفعل يتعدد) فيتبدل
613

به المجلس حكما. قوله: (وإذا حد الشفرة ينقطع الفور) مخالف لما قدمناه آنفا عن الزيلعي. ويمكن أن يقيد
بما إذا كثر يدل عليه سياق كلام الزيلعي، وقوله في الجوهرة: أو شحذ السكين قليلا أجزأه، لكن قال
في التاترخانية: وفي أضاحي الزعفراني: إذا حدد الشفرة تنقطع التسمية من غير فصل بين ما إذا قل أو كثر
اه‍. فليتأمل. وفي القاموس: شحذ السكين كمنع أحدها كأشحذها. وفيه أيضا: حد السكين وأحدها
حددها ومسحها بحجر أو مبرد. قوله: (وحب) مبني للمجهول بناء على أن حب متعد وهي لغة اه‍ ح.
وعبر به تبعا لقول الهداية: والمستحب. وقد قال في الكنز: وسن، ولعله مراد صاحب الهداية لا
المستحب الاصطلاحي، يؤيد قوله: أما الاستحباب فلموافقة السنة المتوارثة اه‍. فلا مخالفة. شرنبلالية.
قلت: ويؤيده أيضا تصريحه بكراهة تركه. قوله: (نحر الإبل) النحر: قطع العروق في أسفل
العنق عند الصدر، والذبح: قطعها في أعلاه تحت اللحيين. زيلعي.
واعلم أن النعام والإوز كالإبل ينحر، والضابط كل ما له عنق طويل. أبو السعود عن شرح
الكنز للأبياري. وفي المضمرات: السنة أن ينحر البعير قائما، وتذبح الشاة أو البقرة مضجعة. قهستاني.
قوله: (وكره إلخ) ينبغي أن تكون كراهة تنزيه. أبو السعود عن الديري. قوله: (ومنعه مالك) المشهور
من مذهبه أنه إن كان للضرورة فلا بأس بأكله، وإلا كره أكله. أبو السعود عن الديري. قوله: (وكفى
جرح نعم إلخ) النعم بفتحتين وقد يسكن. قهستاني. قال في الهداية: أطلق فيما توحش من النعم.
وعن محمد أن الشاة إذا ندت في الصحراء فذكاتها العقر، وإن ندت في المصر لا تحل بالعقر لأنها
لا تدفع عن نفسها فيمكن أخذها في المصر فلا عجز، والمصر وغيره سواء في البقر والبعير لأنهما يدفعان
عن أنفسهما فلا يقدر على أخذهما وإن ندا في المصر اه‍. وبهذا التفصيل جزم في الجوهرة والدرر،
وهو مقتضى التعليل في ذكاة الاضطرار. قوله: (توحش) أي صار وحشيا ومتنفرا ولم يمكن ذبحه.
قهستاني. قوله: (فيجرح كصيد) فإن أصاب قرنه أو ظلفه: إن أدمى حل. وإلا فلا. إتقاني. قوله: (أو
تعذر ذبحه) أعم مما قبله. وفي الشرنبلالية عن منية المفتي: بعير أو ثور ند في المصر، إن علم صاحبه
أنه لا يقدر على أخذه إلا أن يجتمع جماعة كثيرة فله أن يرميه اه‍.
فلم يشترط التعذر بل التعسر اه‍. قوله: (كأن تردى في بئر) أي سقط وعلم موته بالجرح أو أشكل، لأن الظاهر أن الموت منه، وإن
علم أنه لم يمت من الجرح لم يؤكل، وكذا الدجاجة إذا تعلقت على شجرة وخيف فوتها فذكاتها الجرح.
زيلعي. قوله: (أو ند) أي نفر. قوله: (مريدا ذكاته) أي بأن سمى عند جرحه، أما إذا لم يردها ولم يسم
بل أراد ضربه لدفعه عن نفسه فلا شبهة في عدم حله، فافهم. قوله: (حل) أي إذا كان لا يقدر على
أخذه وضمن قيمته. إتقاني. قوله: (وفي النهاية إلخ) هذا يفيد أن قولهم إنما تعتبر حياة الولد بعد
614

خروج أكثره مخصوص بالآدمي، لأنه لو لم يعتبر الولد في بطن أمه حيا لم تعتبر ذكاته وليحرر اه‍.
رحمتي. قوله: (وذبح الولد) أي بعد العلم بحياته. تأمل. قوله: (حل في رواية) الأولى أن يقول في قول
لأنه نقله المصنف عن القنية معزوا إلى بعض المشايخ. وقال البعض الآخر: لا يحل أكله إلا إذا قطع
العروق. أفاده ط. قوله: (وفي منظومة النسفي) خبر مقدم ولفظة قوله مبتدأ مؤخر: أي قول النسفي
وما بعده مقول القول، وقوله فحذف المصنف إن: أي وأتى بدلها بالواو. وقال في المنح: ففيه بعض
تغيير، وهذا يفيد أن قوله والجنين إلخ من المتن كما هو الموجود في المنح، وهو خلاف ما رأيته في
عدة نسخ من هذا الشرح فإنه مكتوب بالأسود.
ومعنى البيت أن الجنين وهو الولد في البطن إن ذكى على حدة حل، وإلا لا، ولا يتبع أمه في
تذكيتها لو خرج ميتا، فالشطر الثاني مفسر للأول. قوله: (بدليل أنه روي بالنصب) وعليه فلا إشكال
أنه تشبيه، وإن كان مرفوعا فكذلك لان أقوى في التشبيه من الأول كما عرف في علم البيان، قيل
ومما يدل على ذلك تقديم ذكاة الجنين كما في قوله:
وعيناك عيناها وجيدك جيدها * سوى أن عظم الساق منك دقيق عناية.
قوله: (وليس في ذبح الام إلخ) جواب عما يقال: إنه لو لم يحل بذبح أمه لما حل ذبحها حاملا
لاتلاف الحيوان، وتقرير الجواب ظاهر، لكن في الكفاية: إن تقاربت الولادة يكره ذبحها، وهذا الفرع
لقول الامام: وإذا خرج حيا ولم يكن من الوقت مقدار ما يقدر على ذبحه فمات يؤكل، وهو تفريع على
قولهما اه‍. قوله: (ولا يحل ذو ناب إلخ) كان الأنسب ذكر هذه المسائل في كتاب الصيد لأنها منه إلا
الفرس والبغل والحمار. إتقاني. والديل عليه أنه (ص) نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي
مخلب من الطير رواه مسلم وأبو داود وجماعة. والسر فيه أن طبيعة هذه الأشياء مذمومة شرعا، فيخشى
أن يتولد من لحمها شئ من طباعها فيحرم إكراما لبني آدم، كما أنه يحل ما أحل إكراما له. ط عن
الحموي. وفي الكفاية: والمؤثر في الحرمة الايذاء وهو طورا يكون بالناب وتارة يكون بالمخلب أو
الخبث، وهو قد يكون خلقة كما في الحشرات والهوام، وقد يكون بعارض كما في الجلالة. قوله: (أو
مخلب) مفعل من الخلب: وهو مزق الجلد. زيلعي. وهو ظفر كل سبع من الماشي والطائر كما في
القاموس. قهستاني. قوله: (من سبع) بفتحتين وسكون الباء وضمها: هو حيوان منتهب من الأرض
615

مختطف من الهواء جارح قاتل عادة، فيكون شاملا لسباع البهائم والطير فلا حاجة إلى قوله أو طير
ولعله ذكره لموافقة الحديث. قهستاني. قوله: (واحدها حشرة) بالتحريك فيهما: كالفأرة والوزغة وسام
أبرص والقنفذ والحية والضفدع والزنبور والبرغوث والقمل والذباب والبعوض والقراد، وما قيل إن
الحشرات هوام الأرض كاليربوع وغيره، ففيه أن الهامة ما تقتل من ذوات السم كالعقارب. قهستاني.
قوله: (والحمر الأهلية) ولو توحشت. تاترخانية. قوله: (بخلاف الوحشية) وإن صارت أهلية ووضع
عليها الأكاف. قهستاني. قوله: (الذي أمه حمارة) الحمارة بالهاء الأتان. قاموس. وقال في باب النون:
الأتان الحمارة، فافهم. قوله: (فكأمه) فيكون على الخلاف الآتي في الخيل لان المعتبر في الحل والحرمة الام
فيما تولد من مأكول وغير مأكول ط. ويأتي تمام الكلام فيه آخر الباب. قوله: (والخيل) كذا قال ابن كمال
باشا عطفا على قوله لا يحل ذو ناب، ومثله في الاختيار. وعبارة القدوري والهداية: ويكره أكل لحم
الفرس عند أبي حنيفة اه‍. والمكروه تحريما يطلق عليه عدم الحل. شرنبلالية. فأفاد أن التحريم ليس
لنجاسة لحمها، ولهذا أجاب في غاية البيان عما هو ظاهر الرواية من طهارة سؤر الفرس بأن حرمة الاكل
للاحترام من حيث إنه يقع به إرهاب العدو لا للنجاسة فلا يوجب نجاسة السؤر كما في الآدمي اه‍.
قوله: (وعليه الفتوى) فهو مكروه كراهة تنزيه، وهو ظاهر الرواية كما في كفاية البيهقي وهو الصحيح
على ما ذكره فخر الاسلام وغيره. قهستاني. ثم نقل تصحيح كراهة التحريم عن الخلاصة والهداية
والمحيط والمغني وقاضيخان والعمادي وعليه المتون. وأفاد أبو السعود أنه على الأول لا خلاف
بين الامام وصاحبيه، لأنهما وإن قالا بالحل لكن مع كراهة التنزيه كما صرح به في الشرنبلالية عن
البرهان. قال ط: والخلاف في خيل البر، أما خيل البحر فلا تؤكل اتفاقا. قوله: (ولا بأس بلبنها على
الأوجه) نقل في غاية البيان عن قاضيخان أن عامة المشايخ قالوا: إنه مكروه كراهة تحريم عنده، إلا أنه لا
يحد به وإن زال عقله كالبنج. وفي الهداية: وأما لبنه فقد قيل: لا بأس به لأنه ليس في شربه تقليل آلة
الجهاد، وسماه في كتاب الحدود مباحا. فقال: السكر من المباح لا يوجد الحد كالبنج الحد ولبن الرماك.
قال المصنف في منحه: قلت: هذا هو الذي يظهر وجهه كما لا يخفى. وفي البزازية أنه اختاره
الوانجاني، فقول الشارح على الأوجه مأخوذ من كلام المصنف، وهذا كله بناء على القول بكراهة الاكل
تحريما. تأمل. قوله: (والضبع) بضم الباء وسكونها. قهستاني. اسم للأنثى، ويقال للذكر ضبعان بكسر
فسكون، ومن عجيب أمره أنه يحيض ويكون ذكرا سنة وأنثى أخرى. أبو السعود عن الأبياري. قوله:
(لان لهما نابا) أي صيدان به فيدخلان تحت الحديث المار كما في الهداية، وما روي مما يدل على
إباحتهما فمحمول على ما قبل التحريم، فإن الأصل متى تعارض نصان غلب المحرم على المبيح كما
يذكره الشارح في الضب. قوله: (والسلحفاة) بضم السين وفتح اللام وبمهملة ساكنة. رملي عن شرح
الروض. وضبطها غيره بكسر السين وهو كذلك في القاموس. قوله: (والغراب الأبقع) أي الذي فيه
616

بياض وسواد. قهستاني. قال في العناية: وأما الغراب الأبقع والأسود فهو أنواع ثلاثة: نوع يلتقط الحب ولا يأكل الجيف
وليس بمكروه. ونوع لا يأكل إلا الجيف وهو الذي سماه المصنف الأبقع وأنه مكروه. ونوع يخلط
يأكل الحب مرة والجيف أخرى ولم يذكره في الكتاب. وهو غير مكروه عنده عند أبي يوسف
اه‍. والأخير هو العقعق كما في المنح وسيأتي. قوله: (والخبيث إلخ) قال في معراج الدراية: أجمع
العلماء على أن المستخبثات حرام بالنص وهو قوله تعالى: * (ويحرم عليهم الخبائث) * (الأعراف: 157) وما
استطابه العرب حلال لقوله تعالى: * (ويحل لهم الطيبات) * (الأعراف: 157) وما استخبثه العرب فهو
حرام بالنص، والذين يعتبر استطابتهم أهل الحجاز من أهل الأمصار، لان الكتاب نزل عليهم
وخوطبوا به، ولم يعتبر أهل البوادي لأنهم للضرورة والمجاعة يأكلون ما يجدون، وما وجد في أمصار
المسلمين مما لا يعرفه أهل الحجاز رد إلى أقرب ما يشبهه في الحجاز، فإن كان مما يشبه شيئا منها فهو
مباح لدخوله تحت قوله تعالى: * (قل لا أجد) * (الانعام: 145) الآية، ولقوله عليه الصلاة والسلام: ما
سكت الله عنه فهو مما عفا الله عنه اه‍. قوله: (قاموس) نص عبارته: الغراف كغراب غراب القيظ،
والنسر الكثير الريش جمعه غدفان اه‍. وقال مسكين: إنه العقعق، ولما كان الأصح في العقعق أنه لا
بأس بأكله اقتصر الشارح على المعنى الثاني، فافهم. نعم اقتصر الإتقاني على الأول فقال وكذا الغداف
لا يؤكل، وهو غراب القيظ الكبير من الغربان وافي الجناحين اه‍. وهذا يفيد أن العقعق غيره كما
يعلم مما سنذكره. تأمل. والقيظ: والحر، سمي به لأنه يجئ في زمن الحر. قوله: (على الابتداء) أي
ابتداء الاسلام قبل نزول قوله تعالى: * (ويحرم عليهم الخبائث) * (الأعراف: 157) للأصل المار. قوله:
(واليربوع) بوزن يفعول: دويبة نحو الفأرة، لكن ذنبه وأذناه أطول منها ورجلاه أطول من يده عكس
الزرافة، والجمع يرابيع، والعامة تقول جربوع بالجيم. أبو السعود. قوله: (وابن عرس) دويبة أشتر
أصلم أصك جمع بنات عرس، هكذا يجمع الذكر والأنثى. قاموس. قوله: (والرخمة) بفتحتين: طائر
أبقع يشبه النسر خلقة، ويسمى آكل العظم. غرر الأفكار. قوله: (والبغاث) بالغين المعجمة وتثليث
الباء. رملي. قوله: (وكلها من سباع البهائم) ثم أراد بها من يشمل الطير. وفي القاموس: البهيمة كل
ذات أربع قوائم ولو في الماء وكل حي لا يميز. قوله: (وقي الخفاش) أي كذلك لا يحل فهو مبتدأ
حذف خبره، والقائل قاضيخان. قال الإتقاني: وفيه نظر، لان كل ذي ناب ليس بمنهي عنه إذا كان
لا يصطاد بنابه اه‍. وفي القاموس: الخفاش كرمان: الوطواط، سمي لصغر عينيه وضعف بصره.
تتمة: قال في غرر الأفكار: عندنا يؤكل الخطاف والبوم، ويكره الصرد والهدهد، وفي الخفاش
اختلاف. وأما الدبسي والصلصل والعقعق واللقلق واللحام فلا يستحب أكلها وإن كانت في الأصل
حلالا، لتعارف الناس بإصابة آفة لآكلها فينبغي أن يتحرز عنه. وحرم الشافعي الخطاف والببغاء
والطاوس والهدهد اه‍. ولا يؤكل السنور الأهلي والوحشي والسمور والسنجاب والفنك والدلق كما
في القهستاني، وكل ما لا دم له فهو مكروه أكله إلا الجراد كالزنبور والذباب. إتقاني. ولا بأس بدود
617

الزنبور قبل أن ينفخ فيه الروح، لان ما لا روح له لا يسمى ميتة. خانية وغيرها. قال ط: ويؤخذ منه
أن أكل الجبن أو الخل أو الثمار كالنبق بدوده لا يجوز إن نفخ فيه الروح اه‍. قوله: (ولو متولدا في ماء
نجس) فلا بأس بأكلها للحال لحله بالنص، وكونه يتغذى بالنجاسة لا يمنع حله، وأشار بهذا إلى الإبل
والبقر الجلالة والدجاجة وهي من المسائل التي توقف فيها الامام فقال: لا أدري متى يطيب أكلها.
وفي التجنيس: إذا كان علفها نجاسة تحبس الدجاجة ثلاثة أيام، والشاة أربعة، والإبل والبقر
عشرة، وهو المختار على الظاهر. وقال السرخسي: الأصح عدم التقدير وتحبس حتى تزول الرائحة
المنتنة. وفي الملتقى: المكروه الجلالة التي إذا قربت وجد منها رائحة فلا تؤكل ولا يشرب لبنها ولا
يعمل عليها، ويكره بيعها وهبتها وتلك حالها. وذكر البقالي أن عرقها نجس. وفي مختصر المحيط:
ولا تكره الدجاجة المخلاة وإن أكلت النجاسة اه‍: يعني إذا لم تنتن بها لما تقدم لأنها تخلط ولا يتغير
لحمها وحبسها أياما تنزيه. شرنبلالي على الوهبانية. وبه يحصل الجواب عن قوله في حاشية الدرر،
وينظر الفرق بين السمكة وبين الجلالة اه‍. بأن تحمل السمكة على ما إذا لم تنتن، ويراد بالجلالة المنتنة.
تأمل. قوله: (ولو طافية مجروحة وهبانية) لم يوجد ذلك في الوهبانية ولا في شرحها، وإنما قال العلامة
عبد البر: الأصل في إباحة السمك أن ما مات بآفة يؤكل، وما مات بغير آفة لا يؤكل ط، نعم صرح
بالمسألة في الأشباه فكان المناسب العزو إليها. قوله: (غير الطافي) اسم فاعل كالسامي. في القاموس:
طفا فوق الماء طفوا وطفوا علا. قوله: (حتف أنفه) الحتف: الموت، ومات حتف أنفه وحتف فيه قليل
وحتف أنفيه من غير قتل (1) ولا ضرب، وخص الانف لأنه أراد أن روحه تخرج من أنفه بتتابع نفسه،
أو لأنهم كانوا يتخيلون أن المريض تخرج روحه من أنفه والجريح من جراحته. قاموس. قوله: (كما
يؤكل ما في بطن الطافي) لموته بضيق المكان، وهذا إذا كانت المظروفة صحيحة كما يأتي متنا.
وفي الكفاية: وعن محمد في سمكة توجد في بطن الكلب أنه لا بأس به يريد إذا لم تتغير اه‍.
قال ط: ولو وجدت جرادة في بطن سمكة أو في بطن جرادة حلت. مكي عن البحر الزاخر اه‍.
قوله: (وما مات بحر الماء أو برده) وهو قول عامة المشايخ، وهو أظهر وأرفق تجنيس، وبه يفتى.
شرنبلالية عن منية المفتي قوله: (وبربطه فيه) أي في الماء لأنه مات بآفة. إتقاني. وكذا إذا مات في
شبكة لا يقدر على التخلص منها. كفاية. قوله: (أو إلقاء شئ) وكان يعلم أنها تموت منه. قال في
المنح: أو أكلت شيئا ألقاه في الماء لتأكله فماتت منه وذلك معلوم ط. قوله: (فموته بآفة) أي جميع ما
ذكر وهو الأصل في الحل كما مر، ومنه كما في الكفاية ما لو جمعه في حظيرة لا يستطيع الخروج منها
وهو يقدر على أخذه بغير صيد فمات فيها، لان ضيق المكان سبب لموته، فلو لا يؤخذ بغير صيد فلا،
وما لو انجمد الماء فبقي بين الجمد. وفي غرر الأفكار: لو وجده ميتا ورأسه خارج الماء يؤكل، ولو

(1) قوله: (من غير قتل الخ) الذي في القاموس اي على فراشه من غير قتل ولا ضرب ولا غرق ولا حرق وحص الخ
ا ه‍.
618

رأسه في الماء وفي الخارج قدر النصف أو الأقل لا يؤكل، وإلا يؤكل. قوله: (وإلا الجريث) بكسر
المعجمة وتشديد المهملة. قال في القاموس كسكيت. قوله: (سمك أسود) كذا قاله العيني. وقال
الواني: نوع من السمك مدور كالترس. أبو السعود. قوله: (للخفاء) أي الخفاء كونهما من جنس
السمك. ابن كمال. قوله: (وخلاف محمد) نقله عنه في المغرب، قال في الدرر: وهو ضعيف. قوله:
(لحديث أحلت لنا ميتتان إلخ) وهو مشهور مؤيد بالاجماع فيجوز تخصيص الكتاب به وهو قوله تعالى:
* (حرمت عليكم الميتة والدم) * (المائدة: 3) على أن حل السمك ثبت بمطلق قوله تعالى: * (وتأكلون منه
لحما طريا) * (فاطر: 21) كفاية، وما عدا أنواع السمك من نحو إنسان الماء وخنزيره خبيث فبقي داخلا
تحت التحريم، وحديث هو الطهور ماؤه والحل ميتته المراد منه السمك كآية: * (أحل لكم صيد
البحر) (المائدة: 96) لان السمك مراد بالاجماع وبه تنتفي المعارضة بين الأدلة، فإثبات الحل فيما سواه
يحتاج إلى دليل، وتحريم الطافي بحديث أبي داود وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه إتقاني ملخصا. قوله:
(وحل غراب الزرع) وهو غراب أسود صغير يقال له الزاغ، وقد يكون محمر المنقار والرجلين. رملي.
قال القهستاني: وأريد به غراب لم يأكل إلا الحب سواء كان أبقع أو أسود أو زاغا، وتمامه في الذخيرة
اه‍. قوله: (والعقعق) وزان جعفر: طائر نحو الحمامة طويل الذنب فيه بياض وسواد، وهو نوع من
الغربان يتشاءم به ويعقعق بسوط يشبه العين والقاف. ط عن المكي. قوله: (والأصح حله) الأولى أن
يقول على الأصح وهو قول الإمام. وقال أبو يوسف: يكره. قوله: (معها) متعلق بقوله وحل
الذي قدره الشارح، قال ط: والأولى بها. قوله: (وذبح ما لا يؤكل) يعني ذكاته لما في الدرر وبالصيد
يطهر لحم غير نجس العين لأنه ذكاة حكما. قوله: (يطهر لحمه وشحمه وجلده) حتى لو وقع في الماء
القليل لا يفسده، وهل يجوز الانتفاع به في غير الاكل؟ قيل لا يجوز اعتبارا بالاكل، وقيل لا يجوز
كالزيت إذا خالطه ودك الميتة، والزيت غالب لا يؤكل وينتفع به في غير الاكل. هداية قوله: (تقدم في
الطهارة ترجيح خلافه) وهو أن اللحم لا يطهر بالذكاة والجلد يطهر بها ا ه‍ ح.
أقول: وهما قولان مصححان، وبعدم التفصيل جزم في الهداية والكنز هنا. نعم التفصيل أصح
ما يفتى به.
هذا، وفي الجوهرة: واختلفوا في الموجب لطهارة ما لا يؤكل لحمه هل هو مجرد الذبح أو الذبح
مع التسمية؟ والظاهر الثاني، وإلا يلزم تطهير ما ذبحه المجوس ا ه‍. لكن ذكر صاحب البحر في كتاب
الطهارة أن ذبح المجوسي وتارك التسمية عمدا يوجب الطهارة على الأصح، وأيده بأنه في النهاية حكى
خلافه بقيل قوله: (إلا الآدمي) هذا استثناء من لازم المتن فإنه يؤخذ منه جواز الاستعمال، فالآدمي
619

وإن طهر لا يجوز استعماله كرامة له، والخنزير لا يستعمل وهو باق على نجاسته لان كل أجزائه نجسة
ط قوله: (كما مر) أي في الطهارة قوله: (فتحركت) أي بغير نحو مد رجل وفتح عين مما لا يدل على
الحياة كما يأتي قوله: (أو خرج الدم) أي كما يخرج من الحي.
قال في البزازية: وفي شرح الطحاوي: خروج الدم لا يدل على الحياة، إلا إذا كان يخرج كما
يخرج من الحي عند الامام، وهو ظاهر الرواية قوله: (حلت) لوجود علامة الحياة قوله: (حياته) الأولى
حياتها كما عبر في المنح، لكن ذكر الضمير باعتبار المذبوح قوله: (حلت مطلقا) يفسره ما بعد. قال
في المنح، لكن ذكر الضمير باعتبار المذبوح قوله: (حلت مطلقا) يفسره ما بعده. قال في
المنح: لان الأصل بقاء ما كان على ما كان فلا يحكم بزوال الحياة بالشك قوله: (وهذا يتأتى في
منخنقة الخ) أي ومريضة كما يأتي في كتاب الصيد قوله: (والتي فقر الذئب بطنها) الفقر: الحفر،
وثقب الخرز للنظم. وفي بعض النسخ بقر بالباء الموحدة: أي شق قوله: (وإن كانت حياتها خفيفة)
في بعض النسخ خفية والأولى أولى، وذلك بأن يبقى فيها من الحياة بقدر ما يبقى في المذبوح بعد
الذبح كما في البزازية. وفيها: شاة قطع الذئب أوداجها وهي حية لا تذكى لفوات محل الذبح، ولو
انتزع رأسها وهي حية تحل بالذبح بين اللبة واللحيين قوله: (وعليه الفتوى) خلافا لهما قوله: (من
غيره فصل) أي تفصيل بين حياة خفيفة وكاملة قوله: (ذبح شاة الخ) بيان لعلامات أخر قوله: (ولم
تتحرك الخ) أي بعد الذبح بحركة اضطرابية كحركة المذبوح وإلا فضم العين وقبض الرجل حركة
قوله: (وهذا كله الخ) أعاده للدخول على المتن قوله: (بكل حال) سواء وجدت تلك العلامات أو لا
قوله: (لاستحالتها عذرة) فلو فرض خروجها غير مستحيلة حلت أيضا لان مناط الحرمة استحالتها لا
خروجها من الدبر، ولذا يحل شعير وجد في سرقين دابة إذا كان صلبا تأمل. رحمتي.
قلت: وفي معراج الدراية: لو وجدت سمكة في حوصلة الطائر تؤكل. وعند الشافعي: لا
تؤكل لأنه كالرجيع ورجيع الطائر عنده نجس، وقلنا: إنما يعتبر رجيعا إذا تغير. وفي السمك الصغار
620

التي تقلى من غير أن يشق جوفه، فقال أصحابه: لا يحل أكله لان رجيعه نجس، وعند سائر الأئمة
يحل اه‍ قوله: (وقد غير المصنف عبارة متنه) الذي ذكره المصنف في منحه أن غير عبارة الفوائد
، وهي: فإن كانت صحيحة حلاف، وإلا فلا. قال المصنف: ولا يخفى قصورها عن إفادة المطلوب،
ومن ثم غيرتها في المختصر إلى سمعته ا ه‍. لكن ذكر المحشي أنه رأى من نسخة متن: فإن كانت
المظروفة صحيحة حلت، وإلا لا قوله: (ملكها حلالا) أي إن كانت في الصدف، وإن باع الصياد
السمكة ملك المشتري اللؤلؤة، وإن لم تكن في الصدف فهي للصياد وتكون لقطة، لأن الظاهر
وصولها إليها من يد الناس. ولوالجية ملخصا قوله: (وهو لقطة) فله أن يصرفه إلى نفسه إن كان محتاجا
بعد التعريف لا إن كان غنيا. منح. وقول الأشباه: وكذا إن كان غنيا سبق قلم كما لا يخفى قوله:
(لا يحرم الخ) قال البزازي: ومن ظن أنه لا يحل لأنه ذبح لإكرام ابن آدم فيكون أهل به لغير الله تعالى
فقد خالف القرآن والحديث والعقل، فإنه لا ريب أن القصاب يذبح للربح، ولو علم أنه نجس لا
يذبح، فيلزم هذا الجاهل أن لا يأكل ما ذبحه القصاب وما ذبح للولائم والأعراس والعقيقة قوله:
(والفارق) أي بين ما أهل به لغير الله بسبب تعظيم المخلوق وبين غيره، وعلى هذا فالذبح عند وضع
الجدار أو عروض مرض أو شفاء منه لا شك في حله، لان القصد منه التصدق. حموي. ومثله النذر
بقربان معلقا بسلامته من بحر مثلا فيلزمه التصدق به على الفقراء فقط كما في فتاوى الشلبي قوله:
(وإن لم يقدمها ليأكل منها) هذا مناط الفرق لا مجرد دفعها لغيره: أي غير من ذبحت لأجله أو غير
الذابح فإن الذابح قد يتركها أو يأخذها كلها أو بعضها، فافهم.
واعلم أن المدار على القصد عند ابتداء الذبح فلا يلزم أنه لو قدم للضيف غيرها أن لا تحل،
لأنه حين الذبح لم يقصد تعظيمه بل إكرامه بالاكل منها وإن قدم إليه غيرها، ويظهر ذلك أيضا فيما
لو ضافه أمير فذبح عند قدومه، فإن قصد التعظيم لا تحل وإن أضافه بها وإن قصد الاكراه تحل وإن
أطعمه غيره. تأمل قوله: (وهل يكفر) أي فيما بينه وبين الله تعالى، إذ لا يفتى بكفر مسلم أمكن
حمل كلامه أو فعله على محمل حسن أو كان في كفره خلاف قوله: (أنه يتقرب إلى الآدمي) أي على
وجه العبادة لأنه المكفر، وهذا بعيد من حال المسلم، فالظاهر أنه قصد الدنيا أو القبول عنده بإظهار
المحبة بذبح فداء عنه، لكن لما كان في ذلك تعظيم له لم تكن التسمية مجردة لله تعالى حكما كما لو
قال بسم الله واسم فلان حرمت، ولا ملازمة بين الحرمة والكفر كما قدمناه عن المقدسي، فافهم
621

قوله: (وفضلي وإسماعيلي) أي قالا، ليس بكفر، والمراد بهما الامام الفضلي وغير اسمه للضرورة
والامام إسماعيل الزاهد قوله: (المنفصل من الحي) أي غير السمك والجراد، والمراد المنفصل عن
اللحم، فلو كان متعلقا بجلده لا يختلف الحكم، بخلاف المتعلق باللحم حيث يؤكل كما في شرح
البيري عن شرح الطحاوي، وأطلق الحي فشمل الصيد. وذكر الشارح في كتاب الصيد عن الملتقى أنه
لو رمى إلى صيد فقطع عضوا منه ولم يبنه: فإن احتمل التئامه أكل العضو أيضا. وإلا لا قوله:
(حقيقة وحكما) متعلق بالحي، وهو احتراز عن الحي بعد الذبح، فإن المنفصل منه ليس بميتة وإن
كان فيه حياة لكونها حياة حكمية ا ه‍ ح. واحترز به في صيد الهداية عن المبان من الحي صورة لا
حكما بأن يبقى في المبان منه حياة كحياة المذبوح فيؤكل الكل.
وفي العناية: ولا يؤكل العضو إن أمكن حياته بعد الإبانة ولا يؤكل، وبه يعلم أنه لو أبان
الرأس أكلا لأنها ليس منفصلا من حي حقيقة وحكما بل حقيقة فقط، لأنه عند الانفصال ميت
حكما، وسيأتي تمامه في الصيد إن شاء الله تعالى قوله: (لكن ظاهر المتن التعميم) يعني تعميم الحي في
الحي حقيقة وحكما، وفي الحي حكما فقط. فيفيد أن المنفصل من المذبوح ميتة لكنه يخرج بالاستثناء
الآتي فلا مخالفة في الحكم بين الوجهين. غايته أن الاستثناء منقطع على الأول متصل على الثاني ا ه‍ ح
قوله: (والسن الساقطة) تقدم في الطهارة أن المذهب طهارة السن ا ه‍ ح قوله: (وإن كثر) أي زاد على
وزن الدرهم فلو صلى به وهو معه تصح صلاته، بخلاف المتصل من غيره، والمراد بالمنفصل في جميع
ما مر ما تحله الحياة كما لا يخفى قوله: (كما مر) أي في قوله وقطع الرأس والسلخ قبل أن تبرد ا ه‍ ح
قوله: (وحررنا في الطهارة) أي قبيل التيمم، والذي حرره هناك أنه لا عبرة لغلبة الشبه لتصريحهم
بحل ذئب ولدته شاة اعتبارا للام ا ه‍ ح قوله: (وأمها من الخيل) جملة حيالة، فلو أمها أتان لا تؤكل
اتفاقا قوله: (والكراهة تذكر) أي عندهما، وهو أحد قولين حكاهما في الذخيرة. وفهم الطرسوسي أن
الكراهة تنزيهية، ونازعه الناظم بأن محمدا نص على أن كل مكروه حرام. وعندهما إلى الحل أقرب.
ورجح ابن الشحنة الأول بمسألة الشاة إذا نزا عليها ذئب فإنه يحل بلا كراهة. قال: لكن في البزازية،
قال: والبغل لا يؤكل ولم يفصل، وما سيأتي من التعويل على الشبه يقتضي الحرمة لان البغل أشبه
بالحمار من الفرس اه‍.
أقول: الظاهر الأول، لما مر أن كراهة الفرس عندهما تنزيهية فكذا ولدها، وأنه لا عبرة بالشبهة.
622

تأمل. قوله: (وإن ينز إلخ) يقال نزا الفحل إذا وثب على الأنثى فواقعها والنتاج بالكسر اسم يشمل
وضع البهائم من الغنم وغيرها. شارح. قوله: (فإن أكلت إلخ) تفصيل لقوله فينظر وتبنا بتقديم التاء
الفوقية، ويجوز أن يكون نبتا بتأخيرها وتقديم النون. والبتر القطع: أي يقطع الرأس ويرمي ويأكل
الباقي. قوله: (والصياح يخبر) أي فإن نبح لا يؤكل، وإن ثغا يرمى رأسه ويؤكل الباقي. قوله: (وإن
أشكلت) بأن نبح كالكلب وثغا كالعنز. قوله: (فعنز) أي فيؤكل ما سوى رأسه. قوله: (وإلا) بأن خرج
له أمعاء بلا كرش. والطمر: الدفن في الأرض. هذا، وظاهر كلامه أن اعتبار هذه الأمور على هذا
الترتيب فبعد وضوح علامة الاكل لا يعتبر الصياح مطلقا، وبعد وضوح علامة الصياح لا يعتبر ما في
الجوف مطلقا، وعليه فإذا أكل لحما وثغا أو ظهر له كرش لا يؤكل، وإذا أكل تبنا ونبح أو ظهر له
أمعاء يؤكل. تأمل. قوله: (وأي شياه إلخ) هي التي ندت خارج المصر تحل بالجرح، وقد مر قبيل
الذبائح. قوله: (ومن ذا الذي ضحى إلخ) جوابه: رجل أقام في بيته إلى وقت الضحى فقد ضحى بلا
دم.
تتمة: ما يحرم أكله من أجزاء الحيوان المأكول سبعة: الدم المفسوح والذكر والأنثيان والقبل
والغدة والمثانة والمرار. بدائع. وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى آخر الكتاب. والله تعالى أعلم.
623

كتاب الأضحية أفعولة أصله أضحوية اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء
وأدعمت الياء في الياء وكسرت الحاء لثبات الياء، وتجمع على أضاحي بتشديد الياء. عناية. ونقل في
الشرنبلالية أن فيها ثماني لغات: أضحية بضم الهمزة وكسرها مع تشديد الياء وتخفيفها، وضحية بلا
همزة بفتح الضاد وكسرها، وأضحاة بفتح الهمزة وكسرها. قوله: (من ذكر الخاص بعد العام) فيه بيان
المناسبة مع وجه التعقيب كما قال في العناية. أوردها عقب الذبائح، لان التضحية ذبح خاص
والخاص بعد العام اه‍. بيانه أن العام جزء من الخاص، فالحيوان مثلا جزء من ماهية الانسان لأنه
حيوان ناطق والجزء مقدم طبعا فقدم وضعا. قوله: (من تسمية الشئ باسم وقته) يعني باسم مأخوذ من
اسم وقت ذبحه، فافهم.
وفي المغرب: يقال ضحى: إذا ذبح الأضحية وقت الضحى، هذا أصله، ثم كسر حتى قيل
ضحى في أي وقت كان من أيام التشريق ولو آخر النهار اه‍. وقيل منسوبة إلى أضحى. قوله: (وشرعا
ذبح حيوان) كذا في العناية، والذي في الدرر أنها اسم لحيوان مخصوص، وكذا قال ابن الكمال:
هي ما يذبح، وكتب في هامشه أن من قال ذبح حيوان فكأنه لم يفرق بين الأضحية والتضحية اه‍.
وقد خطر لي قبل رؤيته. قوله: (مخصوص) أي نوعا وسنا ط. قوله: (بنية القرية) أي المعهودة وهي
التضحية. قال في البدائع: فلا تجزئ التضحية بدونها، لان الذبح قد يكون للحم وقد يكون للقربة،
والفعل لا يقع قربة بدون النية، وللقربة جهات من المتعة والقران والاحصار وغيره فلا تتعين الأضحية
إلا بنيتها، ولا يشترط أن يقول بلسانه ما نوى بقلبه كما في الصلاة اه‍. وفي البزازية: لو ذبح المشتراة
لها بلا نية الأضحية جازت اكتفاء بالنية عند الشراء اه‍.
أقول: فيه مخالفة لما ذكره في البدائع أيضا أن من الشروط مقارنة النية للتضحية كما في الصلاة
لأنها هي المعتبرة، فلا يسقط اعتبار القران إلا للضرورة كما في الصوم لتعذر قرانها بوقت الشروع اه‍.
وبالأولى جزم في القاعدة الأولى من الأشباه. تأمل. قوله: (وشرائطها) أي شرائط وجوبها، ولم يذكر
الحرية صريحا لعلمها من قوله واليسار ولا العقل والبلوغ لما فيهما من الخلاف كما يأتي، المعتبر وجود
هذه الشرائط آخر الوقت وإن لم تكن في أوله كما سيأتي. قوله: (والإقامة) فالمسافر لا تجب عليه، وإن
تطوع بها أجزأته عنها، وهذا إذا سافر قبل الشراء، فإن المشتري شاة لها ثم سافر ففي المنتفى أنه يبيعها
ولا يضحي بها: أي لا يجب عليه ذلك، وكذا روي عن محمد. ومن المشايخ من فصل فقال: إن كان
موسرا لا يجب عليه، وإلا ينبغي أن يجب عليه ولا تسقط بسفره، وإن سافر بعد دخول الوقت قالوا:
ينبغي أن يكون الجواب كذلك اه‍. ط عن الهندية. ومثله في البدائع. قوله: (واليسار إلخ) بأن ملك
مائتي درهم أو عرضا يساويها غير مسكنه وثياب اللبس أو متاع يحتاجه إلى أن يذبح الأضحية ولو له
عقار يستغله فقيل تلزم لو قيمته نصابا، وقيل لو يدخل منه قوت سنة تلزم، وقيل قوت شهر، فمتى
فضل نصاب تلزمه، ولو العقار وقفا، فإن وجب له في أيامها نصاب تلزم، وصاحب الثياب الأربعة
624

لو ساوى الرابع نصابا غني وثلاثة فلا، لان أحدها للبذلة والآخر للمهنة والثالث للجمع والوفد
والأعياد، والمرأة موسرة بالمعجل لو الزوج مليا وبالمؤجل لا، وبدار تسكنها مع الزوج إن قدر على
الاسكان. له مال كثير غائب في يد مضاربه أو شريكه ومعه من الحجرين أو متاع البيت ما يضحي به
تلزم. وتمام الفروع في البزازية وغيرها. قوله: (وسببها الوقت) سبب الحكم ما ترتب عليه الحكم مما
لا يدرك العقل تأثيره ولا يكون بصنع المكلف كالوقت للصلاة. والفرق بينه وبين العلة والشرط مذكور
في حاشيتنا (نسمات الأسحار على شرح المنار) للشارح. وذكر في النهاية أن سبب وجوب الأضحية ووصف
القدرة فيها بأنها ممكنة أو ميسرة لم يذكر لا في أصول الفقه ولا في فروعه، ثم حقق أن السبب هو
الوقت، لان السبب إنما يعرف بنسبة الحكم إليه وتعلقه به، إذ الأصل في إضافة الشئ إلى الشئ أن
يكون سببا، وكذا إذا لازمه فتكرر بتكرره، وقد تكرر وجوب الأضحية بتكرر الوقت وهو ظاهر
ووجدت الإضافة فإنه يقال يوم الأضحى كما يقال يوم الجمعة أو العيد وإن كان الأصل إضافة الحكم
إلى سببه كصلاة الظهر، لكن قد يعكس كيوم الجمعة. والدليل على سببية الوقت امتناع التقديم عليه
كامتناع تقديم الصلاة، وإنما لم تجب على الفقد لفقد الشرط وهو الغني وإن وجد السبب اه‍. وتبعه
في العناية والمعراج. قوله: (وقيل الرأس) فيه نظر يعلم مما مر على أنه إنما يعرف السبب بنسبة الحكم
إليه في كلام الشارح كما أوضحناه في حاشية المنار قبيل بحث السنة، فتدبر. قوله: (وركنها ذبح إلخ)
لان ركن الشئ ما يقوم به ذلك الشئ والأضحية إنما تقوم بهذا الفعل فكان ركنا. نهاية. قوله:
(فيكره ذبح دجاجة وديك إلخ) أي بنية الأضحية والكراهة تحريمية كما يدل عليه التعليل ط. وهذا
فيمن لا أضحية عليه، وإلا فالامر أظهر. قوله: (بفضل الله تعالى) هذا مذهب أهل الحق إذ لا يجب
عليه تعالى شئ. قوله: (مع صحة النية) أي بخلوصها بقصد القربة. قوله: (إذ لا ثواب بدونها) أي
بدون النية، لان ثواب الأعمال بالنيات أو بدون صحتها، إذ لو خالطها رياء مثلا فلا ثواب أيضا وإن
سقط الواجب، لان الثواب مفرع على القبول، وبعد جواز الفعل قال في الولوالجية: رجل لا يلزم حصول القبول في المختار
كما في شرح المنار.
توضأ وصلى الظهر جازت صلاته والقبول لا يدري هو المختار، لان
الله تعالى قال: * (إنما يتقبل الله من المتقين) * (المائدة: 7) وشرائط التقوى عظيمة اه‍. وتمامه في (نسمات
الأسحار). قوله: (فتجب التضحية) إسناد الوجوب إلى الفعل أولى من إسناده إلى العين كالأضحية كما
فعله القدوري ط. والوجوب هو قول أبي حنيفة ومحمد وزفر والحسن وإحدى الروايتين عن أبي
يوسف. وعنه أنها سنة وهو قول الشافعي. هداية. والأدلة في المطولات. قوله: (أي إراقة الدم)
والدليل على أنها الإراقة لو تصدق بين الحيوان لم يجز، والتصدق بلحمها بعد الذبح مستحب وليس
بواجب اه‍. قوله: (عملا لا اعتقادا) اعلم أن الفرض ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه كالايمان
والأركان الأربعة، وحكمه اللزوم علما: أي حصول العلم القطعي بثبوته وتصديقا بالقلب: أي
625

لزوم اعتقاد حقيته وعملا بالبدن حتى يكفر جاحده ويفسق تاركه بلا عذر. والواجب ما ثبت بدليل
فيه شبهة كصدقة الفطر والأضحية، وحكمه اللزوم عملا كالفرض لا علما على اليقين للشبهة، حتى
لا يكفر جاحده ويفسق تاركه بلا تأويل كما هو مبسوط في كتب الأصول.
ثم إن الواجب على مراتب كما قال القدوري بعضها آكد من بعض. فوجوب سجدة التلاوة آكد
من وجوب صدقة الفطر، ووجوبها آكد من وجوب الأضحية اه‍. وذلك باعتبار تفاوت الأدلة في
القوة. وقد ذكر في التلويح أن استعمال الفرض فيما ثبت بظني، والواجب فيما ثبت بقطعي شائع
مستفيض كقولهم الوتر فرض ونحو ذلك ويسمى فرضا عمليا، وكقولهم الزكاة واجبة ونحوه، فلفظ
الواجب يقع على ما هو فرض علما وعملا كصلاة الفجر، وعلى ظني هو في قوة الفرض في العمل
كالوتر حتى يمنع تذكره صحة الفجر كتذكر العشاء، وعلى طني هو دون الفرض في العمل وفوق
السنة كتعيين الفاتحة حتى لا تفسد الصلاة بتركها بل تجب سجدة السهو اه‍. وتمام تحقيق ذلك بما لم
يوجد مجموعة في كتاب مذكور في حاشيتنا على المنار بتوفيق الملك الوهاب.
إذا علمت ذلك ظهر لك أن كلا من الفرض والواجب اشتراكا في لزوم العمل وإن تفاوتت
مراتب اللزوم كما تفاوتت مراتب الوجوب.
واختلفا في لزوم الاعتقاد على سبيل الفرضية، ولهذا يسمى الواجب فرضا عملا فقط، وقد
علمت أن كلا منهما يطلق على الآخر. فقول الشارح عملا لا اعتقادا احترازا عن الفرض القطعي،
ولهذا قال في المنح: أي فلا يكفر جاحده، فأفاد أن المراد به الواجب الظني كالوتر ونحوه، لا
القطعي الذي هو فرض علما وعملا فإن منكره كافر كما مر، بخلاف منكر الواجب الظني: أي منكر
وجوبه فإنه لا يكفر للشبهة فيه. أما إذا أنكر أصل مشروعيته المجمع عليها بين الأمة فإنه يكفر، فقد
صرح المصنف في باب الوتر والنوافل أن من أنكر سنة الفجر يخشى عليه الكفر. ثم رأيته في القنية في
باب ما يكفر به نقل عن الحلواني: لو أنكر أصل الوتر وأصل الأضحية كفر، ثم نقل عن الزندوستي
أنه لو أنكر الفرضية لا يكفر، ثم قال: ولا تنافي بينهما، لان الأصل مجمع عليه والفرضية والوجوب
من مختلف فيهما اه‍. فافهم. قوله: (بقدرة) متعلق بتجب. قوله: (ممكنة) بصيغة اسم الفاعل من التمكين ط.
قوله: (هي ما يجب) الأوضح أن يقول: والواجب بهذه القدرة ما يجب إلخ ط. بيان ذلك أن القدرة التي يتمكن بها العبد من أداء ما لزمه نوعان: مطلق، وهو أدنى ما يتمكن
به العبد من أداء ما لزمه، وهو شرط في وجوب أداء كل مأمور به. وكامل وهو القدرة الميسرة
للأداء بعد التمكن، ودوامها شرط لدوام الواجب الشاق على النفس كأكثر الواجبات المالية، حتى
بطلت الزكاة والعشر والخراج بهلاك المال بعد التمكن من الأداء، لان القدرة الميسرة وهي وصف النماء
قد فاتت بالهلاك فيفوت دوام الوجوب لفوات شرطه، بخلاف الأولى فليس بقاؤها شرطا لبقاء
الواجب، حتى لا يسقط الحج وصدقة الفطر بهلاك المال لوجوبهما بقدرة ممكنة وهي القدرة على الزاد
والراحلة وملك النصاب، ولا يقع اليسر فيهما إلا بخدم ومراكب وأعوان في الأول وملك أموال
كثيرة في الثاني وليس بشرط بالاجماع. قوله: (بمجرد التمكن من الفعل) أي بالتمكن من الفعل المجرد
عن اشتراط دوام القدرة ط. قوله: (لأنها شرط محض) أي ليس فيه معنى العلة، والشرط يكفي مطلق
626

وجوده لتحقق المشروط اه‍ ط. قوله: (هي ما يجب إلخ) الأوضح أن يقول: والواجب بها ما يجب إلخ
ط. قوله: (بصفة اليسر) الباء للمصاحبة ط. قوله: (فغيرته من العسر) وهو الوجوب بمجرد التمكن إلى
اليسر وهو الوجوب بصفة اليسر بعد التمكن، وهذا منه بيان لوجه التسمية بميسرة والتغيير تقديري،
إذ ليس المراد أنه كان واجبا بالعسرة بقدرة ممكنة ثم تغير إلى اليسر، بل المراد أنه لو وجب بالممكنة
كباقي الواجبات بها لكان جائزا فلما توقف عليها صار كأنه تغير. قوله: (لأنها شرط في معنى العلة)
لان العلة هي المؤثرة، ولما أثر هذا الشرط بتغيير الواجب إلى صفة اليسر كان في معنى العلة،
والعلة مما لا يمكن بقاء الحكم بدونها، إذ لا يسر بدون قدرة ميسرة، والواجب الذي لم يشرع إلا بصفة اليسر
لا يبقى بدونها. قوله: (بدليل) علة لكونها بقدرة ممكنة لا ميسرة اه‍ ح.
قال في العناية: وهي واجبة بالقدرة الممكنة، بدليل أن الموسر إذا اشترى شاة للأضحية في أول
يوم النحر ولم يضح حتى مضت أيام النحر ثم افتقر كان عليه أن يتصدق بعينها ولا تسقط عنه
الأضحية، فلو كانت بالقدرة الميسرة كان دوامها شرطا كما في الزكاة والعشر والخراج حيث تسقط
بهلاك المال اه‍.
واعترض بأنه إذا افتقر بعد مضي أيام النحر كانت القدرة الميسرة حاصلة فيها فلذا لم تسقط بعد.
واعترضه في الحواشي السعدية أيضا بأن قول الهداية: وتفوت بمضي الوقت، يدل على أن الوجوب
ليس بالقدرة الممكنة وإلا لم تسقط، وكان عليه أن يضحي وإن لم يشتر شاة في يوم النحر، وبأنها تسقط
بهلاك المال قبل مضي أيام النحر كالزكاة تسقط بهلاك النصاب، بخلاف صدقة الفطر فإنها لا تسقط
بهلاك المال بعد ما طلع الفجر من يوم الفطر، وهذا كالصريح في أن المعتبر فيها هو القدرة الميسرة اه‍.
أقول: قد يجاب بأن الأضحية لها وقت مقدر كالصلاة والصوم والعبرة للوجوب في آخره، كما
يأتي، فمن كان غنيا آخره تلزمه، من كان فقيرا آخره لا تلزمه ولو كان في أوله بخلاف ذلك، فمن
اشتراها غنيا ثم افتقر بعد أيامها كان في آخر الوقت متمكنا بالقدرة الممكنة حتى لزمه القضاء لا بالقدرة
الميسرة، وإلا لاشتراط دوامها بأن تسقط عنه إذا افتقر، والواقع خلافه، ومعنى قول الهداية. وتفوت
بمضي الوقت: فوات أدائها بدليل أن عليه التصدق بقيمها أو بعينها كما يأتي في بيانه، وسقوطها
بهلاك المال قبل مضي أيامها لا يفيد أن القدرة ميسرة، لان العبرة لآخر الوقت ولم توجد القدرة فيه
أصلا، بخلاف الزكاة صدقة الفطر إذ ليس لهما وقت يفوت الأداء بفوته، فإن الزكاة في كل وقت
زكاة وكذا صدقة الفطر، بخلاف الأضحية فإن الواقع بعد وقتها خلف عنها، فحيث سقطت الزكاة
بالهلاك في وقت وجوب الأداء ولم تسقط صدقة الفطر علم أن الأولى وجبت بقدرة ميسرة والثانية
بقدرة ممكنة، وهلاك المال في الأضحية لا يمكن حمله على واحد من هذين إلا إذا كان بعد وجوب
الأداء وذلك في آخر أيام النحر، لان وقتها مقدر كما علمت، فحيث هلك المال بعد أيامها وألزمناه
بالتصدق بعينها أي بقيمتها علمنا أنها لا تسقط به كصدقة الفطر وكان وجوبها بقدرة ممكنة. وأما إذا
هلك قبل مضي أيامها كان الهلاك قبل وجوب الأداء فلا يمكن حمله على واحد منهما، فتدبر هذا
التحقيق فهو بالقبول حقيق، والله ولي التوفيق. قوله: (بعينها) أي لو نذرها أو كان فقيرا شراها لها،
627

وقوله أو بقيمتها: أي لو كان غنيا ولم ينذرها كما يأتي، فتأمل. قوله: (فتلزمهم وإن حجوا) اقتصر عليه
في البدائع وذلك لأنهم مقيمون. قوله: (وقيل لا تلزم المحرم) وإن كان من أهل مكة. جوهرة عن
الخرجندي. وحمله في الشرنبلالية على المسافر، وفيه نظر ظاهر. قوله: (لا عن طفله) أي من مال الأب
ط. قوله: (على الظاهر) قال في الخانية: في ظاهر الرواية أنه يستحب ولا يجب، بخلاف صدقة الفطر.
وروى الحسن عن أبي حنيفة: يجب أن يضحي عن ولده وولده ولده الذي لا أب له، والفتوى على
ظاهر الرواية اه‍. ولو ضحى عن أولاده الكبار وزوجته لا يجوز إلا بإذنهم. وعن الثاني أنه يجوز
استحسانا بلا إذنهم. بزازية.
قال في الذخيرة: ولعله ذهب إلى أن العادة إذا جرت من الأب في كل سنة صار كالاذن منهم،
فإن كان على هذا الوج فما استحسنه أبو يوسف مستحسن. قوله: (شاة) أي ذبحها لما مر أن الواجب
وهو الإراقة. قوله: (بدل من ضمير تجب أو فاعله) كذا في المنح، وهذا بالنظر إلى مجرد المتن، وإلا
فالشارح ذكر فاعل تجب فيما مر وهو التضحية تبعا للمنح أيضا، فبالنظر إلى الشرح تكون شاة بدلا من
التضحية أو خبر المبتدأ محذوف مع تقدير مضاف: أي الواجب ذبح شاة، فافهم. قوله: (لضخامتها) أي
عظم بدنها. قوله: (ولو ودهم) أي أحد السبعة المعلومين من قوله أو سبع بدنة لان المراد أنها تجزي
عن سبعة بنية القربة من كل منهم ولو اختلفت جهات القرية كما يأتي. قوله: (لم
يجز عن أحد) من الجواز أو من الاجزاء، الثاني أنسب بما بعده. قوله: (وتجزي عما دون سبعة) الأولى عمن لان ما لما
لا يعقل، وأطلقه فشمل ما إذا اتفقت الأنصباء قدرا أو لا لكن بعد أن لا ينقص عن السبع، ولو
اشترك سبعة في خمس بقرات أو أكثر صح لان لكل منهم في بقرة سبعها لا ثمانية في سبع بقرات أو
أكثر، لان كل بقرة على ثمانية أسهم فلكل منهم أقل من السبع ولا رواية في هذه الفصول، ولو
اشترك سبعة في سبع شياه لا يجزيهم قياسا لان كل شاة بينهم على سبعة أسهم. وفي الاستحسان
يجزيهم، وكذا اثنان في شاتين، وعليه فينبغي أن يكون في الأول قياس واستحسان، والمذكور فيه
جواب القياس. بدائع. قوله: (نصب على الظرفية) أي لقوله تجب وهذا بيان لأول وقتها مطلقا
للمصري والقروي كما يأتي بيانه، فافهم. قوله: (إلى آخر أيامه) دخل فيها الليل وإن كره كما يأتي،
وأفاد أن الوجوب موسع في جملة الوقت غير عين.
والأصل أن ما وجب كذلك يتعين الجزء الذي أدى فيه للوجوب أو آخر الوقت كما في
الصلاة وهو الصحيح، وعليه يتخرج ما إذا صار أهلا للوجوب في آخره، بأن أسلم أو أعتق أو أيسر
أو أقام تلزمه، لا إن ارتد أو أعسر أو سافر في آخره، ولو أعسر بعد خروج الوقت صار قيمة شاة
صالحة للأضحية دينا في ذمته، ولو مات الموسر في أيامها سقطت، وفي الحقيقة لم تجب، ولو ضحى
الفقير ثم أيسر في آخره عليه الإعادة في الصحيح لأنه تبين أن الأولى تطوع. بدائع ملخصا. لكن في
628

البزازية وغيرها أن المتأخرين قالوا: لا تلزمه الإعادة، وبه نأخذ. قوله: (وهي ثلاثة) وكذا أيام التشريق
ثلاثة، والكل يمضي بأربعة: أولها نحر لا غير، أولها تشريق لا غير، والمتوسطان نحر وتشريق.
هداية. وفيه إشعار بأن التضحية تجوز في الليلتين الأخيرتين لا الأولى، إذ الليل في كل وقت تابع
لنهار مستقبل، إلا في أيام الأضحية فإنه تابع لنهار ماض كما في المضمرات وغيره. وفيه إشكال لان
ليلة الرابع لم تكن وقتا لها بلا خلاف، إلا أن يقال: المراد فيما بين أيام الأضحية. قهستاني. قوله:
(أفضلها أولها) ثم الثاني ثم الثالث كما في القهستاني عن السراجية. قوله: (ويضحي عن ولده الصغير
من ماله) أي مال الصغير ومثله المجنون.
قال في البدائع: وأما البلوغ والعقل فليسا من شرائط الوجوب في قولهما. وعند محمد من
الشرائط حتى لا تجب في التضحية في مالهما لو موسرين، ولا يضمن الأب أو الوصي عندهما، وعند
محمد يضمن. والذي يجن ويفيق يعتبر حاله، فإن كان مجنونا في أيام النحر فعلى الاختلاف، وإن مفيقا
تجب لا خلاف اه‍.
قلت: لكن في الخانية، وأما الذي يجن
ويفيق فهو كالصحيح اه‍. إلا أن يحمل أن يجن ويفيق في أيام النحر، فتأمل. قوله: (صححه في الهداية) حيث قال: والأصح أن يضحي من ماله،
فقول ابن الشحنة: إنه في الهداية لم يصحح شيئا بل مقتضى صنيعه ترجيح عدم الوجوب، فيه نظر،
ولعله ساقط من نسخته. قوله: (قلت وهو المعتمد) واختاره في الملتقى حيث قدمه، وعبر عن الأول
بقيل، ورجحه الطرسوسي بأن القواعد تشهد له ولأنها عبادة، وليس القول بوجوبها أولى من القول
بوجوب الزكاة في ماله. قوله: (بما ينتفع بعينه) ظاهره أنه لا يجوز بيعه بدراهم ثم يشتري بها ما ذكر
ط. ويفيده ما نذكره عن البدائع. قوله: (وكذا الجد والوصي) أي كالأب في جميع ما ذكر. قوله: (وصح
اشتراك سنة) كذا فيما رأيناه من النسخ من الافتعال بالتاء وهو كذلك في عدة كتب، ومقتضاه أنه
متعد مضاف إلى مفعوله والفاعل محذوف وهو الشاري، ولذا قال في الدرر: أي جعلهم شركاء له.
قوله: (في بدنة شريت لأضحية) أي ليضحي بها عن نفسه. هداية وغيرها. وهذا محمول على الغني
لأنها لم تتعين لوجوب الضحية بها، ومع ذلك يكره لما فيه من خلف الوعد. وقد قالوا: إنه ينبغي له
أن يتصدق بالثمن وإن لم يذكره محمد نصا، فأما الفقير فلا يجوز له أن يشرك فيها لأنه أوجبها على نفسه
629

بالشراء للأضحية فتعينت للوجوب. بدائع وغاية البيان. لكن في الخانية سوى بين الغني والفقير ثم
حكى التفصيل عن بعضهم. تأمل. قوله: (أي إن نوى وقت الشراء الاشتراك صح استحسانا، وإلا لا)
كذا في بعض النسخ، والواجب إسقاطه كما في بعض النسخ، لان موضوع المسألة الاستحسانية أن
يشتريها ليضحي بها عن نفسه كما في الهداية والخانية وغيرهما، ولذا قال المصنف بعد قوله استحسانا:
وذا قبل الشراء أحب.
وفي الهداية: والأحسن أن يفعل ذلك قبل الشراء ليكون أبعد عن الخلاف عن صورة الرجوع
في القربة اه‍. وفي الخانية: ولو لم ينو عند الشراء ثم أشركهم فقد كرهه أبو حنيفة.
أقول: وقدمنا في باب الهدى عن فتح القدير معزوا إلى الأصل والمبسوط: إذا اشترى بدنة لمتعة
مثلا ثم أشرك فيها ستة بعد ما أوجبها لنفسه خاصة لا يسعه، لأنه لما أوجبها صار الكل واجبا:
بعضها بإيجاب الشرع، وبعضها بإيجابه، فإن فعل فعليه أن يتصدق بالثمن، وإن نوى أن يشرك فيها
ستة أجزأته لأنه ما أوجب الكل على نفسه بالشراء، فإن لم يكن له نية عند الشراء ولكن لم يوجبها حتى
شرك الستة جاز. والأفضل أن يكون ابتداء الشراء منهم أو من أحدهم بأمر الباقين حتى تثبت الشركة
في الابتداء اه‍. ولعله محمول على الفقير أو على أنه أوجبها بالنذر، أو يفرق بين الهدي والأضحية.
تأمل. قوله: (ويقسم اللحم) انظر هل هذه القسمة متعينة أو لا؟ حتى لو اشترى لنفسه ولزوجته
وأولاده الكبار بدنة ولم يقسموها تجزيهم أو لا. والظاهر أنها لا تشترط لان المقصود منها الإراقة وقد
حصلت، وفي فتاوى الخلاصة والفيض: تعليق القسمة على إرادتهم، وهو يؤيد ما سبق، غير أنه إذا
كان فيهم فقير والباقي أغنياء يتعين عليه أخذ نصيبه ليتصدق به اه‍ ط.
وحاصله: أن المراد بيان شرط القسمة إن فعلت لا أنها شرط، لكن في استثنائه الفقير نظر، إذ
لا يتعين عليه التصدق كما يأتي. نعم الناذر يتعين عليه، فافهم. قوله: (لا جزافا) لان القسمة فيها
معنى المبادلة، ولو حلل بعضهم بعضا. قال في البدائع: أما عدم جواز القسمة مجازفة فلان فيها معنى
التمليك واللحم من أموال الربا فلا يجوز تمليكه مجازفة. وأما عدم جواز التحليل فلان الربا لا يحتمل
الحل بالتحليل، ولأنه في معنى الهبة وهبة المشاع فيما يحتمل القسمة لا تصح اه‍. وبه ظهر أن عدم
الجواز بمعنى أنه لا يصح ولا يحل لفساد المبادلة، خلافا لما بحثه في الشرنبلالية من أنه فيه بمعنى لا
يصح ولا حرمة فيه. قوله: (إلا إذا ضم معه إلخ) بأن يكون مع أحدهما بعض اللحم مع الأكارع ومع
البعض الآخر مع الجلد. عناية. قوله: (وأول وقتها بعد الصلاة إلخ) فيه تسامح، إذ التضحية لا يختلف
وقتها بالمصري وغيره بل شرطها، فأول وقتها في حق المصري والقروي طلوع الفجر، إلا أنه شرط
للمصري تقديم الصلاة عليها فعدم الجواز لفقد الشرط لا لعدم الوقت كما في المبسوط وأشير إليه في
الهداية وغيرها. قهستاني، وكذا ذكر ابن الكمال في منهوات شرحه أن هذا من المواضع التي أخطأ
فيها تاج الشريعة ولم يتنبه له صدر الشريعة. قوله: (بعد أسبق صلاة عيد) ولو ضحى بعد ما صلى أهل
630

المسجد ولم يصل أهل الجبانة أجزأه استحسانا لأنها صلاة معتبرة، حتى لو اكتفوا بها أجزأتهم، وكذا
عكسه. هداية ولو ضحى بعد ما قعد قدر التشهد في ظاهر الرواية لا يجوز. وقال بعضهم: يجوز
ويكون مسيئا، وهو رواية عن أبي يوسف. خانية. قوله: (ولو قبل الخطبة) قال في المنح وعن الحسن:
لو ضحى قبل الفراغ من الخطبة فقد أساء. قوله: (وبعد مضي وقتها) أي وقت الصلاة، وهو معطوف
على قوله: بعد الصلاة ووقت الصلاة من الارتفاع إلى الزوال. قوله: (لعذر) أي غير الفتنة المذكورة
بعد اه‍ ط.
أقول: ولم يذكر الزيلعي لفظ العذر مع أنه مخالف لما سيذكره الشارح عن الينابيع، وفي البدائع:
وإن أخر الامام صلاة العيد فلا ذبح حتى ينتصف النهار، فإن اشتغل الامام فلم يصل أو ترك عمدا
حتى زالت فقد حل الذبح بغير صلاة في الأيام كلها لأنه بالزوال فات وقت الصلاة، وإنما يخرج
الامام في اليوم الثاني والثالث على وجه القضاء، والترتيب شرط في الأداء لا في القضاء. كذا ذكر
القدوري اه‍. وذكر نحوه الزيلعي عن المحيط، ونقل قبله عنه أيضا لا تجزيهم في اليوم الثاني قبل
الزوال إلا إذا كانوا لا يرجون أن يصلي الامام بهم.
تنبيه: قال في المبسوط السرخسي: ليس على أهل منى يوم النحر صلاة العيد لأنهم في وقتها
مشغولون بأداء المناسك، وتجوز لهم التضحية بعد انشقاق الفجر كما يجوز لأهل القرى اه‍.
ومن الظاهر أن أهل منى هم من بها من الحجاج وأهل مكة.
شرنبلالية: أي أهل مكة المحرمين، ثم إن هذا صريح في خلاف ما ذكره البيري حيث قال: إن منى لا تجوز فيها الأضحية إلا
بعد الزوال، لأنها موضع تجوز فيه صلاة العيد إلا أنها سقطت عن الحاج. ولم نر في ذلك نقلا مع
كثرة المراجعة، ولا صلاة العيد بمكة يوم النحر لأنا ومن أدركناه من المشايخ لم يصلها بمكة، والله
أعلم ما السب في ذلك اه‍. قوله: (إن ذبح في غيره) أي غير المصر شامل لأهل البوادي، وقد قال
قاضيخان: فأما أهل السواد والقرى والرباطات عندنا يجوز لهم التضحية بعد طلوع الفجر، وأما أهل
البوادي لا يضحون إلا بعد صلاة أقرب الأئمة إليهم اه‍. وعزاه القهستاني إلى النظم وغيره. وذكر في
الشرنبلالية أنه مخالف لما في التبيين ولاطلاق شيخ الاسلام. قوله: (والمعتبر مكان الأضحية إلخ) فلو
كانت في السواد والمضحى في الصر جازت قبل الصلاة، وفي العكس لم تجز. قهستاني. قوله: (أن
يخرجها) أي يأمر بإخراجها. قوله: (لخارج المصر) أي إلى ما يباح فيه القصر. قهستاني زيلعي. قوله:
(مجتبى) لا حاجة إلى العزو إليه بعد وجود المسألة في الهداية والتبيين وغيرهما من المعتبرات. قوله:
(والولادة) أي على القول بوجوبها في مال الصغير أو الأب، وهو خلاف المعتمد كما مر. قوله: (تعاد
631

الصلاة دون التضحية إلخ) قال في البدائع: فإن علم ذلك قبل تفرق الناس يعيد بهم الصلاة باتفاق
الروايات. وهل يجوز ما ضحى قبل الإعادة؟ ذكر في بعض الروايات أنه يجوز لأنه ذبح بعد صلاة
يجيزها بعض الفقهاء وهو الشافعي، لان فساد صلاة الامام لا يوجب فساد صلاة المقتدي عنده فكانت
تلك الصلاة معتبرة عنده، فعلى هذا يعيد الامام وحده ولا يعيد القوم، وذلك استحسان اه‍. ونحوه
في البزازية. قوله: (فكان للاجتهاد فيه مساغا) كذا في المنح وبعض نسخ التبيين أيضا، وصوابه مساغ
بالرفع. قوله: (وفي المجتبى إلخ) هذا تقييد لاطلاق المتن، وهو وجيه لما في الإعادة بعد التفرق من
المشقة اه‍ ح. قوله: (لا بعده) أقول في البزازية: ولو نادى بالناس ليعيدوها: فمن ذبح قبل أن يعلم
ذلك جازت، ومن علم به لم يجز ذبحه إذا ذبح قبل الزوال وبعده يجوز اه‍. لكن مقتضى ما قدمناه عن
البدائع عدم الإعادة مطلقا، ويدل عليه أنه في البدائع ذكر ما في البزازية رواية أخرى. تأمل. قوله:
(فلم يصلوا) لعدم وال يصليها بهم. إتقاني وزيلعي. قوله: (جاز في المختار) لان البلدة صارت في هذا
الحكم كالسواد. إتقاني.
وفي التاترخانية: وعليه الفتوى، وقد ذكر المسألة الزيلعي أيضا، ولا يعارض ما تقدم نقله عنه
كما ظنه ح لان الامام هناك موجود فلم تصر في حكم السواد، فافهم. قوله: (لكن في الينابيع إلخ)
ساقط من بعض النسخ وهو الأولى. إذ لا يخالف ما قبله لأنه ترك لعذر وهذا لغيره. قوله: (ولو تعمد
الترك) مبني للمجهول أو للمعلوم وفاعله الامام. قوله: (فسن) يقال سن فلانا طعنه بالسنان، والمراد به
هنا الذبح. قوله: (وقيل إلخ) الظاهر أنه فهم أنه معارض لما نقله عن البزازية فهمه المحشي والمعارضة
مندفعة بما قدمناه. قوله: (قلت إلخ) ليس في عبارة الزيلعي ما يفيده، لأنه حكى القولين عن المحيط
كما قدمناه ولم يرجح. قوله: (أجزأتهم الصلاة والتضحية) كذا في البدائع أيضا: وفيها. ولو شهدوا بعد
نصف النهار أنه العاشر جاز لهم أن يضحوا ويخرج الامام من الغد فيصلي بهم العيد، وإن علم في
صدر النهار أنه يوم النحر فشغل الامام عن الخروج أو غفل فلم يخرج ولم يأمر أحدا يصلي بهم فلا
ينبغي لاحد أن يضحي حتى يصلي بهم الامام إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت قبل أن يخرج الامام
ضحى الناس، وإن ضحى أحد قبل ذلك لم يجز، ولو ضحى بعد الزوال من يوم عرفة ثم ظهر أنه يوم
النحر جازت عندنا لأنه في وقته اه‍. قوله: (صيانة لجميع المسلمين) الذي رأيته في الزيلعي لجمع
632

بدون ياء: أي صلاتهم بالجماعة. تأمل. قوله: (تنزيها) بحث من المصنف حيث قال: قلت: الظاهر
أن هذه الكراهة للتنزيه ومرجعها إلى خلاف الأولى، إذ احتمال الغط لا يصلح دليلا على كراهة
التحريم اه‍.
أقول: وهو مصرح به في ذبائح البدائع. قوله: (ليلا) أي في الليلتين المتوسطتين لا الأولى
ولا الرابعة، إذ لا نصح فيهما الأضحية أصلا كما هو الظاهر ونبه عليه في النهاية، ومع هذا حفي على
البعض. قوله: (ولو تركت التضحية إلخ) شروع في بيان قضاء الأضحية إذا فاتت عن وقتها فإنها
مضمونة بالقضاء في الجملة في الجملة كما في البدائع. قوله: (ومضت أيامها إلخ) قيد به لما في النهاية: إذا وجبت
بإيجابه صريحا أو بالشراء لها، فإن تصدق بعينها في أيامها فعليه مثلها مكانها، أن الواجب عليه
الإراقة، وإنما ينتقل إلى الصدقة إذا وقع اليأس عن التضحية بمضي أيامها، وإن لم يشتر مثلها حتى
مضت أيامها تصدق بقيمتها، لان الإراقة إنما عرفت قربة في زمان مخصوص، ولا تجزيه الصدقة الأولى
عما يلزمه بعد لأنها قبل سبب الوجوب اه‍. قوله: (تصدق بها حية) لوقوع اليأس عن التقرب بالإراقة،
وإن تصدق بقيمتها أجزأه أيضا لان الواجب هنا التصدق بعينها وهذا مثله فيما هو المقصود اه‍. ذخيرة.
قوله: (ناذر لمعينة) قال في البدائع: أما الذي يجب على الغني والفقير فالمنذور به، بأن قال لله علي أن
أضحي شاة أو بدنة أو هذه الشاة أو البدنة، أو قال جعلت هذه الشاة أضحية لأنها قربة من جنسها
إيجاب وهو هدي المتعة والقران والاحصار فتلزم بالنذر كسائر القرب، والوجوب بالنذر يستوي فيه
الغني والفقير اه‍. وقد استفيد منه أن الجعل المذكور نذر وأن النذر بالواجب صحيح.
واستشكل بأن من شروط صحة النذر أن لا يكون واجبا قبله. وأجاب أبو السعود بأن الواجب
التضحية مطلقا وصحة النذر بالنسبة المعينة اه‍. وفيه نظر لما علمت من صحة النذر بغير معينة أيضا.
واعلم أنه قال في البدائع: ولو نذر أن يضحي شاة وذلك في أيام النحر وهو موسر فعليه أن
يضحي بشاتين عندنا: شاة بالنذر، وشاة بإيجاب الشرع ابتداء، إلا إذا عنى به الاخبار عن الواجب
عليه فلا يلزمه إلا واحدة، ولو قبل أيام النحر لزمه شاتان بلا خلاف لان الصيغة لا تحتمل الاخبار
عن الواجب، إذ لا وجوب قبل الوقت، وكذا لو كان معسرا ثم أيسر في أيام النحر لزمه شاتان اه‍.
ومقتضى هذا أن الموسر إذا نذر في أيام النحر وقصد الاخبار لم يكن ذلك منه نذرا حقيقة وإن لزوم
الشاة عليه بإيجاب الشرع. أما إذا أطلق ولم يقصد الاخبار أو كان قبل أيام النحر أو كان معسرا فأيسر
فيها، فإنه وإن لزمته شاة أخرى بالنذر لكنها لم تكن واجبة قبل بل الواجبة غيرها فهو نذر حقيقة.
وعلى كل فلم يوجد نذر حقيقي بواجب قبله فاتضح الحال وطاح الاشكال، وسيأتي في آخر الأضحية
زيادة تحقيق لهذا البحث، ومقتضى ذلك أنه حيث قصد الاخبار له الاكل منها لأنها لم تلزم بالنذر.
فرع: قال لله علي أن أضحي شاة فضحى ببدنة أو بقرة جاز. تاترخانية. قوله: (ولو فقيرا)
الأنسب أن يقال: ولو غنيا لان الفقير لا يتوهم عدم صحة نذره بالمعينة لعدم وجوبها عليه قبله
بخلاف الغني، ولان الفقير إذا شراها له يلزمه التصدق بعينها بلا نذر بخلاف الغني. وقاعدة لو
الوصلية أن نقيض ما بعدها أولى بالحكم. تأمل. قوله: (ولو نقصها) أي الذبح بأن كانت قيمتها بعد
633

الذبح أقل ما قبله. تاترخانية. قوله: (بقيمة النقصان) المناسب إسقاط قيمة، أو يقول بقدر النقصان لان
الفرض أن النقصان من القيمة لا من ذات الشاة. تأمل. قوله: (ولا يأكل الناذر منها) أي نذرا على
حقيقته كما علمت.
وأقول: الناذر ليس بقيد، لان الكلام فيما إذا مضى وقتها ووجب عليه التصدق بها حية أو
بقيمتها، ولذا لو ذبحها ونقصها يضمن النقصان وهذا يشمل الفقير إذا شراها لها، يدل عليه ما في
غاية البيان: إذا أوجب شاة بعينها أو اشتراها ليضحي بها فمضت أيام النحر قبل أن يذبحها تصدق بها
حية، ولا يأكل من لحمها لأنه انتقل الواجب من إراقة الدم إلى التصدق، وإن لم يوجب ولم يشتر وهو
موسر وقد مضت أيامها تصدق بقيمة شاة تجزي للأضحية اه‍. ففيه دلالة واضحة على ما قلنا. ثم
رأيته في الكفاية قال في بعد قوله أو فقير شراها لها) وإن ذبحها لا يأكل منها، وسيأتي له مزيد بيان إن شاء
الله تعالى. قوله: (عطف عليه) أي على فاعل تصدق. قوله: (شراها لها) فلو كانت في ملكه فنوى أن
يضحي بها أو اشتراها ولم ينو الأضحية وقت الشراء ثم نوى بعد ذلك لا يجب لأن النية لم تقارن الشراء
فلا تعتبر. بدائع. قوله: (لوجوبها عليه بذلك) أي بالشراء، وهذا ظاهر الرواية لان شراءه لها يجري
مجرى الايجاب وهو النذر بالتضحية عرفا كما في البدائع.
ووقع في التاترخانية التعبير بقوله شراها لها أيام النحر، وظاهره أنه لو شراها لها قبلها لا تجب
ولم أره صريحا، فليراجع. قوله: (وتصدق بقيمتها غني شراها أو لا) كذا في الهداية وغيرها كالدرر.
وتعقبه الشيخ شاهين بأن وجوب التصدق بالقيمة مقيد بما إذا لم يشتر، أما إذا اشترى فهو مخير بين
التصدق بالقيمة أو التصدق بها حية كما في الزيلعي. أبو السعود.
وأقول ذكر في البدائع أن الصحيح أن الشاة المشتراة للأضحية إذا لم يضح بها حتى مضي الوقت
يتصدق الموسر بعينها حية كالفقير بلا خلاف بين أصحابنا، فإن محمدا، قال: وهذا قول أبي حنيفة وأبي
يوسف وقولنا اه‍. وتمامه فيه. وهو الموافق لما قدمناه آنفا عن غاية البيان، وعلى كل فالظاهر أنه لا يحل
له الاكل منها إذا ذبحها كما لا يجوز له حبس شئ من قيمتها. تأمل. قوله: (فالمراد بالقيمة إلخ) بيان
لما أجمله المصنف، لان قوله: تصدق بقيمتها ظاهر فيما إذا اشتراها لان قيمتها تعلم، أما إذا لم يشترها
فما معنى أنه تصدق بقيمتها فإنها غير معينة، فبين أن المراد إذا لم يشترها قيمة شاة تجزئ في الأضحية
كما في الخلاصة وغيرها. قال القهستاني، أو قيمة شاة وسط كما في الزاهدي والنظم وغيرهما. قوله:
(وصح الجذع) بفتحتين قهستاني. قوله: (ذو ستة أشهر) كذا في الهداية، وفسره في شرح الملتقى شرعا
بما أتى عليه أكثر الحول عند الأكثر. قال القهستاني: وفسر الأكثر في المحيط بما دخل في الشهر
الثامن. وفي الخزانة بما أتى عليه ستة أشهر وشئ. وذكر الزعفراني أنه ابن سبعة، وعنه ثمانية أو
تسعة، وما دونه حمل اه‍.
قلت: واقتصر في الخانية على ما في الخزانة، وقيد بقوله شرعا لأنه في اللغة ما تمت له سنة.
634

نهاية. قوله: (من الضأن) هو ما له ألية. منح. قيد به لأنه لا يجوز الجذع من المعز وغيره بلا خلاف كما
في المبسوط. قهستاني. والجذع من البقر ابن سنة، ومن الإبل ابن أربع. بدائع. قوله: (إن كان إلخ)
فلو صغير الجثة لا يجوز، إلا أن يتم له سنة ويطعن في الثانية. إتقاني. قوله: (من الثلاثة) أي الآتية،
وهي الإبل والبقر بنوعيه والشاة بنوعيه. قوله: (والثني هو ابن خمس إلخ) ذكر سن الثني والجذع في
المنح منظوما في أربع أبيات لبعضهم، وقد نظمتها في بيتين فقلت:
ذو الحول من غنم والخمس من إبل * واثنين من بقر ذا بالثني دعي
والحول من بقر والنصف من غنم * وأربع من بعير سم بالجذع
وفي البدائع: تقدير هذه الأسنان بما ذكر لمنع النقصان لا الزيادة، فلو ضحى بسن أقل لا يجوز،
وبأكبر يجوز وهو أفضل. ولا تجوز بحمل وجدي وعجول وفصيل لان الشرع إنما ورد بالأسنان المذكورة.
قوله: (والجاموس) نوع من البقر، وكذا المعز نوع من الغنم بدليل ضمها في الزكاة. بدائع. قوله: (قاله
المصنف) تبعا للهداية وغيرها. قال في البدائع: فلو نزا ثور وحشي على بقرة أهلية فولدت ولدا يضحي
به دون العكس، لأنه ينفصل عن الام وهو حيوان متقوم تتعلق به الاحكام، ومن الأب ماء مهين ولذا
يتبع الام في الرق والحية. قوله: (فروع إلى قوله ينابيع) يوجد في بعض النسخ. قوله: (أفضل من سبع
البقرة إلخ) وكذا من تمام البقرة. قال في التاترخانية، وفي العتابية: وكان الأستاذ يقول بأن الشاة العظيمة
السمينة تساوي البقرة قيمة ولحما أفضل من البقرة لان جميع الشاة تقع فرضا بلا خلاف.
واختلفوا في البقرة، قال بعض العلماء: يقع سبعها فرضا والباقي تطوع اه‍. قوله: (إذا استويا
إلخ) فإن كان سبع البقرة أكثر لحما فهو أفضل، والأصل في هذا إذا استويا في اللحم والقيمة فأطيبهما
لحما أفضل، وإذا اختلفا فيهما فالفاضل أولى. تاترخانية. قوله: (أفضل من النعجة) هي الأنثى من
الضأن قاموس. قوله: (إذا استويا فيهما) فإن كانت النعجة أكثر قيمة أو لحما فهي أفضل. ذخيرة ط.
قوله: (والأنثى من المعز أفضل) مخالف لما في الخانية وغيرها. وقال ط: مشى ابن وهبان على أن الذكر
في الضأن والمعز أفضل، لكنه مقيد بما إذا كان موجوءا. أي مرضوض الأنثيين: أي مدقوقهما. قال
العلامة عبد البر: ومفهومه أنه إذا لم يكن موجوءا لا يكون أفضل. قوله: (وفي الوهبانية إلخ) تقييد
للاطلاق بالاستواء: أي أن الأنثى من الإبل والبقر أفضل إذا استويا. قال في التاترخانية: لان لحمها
أطيب اه‍. وهو الموافق للأصل المار. قوله: (قبل الذبح) فإن خرج من بطنها حيا فالعامة أنه يفعل به ما
يفعل بالام، فإن لم يذبحه حتى مضت أيام النحر يتصدق به حيا، فإن ضاع أو ذبحه وأكله يتصدق
635

بقيمته، فإن بقي عنده وذبحه للعام القابل أضحية لا يجوز، وعليه أخرى لعامه الذي ضحى ويتصدق
به مذبوحا مع قيمة ما نقص بالذبح، والفتوى على هذا. خانية. قوله: (يذبح الولد معها) إلا أنه لا
يأكل منه بل يتصدق به فإن أكل منه تصدق بقيمة ما أكل. والمستحب أن يتصدق به. خانية. قيل
ولعل وجهه عدم بلوغ الولد سن الاجزاء فكانت القربة في اللحم بذاته لا في إراقة دمه اه‍. تأمل.
قال في البدائع: وقال في الأصل: وإن باعه تصدق بثمنه لان الام تعينت للأضحية والولد
يحدث على صفات الام الشرعية. ومن المشايخ من قال هذا في الأضحية الموجبة بالنذر أو ما في معناه
كشراء الفقير وإلا فلا، لأنه يجوز التضحية بغيرها فكذا ولدها. قوله: (وعند بعضهم يتصدق به بلا
ذبح) قدمنا عن الخانية أنه المستحب، وظاهره ولو في أيام النحر، وانظر ما في الشرنبلالية عن البدائع.
قوله: (ثم وجدها) أي الضالة أو المسروقة بمعنى وصلت إلى يده وهذا إذا وجد في أيام النحر. قوله:
(وقال بعضهم إلخ) اقتصر عليه في البدائع. وقال السائحاني: وبه جزم الشمني كما سيذكره الشارح
وهو الموافق للقواعد اه‍. وفي البدائع: ولو لم يذبح الثانية حتى مضت أيام النحر ثم وجد الأولى عليه
أن يتصدق بأفضلهما ولا يذبح. قوله: (ويضحي بالجماء) هي التي لا قرن لها خلقة، وكذا العظماء
التي ذهب بعض قرنها بالكسر أو غيره، فإن بلغ الكسر إلى المخ لم يجز. قهستاني. وفي البدائع: إن بلغ
الكسر المشاش لا يجزي والمشاش رؤوس العظام مثل الركبتين والمرفقين اه‍. قوله: (والثولاء) بالمثلثة. في
القاموس الثول بالتحريك: استرخاء في أعضاء الشاة خاصة، أو كالجنون يصيبها فلا تتبع الغنم
وتستدير في مرتعها. قوله: (والرعي) عطف تفسير ط. قوله: (فلو مهزولة إلخ) قال في الخانية: وتجوز
بالثولاء والجرباء السمينتين، فلو مهزولتين لا تنقى لا يجوز إذا ذهب مخ عظمها، فإن كانت مهزولة
فيها بعض الشحم جاز، يروى ذلك عن محمد اه‍. قوله لا تنقى مأخوذ من النقي بكسر النون وإسكان
القاف: هو المخ: أي لا مخ لها، وهذا يكون من شدة الهزال، فتنبه.
قال القهستاني: واعلم أن الكل لا يخلو عن عيب، والمستحب أن يكون سليما عن العيوب
الظاهرة، فما جوزها هنا جوز مع الكراهة كما في المضمرات. قوله: (المهزولة إلخ) تفسير مراد، لان
العجف محركا: ذهاب السمن كما في القاموس، فلا يضر أصل الهزال، كما علم مما قدمناه، ولذا
قيدت في حديث الموطأ والعجفاء التي لا تنقى. قوله: (والعرجاء) أي التي لا يمكنها المشي برجلها
العرجاء إنما تمشي بثلاث قوائم، حتى لو كانت تضع الرابعة على الأرض وتستعين بها جاز. عناية.
قوله: (إلى المنسك) بكسر السين والقياس الفتح. قوله: (ومقطوع أكثر الاذن إلخ) في البدائع: لو ذهب
636

بعض الاذن أو الالية أو الذنب أو العين. ذكر في الجامع الصغير: إن كان كثيرا يمنع، وإن يسيرا لا
يمنع.
واختلف أصحابنا في الفاصل بين القليل والكثير؟ فعن أبي حنيفة أربع روايات. روى محمد عنه
في الأصل والجامع الصغير أن المانع ذهاب أكثر من الثلث، وعنه أنه الثلث، وعنه أنه الربع وعنه
أن يكون الذاهب أقل من الباقي أو مثله اه‍ بالمعنى. والأولى هي ظاهر الرواية، وصححها في الخانية
حيث قال: والصحيح أنه الثلث، وما دونه قليل، وما زاد عليه كثير وعليه الفتوى اه‍. ومشى عليها
في مختصر الوقاية والاصلاح. والربعة هي قولهما قال في الهداية. وقالا: إذا بقي الأكثر من النصف
أجزأه، وهو اختيار الفقيه أبي الليث. وقال أبو يوسف: أخبرت بقولي أبا حنيفة فقال قولي هو قولك،
قيل هو رجوع منه إلى قول أبي يوسف، وقيل معناه قولي قريب من قولك. وفي كون النصف مانعا
روايتان عنهما اه‍. وفي البزازية: وظاهر مذهبهما أن النصف كثير اه‍. وفي غاية البيان: ووجه الرواية
الرابعة وهي قولهما وإليها رجع الامام أن الكثير من كل شئ أكثره، وفي النصف تعارض الجانبان
اه‍: أي فقال بعدم الجواز احتياطا بدائع، وبه ظهر أن ما في المتن كالهداية والكنز والملتقى هو الرابعة،
وعليها الفتوى كما يذكره الشارح عن المجتبى وكأنهم اختاروها لان المتبادر من قول الإمام السابق هو
الرجوع عما هو ظاهر الرواية عنه إلى قولهما، والله تعالى أعلم.
وفي البزازية: وهل تجمع الخروق في أذني الأضحية؟ اختلفوا فيه. قلت: وقدم الشارح في باب
المسح على الخفين أن ينبغي الجمع احتياطا. قوله: (مجازا) من إطلاق السبب أو الملزوم وإرادة المسبب أو
اللازم. قوله: (وإنما يعرف إلخ) قال في الهداية: ومعرفة المقدار في غير العين متيسرة. وفي العين
قالوا: تشد المعيبة بعد أن تعتلف الشاة يوما أو يومين ثم يقرب العلف إليها قليلا قليلا، فإذا رأته
من موضع أعلم عليه ثم تشد الصحيحة وقرب إليها العلف كذلك فإذا رأته من مكان أعلم عليه ثم
ينظر إلى تفاوت ما بينهما، فإن كان ثلثا فالذاهب هو الثلث وإن نصفا فالنصف اه‍. قوله: (الالية) بفتح
الهمزة كسجدة، وجمعه كما في القاموس أليات وألايا. قوله: (وقيل ما تعتلف به) هو وما قبله روايتان
حكاهما في الهداية عن الثاني، وجزم في الخانية بالثانية، وقال قبله: والتي لا أسنان لها وهي تعتلف
أو لا تعتلف لا تجوز. قوله: (التي لا إذا لها خلقة) قال في البدائع: ولا تجوز مقطوعة إحدى الاذنين
بكمالها والتي لها أذن واحدة خلقة اه‍. قوله: (فلو لها أذن صغيرة خلقة أجزأت) وهذه تسمى صمعاء
بمهملتين كما في القاموس. قوله: (والجذاء إلخ) هي بالجيم: التي يبس ضرعها، وبالحاء: المقطوعة
الضرع. عيني. وهي في عدة نسخ بالذال المعجمة ولم يذكر في القاموس شيئا من المعنيين. نعم ذكر
الجذ بالجيم القطع المستأصل وبالحاء خفة الذنب. وذكر الجداء بالجيم والدال المهملة الصغيرة الثدي،
والمقطوعة الاذن، والذاهبة اللبن، ومثله في نهاية ابن الأثير. والذاهبة اللبن يأتي حكمها. وفي
الظهيرية: ولا بأس بالجداء، وهي الصغيرة الأطباء جمع طبي: وهو الضرع. قوله: (ولا الجدعاء)
637

بالجيم والدال والعين المهملتين، وفي بعض النسخ بالذال المعجمة
وهي تحريف وفي بعضها بالمعجمة والميم بعدها ولا يناسب تفسير الشارح وإن كان المعنى صحيحا، لان الأجذام مقطوع اليد أو الذاهب
الأنامل. قاموس، وصرح في الدرر بأن مقطوعة اليد أو الرجل لا تجوز. قوله: (ولا المصرمة أطباؤها)
مصرمة كمعظمة، من الصرم: وهو القطع، والأطباء بالطاء المهملة جمع طبي بالكسر والضم: حلمات
الضرع التي من خف وظلف وحافر وسبع. قاموس. وما رأيناه في عدة نسخ بالظاء المعجمة تحريف.
قوله: (وهي إلخ) فسرها الزيلعي بالتي لا تستطيع أن ترضع فصيلها، وهو تفسير بلازم المعنى، لما في
القاموس: هي ناقة يقطع أطباؤها ليبس الإحليل فلا يخرج اللبن ليكون أقوى لها، وقد يكون من
انقطاع اللبن بأن يصيب ضرعها شئ فيكون فينقطع لبنها اه‍. وفي الخلاصة: مقطوعة رؤوس
ضروعها لا تجوز، فإن ذهب من واحدة أقل من النصف فعلى ما ذكرنا من الخلاف في العين والاذن.
وفي الشاة والمعز إذا لم يكن لهما إحدى حلمتيهما خلقة أو ذهبت بآفة وبقيت واحدة لم يجز، وفي
الإبل والبقر إن ذهبت واحدة يجوز أو اثنتان لا اه‍. وذكر فيها جواز التي لا ينزل لها لبن من غير
علة. وفي التاترخانية: والشطور لا تجزي، وهي من الشاة ما قطع اللبن عن إحدى ضرعيها، ومن
الإبل والبقر ما قطع ضرعيها لان لكل واحد منهما أربع أضرع. قوله: (ولا التي لا ألية لها خلقة) الشاة
إذا لم يكن لها أذن ولا ذنب خلقة. قال محمد: لا يكون هذا ولو كان لا يجوز، وذكر في الأصل عن
أبي حنيفة أنه يجوز. خانية ثم قال: وإن كان لها ألية صغيرة مثل الذنب خلقة جاز، أما على قول أبي
حنيفة فظاهر لان عنده لو لم يكن لها أذن أصلا ولا ألية جاز، وأما على قول محمد: صغيرة الاذنين
جائزة، وإن لم يكن لها ألية ولا أذن خلقة لا يجوز. قوله: (لان لحمها لا ينضج) من باب سمع. وبهذا
التعليل اندفع ما أورده ابن وهبان من أنها لا تخلو إما أن تكون ذكرا أو أنثى، وعلى كل تجوز. قوله:
(ولا الجلالة إلخ) أي قبل الحبس. قال في الخانية: فإن كانت إبلا تمسك أربعين يوما حتى يطيب لحمها
والبقر عشرين وللغنم عشرة. قوله: (ولا تأكل غيرها) أفاد أنها إذا كانت تخلط تجزى ط.
تتمة: تجوز التضحية بالمجبوب العاجز عن الجماع، والتي بها سعال، والعاجزة عن الولادة لكبر
سنها، والتي لها كي، والتي لا لسان لها في الغنم. خلاصة: أي لا البقر لأنه يأخذ العلف باللسان
والشاة بالسن كما في القهستاني عن المنية، وقيل إن انقطع من اللسان أكثر من الثلث لا يجوز.
أقول: وهو الذي يظهر قياسا على الاذن والذنب بل أولى لأنه يقصد بالاكل، وقد يخل قطعه
بالعلف. تأمل. وفي البدائع: وتجزى الشرقاء مشقوقة الأذن طولا والخرقاء: مثقوبة الاذن،
والمقابلة ما قطع من مقدم أذنها شئ وترك معلقا، والمدابرة: ما فعل ذلك بمؤخر الاذن من الشاة،
والنهي الوارد محمول على الندب، وفي الخرقاء على الكثير على الاختلاف في حد الكثير على ما بينا
اه‍. بدائع. وتجوز الحولاء: ما في عينها حول، والمجزوزة التي جز صوفها. خانية. وقدمنا أن ما
جوز هنا جوز مع الكراهة لأنه خلاف المستحب. قوله: (كما مر) أي كالموانع التي مرت ط. قوله:
638

(وإن فقيرا أجزأه ذلك) لأنها إنما تعينت بالشراء في حقه، حتى لو أوجب أضحية على نفسه بغير
عينها فاشترى صحيحة ثم تعيبت عنده فضحى بها لا يسقط عنه الواجب لوجوب الكاملة عليه
كالموسر. زيلعي. قوله: (وكذا لو كانت معيبة وقت الشراء) أي وبقي العيب، فإن زال أجزأت الغني
أيضا. قال في الخانية: ولو كانت مهزولة عند الشراء فسمنت بعده جاز. قوله: (ولا يضر تعيبها من
اضطرابها إلخ) وكذا لو تعيبت في هذه الحالة وانفلتت ثم أخذت من فورها، وكذا بعد فورها عند
محمد خلافا لأبي يوسف لأنه حصل بمقدمات الذبح. زيلعي. قوله: (فعلى الغني غيرها لا الفقير) أي
ولو كانت الميتة منذورة بعينها لما في البدائع أن المنذورة لو هلكت أو ضاعت تسقط التضحية بسبب
النذر، غير أنه إن كان موسرا تلزمه أخرى بإيجاب الشرع ابتداء لا بالنذر، ولو معسرا لا شئ عليه
أصلا اه‍. قوله: (ولو ضلت أو سرقت إلخ) مستدرك بما قدمه في الفروع على ما في أغلب النسخ.
قوله: (فظهرت) أي في أيام النحر. زيلعي وقدمنا مفهومه عن البدائع. قوله: (فعلى الغني إحداهما)
أي على التفصيل المار، من أنه لو ضحى بالأولى أجزأه ولا يلزمه شئ ولو قيمتها أقل، وإن ضحى
بالثانية وقيمتها أقل تصدق بالزائد. قال في البدائع: إلا إذا ضحى بالأولى أيضا فتسقط الصدقة لأنه
أدى الأصل في وقته فيسقط الخلف. قوله: (شمني) ومثله في التبيين، وتمامه فيه. قوله: (وقال الورثة)
أي الكبار منهم نهاية. قوله: (لقصد القربة من الكل) هذا وجه الاستحسان. قال في البدائع: لان
الموت لا يمنع التقرب عن الميت بدليل أنه يجوز أن يتصدق عنه ويحج عنه، وقد صح أن رسول الله
(ص) ضحى بكبشين أحدهما عن نفسه والآخر عمن لم يذبح من أمته وإن كان منهم من قد مات قبل
أن يذبح اه‍. لان له (ص) ولاية عليهم. إتقاني. قال في النهاية: وعلى هذا إذا كان أحدهم أم ولد
ضحى عنها مولاها أو صغيرا ضحى عنه أبوه. قوله: (لان بعضها لم يقع قربة) فكذا الكل لعدم
التجزي كما يأتي.
فرع: من ضحى عن الميت كما يصنع في أضحية نفسه من التصدق والاكل والاجر للميت
والملك للذابح. قال الصدر: والمختار أنه إن بأمر الميت لا يأكل منها وإلا يأكل. بزازية. وسيذكره في
النظم. قوله: (وإن كان شريك الستة نصرانيا إلخ) وكذا إذا كان عبدا أو مدبرا يريد الأضحية لان نيته
باطلة لأنه ليس من أهل هذه القربة فكان نصيبه لحما فمنع الجواز أصلا. بدائع.
تنبيه: قد علم أن الشرط قصد القربة من الكل، وشمل ما لو كان أحدهم مريدا للأضحية عن
عامه وأصحابه عن الماضي تجوز الأضحية عنه ونية أصابه باطلة وصاروا متطوعين، وعليهم التصدق
بلحمها وعلى الواحد أيضا لان نصيبه شائع كما في الخانية، وظاهره عدم جواز الأكل منها. تأمل.
وشمل ما لو كانت القربة واجبة على الكل أو البعض اتفقت جهاتها أو لا: كأضحية وإحصار وجزاء
639

صيد وحلق ومتعة وقران خلافا لزفر، لان المقصود من الكل القربة، وكذا لو أراد بعضهم العقيقة عن
ولد قد ولد له من قبل لان ذلك جهة التقرب بالشكر على نعمة الولد، ذكره محمد ولم يذكر الوليمة.
وينبغي أن تجوز لأنها تقام شكرا لله تعالى على نعمة النكاح ووردت بها السنة، فإذا قصد بها الشكر أو
إقامة السنة فقد أراد القربة. وروي عن أبي حنيفة أنه كره الاشتراك عند اختلاف الجهة، وأنه قال: لو
كان من نوع واحد كان أحب إلي، وهكذا قال أبو يوسف. بدائع.
واستشكل في الشرنبلالية الجواز مع العقيقة بما قالوا من أن وجوب الأضحية نسخ كل دم كان
قبلها من العقيقة والرجبية والعتيرة، وبأن محمدا قال في العقيقة: من شاء فعل ومن شاء لم يفعل.
وقال في الجامع: ولا يعق، والأول يشير إلى الإباحة والثاني إلى الكراهة إلخ.
أقول: فيه نظر، لان المراد لا يعق على سبيل النية بدليل كلامه الأول، وقد ذكر في غرر الأفكار
أن العقيقة مباحة على ما في جامع المحبوبي أو تطوع على ما في شرح الطحاوي اه‍. وما مر يؤيد أنها
تطوع. على أنه وإن قلنا إنها مباحة لكن بقصد الشكر تصير قربة، فإن النية تصير العادات عبادات
والمباحات طاعات. قوله: (لان الإراقة لا تتجزأ إلى قوله ينابيع) وجد على هامش نسخة الشارح بخطه
وسقط من بعض النسخ. قوله: (لما مر) أي من أن بعضها لم يقع قربة. قوله: (فروع) جمعها نظرا إلى
صورتي المسألة وما قاسها عليه. تأمل. قوله: (اشترى كل واحد منهم شاة) وأوجب كل منهم شاته.
تاترخانية. وبه يظهر وجه لزوم التصدق الآتي. قوله: (وقيمة كل واحدة مثل ثمنها) فلو أزيد أو أنقص
تصدق باعتباره فيما يظهر ط. قوله: (حتى لا يعرف كل شاته) بأن كانوا في ظلمة مثلا، وإلا فعدم
التمييز والحالة ما ذكر بعيد كما قاله. قوله: (ويتصدق صاحب الثلاثين بعشرين إلخ) لاحتمال أنه
ذبح ما اشتريت بعشرة وكذا صاحب العشرين، فيتصدق بعشرة ليبرأ كل منهما يقينا عما أوجبه، وأما
صاحب العشرة فأيا ذبح برئ يقينا. قوله: (أجزأته) لأنه يصير كل من ذبح منهم شاة غير وكيلا عن
صاحبها. قوله: (كما لو ضحى أضحية غيره بغير أمره) ذكر المسألة في التاترخانية عن الينابيع بدون
هذه الزيادة، ولا يظهر التشبيه إلا بإسقاط لفظة غير بغير تأمل. قوله: (ويأكل من لحم الأضحية إلخ)
هذا في الأضحية الواجبة والسنة سواء إذا لم تكن واجبة بالنذر، وإن وجبت به فلا يأكل منها شيئا ولا
يطعم غنيا سواء كان الناذر غنيا أو فقيرا، لان سبيلها التصدق وليس للمتصدق ذلك، ولو أكل فعليه
قيمة ما أكل. زيلعي. وأراد بالأضحية السنة أضحية الفقير، فإنه صرح بأنها تقع منه سنة قبيل قول
الكنز ويضحي بالجماء، لكنه خلاف ما في النهاية من أنها لا تقع منه واجبة ولا سنة بل تطوعا محضا،
وكذا صرح في البدائع أنها تكون تطوعا، وهي أضحية المسافر والفقير الذي لم يوجد منه النذر بها ولا
640

الشراء للأضحية لانعدام سبب الوجوب وشرطه، فالظاهر أنه أراد بالسنة التطوع. تأمل. ثم ظاهر
كلامه أن الواجبة على الفقير بالشراء له الاكل منها. وذكر أبو السعود أن شراءه لها بمنزلة النذر فعليه
التصدق بها اه‍.
أقول: التعليل بأنها بمنزلة النذر مصرح به في كلامهم، ومفاده ما ذكر.
وفي التاترخانية: سئل القاضي بديع الدين عن الفقير إذا اشترى شاة لها هل يحل له الاكل؟
قال: نعم. وقال القاضي برهان الدين: لا يحل اه‍. فتأمل.
ثم اعلم أن هذا كله فيما إذا ذبحها في أيام النحر بدليل ما قدمناه عن الخانية أنه إذا أوجب شاة
بعينها أو اشتراها ليضحي بها فمضت أيام النحر تصدق بها حية ولا يأكل منها لانتقال الواجب من
الإراقة إلى التصدق، وإن لم يوجب ولم يشتر وهو موسر تصدق بالقيمة اه‍. وقدمنا أن مفاد كلامهم أن
الغني له الاكل من المنذورة إذا قصد بنذره الاخبار عن الواجب عليه، فالمراد بالنذر في كلام الزيلعي
هنا النذر ابتداء.
والحاصل: أن التي لا يؤكل منها هي المنذورة ابتداء، والتي وجب التصدق بعينها بعد أيام النحر
والتي ضحى بها عن الميت بأمره على المختار كما قدمناه عن البزازية.
والواجبة على الفقير بالشراء على أحد القولين المارين، والذي ولدته الأضحية كما قدمناه عن
الخانية، والمشتركة بين سبعة نوى بعضهم بحصته القضاء عن الماضي كما قدمناه آنفا عن الخانية أيضا،
فهذه كلها سبيلها التصدق على الفقير فاغتنم هذا التحرير، ويأتي في كلام الشارح أيضا بعض مسائل
من هذا القبيل. قوله: (ويؤكل غنيا ويدخر) لقوله عليه الصلاة والسلام بعد النهي عن الادخار كلوا
وأطعموا وادخروا الحديث رواه الشيخان وأحمد. قوله: (وندب إلخ) قال في البدائع: والأفضل أن
يتصدق بالثلث ويتخذ الثلث ضيافة لأقربائه وأصدقائه ويدخر الثلث. ويستحب أن يأكل منها، لو
حبس الكل لنفسه جاز لان القربة في الإراقة والتصدق باللحم تطوع. قوله: (وندب تركه) أي ترك
التصدق المفهوم من السياق. قوله: (لذي عيال) غير موسع الحال. بدائع. قوله: (شهدها بنفسه) لما روى
الكرخي بأسناده إلى عمران بن الحصين قال رسول الله (ص): قومي يا فاطمة فاشهدي أضحيتك فإنه
يغفر لك بأول قطرة من دمها كل ذنب عملته، وقولي: * (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين لا شريك له) * إتقاني. قوله: (كي لا يجعلها ميتة) علة لعدم ذبحها بيده المفهوم من قوله شهدها
ويأمر غيره. قوله: (وكره ذبح الكتابي) أي بالامر لأنها قربة، ولا ينبغي أن يستعان بالكافر في أمور
الدين، ولو ذبح جاز لأنه من أهل الذبح بخلاف المجوسي. إتقاني وقهستاني وغيرهما. وظاهر كلام
الزيلعي وغيره عدم الكراهة لو كان بأمره، وبه صرح مسكين مستدلا عليه بقول الكافي.
لو أمر المسلم كتابيا بأن يذبح أضحيته جاز، وكره بدون أمره، لكن نقل أبو السعود عن
الحموي أن بعضهم ذكر أن عبارة الكافي على خلاف ما نقل عنه. وفي الجوهرة: فإذا ذبحها للمسلم
641

بأمره أجزأه ويكره. قوله: (وأما المجوسي فيحرم) لأنه ليس من أهله. درر. كذا في بعض النسخ. قوله: (ويتصدق
بجلدها) وكذا بجلالها وقلائدها، فإنه يستحب إذا أوجب بقرة أن يجللها ويقلدها، وإذا ذبحها تصدق
بذلك كما في التاترخانية. قوله: (بما ينتفع به باقيا) لقيامه مقام المبدل، فكأن الجلد قائم معنى بخلاف
المستهلك. قوله: (كما مر) أي في أضحية الصغير، وفي بعض النسخ مما مر أي من قوله نحو غربال
إلخ. قوله: (فإن بيع اللحم أو الجلد به إلخ) أفاد أنه ليس له بيعهما بمستهلك وأن له بيع الجلد بما
تبقى عينه، وسكت عن بيع اللحم به للخلاف فيه.
ففي الخلاصة وغيرها: لو أراد بيع اللحم ليتصدق بثمنه ليس له ذلك، وليس له فيه إلا أن
يطعم أو يأكل اه‍. والصحيح كما في الهداية وشروحها أنهما سواء في جواز بيعهما بما ينتفع بعينه
دون ما يستهلك، وأيده في الكفاية بما روى ابن سماعة عن محمد: لو اشترى باللحم ثوبا فلا بأس
بلبسه اه‍.
فروع: في القنية اشترى بلحمها مأكولا فأكله لم يجب عليه التصدق بقيمته استحسانا، وإذا دفع
اللحم إلى فقير بنية الزكاة لا يحسب عنها في ظاهر الرواية، لكن إذا دفع لغني ثم دفع إليه بنيتها
يحسب. قهستاني. قوله: (تصدق بثمنه) أي وبالدراهم فيما لو أبدله بها. قوله: (ومفاده صحة البيع) هو
قول أبي حنيفة ومحمد. بدائع. لقيام الملك والقدرة على التسليم. هداية. قوله: (مع الكراهة) للحديث
الآتي. قوله: (لأنه كبيع) لان كلا منهما معاوضة، لأنه إنما يعطى الجزار بمقابلة جزره، والبيع مكروه
فكذا ما في معناه. كفاية. قوله: (واستفيدت إلخ) كذا في بعض النسخ والضمير للكراهة، لكن
صاحب الهداية ذكر ذلك الحديث في البيع، ثم قال بعد قوله ولا يعطى أجر الجزار منها لقوله عليه
الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه: تصدق بجلالها وخطامها، ولا تعط أجر الجزار منها شيئا
والنهي عنه نهي عن البيع أيضا لأنه في معنى البيع اه‍. ولا يخفى أن في كل من الحديثين دلالة على
المطلوب من الموضعين. قوله: (فإن جزه تصدق به، إلى قوله: حاوي الفتاوى) يوجد في بعض النسخ
وقوله فإن فعل تصدق بالأجرة أي فيما لو آجرها، وأما إذا ركبها أو حمل عليها تصدق بما نقصته
كما في الخلاصة.
وفي الدر المنتقى عن الظهيرية: وعمل بالجلد جرابا وأجره لم يجز وعليه التصدق بالأجرة. قوله:
(لأنه التزم إقامة القربة بجميع أجزائها) فيه أن القربة تتأدى بالإراقة فهي تقوم بها لا بغيرها فكيف
642

يكره. منح. ويأتي دفعه قريبا. قوله: (ويكره الانتفاع بلبنها) فإن كانت التضحية قريبة ينضح ضرعها
بالماء البارد، وإلا حلبه وتصدق به كما في الكفاية. قوله: (لوجوبها في الذمة فلا تتعين) والجواب أن
المشتراة للأضحية متعينة للقربة إلى أن يقام غيرها مقامها فلا يحل له الانتفاع بها ما دامت متعينة، ولهذا
لا يحل لها لحمها إذا ذبحها قبل وقتها. بدائع. ويأتي قريبا أنه يكره أن يبدل بها غيرها فيفيد التعين
أيضا، وبه اندفع ما مر عن المنح، فتدبر. قوله: (ولو غلط اثنان إلخ) قال الإتقاني: قوله غلط شرط،
لما في نوادر ابن سماعة عن محمد: لو تعمد فذبح أضحية رجل عن نفسه لم يجز عن صاحبها، وفي
الغلط جاز عن صاحبها، ولا يشبه العمد الغلط، ولو ضمنه قيمتها في العمد جازت عن الذابح.
وفي الاملاء قال محمد: لو ذبحها متعمدا عن صاحبه يوم النحر ولم يأمره جاز أيضا استحسانا
لأنها هيئت للذبح اه‍. قوله: (وذبح كل شاة صاحبه) يعني شاة الأضحية، وكان الأولى التعبير به كما
في الكنز والهداية ليفيد أنها لو لم تكن للأضحية تكون مضمون عليه. شرنبلالية. قوله: (يعني عن
نفسه) صرح به في البدائع وغيرها، فلو نواها عن صاحبه مع ظنه أنها أضحية نفسه هل تقع عن المالك
أيضا؟ الظاهر نعم، ولم أره فليراجع. قوله: (على ما دل عليه قوله غلط) لأنه يفيد أنه ظن كونها شاته
فلا يذبحها إلا عن نفسه عادة. قوله: (أو لم يغلطا) من هنا إلى قوله عن صاحبه يوجد في بعض
النسخ، ولفظة أو لم يغلطا سبق قلم، إذ لا وجود لها في كلام غيره وقوله فيكون كل واحد وكيلا
عن الآخر دلالة هداية. كان ينبغي ذكره عقب قوله: صح استحسانا.
وعبارة الهداية: وجه الاستحسان أنها تعينت للذبح لتعينها للأضحية، حتى وجب عليه أن
يضحي بها في أيام النحر: أي لو كان المضحي فقيرا. نهاية. ويكره أن يبدل بها غيرها: أي إذا
كان غنيا. نهاية. فصار المالك مستعينا بكل من يكون أهلا للذبح آذنا له دلالة اه‍. فقوله: هداية نقل
لحاصل المعنى، وقوله قاله ابن الكمال فيه أنه لم ينقله ابن الكمال عن الهداية، ولعل ضمير قاله
زائد، ومقول القول ما بعده، وهو قوله وظاهر كلام صدر الشريعة وغيره وقوعه عن صاحبه لكنه
يوهم أن ابن الكمال ذكره في شرحه مع أنه ذكره في منهواته عن الهامش.
ثم إن ما ذكر أنه ظاهر كلام صدر الشريعة هو المصرح به في كتب المذاهب. وقال ط: أهل
المذهب إلا زفر أجمعوا على أنها تقع عن المالك للاذن دلالة. قوله: (صح استحسانا بلا غرم) أي صح
عن صاحبه، فتقع كل أضحية عن مالكها كما علمت فيأخذ كل منهما مسلوخته، وقدمنا وجه
الاستحسان، وأما القياس وهو قول زفر فهو أنه يضمن له قيمتها لأنه ذبح شاة غيره بغير إذنه. قوله:
(ويتحالان) أي إن كانا قد أكلا ثم علما فليحلل كل منهما صاحبه. هداية. قوله: (وإن تشاحا) أي عن
التحليل. قوله: (وتصدق بها) لأنها بدل عن اللحم فصار كما لو باعه، لان التضحية لما وقعت عن
643

صاحبه كان اللحم له، ومن أتلف لحم أضحية غيره فالحكم فيه ما ذكرنا. هداية.
أقول: ومقتضى قوله لأنها بدل عن اللحم إلخ أن التضمين لقيمة اللحم لا لقيمتها حية، ولذا
وقعت عن المالك.
بقي شئ وهو أن قول المصنف السابق بلا غرم وكذا قول الهداية: ولا ضمان عليهما،
وقولهم: لأنه صار ذابحا لاذن دلالة، يفيد أنه لو أراد كل تضمين صاحبه قيمتها لم يكن له ذلك. وفي
البدائع ما يخالفه حيث قال: لو تشاحا وأدى كل منهما الضمان عن نفسه تقع الأضحية له وجازت عنه
لأنه ملكها بالضمان اه‍. فعلى هذا لكل منهما الخيار بين تضمين صاحبه وتكون ذبيحة كل أضحية عن
نفسه وبين عدم التضمين فتكون ذبيحة كل أضحية عن صاحبه، ويحمل قولهم بلا غرم على ما إذا
رضي كل بفعل الآخر. تأمل. قوله: (قلت إلخ) لما كانت المسألة السابقة فيما إذا غلط الذابح وذبح عن
نفسه أراد أن يبين ما إذا تعمد ذبح أضحية بلا أمره صريحا فذبح عن نفسه أو عن المالك، وقدمناه
ملخصا عن الإتقاني. قوله: (أجزأته) أي أجزأت الشاري عن التضحية لأنه قد نواها فلا يضره ذبحها
غيره على ما بينا. زيلعي. قوله: (وإن ضمنه إلخ) أي ضمنه الشاري قيمتها لا تجزي الشاري وتجوز عن
الذابح لأنه ظهر أن الإراقة حصلت على ملكه. زيلعي. قوله: (وهذا) أي وقوعها عن المالك إن لم يضمن
الذابح وعدم وقوعها عنه بل عن الذابح إن ضمنه. قوله: (أما إذا ذبحها إلخ) قال في الشرنبلالية عن
منية المفتي: وإذا ذبح أضحية الغير ناويا مالكها بغير أمره جاز ولا ضمان عليه اه‍. وهذا استحسان
لوجود الاذن دلالة كما في البدائع. قال في التاترخانية: أطلق المسألة في الأصل وقيدها في الأجناس
بما إذا أضجعها صاحبها للأضحية. وفي الغياثية: والأول هو المختار اه‍: أي للاكتفاء بالنية عند
الشراء فتعينت لها كما قدمناه قبل صفحة، واستفيد منه أنه لو كانت غير معينة لا تجزى وضمن.
قال في الخانية: اشترى خمس شياه في أيام الأضحية وأراد أن يضحي بواحدة منها إلا أنه لم
يعينها فذبح رجل واحدة منها يوم الأضحى بنية صاحبها بلا أمره ضمن اه‍.
والذي تحرر في هذا المحل أنه لو غلط فذبح أضحية غيره عن نفسه فالمالك بالخيار: إن ضمنه
وقعت عن الذابح، وإلا فعن المالك على ما قدمناه عن البدائع. وكذا لو تعمد وذبحها عن نفسه،
وعليه فلا فرق بينهما، وتأمله مع ما قدمناه عن الإتقاني أن العمد لا يشبه الغلط. وأما لو ذبحها عن
المالك وقعت عن المالك، وهل له الخيار أيضا؟ لم أره، والظاهر نعم، والله تعالى أعلم. قوله: (كما
يصح) أي عن الذابح. قوله: (إن ضمنه قيمتها حية لظهور إلخ) كذا في النسخ الصحيحة، وفي بعض النسخ زيادة يجب إسقاطها، إذ
لا معنى لها هنا سوى قوله كما إذا باعها أي فإنه يصح البيع إذا ضمنه المالك لوقوع المالك مستندا، وأفاد أن الملك له أخذها مذبوحة. قال في البدائع: غصب شاة
فضحى بها عن نفسه لا تجزئه لعدم الملك ولا عن صاحبها لعدم الاذن، ثم إن أخذها صاحبها مذبوحة
وضمنه النقصان فكذلك لا تجوز عنهما، وعلى كل أن يضحي بأخرى، إن ضمنه قيمتها حية تجزئ
644

عن الذابح لأنه ملكها بالضمان من وقت الغصب بطريق الاستناد فصار ذابحا شاة هي ملكه فتجزيه،
ولكنه يأثم لان ابتداء فعله وقع محظورا فيلزمه التوبة والاستغفار
اه‍. أقول: ولا يخالف هذا ما مر عن الأشباه والزيلعي من أنه ضمنه وقعت عن الذابح وإلا فعن
المالك، لان ذاك فيما إذا أعدها صاحبها للأضحية فيكون الذابح مأذونا دلالة كما مر تقريره، وهو في
غيره ولذا عبروا هنا بشاة الغصب ولم يعبروا بأضحية الغير، فافهم. قوله: (لظهور إلخ) علة لتقييد
الصحة بالضمان. وفي القهستاني: وقيل إنما يجوز إذا أدى الضمان في أيام النحر. وعن أبي يوسف
وزفر أنه لا يصح. قوله: (فيقع في غير ملكه) بخلاف الغصب لظهور الملك فيه مستندا كما مر،
ولصدر الشريعة هنا بحث مذكور مع جوابه في المنح. قوله: (قلت ويظهر إلخ) قال في الشرنبلالية:
المراد بالوديعة كل شاة كانت أمانة كما في الفيض عن الزندوبستي اه‍ ح. وفي البدائع: وكل جواب
عرفته في الوديعة فهو الجواب في العارية والإجارة بأن استعار ناقة أو ثورا أو بعيرا أو استأجره فضحى
به أنه لا يجزيه عن الأضحية سواء أخذها المالك، أو ضمنه القيمة لأنها أمانة في يده، وإنما يضمنها
بالذبح فصار كالوديعة اه‍. وزاد في الخلاصة والبزازية والقهستاني عن النظم: المستبضع والمرتهن
والوكيل بشراء الشاة والوكيل بحفظ ماله إذا ضحى بشاة موكله والزوج أو الزوجة إذا ضحى بشاة
صاحبه بلا إذنه. قوله: (والمرهونة كالمغصوبة) مخالف لما في الظهيرية من أنها كالوديعة، وكذا لما قدمناه
عن الخلاصة وغيرها، لكن في التاترخانية عن الصيرفية: إذا ضحى المرتهن بالشاة المرهونة لا يجوز.
وقال القاضي جمال الدين: يجوز ولو ضحى بها الراهن يجوز اه‍. خانية.
وفي البدائع: ولو كان مرهونا ينبغي أن يجوز لأنه يصير ملكا له من وقت القبض كما في
الغصب بل أولى، ومن المشايخ من فصل فقال: إن كان قدر الدين يجوز، وإن أكثر ينبغي أن لا يجوز
لان بعضه مضمون وبعضه أمانة، ففي قدر الأمانة إنما يضمنه بالذبح فيكون بمنزلة الوديعة اه‍. قوله:
(وكذا المشتركة) يعني أنها أمانة لظهور أن نصيب شريكه أمانة في يده اه‍ ح: أي فلا تجزي كالوديعة،
ولا يخفى أن المراد شاة واحدة مشتركة، بخلاف شاتين بين رجلين ضحيا بهما فإنه يجوز كما يذكره
قريبا. قوله: (لون أضحيته عليه الصلاة والسلام سوداء) فيه حمل العين على العرض اه‍ ح. وأجاب ط أأدخل
أنه أنثه نظرا للمضاف إليه.
أقول: وما ذكره من أنها سوداء مبني على ما فهمه ابن الشحنة من كلام ابن وهبان في شرحه
أوقعه فيه التحريف. والصواب أنها بيضاء كما نبه عليه الشرنبلالي، وسنذكر كلامه عند النظم
، ويؤيده ما في الهداية: قد صح أن النبي (ص) ضحى بكبشين أملحين موجوءين اه‍. والوجاء على
وزن فعال: نوع من الخصاء كما قدمناه.
واختلف في الأملح، ففي أبي السعود عن فتح الباري لابن حجر: هو الذي بياضه أكثر من
645

سواده، ويقال هو الأغبر وهو قول الأصمعي، وزاد الخطابي: هو الذي في خلل صوفه طبقات سود،
ويقال الأبيض الخالص، قاله ابن الاعرابي، وبه تمسك الشافعية في تفضيل الأبيض في الأضحية.
وقيل الذي يعلوه حمرة، وقيل الذي ينظر في سواد ويأكل في سواد ويمشي في سواد ويبرك في
سواد: أي إن مواضع هذه منه سواد وما عداه أبيض اه‍.
أقول: وفي البدائع: أفضل الشاء أن يكون كبشا أملح أقرن موجوءا، والأقرن: العظيم القرن.
والأملح: الأبيض اه‍. وظاهره أن المراد الأبيض الخالص فيوافق قول الشافعية، وفسره في العناية
والكفاية بالأبيض الذي فيه شعرات سود وهو كذلك في القاموس، ويمكن حمل ما في البدائع عليه.
قوله: (لزمه ثنتان) عبارة الخانية قالوا: لزمه ثنتان. قوله: (لمجئ الامر بهما) الذي في الخانية وغيرها
الأثر بالثاء المثلثة، وهو كذلك في بعض النسخ، والمراد به ما روي أن النبي (ص) ضحى بكبشين
أملحين قال الشرنبلالي في شرحه: قد يقال لما بين عليه الصلاة والسلام أن أحدهما عنه وعن آله
والآخر عن أمته لم يقض بثنتين على شخص بالسنية. قوله: (والأصح وجوب الكل) كذا صححه في
الظهيرية.
ونقل عن التاترخانية عن الصدر الشهيد أنه الظاهر وسيأتي في النظم، فيلزمه أن يضحي بالعشر
في أيام النحر وبعدها يتصدق بها حية لو كانت معينة كما يؤخذ مما مر متنا.
قال الشرنبلالي في شرحه: وأقول في صحة إلزامه بثنتين أو بعشر. تأمل. والذي يظهر لي أنه
مثل إلزامه على نفسه الظهر عشرا فلا يلزمه غير ما أوجبه تعالى، لان نذر ذات الواجب وتعدده ليس
صحيحا. نعم نذر مثله كقوله نذرت ذبح عشر شياه وقت كذا يصح ويلغو ذكر الوقت، وتقدم في
الحج: لو قال لله تعالى علي حجة الاسلام مرتين لا يلزمه شئ غير المشروع، مع أن الحج نفلا
مشروع ولكن لا يسمى حجة الاسلام، وكذلك الأضحية لم تشرع لازمة إلا واحدة فنذر تعددها إلزام
غير المشروع وجوبا فلا يلزم. فليتأمل اه‍.
أقول وبالله تعالى التوفيق: إن كتب المذهب طافحة بصحة النذر بالأضحية من الغني والفقير،
وقدمنا أن الغني إذا قصد بالنذر الاخبار عن الواجب عليه وكان في أيام النحر لزمه واحدة وإلا
فثنتان.
ثم لا يخفى أن الأضحية اسم لشاة مثلا تذبح في أيام النحر واجبة كانت أو تطوعا، فإذا نذر
أضحية لم تنصرف إلى الواجبة عليه ما لم ينو بالنذر الاخبار، كما إذا قال لله علي حجة
وعليه حجة الاسلام، قال الزيلعي: يلزمه أخرى إلا إذن عنى به الواجب عليه اه‍. فإذا نذر عشر أضحيات لم
يحتمل الاخبار عن الواجب أصلا كما قدمناه عن البدائع من أن الغني لو نذر قبل أيام النحر أن
يضحي شاة لزمه شاتان إحداهما بالنذر والأخرى بالغنى لعدم احتمال الصيغة الاخبار عن الواجب، إذ
لا وجوب قبل الوقت، وكذا لو نذر وهو فقير ثم استغنى، وهنا كذلك لعدم وجوب العشر فتلزمه
العشر لأنها عبادة من جنسها واجب، بخلاف ما لو قال: لله علي حجة الاسلام مرتين، لان حجة
الاسلام اسم للفعل المخصوص على سبيل الفرضية، فإذا قال مرة أو مرتين لا يلزمه لان المرة لازمة
646

قبل النذر والثانية لا يمكن جعلها حجة الاسلام التي هي فرض العمر، ومثله نذر رمضان مرة أو
مرتين، فالفرق بين الأضحية التي تطلق على الواجب والتطوع كالصوم والصلاة والحج وبين حجة
الاسلام كصوم رمضان وصلاة الظهر من الشمس، وحيث علمت أن الأضحية اسم لما يذبح في
وقت مخصوص لم يكن فيها إلغاء الوقت، فإذا نذرها يلزم فعلها فيه وإلا لم يكن آتيا بالمنذور لأنها بعدها
لا تسمى أضحية ولذا يتصدق بها حية إذا خرج وقتها كما قدمناه، بخلاف ما إذا نذر ذبح شاة في
وقت كذا يلغو ذكر الوقت لأنه وصف زائد على مسمى الشاة، ولذا ألغى علماؤنا تعيين الزمان
والمكان، بخلاف الأضحية فإن الوقت قد جعل جزءا من مفهومها فلزم اعتباره، ونظير ذلك ما لو نذر
هدي شاة فإنهما قالوا إنما يخرجه عن العهدة ذبحها في الحرم والتصدق بها هناك، مع أنهم قالوا لو
نذر التصدق بدرهم على فقراء مكة له التصدق على غيرهم، وما ذاك إلا لكون الهدي اسما لما يهدى
إلى مكة ويتصدق به فيها، فقد جعل المكان جزءا من مفهومه كالزمان في الأضحية، فإذا تصدق به في
غير مكة لم يأت بما نذره، بخلاف ما لو نذر التصدق بالدرهم فيها، فإن المكان لم يجعل جزءا من
مفهوم الدرهم، فإن الدرهم درهم سواء تصدق به في مكة أو غيرها، بخلاف الهدي، فقد ظهر وجه
تصحيح العشر ووجه لزوم ذبحها في أيام النحر، فاغتنم هذه الفائدة الجليلة التي هي من نتائج فكرتي
العليلة، فإني لم أرها في كتاب، والحمد لله الملك الوهاب. قوله: (غنيم) الذي في المنح وغيرها شاتان.
قوله: (بخلاف العتق إلخ) أي لو كان عبدان بين رجلين عليهما كفارتان فأعتقاهما عن كفارتيهما لا
يجوز، لان الأنصباء تجتمع في الشاتين لا الرقيق بدليل جريان الجبر في قسمة الغنم دون الرقيق. بدائع.
قوله: (فالأضحية كلاهما) قال في الخلاصة: ولو ضحى بأكثر من واحدة فالواحدة فريضة والزيادة
تطوع عند عامة العلماء. وقال بعضهم: لحم، والمختار أنه يجوز كلاهما اه‍.
وفي التاترخانية عن المحيط أنه الأصح. قوله: (وقيل الزائد لحم) أي ولا يصير أضحية تطوعا.
خانية. قوله: (والأفضل إلخ) أي الأكثر ثوابا، وقدمنا الكلام عليه. قوله: (ولو ضحى بالكل إلخ)
الظاهر أن المراد لو ضحى ببدنة يكون الواجب كلها لا سبعها بدليل قوله في الخانية: ولو أن رجلا
موسرا ضحى ببدنة عن نفسه خاصة كان الكل أضحية واجبة عند عامة العلماء، وعليه الفتوى. مع أنه
ذكر قبله بأسطر لو ضحى الغني بشاتين فالزيادة تطوع عند عامة العلماء، فلا ينافي قوله كان الكل
أضحية واجبة، ولا يحصل تكرار بين المسألتين، فافهم. لعل وجه الفرق أن التضحية بشاتين تحصل
بفعلين منفصلين وإراقة دمين فيقع الواجب إحداهما فقط والزائد تطوع، بخلاف البدنة فإنها بفعل
واحد وإراقة واحدة فيقع كلها واجبا، هذا ما ظهر لي. قوله: (فالكل فرض) أي عملي ح. قوله: (ولا
يأكل) ظاهره ولو كان غنيا مع تصريحهم بأنها واجبة في ذمته غير متعينة عليه، حتى جاز له أن يبدلها
647

بغيرها مع الكراهة ط. قوله: (لو أيام النحر باقية) مرتبط بقوله ليشتري وما بعده. قوله: (وإلا) بأن
مضت أيام النحر لا يشتري بالقيمة غيرها، لان الإراقة عهدت قربة في أيام النحر كما قدمناه. قوله:
(خانية) وكذا في الذخيرة والخلاصة وغيرها، ونظمها ابن وهبان وابن الشحنة، ولم أر من ذكر وجه
عدم الاكل منها. ولا يقال: إن أخذ قيمتها كبيعها لان ليس بدل أضحية إذ هي ميتة، على أنه كان
يلزمه التصدق بالدراهم كما لو باع لحم أضحيته كما مر، فالظاهر أنها منذورة، فليتأمل. قوله: (فلو
تركها) أي التسمية المفهومة من سمى. قوله: (وقد نظمه شيخنا إلخ) قد نظمه أيضا المصنف في منحه
سؤالا وجوابا، لكنه ارتكب فيه ضرورات لا ترتكب مع ما فيه من اختلال النظم في بعض الأبيات.
قوله: (أن يثنى) مبني للمجهول والجار والمجرور نائب الفاعل. قوله:
(بالقريض) أي الشعر. قوله: (فقلت في الجواب إلخ) الشطر الأول والبيت الثاني بتمامه من نظم
صاحب المنح، والباقي من نظم الخير الرملي، فإنه قال بعد نظمه السؤال السابق وقلت في الجواب:
خذ جوابا لا نقد يوجد فيه * من فقيه مروية عن فقيه
ذاك ذبح قصابه وضع اليد * مع الصاحب الذي يرتجيه
قوله: (فعلى كل واحد إلخ) وبه ظهر أن الشارح ليس له من الجواب سوى التلفيق من المصنف وكلام
شيخه إن لم يكن من المواردة. قوله: (هي شاة إلخ) يوجد في بعض النسخ بعد هذا
البيت بيت آخر وهو: ذاك ذبح، إلى آخر البيت المار عن الرملي، ولو اقتصر عليه لكان أنسب، لان
قوله: هي شاة إلخ غير موزون، ولئلا يستدرك قوله فعلى كل واحد إلخ لأنه لم يفد شيئا زائدا
على ما أفاده. قوله: (هي شاة إلخ) بل لو اقتصر الشارح في الجواب على البيت الأول والثاني وأبدل
قوله شرط كما نروية الذي اختل به النظم بقوله شرط نعيه أو شرط فيه لاستقام الوزن وأغناه عما
بعده، وكأنه قصد ذكر الجواب مرتين، لان البيت الأول مع الثاني جواب والبيت الثالث الذي في
بعض النسخ مع الرابع جواب أيضا. قوله: (وفي الوهبانية وشرحها) ليس في هذه الأبيات من نظم
ابن وهبان بلا تغيير سوى البيت الثاني والأخير، وما عداهما تصرف فيه ابن الشحنة وأصلحه. قوله:
648

(وإن يشتري) بإثبات حرف العلة للضرورة. قوله: (منها) أي من الشاة أو الأضاحي. قوله: (وأشكل)
بأن اختلطت ولم يتميز ما لكل. قوله: (فالتوكيل إلخ) قال ابن الفضل: ينبغي أن يوكل كل واحد
أصحابه بالذبح، حتى لو ذبح شاة نفسه جاز، ولو ذبح عن غيره بأمره جاز أيضا اه‍. شارح. قوله:
(يذكر) الذي في الوهبانية يحسر بالحاء المهملة، ويجوز فيه الفتح والضم، من حسر عن ذراعيه: إذا
كشف ا ه شارح. قوله: (للعنز) اللام للتقوية وهي الداخلة على معمول تقدم على عامله وهو هنا
شري، مثل: * (إن كنتم للرؤيا تعبرون) * (يوسف: 43). قوله: (يصح) لان الشاة اسم جنس يتناول
الضأن والمعز. شارح عن الظهيرية. قوله: (خلاف العكس) أي ولو وكله بشراء عنز فاشترى شاة من
الضأن لا يلزم الآمر. شارح عن الخانية. قوله: (والقود يخسر) أي لو استأجر الوكيل بشراء الأضحية
من يقودها بدرهم لم يلزم الآمر. ظهيرية اه‍ ط. قوله: (ولو قال سوداء) بالمد والتنوين للضرورة،
والضمير في كان للقول، وقرناء بالمد وعينا بالقصر، والأقرن: العظيم القرن. والأعين: ما عظم
سواد عينه في سعة. قال في الشرنبلالي: والبيت من الظهيرية.
وكله بشراء بقرة سوداء للأضحية فاشترى بيضاء أو حمراء أو بلقاء وهي التي اجتمع فيها السواء
والبياض لزم الآمر، وإن وكله بشراء كبش أقرن أعين للأضحية فاشترى أجم ليس أعين لا يلزم
الآمر، لان هذا مما يرغب للأضحية فخالف أمره. قال الناظم: ينبغي أنه إذا أمره بشراء بيضاء فاشترى
سوداء أن لا يقع للآمر.
قلت: وهذا هو الصواب، وقد أسقط الكاتب لا النافية من نسخة المصنف وتبعه الشارح ابن
الشحنة يرشد إليه قول الناظم، لان لون أضحية رسول الله (ص) كان أبيض، ولأنه أحسن الألوان
فينبغي أن يكون أفضل، ولما روى عن مولاة ورقة بنت سعد أنها قالت: قال رسول الله (ص): دم
عفراء أزكى عند الله من دم سوداء. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: دم بيضاء أزكى عند الله من دم
سوداء اه‍. فالدليل يخالف مدعاه بإسقاط لا النافية، لان البياض أزكى من غيره، والعفراء أزكى من
السوداء، فكيف يلزم بالآمر مع المخالفة اه‍. ملخصا. قوله: (بثنتين) متعلق بالزموا، وقدمنا الكلام
عليه في الفروع. قوله: (وعن ميت) أي لو ضحى عن ميت وارثه بأمره ألزمه بالتصديق بها وعدم
الاكل منها، وإن تبرع بها عنه له الاكل لأنه يقع على ملك الذابح والثواب للميت، ولهذا لو كان على
الذابح واحدة سقطت عنه أضحيته كما في الأجناس. قال الشرنبلالي: لكن في سقوط الأضحية الأضحية عنه.
تأمل اه‍.
أقول: صرح في فتح القدر في الحج عن الغير بلا أمر أنه يقع عن الفاعل فيسقط به الفرض
عنه وللآخر الثواب، فراجعه. قوله: (وهذا المخير) أي المختار كما قدمناه عن البزازية سابقا. قوله: (ومن
649

مال طفل إلخ) حاصله: أن الصحيح عدم وجوبها في مال الطفل، ولا يجب على الأب في حق طفله
أن يضحي عنه من مال نفسه في ظاهر الرواية كما مر مبسوطا، وقوله وعن أبه بلا ياء على لغة
النقص. قوله: (وواهب شاة إلخ) أي لو وهبه شاة فضحى بها ثم رجع الواهب صح الرجوع في ظاهر
الرواية وأجزأت الذبح. شارح.
خاتمة: يستحب لمن ولد له ولد أن يسميه يوم أسبوعه ويحلق رأسه ويتصدق عند الأئمة الثلاثة
بزنة شعره فضة أو ذهبا ثم يعق عند الحلق عقيقة إباحة على ما في الجامع المحبوبي، أو تطوعا على ما
في شرح الطحاوي، وهي شاة تصلح للأضحية تذبح للذكر والأنثى، سواء فرق لحمها نيئا أو طبخه،
بحموضة أو بدونها. مع كسر عظمها أو لا، واتخاذه دعوة أو لا، وبه قال مالك. وسنها الشافعي
وأحمد سنة مؤكدة شاتان عن الغلام وشاة عن الجارية. غرر الأفكار ملخصا. والله تعالى أعلم.
650

كتاب الحظر والإباحة
كذا ترجمة في الخانية والتحفة، وترجم في الجامع الصغير والهداية بالكراهية. وفي المبسوط
والذخيرة بالاستحسان، فإن مسائل هذا الكتاب من أجناس مختلفة، فلقب بذلك لما يوجد في عامة
مسائله من الكراهية والحظر والإباحة والاستحسان كما في النهاية. وترجم بعضهم بكتاب الزهد
والورع لان فيه كثيرا من المسائل أطلقها الشرع، والزهد والورع تركها. وفي أبي السعود عن طلبة
الطلبة: الاستحسان استخراج المسائل الحسان وهو أشبه ما قيل فيه، أما القياس والاستحسان
المذكوران في جواب مسائل الفقه فبيانها في الأصول. قوله: (مناسبته ظاهرة) في بعض النسخ
مناسبتها والأولى أولى، وهي كما في شروح الهداية كون عامة مسائل كل منه ومن الأضحية لم تخل
من أصل وفرع ترد فيه الكراهة، وعلى ترجمة المصنف يقال: يرد فيه الحظر أو الإباحة، ولما ذكرت
المناسبة بين الأضحية وما قبلها كانت الأضحية واقعة في محلها، فلا يرد أن هذه المناسبة لا تفيد وجه
ذكر هذا الكتاب عقب الأضحية، ولا يرد أن هذا الكتاب له مناسبة بكل كتاب، فافهم. قوله:
(والحظر لغة: المنع والحبس) قال الله تعالى: * (وما كان عطاء ربك محظورا) * (الاسراء: 20) أي ما كان
رزق ربك محبوسا عن البر والفاجر. جوهرة. والإباحة: الاطلاق. زيلعي. قوله: (وشرع إلخ) أشار
إلى أن المراد هنا بالمصدر اسم المفعول، فلا يرد أن ما ذكره تعريف للمحظور والمباح لا للحظر
والإباحة. تأمل. قوله: (والمحظور ضد المباح) أي في المحظور للعهد: أي المحظور الشرعي الذي
ذكرنا أنه ما منع من استعماله شرعا ضد المباح، ولا ينافي ذلك أن للمباح ضدا آخر وهو الواجب،
إذ ليس مراده بذلك تعريفه بما ذكر لأنه قد تعريفه كما علمت. وبه اندفع ما يقال: إنه تعريف
بالأعم، لأنه كما يصدق على المكروه والحرام يصدق على الواجب. وليس تعريفه الخاص ما ثبت
حظره بدليل قطعي بل ما ذكره الشارح من أنه ما منع من استعماله شرعا ليشمل ما ثبت بظني، فافهم.
قوله: (والمباح ما أجيز للمكلفين فعله وتركه) كذا في المنح. والذي في الجوهرة: ما خير المكلف بين
فعله وتركه. قوله: (بلا استحقاق) استحقه: استوجبه. قاموس. ويطلق على جزاء العبد من ثواب أو
عقاب أنه يستحقه بفضل الله وعدله. قوله: (نعم يحاسب عليه حسابا يسيرا) لا يقال إن ذلك عذاب،
بدليل ما ورد من نوقش الحساب عذب لان المناقشة الاستقصاء في الحساب كما في القاموس. قوله:
(كل مكروه) يقال: كرهت الشئ أكرهه كراهة وكراهية فهو كريه ومكروه. صحاح. والكراهة: عدم
الرضا. وعند المعتزلة: عدم الإرادة، فتفسير المطرزي لها في المغرب بعدم الإرادة ميل إلى مذهبه كما
أفاد أبو السعود. قوله: (أي كراهة تحريم) وهي المرادة عند الاطلاق كما في الشرع، وقيده بما إذا كان
في باب الحظر والإباحة اه‍ بيري. قوله: (حرام) أي يريد به أنه حرام. قال في الهداية: إلا أنه لما لم يجد
فيه نصا قاطعا لم يطلق عليه لفظ الحرام اه‍. فإذا وجد نصا يقطع القول بالتحريم أو التحليل، وإلا قال
في الحل لا بأس وفي الحرمة أكره. إتقاني. قوله: (أي كالحرام إلخ) كذا قال القهستاني، ومقتضاه أنه
651

ليس حرام حقيقة عنده، بل هو شبيه به من جهة أصل العقوبة في النار وإن كان عذابه دون العذاب
على الحرام القطعي، وهو خلاف ما اقتضاه ذكر الاختلاف بينه وبين الشيخين وتصحيح قولهما. نعم
هو موافق لما حققه المحقق ابن الهمام في تحريك الأصول من أن قول محمد إنه حرام فيه نوع من
التجوز للاشتراك في استحقاق العقاب، وقولهما على سبيل الحقيقة للقطع بأن محمدا لا يكفر جاحد
الواجب والمكروه كما يكفر جاحد الفرض والحرام، فلا اختلاف بينه وبينهما في المعنى كما يظن اه‍.
وأفاده شارحه ابن أمير حاج بما ذكره محمد في المبسوط أن أبا يوسف قال لأبي حنيفة: إذا قلت في
شئ أكرهه فما رأيك فيه؟ قال: التحريم. ويأتي فيه أيضا ما في لفظ محمد للقطع أيضا بأن أبا حنيفة
لا يكفر جاحد المكروه اه‍. وعلى هذا فالاختلاف في مجرد صحة الاطلاق، ويأتي تمام الكلام عليه
قريبا. قوله: (فإلى الحل أقرب) بمعنى أنه لا يعاقب فاعله أصلا، لكن يثاب تاركه أدنى ثواب، تلويح.
وظاهره أنه ليس من الحلال، ولا يلزم من عدم الحل الحرمة ولا كراهة التحريم، لان المكروه تنزيها
كما في المنح مرجعه إلى ترك الأولى، والفاصل بين الكراهتين كما في القهستاني والمنح عن الجوهر: إن
كان الأصل فيه الحرمة، فإن سقطت لعموم البلوى فتنزيه كسؤر الهرة، وإلا فتحريم كلحم الحمار،
وإن كان حكم الأصل الإباحة وعرض ما أخرجه عنها، فإن غلب على الظن وجود المحرم فتحريم
كسؤر البقرة الجلالة وإلا فتنزيه كسؤر سباع الطير. قوله: (مثله البدعة والشبهة) الذي يفيده كلام
القهستاني أن البدعة مرادفة للمكروه عند محمد، والشبهة مرادفة للمكروه عندهما. قوله: (نسبته) أي من
حيث الثبوت، وقوله فيثبت إلخ بيان لها لكن في اقتصار على ظني الثبوت قصور في العبارة.
بيان ذلك أن الأدلة السمعية أربعة: الأول: قطعي الثبوت والدلالة كنصوص القرآن المفسرة أو
المحكمة والسنة المتواترة التي مفهومها قطعي. الثاني: قطعي الثبوت ظني الدلالة كالآيات المؤولة.
الثالث: عكسه كأخبار الآحاد التي مفهومها قطعي. الرابع: ظنيهما كأخبار الآحاد التي مفهومها
ظني. فبالأول يثبت الافتراض والتحريم، وبالثاني والثالث الايجاب وكراهة التحريم، وبالرابع تثبت
السنية والاستحباب. قوله: (وفي الزيلعي إلخ) بيان للمراد من الاثم في. قوله: (ويأثم بارتكابه إلخ) وما
في الزيلعي موافق لما في التلويح حيث قال: معنى القرب إلى الحرمة أنه يتعلق به محذور دون استحقاق
العقوبة بالنار، وترك السنة المؤكدة قريب من الحرم يستحق حرمان الشفاعة اه‍.
ومقتضاه أن ترك السنة المؤكدة مكروه تحريما لجعله قريبا من الحرام، والمراد بها سنن الهدي
كالجماعة والاذان والإقامة، فإن تاركها مضلل ملوم كما في التحرير، والمراد الترك على وجه الاصرار
بلا عذر ولذا يقاتل المجمعون على تركها لأنها من أعلام الدين، فالاصرار على تركها استخفاف بالدين
فيقاتلون على ذلك ذكره في المبسوط، ومن هنا قيل: لا يكون قتالهم عليها دليلا على وجوبها أو تمامه
652

في شرح التحرير. تأمل، ثم إن ما ذكر هنا من استحقاقه محذورا دون العقوبة بالنار مخالف لما قدمه
الشارح آنفا، وجزم به ابن الهمام في التحرير من أنه يستحق العقوبة بالنار، إلا أن يقال: ما مر خاص
بقول محمد بناء على أن المكروه عنده من الحرام، وما هنا على قولهما بأن إلى الحرام أقرب، وهذا يفيد
أن الخلاف ليس لفظيا وهو خلاف ما قدمناه عن التحرير، ولذا نقل أبو السعود عن المقدسي أن
حاصل الخلاف أن محمدا جعله حراما لعدم قاطع بالحل، وجعلاه حلالا لأنه الأصل في الأشياء ولعدم
القاطع بالحرمة اه‍. ولا تنافي الكراهة الحل لما في القهستاني عن خلع النهاية. كل مباح حلال بلا
عكس، كالبيع عند النداء فإنه حلال غير مباح لأنه مكروه.
وفي التلويح: ما كان تركه أولى فمع المنع عن الفعل بدليل قطعي حرام، وبظني مكروه تحريما،
وبدون منع مكروه تنزيها، وهذا على رأي محمد. وعلى رأيهما ما تركه أولى فمع المنح حرام، وبدونه
مكروه. تنزيها لو إلى الحل أقرب، وتحريما لو إلى الحرام أقرب اه‍. فأفاد أنه ممنوع عن فعل عنده لا
عندهما، وبه يظهر مساواته للسنة المؤكدة على رأيهما في اتحاد الجزاء بحرمان الشفاعة، والمراد والله
تعالى أعلم الشفاعة برفع الدرجات أو بعمد دخول النار لا الخروج منها، أو حرمان مؤقت، أو أنه
يستحق ذلك، فلا ينافي وقوعها. وبه اندفع ما أورد أنه ليس فوق مرتكب الكبيرة في الجرم، وقد قال
عليه الصلاة والسلام: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي كما ذكره حسن جلبي في حواشي التلويح،
وتمامه في حواشينا على المنار. قوله: (الاكل للغذاء إلخ) وكذا ستر العورة وما يدفع الحر والبرد
شرنبلالية. قوله: (ولو من حرام) فلو خاف الهلاك عطشا وعنده خمر له شربه قدر ما يدفع العطش إن
علم أنه يدفعه. بزازية. ويقدم الخمر على البول. تاترخانية. وسيأتي تمام الكلام فيه. قوله: (أو ميتة)
عطف خاص على عام. قوله: (وإن ضمنه) لان الإباحة للاضطرار لا تنافي الضمان.
وفي البزازية: خاف الموت جوعا ومع رفيقه طعام أخذ بالقيمة منه قدر ما يسد جوعته، وكذا
يأخذ قدر ما يدفع العطش، فإن امتنع قاتله بلا سلاح، فإن خاف الرفيق الموت جوعا أو عطشا ترك له
البعض، وإن قال له آخر اقطع يدي وكلها لا يحل، لان لحم الانسان لا يباح في الاضطرار لكرامته.
قوله: (يثاب عليه إلخ) قال في الشرنبلالية عن الاختيار: قال (ص): إن الله ليؤجر في
كل شئ حتى اللقمة يرفعها العبد إلى فيه فإن ترك الأكل والشرب حتى هلك فقد عصى، لان فيه
إلقاء النفس إلى التهلكة وإنه منهي عنه في محكم التنزيل اه‍. بخلاف من امتنع عن التداوي حتى مات
إذ لا يتيقن بأنه يشفيه كما في الملتقى وشرحه. قوله: (مفاده إلخ) أي مفاد قوله ومأجور عليه فإن
ظاهره أنه مندوب وبه صرح في متن الملتقى فيفيد جواز الترك. قوله: (كما في الملتقى) هو ما يذكره
قريبا حيث قال: ولا تجوز الرياضة بتقليل الاكل حتى يضعف عن أداء العبادة. قوله: (قلت إلخ) تأييد
لقوله لم يجز. قوله: (فتنبه) إشارة إلى المؤاخذة على المصنف وعلى ما ذكره في الملتقى أولا. قوله:
653

(ومباح) أي لا أجر ولا وزر فيه، فيحاسب عليه حسابا يسيرا لو من جل، لما جاء: أنه يحاسب على
كل شئ إلا ثلاثا: خرقة تستر عورتك، وكسرة تسد جوعتك، وحجر تقيك من الحر والقر وجاء
حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ولا يلام على كفاف در منتقى. قوله: (إلى الشبع) بكسر الشين
وفتح الباء وسكونها: ما يغذيه ويقوي بدنه. قهستاني. قوله: (وحرام) لأنه إضاعة للمال وإمراض
للنفس: وجاء ما ملا ابن آدم وعاء شرا من البطن، فإن كان ولا بد فثلث للطعام وثلث
للماء وثلث للنفس، وأطول الناس عذابا أكثرهم شبعا در منتقى.
تتمة: قال في تبيين المحارم: وزاد بعضهم مرتبتين أخريين مندوب، وهو ما يعينه على تحصيل
النوافل وتعليم العلم وتعلمه. ومكروه: وهو ما زاد على الشبع قليلا ولم يتضرر به ورتبة العابد التخيير
بين الاكل المندوب والمباح، وينوي به أن يتقوى به على العبادة فيكون مطيعا، ولا يقصد به التلذذ
والتنعم، فإن الله تعالى ذم الكافرين بأكلهم للتمتع والتنعم. وقال: * (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون
كما تأكل الانعام والنار مثوى لهم) * قال عليه الصلاة والسلام: المسلم يأكل في معي واحد والكافر
في سبعة أمعاء رواه الشيخان وغيرها، وتحصيص السبعة للمبالغة والتكثير، قيل هو مثل ضربه عليه
الصلاة والسلام للمؤمن وزهده في الدنيا وللكافر وحرصه عليها، فالمؤمن يأكل بلغة وقوتا والكافر
يأكل شهوة وحرصا طلبا للذة، فهذا يشبعه القليل وذاك لا يشبعه الكثير اه‍. قوله: (عبر في الخانية
بيكره) لعل الأوجه الأول لأنه إسراف، وقد قال تعالى: * (ولا تسرفوا) * وهو قطعي الثبوت والدلالة.
تأمل. قوله: (وهو أكل طعام إلخ) عزاه القهستاني إلى أشربه الكرماني وغيره. قال ط: وأفاد بذلك أنه
ليس المراد بالشبع الذي تحرم عليه الزيادة ما يعد شبعا شرعا كما إذا أكل ثلث بطنه. قوله: (إلا أن
يقصد إلخ) الظاهر أن الاستثناء منقطع بناء على ما ذكره من التأويل، فإنه إذا غلب على ظنه إفساد
معدته كيف يسوغ له ذلك مع أنه لو خاف المرض يحل له الافطار، إلا أن يقال: المراد إفساد لا يحصل
به زيادة إضرار. تأمل. وما ذكر استثناء من بعض المتأخرين كما أفاده في التاترخانية. قوله: (أو لئلا
يستحي ضيقه) أي الحاضر معه الآتي بعد ما أكل قدر حاجته. قهستاني. قوله: (أو نحو ذلك) ما إذا
أكل أكثر من حاجته ليتقيأه. قال الحسن: لا بأس به، قال: رأيت أنس بن مالك رضي الله عنه يأكل
ألوانا من الطعام ويكثر ثم يتقيأ وينفعه ذلك. خانية. قوله: (عن أداء العبادة) أي المفروضة قائما، فلو
على وجه لا يضعفه فمباح. در منتقى. قوله: (وتركه أفضل) كي لا تنقص درجته، ويدخل تحت قوله
تعالى: * (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا) * والتصدق بالفضل أفضل تكثير للحسنات، در منتقى.
قوله: (واتخاذ الأطعمة سرف) إلا إذا قصد قوة الطاعة أو دعوة الأضياف قوما بعد قوم. قهستاني.
قوله: (وسنة الاكل إلخ) فإن نسي البسملة فليقل بسم الله على أوله وآخره اختيار، وإذا قلت بسم الله
فارفع صوتك حتى تلقن من معك، ولا يرفع بالحمد إلا أن يكونوا فرغوا من الاكل. تاترخانية.
وإنما يسمي إذا كان الطعام حلالا ويحمد في آخره كيفما كان. قنية ط. قوله: (وغسل اليدين قبله)
654

لنفي الفقر ولا يمسح يده بالمنديل ليبقى أثر الغسل وبعده لنفي اللمم ويمسحها ليزول أثر الطعام،
وجاء أنه بركة الطعام، ولا بأس به بدقيق، وهل غسل فمه للأكل سنة كغسل يده، الجواب لا، لكن
يكره للجنب قبله، بخلاف الحائض. الدر المنتقى. ومثله في التاترخانية. قوله: (ويبدأ) أي في الغسل
كما في التاترخانية. قوله: (بالشباب قبله) لأنهم أكثر أكلا والشيوخ أقل. در منتقى. قوله: (وبالشيوخ
بعده) لحديث ليس منا من لم يوقر كبيرنا وهذا من التوقير ط.
تتمة: يكره وضع الملحة القصعة على الخبز ومسح اليد أو السكين به ولا يعلقه بالخوان، ولا
بأس بالاكل متكئا أو مكشوف الرأس في المختار، ومن الاسراف أن يأكل وسط الخبز ويدع حواشيه
أو يأكل ما انتفخ منه إلا أن يكون غيره يأكل ما تركه فلا بأس به كما لو اختار رغيفا دون رغيف،
ومن إكرام الخبز أن لا ينتظر الادام إذا حضر، وأن لا يترك لقمة سقطت من يده فإن إسراف بل ينبغي
أن يبتدئ بها. ومن السنة أن لا يأكل من وسط القصعة فإن البركة تنزل في وسطها، وأن يأكل من
موضع واحد لأنه طعام واحد، بخلاف طبق فيه ألوان الثمار فإنه يأكل من حيث شاء لأنه ألوان: بكل
ذلك ورد الآثار، ويبسط رجله اليسرى وينصب اليمنى، ولا يأكل الطعام حارا ولا يشمه. وعن الثاني
أنه لا يكره النفخ في الطعام إلا بما له صوت نحو أف وهو محمل النهي. ويكره السكون حالة الاكل
لأنه تشبه بالمجوس ويتكلم بالمعروف. قال عليه الصلاة والسلام: من أكل من قصعة ثم لحسها تقول
له القصعة أعتقك الله من النار كما أعتقني من الشيطان وفي رواية أحمد استغفرت له القصعة ومن
السنة البداءة بالملح والختم به بل فيه شفاء من سبعين داء ولعق القصعة، وكذا الأصابع قبل مسحها
بالمنديل. وتمامه في الدر المنتقى والبزازية وغيرهما. قوله: (الأهلية) بخلاف الوحشية فإنها ولبنها حلالان.
قوله: (خلافا لمالك) وللخلاف لم يقل حرم منح: أي فإنه دليل تعارض الأدلة. قوله: (ولبنها) لتولده
من اللحم فصار مثله. منح. قوله: (التي تأكل العذرة) أي فقط حتى أنتن لحمها. قال في شرح
الوهبانية: وفي المنتقى: الجلالة المكروهة التي إذا قربت وجدت منها رائحة فلا تؤكل ولا يشرب
لبنها، ولا يعمل عليها وتلك حالها ويكره بيعها وهبتها وتلك حالها، وذكر البقالي أن عرقها نجس
اه‍. وقدمناه في الذبائح. قوله: (ولبن الرمكة) قدم في الذبائح عن المصنف أنه لا بأس به على الأوجه،
لأنه ليس في شربه تقليل آلة الجهاد، وقدمنا هناك أن المعتمد أن الامام رجع إلى قول صاحبيه بأن أكل
لحمها مكروه تنزيها. قوله: (وأجازه أبو يوسف للتداوي) في الهندية وقالا: لا بأس بأبوال الإبل ولحم
الفرس للتداوي: كذا في الجامع الصغير اه‍ ط.
قلت: وفي الخانية أدخل مرارة في أصبعه للتداوي روى عن أبي حنيفة كراهته، وعن أبي يوسف
عدمها، وهو على الاختلاف في شرب بول ما يؤكل لحمه، وبقول أبي يوسف، أخذ أبو الليث اه‍.
قوله: (على الأظهر) قال في شرح الوهبانية عن التنجيس: وهو المختار على الظاهر، لأن الظاهر
أن طهارتهم تحصيل بهذه المدة. وفي البزازية أن ذلك شرط في التي لا تأكل إلا الجيف، ولكنه جعل
التقدير في الإبل بشهر، وفي البقر بعشرين، وفي الشاة بعشرة. وقال السخرخسي: الأصح عدم
655

التقدير، وتحبس حتى تزول الرائحة المنتنة اه‍. قوله: (حلت) وعن هذا قالوا: لا بأس بأكل الدجاج
لأنه يخلط ولا يتغير لحمه. وروى أنه عليه الصلاة والسلام كان يأكل الدجاج وما روى أن الدجاجة
تحبس ثلاثة أيام ثم بذبح فذلك على سبيل التنزه. زيلعي. قوله: (لان لحمه لا يتغير إلخ) كذا
في الذخيرة، وهو موافق لما مر من أن المعتبر النتن، لكن ذكر الخانية أن الحسن قال: لا بأس بأكله.
وأن ابن المبارك قال: معناه إذا اعتلف أياما بعد ذلك كالجلالة. وفي شرح الوهبانية عن القنية راقما أنه
يحل إذا ذبح بعد أيام، وإلا لا.
فرع: في أبي السعود: الزروع المسقية بالنجاسات لا تحرم ولا تكره عند أكثر الفقهاء. قوله: (حل
أكله ويكره) ظاهره أن الكراهة تحريمية، وعليه ينظر ما الفرق بينه وبين الجلالة التي تأكل النجاسة
وغيرها والجدي. قوله: (للرجل والمرأة) قال في الخانية: والنساء فيما سوى الحلي من الأكل والشرب
والادهان من الذهب والفضة والعقود بمنزلة الرجال، ولا بأس لهن بلبس الديباج والحرير والذهب
والفضة واللؤلؤ اه‍. قوله: (لاطلاق الحديث) هو ما روي عن حذيفة أنه قال: سمعت رسول الله
(ص) يقول: لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها،
فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة رواه البخاري ومسلم وأحمد، وأحاديث أخر ساقها الزيلعي، ثم
قال: فإذا ثبت ذلك في الشرب والاكل فكذا في التطيب وغيره لأنه مثله في الاستعمال. قوله: (وما
أشبه ذلك إلخ) ومنه الخوان من الذهب والفضة والوضوء من طست أو إبريق منهما، والاستجمار
بمجمرة منهما، والجلوس على كرسي منهما، والرجل والمرأة في ذلك سواء تاترخانية. قوله: (مرآة) قال
أبو حنيفة: لا بأس بحلقة المرأة من الفضة إذا كانت المرآة حديدا. وقال أبو يوسف: لا خير فيه. تاترخانية.
قوله: (يعني إلخ) هذه العناية من صاحب الدرر ويأتي الكلام فيها. وأما عبارة المجتبى وغيره فمن
قوله: لو نقل الطعام إلخ. قوله: (مجتبى وغيره) كالنهاية والكفاية، فقد نقلا عن شرح الجامع الصغير
لصاحب الذخيرة ما نصه: قبل صورة الادهان أن يأخذ آنية الذهب والفضة ويصب الدهن على الرأس،
أما إذا أدخل يده فيها وأخذ الدهن ثم صبه على الرأس من اليد فلا يكره اه‍. زاد في التاترخانية: وكذا
أخذ الطعام من القصعة ووضعه على خبز وما أشبه ذلك ثم أكل لا بأس به اه‍.
قال في الدرر: واعترض عليه بأنه يقتضي أن لا يكره إذا أخذ الطعام من آنية الذهب والفضة
بملعقة ثم أكله منها، وكذا لو أخذه بيده وأكله منها ينبغي أن لا يكره، ثن قيل: ولكن ينبغي أن لا
656

يفتي بهذه الرواية لئلا ينفتح باب استعمالها اه‍. قوله: (وهو ما حرره في الدرر) حيث أجاب عن
الاعتراض على ما في النهاية والكفاية بما أشار إليه الشارح من أن المحرم هو الاستعمال فيما صنعت
له في متعارف الناس وأقره عليه في العزمية، وظاهر كلام الواني ونوح أفندي وغيرهما عدم تسليمه،
وكذا قال الرملي: إن نقل الطعام منها إلى موضع آخر استعمال لها ابتداء وأخذ الدهن باليد ثم صبه على
الرأس استعمال متعارف اه‍.
وأقول وبالله التوفيق: إنما ذكره في الدرر من إناطة الحرمة بالاستعمال فيما صنعت له عرفا
فيه نظر، فإنه يقتضي أنه لو شرب أو اغتسل بآنية الدهن أو الطعام أنه لا يحرم مع أن ذلك استعمال
بلا شبهة داخل تحت إطلاق المتون، والأدلة الواردة في ذلك والذي يظهر لي في تقرير ما قدمناه عن
النهاية وغيرها على وجه لا يرد عليه شئ مما مر أن يقال: إن وضع الدهن أو الطعام مثلا في ذلك
الاناء المحرر يجوز لأنه استعمال له قطعا ثم بعد وضعه إذا ترك فيه بلا انتفاع لزم إضاعة المال فلا بد
من تناوله منه ضرورة، فإذا قصد المتناول نقله من ذلك الاناء إلى محل آخر لا على وجه الاستعمال، بل
ليستعمله من ذلك المحل الآخر كما إذا نقل الدهن إلى كفه ثم دهن به رأسه أو نقل الطعام إلى الخبز أو
إلى إناء آخر واستعمله منه لا يسمى مستعملا آنية الفضة أو الذهب لا شرعا ولا عرفا، بخلاف ما إذا
تناول منه ابتداء على قصد الادهان أو الاكل، فإنه استعمال سواء تناوله بيده أو بملعقة ونحوها فإنه
كأخذ الكحل بالميل، وسواء استعمله فيما صنع له عرفا أو لا. وليس المراد بأخذ الدهن صبه في
الكف، لأنه استعمال متعارف، بل المراد تناوله باليد من فم المدهن، ليكون تناولا على قصد النقل،
دون الاستعمال كما يفيده ما مر في النهاية، فلا ينافي ما في التاترخانية عن العتابية حيث قال: ويكره
أن يدهن رأسه بمدهن فضة وكذا إن صبه على راحته ثم مسح رأسه أو لحيته اه‍. ومنه يظهر حكم
الادهان من قمقم ماء الورد فإنه تارة يرش منه على الوجه ابتداء، وتارة بواسطة الصب في الكف،
فكلاهما استعمال عرفا وشرعا خلافا لما يزعمه بعض الناس في زماننا من أنه لو صب في الكف لا
يكون استعمالا اغترارا بظاهر كلام الشارح، فقد معناك التصريح عن التاترخانية بخلافه، هذا ما
ظهر لفهمي القاصر والله تعالى أعلم. وأفاد ط حرمة استعمال ظروف فناجين القهوة والساعات من
الذهب والفضة وهو ظاهر وسنذكره عنه بعد. قوله: (واستثنى القهستاني إلخ) قال في الذخيرة قالوا هذا
قولهما، لان استعمال الحرير في الحر مكروه عنده فكذا الذهب، ثم إنهما فرقا بين الجوشن والبيضة
من الذهب، وبين حلية السيف منه بأن السهم يزلق على الذهب، وأما الحلية لا تنفع شيئا وإنما هي
للزينة فتكره اه‍. قوله: (البيضة) هي طاسة الدرع التي تلبس على الرأس. قال في المغرب: البيضة بيضة
النعامة، وكل طائر استعيرت لبيضة الحديد لما بينهما من الشبه الشكلي اه‍. وتسمى المغفر. قال في
المغرب: المغفر ما يلبس تحت البيضة والبيضة أيضا اه‍. قوله: (الجوشن) هو الدرع. قاموس. قوله:
(والساعدان منهما) أي من الذهب والفضة والأحسن والساعدين بالجر، وذكره في التاترخانية ولم
يذكره القهستاني، ولعله لأنه داخل في الجوشن، لأن الظاهر أن المراد به ما يضعه المقاتل على ساعدية
منه. قوله: (وهذا فيما يرجع للبدن) يعني أن تحريم الذهب أدخل والفضة فيما يرجع استعماله إلى البدن: أي
657

فيما يستعمل به لبسا أو أكلا أو كتابة، ويحتمل أن المراد فيما يرجع نفعه إلى البدن، لكن لا يشمل
استعمال القلم والدواة، والأحسن ما في القهستاني حيث قال: وفي الاستعمال إشعار بأنه لا بأس
باتخاذ الأواني منهما للتجمل. قوله: (تجملا) أي من غير استعمال أصلا. قوله: (بل فعله السلف) هذا لم
يذكره في الخلاصة بل في التاترخانية عن المحيط. قوله: (حتى أباح إلخ) لما كان كلامه الآن في الاتخاذ
بدون استعمال وذكر اتخاذ الديباج أراد أن يدفع ما قد يتوهم أنه لا يحل توسده والنوم عليه. قوله: (كما
يأتي) أي في فصل اللبس. قوله: (ويكره الاكل في نحاس أو صفر) عزاه في الدر المنتقى إلى المفيد
والشرعة والصفر مثل قفل وكسر الصاد لغة النحاس، وقيل أجوده مصباح. وفي شرع الشرعة:
هو شئ مركب من المعدنيات كالنحاس والأسرب وغير ذلك اه‍. ثم قيد النحاس بالغير المطلي
بالرصاص، وهكذا قال بعض من كتب على هذا الكتاب: أي قبل طلية بالقزدير والشب لأنه يدخل
الصدأ في الطعام فيورث ضررا عظيما وأما بعده فلا اه‍.
أقول: والذي رأيته في الاختيار: واتخاذها من الخزف أفضل إذ لا صرف فيه ولا مخيلة. وفي
الحديث من اتخذ أواني بيته خزفا زارته الملائكة ويجوز اتخاذها من نحاس أو رصاص اه‍. وفي
الجوهرة: وأما الآنية من غير الفضة والذهب فلا بأس بالاكل والشرب فيها، والانتفاع بها كالحديد
والصفر والنحاس والرصاص والخشب والطين اه‍ فتنبه. والخزف بالزاي محركة الجر، وكل ما عمل من
طين وشوي بالنار حتى يكون فخارا. قاموس. قوله: (ما ذكر) أي من الأكل والشرب والادهان
والتطيب. قوله: (رصاص) بالفتح كسحاب ولا يكسر وزجاج مثلث الزاي وبلور كتنور وسنور
وسبطر: جوهر معروف، والعقيق كأمير: خزر أخمر، قاموس. قوله: (مفضض) وفي حكمه المذهب.
قهستاني. قوله: (أي مزوق بفضة) كذا في المنح وفسره الشمني بالمرصع بها ط. ويقال لكل منقش
ونزين مزوق. قاموس. قوله: (بفم) فيضع فمه على الخشب وإن كان يضع يده على الفضة حال التناول ط.
قوله: (قيد ويد) كذا عبر في الهداية والجوهرة والاختيار والتبيين وغيرها، فأفاد ضعف ما في
الدرر كما نبه علي في الشرنبلالية. قوله: (وجلوس سرج) عطف على المجرور في قوله بفم لا على
يد كما قد يتوهم. قال في غرر الأفكار: بأن يجتنب في المصحف ونحوه موضع الاخذ، وفي
السرج ونحوه موضع الجلوس، وفي الركاب موضع الرجل، وفي الاناء موضع الفم. وقيل موضع
الاخذ أيضا اه‍. ونحوه في إيضاح الاصلاح، ويأتي قريبا أنه يجتنب في النصل والقبضة واللجام
موضع اليد.
فالحاصل: أن المراد الاتقاء بالعضو الذي يقصد الاستعمال به، ففي الشرب لما كان المقصود
658

الاستعمال بالفم اعتبر الاتقاء به دون اليد، ولذا لو حمل الركاب بيده من موضع الفضة لا يحرم، فليس
المدار على الفم، إذ لا معنى لقولنا متقيا في السرج والكرسي موضع الفم، فافهم. ولا يخفى أن
الكلام في المفضض وإلا فالذي كله فضة يحرم استعماله بأي وجه كان كما قدمناه ولو بلا مس
بالجسد، ولذا حرم إيقاد العود في مجمرة الفضة كما صرح به في الخلاصة، ومثله بالأولى ظرف فنجان
القهوة والساعة وقدرة التنباك التي يوضع فيها الماء، وإن كان لا يمسها بيده ولا بغمه، لأنه استعمال
فيما صنعت له، بخلاف القصب الذي يلف على طرف قصبة التتن فإنه تزويق فهو من المفضض فيعتبر
اتقاؤه باليد الولوالجية الفم، ولا يشبه ذلك ما يكون كله فضة كما هو صريح كلامهم وهو ظاهر. وقال ط:
وقد تجرأ جماعة على الشرع فقالوا بإباحة استعمال نحو الظرف زاعمين أنه اتقاء بفمه ومس اليد لا بأس
به، هذا جهل عظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فإن الخوان وإناء الطعام لا يمسهما
بيده وقد حرما، ومن الجرأة قول أبي السعود عن شيخه.
واعلم أنه ينبغي على ما هو الراجح من عدم اشتراط اتقاء موضع الآخذ حل شرب القهوة
من الفنجان في تبس الفضة اه‍.
فإن المقام مختلف فليتدبر حق التدبر اه‍. أقول: وكذا رده السائحاني بقوله: فرق كبير بين الاناء الفضة المستعمل لدفع حرارة الفنجان
وبين الفضة المرصعة للتزويق اه‍. والمراد بالتبس ظرف الفنجان، ولم أره فيما عندي من كتب اللغة، ثم
قال ط: وانظر ما لو كان الاناء لا يوضع على الفم بأن لا يستعمل إلا باليد كالمحبرة المضبية، هل يتقي
وضع اليد عليها، وحرره ومقتضى ما ذكروه في السيف من اشتراط اتقاء محل اليد من الذهب
والفضة أن لا يضع يده على ضبة القصبة في المحبرة ونحوها اه‍.
أقول: هو نظير ما قدمناه في قصبة التتن. قوله: (وكذا الاناء المضبب) أي الحكم فيه كالحكم في
المفضض، يقال باب مضبب: أي مشدود بالضباب، وهي الحديدة العريضة التي يضبب
بها وضبب أسنانه بالفضة إذا شدها بها. مغرب. قوله: (وحلية مرآة) الذي في المنح والهداية وغيرهما: حلقة
بالقاف. قال في الكفاية: والمراد بها التي تكون حوالي المرآة لا ما تأخذ المرأة بيدها فإنه مكروه اتفاقا اه‍.
قوله: (ولم يضع يده) لا يشمل الركاب، فالأولى أن يزيد ورجله. قوله: (وكذا كتابة الثوب إلخ) سيأتي
أن المنسوج بذهب يحل إن كان مقدار أربع أصابع. تأمل. قوله: (وعن الثاني) ظاهره أن عنه رواية
أخرى، وبه صرح في البزازية، وذكر أن الكراهة قول محمد، وهو عكس ما رأيته في عدة مواضع،
وعبارة المنح كالهداية وغيرها. وقال أبو يوسف: يكره ذلك، وقول محمد يروي
مع أبي حنيفة ويروي مع أبي يوسف. قوله: (يكره الكل) أي كما مر من المفضض والمضبب في جميع المسائل المارة، لان
الاخبار مطلقة، ولان ن استعمل إناء كان مستعملا لكل جزء منه، ولأبي حنيفة ما روي عن أنس
رضي الله تعالى عنه أن قدح النبي (ص) انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة رواه البخاري
ولأحمد عن عاصم الأحول قال: رأيت عند أنس رضي الله عنه قدح النبي (ص) فيه ضبة فضة. وتمامه
659

في التبيين والشعب كالمنع الصدع. قاموس. قوله: (والخلاف في المفضض) أراد به ما فيه قطعة فضة
فيشمل المضبب، والأظهر عبارة العيني وغيره وهي: وهذا الاختلاف فيما يخلص، وأما التمويه الذي
لا يخلص فلا بأس به بالاجماع لأنه مستهلك فلا عبرة ببقائه لونا اه‍. قوله: (أو قال اشتريته من مجوسي
فيحرم) ظاهره أن الحرمة تثبت بمجرد ذلك، وإن لم يقل ذبيحة مجوسي وعبارة الجامع الصغير: وإن
كان غير ذلك لم يسعه أن يأكل منه. قال في الهداية. معناه إذا قال كان ذبيحة غير الكتابي والمسلم اه‍.
تأمل. وفي التاترخانية قبيل الأضحية عن جامع الجوامع لأبي يوسف: من اشترى لحما فعلم أنه
مجوسي وأراد الرد فقال ذبحه مسلم يكره أكله اه‍. ومفاده أن مجرد كون البائع مجوسيا يثبت الحرمة،
فإنه بعد إخباره بالحل بقوله ذبحه مسلم كره أكله فيكف بدونه. تأمل. قوله: (ولا يرده بقول الواحد)
قال في الخانية: مسلم شرى لحما وقبضه فأخبره مسلم ثقة أنه ذبيحة مجوسي، لا ينبغي له أن يأكل ولا
يطعم غيره، لأنه أخبره بحرمة العين، وهي حق الله تعالى فتثبت بخبر الواحد وليس من ضرورتها
بطلان الملك فتثبت مع بقائه وحينئذ لا يمكنه الرد على بائعه، ولا أن يحبس الثمن عنه إذ لم يبطل البيع
اه‍. ملخصا. قوله: (وأصله إلخ) أي أصل ما ذكرت من ثبوت الحل والحرمة، وهو يشير إلى سؤال
وجوابه مذكورين في النهاية وغيرها.
حاصل السؤال: أن هذه المسألة مناقضة لقوله الآتي: وشرط العدالة في الديانات، فإن من
الديانات الحل والحرمة كما إذا أخبر بأن هذا حلال أو حرام، وقد شرط فيها العدل والمراد به المسلم
المرضي، وهنا قوله شريته من كتابي إلخ معناه أنه حلال أو حرام، وقد قيل فيه خبر الكافر، ولو
مجوسيا. والجواب أن قوله شربته من المعاملات، وثبوت الحل والحرمة فيه ضمني. فلما قبل قوله في
الشراء ثبت ما في ضمنه، بخلاف ما يأتي، وكم من شئ يثبت ضمنا لا قصدا كوقف المنقول وبيع
الشرب، وبه يتضح الجواب عن الكنز. قوله: (وعليه) أي على هذا الأصل، وقد سبق إلى هذا الجواب
العيني، وصاحب الدرر وتبعهما المصنف، ويدل عليه تقرير صاحب الكنز في كتابه الكافي. قوله: (لا
مطلق الحل والحرمة) أي الشامل للقصدي كهذا حلال أو حرام. قوله: (سواء أخبر بإهداء المولى غيره أو
نفسه) الأولى التعبير بالولي مشددا بدون ميم الضمير في غيره أو نفسه للخبر المفهوم من أخبر. قال
في المنح: بأن قال عبد أو جارية أو صبي هذه هدية أهداها إليك سيدي أو أبي. وفي الجامع الصغير:
إذا قالت جارية لرجل بعثني مولاي إليك هدية وسعه أن يأخذها، إذ لا فرق بين ما إذا أخبرت
بإهداء المولى غيرها أو نفسها، وإنما يقبل قول هؤلاء فيها لان الهداية تبعث عادة على أيدي هؤلاء اه‍.
قوله: (أو بدخول الدار مثلا) قال في المنح: وأما الاذن بدخول الدار إذا أذن ذلك لعبده أو ابنه
الصغير فالقياس كذلك، إلا أنه جرت العادة بين الناس أنهم لا يمنعون عن ذلك فجوز لأجل ذلك
660

اه‍. فتأمل. قوله: (وقيده في السراج إلخ) ثم قال كما في المنح: وإن لم يغلب على رأيه ذلك لم يسعه
قبوله منهم، لان الامر مشتبه عليه اه‍. قال الإتقاني: لان الأصل أنه محجور عليه والاذن طارئ، فلا
يجوز إثبات بالشك، وإنما قلنا قول العبد إذا كان ثقة لأنه من أخبار المعاملات، وهو أضعف من
أخبار الديانات، فإذا قيل في أخبار الدين ففي المعاملات أولى اه‍. قوله: (ولو نحو زبيب وحلوى) أي مما
يأكله الصبيان عادة. خانية. قوله: (لأن الظاهر كذبه) قد عثر على فلوس أمه فأخذها ليشتري بها
حاجة نفسه. منح عن المبسوط. وهذا لا يظهر في كل الصبيان لجريان عادة أغنياء الناس بالتوسعة على
صبيانهم وإعطائهم ما يشترون به شهوة أنفسهم، وكذلك غالب الفقراء اه‍ ط.
أقول: قد علمت أن المدار على غلبة الظن فلينظر المبتلى في القرائن. قوله: (لكثرة وقوعها)
فاشتراط العدالة فيها يؤدي إلى الحرج، وقلما يجد الانسان المستجمع لشرائط العدالة ليعامله أو
يستخدمه أو يبعثه إلى وكلائه.
ثم اعلم أن المعاملات على ما في كتب الأصول ثلاثة أنواع. الأول: ما لا إلزام فيه كالوكالات
والمضاربات والاذن بالتجارة. والثاني: ما فيه إلزام محض كالحقوق التي تجري فيها الخصومات.
والثالث: ما فيه إلزام من وجه دون وجه كعزل الوكيل وحجر المأذون، فإن فيه إلزام العهدة على
الوكيل وفساد العقد بعد الحجر، وفيه عدم إلزام لان الموكل أو المولى يتصرف في خالص حقه فصار
كالاذن. ففي الأول يعتبر التمييز فقط. وفي الثاني شروط الشهادة. وفي الثالث إما العدد وإما العدالة
عنده خلافا لهما، فيتعين أن يراد هنا النوع الأول كما نبه عليه في العزمية. قوله: (في الديانات) أي
المحضة. درر. احتراز عما إذا تضمنت زوال ملك كما إذا أخبر عدل أن الزوجين ارتضعا من امرأة
واحدة لا تثبت الحرمة، لأنه يتضمن زوال ملك المتعة فيشترط العدد والعدالة جميعا. إتقاني. وهذا
بخلاف الاخبار، فإن ما اشتراه ذبيحة مجوسي، لان ثبوت الحرمة لا يتضمن زوال الملك كما قدمناه،
فتثبت لجواز اجتماعها مع الملك. قوله: (هي) أي الديانات. قوله: (إن أخبر بها مسلم عدل) لان الفاسق
متهم والكافر لا يلتزم الحكم فليس له أن يلزم المسلم. هداية. قوله: (منزجر إلخ) بيان للعدل. قوله:
(عبدا أو أمة) تعميم له. وفي الخلاصة: محدودا في قذف أو لا. قوله: (ويتحرى في خبر الفاسق) أما
مع العدالة فإن يسقط احتمال الكذب فلا معنى للاحتياط بالإراقة كما في الهداية. قوله: (وخبر
المستور) هذا ظاهر الرواية وهو الأصح، وعنه أنه كالعدل. نهاية. قوله: (ثم يعمل بغالب ظنه) فإن
غلب على ظنه صدقه تيمم ولم يتوضأ به أو كذبه توضأ به لم يلتفت إلى قوله هذا هو جواب الحكم. أما
661

في السعة والاحتياط فالأفضل أن يتيمم بعد الوضوء. تاترخانية. قوله: (وتوضأ) عطف على أراق.
قوله: (أحوط) لان التحري مجرد ظن يحتمل الخطأ كما في الهداية. قوله: (وفي الجوهرة إلخ) كلام
الجوهرة: فيما إذا غلب على رأيه كذبه فلم يزد على ما في المتن شيئا، فافهم. قوله: (وأما الكافر)
ومثله الصبي ولا معتوه كما في التاترخانية. قوله: (فإراقته أحب) فهو كالفاسق والمستور من هذا الوجه.
قال في الخانية: ولو توضأ به وصلى جازت صلاته. قوله: (قلت لكن إلخ) هذا توفيق منه بين العبارات
فإن مقتضى ما قدمه عدم الفرق بينه وبين الفاسق كما قلنا، لكن وقع في التاترخانية: فإن أخبره ذمي
أو صبي وغلب على ظنه صدقه لا يجب عليه التيمم بل يستحب، فإن تيمم لا يجزيه ما لم يرق الماء أو
لا، بخلاف ما لو أخبره مستور فيتيمم قبل الإراقة فإنه يجزيه. ورأيت بخط الشارح في هامش
التاترخانية عند قوله بل يستحب الظاهر أنه يتيمم بعد الوضوء حتى يفقد الماء بدليل ما بعده، فتأمل.
وحينئذ فقد ساوى الفاسق من هذه الجهة وإن خالفه من الجهة التي ذكرها. تأمل وراجع فإن عبارة
الخانية والخلاصة ندب الإراقة من غير تفصيل، إلا أن يحمل على هذا فليحرر. اه‍ رأيته بخطه.
وأنت تراه قد جزم في شرحه بما كان مترددا فيه. ثم رأيت في الذخيرة التصريح في الفرق بين الذمي
والفاسق من وجهين: أحدهما هذا. والثاني أنه في الفاس يجب التحري، وفي الذمي يستحب. قوله:
(بخلاف خبر الفاسق) أي إذا غلب على رأيه صدقه في النجاسة فإنه يتيمم ولا يتوضأ به. قوله:
(لصلاحيته إلخ) قال في الخانية: لان الفاسق من أهل الشهادة على المسلم وأما الكافر فلا اه‍: أي
فإن الفاسق إذا قبل القاضي شهادته على المسلم نفذ قضاؤه وإن أثم. قوله: (ولو أخبر عدل بطهارته
إلخ) أقول: ذكر شراح الهداية عن كفاية المنتهى لصاحب الهداية: رجل دخل على قوم يأكلون
ويشربون فدعوه إليهم فقال له مسلم عدل اللحم ذبيحة مجوسي والشراب خالطه خمر فقالوا لا بل هو
حلال، ينظر في حالهم: فإن عدولا أخذ بقولهم، وإن متهمين لا يتناول شيئا، ولو فيهم ثقتان أخذ
بقولهما، أو واحد عمل بأكبر رأيه، فإن لا أرى واستوى الحالان عنده فلا بأس أن يأكل ويشرب
ويتوضأ، فإن أخبره بأحد الامرين مملوكان ثقتان أخذ بقولهما لاستواء الحر والعبد في الخبر الديني
وترجح المثنى، ولو أخبره بأحدهما عند ثقة وبالآخر حر تحرى للمعارضة، وإن أخبره بأحدهما حران
ثقتان وبالآخر مملوكان ثقتان أخذ بقول الحرين، لان قولهما حجة في الديانة والحكم جميعا فترجحان
، وإن أخبره بأحدهما ثلاثة عبيد ثقات وبالآخر مملوكان ثقتان أخذ بقول العبيد، وكذا إذا أخبر بأحدهما
رجل وامرأتان وبالآخر رجلان أخذ بالأول.
فالحاصل، في جنس هذه المسائل: أن خبر العبد والحر في الامر الديني على السواء بعد الاستواء
في العدالة، فيرجح أولا بالعدد ثم بكونه حجة في الاحكام بالجملة ثم بالتحري اه‍. ومثله في
الذخيرة وغيرها. فقد اعتبروا التحري بعد تحقق المعارضة بالتساوي بين الخبرين بلا فرق بين الذبيحة
662

والماء. فتأمل. قوله: (وتعتبر الغلبة إلخ) أقول: حاصل ما ذكره في الذخيرة البرهانية أنه في الأواني إن
غلب الطاهر تحرى في حالتي الاضطرار والاختيار للشرب والوضوء، وإلا بأن غلب النجس أو
تساويا. ففي الاختيار: لا يتحرى أصلا، وفي الاضطرار: يتحرى للشرب لا للوضوء. وفي الذكية
والميتة يتحرى في الاضطرار مطلقا، وفي الاختيار وإن غلبت الميتة أو تساويا لا يتحرى، وكذا في
الثياب يتحرى في الاضطرار مطلقا وفي الاختيار إن غلب الطاهر تحرى وإلا لا اه‍.
وحاصله: أنه إن غلب الطاهر تحرى في الحالتين في الكل اعتبارا للغالب، وإلا ففي حالة
الاختيار لا يتحرى في الكل، وفي الاضطرار يتحرى في الكل إلا في الأواني للوضوء إذ له خلف
وهو التيمم، بخلاف ستر العورة وفي الأكل والشرب إذ لا خلف له. وسيأتي مثله في مسائل شتى
آخر الكتاب، وبه يظهر ما في كلامه من الايجاز البالغ حد الألغاز، فلو قال فإن الأغلب طاهرا تحرى
مطلقا، وإلا فلا إلا حالة الضرورة لغير وضوء لكان أخصر وأظهر فتدبر. نعم كلامه هنا موافق لما
قدمه قبيل كتاب الصلاة لنور الايضاح. قوله: (دعى إلى وليمة) هي طعام العرس، وقيل الوليمة اسم
لكل طعام. وفي الهندية عن التمرتاشي: اختلف في إجابة الدعوى. قال بعضهم: واجب لا يسع
تركها. وقال العامة: هي سنة، والأفضل أن يجب إذا كانت وليمة وإلا فهو مخير، والإجابة أفضل لان
فيها إدخال السرور في قلب المؤمن، وإذا أجاب فعل ما عليه أكل أو لا، والأفضل أن يأكل لو غير
صائم. وفي البناية: إجابة الدعوة سنة وليمة أو غيرها، وأما دعوة يقصد بها التطاوي أو إنشاء
الحمد أو ما أشبهه فلا ينبغي إجابتها لا سيما أهل العلم، فقد قيل ما وضع أحد يده في قصعة غيره
إلا ذل له اه‍ ط ملخصا. وفي الاختيار: وليمة العرس قديمة إن لم يجبها أثم لقوله (ص): من لم يجب
الدعوة فقد عصى الله ورسوله، فأن كان صائما أجاب ودعا، وإن لم يكن صائما أكل ودعا، وإن لم
يأكل ولم يجب أثم وجفا لأنه استهزاء بالمضيف. وقال عليه الصلاة والسلام: لو دعيت إلى كراع
لأجبت اه‍.
ومقتضاه أنها سنة مؤكدة، بخلاف غيرها، وصرح شراح الهداية بأنها قريبة من الواجب. وفي
التاترخانية عن الينابيع: لو دعي إلى دعوة فالواجب الإجابة إن لم يكن هناك معصية ولا بدعة،
والامتناع أسلم في زماننا إذا علم يقينا أن لا بدعة ولا معصية اه‍. والظاهر حمله على غير الوليمة لما
مر ويأتي. تأمل. قوله: (وثمة لعب) بكسر العين وسكونها والغناء بالكسر ممدودا السماع ومقصورا
اليسار. قوله: (لا ينبغي أن يقعد) أي يجب عليه. قال في الاختيار: لان استماع اللهو حرام والإجابة
سنة والامتناع عن الحرام أولى اه‍. وكذا إذا كان على المائدة قوم يغتابون لا يقعد فالغيبة أشد من اللهو
اللعب. تاترخانية. قوله: (ولو على المائدة إلخ) كان الواجب عليه أن يذكره قبيل قول المصنف الآتي
وإن علم كما فعل صاحب الهداية، فإن قول المصنف فإن قدر إلخ فيما لو كان المنكر في المنزل لا
على المائدة ففي كلامه إيهام لا يخفى. قوله: (بعد الذكرى) أي تذكر النهي ط. قوله: (فعل) أي فعل المنع
وجوبا إزالة للمنكر. قوله: (صبر) أي مع الانكار بقلبه. قال عليه الصلاة والسلام: من رأى منكم
663

منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الايمان اه‍: أي
أضعف أحواله في ذاته: أي إنما يكون ذلك إذا اشتد ضعف الايمان، فلا يجد الناهي أعوانا على إزالة
المنكر اه‍ ط. وهذا لان إجابة الدعوة سنة فلا يتركها لما اقترن به من البدعة من غيره كصلاة الجنازة
واجبة الإقامة وإن حضرتها نياحة. هداية. وقاسها على الواجب لأنها قريبة منه لورود الوعيد بتركها.
كفاية. قوله: (والمحكي عن الامام) أي من قوله: ابتليت بهذا مرة فصبرت. هداية. قوله: (وإن علم أو
لا) أفاد أن ما مر فيما إذا لم يعلم قبل حضوره. قوله: (لا يحضر أصلا) إلا إذا علم أنهم يتركون ذلك
احتراما له فعليه أن يذهب. إتقاني. قوله: (ابن كمال) لم أره فيه. نعم ذكره في الهداية. قال ط: وفيه
نظر، والأوضح ما في التبيين حيث قال: لأنه لا يلزمه إجابة الدعوة إذا كان هناك منكر اه‍.
قلت: لكنه لا يفيد وجه الفرق بين ما قبل الحضور وما بعده، وساق بعد هذا في التبيين ما رواه
ابن ماجة أن عليا رضي الله تعالى عنه قال: صنعت طعاما فدعوت رسول الله (ص) فجاء فرأى في البيت
تصاوير فرجع اه‍.
قلت: مفاد الحديث أنه يرجع ولو بعد الحضور، وأنه لا تلزم الإجابة مع المنكر أصلا. تأمل.
قوله: (ودلت المسألة إلخ) لان محمد أطلق اسم اللعب والغناء، فاللعب وهو اللهو حرام بالنص. قال
عليه الصلاة والسلام: لهو المؤمن باطل في ثلاث: تأديبه فرسه وفي رواية ملاعبته بفرسه،
ورميه عن قوسه، وملاعبته مع أهله كفاية. وكذا قول الإمام ابتليت دليل على أنه حرام. إتقاني.
وفيه كلام لابن الكمال فيه كلام فراجعه متأملا. قوله: (ويدخل عليهم إلخ) لأنهم أسقطوا حرمتهم
بفعلهم المنكر فجاز هتكها، كما للشهود أن ينظروا إلى عورة الزاني حيث هتك حرمة نفسه. وتمامه في
المنح. قوله: (قال ابن مسعود إلخ) رواه في السنن مرفوعا إلى النبي (ص): بلفظ: إن الغناء ينبت النفاق
في القلب كما في غاية البيان. وقيل إن تغنى ليستفيد نظم القوافي ويصير فصيح اللسان لا بأس به.
وقيل: إن تغنى وحده لنفسه لدفع الوحشة لا بأس به، وبه أخذ السرخسي. وذكر شيخ الاسلام أن
كل ذلك مكروه عند علمائنا واحتج بقوله تعالى: * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) * (لقمان: 6)
الآية. جاء في التفسير: أن المراد الغناء وحمل ما وقع من بعض الصحابة على إنشاد الشعر المباح الذي
فيه الحكم والمواعظ، فإن لفظ الغناء كما يطلق على المعروف يطلق على غيره كما في الحديث من لم
يتغن بالقرآن فليس منا وتمامه في النهاية وغيرها.
تنبيه: عرف القهستاني الغناء بأنه ترديد الصوت بالألحان في الشعر مع انضمام التصفيق المناسب
بها. قال: فإن فقد قيد من هذه الثلاثة لم يتحقق الغناء اه‍. قال في الدر المنتقى: وقد تعقب بأن
تعريفه هكذا لم يعرف في كتبنا، فتدبر اه‍.
أقول: وفي شهادات فتح القدير بعد كلام عرفنا من هذا أن التغني المحرم ما كان في اللفظ ما
لا يحل كصفة الذكور والمرأة المعينة الحية ووصف الخمر المهيج إليها والحانات والهجاء لمسلم أو ذمي إذا
664

أراد المتكلم هجاءه، لا إذا أراد إنشاده للاستشهاد به أو ليعلم فصاحته وبلاغته، وكان فيه وصف امرأة
ليست كذلك أو الزهريات المتضمنة وصف الرياحين والأزهار والمياه فلا وجه لمنعه على هذا. نعم إذا
قيل ذلك على الملاهي امتنع وإن كان مواعظ وحكما للآلات نفسها لا لذلك التغني اه‍ ملخصا. وتمامه
فيه فراجعه. وفي الملتقى: وعن النبي (ص) أنه كره رفع الصوت عند قراءة القرآن والجنازة والزحف
والتذكير، فما ظنك به عند الغناء الذي يسمونه وجدا ومحبة فإن مكروه لا أصل له في الدين. قال
الشارح: زاد في الجوهرة: وما يفعله متصوفة زماننا حرام لا يجوز القصد والجلوس إليه، ومن قبلهم لم
يفعل كذلك، وما نقل أنه عليه الصلاة والسلام سمع الشعر لم يدل على إباحة الغناء. ويجوز حمله على
الشعر المباح المشتمل على الحكمة والوعظ، وحديث تواجده عليه الصلاة والسلام لم يصح، وكان
النصراباذي يسمع فعوتب فقال: إنه خير من الغيبة، فقيل له هيهات بل زلة السماع شر من كذا وكذا
سنة يغتاب الناس. وقال السري: شرط الواجد في غيبته أن يبلغ إلى حد لو ضرب وجهه بالسيف لا
يشعر فيه بوجع اه‍،
قلت: وفي التاترخانية عن العيون إن كان السماع سماع
القرآن والموعظة يجوز، وإن كان سماع غناء فهو حرام بإجماع العلماء، ومن إباحة من الصوفية، فلمن تخلى عن اللهو، وتحلى بالتقوى، واحتاج
إلى ذلك احتياج المريض إلى الدواء. وله شرائط ستة: أن لا يكون فيهم أمرد، وأن تكون جماعتهم من
جنسهم، وأن تكون نية القول الاخلاص لا أخذ الأجر والطعام، وأن لا يجتمعوا لأجل طعام أو
فتوح، وأن لا يقوموا إلا مغلوبين، وأن لا يظهروا وجدا إلا صادقين.
والحاصل: أنه لا رخصة في السماع في زماننا، لان الجنيد رحمه الله تعالى تاب عن السماع في
زمانه اه‍. وانظر ما في الفتاوى الخيرية. قوله: (ينبت النفاق) أي العملي. قوله: (كضرب قصب) الذي
رأيته في البزازية قضيب بالضاد المعجمة والمثناة بعدها. قوله: (فسق) أي خروج عن الطاعة، ولا يخفى
أن في الجلوس عليها استماعا لها، والاستماع معصية فهما معصيتان. قوله: (فصرف الجوارح الخ)
ساقه تعليلا لبيان صحة إطلاق الكفر على كفران النعمة ط فقوله: (فالواجب) تفريع على قوله: استماع
الملاهي، معصية ط. قوله: (أدخل أصبع في إذنه) الذي رأيته في البزازية والمنح بالتثنية. قوله: (تكره)
أي تكره قراءتها فكيف التغني بها. قال في التاترخانية: قراءة الاشعار إن لم يكن فيها ذكر الفسق
والغلام ونحوه لا تكره. وفي الظهيرية: قبل معنى الكراهة في الشعر أن يشغل الانسان عن الذكر
والقراءة، وإلا فلا بأس به اه‍.
وقال في تبيين المحارم: واعلم أن ما كان حراما من الشعر ما فيه فحش أو هجو مسلم، أو
كذب على الله تعالى أو رسوله (ص) أو على الصحابة، أو تزكية النفس، أو الكذب أو التفاخر المذموم،
665

أو القدح في الأنساب، وكذا ما فيه وصف أمرد أو امرأة بعينها إذا كانا حيين، فإنه لا يجوز وصف
امرأة معينة حية ولا وصف أمرد معين حي حسن الوجه بين يدين الرجال ولا في نفسه، وأما وصف
الميتة أو غير المعينة فلا بأس، وكذا الحكم في الأمرد، ولا وصف الخمر المهيج إليها والديريات
والحانات والهجاء ولو لذمي. كذا في ابن الهمام والزيلعي. وأما وصف الخدود والأصداغ وحسن
القد والقامة وسائر أوصاف النساء والمرد. قال بعضهم: فيه نظر. وقال في المعارف: لا يليق بأهل
الديانات، وينبغي أن لا يجوز إنشاده عند من غلب عليه الهوى والشهوة لأنه يهيجه على إجالة فكره
فيمن لا يحل وما كان سببا لمحظور فهو محظور اه‍.
أقول: وقدمنا أن إنشاده للاستشهاد لا يضر، ومثله فيما يظهر إنشاده أو عمله لتشبيهات بليغة
واستعارات بديعة. قوله: (أو لتغليظ الذنب) عطف على قوله أي بالنعمة يعني إنما أطلق عليه لفظ
الكفر تغليظا اه‍ ح. قوله: (ومن ذلك) أي من الملاهي ط. قوله: (ثلاث نفخات الصور) هي طريقة
لبعضهم، والمشهور أنهما نفختان: نفخة الصعق، ونفخة البعث ط. قوله: (لمناسبة بينهما) أي بين
النفخات والضرب في الثلاثة الأوقات. قوله: (فبعد العصر إلخ) بيان للمناسبة، فإن الناس بعد العصر
يفزعون من أسواقهم إلى منازلهم، وبعد العشاء وقت نومهم وهو الموت الأصغر، وبعد نصف الليل
يخرجون من بيوتهم التي هي كقبورهم إلى أعمالهم.
أقول: وهذا يفيد أن آلة اللهو ليست محرمة لعينها، بل لقصد اللهو منها: إما من سامعها، أو
من المشتغل بها، وبه تشعر الإضافة، ألا ترى أن ضرب تلك الآلة بعينها حل تارة وحرم أخرى
باختلاف النية بسماعها والأمور بمقاصدها، وفيه دليل لساداتنا الصوفية الذين يقصدون أمورا هم أعلم
بها، فلا يبادر المعترض بالانكار كي لا يحرم بركتهم، فإنهم السادة الأخيار أمدنا الله تعالى بإمداداتهم،
وأعاد علينا من صالح دعواتهم وبركاتهم. قوله: (وتمامه فيما علقته على الملتقى) حيث قال بعد عزوه ما
مر إلى الملاعب للامام البزدوي: وينبغي أن يكون بوق الحمام يجوز كضرب النوبة. وعن الحسن: لا
بأس بالدف في العرس ليشتهر. وفي السراجية: هذا إذا لم يكن له جلاجل ولم يضرب على هيئة
التطرب اه‍.
أقول: وينبغي أن يكون طبل المسحر في رمضان لايقاظ النائمين للسحور كبوق الحمام. تأمل.
فصل في اللبس
اعلم أن الكسوة منها فرض وهو ما يستر العورة ويدفع الحر والبرد، والأولى كونه من القطن أو
الكتان أو الصوف على وفاق السنة بأن يكون ذيله لنصف ساقه وكمه لرؤوس أصابعه وفمه قدر شبر
كما في النتف بين النفيس والخسيس، إذ خير الأمور أوساطها. وللنهي عن الشهرتين: وهو ما كان
666

في نهاية النفاسة أو الخساسة. ومستحب: وهو الزائد لاخذ الزينة وإظهار نعمة الله تعالى، قال عليه
الصلاة والسلام: إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده. ومباح: وهو الثوب الجميل للتزين في
الأعياد والجمع ومجامع الناس لا في جميع الأوقات لأنه صلف وخيلاء، وربما يغيط المحتاجين فالتحرز
عنه أولى ومكروه وهو اللبس للتكبر، ويستحب الأبيض وكذا الأسود لأنه شعار بني العباس، ودخل
عليه الصلاة والسلام مكة وعلى رأسه عمامة سوداء ولبس الأخضر سنة كما في الشرعة اه‍. ومن الملتقى
وشرحه وفي الهندية عن السراجية: لبس الثياب الجميلة مباح إذا لم يتكبر، وتفسيره أن يكون معها كما
كان قبلها اه‍. ومن اللباس المعتاد: لبس الفرو، ولا بأس به من السباع كلها وغير ذلك من الميتة
المدبوغة والمذكاة، ودباغها ذكاتها. محيط. ولا بأس بجلود النمر والسباع كلها إذا دبغت أن يجعل منها
مصلى أو منبر السرج. ملتقط. ويكره للرجال السراويل التي تقع على ظهر القدمين. عتابية. ولا بأس
بنعل مخصوف بمسامير الحديد. وفي الذخيرة: ما فيه نجاسة تمنع جواز الصلاة هل يجوز لبسه؟ ذكر
في كراهية أبي يوسف في حديث سعيد بن جبير أنه كان يلبس قلنسوة الثعالب ولا يصلي بها، أن هذا
زلة منه. قلت: هذا إشارة إلى أنه يجوز لبسه بلا ضرورة. تاترخانية. لكن قدم الشارح في شروط الصلاة
أن له لبس ثوب نجس في غير صلاة، وعزاه في البحر إلى المبسوط. قوله: (يحرم لبس الحرير إلخ) أي إلا
لضرورة كما يأتي. قال في المغرب: الحرير الإبريسم المطبوخ، وسمي الثوب المتخذ منه حريرا. قوله:
(قال في القنية إلخ) نقله عن أستاذه بديع وأنه قال: لكن طلبت هذا عن أبي حنيفة في كثير من الكتب
فلم أجد سوى ما عن برهان صاحب المحيط. قال في الخيرية: فالحاصل أنه مخالف لما في المتون
الموضوعة لنقل المذهب فلا يجوز العمل والفتوى به. قوله: (وقالا يحمل في الحرب) أي لو صفيقا يحصل به
اتقاء العدو كما يأتي. والخلاف فيما لحمته حرير وسداه، أما ما لحمته فقط حرير أو سداه حرير فقط يباح
لبسه حالة الحرب بالاجماع كما في التاترخانية ويأتي. قوله: (إلا قدر أربع أصابع إلخ) لما صح عن ابن
عباس رضي الله عنهما: إنما نهى النبي (ص) عن الثوب المصمت من الحرير إلا موضع
أصبع أو إصبعين أو ثلاث أو أربع. وهل المراد قدر الأربع أصابع طولا وعرضا بأن لا يزيد طول العلم
وعرضه على ذلك أو المراد عرضها فقط، وإن زاد طوله على طولها المتبادر من كلامهم الثاني، ويفيده
أيضا ما سيأتي في كلام الشارح عن الحاوي الزاهدي: وعلم الثوب رقمه، وهو الطراز كما في
القاموس، والمراد به ما كان من خالص الحرير نسجا أو خياطة، وظاهر كلامهم أنه لا فرق بينه وبين
المطرف، وهو ما جعل طرفه مسجفا بالحرير في أنه يتقيد بأربع أصابع، خلافا للشافعية حيث قيدوا
المطرز بالأربع أصابع، وبنوا المطرف على العادة الغالبة في كل ناحية، وإن جاوز أربع أصابع فالمراد
بالعلم عندنا ما يشملهما، فيدخل فيه السجاف وما يخيط على أطراف الأكمام وما يجعل في طوق الجبة
وهو المسمى قبة، وكذا العروة والزر كما سيأتي، ومثله فيما يظهر طرة الطربوش: أي القلنسوة ما
لم تزد على عرض أربع أصابع، وكذا بيت تكة السراويل، وما على أكتاف العباءة وعلى ظهرها، وإزار
الحمام المسمى بالشطرنجي، وما في أطراف الشاش سواء كان تطريزا بالإبرة أو نسجا وما يركب في
667

أطراف العمامة المسمى صجقا، فجميع ذلك لا بأس به إذا كان عرض أربع أصابع، وإن زاد على
طولها بناء على ما مر، ومثله لو رقع الثوب بقطعة ديباج، بخلاف ما لو جعلها حشوا.
قال في الهندية: ولو جعل القز حشوا للقباء فلا بأس به لأنه تبع، ولو جعلت ظهارته أو بطانته
فهو مكروه لان كليهما مقصود. كذا في محيط السرخسي. وفي شرح القدوري عن أبي يوسف: أكره
بطائن القلانس من إبريسم اه‍. وعليه فلو كانت قبة الجبة أكثر من عرض أربع أصابع كما هو العادة
في زماننا فخيط فوقها قطعة كرباس يجوز لبسها لان الحرير صار حشوا. تأمل. قوله: (وظاهر المذهب
عدم جمع المتفرق) أي إلا إذا كان خط منه قزا وخط منه غيره بحيث يرى كله قز فلا يجوز كما سيذكره
عن الحاوي. ومقتضاه حل الثوب المنقوش بالحرير تطريزا ونسجا إذا لم تبلغ كل واحدة من نقوشه
أربع أصابع، وإن زادت بالجمع ما لم يركله حريرا. تأمل. قال ط: وهل حكم المتفرق من الذهب
والفضة كذلك يحرر. قوله: (وفيها) أي القنية، وقد زمرد فيها بعد هذا النجم الأئمة المعتبر أربع أصابع كما هي على هيئتها لا أصابع
السلف، ثم رمز للكرماني منشورة، ثم رمزا للكرابيسي التحرز عن
مقدار المنشورة أولى. قوله: (وإلا لا يحل للرجل زيلعي) عبارة الزيلعي مطلقة عن التقييد بالرجل،
واعترض بأن هذا ليس من الحلي، فالظاهر أن حكم النساء فيه كالرجال. أقول: فيه نظر لان الحلي كما
في القاموس ما يتزين به، ولا شك أن الثوب المنسوج بالذهب حلي. وقدمنا عن الخانية أن النساء فيما
سوى الحلي من الأكل والشرب والادهان من الذهب والفضة والعقود بمنزلة الرجال، ولا بأس لهن
بلبس الديباج والحرير والذهب والفضة واللؤلؤ اه‍.
وفي الهداية: ويكره أن يلبس الذكور من الصبيان الذهب والحرير اه‍. وسيأتي. وفي القنية: لا
بأس بالعلم المنسوج بالذهب للنساء، فأما للرجال فقدر أربع أصابع وما فوقه يكره. قوله: (وفي المجتبى
إلخ) قد علمت أن القول الثاني ظاهر المذهب، وهذا مكرر مع ما مر من قوله ولو في عمامة. قوله:
(وفيه) أي في المجتبى، وكذا الضمائر بعده. قوله: (ومن ذهب يكره) قال في القنية: كأنه اعتبره
بالخاتم اه‍. وفيها: وكذا في القلنسوة فظاهر المذهب يجوز قدر أربع أصابع، وفي رواية عن محمد
: لا يجوز كما كانت من حرير اه‍.
قلت: ويأتي الكلام في علم الثوب من الذهب. قوله: (تكره الجبة المكفوفة بالحرير) هذا غير ما
عليه العامة، فإنه نقل في الهندية عن الذخيرة: أن لبس المكفوف بالحرير مطلق عند عامة الفقهاء.
وفي التبيين عن أسماء أنها أخرجت جبة طيالسة عليها لبنة شبر من ديباج كسرواني وفرجاها مكفوفان
به، فقالت هذه جبة رسول الله (ص) كان يلبسها، وكانت عند عائشة رضي الله تعالى عنها، فلما قبضت
668

عائشة قبضتها إلي فنحن نغسلها للمريض فيشتفي بها. رواه أحمد ومسلم ولم يذكر لفظة الشبر اه‍ ط.
وفي الهداية: وعنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يلبس جبة مكفوفة بالحرير اه‍. وفي القاموس: كف
الثوب كفا: خاط حاشيته، وهو الخياطة الثانية بعد الشل، وفيه لبنة القميص نبيقته. قوله: (قلت)
القائل صاحب المجتبى، وقد عملت حكم المبني عليه هذا القول. قوله: (البصرية) في المجتبى المضربة
من التضريب. قوله: (قلت ومفاده) قائلة صاحب المجتبى أيضا. قوله: (وبه جزم) أي بالتقييد بالعرض،
وكذا جزم به ابن الكمال والقهستاني ونقله في التاترخانية عن جامع الجوامع. قوله: (لكن إطلاق الهداية
وغيرها يخالفه) أي يخالف التقييد بالعرض، وقد يقال: يحمل المطلق على المقيد كما صرحوا به في كتب
الأصول من أنه يحمل عليه عن اتحاد الحكم، والحادثة على أن المتون كثيرا ما تطلق المسائل عن بعض
قيودها. تأمل وكن إطلاق المتون موافق لاطلاق الأدلة، وهو أرفق بأهل هذا الزمان لئلا يقعوا في
الفسق والعصيان. قوله: (وهو مخالف إلخ) نعم هذا مخالف للمتون صريحا فتقدم عليه. قوله: (قلت إلخ)
هذ بعيد جدا، ففي التاترخانية: وأما لبس ما علمه حرير أو مكفوف فمطلق عند عامة الفقهاء خلافا
لبعض الناس. وعن هشام عن أبي حنيفة: لا يرى بأسا بالعلم في الثوب قدر أربع أصابع، وذكر
شمس الأئمة السرخسي أنه لا بأس بالعلم في الثوب لأنه تبع ولم يقدر اه‍. فكلامهم في العلم في
الثوب الملبوس لا العلم الذي هو الراية، وإلا لم يبق معنى لقولهم في الثوب، ولا للتعليل بالتبعية.
هذا، وفي التاترخانية ما نصه: بقي الكلام في حق النساء. قال عامة العلماء: يحل لهن لبس
الحرير الخالص، وبعضهم قالوا: لا يحل. وأما لبس ما علمه حرير إلى آخر ما قدمناه والمتبادر من هذه
العبارة أن ما ذكر من إطلاق العلم إنما هو في حق النساء، فإن ثبت هذا فلا إشكال والتوفيق به
أحسن، وإلا فهما روايتان. قوله: (هو ما سداه إلخ) السدي بالفتح. ما مد من الثوب، واللحمة
بالضم: ما تدخل بين السد والإبريسم بفتح السين وضمها الحرير. قوله: (الكلة بالكسر البشخانة
والناموسية) كذا قاله ابن الشحنة. وفي القاموس: الكلة بالكسر: الستر الرقيق، وغشاء رقيق يتوقى به
من البعوض. قوله: (وتكره التكة) بالكسر: رباط السراويل جمعها نكك. قاموس. قوله: (هو الصحيح)
ذكره في القنية عن شرح الارشاد.
669

وفي التاترخانية: ولا تكره تكة الحرير، لأنها لا تلبس وحدها وفي شرح الجامع الصغير لبعض
المشايخ لا بأس بتكة الحرير للرجال عن أبي حنيفة، وذكر الصدر الشهيد أنه يكره عندهما ه‍. تأمل.
قوله: (وكذا تكره القلنسوة) ذكر منلا مسكين عند قول المصنف في مسائل شتى آخر الكتاب، ولا
بأس بلبس القلانس لفظ الجمع يشمل قلنسوة الحرير والذهب والفضة والكرباس والسواد والحمرة اه‍.
والظاهر أن المعتمد ما هنا لذكره في محله صريحا لا أخذا من العموم ط. وفي الفتاوى الهندية: يكره
أن يلبس الذكور قلنسوة من الحرير أو الذهب أو الفضة أو الكرباس الذي خيط عليه إبريسم كثير أو
شئ من الذهب أو الفضة أكثر من قدر أربع أصابع اه‍. وبه يعلم حكم العرقية المسماة بالطاقية، فإذا
كانت منقشة بالحرير وكان أحد نقوشها أكثر من أربع أصابع لا تحل، وإن كان أقل تحل، وإن زاد
مجموع نقوشها على أربع أصابع بناء على ما مر من أن ظاهر المذهب عدم جمع المتفرق. قوله: (والكيس
الذي يعلق) أي يعلقه الرجل معه لا الذي يوضع ولا الذي يعلقه في البيت، واحترز به عن الذي لا
يعلق، والظاهر في وجهه أن التعليق يشبه اللبس، فحرم لذلك لما علم أن الشبهة في باب المحرمات
ملحقة باليقين. رملي. والظاهر أن المراد بالكيس المعلق نحو كيس التمائم المسماة بالحمائل، فإنه يعلق
بالعنق، بخلاف كيس الدراهم إذا كان يضعه في جيبه مثلا بدون تعليق. وفي الدر المنتقى: ولا تكره
الصلاة على سجادة من الإبريسم، لان الحرام هو اللبس، أما الانتفاع بسائر الوجوه فليس بحرام كما
في صلاة الجواهر، وأقره القهستاني وغيره.
قلت: ومنه يعلم حكم ما كثر السؤال عنه من بند السبحة فليحفظ اه‍. فقوله هو اللبس: أي
ولو حكما لما في القنية: استعمال اللحاف من الإبريسم لا يجوز لأنه نوع لبس. بقي الكلام في بند
الساعة الذي تربط به ويعلقه الرجل بزر ثوبه، والظاهر أنه كبند السبحة الذي تربط به. تأمل. مثل بند
المفاتيح وبنود الميزان وليقة الدواة، وكذا الكتابة في ورق الحرير وكيس المصحف والدراهم، وما يغطي
به الأواني وما تلف فيه الثياب وهو المسمى بقجة، ونحو ذلك مما فيه انتفاع بدون لبس أو ما يشبه
اللبس. وفي القنية: دلال يلقي ثوب الديباج على منكبيه للبيع يجوز إذا لم يدخل يديه في الكمين،
وقال عين الأئمة الكرابيسي: فيه كلام بين المشايخ اه‍. ووجه الأول: أن إلقاء الثوب على الكتفين إنما
قصد به الحمل دون الاستعمال، فلم يشبه اللبس المقصود للانتفاع. تأمل. ونقل في القنية: أنه تكره
اللفافة الإبريسمية، والظاهر أن المراد بها شئ يلف على الجسد أو بعضها لا ما يلف بها الثياب. تأمل.
قوله: (واختلف إلخ) في الهندية: وعلى الخلاف لبس التكة من الحرير، قيل يكره بالاتفاق، وكذا
عصابة المفتصد وإن كانت أقل من أربع أصابع، لأنه أصل ينفسه. كذا في التمرتاشي اه‍ ط. قوله: (أن
يزين بيته إلخ) ذكر الفقيه أو جعفر في شرح السير: لا بأس بأن يستر حيطان البيوت باللبود المنقشة،
وإذا كان قصد فاعله الزينة فهو مكروه. وفي الغياثية: إرخاء الستر على الباب مكروه، نص عليه محمد
في السير الكبير، لأنه زينة وتكبر.
والحاصل: أن كل ما كان على وجه التكبر يكره، وإن فعل لحاجة وضرورة لا، وهو المختار
اه‍. هندية. وظاهره أنه لو كان لمجرد الزينة بلا تكبر ولا تفاخر يكره، لكن نقل بعده عن الظهيرية ما
670

يخالفه. تأمل. تنبيه: يؤخذ من ذلك أن ما يفعل أيام الزينة من فرض الحرير ووضع أواني الذهب والفضة بلا
استعمال جائز إذا لم يقصد به التفاخر بل مجر امتثال أمر السلطان، بخلاف إيقاد الشموع والقناديل في
النهار فإنه لا يجوز، لأنه إضاعة مال، إلا إذا خاف من معاقبة الحاكم، وحيث كانت مشتملة على
منكرات لا يجوز التفرج عليها، وقد مر في كتاب الشهادات مما ترد به الشهادة الخروج لفرجة قدوم
أمير: أي لما تشتمل عليه من المنكرات ومن اختلاط النساء بالرجال فهذا أولى، فتنبه. قوله: (لف
عمامة طويلة) لعلهم تعارفوها كذلك، فإن كان عرف بلاد أخر أنها تعظم بغير الطول يفعل لاظهار
مقام العلم، ولأجل أن يعرفوا فيسألوا عن أمور الدين ط. قوله: (وفيها) أي في القنية ونصها: يضره
النظر الدائم إلى الثلج وهو يمشي فيه لا بأس بأن يشد على عينيه خمارا أسود من الإبريسم. قلت: ففي
العين الرمدة أولى اه‍.
وفي التاترخانية: أما للحاجة فلا بأس بلبسه، لم روي عن عبد الرحمن بن عوف والزبير رضي
الله تعالى عنهما أنه كان بهما جرب كثير فاستأذنا رسول الله (ص) في لبس الحرير فأذن لهما اه‍.
أقول: لكن صرح الزيلعي قبيل الفصل الآتي أنه عليه الصلاة والسلام رخص ذلك خصوصية
لهما. تأمل. قوله: (فقد رخص الشرع في الكفاف إلخ) الكفاف موضع الكف من القميص، وذلك في
مواصل البدن والتخاريص أو حاشية الذيل. مغرب. قال ط: وفيه أن الوارد عن الشارع (ص)
أنه لبس الجبة المكفوفة بحرير، فليس فيه ذكر فضة ولا ذهب، فليتأمل وليحرر اه‍.
أقول: الظاهر أن وجه الاستشكال أن كلا من العلم والكفاف في الثوب إنما حل لكونه قليلا
وتابعا غير مقصود كما صرحوا به، وقد استوى كل من الذهب والفضة والحرير في الحرمة، فترخيص
العلم والكفاف من الحرير ترخيص لهما من غيره أيضا بدلالة المساواة، ويؤيد عدم الفرق ما مر من
إباحة الثوب المنسوج من ذهب أربعة أصابع، وكذا كتابة الثوب بذهب أو فضة والاناء ونحوه المضبب
بهما، فتأمل. والاشكال الوارد هنا وارد أيضا على ما قدمه عن المجتبى في علم العمامة. قوله: (ويحل
توسده) الوسادة: المخدة. منح. وتسمى مرفقة، إنما حل لما روى: أن النبي (ص) جلس على مرفقة
حرير وكان على بساط ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفقة حرير. وروى أن أنسا رضي الله تعالى
عنه حضر وليمة فجلس على وسادة حرير، ولان الجلوس على الحرير استخفاف وليس بتعظيم فجرى
مجرى الجلوس على بساط فيه تصاوير. منح عن السراج. قوله: (وقال إلخ) قيل: أبو يوسف مع أبي
حنيفة، وقيل: مع محمد. قوله: (كما في المواهب) ومثله في متن درر البحار. قال القهستاني: وبه أخذ
أكثر المشايخ كما في الكرماني اه‍. ونقل مثله ابن الكمال. قوله: (لكنه خلاف مشهور) قال في
671

الشرنبلالية: قلت: هذا الصحيح خلاف ما عليه المتون والمعتبرة المشهورة والشروح. قوله: (وأما جعله
دثارا) الدثار بالكسر ما فوق الشعار من الثياب والشعار ككتاب: ما تحت الدثار من اللباس وهو ما يلي
شعر الجسد ويفتح جمعه أعشره، قاموس، فالدثار ما لا يلاقي الجسد، والشعار بخلافه. وشمل الدثار
ما لو كان بين ثوبين، وإن لم يكن ظاهرا إلا إذا كان حشوا كما قدمناه عن الهندية. قوله: (فإنه يكره
بالاجماع) وأما ما نقله صاحب المحيط من أنه إنما يحرم ما مس الجلد كما تقدم، فلعله لم يعتبره لضعفه
أفاده ط. قوله: (فحرام بالاجماع) لأنه استعمال تام، إذ الذهب والفضة لا يلبسان. زيلعي.
أقول: ولعله عبر هنا بالحرمة وفيما قبله بالكراهة لشبهة الخلاف، فإن ما نقله صاحب المحيط
عن الامام قد نقل عن ابن عباس أيضا رضي الله تعالى عنهما. تأمل.
تتمة: يجري الاختلاف المار بين الامام وصاحبيه في ستر التحرير وتعليقه على الأبواب كما في
الهداية، وكذا لا يكره وضع ملاءة الحرير على مهد الصبي، وقدمنا كراهة استعمال اللحاف من
اللإبريسم لأنه نوع لبس، بخلاف الصلاة على السجادة منه، لان الحرام هو اللبس دون الانتفاع.
أقول: ومفاده، جواز اتخاذ خرقة الوضوء منه بلا تكبر، إذ ليس بلبس لا حقيقة ولا حكما،
بخلاف اللحاف والتكة وعصابة المفتصد. تأمل. لكن نقل الحموي عن شرح الهاملية للحدادي أنه
تكره الصلاة على الثوب الحرير للرجال اه‍.
قلت: والأول أوجه، إذ لا فرق يظهر بين الافتراش للجلوس أو النوم أو للصلاة. تدبر.
ويؤخذ من مسألة اللحاف والكيس المعلق ونحو ذلك أن ما يمد على الركب عند الاكل فيقي الثوب ما
يسقط من الطعام والدسم ويسمى بشكيرا يكره إذا كان حرير لأنه نوع لبس، وما اشتهر على ألسنة
العامة أنه يقصد به الإهانة فذلك فيما ليس فيه نوع لبس كالتوسد والجلوس، فإن الإهانة في التكة
وعصابة الفصادة أبلغ، ومع هذا تركه فكذا ما ذكر. تأمل. قوله: (ولحمته غيره) سواء كان مغلوبا أو
غالبا أو مساويا للحرير، وقيل لا يلبس إلا إذا غلبت اللحمة على الحرير، والصحيح الأول كما في
المحيط وأقره القهستاني وغيره. در ملتقى. قوله: (وخز) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الزاي ويأتي معناه.
قوله: (فكانت هي المعتبرة دون السدي) لما عرف أن العبرة في الحكم لآخر وصفي العلة. كفاية. قوله:
(كالعتابي) هو مثل القطني والأطلس في زماننا. قوله: (ونحوه في الاختيار) حيث قال: وما كان سواه
ظاهرا كالعتابي قيل يكره، لان لابسه في منظر العين لابس حرير وفيه خيلاء، وقيل لا يكره اعتباره
باللحمة اه‍ ط. قوله: (قلت ولا يخفى إلخ) اعلم أن المتون مطلقة في حل لبسه ما سداه إبريسم ولحمته
غيره كعبارة المصنف، وهي كذلك في الجامع الصغير للإمام محمد رحمه الله، وقد علل المشايخ المسألة
بتعليلين: الأول ما قدمه الشارح وهو المذكور في الهداية. والثاني ما نقل عن الإمام أبو منصور
672

الماتريدي رحمه الله تعالى، وهو أن اللحمة تكون على ظاهر الثوب ترى وتشاهد، فالتعليل الأول ناظر
إلى اعتبار اللحمة مطلقا لأنها كآخر وصفي العلة كما مر، والثاني ناظر إلى ظهورها، فعلى التعليل الأول
يجوز لبس العتابي ونحوه، وعلى الثاني يكره كما ذكره شراح الهداية، وفي تقدير الزيلعي هنا خفاء،
وظاهر إطلاق المتون اعتبار التعليل الأول، ولذا قال في الهداية بعده: والاعتبار للحمة على ما بينا.
قوله: (بل في المجتبى إلخ) ونصه: إنما يجوز ما كان سداه إبريسما ولحمته قطن إذا كان مخلوطا لا
يتبين في الإبريسم، أما إذا صار على وجهه كالعتابي في زماننا والششتري والقتي فإنه يكره للتشبه بزي
الجبابرة. قلت: ولكن أكثر المشايخ أفتوا على خلافه اه‍. قوله: (قلت وهذا) أي كون الخز صوف غنم
البحر. قال في التاترخانية: والخز اسم لدابة يكون على جلدها خز وأنه ليس من جملة الحرير، ثم قال
بعده: الامام ناصر الدين: الخز في زمانهم من أوباء الحيوان المائي. قوله: (وحل عكسه في الحرب
فقط) حاصل المسألة على ثلاثة أوجه. قال في التاترخانية: ما لحمته غير حرير وسداه حرير يباح لبسه
في حالة الحرب: أي وغيرها، وما لحمته حرير وسداه غير حرير يباح لبسه في حالة الحرب بالاجماع،
وأما ما لحمته وسداه حرير ففي لبسه حالة الحرب خلاف بين أصحابنا وعلمائنا اه‍. وظاهر التقييد
بحالة الحرب أن المراد وقت الاشتغال بها، لكن في القهستاني وعن محمد: لا بأس للجندي إذا تأهب
للحرب بلبس الحرير وإن لم يحضره العدو، ولكن لا يصلي فيه إلا أن يخاف العدو اه‍. قوله: (ولو
صفيقا) ضد الرقيق. قوله: (فلو رقيقا إلخ) اعلم أن لبس الحرير لا يجوز بلا ضرورة مطلقا، فما كان
سداه غير حرير ولحمته حرير يباح لبسه في الحرب للضرورة وهي شيئان: التهيب بصورته وهو بريقه
ولمعانه، والثاني ضعف معرة السلاح: أي مضرته. إتقاني. فإذا كان رفيقا لم تتم الضرورة فحرام إجماعا
بين الامام وصاحبيه. قوله: (فيكره فيها) أي في الحرب عنده، لان الضرورة تندفع بالأدنى، وهو
المخلوط وهو ما لحمته حرير فقط، لان البريق واللمعان بظاهره واللحمة على الظاهر، ويدفع معرة
السلاح أيضا، والمخلوط وإن كان حريرا في الحكم ففيه شبهة الغزل فكان دون الحرير الخالص،
والضرورة اندفعت بالأدنى فلا يصار إلى الاعلى، وما رواه الشعبي إن صح يحمل على المخلوط. إتقاني.
قوله: (خلافا لهما) قال في التاترخانية: إنما لا يكره عندهما لبس الحرير في الحرب إذا كان صفيقا
يدفع معرة السلاح لذكره كره بالاجماع اه‍.
أقول: والحاصل أنه عند الامام لا يباح الحرير الخالص في الحرب مطلقا، بل يباح ما لحمته
فقط حرير لو صفيقا، وأما عندهما فيباح كل منهما في الحرب لو صفيقا ولو رقيقا فلا خلاف في
الكراهة، فافهم وتأمل فيما في الشرنبلالية. قوله: (قلت ولم أر إلخ) مأخوذ من حاشية شيخه الرملي،
وتمام عبارته: ثم رأيت الحاوي الزاهدي بعلامة جمع التفاريق، وما كان من الثياب الغالب عليه غير
القز كالخز ونحوه لا بأس به، فقد وافق بحثنا المنقول ولله الحمد اه‍. ثم نقل عبارة الحاوي التي ذكرها
673

الشارح ولم يزد بعدها شيئا، فلذا قال الشارح وأقره شيخنا: وأجاب الشارح أيضا في شرحه على
الملتقى بقوله: ثم رأيته في الأشباه في قاعدة إذا اجتمع الحلال والحرام ألحقه بمسألة الأواني، وحينئذ
فيحل لو حريرا للحمة مساويا وزنا أو أقل لا أزيد لا. وبين الجوابين فرق، فإن ما في الأشبه مصرح
بحل المساواة، وما ذكره الرملي وتبعه الشارح ساكت عنه، وقد أجاب البيري بعبارة الزاهدي المارة
أيضا.
وأقول تحتمل عبارة الزاهدي أن تكون مبنية على القول الضعيف من اعتبار غلبة اللحمة على
الحرير كما قدمناه فلا تصلح للجواب. تأمل. قوله: (ما كان ظاهره قز) اسم كان ضمير الشأن،
والجملة من المبتدأ والخبر خبرها، والقز: الإبريسم كما في القاموس أو نوع منه كما في الصحاح.
قوله: (خط منه خز إلخ) أقول: ليس المراد بالخط ما يكون في السدي طولا، لان السدي لا يعتبر ولو
كان كله قزا، بل المراد بالخط ما يكون في اللحمة عرضا، فإذا كان المراد ذلك ظهر منه جواب آخر
عن المسألة السابقة بأن يقال: إذا خلطت اللحمة بإبريسم وغيره بحيث يرى كله إبريسما كره، وإن كان
كل واحد مستبينا كالطراز لم يكره لان ظاهر المذهب عدم الجمع فيما لم يبلغ أربع أصابع، ويظهر لي أن
هذا الجواب أحسن من الجواب السابق، فتأمل فيه. قوله: (قلت وقد علمت إلخ) استدراك على ما في
الحاوي وعلى شيخه حيث أقره. فإن قوله يكره ما كان ظاهر قز مفرع على اعتبار الظاهر وكراهة
نحو العتابي، والمرجح خلافه كما مر، ولا يرد هذا على ما استظهرناه آنفا في الجواب، لأن عدم اعتبار
الظاهر إنما هو في السدي وكلامنا السابق في اللحمة. قوله: (على الظاهر) أي الراجح، وليس المراد
ظاهر الرواية كما هو اصطلاحه في إطلاق هذا اللفظ. تأمل. قوله: (لا بأس بلبس الثوب الأحمر) وقد
روى ذلك عن الامام كما في الملتقط اه‍ ط. قوله: (ومفاده أن الكراهة تنزيهية) لان كلمة لا بأس
تستعمل غالبا فيما تركه أولى. منح. قوله: (في التحفة) أي تحفة الملوك. منح. قوله: (فأفاد أنها تحريم إلخ)
هذا مسلم لو لم يعارضه تصريح غيره بخلافه، ففي جامع الفتاوى قال أبو حنيفة والشافعي ومالك:
يجوز لبس المعصفر، وقال جماعة من العلماء: مكروه بكراهة التنزيه، وفي منتخب الفتاوى قال صاحب
الروضة: يجوز للرجال والنساء لبس الثوب الأحمر والأخضر بلا كراهة، وفي الحاوي الزاهدي: يكره
للرجال لبس المعصفر والمزعفر والمورس والمحمر: أي الأحمر حريرا كان أو غيره إذا كان في صبغه دم
وإلا فلا، ونقله عن عدة كتب، وفي مجمع الفتاوى: لبس الأحمر مكروه، وعند البعض لا يكره
، وقيل يكره إذا صبغ بالأحمر ألقاني لأنه خلط بالنجس، وفي الواقعات مثله، ولو صبغ بالشجر البقم
674

لا يكره، ولو صبغ بقشر الجوز عسليا لا يكره لبسه إجماعا اه‍. فهذه النقول مع ما ذكره عن المجتبى
والقهستاني وشرح أبي المكارم تعارض القول بكراهة التحريم إن لم يدع التوفيق بحمل التحريم على
المصبوغ بالنجس أو نحو ذلك. قوله: (وللشرنبلالي فيه رسالة) سماها تحفة الأكمل والهمام المصدر
لبيان جواز لبس الأحمر وقد ذكر فيها كثيرا من النقول، منها ما قدمناه، وقال: لم تجد نصا قطعيا
لاثبات الحرمة، ووجدنا النهي عن لبسه لعلة قامت بالفاعل من تشبه بالنساء أو بالأعاجم أو التكبر،
وبانتفاء العلة تزول الكراهة بإخلاص النية لاظهار نعمة الله تعالى، وعروض الكراهة للصبغ بالنجس
تزول بغسله، ووجدنا نص الامام الأعظم على الجواز دليلا قطعيا على الإباحة، وهو إطلاق الامر
بأخذ الزينة، ووجدنا في الصحيحين موجبه، وبه تنتفي الحرمة والكراهة، بل يثبت الاستحباب اقتداء
بالنبي (ص) اه‍. ومن أراد الزيادة على ذلك فعليه بها.
أقول: ولكن جل الكتب على الكراهة كالسراج والمحيط والاختيار والمنتقى والذخيرة وغيرها،
وبه أفتى العلامة قاسم. وفي الحاوي الزاهدي: ولا يكره في الرأس إجماعا. قوله: (ثمانية أقوال) نقلها
عن القسطلاني. قوله: (منها أنه مستحب) هذا ذكره الشرنبلالي بحثا كما قدمناه وليس من الثمانية. قوله:
(ولا يتحلى) أي لا يتزين. درر. قوله: (مطلقا) سواء كان في حرب أو غيره ط. وأما جواز الجوشن
والبيضة في الحرب فقدمنا أنه قولهما. قوله: (ومنطقة) بكسر الميم وفتح الطاء، قهستاني. وهي اسم لما
يسمه الناس بالحياصة، مصباح. والحياصة: سير يشد به حزام السرج. قاموس. وفي منطقة كمكنسة:
ما ينتطق به، وانتطق الرجل شد وسطه بمنطقة كتنطق اه‍. وهذا أنسب هنا، لان الحياصة للدابة
والكلام في تحلية الرجل نفسه. تأمل. ثم رأيت في بعض الشروح أن المنطقة بالفارسية الكمر، وعلى
عرف الناس الحياصة اه‍. قوله: (وحليه سيف) وحمائله من جملة حليته. شرنبلالية. والشرط أن لا
يضع يده على موضع الفضة كما قدمه. قوله: (منها) أي الفضة لا من الذهب. درر. وقال في غرر
الأفكار: حال كون كل من الخاتم والمنطقة والحلية منها: أي الفضة لورود آثار اقتضت الرخصة منها
في هذه الأشياء خاصة اه‍. قوله: (إذا لم يرد به التزين) الظاهر أن الضمير في به راجع إلى الخاتم فقط،
لان تحلية السيف والمنطقة لأجل الزينة لا لشئ آخر، بخلاف الخاتم، ويدل عليه ما في الكفاية حيث
قال: قوله إلا بالخاتم هذا إذا لم يرد به التزين، وذكر الامام المحبوبي: وإن تختم بالفضة قالوا: إن قصد
به التجبر يكره، وإن قصد به التختم ونحوه لا يكره اه‍. لكن سيأتي أن ترك التختم لمن لا يحتاج إلى
الختم أفضل، وظاهره أنه لا يكره للزينة بلا تجبر ويأتي تمامه. تأمل. قوله: (قيل يحل إلخ) لم يعتبر
في المجتبى بلفظة قيل بل رمز للأول إلى كتاب ثم رمز لهذا إلى كتاب آخر، ومقتضى الأول عدم
التقدير بشئ وهو ظاهر المتون في الفضة، وفي الحاوي القدسي: إلا الخاتم قدر درهم والمنطقة وحلية
السيف من الفضة اه‍. وهكذا عامة عباراتهم مطلقة لكن في القنية: لا بأس باستعمال منطقة حلقتاها
فضة لا بأس إذا كان قليلا، وإلا فلا اه‍. وفي الظهيرية عن أبي يوسف: لا بأس بأن يجعل في أطراف
سيور اللجام، والمنطقة الفضة، ويكره أن يجعل جميعه أو عامته الفضة اه‍. فتأمل. ولم أر من قدر حلية
675

السيف بشئ. قوله: (وسيجئ) أي آخرا قبيل الفروع. قوله: (ولا يتختم إلا بالفضة) هذه عبارة الإمام محمد
في الجامع الصغير: أي بخلاف المنطقة فلا يكره فيها حلقة حديد ونحاس كما قدمه، وهل حليه
السيف كذلك؟ يراجع. قال الزيلعي: وقد وردت آثار في جواز التختم بالفضة، وكان للنبي (ص) خاتم
فضة، وكان في يده الكريمة حتى توفي (ص)، ثم في يد أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى أن توفي، ثم
في يد عمر رضي الله تعالى عنه إلى أن توفي، ثم في يد عثمان رضي الله تعالى عنه إلى أن وقع من يده
في البئر، فأنفق مالا عظيما في طلبه فلم يجده، ووقع الخلاف فيما بينهم والتشويش من ذلك الوقت
إلى أن استشهد رضي الله تعالى عنه. قوله: (فيحرم بغيرها إلخ) لما روى الطحاوي بإسناده إلى عمران بن
حصين وأبي هريرة. قال: نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن خاتم الذهب. وروى صاحب
السنن بإسناده إلى عبد الله بن بريدة عن أبيه: أن رجلا جاء إلى النبي (ص) وعليه خاتم من شبه، فقال له
ما لي أجد منك ريح الأصنام؟ فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال: مال أجد عليك حلية
أهل النار؟ فطرحه فقال: يا رسول الله من أي شئ أتخذه؟ قال: اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالا فعلم
أن التختم بالذهب والحديد والصفر حرام، فألحق اليشب بذلك لأنه قد يتخذ منه الأصنام، فأشبه
الشبه الذي هو منصوص معلوم بالنص. إتقاني. والشبه محركا: النحاس الأصفر. قاموس. وفي
الجوهرة: والتختم بالحديد والصفر والنحاس والرصاص مكروه للرجال والنساء. قوله: (جواز اليشب)
بالباء أو الفاء أو الميم وفتح أوله وسكون ثانية وتحريكه خطأ كما في المغرب. قال القهستاني: وقيل إنه
ليس بحجر فلا بأس به وهو الأصح كما في الخلاصة اه‍. قوله: (والعقيق) قال في غرر الأفكار:
والأصح أنه لا بأس به، لأنه عليه الصلاة والسلام تختم بعقيق وقال: تختموا بالعقيق فإنه مبارك ولأنه
ليس بحجز إذ ليس به ثقل الحجر، وبعضهم أطلق التختم بيشب وبلور وزجاج. قوله: (وعمم منلا
خسرو) أي عمم جواز التختم بسائر الأحجار حيث قال بعد كلام: فالحاصل أن التختم بالفضة
حلال للرجال بالحديث وبالذهب والحديد والصفر حرام عليهم بالحديث، وبالحجر حلال على اختيار
شمس الأئمة وقاضيخان أخذا من قول الرسول وفعله (ص)، لان حل العقيق لما ثبت بهما ثبت حل
سائر الأحجار، لعدم الفرق بين حجر وحجر، وحرام على اختيار صاحب الهداية والكافي أخذا من
عبارة الجامع الصغير المحتملة: لان يكون القصر فيها بالإضافة إلى الذهب، ولا يخفى ما بين المأخذين
من التفاوت اه‍.
أقول: لا يخفى أن النص معلول كما قدمناه، فالالحاق بما ورد به النص في العلة التي فيه أخذ
من النص أيضا، والنص على الجواز بالعقيق يحتمل عدم الثبوت عند المجتهد أو ترجيح غيره عليه، على
أن العقيق أو اليشب ليسا من الحجر كما مر، فقياس غيرهما عليهما يحتاج إلى دليل، واتباع المجتهد
اتباع للنص، لأنه تابع للنص غير مشرع قطعا، وتأويل عبارة المجتهد العارف بمحاورات الكلام عدول
عن الانتظام، كيف ولو كان القصر فيها بالإضافة إلى الذهب لزم منها إباحة نحو الصفر والحديد مع
أن مراد المجتهد عدمها. قوله: (لما مر) أي من قوله ولا يتختم إلا بالفضة الذي هو لفظ محرر المذهب
676

الامام رحمه الله تعالى، فافهم. قوله: (فإذا ثبت إلخ) نقله ابن الشحنة عن ابن وهبان، ثم قال:
والظاهر أنه لم يقف على التصريح بكراهة بيعها، وقد وقفت عليه في القنية، قال: ويكره بيع خاتم
الحديد والصفر ونحوه بيع طين الاكل أما بيع الصورة فلم أقف عليها والوجه فيها ظاهر. قوله:
(وصيغها) صوابه وصوغها اه‍ ح. ورأيت في بعض النسخ وصنعها بالنون بين الصاد والعين
المهملتين، والذي في شرح الوهبانية صيغتها وفي القاموس: صاغ الله فلانا صيغة حسنة: خلقه،
والشئ هيأه على مثال مستقيم فانصاغ، وهو صواغ وصائغ وصياغ، والصياغة بالكسر: حرفته اه‍.
وظاهر قوله وصياغ أنه جاء يائي العين. تأمل. قوله: (لما فيه من الإعانة إلخ) قال ابن الشحنة: إلا أن
المنع في البيع أخف منه في اللبس، إذ يمكن الانتفاع بها في غير ذلك ويمكن سبكها وتغيير هيئتها.
قوله: (وكل ما أدى إلخ) يتأمل فيه مع قول أئمتنا بجواز بيع العصير من خمار. شرنبلالي. ويمكن
الفرق بما يأتي من أن المعصية لم تقم بعين العصير بل بعد تغيره.
فرع: لا بأس بأن يتخذ خاتم حديد قد لوى عليه فضة وألبس بفضة حتى لا يرى. تاترخانية.
قوله: (وحل مسمار الذهب إلخ) يريد به المسمار ليحفظ به الفص. تاترخانية. لأنه تابع كالعلم في
الثوب فلا يعد لابسا له. هداية. وفي شرحها للعيني: فصار كالمستهلك أو كالأسنان المتخدة من
الذهب على حوالي خاتم الفضة، فإن الناس يجوزونه من غير نكير ويلبسون تلك الخواتم. قال ط: ولم
أر من ذكر جواز الدائرة العليا من الذهب، بل ذكرهم حل المسمار فيه يقتضي حرمة غيره اه‍.
أقول: مقتضى التعليل المار جوازها، ويمكن دخولها في الفضة أيضا. تأمل. قوله: (في حجر
الفص) أي ثقبه. هداية، ومقتضاه أنه بتقديم الجيم على الحاء وهي رواية، وفي أخرى بالعكس. قال
في المغرب: وهي الصواب لان الحجر حجر الضب أو الحية أو اليربوع وهو غير لائق هنا. قوله:
(ويجعله) أي الفص لبطن كفه، بخلاف النسوان لأنه تزين في حقهن. هداية. قوله: (في يده اليسرى)
وينبغي أن يكون في خنصرها دون سائر أصابعه ودون اليمنى. ذخيرة. قوله: (فيجب التحرز عنه)
عبارة القهستاني عن المحيط: جاز أن يجعله في اليمنى إلا أنه شعار الروافض اه‍. ونحوه في الذخيرة.
تأمل. قوله: (ولعله كان وبان) أي كان ذلك من شعارهم في الزمن السابق، ثم انفصل وانقطع في هذه
الأزمان، فلا ينهى عنه كيفما كان. وفي غاية البيان: قد سوى الفقيه أبو الليث في شرح الجامع
الصغير بين اليمين واليسار، وهو الحق لأنه قد اختلفت الروايات عن رسول الله (ص) في ذلك، وقول
بعضهم: إنه في اليمين من علامات أهل البغي ليس بشئ، لان النقل الصحيح عن رسول الله
(ص) ينفي ذلك اه‍. وتمامه فيه. قوله: (أو اسم الله تعالى) فلو نقش اسمه تعالى أو اسم نبيه (ص)
استحب أن يجعل الفص في كمه إذا دخل الخلاء، وأن يجعله في يمينه إذا استنجى. قهستاني.
قوله: (لا تمثال إنسان) التمثال بالفتح التمثيل، وبالكسر الصورة. قاموس. قوله: (أو طير) لحرمة
677

تصوير ذي الروح، لكنه سبق في مكروهات الصلاة أننقش غير المستبين الذي لا يبصر من بعد لا
يضر، وقد نقش في خاتم دانيال لبوة بين يديها صغير ترضعه وكان في خاتم بعض السلف ذبابتان،
فليراجع ط.
أقول: الذي سبق إنما هو عدم كراهة الصلاة بها لا في نقشها، والكلام هنا في فعل النقش،
وفي التاترخانية: قال الفقيه: لو كان على خاتم فضة تماثيل لا يكره، وليس كتماثيل في الثياب في
البيوت لأنه صغير، وروي عن أبي هريرة أنه كان على خاتمه ذبابتان اه‍. تأمل. قوله: (ولا محمد رسول الله)
في محل نصب عطفا على تمثال، وذلك لأنه نقش خاتمه (ص)، وكان ثلاثة أسطر كل كلمة سطر. وقد
نهى عليه الصلاة والسلام أن ينقش أحد عليه كما رواه في الشمائل: أي على هيئته أو مثل نقشه،
ونقش خاتم أبي بكر: نعم القادر الله، وعمر: كفى بالموت واعظا، وعثمان: لتصبرن أو لتندمن،
وعلي: الملك لله، وأبي حنيفة: قل الخير وإلا فاسكت، وأبي يوسف: من عمل برأيه فقد ندم،
ومحمد: من صبر ظفر اه‍. قهستاني عن البستان. قوله: (ولا يزيده على مثقال) وقيل لا يبلغ به المثقال.
ذخيرة.
أقول: يؤيده نص الحديث السابق من قوله عليه الصلاة والسلام: ولا تتممه مثقالا. قوله: (وترك
التختم إلخ) أشار إلى أن التختم سنة لمن يحتاج إليه كما في الاختيار. قال القهستاني: وفي الكرماني نهى
الحلواني بعض تلامذته عنه، وقال: إذا صرت قاضيا فتختم. وفي البستان عن بعض التابعين: لا
يتختم إلا ثلاثة: أمير، أو كاتب، أو أحمق. وظاهره أنه يكره لغير ذي الحاجة، لكن قول المصنف
أفضل كالهداية وغيرها يفيد الجواز، وعبر في الدرر بأولى وفي الاصلاح بأحب، فالنهي للتنزيه، وفي
التاترخانية عن البستان: كره بعض الناس اتخاذ الخاتم إلا لذي سلطان، وأجازه عامة أهل العلم، وعن
يونس بن أبي إسحاق قال: رأيت قيس بن أبي حازم وعبد الرحمن بن الأسود والشعبي وغيرهم
يتختمون في يسارهم وليس لهم سلطان، ولان السلطان يلبس للزينة والحاجة إلى الختم وغيره في
حاجة الزينة والختم سواء فجاز لغيره، وبه نأخذ اه‍. فهو اختيار للجواز كما هو قول العامة، ولا
ينافي أن تركه أولى لغير ذي حاجة، فافهم ومقتضاه أنه لا يكره لقصد الزينة والختم، وأما لقصد
الزينة فقط فقد مر، فتدبر. قوله: (وذي حاجة إليه كمتول) قال في المنح: وظاهر كلامهم أنه لا
خصوصية لهما: أي للسلطان والقاضي، بل الحكم في كل ذي حاجة كذلك، فلو قيل وتركه لغير ذي
حاجة إليه أفضل، ليدخل فيه المباشر ومتولي الأوقاف وغيرهما ممن يحتاج إلى الختم لضبط المال كان أعم
فائدة كما لا يخفى اه‍.
أقول: قول الاختيار: التختم سنة لمن يحتاج إليه كالسلطان والقاضي ومن في معناهما صريح في
ذلك، ومثله في الخانية، وانظر هل يدخل في الحاجة ختمه لنحو إجازة أو شهادة، أو إرسال كتاب
ولو نادرا فلا يكون ترك التختم في حقه أولى. يحرر.
تتمة: إنما يجوز التختم بالفضة لو على هيئة خاتم الرجال، أما لو له فصان أكثر حرم. قهستاني.
وذكر العلامة عبد البر بن الشحنة أن والده أنشده قوله:
678

تختم كيف شئت ولا تبالي * بخنصرك اليمين أو الشمال
سوى حجر وصفر أو حديد * أو الذهب الحرام على الرجال
وإن أحببت باسمك فانقشنه * وباسم الله ربك ذي الجلال
قوله: (المتحرك) قيد به لما قال الكرخي: إذا سقطت ثنية رجل فإن أبا حنيفة يكره أن يعيدها
ويشدها بفضة أو ذهب ويقول هي كسن ميتة، ولكن يأخذ سن شاة ذكية يشد مكانها، وخالفه أبو يوسف
فقال: لا بأس به، ولا يشبه سنه سن ميتة استحسن ذلك، وبينهما فرق عندي وإن لم يحضرني
اه‍. إتقاني. زاد في التاترخانية: قال بشر: قال أبو يوسف: سألت أبا حنيفة عن ذلك في مجلس آخر
فلم ير بإعادتها بأسا. قوله: (وجوزهما محمد) أي جوز الذهب والفضة: أي جوز الشد بهما، وأما أبو يوسف
فقيل معه، وقيل مع الامام. قوله: (لان الفضة تنتنه) الأولى تنتن بلا ضمير، وأشار إلى الفرق
للامام بين شد السن واتخاذ الانف، فجوز الانف من الذهب لضرورة نتن الفضة، لان المحرم لا يباح
إلا لضرورة، وقد اندفعت في السن بالفضة فلا حاجة إلى الاعلى وهو الذهب. قال الإتقاني: ولقائل
أن يقول مساعدة لمحمد: لا نسلم أنها في السن ترتفع بالفضة لأنها تنتن أيضا، وأصل ذلك ما روى
الطحاوي بإسناده إلى عرفجة بن سعد أنه أصيب أنفه يوم الكلاب في الجاهلية فاتخذ أنفا من ورق فأنتن
عليه، فأمره النبي (ص) أن يتخذ أنفا من ذهب، ففعل. والكلاب بالضم والتخفيف: اسم واد كانت
فيه وقعة عظيمة للعرب. هذا، وظاهر كلامه جواز الانف منهما اتفاقا، وبه صرح الامام البردوي،
وذكر الامام الأسبيجابي أنه على الاختلاف أيضا. وفي التاترخانية: وعلى هذا الاختلاف إذا جدع أنفه
أو أذنه أو سقط سنه فأراد أن يتخذ سنا آخر، فعند الامام يتخذ ذلك من الفضة فقط، وعند محمد
من الذهب أيضا اه‍. وأنكر الإتقاني ثبوت الاختلاف في الانف بأنه لم يذكر في كتب محمد والكرخي
والطحاوي، وبأنه يلزم عليه مخالفة الامام للنص، ونازعه المقدسي بأن الأسبيجابي حجة في النقل،
وبأن الحديث قابل للتأويل، واحتمال أن ذلك خصوصية لعرفجة كما خص عليه الصلاة والسلام
الزبير وعبد الرحمن بلبس الحرير لحكة في جسدهما، كما في التبيين. أقول: يمكن التوفيق بأن ما ذكره
الأسبيجابي رواية شاذة عن الامام فلذا لم تذكر في كتب محمد والكرخي والطحاوي، والله تعالى أعلم.
قوله: (وكره إلخ) لان النص حرم الذهب والحرير على ذكور الأمة بلا قيد البلوغ، والحرية والاثم على
من ألبسهم لأنا أمرنا بحفظهم. كره التمرتاشي، وفي البحر الزاخر: ويكره للانسان أن يخضب يديه
ورجليه، وكذا الصبي إلا لحاجة بغاية، ولا بأس به للنساء اه‍ مزيد اه‍ ط
أقول، ظاهره أنه كما يكره للرجل فعل ذلك بالصبي يكره للمرأة أيضا وإن حل لها فعله لنفسها.
قوله: (لا يكره خرقة إلخ) هذا هو ما صححه المتأخرون لتعامل المسلمين، وذكر في غاية البيان عن أبي
عيسى الترمذي أنه لم يصح في الباب شئ: أي من كراهة أو غيرها، وقد رخص قوم من الصحابة ومن
بعدهم التمندل بعد الوضوء، وتمامه فيه. ثم هذا في خارج الصلاة لما في البزازية، وتكره الصلاة مع
الخرقة التي يمسح بها العرق، ويؤخذ بها المخاط، لا لأنها نجسة، بل لان المصلي معظم والصلاة عليها
لا تعظيم فيها. قوله: (بقية بلله) الوضوء بالضم الفعل، وبالفتح ماؤه. قاموس، فما ذكره تفسير مراد
679

وهو على تقدير مضافين، بل ثلاثة: أي لمسح بقية بلل وضوئه. والظاهر أنه لا حاجة إلى لفظ بقية
ومثله قوله تعالى: * (فقبضت قبضة من أثر الرسول) * أي من أثر حافر فرس الرسول. قوله: (لو لحاجة)
الأولى لأنه لحاجة. تأمل. قوله: (ولو للتكبر تكره) والخرقة المقومة دليل الكبر. بزازية، وبه علم أنه لا
يصح أن يراد بالخرقة ما يشمل الحرير، وبه صرح بعضهم.
تتمة: كره بعض الفقهاء وضع الستور والعمائم والثياب على قبول الصالحين والأولياء. قال في
فتاوى الحجة: وتكره الستور على القبور اه‍. ولكن نحن نقول الآن: إذا قصد به التعظيم في عيون
العامة حتى لا يحتقروا صاحب القبر، ولجلب الخشوع والأدب للغافلين الزائرين، فهو جائز لان
الأعمال بالنيات، وإن كان بدعة فهو كقولهم بعد طواف الوداع يرجع القهقري حتى يخرج من المسجد
إجلالا للبيت، حتى قال في منهاج السالكين: إنه ليس فيه سنة مروية ولا أثر محكي، وقد فعله
أصحابنا اه‍. كذا في (كشف النور عن أصحاب القبور) للأستاذ عبد الغني النابلسي قدس سره. قوله: (ولا
الرتيمة) جمعها رتائم وتسمى رتمة بالفتحات الثلاث وجمعها رتم بالفتحات أيضا، يقال أرتمت الرجل
إرتاما: إذا عقدت في أصبعه خيطا يستذكر به حاجته. إتقاني عن أبي عبيدة. قال الشاعر:
إذا لم تكن حاجاتنا في نفوسكم * فليس بمغن عنك عقد الرتائم
قال في الهداية: وقد روى أن النبي (ص) أمر بعض أصحابه بذلك اه‍. وفي المنح: إنما ذكر هذا
لان من عادة بعض الناس شد الخيوط على بعض الأعضاء، وكذا السلاسل وغيرها، وذلك مكروه
لان محض عبث فقال: إن الرتم ليس من هذا القبيل. كذا في شرح الوقاية اه‍. قال ط: علم منه
كراهة الدملج الذي يضعه بعض الرجال في العضد. قوله: (التميمة المكروهة) أقول: الذي رأيته في
المجتبى: التميمة المكروهة ما كان بغير القرآن. وقيل: هي الخرزة التي تعلقها الجاهلية اه‍. فلتراجع
نسخة أخرى وفي المغرب: وبعضهم يتوهم أن المعاذات هي التمائم، وليس كذلك، إنما التميمة
الخرزة، ولا بأس بالمعاذات إذا كتب فيها القرآن، أو أسماء الله تعالى، ويقال رقاه الراقي رقيا ورقية:
إذا عوذه ونفث في عوذته. قالوا: وإنما تكره العوذة إذا كانت لغير لسان العرب، ولا يدري ما هو،
ولعله يدخله سحر أو كفر أو غير ذلك، وأما ما كان من القرآن أو شئ من الدعوات فلا بأس به اه‍.
قال الزيلعي: ثم الرتيمة قد تشتبه بالتميمة على بعض الناس، وهي خيط كان يربط في العنق أو
في اليد في الجاهلية لدفع المضرة عن أنفسهم على زعمهم، وهو منهي عنه، وذكر في حدود الايمان أنه
كفر اه‍. وفي الشلبي عن ابن الأثير: التمائم جمع تميمة، وهي خرزات كانت العرب تعلقها على
أولادهم يتقون بها العين في زعمهم، فأبطلها الاسلام والحديث الآخر من علق تميمة فلا أتم الله له
لأنهم يعتقدون أنها تمام الدواء والشفاء، بل جعلوها شركاء لأنهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم
وطلبوا دفع الأذى من غير الله تعالى الذي هو دافعه اه‍ ط. وفي المجتبى: اختلف في الاستشفاء
بالقرآن بأن يقرأ على المريض أو الملدوغ الفاتحة، أو يكتب في ورق ويعلق عليه أو في طست ويغسل
ويسقي. وعن النبي (ص) أنه كان يعوذ نفسه. قال رضي الله عنه: وعلى الجواز عمل الناس اليوم، وبه
وردت الآثار، ولا بأس بأن يشد الجنب والحائض التعاويذ على العضد إذا كانت ملفوفة اه‍. قال ط:
680

وانظر هل كتابة القرآن في نحو التمائم حروفا مقطعة تجوز أم لا، لأنه غير ما وردت به كتابة القرآن،
وحرره اه‍. وفي الخانية: بساط أو مصلى كتب عليه في النسج الملك لله يكره استعماله وبسطه والقعود
عليه، ولو قطع الحرف من الحرف أو خيط على بعض الحروف حتى لم تبق الكلمة متصلة لا تزول
الكراهة، لان للحروف المفردة حرمة، وكذا لو كان عليه الملك أو الألف وحدها أو اللام اه‍. وفيها:
امرأة أرادت أن تضع تعويذا ليحبها زوجها ذكر في الجامع الصغير: أن ذلك حرام لا يحل، ويأتي بيان
ذلك قبيل إحياء الموات، وفيها يكره كتابة الرقاع في أيام النيروز وإلزاقها بالأبواب، لان فيه إهانة اسم
الله تعالى واسم نبيه عليه الصلاة والسلام. وفيها: لا بأس بوضع الجماجم في الزرع والمبطخة لدفع
ضرر العين، لأن العين حتى تصيب المال، والآدمي والحيوان ويظهر أثره في ذلك عرف بالآثار، فإذا
نظر الناظر إلى الزرع يقع نظره أولا على الجماجم لارتفاعها، فنظره بعد ذلك إلى الحرث لا يضره روي
أن امرأة جاءت إلى النبي (ص) وقالت: نحن من أهل الحرث وإنا نخاف عليه العين، فأمر النبي (ص) أن يجعل فيه الجماجم اه‍.
تتمة: في شرح البخاري للامام العيني من باب: العين حق. روى أبو داود من حديث عائشة
أنها قالت: كان يؤمن العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين. قال عياض: قال بعض العلماء: ينبغي
إذا عرف واحد بالإصابة بالعين أن يجتنب ويحترز منه، وينبغي للامام منعه من مداخلة الناس ويلزمه بيته،
وإن كان فقيرا رزقه ما يكفيه، فضرره أكثر من ضرر آكل الثوم والبصل، ومن ضرر المجذوم الذي
منعه عمر رضي الله عنه. وفي النسائي أن النبي (ص) قال: إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه
شيئا يعجبه فليدع بالبركة، فإن العين حق والدعاء بالبركة أن يقول: تبارك الله أحسن الخالقين، اللهم
بارك فيه، ويؤمر العائن بالاغتسال ويجبر أن أبي اه‍ ملخصا. وتمامه فيه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في النظر والمس
قوله: (والمس) زاده لتكلم المصنف عليه، وعدم الذكر
في الترجمة لا يعد عيبا، وإن كان الذكر أولى ليعلم محله، فليراجع عند الحاجة ط. قوله: (وينظر الرجل من الرجل إلخ) ذكر في العناية وغيرها
أن مسائل النظر أربع: نظر الرجل إلى المرأة، ونظرها إليه، ونظر الرجل إلى الرجل، ونظر المرأة إلى
المرأة. والأولى على أربعة أقسام: نظره إلى الأجنبية الحرة، ونظره إلى من تحل له من الزوجة والأمة،
ونظره إلى ذوات محارمه، ونظره إلى أمة الغير، فافهم اه‍. قوله: (بلغ حد الشهوة) أي بأن صار مراهقا
فالمراد حد الشهوة الكائنة منه ط.
أقول: وقدم الشارح في شروط الصلاة ما نصه: وفي السراج لا عورة للصغير جدا ثم ما دام لم
يشته فقيل ودبر ثم تتغلظ إلى عشر سنين ثم كبالغ. وفي الأشباه: يدخل على النساء إلى خمس عشرة
سنة اه‍. فتأمل. قوله: (ولو أمرد صبيح الوجه) قال في الهندية: والغلام إذا بلغ مبلغ الرجال ولم يكن
صبيحا فحكمه حكم الرجال، وإن كان صبيحا فحكمه حكم النساء، وهو عورة من قرنه إلى قدمه لا
يحل النظر إليه عن شهوة، وأما الخلوة والنظر إليه لا عن شهوة فلا بأس، ولذا لم يؤثر بالنقاب. كذا
في الملتقط. ولم يذكر الشهوة الموجبة للتحريم، هل هي ميل القلب أو الانتشار؟ ويحرر ط.
681

أقول: ذكر الشارح في فصل المحرمات من النكاح أن حد الشهوة في المس والنظر الموجبة لحرمة
المصاهرة تحرك آلته أو زيادته، به يفتى. وفي امرأة ونحو شيخ تحرك قلبه أو زيادته اه‍. ونقله القهستاني
عن أصحابنا ثم قال: وقال عامة العلماء: أن يميل بالقلب ويشتهي أن يعانقها، وقيل إن يقصد
مواقعتها، ولا يبالي من الحرام كما في النظم، وفي حق النساء الاشتهاء بالقلب لا غير اه‍. وقال
القهستاني في هذا الفصل: وشرط لحل النظر إليها وإليه الامن بطريق اليقين من شهوة: أي ميل النفس
إلى القرب منها أو منه أو المس لها أو له مع النظر، بحيث يدرك التفرقة بين الوجه الجميل والمتاع
الجزيل، فالميل إلى التقبيل فوق الشهوة المحرمة، ولذا قال السلف: اللوطيون أصناف: صنف ينظرون،
وصنف يصافحون، وصنف يعملون. وفيه إشارة إلى أنه لو علم منه الشهوة أو ظن أو شك حرم النظر
كما في المحيط وغيره اه‍.
أقول: حاصله أن مجرد النظر واستحسانه لذلك الوجه الجميل وتفضيله على الوجه القبيح
كاستحسان المتاع الجزيل لا بأس به، فإنه لا يخلو عنه الطبع الانساني، بل ويجد في الصغر، فالصغير
المميز يألف صاحب الصورة الحسنة أكثر من صاحب الصورة القبيحة ويرغب فيه ويحبه أكثر، بل قد
يوجد ذلك في البهائم، فقد أخبرني من رأى جملا يميل إلى امرأة حسناء ويضع رأسه عليها كلما رآها
دون غيرها من الناس، فليس هذا نظر شهوة، وإنما الشهوة ميله بعد هذا ميل لذة إلى القرب منه أو
المس له زائدا على ميله إلى المتاع الجزيل، أو الملتحى لان ميله إليه مجرد استحسان ليس معه لذة وتحرك
قلب إليه، كما في ميله إلى ابنه أو أخيه الصبيح، فوق ذلك الميل إلى التقبيل أو المعانقة أو المباشرة أو
المضاجعة. ولو بلا تحرك آلة. وأما اشتراطه في حرمة المصاهرة، فلعله للاحتياط، والله تعالى أعلم.
ولا يخفى أن الأحوط عدم النظر مطلقا. قال في التاترخانية: وكان محمد بن الحسن صبيحا، وكان أبو
حنيفة يجلسه في درسه خلف ظهره أو خلف سارية مخافة خيانة العين مع كمال تقواه اه‍. وراجع ما
كتبناه في شروط الصلاة. قوله: (لئلا يتوهم أن الأول عين الثاني) لان الثاني معرفة كالأول، وهذه
القاعدة ليست كلية. قال تعالى: * (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب) *
(المائدة: 48) ويمكن أن يقال: إن أل في الأول والثاني جنسية والمعرف بها في حكم النكرة ط. قوله:
(وكذا الكلام فيما بعد) وهو قوله: ونظر المرأة من المرأة. قوله: (قلت إلخ) يشير إلى أن ما ذكروه من
أن المعرفة أو النكرة إذا أعيدت معرفة فهي عين الأول، أو نكرة فغيره إنما هو عند الاطلاق وخلو
المقام عن القرائن كما صرح به في التلويح. قوله: (وهي غير بادية) أي ظاهرة. وفي الذخيرة وغيرها:
وإن كان على المرأة ثياب فلا بأس بأن يتأمل جسدها، وهذا إذا لم تكن ثيابها ملتزقة بحيث تصف ما
تحتها، ولم يكن رقيقا بحيث يصف ما تحته، فإن كانت بخلاف ذلك فينبغي له أن يغض بصره اه‍.
وفي التبيين قالوا: ولا بأس بالتأمل في جسدها وعليها ثياب ما لم يكن ثوب يبين حجمها فلا ينظر إليه
حينئذ، لقوله عليه الصلاة والسلام: من تأمل خلف امرأة ورأي ثيابها حتى تبين له حجم عظامها لم
682

يرح رائحة الجنة ولأنه متى لم يصف ثيابها ما تحتها من جسدها يكون ناظرا إلى ثيابها وقامتها دون
أعضائها فصار كما إذا نظر إلى خيمة هي فيها، ومتى كان يصف يكون ناظرا إلى أعضائها اه‍.
أقول: مفاده أن رؤية الثوب بحيث يصف حجم العضو ممنوعة ولو كثيفا لا ترى البشرة منه.
قال في المغرب: يقال: مسست الحبلى فوجدت حجم الصبي في بطنها أو حجم الثدي على نحر
الجارية إذا نهز، وحقيقته صار له حجم: أي نتو وارتفاع، ومنه قوله حتى يتبين حجم عظامها اه‍.
وعلى هذا لا يحل النظر إلى عورة غيره فوق ثوب ملتزق بها يصف حجمها فيحمل ما مر على ما إذا لم
يصف حجمها، فليتأمل. قوله: (فالركبة عورة) لرواية الدارقطني: ما تحت السرة إلى الركبة عورة،
والركبة كما في الهداية هي ملتقى عظمي الساق والفخذ، وفي البرجندي: ما تحت السرة هو ما تحت
الخط الذي يمر بالسرة ويدور على محيط بدنه، بحيث يكون بعده عن موقعه في جميع جوانبه على
السواء اه‍. وفي الهداية: السرة ليست بعورة، خلافا لأبي عصمة والشافعي، والركبة عورة خلافا
للشافعي، والفخذ عورة خلافا لأصحاب الظواهر، وما دون السرة إلى منبت الشعر عورة خلافا لابن
الفضل معتمدا فيه العادة، لأنه لا معتبر بالعادة مع النص بخلافها. وحكم العورة في الركبة أخف منه
في الفخذ، وفي الفخذ أخف منه في السوأة، حتى أن كاشف الركبة ينكر عليه برفق، وكاشف الفخذ
يعنف عليه، وكاشف السوأة يؤدب عليه إن لج اه‍ ملخصا. قوله: (ومن عرسه وأمته) فينظر الرجل
منهما بالعكس إلى جميع البدن من الفرق إلى القدم ولو عن شهوة، لان النظر دون الوطئ الحلال.
قهستاني. قوله: (الحلال) جعله في المنح قيدا للأمة كما في الهداية، والأولى جعله قيدا للعرس أيضا لما
في القهستاني: لا ينظر إلى فرج المظاهر منها على ما قاله أبو حنيفة وأبو يوسف، وينظر إلى الشعر
والظهر والصدر منها كما في قاضيخان اه‍. وأما الحائض فإنه يحرم عليه قربان ما تحت الإزار. قال
الشارح في باب الحيض: وأما حل النظر ومباشرتها له ففيه تردد. قوله: (لو وطؤها) الجار والمجرور
متعلق بالحلال، ووطؤها فاعل: أي التي يحل له وطؤها. قوله: (أو مصاهرة) بأن كانت موطوأته أو
بنتها ط. قوله: (فحكمها كالأجنبية) أي كالأمة الأجنبية بدليل ما في العناية حيث قال: قيد بقوله من
أمته التي تحل له، لان حكم أمته المجوسية، والتي هي أخته من الرضاع حكم أمة الغر في النظر
إليها، لان إباحة النظر إلى جميع البدن مبنية على حل الوطئ فينتفي بانتفائه اه‍. قوله: (ويشكل) أي تقييد
الأمة التي يحل له وطؤها بما لو كانت مفضاة وهي التي اختلط مسلكاها. قوله: (فإنه لا يحل له وطؤها)
إلا أن يعلم أنه يمكنه أن يأتيها في القبل من غير الوقوع في الدبر، فإن شك فليس له أن يطأها كما
في الهندية. قوله: (والأولى تركه) قال في الهداية: الأولى أن لا ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه
لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ما استطاع ولا يتجردان تجرد العير (1) ولان
ذلك يورث النسيان لورود الأثر. وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول: الأولى أن ينظر ليكون

(1) العير بالعين المهملة: هو الحمار.
683

أبلغ في تحصيل معنى اللذة اه‍. لكن في شرحها للعيني أن هذا لم يثبت عن ابن عمر لا بسند صحيح
ولا يسند ضعيف. وعن أبي يوسف: سألت أبا حنيفة عن الرجل يمس فرج امرأته وهي تمس فرجه
ليتحرك عليها هل ترى بذلك بأسا؟ قال: لا وأرجو أن يعظم الاجر. ذخيرة. قوله: (لأنه يورث
النسيان) ويضعف البصر اه‍ ط.
تنبيه: قدمنا أن الرجل ينظر من أمته الحلال، وهي منه إلى جميع البدن. قال منة مسكين:
وأما حكم نظر السيدة إلى جميع بدن أمتها والأمة إلى سيدتها فغير معلوم اه‍. وذكر محشيه أبو السعود أنه
مستفاد من قول المصنف والمرأة للمرأة.
أقول: الظاهر أنه كذلك، إذ لو كانت المرأة كالرجل في ذلك لنصوا عليه، ولأنهم أناطوا حل
النظر إلى غير مواضع الزينة بحل الوطئ كما مر. وفي العناية والنهاية قبيل الاستبراء ما نصه: والنساء
كلهن في حل نظر بعضهن إلى بعضهن سواء. قوله: (أو سبب) كالرضاع والمصاهرة. قوله: (ولو بزنا)
أي ولو كان عدم حل نكاحها له بسبب زناه بأصولها أو فروعها. قال الزيلعي: وقيل إنها كالأجنبية،
والأول أصح اعتبارا للحقيقة لأنها محرمة عليه على التأبيد. قوله: (فمن قصره على الأول) أي قصر
التقييد على الامن من جانب الرجل، وهو تعريض بتاج الشريعة والمصنف أيضا. قوله: (لا إلى الظهر
والبطن إلخ) أي مع ما يتبعهما من نحو الجنبين والفرجين والأليتين والركبتين. قهستاني. قوله: (وتلك
المذكورات مواضع الزينة) أشار إلى أنه ليس المراد في الآية نفس الزينة، لان النظر إليها مباح مطلقا،
بل المراد مواضعها: فالرأس موضع التاج، والوجه موضع الكحل، والعنق والصدر موضع القلادة،
والاذن موضع القرط، والعضد موضع الدملوج، والساعد موضع السوار، والكف موضع الخاتم
والخضاب، والساق موضع الخلخال، والقدم موضع الخضاب. زيلعي. والشعر موضع العقص.
إتقاني. والدملوج كعصفور، والدملج مقصور منه. مصباح. وهو من حلي العضد، والعقص سير
يجمع به الشعر، وقيل خيوط سود تصل بها المرأة شعرها. مغرب. قوله: (ولو مدبرة أو أم ولد) وكذا
المكاتبة ومعتقة البعض عنده. قهستاني. قوله: (فينظر إليها كمحرمة) لأنها تخرج لحوائج مولاها وتخدم
أضيافه وهي في ثياب مهنتها، فصار حالها خارج البيت في حق الأجانب كحال المرأة داخله في حق
محارم الأقارب. وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى جارية متقنعة علاها بالدرة وقال: ألقي عنك الخمار
يا دفار، أتتشبهين بالحرائر؟ هداية. ودفار بالدال المهملة كفعال مبني على الكسر من الدفر وهو النتن.
قوله: (أوشك) معناه استواء الامرين. تاترخانية. قوله: (إلا من أجنبية) أي غير الأمة. وفي التاترخانية
684

عن جامع الجوامع: لا بأس أن تمس الأمة الرجل وأن تدهنه وتغمزه ما لم تشتهه إلا ما بين السرة
والركبة اه‍. قوله: (فلا يحل مس وجهها) أي وإن جاز النظر إليه على ما يأتي. قوله: (ولذا تثبت به حرمة
المصاهرة) تعليل لكونه أغلظ من النظر، والمراد إذا كان عن شهوة ويشمل المحارم والإماء، حتى لو
مس عمته أو أمته بشهوة حرمت عليه بنتها. قوله: (أما العجوز إلخ) وفي رواية: يشترط أن يكون
الرجل أيضا غير مشتهى اه‍. قهستاني عن الكرماني. قال في الذخيرة: وإن كانت عجوزا لا تشتهى
فلا بأس بمصافحتها أو مس يدها، وكذلك إذا كان شيخا يأمن على نفسه وعليها فلا بأس أن
يصافحها، وإن كان لا يأمن على نفسه أو عليها فليجتنب. ثم إن محمدا أباح المس للرجل إذا كانت
المرأة عجوزا ولم يشترط كون الرجل بحال لا يجامع مثله، وفيما إذا كان الماس هي المرأة، فإن كانا
كبيرين لا يجامع مثله ولا يجامع مثلها فلا بأس بالمصافحة، فليتأمل عند الفتوى اه‍. قوله: (جاز سفره
بها) ولا يكون إلا في المحارم وأمة الغير، ولم يذكر محمد الخلوة والمسافرة بإماء الغير، وقد اختلف
المشايخ في الحل وعدمه، وهما قولان مصححان ط. أقول: لكن هذا في زمانهم لما سيذكره الشارح
عن ابن كمال أنه لا تسافر الأمة بلا محرم في زماننا لغلبة أهل الفساد، وبه يفتى فتأمل. قوله: (الخلوة
بالأجنبية أي الحرة لما علمت من الخلاف في الأمة، وقوله: حرام قال في القنية: مكروهة كراهة
تحريم، وعن أبي يوسف: ليس بتحريم اه‍. قوله: (أو كانت عجوزا شوهاء) قال في القنية: وأجمعوا أن
العجوز لا تسافر بغير محرم، فلا تخلو برجل شابا أو شيخا، ولها أن تصافح الشيوخ في الشفاء عن
الكرميني: العجوز الشوهاء والشيخ الذي لا يجامع مثله بمنزلة المحارم اه‍. والمتبادر أنهما بمنزلة
المحارم بالنسبة إلى غيرهما من الأجانب، ويحتمل أن يكون المراد أنه معها كالمحارم، ويؤيد احتمال
الوجهين ما قدمناه آنفا عن الذخيرة، وعلى الثاني ففي إطلاق الشارح نظر، فتدبر. قوله: (أو بحائل)
قال في القنية: سكن رجل في بيت من دار وامرأة في بيت آخر منها ولكل واحد غلق على حده لكن
باب الدار واحد لا يكره ما لم يجمعهما بيت اه‍. ورمز له ثلاثة رموز، ثم رمز إلى كتاب آخر هي خلوة
فلا تحل، ثم رمز ولو طلقها بائنا وليس إلا بيت واحد يجعل بينهما سترة، لأنه لولا السترة تقع الخلوة
بينه وبين الأجنبية وليس معهما محرم، فهذا يدل على صحة ما قالوه اه‍. لان البيتين من دار كالسترة
بل أولى، وما ذكره من الاكتفاء بالسترة مشروط بما إذا ليكن الزوج فاسقا، إذ لو كان فاسقا يحال
بينهما بامرأة ثقة تقدر على الحيلولة بينهما كما ذكره في فصل الإحداد، وقد بحث صاحب البحر هناك
بمثل ما قاله في القنية فقال: يمكن أن يقال في الأجنبية كذلك وإن لم تكن معتدته إلا أن يوجد تقبل
بخلافه، وذكر في الفتح أن كذلك حكم السترة إذا مات زوجها، وكان من ورثته من ليس بمحرم
لها.
أقول: وقول القنية وليس معهما محرم، يفيد أنه لو كان فلا خلوة، والذي تحصل من هذا أن
الخلوة المحرمة تنتفي بالحائل، وبوجود محرم أو امرأة ثقة قادرة. وهل تنتفي أيضا بوجود رجل آخر
أجنبي؟ لم أره، لكن في إمامة البحر عن الأسبيجابي: يكره أن يؤم النساء في بيت وليس معهن رجل
685

ولا محرم، مثل زوجته وأمته وأخته، فإن كانت واحدة منهن فلا يكره، وكذا إذا أمهن في المسجد لا
يكره اه‍. وإطلاق المحرم على من ذكر تغليب. بحر. والظاهر أن علة الكراهة الخلوة، ومفاده أنه
تنتفي بوجود رجل آخر، لكنه يفيد أيضا أنها لا تنتفي بوجود امرأة أخرى فيخالف ما مر من الاكتفاء
بامرأة ثقة. ثم رأيت في منية المفتي ما نصه: الخلوة بالأجنبية مكروهة وإن كانت معها أخرى كراهة
تحريم اه‍. ويظهر لي أن مرادهم بالمرأة الثقة أن تكون عجوزا لا يجامع مثلها مع كونها قادرة على الدفع
عنها وعن المطلقة، فليتأمل. قوله: (إلا الأخت رضاعا) قال في القنية: وفي استحسان القاضي الصدر
الشهيد: وينبغي للأخ من الرضاع أن لا يخلو بأخته من الرضاع، لان الغالب هناك الوقوع في الجماع اه‍.
وأفاد العلامة البيري أن ينبغي معناه الوجوب هنا. قوله: (والصهرة الشابة) قال في القنية: ماتت
عن زوج وأم فلهما أن يسكنا في دار واحدة إذا لم يخافا الفتنة، وإن كانت الصهرة شابة فللجيران أن
يمنعوها منه إذا خافوا عليهما الفتنة اه‍. وأصهار الرجل كل ذي رحم من زوجته على اختيار محمد،
والمسألة مفروضة هنا في أمها، والعلة تفيد أن الحكم كذلك في بنتها ونحوها كما لا يخفى. قوله: (وإلا
لا) أي وإلا تكن عجوزا بل شابة لا يشمتها، ولا يرد السلام بلسانه. قال في الخانية: وكذا الرجل مع
المرأة إذا التقيا يسلم الرجل أولا، وإذا سلمت المرأة لأجنبية على رجل: إن كانت عجوزا رد الرجل
عليها السلام بلسانه بصوت تسمع، وإن كانت شابة رد عليها في نفسه. وكذا في الرجل إذا سلم على
امرأة أجنبية فالجواب فيه على العكس اه‍. وفي الذخيرة: وإذا عطس فشمتته المرأة: فإن عجوزا رد
عليها، وإلا رد في نفسه اه‍. وكذا لو عطست هي كما في الخلاصة. قوله: (في نقل القهستاني) أي
عن بيع المبسوط. قوله: (زائدة) يبعده قوله في القنية رامزا: ويجوز الكلام المباح مع امرأة أجنبية اه‍.
وفي المجتبى رامزا. وفي الحديث دليل على أنه لا بأس بأن يتكلم مع النساء بما لا يحتاج إليه، وليس
هذا من الخوض فيما لا يعنيه، إنما ذلك في كلام فيه إثم اه‍. فالظاهر أنه قول آخر أو محمول على
العجوز. تأمل. وتقدم في شروط الصلاة أن صوت المرأة عورة على الراجح ومر الكلام فيه، فراجعه.
قوله: (للضرورة) وهي معرفة لين بشرتها وذلك غرض صحيح فحل اللمس. إتقاني. قوله: (في زماننا)
لعل وجه التقييد به أنه لغلبة الشر في زماننا ربما يؤدي المس إلى ما فوقه، بخلاف في زمن السلف.
قال في الاختيار: وإنما حرم المس لافضائه إلى الاستمتاع وهو الوطئ. قوله: (وبه جزم في الاختيار)
وكذا في الخانية والمبتغي، وعزاه في الهداية وغيرها لمشايخه. در منتقى. ونقل الإتقاني عن شرح الجامع
الصغير لفخر الاسلام عن محمد أنه كره للشاب المس لان بالنظر كفاية، ولم ير أبو حنيفة بذلك بأسا
لضرورة العلم ببشرتها. قوله: (وأمة بلغت حد الشهوة) بأن تصلح للجماع، ولا اعتبار للسن من سبع
أو تسع كما صححه الزيلعي وغيره في باب الإمامة، ثم إن ما مشى عليه المصنف تبعا للدرر هو رواية
عن محمد، وهو خلاف ما مشى عليه في الكنز والملتقى ومختصر القدوري وغيرها. قال في الهداية:
وإذا حاضت الأمة لم تعرض في إزار واحد، ومعناه بلغت. وعن محمد: وإذا كانت تشتهي وبجامع
686

مثلها فهي كالبالغة لا تعرض في
إزار واحد لوجود الاشتهاء اه‍. تأمل. قوله: (وكفيها) تقدم في
شروط الصلاة أن ظهر الكف عورة على المذهب اه‍ ولم أر من تعرض له هنا. قوله: (قبل والقدم) تقدم
أيضا في شروط الصلاة أن القدمين ليسا عورة على المعتمد اه‍. وفيه اختلاف الرواية والتصحيح،
وصحح في الاختيار أنه عورة خارج الصلاة لا فيها، ورجح في شرح المنية كونه عورة مطلقا بأحاديث
كما في البحر. قوله: (إذا أجرت نفسها للخبز) أي ونحوه من الطبخ وغسل الثياب. قال الإتقاني
: وعن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ساعدها ومرفقها للحاجة إلى إبدائهما إذا أجرت نفسها للطبخ والخبز
اه. والمتبادر من هذه العبارة: أن جواز النظر ليس خاصا بوقت الاشتغال بهذه الأشياء بالإجارة،
بخلاف العبارة الأولى. وعبارة الزيلعي أوفى بالمراد وهي: وعن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ذراعها
أيضا لأنه يبدو منها عادة اه‍. فافهم. قوله: (وعبدها كالأجنبي معها) لان خوف الفتنة منه كالأجنبي،
بل أكثر لكثرة الاجتماع والنصوص المحرمة مطلقة، والمراد من قوله تعالى: * (أوما ملكت أيمانهن) *
(النور: 31) الإماء دون العبيد، قاله الحسن وابن جبير اه‍. اختيار. وتمامه في المطولات. قوله: (خلاصة)
عزو للمسألتين وذكرهما في الخانية أيضا. قوله: (فإن خاف الشهوة) قدمنا حدها أول الفصل. قوله:
(مقيد بعدم الشهوة) قال في التاترخانية: وفي شرح الكرخي النظر إلى و ج الأجنبية الحرة ليس بحرام،
ولكنه يكره لغير حاجة اه‍. ظاهره الكراهة ولو بلا شهوة. قوله: (وإلا فحرام) أي إن كان عن شهوة
حرم. قوله: (وأما في زماننا فمنع من الشابة) لا لأنه عورة بل لخوف الفتنة كما قدمه في شروط الصلاة.
قوله: (لا المس) تصريح بالمفهوم. قوله: (في الأصح) لأنه يوجد من لا يشتهي، فلا ضرورة بخلاف
حالة الأداء. هداية، والمفهوم مه أن الخلاف عند خوف الشهوة لا مطلقا فتنبه. قوله: (ولو عن شهوة)
راجع للجميع وصرح به للتوضيح، وإلا فكلام المصنف في النظر بشهوة بمقتضى الاستثناء. قوله: (بنية
السنة) الأولى جعله قيدا للجميع أيضا على التجوز لئلا يلزم عليه إهمال القيد في الأولين لما قال الزيلعي
وغيره: ويجب على الشاهد والقاضي أن يقصد الشهادة والحكم لا قضاء الشهوة تحرزا عن القبيح، ولو
أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس أن ينظر إليها، وإن خاف أن يشتهيها لقوله عليه الصلاة والسلام للمغيرة
بن شعبة حين خطب امرأة انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بيتكما رواه الترمذي والنسائي وغيرهما،
ولان المقصود إقامة النساء لا قضاء الشهوة اه‍. والأدوم الإيدام: والاصلاح والتوفيق. إتقاني.
تنبيه: تقدم الخلاف في جواز المس بشهوة للشراء، وظاهر قول الشارح لا المس أنه لا يجوز
للنكاح وبه صرح الزيلعي حيث قال: ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفيها، وإن أمنوا الشهوة
لوجوب الحرمة وانعدام الضرورة والبلوى اه‍ ومثله في غاية البيان عن شرح الأقطع معللا بأن المس
أغلظ فمنع بلا حاجة. وفي درر البحار وشرحه: لا يحل المس للقاضي والشاهد والخاطب، وإن أمنوا
687

الشهوة لعدم الحاجة. وعبارة الملتقى موهمه، ولذا قال الشارح: وأما المس مع الشهوة للنكاح، فلم أر من
أجازه بل جعلوه كالحاكم لا يمس، وإن أمن فليحفظ وليحرر كلام المصنف اه‍. بقي لو كان للمرأة ابن
أمرد وبلغ للخاطب استواؤهما في الحسن، فظاهر تخصيص النظر إليها أنه لا يحل للخاطب النظر إلى ابنها
إذا خاف الشهوة ومثله بنتها، وتقييد الاستثناء بما كان لحاجة أنه لو اكتفى بالنظر إليها بمرة حرم الزائد
لأنه أبيح للضرورة فيتقيد بها، وظاهر ما في غرر الأفكار النظر إلى الكفين أيضا، ويظهر من كلامهم أنه
إذا لم يمكنه النظر يجوز إرسال نحو امرأة تصف له حلاها بطريق الأولى، ولو غير الوجه والكفين، وهل
يحل لها أن تنظر للخاطب مع خوف الشهوة؟ لم أره، والظاهر: نعم للاشتراك في العلة المذكورة في
الحديث السابق، بل هي أولى منه في ذلك لأنه يمكنه مفارقة من لا يرضاها بخلافها. قوله: (وختان) كذا
جزم به في الهداية والخانية وغيرهما. وقيل: إن الاختتان ليس بضرورة، يمكن أن يتزوج امرأة أو يشتري
أمه تختنه إن لم يمكنه أن يختن نفسه كما سيأتي. وذكر في الهداية الخافضة أيضا، لان الختان سنة للرجال
من جملة الفطرة لا يمكن تركها وهي مكرمة في حق النساء أيضا كما في الكفاية، وكذا يجوز أن ينظر إلى
موضع الاحتقان لأنه مداواة، ويجوز الاحتقان للمرض، وكذا للهزال الفاحش على ما روي عن أبي
يوسف لأنه أمارة المرض. هداية. لان آخره يكون الدق والسل، فلو احتقن لا لضرورة بل لمنفعة ظاهرة
بأن يتقوى على الجماع يحل عندنا كما في الذخيرة. قوله: (وينبغي إلخ) كذا أطلقه في الهداية والخانية.
وقال في الجوهرة: إذا كان المرض في سائر بدنها غير الفرج ويجوز النظر إليه عند الدواء، لأنه موضع
ضرورة، وإن كان في موضع الفرج، فينبغي أن يعلم امرأة تداويها، فإن لم توجد وخافوا عليها أن تهلك
أو يصيبها وجع لا تحتمله يشتروا منها كل شئ إلا موضع العلة، ثم يداويها الرجل ويغض بصره ما
استطاع إلا عن موضع الجرح اه‍. فتأمل. والظاهر أن ينبغي هنا للوجوب. قوله: (سراج) ومثله في
الهداية. قوله: (وكذا تنظر المرأة إلخ) وفي كتاب الخنثى من الأصل أن نظر المرأة من الرجل الأجنبي بمنزلة
نظر الرجل إلى محارمه، لان النظر إلى خلاف الجنس أغلظ. هداية. والمتون على الأولى فعليه المعول. قوله:
(حرم استحسانا إلخ) أقول: الذي في التاترخانية عن المضمرات: فأما إذا علمت أنه يقع في قلبها شهوة
أو شكت، ومعنى الشك استواء الظنين، فأحب إلي أن تغض بصرها. هكذا ذكر محمد في الأصل، فقد
ذكر الاستحباب في نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي، وفي عكسه قال: فليتجنب، وهو دليل الحرمة وهو
الصحيح في الفصلين جميعا اه‍. ملخصا. ومثله في الذخيرة ونقله ط عن الهندية. وفي نسخة التاترخانية
التي عليها خط الشارح: الاستحسان بالسين والنون بعد الحاء بدل الاستحباب بالباءين، والظاهر أنها
تحريف كما يدل عليه سياق الكلام فيوافق ما في الذخيرة والهندية، فقول الشارح حرم استحسانا أوقعه
فيه التحريف. تأمل. ثم على مقابل الصحيح وجه الفرق كما في الهداية أن الشهوة عليهن غالبة، وهو
كالمحقق اعتبارا، فإذا اشتهى الرجل كانت الشهوة موجودة في الجانبين، ولا كذلك إذا اشتهت المرأة،
لان الشهوة غير موجودة في جانبه حقيقة واعتبارا فكانت من جانب واحد، والمتحقق من الجانبين في
688

الافضاء إلى المحرم أقوى من المتحقق في جانب واحد اه‍. قوله: (والذمية) محترز قوله المسلمة. قوله: (فلا
تنظر إلخ) قال في غاية البيان: وقوله تعالى: * (أو نسائهن) * (النور: 31) أي الحرائر المسلمات، لأنه ليس
للمؤمنة أن تتجرد بين يدي مشركة أو كتابية اه‍. ونقله في العناية وغيرها عن ابن عباس، فهو تفسير
مأثور. وفي شرح الأستاذ عبد الغني النابلسي على هدية ابن العماد عن شرح والده الشيخ إسماعيل
على الدرر والغرر: لا يحل للمسلمة أن تنكشف بين يدي يهودية أو نصرانية أو مشركة، إلا أن تكون
أمة لها كما في السراج، ونصاب الاحتساب، ولا ينبغي للمرأة الصالحة أن تنظر إليها المرأة الفاجرة
لأنها تصفها عند الرجال، فلا تضع جلبابها ولا خمارها كما في السراج اه‍. قوله: (وشعر رأسها) والأولى
تأخيره عما بعده ليكون نصا في عود الضمير إلى الحرة. قوله: (وعظم ذراع حرة ميتة) احتراز بالذراع
عن عظم الكف والوجه مما يحل النظر إليه في الحياة، وقيد بالحرة لان ذراع الأمة يحل بالنظر إليه في
حياتها، بخلاف نحو عظم ظهرها.
تنبيهات
الأول: ذكر بعض الشافعية أنه لو أبين شعر الأمة ثم عتقت لم يحرم النظر إليه، لان العتق لا
يتعدى إلى المنفصل اه‍. ولم أره لائمتنا، وكذا لم أر ما لو كان المنفصل من حرمة أجنبية ثم تزوجها،
ومقتضى ما ذكر من التعليل حرمة النظر إليه، وقد يقال: إذا حل له جميع ما اتصل بها فحل المنفصل
بالأولى، وإن كان منفصلا قبل زمن الحل، والله تعالى أعلم.
الثاني: لم أر ما لو نظر إلى الأجنبية من المرآة أو الماء، وقد صرحوا في حرمة المصاهرة بأنها لا
تثبت برؤية فرج من مرآة أو ماء، لان المرئي مثاله لا عينه، بخلاف ما لو نظر من زجاج أو ماء
هي فيه، لان البصر ينفذ في الزجاج والماء فيرى ما فيه، ومفاد هذا أنه لا يحرم نظر الأجنبية من المرآة أو
الماء، إلا أن يفرق بأن حرمة المصاهرة بالنظر ونحوه شدد في شروطها، لأنه الأصل فيها الحل،
بخلاف النظر لأنه إنما منع منه خشية الفتنة والشهوة، وذلك موجود هنا. ورأيت في فتاوى ابن حجر
من الشافعية ذكر فيه خلافا بينهم ورجح الحرمة بنحو ما قلناه، والله أعلم.
الثالث: ذكر بعض الشافعية أنه كما يحرم النظر لما لا يحل يحرم التفكر فيه قوله تعالى: * (ولا
تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) * (النساء: 32) فمنع من التمني كما منع من النظر، وذكر
العلامة ابن حجر في التحفة أنه ليس منه ما لو وطئ حليلته متفكرا في محاسن أجنبية حتى خيل إليه
أنه يطؤها، ونقل عن جماعة منهم الجلال السيوطي والتقي السبكي أنه يحل لحديث: إن الله تجاوز
لامتي ما حدثت به نفسها ولا يلزم من تخيله ذلك عزمه على الزنا بها، حتى يأثم إذا صمم على ذلك
لو ظفر بها، وإنما اللازم فرض موطوءته تلك الحسناء. وقيل ينبغي كراهة ذلك، ورد بأن الكراهة لا
بد لها من دليل. وقال ابن الحاج المالكي: إنه يحرم لأنه نوع من الزنا كما قال علماؤنا فيمن أخذ كوزا
يشرب منه فتصور بين عينيه أنه خمر فشربه أن ذلك الماء يصير حراما عليه اه‍. ورد بأنه في غاية البعد
ولا دليل عليه اه‍ ملخصا. ولم أر من تعرض للمسألة عندنا، وإنما قال في الدرر: إذا شرب الماء
وغيره من المباحات بلهو وطرب على هيئة الفسقة حرم اه‍. والأقرب لقواعد مذهبنا عدم الحل، لان
تصور تلك الأجنبية بين يديه يطؤها فيه تصوير مباشرة المعصية على هيئتها، فهو نظير مسألة الشرب،
689

ثم رأيت صاحب تبيين المحارم من علمائنا نقل عبارة ابن الحاج المالكي وأقرها، وفي آخرها حديث
عنه (ص): إذا شرب العبد الماء على شبه المسكر كان ذلك عليه حراما اه‍.
فإن قلت: لو تفكر الصائم في أجنبية حتى أنزل لم يفطر فإنه يفيد إباحته؟ قلت: لا تسلم ذلك،
فإنه لو نظر إلى فرج أجنبية حتى أنزل لا يفطر أيضا مع أنه حرام اتفاقا. قوله: (وقلامة ظفر رجلها) أي
الحرة لا بقيد كونها ميتة، وهذا بناء على كون القدمين عورة كما مر. قوله: (النظر إلى ملاءة الأجنبية بشهوة حرام) قدمنا عن الذخيرة وغيرها: لو كان على المرأة ثياب لا بأس بأن يتأمل جسدها، ما لم
تكن ملتزقة بها تصف ما تحتها، لأنه يكون ناظرا إلى ثيابها وقامتها، فهو كنظره إلى خيمة هي فيها، ولو
كانت تصف يكون ناظرا إلى أعضائها. ويؤخذ مما هنا تقييده بما إذا كان بغير شهوة، فلو بها منع
مطلقا، والعلة والله أعلم خوف الفتنة، فإن نظره بشهوة إلى ملاءتها أو ثيابها وتأمله في طول قوامها
ونحوه قد يدعوه إلى الكلام معها ثم إلى غيره، ويحتمل أن تكون العلة كون ذلك استمتاعا بما لا يحل
بلا ضرورة، ولينظر هل يحرم النظر بشهوة إلى الصورة المنقوسة محل تردد؟ ولم أره فليراجع. قوله:
(سواء كان شعرها أو شعر غيرها) لما فيه من التزوير كما يظهر مما يأتي، وفي شعر غيرها انتفاع بجزء
الآدمي أيضا. لكن في التاترخانية: وإذا وصلت المرأة شعر غيرها بشعرها فهو مكروه، وإنما الرخصة
في غير شعر بني آدم تتخذه المرأة لتزيد في قرونها، وهو مروي عن أبي يوسف. وفي الخانية: ولا
بأس للمرأة أن تجعل في قرونها وذوائبها شيئا من الوبر. قوله: (لعن الله الواصلة إلخ) الواصلة: التي
تصل الشعر بشعر الغير، والتي يوصل شعرها بشعر آخر زورا، والمستوصلة التي يوصل لها ذلك
بطلبها، والواشمة: التي تشم في الوجه والذراع، وهو أن تغرز الجلد بإبرة ثم يحشى بكحل أو نيل
فيزرق، والمستوشمة: التي يفعل بها ذلك بطلبها، والواشرة: التي تفلج أسنانها: أي تحددها وترقق
أطرافها تفعلها العجوز تتشبه بالشواب، والمستوشرة: التي يفعل بها بأمرها اه‍. اختيار. ومثله في نهاية
ابن الأثير، وزاد أنه روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: ليست الوصلة بالتي تعنون.
ولا بأس أن تعري المرأة عن الشعر، فتصل قرنا من قرونها بصوف أسود، وإنما الواصلة التي
تكون بغيا في شبيبتها، فإذا أسنت وصلتها بالقيادة، والواشرة كأنه من وشرت الخشبة بالميشار غير
مهموز اه‍. قوله: (والنامصة إلخ) ذكره في الاختيار أيضا وفي المغرب. النمص: نتف الشعر، ومنه
المنماص المنقاش اه‍ ولعله محمول على ما إذا فعلته لتتزين للأجانب، وألا فلو كان في وجهها شعر ينفر
زوجها عنها بسببه ففي تحريم إزالته بعد، لان الزينة للنساء مطلوبة للتحسين، إلا أن يحمل على ما لا
ضرورة إليه لما في نتفه بالمنماص من الايذاء. وفي تبيين المحارم إزالة الشعر من الوجه حرام، إلا إذا
نبت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالته بل تستحب اه‍. وفي التاترخانية عن المضمرات: ولا بأس
بأخذ الحاجبين وشعر وجهه ما لم يشبه المخنث اه‍. ومثله في المجتبى. تأمل. قوله: (والخصي) فعيل من
خصاه، نزع خصيتيه، والمجبوب: من قطع ذكره وخصيتاه، والمخنث: المتزيي بزي النساء والمتشبه بهن
في محلية الوطئ. وتليين الكلام على اختيار. قهستاني: أي الذي يمكن غيره من نفسه احترازا عن
690

المخنث الذي في أعضائه لين وتكسر بأصل الخلقة ولا يشتهي النساء، فإنه رخص بعض مشايخنا في
ترك مثله مع النساء استدلالا بقوله تعالى: * (أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال) * (النور: 31) قيل هو
المخنث الذي لا يشتهي النساء، وقيل: هو المجبوب الذي جف ماؤه، وقيل المراد به الأبله الذي لا
يدري ما يصنع بالنساء، وإنما همه بطنه إذا كان شيخا كبيرا ماتت شهوته، والأصح أن نقول: إن قوله
تعالى: * (أو التابعين) * (النور: 31) من المتشابهات، وقوله تعالى: * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)
* (النور: 30) محكم فنأخذ به. عناية. قوله: (كالفحل) لان الخصي قد يجامع، وقيل هو أشد جماعا لأنه لا
ينزل دفقا بل قطرة فقطرة، ويثبت نسب ولده منه، والمجبوب يسحق وينزل، والمخنث: فحل فاسق.
قهستاني مزيدا. قوله: (وجاز عزله) هو أن يجامع، فإذا جاء وقت الانزال نزع فأنزل خارج الفرج. قوله:
(أي بإذن حرة أو مولى أمة) ظاهر المتن أن الاذن للأمة المنكوحة لان العرس يشملها، لكن حاول
الشارح لما في غاية البيان أن الاذن لمولاها في قولهم جميعا بلا خلاف في ظاهر الرواية، كذا في الجامع
الصغير. وعنهما أنه لهما ثم هذا في البالغة أما الصغيرة فله العزل عنها بلا إذن كما مر في نكاح
الرقيق. قوله: (وقيل يجوز إلخ) قال في الهندية: ظاهر جواب الكتاب أنه لا يسعه، وذكر هنا يسعه.
كذا في الكبرى. وله منع امرأته من العزل. كذا في الوجيز للكردلي اه‍.
وفي الذخيرة اقتصر على ما ذكره الشارح، وهو الذي مشى عليه في نكاح الرقيق تبعا للخانية
وغيرها، وقدمنا هناك عن النهر بحثا أن لها سد فم رحمها كما تفعله النساء، مخالفا لما بحثه في البحر
من أنه يحرم بغير إذن الزوج، لكن يخالف ما في الكبرى: إلا أن يحمل على عدم خوف الفساد. تأمل.
وفي الذخيرة: لو أرادت إلقاء الماء بعد وصوله إلى الرحم قالوا: إن مضت مدة ينفخ فيه الروح لا يباح
لها. وقبله اختلف المشايخ فيه، والنفخ مقدر بمائة وعشرين يوما بالحديث اه‍. قال في الخانية: ولا
أقول به لضمان المحرم بيض الصيد لأنه أصل الصيد، فلا أقل من أن يلحقها إثم، وهذا لو بلا عذر
اه‍. ويأتي تمامه قبيل إحياء الموات، والله تعالى أعلم. باب الاستبراء وغيره
يقال استبرأ الجارية: أي طلب براءة رحمها من الحمل وهو واجب لو أنكره كفر عند بعضهم
للاجماع على وجوبه، كما أنكره المعروفين من الصحابة وعامة العلماء أنه لا يكفر لثبوته بخبر الواحد
كما في النظم، وسببه: حدوث الملك وعلته: إرادة الوطئ، وشرطه: حقيقة الشغل كما في الحامل أو
توهمه كما في الحائل وحكمه: تعرف براءة الرحم، وحكمته: صيانة المياه المحترمة لكنها لا تصلح
موجبة للحكم لتأخرها عنه، بخلاف السبب لسبقه فأدير الحكم عليه وإن علم عدم الوطئ في بعض
الصور الآتية اه‍. در منتقى. والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام في سبايا أوطاس: ألا لا توطأ
الحبالى حتى يضعن حملهن، ولا الحبالى حتى يستبرأن بحيضة أخرجه أبو داود والحاكم، وقال: حسن
691

صحيح، وهو عام، إذ لا تخلو السبايا من البكر ونحوها فلم يختص بالحكمة لعدم اطرادها. والحبالي
جمع حبلى، والحيالى جمع حائل: من لا حمل لها. وقوله: حتى يستبرأن بالهمز لا غير وتركها خطأ
كما في المغرب، ثم الاستبراء منه ما هو مستحب كما سنذكره. قوله: (وغيره) من التقبيل ولمعانقة
والمصافحة. قوله: (من ملك استمتاع أمة) أي الانتفاع بها وطأة وغيره: أي ملكا حادثا احترازا عن عود
الآبقة ونحوه مما يأتي، والمراد ملك اليمين، فلو تزوج أمه وكان المولى يطؤها: ففي الذخيرة: ليس على
الزوج أن يستبرئها عند الامام، وقال أبو يوسف: يستبرئها استحسانا كي لا يؤدي إلى اجتماع رجلين
على امرأة في طهر واحد، ولأبي حنيفة أن عقد النكاح متى صح تضمن العلم ببراءة الرحم شرعا وهو
المقصود من الاستبراء اه‍.
بقي الكلام في مولاها. قال في الذخيرة: إذا أراد بيعها وكان يطؤها يستحب أن يستبرئها ثم
يبيعها، وإذا أراد أن يزوجها وكان يطؤها بعضهم قالوا: يستحب أن يستبرئها، والصحيح أنه هنا يجب
وإليه مال السرخسي، والفرق أنه في البيع يجب على المشتري، فيحصل المقصود فلا معنى لإيجابه على
البائع، وفي المنتقى عن أبي حنيفة: أكره أن يبيع من كان يطؤها حتى يستبرئها اه‍. قوله: (ونحوها)
كهبة ورجوع عنها وصدقة ووصية، وبدل خلع أو صلح أو كتابة أو عتق أو إجارة. قوله: (ولو بكرا
إلخ) لما مر من إدارة الحكم على السبب، وهو حدوث الملك لسبقه. قال القهستاني: وعن أبي يوسف
إذا تيقن بفراغ رحمها من ماء البائع لم يستبرئ. قوله: (لو مستغرقا بالدين) أي استغرق الدين رقبته وما
في يده، وهذا عند أبي حنيفة لان المولى حينئذ لا يملك مكاسبه، وعندهما: يملك. إتقاني. والأول
استحسان والثاني قياس. خانية. قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن مستغرقا أو لا دين عليه أصلا لا استبراء،
وهذا إذا حاضت عند العبد، وأما لو باعها لمولاه قبل حيضها كان على المولى استبراؤها، وإن لم يكن
المأذون مديونا كما في الشرنبلالية عن الخانية وأشار إليه في متن الدرر. قوله: (أو من يحرمها غير
رحمها) أي محرم الأمة، كما لو كانت أم البائع أو أخته أو بنته رضاعا أو زوجة أصله أو فرعه أو وطئ
أمها أو بنتها. قوله: (كي لا تعتق عليه) أي على البائع المحرم لو كان رحما فهو تعليل لتقييده بقوله غير
رحمها. قوله: (وكذا دواعيه) كالقبلة والمعانقة والنظر إلى فرجها بشهوة أو غيرها، وعن محمد: لا تحرم
الدواعي في المسبية. قهستاني. قوله: (في الأصح) قيد للدواعي ولذا فصله بكذا احترازا عن قول
بعضهم: لا تحرم الدواعي لان حرمة الوطئ لئلا تختلط الماء ويشتبه النسب. قوله: (لاحتمال وقوعها
إلخ) أي الدواعي تعليل للأصح، وبيانه أنه يحتمل أن تظهر حبلى فيدعي البائع الولد فيظهر وقوعها في
غير ملكه، لكن هذا لا يظهر في المسبية كما قال ط. قوله: (حتى يستبرئها) فلو وطئها قبله أثم، ولا
استبراء بعد ذلك عليه كما في السراجية والمبتغي. شرنبلالية. قوله: (ومنقطعة حيض) كذا في المنح
692

والدرر، واعترضه في الشرنبلالية بأنه إن أراد به الآيسة فهو عين ما قبله، وإن أراد ممتدة الطهر ناقضة
ما بعده من قوله: ولو ارتفع حيضها إلخ.
وفي الدر المنتقى: اعلم أن منقطعة الحيض هي التي بلغت بالسن، ولم تحض قط، وهذه حكمها
كصغيرة اتفاقا، وأما مرتفعة الحيض فهي من حاضت ولو مرة ثم ارتفع حيضها وامتد طهرها ولذا
تسمى ممتدة الطهر، وفيها الخلاف، وقد خفي هذا على الشرنبلالي محشي الدرر فتبصر. قوله: (عند
محمد) هذا ما رجع إليه وكان أولا يقول بأربعة أشهر وعشر، وظاهر الرواية أنها تترك إلى أن يتبين أنها
ليست بحامل. واختلف المشايخ في مدة التبيين على أقوال: أحوطها سنتان، وأرفقها هذا، لأنها مدة
صلحت لتعرف براءة الرحم للأمة في النكاح ففي ملك اليمين وهو دونه أولى. قوله: (وبه يفتى) نقله
في الشرنبلالية عن الكافي. قوله: (والمستحاضة يدعها إلخ) هذا إنما يظهر فيمن علمت عادتها أول
الشهر وحينئذ لا يتعين كون مدة الحيض عشرا، ويظهر أيضا فيمن نزل عليها الدم أول البلوغ ثم
استمر بها الدم فإن حيضها عشرة وطهرها عشرون ويظهر حمل كلامه عليها ولا يظهر في المحيرة
فليحرر. وعبارة القهستاني عن المحيط: فلو اشترى مستحاضة لا يعلم حيضها يدعها من أول
الشهر عشرة أيام فقيد بعدم العلم ط. وفي الذخيرة مثل ما في القهستاني. قوله: (في الحامل) ولو من زنا
. قهستاني. قوله: (قبل قبضها) أي من البائع أو وكيله، ولو وضعت المشتراة في يد عدل حتى ينقد الثمن
فحاضت عنده لم تحتسب منه كما في الخزانة قهستاني. قوله: (ولا بولادة إلخ) فتستبرأ بعد النفاس خلافا
لأبي يوسف. قهستاني. قوله: (ونحوها) كمضي شهر وولادة ط. قوله: (قبل إجازة بيع فضولي) شمل
ما لو كانت مشتركة فباعها أحدهما بلا إذن الآخر كما في الولوالجية. قوله: (لانتفاء الملك) أي الكامل
المستند إلى عقد صحيح، وإلا فالشراء الفاسد يفيد الملك بالقبض كما علم في محله اه‍ ح. ومثله في
السعدية، ولذا يجب الاستبراء على البائع في الرد بعد القبض بفساد أو عيب كما في البزازية، وقيد
الرد في الولوالجية بالقضاء. قوله: (ويجتزي بحيضة) أي ونحوها. قوله: (حاضتها) أي بعد القبض.
هداية. قوله: (أو مكاتبة) سيأتي قريبا في الحيل أنه إذا كاتبها المشتري يسقط الاستبراء فما معنى الاجتزاء
هنا، ثم رأيت ط استشكله كذلك، وسنذكر التوفيق بعون الله تعالى. قوله: (لوجودها) أي الحيضة بعد
الملك وهو علة للاجتزاء: أي لوجودها بعد وجود سبب الاستبراء، وحرمة الوطئ لا تمنع من
الاجتزاء بها عن الاستبراء، كمن اشترى جارية محرمة فخاضت في حال إحرامها. إتقاني. قوله: (أي
693

في دار الاسلام) أي ولم يحرزها أهل الحرب إلى دارهم فإن أحرزها ملكوها فإذا عادت إلى صاحبها
بوجه من الوجوه فعليه الاستبراء في قولهم جميعا، ولو أبقت في دار الحرب ثم عادت لا يجب في قول الإمام
لأنهم لم يملكوها، وعندهما يجب لأنهم ملكوها. أفاده الإتقاني وغيره. قوله: (أي إذا لم يصبها
الغاصب) في بعض النسخ إذا لم يبعها وهي الصواب موافقا لما في الشرنبلالية، وفيها: فإن باعها
وسلم للمشتري ثم استردها المغصوب منه بقضاء أو رضا: فإن كان المشتري علم بالغصب لا يجب
الاستبراء على المالك وطئها المشتري من الغاصب أو لم يطأ، وإن لم يعلم المشتري وقت الشراء أنها
غصب إن لم يطأ لا يجب الاستبراء، وإن وطئها فالقياس لا يجب. وفي الاستحسان: يجب، وكذا في
قاضيخان اه‍. وبه علم أنه إذا وطئها الغاصب لا استبراء كما إذا وطئها المشتري منه العالم به لأنه زنا.
قوله: (قبل القبض) أي قبض المشتري، فلو بعده يلزم الاستبراء ولو تقايلا في المجلس وعن أبي
يوسف: إذا تقايلا قبل الافتراق لا يجب. ظهيرية. قوله: (كما لو باعها بخيار) أي خيار شرط للبائع
كما أشار إليه بقوله: ثم أبطله بخياره فإن كان للمشتري وفسخ قبل القبض فكذلك إجماعا، وإن
فسخ بعده فكذلك عنده، وقالا على البائع الاستبراء، لان خيار المشتري لا يمنع وقوع الملك له
عندهما، وعنده يمنع. وأما إذا رد المشتري بخيار عيب أو رؤية وجب على البائع الاستبراء لعدم منع
ذلك وقوع الملك للمشتري. أفاده الإتقاني. قوله: (وقبضت) وكذا بدون القبض بالأولى. قوله: (وكذا
إلخ) أي لا استبراء على البائع بعد الاسترداد لعدم صحة البيع ولو بعد القبض. قوله: (إن لم يطأها
المشتري) فإن وطئها يستبرئها. زيلعي ونهاية.
قال ط: وفيه أن بيع المدبرة وأم الولد باطل لا يملك المبيع فيه بالقبض، فوطئ المشتري حينئذ
زنا لا استبراء له فليحرر اه‍. فينبغي أن يكون كوطئ المشتري من الغاصب كما مر، ولعل الفرق شبهة
الخلاف، فإن بيع المدبرة يجوز عند الشافعي، وفي بيع أم الولد رواية عن أحمد، فلما جاز البيع عند
بعض الأئمة لم يكن وطئ المشتري زنا فلذا وجب الاستبراء على البائع إذا استردها، بخلاف مسألة
الغصب، هذا ما ظهر لي. قوله: (إن كان زوجها بعد الاستبراء) أي بأن كان ملكها فاستبرأها ثم زوجها.
قوله: (وإن قبله) وإن كان زوجها قبل الاستبراء بعد القبض فطلقها الزوج قبل الدخول، فالمختار
وجوب الاستبراء على المالك. بقي ما لو حاضت بعد الزوج هل يجتزأ بها؟ الظاهر نعم، كما لو شراها
فكاتبها فحاضت فعجزت كما مر فتدبر. قوله: (للبائع) صوابه للمشتري لوجوب الاستبراء في المشتراة
من محرمها. أفاده أبو السعود. وفي الذخيرة: اشترى أمة وقبضها وعليها عدة طلاق أو وفاة يوما أو
أكثر أو أقل فليس عليه استبراء بعد العدة لأنه لم يجب حالة القبض، كما لو كانت مشغولة بالنكاح
لأنه لا يستفيد ملك الوطئ اه‍. فقوله: لا يستفيد أي المشتري، وظاهره أنه لأي جب استبراؤها ولو
694

مضت عدتها بعد الشراء بلحظة، ويشكل بالمجوسية فإنه لا يحل له وطؤها عند البيع أو القبض مع أنه
يجب استبراؤها إذا أسلمت قبل أن تحيض عند المشتري، وقد يفرق بأنه بشراء المجوسية استفاد ملك
الوطئ، لكنه حرم لمانع كالحائض، والمحرمة بخلاف معتدة الغير لأنه لم يستفده أصلا كما هو المتبادر مما
مر، وكذا لو ولدت ثبت نسبه من زوجها لا من المشتري. تأمل. قوله: (ولا بأس إلخ) اعلم أن أبا
يوسف قال: لا بأس به مطلقا لأنه يمتنع من التزام حكمها خوفا من أن لا يتمكن من الوفاء به لو
لزمه، وكرهه محمد مطلقا لأنه فرار من الأحكام الشرعية، وليس هذا من أخلاق المؤمنين، والمأخوذ به
قول أبي يوسف: إن علم البائع لم يقربها، وقول محمد: إذا قربها لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يحل
لرجلين يؤمنان بالله واليوم الآخر أن يجتمعا على امرأة واحدة في طهر واحد فإذا لم يقربها البائع في
هذا الطهر لم يتحقق هذا النهي. قال أبو السعود: فإذا لم يعلم شيئا فالظاهر الافتاء بقول محمد:
لتوهم الشغل. ورأيت في حاشية العلامة نوح أفندي ما يفيده اه‍. قوله: (في طهرها ذلك) فلو وطئ
في الحيض لم تكره الحيلة. قهستاني. قوله: (أو أربع إماء) أي بعقد النكاح، فلو قال المصنف كابن
الكمال إن لم يكن تحته من يمنع نكاحها لكان أولى. قوله: (أن ينكحها) بفتح الياء وكسر الكاف، أو
فتحها مضارع نكح المجرد: أي يتزوجها، بخلاف ينكحها الآتي فإنه بضم الياء وكسر الكاف من المزيد.
قوله: (ويقبضها) اشتراط القبض قبل الشراء قول الحلواني، وبه استدرك الزيلعي على صاحب الهداية.
وقال ابن الكمال: ذكر هذا القيد في الخانية، ولا بد منه كي لا يوجد القبض بحكم الشراء بعد فساد
النكاح اه‍. وما في الهداية قول السرخسي، وهو ظاهر الملتقى والمواهب والوقاية.
قال القهستاني: وبما ذكرنا: أي من قوله: لأنه بالنكاح ثبت له الفراش الدال شرعا على فراغ
الرحم ولم يحدث بالبيع إلا ملك الرقبة ظهر أن المختار عند المصنف قول السرخسي الذي هو الامام،
فلا عليه بترك قول الحلواني ملام اه‍. قوله: (ثم إذا اشترى زوجته لا يجب أيضا) أي لا يجب الاستبراء
لما مر، ويبطل النكاح ويسقط عنه جميع المهر. إتقاني. قوله: (ونقل في الدرر) حيث قال: وفي
الفتاوى الصغرى قال ظهير الدين: رأيت في كتاب الاستبراء لبعض المشايخ أنه إنما يحل للمشترى
وطؤها في هذه الصورة لو تزوجها ووطئها، ثم اشتراها لأنه حينئذ يملكها وهي في عدته، أما إذا
اشتراها قبل أن يطأها فكما اشتراها بطل النكاح، ولا نكاح حال ثبوت الملك فيجب الاستبراء لتحقق
سببه، وهو استحداث حل الوطئ بملك اليمين. وقال: هذا لم يذكر في الكتاب، وهذا دقيق حسن،
إلى هنا لفظ الفتاوى الصغرى اه‍ كلام الدرر. وفيه أن المناط استحداث الملك واليد ولم يوجد الثاني هنا
تأمل اه‍ ح: أي لأنه لم يحدث بالبيع إلا ملك الرقبة وحل الوطئ الثابت قبله دل على فراغ الرحم
شرعا كما قدمناه عن القهستاني.
ولذا والله أعلم: قال في الذخيرة بعد نقله كلام ظهير الدين: لكن عندي فيه شبهة اه‍. قال ط
نقلا عن الحموي: قال العلامة المقدسي: تلخص أن الأقوال ثلاثة: قول باشتراط تقدم القبض
والدخول، وقول باشتراط القبض فقط، وقول بالاطلاق والاكتفاء بالعقد، وهذا أوسع، والثاني أعدل
695

بخلاف الأول. فليتأمل اه‍. قوله: (ممن يثق به) أي يثق به أن يطلقها متى أراد. قوله: (كما سيجئ)
أي بعد سطر وهو مستغني به عما ذكره هنا. قوله: (فلو بعده لم يسقط) أي على المختار كما قدمه عن
الزيلعي، لأنها عند القبض يحكم الشراء كانت حلالا له فوجب الاستبراء لوجود سببه. قوله: (أو
يزوجها) أي البائع قبل الشراء أو المشتري قبل قبضه اه‍ ح. قوله: (ثم يشتري ويقبض) راجع لما إذا
زوجه البائع، وقوله: أو يقبض راجع لما إذا زوجها المشتري فهو معطوف على يشتري اه‍ ح. قوله
: (فيطلق الزوج إلخ) ويلزمه لمولى الجارية نصف المهر وله أن يبرئه من ذلك. إتقاني. قوله: (بعد قبض
المشتري) أما لو طلقها قبله فعليه الاستبراء كما في الأصل، وفي كتاب الحيل: لا استبراء عليه اعتبارا
بوقت الشراء فإنها مشغولة بحق الغير، وعلى رواية الأصل اعتبر وقت القبض وهو الصحيح. ذخيرة.
قوله: (فيسقط الاستبراء) لان عند وجود السبب وهو استحداث الملك المؤكد بالقبض إذا لم يكن
فرجها حلالا له لا يجب الاستبراء وإن حل بعد ذلك، لان المعتبر أوان وجود السبب كما إذا كانت
معتدة الغير. هداية. واستشكله المقدسي بالمجوسية.
أقول: المراد بالحل استفادة ملك الوطئ بالشراء، وبه يندفع الاشكال كما قررناه سابقا. تأمل.
قوله: (وقيل إلخ) هذا من رموز الشارح الخفية رحمه الله تعالى، فإنه لا مدخل لهذه القصة في حيل
الاستبراء، لكن أشار به إلى ما له مدخل وهو مقابل هذا القول.
وما حكاه ابن الشحنة بما حاصله: أن الرشيد أحضر أبا يوسف ليلا وعنده عيسى النسائي جعفر
فقال: طلبت من هذا جاريته فأخبر أنه حلف أن لا يبيعها ولا يهبها، فقال أبو يوسف: بعه النصف
وهبه النصف ففعل، فأراد الرشيد سقوط الاستبراء فقال: أعتقها وأزوجكها ففعل، وأمر له بمائة ألف
درهم وعشرين دست ثياب. قوله: (يشتري نصفها إلخ) فصدق أنه لم يشتر جارية: أي كاملة ولم توهب
له كذلك، وهذا يفيد أن السين والتاء في يستوهب زائدتان، وإلا لو كانتا للطلب، وهب له أمة كاملة
من غير طلب لم يحنث فليتأمل، ويجب الاستبراء لاستحداث الملك واليد اه‍ ط. قوله: (كما يفيده
إطلاقهم) أقول: إنما يستفاد ذلك من الاطلاق لو لم يعارضه ما هو أقوى منه، وهو ما صرح به في
الهداية من أنه يجتزأ بحيضة حاضتها بعد القبض، وهي مجوسية أو مكاتبة بأن كاتبها بعد الشراء ثم
أسلمت المجوسية وعجزت المكاتبة لوجودها بعد السبب، وهو استحداث الملك واليد اه‍. فهو صريح
في بوجوب الاستبراء إذا كاتبها بعد القبض، ووجهه ظاهر فيحمل ما هنا على ما قبل القبض موافقة
لمقتضى القواعد وتوفيقا بين الكلامين. قوله: (والنكاح) الأولى الانكاح اه‍ ح. قوله: (كما سنذكره) في
قوله لزوال ملكه بالكتابة إلخ. وعبارة المصنف عن شيخه: ولعل وجهه أنه بالكتابة خرجت عن يد
السيد حيث صارت حرة يد وصارت أحق بأكسابها فصار كأن الملك قد زال بالكتابة. ثم تجدد بالتعجيز
696

ولكن لم يحدث فيه ملك الرقبة حقيقة، فلم يوجد السبب الموجب للاستبراء، ويرشحه قول النهاية: إن
الأمة إذا لم تخرج عن ملك المولى ولكنها خرجت من يده ثم عادت إليه لا يجب الاستبراء اه‍
ملخصا.
أقول: لو صح هذا الفرق بطل كلام الهداية الذي أقره الشراح، وكيف وقد وجد السبب
الموجب للاستبراء، وهو استحداث الملك، وباليد بعض القبض وبالكتابة زالت اليد فقط الموجبة لحد
الوطئ، وبقي ملك الرقبة فهو مثل ما إذا زوجها بعد القبض، وليس في كلام النهاية ما يقيد ذلك، بل
قد يدعي أنه دليل على خلاف مدعاه، لأنه يدل على أن زوال اليد غير معتبر أصلا، ولذا قال في
النهاية بعد كلامه السابق: ومن نظائر ذلك ما إذا كاتب أمته، ثم عجزت أو باعها على أنه بالخيار، ثم
أبطل البيع لا يلزمه الاستبراء، فقد فرض كلامه في أمة ثابتة في ملكه ويده إذا كاتبها أو باعها ثم ردت
إلى يده لا يلزمه الاستبراء، فانظر بعين الانصاف هل يفيد محل النزاع؟ وهو أنه إذا اشتراها وقبضها
فكاتبها سقط عنه الاستبراء كيف؟ ولو أفاد ذلك لأفاد أن البيع بالخيار كالكتابة ولم يقل به أحد فيما
أعلم. قوله: (لكن في الشرنبلالية إلخ) حيث قال: وهي أن يكاتبها المشتري ثم يقبضها فيفسخ برضاها
، كذا في المواهب وغيرها، وهي أسهل الحيل خصوصا إذا كانت على مال كثير أو منجم بقريب فتعجز
نفسها اه‍. قوله: (قلت إلخ) قد يقال: إن الشرنبلالي قال كذا في المواهب وغيرها، فعبارته مجموعة من
عدة كتب، فإن كان صاحب المواهب لم يصرح بالقيد يمكن أن غيره صرح به اه‍ ح.
أقول: بل لو لم يصرح به أحد فالمعنى عليه كما علمت. قوله: (لزوال ملكه) أي تقديرا لأن الزائل
حقيقة هو اليد. قوله: (لا يجتمعان نكاحا) أشار به إلى أن المراد ذلك، فذكر الأختين تمثيل لا
تقييد، لكن صار في ارتفاع أختان بالألف ركاكة، تأمل. قال ط: وظاهره يشمل الام وبنتها، وعليه
نص القهستاني، مع أنه إذا قبلهما بشهوة وجبت حرمة المصاهرة فيحرمان عليه جميعا.
فرع: لو تزوج أمة ولم يطأها فشرى أختها ليس له أن يستمتع بالمشتراة، لان الفراش ثبت
بالنكاح، فلو وطئها صار جامعا في الفراشية. إتقاني. قوله: (قبلهما) لم يذكر المصنف الوطئ لان كتاب
النكاح أغنانا عنه. قهستاني. قوله: (يحل له وطؤها) لأنه يصير جامعا بوطئ الأخرى لا بوطئ الموطوءة.
هداية. قوله: (الشهوة في القبلة لا تعتبر) مخالف لما في الكنز والهداية. قال في النهاية، قيد بقوله
بشهوة لان تقبيلهما إذا لم تكن عن شهوة صار كأنه لم يقبلهما أصلا اه‍. ومثله في العناية. لكن في
فصل المحرمات من فتح القدير: إذا أقر بالتقبيل وأنكر الشهوة اختلف فيه: قيل لا يصدق ولا يقبل
إلا أن يظهر خلافه، وقيل يقبل، وقيل بالتفصيل بين كونه على الرأس والجبهة فيصدق أو على الفم فلا، والأرجح هذا اه‍. واستظهر إلحاق الخدين بالفم.
697

قلت: فقد حصل التوفيق والله الموفق. قوله: (حتى يحرم) بفتح حرف المضارعة من المجرد لا من
التحريم وفرج بالرفع فاعل ليشمل ما بغير فعله. قوله: (بملك) أراد به ملك اليمين، وقوله بأي
سبب كان تعمم له. قال الإتقاني: كالشراء والوصية والخلع والكتابة والهبة والصدقة. تأمل. قوله:
(إلا بالدخول) لأنه تجب العدة عليها، والعدة كالنكاح الصحيح في التحريم. هداية.
تنبه: لو ارتفع المحرم فالظاهر عود الحرمة. ثم رأيت في النهاية عن المبسوط: لو زوج إحداهما
له وطئ الباقية، فإن طلقها الزوج وانقضت عدتها لم يطأ واحدة منهما حتى يزوج إحداهما أو يبيع، لان
حق الزوج سقط عنها بالطلاق ولم يبق أثره بعد انقضاء العدة فعاد الحكم الذي كان قبل التزويج اه‍.
قوله: (كما بسطته في شرح الملتقى) نصه: لكن المستحب أن لا يمسها حتى تمضي حيضة على المحرمة
بالاخراج عن الملك.
قلت: وهذا أحد أنواع الاستبراء المستحب. ومنها: إذا رأى امرأته أو أمته تزني ولم تحبل، فلو
حبلت لم يطأ حتى تضع الحمل، ومنها: إذا زنى بأخت امرأته أو بعمتها أو بخالتها أو بنت أخيها أو
أختها بلا شبهة، فإن الأفضل أن لا يطأ امرأته حتى تستبرأ المزنية، فلو زنى بها بشبهة وجب عليه
العدة فلا يطأ امرأته حتى تنقضي عدة المزنية. ومنها: إذا رأى امرأة تزني ثم تزوجها فإن الأفضل أن
يستبرئ، وهذا عندهما. وأما عند محمد: فلا يطأ إلا بعد الاستبراء. وكذا الجواب فيمن تزوج أمة
الغير أو مدبرته أو أم ولده قبل العتق، وكذا لمولاها كما في القهستاني عن النظم فليحفظ اه‍. قوله:
(وأما على وجه البر فجائز عن الكل) قال الامام العيني بعد كلام: فعلم إباحة تقبيل اليد والرجل
والرأس والكشح كما علم من الأحاديث المتقدمة إباحتها على الجبهة، وبين العينين وعلى الشفتين على
وجه المبرة والاكرام اه‍. ويأتي قريبا تمام الكلام على التقبيل والقيام. قوله: (وكذا معانقته) قال في
الهداية: ويكره أن يقبل الرجل فم الرجل أو يده أو شيئا منه أو يعانقه. وذكر الطحاوي أن هذا قول
أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: لا بأس بالتقبيل والمعانقة لما روى أنه عليه الصلاة والسلام عانق
جعفرا حين قدم من الحبشة وقبله بين عينيه ولهما ما روى أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن
المكامعة وهي المعانقة وعن المكاعمة وهي التقبيل. وما رواه محمول على ما قبل التحريم. قالوا:
الخلاف في المعانقة في إزار واحد، أما إذا كان عليه قميص أو جبة لا بأس به بالاجماع وهو الصحيح
اه‍. وفي العناية: ووفق الشيخ أو منصور بين الأحاديث فقال: المكروه من المعانقة ما كان على وجه
698

الشهوة، وعبر عنه المصنف بقوله في إزار واحد فإنه سبب يفضي إليه، فأما على وجه البر والكرامة
إذا كان عليه قميص واحد فلا بأس به اه‍. وبه ظهر أن قوله لو عن شهوة في قول المصنف في إزار
واحد أي ساتر لما بين السرة والركبة مع كشف الباقي، وأن ما قبله عن أبي يوسف موافق لما في
الهداية، فافهم. قوله: (ولو كان عليه) أي على كل واحد منهما كما في شرح المجمع. قوله: (وفي
الحقائق إلخ) يغني عنه ما قدمناه قريبا عن الخانية ط. قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام إلخ) كذا في
الهداية وفي شرحها للعيني، قال النبي (ص): إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ عليه
بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر رواه الطبراني والبيهقي. قوله: (كما
أفاده النووي في أذكاره) حيث قال: أعلم أن المصافحة مستحبة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناس من
المصافحة بعد صلاة الصبح والعصر فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به، فإن
أصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال وفرطوا في كثر من الأحوال أو أكثرها
لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها اه‍. قال الشيخ أو الحسن
البكري: وتقييده بما بعد الصبح والعصر على عادة كانت في زمنه، وإلا فعقب الصلوات كلها كذلك،
كذا في رسالة الشرنبلالي في المصافحة. ونقل مثله عن الشمس الحانوتي، وأنه أفتى به مستدلا بعموم
النصوص الواردة في مشروعيتها وهو الموافق لما ذكره الشارح من إطلاق المتون. لكن قد يقال: إن
المواظبة عليها بعد الصلوات خاصة قد يؤدي الجهلة إلى اعتقاد سنيتها في خصوص هذا المواضع وأن لها
خصوصية زائدة على غيرها، مع أن ظاهر كلامهم أنه لم يفعلها أحد من السلف في هذه المواضع،
وكذا قالوا بسنية قراءة السور الثلاثة في الوتر مع الترك أحيانا لئلا يعتقد وجوبها، ونقل في تبيين
المحارم عن الملتقط أنه تكره المصافحة بعد أداء الصلاة بكل حال، لان الصحابة رضي الله تعالى عنهم
ما صافحوا بعد أداء الصلاة، ولأنها من سنن الروافض اه‍. ثم نقل عن ابن حجر عن الشافعية أنها
بدعة مكروهة لا أصل لها في الشرع، وإنه ينبه فاعلها أولا ويعذر ثانيا، ثم قال: وقال ابن الحاج من
المالكية في المدخل إنها من البدع، وموضع المصافحة في الشرع، إنما هو عند لقاء المسلم لأخيه لا في
أدبار الصلوات، فحيث وضعها الشرع يضعها فينهي عن ذلك ويزجر فاعله لما أتى به من خلاف السنة
اه‍. ثم أطال في ذلك فراجعه. قوله: (وغيره في غيره) الضمير الأول للنووي والثاني لكتاب الأذكار.
قوله: (وعليه يحمل ما نقله عنه) أي عن النووي في شرحه على صحيح مسلم كما صرح به ابن مالك
في شرح المجمع، فافهم.
أقول: وهذا الحمل بعيدا جدا، والظاهر أنه مبني على اختلاف رأي الامام النووي في كتابيه،
وأنه في شرح مسلم نظر إلى ما يلزم عليه من المحظور، وإلى أن ذلك بخصوصه غير مأثور، ولا سيما
699

بعد ما قدمناه عن الملتقط من أنها من سنن الروافض، والله أعلم. قوله: (وتمامه إلخ) ونصه: وهي
إلصاق صفحة الكف بالكف وإقبال الوجه بالوجه فأخذ الأصابع ليس بمصافحة خلافا للروافض،
والسنة أن تكون بكلتا يديه، وبغير حائل من ثوب أو غيره، وعند اللقاء بعد السلام، وأن يأخذ
الابهام فإن فيه عرقا ينبت المحبة. كذا جاء في الحديث. ذكره القهستاني وغيره اه‍. قوله: (مضاجعة
الرجل) أي في ثوب واحد لا حاجز بينهما، وهو المفهوم من الحديث الآتي، وبه فسر الإتقاني المكامعة
على خلاف ما مر عن الهداية، وهل المراد أن يلتفا في ثوب واحد أو يكون أحدهما في ثوب دون
الآخر؟ والظاهر الأول، يؤيده ما نقله عن مجمع البحار: أي متجردين، وإن كان بينهما حائل، فيكره
تنزيها اه‍. تأمل. قوله: (بين أخيه وأخته وأمه وأبيه) في بعض النسخ وبين بالواو، وهكذا رأيته في
المجتبى. قال في الشرعة: ويفرق بين الصبيان في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين، ويحول ين ذكور
الصبيان والنسوان وبين الصبيان والرجال، فإن ذلك داعية إلى الفتنة ولو بعد حين اه‍. وفي البزازية:
إذا بلغ الصبي عشرا لا ينام مع أمه وأخته وامرأة إلا بامرأته أو جاريته اه‍. فالمراد التفريق بينهما عند
النوم خوفا من الوقوع في المحذور، فإن الولد إذا بلغ عشرا عقل الجماع، ولا ديانة له ترده، فربما
وقع على أخته أو أمه، فإن النوم وقت راحة مهيج للشهوة وترتفع فيه الثياب عن العورة من الفريقين،
فيؤدي إلى المحظور وإلى المضاجعة المحرمة، خصوصا في أبناء هذا الزمان فإنهم يعرفون الفسق أكثر من
الكبار، وأما قوله وأمه وأبيه فالظاهر أن المراد تفريقه عن أمه وأبيه بأن لا يتركاه ينام معهما في
فراشهما، لأنه ربما يطلع على ما يقع بينهما، بخلاف ما إذا كان نائما وحده أو مع أبيه وحده أو البنت
مع أمها وحدها، وكذا لا يترك الصبي ينام مع رجل أو امرأة أجنبيين خوفا من الفتنة، ولا سيما إذا
كان صبيحا فإنه وإن لم يحصل في تلك النومة شئ فيتعلق به قلب الرجل أو المرأة فتحصل الفتنة بعد
حين، فلله در هذا الشرع الطاهر فقد حسم مادة الفساد، ومن لم يحط في الأمور يقع في المحذور وفي
المثل: لا تسلم الجرة في كل مرة. قوله: (كذا في المجتبى) الإشارة إلى ما في المتن وما بعده إلى هنا.
قوله: (كالفحل) أي كالبالغ كما في التاترخانية: أي في النظر إلى العورة والمضاجعة. قوله: (والكافرة
كالمسلمة) يحتمل أن يكون المراد أن نظر الكافرة إلى المسلمة كنظر المسلمة إلى المسلمة، وهو خلاف
الأصح الذي قدمه المصنف بقوله والذمية كالرجل الأجنبي في الأصح إلخ ويحتمل أن يكون المراد أن
الرجل ينظر من الكافرة كما ينظر إلى المسلمة، ومقابله ما في التاترخانية: روى أنه لا بأس بالنظر إلى
شعر الكافرة. قوله: (عن أبي حنيفة إلخ) هذا غير المعتمد لما في الولوالجية شرح الوهبانية، وينبغي أن يتولى طلي
عورته بيده دون الخادم هو الصحيح، لان ما لا يجوز النظر إليه لا يجوز مسه إلا فوق الثياب. وعن
700

ابن مقاتل: لا بأس أن يطلي عورة غيره بالنورة كالختان ويغض بصره اه‍. قلت: وفي التاترخانية: قال الفقيه أبو الليث: هذا في حالة الضرورة لا غير. قوله: (وقيل إلخ)
مقابل لقوله وحجته الختان فإن مطلق يشمل ختان الكبير والصغير، وذا أطلقه في النهاية كما
قدمناه وأقره الشراح، والظاهر ترجيحه، ولذا عبر هنا عن التفصيل بقيل. قوله: (إلا أن لا يمكنه
النكاح) كذا رأيته في المجتبى، والصواب إسقاط لا بعد أن كما وجدته في بعض النسخ موافقا لما في
التاترخانية وغيرها، والمراد أن لا يمكنه أن يتزوج امرأة تختنه أو يشتري أمة كذلك. قوله: (والظاهر في
الكبير أنه يختن) الظاهر أن يختن مبني للمجهول: أي يختنه غيره فيوافق إطلاق الهداية. تأمل. قوله:
(ويكفي قطع الأكثر) قال في التاترخانية: غلام ختن فلم تقطع الجلدة كلها، فإن قطع أكثر من النصف
يكون ختانا، وإلا فلا. قوله: (ونقل المصنف إلخ) لا حاجة إليه لأنه داخل في قول المصنف بعد
والسلطان إذ هو من له سلطنة وولاية ط. قوله: (وقيل سنة) أي تقبيل يد العالم والسلطان العادل.
قال الشرنبلالي: وعلمت أن مفاد الأحاديث سنيته أو ندبه كما أشار إليه العيني. قوله: (أي العامل)
ظاهره أن الأجود في السلطان اليد حفظا لأبهة الامارة ليحرر ط. قوله: (أجود) لعل معناه أكثر ثوابا
ط. قوله: (هو المختار) قدم على الخانية والحقائق أن التقبيل على سبيل البر بلا شهوة جائز بالاجماع.
قوله: (يدفع إليه قدمه) يغني عنه ما في المتن. قوله: (أجابه) لما أخرجه الحاكم: أن رجلا أتى النبي
(ص) فقال: يا رسول الله أرني شيئا أزداد به يقينا، فقال: اذهب إلى تلك الشجرة
فادعها، فذهب إليها فقال: أن رسول الله (ص) يدعوك، فجاءت حتى سلمت على
النبي (ص)، فقال لها: ارجعي فرجت، قال: ثم أذن له فقبل رأسه ورجليه وقال: لو
كنت آمرا أحدا أن يسجد لاحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها وقال: صحيح الاسناد اه‍. من
رسالة الشرنبلالي. قوله: (كما يكره إلخ) الأولى حذفه فإنه نقله سابقا عن القنية ط. وهذا لو عن شهوة
كما مر. قوله: (مقدما للقيل) أي الواقع في عبارة المصنف، فإنه رمز له إلى كتاب ثم رمز بعد للأول.
قوله: (قال) الظاهر أن الضمير لصاحب القنية ولم أره فيها. نعم ذكر الثانية والثالثة في المجتبى. قوله:
(فهو مكروه) أي تحريما، ويدل عليه قوله بعد فلا رخصة فيه ط. قوله: (فمكروه بالاجماع) أي إذا لم
يكن صاحبه عالما لا عادلا، ولا قصد تعظيم إسلامه ولا إكرامه، وسيأتي أن قبله يد المؤمن تحية توفيقا
بين كلامهم، ولا يقال: حال اللقاء مستثناة، لأنا نقول: حيث ندب فيها الشارع (ص)
إلى المصافحة علم أنها تزيد عن غيرها في التعظيم، فكيف لا تساويها؟ سائحاني. قوله: (إن على
701

وجه العبادة أو التعظيم كفر إلخ) تلفيق لقولين. قال الزيلعي: وذكر الصدر الشهيد أنه لا يكفر بهذا
السجود، لأنه يريد به التحية. وقال شمس الأئمة السرخسي: إن كان لغير الله تعالى على وجه العظيم
كفر اه‍. قال القهستاني: وفي الظهيرية: يكفر بالسجدة مطلقا. وفي الزاهدي: الايماء في السلام إلى
قريب الركوع كالسجود. وفي المحيط أنه يكره الانحناء للسلطان وغيره اه‍. وظاهر كلامهم إطلاق
السجود على هذا التقبيل.
تتمة: اختلفوا في سجود الملائكة: قيل: كان لله تعالى، والتوجه إلى آدم للتشريف، كاستقبال
الكعبة، وقيل: بل لآدم على وجه التحية والاكرام، ثم نسخ بقوله عليه الصلاة والسلام: لو أمرت
أحدا أن يسجد لاحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها تاترخانية. قال في تبيين المحارم: والصحيح
الثاني ولم يكن عبادة له بل تحية وإكراما، ولذا امتنع عنه إبليس، وكان جائزا فيما مضى كما في قصة
يوسف. قال أبو منصور الماتريدي: وفيه دليل على نسخ الكتاب بالسنة. قوله: (التواضع لغير الله حرام)
أي إذلال النفس لنيل الدنيا، وإلا فخفض الجناح لمن دونه مأمور به سيد الأنام عليه الصلاة والسلام،
يدل عليه ما رواه البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه: من خضع لغني ووضع له نفسه إعظاما له
وطمعا فيما قبله ذهب ثلثا مروءته وشطر دينه. قوله: (يجوز بل يندب القيام تعظيما للقادم إلخ) أي إن
كان ممن يستحق التعظيم. قال في القنية: قيام الجالس في المسجد لمن دخل عليه تعظيما، وقيام قارئ
القرآن لمن يجئ تعظيما لا يكره إذا كان ممن يستحق التعظيم، وفي مشكل الآثار: القيام لغيره ليس
بمكروه لعينه، إنما المكروه محبة القيام لمن يقال له، فإن قام لمن لا يقام له لا يكر.
قال ابن وهبان: أقول: وفي عصرنا ينبغي أن يستحب ذلك: أي القيام لما يورث تركه من
الحقد والبغضاء والعداوة لا سيما إذا كان في مكان اعتيد فيه القيام، وما ورد من التوعد عليه في حق
من يجب القيام بين يديه كما يفعله والأعاجم اه‍.
قلت: يؤيده ما في العناية وغيرها عن الشيح الحكيم أبي القاسم كان إذا دخل عليه غني يقوم له
ويعظمه ولا يقوم للفقراء وطلبه العلم، فقيل له في ذلك، فقال: الغني يتوقع مني التعظيم، فلو تركته
لتضرر، والفقراء والطلبة إنما يطمعون في جواب السلام والكلام معهم في العلم، وتمام ذلك في
رسالة الشرنبلالي. قوله: (تقبيل عتبة الكعبة) هي من قبلة الديانة ط. وفي الدر المنتقى: واختلف في
702

تقبيل الركن اليماني: فقيل سنة، وقيل بدعة. قوله: (ومنشور ربي) قال في القاموس: المنشور: الرجل
المنتشر الامر وما كان غير مختوم من كتب السلطان، والمراد كتاب ربي ففيه تجريد عن بعض المعنى ط.
قوله: (قواعدنا لا تأباه) قال في الدر المنتقى: وحينئذ فيزاد على الستة ستة أيضا بدعة مباحة أو حسنة
وسنة لعالم وعادل مكروه لغيرهما على المختار وحرام للأرض تحية وكفر لها تعظيما كما مر اه‍. تأمل.
قوله: (وجاه إلخ) قال مشايخنا الشيخ إسماعيل الجراحي في الأحاديث المشتهرة لا تقطعوا الخبز
واللحم بالسكين كما تقطع الأعاجم ولكن أنهشوه نهشا قال الصغاني: موضوع اه‍. وفي المجتبى: لا
يكره قطع الخبز واللحم بالسكين والله تعالى أعلم.
فصل في البيع
قوله: (كره بيع العذرة) بفتح العين وكسر الذال. قهستاني. والكراهة لا تقتضي البطلان، لكن
يأخذ من مقابلته بقوله وصح مخلوطه أين بيع الخالصة باطل، وبه صرح القهستاني، وفي الهداية
إشارة إليه ونقله في الدر المنتقى عن البرجندي عن الخزانة، وقال: وكذا بيع كل ما انفصل عن الآدمي
كشعر وظفر لأنه جزء الآدمي، ولذا وجب دفنه كما مر في التمرتاشي وغيره. قوله: (بل يصح بيع
السرقين) بالكسر معرب سركين بالفتح، ويقال سرجين بالجيم. قوله: (أي الزبل) وفي الشرنبلالية: هو
رجيع ما سوى الانسان. قوله: (غلب عليها) كذا قيده في موضع من المحيط والكافي والظهيرية،
وأطلقه في الهداية والاختيار والمحيط، فأما أن يحمل المطلق على المقيد أو يحمل على
الروايتين، أو على الرخصة والاستحسان، لكن في زيادات العتابي أن المطلق يجري على إطلاقه، إلا إذا قام دليل التقييد
نصا أو دلالة فاحفظه فإنه للفقيه ضروري. قهستاني. قوله: (في الصحيح) قيد لقوله وصح بيعها
مخلوطة وعبارة متن الاصلاح: وصح في الصحيح مخلوطة، وعبارة شرحه قال في الهداية: وهو
المروي عن محمد وهو الصحيح اه‍. فافهم. قوله: (وفي الملتقى إلخ) الظاهر أنه أشار بنقله إلى أن
تصحيح الانتفاع بالخالصة تصحيح لجواز بيعها أيضا، وقوله فافهم تنبيه على ذلك. قوله: (من ثمن خمر)
بأن باع الكافر خمرا وأخذ ثمنها وقضى به الدين. قوله: (لصحة بيعه) أي بيع الكافر الخمر، لأنها مال
متقوم في حقه فملك الثمن فيحل الاخذ منه، بخلاف المسلم لعدم تقومها في حقه فبقي الثمن على
703

ملك المشتري. قوله: (باعه مسلم) عدل عن قول الزيلعي باعه هو، ليشمل ما إذا كان البائع هو المسلم
الميت أو مسلم غيره بالوكالة عنه. قوله: (كما بسطه الزيلعي) حيث قال: لأنه كالمغصوب وقال في
النهاية: قال عض مشايخنا: كسب المغنية كالمغصوب لم يحل أخذه، وعلى هذا قالوا: لو مات الرجل
وكسبه من بيع الباذق أو الظلم أو أخذ الرشوة يتورع الورثة ولا يأخذون منه شيئا، وهو أولى بهم
ويردونها على أربابها إن عرفوهم، وإلا تصدقوا بها لان سبيل الكسب الخبيث التصدق إذا تعذر الرد
على صاحبه اه‍. لكن في الهندية عن المنتقى عن محمد في كسب النائحة، وصاحب طبل أو مزمار: لو
أخذ بلا شرط ودفعه المالك برضاه فهو حلال، ومثله في المواهب، وفي التاترخانية: وما جمع السائل
من المال فهو خبيث. قوله: (وفي الأشباه إلخ) قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتاب المنن: وما
نقل عن بعض الحنفية من أن الحرام لا يتعدى إلى ذمتين سألت عنه الشهاب ابن الشلبي فقال: هو
محمول على ما إذا لم يعلم بذلك، أما من رأى المكاس يأخذ من أحد شيئا من المكس ثم يعطيه آخر ثم
يأخذه من ذلك الآخر فهو حرام اه‍.
وفي الذخيرة: سئل أبو جعفر عمن اكتسب ماله من أمر السلطان والغرامات المحرمة، وغير
ذلك هل يحل لمن عرف ذلك أن يأكل من طعامه؟ قال: أحب إلي في دينه أن لا يأكل ويسعه حكما
إن لم يكن غصبا أو رشوة اه‍. وفي الخانية: امرأة زوجها في أرض الجور إذا أكلت من طعامه ولم يكن
عينه غصبا أو اشترى طعاما أو كسوة من مال أصله ليس بطيب فهي في سعة من ذلك والاثم على
الزوج اه‍. حموي. قوله: (مع العلم) أما بدونه ففي التاترخانية: اشترى جارية أو ثوبا وهو لغير البائع
فوطئ أو لبس ثم علم: روى عن محمد أن الجماع واللبس حرام إلا أنه وضع عنه الاثم، وقال أبو
يوسف: الوطئ حلال مأجور عليه، وعلى الخلاف لو تزوج ووطئها فبان أنها منكوحة الغير. قوله: (إلا
إذا علم ربه) أي رب المال فيجب على الوارث رده على صاحبه. قوله: (وهو حرام مطلقا على الورثة) أي
سواء علموا أربابه أو لا، فإن علموا أربابه ردوه عليهم، وإلا تصدقوا به كما قدمناه آنفا عن الزيلعي.
أقول: ولا يشكل ذلك بما قدمناه آنفا عن الذخيرة والخانية، لان الطعام أو الكسوة ليس عين
المال الحرام، فإنه إذا اشترى به شيئا يحل أكله على تفصيل تقدم في كتاب الغصب، بخلاف ما تركه
ميراثا فإنه عين المال الحرام، وإن ملكه بالقبض والخلط عند الامام فإنه لا يحل له التصرف فيه قبل أداء
ضمانه، وكذا لوارثه، ثم الظاهر أن حرمته على الورثة في الديانة لا الحكم فلا يجوز لوصي القاصر
التصدق به ويضمنه القاصر إذا بلغ. تأمل. قوله: (فتنبه) أشار به إلى ضعف ما في الأشباه ط. قوله:
(وجاز تحلية المصحف) أي بالذهب والفضة، خلافا لأبي يوسف كما قدمناه. قوله: (كما في نقش
المسجد) أي ما خلا محرابه: أي بالجص وماء الذهب لا من مال الوقف وضمن متوليه لو فعل، إلا
إذا فعل الواقف مثله كما مر قبيل الوتر والنوافل، وكره بعضهم نقش حائط القبلة، ويجوز حفر بئر في
مسجد لولا ضرر فيه أصلا وفي نفع من كل وجه، ولا يضمن فيه الحافر لما حفر، وعلي الفتوى كما
704

أفاده ط عن الهندية. قوله: (وتعشيره) هو جعل العواشر في المصحف، وهو كتابة العلامة عند منتهى
عشر آيات. عناية. قوله: (أي إظهار إعرابه) تفسير للنقط. قال في القاموس: نقط الحرف أعجمه،
ومعلوم أن الاعجام لا يظهر به الاعراب إنما يظهر بالشكل فكأنهم أرادوا ما يعمه. أفاده ط. قوله: (وبه
يحصل الرفق إلخ) أشار إلى أن ما روي عن ابن مسعود: جودوا القرآن كان في زمنهم، وكم من شئ
يختلف باختلاف الزمان والمكان كما بسطه الزيلعي وغيره. قوله: (وعلى هذا) أي على اعتبار حصول
الرفق. قوله: (ونحوها) كالسجدة ورموز التجويد. قوله: (لا بأس بكواغد أخبار) أي يجعلها غلافا
لمصحف ونحوه، والظاهر أن المراد بالاخبار التواريخ دون الأحاديث. قوله: (ويكره تصغير مصحف)
أي تصغير حجمه، وينبغي أن يكتبه بأحسن خط وأبينه على أحسن ورق وأبيضه بأفخم قلم وأبرق
مداد، ويفرج السطور ويفخم الحروف ويضخم المصحف اه‍. قنية. قوله: (ونحوه) الذي في المنح
ونحوه في الهندية، ولا يجوز لف شئ في كاغد فيه مكتوب من الفقه، وفي الكلام الأولى أن لا
يفعل، وفي كتاب الطب يجوز، ولو كان فيه اسم الله تعالى أو اسم النبي عليه الصلاة والسلام يجوز محوه
ليلف فيه شئ ومحو بعض الكتابة بالريق، وقد ورد النهي عن محو اسم الله تعالى بالبصاق، ولم يبين محو
كتابة القرآن بالريق هل هو كاسم الله تعالى أو كغيره ط. قوله: (وجاز دخول الذمي مسجدا) ولو جنبا
كما في الأشباه، وفي الهندية عن التتمة: يكره للمسلم الدخول في البيعة والكنيسة، وإنما يكره من
حيث إنه مجمع الشياطين لا من حيث إنه ليس له حق الدخول اه‍. وانظر هل المستأمن ورسول أهل
الحرب مثله ومقتضى استدلالهم على الجواز بإنزال رسول الله (ص) وفد ثقيف
في المسجد جوازه ويحرر ط. قوله: (مطلقا) أي المسجد وغيره. قوله: (قلنا) أي في الجواب عما استدل به
المانعون، وهو قوله تعالى: * (فلا يقربوا المسجد الحرام) * (التوبة: 28) وما ذكره مأخوذ من الحواشي
السعدية. قوله: (تكويني) نسبة إلى التكوين الذي هو صفة قديمه ترجع إليها صفات الافعال عند
الماتريدية، فمعنى لا يقربوا: لا يخلق الله فيهم القربان، ومثال الامر التكويني: ائتيا طوعا أو كرها.
ومثال الامر التكليفي ويقال التدويني أيضا: أقيموا الصلاة. والفرق أن الامتثال لا يتخلف عن الأول
عقلا بخلاف الثاني اه‍ ح. وحاصله أنه خبر منفي في صورة النهي. تأمل. قوله: (لا تكليفي) بناء
على أن الكفار ليسوا مخاطبين بالفروع. قوله: (وقد جوزوا إلخ) هذا إنما يحسن لو ذكر دليل الشافعي
الذي من جملته، ولان الكافر لا يخلو عن الجنابة فوجب تنزيه المسجد عنه، وحاصل كلامه أن هذا
الدليل لا يتم لأنه قد جوز إلخ ط. قوله: (فمعنى لا يقربوا إلخ) تفريع على قوله تكويني وهو ظاهر،
فإنه لم ينقل أنهم بعد ذلك اليوم حجوا واعتمروا عراة كما كانوا يفعلون في الجاهلية، فافهم.
705

قال في الهداية: ولنا ما روي أنه عليه الصلاة والسلام أنزل وفد ثقيف في مسجده وهم كفار
، ولان الخبث في اعتقادهم فلا يؤدي إلى تلويث المسجد، والآية محمولة على الحضور استيلاء واستغلال
أو طائفين عراة كما كانت عادتهم في الجاهلية اه‍: أي فليس الممنوع نفس الدخول، يدل عليه ما في
صحيح البخاري بإسناده إلى أحمد بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة أخبره أن أبا بكر الصديق
رضي الله تعالى عنهما بعثه في الحجة التي أمره فيها النبي (ص) قبل حجة الوداع في
رهط يؤذن في الناس ألا لا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان إتقاني. قوله: (عام
تسع) بالجر بدل من عامهم ط. قوله: (ونادى علي بهذه السورة) كذا في كثير من النسخ التي رأيتها،
وفي نسخ ونادى على بعيره بسورة براءة وهي التي كتب عليها ط: وقال: إن المنادي على البعير
بأربعين آية من أول سورة براءة هو علي كرم الله وجهه، وقد أرسله عليه الصلاة والسلام عقب
الصديق فلحقه، والحكمة في ذلك ليكون الآمر من أهل بيته عليه الصلاة والسلام اه‍. قوله: (ولا تنس
ما مر في فصل الجزية) حيث قال: وأما دخوله المسجد الحرام فذكر في السير الكبير المنع وفي الجامع
الصغير عدمه، والسير الكبير آخر تصنيف الإمام محمد رحمه الله تعالى، والظاهر أنه أورد فيه ما استقر
عليه الحال اه‍.
أقول: غايته أن يكون ما في السير الكبير هو قول محمد الذي استقر عليه رأيه، ولذا ذكره
الشارح آنفا مع الشافعي وأحمد، وما ذكره أصحاب المتون هنا مبني على قول الإمام، لان شأن المتون
ذلك غالبا. تأمل هذا. وذكر الشارح في الجزية أيضا أنهم يمنعون من استيطان مكة والمدينة لأنهما من
أرض العرب، قال عليه الصلاة والسلام: لا يجتمع في أرض العرب دينان ولو دخل لتجارة جاز
ولا يطيل اه‍. قوله: (وجاز عيادته) أي عيادة مسلم ذميا نصرانيا أو يهوديا، لأنه نوع بر في حقهم وما
نهينا عن ذلك، وصح أن النبي (ص) عاد يهوديا مرض بجواره. هداية. قوله: (وفي عيادة
المجوسي قولان) قال في العناية: فيه اختلاف المشايخ فمنهم من قال به لأنهم أهل الذمة وهو المروي
عن محمد، ومنهم من قال: هم أبعد عن الاسلام من اليهود والنصارى، ألا ترى أنه لا تباح ذبيحة
المجوس ونكاحهم اه‍.
قلت: وظاهر المتن كالملتقى وغيره اختيار الأول لإرجاعه الضمير في عيادته إلى الذمي، ولم يقل
عيادة اليهودي والنصراني كما قال القدوري، وفي النوادر: جار يهودي أو مجوسي مات ابن له أو
قريب ينبغي أن يعزيه ويقول: أخلف الله عليك خيرا منه وأصلحك، وكان معناه: أصلحك الله
بالاسلام: يعني رزقك الاسلام ورزقك ولدا مسلما. كفاية. قوله: (وجاز عيادة فاسق) وهذا غير حكم
المخالطة. ذكر صاحب الملتقط: يكره للمشهور المقتدي به الاختلاط برجل من أهل الباطل والشر إلا
بقدر الضرورة، لأنه يعظم أمره بين الناس، ولو كان رجل لا يعرف يداريه ليدفع الظلم عن نفسه من
غير إثم فلا بأس به اه‍.
تنبيه: من العيادة المكروهة إذا علم أنك تثقل على المريض فلا تعده، فقد قيل: مجالسة الثقيل حمي
706

الروح، ولا تهول على المريض، ولا تحرك رأسك ولا تقل ما علمت أنك على هذه الحالة الشديدة، بل
هون عليه المرض وطيب قلبه، وقل له أراك في خير بتأويل، واذكر له ما يزيد رجاءه في رحمة الله تعالى
مشوبا بشئ من التخويف، ولا تضع يدك على رأسه فربما يؤذيه إلا إذا طلبه، وقل له إذا دخلت
عليه: كيف تجدك؟ هكذا جاء عن السلف، ولا تقل له أوص فإنه من أعمال الجهال اه‍. مجتبى ط.
فائدة: يتشاءم الناس في زماننا من العيادة في يوم الأربعاء، فينبغي تركها إذا كان يحصل
للمريض بذلك ضرر، ورأيت في تاريخ المحبي في ترجمة الشيخ فتح الله البيلوني أنه قال:
السبت والاثنين والأربعا * تجنب المرضى بها أن تزار
في طيبة يعرف هذا فلا * تغفل فإن العرف عالي المنار
قال المحبي: قلت: هذا عرف مشهور، لكن ورد إلى السنة ما يرد السبت منه، فقد ورد أنه عليه
الصلاة والسلام كان يفقد (1) أهل قباء يوم الجمعة، فيسأله عن المفقود فيقال له إنه مريض، فيذهب يوم
السبت لزيارته. تأمل. قوله: (وجاز خصاء البهائم) عبر في الهداية بالإخصاء، والصواب ما هنا كما
في النهاية وهو نزع الخصية، يقال: خصي ومخصي. قوله: (قيل والفرس) ذكر شمس الأئمة الحلواني
أنه لا بأس به عند أصحابنا، وذكر شيخ الاسلام أنه حرام ط. قوله: (وقيدوه) أي جواز البهائم بالمنفعة
وهي إرادة سمنها أو منعها عن العض، بخلاف بني آدم فإنه يراد به المعاصي فيحرم. أفاد الإتقاني عن
الطحاوي.
تنبيه: لا بأس بكي البهائم للعلامة وثقب أذن الطفل من البنات لأنهم كانوا يفعلونه في زمن
رسول الله (ص) من غير إنكار، ولا بأس بكي الصبيان لداء. إتقاني. والهرة المؤذية لا
تضرب ولا تعرك أذنها بل تذبح بسكين حاد، ولو ماتت حامل وأكبر رأيهم إن الولد حي شق بطنها
من الجانب الأيسر، وبالعكس قطع الولد إربا إربا. تاترخانية. قوله: (للتداوي) أي من مرض أو هزال
مؤد إليه، لا لنفع ظاهر كالتقوى على الجماع كما قدمناه، ولا للسمين كما في العناية. قوله: (ولو
للرجل) الأولى ولو للمرأة. قوله: (وجوزه في النهاية إلخ) ونصه: وفي التهذيب: يجوز للعليل شرب
البول والدم والميتة للتداوي إذا أخبره طبيب مسلم أن شفاءه فيه ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه، وإن
قال الطبيب يتعجل شفاؤك به: فيه وجهان. وهل يجوز شرب القليل من الخمر للتداوي؟ فيه وجهان،
كذا ذكره الامام التمرتاشي اه‍. قال في الدر المنتقى بعد نقله ما في النهاية: وأقره في المنح وغيرها،
قدمناه في الطهارة والرضاع أن المذهب خلافه اه‍. قوله: (وفي البزازية إلخ) ذكره في النهاية عن
الذخيرة أيضا. قوله: (نفى الحرمة عند العلم بالشفاء) أي حيث لم يقم غيره مقامه كما مر.

(1) قوله: (كان يفقد) يحتمل انه من الفقد ويحتمل انه بمعنى يتفقد اي يسأل عنهم.
707

وحاصل المعنى حينئذ: أن الله تعالى أذن لكم بالتداوي، وجعل لكل داء دواء، فإذا كان في
ذلك الدواء شئ محرم وعلمتهم به الشفاء فقد زالت حرمة استعماله، لأنه تعالى لم يجعل شفاءكم فيما
حرم عليكم. قوله: (دل عليه إلخ) أقول: فيه نظر، لان إساغة اللقمة بالخمر وشربه لإزالة العطش
إحياء لنفسه متحقق النفع، ولذا يأثم بتركه كما يأثم بترك الاكل مع القدرة عليه حتى يموت،
بخلاف التداوي ولو بغير محرم فإنه لو تركه حتى مات لا يأثم كما نصوا عليه لأنه مظنون كما قدمناه
. تأمل. قوله: (وقد قدمناه) أي أول الحظر والإباحة حيث قال: الاكل للغذاء والشرب للعطش ولو من
حرام أو ميتة أو مال غير وإن ضمنه فرض اه‍.
تتمة: لا بأس بشرب ما يذهب بالعقل فيقطع الأكلة ونحوه. تاترخانية. وسيأتي تمامه
في آخر كتاب الأشربة. قوله: (وجاز رزق القاضي) الرزق بالكسر ما ينتفع به، وبالفتح المصدر قاموس.
قوله: (وإلا لم يحل) قال في النهاية: وأما إذا كان حراما جمع بباطل لم يحل أخذه، لان بيل الحرام
والغصب رده على أهله، وليس ذلك بمال عامة المسلمين اه‍.
أقول: ظاهر العلة أن أهله معلومون فحرمة الاخذ منه ظاهرة، فإن لم يعلموا فهو كاللقطة يوضع
في بيت المال، ويصرف في مصارف اللقطة، فقد صرحوا في الهداية والرشوة للقضاة ونحوهم أنها ترد
على أربابها إن علموا، وإلا أو كانوا بعيدا حتى تعذر الرد ففي بيت المال، فيكون حكمه حكم اللقطة
كما تقدم في كتاب القضاء. تأمل. قوله: (في كل زمان) متعلق بتقدير أو بيكفيه: أي يقدر بقدر كفايته
في كل زمان، لان المؤنة تختلف باختلاف الزمان. قوله: (ولو غنيا في الأصح) عبارة الهداية: ثم
القاضي إذا كان فقيرا فالأفضل بل الواجب الاخذ، لأنه لا يمكنه إقامة فرض القضاء إلا به، إذ
الاشتغال بالكسب يقعده عن إقامته، وإن كان غنيا فالأفضل الامتناع على ما قيل رفقا ببيت المال،
وقيل الاخذ، وهو الأصح صيانة للقضاء عن الهوان، ونظرا لمن تولى بعده من المحتاجين، لأنه إذا
انقطع زمانا تعذر إعادته. قوله: (وهذا لو بلا شرط إلخ) بأن تقلد القضاء ابتداء من غير شرط، ثم
رزقه الوالي كفايته، أما إن قال ابتداء: إنما أقبل القضاء إن رزقني الوالي كذا بمقابلة قضائي، وإلا فلا
أقبل فهو باطل، لأنه استئجار على الطاعة اه‍. كفاية. قوله: (فلم تجز) أي الأجرة عليه: أي لم يجز أخذها.
قوله: (يحرر) أقول: قدمنا تحريره في كتاب الإجارات بما لا مزيد عليه، وبينا أن كلام المتأخرين ليس
عاما في كل طاعة بل فيما فيه ضرورة كتعليم القرآن والفقه والإمامة والاذان. قوله: (وجاز سفر الأمة)
لان الأجانب في حق الإماء فيما يرجع إلى النظر والمس بمنزلة المحارم. هداية. قوله: (وأم الولد إلخ)
عطف خاص على عام. قال الزيلعي: وأم الولد أمة لقيام الرق فيها، وكذا المكاتبة لأنها مملوكة الرقبة،
وكذا معتقه البعض عند أبي حنيفة لأنها كالمكاتبة عنده اه‍.
وفيه إشارة إلى أن الحرة، لا تسافر ثلاثة أيام بلا محرم. واختلف فيما دون الثلاث وقيل: إنها
708

تسافر مع الصالحين والصبي والمعتوه غير محرمين كما في المحيط. قهستاني. قوله: (وجاز شراء ما لا بد
للصغير منه) كالنفقة والكسوة واستئجار الظئر. منح. قوله: (في حجرهم) بفتح الحاء وكسرها. منح.
قوله: (لشرح المجمع) أي لابن ملك. قوله: (ولم أره فيه) بل الذي فيه بعد قول المجمع: ويسلمه في
صناعة ولا يؤجره في الأصح ما نصه قيد به احترازا عن رواية القدوري من أن إجارته جائزة كإجارة
الام الصغير، لان فيها صونا عن الفساد بكونه مشغولا بعمله وجه الرواية الأولى أن الملتقط لا يملك
إتلاف منافعه فلا يؤجره كالعم، بخلاف الام لأنها تملك إتلاف منافعه مجانبا فتملكه بعوض اه‍. ومثله
في شرحه على الوقاية. نعم ذكر الزيلعي أن رواية القدوري أقرب.
أقول: قد علمت أن الأصح خلافها كما صرح به في المجمع والوقاية والهداية وغيرها من كتاب
اللقيط ووقع في الهداية هنا اضطراب. قوله: (وكذا لعمه) أي لعم الصغير، وهذا بناء على ما في نسخ
المنح ونصه: وإن كان الصغير في يد العم فآجره صح لأنه من الحفظ، وهذا عند أبي يوسف، وعند
محمد لا يصح اه‍. وفي نسخة مصححة كشط الضمير من قوله فآجره وأبدله بقوله فأجرته أمة، وهذا
هو الموفق لما في التبيين والشرنبلالية، لكن رأيت في النهاية عن جامع التمرتاشي ما نصه: والام لو
آجرته يجوز إذا كان في حجرها، وكذا ذو الرحم المحرم منه اه‍. فراجعه.
وفي 27 من جامع الفصولين: لو لم يكن له أب ولا جد ولا وصي فآجره ذو رحم محرم هو في
حجره صح، ولو في حجر ذي رحم محرم فآجره آخر أقر كما لو له أم وعمة وهو في حجر عمته
فآجرته أمه صح عند أبي يوسف لا عند محمد، ولمن آجره قبض أجرته اه‍. قوله: (لم يجز) أي لم يلزم
كفاية لأنه مشوب بالضرر. زيلعي. قوله: (وصح إجارة أب وجد) وكذا تصح إجارة وصيهما بخلاف
وصي القاضي. حموي، وهو خلاف ظاهر عبارة الدرر فراجعها. نعم عدها الشارح في كتاب الوصايا
من المسائل الثمانية التي خالف فيها وصي الأب وصي القاضي. قوله: (كما يعلم من الدرر) أي
صريحا، وعبارتها وفي فوائد صاحب المحيط إذا آجر الأب أو الجد أو القاضي الصغير في عمل من
الأعمال: قيل: إنما يجوز إذا كانت الإجارة بأجر المثل، حتى إذا آجره أحدهم بأقل منه لم يجز،
والصحيح أنه تجوز الإجارة ولو بالأقل اه‍. ومثله في المنح. قال في الشرنبلالية: ولو حمل الأقل على
الغبن اليسير دون الفاحش انتفت المخالفة. قوله: (وجاز) أي عنده لا عندهما بيع عصير عنب: أي
معصورة المستخرج منه فلا يكره بيع العنف والكرم منه بلا خلاف، كما في المحيط، لكن في بيع
الخزانة أن بيع العنب على الخلاف. قهستاني. قوله: (ممن يعلم) فيه إشارة إلى أنه لو لم يعلم لم يكره بلا
خلاف. قهستاني. قوله: (لا تقوم بعينه إلخ) يؤخذ منه أن المراد بما لا تقوم المعصية بعينه ما يحدث له
709

بعد البيع وصف آخر يكون فيه قيام المعصية، وأن ما تقوم المعصية بعينه ما توجد فيه على وصفه
الموجود حالة البيع كالأمرد والسلاح، ويأتي تمام الكلام عليه. قوله: (أما بيعه من المسلم فيكره) لأنه
إعانة على المعصية. قهستاني عن الجواهر.
أقول: وهو خلاف إطلاق المتون وتعليل الشروح بما مر، وقال ط: وفيه أنه لا يظهر إلا على
قول من قال: إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة والأصح خطابهم، وعليه فيكون إعانة على
المعصية، فلا فرق بين المسلم والكافر في بيع العصير منهما فتدبر اه‍. ولا يرد على هذا الاطلاق
والتعليل المار. قوله: (على خلاف ما في الزيلعي والعيني) ومثله في النهاية والكفاية عن إجارات الامام
السرخسي. قوله: (معزيا للنهر) قال فيه من باب البغاة: وعلم من هذا أنه لا يكره بيع ما لم تقم
المعصية به كبيع الجارية المغنية والكبش النطوح والحمامة الطيارة والعصير والخشب ممن يتخذ منه
المعازف، وأما في بيوت الخانية من أنه يكره بيع الأمرد من فاسق يعلم أنه يعصي به مشكل.
والذي جزم به الزيلعي في الحظر والإباحة أنه لا يكره بيع جارية ممن يأتيها في دبرها أو بيع
غلام من لوطي، وهو الموافق لما مر، وعندي أن ما في الخانية محمول على كراهة التنزيه وهو الذي
تطمئن إليه النفوس، إذ لا يشكل أنه وإن لم يكن معينا أنه متسبب في الإعانة، ولم أر من تعرض لهذا
اه‍. وفي حاشية الشلبي على المحيط: اشترى المسلم الفاسق عبدا أمرد وكان ممن يعتاد إتيان الأمرد يجبر
على بيعه. قوله: (فليحفظ توفيقا) بأن يحمل ما في الخانية من إثبات الكراهة على التنزيه، وما في
الزيلعي وغيره من نفيها على التحريم فلا مخالفة، وأقول: هذا التوفيق غير ظاهر، لأنه قدم أن الأمرد
مما تقوم المعصية بعينه، وعلى مقتضى ما ذكره هنا يتعين أن تكون الكارهة فيه للتحريم، فلا يصح
حمل كلام الزيلعي وغيره على التنزيه، وإنما مبني كلام الزيلعي وغيره على أن الأمرد ليس مما تقوم
المعصية بعينه كما يظهر من عبارته قريبا عند قوله وجاز إجارة بيت. قوله: (وجاز تعمير كنيسة) قال
في الخانية: ولو آجر نفسه ليعمل في الكنيسة ويعمرها لا بأس به لأنه لا معصية في عين العمل. قوله:
(وحمل خمر ذمي) قال الزيلعي: وهذا عنده، وقالا: هو مكروه لأنه عليه الصلاة والسلام لعن في
الخمر عشرة، وعد منها حاملها وله أن الإجارة على الحمل وهو ليس بمعصية ولا سبب لها، وإنما
تحصل المعصية بفعل فاعل مختار، وليس الشرب من ضرورات الحمل، لان حملها قد يكون للإراقة أو
للتخليل، فصار كما إذا استأجره لعصر العنب أو قطعه، والحديث محمول على الحمل المقرون بقصد
المعصية اه‍. زاد في النهاية: وهذا قياس وقولهما استحسان، ثم قال الزيلعي: وعلى هذا الخلاف لو
آجره دابة لينقل عليها الخمر أو آجره نفسه ليرعى له الخنازير يطيب له الاجر عنده، وعندهما يكره.
710

وفي المحيط: لا يكره بيع الزنانير من النصراني والقلنسوة من المجوسي لان ذلك إذلال لهما،
وبيع المكعب المفضض للرجل إن ليلبسه يكره، لأنه إعانة على لبس الحرام، وإن كان إسكافا أمره
إنسان أن يتخذ له خفا على زي المجوس أو الفسقة أو خياطا أمره أن يتخذ له ثوبا على زي الفساق
يكره له أن يفعل، لان سبب التشبه بالمجوس والفسقة اه‍. قوله: (لا عصرها لقيام المعصية بعينه) فيه
منافاة ظاهرة لقوله سابقا لان المعصية لا تقوم بعينه ط وهو مناف أيضا لما قدمناه عن الزيلعي من
جواز استئجاره لعصر العنب أو قطعة، ولعل المراد هنا عصر العنب على قصد الخمرية، فإن عين هذا
الفعل معصية بهذا القصد، ولذا أعاد الضمير على الخمر مع أن العصر للعنب حقيقة فلا ينافي ما مر
من جواز بيع العصير واستئجاره على عصر العنب هذا ما ظهر. فتأمل. قوله: (وجاز إجارة بيت إلخ)
هذا عنده أيضا لان الإجارة على منفعة البيت، ولهذا يجب الاجر بمجرد التسليم ولا معصية فيه وإنما
المعصية بفعل المستأجر وهو مختار فينقطع نسبته عنه، فصار كبيع الجارية ممن لا يستبرئها أو يأتيها من
دبر وبيع الغلام من لوطي والدليل عليه أنه لو آجره للسكنى جاز وهو لا بد من عبادته فيه اه‍. زيلعي
وعيني. ومثله في النهاية والكفاية. قال في المنح: وهو صريح في جواز بيع الغلام من اللوطي،
والمنقول في كثير من الفتاوى أنه يكره، وهو الذي عولنا عليه في المختصر اه‍.
أقول: هو صريح أيضا في أنه ليس مما تقوم المعصية بعينه، ولذا كان ما في الفتاوى مشكلا كما
مر عن النهر، إذ لا فرق بين الغلام وبين البيت والعصير، فكان ينبغي للمصنف التعويل على ما ذكره
الشارح فإنه مقدم على ما في الفتاوى، نعم على هذا التعليل الذي ذكره الزيلعي يشكل الفرق بين ما
تقوم المعصية بعينه وبين ما لا تقوم بعينه، فإن المعصية في السلاح والمكعب المفضض ونحوه إنما هي
بفعل الشاري، فليتأمل في وجه الفرق فإنه لم يظهر لي ولم أر من نبه عليه. نعم يظهر الفرق على ما
قدمه الشارح تبعا لغيره من التعليل، لجواز بيع العصير بأنه لا تقوم المعصية بعينه، بل بعد تغيره فهو
كبيع الحديد منم أهل الفتنة، لأنه وإن كان يعمل منه السلاح لكن بعد تغيره أيضا إلى صفة أخرى.
وعليه يظهر كون الأمرد مما تقوم المعصية بعينه كما قدمناه، فليتأمل. قوله: (وأما الأمصار) الأنسب في
التعبير كالأمصار إلخ ط. قوله: (فلا يمكنون) أي من اتخاذ البيع والكنائس وإظهار بيع الخمور ونحو
ذلك. قوله: (أو كنيسة أو بيعة) الأول معبد اليهود والثاني معبد النصارى. ذكره في الصحاح. ومن
ظن عكس هذا فقدسها اه‍. ابن كمال. لكن تطلق الكنيسة على الثاني أيضا كما يعلم من القاموس
والمغرب، والبيعة بالكسر جمعه بيع كعنب. قوله: (وجاز بيع بناء بيوت مكة) أي اتفاقا لأنه ملك لمن
بناه، كمن بنى في أرض الوقف له بيعه. إتقاني. قوله: (وأرضها) جزم به في الكنز وهو قولهما وإحدى
الروايتين عن الامام، لأنها مملوكة لأهلها لظهور آثار الملك فيها وهو الاختصاص بها شرعا، وتمامه في
المنح وغيرها. قوله: (وقد مر في الشفعة) ومر أيضا أن الفتوى على وجوب الشفعة في دور مكة، وهو
711

دليل على ملكية أرضها كما مر بيانه. قوله: (لكن إلخ) استدراك على قوله وإجارتها. قوله: (قالا) أي
صاحبا الكتابين. قوله: (قال أبو حنيفة إلخ) أقول: في غاية البيان ما يدل على أنه قولهما أيضا حين
نقل عن تقريب الامام الكرخي ما نصه: وروى هشام عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه كره إجارة
بيوت مكة في الموسم، ورخص في غيره، وكذا قول أبو يوسف. وقال هشام: أخبرني محمد عن أبي
حنيفة أنه كان يكره كراء بيوت مكة في الموسم ويقول لهم: أن ينزلوا عليهم في دورهم إذا كان فيها
فضل، وإن لم يكن فلا، وهو قول محمد اه‍. فأفاد أن الكراهة في الإجارة وفاقية، وكذا قال في
الدر المنتقى صرحوا بكراهتها من غير ذكر خلاف اه‍. قوله: (وبه يظهر الفرق) أي بحمل الكراهة على أيام
الموسم يظهر الفرق بين جواز البيع دون الإجارة، وهو جواب عما في ش، حيث نقل كراهة
إجارة أرضها عن الزيلعي والكافي والهداية، ثم قال: فلينظر الفرق بين جواز
البيع، وبين عدم جواز الإجارة اه‍.
وحاصله: أن كراهة الإجارة لحاجة أهل الموسم. قوله: (والتوفيق) بين ما في النوازل وما في
الزيلعي وغيره بحمل الكراهة على أيام الموسم وعدمها على غيرها. قوله: (وهكذا) أي كما كان الامام
يفتي ط. قوله: (واستعارة دابته) فلا يضمن المستعير لو عطبت تحته. قوله: (استحسانا) لان النبي عليه
الصلاة والسلام قبل هدية سلمان حين كان عبدا، وقبل هدية بريرة وكانت مكاتبة، وأجاب رهط من
الصحابة دعوة مولى أبي أسيد وكان عبدا، ولان في هذه الأشياء ضرورة ولا يجد التاجر بدا منها.
هداية. قوله: (أي قبول هدية العبد) أشار إلى أن كسوته من إضافة المصدر إلى فاعله. قوله: (واستخدام
الخصي) لان فيه تحريض الناس على الخصاء، وفي غاية البيان عن الطحاوي: ويكره كسب الخصيان
وملكهم واستخدامهم اه‍. قال الحموي: لم يظهر لي وجه كراهة كسبه.
أقول: لعل المراد كراهة كسبه على مولاه بأن يجعل عليه ضريبة أو مطلقا، لان كسبه عادة في
استخدامه ودخوله على الحرم. تأمل. ثم رأيت الثاني في التجنيس والمزيد، ونصه: لان كسبه يحصل
بالمخالطة مع النسوان اه‍. ولله الحمد. قوله: (وقيل بل دخوله) الأولى بل في دخوله وعلى القيل
اقتصر القهستاني، ونقله عن الكرماني، والحديث والعلة يفيدان الاطلاق فكان هو المعتمد ط: وهو
ظاهر المتون. قوله: (على الحرم) جمع حرمة بمعنى المرأة مثل غرفة وغرف كما في المصباح حموي
، فيكون بضم الحاء وفتح الراء، وفي بعض النسخ على الحريم وفي القاموس والحريم كأمير ما حرم
712

فلم يمس وثوب المحرم وما كان المحرمون يلقونه من الثياب فلا يلبسونه، ومن الدار ما أضيف إليها
من حقوقها ومرافقها وهتك ما تحميه وتقاتل عنه، كالحرم جمعه إحرام وحرم بضمتين، وحرمك بضم
الحاء: نساؤك وما تحمي وهي المحارم الواحدة كمكرمة وتفتح راؤه اه‍. فالحرم بالفتح والحريم بمعنى
ما يحمى مناسب هنا أيضا. قوله: (لو سنه خمسة عشر) قيد بالسن لما قيل إن الخصي لا يحتلم. قوله:
(بقال) قال في القاموس: البقال بياع الأطعمة كلمة عامية والصحيح البدال اه‍. قوله: (يشترط) جملة
حالية: أي يشترط الاخذ، وقيد به لما في غاية البيان: إنما يكره إذا كانت المنفعة مشروطة في العقد،
وإلا فلا لان المستقرض يكون متبرعا بها فصار كالرجحان الذي دفعه (ص) اه‍. قوله: (ولو لم يشترط
حالة العقد إلخ) كذا في بعض النسخ، وسقط من بعضها. قال ط: والأولى أن يقول: أو لم يشترط
ليفيد اتحاد الحكم في الصورتين ويكون عطفا على قوله: يشترط قال في الشرنبلالية: وجعل المسألة
في التجنيس والمزيد على ثلاثة أوجه: إما أن يشترط عليه في القرض أن يأخذها تبرعا أو شراء، أو لم
يشترط ولكن يعلم أنه يدفع لهذا وقال قبل ذلك، ففي الوجه الأول والثاني: لا يجوز، لأنه قرض جر
منفعة، وفي الوجه الثالث: جاز لأنه ليس بشرط المنفعة، فإذا أخذ يقول في كل وقت يأخذ هو على
ما قاطعتك عليه اه‍.
أقول: الوجه الثالث يلزم منه الثاني، فكان ينبغي أن يكره أيضا إلا أن يحمل الثالث على ما إذا
أعرضا وقت القرض عن الشرط المذكور بينهما قبله. قوله: (وهو بقاء ماله) وكفايته للحاجات ولو كان
في يده لخرج من ساعته. ولم يبق. منح. قوله: (قهستاني وشرنبلالية) عبارة القهستاني: فلو تقرر بينهما
قبل الاقراض أن يعطيه كذا درهما ليأخذ منه متفرقا ثم أقرضه لم يكن بلا خلاف كما في المحيط اه‍.
وها هو الوجه الثالث مما في الشرنبلالية، وقد علمت ما فيه إن لم يحمل على ما قلناه، وبه علم أن
قول الشارح: يكره اتفاقا صوابه لم يكره كما يوجد في بعض النسخ. قوله: (بالنرد) هو اسم
معرب، ويقال له النردشير بفتح الدال وكسر الشين، والشير اسم ملك وضع له النرد كما في
المهمات، وفي زين العرب قيل: إن الشير معناه الحلو، وفيه نظر. قالوا: هو من موضوعات سابور
ابن أردشير ثاني ملوك الساسانية وهو حرام مسقط للعدالة بالاجماع. قهستاني. قوله: (والشطرنج) معرب
شدرنج، وإنما كره لان من اشتغل به ذهب عناؤه الدنيوي وجاءه العناء الأخروي، فهو حرام وكبيرة
عندنا، وفي إباحته إعانة الشيطان على الاسلام والمسلمين كما في الكافي. قهستاني. قوله: (في رواية
إلخ) قال الشرنبلالي في شرحه: وأنت خبير بأن المذهب منع اللعب به كغيره. قوله: (قاضي الشرق
713

والغرب) هو الإمام الثاني أبو يوسف، لان ولايته شملت المشارق والمغارب، لأنه كان قاضي الخليفة
هارون الرشيد. شرنبلالية. قوله: (وهذا إلخ) وكذا إذا لم يكثر الخلف عليه، وبدون هذه المعاني لا
تسقط عدالته للاختلاف في حرمته. عبد البر عن أدب القاضي.
فرع: اللعب بالأربعة عشر حرام، وهو قطعة من الخشب يحفر فيها ثلاثة أسطر ويجعل في تلك
الحفر حصى صغار يلعب بها اه‍ منح.
قلت: الظاهر أنها المسماة الآن بالمنقلة لكنها تحفر سطرين كل سطر سبع حفر. قوله: (وكره كل
لهو) أي كل لعب وعبث، فالثلاث بمعنى واحد كما في شرح التأويلات، والاطلاق شامل لنفس
الفعل، واستماعه كالرقص والسخرية والتصفيق وضرب الأوتار من الطنبور والبربط والرباب والقانون
والمزمار والصنج والبوق، فإنها كلها مكروهة لأنها زي الكفار، واستماع ضرب الدف والمزمار وغير
ذلك حرام، وإن سمع بغتة يكون معذورا ويجب أن يجتهد أن لا يسمع. قهستاني. قوله: (ومناضلته
بقوسه) قاف في مختصر النقاية: يقال: انتضل القوم وتناضلوا: أي رموا للسبق، وناضله: إذا رماه
اه‍. وفي الجواهر: قد جاء الأثر في رخصة المسارعة لتحصيل القدرة على المقاتلة دون التلهي فإنه
مكروه اه‍. والظاهر أنه يقال مثل ذلك في تأديب الفرس والمناضلة بالقوس ط. قوله: (وكره جعل
الغل) بضم الغين المعجمة. قوله: (طوق له راية) الراية بالراء المهملة والدال غلط من الكاتب: غل يجعل
في عنق العبد من الحديث علامة على أنه أبق. إتقاني. وفي القهستاني: هو طوق مسمر بمسمار عظيم
يمنعه من تحريك رأسه اه‍. فتنبه له. قوله: (يعلم) بضم أوله وكسر ثالثة من الاعلام، وضميره للغل
وهو وجه تسميته بالراية. قوله: (بمعقد العز) بكسر القاف. شلبي. قال في المغرب: معقد العز موضع
عقده اه‍. وإنما كره لأنه يوهم تعلق عزه بالعشر، والعرش حادث وما يتعلق به يكون حادثا
ضرورة، والله تعالى متعال عن تعلق عزه بالحادث سبحانه، بل عزه قديم لأنه صفته، وجميع صفاته
قديمة قائمة بذاته لم يزل موصوفا بها في الأزل، ولا يزال في الأبد، ولم يزد شيئا من الكمال لم يكن
في الأزل بحدوث العرش وغيره. زيلعي.
وحاصله: أنه يوهم تعلق عزه تعالى بالعرش تعلقا خاصا، وهو أن يكون العرش مبدأ ومنشأ
لعزه تعالى كما توهمه كلمة من فإن جميع معانيها ترجع إلى معنى ابتداء الغاية، وذلك المعنى غير
متصور في صفة من صفاته تعالى، فإن مؤداه أن صفة العز العز ناشئة من العرش الحادث،
فتكون حادثة، فافهم. وبه اندفع ما أورد أن حدوث تعلق الصفة بالحادث لا يوجب حدوثها، لعدم توقفها عليه
كتعلق القدرة ونحوها بالمحدثات كما بسطه الطوري، ووجه الاندفاع أن مجرد إيهام المعنى المحال كاف
في المنع عن التلفظ بهذا الكلام وإن احتمل معنى صحيا، ولذا علل المشايخ بقولهم لأنه يوهم إلخ،
ونظيره ما قالوا في أنا مؤمن إن شاء الله، فإنهم كرهوا ذلك، وإن قصد التبرك دون التعليق لما فيه من
714

الايهام كما قرره العلامة التفتازاني في شرح العقائد وابن الهمام في المسايرة، وعلى هذا
يمنع عن هذا اللفظ، وإن أريد بالعز عز العرش الا لذي هو صفة له، لان المتبادر أن المراد عز الله تعالى فيشكل قول
الزيلعي. ولو جعل العز صفة للعرش كان جائزا لان العرش موصوف في القرآن بالمجد والكرم، فكذا
بالعز، ولا يشك أحد أنه موضع الهيبة وإظهار كمال القدرة وإن كان الله تعالى مستغنيا عنه اه‍. لكن
أقره في الدرر و المنح وكذا المقدسي وقال: وعليه تكون من بيانية: أي بمعقد العز الذي هو عرشك
، وهذا وجه وجيه لما اختاره الفقيه اه‍. فليتأمل. قوله: (ولو بتقديم العين) ظاهره أن الذي في المتن
بتقديم القاف، وهو الذي في أغلب نسخ الشرح، وفي بعض بتقديم العين وهو الذي شرح عليه في
المنح، وهو الأولى لموافقته للمتون ولأنه موضع الخلاف، ولذا قال في الهداية: ولا ريب في امتناع
الثاني لأنه من العقود. قوله: (للأثر) وما روي أنه كان من دعائه (ص) اللهم أني أسئلك بمعقد العز من
عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم وجدك الاعلى وكلماتك التامة زيلعي. قوله:
(والأحوط الامتناع) وعزاه في النهاية إلى شرح الجامع الصغير لقاضيخان والتمرتاشي والمحبوبي. وفي
الفصل الثالث عشر من آخر الحلية شرح المنية للمحقق ابن أمير حاج قال بعدما تكلم على هذا الأثر
وسنده، وأنه عده ان الجوزي في الموضوعات، وقد عرفت أن هذا الأثر ليس بثابت، فالحق أن مثله لا
ينبغي أن يطلق إلا بنص قطعي أو بإجماع قوي، وكلاهما منتف فالوجه المنع، وتحمل الكراهة المذكورة
على كراهة التحريم، وتمامه فيه. قوله: (فيما يخالف القطعي) وهو تنزيه الحق تعالى عن مثله ط. قوله: (إذ
المتشابه) الأولى أن يقول: والمتشابه: أي الذي هو كهذا الدعاء ط: أي مما كان ظاهره محالا على الله
تعالى. قوله: (هداية) أقول: العبارة المذكورة لصاحب المنح، وأما عبارة الهداية فنصها: ولكنا نقول: هذا
خبر واحد فكان الاحتياط في الامتناع اه‍.
تنبيه: لينظر في أنه يقال مثل ذلك في نحو ما يؤثر من الصلوات مثل: اللهم صل على محمد
عدد علمك وحلمك، ومنتهى رحمتك، وعدد كلماتك، وعدد كمال الله ونحو ذلك، فإنه يوهم تعدد
الصفة الواحدة أو انتهاء متعلقات نحو العلم، ولا سيما مثل: عدد ما أحاط به علمك، ووسعه
سمعك، وعدد كلماتك، إذ لا منتهى لعلمه ولا لرحمته ولا لكلماته تعالى، ولفظة عدد ونحوها توهم
خلاف ذلك. ورأيت في شرح العلامة الفاسي على دلائل الخيرات البحث في ذلك، فقال: وقد اختلف
العلماء في جواز اطلاق الموهم عند من لا يتوهم به، أو كان سهل التأويل واضح المحمل أو تخصص
بطرق الاستعمال في معنى صحيح، وقد اختار جماعة من العلماء كيفيات في الصلاة على النبي (ص)
، وقالوا: إنها أفضل الكيفيات، منهم الشيخ عفيف الدين اليافعي والشرف البارزي والبهاء بن القطان
ونقله عن تلميذه المقدسي اه‍.
أقول: ومقتضى كلام أئمتنا المنع من ذلك، إلا فيما ورد عن النبي (ص) على ما اختاره الفقيه
فتأمل، والله أعلم. قوله: (إلا به) أي بذاته وصفاته وأسمائه. قوله: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)
قال الحافظ أبو بكر بن العربي عن بعضهم: إن لله تعالى ألف اسم. قال ابن العربي: وهذا قليل فيها.
715

وفي الحديث الصحيح إن لله تسعا وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة قال
النووي في شرح مسلم: واتفق العلماء على أنه ليس فيه حصر فيها، وإنما المراد الاخبار عن دخول
الجنة بإحصائها.
واختلفوا في المراد بإحصائها، فقال البخاري وغيره من المحققين معناه: حفظها وهذا هو
الأظهر، لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى من حفظها، وقيل عدها في الدعاء، وقيل أحسن المراعاة
لها والمحافظة على ما تقتضيه بمعانيها، وقيل غير ذلك، والصحيح الأول اه‍ ملخصا. قوله: (وكذا لا
يصلي أحد على أحد) أي استقلالا، أما تبعا كقوله: اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه جاز
خانية. والمراد غير الملائكة، أما هم فيجوز عليهم استقلالا. قال في الغرائب: والسلام يجزي عن
الصلاة على النبي (ص) ط. وفي خطبة شرح البيري: فمن صلى على غيرهم أثم ويكره، وهو الصحيح.
وفي المستصفى: وحديث صلى الله على آل أبي أوفى الصلاة حقه، فله أن يصلي على غيره ابتداء، أما
الغير فلا اه‍. وسيأتي تمام الكلام على ذلك آخر الكتاب. قوله: (إلا على النبي) أل للجنس، والمناسب
زيادة الملائكة ط. قوله: (وكره قوله بحق رسلك إلخ) هذا لم يخالف فيه أبو يوسف، بخلاف مسألة المتن
السابقة كما أفاده الإتقاني. وفي التاترخانية: وجاء في الآثار ما دل على الجواز. قوله: (لأنه لا حق
للخلق على الخالق) قد يقال: إنه لا حق لهم وجوبا على الله تعالى، لكن الله سبحانه وتعالى جعل لهم
حقا من فضله، أو يراد بالحق الحرمة والعظمة فيكون من باب الوسيلة، وقد قال تعالى: * (وابتغوا إليه
الوسيلة) * (المائدة: 35) وقد عد من آداب الدعاء التوسل على ما في الحصن، وجاء في رواية اللهم إني
أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي إليك، فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا الحديث اه‍. ط
عن شرح النقاية لمله علي القاري. ويحتمل أن يراد بحقهم علينا من وجوب الايمان بهم وتعظيمهم.
وفي اليعقوبية: يحتمل أن يكون الحق مصدرا لا صفة مشبهة، فالمعنى: بحقية رسلك فلا منع فليتأمل
اه‍: أي المعنى بكونهم حقا لا بكونهم مستحقين.
أقول: لكن هذه كلها احتمالات مخالفة لظاهر المتبادر من هذا اللفظ، ومجرد إيهام اللفظ ما لا
يجوز كاف في المنع كما قدمناه فلا يعارض خبر الآحاد، فلذا والله أعلم أطلق أئمتنا المنع على أن إرادة
هذه المعاني مع هذا الايهام فيها الأقسام بغير الله تعالى، وهو مانع آخر تأمل. نعم ذكر العلامة المناوي
في حديث اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة عن العز بن عبد السلام أنه ينبغي كونه
مقصورا على النبي (ص)، وأن لا يقسم على الله بغيره، وأن يكون من خصائصه. قال: وقال السبكي:
يحسن التوسل بالنبي إلى ربه، ولم ينكره أحد من السلف ولا الخلف، إلا ابن تيمية فابتدع ما لم يقله
عالم قبله اه‍ ونازع العلامة ابن أمير حاج في دعوى الخصوصية، وأطال الكلام على ذلك في الفصل
الثالث عشر آخر شرحه على المنية، فراجعه. قوله: (سأل) أي طلب من شخص شيئا من الدنيا الحقيرة.
قوله: (يعجبني أن لا يعطيه شيئا) محمول على ما إذا لم يعلم ضرورته ط.
716

أقول: وليتأمل المنع مع ما ذكره شيخ مشايخنا الجراحي مما عند الطبراني بسند رجاله رجال
الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله (ص) يقول: ملعون من سأل بوجه الله،
وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجرا يعني قبيحا. ولأبي داود والنسائي
وصححه ابن حبان وقال الحاكم على شرط الشيخين عن ابن عمر رضي الله عنهما رفعه من يسأل
بوجه الله فأعطوه وللطبراني ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من يسأل بوجه الله فيمنع سائله اه‍.
إلا أن يحمل على السؤال من غير الدنيا، أو على ما إذا علم عدم حاجته وأن سؤاله للتكثير. تأمل.
قوله: (يثاب على قراءته) وإن كان يأثم بترك العمل فالثواب من جهة والاثم من أخرى ط. قوله: (قيل
نعم) يشعر بضعفه مع أنه مشى عليه في المختار والملتقى فقال: وعن النبي (ص) أنه كره رفع الصوت
عند قراءة القرآن والجنازة والزحف والذكير، فما ظنك عند الغناء الذي يسمونه وجدا ومحبة فإنه
مكروه لا أصل له في الدين اه‍. قوله: (وتمامه قبيل جنايات البزازية) أقول: اضطراب كلام البزازية،
فنقل أولا عن فتاوى القاضي أنه حرام لما صح عن ابن مسعود أنه أخرج جماعة من المسجد يهللون
ويصلون على النبي (ص) جهرا وقال لهم: ما أراكم إلا مبتدعين ثم قال البزازي: وما روي في
الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال لرافعي أصواتهم بالتكبير: اربعوا على أنفسكم، إنكم لن تدعوا
أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا بصيرا قريبا أنه معكم الحديث يحتمل أنه لم يكن للرفع مصلحة،
فقد روي أنه كان في غزاة، ولعل رفع الصوت يجر بلاء والحرب خدعة ولهذا نهى عن الجرس في
المغازي، وأما رفع الصوت بالذكر فجائز كما في الاذان والخطبة والجمعة والخ اه‍. وقد حرر المسألة
في الخيرية وحمل ما في فتاوى القاضي على الجهر المضر وقال: إن هناك أحاديث اقتضت طلب الجهر،
وأحاديث طلب الاسرار، والجمع بينهما بأن ذلك يختلف باختلاف الاشخاص والأحوال، فالأسرار
أفضل حيث خيف الراء أو تأذي المصلين أو النيام، والجهر أفضل حيث خلا مما ذكر، لأنه أكثر عملا
ولتعدي فائدته إلى السامعين، ويوقظ قلب الذاكر فيجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ويطرد
النوم ويزيد النشاط اه‍ ملخصا.
زاد في التاترخانية: وأما رفع الصوت عند الجنائز فيحتمل أن المراد منه النوح أو الدعاء للميت
بعد ما افتتح الناس الصلاة أو الافراط في مدحه كعادة الجاهلية بما هو شبيه المحال، وأما أصل الثناء
عليه فغير مكروه اه‍. وقد شبه الامام الغزالي ذكر الانسان وحده وذكر الجماعة بأذان المنفرد، وأذان
الجماعة قال: فكما أن أصوات المؤذنين جماعة تقطع جرم الهواء أكثر من صوت المؤذن الواحد كذلك
ذكر الجماعة على قلب واحد أكثر تأثيرا في رفع الحجب الكثيفة من ذكر شخص واحد. قوله: (وكره
احتكار قوت البشر) الاحتكار لغة: احتباس الشئ انتظارا لغلائه، والاسم الحكرة بالضم والسكون
كما في القاموس. وشرعا: اشتراء طعام ونحوه وحبسه إلى الغلاء أربعين يوما، لقوله عليه الصلاة
717

والسلام: من احتكر على المسلمين أربعين يوما ضربه الله بالجذام والافلاس وفي رواية فقد برئ
من الله وبرئ الله منه قال في الكفاية: أي خذله والخذلان ترك النصرة عند الحاجة اه‍. وفي
أخرى فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا الصرف: النفل،
والعدل: الفرض، شرنبلالية عن الكافي وغيره. وقيل شهرا وقيل أكثر، وهذا التقدير للمعاقبة في
الدنيا بنحو البيع والتعذير لا للإثم لحصوله وإن قلت المدة وتفاوته بين تربصه لعزته أو للقحط والعياذ
بالله تعالى. در منتقى مزيدا. والتقييد بقوت البشر قول أبي حنيفة ومحمد وعليه الفتوى، كذا في
الكافي. وعن أبي يوسف: كل ما أضر بالعامة حبسه فهو احتكار. وعن محمد: الاحتكار في الثياب.
ابن كمال. قوله: (كتين وعنب ولوز) أي مما يقوم به بدنهم من الرزق ولو دخنا لا عسلا وسمنا. در
منتقى. قوله: (وقت) بالقاف والتاء المثناة من فوق الفصفصة بكسر الفاءين وهي الرطبة من علف الدواب
اه‍ ح. وفي المغرب: ألقت اليابس من الاسفست اه‍. ومثله في القاموس. وقال في الفصفصة
بالكسر: هو نبات فارسيته إسفست. تأمل. قوله: (في بلد) أو ما في حكمه كالرستاق والقرية. قهستاني.
قوله: (يضر بأهله) بأن كان البلد صغيرا. هداية. قوله: (والمحتكر ملعون) أي مبعد عن درجة الأبرار،
ولا يراد المعنى الثاني للعن وهو الابعاد عن رحمة الله تعالى، لأنه لا يكون إلا في حق الكفار، إذ العبد
لا يخرج عن الايمان بارتكاب الكبيرة كما في الكرماني، وأقره القهستاني. در منتقى. قوله: (ومثله تلقي)
الجلب أي في التفصيل بين كونه يضر أهل البلدة أو لا يضر. وصورته كما في منلا مسكين: أن يخرج
من البلد إلى القافلة التي جاءت بالطعام ويشتر منها خارج البلد وهو يريد حبسه ويمتنع عن بيعه ولم
يترك حتى تدخل القافلة البلد، قالوا: هذا إذا لم يلبس الملتقى سعر البلد على التجار، فإن لبس فهو
مكروه في الوجهين. هداية. قوله: (يأمره القاضي ببيع ما فضل إلخ) أي إلى زمن يعتبر فيه السعة كما
في الهداية والتبيين. شرنبلالية. وينهاه عن الاحتكار ويعظه ويزجره عنه. زيلعي. قوله: (فإن لم يبع إلخ)
قال الزيلعي: فإن رفع إليه ثانيا فعل به كذلك وهدده، فإن رفع إليه ثالثا حبسه وعزره، ومثله في
القهستاني، وكذا في الكفاية عن الجامع الصغير فتنبه. قوله: (وباع القاضي عليه طعاما) أي إذا امتنع باعه
جبرا عليه. قال في الهداية: وهل يبيع القاضي على المحتكر طعامه من غير رضاه؟ قيل: هو على
اختلاف عرف في بيع مال المديون، وقيل: يبيع بالاتفاق، لان أبا حنيفة يرى الحجر لدفع ضرر عام
وهذا كذلك اه‍. قوله: (على الصحيح) كذا نقله القهستاني ومثله في المنح. قوله: (وفي السراج إلخ) مثله
في غاية البيان وغيرها، وهذا بيان للعلة الأخرى للقول الصحيح غير التي قدمناها عن الهداية بناء على
قول الإمام بعدم الحجر. تأمل. قوله: (أخذ الطعام من المحتكرين) أي ويبقى لهم قوتهم وقوت عيالهم
كما لا يخفى ط: أي كما مر في أمره بالبيع. قوله: (ولا يكون محتكرا إلخ) لأنه خالص حقه لم يتعلق به
718

حق العامة، ألا ترى أن له أن لا يزرع فكذا له أن لا يبيع. هداية. قال ط: والظاهر أن المراد أنه لا
يأثم إثم المحتكر، وإن أثم بانتظار الغلاء أو القحط لنية السوء للمسلمين اه‍. وهل يجبر على بيعه
الظاهر؟ نعم إن اضطر الناس إليه. تأمل. قوله: (ومحلوبه من بلد آخر) لان حق العامة إنما يتعلق بما
جمع في المصر وجلب إلى فنائها. هداية. قال القهستاني: ويستحب أن يبيعه فإنه لا يخلو عن كراهة كما
في التمرتاشي. قوله: (خلافا للثاني) فعنده يكره كما في الهداية، واعترضه الإتقاني بأن الفقيه جعله
متفقا عليه، وبأن القدوري قال في التقريب: وقال أبو يوسف: إن جلبه من نصف ميل فإنه ليس
بحكرة، وإن اشتراه من رستاق واحتكره حيث اشتراه فهو حركة. قال: فعلم أن ما جلبه من مصر آخر
ليس بحكرة عند أبي يوسف أيضا، لأنه لا يثبت الحكرة فيما جلبه من نصف ميل فكيف فيما جلبه من
مصر آخر؟ نص على هذا الكرخي في مختصره اه‍. قوله: (إن كان يجلب منه عادة) احتراز عما إذا كان
البلد بعيدا لم تجر العادة بالحمل منه إلى المصر، لأنه لم يتعلق به حق العامة كما في الهداية. قوله:
(ملتقى (1)) قال في شرحه تبعا للشرنبلالية: وقد أخر في الهداية قول محمد بدليله اه‍: أي فإن عادته
تأخير دليل ما يختاره. قوله: (ولا يسعر حاكم) أي يكره ذلك كما في الملتقى وغيره. قوله: (لا تسعروا)
قال شيخ مشايخنا العلامة إسماعيل الجراحي في الأحاديث المشتهرة: قال النجم: هذا اللفظ لم يرد،
لكن رواه أحمد والبزار وأبو يعلى في مسانيدهم وأبو داود والترمذي وصححه، وابن ماجة في سننهم
عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال الناس: يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا فقال: إن الله هو
المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا
مال وإسناده على شرط مسلم وصححه ابن حبان والترمذي اه‍. قوله: (الرازق) كذا في أغلب النسخ،
وفي نسخة الرزاق على صيغة فعال، وهو الموافق لما قدمناه. قوله: (تعديا فاحشا) بينه الزيلعي وغيره
بالبيع بضعف القيمة ط. قوله: (فيسعر إلخ) أي لا بأس بالتسعير حينئذ كما في الهداية. قوله: (على
الوالي التسعير) أي يجب عليه ذلك كما في غاية البيان، وأيضا لم يشترط التعدي الفاحش كما ذكره ابن
الكمال، وبه يظهر الفرق بين المذهبين. قوله: (لو نقص) أي لو نقص الوزن عما سعره
الامام بأن سعر الرطل بدرهم مثلا فجاء المشتري وأعطاه درهما وقال بعني به. تأمل. قوله: (لا يحل للمشتري) أي لا
يحل له الشراء بما سعره الامام، لان البائع في معنى المكره كما ذكره الزيلعي.
أقول: وفيه تأمل، لأنه مثل ما قالوا فيمن صادره السلطان بمال ولم يعين بيع ماله فصار يبيع
أملاكه بنفسه ينفذ بيعه لأنه غير مكروه على البيع، وهنا كذلك لان له أن لا يبيع أصلا، ولذا قال في
الهداية: ومن باع منهم بما قدره الامام صح لأنه غير مكره على البيع اه‍. لان الامام لم يأمر بالبيع،

(1) قوله: (ملتقى) كذا بالأصل وليس في نسخ الشارح هذه الزيادة وعبارة الطحطاوي قولع وهو المختار، ذكره في الملتقى
الخ ا ه‍ مصححه.
719

وإنما أمره أن لا يزيد الثمن على كذا وفرق ما بينهما، فليتأمل. قوله: (بما تحب) فحينئذ بأي شئ باعه
يحل. زيلعي. وظاهره أنه لو باعه بأكثر يحل وينفذ البيع، ولا ينافي ذلك ما ذكره الزيلعي وغيره من
أنه لو تعدى رجل وباع بأكثر أجازه القاضي، لان المراد أن القاضي يمضيه ولا يفسخه، ولذا قال
القهستاني: جاز وأمضاه القاضي، خلافا لما فهمه أبو السعود من أنه لا ينفذ ما لم يجزه القاضي. قوله:
(رجع المشتري بالنقصان في الخبز لا اللحم) جعل الزيلعي وغيره ذلك فيما إذا كان المشتري من غير
أهل البلد، وعلله بأن سعر الخبز يظهر عادة في البلدان وسعر اللحم لا يظهر إلا نادرا اه‍: أي فلا
يظهر في حق الغريب كما في الخانية فالبلدي يرجع فيهما، والمراد الرجوع في حصة النقصان من
الثمن. وفي بيوع الخانية: رجل اشترى من القصاب كل يوم لحما بدرهم، والقصاب يقطع ويزن
والمشتري يظن أن من، لان اللحم يباع في البلد منا بدرهم، فوزنه المشتري يوما فوجده أنقص وصدقه
القصاب، قالوا: إن كان المشتري من أهل البلد يرجع بحصة النقصان من الثمن لا من اللحم، لان
البائع أخذ حصة النقصان من الثمن بغير عوض، وإن لم يكن من أهل البلد وأنكر القصاب أنه دفع
على أنه من لا يرجع بشئ لان سعر البلد لا يظهر في حق الغرباء اه‍. قوله: (وأفاد أن التسعير في
لقوتين) أي قوت البشر وقوت البهائم، لأنه ذكر التسعير في بحث الاحتكار. تأمل. قوله: (وظلموا
على العامة) ضمنه معنى تعدى فعداه بعلى اه‍ ح. قوله: (فيسعر عليهم الحاكم) الأولى فسعر بلفظ
الماضي عطفا على قوله: تعدى لان جواب إذا قوله ينبغي أن يجوز. قوله: (بناء على ما قال أبو
يوسف) أي من أن كل ما أضر بالعامة حبسه فهو احتكار، ولو ذهبا أو فضة أو ثوبا قال ط: وفيه أن
هذا في الاحتكار لا في التسعير اه‍.
قلت: نعم ولكنه يؤخذ منه قياسا أو استنباطا بطريق المفهوم، ولذا قال بناء على ما قال أبو
يوسف، ولم يجعله قوله تأمله، على أنه تقدم أن الامام يرى الحجر إذا عم الضرر كما في المفتي الماجن
والمكاري المفلس والطبيب الجاهل، وهذه قضية عامة فتدخل مسألتنا فيها، لان التسعير حجر معنى، لأنه منع
عن البيع بزيادة فاحشة، وعليه فلا يكون مبنيا على قول أبي يوسف فقط، كذا ظهر لي فتأمل.
قوله: (والاحتياط) يعني فيما إذا جلب حماما ولم يدر صاحبها (1) اه‍ ح. قوله: (ذبحها) أي ثم يلقيها

(1) قوله: (ولم يدر صاحبها) اي بل شك في أن هذا الحمام ملكه أو لا، أما إذا علم أنه ليس ملكه ولكن لا يعلم صاحبه
يكون التصدق حينئذ واجبا لا احتياطا فقط ا ه‍.
720

لمالكها. أفاده الشرنبلالي في شرحه. قوله: (وصرح في الوهبانية) أي في كتاب الحدود. قوله: (ولم يقيده
بما مر) أي من الاطلاع على العورات وكسر الزجاجات. قال شارحه العلامة عبد البر: ولم أن إطلاق
التعزيز لغيره من المتقدمين. قوله: (ولعله) أي صاحب الوهبانية اعتمد إعادتهم: أي أطلق اعتمادا على
عادة الذين يطيرون الحمام. قوله: (وأما للاستئناس فمباح) قال في المجتبى رامزا: لا بأس بحبس
الطيور والدجاج في بيته ولكن يعلفها، وهو خير من إرسالها في السكك اه‍. وفي القنية رمزا: حبس
بلبلا في القفص وعلفها لا يجوز اه‍.
أقول: لكن في فتاوى العلامة قارئ الهداية: سئل هل يجوز
حبس الطيور المفردة وهل يجوز عتقها، وهل في ذلك ثواب، وهل يجوز قتل الوطاويط لتلويثها حصر المسجد بخرئها الفاحش؟
فأجاب: يجوز حبسها للاستئناس بها، وأما إعتاقها فليس فيه ثواب، وقتل المؤذي منها ومن الدواب
جائز اه‍.
قلت: ولعل الكراهة في الحبس في القفص، لأنه سجن وتعذيب دون غيره كما يؤخذ من
مجموع ما ذكرنا، وبه يحصل التوفيق، فتأمل.
تنبيه: قال الجراحي: ومن الواهي ما رواه الدارقطني في الافراد والديلمي عن ابن عباس
مرفوعا واتخذوا المقاصيص فإنها تلهي الجن عن صبيانكم وأخرج ابن أبي الدنيا عن الثوري إن
اللعب بالحمام من عمل قوم لوط. قوله: (ولا تخرج عن ملكه بإعتاقه) فإذا وجدها بعده في يد غيره
لها أخذها، إلا إذا كان قال من أخذها فهي له كما يفهم مما بعده. قوله: (لم يأخذها) ذكر في الخلاصة
أنه أعاد المسألة في الفتاوى في باب السير، وشرط أنه قال لقوم معلومين: من شاء منكم فليأخذ اه‍.
وفي التاترخانية: ولو قال كل ما تناول فلان من مالي فهو حلال له فتناول حل، وفي كل من تناول
من مالي فهو حلال له فتناول رجل شيئا لا يحل. وقال أبو نصر: يحل ولا يضمن. قال أنت في حل
من مالي خذ منه ما شئت، قال محمد: هو حل من الدراهم والدنانير خاصة. قوله: (وجاز ركوب الثور
وتحميله إلخ) وقيل لا يفعل لان كل نوع من الانعام خلق لعمل فلا يغير أمر الله تعالى. قوله: (بلا
جهد وضرب) أي لا يحملها فوق طاقتها ولا يضرب وجهها ولا رأسها إجماعا، ولا تضرب أصلا عند
أبي ح. وإن كانت ملكه قال رسول الله (ص): تضرب الدواب على النفار ولا تضرب على العثار لان
العثار من سوء إمساك الركاب اللجام، والنفار من سوء خلق الدابة فتؤدي على ذلك. كذا في فصول
العلامي. قوله: (أشد من الذمي) لأنه لا ناصر له إلا الله تعالى، وورد اشتد غضب الله تعالى على من
ظلم من لا يجد ناصرا إلا الله تعالى ط. قوله: (أشد من المسلم) لأنه يشدد الطلب على ظالمه ليكون معه
في عذابه، ولا مانع من طرح سيئات غير الكفر على ظالمه فيعذب بها بدله. ذكره بعضهم ط. قوله:
721

(ولا بأس بالمسابقة إلخ) لقوله (ص): لا سبق إلا في خف أو نصل حافر والسبق بفتح الباء: ما يجعل
من المال للسابق على سبقه، وبالسكون مصدر سبقت: أي لا تجوز المسابقة بعوض إلا في هذه
الأجناس الثلاثة. قال الخطابي: والرواية الصحيحة بالفتح. أبو السعود عن المناوي. قال الجراحي:
وزيادة أو جناح موضع باتفاق المحدثين اه‍. والخف الإبل، والحافر الخيل، والنصل حديدة السهم،
والمراد به المراماة، والضاد المعجمة تصحيف، مغرب. قوله: (كذا في الملتقى والمجمع) ومثله في المختار
والمواهب ودرر البحار. قوله: (خلافا لما ذكره في مسائل شتى) أي قبيل كتاب الفرائض حيث اقتصر
على الفرس والإبل والأرجل والرمي، ومثله في الكنز والزيلعي، وأقره الشارح هناك حيث قال: ولا
يجوز الاستباق في غير هذه الأربعة كالبغل بالجعل، وأما بلا جعل فيجوز في كل شئ. وتمام في
الزيلعي اه‍. ومثله في الذخيرة والخانية والتاترخانية. ونقل أبو السعود عن العلامة قاسم أنه رد ما في
المجمع بأنه لم يقل أحد بالمسابقة على الحمير، لان ذلك معلل بالتحريض على الجهاد، ولم يعهد في
الاسلام الجهاد على الحمير اه‍. ولم يذكر البغل مع أن الشرع لم يعتبره حيث لم يجعل له سهما من
الغنيمة، فليس فيه تحريض على الجهاد أيضا، إلا أن يقال: عدم السهم لا يقتضي عدم جواز المسابقة
عليه، لان الخف لا سهم له وتجوز المسابقة عليه بالنص.
أقول: والحاصل أن الحافر المذكور في الحديث عام، فمن نظر إلى عمومه أدخل البغل
والحمار، ومن نظر إلى العلة أخرجهما لأنهما ليسا آلة جهاد. تأمل. قوله: (فكان مندوبا) إنما يكون
كذلك بالقصد، أما إذا قصد التلهي أو الفخر أو لترى شجاعته فالظاهر الكراهة، لان الأعمال بالنيات
، فكما يكون المباح طاعة بالنية تصير الطاعة معصية بالنية ط. قوله: (أما بدونه) ظاهره أنه
مرتبط بكلام الأئمة الثلاثة، وما يأتي يفيد أن هذا لأهل المذهب ط، ومثله ما قدمناه آنفا عن مسائل
شتى. قوله: (فيباح كل الملاعب) أي التي تعلم الفروسية وتعين على الجهاد، لأن جواز الجعل فيما مر
إنما ثبت بالحديث على خلاف القياس، فيجوز ما عداها بدون الجعل. وفي القهستاني عن الملتقط: من
لعب بالصولجان يريد الفروسية يجوز. وعن الجواهر: قد جاء الأثر في رخصة المصارعة لتحصيل
القدرة على المقاتلة دون التلهي فإنه مكروه. قوله: (لا أنه يصير مستحقا) حتى لو امتنع المغلوب من
الدفع لا يجبر القاضي ولا يقضي عليه به. زيلعي فمسائل شتى. قوله: (ومفاده لزومه بالعقد) انظر ما
صورته. وقد يقال: معنى قوله: لعدم العقد أي لعدم إمكانه على أن جواز الجعل فيما ذكر
استحسان. قال الزيلعي: والقياس أن لا يجوز لما فيه من تعليق التمليك على الخطر، ولهذا لا يجوز
فيما عدا الأربعة كالبغل وإن كان الجعل مشروطا من أحد الجانبين اه‍. فتأمل.
وبالجملة فيحتاج في المسألة إلى نقل صريح، لان ما ذكره محتمل، ورأيت في المجتبى ما نصه:
وفي بعض النسخ: فإن سبقه حل المال، وإن أبى يجبر عليه اه‍.
722

أقول: لكن هذا مخالف لما في المشاهير كالزيلعي والذخيرة والخلاصة و التاترخانية وغيرها من أنه
لا يصير مستحقا كما مر، فتدبر. قوله: (من جانب واحد) أو من ثالث بأن يقول أحدهما لصاحبه إن
سبقتني أعطيتك كذا، وإن سبقتك لا آخذ منك شيئا، أو يقول الأمير لفارسين أو راميين من سبق
منكما فله كذا، وإن سبق فلا شئ له. اختيار وغرر الأفكار. قوله: (من الجانبين) بأن يقول إن سبق
فرسك فلك علي كذل، وإن سبق فرسي فلي عليك كذا. زيلعي. وكذا إن قال إن سبق إبلك أو
سهمك إلخ. تاترخانية. قوله: (لأنه يصير قمارا) لان القمار من القمر الذي يزداد تارة وينقص أخرى،
وسمي القمار قمارا لان كل واحد من المقامرين ممن يجوز أن يذهب ماله إلى صاحبه، ويجوز أن يستفيد
مال صاحبه وهو حرام بالنص، ولا كذلك إذا شرط من جانب واحد، لان الزيادة والنقصان لا تمكن
فيهما، بل في أحدهما تمكن الزيادة، وفي الآخر الانتقاص فقط فلا تكون مقامرة لأنها مفاعلة منه.
زيلعي. قوله: (يتوهم أن يسبقهما) بيان لقوله: كف ء لفرسيهما أي يجوز أن يسبق أو يسبق. قوله:
(وإلا لم يجز) أي إن كان يسبق أو يسبق لا محالة لا يجوز، لقوله (ص): من أدخل فرسا بين فرسين وهو
لا يأمن أن يسبق فلا بأس به، ومن أدخل فرسا بين فرسين وهو آمن أن يسبق فهو قمار رواه أحمد
وأبو داود وغيرهما. زيلعي. قوله: (ثم إذا سبقهما إلخ) صورته أن يقال: إن سبقهما أخذ منهما ألفا
إنصافا، وإن لم يسبق لم يعطهما شيئا، وإن سبق كل منهما الآخر فله مائة من مال الآخر فلا يعطيهما
شيئا إن لم يسبقهما ويأخذ منهما الجعل إن سبقهما ويجوز أن يعكس التصوير أخذا وإعطاء وفيما بينهما
أيهما سبق أخذ من صاحبه ما شرق له، وإن سبقاه وجاءا معا فلا شئ لواحد منهما، وإن سبق
المحلل مع أحدهما ثم جاء الآخر فلا شئ على من مع المحلل، بل له ما شرطه الآخر له كما لو سبق،
ثم جاء المحلل ثم جاء الآخر ولا شئ للمحلل اه‍. غرر الأفكار. قال الزيلعي: وإنما جاز هذا لان
الثالث لا يغرم على التقادير كلها قطعا ويقينا، وإنما يحتمل أن يأخذ أو لا يأخذ فخرج بذلك من أن
يكون قمارا، فصار كما إذا شرط من جانب واحد، لان القمار هو الذي يستوي فيه الجانبان في
احتمال الغرامة على ما بينا اه‍.
تتمة: يشترط في الغاية أن تكون مما تحتملها الفرس، وأن يكون في كل من الفرسين احتمال
السبق، زيلعي. وينبغي أن يقال في السهم والاقدام كذلك. تأمل. ونقل في غرر الأفكار عن
المحرر: إن كانت المسابقة على الإبل فاعتبار في السبق بالكتف، وإن كان على الخيل فبالعتق، وقيل
الاعتماد على الاقدام اه‍.
فرع: في متفرقات التاترخانية عن السراجية: يكره الرمي إلى هدف نحو القبلة. قوله: (وكذا
الحكم في المتفقهة) أي على هذا التفصيل، وكذا المصارعة على هذا التفصيل، وإنما جاز لان فيه حثا
على الجهاد وتعلم العلم، فإن قيام الدين بالجهاد والعلم فجاز فيما يرجع إليهما لا غير، كذا في فصول
العلامي. قوله: (فإذا شرط لمن معه الصواب) أي لواحد معين معه الصواب لا ما يفيده عموم من وإلا
723

كان عين ما بعده اه‍ ح: أي بأن يقول: إن ظهر الصواب معك فلك كذا أو ظهر معي فلا شئ لي،
أو بالعكس. أما لو قالا: من ظهر معه الصواب منا فله على صاحبه كذا فلا يصح، لأنه شرط من
الجانبين وهو قمار، إلا إذا أدخلا محللا بينهما كما يفهم من كلامهم. وصوره ط بأن تكون المسألة
ذات أوجه ثلاثة، وجعلا للثالث جعلا إن ظهر معه الصواب، وإن كان مع أحدهما فلا شئ عليه اه‍.
تأمل. قوله: (والمصارعة ليست ببدعة) فقد صرع عليه الصلاة والسلام جمعا منهم ابن الأسود الجمحي،
ومنهم ركانة فإنه صرعه ثلاث مرات متواليات لشرطه أنه إن صرع أسلم كما في شرح الشمائل
للقاري قال الجارحي: ومصارعته عليه الصلاة والسلام لأبي جهل لا أصل لها. قوله: (فيجوز في كل
شئ) أي مما يعلم الفروسية ويعين على الجهاد بلا قصد التلهي كما يظهر من كلام فقهائنا مستدلين
بقوله عليه الصلاة والسلام: لا تحضر الملائكة شيئا من الملاهي سوى النضال أي الرمي
والمسابقة، والظاهر أن تسميته لهوا للمشابهة الصورية. تأمل. قوله: (كما يأتي) أي في مسائل شتى،
وقدمنا عبارته. قوله: (بالاقدام) متعلق بعد (1): أي جعلوها بالاقدام وما عطف عليه. قال ط: ولا
أدري وجه ذكر هذه العبارة غير أنها أوهمت أن القواعد تقتضيها، وليس كذلك، بل قواعد المذهب
تقتضي أن غالب هذه من اللهو المحرم كالصولجان وما بعده اه‍ ملخصا.
أقول: قدمنا عن القهستاني جواز اللعب بالصولجان وهو الكرة للفروسية، وفي جواز المسابقة
بالطير عندنا نظر، وكذا في جواز معرفة ما في اليد واللعب بالخاتم فإنه لهو مجرد، وأما المسابقة بالبقر
والسفن والسباحة فظاهر كلامهم الجواز، ورمي البندق والحجر كالرمي بالسهم، وأما إشالة الحجر
باليد وما بعده فالظاهر أنه إن قصد به التمرن والتقوي على الشجاعة لا بأس به. قوله: (والبندق) أي
المتخذ من الطين ط ومثله المتخذ من الرصاص. قوله: (وإشالته باليد) ليعلم الأقوى منهما ط. قوله:
(والشباك) أي المشابكة بالأصابع مع فتل كل يد صاحبه ليعلم الأقوى، كذا ظهر لي. قوله: (ومعرفة ما
بيده من زوج أو فرد واللعب بالخاتم) سمعت من بعض الشافعية أن جواز ذلك عندهم إذا كان
مبنيا على قواعد حسابية مما ذكره علماء الحساب في طريق استخراج ذلك بخصوصه لا بمجرد الحزر
والتخمين.
أقول: والظاهر جواز ذلك حينئذ أيضا إن قصد به التمرن على معرفة الحساب، وأما الشطرنج
فإنه وإن أفاد علم الفروسية لكن حرمته عندنا بالحديث، لكثرة غوائله بإكباب صاحبه عليه، فلا
يفي نفعه بضرره كما نصوا عليه، بخلاف ما ذكرنا. تأمل. قوله: (وحديث حدثوا عن بني إسرائيل)

(1) قوله: (متعلق بعد) الذي في نسخ الشارح التي بأيدينا: وعند الشافعية فلعل النسخة التي وقعت للمحشي وعد الشافعية
فليحرر ا ه‍ مصححه.
724

تمامه ولا حرج أخرجه أبو داود. وفي لفظ لأحمد بن منيع عن جابر حدثوا عن بني إسرائيل فإنه
كان فيهم أعاجيب. وأخرج النسائي بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) أنه قال:
حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، وحدثوا عني ولا تكذبوا علي فقد فرق عليه الصلاة والسلام بين
الحديث عنه والحديث عنهم، كما نقله البيهقي عن الشافعي. قوله: (بقصد الفرجة
لا الحجة) الفرجة مثلثة: التفصي عن الهم، والحجة بالضم: البرهان. قاموس. قوله: (لكن بقصد ضرب الأمثال إلخ)
وذلك مقامات الحريري، فإن الظاهر أن الحكايات التي فيها عن الحارث بن همام والسروجي لا أصل
لها، وإنما أتى بها على هذا السياق العجيب لما لا يخفى على من يطالعها، وهل يدخل في ذلك مثل
قصة عنترة والملك الظاهر وغيرهما؟ لكن هذا الذي ذكره إنما هو عن أصول الشافعية، وأما عندنا
فسيأتي في الفروع عن المجتبى أن القصص المكروه أن يحدث الناس بما ليس له أصل معروف من
أحاديث الأولين أو يزيد أو ينقص ليزين به قصصه إلخ، فهل يقال عندنا بجوازه إذا قصد به ضرب
الأمثال ونحوها؟ يحرر. قوله: (على ألسنة آدميين أو حيوانات) أي أو جمادات كقولهم: قال الحائط
للوتد لم تخرقني؟ قال سل من يدقني. قوله: (ذكره ابن حجر) أي المكي في شرحه على المنهاج. قوله:
(يستحب قلم أظافيره) وقلمها بالأسنان مكروه يورث البرص، فإذا قلم أظفاره أو جز شعره ينبغي أن
يدفنه، فإن رمى به فلا بأس، وإن ألقاه في الكنيف أو في المغتسل كره لأنه يورث داء. خانية ويدفن
أربعة: الظفر والشعر وخرقة الحيض والدم. عتابية ط. قوله: (فيستحب توفير شاربه وأظفاره)
الأنسب في التعبير: فيوفر أظفاره وكذا شاربه. وفي المنح ذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب
إلينا: وفروا الأظافير في أرض العدو فإنها سلاح، لأنه إذا سقط السلاح من يده وقرب العدو منه ربما
يتمكن من دفعه بأظافيره، وهو نظير قص الشارب فإنه سنة، وتوفيره في دار الحرب للغازي مندوب
ليكون أهيب في عين العدو اه‍ ملخصا ط. قوله: (وكونه بعد الصلاة أفضل) أي لتناله بركة الصلاة،
وهو مخالف لما نذكره قريبا في الحديث. قوله: (إلا إذا أخره إليه) أي إلى يوم الجمعة بأن طال جدا وأراد
تأخيره إليه فيكره. قوله: (وفي الحديث إلخ) قال الزرقاني: أخرج البيهقي من مسند أبي جعفر الباقر
قال: كان رسول الله (ص) يأخذ من أظفاره وشاربه يوم الجمعة، له شاهد موصول عن أبي هريرة لكن
سنده ضعيف قال: كان رسول الله (ص) يقص شاربه ويقلم أظفاره يوم الجمعة قبل أن يروح إلى
الصلاة أخرجه البيهقي وقال عقبه: قال أحمد: في هذا الاسناد من يجهل. قال السيوطي: وبالجملة
فأرجحها: أي الأقوال دليلا ونقلا يوم الجمعة والأخبار الواردة فيه ليست بواهية جدا مع أن
الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال اه‍. مدني. وقال الجراحي: وروى الديلمي بسند واه عن أبي
هريرة رفعه: من قلم أظفاره يوم السبت خرج منه الداء ودخل فيه الشفاء، ومن قلمها يوم الأحد
خرج منه الفاقة ودخل فيه الغنى، ومن قلمها الاثنين خرج منه الجنون ودخلت فيه الصحة، ومن
قلمها يوم الثلاثاء خرج منه المرض ودخل فيه الشفاء، ومن قلمها يوم الأربعاء خرج منه الوسواس
725

والخوف ودخل فيه الامن والشفاء، ومن قلمها يوم الخميس خرج منه الجذام ودخلت فيه العافية،
ومن قلمها يوم الجمعة دخلت فيه الرحمة وخرجت منه الذنوب. قوله: (وعنه عليه الصلاة والسلام
إلخ) لم يثبت حديثا بل وقع في كلام غير واحد كالشيخ عبد القادر قدس الله سره في غنيته وكابن
قدامة في مغنية. وقال السخاوي: لم أجده، لكن كان الحافظ الدمياطي ينقل ذلك عن بعض مشايخه
ونص أحمد على استحبابه اه‍. جراحي. ونقل بعضهم أن من المجرب أن من قص كذلك لم يصبه رمد.
قوله: (يعني إلخ) تفسير لقوله مخالفا. قوله: (قلموا أظفاركم بالسنة والأدب) كذا في بعض النسخ وهو
غير موزون، وفي بعضها بسنة وأدب منكرا، فيكون من مجزوء بحر الرجز بكسر الباء الموحدة في
آخر البيتين، ويكون قد دخل البيت الأول الخرم بنقص حرف من أوله. قاله ح. وهو مما لا يجوز
فيه (1). قوله: (يمينها خوابس إلخ) رمز لكل أصبع بحرف قال السخاوي: وكذب القائل:
ابدأ بيمناك وبالخنصر * في قص أظفارك واستبصر
وثن بالوسطى وثلث كما * قد قيل بالابهام والبنصر
ولتختم الكف بسبابة * في اليد والرجل ولا تمتر
وفي اليد اليسرى بإبهامها * والإصبع الوسطى وبالخنصر
وبعد سبابتها بنصر * فإنها خاتمة الأيسر
فذاك أمن خذ به يا فتى * من رمد العين فلا تزدر
هذا حديث قد روي مسندا * عن الامام المرتضى حيدر
اه‍ قوله: (والأولى تقليمها كتخليلها) يعني يبدأ بخنصر رجله اليمين ويختم بخنصر اليسرى. قال
في الهداية عن الغرائب: وينبغي الابتداء باليد اليمنى والانتهاء بها فيبدأ بسبابتها ويختم بإبهامها، وفي
الرجل بخنصر اليمنى ويختم بخنصر اليسرى اه‍. ونقله القهستاني عن المسعودية. قوله: (قلت إلخ)
وكذا قال السيوطي قد أنكر الإمام ابن دقيق العيد جميع هذه الأبيات وقال: لا تعتبر هيئة مخصوصة،
وهذا لا أصل له في الشريعة ولا يجوز اعتقاد استحبابه، لان الاستحباب حكم شرعي لا بد له من
دليل وليس استسهال ذلك بصواب اه‍. قوله: (وما يعزى من النظم) وهو قوله:
في قص ظفرك يوم السبت آكلة * تبدو وفيما يليه تذهب البركة

(1) قوله: (ما لا يجوز فيه) اي ولا يسمى خرما لاختصاصه بأول الوتد المجموع ا ه‍ مصححه.
726

وعالم فاضل يبدأ بتلوهما * وإن يكن في الثلاثا فاحذر الهلكة
ويورث السوق في الأخلاق رابعها * وفي الخميس الغنى يأتي لمن سلكه
والعلم والرزق زيدا في عروبتها * عن النبي روينا فاقتفوا نسكه
اه‍ قوله: (ويستحب حلق عانته) قال في الهندية: ويبتدئ من تحت السرة، ولو عالج بالنورة
يجوز. كذا في الغرائب. وفي الأشباه: والسنة في عانة المرأة النتف. قوله: (وتنظيف بدنه) بنحو إزالة
الشعر من إبطيه ويجوز فيه الحلق والنتف أولى. وفي المجتبى عن بعضهم: وكلاهما حسن، ولا يحلق
شعر حلقه. وعن أبي يوسف: لا بأس به ط. وفي المضمرات: ولا بأس بأخذ الحاجبين وشعر وجهه
ما لم يشبه المخنث. تاترخانية. قوله: (وكره تركه) أي تحريما لقول المجتبى: ولا عذر فيما وراء الأربعين
ويستحق الوعيد اه‍. وفي أبي السعود عن شرح المشارق لابن ملك: روى مسلم عن أنس بن مالك:
وقت لنا في تقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الإبط أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة وهو من
المقدرات التي ليس للرأي فيها مدخل فيكون كالمرفوع اه‍. قوله: (وقيل سنة) مشى عليه في الملتقى،
وعبارة المجتبى بعد ما رمز للطحاوي: حلقه سنة. ونسبه إلى أبي حنيفة وصاحبيه والقص منه حتى
بالاجماع اه‍. قوله: (ولا بأس بنتف الشيب) قيده في البزازية
بأن لا يكون على وجه التزين.
تنبيه: نتف الفنبكين بدعة وهما جانا العنفقة: وهي شعر الشفة السفلى. كذا في الغرائب. ولا
ينتف أنفه لان ذلك يورث الأكلة، وفي حلق شعر الصدر والظهر ترك الأدب. كذا في القنية اه‍ ط.
قوله: (والسنة فيها القبضة) وهو أن يقبض الرجل لحيته، فما زاد منها على قبضة قطعه. كذا ذكره
محمد في كتاب الآثار عن الامام. قال: وبه نأخذ محيط اه‍ ط.
فائدة: روى الطبراني عن ابن عباس رفعه من سعادة المرء خفة لحيته واشتهر أن طول اللحية
دليل على خفة العقل، وأنشد بعضهم:
ما أحد طالت له لحية * فزادت اللحية في هيئته
إلا وما ينقص من عقله * أكثر مما زاد في لحيته
لطيفة نقل عن هشام بن الكلبي قال: حفظت ما لم يحفظه أحد ونسيت ما لم ينسه أحد، حفظت
القرآن في ثلاثة أيام، وأردت أن أقطع من لحيتي ما زاد عن القبضة فنسيت فقطعت من أعلاها. قوله:
(لا طاعة لمخلوق إلخ) رواه أحمد والحاكم عن عمران بن حصين اه‍ جراحي. قوله: (والمعنى المؤثر) أي
لا العلة المؤثرة في إثمها التشبه بالرجال فإنه لا يجوز كالتشبه بالنساء، حتى قال في المجتبى رامزا: يكره
727

غزل الرجل على هيئة غزل النساء. قوله: (وأما حلق رأسه إلخ) وفي الروضة للزندويستي أن السنة في
شعر الرأس إما الفرق أو الحلق. وذكره الطحاوي: أن الحلق سنة، ونسب ذلك إلى العلماء الثلاثة.
وفي الذخيرة: ولا بأس أن يحلق وسط رأسه ويرسل شعره من غير أن يفتله، وإن فتله فذلك مكروه،
لأنه يصير مشبها ببعض الكفرة والمجوس في ديارنا يرسلون الشعر من غير فتل، ولكن لا يحلقون وسط
الرأس بل يجزون الناصية. تاترخانية. قال ط: ويكره القزع وهو أن يحلق البعض ويترك البعض قطعا
مقدار ثلاثة أصابع. كذا في الغرائب. وفيها: كان بعض السلف يترك سباليه وهما أطراف الشوارب.
قوله: (وروى إلخ) وروى البيهقي عن ابن عمر ما عبد الله بشئ أفضل من فقه في دين.
وفي البزازية: طلب العلم والفقه إذا صحت النية أفضل من جميع أعمال البر، وكذا الاشتغال
بزيادة العلم إذا صحت النية لأنه أعم نفعا، لكن بشرط أن لا يدخل النقصان في فرائضه، وصحة
النية أن يقصد بها وجه الله تعالى لا طلب المال والجاه، ولو أراد الخروج من الجهل ومنفعة الخلق إحياء
العلم فقيل تصح نيته أيضا. وتعلم بعض القرآن ووجد فراغا فالأفضل الاشتغال بالفقه، لان حفظ
القرآن فرض كفاية، وتعلم ما لا بد منه من الفقه فرض عين، قال في الخزانة: وجميع الفقه لا بد منه.
قال في المناقب: عمل محمد بن الحسن مائتي ألف مسألة في الحلال والحرام لا بد للناس من حفظها،
وانظر ما قدمناه في مقدمة الكتاب. قوله: (وله الخروج إلخ) أي إن لم يخف على والديه الضيعة إن كانا
موسرين، ولم تكن نفقتهما عليه.
وفي الخانية: ولو أراد الخروج إلى الحج وكره ذلك قالوا: إن استغنى الأب عن خدمته فلا بأس،
وإلا فلا يسعه الخروج، فإن احتاجا إلى النفقة ولا يقدر أن يخلف لهما نفقة كاملة أو أمكنه إلا أن
الغالب على الطريق الخوف فلا يخرج، ولو الغالب السلامة يخرج، وفي بعض الروايات: لا يخرج إلى
الجهاد إلا بإذنهما، ولو أذن أحدهما فقط لا ينبغي له الخروج، لان مراعاة حقهما فرض عين والجهاد
فرض كفاية، فإن لم يكن له أبواه وله جدان وجدتان فأذن له أبو الأب وأم الام دون الآخرين لا بأس
بالخروج لقيامهما مقام الأبوين، ولو إذن الأبوان لا يلتفت إلى غيرهما، هذا في سفر الجهاد. فلو في
سفر تجارة أو حج لا بأس به بلا إذن الأبوين إن استغنيا عن خدمته إذ ليس فيه إبطال حقهما، إلا إذا
كان الطريق مخوفا كالبحر فلا تخرج إلا بإذنهما، وإن استغنيا عن خدمته، ولو خرج المتعلم وضيع عياله
يراعى حق العيال اه‍. قوله: (ولو ملتحيا) أفاد أن المراد بالأمرد في كلام الدرر الآتي خلاف الملتحي، إذ
لو كان معذورا يخشى عليه الفتنة فإن بعض الفسقة يقدمه على الأمرد. قوله: (وتمامه في الدرر) قال
فيها: وإن كان أمرد فلأبيه أن يمنعه، ومرادهم بالعلم العلم الشرعي وما ينتفع به فيه دون علم الكلام
وأمثاله، لما روي عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: لان يلقى الله عبد بأكبر الكبائر خير من أن يلقاه
بعلم الكلام، فإذا كان حال الكلام المتداول بينهم في زمانهم هكذا، فما ظنك بالكلام المخلوط بهذيان
728

الفلاسفة المغمور بين أباطيلهم المزخرفة اه‍. قوله: (فذكره بما فيه ليس بغيبة) أي ليحذر الناس ولا
يغتروا بصومه وصلاته، فقد أخرج الطبراني والبيهقي والترمذي أترعوون في الغيبة عن ذكر الفاجر
اذكروه بما فيه يحذره الناس. قوله: (ولو بكتابة) أي إلى الأب ومثله السلطان، وله أن يعتمد عليها
حيث كان الكاتب معروفا بالعدالة كما في كفاية النهر بحثا. وفيه: للقاضي تعزير المتهم وإن لم يثبت
عليه، فما يكتب من المحاضر في حق إنسان يعمل به في حقوق الله تعالى اه‍. ومر في التعزير. قوله
: (وتمامه في الدرر) أي عن الخانية، ونص عبارة الخانية: وكذلك فيما بين الزوجين وبين السلطان
والرعية والحشم إنما يجب الامر بالمعروف إذا علم أنهم يمتنعون. قوله: (لا إثم عليه) الأولى حذفه أو
زيادة واو العطف قبل قوله لا يكون غيبة ليرتبط المتن مع الشرح. قوله: (لا يكون غيبة) لأنه لو بلغه
لا يكره لأنه مهتم به متحزن ومتحسر عليه، لكن بشرط أن يكون صادقا في اهتمامه، وإلا كان مغتابا
منافقا مرائيا مزكيا لنفسه، لأنه شتم أخاه المسلم وأظهر خلاف ما أخفى وأشعر الناس أنه يكره هذا
الامر لنفسه وغيره وأنه من أهل الصلاح، حيث لم يأت بصريح الغيبة وإنما أتى بها في معرض
الاهتمام، فقد جمع أنواعا من القبائح نسأل الله تعالى العصمة. قوله: (فليس بغيبة) قال في المختار: ولا
غيبة إلا لمعلومين. قوله: (لأنه لا يريد به كلهم) مفهومه أنه لو أراد ذلك كان غيبة. تأمل. قوله: (فتباح
غيبة مجهول إلخ) اعلم أن الغيبة حرام بنص الكتاب العزيز، وشبه المغتاب بآكل لحم أخيه ميتا إذا هو
أقبح من الأجنبي ومن الحي، فكما يحرم لحمه يحرم عرضه. قال (ص): كل المسلم على
المسلم حرام، دمه وماله وعرضه رواه مسلم وغيره، فلا تحل إلا عند الضرورة بقدرها كهذه
المواضع.
وفي تنبيه الغافلين للفقيه أبي الليث: الغيبة على أربعة أوجه: في وجه: هي كفر بأن قيل له لا
تغتب فيقول ليس هذا غيبة لأني صادق فيه، فقد استحل ما حرم بالأدلة القطعية، وهو كفر. وفي
وجه: هي نفاق بأن يغتاب من لا يسميه عند من يعرفه، فهو مغتاب ويرى من نفسه أنه متورع فهذا
هو النفاق. وفي وجه: هي معصية، وهو أن يغاب معينا ويعلم أنها معصية فعليه التوبة. وفي وجه:
هي مباح، وهو أن يغتاب معلنا بفسقه أو صاحب بدعة، وإن اغتاب الفاسق ليحذره الناس يثاب عليه
لأنه من النهي عن المنكر اه‍.
أقول: والإباحة لا تنافي الوجوب في بعض المواضع الآتية. قوله: (ومتظاهر بقبيح) وهو الذي
لا يستتر عنه ولا يؤثر عنده إذا قيل عنه إنه يفعل كذا اه‍. ابن الشحنة. قال في تبيين المحارم: فيجوز
ذكره بما يجاهر به لا غيره. قال (ص): من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له
وأما إذا كان مستترا فلا تجوز غيبته اه‍.
قلت: وما اشتهر بين العوام من أنه لا غيبة لتارك الصلاة إن أريد به ذكره بذلك وكان متجاهرا
فهو صحيح، وإلا فلا. قوله: (ولمصاهرة) الأولى التعبير بالمشورة: أي في نكاح وسفر وشركة ومجاورة
729

وإيداع أمانة ونحوها فله أن يذكر ما يعرفه على قصد النصح. قوله: (ولسوء اعتقاد تحذيرا منه) أي بأن
كان صاحب بدعة يخفيها ويلقيها لمن ظفر به، أما لو تجاهر بها فهو داخل في المتجاهر. تأمل. والأولى
التعبير بالتحذير، ليشمل التحذير من سوء الاعتقاد، ولما مر متنا ممن يصلي ويصوم ويضر الناس. قوله:
(ولشكوى ظلامته للحاكم) فيقول ظلمني فلان بكذا لينصفه منه.
تتمة: يزاد على هذه الخمسة ستة أخرى مر منها في المتن ثنتان: الأولى: الاستعانة بمن له قدرة
على زجره، الثانية: ذكره على وجه الاهتمام. الثالثة: الاستفتاء قال في تبيين المحارم بأن يقول للمفتي
ظلمني فلان كذا وكذا وما طريق الخلاص، والاسلم أن يقول ما قولك في رجل ظلمه أبوه أو ابنه أو
أحد من الناس كذا وكذا ولكن التصريح مباح بهذا القدر اه‍. لان المفتي قد يدرك مع تعيينه ما لا
يدرك مع إبهامه كما قاله ابن حجر، وقد جاء في الحديث المتفق عليه أن هند امرأة أبي سفيان رضي الله
تعالى عنها قالت للنبي (ص): إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني
وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف الرابعة: بيان
العيب لمن أراد أن يشتري عبدا وهو سارق أو زان فيذكره للمشتري، وكذا لو رأى المشتري يعطي
البائع دراهم مغشوشة فيقول احترز منه بكذا. الخامسة: قصد التعريف كأن يكون معروفا بلقبه
كالأعرج والأعمش والأحول. السادسة: جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين فهو جائز بل
واجب صونا للشريعة، فالمجموع إحدى عشرة جمعتها بقولي:
بما يكره الانسان يحرم ذكره * سوى عشرة حلت أتت تلو واحد
تظلم وشر واجرح وبين مجاهرا * بفسق ومجهولا وغشا لقاصد
وعرف كذا استفت استعن عند زاجر * كذاك اهتمم حذر فجور معاند
قوله: (بالفعل) كالحركة والرمز والغمز ونحوه مما يأتي. قوله: (وبالتعريض) كقوله عند ذكر
شخص الحمد لله الذي عافانا من كذا، وهذا مقابل لقوله صريحا. قوله: (وبالكتابة) لان القلم أحد
اللسانين، وعبر في الشرعة بالكناية بالنون والمثناة التحتية. قوله: (وبالحركة) كأن يذكر إنسان عنده بخير
فيحرك رأسه مثلا إشارة إلى أنكم لا تدرون ما انطوى عليه من السوء. تأمل. قوله: (وبالرمز) قال في
القاموس: الرمز ويضم ويحرك: الإشارة أو الايماء بالشفتين أو العينين أو الحاجبين أو الفم أو اللسان
أو اليد. قوله: (أي قصيرة) تفسير لأومأت ط. قوله: (اغتبتيها) بياء الاشباع ط. قوله: (الغيبة أن تصف
أخاك) أي المسلم ولو ميتا، وكذا الذمي لان له ما لنا وعليه ما علينا، وقدم المصنف في فصل المستأمن
أنه بعد مكثه عندنا سنة ووضع الجزية عليه كف الأذى عنه، وتحرم غيبته كالمسلم، وظاهره أنه لا غيبة
730

للحربي. قوله: (حال كونه غائبا) هذا القيد مأخوذ من مفهومها اللغوي ولم يذكر في الحديث الآتي،
والظاهر أنه لو ذكر في وجهه، فهو سب وشتم، وهو حرام أيضا، لأنه أبلغ في الايذاء من حال الغيبة
سيما قبل بلوغها المغتاب، وهو أحد تفسيرين لقوله تعالى: * (ولا تلمزوا أنفسكم) * (الحجرات: 11) فقيل
هو ذكر ما في الرجل من العيب في
غيبته وقيل في وجهه. قوله: (عن أبي هريرة) رواه مسلم في صحيحه وجماعة. قوله: (بما يكره) سواء كان نقصا في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه
حتى في ثوبه أو داره أو دابته كما في تبيين المحارم. قال ط: وانظر ما لو ذكر من الصغير غير العاقل
ما يكره لو كان عاقلا ولم يكن له من يتأذى بذلك من الأقارب اه‍. وجزم ابن حجر بحرمة غيبة
الصبي والمجنون. قوله: (فقد بهته) أي قلت فيه بهتنا: أي كذبا عظيما، والبهتان: هو الباطل الذي
يتحير من بطلانه وشدة ذكره. كذا في شرح الشرعة. وفيه أن المستمع لا يخرج من إثم الغيبة إلا بأن
ينكر بلسانه، فإن خاف فبقلبه، وإن كان قادرا على القيام أو قطع الكلام بكلام آخر فلم يفعله لزمه.
كذا في الاحياء اه‍. وقد ورد بأن المستمع أحد المغتابين وورد من ذب عن عرض أخيه بالغيبة
كان حقا على الله تعالى أن يعتقه من النار رواه أحمد بإسناد حسن وجماعة. قوله: (وإذا لم تبلغه إلخ)
ليس هذا من الحديث بلا كلام مستأنف. قال بعض العلماء: إذا تاب المغتاب قبل وصولها تنفعه توبته
بلا استحلال من صاحبه، فإن بلغت إليه بعد توبته قيل لا تبطل توبته، بل يغفر الله تعالى لهما جميعا:
للأول بالتوبة، وللثاني لما لحقه من المشقة. وقيل بل توبته معلقة، فإن مات الثاني قبل بلوغها إليه فتوبته
صحيحة، وإن بلغته فلا بل لا بد من الاستحلال والاستغفار، ولو قال بهتانا فلا بد أيضا أن يرجع إلى
من تكلم عندهم ويكذب نفسه. وتمامه في تبيين المحارم. قوله: (وإلا شرط بيان كل ما اغتابه به) أي
مع الاستغفار والتوبة، والمراد أن يبين له ذلك ويعتذر إليه ليسمح عنه بأن يبالغ في الثناء عليه والتودد
إليه، ويلازم ذلك حتى يطيب قلبه، وإن لم يطب قلبه كان اعتذاره وتودده حسنة يقابل بها سيئة الغيبة
في الآخرة، وعليه أن يخلص في الاعتذار وإلا فهو ذنب آخر، ويحتمل أن يبقى لخصمه عليه مطالبة
في الآخرة، لأنه لو علم أنه غير مخلص لما رضي به قال الامام الغزالي وغيره. وقال أيضا: فإن غاب
أو مات فقد فات أمره. ولا يدرك إلا بكثرة الحسنات لتأخذ عوضا في القيامة، ويجب أن يفصل له
إلا أن يكون التفضيل مضرا له كذكره عيوبا يخفيها فإنه يستحل منها مبهما اه‍.
وقال منلا علي القاري في شرح المشكاة: وهل يكفيه أن يقول اغتبتك فاجعلني في حل أم لا بد
أن يبين ما اغتاب؟ قال بعض علمائنا في الغيبة إلا بعلمه بها: بل يستغفر الله له إن علم أن إعلامه يثير
فتنة، ويدل عليه أن الابراء عن الحقوق المجهولة جائز عندنا، والمستحب لصاحب الغيبة أن يبرئه
عنها. وفي القنية: تصافح الخصمين لأجل العذر استحلال. قال في النووي. ورأيت في فتاوى
الطحاوي أنه يكفي الندم والاستغفار في الغيبة، وإن بلغت المغتاب، ولا اعتبار بتحليل الورثة. قوله:
(وصلة الرحم واجبة) نقل القرطبي في تفسيره اتفق الأمة على وجب صلتها وحرمة قطعها للأدلة
731

القطعية من الكتاب والسنة على ذلك. قال في تبيين المحارم: واختلفوا في الرحم التي يجب صلتها.
قال قوم: هي قرابة كل ذي رحم محرم. وقال آخرون: كل قريب محرما كان أو غيره اه‍. والثاني ظاهر
إطلاق المتن. قال النووي في شرح مسلم: وهو الصواب، واستدل عليه بالأحاديث، نعم تتفاوت
درجاتها: ففي الوالدين أشد من المحارم، وفيهم أشد من بقية الأرحام. وفي الأحاديث إشارة إلى ذلك
كما بينه في تبيين المحارم. قوله: (ولو كانت بسلام إلخ) قال في تبيين المحارم: وإن كان غائبا يصلهم
بالمكتوبة إليهم، فإن قدر على المسير إليهم كان أفضل، وإن كان له والدان لا يكفي المكتوب إن أراد
مجيئه، وكذا إن احتاجا إلى خدمته، والأخ الكبير كالأب بعده، وكذا الجد وإن علا، والأخت الكبيرة
والخالة كالأم في الصلة، وقيل العم مثل الأب، وما عدا هؤلاء تكفي صلتهم بالمكتوب أو الهدية اه‍.
وتمامه فيه.
ثم اعلم أنه المراد بصلة الرحم أن تصلهم إذا وصلوك لان هذا مكافأة، بل أن
تصلهم وإن قطعوك، فقد روى البخاري وغيره ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه
وصلها. قوله: (ويزورهم غبا) الغب بالكسر: عاقبة الشئ، وفي الزيارة أن تكون في كل أسبوع،
ومن الحمى ما تأخذه يوما وتدع يوما. قاموس. لكن في شرح الشرعة: هو أن تزور يوما
وتدع يوما. ولما كان فيه نوع عسر عدل إلى ما هو أسهل من الغب فقال: بل يزور أقرباءه في كل جمعة أو شهر على
ما ورد في بعض الروايات اه‍. قوله: (تزيد في العمر) وكذا في الرزق، فقد أخرج الشيخان من أحب
أي يبسط له في رزقه وينسأ بضم أوله وتشديد ثالثه المهمل وبالهمز: أي يؤخر له في أثره: أي أجله
فليصل رحمه.
قال الفقيه أبو الليث في تنبيه الغافلين: اختلفوا في زيادة العمر: فقيل على ظاهر، وقيل لا
لقوله تعالى: * (فإذا جاء أجلهم) * (الأعراف: 48) الآية، بل المعنى يكتب ثوابه بعد موته، وقيل إن
الأشياء قد تكتب في اللوح المحفوظ معلقة كإن وصل فلان رحمه فعمره كذا وإلا فكذا، ولعل الدعاء
والصدقة وصلة الرحم من جملتها فلا يخالف الحديث الآية اه‍. زاد في شرح الشرعة عن شرح
المشارق: أو يقال المراد البركة في رزقه وبقاء ذكره الجميل بعده وهو كالحياة، أو يقال صدر الحديث
في معرض الحث على صلة الرحم بطريق المبالغة: يعني لو كان شئ يبسط به الرزق والأجل لكان
صلة الرحم اه‍. والظاهر الثالث لما في التنبيه عن الضحاك بن مزاحم في تفسير قوله تعالى: * (يمحو
الله ما يشاء ويثبت) * (الرعد: 39) قال: إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاثة أيام، فيزيد الله
تعالى في عمره إلى ثلاثين سنة، وإن الرجل يقطع الرحم وقد بقي من عمره ثلاثون سنة، فيرد أجله إلى
ثلاثة أيام. قوله: (وتمامه في الدرر) قال فيها: وتكون كل قبيلة وعشيرة يدا واحدة في التناصر والتظاهر
على كل من سواهم في إظهار الحق اه‍. وتمامه أيضا في الشرعة وتبيين المحارم. قوله: (ويسلم المسلم
على أهل الذمة إلخ) انظر هل يجوز أن يأتي بلفظ الجمع لو كان الذمي واحدا، والظاهر أنه يأتي بلفظ
732

المفرد أخذا مما يأتي في الرد. تأمل. لكن في الشرعة: إذا سلم على أهل الذمة فليقل: السلام على من
اتبع الهدى، وكذلك يكتب في الكتاب إليهم اه‍. وفي التاترخانية قال محمد: إذا كتبت إلى يهودي أو
نصراني في حاجة فاكتب: السلام على من اتبع الهدى اه‍. قوله: (لو له حاجة إليه) أي إلى الذمي
المفهوم من المقام. قال في التاترخانية: لان النهي عن السلام لتوقيره ولا توقير إذا كان السلام لحاجة.
قوله (هو الصحيح) مقابله أنه لا بأس به بلا تفصيل، وهو ما ذكره في الخانية عن بعض المشايخ.
قوله: (كما كره للمسلم مصافحة الذمي) أي بلا حاجة لما في القنية: لا بأس بمصافحة المسلم جاره
النصراني إذا رجع بعد الغيبة ويتأذى بترك المصافحة اه‍. تأمل. وهل يشمته إذا عطس وحمد؟ قال
الحموي: الظاهر لا اه‍. لكن سيأتي أنه يقول له: يهديك الله. قوله: (وأكثر المتون) بالجر عطفا على
الشرح: أي ونسخ أكثر المتون: أي المتون المجردة عن الشرح وجمعها باعتبار أشخاصها، وإلا فالمراد
متن التنوير لا غير. قوله: (بلفظ ويسلم) وهو كذلك بخط المصنف متنا وشرحا. رملي. قوله: (فأولتها
هكذا) أي بالتقييد بالحاجة ليكون المتن ماشيا على الصحيح. قوله: (وهو الأحسن) لان الحكم الأصلي
المنع والجواز لحاجة عارض، وقوله الأسلم لعل وجهه أنه إذا لم يسلم مطلقا لا يقع في محذور،
بخلاف ما إذا سلم مطلقا. تأمل. قوله: (أي الاسلام خير) أي خصال الاسلام ط. قوله: (تطعم)
بتأويل أن يطعم، ويأتي فيه الأوجه التي ذكرها النحويون في: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. قوله:
(وتقرأ) من القرآن لا من الأقراء ط. قوله: (لحديث لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام) يوجد في
كثير من النسخ زيادة فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه رواه البخاري. قوله: (وكذا
يخص منه الفاسق) أي لو معلنا، وإلا فلا يكره كما سيذكره. قوله: (وأما من شك فيه) أي هل هو
مسلم أو غيره؟ وأما الشك بين كونه فاسقا أو صالحا فلا اعتبار له بل يظن بالمسلمين خيرا ط. قوله:
(على العموم) أي المأخوذ من قوله (ص): سلم على من عرفت ومن لم تعرف ط.
قوله: (إن الحديث) أي الأول المفيد عمومه شمول الذمي. قوله: (لمصلحة التأليف) أي تأليف قلوب
الناس واستمالتهم باللسان والاحسان إلى الدخول في الاسلام. قوله: (ثم ورد النهي) أي في الحديث
الثاني لما أعز الله الاسلام. قوله: (فلا بأس بالرد) المتبادر منه أن الأولى عدمه ط، لكن في التاترخانية:
وإذا سلم أهل الذمة ينبغي أن يرد عليهم الجواب وبه نأخذ. قوله: (ولكن لا يزيد على قوله وعليك)
لأنه قد يقول: السام عليكم: أي الموت. كما قال بعض اليهود للنبي (ص)، فقال له:
733

وعليك فرد دعاءه عليه. وفي التاترخانية قال محمد: يقول المسلم وعليك ينوي بذلك السلام
لحديث، مرفوع إلى رسول الله (ص) أنه قال: إذا سلموا عليكم فردوا عليهم. قوله:
(تبجيلا) قال في المنح: قيد به لأنه لو لم يكن كذلك بل كان لغرض من الأغراض الصحيحة فلا بأس
به ولا كفر. قوله: (إن نوى بقلبه) وأما إن لم ينو شيئا يكره كما في المحيط، وذكر البيري أخذا من
نظائرها أنه لا يكره، وليس بعد النص إلا الرجوع إليه، والظاهر أن الذمي ليس بقيد ط. قوله: (وإذا
أتى دار إنسان إلخ) وفي فصول العلامي: وإن دخل على أهله يسلم أولا ثم يتكلم، وإن أتى دار غيره
يستأذن للدخول ثلاثا يقول في كل مرة: السلام عليكم يا أهل البيت أيدخل فلان؟ ويمكث بعد كل
مرة مقدار ما يفرغ الآكل والمتوضئ والمصلي أربع ركعات، فإذا أذن له دخل، وإلا رجع سالما عن
الحقد والعداوة، ولا يجب الاستئذان على من أرسل إليه صاحب البيت، فإذا نودي، من البيت من على
الباب لا يقول أنا فإنه ليس بجواب، بل يقول أيدخل فلان؟ فإن قيل لا رجع سالما، وإذا دخل بالاذن
يسلم أولا ثم يتكلم إن شاء، وإن دخل بيتا ليس فيه أحد يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
فإن الملائكة ترد عليه السلام، فإن لقيه خارج الدار يسلم أولا ثم يتكلم، قال رسول الله (ص):
السلام قبل الكلام فإن تكلم قبل السلام فلا يجيبه، قال رسول الله (ص): من تكلم قبل السلام فلا تجيبوه ويسلم على القوم حين يدخل عليهم وحين يفارقهم، فمن فعل
ذلك شاركهم في كل خير عملوه بعده، وإن لقيهم وفارقهم في اليوم مرارا وحالت بينهم وبينه شجرة
أو جدار جدد السلام لان ذلك يوجب الرحمة، وينوي بالسلام تجديد عهد الاسلام أن لا ينال المؤمن
بأذاه في عرضه وماله، فإذا سلم على المؤمن حرم عليه تناول عرضه وماله، وإن دخل مسجدا وبعض
القوم في الصلاة وبعضهم لم يكونوا فيها يسلم، وإن لم يسلم لم يكن تاركا للسنة اه‍. قوله: (ولو قال يا
فلان) أي بهذا اللفظ، ولكن نص عبارة الخانية: رجل كان جالسا في قوم فسلم عليه رجل فقال
السلام عليك يا فلان فرد عليه السلام بعض القوم سقط السلام عمن سلم عليه، قيل: إن سمى رجلا
فقال السلام عليك يا زيد، فرد عليه عمرو لا يسقط رد السلام عن زيد، وإن لم يسم وقال السلام
عليك، وأشار إلى رجل فرد غيره سقط السلام عن المشار إليه اه‍. وجزم في الخلاصة وغيرها بهذا
التفصيل. قوله: (سقط) لا قصده التسليم على الكل، ويجوز أن يشار للجماعة بخطاب الواحد.
هندية. وفي تبيين المحارم: ولو سلم على جماعة ورد غيرهم لم يسقط الرد عنهم اه‍ ط. قوله: (وشرط
في الرد إلخ) أي كما لا يجب الرد إلا بإسماعه. تاترخانية. قوله: (فلو أصم يريه تحريك شفتيه) قال في
شرح الشرعة: واعلم أنهم قالوا إن السلام سنة وإسماعه مستحب، وجوابه: أي رده فرض كفاية،
وإسماع رده واجب بحيث لو لم يسمعه لا يسقط هذا الفرض عن السامع، حتى قيل: لو كان المسلم
734

أصم يجب على الراد أن يحرك شفتيه ويريه بحيث لو لم يكن أصم لسمعه اه‍. قوله: (بدليل حل ذبيحته)
أي مع أن التسمية فيها فرض، وقد أجزأت منه واختلف في التسليم على الصبيان: فقيل لا يسلم،
وقيل التسليم أفضل. قال الفقيه: وبه نأخذ. تاترخانية: وأما السلام على المرأة وتشميتها فقد مر الكلام
عليه في فصل النظر والمس. قوله: (بلفظ الجماعة) لان مع كل واحد حافظين كراما كاتبين، فكل واحد
كأنه ثلاثة. تاترخانية. قوله: (ولا يزيد الراد على وبركاته) قال في التاترخانية: والأفضل للمسلم أن
يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والمجيب كذلك يرد، ولا ينبغي أن يزاد على البركات شئ
اه‍. ويأتي بواو العطف في وعليكم، وإن حذفها أجزأه، وإن قال المبتدئ: سلام عليكم أو السلام
عليكم، فللمجيب أن يقول في الصورتين: سلام عليكم أو السلام عليكم، ولكن الألف واللام أولى
اه‍. قوله: (ورد السلام وتشميت العاطس على الفور) ظاهره أنه إذا أخره لغير عذر كره تحريما، ولا
يرتفع الاثم بالرد بل بالتوبة ط. وفي تبيين المحارم: تشميت العاطس فرض على الكفاية عند الأكثرين،
وعند الشافعي سنة، وعند بعض الظاهرية فرض عين. قال النبي (ص): إن الله يحب
العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته رواه البخاري
التشميت بالشين المعجمة أو بالسين المهملة هو الدعاء بالخير والبركة، وإنما يستحق العاطس التشميت
إذا حمد الله تعالى، وأما إذا لم يحمد لا يستحق الدعاء لان العطاس نعمة من الله تعالى، فمن لم يحمد بعد
عطاسه لم يشكر نعمة الله تعالى، وكفران النعمة لا يستحق الدعاء، والمأمور به بعد العطاس أن يقول
الحمد لله، أو يقول الحمد لله رب العالمين، وقيل الحمد لله على كل حال.
واختلفوا فيماذا يقول المشمت: فقيل يقول يرحمك الله، وقيل الحمد لله تعالى، ويقول للمشمت
يهديك الله، وإن كان العاطس كافرا فحمد الله تعالى يقول المشمت يهديك الله، وإذا تكرر العطاس
قالوا: يشمته ثلاثا ثم يسكت. قال قاضيخان: فإن عطس أكثر من ثلاث يحمد الله تعالى في كل مرة،
ومن كان بحضرته يشمته في كل مرة فحسن أيضا اه‍. وينبغي أن يقول العاطس للمشمت: غفر الله لي
ولكم، أو يقول يهديكم الله ويصلح بالكم، ولا يقول غير ذلك. وينبغي العاطس أن يرفع صوته
بالتحميد حتى يسمع من عنده فيشمته، ولو شمته بعض الحاضرين أجزأ عنهم، والأفضل أن يقول كل
واحد منهم لظاهر الحديث. وقيل: إذا عطس رجل ولم يسمع منه تحميد يقول من حضره يرحمك الله
إن كنت حمدت الله، وإذا عطس من وراء الجدار فحمد الله تعالى يجب على كل من سمعه التشميت اه‍.
وفي فصول العلامي: وندب للسامع أن يسبق العاطس بالحمد لله لحديث: من سبق العاطس
بالحمد لله أمن من الشوص واللصوص والعلوص اه‍. وهو بفتح أول الأولين وكسر أول الثالث المهملة
وفتح لامه المشددة وسكون الواو وآخر الجميع صاد مهملة. وفي الأوسط للطبراني عن علي رفعه:
من عطس عنده فسبق بالحمد لم يشتك خاصرته وأخرج ابن عساكر من سبق العاطس بالحمد
وقاه الله وجع الخاصرة، ولم ير في فيه مكروها حتى يخرج من الدنيا ونظم بعضهم الحديث الأول فقال:
735

من يبتدي عاطسا بالحمد يأمن من * شوص ولوص وعلوص كذا وردا
عنيت بالشوص داء الرأس ثم بما * يليه ذا البطن والضرس اتبع رشدا
وفي المغرب: الشوص: وجمع الضرس، واللوص: وجع الاذن، والعلوص: اللوي وهي
التخمة اه‍. قال في الشرعة: وينكس رأسه عند العطاس، ويخمر وجهه ويخفض من صوته، فإن
التصرخ بالعطاس حمق. وفي الحديث العطسة عند الحديث شاهد عدل ولا يقول العاطس أب أو
أشهب فإنه اسم للشيطان اه‍. قوله: (ويجب رد جواب كتاب التحية) لان الكتاب من الغائب بمنزلة
الخطاب من الحاضر. مجتبى. والناس عنه غافلون ط.
أقول: المتبادر من هذا أن المراد رد سلام الكتاب لا رد الكتاب، لكن في الجامع الصغير
للسيوطي: رد جواب الكتاب حق كرد السلام. قال شارحه المناوي: أي إذا كتب لك رجل بالسلام
في كتاب ووصل إليك وجب عليك الرد باللفظ أو بالمراسلة، وبه صرح جمع شاعفية: وهو مذهب ابن
عباس. وقال النووي: ولو أتاه شخص بسلام من شخص: أي في ورقة وجب الرد فورا، ويستحب
أن يرد على المبلغ كما أخرجه النسائي، ويتأكد رد الكتاب فإن تركه ربما أورث الضغائن، ولهذا
أنشد:
إذا كتب الخليل إلى الخليل * فحق واجب رد الجواب
إذا الاخوان فاتهم التلاقي * فما صلة بأحسن من كتاب
قوله: (يجب عليه ذلك) لأنه من إيصال الأمانة لمستحقها، والظاهر أن هذا إذا رضي بتحملها.
تأمل. ثم رأيت في شرح المناوي عن ابن حجر: التحقيق أن الرسول إن التزمه أشبه الأمانة وإلا
فوديعة اه‍: أي فلا يجب عليه الذهاب لتبليغه كما في الوديعة. قال الشرنبلالي: وهكذا عليه تبليغ
السلام إلى حضرة النبي (ص) عن الذي أمره به، وقال أيضا: ويستحب أن يرد على المبلغ أيضا فيقول:
وعليك السلام اه‍. ومثله في شرح تحفة الاقران للمصنف، وزاد وعن ابن عباس: يجب اه‍.
لكن قال في التاترخانية: ذكر محمد حديثا يدل على أن من بلغ إنسانا سلاما عن غائب كان عليه أن
يرد الجواب على المبلغ أولا ثم على ذلك الغائب اه‍. وظاهره الوجوب. تأمل. قوله: (لو معلنا)
تخصيص لما قدمه عن العيني. وفي فصول العلامي: ولا يسلم على الشيخ المازح الكذاب واللاغي،
ولا على من يسب الناس أو ينظر وجوه الأجنبيات، ولا على الفاسق المعلن، ولا على من يغني أو يطير
الحمام ما لم تعرف توبتهم، ويسلم على قوم في معصية، وعلى من يلعب بالشطرنج ناويا أن يشغلهم
عما هم فيه عند أبي حنيفة، وكره عندهما تحقيرا لهم. قوله: (كآكل) ظاهره أن ذلك مخصوص بحال
وضع اللقمة في الفم والمضغ، وأما قبل وبعد فلا يكره لعدم العجز، وبه صرح الشافعية. وفي وجيز
الكردي: مر على قوم يأكلون: إن كان محتاجا وعرف أنهم يدعونه سلم، وإلا فلا اه‍. وهذا يقضي
بكراهة السلام على الآكل مطلقا إلا فيما ذكره ط. قوله: (ولو سلم لا يستحق الجواب) أقول: في
البزازية: وإن سلم فحال التلاوة فالمختار أنه يجب الرد، بخلاف حال الخطبة والاذان وتكرار الفقه
اه‍. وإن سلم فهو آثم. تاترخانية. وفيها: والصحيح أنه لا يرد في هذه المواضع اه‍.
736

فقد اختلف التصحيح في القارئ، وعند أبي يوسف: يرد بعد الفراغ أو عند تمام الآية. وفي
الاختيار: وإذا جلس القاضي ناحية من المسجد للحكم لا يسلم على الخصوم، ولا يسلمون عليه، لأنه
جلس للحكم والسلام تحية الزائرين، فينبغي أن يشتغل بما جلس لأجله، وإن سلموا لا يجب عليه
الرد. وعلى هذا من جلس يفقه تلامذته ويقرئهم القرآن فدخل عليه داخل فسلم وسعه أن لا يرد لأنه
إنما جلس للتعليم لا لرد السلام اه‍. قوله: (بجزم الميم) الأولى بسكون الميم. قال ط: وكأن عدم
الوجوب لمخالفته السنة التي جاءت بالتركيب العربي، ومثله فيما يظهر الجمع بين أل والتنوين اه‍.
وظاهر تقييده بجزم الميم أنه لو نون المجرد من أل كما هو تحية الملائكة لأهل الجنة يجب الرد، فيكون
له صيغتان، وهو ظاهر ما قدمناه سابقا عن التاترخانية. ثم رأيت في الظهيرية: ولفظ السلام في
المواضع كلها: السلا عليكم أو سلام عليكم بالتنوين، وبدون هذين كما يقول الجهال لا يكون
سلاما. قال في الشرنبلالي في رسالته في المصافحة: ولا يبتدئ بقوله عليك السلام، ولا بعليكم
السلام لما في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة عن جابر بن سليم رضي الله تعالى
عنه. قال: أتيت رسول الله (ص) فقلت: عليك السلام يا رسول الله، قال: لا تقل عليك السلام، فإن
عليك السلام تحية الموتى قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ويؤخذ منه أنه لا يجب الرد على
المبتدئ بهذه الصيغة، فإنه ما ذكر فيه أنه عليه الصلاة والسلام رد السلام عليه بل نهاه، وهو أحد
احتمالات ثلاثة ذكرها النووي، فيترجح كونه ليس سلاما، وإلا لرد عليه ثم علمه كما رد على المسئ
صلاته ثم علمه، ولو زاد واوا فابتدأ بقوله: وعليكم السلام لا يستحق جوابا، لأن هذه الصيغة لا
تصلح للابتداء فلم يكن سلاما. قاله المتولي من أئمة الشافعية اه‍.
قلت: وفي التاترخانية عن الفقيه أبي جعفر: أن بعض أصحاب أبي يوسف كان إذا مر بالسوق
يقول: سلام الله عليكم، فقيل له في ذلك، فقال: التسليم تحية وإجابتها فرض، فإذا لم يجيبوني وجب
الامر بالمعروف فأما سلام الله عليكم فدعاء فلا يلزمهم ولا يلزمني شئ، فاختاره لهذا اه‍.
قلت: فهذا مع ما مر يفيد اختصاص وجوب الرد بما إذا ابتدأ بلفظ السلام عليكم أو سلام
عليكم، وقدمنا أن للمجيب أن يقول في الصورتين سلام عليكم، أو السلام عليكم، ومفاده أن ما
صلح للابتداء صلح للجواب، ولكن علمت ما هو الأفضل فيهما.
تتمة: قال في التاترخانية: ويسلم الذي يأتيك من خلفك ويسلم الماشي على القاعد، والراكب
على الماشي، والصغير على الكبير، وإذا التقيا فأفضلهما يسبقهما، فإن سلما معا يرد كل واحد.
وقال الحسن: يبتدئ الأقل بالأكثر اه‍. وفيها: السلام سنة، ويفترض على الراكب المار بالراجل في
طريق عام أو في المفازة للأمانة اه‍. وفي البزازية: ويسلم الآتي من المصر على من يستقبله من
القرى، وقيل: يسلم القروي على المصري اه‍. وفي تبيين المحارم قال النووي: هذا الأدب هو فيما
إذا التقيا في طريق، أما إذا ورد على قعود فإن الوارد يبدأ بالسلام بكل حال، سواء كان صغيرا أو
كبيرا أو قليلا أو كثيرا. كذا في الطبراني اه‍. قال ط: والقواعد توافقه. واختلفوا في أيهما أفضل
أجرا: قيل الراد، وقيل المسلم. محيط. وإن سلم ثانيا في مجلس واحد لا يجب رد الثاني. تاترخانية.
وفيها عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله (ص): إذا أتيتم المجلس فسلموا على
القوم، وإذا رجعتم فسلموا عليهم، فإن التسليم عند الرجوع أفضل من التسليم الأول. قوله: (وعلى
737

عباد الله الصالحين) فيكون مسلما على الملائكة الذين معه، وصالحي الجن الحاضرين وغيرهم،
وقالوا: إن الجن مكلفون بما كلفنا به، ومقتضاه أنه يجب عليهم الرد لا يخرجون عنه إلا بالاسماع
ولم أر حكمه. وقد يقال: إنهم أمروا بالاستتار عن أعين الانس لعدم الانس والمجانسة، ورده ظاهرا
من قبيل الاعلان، فتدبر ط.
أقول: لا نسلم أن هذه الصيغة مما يجب على سامعها الرد، إذ لا خطاب فيها، وليست من
الصيغتين السابقتين، وإلا لوجب الرد أيضا على من سمعها من الانس، ويحتاج إلى نقل صريح والظاهر
عدمه، فلا يجب على الجن بالأولى، بل هي لمجرد الدعاء كما هي في التشهد وكما في الصيغة التي
اختارها بعض أصحاب أبي يوسف كما مر. تأمل. قوله: (إلا إذا لم يتخط) أي ولم يمر بين يدي
المصلين. قال في الاختيار: فإن كان يمر بين يدي المصلين ويتخطى رقاب الناس يكره، لأنه إعانة على
أذى الناس، حتى قيل: هذا فلس لا يكفره سبعون فلسا اه‍. وقال ط: فالكراهة للتخطي الذي يلزمه
غالبا الايذاء، وإذا كانت هناك فرجة يمر منها لا تخطى فلا كراهة كما يؤخذ من مفهومه. قوله: (في
الصلاة) أي وهي كانت في المسجد فتم الدليل، أو أنه إذا كان ذلك جائزا في الصلاة وهي أفضل الأعمال
، فلان تجوز في المسجد وهو دونها أولى ط. قوله: (أحب الأسماء إلخ) هذا لفظ حديث رواه
مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم عن ابن عمر مرفوعا. قال المناوي: وعبد الله أفضل مطلقا حتى
من عبد الرحمن وأفضلها بعدهما محمد، ثم أحمد، ثم إبراهيم اه‍. وقال أيضا في موضع آخر: ويلحق
بهذين الاسمين: أي عبد الله وعبد الرحمن ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبد الملك، وتفضيل التسمية
بهما محمول على من أراد التسمي بالعبودية، لأنهم كانوا يسمون عبد شمس وعبد الدار، فلا ينافي أن
اسم محمد وأحمد أحب إلى الله تعالى من جميع الأسماء، فإنه لم يختر لنبيه إلا ما هو أحب إليه، هذا هو
الصواب، ولا يجوز حمله على الاطلاق اه‍. وورد من ولد له مولود فسماه محمدا كان هو ومولوده
في الجنة رواه ابن عساكر عن أمامة رفعه. قال السيوطي: هذا أمثل حديث ورد في هذا الباب
وإسناده حسن اه‍. وقال السخاوي: وأما قولهم: خير الأسماء ما عبد وما حمد، فما علمته. قوله:
(وجاز التسمية بعلي إلخ) الذي في التاترخانية عن السراجية: التسمية باسم يوجد في كتاب الله تعالى
كالعلي والكبير والرشيد والبديع جائزة إلخ، ومثله في المنح عنها، وظاهره الجواز ولو معرفا بأل.
قوله: (لكن التسمية إلخ) قال أبو الليث: لا أحب للعجم أن يسموا عبد الرحمن وعبد الرحيم، لأنهم
لا يعرفون تفسيره، ويسمونه بالتصغير. تاترخانية. وهذا مشتهر في زماننا، حيث ينادون من اسمه
عبد الرحيم وعبد الكريم أو عبد العزيز مثلا فيقولون: رحيم وكريم وعزيز بتشديد ياء التصغير، ومن
اسمه عبد القادر قويدر، وهذا مع قصده كفر. ففي المنية: من ألحق أداة التصغير في آخر اسم
738

عبد العزيز أو نحوه مما أضيف إلى واحد من الأسماء الحسنى إن قال ذلك عمدا كفر، وإن لم يدر ما يقول
ولا قصد له لم يحكم بكفره، ومن سمع منه ذلك يحق عليه أن يعلمه اه‍. وبعضهم يقول: رحمون لمن
اسمه عبد الرحمن، وبعضهم كالتركمان يقول: حمور وحسو لمن اسمه محمد وحسن، وانظر هل يقال:
الأولى لهم ترك التسمية بالأخيرين لذلك. قوله: (ولا تكنوا) بفتح النون المشددة ماضي تكنى، وهو على
حذف إحدى التاءين: أي لان اليهود كانوا ينادون يا أبا القاسم، فإذا التفت (ص) وقالوا: لا نعنيك ط.
لكن قوله ماضي تكنى صوابه مضارع تكنى كما لا يخفى. قوله: (قد نسخ) لعل وجهه زوال علة النهي
السابقة بوفاته عليه الصلاة والسلام. تأمل.
تتمة: التسمية باسم لم يذكره الله تعالى في عبادة ولا ذكره رسول الله (ص) ولا يستعمله المسلمون
تكلموا فيه، والأولى أن لا يفعل. وروي: إذا ولد لأحدكم ولد فمات فلا يدفنه حتى يسميه إن كان
ذكرا باسم الذكر، وإن كان أنثى فباسم أنثى، وإن لم يعرف فباسم يصلح لهما، ولو كنى ابنه الصغير
بأبي بكر وغيره كرهه بعضهم، وعامتهم لا يكره، لان الناس يريدون به التفاؤل. تاترخانية. وكان
رسول الله (ص) يغير الاسم القبيح إلى الحسن. جاءه رجل يسمى أصرم فسماه زرعة، وجاءه آخر اسمه
المضطجع فسماه المنبعث، وكان لعمر رضي الله عنه بنت تسمى عاصية فسماها جميلة. ولا يسمى
الغلام يسار أولا رباحا ولا نجاحا ولا بأفلح ولا بركة،
فليس من المرضي أن يقول الانسان عندك بركة فتقول لا، وكذا سائر الأسماء، ولا يسميه حكيما، ولا أبا الحكم ولا أبا عيسى، ولا عبد فلان،
ولا يسميه بما فيه تزكية نحو الرشيد والأمين. فصول العلامي: أي لان الحكم من أسمائه تعالى فلا
يليق إضافة الأب إليه أو إلى عيسى.
أقول: ويؤخذ من قوله ولا عبد فلان منع التسمية بعبد النبي، ونقل المناوي عن الدميري أنه
قيل بالجواز بقصد التشريف النسبة، والأكثر على المنع خشية اعتقاد العبودية كما لا يجوز عبد الدار اه‍.
ومن قوله ولا بما فيه تزكية المنع عن نحو محيي الدين وشمس الدين مع ما فيه من الكذب، وألف
بعض المالكية في المنع منه مؤلفا، وصرح به القرطبي في شرح الأسماء الحسنى، وأنشد بعضهم فقال:
أرى الدين يستحيي من الله أن يرى * وهذا له فخر وذاك نصير
فقد كثرت في الدين ألقاب عصبة * هم في مراعي المنكرات حمير
وإني أجل الدين عن عزه بهم * وأعلم أن الذنب فيه كبير
ونقل عن الامام النووي أنه كان يكره من يلقبه بمحيي الدين ويقول: لا أجعل من دعاني به في
حل، ومال إلى ذلك العارف بالله تعالى الشيخ سنان في كتابه تبيين المحارم، وأقام الطامة الكبرى على
المتسمين بمثل ذلك، وأنه من التزكية المنهي عنها في القرآن، ومن الكذب قال: ونظيره ما يقال
للمدرسين بالتركي: أفندي وسلطان ونحوه، ثم قال: فإن قيل: هذه مجازات صارت كالاعلام
فخرجت عن التزكية. فالجواب أن هذا يرده ما يشاهد من أنه إذا نودي باسمه العلم وجد على من
ناداه به فعلم أن التزكية باقية، وقد كان الكبار من الصحابة وغيرهم ينادون بأعلامهم ولم ينقل كراهتهم
739

لذلك، ولو كان يه ترك تعظيم للعلم وأهله لنهوا عنه من ناداهم بها اه‍ ملخصا. وقد أطال بما ينبغي
مراجعته. قوله: (ويكره أن يدعو إلخ) بل لابد من لفظ يفيد التعظيم كيا سيدي ونحوه لمزيد حقهما
على الولد والزوجة، وليس هذا من التزكية، لأنها راجعة إلى المدعو بأن يصف نفسه بما يفيدها لا إلى
الداعي المطلوب منه التأدب مع من هو فوقه. قوله: (وفيها) أي في السراجية. قوله: (يكره الكلام في
المسجد) ورد أنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وحمله في الظهيرية وغيرها على ما إذا جلس
لأجله، وقد سبق في باب الاعتكاف، وهذا كله في المباح لا في غيره فإنه أعظم وزرا. قوله: (وخلف
الجنازة) أي مع رفع الصوت، وقدمنا الكلام عليه قبيل المسابقة. قوله: (وفي الخلاء) لأنه يورث المقت
من الله تعالى ط. قوله: (وفي حالة الجماع) لان حاله مبني على الستر، وكان يأمر (ص) فيه بالأدب ط.
وذكر في الشرعة: أن من السنة أن لا يكثر الكلام في حالة الوطئ فإن منه خرس الولد. قوله: (وعند
التذكير) أي مع رفع الصوت. قال في التاترخانية: وليس المراد رفع الواعظ صوته عند الوعظ، وإنما
المراد رفع بعض القوم صوته بالتهليل، والصلاة على النبي (ص) عند ذكره. قوله: (فما ظنك به) أي برفع
الصوت عند الغناء، والمراد رفع الصوت به، وقدمنا الكلام على ذلك كله. قوله: (أحبوا العرب) كذا
في كثير من النسخ مسندا إلى واو الجماعة، وهو الموافق لما في الجامع الصغير وغيره. وفي بعض
النسخ: أحب بلا واو مسند للمتكلم، أو أمر للمفرد من أحب. قال الجراحي: وسنده فيه ضعف،
وقد ورد في حب العرب أحاديث كثيرة يصير الحديث بمجموعها حسنا، وقد أفردها بالتأليف جماعة
منهم الحافظ العراقي، ومنهم صديقنا الكامل السيد مصطفى البكري، فإنه ألف فيه رسالة نحو
العشرين كراسة اه‍. والمراد الحث على حب العرب من حيث كونهم عربا، وقد يعرض لهم ما يقتضي
زيادة الحب بما فهم من الايمان والفضائل، وقد يعرض ما يوجب البغض بما يعرض لهم من كفر
ونفاق. وتمامه في شرح المناوي الكبير. قوله: (ولسان أهل الجنة) الذي في الجامع الصغير: وكلام أهل
الجنة. قوله: (أي فيكره) بيان لحاصل كلام المصنف، وعبارة الخانية: رجل تمنى الموت لضيق عيشه أو
غضب من عدوه يكره لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يتمن أحدكم الموت لضر نزل به وإن كان
لتغير زمانه وظهور المعاصي فيه مخافة الوقوع فيها لا بأس به، لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام
740

في مثل هذه الصورة قال: فبطن الأرض خير لكم من ظهرها اه‍. أقول: والحديث الأول في صحيح مسلم لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا
بد متمنيا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي. قوله: (ولا
بأس بلبس الصبي) الأولى التعبير بالإلباس مصدر المزيد وأن يقول: وكذا لبس البالغ. قوله: (ونازعه
ابن وهبان إلخ) وقال أيضا: فإن الأدلة تعارضت في جواز لبسه اه‍. لكن رده ابن الشحنة بأنه
سفساف من القول لا نعلم له دليلا، ورد في النهي عن لبس شئ منها اه‍.
أقول: قد يقال: إن قوله تعالى: * (وتستخرجون حلية تلبسونها) * (فاطر: 12) أي اللؤلؤ والمرجان يفيد الجواز، وكذا قوله تعالى: * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * (البقرة: 29) وأما النهي فمن حيث إن
فيه تشبيها بالنساء فإنه من حليهن، وقد أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وقال: صحيح
على شرط مسلم لعن رسول الله (ص) الرجل يلبس لبسة المرأة تلبس لبسة الرجل لكن يدخل
في هذا اللؤلؤ أيضا بالأولى، لان تحليهن به أكثر من بقية الأحجار فالتفرقة غير مناسبة. تأمل. قوله:
(وجزم في الجوهرة بحرمة اللؤلؤ) وكذا في السراج، وعلله بأنه من حلي النساء. قوله: (وحمل المصنف
إلخ) ذكره في فصل اللبس أخذا من قول الزيلعي، ثم قيل على قياس قوله: لا بأس للرجال بلبس
اللؤلؤ الخالص. قوله: (على قولهما) أي من أن لبس عقد اللؤلؤ ليس حلي، وهو ما مشى عليه
أصحاب المتون في كتاب الايمان، فلو حلف لا يلبس حليا فلبس ذلك يحنث للعرف. قوله: (وعليه)
أي كون المرجح قولهما، وأقول في اعتماد الحرمة بناء على ذلك نظر، لان ترجيح قولهما بكونه
حليا، لان الايمان مبنية على العرف، وكون العرف يعده حليا يفيد الحنث في حلفه لا يلبس حليا،
ولا يفيد أنه يحرم لبسه على الرجال، إذ ليس كل حلي حراما على الرجال بدليل حل الخاتم والعلم
والثوب المنسوج بالذهب أربعة أصابع وحلية السيف والمنطقة. نعم التعليل الآتي بأنه من حلي النساء
ظاهر في إفادة الحرمة لما فيه من التشبه بهن كما قدمناه. فتأمل. قوله: (الخلخال) كبلبال ويسمى خلخلا
ويضم. قاموس. قوله: (للصبي) أي الذكر لأنه من زينة النساء ط. قوله: (والطفل) ظاهره أن المراد به
الذكر، مع أن ثقب الاذن لتعليق القرط وهو من زينة النساء فلا يحل للذكور، والذي في عامة الكتب
وقدمناه عن التاترخانية: لا بأس بثقب أذن الطفل من البنات، وزاد في الحاوي القدسي: ولا يجوز
ثقب آذان البنين، فالصواب إسقاط الواو. قوله: (لم أره) قلت: إن كان مما يتزين النساء به كما هو
في بعض البلاد هو فيها كثقب القرط اه‍ ط. وقد نص الشافعية على جوازه. مدني. قوله: (ويكره للذكر
والأنثى إلخ) قدمنا عن الخانية ما هو أعم من ذلك، وهو أن النساء فيما سوى الحلي من الاكل
741

والشرب والادهان من الذهب والفضة والعقود بمنزلة الرجال. قوله: (ثم قال إلخ) تقدم الكلام عليه
مستوفى قبل فصل اللبس. قوله: (وثفر) بالثاء المثلثة والفاء محركا وهو من السرج ما يجعل تحت ذنب
الدابة اه‍. مغرب. وقد يسكن. قاموس. قوله: (جارية لزيد) أي يعلم عمرو أنها لزيد أو أخبره بكر
بذلك. قوله: (إن أكبر رأيه صدقه إلخ) أكبر اسم كان المحذوفة وصدقه بالنصب خبرها، وهذا التفصيل
إذا كان المخبر غير ثقة كما يعلم من الهداية وغيرها وإنما قبل لان عدالة المخبر في المعاملات غير
لازمة للحاجة كما مر، وأكبر الرأي يقام مقام اليقين. قوله: (ولو لم يخبره إلخ) أي ولم يعرف الشاري
ذلك. قال في الهداية: فإن كان عرفها للأول لم يشترها حتى يعلم انتقالها إلى ملك الثاني اه‍. زاد
الزيلعي: أو أنه وكله. قوله: (فلا بأس بشرائه منه) وإن كان فاسقا، لان اليد دليل الملك، ولا معتبر
بأكبر الرأي عند وجود الدليل الظاهر، إلا أن يكون مثله لا يملك مثل ذلك، فحينئذ يستحب له أن
يتنزه، ومع ذلك لو اشتراها صح لاعتماده الدليل الشرعي، ولو البائع عبدا لم يشترها حتى يسأل، لان
المملوك لا ملك له، فإن أخبره بالاذن: فإن كان ثقة قبل وإلا يعتبر أكبر الرأي، وإن كان لا رأي له لا
يشترها لقيام المانع فلا بد من دليل. هداية أو غيرها. قوله: (وتمامه في الخانية) وكذا في الهداية في
فصل البيع من هذا الكتاب. قوله: (وإن بأمر بمستنكر) كما إذا تزوجت رجلا ثم قالت لرجل آخر:
كان نكاحي فاسدا أو كان الزوج على غير الاسلام لا يسع الثاني أن يقيل قولها ولا أن يتزوجها لأنها
أخبرت بأمر مستنكر، وكما إذا قالت المطلقة ثلاثا لزوجها الأول حللت لك، فإنه لا يحل له أن
يتزوجها ما لم يستفسرها، فإن العلماء اختلفوا في حلها له بمجرد نكاح الثاني، فقال بعضهم: تحل
له، فلعلها اعتمدت هذا القول فلا بد من الاستفسار. وتمامه في الفتح. قوله: (كتب إلخ) مثل الكتابة
السؤال بالقول، ومثل الشافعي غيره من أصحاب المذاهب ط. قوله: (يكتب جواب أبي حنيفة) هذا
بناء على ما قالوا: إنه يجب اعتقاد أن مذهبه صواب يحتمل الخطأ ومذهب غير بخلاف ذلك، وهذا
مبني على أنه لا يجوز تقليد المفضول مع وجود الأفضل، والحق جوازه، وهذا الاعتقاد إنما هو في
حق المجتهد لا في حق التابع المقلد، فإن المقلد ينجو بتقليد واحد منهم في الفروع ولا يجب عليه
الترجيح اه‍ ط. ومثله في خلاصة التحقيق في بيان حكم التقليد والتلفيق للأستاذ عبد الغني النابلسي
قدس الله سره. قوله: (وإذا كتب المفتي يدين) أي كتب هذا اللفظ بأن سئل مثلا عمن حلف واستثنى
742

ولم يسمع أحدا يجيب بأنه يدين: أي لا يحنث فيما بينه وبين ربه، ولكن يكتب بعده ولا يصدق
قضاء لان القضاء تابع للفتوى في زماننا لجهل القضاة فربما ظن القاضي أنه يصدق قضاء أيضا. قوله:
(الترجيع بالقرآن والاذان إلخ) الأولى التلحين: أي التغني، لان الترجيع في اللغة الترديد. قال في
المغرب: ومنه الترجيع في الاذان لأنه يأتي بالشهادتين خافضا بهما صوته، ثم يرجعهما رافعا بهما
صوته اه‍.
وفي الذخيرة: وإن كانت الألحان لا تغير الكلمة عن وضعهما، ولا تؤدي إلى تطويل الحروف
التي حصل التغني بها حتى يصير الحرف حرفين، بل لتحسين الصوت وتزين القراءة لا يوجب فساد
الصلاة، وذلك مستحب عندنا في الصلاة وخارجها، وإن كان يغير الكلمة من موضعها يفسد الصلاة
لأنه منهي، وإنما يجوز إدخال المد في حروف المدة واللين والهوائية والمعتل اه‍. وورد في تحسين القراءة
بالصوت أحاديث منها: ما رواه الحاكم وغيره عن جابر رضي الله تعالى عنه بلفظ حسنوا القرآن
بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا. قوله: (وإن زاد) بأن أخرج الكلمة عن معناها
كره: أي حرم. قوله: (يخشى عليه الكفر) لأنه جعل الحرام المجمع عليه حسنا ط. ولعله لم يكفر جزما
لان تحسينه ذلك ليس من حيث كونه أخرج القرآن عن وضعه، بل من حيث تنغيمه وتطريبه. تأمل.
ويقرب من هذا ما يقال في زماننا لمن يغني للناس الغناء المحرم: بارك الله طيب الله الأنفاس، فإن
قصد الثناء عليه والدعاء له لسكوته فحسن، وإن لغنائه فهو معصية أخرى مع السماع يخشى منها
ذلك، فليتنبه لذلك. قوله: (ونيل دنيا أو مال أو قبول) عبارة الحاوي القدسي: نحو المال أو القبول،
وهي كذلك في المنح. قوله: (وشاذة) هي ما فوق العشر ط. قوله: (دفعه) وأولى بالكراهة الاقتصار على
الشاذة، وتقدم أنها لا تجزئ في الصلاة ولا تفسدها ط. قوله: (كما في الحاوي القدسي) أي من قوله
الترجيع بالقرآن إلى هنا. قوله: (خضاب شعره ولحيته) لا يديه ورجليه فإنه مكروه للتشبه بالنساء. قوله:
(والأصح أنه عليه الصلاة والسلام لم يفعله) لأنه لم يحتج إليه، لأنه توفي ولم يبلغ شيبه عشرين شعرة
في رأسه ولحيته، بل كان سبع عشرة كما في البخاري وغيره. وورد: أن أبا بكر رضي الله عنه
خضب بالحناء والكتم. مدني. قوله: (ويكره بالسواد) أي لغير الحرب. قال في الذخيرة: أما الخضاب
بالسواد للغزو ليكون أهيب في عين العدو فهو محمود بالاتفاق، وإن ليزين نفسه للنساء فمكروه،
وعليه عامة المشايخ، وبعضهم جوزه بلا كراهة. روي عن أبي يوسف أنه قال: كما يعجبني أن تتزين
743

لي يعجبها أن أتزين لها. قوله: (الكتب إلخ) هذه المسائل من هنا إلى النظم كلها مأخوذة من المجتبى كما
يأتي العزو إليه. قوله: (كما في الأنبياء) كذا في غالب النسخ وفي بعضها كما في الأشباه، لكن عبارة
المجتبى: والدفن أحسن كما في الأنبياء والأولياء إذا ماتوا، وكذا جميع الكتب إذا بليت وخرجت عن
الانتفاع بها اه‍: يعني أن الدفن ليس فيه إخلال بالتعظيم، لان أفضل الناس يدفنون. وفي الذخيرة:
المصحف إذا صار خلقا وتعذر القراءة منه لا يحرق بالنار، إليه أشار محمد وبه نأخذ، ولا يكره دفنه،
وينبغي أن يلف بخرقة طاهرة، ويلحد له، لأنه لو شق ودفن يحتاج إلى إهالة التراب عليه وفي ذلك
نوع تحقير، إلا إذا جعل فوقه سقف، وإن شاء غسله بالماء أو وضعه في موضع طاهر لا تصل إليه يد
محدث ولا غبار ولا قذر تعظيما لكلام الله عز وجل اه‍. قوله: (القصص) بفتحتين مصدر قص. قوله:
(يعني في أصله) أي بأن يزيد على أصل الكلام أشياء من عنده غير ثابتة، أو ينقص ما يخرج المنقول
الثابت عن معناه. قوله: (فمن تمكن إلخ) أطلقه فشمل ما لو تحمل غيره نائبته. وفي القنية: توجه على
جماعة جباية بغير حق: فلبعضهم دفعه عن نفسه إذا لم يحمل حصته على الباقين، وإلا فالأولى أن لا
يدفعها عن نفسه. قال رضي الله عنه: وفي إشكال لان إعطاءه إعانة للظالم على ظلمه. ثم ذكر
السرخسي مشاركة جرير وولده مع سائر الناس في دفع النائبة بعد الدفع عنه، ثم قال: هذا كان في
ذلك الزمن لأنه إعانة على الطاعة، وأكثر النوائب في زماننا بطريق الظلم، فمن تمكن من دفعه عن
نفسه فهو يخير له اه‍ ما في القنية. قوله: (وجوزه الشافعي) قدمنا في كتاب الحجر: أن عدم الجواز كان
في زمانهم، أما اليوم فالفتوى على الجواز. قوله: (وهو الأوسع) لتعينه طريقا لاستيفاء حقه
، فينتقل حقه من الصورة إلى المالية كما في الغصب والاتلاف. مجتبى. وفيه: وجد دنانير مديونه وله عليه دراهم،
فله أن يأخذه لاتحادهما جنسا في الثمنية اه‍. قوله: (لأنه تمليك له من الآباء) والدليل عليه أنهم لا
يتأملون منه أن يرد الزائد على ما يشتري به مع علمهم غالبا، بأن ما يأخذه يزيد، والحاصل أن العادة
محكمة، فافهم. قوله: (لا بأس بوطئ المنكوحة إلخ) نقله في المجتبى عن بعض المشايخ، ونقل في
الهندية أنه يكره عند محمد. قوله: (تصدق به) أي بعد التعريف إن احتاج إليه. قوله: (لا بأس بالجماع
744

في بيت فيه مصحف للبلوى) قيده في القنية بكونه مستورا وإن حمل ما فيها على الأولوية زال التنافي
ط. قوله: (للحديث) وهو لعن الله الفروج على السروج ذخيرة. لكن نقل المدني عن أبي الطيب أنه لا
أصل له اه‍: يعني بهذا اللفظ، وإلا فمعناه ثابت، ففي البخاري وغيره لعن رسول الله (ص) المتشبهين
من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء ه بالرجال وللطبراني أن امرأة مرت على رسول الله (ص)
متقلدة قوسا، فقال: لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء. قوله:
(ولو لحاجة غزو إلخ) أي بشرط أن تكون متسترة وأن تكون مع زوج أو محرم. قوله: (أو مقصد ديني)
كسفر لصلة رحم ط. قوله: (تغنى بالقرآن إلخ) مكرر مع ما تقدم. قوله: (وتستحب إلخ) كذا ذكر في
المجتبى المسألة الأولى، ثم ذكر هذه رامزا لبعض المشايخ، فالظاهر أنهما قولان، فإن الأولى تفيد
استحباب الذكر دون القراءة، وهو الذي تقدم في كتاب الصلاة واقتصر عليه في القنية حيث قال:
الصلاة على النبي (ص) والدعاء والتسبيح أفضل من قراءة القرآن في الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها.
قوله: (لا بأس للامام) أي والمقتدين. قوله: (عقب الصلاة) أي صلاة الغداة. قال في القنية: إمام يعتاد
كل غداة مع جماعته قراءة آية الكرسي وآخر البقرة. وشهد الله. ونحوها جهرا لا بأس به، والاخفاء
أفضل اه‍. وتقدم في الصلاة أن قراءة آية الكرسي والمعوذات والتسبيحات مستحبة، وأنه يكره تأخير
السنة إلا بقدر اللهم أنت السلام إلخ. قوله: (قال أستاذنا) هو البديع شيخ صاحب المجتبى، واختار
الامام جلال الدين: إن كانت الصلاة بعدها سنة يكره وإلا فلا اه‍. ط عن الهندية. قوله: (لا تملك
بالقبض) فله الرجوع بها، وذكر في المجتبى بعد هذا: ولو دفع الرشوة بغير طلب المرتشي فليس له أن
يرجع قضاء، ويجب على المرتشي ردها، وكذا العالم إذا أهدي إليه ليشفع أو يدفع ظلما رشوة. ثم قال
بعد هذا: سعى له عند السلطان وأتم أمره لا بأس بقبول هديته بعد، وقبله بطلبه سحت، وبدون
مختلف فيه، ومشايخنا على أنه لا بأس به. وفي قبول الهدية من التلامذة اختلاف المشايخ ط. قوله: (إذا
خاف على دينه) عبارة المجتبى: لمن يخاف. وفيه أيضا: دفع المال للسلطان الجائر لدفع الظلم عن نفسه
وماله ولاستخراج حق له ليس برشوة: يعتى في حق الدافع اه‍. قوله: (كان يعطي الشعراء) فقد روى
الخطابي في الغريب عن عكرمة مرسلا قال: أتى شاعر النبي (ص) فقال: يا بلال اقطع لسانه عني،
745

فأعطاه أربعين درهما. قوله: (جمع أهل المحلة) أي شيئا من القوت أو الدراهم ط. قوله: (فحسن) أي
إن فعلوا فهم حسن، ولا يسمى أجرة كما في الخلاصة، والظاهر أن هذا من تعريفات المتقدمين
المانعين أخذ الأجرة على الإمامة وغيرها من الطاعات لتظهر ثمرة التنصيص عليه، وإلا فمجازاة
الاحسان بالاحسان مطلوبة لكل أحد. تأمل. قوله: (ومن السحت) بالضم وبضمتين: الحرام أو ما
خبث من المكاسب فلزم عنه العار، جمعه أسحات، وأسحت: اكتسبه. قاموس. ومن السحت: ما
يأخذه الصهر من الختن بسبب بنته بطيب نفسه حتى لو كان بطلبه يرجع الختن به. مجتبى. قوله: (وما
يأخذه غاز لغزو) من أهل البلدة جبرا فهو حرام عليه لا على الدافع ط. قوله: (وشاعر لشعر) لأنه إنما
يدفع له عادة قطعا للسانه كما مر، فلو كان ممن يؤمن شره، فالظاهر إنما يدفع له حلال بدليل دفعه
عليه الصلاة والسلام بردته لكعب لما امتدحه بقصيدته المشهورة. تأمل. قوله: (ومسخرة وحكواتي)
عبارة المجتبى أو المضحك للناس أو يسخر منهم أو يحدث الناس بمغازي رسول الله (ص) وأصحابه، لا
سيما بأحاديث العجم مثل رستم واسبنديار ونحوهما اه‍. تأمل وانظر هل النسبة في حكواتي عربية.
قوله: (لهو الحديث) أي ما يلهي عما يعني كالأحاديث التي لا أصل لها والأساطير التي لا اعتبار لها
والمضاحك وفضول الكلام، والإضافة على معنى من نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة، كان يتجر
فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم ويحدث بها قريشا، ويقول: إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود،
وأنا أحدثكم بأحاديث رستم وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن، فأنزل الله
تعالى هذه الآية اه‍ ط. قوله: (المعازف) أي الملاهي. قوله: (وكاهن) المراد به هنا المنجم، وإلا ففي
المغرب قالوا: إن الكهانة كانت في العرب قبل البعثة.
يروى أن الشياطين كانت تسترق السمع، فتلقيه إلى الكهنة فتزيد فيه ما تريد وتقبله الكفار
منهم، فلما بعث عليه الصلاة والسلام وحرست السماء بطلت الكهانة اه‍. قوله: (وفروعه كثيرة) منها
كما في المجتبى ما تأخذه المغنية على الغناء والنائحة والواشرة والمتوسطة لعقد النكاح والمصلح بين
المتشاحنين وثمن الخمر والسكر وعسب التيس وثمن جميع جلود الميتة والسباع قبل الدباغ
ومهر البغي وأجر الحجام بشرط اه‍. لكن في المواهب: ويحرم على المغني والنائحة والقوال أخذ المال
المشروط دون غيره اه‍. وكذا صاحب الطبل والزمار كما قدمناه عن الهندية. قوله: (جاز له الرد) قال
تعالى: * (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) * (الشورى: 41). قوله: (وتركه أفضل) قال
تعالى: * (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) * (الشورى: 40). قوله: (حتى أنظر) مفعول القول ط. قوله:
(فإنه نفاق) أي من عمل المنافقين: أي ليظهر أنه يخفي عمله ط. قوله: (أو حمق) أي جهالة، والأولى أن
يقول: إن كان صائما نعم فإن الصوم لا يدخله الرياء، وهو أحد ما حمل عليه الحديث القدسي
الصوم لي وأنا أجزي به ط. قوله: (من له أطفال إلخ) قال في نور العين عن مجمع الفتاوى: لو الورثة
746

صغارا فترك الوصية أفضل، وكذا لو كانوا بالغين فقراء ولا يستغنون بالثلثين، وإن كانوا أغنياء أو
يستغنون بالثلثين فالوصية أولى، وقدر الاستغناء عن أبي حنيفة إذا ترك لكل واحد أربعة آلاف درهم دون
الوصية، وعن الامام الفضلي عشرة آلاف اه‍. قوله: (ومن صلى أو تصدق إلخ) اعلم أن إخلاص العبادة
لله تعالى واجب والرياء فيها، وهو أن يريد بها غير وجه الله تعالى حرام بالاجماع للنصوص القطعية، وقد
سمى عليه الصلاة والسلام الرياء: الشرك الأصغر. وقد صرح الزيلعي بأن المصلي يحتاج إلى نية
الاخلاص فيها وفي المعراج: أمرنا بالعبادة ولا وجود لها بدون الاخلاص المأمور به، والاخلاص جعل
أفعاله لله تعالى وذا لا يكون إلا بالنية اه‍. وقال العلامة العيني في شرح البخاري: الاخلاص في الطاعة
ترك الريا ومعدنه القلب اه‍. وهذه النية لتحصيل الثواب لا لصحة العمل، لان الصحة تتعلق بالشرائط
والأركان، والنية التي هي شرط لصحة الصلاة مثلا: أن يعلم بقلبه أي صلاة يصلي.
قال في مختارات النوازل: وأما الثوب فيتعلق بصحة عزيمته وهو الاخلاص، فإن من توضأ
بماء نجس ولم يعلم به حتى صلى لم تجز صلاته في الحكم فلقد شرطه، ولكن يستحق الثواب لصحة
عزيمته وعدم تقصيره اه‍.
فعلم أنه لا تلازم بين الثواب والصحة، فقد يوجد الثواب بدون الصحة كما ذكر، وبالعكس
كما في الوضوء بلا نية فإنه صحيح، ولا ثواب فيه، وكذا لو صلى مرائيا، لكن الرياء تارة يكون في
أصل العبادة، وتارة يكون في وصفها، والأول هو الرياء الكامل المحيط للثواب من أصله كما إذا صلى
لأجل الناس، ولولاهم ما صلى، وأما لو عرض له في ذلك في أثنائها فهو لغو، لأنه لم يصل
لأجلهم، بل صلاته كانت خالصة لله تعالى، والجزء الذي عرض له فيه الراء بعض تلك الصلاة
الخالصة، نعم إن زاد في تحسينها بعد ذلك رجع إلى القسم الثاني، فيسقط ثواب التحسين، بدليل ما
روي عن الامام فيمن أطال الركوع لادراك الجائي لا للقربة حيث قال: أخاف عليه أمرا عظيما: أي
الشرك الخفي كما قاله بعض المحققين.
قال في التاترخانية: لو افتتح خالصا لله تعالى، ثم دخل في قلبه الرياء فهو على ما افتتح،
والرياء أنه لو خلا عن الناس لا يصلي، ولو كان مع الناس يصلي، فأما إن كان مع الناس يحسنها، ولو
صلى وحده لا يحسن فله ثواب أصل الصلاة دون الاحسان، ولا يدخل الرياء في الصوم. وفي الينابيع
قال إبراهيم بن يوسف: لو صلى رياء فلا أجر له وعليه الوزر. وقال بعضهم: لا أجر له ولا وزر
عليه، وهو كأنه لم يصل اه‍. ولعله لم يدخل في الصوم لأنه لا يرى، إذ هو إمساك خاص لا فعل
فيه. نعم قد يدخل في إخباره وتحدثه به. تأمل. واستدل له في الواقعات بقوله عليه الصلاة والسلام:
يقول الله تعالى الصوم لي وأنا أجزي به ففي شركة الغير، وهذا لم يذكر في حق سائر الطاعات اه‍.
ثم اعلم أن من الرياء التلاوة ونحوها بالأجرة، لأنه أريد بها غير وجه الله تعالى وهو المال، ولذا
قالوا: إنه لا ثواب بها لا للقارئ ولا للميت، والآخذ والمعطي آثمان. وقالوا أيضا: إن من نوى الحج
والتجارة لا ثواب له إن كانت نية التجارة غالبة أو مساوية. وفي الذخيرة إذا سعى لإقامة الجمعة
وحوائج له في المصر فإن معظم مقصوده الأول فله ثواب السعي إلى الجمعة وإن الثاني فلا اه‍. أي وإن
تساويا تساقطا كما يعلم مما مر، واختار هذا التفصيل الامام الغزالي أيضا وغيره من الشافعية، واختار
منهم العز بن عبد السلام عدم الثواب مطلقا. قوله: (لا يعاقب بتلك الصلاة ولا يثاب بها) هو معنى ما
747

نقله في الينابيع عن بعضهم، وليس المراد أنه لا يعاقب على رياء لأنه حرام من الكبائر فيأثم به، وعليه
يحمل ما مر عن إبراهيم بن يوسف من أنه لا أجر وعليه الوزر، وإنما المراد أنه لا يعاقب على تلك الصلاة
عقاب تاركها لأنها صحيحة مسقطة للفرض كما قدمناه. قال في البزازية: ولا رياء في الفرائض في حق
سقوط الواجب. قال في الأشباه: أفاد أن الفرائض مع الرياء صحيحة مسقطة للواجب اه‍.
وفي مختارات النوازل لصاحب الهداية: وإذا صلى رياء وسمعة تجوز صلاته في الحكم لوجود
الشرائط والأركان ولكن لا يستحق الثواب اه‍. أي ثواب المضاعفة قال في الذخيرة: قال الفقيه أبو
الليث في النوازل: قال بعض مشايخنا: الرياء لا يدخل في شئ من الفرائض، وهذا هو المذهب
المستقيم: إن الرياء لا يفوت أصل الثواب وإنما يفوت تضاعف الثواب اه‍. وفيه مخالفة لما قدمناه من
أن الثواب يتعلق بصحة العزيمة، إلا أن يحمل على هذا، أو يحمل ما هنا على أن المراد من أصل الثواب
سقوط الفرض بتلك الصلاة وعدم العقاب عليها عقاب تاركها، وبه يظهر فائدة التحصيص بالفرائض،
فليتأمل. قوله: (وعممه الزاهدي للنوافل) أي جعله عاما في أنواع العبادات النوافل فقط دون الفرائض
وليس المراد أنه عممه في النوافل والفرائض كما هو المتبادر من العبارة، وإلا لم يصح التعليل الذي
بعده، فكان الأظهر أن يقول: وخصصه الزاهدي بالنوافل، وعبارة الزاهدي في المجتبى. ولكن نص
في الواقعات: أن الرياء لا يدخل في الفرائض فتعين النوافل اه‍.
ثم اعلم أن ما ذكره الزاهدي لا ينافي ما قبله، لان المراد مما قبله كما قررناه أن الصلاة صحيحة
مسقطة للواجب لا يؤثر الرياء في بطلانها، بل في إعدام ثوابها، وتخصيص الزاهدي النوافل معناه فيما
يظهر أن الرياء يحبط ثوابها أصلا كأنه لم يصلها، فإذا صلى سنة الظهر مثلا رياء لأجل الناس، ولولاهم
لم يصلها لا يقال: إنه أتى بها فيكون في حكم تاركها، بخلاف الفرض فإنه ليس في حكم تاركه حتى
لا يعاقب تاركه، والفرق أن المقصود من النوافل الثواب لتكميل الفرائض وسد خللها، هذا ما
ظهر لفهمي القاصر والله تعالى أعلم. قوله: (يكره) لما في من التشبيه بالنساء، وقد لعن عليه الصلاة
والسلام المتشبهين والمتشبهات كما قدمناه. قوله: (يكره للمرأة إلخ) تقدمت المسألة في الطهارة في بحث
الأسئار والعلة فيه، كما ذكره في المنح هناك أن الرجل يصير مستعملا لجزء من أجزاء الأجنبية وهو
ريقها المختلط بالماء، وبالعكس فيما لو شربت سؤره وهو لا يجوز اه‍. وقدمنا الكلام عليه هناك
فراجعه. وقال الرملي: يجب تقييده بغير الزوجة والمحارم. قوله: (وله ضرب زوجته على ترك الصلاة)
وكذا على تركها الزينة وغسل الجنابة، وعلى خروجها من المنزل وترك الإجابة إلى فراشه، ومر تمامه في
التعزيز، وأن الضابط أن كل معصية لا حد فيها فللزوج والمولى التعزيز، وأن للولي ضرب ابن عشر
على الصلاة ويلحق به الزوج، وأن له إكراه طفله على تعليم قرآن (1) وأدب وعلم، وله ضرب اليتيم

(1) قوله: (تعليم القرآن) المراد التعلم ا ه‍.
748

فيما يضرب ولده. قوله: (على الأظهر) ومشى عليه في الكنز والملتقى، وفي رواية: ليس له ذلك،
وعليه مشى المصنف في التعزيز تبعا للدرر. قوله: (لا يجب على الزوج تطليق الفاجرة) ولا عليها تسريح
الفاجر إلا إذا خافا أن لا يقيما حدود الله فلا بأس أن يتفرقا اه‍. الولوالجية مجتبى. والفجور يعم الزنا وغيره،
وقد قال (ص) لمن زوجته لا ترد يد لامس وقد قال: إني أحبها استمتع بها اه‍ ط. قوله: (لا يجوز
الوضوء من الحياض المعدة للشرب) ولا يمنع جواز التيمم إلا أن يكون الماء كثيرا، فيستدل بكثرته على
أنه وضع للشرب والوضوء جميعا اه‍. بحر عن المحيط وغيره. قوله: (في الصحيح) وعن ابن الفضل
أنه يجوز التوضي منه والموضوع للوضوء لا يباح منه الشرب. بحر. قوله: (ويمنع من الوضوء منه وفيه)
وإنما أتى به لدفع توهم أنه لو توضأ فيه يجوز لأنه غير مضيع، ولكن كان يكفيه أن يقول ولو فيه ط.
قوله: (وحمله) مبتدأ خبره الجملة الشرطية ط. قوله: (الكذب مباح لاحياء حقه) كالشفيع يعلم بالبيع
بالليل، فإذا أصبح يشهد ويقول: علمت الآن، وكذا الصغيرة تبلغ في الليل وتختار نفسها من الزوج
وتقول: رأيت الدم الآن.
واعلم أن الكذب قد يباح وقد يجب، والضابط فيه كما في تبيين المحارم وغيره عن الاحياء أن
كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا، فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل
إليه بالكذب وحده فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود، وواجب إن وجب تحصيله، كما لو رأى
معصوما اختفى من ظالم يريد قتله أو إيذاءه فالكذب هنا واجب، وكذا لو سأله عن وديعة يريد أخذها
يجب إنكارها ومهما كان لا يتم مقصود حرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قلب المجني عليه إلا
بالكذب فيباح، ولو سأله سلطان عن فاحشة وقعت منه سرا كزنا أو شرب فله أن يقول: ما فعلته،
لان إظهارها فاحشة أخرى وله أيضا أن ينكر سر أخيه، وينبغي أن يقابل مفسدة الكذب بالمفسدة
المترتبة على الصدق، فإن كانت مفسدة الصدق أشد، فله الكذب، وإن بالعكس أو شك حرم، وإن
تعلق بنفسه استحب أن لا يكذب، وإن تعلق بغيره لم تجز المسامحة لحق غيره والحزم تركه حيث أبيح.
وليس من الكذب ما اعتيد من المبالغة كجئتك ألف مرة، لان المراد تفهيم المبالغة لا المرات، فإن لم
يكن جاء إلا مرة واحدة فهو كاذب اه‍. ملخصا. ويدل لجواز المبالغة الحديث الصحيح وأما أبو جهم
فلا يضع عصاه عن عاتقه.
قال ابن حجر المكي: ومما يستثني أيضا الكذب في الشعر إذا لم يكن حمله على المبالغة كقوله: أنا
أدعوك ليلا ونهارا، ولا أخلي مجلسا عن شكرك، لان الكاذب يظهر أن الكذب صدق ويروجه، وليس
غرض الشاعر الصدق في شعره وإنا هو صناعة. وقال الشيخان: يعني الرافعي والنووي بعد نقلهما
ذلك عن القفال والصيدلاني، وهذا حسن بالغ اه‍. قوله: (قال) أي صاحب المجتبى وعبارته: قال عليه
الصلاة والسلام: كل كذب مكتوب لا محالة، إلا ثلاثة: الرجل مع امرأته أو ولده، والرجل يصلح
749

بيح اثنين، والحرب فإن الحرب خدعة قال الطحاوي وغيره: هو محمول على المعاريض، لان عين
الكذب حرام.
قلت: وهو الحق، قال تعالى: * (قتل الخراصون) * (الذاريات: 10) وقال عليه الصلاة والسلام:
الكذب مع الفجور وهما في النار ولم يتعين عين الكذب للنجاة وتحصيل المرام اه‍.
قلت: ويؤيده ما ورد عن علي وعمران بن حصين وغيرهما إن في المعاريض لمندوحة عن
الكذب وهو حديث حسن له حكم الرفع كما ذكره الجراحي، وذلك كقوله من دعي لطعام أكلت:
يعني أمس، وكما في قصة الخليل عليه الصلاة والسلام، وحينئذ فالاستثناء في الحديث لما في الثلاثة
من صورة الكذب، وحيث أبيح التعريض لحاجة لا يباح لغيرها لأنه يوهم الكذب، وإن لم يكن اللفظ
كذبا. قال في الاحياء: نعم المعاريض تباح بغرض حقيقي كتطييب قلب الغير بالمزاح كقوله (ص): لا
يدخل الجنة عجوز، وقوله: في عين زوجك بياض وقوله: نحملك على على ولد البعير وما أشبه ذلك.
قوله: (جاز الكذب) بوزن علم مختار: أي بالكسر فالسكون. قال الشارح ابن الشحنة: نقل في
البزازية أنه أراد به المعاريض لا الكذب الخالص. قوله: (وأهل الترضي) ليحترز به عن الوحشة
والخصومة. شارح. كقوله: أنت عندي خير من ضرتك: أي من بعض الجهات، وسأعطيك كذا: أي
إن قدر الله تعالى. قوله: (ويكره في الحمام تغميز) أي تكبيس خادم فوق الإزار إذ ربما يفعله
للشهوة، وهذا لو بلا ضرورة وإلا فلا بأس، والاختيار تركه، ولو الإزار كثيفا ومس ما تحته كما
يفعله الجهلة حرام. شارح. قوله: (فقالوا ينور) أي يطلي بالنور بنفسه دون الخادم في الصحيح، ويكره
لو جنبا. شارح. قوله: (ويفسق معتاد المرور) فلا تقبل له شهادة إذا كان مشهورا به ط. والحيلة لمن
ابتلي به أن ينوي الاعتكاف حال الدخول، ويكفي فيه السكنات فيما بين الخطوات. شرنبلالي. قوله:
(ومن علم الأطفال إلخ) الذي في القنية: أنه يأثم ولا يلزم منه الفسق، ولم ينقل عن أحد القول به،
ويمكن أنه بناء على بالاصرار عليه يفسق. أفاده الشارح.
قلت: بل في التاترخانية عن العيون: جلس معلم أو وراق في المسجد، فإن كان يعلم أو يكتب
بأجر يكره إلا لضرورة. وفي الخلاصة: تعليم الصبيان في المسجد لا بأس به اه‍. لكن استدل في
القنية بقوله عليه الصلاة والسلام: جنبوا مسجدكم صبيانكم ومجانينكم. قوله: (ويوزر) بسكون
الواو بعد الياء مبنيا للمجهول من الوزر وهو الاثم، واسم المفعول موزور بلا همزة. قال في القاموس:
وقوله عليه الصلاة والسلام: ارجعن مأزورات غير مأجورات للازدواج، ولو أفرد لقيل موزورات
اه‍. ولو قال: فيوزر بالفاء لسلم من الاعتراض السابق. قوله: (ومن قام إلخ) قدمنا الكلام عليه قبيل
فصل البيع. قوله: (وفي غير أهل العلم إلخ) قال في القنية: وقيل له أن يقوم بين يدي العالم تعظيما
له، أما في حق غيره لا يجوز اه‍. فهذه مسألة القيام بين يديه وهو غير مسألة القيام يدي العالم لقدومه
تعظيما له، فتنبه لذلك ش. قوله: (وجوز نقل الميت) بتشديد الياء هنا، والبعض فاعل جوز، والمراد
750

قبل الدفن خلافا لما ذكره الناظم من أن فيه خلافا بعد الدفن أيضا ردا على الطرسوسي. قال الشارح:
وما ذكره من الخلاف لم نقف عليه من كلام العلماء، والظاهر أن الصواب مع الطرسوسي اه‍: أي
حيث لم يحك خلافا فيما بعد الدفن. قوله: (مطلقا) أي بعدت المسافة أو قصرت. قوله: (وعن بعضهم
إلخ) قال في البزازية: نقل الميت من بلد إلى بلد قبل الدفن لا يكره، وبعده يحرم، قال السرخسي:
وقبله يكره أيضا إلا قدر ميل أو ميلين. ونقل الكليم الصديق عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام شريعة
متقدمة منسوخة أو رعاية لوصيته عليه السلام وهي لازمة، وقد كان الصديق عليه السلام أوصى به اه‍.
قوله: (وللزوجة التسمين) قال في الخانية: امرأة تأكل الفتيت وأشباه ذلك لأجل التسمين: قال أبو
مطيع: لا بأس به إذا لم تأكل فوق شبعها. قال الطرسوسي في الزوجة: ينبغي أن يندب لها ذلك
وتكون مأجورة. قال الشارح: ولا يعجبني إطلاق إباحته ذلك فضلا عن ندبه، ولعل ذلك محمول على
ما إذا كان الزوج يحب السمن، وإلا ينبغي أن تكون موزورة اه‍. قوله: (لا فوق شبعها) بكسر المعجمة
وإسكان الموحدة. قوله: (ومن ذكرها) متعلق بتحظر بمعنى تمنع، والتعويذ مفعول الذكر، وللحب
متعلق به والذكر يكون باللسان، والمراد ما هو أعم منه ومن الحمل.
قال في الخانية: امرأة تصنع آيات التعويذ ليحبها زوجها بعد ما كان يبغضها: ذكر في الجامع
الصغير أن ذلك حرام ولا يحل اه‍. وذكر ابن وهبان في توجيهه: أنه ضرب من السحر والسحر حرام
اه‍ ط. ومقتضاه أنه ليس مجرد كتابة آيات، بل فيه شئ زائد. قال الزيلعي: وعن ابن مسعود رضي
الله تعالى عنه أنه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: إن الرقي والتمائم والتولة شرك رواه أبو داود
وابن ماجة. والتولة: أي بوزن عنبة ضرب من السحر. قال الأصمعي: هو تحبيب المرأة إلى زوجها.
وعن عروة بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كنا في الجاهلية نرقى، فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في
ذلك؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيها شرك رواه مسلم وأبو داود اه‍.
وتمامه فيه. وقدمنا شيئا من ذلك قبيل فصل النظر، وبه اندفع تنظير ابن الشحنة في كون التعويذ ضربا
من السحر. قوله: (ويكره إلخ) أي مطلقا قبل التصور وبعده على ما اختاره في الخانية كما قدمناه قبيل
الاستبراء وقال: إلا أنها لا تأثم إثم القتل. قوله: (وجاز لعذر) كل مرضعة إذا ظهر بها الحبل وانقطع لبنها
وليس لأبي الآي ما يستأجر به الظئر ويخاف هلاك الولد قالوا: يباح لها أن تعالج في استنزل الدم ما
دام الحمل مضغة أو علقة ولم يخلق له عضو وقدروا تلك المدة بمائة وعشرين يوما، وجاز لأنه ليس
بآدمي وفيه صيانة الآدمي، الخانية. قوله: (حيث لا يتصور) قيد لقوله: وجاز لعذر، والتصور كما في
القنية أن يظهر له شعر أو أصبع أو رجل أو نحو ذلك. قوله: (وإن أسقطت ميتا) بتخفيف ميت: أي
بعلاج أو شرب دواء تتعمد به الاسقاط أما إذا ألقته حيا ثم مات فعلى عاقلتها الدية في ثلاث سنين،
إن كانت لها عاقلة، وإلا ففي مالها وعليها الكفارة ولا ترث منه شيئا ش. قوله: (ففي السقط غرة)
بضم الغين المعجمة وهي خمسمائة درهم تؤخذ في سنة واحدة، ونفاها الطرسوسي وهو وهم كما ذكره
الشارح. قوله: (لوالده) الأولى لوارثه ط. قوله: (من عاقل الام) وإن لم يكن لها عاقلة ففي مالها في سنة
751

ش. قوله: (تحضر) الجملة صفة غرة ط. قوله: (وفي يوم عاشوراء إلخ) هو العاشر من محرم، والكحل
بالفتح مصدر كحل.
واعلم أن الكحل مطلقا سنة سيد المرسلين (ص)، وأما كونه سنة في يوم عاشوراء فقد قيل به،
وإلا أنه لما صار علامة للشيعة وجب تركه، وقيل إنه يكره لان يزيد وابن زياد اكتحلا بدم الحسين
رضي الله عنه، وقيل بالإثمد لتقر عينهما بقتله. ش بالمعنى. قوله: (ولا بأس إلخ) نقل في القنية عن
الوبري أنه لم يرد فيه أثر قوي، ولا بأس به، وربما يثاب. قال الشارح: والذي في حفظي أنه يثاب
بالتوسعة على عياله المندوب إليها في الحديث بقوله: من وسع على عياله في يوم عاشوراء وسع الله
عليه سائر سنته فأخذ الناس منه أن وسعوا باستعمال أنواع من الحبوب، وهو مما يصدق عليه
التوسعة.
وقد رأيت لبعض العلماء كلاما حسنا محصله: أنه لا يقتصر فيه على التوسعة بنوع واحد بل
يعمها في المآكل والملابس وغير ذلك، وأنه أحق من سائر المواسم بما يعمل فيها من التوسعات الغير
المشروعة فيها كالأعياد ونحوها اه‍. قوله: (وبعضهم إلخ) قال في التجنيس والمزيد: لا بأس بالاكتحال
يوم عاشوراء هو المختار، لان رسول الله (ص) كحلته أم سلمة يوم عاشوراء. وفي الخانية: أنه سنة،
وذكر فيها: من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد سنته. قال الشارح: ولم يصح ذلك عن رسول الله (ص)
اه‍.
قلت: والحاصل أنه وردت التوسعة فيه بأسانيد ضعيفة، وصحح بعضها يرتقى بها الحديث إلى
الحسن، وتعقب ابن الجوزي في عدة من الموضوعات. وأما حديث من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء
لم ترمد عينه فقال الحافظ ابن حجر في اللآلئ: إنه منكر، والاكتحال لا يصح فيه أثر وهو بدعة،
وأورده ابن الجوزي في الموضوعات. وقال الحاكم أيضا: لم يرو فيه أثر وهو بدعة ابتدعها قتله
الحسين. وقال ابن رجب: كل ما روي في فصل الاكتحال والإختضاب والاغتسال فموضوع لا
يصح. وتمامه في كشف الخفاء والإلباس للجراحي. وبه يتأيد القول بالكراهة، والله أعلم. والتوسعة
على من وسع مجربة، نقل ذلك المناوي عن جابر وابن عيينة. قوله: (جاز بأمره) أي بالقدر الذي يملكه
السيد ما لم يبلغ به حدا بحسب الجرائم ش. فإن لزمه حد لا يحده إلا بإذن القاضي. قوله: (والأب
يأمر) جملة حالية: أي لا يجوز ضرب ولد الحر بأمر أبيه، أما المعلم فله ضربه لان المأمور يضربه نيابة
عن الأب لمصلحته، والمعلم يضربه بحكم الملك بتمليك أبيه لمصلحة التعليم، وقيده الطرسوسي بأن
يكون بغير آلة جارحة، وبأن لا يزيد على ثلاث ضربات، ورده الناظم بأنه لا وجه له، ويحتاج إلى نقل
وأقره الشارح. قال الشرنبلالي: والنقل في كتاب الصلاة: يضرب الصغير باليد لا بالخشبة، ولا يزيد
على ثلاث ضربات. ونقل الشارح عن الناظم أنه قال: ينبغي أن يستثني من الأحرار القاضي، فإنه لو
أمره بضرب ابنه جاز له أن يضربه، بل لا يجوز له أن لا يقبل اه‍. وقيد الشرنبلالي بكون القاضي
عادلا، وبمشاهدة الحجة الملزمة قال: ولا يعتمد على مجرد أمر القاضي الآن. قوله: (وأثوب أفعل)
752

تفضيل من الثواب، وهو الجزاء والقران منقول حركة الهمزة لضرورة الوزن ش. قال الشرنبلالي:
وليس كذلك، بل هو قراءة عبد الله بن كثير كما ذكره الناظم في شرحه اه‍: أي فهو لغة لا ضرورة.
قوله: (استماعه) لوجوبه وندب القراءة. قوله: (ثواب الطفل للطفل) لقوله تعالى: * (وأن ليس للانسان
إلا ما سعى) * (النجم: 39) وهذا قول عامة مشايخنا. وقال بعضهم: ينتفع المرء بعلم ولده بعد موته لما
روي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه قال: من جملة ما ينتفع به العبد بعد موته أن يترك ولدا
علمه القرآن والعلم فيكون لوالده أجر ذلك من غير أن ينقص من أجر الولد شيئا (1) اه‍. جامع
الصغار للاستروشني. ويؤيده قوله (ص): إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث حموي. وتمام
الحديث صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له وفي الأشباه: وتصح عبادته.
واختلفوا في ثوابها، والمعتمد أنها له، وللمعلم ثواب التعليم، وكذا جميع حسناته اه‍.
أقول: ظاهره أنه قيل: إن ثوابها لوالده فلا منافاة بين المعتمد وبين القول بأنه ينتفع بعلم
ولده، على أن ولد المرء من سعيه، لأنه من خير كسبه كما ورد لكنه يشمل البالغ، والخلاف إنما هو
في الصغير، وهذا يؤيد ما قلنا من أن مقابل المعتمد هو أن الثواب للأب فقط، وأنه لا منافاة بين
القولين السابقين. تأمل. قوله: (ودرسك باقي الذكر) أي تعلمك باقي القرآن عند الفراغ أولى من صلاة
التطوع، وعلله في منية المفتي بأن حفظ القرآن على الأمة اه‍: أي فرض كفاية وصلاة التطوع مندوبة
ط. قوله: (من الصلاة) التاء من الشطر الثاني. قوله: (ودرس العلم) أي المفترض عليك أولى، وانظر من
تعلم باقي القرآن. قال في منية المفتي: لان تعلم جميع القرآن فرض كفاية، وتعلم ما لا بد منه من
الفقه فرض عين، والاشتغال بفرض العين أولى اه‍. وهو يفيد أن تعلم باقي القرآن أفضل من تعلم ما
زاد على قدر الحاجة من علم الفقه ط وفيه نظر لاستوائهما في أن كلا من الزائد منهما فرض كفاية،
بل قدمنا عن الخزانة قبيل بحث الغيبة أن جميع الفقه لا بد منه إلخ فراجعه. ومفاده: أن تعلم الفقه
أفضل. تأمل. ثم رأيت التصريح به في شرح الشرنبلالي وكأنه لان نفعه متعد. تأمل. قوله: (والله
أعلم) مفعول كرهوا، وأسكن الميم للوزن على حكاية الوقف. قوله: (ونحوه) بالنصب عطفا على
محل الله أعلم كأن يقول: وصلى الله على محمد. قوله: (لاعلام ختم الدرس) أما إذا لم يكن إعلاما
بانتهائه لا يكره، لأنه ذكر وتفويض، بخلاف الأول فإنه استعمله آلة للاعلام ونحوه إذا قال الداخل:
يا الله مثلا ليعلم الجلاس بمجيئه ليهيئوا له محلا ويوقروه، وإذا قال الحارس: لا إله إلا الله ونحوه
ليعلم باستيقاظه، فلم يكن المقصود الذكر، أما إذا اجتمع القصدان يعتبر الغالب كما اعتبر في نظائره
اه‍ ط.

(1) قوله: (شيئا) كذا وجد مكتوبا بالألف فان كانت الرواية هكذا فهو مفعول ينقص لأنه يستعمل متعديا كما يستعمل لا
ما قاله نصر الوفاقي.
753

كتاب إحياء الموات الموات
كسحاب وغراب: ما لا روح فيه، أو أرض لا مالك لها. قاموس. وفي المغرب: هو
الأرض الخراب، وخلافه العامر اه‍.
وجعله في المصباح من التسمية بالمصدر، لأنه في الأصل مصدر مثل الموت، وهذا حده
اللغوي، وزيد عليه في الشرح قيود ستذكر. قال في العناية: ومن محاسنه: التسبب للخصب في أقوات الأنام، ومشروعيته: بقوله عليه الصلاة والسلام: من أحيا أرضا ميتة فهي له. وشروطه تذكر
في أثناء الكلام. وسببه: تعلق البقاء المقدر. وحكمه: تملك المحيي ما أحياه. قوله: (لعل مناسبته الخ)
كذا في العناية وغيرها. قوله: (حاسة) نسبة الحس إليها مجاز، فإن الحاس الشخص الحي بها ط. قوله:
(لبطلان الانتفاع به) تشبيها بالحيوان إذا مات لبطلان الانتفاع به. إتقاني. قوله: (وإحياؤه الخ) قال
الإتقاني: المراد بإحياء الموات التسبب للحياة النامية. قوله: (غير منتفع بها) لانقطاع الماء منها أو غلبته
علها أو غلبة الرمال أو كونها سبخة، وخرج به ما لا يستغني المسلمون عنه كأرض الملح ونحوها كما
يأتي. قوله: (وليست بمملوكة الخ) عرف به بالطريق الأولى أن أرض الوقف الموات لا يجوز إحياؤها.
رملي. وكذا السلطانية كما يأتي قريبا. قوله: (فلو مملوكة) أي لمعروف. قوله: (فلو لم يعرف مالكها فهي
لقطة) قال في الملتقى: الموات أرض لا ينتفع بها عادية أو مملوكة في الاسلام، ليس لها مالك معين
مسلم أو ذمي. وعند محمد: إن ملكت في الاسلام لا تكون مواتا ا ه‍. ومثله في الدرر والاصلاح
والقدوري والجوهرة. وقوله: عادية: أي قدم خرابها كأنها خربت في عهد عاد، وبه ظهر أن ما جرى
عليه الشارح تبعا للمنح وشرح المجمع، وهو ظاهر عبارة المتن كالكنز والوقاية هو قول محمد.
وفي الخلاصة: وأراضي بخارى ليست بموات لأنها دخلت في القسمة، فتصرف إلى أقصى
مالك في الاسلام أو ورثته، فإن لم يعلم فالتصرف إلى القاضي. وقال الزيلعي: وجعل: أي
القدوري المملوك في الاسلام إذا لم يعرف مالكه من الموات، لان حكمه كالموات حيث يتصرف فيه
الامام كما يتصرف في الموات، لا لأنه موات حقيقة اه‍. وظاهره عدم الخلاف في الحقيقة تأمل. قوله: (ويضمن) أي زراعها في الهداية. قوله: (بأقصى العامر) أي من طرف الدرر، لا الأراضي العامرة.
قهستاني عن التجنيس. قوله: (جهوري الصوت) أي عالية. قاموس. قوله: مالكها جواب قوله: إذا
أحيا أي ملك رقبة موضع أحياه دون غيره. وعند أبي يوسف: إن أحيا أكثر من النصف كان إحياء
للجميع. در منتقى. وقال محمد: لو الموات في وسط ما أحيا يكون إحياء للكل، ولو في ناحية فلا
تاترخانية. ويجب فيها العشر لان ابتداء توظيف الخراج على المسلم لا يجوز إلا إذا سقاها بماء الخراج.
754

هداية. قوله: (وهو المختار) أي اشتراط البعد المذكور، لأن الظاهر أن ما يكون قريبا من القرية لا
ينقطع ارتفاق أهلها عنه فيدار الحكم عليه. هداية. قوله: (واعتبر محمد الخ) حاصله: إنه أدار الحكم
على حقيقة الانتفاع قرب أو بعد. قوله: (كيف لم يذكر ذلك) أي أنه ظاهر الرواية المفتى به، بل عبر
عنه بقوله وعن محمد، مع تصريحه بأن المختار الأول، وذلك عجيب لما قالوا: إن ما خالف ظاهر
الرواية ليس مذهبا لأصحابنا، ولا سيما إن لفظ به يفتى آكد ألفاظ التصحيح، فافهم. قوله: (إن أذن له
الامام في ذلك) والقاضي في ولايته بمنزلة الامام. تاترخانية عن الناطفي.
وفيها قبيل كتاب الاحياء: سئل السمرقندي في رجل وكل بإحياء الموات هل هو للوكيل كما في
التوكيل بالاحتطاب والاحتشاش، أم للموكل كما في سائر التصرفات؟ قال: إن أذن الامام للموكل
بالاحياء يقع له ا ه‍. قوله: (وقالا يملكها بلا إذنه) مما يتفرع على الخلاف ما لو أمر الامام رجلا أن يعمر
أرضا ميتة على أن ينتفع بها ولا يكون له الملك، فأحياها لم يملكها عنده لان هذا شرط صحيح عند
الامام، وعندهما: يملكها ولا اعتبار لهذا الشرط ا ه‍. ومحل الخلاف: إذا ترك الاستئذان جهلا، أما إذا
تركه تهاونا بالامام كان له أن يستردها زجرا. أفاده المكي: أي اتفاقا ط. وقول الإمام هو المختار،
ولذا قدمه في الخانية والملتقى كعادتهما، وبه أخذ الطحاوي وعليه المتون. بقي هل يكفي الاذن
اللاحق؟ لم أره. قوله: (في الأصح) لأنه ملك رقبتها بالاحياء بدليل التعبير بلام الملك في الحديث المار
فلا تخرج عن ملكه بالترك، وقيل: الثاني أحق بناء على أن الأول ملك استغلالها دون رقبتها. قوله: (من
أربعة نفر) أما لو كان الاحياء جميعه لواحد فله أن يتطرق إلى أرضه من أي جانب ط.
أقول: يشمل ما لو كان الاحياء من ذلك الواحد على التعاقب أيضا، وهل الحكم فيه كذلك
يحتاج إلى نقل؟ والذي يظهر لي من التعليل الآتي أنه كالأربعة، تأمل. قوله: (على التعاقب) فلو معا له
التطرق من أيها شاء. ظهيرية. قوله: (في الأرض الرابعة) القصد الرابع إبطال حقه، لأنه حين سكت
عن الأول والثاني والثالث صار الباقي طريقا له، فإذا أحياه الرابع فقد أحيا طريقه من حيث المعنى،
فيكون له طريق، كفاية وعناية. قوله: (ومن حجر) بالتشديد، ويجوز فيه التخفيف لان المراد فيه منع
الغير من الاحياء، وفي المبسوط: اشتقاق الكلمة من الحجر وهو المنع، لأنه إذا علم في موضع الموات
علامة فكأنه منع من إحياء ذلك فسمي فعله تحجيرا ا ه‍. شلبي عن المجتبى ط. قوله: (من حجر أو
غيره) قال في غاية البيان: ثم الاحتجار يحصل بوضع الحجر على الجوانب الأربعة، وكذا بوضع
755

الشوك والحشيش مع وضع التراب عليه إتمام المسناة، وكذا إذا غرس حول الأرض أغصانا
يابسة أو نقى الأرض من الحشيش أو أحرق ما فيها من الشوك وغير ذلك ا ه‍. أو حفر من البئر ذراعا
أو ذراعين، وفي الأخير ورد الخبر. هداية. قوله: (دفعت إلى غيره) لأنه تحجير وليس بإحياء، حتى لو
أحيتها غيره قبل ثلاث سنين ملكها، لكنه يكره كالسوم على سوم غيره، والتقدير بالثلاث مروي عن
عمر رضي الله عنه، فإنه قال: ليس لمحتجر بعد ثلاث سنين حق. در منتقى، وفي شرح خواهر زادة
لمتحجر: أي بتقديم التاء على الحاء، والأول أصح. مغرب: أي لأنه من الاحتجار. قوله: (وإن لم
يملكها) هو الصحيح كما في الهداية. وقال شيخ الاسلام: إنه يفيد ملكا مؤقتا بثلاث سنين كما في
القهستاني، وعليه فلو أحياها غيره فيها لا يملكها كما في العناية، بخلافه على القول الأول كما قدمناه.
قوله: (ولو كربها الخ) كذا قاله الزيلعي، ثم قال: وذكر في الهداية ولو كربها فسقاها فعن محمد أنه
أحياها، ولو فعل أحدهما يكون تحجيرا، وإن سقاها مع حفر الأنهار كان إحياء لوجود الفعلين، وإن
حوطها وسنمها بحيث يعصم الماء يكون إحياء لأنه من جملة البناء، وكذا إذا بذرها اه‍.
أقول: وذكر شراح الهداية ما ذكره الزيلعي أولا، وكذا جمعوا بين النقلين في الفتاوى، ولم أر
من رجح أحدهما على الآخر. والكراب: قلب الأرض للحرث من باب طلب، والمسناة: ما يبنى
للسيل ليرد الماء. مغرب. قوله: (ولا يجوز الخ) التقييد بالقرب مبني على قول أبي يوسف، وقد مر أن
ظاهر الرواية اعتبار حقيقة الانتفاع قرب أو بعد كما أفاده الإتقاني. قوله: (في جواهر الأرض) الأوضح
بقاع الأرض ط. وفي القاموس: الجوهر: كل حجر يستخرج منه شئ ينتفع به، ومن الشئ ما
وضعت عليه جبلته ا ه‍. قوله: (والآبار) يوجد بعده في بعض النسخ زيادة: ضرب عليها في بعضها،
وسقطت من بعضها أصلا، وهو الأولى.
ونصها: والآبار التي لم تملك بالاستنباط والسعي. وفي المستنبط بالسعي كالماء المحرز في
الظرف، فملك للمحرز والمستنبط. وتمامه في شرح المصابيح في حديث: المسلمون شركاء في ثلاث:
في الماء والكلأ والنار اه‍. فقوله: التي لم تملك الخ مكرر بما بعده، وقوله وفي المستنبط: أي
المستخرج بالحفر، والأوضح أن يقول: أما المستنبط، وقوله: كالماء المحرز، تنظير لا تمثيل ط. وقوله:
فملك للمحرز والمستنبط إن أراد الماء المحرز في ضرف ملك للمحرز وذات البئر ملك للمستنبط
فظاهر وأن أراد ماء البئر قبل إحرازه في ظرف ملك فهو مخالف للمنقول وإن وافق ما بحثه
صاحب البحر في باب البيع الفاسد. ففي الولوالجية: لو نزح ماء بئر رجل بغير إذنه حتى يبست لا
756

شئ عليه، لان صاحب البئر غير مالك للماء، ولو صب ماء رجل كان في الحب يقال له: املأ الماء،
لان صاحب الحب مالك للماء وهو من ذوات الأمثال فيضمن مثله ا ه‍. وسيذكر الشارح أيضا بعد
صفحة أن الماء تحت الأرض لا يملك. قوله: (فلو أقطع) في بعض النسخ قطع بلا همز وهو تحريف.
قوله: (وكف) بالبناء للمجهول كصرف والكاف الامام أو جماعة المسلمين ط. قوله: (المستقرة) أي
الثابتة في ملكه سابقا ط. قوله: (وحريم بئر الناضح) الإضافة فيه وفي بئر العطن لأدنى ملابسة.
قهستاني. قال في المصباح: حريم الشئ: ما حوله من حقوقه ومرافقه، يسمى به لأنه حرم على غير
مالكه. والناضح: بعير ينضح العطن: أي يبله بالماء الذي يحمله، ثم استعمل في كل بعير وإن لم يحمل
الماء اه‍. قوله: (كبئر العطن) أتى بالكاف لأنه متفق عليه. قوله: (والعطن) بفتحتين. قوله: (من كل
جانب) وقيل: من كل الجوانب: أي من كل جانب عشرة أذرع لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: من
حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا عطنا لماشيته. والصحيح الأول، لان المقصود من الحريم دفع
الضرر كي لا يحفر بحريمه أحد بئرا أخرى فيتحول إليها ماء بئره، وهذا الضرر لا يندفع بعشرة أذرع
من كل جانب فإن الأراضي تختلف بالصلابة والرخاوة. عناية. قوله: (وقالا إن للناضح فستون) أي
إن للعطن فأربعون لقوله عليه الصلاة والسلام: حريم العين خمسمائة ذراع، وحريم بئر العطن
أربعون ذراعا، وحريم بئر الناضح ستون ذراعا ولأنه يحتاج فيه إلى أن يسير دابته للاستقاء، وقد
يطول الرشاد، وبئر العطن للاستقاء منه باليد فقلت الحاجة فلا بد من التفاوت. هداية. قال في
التاترخانية: وفي الكبرى: وبه يفتى. قوله: (عن شرح المجمع) ومثله في غرر الأفكار والجوهرة. قوله:
(فوق الأربعين) أي في بئر العطن أو فوق الستين في بئر الناضح، فيكون له إلى ما ينتهي إليه الحبل.
إتقاني عن الطحاوي. وفي التاترخانية عن الينابيع: ولا حاجة إلى الزيادة، ومن احتاج إلى أكثر من
ذلك يزيد عليه، وكان الاعتبار للحاجة لا للتقدير، ولا يكون في المسألة خلاف في المعنى ا ه‍. ونقل
العلامة قاسم في تصحيحه عن مختارات النوازل: أن الصحيح اعتبار قدر الحاجة في البئر من كل جانب.
قوله: (ويفتى بقول الامام) وقدم الافتاء بقولهما أيضا، لكن ظاهر المتون والشروح ترجيح. قوله: فإنهم
قرروا دليله وأيدوه لما لا مزيد عليه وأخر في الهداية دليله، فاقتضى ترجيحه أيضا كما هو عادته،
وذكر ترجيحه العلامة قاسم في تصحيحه. قوله: (وعزاه البرجندي للكافي) وكذا ذكره الولوالجي جازما
به ط. لكن تعبير الهداية والكافي عنه بقيل يفيد ضعفه. قوله: (بإذن الامام) أي عنده، وبدونه عندهما،
757

لان حفر البئر إحياء. هداية. قوله: (لم يكن الحكم كذلك) أي لم يثبت له الحريم الذكور، لتوقف الملك
في الاحياء على الاذن عنده، وبدونه يجعل الحفر تحجيرا كما يأتي. قوله: (وفيه رمز) أي في قولهم في
موات. قوله: (لو حفر في ملك الغير) أي بإباحة للبقعة أو بشرائها أو نحو ذلك. قوله: (فلا حريم
له (1)) أي إلا أن يشترطه، والظاهر أن له الاستقاء باليد لأنه لا ينتفع به إلا بالاستقاء. ويحرر. ثم
رأيت في الهندية: بئر لرجل في دار غيره لم يكن لصاحب البئر حق إلقاء الطين في داره وحفر
البئر. خانية. فالمنع عن الالقاء لا عن الاستقاء فتدبر ط. وانظر ما سيأتي في النهر والحوض. قوله: (أو
انقرضوا) يغني عنه قوله: أو ماتوا. قوله: (لم يجوز إحياؤها) بل هي لقطة، وتقدم الكلام عليها. قوله:
(فلو تركها الماء) لا حاجة إلى نقله للاستغناء عنه بما يأتي في المتن ط. قوله: (من
كل جانب) وقيل: من الجوانب الأربعة نظير ما مر. قوله: (والذراع هو المكسرة) كذا في النسخ تبعا للهداية، والأولى هي
بضمير المؤنث، لان الذراع مؤنثة كما في المغرب، لكن ذكر بعضهم أنها تذكر وتؤنث، ولينظر هل
يجوز اعتبارهما في كلام واحد كما هنا. قوله: (وهو ست قبضات) كل قبضة أربع أصابع، قهستاني،
وهذه تسمى ذراع العامة، وذراع الكرباس، لأنها أقصر من ذراع الملك هي ذراع المساحة كما في غاية
البيان. وفسر الذراع في الحاوي هنا بذراع العرب، فقال: والذراع من المرفق إلى الأنامل ذراع
العرب اه‍. قوله: (سبع قبضات) كذا أطلقه في المغرب وغيره. وقال الإتقاني في غاية البيان: سبع
قبضات مع ارتفاع الابهام في كل مر ا ه‍. وفيه خلاف تقدم في الطهارة، قوله: (فكسر منه قبضة) ولذا
سمي مكسرة. قوله: (فللأول ردمه) أي بلا تضمين، أو تضمينه: أي تضمينه النقصان، ثم يرد منه
بنفسه فتقوم الأرض بلا حفر، ومع الحفر فيضمنه نقصان ما بينهما. إتقاني. قوله: (وتمامه في الدرر)
ونصه: فإن حفر فللأول أن يسده، ولا يضمنه النقصان وأن يأخذه بكبس ما احتفره، لان إزالة جناية
حفره به كما في كناسة يلقيها في دار غيره يؤخذ برفعها، وفيه يضمنه النقصان ثم يكبسه بنفسه كما إذا
هدم جدار غيره، وهذا هو الصحيح ا ه‍. ومثله في الهداية. وفيها: وما عطب في الأولى فلا ضمان
فيه لأنه غير متعد ولو بلا إذن الإمام. أما عندهما فظاهر، وأما عنده فلانه يجعل الحفر تحجيرا وهو
بسبيل منه بلا إذن وإن كان لا يملكه بدونه، وما عطب في الثانية فيه الضمان لتعديه بالحفر في ملك
غيره اه‍. ملخصا. قوله: (في منتهى حريم البئر الأولى) أي في قرب المنتهى، لان نهاية الشئ آخره
كما في القاموس، وآخره بعض منه، أو أراد بالمنتهى ما قرب منه. وعبارة الهداية: وراء حريم الأولى،

(1) قوله: (قوله فلا حريم له) كذا بالأصل، والذي في نسخ الشارح بدله لا يستحق الحريم ا ه‍ مصححه.
758

وعبارة الدرر: في غير حريم الأولى قريبة منه ا ه‍. قوله: (وفيه) أي الزيلعي، وذكر هذه المسألة هنا
في غير محلها، ومحلها ما قدمناه عن الدرر، قوله: (لا ببناء الجدار) قيل: إلا إذا كان جديدا، واستثنى في
الأشباه جدار المسجد فيؤمر بإعادته مطلقا، وحققنا المسألة أول كتاب الغصب بما لا مزيد عليه فراجعه.
قوله: (وللحافر الثاني الخ) قال أبو السعود: يفهم منه أنه لو حفر ثالث كان له الحريم من الجانبين.
حموي عن المقدسي اه‍. قوله: (وعن محمد كالبئر) قال الإتقاني: قال المشايخ: الذي في الأصل: أي من
أن القناة كالبئر قولهما، وعنده لا حريم له لأنها بمنزلة النهر ما لم يظهر ماؤها على وجه الأرض ولا
حريم للنهر عنده، فإن ظهر كالعين الفوارة حريمها خمسمائة ذراع. قوله: (فوضه لرأي الامام) أي
فوض تقدير حريمها لأنه لا نص في الشرع. إتقاني عن الشامل. قوله: (أي لو بإذنه) أي لو كان
الاحياء بإذن الامام لأنه شرط عند الامام، وإلا فلا يملك ما أحيا ولا يستحق له حريما. قوله:
(يغرس) أي بإذن الامام اتفاقا وبغير إذنه عندهما. إتقاني. قوله: (خمسة أذرع) لأنه يحتاج إلى أن يجد ثمره
ويضعه فيه، والتقدير بالخمسة ورد الحديث به كما في الهداية، وذكر الرملي أن مقتضى ما ذكره في
الينابيع في حريم البئر أن الاعتبار للحاجة لا للتقدير أن يكون هنا كذلك، لأنه يختلف الحال بكبر
الشجرة وصغرها. قوله: (دجلة والفرات) أي مثلا فيدخل فيه النيل، وظاهره ولو أخذ من أرض الغير
من الناحية التي جرى فيها، فليس له أن يأخذ من المنزول عنه بمثل ما أخذ من أرضه ط. قوله:
(بالموات) متعلق بيلحق فيجوز إحياؤه، لأنه صار كسائر الأراضي التي لا ينتفع بها وليس لها ملك
معين. قوله: (أو جاز عوده الخ) ينبغي حمله على ما إذا لم يكن لعوده زمان مخصوص لما في الخانية: واد
على شط جيحون يجمع فيه الماء أيام الربيع ثم يذهب، فزرع فيه قوم فأدرك، قال أبو القاسم: الزرع
لصاحب البذور رقبة الوادي لمن علمت لهم، وإلا فلمن أحياها ا ه‍. فمفاده أنه لو كان لعوده زمان
مخصوص يجوز إحياء ذلك الموضع. تأمل. قوله: (والنهر في ملك الغير لا حريم له الخ) قيل: إن هذه
المسألة مبنية على أن من أحيا نهرا في موات لا يستحق له حريما عنده، وعندهما يستحقه. وقال
عامتهم: الصواب أنه يستحقه بالاجماع. إتقاني عن شروح الجامع الصغير. ثم نقل عن المحققين أيضا
أنها ليست مبنية على ذلك، وأن النهر في الموات حريما اتفاقا، ومثله في الاختيار. زاد الإتقاني: وإنما
الخلاف فيما إذا لم يعرف أن المسناة في يد من هي، بأن كانت متصلة بالأرض مساوية لها ولم تكن
أعلى منها اه‍. فلو بينهما فاصل كحائط ونحوه فالمسناة لصاحب النهر بالاجماع. عناية. ولو مشغولة
759

بغرس لأحدهما أو طين ونحوه فهي لصاحب الشغل بالاتفاق. تصحيح قاسم. ومثله في الزيلعي
حيث قال بعد كلام: فينكشف بهذا موضع الخلاف، وهو أن يكون الحريم موازيا للأرض لا فاصل
بينهما، وأن لا يكون الحريم مشغولا بحق أحدهما معنيا معلوما، وإن كان فيه أشجار ولا يدري من
غرسها فهو على هذا الاختلاف اه‍. ومثله في الهداية وغيرها. ومنه ما يأتي عن الكرماني، وهذا كله
يؤيد ما مر من تصحيح الاتفاق على أنه لو في موات فله حريم، وما في الهندية من إجرائه الخلاف في
الموات أيضا فهو مقابل للصحيح، بل محل الخلاف فيما لو كان في ملك الغير كما فرضه المصنف. ثم
في الهداية ولا نزاع فيما به استمساك لإماء، إنما النزاع فيما وراءه مما يصلح للغرس. قوله: (وقالا
الخ) ثمرة الاختلاف أن ولاية الغرس لصاحب الأرض عنده، وعندهما لصاحب النهر، وأما إلقاء
الطين فقيل على الخلاف، وقيل لصاحب النهر ذلك ما لم يفحش وهو الصحيح. وأما المرور فقيل: يمنع
صاحب النهر عنه، وقيل: لا للضرورة وهو الأشبه. قال الفقيه أبو جعفر: آخذ بقوله في الغرس
وبقولهما في إلقاء الطين. كفاية وهداية. قوله: (لمشيه) أي ليجري الماء إذا احتبس. قوله: (ولقي طينه)
كذا في النسخ، والأولى: إلقاء طينه. وفي القاموس: لقاه الشئ: ألقاه إليه، واللقى كفتى ما طرح
جمعه ألقاه ا ه‍. تأمل. قوله: (بقدر عرض النهر) عبارة الهداية وغيرها: بقدر بطنه، والمعنى واحد، لان
النهر اسم للحفرة. قوله: (وقدره) يعني بعد ما اتفقا على أن له مسناة اختلفا في تقديرها. قوله: (معزيا
للكفاية (1)): قال أبو جعفر الهندواني في كشف الغوامض: الاختلاف في نهر كبير لا
يحتاج إلى كربه في كل حين الخ. وقال في العناية بعد نقله لمجموع عبارته: وظاهر كلام المصنف: أي
صاحب الهداية ينافيه. قوله: (له مسناة فارغة) قدمنا محترزه. قوله: (وفيه معزيا للتتمة) قد علمت ما
قدمناه أن تصحيح الاتفاق فيما لو أحياه في أرض موات، وكلامه فيما لو كان في ملك الغير وفيه
الخلاف، وقدمنا بيان موضع الخلاف عن عدة كتب، لكن مفاد كلام المجمع أن الاتفاق فيما لو كان
في ملك الغير، فإنه بعد ما نقل الخلاف فيه قال: وقيل له بالاتفاق ا ه‍. ومثله في درر البحار،
وعليه فالاتفاق جار في الموضعين، تأمل.
خاتمة: بنى قصرا في مفازه لا يستحق حريما، وإن احتاجه لإلقاء الكناسة فيه اتفقا على أن
يخرجا نفقه لحفر بئر على أنه لأحدهما وحريمه لآخر لا يجوز وهما بينهما، وإن على أن يكونا بينهما
نصفين على أن ينفق أحدهما أكثر لم يجز، ولمن أنفق أكثر أن يرجع بنصف الزيادة وإن على أن يحفرا
نهرا لأحدهما وأرضا للآخر لم يجز حتى يكون بينهما، ولمن أنفق أكثر يرجع. تاترخانية ملخصا،
والله تعالى أعلم.

(1) قوله: (قوله معزيا الكفاية) الذي كتب عليه ط الكافي وهو الذي بأيدينا من نسخ الشارح وحرره ا ه‍ مصححه.
760

فصل الشرب
ذكره بعد الموات لاحتياج الموات إليه، فصل بالتنوين مبتدأ خبره ما بعده، أو خبر مبتدأ
محذوف. وفي القاموس: الشرب بالكسر: الماء والحظ منه أو المورد ووقت الشرب، وجعله القهستاني
اسم مصدر. تأمل. قوله: (لغة نصيب الماء) قال الزيلعي: صوابه من الماء اه‍. وقد يجاب بأن الإضافة
على معنى من كخاتم حديد. قال في الدر المنتقى: وإنما خالف دأبه، وذكر المعنى اللغوي دون
الشرعي لئلا يتوهم أنه مراد في هذه المقام، ذكره القهستاني وغيره ا ه‍. قوله: (وشرعا نوبة الانتفاع بالماء)
أي وقته وزمانه وهو معنى لغوي أيضا كما مر، وانظر وما وجه إرادة المعنى الأول هنا دون الثاني مع أنه
يصح إرادة كل منهما فيما يظهر. قوله: (والشفة) بفتحتين والأصل شفه أو شفوفا أبدلت الواو تخفيفا.
قهستاني. قوله: (شرب بني آدم والبهائم) فتكون أخص من الشرب لاختصاصها بالحيوان دون قوله:
(بالشفاه) هذا أصله، والمراد استعمال بني آدم لدفع العطش، أو للطبخ، أو
الوضوء، أو الغسل، أو غسل الثياب ونحوها كما في المبسوط، والمراد به في حق البهائم الاستعمال للعطش ونحوه مما
يناسبها. أفاده القهستاني. قوله: (ولكل) أي من بني آدم والبهائم. قهستاني. قوله: (حقها) أي حق
الشفه، وعبر الحق لأنه ليس ملكا لهم لأنه غير محرز. أفاده القهستاني. قوله: (في كل ماء لم يحرز
) اعلم أن المياه أربعة أنواع. الأول: ماء البحار، ولكل أحد فيها حق الشفه وسقي الأراضي فلا يمنع
من الانتفاع على أي وجه شاء. والثاني: ماء الأودية العظام كسيحون، وللناس فيه حق الشفة مطلقا
وحق سقي الأراضي إن لم يضر بالعامة. والثالث: ما دخل في المقاسم: أي المجاري المملوكة لجماعة
مخصوصة، وفيه حق الشفة. والرابع: المحرز في الأواني ينقطع حق غيره عنه. وتمامه في الهداية.
وحاصله: أن لكل أحد في الأولين حق الشفة والسقي لأرضه، وفي الثالث حق الشفة فقط،
ولا حتى في الرابع لاحد. قوله: (لم يحرز بإناء) الأولى في إناء، فلو أحرزه في جرة أو حب أو حوض
مسجد من نحاس أو صفر أو جص وانقطع جريان الماء فإنه يملكه، وإنما عبر بالاحراز: أي لا الاخذ
إشارة إلى أنه لو ملا الدلو من البئر ولم يبعده من رأسها لم يملكه عند الشيخين، إذ الاحراز جعل
الشئ في موضع حصين، وإلى أنه لو اغترف الماء من حوض الحمام بإناء الحمامي فإنه يبقى على ملك
الحمامي، لكنه أحق به من غيره كما في المنية وغيرها. قهستاني. قوله: (أو حب) بالحاء المهملة هو
الخابية كما يأتي. قال ط: ولا حاجة إليه، فإن الاناء يعمه على ما يلزم عليه من عطف الخاص على
العام بأو اه‍. وفي نسخة بالجيم، وهو تحريف لان الجب: البئر كما في القاموس، والماء في البئر غير
مملوك كما في الهداية وقدمناه ويأتي، لكن فسره بعضهم بالصهريج، فيصح أيضا كما يأتي بيانه. قوله:
(كدجلة) بالكسر والفتح: نهر بغداد. قاموس. قوله: (والفرات) كغراب: نهر في الكوفة. قاموس.
761

قوله: (ونحوهما) كسيحون وهو نهر الترك، وجيحون نهر خوارزم. عناية. قوله: (ولا إحراز) أي في
هذه الأنهار. قوله: (ولكل) أي لكل أحد. قوله: (منها) أي من هذا المياه الغير المملوكة. قوله: (إن لم
يضر بالعامة) فإن أضر بأن يفيض الماء ويفسد حقوق الناس أو ينقطع الماء عن النهر الأعظم أو يمنع
جريان السفن. تاترخانية. فلكل واحد مسلما كان أو ذميا أو مكاتبا منعه. بزازية. وظاهر ما قدمناه
عن الهداية أن هذا في الأنهار، أما في البحر فإنه ينتفع وإن ضر، وبه صرح القهستاني. تأمل. قوله:
(لا سقى دوابه الخ) هذا المصدر يتعلق به قوله الآتي: من نهر غيره وهذا شروع في النوع الثالث من
الأربعة التي قدمناها.
وحاصله: أن له حق الشفة لنفسه فيما دخل في المقاسم المملوكة، وكذا لدوابه إلا إذا خيف تخريب
النهر بكثرتها لا سقي أرضه ونحوه. قال الزيلعي: والشفة إذا كانت تأتي على الماء كله بأن كان جدولا
صغيرا وفيما يرد عليه من المواشي كثرة تقطع الماء، قال بعضهم: لا يمنع، وقال أكثرهم: يمنع للضرر
اه‍. وجزم بالثاني في الملتقى. قوله: (ولا سقى أرضه الخ) اضطر إلى ذلك أو لا، ولا ضمان عليه إن سقى
أرضه أو زرعه من غير إذن، وإن أخذ مرة بعد مرة يؤدبه السلطان بالضرب والحبس إن رأى ذلك. خانية ط.
قوله: (إلا بإذنه) لا الماء متى دخل في المقاسم انقطع شركة الشرب عنه بالكلية. هداية. وفي
الخانية: نهر خاص بقوم ليس لغيرهم أن يسقي بستانه أو أرضه إلا بإذنهم، فإن أذنوا إلا واحدا أو كان
فيهم صبي أو غائب لا يسع الرجل أن يسقي منه زرعه أو أرضه ا ه‍. قوله: (أو خضر) جمع خضرة، وهي
في الأصل لون الأخضر فسمي به ولذا جمع. مغرب. قوله: (زرع) الظاهر أنه فعل ماض مبني للمجهول
صفة لما قبله، وذكر الضمير للعطف بأو، ولان ما قبله من اسم الجنس الجمعي الذي يفرق بينه وبين
واحده بالتاء غالبا والأكثر فيه التذكير نحو: * (إليه يصعد الكلم الطيب) * (فاطر: 10)، * (يحرفون الكلم
عن مواضعه) * (المائدة: 13). قوله: (بجراره) بكسر الجيم جمع جرة: وهو ما يعمل من الخزف ويجمع
أيضا على جرر. قاموس ط. قوله: (في الأصح) كذا في الهداية والتبيين والملتقى وغيرها. قوله: (وقيل:
لا إلا بإذنه) قال في الخانية والوجيز: وهو الأصح فهما قولان مصححان.
فرع: العين أو الحوض الذي دخل فيه الماء بغير إحراز واحتيال فهو بمنزلة النهر الخاص ط.
قوله: (والمحرز في كوز أو حب) مثله المحرز في الصهاريج التي توضع لاحراز الماء في الدور كما
حرره الرملي في فتاواه وحاشيته على البحر، وأفتى به مرارا وقال: إن الأصل قصد الاحراز وعدمه.
ومما صرحوا به لو وضع رجل طستا على سطع فاجتمع فيه ماء المطر فرفعه آخر: إن وضعه الأول لذلك
فهو له، وإلا فللرافع اه‍. ويشهد له ما قدمناه عن القهستاني. قوله: (لا ينتفع به الخ) إذ لا حق فيه
762

لاحدكما قدمناه. قوله: (لملكه بإحرازه) فله بيعه. ملتقى.
تنبيه: في الذخيرة والهندية: عبد أو صبي أو أمة ملا الكوز من الحوض وأراق بعضه فيه، لا
يحل لاحد أن يشرب من ذلك الحوض، لأن الماء الذي في الكوز يصير ملكا للآخذ. فإذا اختلط بالماء
المباح ولا يمكن التمييز لا يحل شربه، ولو أمر صبيا أبوه أو أمه بإتيان الماء من الوادي أو الحوض في
كوز، فجاء به، لا يحل لأبويه أن يشربا من ذلك الماء إذا لم يكونا فقيرين لأن الماء صار ملكه، ولا يحل
لهما الاكل من ماله بغير حاجة. وعن محمد: يحل لهما ولو غنيين للعرف والعادة. حموي عن الدراية،
وفي هذين الفرعين حرج عظيم ط.
أقول: وفي كل منهما إشكال أيضا، أما الأول فلان العبد لا يملك، وإن ملك فيكون لمالكه
لأنه ملك أكسابه، ولأنه لم يبين متى يحل الشرب منه، وهل ثم فرق بين الخوض الجاري أو ما في
حكمه وبين غيره؟ وينبغي أن يعتبر غلبة الظن بأنه لم يبق مما أريق فيه شئ منه بسبب الجريان أو
النضح، وإلا يلزم هجر الحوض، وعدم الانتفاع به أصلا، ويمكن أن يعتبر بالنجاسة فيحل الشرب
من نحو البئر النزح ومن غيرها بالجريان، بحيث لو كان نجاسة لحكم بطهارتها، فليتأمل، وأما الثاني
فلان للأب أن يستخدم ولده. قال في جامع الفصولين: وللأب أن يعير ولده الصغير ليخدم أستاذه
لتعليم الحرفة، وللأب أو الجد أو الوصي استعماله بلا عوض بطريق التهذيب والرياضة ا ه‍. إلا أن
يقال: لا يلزم من ذلك عدم ملكه لذلك الماء المباح وإن يأمره به أبوه، والله تعالى أعلم. قوله: (إذا كان
يجد ماء بقربه) زاد في الهداية: في غير ملك أحد، قال العلامة المقدسي: ولم أر تقدير القرب، وينبغي
تقديره بالميل كما في التيمم. قوله: (ضفته) بالفتح والكسر، كذا في المغرب، وفي الديوان بالكسر:
جانب النهر، وبالفتح: جماعة الناس، إتقاني. قوله: (المسلمون شركاء في ثلاث) أي شركة إباحة لا
شركة ملك، فمن سبق إلى شئ من ذلك في وعاء أو غيره وأحرزه فهو أحق به، وبه ملك له دون
من سواه يجوز له تمليكه بجميع وجوه التمليك، وهو موروث عنه وتحوز فيه وصاياه، وإن أخذه أحد
منه بغير إذنه ضمنه، وما لم يسبق إليه أحد فهو لجماعة المسلمين مباح، ليس لأحد منع من أراد أخذه
للشفة. إتقاني عن الكرخي. قوله: (والكلأ) هو ما ينبسط وينتشر ولا ساق له كالإذخر ونحوه،
والشجر ما له ساق، فعلى هذا الشوك من الشجر لان له ساقا، وبعضهم قالوا: الأخضر، وهو الشوك
اللين الذي يأكله الإبل كلا، والأحمر شجر، وكان أبو جعفر يقول: الأخضر ليس بكلا، وعن محمد
فيه روايتان، ثم الكلام في الكلأ على أوجه: أعمها ما نبت في موضع غير مملوك لاحد، فالناس
شركاء في الرعي والاحتشاش منه كالشركة في ماء البحار وأخص منه، وهو ما نبت في أرض مملوكة
بلا إنبات صاحبها، وهو كذلك إلا أن لرب الأرض المنع من الدخول في أرضه، وأخص من ذلك
كله وهو أن يحتش الكلأ أو أنبته في أرضه فهو ملك له، وليس لاحد أخذه بوجه لحصوله بكسبه.
ذخيرة وغيرها ملخصا.
763

قال ط: والقير والزرنيخ الفيروزج كالشجر، ومن أخذ من هذه الأشياء ضمن. خزانة المفتين.
والحطب في ملك رجل ليس لأحد أن يحتطبه بغير إذنه، وإن كان غير ملك فلا بأس به، ولا يضر
نسبته إلى قرية أو جماعة ما لم يعلم أن ذلك ملك لهم، وكذلك الزرنيخ والكبريت والثمار في المروج
والأودية مضمرات، ويملك المحتطب الحطب بمجرد الاحتطاب وإن لم يشده ولم يجمعه، ولو أخذ الماء
من أرض غير التي جعلت مملحة فلا شئ عليه، وإن صار الماء ملحا فليس له أخذه، والطين الذي جاء
به النهر في ملك إنسان لا يجوز لاحد أخذه، وضمن أن أخذه بلا إذن ا ه‍. ونحوه في التاترخانية.
قوله: (والنار) يعني إذا أوقد نارا في مفازة فإنها تكون مشتركة بينه وبين الناس أجمع، فمن أراد أن
يستضئ بضوئها أو بخيط ثوبا حولها أو يصطلي بها أو يتخذ منها سراجا ليس لصاحبها منعه، فأما إذا
أوقد في موضع مملوك فإن له منعه من الانتفاع بملكه، فأما إذا أراد أن يأخذ من فتيلة سراجه أو شيئا
من الجمر فله منعه لأنه ملكه. إتقاني عن شيخ الاسلام.
وفي الذخيرة: إذا أراد الاخذ من الجمر، فإن شيئا له قيمة إذا جعله صاحبه فحما له أنه يسترده
منه، وإن يسيرا لا قيمة له فلا، وله أخذه بلا إذن صاحبه. قوله: (فيقال للمالك الخ) أي إن لم يجد كلا
في أرض مباحا قريبا من تلك الأرض. ط عن الهندية. وهذا إذا كان الكلأ نابتا ملكه بلا إنباته ولم
يحتشه، وظاهر كلامهم أن النار الموقدة في ملكه ليست كذلك، فلا يجب عليه إخراجها للطالب، ووجه
الفرق فيما يظهر لي أن الشركة ثابتة في عين الماء والكلأ لا في عين الجمر، فلا يجب عليه أن يخرج له
الجمر ليصطلي به، لأنه لا شركة لغيره فيه ولذا له استرداد جمر له قيمة ممن أخذه، بخلاف الكلأ والماء
الغير المحرزين، فلو أخذهما أحد من أرضه لا يستردهما منه، لان الشركة في عينهما تأمل. ثم رأيت في
النهاية: أن الشركة التي أثبتها رسول الله (ص) في النار والنار جوهر الحر دون الحطب
والفحم، إلا إن كان لا قيمة له لأنه لا يمنع عادة والمانع متعنت. قوله: (ولو منعه الماء) أي منعه صاحب
البئر أو الحوض أو النهر الذي في ملكه بأن لم يمكنه من الدخول، ولم يخرجه إليه ولم يجد ماء بقربه. قوله:
(وهو) أي الشخص الممنوع. قوله: (ودابته) عبر القهستاني بأو، وكذا في كتاب الخراج لأبي يوسف وشرح
الطحاوي كما نقله الإتقاني. قوله: (كان له أن يقاتله بالسلاح) لان قصد إتلافه بمنع حقه وهو الشفة،
والماء في البئر مباح غير مملوك، بخلاف المحرز في الاناء. هداية. قوله: (لاثر عمر) وهو ما ذكره الإتقاني
عن كتاب الخراج لأبي يوسف: إن قوما وردوا ماء فسألوا أهله أن يدلوهم على البئر فلم يدلوهم عليها،
فقالوا: إن أعناقنا وأعناق مطايانا قد كادت تتقطع من العطش، فدلوا على البئر وأعطوا دلوا نستقي، فلم
يفعلوا، فذكروا ذلك لعمر بن الخطاب فقال: فهلا وضعتم فيهم السلاح. قوله: (قاتله بغير سلاح) أي
ويضمن له ما أخذ، لان حل الاخذ للاضطرار لا ينافي الضمان كما قدمناه أول الحظر والإباحة، وذكر
الإتقاني أنه لو منعه الدلو: فإن كان لصاحب البئر بغير سلاح، وإن للعامة قاتله بالسلام. قوله: (إن
كان فيه فضل عن حاجته) بأن كان يكفي لرد رمقهما، فيأخذ منه البعض ويترك البعض وإلا تركه لمالكه.
764

نهاية. قوله: (الأولى الخ) يشير إلى أنه يجوز أن يقاتله بالسلاح حيث جعل الأولى أن لا يقاتله به فيكون
موافقا لما ذكرنا. زيلعي: يعني أنه لا يخالف ما مر من أن له أن يقاتله لاتفاق العبارتين على الجواز. قوله:
(وكري نهر) وكذا إصلاح مسناته إن خيف منها. تاترخانية. قوله: (أي حفره) قال القهستاني: كري
النهر إخراج الطين ونحوه منه، فالكري مختص بالنهر بخلاف الحفر على ما قاله البيهقي، إلا أن كلام
الطرزي يدل على الترادف ا ه‍. وعليه مشى الشارح. قوله: (غير مملوك) أي لم يدخل ماؤه في المقاسم
كالنيل والفرات. قهستاني. قوله: (من بيت المال) خبر المبتدأ: أي مال الخراج والجزية دون العشر
والصدقات، لان الثاني للفقراء والأول للنوائب. هداية. قوله: (يجبر الناس) أي للذين يطيقون الكري
ومؤنتهم من مال الأغنياء الذين لا يطيقونه. قهستاني. قوله: (وكري النهر المملوك) بأن دخل في المقاسم،
وهو عام وخاص، الفاصل بينهما أن ما تستحق به الشفعة خاص وما لا فعام. واختلف في تحديد ذلك:
فقيل الخاص ما كان لعشرة أو عليه قرية واحدة، وقيل: لما دون أربعين، وقيل: مائة، وقيل: ألف، وغير
ذلك عام، والأصح تفويضه لرأي المجتهد فيختار أي قول شاء. كفاية عن الخانية ملخصا. وقدمناه في
الشفعة. قال الإتقاني، ولكن أحسن ما قيل فيه: إن كان لدون مائة فالشركة خاصة، وإلا فعامة لا شفعة
فيها للكل وإنما هي للجار. قوله: (وفيه في الخاص لا يجبر) قال القهستاني في العام: لو امتنع عنه كلهم
أو بعضهم يجبرون عليه، وفي الخاص: لو امتنع الكل لا يجبرون إلا عند بعض المتأخرين، ولو امتنع
البعض أجبر على الصحيح كما في الخزانة ا ه‍. وقوله: لا يجبرون هو ظاهر الرواية كما في الكفاية. قوله:
(وهل يرجعون) أي على الآبي بما أنفقوا. هداية. قوله: (إن بأمر القاضي نعم) أي أمره الباقين بكري
نصيب الآبي على أن يستوفوا مؤنة الكري من نصيبه من الشرب مقدار ما يبلغ قيمة ما أنفقوا عليه. ذخيرة
وفيها: وإن لم يرفعوا الامر إلى القاضي، هل يرجعون على الآبي بقسطه من النفقة، ويمنع الآبي من شربه
حتى يؤدي ما عليه؟ قيل: نعم، وقيل: لا.
وذكر في عيون المسائل، أن الأول قول أبي حنيفة وأبي يوسف، فليتأمل عند الفتوى اه‍.
ملخصا. ومثله في التاترخانية والبزازية، وظاهره: أنه لا ترجيح لاحد القولين فلذا خيروا المفتي،
لكن مفهوم كلام الشارح كالهداية والتبيين وغيرهما ترجيح عدم الرجوع بلا أمر القاضي، ثم هذا كله
مبني على القول بأنه لا يجبر الآبي فإنهم فرعوه عليه وقدمنا تصحيح الجبر، فتدبر. قوله: (عليهم من
أعلاه الخ) بيانه: أنه لو كان الشركاء في النهر عشرة فعلى كل عشر المؤنة، فإذا جاوزوا أرض رجل
منهم فهي على التسعة الباقي اتساعا لعدم نفع الأول فيما بعد أرضه، وهكذا فمن في الآخر أكثرهم
غرامه، لان لا ينتفع إلا إذا وصل الكري إلى أرضه ودونه في الغرامة من قبله إلى الأول. قوله: (وقالا
الخ) الفتوى على قوله الامام كما في الكفاية وغيرها عن الخانية والقهستاني عن التتمة. قوله:
765

(بالحصص) أي حصص الشرب والأرضين. هداية. تنبيهات: الأول: قال القهستاني: لو كان فم نهره في وسط أرضه
لم يبرأ إلا بالمجاوزة عن أرضه وهذا في النهر الخاص، أما العام فقد برئ إذا بلغوا فم نهر قريتهم اه‍.
الثاني: قال في البزازية: وأما الطريق الخاص في سكة عير نافذة إذا احتيج إلى إصلاحه فإصلاح
أوله عليهم إجماعا، فإذا فارقوا دار رجل قيل: إنه عل ء الخلاف في النهر، وقيل: يرفع إجماعا اه‍. زاد في
الخيرية: لو امتنع البعض قيل: لا يجبر، وقيل: يجبر، وذكر الخصاف أن القاضي يأمر الطالبين، فيمنعون
الآبي عن الانتفاع حتى يؤدي.
الثالث: نهر المساقط والأوساخ الذي يسقط فيه فائض الماء والكنيف الخارجة من الدور والأزقة
كما في دمشق إذا احتاج إلى الكري، فهل على عكس نهر الشرب؟ فكلما وصلوا في الكري من أعلاه
إلى دار رجل شارك من قبله كما أفتى به في الحامدية وغيرها، لان حاجة كل واحد إلى تسييل أوساخه
من داره إلى آخر النهر، ولا حاجة له إلى ما قبل داره، فمن في الأعلى أكثرهم غرامة لاحتياجه إلى
جميع النهر، ودونه فيها من بعده إلى الآخر فهو أقلهم غرامة، بعكس نهر الشرب.
وحاصل الفرق: أن صاحب الشرب محتاج إلى كري ما قبل أرضه ليصله الماء، وصاحب
الأوساخ محتاج إلى ما بعد أرضه ليذهب وسخه. قوله: (ولا كري على أهل الشفة) لان المؤنة تلحق المالك
لا من له الحق بطريق الإباحة. بزازية. لأنهم لا يحصون لأهل الدنيا. إتقاني وغيره.
تنبيه: أنهار دمشق التي تسقي أراضيها وأكثر دورها جرت العادة من قديم أن أهل الأراضي
يكرونها وحدهم دون أهل الدور، مع أن لكل دار حقا معلوما منها يباع ويشرى تبعا فهو حق شرب
مملوك لهم لا حق شفة بطريق الإباحة، ومقتضى ذلك أنه يلزمهم مشاركة أهل الأراضي في كريها كما
يعلم مما مر. قوله: (استحسانا) ووجهه أنه مرغوب فيه منتفع به، ويمكن ملكه بلا أرض بإرث ووصية
كما يأتي، وقد يبيع الأرض وحدها فيبقى له الشرب وحده، والقياس أن لا يصح الدعوى به لأنه
مجهول جهالة لا تقبل الاعلام. قوله: (وإن لم يكن) أي النهر في يد الآخر. قال في الكفاية: علامة
كون النهر في يده كريه وغرس الأشجار في جانبيه وسائر تصرفاته. قوله: (ولم يكن جاريا فيها) أي
وقت الخصومة، ولم يعلم جريانه قبلها، أما إن كان جاريا وقتها أو علم جريانه قبلها يقضى به له، إلا
أن يبرهن صاحب الأرض أنه ملكه كما في التاترخانية. قوله: (فعليه البيان) أي الإظهام ببرهان أن
بمعنى البينة، وعلى الأول فعمله فيما بعده من عمل المصدر المقرون بأل وهو قليل كقوله: ضعيف
النكاية أعداءه على الثاني ففيه حذف الجار وهو على قبل إن وهو مطرد. قوله: (إن
هذا النهر له) أي إن كان يدعي رقبة النهر. عناية.
قوله: (وأنه قد كان له مجراه) أي إن كان يدعي الاجراء فيه. عناية. فالموضوع مختلف، فكان المناسب الاتيان بأو بدل الواو كما في في الهداية والملتقى، والضمير
في
المصدر الميمي، وهو مجراه للماء أو النهر المذكور قبله، لكن قد علمت أن المراد بالنهر رقبته وهو
الحفرة، ففيه استخدام، وعلى كل فقوله بعده: في هذا النهر صحيح، خلافا لمن زعم أن
766

الصواب أن يقول في هذه الأرض، وكأنه أوقعه فيه تفسير بعض الشراح المجرى بموضع الاجراء. تأمل. قوله:
(وعلى هذا المصب) أي وضع اجتماع ما فضل من الماء. كفاية. قوله: (فحكم الاختلاف فيه الخ) أي إن
لم يكن في يده ولم يكن جاريا أو ماشيا وقت الخصومة، ولم يعهد ذلك قبلها لا بد من البينة على أن
المصب والميزاب والممشى ملكه، أو أنه كان له في التسييل أو المشي، لكن في الذخيرة عن أبي الليث:
وكان مسيل سطوحه إلى دار رجل وله فيها ميزاب قديم، فليس له منعه، وهذا استحسان جرت به
العادة، أما أصحابنا فقد أخذوا بالقياس. وقالوا: ليس له ذلك إلا أن يقيم البينة أن له حق المسيل،
والفتوى على ما ذكره أو الليث ا ه‍، وفي البزازية: وبه نأخذ ا ه‍. وهو موافق للقاعدة الآتية أن القديم
يترك على قدمه. تأمل. قوله: (اختصموا في الشرب) أي ولا تعرف الكيفية في الزمان المتقدم. بزازية.
قوله: (لأنه المقصود) أي المقصود فيها الانتفاع بسقيها فيقدر بقدرها. هداية. قوله: (لان المقصود
الاستطراق) أي وهو في الدار الواسعة و الضيقة على نمط واحد، هداية.
والحاصل: أنه يقسم على الرؤوس. سائحاني عن الملتقط. ومثله الاختلاف في ساحة الدار كما
مر في متفرقات القضاء. قوله: (وليس لاحد الخ) لان فيه كسر ضفة النهر وشغل موضع مشترك.
هداية. قوله: (من الشركاء في النهر) أفاد أن الكلام في النهر المملوك بخلاف الأنهار العظام فإن له
ذلك كما قدمه أول الفصل. قوله: (إلا رحى وضع في ملكه) صورته: أن يكون حافتا النهر وبطنه ملكا
له ولغيره حق إجراء الماء. إتقاني. قوله: (ولا يضر بنهر ولا بماء) أي والحال أن الرحى لا يضر.
وعبارة الكافي بأو. قال في الدر المنتقى: فعليه الواو هنا تبعا للوقاية، وفي الهداية بمعنى أو ليوافق
الكافي. قال بلقاني ا ه‍. ومعنى الضرر بالنهر ما بيناه من كسر ضفته، وبالماء أن يتغير عن سننه الذي
كان يجري عليه. هداية: أي بأن يعوج الماء حتى يصل إلى الرحى في أرضه ثم يجري إلى النهر من
أسفله، لأنه يتأخر وصول حقهم إليهم وينقص. إتقاني. قوله: (أو دالية الخ) قال في المغرب: الدالية:
جذع طويل يركب تركيب مدق الأرز في رأسه مغرقة كبيرة يستقي بها. والناعورة: ما يديره الماء.
والجسر: ما يعبر به النهر وغيره مبنيا كان أو لا، والفتح لغة، والقنطرة: ما يبنى على الماء للعبور،
والجسر عام ا ه‍. لكن في العناية: الجسر ما يوضع ويرفع مما يتخذ من الخشب والألواح، والقنطرة ما
يتخذ من الحجر والآجر موضوعا لا يرفع. قوله: (أو يوسع فم النهر) لأنه يكسر ضفته ويزيد على
مقدار حقه في أخذ الماء. هداية. قوله: (بكسر الكاف الخ) قال في المغرب: وقد تضم في المفرد
والجمع قوله: (لان القديم يترك على قدمه الخ) كذا في الهداية وغيرها. قال القهستاني: وفيه إشعار
767

بأنه لو كان لرجل مياه في أوقات متفرقة في قرية لم يجز جمعها في وقت إلا برضاهم كما في الجواهر،
لكن في التتمة إنه جائز ا ه‍. قوله: (أو يسوق نصيبه الخ) لأنه إذا تقادم العهد يستدل به على أنه حقه.
هداية: أي فيلزم أن يقضي له بشرب الأرضين جميعا، لأنه إذا لم يعلم يقسم على مقدار الأراضي.
إتقاني. وكذا إذا أراد أن يسوق شربه في أرضه الأولى حتى ينتهي إلى الأخرى، لأنه يستوفي زيادة على
حقه، إذ الأرض الأولى تنشف بعض الماء قبل أن يسقي الأخرى. هداية. وذكر خواهر زاده: إنه إذا
ملا الأولى وسد فوهة النهر له أن يسقي الآخرة من هذا لماء، لأنه حينئذ لم يستوف زيادة على حقه،
وإن لم يسد فلا، كفاية. قوله: (ليس له) أي للأرض، وذكر الضمير باعتبار المكان ط. قوله: (ولهم
نقضه الخ) لأنه إعارة الشرب، فإن مبادلة الشرب بالشرب باطلة. هداية. قوله: (وليس لأهل الاعلى
سكر النهر بلا رضاهم) لما فيه من إبطال حق الباقين، فإن تراضوا على أن يسكر الاعلى النهر حتى
يشرب بحصته، أو اصطلحوا على أن يسكر كل منهم في نوبته جاز، لان الحق لهم، إلا أنه إذا تمكن
من ذلك بلوح لا يسكر بم ينكبس به النهر كالطين وغيره لكونه إضرار بهم منع ما فضل من السكر
عنهم إلا إذا رضوا، فإن لم يمكن لواحد منهم الشرب إلا بالسكر ولم يصطلحوا على شئ يبدأ بأهل
الأسفل حتى يرووا ثم بعده لأهل الاعلى أن يسكروا، وهذا معنى قول ابن مسعود رضي الله عنه:
أهل أسفل النهر أمراء على أهل أعلاه حتى بروا، لان لهم أن يمنعوا أهل الاعلى من السكر وعليهم
طاعتهم في ذلك، ومن لزمك طاعته، فهو أميرك، عناية وهداية.
وفي الدر المنتقى: قال شيخ الاسلام: واستحسن مشايخ الأنام قسم الامام بالأيام اه‍. أي إذا
لم يصلحوا ولم ينتفعوا بلا سكر يقسم الامام بينهم بالأيام فيسكر كل في نوبته.
قلت: لكنه خلاف ما في المتون كالملتقى والهداية فتنبه، بقي لو جرت العادة من قديم على ذلك
كما يفعل في أنهار دمشق الآخذة من نهر بردى، وقد يقل الماء في بعض السنين فيتضرر أهل الأسف
بسكر الاعلى فهل يقال: يبقى القديم على قدمه؟ أجاب في الإسماعيلية وتبعه في الحامدية: بأن ذلك
ممنوع شرعا لكونه تصرفا في المشترك بلا رضا الشركاء، ورضا من تقدم لا يلزم به من تأخر، فيبدأ
بالأسفل ثم بالأعلى اه‍ ملخصا.
وكذلك سئل في الخيرية عن خصوص نهر بردى؟ فأجاب بالمنع، ولا يخفى أنه مبني على ما في
المتون، وأنت خبير بأن ما استحسنه مشايخ الأنام من القسم بالأيام فيه دفع الضرر العام وقطع التنازع
والخصام، إذ لا شك أن لكل في هذا الماء حقا، فتخصيص أهل الأسفل به حين قلة الماء فيه ضرر
لأهل الاعلى، وكذا تخصيص أهل الاعلى به فيه ذلك، مع العلم بأنه مشترك بي الكل، فلذا استحسنوا
ما ذكر وارتضوه ثم رأيت في كافي الحاكم الشهيد ما يدل عليه حيث قال: فإن كان الاعلى منهم لا
يشرب حتى يسكر النهر، لم يكن له أن يسكر النهر على الأسفل، ولكن يشرب بحصته اه‍. فقوله:
ولكن يشرب بحصته يومئ إلى هذا، حيث لم ينعه مت الشرب أصلا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: (كطريق مشترك الخ) وجه الشبه هو أنه يزيد في الشرب ما ليس له فيه حق الشرب، ويزيد في الطريق
768

من ليس له حق المرور كفاية. قوله: (ساكنها) مبتدأ وغير خير.
والظاهر أن صورة المسألة: له داران باب أحدهما في طريق خاص وهو ساكن فيها، وباب الثانية
في طريق آخر وطهرها في الطريق الأول، وقد أسكن فيها غيره بإجازة أو إعارة، فليس له أن يفتح
للثانية بابا في طريق الدار الأولى، لأنه يلزم منه أن يزيد في الطريق الخاص من ليس له حق المرور وهو
ساكن الدار الثانية بلا رضا أصحاب الطريق. قوله: (لان المارة لا تزداد) وله حق المرور ويتصرف في
خالص ملكه وهو الجدار بالرفع. زيلعي. وفيه أنه قد يطول الزمان ويبيع التي لا ممر لها فيدعي
المشتري أن له حق المرور ويستدل على ذلك بالفعل السابق ط.
أقول: وذكر في الفصل 35 من نور العين خلافا في المسألة فقال: له دار في سكة لا تنفذ
فشرى بجنب داره بيتا ظهره في هذه السكة، وقيل: له أن يفتح من ظهره بابا في السكة، وقيل: لا، ولو
أراد أن يفتح من ظهره بابا للبيت في داره ويتطرق من داره إلى السكة، له ذلك ما دام هو ساكنا، أما إذا صارت
لرجل والبيت لآخر ليس لرب البيت أن يمر في هذه السكة ا ه‍. وبيان الفرق في جامع الفصولين،
فراجعه.
تتمة: له كوة في أسفل النهر أراد أن يسدها ويفتح أخرى في الأعلى، ليس له ذلك، بخلاف ما
لو أراد أن يجعل باب داره في أعلى السكة الغير النافذة، وإن أراد أن يسفلها عن موضعها ليكثر أخذ
الماء: قال الحلواني: له إن علم أنها كانت كذلك ثم ارتفعت. وقال السرخسي: له مطلقا. وكذا
الخلاف إن أراد أن يرفعها ليقل عنه الماء اه‍. تاترخانية ملخصا. قوله: (ويورث الشرب الخ) لان الملك
بالإرث يقع حكما لا قصدا، يجوز أن يثبت الشئ حكما، وإن كان لا يثبت قصدا كالخمر تملك حكما
بالميراث، وإن لم تملك قصدا بسائر أسباب الملك، وما يجري فيه الإرث تجري فيه الوصية لأنها أخته،
وفي الهبة ونحوها يرد العقد عليه مقصودا. إتقاني ملخصا. قوله: (ويوصي بالانتفاع به) وتعتبر الوصية
من الثلث. قال بعضهم: بأن يسأل من المقومين من أهل ذلك الموضع أن العلماء لو اتفقوا على جواز
بيعه منفردا بكم يشتري؟ فإن قالوا: بمائة اعتبر من الثلث كما في إتلاف المدبر، وأكثرهم على أنه يضم
إلى هذا الشرب جريب من أقرب أرض إليه فينظر بكم تشتري معه، وبدونه. تاترخانية: أي فيكون
فضل ما بينهما قيمته. قوله: (أما الايصاء ببيعه فباطل) مستغنى عنه بقول المصنف بعد: ولا يوصي
بذلك ط. وفيه عن الهندية: أوصى بثلث شربه بغير أرضه في سبيل الله أو الحج أو الرقاب كانت
وصية ببيعه، إذ لا يتمكن من ذلك إلا بثمنه ا ه‍ ملخصا. قوله: (ولا يباع الشرب) في ظاهر الرواية:
شرب يوم أو أكثر ويفسد نص عليه محمد لأنه مجهول، لا لأنه غير مملوك وإلا بطل، وجاز مع الأرض
في الصحيح. در منتقى: أي تبعا لها. قال في البزازية: قال: بعتك هذه الأرض وبعتك شربها،
قيل: لا يجوز بيع الشرب، لأنه صار مقصودا بالبيع، وقيل: يجوز، لأنه لما لم يذكر له ثمنا لم يخرج من
التبعية، حتى لو ذكر لم يجز وفاقا لأنه صار أصلا من كل وجه، ولو باع أرضا مع شراب أرض أخرى
عن ابن سلام يجوز، ولو أجر لا يجوز لان الشرب في البيع أصل من حيث إنه يقوم بنفسه وتبع من
769

حيث إنه لعينه، فمن حيث إنه تبع لا يباع من غير أرض، ومن حيث إنه أصل يجوز مع أي أرض
كانت، وفي الإجازة تبع من كل وجه ا ه‍ ملخصا.
وللشرنبلالي رسالة في الشرب ذكر فيها الصور الصحيحة والفاسدة في جدول فراجعها، وذكر
فيها أيضا أن الصحيح أنه لا يجوز البيع أيضا كالإجارة في المسألة المذكورة. قوله: (كما سيجئ) الذي
سيجئ قريبا أن الفتوى على أنه لا يضمن بالاتلاف، لكن عدم ضمانه بالاتلاف مفرع على كونه ليس
بمال متقوم كما صرح به في الهداية. فيكون الفتوى على أنه غير متقوم أيضا. قوله: (وأخويه) أي الهبة
والتصدق. قوله: (ولا يصلح الماء) أي ماء الشرب الغير المحرز. قوله: (بدل خلع) فلا يكون له من
الشرب شئ، وعليها أن ترد المهر الذي أخذته، لأنها غرته بالتسمية، كما لو اختلعت على ما في بيتها
من متاع فإذا ليس في بيتها شئ. كفاية. قوله: (وصلح الخ) ويسقط القصاص لوجود القبول، وعلى
القاتل رد الدية لان الولي لم يرض بسقوط حقه مجانا. إتقاني. وإذا لم يكن عن قصاص فالمدعي على
دعواه. عناية. قوله: (ومهر ونكاح) ولها مهر المثل. إتقاني. زاد في الدر المنتقى: ولا يقرض ولا يرهن
ولا يعار. قوله: (لأنها لا تبطل بالشرط الفاسد) يعني أن العقد ببدل هو غير مال متقوم في هذه العقود
بمعنى الشرط الفاسد، وهذه العقود لا تبطل بالشروط الفاسدة. قوله: (لان الشرب الخ) علة أخرى أو
بيان لكونه بمعنى الشرط الفاسد. قوله: (وقيل الخ) صححه في الهداية ثم قال: وإن لم يجد ذلك
اشترى على تركة الميت أرضا بغير شرب ثم ضم الشرب إليها وباعها فيصرف من الثمن إلى ثمن
الأرض، ويصرف الفاضل إلى قضاء الدين. قوله: (لأنه متسبب غير متعد) فهو كحافر البئر وواضع
الحجر في أرضه لا يضمن ما تلف به. قوله: (وإلا فيضمن) كما لو أوقد نارا في دار لا يوقد مثلها
عادة فاحترقت دار جاره، وأما إذا كان في أرضه ثقب فغرقت أرض جاره: فإن علم به ضمن، وإلا
لا. إتقاني. قوله: (وهذا إذا سقى) الإشارة إلى عدم الضمان إذا سقاها معتادا كما أفصح عنه في
الذخيرة. قوله: (وأما إذا سقى الخ) أي سواء كان معتادا أو لا، كما أفاده ما ذكرنا من مرجع الإشارة.
قال ط: وقد علمت ما عليه الفتوى، وهو أن الاعتبار للمعتاد وغيره. قوله: (على ما قال إسماعيل
الزاهد) هذا يقتضي انفراده مما ذكر، وأن الجمهور على الأول ط. وفي بعض النسخ: الزاهدي بالياء
770

موافقا لما في القهستاني، لكن الذي رأيته في الذخيرة وغيرها بدون ياء. قوله: (لما مر الخ) قال في
الذخيرة: وإنما لا يضمن لوجهين) أحدهما أنه يملك استهلاكه للشفعة، ومن ملك استهلاك شئ
بجهة فاستهلكه بجهة أخرى لا يضمن، كمن دخل دار الحرب فاستهلك العلف، لأنه يملك استهلاكه
بعلف دابته الثاني إن الماء قبل الاحراز بالأواني لا يملك فقد أتلف ما ليس بمملوك لغيره اه‍. قوله:
(بنزله) أي بضمتين: أي ريعه ونمائه كما في القاموس قوله: (فحسن) يشير إلى أنه غير واجب وإنما
هو للتنزه.
قال القهستاني: وفي التتمة: إن الماء وقع في كرم زاهد في غير نوبته أمر بقطعه. وعن بعضهم
أنه طرح منه التراب المبلول. وقال الفقيه: لا آمر به ولو تصدق بنزله لكان حسنا وهذا أفضل. قوله:
(لبقاء الماء الحرام فيه) هذا يقتضي الوجوب على أنه لا يظهر إلا على مقابل المفتى به من أنه يملك
فيضمنه لمالكه: أي إن علم، تأمل. قوله: (إذا سمن) الأولى وسمنت. قوله: (انعدم وصار شيئا آخر)
أي دما أو فرثا أو لحما ونحوه فلا يطلب منه التصدق بها ط. قوله: (فإن تكرر ذلك) بأن فعله مرة
أخرى. قال في شرح الوهبانية عن الخانية: وإن فعله مرة بعد مرة الخ ط. قوله: (وتمامه في شرح
الوهبانية) أي للعلامة ابن الشحنة حيث ذكر ما حاصله أن الطرطوسي فهم من التعليل المار بأن الماء
قبل إحرازه لا يملك أن يكون مباحا، ورده الناظم في شرحه بأنه لا يلزم ذلك، بل يكون غير مملوك
ويكون مستحقا، لما في الخانية: أنه ليس له ذلك بلا إذن وإن اضطر إليه. وفي العيون: لا يفعل وإن
اضطر إليه، لان المرخص في أخذ مال الغير خوف الهلاك على النفس ولم يوجد، ولو فعل فلا
ضمان، على أن الطرسوسي قال: إن كلام العيون يقتضي أنه لا يجوز ديانة، فينبغي أن يفتى بأنه لا
يباح بلا إذن، ولو فعل لا ضمان في القضاء اه‍. فافهم. قوله: (قال) أي في شرح الوهبانية أول
الفصل، فافهم. قوله: (وينفذ الحكم بصحة بيعه) لمصادفته فصلا مجتهدا فيه، لكن القاضي الآن لا ينفذ
حكمه بغير معتمد مذهبه. قوله: (فافهم) لعله يشير إلى دفع ما أورد على الهداية من أن قوله هنا: لا
يضمن يناقض قوله في باب البيع الفاسد أنه لا يجوز بيعه في رواية وهو اختيار مشايخ بلخ، لأنه حظ
من الماء ولهذا يضمن بالاتلاف، وله حظ من الثمن: يعني أن قوله: ولهذا يضمن بالاتلاف، مبني على
مقابل المفتى به، وإن أوهم الاتفاق على الضمان كما هو شأن التعليل. قوله: (قلت: وقد مر ما عليه
الفتوى) أي من أنه لا يضمن لأنه غير متقوم، وصححه في الظهيرية. قوله: (فتنبه) أي فإن ما أفتى به
771

الناصحي وما في وبيوع خلاف المفتى به. قوله: (وساق الخ) لا حاجة إليه ط. قوله: (وما
جوزوا الخ) التراب المستخرج بالحفر، ويوضع على حافتي النهر، قيل لمن وضع بجانبه أخذه إن لم يضر
بالنهر، وقيل: مشترك بين أهل النهر، وهو المذكور في النظم، وقيل: يباح لكل من أخذه إن لم يضر،
لان الحافر لم يقصد تملكه فهو كمن احتش حشيش النهر ليجري الماء فلكل أحد أخذه، وصوبه شيخ
الاسلام، وفي القنية أنه حسن جدا. قوله: (دون إذن) قد علمت أن الناظم جرى على القول بأنه
مشترك، فاشتراط الاذن لا بد منه بناء عليه، فافهم. قوله: (ولو حفروا نهرا الخ) الشطر الثاني له غير
به نظم الأصل لتضمنه مسألتين: الأولى: نهر لقوم يجري في أرض رجل حفروه وألقوا ترابه: فإن ألقوه
في غير حريم النهر فلهم أخذه بنقله، وإلا فلا. الثانية: لو كان يجري في سكة فكذلك، والله تعالى
أعلم.
772