الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ٥
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٦ - ١٩٨٦ م
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء الخامس من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
* (باب نكاح البكر) *
* (قال) * رضي الله عنه وإذا زوج الرجل ابنته الكبيرة وهي بكر فبلغها فسكتت فهو رضاها
والنكاح جائز عليها وإذا أبت وردت لم يجز العقد عندنا وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى
يجوز العقد وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى احتج بقوله صلى الله عليه وسلم ليس للولي مع الثيب
أمر فتخصيص الثيب بالذكر عند نفي ولاية الاستبداد للولي بالتصرف دليل على أنه
يستبد بتزويج البكر ولأن هذه بكر فيملك أبوها تزويجها كما لو كانت صغيرة وهذا لما بينا
أن بالبلوغ لا يحدث لها رأي في باب النكاح فان طريق معرفة ذلك التجربة فكان بلوغها
مع صفة البكارة كبلوغها مجنونة بخلاف المال والغلام فان الرأي هناك يحدث بالبلوغ عن
عقل والدليل عليه أن للأب أن يقبض صداقها بغير أمرها إذا كانت بكرا فإذا جعل في
حق قبض الصداق كأنها صغيرة حتى يستبد الأب بقبض صداقها فكذا في تزويجها وحجتنا
في ذلك حديث أبي هريرة وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم
رد نكاح بكر زوجها أبوها وهي كارهة وفي حديث آخر قال في البكر يزوجها وليها
فان سكتت فقد رضيت وان أبت لم تكره وفي رواية فلا جواز عليها والدليل عليه حديث
الخنساء فإنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أبي زوجني من ابن أخيه وأنا
لذلك كارهة فقال صلى الله عليه وسلم أجيزي ما صنع أبوك فقالت مالي رغبة فيما صنع أبي
فقال صلى الله عليه وسلم اذهبي فلا نكاح لك انكحي من شئت فقالت أجزت ما صنع أبي
ولكني أردت ان يعلم النساء ان ليس للآباء من أمور بناتهم شئ ولم ينكر عليها رسول الله
صلى الله عليه وسلم مقالتها ولم يستفسر أنها بكر أو ثيب فدل ان الحكم لا يختلف وفي الحديث
المعروف البكر تستأمر في نفسها وسكوتها رضاها فدل ان أصل الرضا منها معتبر والشافعي
رحمه الله تعالى لا يعمل بهذا الحديث أصلا فإنه يقول في حق الأب والجد لا يشترط رضاها
2

وفي تزويج غير الأب والجد لا يكتفي بسكوتها وما علق في حديث آخر من الحق لها بصفة
الثيوبة المراد به في حق الضم والتفرد بالسكنى يعنى ان للولي ان يضم البكر إلى نفسه لأنه
يخاف عليها ان تخدع فإنها لم تمارس الرجال ولم تعرف كيدهم وللثيب ان تنفرد بالسكنى لأنها
آمنة من ذلك والمعني فيه أنها حرة مخاطبة فلا يجوز تزويجها بغير رضاها كالثيب وتأثيره
ان الحرية والخطاب وصفان مؤثران في استبداد المرء بالتصرف وزوال ولاية الافتيات عليه
كما في حق المال والغلام وبقاء صفة البكارة تأثيره في عدم الاهتداء بسبب انعدام التجربة
والامتحان ولهذا لا تثبت ولاية الافتيات عليه كما في المال فان الظاهر أن من يبلغ لا يكون
مهتديا إلى التصرفات قبل التجربة والامتحان ولكن الاهتداء وعدم الاهتداء لا يوقف
على حقيقته وتختلف فيه أحوال الناس فأقام الشرع البلوغ عن عقل مقام حقيقة الاهتداء
تيسيرا للامر على الناس وسقط اعتبار الاهتداء الذي يحصل قبل البلوغ بسبب التجربة
ويسقط اعتبار الجهل الذي يبقى بعد البلوغ لعدم التجربة الا ترى ان البكر التي لا أب
لها غير مهتدية كالتي لها أب ثم اعتبر رضاها في تزويجها بالاتفاق وكذلك اقرارها بالنكاح
يصح فلو كان بقاء صفة البكارة في حقها كبقاء صفة الصغر لم يجز إقرارها بالنكاح واما
قبض الصداق فعندنا لو نهت الأب عن قبض صداقها لم يكن له ان يقبض ولكنه عند
عدم النهي له ان يقبض لوجود الاذن دلالة فان الظاهر أن البكر تستحي من قبض صداقها
وان الأب هو الذي يقبض لتجهيزها بذلك مع مال نفسه إلى بيت زوجها فكان له ان يقبض
لهذا وبعد الثيوبة لا توجد هذه العادة لان التجهيز من الآباء بالاحسان مرة بعد مرة
لا يكون فصار الأب في المرة الثانية كسائر الأولياء (قال) وان سكتت حين بلغها عقد
الأب فالنكاح جائز عليها لان الشرع جعل السكوت منها رضا لعلة الحياء فان ذلك يحول
بينها وبين النطق فتكون بمنزلة الخرساء فكما تقوم إشارة الخرساء مقام عبارتها فكذلك
يقام سكوت البكر مقام رضاها وكان محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى يقول إذا استأمرها قبل
العقد فسكتت فهو رضا منها بالنص فأما إذا بلغها العقد فسكتت لا يتم العقد لان الحاجة إلى
الإجازة هنا والسكوت لا يكون إجازة منها لان هذا ليس في معنى المنصوص فان السكوت
عند الاستئمار لا يكون ملزما وحين يبلغها العقد الرضا يكون ملزما فلا يثبت ذلك بمجرد
السكوت ولكنا نقول هذا في معني المنصوص لان عند الاستئمار لها جوابان نعم أو لا فيكون
3

سكوتها دليلا على الجواب الذي يحول الحياء بينها وبين ذلك وهو نعم لما فيه من إظهار الرغبة
إلى الرجال وكذلك إذا بلغها العقد فلها جوابان أجزت أو رددت فيجعل السكوت دليلا على
الجواب الذي يحول الحياء بينها وبين ذلك وهو الإجازة (قال) وكذلك لو ضحكت لان
الضحك أدل علي الرضا بالتصرف من السكوت بخلاف ما إذا بكت فان البكاء دليل السخط
والكراهة وقد قال بعض المتأخرين هذا إذا كان لبكائها صوت كالويل فأما إذا خرج الدمع
من عينها من غير صوت البكاء لم يكن هذا ردا بل هي تحزن علي مفارقة بيت أبويها وإنما
يكون ذلك عند الإجازة وكذلك قالوا إن ضحكت كالمستهزئة لما سمعت لا يكون رضا
والضحك الذي يكون بطريق الاستهزاء معروف بين الناس (قال) فان قال قبل النكاح
ان فلانا يخطبك وأنا مزوجك إياه فسكتت ثم ذهب فزوجها جاز النكاح لما روى أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب إليه بنت من بناته دنا من خدرها وقال إن فلانا يخطب
فلانة ثم ذهب فزوجها ان سكتت وان نكتت خدرها بإصبعها لم يزوجها وفي رواية أن كان
يقول إن فلانا يخطب فلانة فان كرهتيه قولي لا فإنما طلب منها جواب الرد لا جواب الرضا
فدل ان السكوت يكفي للرضا وفى الكتاب لم يشترط تسمية الصداق في الاستئمار وإنما
اشترط تسمية الزوج لأن الظاهر أن اختلاف رغبتها يكون باختلاف الزوج وان الأب
لا يقف على مرادها في حق الزوج فاما في حق الصداق فالأب يعلم بمرادها في ذلك وهو
صداق مثلها فلا حاجة إلى تسمية ذلك مع أن في أصل النكاح الشرط تسمية الزوجين
لا المهر ففي الاستئمار أولى وبعض المتأخرين يقولون لا بد من تسمية المهر في الاستئمار لان
رغبتها تختلف باختلاف الصداق والقلة والكثرة والذي بيناه في الأب هو الحكم في سائر
الأولياء فهذا دليل على أن الاستئمار إنما يكون معتبرا من الولي الذي يملك مباشرة العقد
فاما الأجنبي إذا استأمرها فسكتت لم يكن له أن يزوجها لان سكوتها لعدم الالتفات
إلى استئمار الأجنبي فكأنها قالت مالك وللاستئمار حين لم تكن بسبيل من العقد إلا أن
يكون الذي استأمرها رسول الولي فحينئذ الرسول قائم مقام المرسل وحكي عن الكرخي
رحمه الله تعالى ان سكوتها عند استئمار الأجنبي يكون رضا لأنها تستحي من الأجنبي
أكثر مما تستحي من الولي (قال) وإذا قالت البكر لم أرض حين بلغني وادعى الزوج رضاها
فالقول قولها عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى القول قول الزوج لأنه متمسك بما هو الأصل
4

وهو السكوت والمرأة تدعي عارضا وهو الرد فيكون القول قول من يتمسك بالأصل
كالمشروط له الخيار مع صاحبه إذا اختلفا بعد مضي المدة فادعى المشروط له الخيار الرد
وأنكره صاحبه فالقول قوله لتمسكه بالأصل وهو السكوت وكذلك الشفيع مع المشتري
إذا اختلفا فقال الشفيع علمت بالبيع أمس فطلبت الشفعة وقال المشتري بل سكت فالقول
قول المشتري لتمسكه بما هو الأصل ولكنا نقول الزوج يدعى ملك بضعها وهذا ملك
حادث وهي تنكر ثبوت ملكه عليها فكانت هي المتمسكة بالأصل فكان القول قولها كما
لو ادعى أصل العقد وأنكرت هي وهذا لان ما قاله زفر رحمه الله تعالى نوع ظاهر والظاهر
يكفي لدفع الاستحقاق لا لاثبات الاستحقاق وحاجة الزوج هنا إلى اثبات الاستحقاق
وفي الحقيقة المسألة تنبني على مسألة أخرى وهو انه إذا قال لعبده إن لم تدخل الدار اليوم
فأنت حر فمضى اليوم وقال العبد لم أدخل وقال المولى قد دخلت عند زفر رحمه الله تعالى
القول قول العبد لتمسكه بما هو الأصل وعندنا القول قول المولى لان حاجة العبد إلى اثبات
الاستحقاق والظاهر لهذا لا يكفي ولان عدم الدخول شرط للعتق ولا يكتفي بثبوت
الشرط بطريق الظاهر فكذا هنا رضاها شرط لثبوت النكاح والظاهر لا يكفي لذلك
فأما الشفيع إذا قال طلبت الشفعة حين علمت فالقول قوله وان قال علمت أمس وطلبت
الآن فالقول قول المشتري لان حاجة المشتري إلى دفع استحقاق الشفيع والظاهر يكفي
للدفع وكذلك في باب البيع فان سبب لزوم العقد وهو مضي مدة الخيار قد ظهر فحاجة الآخر
إلى دفع استحقاق مدعى الفسخ والظاهر يكفي لذلك فان أقام الزوج البينة على سكوتها
ثبت النكاح وإلا فلا نكاح بينهما ولا يمين عليها في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعند
أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تستحلف فان نكلت قضى عليها بالنكاح وأصل المسألة
ان عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يستحلف في ستة أشياء في النكاح والرجعة والفئ في
الايلاء والرق والنسب والولاء وعندهما يستحلف في ذلك كله فيقضي بالنكول وقد
ذكر في الدعوى فصلا شائعا إذا ادعت الأمة على مولاها انها أسقطت سقطا مستبين
الخلق وصارت أم ولد له بذلك وحجتهما في ذلك أن هذه الحقوق تثبت مع الشبهات فيجوز
القضاء فيها بالنكول كالأموال وهذا لان النكول قائم مقام الاقرار ولكن فيه نوع شبهة
لأنه سكوت والسكوت محتمل فإنما يثبت به ما يثبت مع الشبهات ولهذا لا يثبت القصاص
5

بالنكول لأنه يندرئ بالشبهات وإنما يثبت بالنكول ما يثبت بالابدال من الحجج نحو كتاب
القاضي إلى القاضي والشهادة على الشهادة وهذه الحقوق تثبت بذلك فكذلك بالنكول لأنه
بدل عن الاقرار وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول هذه الحقوق لا يجزي فيها البدل فلا يقضي
فيها بالنكول كالقصاص في النفس وبيان الوصف ظاهر فان المرأة لو قالت لا نكاح بيني
وبينك ولكن بذلت لك نفسي لا يعمل بذلها وكذلك لو قال لست بابن لك ولا مولى
ولكن أبذل لك نفسي أو قال أنا حر الأصل ولكن أبذل لك نفسي لتسترقني لا يعمل بذله
أصلا بخلاف المال فإنه لو قال هذا المال ليس لك ولكن أبذله لك لأتخلص من خصومتك
كان بذله صحيحا وتأثيره ان النكول بمنزلة البذل لا بمنزلة الاقرار فانا لو جعلناه بذلا يتوصل
المدعى إلى حقه مع بقاء المدعى عليه محقا في انكاره وإذا جعلناه اقرارا يجعل المدعى عليه مبطلا
في انكاره وذلك لا يجوز الا بحجة ولان النكول سكوت فهو إلى ترك المنازعة أقرب منه
إلى الاقرار فإنما يثبت به أدنى ما يثبت بترك المنازعة وهو البذل فرق أبو حنيفة رحمه الله تعالى
بين هذا وبين القصاص في النفس فان هناك يستحلف وان كأن لا يقضي بالنكول لان
اليمين في النفس مقصودة لعظم أمر الدم الا ترى ان الايمان في القسامة شرعت مكررة وفي
هذه المسائل اليمين ليست بحق له مقصودا وإنما المقصود منه القضاء بالنكول فإذا لم يجز
القضاء بالنكول لا حاجة إلى الاستحلاف لكونه غير مفيد وبان كان يثبت بالابدال من
الحجج فذلك لا يدل على أنه يستحلف فيه كتصديق المقذوف القاذف يثبت بالابدال من الحجج
ولا يجري فيه الاستحلاف (قال) وإن كان الزوج قد دخل بها ثم قالت لم أرض لم تصدق
على ذلك لان تمكينها الزوج من نفسها أدل على الرضا من سكوتها إلا أن يكون دخل بها
وهي مكرهة فحينئذ القول قولها لظهور دليل السخط منها دون دليل الرضا ولا يقبل عليها
قول وليها بالرضا لأنه يقر عليها بثبوت الملك للزوج واقراره عليها بالنكاح بعد بلوغها غير
صحيح بالاتفاق وهذا لأنه لا يملك إلزام العقد عليها فلا يعتبر اقراره في لزوم العقد عليها أيضا
(قال) وإذا زوج ابنه الكبير فبلغه فسكت لم يكن رضا حتى يرضى بالكلام أو بفعل
يكون دليل الرضا لان في حق الأنثى السكوت جعل رضا لعلة الحياء وذلك لا يوجد في الغلام
فإنه لا يستحي من الرغبة في النساء ولان السكوت من البكر محبوب في الناس عادة وفي
حق الغلام السكوت مذموم لأنه دليل على التخنث فلهذا لا يقام سكوته مقام رضاه
6

(قال) وإذا مات زوج البكر قبل أن يدخل بها بعد ما خلا بها زوجها أبوها بعد انقضاء
العدة كما تزوج البكر لان صفة البكارة قائمة والحياء الذي هو علة قائم فان بوجوب
العدة والمهر لا يزول الحياء فلهذا يكتفى بسكوتها وان جومعت بشبهة أو نكاح فاسد لم
يجز تزويجها بعد ذلك برضاها ولا يكتفي بسكوتها في هذا الموضع لأنها ثيب لقوله صلى
الله عليه وسلم والثيب تشاور فاما إذا زنت يكتفى بسكوتها عند التزويج عند أبي حنيفة رحمه
الله تعالى وعند أبي يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى لا يكتفى بسكوتها لأنها ثيب لان
الثيب اسم لامرأة يكون مصيبها عائدا إليها مشتق من قولهم ثاب أي رجع والبكر اسم
لامرأة مصيبها يكون أول مصيب لها لان البكارة عبارة عن أولية الشئ ومنه يقال لأول النهار
بكرة وأول الثمار باكورة والدليل عليه انها تستحق من الوصية للثيب دون الوصية للابكار
وإذا كانت ثيبا وجب مشورتها بالنص ولا يجوز الاشتغال بالتعليل مع هذا لأنه يكون تعليلا
لابطال حكم ثابت بالنص ولان الحياء بعد هذا يكون رعونة منها فإنها لما لم تستح من
إظهار الرغبة في الرجال على أفحش الوجوه كيف تستحي من إظهار الرغبة على أحسن الوجوه
بخلاف حياء البكر لأنه حياء كرم الطبيعة وذلك أمر محمود وهذه لو كان فيها حياء إنما هو
استحياء من ظهور الفاحشة وذلك غير ما ورد فيه النص ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى
يقول صاحب الشرع إنما يجعل سكوتها رضا لا للبكارة بل لعلة الحياء فان عائشة رضى الله
تعالى عنها لما أخبرت أنها تستحي فحينئذ قال سكوتها رضاها وغلبة الحياء هنا موجودة فإنها
وان أبتليت بالزنا مرة لفرط الشبق أو أكرهت على الزنا لا ينعدم حياؤها بل يزداد
لان في الاستنطاق ظهور فاحشتها وهي تستحي من ذلك غاية الاستحياء وهذا الاستحياء
محمود منها لأنها سترت ما على نفسها وقد أمرت بذلك قال صلى الله عليه وسلم من أصاب
من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله وقبل هذا الفعل إنما كانت لا تستنطق لان
الاستنطاق دليل ظهور رغبتها في الرجال فإذا سقط نطقها في موضع يكون النطق دليل
رغبتها في الرجال على أحسن الوجوه فلان يسقط نطقها في موضع يكون النطق دليل
الرغبة في الرجال على أفحش الوجوه كان أولى بخلاف ما إذا وطئت بشبهة أو بنكاح فاسد
لان الشرع أظهر ذلك الفعل عليها حين ألزم المهر والعدة وأثبت النسب بذلك الفعل وهنا
الشرع ما أظهر ذلك عليها إذ لم يعلق به شيئا من الاحكام وأمرها بالستر على نفسها فان
7

أخرجت وأقيم عليها الحد فالصحيح أنه لا يكتفي بسكوتها أيضا بعد ذلك وكذلك إذا صار
الزنا عادة لها وبعض مشايخنا رحمهم الله تعالى يقول في هذين الفصلين يكتفي بسكوتها
أيضا لأنها بكر شرعا. ألا ترى أنها تدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم البكر
بالبكر جلد مائة وتغريب عام ولكن هذا ضعيف فان في الموطوءة بالشبهة والنكاح الفاسد
هذا موجود ولا يكتفي بسكوتها فعرفنا ان المعتبر بقاء صفة الحياء ولو زالت بكارتها بالوثبة
أو الطفرة أو بطول التعنيس يكتفي بسكوتها عندنا وفي أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى
هي بمنزلة الثيب استدلالا بالبيع فإنه لو باع جارية بشرط انها بكر فوجدها المشتري بهذه
الصفة كان له ان يردها فدل انها ليست ببكر بعدما أصابها ما أصابها ولكنا نقول هي بكر
لان مصيبها أول مصيب لها الا انها ليست بعذراء والعادة بين الناس انهم باشتراط البكارة
في السرائر يريدون صفة العذرة فلهذا ثبت حق الرد فأما هذا الحكم تعلق بالحياء أو بصفة البكارة
وهما قائمان الا ترى ان عائشة رضي الله عنها لما افتخرت بالبكارة بين يدي رسول الله صلى
الله عليه وسلم أشارت إلى هذا المعنى فقال رأيت لو وردت واديين إحداهما رعاها أحد قبلك
والأخرى لم يرعها أحد قبلك إلى أيهما تميل فقال صلى الله عليه وسلم إلى التي لم يرعها أحد قبلي
فقالت إنا ذاك فعرفنا انها ما لم توطأ فهي بكر (قال) وإذا زوج البكر أبوها من رجل وأخوها
من رجل آخر بعده فأجازت نكاح الأخ جاز ذلك عليها ولم يجز نكاح الأب وهو بناء على
أصلنا ان العقد لا يجوز الا برضاها سواء كان المباشر أبا أو أخا فإنما وجد شرط نفوذ نكاح الأخ
وهو رضاها بذلك ومن ضرورة رضاها بنكاح الأخ رد نكاح الأب فلهذا يبطل نكاح الأب
(قال) وإذا زوجها وليها بغير أمرها فلم يبلغها حتى ماتت هي أو مات الزوج لم يتوارثا لان
النكاح لا ينفذ عليها الا برضاها والإرث حكم يختص بالنكاح الصحيح المنتهى بالموت ولم
يوجد فهو بمنزلة النكاح الفاسد إذا مات فيه أحدهما لم يتوارثا (قال) وان زوجها أبوها
وهو عبد أو كافر ورضيت به جاز لأن العقد كان موقوفا على اجازتها الا ترى أنها لو أذنت
في الابتداء نفذ عقده باذنها فكذلك إذا أجازت في الانتهاء ولكن لا نقول سكوتها رضا منها
لان العاقد لم يكن وليا لها والحاجة في عقد غير الولي إلى توكيلها لا إلى رضاها والتوكيل غير
الرضا فان التوكيل إنابة والرضا اسقاط حق الرد فلهذا لا يثبت التوكيل بالسكوت وهذا يبين
لك ما قلنا إن الصحيح في استئمار الأجنبي انه لا يكتفي بسكوتها (قال) وإذا زوج البكر
8

وليها بأمرها وزوجت هي نفسها فان قالت هو الأول فالقول قولها وهو الزوج لأنها أقرت
بملك النكاح له على نفسها واقرارها حجة تامة عليها وان قالت لا أدري أيهما أول ولا يعلم ذلك
فرق بينهما لأنه لا يمكن تصحيح نكاحهما فان المرأة لا تحل لرجلين بالنكاح وليس أحدهما
بأولى من الآخر فيفرق بينها وبينهما لهذا وكذلك لو زوجها وليان بأمرها والثيب والبكر
في هذا سواء لما بينا (قال) وإذا زوج البكر وليها فأخبرها بذلك فقالت لا أرضى ثم قالت قد
رضيت فلا نكاح بينهما لأن العقد قد بطل بينهما بردها فإنما رضيت بعد ذلك بالعقد المفسوخ
وذلك باطل ولهذا جرى الرسم بتجديد العقد عند الزفاف لأنها في المرة الأولى تظهر الرد وغير
ذلك لا يحمد منها ثم لا يزال بها أولياؤها يرغبونها حتى رضيت فلو لم يتجدد العقد
كانت تزف إلى أجنبي فلهذا استحسنا تجديد العقد عند الزفاف (قال) وإذا استؤمرت
في نكاح رجل خطبها فأبت ثم زوجها الولي منه فسكتت فهو رضاها لأنها لما أبت بطل
استئمارها فكأنه زوجها من غير استئمار فيكون سكوتها رضاها وكان محمد بن مقاتل رحمه
الله تعالى يقول هنا لا يجوز ولا يكون سكوتها رضا لأنها قد صرحت بالسخط فكيف يكون
سكوتها بعد ذلك دليل رضاها ولكنا نقول قد يسخط المرء الشئ في وقت ويرضى به في
وقت آخر فسخطها قبل العقد لا يمنعنا ان نجعل سكوتها رضا بعد العقد والله أعلم بالصواب
* (باب نكاح الثيب) *
(قال) قد بلغنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان رجلا زوج ابنته وهي كارهة وهي تريد
عم صبيانها ففرق رسول صلى الله عليه وسلم بينها وبين الذي زوجها منه أبوها ثم
زوجها عم ولدها وهذه المرأة كانت ثيبا لان الراوي قال وهي تريد عم صبيانها فهذا دليل
على أن نكاح الأب الثيب لا ينفذ بدون رضاها وهو مجمع عليه ولا يكون للشافعي في
هذا الحديث حجة علينا في البكر لان ضد هذا الحكم في حق البكر مفهوم والمفهوم عندنا
ليس بحجة ولأنه خص الثيب بالذكر وتخصيص الثيب بالذكر لا يدل على أن الحكم
في غيرها بخلافه ثم في هذا الحديث دليل على أن الولي إذا امتنع عن التزويج زوجها الامام فان
الأب هنا امتنع من تزويجها ممن أرادت فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بولاية الإمامة
وفيه دليل على أن اختيار الأزواج إليها لا إلى الولي لأنها هي التي تعاشر الأزواج فإنما تحسن
9

العشرة مع من تختاره دون من يختاره الولي (قال) وإذا زوج الثيب أبوها فبلغها فسكتت
لم يكن سكوتها رضا بالنكاح لان الأصل في السكوت أن لا يكون رضا لكونه محتملا في نفسه
وإنما أقيم مقام الرضا في البكر لضرورة الحياء والثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة ولا
ضرورة في حق الثيب فلهذا لا يكتفي بسكوتها عند الاستئمار ولا إذا بلغها العقد والله
سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب النكاح بغير ولي) *
(قال) رضي الله عنه بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن امرأة زوجت ابنتها
برضاها فجاء أولياؤها فخاصموها إلى علي رضي الله عنه فأجاز النكاح وفي هذا دليل على أن
المرأة إذا زوجت نفسها أو أمرت غير الولي أن يزوجها فزوجها جاز النكاح وبه أخذ أبو
حنيفة رحمه الله تعالى سواء كانت بكرا أو ثيبا إذا زوجت نفسها جاز النكاح في ظاهر الرواية
سواء كان الزوج كفؤا لها أو غير كف ء فالنكاح صحيح إلا أنه إذا لم يكن كفؤا لها فللأولياء
حق الاعتراض وفي رواية الحسن رضي الله عنه إن كان الزوج كفؤا لها جاز النكاح وإن لم
يكن كفؤا لها لا يجوز وكان أبو يوسف رحمه الله تعالى أولا يقول لا يجوز تزويجها من كف ء
أو غير كف ء إذا كان لها ولي ثم رجع وقال إن كان الزوج كفؤا جاز النكاح وإلا فلا ثم
رجع فقال النكاح صحيح سواء كان الزوج كفؤا لها أو غير كف ء لها وذكر الطحاوي قول
أبي يوسف رحمهما الله تعالى ان الزوج إن كان كفؤا أمر القاضي الولي بإجازة العقد فان أجازه
جاز وان أبى أن يجيزه لم ينفسخ ولكن القاضي يجيزه فيجوز وعلى قول محمد رحمه الله تعالى
يتوقف نكاحها على إجازة الولي سواء زوجت نفسها من كف ء أو غير كف ء فان أجازه الولي
جاز وان أبطله بطل إلا أنه إذا كان الزوج كفؤا لها ينبغي للقاضي أن يجدد العقد إذا أبى
الولي أن يزوجها منه وعلى قول مالك والشافعي رحمهما الله تعالى تزويجها نفسها منه باطل على
كل حال ولا ينعقد النكاح بعبارة النساء أصلا سواء زوجت نفسها أو بنتها أو أمتها أو توكلت
بالنكاح عن الغير ومن العلماء رحمهم الله تعالى من يقول إذا كانت غنية شريفة لم يجز تزويجها
نفسها بغير رضا الولي وان كانت فقيرة خسيسة يجوز لها أن تزوج نفسها من غير رضا الولي
ومنهم من فصل بين البكر والثيب وهم أصحاب الظواهر اما من شرط الولي استدل بقوله
10

تعالى ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن. وقال الشافعي رحمه الله تعالى وهذه أبين آية في
كتاب الله تعالى تدل على أن النكاح لا يجوز بغير ولي لأنه نهى الولي عن المنع وإنما يتحقق
المنع منه إذا كان الممنوع في يده وفى حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل وإذا دخل بها فلها
المهر بما استحل من فرجها لا وكس ولا شطط فان تشاجرا فالسلطان ولي من لا ولي له وفي
الحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح الا بولي وفي حديث ابن عباس
رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح
خاطب وولي وشاهدا عدل وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال لا تنكح المرأة المرأة ولا المرأة نفسها وإنما الزانية هي التي تنكح نفسها وان
عائشة رضي الله عنها كانت تحضر النكاح وتخطب ثم تقول اعقدوا فان النساء لا يعقدن
والمعنى فيه أنها ناقصة بنقصان الأنوثة فلا تملك مباشرة عقد النكاح لنفسها كالصغيرة والمجنونة
وهذا لان النكاح عقد عظيم خطره كبير ومقاصده شريفة ولهذا أظهر الشرع خطره
باشتراط الشاهدين فيه من بين سائر المعاوضات فلاظهار خطره تجعل مباشرته مفوضة
إلى أولى الرأي الكامل من الرجال لأن النساء ناقصات العقل والدين فكان نقصان عقلها
بصفة الأنوثة بمنزلة نقصان عقلها بصفة الصغر ولهذا قال محمد رحمه الله تعالى ان عقدها يتوقف
على إجازة الولي كما أن عقد الصغيرة التي تعقل يتوقف على إجازة الولي وعلى قول الشافعي
رحمه الله تعالى لا ينعقد العقد بعبارتها أصلا كما لا ينعقد التصرف بعبارة الصغيرة عنده
والدليل عليه ثبوت حق الاعتراض للأولياء إذا وضعت نفسها في غير كف ء ولو ثبتت لها
ولاية الاستبداد بالمباشرة لم يثبت للأولياء حق الاعتراض كالرجل وكذلك تملك مطالبة
الولي بالتزويج ولو كانت مالكة للعقد على نفسها لما كان لها ان تطالب الولي به والدليل على
اعتبار نقصان عقلها انه لم يجعل إليها من جانب رفع العقد شئ بل الزوج هو الذي يستبد
بالطلاق واما من جوز النكاح بغير ولي استدل بقوله تعالى فلا جناح عليهن فيما فعلن في
أنفسهن وبقوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره وقوله تعالى ان ينكحن أزواجهن أضاف
العقد إليهن في هذه الآيات فدل انها تملك المباشرة والمراد بالعضل المنع حسا بأن بحبسها
في بيت ويمنعها من أن تتزوج وهذا خطاب للأزواج فإنه قال في أول الآية وإذا طلقتم
11

النساء وبه نقول إن من طلق امرأته وانقضت عدتها فليس له ان يمنعها من التزوج بزوج
آخر واما الاخبار فقوله صلى الله عليه وسلم الأيم أحق بنفسها من وليها والأيم اسم لامرأة
لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا وهذا هو الصحيح عند أهل اللغة وهو اختيار الكرخي
رحمه الله تعالى قال الأيم من النساء كالأعزب من الرجال بخلاف ما ذكر محمد رحمه الله
تعالى ان الأيم اسم للثيب وقد بينا هذا في شرح الجامع وقال صلى الله عليه وسلم ليس للولي
مع الثيب أمر وحديث الخنساء حيث قالت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني
أردت ان تعلم النساء ان ليس إلى الآباء من أمور بناتهم شئ ولما خطب رسول الله صلى
الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها اعتذرت باعذار من جملتها ان أولياءها غيب فقال صلى
الله عليه وسلم ليس في أوليائك من لا يرضي بي قم يا عمر فزوج أمك من رسول الله صلى الله
عليه وسلم خاطب به عمر بن أبي سلمة وكان ابن سبع سنين وعن عمر وعلي وابن عمر رضي
الله تعالى عنهم جواز النكاح بغير ولى وان عائشة رضي الله تعالى عنها زوجت ابنة أخيها
حفصة بنت عبد الرحمن من المنذر ابن الزبير وهو غائب فلما رجع قال أو مثلي يفتات عليه
في بناته فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها أو ترغب عن المنذر والله لتملكنه أمرها وبهذا
تبين أن ما رووا من حديث عائشة رضى الله تعالى عنها غير صحيح فان فتوى الراوي بخلاف
الحديث دليل وهن الحديث ومدار ذلك الحديث على الزهري وأنكره الزهري وجوز
النكاح بغير ولي ثم هو محمول على الأمة إذا زوجت نفسها بغير إذن مولاها أو على الصغيرة
أو على المجنونة وكذلك سائر الأخبار التي رووا على هذا تحمل أو على بيان الندب ان
المستحب أن لا تباشر المرأة العقد ولكن الولي هو الذي يزوجها والمعني فيه أنها تصرفت في خالص
حقها ولم تلحق الضرر بغيرها فينعقد تصرفها كما لو تصرفت في مالها وبيان الوصف أن
النكاح من الكفء بمهر المثل خالص حقها بدليل أن لها أن تطالب الولي به ويجبر الولي على
الايفاء عند طلبها وهي من أهل استيفاء حقوق نفسها فإنما استوفت بالمباشرة حقها وكفت
الولي مؤنة الايفاء فهو نظير صاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه فاستوفى كان استيفاؤه
صحيحا فكذلك هنا والدليل عليه ان اختيار الأزواج إليها بالاتفاق والتفاوت في حق الأغراض
والمقاصد إنما يقع باختيار الزوج لا بمباشرة العقد ولو كان لنقصان عقلها عبرة لما كان لها
اختيار الأزواج وكذلك اقرارها بالنكاح صحيح على نفسها ولو كانت بمنزلة الصغيرة ما صح
12

اقرارها بالنكاح وكذلك يعتبر رضاها في مباشرة الولي العقد ولو كانت بمنزلة الصغيرة لما
اعتبر رضاها ويجب على الولي تزويجها عند طلبها ولو كانت كالصغيرة لما وجب الايفاء
بطلبها وإنما يثبت لها حق مطالبة الولي لنوع من المروءة وهو أنها تستحي من الخروج إلى
محافل الرجال لتباشر العقد على نفسها ويعد هذا رعونة منها ووقاحة ولكن هذا لا يمنع صحة مباشرتها
كما ورد الشرع بالنهي عن أن يخطب على خطبة غيره ولو فعل جاز لان هذا النهي لنوع من
المروءة فلا يمنع جواز المنهي عنه وإذا زوجت نفسها من غير كف ء فقد ألحقت الضرر بالأولياء
فيثبت لهم حق الاعتراض لدفع الضرر عن أنفسهم كما أن الشفيع يثبت له حق الاخذ بالشفعة
لدفع الضرر عن نفسه ولان طلب الكفاءة لحق الأولياء فلا تقدر على اسقاط حقهم وهذا
لا يمنع وجود أصل عقدها في حق نفسها كأحد الشريكين إذا كاتب كان للآخر أن يفسخ
دفعا للضرر عن نفسه وعلى رواية الحسن رحمه الله تعالى قال إذا زوجت نفسها من غير كف ء
لم يجز النكاح أصلا وهو أقرب إلى الاحتياط فليس كل ولي يحتسب في المرافعة إلى القاضي
ولا كل قاض يعدل فكان الأحوط سد باب التزويج من غير كف ء عليها وبهذا الطريق قال
أبو يوسف رحمه الله تعالى الأحوط أن يجعل عقدها موقوفا على إجازة الولي ليندفع الضرر
عن الولي إلا أن الولي إذ قصد بالفسخ دفع الضرر عن نفسه بأن لم يكن كفؤا لها صح
فسخه وان قصد الاضرار بها بأن كان الزوج كفؤا لها لم يصح فسخه ولكن القاضي يقوم
مقامه في الإجازة كما يقوم مقامه في العقد إذا عضلها ومحمد رحمه الله تعالى يقول لما توقف
العقد على إجازة الولي لتمام الاحتياط فكما ينعقد بإجازته ينفسح بفسخه وبعدما يفسخ فليس
للقاضي أن يجيزه ولكن يستقبل العقد إذا تحقق العضل من الولي وعلى هذا الأصل يقول
إذا زوجت نفسها من كف ء ثم مات أحدهما قبل المرافعة إلى القاضي توارثا اما على قول
أبي حنيفة رحمه الله تعالى فظاهر وأما على قول أبي يوسف رحمه الله تعالى فلان تصرفها في حق
نفسها صحيح ومعنى التوقف لدفع الضرر عن الولي ولهذا لا ينفسخ بفسخ الولي وإنما انتهى
النكاح الصحيح بالموت فيجري التوارث بينهما وعلى قول محمد رحمه الله تعالى لا يتوارثان لا
ن أصل العقد كان موقوفا وفي العقد الموقوف لا يجري التوارث وعلى هذا لو ظاهر منها
أو آلى منها صح عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى خلافا لمحمد رحمه الله تعالى وان
كانت قصرت في مهرها فزوجت نفسها بدون صداق مثلها كان للأولياء والاعتراض حتى
13

يبلغ بها مهر مثلها أو يفرق بينهما في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعلى قول أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله تعالى لا يثبت للأولياء حق الاعتراض إلا أن قول محمد رحمه الله تعالى لا يتحقق
في تزويجها نفسها وإنما يتحقق فيما قال في كتاب الاكراه وإذا أكرهت المرأة الولي على أن
يزوجها بأقل من مهر مثلها فزوجها ثم زال الاكراه فرضيت المرأة وأبى الولي أن يرضى
فليس له ذلك في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لان المهر من خالص حقها فإنه
بدل ما هو مملوك لها ألا ترى أن الاستيفاء والابراء إليها والتصرف فيه كيف شاءت
وتصرفها فيما هو خالص حقها صحيح فلا يكون للأولياء حق الاعتراض وأبو حنيفة رحمه
الله تعالى يقول إنها ألحقت الضرر بالأولياء فيكون لهم حق الاعتراض كما لو زوجت نفسها
من غير كف ء وبيان ذلك أن الأولياء يتفاخرون بكمال مهرها ويعيرون بنقصان مهرها
فان ذلك مهر المومسات الزانيات عادة وفيه يقول القائل
وما علي أن تكون جاريه * تمشط رأسي وتكون فإليه
حتى ما إذا بلغت ثمانية * زوجتها مروان أو معاوية
أختان صدق ومهور غاليه
ومع لحوق العار بالأولياء فيه الحاق الضرر بنساء العشيرة أيضا فان من تزوج منهن بعد هذا بغير
مهر فإنما يقدر مهرها بمهر هذه فعرفنا أن في ذلك ضررا عليهن وإنما يذب عن نساء العشيرة
رجالها فكان لهم حق الاعتراض فأما بعد تسمية الصداق كاملا صار حق العشيرة مستوفي
وبقاء المهر يخلص لها فإن شاءت استوفت وإن شاءت أبرأت وهو نظير حق الشرع
في تسمية أصل المهر في الابتداء وإن كان البقاء يخلص لها وان طلقها قبل أن يدخل بها كان
لها نصف ما سمي لها لان الطلاق قبل الدخول مسقط للصداق قياسا فان المعقود عليه
يعود إليها كما خرج عن ملكها وذلك سبب لسقوط البدل الا انا أوجبنا لها نصف المسمى
بالنص وهو قوله تعالى فنصف ما فرضتم فلا تجب الزيادة على ذلك وان فرق القاضي بينهما
فإن كان قبل الدخول بها فلا شئ عليه لأنه فسخ أصل النكاح بهذا التفريق فلا يجب لها
شئ وان ولت المرأة أمرها رجلا فزوجها كفؤا فهو بمنزلة تزويجها نفسها وفي قول محمد
رحمه الله تعالى لا يجوز ذلك كما لا يجوز تزويجها نفسها زاد في نسخ أبي حفص رضي الله عنه
فقال إلا أن يكون لها ولي فحينئذ يجوز وهذا شئ رواه أبو رجاء بن أبي رجاء عن محمد
14

رحمهما الله تعالى أنه قال سألته عن النكاح بغير ولى فقال لا يجوز قلت فإن لم يكن لها ولي
قال يرفع أمرها إلى الحاكم ليزوجها قلت فإن كانت في موضع لا حاكم في ذلك الموضع قال
يفعل ما قال سفيان رحمه الله تعالى قلت وما فعل سفيان قال تولى أمرها رجلا ليزوجها ثم قد
صح رجوع محمد إلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى في النكاح بغير ولي وعلى ذلك تنبني
مسائل الجامع يقول في الكتاب فان طلقها ثلاثا قبل أن يجيز الحاكم أو الولي عقدها
يكون هذا ردا للنكاح وهو قول محمد رحمه الله تعالى فاما عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما
الله تعالى تصح التطليقات الثلاث ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وعند محمد رحمه الله
تعالى لا يقع الطلاق ولكن هذا رد للنكاح الا انه يكره له ان يتزوجها ثانيا قبل أن تتزوج
بزوج آخر لاختلاف العلماء واشتباه الاخبار في جواز النكاح بغير ولي ولان ترك نكاح
امرأة تحل له خير من أن يتزوج امرأة لا تحل له ولكنه لو تزوجها لم يفرق بينهما عنده لان
الطلاق لم يكن واقعا عليها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب الوكالة في النكاح) *
(قال) وإذا خطب الرجل امرأة على رجل غائب لم يأمره فزوجت نفسها أو زوجها أبوها
برضاها فقدم الغائب أو بلغه ذلك فأجاز النكاح فهو جائز عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى
هو باطل بناء على أصله ان العقود لا تتوقف على الإجازة وهي مسألة في البيوع معروفة وعندنا
تتوقف العقود على الإجازة وكل عقد لو سبق الاذن به ممن يقع له كان صحيحا فإنه يتوقف
على اجازته فإذا أجازه في الانتهاء جعل ذلك كالاذن في الابتداء ولو عقد هذا العقد باذنه
في الابتداء كان صحيحا فكذلك بإجازته في الانتهاء وهذا لان ركن العقد هو الايجاب والقبول
وذلك من حق المتعاقدين وقد أضافه إلى محل قابل للعقد فيتم به الانعقاد إذ لا ضرر على
الغائب في انعقاد العقد وإنما الضرر عليه في التزام العقد وقد يتراخى الالتزام عن أصل العقد
فتثبت صفة الانعقاد لأنه حق المتعاقدين ويتوقف تمامه وثبوت حكمه على إجازة من وقع
العقد له دفعا للضرر عنه ولو أن الغائب وكل هذا الحاضر بكتاب كتبه إليه حتى زوجها منه
كان صحيحا وكذلك لو كتب إليها يخطبها فزوجت نفسها منه كان صحيحا والأصل فيه ما
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي يخطب أم حبيبة رضي الله عنها فزوجها
15

النجاشي منه وكان هو وليها بالسلطنة وروى أنه زوجها منه قبل أن يكتب به رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه وكلاهما حجة لنا على أن
النكاح تلحقه الإجازة وان الخطبة بالكتاب تصح وهذا لان الكتاب ممن نأي كالخطاب
ممن دنى فان الكتاب له حروف ومفهوم يؤدي عن معنى معلوم فهو بمنزلة الخطاب من
الحاضر وكان الحسن بن حي رحمه الله تعالى يقول لا ينعقد النكاح بالكتاب لعظم خطر أمر
النكاح وهذا فاسد فان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ الرسالة بقوله تعالى
يا أيها الرسول بلغ وقد بلغ تارة بالكتاب وتارة باللسان فإنه كتب إلى ملوك الآفاق يدعوهم
إلى الدين وكان ذلك تبليغا تاما فكذلك في عقد النكاح الكتاب بمنزلة الخطاب الا انه إذا
كتب إليها فبلغها الكتاب فقالت زوجت نفسي منه بغير محضر من الشهود لا ينعقد
النكاح كما في حق الحاضر فان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح الا بشهود ولو قالت
بين يدي الشهود زوجت نفسي منه لا ينعقد النكاح أيضا لان سماع الشهود كلام المتعاقدين
شرط لجواز النكاح وإنما سمعوا كلامها هنا لا كلامه ولو كانت حين بلغها الكتاب قرأته على
الشهود وقالت إن فلانا كتب إلي يخطبني فاشهدوا اني قد زوجت نفسي منه فهذا صحيح
لأنهم سمعوا كلام الخاطب باسماعها إياهم إما بقراءة الكتاب أو العبارة عنه وسمعوا كلامها حيث
أوجبت العقد بين أيديهم فلهذا تم النكاح وهذا بخلاف البيع فان المكتوب إليه إذا قال
هناك بعت هذه العين من فلان بكذا جاز وإن لم يكن بحضرة الشهود أو كان بحضرتهم ولم
يقرأ الكتاب عليهم لان البيع يصح بغير شهود كما في الحاضر إلا أنه ذكر في الكتاب في البيع
أنه إذا كتب إليه أن بعني كذا بكذا فقال بعت يتم البيع وقد طعنوا في هذا فقالوا أن البيع
لا ينعقد بهذا اللفظ من الحاضر فان من قال لغيره بع عبدك منى بكذا فقال بعت لا ينعقد ما
لم يقل الثاني اشتريت لأنه لابد في البيع من لفظين هما عبارة عن الماضي بخلاف النكاح فان
النكاح ينعقد بلفظين أحدهما عبارة عن الماضي والآخر عن المستقبل والشافعي ومحمد رحمهما
الله تعالى سويا بينهما والفرق لعلمائنا رحمهم الله تعالى أن البيع يقع بغتة وفلتة فقوله يعني يكون
استياما عادة فلا بد من الايجاب والقبول بعده فأما النكاح يتقدمه خطبة ومراودة فقلما
يقع بغتة فقوله زوجني يكون أحد شطرى العقد توضيح الفرق أن قوله زوجيني نفسك
تفويض للعقد إليها وكلام الواحد في باب النكاح يصلح لاتمام العقد إذا كان الامر مفوضا
16

إليه من الجانبين فيمكن أن يجعل قولها زوجت نفسي عقدا تاما وفي باب البيع كلام الواحد
لا يصلح لاتمام العقد من الجانبين وإن كان مفوضا إليه من الجانبين فكان قوله بعت منك
شطر العقد فلا بد من أن ينضم إليه الشطر الثاني ليصح إذا عرفنا هذا فنقول مراد محمد
رحمه الله تعالى هنا بيان الفرق بين النكاح والبيع في شرط الشهود دون اللفظ الذي ينعقد
به البيع أو نقول بعني قوله من الحاضر يكون استياما عادة فأما من الغائب إذا كتب إليه
فقوله بعني يكون أحد شطري العقد فإذا انضم إليه الشطر الثاني تم البيع فان جاء الزوج
بالكتاب مختوما إلى الشهود وقال هذا كتابي إلى فلانة فاشهدوا على ذلك لم يجز ذلك في قول
أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى حتى يعلم الشهود ما في الكتاب وهو قول أبي يوسف الأول
ثم رجع فقال يجوز ولا يشترط اعلام الشهود بما في الكتاب وأصل الخلاف في كتاب
القاضي إلى القاضي عند أبي يوسف رحمه الله تعالى تجوز الشهادة على الكتاب والختم وان
كأن لا يعلم الشهود ما في الكتاب وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا تجوز لان
المشهود به ما في الكتاب لا نفس الكتاب ولكن استحسن أبو يوسف رحمه الله تعالى
فقال قد يشتمل الكتاب على شرط لا يعجبهم اعلام الشهود بذلك وإذا كان مختوما يؤمن
من الزيادة والنقصان فيه فيكون صحيحا ثم في هذا الكتاب قال يجوز عند أبي يوسف رحمه
الله تعالى مختوما كان أو غير مختوم وذكر في الأمالي أن الكتاب إذا كان غير مختوم
لا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى أصلا وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى لا
يجوز إلا أن يعلم الشهود ما فيه وإذا كان مختوما فحينئذ هل يشترط اعلام الشهود ما فيه فعن
أبي يوسف رحمه الله تعالى فيه روايتان وكما ينعقد النكاح بالكتاب ينعقد البيع وسائر
التصرفات للمعنى الذي قلنا (قال) ويجوز للواحد أن ينفرد بالعقد عند الشهود على الاثنين
إذا كان وليا لهما أو كيلا عنهما وعلى قول زفر رحمه الله تعالى إن كان وليهما جاز وإن كان
وكيلا لا يجوز أما زفر رحمه الله تعالى يقول النكاح عقد معاوضة فلا يباشره الواحد من
الجانبين كعقد البيع وهو قياس يوافقه الأثر وهو ما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح خاطب وولي وشاهدا عدل والشافعي رحمه الله تعالى
بنحوه يستدل في الوكيل من الجانبين أنه لا يتم العقد بعبارته لأنه لا ضرورة في توكيل
الواحد من الجانبين بخلاف ما إذا كان وليا من الجانبين لان في تنفيذ العقد بعبارته ضرورة
17

لان أكثر ما في الباب أن يأمر غير من أحد الجانبين فيكون مأموره قائما مقامه وهو
الولي من الجانبين شرعا فيملك مباشرة العقد وهو نظير ما قلتم في الأب إذا باع مال ولده
من نفسه بمثل قيمته يجوز ولا يجوز يبعه من غيره ووجه قول علمائنا قوله تعالى وان خفتم أن
لا تقسطوا في اليتامى أي في نكاح اليتامى فهو دليل على أن للولي أن يزوج وليته من نفسه
وكذا قوله تعالى وترغبون أن تنكحوهن دليل على أن للولي أن يزوج وليته من نفسه وفي
الحديث أن شرط علي رضي الله تعالى عنه أتوه بشيخ من جارية فسأله عن قصتها فقال إنها ابنة
عمي وأني خشيت أنها إذ بلغت ترغب عنى فتزوجتها فقال خذ بيد امرأتك والمعني فيه أن
العاقد في باب النكاح سفير ومعبر والواحد كما يصلح أن يكون معبرا عن الواحد يصلح أن
يكون معبرا عن اثنين ودليل الوصف أنه لا يستغنى عن إضافة العقد إلى الزوجين وبه يظهر
الفرق بينه وبين البيع فإنه يستغنى عن إضافة العقد إلى غيره فكان مباشرا للعقد لا معبرا
توضيحه ان حقوق العقد في باب البيع تتعلق بالعاقد فإذا باشر العقد من الجانبين يؤدي إلى
تضاد الاحكام لأنه يكون مطالبا مطالبا مسلما مستلما مخاصما مخاصما وفي باب النكاح لا تتعلق
الحقوق بالعقد فلا يؤدي إلى تضاد الاحكام ولهذا قلنا ببيع الأب مال ولده من نصيبه لأنه
في جانب الصغير يكون ملزما إياه حقوق العقد بولايته عليه حتى إذا بلغ كانت الخصومة في
ذلك إليه دون الأب بخلاف بيعه من غيره فلا يؤدي إلى تضاد الاحكام توضيحه ان البيع
لا يصح الا بتسمية الثمن فإذا تولاه من الجانبين كان مستزيدا مستنقصا وذلك لا يجوز والنكاح
يصح من غير تسمية المهر فلا يؤدي إلى هذا المعني إذا باشره الواحد من الجانبين وعلى هذا
روى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى في الكتابة أن الواحد لا يباشره من الجانبين لأنه
لا يصح الا بتسمية البدل فأما على ظاهر الرواية يجوز لان حقوق العقد في الكتابة لا تتعلق
بالعاقد بل هو معتبر كما في النكاح ولا حجة لهم في هذا الحديث لان هذا النكاح قد
حضره أربعة معنى فإنه إذا اجتمع وصفان في واحد كان بمنزلة المثنى من حيث المعنى لاعتبار كل
صفة على حدة فان هذا الواحد إذا كان وليا أو وكيلا من أحد الجانبين دون الآخر وفضوليا من
الجانب الآخر أو لم يكن وليا ولا وكيلا من الجانبين ولكنه فضولي باشر النكاح بمحضر من
الشهود فبلغ الزوجين فأجازاه لم يجز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو قول أبي
يوسف رحمه الله تعالى الأول وجاز في قوله الآخر وكذلك لو قال الزوج بين يدي الشهود
18

أشهدوا أني تزوجت فلانة ولم يخاطب عنها أحدا فبلغها فأجازت أو قالت المرأة اشهدوا اني قد
زوجت نفسي من فلان ولم تخاطب عنه أحدا فبلغه فأجاز فهو على هذا الخلاف ولو قبل فضولي
من جهة الغائب ينعقد موقوفا بالاتفاق حتى لو أجاز يجوز. أبو يوسف رحمه الله تعالى يقول
الإجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء وإذا كان كلام الواحد في باب النكاح عقدا تاما
باعتبار الاذن في الابتداء فكذلك باعتبار الإجازة في الانتهاء وجعل هذا قياس الطلاق
والعتاق بمال فان كلام الواحد فيه لما كان عقدا تاما عند الاذن كان عقدا موقوفا على إجازة
الغائب عند عدم الإذن وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا النكاح عقد معاوضة محتمل
للفسخ فكلام الواحد فيه يكون شطر العقد وشطر العقد لا يتوقف على ما وراء المجلس كما في
البيع بخلاف الطلاق والعتاق فإنه لا يحتمل الفسخ بعد وقوعه أصلا وتحقيقه ان قول الرجل
طلقت فلانة بكذا أو أعتقت عبدي فلانا بكذا يكون تعليقا للطلاق والعتاق بالقبول لان
تعليقهما بالشرط صحيح فإذا بلغهما فقبلا وقع لوجود الشرط وفي النكاح قوله زوجت فلانة
لا يمكن ان يجعل تعليقا لان النكاح لا يحتمل التعليق بالشرط فكان هذا شطر العقد ولا
يدخل على هذا ما لو قال الزوج بمحضر منها طلقتك بكذا فقامت عن المجلس قبل القبول فإنه
يبطل ذلك ولو كان تعليقا بالشرط لما بطل بقيامها عن المجلس لان من التعليقات ما يقتصر
على وجود الشرط في المجلس كقوله لها أنت طالق إن شئت يقتصر على وجود المشيئة في
المجلس فهذا مثله وهذا بخلاف ما إذا كان مأمورا من الجانبين لان هناك عبارته تنتقل إليهما
فيصير قائما مقام عبارتهما فإنما يكون تمام العقد بالمثنى من حيث المعني وهنا لا تنتقل عبارته
إلى الغير لأنه غير مأمور به فإذا بقي مقصورا عليه كان شطر العقد والدليل عليه انه لو قال
لها تزوجتك وهي حاضرة كان هذا شطر العقد حتى لا يتوقف على اجازتها بعد قيامها من
ذلك المجلس فكذا إذا قال ذلك وهي غائبة يكون هذا شطر العقد ولو كان عقد النكاح بين
فضوليين خاطب أحدهما عن الرجل والآخر عن المرأة فبلغهما فأجازا جاز ذلك العقد لأنه
جرى بين اثنين ولو كانا وكيلين كان كلامهما عقدا تاما فكذلك إذا كانا فضوليين يكون
كلامهما عقدا موقوفا * (قال) * وليس على العاقد في باب النكاح وليا كان أو وكيلا حق قبض
مهرها بدون أمرها لما بينا انه معبر لا يتعلق به شئ من حقوق العقد وكما لا يتوجه عليه المطالبة
بتسليم المعقود عليه لا يكون إليه قبض البدل وكذلك الوكيل من جانب الزوج لا يكون عليه
19

من المهر شئ كما لا يكون إليه قبض المعقود عليه واليه أشار علي رضي الله عنه في قوله الصداق
على من أخذ الساق الا الأب في حق ابنته البالغة فإنه يقبض مهرها فيجوز ذلك استحسانا
وقد بيناه (قال) وإذا أرسل إلى المرأة رسولا حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا فهو سواء لان
الرسالة تبليغ عبارة المرسل إلى المرسل إليه ولكل واحد من هؤلاء عبارة مفهومة فيصلح
أن يكون رسولا الا ترى ان سليمان عليه السلام جعل الهدهد رسولا في تبليغ كتابه إلى
بلقيس فالآدمي المميز أولى ان يصلح لذلك فإذا بلغ الرسالة فقال إن فلانا سألك ان تزوجيه
نفسك فأشهدت انها قد تزوجته كان ذلك جائزا إذا أقر الزوج بالرسالة أو أقامت عليه
البينة لان الرسول بلغها رسالة المرسل فكأنه حضر بنفسه وعبر عن نفسه بين يدي
الشهود وقد سمع الشهود كلامها أيضا فكان نكاحا بسماعهما كلام المتعاقدين وإذا أنكر
الرسالة ولم تقم عليه البينة لها فالقول قوله ولا نكاح بينهما لان الرسالة لما لم تثبت كان المخاطب
فضوليا ولم يرض الزوج بما صنع فلا نكاح بينهما فإن كان الرسول قد خطبها وضمن
لها المهر وزوجها إياه وقال قد أمرني بذلك فالنكاح لازم للزوج ان أقر أو قامت عليه البينة
بالأمر والضمان لازم للرسول إن كان من أهل الضمان لأنه جعل نفسه زعيما بالمهر
والزعيم غارم وان جحد الزوج ولم يكن عليه بينة بالأمر فلا نكاح بينهما لما قلنا وللمرأة
على الرسول نصف الصداق من قبل أنه مقر بأنه قد أمره وان النكاح جائز وان الضمان
قد لزمه واقراره على نفسه صحيح وذكر في كتاب الوكالة ان على الرسول جميع المهر بحكم
الضمان فقيل ما ذكر هنا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقول أبي يوسف الأول وما ذكر
هناك قول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد رحمه الله بناء على أن قضاء القاضي ينفذ ظاهرا
وباطنا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف الأول فنفذ قضاؤه بالفرقة هنا قبل الدخول وسقط
نصف الصداق عن الزوج فيسقط عن الكفيل أيضا وعلى قول أبي يوسف الآخر وهو
قول محمد رحمه الله تعالى لا ينفذ قضاؤه باطنا فيبقى جميع المهر واجبا على الزوج ويكون
الكفيل مطالبا به لإقراره وقيل بل فيه روايتان وجه تلك الرواية ان الزوج منكر لأصل
النكاح وانكاره أصل النكاح لا يكون طلاقا فلا يسقط به شئ من الصداق بزعم الكفيل
ووجه هذه الرواية أنه أنكر وجوب الصداق عليه وهو مالك لاسقاط نصف الصداق
عن نفسه بسبب يكسبه فيجعل مسقطا فيما يمكنه اسقاطه ومن ضرورة سقوط نصف
20

الصداق عن الأصيل سقوطه عن الكفيل فلهذا كان الكفيل ضامنا لنصف الصداق
(قال) فإن كان الرسول قال لم يأمرني ولكن أزوجه وأضمن عنه المهر ففعل ثم أجاز الزوج جاز
عليه ولزم الزوج الضمان لان الإجازة في الانتهاء بمنزلة الاذن في الابتداء وان أبى الزوج أن يجيز
النكاح لم يكن على الرسول شئ من الضمان لان أصل السبب انتفى برد الزوج النكاح فينتفي
حكمه وهو وجوب الصداق وبراءة الأصيل حقيقة توجب براءة الكفيل (قال) وان أمره
أن يزوجه امرأة بعينها على مهر قد سماه فزوجها إياه وزاد عليه في المهر فإن شاء الزوج أجازه
وان شاء رده لأنه أتى بخلاف ما أمر به فكان مبتدئا فيتوقف عقده على اجازته وإن لم يعلم الزوج
بذلك حتى دخل بها فهو بالخيار أيضا لان دخوله بها كان باعتبار أنه امتثل الوكيل أمره فلا
يصير به راضيا بما خالف فيه الوكيل فان الرضا بالشئ لا يتحقق قبل العلم به فكان على خياره
ان شاء أقام معها بالمهر المسمى وان شاء فارقها وكان لها الأقل من المسمى ومن مهر مثلها لان
الدخول بحكم النكاح الموقوف بمنزلة الدخول في النكاح الفاسد فيسقط به الحد للشبهة ويجب
الأقل من المسمى ومن مهر المثل لان الوطئ في غير الملك لا ينفك عن عقوبة أو غرامة (قال)
فإن كان الرسول ضمن لها المهر ولم يدخل بها الزوج وأخبرهم أنه أمره بذلك ثم رد الزوج
النكاح للزيادة في المهر فعلى الرسول نصف المسمى لإقراره على نفسه انه أمره به وهذا
لان انكار الزوج الامر بالزيادة بمنزلة انكاره الامر بالعقد أصلا كما بيناه في الفصل الأول
(قال) فان قال الرسول أنا أغرم المهر وألزمك النكاح لم يكن له ذلك إلا أن يشاء الزوج لأنه
فيما باشر من العقد غير ممتثل أمره فكان بمنزلة الفضولي والفضولي ولا يملك أن يلزم عليه حكم
العقد الا برضاه وهذا لأنه وان تبرع بأداء الزيادة فلا بد من أن يجب على الزوج أولا لان
المسمى في العقد صداق والصداق مطلقا يجب على الزوج وقد تعذر إلزام الزوج بذلك وانعدم
منها الرضا بدونه (قال) وإذا وكل الرجل الرجل أن يزوجه امرأة فزوجها إياه وضمن لها
عنه المهر جاز ذلك ولم يرجع به الوكيل على الزوج لأنه ضمن عنه بغير أمره فان أمره إياه
بالنكاح لا يكون أمرا بالتزام الصداق لان الوكيل بالنكاح سفير ومعبر لا ملتزم ومن ضمن
عن غيره دينه بغير أمره لم يرجع به عليه لان تبرعه بالضمان كتبرعه بالأداء فإن كان أمره
بذلك رجع عليه كما لو أمره بالأداء (قال) وإذا كان العقد من الوكيل بشهود جاز وإن لم
يكن على التوكيل شهود لان التوكيل بالنكاح ليس بنكاح والشهود من خصائص شرائط
21

النكاح وإنما شرط الشهود في النكاح لأنه يتملك به البضع فلاظهار خطره اختص بشهود
وذلك لا يوجد في التوكيل فان البضع لا يتملك بالتوكيل فهو بمنزلة التوكيل بسائر العقود (قال)
وإذا أدخل على الرجل غير امرأته فدخل بها فعلى الزوج مهر التي دخل بها لأنه دخل بها بشبهة
النكاح بخبر المخبر انها امرأته وخبر الواحد في المعاملات حجة فيصير شبهة في اسقاط
الحد فإذا سقط الحد وجب المهر وعليها العدة ويثبت نسب ولدها منه ولا تتقى في عدتها ما تتقى
المعتدة وبنحوه قضى علي رضي الله عنه في الوطئ بالشبهة والحداد إظهار التحزن على فوات نعمة
النكاح وذلك لا يوجد في الوطئ بالشبهة وليس لها عليه نفقة العدة لان وجوب النفقة
باعتبار ملك اليد الثابت بالنكاح وذلك غير موجود في الوطئ بالشبهة ولأنه يبقى بالعدة
ما كان ثابتا من النفقة بأصل النكاح ولم يكن لها نفقة مستحقة هنا ليبقى ذلك ببقاء العدة
ولا يرجع بالمهر على الذي أدخلها عليه لأنه وجب عليه عوضا عما استوفى وهو الذي نال
اللذة بالاستيفاء فلا يرجع بالعوض على غيره ولان المخبر أخبر بكذب من غير أن ضمن له
شيئا وهذا العقد من الغرور لا يثبت له الرجوع عليه كمن أخبره بأمن الطريق فسلك فيه
حتى أخذ اللصوص متاعه (قال) فإن كانت هذه أم امرأته حرمت عليه امرأته بالمصاهرة
ولها عليه نصف الصداق لوقوع الفرقة قبل الدخول بسبب من جهة الزوج ولا يرجع به
على أحد أيضا لما قلنا وان كانت بنت امرأته حرمت عليه امرأته بالمصاهرة وله أن يتزوج
التي دخل بها لان مجرد العقد على الأم لا يوجب حرمة الربيبة وليس له أن يتزوج أم التي
دخل بها لان بالدخول بالبنت تحرم الأم على التأبيد بخلاف الفصل الأول فان هناك لا يتزوج
واحدة منهما لوجود العقد الصحيح على البنت والدخول بالأم ولو كانت هذه أخت امرأته
أو ذات رحم محرم منها لم يقرب امرأته حتى تنقضي عدتها لان أختها معتدة منه فلو قربها كان
جامعا ماءه في رحم أختين وذلك لا يجوز والله أعلم بالصواب
* (باب الأكفاء) *
* (قال) * إعلم ان الكفاءة في النكاح معتبرة من حيث النسب الا على قول سفيان الثوري
رحمه الله تعالى فإنه كأن يقول لا معتبر في الكفاءة من حيث النسب وقيل إنه كان من
العرب فتواضع ورأي الموالي اكفاء له وأبو حنيفة رحمه الله تعالى كان من الموالي فتواضع
22

ولم ير نفسه كفؤا للعرب وحجته في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم الناس سواسية كأسنان
المشط لا فضل لعربي على عجمي إنما الفضل بالتقوى وهذا الحديث يؤيده قوله تعالى ان
أكرمكم عند الله اتقاكم وقال صلى الله عليه وسلم كلكم بنو آدم طف للصاع لم يملا وقال
الناس كابل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة واحدة فهذه الآثار تدل على المساواة وان
التفاضل بالعمل ومن أبطا به عمله لم يسرع به نسبه وخطب أبو طيبة امرأة من بني بياضة
فأبوا ان يزوجوه فقال صلى الله عليه وسلم زوجوا أبا طيبة الا تفعلوه تكن فتنة في الأرض
وفساد كبير فقالوا نعم وكرامة وخطب بلال رضي الله عنه إلى قوم من العرب فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم قل لهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم ان
تزوجوني وان سلمان خطب بنت عمر رضي الله عنه فهم ان يزوجها منه ثم لم يتفق ذلك
وحجتنا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم قريش بعضهم أكفاء لبعض بطن ببطن
والعرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة والموالي بعضهم أكفاء لبعض رجل برجل وفي
حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا لا يزوج النساء الا الأولياء
ولا يزوجن الا من الأكفاء وما زالت الكفاءة مطلوبة فيما بين العرب حتى في القتال
بيانه في قصة الثلاثة الذين خرجوا يوم بدر للبراز عتبة وشيبة والوليد فخرج إليهم ثلاثة من
فتيان الأنصار فقالوا لهم انتسبوا فانتسبوا فقالوا أبناء قوم كرام ولكنا نريد أكفاءنا من
قريش فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك فقال صلى الله عليه وسلم
صدقوا وأمر حمزة وعليا وعبيدة بن الحارث رضوان الله عليهم أجمعين بأن يخرجوا إليهم
فلما لم ينكر عليهم طلب الكفاءة في القتال ففي النكاح أولى وهذا لان النكاح يعقد للعمر
ويشتمل على أغراض ومقاصد من الصحبة والألفة والعشرة وتأسيس القرابات وذلك لا يتم
الا بين الأكفاء وفي أصل الملك على المرأة نوع ذلة واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته واذلال النفس حرام قال صلى الله عليه وسلم
ليس للمؤمن أن يذل نفسه وإنما جوز ما جوز منه لأجل الضرورة وفي استفراش من لا يكافئها
زيادة الذل ولا ضرورة في هذه الزيادة فلهذا اعتبرت الكفاءة والمراد من الآثار التي رواها في
أحكام الآخرة وبه نقول إن التفاضل في الآخرة بالتقوى وتأويل الحديث الآخر الندب
إلى التواضع وترك طلب الكفاءة لا الالزام وبه نقول إن عند الرضا يجوز العقد ويحكي عن
23

الكرخي رحمه الله تعالى انه كأن يقول الأصح عندي أن لا تعتبر الكفاءة في النكاح أصلا لان
الكفاءة غير معتبرة فيما هو أهم من النكاح وهو الدماء فلأن لا تعتبر في النكاح أولى ولكن
هذا ليس بصحيح فان الكفاءة غير معتبرة في الدين في باب الدم حتى يقتل المسلم بالكافر ولا
يدل ذلك على أنه غير معتبر في النكاح إذا عرفنا هذا فنقول الكفاءة في خمسة أشياء (أحدها)
النسب وهو على ما قال قريش أكفاء بعضها لبعض فأنهم فيما بينهم يتفاضلون وأفضلهم بنو
هاشم ومع التفاضل هم أكفاء ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضى
الله تعالى عنها وكانت تيمية وتزوج حفصة رضى الله تعالى عنها وكانت عدوية وزوج ابنته من
عثمان رضي الله تعالى عنه وكان عبشميا فعرفنا أن بعضهم أكفاء لبعض. وروى عن محمد
رحمه الله تعالى أنه قال إلا أن يكون نسبا مشهورا نحو أهل بيت الخلافة فان غيرهم لا يكافئهم
وكأنه قال ذلك لتسكين الفتنة وتعظيم الخلافة لا لانعدام أصل الكفاءة والعرب بعضهم
أكفاء لبعض فان فضيلة العرب بكون رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ونزول القرآن
بلغتهم وقال صلى الله عليه وسلم حب العرب من الايمان وقال صلى الله عليه وسلم لسلمان
رضي الله تعالى عنه لا تبغضني قال وكيف أبغضك وقد هداني الله بك قال تبغض العرب
فتبغضني ولا تكون العرب كفؤا لقريش والموالي لا يكونون كفؤا للعرب كما قال صلى الله
عليه وسلم والموالي بعضهم أكفاء لبعض وهذا لان الموالي ضيعوا أنسابهم فلا يكون
التفاخر بينهم بالنسب بل بالدين كما أشار إليه سلمان رضي الله تعالى عنه حين تفاخر جماعة
من الصحابة بذكر الأنساب فلما انتهى إلى سلمان رضي الله تعالى عنه قالوا سلمان ابن من
فقال سلمان ابن الاسلام فبلغ ذلك عمر رضي الله تعالى عنه فبكى وقال وعمر ابن الاسلام
فمن كان من الموالي له أبوان في الاسلام فهو كفؤ لمن له عشرة آباء لان النسبة تتم بالانتساب
إلى الأب والجد فمن كان له أبوان مسلمان فله في الاسلام نسب صحيح ومن أسلم بنفسه
لا يكون كفؤا لمن له أب في الاسلام ومن أسلم أبوه لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الاسلام
لان هذا يحتاج في النسبة إلى الأب الكافر وذلك منهى عنه لما روى أن رجلا انتسب إلى تسعة
آباء في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم هو عاشرهم في النار ولكن هذا إذا كان على سبيل
التفاخر دون التعريف (والثاني) الكفاءة في الحرية فان العبد لا يكون كفؤا لامرأة حرة
الأصل وكذلك المعتق لا يكون كفؤا لحرة الأصل والمعتق أبوه لا يكون كفؤا لامرأة
24

لها أبوان في الحرية وهذا لان الرق أثر من آثار الكفر وفيه معنى الذل فكان هو بمنزلة أصل
الدين من الوجه الذي قلنا وقد روى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى ان الذي أسلم بنفسه
أو أعتق لو أحرز من الفضائل ما يقابل نسب الآخر كان كفؤا له (والثالث) الكفاءة من
حيث المال فان من لا يقدر على مهر امرأة ونفقتها لا يكون كفؤا لها لان المهر عوض بضعها
والنفقة تندفع بها حاجتها وهي إلى ذلك أحوج منها إلى نسب الزوج فإذا كانت تنعدم
الكفاءة بضعة نسب الزوج فبعجزه عن المهر والنفقة أولى وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى
قال إذا كان يقدر على ما يعجله ويكتسب فينفق عليها يوما بيوم كان كفؤا لها وأما إذا كان
قادرا على المهر والنفقة كان كفؤا لها وان كانت المرأة صاحبة مال عظيم وبعض المتأخرين
اعتبروا الكفاءة في كثرة المال لحديث عائشة رضي الله عنها رأيت ذا المال مهيبا ورأيت
ذا الفقر مهينا وقالت إن أحساب ذوي الدنيا المال والأصح أن ذلك لا يعتبر لان كثرة
المال في الأصل مذموم قال صلى الله عليه وسلم هلك المكثرون الا من قال بماله هكذا وهكذا
يعني تصدق به (والرابع) الكفاءة في الحرف والمروي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن ذلك
غير معتبر أصلا وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه معتبر حتى أن الدباغ والحجام والحائك
والكناس لا يكون كفؤا لبنت البزاز والعطار وكأنه اعتبر العادة في ذلك وورد حديث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الناس أكفاء الا الحائك والحجام ولكن أبو حنيفة
رحمه الله تعالى قال الحديث شاذ لا يؤخذ به فيما تعم به البلوى والحرفة ليست بشئ لازم فالمرء
تارة يحترف بحرفة نفيسة وتارة بحرفة خسيسة بخلاف صفة النسب لأنه لازم له وذل الفقر
كذلك فأن لا يفارقه (والخامس) الكفاءة في الحسب وهو مروي عن محمد رحمه الله تعالى
قال هو معتبر حتى أن الذي يسكر فيخرج فيستهزئ به الصبيان لا يكون كفؤا لامرأة
صالحة من أهل البيوتات وكذلك أعوان الظلمة من يستخف به منهم لا يكون كفؤا
لامرأة صالحة من أهل البيوتات إلا أن يكون مهيبا يعظم في الناس وعن أبي يوسف رحمه
الله تعالى قال الذي يشرب المسكر فإن كان يسر ذلك فلا يخرج سكران كان كفؤا وإن كان
يعلن ذلك لم يكن كفؤا لامرأة صالحة من أهل البيوتات ولم ينقل عن أبي حنيفة
رحمه الله تعالى شئ من ذلك والصحيح عنده انه غير معتبر لان هذا ليس بلازم حتى لا يمكن
تركه (قال) وإذا وإذا زوجت المرأة نفسها من غير كف ء فللأولياء أن يفرقوا بينهما لأنها
25

ألحقت العار بالأولياء فإنهم يتعيرون بأن ينسب إليهم بالمصاهرة من لا يكافئهم فكان لهم أن
يخاصموا لدفع ذلك عن أنفسهم ولا يكون التفريق بذلك إلا عند القاضي لأنه فسخ للعقد
بسبب نقص فكان قياس الرد بالعيب بعد القبض وذلك لا يثبت الا بقضاء القاضي ولأنه
مختلف فيه بين العلماء فكان لكل واحد من الخصمين نوع حجة فيما يقول فلا يكون التفريق
الا بالقضاء وما لم يفرق القاضي بينهما فحكم الطلاق والظهار والايلاء والتوارث قائم بينهما
لان أصل النكاح انعقد صحيحا في ظاهر الرواية فإنه لا ضرر على الأولياء في صحة العقد
وإنما الضرر عليهم في اللزوم فتتوفر عليه أحكام العقد الصحيح فإذا فرق القاضي بينهما
كانت فرقة بغير طلاق لان هذا التفريق كان على سبيل الفسخ لأصل النكاح
والطلاق تصرف في النكاح فما يكون فسخا لأصل النكاح عندنا لا يكون تصرفا فيه ولان
الطلاق إلى الزوج فتفريق القاضي متى كان على وجه النيابة عن الزوج كان طلاقا وهذا
التفريق ليس على وجه النيابة عنه فإذا لم يكن طلاقا قلنا لا مهر لها عليه إن لم يكن دخل بها
وإن كان دخل بها أو خلا بها فلها ما سمى من المهر وعليها العدة لان أصل النكاح كان
صحيحا فيتقرر المسمى بالتسليم اما بالدخول أو بالخلوة والمكاتب والمدبر نظير العبد في أنه
لا يكون كفؤا للحرة لان الرق فيهما قائم قال صلى الله عليه وسلم المكاتب عبد ما بقي عليه
درهم (قال) وإذا تزوجت المرأة غير كف ء فرضى به أحد الأولياء جاز ذلك ولا يكون لمن
هو مثله في الولاية أو أبعد منه ان ينقضه إلا أن يكون أقرب منه فحينئذ له المطالبة بالتفريق
وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى في نوادر هشام إذا رضى أحد الوليين بغير كف ء فللولي
الذي هو مثله أن لا يرضى به وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى وكذلك أن كان هذا
الولي الراضي هو الذي زوجها والخلاف مع الشافعي إنما يتحقق هنا وجه قولهم ان طلب الكفاءة
حق جميع الأولياء فإذا رضى منهم واحد فقد أسقط حق نفسه وحق غيره فيصح اسقاطه
في حق نفسه دون غيره كالدين المشترك إذا أبرأ أحدهم أو ارتهن رجلان عينا ثم رده
أحدهما أو سلم أحد االشفيعين الشفعة أو عفى أحد الوليين عن القصاص يصح في حقه دون
غيره وكذلك لو قذف أم جماعة وصدقه أحدهم كان للباقين المطالبة بالحد والدليل عليه انها لو
زوجت نفسها من غير كف ء كان للأولياء أن يفرقوا ولم يكن رضاها بعدم الكفاءة مبطلا
حق الأولياء فكذلك هنا وحجتنا ان الحق واحد وهو غير محتمل للتجزي لأنه ثبت بسبب
26

لا يحتمل التجزي فيجعل كل واحد منهم كالمنفرد به كما في الأمان فان فيه ابطال حق الاستغنام
والاسترقاق ثم صح من واحد من المسلمين في حق جماعتهم للمعنى الذي قلنا وهذا لان
الاسقاط صحيح في حق المسقط بالاتفاق فإذا كان الحق واحدا وقد سقط في حق المسقط
فمن ضرورته سقوطه في حق غيره لأنه لو لم يسقط في حق غيره لكان إذا استوفاه يصير
حق الغير مستوفي أيضا وذلك لا يجوز ولأنه لما لم يبق بعد السقوط لا يتمكن الآخر من
المطالبة به بخلاف الدين فإنه متجزئ في نفسه وبخلاف الرهن فانا لو نفينا حق الاخر لا
يصير حق المسقط مستوفى وبه تبين ان الحق يتعدد هناك وكذلك في الشفعة وفي القصاص
مالا يحتمل التجزي لا يبقى بعد عفو أحدهم وإنما يبقى ما يحتمل التجزي وهو الدية وبخلاف
حد القذف فان ذلك لا يحتمل السقوط ولكن المصدق ينكر سبب الوجوب وهو احصان
المقذوف وانكار سبب وجوب الشئ لا يكون اسقاطا له فوزانه مما نحن فيه أن لو ادعى
أحد الأولياء ان الزوج كفؤ وأثبت الآخر انه ليس بكفء فيكون له ان يطلب التفريق
واما إذا رضيت هي فلان الحق الثابت لها غير الحق الثابت للأولياء لان الثابت لها صيانة
نفسها عن ذل الاستفراش وللأولياء صيانة نسبهم عن أن ينسب إليهم بالمصاهرة من
لا يكافئهم وأحدهما غير الآخر فلم يكن اسقاط أحدهما موجبا سقوط الاخر الا ترى أنه
قد يثبت الخيار لها في موضع لا يثبت للأولياء على ما نبينه في آخر الباب إن شاء الله تعالى
ومتى فرق القاضي بينهما بعد الدخول لعدم الكفاءة حتى وجبت عليها العدة فلها نفقة العدة
على الزوج لأنها كانت تستحق النفقة في أصل النكاح فيبقى ذلك ببقاء العدة وسكوت الولي
عن المطالبة بالتفريق ليس برضى منه بالنكاح وان طال ذلك حتى تلد وله الخصومة ان شاء
لان هذا حق ثابت له والسكوت ليس بمبطل للحق الثابت بصفة التأكد ولأنه يحتاج إلى
الخصومة في المطالبة وقد لا يرغب الانسان بالخصومة في كل وقت فتأخيره إلى أن يتمكن
منه لا يكون مبطلا حقه (قال) وإذا زوجها الولي غير كف ء ثم فارقها ثم تزوجت به بغير
ولي كان للولي ان يفرق بينهما لأن العقد الثاني غير الأول ورضاه بالعقد الأول بينهما لا يكون
رضا بالعقد الآخر كما أن رضاه برجل لا يكافئها لا يكون رضا برجل آخر إذا زوجت نفسها
منه بعد ذلك (قال) وإذا تزوجت المرأة غير كف ء ثم جاء الولي فقبض مهرها وجهزها
فهذا منه رضا بالنكاح لان قبض المهر تقرير لحكم العقد فيتضمن ذلك الرضا بالعقد ضرورة
27

ومباشرة الفعل الذي هو دليل الرضا بمنزلة التصريح بالرضا ألا ترى ان مثل هذا الفعل يكون
إجازة للعقد فلأن يكون رضا بالعقد النافذ كان أولى وإن لم يفعل هذا ولكن خاصم زوجها في
نفقتها أو في بقية مهرها عليه بوكالة منها ففي القياس هذا لا يكون رضا لأنه إنما خاصم في ذلك
ليظهر عجز الزوج عنه وهو أحد أسباب عدم الكفاءة واشتغاله باظهار سبب عدم الكفاءة
يكون تقريرا لحقه لا اسقاطا وفي الاستحسان يكون هذا رضا بالنكاح لأنه إنما يخاصم في المهر
والنفقة ليستوفي والاستيفاء ينبنى على تمام العقد فتكون خصومته في ذلك رضا منه بتمام النكاح
بينهما (قال) وإذا تزوجت المرأة غير كف ء ودخل بها وفرق القاضي بينهما بخصومة الولي
وألزمه المهر وألزمها العدة ثم تزوجها في عدتها بغير ولي وفرق القاضي بينهما قبل الدخول بها
كان لها عليه المهر الثاني كاملا وعليها عدة مستقبلة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله
وعند محمد رحمه الله تعالى لا مهر لها عليه وعليها بقية العدة الأولى وعند زفر رحمه الله تعالى
لا عدة عليها وعلى هذا الخلاف لو طلقها تطليقة ثانية في النكاح الأول ثم تزوجها في العدة
فطلقها قبل الدخول عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى يجب المهر الثاني كاملا وعليها
العدة وعند محمد وزفر رحمهما الله تعالى يجب نصف المهر الثاني ولا عدة عليها إلا أن عند محمد
يلزمها بقية العدة الأولى لظاهر قوله تعالى فان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن الآية وقال
ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها وفي النكاح الثاني الطلاق
حصل قبل المسيس لأن العقد الثاني غير مبنى على الأول والدخول في النكاح الأول لم يجعل
دخولا في النكاح الثاني. ألا ترى أن صريح الطلاق يبينها فصار في حق العقد الثاني كأن
الأول لم يوجد أصلا إلا أن محمدا رحمه الله تعالى يوجب بقية العدة الأولى احتياطا لان تلك
العدة كانت واجبة وبالطلاق قبل الدخول صار النكاح الثاني كالمعدوم وزفر رحمه الله تعالى
يقول العدة الأولى سقطت بالنكاح الثاني والساقط من العدة لا يعود وتجدد وجوب العدة
يستدعي تجدد السبب وهما قالا العقد الثاني يتأكد بنفسه والفرقة متى حصلت بعد تأكد
العقد يجب كمال العدة والمهر وبيان التأكد ان اليد والفراش يبقى ببقاء العدة فإنما تزوجها
والمعقود عليه في يده حكما فيصير قابضا بنفس العقد كالغاصب إذا اشترى من المغصوب
منه المغصوب وبه يتأكد حكم النكاح سواء وجد الدخول أو لم يوجد كما يتأكد بالخلوة
وبه يبطل اعتمادهم على حصول البينونة بصريح الطلاق فان بعد الخلوة صريح الطلاق يبينها
28

ويكون النكاح متأكدا في حكم المهر والعدة ولان وجوب العدة لتوهم اشتغال الرحم
بالماء عند الفرقة وهذا قائم في العقد الثاني لأنه لا تأثير في تجديد العقد في براءة الرحم وقد كان
توهم الشغل ثابتا حتى أوجبنا العدة عند الفرقة لاولى وهذا على قول محمد رحمه الله تعالى الزم
لأنه يلزمها بقية العدة الأولى باعتبار توهم الشغل والعدة لا تتجزأ في الوجوب وعلى هذا
الأصل لو كانت الفرقة بسبب اللعان أو بخيار البلوغ أو بخيار العتق كله على الأصل الذي بيناه
وكذلك أن كان النكاح الأول فاسدا أو كان دخل بها بشبهة ثم تزوجها نكاحا صحيحا في
العدة وإن كان النكاح الأول صحيحا والثاني فاسدا ففرق بينهما قبل الدخول لا يجب المهر
بالاتفاق لان صيرورته قابضا باعتبار تمكنه من القبض شرعا وذلك بالعقد الفاسد لا يكون
ألا ترى أن الخلوة في النكاح الفاسد لا توجب المهر والعدة فهنا كذلك العدة الأولى لم
تسقط بمجرد العقد الفاسد فبقيت معتدة كما كانت ولا مهر لها عليه إذا فرق بينهما قبل
الدخول ولو كان العقد الثاني صحيحا فارتدت ووقعت الفرقة بينهما فهو على هذا الخلاف
الذي قلنا لها كمال المهر في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وعند محمد رحمه الله
تعالى لا مهر لها لان الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول فلو كان تزوجها في جميع هذه الوجوه
بعد انقضاء العدة كان الجواب عندهم كما هو قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى في الفصول
المتقدمة لأنه لم يبق له عليها تلك اليد بعد انقضاء العدة فالتزوج بها وبأجنبية أخرى سواء
(قال) وإذا تزوجت المرأة رجلا خيرا منها فليس للولي أن يفرق بينهما لان الكفاءة غير
مطلوبة من جانب النساء فان الولي لا يتعير بأن يكون تحت الرجل من لا تكافئه ولان نسب
الولد يكون إلى أبيه لا إلى أمه ألا ترى ان إسماعيل عليه السلام كان من قوم إبراهيم
صلوات الله عليه لا من قوم هاجر وكذلك إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
من قريش وما كان قبطيا وأولاد الخلفاء من الإماء يصلحون للخلافة (قال) وإذا تسمى
الرجل لامرأة بغير اسمه وانتسب لها إلى غير نسبه فتزوجته فالمسألة على ثلاثة أوجه
(أحدها) أن يكون النسب المكتوم أفضل مما أظهره بأن أخبرها أنه من العرب ثم تبين
أنه من قريش وفي هذا لا خيار لها ولا للأولياء لأنها وجدته خيرا مما شرط لها فهو كمن
اشترى شيئا على أنه معيب فإذا هو سليم (والثاني) إذا كان نسبه المكتوم دون ما أظهره ولكنه
في النسب المكتوم غير كف ء لها بأن تزوج قرشية على أنه من قريش ثم تبين أنه من
29

العرب أو من الموالي وفي هذا لها الخيار وان رضيت هي فللأولياء أن يفرقوا بينهما لعدم
الكفاءة (والثالث) إن كان النسب المكتوم دون ما أظهر ولكنه في النسب المكتوم كفؤ لها
بأن تزوج عربية على أنه من قريش ثم تبين أنه من العرب وفي هذا ليس للأولياء حق
المطالبة بالفرقة بالاتفاق لان حق الخصومة للأولياء لدفع العار عن أنفسهم حتى لا ينسب
إليهم بالمصاهرة من لا يكافئهم وهذا غير موجود هنا ولكن لها الخيار ان شاءت أقامت معه
وإن شاءت فارقته عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى لا خيار لها كما لا يثبت للأولياء لان الحق
في المطالبة بالكفاءة وهي موجودة ولكنا نقول شرط لها زيادة منفعة وهو أن يكون ولدها
منه صالحا للخلافة فإذا لم تنل هذا الشرط كان لها الخيار كمن اشترى عبدا على أنه كاتب أو
خباز فوجده لا يحسنه وهذا لان في الاستفراش ذلا في جانبها والمرأة قد ترضى استفراش
من هو أفضل منها ولا ترضى استفراش من هو مثلها فإذا ظهر أنه غرها فقد تبين انعدام
تمام الرضا منها فلهذا كان لها الخيار بخلاف الأولياء فان ثبوت الخيار لهم لعدم الكفاءة فقط
وللشافعي رحمه الله تعالى في هذه المسألة ثلاثة أقوال قول مثل قولنا وقول مثل قول زفر
رحمه الله تعالى وقول آخر أن النكاح باطل لأنها زوجت نفسها من رجل هو قرشي ولم
يوجد ذلك الرجل ولكنا نقول الإشارة مع التسمية إذا اجتمعا فالعبرة للإشارة لان التعريف
بالإشارة أبلغ وبهذا ونحوه نستدل على قلة فقهه فان مثل هذا الجواب لا يعجز عنه غير
الفقيه ومن سئل عن طريق فقال اما من هذا الجانب واما من هذا الجانب فيشير إلى
الجوانب الأربعة علم أنه لا علم له بالطريق أصلا (قال) وان كانت المرأة هي التي غرت الزوج
وانتسبت إلى غير نسبها فلا خيار له فيه إذا علم وهي امرأته ان شاء طلقها وان شاء أمسكها
لما بينا أنه لا يفوت عليه شئ من مقاصد النكاح بما ظهر من غرورها لا في حق نفسه ولا
في ولده ولأنه يتمكن من التخلص منها بالطلاق فلا حاجة إلى اثبات الخيار والله سبحانه
وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب النكاح بغير شهود) *
(قال) بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا نكاح الا بشهود وبه أخذ
علماؤنا رحمهم الله تعالى وكان مالك وابن أبي ليلى وعثمان البتي رحمهم الله تعالى يقولون
30

الشهود ليس بشرط في النكاح إنما الشرط الاعلان حتى لو أعلنوا بحضرة الصبيان والمجانين
صح النكاح ولو أمر الشاهدين بأن لا يظهرا العقد لا يصح وحجتهم في ذلك قوله صلى
الله عليه وسلم أعلنوا النكاح ولو بالدف وحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم املاك
رجل من الأنصار فقال أين شاهدكم فأتى بالدف فأمر بان يضرب على رأس الرجل وكان
لعائشة رضي الله عنها دف تعيره للأنكحة وهذا لان حرام هذا الفعل لا يكون الا سرا
فالحلال لا يكون الا ضده وذلك بالاعلان لننتفي التهم وحجتنا في ذلك الحديث الذي رويناه
ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال كل نكاح لم يحضره أربعة
فهو سفاح خاطب وولي وشاهدان وقال عمر رضي الله عنه لا أوتي برجل تزوج امرأة
بشهادة رجل واحد الا رجمته ولان الشرط لما كان هو الاظهار يعتبر فيه ما هو طريق
الظهور شرعا وذلك شهادة الشاهدين فإنه مع شهادتهما لا يبقى سرا قال القائل
وسرك ما كان عند امرئ * وسر الثلاثة غير الخفي
ولان اشتراط زيادة شئ في هذا العقد لاظهار خطر البضع فهو نظير اشتراط زيادة شئ في
اثبات إتلاف ما يملك بالنكاح وإنما اختص ذلك من بين سائر نظائره بزيادة شاهدين
فكذلك هذا التمليك مختص من بين سائر نظائره بزيادة شاهدين ثم الأصل عندنا ان كل من
يصلح أن يكون قابلا للعقد بنفسه ينعقد النكاح بشهادته وكل من يصلح أن يكون وليا
في نكاح يصلح أن يكون شاهدا في ذلك النكاح وعلى هذا الأصل قلنا ينعقد النكاح
بشهادة الفاسقين ولا ينعقد عند الشافعي رحمه الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح
الا بولي وشاهدي عدل ولكنا نقول ذكر العدالة في هذا الحديث والشهادة مطلقة فيما
روينا فنحن نعمل بالمطلق والمقيد جميعا مع أنه نكر ذكر العدالة في موضع الاثبات فيقتضى
عدالة ما وذلك من حيث الاعتقاد وفي الحقيقة المسألة تنبني على أن الفاسق من أهل الشهادة
عندنا وإنما لا تقبل شهادته لتمكن تهمة الكذب وفي الحضور والسماع لا تمكن هذه التهمة
فكان بمنزلة العدل وعند الشافعي رحمه الله تعالى الفاسق ليس من أهل الشهادة أصلا
لنقصان حاله بسبب الفسق وهو ينبنى أيضا على أصل ان الفسق لا ينقص من ايمانه عندنا
فان الايمان لا يزيد ولا ينقص والاعمال من شرائع الايمان لا من نفسه وعنده الشرائع من
نفس الايمان ويزداد الايمان بالطاعة وينتقص بالمعصية بجعل نقصان الدين بسبب الفسق
31

كنقصان الحال بسبب الرق والصغر واعتبر بطرف الأداء فان المقصود ظهار النكاح عند
الحاجة إليه والصيانة عن خلل يقع بسبب التجاحد ولا يحصل ذلك بشهادة الفاسق ولكنا
نقول الفسق لا يخرجه من أن يكون أهلا للإمامة والسلطنة فان الأئمة بعد الخلفاء الراشدين
رضى الله تعالى عنهم قل ما يخلو واحد منهم عن فسق فالقول بخروجه من أن يكون إماما
بالفسق يؤدي إلى فساد عظيم ومن ضرورة كونه أهلا للإمامة كونه أهلا للقضاء لان
تقلد القضاء يكون من الامام ومن ضرورة كون أهلا لولاية القضاء أن يكون أهلا للشهادة
وبه ظهر الفرق بينه وبين نقصان الحال بسبب الرق والأداء ثمرة من ثمرات الشهادة
وفوت الثمرة لا يدل على انعدام الشئ من أصله الا ترى ان بشهادة المستور الذي ظاهر
حاله العدالة ينعقد النكاح ولا يظهر بمقالته وكذلك بشهادة ابنته منها وكذلك ينعقد بشهادة
الأعميين بالاتفاق اما عندنا فلان الأعمى إنما لا تقبل شهادته لأنه لا يميز بين المشهود له
والمشهود عليه الا بدليل مشتبه وهو النغمة والصوت وذلك لا يكون في حالة الحضور
والسماع وعند الشافعي رحمه الله تعالى لان الأعمى من أهل أداء الشهادة ولهذا قال لو تحمل
وهو بصير ثم عمى تقبل شهادته فاما بشهادة المحدودين في القذف فإن لم تظهر توبتهما فهما
فاسقان وان ظهرت توبتهما ينعقد النكاح بشهادتهما بالاتفاق عند الشافعي رحمه الله تعالى
لجواز الأداء منهما بعد التوبة وعندنا إنما لا تقبل شهادة المحدود في القذف لكونه محكوما
بكذبه فإنما يؤثر ذلك فيما يتصور فيه تهمة الكذب أو فيما يستدعي قولا من جهتهما
وذلك لا يكون في الحضور والسماع فأما بشهادة العبدين والصبيين لا ينعقد النكاح لأنهما
لا يقبلان هذا العقد بأنفسهما ولأنهما لا يصلحان للولاية في هذا العقد وهذا لان النكاح
يعقد في محافل الرجال والصبيان والعبيد لا يدعون إلى محافل الرجال عادة فلهذا جعل
حضورهما كلا حضورهما وعلى هذا الأصل ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين عندنا وعند
الشافعي رحمه الله تعالى لا ينعقد بناء على أصله أن شهادة النساء مع الرجال إنما تكون حجة
في الأموال وفيما يكون تبعا للأموال باعتبار أن المعاملة تكثر بين الناس ويلحقهم الحرج
باشهاد رجلين في كل حادثة فكانت حجة ضرورية في هذا المعنى ولا ضرورة في النكاح
والطلاق وما ليس بمال لان المعاملة فيها لا تكثر فكانت كالحدود والقصاص وكذلك
هذا ينبني على أصله أن المرأة لا تصلح أن تكون موجبة للنكاح ولا قابلة فكذلك لا تصلح
32

شاهدة في النكاح وعندنا هي تصلح لذلك وللنساء مع الرجال شهادة أصلية ولكن فيها ضرب
شبهة من حيث أنه يغلب الضلال والنسيان عليهن كما أشار الله تعالى في قوله أن تضل
إحداهما الأخرى فتذكر إحداهما الأخرى وبانضمام احدى المرأتين إلى الأخرى تقل تهمة
النسيان ولا تنعدم لبقاء سببها وهي الأنوثة فلا تجعل حجة فيما يندرئ بالشبهات كالحدود
والقصاص فأما النكاح والطلاق يثبت مع الشبهات فهذه الشهادة فيها نظير شهادة الرجل
ولا اشكال ان تهمة الضلال والنسيان في شهادة الحضور لا تتحقق فكان ينبغي أن ينعقد النكاح
بشهادة رجل وامرأة ولكنا نقول قد ثبت بالنص ان المرأتين شاهد واحد فكانت المرأة
الواحدة نصف الشاهد وبنصف الشاهد لا يثبت شئ ولهذا لو شهد رجلان وامرأة ثم
رجعوا لم تضمن المرأة شيئا وسنقرر هذه الأصول في موضعها من كتاب الشهادات
إن شاء الله تعالى واعتمادنا على حديث عمر رضي الله تعالى عنه حيث أجاز شهادة رجل
وامرأتين في النكاح والفرقة (قال) ولو تزوجها بشهادة ابنته أو ابنتها أو بنته منها ينعقد
النكاح بالاتفاق لحضور من هو أهل للشهادة فان امتناع قبول شهادة الولد لوالده لا
لنقصان حاله بل لتهمة ميل كل واحد منهما إلى صاحبه ولا تتمكن هذه التهمة في انعقاد العقد
بشهادتهما (قال) ولو تزوج مسلم نصرانية بشهادة نصرانيين جاز النكاح في قول أبي
حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ولم يجز في قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى لان هذا
نكاح لا يصح الا بشهود فلا يصح بشهادة الكافرين كالعقد بين المسلمين بخلاف أنكحة
الكفار فإنها تنعقد بغير شهود وحقيقة المعنى ان هذا السماع شهادة ولا شهادة للكافر على
المسلم فلم يصح سماعهما كلام المسلم بطريق الشهادة وشرط الانعقاد سماع البينة كلا شطري
العقد ولم يوجد فكان هذا بمنزلة ما لو سمع الشاهدان كلام المرأة دون كلام الزوج
ولهما طريقان (أحدهما) ما بينا ان الكافر يصلح أن يكون وليا في العقد ويصلح
أن يكون قابلا لهذا العقد بنفسه فيصلح أن يكون شاهدا فيه أيضا كالمسلم وهذا استدلال
بطريق الأولى فان الايجاب والقبول ركن العقد والشهادة شرطه فإذا كان يصلح الكافر
للقيام بركن هذا العقد بنفسه فلان يقوم بشرطه كان أولى بخلاف ما يجرى بين المسلمين
ولان المخاطب بالاشهاد هو الرجل لأنه يتملك البضع ولا يتملك الا بشهادة الشهود فاما المرأة
تملك المال والشهود ليس بشرط لتملك المال ألا ترى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
33

مخصوصا بالنكاح بغير شهود ثم كان المرأة لا تحتاج إلى الاشهاد عليه إذا ثبت هذا فنقول
الرجل قد اشهد عليها من يصلح أن يكون شاهدا عليها بخلاف ما إذا كانت مسلمة وبخلاف
ما إذا سمعوا كلامها لأنه مخاطب بالاشهاد عليها بالعقد والعقد لا يكون الا بكلام المتعاقدين
وسماعهما كلام المسلم صحيح ألا ترى أنه لو تزوجها بشهادة كافرين ومسلمين ثم وقعت
الحاجة إلى أداء هذه الشهادة تقبل شهادة الكافرين بالعقد عليها إذا جحدت وعلى الزوج
لو كانا أسلما بعد ذلك فظهر أن سماعهما كلام المسلم صحيح فيحصل به الاشهاد عليها بالعقد
وهذا بخلاف ما إذا تزوجها بغير شهود فإنه لا يجوز ذلك وإن كان في دينهم حلالا لان
صاحب العقد هو الزوج وهو مسلم مخاطب بالاشهاد فلا يعتبر اعتقادها في حقه (قال)
وإذا زوج ابنته بشهادة ابنيه ثم جحد الزوج النكاح وادعاه الأب والمرأة فشهد الابنان
بذلك فشهادتهما لا تقبل في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى وعند محمد رحمه الله تعالى تقبل
ولو كان الزوج هو المدعى وجحد الأب والمرأة لذلك فشهادة الابنين فيه تكون مقبولة
على أبيهما والحاصل ان شهادتهما لأختهما وعلى أختهما تكون مقبولة وشهادتهما على أبيهما
فيما يجحده الأب مقبولة فأما إذا شهدا لأبيهما فيما يدعيه إن كان الأب فيه منفعة نحو ان
يشهدا بعقد تتعلق الحقوق به لا تقبل شهادتهما وإن لم يكن للأب فيه منفعة لا تقبل
الشهادة عند أبي يوسف رحمه الله تعالى أيضا وعند محمد تقبل واصل المسألة فيما إذا قال لعبده ان
كلمك فلان فأنت حر فشهدا بنا فلان ان أباهما كلم العبد فإن كان الأب يجحد ذلك فشهادتهما
مقبولة وإن كان الأب يدعى ذلك لا تقبل الشهادة عند أبي يوسف رحمه الله تعالى وعند محمد
رحمه الله تعالى تقبل قال لان امتناع قبول شهادة الولد لوالده لتمكن تهمة الميل إليه وايثاره
بالمنفعة على غيره وهذا لا يتحقق فيما لا منفعة للأب فيه فقبلت الشهادة جحدها أو ادعاها
وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول شهادة الولد لوالده لا تكون مقبولة بالنص وهو قوله
صلى الله عليه وسلم لا تقبل شهادة الولد لوالده وإنما تكون شهادة له إذا كان مدعيا
بشهادته ولا معتبر بالمنفعة فان جحوده الشهادة يقبل وإن كان له فيه منفعة بأن شهدوا عليه
ببيع ما يساوي مائة درهم بألف درهم مع أن المنفعة هنا تتحقق فان ظهور صدقه عند القاضي
والناس من جملة المنفعة والعاقل يؤثر هذا على كثير من المنافع الدنيوية ثم ذكر في الكتاب
وقال محمد رحمه الله تعالى كل شئ للأب فيه منفعة جحد أو ادعى فشهادة ابنيه فيه باطل
34

وكذلك كل شئ تولاه مما يكون فيه خصما كالبيع وما أشبهه والمراد بهذا أن عند دعوى
الأب لا تقبل شهادة الابن للتهمة وعند جحود الأب إن كان الآخر جاحدا أيضا لا تقبل
الشهادة لعدم الدعوى فأما إذا كان الآخر مدعيا كانت الشهادة مقبولة وإن كان للأب
فيها منفعة كما إذا شهدوا عليه ببيع ما يساوي مائة درهم بألف درهم والمشتري يدعيه وهذا
لأن هذه منفعة غير مطلوبة من جهة الأب والمنفعة التي هي غير مطلوبة لا تؤثر في المنع
من قبول الشهادة (قال) وأما شهادة الشاهد على فعل تولاه لنفسه أو لغيره مما يكون
فيه خصما ومما لا يكون خصما فساقطة بالاتفاق وبهذا يستدل أبو يوسف رحمه الله تعالى
فقال الابن جزء من أبيه فشهادته كشهادة الأب لنفسه فكما أن شهادة الأب فيما باشره
لا تكون مقبولة وإن لم يكن له فيه منفعة فكذلك شهادة الابن للأب ولكنا نقول فيما
باشره يكون مدعيا لا شاهدا فأما الابن فيما باشر أبوه يكون شاهدا فبعد تحقق الشهادة
المانع من القبول هو التهمة ففي كل موضع لا تتحقق التهمة تكون الشهادة مقبولة (قال)
وإذا زوج الرجل ابنته فأنكرت الرضا فشهد عليها أخوها وأبوها بالرضا لم تقبل لان الأب
يريد تتميم ما باشره ولو شهد عليها أخواها بالرضا كانت مقبولة لأنه لا تهمة في شهادتهما
عليها (قال) ولو تزوج امرأة بغير شهود أو بشاهد واحد ثم أشهد بعد ذلك لم يجز النكاح
لان الشرط هو الاشهاد على العقد ولم يوجد وإنما وجد الاشهاد على الاقرار بالعقد الفاسد
والاقرار بالعقد الفاسد ليس بعقد وبالاشهاد عليه لا ينقلب الفاسد صحيحا (قال) ولا يجوز
النكاح بين مسلمين بشهادة عبدين أو كافرين أو صبيين أو معتوهين أو نساء ليس معهن
رجل لما قلنا فإن كان معهم شاهدان حران مسلمان جاز النكاح لوجود شرطه فان أدرك
الصبيان وعتق العبدان وأسلم الكافران ثم شهدوا بذلك عند الحاكم جازت شهادتهم لان
شرائط أداء الشهادة إنما يعتبر عند الأداء وهو موجود والعتق والإسلام والبلوغ ليس
من شرائط التحمل فتحملهما كان صحيحا حين تحملا لان التحمل ليس بشهادة والحرية
والإسلام والبلوغ تعتبر في الشهادة فلهذا جازت شهادتهما * (قال) * وإذا شهد شاهد أنه
تزوجها أمس وشهد شاهد أنه تزوجها اليوم فشهادتهما باطلة لان النكاح وإن كان قولا
إلا أن من شرائطه ما هو فعل وهو حضور الشهود فكان بمنزلة الأفعال واختلاف الشهود
في المكان والزمان في الأفعال يمنع قبول الشهادة توضيحه ان كل واحد منهما شهد بعقد
35

عقد بحضوره وحده وذلك عقد فاسد (قال) وإذا جحد الزوج النكاح فأقامت المرأة
البينة جاز ولم يكن جحوده طلاقا ولا فرقة لان للطلاق تصرف في النكاح وهو منكر
لأصل النكاح فلا يكون إنكاره تصرفا فيه بالرفع والقطع. ألا ترى أن بالطلاق ينتقص
العدد وبانتفاء أصل النكاح لا ينتقص فان أقامت البينة على اقراره بالنكاح جاز أيضا لان الثابت
بالبينة كالثابت بالمعاينة (قال) ولو زوج عبده أمته بغير شهود لم يجز لأنه نكاح بين
مسلمين واشتراط الشهود في نكاح المسلمين لاظهار خطر البضع وذلك المعنى لا يختلف في
الأحرار والعبيد وهذا بخلاف المهر لأنه على طريق بعض مشايخنا يجب المهر بهذا العقد
لاظهار خطر البضع حقا للشرع ثم يسقط بعد ذلك لأنه لو بقي كان للمولى ولا دين للمولى
على عبده وان قلنا لا يجب فإنما امتنع وجوبه لوجود المنافي له ولكونه غير مفيد لان فائدة
الوجوب الاستيفاء وهذا لا يوجد في الشهود فان ملكه رقبتهما لا ينافي الاشهاد على النكاح
ويحصل به ما هو مقصود الاشهاد * (قال) * وان طلقها الزوج في النكاح بغير شهود لم يقع طلاقه
عليها ولكنه متاركة للنكاح لان وقوع الطلاق يستدعى ملكا له على المحل اما ملك العين أو
ملك اليد وذلك لا يحصل بالنكاح الفاسد فان العدة وان وجبت بالدخول لا يثبت ملك اليد
باعتباره ولهذا الا تستوجب النفقة ولكنه يكون متاركة فان الطلاق في النكاح الصحيح يكون
رافعا للعقد موجبا نقصان العدد لكن امتنع ثبوت أحد الحكمين هنا فبقي عاملا في الاخر
وهو رفع الشبهة لان رفع الشبهة دون رفع العقد ثم بين حكم الدخول في النكاح الفاسد وما
لو تزوجها في العدة ثانيه بشهود ثم طلقها قبل الدخول وقد بينا الخلاف فيه فيما سبق (قال)
وإذا قال تزوجتك بغير شهود وقالت هي تزوجتني بشهود فالقول قولها لأنهما اتفقا على أصل
العقد فيكون ذلك كالاتفاق منهما على شرائطه لان شرط الشئ يتبعه فالاتفاق على الأصل يكون
اتفاقا على الشرط ثم المنكر منهما للشرط في معنى الراجع فإن كانت هي التي أنكرت الشهود
فالنكاح بينهما صحيح وإن كان الزوج هو المنكر يفرق بينهما لإقراره بالحرمة عليه لأنه متمكن
من تحريمها على نفسه فجعل اقراره مقبولا في اثبات الحرمة ويكون هذا بمنزلة الفرقة من جهته
فلها نصف المهر إن كان قبل الدخول وجميع المسمى ونفقة العدة إن كان بعد الدخول وهذا بخلاف
ما إذا أنكر الزوج أصل النكاح لان القاضي كذبه في انكاره بالحجة والمكذب في زعمه
بقضاء القاضي لا يبقى لزعمه عبرة وهنا القاضي ما كذبه في زعمه بالحجة ولكنه رجح قولها
36

للمعنى الذي قلنا فبقي زعمه معتبرا في حقه فلهذا فرق بينهما (قال) وكذلك لو قال تزوجتها
ولها زوج أو هي معتدة من غيري أو هي مجوسية أو أختها عندي أو هي أمة تزوجتها بغير إذن
مولاها لأن هذه الموانع كلها معني في محل العقد والمحال في حكم الشروط فكان هذا
واختلافهما في الشهود سواء على ما بينا وهذا بخلاف ما إذا ادعى أحدهما ان النكاح كان في
صغره بمباشرته لأنه ينكر أصل العقد هنا فان الصغير ليس بأهل لمباشرة النكاح بنفسه
فإضافة العقد إلى حالة معهودة تنافى الأهلية يكون انكارا لأصل العقد كما لو قال تزوجتك
قبل أن تخلقي أو قبل أن أخلق وإذا كان القول قول المنكر منهما فلا مهر لها عليه إن لم يكن
دخل بها قبل الادراك وإن كان دخل بها قبل الادراك فلها الأقل من المسمى ومن مهر
المثل لوجود الدخول بحكم النكاح الموقوف فان عقد الصغير يتوقف على إجازة وليه إذا
كان الولي يملك مباشرته وإن كان الدخول بعد الادراك فهذا رضى بذلك النكاح وبعد
الادراك لو أجاز العقد الذي عقده في حالة الصغر جاز كما لو أجاز وليه قبل ادراكه فكذلك
بدخوله بها يصير مجيزا (قال) وإذا زوج الرجل امرأة بأمره ثم اختلفا فقال الوكيل أشهدت
فيه على النكاح وقال الزوج لم تشهد فيه فإنه يفرق بينهما لإقراره وعليه نصف الصداق
لما قلنا إن اقراره بأصل عقد الوكيل اقرار بشرطه وان اختلفت المرأة ووكيلها في مثل ذلك
فالقول قول الزوج لأنها أقرت بالوكالة والنكاح فيكون ذلك اقرارا منها بشرط النكاح
(قال) وكذلك لو قالت لو تزوجني لا يلزمها اقرار الوكيل وهو قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى خلافا لهما لان اقرار الوكيل بالنكاح في حال بقاء الوكالة صحيح وقد بيناه وكذلك
وكيل الزوج إذا أقر بالنكاح وجحد الزوج فهو على الخلاف الذي بينا هكذا ذكر المسألة هنا
وأعاد المسألة في كتاب الطلاق وذكر ان أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال سواء النكاح والخلع
والبيع والشراء في أن اقرار الوكيل بفعله جائز إذا كان الآمر مقرا انه أمره بفعله ففي رواية
كتاب الطلاق الخلاف في اقرار الولي على الصغير في النكاح لا في اقرار الوكيل على الموكل
لان الوكيل مسلط من جهة الموكل باختياره فاقرار الوكيل به كاقرار الموكل بنفسه فأما الولي
مسلط شرعا والشرع اعتبر الشهود في النكاح فلا يصح اقرار الولي بغير شهود والأصح
أن الخلاف في الكل كما ذكر هنا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
37

باب نكاح أهل الذمة
(قال) رضى الله تعالى عنه اعلم أن كل نكاح يجوز فيما بين المسلمين فهو جائز فيما بين
أهل الذمة لأنهم يعتقدون جوازه ونحن نعتقد ذلك في حقهم أيضا فان النبي صلى الله عليه
وسلم قال بعثت إلي الأحمر والأسود وخطاب الواحد خطاب الجماعة فما توافقنا في اعتقاده
يكون ثابتا في حقهم فاما ما لا يجوز بين المسلمين فهو أنواع منها النكاح بغير شهود فإنه جائز
بين أهل الذمة يقرون عليه إذا أسلموا عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى لا يتعرض لهم في ذلك
إلا أن يسلموا أو يترافعوا الينا فحينئذ يفرق القاضي بينهم لقوله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل
الله ولا تتبع أهواءهم ولأنهم بعقد الذمة صاروا منا دارا والتزموا أحكام الاسلام فيما يرجع
إلى المعاملات فيثبت في حقهم ما هو ثابت في حقنا الا ترى ان حرمة الربا ثابتة في حقهم
بهذا الطريق فكذلك حرمة النكاح بغير شهود ولكنا نقول نعرض عنهم لمكان عقد
الذمة لا لأنا نقرهم على ذلك كما نتركهم وعبادة النار والأوثان على سبيل الاعراض لا على
سبيل التقرير والحكم بصحة ما يفعلون ولا نعرض عنهم في عقد الربا لان ذلك مستثنى عن
عقد الذمة قال صلى الله عليه وسلم الا من أربى فليس بيننا وبينه عقد ويروى عهد وكتب
إلى بنى نجران اما ان تدعوا الربا أو فأدنوا بحرب من الله ورسوله وحجتنا في ذلك أن
الاشهاد على النكاح من حق الشرع وهم لا يخاطبون بحقوق الشرع بما هو أهم من هذا ولان
النكاح بغير شهود يجوزه بعض المسلمين ونحن نعلم أنهم لم يلتزموا أحكام الاسلام بجميع
الاختلاف ثم من المنزل ان يترك أهل الكتاب وما يعتقدون الا ما استثني عليهم وان حكم
خطاب الشرع في حقهم كأنه غير نازل لاعتقادهم خلاف ذلك الا ترى ان الخمر والخنزير
يكون مالا متقوما في حقهم ينفذ تصرفهم فيهما بهذا الطريق فكذا ما نحن فيه بخلاف الشرك
فان ذلك لم يحل قط ولن يحل قط وإذا انعقد انعقد فيما بينهم صحيحا بهذا الطريق فما بعد
المرافعة والإسلام حال بقاء النكاح والشهود شرط ابتداء النكاح لا شرط البقاء فاما إذا
تزوج ذمية في عدة ذمي جاز النكاح في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى حتى لا يفرق بينهما
وان أسلما أو ترافعا وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يفرق لان النكاح في العدة مجمع
على بطلانه فيما بين المسلمين فكان باطلا في حقهم أيضا ولكن لا نتعرض لهم لمكان عقد
38

الذمة فإذا ترافعوا أو أسلموا وجب الحكم فيهم بما هو حكم الاسلام كما في نكاح المحارم فاما
عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى من أصحابنا من يقول العدة لا تجب من الذمي لان وجوبها
لحق الشرع أو لحق الزوج ولا يمكن ايجابها لحق الشرع هنا لأنهم لا يخاطبون بذلك ولا
لحق الزوج لأنه لا يعتقد ذلك فإذا لم تجب العدة كان النكاح صحيحا ومنهم من يقول العدة
واجبة ولكنها ضعيفة لا تمنع النكاح بناء على اعتقادهم كالاستبراء فيما بين المسلمين فكان
النكاح صحيحا وبعد المرافعة أو الاسلام الحال حال بقاء النكاح والعدة لا تمنع بقاء النكاح
كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة وهذا بخلاف ما إذا كانت معتدة من مسلم لان تلك العدة
قوية واجبة حقا للزوج فاما إذا تزوج ذات رحم محرم منه من أم أو بنت أو أخت فإنه لا
يتعرض له في ذلك وان علمه القاضي ما لم يترافعوا إليه الا في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى
الآخر وذكر في كتاب الطلاق انه يفرق بينهما إذا علم بذلك لما روى أن عمر رضي الله عنه
كتب إلى عماله ان فرقوا بين المجوس وبين محارمهم وامنعوهم من؟ الرمومة؟ إذا أكلوا ولكنا
نقول هذا غير مشهور وإنما المشهور ما كتب به عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري رضى
الله تعالى عنهما ما بال الخلفاء الراشدين تركوا أهل الذمة وما هم عليه من نكاح المحارم
واقتناء الخمور والخنازير فكتب إليه إنما بذلوا الجزية ليتركوا وما يعتقدون وإنما أنت متبع
وليس بمبتدع والسلام ولان الولاة والقضاة من ذلك الوقت إلى يومنا هذا لم يشتغل أحد
منهم بذلك مع علمهم انهم يباشرون ذلك ثم قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لهذه الأنكحة
فيما بينهم حكم الصحة ولهذا قال يقضى لها نفقة النكاح إذا طلبت ولا يسقط احصانه إذا دخل
بها حتى إذا أسلم يحد قاذفه. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هو باطل في حقهم ولكنا
لا نتعرض لهم في ذلك لمكان عقد الذمة وهذا لان الخطاب بحرمة هذه الأنكحة شائع في
ذار الاسلام وهم من أهل دار الاسلام فيكون الخطاب ثابتا في حقهم لأنه ليس في وسع
المبلغ التبليغ إلى كل واحد وإنما في وسعه جعل الخطاب شائعا فيجعل شيوع الخطاب بمنزلة
البلوغ إليهم ولكن لا نتعرض لهم لمكان عقد الذمة ألا ترى أنهم لا يتوارثون بهذه الأنكحة
ولو كانت صحيحة في حقهم لتوارثوا بها وأما الخمر والخنزير فقد قيل الحرمة بخطاب خاص
في حق المسلمين وهو قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر إلى قوله تعالى فهل أنتم
منتهون وقيل ليس من ضرورة الحرمة سقوط المالية والتقوم فالمال قد يكون حراما وقد يكون
39

حلالا وإنما تنبني المالية على التمول وهم يتمولون ذلك فأما من ضرورة حرمة المحل بطلان
النكاح وقد ثبتت الحرمة في حقهم كما بينا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لو تزوج مجوسية
صح بالاتفاق والمجوسية محرمة النكاح بخطاب الشرع كذوات المحارم وإنما حكمنا بجوازه بينهم
لان الخطاب في حقهم كأنه غير نازل فإنهم يكذبون المبلغ ويزعمون أنه لم يكن رسولا وقد
انقطعت ولاية الالزام بالسيف أو بالمحاجة لمكان عقد الذمة فصار حكم الخطاب قاصرا عنهم
وشيوع الخطاب إنما يعتبر في حق من يعتقد كون المبلغ رسولا فإذا اعتقدوا ذلك بأن
أسلموا ثبت حكم الخطاب في حقهم فأما قبل ذلك لما قصر الخطاب عنهم بقي حكم المنسوخ
في حقهم ما لم يثبت الناسخ كما بقي حكم جواز الصلاة إلى بيت المقدس في حق أهل قباء
لما لم يبلغهم الخطاب بالتوجه إلى الكعبة فإذا ثبت حكم صحة الأنكحة بهذا الطريق يثبت به
ما هو من ضرورة صحة النكاح كالنفقة وبقاء الاحصان وأما الميراث فليس استحقاق الميراث
من ضرورة صحة النكاح فقد يمتنع التوارث بأسباب كالرق واختلاف الدين مع أن
التوارث إنما يستحق الميراث على المورث بعد موته وحكم اعتقاده بخلاف الشرع سقط
اعتباره بالموت لعلمنا أنه قد تيقن بذلك ولما أشار الله تعالى إليه في قوله وان من أهل الكتاب
الا ليؤمنن به قبل موته فلا يكون اعتقاد الوارث معتبرا في الاستحقاق عليه فلهذا لا يرثه
بخلاف النفقة في حال الحياة وبقاء الاحصان إذا ثبتت هذه القاعدة فنقول عند أبي حنيفة
ان رفع أحدهما الامر إلى القاضي وطلب حكم الاسلام لم يفرق بينهما إذا كان الآخر يأبى
ذلك وعندهما يفرق بينهما لان أصل النكاح كان باطلا ولكن ترك التعرض كان للوفاء
بعقد الذمة فإذا رفع أحدهما الامر وانقاد لحكم الاسلام كان هذا بمنزلة ما لو أسلم أحدهما
ولو أسلم أحدهما فرق القاضي بينهما فكان اسلام أحدهما كاسلامهما فكذلك رفع أحدهما
إليه كمرافعتهما وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أصل النكاح كان صحيحا فرفع أحدهما إلى
القاضي ومطالبته بحكم الاسلام لا يكون حجة على الآخر في ابطال الاستحقاق الثابت
له باعتقاده بل اعتقاده يكون معارضا لاعتقاد الآخر فبقي حكم الصحة على ما كان بخلاف
ما إذا أسلم أحدهما فان الاسلام يعلو ولا يعلى فلا يكون اعتقاد الآخر معارضا لاسلام المسلم
منهما وبخلاف ما إذا رفعا لأنهما انقادا لحكم الاسلام فيثبت حكم الخطاب في حقها بانقيادهما
له واليه أشار الله تعالى في قوله فان جاؤوك فاحكم بينهم فتكون مرافعتهما كاسلامهما وبعد
40

اسلامهما يفرق بينهما لان المحرمية كما تنافى ابتداء النكاح تنافى البقاء بعدما انعقد صحيحا كما
لو اعترضت المحرمية في نكاح المسلمين برضاع أو مصاهرة (قال) وإذا تزوج الذمي ذمية
على خمر أو خنزير بعينه أو بغير عينه فهو جائز ولا مهر لها غير ما سمى لان شرط صحة
التسمية كون المسمى مالا متقوما والخمر والخنزير مال متقوم في حقهم بمنزلة الخل والشاء
في حقنا وأن تزوجها على ميتة أو دم أو غير شئ فالنكاح جائز ولها مهر مثلها لأنهم
لا يتمولون الميتة والدم كما لا يتمولهما المسلمون ولو كان المسلم هو الذي تزوج امرأة بهذه
الصفة كان لها مهر مثلها فكذلك الذمي وقيل هذا قولهما اما على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
لا شئ لها إذا كانوا يدينون بالنكاح بغير مهر إلى هذا يشير في الجامع الصغير والخلاف مشهور
فيما إذا تزوجها على أن لا مهر لها عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يجب المهر وان أسلما وعندهما
لها مهر مثلها وهو بناء على ما ذكرنا من الأصل فان تقييد الابتغاء بالمال ثبت بخطاب الشرع
فعندهما يكون ثابتا في حق أهل الذمة لشيوع الخطاب في دار الاسلام وكونهم من أهلها واشتراطهم
بخلاف ذلك باطل الا انه لا يتعرض لهم ما لم يسلموا أو يرفع أحدهم الامر إلى القاضي بخلاف
أهل الحرب فان الخطاب غير شائع في دار الحرب ولان الحربية محل للتملك بالقهر فيتمكن
من اثبات ملك النكاح عليها بغير عوض بخلاف الذمية وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول حكم
هذا الخطاب قاصر عنهم من الوجه الذي قلنا فصح الشرط ووجب الوفاء به ما لم يسلموا وبعد
الاسلام أو المرافعة الحال حال بقاء النكاح والمهر ليس بشرط بقاء النكاح فكان هذا والنكاح
بغير شهود سواء فاما إذا سكتا عن ذكر المهر فكذا في احدى الروايتين عن أبي حنيفة رحمه
الله تعالى لان تملك البضع في حقهم كتملك المال في حق المسلمين فلا يجب العوض الا بالشرط
وفي الرواية الأخرى يجب لان النكاح معاوضة البضع بالمال فالتنصيص عليه بمنزلة اشتراط
العوض كالتنصيص على البيع فيما بين المسلمين فما لم يوجد التنصيص على نفي العوض كان
العوض مستحقا لها وكذا عند تسمية الميتة والدم لان ذلك لغو باعتبار أنه ليس بمال فكان هذا
والسكوت عن ذكر المهر سواء (قال) وإذا طلق الذمي امرأته ثلاثا ثم أقام عليها
فرافعته إلى السلطان فرق بينهما لأنهم يعتقدون ان الطلاق مزيل للملك وان كانوا
لا يعتقدونه محصور العدد فامساكه إياها بعد التطليقات الثلاث ظلم منه وما أعطيناهم الذمة
لنقرهم على الظلم أرأيت لو اختلعت بمال أكنا ندعه ليقوم عليها وقد استوفى منها فاما إذا
41

تزوجها بعد التطليقات الثلاث برضاها فالآن هذا ونكاح المحارم سواء لان الثلاث يوجب
حرمة المحل بخطاب الشرع كالمحرمية وهم لا يعتقدون ذلك وحرمة المحل بهذا السبب تمنع
بقاء النكاح كما تمنع الابتداء فكان كالمحرمية فيما ذكرنا من التفريعات (قال) وإذا تزوج
الذمي ذمية على خمر بعينها أو خنزير ثم أسلما أو أسلم أحدهما فليس لها غير ذلك المعين
في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإن كانت الخمر بغير عينها فلها قيمتها وفي الخنزير بغير
عينه في القياس كذلك ولكنه استحسن فقال لها مهر مثلها وفي قول محمد لها القيمة على
كل حال وفي قول أبي يوسف الآخر لها مهر مثلها على كل حال ولم يذكر قوله الأول وقيل
هو كقول محمد رحمه الله اما حجتهما في العين ان الاسلام ورد والحرام مملوك بالعقد غير
مقبوض فيمنع الاسلام قبضه كما في الخمر المشتراة إذ أسلم أحدهما قبل القبض وهذا لان
القبض يؤكد الملك الثابت بالعقد الا ترى ان الصداق تتنصف بنفس الطلاق قبل الدخول
إذا لم يكن مقبوضا وبعد القبض لا يعود شئ إلى ملك الزوج الا بقضاء أو رضاء وكذلك
الزوائد تنتصف قبل القبض ولا تتنصف بعده وكذلك لو مر يوم الفطر والصداق عبد
عند الزوج ثم طلقها قبل الدخول لا تجب صدقة الفطر عليها بخلاف ما بعد القبض إذا ثبت
هذا فنقول الاسلام كما يمنع تملك الخمر بالعقد ابتداء يمنع تأكد الملك فيها بالقبض وبه فارق
الخمر المغصوبة فإنه ليس في الاسترداد تأكد الملك إنما فيه مجرد النقل من يد إلى يد وأبو
حنيفة رحمه الله تعالى يقول الاسلام ورد وعين المسمى مملوك لها مضمون بنفسه في يد
الزوج فلا يمنع الاسلام قبضه كالخمر المغصوبة لا يمنع الاسلام استردادها وهذا لان ملكها
في الصداق يتم بنفس العقد حتى تملك التصرف فيه كيف شاءت ومع من شاءت ببدل
وغير بدل فليس القبض هنا بموجب ملك التصرف ولا تملك العين بخلاف المبيع فان بالقبض
هناك يستفاد ملك التصرف والإسلام المانع منه ولان ضمان المبيع في يد البائع ضمان ملك
حتى لو هلك يهلك على ملكه فكان قبض المشتري ناقلا لضمان الملك فاما ضمان المسمى في
يد الزوج فليس بضمان ملك حتى لو هلك يهلك على ملكها ولهذا وجب لها القيمة فلا يكون
الاسلام مانعا من القبض الناقل للضمان إذا لم يكن ضمان ملك كاسترداد المغصوب وهذا
بخلاف ما إذا كان المسمى بغير عينه لان القبض هناك موجب ملك العين والإسلام يمنع من
ذلك وإذا عرفنا هذا فمحمد رحمه الله تعالى يقول في الفصول كلها تعذر بالاسلام تسليم المسمى
42

بعد صحة التسمية وذلك موجب للقيمة على كل حال كما لو نزوجها على عبد فاستحق أو
هلك قبل التسليم وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول الاسلام الطارئ بعد العقد قبل القبض
يجعل في الحكم كالمقارن للعقد كما في البيع ولو اقترن الاسلام بالعقد وجب لها مهر المثل على
كل حال فهذا مثله وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول القياس ما قاله محمد رحمه الله تعالى لان
التسمية صحيحة وبطريان الاسلام لا يتبين فساد التسمية بخلاف ما إذا اقترن الاسلام بالعقد
فان التسمية هناك مفسدة وبخلاف البيع لان أصل السبب هناك يفسد بالاسلام الطارئ
وهنا أصل السبب باق وقد كانت التسمية صحيحة فإذا تعذر تسليم المسمى كان لها القيمة غير
أنى أستقبح ايجاب قيمة الخنزير فأوجب لها مهر مثلها قيل إنما استقبح ذلك لبعد الخنزير عن
المالية في حق المسلمين ولان المسلمين لا يعرفون قيمته والرجوع إلى أهل الذمة في معرفة
قيمة الخنزير ليقضى به مستقبح ولكن هذا ضعيف فان المسلم إذا أتلف خنزير الذمي يضمن
قيمته كما إذا أتلف خمره والصحيح ان يقال قيمة الخنزير كعينه الا ترى ان قبل الاسلام لو
اتاها بالقيمة أجبرت على القبول كما إذا أتاها بالعين فكما تعذر قبض عين الخنزير بالاسلام
فكذلك القيمة بخلاف الخمر يقرره ان قيمة الخنزير من موجبات صحة التسمية وبالإسلام قد
تغير حكم التسمية فإنما يجوز ان يستوفى بعد الاسلام ما ليس من موجبات صحة التسمية وذلك
مهر المثل فاما قيمة الخمر ليس من موجبات صحة التسمية لان الخمر من ذوات الأمثال فلهذا
يصار إلى قيمة الخمر ثم إن طلقها قبل الدخول ففي العين لها نصف العين في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى وفي غير العين في الخمر لها نصف القيمة وفي الخنزير لها المتعة لان مهر المثل
لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول بل في كل موضع كان الواجب مهر المثل قبل الطلاق
فالواجب المتعة بعد الطلاق على ما نذكره في باب المهور إن شاء الله تعالى وعند محمد رحمه
الله تعالى لها بعد الطلاق نصف القيمة على كل حال وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى لها
المتعة على كل حال (قال) مسلم تزوج مسلمة على خمر أو خنزير أو شئ مما لا يحل كان
النكاح جائزا لان صحة التسمية ليس من شرائط أصل النكاح فالنكاح صحيح بغير تسمية المهر
فكذلك مع فساد التسمية لان ما كان فاسدا شرعا فذكره كالسكوت عنه في حكم الاستحقاق
وتقدم اشتراطه غير مبطل للنكاح فان النكاح يهدم الشرط ولا ينهدم به هكذا قال إبراهيم
النخعي رحمه الله تعالى النكاح يهدم الشرط والشرط يهدم البيع وإذا صح النكاح فلها مهر
43

مثلها لان البضع لا يتملك الا بعوض وقد تعذر إيجاب المسمى فيصار إلى العوض الأصلي وهو
قيمة البضع على ما نبينه في باب المهور إن شاء الله تعالى (قال) وتجوز المناكحة بين اليهود
والنصارى والمجوس وقد دللنا على جواز أصل المناكحة فيما بينهم ثم هم أهل ملة واحدة
وان اختلفت نحلهم لأنه يجمعهم اعتقاد الشرك والانكار لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم
فتجوز المناكحة فيما بينهم كأهل المذاهب فيما بين المسلمين ولهذا جوزنا شهادة بعضهم على
بعض وورثنا بعضهم من بعض ثم المولود بينهما على دين الكتابي من الأبوين عندنا تحل
ذبيحته ومناكحته للمسلمين ولا يحل ذلك عند الشافعي رحمه الله تعالى لان المعارضة تتحقق
بينهما وأحدهما يوجب الحرمة والآخر الحل فيغلب الموجب للحرمة لقوله صلى الله عليه
وسلم ما اجتمع الحلال والحرام في شئ الا غلب الحرام الحلال بخلاف ما إذا كان أحدهما
مسلما لان الكفر لا يعارض الاسلام على ما بينا ولكنا نستدل بقوله صلى الله عليه وسلم كل
مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه الحديث فقد جعل اتفاق الأبوين علة نافلة عن أصل
الفطرة فيثبت ذلك فيما إذا اتفق عليه الأبوان وفيما اختلفا فيه يبقى على أصل الفطرة ولان حل
الذبيحة والمناكحة من حكم الاسلام فإذا كان ذلك اعتقاد أحد الأبوين يجعل الولد تبعا له
في ذلك كما في نفس الاسلام وهذا لان اليهودية إذا قوبلت بالمجوسية فالمجوسية شر فلا تقع
المعارضة بينهما ولكن يترجح جانب التبعية للكتابي لأنه يعتقد التوحيد أو يظهره فكان في
جعل الولد تبعا له نوع نظر للولد وذلك واجب (قال) وإذا زوج صبية من صبي وهما من أهل
الذمة جاز ذلك كما يجوز بين المسلمين لان الولاية ثبتت للأولياء فيما بينهم قال الله تعالى
والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ثم إن كان المزوج هو الأب والجد فلا خيار لهما إذا
أدركا لشفقة الأبوة فان ذلك لا يختلف باختلاف الدين على ما قيل كل شئ يحب ولده حتى
الحباري وإن كان المزوج غير الأب والجد فلهما الخيار في قول أبي حنيفة ومحمد على ما بينا
فيما بين المسلمين (قال) وإذا تزوجت الذمية ذميا فقال وليها هذا ليس بكفء لم يلتفت
إلى قوله لان ذل الشرك وصغار الجزية يجمعهم فلا يظهر مع ذلك نقصان النسب بل هم
اكفاء بعضهم لبعض ألا ترى أنهم لو استرقوا كانوا اكفاء ولو أعتقوا كذلك ولو
أسلموا كانوا اكفاء فعرفنا أنه لا يظهر التفاوت بينهم فلا يكون للولي ان يخاصم (قال)
إلا أن يكون شيئا مشهورا يعنى كابنة ملك منهم خدعها حائك أو سايس ونحوه فهنا يفرق
44

بينهما لا لانعدام الكفاءة بل لتسكين الفتنة لان هذا يهيج الفتنة والقاضي مأمور بتسكين
الفتنة بينهم كما هو مأمور بذلك بين المسلمين (قال) وإذا تزوج الذمي مسلمة حرة فرق
بينهما لقوله تعالى ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولقوله صلى الله عليه وسلم الاسلام
يعلو ولا يعلى فاستقر الحكم في الشرع على أن المسلمة لا تحل للكافر وإن كان ذلك حلالا
في الابتداء فيفرق بينهما ويوجع عقوبة إن كان قد دخل بها ولا يبلغ به أربعين سوطا وتعذر
المرأة والذي سعى فيما بينهما وفي حق الذمي لم يذكر لفظ التعذير لأنه ينبئ عن معنى
التطهير والتوقير قال الله تعالى وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا فلهذا قال يوجع
عقوبة وهذا لأنه أساء الأدب فيما صنع واستخف بالمسلمين وارتكب ما كان ممنوعا منه
فيؤدب على ذلك وكان مالك بن أنس رحمه الله تعالى يقول يقتل لأنه يصير بهذا ناقضا
للعهد حين باشر ما ضمن في العهد أن لا يفعله فهو نظير الذمي إذا جعل نفسه طليعة
للمشركين على قوله ولكنا نقول كما أن المسلم بارتكاب مثله لا يصير ناقضا لأمانه فالذمي
لا يصير ناقضا لأمانه فلا يقتل ولكن يوجع عقوبة وكذلك يعذر الذي سعى بينهما لأنه
أعان على ما لا يحل والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله الراشي والمرتشي والرائش
وهو الذي يسعى بينهما وان أسلم بعد النكاح لم يترك على نكاحه لان أضل النكاح كان
باطلا فبالاسلام لا ينقلب صحيحا (قال) ولو أسلم الزوج وامرأته من أهل الكتاب بقي
النكاح بينهما ولا يتعرض لهما لان ابتداء النكاح صحيح بعد اسلام الرجل فلان يبقى أولى
وان كانت من غير أهل الكتاب فهي امرأته حتى يعرض عليها الاسلام فان أسلمت والا فرق
بينهما وكذلك أن كانت المرأة هي التي أسلمت والزوج من أهل الكتاب أو من غير أهل
الكتاب فهي امرأته حتى يعرض عليه الاسلام فان أسلم والا فرق بينهما ويستوى إن كان
دخل بها أو لم يدخل بها عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى إن كان قبل الدخول تقع الفرقة
باسلام أحدهما وإن كان بعد الدخول يتوقف وقوع الفرقة بينهما على انقضاء ثلاث حيض
ولا يعرض الاسلام على الآخر واستدل في ذلك فقال قد ضمنا بعقد الذمة أن لا نتعرض
لهم في الاجبار على الاسلام وذلك يقطع ولاية الاجبار والتفريق عندنا بالاسلام ولكن
النكاح قبل الدخول غير متأكد فينقطع بنفس اختلاف الدين إذا كان على وجه يمنع ابتداء
النكاح وبعد الدخول النكاح متأكد فلا يرتفع بنفس اختلاف الدين حتى ينضم إليه ما يؤثر
45

في الفرقة وهو انقضاء وقاس بالطلاق فان بنفس الطلاق قبل الدخول يرتفع النكاح
وبعد الدخول لا يرتفع الا بانقضاء العدة وحجتنا في ذلك ما روى أن دهقانة بهز الملك أسلمت
فأمر عمر رضى الله تعالى عنه ان يعرض الاسلام على زوجها فان أسلم والا فرق بينهما وان
دهقانا أسلم في عهد علي رضي الله عنه فعرض الاسلام على امرأته فأبت ففرق بينهما وكان
المعنى فيه أن النكاح كان صحيحا بينهما فلا يرتفع الا بعد وجود السبب الموجب له واسلام
المسلم منهما لا يصلح سببا لذلك لأنه سبب لاثبات العصمة وتأكيد الملك له وكذلك كفر من
أصر منها على الكفر لأنه كان موجودا قبل هذا وما كان مانعا لابتداء النكاح ولا بقائه
وكذلك اختلاف الدين فان عينه ليس بسبب كما لو كان الزوج مسلما والمرأة كتابية فلا بد من
أن يتقرر السبب الموجب للفرقة لما تعذر استدامة النكاح بينهما وذلك السبب عرض
الاسلام على الكافر منهما لا بطريق الاجبار عليه ولكن لان بالنكاح وجب عليه الامساك
بالمعروف أو التسريح بالاحسان فالامساك بالمعروف في أن يساعدها على الاسلام فإذا أبى
ذلك تعين التسريح بالاحسان فإذا امتنع من ذلك ناب القاضي منابه في التفريق بينهما
ثم إن كانت المرأة هي التي أبت الاسلام حتى فرق القاضي بينهما فإن كان قبل الدخول فلا
مهر لها وإن كان بعد الدخول فليس لها نفقة العدة لان الفرقة جاءت من قبلها وتكون
الفرقة بغير طلاق بالاتفاق لأنه ليس إليها من الطلاق شئ وإنما فرق القاضي بينهما باصرارها
على الخبث والخبيثة لا تصلح للطيب فاما إذا كان الزوج هو الذي أبى الاسلام فإن كان
قبل الدخول فلها نصف المهر وإن كان بعد الدخول فلها نفقة العدة وتكون الفرقة بطلاق
عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى تكون فرقة بغير
طلاق واما الفرقة بردة المرأة تكون بغير طلاق وردة الزوج كذلك في قول أبي حنيفة
وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وفى قول محمد رحمه الله تعالى تكون بطلاق وحجة أبى
يوسف رحمه الله تعالى في الفصلين ان سبب هذه الفرقة يشترك فيه الزوجان على معنى أنه
يتحقق من كل واحد منهما وهو الاباء والردة ومثل هذه الفرقة تكون بغير طلاق كالفرقة
الواقعة بالمحرمية وملك أحد الزوجين صاحبه وهذا لأنه ليس إليها من الطلاق شئ فكل
سبب للفرقة يتحقق من جهتها يعلم أنه ليس بسبب للطلاق وحجة محمد رحمه الله تعالى في
الفصلين ان سبب الفرقة قول من جهة الزوج اما إباء أو ردة فيكون بمنزلة ايقاع
46

الطلاق وهذا لأنه يفوت الامساك بالمعروف بهذا السبب فيتعين التسريح بالاحسان والتسريح
طلاق الا ترى ان الفرقة بين العنين وامرأته تجعل طلاقا بهذا الطريق وأبو حنيفة يفرق
بينهما والفرق من وجهين أحدهما ان الفرقة بالردة كانت لفوات صفة الحل وذلك مناف
للنكاح الا تري ان الفرقة لا تتوقف على قضاء القاضي فإنه ينافي النكاح ابتداء وبقاء فيكون
نظير المحرمية والملك فأما إباء الاسلام فإنه غير مناف للنكاح الا ترى ان الفرقة به لا
تقع الا بقضاء القاضي والفرقة بسبب غير مناف للنكاح إذا كان مضافا إلى الزوج يكون طلاقا
توضيح الفرق ان في فصل الاباء لما كانت الفرقة لا تقع الا بقضاء القاضي أشبه الفرقة بسبب
العنة من حيث إن القاضي ينوب فيه عن الزوج وفي مسألة الردة لما لم تتوقف الفرقة على القضاء
أشبه الفرقة بسبب المحرمية والملك الا ترى أنه يتم بالمرأة وليس إليها من الطلاق شئ ثم في
الفصلين يقع طلاقه عليها ما دامت في العدة اما في الاباء فظاهر لان الفرقة كانت بالطلاق
واما في الردة فلان حرمة المحل بهذا السبب غير متأبدة ألا ترى أنه يرتفع بالاسلام فيتوفر
على الطلاق ما هو موجبه وهو حرمة المحل إلى غاية إصابة الزوج الثاني فلهذا يقع طلاقه
عليها في العدة بخلاف ما بعد المحرمية فان حرمة المحل هناك مؤبدة فلا يظهر معها ما هو
موجب الطلاق (قال) وإذا عقد النكاح على صبيين من أهل الذمة ثم أسلم أحدهما وهو يعقل
الاسلام صح اسلامه عندنا استحسانا ويعرض على الآخر الاسلام إن كان قعل فان أسلم
فهما على نكاحهما وان أبى أن يسلم فإن كان الزوج هو الذي أسلم والمرأة كتابية لم يفرق بينهما
كما لو كانا بالغين وإن كان بخلاف ذلك ففي القياس لا يفرق بينهما أيضا لان الاباء إنما يتحقق
موجبا للفرقة ممن يكون مخاطبا بالأداء والذي لم يبلغ وإن كان عاقلا فهو غير مخاطب بذلك
ولكنه استحسن فقال كل من صح منه الاسلام إذا أتى به صح منه الاباء إذا عرض عليه
وعند تقرر السبب الموجب للفرقة الصبي يستوى بالبالغ كما لو وجدته امرأته مجنونا وقيل
هذا علي قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى فأما أبو يوسف رحمه الله فإنه يأخذ بالقياس وهو
نظير اختلافهم في ردة الصبي عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى تجب الفرقة خلافا
لأبي يوسف رحمه الله تعالى والأصح أنه قولهم جميعا والفرق لأبي يوسف رحمه الله تعالى
أن الاباء تمسك بما هو عليه فيكون صحيحا منه فأما الردة انشاء لما لم يكن موجودا وهو يضره
فلا يصح منه ألا ترى أن رده الهبة بعدما قبض لا يصح وامتناعه من القبول في الابتداء
47

صحيح ثم إذا فرق باباء الزوج وكان صغيرا فبعض مشايخنا يقولون هذا لا يكون طلاقا لان
الصبي ليس من أهل الطلاق بخلاف البالغ والصحيح انه طلاق لان السبب قد نقرر فهو
نظير الفرقة بسبب الجب وهذا لان الصبي ليس بأهل لايقاع الطلاق والعتاق ثم العتق
ينفذ من جهته إذا تقرر سببه بأن ورث قريبه فكذلك الطلاق (قال) نصراني تزوج
نصرانية ثم إنها تمجست فهما على نكاحهما لأنها لو كانت مجوسية في الابتداء صح النكاح
بينهما فكذلك إذا تمجست وهو بناء على أصلنا أنه إذا تحول من دين إلى دين يترك على ما
اعتقد لان الكفر كله ملة واحدة وللشافعي فيه ثلاثة أقوال قول مثل قولنا وقول آخر
أنه يقتل إن لم يسلم لان الأمان له كان على ما اعتقده فإذا بدله بغيره لم يبق له أمان فيقتل
إن لم يسلم وهذا فاسد فان الأمان بسبب الذمة كان له مع كفره وما ترك الكفر وإذا كان
ما اعتقد لا ينافي ابتداء عقد الذمة لا يكون منافيا للبقاء أيضا وفي قول آخر يقول يجبر على
العود إلى ما كان عليه كالمسلم إذا ارتد والعياذ بالله وهو بعيد أيضا فان ما كان عليه كان كفرا
فكيف يجبر على العود إليه والنصراني إذا تهود فقد اعتقد التوحيد ظاهرا فكيف يجبر على
العود إلى التثليث بعدما اعتقد التوحيد فان أسلم الزوج بعدما تمجست عرض عليها الاسلام
كما لو كانت مجوسية في الأصل فان أسلمت والا فرق بينهما وان تهودت أو تنصرت كانا
على النكاح كما لو كانت يهودية أو نصرانية في الابتداء وان تمجست بعدما أسلم الزوج
وقعت الفرقة بينهما لان تمجسها بعد الاسلام كردة المسلمة فكما يتعجل الفرقة بنفس
ردة المرأة فكذا بتمجسها بعد إسلام الزوج (قال) نصراني تزوج نصرانية بشهادة عبدين
كان جائزا إذا كان ذلك في دينهم نكاحا لأنه لو تزوجها بغير شهود جاز فبشهادة العبدين
أولى والله أعلم بالصواب
* (باب نكاح المرتد) *
(قال) ولا يجوز للمرتد ان يتزوج مرتدة ولا مسلمة ولا كافرة أصلية لان النكاح يعتمد
الملة ولا ملة للمرتد فإنه ترك ما كان عليه وهو غير مقر علي ما اعتقده وحقيقة المعنى فيه من
وجهين أحدهما ان النكاح مشروع لمعنى البقاء فان بقاء النسل به يكون وكذلك بقاء
النفوس بالقيام بمصالح المعيشة والمرتد مستحق للقتل فما كان سبب البقاء لا يكون مشروعا
48

في حقه والثاني ان قتله بنفس الردة صار مستحقا وإنما يمهل ثلاثة أيام ليتأمل فيما عرض
له من الشبهة ففيما وراء ذلك جعل كأنه لا حياة له حكما فلا يصح منه عقد النكاح لان اشتغاله
بعقد النكاح يشغله عما لأجله حياته وهو التأمل وكذلك لا يجوز نكاح المرتدة مع أحد
لأنها مأمورة بالتأمل لتعود إلى الاسلام وممنوعة من الاشتغال بشئ آخر ولأنها بالردة
صارت محرمة والنكاح مختص بمحل الحل ابتداء فلهذا لا يجوز نكاحها مع أحد (قال)
وإذا ارتد المسلم بانت منه امرأته مسلمة كانت أو كتابية دخل بها أو لم يدخل بها عندنا وقال
الشافعي رحمه الله تعالى ان كأن لم يدخل بها فكذلك وإن كان بعد الدخول لا يتوقف انقطاع
النكاح على انقضاء ثلاث حيض بناء على أصله في الفرق بين تأكد النكاح بالدخول وعدم
تأكده على ما بينا في الاسلام فإنه بالردة يقصد منابذة الملة لا الحليلة فلا يكون ذلك موجبا
للفرقة بعد تأكده ما لم ينضم إليه سبب آخر كما لو أسلم أحدهما وابن أبي ليلى رحمه الله تعالى
يقول لا تقع الفرقة بردة أحدهما قبل الدخول ولا بعده حتى يستتاب المرتد فان تاب فهي
امرأته وان مات أو قتل ورثته وجعل هذا قيام اسلام أحد الزوجين على ما بينا ولكنا نقول
الردة تنافي النكاح واعتراض سبب المنافي للنكاح موجب للفرقة بنفسه كالمحرمية فاما
اختلاف الدين عينه لا ينافي النكاح حتى يجوز ابتداء النكاح بين المسلم والكتابية وكذلك
الاسلام لا ينافي النكاح فان النكاح نعمة وبالإسلام تصير النعم محرزة له فلهذا لا تقع الفرقة
هناك الا بقضاء القاضي بعد إباء الآخر ثم إن كان الزوج هو المرتد فلها نصف المهر ان كأن لم
يدخل بها ونفقة العدة إن كان دخل بها وان كانت هي التي ارتدت فلا مهر لها إن كان قبل
الدخول وليس لها نفقة العدة بعد الدخول والكلام في أن هذه الفرقة بطلاق أو بغير طلاق
كما بيناه (قال) وإذا ارتد الزوجان معا فهما على نكاحهما استحسانا عندنا وفي القياس تقع
الفرقة بينهما وهو قول زفر رحمه الله تعالى لان في ردتهما ردة أحدهما وزيادة فإذا كانت
ردتهما تنافي ابتداء النكاح تنافى البقاء أيضا ولكنا تركنا القياس لاتفاق الصحابة رضى الله
تعالى عنهم فان بنى حنيفة ارتدوا بمنع الزكاة فاستتابهم أبو بكر رضى الله تعالى عنه ولم يأمرهم
بتجديد الأنكحة بعد التوبة ولا أحد من الصحابة رحمهم الله تعالى سواء ولا يقال لعل الارتداد
من بعضهم كان قبل بعض ولم يشتغل بذلك أيضا لان كل أمرين لا يعرف التاريخ بينهما يجعل
كأنهما وقعا معا وفقه هذا الكلام ان وقوع الفرقة عند ردة أحدهما لظهور خبثه عند المقابلة
49

بطيب المسلم فإذا ارتدا معا لا يظهر هذا الخبث بالمقابلة لأنه تقابل الخبث بالخبث والمعني فيه أنه
لم يختلف لهما دين ولا دار فيبقى ما كان بينهما على ما كان كما إذا أسلم الكافران معا واعتبار
البقاء بالابتداء فاسد فان العدة تمنع ابتداء النكاح ولا تمنع البقاء ولا فرق لان كل واحد
منهما يوجب حرمة المحل ولكنها غير متأبدة فان أسلم أحدهما وقعت الفرقة بينهما باصرار
الآخر على الردة لظهور خبثه الآن عند المقابلة بطيب الآخر حتى لو كانت المرأة هي التي
أسلمت قبل الدخول فلها نصف الصداق وإن كان الزوج هو الذي أسلم فلا شئ لها لان
الفرقة من جانب من أصر على الردة فان اصراره بعد اسلام الاخر كانشاء الردة (قال)
وان أسلم النصراني وامرأته نصرانية ثم تحولت إلى اليهودية فهي امرأته كما لو كانت يهودية
في الابتداء وان أسلم وهي مجوسية ثم ارتد عن الاسلام بانت منه لان النكاح بعد اسلامه
باق ما لم يفرق القاضي بينهما ألا ترى أنها لو أسلمت كانا على نكاحهما فتفرده بالردة في حال
بقاء النكاح موجب للفرقة وكذلك إذا أسلمت المرأة المجوسية ثم ارتدت بانت منه وكذلك
لو ارتد الزوج بانت منه وإن لم يرتد الزوج ولم تسلم هي حتى مات الزوج كان لها المهر كاملا
دخل بها أو لم يدخل بها لان النكاح ينتهي بالموت حين لم يفرق القاضي بينهما فيتقرر به جميع
المهر والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب نكاح أهل الحرب) *
(قال) رضي الله عنه بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن مناكحة أهل
الحرب من أهل الكتاب فكره ذلك وبه نأخذ فنقول يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية في
دار الحرب ولكنه يكره لأنه إذا تزوجها ثمة ربما يختار المقام فيهم وقال صلى الله عليه وسلم أنا
برئ من كل مسلم مع مشرك لا ترائى ناراهما ولان فيه تعريض ولده للرق فربما تحبل
منه فتسبى فيصير ما في بطنها رقيقا وإن كان مسلما وإذا ولدت تخلق الولد بأخلاق الكفار
وفيه بعض الفتنة فيكره لهذا فان خرج وتركها في دار الحرب وقعت الفرقة بينهما بتباين
الدارين حقيقة وحكما فإنها من أهل دار الحرب والزوج من أهل دار الاسلام وتباين الدارين
بهذه الصفة موجب للفرقة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يكون موجبا للفرقة حتى
إذا أسلم أحد الزوجين وخرج إلى دارنا فإن كانت المرأة هي التي خرجت مراغمة وقعت
50

الفرقة بالاتفاق عندنا لتباين الدارين وعنده للقصد إلى المراغمة والاستيلاء على حق الزوج
فان خرجت غير مراغمة لزوجها أو خرج الزوج مسلما أو ذميا تقع الفرقة بتباين الدارين
عندنا ولا تقع عند الشافعي رحمه الله تعالى واستدل بحديث أبي سفيان رضي الله عنه فإنه
أسلم بمر الظهران في معسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يجدد رسول الله صلى الله
عليه وسلم النكاح بينه وبين امرأته هند ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هرب
عكرمة بن أبي جهل وحكيم بن حزام رضي الله عنهما حتى أسلمت امرأة كل واحد منهما
وأخذت الأمان لزوجها وذهبت فجاءت بزوجها ولم يجدد رسول الله صلى الله عليه وسلم
النكاح بينهما وان زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجرت إلى المدينة ثم تبعها
زوجها أبو العاص بعد سنين فردها عليه بالنكاح الأول والمعني فيه أن اختلاف الدار عبارة
عن تباين الولايات وذلك لا يوجب ارتفاع النكاح كاختلاف الولايتين في دار الاسلام الا
ترى ان الحربي لو خرج الينا مستأمنا أو المسلم دخل دار الحرب بأمان لم تقع الفرقة بينه وبين
امرأته وكذلك الخارج من مصر أهل العدل إلى منعة أهل البغي لا تقع الفرقة بينه وبين
امرأته وأصحابنا رحمهم الله تعالى استدلوا بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات
مهاجرات إلى قوله فلا ترجعوهن إلى الكفار الآية وليس في هذه الآية بيان قصد المراغمة
فاشتراطه يكون زيادة على النص وقال الله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر والكوافر جمع
كافرة معناه لا تعدوا من خلفتموه في دار الحرب من نسائكم ولما أراد عمر رضي الله عنه ان
يهاجر إلى المدينة نادى بمكة الا من أراد أن تئيم امرأته منه أو تبين فليلتحق بي أي فليصحبني
في الهجرة والمعنى فيه أن من بقي في دار الحرب في حق من هو في دار الاسلام كالميت قال
الله تعالى أو من كان ميتا فأحييناه أي كافرا فرزقناه الهدى الا ترى ان المرتد اللاحق بدار
الحرب يجعل كالميت حتى يقسم ماله بين ورثته فكما لا تتحقق عصمة النكاح بين الحي والميت
فكذلك لا تتحقق عند تباين الدارين حقيقة وحكما فاما إذا خرج الينا بأمان فتباين الدارين لم
يوجد حكما لأنه من أهل دار الحرب متمكن من الرجوع إليها وكذلك إذا دخل المسلم دار
الحرب بأمان فهو من أهل دار الاسلام حكما ومنعة أهل البغي من جملة دار الاسلام ومن
فيها لا يجعل بمنزلة الميت حكما والدليل عليه انه ما خرج الا قاصدا احراز نفسه من المشركين فلا
يعتبر مع ذلك القصد إلى المراغمة ولو كان خروجها على سبيل المراغمة لزوجها وقعت الفرقة
51

بالاتفاق فاما حديث زينب رضي الله عنها فالصحيح انه ردها عليه بالنكاح الجديد وما روى أنه
ردها عليه بالنكاح الأول أي بحرمة النكاح الأول الا ترى أنه ردها عليه بعد سنين والعدة
تنقضي في مثل هذه المدة عادة وقد روى أن الكفار تتبعوها وضربوها حتى أسقطت
فانقضت عدتها بذلك وعند الشافعي رحمه الله تعالى ان كأن لا تقع الفرقة بتباين الدارين تقع بانقضاء
العدة واما اسلام أبي سفيان فالصحيح أنه لم يحسن اسلامه يومئذ وإنما أجاره رسول الله صلى
الله عليه وسلم بشفاعة عمه العباس رضي الله عنه وعكرمة وحكيم بن حزام إنما هربا إلى الساحل
وكانت من حدود مكة فلم يوجد تباين الدارين وقال الزهري ان دار الاسلام إنما تميزت من
دار الحرب بعد فتح مكة فلم يوجد تباين الدارين يومئذ فلهذا لم يجدد النكاح بينهما فاما إذا
سبى أحد الزوجين تقع الفرقة بينهما بالاتفاق فعندنا لتباين الدارين وعند الشافعي رضي الله عنه
للسبى حتى إذا سبيا معا لم تقع الفرقة بينهما لقوله تعالى والمحصنات من النساء الآية معناه
ذوات الأزواج من النساء الا ما ملكت أيمانكم فإنها محللة لكم وإنما نزلت الآية في سبايا
أوطاس وقد نادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الا لا توطأ الحبالى من الفئ حتى
يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة وإنما سبي أزواجهن معهن والمعنى فيه أن السبي يقتضى
صفاء المسبى للسابي ولهذا لا يبقى الدين الذي كان واجبا على المسبي وإنما يصفو إذا لم يبق ملك
النكاح وهذا لان السبي سبب لملك ما يحتمل التملك ومحل النكاح محتمل للتملك فيصير مملوكا
للسابي لأنه لو امتنع ثبوت الملك إنما يمتنع لحق الزوج وهو ليس بذي حق محترم ألا ترى
أنه تسقط به مالكيته عن نفسه وعن ماله ولهذا قلنا لو كانت المسبية منكوحة لمسلم أو لذمي
لا يبطل النكاح لان ملك النكاح محترم ولا يدخل عليه القصاص أنه لا يسقط بالسبي لان
المستحق بالقصاص الدم وهو ليس بمحتمل للتملك ولان القصاص لا يجب الا لمحترم وحجتنا
في ذلك أن السبي سبب لملك الرقبة مالا فلا يكون مبطلا للنكاح كالشراء وهذا لان المملوك
في النكاح ليس بمال فلا يثبت فيه التملك بالسبي مقصودا لان تملك البضع مقصودا بسببه
يختص بشرائط من الشهود والولي وذلك لا يوجد في السبي فإنما يثبت الملك هنا تبعا لملك
الرقبة وذلك لا يثبت إلا عند فراغ المحل عن حق الغير ونفس السبي ليس بمناف للنكاح ألا ترى
أن ملك النكاح لو كان محترما لا يبطل النكاح مع تقرر السبي والمنافي إذا تقرر فالمحترم وغير
المحترم فيه سواء كما إذا تقرر بالمحرمية والرضاع ولان السبي لا ينافي ابتداء النكاح فلان
52

لا ينافي البقاء أولى وأما الدين فإن كان على عبد فسبى لم يسقط الدين منصوص عليه في
المأذون وإن كان على حر فسبى فإنه يسقط لأنه لما صار عبدا والدين لا يجب على العبد الا
شاغلا مالية رقبته فكذلك لا يبقي الا شاغلا للمالية وحين كان واجبا على الحر لم يكن شاغلا
لمالية الرقبة إذ لا مالية في رقبته فلا يمكن ابقاؤه الا بتلك الصفة وقد تعذر ابقاؤه بتلك
الصفة بعد السبي ألا ترى أنه لو كان الدين لمحترم لا يبقى كذلك وبه يبطل قولهم ان السبي
يقتضى صفاء المسبى للسابي فان ملك النكاح إذا كان محترما بقي النكاح ولا صفاء وكذلك
إذا سبي الزوج وقعت الفرقة وهنا الملك له لا عليه فأما الحديث فالمروي أن الرجل هربوا إلى
حصونهم وإنما سبى النساء وحدهن فقد وقعت الفرقة بتباين الدارين والآية دليلنا فان
الله تعالى حرم ذوات الأزواج فما لم يثبت انقطاع الزوجية بينهما كانت محرمة على السابي
بهذا النص إذا عرفنا هذا فنقول إذا خرج لزوج مسلما وتركها في دار الحرب حتى وقعت
الفرقة بينهما لم يقع عليها طلاقه بعد ذلك لان النكاح قد انقطع لا إلى عدة فان بقاءها في دار
الحرب كما ينافي أصل النكاح بينها وبين الزوج ينافي العدة فلهذا لا يقع طلاقه عليها وان
خرجت المرأة قبل الزوج مسلمة أو ذمية فهما على نكاحهما لان الزوج مسلم من أهل دار
الاسلام أيضا فلم تتباين بهم الدار (قال) حربية كتابية دخلت دار الاسلام بأمان
فتزوجت مسلما أو ذميا جاز ذلك وصارت ذمية لأنها تابعة لزوجها في المقام فتزويجها نفسها
ممن هو من أهل دار الاسلام يكون رضى منها بالمقام في دارنا على التأبيد فتصير ذمية
وان كانت غير كتابية فان تزوجها ذمي فكذلك الجواب وان تزوجها مسلم لم يجز النكاح
وصيرورتها ذمية تكون ضمنا لصحة النكاح ولم يصح النكاح هنا وهذا بخلاف المستأمن
في دارنا إذا تزوج ذمية فإنه لا يصير ذميا لان الرجل ليس بتبع للمرأة في المقام ألا ترى
أنه لا يصير مقيما بإقامة المرأة والمرأة تصير مقيمة بإقامة الزوج ومسافرة بسفره فلهذا افترقا
(قال) حربي أسلم وتحته خمس نسوة وأسلمن معه فإن كان تزوجهن في عقدة واحدة
يفرق بينه وبينهن وإن كان تزوجهن في عقود متفرقة فنكاح الأربع الأول جائز ونكاح
الخامسة فاسد في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى
سواء تزوجهن في عقدة واحدة أو في عقود متفرقة يخير فيختار أي أربع منهن شاء ويفارق
الخامسة وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى وكذلك لو كان تحته أختان فأسلمن معه فان
53

تزوجها في عقدة واحدة بطل نكاحهما ولو كان تزوجهما في عقدين جاز نكاح الأولى
وبطل نكاح الثانية عندهما وقال محمد والشافعي رحمهما الله تعالى يختار أيتهما شاء ويفارق
الأخرى واستدل بحديث غيلان بن سلمة أنه أسلم وتحته ثمان نسوة وأسلمن معه فقال
صلى الله عليه وسلم اختر منهن أربعا وفارق سائرهن وقيس بن حارثة رضي الله عنه أسلم
وتحته عشر نسوة وأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ان يختار أربعا منهن
والضحاك بن فيروز الديلمي أسلم وتحته أختان فقال صلى الله عليه وسلم اختر أيتهما شئت
والمعنى فيه أن هذه حرمة اعترضت في بعض المنكوحات بعد صحة النكاح فتوجب التخيير
دون التفريق كما لو طلق احدى نسائه لا بعينها ثلاثا وبيان ذلك أن الأنكحة وقعت صحيحة
في الأصل لان حرمة الجمع بخطاب الشرع وقد بينا ان حكم هذا الخطاب قاصر عنهم
لاعتقادهم بخلاف ذلك ما لم يسلموا ألا ترى أنه لو ماتت واحدة منهن أو بانت ثم أسلم
وليس عنده الا أربع منهن جاز نكاحهن سواء ماتت الأولى أو الأخيرة وإذا ثبت ان
الأنكحة صحيحة كان العقد الواحد والعقود المتفرقة فيه سواء بمنزلة الحربي إذا كان تحته
أربع نسوة فسبي وسبين معه فان العقد الواحد والعقود المتفرقة فيه سواء بالاتفاق وان اختلفنا
في التفريق أو التخيير وفرق محمد رحمه الله تعالى في السير الكبير بين أهل الحرب وأهل
الذمة فقال لو كانت هذه العقود فيما بين أهل الذمة كان الجواب كما قاله أبو حنيفة رحمه
الله تعالى لان خطاب الشرع بحكم الشيوع في دار الاسلام يجعل ثابتا في حق أهل الذمة
وان كنا لا نتعرض لهم ما لم يسلموا وقد بينا هذا من أصلهما والشافعي رحمه الله تعالى يسوى
بين أهل الحرب وأهل الذمة فاما أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى استدلا
بقوله تعالى وان تجمعوا بين الأختين فالجمع بين الأختين نكاحا حرام بهذا النص وبنكاح
الأولى ما حصل الجمع فوقع نكاحها صحيحا بحكم الاسلام وبنكاح الثانية حصل الجمع فلم
يكن نكاحها صحيحا بحكم الاسلام وإنما وجب الاعتراض بعد الاسلام بسبب الجمع إذ
لا سبب هنا سوى الجمع فتعين الفساد في نكاح من حصل الجمع بنكاحها وكان نكاحها فاسدا
بحكم الاسلام دون من لم يحصل بنكاحها الجمع وكان نكاحها صحيحا بحكم الاسلام وان
تزوجهما في عقدة واحدة فالجمع حصل بهما ولم يكن ابطال نكاح أحداهما بأولى من الأخرى فبطل
نكاحهما بمنزلة الحربية تحت رجلين إذا أسلمت وأسلما معها وكذلك في نكاح الخمس الحرمة بسبب
54

الجمع بين ما زاد على الأربع فإنما حصل ذلك بنكاح الخامسة فصرف الفساد إليه أولى
وإن كان تزوجهن في عقد واحد فالجمع حصل بهن جميعا وهذا بخلاف ما لو ماتت إحداهن
أو بانت لان الاعتراض بسبب الجمع بعد الاسلام فلا بد من بقاء الجمع المحرم بعد الاسلام
حتى يجب الاعتراض ولم يبقى ذلك إذا ماتت أحدهما أو بانت وهو نظير ما لو تزوج رضيعتين
فجاءت امرأة فأرضعتهما بانتا منه ولو أرضعت إحداهما فماتت ثم أرضعت الأخرى لم يبطل
نكاح الثانية لان الجمع أنما يتحقق عند ارضاع الثانية فإذا كانت الأولى في نكاحه تحقق
الجمع بين الأختين وان ماتت أو بانت لم يتحقق الجمع بين الأختين وهذا بخلاف المسبيات
فان نكاح الأربع هناك وقع صحيحا بحكم الاسلام على الاطلاق لأنه حين تزوجهن كان
حرا وللحر أن يتزوج أربع نسوة ثم وجب الاعتراض بسبب الرق الحادث فيه وعند حدوث
الرق هن مجتمعات مستويات فلهذا استوى العقد الواحد والعقود المتفرقة بمنزلة الرضيعتين
إذا أرضعتهما امرأة بانتا منه وأن تزوجهما في عقدين لان الاعتراض وجب بعد
صحة النكاح بالأختية العارضة فيهما وهما مستويان في ذلك بخلاف ما تقدم على ما بينا
والأحاديث التي رويت فقد قال مكحول ان تلك كانت قبل نزول الفرائض معناه
قبل نزول حرمة الجمع فوقعت الأنكحة صحيحة مطلقا ثم أمره رسول الله صلى الله عليه
وسلم باختيار الأربع لتجديد العقد عليهن أو لما كانت الأنكحة صحيحة في الأصل
جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك مستثنى من تحريم الجمع ألا ترى أنه قال في
بعض الروايات وطلق سائرهن فهذا دليل على أنه لم يحكم بالفرقة بينه وبين ما زاد على
الأربع وعلى هذا لو أسلم وتحته بنت وأم فأسلمتا معه فإن كان تزوجهما في عقد واحد
بطل نكاحهما ثم إن كأن لم يدخل بهما فله أن يتزوج البنت دون الأم وإن كان دخل بهما
لم يكن له أن يتزوج واحدة منهما لان الدخول بكل واحدة منهما يوجب حرمة الأخرى
بالمصاهرة على التأبيد وإن كان دخل بالأم فليس له أن يتزوج واحدة منهما لان الأم حرمت
بعقد البنت والبنت حرمت بالدخول بالأم وإن كان دخل بالبنت دون الأم فله أن يتزوج
البنت دون الأم لان بمجرد العقد على الأم لا يوجب حرمة البنت وإن كان تزوجهما في
عقدين فنكاح الأولى جائز ونكاح الثانية فاسد إن لم يدخل بهما وكذلك أن دخل بالأولى
فإن كان دخل بالثانية فإن كانت الأولى بنتا فسد نكاحهما لان الأم حرمت بالعقد على البنت
55

والبنت حرمت بالدخول بالأم وان كانت الأولى اما فنكاح البنت صحيح لان الدخول بالبنت
يحرم الأم والعقد على الأم لا يحرم البنت فاما على قول محمد رحمه الله تعالى سواء تزوجهما في
عقدة أو في عقدتين فنكاح البنت صحيح لأن العقد على الأم لا يوجب حرمة البنت والعقد
على البنت يوجب حرمة الأم إلا أن يكون دخل بالأم فحينئذ يفرق بينه وبينهما وهذا إذا
كان دخوله بالأم بعدما تزوج بالبنت فإن كان قبل أن يتزوج البنت فنكاح الأم صحيح
لان الدخول بها يحرم البنت فإذا لم يصح نكاح البنت لا تحرم الأم بذلك إلا أن يكون
دخل بالبنت أيضا فحينئذ تقع الفرقة بينه وبينهما بالمصاهرة وليس له أن يتزوج واحدة منهما
(قال) وان أسلم الحربي وامرأته وقد كان نكاحهما بعد أن طلقها ثلاثا قبل أن تنكح
زوجا آخر فرق بينهما لان التطليقات الثلاث تقع في دار الحرب كما في دار الاسلام فإنهم
يعتقدون ذلك وهي سبب حرمة المحل إلى وقت إصابة الزوج الثاني بمنزلة الحرمة بالقرابة
والرضاع فكما أن ذلك يوجب التفريق بعد الاسلام فكذلك هنا وكذلك لو جامع أمها
أو ابنتها أو قبل واحدة منهما بشهوة لان الحرمة بسبب المصاهرة نظير الحرمة بسبب
الرضاع وذلك يتحقق في دار الحرب كما يتحقق في دار الاسلام فهذا مثله (قال) وإذا أسلم
أحد الزوجين في دار الحرب ولم يكونا من أهل الكتاب أو كانا والمرأة هي التي أسلمت فإنه
يتوقف انقطاع النكاح بينهما على انقضاء ثلاث حيض عندنا سواء دخل بها أو لم يدخل بها
وقال الشافعي رحمه الله تعالى إن كان قبل الدخول تقع الفرقة باسلام أحدهما وإن كان بعد
الدخول يتوقف على انقضاء العدة وعنده لا يختلف هذا الحكم بدار الحرب ودار الاسلام
ولكنه ينبني على تأكد النكاح بالدخول وعدم تأكده كما ذكرنا فاما عندنا نفس اسلام أحدهما
غير موجب للفرقة ولا كفر من أصر منهما على الكفر ولا اختلاف الدين نفسه كما بينا
في دار الاسلام الا ان في دار الاسلام يمكن تقرير سبب الفرقة بعرض الاسلام على الآخر
منهما حتى إذا أبى يصير مفوتا الامساك بالمعروف وفي دار الحرب لا يتأتى ذلك لان يد
امام المسلمين لا تصل إلى المصر منهما ليعرض عليه الاسلام ويحكم بالفرقة عند إبائه فيقام ثلاث
حيضات مقام ثلاث عرضات في تقرر سبب الفرقة لأنه صار غير مريد لها حين لم يساعدها
على الاسلام وبعد ما صار غير مريد لها تقع الفرقة بانقضاء ثلاث حيض كما لو طلقها إلا أن
هناك إذا كان الطلاق قبل الدخول يمكن اثبات الفرقة بنفسه لمباشرة الزوج سبب الفرقة
56

وهنا لا يمكن اثبات الفرقة قبل الدخول بدون انقضاء ثلاث حيض لان الزوج ما باشر شيئا بل
بل هو مستديم لما كان عليه فلهذا يتوقف انقطاع النكاح على انقضاء ثلاث حيض في الوجهين
جميعا وإذا وقعت الفرقة بذلك فإن كان قبل الدخول فلا عدة عليها وإن كان بعد الدخول
والمرأة حربية فكذلك الجواب لان حكم الشرع لا يثبت في حقها فإن كانت المرأة هي
المسلمة فكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأنه لا يوجب العدة على المسلمة من الحربي
وأصل المسألة في المهاجرة فإنها إذا خرجت إلى دار الاسلام مسلمة أو ذمية لم تلزمها العدة
في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إلا أن تكون حاملا فحينئذ لا تتزوج حتى تضع حملها
وان كانت حاملا فلها أن تتزوج في الحال وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
تلزمها العدة وحجتهما في ذلك حديث نسيبة أنها لما هاجرت أمرها رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن تعتد والمعنى فيه أن هذه حرة فارقت زوجها بعد الإصابة فتلزمها العدة
كالمطلقة في دارنا وهذا لان وجوب العدة عليها لحق الشرع كيلا يجتمع ماء رجلين في
رحمها وهي مسلمة مخاطبة بحق الشرع وهذا بخلاف المسبية فإنها ليست بحرة وتأثيره أنها
حلت للسابي ومن ضرورة الحكم بحلها للسابي الحكم بفراغ رحمها من ماء الزوج بخلاف
ما نحن فيه ولا يقال لماذا يجب الاستبراء على السابي لأنا نقول كما يجب الاستبراء على السابي
إذا كانت ثيبا أو منكوحة فكذلك إذا كانت بكرا أو لم تكن منكوحة فكذا هذا مع أن
هذا دليلنا لان بالاستبراء هناك يحصل المقصود فلا حاجة إلى ايجاب العدة عليها بخلاف
المهاجرة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى استدل بقوله تعالى ولا جناح عليكم ان تنكحوهن إذا
آتيتموهن أجورهن فالله تعالى أباح نكاح المهاجرة مطلقا فتقييد ذلك بما بعد انقضاء العدة
يكون زيادة وقال الله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر وفي ايجاب العدة تمسك بعصمة الكافرة
والمعنى فيه أن هذه الفرقة وقعت بتباين الدارين فلا توجب العدة عليها وكالمسبية هذا لان تباين
الدارين حقيقة وحكما مناف للنكاح فيكون منافيا لاثر النكاح فلا تجب العدة لحق الشرع
مع وجود المنافى ولا لحق الزوج لأنه حربي غير محترم وهو نظير من اشترى امرأته لا تجب
العدة لحقه لان الحل الثابت بالملك حقه ولا تجب لحق الشرع لوجود المنافي فاما إذا كانت
حاملا فلا نقول تجب العدة عليها ولكنها لا تتزوج ما لم تضع حملها لان في بطنها ولد ثابت
النسب من الغير وذلك مانع من النكاح كأم الولد إذا حبلت من مولاها ليس له ان يزوجها
57

حتى تضع وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انها إذا تزوجت صح النكاح ولكن
لا يقربها زوجها حتى تضع لأنه لا حرمة لماء الحربي كماء الزاني فهو بمنزلة ماء الزاني والحبل
من الزنا لا يمنع النكاح عندنا ولكن الأول أصح لان الحبل من الزنا لا نسب له وهنا النسب
ثابت من الحربي وباعتبار ثبوت النسب المحل مشغول فلهذا لا يصح النكاح ما لم يفرغ المحل
عن حق الغير ويستوى في وقوع الفرقة بتباين الدارين ان خرج أحدهما مسلما أو ذميا أو
خرج مستأمنا ثم أسلم أو صار ذميا لأنه صار من أهل دارنا حقيقة وحكما في الفصلين وإن كان
الخارج هو الزوج فله ان يتزوج أربعا سواها أو أختها ان كانت في دار الاسلام لأنه
لا عدة على التي بقيت في دار الحرب عندهم جميعا فكان هذا بمنزلة الفرقة قبل الدخول وإذا
أسلمت المرأة ثم خرج الزوج مستأمنا فهما على النكاح ما لم تحض ثلاث حيض لان المستأمن
وإن كان في دارنا صورة فهو من أهل دار الحرب حكما فكأنه باق في دار الحرب حتى إذا
أسلم الزوج قبل أن تحيض فهما على النكاح وان صار الزوج من أهل الذمة قبل أن تحيض
ثلاث حيض فهما على النكاح أيضا حتى إذا خرجت المرأة فهي امرأته حتى يعرض السلطان
عليه الاسلام بمنزلة ما لو كان الزوج في الأصل ذميا وكذلك لو كان الزوج هو الذي
أسلم في دار الحرب ثم خرجت الينا ذمية قبل أن تحيض ثلاث حيض فهما على النكاح حتى
يعرض السلطان عليها الاسلام فأما إذا خرجا مستأمنين ثم أسلمت المرأة ففي رواية هذا
الكتاب يتوقف انقطاع النكاح بينهما على انقضاء ثلاث حيض لان الزوج من أهل دار
الحرب فهو بمنزلة ما لو كان في دار الحرب وفي رواية كتاب الطلاق يقول إن عرض السلطان
الاسلام على الزوج فأبى أن يسلم فرق بينهما وإن لم يعرض حتى مضى ثلاث حيض تقع
الفرقة أيضا ففي حق الذمي يتعين عرض الاسلام وفي حق الحربي في دار الحرب يتعين
انقضاء ثلاث حيض وفي حق المستأمن أي الامرين يوجد تقع به الفرقة لان المستأمن من
وجه يشبه الذمي لأنه تحت يد الامام يتمكن من عرض الاسلام عليه ومن وجه يشبه
الحربي لأنه متمكن من الرجوع إلى دار الحرب فيوفر حظه على الشبهين فلشبهه بالذمي إذا
وجد عرض الاسلام عليه تقع به الفرقة ولشبهه بالحربي إذا وجد انقضاء ثلاث حيض
أو لا تقع به الفرقة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
58

* (باب الهبة في النكاح) *
(قال) رضي الله عنه النكاح بلفظة الهبة والصدقة والتمليك صحح في قول علمائنا وعلى قول
الشافعي رحمه الله تعالى لا يصح الا بلفظة النكاح والتزويج واستدل بقوله تعالى وامرأة
مؤمنه ان وهبت نفسها للنبي الآية فقد جعل النكاح بلفظة الهبة خالصا للرسول صلوات
الله عليه دون غيره من المؤمنين وقال صلى الله عليه وسلم أوصيكم بالنساء خيرا فإنهن
عندكم عوان اتخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وكلمة الله التي أمرنا
بالاستحلال بها الانكاح والتزويج وفي قوله اتخذتموهن بأمانة الله إشارة الا ان هذا العقد
غير معقود لمقصود اثبات الملك ولهذا انعقد بلفظة الانكاح والتزويج وهما لابد لان على
الملك الا ترى أنه لا ينعقد بهما شئ من عقود التمليكات ولكن المقصود بالنكاح مالا يحصى
من مصالح الدين والدنيا وألفاظ التمليك لا تدل على شئ من ذلك فلا ينعقد بها هذا العقد
وهو معنى قولهم هذا عقد خاص فلا ينعقد بغيره الا ترى ان الشهادة لما شرعت بلفظ خاص
لمعنى وهو انها موجبة بنفسها كما أشار الله تعالى إليه في قوله شهد الله انه لا إله الا هو لم يقم
لفظ آخر مقام هذا اللفظ حتى لو قال الشاهد احلف لا يصح أداء الشهادة به والدليل عليه
ان التزويج هو التعليق والنكاح هو الضم وليس فيهما ما يدل على الملك وليس في التمليك
معني التلفيق والضم فلا ينعقد هذا اللفظ بألفاظ التمليك وكيف ينعقد النكاح بهذا اللفظ
والفرقة تقع به إذا قال لامرأته وهبت نفسك منك كان بمنزلة لفظ الطلاق مع أن النكاح
لا يصح الا بشهود وعند ذكر لفظ الهبة الشهود لا يعرفون انهما أرادا النكاح وحجتنا في
ذلك قوله تعالى وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم الآية معناه ان
أراد النبي ان يستنكحها فوهبت نفسها منه فقد جعل الله تعالى الهبة جوابا للاستنكاح
والاستنكاح طلب النكاح وأما قوله خالصة لك فقد قيل المراد به المرأة يعنى انها خالصة
لك فلا تحل لاحد بعدك حتى يكون شريكك في الفراش من حيث الزمان كما قال الله تعالى في
آية أخرى وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا والأصح
ان المراد هبة خالصة لان قوله ان وهبت يقتضى هبة والكناية تنصرف إلى الثابت بمقتضى
الكلام فيكون المعنى هبة خالصة لا يلزمك مهر لها وهذا لك دون المؤمنين. ألا ترى أنه قال
59

قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم يعنى من الابتغاء بالمال والدليل عليه أنه قابل الموهوبة
نفسها بالمؤتى مهرها بقوله انا أحللنا لك أزواجك الآية وكذلك قال في آخر الآية لكي
لا يكون عليك حرج وهو نص على أن الخصوصية لدفع الحرج عنه وذلك ليس في اللفظ
إذ لا حرج عليه في ذكر لفظ النكاح إنما الحرج في ابقاء المهر من أن المذكور لفظة الهبة
في جانب المرأة لا في جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفنا ان المراد الخصوصية
بجواز نكاحه بغير مهر وإمامنا في المسألة علي رضوان الله عليه فان رجلا وهب ابنته لعبيد
الله بن الحر بشهادة شاهدين فأجاز ذلك علي رضى الله تعالى عنه والمعنى فيه أن هذا ملك
يستباح به الوطئ فينعقد بلفظ الهبة والتمليك كملك اليمين وهذا كلام على سبيل الاستدلال
لا على سبيل المقايسة لان صلاحية اللفظ كناية عن غيره وليس بحكم شرعي ليعرف بالقياس بل
طريق معرفة ذلك النظر في كلام أهل اللغة وهذه إشارة إلى مذهبهم في الاستعارة لأنهم
يستعيرون اللفظ لغيره لاتصال بينهما من حيث السببية كما قال الله تعالى انى أراني أعصر
خمرا أي عنبا بالعصر يصير خمرا ويسمى المطر سماء لأنه ينزل من السماء وما يكون من علو
فالعرب تسميه سماء وكذلك النبات يسمى سماء لأنه ينبت بسبب المطر فإنهم يقولون ما زلنا
نطأ السماء حتى أتيناكم وإذا ثبت هذا فنقول هذه الألفاظ سبب لملك الرقبة وملك الرقبة
في محل ملك المتعة موجب لملك المتعة فللاتصال بينهما سببا يصلح هذا اللفظ كناية عن
ملك المتعة والمقصود من النكاح ملك المتعة دون ما سواه من المقاصد ألا ترى أنه يختص
به الزوج حتى يجب البدل عليه وسائر المقاصد يحصل لهما وان ملك الطلاق الرافع لهذا
الملك يختص به الزوج فعرفنا أن المقصود هو الملك دون ما توهمه الخصم وإنما انعقد بلفظ
النكاح والتزويج لأنهما لفظان جعلا عاما لهذا العقد بالنص واعتبار المعنى في غير المنصوص
عليه فأما في المنصوص لا يعتبر المعنى مع أنهما لفظان لا يجاب ملك ما ليس بمال فلهذا
لا تأثير لهما في اثبات ملك المال ومتى صار اللفظ كناية عن غيره سقط اعتبار حقيقته وقام
مقام اللفظ الذي جعل كناية عنه والشرط سماع الشاهدين اللفظ الذي ينعقد به النكاح
فأما وقوفهما على مقصود المتعاقدين ليس بشرط مع أنه إذا قال وهبت ابنتي منك بصداق
كذا فالشهود يعلمون أنه أراد النكاح وكما أن الفرقة تحصل بلفظ الهبة تحصل بلفظ
الزوجية إذا قال لامرأته تزوجي ونوى به الطلاق يقع ولم يدل ذلك على أنه لا ينعقد به
60

النكاح فأما لفظ البيع فالصحيح أنه ينعقد به النكاح واليه أشار في كتاب الحدود قال إذا
زنى بامرأة ثم قال تزوجتها أو اشتريتها وهذا للفقه الذي بينا أن البيع يوجب ملكا هو سبب
لملك المتعة في محله وكان أبو بكر الأعمش رحمه الله تعالى يقول لا ينعقد النكاح بلفظ البيع
لأنه خاص لتمليك مال بمال والمملوك بالنكاح ليس بمال فأما لفظة الإجارة لا ينعقد بها
النكاح لأنها غير موجبة ملكا يستفاد به ملك المتعة فإنها توجب ملك المنفعة وبملك المنفعة
لا يستفاد ملك المتعة ويحكى عن الكرخي رحمه الله تعالى أنه كأن يقول ينعقد به لان
المستوفى بالنكاح منفعة في الحقيقة وان جعل في حكم العين وقد سمى الله تعالى العوض
في النكاح أجرا بقوله عز وجل فآتوهن أجورهن وذلك دليل على أنه بمنزلة الإجارة ولكن
هذا فاسد فان الإجارة شرعا لا تنعقد الا مؤقتا والنكاح لا ينعقد الا مؤبدا فبينهما مغايرة
على سبيل المنافاة فأما لفظ الوصية لا ينعقد به النكاح لأنه لا يوجب الملك بنفسه بل موجبه
الخلافة مضافة إلى ما بعد الموت ولو صرح بلفظ النكاح مضافا إلى ما بعد الموت لا يصح
أيضا فان قيل الهبة أيضا لا توجب الملك ما لم ينضم إليه القبض قلنا الهبة لا توجب
إضافة الملك ولكن لضعف في السبب لتعريه عن العوض يتأخر الملك إلى أن يتقوى
بالقبض وينعدم ذلك الضعف إذا استعمل في النكاح لان العوض يجب به بنفسه ولهذا
جاز استعماله في حق الصغيرة والكبيرة فلهذا كان موجبا ملك النكاح بنفسه مع أن المملوك
بالنكاح بنفس العقد يصير كالمقبوض ولهذا لو ماتت عقيب العقد تعذر البدل فكان
هذا بمنزلة هبة عين في يد الموهوب له فيوجب الملك بنفسه فأما لفظ الاحلال والتمتع
لا يوجب ملكا أصلا فأن من أحل لغيره طعاما أو أذن له ان يتمتع به لا يملكه وإنما يتلفه
على ملك المبيح فكذلك إذا استعمل هذا اللفظ في موضع النكاح لا يثبت به الملك واما
الإعارة فكذلك فإنه لا يوجب ملكا يستفاد به ملك المتعة والاقراض في معنى الإعارة مع أن
الاقراض في محل ملك المتعة لا يصح لان محل ملك المتعة الآدمي والاستقراض في
الحيوان لا يجوز فلهذا لا ينعقد النكاح بهذه الألفاظ بخلاف لفظة الهبة والصدقة ولكن
باعتبار هذه الألفاظ تنعقد الشبهة فيسقط به الحد ويجب الأقل من المسمى ومن مهر المثل
عند الدخول (قال) ولو قال أتزوجك بكذا فقالت قد فعلت فهو بمنزلة قولها قد تزوجتك
لأنها أخرجت الكلام مخرج الجواب لخطابه فيصير ما تقدم من الخطاب كالمعاد فيه ولا
61

يحتاج إلى أن يقول الزوج قبلت بخلاف البيع على ما بيناه فيما سبق وذكر في النوادر انه إذا
قال جئتك خاطبا فقالت قد فعلت أو زوجتك نفسي كان نكاحا تاما وفي الكتاب يقول إذا
قال خطبتك إلى نفسك بكذا فقالت زوجتك نفسي فهو نكاح جائز إذا كان بمحضر من
الشهود لان هذا كلام الناس وليس بقياس معناه انه بلفظ الخطبة لا ينعقد النكاح في القياس
لان الخطبة غير العقد ولكنه استحسن فقال المراد به في عادة الناس العقد فلأجل الفرق
الظاهر جعلنا ذلك بمنزلة النكاح استحسانا والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب المهور) *
(قال) وعقد النكاح بغير تسمية المهر جائز ولها مهر مثلها من نسائها لا وكس ولا شطط
ان دخل بها أو مات عنها وهذا مذهبنا ان مهر المثل يجب للمفوضة بنفس العقد وهو أحد
قولي الشافعي رحمه الله تعالى وفي القول الآخر لا يجب المهر بنفس العقد وإنما يجب بالتراضي
أو بقضاء القاضي حتى إذا مات أحدهما قبل الدخول فلا مهر لها عنده ومشايخهم رحمهم الله
تعالى مختلفون فيما إذا دخل بها وأكثرهم على أنه يجب المهر بالدخول ومنهم من يقول
لا يجب بالدخول أيضا واحتج بحديث عمر وعلي وابن عمر وزيد رضي الله عنهم أنهم
قالوا حسبها الميراث ولا مهر لها والمعنى فيه أنها جادت بحقها وهي من أهل الجود فيصح
منها كما لو وهبت شيئا من مالها وهذا لان المستوفي بالنكاح اما أن يكون في حكم
المنفعة كما هو مذهبي أو في حكم العين كما هو مذهبكم فإن كان في حكم العين فبدله
بمنزلة أرش الطرف يخلص حقا لها ويسقط باسقاطها وإن كان بمنزلة المنفعة فبدل المنفعة لها
والدليل عليه انها يملك الابراء عن المهر والشراء به شيئا وبهذا الطريق قال بعضهم انه وان
دخل بها لا يجب المهر لأنها كما رضيت بثبوت الملك عليها بغير عوض فقد رضيت بالاستيفاء
من غير عوض وأكثرهم على أن فيما يجب بالاستيفاء معنى حق الشرع ألا ترى أن ما
يجب بالاستيفاء من العقوبة وهو حد الزنا يكون خالص حق الشرع فكذلك المال الذي
يجب عند الاستيفاء لا يسقط برضاها بالاستيفاء بغير عوض والى هذا أشار الله تعالى في
قوله فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ولان المعاوضة في النكاح بين الزوجين
حتى لا ينعقد النكاح الا بذكرهما فأما المهر ليس بعوض أصلى ولكنه زائد وجب لها
62

بإزاء احتباسها عنده بمنزلة النفقة ومثل هذا يحتمل التعجيل والتأجيل ولكن النكاح كما
لا ينعقد الا موجبا لهذا الملك عليها لا ينعقد الا بشرط التعويض فتارة يتعجل العوض
بالتسمية وتارة يتأخر إلى التأكد بالدخول أو الفرض بالتراضي أو بالقضاء ألا ترى أن ملك
اليمين تارة يثبت بعوض واجب بنفس العقد وتارة بشرط التعويض وإن لم يكن واجبا بنفس
السبب والدليل عليه أن مهر المثل لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول وما كان واجبا بنفس
العقد يتنصف كالمسمى وحجتنا في ذلك ما روى أن سائلا سأل ابن مسعود رضى الله تعالى
عنه عن هذا فجعل يردده شهرا ثم قال أقول فيه بنفسي فان يك صوابا فمن الله ورسوله وان
يك خطأ فمن ابن أم عبد. وفي رواية فمنى ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان أرى لها
مهر مثل نسائها لا وكس ولا شطط فقام رجل يقال له معقل بن سنان أو معقل بن يسار
وأبو الجراح صاحب الأشجعين رضوان الله عليهم فقال نشهد ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قضى في امرأة منا يقال لها بروع بنت واشق الأشجعية بمثل قضيتك هذه فسر ابن
مسعود رضى الله تعالى عنه بذلك سرورا لم يسر قط مثله بعد اسلامه لما وافق قضاؤه قضاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي روى أن عليا رضي الله تعالى عنه رد هذا الحديث
وقال ماذا نصنع بقول اعرابي بوال على عقبيه إنما رده لمذهب تفرد به وهو أنه كان يحلف
الراوي ولم يرد هذا الرجل حتى يحلفه ولسنا نأخذ بذلك والمعنى فيه أن
النكاح عقد معاوضة بالمهر فإذا انعقد صحيحا كان موجبا للعوض كالبيع وكما لو زوج الأب
ابنته بغير مهر وبيان الوصف قوله تعالى أن تبتغوا بأموالكم يعنى تبتغوا ملك النكاح على
النساء بالمال وحرف الباء يصحب الأعواض فدل أن العوض الأصلي هو المهر والدليل عليه
أنه يثبت لها حق المطالبة بالفرض والفرض عبارة عن التقدير والمطالبة بالتقدير تنبنى على
وجوب الأصل ففي كل موضع لم يجب الأصل بالعقد لا تثبت المطالبة بالتقدير كما في ملك
اليمين بطريق الهبة فعرفنا أن أصل الوجوب بالعقد شرعا واليه أشار الله تعالى في قوله قد
علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم أضاف إلى نفسه وبين خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم
بالنكاح بغير مهر فذلك دليل على أنه في غيره لا ينعقد الا موجبا للمهر واليه أشار أبو سعيد
الخدري رضى الله تعالى عنه بقوله لا نكاح الا بمهر وشهود الا ما كان لرسول الله صلى الله
عليه وسلم والدليل عليه انها تحبس نفسها لاستيفاء المهر ولا تحبس المبدل الا ببدل واجب
63

وان بعد الدخول بها يجب ولا وجه لانكاره لأنه منصوص عليه في القرآن والدخول
تصرف في الملك فإذا ثبت الملك بغير عوض لا يجب العوض بالتصرف فيه بعد ذلك ولا
معنى لما يقول إن الملك يثبت بشرط التعويض لان هذا العقد لا ينعقد الا بمعاوضة المال
إظهارا لخطر هذا الملك وهنا إظهار الخطر إنما يظهر إذا وجب البدل بنفس الملك فكما أن
الملك لا يحتمل التأخر عن حالة العقد فكذلك وجوب البدل الا في حق من قصر عنه
حكم هذا الخطاب وهم أهل الذمة كما بينا والطلاق قبل الدخول مسقط لأنه رفع للعقد من
الأصل فيكون مسقطا للعوض وسقوط العوض عند وجود المسقط لا يكون دليلا على
أنه لم يكن واجبا بالعقد وتنصف المسمي بالطلاق حكم ثبت بالنص بخلاف القياس وكان
المعنى فيه أن المسمى تأكد بالتسمية والعقد جميعا فلتأكده لا يسقط كله لا بالطلاق ولا
بالموت والنفقة ضعيفة من كل وجه لأنها لا تجب بالتسمية ولا بنفس العقد وتسقط بالطلاق
والموت جميعا ومهر المثل ضعيف من كل وجه لأنه غير مسمى في العقد وقوي من وجه
لأنه واجب بنفس العقد فلقوته من وجه لا يسقط بالموت ولضعفه من وجه يسقط كله
بالطلاق قبل الدخول إذا عرفنا هذا فنقول نساؤها اللاتي يعتبر مهرها بمهورهن عشيرتها من
قبل أبيها كأخواتها وعماتها وبنات عماتها عندنا وقال ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى أمها وقوم
أمها كالخالات ونحو ذلك لان المهر قيمة بضع النساء فيعتبر فيه قرابتها من النساء ولكنا
نقول قيمة الشئ إنما تعرف بالرجوع إلى قيمة جنسه والانسان من جنس قوم أبيه لا من
جنس قوم أمه ألا ترى أن الأم قد تكون أمة والبنت تكون قرشية تبعا لأبيها فلهذا اعتبر
عشيرتها من قبل أبيها ولا يعتبر مهرها بمهر أمها إلا أن تكون أمها من قوم أبيها بأن كانت
بنت عمه فحينئذ يعتبر مهرها لا لأنها أمها بل لأنها بنت عم أبيها وإنما يعتبر من عشيرتها
امرأة هي مثلها في الحسن والجمال والسن والمال والبكارة لان المهور تختلف باختلاف هذه
الأوصاف قال صلى الله عليه وسلم تنكح المرأة لمالها وجمالها الحديث وكذلك يعتبر أن
تكون تلك المرأة من بلدتها ولا يعتبر مهرها بمهر عشيرتها في بلدة أخرى لان المهور تختلف
باختلاف البلدان عادة وفي الحاصل مهر المثل قيمه البضع وقيمة الشئ إنما تعرف بالرجوع
إلى نظيره بصفته قال فان فرض لها الزوج بعد العقد مهرا فرضيت به أو رافعته إلى القاضي
ففرض لها مهرا فهو سواء ولها ذلك أن دخل بها أو مات عنها وان طلقها قبل أن يدخل
64

بها فعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الأول لها نصف المهر المفروض بعد العقد وهذا
والمسمى في العقد سواء ثم رجع فقال لها المتعة وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى
لان الفرض بعد العقد يقدر بمهر المثل وقد بينا ان مهر المثل لأن لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول
ولان تنصف المسمى في العقد بالطلاق حكم ثبت بالنص بخلاف القياس والمفروض بعد العقد
ليس في معناه لأنه وان استند حكمه إلى وقت العقد لا يصير كالمسمى في العقد وعلى هذا
لو تزوجها على مهر مسمي ثم زادها في المهر بعد العقد ففي قول أبي يوسف رحمه الله تعالى
الأول تتنصف الزيادة والأصل بالطلاق لان الزيادة بعد العقد مثل المسمى في العقد قال الله
تعالى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة أي من فريضة بعد الفريضة وفي قوله
الآخر لا يتنصف بالطلاق الا المسمى في العقد خاصة لقوله تعالى فنصف ما فرضتم أي سميتم
في العقد فاما الزيادة بعد العقد تسقط كلها بالطلاق وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى
(قال) وإذا اختلف الزوجان في المهر فقال الزوج ألف وقالت المرأة ألفان ففي قول أبي
حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى يحكم مهر مثلها وفي قول أبي يسوف وابن أبي ليلى رحمهما الله
تعالى القول قول الزوج الا ان يأتي بشئ مستنكر جدا وجه قولهما انهما اختلفا في بدل عقد
لا يحتمل الفسخ بالإقالة فيكون القول قول المنكر للزيادة كما لو اختلفا في بدل الخلع والعتق
بمال ولا معني للمصير إلى تحكيم مهر المثل لان وجود مهر المثل عند عدم التسمية وهنا مع
اختلافهما اتفقا على أصل المسمى وذلك مانع وجوب مهر المثل ولا معنى للتحالف بينهما لان
التحالف لفسخ العقد بعد تمامه والنكاح لا يحتمل هذا النوع من الفسخ والدليل عليه انه لو طلقها
قبل الدخول كان لها نصف ما يقوله الزوج ولا يصار إلى تحكيم المتعة فكذا في حال قيام العقد
لان المتعة بعد الطلاق موجب نكاح لا تسمية فيه كمهر المثل قبله وأما أبو حنيفة ومحمد
رحمهما الله تعالى قالا لصحة النكاح في الشرع موجب وهو مهر المثل لا تقع البراءة عنه
الا بتسمية صحيحة فعند الاختلاف في المسمى يجب المصير إلى الموجب الأصلي كالصباغ
ورب الثوب إذا اختلفا في الاجر فإنه يصار إلى تحكيم قيمة الصبغ لهذا المعنى وهذا بخلاف
القصار ورب الثوب إذا اختلفا في الاجر لأنه ليس لعمل القصار موجب بدون التسمية
ثم النكاح عقد محتمل للفسخ فإنه يفسخ بخيار العتق وبخيار البلوغ وعدم الكفاءة ويستحق
فيه التسليم والتسلم فيشبه البيع من هذا الوجه فإذا وقع الاختلاف في البدل يجب التحالف
65

بخلاف الطلاق بمال والعتق بمال وأما إذا طلقها قبل الدخول يصار إلى تحكيم المتعة على ما
نص عليه في الجامع ووضع المسألة فيما إذا كان الاختلاف بينهما في المائة والمائتين فأما
في كتاب النكاح فإنه وضع المسألة فيما إذا كان الاختلاف في الألف والألفين والمتعة
لا تزيد على خمسمائة فلهذا قال لها نصف ما يقوله الزوج على أنه يجوز أن يصار إلى مهر المثل
قبل الطلاق ولا يصار إلى المتعة بعد الطلاق كما إذا تزوجها على ألف وكرامة يكون لها نصف
الألف بعد الطلاق ويكون لها كمال مهر المثل قبل الطلاق إذا لم يف بما شرط لها من
الكرامة وفي معنى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى إلا أن يأتي بشئ مستنكر جدا قولان
لمشايخنا أحدهما أن يدعى ما دون العشرة فإنه مستنكر شرعا لأنه لا مهر أقل من عشرة
دراهم والأصح أن مراده أن يدعى شيئا قليلا يعلم أنه لا يتزوج مثل تلك المرأة على ذلك
المهر عادة فإنه ذكر هذا اللفظ في البيع أيضا فيما إذا اختلفا في الثمن بعد هلاك السلعة
فالقول قول المشتري إلا أن يأتي بشئ مستنكر جدا وليس في الثمن تقدير شرعا وأما بيان
قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى فقد كان الكرخي يقول يتحالفان في الابتداء ثم يحكم
مهر المثل بعد ذلك وكان أبو بكر الرازي رحمه الله تعالى يقول يحكم مهر المثل أولا
فإن كان مهر مثلها ألفين أو أكثر فالقول قولها مع يمينها لأن الظاهر يشهد لها وإن كان
ألف درهم أو أقل فالقول قول الزوج مع يمينه لأن الظاهر يشهد للزوج وإن كان مهر مثلها
ألفا وخمسمائة فحينئذ يتحالفان ثم يقضى لها بمقدار مهر مثلها لان المصير إلى التحالف إذا لم
يمكن ترجيح قول أحدهما على الآخر بشهادة الظاهر له وذلك في هذا الموضع والأصح
ما ذكره الكرخي رحمه الله تعالى لان ظهور مهر المثل عند عدم التسمية وذلك أنما يكون
بعد التحالف فان ما يدعى كل واحد منهما من المسمى ينتفي بيمين صاحبه فيبقى نكاحا بلا
تسمية فيكون موجبه مهر المثل فعرفنا أنه لا بد من المصير إلى التحالف في الابتداء وأصل
النكاح وان كأن لا يحتمل الفسخ بالتحالف فالتسمية تحتمل الانتفاء فإذا تحالفا نظر إلى مهر
مثلها فإن كان ألفين أو أكثر فلها ألفان وإن كان ألفا أو أقل فلها الألف لاقرار الزوج به
وإن كان ألفا وخمسمائة فلها مهر المثل وأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه وأيهما أقام
البينة وجب قبول بينته لأنه نور دعواه بالحجة فان أقاما البينة فالبينة بينة المرأة لأنها تثبت
الزيادة والبينة مشروعة للاثبات وكذلك لو مات أحدهما قبل أن يتفقا ثم وقع الاختلاف
66

بين الحي وورثة الميت فهو وورثة الميت على ما ذكرنا لان الوارث بقوم مقام المورث
فأما إذا ماتا معا فهنا فصلان (أحدهما) أن يتفق الورثة انه لم يكن في العقد تسمية (والثاني)
أن يختلف الورثة في المسمى أما في الأول فإنه يقضى لورثتها في تركة الزوج بمهر المثل في
القياس وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لان مهر المثل وجب بنفس العقد
كالمسمى فكما لا يسقط المسمى بعد موتهما فكذلك مهر المثل ألا ترى ان بعد موت
أحدهما لا يسقط مهر المثل وورثة الميت يقومون مقامه في ذلك فكذلك بعد موتهما واستحسن
أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقال لا يقضى بشئ واستدل في الكتاب فقال أرأيت لو ادعى ورثة
علي رضي الله عنه على ورثة عثمان رضي الله عنه مهر أم كلثوم أكنت تقضى فيه بشئ
وهذا إشارة إلى أنه إنما يفوت هذا بعد تقادم العهد لان مهر المثل يختلف باختلاف الأوقات
فإذا تقادم العهد وانقرض أهل ذلك العصر يتعذر على القاضي الوقوف على مقدار مهر المثل
وعلى هذا الطريق إذا لم يكن العهد متقادما يقضى بمهر مثلها والطريق الآخر ان المستحق
بالنكاح ثلاثة أشياء المسمى وهو الأقوى والنفقة وهي الأضعف ومهر المثل وهو متوسط
على ما قررنا فالمسمى لقوته لا يسقط بموتهما وموت أحدهما والنفقة لضعفها تسقط بموتهما
وبموت أحدهما ومهر المثل يتردد بين ذلك فيسقط بموتهما ولا يسقط بموت أحدهما لان
ما تردد بين أصلين يوفر حظه عليهما ألا ترى أن الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا ان مهر
المثل هل يسقط بموت أحدهما فيكون ذلك اتفاقا منهم على أنه يسقط بموتهما فاما إذا وقع
الاختلاف في مقدار المسمى بعد موتهما فعلى قول محمد رحمه الله تعالى يصار إلى تحكيم مهر
المثل لان من أصله ان مهر المثل لا يسقط بموتهما فيكون هذا كالاختلاف الواقع بين
الزوجين وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى القول قول ورثة الزوج إلا أن يأتوا بشئ مستنكر
جدا كما لو وقع الاختلاف في حياتهما وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى القول قول ورثة الزوج
أيضا لان مهر المثل عنده لا يبقى بعد موتهما فلا يمكن المصير إلى التحالف وتحكيم مهر
المثل فيبقى ظاهر الدعوى والانكار فيكون القول قول ورثة الزوج إلا أن يقوم لورثة المرأة
بينة على ما ادعوا من المسمي فحينئذ يقضي بذلك ويستوى في هذا كله ان دخل بها أو لم
يدخل بها لان ما قبل الدخول إنما يفارق ما بعد الدخول عند الطلاق أما عند الموت لا فرق
لان النكاح ينتهى بالموت (قال) وإذا تزوجها على بيت وخادم فلها من ذلك خادم وسط
67

وبيت وسط والكلام هنا في فصول أحدها أن تسمية الخادم في النكاح صحيح عندنا وعلى
قول الشافعي رحمه الله تعالى لا يصح وكذلك لو تزوجها على عبد مطلق أو على أمة فلها
عبد وسط أو أمة وسط فان اتاها بالعين أجبرت على القبول وان أتاها بالقيمة أجبرت على
القبول وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا تصح التسمية لان النكاح عقد معاوضة فيكون قياس
البيع والعبد المطلق لا يستحق بعقد البيع عوضا فكذلك بالنكاح وهذا أصل للشافعي رحمه
الله تعالى ان كل مالا يصح مسمى عوضا في البيع لا يستحق في النكاح لان المقصود بالمسمى
مهرا المالية وبمجرد ذكر الجنس بدون بيان الوصف لا تصير المالية معلومة فلا يصح التزامه
بعقد المعاوضة لبقاء الجهالة والغرر فيه. ألا ترى أنه لو سمى ثوبا أو دابة أو دارا لم تصح
التسمية فكذلك إذا سمى عبدا وحجتنا في ذلك أن المهر إنما يستحق عوضا عما ليس بمال
والحيوان يثبت دينا في الذمة مطلقا في مبادلة ما ليس بمال. ألا ترى أن الشرع أوجب في
الدية مائة من الإبل وأوجب في الجنين غرة عبدا أو أمة فإذا جاز أن يثبت الحيوان مطلقا
دينا في الذمة عوضا عما ليس بمال شرعا فكذلك يثبت شرطا وهذا لان في معنى المالية هذا
مال ملتزم ابتداء والجهالة المستدركة في التزام المال ابتداء لا تمنع صحته كما في الاقرار فان
من أقر لإنسان بعبد صح اقراره إلا أن هناك لا ينصرف إلى الوسط عند محمد رحمه الله
تعالى لان المقر به عينه ليس بعوض وهنا عين المهر عوض وإن كان باعتبار صفة المالية هذا
التزام مبتدأ فلكونه عوضا صرفناه عند اطلاق التسمية إلى الوسط ليعتدل النظر من الجانبين
كما أوجب الشرع في الزكوات الوسط نظرا إلى الفقراء وأرباب الأموال وبكونه ما لا يلتزم
ابتداء لا تمنع جهالة الصفة صحة الالتزام ولهذا لو أتاها بالقيمة أجبرت على القبول لان صحة
الالتزام باعتبار صفة المالية والقيمة فيه كالعين وللاعتبار بما أوجبه الشرع من الدية فان ذلك
يتردد بين الإبل والدراهم والدنانير ومن أصحابنا رحمهم الله تعالى من يقول لو لم تصح التسمية
احتجنا إلى ايجاب مهر المثل لان بفساد التسمية لا يبطل النكاح كما لا يبطل بترك التسمية
وكل جهالة في المسمى إذا كانت دون جهالة مهر المثل فذلك لا يمنع صحة التسمية لان
بعض الجهالة يرتفع بهذه التسمية وكل جهالة هي مثل جهالة مهر المثل أو فوق جهالة مهر
المثل تمنع صحة التسمية لأنه لا يحصل به شئ من الاعلام فجهالة العبد المسمى جهالة
الصفة دون الجنس فأما جهالة مهر المثل جهالة جنس فصححنا فيه التسمية ليحصل بها التحرز
68

عن بعض الجهالة فأما جهالة الثوب فوق جهالة مهر المثل لان اسم الثوب يتناول أجناسا
مختلفة من القطن والكتان والإبريسم وغير ذلك وكذلك جهالة الدابة لأنها تتناول أجناسا
مختلفة وكذلك جهالة الدار لأنها تختلف باختلاف البلدان والمحال والضيق والسعة وكثرة
المرافق وقلتها فكانت تلك الجهالة فوق جهالة مهر المثل فلهذا لم تصح التسمية ووجب
المصير إلى مهر المثل وبه فارق البيع فانا لو لم نصحح التسمية مع جهالة الوصف هناك لا
نحتاج إلى ايجاب جهالة أخرى لأنه يفسد البيع ويعود إليه عوضه وهو معلوم فاما إذا سمى
في المهر بيتا فالمراد منه متاع البيت عادة دون البيت المسمى وهذا معروف بالعراق يتزوج
على بيت أو بيتين فيريدون متاع البيت مما تجهز به تلك المرأة وينصرف إلى الوسط من ذلك
لاعتبار معنى المعاوضة على ما قلنا ثم قال أبو حنيفة رضي الله عنه قيمة البيت أربعون درهما وقيمة
الخادم أربعون دينارا وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هو على قدر الغلاء والرخص
وليس هذا باختلاف في الحقيقة ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى قصر فتواه على ما شاهده في
زمانه وهما زادا على ذلك وبينا الفتوى في الأوقات والأمكنة كلها والامر على ما قالا فان القيم
تختلف باختلاف الغلاء والرخص (قال) والوسط من الخادم السندي وهذا لان أرفع الخدم
الأتراك وأدنى الخدم الهنود فالسندي هو الوسط فيما بين ذلك ولكنه في بلادنا قلما يوجد
السندي فالوسط أدنى الأتراك وأعلى الهنود (قال) وإن كان تزوجها على وصيف أبيض
فلها خمسون دينارا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهذا أيضا بناء على ما شاهد في زمانه من
التفاوت بين قيمة الوسط والجيد وذلك يختلف باختلاف الغلاء والرخص ولكن في زمانه كان
هذا التفاوت بقدر عشرة دنانير فلهذا قدره به وان أعطاها وصيفا أبيض لا يساوى ذلك
فهو جائز لأنه وفي لها بما شرط واعتبار القيمة عند اختياره أداء القيمة فاما إذا اختار أداء العين
فلا معتبر بالقيمة (قال) وان كانا من أهل البادية وقد تزوجها على بيت فلها بيت من شعر
من بيوت أهل البادية وان تزوجها على خادم فلها خادم وسط مما يعرف هناك لان المعتبر
في التسمية العرف ألا ترى أنه لو اشترى بدراهم مطلقا ينصرف إلى نقد البلد للعرف فهنا في
كل موضع يعتبر العرف أيضا والمتعارف من تسمية البيت مطلقا فيما بين أهل البادية
البيت من الشعر وفيما بين أهل الأمصار متاع البيت فصرفنا التسمية إلى ذلك في كل موضع
(قال) وان تزوجها على شئ بعينه ولم تره فليس لها في ذلك خيار الرؤية لأن عدم الرؤية
69

لما لم يمنع ثبوت صفة اللزوم فيما هو المقصود بهذا العقد وهي المنكوحة فكذلك في عوضه
وكان المعنى فيه أن الفائدة في اثبات خيار الرؤية أن يتمكن به من إعادة العوض الذي خرج
منه إليه وهذا في البيع يحصل لأنه ينفسخ بالرد وفي النكاح لا يحصل لأنه لا ينفسخ برد
المسمى بخيار الرؤية ولكن تجب القيمة والقيمة غير مرئية كالعين فعرفنا أنه لا يستدرك
بالرد فائدة وكذلك لا ترد الصداق بالعيب إلا أن يكون فاحشا عندنا وعلى قول الشافعي
رحمه الله تعالى كل عيب يرد به في البيع يرد به في الصداق وهو بناء على أصل بيننا وبينه ان عنده
بالرد بالعيب تبطل التسمية فيجب مهر المثل وعندنا لا تبطل التسمية ولكن تجب قيمة المسمى
فإن كان العيب يسيرا لا تستدرك بالرد فائدة إذ لا فرق بين عين الشئ وبه عيب يسير
وبين قيمته وإذا كان العيب فاحشا فتستدرك بالرد فائدة لأنها ترجع بقيمته صحيحا وهذا
هو حد الفرق بين اليسير والفاحش ان كل عيب ينقص من المالية مقدار ما لا يدخل
تحت تقويم المقومين في الأسواق فهو عيب فاحش وإذا كان ينقص بقدر ما يدخل بين
تقويم المقومين فهو عيب يسير وحجته لاثبات أصله ان الصداق مال مملوك بعقد معاوضة
وهو مما ينفصل عن أصل العقد فتبطل التسمية بالرد كالبيع ولكن بطلان التسمية في النكاح
لا يبطل النكاح كانعدام التسمية في الابتداء ولكنا نقول السبب الموجب للمسمى هو العقد
فلا يجوز الحكم ببطلان التسمية مع بقاء السبب الموجب له ولكن بالرد بالعيب يتعذر
تسليم العين كما التزم فتجب قيمته كالمغصوب إذا أبق وعلى هذا الأصل إذا هلك الصداق
قبل التسليم عندنا لا تبطل التسمية ولكن يجب على الزوج مثله إن كان من ذوات الأمثال
وقيمته إن لم يكن من ذوات الأمثال وعند الشافعي رحمه الله تعالى تبطل التسمية كما يبطل
البيع بهلاك المبيع قبل القبض فيكون لها مهر مثلها وبعض أصحابه يقول لا تبطل التسمية بالهلاك
عندنا ولكن تجب قيمة المسمى لتعذر تسليم العين فأما الرد بالعيب لا يكون الا لرفع تلك
التسمية فتبطل به التسمية وعلى هذا لو استحق المسمى بعينه لا تبطل التسمية لان شرط صحة
التسمية كون المسمى مالا وبالاستحقاق لا تنعدم المالية ولكن يتعذر التسليم فيكون بمنزلة
الهلاك في أنه يجب قيمته على الزوج (قال) وإن كان الزوج أجر الصداق فالاجر له لان
الصداق في يده مضمون بنفسه كالمغصوب والغاصب إذا أجر المغصوب فالاجر له ولكن
يتصدق به لأنه حصل له بكسب خبيث فكذلك الزوج وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه
70

الله تعالى الاجر لها بناء على أصله ان المنافع عنده مال والأجر بدل ما هو مال لها فيكون
بمنزلة العقر وأرش الطرف وعندنا المنافع ليست بمال متقوم وإنما تتقوم بالعقد والعاقد هو
الزوج فكان الاجر له لأنه بعقده صير ما ليس بمتقوم من ملك الغير متقوما فهو كمن صنع
كوزا من تراب غيره وباعه يكون الثمن له (قال) فان ولدت أو اكتسبت مالا قبل
التسليم فذلك كله للمرأة معها والحاصل أن الزيادة في الصداق قبل القبض نوعان متصلة
ومنفصلة فالمتصلة كالسمن في الجارية وانجلاء البياض عن العين والزيادة المنفصلة اما
متولدة من العين كالولد والثمار والعقر وإما غير متولدة من العين كالكسب والغلة وذلك
كله يسلم للمرأة إذا دخل بها الزوج أو مات عنها لأنه يملك بملك الأصل وملك الأصل
كان سالما لها وقد تقرر ذلك بالموت والدخول فكذلك الزيادة وأما إذا طلقها قبل الدخول
بها فالزيادة المتولدة منفصلة كانت أو متصلة تتنصف بالطلاق مع الأصل لأنها في حكم جزء من
العين والحادث من الزيادة بعد العقد قبل القبض كالموجود وقت العقد بدليل المبيعة فان
الزيادة المتولدة هناك كالموجودة وقت العقد حتى يصير بمقابلتها شئ من الثمن عند القبض
فاما الكسب والغلة لا تتنصف بالطلاق قبل الدخول بل يسلم الكل لها في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى وأما في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تتنصف مع الأصل وكذلك
لو جاءت الفرقة من قبلها قبل الدخول حتى يبطل ملكها عن جميع الصداق يسلم لها الكسب في
قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما يدور الكسب مع الأصل وكذلك المبيع قبل القبص
إذا اكتسب كسبا ثم انفسخ البيع بهلاك المبيع قبل القبض عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
يسلم الكسب للمشتري وعندهما هو للبائع وحجتهما في ذلك أن الكسب زيادة منفصلة عن
الأصل فيكون قياس الولد فكما لا يسلم ذلك لها بعد ما بطل ملكها عن الأصل فكذلك هذا
وهذا لان بطلان ملكها عن الأصل بحكم انفساخ السبب فيه والزيادة إنما تملك بملك الأصل
متولدة كانت أو غير متولدة فبعدما انفسخ سبب الملك لها في الأصل لا يبقى سببا لملك الزيادة
لها وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول السبب الذي به ملكت الكسب لم ينفسخ فيبقى ملك
الكسب لها كما قبل الطلاق وبيان ذلك أن سبب ملك الكسب إما قبول العبد الهبة أو
اجارته نفسه أو اكتسابه من حيث الاحتطاب والاحتشاش وشئ من هذه الأسباب
لا ينفسخ بالطلاق وتأثيره أن الاكتساب يوجب الملك للمكتسب ولكن إذا لم يكن
71

المكتسب من أهل الملك فمن يخلفه وهو مولاه يقوم مقامه في الملك بذلك السبب لوصلة
الملك بينهما وقت الاكتساب ثم يبطلان ملكه في الأصل بعد ذلك لا يتبين أنه لم يخلفه
في الملك بذلك السبب وليس الكسب بمنزلة الزيادة المتولدة لان المتولد جزء من الأصل
يسرى إليه ملك الأصل إلا أن يكون مملوكا بسبب حادث ألا ترى ان ولد المكاتبة يكون
مكاتبا وكسبها لا يكون مكاتبا وولد المبيعة قبل القبض يكون مبيعا يقابله حصة من الثمن
عند القبض وكسب المبيع لا يكون مبيعا فلا يقابله شئ من الثمن وان قبض مع الأصل
فظهر الفرق بينهما وكذلك لو قبضت المرأة الأصل مع لزيادة المتولدة ثم طلقها قبل أن
يدخل بها يتنصف الأصل والزيادة لان حكم التنصف عند الطلاق ثبت في الكل حين
كانت الزيادة حادثة قبل القبض فلا يسقط ذلك بقبضها ولو كانت قبضت الأصل قبل
حدوث الزيادة ثم حدثت الزيادة في يدها ثم طلقها قبل الدخول فإن كانت الزيادة غير
متولدة كالكسب والغلة فهو سالم لها وردت نصف الأصل على الزوج لان حدوث الكسب
كان بعد تمام ملكها ويدها فيكون سالما لها وان لزمها رد الأصل أو بعضه كالمبيع إذا
اكتسب في يد المشترى ثم رد الأصل بالعيب يبقى الكسب سالما له وهذا لقوله صلى الله
عليه وسلم الخراج بالضمان وقد كان الصداق في ضمانها فمنفعته تسلم لها والكسب بدل
المنفعة فاما إذا كانت الزيادة متولدة من العين فإن كانت منفصلة كالولد والثمار يمنع تنصف
الأصل بالطلاق وعود الكل إليه إذا جاءت الفرقة من قبلها ولكن للزوج عليها نصف قيمة
الأصل أو جميع قيمته يوم دفع إليها وعلى قول زفر رحمه الله تعالى ينتصف الأصل مع الزيادة
بالطلاق ويعود الكل إلى الزوج إذا جاءت الفرقة من قبلها لان بقبضها لا يتأكد ملكها ما لم
يدخل بها بل توهم عود النصف إلى الزوج بالطلاق أو الكل إذا جاءت الفرقة من قبلها ثابت
فيسرى ذلك الحق إلى الزيادة بمنزلة المشتراة شراء فاسدا إذا قبضها المشترى وازدادت زيادة
منفصلة فان البائع يستردها بزيادتها وروى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى قال
في الطلاق يرجع الزوج عليها بنصف قيمة الأصل وعند ردتها يسترد منها الأصل مع الزيادة
لان الردة تفسخ السبب مع الأصل فيكون الرد بحكم انفساخ السبب بمنزلة الرد بسبب
فساد البيع وهناك حكم الرد يثبت في الأصل والزيادة فاما الطلاق حل العقد وليس بفسخ
له من الأصل فلا يثبت حق الزوج في الزيادة التي لم تكن في ملكه ولا في يده ويتعذر
72

تنصف الزيادة يتعذر تنصف الأصل ووجه ظاهر الرواية انها ملكت الصداق بالعقد وتم ملكها
بالقبض فالزيادة حدثت على ملك تام لها وحكم التنصف عند الطلاق إنما ثبت في المفروض
في العقد والزيادة ما كانت مسماة في العقد لا حقيقة ولا حكما إذا لم يرد عليها القبض
المستحق بالعقد فتعذر تنصفها وهي جزء من العين فيتعذر تنصفها بتعذر تنصف العين كالزيادة
المنفصلة في المبيع تمنع رد الأصل بالعيب إذا كان حادثا بعد القبض وهذا بخلاف الزيادة
المنفصلة في الموهوب فإنه لا يمنع الواهب من الرجوع في الأصل لان الهبة عقد تبرع
فإذا رجع في الأصل بقيت الزيادة للموهوب له بغير عوض وقد كان الأصل سالما له بغير
عوض فيجوز ان تسلم الزيادة له أيضا بغير عوض فاما البيع والنكاح معاوضة فبعد تعذر رد
الزيادة لو أثبتنا حكم الرد في الأصل بقيت الزيادة سالمة بغير عوض وهو جزء من الأصل
فلا يجوز أن يسلم الملك بغير عوض بعد رفع عقد المعاوضة بينهما فإذا تعذر تنصيف الأصل
وجب عليها نصف القيمة للزوج لتعذر رد العين بعد تقرر السبب الموجب له وإنما دخل
الصداق في ضمانها بالقبض فلهذا كان المعتبر القيمة وقت القبض فأما إذا كانت الزيادة
متصلة كالسمن والجمال وانجلاء البياض فطلقها قبل أن يدخل بها عند أبي حنيفة وأبي يوسف
رحمهما الله تعالى هذا والزيادة المنفصلة سواء وللزوج عليها نصف قيمة الصداق يوم قبضت
وعند محمد وزفر رحمهما الله تعالى يتنصف الأصل بزيادته وحجتهما في ذلك أن النكاح
عقد معاوضة والزيادة المتصلة لا عبرة بها في عقود المعاوضات كما في البيع لو اشترى جارية
بعبد وقبض الجارية فازدادت زيادة متصلة ثم هلك العبد قبل التسليم أو رده المشترى
بعيب يسترد الجارية بزيادتها بخلاف ما لو كانت الزيادة منفصلة وهذا لان الزيادة
المتصلة بمنزلة زيادة الشعر ألا ترى أنها لو حدثت قبل القبض لا ينقسم الثمن باعتبارها
كزيادة الشعر فكذلك في الصداق وهذا بخلاف الموهوبة فان الزيادة المتصلة فيها تمنع
الرجوع لان الهبة ليست بعقد ضمان فالقبض بحكمه لما لم يوجب ضمان العين على الموهوب
له لم يبق للواهب حق في العين حتى تسرى إلى الزيادة وإذا تعذر الرجوع في الزيادة تعذر
في الأصل لان الأصل لا ينفصل عن الزيادة فأما قبضها الصداق قبض ضمان وثبوت
الضمان لحق الزوج فيه يتبين بقاء حق الزوج في الأصل فيسرى إلى الزيادة كما في البيع
وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا هذه الزيادة حدثت من ملك صحيح تام لها
73

فيكون سالما لها بكل حال كالزيادة المنفصلة وإذا تعذر تنصف الزيادة تعذر تنصف الأصل
لما قال محمد رحمه الله تعالى والدليل عليه أن الصداق في حكم الصلة من وجه لأنها تملكه
لا عوضا عن مال يستحق عليها والزيادة المتصلة في الصلات تمنع رد الأصل كالموهوب
وتأثير الزيادة المتصلة في الصلات أكثر من تأثير الزيادة المنفصلة حتى أن الزيادة المنفصلة في
الهبة لا تمنع الرجوع والمتصلة تمنع ثم الزيادة المنفصلة هنا تمنع تنصف الأصل فالمتصلة أولى
فأما البيع فالصحيح أن عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى الزيادة المتصلة هناك
تمنع فسخ العقد من الأصل كالمنفصلة وما ذكر في المأذون فهو قول محمد رحمه الله تعالى
خاصة وقد نص في كتاب البيوع على أن الزيادة المتصلة تمنع الفسخ بالتحالف عند أبي
حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى كالزيادة المنفصلة ولو كان حدوث الزيادة في يدها بعد
ما طلقها الزوج قبل الدخول ينتصف الأصل مع الزيادة لان بالطلاق صار رد نصف الأصل
مستحقا عليها فيسرى ذلك إلى الزيادة كالمشترى شراء فاسدا يرد بزيادته المتصلة والمنفصلة
بخلاف ما قبل الطلاق فأما حكم النقصان فان تعيب الصداق في يد الزوج بعيب يسير فلا
خيار للمرأة لان العيب اليسير لو كان موجودا وقت العقد لم يثبت لها الخيار بسببه فكذا
إذا حدث بعد العقد قبل القبض وعن زفر رحمه الله تعالى انه يثبت لها الخيار أيضا لأنه تغير
عليها شرط العقد فإنها استحقت الصداق بصفة السلامة وبالتعيب قد تغير ولكن هذا ينبغي
على قوله في العيب الموجود وقت العقد ان يثبت لها الخيار أيضا إذ لا فرق بينهما فاما إذا
حدث بالصداق عيب فاحش في يد الزوج فهو على خمسة أوجه (أحدها) أن يكون العيب
بآفة سماوية فيثبت لها الخيار ان شاءت رجعت بقيمة الصداق يوم تزوجها على الزوج وإن شاءت
أخذت المعيب ولا شئ لها من ضمان النقصان لان الزوج عجز عن تسليم الصداق
سليما كما أوجبه العقد فيثبت لها الخيار وإذا أرادت رجعت بالقيمة لأنه تعذر تسليم العين مع
بقاء السبب الموجب له فان اختارت الاخذ فلا شئ لها من ضمان النقصان على الزوج لان
الصداق مضمون عليه بالعقد والأوصاف لا تكون مضمونة بالعقد وعن زفر رحمه الله تعالى
ان لها ان تضمن الزوج النقصان لان الصداق مضمون في يد الزوج بنفسه كالمغصوب إذا
تعيب في يد الغاصب كان للمغصوب منه ان يضمنه النقصان مع استرداد العين ولكنا نقول
المغصوب مضمون بالقبض والأوصاف تضمن بالقبض (والثاني) أن يكون التعيب بفعل
74

الزوج فيكون لها الخيار للتغير وان اختارت الاخذ ضمنت الزوج النقصان وروى أبو
يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انه ليس لها حق تضمين النقصان لأنه مضمون
على الزوج بالعقد فكان بمنزلة المبيع والبائع إذا عيب المبيع قبل القبض لا يلزمه ضمان النقصان
للمشترى فهذا مثله ووجه ظاهر الرواية ان الزوج أتلف جزء من الصداق ولو أتلف
الكل ضمن قيمة الكل فكذلك إذا أتلف جزء منه وبه فارق البيع فان البائع هناك لو أتلف
الكل لم يضمنه فكذا إذا أتلف الجزء ثم المعنى فيه أن المبيع مضمون بالثمن وفيما هو مضمون
به فصلنا بين العيب بفعل البائع وبآفة سماوية حتى أنه إذا تعيب بفعل البائع سقطت حصته
من الثمن عن المشتري بخلاف ما إذا تعيب بآفة سماوية فهنا أيضا يفصل بينهما فيما إذا كان
الصداق مضمونا به وهو القيمة وهذا لان الاتلاف من الزوج يتحقق في الأوصاف كما يتحقق
في الأصل بخلاف ما إذا تعيب بغير فعله فان الضمان هناك بالعقد والعقد لا يتناول الأوصاف
مقصودا (الثالث) أن يكون التعيب بفعل الصداق بنفسه ففي ظاهر الرواية هذا كالعيب
بآفة سماوية لان فعله بنفسه هدر وقد روى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ان هذا بمنزلة
تغييب الزوج لأنه مضمون عليه وفعل المضمون كفعل الضامن في استحقاق موجبه عليه
كما في المغصوب (الرابع) ان حصل التعيب بفعل الأجنبي يجب عليه ضمان النقصان
ويكون ضمان النقصان بمنزلة الزيادة المتولدة قبل القبض فيثبت لها الخيار للتغير فإذا
اختارت الاخذ رجعت على الجاني بضمان النقصان وان اختارت تضمين الزوج القيمة
رجع الزوج على الجاني بضمان النقصان ولو أرادت أن تأخذ العين وتضمن الزوج النقصان لم
يكن لها ذلك لانعدام الصنع من الزوج في التعيب (الخامس) أن يكون التعيب بفعل
المرأة فتصير به قابضة للصداق لأنها أتلفت جزء منه فتكون قابضة لذلك الجزء بالاتلاف
ولما وراء ذلك بالتخلي ولا خيار لها في ذلك والذي بينا في هذه الفصول فيما إذا دخل
بها الزوج أو مات عنها فأما إذا لم يدخل بها فهي في حق النصف إذا طلقها قبل الدخول كما
في الكل إذا طلقها بعد الدخول فأما إذا تعيب في يد المرأة بعدما قبضت الصداق فهو على
خمسة أوجه أيضا أما إذا تعيب بآفة سماوية ثم طلقها الزوج قبل أن يدخل بها فهو بالخيار ان
شاء ضمنها نصف قيمته يوم قبضت لتعذر رد النصف كما قبضت وان شاء أخذ النصف ناقصا
وليس عليها من ضمان النقصان شئ لان الصداق كان مملوكا لها ملكا تاما فتعيبه في يدها
75

لا يلزمها شيئا من ضمان النقصان وكذلك لو كان التعيب بفعل الصداق بنفسه فهو كالتعيب
بآفة سماوية لان فعله بنفسه هدر وكذلك لو كان التعيب بفعل المرأة لان فعلها صادف ملكا
صحيحا لها فلا يكون موجبا ضمان النقصان عليها بخلاف فعل الزوج قبل القبض فإنه صادف
ملكها فيصلح أن يكون موجبا للضمان عليه فأما إذا كان التعيب في يدها بفعل أجنبي فان
الأجنبي ضامن للنقصان وذلك بمنزلة الزيادة المنفصلة المتولدة لأنه بدل جزء من عينها
فيمنع تنصف الأصل بالطلاق وإنما يرجع الزوج عليها بنصف قيمة الصداق يوم قبضت
وكذلك أن كان التعيب بفعل الزوج لان الزوج بمنزلة الأجنبي في جنايته على الصداق بعد
التسليم إليها فكان فعله كفعل أجنبي آخر في ايجاب الأرش وذلك يمنع تنصف الصداق
بالطلاق وإن كان التعيب في يدها بعد الطلاق كان للزوج أن يأخذ نصف الأصل مع نصف
النقصان لان السبب فسد في النصف بالطلاق وصار مستحق الرد على الزوج فكان في
يدها في هذه الحالة بمنزلة المقبوض بحكم شراء فاسد فيلزمها ضمان النقصان إذا تعيب بآفة
سماوية أو بفعله بنفسه أو بفعلها لأنه مضمون عليها بالقبض والأوصاف تضمن بالقبض
كالمغصوب وإن كان التعيب بفعل الأجنبي فالأرش بمنزلة الزيادة المنفصلة وقد بينا حكمه
ووقع في المختصر ان التعيب في يدها قبل الطلاق وبعده في الحكم سواء وهو غلط بل
الصحيح من الجواب في كل فصل ما ذكرنا (قال) وإن كان المهر جارية فلم تقبضها المرأة
حتى وطئها الزوج فولدت فادعى ولدها لم يصدق على ذلك لأنها مملوكة للمرأة والاستيلاء
في ملكها غير صحيح الا ان الحد سقط عن الزوج لان الصداق مضمون عليه بالعقد بمنزلة
المبيع في يد البائع فيصير ذلك شبهة في اسقاط الحد وإذا سقط الحد لزمه العقر فكان العقر
مع الولد زيادة منفصلة متولدة من الأصل لان المستوفى بالوطئ في حكم جزء من العين
والعقر بدل عن ذلك فإذا طلقها قبل الدخول تنصف الكل فتكون الجارية بينهما ولا تصير أم
ولد للزوج لان حق أمومية الولد يثبت لها باعتبار ثبوت نسب الولد ونسب الولد غير ثابت
هنا فكذلك لا يثبت لها حق أمومية الولد ولكن نصف الولد يعتق على الزوج لأنه ملك
ولده من الزنا فيعتق عليه باعتبار الجزئية ويسعى للمرأة في نصف القيمة لان نصيبها احتبس
عند الولد ولا يصير الزوج ضامنا لأنه ما صنع في الولد شيئا إنما صنعه في الطلاق وذلك
ليس بمباشرة لاعتاق الولد بل من حكم الطلاق عود النصف إلى الزوج ثم يعتق عليه حكما
76

لملكه ولكنها ترجع عليه بنصف العقر لان العقر تنصف بينهما فان قتلت الخادم أو ماتت عند
المرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها فللزوج عليها نصف القيمة يوم قبضت لأنه تعذر عليها
رد نصف الصداق بعد تقرر السبب الموجب له ولا سبيل للزوج على القاتل لان فعله ما لاقى
ملك الزوج فإنه حين قتلها كانت الخادم ملكا للمرأة فلهذا لم يكن للزوج أن يضمن القاتل
شيئا (قال) وان كانت ازدادت في يدها زيادة متصلة فهلكت ثم طلقها قبل الدخول فإنه
يرجع عليها بنصف قيمة الصداق يوم قبضت وكذلك أن استهلكت لأنها أتلفت ملك نفسها
فلا يلزمها بالاتلاف شئ ولكنها بالقبض تصير ضامنة للزوج نصف قيمتها حين قبضت
(قال) ولو كانت الزيادة منفصلة متولدة من الأصل فهلكت في يدها ثم طلقها قبل أن يدخل
بها تنصف الأصل لان المانع من تنصيف الأصل هو الزيادة فحين مات ولم يخلف بدلا صار
كأن لم يكن فيتنصف الأصل إلا أنه ان كانت الزيادة ولدا وقد نقصتها الولادة ثبت للزوج
الخيار للنقصان الحادث في يدها في الصداق وإن لم يتمكن نقصان بسبب الولادة فلا خيار له إلا أن
تكون المرأة هي التي استهلكت الولد فحينئذ يكون له الخيار بمنزلة الجارية المبيعة إذا ولدت
فأتلف المشترى ولدها ثم أراد رد الأصل بالعيب ولو كانت الولادة في يد الزوج فهلك الولد
لم يضمن الزوج شيئا لان الولد حدث بغير صنعه وهلك بغير صنعه بمنزلة ولد المغصوبة ولكن
أن تمكن نقصان بسبب الولادة يثبت لها الخيار لأجل النقصان وإن كان الزوج هو الذي أتلف
الأصل والزيادة ضمن قيمتها للمرأة لان الزيادة أمانة في يده فيضمنها بالاتلاف كالمغصوبة
وان طلقها قبل الدخول ضمن لها نصف الأصل والزيادة (قال) وان كانت الجارية قائمة
عند الزوج فأعتقها الزوج لم يجز عتقه لأنه أعتق مالا يملك وكذلك لو طلقها قبل الدخول
لم ينفذ ذلك العتق لأنه سبق ملكه ولو كانت المرأة هي التي أعتقتها نفذ عتقها في الكل
لمصادفته ملكها ثم إذا طلقها الزوج ضمنها نصف قيمتها يوم أعتقتها لأنها بالاعتاق تصير
قابضة متلفة (قال) وان كانت المرأة قبضت الصداق وهو جارية ثم طلقها قبل أن يدخل
بها ثم أعتقها الزوج لم ينفذ عتقه في شئ منها وعند زفر رحمه الله تتعالى ينفذ عتقه في نصفها
لان من أصله ان حكم التنصيف يثبت بنفس الطلاق ويعود نصفها إلى ملك الزوج كما لو كان
قبل القبض فينفذ عتقه في نصيبه ولكنا نقول سبب ملكها في النصف يفسد بالطلاق
حتى يستحق عليها رد النصف ولكن لا يبطل ملكها في شئ الا بالرد بقضاء أو رضاء
77

لان فساد السبب في الابتداء لا يمنع ثبوت الملك بالقبض فلأن لا يمنع بقاء الملك أولى فإذا
لم يعد شئ من العين إلى الزوج لا ينفذ عتقه (قال) ولو قضى القاضي له بنصفها بعد ذلك
لا ينفذ ذلك العتق السابق لأنه سبق ملكه بمنزلة المشتراة شراء فاسدا وقد قبضها المشترى
وأعتقها البائع ثم ردت عليه لم ينفذ العتق وإن كان أعتقها بعد ما قضى له القاضي بنصفها أو
ردت المرأة عليه النصف بالتراضي نفذ عتقه فيكون حكمه كحكم جارية بين رجلين أعتقها
أحدهما ولو كانت هي التي أعتقت الجارية بعد الطلاق نفذ عتقها في الكل وكذلك إن
باعت أو وهبت لان الملك في الكل باق لها قبل قضاء القاضي وإذا نفذ تصرفها فقد تعذر
عليها رد النصف بعد تقرر السبب الموجب له فتضمن نصف قيمتها للزوج يوم قبضت ولو
وطئت الجارية بالشبهة حتى غرم الواطئ عقرها فحكم العقر كحكم الزيادة المنفصلة المتولدة
من الأصل وكحكم الأرش لأنه بدل جزء من عينها فان المستوفي بالوطئ في حكم العين
دون المنفعة (قال) ولا شفعة في الدار التي تتزوج عليها المرأة وهو مذهب الشافعي رحمه
الله تعالى أيضا لان الشفعة في الدار لو وجبت إنما تجب للجار وهو لا يجوب الشفعة للجار
أصلا وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى تجب الشفعة (قال) ولو تزوجها على شقص
من دار لم تجب فيه الشفعة عندنا وعند ابن أبي ليلى والشافعي رحمهما الله تعالى تجب لان
النصف ملك بعقد معاوضة فكان كالمملوك بالشراء فتجب فيه الشفعة بقيمة العوض
والعوض هو البضع وقيمته مهر المثل وهو كمن اشترى دارا بعبد يأخذها الشفيع بقيمة
العبد وعندنا وجوب الشفعة يختص بمعاوضة مال بمال بمطلق والبضع ليس بمال مطلق فكان
المملوك صداقا بمنزلة الموهوب فلا تجب فيها الشفعة وهذا لان الشفيع إنما يتملك بمثل السبب
الذي به تملك المشترى فان الشرع قدم الشفيع على المشترى في اثبات حق الاخذ له بذلك
السبب لا في إنشاء سبب آخر ولهذا لا تجب الشفعة في الموهوب لأنه لو أخذه أخذه بعوض
فكان سببا آخر غير السبب الذي تملك به المتملك فكذلك هنا المرأة إنما ملكت الدار
بالنكاح صداقا فلو أخذها الشفيع كان شراء فكان سببا آخر بخلاف ما إذا اشتراها بعبد
فان الشفيع يأخذها بمثل ذلك السبب لأن الشراء بقيمة العبد بمنزلة الشراء بعين العبد في أنه
شراء مطلق (قال) وإذا تزوجها على دار على أن ترد المرأة عليه ألف درهم لم يجب للشفيع
الشفعة في شئ من الدار في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما تقسم الدار على الألف
78

وعلى مهر مثلها فما يخص الألف تجب الشفعة فيه للشفيع لأن العقد فيما يخص الألف شراء
وفيما يخص البضع نكاح. ألا ترى أنه يثبت فيه حكم الشراء من الرد بالعيب اليسير
والفاحش وغيره من أحكام البيع وكذلك حكم الصرف يثبت فيه لو تزوجها على مائة دينار
على أن ترد عليه ألف درهم يجب التقابض في حصة الصرف ويجوز أن تستحق الشفعة
في بعض ما تتناوله الصفقة دون البعض كما لو اشترى دارا وعبدا صفقة واحدة فإنه تجب
الشفعة في الدار دون العبد ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى ان البيع هنا تبع للنكاح لان البيع لم
يكن مقصودا بهذه الصفقة وإنما كان المقصود النكاح. ألا ترى أنه تتوقف حصة البيع
على قبول المرأة إذا حصل العقد من فضولي والشراء مقصودا لا يتوقف وكذلك ينعقد
بلفظة الرد ولا يحتاج فيه إلى القبول حتى إذا قال زوجيني نفسك على هذه الدار على أن
تردى علي ألفا فقالت فعلت يتم بدون قبول الزوج وانها لو قبلت حصة النكاح دون البيع
صح ولو قبلت حصة البيع دون النكاح لم يصح وإذا ثبت أن الشراء تبع للنكاح فنقول إذا
لم تجب الشفعة باعتبار الأصل لا تجب باعتبار التبع كالعرصة الموقوفة إذا كان عليها بناء لم تجب
الشفعة في ذلك البناء وهذا لان المقصود بالأخذ بالشفعة دفع ضرر الجار الحادث ولا
يحصل هذا المقصود إذا لم تجب الشفعة فيما هو الأصل بخلاف الرد بالعيب فإنه يثبت
باعتبار البيع لان العيب في الأصل فوات وصف هو تبع وكذلك حكم الصرف يثبت
فيما هو تبع كالصفائح من الذهب في الدار المشتراة بالفضة يثبت فيها حكم الصرف (قال)
ولو تزوج امرأة على كذا من الإبل أو البقر أو الغنم فلها العدد المسمى من الوسط من ذلك
الجنس وان أتى بقيمة ذلك أجبرت على القبول بمنزلة ما لو تزوجها على عبد وقد بيناه (قال)
والا ثواب الهروية وغيرها من أجناس الثياب كذلك وهذه المسألة على ثلاثة أوجه
أحدها ان يتزوجها على ثوب هروي بعينه فلها ذلك الثوب إن كان هرويا وإن لم يكن
هرويا وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لها قيمة ثوب هروي وسط وعلى قول زفر
رحمه الله تعالى لها الخيار ان شاءت أخذت الثوب بعينه وإن شاءت طالبت الزوج بقيمة
ثوب هروي وسط لأن العقد أضيف إلى عين ذلك الثوب ولكنها وجدته على خلاف
شرطها فلها الخيار كما لو وجدته معيبا ولكنا نقول المشار إليه ليس من جنس المسمى
فيتعلق العقد بالمسمى دون المشار إليه وهو أصل معروف نقرره في موضعه إن شاء الله
79

تعالى ولو تزوجها على ثوب هروي بغير عينه ولم يبين الصفة فان أتاها بالثوب أجبرت
على القبول وان أتاها بالقيمة أجبرت أيضا بمنزلة العبد المطلق لان الثوب الذي هو غير
موصوف لا تثبت عينه في الذمة ثبوتا صحيحا وإنما صحت هذه التسمية باعتبار المالية والثوب
في ذلك وقيمته سواء وان بين صفة هذا الثوب قول زفر رحمه الله تعالى تجبر على قبول
القيمة إذا أتاها بها وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ان ذكر الاجل مع ذلك لم تجبر
على قبول القيمة وإن لم يذكر الاجل أجبرت عليه لان الثياب لا تثبت في الذمة ثبوتا صحيحا
الا مؤجلا الا ترى أنه لا يجوز استقراضها ويجوز السلم فيها لان القرض لا يكون الا حالا
والسلم لا يكون الا مؤجلا فعند ذكر الاجل يثبت الثوب دينا ثبوتا صحيحا فلا تجبر على
قبول القيمة وعند عدم ذكر الاجل لا يثبت ثبوتا صحيحا وزفر رحمه الله تعالى يقول الثوب
يثبت في الذمة موصوفا ثبوتا صحيحا لان بالمبالغة في ذكر وصفه يلتحق بذوات الأمثال
ولهذا يجوز السلم فيه واشتراط الاجل هناك من حكم السلم لا من حكم ثبوت الثياب دينا
في الذمة فيستوى في هذا ان ذكر الاجل أو لم يذكر ولكنا نقول لو باع عبدا بثياب
موصوفة في الذمة لا يجوز الا مؤجلا وإن لم يكن العقد سلما فعرفنا ان الثياب لا تثبت دينا
ثبوتا صحيحا الا مؤجلا (قال) فان تزوجها على مكيل أو موزون فان سمى جنسه وصفته
ومقداره لم تجبر على قبول القيمة إذا أتاها بها لان المكيل والموزون يثبت في الذمة موصوفا
ثبوتا صحيحا حالا كان أو مؤجلا بدليل جواز استقراضها والسلم فيها فإن لم يذكر الصفة
ففي ظاهر الرواية إذا أتاها بالقيمة أجبرت على القبول لأنها بتسمية الجنس بدون الصفة
لا تثبت في الذمة ثبوتا صحيحا وروي الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انها لا تجبر على
قبول القيمة لان التسمية متى صحت بذكر الجنس تعين الوسط من ذلك الجنس كما في العبد
والثوب الهروي فما تعين من الوصف شرعا يكون كالمذكور نصا فلا تجبر على قبول القيمة
(قال) فان تزوجها على دراهم أو شئ من العروض لا تبلغ قيمته عشرة دراهم فإنه يكمل لها
عشرة دراهم عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لها ما سمى والأصل عنده أن كل ما يصلح ثمنا
في البيع يصلح صداقا في النكاح وعندنا أدنى المهر عشرة دراهم من الفضة أو مما تكون الفضة
فيه غالبة على الغش واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم المهر جائز قليله وكثيره وفي رواية
المهر ما تراضى عليه الأهلون وفي رواية من استحل بدرهم فقد استحل وروى أن امرأة
80

عرضت نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير فيها رغبة فقال مالي حاجة إلى
النساء فقالت زوجني ممن شئت فقام رجل فقال زوجها منى فقال ماذا تصدقها فقال إزاري
هذه فقال إذا قعدت ولا إزار لك التمس ولو بفلس التمس ولو خاتما من حديد فقال لا أجد
فقال هل تحسن شيئا من القرآن فقال نعم سورة كذا فقال زوجتكها بما عندك من القرآن
فهذه الآثار تدل على أن المهر لا يتقدر بشئ وكذلك في الكتاب الشرط هو المال المطلق
قال الله تعالى ان تبتغوا بأموالكم فتقييد ذلك المال بالعشرة يكون زيادة على النص وحجتنا
في ذلك حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا لا يزوج النساء
الا الأولياء ولا يزوجن الا من الأكفاء ولا مهر أقل من عشرة دراهم وفي حديث
عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قالا لا قطع في أقل من
عشرة دراهم ولا مهر أقل من عشرة دراهم وفي الكتاب قال بلغنا ذلك عن علي وابن
عمر وعائشة وعامر وإبراهيم رضوان الله عليهم أجمعين والمعنى فيه أنه يدل في عقد لم يجعل
ايجاب أصله إلى المتعاقدين فيكون مقدرا شرعا كالدية وبيان ذلك أن النكاح لا ينعقد
صحيحا الا موجبا للعوض اما في الحال أو في الثاني على ما بينا وإنما كان اشتراط العوض فيه
شرعا لاظهار خطر البضع ولا يحصل هذا المقصود بأصل المالية فاسم المال يتناول الخطير
والحقير وإنما يحصل إظهار الخطر بمال مقدر واليه أشار الله تعالى في قوله قد علمنا ما فرضنا
عليهم في أزاجهم والبضع من وجه في حكم النفوس حتى لا يسقط حكم الفعل فيه بالبدل
ولان الوطئ سبب لاعلاق النفس وإذا كان بغير ملك يضيع لانعدام من ينفق عليه فكان
الخطر هنا في معنى الخطر في النفوس والمال الذي هو بدل عن النفوس مقدر شرعا وهو الدية
وهذا لان كل مال أوجبه الشرع تولى بيان مقداره كالزكاة وغيرها فكذا الصداق مما
أوجبه الشرع فيكون مقدرا شرعا واليه أشار الله تعالى في قوله قد علمنا ما فرضنا عليهم
الآية معناه ما قدرنا فان الفرض عبارة عن التقدير وعلى هذا نصاب السرقة يدخله التقدير
بالاتفاق لأنه يستباح به ما لا يستباح بالبدل فكذلك الصداق وتأويل الآثار المروية فيما
يعجله لها باليد ألا ترى أنه أمر ذلك الرجل بالالتماس والصداق يمكن اثباته في الذمة فعرفنا
أن المراد ما يعجله لها باليد وذلك غير مقدر شرعا عندنا وإذا ثبت هذا فنقول إذا تزوجها
على خمسة دراهم فلها عشرة دراهم استحسانا في قول علمائنا الثلاثة ان دخل بها أو مات
81

عنها وان طلقها قبل الدخول بها فلها خمسة وفي القياس لها مهر مثلها ان دخل بها والمتعة
ان طلقها قبل الدخول بها وهو قول زفر رحمه الله تعالى وجه القياس انه سمى مالا يصلح
أن يكون صداقا لها شرعا فيكون بمنزلة ما لو سمى لها خمرا أو خنزيرا وللاستحسان وجهان
(أحدهما) أن العشرة في كونها صداقا لا تتجزى وذكر بعض مالا يتجزى كذكر كله
كما لو تزوج نصفها صح النكاح في الكل جميعا (والثاني) أن الامهار إلى تمام العشرة
حق الشرع وما زاد على ذلك حقها فإذا رضيت بالخمسة فقد أسقطت ما هو حقها وبعض
ما هو حق الشرع فيعمل اسقاطها فيما هو حقها وهو الزيادة على العشرة ولا يعمل في حق
الشرع وعلى هذا لو تزوجها على ثوب يساوى خمسة فلها الثوب وخمسة دراهم وان طلقها
قبل أن يدخل بها فلها نصف الثوب ودرهمان ونصف وإنما تعتبر قيمة الثوب يوم تزوجها
عليه وكذلك أن سمى لها مكيلا أو موزونا لان تقدير المهر واعتباره عند العقد. وروى
الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى في الثوب تعتبر قيمته يوم القبض وفي المكيل والموزون
يوم العقد لان المكيل والموزون يثبت في الذمة ثبوتا صحيحا بنفس العقد والثوب لا يثبت
ثبوتا صحيحا بل يتردد بينه وبين القيمة فلهذا يعتبر قيمته وقت القبض (قال) وإذا تزوجها
على غير مهر مسمى ثم طلقها قبل الدخول فلها المتعة لقوله تعالى ولا جناح عليكم ان طلقتم النساء
إلى قوله ومتعوهن وأدنى المتعة درع وخمار وملحفة هكذا روى عن ابن عباس وعائشة رضى
الله تعالى عنهما أن المتعة ثلاثة أثواب لأن المرأة تصلى في ثلاثة أثواب وتخرج في ثلاثة أثواب
عادة فيكون ذلك متعة لها تذكرة من الزوج إذا فارقها قبل أن يدخل بها وعند الشافعي رحمه
الله تعالى المتعة شئ نفيس من ثوب أو خادم أو فرس أو نحو ذلك إلا أن يكون مهر مثلها
أقل من قيمة المتعة فحينئذ يكون لها نصف مهر مثلها لا ينقص من خمسة دراهم عندنا وعند
الشافعي رحمه الله تعالى لها المتعة ولا معتبر بمهر المثل لأنه سقط بالطلاق قبل الدخول فلا
معنى لاعتباره بعد ذلك ولكنا نقول النكاح الذي فيه تسمية في حكم الصداق أقوى مما لا
تسمية فيه فإذا كان في العقد الذي فيه التسمية لا يجب لها بالطلاق أكثر من نصف ما كان
واجبا قبله فكذلك في النكاح الذي لا تسمية فيه وقد كان الواجب قبل الطلاق مهر المثل فلا
تزاد المتعة على نصف مهر المثل وان كانا سواء فالواجب هو المتعة لأنها فريضة في كتاب الله
تعالى فعند المساواة تترجح المتعة (قال) ولو تزوجها على ما في بطن جاريته أو على ما في
82

بطن أغنامه لم تصح التسمية لان شرط صحة التسمية كون المسمى مالا وما في البطن ليس
بمال متقوم وهذا بخلاف الخلع فإنه لو خالعها على ما في بطن جاريتها صحت التسمية لان ما في
البطن بعرض أن يصير مالا بالانفصال واحد العوضين في الخلع يحتمل الإضافة وهو
الطلاق فالعوض الآخر كذلك يحتمل الإضافة فإذا سمي ما في البطن فكأنه أضاف التسمية إلى
ما بعد الانفصال وفي النكاح أحد العوضين لا يحتمل الإضافة فالعوض الآخر كذلك والمسمى
في الحال ليس بمال فكان لها مهر مثلها وكذلك لو تزوجها على ما تحمل نخله أو تخرج
أرضه العام أو على ما يكتسب غلامه لان المسمى معدوم وتأثير العدم أبلغ من تأثير الجهالة
فإذا كأن لا يصح تسمية مجهول الجنس كالثوب والدابة فتسمية المعدوم أولى أن لا تصح
(قال) ولو تزوجها على عبد بعينه فوجدته حرا فلها مهر مثلها في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما
الله تعالى وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الأول وفي قوله الآخر قيمة ذلك الشخص
أن لو كان عبدا وكذلك لو تزوجها على هذه الشاة المذبوحة فإذا هي ميتة أو تزوجها على هذا
الدن من الخل فإذا هو خمر فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لها مهر مثلها وعند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله تعالى لها مثل ذلك الدن من خل وسط أبو يوسف رحمه الله تعالى يقول
سمى لها في العقد مالا وهو العبد والذكية والخل فصحت التسمية ثم تعذر تسليم المسمى
بما ظهر فتجب القيمة فيما لس من ذوات الأمثال والمثل فيما هو من ذوات الأمثال كما
لو تعذر تسليم المسمى بالهلاك في يد الزوج وهذا لأنه حين ظهر حرا فقد استحق نفسه
فيجعل كاستحقاق الغير إياه ولو تزوجها على عبد فاستحق كان لها قيمته فكذلك إذا
استحق نفسه بالحرية وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا الأصل ان الإشارة والتسمية
إذا اجتمعتا فإن كان المشار إليه من جنس المسمى يتعلق العقد بالمشار إليه وإن كان من غير
جنس المسمى يتعلق العقد بالمسمى الا ترى أنه لو اشترى فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج
كان البيع باطلا لان المشار إليه من غير جنس المسمى فيتعلق العقد بالمسمى والمسمى
معدوم وبيع المعدوم باطل ولو اشترى فصا على أنه ياقوت أحمر فإذا هو ياقوت أصفر جاز
البيع لان المشار إليه من جنس المسمى فيتعلق العقد بالمشار إليه لان الإشارة أبلغ في
التعريف لأنها تقطع الشركة من كلا وجه إذا عرفنا هذا فنقول الحر والعبد جنس واحد
فان الآدمي باعتبار الأصل حر ثم يعترض الرق فيه والاعتاق اتلاف لذلك الرق العارض
83

فلا يوجب تبديل الجنس واختلاف الجنس اما باختلاف الأصل أو الهيئة أو المقصود وذلك
لا يوجد بين الأحرار والعبيد فإذا اتحد الجنس تعلق العقد بالمشار إليه وهو الحر دون
المسمى والمشار إليه ليس بمال فلا يصح تسميته بخلاف عبد الغير فإنه مال متقوم وان كأن لا
يقدر على تسليمه وعلى هذه الذكية والميتة فان الجنس واحد فيتعلق العقد بالمشار إليه
فاما محمد رحمه الله تعالى في الخمر والخل قال هما جنسان مختلفان لان المقصود منهما
يختلف وكذلك الخل قط لا يصير في مثل حال الخمر والخمر اسم لعين حرام والخل اسم
لمطعوم حلال فكانا جنسين فيتعلق العقد بالمسمى والمسمى هو الخل فلهذا كان لها مثل
ذلك الدن من الخل وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الخل والخمر جنس واحد فان الأصل
واحد والهيئة واحدة وهذه أوصاف تعترض على العين فلا توجب تبديل الجنس كالصغر
والكبر في الآدمي فان الحلاوة في العصير بمنزلة الحلاوة التي تكون في الصغر ثم الشدة
في الخمر بمنزلة الحدة والقوة التي تكون في الشباب في الحموضة في الخل بمنزلة حال الشيخوخة
فكما أن بتبدل الأحوال لا يختلف جنس الآدمي فكذلك بتبدل الأحوال في العصير فإذا كان
الجنس واحدا تعلق العقد بالمشار إليه والمشار إليه ليس بمال فلهذا كان لها مثلها (قال) فان
تزوجها على أمة فولدت عنده ثم مات ولدها فليس على الزوج في الولد ضمان لأنه لم يصنع
في الولد شيئا ولا يكون حاله أعلى من حال ولد المغصوبة ولكن لها الأمة ان دخل بها ولا
خيار لها إن كان نقصان الولادة يسيرا كما لو تعيبت في يد الزوج بعيب يسير سوى نقصان
الولادة وإن كان النقصان فاحشا فلها الخيار ان شاءت أخذت الجارية ولا يضمن الزوج
شيئا من النقصان وإن شاءت أخذت قيمتها يوم تزوجها عليها لان نقصان الولادة كالعيب
السماوي وقد كان الولد جابرا لذلك النقصان فأما إذا مات الولد ظهر النقصان لانعدام ما يجبره
وقد بينا ثبوت الخيار لها في العيب السماوي بهذه الصفة وإن كان الزوج قتل الولد ضمن لها
قيمته لأنه كان أمانة في يده فيضمنه بالاتلاف فإن كان في قيمته وفاء نقصان الولادة لم
يضمن نقصان الولادة لان قيمة الولد قائمة مقام الولد فيكون جابرا للنقصان وإن لم يكن فيها
وفاء فعليه تمام ذلك به أجاب في الكتاب وهو غلط فقد بين في الابتداء أن الزوج لا يضمن
نقصان الولادة عند موت الولد فكذلك لا يضمن ما زاد على قيمة الولد من قدر النقصان
ولكنه إذا كان يسيرا فلا خيار لها وإن كان فاحشا فلها الخيار كما بينا (قال) وإذا أخذت المرأة
84

رهنا بصداقها وقيمته مثل الصداق فهلك عندها فهو كما فيه لان دين الصداق يستوفي كسائر
الديون والرهن يثبت يد الاستيفاء ويتم الاستيفاء به عند هلاك الرهن قال صلى الله عليه
وسلم الرهن بما فيه فصارت عند هلاك الرهن مستوفية لصداقها بمنزلة ما لو استوفت حقيقة
فان طلقها قبل أن يدخل بها ضمنها نصف الصداق كما لو كانت استوفت حقيقة وإن كان
هلاك الرهن بعد الطلاق فلا ضمان عليها في ذلك لان بالطلاق قبل الدخول سقط
نصف الصداق من غير عوض غرمه الزوج ولو سقط الكل بابرائها خرج الرهن من أن
يكون مضمونا في الكل فكذلك إذا سقط النصف فإنما يبقى ضمان الرهن بما بقي وعند
هلاكه إنما صارت مستوفية لما بقي فلهذا لا تغرم له شيئا بخلاف الأول فان عند هلاك
الرهن كان جميع الصداق واجبا هناك فصارت مستوفية للكل فلهذا لزمها رد النصف بعد
الطلاق (قال) ولو لم يكن في النكاح تسمية ورهن عندها بمهر المثل رهنا صح الرهن لان
مهر المثل كالمسمى في كونه دينا واجب الاستيفاء فان هلك الرهن وفي قيمته وفاء بمهر المثل
صارت مستوفية وان طلقها قبل أن يدخل بها فعليها أن ترد ما زاد على قدر المتعة لان قدر
المتعة هنا كنصف المسمى هناك فعليها أن ترد ما زاد على ذلك وان طلقها قبل الدخول بها
والرهن قائم فليس لها أن تحبس الرهن بالمتعة في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الآخر
وهو القياس وفي قوله الأول وهو الاستحسان وهو قول محمد رحمه الله تعالى لها أن تحبس
الرهن بالمتعة لوجهين (أحدهما) أن المتعة بمنزلة جزء من أجزاء مهر المثل ألا ترى أن في
النكاح الذي فيه التسمية ما يجب بعد الطلاق جزء مما كان فيه فكذا في النكاح الذي
لا تسمية فيه وهذا لان الطلاق مسقط فلا يصلح أن يكون موجبا فعرفنا أن ما بقي بعض
ما كان واجبا قبل الطلاق والرهن بالدين يكون محبوسا بكل جزء منه (والثاني) أن المتعة
خلف عن مهر المثل لأنه يجب عند سقوط مهر المثل بالسبب الذي كان يجب به مهر المثل
وهو النكاح وهذا هو حد الأصل والخلف ثم الرهن بالشئ يكون محبوسا بما هو خلف
عنه كالرهن بالعين المغصوبة يكون محبوسا بقيمتها ووجه قوله الآخر ان المتعة دين حادث سوى
مهر المثل والمحبوس بدين لا يكون محبوسا بدين اخر سواه والدليل على أنه من خلاف جنس
مهر المثل فان المتعة ثياب ومهر المثل من النقود ولان مهر المثل قيمة بضعها والمتعة
تذكرة لها ولا يلتقيان بحال فان مهر المثل يجب في حال قيام النكاح والمتعة تجب بعد
85

ارتفاع النكاح والدليل عليه ان الكفيل بمهر المثل لا يكون كفيلا بالمتعة فإذا ثبت انهما دينان
مختلفان لم يكن الرهن بأحدهما محبوسا بالآخر فإذا هلك الرهن في يدها قبل أن تمنعه لم
يكن عليها ضمان ولكنها في قوله الأول تصير متسوفية للمتعة وفي قوله الآخر لا تصير
مستوفية فلها أن تطالب الزوج بالمتعة وان منعت الرهن على الزوج بعد مطالبته حتى هلك
ففي قوله الأول لا ضمان عليها لأنها حبسته لحق وفي قوله الآخر هي ضامنة للزوج قيمة
المرهون لأنها حبسته بغير حق فصارت غاصبة ضامنة (قال) فان تزوجها على غير مهر مسمى
ثم فرض لها بعد العقد دارا فلا شفعة للشفيع فيها لان الفرض بعد العقد تقدير مهر المثل
ومهر المثل بدل البضع فلا شفعة فيه ولهذا لو طلقها قبل الدخول بها كان عليها أن ترد الدار
وترجع على الزوج بالمتعة وإن كان سمى في العقد مهرا ثم باعها داره به كان للشفيع فيها
الشفعة لأنها ملكت الدار شراء بالمهر ولو طلقها قبل أن يدخل بها كانت الدار سالمة لها لأن الشراء
لا يبطل بالطلاق ولكنها ترد نصف المسمى على الزوج لأنها صارت مستوفية للصداق
بالشراء (قال) ولو تزوجها على أن يشترى لها هذه الدار ويعطيها إياها مهرا أو قال أتزوجك
على هذه الدار عل أن أشتريها فأسلمها إليك كان لها ان تأخذه بذلك لأنه شرط لها ذلك
والوفاء بالشرط واجب فان عجز عن ذلك فعليه قيمة الدار لها وان طلقها قبل الدخول فلها
نصف القيمة لان التسمية صحيحة فان المسمى مال وإن كان الزوج عاجزا عن تسليمه وقت العقد
لان القدرة على تسليم الصداق لا تشترط لصحة التسمية فان القدرة على التسليم فيما يقابل
الصداق ليس بشرط لصحة العقد ولكن شرط صحة العقد فيه صفة الحل فكذا في الصداق
شرط صحة التسمية صفة المالية وقد وجد فإذا تحقق عجزه عن تسليم المسمى تلزمه قيمته
وهذا بخلاف الكتابة فإنه لو كاتب عبده على عبد الغير فإنه لا يجوز على الرواية التي تجوز
الكتابة على العين لان عقد الكتابة كالبيع من حيث أنه يحتمل الفسخ ولا يصح الا بتسمية
البدل فكما أن العجز عن التسليم في البيع يمنع صحة العقد فكذا في الكتابة (قال) وان
تزوجها على دار فاستحق نصفها خيرت في النصف الباقي لان التشقيص في الاملاك المجتمعة
عيب فاحش فان نصف الدار لا يشترى بنصف ما يشترى به جميع الدار عادة وقد بينا أن ما لا
يدخل تحت تقويم المقومين فهو عيب فاحش فإن شاءت ردت النصف الباقي بالعيب ورجعت
بجميع قيمة الدار وإن شاءت أمسكت ورجعت بنصف قيمة الدار وان طلقها قبل الدخول
86

كان لها النصف الذي في يدها لان حقها بعد الطلاق في نصف الدار ونصف الدار وسالم لها
فلا ترجع بشئ آخر عليه (قال) ولو تزوجها على مهر مسمى ثم زاد فيه جازت الزيادة ان دخل
بها أو مات عنها الا على قول زفر رحمه الله تعالى أصله الزيادة في الثمن بعد العقد وهي مسألة
البيوع ودليلنا لجواز الزيادة هنا قوله تعالى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة
معناه من فريضة بعد الفريضة ولو طلقها قبل الدخول بها بطلت الزيادة الا في قول أبي يوسف
الأول وقد بيناه (قال) وإذا تزوجها على مهر في السر وسمع في العلانية بأكثر منه يؤخذ
بالعلانية وهذا على وجهين ان كانا تواضعا في السر على مهر ثم تعاقدا في العلانية بأكثر منه
فالمهر مهر العلانية لان تلك المواضعة ما كانت لازمة وجعل ما عقدا عليه في العلانية بمنزلة
الزيادة في مهرها إلا أن يكون أشهد عليها أو على وليها الذي زوجها منه ان المهر هو الذي في
السر والعلانية سمعة فحينئذ المهر ما سمى لها في السر لأنهما في الاشهاد أظهرا أن مرادهما
الهزل بالزيادة على مهر السر والهزل ببعض المسمى مانع من الوجوب الا على قول ابن أبي
ليلي رحمه الله تعالى فإنه يقول كما لا يعمل الهزل في جانب المنكوحة فكذلك في جانب
الصداق فيكون مهرها مهر العلانية فاما إذا تعاقدا في السر بألف وأشهدا انهما يجددان
العقد بألفين سمعة فالمهر هو الأول لأن العقد الثاني بعد الأول لغو وبالاشهاد علمنا أنهما
قصدا الهزل بما سمعا فيه وإن لم يشهدا في ذلك فالذي أشار إليه في الكتاب ان المهر هو
مهر العلانية ويكون هذا منه زيادة لها في المهر قالوا وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فاما
عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى المهر هو الأول لأن العقد الثاني لغو فما ذكر فيه من
الزيادة أيضا يلغو وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أصل العقد الثاني وان صار لغوا فما ذكر فيه
من الزيادة يكون معتبرا بمنزلة من قال لعبده وهو أكبر سنا منه هذا ابني فإنه لما لغى صريح
كلامه عندهما لم يعتق العبد وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وان لغي صريح كلامه في حكم
النسب بقي معتبرا في حق العتق (قال) وإذا تزوجها على ألف درهم على أن ردت عليه
عبدا فهو جائز لأنها بذلت شيئين بإزاء الألف البضع والعبد فيقسم الألف على قيمة العبد
ومهر مثلها فما أصاب العبد يكون شراء حتى إذا مات العبد قبل التسليم أو وجد الزوج به
عيبا فرده بطل ذلك القدر وما أصاب مهر المثل فهو صداق لها حتى إذا طلقها قبل الدخول
كان لها نصف ذلك (قال) وان تزوجها على أبيها وقيمته ألف درهم على أن ردت عليه أمة
87

قيمتها الفان جاز ذلك وعتق الأب قبضته أو لم تقبضه لان الأب مقسوم على مهر مثلها
وعلى قيمة الأمة فما يخص قيمة الأمة تكون مشترية له بالأمة وما يخص مهر المثل
يكون صداقا لها وكلا السببين يوجب الملك بنفسه فإذا ملكت الأب عتق عليها ثم إذا
طلقها قبل الدخول فعليها رد نصف ما يخص مهر المثل من قيمة أبيها لأنها صارت قابضة
للأب بالعتق وحصة الصداق منه تتنصف بالطلاق وقد عجزت عن رده فعليها رد نصف
قيمة ذلك (قال) وإذا تزوجها على ألف درهم على أن ترد عليه ألف درهم فلها مهر مثلها بمنزلة
ما لو لم يسم لها مهرا لان الألف المذكورة بمقابلة الألف المشروطة عليها فان الأموال الربوية متى
قوبلت بجنسها يكون الجنس بمقابلة المثل لان المقابلة باعتبار المالية والمالية مع القدرة لا تتفاوت
فإذا صارت الألف بمقابلة الألف بقي النكاح بغير تسمية المهر فلها مهر مثلها (قال) وان تزوجها
على ألف على أن ترد عليه مائة دينار جاز وتقسم الألف على مائة دينار وعلى مهر مثلها فما أصاب
الدنانير يكون صرفا فيشترط فيه التقابض في المجلس وما يخص مهر المثل يكون صداقا فإذا
طلقها قبل الدخول ردت نصف ذلك على الزوج ان كانت قبضت الألف وهذا لان المقابلة
هنا بخلاف الجنس وعند اختلاف الجنس المقابلة باعتبار القيمة لان الجودة لها قيمة في
هذه الحالة والدنانير في حكم المقابلة كالعروض ولو تفرقا قبل التقابض بطلت حصة الدنانير
من الدراهم لوجود الافتراق قبل القبض في عقد الصرف وفي هذه الوجوه ان كانت حصة
مهر المثل من الألف أقل من عشرة يكمل لها عشرة كما لو تزوجها على ذلك القدر ولو تزوجها
على ألف درهم وعلى أن يطلق امرأته فلانة وعلى أن ردت عليه عبدا فنقول المرأة بذلت
شيئين البضع والعبد والزوج بذل الألف وشرط الطلاق في ضرتها فيقسم الألف على مهر
مثلها وعلى قيمة العبد فإن كانا سواء صار نصف الألف ثمنا للعبد ونصف الألف صداق
لها فإذا طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف ذلك وان دخل نظر فإن كان مهر مثلها خمسمائة
أو أقل فليس لها الا ذلك وإن كان مهر مثلها مثلها أكثر من ذلك فان وفي بالشرط بأن طلق
امرأته فلانة فليس لها الا الخمسمائة وان أبى أن يطلق لم يجبر على ذلك لأنه شرط الطلاق
وايقاع الطلاق لا يصح التزامه في الذمة فلا يلزمه بالشرط شئ ولكن لها كمال مهر
مثلها لان لها في طلاق ضرتها منفعة فإنما رضيت بدون مهر مثلها بشرط أن تسلم لها
هذه المنفعة فإذا لم تسلم كان لها كمال مهر مثلها (قال) ولو كان تزوجها على ألف درهم
88

وعلى طلاق فلانة على أن ردت عليه عبدا فهنا يقع الطلاق بنفس العقد بخلاف الأول لان
هناك شرط أن يطلق فما لم يطلق لم يقع وهنا أوجب الطلاق بالعقد عوضا والعوض يثبت
بنفس العقد فلهذا يقع الطلاق هنا والزوج بذل شيئين الألف والطلاق والمرأة بذلت شيئين
البضع والعبد والشيئان متى قوبلا بشيئين ينقسم كل واحد منهما على الآخرين فإذا كان
مهر المثل وقيمة العبد سواء كان نصف الألف ونصف الطلاق بمقابلة العبد ثمنا ونصف الألف
ونصف الطلاق صداق لها فإذا طلقها قبل الدخول بها كان لها مائتان وخمسون والطلاق الواقع
على الضرة بائن لان بمقابلة الطلاق نصف العبد ونصف البضع فكان الطلاق بجعل فيكون
بائنا وإن لم يكن الجعل مشروطا على المطلقة وإنما جعلنا نصف العبد ونصف البضع بمقابلة
الطلاق لان المجهول إذا ضم إلى المعلوم فالانقسام باعتبار الذات دون القيمة وان استحق العبد
أو هلك قبل التسليم رجع بحصة خمسمائة حصة العبد لما قلنا وتتنصف قيمة العبد أيضا لان نصف
العبد بمقابلة نصف الطلاق واستحقاق الجعل أو هلاكه قبل التسليم يوجب قيمته على من كان
ملتزما تسلميه فلهذا رجع بقيمة ذلك النصف (قال) ولو تزوجها على ألف درهم وعلى أن يطلق
فلانة فأبى أن يطلقها فلها كمال مهر مثلها عندنا لأنها إنما رضيت بالألف باعتبار منفعة طلاق الضرة
فإذا لم يسلم لها ذلك فلها كمال مهر مثلها كما لو تزوجها على ألف وكرامتها أو يهدى إليها هدية
وعلى قول زفر رحمه الله تعالى ان شرط لها مع الألف ما هو مال كالهدية والكرامة فكذلك
الجواب وان شرط ما ليس بمال كطلاق الضرة فليس لها الا الألف لان المال يتقوم
بالاتلاف فكذلك يمنع التسليم إذا شرط لها في العقد فأما الطلاق ونحوه لا يتقوم بالاتلاف
فكذا لا يتقوم بمنع التسليم ولكنا نقول لا نوجب الزيادة باعتبار تقوم ما شرط لها ولكن لانعدام
رضاها بالألف بدون المنفعة المشروطة (قال) ولو تزوجها على خمر أو خنزير وهما
مسلمان كان لها مهر مثلها عندنا وعلى قول مالك رحمه الله تعالى النكاح فاسد لان تسمية
الخمر والخنزير يمنع وجوب عوض آخر ولا يمكن ايجاب الخمر بالعقد على المسلم فكان باطلا
كما لو باع عبدا بخمر ولكنا نقول هما شرطا قبول الخمر وهو شرط فاسد إلا أن النكاح
لا يبطل بالشروط الفاسدة وشرط صحة التسمية أن يكون المسمى مالا فإذا لم يكن بطلت
التسمية فكأنه لم يسم لها عوضا فلهذا كان لها مهر مثلها وهكذا نقول في البيع أنه يصير
كأنه لم يسم ثمنا والبيع يفسد عند عدم تسمية الثمن (قال) ولو تزوجها على الف وعلى أرطال
89

معلومة من خمر فليس لها سوى الألف لان تسمية الخمر والسكوت عنها سواء كما قلنا وذكر
ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أنه إذا تزوجها على هذا الدن من الخمر وقيمة الدن عشرة
دراهم فلها الدن دون الخمر لان الدن متقوم فيصير كأنه سمى لها الخمر مع العشرة وفي رواية أخرى
أن لها مهر مثلها لان المقصود بهذه التسمية المظروف دون الظرف والمظروف ليس بمال
(قال) ولو تزوجها على هذا الخمر فإذا هو خل أو على هذا الحر فإذا هو عبد فعلى رواية أبى
يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى لها المشار إليه وروى محمد عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى
أن لها مهر مثلها لأنه صرح بتسمية ما ليس بمال والأصح رواية أبى يوسف رحمه الله تعالى
لما بينا فيما سبق ان عنده إذا كان المشار إليه من جنس المسمى يتعلق الحكم بالمشار إليه والمشار
إليه مال متقوم (قال) ولو تزوجها على ألف درهم إن لم يكن له امرأة وعلى ألفي درهم ان
كانت له امرأة أو على ألف درهم إن لم يخرجها من الكوفة وعلى ألفين أن أخرجها أو قدم
شرط الألفين في الفصلين فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى المذكور أولا صحيح في الوجهين
والثاني فاسد حتى إذا طلقها قبل الدخول بها فلها نصف المذكور أولا وان دخل بها فان وفى
بالشرط فلها الألف وإن لم يوف لها بالشرط فلها مهر مثلها لا يجاوز بها ألفي درهم لأنها رضيت
بالألف باعتبار منفعة مشروطة فإذا لم تنل ذلك كان لها مهر مثلها ولكنها رضيت بالألفين
بيقين فلهذا الا يجاوز به ألفين وإنما جوز الشرط الأول دون الثاني لان موجب العقد مع بقائه
قد تم بذكر الشرط الأول واستقر بذلك فبذكر الشرط الثاني قصد تغير موجب العقد مع
بقائه فلا يكون ذلك صحيحا وعند أبي يوسف ومحمد رحمها الله تعالى الشرطان جائزان على
ما اشترطا وعند زفر رحمه الله تعالى الشرطان فاسدان فيكون لها مهر مثلها لا ينقص عن
الألف ولا يزاد عن الألفين وأصل المسألة في كتاب الإجارات إذا دفع إلى خياط ثوبا وقال إن
خطته اليوم فلك درهم وان خطته غدا فلك نصف درهم وسنبينها ثمة مع نظائرها إن شاء الله
تعالى (قال) وان تزوجها على ألف وكرامتها ثم طلقها قبل الدخول بها فلها نصف
الألف لان مهر المثل سقط بالطلاق قبل الدخول واشتراط الزيادة المجهولة إنما كان معتبرا
في حال قيام العقد لا يجاب مهر المثل بقوله وقد سقط مهر المثل بالطلاق فكان لها نصف
الألف كما لو لم يشترط تلك الزيادة أصلا (قال) وإذا تزوجها على ألف درهم أو ألفين فعلى
قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يحكم مهر المثل فإن كان مهر مثلها ألفا أو أقل فلها الألف وان
90

كان ألفين أو أكثر فلها ألفان وإن كان أكثر من ألف وأقل من ألفين فلها مهر مثلها وعند
أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لها الألف في الوجوه كلها وحجتهما ذلك أن تسمية
المال في النكاح منفصل عن العقد بدليل أنه لا يتوقف العقد على ذكره فكان ذلك
بمنزلة التزام المال من غير عقد فإنما يجب القدر المتيقن به كمن أقر لإنسان بألف أو ألفين
ولان النكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه والتخيير بين الألف والألفين فيه لا يمنع صحة
العقد فكان قياس الطلاق بمال والعتق بمال وهناك إذا سمى الألف أو الألفين يجب
القدر المتيقن به ولا وجه إلى الرجوع إلى مهر المثل لأنه موجب نكاح لا تسمية فيه
وبالتخيير لا تنعدم التسمية وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول النكاح عقد يستحق فيه
التسليم والتسلم فالتخيير في المسمى فيه بين الأقل والأكثر يمنع صحة التسمية كالبيع
بخلاف الطلاق والعتاق فإنه لا يحتاج فيه إلى التسليم والتسلم إلا أن في البيع انعدام
التسمية يمنع صحة البيع فكذا جهالة المسمى بخلاف النكاح وهذا لأن هذه الجهالة كجهالة
مهر المثل أو أقوى منها فإنه متردد بين أجناس مختلفة تارة وبين المقادير المختلفة تارة
ومثل هذه الجهالة يمنع صحة التسمية فإذا لم تصح التسمية يصار إلى الموجب الأصلي وهو
مهر المثل وبه فارق الطلاق والعتاق لأنه لا موجب لذلك العقد في الأصل حتى لا يجب
شئ عند عدم ذكر البدل فلهذا أوجبنا الأقل وبخلاف الاقرار لان المال المقر به ليس
بعوض فلو عينا الأقل لا يكون فيه بخس لحق المقر له وهنا الصداق عوض عما يستحق
عليها وفي تعيين الأقل بخس لحقها والنظر واجب من الجانبين فحكمنا مهر المثل لهذا
(قال) وكذا إذا تزوجها على هذا العبد الحبشي أو على هذا العبد الأبيض فهو على ما بينا
من تحكيم مهر المثل عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ووجوب الأوكس لها عندها إلا أن
يعطى الزوج الأفضل فحينئذ يجوز ذلك لأنه تبرع عليها وهذا عندهما بمنزلة ما لو قال على أن
أعطيك أيهما شئت ولو صرح بهذا كان له أن يعطيها أيهما شاء ان شرط المشيئة لنفسه
وكان لها أن تأخذ أيهما شاءت ان شرط المشيئة لها ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول
باشتراط الخيار لأحدهما تنعدم المنازعة بينها ويستبد من له الخيار بالتعيين فلهذا صحت
التسمية وعند عدم شرط الخيار نتحقق المنازعة وليس الرجوع إلى قول أحدهما بأولى من
الآخر فكانت التسمية فاسدة كما في البيع إذا باع أحد العبدين لا يجوز ولو سمى لكل
91

واحد منهما ثمنا وشرط الخيار فيه لأحدهما جاز ولو طلقها قبل الدخول فلها نصف الأوكس
وفي الفصل الأول لها نصف الألف لان الزيادة على ذلك كان باعتبار مهر المثل وقد سقط
مهر المثل بالطلاق فلهذا كان لها نصف الأقل (قال) وان تزوجها على حكمه أو على
حكمها أو على حكم رجل أجنبي فهذه التسمية فاسدة للجهالة وهذه الجهالة فوق جهالة مهر
المثل إلا أنه أضاف الحكم إلى نفسه فان حكم لها بمهر المثل أو أكثر جاز حكمه لأنه يحكم
بالزيادة على نفسه وله هذه الولاية وان حكم بأقل من مهر مثلها لم يجز بدون رضاها لأنه
حكم عليها باسقاط بعض حقها وليس له هذه الولاية عليها وان أضاف الحكم إليها فان
حكمت بمهر المثل أو أقل فلها ذلك لأنها تحكم على نفسها وان حكمت بأكثر من مهر مثلها
بم يجز حكمها بدون رضا الزوج لأنها تحكم على الزوج بالزيادة وليس لها عليه هذه الولاية
وان أضاف الحكم إلى الأجنبي فان حكم بمهر المثل جاز ذلك وان حكم بأقل من مهر المثل
لم يجز بدون رضاها وان حكم بأكثر من مهر المثل لم يجز بدون رضا الزوج (قال) ولا
يجب المهر على من قبل النكاح لغيره بوكالة أو ولاية على صغيره أو على عبده أو على مكاتبه
ما لم يضمنه ولها المهر على الزوج لحديث علي رضي الله عنه الصداق على من أخذ الساق ولان
تسليم المعقود عليه إلى الزوج فوجب البدل عليه أيضا والعاقد معبر عنه حتى لا يستغنى
عن إضافة العقد إليه فلا يكون ملتزما للبدل الا ان يضمنه فيؤاخذ بالضمان حينئذ (قال)
وإذا تزوج الحربي الحربية من غير مهر أو على ميتة ثم أسلما فلا مهر لها اما عند أبي حنيفة
رحمه الله تعالى فظاهر كما في الذميين على ما بينا وعندهما في الذميين إنما يجب المهر لان الخطاب
بالابتغاء بالمال شائع في دار الاسلام وأهل الذمة ملتزمون لاحكامنا في المعاملات فاما في دار
الحرب الخطاب به غير شائع وهم غير ملتزمين لاحكامنا فلهذا لا شئ لها وإذا أسلما بعد ذلك
فالحال حال بقاء النكاح والصداق ليس بشرط في حال بقاء النكاح (قال) ولو تزوجها على
مهر مسمى ثم أسلما أو صارا ذمة فلها ذلك المسمي لأنه صار دينا لها عليه بالتسمية في عقد
صحيح فلا يزيده الاسلام الا وكادة وان طلقها قبل أن يدخل بها ثم أسلما فلها ان تأخذه بنصف
المسمى لان الطلاق قبل الدخول لا يسقط عنه الا النصف فيبقى مطالبا بما زاد على ذلك ولو لم
يكن سمى لها شيئا فلا متعة لها عليه لان في حال قيام النكاح ما كان لها عليه شئ وان أسلما
فبعد الطلاق أولى (قال) رجل تزوج امرأتين على ألف درهم فالألف بينهما على قدر
92

مهر كل واحدة منهما لان المال الواحد إذا قوبل بشيئين مختلفين بعقد المعاوضة ينقسم على
مقدار قيمتهما كما لو اشترى عبدين بألف درهم وقيمة البضع مهر المثل فان طلق إحداهما قبل
الدخول كان لها نصف حصتها من الألف فان طلقهما كان لهما نصف الألف بينهما على قدر
مهريهما فإن كانت إحداهما ممن لا يحل له بان كانت ذات زوج أو معتدة من زوج أو محرمة
عليه برضاع أو صهرية فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى الألف كلها مهر التي تحل له وعند أبي
يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تقسم الألف على قدر مهريهما فمهر التي تحل له حصتها من
ذلك وحجتهما ان الألف مسمي بمقابلة البضعين وإنما التزمها الزوج عند سلامة البضعين له
فإذا لم يسلم له الا أحدهما لا يلزمه الا حصتها من الألف كما لو خاطب امرأتين بالنكاح
بألف فأجابت إحداهما دون الأخرى وكما لو اشترى عبدين فإذا أحدهما مدبر والدليل عليه
أن الانقسام جعل معتبرا في حق التي لا تحل له حتى لو دخل بها يلزمه مهر مثلها لا يجاوز
به حصتها من الألف عليه نص في الزيادات وادعى المناقضة على أبي حنيفة رحمه الله تعالى
بهذا وكذلك يدخل في العقد عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى حتى لا يلزمه الحد بوطئها مع
العلم ومن ضرورة دخولها في العقد انقسام البدل المسمى وعندهما إنما يجب الحد لانتفاء شبهة
الحل فان العقد لا ينعقد في غير محل الحل وسقوط الحد من حكم انعقاد العقد فأما الانقسام
من حكم التسمية لا من حكم انعقاد العقد كما لو أجابته احدى المرأتين دون الأخرى واحتج
أبو حنيفة رحمه الله تعالى في ذلك وقال ضم التي لا تحل له إلى التي تحل له في عقد النكاح
لغو فهو بمنزلة ضم جدار أو أسطوانة إلى المرأة في النكاح وهناك البدل المسمى كله بمقابلتها
دون ما ضمه إليها فكذا هنا وبيان ذلك أن النكاح يختص بمحل الحل لان موجبه ملك الحل
وبين الحل والحرمة في المحل منافاة ففي حق المحرمة العقد مضاف إلى غير محله وانقسام البدل
من حكم المعاوضة والمساواة في الدخول في العقد فإذا انعدم ذلك لا يثبت الانقسام ألا ترى
أنه لو طلق امرأته ثلاثا بألف درهم كان بإزاء كل تطليقة ثلث الألف ولو كانت عنده بتطليقة
واحدة فطلقها ثلاثا بألف درهم كانت الألف كلها بمقابلة الواحدة وهذا بخلاف ما إذا
خاطبهما بالنكاح لأنهما استويا في الايجاب حتى لو أجابتاه صح نكاحهما جميعا فيثبت حكم
انقسام البدل بالمساواة في الايجاب وكذلك المدبر مع العبد فإنه مال مملوك فيدخل تحت
العقد ثم يستحق نفسه بحق الحرية ولهذا لو قضى القاضي بجواز بيعه جاز فأما إذا دخل
93

بالتي لا تحل له ففي هذا الكتاب يقول لها مهر مثلها مطلقا وهو الأصح على قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى وما ذكر في الزيادات فهو قولهما وبعد التسليم يقول المنع من المجاوزة بمجرد
التسمية ورضاها بالقدر المسمى لانعقاد العقد وذلك موجود في حق التي لا تحل له فاما الانقسام
للاستحقاق باعتبار الدخول في العقد فالتي تحل له هي المختصة بذلك فكان جميع البدل لها
وكذلك سقوط الحد على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى من حكم صورة العقد لا من حكم
انعقاده وقد وجد ذلك في حق التي لا تحل له فاما انقسام البدل من حكم انعقاد العقد
(قال) رجل تزوج امرأة على عبد ودفعه إليها ثم طلقها قبل الدخول وقد جنى العبد عندها
جناية فالزوج بالخيار لان تعلق الجناية برقبته من أفحش العيوب فإنه شبيه باستحقاق نفسه
وذلك مثبت الخيار للزوج فان أخذ نصفه دفعاه أو فدياه لأنه لا يتملكه ابتداء بالطلاق
ولكن يعود إليه هذا النصف إلى قديم ملكه ولم يوجد من المرأة صنع يكون اختيارا
أو استهلاكا فلهذا تبقى الجناية متعلقة برقبته فيخاطب كل واحد منهما بدفع النصف أو
الفداء بنصف الدية ثم لا يرجع عليها من قبل الجناية بشئ لأنه رضى بأخذ النصف مشغولا
بالجناية وقد وصل إليه ذلك وان شاء تركه واخذ منها نصف قيمته يوم دفعه إليها لأنه
تعذر عليها الرد كما قبضت وكذلك أن كانت الجناية في يد الزوج قبل القبض ثم طلقها قبل
أن يدخل بها كان لها الخيار بين أن تأخذ نصف قيمته يوم تزوجها عليه وبين أخذ نصفه
ثم يخاطبان بالدفع أو الفداء كما بينا وان دخل بها الزوج والعبد في يده فإن شاءت أخذت
قيمته صحيحا يوم تزوجها عليه وإن شاءت أخذت العبد ثم تخاطب بالدفع أو الفداء ولا ترجع
على الزوج بشئ لما قلنا والله أعلم بالصواب
* (باب الخيار في النكاح) *
(قال) وإذا تزوج الرجل امرأة واشترط فيه لأحدهما أو لهما خيار فالنكاح جائز والخيار
باطل عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى النكاح باطل فمنهم من جعل هذا بناء على مسألة نكاح
المكره فان اشتراط الخيار يعدم الرضا كالاكراه ومن أصلنا ان انعدام الرضا بسب الاكراه
لا يمنع صحة النكاح ولزومه وعنده يمنع فكذلك اشتراط الخيار ولكن هذا البناء على أصله غير
صحيح فان الاكراه عنده يفسد العقد والعبارة وخيار الشرط لا يفسد ولهذا لم يصحح الطلاق
94

والعتاق من المكره وصححهما مع اشتراط الخيار وحجته في المسألة ان اشتراط الخيار في
معنى التوقيت الا ترى ان ما يثبت فيه الخيار وهو البيع يتأخر حكم العقد وهو الملك إلى ما
بعد مضى المدة ويصير العقد في حق ملكه كالمضاف فكذلك هنا باشتراط الخيار يصير
النكاح مضافا وإضافة النكاح إلى وقت في المستقبل لا يجوز والتوقيت في النكاح يمنع صحة
النكح كما لو تزوجها شهرا وحجتنا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد
وهزلهن جد النكاح والطلاق والعتاق والهزل واشتراط الخيار سواء لان الهازل قاصد إلى
مباشرة السبب غير راض بحكمه بل أولى فان الهازل غير راض بالحكم أبدا وشارط الخيار
غير راص بالحكم في وقت مخصوص فإذا لم يمنع الهزل تمامه فاشتراط الخيار أولى والمعنى فيه أنه
قد لا يحتمل الفسخ بعد تمامه ولا يقبل خيار الشرط فاشتراط الخيار فيه لا يمنع تمامه
كالطلاق والعتاق بمال وهذا لان اشتراط الخيار لا يمنع انعقاد أصل السبب مطلقا وإنما
يعدم الرضا بلزومه كما في البيع ومن ضرورة انعقاد النكاح صحيحا اللزوم فاشتراط الخيار
فيه يكون شرطا فاسدا والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة ولا تتوقف صحته ولزومه
على تمام الرضا الا ترى ان تمام الرضا إنما يكون بعد الرؤية كما في البيع ثم عدم الرؤية لا يمنع صحة
النكاح ولزومه حتى لا يثبت فيه خيار الرؤية بخلاف الإضافة إلى وقت فإنه يمنع انعقاد السبب
في الحال ألا ترى أن مثله لا يصح في البيع بخلاف التوقيت فإنه يمنع انعقاد السبب فيما وراء
الوقت المنصوص عليه والنكاح لا يحتمل الانعقاد في وقت دون وقت فلهذا بطل بالتوقيت
(قال) ولا يرد الرجل امرأته عن عيب بها وان فحش عندنا ولكنه بالخيار ان شاء طلقها
وان شاء أمسكها وعند الشافعي رحمه الله تعالى يثبت له حق الرد بالعيوب الخمسة وهي الرتق
والقرن والجنون والجذام والبرص فإذا ردها انفسخ العقد ولا مهر لها إن لم يكن دخل بها
وإن كان دخل بها قبل العلم بالعيب فلها مهر مثلها ويرجع به على من زوجها منه وحجته
في ذلك ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني بياضة فلما خلا بها وجد
في كشحها بياضا فردها وقال دلستموني أو قال دلستم علي والرد متى ذكر عقيب العيب يكون
بطريق الفسخ وقال صلى الله عليه وسلم فر من المجذوم فرارك من الأسد وعن عمر رضي الله عنه
أنه أثبت الخيار للزوج بهذه العيوب والمعنى فيه أن النكاح عقد معاوضة يحتمل الفسخ
بأسباب فيثبت فيه حق الرد بعيب يخل بالمقصود كالبيع والمقصود بالنكاح طبعا قضاء الشهوة
95

وشرعا النسل وهذه العيوب تخل بهذا المقصود أما الرتق والقرن يفوته أصلا وأما الجنون
والجذام والبرص يخل به من حيث أن الطبع ينفر من صحبة مثلها وربما تعدى إلى الولد
بخلاف سائر العيوب من العمى والشلل فإنه لا يخل بالمقصود واحد العوضين في هذا العقد
وهو المهر عندكم يرد بالعيب الفاحش دون اليسير فكذلك العوض الآخر وكذلك المرأة
إذا وجدت زوجها عنينا أو مجبوبا يثبت لها الخيار ولا يثبت في سائر العيوب فكذا في حق
الزوج لأنهما في حكم هذا العقد سواء وإذا كان العيب الذي يخل بالمقصود في جانب الزوج
يثبت له الخيار دون الذي لا يخل بالمقصود فكذلك في جانبها والزوج وإن كان متمكنا من
الطلاق فهو محتاج إلى اثبات الخيار له ليسقط به المهر عن نفسه كما قلتم في الصغير إذا بلغ وقد
زوجه عمه يثبت له الخيار وإن كان متمكنا من الطلاق وحجتنا في ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه
لا ترد الحرة عن عيب وعن علي رضي الله عنه قال إذا وجد بامرأته شيئا من هذه
العيوب فالنكاح لازم له ان شاء طلق وان شاء أمسك وما روى عن عمر رضي الله عنه أنه
أثبت الخيار فالمراد خيار الطلاق وكذلك ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه ردها أي ردها
بالطلاق ألا ترى أنه قال ألحقي بأهلك وهذا من كنايات الطلاق والذي قال فر من المجذوم
فرارك من الأسد قلنا نحن نمكنه من الفرار ولكن بالطلاق والمعنى فيه أن الرد بالعيب
فسخ العقد بعد تمامه بلا خلل في ولاية المحل والنكاح لا يحتمل هذا النوع من الفسخ
ألا ترى أنه لا يحتمل الفسخ بالإقالة وهذا لان ملك النكاح ملك ضروري لا يظهر في
حق النقل إلى الغير ولا في حق الانتقال إلى الورثة وإنما أظهره الشرع في حق الطلاق
للتفصي عن عهدة النكاح عند عدم موافقة الأخلاق وهذا لا يقتضي ظهوره في حق الفسخ
بعد تمامه لأنه لا ضرورة فيه فكان في هذا الفسخ بمنزلة الاسقاطات كالطلاق والعتاق
بخلاف الفسخ بعدم الكفاءة أو بخيار البلوغ فإنه فسخ قبل تمامه لخلل في ولاية المحل فيكون
في معنى الامتناع من تمامه وكذلك الفسخ بخيار العتق فإنه امتناع من التزام زيادة الملك
على ما نبينه في موضعه إن شاء الله تعالى ولأن هذه العيوب لا تخل بموجب العقد وهو الحل
فلا يثبت خيار الفسخ كالعمى والشلل والزمانة فاما الاستيفاء ثمرة وفوات الثمرة لا يؤثر في
عقد النكاح الا ترى ان الاستيفاء يفوت بموت أحد الزوجين ولا يوجب ذلك انفساخ
النكاح حتى لا يسقط شئ من المهر وعيب الجنون والجذام فيما هو المقصود دون الموت
96

لان الاستيفاء هنا يتأتى ومقصود النسل يحصل وبه فارق البيع فان هناك فوات التسليم
قبل القبض يوجب انفساخ البيع فكذلك وجود العيب وكذلك أيضا هلاك المهر قبل التسليم
يثبت الرجوع بقيمته فوجود العيب الفاحش به كذلك بخلاف المنكوحة ولان وجود
العيب تأثيره في انعدام تمام الرضا به والنكاح لزومه لا يعتمد تمام الرضا كما بينا في الهزل
وعدم الرؤية بخلاف البيع وهذا بخلاف ما إذا وجدت المرأة زوجها مجبوبا أو عنينا لان هناك
لا يثبت لها خيار الفسخ عندنا وإنما يثبت لها حق المطالبة بالامساك بالمعروف وذلك في أن
يوفيها حقها في الجماع فإذا عجز عن ذلك تعين التسريح بالاحسان والتسريح طلاق وعندنا هنا
له أن يطلقها ثم المعني فيه أن هناك قد انسد عليها باب تحصيل المقصود لأنها لا تتوصل إلى
ذلك من جهة غيره ما دامت تحته وهو غير محتاج إليها فلو لم يثبت لها الخيار بقيت معلقة لا ذات
بعل ولا مطلقة فأثبتنا لها الخيار لإزالة ظلم التعليق وهذا لا يوجد في جانبه لأنه متمكن من
تحصيل مقصوده من جهة غيرها اما بملك اليمين أو بملك النكاح ومتمكن من التخلص منها
بالطلاق ولا معتبر بحاجته إلى التخلص من المهر كما لو ماتت قبل الدخول لا ينفسخ العقد مع قيام
حاجته إلى التخلص من المهر يوضح الفرق ان الزوج لو منع حقها في الجماع قصد إلى الاضرار
بها بالايلاء كان موجبا للفرقة فكذلك إذا تعذر عليه ايفاء حقها بالجب والعنة والمرأة لو منعت
حقه على قصد الاضرار لم يكن له به الخيار بذلك السبب فكذلك إذا تعذر عليه الاستيفاء
بالرتق أو القرن فأما المرأة إذا وجدت بالزوج عيب الجنون أو الجذام أو البرص فليس لها
أن ترده به في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وعلى قول محمد لها الخيار إذا كان
على حال لا تطيق المقام معه لأنه تعذر عليها الوصول إلى حقها لمعنى فيه فكان بمنزلة ما لو وجدته
مجبوبا أو عنينا ولكنا نقول بهذه العيوب لا ينسد عليها باب استيفاء المقصود إنما تقل رغبتها
فيه أو تتأذى بالصحبة والعشرة معه وذلك غير مثبت لها الخيار كما لو وجدته سئ الخلق أو
مقطوع اليدين أو الرجلين بخلاف الجب والعنة على ما قررنا يوضح الفرق أن الزوج هناك
ظالم في امساكها من غير حاجة إليها وللقاضي ولاية إزالة الظلم بالطلاق وهنا الزوج غير
ظالم في امساكها مع صدق حاجته إليها وذلك لا يثبت لها الخيار وكذلك أن اشتراط
أحدهما على صاحبه السلامة من العمى والشلل والزمانة فوجد بخلاف ذلك لا يثبت له
الخيار وكذلك لو شرط الجمال والبكارة فوجدها بخلاف ذلك لا يثبت له الخيار لان فوت
97

زيادة مشروطة بمنزلة العيب في اثبات الخيار كما في البيع وبهذا تبين أنه لا معتبر لتمام الرضا
في باب النكاح فإنه لو تزوجها بشرط أنها بكر شابة جميلة فوجدها ثيبا عجوزا شوهاء لها شق
مائل وعقل زائل ولعاب سائل فإنه لا يثبت له الخيار وقد انعدم الرضا منه بهذه الصفة
(قال) وإذا قال الرجل للمرأة بحضرة الشهود زوجيني نفسك فقالت قد فعلت جاز النكاح
ولو قال بعني هذا الثوب بكذا فقال فعلت لا يتم البيع ما لم يقل المشتري اشتريت أو قبلت وقد
بينا هذا فيما سبق وإنما أعاده هنا لايضاح الفرق بين البيع والنكاح وقد استكثر من
الشواهد لذلك ثم قال وهما في القياس سواء وهكذا ذكره أبو يوسف رحمه الله تعالى في
الأمالي قال إنما تركنا القياس في النكاح للسنة وهو ما حدثني أبو إسحاق الشيباني عن
الحكم أن بلالا رضي الله عنه خطب إلى قوم فأبوا أن يزوجوه فقال لولا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أمرني أن أخطب إليكم ما فعلت فقالوا قد ملكت فدل أن بهذه اللفظة
بعد الخطبة ينعقد النكاح ثم ذكر بعد حكم توقف النكاح على الإجازة ليبين أن ذلك لا
يشبه حكم الرد بالعيب لان من توقف العقد على حقه غير راض بأصل السبب فكان أصل
السبب في حقه كالمعدوم ما لم يجز واما عند اشتراط الخيار أو وجود العيب فقد ظهر السبب
في حقه وهو راض بأصل السبب حين باشره فلهذا تم العقد ثم بين في العقد الموقوف ان
الزوج إذا كان هو الولي ففي حق الزوج يتوقف على قبوله أو رده بكلام أو فعل يدل عليه
وفي حق المرأة إذا كانت ثيبا كذلك وإذا كانت بكرا فسكوتها رضاها لعلة الحياء وقد بيناه
وذكر ابن سماعة في نوادره عن محمد رحمهما الله تعالى أن البكر إذا زوجها وليان كل واحد
منهما من رجل فبلغها العقدان فان أجازت أحدهما جاز ذلك وان أجازتهما معا بطلا للمنافاة
بينهما ولو سكتت لم يكن سكوتها رضا منها بواحد منهما وروى علي بن صالح عن محمد رحمهما
الله تعالى ان سكوتها بمنزلة رضاها بالعقدين فيبطل العقدان جميعا والأصح رواية ابن سماعة
لأنه لا يمكن أن يجعل سكوتها رضا بأحد العقدين إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر ولا
رضي بهما لان السكوت إنما يقام مقام الرضا لتصحيح العقد وفى الرضا هنا بهما ابطالهما
فلهذا لا يعتبر سكوتها هنا رضى (قال) وإذا أعتقت الأمة ولها زوج قد كان زوجها المولى
منه أو تزوجته بإذن الولي فلها الخيار ان شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته لما روى أن
عائشة رضي الله عنها لما أعتقت بريرة قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ملكت بضعك
98

فاختاري وكان زوجها مغيث يمشي خلفها ويبكي وهي تأباه فقال النبي صلى الله عليه وسلم
لأصحابه رضي الله عنهم الا تعجبون من شدة حبه لها وبغضها له ثم قال لها اتقى الله فإنه
زوجك وأب ولدك فقالت أتأمرني فقال لا إنما انا شافع فقالت إذا لا حاجة بي إليه فاختارت
نفسها وكان المعني فيه أن ملك الزوج يزداد عليها بالعتق فان قبل العتق كان يملك عليها
تطليقتين ويملك مراجعتها في قرأين وعدتها حيضتان وذلك كله يزداد بالعتق وهي لا تتوصل
إلى رفع هذه الزيادة الا برفع أصل العقد فاثبت الشرع لها الخيار لهذا ولهذا لو اختارت
نفسها كان فسخا لا طلاقا بمنزلة الخيار الثابت لرفع أصل العقد وفي حق من توقف على
اجازته لا يكون طلاقا ولان سبب هذا الخيار معنى في جانبها وهو ملكها أمر نفسها
والفرقة متى كانت بسبب من جهة المرأة لا تكون طلاقا ويستوى إن كان الزوج حرا أو
عبدا عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى إن كان زوجها عبدا فلها الخيار وإن كان زوجها
حرا فلا خيار لها والرواة اختلفوا في زوج بريرة رضى الله تعالى عنها فروي أنه كان عبدا
وروى أنه كان حرا فأصحابنا رحمهم الله تعالى أولوا ما روى أنه كان عبدا أي عند أصل العقد
ولكنه كان حرا عند عتقها ولما تعارضت الروايات في صفة زوجها يجعل كأنه لم ينقل في ذلك
شئ فيبقى الاعتماد على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ملكت بضعك فاختاري وفي
هذا التعليل لا فرق بين أن يكون الزوج حرا أو عبدا والشافعي رحمه الله تعالى استدل بما
روى أنه كان لعائشة رضي الله عنها زوجان مملوكان فأرادت عتقهما وسألت رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن ذلك فأمرها بالبداءة بالغلام قال وإنما أمرها بذلك كيلا يثبت لها الخيار
ولكنا نقول أمرها بذلك لاظهار فضيلة الرجال على النساء فإنها لو أعتقتهما معا عنده لا يثبت
لها الخيار أيضا ومن طريق المعنى يقول بما اعترض تحقق المساواة بينهما فلا معنى لاثبات
الخيار كالكتابية تحت مسلم إذا أسلمت أو المعسرة إذا أيسرت والزوج موسر والمنفية
إذا أثبتت نسبها وللزوج نسب ثابت فلا خيار لها بخلاف ما إذا كان الزوج عبدا فان بما
اعترض هناك من حريتها يظهر التفاوت وتنعدم الكفاءة ولكنا نقول ثبوت الخيار لها
ليس لانعدام الكفاءة فان الكفاءة شرط لابتداء النكاح لا في البقاء ألا ترى أنه لو أعسر
الزوج أو انتفى نسبه لا يثبت الخيار ولكن ثبوت الخيار لزيادة ملك الزوج عليها وفي هذا
لا فرق عندنا بين أن يكون الزوج حرا أو عبدا وهذا لان الملك إنما يثبت بحسب الحل والحل
99

في جانبها يتنصف بالرق كما يتنصف الحل في جانبه بالرق فتزوج العبد امرأتين والحر أربعا وإذا
انتصف الحل برقها فإذا أعتقت ازداد الحل وبحسبته يزداد الملك على ما نبينه في بابه إن شاء الله
تعالى وعلى هذا لو كانت مكاتبة زوجت نفسها باذن مولاها ثم أدت فعتقت يثبت لها
الخيار لزيادة الملك عليها عندنا وعلى قول زفر رحمه الله تعالى لا يثبت الخيار هنا لان ثبوت
الخيار في الأمة لنفوذ العقد عليها بغير رضاها وسلامة المهر لمولاها وهذا غير موجود
هنا فان المهر لها والنكاح ما انعقد الا برضاها وكان ابن أبي ليلى يقول إن أعانها على أداء
بدل الكتابة لا خيار لها وإن لم يعنها فلها الخيار ولكن الصحيح الموافق لتعليل صاحب
الشرع ما بيناه (قال) ولو كانت حرة في أصل العقد ثم صارت أمة ثم عتقت بأن ارتدت
امرأة مع زوجها ولحقا بدار الحرب معا والعياذ بالله ثم سبيا معا فأعتقت الأمة فلها الخيار
عند أبي يوسف رحمه الله تعالى ولا خيار لها عند محمد رضى الله تعالى عنه لان بأصل
العقد يثبت عليها ملك كامل برضاها ثم انتقض الملك فإذا أعتقت عاد الملك إلى أصله كما كان
فلا يثبت الخيار لها وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول بالعتق ملكت أمر نفسها وازداد
ملك الزوج عليها وذلك مثبت الخيار لها شرعا ولما صارت أمة حقيقة التحقت بالتي كانت
أمة في الأصل في حكم النكاح فثبت لها الخيار بالعتق والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
واليه المرجع والمآب
* (باب العنين) *
(قال) رضي الله عنه بلغنا عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال يؤجل العنين
سنة فان وصل إلى امرأته فهي امرأته وإن لم يصل إليها فرق بينهما وجعلها تطليقة بائنة
وجعل لها المهر كاملا وعليها العدة وبهذا أخذ علماؤنا بخلاف ما يقوله بعض الناس انه لا خيار
لامرأة العنين أصلا لحديث امرأة رفاعة فإنها تزوجت بعبد الرحمن بن الزبير رضي الله عنه
فلم يصل إليها فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت إن رفاعة طلقني فأبت طلاقي وتزوجت
بعبد الرحمن بن الزبير فلم أجد منه الا مثل هدبة ثوبي تحكى ضعف حاله في باب النساء فلم
يخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت امرأة إلى علي رضي الله عنه فذكرت ان
زوجها لا يصل إليها فقال ولا وقت السحر فقالت ولا وقت السحر فقال هلكت وأهلكت
100

ما انا بمفرق بينكما ولأنه عاجز معذور فيكون منظرا بانظار الله تعالى ولكنا نستدل بحديث
عمر رضى عنه وقد روى مثله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وعن علي رضي الله عنه
انه فرق بين العنين وبين امرأته وأوجب عليه المهر كاملا والصحيح من الحديث
الذي رووا عن علي رضي الله عنه ان تلك المرأة قالت لم يكن ذلك منه الا مرة وفي هذا
لا يفرق بينهما عندنا وامرأة رفاعة بما ذكرت حكت صغر متاعه لا العنة وفي مثل هذا
عندنا لا تخير ثم هو معذور ولكنه في امساكها ظالم لأنه ينسد عليها باب قضاء الشهوة
بنكاحه ولا حاجة به إليها فوجب رفع الظلم عنها ولان مقصودها بالعقد قد فات لان
مقصودها ان تستعف به وتحصل به صفة الاحصان لنفسها وفوات المقصود بالعقد أصلا
يثبت للعاقد حق رفع العقد وهي تحتاج إلى تقرير مهرها أيضا وتمام ذلك بالاتفاق يحصل
بالدخول فإذا انسد عليها الباب يثبت لها الخيار إلا أن العجز قد يكون لآفة في أصل الخلقة
وقد يكون لعارض وإنما يتبين أحدهما عن الآخر بالمدة فلهذا يؤجل والأجل في هذا سنة
كما اتفق الصحابة رضي الله عنهم الأسى (1) وقد روى عن عبد الله بن نوفل رضي الله عنه
قال الاجل عشرة أشهر وإنما قدرنا بالسنة لان التأجيل لابلاء العذر والحول حسن في ذلك
قال قائلهم * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر * ولان العجز عن الوصول قد يكون
بعلة الرطوبة وإنما يعالج ذلك في فصل الحر واليبوسة من السنة وقد يكون لغلبة الحرارة
وإنما يعالج ذلك في فصل البرد وقد يكون لغلبة اليبوسة وإنما يعالج في فصل الرطوبة فقدرنا
الاجل بحول حتى يعالج نفسه فيوافقه العلاج في فصل من فصول السنة فيبرأ فإذا مضت
السنة ولم يصل إليها علم أن الآفة في أصل الخلقة ولهذا قالوا يقدر بسنة شمسية أخذا
بالاحتياط فربما تكون موافقة العلاج في الأيام التي يقع التفاوت فيها بين القمرية
والشمسية وابتداء التأجيل من وقت الخصومة حتى إذا صبرت مدة ثم خاصمت فان ادعى
الزوج أنه قد وصل إليها سألها القاضي أبكر هي أم ثيب فان قالت ثيب فالقول قول الزوج
لأن الظاهر من حال الفحل انه إذا خلا بأنثى نزى عليها وفي الدعاوى القول قول من يشهد
له الظاهر وان كانت بكرا أراها القاضي النساء فان البكارة لا يطلع عليها الرجال والمرأة
الواحدة تكفي لذلك والمثنى أحوط لان طمأنينة القلب إلى قول المثنى أكثر فان قلن انها
بكر فالقول قولها وكذلك أن أقر الزوج أنه لم يصل إليها ويؤجله القاضي سنة فيأمره أن
101

يعالج نفسه في هذه المدة هكذا قال علي رضي الله عنه أفيضوا عليه الدحج والعسل ليراجع
نفسه فان مضت السنة وادعى الزوج أنه وصل إليها فهو على ما بينا من البكارة والثيابة
فان أراها النساء فقلن هي بكر خيرها القاضي لان البكارة لا تبقى مع الوصول إليها فإذا
خيرها القاضي فاختارت الزوج أو قامت من مجلسها أو أقامها أعوان القاضي أو قام القاضي
قبل أن تختار شيئا بطل خيارها لان هذا بمنزلة تخيير الزوج امرأته وذلك يتوقت بالمجلس
فهذا مثله والتفريق كان لحقها فإذا رضيت بالاسقاط صريحا أو دلالة بتأخير الاختيار إلى
أن قامت أو أقيمت يسقط حقها فلا تطالب بعد ذلك بشئ وان اختارت الفرقة أمر القاضي
الزوج بأن يطلقها فان أبى فرق القاضي بينهما وكانت تطليقة بائنة عندنا وعند الشافعي يكون
فسخا بمنزلة الرد بالعيب كما هو مذهبه فأما عندنا لمستحق على الزوج أحد الشيئين اما الامساك
بالمعروف أو التسريح بالاحسان فإذا عجز عن أحدهما تعين الآخر فإذا امتنع منه ناب القاضي
منابه في التسريح والتسريح طلاق وقد روينا عن عمر رضى الله تعالى عنه انه جعلها تطليقة
بائنة وهذا لان المقصود بالرجعي لا يحصل فالمقصود إزالة ظلم التعليق وفي الرجعي يستبد
الزوج بالمراجعة مع أن حكم الرجعة مختص بعدة واجبة بعد حقيقة الدخول وذلك غير
موجود هنا وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في غير الأصول انها كما اختارت نفسها
تقع الفرقة بينهما اعتبارا بالمخيرة بتخيير الزوج أو بتخيير الشرع كالمعتقة ثم لها المهر كاملا عليه
لوجود التسليم المستحق بالعقد منها وعليها العدة لما استوفت كمال المهر به قضى عمر وعلي
رضي الله عنهم وقالا ما ذنبهن إذا جاء العجز من قبلكم وكما لا يسقط حقها بترك المرافعة
زمانا فكذلك لا يسقط حقها بتأخير الخصومة بعد مضى الاجل فان ذلك للاختبار منها
لا للرضا به والانسان لا يتمكن من الخصومة في كل وقت خصوصا في هذه الحالة إلا أنه لا
يحتسب على الزوج بما مضى من المدة قبل المرافعة لان الامر لم يكن مضيقا عليه قبل التأجيل
وربما كان امتناعه من صحبتها لغرض له في ذلك سوى العجز ولكن بعد التأجيل يترك
ذلك الغرض بما يلحقه من العار وضرر زوال ملكه فلهذا لا يحتسب بالمدة قبل التأجيل
ويحتسب عليه بزمان حيضها وشهر رمضان لان الصحابة رضي الله عنهم قدروا الاجل
بسنة مع علمهم انه لا يخلو عن ذلك عادة فان مرض الزوج في المدة أو مرضت مرضا
لا يستطاع جماعها فعن أبي يوسف رحمه الله تعالى روايتان في احدى الروايتين إذا كان
102

المرض أكثر من نصف الشهر لا يحتسب بمدة المرض على الزوج وإن كان دون ذلك
يحتسب عليه بالقياس على أيام شهر رمضان فإنه في النهار يمتنع عليه غشيانها ثم ذلك محسوب
عليه فعرفنا ان نصف الشهر وما دونه عفو وفي الرواية الأخرى قال إذا كانا صحيحين
في شئ من السنة ولو في يوم واحد يحتسب عليه بزمان المرض وعلى قول محمد رحمه الله تعالى
ان مرض أحدهما فيما دون الشهر يحتسب عليه بذلك وإن كان المرض شهرا لا يحتسب
ويزاد في مدته بقدر مدة المرض وان أحرمت بحجة الاسلام لا يحتسب على الزوج بتلك
المدة لأنه لا يقدر ان يحللها الا تري انها لو كانت محرمة حين خاصمت لم يؤجله القاضي حتى
تفرغ من الحج ولو خاصمت والزوج مظاهر منها فإن كان يقدر على العتق أجله وإن كان عاجزا
عن ذلك أمهله شهرين لأنه ممنوع عن غشيانها ما لم يكفر والعاجز عن العتق كفارته بالصوم
شهران فان ظاهر منها بعد التأجيل لم يلتفت القاضي إلى ذلك واحتسب عليه تلك المدة لأنه
كان متمكنا من أن لا يظاهر منها وكذلك أن كان يصل إلى غيرها من النساء أو جواريه
ولا يصل إليها خيرها القاضي لان التخيير لرفع الضرر عنها ولا يحصل ذلك بوصوله إلى غيرها
بل تزداد به غيظا ولو كان غشيها مرة واحدة ثم انقطع بعد ذلك فلا خيار لها لان ما هو
مقصودها من تأكد البدل أو ثبوت صفة الاحصان قد حصل لها بالمرة (قال) ولو
وجدته مجبوبا خيرها القاضي في الحال لان التأجيل في العنين لرجاء الوصول إليها وذلك
في المجبوب لا يوجد فالمقطوع من الآلة لا ينبت فلهذا فرق بينهما في الحال وإن كان قد خلا
بها فلها المهر كاملا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولها نصف المهر في قولهما لان التيقن
بعدم الوصول إليها موجود هنا وعذر الجب في الزوج أبين من عذر المرض فإذا كان
مرضه يمنع صحة الخلوة فكونه مجبوبا أولى بخلاف العنين فان ذلك باطن لا يوقف على حقيقته
وهذا ظاهر يشاهد فيجب اعتباره في الحكم وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول هي أتت
بالتسليم المستحق عليها بالعقد وحقها في البدل يتقرر بذلك وهذا لأن العقد ما انعقد لاستحقاق
المجامعة به فإنه لا كون له وإنما انعقد لما وراء ذلك وقد أتت به فيتقرر حقها ثم يجب عليها العدة
اما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يشكل لأنه قد تقرر جميع المهر واما عندهما تجب
العدة استحسانا وأشار في كتاب الطلاق إلا أنه لا تجب العدة عندهما وإنما اختلف الجواب
لاختلاف الموضوع فحيث قال لا تجب العدة أراد في مجبوب قد جف ماؤه فيكون هذا
103

بمنزلة الصبي لا تعتبر خلوته في ايجاب العدة وحيث قال تجب العدة أراد في مجبوب له ماء
يسحق فينزل فتجب العدة احتياطا وإن لم يكن دخل بها أو خلا بها فلها نصف المهر ولا عدة
عليها ثم بعد ما فرق القاضي بينهما في الموضع الذي وجبت عليها العدة إذا جاءت بولد إلى
سنتين يثبت النسب منه ولا تبطل تلك الفرقة لان ثبوت النسب باعتبار الانزال بالسحق
وذلك غير مبطل حقها بخلاف العنين إذا فرق القاضي بينهما وهو يدعى الوصول إليها ثم
جاءت بولد لأقل من سنتين يثبت النسب ويبطل التفريق لأنا حين حكمنا بثبوت النسب
فقد حكمنا بوصوله إليها وكذلك لو شهد شاهدان بعد التفريق على اقرارها بالوصول إليها قبل
التفريق بطل تفريق القاضي بينهما كما لو عرف القاضي اقرارها في ذلك الوقت بخلاف ما إذا
أقرت بعد التفريق أنه كان وصل إليها فان قولها في إبطال التفريق ورفع الطلاق الواقع غير
مقبول لكونها متهمة في ذلك والخصي بمنزلة العنين لان رجاء الوصول في حقه موجود لبقاء
الآلة ولو تزوجت واحدا من هؤلاء وهي تعلم بحاله فلا خيار لها فيه لأنه صارت راضية به
حين أقدمت على العقد مع علمها بحاله ولو رضيت به بعد العقد بأن قالت رضيت سقط خيارها
فكذلك إذا كان عالمة به ولا فرق في قولها رضيت بالمقام معه بين أن يكون عند
السلطان أو غيره لأنه اسقاط لحقها (قال) وليس يكون أجل العنين إلا عند قاضي مصر
أو مدينة يجوز قضاؤه ولا يجوز عند من هو دون هؤلاء ومراده بهذا الإشارة إلى الفرق
بين خيار المعتقة والعنين فان ذلك لا يختص بمجلس الحكم وهو من جهتها فلم يكن طلاقا
وهذا يختص بمجلس الحكم وهو لمعنى من الزوج فلهذا كان طلاقا وقد تبين بهذا اللفظ ان
المصر شرط لجواز القضاء فإنه لا يجوز القضاء في غير المصر بمنزلة إقامة الجمعة انه يختص
بالمصر (قال) ولو تزوج امرأة فوصل إليها ثم فارقها ثم تزوجها بنكاح جديد ولم يصل
إليها يؤجل كما يؤجل العنين لان النكاح الثاني غير النكاح الأول فلا يعتبر الوصول في
النكاح الأول فيما يستحق في النكاح الثاني (قال) والخنثى إذا كان يبول من مبال الرجال
فهو رجل يجوز له ان يتزوج امرأة فإن لم يصل إليها أجل كما يؤجل العنين لان رجاء الوصول
قائم فإن كان يبول من مبال النساء فهو امرأة فإذا تزوجت رجلا لم يعلم بحالها ثم علم بذلك بعده
فلا خيار للزوج لان الطلاق في يده وهو نظير الرتقاء وقد بيناه (قال) ولو كانت المرأة رتقاء
والزوج عنينا لم يكن لها ان تخاصمه لأنه لا حق لها في المطالبة بالجماع مع قيام المانع فيها وذكر
104

في اختلاف زفر ويعقوب إذا زوج أمته فوجدته عنينا ان الخصومة في ذلك إلى المولى في قول
أبى يوسف رحمه الله تعالى وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان المهر واجب له فهو
محتاج إلى أن يؤكد حقه ولان النسل يكون ملكا له وبكونه عنينا يفوت ذلك وعلى قول
زفر رحمه الله تعالى الخيار لها لان المقصود بالوطئ قضاء الشهوة وذلك يحصل لها دون المولى
فكان حق المرافعة إليها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب نكاح الشغار) *
(قال) رضي الله عنه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهي عن نكاح الشغار
وأصل الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام والشغار
أن يقول الرجل للرجل أزوجك أختي على أن تزوجني أختك على أن يكون مهر كل واحدة
منهما نكاح الأخرى أو قالا ذلك في ابنتيهما أو أمتيهما ثم النكح بهذه الصفة يجوز عندنا
ولكل واحدة منهما مهر مثلها وعند الشافعي رضي الله عنه النكاح باطل لنهيه صلى الله عليه
وسلم عن نكاح الشغار والنهى يقتضى فساد المنهى عنه ولأنه شرط الاشراك في بضع كل
واحدة منهما حين جعل النصف منه صداقا والنصف منكوحة وملك النكاح لا يحتمل
الاشتراك فالاشتراك به يكون مبطلا كما إذا زوجت المرأة نفسها من رجلين وحجتنا في ذلك
أنه سمى بمقابلة بضع كل واحدة منهما ما لا يصلح أن يكون صداقا فكأنه تزوجها على خمر
أو خنزير وهذا لأنه لما لم يكن في البضع صلاحية كونه صداقا لم يتحقق الاشراك فبقي هذا
شرطا فاسدا والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة كما لو شرط أن يهبها لغيره أو نحوه بخلاف
ما إذا زوجت المرأة نفسها من رجلين لأنها تصلح منكوحة لكل واحد منهما فيتحقق
معنى الاشراك واستدلاله بالنهي باطل لان النهي للخلو عن المهر هكذا قال ابن عمر رضي الله عنه
ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تزوج المرأة بالمرأة من غير مهر لكل واحدة
منهما وهذا لان الشغار هو الخلو في اللغة يقال شغر الكلب إذا رفع احدى رجليه ليبول وبلدة
شاغرة إذا كانت خالية من السلطان وإنما أراد به أن لا تخلو المرأة بالنكاح عن المهر وبه نقول
وان سمى لكل واحدة من المرأتين مهرا فلكل واحدة منهما ما سمي من المهر واشتراط أحد
العقدين في الآخر غير مؤثر هنا لأنه شرط فاسد والنكاح لا يبطل بمثله * (قال) * وإذا جعل
105

مهر امرأته طلاق أخرى كان النكاح جائزا بمهر مثلها ولم يكن الطلاق مهرا وكذلك أن
جعل القصاص مهرا فقد وقع العفو ولها مهر مثلها عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى كلما
يجوز أخذ العوض عنه بالشرط يصلح أن يكون مهرا لان المقصود تحقق المعاوضة وأصل
المسألة في تعليم القرآن فان عنده تعليم القرآن يصلح أن يكون صداقا للحديث الذي روينا في
قوله زوجتكها بما معك من القرآن ولكنا نقول اشتراط صفة المالية في الصداق ثابت بالنص
وهو قوله تعالى ان تبتغوا بأموالكم وطلاق الضرة والعفو عن القصاص ليس بمال وكذلك
تعليم القرآن وتأويل الحديث بحرمة ما معك من القرآن وعلى هذا الأصل قلنا إذا أعتق أمته
على أن يتزوجها ويكون العتق صداقا لها فزوجت نفسها منه فلها مثلها لان الاعتاق
ابطال للرق فلا يصلح أن يكون صداقا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى وقد روى عن أبي
يوسف رحمه الله تعالى انه جوز ذلك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية بنت
حي رضي الله عنها وتزوجها وجعل عتقها صداقا لها ولكنا نقول قد روى أنه تزوجها بمهر
جديد ولو ثبت ذلك فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوصا بالنكاح بغير مهر
وعلى هذا لو تزوجها على أن يخدمها سنة فإن كان الزوج عبدا صحت التسمية لتضمنها تسليم
المال إليها فان رقبة العبد مال وإن كان الزوج حرا لم تصح التسمية هكذا ذكر في الجامع
الصغير ونحوه وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى انه إذا تزوجها على أن يرعى غنمها سنة
يجوز استدلالا بقصة موسى مع شعيب عليهما السلام فمن أصحابنا من فرق بينهما فقال هي
مأمورة بان تعظمه وتراعى حقه وذلك ينعدم باستخدامها إياه فلهذا لم يجز أن يكون خدمتها
صداقا وذلك لا يوجد في عمل الرعي الا ترى ان الابن لا يستأجر أباه للخدمة ويستأجره
لعمل آخر والأصح ان في الفصلين روايتين في احدى الروايتين لا تصح التسمية لان المنفعة
ليست بمال واشتراطها من الحر لا يتضمن تسليم المال إليها وفي الرواية الأخرى تصح التسمية
لان المنفعة تأخذ حكم المالية عند العقد ولهذا لا يثبت الحيوان دينا في الذمة بمقابلتها فإذا
لم تصح تسمية الخدمة فعلى قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى لها مهر مثلها
لأنه سمي مالا يصلح أن يكون صداقا لها فهو كتسمية الخمر وعند محمد رحمه الله تعالى لها
قيمة خدمته لان الخدمة متقومة عند العقد وإن لم تكن مالا فإذا تعذر سلامتها لها تجب
قيمتها كما لو تزوجها على عبد فاستحق ثم قد بينا الفرق بينهما إذا تزوج المرأة على طلاق ضرتها
106

وبين ما إذا تزوجها على أن يطلق ضرتها في حكم وقوع الطلاق على الضرة فكذا إذا تزوجها
على القصاص حصل العفو بنفس العقد وإذا تزوجها على أن يعفو عن القصاص لم يسقط
القصاص الا بمباشرة العفو ولا يجبر على ذلك وكذلك إذا تزوجها على عتق أبيها عتق الأب
بنفس العقد بخلاف ما إذا تزوجها على أن يعتق أباها ولها مهر مثلها لان ما سمى صداقا من
عتق الأب ليس بمال بخلاف ما إذا تزوجها على عتق أبيها عنها لأنه يتضمن تمليك رقبة الأب
منها فان العتق عنها لا يكون الا بهذا الشرط ورقبة الأب مال يصلح أن يكون صداقا لها
وإذا زوج ابنته من رجل على مهر مسمى على أنه يزوجه الآخر ابنته على مهر مسمى فان
زوجه فلكل واحدة منهما ما سمى لها من المهر وإن لم يزوجه الآخر كان للمزوجة تمام مهر
مثلها لان رضاها بدون مهر المثل باعتبار منفعة مشروطة لأبيها ومنفعة أبيها كمنفعتها ولو شرط
لها من المسمى منفعة كان لها مهر مثلها كذا هنا والله أعلم بالصواب
* (باب نكاح الأكفاء) *
(قال) رضي الله عنه قد قدمنا بيان ما هو مقصود هذا الباب وهو اعتبار الكفاءة في النكاح
وصحة عقد النكاح من كف ء بمهر مثلها بمباشرتها أو بمباشرة غيرها برضاها بغير ولى واستدل
على ذلك بآثار رويت فمنه حديث جعفر رضي الله عنه ان النبي صلى الله وسلم تزوج أم حبيبة
بنت أبي سفيان وكان الذي ولى عقد النكاح النجاشي ومهرها عنه أربعمائة دينار ومنه حديث
عائشة رضي الله عنها انها زوجت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر من المنذر بن الزبير
رضي الله عنه وعبد الرحمن غائب فقال أمثلي يفتات عليه في بناته فقالت عائشة رضي الله عنه
ا أو ترغب عن المنذر لتملكن أمرها عبد الرحمن فملكها فقال ما بي رغبة عنه ومنه
حديث عبد الرحمن بن مروان رضي الله عنه قال زوجت امرأة معنا في الدار ابنتيها فجاء
أولياؤها فخاصموها إلى علي رضي الله عنه فأجاز النكاح ومنه حديث بحرية بنت هانئ
قالت زوجت نفسي من القعقاع ابن شور فخاصم أبى إلى علي رضي الله عنه فأجاز النكاح
ولكن الحجة بهذه الآثار على الشافعي رضي الله عنه حيث يقول لا ينعقد النكاح بعبارة
النساء فأما على قول محمد رحمه الله تعالى لا تقوى الحجة ببعض هذه الآثار فإنه يقول في
حديث النجاشي انه كان هو الولي لأنها كانت مسلمة في ولايته فان أم حبيبة رضى الله تعالى
107

عنها من جملة من هاجر إلى الحبشة ولان عقد عائشة رضى الله تعالى عنها كان موقوفا على
إجازة عبد الرحمن وكذلك ما أجازه علي رضى الله تعالى عنه إنما أجازه بولاية السلطنة ثم
استكثر من الشواهد في جواز تزوج المرأة نفسها من كف ء فمن ذلك أن الولي لو عضلها
فخاصمته إلى السلطان فإنه يحق على السلطان أن يأمر الولي بذلك وان أبى أن يزوجها
السلطان فإذا صنعت هي بنفسها كيف تحكم ببطلان ما صنعت وكذلك لو أن رجلا أعتق
أم ولده ولها ولد ثم تزوجها من غير أن يعلم ولدها منه أما كان يجوز هذا النكاح باعتبار
ان الولي هذا الولد أرأيت لو أن امرأة أعتقت أباها وهو معتوه فزوجته أما كان يجوز
هذا فإذا كانت تملك أن تزوج أباها فكيف لا تملك أن تزوج نفسها واستكثر من هذا
الجنس من الشواهد وقد ذكر في اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى ان ابن أبي ليلى قال لا
يجوز ذلك وان أبا يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قالا لا يجوز ذلك حتى يجيزه القاضي أو
الولي وقد تقدم بيان ما فيه من اختلاف الروايات عنهما والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
واليه المرجع والمآب
* (باب نكاح الإماء والعبيد) *
(قال) رضي الله عنه وللرجل الحر إذا لم يكن تحته حرة أن يتزوج أربعا من الإماء عندنا
وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه ليس للحر أن يتزوج الا أمة واحدة والخلاف بيننا وبينه
في فصول (أحدها) أن الحر إذا لم يكن تحته حرة ولكنه قادر على طول الحرة عندنا له أن
يتزوج الأمة والأولى أن لا يفعله وعنده ليس له أن يتزوج أمة لقوله تعالى ومن لم يستطع
منكم طولا الآية إلى قوله تعالى ذلك لمن خشي العنت منكم فالله تعالى شرط لجواز نكاح الأمة
عدم طول الحرة والتعليق بالشرط يقتضى الفصل بين الوجود والعدم ثم بين أن نكاح الأمة
للحر لضرورة خوف الزنا على نفسه وذلك أنما يكون عند عدم طول الحرة والمعنى فيه أن في
تزوج الحر الأمة تعريض ولده للرق لان الولد جزء منه وهو تابع للأم في الرق وكما لا يجوز
له أن يعرض نفسه للرق لا يجوز له أن يعرض ولده للرق من غير ضرورة ولهذا المعنى
لا يجوز نكاح الأمة إذا كان تحته حرة فكذلك إذا كان قادرا على طول الحرة ولا يبعد أن
يمتنع النكاح عليه لحق الولد ألا ترى أنه لا يتزوج المعتدة من الغير لما فيه من اشتباه نسب
108

الولد ولان نكاح الأمة بدل في حق الحر لان عقد النكاح عقد ازدواج وهو ينبنى على
المساواة في الأصل ولا مساواة بين الحر والأمة فكان نكاح الأمة في معنى البدل فكما أن
وجود الأصل يمنع العدول إلى البدل فكذلك القدرة على تحصيله كالتيمم فان وجود الماء كما
يمنع التيمم فالقدرة على تحصيله بالشراء تمنع وحجتنا في ذلك قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم
من النساء فإذا استطاب نكاح الأمة جاز له ذلك بظاهر الآية والمعنى فيه أن النكاح يختص
بمحل الحل والأمة من جملة المحلات في حق الحر كالحر فيكون جواز نكاحها أصلا لا بدلا
ولا ضرورة والدليل على أنها محللة له أنها بملك اليمين؟ محللة؟ له ولا يحل بملك اليمين الا ما يحل
بملك النكاح وانها محللة للعبد أصلا بالاتفاق فكذلك؟ للحر؟ أولى لان الحل في حق الحر
أوسع منه في حق العبد حتى لا يثبت الحل للعبد بملك اليمين ويثبت للحر وهذا لان الأنثى من
بنات آدم في أصل الخلقة تحل للذكور لان المقصود حصول النسل وذلك يتحقق بين
الذكور والإناث ثم الحرمة بعد ذلك بمعاني نص عليها الشرع من الأمية والأختية ونحوهما
فإذا انعدمت هذه المعاني كان الحل ثابتا باعتبار الأصل ولا معنى لاعتبار تعريض الولد للرق
أيضا فان نكاح العقيم والعجوز يجوز وفيه تضييع النسل أصلا فلان يجوز نكاح الأمة
وإن كان فيه تضييع صفة الحرية للنسل أولى وكذلك أن تزوج أمة ثم قدر على طول الحرة
أو تزوج حرة كان له ان يطأ الأمة بالنكاح بعد ذلك وفي هذا تعريض ولده للرق فبهذا
تبين ان اعتماده على هذا المعنى لا يصح وكذلك دعواه ان الأمة في حكم البدل فاسد فإنها
لو كانت بدلا لم يبق النكاح بينه وبينها بعد وجود الأصل كما لا يبقى حكم التيمم بعد وجود
الماء فاما إذا كانت تحته حرة فمن أصحابنا من يقول حرمة نكاح الأمة في هذه الحالة بالنص
بخلاف القياس على ما قال صلى الله عليه وسلم لا تنكح الأمة على الحرة الا ترى ان
الحرة لو كانت صغيرة أو غائبة لم يجز له ان يتزوج الأمة وإن كان هو لا يستغنى بنكاحها عن
الأمة ويخاف الوقوع في الزنا فعرفنا ان المانع هناك عين نكاح الحرة لا الاستغناء بنكاحها
وكان الكرخي رحمه الله تعالى يقول بنكاح الحرة يثبت لنسله حق الحرية فهو يتزوج الأمة
يبطل الحق الثابت وحق الحرية لا يجوز ابطاله بعد ثبوته فاما بطول الحرة لا يثبت حق الحرية
لولده ومنهم من يقول إن الأمة ليست من جملة المحلات بالنكاح مضمومة إلى الحرة وهي
من جملة المحلات منفردة عن الحرة لان الحل الذي ينبنى عليه عقد النكاح نعمة في جانب الرجال
109

والنساء فكما يتنصف ذلك الحل برق الرجل حتى يتزوج العبد اثنتين والحر أربعا فكذلك
يتنصف برق المرأة ولا يمكن إظهار هذا التنصيف في جانبها بنقصان العدد لأن المرأة
الواحدة لا تحل الا لواحد فظهر التنصيف باعتبار الحالة فاما أن يقول الأحوال ثلاثة حال
ما قبل نكاح الحرة وحال ما بعده وحال المقارنة ولكن الحالة الواحدة لا تحتمل التجزء
فتغلب الحرمة على الحل فتجعل محللة سابقة على الحرة ومحرمة مقترنة بالحرة أو متأخرة
عنها أو في الحقيقة حالتان حالة الانضمام إلى الحرة وحالة الانفراد عنها فتجعل محللة منفردة
عن الحرة ومحرمة مضمونة إلى الحرة فإذا كانت تحته حرة فهو بنكاح الأمة يضمها إلى
الحرة فلهذا لا يصح فاما مع طول الحرة فهو بنكاح الأمة لا يضمها إلى الحرة فلهذا جاز
نكاحها فأما الآية فقد نقل عن ابن عباس رضي الله عنه إلى المراد حال وجود نكاح الحرة
وبه نقول على أن من أصلنا ان التعليق بالشرط يقتضى وجود الحكم عند وجود الشرط
ولكن لا يوجب انعدام الحكم عند انعدام الشرط لجواز أن يكون الحكم ثابتا قبل وجود
الشرط لعلة أخرى وعلى هذا الأصل قال علماؤنا رحمهم الله تعالى يجوز للحر ان يتزوج أربعا
من الإماء كما يجوز له أن يتزوج أربعا من الحرائر وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى ليس
للحر ان يتزوج الا أمة واحدة لأن جواز نكاح الأمة للحر عنده لأجل الضرورة وهذه
الضرورة ترتفع بالواحدة فلا يجوز له أن يتزوج أكثر منها كتناول الميتة لما كان حلها
لأجل الضرورة لم يجز الا بقدر ما يسد به رمقه وعندنا نكاح الأمة للحر مباح مطلقا
كنكاح الحرة فيجوز له ان يتزوج أربعا من الحرائر وعلى هذا يستوى عندنا ان كن مسلمات
أو كتابيات وعند الشافعي رضي الله عنه لا يجوز نكاح الأمة الكتابية للمسلمين لان الضرورة
ترتفع عنه بنكاح الأمة المسلمة فلا يجوز له نكاح الأمة الكتابية أصلا فان الكتابية تكون
في ملك الكافر عادة وتعريض ولده لرق المسلم أهون من تعريضه لرق الكافر واستدل
بقوله تعالى والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب معناه من الحرائر فلما جوز نكاح الكتابية
بشرط أن تكون حره فإذا كانت أمة لم تدخل تحت النص وإنما دخلت تحت قوله
ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولان كفرها يغلظ ببعض آثاره وهو الرق فلا يجوز
نكاحها أصلا كالمجوسية وحجتنا في ذلك ما بينا ان الأمة الكتابية محللة للمسلم بملك اليمين
فكذلك بملك النكاح كالمسلمة وهذا لان ما لا يحل بملك النكاح لا يحل بملك اليمين
110

كالمجوسية والدليل عليه أن الشرع سوى بين حكم النكاح والذبيحة ثم في حق حل الذبيحة
الكتابية كالمسلمة أمة كانت أو حرة فكذلك في حكم النكاح وأما الآية فقد قيل إن المراد
من قوله والمحصنات العفائف من أهل الكتاب فتتناول الأمة كالحرة ولئن كان المراد
الحرائر فإباحة نكاح الحرائر من أهل الكتاب لا يكون دليلا علي حرمة نكاح الإماء ولكن
هذا لبيان الأولى واسم المشركة لا يتناول الكتابية لاختصاصها باسم آخر ألا ترى أن الله تعالى
عطف المشركين على أهل الكتاب بقوله لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين
الآية (قال) ولو تزوج أمة بغير إذن مولاها ثم تزوج حرة ثم أجاز مولى الأمة لم يجز لان
ثبوت ملك الحل عند الإجازة وعند الإجازة الحرة تحته فبهذه الإجازة يحصل ضم الأمة
إلى الحرة وهي ليست من المحللات مضمومة إلى الحرة ولأنه اعترض بعد العقد قبل
الإجازة ما يمنع ابتداء العقد فيمنع الإجازة كما لو تزوج امرأة نكاحا موقوفا ثم تزوج أختها
ثم إن الأولى أجازت لم يجز أرأيت لو تزوج أم هذه الأمة أو ابنتها وهي حرة قبل إجازة
مولاها ثم أجاز المولى أكان يجوز قال لا يجوز بشئ من ذلك لما ذكرنا (قال) وإذا تزوج
أمة بغير إذن مولاها ثم أعتقها المولى ولم يعلم بالنكاح فان هذا العتق امضاء للنكاح وإجازة له
لان الأمة مخاطبة وإنما امتنع نفوذ عقدها لحق المولى فإذا سقط حق المولى نفذ العقد
وكان نفوذ هذا العقد من جهتها لا من جهة المولى وما قال إنه امضاء وإجازة توسع في الكلام
فأما نفوذ العقد من جهتها ولهذا لا يثبت لها خيار العتق كما لو زوجت نفسها بعد العتق
لان خيار العتق إنما يثبت إذا ازداد الملك عليها بالعتق ولا يتحقق ذلك إذا كان نفوذ العقد
ابتداء بعد العتق ولهذا كان المهر لها إن لم يكن دخل بها قبل العتق لان الملك إنما يثبت
عليها فما يقابله من البدل يكون لها وعن زفر رحمه الله تعالى أنه قال يبطل النكاح لان
توقفه كان على إجازة المولى فلا ينفذ من جهة غيره ولا يمكن ابقاؤه موقوفا على اجازته
لسقوط حقه بالعتق فتعين فيه جهة البطلان كما لو باع مال الغير ثم إن المالك باعه من انسان
آخر بطل به البيع الأول ولكنا نقول ما توقف هذا العقد على إجازة المولى وإنما امتنع نفوذه
لقيام حق المولى وقد سقط حق المولى بالعتق بعد العقد لزوال المانع من النفوذ وهذا بخلاف
ما إذا أذن لها المولى في النكاح فإنه لا ينفذ ذلك العقد ما لم يجز لان بالاذن لم يسقط حق المولى
فلا بد من إجازة المولى أو إجازة من قام مقامه فاما بالعتق هنا سقط حق المولى وهذا بخلاف
111

ما إذا اشترت شيئا ثم أعتقها المولى فإنه يبطل الشراء لان ذلك الشراء انعقد موجبا الملك للمولى
فلو نفذ بعد عتقها كان موجبا الملك لها وذلك لا يجوز فاما هنا النكاح انعقد موجب الحل
لها وبعد العتق إنما ينفذ بهذه الصفة ولو لم يعتقها ولكنه مات فورثها ابنه فإن كانت تحل
للابن بأن لم يمسها الأب بطل النكاح وليس للابن أن يجيزه لأنه طرأ حل نافذ على الحل
الموقوف فيكون مبطلا لذلك الموقوف كما إذا طرأ ملك نافذ على ملك موقوف بأن باع
ملك الغير ثم اشتراه من المالك بطل ذلك العقد ولا يملك الإجازة بعد وهذا لان بين
الملكين والحلين في المحل منافاة فنفوذ أحدهما في المحل يكون مبطلا للآخر وان كانت ممن
لا يحل للابن فأجاز الابن ذلك النكاح جاز عندنا لأنه قائم مقام الأب في هذه الإجازة
ولم يوجد المنافي وهو طريان الحل النافذ على الحل الموقوف ولا يجوز عند زفر لأنه إنما
توقف على إجازة الأب فلا ينفذ بإجازة غيره وكذلك لو باعها المولى أو وهبها أو سلمها فإن كان
ت تحل للمشترى والموهوب له لم ينفذ ذلك العقد بإجازتهما وان كانت لا تحل لهما نفذ
العقد بإجازتهما عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى ولو كانت تحل لمن ملكها فدخل بها الزوج
بعد ما ملكها وقد أجاز ما ملكها النكاح أو لم يجز كان عليه الأقل من مهر مثلها ومما سمى لها
في النكاح قبل انتقال المالك لان الدخول حصل بشبهة النكاح فسقط الحد ويجب الأقل
من المسمى ومن مهر المثل ويكون ذلك لمالكها يوم وطئها لأنه إنما وجب بدلا عن المستوفى
بالوطئ والمستوفى بالوطئ مملوك للثاني فكان البدل له ولو كان قد جامعها في ملك الأول ثم
أجاز النكاح الآخر فإنه يجعل عليه مهر واحد للأول لان الدخول بها في الملك
الأول حصل بشبهة النكاح فيجب المهر بمقابلة المستوفى منها وذلك المستوفى مملوك للأول
فكان المهر له ثم ذكر أن النكاح لا ينفذ بإجازة الثاني هنا لأنه قد فسد حين ملكها ومن
أصحابنا من يقول هذا غلط لأنه لما دخل بها الزوج في ملك الأول وجب عليها العدة
والمعتدة لا تحل لغير المعتد منه فهي لم تصر محللة للمالك الثاني فلا يفسد النكاح الموقوف فإذا
أجازه كان صحيحا ولكنا نقول ما ذكره في الكتاب صحيح لان وجوب العدة إنما يكون بعد
التفريق بينهما فأما قبل التفريق فهي ليست بمعتدة فاعتراض الملك الثاني يبطل المالك
الموقوف وإن كان هو ممنوعا من غشيانها وجعل هذا قياس المنع بسبب الاستبراء وذلك
لا يمنع بطلان النكاح الموقوف فهذا مثله (قال) ولو كان دخل بها في ملك الأول ثم
112

أعتقها جاز النكاح وفي القياس عليه مهران مهر للمولى بالدخول بشبهة النكاح قبل العتق
ومهر لها لنفوذ العقد لان ملك الحل إنما يثبت بعد العتق فلا يجوز اثباته
بغير مهر ولكنه استحسن فقال لا يجب الا مهر واحد للمولى لان وجوب المهر بالدخول إنما
يكون باعتبار العقد ألا ترى أنه لو لم يسبق لا يجب المهر والعقد الواحد لا يوجب
الا مهرا واحدا وإذا وجب به المهر للمولى لا يجب لها به مهرا آخر توضيحه أن الإجازة وان
كانت بعد العتق فحكمها يستند إلى أصل العقد ألا ترى أن الشهود يشترط عند
العقد لا عند الإجازة وشرط الشهود اختص بملك الحل كشرط المهر فكما أن وجود
الشهود عند العقد يغني عن اعتباره عند الإجازة فكذا وجوب المهر للمولى عند العقد يغني
عن اعتبار مهر آخر لها عند الإجازة ولو لم يعتقها ولكنه أجاز النكاح جعل اجازته في
الانتهاء كالاذن في الابتداء ولو كان أذن لها في النكاح جاز عقدها ويشترط حضرة
الشهود عند العقد لا عند الاذن فكذلك إذا أجازه في الانتهاء إنما يشترط حضرة الشهود
عند العقد لا عند الإجازة (قال) وللمولى أن يكره أمته أو عبده على النكاح أما الأمة
فلان بضعها مملوك للمولى فهو إنما يعقد على ملك نفسه بتزويجها وله ولاية العقد على ملك
نفسه بغير رضاها كما لو باعها والدليل عليه أن البدل يجب للمولى والنفقة تسقط عن المولى
فهو فيما صنع عمل لنفسه وأما العبد فللمولى أن يزوجه من غير رضاه عندنا وليس له
ذلك عند الشافعي رحمه الله تعالى لان ما تناوله النكاح من العبد غير مملوك للمولى عليه فهو
في تزويجه متصرف فيما لا يملكه فلا يستبد به وهذا لان المولى فيما لا يملكه من عبده
كأجنبي آخر ألا ترى أنه لا يملك الاقرار عليه بالقصاص لان دمه غير مملوك له ولا يملك
أن يطلق امرأة العبد لأنها غير مملوكة للمولى فكذلك لا يملك تزويجه لان محل هذا العقد
غير مملوك له توضيحه أن تزويجه بغير رضاه لا يفيد مقصود النكاح لان الطلاق بيد العبد
فيطلقها من ساعته ولكنا نستدل بقوله تعالى ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ
فإنما عقد المولى على شئ لا يقدر العبد عليه ولأنه مملوكه على الاطلاق فيملك نكاحه بغير
رضاه كالأمة وهذا لان في الأمة إنما يملك المولى العقد عليها لملكه رقبتها لا لملكه ما يملك
بالنكاح فان ولاية التزويج لا تستدعى ملك ما يملك بالنكاح ولا يثبت باعتباره الا ترى
ان الولي يزوج الصغيرة وهو لا يملك عليها ما يملك بالنكاح فثبت ان في حق الأمة إنما
113

يملك تزويجها بملكه رقبتها لا بملكه عليها ما يملك بالنكاح وهذا موجود في جانب العبد
بل أولى لان في تزويج الأمة ينظر لنفسه وفي تزويج العبد إنما ينظر للعبد ولان الامهار
أحد شطرى العقد فيملكه المولى بملك الرقبة كتمليك البضع في جانب الأمة وما قال إنه
غير مملوك للمولى فاسد من الكلام فان العبد لا يستبد بالنكاح بالاتفاق وما لا يملكه
المولى من عبده فالعبد فيه مبقى على أصل الحرية يستبد به كالاقرار بالقصاص وايقاع
الطلاق على زوجته وهنا العبد لما كأن لا يستبد به عرفنا انه مملوك للمولى عليه وموجب
النكاح الحل وذلك يحصل بالنكاح إلى أن يرتفع بالطلاق والظاهر أن حشمة
المولى تمنعه من ايقاع الطلاق (قال) ولو أقر المولى بالنكاح على عبده لم يصح اقراره
عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى بخلاف ما لو أقر على أمته بالنكاح وقد بينا هذا فيما سبق وذكر
شعيب بن أبي القاسم عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله تعالى على عكس هذا ان
اقرار المولى بالنكاح على عبده صحيح وعلى أمته لا يصح لأنها فرج فلا تحل للزوج بمجرد
قول المولى بغير شهود (قال) وإذا عتقت الأمة المنكوحة فلها الخيار كما بينا فان اختارت
نفسها وقد دخل الزوج بها فالمهر المسمى واجب لسيدها لان الدخول حصل بحكم نكاح
صحيح فتقرر به المسمى وان كأن لم يدخل بها فلا مهر لها ولا لسيدها لان اختيارها نفسها
فسخ للنكاح من أصله فيسقط به جميع المهر كما إذا فرق بينهما لانعدام الكفاءة فان اختارت
زوجها فالمهر لسيدها دخل بها أو لم يدخل بها لان المسمى وجب بنفس العقد بمقابلة
ما ملكه الزوج وإنما ملك ذلك على المولى فكان البدل للمولى ولو لم يعتقها كان للسيد ان
يستوفى الصداق من زوجها وليس للزوج أن يمتنع من ذلك حتى يسلمها إليه لان المولى
في استحقاق صداق الأمة كالحرة في استحقاق صداق نفسها وهناك لها ان تحبس
نفسها لاستيفاء صداقها فهنا أيضا للمولى أن يحبسها إذا كان الصداق حالا وإن كان الصداق
مؤجلا لم يكن له أن يحبسها ولا للحرة ان تحبس نفسها في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما
الله تعالى على قياس المبيع لا يحبس بالثمن المؤجل وفي قول أبى يوسف رحمه الله تعالى
الآخر وإن كان الصداق مؤجلا فللمرأة ان تحبس نفسها لاستيفائه بخلاف البيع لان
تسليم النفس عليها في جميع العمر والمطالبة بالصداق ثابت لها في العمر وفي البيع استحقاق
التسليم عقيب العقد وليس له حق المطالبة بالثمن في ذلك الوقت إذا كان مؤجلا فإن كان
114

استوفى المولى صداقها أمر المولى أن يدخلها على زوجها ولكن لا يلزمه ان يبوأها معه
بيتا لان خدمتها حق المولى فلا تقع الحيلولة بينه وبين استيفاء حقه ولكنها تخدم المولى
في بيته كما كانت تفعله من قبل ومتى ما وجد الزوج منها خلوة أو فراغا قضى حاجته فإن لم
يدخل بها حتى قتلها مولاها فعليه رد جميع الصداق على الزوج في قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى وان كأن لم يقبض الصداق سقط جميع حقه عن الزوج وعندهما لا يسقط شئ
منه وكذلك لو باعها المولي في مكان لا يقدر الزوج عليها وجه قولهما ان القتل موت بأجل
فيتقرر به جميع الصداق كما لو قتلها غير المولى وهذا لان بالموت تنتهي مدة النكاح فان
النكاح يعقد للعمر فبمضي مدته ينتهى العقد وانتهاء العقد موجب تقرير البدل والدليل عليه
ان كل واحد منهما يرث من صاحبه حتى لو جرحها المولى ثم أعتقها فاكتسبت مالا ثم
ماتت من تلك الجراحة فان الزوج يرثها ولو مات الزوج قبلها ورثته أيضا والتوريث إنما
يكون عند انتهاء النكاح بالموت وبهذا يتبين انه لم ينفسخ النكاح بينهما وسقوط المهر من
حكم انفساخ النكاح وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول من له الحق في البدل اكتسب
سبب فوات المعقود عليه قبل التسليم فيسقط حقه في المطالبة بالبدل كما لو أعتقها فاختارت
نفسها قبل الدخول وهذا لان القتل موت كما قال ولكن يتضمن فوات المعقود عليه فإن كان
المولى هو الذي اكتسب سببه يجعل التفويت محالا به إليه الا ترى ان البائع لو أتلف
جزء من المبيع قبل القبض يسقط حقه في حصته من الثمن ولو قتل العبد المبيع يسقط جميع
الثمن وهذا لان القتل في الحقيقة موت بأجل ولكن في حق القاتل جعل في احكام الدنيا
كأنه غير الموت حتى يجب على القاتل القصاص والكفارة ولدية إن كان خطأ ومن ذبح شاة
انسان بغير امره يكون ضامنا له وباعتبار موته هو محسن إلى صاحب الشاة فيما صنعه
غير متلف عليه شيئا توضيحه ان المولى لو غيب أمته لم لم يكن له أن يطالب الزوج بصداقها
فإذا أتلفها أولى أن لا يكون له أن يطالب بصداقها وهذا الكلام يتضح فيما إذا باعها في
مكان لا يقدر عليه الزوج فإنه لا فرق بين هذا وبينما إذا غيبها من غير بيع اما الميراث فنقول
هذا في الحقيقة موت ولكن جعلناه اتلافا في حق القاتل والميراث ليس للقاتل بل ذلك
شئ بينهما وبين الزوج وفيما بينهما هذا موت منه للنكاح ولو قتلت الحرة المنكوحة نفسها
قبل أن يدخل بها الزوج لم يسقط مهرها عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يسقط لان
115

الحق في المهر وقد فوتت العقود عليه قبل الدخول والتسليم فصار كما لو ارتدت قبل
الدخول أو قتل المولى أمته ولكنا نقول قتلها نفسها في الاحكام كموتها ولو كانت ماتت لم
يسقط مهرها وإنما قلنا ذلك لان قتلها نفسها هدر في أحكام الدنيا إنما تؤاخذ به في الآخرة
فاما في الدنيا لا يتعلق به شئ من الاحكام فهو كموتها بخلاف قتل المولى أمته فإنه معتبر في
الاحكام حتى يتعلق به الكفارة إن كان خطأ والضمان إن كان عليها دين توضيحه ان بعد
قتلها نفسها المهر لورثتها لا لها ولم يوجد من الورثة ما كان تفويتا للمعقود عليه وقد بينا ان
القتل موت في حق غير القاتل فاما المهر للمولى بعد قتل الأمة والتفويت وجد من جهته
فان قيل ما تقول فيما إذا كان الوارث هو الذي قتلها قلنا الوارث إذا قتلها صار محروما عن
الميراث ولا حق له في الميراث هنا فلهذا لا يعتبر فعله في اسقاط مهرها وهذا بخلاف ردتها
لأنه معتبر في أحكام الدنيا ولان المهر لها بعد الردة وتفويت المعقود عليه كان منها فأما
الأمة إذا قتلت نفسها فعنه روايتان عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في احدى الروايتين
لا يسقط مهرها كالحرة إذا قتلت نفسها بل أولى لان المهر هنا لمولاها لا لها وفي الأخرى
يسقط مهرها كما لو ارتدت وهذا لان فعل المملوك مضاف إلى المالك في موجبه ألا ترى
أنها لو قتلت غيرها كان المولى هو المخاطب بدفعها أو فدائها فإذا قتلت نفسها جعل في الحكم
كان المولى قتلها فلهذا يسقط مهرها (قال) وإذا أراد الرجل أن يتزوج امرأة فأخبره
رجل أنها حرة ولم يزوجها إياه ولكن الرجل تزوجها على أنها حرة فإذا هي أمة وقد ولدت
له ضمن الزوج قيمة الولد لأنه مغرور وولد المغرور حر بالقيمة به قضى عمر وعلي رضى الله
تعالى عنهما وهذا لأنه لم يرض برق مائه ولكن كما يعتبر حقه يعتبر حق المستحق فيكون
الولد حرا بالقيمة نظرا من الجانبين ولا يرجع الزوج على المخبر بشئ لأنه ما التزم له شيئا
وإنما أخبره بخبر كان كاذبا فيه وذلك لا يثبت حق الرجوع عليه كما لو أخبره ان الطريق
آمن فسلك فيه فأخذ اللصوص متاعه ولكنه يرجع بقيمة الولد على الأمة إذا أعتقت لأنها
غرته حين زوجته نفسها على أنها حرة وضمان الغرر كضمان الكفالة فإنها ضمنت له سلامة
الولد بما ذكرت من الحرية في العقد وضمان الكفالة يجب على الأمة بعد العتق ويضمن
الزوج العقر للمولى ولا يرجع به على أحد لأنه عوض ما استوفى منها والمستوفى كان مملوكا
للمولى وهو الذي نال اللذة باستيفائه (قال) وإذا تزوجت المستسعاة في بعض قيمتها ثم
116

أدت السعاية فعتقت خيرت في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان المستسعاة كالمكاتبة
عنده وقد بينا أن المكاتبة إذا أعتقت وقد كانت زوجت نفسها خيرت (قال) ولا يجوز
نكاح الأمة في عدة حرة من فرقة أو طلاق بائن أو ثلاث في قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى ويجوز في قول أبى يوسف ومحمد وابن أبي ليلى رحمهم الله تعالى ولو كانت معتدة من
طلاق رجعي لم يجز نكاح الأمة في عدتها بالاتفاق فهم يقولون المحرم نكاح الأمة على
الحرة كما قال صلى الله عليه وسلم لا تنكح الأمة على الحرة والتزوج عليها إنما يتحقق إذا
كان ملكه باقيا عليها وذلك بعد الطلاق الرجعي أو قبل الطلاق فأما بعد الفرقة لم يبق بينه
وبينها نكاح فلا يكون متزوجا عليها كما لو كانت الحرة تعتد منه من نكاح فاسد أو وطئ
بشبهة فتزوج أمة يجوز والدليل على صحة هذا لو قال لامرأته ان تزوجت عليك امرأة
فهي طالق فتزوج امرأة بعدما أبانها لم تطلق بخلاف ما لو تزوجها بعد الطلاق الرجعي
أو قبله فثبت أنه غير متزوج عليها بعدما أبانها وهذا بخلاف المنع من نكاح الأخت في
عدة الأخت لان المحرم هناك الجمع فإذا تزوجها في عدتها صار جامعا بينهما في حقوق
النكاح وهذا المنع ليس لأجل الجمع فإنه لو تزوج الأمة ثم الحرة صح نكاحها ولكن المنع
من تزوج الأمة على الحرة لما فيه من ادخال ناقصة الحال في مزاحمة كاملة الحال وهذا
لا يوجد بعد البينونة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول المنع من نكاح الأمة ثبت بنكاح
الحرة وكل منع ثبت بسبب النكاح يبقى ببقاء العدة كالمنع من نكاح الأخت والأربع
وهذا لأن العدة حق من حقوق النكاح وحق الشئ كنفس ذلك الشئ في ابقاء الحرمة
ونكاح الأمة إنما لا يجوز بعد الحرة لأنها محرمة في هذه الحالة فتبقى تلك الحرمة ببقاء عدتها
فإنها محرمة مضمومة إلى الحرة وفي هذا نوع ضم في فراش النكاح فاما إذا كانت الحرة
تعتد من نكاح فاسد فقد قيل إن ذلك قولهما فاما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يجوز
وبعد التسليم يقول هناك المنع لم يكن ثابتا بالنكاح الفاسد حتى يقال يبقى ذلك ببقاء العدة
وأما مسألة اليمين قلنا في الايمان المعتبر العرف وفي العرف لا يسمي متزوجا عليها بعد
البينونة فلهذا لا تطلق فاما في ألفاظ الشرع المعتبر المعني ومعنى الحرمة باق ببقاء العدة وكذلك
لو تزوج مدبرة أو مكاتبة أو أم ولد في عدة حرة لان الرق في هؤلاء باق وحكمهن في
النكاح حكم الأمة القنة (قال) رجل تزوج خمس حرائر وأربع إماء في عقدة واحدة
117

جاز نكاح الإماء دون الحرائر لان نكاح الحرائر لو انفرد عن نكاح الإماء لم يصح هنا
فإنهن خمس لا يمكن تصحيح نكاحهن وليس بعضهن بأولى من البعض فيلغو ضمهن إلى
الإماء ويبقى المعتبر نكاح الإماء وهن أربع يجوز نكاحهن للحر عندنا فلهذا جاز نكاح الإماء
وكذلك أن تزوج حرة وأمة في عقدة واحدة وللحرة زوج لان نكاح المنكوحة باطل
وهذا هو الأصل انه متى كأن لا يصح نكاح الحرة وحدها فضمها إلى الأمة وجودا وعدما
سواء فاما إذا كان يصح نكاح الحرة وحدها يتحقق ضم الحرة إلى الأمة فيبطل نكاح
الأمة ويجوز نكاح الحرة عندنا وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى لا يجوز لأن العقد
واحد فإذا بطل بعضه بطل كله كما لو جمع بين أختين ولكنا نقول نكاح الحرة أقوى من
نكاح الأمة الا ترى أنه يصح تقدم أو تأخر والضعيف لا يدفع القوى ولكنه يندفع به
بخلاف الأختين فإنهما مستويتان فيندفع نكاح كل واحدة منهما بالأخرى توضيحه ان
الأمة من المحرمات مضمومة إلى الحرة والحرة من المحللات فصار هو جامعا بين محرمة
ومحللة فيجوز العقد في المحللة دون المحرمة (قال) وإذا زوج مدبرته أو أمته أو أم ولده
وبوأها مع الزوج بيتا ثم بدا له أن يردها إلى خدمته كان له ذلك لان خدمتها حق المولى
وهو بالتبوئة يصير كالمعير لها من زوجها فكان له أن يستردها متى شاء وكذلك لو كان
شرط ذلك للزوج كان الشرط باطلا لا يمنعه من أن يستخدم أمته لان المستحق للزوج
بالنكاح ملك الحل لا غير فاشتراطه شيئا آخر غير ملزم إياه لأنه لا يمكن إلزامه بطريق
الاستجبار فان المدة غير معلومة ولا بطريق الإعارة فان الإعارة لا يتعلق بها اللزوم (قال)
ولو تزوجها على أنها حره ثم علم بعد ذلك أنها أمة قد أذن المولى لها في النكاح فهي امرأته
ان شاء أمسك وان شاء طلق لان ظهور رقها نوع عيب وقد بينا أن العيب لا يثبت الخيار
للزوج غير أن ما ولد له من ولد فيما مضى وما كان في بطنها فهو حر لأجل الغرور وعلى
الأب قيمة الولد يوم يختصمون لان الولد في يده بصفة الأمانة ما لم يخاصم فإنه لا يكون أعلى
حالا من ولد المغصوبة وولد المغصوبة أمانة ما لم يطالب بالرد فكذلك ولد المغرور حتى إذا
مات قبل الخصومة فلا ضمان على الأب فيه ولكنه إنما يصير مانعا للولد بعد الطلب وذلك
عند الخصومة فلهذا تعتبر قيمته وقت الخصومة وهذا إذا تبين أنها أمة أو مدبرة وكذلك
إذا تبين أنها أم ولد في ظاهر الرواية وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى
118

لا تجب قيمة الولد هنا لان ولد أم الولد كأمه لا قيمة لرقه حتى لا يضمن بالغصب عند أبي
حنيفة رحمه الله تعالى فكذلك بالمنع بعد الطلب وجه ظاهر الرواية أن الولد إنما يصير كأمه
إذا ثبت فيه حق أمية الولد وذلك بعد ثبوت الرق فيه وهنا علق الولد حر الأصل فلم يثبت
فيه حق أمية الولد ولو تبين أنها مكاتبة ففي ظاهر الرواية الجواب كذلك وروى الحسن
عن أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهم الله تعالى أنه لا يضمن قيمة الولد هنا لأنه لو ضمن أنما
يضمن لها وهي إنما تسعى لتحصيل الحرية لنفسها وولدها ففي حرية ولدها يحصل بعض
مقصودها فلا يجب الضمان ولأنه لو رجع لرجع عليها بما ضمن لان الغرور كان منها فلا
يكون مفيدا شيئا وجه ظاهر الرواية أن السبب الموجب لضمان قيمة ولد الغرور وقد تقرر
هنا ورجوعه عليها يكون بعد العتق وهي تستوجب الضمان عليه للحال فكان مفيدا وإنما يرجع
على الأمة والمدبرة وأم الولد والمكاتبة بقيمة الولد يعد العتق لما بينا ان ضمان الغرور كضمان
الكفالة وضمان الكفالة في حق هؤلاء مؤخر إلى ما بعد العتق (قال) ولو مات الولد وترك
مالا فماله لأبيه بحكم الإرث ولا ضمان على الأب فيه لما بينا أن المنع بعد الطلب لم يتحقق منه
ولو قتل الولد يأخذ الأب ديته وكان عليه قيمته لأنه سلم له بدل نفسه وحكم البدل كحكم
المبدل فيتحقق به المنع بعد الطلب فلهذا كان عليه قيمته وكذلك لو ضرب انسان بطنها فألقت
جنينا ميتا كان على الضارب خمسمائة درهم بدل الجنين الحر لأنه علق حر الأصل وعلى الأب
نصف عشر قيمته للمولى إن كان ذكر أو عشر قيمتها ان كانت أنثى لان حق المستحق في جنين
الأمة فلا يغرم له الأب الا بدل جنين الأمة وان سلم له بدل جنين الحرة كما لو قتل بعد
الانفصال (قال) ولو مات الأب وبقي الولد أخذ المولى قيمته من تركة الأب ولا يرجع
بها بقية الورثة في حصة الولد لان المنع قد تحقق وذلك موجب ضمان القيمة على الأب
فيستوفى من تركته بعد موته وقضاء دين الأب لا يكون على بعض الورثة دون البعض
فلهذا لا يرجعون في حصته وإن لم يترك الأب شيئا لم يؤخذ الولد بشئ كما لا يؤخذ بسائر
ديون الأب وكذلك الجواب إن كان مولى الجارية عما للولد لان عتق الغلام هنا ليس باعتبار
القرابة بل بالغرور فإنه علق حر الأصل والعتق بالقرابة إنما يكون بعد ثبوت الملك
للعم فيه فلهذا كان العم فيه وغيره في هذا سواء (قال) وان كانت تزوجت بغير إذن المولى
أخذها المولى وعقرها والجواب في قيمة الولد على ما بينا وإن كان الذي غره غير الأمة
119

بان زوجها منه حر على أنها حرة فهذا وما تقدم سواء الا ان الأب يرجع بقيمة الولد على
المزوج في الحال لان ضمان الغرور كضمان الكفالة والحر يؤاخذ بضمان الكفالة في الحال
وإن كان الذي غره فيها عبدا أو مدبرا أو مكاتبا فلا رجوع له عليهم حتى يعتقوا سواء
كان العبد مأذونا أو لم يكن لان المأذون إنما يؤاخذ بضمان التجارة في الحال لا بضمان
الكفالة فيتأخر إلى عتقهم إلا أن يكون المولى أمر العبد أو المدبر بذلك فحينئذ يؤاخذ به
في الحال لان كفالة العبد بإذن المولى موجب للضمان عليه في الحال فاما المكاتب لا يؤاخذ
به حتى يعتق سواء فعله بإذن المولى أو بغير إذنه لان المولى ليس له حق التصرف في كسبه
فلا يعتبر اذنه فيه وإن كان المتزوج المغرور عبدا أو مدبرا أو مكاتبا بأن تزوج أحد من
هؤلاء بإذن المولى امرأة على أنها حرة فولدت له ثم ظهر أنها أمة فالولد رقيق في قول أبي حنيفة
وأبي يوسف الآخر رحمهما الله تعالى نص على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى في كتاب
الدعوى وفي قوله الأول وهو قول محمد رحمه الله تعالى الولد حر بقيمته على الأب إذا
عتق ويرجع بذلك على الذي غره وجه قول محمد رحمه الله تعالى أن السبب الموجب للحرية
الغرور واشتراط الحرية فيها عند النكاح وهذا يتحقق من الرقيق كما يتحقق من الحر وكما
يحتاج الحر إلى حرية الولد فالمملوك محتاج إلى ذلك بل حاجته أظهر لأنه ربما يتطرق به إلى
حرية نفسه توضيحه أنه لا معتبر برق الزوج وحريته في رق الولد بل المعتبر فيه جانب الأم
ألا ترى أن الحر إذا تزوج أمة وهو يعلم بحالها كان ولده رقيقا فإذا كان المعتبر رق الأم
وقد سقط اعتبار رقها في حق الولد عند اشتراط الحرية إذا كان الزوج حرا فكذلك إذا كان
الزوج عبدا لان ما شرط من الحرية يجعل كالمتحقق في حرية الولد فأما أبو حنيفة وأبو يوسف
رحمهم الله تعالى قالا هذا الولد مخلوق من ماء رقيقين فيكون رقيقا وهذا لان
الولد متفرع من الأصل فإنما يتفرع بصفة الأصل وإذا كان الأصلان رقيقين لا تثبت
الحرية للولد من غير عتق وأما إذا كان الزوج حرا فقد ثبت حرية الولد هناك باتفاق
الصحابة رضي الله عنهم بخلاف القياس وهذا ليس في معنى ذلك لان ماء الرجل
هناك بصفته حر فإنه جزء منه وإنما يصير رقيقا باتصاله برحم الأمة فتأثير الغرور في المنع
من ثبوت الرق في مائه بالاتصال برحم الأمة وهنا ماء العبد رقيق كنفسه فالحاجة إلى
إثبات الحرية لمائه وما يصلح لابقاء ما كان على ما كأن لا يصلح لايجاب ما لم يكن يوضحه ان
120

الحاجة هناك إلى الترجيح عند التعارض لان اعتبار جانب مائه يوجب حرية الولد واعتبار جانب
مائها يوجب رق الولد فجعلنا الغرور دليلا مرجحا وهنا الحاجة إلى اثبات الحرية دون الترجيح
وما يصلح مرجحا لا يصلح موجبا توضيحه أن هناك ثبت حرية الولد بضمان قيمته على الأب
في الحال فيندفع الضرر به عنه وهنا لو ثبتت حرية الولد إنما تثبت بضمان قيمته بعد العتق
فيتضرر به المستحق في الحال فإذا ثبت أن هذا ليس في معنى المنصوص وجب الرجوع فيه
إلى الأصل فكان الولد رقيقا بمنزلة أمه ثم على قول محمد رحمه الله تعالى إن كان التزوج من
هؤلاء باذن السيد فعليهم قيمة الولد والمهر في الحال وإن كان بغير إذن السيد فعليهم قيمة الولد
والمهر بعد العتق لان كل دين وجب على المملوك بسبب مأذون من جهة المولى يؤاخذ به في
الحال وكل دين وجب عليه بسبب غير مأذون فيه فإنما يؤاخذ به بعد العتق (قال) وإذا
تزوجها وهو يعلم أنها أمة أو تزوجها وهو يحسب أنها حرة ولم يغره فيها أحد فأولاده أرقاء
لان هذا ظن منه والظن لا يغنى من الحق شيئا ولان الموجب لحرية الولد الغرور ولم يتحقق
الغرور هنا ولو كانت أمة بين رجلين زوجها أحدهما من رجل ودخل الزوج بها فللآخر أن
يبطل النكاح لان المزوج لا يملك الا نصفها وملك نصف الأمة ليس بسبب لولاية التزويج
فلم ينفذ عقده عليها وقد تناول عقده نصيب الشريك فكان له أن يفسخ عقده دفعا للضرر
عن نفسه وقد سقط الحد عن الزوج لشبهة النكاح فيجب المهر عليه إلا أن في نصيب
المزوج يجب الأقل من نصف المسمى ومن نصف مهر مثلها لأنه راض بالمسمى ورضاه
صحيح في نصيب نفسه فاما في نصيب الشريك يجب نصف مهر المثل بالغا ما بلغ لأن لم يرض
بسقوط شئ من حقه وإن كان ابطال النكاح قبل الدخول فلا مهر لواحد منهما سواء خلا
بها الزوج أو لم يخل لان الخلوة إنما تعتبر في النكاح الصحيح وهذا العقد لم يكن صحيحا فلا
تعتبر الخلوة فيه (قال) وإذا زوج أمة ابنه الصغير فذلك جائز وكذلك الوصي إذا زوج أمة
اليتيم وكذلك المكاتب إذا زوج أمته وكذلك المفاوض إذا زوج أمة من الشركة لان
تزويج الأمة من عقود الاكتساب فإنه يكتسب به المهر ويسقط به نفقتها عنه وهؤلاء
الأربعة يملكون الاكتساب أما المكاتب فهو منفك الحجر عنه في اكتساب المال وأما
الأب والوصي فمنهما أمرا بالنظر للصغير وعقد اكتساب المال من النظر وأما المفاوض فان
المتفاوضين إنما عقدا المفاوضة لاكتساب المال ولا يملك هؤلاء تزويج العبد لأنه ليس فيه
121

اكتساب المال بل فيه تعييب العبد وشغل ذمته بالمهر والنفقة من غير منفعة لهم في ذلك
(قال) ولو زوج الأب أو الوصي أمة الصبي من عبده لا يجوز ذلك أيضا نص عليه في المأذون
وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه يجوز لأنه لا ضرر فيه على الصبي فان المهر لا يجب بهذا
العقد ونفقتهما عليه بعد النكاح كما كانا قبله وفيه منفعة للصبي من حيث النسل فيجوز ذلك
من الأب والوصي كانزاء الفحل من مال الصبي على؟ أبانه؟ ووجه ظاهر الرواية أن في هذا تعييبا لهما لان
النكاح عيب في العبيد والإماء جميعا ومنفعة النسل موهومة والمنفعة الموهومة لا تكون جائزة للضرر
المتحقق فلهذا لا يصح هذا العقد منهما وأما العبد المأذون أو المضارب أو الشريك شركة عنان
إذا زوج واحد منهما الأمة لم يجز ذلك في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفي قول أبي
يوسف رحمه الله تعالى يجوز لأنه عقد اكتساب المال وهؤلاء يملكون ذلك ولان المستوفي
بالوطئ في الحقيقة منفعة ولهذا سمى الله تعالى المهر أجرا وهؤلاء يملكون الإجارة فكذلك
يملكون التزويج وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا المأذون إنما كان منفك الحجر عنه
في التجارة والتزويج ليس من جملة التجارة فان التجار لا يعتادون اكتساب المال بتزويج
الإماء والدليل عليه أن المرأة لو زوجت نفسها من رجل بعبد ونوت التجارة عند العقد لا يصير
العبد به للتجارة ولو كان النكاح من التجارة لصار العبد به للتجارة فان نية التجارة متى
اقترنت بعمل التجارة يصير للتجارة وإذا لم يكن النكاح من التجارة فلا يملكه هؤلاء
كالكتابة وبه فارق الأربعة التي تقدمت فان أولئك يملكون الكتابة فعرفنا أن تصرفهم
غير مقصور على التجارة وهؤلاء الثلاثة لا يملكون الكتابة فعرفنا أن تصرفهم مقصور على
التجارة ولا شك أن هؤلاء الثلاثة لا يزوجون العبد لان تزويج العبد ليس من الاكتساب
ولا من التجارة (قال) وإذا تزوج الحر أمة ابنه جاز النكاح عندنا ولا يجوز عند الشافعي
رحمه الله تعالى وقيل هذا بناء على الأصل الذي تقدم أن عنده لا يجوز للحر نكاح الأمة الا
عند عدم طول الحرة وعلى الابن أن يعف أباه فيستغنى به عن نكاح الأمة ولكن هذا ليس
بصحيح فإنه لو تزوج أمة غيره صح النكاح إذا لم يكن في ملكه ما يتزوج به الحرة والأصح
أن هذه مسألة مبتدأة فوجه قوله ان للأب حق الملك في مال ولده حتى لو وطئ جارية ابنه مع
علمه بحرمتها لا يلزمه الحد فلا يجوز له أن يتزوجها كالمولى إذا تزوج أمة من كسب مكاتبه بل
أولى لان حق الملك في مال ولده أظهر ألا ترى أن استيلاده في جارية الابن صحيح واستيلاد
122

المولى أمة مكاتبه لا يصح توضيحه أن الولد كسبه قال صلى الله عليه وسلم ان أطيب ما يأكل
الرجل من كسبه وان ولده من كسبه فجارية الابن كسب كسبه فلا يملك التزويج كأمة عبده
ولكنا نقول ليس له في جارية ولده ملك ولا حق ملك فيجوز له ان يتزوجها كأمة أبيه وأخيه
وإنما قلنا ذلك لأنه يحل للابن ان يطأ جاريته بالاتفاق ولو كأن لأبيه فيها حق الملك لم يحل
له وطئها كالمكاتب فإنه لا يحل له ان يطأ أمته لما كان للمولى فيها حق الملك فاما سقوط
الحد فليس لقيام حق الملك له في الجارية ولكن لظاهر الإضافة في قوله صلى الله عليه وسلم
أنت ومالك لأبيك وهذا الظاهر وان كأن لم يكن معمولا به في ايجاب ملك أو حق ملك
له فيها يصير شبهة في اسقاط الحد كالبيع بشرط الخيار لا يوجب الملك ولا حق الملك
للمشترى ثم يسقط الحد به وكذلك العقد الفاسد من نكاح أو بيع قبل القبض والولد
وإن كان كسبا له فهو كسب حر فلا يثبت له حق الملك في كسبه بمنزلة مال المعتق لا حق
للمعتق فيه وإن كان المعتق كسبا له لأنه كسب حر فاما صحة الاستيلاد ليس باعتبار حق
الملك له فيها بل بولاية التملك عند الحاجة وتقرر حاجته إلى صيانة مائة كيلا يضيع نسله فان
تزوجها فولدت له ولدا كان الولد حرا لان الولد يتبع الأم في الملك فمولى الجارية هنا ملك
أخاه فيعتق عليه بالقرابة ولا تصير الجارية أم ولد له عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى تصير أم
ولد له وكذا إذا استولدها بنكاح فاسد أو وطئ بشبهة عندنا لا تصير أم ولد له خلافا فالزفر
دحمه الله تعالى وحجته انه لو استولدها بفجور صارت أم ولد له فإذا استولدها بنكاح أو
بشبهة نكاح أولى ان تصير أم ولد له ولكنا نقول إذا استولدها بغير شبهة فهناك يصير
متملكا لحاجته إلى ذلك كيلا يضيع ماؤه فان اثبات النسب غير ممكن بدون التملك لأنه
ليس له فيها ملك ولا حق ملك فإذا تملكا سابقا على الاستيلاد كان الاستيلاد في ملك
نفسه فلهذا صارت أم ولد له وهنا غير محتاج إلى تملكها لاثبات النسب بل النكاح أو شبهة
النكاح يكفي لذلك فلم يصر متملكا لها فلهذا لا تصير أم ولد له (قال) ولو كان الابن
هو الذي تزوج أمة أبيه بتزويج الأب إياها منه جاز النكاح فإذا ولدت فالولد حر لان الأب
ملك الابن أمته ولا تصير الجارية أم ولد له لأنه لا ملك له فيها وإن كان الابن وطئها بغير
نكاح أو شبهة نكاح لم يثبت نسبه منه وان ادعاه لأنه ليس له حق التملك في جارية أبيه
ولكن لا حد عليه ان قال ظننت انها تحل لي وان قال علمت أنها على حرام فعليه الحد لان
123

عند الظن اشتبه عليه ما يشتبه فيسقط الحد به وعند العلم بالحرمة لا شبهة له في المحل حقيقة
ولا صورة ولم يشتبه عليه أمرها فلزمه الحد وان صدقه الأب في أنه وطئها وان الولد منه
عتق الولد باقراره لأنه إذا ملك ابنه من الزنا عتق عليه فكذلك إذا ملك ابن ابنه من الزنا ولكن
لا يثبت النسب لما بينا بخلاف الأب إذا كان هو الذي استولد جارية ابنه فإنه لا حاجة إلى
تصديق الولد لان الأب له ولاية تملك جارية الابن فإنما يكون مستولدا لها في ملك نفسه
ولهذا ضمن قيمتها لابنه وليس للابن هذه الولاية في جارية أبيه فلهذا لا يعتق الولد الا إذا
صدقه الأب فيه (قال) ولا يتزوج العبد أكثر من اثنتين وقال مالك رحمه الله تعالى له أن
يتزوج أربعا لان الرق لا يؤثر في مالكية النكاح حتى لا يخرج من أن يكون أهلا لملك
النكاح وما لا يؤثر فيه الرق فالعبد والحر فيه سواء كملك الطلاق وملك الدم في الاقرار
بالعقود ومذهبنا مروى عن عمر رضي الله عنه قال لا يتزوج العبد أكثر من اثنتين
ولان الرق مؤثر في تنصيف ما كان متعددا في نفسه كالجلدات في الحدود وعدد الطلاق
وأقراء العدة وهذا لان ملك النكاح مبنى على الحل الذي يصير به أهلا للنكاح وذلك الحل
يتسع بزيادة الفضيلة ويتضيق بنقصان الحال ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
كان مخصوصا بإباحة تسع نسوة لفضيلة النبوة التي اختص بها فكان الحل في حقه متسعا
لتسع نسوة ولا يجوز لاحد غيره أكثر من أربع نسوة فكذلك يتسع الحل لفضيلة الحرية
فيتزوج الحر أربعا ولا يتزوج العبد الا اثنتين يوضحه أن الرق ينصف الحل ألا ترى أن
في جانب الأمة يتنصف حلها بالرق حتى أن ما ينبنى على الحل وهو القسم يكون حالها فيه على
النصف من حال الحرة وكذلك ما يجب على المستوفى لهذا الحل بغير طريقه وهو الحل
يتنصف بالرق حتى يجب على العبد بالزنا خمسون جلدة وعلى الحر مائة جلدة وإذا ثبت أن
الحل يتنصف بالرق وعليه ينبنى عدد المنكوحات فقلنا حال العبد فيه على النصف من حال الحر
فيتزوج ثنتان الحرتان والأمتان في ذلك سواء والشافعي رحمه الله تعالى هنا لا يخالفنا لان في
حق العبد نكاح الأمة أصل وليس ببدل إذ ليس فيه تعريض شئ للرق فإنه رقيق بجميع
أجزائه فلهذا جوز له نكاح الأمتين وعلى هذا الأصل يقول الشافعي رضى الله تعالى عنه
للعبد أن يتزوج أمة على حرة ولكنا نقول لا يجوز لان الأمة ليست من المحللات مضمومة
إلى الحرة في حق الحر فكذلك في حق العبد والمدبر والمكاتب وابن أم الولد في هذا كالعبد
124

لان الرق المنصف للحل فيهم قائم (قال) ولا يجوز للعبد أن يتزوج بغير إذن مولاه عندنا
وعلى قول مالك رحمه الله تعالى يجوز لان الرق لم يؤثر في مالكية النكاح فيستبد العبد به
كالطلاق وأصحابنا رحمهم اله تعالى استدلوا بظاهر قوله تعالى ضرب الله مثلا عبدا مملوكا
لا يقدر على شئ والنكاح شئ فلا يملكه العبد بنفسه ومذهبنا مروى عن عمر رضى الله تعالى
عنه قال أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر والمعنى فيه أن في النكاح تعييبه وفيه شغل
ماليته بالمهر والنفقة وماليته ملك مولاه فلا يملك شغل ذلك بتصرفه بغير إذن المولى يوضحه
أنه لو باع رقبته أو رهنه بمال لم يجز وإن كان منفعة ذلك ترجع إلى المولى فإذا تزوج ولا
منفعة في عقده للمولى أولى أن لا يجوز وكذلك المدبر وابن أم الولد والمكاتب لا يتزوج
أحد من هؤلاء بغير إذن المولى لان الرق الموجب للحجر فيهم فان اذن المولى لهم في ذلك
جاز العقد فان المولى لو باشر تزويجهم جاز فكذلك إذا أذن لهم فيه إلا أن في المكاتب يحتاج
إلى رضاه إذا باشره المولى فان أذن له المولى فباشره المكاتب يجوز أيضا وهذا بخلاف
تزويج الأمة فان المكاتب يزوج أمته بغير رضا المولى لان أمته غير مملوكة للمولى وتزويجها
من عقود الاكتساب فيملكه المكاتب فاما تزويجه لنفسه ليس من عقود الاكتساب
ورقبته مملوكة للمولى وعلى هذا لو أن المكاتبة زوجت أمتها جاز ذلك ولو تزوجت بنفسها
لم يجز الا بإذن المولى لقيام ملك المولى في رقبتها (قال) ولو تزوج العبد بغير إذن مولاه
فأجازه جاز لان الإجازة في الانتهاء كإذنه في الابتداء فان طلقها العبد ثلاثا بعد إجازة
لمولى طلقت ثلاثا ولم يجز للعبد أن يتزوج حتى تنكح زوجا غيره لان النكاح لما صح كان
العبد في ايقاع الطلاق عليها كالحر ولو طلقها ثلاثا قبل إجازة المولى النكاح لم يقع النكاح
ولكن يكون هذا متاركة للنكاح لان وقوع الطلاق يختص بنكاح صحيح ونكاحه بغير إذن
المولى لم يكن صحيحا فلا يقع الطلاق ولكن ايقاع الطلاق يؤثر في إزالة الحل عن المحل
وايقاع الفرقة إذا كان صحيحا فإذا لم يكن النكاح نكاحا صحيحا فلا يؤثر في هذين الحكمين
ولكن يؤثر في رفع الشبهة حتى لو وطئها قبل الطلاق لا يلزمه الحد ولو وطئها بعد الطلاق
يلزمه الحد وإن لم يجز المولى ذلك العقد ولكن أذن له أن يتزوجها ابتداء فلا بأس بأن
يتزوجها لان حرمة المحل بوقوع التطليقات على المحل ولم يقع هنا فلا بأس بأن يتزوجها
كالصبي والمجنون إذا طلق امرأته ثلاثا لا يثبت به حرمة المحل ولان النكاح لما لم يصح كان
125

هذا طلاقا قبل النكاح وقال عليه الصلاة والسلام لا طلاق قبل النكاح ولو أجاز المولى ذلك
النكاح فاجازته باطلة لان الإجازة إنما تعمل في حال توقف العقد وقد ارتفع العقد بما أوقعه
العبد لأنه يستبد بالطلاق لو أوقعه في نكاح صحيح ارتفع النكاح فإذا أوقعه في العقد الموقوف
أولى أن يرتفع العقد به فان أذن له أن يتزوجها بعد هذا كرهت له أن يتزوجها ولو فعل لم
يفرق بينهما في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفي قول أبي يوسف رحمه الله تعالى
لا يكره ذلك وجه قوله ظاهر فان الطلاق غير واقع على المحل وحرمة المحل باعتبار وقوع
الطلاق ولان إجازة المولى للعقد باطل فوجوده كعدمه ولو لم يجز العقد كان له أن يتزوجها
باذنه فكذلك بعد اجازته وجه قولهما ان الطلاق تصرف ينبني على النكاح وإجازة العقود
يتضمن إجازة ما ينبني عليه فاعتبار هذا المعني يوجب نفوذ الطلاق وحرمة المحل فجعلناه
معتبرا في الكراهة وإن لم يكن معتبرا في حقيقة حرمة المحل ولكن هذا على أصل محمد
رحمه الله تعالى غير صحيح فان عنده المشترى من الغاصب إذا أعتق ثم أجاز المولى لا ينفذ
عتقه وعلى أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى إنما يصح هذا ان لو كان الطلاق يتوقف على
إجازة المولى وقد بينا ان طلاق العبد لا يتوقف على إجازة المولى لكن الوجه فيه أن نقول
الإجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء والاذن في الابتداء لو كان موجودا نثبت به حرمة
المحل حقيقة فكذلك بوجود صورة الإجازة في الانتهاء تثبت الكراهة توضيحه أن العبد
أهل للنكاح في حق نفسه ولهذا لو أعتق قبل إجازة المولى نفذ نكاحه فاعتبار هذا الجانب
يوجب نفوذ طلاقه واعتبار جانب حق المولى يمنع نفوذ طلاقه فلتعارض الأدلة قلنا لا تثبت
الحرمة حقيقة ولكن تثبت صفة الكراهة احتياطا لأنه ان ترك نكاح امرأة تحل له كان
خيرا له من أن يتزوج امرأة لا تحل له (قال) وإذا تزوج العبد حرة بغير إذن مولاها ثم
أعتقه المولى جاز النكاح لأنه مخاطب له قول ملزم وإنما امتنع نفوذ نكاحه لحق مولاه فإذا
أسقط المولى حقه بالعتق فينفذ النكاح لزوال المانع وكذلك لو باعه فأجاز المشترى لان
المشترى قام مقام البائع في ملكه رقبته فكذلك في إجازة عقده وهذا لأنه ما طرأ بالبيع حل
نافذ على الحل الموقوف فان العبد لا يحل للمشتري فلهذا كانت اجازته كإجازة البائع وعند زفر
رحمه الله تعالى لا ينفذ بإجازة المشترى وقد بينا هذا وكذلك لو أجاز وارثه بعد موته (قال)
ولو أذن لعبده في النكاح لم يملك ان يتزوج الا امرأة واحدة عندنا وعند الشافعي رحمه الله
126

تعالى له أن يتزوج اثنين وهذا بناء على الأصل الذي تقدم بيانه ان النكاح مملوك للمولى
على عبده عندنا حتى يزوجه غير رضاه فيكون العبد فيه نائبا عن مولاه فهو كالحر بأمر غيره
ان يزوجه فلا يزوجه بمطلق الوكالة الا امرأة واحدة وعندهما النكاح غير مملوك للمولى على
عبده ولكن العبد هو المالك له الا انه لا ينفذ منه بدون اذن المولى لان ضرره يتعدى إلى حق
المولى فإذا أذن المولى له في ذلك فقد رضى بالتزام هذا الضرر وأسقط حق نفسه فكان للعبد
أن يتزوج اثنين ولو تزوج امرأتين في عقدة لا يجوز نكاح واحدة منهما الا في قول أبى
يوسف رحمه اله تعالى الأول فإنه يقول يجوز نكاح إحداهما والبيان فيه إلى العبد بمنزلة من
وكل وكيلا ان يزوجه امرأة فزوجه امرأتين عنده يصح نكاح إحداهما والخيار إلى الزوج وقد
تقدم بيان هذه المسألة فان قال المولى عنيت نكاح امرأتين جاز نكاحهما لأنه لو أجاز نكاح
امرأتين جاز فكذلك إذا قال نويت ذلك عند الاذن لان المنوي من محتملات لفظه وهو
غير متهم في هذا البيان (قال) وإذا أذن له ان يتزوج واحدة فتزوجها نكاحا فاسدا ودخل
بها أخذ بالمهر في حالة الرق في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول أبى يوسف ومحمد
رحمهما الله تعالى لا يؤخذ به حتى يعتق وأصل المسألة ان عندهما اذن المولى لعبده في النكاح
ينصرف إلى العقد الصحيح دون الفاسد لان مقصوده تحصيل العفة به للعبد وذلك أنما
يحصل بالعقد الصحيح دون الفاسد واستدلالا بما لو حلف أن لا يتزوج ينصرف يمينه إلى
العقد الصحيح دون الفاسد فعرفنا به ان الفاسد ليس بنكاح فلا يتناوله اذن المولى وأبو
حنيفة رحمه الله تعالى يقول الفساد والصحة صفة العقد والاذن من المولى في أصل العقد
فلا يتقيد بصفة دون صفة كالاذن في البيع والشراء للوكيل أو للعبد يتناول الفاسد والصحيح
جميعا وهذا لان بعض المقاصد يثبت بالعقد الفاسد نحو النسب والمهر والعدة عند الدخول
وهذا لو حلف أنه ما تزوج في الماضي وقد كان تزوج فاسدا أو صحيحا كان؟ حانثا؟ في
يمينه وفى المستقبل أنما حملناه على العقد الصحيح لدلالة العرف فان الايمان تنبني على العرف
فأما هنا اعتبار اذن المولى لدفع الضرر عنه وذلك يعم العقد الصحيح والفاسد إذا
عرفنا هذا فنقول عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا دخل بها بالنكاح الفاسد فقد لزمه
المهر بسبب كان مأذونا فيه من جهة المولى فيؤاخذ به في الحال وعندهما اذن المولى لا يتناول
العقد الفاسد فإنما لزمه المهر بسبب غير مأذون فيه من جهة المولى فيتأخر إلى ما بعد العتق
127

وعلى هدا لو تزوجها نكاحا صحيحا بعد هذا يجوز عندهما لان حكم اذن المولى ما انتهى
بالعقد الفاسد فيكون مباشرا العقد الثاني باذنه وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يصح العقد
الثاني لان حكم اذن المولى انتهى بالعقد الأول فيحتاج في العقد الثاني إلى اذن جديد (قال)
وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه ودخل بها ثم أجاز المولى ذلك النكاح فعليه مهر واحد وهو
الذي سماه لها استحسانا لان الإجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء وفي القياس عليه مهران
مهر المثل بالدخول والمسمي بنفوذ العقد بالإجازة وقد بينا نظير هذا في جانب الأمة فهو كذلك
في العبد وعلى هذا لو أعتقه المولى حتى نفذ العقد بعد عتقه (قال) وإذا تزوج المكاتب بغير إذن
السيد أو العبد أو المدبر ودخل بها ثم فرق بينهما السيد فلا مهر عليه حتى يعتق لان
النكاح في حق المكاتب ليس من عقود التجارة ولا من اكتساب المال والمهر عند الدخول
إنما يجب بسبب ذلك العقد فإذا لم يكن عقد الكتابة متنا ولا لذلك العقد يتأخر المال الواجب
بسببه إلى ما بعد العتق وهذا بخلاف جناية المكاتب فان موجبه في كسبه يثبت في الحال
لان وجوب ذلك باعتبار الفعل والرق لا يؤثر في الحجر عن الأفعال وأما وجوب المهر هنا
باعتبار العقد لان الدخول بدون العقد غير موجب للمهر ولأنها راضية بهذا الدخول فلهذا
يتأخر الواجب إلى ما بعد العتق بمنزلة المال الواجب عليه بسبب الكفالة (قال) وإذا زوج
الرجل عبده أمته بشهود فهو جائز ولا مهر لها عليه لان المهر لو وجب كان للمولى وإنما
يجب في مالية العبد وماليته مملوكة للمولى فلا فائدة في وجوبه أصلا وقد بينا ان على طريق
بعض أصحابنا يجب ابتداء لحق الشرع ثم يسقط لقيام ملك المولى في رقبة الزوج فإن كان العبد
نصرانيا أذن له مولاه في التزوج فأقامت عليه امرأة نصرانية شاهدين من النصارى انه
تزوجها وهو جاحد أجزت ذلك عليه لان الخصم هو العبد الا ترى أنه لو أقر بهذا النكاح
ثبت باقراره فكذلك يثبت بشهادة النصارى عليه لأنه نصراني الا ترى أنهم لو شهدوا عليه
ببيع أو شراء وهو مأذون له في التجارة كانت الشهادة مقبولة فكذلك بالنكاح فان قيل
النكاح مملوك للمولى على العبد فهذه الشهادة إنما تقوم على المولى وهو مسلم قلنا أصل العقد
مملوك للمولى عليه ولكن حكمه وهو ملك الحل يثبت للعبد والشهود إنما يشهدون
لها بذلك على العبد فلهذا اعتبرنا فيه دين العبد وقلنا لو كان المولى كافرا والعبد مسلما لم تجز
شهادتهما لأنها تقوم على العبد وهو مسلم وشهادة الكافر ليس بحجة على المسلم (قال)
128

ولا يحل للعبد ان يتسرى وان أذن له مولاه عندنا وعلى قول مالك رحمه الله تعالى يحل لان
ملك المتعة يثبت بطريقين اما عقد النكاح أو التسري فإذا كان العبد أهلا لملك المتعة بأحد
الطريقين وهو النكاح فكذلك بالطريق الآخر بل أولى لان ملك المتعة الذي يثبت بالنكاح
أقوى مما يثبت بملك اليمين وحجتنا في ذلك قوله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون الا على
أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم وهذه ليست بزوجة له ولا مملوكة له وعن ابن عمر رضي الله عنه
قال لا يحل فرج مملوكة الا لمن إذا أعتق أو وهب جاز والعبد لا يجوز عتقه ولا هبته
فلا يحل الفرج له بملك اليمين وهذا لان العبد مملوك مالا فلا يجوز أن يكون مالكا للمال
لما بين المالكية والمملوكية من المنافاة وملك المتعة لا يثبت الا بثبوت سببه فإذا كان سببه
وهو ملك الرقبة لا يثبت في حق العبد فكذلك حكمه بخلاف النكاح ولان العبد ليس باهل
لملك المال قبل اذن المولى ولا تأثير للاذن في جعل من ليس بأهل أهلا وإنما تأثير اذن
المولى في اسقاط حقه عند قيام أهلية العبد فكان ينبغي أن لا يجعل العبد أهلا لملك المتعة أصلا
لان بين المالكية والمملوكية منافاة ولكن الشرع جعله أهلا لملك المتعة بسبب النكاح
لضرورة حاجته إلى قضاء الشهوة وابقاء النسل وهذه الضرورة ترتفع بثبوت الحل له بالنكاح
فلا حاجة هنا إلى أن نجعله أهلا لملك المتعة بسبب ملك الرقبة وكذلك المدبر والمكاتب
والمستسعي في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى كالمكاتب (قال) ولو أن عبدا بين رجلين
زوجه أحدهما بغير إذن الآخر لم يجز لما بينا ان ولاية النكاح إنما تستفاد بملك رقبة العبد
وكل واحد منهما غير مالك لما يسمى عبدا (قال) ولا يحل للعبد ان يتزوج مولاته ولا امرأة
لها في رقبته شقص عندنا وعلى قول نفاة القياس رضى اله عنهم يجوز وكذلك الحر إذا تزوج أمته
أو أمة له فيها شقص فهو على هذا الخلاف واستدلوا بظاهر قوله تعالى فانكحوا ما طاب
لكم من النساء وبقوله فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات وحجتنا في ذلك قوله
تعالى وانكحوا الأيامى منكم الآية فإنما خاطب الله تعالى الموالي بانكاح الإماء لا بنكاحهن
ولان العبد إذا تزوج بمولاته فهي تستوجب عليه النفقة بالنكاح وهو يستوجب عليها النفقة
بملك اليمين فيتقاصان ويموتان جوعا وفي هذا من الفساد مالا يخفى والحر إذا تزوج أمته فهذا
العقد غير مفيد لان موجب النكاح ملك الحل ومحل الحل ثابت له تبعا لملك الرقبة ولان
النكاح إنما شرع في الأصل لضرورة الحاجة إليه وعند ملكه رقبتها لا حاجة فلم يكن
129

مشروعا أصلا ثم قيام الملك في شقص منها ينزل منزلة قيام الملك في جميعها في حرمة النكاح
احتياطا وان كأن لا ينزل منزلة ذلك في حل الوطئ وعلى هذا لو تزوج مكاتبته فالنكاح باطل
لقيام الملك له في رقبتها وإن كان هو ممنوعا من وطئها بسبب الكتابة فان وطئها كان لها المهر
بمنزلة ما لو وطئها قبل النكاح وهذا لان الحد يسقط للشبهة فيجب المهر وهي بعقد الكتابة
صارت أحق بنفسها ومكاسبها والمستوفي بالوطئ في حكم جزء من عينها ولو قطع المولى يدها
كان الأرش لها فكذلك إذا وطئها ألا ترى أن الواطئ لو كان غير المولى كان المهر لها فان
عتقت بعد هذا النكاح لم يجز ذلك النكاح لأنه تعين فيه جهة البطلان لملكه رقبتها فلا
ينقلب صحيحا وان زال الملك وكذلك أن تزوج المكاتب مولاته ودخل بها فعليه المهر
لسقوط الحد بشبهة النكاح ولا يجوز النكاح وان عتق لما قلنا وان تزوج المكاتب أو العبد
بنت مولاه باذنه جاز النكاح لأنه لا ملك لها في رقبته ولا حق ملك ما دام الأب حيا فان مات
المولى فسد نكاح العبد لأنها ملكت رقبة زوجها إرثا وملكها رقبة الزوج لو اقترن بالنكاح
منع صحة النكاح فإذا طرأ على النكاح يرفع النكاح أيضا لان المنافى يؤثر سواء كان طارئا
أو مقارنا فأما نكاح المكاتب لا يفسد بموت المولى عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يفسد
وهو بناء على أن رقبة المكاتب لا تورث عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى تورث وأصل
المسألة ان المشغول بحاجة المورث لا يملكه الوارث عندنا كالتركة المستغرقة بالدين
والمكاتب أيضا مشغول بحاجته وعند الشافعي رحمه الله تعالى كل ما كان مملوكا للمورث
فإذا لم يخرج بموته من أن يكون مملوكا للمورث يصير مملوكا لوارثه وحجته على سبيل
الابتداء في هذه المسألة انها لو تزوجت به ابتداء بعد موت المولى لا يصح النكاح فكذا
لا يبقى النكاح كما في العبد وتقريره أن الوارث خلافة ورقبة المكاتب كانت مملوكة للمولى
فيخلفه وارثه فيه بعد الموت ألا ترى أنه لو عجز كان مملوكا للوارث وعجزه ليس بموجب
ملك الرقبة للوارث ابتداء فعرفنا أنه كان مالكا قبل ذلك وحجتنا في ذلك أن المكاتب
لا يملك بسائر أسباب الملك فكذلك لا يملك بالإرث كالمدبر والدليل عليه انه لو أدى بدل
الكتابة كان ولاؤه للمولى وإنما يثبت الولاء لمن يعتق على ملكه فتبين بهذا أنه باق على ملك
المولى لحاجته إلى ذلك واستحقاقه ولاءه بعقد الكتابة ولهذا يملك بعد العجز لان المانع حق
المولى وقد زال فيكون ذلك السبب عاملا في ايجاب الملك بعد زوال المانع وأما إذا تزوجت
130

به ابتداء بعد موت المولي إنما لا يجوز لأنه ثبت لها حق أن تتملك رقبته عند زوال المانع
وحق الملك يمنع ابتداء النكاح ولا يمنع بقاءه ولهذا لو اشترى المكاتب امرأة مولاه
لا يفسد النكاح ولو تزوج أمة مكاتبه لا يجوز وكذلك لو اشترى المكاتب امرأة نفسه
لا يفسد النكاح ولو تزوجها ابتداء لم يصح وكذلك لو كفل رجل عن المكاتب بمال لابن
مولاه فهو جائز فان مات أبوه كانت الكفالة على حالها ولو كفل له بمال مستقبل عنه بعد
موت أبيه لم يجز من غير هذا الباب العدة تمنع ابتداء النكاح ولا تمنع البقاء والإباق يمنع
ابتداء البيع ولا يمنع البقاء فالقياس في هذا كثير وإذا ثبت بقاء النكاح قلنا إن أعتق المكتب
فهي امرأته لأنه بالعتق ازداد بعدا عنها وان عجز ورد في الرق بطل النكاح ولا مهر لها إن لم
يكن دخل بها لان بطلان النكاح يقرر المنافى وذلك إذا وجد قبل الدخول أبطل النكاح
من الأصل فلا يوجب شيئا من المهر كالمحرمية وإن كان قد دخل بها فلها المهر في رقبته
يبطل منه بقدر حصتها لأنها ملكت بعض رقبته والمولى لا يستوجب على مملوكه دينا (قال)
رجل تزوج أمة رجل ثم اشترى بعضها قبل أن يدخل بها أو ملكها بوجه من الوجوه
فسد النكاح لتقرر المنافى وهو ملكه جزء من رقبتها ولا مهر عليه إن لم يكن دخل بها وإن كان
قد دخل بها فعليه المهر لمولاها وقد انتقض النكاح لملكه جزء من رقبتها وان أتى
العبد المرأة الحرة فأخبرها انه حر فتزوجها على ذلك ثم علمت أنه عبد قد أذن له مولاه في
التزوج فهي بالخيار ان شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته لأنه غرها ولأنها ما رضيت ان
يستفرشها مملوك ولأنه ليس بكفء لها وقد بينا انه إذا كتم نسبه ثم ظهر أن نسبه المكتوم
دون ما أظهره يكون لها الخيار فإذا أظهر الحرية وتبين الرق لان يثبت لها الخيار كان أولى
فان اختارت الفرقة لا تكون هذه الفرقة إلا عند القاضي بمنزلة الرد بالعيب والفسخ بعدم
الكفاءة لا يثبت الا بقضاء القاضي ولا مهر لها عليه إن لم يكن دخل بها لأنه فسخ لأصل
النكاح بينهما (قال) عبد تزوج امرأة بإذن مولاه ولم يخبرها انه حر أو عبد ثم علمت أنه عبد
فإن كان أولياء المرأة زوجوها منه برضاها فلا خيار لهم ولا لها لان مباشرة الأولياء العقد
يكون مسقطا حقهم في طلب الكفاءة والزوج ما شرط لها من نفسه شيئا فات عليها ذلك
إنما ظنت انه حر وظنها لا يلزم الزوج شيئا فلهذا لا خيار لها وان كانت فعلته بدون الأولياء
فلهم ان يفرقوا بينهما لأنه غير كف ء والمرأة إذا زوجت نفسها من غير كف ء فللأولياء
131

حق الاعتراض دفعا للعار عن أنفسهم والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب الرضاع) *
(قال) بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
وذكر عروة عن عائشة رضي الله عنهما هذا الحديث قال يحرم بالرضاع ما يحرم بالولادة وفيه
دليل على أن الرضاع من أسباب التحريم وانه بمنزلة النسب في ثبوت الحرمة لان ثبوت
الحرمة بالنسب لحقيقة البعضية أو شبهة البعضية وفي الرضاع شبهة البعضية بما يحصل باللبن
الذي هو جزء الآدمية في انبات اللحم وانشاز العظم واليه أشار رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم وفيه دليل على أن الحرمة بالرضاع كما تثبت
من جانب الأمهات تثبت من جانب الآباء وهو الزوج الذي نزل لبنها بوطئه فان رسول
الله صلى الله عليه وسلم شبهه بالنسب في التحريم والحرمة بالنسب تثبت من الجانبين
فكذلك بالرضاع بخلاف ما يقوله بعض العلماء رحمهم الله تعالى ان لبن الفحل لا يحرم وهو
أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى احتجوا بان الله تعالى ذكر حرمة الرضاع في جانب
النساء فقال وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة فلو كانت الحرمة تثبت من
جانب الرجال لبينها الله تعالى كما بين الحرمة بالنسب ولان الحرمة في حق الرجل لا تثبت
بحقيقة فعل الارضاع فإنه لو نزل اللبن في ثندؤة الرجل فأرضع به صبيا لا تثبت الحرمة فلأن لا
تثبت في جانبه بارضاع زوجته أولى وحجتنا ذلك حديث عمرة عن عائشة رضي الله عنهما
قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فسمعت صوت رجل يستأذن على حفصة
رضي الله عنها فقلت هذا رجل يستأذن في بيتك يا رسول الله فقال صلوات الله عليه ما أراه
الا فلانا عما لحفصة من الرضاع فقلت لو كان فلان عمى من الرضاع حيا أكان يدخل على فقال
نعم الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة وفي حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول
الله ان أفلح بن أبي قعيس يدخل على وأنا في ثياب فضل فقال صلى الله عليه وسلم ليلج عليك
أفلح فإنه عمك من الرضاعة فقلت إنما أرضعتني المرأة لا الرجل فقال صلوات الله عليه ليلج عليك
فإنه عمك والعم من الرضاعة لا يكون الا باعتبار لبن الفحل والمعنى فيه أن سبب هذا اللبن فعل
الواطئ فالحرمة التي تنبنى عليه تثبت من الجانبين كالولادة فاما ما قالوا إن الله تعالى بين حرمة
132

الرضاع في جانب النساء قلنا من الاحكام ما يثبت بالقرآن ومنها ما يثبت بالسنة فحرمة الرضاع
في جانب الرجل مما يثبت بالسنة والمعنى الذي لأجله تثبت الحرمة بسبب الرضاع لا يوجد
في ارضاع الرجل فان ما نزل في ثندؤته لا يغذى الصبي فلا يحصل به انبات اللحم فهذا نظير
وطئ الميتة في أنه لا يوجب الحرمة (قال) ولا ينبغي للرجل أن يتزوج امرأة ابنه من
الرضاعة ولا امرأة أبيه من الرضاعة وكذلك أجداده ونوافله وهو نظير الحرمة الثابتة بالنسب
وعلى هذا الأخوات من الرضاعة اما إذا أرضعت امرأة واحدة ثنتان فهما أختان فإن كان
زوجها واحدا فهما أختان لأب وأم من الرضاعة وإن كان زوجها مختلفا عند الارضاعين فهما
أختان لام وإن كان تحت الرجل امرأتان لكل واحدة لبن منه فأرضعت كل واحدة
منهما صبية فهما أختان لأب من الرضاعة لان لبنهما من رجل واحد وعموم قوله تعالى
وأخواتكم من الرضاعة يتناول ذلك كله وكذلك بنات الأخ من الرضاع كبنات لأخ
من النسب ألا ترى أنه لما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت أبي سلمة رضى
الله تعالى عنها قال لو لم تكن ربيبتي في حجري ما كانت تحل لي أرضعتني وأباها ثويبة فقال علي
رضى الله تعالى عنه يا رسول الله انك ترغب في قريش وترغب عنا فقال هل فيكم شئ قال نعم
ابنة حمزة رضى الله تعالى عنه فقال صلى الله عليه وسلم انها ابنة أخي من الرضاعة (قال) وإذا
كان للمرأة لبن وطلقها زوجها وتزوجت آخر فحبلت من الآخر ونزل لها اللبن فاللبن من
الأول حتى تلد في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإذا ولدت فاللبن بعد ذلك يكون من الثاني
وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا عرف أن هذا اللبن من الحبل الثاني فهو من الآخر وقد
انقطع اللبن الأول وعنه في رواية إذا حبلت من الثاني انقطع حكم لبن الأول وقال محمد رحمه
الله تعالى أستحسن أن يكون منهما جميعا حتى تضع من الآخر وجه قوله ان ما كان بها من
اللبن فهو من الأول وما ازداد بسبب الحبل فهو من الثاني وباب الحرمة مبنى على الاحتياط
فتثبت الحرمة منهما جميعا كما إذا حلب لبن امرأتين في قارورة وأوجر صبيا فإذا وضعت من
الثاني فقد انتسخ سبب لبن الأول باعتراض مثله عليه فلهذا كان اللبن من الثاني بعده وأبو يوسف
يقول اللبن ينزل تارة بعد الولادة وتارة بعد الحبل قبل الولادة فإذا عرف نزول اللبن من
الثاني انتسخ به حكم اللبن من الأول كما ينتسخ بالولادة من الثاني وعلى الرواية الأخرى
يقول لما كان الحبل سببا لنزول اللبن وحقيقة نزول اللبن من الثاني باطل فيقام السبب
133

الظاهر مقام المعنى الباطن تيسيرا فينتسخ به حكم لبن الأول وأبو حنيفة رحمه الله تعالى
يقول كون اللبن من الأول ثابت بيقين واللبن يزداد تارة وينقص أخرى باعتبار الغذاء
فهذه الزيادة تحتمل أن تكون من قوة الغذاء لا من الحبل الثاني فلا ينتسخ به حكم اللبن
من الأول حتى يتعرض مثل ذلك السبب من الثاني وذلك يكون بالولادة (قال) ولا يجتمع
حكم الرضاع لرجلين على امرأة واحدة في حالة واحدة لان سببهما لا يجتمع حلالا شرعا
فكذلك ما ينبنى على ذلك السبب ولكن ما بقي الأول لا يثبت الثاني وإذا ثبت الثاني انتفى
الأول (قال) ولا يجوز له أن يتزوج امرأة أرضعته رضاعا قليلا أو كثيرا عندنا وقال الشافعي
رحمه الله تعالى لا تثبت الحرمة الا بخمس رضعات يكتفى الصبي بكل واحدة منها ومن
أصحاب الظواهر من اعتبر ثلاث رضعات لايجاب الحرمة واستدل من شرط العدد بقوله
صلى الله عليه وسلم لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الاملاجة ولا الاملاجتان. وفي حديث
عمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنهما قالت كان فيما أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات
يحرمن فنسخ بخمس رضعات معلومات يحرمن وكان ذلك مما يتلى بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولا نسخ بعد ذلك وحجتنا قوله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم أثبت الحرمة
بفعل الارضاع فاشتراط العدد فيه يكون زيادة على النص ومثله لا يثبت بخبر الواحد. وفي
حديث علي رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الرضاع قليله وكثيره سواء
يعنى في ايجاب الحرمة ولان هذا سبب من أسباب التحريم فلا يشترط فيه العدد كالوطئ أما
حديث عائشة رضى الله تعالى عنها فضعيف جدا لأنه إذا كان متلوا بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ونسخ التلاوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز فلماذا لا يتلى الآن وذكر
في الحديث فدخل داجن البيت فأكله وهذا يقوى قول الروافض الذين يقولون كثير من
القرآن ذهب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يثبته الصحابة رضي الله تعالى عنهم في
المصحف وهو قول باطل بالاجماع ولو ثبت أن هذا كان في وقت من الأوقات فإنما كان في
الوقت الذي كان ارضاع الكبير مشروعا وعليه يحمل الحديث الثاني فان انبات اللحم وانشاز العظم
في حق الكبير لا يحصل بالرضعة الواحدة فكان العدد مشروعا فيه ثم انتسخ بانتساخ حكم
ارضاع الكبير على ما نبينه إن شاء الله تعالى (قال) والسعوط والوجور يثبت الحرمة لأنه
مما يتغذى به الصبي فان السعوط يصل إلى الدماغ فيتقوى به والوجور يصل إلى الجوف
134

فيحصل به انبات اللحم وانشاز العظم فاما الأقطار في الاذن لا يوجب الحرمة لأن الظاهر أنه
لا يصل إلى الدماغ لضيق ذلك الثقب وكذلك الأقطار في الإحليل فان أكثر ما فيه أنه
يصل إلى المثانة فلا يتغذى به الصبي عادة وكذلك الحقنة في ظاهر الرواية الا في رواية عن
محمد رحمه الله تعالى قال إذا احتقن صبي بلبن امرأة تثبت به الحرمة لان ذلك يصل إلى
الجوف الا ترى أنه يفسد به الصوم ولكنا نقول ليس الموجب للحرمة عين الوصول إلى
الجوف بل حصول معني الغذاء ليثبت به شبهة البعضية وذلك أنما يحصل من الأعالي لا من
الأسافل ثم بين من يحرم بسبب الرضاعة والحاصل فيه ما بينا انه بمنزلة النسب فكما أن
الحرمة الثابتة بالنسب في حق الأمهات والبنات تتعدى إلى الجدات والنوافل والعمات
والخالات فكذلك بسبب الرضاع (قال) ولا رضاع بعد الفصال بلغنا ذلك عن علي وابن
مسعود رضي الله عنهما وهكذا رواه جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لا رضاع بعد الفصال ولا يتم بعد الحلم ولا صمت يوم إلى الليل ولا وصال في صيام ولا
طلاق قبل النكاح ولا عتق قبل الملك ولا وفاء في نذر في معصية ولا يمين في قطيعة رحم
ولا تغرب بعد الهجرة ولا هجرة بعد الفتح والكلام هنا في فصول أحدها ان الحرمة
لا تثبت بارضاع الكبير عندنا وعلى قول بعض الناس تثبت الحرمة لحديث سهلة امرأة أبى
حذيفة رضي الله عنهما فإنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما انتسخ حكم
التبني بقوله تعالى ادعوهم لآبائهم فقالت يا رسول الله ان أبا حذيفة تبنى سالما فكنا نعده ولدا
له وان لنا بيتا واحدا فماذا ترى في شأنه وفي رواية وانه يدخل علي وأنا أرى الكراهة في
وجه أبى حذيفة رضي الله عنه فقال صلى الله عليه وسلم ارضعي سالما خمسا تحرمين بها عليه وبهذا
الحديث أخذت عائشة رضي الله عنها حتى كان إذا أراد أن يدخل عليها أحد من الرجال
أمرت أختها أم كلثوم رضي الله عنها أو بعض بنات أختها ان ترضعه خمسا ثم كان يدخل عليها
إلا أن غيرها من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن يأبين ذلك ويقلن لا نرى هذا من
رسول الله صلى الله عليه وسلم الا رخصة لسهلة خاصة ثم هذا الحكم انتسخ بقوله صلى الله
عليه وسلم الرضاع ما أثبت اللحم وأنشز العظم وذلك في الكبير لا يحصل وقال صلى الله عليه
وسلم الرضاعة من المجاعة يعنى ما يرد الجوع وذلك بارضاع الكبير لا يحصل وفي حديث أبي
هريرة رضي الله عنه قال الرضاع ما فتق الأمعاء وكان قبل الطعام والصحابة رضى الله
135

عنهم اتفقوا على هذا فقد ذكر في الكتاب عن علي وابن مسعود رضي الله عنهم قالا
لا رضاع بعد الفصال وروى أن اعرابيا ولدت امرأته ومات الولد فانتفخ ثديها من اللبن
فجعل يمصه ويمج فدخل بعض اللبن في حلقه فجاء إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه
وسأله عن ذلك فقال حرمت عليك فجاء إلى ابن مسعود رضي الله عنه وسأله عن ذلك فقال
هي حلال لك فأخبره بفتوى أبى موسى فقام معه إلى أبي موسى ثم أخذ بأذنه وهو يقول
أرضيع فيكم هذا للحياني فقال أبو موسى رضي الله عنه لا تسألوني عن شئ ما دام هذا الحبر
بين أظهركم وجاء رجل إلى عمر رضي الله عنه فقال إن لي جارية فأرضعتها امرأتي فدخلت
البيت فقالت خذها دونك فقد والله أرضعتها فقال عمر رضي الله عنه عزمت عليك ان
تأتي امرأتك فتضربها ثم تأتي جاريتك فتطأها وروى نحو هذا عن ابن عمر رضي الله عنه
ما فثبت بهذه الآثار انتساخ حكم إرضاع الكبير ثم اختلف العلماء في المدة التي
تثبت فيها حرمة الرضاع فقدر أبو حنيفة رحمه الله تعالى بثلاثين شهرا وأبو يوسف ومحمد
رحمهما الله تعالى قدرا ذلك بحولين وزفر قدر ذلك بثلاث سنين فإذا وجد الارضاع في
هذه المدة تثبت الحرمة وإلا فلا واستدلا بظاهر قوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن
حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ولا زيادة بعد التمام والكمال وقال الله تعالى وفصاله
في عاملين ولا رضاع بعد الفصال ولان الظاهر أن الصبي في مدة الحولين يكتفى باللبن وبعد
الحولين لا يكتفى به فكان هو بعد الحولين بمنزلة الكبير في حكم الرضاع وأبو حنيفة رحمه
الله تعالى استدل بقوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وظاهر هذه الإضافة يقتضى أن
يكون جميع المذكور مدة لكل واحد منهما إلا أن الدليل قد قام على أن مدة الحبل
لا تكون أكثر من سنتين فبقي مدة الفصال على ظاهره وقال الله تعالى فان أراد افصالا
عن تراض منهما وتشاور الآية فاعتبر التراضي والتشاور في الفصلين بعد الحولين فذلك
دليل على جواز الارضاع بعد الحولين وقال الله تعالى وان أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا
جناح عليكم قيل بعد الحولين إذا أبت الأمهات ولان اللبن كما يغذى الصبي قبل الحولين
يغذيه بعده والفطام لا يحصل في ساعة واحدة لكن يفطم درجة فدرجة حتى ينسى اللبن
ويتعود الطعام فلا بد من زيادة على الحولين بمدة وإذا وجبت الزيادة قدرنا تلك الزيادة
بأدنى مدة الحبل وذلك ستة أشهر اعتبارا للانتهاء بالابتداء وبهذا يحتج زفر رحمه الله تعالى
136

أيضا إلا أنه يقول لما وجب اعتبار بعض الحول وجب اعتبار كله وتقدر مدة الفطام بحول
لأنه حسن للاختبار والتحول به من حال إلى حال (قال) فان فطم الصبي قبل الحولين ثم أرضع
في مدة ثلاثين شهرا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أو في مدة الحولين عندهما فالظاهر من
مذهبهما وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى انه تثبت به الحرمة لوجود الارضاع في المدة
فصار الفطام كأن لم يكن وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال هذا إذا لم
يتعود الصبي الطعام حتى لا يكتفى به بعد هذا الفطام فاما إذا صار بحيث يكتفى بالطعام
لا تثبت الحرمة برضاعه بعد ذلك لأنه بعد ما صار بحيث يكتفى بالطعام فاللبن بعده لا يغذيه
فلا يحصل به معنى البعضية بيانه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال وكان قبل الطعام
أي قبل أن يكتفى بالطعام (قال) ولا بأس بان يتزوج الرجل أم ابنه التي أرضعته لأنه لا بأس
بذلك من النسب فكذلك من الرضاعة وكذلك لا بأس بان يتزوج ابنتها وهذا من النسب
لا يحل ان يتزوج أخت ابنه لا لأجل النسب ولكن لأنها ربيبته لأنه وطئ أمها وهذا
لا يوجد في الرضاع فلهذا جاز له ان يتزوجها وكذلك يتزوج أخت أخته من الرضاع ومثله
من النسب يحل لأنه إذا تزوج أخت أخته من النسب يحل ذلك بان كان له أخ لأب وأخت
لام فلأخيه لأبيه ان يتزوج أخته لامه لأنه لا نسب بينهما موجب للحرمة فكذلك في الرضاع
وكذلك لا بأس بان يتزوج ابنة عمه من الرضاعة أو ابنة عمته أو ابنة خاله أو ابنة خالته كما لا
بأس من النسب وكذلك لا بأس بأن يتزوج التي رضعت أخاه أو ما بدا له من ولدها لأنه
لا رضاع بينه وبينهم (قال) ولا يجمع الرجل بين أختين من الرضاعة ولا بين المرأة
وابنة أختها أو ابنة أخيها وكذلك كل امرأة ذات رحم محرم منها من الرضاعة للأصل
الذي بينا في النسب ان كل امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا والأخرى أنثى لم يجز للذكر
ان يتزوج الأنثى فإنه يحرم الجمع بينهما بالقياس على حرمة الجمع بين الأختين فكذلك من
الرضاعة وتبين بهذا ان حرمة هذا الجمع ليس لقطيعة الرحم فإنه ليس بين الرضيعتين رحم
وحرمه الجمع بينهما ثابتة (قال) وإذا ولدت المرأة من الرجل ثم طلقها وتزوجت بزوج
آخر وأرضعت بلبن الأول ولدا وهي تحت الزوج الثاني فالرضاع من الزوج الأول دون
الثاني لان المعتبر من كان نزول اللبن منه لا من هي تحته ونزول هذا اللبن كان من الأول
(قال) ولا يجوز شهادة امرأة واحدة على الرضاع أجنبية كانت أو أم أحد الزوجين ولا
137

يفرق بينهما بقولها ويسعه المقام معها حتى يشهد على ذلك رجلان أو رجل وامرأتان
عدول وهذا عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يثبت الرضاع بشهادة أربع نسوة بناء على
مذهبه ان فيما لا يطلع عليه الرجل يعتبر فيه أربع نسوة لتقوم كل امرأتين مقام رجل
وزعم أن الرضاع مما لا يطلع عليه الرجال لأنه يكون بالثدي ولا تحل مطالعته للأجانب
ولكنا نقول الرضاع مما يطلع عليه الرجال لان ذا الرحم المحرم ينظر إلى الثدي وهو مقبول
الشهادة في ذلك ولان الحرمة كما تحصل بالارضاع من الثدي تحصل بالايجار من القارورة
وذلك يطلع عليه الرجال فلا تقبل فيه شهادة النساء وحدهن وكان مالك رحمه الله تعالى يقول
تثبت حرمة الرضاع بشهادة امرأة واحدة إذا كانت عدلا وهكذا روى عن عثمان رضى
الله تعالى عنه واستدل بحديث عقبة بن الحارث رحمه الله تعالى أنه تزوج ابنة أبى هانئ
فجاءت امرأة سوداء وأخبرت أنها أرضعتهما فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فأعرض عنه ثم ذكر ثانيا فأعرض عنه ثم ثالثا فقال فارقها اذن فقال إنها سوداء يا رسول الله
قال كيف وقد قيل وحجتنا في ذلك حديث عمر رضى الله تعالى عنه قال لا يقبل في الرضاع
الا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ولان سبب نزول هذه الحرمة مما يطلع عليه الرجال
فلا يثبت الا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين كالحرمة بالطلاق وحديث عقبة بن الحارث
رحمه الله تعالى دليلنا فان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرض عنه في المرة الأولى والثانية
فلو كانت الحرمة ثابتة لما فعل ذلك ثم لما رأى منه طمأنينة القلب إلى قولها حيث كرر السؤال
أمره أن يفارقها احتياطا والدليل عليه أن تلك الشهادة كانت عن ضغن فإنه قال جاءت امرأة
سوداء تستطعمنا فأبينا أن نطعمها فجاءت تشهد على الرضاع وبالإجماع بمثل هذه الشهادة
لا تثبت الحرمة فعرفنا أن ذلك كان احتياطا على وجه التنزه واليه أشار صلى الله عليه وسلم
في قوله كيف وقد قيل وعندنا إذا وقع في قلبه أنها صادقة فالأحوط أن يتنزه عنها ويأخذ
بالثقة سواء أخبرت بذلك قبل عقد النكاح أو بعد عقد النكاح وسواء شهد به رجل أو امرأة
فأما القاضي لا يفرق بينهما ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان لان خبر الواحد إذا كان
كان ثقة حجة في أمور الدين وليس بحجة في الحكم والقاضي لا يفرق بينهما الا بالحجة الحكمية
فاما إذا قامت عنده حجة دينية يفتى له بأن يأخذ بالاحتياط لأنه إن ترك نكاح امرأة تحل
له خير من أن يتزوج امرأة لا تحل له (قال) وإذا نزل للمرأة لبن وهي بكر لم تتزوج فأرضعت
138

شخصا صغيرا فهو رضاع لان المعنى الذي يثبت به حرمة الرضاع حصول شبهة الجزئية بينهما
والذي نزل لها من اللبن جزء منها سواء كانت ذات زوج أو لم تكن ولبنها يغذى الرضيع فتثبت
به شبهة الجزئية (قال) وإذا حلب اللبن من ثدي المرأة ثم ماتت فشربه صبي تثبت به
الحرمة لحصول المعنى الموجب للحرمة بهذا اللبن ولا معتبر بفعلها في الارضاع ألا ترى
انها لو كانت نائمة فارتضع من ثديها الصبي تثبت الحرمة وكذلك الايجار لو حصل في
حياتها تثبت الحرمة فكذلك بعد موتها (قال) وكذلك لو حلب اللبن من ثديها بعد
موتها فأوجر الصبي تثبت به الحرمة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا تثبت وهو بناء
على أصلين أحدهما أن اللبن لا يموت عندنا لأنه لا حياة فيه ألا ترى أنه يحلب في حالة
الحياة من الحيوان فيكون ظاهرا وما فيه الحياة إذا بان من الحي يكون ميتا فإذا لم يكن في
اللبن حياة لا يتنجس بالموت بل عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يبقى طاهرا وعندهما يتنجس
بنجاسة الوعاء كما في إنفحة الميتة فكأنه حلب لبن امرأة في قارورة نجسة فأوجر الصبي به فيثبت
به الحرمة وعند الشافعي رحمه الله تعالى اللبن يموت فيكون نجس العين وثبوت حرمة
الرضاع باعتبار معنى الكرامة فلا تثبت بما هو نجس العين والأصل الثاني أن عنده الفعل
الذي هو حرام بعينه وهو الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة لان ثبوتها بطريق الكرامة
فكذلك ايجار لبن الميتة حرام فلا تثبت به الحرمة ثم قاس لبن الميتة بوطئ الميتة ولكن
عندنا وإن كان الفعل حراما تثبت به الحرمة إذا تحقق فيه المعنى الموجب للحرمة ولهذا أثبتنا
الحرمة بالزنا لان معنى البعضية لا ينعدم به حقيقة فكذا هنا ثبوت الحرمة باعتبار ان اللبن
يغذى الصبي فيتقوى به ولو سلمنا له حرمة اللبن بالموت فبالحرمة لا يخرج من أن يكون مغذيا
ألا ترى ان لحم الميتة مغذ فكذلك لبنها وبه فارق وطئ الميتة لان معنى البعضية ينعدم منه
أصلا وهو معنى ما قال في الكتاب الجماع بعد الموت ليس بجماع وايجار لبن الميتة رضاع وشبه
اللبن بالبيضة فان بالموت لا تخرج البيضة أن تكون مغذية فكذا اللبن (قال) ولو
أرضع الصبيان من بهيمة لم يكن ذلك رضاعا وكان بمنزلة طعام أكلاه من إناء واحد ومحمد بن
إسماعيل صاحب الاخبار رحمه الله تعالى يقول يثبت به حرمة الرضاع فإنه دخل بخارى في زمن
الشيخ الامام أبى حفص رحمه الله تعالى وجعل يفتى فقال له الشيخ رحمه الله تعالى لا تفعل
فلست هنالك فأبى ان يقبل نصحه حتى استفتى عن هذه المسألة إذا أرضع صبيان بلبن شاة
139

فأفتى بثبوت الحرمة فاجتمعوا وأخرجوه من بخارى بسبب هذه الفتوى وهذا لان ثبوت
الحرمة بسبب الكرامة وذلك يختص بلبن الآدمية دون لبن الانعام وشبهة الجزئية لا يثبت
بين الآدمي والانعام بشرب لبنها فكذلك لا تثبت بين الآدميين بشرب لبن بهيمة وهذا
قياس حرمة المصاهرة التي تثبت بالوطئ ولا تثبت بوطئ البهائم فكذلك هنا (قال) ولو صنع
لبن امرأة في طعام فأكله الصبي فإن كانت النار قد مست اللبن وأنضجت الطعام حتى تغير
فليس ذلك برضاع ولا يحرم لان النار غيرته فانعدم بها معنى التغذي باللبن وانبات اللحم
وانشاز العظم وان كانت النار لم تمسه فإن كان الطعام هو الغالب لا تثبت به الحرمة أيضا لان
المغلوب في حكم المستهلك ولان هذا أكل والموجب للحرمة شرب اللبن دون الأكل وإن كان
اللبن هو الغالب فكذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا تثبت به الحرمة وعلى
قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تثبت به الحرمة لان الحكم للغالب والغالب هو اللبن
ولم يغيره شئ عن حاله وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول القاء الطعام في اللبن يغيره ألا ترى
أنه يرق به وربما يتغير به لونه فكان بمنزلة ما لو غيرته النار وقيل هذا إذا كأن لا يتقاطر
اللبن من الطعام عند حمل اللقمة وأما إذا كان يتقاطر منه اللبن تثبت به الحرمة عنده لان
القطرة من اللبن إذا دخلت حلق الصبي كانت كافية لاثبات الحرمة والأصح أنه لا تثبت على
كل حال عنده لان التغذي كان بالطعام دون اللبن (قال) وإذا جعل لبن امرأة في دواء
فأوجر منه صبيا أو أسعط منه واللبن غالب فهذا رضاع لأنه إنما يجعل في الدواء ليصل بقوة
الدواء إلى ما لا يصل إليه وحدة فكان هذا أبلغ في حصول معنى التغذي به فلهذا تثبت
به الحرمة (قال) وان جعل اللبن في ماء فشربه الصبي فإن كان اللبن هو الغالب تثبت به
الحرمة وإن كان الماء غالبا لا تثبت به الحرمة وكذلك أن خلط لبن الآدمية بلبن الانعام
وعند الشافعي رحمه الله تعالى قدر ما يحصل به خمس رضعات من اللبن إذا جعل في جب من
الماء فشربه الصبي تثبت به الحرمة فأما إذا خلط لبن امرأة بلبن امرأة أخرى ثم أوجر
منه صبيا فعلى قول محمد رحمه الله تعالى تثبت الحرمة منهما جميعا لان الشئ يكثر بجنسه
ولا يصير مستهلكا به وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى تثبت به الحرمة بينه وبين من يكون
لبنها غالبا لان المغلوب لا يظهر حكمه في مقابلة الغالب وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيه
روايتان في إحداهما اعتبر الأغلب كما هو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وفى الأخرى قال
140

تثبت الحرمة منهما وهو قول زفر رحمه الله تعالى وأصل المسألة فيما إذا حلف لا يشرب من
لبن هذه البقرة فخلط لبنها بلبن بقرة أخرى فشربه فهو على هذا الخلاف * (قال) * الرضاع
بمنزلة النسب والوطئ في اثبات حرمة المصاهرة لا فرق بين أن يوجد في دار الحرب أو في
دار الاسلام (قال) وإذا جامع الرجل المرأة أو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة لم تحل
لابنه ولا لأبيه من الرضاعة ولا تحل له أمها ولا ابنتها من الرضاعة كما لا تحل لابنه وأبيه
نسبا فان هذه الحرمة تعلقت بأسام نثبت تلك الأسامي بالرضاعة وهي الأبوة والأمومة
وكذلك لا يتزوج على المعتدة منه أختها من الرضاعة ولا ذات رحم محرم منها لان حرمة
الجمع متعلقة باسم الأختية وذلك يتحقق بالرضاع كما يتحقق بالنسب والعدة تعمل عمل صلب
النكاح في المنع من النكاح (قال) وإذا تزوج الرجل الصبية فأرضعتها أمه من الرضاعة
أو أمه التي ولدته أو أخته من نسب أو رضاع أو امرأة ابنه بلبن ابنه من نسب أو رضاع
حرمت عليه لان المحرمية تمنع النكاح بعلة المنافاة فان بين الحل والحرمة في المحل منافاة
والمنافي كما يؤثر إذا اقترن بالنسب ينافي البقاء إذا طرأ عليه فإذا حرمت عليه لزمه بذلك
نصف المهر لها لان الفرقة قبل الدخول حصلت لا بمعنى من جهتها أو حصلت بمعنى من جهة
الزوج وهي المحرمية فيجب نصف الصداق لها ويرجع بذلك على التي أرضعتها ان كانت
أرادت الفساد أو عمدت ذلك وان كانت أخطأت أو أرادت الخير بأن خافت على الرضيع
الهلاك من الجوع لم يرجع به عليها والقول فيه قولها إن لم يظهر منها تعمد الفساد لأنه شئ
في باطنها لا يقف عليه غيرها فلا بد من قبول قولها فيه وإنما يختلف الجواب في نيتها إذا
أرادت الفساد أو لم ترد لأنها مسببة لهذه الفرقة لا مباشرة فإنها مباشرة للارضاع وهو ليس
بسبب موضوع للفرقة والمسبب إذا كان متعديا في تسببه يكون ضامنا وإن لم يكن متعديا
لا يضمن كحافر البئر في ملك نفسه لا يضمن ما يسقط فيه بخلاف الحافر في ملك الغير فإذا
أرادت الفساد كانت متعدية في السبب وإذا لم ترد الفساد لم يكن متعدية في السبب وقد
روى عن محمد رحمه الله تعالى انه يرجع عليها بنصف الصداق على كل حال فان من أصله
ان المتسبب كالمباشر ولهذا جعل فتح باب القفص والاصطبل وحل قيد الآبق موجبا
للضمان وفي المباشرة المتعدى وغير المتعدى سواء فكذلك في التسبب على قوله وعلى قول
الشافعي رحمه الله تعالى يرجع عليها بمهر مثل المنكوحة لأنها أتلفت ملك نكاحه فيها وملك
141

النكاح عنده مضمون بالاتلاف حتى قال في شاهدي الطلاق بعد الدخول إذا رجعا ضمنا
مهر المثل وهذا لان ملك البضع يتقوم عند دخوله في ملك الزوج بمهر المثل فكذلك عند
خروجه عن ملكه ولكنا نقول إن ملك النكاح ليس بمتقوم في نفسه لأنه ليس بملك عين
ولا منفعة إنما هو ملك ضروري لا يظهر الا في حق الاستيفاء. ألا ترى أنه لا يظهر في
حق النقل إلى الغير والانتقال إلى الورثة فكذلك في حق التقوم بالمال ولأنه ليس بمال
في نفسه فلا يكون مضمونا بالمال لان ضمان الاتلاف مقدر بالمثل بالنص وتقوم البضع
عند دخوله في ملك الزوج للضرورة لأنه تملك للبضع وهو محترم فلا يثبت الا بعوض
وهذه الضرورة لا توجد عند الخروج من ملكه لأنه ابطال للملك لا تمليك منها وابطال الملك
لا يستدعى التقوم والدليل على الفرق أن الأب يزوج ابنه الصغير بمال الصغير وليس له أن
يخلع ابنته الصغيرة بمالها فإذا ثبت أنه غير متقوم عند خروجه من ملكه لم يجب الضمان عليها
باتلاف البضع ولكنها قررت عليه ما كان على شرف السقوط فان الصداق وان وجب بالعقد
فهو بعرض السقوط ما لم يدخل بها إذا جاءت الفرقة من قبلها فهي قررت النصف عليه بما فعلته وهي
متسببة في ذلك متعدية إذا تعمدت الفساد فلهذا رجع عليها بذلك (قال) وإذا تزوج الرجل
الصبية ثم تزوج عمتها فنكاح العمة باطل للنهي فان أرضعت أم العمة الصبية لم يفرق بينه وبينها
لان الصبية وان صارت أختا للعمة بالرضاعة ولكن لم يصح نكاح العمة فلم يتحقق الجمع الحرام
فلهذا بقي نكاح الصبية (قال) وإذا تزوج ضبيتين رضيعتين فأرضعتهما امرأة معا أو إحداهما
بعد الأخرى بانتا جميعا لأنهما صارتا أختين حين أرضعت الثانية منهما فتقرر الجمع المنافى
وليست إحداهما ببطلان نكاحها بأولى من الأخرى فإذا بانتا فلكل واحدة منهما نصف
الصداق يرجع بذلك على المرضعة ان تعمدت الفساد لما قلنا ولو كن ثلاثا فأرضعتهن معا بأن
حلبت لبنها في قارورة وألقمت احدى ثدييها إحداهن والأخرى للأخرى وأوجرت الثلاثة
معا بن جميعا منه لأنهن صرن أخوات معا وان أرضعتهن واحدة بعد الأخرى بانت الأوليان
والثالثة امرأته لأنها حين أرضعت الثانية فقد تحققت الأختية بينها وبين الأولى فتقع الفرقة
بينه وبينهما ثم أرضعت الثالثة وليس في نكاحه غيرها ففي نكاحها وان كن أربعا فأرضعتهن
معا أو واحدة ثم الثلاث معا بن جميعا وكذلك أن أرضعتهن جميعا واحدة بعد الأخرى لأنه حين
أرضعت الثانية بانت الأوليان للأختية وحين أرضعت الثالثة والرابعة بانت الاخريان أيضا
142

للأختية وان أرضعت الثلاث أولا معا ثم الرابعة بانت الثلاثة الأول دون الرابعة لأنها حين
أرضعتها فليس في نكاحه غيرها (قال) وان تزوج امرأة وصبيتين فأرضعتهما المرأة
إحداهما قبل الأخرى ولم يدخل بالمرأة حرمت المرأة والصبية الأولى لأنها حين أرضعت
إحداهما فقد صارتا اما وابنتا فتقع الفرقة بينه وبينهما ثم أرضعت الثانية وليس في نكاحه
غيرها فبقي نكاحها لان السابق مجرد العقد على الأم وذلك لا يوجب حرمة البنت ثم لا مهر
للكبيرة لان الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول وللصغيرة نصف المهر لان الفرقة ليست من
قبلها إنما كانت من جهة الكبيرة حين أرضعتها فان اللبن يصل إلى جوفها من غير فعل منها في
الارتضاع ويرجع بذلك على الكبيرة ان كانت تعمدت الفساد لما قلنا ولا تحل له هذه
الكبيرة أبدا لان مجرد العقد على البنت يوجب حرمة الأم وأما الصبية فإنها تحل له إذا
فارقته التي عنده لأن العقد على الأم لا يوجب حرمة البنت وإن كان بعدما دخل بالكبيرة
حرمن عليه لأنهما صارتا ابنتها من الرضاعة والدخول بالأم يحرم البنت ثم للكبيرة مهرها
ولكل واحدة من الصغيرتين نصف المهر ولا يحل له واحدة منهن أبدا لوجود الدخول
بالأم وصحة العقد على البنت (قال) وإذا تزوج كبيرتين وصغيرتين فأرضعت كل واحدة
من الكبيرتين صغيرة وقعت الفرقة بينه وبينهن لان كل صغيرة بنتا لمن أرضعتها
والجمع بين الأم والبنت في النكاح حرام فإن كانت أرضعت احدى الكبيرتين الصغيرتين
ثم أرضعت الكبيرة الأخرى الصغيرتين وذلك قبل الدخول بالكبيرتين فأما الكبيرة الأولى
مع الصغيرة الأولى فقد بانتا لما قلنا والصغيرة الثانية لم تبن منه بارضاع الكبيرة الأولى فاما
بارضاع الكبيرة الثانية فان بدأت بارضاعها بانت منه وان بدأت بارضاع الأولى فالصغيرة
الثانية امرأته لأنها حين أرضعت الأولى صارت أما لها وفسد نكاحها لصحة العقد على الصغيرة
الأولى فيما سبق ثم أرضعت الثانية وليس في نكاحه غيرها فلهذا لا تقع الفرقة بينه وبينها (قال)
وإذا أقر الرجل أن هذه المرأة أخته أو أمه أو ابنته من الرضاعة ثم أراد بعد ذلك أن يتزوجها
وقال أوهمت أو أخطأت أو نسيت وصدقته المرأة فهما مصدقان على ذلك وله أن يتزوجها
وان ثبت على قوله الأول وقال هو حق كما قلت ثم تزوجها فرق بينهما ولا مهر لها عليه إن لم
يكن دخل بها وهذا استحسان وفي القياس الجواب في الفصلين سواء لأنه أقر بأنها محرمة
عليه على التأبيد والمقر به يجعل في حق المقر كالثابت بالبينة أو بالمعاينة والرجوع عن الاقرار
143

باطل لأنه ملزم بنفسه فسواء رجع أو ثبت كان النكاح باطلا بزعمه فيفرق بينهما ولا مهر
لها عليه ولكنه استحسن فقال هذا شئ يقع فيه الاشتباه فقد يقع عند الرجل؟ أن؟ بينه وبين
امرأته رضاع فيخبر بذلك ثم يتفحص عن حقيقة الحال فيتبين له أنه قد غلط في ذلك وفيما
يقع الاشتباه إذا أخبر أنه غلط فيه يجب قبول قوله شرعا لوجهين (أحدهما) أن الحل
والحرمة من حق الشرع فإذا تصادقا على أنهما قد غلطا فليس هنا من يكذبهما في خبرهما
(والثاني) أن اقراره في الابتداء لم يكن على نفسه إنما كان عليها بحرمتها عليه والحل والحرمة
صفة المحل واقرار الانسان على الغير لا يكون لازما فإذا ذكر أنه غلط فيه فهو لا يريد بهذا
ابطال شئ لزمه فلهذا قبل قوله في ذلك وان أقرت المرأة بذلك وأنكر الزوج ثم أكذبت المرأة
نفسها وقالت أخطأت فالنكاح جائز وكذلك لو تزوجها قبل أن تكذب نفسها فالنكاح
جائز ولا تصدق المرأة على قولها لان حقيقة المحرمية لا تثبت بالاقرار فإنه خبر محتمل متمثل
بين الصدق والكذب ولكن الثابت على الاقرار كالمجدد له بعد العقد واقرارها بالمحرمية
بعد العقد باطل فكذلك اقرارها به قبل العقد واما اقراره بالحرمة بعد العقد صحيح
موجب للفرقة وكذلك إذا أقر به قبل العقد وثبت على ذلك حتى تزوجها فان قيل كان
ينبغي أن يجب لها نصف المهر كما لو ابتدأ بعد النكاح قلنا إنما لا يجب لوجود التصديق منها
على بطلان أصل النكاح أو لأنه غير متهم بالقصد إلى اسقاط المهر إذ سبق الاقرار منه
بوجوب المهر بالنكاح يوضح الفرق بينهما ان الاقرار إنما يصح إذا كان مؤثرا في الملك
اما بالمنافاة أو بالإزالة واقرار الرجل مؤثر في ذلك فكان معتبرا في المنع من صحة النكاح
إذا ثبت عليه واقرار المرأة غير مؤثر في ذلك فلا يمنع صحة النكاح (قال) وإذا أقر
الزوج بهذه المقالة وثبت عليها وأشهد الشهود ثم تزوجته المرأة ولم يعلم بذلك ثم جاءت
بهذه الحجة بعد النكاح فرق بينهما ولا ينفعه جحوده لأنه لما ثبت على مقالته في الابتداء
وزعم أنه حق لا غلط فيه فقد لزمه حكم اقراره وصار كالمجدد لذلك الاقرار بعد النكاح
فيفرق بينهما ولا ينفعه الجحود ولو أقرا بذلك جميعا ثم كذبا أنفسهما وقالا أخطأنا ثم
تزوجها فالنكاح جائز وكذلك هذا الباب في النسب ليس يلزم من هذا الا ما بينا عليه لان
الغلط والاشتباه فيه أظهر فان سبب النسب أخفي من سبب الرضاع فكما أن هناك الاقرار
بدون الثبات عليه لا يوجب الحرمة فكذلك هنا (قال) ولو تزوج امرأة ثم قال لها بعد
144

النكاح هي أختي أو ابنتي أو أمي من الرضاعة ثم قال أخطأت أو أوهمت فالنكاح باق استحسانا
ولو ثبت على هذا النطق وقال هو حق فشهدت عليه الشهود بذلك فرق بينهما ولو
جحد ذلك لم ينفعه جحوده لان اقراره إنما كان موجبا للفرقة بشرط الثبات عليه فان قال
أوهمت فقد انعدم ما هو شرطه فلا يوجب الفرقة وإذا ثبت على ذلك وجد ما هو شرط
الاقرار فثبت حكمه وهو الفرقة ثم لا ينفعه جحوده بعد ذلك وكذلك لو قال هذه أختي
أو هذه ابنتي وليس لها نسب معروف ثم قال أوهمت يصدق في ذلك بخلاف ما إذا قال
لعبده أو أمته هذا ابني أو هذه ابنتي ثم قال أوهمت فإنه يعتق عليه ولا يصدق في ذلك
والفرق من وجهين أحدهما ان اقراره بالنسب في عبده وأمته ملزم بنفسه لأن لما أقربه موجبا
في ملكه وهو زوال الملك فان من اشترى ابنه يصح الشراء ويعتق عليه فإذا كان لما أقر
به موجب في ملكه كان هو مقرا به في ملك نفسه واقرار الانسان في ملك نفسه ملزم فلهذا
يتم بنفسه ثبت عليه أو لم يثبت فاما اقراره بنسب زوجته لا موجب له في ملكه لان من
تزوج ابنته لا يصح النكاح أصلا لا ان يثبت النكاح ثم يزول وإنما لا يصح النكاح بحرمة
المحل فموجب اقراره هنا لا يظهر في ملكه وإنما يظهر في المحل ولا حق له في المحل لان الحل
والحرمة صفة المحل فلم يكن اقراره متناولا لملكه ابتداء فلا يكون ملزما الا إذا ثبت عليه
فحينئذ بحكم الثبات عليه يتعدى ضرره إلى ملكه فيلزمه من هذا الوجه والثاني ان الاشتباه
لا يقع بين العبد والابن بل عبده في الغالب مباين لابنه في المطعم والملبس والمجلس فإذا
كان الاشتباه يندر فيه لا يعتبر فاما الاشتباه قد يقع بين زوجته وابنته لتقاربهما في المطعم
والملبس والمجلس فلهذا يعذر إذا قال أوهمت (قال) ولو قال لامرأته هذه ابنتي وثبت
على ذلك ولها نسب معروف لم يفرق بينهما وكذلك لو قال هي أمي وله أم معروفة لأنه
مكذب شرعا فيما أقر به وتكذيب الشرع إياه أقوى من تكذيبه نفسه ولو كذب نفسه وقال
أوهمت لم يفرق بينهما فكذا إذا أكذبه الشارع وبه فارق العبد لان هناك لو أكذب
نفسه كان حرا فكذلك إذا أكذبه الشرع بأن كان ثابت النسب من غيره والمعنى ما قلنا
أن اقراره بنسب العبد مصادف ملكه وهو مصدق فيما يقر به في ملك نفسه فيثبت به
العتق وان امتنع بثبوت النسب لكونه معروف النسب من الغير فأما اقراره بنسب امرأته
لا يصادف ملكه ابتداء وإنما يصادف المحل فيثبت به حرمة المحل ثم ينبنى عليه انتفاء الملك
145

وهنا حرمة المحل لم تثبت حين كانت معروفة النسب من الغير فلهذا لا يبطل النكاح
وإن لم تكن معروفة النسب من الغير ومثلها يولد لمثله وثبت على ذلك فرق بينهما
ولكنه لا يثبت النسب حقيقة الا بتصديق المرأة إياه بذلك لان المقر يعامل في حقه وكان
ما أقر به حق ولكن لا يصدق في حق الغير فيجعل النسب في حقه كالثابت حتى ينتفى
ملكه عنها ولكنه لا يثبت في حقها الا بتصديقها فلا يلزمها الانتساب إليه إلا أن تصدقه
في ذلك وإذا كان مثلها لا يولد لمثله لم يثبت النسب ولا يفرق بينهما لان تكذيب الحقيقة
إياه أقوى من تكذيبه نفسه والفرق لأبي حنيفة رحمه الله تعالى بين هذا وبين العتق
ما قلنا إن لإقراره بالنسب في ملكه موجبا فيجعل ذلك الاقرار كناية عن موجبه مجازا
وليس لإقراره بالنسب في ملك النكاح موجب من حيث الإزالة فلا يمكن اعماله بطريق
المجاز وأكثر ما في الباب أن يقال موجبه نفي أصل النكاح فيجعل كأنه صرح بذلك
وجحوده لأصل النكاح لا يكون موجبا للفرقة فكذلك اقراره بذلك وكذلك لو قال
أرضعتني ومثلها لا يرضع ولا لبن لها فإنه مكذب في ذلك حقيقة فينزل في ذلك
منزلة تكذيبه نفسه فلهذا لا يفرق بينهما والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه
المرجع والمآب
* (باب الاحصان) *
(قال) لا يحصن الرجل المسلم الا المرأة الحرة المسلمة إذا دخل بها هكذا نقل عن الشعبي والنخعي
رحمهما الله تعالى ومعنى هذا انه إذا تزوج أمة ودخل بها لا يصير محصنا لقوله صلى الله
عليه وسلم لا يحصن المسلم اليهودية ولا النصرانية ولا الحر ولا الحرة العبد وكان المعني
فيه أن ثبوت الاحصان يختص بالوطئ بالنكاح حتى لا يثبت بملك اليمين وفي معنى قضاء
الشهوة لا فرق بينهما فعرفنا ان الموجب للفرق ان الاحصان إنما يثبت بوجود الوطئ بين
مستوى الحال في صفة الكمال فان النكاح في العادة يكون بين مستوى الحال ولا مساواة
بين الملك والمملوك فلا يتحقق هذا المعنى إذا وجد الدخول بالأمة بالنكاح لأنه لا مساواة
بين الأمة والحر فاما إذا دخل بالكتابية بالنكاح لم يصر محصنا في قول أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله تعالى وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يصير محصنا قيل هذا بناء على الرواية
146

التي تروى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى ان الكتابية محصنة وانها ترجم إذا زنت وقيل بل
هي مسألة مبتدأة فوجه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ان ملك النكاح على الكتابية
وعلى المسلمة بصفة الكمال بدليل جواز نكاح كل واحدة منهما على الأخرى والمساواة
بينهما في القسم وولاية المباشرة لكل واحدة منهما بنفسها فكما يصير محصنا بالدخول
بالمسلمة فكذلك بالكتابية بخلاف الأمة فإنه لا مساواة بينها وبين الحرة في حكم النكاح بل
حالها على النصف من حال الحرة وبخلاف الصغيرة والمجنونة فإنه لا مساواة بينهما وبين البالغة
العاقلة في ولاية المباشرة وفى معنى قضاء الشهوة لما في طبعه من النفرة عن المجنونة وحجتهما
ما روينا وكذلك لما أراد حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ان يتزوج يهودية قال له النبي
صلى الله عليه وسلم دعها فإنها لا تحصنك ولما أراد كعب بن مالك رحمه الله تعالى ان يتزوج
يهودية قال له عمر رضي الله عنه دعها فإنها لا تحصنك ولان الرق أثر من آثار الكفر فإذا
كان الاحصان لا يثبت بوطئ الأمة بالنكاح لما فيه من الرق فلأن لا يثبت بوطئ الكافرة
أولى وهذا لان معنى الازدواج لا يتم مع الاختلاف في الدين فقل ما يركن كل واحد
منهما إلى صاحبه فكانت بمنزلة الصغيرة والمجنونة توضيحه ان الزوجين إذا كانا كافرين لا
يصيرا محصنين بالدخول ومعنى المساواة فيما بينهما أظهر فإذا لم يثبت الاحصان بالوطئ هناك
فلأن لا يثبت هنا كان أولى وكذلك المسلمة لا يحصنها الزوج إذا كان كافرا بأن أسلمت المرأة
ثم دخل بها الزوج الكافر قبل أن يفرق بينهما لم تصر هي بهذا الدخول محصنة في قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله تعالى على ما قلنا وكذلك لا يحصنها العبد والمجنون وغير البالغ اعتبارا
لجانبها بجانبه فان الاحصان عبارة عن كمال الحال فلا يثبت الا بوطئ موصوف بكونه نعمة
كاملة من الجانبين (قال) وجماع هؤلاء يحلها للزوج الذي قد طلقها ثلاثا قبل ذلك حتى أن
المطلقة ثلاثا إذا كانت ذمية فتزوجت ذميا ثم أسلمت فدخل بها زوجها قبل أن يفرق
بينهما حلت للزوج الأول بهذا الدخول لان النكاح صحيح بينهما قبل تفريق القاضي حتى لو
أسلم فهما على نكاحهما والدخول بالنكاح الصحيح يحلها للزوج الأول وكذلك أن كان
الزوج عبدا تزوجها بإذن المولى ودخل بها حلت للزوج الأول لان إصابة الزوج الثاني
إنما كان مشروعا لرفع الطلقات مغايظة للزوج الأول وذلك يحصل بدخول العبد والكافر
بها كما يحصل بدخول الحر المسلم بل معنى المغايظة في هذا أكثر بخلاف الاحصان فإنه
147

إنما يثبت بالوطئ بالنكاح لاعتبار معنى كمال النعمة والعبد والكافر في هذا ليس نظير الحر
المسلم وعلى هذا دخول الصبي الذي يجامع مثله بالمرأة يحلها للزوج الأول عندنا وعند
الشافعي رحمه الله تعالى لا يحلها للزوج الأول لان ثبوت الحل للأول يستدعى كمال الفعل
ألا ترى أنه لا يحصل بالجماع فيما دون الفرج وفعل الصبي دون فعل البالغ فلانعدام صفة الكمال
لا يثبت به الحل للزوج الأول ولكنا تستدل بقوله تعالى حق تنكح زوجا غيره واسم الزوج
يتناول الصبي كما يتناول البالغ ثم هذا حكم مختص بالوطئ بالنكاح فيتعلق بوطئ الصبي
كتقرير المسمى والعدة وما هو المعنى فيه وهو مغايظة الزوج الأول حاصل أيضا فان استدلوا
بقوله صلى الله عليه وسلم لا حتى تذوقي من عسيلته قلنا ليس المراد بذوق العسيلة الانزال
بل هي اللذة وهي تنال ذلك بوطئ الصبي الذي يجامع ولهذا يلزمها الاغتسال بنفس الايلاج
وبه يتبين كمال فعل الصبي في الوطئ (قال) وكذلك فعل هؤلاء يوجب من التحريم ما
يوجبه جماع البالغ المحصن حتى أن الصبي الذي يجامع مثله يتعلق بوطئه حرمة المصاهرة
وكذا الصبية التي يجامع مثلها ثبت حرمة المصاهرة بوطئها وإنما يختلفون فيما إذا وطئ صغيرة
لا يجامع مثلها فعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا يثبت به حرمة المصاهرة وعند
أبى يوسف رحمه الله تعالى يثبت لوجود فعل الوطئ حقيقة وهو كامل في نفسه حتى يتعلق
به الاغتسال بالايلاج من غير أنزال ويثبت به سائر أحكام الوطئ أيضا واعتبر الوطئ بالعقد
فكما أن العقد على الصغيرة كالعقد على البالغة في ايجاب الحرمة فكذلك الوطئ وأبو حنيفة
ومحمد رحمهما الله تعالى قالا ثبوت حرمة المصاهرة ليس لعين الوطئ. ألا ترى أنه لا يثبت
بالوطئ في غير المأتي ولكن ثبوته باعتبار معنى البعضية ولا تصور لذلك إذا كانت لا يجامع
مثلها بخلاف ما إذا كانت يجامع مثلها لان حقيقة البعضية وان كانت باعتبار الماء فهو باطن
لا يمكن الوقوف عليه فيقام السبب الظاهر مقامه وهو بلوغها حد الشهوة فإذا كانت ممن
يشتهى أنزلت منزلة البالغة في ثبوت الحرمة بوطئها بخلاف ما إذا كانت لا تشتهى. ألا ترى
أن إباحة هذا الفعل شرعا لمقصود النسل ثم جعل بلوغها حد الشهوة في حكم إباحة هذا
الفعل قائما مقام حقيقة البلوغ فكذلك هنا بخلاف وجوب الاغتسال فإنه متعلق باستطلاق
وكاء المنى وذلك بمعنى الحرارة واللين في المحل فلهذا يستوى فيه التي يجامع مثلها والتي
لا يجامع كما يستوى فيه الفعل في المأتي وغير المأتي (قال) والخلوة بين الزوجين البالغين
148

المسلمين وراء ستر أو باب مغلق يوجب المهر والعدة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى
لا يوجب لقوله تعالى وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن الآية والمراد بالمسيس الجماع
هكذا قال ابن عباس رضي الله عنه أن الله تعالى يكنى القبيح بالحسن كما كنى بالمس عن
الجماع ولأن هذه خلوة خلت عن الإصابة فلا توجب المهر والعدة كالخلوة الفاسدة وهذا لان
تقرر البدل في عقود المعاوضات بقبض المعقود عليه والمعقود عليه معنى في باطنها لا يصير
مستوفي الا بالآلة التي تصل إلى ذلك الموضع فلا تكون الخلوة فيها قبضا كالقصاص فان
حق من له القصاص في الباطن لا يصير مستوفى إلا بالآلة الجارحة فلم تكن الخلوة فيه
قبضا والدليل عليه حكم الرجعة وبقاء المطالبة بالوطئ فان الخلوة في هذين الحكمين لا تجعل
كاستيفاء المعقود عليه فكذلك في حكم المهر والعدة وحجتنا في ذلك قوله تعالى وكيف
تأخذونه وقد أفضي بعضكم إلى بعض نهى عن استرداد شئ من الصداق بعد الخلوة فان
الافضاء عبارة عن الخلوة ومنه يسمى المكان الخالي فضاء ومنه قول القائل أفضيت إليه
بشغرى أي خلوت به وذكرت له سرى وتبين بهذا ان المراد بما تلى المسيس أو ما يقوم
مقامه وهي الخلوة وعن عبد الرحمن بن ثوبان رضى الله عن أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال من كشف قناع امرأته وقبلها فلها المهر كاملا دخل بها ولم يدخل ولما فرق عمر وعلي
رضي الله عنهما بين العنين وامرأته ألزماه كمال المهر وقالا ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم
وعن زرارة بن أبي أوفي أنه قال مضت السنة من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ان من
أغلق على امرأته بابا أو أرخى حجابا كان عليه المهر كاملا دخل بها أو لم يدخل بها ولأنها
أتت بتسليم المستحق عليها بالعقد فيتقرر حقها في البدل كما إذا وطئها الزوج وهذا لان البدل
في عقود المعاوضات يتقرر بتسليم من له البدل لا باستيفاء من عليه كما في البيع والإجارة إذا
خلى البائع بين المبيع والمشترى أو خلى الآجر بين الدار والمستأجر في المدة يتقرر البدل وإن لم
يستوف وهذا لأنا لو علقنا تقرر البدل بالاستيفاء امتنع من ذلك قصدا منه إلى الاضرار
بمن له البدل وإذا ثبت أن المعتبر التسليم فالمستحق بالعقد عليها ما في وسعها وفى وسعها تسليم
النفس في حال زوال المانع لا حقيقة استيفاء الوطئ فإذا أتت بما هو المستحق تقرر حقها في
البدل على أن تقام نفسها مقام حقيقة المعقود عليه كما أنها في جواز العقد أقيمت نفسها مقام
المعقود عليه فكذلك في حكم التسليم لان تقرر البدل بتسليم ما باعتباره يجوز العقد وهذا
149

بخلاف حق الرجعة فان ذلك من حق الزوج وهو متمكن من حقيقة الاستيفاء فإذا لم
يفعل فهو الذي أبطل حق نفسه وليس من ضرورة وجوب العدة ثبوت الرجعة ألا ترى
ان بالموت يتقرر المهر والعدة وليس فيه تصور الرجعة ومطالبتها بالوطئ ليستعف به ويحصل
لنفسها صفة الاحصان بسببه وذلك لا يحصل بالخلوة إذا ثبت هذا فنقول حد الخلوة
الصحيحة أن لا يكون هناك مانع يمنعه من وطئها طبعا ولا شرعا حتى إذا كان أحدهما مريضا
مرضا يمنع الجماع أو صائما في رمضان أو محرما أو كانت هي حائضا لا تصح الخلوة لقيام المانع
طبعا أو شرعا وفي صوم القضاء روايتان في أصح الروايتين تصح الخلوة لان الذي يجب
بالفطر قضاء يوم وهو يسير كما في صوم النفل وفي الرواية الأخرى لا تصح الخلوة اعتبارا
للقضاء بالأداء وفى صوم النفل رواية شاذة أيضا انه يمنع صحة الخلوة بمنزلة حج النفل وكذلك
ان كانت رتقاء أو قرناء لا يحصل التسليم لقيام المانع حسا بخلاف ما إذا كان الزوج مجبوبا
أو عنينا وقد بيناه ولو كان بينهما ثالث لا تصح الخلوة لقيام المانع إلا أن يكون الثالث ممن
لا يشعر بذلك كصغير لا يعقل أو مغمى عليه أو نحو ذلك وان خلا بزوجته وهناك أمته
وكان محمد رحمه الله تعالى يقول أولا تصح الخلوة بخلاف ما إذا كان هناك أمتها لأنه يحل له
وطئ أمته دون أمتها ثم رجع وقال لا تصح الخلوة وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما
الله تعالى لأنه يمتنع من غشيانها بين يدي أمته طبعا وعلى هذا لو خلا بزوجتيه لم تصح الخلوة
لما قلنا والمكان الذي لا تصح الخلوة فيه أن يأمنا فيه اطلاع غيرهما عليهما بغير إذن كالدار والبيت
وما أشبه ذلك ولهذا لا تصح الخلوة في المسجد والطريق الأعظم والسطح الذي ليس على
جوانبه سترة وبعد صحة الخلوة إذا تصادقا على أنه لم يدخل بها لا يكونا محصنين لان الخلوة
إنما تجعل كالاستيفاء فيما هو من حكم العقد والاحصان ليس من ذلك في شئ فان أقرا
بالجماع لزمهما حكم الاحصان وان أقر به أحدهما صدق على نفسه دون صاحبه ولا يحصن
الخصي إذا كأن لا يجامع وكذلك المجبوب والعنين فان جاءت بولد حتى ثبت به النسب من
الزوج ففي الخصي والعنين يكونا محصنين لان الحكم بثبوت النسب حكم بالدخول وفى
المجبوب ذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى ان على قول زفر رحمه الله تعالى هي
تصير محصنة لما حكمنا بثبوت النسب من الزوج وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى لا تصير هي
محصنة لأنه لا تصور للجماع بدون الآلة والحكم بثبوت النسب بطريق الانزال بالسحق وليس
150

ذلك من الجماع في شئ وثبوت حكم الاحصان يتعلق بعين الجماع والرتقاء لا تحصن الرجل
لانعدام الجماع مع الرتق ولا احصان بالجماع في النكاح الفاسد لان الاحصان عبارة عن
كمال الحال فإنما يحصل بوطئ هو نعمة بل نهاية في النعمة حتى لا يحصل بالوطئ بملك اليمين
والوطئ بالنكاح الفاسد حرام فلا يوجب الاحصان (قال) وإذا دخل الخثنى بامرأته
أو دخل بالخنثى زوجها فهما محصنان لأنه لما حكم بكونه رجلا أو امرأة فالجماع بالنكاح
الصحيح تحقق بينهما فيثبت به حكم الاحصان (قال) ولو دخل مسلم بامرأته المسلمة ثم
ارتدا والعياذ بالله تعالى بطل احصانهما لان الردة تحبط العمل ويلحق المرتد بمن لم يزل كافرا
فكما أن الكافر الأصلي لا يكون محصنا فالمرتد كذلك فان أسلما جميعا لم يكونا محصنين
الا بجماع جديد بمنزلة زوجين حربيين أو ذميين أسلما وكذلك العبد مع امرأته الأمة
إذا أعتقا لم يكونا محصنين حتى يجامعها بعد العتق فان جامعها فهما محصنان علما بالعتق أو لم
يعلما علمت المرأة ان لها الخيار أو لم تعلم فإذا جامعها قبل أن تختار نفسها فقد جامعها بنكاح صحيح
بعدما كمل حالهما بالعتق فكانا محصنين (قال) وإذا ولدت المرأة من الرجل وهما ينكران
الدخول فهما محصنان لان الولد شاهد على الدخول بينهما وهو أقوى من شهادة شاهدين فإذا
كان الاحصان يثبت بشهادة شاهدين فبثبوت النسب أولى وهذا لأنهما مكذبان في انكارهما
الدخول شرعا والمكذب شرعا لا يعتبر انكاره (قال) وإذا أقرت المرأة ان زوجها قد جامعها
وأنكر الزوج ثم فارقها وانقضت عدتها حل لزوجها الأول الذي كان طلقها ثلاثا ان يصدقها
ويتزوجها لأنها أخبرت عن أمر بينها وبين ربها وهو حلها للزوج الأول ولا حق للزوج الثاني
في ذلك فانكاره في ذلك الحكم وجودا وعدما بمنزلة وكذلك أن أخبره بذلك ثقة ولو
أنكرت الدخول بعد اقرارها وقد تزوجها الزوج الأول لم تصدق في ذلك لأنها مناقضة
ولو كان زوجها الذي فارقها هو الذي أقر بالجماع ولم تقر هي لم يحل للزوج الأول أن يتزوجها
ولا يصدق الزوج الثاني عليها لأنه لا حق له في حلها وحرمتها للزوج الأول ولا قول له
في ذلك أصلا ويستوى إن كان خلا بها أو لم يخل بها ألا ترى أنها لا تصير محصنة باقرار
الزوج الثاني أنه قد جامعها إذا أنكرت هي فكذلك لا تصير محللة للزوج الأول (قال) وإذا
قالت طلقني زوجي أو مات عني وانقضت عدتي حل لخاطبها أن يتزوجها ويصدقها لان
الحل والحرمة من حق الشرع وكل مسلم أمين مقبول القول فيما هو من حق الشرع إنما
151

لا يقبل قوله في حق الغير إذا أكذبه من له الحق ولا حق لاحد هنا فيما أخبرت به فلهذا
جاز قبول خبرها في ذلك والله أعلم بالصواب
* (باب نكاح المتعة) *
(قال) بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه أحل المتعة ثلاثة أيام من الدهر في
غزاة غزاها اشتد على الناس فيها العزوبة ثم نهى عنها وتفسير المتعة أن يقول لامرأته أتمتع بك
كذا من المدة بكذا من البدل وهذا باطل عندنا جائز عند مالك بن أنس وهو الظاهر
من قول ابن عباس رضي الله عنه واستدل بقوله تعالى فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن
ولأنا اتفقنا على أنه كان مباحا والحكم الثابت يبقي حتى يظهر نسخه ولكن قد ثبت نسخ هذه
الإباحة بالآثار المشهورة فمن ذلك ما روى محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
م أن منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى يوم خيبر الا ان الله تعالى ورسوله
ينهيانكم عن المتعة ومنه حديث الربيع بن سبرة رضي الله عنه قال أحل رسول الله صلى الله
عليه وسلم المتعة عام الفتح ثلاثة أيام فجئت مع عم لي إلى باب امرأة ومع كل واحد منا بردة
وكان بردة عمي أحسن من بردتي فخرجت امرأة كأنها دمية عيطاء فجعلت تنظر إلى شبابي
والى بردته وقالت هلا بردة كبردة هذا أو شباب كشباب هذا ثم آثرت شبابي على
بردته فبت عندهما فلما أصبحت إذا منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادى إلا أن الله
تعالى ورسوله ينهيانكم عن المتعة فانتهى الناس عنها ثم الإباحة المطلقة لم تثبت في المتعة قط
إنما ثبتت الإباحة مؤقتة بثلاثة أيام فلا يبقى ذلك بعد مضى الأيام الثلاثة حتى يحتاج إلى دليل
النسخ وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول نسختها آية الطلاق والعدة والميراث وكان عمر
رضي الله عنه يقول لو كنت تقدمت في المتعة لرجمت وقال جابر بن يزيد رضي الله عنه ما خرج
ابن عباس رضي الله عنهما من الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف والمتعة فثبت النسخ باتفاق
الصحابة رضي الله عنهم ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن ذلك فقالت بيني وبينكم كتاب
الله تعالى وتلت قوله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون الآية وهذه ليست بزوجة له ولا ملك
يمين له وبيان أنها ليست بزوجة ما قال في الكتاب أنه لا يرث أحدهما من صاحبه بالزوجية
ولا يقع عليها الطلاق والظهار والايلاء واستكثر من الشواهد لذلك في الكتاب والمراد بقوله
152

فما استمتعتم به منهن الزوجات فإنه بناء على قوله ان تبتغوا بأموالكم محصنين والمحصن الناكح
(قال) وان قال تزوجتك شهرا فقالت زوجت نفسي منك فهذا متعة وليس بنكاح عندنا
وقال زفر رحمه الله تعالى هو نكاح صحيح لان التوقيت شرط فاسد فان النكاح لا يحتمل
التوقيت والشرط الفاسد لا يبطل النكاح بل يصح النكاح ويبطل الشرط كاشتراط الخمر
وغيرها توضيحه أنه لو شرط أن يطلقها بعد شهر صح النكاح وبطل الشرط فكذا إذا
تزوجها شهرا وحجتنا في ذلك ما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه قال لا أوتى برجل
تزوج امرأة إلى أجل الا رجمته ولو أدركته ميتا لرجمت قبره والمعنى فيه أن النكاح لا يحتمل
التوقيت إنما التوقيت في المتعة فإذا وقتا فقد وجد منهما التنصيص على المتعة فلا ينعقد به
النكاح وان ذكر لفظ النكاح وهذا لأنه لا يخلو أما أن ينعقد العقد مؤبدا أو في مدة
الأول باطل فإنهما لم يعقدا العقد فيما وراء المدة المذكورة ولا يجوز الحكم بانعقاد العقد
فيما وراء المدة المذكورة ولا يجوز الحكم بانعقاد الحكم في زمان لم يعقدا فيه العقد ألا تري
أنهما لو أضافا النكاح إلى ما بعد شهر لم ينعقد في الحال لأنهما لم يعقداه في الحال فكذلك
هنا ولا يجوز أن ينعقد في المدة لان النكاح لا يحتمل ذلك وهذا يبين أن التوقيت ليس
بمنزلة الشرط ولكن ينعدم بالتوقيت أصل العقد في الزمان الذي لم يعقداه فيه وهذا بخلاف
ما إذا شرط أن يطلقها بعد شهر لان الطلاق قاطع للنكاح فاشتراط القاطع بعد شهر
لينقطع به دليل على أنهما عقدا العقد مؤبدا ألا ترى أنه لو صح الشرط هناك لا يبطل
النكاح بعد مضى شهر وهنا لو صح التوقيت لم يكن بينهما عقد بعد مضى الوقت كما في
الإجارة. وقال الحسن بن زياد رحمه الله تعالى ان ذكرا من الوقت ما يعلم أنهما لا يعيشان
أكثر من ذلك كمائة سنة أو أكثر يكون النكاح صحيحا لان في هذا تأكيد معنى
التأبيد فان النكاح يعقد للعمر بخلاف ما إذا ذكرا مدة قد يعيشان أكثر من تلك المدة
وعندنا الكل سواء لان التأبيد من شرط النكاح فالتوقيت يبطله طالت المدة أو قصرت
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب الدعوى في النكاح) *
(قال) رضي الله عنه وإذا ادعي الرجل نكاح امرأة وأقام عليها البينة وأقامت أختها
153

عليه البينة انها امرأته وانه أتاها بزوج فالقول قول الرجل والبينة بينته صدقته أو لم تصدقه
لان ملك النكاح على المرأة للزوج ولهذا كان البدل عليه لها فالزوج يثبت ببينته ما هو حقه
والأخت الأخرى تثبت ببينتها حق لزوج وهو ملك النكاح له عليها وبينة المرء على حق
نفسه أولى بالقبول ولان عند تعارض البينتين لا وجه للعمل ببينة الأخت في اثبات نكاحها
فلو قبلناها إنما نقبلها في نفى النكاح على امرأة أثبت الزوج نكاحها والبينات للاثبات لا للنفي
ومعني هذا ان دعوى الزوج نكاح احدى الأختين اقرار منه بحرمة الأخرى عليه في
الحال واقراره موجب للفرقة فعرفنا انه لا وجه للقضاء بنكاح الأخرى فبقيت تلك البينة
قائمة على النفي ولا مهر للأخرى إن لم يكن دخل بها لان أصل نكاحها لم يثبت ولو كان
الزوج أقام البينة أنه تزوج أحداهما ولا تعرف بعينها غير أن الزوج قال هي هذه فان صدقته
فهي امرأته لتصادقهما فان تصادقهما في حقهما أقوى من البينة فان جحدت ذلك فلا نكاح
بينه وبين واحدة منهما لان الشهود لم يشهدوا على شئ بعينه والشهادة بالمجهول لا تكون
حجة ولأنه اما ان تزوج إحداهما بغير عينها فيكون ذلك باطلا أو تزوج إحداهما بعينها ثم
نسيها الشهود فقد ضيعوا شهادتهم فإذا بطلت الشهادة بقي دعوى الزوج ولا يثبت النكاح
بدعوته ولا يمين له على التي يدعي النكاح عليها عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأنه لا يرى
الاستخلاف في النكاح ولا مهر عليه إن لم يكن دخل بها وكذلك لو قامت البينة لامرأة
بعينها ان أحد هذين الرجلين تزوجها ولا يعرفون أيهما هو والرجلان ينكران ذلك فهو
باطل ولا مهر على واحد منهما فان ادعت المرأة ذلك على أحدهما فلا يمين عليه في قول
أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان دعواها دعوى النكاح وان ادعت أنه طلقها قبل
الدخول وان لها عليه نصف المهر استحلفته على نصف المهر لان دعواها الآن دعوى المال
والاستحلاف مشروع في دعوى المال فان نكل عن اليمين لزمه ذلك ولا يثبت النكاح
لان الاستحلاف كان في المال لا في النكاح وإنما يقضى عند النكول بما استحلف فيه
خاصة كما في دعوى السرقة إذا استحلف فنكل يقضى بالمال دون القطع (قال) وان ادعت
أختان أنه تزوجهما بيعا وكل واحدة منهما تقيم البينة أنه تزوجها أولا كان ذلك إلى الزوج
فأيهما قال هي الأولى فهي الأولى وهي امرأته لان المعارضة بين البينتين قد تحققت والعمل
بهما غير ممكن لحرمة الجمع بين الأختين نكاحا وقد علمنا أن الثابت أحدهما وهو السابق
154

منهما فاما أن يكون بيان السابق منهما إلى الزوج لأنه أعرف الناس بها ولأنه صاحب الملك
واما أن يقال تصديقه إحداهما يرجح بينتها فإذا ظهر الرجحان في بينة إحداهما قضى
بنكاحها واندفعت بينة الأخرى ولا مهر لها عليه إن لم يدخل بها فان جحد الزوج ذلك كله
وقال لم أتزوج واحدة منهما أو قال تزوجتهما جميعا ولا أدرى أيتهما الأولى فهو سواء
ويفرق بينه وبينهما لان العمل بالبينتين غير ممكن فلا ترجيح لإحداهما فتعين التفريق
بينه وبينهما وعليه نصف المهر بينهما ان كأن لم يدخل بهما من قبل أنه كان يقدر على أن يبين
فإذا تجاهل في ذلك لم يبرأ من المهر ومعنى هذا الكلام أن نكاح إحداهما صحيح بدليل
أنه لو بين الزوج أن هذه هي الأولى حكمنا بصحة نكاحها فإذا أبى أن يبين كان ذلك
منه بمنزلة اكتساب سبب الفرقة بينه وبين التي صح نكاحها قبل الدخول فيلزمه نصف
المهر وليست إحداهما بأولى من الأخرى فلهذا كان نصف المهر بينهما ومن أصحابنا رحمهم الله
تعالى من قال جمع في السؤال بين فصلين وأجاب عن أحدهما فان هذا الجواب عما إذا قال
تزوجتهما جميعا ولا أدرى أيتهما الأولى أما إذا قال لم أتزوج واحدة منهما ينبغي أن لا يجب
عليه شئ من المهر لان العمل بالبينتين تعذر للتعارض وهو منكر ولا يجب المهر الا بحجة
والأصح ان هذا جواب الفصلين لان المعارضة بين البينتين في حكم الحل دون المهر
ألا ترى ان البينتين لو قامتا بعد موت الزوج عمل بهما في حق المهر والميراث فإذا لم
يكن تعذر العمل والمعارضة في حكم المهر وجب نصف المهر في حق الزوج وليست
إحداهما بأولى من الأخرى فكان بينهما وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في الأمالي قال لا
شئ عليه لان المقضى له بالمهر منهما مجهول وجهالة المقضى له تمنع صحة القضاء وعند محمد
رحمه الله تعالى أنه قال يقضى بجميع المهر لان النكاح لم يرتفع بحجوده فيقضى بمهر
كامل للتي صح نكاحها (قال) وإن كان دخل بإحداهما كان لها المهر وهي امرأته
لترجح جانبها بالدخول فان البينتين إذا تعارضتا على العقد تترجح إحداهما بالقبض كما
لو ادعى رجلان تلقى الملك في عين من ثالث بالشراء وأحدهما قابض وأقاما البينة كانت
بينة صاحب اليد أولى ولان فعل المسلم محمول على الصحة والحل ما أمكن والامكان ثابت
هنا بأن يجعل نكاح التي دخل بها سابقا فان قال الزوج هي الأخيرة وتلك الأولى فرق
بينه وبينها لإقراره بحرمتها عليه وكان ذلك بمنزلة اكتساب سبب الفرقة بعد الدخول
155

بالنكاح الصحيح حتى يلزمه المهر المسمى لها ولا يصدق على أن ينقصها عن ذلك وكانت
الأخرى امرأته أيضا لتصادقهما على النكاح باقرار الزوج انها هي الأولى (قال) ولو تنازع
رجلان في امرأة كل واحد منهما يدعى انها امرأته ويقيم البينة فإن كانت في بيت أحدهما
وكان قد دخل بها فهي امرأته لما ان الترجيح يحصل باليد عند تعارض البينتين في العقد
ولان تمكنه من الدخول بها أو من نقلها إلى بيته دليل سبق عقده ودليل التاريخ كالتصريح
بالتاريخ إلا أن يقيم الآخر البينة أنه تزوجها قبله فحينئذ يسقط اعتبار الدليل في مقابلة التصريح
بالسبق فإن لم تكن في يد أحدهما فأيهما أقام البينة أنه أول فهو أحق بها لان شهوده
شهدوا بسبق التاريخ في عقده والثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة أو باقرار الخصم وإن لم يكن
لهما على ذلك بينة فأيهما أقرت المرأة انها تزوجته قبل الآخر فهي امرأته اما لان بينته
تترجح باقرارها له كما بينا في جانب الزوج أو لان البينتين لما تعارضتا وتعذر العمل بهما بقي
تصادق أحد الرجلين مع المرأة على النكاح فيثبت النكاح بينهما بتصادفهما وإن لم تقر بشئ
من ذلك فرق بينهما وبينها لان المعارضة والمساواة قد تحققت والعمل بالبينتين غير ممكن
لان ملك الحل لا يحتمل الشركة وليس أحداهما بأولى من الآخر فيبطل نكاحهما بخلاف
ملك اليمين فان الملك يحتمل الشركة فيجب العمل بالبينتين هناك بحسب الامكان وهذا
لان مقصود الملك هو التصرف وذلك يثبت مع الشركة وهنا المقصود استباحة الوطئ
والنسل وهذا يفوت بالشركة فإذا تعذر العمل بهما وليس أحدهما بأولى من الآخر يتعين
البطلان فيهما فإن كانا لم يدخلا بها فلا مهر لها لان نكاح واحد منهما لم يثبت ولان الفرقة
بمعنى من جهتها فلا مهر لها قبل الدخول وان كانا قد دخلا بها جميعا ولا يدرى أيهما أول
فعلى كل واحد منهما الأقل مما سمى ومن مهر المثل لان كل واحد منهما إن تقدم نكاحه
تأكد المسمى بالدخول وان تأخر فلها مهر المثل بالدخول لسقوط الحد بشبهة العقد غير أن
المال بالشك لا يجب وإنما يجب القدر المتيقن والمتيقن هو الأقل فلهذا كان على كل واحد
منهما الأقل من المسمى ومن مهر المثل (قال) فان جاءت بولد لزمهما جميعا وكان ولدهما
يعقلان عنه بناء على قولنا أن النسب يثبت من رجلين خلافا للشافعي رحمه الله تعالى وهي
مسألة كتاب الدعوى ويرثانه ميراث أب واحد بينهما نصفان لان الأب في الحقيقة أحدهما
وهو من حق الولد من مائه فيجب ميراث أب واحد وليس أحدهما بأولى من الآخر
156

فيكون بينهما نصفين ويرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل عندنا وقال زفر رحمه
الله تعالى يرث من كل واحد منهما نصف ميراث ابن لأنه ابن أحدهما فكما أن في جانبهما
يرثانه ميراث أب واحد فكذلك في جانبه يرث منهما ميراث ابن واحد ولكنا نقول هو
ابن لكل واحد منهما كما قال عمر وعلي رضى الله تعالى عنهما هو أبنهما ويرثهما وهذا لان
البنوة لا تحتمل التجزء إلا أن في جانبهما تحققت المزاحمة فتثبت المناصفة وفى جانبه
لا مزاحمة فيرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل حتى لو انعدمت المزاحمة في جانبهما
بأن مات أحدهما قبل الغلام أحرز الثاني من مال الغلام ميراث أب كامل وهو معنى قول
عمر وعلي رضى الله تعالى عنهما وهو للباقي منهما ولو كانت المرأة أقرت أن أحد الرجلين
هو الزوج لزمه الولد خاصة لان نكاح المقر له قد ثبت باقرارهما وثبوت نسب الولد منه
باعتبار الفراش ولا معارضة بين الفراش الصحيح والفاسد فلهذا ثبت نسب الولد منه فإن لم
تقر بذلك حتى ماتت كان على كل واحد منهما نصف ما سمى لها من المهر وكان ميراث
الزوج من تركتها بينهما نصفين لان نكاح أحدهما صحيح منته بالموت فيكون له الميراث
وعليه المسمى لها وليس أحدهما بأولى من الآخر فلذلك تنصف بينهما الميراث والمهر المسمى
وهذا لان تعذر العمل بالبينتين ووجوب التوقف لمعنى الحل وذلك يزول بموتها الا
ترى أنه لو كان إقامة البينة من الرجلين بعد الموت وجب العمل بهذه الصفة فكذلك إذا
ماتت بعد إقامة البينتين وهذا لان المقصود من النكاح بعد الموت الميراث وهو مال
يحتمل الشركة وفي حال الحياة المقصود هو الحل وهو غير محتمل للشركة (قال) ولو لم تمت
هي ولكن مات أحد الرجلين فان قالت المرأة هذا الميت هو الأول فلها في ماله المهر
والميراث فان تصديقها بعد موت الزوج كتصديقها في حياته فيثبت النكاح بينهما فينتهي
بالموت الا ترى ان رجلا لو أقر بنكاح امرأة فصدقته بعد الموت كان تصديقها صحيحا لان
النكاح بموت الزوج يرتفع إلى خلف وهو العدة (قال) وإذا تزوجت المرأة زوجين في
عقدة واحدة كان النكاح باطلا لان النكاح لا يحتمل الاشتراك وليس أحدهما بأولى من
الآخر ولا خيار لها في ذلك لان ثبوت الخيار ينبني على صحة السبب ولم يصح السبب في حق
كل واحد منهما لاقتران المنافى به وكذلك لو كانت ذمية أو حربية ثم أسلموا لان هذا لا
يتجه عند أحد ممن يعتقد ملة فحكم أهل الملل في ذلك سواء (قال) ولو كان أحد الزوجين له
157

أربع نسوة كان نكاح الذي ليس له نسوة منهما جائز لأنه لو انفرد نكاح الذي له أربع نسوة لم
يصح ولو أنفرد نكاح الآخر كان صحيحا فإذا اجتمعا صح نكاح من يصح نكاحه عند الانفراد
وهذا لان المعارضة لا تتحقق بين ماله صحة وبين ما لا صحة له وإذا صح نكاح أحدهما فعليه
جميع ما سمى لها ان كانا سميا ألف درهم وهذا على أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى ظاهر
بمنزلة ما لو تزوج امرأتين وإحداهما لا تحل له بمهر واحد وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
يفرقان بين هذه وبين تلك فيقولان الألف هنا بمقابلة بضعها وقد سلم ذلك للذي صح
نكاحه بكماله فاما هناك الألف مسمى بمقابلة بضعين فإذا لم يسلم له الا أحدهما لا يلزمه الا
مقادر حصته من المهر وإن كان سمى كل واحد منهما لنفسه خمسمائة لم يلزم هذا الزوج الا
خمسمائة لأنه ما التزم الا هذا المقدار ولا يلزم من المهر لا قدر ما التزمه بخلاف الأول فان
هناك كل واحد منهما قد سمى جميع الألف بمقابلة بضعها فإذا سلم ذلك لأحدهما لزمه جميع
المهر (قال) والنكاح الفاسد إذا لم يكن فيه مسيس أو نظر لا يثبت حرمة المصاهرة لان النكاح
إنما يقام مقام الوطئ في اثبات حرمة المصاهرة لأنه يتوصل به إلى الوطئ شرعا وذلك لا
يحصل بالعقد الفاسد فلهذا لا يثبت به الحرمة ولان النكاح الفاسد أصله غير منعقد فالسبب
الفاسد لا يثبت الا الملك الحرام وموجب النكاح ملك الحل وبين الحل والحرمة منافاة فإذا
انعدم اثبات الملك الحلال بالسبب الفاسد والملك الحرام بالنكاح لا يكون خلا السبب عن
الحكم والأسباب الشرعية إنما تعتبر لاحكامها فكل سبب خلا عن الحكم كان لغوا وإذا
أقامت المرأة البينة على النكاح والزوج جاحد يثبت نكاحها ولم يفسد بجحوده لان النكاح
الثابت لا يرتفع الا بالطلاق وجحوده ليس بطلاق فان الطلاق قطع للنكاح والجحود نفى
للنكاح أصلا فلا يصير به قاطعا فلهذا قضى بالنكاح بينهما والله أعلم بالصدق والصواب
* (باب الغرور في المملوكة) *
(قال) رجل تزوج امرأة على أنها حرة فولدت له أولادا فإذا هي مكاتبة قد أذن لها مولاها
في التزوج أخذت عقرها وقيمة ولدها الا في رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال
لا تجب قيمة الولد أصلا لأنها تسعى لتحصيل الحرية لنفسها وولدها وفي هذا تحصيل بعض
مقصودها وفى ظاهر الرواية يقول هذا ان لو دخل الولد في كتابتها ولم يدخل لأنه علق حرا
158

فوجب العقر وقيمة الولد لها كما هو الحكم في المغرور وهي بالكتابة صارت أحق باجزائها ومنافعها
فما هو بدل جزء منها فهو لها ثم يرجع الأب بقيمة الولد على الذي غره إن كان رجل حر
غره بأن زوجها منه على أنها حرة فإن كانت المكاتبة هي التي غرته بأن زوجت نفسها منه
على أنها حرة فلا شئ لها عليه من قيمة الولد في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الأول
لأنها لو رجعت عليه بقيمة الولد رجع هو عليها بذلك بسبب الغرور فلا يكون مفيدا ثم
رجع فقال لها أن تأخذ قيمة الولد وهو قول محمد رحمه الله تعالى لان رجوعه عليها بعد
العتق فان ضمان الغرور بمنزلة ضمان الكفالة فيتأخر إلى ما بعد عتقها والقيمة لها عليه في
الحال فكان الرجوع مفيدا وان مات مولاها وهي مكاتبة على حالها فورثه أب الولد خيرت
بين أن تبطل الكتابة وبين أن تمضى عليها لأنها ان أبطلت الكتابة صارت مملوكة لأب
الولد بالميراث ولها منه ولد ثابت النسب فتصير أم ولد له فقد تلقاها جهتا حرية إحداهما
مؤجلة بغير بدل وهو الاستيلاد والأخرى معجلة ببدل وهو الكتابة فان مضت على الكتابة
فعتقت بالأداء فإنما عتقت على ملك المولى الأول وكان ولاؤها له وان مات أب الولد قبل
أن تؤدى عتقت وبطلت عنها المكاتبة لأنها بمنزلة أم الولد فتعتق بموت السيد فان قيل هو
لم يملك رقبتها إذا اختارت المضي على الكتابة (قلنا) نعم ولكنه صار أحق الناس بها حتى لو
أعتقها نفذ عتقه فكذلك إذا مات لان عتق أم الولد متعلق بموت المولى شرعا على أن يصير
المولى كالمعتق لها ولأنها إنما اختارت الكتابة لما في في العتق بجهة الاستيلاد من التأخير
فإذا تعجل ذلك بموت المولى فالظاهر أنها تختار هذه الجهة فإذا عتقت سقط عنها بدل
الكتابة إما لانفساخ العقد برضاها أو لوقوع الاستغناء لها عن أداء البدل وهو بمنزلة ما لو
وهب لها المكاتبة ومعنى هذا أن حق المستولد فيها إلى موته فبالموت يصير مسقطا حقه
فكأنه أبرأها عن بدل الكتابة والوارث إذا كان واحدا فابراء المكاتب عن المكاتبة يصح
ابراؤه ويعتق ولهذا لو كان معه شريك في الميراث سعت في مكاتبتها على حالها لان ابراء
أحد الوارثين عن نصيبه من بدل الكتابة لا يوجب عتق شئ منها وإنما جعلناه كالمبرئ
لتعتق فإذا كانت لا تعتق هنا لم يكن مبرئا ولأنه لم يسلم لها العتق مجانا في الحال فبقيت على
اختيارها الأول وهو المضي على الكتابة فلهذا سعت في مكاتبتها وكان الولاء للأول إذا
أدت ألا ترى ان المكاتب إذا ورثه رجلان فاعتقه أحدهما كان عتقه باطلا ولو كانت
159

المكاتبة حين ورثها رجلان اختارت أن تكون أم ولد بطلت الكتابة ويضمن أب الولد
نصف قيمتها لشريكه لان حكم الاستيلاد كما ثبت في نصيبه ثبت في نصيب الشريك أيضا
لأنه لا يحتمل التجزء فصار هو متملكا نصيب شريكه بضمان القيمة وضمان التملك لا يختلف
باليسار والاعسار (قال) أمة غرت رجلين من نفسها فتزوجاها على أنها حرة فولدت لهما
أولادا ثم ملكاها بوجه من الوجوه كانت أم ولد لهما لأنهما ملكاها ولكل واحد منهما ولد
ثابت النسب منها وان ملكها أحدهما فهي أم ولد لهذا المعنى وهذا لان نسب الولد لما
ثبت بشبهة النكاح كان هذا بمنزلة الاستيلاد بعد الملك في ثبوت حق الولد في حقيقة
الحرية فكذلك في ثبوت حقها في أمية الولد لان حقها تبع لحق الولد فإن كانت قد ولدت
عند المولى أولادا بعد ذلك فملكها أحدهما مع أولادها كان أولادها من غيره أرقاء لان
ثبوت حق أمية الولد فيها بعدما تملكها المستولد فان حق الحرية كحقيقة الحرية في استدعائه
ملك الحل وقد انفصل الأولاد قبل ثبوت الحق فيها فلا يسرى ذلك الحق إليهم (قال)
وإذا غرت الأمة رجلا من نفسها وأخبرته انها أمة لهذا الرجل فاشتراها منه فولدت له
أولادا ثم استحقها رجل أخذها وعقرها وقيمة ولدها كأن لأب الولد ان يرجع بالثمن وبقيمة
الولد على الذي باعه لان سبب الغرور مباشرة البيع وإنما كان ذلك من البائع ومتى ملكها
المغرور بعد ذلك فهي أم ولد لثبوت نسب الولد منه والله أعلم بالصواب
* (باب النكاح في العقود المتفرقة) *
(قال) رضي الله عنه ولا يحل للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة بالنكاح الا
على قول الروافض فإنهم يجوزون الجمع بين تسع نسوة لظاهر قوله تعالى مثنى وثلاث
ورباع والواو للجمع فإذا جمعت بين هذه الاعداد كان تسعا ولان رسول الله صلى الله
عليه وسلم جمع ين تسع نسوة وهو قدوة الأمة صلى الله عليه وسلم فما يجوز له يجوز لامته
وحجتنا في ذلك قوله تعالى مثنى وثلاث ورباع والمراد أحد هذه الأعداء قال الفراء رحمه
الله تعالى لا وجه لحمل هذا على الجمع لان العبارة عن التسع بهذا اللفظ من العي في الكلام
والدليل عليه قوله تعالى أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع والمراد أحد هذه الاعداد وقد بينا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مخصوصا بسبب إباحة تسع نسوة له وهو اتساع حله
160

بفضيلة النبوة فان بزيادة الفضيلة يزداد الحل كما بين الأحرار والمماليك ولم ينقل عن أحد
في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بعده إلى يومنا هذا أنه جمع بين أكثر من أربع
نسوة نكاحا وفى قوله صلى الله وعليه وسلم يتزوج العبد ثنتين ويطلق تطليقتين ما يدل على
أن الحر لا يتزوج أكثر من أربع لان حال المملوك على النصف من حال الحر وله أن
يتسرى على الأربع ما بدا له من السراري ما خلا امرأة ذات رحم محرم منها من نسب أو
رضاع لحديث عمار بن ياسر رضى الله تعالى عنه ما حرم الله تعالى من الحرائر شيئا الا وقد حرم
من الإماء مثله الا رجل يجمعهن يريد به العدد إذ التسري غير محصور بعدد لان النكاح
إنما كان محصورا بعدد لوجوب العدل والتسوية بينهن في القسم وعند كثرة العدد يعجز
عن ذلك وفي الإماء لا يلزمه التسوية بينهن في القسم فلهذا لا يكون محصورا بالعدد واليه أشار
الله تعالى في قوله تعالى فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم فاما سائر أسباب
الحرمة كالرضاع والمصاهرة والمحرمية لا تختلف بالمنكوحة والمملوكة (قال) رجل تزوج
أربع نسوة بالكوفة ثم طلق إحداهن بغير عينها بمكة ثم تزوج مكية ثم طلق احدى نسائه
ثم تزوج بالطائف أخرى ثم مات ولم يدخل بواحدة منهن فنقول العقود كلها قد صحت منه
لأنه إنما تزوج المكية بعد ما طلق احدى الكوفيات قبل الدخول فحين تزوجها لم يكن في
نكاحه الا ثلاث نسوة فان قيل أليس ان الطلاق المبهم يجعل كالمتعلق بخطر البيان فينبغي أن لا
يصح نكاح المكية (قلنا) هذا في حق المحل لوجود النكير في المحل فاما في جانب المطلق
لا ابهام لأنه متعين في نفسه وحكم العدد ينبنى على العدد في جانبه وهو يعلم أنه تزوج المكية
وليس في نكاحه الا ثلاث نسوة ثم تزوج الطائفية وليس في نكاحه الا ثلاث نسوة
ثم المسألة تشتمل على حكم المهر والميراث والعدة أما بيان حكم المهر أن للطائفية مهرا كاملا
لان نكاحها قد صح ولم يحدث بعد نكاحها طلاق فيتقرر مهرها بالموت وللمكية سبعة
أثمان المهر لأنه بعدما تزوجها طلق احدى نسائه الأربع قبل الدخول وذلك مسقط نصف
مهر المثل متردد بينها ويبن ثلاث من الكوفيات فيتوزع النقصان عليهن أرباعا فيصيبها
نقصان نصف ربع صداق وذلك ثمن صداق فبقي لها سبعة أثمان صداق وأما الكوفيات
فلهن ثلاثة أصدقة وثمن صداق بينهن سواء لأنه حين طلق إحداهن أولا فقد سقط بهذا
الطلاق نصف مهر ومن الطلاق الثاني أصابهن أيضا نقصان ثلاثة أرباع نصف مهر وذلك
161

ثلاثة أثمان مهر وفي الأصل لهن أربعة أصدقة فإذا نقصت من ذلك مرة نصف صداق ومرة
ثلاثة أثمان صداق بقي ثلاثة أصدقة وثمن صداق وحالهن في ذلك سواء فيقسم بينهن بالسوية
أربعا وأما الميراث فللطائفية ربع ميراث النساء ثمنا كان أو ربعا لأنها احدى نسائه بيقين
وللمكية ربع ما بقي لان الباقي وهو ثلاثة أرباع ميراث النساء لا يزاحمها فيه الا ثلاث من
الكوفيات وحالهن فيه سواء فلها ربع ذلك والباقي بين الكوفيات بالسوية لاستواء حالهن
في ذلك وعلى كل واحدة منهن عدة المتوفى عنها زوجها أما في حق الطائفية فللتيقن بانتهاء
نكاحها بالموت وفى حق البواقي لاحتمال ذلك والعدة يحتاط لايجابها (قال) ولو كان بعد
ما تزوج الطائفية طلق احدى نسائه ثم مات فنقول أما بيان حكم المهر ان للطائفية هنا سبعة
أثمان مهرها لأنه طلق احدى نسائه بعدما تزوجها فانتقص به نصف صداق وإنما يصيبها
من ذلك النقصان الربع فبقي لها سبعة أثمان صداق وللمكية سته أثمان مهر وربع ثمن مهر لان
من النقصان الحاصل بالتطليقة الأخيرة إنما يصيبها ربع ثلاثة أرباع نصف صداق فان هذا
النقصان يدور بينها وبين ثلاث من الكوفيات وربع ثلاثة أرباع النصف يكون ثلاثة أرباع
ثمن الصداق فقد أصابها بالتطليقة الثانية نقصان ثمن صداق كما قلنا والتطليقة الثالثة ثلاثة أرباع
ثمن فبقي لها ستة أثمان وربع ثمن فإذا جمعت ذلك كان مهرا وثمن مهر وربع ثمن مهر صداق
وللكوفيات مهران وستة أثمان وثلاثة أرباع ثمن صداق لأنه انتقص من مهورهن بالطلاق
الأول نصف صداق وبالطلاق الثاني ثلاثة أثمان صداق وبالطلاق الثالث ثمنان وربع ثمن فإذا
جمعت ذلك كان مهرا وثمن مهر وربع ثمن مهر فإذا نقصت ذلك من أربعة مهور بقي مهران وستة
أثمان وثلاثة أرباع ثمن وفى حكم الميراث والعدة هذا والأول في التخريج سواء (قال) وإذا
تزوج امرأة في عقدة وامرأتين في عقدة وثلاثا في عقدة ولا يعلم أيتهن الأولى فأما الواحدة
فنكاحها صحيح بيقين لأن الصحيح من العقدين الأخيرين أحدهما ونكاح الواحدة صحيح
تقدم أو تأخر والقول قول الزوج في الثلاث والثنتين أيتهن قال هي الأولى لان نكاح أحد
الفريقين صحيح وهو السابق والزوج هو الذي يعرف ذلك لأنه باشر العقود فيعرف
السابق من المتأخر ولأنه صاحب ملك فإليه بيان محل ملكه ولان حقوق النكاح تجب
عليه فإليه بيان من يستوجب الحق عليه وأي الفريقين مات والزوج حي فقال هن الأولى
ورثهن وأعطى مهورهن وفرق بينه وبين الأواخر لان حق البيان الثابت له لا يبطل بموتهن
162

فان الموت منه للنكاح مقرر لاحكامه وإن كان دخل بهن كلهن ثم قال في صحته أو عند
موته لاحد الفريقين هؤلاء الأول فهو الأول ويفرق بينه وبين الأواخر ولكل واحدة
الأقل من مهر مثلها ومما سمى لها لدخوله بها بحكم نكاح فاسد ومراده بهذا الفصل ان
دخوله بهن لا يؤثر في البيان إذا لم يعلم من دخل بها أولا لان حال الفريقين في ذلك سواء
وان قال الزوج لا أدرى أيتهن الأولى حجب عنهن إلا عن الواحدة لأنه إنما يخلى بينه وبين
من صح نكاحها منهن ونكاح الواحدة صحيح فيخلى بينه وبينها ولم يتيقن من صح نكاحه
من الفريقين الآخرين فيكون محجوبا عنهن مخيرا على أن يبين الأول من الآخر فان مات
قبل أن يبين ففي المسألة بين حكم الميراث والمهر والعدة أما بيان حكم المهر ان للواحدة
ما سمى لها من المهر بكماله لان نكاحها صحيح بيقين وللثلاث مهر ونصف بينهن وللثنتين
مهر واحد بينهما على اختلاف الأصلين فان أصل أبى يوسف رحمه الله تعالى في جنس هذه
المسائل اعتبار الجملة والتخريج على ذلك فنقول أكثر مالهن ثلاثة مهور بأن يكون السابق
نكاح الثلاث وأقل مالهن مهران بأن يكون السابق نكاح المثنى فالتردد في مهر واحد يثبت
في حال دون حال فيتنصف فكان لهن مهران ونصف ثم لا خصومة للثنتين في الزيادة على
مهرين فيسلم ذلك للثلاث وهو نصف مهر يبقى مهران استوت فيه منازعة الفريقين فكان
بينهما نصفين فيحصل للثلاث مهر ونصف وللثنتين مهر واحد وأصل محمد رحمه الله تعالى في
ذلك اعتبار الأحوال في حق كل فريق على حدة فيقول أما الثلاث فان صح نكاحهن فلهن
ثلاثة مهور وإن لم يصح فلا شئ لهن فلهن نصف ذلك وهو مهر ونصف وأما المثنى فان صح
نكاحهما فلهما مهران وإن لم يصح فلا شئ لهما فلهما نصف ذلك ونكاحهما يصح في حال دون
حال فلهما مهر واحد وأما حكم الميراث فنقول للواحدة سبعة أسهم من أربعة وعشرين من
ميراث النساء ربعا كان أو ثمنا لان نكاحها صحيح على كل حال فان صح نكاحها مع الثلاث فلها
ربع ميراث النساء وان صح مع الثنتين فلها ثلث والربع بيقين وما زاد عليه إلى تمام الثلث يثبت
في حال دون حال فيتنصف فنحتاج إلى حساب له ثلث وربع وذلك اثنا عشر ثم يتنصف
السهم الزائد على الربع إلى تمام الثلث فيتكسر بالانصاف فيضعف الحساب فيكون أربعة
وعشرين فان صح نكاحها مع الثلاث فلها ستة من أربعة وعشرين وان صح نكاحها مع
المثنى فلها ثمانية فالتردد في سهمين فيثبت أحدهما ويسقط الآخر فكان لها سبعة من أربعة
163

وعشرين وما بقي وهو سبعة عشر سهما بين الفريقين الآخرين نصفين في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى للمثنى من ذلك ثمانية أسهم
وللثلاث تسعة أسهم وجه قولهما أن السهم لزائد على ستة عشر لا منازعة فيه للمثنى لأنه ان
صح نكاحهما فلهما ثلثا الميراث ستة عشر من أربعة وعشرين فيسلم ذلك السهم للثلاث وقد
استوت منازعة الفريقين في ستة عشر فكان بينهما نصفين أو يعتبر حال كل فريق فنقول
ان صح نكاح الثلاث فلهن ثلاثة أرباع الميراث ثمانية عشر وإن لم يصح فلا شئ لهن فلهن
نصف ذلك وهو تسعة وان صح نكاح المثني فلهما ثلثا الميراث سته عشر وإن لم يصح فلا
شئ لهما فلهما نصف ذلك ثمانية وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ما بقي من ميراث النساء بعد
ما أخذت الواحدة نصيبها بمنزلة جميع ميراث النساء أن لو لم تكن الواحدة أصلا ولو لم تكن
الواحدة أصلا كان جميع ميراث النساء بين الفريقين نصفين فكذلك ما بقي وهذا لأن علة
الاستحقاق في حق الفريقين سواء فان كل واحد منهما مستحق إذا كان سابقا محروم إذا
كان مسبوقا وقولهما ان المثنى لا يدعيان السهم الواحد فإنما لا يدعيان ذلك باعتبار استحقاق
الواحدة لذلك السهم فاما بدون استحقاقهما فهما يدعيان جميع الميراث وقد خرج ذلك السهم
من أن يكون مستحقا للواحدة فكان دعواهما ودعوى الثلاث في استحقاق ما فرغ من
استحقاق الواحدة سواء فلهذا قسم بين الفريقين نصفين (قال) وعليهن عدة المتوفى
عنهن أزواجهن احتياطا لما قلنا وإن كان قد دخل بهن كلهن ولا يعرف الأول والآخر فعلى
الثلاث والثنتين عدة الوفاة والحيض جميعا على معنى ان كل واحدة تعتد أربعة أشهر وعشرا
تستكمل في ذلك ثلاث حيض لان من وجه عليهن عدة الوفاة وهو ما إذا صح نكاحهن
ومن وجه الحيض وهو ما إذا فسد نكاحهن فتجب العدة بالحيض لأجل الدخول فيجمع
بينهما احتياطا فأما على الواحدة عدة المتوفى عنها زوجها لا حيض في ذلك لان نكاحها
صحيح بيقين ثم إن كان مهر مثل كل واحدة من الثلاث والثنتين أقل من المسمى فلها مهر
مثلها ونصف الفضل إلى تمام المسمى لان في وجوب الأقل وهو مهر المثل اما بالعقد أو
بالدخول يقين وما زاد إلى تمام المسمى تستحقه كل واحدة ان صح نكاحها ونكاحها
يصح في حال دون حال فلهذا كان لكل واحدة نصف ذلك فإن كان الزوج حيا فجامع امرأة
منهن أو طلقها أو ظاهر منها كان هذا اقرارا منه بأنها ومن معها الأولى لان البيان تارة يحصل
164

بالتصريح وتارة بالدليل فاقدامه على الظهار والطلاق في إحداهن ببيان منه ان نكاحها صحيح
لان ما باشره من التصرف مختص بالنكاح الصحيح وكذلك أن جامع لان فعل المسلم
محمول على الصحة والحل ما أمكن وإنما يكون وطؤه إياها حلالا إذا كان صح نكاحها فلهذا كان
هذا بمنزلة البيان منه ان السابق عقدها (قال) وان كانت احدى الثلاث أم احدى
الثنتين ولم يدخل بشئ منهن فالجواب على ما تقدم أيضا لأن الصحيح نكاح أحد الفريقين
وهو السابق منهما وفى هذا لا يفترق الحال بين أن يكون بينهما محرمية أو لم يكن (قال)
ولو كان مع الثلاث أمة كان نكاح الأمة فاسدا على كل حال لأنه ان تقدم هذا العقد فنكاح
الحرائر بهذا العقد صحيح ومتى صح نكاح الحرائر بطل نكاح الأمة المضمومة إليهن وان
تأخر نكاحهن فهو فاسد ولهذا كان نكاح الأمة فاسدا على كل حال (قال) وكذلك لو
كانت احدى الثنتين أمة فنكاحها فاسد بيقين لما قلنا فان مات الزوج قبل أن يدخل بهن
وقبل أن يبين الأولى منهن واحدى الثلاث أمة واحدى الثنتين أمة فنكاح الأمتين فاسد
ونكاح الحرائر كلهن جائز أما فساد نكاح الأمتين لما قلنا وعند فساد نكاحهما الحرائر أربع
فيجوز نكاحهن المتقدم والمتأخر في ذلك سواء وان كانت احدى الثلاث أمة والثنتان
حرتان وقد تزوج الواحدة الحرة قبلهن يعلم ذلك فنكاح الأمة فاسد لعلمنا أنه تزوجها على
حرة ونكاح الأمة على الحرة فاسد وللحرة المنفردة المهر وثلث ميراث النساء لان نكاحها
صحيح بيقين وإنما يزاحمها في الميراث امرأتان اما المنفردتان أو اللتان كانتا مع الأمة فلها ثلث
ميراث النساء ولكل حرتين نصف ما بقي من الميراث لاستواء حال الفريقين في ذلك فان
كل فريق ان تقدم نكاحها استحق ذلك وان تأخر لا ويكون للفريقين مهران بينهما
سواء لاستواء حال الفريقين في استحقاق المهرين على ما قلنا (قال) وان كانت احدى
الثنتين أمة والثلاث حرائر ولا يعلم أي النساء تزوج أولا فنكاح الأمة فاسد للتيقن بضمها
إلى الحرة والميراث بين الحرائر الخمس على أربعة أسهم للثلاث من ذلك سهم ونصف
وللمنفردتين سهمان ونصف وهذا في الحكم كرجل تزوج ثلاثا في عقدة وواحدة في
عقدة وواحدة في عقدة ولا يدرى أيتهن أول بل هي تلك المسألة بعينها ووجه التخريج
ان الثلاث ان صح نكاحهن بان تقدم أو كان بعد الواحدة من المنفردتين فلهن ثلاثة
أرباع ميراث النساء لأن الصحيح معهن نكاح الواحدة من المنفردتين سابقا أو متأخرا
165

وإن لم يصح فلا شئ لهن بان كان نكاحهن بعد نكاح المنفردتين فلهن نصف ثلاثة أرباع
الميراث وذلك سهم ونصف من أربعة وما بقي بين المنفردتين لاستواء حالهما ولأنهما
يستحقان جميع الميراث في حال وهو أن يكون نكاحهما سابقا والربع في حال وهو أن يكون
نكاح الثلاث سابقا فالربع لهما بيقين وهو سهم من أربعة وثلاثة تثبت في حال
دون حال فيتنصف فلهذا كان لهما سهمان ونصف من أربعة وحالهما في استحقاق ذلك
سواء فيكون بينهما نصفين وللثلاث مهر ونصف لأنه ان صح نكاحهن فلهن ثلاثة مهور
ون لم صح فلا شئ لهن فلهن نصف ذلك وهو مهر ونصف وللمنفردتين مهر ونصف
لان نكاح إحداهما صحيح بيقين تقدم أو تأخر فيتيقن لها بمهر والأخرى ان صح نكاحها فلها
مهر وإن لم يصح فلا شئ لها فيتنصف مهرها وليست إحداهما بأولى من الأخرى بشئ فما
اجتمع لهما وهو مهر ونصف بينهما نصفان (قال) وإذا تزوج واحدة في عقدة وثنتين في
عقدة وثلاثا في عقدة وأربعا في عقدة ثم مات ولا يعرف أيتهن أول فنقول ميراث النساء
ربعا كان أو ثمنا بين الثنتين والثلاث والأربع أثلاثا لان الميراث إنما يتوزع على الأحوال
والأحوال ثلاثة بيقين إما أن يصح نكاح الأربع أو نكاح الثلاث مع الواحدة أو نكاح
الثنتين مع الواحدة وليس هنا حالة رابعة وباعتبار الأحوال كل فريق في استحقاق الميراث
مساو للفريقين الآخرين على معنى أنه ان تقدم نكاحه استحق الميراث وإلا فلا فلهذا كان
الميراث بينهن أثلاث لا مزاحمة للواحدة مع الأربع في الثلث الذي صار لهن لان نكاحها
لا يجوز معهن وإنما أخذن ما أخذن باعتبار جواز نكاحهن ولكنها تدخل مع الثلاث فتأخذ
ثمن ما أصابهن لأنهن إنما أخذن ما أخذن باعتبار جواز نكاحهن ونكاح الواحدة يجوز معهن
إلا أن في نكاح الواحدة ترددا فإنه اما أن يجوز مع الثلاث أو مع الثنتين فان جاز مع
الثلاث كان لها ربع ما في يدي الثلاث وان جاز مع الثنتين لم يكن لها شئ مما في يدي
الثلاث فتأخذ مما في يدي الثلاث نصف الربع وهو الثمن والباقي بين الثلاث أثلاثا ثم تدخل
مع الثنتين فتأخذ سدس ما في يديهما لأنهما أخذتا باعتبار جواز نكاحها ونكاح الواحدة
يجوز مع نكاحهما فإن كان جواز نكاحها معهما كان لها ثلث ما في أيديهما وإن كان مع الثلاث
لم يكن لها شئ مما في أيديهما فلهذا تأخذ منهما نصف الثلث وهو سدس ما في أيديهما
والباقي بينهما نصفان وأما حكم المهر فنقول على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لهن ثلاثة مهور
166

ونصف مهر لأنه ان جاز نكاح الأربع فلهن أربعة مهور وان جاز نكاح الثلاث مع الواحدة
فكذلك وإن كان جاز نجاح الثنتين مع الواحدة فلهن ثلاثة مهور فثلاثة مهور لهن بيقين
والمهر الرابع يثبت في حالين ولا يثبت في حال ولكن أحوال الإصابة حالة واحدة فكأنه ثبت
في حال دون حال فيتنصف فلهذا كان لهن ثلاثة مهور ونصف مهر فاما نصف مهر من
ذلك فللأربع ثلاثة أرباعه وللثلاث ربعه لأنه لا منازعة للثنتين في هذا النصف والأربع
يدعين ذلك لأنفسهن والثلاث يدعين ذلك بانضمام الواحدة إليهن وانضمام الواحدة إليهن
في حال دون حال فباعتبار الحالين يكون للثلاث نصف نصف هذا وهو الربع وللأربع
ثلاثة أرباع فأما مهر واحد فللأربع منه سدسان ونصف سدس وللثلاث سدسان ونصف
سدس وللثنتين سدس لان الثلاث والأربع يدعين هذا المهر لأنفسهن والثنتان لا يدعيان
ذلك الا بانضمام الواحدة إليهما وانضمام الواحدة إليهما في حال دون حال ففي حالة الانضمام
لهما ثلث ذلك وفى غير حالة الانضمام لا شئ لهما فلهما نصف الثلث وهو السدس والباقي وهو
خمسة أسداس استوت فيه منازعة الثلاث والأربع فكان بينهما نصفين لكل فريق
سدسان ونصف سدس وأما المهران فقد استوت في ذلك منازعة الفرق الثلاث فكان
بينهن أثلاثا لكل فريق ثلثا مهر فأما الأربع فقد أصابهن مرة ثلثا مهر ومرة سدسان
ونصف سدس ومرة ثلاثة أرباع النصف فيجمع ذلك كله ويقسم بينهن بالسوية إذ لا مزاحمة
للواحدة معهن واما الثلاث فقد أصابهن مرة ثمن مهر ومرة سدسان ونصف سدس
ومرة ثلثا مهر فيجمع ذلك كله ثم الواحدة تأخذ ثمن جميع ذلك لأنه ان صح نكاحها معهن
فلها ربع ذلك وإن لم يصح فلا شئ لها فتأخذ ثمن ذلك والباقي بين الثلاث بالسوية واما الثنتان
فإنهما أصابهما مرة ثلثا مهر ومرة سدس مهر فتدخل الواحدة معهما وتأخذ سدس ما في
أيديهما لأنه ان جاز نكاحها معهما فلها ثلث ذلك وإلا فلا شئ لها فتأخذ نصف الثلث وهو
السدس ثم الباقي بينهما نصفان وإذا أردت تصحيح الحساب فالطريق فيه ضرب هذا
المخارج بعضها في بعض وهو واضح لا يشتغل به للتحرز عن التطويل وعلى قول محمد رحمه الله
تعالى للأربع مهر وثلث مهر وللثلاث مهر وللاثنتين ثلثا مهر وللواحدة نصف مهر فجملة ذلك
أيضا ثلاثة مهور ونصف كما هو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ووجه التخريج أن الأحوال
ثلاثة فيجب اعتبار كل حالة فيقول نكاح الأربع يصح في حال ولا يصح في حالين فان صح
167

نكاحهن فلهن أربعة مهور وإن لم يصح فلا شئ لهن وأحوال الحرمان أحوال فلهن ثلث ذلك
وهو مهر وثلث مهر بينهن بالسوية والثلاث ان صح نكاحهن فلهن ثلاثة مهور وإن لم يصح
فلا شئ لهن ونكاحهن يصح في حال ولا يصح في حالين فلهن ثلث ذلك وهو مهر واحد
والثنتان ان صح نكاحهما فلهما مهران ونكاحهما صحيح في حال دون حالين فلهما ثلث ذلك وذلك
ثلثا مهر والواحدة يصح نكاحها في حالين اما مع الثلاث أو مع الثنتين ولا يصح نكاحها في
حال وهو ما إذا تقدم نكاح الأربع لكن أحوال الإصابة حالة واحدة فكان نكاحها يصح في
حال دون حال فكان لها نصف المهر وعلى كل واحدة منهن عدة المتوفى عنها زوجها احتياطا
(قال) فإن كان احدى الأربع أمة والمسألة بحالها فنكاح الأمة فاسد بيقين لانضمامها إلى
الحرائر ولاحظ لها من المهر ولا من الميراث ونكاح المنفردة هنا صحيح على كل حال لان
الباقي في الحاصل ثلاث وثلاث واثنتان وواحدة فيتيقن بصحة نكاح الواحدة اما مع الثنتين
أو مع أحد الفريقين من الثلاث ثم بيان حكم المهران على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لهن
ثلاثة مهور ونصف لما بينا ان أكثر مالهن أربعة مهور وأقل مالهن ثلاثة مهور فيتوزع المهر
الرابع نصفين ثم للمنفردة من هذه الجملة مهر كامل لأنا تيقنا بصحة نكاحها بقي مهران
ونصف فأما نصف مهر من ذلك لا منازعة فيه للثنتين وكل فريق من الثلاث يدعين
ذلك فيكون بين الفريقين نصفين بقي مهران استوت فيهما منازعة الفرق الثلاثة فكان
بينهن أثلاثا لكل فريق ثلثا مهر فأما على قول محمد فللواحدة مهر كامل لما قلنا ولكل فريق
من الثلاث مهر واحد لان نكاح كل فريق يصح في حال ولا يصح في حالين وفي حالة
الصحة لهن ثلاثة مهور وأحوال الحرمان أحوال فكان لكل فريق ثلث ذلك وهو مهر واحد
ونكاح الثنتين يصح في حال ولا يصح في حالين وفى حالة الصحة لهما مهران فلهما ثلث
ذلك وهو ثلثا مهر وميراث النساء بينهن للواحدة من ذلك سبعة من أربعة وعشرين
لان نكاحها صحيح بيقين فان صح مع الثنتين فلها ثلث الميراث ثمانية من أربعة وعشرين
وان صح مع الثلاث فلها ربع الميراث ستة من أربعة وعشرين فقدر ستة يقين وما زاد على
ذلك يثبت في حال دون حال فلهذا كان لها سبعة ولا يقال ستة لها في حالين بأن يصح
نكاحها مع هؤلاء الثلاث أو مع الفريق الآخر فكان ينبغي أن تعتبر الحالتان في حقها لأنهما
حالتا حرمان الزيادة وهذا لأنه لا فرق في حقها بين أن يكون صحة نكاحها مع هذا
168

الفريق أو مع الفريق الآخر واعتبار الأحوال لا يتفاوت وإذا لم يكن في حقها تفاوت في
هاتين الحالتين فهما حالة واحدة (قال) ولهم واحد من الباقي وهو سبعة عشر بين الثلاث
نصفان لان الثنتين لا يدعيان أكثر من ثلثي الميراث وما بقي وهو ستة عشر بينهن أثلاثا
لاستواء حالهن في استحقاق ذلك ولكن هذا الجواب على قول أبى يوسف ومحمد رحمهما
الله تعالى فاما على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الباقي بعد نصيب الواحدة كله مقسوم
بين الفرق أثلاثا لاستواء حالهن في استحقاق ما يفرغ من حق الواحدة وقد تقدم بيان
نظائره (قال) ولو كان طلق اثنتين من نسائه ثم مات قبل أن يبين والمسألة بحالها كان لهن
مهران ونصف لأنه قد سقط بطلاق الثنتين قبل الدخول مهر واحد وقد كان الثابت لهن
قبل الطلاق ثلاثة مهور ونصفا فإذا سقط مهر كان الباقي مهرين ونصفا فاما الواحدة فأكثر
ما يكون لها ربع ثلاثة مهور بان كان صح نكاحها مع الثلاث ووجب أربعة مهور ثم سقط
مهر بالطلاق بقي ثلاثة مهور لها ربع ذلك وأقل ما يكون لها ثلث مهرين بأن يكون نكاحها
صح مع الثنتين فكان الواجب ثلاثة مهور سقط مهر بالطلاق وبقي مهران فلها ثلث ذلك وذلك
ثلثا مهر فقدر ثلثي مهر لها بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام ثلاثة أرباع مهر وذلك نصف
سدس مهر يثبت في حال دون حال فيتنصف فيكون لها ثلثا مهر وربع سدس مهر وما بقي يكون
بين الفرق الثلاثة أثلاثا لاستواء حالهن في دعوى ذلك والميراث على ما وصفنا في المسألة
الأولى قال الحاكم رحمه الله تعالى هذا الجواب ليس بسديد في حكم المهر على مذهب أبي يوسف
رحمه الله تعالى ولم يبين الجواب الصواب على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ولكن بيان
ذلك على مذهبه ان نقول لما كان الواجب لهن مهرين ونصفا فاما نصف مهر من ذلك
تأخذه الواحدة لان الثنتين لا يدعيان ذلك أصلا والثلاث إنما يدعين ذلك بالواحدة فاما
بدون الواحدة فلا يدعين شيئا من ذلك فكانت الواحدة بذلك أولى ممن يدعي الاستحقاق
بها فلهذا تأخذ الواحدة نصف مهر بقي مهران فاما نصف مهر من ذلك فالثلاث يدعين
ذلك بأنفسهن والمثنى يدعيان ذلك بالواحدة والواحدة مضمومة إليهن في حال دون حال
فكان سدس هذا النصف للمثنى ولكل فريق من الثلاث سدسان ونصف سدس بقي مهر
ونصف استوت منازعة الفرق الثلاث فيه فكان بينهن أثلاثا فقد أصاب الثنتين مرة نصف
مهر ومرة سدس النصف فذلك سبعة من اثنى عشر وأصاب كل فريق من الثلاث مرة
169

نصف مهر ومرة سهمان ونصف سدس من ستة من النصف الآخر فذلك ثمانية ونصف
ثم الواحدة إن كان يصح نكاحها مع الثنتين فلها ثلثا مهر وقد وصل إليها نصف مهر بقي
إلى تمام حقها سدس مهر ونكاحها مع الثنتين صحيح في حال دون حالين فتأخذ منهما ثلث
سدس مهر ثم تجئ إلى كل فريق من الثلاث فان صح نكاحها مع كل فريق من الثلاث فلها
ثلاثة أرباع مهر وقد وصل إليها نصف مهر بقي إلى تمام حقها سدس ونصف سدس فتأخذ
من كل فريق ثلث ذلك فيجتمع لها ثلثا مهر وثلث سدس مهر وما بقي في يد كل فريق
مقسوم بينهم بالسوية (قال) وإذا تزوج الرجل امرأة وابنتيها في عقد متفرقة ثم مات ولا
يعلم أيتهن أول فلهن مهر واحد لأن الصحيح نكاح الواحدة وهي السابقة منهن أيتهن كانت
ثم عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى نصف هذا المهر للأم ونصفه للبنتين بينهما نصفان
وكذلك الميراث نصفه للأم ونصفه للبنتين بينهما نصفان وعلى قول أبى يوسف
ومحمد رحمهما الله تعالى المهر والميراث بينهن أثلاثا فطريقهما واضح فان حجة كل واحدة
مثل حجة صاحبتيها على معنى أنه ان تقدم نكاحها استحقت ذلك وان تأخر فلا شئ لها
والمساواة في سبب الاستحقاق يوجب المساواة في الاستحقاق ألا ترى أنهن لو كن امرأة
وأمها وابنتها أو امرأة وأمها وأخت أمها كان الميراث والمهر بينهن أثلاثا فأما أبو حنيفة
رحمه الله له في المسألة طريقان أشار في الكتاب إلى أحدهما فقال من قبل أنه لا يثبت
نكاح احدى البنتين بيقين ومعنى هذا أنا تيقنا ببطلان نكاح احدى البنتين وان الأم
لا يزاحمها الا احدى البنتين فلهذا كان لها نصف المهر ونصف الميراث وقد استوى في
النصف الآخر حال البنتين لأنه ليست إحداهما بتعيين جهة البطلان في نكاحها بأولى من
الأخرى فلهذا كان بينهما نصفين وطريق آخر أن سبب بطلان النكاح في حق الأم
واحد وهو المصاهرة لأنه سواء تزوج الكبرى من البنتين أولا أو الصغرى فقد حرمت
الأم بالمصاهرة فأما السبب في حق كل واحد من البنتين مختلف لان فساد نكاحها مرة
في الجمع بين الأختين ومرة بالجمع بين الأم والبنت وأحدهما غير الآخر فوجب اعتبار
الثنتين في حق كل واحدة منهما والتوزع على أسباب الحرمة فإذا كان سبب الحرمة في حق
الأم واحدا وفى حق البنتين متعددا لم يكن بينها وبين كل واحدة منهما مساواة في الحرمان
بل حالها أحسن فكان لها ضعف ما لكل واحدة منهما فأما ما استشهدا به فقد قيل الكل
170

على الاختلاف وقد يستشهد محمد رحمه الله تعالى بالمختلف على المختلف والصحيح الفرق من
قبل أنه لا يقين في بطلان نكاح واحدة بل حال الأم والجدة والنافلة في ذلك سواء وكذلك
السبب المتعدد في حرمة كل واحدة منهن باعتبار اختلاف الاسم كالأم والجدة والأم والخالة
أو الأم والبنت فلما استوى حالهن كان الواجب بينهن أثلاثا بالسوية وان متن جميعا والزوج
حي فالقول في الأولى منهن قوله كما في حال حياتهن القول في بيان الأولى قوله لان الملك
حقه فكذلك بعد موتهن القول في بيان الأولى قوله وان مات الزوج بعدهن قبل أن يبين
فله ثلث ميراث زوج من كل واحدة منهن وعليه ثلث ما سمى لكل واحدة منهن من
المهر باعتبار الأحوال لان نكاح كل واحدة صحيح في حال دون حالين فلها ثلث ما سمى
لها وباعتبار صحة نكاحها له ميراث زوج منها والصحة في حال دون حالين فله ثلث ميراث
زوج من كل واحدة منهن (قال) فإن كان تزوج البنتين في عقدة واحدة فنكاحهما باطل
لأنا نتيقن ببطلان نكاحهما بسبب الجمع بين الأختين سواء تقدم أو تأخر وعند التيقن
ببطلان نكاحهما نتيقن بصحة نكاح الأم فهي امرأته تقدم نكاحها أو تأخر (قال) وإن كان
قد دخل بهن جميعا ثم مات ولا يدرى أيتهن دخل بها أولا فنقول اما لكل واحدة
من البنتين الأقل مما سمى لها ومن مهر المثل لأنه دخل بهما بحكم نكاح فاسد ولا ميراث
لهما لفساد نكاحهما وكذلك لا ميراث للأم لان نكاحها قد بطل في حال حياته بالدخول
بالبنتين سابقا أو متأخرا فان الدخول بالبنت يحرم الأم على التأبيد وأما المهر ففي القياس
للأم مهر وربع مهر وفى الاستحسان لها مهر واحد وجه القياس ان نكاح الأم صحيح
بيقين فإن كان دخل بإحدى البنتين قبل الأم فقد حرمت الأم بذلك ووجب لها نصف
المهر لان الفرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول ثم دخل بالأم بعد ذلك فيجب
لها بالدخول مهر فكان لها من هذا الوجه مهر ونصف وإن كان دخل بالأم أولا فلها
مهر واحد وهو المسمى ثم حرمت عليه بالدخول بالبنت بعد ذلك فإن كان لها في وجه مهر
ونصف وفي وجه مهر فلها مهر بيقين والنصف يثبت في حال دون حال فيتنصف
ولكنه استحسن فقال لها مهر واحد لأنه يجعل كأنه دخل بالأم أولا فان فعله محمول
على الحل ما أمكن وأول فعله يمكن أن يحمل على الوطئ الحلال ثم لا امكان بعد ذلك فلهذا
جعلنا كأنه وطئ الأم أولا حتى يعلم غير ذلك والثاني ان المهر والنصف وجوبهما باعتبار
171

سببين أحدهما العقد الصحيح والآخر الوطئ بالشبهة ولم يظهر السببان إنما الظاهر سبب
واحد وهو العقد الصحيح فاما الوطئ تصرف في الملك بعده وباعتبار العقد الصحيح
لا يجب الا مهر واحد فلهذا كان لها مهر واحد وعلى كل واحدة منهن ثلاث حيض
لدخوله بهن ولو لم يكن دخل بالأم ودخل بالبنتين أو إحداهما فللأم نصف المسمى
لوقوع الفرقة بسبب من جهة الزوج بعد صحة نكاحها ولا عدة عليها وللمدخول بها من
البنتين الأقل من المسمى ومن مهر المثل وعليها العدة بثلاث حيض (قال) وإن كان تزوجهن في
عقد متفرقة ولم يدخل بشئ منهن حتى قال إحداكن طالق فهذا الكلام لغو منه لان
السابق منهن امرأته والأخريان أجنبيتان ومن جمع بين امرأته وأجنبيتين وقال إحداكن
طالق لم يقع شئ (قال) وان قال احدى نسائه طالق وقع على امرأته منهن لأنه أضاف
الطلاق إلى امرأته فان في نكاحه امرأة واحدة ومن كان في نكاحه امرأة واحدة إذا
قال احدى نسائي طالق وقع الطلاق بذلك اللفظ على امرأته بخلاف الأول فان هناك
أوقع الطلاق على احدى المعينات بغير عينها وفيهن من ليست بمنكوحة له فلا تتعين
امرأته لذلك الطلاق وإذا وقع الطلاق على امرأته فلها نصف المهر ثم الخلاف في نصف
المهر هنا كالخلاف في جميع المهر في المسألة الأولى ولا ميراث لواحدة منهن لوقوع الفرقة
بالطلاق قبل الدخول (قال) وإن كان تزوج البنتين في عقدة ثم قال احدى نسائي طالق
طلقت الأم بذلك لأن الصحيح نكاح الأم وهو بهذا اللفظ موقع الطلاق على من صح
النكاح بينه وبينها فلهذا طلقت الأم ولها نصف المهر ولا عدة عليها ولا ميراث لها وان قال
إحداكن طالق لم يقع الطلاق على الأم الا ان ينويها لأنه جمع بين امرأته وأجنبيتين وأوقع
الطلاق على إحداهن فلا يتعين لذلك امرأته إلا أن ينويها بقلبه ولو كان تزوجهن في عقدة
واحدة فنكاحهن فاسد بعلة الجمع فإن كان فيهن أمة جاز نكاح الأمة لان نكاح الحرتين منهن
باطل بيقين فان الحرتين ان كانتا ابنتين بطل نكاحهما للجمع بين الأختين وان كانتا أما وبنتا
بطل نكاحهما للجمع أيضا ومتى كان نكاح الحرتين باطلا بيقين لا يبطل به نكاح الأمة
لان بطلان نكاح الأمة بضمها إلى الحرة وذلك عند صحة نكاح الحرة لا عند بطلان
نكاحها (قال) وإن كان فيهن أمتان جاز نكاح الحرة لان نكاح الأمتين باطل بيقين فإنهما
اما أختان أو أم وبنت وإذا بطل نكاحهما كان ضمهما إلى الحرة لغوا فجاز نكاح الحرة
172

بمنزلة ما لو كانت اثنتان منهما ذواتي زوج أو في عدة من زوج ولما بطل نكاحهما صح
نكاح الفارغة منهن (قال) وان تزوج خمس حرائر وأربع إماء في عقدة واحدة جاز نكاح
الإماء وبطل نكاح الحرائر لان نكاح الحرائر لو انفرد كان باطلا ولو أنفرد نكاح الإماء
كان صحيحا فعند الجمع يصح نكاح من يصح نكاحه عند الانفراد وبمثله لو تزوج أربع إماء
وأربع حرائر في عقدة جاز نكاح الحرائر لان نكاح الحرائر لو انفرد هنا كان صحيحا فيندفع
بنكاحهن نكاح الإماء كما لو تزوج حره وأمة في عقدة واحدة والأصل الذي تدور عليه المسائل
انه متى جمع في العقد بين الحرائر والإماء نظر فإن كان نكاح الحرة يجوز عند الانفراد يبطل
نكاح الأمة لأنه تحقق ضمها إلى الحرة في النكاح وإن كان نكاح الحرة لا يجوز عند الانفراد
يصح نكاح الأمة لأنه لم يتحقق انضمامها إلى الحرة في النكاح ألا ترى أن الحرة لو كانت ذات
رحم محرم منه فجمع بينها وبين أمة في النكاح جاز نكاح الأمة لأنه لم يتحقق ضمها إلى نكاح
الحرة حين لا وجه لتصحيح نكاح الحرة (قال) وان تزوج حره وأمة في عقدة واحدة
وإحداهما بنت الأخرى جاز نكاح الحرة لان كل واحدة لو انفرد نكاحها هنا يصح فيتحقق
ضم الأمة إلى الحرة فلهذا جاز نكاح الحرة دون الأمة (قال) وإذا كان للرجل أربع نسوة
فتزوج خامسة ودخل بها فرق بينه وبينها لبطلان نكاحها وعليه لها الأقل من المسمى ومن مهر
المثل وعليها العدة ولم يقرب الأربع حتى تنقضي عدة الخامسة لأنه لو قربهن كان جامعا ماءه
في رحم خمس نسوة بالنكاح ولان عدة تلك الواحدة يمنع ابتداء نكاح الأربع إذا اقترن
بنكاحهن فيمنع الوطئ إذا طرأ على نكاحهن كعدة الأخت لما منعت نكاح الأخت إذا
اقترنت به منعت الوطئ إذا طرأت عليه حتى إذا وطئ أخت امرأته بشبهة فليس له أن
يطأ امرأته حتى تنقضي عدة أختها (قال) ولا بأس أن يتزوج الرجل أخت أم ولده لان
فراش أم الولد ضعيف ألا ترى أنه مجوز للنسب غير ملزم حق لو نفى المولى ولده انتفي
بمجرد نفيه والنكاح قوى ملزم بنفسه والضعيف لا يكون دافعا للقوى والديل عليه أن
المولى لو زوج أم ولده كان النكاح صحيحا فكما أن فراشها لضعفه لا يمنع تزويجها فكذلك
لا يمنع المولى نكاح أختها اعتبارا للمنع في أحد الجانبين بالمنع في الجانب الآخر وكذلك
لو تزوج أخت مدبرته أو أخت أمة له قد كان يطأها وهذا أظهر فإنه لا فراش لهما غير أنه
لا ينبغي أن يطأ التي تزوج حتى يملك فرج الأمة غيره لأنه لو وطأها صار جامعا ماءه في رحم
173

أختين ولان الجمع بين الأختين في الاستفراش الحقيقي حرام وقد تحقق منه استفراش الأولى
فلا يحل له أن يستفرش الثانية ما لم ينقطع حكم ذلك الاستفراش وانقطاعه بالتزويج أو البيع في
محل البيع فإن لم يكن وطئ أمته ولا مدبرته فلا بأس بأن يطأ امرأته وليس له أن يطأ الأمة
والمدبرة بعد النكاح لان المنكوحة بالعقد صارت فراشا فليس له أن يستفرش الأمة بعد
ذلك وله أن يطأ المنكوحة لأنه لا فراش له على المملوكة حقيقة وحكما (قال) ولو زوج أم
ولده ثم وطئ امرأته ثم مات زوج أم الولد أو فارقها فله أن يطأ امرأته ما دامت أم ولده تعتد
من زوجها لان فرجها حرام عليه في حال عدتها كما هو حرام عليه في حال نكاحها فإذا انقضت
عدتها فلا ينبغي له ان يطأ امرأته حتى يملك فرج أم الولد من غيره لان النكاح قد ارتفع بآثاره
فعاد الحكم الذي كان قبله وكذلك الأمة والمدبرة إذا كان وطئها قبل أن يتزوج الأخت
فحكمها وحكم أم الولد سواء (قال) فان أعتق أم ولده فعليها ان تعتد بثلاث حيض عندنا
وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى عليها حيضة واحدة ومذهبنا مروى عن عمر وعلي وابن
مسعود رضي الله عنهم ومذهبه مروى عن ابن عمر رضي الله عنهما ويستوى ان أعتقها أو
مات عنها الا على قول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فإنه كأن يقول لا تلبسوا علينا
سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عدة أم الولد إذا مات عنها سيدها أربعة أشهر وعشرا وهذا
دليلنا فإنه ألزمها عدة الحرائر الا انا نوجب الحيض لأن هذه العدة لا تجب الا باعتبار
الدخول وتوهم اشتغال الرحم فيقدر بالحيض في الحياة والوفاة كالعدة من نكاح فاسد
ووطئ شبهة احتج الشافعي فقال عدتها أثر ملك اليمين فتقدر بحيضة واحدة كالاستبراء
ودليل صحة اعتباره بالاستبراء أنه لا يختلف بالحياة والوفاة وتأثيره ان المقصود تبين فراغ
الرحم لا غير وذلك يحصل بالقرء الواحد ولكنا نقول هذه عدة وجبت على حرة فلا
يكتفي فيها بحيضة واحدة كعدة النكاح بل أولى فان عدة النكاح قد تجب على الأمة وهذه
العدة لا يجب الا على الحرة وتأثيره ان الحرة كاملة الحال فالوظيفة التي لا تجب الا على الحرة
تجب بصفة الكمال لان المعتبر حال وجوب العدة لا ما كان قبله وبه يتبين الفرق بينه وبين
الاستبراء فان الاستبراء لا يجب عليها ولكن على المولى أن يستبرئها قال صلى الله عليه وسلم
ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة وهذا خطاب للمولى
دون الأمة فان قول القائل لا تضرب فلانا خطاب للضارب دون المضروب توضيحه
174

أن سبب وجوب الاستبراء حدوث ملك الحل بسبب ملك اليمين ألا ترى أنه لو اشتراها
من صبي أو امرأة يجب وهنا سبب وجوب العدة زوال الفراش والعدة التي تجب بزوال
الفراش لا يكتفي فيها بحيضة واحدة فان تزوج المولى أختها في عدتها لم يجز عند أبي حنيفة
وزفر رحمهما الله تعالى وجاز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى غير أنه لا يقربها
حتى تنقضي عدة أختها ولو تزوج أربعا سواها في عدتها جاز عندنا وله ان يقربهن وقال
زفر رحمه الله تعالى ليس له ذلك زفر رحمه الله تعالى يقول إنها معتدة فلا يتزوج أختها ولا أربعا
سواها كالمعتدة من نكاح فاسد أو وطئ بشبهة بل أولى لان أصل فراشه في النكاح الفاسد
والوطئ بالشبهة ما كان موجبا للحل له وأصل الفراش هنا موجب الحل ثم العدة التي هي
أثر الفراش هناك تمنع نكاح الأخت والأربع فهنا أولى وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
قالا عدة أم الولد أثر فراشها وأثر الشئ لا يربو على أثر أصله في المنع فإذا كان أصل فراشها
لا يمنع المولى من نكاح أختها وأربع سواها فكذلك أثر فراشها وأصل الفراش بالنكاح
الصحيح أو الفاسد بعد الدخول يمنع نكاح الأخت والأربع فكذلك أثره وهذا لأنه
يبقى ببقاء العدة من المنع ما كان ثابتا لا ان يثبت ما لم يكن ثابتا وهذا بخلاف تزويجها من الغير
فان أصل فراشها مانع ن التزويج من الغير إذا بقي حتى لو كانت حاملا ليس له ان
يزوجها من غيره فكذلك أثر فراشها يمنع الا انها إذا كانت حاملا فله ان يقطع فراشها
بالتزويج وليس له ان يقطع عدتها لحق الشرع والفرق لأبي حنيفة رحمه الله تعالى بينهما من
وجهين (أحدهما) أن بسبب بقاء العدة يبقى الفراش حتى إذا جاءت بالولد يثبت
النسب منه ولا يثبت النسب منه الا باعتبار الفراش فلو تزوج أختها صار جامعا بين الأختين
في الفراش وذلك حرام وإذا تزوج أربعا سواها صار جامعا بين خمس نسوة في الفراش
ولكن بسببين مختلفين وذلك جائز ألا ترى أن من عنده أربع نسوة له أن يستولد من
الجواري ما شاء والثاني أن فراشها بالعتق يتقوى حتى يثبت النسب بعد العتق على وجه
لا يملك نفيه بخلاف ما قبل العتق وكذلك بعد العتق لا يملك تزويجها وإن كان قبل العتق
يجوز تزويجها فكل منع كان ثابتا في أصل فراشها يتقوى ذلك بعتقها والمنع من استفراش
الأخت كان ثابتا في أصل فراشها حتى لا يحل له أن يطأ أختها بملك اليمين ولا بملك
النكاح فيتقوى ذلك المنع بالعتق فيمنع عقد النكاح أصلا ولم يكن هو في أصل فراشها
175

ممنوعا من استفراش الأربع بالنكاح فلو صار ممنوعا بعد العتق كان هذا اثبات منع
مبتدأ لا إظهار قوة فيما كان ثابتا توضيحه أن المقصود بالنكاح الوطئ ولما لم يكن هو باعتبار
عدتها ممنوعا من وطئ الأربع بالنكاح بأن يعتقها وتحته أربع نسوة كان له أن يطأهن
فكذلك لا يكون ممنوعا من العقد عليها أيضا بمنزلة المعتدة بالنكاح (قال) وإذا تزوج
الرجل أربع نسوة في عقدة وثلاثا في عقدة ثم طلق احدى نسائه ثم مات قبل أن يبين
فلهن ثلاثة مهور أما على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى فلان أكثر مالهن ثلاثة مهور
ونصف مهر بان صح نكاح الأربع وقد سقط بطلاق إحداهن نصف مهر وأقل مالهن
مهران ونصف مهر بان صح نكاح الثلاث وقد سقط نصف مهر بطلاق إحداهن فقدر
مهرين ونصف يقين ومهر أخر يثبت في حال دون حال فيتنصف فكان لهن ثلاثة
مهور نصف مهر من ذلك للأربع خاصة لان الثلاث لا يدعين ذلك واستوت منازعة
الفريقين في المهرين والنصف فكان بينهما نصفان لكل فريق مهر وربع والميراث بين
الفريقين نصفان لاستواء حالهما في استحقاقه وعند محمد رحمه الله تعالى كذلك لان
الأربع ان صح نكاحهن فلهن ثلاثة مهور ونصف مهر لأنه طلق إحداهن قبل الدخول وإن لم
يصح نكاحهن فلا شئ لهن فلهن نصف ذلك وهو مهر وثلاثة أرباع والثلاث ان صح
نكاحهن فلهن مهران ونصف وإن لم يصح فلا شئ لهن فلهن نصف ذلك وهو مهر وربع مهر
(قال) ولو تزوج ثلاث نسوة في عقدة فدخل بواحدة منهن ولم يدخل بالثنتين ثم طلق
احدى نسائه واحدة والأخرى ثلاثا ثم مات قبل أن يبين فللمدخول بها مهر تام لتأكد
مهرها بالدخول وللتين لم يدخل بهما مهر وربع مهر في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لان أكثر
ما يكون لهما مهر ونصف بأن يكون أحد الطلاقين واقعا على المدخول بها والآخر على
أحدهما وأقل مالهما مهر واحد بأن يكون الطلاقان وقعا عليهما فمهر واحد لهما بيقين
ونصف مهر يثبت في حال دون حال فيتنصف فيكون لهما مهر وربع مهر بينهما نصفان
وعلى قول محمد رحمه الله تعالى للتين لم يدخل بهما مهر وثلث مهر هكذا ذكر في هذا
الكتاب وفي الزيادات يقول لهما مهر وربع مهر كما هو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى ولكن
بطريق آخر وهو ان إحداهما مطلقة بيقين فيعزلها بنصف مهر والأخرى ان وقع الطلاق
عليها فلها نصف مهر وإن لم يقع فلها مهر كامل فنصف مهر لها بيقين والنصف الآخر يثبت
176

في حال دون حال فيتنصف فكان لها ثلاثة أرباع مهر فإذا ضممت ذلك إلى نصف مهر
يكون مهرا وربع مهر بينهما ووجه رواية هذا الكتاب انه لو لم يدخل بشئ منهن لكان
الواجب عليه مهرين بينهن أثلاثا لكل واحدة منهن ثلثا مهر لأنه قد سقط بالطلاقين
مهر واحد وبان دخل بإحداهن حتى لم ينتقص من مهرها شئ لم يؤثر ذلك في حق
الأخريين بل يجعل في حقهما كأنه لم يدخل بشئ منهن فيكون لهما مهر وثلث مهر بينهما
نصفان لكل واحدة منهما ثلثا مهر وأما الميراث فعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى
للمدخول بها خمسة أسهم من اثنى عشر سهما من ميراث النساء وللآخرين سبعة أسهم لأنه
يلغى التطليقات الثلاث فان حالهن فيها على السواء على معنى انه على أيتهن وقعت حرمتها
بقيت التطليقة الواحدة فان وقعت على المدخول بها فلها ثلث ميراث النساء أربعة من اثني
عشر سهما وان وقعت على احدى اللتين لم يدخل بهما فلها نصف الميراث ستة فمقدار أربعة
لها بيقين وما زاد على ذلك وهو سهمان يثبت في حال دون حال فيتنصف فيكون لها خمسة
من اثني عشر والباقي للتين لم يدخل بهما وان وقع الطلاق على احدى اللتين لم يدخل بهما
فلهما نصف الميراث وان وقع على المدخول بها فلهما ثلثا الميراث فمقدار ستة لهما بيقين
وسهمان يثبت في حال دون حال فيتنصف فكان لهما سبعة وذكر في بعض نسخ هذا
الكتاب ان قول محمد رحمه الله تعالى في الميراث كقول أبى يوسف رحمه الله تعالى وفى
بعض النسخ قال عنده للمدخول بها خمسة أثمان ميراث النساء وللتين لم يدخل بهما ثلاثة
أثمان ميراث النساء ووجه ذلك أن احدى اللتين لم يدخل بهما مطلقة محرومة عن الميراث
بيقين فعزلها للحرمان وان كانت معزولة بوقوع الواحدة عليها بقي الثلاث على أيتهما وقعت
حرمتها فيكون الميراث في هذه الحالة نصفين نصفه للتي دخل بها ونصفه للتين لم يدخل
بهما وان كانت المعزولة للحرمان معزولة بوقوع الثلاث عليها فان وقعت الواحدة على غير
المدخول بها فالميراث كله للمدخول بها وان وقعت على المدخول بها فالميراث بينهما نصفان
فيثبت للمدخول بها في هذه الحالة ثلاثة أرباع الميراث ستة من ثمانية باعتبار انها لها النصف
في حال والكل في حال وقد كان لها في الحالة الأولى أربعة فأربعة لها بيقين وما زاد على ذلك إلى
تمام ستة يثبت في حال دون حال فيتنصف فلهذا كان لها خمسة من ثمانية وما بقي للتين لم يدخل
بهما أو لان لهما في الحالة الثانية الربع وفى الحالة الأولى النصف فيتنصف الربع باعتبار الأحوال
177

فلهذا كان لهما ثلاثة أثمان الميراث وروى محمد عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أن للمدخول
بها ثلاثة أرباع الميراث ووجه ذلك أن احدى اللتين لم يدخل بهما محرومة عن الميراث فيعزلها
بايقاع الثلاث عليها لأنا نتيقن أن ايقاع الثلاث موجب حرمان الميراث ولا يتيقن بذلك في
الواحدة فجعلنا المعزولة للحرمان كان الثلاث وقعت عليها بقيت الواحدة فان وقعت على المدخول
بها فلها نصف الميراث وان وقعت على غير المدخول بها فللمدخول بها جميع الميراث فكان لها
باعتبار الأحوال ثلاثة أرباع الميراث والباقي وهو ربع الميراث للتين لم يدخل بهما ولو كان دخل باثنتين
منهن والمسألة بحالها فلكل واحدة من اللتين دخل بهما مهر كامل لتأكد مهرهما بالدخول
بالنكاح الصحيح وللتي لم يدخل بها ثلاثة أرباع المهر في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى فإنها
ان كانت مطلقة فلها نصف مهر وإن لم يقع عليها شئ فلها مهر كامل فنصف مهر لها بيقين
والنصف الآخر يثبت في حال دون حال فيتنصف قال وكذلك الجواب عند محمد رحمه
الله تعالى وينبغي على قول محمد رحمه الله تعالى أن يكون لها ثلثا مهر بالطريق الذي قلنا أنه
لو لم يدخل بشئ منهن كان لكل واحدة منهن ثلثا مهر فيجعل في حق التي لم يدخل بها
كأنه لم يدخل بشئ منهن لان الدخول بغيرها لا يزيد في حقها سببا فأما الميراث فعلى قول
أبى يوسف للتي لم يدخل بها سدس الميراث لأنه إن لم يقع عليها شئ فلها ثلث الميراث وان وقع
عليها الطلاق فلا شئ لها فلها سدس الميراث به علل محمد رحمه الله تعالى في الكتاب وهو غلط
فإنه إن لم يقع عليها شئ كان لها نصف الميراث لأنه لا يزاحمها في الميراث الا واحدة فان من
وقع عليها الطلاق الثلاث من المدخولتين محرومة عن الميراث ولكن الطريق في التخريج أن
التي لم يدخل بها لها ثلاثة أحوال ان وقع عليها واحدة فلا شئ لها وان وقع عليها الثلاث
فلا شئ لها وإن لم يقع عليها شئ فلها نصف الميراث فلها حالتا حرمان وحالة إصابة فلهذا
جعل لها ثلث النصف وهو السدس قال وكذلك الجواب في الميراث عند محمد رحمه الله
تعالى قال الحاكم رحمه الله وليس ذلك بسديد بل الصواب عند محمد رحمه الله تعالى أن يكون
لها ثمن الميراث وهكذا ذكر في بعض الروايات لان احدى المدخولتين وارثة فيعزلها
للاستحقاق فإن كانت معزولة بأن لم يقع عليها شئ فلا شئ للتي لم يدخل بها في هذه الحالة لان
أحد الطلاقين وقع عليها لا محالة وان كانت المعزولة للاستحقاق معزولة بوقوع الواحدة عليها
فان وقع الثلاث على الأخرى فللتي لم يدخل بها نصف الميراث وان وقع الثلاث على التي لم
178

يدخل بها فلا شئ لها من الميراث فإذا كان لها النصف في حالة وفي حالة لا شئ لها كان لها
الربع ثم هذا الربع لها في هذه الحالة ولا شئ لها في الحالة الأولى فلها نصف الربع وهو
الثمن والباقي للتين دخل بهما (قال) وإذا تزوج امرأتين في عقدة وثلاثا في عقدة ثم قال
قد دخلت بأحد الفريقين ثم مات قبل أن يبين فللثنتين مهر واحد وللثلاث مهر ونصف لان
الثلاث ان صح نكاحهن بالسبق وقد دخل بهن فلهن ثلاثة مهور وإن لم يصح فلا شئ
لهن فلهن مهر ونصف مهر والثنتان ان صح نكاحهما فان دخل بهما فلهما مهران وإن لم
يصح فلا شئ لهما فلهما مهر واحد والميراث بين الفريقين نصفان لاستواء حالهما فيه وفقه
هذه المسألة أنه جعل اقراره بالدخول بأحد الفريقين اقرارا بالدخول بمن صح نكاحه
حملا لفعله وقوله على الصحة فان دينه وعقله يدعوانه إلى الاقدام على الوطئ الحلال ويمنعانه
من الاقدام على الوطئ الحرام وكذلك لو طلق احدى نسائه ثلاثا لان الايقاع بهذا اللفظ
يتناول من صح نكاحها فان من لم يصح نكاحها ليست من نسائه وايقاع الثلاث بعد
الدخول لا يسقط شيئا من الصداق فكان هذا والأول سواء وإن لم يدخل بشئ منهن
وطلق احدى نسائه ثلاثا فللثلاث مهر وربع مهر لأنه ان صح نكاحهن فلهن مهران ونصف
مهر فإنه قد طلق إحداهن قبل الدخول وذلك يسقط نصف مهر وإن لم يصح نكاحهن فلا
شئ لهن فلهذا كان لهن مهر وربع مهر وللاثنتين ثلاثة أرباع مهر لأنه ان صح نكاحهما
فلهما مهر ونصف مهر لوقوع الطلاق على إحداهما قبل الدخول وإن لم يصح نكاحهما فلا
شئ لهما فكان لهما ثلاثة أرباع مهر بينهما نصفان (قال) ولو تزوج ثلاث نسوة فدخل
بإحداهن ولا تعرف بعينها ثم طلق احدى نسائه ثلاثا والأخرى واحدة ثم مات قبل أن
يبين فلهن مهران وربع مهر لأنه ان أوقع أحد الطلاقين على المدخول بها فلهن مهران
ونصف مهر وان أوقع الطلاقين على اللتين لم يدخل بهما فلهن مهران لسقوط مهر بايقاع
الطلاقين على غير المدخولتين فقدر المهرين لهن بيقين ونصف مهر يثبت في حال دون
حال فيتنصف فلهذا كان لهن مهران وربع مهر بينهن أثلاثا لان المدخولة منهن غير معينة
فحالهن في استحقاق ذلك سواء والميراث بينهن أثلاثا لهذا المعنى وعلى كل واحدة منهن
عدة المتوفى عنها زوجها تستكمل في ذلك ثلاث حيض لان كل واحدة منهن يجوز
أن تكون هي التي دخل بها ثم أوقع الثلاث عليها فليزمها العدة بالحيض أو لم يقع عليها شئ
179

فليزمها عدة الوفاة والعدة يؤخذ فيها بالاحتياط فلهذا كان على كل واحدة منهن عدة
الطلاق والوفاة جميعا فان عرفت المدخول بها فلها المهر كاملا لتأكد مهرها بالدخول وللتين
لم يدخل بهما مهر وربع مهر في قول أبى يوسف وفى قول محمد رحمه الله تعالى لهما مهر
وثلث مهر وقد بينا تخرج القولين وبينا حكم تخريج الميراث أيضا على القولين وان عرفت
المدخول بها وقد أوقع تطليقة ثانية على إحداهن فالميراث بينهن أثلاثا لان حالهن في
استحقاق الميراث سواء فان الطلقة الثانية على أيتهن وقعت حرمتها المدخول بها وغير
المدخول بها سواء في ذلك (قال) وإذا تزوج العبد امرأتين في عقدة وثلاثا في عقدة
ثم مات فنكاح الثلاث باطلا لان العبد لا يتزوج أكثر من اثنتين فقد تيقنا ببطلان نكاح
الثلاث تقدم نكاحهن أو تأخر ونكاح الاثنتين صحيح تقدم أو تأخر فإن كانت احدى
الثلاث أمة فنكاح الأمة فاسد لانضمام نكاحها إلى نكاح الحرة ولا مهر لها لبطلان عقدها
وللحرتين اللتين معها مهر واحد لأنه ان سبق نكاحهما فلهما مهران وان تأخر نكاحهما
فلا شئ لهما وللاخريين مهر واحد أيضا لهذا المعنى وإن كان المولى قد أعتق العبد ثم مات العبد
فالميراث بين الفريقين نصفان لاستواء حالهما في استحقاق الميراث ويستوى إن كان تزوج
العبد بإذن مولاه أو بغير إذن مولاه لان عقده بغير إذن المولى يتم بالعتق فان المانع حق المولى
وقد زال ذلك بالعتق (قال) ولو أن رجلا أمر رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه امرأتين في
عقدة نكاحهما باطل وقد بينا هذه المسألة وقول أبى يوسف رحمه الله تعالى الأول فيها أن
نكاح إحداهما بغير عينها صحيح والبيان إلى الزوج ولو كان امره ان يزوجه امرأة بعينها
فزوجها إياه وأخرى في عقدة جاز نكاح التي أمره بها لأنه في العقد عليها ممتثل لامر الزوج
وفي العقد على الأخرى مبتدئ غير ممتثل لامر سبق من الزوج فينفذ عقده على التي امتثل
بها أمر الزوج في العقد عليها ويتوقف في الأخرى على إجازة الزوج والله سبحانه وتعالى
أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب النفقة) *
(قال) رضي الله عنه اعلم بأن الغير تجب بأسباب منها الزوجية ومنها الملك ومنها
النسب وهذا الباب لبيان نفقة الزوجات والأصل فيه قوله تعالى وعلى المولود له رزقهن
180

وكسوتهن بالمعروف وقال الله تعالى وبما أنفقوا من أموالهم وقال الله تعالى أسكنوهن من
حيث سكنتم من وجدكم معناه أسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم وقال صلى
الله عليه وسلم أوصيكم بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان اتخذتموهن بأمانة الله واستحللتم
فروجهن بكلمة الله وان لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا وأن لا يأذن في بيوتكم
لاحد تكرهونه فإذا فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح وان لهن عليكم نفقتهن
وكسوتهن بالمعروف وقال صلى الله عليه وسلم لهند خذي من مال أبي سفيان رضي الله عنه
ما يكفيك وولدك بالمعروف ولأنها محبوسة لحق الزوج ومفرغة نفسها له فتستوجب الكفاية
عليه في ماله كالعامل على الصدقات لما فرغ نفسه لعمل المساكين استوجب كفايته في
مالهم والقاضي لما فرغ نفسه لعمله للمسلمين استوجب الكفاية في مالهم إذا عرفنا هذا فنقول
طريق ايصال النفقة إليها شيئان التمكين أو التمليك حتى إذا كان الرجل صاحب مائدة
وطعام كثير تتمكن هي من تناول مقدار كفايتها فليس لها أن تطالب الزوج بفرض
النفقة فإن لم يكن بهذه الصفة فخاصمته في النفقة فرض لها عليه من النفقة كل شهر ما يكفيها
بالمعروف لان النفقة مشروعة للكفاية فإنما يفرض بمقدار ما يعلم أنه تقع به الكفاية ويعبر
المعروف في ذلك وهو فوق التقتير ودون الاسراف لأنه مأمور بالنظر من الجانبين وذلك
في المعروف وكذلك بفرض لها من الكسوة ما يصلح لها للشتاء والصيف فان بقاء النفس
بهما وكما لا تبقى النفس بدون المأكول عادة لا تبقى بدون الملبوس عادة والحاجة إلى ذلك
تختلف باختلاف الأوقات والأمكنة فيعتبر المعروف في ذلك فإن كان لها خدم فرض القاضي
لخادم واحد لان الزوج محتاج إلى القيام بحوائجها وأقرب ذلك اصلاح الطعام لها وخادمها
ينوب عنه في ذلك فيلزمه نفقة خادمها بالمعروف ولا تبلغ نفقة خادمها نفقتها حتى قالوا
يفرض لخادمها أدنى ما يفرض لها على الزوج المعسر ولا يفرض الا لخادم واحد في قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله تعالى وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يفرض لخادمين
لأنها قد تحتاج إليهما ليقوم أحدهما بأمور داخل البيت والآخر يأتيها من خارج البيت
بما تحتاج إليه وهما قالا حاجتها ترتفع بالخادم الواحد عادة وما زاد على الواحد فللتجمل
والزينة ووجوب النفقة على الزوج للكفاية فكما لا يزيدها على قدر الكفاية في نفقتها
فكذلك في نفقة خادمها ولو فرض لخادمين لفرض لأكثر من ذلك فيؤدي الا مالا
181

يتناهى ثم في ظاهر الرواية المعتبر في ذلك حال الزوج في اليسار والاعسار في ذلك قال الله
تعالى على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وقال الله تعالى لينفق ذو سعة من سعته الآية بين
ان التكليف بحسب الوسع وان النفقة على الرجال بحسب حالهم وذكر الخصاف رحمه الله تعالى
في كتابه ان المعتبر حالهما جميعا حتى إذا كانا موسرين فلها نفقة الموسرين وان كانت هي
معسرة تحت زوج موسر تستوجب عليه دون ما تستوجب إذا كانت موسرة لأن الظاهر أن
دون ذلك يكفيها وان كانت موسرة والزوج معسرا تستوجب عليه فوق ما تستوجب
إذا كانت معسره لتحصل كفايتها بذلك وفي ظاهر الرواية يقول لما زوجت نفسها من
معسر فقد رضيت بنفقة المعسرين فلا تستوجب على الزوج الا بحسب حاله ثم ليس في النفقة
تقدير عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يقدر كل يوم بمدين على الموسر وبمد ونصف على وسط
الحال وبمد على المعسر وهذا ليس بقوى فان المقصود الكفاية وذلك مما تختلف فيه طباع
الناس وأحوالهم من الشباب والهرم ويختلف باختلاف الأوقات أيضا ففي التقدير بمقدار اضرار
بأحدهما والذي قال في الكتاب إن كان معسرا فرض لها من النفقة كل شهر أربعة دراهم
أو خمسة ولخادمها عليه ثلاثة دراهم أو أقل من ذلك أو أكثر فليس هذا بتقدير لازم لان
هذا يختلف باختلاف الأسعار في الغلاء والرخص واختلاف المواضع واختلاف الأوقات
فلا معتبر بالتقدير بالدراهم في ذلك وإنما ذكر هذا بناء على ما شاهد في ذلك الوقت والذي يحق
على القاضي اعتبار الكفاية بالمعروف فيما يفرض في كل وقت ومكان وكما يفرض لها من
قدر الكفاية من الطعام فكذلك من الادام لان الخبز لا يتناول الا مأدوما عادة وجاء
في تأويل قوله تعالى من أوسط ما تطعمون أهليكم ان أعلى ما يطعم الرجل أهله الخبز واللحم
وأوسط ما يطعم الرجل أهله الخبز والزيت وأدنى ما يطعم الرجل أهله الخبز واللبن وأما
الدهن فلانه لا يستغنى عنه خصوصا في ديار الحر فهو من أصل الحوائج كالخبز (قال)
فإن لم يكن لها خادم لم تفرض نفقة الخادم عليه وعن زفر رحمه الله تعالى أنه يفرض لخادم
واحد لان على الزوج أن يقوم بمصالح طعامها وحوائجها فإذا لم يفعل ذلك أعطاها نفقة
خادم ثم تقوم هي بذلك بنفسها أو تتخذ خادما فاما في ظاهر الرواية استحقاقها نفقة الخادم
باعتبار ملك الخادم فإذا لم يكن لها خادم لا تستوجب نفقة الخادم كالغازي إذا كان راجلا
لا يستحق سهم الفارس وان أظهر غنا الفارس في القتال (قال) والكسوة على المعسر في
182

الشتاء درع وملحفة زطية وخمار سابوري وكساء كأرخص ما يكون كفايتها مما يدفئها ولخادمها
قميص كرابيس وإزار وكساء كأرخص ما يكون وللخادم في الصيف قميص مثل ذلك
وإزار وللمرأة درع وملحفة وخمار وإن كان موسرا فالنفقة عليه للمرأة ثمانية دراهم أو تسعة
ولخادمها ثلاثة دراهم أو أربعة والكسوة للمرأة في الشتاء درع يهودي أو هروي وملحفة دينورية
وخمار إبريسم وكساء آذربيجاني ولخادمها قميص زطي وإزار كرابيس وكساء رخيص وفي
الصيف للمرأة درع سابوري وملحفة كتان وخمار إبريسم ولخادمها قميص مثل ذلك وإزار
والحاصل ان ما ذكر من التقدير بالدراهم لا معتبر به لما قلنا وما ذكر من الثياب فهو بناء
على عادتهم أيضا وذلك يختلف باختلاف الأمكنة في شدة الحر والبرد وباختلاف العادات
فيما يلبسه الناس في كل وقت فيعتبر المعروف من ذلك فيما يفرض ولم يذكر في كسوة المرأة
الإزار والخف في شئ من المواضع وذكر الإزار في كسوة الخادم ولم يذكر الخف فإن كان
ت تخرج للحوائج فلها الخف أو المكعب بحسب ما يكفيها فاما المرأة فمأمورة بالقرار في
البيت ممنوعة من الخروج فلا تستوجب الخف والمكعب على الزوج وكذلك لا تستوجب
الإزار لأنها مأمورة بان تكون مهيأة نفسها لبساط الزوج فليس على الزوج ان يتخذ لها ما يحول
بينه وبين حقه فلهذا لم يذكر الإزار في كسوتها ثم النفقة للكفاية في كل يوم فاما الكسوة
فإنما تفرض في السنة مرتين في كل ستة أشهر مرة فان فعل ذلك لم يجدد لها الكسوة حتى
يبلغ ذلك الوقت إلا أن تكون لبست لبسا معتادا فتخرق قبل مجئ ذلك الوقت فحينئذ
تبين ان ذلك لم يكن يكفيها فتجدد لها الكسوة ولكن ان أخذت الكسوة ورمت بها حتى
جاء الوقت وقد بقيت تلك الكسوة عندها يفرض لها كسوة أخرى لأنها لو لبست لتخرق ذلك
فبأن لم تلبس لا يسقط حقها ويجعل تجدد الوقت كتجدد الحاجة وهذا بخلاف كسوة الأقارب
فالمعتبر هناك حقيقة الحاجة وإذا بقيت تلك الكسوة فلا حاجة وهنا لا معتبر بحقيقة الحاجة
فإنها وان كانت صاحبة ثياب تستوجب كسوتها على الزوج فلهذا فرقنا بينهما (قال) وإن كان
الرجل من أهل الغني المشهورين بذلك فلامرأته خمسة عشر درهما على كل شهر ولخادمها خمسة
ولها من الكسوة في الشتاء درع يهودي وملحفة هروي وجبة فرو أو درع خز وخمار
إبريسم ولخادمها قميص يهودي وإزار وجبة وكساء وخفين ثم قال محمد رحمه الله تعالى
لا ينبغي أن توقت النفقة على الدراهم لان السعر يغلو ويرخص لكن تجعل النفقة على الكفاية
183

في كل زمان فينظر إلى قيمة ذلك فيفرض لها عليه دراهم شهرا شهرا وقد بينا هذا الفصل
والذي قال تفرض شهرا شهرا إنما بناه على عادتهم أيضا وبعض المتأخرين من مشايخنا يعتبر
في ذلك حال الرجل أيضا فإن كان محترفا تفترض عليه النفقة يوما يوما لأنه يتعذر عليه أداء
النفقة شهرا دفعة واحدة وإن كان من التجار يفرض الأداء شهرا شهرا وإن كان من الدهاقين
تفرض عليه النفقة سنة سنة لان تيسر الأداء عليه عند ادراك الغلات في كل سنة وتيسر
الأداء على التاجر عند اتخاذ أجر غلات الحوانيت وغيرها في كل شهر وتيسر الأداء على المحترف
بالاكتساب في كل يوم ولا يؤخذ من الزوج كفيل بشئ من النفقة أما نفقة المستقبل
فلم تجب بعد والانسان لا يجبر على اعطاء الكفيل ما لم يجب عليه وأما الماضي فلانه بمنزلة سائر
الديون يؤمر بقضائها ولا يجبر على اعطاء الكفيل ولو خاصمته امرأته في نفقة ما مضى من
الزمان قبل أن يفرض القاضي عليه لها النفقة لم يكن لها شئ من ذلك عندنا وعلى قول الشافعي
رحمه الله تعالى يقضى لها بما لم تستوف من النفقة الماضية وأصل المسألة أن النفقة لا تصير
دينا الا بقضاء القاضي أو التراضي عندنا وعند الشافعي تصير دينا لان وجوبها بالعقد فلا
تحتاج إلى القضاء أو إلى الرضاء في صيرورتها دينا بعد العقد كالمهر ولان وجوب النفقة
باعتبار قيام الزوج عليها بعد العقد وقد تقرر ذلك فيصير دينا بدون القضاء كالاجرة
يصير دينا باستيفاء المنفعة بعد العقد وحجتنا في ذلك أن النفقة صلة والصلات لا تتأكد
بنفس العقد ما لم ينضم إليها ما يؤكدها كالهبة والصدقة من حيث إنها لا تتم الا بالقبض وبيان
الوصف ان النفقة ليست بعوض عن البضع فان المهر عوض عن البضع ولا تستوجب عوضين
عن شئ واحد بعقد واحد ولان ما يكون عوضا عن البضع يجب جملة لان ملك البضع
يحصل للزوج جملة ولا يجوز أن يكون عوضا عن الاستمتاع والقيام عليها لان ذلك تصرف
منه في ملكه فلا يوجب عليه عوضا فعرفنا ان طريقه طريق الصلة وتأكدها اما بالقضاء
أو التراضي ولأن هذه نفقة مشروعة للكفاية فلا تصير دينا بدون القضاء كنفقة الوالدين
والمولودين لا تصير دينا بمجرد مضى الزمان فكذا هنا وكذلك لو استدانت عليه قبل قضاء
القاضي أو التراضي لأنه ليس لها عليه ولاية الاستدانة وإنما ولايتها على نفسها فما استدانت
يكون في ذمتها واتفاقها مما استدانت كانفاقها من سائر أملاكها فلا ترجع بشئ من ذلك
على الزوج إلا أن يكون القاضي فرض لها عليه نفقة كل شهر أو صالحته على نفقة كل شهر ثم
184

غاب أو حبس للنفقة عليها فاستدانت عليه أو لم تستدن أخذته بنفقة ما مضى لان حقها
تأكد بقضاء القاضي أو بالصلح عن تراض فان ولايته على نفسه في الالتزام فوق ولاية
القاضي في الالزام وذكر عن شريح قال أيما امرأة استدانت على زوجها وهو غائب فإنما
استدانت على نفسها وإنما أراد به إذا لم يفرض القاضي لها النفقة أو فرض لها ولم يأمرها
بالاستدانة على زوجها فأما إذا أمرها بالاستدانة عليه فذلك على الزوج لان للقاضي عليه
ولاية فأمرها بالاستدانة عليه كأمر الزوج بنفسه (قال) وقال أبو حنيفة رحمه الله
تعالى لا أجيز الفرض عليه إذا كان غائبا لان الفرض عليه إذا كان غائبا إلزام وليس للقاضي
ولاية الالزام على الغائب وإن كان لها منه ولد فطلبت أن يفرض للولد معها نفقة فرض عليه
للصغار والنساء والرجال الزمنى فأما الذين لا زمانة بهم من الرجال فلا نفقة لهم عليه بل
يؤمرون بالاكتساب والانفاق على أنفسهم فأما من كان زمنا منهم فهو عاجز عن
الاكتساب وبالنساء عجز ظاهر عن الاكتساب وفى أمرها بالاكتساب فتنة فان المرأة
إذا أمرت بالاكتساب اكتسبت بفرجها فإذا لم يكن لها زوج فهي بمنزلة الصغيرة
ونفقتها في صغرها على الوالد لحاجتها فكذلك بعد بلوغها ما لم تتزوج لان ببلوغها تزداد
الحاجة والأصل في ذلك ما روينا من قوله صلى الله عليه وسلم خذي من مال أبي سفيان
ما يكفيك وولدك بالمعروف ولان مؤنة الرضاع على الوالد بالنص قال الله تعالى فان أرضعن
لكم فآتوهن أجورهن إلى قوله وان تعاسرتم فسترضع له أخرى وذلك حاجة الولد ما دام
رضيعا فيكون هذا دليلا على أن كفاية الولد على ما بقيت حاجته ثم يدفع نفقة الكبار
من الولد إليهم لان النفقة حقهم ولهم أهلية استيفاء حقوقهم ولا ولاية لاحد عليهم ويدفع
نفقة الصغار إلى المرأة لان الصغير في حجرها وهي التي تصلح له طعامه فيدفع نفقته إليها ثم
بين نفقة الصغير على المعسر بالدراهم وكسوته بالثياب وهذا نظير ما ذكرنا في نفقة الزوجة
ان المعتبر ما تقع به الكفاية وهذا أظهر هنا فان الحاجة تختلف باختلاف سن الصغير فلا
عبرة بالتقدير اللازم فيه ولكنه إن كان موسرا امر بأن يوسع عليه في النفقة والكسوة
على حسب ما يرى الحاكم فيه ويعتبر فيه المعروف في ذلك كما يعتبر في نفقة الزوجة
(قال) وإذا صالحت المرأة زوجها على نفقة لا تكفيها فلها ان ترجع عن ذلك وتطالب
بالكفاية لان النفقة إنما تجب شيئا فشيئا فرضاها بدون الكفاية اسقاط منها لحقها قبل
185

الوجوب وذلك لا يجوز ألا ترى أنها لو أبرأته عن النفقة لم تسقط بذلك نفقتها وهذا
بخلاف الأجرة فان الابراء عن بعض الأجرة بعد العقد قبل استيفاء المنفعة يجوز بلا خلاف
لان سبب الوجوب هنا وهو العقد موجود فيقام ذلك مقام حقيقة الوجوب في صحة
الاسقاط وهناك السبب ليس هو العقد ولكن تفريغها نفسها بالخدمة لزوج وذلك يتجدد حالا
فحالا فاسقاطها قبل وجود السبب باطل توضيحه ان النفقة مشروعة للكفاية وفى التراضي
على مالا تقع به الكفاية تفويت المقصود لا تحصيله فكان باطلا وكذلك أن كان القاضي
قضى بذلك لأنه تبين أنه أخطأ في قضائه حين قضى بما لا يكفيها فعليه أن يتدارك الخطأ
بالقضاء لها بما يكفيها (قال) وإذا فرض على المعسر نفقة المعسرين ثم أيسر فخاصمته فعليه
نفقة الموسرين لما بينا ان النفقة تجب شيئا فشيئا فيعتبر حاله في كل وقت فكما لا يستأنف
القضاء بنفقة المعسر بعد اليسار فكذلك لا يستديم ذلك القضاء وقد كان القضاء عليه بنفقة
المعسر لعذر العسرة فإذا زال العذر بطل ذلك كمن شرع في صوم الكفارة للعسرة ثم
أيسر كان عليه التكفير بالمال (قال) وإذا تغيبت المرأة عن زوجها أو أبت ان تتحول معه
إلى منزله أو إلى حيث يريد من البلدان وقد أوفاها مهرها فلا نفقة لها لأنها ناشزة
ولا نفقة للناشزة فان الله تعالى أمر في حق الناشزة يمنع حظها في الصحبة بقوله تعالى
واهجروهن في المضاجع فذلك دليل على أنه تمنع كفايتها في النفقة بطريق الأولى لان
الحظ في الصحبة لهما وفى النفقة لها خاصة ولأنها إنما تستوجب النفقة بتسليمها نفسها إلى
الزوج وتفريغها نفسها لمصالحه فإذا امتنعت من ذلك صارت ظالمة وقد فوتت ما كان يجب
النفقة لها باعتباره فلا نفقة لها وقيل لشريح رحمه الله تعالى هل للناشزة نفقة فقال نعم فقيل
كم قال جراب من تراب معناه لا نفقة لها وان كأن لم يوفها مهرها فأبت عليه ذلك حتى
يوفيها فلها النفقة لأنها حبست نفسها بحق فلا تكون مفوتة ما به تستوجب النفقة حكما
بل الزوج هو المفوت بمنعها حقها ولان النفقة حقها والمهر حقها فمطالبتها بأحد الحقين
لا يسقط حقها الآخر وكذلك لو لم يدخل بها في ظاهر الرواية الا في رواية عن أبي يوسف
رحمه الله تعالى انها قبل الدخول إذا حبست نفسها لاستيفاء مهرها فلا نفقة لها وكأنه على
هذه الرواية اعتبر لوجوب النفقة انتقالها إلى بيت الزوج فإذا لم يوجد لا تستوجب النفقة
ابتداء فاما بعد ما انتقلت إلى بيته ووجبت لها النفقة فلا يسقط ذلك الا بمنعها نفسها بغير
186

حق وفى ظاهر الرواية بعد صحة العقد النفقة واجبة لها وإن لم تنتقل إلى بيت زوجها الا
ترى ان الزوج لو لم يطلب انتقالها إلى بيته كان لها ان تطالبه بالنفقة فكذلك إذا حبست
نفسها لاستيفاء المهر وان رجعت الناشزة إلى بيت الزوج فنفقتها عليه لان المسقط لنفقتها
نشوزها وقد زال ذلك والأصل فيه قوله تعالى فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا (قال)
ولا نفقة للصغيرة التي لا يجامع مثلها عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لها النفقة لأنها
مال يجب بالعقد فالصغيرة والكبيرة فيه سواء كالمهر وهذا لان الوجوب لحاجتها
والصغيرة محتاجة إلى ذلك كالكبيرة ألا ترى أن بسبب ملك اليمين تجب النفقة للصغير
كما تجب للكبير فكذلك بسبب النكاح وحجتنا في ذلك أنها غير مسلمة نفسها إلى زوجها
في منزله فلا تستوجب النفقة عليه كالناشزة وهذا لان الصغيرة جدا لا تنتقل إلى بيت
الزوج بل تنقل إليه ولا تنتقل إليه للقرار في بيته أيضا فتكون كالمكرهة إذا حملت إلى
بيت الزوج ولان نفقتها عليه باعتبار تفريغها نفسها لمصالحه فإذا كانت لا تصلح لذلك لمعنى
فيها كان ذلك بمنزلة منع جاء من قبلها فلا نفقة لها على الزوج بخلاف المملوكة فان نفقتها
لأجل الملك فقط وذلك لا يختلف بالصغر والكبر وان كانت قد بلغت مبلغا يجامع مثلها
فلها النفقة على زوجها صغيرا كان زوجها أو كبيرا لأنها مسلمة نفسها في منزله مفرغة نفسها
لحاجته وإنما الزوج هو الممتنع من الاستيفاء لمعني فيه فلا يسقط به حقها في النفقة وإن كان
الزوج صغيرا لا مال له لم يؤخذ الأب بنفقة زوجته إلا أن يكون ضمنها لان استحقاق
النفقة على الزوج كاستحقاق المهر فكما لا يؤخذ أبوه بشئ من المهر إذا لم يضمن ذلك
فكذلك لا يؤخذ بالنفقة (قال) وكل امرأة قضى لها بالنفقة على زوجها وهو صغير
أو كبير معسر لا يقدر على شئ فإنها تؤمر بأن تستدين ثم ترجع عليه ولا يحبسه القاضي
إذا علم عجزه وعسرته لان الحبس إنما يكون في حق من ظهر ظلمه ليكون زاجرا له عن
الظلم وقد ظهر هنا عذره لا ظلمه فلا يحسبه ولكن ينظر لها بأن يأمرها بالاستدانة فإذا
استدانت بأمر القاضي كان كاستدانتها بأمر الزوج فترجع عليه بذلك إذا أيسر وإن كان
القاضي لا يعلم من الزوج عسره فسألت المرأة حبسه بالنفقة لم يحبسه القاضي في أول مرة لان
الحبس عقوبة لا يستوجبها الا الظالم ولم يظهر حيفه وظلمه في أول مرة فلا يحبسه ولكن
يأمره بأن ينفق عليها ويخبره أنه يحبسه إن لم يفعل فان عادت إليه مرتين أو ثلاثا حبسه
187

لظهور ظلمه بالامتناع من ايفاء ما هو مستحق عليه فان علم أنه محتاج خلى سبيله لأنه مستحق
للنظرة إلى ميسرة بالنص وليس بظالم في الامتناع من الايفاء مع العجز (قال) وينبغي للقاضي
إذا حبس الرجل شهرين أو ثلاثة في نفقة أو دين أن يسأل عنه وفي بعض المواضع ذكر
أربعة أشهر وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى قدر ذلك بستة أشهر وذكر
الطحاوي عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ان أدنى المدة فيه شهر والحاصل أنه ليس فيه
تقدير لازم لان الحبس للاضجار وذلك مما تختلف فيه أحوال الناس عادة فالرأي فيه إلى
القاضي حتى إذا وقع في أكبر رأيه أنه يضجر بهذه المدة ويظهر مالا إن كان له أن يسأل
عن حاله بعد ذلك وذكر هشام في نوادره عن محمد رحمه الله تعالى ان له أن يسأل عن حاله بعد
ما حبسه ولم يعتبر في ذلك مدة فإذا سأل عنه فأخبر أنه معسر خلى سبيله لان ما صار
معلوما بخبر العدول فهو بمنزلة الثابت باقرار الخصم ولا يحول بين الطالب وبين ملازمته
عندنا وكان إسماعيل بن حماد رحمه الله تعالى يقول ليس للطالب أن يلازمه وبه أخذ
الشافعي رحمه الله تعالى لأنه منظر بانظار الله تعالى فهو بمنزلة ما لو أجله الخصم أو أبرأه
منه فكما لا يلازمه هناك فكذلك لا يلازمه هنا ولكنا نستدل بما روى أن النبي صلى الله
عليه وسلم اشترى من أعرابي بعيرا بثمن مؤجل فلما حل الاجل طالبه الاعرابي فقال
ليس عندنا شئ فقال الاعرابي واغدراه فهم به الصحابة رضوان الله عليهم فقال صلى الله
عليه وسلم دعوه فان لصاحب الحق اليد واللسان والمراد باللسان التقاضي وباليد الملازمة
ولان قضاء الدين مستحق على المديون من كسبه وماله فكما أنه إذا كان له مال كان للطالب
ان يطالبه بقضاء الدين منه فكذلك إذا كان له كسب كان له ان يطالبه بقضاء الدين من
كسبه وذلك أنما يتحقق بالملازمة حتى إذا فضل من كسبه شئ عن نفقته أخذه بدينه
ولسنا نعني بهذه الملازمة ان يقعده في موضع فان ذلك حبس ولكن لا يمنعه من التصرف
بل يدور معه حيثما دار وإن كان غنيا لم يخرجه من السجن أبدا حتى يؤدى النفقة والدين
لقوله صلى الله عليه وسلم لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ولأنه حال بين صاحب الحق وبين
حقه مع قدرته على ابقائه فيجازى بمثله وذلك بالحيلولة بينه وبين نفسه وتصرفه حتى يوفي
ما عليه وإن كان له مال حاضر أخذ القاضي الدراهم والدنانير من ماله وأدى منها النفقة
والدين لان صاحب الحق إذا ظفر بجنس حقه كان له ان يأخذه فللقاضي ان يعينه على
188

ذلك أيضا وكذلك إذا ظفر بطعامه في النفقة لأنه عين ما عليه من الحق والمرأة تتمكن
من أخذه إذا قدرت عليه فيعينها القاضي على ذلك ولا يبيع القاضي عروضه في النفقة والدين
في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يبيع ذلك كله
وهو بناء على مسألة الحجر فان عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى القاضي لا يحجر على المديون
بسبب الدين وبيع المال عليه نوع حجر فلا يفعله القاضي وعندهما القاضي يحجر عليه بسبب
الدين فيبيع عليه ماله واستدلا في ذلك بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ
رضي الله عنه وباع عليه ماله وقسم ثمنه على غرمائه بالحصص وقال عمر رضي الله عنه في خطبته
أيها الناس إياكم والدين فان أوله هم وآخره حرب وان أسيفع جهينة قد رضى من دينه
وأمانته ان يقال له قد سبق الحاج فأدان مقرضا أصبح وقد ربدته الا انى بائع عليه ماله
وقاسم ثمنه بين غرمائه بالحصص فمن كان له عليه دين فليعد والمعنى فيه أن قضاء الدين
مستحق عليه بدليل أنه يحبس لأجله فإذا امتنع من ذلك وهو مما تجرى النيابة فيه ناب القاضي
منابه كالتفريق بين العنين وامرأته وبالاتفاق يبادل أحد النقدين بالآخر بهذا الطريق
فكذلك يبيع العروض ولأبي حنيفة ما روى أن رجلا من جهينة أعتق شقصا من عبد بينه
وبين آخر فحبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى باع غنيمة له وأدى ضمان نصيب
شريكه ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان علم بيساره حين ألزمه ضمان العتق ثم اشتغل
بحبسه ولم يبع عليه ماله فلو كان ذلك جائزا لاشتغل به لان فيه نظرا من الجانبين والمعنى
فيه أن المستحق عليه قضاء الدين ولقضاء الدين طرق سوى بيع المال فليس للقاضي عليه
ولاية تعيين هذا الطريق لقضاء الدين ألا ترى أنه لا تزوج المديونة لتقضى الدين من
صداقها ولا يؤاجر المديون ليقضى الدين من أجرته لأنه تعين قضاء الدين عليه فكذلك
لا يبيع ماله لأنه تعين طريق قضاء الدين عليه ومبادلة أحد النقدين بالآخر لا يفعله في
القياس أيضا ولكن في الاستحسان الدراهم والدنانير جعلا كجنس واحد فان المقصود
منهما واحد فكان ذلك بمنزلة قضاء الدين من جنس الحق وذلك متعين عليه لصاحب الحق
لان له أن يأخذ جنس حقه فكذلك للقاضي أن يعينه عليه وأما حديث معاذ رضى الله
تعالى عنه فإنما باع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله برضاه وسؤاله لأنه لم يكن في ماله
وفاء بديونه فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشر بيع ماله لينال بركة رسول الله
189

صلى الله عليه وسلم ماله فيصير فيه وفاء بدينه والمشهور من حديث عمر رضى الله تعالى عنه
إلى قاسم ماله بين غرمائه فإنما يحمل ذلك على أن ماله كان من النقود والدليل عليه أن عندهما
ليس للقاضي أن يبيع المال الا بطلب من الخصم ولم يكن منهم طلب فعرفنا أنه كان ذلك
من جنس الحق أو كان فيه نوع مصلحة رآها لاسيفع جهينة (قال) وإذا كان لرجل نسوة
فرضت النفقة لهن عليه بحسب الكفاية على ما قلنا فإن كانت إحداهن كتابية أو أمة قد
بوأها مولاها معه بيتا فرض عليه لكل واحدة منهن ما يكفيها ولا تزاد الحرة المسلمة على
الأمة والذمية شيئا لان النفقة مشروعة للكفاية وهذا لا يختلف باختلاف الدين ولا باختلاف
الحال في الرق والحرية فان فرض ذلك وهو معسر وعلم القاضي ذلك منه أمرهن بالاستدانة
عليه ففي هذا يعتدل النظر من الجانبين وإن كان الزوج غائبا فقد كان أبو حنيفة
رحمه الله تعالى يقول أولا يأمرهن بالاستدانة عليه إذا كان يعلم النكاح بينه وبينهن وهو
قول زفر رحمه الله تعالى كما يفعل ذلك عند حضرته ثم رجع فقال لا يأمر بذلك وهو
قولهما لان فيه قضاء على الغائب وليس له ذلك وان أمرهن بالاستدانة فلم يجدن ذلك
لم يفرق بينه وبينهن ولم يجبره على طلاقهن عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يفرق بينه
وبينهن إذا طلبن ذلك لقوله تعالى فامساك بمعروف أو تسريح باحسان والمعروف في
الامساك أن يوفيها حقها من المرة والنفقة فإذا عجز عن ذلك تعين التسريح بالاحسان وهو
المعنى في ذلك فان المستحق عليه أحد الشيئين فإذا تعذر أحدهما تعين الآخر ألا ترى أنه إذا
عجز عن الوصول إليها بسبب الجب والعنة فرق بينهما لفوات الامساك بالمعروف بل أولى لان
حاجتها إلى النفقة أظهر من حاجتها إلى قضاء الشهوة ولكن لما تعين التفريق لايصالها
إلى حقها من جهة عسره فرق القاضي بينهما فكذلك هنا تعين التفريق لايصالها إلى حقها
من جهة غيره وبه فارق المهر والنفقة المجتمعة عليه فان التفريق ليس بطريق لايصالها إلى
ذلك الحق من جهة غيره فاما نفقة الوقت تصل إليها بعد التفريق من جهة زوج آخر وقاس
بنفقة العبد والأمة فإنه يستحق عليه بسبب الملك فإذا تعذر عليه أجبره القاضي على إزالة
الملك بالبيع فهنا كذلك واستدل بحديث عمر وعلي رضي الله عنهما كتبا إلى أمراء
الأجناد ان مروا من قبلكم ان تبعثوا بنفقة أهليكم أو بطلاقهن وقيل لسعيد بن المسيب رضي الله عنه
أتفرق بين العاجز عن النفقة وبين امرأته فقال نعم فقيل له سنة فقال نعم والسنة
190

إذا أطلقت يفهم منها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجتنا في ذلك قوله تعالى وإن كان
ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة فهذا تنصيص على أن المعسر منظر ولو أجلته في ذلك لم يكن
لها ان تطالب بالفرقة فكذلك إذا استحق النظرة شرعا الا ان المستحق بالنص التأخير فلا
يلحق به ما يكون ابطالا لان ذلك فوق المنصوص وفي حق المملوك يكون ابطالا لأنه لا يثبت
للمملوك على مولاه دين فاما في حق الزوجية يكون تأخيرا لا ابطالا وبهذا يتبين أنه غير
عاجز عن معروف يليق بحاله وهو الالتزام في الذمة فان المعروف في النفقة على الموسع
قدره وعلى المقتر قدره وهو الالتزام في الذمة مع أن التسريح طلاق وعند الشافعي المستحق
هنا هو الفسخ بسبب العيب حتى إذا فرق بينهما لم يكن طلاقا وبه نجيب عن حديث عمر وعلي
رضي الله عنهما مع أنهم ما كانوا عاجزين عن المهر والنفقة فان نفقة عيال من هو من الجند
من مال بيت المال والامام هو الذي يوصل ذلك إليهم ولكنهما خافا عليهن الفتنة لطول غيبة
أزواجهن فأمراهم ان يبعثوا إليهن ما تطيب به قلوبهن والمعني فيه أن النفقة مال فالعجز عنه لا يكون
موجبا للفرقة كالمهر والنفقات المجتمعة بل أولى لان ذلك دين مستقر ونفقة الوقت لم تستقر دينا
بعد وهذا لان المقصود بالنكاح غير المال فكان المال زائدا والعجز عن التبع لا يكون سببا لرفع
الأصل وكما أن بالفرقة لا تتوصل إلى مهرها الذي على الزوج الأول وإنما تتوصل إلى مثله من
جهة أخرى فكذلك النفقة وبه فارق الجب والعنة فان هناك تحقق فوات ما هو المقصود مع أن
عندنا هناك لا يفسخ العقد ولكن يفرق بينهما بطريق التسريح بالاحسان حتى يكون
ذلك طلاقا لإزالة ظلم التعليق عنها وهذا ليس في معنى ذلك من وجوه أحدها ان هناك
قد انسد عليها باب تحصيل ذلك المقصود بدون التفريق بينهما وهنا لم ينسد عليها وصول
النفقة بدون التفريق بأن تستدين فتنفق والثاني ان هناك الزوج يمسكها من غير حاجة به
إليها فيما هو المقصود فكان ظالما وهنا يمسكها مع حاجته إليها فيما هو المقصود فلا يكون ظالما
ولان هناك في ترك التفريق ابطال حقها لان وظيفة الجماع لا تصير دينا على الزوج بمضي
المدة ولو فرقنا كان فيه ابطال ملك الزوج فاستوى الجانبان في ضرر الابطال وفى جانبها
رجحان لصدق حاجتها وهنا في ترك التفريق تأخير حقها لان النفقة تصير دينا على الزوج
وفى التفريق ابطال الملك على الزوج وضرر التأخير دون ضرر الابطال وبه يفرق بينه وبين
العبد فالضرر هناك ضرر الابطال لان النفقة هناك لا تصير دينا للمملوك على المالك ثم فيه
191

ابطال حقه بغير بدل وفي البيع ابطال ملك المولى ببدل فكان هذا الضرر أهون حتى أن
في الموضع الذي يكون ابطالا بغير بدل لا يفعل ذلك وهو أنه إذا عجز عن نفقة أم ولده لم
يعتقها القاضي عليه (قال) والتبوئة في الأمة ان يخلى بين الأمة وزوجها ولا يستخدمها لما بينا
ان المعتبر في استحقاق النفقة تفريغها نفسها لقيام مصالح الزوج وإنما يحصل ذلك بهذا النوع
من التبوئة فان استخدمها بعد ذلك ولم يخل بينه وبينها فلا نفقة لها لأنه أزال ما به كانت
تجب نفقتها عليه فهي كالحرة الناشزة فان قيل المولى إنما أزال ذلك بحق له فلماذا لا يجعل
هذا كالحرة إذا احتبست نفسها لصداقها قلنا كما في الابتداء فان الحرة إذا احتبست نفسها
بالصداق كان لها ان تطلب النفقة والمولى إذا لم يبوئها بيتا في الابتداء لم يكن لها النفقة
والمعني فيه أن الحرة إذا احتبست نفسها بصداقها فالتفويت إنما جاء من قبل الزوج حين امتنع
من ايفاء ما لزمه لتنتقل إلى بيته فأما هنا التفويت ليس من جهة الزوج بل من جهة من له
الحق وهو المولى لشغله إياها بخدمة نفسه فلهذا لم يكن لها نفقة عليه فإن كانت هي تجئ
فتخدمه من غير أن يستخدمها فلها النفقة لان الحق للمولى ولم يوجد من جهته تفويت بل
الموجود من جهته التسليم فان جاءت في وقت والزوج ليس في البيت فاستخدموها ومنعوها
من الرجوع إلى بيتها فلا نفقة لها لان استخدام أهل المولى إياها كاستخدام المولى وقد بينا
أن فيه تفويت التبوئة والتبوئة شرط لاستحقاق النفقة وبعد التفويت ممن له الحق لا يكون
لها نفقة (قال) ونفقة المرأة واجبة على الزوج وان مرضت من قبل أنها مسلمة نفسها إلى
الزوج في بيته ولا فعل منها في المرض لتصير به مفوتة مع أنه لا يفوت ما هو المقصود من
الاستئناس وغيره ولا معتبر بمقصود الجماع في حق النفقة فان الرتقاء تستحق النفقة على زوجها
مع فوات مقصود الجماع وقد روى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى الرتقاء لا تستوجب
النفقة على الزوج إذا لم يرض الزوج بها ويكون له أن يردها إلى أهلها ولا ينفق عليها وفى المريضة
ان تحولت إلى بيته وهي مريضة فله أن يردها إلى أن تبرأ وان مرضت في بيته بعدما تحولت
إليه فليس له أن يردها بل ينفق عليها إلا أن يتطاول مرضها (قال) وهذا استحسان لان
النكاح يعقد للصحبة والألفة وليس من الألفة أن يمتنع عن الانفاق أو يردها لقليل مرض
فإذا تطاول ذلك فهو بمنزلة الرتق الذي لا يزول عادة وإنما يلزمه نفقتها لقيامه عليها وقد فات
ذلك بمعنى من جهتها فتسقط نفقتها كما إذا كانت صغيرة لا يجامع مثلها ولكن قد بينا الفرق
192

بينهما من حيث أن الصغر يزول فلا ينعدم به استحقاق الجماع بسبب العقد بخلاف الرتق
والقرن وكذلك لو جنت أو أصابها بلاء يمنعه من الجماع أو هرمت حتى لا يستطيع جماعها
وذكر في الكتاب أنه لو أصابتها هذه العوارض من بعد ما دخل بها وليس مراده حقيقة
الوطئ بل المراد انتقالها إلى منزله وسواء انتقلت أو لم تنتقل إذا لم تكن مانعة نفسها ظالمة
فهي مستوجبة للنفقة على ما قلنا (قال) ولا نفقة في النكاح الفاسد والوطئ بالشبهة ولا في
العدة منه لان ما به تستوجب النفقة معدوم هنا وهو تسليمها نفسها إلى الزوج للقيام بمصالحه
فان فساد النكاح يمنعها من ذلك شرعا ولهذا لم تجعل الخلوة في النكاح الفاسد تسليما في
حق وجوب المهر فكذا لا تستوجب النفقة في التسليم بالنكاح الفاسد (قال) وإذا اختلف
الزوج والمرأة فقال الزوج أنا فقير وقالت المرأة هو غنى فالقول قول الزوج مع يمينه وعلى
المرأة البينة لان الفقر في الناس أصل واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله
يولد كل مولود أحمر ليس عليه غبرة أي سترة ثم يرزقه الله تعالى من فضله فالزوج يتمسك
بما هو الأصل والمرأة تدعى غنى عارضا فعليها البينة وعليه اليمين لانكاره وبه أجاب في كتاب
العتاق إذا ادعى المعتق أنه معسر فالقول قوله فأما ما أشار في سائر الديون إن كان وجوب
الدين عليه ببيع أو قرض لم يقبل قوله انه معسر لأنه صار غنيا بما دخل في ملكه في المال فلا
قول له في دعوى الفقر بعد تيقننا بزوال ذلك الأصل وكذلك قالوا في كل دين التزمه بالعقد
اختيارا كالمهر ودين الكفالة فاقدامه على الالتزام بمنزلة اقرار منه انه قادر على الأداء فان العاقل
لا يلتزم مالا يقدر على أدائه اختيارا فاما فيما سوى ذلك فالقول قوله في دعوى العسرة وبعض
المتأخرين من مشايخنا يقولون بحكم في ذلك زيه فإن كان عليه زي الأغنياء لم يقبل قوله انه
معسر لان الزي دليل على غناه قال الله تعالى تعرفهم بسيماهم وقال الله تعالى ولو أرادوا
الخروج لأعدوا له عدة وقال جل وعلا وإن كان قميصه قد من قبل ففي هذا دليل على أن
الظاهر من العلامة يجعل حكما الا في الفقهاء والعلوية فإنهم يتكلفون الزي مع العسرة
ليعظمهم الناس فلا يجعل الزي حكما في حقهم لظهور العادة بخلافه (قال) فإن لم يكن لها
بينة على يساره وسألت القاضي ان يسأل عن يساره في السر فليس ذلك على القاضي لأنه
وجد دليلا يعتمده لفصل الحكم وهو التمسك بالأصل فليس عليه ان يطلب دليلا آخر
وان فعله فاتاه من أخبر عنه انه موسر لا يعتمد ذلك أيضا الا ان يخبره بذلك رجلان عدلان
193

ويكونا بمنزلة الشاهدين يخبران انهما قد علما ذلك فحينئذ لو شهدا عنده في مجلس الحكم يثبت
يساره بشهادتهما وكذلك أن أخبراه بذلك لان المعتبر علم القاضي ويحصل له علم بخبرهما
كما يحصل بشهادتهما وان أخبرا انهما علما ذلك من رواية راو لم يؤخذ بقولهما لأنهما ما أخبراه عن
علم وإنما أخبراه عن ظن أو عن خبر من لا يعتمد خبره والخبر إذا تداولته الألسنة تتمكن
فيه الزيادة والنقصان عادة فلهذا لا يعتمد مثل هذا الخبر (قال) وان أقامت المرأة البينة انه
موسر وأقام الزوج البينة أنه محتاج أخذ بينة المرأة لأنها قامت على الاثبات ولان شهود
الزوج اعتمدوا في شهادتهم ما هو الأصل وشهود المرأة عرفوا الغنى العارض فلهذا يفرض
لها عليه نفقة الموسرين (قال) وإذا كان للزوج عليها دين فقال احسبوا لها نفقتها منه كان له
ذلك لان أكثر ما في الباب أن تكون النفقة لها دينا عليه فإذا التقى الدينان تساويا قصاصا
الا ترى ان له ان يقاص بمهرها فالنفقة أولى (قال) وإذا فرضت النفقة لها على زوجها ولها
عليه شئ من مهرها فأعطاها شيئا من ذلك فقال الزوج هو من المهر وقالت المرأة بل هو
من النفقة فالقول قول الزوج أنه من المهر وكذلك هذا في جميع قضاء الديون إذا كان من
وجوه مختلفة لأنه هو المملك فالقول قوله في بيان جهة التمليك وهو المحتاج إلى تفريغ ذمته
فالقول قوله في أنه تفرغ ذمته بهذا الأداء من كذا دون كذا (قال) وإذا اختلفا فيما وقع
الصلح عليه أو الحكم به من النفقة في الجنس أو القدر فالقول قول الزوج والبينة بينة المرأة
لأنها مدعية الزيادة فتحتاج إلى الاثبات بالبينة والزوج منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه
فإن كان الذي أقر به الزوج وحلف عليه لا يكفيها بلغ بها الكفاية في المؤتنف لان النفقة
للكفاية وقد بينا أن ما قضى به القاضي أو وقع الصلح عليه ان كأن لا يكفيها فلها أن تطالب
بما يكفيها في المستقبل فكذلك ما أقر به الزوج (قال) ولو أخذت المرأة من زوجها
كفيلا بالنفقة كل شهر لم يكن على الكفيل الا شهر واحد لأنه أضاف كلمة كل الا
مالا يعرف منتهاه فيتناول الأدنى كمن يقول لفلان على كل درهم وأصله في الإجارة إذا
استأجر دارا لكل شهر كان لزوم العقد في شهر واحد وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى انه
كفيل بنفقتها ما عاشت وبقي النكاح بينهما استحسانا لما فيه من العرف الظاهر ولان
قصد المرأة التوثق بهذا الجنس من حقها فكان الكفيل صرح لها بما هو مقصودها
فقال في كفالته أبدا أو ما عاشت وهناك يثبت حكم الكفالة بهذا الجنس من حقها عليه
194

عاما فكذا هنا ولو ضمن لها نفقة سنة كان جائزا وإن لم يكن واجبا ولكن إضافة الكفالة
إلى سبب الوجوب صحيح وقد حصل ذلك بتسمية المدة ولم يبين أن الزوج هل يجبر على
اعطاء الكفيل بالنفقة أم لا فظاهر المذهب أنه لا يجبر على ذلك كما لا يجبر على اعطاء الكفيل
بدين آخر وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال إذا قالت المرأة إنه يريد أن يغيب ولا يترك
لي نفقة أمره القاضي أن يعجل لها نفقة شهر أو يعطيها كفيلا بنفقة شهر استحسانا لأنها
طلبت من القاضي أن ينظر لها فيجيبها على ذلك لان الحال حال النظر (قال) وإذا فرض
القاضي لها على الزوج نفقة معلومة كل شهر فمضت أشهر لم يعطها حتى مات أو ماتت لم يؤخذ
بشئ منها لان النفقة تستحق استحقاق الصلات لا استحقاق المعاوضات على ما قررناه
والصلات لا تتم الا بالقبض وتسقط بالموت قبل القبض وشبهه في الكتاب بمن وجبت عليه
الجزية إذا مات لم تستوف من تركته لهذا ولان السبب قيام الزوج عليها وتفريغها نفسها لمصالحه
وقد زال ذلك قبل الاستيفاء فيسقط حقها كما إذا زال العيب قبل رد المشترى لم يكن له أن
يرد بعد ذلك (قال) ولو كانت المرأة استعجلت النفقة مدة ثم ماتت قبل مضى تلك المدة لم
يكن للزوج أن يسترد من تركتها شيئا من ذلك في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما
الله تعالى لما قلنا أنها صلة وحق الاسترداد في الصلات ينقطع بالموت كالرجوع في الهبة
وعند محمد رحمه الله تعالى يترك من ذلك حصة المدة الماضية قبل موتها ويسترد ما وراء
ذلك لأنها أخذت ذلك من ماله لمقصود لم يحصل ذلك المقصود له فكان له أن يسترد منها
كما لو عجل لها نفقة ليتزوجها فماتت قبل أن يتزوجها وروي ابن رستم عن محمد رحمه الله تعالى
قال إن كان الباقي من المدة شهرا أو دونه لم يرجع بشئ في تركتها وإن كان فوق ذلك
ترك لها مقدار نفقة شهر استحسانا ويسترد من تركتها ما زاد على ذلك لأنه إنما يعطيها
النفقة شهرا فشهرا عادة ففي مقدار نفقة شهر هي مستوفية حقها وفيما زاد على ذلك مستعجلة
(قال) ولو كانا حيين فاختلفا فيما مضي من المدة من وقت قضاء القاضي فالقول قول
الزوج لانكاره الزيادة وانكاره سبق التاريخ في القضاء والبينة بينة المرأة لاثباتها ذلك
(قال) وإذا بعث إليها بثوب فقال هو هدية وقال الزوج هو من الكسوة فالقول قول
الزوج مع يمينه لأنه هو المملك للثوب منها فالقول قوله في بيان جهته إلا أن تقيم المرأة
البينة أنه بعث به هدية وان أقاما البينة فالبينة بينة الزوج لأنه يثبت ببينته فراغ ذمته عن
195

حقها من الكسوة أو المهر وكذلك أن أقام كل واحد منهما البينة على اقرار الآخر بما
ادعاه لان الزوج هو المدعى للقضاء فيما عليه من الحق فمعنى الاثبات في بينته أظهر
وكذلك أن بعث بدراهم فقال هي نفقة وقالت المرأة هي هدية فالقول قوله لما بينا (قال)
وإذا أعطاها كسوة فعجلت تمزيقها أو هلكت منها لم يكن عليه أن يكسوها حتى يأتي
الوقت لما بينا أن أحوال الناس تختلف في صيانة الثياب وتمزيقها فيتعذر تعليق الحكم
بحقيقة تجدد الحاجة فيقام الوقت مقامه تيسيرا فما لم يأت الوقت لا تتجدد الحاجة فلا يتجدد
سبب الوجوب لها فلم يكن لها أن تطالبه بشئ (قال) وكذلك أن صانتها ولبست
غيرها فإذا جاء الوقت المعلوم لها ان تطالب بالكسوة والقاضي في الابتداء يوقت من المدة
ما يتمزق فيه الثوب باللبس المعتاد فما لم يتبين خطأه في ذلك التوقيت يجب بناء الحكم عليه ولا
ينظر إلى تعجيلها التمزيق ولا إلى صيانتها فوق المعتاد (قال) وكذلك أن أخذت نفقة شهر
فلم تنفق حتى جاء الشهر الثاني وهي معها فلها أن تطالبه بنفقة الشهر الثاني بخلاف نفقة ذي
الرحم المحرم فان هناك المعتبر تحقق الحاجة ألا ترى أنه لو كان له مال لم يستوجب النفقة على
غيره والحاجة مرتفعة ببقاء المأخوذ معه بخلاف نفقة الزوجة (قال) وإذا فرض القاضي
لها النفقة على زوجها فأنفقت من مالها ولم تأخذ منه شيئا فلها أن تأخذه بما مضى من ذلك
لان نفقة الزوجة تصير دينا بقضاء القاضي أو الصلح عن التراضي وقد بيناه (قال) وإن كان
هذا في ذي الرحم المحرم فأنفق على نفسه من مال آخر بعد فرض القاضي لم يكن له
أن يرجع على الذي فرض له عليه بشئ لما مضى لما بينا أن المعتبر هنا حقيقة الحاجة وقد
انعدم ذلك بمعنى ذلك الوقت فلا تصير النفقة دينا وأورد في باب الزكاة من الجامع أن نفقة
ذي الرحم المحرم تصير دينا بقضاء القاضي وإنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فوضع
المسألة هناك فيما إذا استدان المنفق عليه وأنفق من ذلك فتكون الحاجة قائمة لقيام الدين
عليه وهنا وضع المسألة فيما إذا أنفق من مال له أو من صدقة تصدق بها عليه والحاجة لا تبقى
بعد مضى المدة قررنا هذا فيما أمليناه من شرح الجامع (قال) وإن كان الرجل غائبا وله
مال حاضر فطلبت المرأة النفقة فإن كان القاضي يعلم بالنكاح بينهما فرض لها النفقة في ذلك
المال لعلمه بوجود السبب الموجب له الا ترى ان من أقر بدين ثم غاب قضى القاضي عليه
بذلك لعلمه به فكذلك النفقة ولكن يشترط ان ينظر للغائب وذلك في أن يحلفها انه لم يعطها
196

النفقة لجواز أن يكون أعطاها النفقة قبل أن يغيب وهي تلبس على القاضي لتأخذ ثانيا وإذا حلفت
فأعطاها النفقة أخذ منها كفيلا لجواز ان يحضر الزوج فيقيم البينة انه قد كان أوفى نفقتها وهذا
لان القاضي مأمور بالنظر لكل من عجز عن النظر لنفسه (قال) وإذا حضر الزوج وأثبت
بالبينة انه كان قد أوفاها أو أرسل إليها بشئ في حال غيبته أمرها برد ما أخذت لأنه ظهر عند
القاضي انها أخذت بغير حق وللزوج الخيار ان شاء أخذها بذلك وان شاء أخذ الكفيل وإن لم
يكن النكاح بينهما معلوما للقاضي فأرادت إقامة البينة على الزوجية لم يقبل القاضي ذلك منها
عندنا لما فيه من القضاء على الغائب بالبينة وعن زفر رحمه الله تعالى انه يسمع منها البينة ويعطيها
النفقة من مال الزوج وإن لم يكن للزوج مال يأمرها بالاستدانة فان حضر الزوج وأقر بالنكاح
أمره بقضاء الدين وان أنكر ذلك كلفها إعادة البينة فإن لم تعد أمرها برد ما أخذت ولم
يقض لها بشئ مما استدانت على الزوج لان في قبول البينة بهذه الصفة نظرا لها ولا ضرر
فيه على الغائب فيجيبها القاضي إلى ذلك ولكنا نقول فيه قضاء على الغائب لان دفع ماله إليها
لتنفق على نفسها لا يكون الا بعد القضاء عليه بالزوجية (قال) وان أحضرت غريما للزوج
أو مودعا في يده مال للزوج وهو مقر بالمال والزوجية أمره القاضي بأداء نفقتها من ذلك
بخلاف دين آخر على الغائب فان صاحب الدين إذا أحضر غريما أو مودعا للغائب لم يأمره
بقضاء دينه منه وإن كان مقرا بالمال وبدينه لان القاضي إنما يأمر في حق الغائب بما يكون
نظرا له وحفظا لملكه عليه وفى الانفاق على زوجته من ماله حفظ ملكه عليه وليس في
قضاء الدين من ماله حفظ ملكه عليه بل فيه قضاء عليه بقول الغير فلهذا المعني تقع الفرقة
بينهما (قال) وان جحد المديون أو المودع الزوجية بينهما أو كون المال في يده لم تقبل بينتها
على شئ من ذلك أما على الدين والوديعة فلأنها تثبت الملك للغائب حتى إذا ثبت ملكه
ترتب عليه حقها فيه وهي ليست بخصم في اثبات الملك للزوج في أمواله وأما إذا جحدا
الزوجية فقد كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أولا تقبل بينتها على الزوجية لأنها تدعى
حقا فيما في يده من المال بسبب فكان خصما في اثبات ذلك السبب كمن ادعى عينا في يد
انسان انه له اشتراه من فلان الغائب ثم رجع وقال لا تقبل بينتها على ذلك وهو قول أبى
يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لأنها تثبت النكاح على الغائب والمودع والمديون ليس بخصم
عن الغائب في اثبات النكاح عليه بالبينة والاشتغال من القاضي بالنظر يكون بعد العلم
197

بالزوجة فإذا لم يكن ذلك معلوما له لا يشتغل بسماع البينة من غير خصم وإن لم يكن
له مال حاضر لم يفرض لها النفقة بطريق الاستدانة عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى لان
في هذا قضاء على الغائب وقد بيناه وإن كان له مال حاضر فحضور ماله بمنزلة حضوره
استحسانا (قال) ولا يبيع العروض في نفقتها أما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فظاهر لان
الزوج لو كان حاضرا لم يبع القاضي عروضه في ذلك فإذا كان غائبا أولى وأما على قولهما
إنما يبيع على الحاضر عروضه بعد ما يحجر عليه وليس له ولاية الحجر والزام القضاء على
الغائب (قال) وينفق عليها من غلة الدار والعبد لان ذلك من جنس حقها ويعطيها الكسوة
من الثياب ان كانت له والنفقة من طعامه إن كان له لأنه من جنس حقها ولها أن تأخذ من
غير قضاء كما قال صلى الله عليه وسلم لهند خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف
فلان يقضى لها القاضي بذلك كان أولى ويأخذ منها كفيلا بجميع ذلك نظرا منه للغائب
فإذا رجع الزوج وأقام البينة على وصول النفقة إليها لهذا الوقت فالكفيل ضامن لما أخذت
لأنه التزم بالكفالة وإن لم يكن له بينة وحلفت المرأة على ذلك فلا شئ على الكفيل وان
نكلت عن اليمين ونكل الكفيل لزمها وللزوج الخيار بين أن يأخذها بذلك أو يأخذ
الكفيل لأنه كفيل بما لزمها رده من النفقة وقد ثبت ذلك بنكولها ولهذا لزم كفيلها والله
سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب نفقة العبد) *
(قال) رضي الله عنه وإذا كان للعبد أو المدبر أو المكاتب امرأة حرة أو أمة قد بوئت
معه بيتا فإنه يفرض عليه نفقتها بقدر ما يكفيها لان سبب وجوب النفقة الزوجية وهي
تحقق في حق المملوك كما تتحقق في حق الحر وهو تسليمها إلى الزوج في منزله والحكم
ينبنى على السبب الا ترى ان المهر بالنكاح يجب على العبد كما يجب على الحر ثم ما يجب
على العبد من الديون إذا ظهر في حق المولى تعلق بمالية رقبته حتى يباع فيه الا ان يقضيه
المولى ودين النفقة ظهر في حق المولى لان سببه وهو النكاح كان برضاه فإذا اجتمع
عليه من النفقة ما يعجز عن أدائه يباع فيه ثم إذا اجتمع عليه النفقة مرة أخرى يباع فيه
أيضا وليس في شئ من ديون العبد ما يباع فيه مرة بعد مرة الا النفقة لان النفقة يتجدد
198

وجوبها بمضي الزمان وذلك في حكم دين حادث واما المدبر لا يمكن بيعه في النفقة ولكن
يؤمر فيه بالسعاية وكذلك المكاتب لا يمكن بيعه مع قيام عقد الكتابة وإنما يقضي بالنفقة في
كسبه كما يقضى بسائر ديونه في كسبه فإن كان للعبد أو المدبر ولد من امرأته لم يكن عليها نفقة
الولد لأنها ان كانت أمة فالولد ملك لمولاها ونفقة المملوك على المالك دون الأب وان كانت
حرة فولدها يكون حرا ولا تجب نفقة الحر على المملوك بحال لان كسب العبد والمدبر لمولاه
ونفقة الولد الحر ليست على المولى وكذلك لا يكون في كسبهما وكذلك المكاتب لا يجب في كسبه
نفقة ولد حر ولا نفقة ولد هو مملوك للغير وان كانت امرأته مكاتبة معه لمولى واحد كاتبهما
كتابة واحدة فنفقة الولد على الأم دون الأب لان الولد تابع للأم في كتابتها الا ترى ان كسب
الولد يكون لها ولو جنى عليه كان أرش الجناية لها وان مات الولد وترك مالا فذلك كله لها
فكذلك نفقة الولد تكون عليها وهذا بخلاف ما إذا وطئ المكاتب أمته فولدت فان
نفقة ذلك الولد على المكاتب لأنه داخل في كتابته حتى كان كسبه له وأرش الجناية عليه
له أيضا ليس للأم من ذلك شئ لأنها أمة ولو كان للأم فالأم أمة له أيضا فلهذا كانت
نفقته عليه ولأنه جزء منه فإذا تبعه في العقد كانت نفقته بمنزلة نفقة نفسه (قال) ولو تزوج
العبد أو المدبر أو المكاتب بغير إذن المولى فلا نفقة عليهم ولا مهر لان وجوب النفقة والمهر
يكون بعد صحة العقد ونكاحهم بغير إذن المولى غير صحيح وان عتق واحد منهم جاز
نكاحه حين يعتق لسقوط حق المولى ويجب على المهر والنفقة في المستقبل والمستسعى في
بعض القيمة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى كالمكاتب (قال) وان كانت المدبرة أو الأمة
أو أم الولد تحت حر أو عبد فلا نفقة عليهما ما لم يبوئها معه بيتا لانعدام التسليم قبل
التبوئة ويستوى إن كان دخل بها أو لم يدخل بها لان بالدخول إنما يوجد تسليم المعقود
عليه ولا معتبر به في النفقة فان تسليم المعقود عليه مقرر للبدل والنفقة ليست ببدل ألا ترى
أن الرتقاء تستحق النفقة وقد انعدم منها تسليم المعقود عليه فعرفنا أن المعتبر في النفقة
تفريغها نفسها لحق الزوج وذلك يكون بالتبوئة فان بوأها معه بيتا فعليه النفقة وان انتزعها
منه واحتاج إلى خدمتها فلا نفقة على الزوج ما دامت عند مولاها وان أعادها إليه وبوأها
معه بيتا فعليه النفقة كالحرة إذا هربت من زوجها ثم عادت إلى بيته توضيحه أن الأمة محبوسة
عند مولاها لحق المولى في خدمتها فكانت كالمحبوسة في الدين ولا نفقة للمحبوسة بالدين إذا
199

كان الزوج ممنوعا منها فإذا قضت الدين وعادت إلى بيت الزوج كان لها النفقة وإن كان
لها منه ولد فلا نفقة عليه للولد لان ولد الأمة مملوك لمولاها فنفقته تكون على مالكه
وان كانت المرأة مكاتبة وقد بوأها معه بيتا أو لم يبوئها منه فهو سواء ولها النفقة ولان المكاتبة
في يد نفسها كالحرة وليس لمولاها أن يستخدمها فكانت هي كالحرة في استحقاق النفقة على
الزوج إذا لم تحبس نفسها عنه ظالمة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب نفقة أهل الذمة) *
(قال) رضي الله عنه ويفرض علي الذمي نفقة امرأته بالمعروف كما يفرض على المسلم لأنها
كفاية مشروعة للحاجة وسببها وهو الزوجية يتحقق فيما بين أهل الذمة كما يتحقق فيما
بين المسلمين فإن كانت ذات رحم محرم منه وذلك في دينهم نكاح فطلبت نفقتها منه من قبل
النكاح فرض لها من ذلك عليه كما يفرض في النكاح الصحيح في قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى لما بينا من أصله أن لهذه الأنكحة فيما بينهم حكم الصحة وان رفع أحدهما الامر إلى
القاضي لا يفرق القاضي بينهما فيقضى لها بالنفقة وعندهما ليس لهذه الأنكحة فيما بينهم حكم
الصحة وبرفع أحدهما لامر القاضي يفرق القاضي بينهما فلا يقضى لها بالنفقة ولا خلاف في
النكاح بغير شهود ان القاضي يقضى لها بالنفقة لان النكاح بغير شهود صحيح فيما
بينهم فان الاشهاد من حق الشرع وهم لا يخاطبون بذلك الا ترى أنهم يقرون عليه بعد
الاسلام (قال) وإذا أسلم الذمي وامرأته من غير أهل الكتاب فأبت الاسلام وفرق بينهما
فلا نفقة لها في العدة لان الفرقة جاءت من قبلها بسبب هي عاصية في ذلك وهو إباء
الاسلام بعد ما عرض عليها ولهذا لا مهر لها إذا كان قبل الدخول فليس لها نفقة العدة وإن كان
بعد الدخول أيضا الا ان في المهر إذا جاءت الفرقة من قبلها قبل الدخول سقط المهر عنه سواء
كان بحق أو بغير حق لان سقوط المهر بتفويتها المعقود عليه على الزوج وذلك موجود في الحالين
فاما سقوط النفقة باعتبار حبسها نفسها فيكون بمنزلة النفقة حال قيام النكاح وهناك ان حبست
نفسها ظلما كالناشزة لم يكن لها النفقة وان حبست نفسها بحق لم تسقط نفقتها كما لو حبست
نفسها لاستيفاء صداقها فكذلك في نفقة العدة ان كانت الفرقة من جهتها بسبب هي عاصية
في ذلك فليس لها نفقة العدة وإن لم تكن عاصية في ذلك فلها نفقة العدة (قال) وان كانت
200

المرأة هي التي أسلمت فأبى الزوج ان يسلم ففرق بينهما كان عليه النفقة والسكنى ما دامت في
العدة لان الفرقة جاءت بسبب من جهة الزوج وهو اباؤه عن الاسلام وذلك منه تفويت
الامساك بالمعروف فتعين التسريح بالاحسان والاحسان في التسريح ان يوفيها مهرها ونفقة
عدتها (قال) وإذا خرج أحد الحربيين مسلما ثم خرج الآخر بعده فلا نفقة عليه لها قال
لان العصمة انقطعت فيما بينهما بخروج أولهما ومعنى هذا ان وجوب نفقة العدة باعتبار ملك
اليد الثابت للزوج عليها في حالة العدة ولهذا لا تجب النفقة في العدة من نكاح فاسد أو وطئ
بشبهة ولا في عدة أم الولد من المولى وتباين الدارين كما يقطع عصمة النكاح يقطع ملك اليد
الثابت بالنكاح ثم إن كان الزوج هو الخارج فلا عدة عليها لأنها حربية وان كانت المرأة هي
التي خرجت فكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما عليها العدة لحق الشرع لا لحق
الزوج فلا تكون نفقة العدة عليه والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب النفقة في الطلاق والفرقة والزوجية) *
(قال) ولكل مطلقة بثلاث أو واحدة السكنى والنفقة ما دامت في العدة أما المطلقة
الرجعية فلأنها في بيته منكوحة له كما كانت من قبل وإنما أشرف النكاح على الزوال عند
انقضاء العدة وذلك غير مسقط للنفقة كما لو آلى منها أو علق طلاقها بمضي شهر فاما المبتوتة
فلها النفقة والسكنى ما دامت في العدة عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لها السكنى ولا
نفقة لها الا أن تكون حاملا وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى لا نفقة للمبتوتة في العدة
واستدلوا بحديث فاطمة بنت قيس رضى الله تعالى عنها قالت طلقني زوجي ثلاثا فلم يجعل لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكني إلا أن في صحة هذا الحديث كلاما فإنه
روى أن زوج فاطمة أسامة بن زيد رضى الله تعالى عنه كان إذا سمع منها هذا الحديث رماها
بكل شئ في يده وعن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت تلك المرأة فتنت العالم أي بروايتها
هذا الحديث وقال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا
صلى الله عليه وسلم بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت حفظت أم نسيت سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة وتأويله ان
ثبت من وجهين (أحدهما) أن زوجها كان غائبا فإنه خرج إلى اليمن ووكل أخاه بأن ينفق
201

عليها خبز الشعير فأبت هي ذلك ولم يكن الزوج حاضرا ليقضى عليه بشئ آخر (والثاني)
أنها كانت بذيئة اللسان على ما روى أنها كانت تؤذى أحماء زوجها حتى أخرجوها فأمرها
رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تعتد في بيت ابن أم مكتوم رضي الله تعالى عنه فظنت أنه
لم يجعل لها نفقة ولا سكنى ثم لا خلاف في استحقاقها السكنى فإنه منصوص عليه بقوله تعالى
ولا تخرجوهن من بيوتهن الآية وقال تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم فعلماؤنا قالوا النفقة
والسكنى كل واحد منهما حق مالي مستحق لها بالنكاح وهذه العدة حق من حقوق النكاح
فكما يبقى باعتبار هذا الحق ما كان لها من استحقاق السكني فكذلك النفقة وباستحقاق
السكني يتبين بقاء ملك اليد للزوج عليها ما دامت في العدة وكما يثبت استحقاق النفقة بسبب
ملك اليمين يثبت بسبب ملك اليد ألا ترى أن نفقة رقيق المكاتب عليه في كسبه لماله فيه من
ملك اليد ولا يدخل عليه نفقة المرهون فإنه لا يكون على المرتهن مع ملك اليد له لان ملك
اليد للمرتهن في المالية دون العين فان يده يد الاستيفاء وذلك في المالية دون العين فأما إذا
كانت حاملا فلها النفقة بالنص وهو قوله تعالى وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى
يضعن حملهن ومن أصل الشافعي رحمه الله تعالى أن تعليق الحكم بالشرط كما يدل على ثبوت
الحكم عند وجود الشرط يدل على نفيه عند عدم الشرط وعند تعليق الحكم بالشرط
لا يدل على عدم الحكم عند عدم الشرط لان مفهوم النص ليس بحجة ولأنه يجوز أن يكون
الحكم ثابتا قبل وجود الشرط بعلة أخرى ألا تري أن من قال لعبده أنت حر إذا جاء رأس
الشهر ثم قال أنت حر غدا يبقى ذلك التعليق صحيحا حتى لو أزاله من ملكه اليوم فمضي الغد
ثم اشتراه ثم جاء رأس الشهر يعتق ولو بقي في ملكه حتى الغد يعتق أيضا كيف وقد قال
أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم وفى قراءة ابن مسعود رضى الله تعالى عنه
أسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم وقراءته لابد أن تكون مسموعة
من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك دليل على أن النفقة مستحقة لها بسبب العدة وان
قوله وان كن أولات حمل لإزالة إشكال كان عسى ان يقع فان مدة الحمل تطول عادة فكان
يشكل أنها هل تستوجب النفقة بسبب العدة في مدة الحمل وان طالت فأزال الله تعالى
هذا الاشكال بقوله حتى يضعن حملهن ثم النفقة إذا كانت حاملا تجب لها لا للولد بدليل أنه
لا تجب في مال الولد وإن كان له مال أوصى له به وانها لا تتعدد بتعدد الولد وأنها إذا كانت أمة
202

فنفقتها على زوجها ونفقة الولد تكون على مولاه كما بعد الانفصال وأن المنكوحة إذا حبلت
لا تتضاعف نفقتها ولو كان الحمل يستحق النفقة لتضاعف نفقة المنكوحة إذا حبلت فإذا
ثبت ان النفقة لها فقلنا لا بد من سبب لاستحقاق النفقة بينهما وبين الزوج ولا سبب لذلك
سوى العدة والحامل والحائل في هذا السبب سواء ولا تخرج من بيتها ليلا ولا نهارا لقوله
تعالى ولا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة قال إبراهيم رضي الله عنه خروجها من بيتها فاحشة
ولأنها مكفية المؤنة لا حاجة لها إلى الخروج ليلا ولا نهارا بخلاف المتوفى عنها زوجها فإنه
لا نفقة لها في تركة الزوج فهي تحتاج إلى أن تخرج بالنهار في حوايجها والبائنة بالخلع والايلاء
واللعان وردة الزوج ومجامعة أمها سواء في ذلك لأن هذه الفرقة كلها بسبب من جهة
الزوج بعد أن كانت مستحقة للنفقة في أصل النكاح فيبقي ذلك الحق ببقاء العدة فان
اشترط الزوج في الخلع أن لا سكنى في العدة ولا نفقة فعليه السكنى ولا نفقة عليه لان
خروجها من بيتها معصية واشتراط المعصية في الخلع باطل ولان النفقة حقها واسقاطها حق
نفسها صحيح فأما السكنى من حق الشرع واسقاط ما هو حق الشرع باطل ألا ترى أن
اسقاطها لما زاد علي العشرة من المهر عند العقد صحيح بخلاف العشرة حتى لو أبرأت
زوجها من مؤنة السكني ورضيت أن تكون في بيت نفسها أو تلتزم مؤنة السكني من
مالها كان صحيحا لان ذلك حقها (قال) وإذا طلق امرأته طلاقا بائنا وهي أمة وقد بوأها
معه بيتا فعلى الزوج النفقة لأنها كانت مستحقة للنفقة حال قيام النكاح فيبقى ذلك ببقاء
العدة فان أخرجها المولى إليه لخدمته بطلت النفقة عن الزوج كما في حال قيام النكاح إذا
شغلها بخدمته فان أعادها إلى بيت الزوج وترك استخدامها فلها النفقة كما في حال قيام
النكاح فاما إذا كانت عند الطلاق في بيت المولى يستخدمها ثم عادت إلى بيت الزوج بعد
الطلاق فلا نفقة لها عندنا وعلى قول زفر رحمه الله تعالى لها النفقة كما لو كان استخدامه إياها
بعد الطلاق وهذا لان سقوط النفقة بعارض فإذا زال ذلك العارض صار كأن لم يكن الا
ترى ان الحرة إذا كانت ناشزة هاربة من الزوج حين طلقها ثم عادت إلى بيته كان لها نفقة
العدة لهذا المعنى وحجتنا في ذلك أن باعتبار العدة يبقى ما كان ثابتا ولا يثبت ما لم يكن ثابتا
لان الثبوت ابتداء يستدعى قيام الملك مطلقا فاما ثبوت نفقة العدة عند الفرقة فإن كانت في
بيت الزوج عند ذلك كانت مستحقة للنفقة فيبقى ذلك ببقاء العدة فان اعترض بعد ذلك
203

مسقط ثم زال صار كأن لم يكن وإذا لم تكن مستحقة للنفقة عند الفرقة فلو جعلنا لها النفقة
في العدة كان هذا إثبات النفقة لها ابتداء في العدة وذلك لا يكون وهذا المعنى وهو ان
المقصود من التبوئة ان تتفرغ للقيام بمصالح الزوج وذلك في حال قيام النكاح فإذا بوأها
بيتا في حال قيام النكاح استحقت النفقة فيبقى ذلك ببقاء العدة فاما إذا كان ابتداء التبوئة
في العدة لا يحصل به هذا المقصود لأنها لا تقوم بمصالح الزوج والقياس في الناشزة هكذا
ولكنا استحسنا فيها لان الحرة مستحقة في أصل النكاح والعارض المسقط عند الفرقة
وبعدها في حقها سواء إذا زال صار كأن لم يكن بخلاف الأمة وان جاءت الفرقة من قبل
المرأة بالمعصية كالردة ومطلوعة ابن الزوج على الجماع وما أشبه ذلك فلا نفقة لها ان أصرت
على ذلك أو رجعت وتابت من لردة اما السكنى فواجبة لها لان القرار في البيت مستحق
عليها فلا يسقط ذلك بمعصيتها اما النفقة فواجبة لها فتسقط بمجئ الفرقة من قبلها بالمعصية
(قال) وان كانت أمة قد بوأها المولى بيتا فعتقت واختارت نفسها فلها النفقة في العدة لان
اختيارها كان بسبب حق مستحق لها وقد بينا ان النفقة لا تسقط في حال قيام النكاح إذا
حبست نفسها بحق فكذلك إذا وقعت الفرقة بسبب حق مستحق لها (قال) وإذا لم تخاصم
المعتقة في نفقتها حتى أنقضت عدتها فلا نفقة لها وكذلك التي طلقها زوجها لان نفقة العدة
لا تكون أوجب من نفقة النكاح وقد بينا ان نفقة النكاح لا تصير دينا بمضي المدة قبل
الفرض ولا يكون لها ان تطالب بها بعد زوال النكاح فنفقة العدة أولى وهذا لان السبب ملك
اليد والمستحق بهذا السبب في حكم الصلة فلا بد من قيام السبب لثبوت حق المطالبة الا ترى
ان الذمي إذا أسلم وعليه خراج رأسه يطالب بشئ منه لزوال السبب قبل الاستيفاء فهذا مثله
(قال) وإن كان الزوج غائبا فاستدانت عليه ثم قدم بعد انقضاء العدة فهذا ونفقة النكاح
سواء وقد بينا هناك ان على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الأول استدانتها على الزوج
صحيح وعلى قوله الآخر إنما استدانت على نفسها وليس على الزوج من ذلك شئ فكذلك
في حكم نفقة العدة (قال) وإذا تطاولت العدة بالمرأة فالنفقة لها واجبة حتى تنقضي
العدة بالحيض أو بالشهور عند الإياس لان سبب الاستحقاق قائم فيبقى الاستحقاق
ببقاء السبب طالت المدة أو قصرت الا تري ان في الطلاق الرجعي يسوى بين ان
تطول مدة الحيض أو تقصر والأصل فيه حديث علقمة رضي الله عنه فإنه طلق امرأته
204

فارتفع حيضها سبعة عشر شهرا ثم ماتت فورثه منها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقال إن
لله تعالى حبس ميراثها عليك (قال) وان اختلفا في انقضاء العدة فالقول قولها مع
يمينها لان ما في رحمها لا يعلمه غيرها فتكون أمينة فيه مقبولة القول هكذا قال أبي بن كعب
رضي الله عنه من الأمانة ان تؤمن المرأة على ما في رحمها ولأنها متمسكة بالأصل والأصل بقاء
العدة واستحقاق النفقة كان ثابتا لها فيبقى ما لم يظهر انقضاء العدة وبقول الزوج ذلك
لا يظهر في حقها لان قوله ليس بحجة عليها فان أقام الزوج البينة على اقرارها بانقضاء
العدة برئ من النفقة لان ثبوت اقرارها بالبينة كثبوته بالمعاينة (قال) وإذا
جامعت ابن زوجها مطاوعة في عدتها لم تبطل بذلك نفقتها الا على قول زفر رحمه الله تعالى
فإنه يقول النفقة تجب شيئا فشيئا فكما أنها لو طاوعت ابن الزوج في حال قيام النكاح لم
يكن لها النفقة فكذلك إذا فعلت ذلك في العدة ولكنا نقول لا تأثير لفعلها هنا هي الفرقة
فان الفرقة بينهما قد وقعت قبل فعلها ولا تأثير لهذا الفعل في اسقاط العدة فتبقى النفقة
مستحقة لها بخلاف ما إذا فعلت حال قيام النكاح لان الفرقة هناك وقعت بفعلها وهي
عاصية في ذلك فأما إذا ارتدت في العدة سقطت نفقتها لا لعين الردة ولكن لأنها تحبس
فلا تكون في بيت زوجها والمحبوسة بحق عليها لا تستوجب النفقة في حال قيام النكاح
فكذلك لا تستوجب النفقة في العدة وان تابت ورجعت إلى بيته كان لها النفقة لزوال العارض
وهو الحبس بخلاف ما إذا وقعت الفرقة بردتها فان هناك لا نفقة لها وان تابت لان أصل
الفرقة كان من جهتها بمعصية ولو لحقت بدار الحرب مرتدة فقد انقطعت العصمة بينهما
حتى إذا جاءت مسلمة أو تائبة أو سبيت فأعتقت أو لم تعتق فلا نفقة لها لان استحقاق
النفقة باعتبار بقاء العصمة وتباين الدارين قاطع للعصمة (قال) ولو أن مستأمنا في دارنا
تزوج ذمية ودخل بها وطلقها فلها النفقة في قول من يوجب على الذمية العدة وقد بينا فيه
شبه الروايتين عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فمن أوجب عليها يقول النفقة لما كانت
مستحقة في حال قيام النكاح لها يبقى ببقاء العدة ولا يشبه هذا لذمي الذي له أبوان
حربيان دخلا بأمان فإنه لا نفقة لهما عليه لأنهما وان كانا في دارنا صوره فهما من أهل
الحرب متمكنان من الرجوع إلى دار الحرب ونفقة الأقارب بمنزلة الصلة ولا يثبت استحقاق
الصلة للحربي على من هو من أهل دارنا وهذا لأن هذه الصلة لابقائه وهو أهل الحرب
205

فهو به مستوجب للقتل غير مستوجب للإبقاء وكما لا تجب نفقتهما على الذمي لا تجب على
المسلم بطريق الأولى (قال) وإن كان للمسلم أب ذمي معسر ففي القياس لا نفقة له عليه
لاختلاف الدينين ألا ترى أن التوارث بينهما منقطع فكذلك استحقاق النفقة وهو نظير
سائر الأقارب حتى لا يستوجبون النفقة مع اختلاف الدين ولكنا نستحسن في حق الأب
الذمي والأم لقوله تعالى وصاحبهما في الدنيا معروفا وهذا في الأبوين الكافرين لقوله تعالى
وان جاهداك على أن تشرك بي وليس من المصاحبة بالمعروف أن يتركهما يموتان جوعا ثم
استحقاق النفقة فيما بين الوالد والولد بسبب الولادة وذلك متحقق مع اختلاف الدين
بخلاف سائر الأقارب فان الاستحقاق هنا بسبب الوراثة قال الله تعالى وعلى الوارث مثل
ذلك وباختلاف الدين ينقطع التوارث وبمعرفة حدود كلام صاحب الشرع يحسن الفقه
ألا ترى أن حكم العتق عند دخوله في ملكه وحرمة الرجوع في الهبة لما تعلق بالمحرمية
شرعا لم يختلف باختلاف الدين (قال) رجل أعتق أم ولده فلا نفقة لها في العدة لان استحقاق
النفقة كان لها بملك اليمين والعتق مناف للملك وما عليها من العدة نظير العدة من نكاح
فاسد أو وطئ بشبهة ألا ترى أنه لا يختلف بالحياة والوفاة وبمثل هذه العدة لا تستحق النفقة
(قال) وإذا أقر الرجل ان نكاح امرأته عليه حرام وقد دخل بها ففرق بينهما فلها المسمى من
المهر ونفقة العدة لان أصل النكاح كان صحيحا باعتبار الظاهر وهو غير مصدق في اقراره
بالحرمة في حقها وإنما يصدق في حق نفسه بابطال ملكه عنها فيجعل هذا في حقها كالطلاق
فلها جميع المسمى ونفقة العدة (قال) والتي زوجها عمها إذا اختارت نفسها بعد البلوغ وقد دخل
بها الزوج فلها النفقة ما دامت في العدة لان الفرقة من جهتها بسبب حق مستحق لها
وكذلك إذا فرق القاضي بينهما بعد الدخول لعدم الكفاءة فلها النفقة والسكنى ما دامت في
العدة لان أصل النكاح كان صحيحا يتوارثان به إذا مات أحدهما والفرقة إذا جاءت بسبب
حق مستحق لا تسقط به نفقتها (قال) وإذا فرض القاضي للمرأة على زوجها النفقة فأعطاها
فسرق منها لم يكن على الزوج ان يعطيها مرة أخرى ما لم يمض الوقت لأنها قد استوفت
حق نفسها فدخل المستوفي في ضمانها كما إذا استوفت المهر ويكون الهلاك بعد ذلك عليها
دون الزوج ولو أرسل بها إليها رسولا فقال الرسول قد أعطيتها إياها وجحدت هي كان
القول قولها مع يمينها لان رسول الزوج نائبه فدعواه انه أعطاها كدعوى الزوج ذلك
206

عليها ولو قال الزوج أعطيتها نفقتها وأنكرت هي الاستيفاء كان القول قولها مع يمينها
فكذلك إذا ادعى الرسول انه أعطاها ولو أقرت بالاستيفاء ثم ماتت قبل مضى المدة ففي
حق الزوج في الاسترداد من التركة خلاف كما بينا فيما سبق ولا فرق بين أن يكون المقبوض
بعينه قائما أو يكون مستهلكا على القولين جميعا والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب حكم الولد عند افتراق الزوجين) *
اعلم بأن الصغار لما بهم من العجز عن النظر لأنفسهم والقيام بحوائجهم جعل الشرع ولاية
ذلك إلى من هو مشفق عليهم فجعل حق التصرف إلى الآباء لقوة رأيهم مع الشفقة
والتصرف يستدعى قوة الرأي وجعل حق الحضانة إلى الأمهات لرفقهن في ذلك مع الشفقة
وقدرتهن على ذلك بلزوم البيوت والظاهر أن الأم أحفى وأشفق من الأب على الولد
فتتحمل في ذلك المشقة مالا يتحمله الأب وفى تفويض ذلك إليها زيادة منفعة للولد
والأصل فيه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم أن امرأة جاءت
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن ولدى هذا قد كان بطني له وعاء وحجري له
حواء وثديي له سقاء وأن هذا يريد أن ينتزعه منى فقال صلى الله عليه وسلم أنت أحق به ما لم
تتزوجي ولما خاصم عمر أم عاصم بين يدي أبى بكر رضي الله تعالى عنه لينزع عاصما منها
قال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه ريحها خير له من سمن وعسل عندك وفي رواية ريقها خير
له يا عمر فدعه عندها حتى يشب وفي رواية دعه فريح لفاعها خير له من سمن وعسل عندك
إذا عرفنا هذا فنقول إذا فارق الرجل امرأته ولهما ولد فالأم أحق بالولد أن يكون عندها
حتى يستغنى عنها فإن كان غلاما فحتى يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده وفي نوادر
داود بن رشيد ويستنجي وحده وان كانت جارية فهي أحق بها حتى تحيض وكان القياس
أن يستوى الغلام والجارية في ذلك وإذا استغنيا يكون الأب أحق بهما لان للأم حق الحضانة
وذلك ينتهى إذا استغنى عن ذلك والحاجة إلى الحفظ بعد ذلك والأب أقدر على الحفظ
فان المرأة تعجز عن حفظ نفسها وتحتاج إلى من يحفظها على ما قيل النساء لحم على وضم الا
ما ذب عنهن فكيف تقدر على حفظ غيرها ولكنا تركنا القياس فقلنا الجارية وان
استغنت عن التربية فقد احتاجت إلى تعلم الغزل والطبخ وغسل الثياب والأم على ذلك
207

أقدر وإذا دفعت إلى الأب اختلطت بالرجل فيقل حياؤها والحياء على النساء زينة وإنما يبقى
ذلك إذا كانت تحت ذيل أمها فكانت أحق بها حتى تحيض فإذا بلغت احتاجت إلى التزويج
وولاية التزويج إلى الأب وصارت عرضة للفتنة ومطمعة للرجال وبالرجال من الغيرة ما
ليس للنساء فيتمكن الأب من حفظها على وجه لا تتمكن الأم من ذلك وفي نوادر هشام
عن محمد رحمه الله تعالى إذا بلغت حد الشهوة فالأب أحق بها للمعنى الذي أشرنا إليه وهو
قوة غيرة الرجال فان الأم ربما تخدع فتقع في فتنة ولا تشعر الأم بذلك ويؤمن ذلك على
الأب فأما الغلام إذا استغنى فقد احتاج إلى تعلم أعمال الرجال والأب على ذلك أقدر واحتاج
إلى من يثقفه ويؤدبه والأب هو الذي يقوى على ذلك ولان صحبة النساء مفسدة للرجال
فإذا ترك عندها ينكسر لسانه ويميل طبعه إلى طبع النساء فربما يجئ مخنثا فلهذا يدفع إلى
الأب بعد ذلك وهذا مذهبنا فأما عند الشافعي رحمه الله تعالى يخير بين الأبوين فيدفع إلى
من اختار الغلام صحبته لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خير
غلاما بين الأبوين ولكنا نقول في هذا بناء الالزام والحكم على قول الصبي وذلك لا
يجوز ولان الصبي في العادة يختار ما يضره لأنه يختار من لا يؤدبه ولا يمنعه شهوته والذي
روى من الأثر فقد دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك الغلام فقال اللهم سدده فببركة
دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم اختار ما هو أنفع له ولا يوجد مثله في حق غيره
والرضاع والنفقة على الوالد لقوله تعالى فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن يعنى مؤنة
الرضاع وهذا بخلاف حال قيام النكاح بينهما فإنها لا تستوجب الاجر على ارضاع الولد
وان استأجرها عندنا لان في حال بقاء النكاح الرضاع من الاعمال المستحقة عليها دينا وبعد
الفرقة ليس ذلك بمستحق عليها دينا ولا دينا وكما أن النفقة بعد الفطام على الأب لا
يشاركه أحد في ذلك باعتبار أن الولد جزء منه والانفاق عليه كالانفاق على نفسه فكذلك
قبل الفطام مؤنة الرضاع عليه فإن كان يجد من يرضعه بأقل مما ترضعه المرأة ولم تأخذه
المرأة بذلك استأجر الظئر لترضعه قال الله تعالى وان تعاسرتم فسترضع له أخرى ولأنها
قصدت الاضرار بالزوج في التحكم عليه وطلب الزيادة إلا أن الظئر تأتي فترضعه عند
أمه وليس للأب أن يأخذ الولد منها لان حق الحضانة لها فلا يملك الأب ابطال حقها
وان اخذته الأم بمثل ذلك فهي أحق به لأنها أشفق على الولد من الظئر ولبنها أوفق له
208

والأب في هذا الموضع قاصد إلى الاضرار والتعنت حين رضي بدفع مقدار إلى الظئر
ولا رضى بدفع مثل ذلك إلى الأم فإن لم يكن وقع بينهما فرقة فلا أجر لها على الرضاع
وان أبت أن ترضع لم تكره على ذلك لان المستحق عليها بالنكاح تسليم النفس
إلى الزوج للاستمتاع وما سوى ذلك من الاعمال تؤمر به تدينا ولا تجبر عليه في الحكم
نحو كنس البيت وغسل الثياب والطبخ والخبز فكذلك ارضاع الولد (قال) وإن لم يكن
للصبي أب وكان له أم وعم فالرضاع عليهما أثلاثا على قدر ميراثهما ان كانا موسرين لقوله
تعالى وعلى الوارث مثل ذلك فقد اعتبر صفة الوراثة في حق غير الأب فدل ذلك على أنه
يكون على الورثة بحسب الميراث ولكن بعد أن يكون ذا رحم محرم ثبت ذلك بقراءة ابن
مسعود رضي الله عنه وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك فان قراءته لا تتخلف عن
روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه ما كان هذا الا سماعا من رسول الله صلى
الله عليه وسلم وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى قال في النفقة بعد الفطام
الجواب هكذا وكذلك فيما يحتاج إليه من النفقة قبل الفطام فاما الرضاع فإنه كله على
الأم لأنها موسرة باللبن والعم معسر في ذلك ولكن في ظاهر الرواية قال قدرة العم على
تحصيل ذلك بماله يجعله موسرا فيه فلهذا كان عليهما أثلاثا والأم أحق أن يكون عندها
حتى يبلغ ما وصفنا فإن كان العم فقيرا والأم غنية فالرضاع والنفقة على الأم لان النفقة على
العم مستحقة في ماله لا في كسبه على ما نبينه في نفقة ذوي الأرحام إن شاء الله تعالى
والمعسر ليس له مال فلا يلزمه شئ من النفقة بل هو كالمعدوم فكانت النفقة على الأم فإن كان
له أم وأخ لأب وأم وعم وهم أغنياء فالرضاع على الأم والأخ أثلاثا بحسب الميراث ولا
شئ من ذلك على العم لأنه ليس بوارث مع الأخ والغرم مقابل بالغنم وإنما يستحق على من يكون
الغنم له إذا مات الولد والحاصل ان بعد الأب النفقة على كل ذي رحم محرم إذا كانوا أغنياء
على حسب الميراث ومن كان منهم فقيرا لم يجبر على النفقة فان تطوع بشئ فهو أفضل
فإن كانت الأم فقيرة وللولد عمة وخالة غنيتان فالنفقة عليهما أثلاثا على العمة الثلثان
وعلى الخالة الثلث لان الأم الفقيرة كالمعدومة وبعدها الميراث بين العمة والخالة أثلاثا فكذا
النفقة عليهما وعلى هذا لو كان له ابن عم هو وارثه فان ابن العم ليس بذي رحم محرم فلا شئ
عليه من النفقة بل يجعل هو في حق النفقة كالمعدوم وتكون النفقة على العمة والخالة أثلاثا
209

وإن كان الميراث لابن العم وكذلك كل عصبة ليس بذي رحم محرم فلا نفقة عليه وإن كان
الميراث له الا ترى ان مولى العتاقة عصبة في حق الميراث ولا نفقة عليه فكذلك من ليس
بمحرم من الأقارب (قال) ويؤمر الموسر والوسط لولده إذا كانوا أكثر من واحد بخادم فإن لم
يكفهم فخادمان يقومان عليهم في خدمتهم لان هذا من جملة كفايتهم فتكون على الأب
كالنفقة والكسوة إلا أن المعسر عاجز عن ذلك والتكليف بحسب الوسع فأما الموسر ووسط
الحال يقدر على ذلك فيؤمر من ذلك بما تقع به الكفاية (قال) فان تزوجت الأم فللأب أن
يأخذ الولد منها لقوله صلى الله عليه وسلم ما لم تزوجي فإنما جعل الحق لها إلي أن تتزوج وحكم
ما بعد الغاية مخالف لما قبل ذلك ولأنها لما تزوجت فقد اشتغلت بخدمة زوجها فلا تتفرغ لتربية
الولد والولد في العادة يلحقه الجفاء والمذلة من زوج الأم فكان للأب أن لا يرضى بذلك فيأخذ
الولد منها (قال) وأم الأم في ذلك سواء بمنزلة الأم بعدها لان حق الحضانة بسبب الأمومة
وهي أم تدلى بأم فهي أولى من أم الأب لأنها تدلى بقرابة الأب وقرابة الأم في الحضانة
مقدمة على قرابة الأب (قال) ويستوى ان كانت الأم مسلمة أو كتابية أو مجوسية لان حق
الحضانة لها للشفقة على الولد ولا يختلف ذلك باختلاف الدين على ما قيل كل شئ يحب ولده
حتى الحبارى ومن مشايخنا من يقول إذا كانت كافرة فعقل الولد فإنه يؤخذ منها جارية
كانت أو غلاما لأنه مسلم باسلام الأب وانها تعلمها الكفر فلا تؤمن من الفتنة إذا تركت
عندها فلهذا تؤخذ منها فإن كأن لام الأم زوج نظرنا فإن كان زوجها جد الولد فهي أحق
به لان جد الولد يكون مشفقا عليه ولا يلحقه الأذى والجفاء من جهته وإن كان أجنبيا
فلا حق لها في الولد كالأم إذا تزوجت أجنبيا (قال) وأم الأب بعدها أحق بهم عندنا
وعلى قول زفر رحمه الله تعالى الأخت من الأب والأم أو من الأم أو الخالة أحق من الجدة
أم الأب لأنها تدلى بقرابة الأب ومن سمينا بقرابة الأم واستحقاق الحضانة باعتبار قرابة
الأم ولكنا نقول هذه أم في نفسها كأم الأم والأم مقدمة على غيرها في الحضانة ثم أصل
الشفقة باعتبار الولاد وذلك للجدات دون الأخوات والخالات فلهذا كانت أم الأب
أحق وإن كان لها زوج فإن كان زوجها جد الولد فكذلك وإن كان زوجها أجنبيا أو كانت
هي ميتة فحق الحضانة إلى الأخوات والأخت لأب وأم أولى من الأخت لام وعلى قول
زفر رحمه الله تعالى هما مستويتان لان ثبوت هذا الحق بقرابة الأم وهما سواء في ذلك
210

ولكنا نقول قرابة الأخت لأب وأم من جهتين والشفقة بالقرابة فذو القرابتين يكون أشفق
فكان بالحضانة أحق ويجوز أن يقع الترجيح بما لا يكون علة الاستحقاق ألا ترى أن الأخ
لأب وأم مقدم في العصوبة على الأخ لأب بسبب قرابة الأم وقرابة الأم ليست بسبب
لاستحقاق العصوبة بها ثم الأخت لام تقدم على الأخت لأب لان استحقاق الحضانة
بقرابة الأم وهي تدلى بقرابة الأم والأخرى إنما تدلى بقرابة الأب ثم بعد الأخت لام قال
في كتاب النكاح الأخت لأب أولى من الخالة وفي كتاب الطلاق قال الخالة أولى من
الأخت لأب ففي رواية كتاب النكاح اعتبر قرب القرابة والأخت لأب أقرب لأنها ولد
الأب والخالة ولد الجد وفي كتاب الطلاق اعتبر المدلى به فقال الخالة تدلى بالأم والأخت
لأب تدلى بالأب والأم في حق الحضانة مقدمة على الأب فكذلك من يدلى بقرابة الأم
يكون مقدما على من يدلى بقرابة الأب ثم بعد الأخوات بناتهن على الترتيب الذي ذكرنا في
الأخوات وبنات الأخوات في الحضانة أحق من بنات الاخوة لان المدلى به في بنات الاخوة
لم يكن له حق في الحضانة بخلاف بنات الأخوات ثم بعدهن الخالة لأب وأم ثم بعدها
الخالة لأب والدليل على ثبوت حق الحضانة للخالات ما روى أن علي بن أبي طالب وجعفرا
وزيد بن حارثة رضي الله عنهم اختصموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابنة
حمزة رضي الله عنه فقال علي رضي الله عنه بنت عمى فأنا أحق بها وقال جعفر رضي الله عنه
ابنة عمى وخالتها عندي وقال زيد بن حارثة رضي الله عنه ابنة أخي آخيت بيني وبينه يا رسول
الله فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر رضي الله عنه فقال الخالة أم والترتيب
في الخالات على قياس الترتيب في الأخوات وهن أحق بالحضانة من العمات لان الخالة
تدلى بالأم والعمة تدلى بالأب واستحقاق الحضانة بقرابة الأم فلهذا قدمت الخالة في ذلك على
العمة ثم بعد الخالات العمات فالتي من الأب والأم تقدم ثم بعدها التي من الأم ثم التي من
الأب على قياس الخالات وبنت الأخ أولى من العمات لان كل واحدة منهما تدلى بمن لا
حق له في الحضانة ولكن بنت الأخ أقرب والخالة أولى من بنت الأخ لان الخالة تدلى بمن
لها حق في الحضانة وهي الأم وابنة الأخ تدلى بمن ليس له حق في الحضانة فلهذا كانت الخالة أحق
(قال) وليس لمن سوى الأم والجدتين حق في الولد إذا أكل وشرب ولبس وحده جارية
كانت أو غلاما لان ترك الجارية عند الأم والجدتين لتعليم أعمال داخل البيت وإنما يتأتى
211

ذلك بالاستخدام وللأم والجدتين حق الاستخدام وليس لغيرهن ممن سمينا حق الاستخدام
ولا يحصل مقصود تعليم الاعمال الا بذلك فلهذا أخذ منهن ثم بعدما استغنى الغلام أو حاضت
الجارية عند الأم والجدتين أو استغنت عند غيرهن فالأب أحق بالولد ثم بعده الجدات لأب
ثم الأخ من الأب والأم ثم الأخ من الأب لأن ولاية الضم إلى نفسه بعد هذا باعتبار العصوبة
فمن يكون مقدما في العصوبة من ذي الرحم المحرم أولى بذلك وقد بينا ترتيب العصبات في
أول الكتاب ولا حق لابن العم ذلك لأنه رحم غير محرم فلا يؤمن منه أن يطمع فيها
فلهذا لا يكون له ان يضمها وان كانت ولاية التزويج له باعتبار العصوبة (قال) وإذا اجتمع
أخوة لأب وأم فأفضلهم صلاحا وورعا أحق به لان ضمه إلى أقرب العصبات لمنفعة الولد
ولهذا قدم الأقرب وضمه إلى أبينهم صلاحا أنفع للود لأنه يتخلق بأخلاقه فإن كانوا في ذلك
سواء فأكبرهم أحق لقوله صلى الله عليه وسلم الكبر الكبر ولان حق أكبرهم أسرع ثبوتا
فعند التعارض يترجح ذلك وكذلك الأعمام بعد الاخوة ثم الغلام إذا بلغ رشيدا فله ان
ينفرد بالسكنى وليس للأب ان يضمه إلى نفسه إلا أن يكون مفسدا مخوفا عليه فحينئذ له ان
يضمه إلى نفسه اعتبارا لنفسه بماله فإنه بعد ما بلغ رشيدا لا يبقى للأب يد في ماله فكذلك
في نفسه وإذا بلغ مبذرا كان للأب ولاية حفظ ماله فكذلك له ان يضمه إلى نفسه اما لدفع
الفتنة أو لدفع العار عن نفسه فإنه يعير بفساد ولده فاما الجارية إذا كانت بكرا فللأب ان
يضمها إلى نفسه بعد البلوغ لأنها لم تختبر الرجال فتكون سريعة الانخداع فاما إذا كانت ثيبا
فلها ان تنفرد بالسكنى لأنها قد اختبرت الرجال وعرفت كيدهم ومكرهم فليس للأب ان
يضمها إلى نفسه بعد البلوغ لان ولايته قد زالت بالبلوغ وإنما بقي حق الضم في البكر لأنها
عرضة للفتنة وللانخداع وذلك غير موجود في حق الثيب والأصل فيه ما روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس للولي مع الثيب أمر وقال صلى الله عليه وسلم الثيب أحق
بنفسها من وليها يعنى في التفرد بالسكنى ولكن هذا إذا كانت مأمونة على نفسها وذكر
في كتاب الطلاق أن الثيب إذا كانت مخوفة على نفسها لا يوثق بها فللأب أن يضمها إلى
نفسه لبقاء الخوف وقد بينا أن ولاية الضم في البكر لكونها مخوفا عليها فإذا وجد ذلك في
حق الثيب كان له أن يضمها إلى نفسه واما البكر فإن لم يكن لها أب ولا جد وكان لها أخ
أو عم فله أن يضمها إليه أيضا لأنه مشفق عليها فيقوم بحفظها وان كانت لا تبلغ شفقته
212

شفقة الأب بمنزلة ولاية التزويج يثبت للعم والأخ بعد الأب والجد فإن كان أخوها أو
عمها مفسدا مخوفا لم يخل بينه وبينها لان ضمها إليه لدفع الفتنة فإذا كان سببا للفتنة لم يكن له
حق ضمها إليه بل يجعل هو كالمعدوم فتكون ولاية النظر بعد ذلك إلى القاضي ينظر امرأة
من المسلمين ثقة فيضعها عندها وكما يثبت للقاضي ولاية النظر في مالها عند عجزها عن ذلك
فكذلك في حق نفسها فإن كانت البكر قد دخلت في السن فاجتمع لها رأيها وعقلها وأخوها
أو عمها مخوف عليها فلها أن تنزل حيث شاءت في مكان لا يخاف عليها لان الضم كان لخوف
الفتنة بسبب الانخداع وفرط الشبق وقد زال ذلك حين دخلت في السن واجتمع لها
رأيها وعقلها (قال) وأم الولد إذا أعتقها مولاها في الولد بمنزلة الحرة المطلقة لان ثبوت
هذا الحق للأم باعتبار شفقتها على الولد وذلك موجود في حق أم الولد بل شفقتهن على
أولادهن أظهر من شفقة الحرائر لان الولد كان سبب عتقها إلا أن قبل العتق ليس لها
حق الحضانة لاشتغالها بخدمة مولاها ولأنها مملوكة لا تلى نفسها وحق الحضانة نوع ولاية
فكما لا يثبت سائر الولايات للرقيق فكذلك في الحضانة وهذا المعنى يزول بالعتق فكانت
في الحضانة بعد العتق كالحرة الأصيلة (قال) والأمة إذا فارقها زوجها فان الولد رقيق
لمولى الأمة يأخذهم المولى وهو أولى بهم من الأب لان الولد تبع الأم في الملك والمملوك
مالكه أحق من غيره وكذلك إذا كان الزوج حرا لم يفارق أمه فالمولى أولى بالولد لكونه
مملوكا له ولكن لا ينبغي أن يفرق بين الولد الصغير وبين أمه لقوله صلى الله عليه وسلم
من فرق بين والدة وولدها فرق الله تعالى بينه وبين أحبته يوم القيامة والله سبحانه وتعالى
أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب متاع البيت) *
(قال) رضي الله عنه وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت فما كان للنساء كالدرع والخمار
والمغازل وما أشبه ذلك فهو للمرأة وما كان للرجال كالسلاح والقباء والقلنسوة والمنطقة
والطيلسان والسراويل والفرس فهو للرجل وما كان للرجال والنساء كالخادم والعبد والشاة
والفرش فهو للرجال في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى أو كانا حيين وان مات أحدهما ووقع
الاختلاف بين الحي منهما وورثة الميت فهو للباقي منهما أيهما كان وقال محمد رحمه الله تعالى
213

ما يصلح للرجال والنساء فهو للرجل إن كان حيا ولورثته إن كان ميتا وقال أبو يوسف رحمه
الله تعالى تعطى المرأة جهاز مثلها والباقي للرجل استحسن ذلك وقال ابن أبي ليلى ما يصلح
للرجال والنساء فهو للزوج إن كان حيا ولورثته إن كان ميتا وإنما لها ما يصلح للنساء خاصة
وعلى قول ابن شبرمة المتاع كله للرجل الا ما على المرأة من ثياب بدنها وقال زفر رحمه الله
تعالى المتاع بينهما نصفان إذا لم تقم لواحد منهما بينة وهو قول مالك رحمه الله تعالى وأحد
أقاويل الشافعي رضى الله تعالى عنه وفى قول آخر المشكل بينهما نصفان وعلى قول الحسن
البصري إن كان البيت بيت المرأة فالمتاع كله لها الا ما على الزوج من ثياب بدنه وإن كان
البيت بيت الزوج فالمتاع كله له لان يد صاحب البيت على ما في البيت أقوى وأظهر من
يد غيره ولأن المرأة ساكنة البيت الا ترى أنها تسمى قعيدة فإذا كان البيت لها فالبيت مع
ما فيه في يدها وعند دعوى مطلق الملك القول قول ذي اليد ومن يقول المتاع كله للزوج
قال لأن المرأة في يد الزوج فما في بيتها يكون في يد الزوج أيضا الا ترى أنه صاحب البيت وان
المنزل يضاف إليه ولهذا لو تنازع رجلان في امرأة وهي في بيت أحدهما فأقاما البينة كانت بينة
صاحب اليد أولى ويكون هذا بمنزلة الأجير مع المستأجر إذا اختلفا في متاع الحانوت فالقول
قول المستأجر وليس للأجير الا ما عليه من ثياب بدنه فهذا مثله ومن يقول الكل بينهما
نصفان يقول استويا في سبب الاستحقاق لأنهما ساكنان في البيت فالبيت مع ما فيه يكون
في يدهما ولا معتبر في الدعوى والخصومات بالشبه الا ترى ان إسكافا وعطارا لو تنازعا في
آلات الإسكافة أو آلات العطارين وهو في أيديهما قضى بينهما نصفان ولا ينظر إلى ما يصلح
لكل واحد منهما وهذا لان الانسان قد يتخذ الشئ لاستعماله وقد يتخذه ليتجر فيه فكذلك
هذا ومن يقول إن المشكل بينهما يقول لكل واحد منهما فيما يصلح له نوع ترجيح من حيث إن
الظاهر أنه هو الذي اتخذه لاستعماله فيترجح به كما لو تنازع صاحب الدار مع سكانها في
لوح موضوع في الدار ونقشه يشبه نقش الألواح التي في السقف وموضعه من السقف
ظاهر فان القول قول صاحب الدار لأجل شهادة الظاهر له وإن لم يكن بهذه الصفة فالقول
قول الساكن كسائر الأمتعة فاما في المشكل لا ترجيح لواحد منهما فيعتبر فيه المساواة
في سبب الاستحقاق فيكون بينهما نصفان وأما أبو يوسف رحمه الله تعالى يقول القياس أن يكون
الكل للزوج لأن المرأة مع ما في يدها في يد الزوج إلا أن الظاهر أنها لا تزف إلى
214

بيت زوجها الا مع جهاز مثلها ففي مقدار جهاز مثلها يترك القياس للعرف الظاهر ويجعل ذلك
لها وفيما زاد على ذلك القول قول الزوج بطريق القياس الذي قلنا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى
يقول ما يصلح للرجال فهو قريب من استعمال الرجل وما يصلح للنساء فهو قريب من
استعمالها والاستعمال يد حتى لو تنازع رجلان في ثوب واحد وأحدهما لابسه والآخر
متعلق بذيله أو تنازعا في دابة وأحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها يجعل القول قول المستعمل
فكانت يد المستعمل هنا أقوى فيما هو صالح لأحدهما فأما فيما يصلح لهما فيترجح جانب
الرجل في الطلاق لأنه صاحب البيت فقد كانت هي مع المتاع في يده فأما بعد موت
أحدهما قال محمد رحمه الله تعالى ورثة الزوج يقومون مقام الزوج فكما أن في المشكل
القول قوله في حياته فكذلك بعد موته القول قول ورثته وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى
يد الباقي منهما إلى المتاع أسبق لان الوارث إنما يثبت يده بعد موت المورث وكما يقع
الترجيح هنا بقوة اليد لصلاحية الاستعمال فكذا يقع الترجيح بسبق اليد ولان يد الباقي
منهما يد نفسه ويد الوارث قائمة مقام يد مورثه فلهذا النوع من الترجيح كان المشكل للباقي
منهما أيهما كان وما كان من متاع التجارة والرجل معروف بتلك التجارة فهو للرجل والجبة
المحشوة وجبة القز والخز والبرود فهو للرجل إذا كانت ذات لبة لان هذا مما يستعمله
الرجال دون النساء والمستقة والبر كان المعلم مما يكون للرجال والنساء جميعا وإن كان أحد
الزوجين حرا والآخر مملوكا أو مكاتبا فالمتاع للحر منهما أيهما كان في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هذا وما لو كانا حرين سواء على
ما بينا في الفصل الأول من قول كل واحد منهما وإنما نص على هذا الخلاف في
الجامع الصغير وجه قولهما أن المملوك بمنزلة الحر في الاستحقاق باليد لان له يدا معتبرة
ألا ترى أنه لو تنازع حر ومملوك في متاع في يدهما كان بينهما نصفان ولا تترجح يد الحر
بحريته فكذلك هذا ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول يد الحر أقوي فإنها يد ملك
ويد العبد ليست بيد ملك فكما يقع الترجيح هنا بقوة اليد يقع بالقرب من الاستعمال
بخلاف سائر الدعاوى والخصومات فكذلك يقع الترجيح هنا بقوة اليد بالحرية توضيحه
أن يد الحر يد نفسه ويد العبد من وجه كأنها يد مولاه وقد بينا أن الترجيح هنا باعتبار أن
يده يد نفسه كما بعد موت أحدهما وإن كان أحدهما كافرا والآخر مسلما فالمسلم والكافر في
215

ذلك سواء لأنهما في قوة اليد يستويان فان يد كل واحد منهما يد نفسه وهي يد ملك
فيستويان في الاستحقاق ويستوى ان وقعت المنازعة بينهما في حال قيام النكاح أو بعد
وقوع الفرقة بأي وجه وقعت الفرقة بينهما سواء كانت الفرقة من قبل الزوج أو من قبل
المرأة وان كانت أمة فأعتقت فاختارت نفسها فما عرف أنه كان في البيت قبل أن تعتق
فهو للرجل عند أبي حنيفة بمنزلة ما لو وقعت المنازعة في ذلك قبل عتقها وما أحدثا بعد
العتق قبل أن تختار نفسها فهو على ما بينا في الطلاق لان يدها بالعتق تتقوى فتستوي بيد
الرجل فيما أحدت بعد العتق (قال) فإن كان له نسوة فوقع الاختلاف بينه وبينهن فان
كن في بيت واحد فمتاع النسوة بينهن سواء للمساواة بينهن في سبب الاستحقاق وهو
القرب من الاستعمال وقوة اليد بسببه وان كانت كل واحدة منهن في بيت واحد فما
في بيت كل واحدة منهن بينها وبين زوجها على ما وصفنا ولا يشارك بعضهن بعضا لأنه
لا يد لكل واحدة منهن فيما في بيت ضرتها فلا تستحق شيئا من ذلك الا بحجة (قال)
وإذا أقرت المرأة بمتاع أن الرجل اشتراه فهو للرجل لأن الشراء سبب موجب للملك وقد
أقرت له بمباشرة هذا السبب ولان ما أقرت به كالمعاين ولو عايناه اشترى شيئا كان ذلك
مملوكا له فكذلك إذا أقرت هي بشرائه (قال) وإذا مات الرجل فقالت الورثة للمرأة قد كان
طلقك في حياته ثلاثا وأرادوا أن يأخذوا منها المشكل لم يصدقوا على ذلك وهذا التفريع
عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإنه يقول إذا وقعت الفرقة بالطلاق ففي المشكل القول قول الزوج
وإذا وقعت بالموت ففي المشكل القول قول الباقي منهما ثم هنا الورثة يدعون طلاقا لم يظهر
سببه فلا يقبل قولهم في ذلك الا بحجة الا ترى أنهم لو أرادوا منع ميراثها بهذه الدعوى
لم يقبل قولهم في ذلك ولان القول قولها بعد ما تحلف بالله انها ما تعلم أنه طلقها لأنها لو أقرت
بالطلاق لزمها فإذا أنكرت حلفت عليه ولكن الاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم
فان علم أنه طلقها في صحته ثلاثا ثم مات أو طلقها في مرضه ثلاثا ثم مات بعد انقضاء العدة
ففي المشكل القول قول ورثة الزوج لأنها صارت أجنبية بهذا الطلاق ولو وقعت المنازعة
بينهما في المشكل بعد الطلاق كان القول فيه قول الزوج فكذلك بعد موته القول فيه قول
ورثته وان مات قبل أن تنقضي العدة فهو للمرأة لان الطلاق في المرض لا يجعلها أجنبية
ما لم تنقضي عدتها الا ترى أنها ترثه بالزوجية إذا مات فكان هذا وما لو وقعت الفرقة بينهما
216

بالموت سواء فلهذا كان القول في المشكل قولها وان كانا مملوكين أو مكاتبين أو كافرين
فالقول في المتاع على ما وصفنا في الحرين المسلمين لان هذا من باب الدعوى والخصومة
والكفار والمماليك في ذلك يستوون بالأحرار المسلمين كما في سائر الخصومات والله أعلم
بالصواب واليه المرجع والمآب
* (باب القسمة بين النساء) *
اعلم بان الزوج مأمور بالعدل في القسمة بين النساء وذلك ثابت بالكتاب والسنة أما
الكتاب فقوله تعالى فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة إلى قوله ذلك أدنى أن لا تعولوا معناه
أن لا تجوروا وذكر الشافعي رحمه الله تعالى في أحكام القرآن ان معناه أن لا تكثر عيالكم
وهذا مخالف لقول السلف فالمنقول عنهم أن لا تميلوا ومع ذلك فهو خطأ من حيث اللغة فإنه لو
كان المراد كثرة العيال لكأن يقول إن لا تعيلوا يقال عال إذا مال وأعال إذا صار معيلا ومن حيث
المعني كذلك أيضا غلطا فإنه أمر بالاكتفاء بالواحدة واتخاذ ما بينا من ملك اليمين عند هذا
الجور ومعني كثرة العيال ووجوب النفقة يحصل في ملك اليمين كما يحصل في ملك النكاح
وإنما ينعدم في ملك اليمين استحقاق التسوية في القسمة وأما السنة فما روى عن عائشة رضي
الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعدل في القسمة بين نسائه وكأن يقول اللهم
هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك يعنى من زيادة المحبة لبعضهن وفي حديث
أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من كانت له زوجتان فمال إلى إحداهما
في القسم جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل ولأن النساء رعاياه الا ترى أنه يحفظهن وينفق
عليهن وكل راع مأمور بالعدل في رعيته واليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله كلكم
راع وكلكم مسؤول عن رعيته إذا عرفنا هذا فنقول إن كان للرجل الحر أو المملوك
امرأتان حرتان فإنه يكون عند كل واحدة منهما يوما وليلة وان شاء ان يجعل لكل واحدة
منهما ثلاثة أيام فعل لان المستحق عليه التسوية فاما في مقدار الدور فالاختيار إليه وهذه
التسوية في البيتوتة عندها للصحبة والمؤانسة لا في المجامعة لان ذلك ينبني على النشاط ولا
يقدر على اعتبار المساواة فيه فهو نظير المحبة في القلب وروى عن الأشعث بن الحكم
رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لام سلمة رضي الله عنها حين دخل
217

بها إن شئت سبعت لك وسبعت لهن زاد في بعض الروايات إن شئت ثلثت لك وثلثت لهن
وفي رواية وإن شئت ثلثت لك ثم درت وبهذا الحديث أخذ علماؤنا فقالوا الجديدة والقديمة
في حكم القسم سواء بكرا كانت الجديدة أو ثيبا وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان كانت بكرا
يفضلها بسبع ليال وان كانت ثيبا فثلاث ليال ثم التسوية بعد ذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تفضل البكر بسبع والثيب بثلاث ولان القديمة
قد ألفت صحبته وأنست به والجديدة ما ألفت ذلك بل فيها نوع نفرة ووحشة فينبغي أن
يزيل ذلك عنها ببعض الصحبة لتستوي بالقديمة في الألف ثم المساواة بعد ذلك فإذا كانت
بكرا ففيها زيادة نفرة عن الرجال فيفضلها بسبع ليال وإذا كانت ثيبا فهي قد صحبت الرجال
وإنما لم تصحبه خاصة فيكفيها ثلاث ليال لتأنس بصحبته وحجتنا في ذلك أن سبب وجوب
التسوية اجتماعها في نكاحه وقد تحقق ذلك بنفس العقد ولو وجب تفضيل إحداهما كانت
القديمة أولى بذلك لان الوحشة في جانبها أكثر حيث أدخل غيرها عليها فان ذلك يغيضها
عادة ولان للقديمة زيادة حرمة سبب الخدمة كما يقال لكل جديد لذة ولكل قديم حرمة
وأما الحديث فالمراد التفضيل بالبداية دون الزيادة كما ذكر في حديث أم سلمة رضى الله
تعالى عنها إن شئت سبعت لك وسبعت لهن وقوله إن شئت ثلثت لك ثم درت أي أخبرت
بمثل ذلك على كل واحدة منهن ونحن نقول به ان للزوج أن يبدأ بالجديدة لما له في ذلك
من اللذة ولكن بعد أن يسوى بينهما (قال) والمسلمة والكافرة والمراهقة والمجنونة والبالغة
في استحقاق القسم سواء للمساواة بينهن في سبب هذا الحق وهو الحل الثابت بالنكاح فلا
ينبغي أن يقيم عند إحداهن أكثر مما يقيم عند الأخرى إلا أن تأذن له فيه لما روى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن نساءه في مرضه أن يكون في بيت عائشة رضى
الله تعالى عنها فأذن له في ذلك فكان في بيتها حتى قبض صلى الله عليه وسلم ففي هذا
دليل على أن الصحيح والمريض في القسم سواء لان النبي صلى الله عليه وسلم في أول
مرضه كأن يكون عند كل واحدة منهم ثم لما شق ذلك عليه استأذنهن في أن يكون عند
عائشة رضى الله تعالى عنها فدل ذلك على أن الصحيح والمريض سواء وأن عند الاذن له
أن يقيم عند إحداهن فأما الأمة والمكاتبة والمدبرة وأم الولد تكون زوجة الرجل فيتزوج
عليها حرة فللحرة يومان وللأمة يوم واحد لحديث علي رضى الله تعالى عنه على ما روينا
218

قال وللحرة الثلثان من القسم وللأمة الثلث ولان حل الأمة على النصف من حل الحرة
واستحقاق القسم باعتبار ذلك والرق في المكاتبة والمدبرة وأم الولد قائم (قال) وان سافر
الرجل مع احدى امرأتيه لحج أو غيره فلما قدم طالبته الثانية أن يقيم عندها مثل المدة
التي كان فيها مع الأخرى في السفر لم يكن لها ذلك ولم يحتسب عليه بأيام سفره مع التي
كانت معه ولكنه يستقبل العدل بينهن والكلام هنا في فصلين أحدهما ان له أن يسافر
بأيتهما شاء من غير اقراع بينهما عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى ليس له ذلك إلا أن
يقرع بينهما لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا
أقرع بين نسائه قالت عائشة رضي الله عنها وأصابتني القرعة في السفرة التي؟ أصابني؟
فيها ما أصابني وحجتنا في ذلك أنه لا حق للمرأة في القسم عند سفر الزوج ألا ترى ان له
أن يسافر ولا يستصحب واحدة منهن فليس عليه التسوية بينهن في حالة السفر وإنما
كان يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تطبيبا لقلوبهن ونفيا لتهمة الميل عن
نفسه وبه نقول إن ذلك مستحب للزوج ثم إذا سافر ببعضهن ليس للباقين بعد الرجوع
الاحتساب عليه بتلك المدة عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان سافر ببعضهن بغير اقتراع
فذلك محسوب عليه في حق الأخرى بناء على أصله أن الاقراع مستحق عليه فإذا لم
يفعل ذلك كانت مدة سفره نوبة التي كانت معه فينبغي أن يكون عند الأخرى مثل ذلك
ليتحقق العدل ولكنا نقول وجوب التسوية في وقت استحقاق القسم عليه وقد بينا أنه
لا حق للمرأة في القسم في حال سفر الزوج فلا يلزمه مراعاة التسوية باعتبار تلك المدة كما
إذا سافر بها بالقرعة الا ترى أنه في حالة الحضر لا فرق بين أن تكون البداية باقراع أو بغير
اقراع فكذلك في السفر (قال) ولو أقام عند إحداهما شهرا ثم خاصمته الأخرى في ذلك
قضى عليه ان يستقبل العدل بينهما وما مضى فهو هدر غير أنه هو فيه آثم لان القسمة تكون
بعد الطلب من كل واحدة منهما فما مضى قبل الطلب ليس من القسمة في شئ والواجب
عليه العدل في القسمة الا ترى أن ما مضى قبل نكاح إحداهما لا يعتبر في حق التي جدد نكاحها
فكذلك ما مضى قبل طلبها (قال) فان عاد إلى الجور بعد ما نهاه القاضي أوجعه عقوبة
وأمره بالعدل لأنه أساء الأدب فيما صنع وارتكب ما هو حرام عليه وهو الجور فيعذر
في ذلك ويؤمر بالعدل (قال) ولو كان عند الرجل امرأة فدخلت في سنها أي كبرت
219

فأراد أن يستبدل بها شابة فطلبت ان يمسكها ويتزوج بالأخرى ويقيم عند التي تزوج أياما
ويقيم عندها يوما فتزوج على هذا الشرط كان جائزا لا بأس به لقوله تعالى وان امرأة خافت
من بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح عليهما الآية قال علي رضي الله عنه إنما نزلت هذه الآية
في هذا وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لسودة بنت زمعة رضي الله عنها
حين طعنت في السن اعتدى فسألته لوجه الله تعالى ان يراجعها ويجعل يوم نوبتها لعائشة رضي
الله عنه لكي تحشر يوم القيامة مع أزواجه صلى الله عليه وسلم ورضى عنهن ففعل (قال)
ولا بأس بأن يقيم الرجل عند احدى امرأتيه أكثر مما يقيم عند الأخرى إذا أذنت له لما
روينا من الحديث في مقامه صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة رضي الله عنها باذنهن رضي الله عنه
ن ولقول ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء الآية
قال هذا في الحب فاما في القسم فينبغي ان يعدل ولا يفضل إحداهما الا باذن الأخرى وعن
ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى وان امرأة خافت من بعلها نشوزا مثل قول
علي رضى الله تعالى عنه وكان المعنى فيه أن التي رضيت أسقطت حق نفسها وهي من
أهل أن تسقط حقها إلا أن هذا الرضا ليسا يلزمها شيئا حتى إذا أرادت أن ترجع
وتطالب بالعدل في القسم فلها ذلك (قال) وإذا أقام عند امرأته الأمة يوما ثم أعتقت لم
يقم عند الحرة الأخرى الا يوما واحدا لان المعتقة استوت بالحرة في السبب فعليه مراعاة
التسوية بينهما في القسم وتجعل حريتها عند انتهاء النوبة إليها بمنزلة حريتها عند ابتداء النوبة
ولو أقام عند الحرة يوما ثم أعتقت تحول عنها إلى المعتقة لأنها قد استوت بها فليس له أن
يفضل الحرة بشئ بعدما استوت المعتقة بها (قال) وإذا كان للرجل امرأة واحدة فكان
يقوم الليل ويصوم النهار فاستعدت عليه امرأته فإنه يؤمر بأن يبت معها ويفطر لها وبلغنا
عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال لكعب بن سور اقض بينهما فقال أراها احدى نسائه
الأربع لهن ثلاثة أيام ولياليها ولها يوم وليلة وقصة هذا الحديث أن امرأة جاءت إلى
عمر رضي الله تعالى عنه وقالت إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل فقال نعم الرجل زوجك
فأعادت كلامها مرارا في كل ذلك مجيبها عمر رضي الله عنه بهذا فقال كعب بن سور يا أمير
المؤمنين انها تشكو من زوجها في أنه هجر من صحبتها فتعجب عمر رضي الله تعالى عنه من
فطنته وقال اقض بينهما فقضى كعب رضى الله تعالى عنه بما ذكر فولاه عمر رضى الله تعالى
220

عنه قضاء البصرة ثم في ظاهر الرواية لا يتعين حقها في يوم وليلة من كل أربع ليال ولكن
يؤمر الزوج بأن يراعى قلبها ويبيت معها أحيانا. وروي الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله
تعالى قال إذا كان للرجل امرأة واحدة فاشتغل عنها بالصيام والقيام أو بصحبة الإماء
فخاصمته في ذلك قضى القاضي لها بليلة من كل أربع ليال لحديث كعب بن سور ولان للزوج
أن يسقط حقها عن ثلاث ليال بأن يتزوج ثلاثا سواها وليس له أن يسقط حقها أكثر
من ذلك وجه ظاهر الرواية أن القسمة والعدل إنما يكون عند المزاحمة ولا مزاحمة هنا
حين لم يكن في نكاحه الا واحدة أرأيت لو كان تحته أربع نسوة أكان يستحق عليه
يوم وليلة من أربعة لكل واحدة منهن فلا يشتغل بالصيام والقيام أبدا حتى لا يصوم
لا رمضان ولا غيره هذا ليس بشئ والصحيح أنه يؤمر بأن يؤنسها بصحبته أحيانا من
غير أن يكون في ذلك شئ مؤقت وهذا لان عند المزاحمة تلحق كل واحدة منهما المغايضة
لمقامه عند الأخرى فيستحق عليه التسوية ولا يوجد ذلك عند عدم المزاحمة (قال)
وإذا تزوج امرأتين على أن يقيم عند إحداهما يوما والأخرى يومين ثم طلبت التي لها
اليوم أن يعدل بينهما فلها ذلك لما بينا أنها رضيت بترك العدل فيما مضى من المدة فلا يلزمها
ذلك في المستقبل شيئا ولان هذا الشرط مخالف لحكم الشرع وهو باطل لقوله صلى الله
عليه وسلم كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل (قال) والمجبوب والخصي
والعنين في القسمة سواء بين النساء لما بينا أن وجوب القسم والعدل للصحبة والمؤانسة
دون المجامعة وحال هؤلاء في هذا كحال الفحل وكذلك الغلام الذي لم يحتلم إذا دخل
بامرأتين فإنه يسوى بينهما في القسم لان وجوب التسوية لحق النساء وحقوق العباد
تتوجه على الصبيان عند تقرر السبب كما يتوجه على البالغين (قال) وإذا جعلت المرأة
لزوجها جعلا على أن يزيدها في القسم يوما ففعل لم يجز وترجع في ماله لأنها رشته على
أن يجور والرشوة حرام وهذا بمنزلة الرشوة في الحكم وهو من السحت فلهذا تسترد
ما أعطت وعليه التسوية في القسم وكذلك لو حطت له شيئا من المهر على هذا الشرط أو
زادها الزوج في مهرها أو جعل لها جعلا على أن تجعل نوبتها لفلانة فهذا كله باطل لأنها
بهذا لا يملك الزوج شيئا فلا تستوجب عليه المال بمقابلته ولأنها أخذت الرشوة على أن
221

ترضى بالجور وذلك حرام فكان الجعل مردودا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه
المرجع والمآب
* (باب نفقة ذوي الأرحام) *
(قال) رضي الله عنه ويجبر الرجل الموسر على نفقة أبيه وأمه إذا كانا محتاجين لقوله
تعالى ولا تقل لهما أف نهى عن التأفيف لمعنى الأذى ومعنى الأذى في منع النفقة عند
حاجتهما أكثر ولهذا يلزمه نفقتهما وان كانا قادرين على الكسب لان معنى الأذى في
الكد والتعب أكثر منه في التأفيف وقال صلى الله عليه وسلم ان أطيب ما يأكل الرجل
من كسبه وان ولده لمن كسبه فكلوا مما كسب أولادكم وإذا كان الأولاد ذكورا وإناثا
موسرين فنفقة الأبوين عليهم بالسوية في أظهر الروايتين وروي الحسن عن أبي حنيفة
رحمه الله تعالى أن النفقة بين الذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين على قياس
الميراث وعلى قياس نفقة ذوي الأرحام ووجه الرواية الأخرى أن استحقاق الأبوين النفقة
باعتبار التأويل وحق الملك لهما في مال الولد كما قال صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك وفي
هذا الذكور والإناث سواء ولهذا يثبت لهما هذا الاستحقاق مع اختلاف الملة وان انعدم
التوارث بسبب اختلاف الملة (قال) وإن كان الولد معسرا وهما معسران فليس عليه
نفقتهما لأنهما لما استويا في الحال لم يكن أحدهما بايجاب نفقته على صاحبه بأولى من الآخر
الا انه روى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى قال إذا كان الأب زمنا وكسب الابن لا يفضل عن
نفقته فعليه ان يضم الأب إلى نفسه لأنه لو لم يفعل ضاع الأب ولو فعل ذلك لا يخشى الهلاك
على الولد والانسان لا يهلك على نصف بطنه (قال) وكذلك الجد أب الأب والجدة أم الأم
وأم الأب لأنهم من الوالدين وحالهم في استحقاق النفقة كحال الأبوين الا ترى ان التأويل
في مال النافلة يثبت للجد عند عدم الأب كما يثبت للأب (قال) ويجبر الرجل على نفقة أولاده
الصغار لقوله عز وجل فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن والنفقة بعد الفطام بمنزلة مؤنة
الرضاع قبل ذلك ولان الولد جزء من الأب فتكون نفقته عليه كنفقته على نفسه ثم في
ظاهر الرواية لا يشارك الأب في النفقة أحد وقد روى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن
النفقة على الأب والأم أثلاثا بحسب ميراثهما من الولد فأما في ظاهر الرواية كما لا يشارك
222

الأب في مؤنة الرضاع أحد فكذلك في النفقة وهذا إذا كان الأب موسرا فإن كان معسرا
والأم موسرة أمرت بأن تنفق من مالها على الولد ويكون ذلك دينا على الأب إذا أيسر
وكذلك الأب إذا كان معسرا وله أخ موسر فان الأخ وهو عم الولد يعطى نفقة الولد ويكون
ذلك دينا على الأب له إذا أيسر لان استحقاق النفقة على الأب ولكن الانفاق لا يحتمل
التأخير فيقام مال الغير مقام ماله في أداء مقدار الحاجة منه على أن يكون ذلك دينا عليه إذا
أيسر والذي قلنا في الصغار من الأولاد كذلك في الكبار إذا كن إناثا لأن النساء عاجزات
عن الكسب واستحقاق النفقة لعجز المنفق عليه عن كسبه وان كانوا ذكورا بالغين لم
يجبر الأب على الانفاق عليهم لقدرتهم على الكسب الا من كان منهم زمنا أو أعمى أو مقعدا
أو أشل اليدين لا ينتفع بهما أو مفلوجا أو معتوها فحينئذ تجب النفقة على الوالد لعجز المنفق
عليه عن الكسب وهذا إذا لم يكن للولد مال فإذ كان للولد مال فنفقته في ماله لأنه موسر
غير محتاج واستحقاق النفقة على الغنى للمعسر باعتبار الحاجة إذ ليس أحد الموسرين بايجاب
نفقته على صاحبه بأولى من الآخر بخلاف نفقة الزوجة فان استحقاق ذلك باعتبار العقد
لتفريغها نفسها له فتستحق موسرة كانت أو معسرة فاما الاستحقاق هنا باعتبار الحاجة فلا
تثبت عند عدم الحاجة (قال) فإن كان مال الولد غائبا أمر الأب بان ينفق عليه من ماله
على أن يرجع في مال الولد إذا حضر ماله لكنه ان أشهد فله ان يرجع في الحكم وان أنفق
بغير اشهاد لكن على نية الرجوع فله ان يرجع فيما بينه وبين الله تعالى وفي الحكم ليس
له ذلك لأن الظاهر أنه يقصد التبرع بمثل هذا والقاضي يتبع الظاهر فاما فيما بينه وبين
الله تعالى فله ان يرجع لان الله تعالى عالم بما في ضميره (قال) وكذلك يجبر على نفقة
كل ذي رحم محرم منه الصغار والنساء وأهل الزمانة من الرجال إذا كانوا ذوي حاجة
عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا تجب النفقة على غير الوالدين والمولودين وقال ابن أبي
ليلى رحمه الله تعالى تجب النفقة على كل وارث محرما كان أو غير محرم واستدل بظاهر
قوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك ولكنا نقول قد بينا ان في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه
وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك والشافعي رحمه الله تعالى يبنى على أصله فان
عنده استحقاق الصلة باعتبار الولاد دون القرابة حتى لا يعتق أحد على أحد الا الوالدين
والمولودين عنده وجعل قرابة الاخوة في ذلك كقرابة بني الأعمام فكذلك في حق استحقاق
223

النفقة وفيما بين الآباء والأولاد الاستحقاق بعلة الجزئية دون القرابة وحمل قوله تعالى وعلى
الوارث مثل ذلك على نفي المضارة دون النفقة وذلك مروى عن ابن عباس رضي الله عنه
ولكنا نستدل بقول عمر وزيد رضي الله عنهما فإنهما قالا وعلى الوارث مثل ذلك من النفقة
ثم نفى المضارة لا يختص به الوارث بل يجب ذلك على غير الوارث كما يجب على الوارث على أن
الكناية في قوله ذلك تكون عن الأبعد وإذا أريد به الأقرب يقال هذا فلما قال ذلك عرفنا أنه
منصرف إلى قوله وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف والمعني فيه أن القرابة القريبة
يفترض وصلها ويحرم قطعها قال صلى الله عليه وسلم ثلاث معلقات بالعرش النعمة والأمانة
ولرحم تقول النعمة كفرت ولم أشكر وتقول الأمانة خونت ولم أرد ويقول الرحم قطعت
ولم أوصل وقد جعل الله تعالى قطيعة الرحم من الملاعن بقوله تعالى أولئك الذين لعنهم الله
ومنع النفقة مع يسار المنفق وصدق حاجة المنفق عليه يؤدى إلى قطيعة الرحم ولهذا
اختص به ذو الرحم المحرم لان القرابة إذا بعدت لا يفرض وصلها ولهذا لا نثبت
المحرمية بها وكذلك المرأة الموسرة تجبر على ما يجبر عليه الرجل من نفقة الأقارب لان هذا
الاستحقاق بطريق الصلة فيستوى فيه الرجال والنساء كالعتق عند الدخول في الملك (قال)
ولا يجبر المعسر على نفقة أحد الا على نفقة الزوجة والولد الصغير أما استحقاق نفقة الزوجة
باعتبار العقد وأما الأولاد الصغار فلأنهم اجزاؤه فكما لا تسقط عنه نفقة نفسه لعسرته
فكذلك نفقة أولاده والأصل فيه قوله تعالى ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله فأما نفقة
الأقارب استحقاقها بطريق الصلة فتكون على الموسرين دون العسرين كالزكاة وعلى هذا
قال أبو يوسف رحمه الله تعالى من لم يكن له فضل على حاجته مقدار ما تجب فيه الزكاة
لا تلزمه نفقة الأقارب إلا أنه يروى هشام عن محمد رحمهما الله تعالى قال إذا كان كسبه
كل يوم درهما ويكفيه لنفقته ونفقة عياله أربعة دوانق يؤمر بصرف الفضل إلى أقاربه
لان الاستحقاق باعتبار الحاجة فيعتبر في جانب المؤدى لتيسير الأداء وتيسر الأداء موجود
إذا كان كسبه يفضل عن نفقته (قال) وإذا امتنع الأب من الانفاق على أولاده الصغار
يحبس في ذلك بخلاف سائر الديون فان الوالد غير محبوس فيه لوجهين أحدهما أن
النفقة لحاجة الوقت فهو بالمنع يكون قاصدا إلى اتلافه والأب يستوجب العقوبة عند قصده
إلى اتلاف ولده كما لو عدى عليه بالسيف كان له أن يقتله دفعا له بخلاف سائر الديون
224

لا تسقط بتأخير الأداء والنفقة لا تصير دينا بل تسقط بمضي الوقت فيستوجب الحبس
إذا امتنع من الأداء وهو نظير ما قلنا أن من جار في القسم بوجع عقوبة وإذا امتنع من ايفاء
حق آخر لا يحبس لان ذلك الحق لا يسقط بتأخير الأداء وما جار فيه من الزمان لا يصير دينا
فيوجع عقوبة ليمتنع من الجور (قال) ومن كان له مسكن أو خادم ليس له غيره وهو محتاج
تحل له الصدقة فعلى الموسر من ذي الرحم المحرم نفقته وقال الخصاف في كتابه بعد ما
روى هذا عن محمد رحمه الله تعالى وقال غيره ليس عليه نفقته ولكن يقال له بع مسكنك
وخادمك وأنفق على نفسك لأنه يمكنه أن يكتفى بمنزل يكرى فأما في ظاهر الرواية المنزل
والخادم من أصول حوائجه فإنه لابد له من ذلك فلا ينعدم بملكها حاجته (قال) ولا يقضي
بالنفقة في مال أحد ممن ذكرنا إذا كان رب المال غائبا أو مفقودا ما خلا الوالدين والزوجة
فانى أقضى لهم من مال الغائب والحاصل ان ما كان مختلفا فيه فلا يتقوى الا بقضاء القاضي وليس
للقاضي أن يوجد القضاء على الغائب فاما ما كان متفقا عليه فهو ثابت بنفسه ولصاحب الحق
ان يمد يده فيأخذ ذلك من غير قضاء القاضي وللقاضي ان يعينه على ذلك إذا كان صاحب المال
حاضرا أو غائبا والسبب معلوما للقاضي الا ترى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لهند رضي الله عنه
ا خذي من مال أبي سفيان رضي الله عنه ما يكفيك وولدك بالمعروف وهو كان غائبا
وقال في كتاب المفقود وان استوثق منه بكفيل فحسن لجواز أن يكون أخذ النفقة أو بعث
الغائب بنفقته فيقصد الاخذ ثانيا والقاضي مأمور بالنظر لكل من عجز عن النظر لنفسه فإذا
كان الغائب عاجزا عن النظر لنفسه نظر القاضي له بأخذ الكفيل ان شاء وان شاء ضمنهم
ذلك ولم يأخذ منهم كفيلا فهو مستقيم أيضا لأنه ليس هنا خصم يطلب من القاضي أخذ
الكفيل وإنما يجب ذلك على القاضي عند طلب الخصم (قال) فإن كان له عند هؤلاء مال
فأنفقه على نفسه أجزته ولم أضمنه لأنه ظفر بجنس حقه فله ان يأخذ بقدر حقه وإن كان
عند غيرهم فأعطاهم بغير أمر القاضي حتى أنفقوا كان ضامنا له لأنه مأمور بالحفظ ودفعه
إلى غيره لينفق ليس من الحفظ فيصير به مخالفا ضامنا وهو نظير ما لو أراد المودع أن يقضى
بالوديعة دين المودع ليس له ذلك ويصير ضامنا ان فعله وإن كان صاحب الدين إذا ظفر
بجنس حقه كان له أن يأخذه (قال) وان باع أخذ منهم متاع الغائب للنفقة أبطلت بيعه
ما خلا الأب المحتاج فانى أجيز بيعه على ولده الغائب فيما سوى العقار استحسانا لما ينفقه على
225

نفسه ولا يجوز في العقار إلا أن يكون الولد صغيرا وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى في
كتاب المفقود (قال) وكذلك قياس قوله في المفقود وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
لا يجوز بيع الأب أيضا على ابنه الكبير الغائب في العقار كما لا يجوز بيع غيره والقياس ما قالا
لأن ولاية الأب قد زالت ببلوغ الصبي عن عقل فيكون هو في بيع أمواله كغيره يدل
عليه ان النفقة لا تكون أوجب من سائر الديون وليس للأب بيع شئ من متاع ولده في
دين له عليه ولا يقضى القاضي بذلك أيضا لما فيه من القضاء على الغائب فكذلك في النفقة
واستحقاق الأم النفقة كاستحقاق الأب ثم الأم لا تبيع عروض الولد في نفقتها فكذلك
الأب واستحسن أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقال ولاية الأب وان زالت بالبلوغ ولكن بقي
أثرها ولهذا صح منه الاستيلاد في جارية الابن فلبقاء أثر ولايته كان له ان يبيع العروض لان
بيع العروض من الحفظ فان العروض يخشى عليه من الهلاك وحفظ الثمن أيسر وولاية
الحفظ تثبت لمن يثبت له ولاية التصرف كالوصي في حق الوارث الكبير الغائب له ولاية
الحفظ وبيع العروض فكذلك للأب ذلك وبعد البيع الثمن من جنس حقه فله ان يأخذ منه
مقدار النفقة فاما بيع العقار ليس من الحفظ لأنه محصن بنفسه فلا يملك ذلك الا بمطلق الولاية
وهو عند صغر الولد أو جنونه وإذا باع عند ذلك أخذ من الثمن نفقته لأنه من جنس حقه
وبخلاف الأم وسائر الأقارب لأنه لم تكن لهم ولاية التصرف في حالة الصغر ليبقي أثر تلك
الولاية بعد البلوغ وكذلك ليس لهم ولاية حفظ المال فلهذا لا يجوز منهم بيع العروض
(قال) ولا يجبر المسلم على نفقة الكفار من قرابته ولا الكفار على نفقة المسلمين من
قرابتهم لان هذا الاستحقاق بعلة ولاية الوراثة شرعا وبسبب اختلاف الدين ينعدم
التوارث الا الوالدين والولد والزوجة أما استحقاق الزوجة للنفقة بسبب العقد وذلك متحقق
مع اختلاف الدين أما في حق الوالدين والولد القياس أن لا يثبت استحقاق النفقة مع
اختلاف الدين لان استحقاقها بطريق الصلة كنفقة الأقارب ولكنه استحسن فقال
يجب على الولد المسلم نفقة أبويه الذميين لقوله تعالى وصاحبهما في الدنيا معروفا وليس
من المصاحبة بالمعروف أن ينقلب في نعم الله ويدعهما يموتان جوعا والنوافل والأجداد
والجدات من قبل الأب والأم بمنزلة الأبوين في ذلك لان استحقاقهم باعتبار الولاد
بمنزلة استحقاق الأبوين (قال) وإذا مات الأب وللولد الصغير أم وجد أب الأب فنفقته
226

عليهما على قدر ميراثهما أثلاثا بخلاف الأب في ظاهر الرواية فإنه لا يشاركه في النفقة
أحد لحقيقة الجزئية بينه وبين الولد وذلك لا يوجد في حق الجد فان اتصال النافلة
بواسطة الأب كاتصال الأخ فكما أن في الأخ والأم النفقة عليهما بحسب الميراث إذا
كانا موسرين فكذلك في الجد والأم النفقة عليهما بحسب الميراث (قال) وإن كان للولد
خال موسر وابن عم موسر فالنفقة على الخال دون ابن العم وإن كان الميراث لابن العم لان
النفقة على ذي الرحم المحرم وابن العم ليس بمحرم فلا نفقة عليه والخال محرم فتكون
النفقة عليه إذا كان موسرا (قال) وإذا كان الرجل زمنا معسرا وله ابن معسر صغير أو كبير
زمن وللرجل ثلاثة اخوة متفرقين أهل يسار فنفقة الرجل تكون على أخيه لأب وأم
وعلى أخيه لام أسداسا بحسب ميراثهما منه وأما نفقة الأولاد فعلي الأخ لأب وأم خاصة
لان له ميراث الولد عند عدم الأب خاصة فإنه عم لأب وأم فلا يرث منه العم لأب ولا العم
لام والحاصل أن من يكون محتاجا يجعل في حكم المعدوم فتكون النفقة بعده على من
يكون وارثا بحسب ميراثه وإذا كان الولد بنتا كانت نفقة الأب والبنت على لأخ لأب
وأم خاصة أما نفقة البنت فلما بينا وأما نفقة الأب فلان الوارث هنا هو الأخ لأب وأم
خاصة لان الأخ لأب وأم يرث مع البنت والأخ لام لا يرث مع البنت فلا حاجة إلى أن تجعل
البنت كالمعدومة ولكن تعتبر صفة الوراثة مع بقائها بخلاف الابن فإنه لا يرث معه أحد
من الاخوة فلا بد أن يجعل كالمعدوم وإذا جعل كذلك فميراث الأب بين الأخ لأب
وأم والأخ لام أسداسا فالنفقة عليهما بحسب ذلك (قال) وإن كان مكان الاخوة
أخوات متفرقات فإن كان الولد ذكرا فنفقة الأب على أخواته أخماسا لان أحدا من
الأخوات لا يرث مع الابن فلا بد من أن يجعل الابن كالمعدوم وبعد ذلك الميراث
بينهن أخماسا ثلاثة أخماسه للأخت لأب وأم وخمسه للأخت لأب وخمسه للأخت
لام بطريق الفرض والرد فالنفقة عليهم بحسب ذلك ونفقة الولد على الأخت من
الأب والأم خاصة في قول علمائنا لان ميراثه إذا مات عند عدم الوالد للعمة لأب وأم
خاصة دون العمة لأب أو لام أما في قول من يورث العمات المتفرقات كما يورث الأخوات
وهو قول أهل التنزيل فنفقة الولد عليهن أيضا أخماسا بحسب الميراث ومن قال بقول عبد
الله بن مسعود رضي الله عنه في الميراث قال نفقة الأب تكون على الأخت لأب
227

السدس من ذلك والباقي أرباع على الأخت لأب وأم ثلاثة أرباعه وعلى الأخت لام
ربعه بحسب الميراث فإنه لا يرى الرد على الأخت لأب مع الأخت لأب وأم فإن كان
الولد بنتا فنفقة الأب على الأخت لأب وأم خاصة لأنها وارثة مع البنات فان الأخوات
مع البنات عصبة فلا تجعل البنت كالمعدوم هنا ولكن لو مات الأب كان نصف ميراثه
للبنت والباقي للأخت لأب وأم فكذلك نفقته على الأخت لأب وأم وكذلك نفقة البنت
في قولهم جميعا الا في قول أهل التنزيل فإنهم يجعلون الميراث بين العمات أخماسا فنفقة البنت
عليهن أخماسا أيضا وأما عندنا ميراث البنت عند عدم الأب كله للعمة لأب وأم فالنفقة
عليها أيضا ثم أشار إلى الأصل الذي قلنا إنه ينظر إلى وارث الأب فإن كان يحرز الميراث
كله وهو معسر جعلته كالميت ثم نظرت إلى من يرثه فجعلت النفقة عليهم على قدر ميراثهم فإن كان
الذي يرثه لا يحرز الميراث كله جعلت النفقة على من يرث معه (قال) امرأة معسرة
ولها ولد موسر وأم موسرة فنفقتها على الولد دون الأم وكذلك الأب نفقته على ابنه دون أبيه
للتأويل الثابت له في مال ولده بقوله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك ولا يوجد ذلك
في حق الوالد ولا في حق الأم وكما لا يشارك الوالد في النفقة على الولد أحد فكذلك لا
يشارك الولد في النفقة على الوالدين أحد من أم ولا أب ولا جد (قال) ويجبر أهل الذمة فيما
بينهم على النفقة كما يجبر أهل الاسلام وان اختلفت مللهم في الكفر لأنهم أهل ملة واحدة
يتوارثون مع اختلاف النحل فيثبت حكم استحقاق النفقة فيما بينهم أيضا ولا يجبر الموسر
على نفقة المعسر من قرابته إذا كان رجلا صحيحا وان كأن لا يقدر على الكسب لأن الصحيح
الذي لا زمانة به لا يعجز عن كسب القوت عادة وبناء الحكم على العادة الظاهرة دون النادر
الا في الوالدين خاصة وفى الجد أب الأب إذا مات أب الولد فإنه يجبر الولد على نفقته وإن كان
صحيحا لدفع الأذى الذي يلحقه للكد والتعب على ما بينا (قال) ولا يجبر المملوك
والمكاتب على نفقة أحد من قرابته لان كسب المملوك لمولاه والمكاتب ليس له في
كسبه ملك في الحقيقة بل هو دائر بينه وبين مولاه فلا يلزمه نفقة أحد من قرابته الا ولده
المولد في الكتابة من أمته فإنه داخل في كتابته وكسبه له لتكون نفقته عليه (قال) * ولا
يجبر المسلم ولا الذمي على النفقة لوالديه وولده من أهل الحرب وان كانوا مستأمنين في دار
الاسلام لان الاستحقاق بطريق الصلة ولا يثبت للحربي استحقاق الصلة على من هو
228

أهل دار الاسلام الا ترى أنهما لا يتوارثان وان كانا على ملة واحدة من الكفر فكذلك
استحقاق النفقة لبعضهم على البعض (قال) ونفقة المعتوه على ابنه دون أبيه لتأويل الملك
له في مال ابنه دون مال أبيه الا ترى أنه لو كان صحيحا معسرا كانت نفقته على الابن دون
الأب فكذلك إذا كان معتوها والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
قال رحمه الله تعالى هذا آخر شرح كتاب النكاح * بالمأثور من
المعاني والآثار الصحاح * أملاه المنتظر للفرج والفلاح *
مصليا على المبعوث بالحق بالسيوف والرماح *
وعلى آله وأصحابه أهل التقى والصلاح *
الذين مهدوا قواعد الحق
وسلكوا طريق
النجاح
تم الجزء الخامس ويليه الجزء السادس
(وأوله كتاب الطلاق)
229