الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ٢٢
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٦ - ١٩٨٦ م
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء الثاني والعشرون من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
* (باب الغصب في الرهن) *
(قال رحمه الله) وإذا كان العبد رهنا بألف وقيمته ألف فغصبه رجل فقتل عنده قتلا
ثم رده فدفعه بالجناية فإنه يرجع على الغاصب بقيمته لان المرتهن له يد صحيحة على الرهن وقد أزالها
عنه الغاصب فكان ضامنا له ما لم ينتسخ فعله بالرد كما قبض ولم يرده هنا كما قبضه لأنه قبضه فارغا
عن الجناية ورده مشغولا بها واستحق بذلك الشغل حين دفع بالجناية فكأنه لم يرده أصلا ولو
هلك عنده قبل الرد كان للمرتهن أن يرجع عليه بقيمته فيكون رهنا مكانه فان فداه المرتهن
كانت القيمة التي يأخذ من الغاصب له مكان الفداء لان ما لحق من الغرم إنما لحقه بالجناية عند
الغاصب وما كان يتوصل إلى احياء حقه الا بالفداء فكان له أن يرجع على الغاصب بالأقل
من القيمة ومما فداه به لان الذي يتيقن باستحقاقه عليه الأقل منهما ويكون ذلك له مكان
الفداء لان الغرم مقابل بالغنم ولو كان الرهن يساوي ألفين ففداه الراهن والمرتهن كانت
القيمة التي يأخذونها من الغاصب بينهما نصفين لان غرم الفداء كان بينهما نصفين وإنما يرجعان
بالقيمة باعتبار ما غرما فتكون القيمة بينهما نصفين ولو لم يجن عند الغاصب ولكنه أفسد متاعا
لحقه من دين وقيمته ألف ثم رده فإنه يباع في الدين إلا أن يصلحه المرتهن بقضاء الدين فإذا
بيع بدئ بحق صاحب الدين لان حقه مقدم على حق المرتهن فان بقي شئ بعد الدين كان في
الرهن ويضمن الغاصب ما دفعوا في الدين من عنده لان ذلك القدر استحق بسبب كان من
العبد في ضمان الغاصب فيرجعون به عليه لان الرد لم يسلم فيه ثم يكون رهنا مع ما بقي من
الثمن ولا ينقص من الرهن شئ لان ما فات من ماليته قد أخلف بدلا وهو المستوفى من
الغاصب فيبقى جميع الدين ببقاء الخلف ولو كان حين قتل قتيلا في يد الغاصب رده إلى المرتهن
فمات عنده بطلت الجناية لان حق ولى الجناية في تملك نفسه بالدفع إليه وقد فات محل حقه
حين مات ثم يسقط الدين بموته في يد المرتهن لأنه عاد إلى يده كما كان مضمونا بالدين
2

إذا هلك ولا شئ على الغاصب لان الرد قد سلم حين لم يؤخذ منه شئ بالجناية التي كانت
عند الغاصب وكذلك لو كان الدم عمدا فيه قصاص فعفى ولي الدم أو عفى ولى جناية الخطأ
أو أبرأ صاحب المال في الاستهلاك فلا شئ على الغاصب في هذه الفصول لأنه لم يوجد
شئ من العبد بسبب الفعل الذي كان منه في يد قيم رده وانتسخ به حكم فعله ولو قتل عند
الغاصب قتيلا خطأ ثم قتل قتيلا عمدا ثم أفسد متاعا مثل قيمته ثم رده عليهم فاختاروا دفعه
فإنه يدفع بالخطأ ثم يقتله أصحاب العمد كما لو كانت هذه الجناية من العبد في يد المالك وهذا
لو نوى القود وان جنى ولى الخطأ ولو نوى بالدفع ما يفوت حق ولى العمد في القصاص
ولا فائدة في البدلية في البيع بالدين لأنه يفوت به حق ولى الخطأ وإذا استوفى القصاص
بطل البيع فلهذا يبدأ بالدفع في الخطأ ثم يقتله أصحاب العمد قصاصا ويكون على الغاصب القيمة
ويدفع إلى أولياء الخطأ لان حقهم ثبت في عبد فارغ ولم يسلم لهم ذلك فإنه دفع إليهم عبدا
مباح الدم بالقصاص والقيمة بدل عنه فثبت حقهم في البدل بثبوت حقهم في الأصل فإذا
رفعت إلى أولياء الخطأ أخذها الغرماء ثم يرجع المرتهن على الغاصب بقيمة أخرى لان تلك
القيمة استحقت بسبب كان من العبد في ضمانه فيأخذ منه هذه القيمة أصحاب الخطأ أيضا
لان القيمة الأولى لم تسلم لهم فإنها استحقت من يدهم لحق الغرماء فيدفع إليهم القيمة الثانية
للذي استحقت من يده الجناية التي كانت عند الغاصب فيرجع عليه بقيمة أخرى حتى يكون
في يد المرتهن قيمة لا تبعة فيها قائمة مقام عبد لم يكن فيه تبعة حين أخذه الغاصب ولو بدأ بالدين
ثم ثنى بالعمد ثم ثلث بالخطأ فاختاروا الدفع فإنه يدفع بالخطأ ثم يقتل قصاصا لما قلنا ثم يكون
على الغاصب قيمته للمرتهن ولا سبيل لأولياء الخطأ علي هذه القيمة لان حقهم ما ثبت الا
في عبد مشغول فإنه حين جنى على وليهم كان مشغولا بالدم مباحا بالقصاص وقد دفع إليهم
بهذه الصفقة فليس لهم أن يرجعوا بشئ آخر ولكن هذه القيمة يأخذها الغرماء لأنها بدل
عن العبد وحقهم كان ثابتا في ماليته فثبت في بدله أيضا فإذا أخذها الغرماء رجع المرتهن على
الغاصب بقيمة أخرى فيكون رهنا مكان العبد لان القيمة الأولى استحقها الغرماء بسبب
ما في العبد من ضمان الغاصب ولو كان الرهن أمة فغصبها رجل فولدت عنده ولدا وجنى الولد
جناية ثم ردهما جميعا فان ولدها يدفع أو يفدى ولا شئ على الغاصب من ذلك لان الولد
ما كان في ضمان الغاصب فإنه لم يغصب الولد حتى لو مات في يده لم يكن عليه شئ فكذلك
3

إذا استحق بجناية كانت عنده وهذا لان المستحق على الغاصب نسخ فعله بالرد ولم يوجد
منه فعل في الولد يستحق عليه نسخ ذلك بالرد ولو كان الرهن عبدا يساوى أكثر من
عشرة آلاف وهو رهن بمثل قيمته فغصبه رجل فقتل عنده قتيلا ففداه المرتهن رجع على
الغاصب بعشرة آلاف الا عشرة دراهم لان رجوع الغاصب بسبب الجناية التي كانت من
العبد في ضمانه فان الرد إنما لم يسلم لكونه مشغولا بالجناية وقيمة العبد بسبب الجناية لا يزيد
على عشرة آلاف الا عشرة (ألا ترى) أن قيمته بسبب الجناية عليه لا تزيد على هذه فكذلك
قيمته بسبب الجناية منه وهو نظير المكاتب إذا كان كثير القيمة فجنى جناية لم يلزمه أكثر
من عشرة آلاف الا عشرة بمنزلة ما لو جنى عليه ولو كانت قيمته عشرين ألفا أو أكثر وهو
رهن بمثله فقتل قتيلين عند الغاصب ففداه المرتهن بعشرين ألفا لم يرجع على الغاصب بأكثر
من عشرة آلاف الا عشرة لان الرجوع عليه بسبب الجناية وقيمته في الجناية لا تزيد على
هذا المقدار كما لو لم يغصبه الغاصب من يد المرتهن ولكنه قتله لم يلزمه أكثر من عشرة
آلاف الا عشرة ولو لم يفدوه ولكنهم دفعوه رجع على الغاصب أيضا بعشرة آلاف الا
عشرة فيدفع نصفها إلى ولى الجناية الأول لان حقه ثبت في جميع العبد فارغا ولم يسلم له الا
النصف فيكون له أن يرجع بنصف القيمة التي قامت مقامه حتى يسلم له كمال حقه ولم يرجع
المرتهن بذلك على الغاصب لان هذا المقدار استحق من يده بالجناية التي كانت عند الغاصب
فتكون هذه العشرة آلاف الا عشرة ذهبا بمثلها من الدين إن كان الدين حالا يأخذها
المرتهن قضاء من دينه وإن كان مؤجلا يكون رهنا في يده لان حق الراهن في الاجل
مرعى ويبطل الفضل لما بينا أن الدراهم لا تكون مضمونة الا بمثلها ولا يتصور أن يستوفى
منها أكثر من قدرها من الدين فيبطل الفضل عن الراهن لفوات زيادة المالية في ضمان المرتهن
ولو لم يقتله حر ولكن قتله عبد قيمته مائة في يد المرتهن كان رهنا بجميع الدين وقد تقدم
بيان الخلاف على هذا الفصل ولو لم يقتل ولم يغصب ولكن المرتهن باعه بعشرين ألفا وكان
مسلطا على بيعه فتوى الثمن ذهب من مال المرتهن لان حكم الرهن يتحول إلى الثمن فهلاكه
كهلاك العبد في يد المرتهن وكذلك لو باعه العدل ولو كان باعه بأقل من الدين رجع بباقي
الدين على الراهن لان المرتهن في هذا البيع نائب عن الراهن فيكون بيعه كبيع الراهن وذلك
بمنزلة الفكاك ثم يتحول ضمان الدين إلى الثمن بقدر الثمن فما زاد على ذلك يبقي في ذمة الراهن
4

بخلاف القتل فإنه يقتل وهو مرهون فيسقط من الدين مقدار مالية القيمة الواجبة ولهذا قال
أبو يوسف رحمه الله في الأمالي انه إذا باعه المرتهن أو العدل فالثمن لا يكون رهنا إلا أن
يكون شرط ذلك عند البيع أو عند الرهن وجعل البيع في ابطال حق المرتهن عن العين هنا نظير
بيع العبد المؤاجر برضا المستأجر فإنه يكون مبطلا لحق المستأجر ولكن في ظاهر الرواية في
البيع هنا تحقيق مقصود المرتهن لان مقصود المرتهن استيفاء الدين من ماليته وذلك حال قيامه
بالبيع يكون والثمن صالح لحقه كما كان الأصل صالحا فلهذا كان الثمن مرهونا فأما في بيع
المؤاجر فابطال مقصود المستأجر لان مقصوده الانتفاع بالعين والثمن غير صالح لذلك فيبطل
عقد الإجارة إذا كان البيع برضاه ولو كان العبد رهنا بألف وقيمته ألف فرخص السعر حتى
صار يساوى مائة وحل المال فقتله حر غرم مائة ولم يكن للمرتهن غيرها لما بينا وكذلك لو
قتله الراهن أو المرتهن لان فيما يلزم كل واحد منهما بالقتل لا يكون أشقى من الأجنبي فلا
يلزمه قيمته الا وقت القتل وان غصبه الراهن وقيمته الف فجنى عنده جناية ثم رده على المرتهن
ففداه فإنه يرجع بالأقل من قيمته ومن الفداء على الراهن كما لو كان الغاصب أجنبيا آخر
وهذا لان الراهن بعقد الرهن صار من ماليته كأجنبي فغصبه إياه يوجب عليه ما يوجب على
الأجنبي ولو كان استعاره الراهن فقتل عنده قتيلا فدفعه الراهن والمرتهن كان الدين على
الراهن ولا يضمن قيمة الرهن لأنه قبضه على وجه العارية ولا يكون هو فيه دون أجنبي
آخر فتكون العين أمانة في يده ولكنه خرج عن ضمان الرهن ما دام في يد الراهن لان ضمان
الرهن ضمان استيفاء ولا يتحقق ذلك الا حال ثبوت يد استيفاء المرتهن على الرهن حقيقة
وحكما ولا بدل له حال كونه عارية في يد المرتهن فلهذا لا يسقط شئ من الدين بهلاكه
وكذلك لو استعاره رجل باذن الراهن ولو استعاره بغير إذن الراهن فجنى عنده فدفع بالجناية
كان الراهن بالخيار ان شاء ضمن المرتهن قيمته وان شاء ضمن المستعير قيمته لان كل واحد منهما
جان في حق صاحبه المرتهن بالتسليم والمستعير بالقبض ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشئ
لان المستعير ان ضمن فإنما ضمن بقبضه لنفسه والمرتهن ان ضمن فقد ملكه بالضمان وتبين أنه أعار
ملك نفسه ثم تكون القيمة رهنا مكانه لأنها قائمة مقامه ولو كان الراهن أعاره بغير إذن المرتهن
فللمرتهن أن يضمن القيمة ان شاء المستعير وان شاء الراهن لان كل واحد منهما جان في حقه
وحقه في الرهن مقدم على حق الراهن وإذا كان العبد قيمته ألف درهم رهنا بألف فغصبه
5

رجل فجنى عنده جناية واكتسب عنده ألف درهم ثم رده ورد المال ودفع العبد بالجناية فإنه
يرجع عليه بقيمة العبد والألف التي اكتسب العبد أو وهب له المولى العبد لاحق للمرتهن
فيها لأنها غير متولدة من العين فوجود هذا في حق المرتهن كعدمه وقد بينا أنه حين دفع
بالجناية فالرد لم يصح فيرجع المرتهن عليه بقيمته ويكون رهنا في يده ولو كان الغاصب عبدا
فجنى العبد الرهن عنده جناية تستغرق قيمته فذلك في عنق الغاصب يباع فيه أو يفدى لأن الضمان
على الغاصب بسبب الغصب وضمان الغصب بمنزلة ضمان الاستهلاك فالمستحق به
ماليته فيباع فيه أو يفدى بخلاف جناية العبد فالمستحق بالجناية نفسه إلا أن يفديه المولى
(ألا ترى) أن الغاصب لو كان حرا كانت القيمة في ماله حالة ولو كان سببها الجناية لكانت
عليه في ثلاث سنين ولو كان العبد الغاصب يساوى عشرين ألفا والعبد المغصوب يساوى
عشرين ألفا فقتل عنده قتيلين فدفع بهما لم يكن في عنق العبد الغاصب الا عشرة آلاف غير
عشرة دراهم يباع فيها أو يفدى لما بينا أن الغاصب قد رد المغصوب إلا أن الرد لم يسلم لكونه
مشغولا بالجناية فيكون الرجوع على الغاصب لأجل شغل الجناية وقيمة العبد في الجناية
لا تزيد على هذا المقدار في حق العبد والحر جميعا إلا أن هذا المقدار واجب على الغاصب
بسبب غصبه فيباع فيه أو يفدى فصار الحاصل أن وجوب هذا الضمان على الغاصب باعتبار
السببين جميعا فإنه لولا غصبه ما ضمن شيئا بسبب جنايته ولولا جناية المغصوب عنده لكان
رده تاما فلا يرجع عليه بشئ بعد ذلك فإنما الرجوع عليه باعتبار الامرين جميعا فلاعتبار
الجناية لا يرجع عليه بأكثر من عشرة آلاف الا عشرة ولاعتبار غصبه يباع فيه أو يفدى
وفي حق من يرجع السبب هو الاستحقاق من يده بالجناية فلا يرجع الا بعشرة آلاف
الا عشرة وفى حق من يرجع عليه هو الغاصب لسبب غصبه فيباع فيه ولو ارتهن عبدا
يساوى ألفا فغصبه رجل فقتل عنده قتيلا خطأ ثم رده فغصبه آخر فقتل عنده قتيلا خطأ
ثم رده فغصبه آخر فقتل عنده قتيلا خطأ ثم رده واختاروا دفعه فإنه يكون بين أصحاب
الجنايات أثلاثا سواء حق أولياء الجنايات في رقبته بالاستواء في سبب الاستحقاق فان كل
واحد منهم لو انفرد كان مستحقا جميع نفسه بالجناية ولم يضمن الغاصب الأول ثلث قيمته
لان المدفوع إلى ولى الجناية الأولى استحق بسبب كان عند الأول فلهذا يضمن الغاصب
الأول ثلث قيمته فيدفعها المولى والمرتهن إلى ولي القتيل الأول ثم يرجع على الغاصب الأول
6

أيضا بمثله فيدفعه إلى ولي القتيل الأول لان حقه ثبت في العبد فارغا وما سلم له الا ثلثه فيرجع
في بدله مرتين حتى يسلم له ثلثي القيمة وثلث العبد فارغ لم يرجع على الغاصب الأول بمثله
فيكون رهنا في يده ويرجع على الغاصب الثاني بثلث قيمته فيدفع نصف ذلك إلى ولي القتيل
الثاني لأنه حين جنى على وليه كان مشغولا بالجناية فإنما يثبت حق ولي الثاني في نصفه وقد
سلم له الثلث فيرجع إلى تمام حقه وذلك نصف الثلث حتى يسلم له النصف ثم يرجع المرتهن
على الغاصب الثاني بذلك فيجعل في يده ثلث القيمة مع ثلث الأول مرهونا ويكون على
الثالث ثلث قيمته ولا يدفع إلى ولي القتيل الثالث لأنه حين جنى عليه كان مشغولا بجنايتين
فإنما يثبت حقه في ثلث العبد وقد سلم له ثلثه فيجتمع في يد المرتهن قيمة كاملة ويكون رهنا
مكان العبد وهذا التخريج إنما يستقيم على أصل أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله فأما عند
محمد وزفر رحمهما الله فيستوفى من الغاصب الأول من ثلث القيمة ولا يدفع شئ منه إلى ولي
الجناية الأولى لان رجوعه ببدل ما دفعه إلى ولي الجناية الأولى فكيف يجتمع البدل والمبدل
في ملكه وبيان هذا الفصل يأتي في كتاب الديات إن شاء الله تعالى وكذلك أن كان الغاصب
واحدا فغصب ثم رد أو كان جنى هذه الجنايات في يده قبل أن يرد فالتخريج مثل ذلك أنه
يغرم قيمته فيأخذ ولي القتيل الأول ثلثها والثاني سدسها ثم يرجع بذلك كله على الغاصب
فيكون رهنا لان المعنى في الكل واحد وفائدة وضعه في ثلثه من الغاصبين ايضاح الكلام وإذا
ارتهن أمة تساوى خمسة آلاف بألف فغصبها رجل فجنت عنده جناية دون الخمس ثم ردها
فاختاروا فداءها فعلى المرتهن خمس الفداء وعلى الراهن أربعة أخماسه لان خمسها مضمون بالدين
والفداء بقدره على المرتهن وأربعة أخماسها أمانة والفداء بقدر ذلك على الراهن ولم يرجعوا
بذلك على الغاصب ان كانت الجناية أقل من خمسة آلاف وان كانت الجناية خمسة آلاف
أو أكثر رجعوا على الغاصب بخمسة آلاف الا عشرة لان الرجوع بسبب الجناية التي كانت
منها عند الغاصب وقيمة الأمة بسبب الجناية لا يزيد على خمسة آلاف الا عشرة في الروايات
الظاهرة وإذا غصب رجل العبد المرهون فاستهلك عنده متاعا فعليه قيمة ذلك المتاع دينا في
عنقه بالغا ما بلغ كما لو استهلك عند المالك أو المرتهن فإذا رده فالغريم بالخيار ان شاء استسعاه
وان شاء بيع له في ذلك لان لوصوله إلى حقه محلين اما ماليته فيوفيه بالبيع أو الكسب
بالاستسعاء وله في أحد الجانبين منفعة التعجيل يعنى في البيع وفي الجانب الآخر منفعة توفير
7

حقه عليه فيختار أي ذلك صنع به يضمن الغاصب الأقل من قيمته ومن الدين لان استحقاق
ذلك بسبب كان باشره الغاصب إلا أن تمام الاستحقاق في مقدار الأول فان الدين إن كان
أقل فليس عليه الا ذلك لان الرد إنما لم يسلم لشغل الدين وان كانت قيمته أقل فالغاصب ما
صار ضامنا الا مقدار قيمته ولا يكون هذا على ما لو فات في يده فان استسعى العبد في الدين
ولو ألفا فأداه وأخذوا من الغاصب قيمته أيضا كانت هذه القيمة للمولى لأنه قام مقام كسبه
الذي أخذه الغرماء وقد بينا أن حق المرتهن في الكسب فكذلك فيما قام مقام الكسب
والعبد رهن على حاله ولو بيع العبد في الدين فاستوفى الغريم حقه رجعوا على الغاصب
بالقيمة وكانت رهنا لان ما يغرمه الغاصب هنا بدل مالية العبد المدفوع إلى الغريم وحق
المرتهن كان ثابتا فيه فان باعوه بثلاثة آلاف وقيمته ألفان والدين ألف والرهن الأول
ألف قضوا للغرماء ألفا وضمنوا للغاصب ثلث قيمته فتكون هذه الألفان وثلث القيمة رهنا
بالمال لا ينقص منه شئ لان قيمته ألفان وقد بقي مثل ذلك فعرفنا انه لم يستقض شيئا من
المالية التي هي أصل في ضمان المرتهن وإنما ضمن الغاصب ثلث قيمته لان المستحق بالسبب
الذي كان عنده ثلث بدل العبد ولو استحق جميع البدل ما كان يرجع عليه الا بقيمته فكذلك
إذا استحق ثلث بدله فإنما يرجع عليه بثلث القيمة ولو كانوا باعوه بألفين فقضوا غريم العبد
ألفين رجعوا على الغاصب بنصف القيمة لان المستحق بالسبب الذي كان عنده نصف بدله
وكانت هاتان الألفان رهنا بالمال مكانه لأنه لم يفت شئ من مالية الرهن الذي كان موجودا
عند قبض المرتهن ولو توى ما على الغاصب كانت هذه الألف التي بقيت رهنا بنصف
الدين لان نصف المالية تلف في ضمان المرتهن فان بغصب الغاصب لا يخرج العبد من ضمان
المرتهن في حق الراهن ولو كان العبد رهنا بألف على يدي عدل وقيمته الف فباعه العدل بألفين
وكان مسلطا على البيع فتوت إحداهما وخرجت الأخرى استوفاها المرتهن لان الألف
الأخرى زيادة وقد بينا ان ما توى كان من الزيادة لا من الأصل ولو كانت قيمته ألفي درهم
عند المرتهن والمسألة بحالها فنصف هذه الألف التي خرجت للمرتهن ونصفها للراهن لما بينا ان
نصف المالية مشغول بحق المرتهن ونصفها بحق الراهن فما خرج من البدل يكون نصفين
وما توى عليهما نصفان ولو باعه بثلاثة آلاف فخرجت الألف وتوى ألفان كان ما يخرج
بينهما نصفين لان الألف الثالثة زيادة فيجعل التاوي بينهما وإنما يعتبر ما كان أصلا وهو
8

ألفان فكان هذه وما لو بيع العبد بألفين سواء والله أعلم
* (باب جناية الرهن في الحفر) *
(قال رحمه الله) وإذا كان العبد رهنا بألف وقيمته ألف ثم غصبه رجل فحفر عنده بئرا
في الطريق ووضع في الطريق حجرا ثم رده الغاصب على المرتهن فافتكه الراهن بقضاء
الدين ثم وقع في البئر انسان فمات قيل للراهن ادفع عبدك أو افده بالدية لان العبد صار
جانيا على لواقع بالحفر السابق عند وقوعه في البئر فإنه بالحفر متسبب لا تلافه بإزالة ما به كان
يستمسك على الأرض وهو متعد في هذا التسبيب وحين صنع هذا كان ملكا للراهن
وهو على ملكه عند الوقوع أيضا فيخاطب بالدفع أو الفداء كما لو قتله بيده وأي ذلك فعل
يرجع على الغاصب بقيمته لان فعل الرد لم يسلم وتبين انه كان قاصرا حين استحق بسبب
فعل كان باشره عنده وقيل بل المرتهن هو الذي يرجع على الغاصب بقيمته فيدفعه إلى
الراهن لان الغاصب فوت يد المرهون بغصبه ولكن الأول أصح فان حق المرتهن في
اليد ما لم يصل إليه دينه وقد وصل إليه حقه فإنما المعتبر الآن حق المالك فهو الذي يرجع على
الغاصب بالقيمة فإن كان الغاصب مفلسا أو غائبا رجع الراهن على المرتهن بالذي قضاه إذا
كان الرهن والدين سواء حتى يكون الفداء من مال المرتهن لأنه حين حفر كان في ضمان
المرتهن فيما بينه وبين الراهن (ألا ترى) انه لو هلك في يد الغاصب وتوت عليه القيمة
سقط دين المرتهن وقد تبين أن بالفكاك لم يسلم للراهن حين استحق من يده بسبب كان
قبل الفكاك فيجعل كالهالك في يد المرتهن بعد استيفاء الدين وفي هذا ما يلزمه رد المستوفى
لأنه تبين أنه بالفكاك في يده صار مستوفيا دينه فان عطب بالحفر آخر فمات وقد دفع العبد
إلى صاحب البئر فإنه يقال لصاحب البئر ادفع نصفه أو افده بعشرة آلاف درهم لان
الجنايتين قد حصلتا في ملك رجل واحد وهما من جنس واحد فيكون حق كل واحد
منهما في نصف العبد إلا أن صاحب البئر قد ملك جميع العبد حين دفع إليه فقام هو في نصيب
صاحب الحفر مقام المولى فيخير بين أن يدفع إليه نصفه أو يفديه بعشرة آلاف ولا يتبع
المرتهن ولا المولى من ذلك بشئ سوى الذي تبعهم أول مرة لان جنايات العبد وان كثرت
لا توجب على المولى الا دفع العبد وقد دفع العبد والذي عطب بالحفر مثل آخر لو وقع في
9

البئر لان أوجب واحد في الموضعين وإذا حفر العبد بئرا في الطريق وهو رهن بألف وقيمته
ألف فوقع فيها عبد فذهبت عيناه فإنه يدفع العبد الرهن أو يفديه بمنزلة ما لو فقأ عيني العبد
بيده والفداء كله على المرتهن لان العبد كله مضمون بالدين فان فداه فهو رهن على حاله وأخذ
المرتهن العبد الأعمى فكان له مكان ما أدى من الفداء وان دفع العبد الرهن وأخذ الأعمى
كان رهنا مكان بالألف لأنه قائم مقامه في حكم الرهن وان وقع في البئر آخر اشتركوا في
العبد الحافر بحصة ذلك أو يفديه مولاه الذي عنده بالألف لان الجنايتين استندتا إلى سبب
واحد فكأنهما وجدتا معا فيكون حق الوليين في العبد ولا يلحق الأعمى من ذلك شئ لأنه
قائم مقام الجاني في حكم الرهن لا في حكم الجناية فإنه بالدفع خرج من حكم الرهن ونقرر حكم
الجناية فيه فلهذا لا يلحق الأعمى من جنايته شئ وان وقعت في البئر دابة فعطبت أخذ عنها
العبد في يدي أصحابه حتى يباع له في ذلك بمنزلة ما لو كانت الجنايتان من العبد بيده فان قتل
انسانا وأتلف مال آخر فهناك يدفع بالجناية أولا ثم يباع بالدين إلا أن يقضي ولى الجناية
الدين وهذا لأنه لا مجانسة في موجب الفعلين هنا فالمستحق بالجناية نفسه والمستحق بالاستهلاك
بيعه في الدين فلا تثبت المشاركة بينهما ولكن ايفاء الحقين ممكن بان يدفع بالجناية ثم يباع
في الدين فلا يلحق الأعمى شئ من ذلك لما قلنا فان بيع العبد في ثمن الدابة ثم وقع في البئر
آخر فمات لم يكن له أرش ودمه هدر لان الملك الذي كان فيه حين حفر قد فات وتجدد
للمشترى ملك بسبب مبتدأ فلا يستحق عليه هذا الملك بسبب ذلك الفعل وذلك الملك الذي
كان قد فات فكأنه مات أو قتل عمدا بخلاف ما قبل البيع في الدين فان ملك المدفوع إليه
بالجناية خلف عن ملك المولى فيبقى حكم ذلك الفعل حتى إذا وقع فيه آخر شارك المدفوع إليه
في رقبته فان وقعت في البئر دابة أخرى شركوا أصحاب الدابة الأولى في الثمن بقدر قيمتها لان
اتلاف الدابتين من العبد أسند إلى سبب واحد وبينهما مجانسة في الموجب فكان حقها في الثمن
وهو قائم في يد من حفر بئرا في الطريق وهو رهن بألف وقيمتها ألفان ثم جنى بعد الحفر
على عبد ففقأ عينه فدفع واحد العبد فهو رهن مكانه فان وقع في البئر عبد آخر فذهبت عيناه
قيل لمولاه الذي هو عنده ادفع نصفه وخذ هذا العبد الأعمى أو افده بقيمة الأعمى لما بينا
أن ملكه في العبد المدفوع خلف عن ملك المولى فيبقى فعله باعتباره وموجب الجنايتين واحد
فثبتت المشاركة بينهما ويكون حق مولى العبد الواقع في البئر في نصف العبد المدفوع إلا أنه
10

الآن في ملك المدفوع إليه فيقوم هو في ثبوت الخيار له مقام المولى ان شاء دفع النصف إليه
وان شاء فداه بقيمة هذا الأعمى وأخذ الأعمى فكان له بمقابلة ما أدى والعبد الأعمى الأول
رهن بألف على حاله لأنه قائم مقام المدفوع في حكم الرهن فإن كان الأعمى الأول أمة فولدت
ولدا ثم ماتت هي قسم الألف على قيمتها وقيمة ولدها فيبطل ما أصاب قيمتها لأنها مرهونة
بجميع الألف فكأنها هي التي رهنت في الابتداء فولدت فيقسم الدين على قيمتها وقيمة ولدها
إلا أنه تعتبر في القسمة قيمتها عمياء لأنها إنما تقوم حين ثبت حكم الرهن فيها وإنما يثبت حكم
الرهن فيها وهي عمياء وإذا احتفر العبد الرهن بئرا في الطريق أو وضع فيها شيئا فعطب به
الراهن أو أحد من رقيقه لم يلحقه من ذلك ضمان بمنزلة ما لو جنى بيده على الراهن أو على رقيقه
وان وقع فيها المرتهن أو أحد من رقيقه فهذا وما لو جنى عليه بيده سواء فيما اختلفوا وفيما إذا
كانت قيمته مثل الدين أو كان في قيمته فضل عن الدين وقد بينا هذه الفصول في جنايته بيده
فكذلك في جنايته بحفر البئر وإذا أمره المرتهن أن يحفر بئرا في فنائه فعطب فيها الراهن أو
غيره فهو على عاقلة المرتهن لان للمرتهن أن يحفر في فنائه فان الفناء اسم لموضع يتصل بملكه غير
مملوك له معد لمنافعه وهو أحق الناس بربط الدواب وكسر الحطب فيه فيكون التدبير في
ذلك الموضع إليه وإذا كان له أن يحفر فيه بنفسه فله أن يأمر غيره به وفعل العبد كفعل المرتهن
بنفسه ولو فعله هو بنفسه فعطب فيه الراهن كان على عاقلته فكذلك إذا فعله العبد وهذا لأنه
لما لم يكن هذا الموضع مملوكا له تقيد فعله بشرط السلامة كالمشي في الطريق فإذا لم يسلم كان
هو ضامنا لما يعطب بسبب فعله وكذلك لو كان الراهن أمره بذلك في فناء نفسه كان على
عاقلة الراهن ولو أمره الراهن أو المرتهن أن يقتل رجلا فقتله فدفع به كان على الذي أمره
بذلك قيمته فيكون رهنا مكانه أما موجب الجناية هنا فيتعلق برقبته بخلاف الأول لان الراهن
أو المرتهن لا يملكان مباشرة القتل بأيديهما فلا يعتبر أمرهما في نقل فعل العبد إليهما وإذا بقي
العبد جانيا كان مؤاخذا بموجب الجناية في الأول واعتبر أمرهما في الحفر في الفناء لما قلنا
فينقل فعل العبد إلى الآمر فلهذا لم يكن في رقبة العبد من ذلك شئ ثم الامر في مسألة القتل
صار مستعملا للعبد غاصبا فإذا استحق بذلك السبب فعليه ضمان قيمته والقيمة قائمة مقامه
فيكون رهنا وكذلك لو بعثه ليسقى دابته فوطئت انسانا لأنه بالاستعمال صار غاصبا له وإن كان
بعثه الراهن بإذن المرتهن دفع بالجناية وكان الدين على الراهن لأنه خرج من ضمان الدين
11

حين بعثه الراهن في حاجته بإذن المرتهن بمنزلة ما لو أعاره المرتهن من الراهن ولو مات في هذه
الحالة لم يسقط من الدين شئ فكذلك إذا استحق بجناية في هذه الحالة وكذلك لو كان بعثه
المرتهن باذن الراهن لان المرتهن لو استعاره من الراهن فما دام يعمل له بحكم العارية لا يكون
مضمونا بالدين لو هلك فكذلك إذا استحق بجناية في هذه الحالة وإذا أقر الراهن بالأمة الرهن
لرجل فزوجها ذلك الرجل جاز النكاح لأنه بالاقرار سلط المقر له على تزوجها ولو زوجه بنفسه
جاز النكاح فكذلك إذا زوجها ذلك الرجل جاز النكاح لأنه بالاقرار سلط المقر له على
تزويجها ولو زوجه بنفسه جاز النكاح فكذلك إذا زوجها غيره بتسليطه وقد بينا نظيره في
العتق فالتزويج بمنزلة العتق في أنه لا يشترط صحة القدرة على التسليم ولكن ليس للزوج أن
يقربها لان الراهن ممنوع من غشيانها بنفسه لحق المرتهن فكذلك يمنع منه المقر له أو من
زوجها منه المقر له وهذا لأنه لو غشيها الزوج ربما تحمل فتنقص ماليتها بسبب الحبل وربما
تتعسر عليها الولادة فتموت منها وفي ذلك من الضرر على المرتهن مالا يخفى ولو رهن رجل
أمة لها زوج كان الرهن جائزا لان المنكوحة مال متقوم يمكن استيفاء الدين من ماليتها
بالبيع فيكون رهنا جائزا فان غشيها الزوج فهلكت من ذلك ففي القياس تهلك من مال
الراهن لان الزوج إنما غشيها بتسليط الراهن حين زوجها منه فيجعل فعله كفعل الراهن
بنفسه (ألا ترى) أنه لو زوجها بعد الرهن فوطئها الزوج فماتت من ذلك كانت من مال
الراهن فكذلك إذا كان التزويج قبل الرهن لان موتها من الوطئ لا من التزويج والوطئ في
الفصلين ابتداء فعل من الواطئ بعد الرهن ولكنا نستحسن أن يجعلها هالكة من الرهن
حتى سقط دين المرتهن لأنه لم يوجد من الراهن بعد عقد الرهن فعل يصير به مسلطا على
اتلافها بل المرتهن حين قبل الرهن فيها مع علمه أنها منكوحة فقد صار راضيا بها على هذه الصفة
وأكثر ما فيه أنه لم يرض بوطئ الزوج إياها ولكن لا معتبر برضاه في ذلك لان حق الزوج
كان مقدما على حقه والمولى لا يملك ابطال حق الزوج بالرهن هنا فلهذا يجعل كأنها ماتت
من غير صنع أحد فسقط الدين بخلاف ما إذا كان التزويج بعد الرهن فقد وجد هناك من
الراهن بعد الرهن تسليط الزوج على وطئها ولم يوجد الرضا من المرتهن بذلك والزوج
ممنوع من وطئها لحق المرتهن هنا فان حقه سابق على حق الزوج فلهذا إذا هلكت من
الوطئ يجعل كأنها هلكت بفعل الراهن فلا يسقط دين المرتهن وإذا أشهد الراهنان بالرهن
12

لإنسان لم تجز شهادتهما لان عقد الرهن لازم من جهة الراهنين فهما بهذه الشهادة يريدان
السعي في نقض ما قد تم بهما وابطال يد الاستيفاء المستحقة للمرتهن عليهما ولو شهد به
المرتهنان جاز لأنهما ممكنان من رد الرهن متى شاءا فليس في هذه الشهادة ابطال حق مستحق
عليهما بل في هذه الشهادة ضرر عليهما لان حق استيفاء الدين من مالية الرهن كان ثابتا
لهما ويبطل ذلك بشهادتهما فتقبل الشهادة لانتفاء التهمة ولو شهد به كفيلان بالمال لم تجز
شهادتهما لأنهما بمنزلة الراهنين ولو شهد به ابنا الراهن أو ابنا الكفيل والأب منكر
جازت الشهادة لأنهما يشهدان على أبيهما وكذلك لو شهد به ابنا المرتهن لأنهما شهدا على
أبيهما ببطلان حقه في ثبوت يد الاستيفاء ولو كان الراهن مكاتبا أو عبدا تاجرا فشهد مولياه
بذلك وهو منكر جازت الشهادة لأنهما يشهدان على مكاتبهما أو عبدهما في استحقاق
الملك والكسب عليه ويبطلان العقد الذي باشره وإذا ادعى رجل على الرهن انه له وان راهنه
سرقه منه وسأل المرتهن أن يخرجه حتى يقيم البينة فأبى ذلك المرتهن فإنه يجبر على اخراجه
لأنه لا ضرر في اخراجه على المرتهن وفيه منفعة للمدعى لأنه لا يتمكن من اثبات دعواه
بالبينة الا بعد احضار العين ليشير إليه في الدعوى ويشير إليه الشهود في الشهادة والمرتهن
في الامتناع من الاحضار متعنت قاصد الاضرار به فيمنعه القاضي من ذلك وإذا ارتهن
الرجل رهنا وأقر أن قيمته ألف ثم جاء به بعد ذلك وقيمته مائة درهم ولم يتغير فقال الراهن
ليس هذا متاعي فالقول قوله في ذلك لأنهما تصادقا على صفة متاعه انه يساوى ألفا والذي
أحضره ليس على تلك الصفة فالظاهر شاهد للراهن فيجعل القول قوله في ذلك وإذا قبلنا
قوله كان على المرتهن ان يجئ بمتاع يساوى ألفا أو يحكم بان الرهن هلك في يده فيسقط
دينه وإذا باع رجلان شيئا من رجل إلى رجل على أن يرهنهما هذا العبد ففعل ثم شهدا ان
الرهن لفلان فان قالا فنحن نرضى أن يكون دينا إلى أجل بغير رهن جازت شهادتهما لخلوها
عن التهمة فإنه لا منفعة لهما في قبول هذه الشهادة حين أسقطا حقهما في المطالبة برهن آخر
بل عليهما فيه ضرر وان قالا لا نزيد رهنا غيره أو يرد علينا متاعنا أبطلت شهادتهما لتمكن
التهمة فيها فإنهما يشهدان لا نفسهما بثبوت حق مطالبة الراهن برهن آخر أو رد المتاع عليهما
وإذا باع متاعا من رجل على أن يرهنه رهنا بعينه فاستحق أو هلك قبل الرهن أو رهنه رهنا
يرضى به أو أعطاه قيمة ذلك الرهن فيكون رهنا عنده أو رد عليه ماله وقد بينا هذا
13

الفصل فيما تقدم وإذا زاد الراهن مع الرهن رهنا آخر نظر إلى قيمة الأول يوم رهنه والى
قيمة الزيادة يوم قبضها المرتهن في قسمة الدين لان حكم الرهن في الزيادة إنما يثبت بقبض
المرتهن فتعتبر قيمتها حين ثبت حكم الرهن فيها كما يعتبر ذلك في قيمة الأصل ولو كان لرجل
على رجل عشرون درهما فرهنه بعشرة منها ما يساوى عشرة ثم قضاه عشرة فله أن يجعلها بما
في الرهن ويقبض الرهن أما جواز هذا الرهن فللشيوع في الدين ولا شيوع في الرهن
والشيوع في الدين لا يمنع جواز العقد ثم القاضي هو الذي ملك المستوفى هذه العشرة واليه
بيان الجهة التي أوفاها فإذا قال إنما أوفيتها مما كان في الرهن ولو كان رهنه الثوب لجميع المال لم
يكن له أن يقبضه حتى يؤدى جميع المال قلت قيمته أو كثرت لان الرهن محبوس بكل جزء
من الدين لاتحاد الصفقة ولو رهنه بعشرة منها ثوبا يساوى عشرين ثم زاده ثوبا آخر رهنا بالعشرة
الأخرى فهو جائز لما قلنا وان جعله رهنا بالعشرين جميعا فهو جائز فان هلك الثوب الأول
ذهب بثلثي العشرة و ان هلك الثوب الآخر ذهب بثلث العشرة التي بها الرهن الأول
ويجمع العشرة الأخرى لأنه لما رهنه الثوب الأخرى بجميع العشرين كان نصفه بالعشرة التي
لا رهن بها ونصفه زيادة في الرهن الأول بالعشرة الآخر فيقسم ملك العشرة على قيمة الثوب
الأول يوم رهنه وذلك عشرون وعلى قيمة نصف الثوب الثاني وذلك عشرة فيقسم أثلاثا
ثلثاها في الثوب الأول فإذا هلك هلك به وثلثها مع العشرة الأخرى في الثوب الثاني فإذا
هلك هلك به لان في قيمته وفاء بالدين وزيادة وإذا كان لرجل على رجلين مال وكل واحد
منهما كفيل عن صاحبه فأعطاه أحدهما رهنا بجميع المال يساويه ثم أعطاه الآخر رهنا بجميع
المال يساويه فهو جائز وأيهما هلك هلك بنصف المال لان كل واحد منهما مطالب بجميع
المال هنا فهما كشخص واحد في ايفاء هذا الدين حتى لو أداه أحدهما رجع على صاحبه
بنصفه فيجعل الرهن من الثاني زيادة في الرهن الأول فيقسم الدين على قيمة الرهنين وقيمتهما
سواء فإنهما هلك ذهب بنصف المال وكذلك لو كانا مكاتبين مكاتبة واحدة وكذلك لو كان
المال على أحدهما والآخر به كفيل وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله هذا
الفصل وقال عند زفر رحمه الله إذا هلك أحدهما يهلك جميع المال لان كل واحد منهما ما رضى
بالرهن في متاعه الا بجميع الدين ولكل واحد منهما في ذلك غرض صحيح فغرض الكفيل
في ذلك أن يصير موفيا جميع الدين بهلاكه ليرجع بالكل على الأصيل وغرض الأصيل أن
14

يصير موفيا جميع الدين بهلاكه حتى لا يرجع الكفيل عليه بشئ وعلى قول أبى يوسف رحمه
الله إن لم يعلم الثاني بالرهن الأول فكذلك الجواب وان علم به فالثاني رهن بنصف المال والأول
رهن بجميع المال لوجود الرضا من الثاني بأن يكون رهنه زيادة في الرهن الأول حين
علم به ولو أن المديون رهن متاعه بالدين الذي عليه وتبرع انسان بان رهن به متاعا آخر له
فقد روى هشام عن محمد رحمهما الله قال إن هلك رهن المطلوب هلك جميع الدين وان هلك
رهن المتبرع هلك نصف الدين لان رهن المطلوب صار مضمونا بجميع الدين فالمتبرع
لا يملك فيعتبر موجب عقده عليه وأما رهن المتبرع فهو زيادة في رهن المطلوب فيكون
بنصف الدين ولو رهنه بعشرين درهما دينارا يساوى عشرة ثم رخص الورق فصارت
عشرون درهما بدينار فهلك الدينار فإنما يهلك بالعشرة لان المعتبر قيمة الرهن حين قبضه
المرتهن ولو كان له عليه عشرة دراهم فرهن له دينارا يساوي عشرة ثم غلا الورق فصارت
خمسة بدينار ثم رهنه دينارا آخر فهما جميعا رهن بالعشرة فان هلك الدينار الأول ذهب
بثلثي العشرة وان هلك الآخر ذهب بثلثها لان المعتبر في الانقسام قيمة كل واحد منهما
حين ثبت حكم الرهن فيه ولو كان لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بخمسمائة منها عبدا
يساوى خمسمائة ثم زاده أمة رهنا بالألف كلها تساوى ألفا فولدت بنتا تساوى خمسمائة ثم
مات العبد والأمة بقي الولد بسدس الخمسمائة التي كان العبد رهنا بها وبثلث الخمسمائة الأخرى
لان نصف الأمة رهن بخمسمائة ونصفها زيادة في رهن العبد بالخمسمائة الأخرى فتقسم تلك
الخمسمائة على قيمة العبد وقيمة نصف الأمة وهما سواء فانقسم نصفين وصار في الأمة نصف
الخمسمائة الأول مع الخمسمائة الاخر فلما ولدت ولدا يساوي خمسمائة انقسم ما فيها على قيمتها
وعلى قيمة ولدها أثلاثا لان قيمتها حين رهنت ألف وقيمة ولدها خمسمائة فصار في الولد ثلث
الخمسمائة الأخرى وسدس الخمسمائة الأولى فيبقى ذلك القدر ببقاء الولد ويسقط ما سوى ذلك
بموت العبد والأمة وإذا ارتهن عبدا بخمسمائة وهو يساوى ألفا ثم زاده المرتهن خمسمائة على أن
زاده الآخر أمة رهنا بجميع المال ففي قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تكون الأمة رهنا بجميع
المال نصفها مع العبد في الخمسمائة الأولى ونصفها بالخمسمائة الأخرى وعند أبي يوسف رحمه
الله هما جميعا يكونان رهنا بالألف كلها لان أبا يوسف رحمه الله يجوز الزيادة في الرهن والدين
وهما يجوزان الزيادة في الرهن دون الدين فلهذا كان العبد مع نصف الأمة رهنا بالخمسمائة
15

الأول ونصف الأمة رهنا بالخمسمائة الأخرى وليس في العبد من الخمسمائة الأخرى شئ ولو
كان لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بخمسمائة منها جارية تساوى خمسمائة فولدت كل
واحدة منهما ابنا قيمته مثل قيمة أمه فالأولى وابنها ونصف الآخر ونصف ابنها رهن بالخمسمائة
الأول ونصف الآخر ونصف ابنها رهن بالخمسمائة الأخرى فان ماتت الأم الأخرى ذهب
ربع هذه الخمسمائة التي فيها خاصة ويبقى نصف ابنها بثلاثة أرباع ويذهب من الخمسمائة الأول
خمسون درهما لان الجارية الأخرى ثمنها خمسمائة فكل واحد من الولدين تبع لامه فنصف
الجارية الأخرى زيادة في رهن الخمسمائة الأولى ونصفها رهن بالخمسمائة الأخرى وقيمة هذا
النصف مائتان وخمسون والرهن مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين فصار ثلث المائتين
وخمسين من هذه الخمسمائة مقسوما على نصف قيمتها ولدها وهما سواء والذي فيها من هذه
الخمسمائة ربعها مائة وخمسة وعشرون فلهذا يسقط بهلاكها ربع هذه الخمسمائة وبقي نصف ابنها
بثلاثة أرباعها فأما الخمسمائة الأولى فانقسمت على قيمة الجارية الأولى وهي ألف وعلى قيمة
نصف الجارية الثانية وهو مائتان وخمسون فإذا جعل كل مائتين وخمسين بينهما انقسم
أخماسا خمس ذلك وهو مائة في نصف الجارية الأخرى ثم انقسم ذلك على نصف قيمتها
ونصف قيمة ولدها نصفين فكان الذي فيها من الخمسمائة الأولى خمسون درهما فيذهب
ذلك القدر بهلاكها ولو كان لرجل على رجل ألف درهم وزن سبعة فرهنه بخمسمائة منهما أمة
تساوى ثمانمائة رهنا بالمال كله فولدت كل واحدة منهما ابنا قيمته مثل قيمة أمه ثم ماتت
الأولى ذهب من الخمسمائة الأولى السدس لان نصف الأمة الثانية زيادة في الرهن بالخمسمائة
الأولى ونصفها رهن بالخمسمائة الأخرى فالخمسمائة الأولى انقسمت على قيمة الجارية الأولى
وهو مائتان وعلى نصف قيمة الأخرى وهو أربعمائة فيقسم أثلاثا ثلثها في الجارية الأولى وثلثها
في نصف الجارية الأخرى ثم انقسم ما في الأولى وهو ثلث الخمسمائة على قيمتها وقيمة ولدها
نصفين فحاصل ما بقي فيها سدس الخمسمائة وذلك ثلاثة وثمانون وثلث فإذا هلكت هلكت
ولو لم تمت الأولى وماتت الأخرى ذهب من الخمسمائة الأولى ثلثها ومن الخمسمائة الأخرى
خمساها لان ثلثي الخمسمائة الأولى كان في نصفها وقد انقسم ذلك عليها وعلى نصف ولدها نصفين
فإنما بقي فيها من تلك الخمسمائة ثلثها فيهلك بذلك وقد كان نصفها مرهونا بالخمسمائة الأخرى
إلا أن قيمة نصفها أربعمائة فلا يثبت فيه من الضمان الا قدر قيمتها ثم نصف ذلك قد تحول
16

إلى نصف ولدها فإنما بقي فيها من الخمسمائة الأخرى مائتان وذلك خمساها فلهذا هلك بذلك
ولو كان رهنه بخمسمائة من الألف أمة تساوي ألفا ورهنه بالخمسمائة الباقية عبدا يساوى ألفا
ثم زاده أمة رهنا فالمال كله يساوى ألفا ثم ولدت كل واحدة من الأمتين أمة تساوى ألفا ثم
ماتت الأخرى ذهب سدس المال لأنها كانت زيادة في الكل فنصفها مع الأمة رهن بالخمسمائة
الأولى ونصفها مع العبد رهن بالخمسمائة الأخرى ثم كل خمسمائة تنقسم أثلاثا على نصفها
وعلى جميع قيمة ما هو مرهون بها خاصة وهو الف فحاصل ما ثبت فيها بالانقسام ثلث الألف
ثم انقسم هذا القدر عليه وعلى ولدها نصفين فإنما بقي فيها سدس المال فيهلك بذلك وكذلك
لو ماتت الأولى ذهبت بسدس المال لان الذي كان فيها ثلثا الخمسمائة الأولى وهو ثلث جميع
المال وقد تحول نصف ذلك إلى أولادها فإنما بقي فيها سدس المال وهو أن بالعبد ذهب ثلث
الدين لان الذي أصاب العبد بالقسمة ثلثا الخمسمائة الثانية وذلك ثلث جميع الدين فبموته
يسقط ذلك العدد ولو لم يمت العبد فقضي المطلوب الطالب خمسمائة كان له أن يأخذ ان شاء
العبد الأول وان شاء الأمة الأولى وابنها لأنه هو المالك فيكون له أن يصرف ذلك إلى أي
الرهنين شاء فيسترد ذلك وليس له أن يقبض الأمة الآخرة ولا ولدها حتى يؤدي جميع
المال لان الأمة الآخرة رهن بجميع المال فتحبس بكل جزء من اجزاء المال وولدها بمنزلتها
وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله انه لو رهن جاريتين بألف درهم فاستحقت
إحداهما فعلى قول أبى يوسف رحمه الله الأخرى رهن بحصتها من الألف وعلى قول زفر
رحمه الله الأخرى رهن بجميع الألف ان هلكت وذلك قيمتها يملكها به ولا يفتكها الا بجميع
المال ولو ظهر أن إحداهما مدبرة أو أم ولد فالأخرى رهن بجميع المال بالاتفاق وان هلكت
هلكت به فزفر رحمه الله قاس استحقاق الغير إحداهما باستحقاقها نفسها وأبو يوسف رحمه
الله فرق بينهما فقال المستحق محل للرهن بدليل انه لو رهنها برضا صاحبها جاز فينقسم الدين على
قيمتها فإنما صارت الأخرى رهنها بحصتها فإذا هلكت هلكت به والمدبرة وأم الولد ليست بمحل
للرهن فيكون جميع الدين في الأخرى فإذا هلكت وفي قيمتها وفاء بذلك صار المرتهن مستوفيا
جميع دينه والله أعلم بالصواب
* (كتاب المضاربة) *
(قال رحمه الله) قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو
17

بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله إملاء المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض
وإنما سمى به لان المضارب يستحق الربح بسعيه وعمله فهو شريكه في الربح ورأس مال
الضرب في الأرض والتصرف وأهل المدينة يسمون هذا العقد مقارضه وذلك مروي عن
عثمان رضي الله عنه فإنه دفع إلى رجل مالا مقارضة وهو مشتق من القرض وهو القطع
فصاحب المال قطع هذا القدر من المال عن تصرفه وجعل التصرف فيه إلى العامل بهذا
العقد فسمى به وإنما اخترنا اللفظ الأول لأنه موافق لما في كتاب الله تعالى قال الله تعالى
وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله يعنى السفر للتجارة * وجواز هذا العقد
عرف باسنة والاجماع فمن السنة ما روى أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه كان إذا دفع
مالا مضاربة شرط على المضارب أن لا يسلك به بحرا وان لا ينزل واديا ولا يشترى به ذات
كبد رطب فان فعل ذلك ضمن فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فاستحسنه وكان
حكيم بن حزام رضي الله عنه إذا دفع مالا مضاربة شرط مثل هذا وروى أن عبد الله وعبيد
الله ابنا عمر رضي الله عنهم قدما العراق ونزلا على أبي موسى رضي الله عنه فقال لو كان عندي
فضل مال لأكرمتكما ولكن عندي مال من مال بيت المال فابتاعا به فإذا قدمتما المدينة
فادفعاه إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه ولكما ربحه ففعلا ذلك فلما قدما على عمر رضي الله عنه
أخبراه بذلك فقال هذا مال المسلمين فربحه للمسلمين فسكت عبد الله وقال عبيد الله
لا سبيل لك إلى هذا فان المال لو هلك كنت تضمننا قال بعض الصحابة رضوان الله عليهم
أجمعين اجعلهما بمنزلة المضاربين لهما نصف الربح وللمسلمين نصفه فاستصوبه عمر رضي الله عنه
وعن القاسم بن محمد قال كان لنا مال في يد عائشة رضي الله عنهما وكانت تدفعه مضاربة
فبارك الله لنا فيه لسعيها وكان عمر رضي الله عنه يدفع مال اليتم مضاربة على ما روى محمد
رحمه الله وبدا به الكتاب عن حميد بن عبد الله بن عبيد الأنصاري عن أبيه عن جده أن عمر
رضي الله عنه أعطاه مال يتيم مضاربة وقال لا أدرى كيف كان الشرط بينهما فعمل به بالعراق
وكان بالحجاز اليتيم كان يقاسم عمر رضي الله عنه بالربح وفيه دليل جواز المضاربة بمال
اليتيم وان للامام ولاية النظر في مال اليتامى وان للمضارب والأب والوصي المسافرة بمال
اليتيم في طريق آمن أو مخوف بعد أن كانت القوافل متصلة فقد كان عمر رضي الله عنه
أعطى زيد بن خليدة رضي الله عنه مالا مضاربة فأسلمه إلى عتريس بن عرقوب
18

في حيوان معلوم بأثمان معلومة إلى أجل معلوم فحل الاجل فاشتد عليه فأتى عتريس عبد الله
ابن مسعود رضي الله عنه يستعين به عليه فذكر ذلك فقال له عبد الله رضي الله عنه خذ
رأس مالك ولا تسلمه شيئا مما لنا في الحيوان وفيه دليل جواز المضاربة وفساد السلم وإنما
اشتد على عتريس بن عرقوب لفساد العقد أيضا فلا يظن به المماطلة في قضاء ما هو مستحق
عليه مع قوله صلى الله عليه وسلم خيركم أحسنكم قضاء وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
والناس يتعاملون بالمضاربة بينهم فأقرهم على ذلك وندبهم أيضا إليه على ما قال صلوات الله
وسلامه عليه من عال ثلاث بنات فهو أسير فأعينوه يا عباد الله ضاربوه داينوه ولان بالناس
حاجة إلى هذا العقد فصاحب المال قد لا يهتدى إلى التصرف المربح والمهتدى إلى التصرف
قد لا يكون له مال والربح إنما يحصل بهما يعنى المال والتصرف ففي جواز هذا العقد يحصل
مقصود هما وجواز عقد الشركة بين اثنين بالمال دليل على جواز هذا العقد لان من جانب كل
واحد منهما هناك ما يحصل به الربح فينعقد بينهما شركة في الربح ولهذا لا يشترط التوقيت
في هذا العقد ولكل واحد منهما أن ينفرد بفسخه لان انعقاده بطريق الشركة دون الإجارة
ولهذا العقد أحكام شتى من عقود مختلفة فإنه إذا أسلم رأس المال للمضارب فهو امين فيه
كالمودع وإذا تصرف فيه فهو وكيل في ذلك يرجع بما يلحقه من العهدة على رب المال كالوكيل
فإذا حصل الربح كان شريكه في الربح وإذا فسد العقد كانت إجارة فاسدة حتى يكون
للمضارب أجر مثل عمله وإذا خالف المضارب كان غاصبا ضامنا للمال ولكن المقصود بهذا
العقد الشركة في الربح وكل شرط يؤدى إلى قطع الشركة في الربح بينهما مع حصوله فهو
مبطل للعقد لأنه مفوت لموجب العقد ومن ذلك ما رواه عن إبراهيم رحمه الله انه كان يكره
المضاربة بالنصف أو الثلث وزيادة عشرة دراهم قال أرأيت إن لم يربح الا تلك العشرة وهو
إشارة إلى ما بينا من قطع الشركة في الربح مع حصوله بأن لم يربح الا تلك العشرة وعن إبراهيم
رحمه الله في المضاربة والوديعة والدين سواء يتحاصون ذلك في مال الميت وبه نأخذ والمراد
مضاربة أو وديعة غير معينة فالأمين بالتجهيل يصير ضامنا فهو والدين سواء فاما ما كان معينا
معلوما فصاحبه أولى به لان حق الغريم بموت المديون يتعلق بماله الا بما كان أمانة في يده لغيره
وعن إبراهيم رحمه الله قال في الوصي يعطى مال اليتيم مضاربة وان شاء أبضعه وان شاء تجر
إلى غير ذلك وكان خيرا لليتيم فعل لقوله تعالى قل اصلاح لهم خير وقال الله تعالى ولا تقربوا
19

مال اليتيم الا بالتي هي أحسن والأحسن والأصلح في حقه أن يتجر بماله قال صلى الله عليه
وسلم ابتغوا في أموال اليتامى خيرا كيلا تأكلها الصدقة يعنى النفقة فان احتسب بالتصرف
فيه أو وجد أمينا يحتسب ذلك والا نفع لليتيم أن يدفعه إليه بضاعة وإن لم يجز ذلك وربما
لا يرغب في أن يتصرف فيه مجانا فلا بأس بأن يتصرف فيه على وجه المضاربة وهو أنفع
لليتيم لما يحصل له من بعض الربح وبما لا يتفرغ الوصي لذلك فيحتاج إلى أن يدفعه مضاربة
إلى غيره وإذا جاز منه هذا التصرف مع نفسه فمع غيره أولى وذكر عن علي رضي الله عنه قال
ليس على من قاسم الربح ضمان وتفسيره أنه المواضعة على المال في المضاربة والشركة وهو
مروي عن علي رضي الله عنه قال المواضعة على المال والربح على ما اشترطا عليه وبه أخذنا
فقلنا رأس المال أمانة في يد المضارب لأنه قبضه باذنه ليتصرف فيه له وعن علي رضي الله عنه
أنه كان يعطى مال اليتيم مضاربة ويقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة
عن الغلام حتى يحتلم وعن المجنون حتى يصح وعن النائم حتى يستيقظ وفيه دليل أن ولاية
النظر في مال اليتيم للقاضي إذا لم يكن له وصي لعجز اليتيم عن النظر لنفسه واليه أشار علي رضي الله عنه
فيما استدل به من الحديث وعن الشعبي رحمه الله أنه سئل عن رجل أخذ مالا مضاربة
فأنفق في مضاربته خمسمائة ثم ربح قال يتم رأس المال من الربح وبه أخذنا فقلنا للمضارب أن
ينفق من مال المضاربة إذا سافر به لان سفره كان لأجل العمل في مال المضاربة فيستوجب
النفقة فيه كالمرأة تستوجب النفقة على زوجها إذا زفت إليه لأنها فرغت نفسها له فقلنا الربح
لا يظهر ما لم يسلم جميع رأس المال لرب المال لان الربح اسم للفضل فما لم يحصل ما هو الأصل
لرب المال لا يظهر الفضل قال صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن كمثل التاجر لا تخلص له نوافله
ما لم تخلص له فرائضه فالتاجر لا يسلم له ربحه حتى يسلم له رأس ماله وعن الشعبي رحمه الله أنه
سئل عن رجل دفع إلى رجل أربعة آلاف درهم مضاربة فخرج بها إلى خراسان وأشهد عند
خروجه أن هذا المال مال صاحب الأربعة الآلاف ليس لأحد فيها حق ثم أقبل فتوفى في
الطريق فأشهد عند موته أيضا بذلك ثم إن رجلا جاء بصك فيه ألف مثقال مضاربة مع هذا
الرجل له بها بينة وهي قبل الأربعة الآلاف بأحد وعشرين سنة فقال عامر رحمه الله أشهد في
حياته وعند موته أن المال لصاحب الأربعة الآلاف وبه نأخذ فان حق الآخر صار دينا في
ذمته بتجهيله عند موته وقد بينا أن حق الغريم يتعلق بشركة الميت لا بما في يده من الأمانة
20

وإنما أفتى الشعبي رحمه الله بهذا لإقراره بالعين لصاحب الأربعة الآلاف في حال صحته
لا لإقراره عند موته فاقرار المريض بالدين أو العين لا يكون صحيحا في حق من ثبت دينه بالبينة
لكونه متهما في ذلك واقراره في الصحة بذلك مقبول لأنه غير متهم فيه وعن الحسن رحمه
الله أنه كان يكره المضاربة والشركة بالعروض وبه نأخذ وقد بيناه في كتاب الشركة وقال
أبو حنيفة رحمه الله لا تكون المضاربة الا بالدراهم والدنانير وهو قول أبى يوسف رحمه الله
وقال محمد رحمه الله أستحسن أن تكون المضاربة بالفلوس كما تكون بالدراهم والدنانير لأنها
ثمن مثل الدراهم والدنانير والحاصل أن في المضاربة بالفلوس عن محمد رحمه الله رواية واحدة
انها تجوز لأنها ما دامت رائجة فهي ثمن لا يتعين في العقد مقابلتها بجنسها وبخلاف جنسها عند
محمد رحمه الله فالعقد بها يكون سواء بثمن في الذمة لا بيعا فيكون الربح للمضارب على ضمان
الثمن فهو والمضاربة بالدراهم سواء وهكذا روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أن المضاربة
بالفلوس جائزة لأنها ثمن لا يتعين عند المقابلة بخلاف جنسها وهكذا ذكره ابن سماعة عن أبي
يوسف رحمهما الله وفي الأصل روى عنهما أن المضاربة بالفلوس لا تجوز لأنها إذا كسدت فهي
كالعروض فهي ثمن من وجه مبيع من وجه وهي ثمن لبعض الأشياء في عادة التجار دون البعض
فكانت كالمكيل والموزون فإنها ثمن دينا ومبيع عينها فلا تصح المضاربة بها وهذا الاستدلال
مروى عن أبي يوسف رحمه الله فإنه سئل عن المضاربة بالدراهم التجارية فقال لو جوزت ذلك
جاوزت المضاربة بالطعام بمكة يعني أن أهل مكة يتبايعون بالطعام كما أن أهل بخارى يتبايعون
بالبر بعينه قال الشيخ الامام الاجل رحمه الله وكان شيخنا الامام رحمه الله يقول الصحيح جواز
المضاربة بها عندي لأنها من أعز النقود عندنا كالدنانير في سائر البلدان وظاهر ما ذكر هنا
يدل على أن المضاربة بالتبر لا لا تجوز والدراهم والدنانير اسم للمضروب دون التبر وذكر في
غير هذا الموضع أن التبر لا يتعين بالتعيين ولا يبطل العقد بهلاكه فذلك دليل جواز المضاربة به
والحاصل أن ذلك يختلف باختلاف البلدان في الرواج ففي كل موضع يروج التبر رواج الأثمان
وتجوز المضاربة به وفي كل موضع هو بمنزلة السلع لا تجوز المضاربة به كالمكيل والموزون وإذا
دفع الرجل إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما
نصفان أو قال ما كان في ذلك من ربح أو قال ما رزقك الله في ذلك من ربح أو ما ربحت في
ذلك من شئ فهو كله سواء لان الحكم يبني على ما هو المقصود ولا ينظر إلى اختلاف العبارة
21

بعد اتحاد المقصود والمقصود بهذه الألفاظ اشتراط التناصف في الربح وكذلك لو شرط للمضارب
عشر الربح والباقي لرب المال فهو جائز لان المشروط للمضارب جزء شائع معلوم وهذا الشرط
لا يؤدى إلى قطع الشركة بينهما في الربح مع حصوله فما من شئ يحصل من الربح قل أو كثر الا
وله عشر ويستوى ان كانت الألف المدفوعة جيدة أو زيوفا أو نبهرجة لان الفضة تغلب على
العشر في هذه الأنواع فهو في حكم الدراهم المضروبة من النقرة فيها ولو قال على أن ما رزق الله
تعالى في ذلك من شئ فللمضارب من ذلك مائة درهم فهذه مضاربة فاسدة لان هذا الشرط
يوجب قطع الشركة بينهما في الربح مع حصوله فربما لا يربح الا مقدار المائة فيأخذه من شرط
له ويجيب الآخر وفى هذه الشرط عيب يمكن التحرز عنه أيضا وربما يربح أقل من مائة درهم
فلا يسلم جميع المائة لمن شرط له مع حصول الربح فلهذا فسد العقد فان عمل ذلك فربح مالا
أو لم يربح شيئا فله أجر مثله فيما عمل وليس له من الربح شئ لان استحقاق الشركة في الربح
بعقد المضاربة والعقد الفاسد لا يكون بنفسه سببا للاستحقاق وإنما يستوجب أجر المثل لأنه
عمل لرب المال وابتغى عن عمله عوضا فإذا لم يسلم له ذلك استحق أجر المثل كما في الإجارة
الفاسدة ثم إن كان حصل الربح فله أجر مثله بالغا ما بلغ في قول محمد رحمه الله وقال أبو يوسف
رحمه الله لا يجاوز بأجر مثله ما سمي له وهو بناء على ما بينا في كتاب الشركة من اختلافهما
في شركة الاحتطاب والاحتشاش وإن لم يحصل الربح فقد روى عن أبي يوسف رحمه الله
أنه قال استحسن أن لا يكون للمضارب شئ لان الفاسد من العقد معتبر بالصحيح في الحكم
ولا طريق لمعرفة حكم العقد الفاسد الا هذا وفي المضاربة الصحيحة إذا لم يربح لا يستحق شيئا
فكذلك في المضاربة الفاسدة وجه ظاهر الرواية أنه لا يستحق بهذا العقد شيئا من الربح
بحال وإنما يعتبر حصول الربح في حق من يستحق الربح ثم الفاسد إنما يعتبر بالجائز إذا
كان انعقاد الفاسد مثل انعقاد الجائز كالبيع وهنا المضاربة الصحيحة تنعقد شركة لا إجارة
والمضاربة الفاسدة تنعقد إجارة فإنما تعتبر بالإجارة الصحيحة في استحقاق الاجر عند ايفاء
العمل ولو تلف المال في يده فله أجر مثله فيما عمل ولا ضمان عليه ذكر ابن سماعة عن محمد
رحمهما الله أنه ضامن للمال فقيل المذكور في الكتاب قول أبي حنيفة رحمه الله وهو بناء على
اختلافهم في الأجير المشترك إذا تلف المال في يده من غير صنعه فان هذا العقد انعقد إجارة
وهو بمنزلة الأجير المشترك لان له أن يأخذ المال بهذا الطريق من غير واحد والأجير
22

المشترك لا يضمن عند أبي حنيفة رحمه الله إذا هلك المال في يده من غير صنعه وعندهما هو
ضامن إذا هلك في يده فما يمكن التحرز عنه فكذلك الحكم في كل مضاربة فاسدة ولو دفع
إليه ألف درهم مضاربة على أن ما رزق الله في ذلك من شئ فللمضارب ربح نصف المال
أو قال ربح عشر المال أو قال ربح مائة درهم من رأس المال فهذه مضاربة جائزة لان في هذا
المعنى اشتراط جزء شائع من الربح للمضارب إذ لا فرق بين أن يشترط له عشر الربح وبين
أن يشترط له ربح عشر المال ولا أجر للمضارب في عمله هنا إن لم يحصل الربح لان عند صحة
المضاربة هو شريك في الربح فإذا لم يحصل الربح لم يستحق شيئا لانعدام محل حقه لو قال
على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فللمضارب ربح هذه المائة بعينها أو ربح هذا
الصنف بعينه من المال فهي مضاربة فاسدة لان هذا الشرط يؤدي إلى قطع الشركة في
الربح مع حصوله فمن الجائز أن لا يربح فيما يشترى بتلك المائة والأصل فيه ما روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن المزارعة بما سقت السواني والماذيانات فأفسدها وكان
المعنى فيه أن ذلك الشرط يؤدى إلى قطع الشركة بينهما في الخارج مع حصوله فيتعدى ذلك
الحكم إلى هذا الموضع بهذا المعنى فان عمل فله أجر مثله لأنه أوفي العمل بحكم عقد فاسد وإذا
دفع إليه ألف درهم فقال خذ هذه الألف مضاربة بالثلث أو قال بالخمس أو قال بالثلثين
فأخذها وعمل بها فهي مضاربة جائزة وما شرطه من ذلك فهو للمضارب وما بقي لرب المال
لان المضارب هو الذي يستحق الربح بالشرط فأما رب المال فإنما يستحق الربح باعتبار أنه بما
ملكه فمطلق الشرط ينصرف إلى جانب من يحتاج إليه وعرف الناس يشهد بذلك والثابت
بالعرف من التعيين كالثابت بالنص فكأنه قال الثلثان من الربح لك حتى إذا قال إنما عنيت أن
الثلثين لي لم يصدق لأنه يدعى خلاف ما هو الظاهر المتعارف والقول في المنازعات قول من
يشهد له الظاهر وحرف الباء دليل عليه لأنه إنما يصحب الأعواض فهو دليل على أن بالثلثين
لم يستحق الربح عوضا وهو المضارب وأنه في المعنى يستحق الربح عوضا عن عمله فلهذا كان
المنصوص عليه للمضارب وكذلك لو قال خذها معاوضة بالنصف أو معاملة بالنصف لان
العبرة في العقود للمعاني دون الألفاظ (ألا ترى) أنه لا فرق بين أن يقول بعتك هذا الثوب
بألف أو المكيل بألف ولو قال خذها على أن ما رزق الله تعالى فيها من شئ فهو بيننا ولم تزد
على هذا فهو مضاربة جائزة بالنصف لان كلمة بين تنصيص على الاشتراك ومطلق الاشتراك
23

يقتضي المساواة (ألا ترى) أن في الوصية والاقرار إذا قال ثلث مالي بين فلان وفلان أو
هذا المال بين فلان وفلان كان مناصفة بينهما فكذلك قوله الربح بيننا منزل منزلة اشتراط
المناصفة في الربح والدليل على أن مطلق كلمة بين تقتضي المساواة قوله تعالى ونبئهم أن الماء
قسمة بينهم والمراد التسوية بدليل قوله تعالى لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولو قال خذها
فاعمل بها على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بيننا نصفين ولم يقبل مضاربة فهي
مضاربة جائزة لأنه خرج بمعنى المضاربة وإن لم ينص على لفظ المضاربة وما هو المقصود يحصل
بالتصريح بالمعنى وليس لهذا العقد حكم يدل لفظ المضاربة خاصة على ذلك الحكم بخلاف لفظ
المفاوضة في شركة المفاوضة على ما قررنا في كتاب الشركة وكذلك لو قال اعمل بهذه
الألف على أن لك نصف ربحها أو جزأ من عشرة أجزاء من ربحها فهو جائز لان المضارب
هو الذي يستحق الربح بالشرط وقد نص على شرط نصيبه من الربح وكذلك لو قال خذ
هذه الألف فاعمل بها بالنصف أو قال بالثلث فهي مضاربة جائزة استحسانا وفى القياس
لا يجوز لانعدام التنصيص على من شرط له الثلث ولكن في الاستحقاق قال إنما يراد بهذا في
العرف اشترط ذلك للمضارب وحرف الباء دليل عليه فكأنه صرح بذلك وللقياس وجه
آخر وهو أنه لما لم ينص على المضاربة فيحتمل أن يكون مراده ايجاب الثلث له من أصل
الألف بمقابلة عمله ويحتمل أن يكون المراد ايجاب الثلث له من الربح ولكنه استحسن فقال
في عرف الناس المراد بهذا اللفظ اشتراط الثلث له من الربح فهو وما لو أتى بلفظ المضاربة
سواء (ألا ترى) انه لو قال في وصيته أوصيت لك بثلثي بعد موتى جاز استحسانا وكان
وصية له بثلث المال لاعتبار العرف فهذا مثله ولو دفع الألف إليه على أن ما رزق الله تعالى في
ذلك من شئ فهو كله للمضارب فقبض المال على هذه فربح أو وضع أو هلك المال قبل أن
يعمل به فهو قرض عليه وهو ضامن له والربح كله له لان اشتراط جميع التركة له يكون
تنصيصا على تمليك أصل المال منه فإنه لا يستحق جميع الربح ما لم يكن مالكا للمال وللتمليك
طريقان الهبة والاقراض فعند التردد لا يثبت الا أدنى الوجهين لأنه متيقن به وأدنى الوجهين
القرض فلهذا جعل مقرضا المال منه ولو كان قال على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو
كله لرب المال فهذه بضاعة مع المضارب وليس له فيها ربح ولا أجر ولا ضمان عليه في المال
ان هلك لأنه ما ابتغى عن عملي عوضا فيكون هو في العمل معينا لصاحب المال والمعين في
24

التجارة مستصنع فيكون المال في يده أمانة ورب المال لم يعنه في شئ حين شرط جميع الربح
لنفسه وهذا الأصل الذي قلنا لان العبرة للمقصود في كل عقد دون اللفظ ولو قال خذ هذه
الألف مضاربة أو مقارضة ولم يذكر ربحا فهي مضاربة فاسدة لان المضارب شريك في الربح
والتنصيص على لفظ المضاربة يكون استرداد الجزء من ربح المضارب وذلك الجزء غير معلوم
وجهالته تفضى إلى المنازعة بينهما ومثله إذا كان في صلب العقد يكون مفسدا للعقد فيكون
الربح كله لرب المال وللمضارب أجر مثله ربح أو لم يربح ولو قال على أن لرب المال ثلث الربح
ولم يسم للمضارب شيئا فهذه مضاربة فاسدة في القياس لأنهما لم يبينا ما هو المحتاج إليه وهو
نصيب المضارب من الربح وإنما ذكر اما لا يحتاج إليه وهو نصيب رب المال ولا حاجة به إلى
ذلك فرب المال لا يستحق بالشرط وليس من ضرورة اشتراط الثلث لرب المال اشتراط
ما بقي للمضارب فان ذلك مفهوم والمفهوم لا يكون حجة للاستحقاق ومن الجائز أن يكون
مراده اشتراط بعض الربح لعامل آخر يعمل معه وهذا بخلاف ما إذا بين نصيب المضارب
خاصة لأنه ذكر هنا ما يحتاج إلى ذكره وهو بيان نصيب من يستحق بالشرط ووجه
الاستحسان أن عقد المضاربة عقد شركة في الربح والأصل في المال المشترك انه إذا بين
نصيب أحدهما كان ذلك بيانا في حق الآخر ان له ما بقي قال الله تعالى وورثه أبواه فلأمه الثلث
معناه وللأب ما بقي وهنا لما دفع إليه المال مضاربة فذلك تنصيص على الشركة بينهما في
الربح فإذا قال على أن لي ثلث الربح يصير كأنه قال ولك ما بقي كما لو قال على أن لك ثلث الربح
يصير كأنه قال ولى ما بقي ولو صرح بذلك لكان العقد صحيحا على ما اشترطا فهذا مثله وهذا
عمل بالمنصوص لا بالمفهوم ولو قال على أن للمضارب ثلث الربح أو سدسه كانت المضاربة
فاسدة لأنه لم ينص في نصيب المضارب على شئ معلوم ولكن ردده بين الثلث والسدس وبهذا
اللفظ تمكن فيما يستحقه المضارب جهالة تفضى إلى المنازعة وكذلك لو قال على أن لي نصف
الربح أو ثلثه لان معنى هذا الكلام ولك ما بقي النصف أو الثلث فيفسد العقد لجهالة تفضى
إلى المنازعة فيما شرط للمضارب ولو شرط للمضارب ثلث الربح ولرب المال نصف الربح
فالثلث للمضارب كما شرط إليه والباقي كله لرب المال لان استحقاق المضارب بالشرط وما
شرط له الا الثلث ورب المال يستحق ما بقي لكونه بما ملكه وهذا موجود في المسكوت عنه
فيكون له ولو قال خذ هذه الألف لتشترى بها هرويا بالنصف أو قال لتشترى بها رقيقا
25

بالنصف فهذا فاسد لأنه استأجره ببعض ما يحصل بعمله وهو نصف المشترى وذلك فاسد
ثم هذا استئجار بأجرة مجهولة وإنما جعلناه استئجارا لأنه أمره بالشراء خاصة والربح لا يحصل
بالشراء وإنما يحصل به وبالبيع وهو بالأمر بالشراء لا يملك البيع عرفنا ان هذا العقد ليس
شركة بينهما في الربح فبقي استئجارا على الشراء بأجرة مجهولة وهذا فاسد يعنى به الإجارة
فاما الوكالة بالشراء فجائزة وما اشتري بها يكون لرب المال وللمضارب أجر مثله فيما اشترى
لأنه ابتغى في عمله عوضا وليس له أن يبيع ما اشترى الا بأمر رب المال فان باع بغير أمره
فحكمه حكم بيع الفضولي لا يجوز الا بإجازة المالك فان تلف ما باع ولم يقدر على المشترى منه
فالمضارب ضامن لقيمته حين باع لأنه بالبيع والتسليم غاصب والثمن الذي باع به المضارب
ملكه بالضمان فينفذ بيعه من جهته فإن كان فيه فضل على القيمة التي غرم فينبغي له أن
يتصدق به الا على قول أبى يوسف رحمه الله وأصله في المودع إذا تصرف في الوديعة وربح
وإذا أجاز رب المال بيع المضارب فإن كان المبيع قائما بعينه نفذ بيعه لان الإجازة في الانتهاء
كالاذن في الابتداء وكذلك أن كان لا يدرى انه قائم أم هالك لان التمسك بالأصل المعلوم
واجب حتى يعلم غيره وقد علمنا قيامه فجاز البيع باعتبار الأصل والثمن لرب المال لا يتصدق
منه بشئ كما لو كان أمره بالبيع في الابتداء وان علم هلاكه عند الإجازة فاجارته باطلة لان
الملك يثبت للمشترى بالعقد عند الإجارة فلا بد من قيام المعقود عليه على وجه يقبل ابتداء
العقد حتى ينفذ العقد فيه بالإجارة فإذا بطلت الإجارة كان المضارب ضامنا للقيمة يوم باعه
والثمن له يتصدق بالفضل إذا كان فيه ولو قال خذ هذه الألف فابتع بها متاعا فما كان من
فضل فلك النصف ولم يزد على هذه فهو فاسد في القياس أيضا لان الابتياع عبارة عن الشراء
فهذا وقوله اشتر بها بالنصف سواء وفي الاستحسان هذه مضاربة جائزة لان لفظ الابتياع
عام يقع على البيع والشراء جميعا وبقوله فما كان من فضل تبين أن مراده البيع والشراء جميعا
لان الفضل لا يحصل الا بهما فيكون له أن يشترى ما بدا له ويبيعه وإنما شرط له نصف الربح
فكانت مضاربة جائزة وكذلك لو قال خذها بالنصف فهو جائز استحسانا وفى القياس هذه
أفسد من قوله اشتر بها هرويا بالنصف والفرق بينهما على وجه الاستحسان ان هنا لم ينص
على شئ من العمل وإنما ذكر حرفا يدل على المعاوضة وهو حرف الباء وهو تنصيص على
العوض له وإنما يستحق العوض باعتبار عمله وعمله الذي يستحق باعتباره عوضا مسمى هو
26

البيع والشراء جميعا فكأنه نص عليهما وبهذه تبين ان مراده اشتراط نصف الربح له فأما
هناك فنص على العمل الذي أوجب له العوض بمقابلته وهو الشراء فيكون استئجارا بأجرة
مجهولة وكذلك لو قال خذها على النصف لان حرف على وحرف الباء مستعملان في مثل
هذا المحل استعمالا واحدا ويكون دليلا على المعاوضة وكذلك لو قال اعمل بهذه على النصف
لأنه نص على العمل هنا وإنما ينصرف للعمل الذي يحصل به الربح وذلك الشراء والبيع جميعا
ولو دفع إليه مضاربة على أن يعطى المضارب رب المال ما شاء من الربح أو على أن يعطى رب
المال المضارب ما شاء من الربح فهذه مضاربة فاسدة لجهالة حصة المضارب من الربح في الفصلين
فان المشيئة المشروطة لأحدهما لا تكون لازمة في حق الآخر وله أن يرجع عن ذلك متى
شاء وعند رجوعه نتمكن منهما المنازعة باعتبار جهالة نصيب المضارب وكذلك لو اشترط
لأحدهما بعينه ما شاء من الربح وللاخر ما بقي فهذه مضاربة فاسدة لجهالة نصيب المضارب
سواء كان صاحب الشرط أو صاحب ما بقي ولو اشترطا لرب المال من الربح مائة درهم
والباقي للمضارب فهذه مضاربة فاسدة لان هذا الشرط يؤدى إلى قطع الشركة في الربح
مع حصوله فربما لا يحصل الا قدر المائة وكذلك لو اشترطا للمضارب نصف الربح الا
عشرة دراهم أو نصف الربح وزيادة عشرة دراهم فهذه فاسدة لان هذا الشرط يؤدى إلى
قطع الشركة ولأن هذه مخاطرة لا مضاربة فربما يكون الحاصل من الربح دون العشرة
فيتعذر مراعاة الشرط عليهما مع حصول الربح ولو دفعها إليه مضاربه على مثل ما شرط فلان
لفلان من الربح فإن كانا قد علما جميعا ما شرطه فلان لفلان فهو مضاربة لأنهما جعلا المشروط
لفلان عيارا فإذا كان ذلك معلوما عندهما ضاربا به وإن لم يكن معلوما لهما أولم يعلمه أحدهما فهي
مضاربة فاسدة لان حصة المضارب من الربح لابد أن تكون معلومة لهما وبما ذكرا في العقد
لم يصر ذلك معلوما لهما ففسد العقد لجهالة نصيب المضارب عندهما أو عند أحدهما وقت العقد
وإذا دفع الرجل إلى رجل دراهم مضاربة ولا يدرى واحد منهما ما وزنها فهي مضاربة جائزة
لان الاعلام بالإشارة إليه أبلغ من الاعلام بالتسمية ورأس المال أمانة في يد المضارب كالوديعة
والدراهم تتعين في الأمانة وعند الشراء بها يعلم مقدارها بالوزن ويقبل قول المضارب فيه
لكونه أمينا فجهالة المقدار عند العقد لا تفضي إلى المنازعة فان اختلفا في مقدار رأس المال عند قسمة
الربح فالقول قول المضارب مع يمينه لأنه هو القابض والقول في مقدار المقبوض قول القابض
27

ذلك من شئ فللمضارب ثلثه ولرب المال ثلثه ولعبد المضارب ثلثه فهو جائز وثلثا الربح
للمضارب لان المشروط للعبد الذي دين عليه كالمشروط لمولاه فان كسب العبد مملوك
لمولاه فكان هذا بمنزلة اشتراط المضارب ثلثي الربح لنفسه فكذلك لو لم يشترط للعبد المضارب
ولكنه شرط لعبد رب المال فقلنا الربح لرب المال لان المشروط لعبده كالمشترط له أو يجعل
هذا في حقه كالمسكوت عنه ولو كان اشترط الثلث لعبد المضارب وعليه دين يحيط بكسبه
فالثلثان من الربح لرب المال في قول أبي حنيفة رحمه الله لان من أصله أن استغراق كسب العبد
بالدين يمنع ملك المولى في كسبه ويكون المولى من كسبه كأجنبي آخر فالمشروط للعبد في هذه
الحالة كالمشروط لأجنبي آخر ولو شرط ثلث الربح لأجنبي كان ذلك لرب المال لان الربح
لا يستحق الا بعمل أو مال وليس للمشروط له عمل ولا مال في هذا العقد فيلغو ما شرط له
ويجعل ذلك كالمسكوت عنه فيكون لرب المال ولا تفسد المضاربة بين المضارب ورب المال
وهذا لان الشرط الفاسد ليس من صلب العقد وإنما صلب العقد بيان حصة المضارب من
الربح بالشرط ولا فساد في ذلك وعقد المضاربة نظير عقد الشركة لا يفسد بالشرط الفاسد إذا
لم يكن متمكنا في صلب العقد بخلاف ما إذا شرط للمضارب مائة درهم فالشرط الفاسد هناك
فيما هو من صلب العقد ولكن ما نحن فيه نظير ما لو شرط أن تكون الوضيعة عليهما فان هذا
الشرط فاسد والوضيعة على المال ولا يفسد العقد لأنه ليس من صلب العقد وأما عند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله فثلثا الربح للمضارب لان عندهما الولي يملك كسب عبده وإن كان مستغرقا
بالدين فالمشروط لعبد المضارب كالمشروط للمضارب عندهما ولو كان اشترط ثلث الربح لامرأة
المضارب أو لابنه أو لمكاتبه كان ذلك الشرط باطلا ولا يفسد به العقد لأنه ليس من صلب
العقد والمضاربة جائزة وثلثا الربح لرب المال لأنه ليس للمرأة والابن في هذا العقد مال ولا
عمل فلا يستحق شيئا من الربح ولكن ما شرط له كالمسكوت عنه فيكون لرب المال وكذلك لو
كان اشترط الثلث لامرأة رب المال أو ولده أو لأجنبي آخر ولو كان الثلث للمساكين أو للحج
أو في الرقاب فهو كذلك لان ما سمي له ثلث الربح ليس من جانبه رأس مال ولا عمل
فالشرط له يلغو واشتراطه للمساكين تصدق بما لم يملكه بعد فكان باطلا ويجعل ذلك
كالمسكوت عنه فيكون لرب المال لأنه لو فسد جميع المضاربة كان جميع الربح لرب المال
فكذلك إذا فسد بعض الشرط كان ذلك لرب المال وهذا لان المضارب إنما يملك بالشرط
28

أمينا كان أو ضمينا والبينة بينة رب المال لاثباته الزيادة ببينة وإذا كان لرجل عند رجل ألف
درهم وديعة فأمره أن يعمل بها مضاربة بالنصف فهو جائز لأنه أضاف العقد إلى رأس مال
هو عين وهو شرط صحة المضاربة ولا فرق في ذلك بين أن يكون في يد رب المال أو في يد
المضارب لأنه لا بد من تسليمه إلى المضارب عقيب العقد ولم يذكر ما لو كانت الدراهم
مغصوبة في يد ذي اليد فقال اعمل بها مضاربه بالنصف وفي اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله
قال عند أبي يوسف رحمه الله هذا والوديعة سواء لأنه أضاف العقد إلى رأس مال عين وذلك
منه رضاء بقبض المضارب واسقاطه لحقه في الضمان فيلحق بالأمانة وعلى قول زفر رحمه الله
هذا لا يجوز لان شرط صحة المضاربة أن يكون رأس المال أمانة في يد المضارب وهذا
الشرط لا يحصل بنفس العقد لان الغاصب لا يصلح قابضا من نفسه للمغصوب منه حتى ينسخ
به حكم الغصب ولهذا لو وكل الغاصب بيع المغصوب لا يبرأ عن الضمان حتى يبيعه ويسلمه
فإذا لم يوجد الشرط هنا لا تصح المضاربة ولو كان لرجل على رجل ألف درهم دين فأمره
أن يعمل بها مضاربة ويشترى بها ما بدا له من المتاع ثم يبيعه بالنصف بهذا فاسد لان شرط
صحة المضاربة كون رأس المال عينا ولم يوجد ذلك عند العقد ولا بعده فالمديون لا يكون قابضا
للدين من نفسه لصاحبه وصاحب الدين لا يمكن أن يبرئه عن الضمان مع بقائه بدون القبض
فإذا لم تصلح المضاربة فما اشتراه المديون فهو له لا شئ لرب المال منه في قول أبي حنيفة
رحمه الله ودينه عليه بحاله وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ما اشترى فهو لرب المال
والمضارب برئ من دينه وله على رب المال أجر مثله فيما عمل وهو بناء على مسألة كتاب
البيوع إذا قال لمديونه اشتر بمالي عليك ثوبا هرويا وقد بيناها ثمة ثم عندهما المضاربة فاسدة
فلهذا كان الربح كله لرب المال وللمضارب أجر مثله ولو قال رب المال لرجل آخر اقبض مالي
على فلان ثم اعمل به مضاربة بالنصف فهو جائز لأنه وكيل رب المال في قبض الدين منه فإذا
قبضه كان المقبوض بمنزلة الوديعة في يده فتنعقد المضاربة بينهما برأس مال هو عين في يده
وذكر في النوادر أن هذا يكره لأنه شرط لنفسه منفعة قبل عقد المضاربة ليس ذلك مما حصل
به الربح وهو تقاضي الدين وقبضه فالكراهة لهذا والله أعلم
* (باب اشتراط بعض الربح لغيرهما) *
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن ما رزق الله تعالى في
29

بفساد الشرط في البعض لا يزداد الشرط في جانب المضارب فلا يزداد حقه ولو دفع إليه
ألف درهم مضاربة على أن ثلث الربح للمضارب وثلثه يقضي به دين المضارب الذي للناس
عليه أو مالي الذي لفلان عليه فثلث الربح لرب المال والمضاربة جائزة وثلثا الربح للمضارب
لان المديون إنما يقضى الدين بملك نفسه فما شرط لقضاء الدين الذي على المضارب يكون
مشروطا للمضارب ولا يجبر على قضاء الدين منه لان الاختيار إلى المديون في تعيين المحل
الذي يقضى به الدين من ماله والذي سبق منه وعد بقضاء الدين من بعض الربح الذي يستحقه
والمواعيد لا يتعلق بها اللزوم ولو دفع رجلان إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن للمضارب
ثلث ربح جميع المال وما بقي من الربح فثلثه لاحد صاحبي المال بعينه والثلثان للآخر فعمل
المضارب على هذا وربح فثلث جميع الربح للمضارب كما شرط والباقي بين صاحب المال نصفين
لاستوائهما في رأس المال وذلك يوجب التسوية بينهما في استحقاق الربح والذي شرط لنفسه
ثلثي ما بقي يكون شارطا لنفسه شيئا من ربح مال صاحبه من غير أن يكون له فيه رأس مال
أو عمل وهذا الشرط باطل ولكنه ليس في صلب العقد بينهما وبين المضارب فبقي العقد بينهما
وبينه صحيحا ولو كان المضارب اشترط ان له ثلث الربح ثلثا ذلك من حصة أحدهما بعينه
والثلث من حصة الاخر على أن ما بقي من الربح فهو بين صاحبي المال نصفان فللمضارب
ثلث الربح على ما اشترطا ثلثا ذلك من حصة الذي اشترط ذلك والثلث من حصة الاخر
وما بقي من الربح فهو بين صاحبي المال على اثني عشر سهما خمسة للذي شرط للمضارب
من حصته ثلثي ثلث الربح وسبعة للاخر لأنك تحتاج إلى حساب له نصف وثلث ينقسم
ثلثه أثلاثا وأقل ذلك ثمانية عشر فقد شرط للمضارب ثلث ذلك ستة أسهم ثلثا ذلك وهو
أربعة من نصيب الذي شرط له ثلثي الثلث وثلثه وهو سهمان من نصيب الاخر وذلك
جائز لان نصيب كل واحد منهما بمنزلة مال على حدة دفعه إليه مضاربة والمضارب قد
يستقصى فيما يشترطه لنفسه بعمله فيما لزيد ويسامح فيما يشترطه لنفسه من مال عمرو فإذا
صح هذا الشرط قلنا ربح كل واحد منهما سبعة أسهم فالذي شرط للمضارب أربعة
من نصيبه يبقى له خمسة والذي شرط للمضارب سهمين من نصيبه يبقى له سبعة فكان الباقي
مقسوما بينهما على مقدار ما بقي من حق كل واحد منهما فيكون على اثنى عشر سهما واشتراط
المناصفة بينهما باطل لان من بقي له خمسة اشترط لنفسه سهما من ربح مال صاحبه من غير
30

أن يكون له فيه رأس مال أو عمل وذلك باطل ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة على أن ثلث
الربح للمضارب وثلثه لرب المال وثلثه لمن شاء المضارب فالثلثان من الربح لرب المال والشرط
باطل لأنه ليس في شرط المشيئة منفعة للمضارب فلا يجعل ذلك القدر كالمشروط فيكون
لرب المال بخلاف المشروط في قضاء الدين فعلى المضارب لان فيه منفعة ظاهرة له وهي
براءة ذمته فيجعل ذلك كالمشروط للمضارب ولو قالا ثلث الربح لمن شاء رب المال فهو
والمسكوت عنه سواء فيكون لرب المال وإذا دفع رجل إلى رجلين ألف در هم مضاربة
على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فلأحدهما بعينه نصف الربح وللآخر سدس الربح
ولرب المال ثلث الربح فهو جائز على ما اشترطا لان رب المال شرط على كل واحد من المضاربين
جزأ معلوما من الربح وفاوت بينهما في الشرط لتفاوتهما في الهداية في التجارة المربحة وذلك
صحيح ولو دفع رجلان إلى رجلين ألف درهم مضاربة على أن لاحد المضاربين بعينه من الربح
الثلث وللآخر السدس وما بقي من صاحبي المال لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه فعملا وربحا
فنصف الربح للمضاربين على ما اشترطا ثلثاه لأحدهما وللآخر ثلثه لان الاستحقاق لهما
بالشرط وهكذا شرط لهما والنصف الآخر بين صاحبي المال نصفين لان استحقاقهما باعتبار
رأس المال وقد تفاوتا في ذلك فاشتراط الفضل لأحدهما فيما بقي من غير أن يكون له في نصيب
صاحبه مال أو عمل يكون شرطا فاسدا ولو قال للمضاربين نصف الربح بينكما لفلان منه
الثلثان من نصيب أحد صاحبي المال ثلثاه ومن نصيب الآخر الثلث ولفلان الآخر منه
الثلث ثلثا ذلك من نصيب صاحبي المال وهو الذي أعطى له نصيبه وثلث ذلك من نصيب
الآخر والنصف الآخر بين صاحبي المال نصفين فعملا فربحا فنصف الربح بين المضاربين
على ما اشترطا والنصف الآخر بين صاحبي المال على تسعة أسهم للذي شرط للمضارب ثلثي
النصف من نصيبه من ذلك أربعة أسهم وللآخر خمسة وتخرج المسألة على نحو تخريج المسألة
الأولى بأن يجعل الربح على ثمانية عشر نصيب كل واحد منهما تسعة والمشروط لاحد
المضاربين ثلثا الربح وهو ستة من تسعة ثلثا ذلك وهو أربعة من نصيب أحدهما وثلثه وهو
سهمان من نصيب الآخر والذي شرط له ثلث النصف ثلثه ثلث ذلك وهو سهم ممن أعطى
الآخر أربعة وثلثاه وهو سهمان ممن أعطى الآخر سهمين فالذي شرط ثلثي الربح لأحدهما
استحق عليه أحد المضاربين من نصيبه أربعة والآخر سهما واحدا فإذا دفعت ذلك من تسعة
31

بقي له أربعة أسهم والآخر استحق عليه كل واحد من المضاربين سهمين بقي له خمسة أسهم
فيقسم الباقي بينهما على مقدار ما بقي من حق كل واحد منهما فيكون على تسعة لأحدهما خمسة
وللآخر أربعة واشتراطهما المناصفة فيما بقي باطل لما قلنا وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة
على أن يخلطها المضارب بألف من قبله ثم يعمل بهما جميعا على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من
شئ فللمضارب ثلثاه وللدافع ثلثه فهو جائز على ما اشترطا لان العامل شرط لنفسه ربح مال
نفسه وثلث ربح مال صاحبه فكأنه أخذ منه الألف مضاربة بثلث الربح وذلك جائز ولو
كان الدافع اشترط لنفسه ثلثي الربح وللعامل ثلثه فالربح بينهما نصفان على قدر مالهما لان
الدافع شرط لنفسه جميع ربح ماله فيكون دافعا المال من وجه البضاعة وشرط أيضا لنفسه
جزأ من ربح مال العامل وهذا منه طمع في غير مطمع لأنه ليس له في مال العامل رأس مال
ولا عمل فيبطل هذا الشرط ويكون الربح بينهما على قدر رأس مالهما نصفين ولو دفع إليه
ألف درهم مضاربة على أن يخلطها بألف من قبله ويعمل بهما جميعا على أن للمضارب ثلثي
الربح نصف ذلك من ربح الف صاحبه ونصفه من ربح ألفه خاصة وعلى أن ما بقي من
الربح للدافع فهو جائز للمضارب ثلثا الربح على ما اشترطا والثلث لرب المال لما بينا انه
شرط الدافع للمضارب جزأ من ربح ماله بعمله فيه وذلك مستقيم ثم يقول في بيان العلة لان
سدس الربح صار للدافع من ربح مال المضارب وصار له سدس مثله من ربح ألفه الذي
صار للمضارب قال الشيخ الامام الاجل رضي الله عنه وكان شيخنا الامام رحمه الله يقول
هذا التعليل لا يصح فمبادلة ربح لم يوجد بربح لم يوجد كيف يكون صحيحا وإنما معنى هذا التعليل
أنه ليس في هذا التفصيل فائدة لأحدهما لان بعد خلط المالين لا فرق في حق كل واحد منهما
بين سدس الربح الذي يكون من ألفه وبين مثله من ألف صاحبه والشرط إنما يراعى إذا كان
مفيدا لهما أو لأحدهما فما لم يكن مفيدا يكون لغوا ويبقى اشتراط ثلثي الربح للمضارب مطلقا
فيكون صحيحا على ما اشترطا ولو دفع إليه ألفي درهم على أن يخلطهما بألف من قبله على أن الربح
بينهما نصفان فهذا جائز لان العامل شرط لنفسه ربح ألفه وربع ربح مال الدافع ودفع المال
مضاربة بربع الربح صحيح فإن كان الدافع شرط لنفسه ثلاثة أرباع الربح وللعامل ربعه
فالربح بينهما أثلاثا على قدر مالهما لان الدافع شرط الزيادة على الثلثين لنفسه وطمع في جزء
من ربح مال العامل وليس له فيه رأس مال ولا عمل فكان هذا الشرط باطلا والله أعلم
32

* (باب المضاربة بالعروض) *
(قال رحمه الله) ذكر عن إبراهيم والحسن رحمهما الله قالا لا تكون المضاربة بالعروض
إنما تكون بالدراهم والدنانير وبه نأخذ وقال مالك رحمه الله المضاربة بالعروض صحيحة
لان العرض مال متقوم يستريح عليه بالتجارة عادة فيكون كالنقد فيما هو المقصود بالمضاربة
وكما يجوز بقاء المضاربة بالعرض يجوز ابتداؤها بالعروض ولكنا نستدل بنهي النبي صلى الله
عليه وسلم عن ربح مال يضمن والمضاربة بالعروض تؤدى إلى ذلك لأنها أمانة في يد المضارب
وربما ترتفع قيمتها بعد العقد فإذا باعها حصل الربح واستحق المضارب نصيبه من غير أن
يدخل شئ في ضمانه بخلاف النقد فإنه يشتري بها وإنما يقع الشراء بثمن مضمون في ذمته
فما يحصل له يكون ربح ما قد ضمن * توضيحه ان الربح هنا لما كان يحصل بمجرد البيع يصير
في المعنى كأنه استأجره لبيع هذه العروض بأجرة مجهولة وفى النقد الربح لا يحصل الا
بالشراء و البيع جميعا فتكون شركة ولان تقدير المضاربة بالعروض كأنه قال بع عرضي هذا
على أن يكون بعض ثمنه لك ولو قال على أن جميع ثمنه لك لم يجز فكذلك البعض وإذا كان
رأس المال نقدا يصير كأنه قال اشتر بهذه الألف وبع على أن يكون بعض ثمنه لك ولو قال
على أن جميع ثمنه لك صح فكذلك البعض * توضيحه ان الربح في المضاربة لا يظهر الا بعد
تحصيل رأس المال ورأس المال إذا كان عرضا فطريق تحصيله وطريق معرفة قيمته الحزر
والظن فلا يتيقن بالربح في شئ ليقسم بينهما بخلاف النقود فإن كان رأس المال مكيلا أو
موزونا من غير النقود فالمضاربة فاسدة أيضا عندنا وقال ابن أبي ليلى رحمه الله هي جائزة
لأنها من ذوات الأمثال فيمكن تحصيل رأس المال بمثل المقبوض ثم قسمة الربح بينهما ولان
المكيل والموزون يجوز الشراء بهما ويثبت دينا في الذمة ثمنا فيكون ذلك بمنزلة النقود في
أن المضارب إنما يستحق الربح بالضمان وحجتنا في ذلك أن المكيل والموزون يتعين في العقد
كالعروض وأول التصرف بهما يكون بيعا وقد يحصل بهذا البيع ربح بان يبيعه ثم يرخص
سعره بعد ذلك فيظهر ربحه بدون الشراء فيكون هذا استئجار للبيع بأجرة مجهولة وذلك
باطل كما في العروض فان اشترى وباع فربح أو وضع فالربح لرب المال والوضيعة عليه ولا
ضمان على المضارب وله أجر مثله فيما عمل كما هو الحكم في المضاربة الفاسدة وقد بينا حكم
المضاربة بالفلوس والنبهرجة والستوقة الزيوف والتبر زاد هنا فقال (ألا ترى) أن رجلا
33

لو اشترى عبدا بذهب تبر بعينه أو بفضة تبر بعينها فهلك التبر قبل التسليم بطل البيع فقد
أشار في كتاب الصرف إلى أن التبر لا يتعين في الشراء ولا ينتقض العقد بهلاكه وقد بينا
هناك وجه الراويتين أن هذا يختلف باختلاف البلدان في رواج التبر نقدا أو عرضا وإذا
دفع إلى رجل فلوسا مضاربة بالنصف فلم يشتر شيئا حتى كسدت تلك الفلوس وأحدثت
فلوس غيرها فسدت المضاربة لان على قول من يجيز المضاربة بالفلوس إنما يجيز باعتبار صفة
الثمنية وهي ثمن ما دامت رائجة فإذا كسدت فهي قطاع صفر كسائر الموزونات ولو اقترن
كسادها بعقد المضاربة لم تصح المضاربة فكذلك إذا كسدت بعد العقد قبل حصول المقصود
به وقد بينا في كتاب الشركة أن الطارئ بعد العقد قبل حصول المقصود به كالمقارن للعقد
فهذا مثله فان اشترى بها المضارب بعد ذلك فربح أو وضع فهو لرب المال وللمضارب
أجر مثل عمله فيما عمل هو الحكم في المضاربة الفاسدة ولا فرق فيه بين الفساد الطارئ
والفساد المقارن (ألا ترى) انه لو اشترى بهذه الفلوس الكاسدة شيئا فضاعت قبل أن
ينقدها انتقض البيع فعرفنا أنها بالكساد صارت كالعروض ولو لم تكسد حتى اشترى بها
المضارب ثوبا ودفعها وقبض الثوب ثم كسدت فالمضاربة جائزة على حالها لان بالشراء حكم
المضاربة تحول إلى الثوب وصار مال المضاربة الثوب دون الفلوس فلا يتغير الحكم بكساد
الفلوس بعد ذلك ولكن المقصود قد حصل بالشراء وما يعرض بعد حصول المقصود لا يجعل
كالمقترن بالسبب فإذا باع الثوب بدراهم أو عرض فهو على المضاربة فان ربح ربحا وأرادوا
القسمة أخذ رب المال قيمة فلوسه يوم كسدت لأنه لا بد من رد رأس المال إليه ليظهر الربح
ورأس المال كان فلوسا رائجة وهي للحال كاسدة فقد تعذر رد مثل رأس المال وهذا التعذر
إنما يتحقق يوم الكساد فيعتبر قيمتها في ذلك الوقت وفرق بين هذا وبين ما إذا غصب شيئا من
ذوات الأمثال فانقطع المثل من أيدي الناس ان عند أبي حنيفة رحمه الله تعتبر قيمته يوم
الخصومة لان المثل هناك باق في الذمة والقدرة على تسليمه متعذرة أو انه حاصل وإنما يتحول
الحق إلى القيمة عند الخصومة فتعتبر قيمته يومئذ وهنا الوقت في تحصيل المثل غير منتظر
لان ما كسد من الفلوس قد لا يروج بعد ذلك قط ولا يدرى متى يروج فإنما يتحول الحق
إلى القيمة عند تحقق فوات مثل تلك الفلوس وذلك وقت الكساد فتعتبر قيمته عند ذلك
ثم الباقي بينهما ربح على الشرط وإذا دفع إلى رجل شبكة ليصيد بها السمك على أن ما صادتها
34

من شئ فهو بينهما فصاد بها سمكا كثيرا فجميع ذلك للذي صاد لقوله صلى الله عليه وسلم الصيد لمن
أخذ ولان الآخذ هو المكتسب دون الآلة فيكون الكسب له وقد استعمل فيه آلة الغير
بشرط العوض لصاحب الآلة وهو مجهول فيكون له أجر مثله على الصياد وكذلك لو دفع إليه
دابة يستقي عليها الماء ويبيع عليها أو لينقل عليها الطين ليبيعه أو ما أشبه ذلك بخلاف ما إذا أمره
أن يؤاجر الدابة فالغلة هناك لصاحب الدابة وللعامل أجر مثله وقد تقدم بيان هذا في الإجارة
انه إذا آجر الدابة فالاجر بمقابلة منافعها والعامل وكيل لصاحبها وإذا استعملها العامل في
نقل شئ عليها وبيع ذلك فهو لنفسه ولو دفع إلى حائك غزلا على أن يحوكه سبعة في أربعة
ثوبا وسطا على أن الثوب بينهما نصفان فهذا فاسد وهو في معنى قفيز الطحان وقد بينا ما فيه
من اختيار بعض المتأخرين رحمهم الله باعتبار العرف في ذلك في بعض البلدان في كتاب
الإجارة والثوب لصاحب الغزل وللحائك أجر مثله وإذا دفع إلى رجل أرضا بيضاء على أن يبني
فيها كذا كذا بيتا وسمى طولها وعرضها وكذا كذا حجرة على أن ما بنى من ذلك فهو بينهما
نصفان وعلى أن أصل الدار بينهما نصفان فبنى فيها كما شرط فهو فاسد لأنه أمر بان يجعل أرضه
مساكن بآلات نفسه فيكون مشتريا بالآلات وهي مجهولة وقد جعل العوض نصف
ما يعمل لنفسه من المساكن وذلك فاسد وقد قررنا في الإجارات أن هذا المعنى في الأرض
يدفعها إليه ليغرسها أشجارا على أن تكون الأرض والشجر بينهما نصفين فهو في البناء كذلك
ثم جميع ذلك لرب الأرض وعليه للثاني قيمة ما بنى لأنه يصير قابضا له بحكم العقد الفاسد فان
بناء الغير له بأمره كبنائه بنفسه فعليه ضمان القيمة لما تعذر رد العين باعتبار انه صار وصفا من
أوصاف ملكه وللعامل أجر مثله فيما عمل لأنه أقام العمل له وقد ابتغى من عمله عوضا فإذا
لم ينل ذلك استوجب أجر المثل ولو دفع إليه أرضا على أن يبنى فيها دسكرة ويؤاجرها على أن
ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان فبناها كما أمره فاجرها فأصاب مالا
فجميع ما أصاب من ذلك فهو للباني والبناء له لان صاحب الأرض هنا شرط البناء لنفسه
فيكون الثاني عاملا لنفسه في البناء وإذا كان البناء ملكا له فعليه البناء أيضا وإنما يستأجر
البيوت للسكنى وذلك باعتبار البناء ولهذا لو انهدم جميع البناء لم يكن على المؤاجر للمستأجر
أجر بعد ذلك فلهذا كان الاجر كله لصاحب البناء ولرب الأرض أجر مثل أرضه على الباني
لأنه أجر الأرض بنصف ما يحصل من غلة البناء وهي مجهولة وقد استوفى منفعة الأرض
35

بهذا العقد الفاسد فيلزمه أجر مثلها وينقل الثاني بناءه عن أرض رب الأرض لان الأرض
باقيه على ملك صاحبها فعلى الثاني أن يفرغها ويردها على صاحبها لفساد عقد الإجارة بينهما
في الأرض ولو كان اشترط مع ذلك أن الأرض والبناء بينهما نصفان كان ذلك كله مع
ما أجرها به لرب الأرض لأنه صار مشتريا لما بنى به هنا بنصف الأرض أو أمره بان يجعل
أرضه دسكرة بآلات نفسه على أن له بعض ما يحصل بعمله وذلك فاسد ولكنه صار قابضا
مستهلكا بشراء فاسد فعليه قيمته يوم بني الباني وأجر مثله فيما عمل وأجر مثله فيما أجر من
الدسكرة لأنه في كل ذلك عامل لصاحب الأرض بأجرة مجهولة بخلاف الأول فهناك صاحب
الأرض ما شرط لنفسه شيئا من البناء فيكون الثاني عاملا لنفسه وهنا أضاف البناء إلى نفسه
حين شرط لنفسه نصف البناء وجعل النصف الآخر أجرة للباني فلهذا كان البناء كله لصاحب
الأرض هنا وإذا دفع إلى رجل بيتا على أن يبيع فيه البر على أن ما رزق الله تعالى في ذلك
من شئ فهو بينهما نصفان فقبض البيت فباع فيه وأصاب مالا فالمال كله لصاحب البر لأنه
ثمن ملكه وهو في البيع كان عاملا لنفسه ولرب البيت أجر مثل بيته لأنه اجر البيت بأجرة
مجهولة ولو كان رب البيت دفع إليه البيت ليؤجره ليباع فيه البر على أن ما رزق الله تعالى في
ذلك من شئ فهو بينهما نصفان فهذا فاسد فان أجر البيت فالاجر لرب البيت لان الاجر
عوض منفعة البيت هنا والعامل كالوكيل لصاحب البيت في اجارته ولكنه ابتغى عن عمله
له عوضا لم يسلم له فيستوجب اجر مثله فيما عمل وإذا قال خذ هذا العبد مضاربة وقيمته
ألف درهم على أن رأس مالي قيمته على أن يبيعه ويشتري بثمنه ويبيع فما رزق الله تعالى في
ذلك من شئ أخذت منه رأس ما لي قيمة الغلام وما بقي فهو بينهما نصفان فهذه مضاربة
فاسدة لان رأس المال فيها العبد وهو متعين كسائر العروض ولا يمكن أن يجعل قيمة رأس
المال لان القيمة تختلف باختلاف المقومين ولا يمكن تحصيلها يقينا ليظهر الربح بعدها وإذا
فسد العقد فجميع ذلك ما باع واشترى لرب العبد وللمضارب اجر مثله ولو قال بع عبدي
هذا واقبض ثمنه واعمل فيه مضاربة على أن ما رزق الله تعالى في ثمنه من شئ فهو بيننا نصفان
فهو جائز على ما اشترطا لأنه وكله ببيع العبد أولا فكان بيع الوكيل له كبيعه لنفسه ثم عقد
المضاربة على الثمن المقبوض من دراهم أو دنانير وهو أمانة في يد الوكيل فقد وجد شرط
صحة المضاربة وأكثر ما فيه أنه أضاف عقد المضاربة إلى ما بعد البيع وقبض الثمن وذلك
36

لا يفسد المضاربة غير أنى أكره أن يقول بعه وخذ الثمن مضاربة على أن الربح بيننا نصفان
لان بيع العبد ليس من المضاربة وقد صار كأنه شرط فيها فلهذا كره فان شبهة الشئ
كحقيقته في وجوب التحرز عنه قال صلى الله عليه وسلم من اتقى الشبهات سلم له دينه ولو
شرط على المضارب في المضاربة منفعة له سوى ما يحصل به الربح كان ذلك الشرط فاسدا
فكذلك شرط بيع العبد لما صار في معنى ذلك ولكنه ينبغي أن يأمره ببيعه ولا يذكر
المضاربة فإذا قبض الثمن أمره ان يعمل به مضاربة وكذلك هنا الحكم في جميع العروض
من المكيلات والموزونات ولو باع المضارب العبد بعشرة أكرار حنطة وعمل بها فهذا في قياس
قول أبي حنيفة رحمه الله مضاربة فاسدة لأنه وكيل بالبيع مطلقا ومن أصل أبي حنيفة ان
الوكيل بالبيع يملك البيع بالمكيل والموزون فلا يصير هو ضامنا ولكنه يصير كأنه دفع إليه
الحنطة مضاربة فتكون المضاربة فاسدة وجميع ما ربح لرب المال وللمضارب أجر مثله فيما
عمل بالثمن لأنه في بيع العبد معين وإنما يصير أجيرا باعتبار المضاربة وأوان ذلك بعد قبض
الثمن وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله المضارب ضامن لقيمة العبد وجميع ما ربح له لان
عندهما الوكيل بالبيع لا يملك البيع الا بالنقود فإذا باع بالحنطة كان مخالفا ضامنا لقيمة العبد
كالغاصب فإذا ضمن القيمة بعد البيع من جهته والحنطة التي قبضها له بمقابلة العبد فإنما ربح على
مال نفسه ولا يتصدق بالفضل لأنه ربح ما قد ضمن فان قيل عند أبي حنيفة ينبغي أن يكون
الجواب كذلك لأنه قال اعمل بثمنه مضاربة فبهذا اللفظ ينبغي أن تنفد الوكالة بالبيع بما
يصلح أن يكون رأس المال في المضاربة وهو النقد قلنا لا كذلك فكون المضاربة بالعروض
والمكيل فاسدة من الدقائق قد خفى ذلك على بعض العلماء فلعله خفى ذلك على صاحب المال
أيضا أو كان ممن يعتقد جواز المضاربة بها فمطلق الوكالة لا يتقيد بمثل هذا الكلام المحتمل
ولو باعه بمائة درهم وقيمته ألف درهم وعمل بها فهي مضاربة جائزة في المائة عند أبي حنيفة
رحمه الله وعندهما المضارب ضامن قيمة العبد لرب المال بناء على اختلافهم في الوكيل بالبيع
مطلقا يبيع بالغبن الفاحش وإذا كان للرجل دراهم ودنانير وأكرار حنطة ودقيق فقال خذ
أي أصناف مالي شئت واعمل به مضاربة بالنصف فأخذ المضارب أحد الأصناف فعمل
به فإن كان أخذ الدنانير والدراهم فعمل بهما فهو جائز على الشرط وان أخذ غيرهما فهو
فاسد فإذا اشترى وباع فهو لرب المال وعليه وضيعته وللمضارب أجر مثله لان تعيين
37

الضارب صنفا بأمر من رب المال كتعيين رب المال ذلك بنفسه فإن كان المعين من النقود انعقد
العقد صحيحا والا فالمضاربة فاسدة ولو قال خذ أي مالي شئت فبعه ثم اعمل بثمنه مضاربة
فأخذ عبدا فباعه بدراهم أو دنانير ثم عمل به مضاربة فهو جائز كما لو كان رب المال دفع العبد إليه
وأمره بذلك ولو قال اشتر لي عبدا بألف درهم نسيئة سنة ثم بعه واعمل بثمنه مضاربة فاشترى
به كما أمره وقبضه ثم باعه بدراهم أو دنانير ثم عمل بالثمن فهذه مضاربة جائزة لأنه في شراء
العبد وبيعه وكيل للآمر معين فكان الآمر فعل ذلك بنفسه ثم إنما عقد المضاربة بعد
قبض الثمن على المقبوض وهو تعد فكانت المضاربة جائزة ورأس المال ثمن العبد الذي باعه به
المضارب فأما الثمن الذي اشترى به المضارب فليس من المضاربة بل هو دين له على رب المال كما
هو الحكم في الوكالة أن البائع يستوجب الثمن على الوكيل والوكيل على الموكل والله أعلم
* (باب ما يجوز للمضارب في المضاربة) *
قال رحمه الله وإذا دفع إلى رجل مالا مضاربة ولم يقل اعمل فيه برأيك فله أن يشترى به
ما بدا له من أصناف التجارة ويبيع لأنه نائب عن صاحب المال في التجارة فان قصده بالدفع
إليه تحصيل الربح وذلك بطريق التجارة فكذلك ما هو من صنع التجار يملكه المضارب بمطلق
العقد ويبيع بالنقد والنسيئة عندنا وقال ابن أبي ليلي رحمه الله ليس له أن يبيعه بالنسيئة لان
ذلك تصرف يوجب قصر يده عن مال المضاربة والتصرف فيه فيكون ضدا لما هو مقصود
رب المال بمنزلة الاقراض (ألا ترى) أن البيع بالنسيئة من المريض يعتبر من الثلث فعرفنا أنه
بمنزلة التبرع ولكنا نقول البيع بالنسيئة من صنع التجار وهو أقرب إلى تحصيل مقصود رب المال
وهو الربح فالربح في الغالب إنما يحصل بالبيع بالنسيئة دون البيع بالنقد ولان تسليط المضارب
على المال ليس بمقصود رب المال إنما مقصوده تحصيل الربح بطريق التجارة وذلك حاصل
والدليل على أن البيع بالنسيئة تجارة مطلقة قوله تعالى إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها
بينكم فهذا يبين أن التجارة قد تكون غائبة وليس ذلك إلا بالبيع بالنسيئة وله أن يبضعه لان
الابضاع من عادة التجار ويحتاج المضارب إليه لتحصيل الربح فالتجارة نوعان حاضرة في
بلده وغائبة في بلدة أخرى ولا يتمكن من مباشرتهما بنفسه ولو لم يجز له الابضاع والتوكيل
والايداع لفاته أحد نوعي التجارة لاشتغاله بالنوع الآخر وله أن يستأجر معه الاجراء
38

يشترون ويبيعون ويستأجر البيوت والدواب للأمتعة التي يشتريها لان ذلك من صنع التجار
فالمضارب لا يستغنى عن ذلك في تحصيل الربح وللمنافع حكم المال عند العقد والإجارة والاستئجار
تجارة من حيث إنه مبادلة مال بمال وله أن يسافر به وروى أصحاب الاملاء عن أبي يوسف
عن أبي حنيفة رحمهم الله انه ليس له أن يسافر به ما لم يأذن له فيه صاحب المال لان فيه تعريض
المال للهلاك وجه ظاهر الرواية ان اشتقاق المضاربة من الضرب في الأرض وإنما يتحقق ذلك
بالمسافرة ولان مقصوده تحصيل الربح وإنما يحصل ذلك في العادة بالسفر بالمال فيملكه بمطلق
عقد المضاربة وقد بينا في الوديعة ان المودع له أن يسافر بمال الوديعة ففي المضارب أولى وروى
عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال إن دفع المال في مصر وهو من أهل ذلك المصر فليس
له أن يسافر به وان دفع المال إليه في غير مصر فله أن يسافر به لان العام الغالب أن
الانسان يرجع إلى وطنه ولا يستديم الغربة مع امكان الرجوع فلما أعطاه مع علمه انه غريب
في هذا الموضع كان ذلك منه دليل الرضا بالمسافرة بالمال عند رجوعه إلى وطنه وذلك لا يوجد
فيما إذا دفع المال إليه وهو مقيم في مصره ولكن هذا التفصيل فيما له حمل ومؤنة بناء على
ما روينا عن أبي يوسف رحمه الله في المودع انه لا يسافر بالوديعة إذا كان لها حمل ومؤنة
وليس له أن يقرضه لان الاقراض تبرع قال النبي صلى الله عليه وسلم قرض مرتين صدقة
مرة ولأنه ليس في الاقراض تحصيل شئ من مقصود رب المال لان المقبوض بحكم القرض
مضمون بمثله لا يتصور فيه زيادة شرط ولا غيره وليس له أن يخلطه بماله لان في الخلط
بماله أو بمال غيره ايجاب الشركة في المال المدفوع إليه على وجه لم يرض به رب المال وكذلك
لا يدفعه مضاربة لان بالدفع مضاربة سوى غيره بنفسه في حق الغير وهو لا يملك ذلك
(ألا ترى) أن الوكيل بالبيع مطلقا لا يوكل به غيره ولأنه موجب لغيره شركة في الربح
ورب المال لم يرض بالشركة لغيره في ربح ماله ولا يشارك به أيضا لان الشركة بمنزلة الدفع
مضاربة بل أقوى منه فان قيل أليس ان المضارب بأذن لعبد من مال المضاربة في التجارة
ويصح ذلك منه واطلاق التصرف بالاذن في التجارة بمنزلة الدفع مضاربة أو فوقه قلنا قد
روى ابن رستم عن محمد رحمهما الله أنه لا يملك الاذن في التجارة بمنزلة الدفع مضاربة والفرق
بينهما على ظاهر الرواية ان المأذون لا يصير شريكا في الربح فيكون الاذن في التجارة نظير
الابضاع لا نظير الدفع مضاربة والشركة به فإن كان قال له اعمل فيه برأيك فله أن يعمل
39

جميع ذلك الا القرض لأنه فوض الامر في هذا المال إلى رأيه على العموم وقد علمنا أن
مراده التعميم فيما هو من صنع التجار عادة فيملك به المضاربة والشركة والخلط بماله لان
ذلك من صنع التجار كما يملك الوكيل توكيل غيره بما وكل به إذا قيل له اعمل فيه برأيك ولا
يملك القرض لأنه تبرع ليس من صنع التجار عادة فلا يملكه بهذا اللفظ كالهبة والصدقة وإذا
دفعه إليه مضاربة على أن يعمل به في الكوفة ليس له أن يعمل به في غيرها لان كلمة على للشرط
والشرط في العقد متى كان مفيدا يجب اعتباره وهذا شرط مفيد لصاحب المال ليكون ماله
محفوظا في المصر يتمكن منه متى شاء فيتقيد الامر بما قيده به وليتبين له أن يعطيه بضاعة
ممن يخرج به لأنه إنما يستعين في هذا المال في غير الكوفة فلا يملك أن يستعين بغيره أيضا
ويقاس التوقيت من حيث المكان بالتوقيت من حيث الزمان فان أخرجه من الكوفة فلم
يشتر به شيئا حتى رده إليها فهو ضامن على حاله يتصرف فيها لان خلافه لا يتحقق باخراج
المال ما لم يعمل خارجا من الكوفة فإنه قيد الامر بالعمل بالمكان وإنما يمتنع عليه اخراج المال
من الكوفة على قصد التصرف لكيلا يكون مخالفا لما شرط عليه صاحبه فعرفنا ان بالاخراج
لا يتحقق خلافه ولو تحقق فهو أمين خالف ثم عاد إلى الوفاق فيكون أمينا كما كان وان
اشترى ببعضه في غير الكوفة واشترى بما بقي منه في الكوفة فهو مخالف فيما اشتراه بغير
الكوفة ضامن لذلك القدر من المال فله ربحه وعليه وضيعته لتحقق الخلاف منه في ذلك
القدر وفيما بقي من المال فهو متصرف على المضاربة لأنه ليس من ضرورة صيرورته مخالفا
ضامنا لبعض المال انتفاء حكم المضاربة فيما بقي ما لم يتقرر فيه الخلاف والبعض معتبر بالكل
ولو دفعه إليه مضاربة على أن يعمل به في سوق الكوفة فعمل به في الكوفة في غير ذلك
المكان ففي القياس هو مخالف ضامن لأنه خالف شرطا نص عليه الدافع وفي الاستحسان
ينفذ تصرفه على المضاربة ولا يكون ضامنا لان الشرط إذا لم يكن مفيدا لا يكون معتبرا ولا
فائدة في تقييد تصرفه بالسوق لان مقصوده سعر الكوفة لا عين السوق ففي أي موضع من
الكوفة تصرف كان تصرفه واقعا على ما شرطه الدافع أرأيت لو أمره أن يعمل بها في الصيارفة
فعمل بها في سوق آخر أو أمره أن يعمل في بيت فلان فعمل في غير ذلك المكان كان ضامنا
ولا يكون ضامنا في شئ من ذلك بسبب اتحاد المصر ولو دفعه إليه على أن يعمل به في سوق
الكوفة وقال له لا تعمل به الا في السوق فعمل به في غير السوق فهو مخالف ضامن لأنه
40

منعه من التصرف بقوله لا تعمل به واستثنى تصرفا مخصوصا وهو ما يكون في السوق فما
يكون على الوجه المستثنى ينفذ منه ومالا فلا بخلاف الأول فهناك ما حجر عليه عن التصرف
إنما أمره بالتصرف وقيد الامر بشرط غير مفيد فلا يعتبر تقييده وينفذ تصرفه باعتبار صحة
الامر ولو قال خذه مضاربة تعمل به في الكوفة أو قال فاعمل به في الكوفة فعمل به في غير
الكوفة فهو ضامن لان قوله تعمل به تفسير لقوله خذه مضاربة والكلام المبهم إذا تعقبه
تفسير فالحكم لذلك التفسير وقوله فاعمل به في معنى التفسير أيضا لان الفاء للوصل والتعقيب
والذي يتصل بالكلام المبهم ويتعقبه تفسير وكذلك لو قال خذ مضاربة بالنصف بالكوفة لان
الباء للالصاق فذلك يقتضى أن يكون موجب كلامه ملصقا بالكوفة وموجب كلامه
العمل بالمال وإنما يتحقق الصاقه بالكوفة إذا عمل بها وكذلك لو قال خذه مضاربة بالنصف في
الكوفة لان حرف في للظرف والمكان إنما يكون ظرفا للعمل إذا كان حاصلا فيه فهذا كله
اشتراط العمل في الكوفة وقد بينا ان هذا شرط مفيد ولو قال خذه مضاربة بالنصف واعمل
به في الكوفة فله أن يعمل به حيث شاء لان الواو للعطف والشئ لا يعطف على نفسه
وإنما يعطف على غيره وقد تكون الواو للابتداء خصوصا بعد الجملة الكاملة وقوله خذه
مضاربة بالنصف جملة تامة وقوله واعمل عطف أو ابتداء فيكون مشورة أشار به عليه لا شرطا
في الأول فان قيل لماذا لم يجعل بمعنى الحال كما في قوله أد إلى ألفا وأنت حر قلنا لأنه غير
صالح للحال هنا فحال العمل لا يكون وقت الاخذ وإنما يكون العمل بعد الاخذ مع أن
الواو تستعار للحال مجازا وإنما يصار إليه للحاجة إلى تصحيح الكلام والكلام صحيح هنا باعتبار
الحقيقة فلا حاجة إلى حمل حرف الواو على المجاز ولو قال خذه مضاربة على أن تشترى به
الطعام أو قال فاشتر به الطعام أو قال تشترى به الطعام أو قال خذه مضاربة بالنصف في الطعام
فهذا كله بمعنى الشرط كما في الأول وهو شرط مفيد وقد يكون المرء مهتديا إلى التصرف
في الطعام دون غيره فيعتبر التقييد ثم يصرف لفظ الطعام في هذا الموضوع إلى الحنطة
والدقيق خاصة ليس له أن يشتري به غيرهما لأنه ذكر لفظ الطعام عند ذكر الشراء وذلك
ينصرف إلى الحنطة والدقيق خاصة باعتبار عرف الناس فان بائع الطعام في عرف الناس من
يبيع الحنطة ودقيقها وسوق الطعام الموضع الذي يباع فيه الحنطة ودقيقها وقد قررنا هذا في
الاقرار والايمان وله أن يستأجر ببعضه شيئا يجوز فيه الطعام أو يبيعه فيه أو سفينة ليحمل
41

فيها الطعام من مصر إلى مصر أو دواب لان هذا كله من صنع التجار في الطعام ولا يجد منه
بدا فلما أمره صاحب المال بذلك مع علمه انه لا يجد بدا من ذلك فقد صار اذنا له بجميع
ذلك وكذلك كل صنف سماه فهو عليه خاصة لأنه تقييد مفيد فان اشترى غيره فهو ضامن
للخلاف وكذلك لو قال خذه مضاربة في الرقيق فليس له أن يشترى به غير الرقيق لما بينا أن
حرف في للظرف ولا يتحقق ذلك الا من حيث العمل في الرقيق وله أن يشترى ببعضه
كسوة للرقيق وطعاما لهم ومالا بدلهم منه ويستأجر ما يحملهم عليه لان التاجر في الرقيق
يحتاج إلى هذا كله عادة فيكون هذا من توابع التجارة في الرقيق وبمباشرة البيع لا يصير
مخالفا ولو قال خذه مضاربة بالنصف واشتر به البر وبع فله أن يشترى به ما بدا له من البر
وغيره لان قوله واشتر به البر مشورة وليس بشرط وكذلك لو قال واشتر به من فلان أو
قال وانظر فلانا وعامله فيه واشتريه البر وبع لان هذا مشورة لا شرط فيبقى الأمر الأول
بعده على اطلاقه ولو دفع إليه مضاربة على أن يشترى من فلان ويبيع منه فليس له أن يشترى
من غيره ولا أن يبيع من غيره لان هذا تقييد بشرط مفيد والناس يتفاوتون في المعاملة في
الاستقضاء والمساهلة ويتفاوتون في ملاءة الذمة وقضاء الديون ولو دفعه إليه مضاربة على أن
يشترى به من أهل الكوفة ويبيع فاشترى وباع بالكوفة من رجل ليس من أهل الكوفة
فهو جائز لان مقصوده هنا تقييد العمل بالكوفة لا تعيين من يعامله وتقييد ذلك بأهل
الكوفة لان طريق جميع أهل الكوفة في المعاملة وقضاء الديون لا يتفق فعرفنا أن مراده
تقييد التصرف بالكوفة وقد وجد ذلك سواء تصرف بالكوفة مع أهل الكوفة أو مع
الغرباء بها وكذلك لو دفعه إليه مضاربة في الصرف على أن يشترى من الصيارفة ويبيع كان
له أن يشترى من غير الصيارفة وما بدا له من الصرف لأنه لما لم يعين شخصا لمعاملته عرفنا
أنه ليس مراده الا التقييد بالمكان وإذا دفع الرجل مالا مضاربة بالنصف فاشترى به حنطة
فقال رب المال دفعته إليك مضاربة في البر وقال المضارب دفعته إلى مضاربة ولم يقل شيئا فالقول
قول المضارب مع يمينه عندنا وقال زفر رحمه الله القول قول رب المال ولو قال المضارب
أمرتني بالبر وقد خالفت فالربح لي قال رب المال لم أسم شيئا فالقول قول رب المال والربح
بينهما على الشرط بالاتفاق فزفر رحمه الله يقول الاذن يستفاد من جهة رب المال و لو أنكر
الاذن أصلا كان القول قوله فكذلك إذا أقربه بصفة دون صفة وقد تقدم نظيره في
42

الإجارات إذا قال الحائك أمرتني بستة في أربعة وقال رب الغزل أمرتك بسبعة في خمسة
ان القول قول رب الغزل وكذلك المعير مع المستعير إذا اختلفا في صفة الإعارة كان
القول فيه قول المعير والوكيل مع الموكل إذا اختلفا كان القول قول الموكل فهذا مثله * وحجتنا
في ذلك أن مطلق المضاربة يقتضى العموم لان المقصود تحصيل الربح وتمام ذلك باعتبار
العموم في التفويض للتصرف إليه والدليل عليه انه لو قال خذ هذا المال مضاربة بالنصف
يصح ويملك به جميع التجارات فلو لم يكن مقتضى مطلق العقد العموم لم يصح العقد الا
بالتنصيص على ما يوجب التخصيص كالوكالة وإذا ثبت ان مقتضى مطلق العقد العموم فالمدعى
لا طلاق العقد متمسك بما هو الأصل والآخر يدعي تخصيصا زائدا فيكون القول قول من
يتمسك بالأصل كما في البيع إذا ادعى أحدهما شرطا زائدا من خيار أو من أجل وبه يتضح
الفرق بين هذا وبين ما استشهد زفر رحمه الله مع أنه لا فرق فان هنا كل واحد منهما يدعى
التخصيص بشئ آخر وفي المضاربة لو ادعى أحدهما التقييد بالبر والاخر بالحنطة كان القول
فيه قول رب المال أيضا لأنهما اتفقا على تغيير مطلق العقد فبعد ذلك القول قول رب المال
باعتبار أن الاذن يستفاد من جهته فأما هنا فأحدهما متمسك بما هو مقتضى العقد فيترجح
قوله لذلك فان أقام كل واحد منهما البينة على ما ادعى من تجارة خاصة أخذ ببينته لأنه أثبت
بالبينة ما يعين مقتضى العقد وهو محتاج إلى اثبات ذلك ولو دفع إليه مالا مضاربة بالنصف
ولم يقل شيئا ثم قال له رب المال بعد ذلك لا تعمل بالمال الا في الحنطة فليس له أن يعمل به
الا في الحنطة لان تقييده الامر بعد الدفع مضاربة لتقييده بذلك عند الدفع وهذا لان رأس
المال ما دام في يد المضارب نقدا فرب المال يملك نهيه عن التصرف فيملك تقييد الامر بنوع
دون نوع لان من يتمكن من دفع شئ أصلا يتمكن من تغيير وصفه بطريق الأولى وبعد
ما صار المال عروضا لو قال لا تعمل به الا في الحنطة لا يعتبر تقييده هذا ما لم يصر المال في يده
نقدا لأنه لا يملك نهيه عن التصرف بعد ما صار المال عروضا ولو نهاه لا يعمل نهيه ما لم يصر
المال في يده نقدا فكذلك لا يملك تغيير صفة الامر بالتقييد وإن كان اشترى ببعض المال ثيابا
ثم أمره بان لا يعمل في المال الا في الحنطة فليس له أن يشتري بما بقي في يده من المال الا في
الحنطة اعتبارا للبعض بالكل وأما الثياب فله أن يبيعها بما بدا له لأنه إذا رجع إليه رأس المال
الذي كان نقد في الثياب فليس له أن يشترى به الا الحنطة وذلك التقييد بعمل الآن اعتبارا
43

للبعض بالكل ولو دفع إلى رجلين مالا مضاربة وأمرهما بان يعملا في ذلك برأيهما فليس لواحد
منهما أن يشترى ويبيع الا بأمر صاحبه لأنه رضى وفوض الامر في العمل إلى رأيهما
ورأي الواحد لا يكون كرأي المثنى فباعتبار هذه الزيادة لا ينفذ تصرف أحدهما وحده
وفي الوكيلين الجواب كذلك ولو دفع إليه المال مضاربة بالنصف ولم يقل شيئا ثم قال بعد
ذلك اشتر به البر وبع فله أن يشتري به غيره وليس هذا بنهي إنما هو مشورة كما لو قال عند
الدفع خذه مضاربة بالنصف واشتر به البر وان قال رب المال دفعته إليك مضاربة في الطعام
خاصة وقال المضارب في البر خاصة فالقول قول رب المال لاتفاقهما على تعيين مقتضي مطلق
العقد بالتقييد وان أقام المضارب البينة أن رب المال دفع إليه المال وأمره أن يشتري ما بدا له
وأقام رب المال البينة أنه نهاه أن يشترى به شيئا غير الطعام وقد وقتت البينتان فإنه يؤخذ ببينة
الوقت الأخير لأنه لا تنافى بينهما فيجعل كان البينتين صدقتا والقول الآخر ينقض الأول
لان النهى بعد الاذن صحيح والاذن بعد النهى عامل وإن لم توقت البينتان وقتا أو وقتت
إحداهما دون الأخرى فالبينة بينة رب المال لأنه هو المحتاج إليها فان القول قول المضارب
لدعواه الاطلاق ولان في بينة رب المال زيادة اثبات التقييد ولو كان ادعى كل واحد منهما
شيئا خاصا وأقام البينة فان وقتت البينتان أخذ بالوقت الأخير لما بينا أن الثاني ينقض الأول
وان وقتت إحداهما أو لم توقتا فالبينة بينة المضارب لأنه هو المحتاج إلى اثبات ما ادعاه
بالبنية فان القول قول رب المال في هذا الفصل ولو دفعه إليه مضاربة على أن يشترى بالنقد
ويبيع فليس له أن يشترى الا بالنقد لان هذا تقييد مفيد في حق رب المال وهو أن يكون
متمكنا من ماله مستردا فان قال المضارب أمرتني بالنقد والنسيئة وقال رب المال أمرتك
بالنقد فالقول قول المضارب مع يمينه عندنا لأنه يدعى ما هو مقتضى مطلق العقد والبينة بينة
رب المال لأنه هو المحتاج إلى اثبات المعين بالبينة ولو أمره أن يبيع بالنسيئة ولا يبيع بالنقد
فباع بالنقد فهو جائز لان هذا خير لصاحب المال والخلاف إلى خير في جنس ما أمر به
لا يكون خلافا في المضاربة كما لو أمره بان يبيعه بألف درهم ولا يبيعه بأكثر من ألف فباعه
بألفين لا يصير مخالفا وهذا لأنه باشر ما به يحصل مقصود الآمر وزيادة خير فكذلك إذا
أمره بالبيع نسيئة فباعه بالنقد قالوا وهذا إذا باعه بالنقد بمثل قيمته أو أكثر أو بمثل ما سمي
له من الثمن فإن كان بدون ذلك فهو مخالف لأنه ليس فيه تحصيل مقصود الآمر في القدر
44

فالشئ يشتري بالنسيئة بأكثر مما يشترى به بالنقد وإذا دفعه إليه مضاربة على أن يشترى به
الطعام خاصة فله أن يستأجر لنفسه دابة إذا خرج للطعام خاصة كما يستأجر للطعام لأنه لا يجد
يدا من ذلك فهو من توابع تجارته في الطعام وله أن يشترى دابة يركبها إذا سافر كما يشترى
التجار لان ركوبه إذا سافر في مال المضاربة كنفقته على ما نبينه في بابه إن شاء الله عز وجل
وربما يكون شراء الدابة أوفق من استئجاره وذلك من صنع التجار عادة وله أن يشترى أيضا
حمولة يحمل عليها الطعام فان ذلك من صنع التجار عادة إذا لم يوجد الكراء أو يكون الشراء
أوفق في ذلك من الكراء فان اشترى سفينة يحمل عليها الطعام فان ذلك لا يجوز على رب
المال لان هذا ليس من صنع التجار عادة ولا يعد شراء السفينة من توابع التجارة في الطعام
فإن كان في بلد يشترى للطعام الحمولة فيحمل عليها فاشترى شيئا من الحمولة فهو جائز استحسانا
في القياس شراء الحمولة ليس من التصرف في الطعام ولكنه استحسن فقال ما يصنعه التجار
عادة إذا خرجوا في حمولة الطعام فذلك يملكه المضارب بتفويض التصرف إليه في هذا
المال في الطعام وما ليس من صنع التجار عادة كشراء السفينة يؤخذ بأصل القياس فيه ويكون
مشتريا ذلك لنفسه فان نقد ثمنها من المضاربة فهو ضامن لما نقد لأنه قضى بمال المضاربة دين
نفسه ولو كان رب المال دفع المال إليه مضاربة بالنصف ولم يسم فاشترى بها طعاما وسفينة
يحمل عليها الطعام أو اشترى دواب جاز ذلك على المضاربة لأنه يملك التجارة في المدفوع إليه
هنا مطلقا وجميع ما اشترى من عقود التجارة وإذا اختلفا بعد ما اشترى بها في غير المصر فقال
أحدهما كانت المضاربة على أن يكون الشراء والبيع في المصر خاصة وقال الآخر لم يسم
شيئا فالقول قول الذي لم يسم شيئا لتمسكه بمطلق العقد في مقتضاه والبينة بينة الآخر لأنه هو
المدعى المحتاج إلى اثبات ما يدعيه بالبينة وإذا دفع إلى رجلين ألف درهم مضاربة ليس لواحد
منهما أن يتصرف في المال الا باذن صاحبه فهو جائز وقد زعم بعض المتأخرين من مشايخنا
رحمهم الله أن ذلك لا يجوز لان صاحب المال ما رضى برأي أحدهما فليس للمضارب أن يرضى
بما لم يرض رب المال به وما ذكره في الكتاب أصح لان الذي أذن لصاحبه في التصرف يكون
كالموكل وللمضارب أن يوكل ولو وكل انسانا واحدا بالتصرف نفذ تصرف الوكيل بيعا
وشراء فكذلك إذا وكل أحدهما صاحبه وان أبضع أحدهما بعض المال بغير أمر صاحبه
فاشترى المستبضع وباع وربح أو وضع فربح ذلك للمضارب الذي أبضع ووضيعته عليه لان
45

ابضاعه صحيح في حق نفسه غير صحيح في حق صاحبه ولا في حق رب المال فيجعل تصرف المستبضع
له كتصرفه بنفسه ولرب المال أن يضمن ان شاء المستبضع ويرجع به المستبضع على الآمر
وان شاء ضمن المضارب الآمر لان كل واحد منهما في حقه غاصب فان ضمنه لم يرجع على
المستبضع بشئ لأنه ملك المال بالضمان فإنما أبضع ملك نفسه ولان المستبضع عامل له لو لحقه ضمان
رجع به عليه ورجوع الآمر عليه بالضمان لا يفيده شيئا فان أذن كل واحد من المضاربين لصاحبه
في أن يبضع ما شاء من المال فأبضع أحدهما رجلا وأبضع الآخر رجلا فذلك جائز عليهما
وعلى رب المال لان فعل كل واحد منهما باذن صاحبه بمنزلة فعلهما جميعا وان باع المضاربان
عبدا من رجل فلكل واحد منهما أن يقبض نصف الثمن من المشترى وإن لم يأذن له شريكه
في ذلك لان كل واحد منهما بائع للنصف وحق قبض الثمن إلى العاقد والعاقد في ذلك لغيره
كالعاقد لنفسه ولا يقبض أكثر من نصف الثمن الا باذن شريكه فان أذن له شريكه في ذلك
فهو جائز كما لو وكل به غيره لان حق قبض النصف الآخر للشريك ولو قال لهما حين
دفع المال إليهما مضاربة لا تبضعا المال فأبضعاه فهما ضامنان له لان هذا نهى مفيد فيكون عاملا
مع العقد وبعده وان أبضعاه رب المال فهو جائز على المضاربة لان قبول رب المال البضاعة
منهما والشراء لهما به فسخ منه لذلك النهى فيكون بمنزلة ما لو أذن لهما في الابضاع أو كان
العقد مطلقا وفي ذلك لا فرق بين أن يبضعا رب المال أو غيره وإذا أبضع المضارب في المضاربة
الفاسدة فهو جائز على رب المال لان الفاسد يعتبر بالجائز في الحكم فإنه لا يمكن تعرف معرفة
الحكم الفاسد الا باعتباره بالجائز فكما لا يصير مخالفا به في المضاربة الجائزة فكذلك لا يصير
مخالفا في المضاربة الفاسدة وللمضارب أجر المثل فيما عمل المستبضع لان عمل المستبضع له
بأمره كعمله بنفسه وقد بينا ان له في المضاربة الفاسدة أجر مثله فيما عمل وكذلك لو كان
قال له اعمل فيه برأيك فإنه ينفذ منه بعد هذا ما ينفذ في المضاربة الصحيحة فلا يصير به
ضامنا ولو دفع إلى رجلين ألف درهم مضاربة على أن لا حدهما ثلث الربح وللآخر مائة در هم
فثلث الربح للمضارب الذي شرط له ثلث الربح وما بقي من الربح فهو لرب المال وعليه أجر
المثل للمضارب الآخر فيما عمل لان المضاربة فيما بينه وبينه فاسدة باشتراطه له مقدارا
مسمى من المال وهذا المفسد غير ممكن فيما هو من صلب العقد بينه وبين الذي شرط له
ثلث الربح فاستحق هو ثلث الربح بالشرط لصحة العقد بينهما فإن لم يعملا به حتى أبضع
46

أحدهما المال مع صاحبه فعمل به أيهما كان فكذلك الجواب لأنا قد بينا أن عمل أحدهما
باذن صاحبه كعملهما إذا كان العقد صحيحا في حقهما أو فاسدا فكذلك إذا كان صحيحا في
حق أحدهما فاسدا في حق الآخر والمضارب الذي شرط له مائة درهم أجر مثله في العمل
بنصف المال سواء كان هو العامل أو صاحبه لان عمله في النصف لصاحبه وعمل صاحبه في
النصف له فيكون كعمله بنفسه وإذا باع المضارب متاع المضاربة وسلمه إلى المشترى ثم أخر
الثمن عن المشترى بعيب أو غير عيب فهو جائز على المضاربة ولا يضمن المضارب بهذا التأخير
شيئا بخلاف الوكيل فهناك عند أبي يوسف رحمه الله لا يصح تأجيله في الثمن وعند أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله يجوز ويصير ضامنا للموكل لان المضارب يملك أن يشترى ما باع بمثل ذلك
الثمن ثم يبيعه بمثله مؤجلا فكذلك يملك أن يؤجله في ذلك الثمن لان ذلك من صنع التجار
وهو يملك ما هو من صنع التجار فاما الوكيل في حق الموكل لا يملك الشراء والبيع ثانيا بثمن
مؤجل فكذلك تأجيله في حق الموكل لا يصح وكذلك لو أحال به المضارب على انسان أيسر
من المشترى أو أعسر منه لان قبول الحوالة من صنع التجار ولو أقال العقد مع الأول ثم باعه
بمثله من المحتال عليه جاز فكذلك إذا قبل الحوالة بالثمن عليه وبه فارق الوكيل والمضارب في
هذه ليس نظير الأب والوصي فان قبولهما الحوالة على من هو أعسر من المحيل لا يصح في
حق الصغير لان تصرفهما مقيد بشرط الأحسن والا صلح له وذلك لا يوجد في قبول الحوالة
على من هو أفلس وتصرف المضارب غير مقيد بمثله بل بما هو من صنع التجار عادة وذلك
يوجد هنا وكذلك لو حط شيئا بعيب مثل ما يحط التجار في مثل ذلك العيب أو يتغابن به
الناس فذلك جائز لأنه من صنع التجار عادة ولو قبله بالعيب ثم باعه منه بغبن يسير ثانيا جاز فكذلك
إذا حط عنه هذا المقدار وان حط عنه شيئا فاحشا أو حط بغير عيب جاز ذلك على المضارب
خاصة في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وهو ضامن ذلك لرب المال وما قبضه من
الثمن فعمل به فهو على المضارب خاصة ورأس المال في ذلك الذي قبضه من المشترى وقال أبو
يوسف رحمه الله لا يجوز هذا الحط لان هذا الحط ليس من صنع التجار فلا يملكه بمقتضى
عقد المضاربة ولكنه هو العاقد فيكون في هذا الحط كالوكيل بالبيع والحط والابراء عن الثمن
من الوكيل بالبيع باطل في قول أبى يوسف رحمه الله صحيح في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما
الله وهو ضامن ذلك للموكل وفي مقدار ما صار ضامنا يبطل حكم المضاربة لان شرط المضاربة
47

الصحيحة أن يكون رأس المال أمانة في يد المضارب وإذا قال رب المال للمضارب اعمل فيه
برأيك فخلطه بماله ثم اشترى به جاز على المضاربة لأنه بتعميم التفويض إلى رأيه يملك الخلط
بماله فلا يصير به مخالفا ولو لم يقل له اعمل فيه برأيك كان هو بالخلط مخالفا ضامنا للمال والربح
له والوضيعة عليه لبطلان حكم المضاربة بفوات شرطها فإن لم يخلطه ولكنه اشترى به وبألف
من ماله عبدا واحدا وقبضه ونقد الثمن قبل أن يخلط فهو جائز على المضاربة كما لو اشترى نصف
العبد بألف المضاربة في صفقة ونصفه بمال نفسه في صفقه أخرى إذ لا فرق بينهما في المعنى وهذا
لان الاختلاط إنما يحصل حكما اما لاتحاد الصفقة أو لاتحاد المحل من غير فعل من المضارب
في الخلط وبمثله لم يصر مخالفا ضامنا كما لو اشترى العبد بألفين ينفذ شراؤه في النصف على
المضاربة وان باع العبد بألفين وقبضه مختلطا فهو جائز على المضاربة لما بينا أن الاختلاط بمعنى
حكمي لا بفعل باشره المضارب قصدا فان عزل حصة المضارب ثم اشترى بأحد المالين فربح
أو وضع فالربح لهما نصفه للمضارب ونصفه على ما اشترطا في المضاربة والوضيعة عليهما
نصفان وقسمته باطلة لأنه لا يكون مقاسما لنفسه فلا يكون أمينا في المقاسمة مع نفسه وقد
بينا في كتاب القسمة أن القسمة لا تتم الا باثنين فكان هذا وشراؤه ببعض المال قبل القبض
سواء والله أعلم
* (باب شراء المضارب وبيعه) *
(قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى الرجلين ألف درهم مضاربة بالنصف وقال لهما
اعملا برأيكما أو لم يقل فاشترى أحدهما بنصف المال بأمر صاحبه وباعه حتى أصاب مالا
وعمل الآخر بنصف المال بغير أمر صاحبه حتى أصاب مالا فالعامل بغير أمر صاحبه مخالف
ضامن لنصف رأس المال لان صاحب المال فوض التصرف في المال إلى رأيهما ولم يرض
برأي أحدهما فيه والعامل بغير أمر صاحبه ينفرد بالرأي فيه حقيقة وحكما فيكون مخالفا
ضامنا وما يحصل بتصرفه من الربح له ويتصدق بالفضل لحصوله له بسبب حرام وأما الذي
عمل بأمر صاحبه فتصرفه حاصل برأيهما حكما فيكون على المضاربة يؤخذ مما في يده نصف
رأس المال والباقي بين المضاربين ورب المال على الشرط كما لو عملا فيه فان توى ما في يد
العامل بغير أمر صاحبه وهو معسر فان رب المال يأخذ جميع رأس المال مما في يد المضارب
48

الذي عمل بأمر صاحبه لان الربح لا يظهر ما لم يصل إليه جميع رأس ماله وما أخذه العامل
الآخر تاو فهو بمنزلة ما لو غصب بعض رأس المال انسان أو استهلكه وتوى بدله عليه
ثم عملا بما بقي وفي هذا يأخذ رب المال جميع رأس ماله ثم قسمة الربح بينهما بعد ذلك
(ألا ترى) أنه لو هلك جميع المال الا عشرة دراهم فتصرفا فيها حتى أصابا مالا فإنه يأخذ رب
المال جميع رأس ماله أولا فهذا مثله فان بقي من الربح شئ أخذ رب المال نصفه وأخذ هذا
المضارب ربعه والربع الباقي نصيب المضارب المخالف من الربح فلا يدفع إليه لان نصف رأس
المال دين عليه وصاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه من مال المديون يأخذه لحقه وإذا ظهر أنه
لا يدفع إليه قلنا إن كان هذا الربع مثل ما توى من حصته من الربح أخذ رب المال والموافق ربع
الربح الذي صار للمخالف فاقتسماه أثلاثا على مقدار حقهما في الربح وإن كان ما توى عليه
أكثر من حصته من الربح أو أقل تراجعوا بالفضل وبيان ذلك أن المال الذي كان في يد
الموافق إن كان ألفا وخمسمائة فأخذ رب المال رأس ماله ألفا بقي خمسمائة فيجمع إلى نصف
رأس المال الذي استهلكه المضارب الآخر فيقسم على أربعة أسهم لرب المال من ذلك
النصف وللمضارب العامل بأمر صاحبه الربع وذلك مائتان وخمسون وبقيت حصة المضارب
الآخر وهو الربع وذلك مائتان وخمسون يحسب لهما عليه ويقسم رب المال والمضارب
الآخر خمسمائة العين على ثلاثة أسهم ويرجعان على المضارب الذي استهلك نصف رأس المال
بمائتين وخمسين درهما فيقسمانها على ثلاثة أسهم فإذا فعل ذلك وصل إلى رب المال خمسمائة
وإلى المضارب الموافق مائتان وخمسون وسلم للآخر مما عليه مائتان وخمسون فاستقام
الحساب ولو لم يهلك ما في يده ولكن هلك ما في يد العامل بأمر صاحبه فان رب المال
يضمن المضارب المخالف نصف رأس ماله ليس له غير ذلك لان نصف رأس المال صار دينا
عليه بالخلاف وتصرفه كان لنفسه ولو كانا حين قبضا الألف مضاربة اقتسماها نصفين
فاشترى أحدهما بنصف المال عبدا ثم أجاز صاحبه شراءه لم يكن العبد من المضاربة بإجازته
لان الإجازة إنما تعمل في العقد الموقوف والشراء هنا نافذ على المشترى فلا يكون إجازة
الآخر تنفيذا للعقد فيكون وجوده كعدمه ولو اشتريا جميعا بالألف عبدا ثم باعه أحدهما
بثمن معلوم فأجازه صاحبه جاز لان البيع من أحدهما توقف على إجازة الآخر باعتبار أنه تعذر
تنفيذه على العاقد ولان ملك العين لغيره فتكون اجازته في الانتهاء كاذنه في الابتداء وهو
49

نظير فضولي باع مال الغير فأجازه المالك ينفذ بإجازته ولو اشترى لغيره ينفذ الشراء على العاقد
ولا يتغير ذلك بإجازة المشترى له وكذلك لو أجازه رب المال لان ملك العين لرب المال
والمضارب الآخر عامل له في الإجازة فإذا كان العقد ينفذ بإجازة الآخر فبإجازة رب
المال أولي والبائع هو الذي يلي قبض الثمن من المشترى لان قبض الثمن من حقوق العقد
فيتعلق بالعاقد وليس للآخر أن يأخذ المشترى بشئ من الثمن الا بوكالة من البائع لان المشترى
لم يعامله بشئ ولو كان أحدهما باع العبد بشئ بعينه فأجازه صاحبه ففي القياس لا تعمل اجازته
لان في بيع المقابضة كل واحد من العاقدين يكون مشتريا عرض صاحبه وقد بينا أن الشراء
لا يتوقف على الإجازة كما لو اشتراه بالدراهم وإذا لم تعمل اجازته فيما اشتراه صاحبه فكذلك
لا تعمل في البدل الآخر وفى الاستحسان ينفذ العقد بإجازته ويكون بدله من المضاربة لان
في العرض الذي هو من جهته هو بائع وبيعه يتوقف على إجازة صاحبه وتجعل اجازته في
الانتهاء بمنزلة اذنه في الابتداء فمن ضرورة اعمال اجازته في نفوذ العقد به في أحد البدلين اعماله
في البدل الآخر ثم هذا العقد في أحد البدلين شراء وفي البدل الآخر بيع ولكنا رجحنا جانب
البيع لان العوض الآخر مذكور في العقد على وجه الثمن فإنهما قرنا به حرف الباء وحرف
الباء يصحب الابدال والأثمان وفى ترجيح جانب البيع بصحيح العقد على الوجه الذي قصد
العاقد عند الإجازة وبقي الضمان على المتصرف والضمان لا يلزمه بالشك فلهذا رجحنا جانب
البيع فإن لم يجز الآخر حتى قبض البائع ما باع به العبد فباعه ثم إن المضارب الآخر أجاز ما صنع
من ذلك فاجازته باطلة لأنه أجاز ما أجاز بيعه قبل اجازته معناه أنه مشتر للعرض الآخر وأكثر
ما فيه أنه اشتراه ببدل يستحق فيملكه بالقبض وينفذ بيعه من جهته وبعد ما نفذ بيعه من جهة
لا يصير للمضاربة بإجازة الآخر فإذا بطلت الإجازة يسترد العبد من المشترى فيكون على المضاربة
وعلى البائع ضمان الذي قبضه وباعه لأنه لما استحق ما يقابله ظهر أنه ملكه بالقبض بسبب
فاسد وقد تعذر رده حين باعه فعليه مثله إن كان له مثل وقيمته إن لم يكن له مثل ولو كان رب
المال هو الذي أجاز بيع العبد بشئ بعينه قبل أن يحدث العامل في ثمنه شيئا جاز بيع العبد
للعامل البائع وله ثمنه وهو ضامن قيمة العبد لرب المال لأنه كان اشترى العرض لنفسه
وأعطى العبد بمقابلته قرضا على نفسه ورب المال مالك للاقراض فيصير بالإجازة كأنه أقرضه
العبد واستقرض الحيوان وإن كان فاسدا ولكنه يملك بالقبض وينفذ فيه تصرف المستقرض
50

وهو ضامن قيمته للمقرض وقد بطلت المضاربة لأنها صارت دينا على المضارب البائع وذلك
ينافي عقد المضاربة ولم يحصل الحكم عند إجازة المضارب الآخر بهذه الصفة لان المضارب
الآخر لا يملك الاقراض في مال المضاربة فلا يمكن اعمال اجازته بطريق اقراض العبد من
صاحبه فاشتغلنا بترجيح جانب البيع لا عمال اجازته ورب المال يملك الاقراض فأمكن ان
يجعل اجازته اقراضا منه فلهذا لم يشتغل فيه بترجيح جانب البيع وإذا دفع إلى رجل ألف
درهم مضاربة بالنصف فاشترى عبدا بألف درهم فلما قبضه قال اشتريته وانا أنوى أن يكون
بالمضاربة وكذبه رب المال والعبد قائم أو هالك فالقول قول رب المضارب لان ما في ضميره
لا يوقف عليه الا من جهته فيقبل قوله فيه ويدفع مال المضاربة في ثمنه لأنه أمين فيما في يده
من المال فيكون مقبول القول فيه كالوكيل بالبيع إذا قال بعت وقبضت الثمن وهلك في يدي
يقبل قوله في ذلك فإن لم يدفعه حتى هلك المال ثم قال المضارب اشتريته وانا أنوى المضاربة
وقد كان الشراء قبل هلاك المال والعبد قائم أو هالك فالقول قول رب المال والعبد للمضارب
لان المضارب يريد بهذا البيان ان يرجع على رب المال بألف أخرى ليدفعه في ثمن العبد
وهو لم يكن مسلطا من جهة رب المال على ذمته لالتزام المال فيها بخلاف الأول فهناك إنما
يريد دفع الألف الذي في يده في ثمنه وهو مسلط على ذلك من جهة رب المال * يوضحه أن
هناك تملك هو دفع ما في يده بانشاء الشراء للمضاربة فيملك ذلك بالاقرار به أيضا وفى هذا
الفصل لا يملك إلزام شئ في ذمة رب المال بانشاء الشراء للمضاربة لان ذلك استدانة على رب
المال والمضارب لا يملك ذلك فكذلك بطريق الاقرار وإن كان هذا القول من المضارب
قبل هلاك المال وكذبه رب المال ثم هلك المال بعد ذلك فإن كان العبد قائما فالقول قول
المضارب لأنه يملك دفع المال بمقابلة هذا العبد بطريق انشاء الشراء فكذلك بطريق الاقرار
وإن كان العبد هالكا حين قال المضارب هذا القول ثم ضاعت الألف بعد ذلك قبل أن
ينقدها المضارب للبائع فالقول قول رب المال لأنه حين أقر ما كان يملك انشاء الشراء في هذا
العبد لكونه هالكا فلا يمكن جعل اقراره كالانشاء وإنما أعملنا اقراره باعتبار انه أمين فيما في
يده من المال وذلك المعنى ينعدم بهلاك المال في يده قبل الدفع فكان القول قول رب المال
وفي الفصل الأول كان عند الاقرار متمكنا من انشاء الشراء في هذا العبد القائم فيجعل
اقراره كانشائه والمضارب إذا اشترى شيئا للمضاربة ثم هلك المال في يده قبل دفع الثمن
51

رجع بمثله على رب المال لأنه في الشراء كان عاملا له فهذا مثله ولو كان المضارب اشترى العبد
بألف المضاربة ثم نقد ثمنه من مال نفسه وقال اشتريته لنفسي وكذبه رب المال فالقول قول
رب المال ويأخذ المضارب ألف المضاربة قصاصا بما أداه لأن الظاهر شاهد لرب المال
فإضافة الشراء إلى الألف المضاربة دليل ظاهر على أنه قصد الشراء للمضاربة ثم لا يتغير ذلك
الحكم بنقده الثمن من مال نفسه فقد يحتاج المضارب إلى ذلك لتعذر وصوله إلى المضاربة في
الموضع الذي يطالبه البائع بإيفاء الثمن ولا يكون هو متبرعا فيما نقد من مال نفسه فيما اشتراه
للمضاربة لأنه قضى به عليه ولكن يأخذ ألف المضاربة قصاصا بما أداه لان ذلك صار دينا له على
مال المضاربة ولو كان اشترى العبد بألف درهم ولم يسم مضاربة ولا غيرها ثم قال اشتريته لنفسي
فالقول قوله لان الحكم هنا ينبني على قصده فإنه يملك الشراء للمضاربة ولنفسه بالألف المرسلة
على السواء وما في ضميره لا يوقف عليه الا من جهته فيكون هو مقبول القول فيه ولو اشترى
المضارب عبدا بألف درهم ولم يسم شيئا ثم اشترى عبدا آخر بألف درهم ولم يسم شيئا ثم قال
نويتها للمضاربة ولم ينقدها في واحد منهما وصدقه رب المال أو كذبه فيهما فالعبد الأول من
المضاربة لأنه حين اشتراه كان في يده من مال المضاربة مثل ثمنه فصح شراؤه للمضاربة ويقبل
قوله في ذلك وحين اشترى العبد الثاني هو لم يكن مالكا شراءه للمضاربة لان مال المضاربة
صار مستحقا في ثمن الأول فلو نفذ الشراء الثاني على المضاربة كان استدانة والمضارب لا يملك
ذلك فصار مشتريا العبد الثاني لنفسه وان قال رب المال إنما اشتريت الثاني للمضاربة فالقول
قوله لأنهما تصادقا على أنه اشترى العبد الثاني للمضاربة فيثبت ذلك بتصادقهما وذلك كالاقرار
من المضارب أنه ما اشترى الأول للمضاربة فإذا ادعى انه اشترى الأول للمضاربة كان مناقضا
والمناقض لا قول له بخلاف ما إذا صدقه رب المال فيهما أو في الأول لأنه مناقض صدقه
خصمه وبخلاف ما إذا كذبه رب المال فيهما لأنه عند الشراء الأول كان هو مالكا الشراء
للمضاربة بيقين فيجب قبول قوله فيه وان كذبه وعند الشراء الثاني ما كان يملك ذلك بيقين
فلا يقبل قوله في الثاني مع تكذيب رب المال إياه ولو كان المضارب اشترى العبدين صفقة
واحدة كل واحد منهما بألف درهم ثم قال نويت كل واحد بالألف المضاربة وصدقه رب
المال في ذلك فنصف كل واحد من العبدين للمضارب ونصفهما للمضاربة لأنه إنما اشتراهما
معا فليس أحدهما بجعله للمضاربة بأولى من الآخر وليس قبول المضاربة في أحدهما بأولى
52

منه في الآخر ولا يمكن تنفيذ شرائه لهما على المضاربة لما فيه من الاستدانة على المال فصار
مشتريا نصف كل واحد منهما للمضاربة ونصفه لنفسه ولو قال رب المال اشتريت هذا بعينه
للمضاربة كان القول قوله لتصادقهما انه اشترى ذلك العبد للمضاربة وذلك يمنع المضارب
من دعوى الشراء للمضاربة في العبد الآخر ولو قال المضارب اشتريتهما بألف من عندي
وبألف من المضاربة فقال رب المال اشتريت هذا بعينه بألف المضاربة فالقول قول المضارب
لان رب المال يدعى تفرق الصفقة والمضارب منكر لذلك فالقول قوله ونصف العبدين على
المضاربة ونصفهما للمضارب وإذا دفع إلى رجل مالا مضاربة بالنصف ثم نهاه بعد ذلك أن
يبيع ويشترى فإن كان المال بعينه في يده فنهى رب المال جائز لان عقد المضاربة لا يتعلق به
اللزوم بنفسه فيملك رب المال فسخه بنهيه عن التصرف وهذا في الابتداء وكالة والموكل
يملك عزل الوكيل قبل تصرفه فان اشترى المضارب بعد ذلك فهو مشتر لنفسه لانفساخ
المضاربة بنهي رب المال وإن كان رب المال نهاه بعد ما اشترى بالمال شيئا فنهيه باطل لان المال
بعد ما صار عروضا بتصرف المضارب قد ثبت فيه حقه في الربح فلا يملك رب المال ابطال
حقه عليه بالنهي عن التصرف وبخلاف ما قبل الشراء فلا حق هناك للمضارب في المال الذي
في يده ثم له أن يبيع ما في يده من العروض بما بدا له من العروض والمكيل والموزون ثم يبيع
ذلك بما بدا له كما قبل نهى رب المال وهذا الآن مقصوده وهو الربح قد لا يحصل بالبيع بالنقد
فقد لا يجد من يشترى ذلك منه بالنقد فيكون له أن يبيعه بما شاء ليحصل مقصوده من الربح
الذي هو حقه فان باع شيئا من ذلك بدراهم بما شاء أو دنانير لم يكن له أن يشترى لان المال
صار نقدا في يده فيعمل ذلك النهى بمنزلة ما لو كان نقدا في الابتداء حين نهاه عن التصرف
ويستوى أن صار بعض المال أو جميعه نقدا في أن النهى يعمل فيما صار منه نقدا فلا يكون له
ان يشترى به شيئا إلا أن له أن يبيع الدنانير بالدراهم حتى يوفى رب المال رأس ماله لان النقود
في حكم المضاربة جنس واحد على ما نبينه فيعمل النهى لذلك ولكن إنما يرد رأس المال على رب
المال من جنس ما قبض حقيقة وحكما ولا يتهيأ له ذلك الا بمبادلة أحد النقدين بالآخر وكذلك
إن كان رأس المال سودا والحاصل في يده بيض فله أن يشترى بها مثل رأس المال وكذلك
لو مات رب المال فان موته ونهيه سواء من حيث إن كل واحد منهما لا يعمل فيما يرجع
إلى ابطال الحق الثابت للمضارب ولو دفع إليه مالا مضاربة وأجاز ما صنع في ذلك من شئ
53

فاشترى بها خمرا أو خنزيرا أو ميتة ومدبرا أو مكاتبا وهو يعلم أولا يعلم فقبض ذلك ودفع
الدراهم فهو ضامن للدراهم لان رب المال إنما أمره بشراء ما يتمكن من بيعه والربح لا يحصل
الا بذلك وقد اشترى بها مالا يجوز بيعه فيه فلا ينفذ شراؤه على المضاربة وإنما يكون مشتريا
لنفسه سواء علم بذلك أو لم يعلم وان نفذ فيه مال المضاربة فهو ضامن للخلاف ولو اشترى
بالمضاربة عبدا شراء فاسدا أو اشترى بها دراهم أكثر منها أو أقل ودفع المال وقبض ما اشترى
فلا ضمان عليه فيما دفع من مال المضاربة لأنه اشترى ما يملكه بالقبض ويجوز بيعه فيه فالمشترى
شراء فاسدا يملك بالقبض فلا يمكن تضمينه بالخلاف لأنه لم يخالف والمضارب لا يضمن بالفساد
كالوكيل ولو دفع إليه ألفا مضاربة وأمره ان يعمل في ذلك برأيه فاشترى بها عبدا يساوى
خمسمائة فهو مخالف مشتر لنفسه ضامن للمال ان دفعه لأنه اشترى بما لا يتغابن الناس في مثله
والمضارب في الشراء كالوكيل والوكيل لا يملك ان يشترى بما لا يتغابن الناس فيه ولو اشترى
العبد بألف درهم وهو يساوى تسعمائة وخمسين جاز على المضاربة لان قدر الخمسين في الألف
مما يتغابن الناس في مثله وذلك عفو في حق الوكيل بالشراء ولو اشترى بها عبدا يساوى
ألفا ثم باعه بمائة درهم جاز في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله لأنه فيما يبيع بمنزلة الوكيل بالبيع
ومن أصله ان الوكيل بالبيع يملك البيع بغبن فاحش وقد بينا هذا الفرق له في كتاب الوكالة
ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة على أن يشترى بها الثياب ويقطعها بيده ويخيطها على أن
ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان فهو جائز على ما اشترطا لان العمل
المشروط عليه مما يصنعه التجار على قصد تحصيل الربح فهو كالبيع والشراء وكذلك لو قال له
على أن يشترى بها الجلود والادم ويخرزها خفافا ودلاء وروايا وأجربة فكل هذا من صنع
التجار على قصد تحصيل الربح فيجوز شرطه على المضاربة ولو دفع إليه مالا مضاربة على
أنهما شريكان في الربح ولم يسم نصفا ولا غيره فهو جائز وللمضارب نصف الربح لان مطلق
الشركة يقتضى التسوية قال الله عز وجل فهم شركاء في الثلث ولو قال على أن للمضارب
شركا في الربح فكذلك في قول أبى يوسف رحمه الله إذ لا فرق بين الشرك والشركة
في اقتضاء ظاهر اللفظ التسوية وقال محمد رحمه الله هذه مضاربة فاسدة لأنه بمعنى النصيب
قال الله تعالى أم لهم شرك في السماوات فكأنه قال على أن للمضارب نصيبا وذلك مجهول *
توضيحه ان الشركة التي تقتضي التسوية ما يكون مضافا إلى الشريكين كما في قوله على أيهما
54

شريكان وهنا أضاف الشركة إلى المضارب خاصة عرفنا أن المراد به النصيب وإذا دفع في
مرضه ألف درهم مضاربة بالنصف فعمل المضارب فربح ألفا ثم مات رب المال من مرضه
ذلك وأجر وأجر مثل المضارب أقل مما شرط له من الربح فيما عمل وعلى رب المال دين يحيط
بما به فللمضارب نصف الربح يبدأ به قبل دين المريض لان عقد المضاربة قد صح فنصيب المضارب
من الربح لم يكن مملوكا لرب المال قط حتى يكون ايجابه للمضارب بطريق الوصية بخلاف
الأجرة فإنه يستحق الأجرة على المستأجر فيعتبر ما زاد على أجر مثله بعد الدين بطريق الوصية
وهذا لا نهما شريكان في الربح واحد الشريكين لا يتملك على صاحبه شيئا إنما يملك كل واحد
منهما حصته من الربح كما حدث ابتداء * توضيحه ان المشروط له بعض ما يحدث بعمله وهو
يملك أن يجعل جميع ذلك له بان يقرضه المال ليتصرف فيه لنفسه فيكون ربحه كله له لا سبيل
للغرماء وورثة المريض عليه فلان يملك جعل بعض الربح له بطريق المضاربة أولى ولو لم يكن
سمى للمضارب ربحا كان له أجر مثل عمله ذلك دينا على المريض كسائر الديون فيضرب به مع
الغرماء في تركته ولا حق له في شئ من الربح ليستحق التقديم فيه على سائر الغرماء ولو دفع
الصحيح ألف درهم مضاربة إلى مريض على أن للمضارب عشر الربح وأجر مثله خمسمائة
فربح ألفا ثم مات من مرضه وعليه دين كثير فللمضارب عشر الربح لا يزاد عليه لان الذي من
جهته مالا حق فيه للغرماء والورثة وهو العمل بمنافعه ولو تبرع به بان عمل لا على وجه
المضاربة بل على وجه البضاعة لم يكن للغرماء والورثة سبيل على صاحب المال فإذا شرط
لنفسه بمقابلة عمله شيئا كان ذلك أولى بالجواز وإن كان ذلك دون أجر مثله وإذا أراد المضارب
أن يرد عبدا اشتراه بالعيب فطلب البائع يمين المضارب ما رضي بالعيب ولا عرضه على بيع منذ
رآه فله ذلك لأنه لو أقر به تعذر الرد فان نكل عن اليمين بقي العبد على المضاربة لأنه مضطر
إلى هذا النكول فإنه لا يمكنه أن يحلف كاذبا وقد بينا في البيوع أن يكون الوكيل ملزما
للموكل فيكون المضارب أولى وكذلك لو أقر المضارب بذلك لان اقراره يتضمن لزوم
البيع فيه فهو بمنزلة شرائه ابتداء وهو يملك ذلك بان يقيله العقد ثم يشتريه ثانيا بخلاف الوكيل
ولو ادعى البائع الرضا على الآمر لم يكن له أن يستحلف المضارب ولا رب المال على ذلك لان
رب المال بمنزلة الموكل وقد بينا في كتاب البيوع ان دعوى الرضا على الموكل لا يوجب اليمين
على الوكيل ولا على الموكل فكذلك في المضاربة ولو اشترى المضارب عبدا لم يره وقد رآه
55

رب المال فللمضارب أن يرده بخيار الرؤية لان رؤية رب المال لا تكون دليل الرضا منه به
فإنه ما كان يعلم أن المضارب يشترى ذلك العبد بعينه لا عند رؤيته ولا عند عقد المضاربة
وبعد الرؤية لو اشتراه رب المال وهو لا يعلم عند الشراء انه ذلك العبد لا يسقط خيار رؤيته
فإذا اشتراه مضاربة أولى أن لا يسقط الخيار بتلك الرؤية ولو رآه المضارب ثم اشتراه لم يكن
لواحد منهما خيار وإن لم يره رب المال لان المضارب عالم عند الشراء بأنه يشترى ذلك الذي
رآه فالرؤية السابقة منه دليل الرضا به وفيما يبنى على الرضا ولزوم العقد العاقد لغيره كالعاقد
لنفسه ولو كان رب المال قد علم أنه أعور قبل أن يشتريه المضارب فاشتراه المضارب وهو
لا يعلم به فله أن يرده بالعيب لان رب المال ما كان يعلم أن مضاربه يشترى ذلك العبد بعينه
فعلمه بالعور لا يكون دليل الرضا منه بعيبه في ملك نفسه ولان المضارب بمطلق العقد يستحق
صفة السلامة فإنه ما كان يعلم بالعيب على العبد ولا علم لرب المال بعيبه فبفوات صفة السلامة
يثبت له حق الرد والوكيل بشراء عبد بغير عينه بألف در هم بمنزلة المضارب في جميع ما ذكرنا
ولو دفع إلى رجل مالا مضاربة على أن يشترى به عبد فلان بعينه ثم يبيعه فاشتراه المضارب
ولم يره وقد رآه رب المال فلا خيار للمضارب فيه ولان المضارب نائب عنه في الشراء ورؤية
رب المال هنا دليل الرضا منه بذلك العيب حين أمر نائبه وكذلك لو كان المضارب رآه ولم
يره رب المال فهذا كالأول في هذا الحكم ولو كان العبد أعور وقد علم به أحدهما لم يكن
للمضارب أن يرده أبدا لأنه إن كان المضارب عالما به فهو ما استحق صفة السلامة بالا قدام
على الشراء بعد علمه بالعيب وإن كان رب المال هو الذي علم به فأمره إياه بالشراء بعينه بعد
علمه بعيبه دليل الرضا منه بالعيب ورضا رب المال معتبر في اسقاط خيار العيب للمضارب
وكذلك الوكيل بشراء عبد بعينه إذا اشتراه وقد كان الآمر رآه أو علم به فليس للوكيل ان
يرده لما قلنا وإذا دفع إليه مالا مضاربة على أن يشتري به الثياب ويبيع فاسم الثياب اسم جنس
للملبوس في حق بني آدم فله أن يشترى به ما شاء من ذلك كالخز والحرير والقز وثياب القطن
والكتان والأكسية والانبجانيات والطيالسة ونحو ذلك وليس له أن يشتري المسوح والستور
والأنماط والوسائد والطنافس ونحو ذلك لان ذلك كله من جنس الفرش لا يتناوله اسم
الثياب في العادة مطلقا والدليل عليه ان بايع هذه الأشياء لا يسمى ثيابا بل الثيابي في الناس
من يبيع ما يلبسه الناس ومطلق اللفظ محمول على المفهوم عرفا ولو دفعه على أن يشترى به
56

البز فليس له أن يشترى به من ثياب الخز والحرير والطيالسة والأكسية شيئا وإنما يشترى
ثياب القطن والكتان فقط لان البزاز في عرف الناس من يبع ثياب القطن والكتان لا من يبيع
الخز والحرير وهذا شئ مبناه على عرف الناس ليس من فقه الشريعة في شئ وإنما يعتبر فيه
ما هو معروف عند الناس في كل موضع وإذا باع المضارب عبدا من المضاربة ثم قبله بعيب
يحدث مثله باقرار أو غيره بحكم أو إقالة فهو سواء وهو على المضاربة بخلاف الوكيل بالبيع
لان الوكيل بالبيع لا يملك الشراء للموكل ابتداء والمضارب يملك الشراء كما يملك البيع
فقبوله بهذه الوجوه لا يكون فوق شرائه ابتداء فيجوز على المضاربة ولو أنكر المضارب
العيب ثم صالحه منه على أن زاده مع العبد دينارا أو ثوبا أو نحو ذلك من المضاربة فهو جائز
على رب المال إن كان مثل ذلك العيب أو أكثر مما يتغابن الناس فيه وإن كان أكثر مما
لا يتغابن الناس فيه أبطلته لان الصلح عن العيب على مثل هذا متعارف بين التجار والمضارب
يملك ما هو من صنع التجار فاما الصلح على أكثر من حصة العيب مما لا يتغابن الناس فيه فليس
من صنع التجار بل هو كالبر المبتدأ ثم هو مأمور بالصلح لاصلاح مال المضاربة لا لافساد
المال وفي الصلح على مثل حصة العيب أو زيادة يسيرة اصلاح فاما في الصلح على أكثر منه
مما لا يتغابن الناس فيه فافساد به ولو اشترى المضارب بألف المضاربة من ولده أو والديه أو
مكاتبه أو عبده وعليه دين يساوى ألف درهم فهو جائز على المضاربة وإن كان يساوى أقل
منه مما يتغابن الناس فيه فهو مشتر لنفسه في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف
ومحمد رحمهما الله هو جائز على المضاربة الا ما اشترى من عبده أو مكاتبه فان قولهما في ذلك
مثل قول أبي حنيفة رحمه الله وقد أطلق في الوكيل جواب هذه المسألة في كتاب البيوع ولم
يفصل بين الشراء بمثل القيمة وبين الشراء بغبن يسير ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول تقسيمه
هنا تقسيم في الوكيل والخلاف في الفصلين في الشراء بغبن يسير فاما الشراء بمثل القيمة فجائز
لان أبا حنيفة رحمه الله يعتبر التهمة وذلك أنما يظهر عند الشراء بغبن يسير وفي حق الأجنبي
ليس بينهما سبب موجب التهمة فيحمل شراؤه بغبن يسير على أنه خفى عليه ذلك وفي حق الآباء
والأولاد بينهما سبب التهمة فيحمل ذلك على الميل إليه وايثاره على الموكل كما في الشهادة فاما
في الشراء بمثل القيمة فلا يتمكن معنى التهمة ومنهم من قال بل هذا التقسيم في المضارب فاما
الوكيل فلا يملك الشراء من هؤلاء لموكله بمثل القيمة والفرق بينهما لأبي حنيفة رحمه الله
57

أن المضارب شريك في الربح فيمنعه ذلك من ترك الاستقصاء والنظر وإن كان يعامل أباه أو ابنه
لأنه يؤثر نفسه عليهما فلهذا جازت معاملته معهم بمثل القيمة فاما الوكيل فعامل للموكل
ولا حق له فيما يشتريه فالظاهر أنه يترك الاستقصاء في المعاملة مع هؤلاء فلهذا لا ينفذ تصرفه
معهم على الموكل * يوضحه ان المضارب أعم تصرفا من الوكيل وقد يستبد بالتصرف على وجه
لا يملك رب المال نهيه وهو بعد ما صار المال عروضا وقد يكون نائبا محضا في بعض الأحوال
فلشبهه بالمستبد بالتصرف قلنا يجوز تصرفه مع هؤلاء بمثل القيمة ولشبهه بالنائب قلنا لا يجوز
تصرفه معهم بغبن يسير فاما الوكيل فنائب محض وهو نائب في تصرف خاص فيكون متهما
في تصرفه مع هؤلاء في حق الموكل وإن كان بمثل القيمة ولو كان العبد يساوى ألفا فأراد
المضارب أن يبيعه مرابحة لم يبعه في قول أبي حنيفة رحمه الله حتى يبين وعندهما يبيعه
مرابحة من غير بيان الا ما اشتراه من مكاتبه وعبده المديون فإنه لا يبيعه مرابحة حتى يبين
وقد تقدم بيان هذه المسألة في كتاب البيوع ولو اشترى بألف المضاربة أباه أو أمه أو أخاه
أو ولده ولا فضل على رأس المال فهو جائز على المضاربة لان المضارب لا يملك شيئا منه إذا لم
يكن في المال فضل فهو يتمكن من بيعه وقد بينا أن للمضارب أن يشترى للمضاربة ما يملك
بيعه وإن كان فيه فضل يوم اشتراه فهو مشتر لنفسه لأنه لو نفذ شراؤه على المضاربة ملك
منه مقدار حصته من الربح فيعتق عليه ذلك الجزء ولا يمكنه بيعه وقد بينا أن المضارب
لا يشترى للمضاربة ما لا يمكن بيعه فكان مشتريا لنفسه فعتق عليه وان نقد ثمنه من مال
المضاربة فهو ضامن لذلك لأنه قضى بمال المضاربة دين نفسه ولو اشترى أبا رب المال
أو ابنه أو أخاه وفيه فضل أولا فضل فيه فهو مشتر لنفسه لأنه لو نفذ شراؤه على المضاربة
ملكه رب المال وعتق عليه بالقرابة فلا يتمكن المضارب من بيعه وليس له أن يشترى بمال
المضاربة مالا يمكنه بيعه فكان مشتريا لنفسه وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فأمر
رجلا أن يقبض من المديون جميع ماله عليه ويعمل به مضاربة بالنصف فقبض المأمور نصف
ما على المديون ثم عمل به فهو جائز على المضاربة ورأس المال فيه ما قبضه اعتبارا للبعض بالكل
وهذا لان الواو للعطف من غير أن تقتضي الترتيب فكان هو في كل جزء من المال مأمورا
بالقبض والعمل به مضاربة فإذا قبض البعض وعمل به كان ممتثلا أمر رب المال ولو قال
له اقبض جميع الألف التي لي على فلان ثم اعمل بها مضاربة كان مخالفا فيما صنع ضامنا للمال
58

والربح له والوضيعة عليه لان حرف ثم للتعقيب مع التراخي فهو أخر الامر بالعمل مضاربة
عن قبض جميع المال فما لم يقبض جميع الألف لا يأتي أو ان العمل بالمال مضاربة فإذا عمل
بالبعض قبل أن يقبض الكل كان مخالفا (ألا ترى) انه لو قال لزوجته أقبضي جميع المال الذي
على فلان ثم أنت طالق فقبضت البعض دون البعض لم تطلق ولو قال أقبضي جميع المال الذي
على فلان وأنت طالق طلقت للحال قبل أن تقبض شيئا إذا لم يزد الزوج واو الحال وإذا دفع
الرجل إلى الصبي أو إلى العبد المحجور عليه مالا مضاربة فاشترى به فربح أو وضع بغير إذن
والد الصبي ومولى العبد جاز على رب المال والربح بينهما على ما اشترطا لأنه من أهل
التصرف لكونه مميزا وإنما يلاقى تصرفه مال رب المال وهو راض بتصرفه ولو استعان
به من غير شرط شئ من الربح له نفذ تصرفه في حقه فإذا شرط لهما نصيبا من الربح أولى
لان ذلك محض منفعة لهما والعبد والصبي لا يلحقهما الحجر بتمحض منفعة والعهدة في البيع
والشراء على رب المال بمنزلة ما لو كانا وكيلين له بالبيع لان في إلزام العهدة إياهما ضررا وهم
محجوران عن اكتساب سبب الضرر فإذا تعذر ايجاب العهدة عليهما لزمت العهدة من ينتفع
بهذا العقد بعدهما وهو رب المال ثم لا تنتقل العهدة إلى الصبي وان كبر وتنتقل إلى العبد إذا
عتق لان العبد مخاطب من أهل إلزام العهدة في حق نفسه ولكن حق المولى كان مانعا من
إلزام العهدة إياه فإذا زال المانع لزمته العهدة والصبي ليس من أهل إلزام العهدة أصلا فلا
يلحقه ذلك وان بلغ وهو بمنزلة الكفالة والاقرار ولو مات العبد في عمل المضاربة وقتل
الصبي وهو في عمل المضاربة بعد ما ربحا فان مولى العبد يضمن رب المال قيمة عبده يوم
عمل في ماله مضاربة بأمره لأنه صار غاصبا له باستعماله بغير إذن مالكه وإذا ضمن قيمته في
ذلك الوقت ملكه بالضمان فجميع ما ربح العبد لرب المال دون مولى العبد لان ذلك كسب
اكتسبه العبد المغصوب والكسب للغاصب إذا ملك العبد بالضمان (ألا ترى) أن المضاربة
لو كانت فاسدة كان للعبد أجر مثله في حياته فإذا مات غرم رب المال قيمته وبطل الاجر
عنه فهذا مثله وأما الصبي إذا قتل في عمل رب المال بعد ما ربح فعلى عاقلة القاتل الدية وان شاء
ورثة الصبي ضمنوا عاقلة رب المال لأنه باستعماله صار متسببا لهلاكه وهذا سبب هو متعد
فيه فيكون بمنزلة جنايته بيده في ايجاب الدية على عاقلته بمنزلة من غصب صبيا حرا وقربه إلى
مسبعة حتى افترسه السبع ثم يرجع على عاقلة رب المال بها على عاقلة القاتل لأنهم قاموا
59

مقام ورثة الصبي حين ضمنوا لهم ديته وهذا لان القاتل مباشر والمتسبب يرجع بما يلحقه من
الضمان على المباشر لأنه هو الذي قرر عليه ذلك بمباشرته فكأنه ألزمه إياه ابتداء ثم يسلم لورثة
الصبي حصته من الربح لان الصبي الحر لا يملك بضمان الدية ولان عاقلة رب المال إنما
غرموا الدية بهلاك الصبي في عمله لرب المال لا لاستعمال رب المال إياه (ألا ترى) أن الصبي
لو مات ولم يقتل كان رب المال بريئا من دينه فلهذا يسلم حصته من الربح لورثته وإذا دفع
الرجل إلى الرجلين ألف درهم مضاربة فمات أحدهما فقال الباقي منهما قد هلك المال فهو
مصدق في نصف المال مع ولا ضمان عليه في شئ من المال لأنه مؤتمن فيما كان في يده
فالقول قوله إذا أخبر بهلاكه مع يمينه وأما الميت فان نصف مال المضاربة دين في ماله لان
نصف المال كان أمانة في يده وقد مات مجهلا والأمين بالتجهيل ضامن لأنه عند الموت يصير
متملكا فيكون ضامنا وإذا دفع المسلم إلى النصراني مالا مضاربة بالنصف فهو جائز لان المضاربة
من المعاملات وأهل الذمة في ذلك كالمسلمين إلا أنه مكروه لأنه جاهل بشرائع الاسلام
فلا نأمن أن يؤكله حراما اما لجهله أو لقصده فإنهم لا يؤدون الأمانة في حق المسلمين قال
الله تعالى لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا أي لا يقصرون في افساد أمر دينكم
ولأنه يتصرف في الخمر والخنزير ويعمل بالربا ولا يتحرز في ذلك فيكره للمسلم أن يكتسب
الربح بتصرف مثله له ولكن مع هذا جازت المضاربة لان الذي من جانب المضارب البيع
والشراء والنصراني من أهل ذلك فان اتجر في الخمر والخنزير فربح جاز على المضاربة في
قول أبي حنيفة رحمه الله وينبغي للمسلم أن يتصدق بحصته من الربح وعندهما تصرفه في الخمر
والخنزير لا يجوز على المضاربة وهو فرع الاختلاف الذي بينا في البيوع في المسلم يوكل
الذمي بشراء الخمر والخنزير فان اشترى ميتة فنقد فيها مال المضاربة فهو مخالف ضامن عندهم
جميعا لأنه اشترى مالا يمكنه أن يبيعه وان تصرفهم في الميتة لا يكون نافذا والمضارب لا يشترى
بمال المضاربة مالا يمكنه أن يبيعه وان أربى فاشترى درهمين بدرهم كان البيع فاسدا لأنهم
يمنعون من المعاملة بالربا لأنفسهم كما يمنعه المسلم منه ولكن لا يصير ضامنا لمال المضاربة والربح
بينهما على الشرط لما بينا أن المضارب لا يصير مخالفا بافساد العقد إذا كان هو يتمكن من
بيع ما اشتراه والمشترى شراء فاسدا يملك بالقبض فينفذ البيع فيه ولا بأس بان يأخذ المسلم
مال النصراني مضاربة ولا يكره له ذلك لان الذي يلي التصرف في المال هنا المسلم وهو
60

يتحرز من العقود الفاسدة في تصرفه في مال غيره كما يتحرز عنه في تصرفه في مال نفسه فان
اشترى به خمرا أو خنزيرا أو ميتة ونقد المال فهو مخالف ضامن لأنه اشترى بمال المضاربة
ما لا يمكنه أن يبيعه فيكون مخالفا كما لو كان رب المال مسلما فان ربح في ذلك رد الربح على
من أخده منه إن كان يعرفه لأنه أخذه منه بسبب فاسد فيستحق رده عليه وإن كان لا يعرفه
تصدق به لأنه حصل له بكسب خبيث ولا يعطى رب المال النصراني منه شيئا لان تصرفه
ما وقع له حين اشترى ما لا يمكنه بيعه وصار به مخالفا ولو دفع المسلم ماله مضاربة إلى مسلم
ونصراني جاز من غير كراهة لان النصراني هنا لا ينفرد بالتصرف ما لم يساعده المسلم عليه
والمسلم لا يساعده في العقود الفاسدة والتصرف في الخمر بخلاف ما إذا كان المضارب نصرانيا
وحده فإنه ينفرد بالتصرف هناك وإذا دفع الرجل ماله مضاربة إلى عبده وعليه دين أو إلى
مكاتبه أو إلى ولده فهو جائز على ما اشترطا لأنه من كسب هؤلاء كالأجنبي فكسب العبد
المستغرق بالدين حق الغرماء وإذا دفع رجل إلى رجلين ألف درهم مضاربة بالنصف فاشتريا
بها عبدا يساوى ألفي درهم وقبضاه فباعه أحدهما بغير أمر صاحبه بعرض يساوى ألفا وأجاز
ذلك رب المال فذلك جائز لان المضارب مشتر ذلك العرض لنفسه مستقرض عبد المضاربة
حين جعله عوضا عما اشتراه لنفسه ورب المال بالإجازة صار مقرضا العبد منه فتعمل اجازته
بهذا الطريق ويكون على المضارب العامل قيمة العبد ألفي درهم ألف من ذلك يأخذها رب
المال برأس ماله وألف أخرى ربحه يأخذ رب المال نصفها ونصفها بين المضاربين فيطرح عن
العامل مقدار نصيبه من الربح وذلك ربع الألف ويغرم ما سوى ذلك وحق المضارب
الآخر بيع لحق رب المال فلا يمتنع لأجله نفوذ إجازة رب المال في حصته ولو كان المضارب
باع العبد بألفي درهم وأجاز ذلك رب المال جاز علي المضاربين ولا ضمان على البائع لأنه غير
مشتر بمال المضاربة شيئا بل هو تابع لمال المضاربة واستقراضه في الفصل الأول كان ضمنا
لشرائه لنفسه ولم يوجد ذلك هنا فكان فعله بيعا مطلقا ان أجازه صاحبه نفذ لاجتماع رأيهما
عليه وان أجازه رب المال نفذ لان المضارب نائب عنه في التصرف وإذا كان ينفذ العقد بإجازة
النائب فبإجازة المنوب عنه أولى ويؤخذ من المشترى الألفان فيكون ذلك على المضاربة
بمنزلة ما لو باعاه جميعا ولو كان المضارب باع العبد بأقل من ألفين بقليل أو كثير بما يتغابن
الناس في مثله أو لا يتغابن فيه فأجاز ذلك رب المال فاجازته باطلة لان فيه نقصانا يدخل على
61

المضارب الآخر (ألا ترى) انه لا ربح في المضاربة حتى يستوفى رأس المال فإن كان النقصان
يدخل عليه لم يجز ذلك عليه إلا أن يرضى بالبيع فإذا لم يرض به رب العبد حتى يبعه المضاربان
جاز وحاصل المعنى أن الإجازة إنما تصح ممن يملك مباشرة العقد ورب المال لا يملك بيع مال
المضاربة بغبن يسير مراعاة لحق المضارب في الربح فكذلك لا يملك إجازة البيع بغبن يسير
من أحد المضاربين أو من أجنبي آخر وهو يملك مباشرة البيع بمثل القيمة فكذلك يملك
إجازة بيع أحدهما بمثل القيمة وهذا لان رب المال غير مسلط على هذا التصرف من جهة من
له الحق وهو المضارب فيستوى في حقه الغبن اليسير والفاحش كالمريض في حق ورثته
بخلاف الوكيل بالشراء فإنه مسلط على التصرف من جهة الموكل فيجعل الغبن اليسير عفوا
في حقه بخلاف الوصي فهو مسلط على التصرف في حق الصبي شرعا فيقام ذلك مقام التسليط
من جهته أن لو كان من أهله وعلى هذا لو كان رب المال هو الذي باعه وأجازه أحد المضاربين
فإن كان باعه بمثل القيمة فهو جائز وان باعه بدون القيمة بقليل أو كثير لم يجز حتى يجيزاه
جميعا ولو كان أحد المضاربين باع العبد ببعض ما ذكرنا من الثمن فأجازه المضارب الآخر ولم
يجز رب المال فهو جائز إن كان باعه بأقل من قيمته بما يتغابن الناس فيه وإن كان بما لا يتغابن
الناس فيه لم يجز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وهو جائز في قول أبي حنيفة رحمه الله
بمنزلة ما لو كان باعاه جميعا وأصل المسألة في الوكيلين بالبيع والله أعلم
* (باب نفقة المضارب) *
(قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى رجل مالا مضاربة بالنصف فعمل به في مصره
أو في أهله فلا نفقة له في مال المضاربة ولا على رب المال لان القياس أن لا يستحق
المضارب النفقة في مال المضاربة بحال فإنه بمنزلة الوكيل أو المستبضع عامل لغيره بأمره أو
بمنزلة الأجير لما شرط لنفسه من بعض الربح وواحد من هؤلاء لا يستحق النفقة في المال
الذي يعمل فيه الا انا تركنا هذا القياس فيما إذا سافر بالمال لأجل الصرف فبقي ما قبل السفر
على أصل القياس وهذا لان مقامه في مصره أو في أهله لكونه متوطنا فيه لا لأجل مال
المضاربة (ألا ترى) أنه قبل عقد المضاربة كان متوطنا في هذا الموضع وكانت نفقته في مال
نفسه فكذلك بعد المضاربة فاما إذا خرج بالمال إلى مصر يتجر فيه كانت نفقته في مال
62

المضاربة في طريقه وفى المصر الذي يأتيه لأجل العادة وهذا لان خروجه وسفره لأجل
مال المضاربة والانسان لا يتحمل هذه المشقة ثم ينفق من مال نفسه لأجل ربح موهوم
عسى يحصل وعسى لا يحصل بل إنما رضى بتحمل هذه المشقة باعتبار منفعة تحصل له وليس
ذلك الا بالانفاق من ماله الذي في يده فيما يرجع إلى كفايته بخلاف الوكيل والمستبضع فإنه
متبرع في عمله لغيره غير طامع في شئ من ماله لأجله وبخلاف الأجير لأنه عامل له ببدل
مضمون في ذمة المستأجر وذلك يحصل له بيقين فاما هذا فغير متبرع ولا هو مستوجب بدلا
مضمونا بل حقه في ربح عسى يحصل وعسى لا يحصل فلا بد من أن يحصل له بإزاء ما تحمل
من المشقة شئ معلوم وذلك نفقته في المال وهو بمنزلة الشريك والشريك إذا سافر بمال
الشركة فنفقته في ذلك المال وهو مروى عن محمد رحمه الله فالمضارب كذلك وهذا لأنه فرغ نفسه
عن اشغاله لأجل مال المضاربة فهو كالمرأة إذا فرغت نفسها لزوجها بالمقام في بيته فاما في المصر
فما فرغ نفسه لمال المضاربة فلا يستوجب نفقته فيه ونفقته طعامه وكسوته ودهنه وغسل
ثيابه وركوبه في سفره إلى المصر الذي أتاه بالمعروف على قدر نفقة مثله لان هذا كله مما لا بد
منه في السفر وفى النوادر عن أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ان دهنه ليس من جملة
النفقة وكأنهما أرادا به في الموضع الذي لا يحتاج فيه إلى استعمال الدهن عادة فتكون الحاجة
إليه نادرة والثابت عرفا لا يثبت فيما هو نادر ومراد محمد رحمه الله إذا سافر إلى المواضع التي
يحتاج فيها إلى استعمال الدهن عادة وذلك في ديار الحجاز والعراق ثم المستحق نفح نفقة المثل وهو
المعروف كما في نفقة الزوجة فان أنفق أكثر من ذلك حسب له من ذلك نفقة مثله وكان
ما بقي عليه في ماله فإذا رجع إلى مثله وقد بقي معه ثياب أو طعام أو غيره رده في مال المضاربة
لان استحقاقه قد انتهى برجوعه إلى مصره فعليه رد ما بقي كالحاج عن الغير إذا بقي معه شئ
من النفقة بعد رجوعه وكالمولى إذا بوأ أمته مع زوجها بيتا ثم شغلها بخدمته وقد بقي معها
شئ من النفقة كان للزوج أن يسترد ذلك منها فاما الدواء والحجامة والكحل ونحو ذلك ففي
ماله خاصة دون مال المضاربة وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله ان ذلك كله في مال
المضاربة لان مال المضاربة مدة سفره في حاجته كمال نفسه فكما أنه يصرف مال نفسه في هذه
الأشياء كما يصرف في النفقة فكذلك مال المضاربة * وجه ظاهر الرواية انه إنما يستوجب
النفقة في مال المضاربة وثمن الدواء وأجرة الحجام وما يحتاج إليه من العلاج ليس من النفقة
63

(ألا ترى) أن الزوجة لا تستحق شيئا من ذلك على زوجها بخلاف النفقة ثم الحاجة إلى هذه
الأشياء غير معتادة بل هي نادرة والنادر لا يستحق بطريق العادة وكذلك جارية الوطئ
والخدمة لا يحتسب بثمنها في المضاربة لان ذلك ليس من أصول حوائجه بل يكون للترفه وقضاء
الشهوة ولان ما قصد لشرائها لا ترجع منفعته إلى مال المضاربة ولو استأجر أجيرا يخدمه في
سفره وفي مصره الذي أتاه ليخبز له ويطبخ ويغسل ثيابه ويعمل له ما لابد له منه احتسب
بذلك على المضارب لأنه لو لم يستأجر احتاج إلى إقامة هذه الاعمال بنفسه فإنه ما لابد له منه وإذا
عمل له أجيره تفرغ هو للعمل في مال المضاربة فكان في هذا الاستئجار منفعة للمضاربة
وكذلك لو كان معه غلمان له يعملون في المال كانوا بمنزلته ونفقتهم في مال المضاربة لان نفقتهم
كنفقته وهم يعملون له في المال كما يعمل هو ومن يستحق نفقته على انسان يستحق نفقة
خادمه كالمرأة على زوجها إلا أنها لا تحتاج إلى الزيادة على خادم واحد في عملها للزوج في بيته
وقد يحتاج المضارب إلى غلمان يعملون في المال معه فلهذا كانت نفقتهم في مال المضاربة وكذلك
لو كان للمضارب دواب يحمل عليها متاع المضاربة إلى مصر من الأمصار كان علفها على المضاربة
ما دامت في عملها لأنها بالعلف تتقوى على حمل المتاع ومنفعة ذلك راجعة إلى مال المضاربة
وإذا أراد القسمة بدأ برأس المال فأخرج من المال وجعلت النفقة مما بقي فان بقي من ذلك
شئ فهو الربح يقسم بين المضارب ورب المال على ما اشترطا وكذلك لو كان أنفق في سفره
من المال بعضه قبل أن يشترى به شيئا ثم اشترى بالباقي وباع وربح استوفى رب المال رأس
ماله كاملا لان ما أنفقه المضارب يجعل كالتاوي وقد بينا أن العقد يبقى في الكل بعد هلاك
بعض رأس المال فيحصل جميع رأس المال وما بقي فهو بينهما على الشرط ولو دفع المال مضاربة
إليه فخرج إلى السواد يشترى به الطعام وذلك مسيرة يوم أو يومين فأقام في ذلك المكان
يشترى ويبيع فإنه ينفق في طريقه ومقامه في ذلك المكان من مال المضاربة وهذا ومسيرة
ثلاثة أيام في المعني سواء لأنه إنما فارق وطنه لعمله في مال المضاربة وكذلك لو أقام في هذا الموضع
أيضا فيستوجب النفقة في مال المضاربة ولو كان في المصر الذي فيه أهله إلا أن المصر عظم
أهله في أقصاه والمقام الذي يتجر فيه في الجانب الآخر وكان يقيم هناك ليتجر ولا يرجع إلى
أهله فلا نفقة له في مال المضاربة لان نواح المصر في حكم ناحية واحدة (ألا ترى) أن المقيم في
ناحية من المصر يكون مقيما في جميع نواحيه وإذا خرج من أهله على قصد السفر لا يصير مسافرا
64

ما لم ينفصل من عمران المصر وقد بينا أن مقامه في المصر لم يكن لا جل المضاربة وعلى هذا قيل
لو كان يخرج للعمل إلى موضع قريب ويعود إلى أهله قبل الليل فإنه لا ينفق من مال المضاربة لأنه
مقيم في أهله إذا كان خروجه إلى موضع لا يحتاج إلى أن يبيت في غير أهله ولو كان له أهل بالكوفة
وأهل بالبصرة ووطنه فيهما جميعا فخرج بالمال من الكوفة ليتجر فيه بالصبرة فإنه ينفق من مال
المضاربة في طريقه فإذا دخل البصرة كانت نفقته على نفسه ما دام بها فإذا خرج منها راجعا إلى
الكوفة أنفق من مال المضاربة في سفره لان سفره في الذهاب والرجوع لا جل المضاربة أما في
البلدتين فهو مقيم في أهله وإقامته في أهله ليس لأجل المضاربة ففي البلدتين ينفق من مال نفسه
ولو كان أهل المضارب بالكوفة وأهل رب المال بالبصرة فخرج بالمال إلى البصرة مع رب المال
ليتجر فيه فنفقته في طريقه وبالبصرة وفى رجوعه إلى الكوفة من مال المضاربة لان مقامه
بالبصرة لأجل مال المضاربة إذ ليس له أهل بالبصرة لتكون البصرة وطن الإقامة له ويستوى
ان نوى الإقامة بها خمسة عشر يوما أو أقل لان التاجر في المال العظيم قد يحتاج إلى هذا القدر
من المقام في بلده لأجل التصرف في المال وبهذه النية تصير البصرة وطنا مستعارا له بخلاف ما
لو كان له بها أهل أو تأهل بها لأنه حينئذ تصير البصرة وطن اقامته ولو دفع إليه المال مضاربة
وهما بالكوفة وليست الكوفة بوطن للمضارب لم ينفق على نفسه من المال ما دام بالكوفة
لان اقامته بالكوفة على أي وجه كان ليس لأجل المضاربة (ألا ترى) أنه قبل عقد المضاربة
كان مقيما بها فلا يستوجب النفقة في مال المضاربة ما لم يخرج منها فان خرج منها إلى وطنه ثم
عاد إليها في تجارته أنفق بالكوفة من مال المضاربة لأنه حين سافر بعد عقد المضاربة استوجب
النفقة في مال المضاربة وصارت الكوفة في حقه كسائر البلدان لان وطنه بها كان مستعارا
وقد انتقض بالسفر فرجوعه بعد ذلك إلى الكوفة وذهابه إلى مصر آخر سواء فان تزوج
بها امرأة واتخذها وطنا زالت نفقته عن مال المضاربة لان مقامه بها بعد ما تزوج بها واتخذها
دارا لأجل أهله لا لأجل مال المضاربة فهي بمنزلة وطنه الأصلي وإذا سافر المضارب بالمال
فأعانه رب المال بغلمانه يعملون معه في المضاربة أو أعانه بدوابه لحمل المتاع الذي يشترى
بالمضاربة عليها فان المضاربة لا تفسد بهذا كما لو أعانه بنفسه في بعض الاعمال ونفقة الغلمان
والدواب على رب المال دون مال المضاربة لان نفقة غلمان رب المال وعلف دوابه كنفقة
نفسه ورب المال لو سافر معه ليعينه على العمل في مال المضاربة لم يستوجب نفقة في مال
65

المضاربة بهذا السبب فكذلك نفقة غلمانه ودوابه بخلاف غلمان المضارب ودوابه فان نفقتهم
كنفقته وهو يستوجب نفقة نفسه في مال المضاربة إذا سافر لأجله فكذلك نفقة غلمانه
ودوابه فان أنفق على غلمان رب المال ودوابه من مال المضاربة بغير أمر رب المال ضمنه من
ماله بمنزلة ما ينفق على أجنبي آخر لأنه صرف مال المضاربة إلى وجه غير مستحق صرفه إليه
بحكم المضاربة فيصير كالمستهلك لذلك المال وإن كان أنفقه بأمر رب المال حسب ذلك على
رب المال لأنه صرف إلى ملكه بأمره بمنزلة صرفه إليه فيحسب ذلك على رب المال وفى
الأصل أوضح هذا الفرق فقال لو لم أجعل نفقة غلمان المضارب في المضاربة جعلتها على المضارب
لا محالة وكل نفقة تلحق المضارب في سفره في المضاربة فذلك في مال المضاربة ونفقه غلمان
رب المال لو لم أجعلها في مال المضاربة كان ذلك على رب المال وهذا في المعنى اعتبار نفقه
هؤلاء بنفقة نفسه على ما بينا ولو دفع المضارب مال المضاربة إلى عبده ليخرج به إلى مصر
فيشترى به ويبيع فخرج به كانت نفقته في مال المضاربة لان نفقة عبده كنفقته وهو لو خرج
بنفسه أنفق من مال المضاربة فكذلك عبده إذا خرج (ألا ترى) أنى لو لم أجعل نفقته على
المضاربة جعلتها على المضارب ولو كان ذلك عبد رب المال باعانته واذنه فنفقته على مولاه
ولا تكون على المضاربة بمنزلة ما لو خرج رب المال بنفسه على وجه الإعانة للمضارب في عمله
فإن كان العبد أنفق على نفسه بأمر رب المال فذلك محسوب على رب المال كما لو كان هو الذي
أنفق على نفسه ولو أبضعه المضارب مع رجل لم يكن للمستبضع نفقة في مال المضاربة لان
المستبضع متبرع ولأنه لا يسافر عادة لأجل البضاعة بخلاف المضارب ولو أبضعه المضارب
مع رب المال فعمل به فهو على المضاربة والربح بينهما على الشرط لأنه معين للمضارب
متبرع فيما أقام من العمل فلا يفسد به عقد المضاربة بينهما كالشريكين في المال إذا عمل أحدهما
ولم يعمل الآخر شيئا ولا نفقة لرب المال على المضاربة لأنه بمنزلة المستبضع إذا كان أجنبيا
وإذا دفع إلى رجل مالا مضاربة وأمره أن يعمل فيه برأيه فدفعه المضارب إلى اخر مضاربة
فسافر الآخر بالمال إلى مصر ليشترى ويبيع فنفقته على المضاربة لأنه بمنزلة المضارب الأول
فان بعد قول رب المال اعمل فيه برأيك للمضارب أن يدفعه مضاربة ويقوم هو في ذلك
مقام رب المال فكما أن نفقة المضارب الأول في سفره في مال المضاربة فكذلك نفقة
المضارب الثاني وإذا دفع الرجل إلى رجل ألف درهم مضاربة فخرج المضارب فيها وفى
66

عشرة آلاف من مال نفسه إلى مصر ليشترى بها ويبيع فان نفقته على أحد عشر سهما
جزء منها في مال المضاربة وعشرة أجزاء في مال نفسه لأنه يحتمل أن يكون خروجه لأجل
مال المضاربة ويحتمل أن يكون خروجه لأجل مال نفسه احتمالا على السواء فينظر إلى
منفعة خروجه وعمله وذلك يختلف بقلة المال وكثرته فيقسم النفقة على قدر ذلك لان المغرم
مقابل بالمغنم وكذلك لو قال له اعمل فيه برأيك فخلط ماله بمال المضاربة ثم خرج لأنه بعد
هذا القول لا يصير ضامنا بالخلط فكان اخراجه المالين بعد الخلط كاخراجه قبل الخلط وكل
مضاربة فاسدة فلا نفقة للمضارب فيها على مال المضاربة لان بعد فساد المضاربة هو بمنزلة
الا جير (ألا ترى) أنه يستوجب أجر المثل ربح أولم يربح والا جارة الفاسدة معتبرة بالصحيحة
فكما أن في الإجارة الصحيحة لا يستوجب النفقة على المال لأنه استوجب بدلا مضمونا
بمقابلة عمله فكذلك في الإجارة الفاسدة فان أنفق على نفسه من المال حسب من أجر مثل
عمله وأخذ بما زاد عليه إن كان أنفق أكثر من أجر المثل لأنه صاحب دين ظفر بجنس حقه
من مال مديونه وأخذ أكثر من حقه وفي هذا يلزمه رد الزيادة وإذا أنفق في المضاربة
الصحيحة في سفره من مال المضاربة فلما انتهى إلى المصر الذي قصده لم يشتر شيئا حتى رجع
بالمال إلى مصره فأخذ رب المال ما بقي منه لم يكن على المضارب ضمان ما أنفق لأنه أنفق بحق
مستحق له فان سفره كان لأجل المضاربة وبأن لم يشتر شيئا لا يتبين أن سفره لا يكون لأجل
المضاربة فالتاجر لا يشترى بالمال في كل موضع يأتيه للتجارة لا محالة ولكن ان وجد ما يربح
عليه اشترى والا رجع بالمال وذلك أرفق الوجهين له فإن كان ما فعله من صنع التجار لا يخرج
هو به من أن يكون مستحقا للنفقة على المال فلا يضمن ما أنفق وإذا مر المضارب على
العاشر بمال المضاربة وأخبره به وأخذ منه العشر فلا ضمان على المضارب فيما أخذ منه العاشر
وقد بينا في كتاب الزكاة أن على قول أبي حنيفة الأول رحمه الله العاشر يأخذ به الزكاة
وعلى قوله الآخر وهو قولهما لا يأخذ منه شيئا فما أخذه العاشر اما أن يكون تاويا أو مأخوذا
بحق فلا ضمان فيه على المضارب وإن كان هو الذي أعطى العاشر بغير إلزام من العاشر له
فهو ضامن لما أعطى وكذلك أن صانعه بشئ من المال حتى كف عنه فهو ضامن لما أعطى
لأنه أعطى باختياره إلى من لا حق له في أخذه منه فيكون هو مستهلكا لما أعطى كما لو وهبه
من أجنبي آخر (قال الشيخ) الامام الاجل رحمه الله وكان شيخنا الامام رحمه الله يقول الجواب
67

في زماننا بخلاف هذا ولا ضمان عل المضارب فيما يعطى من مال المضاربة إلى سلطان طمع
فيه وقصد أخذه بطريق الغصب وكذلك الوصي إذا صانع في مال اليتيم لأنهما يقصدان
الاصلاح بهذه المصانعة فلو لم يفعل أخذ الطامع جميع المال فدفع البعض لاحراز ما بقي من
جملة الحفظ في زماننا والأمين فيما يرجع إلى الحفظ يكون ضامنا كما لو وقع الحريق في بيت
المودع فناول الوديعة أجنبيا فأما في زمانهم فكانت القوة لسلاطين العدل فكان الأمين متمكنا
من دفع الامر إليهم ليدفعوا الظالم عن الأمانة فلهذا قال إذا صانع بشئ من المال فهو ضامن
لما أعطى وإذا اشترى المضارب بالمال متاعا أو لم يشتر به شيئا فنهاه رب المال أن يخرج من
البلدة فليس له أن يخرجه من ذلك البلد أما قبل الشراء بالمال فالجواب صحيح واضح لأنه
يملك نهيه عن التصرف أصلا ما بقي المال نقدا في يده فإذا قيد الامر بشئ دون شئ كان
أقرب إلى الصحة والحال قبل الشراء بعد العقد كحال العقد في انتفاء صفة اللزوم في حق كل
واحد منهما وانعدام حق المضارب فكما أنه يملك التقييد عند العقد فكذلك بعد العقد قبل
الشراء بالمال فاما بعد الشراء بالمال فمن أصحابنا رحمهم الله من يقول إنما يستقيم الجواب على الرواية
التي رويت انه ليس للمضارب أن يسافر بالمال بمطلق المضاربة وموضوع هذه المسألة فيما إذا قال
له اعمل برأيك فإنما يملك المسافرة باعتبار هذه الزيادة وهو يملك رفع هذه الزيادة بعد الشراء
فكذلك يملك التقييد فيما هو مستفاد بهذه الزيادة فأما على الرواية التي قلنا بمطلق العقد له حق
المسافرة بالمال لا يستقيم هذا الجواب لأنه بعد صيرورة المال عروضا لا يملك نهيه عما صار مستفادا
له بمطلق العقد وهو حق التصرف فيه فكذلك لا يملك التقييد فيه بالنهي عن المسافرة بالمال
والأصح أن نهيه عن المسافرة بالمال عامل على الاطلاق وإن كان بمطلق المسافرة لدلالة
اسم العقد فالمضاربة مشتقة من الضرب في الأرض أو لمراعاة ما نص عليه رب المال من
حفظه المال بنفسه عند خروجه مسافرا كما في الوديعة وهذا كله ينعدم بالنهي عن المسافرة
بالمال بخلاف أصل التصرف فان حق المضارب يثبت بالتصرف حين صار المال عرضا لان
ربحه لا يظهر الا بالتصرف ورب المال لا يملك ابطال حقه أما بالنهي عن المسافرة بالمال فليس
فيه ابطال حق المضارب لتمكنه من التصرف في البلدة وإنما فيه ايفاء حق رب المال في أن
يكون ماله مصونا عن أسباب الهلاك وهذا مملوك له بعد ما صار المال عروضا كما كان قبله فان
أخرجه ضمنه للخلاف والأمين متى خالف ما أمر به نصا كان ضامنا وما أنفق على نفسه
68

أو على المال بعد ما صار ضامنا له فهو في ماله خاصة بمنزلة الغاصب فإن لم يحدث فيه حدثا
حتى رده إلى البلد فهو برئ من ضمانه لأنه عاد إلى الوفاق بعد ما خالف والعقد قائم بينهما
فيعود أمينا كما كان وكذلك لو لم ينهه ولكن رب المال مات والمضاربة في يد المضارب عين
أو متاع فسافر به المضارب بعد موته لان المال بالموت انتقل إلى الورثة ولم يوجد منهم الرضا
بسفره به قط وما كان من رضا رب المال به قد انقطع بموته فذلك بمنزلة نهيه عن المسافرة
بالمال إذا بلغه فالنهي لا يعمل في حقه ما لم يعلم به ولا فرق في الموت بين أن يعلم به أولا يعلم
لأنه عزل حكمي فلا يتوقف على العلم به كعزل الوكيل بموت الموكل وإذا سافر المضارب
بالمال فاشترى به متاعا في بلد آخر فمات رب المال وهو لا يعلم بموته ثم سافر بالمتاع حتى أتى
مصرا فنفقة المضارب بعد موت رب المال على نفسه دون المضاربة لان حكم المضاربة في حق
المسافرة بالمال قد انتهى بموت رب المال وإن لم يعلم به المضارب وباعتباره كان ينفق من
مال المضاربة فنفقته بعد ذلك في سفره على نفسه وهو ضامن لما يهلك من المتاع في الطريق
فان سلم حتى يبيعه جاز يبيعه لان بالموت لا يمتنع عليه بيعه في أي موضع باعه كما لا يمتنع عليه
ذلك بالنهي عن التصرف بعد علمه به لما في التصرف من حق المضارب وقد سبق ثبوت
حقه بثبوت حق الورثة فلا يبطل لحقهم لو كان المضارب خرج بالمتاع من ذلك المصر قبل
موت رب المال لم يكن عليه ضمان وكانت نفقته في سفره حتى ينتهى إلى المصر ويبيع المتاع
على المال لأنه لا يتمكن من المقام في المفازة أو في موضع لا يتمكن من بيع المتاع كما هو
عادة التجار فهو في نفقته على السفر إلى أن ينتهى إلى المصر ويبيع المتاع موافق لا مخالف
فتكون نفقته في المال ولو كان رب المال مات والمضارب بمصر من الأمصار غير مصر رب
المال والمضاربة متاع في يده فخرج بها إلى مصر رب المال ففي القياس هو ضامن ولا يستوجب
النفقة في المال لأنه ينشئ سفرا بالمال بعد ما انعزل عنه بموت رب المال ولا حاجة به إلى
ذلك فإنه في موضع أمن ويتمكن من التصرف في المال وهذا وسفره إلى مصر آخر سواء
وفى الاستحسان لا ضمان عليه ونفقته حتى يبلغ مصر رب المال على المضاربة لان هذا سفر
لا يجد المضارب منه بدا فإنه لا بد من أن يسلم المال إلى الورثة ليسلم له نصيبه من الربح ولا
يتأتى له ذلك الا بالعود إلى مصر لان ورثته فيه بخلاف سائر الا مصار والعقد يبقى لأجل
الحاجة إليه كما إذا مات صاحب السفينة وهي في لجة البحر أو مات المكارى للدابة في طريق
69

الحج بخلاف سفره إلى مصر آخر فإنه غير محتاج إلى ذلك وكذلك لو كان رب المال حيا
فأرسل إليه رسولا ينهاه عن الشراء والبيع وفي يده متاع فخرج بها إلى مصر رب المال فانى
لا أضمنه ما هلك من المتاع في سفره واجعل نفقته في المال استحسانا لأنه لا بد من أن يرجع
بالمال إلى مصر رب المال كما لا بد له من أن يبيعه إذا نهاه في المصر فكما أن نهيه في ذلك
لا يعمل ايفاء لحق المضارب في حصته من الربح فكذلك في هذا المقدار لا يعمل نهيه ولو كانت
المضاربة في يده دراهم أو دنانير فمات رب المال والمضارب في مصر آخر وكان رب المال
حيا فأرسل إليه ينهاه عن الشراء والبيع فاقبل المضارب بالمال إلى مصر رب المال فهلك في
الطريق فلا ضمان عليه لأنه لا يجد بدا من رد المال عليه ولا يتمكن من ذلك ما لم يأت به
مصره به فيسلمه إليه أو إلى ورثته (ألا ترى) انه لو تركه هناك عند غيره وخرج إلى مصر
رب المال كان مخالفا ضامنا وهو بما صنع يتحرز عن الخلاف فلا يضمنه لانعدام السبب
الموجب للضمان فان سلم حتى قدم وقد أنفق منه على سفره فهو ضامن للنفقة لان عقد
المضاربة لا يبقى بعد موت رب المال أو نهيه إذا كان المال في يده نقدا فان بقاء العقد ببقاء
حق المضارب في المال ولا حق له في المال هنا فهذا المال بمنزلة الوديعة في يده والمودع
لا يستوجب النفقة في مال الوديعة (ألا ترى) أنه ليس له أن يشترى به شيئا لرب المال ولو
فعل ذلك كان ضامنا بخلاف ما إذا كان المال عروضا فقد بقي العقد هناك لبقاء حق المضارب
(ألا ترى) أنه يملك البيع على رب المال فكذلك يستوجب النفقة في سفر لا بد له منه وإذا
اشترى المضارب بالمال وباع فصار المال دينا على الناس ثم أبى أن يتقاضاه فإن كان فيه فضل
أجبر على أن يتقاضاه وإن لم يكن له فيه فضل لم يجبر على أن يتقاضاه لأنه إذا كان فيه فضل
فقد استحق المضارب نصيبه من الربح بعمله فيجبر على اكمال العمل كالأجير وذلك بالتقاضي
حتى يقبض المال وإن لم يكن فيه فضل فالمضارب كالوكيل في التصرف إذا لم يستوجب بإزاء
تصرفه شيئا والوكيل بالبيع لا يجبر على تقاضى الثمن ولكن يؤمر بان يحيل به الموكل على
المشترى فكذلك هنا يؤمر بأن يحيل به رب المال على الغرماء لأنه لا يتمكن من مطالبتهم
إذا لم يعاملهم وليس في امتناع المضارب من أن يحيله بالمال عليهم الا التعنت والقصد إلى اتواء
ماله فيمنع من ذلك * توضيح الفرق انه إذا كان في المال فضل فلا بد للمضارب من أن
يتقاضى نصيبه من الربح ويقبض فإذا قبض سلم له ذلك ولكنه يؤمر بتسليمه إلى رب المال
70

بحساب رأس المال لأنه ما لم يصل رأس المال رب المال لا يسلم شئ من الربح للمضارب ثم
يقبض ثانيا مثله فيسلمه إليه فلا يزال هكذا حتى يقبض جميع المال فإنه إذا لم يكن في المال
فضل فلا حاجة بالمضارب إلى تقاضى شئ منه إذ لا نصيب له في المال فيؤمر أن يحيل به رب
المال على الغرماء كما يؤمر به الوكيل وإن كان فيه فضل وهو في مصره فأنفق في تقاضيه
وخصومة أصحابه وطعامه وركوبه نفقة لم يرجع بها في مال المضاربة لان هذا كله بمنزلة تصرفه
في المال وقد بينا انه ما دام يتصرف في مصره لا يستوجب النفقة في مال المضاربة ولأنه بما
صنع يحيى حصة من الربح فهو كبيعه العروض في مصره وإن كان الدين غائبا عن مصر المضارب
فأنفق في سفره وتقاضيه مالا بد له منه حسب ذلك من مال المضاربة لان سفره
وسعيه كان لأجل مال المضاربة فتكون نفقته في المال كما لو سافر للتصرف في المال وبهذا
يتبين أن المضارب إذا أنفق في السفر من مال نفسه استوجب الرجوع به في مال المضاربة لأنه
قد لا يجد بدا من ذلك بأن لا تصل يده إلى مال المضاربة عند كل حاجة إلى نفقة فلا يكون
متبرعا فيما ينفق من مال نفسه كالوصي يشترى لليتيم ويؤدى الثمن من مال نفسه كان له أن
يرجع به في مال اليتيم إلا أن تزيد نفقة المضارب على الدين فلا يرجع بالزيادة على رب المال
لان نفقته من مال المضاربة لا في ذمة رب المال فلو استوجب الزيادة إنما يستوجبها في ذمة
رب المال ولأنه إنما يستوجب النفقة لان سعيه لاصلاح مال المضاربة ولمنفعة رب المال
وهذا المعنى ينعدم في الزيادة على المال وإذا سافر المضارب بمال المضاربة فاشترى طعامه
وكسوته واستأجر ما يركب عليه من ماله ليرجع به في مال المضاربة فلم يرجع به حتى توي
مال المضاربة لم يرجع على رب المال بتلك النفقة لان حقه كان في المال لا في ذمة رب المال
وبهلاك المال فات محل حقه فيبطل حقه كالعبد الجاني أو المديون إذا مات ومال الزكاة إذا
هلك لا تبقى الزكاة واجبة بعد هلاك المال وكذلك لو لم يكن نقد ماله في ذلك فكان ثمن
الطعام الكسوة وأجرة الدابة دينا عليه لأنه التزمه بمباشرة سبب الالتزام فلا يستوجب
شيئا من ذلك في ذمة رب المال وهذا بخلاف ما إذا استأجر دابة ليحمل عليها متاع المضاربة
أو اشترى طعاما للمضاربة فضاع المال قبل أن ينفذ فإنه يرجع بذلك على رب المال لأنه فيما
يشترى للمضاربة عامل لرب المال بأمره فعليه أن يخلصه من عهدة عمله وذلك في رجوعه
عليه بالثمن في الأجرة فيما تعذر ايفاؤه من المال الذي في يده فاما فيما يشترى أو يستأجر
71

لحاجة نفسه هو عامل لنفسه وهو فيما هو عامل لنفسه لا يستوجب الرجوع على رب المال
بما يلحقه من العهدة وإنما كان يرجع في مال المضاربة لان سعيه لأجل مال المضاربة وهذا
لا يوجد في مال آخر لرب المال فلا يستوجب الرجوع في ذلك بعد هلاك مال المضاربة وإذا
أدان المضارب مال المضاربة في غير مصره وربح فيه فأراد أن يتقاضاه وتكون نفقته منه
وقال رب المال بل أتقاضاه ولا أريد أن تكون أنت المتقاضى فان رب المال يجبر على ترك
التقاضي للمضارب وتكون نفقته على المال لان حق المضارب ثابت في نصيبه من الربح فلا
بد من أن يتقاضى حصة من الربح وإذا أخذ ذلك أخذه رب المال منه بحساب رأس المال
ثانيا أو ثالثا فتبين أن المضارب متقاض لرب المال وان نفقته في المال فرب المال فيما يسأل
يقصد اسقاط حق المضارب وهو لا يتمكن من ذلك وإن لم يكن فيه فضل فقال المضارب
انا أتقاضاه وتكون نفقتي منه حتى أقبضه وقال رب المال أحلني به أجبر المضارب على أن
يحيل به رب المال لأنه لا حصة للمضارب في المال هنا ولاحق فهو بمطالبته يريد أن يلزمه
نفقة نفسه في مال غيره فلصاحب المال أن يأبى ذلك ويتقاضى بنفسه وإذا اشترى المضارب
بمال المضاربة متاعا وفيه فضل أولا فضل فيه فأراد المضارب أن يمسكه حتى يجد به ربحا
كثيرا وأراد رب المال أن يبيعه فإن كان لا فضل فيه أجبر المضارب على أن يبيعه أو يعطيه
رب المال برأس ماله لأنه لا حق للمضارب في المال في الحال فهو يريد أن يحول بين رب المال
وبين ماله بحق موهوم عسى يحصل له وعسى لا يحصل وفيه اضرار برب المال والضرر مدفوع
وإن كان فيه فضل وكان رأس المال ألفا والمتاع يساوى ألفين فالمضارب يجبر على بيعه لان في
تأخيره حيلولة بين رب المال وبين ماله وهو لم يرض بذلك حين عاقده عقد المضاربة إلا أن
للمضارب هنا أن يعطى رب المال ثلاثة أرباع المتاع برأس ماله وحصته من الربح ويمسك ربع
المتاع وحصته من الربح وليس لرب المال أن يأبى ذلك عليه لان الربح حق والانسان لا يجبر
على بيع ملك نفسه لتحصيل مقصود شريكه وكما يجب دفع الضرر عن رب المال يجب دفعه
عن المضارب في حصته والطريق الذي يعتدل فيه النظر من الجانبين ما ذكرنا وإذا دفع مالا
مضاربة وأمر المضارب أن يعمل في ذلك برأيه أولم يأمره فاستأجر المضارب ببعضه أرضا
بيضاء واشترى ببعضه طعاما فزرعه في الأرض فهو جائز على المضاربة بمنزلة التجارة لان عمل
الزراعة من صنع التجار يقصدون به تحصيل النماء واليه أشار صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم
72

الزارع يتاجر ربه وما كان من عمل التجار يملكه المضارب بمطلق العقد ولو استأجر أرضا
بيضاء على أن يغرس فيها شجرا أو أرطابا فقال ذلك من المضاربة فهو جائز والوضيعة على
رب المال والربح على ما اشترطا لأنه من صنيع التجار يقصدون به استنماء المال ولو كان دفع إليه
مضاربة بالنصف وقال له اعمل فيه برأيك فأخذ المضارب نخلا وشجرا وأرطابا معاملة على أن
ما أخرج الله بعد من ذلك فنصفه لصاحب النخل ونصف المضارب على المضارب فعمل وأنفق
مال المضاربة عليه فان ما خرج من ذلك بين صاحب النخل والمضارب نصفين ولا يكون
لرب المال شئ من ذلك لأنه إنما استحق النصف بعقد المعاملة وفى عقد المعاملة العامل يؤاجر
نفسه وصاحب المال إنما فوض الا مر إلى رأيه في المضاربة لان منافع يده فيما يستوجب
بإقامته العمل بمنافعه تكون له خاصة والنفقة التي أنفقها من ماله خاصة وهو ضامن لما أنفق
من ذلك من مال المضاربة لأنه صرف إلى حاجة نفسه على وجه لم يأذن له رب المال فيه ولو
كان المضارب أخذ من رجل أرضا بيضاء على أن تزرعها طعاما فما خرج منها فنصفه لصاحب
الأرض ونصفه على المضاربة فاشترى طعاما ببعض المال فزرعه في الأرض ثم أنفق ما بقي من
المضاربة عليه حتى بلغ فهذا جائز لأنه مستأجر الأرض بنصف الخارج منها ولو استأجرها
بدراهم جازت المضاربة فكذلك إذا استأجرها بنصف الخارج منها ولو استأجرها بدراهم جاز
على المضاربة لذلك وتصرفه هنا في المال فان استحقاقه للخارج باعتبار أنه بما بذره والبذر من
مال المضاربة فلهذا كان نصف الخارج لصاحب الأرض ونصفه يباع يستوفى رب المال رأس
ماله والباقي بينه وبين المضارب على الشرط وإن لم يكن قال له اعمل فيه برأيك فالمضارب
ضامن للمضاربة لأنه أشرك غيره في مال المضاربة وقد بينا أن بمطلق العقد لا يملك المضارب
الا شراك وهو بمنزلة دفعه بعض المال مضاربة إلى غيره وإذا صار مخالفا بتصرفه ضمن مال
المضاربة وهو ملك المضمون به فما خرج من الزرع بين المضارب ورب المال نصفين على
الشرط والله أعلم
* (باب المرابحة في المضاربة) *
(قال رضي الله عنه) قد تقدم بيان بعض مسائل الباب في البيوع فمن ذلك أن ما أنفق
المضارب على نفسه في سفره لا يلحقه برأس المال في بيع المرابحة بخلاف ما أنفق على المتاع
73

والرقيق مما لا بد منه فإنه يلحقه ويقول قام على بكذا من غير أن يفسره لوجود العادة بين
التجار في الحاق النفقة على المتاع برأس المال دون الحاق ما أنفقوا على أنفسهم وفي حق المشترى
لا فرق بين أن يكون المتصرف مضاربا أو مالكا فكما أن المالك لا يلحق ما أنفقه على نفسه
برأس المال لان منفعة ذلك لا ترجع إلى المتاع خاصة فكذلك ما أنفقه المضارب على نفسه
وان ألحق ما أنفقه على نفسه برأس المال وباعه مرابحة أو تولية على الجملة من غير بيان فذلك
جناية وقد بينا أقاويلهم في الجناية في المرابحة والتولية في البيوع وفى قول زفر كقول محمد
رحمهما الله ولو اشترى المضارب متاعا بألف درهم ورقمه بألفي درهم ثم قال للمشترى منه
ابتعه مرابحة على رقمه فان بين للمشترى كم رقمه فهو جائز لا بأس به لأنه صادق في مقالته
فرقمه ما أخبره ولم يخبره أنه قام عليه بذلك وقد بينا في البيوع رواية أبى يوسف في الفرق
بين ما إذا كان المشترى عالما بعادة التجار أو غير عالم بذلك وإن لم يعلم المشترى كم رقمه فالبيع
فاسد لجهله بمقدار الثمن فإذا علم بالرقم كم هو فهو بالخيار ان شاء أخذه وان شاء تركه لأنه إنما
يكشف له الحال الآن وخيار كشف الحال قد بيناه في البيوع عند أبي حنيفة رحمه الله فان
قبضه فباعه ثم علم ما رقمه فرضى به فرضاه باطل وعليه قيمته لأنه ملكه بالقبض بحكم عقد
فاسد فنفذ بيعه فيه وتقرر عليه ضمان القيمة باخراجه من ملكه فلا يتغير ذلك بعلمه بالرقم
ورضاه به لان إزالة المفسد إنما تصحح العقد إذا كان المعقود عليه قائما في ملكه والتولية في
هذه كالمرابحة فإن كان المضارب ولاه رجلا برقمه ولا يعلم المشترى ما رقمه ثم باعه المضارب
بعد ذلك من آخر بيعا صحيحا جاز إن لم يكن الأول قبضه لان البيع الأول كان فاسدا ولم
يملكه المشترى قبل القبض فصح البيع الثاني من المضارب وانتقض به البيع الأول ولذلك
لو كان الأول علم برقمه فسكت حتى باعه المضارب من آخر بيعا صحيحا لان بمجرد علمه
لا يصح البيع الأول ما لم يرض به فان رضى الأول بعد ما علم ثم باعه المضارب من آخر بيعا
صحيحا فالبيع للثاني باطل لان البيع الأول قد تم برضا المشترى به بعد علمه فصار المبيع
مملوكا للمشترى ولو كان الأول قبض المتاع من المضارب في هذه الوجوه ثم باعه المضارب
من آخر كان بيعه الثاني باطلا لان الأول بالقبض صار مالكا فما لم يسترده المضارب منه
لا ينفذ بيعه من غيره وان علم الأول بالرقم فنقض البيع لم يجز البيع الثاني أيضا لأنه سبق
عود الملك إليه فلا ينفذ بعوده إليه من بعد كمن باع مالا يملكه ثم ملكه ولو كان المضارب
74

اشترى المتاع بألف درهم ثم قال لرجل أبيعك هذا المتاع مرابحة بربح مائة على ألفي درهم
ولم يسم رقما ولا غيره فاشتراه برقمه ثم علم أن المضارب كان اشتراه بألف در هم فالبيع لازم
بألفي درهم ومائة درهم ولا بأس للمضارب بما صنع لأنه ما باعه مرابحة على رأس ماله فيه
بل باعه مرابحة على ألفي درهم وإنما يكره أن يتكلم بالكذب أو بما فيه شبهة الكذب فاما
إذا خلا كلامه عن ذلك فلا بأس ببيعه وقد باعه بثمن مسمى معلوم فيجوز وإن كان أسرف
فيما أنفق على الرقيق فإنما يضم إلى رأس ماله من ذلك نفقة مثله فأما الزيادة على ذلك كالتبضع
منه فلا يلحق برأس المال وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى بها جارية ثم باعها
بألفين واشترى بألفين جارية تساوى ألفي درهم من الغريم لا بأس بان يبيعها مرابحة ولا يبين
أن ثمنها كان دينا بخلاف ما إذا صالحه على هذه الجارية صلحا فإنه لا يبيعها مرابحة حتى يبين
لأن الشراء مبنى على الاستقصاء والصلح مبنى على التجاوز بدون الحق فعند ذلك لفظ
الصلح يمكن شبهة الحطيطة والشبهة كالحقيقة في المنع من بيع المرابحة لأنه مبنى على الأمانة
ولو اشترى بألف المضاربة جارية نسيئة سنة فهو جائز لان في يده من مال المضاربة مثل ثمنها
فلا يكون هذا استدانة على المضاربة والشراء بالنسيئة من عادة التجار كالشراء بالنقد ثم
لا يبيعها مرابحة على الألف مما لم يبين لما في الشراء بالنسيئة من شبهة الزيادة على ثمن المثل وقد
بينا هذا في البيوع ولو اشترى ببعض الجارية ثيابا ثم فتلها أو قصرها باجر أو صبغها باجر فله
أن يبيعها مرابحة على الثمن والا جر لان هذا مما جرى الرسم به بين التجار في الحاقه برأس المال
ولو مر على العاشر فعشره لم يلحق ذلك برأس المال لان ذلك اما أن يكون زكاة فلا يلحقه
برأس المال واما أن يكون غصبا فلا بيع على ما غصب منه مرابحة ولو اشترى المتاع بجميع
المال ثم قصره من ماله فهو متطوع لا يرجع به على رب المال ولا ضمان عليه ان قال له رب
المال اعمل فيه برأيك أولم يقل لان القصارة تزيل الدرن ولا تزيد في العين شيئا من مال
المضاربة فلا يصير هو مخالفا بما صنع لأنه زاد المتاع خيرا بما صنع وهو متطوع في ذلك لان
رب المال لم يرض برجوعه عليه بشئ في ذمته فعمله ذلك في متاع المضاربة ومتاع أجنبي آخر
سواء وإذا باعه مساومة أو مرابحة كان الثمن كله على المضاربة وكذلك لو فتل الثوب أو
صبغه أسود من ماله فنقصه ذلك أو لم يزد فيه وان صبغه من ماله صبغا يزيد فيه كالعصفر
والزعفران وإن كان رب المال أمره أن يعمل في ذلك برأيه فلا ضمان عليه وان كأن لم يأمره
75

بذلك فهو ضامن للثياب لأنه خلط ماله بمال المضاربة والصبغ مال متقوم للمضارب وقد بينا
أن المضارب بالخلط يصير ضامنا إذ لم يقل له رب المال اعمل فيه برأيك ثم إن لم يكن فيه فضل
على رأس المال فرب المال بالخيار ان شاء أخذه برأس ماله وأعطى المضارب ما زاد على الصبغ
فيه يوم يختصمون وان شاء سلم له الثوب وضمنه قيمته لان الثوب كله لرب المال والمضارب
فيا صنع بمنزلة من غصب ثوب انسان وصبغه فإن لم يختر شيئا حتى باعها المضارب مساومة أو
مرابحة جاز بيعه لبقاء عقد المضاربة بينهما في الثوب بعد الصبغ لان المضارب في البيع كالوكيل
والوكالة بالبيع لا تبطل بالخلاف من طريق الفعل وبرئ من ضمانه لأنه عاد إلى الوفاق من
بعد تصرفه على المضاربة ويقسم الثمن في المساومة على قيمة الثوب وقيمة ما زاد الصبغ فيه فيكون
حصة الصبغ للمضارب ويستوفى رب المال رأس ماله من حصة الثوب والباقي ربح بينهما
على الشرط لان الصبغ عين مال قائم في الثوب للمضارب وقد تناوله البيع كالثوب فيقسم
الثمن عليهما بخلاف القصارة وإن كان باعه مرابحة قسم الثمن على ما اشترى به المضارب وعلى
جر الصبغ يوم صبغ لان الثمن في بيع المرابحة مبنى على الثمن الأول فيقسم عليه وفي بيع
المساومة بمقابلة الملك فيقسم على قدر الملك وإن كان صبغه أسود فكذلك الجواب عندهما
لان السواد عندهما زيادة كالحمرة وعند أبي حنيفة السواد في الثوب نقصان فهو بمنزلة الفتل
والقصارة في أنه لا حصة للمضارب من الثمن ولا ضمان عليه لأنه لم يخلط مال المضاربة بمال
متقوم له وإذا اشترى المضارب المتاع بألف المضاربة وقبضه ولم ينقد الثمن حتى ضاعت فإنه
يرجع على رب المال بألف أخرى فينقدها إياه لأنه في الشراء كان عاملا لرب المال بأمره
فيرجع عليه بما لحقه من العهدة وهو في هذا كالوكيل إذا دفع إليه الثمن قبل الشراء وهلك
في يده بعد الشراء فإنه يرجع على الموكل بعد الشراء لان الوكيل لا يرجع الا مرة واحدة
فان شراء الوكيل يوجب الثمن عليه للبائع وله على الموكل فإذا رجع على الموكل بعد الشراء
صار مقتضيا ما استوجبه دينا عليه وصار مضمونا عليه بالقبض فإذا هلك يهلك من ضمانه
فاما المضارب إذا رجع على رب المال فما يقبضه يكون أمانة في يده لأنه من رأس المال
(ألا ترى) أن عند القسمة يرد على رب المال أو لا جميع ما استوفى ثم يقاسمه الربح ومن
شرط المضاربة أن يكون رأس المال أمانه في يد المضارب فإذا هلك ثانيا كان هلاكه على
رب المال فيرجع عليه مرة بعد أخرى حتى يصل الثمن إلى البائع ولا يبيع المتاع مرابحة الا
76

على ألف درهم لأنه اشتراه بألف وما هلك في يده من رأس مال المضاربة فلا يلحقه برأس
المال فإذا باع المتاع أخذ رب المال رأس ماله ألفي درهم لأنه رجع ذلك إلى المضارب بسبب
عقد المضاربة فيكون جميع رأس ماله يرد عليه ثم الباقي ربح بينهما وكذلك لو كان اشترى
بألف جارية فلم يقبضها حتى ادعى المضارب انه قد نقد البائع الثمن وجحد البائع ذلك وحلف
فان المضارب يرجع على رب المال بألف أخرى فيدفعها إلى البائع ويأخذ الجارية فتكون على
المضاربة لأن هذه عهدة لحقته في عمل باشره لرب المال وإذا اقتسموا المضاربة أخذ رب المال
رأس ماله ألفي درهم لما ذكرنا والمضارب في هذا مخالف للوكيل فان الوكيل بالشراء لو
قال دفعت الألف إلى البائع وجحد البائع غرمها الوكيل من ماله فيدفعها إلى البائع ويأخذ
منه الجارية فتسلم إلى الآمر لان الوكيل قد أقر انه اقتضى دينه على الموكل بما قضى به دين
نفسه من مال الموكل فيسلمها إلى الآمر واقرارهما ليس بحجة على البائع في قضاء الثمن لان
ذلك دعوى منه عليه ولكنه حجة عليه في الاقتضاء لان ذلك اقرار منه وبعد ما صار مقتضيا
لا يرجع على الموكل بشئ فاما المضارب يدفع الثمن إلى البائع يكون قاضيا لا مقتضيا لأنه لو
صار مقتضيا كان ضامنا ورأس المال أمانة في يده فإذا لم تصح دعواه في القضاء بجحود البائع
بقي المقبوض كالهالك في يده فيرجع على رب المال بألف أخرى (ألا ترى) أن الوكيل لو لم
يدفع إليه الثمن حتى اشترى ثم قبض الثمن فهلك في يده لم يرجع على الموكل مرة أخرى
والمضارب في مثله يرجع على رب المال ثانيا حتى يدفع الثمن إلى البائع ولو اشترى ثوبا بعشرة
دراهم من مال المضاربة ثم باعه مرابحة فقال للمشترى أبيعك هذا الثوب بربح الدرهم
درهم فالثمن عشرون درهما لأنه سمى بمقابلة كل درهم من رأس المال درهما ربحا والألف
واللام للجنس فيما يمكن استغراق الجنس فيه إذ لا معهود له فيه ليحمل على المعهود فهذا وقوله
بربح كل درهم درهما سواء وكذلك لو قال بربح كل درهم اثنين فالثمن ثلاثون درهما ولو
قال بربح العشرة خمسة أو بربح الدرهم نصف درهم كان الثمن خمسة عشر لأنه سمى بمقابلة
كل درهم من رأس المال نصف درهم ربحا أو بمقابلة جميع رأس المال خمسة ربحا ولو قال
أبيعك بربح العشرة خمسة عشر فالقياس أن يكون بخمسة وعشرين درهما لأنه ضم إلى رأس
المال خمسة عشر درهما ربحا ولكنا نستحسن أن يكون البيع بخمسة عشر للعادة الظاهرة بين
التجار فإنهم يقولون يده يازده سود فروحب وإنما يريدون به أن الخمسة ربح والعشرة رأس
77

مال وكذلك لو قال بربح العشرة أحد عشر أو قال يده يازده فالربح درهم واحد استحسانا لان
مطلق اللفظ محمول على معاني كلام الناس وما يتفاهمونه في مخاطباتهم وكذلك لو قال بربح
عشرة أحد عشر ونصف فالربح درهم ونصف أو قال أحد عشر ودانق فالربح درهم
ودانق ولو قال بربح العشرة عشرة وخمسة أو خمسة وعشرة فالثمن خمسة وعشرون لأنه عطف
أحد العددين على الآخر في تسمية الربح وضم العدد إلى رأس ماله وليس بين التجار عادة
في مثل هذا اللفظ فيجب حمل اللفظ على الحقيقة ويكون ربحه العددين جميعا وإن كان الثوب
انتقص عنده حتى صار يساوى ثلاثة دراهم ثم باعه بوضيعة الدراهم درهم كان الثمن خمسة دراهم
لان بيع الوضيعة كبيع المرابحة فكما أن هذا اللفظ في بيع المرابحة التضعيف على الثمن الأول
فكذلك في بيع الوضيعة يوجب التنصيف ولو كان بوضيعة الدرهم درهمين كان الثمن عليه ثلاثة
دراهم وثلثا لان هذا اللفظ في بيع المرابحة يوجب أن يكون الربح ضعف رأس المال ففي
بيع الوضيعة نصف الثمن وإنما يكون ذلك إذا كان النقصان من العشرة ستة وثلاثين لان في
بيع المرابحة هذا اللفظ يوجب أن يكون الربح مثل نصف رأس المال ففي الوضيعة يوجب
أن يكون النقصان مثل نصف الباقي في ذلك في أن يكون الباقي من الثمن ستة وثلاثين
والنقصان ثلاثة وثلثا وكذلك لو قال بوضيعة العشرة خمسة عشر اعتبارا للوضيعة بالمرابحة
ولو اشترى المضارب عبدا وقبضه ثم باعه بجارية وقبضها ودفع العبد لم يكن له أن يبيع
الجارية مرابحة على الثمن ولا تولية الا من الذي يملك العبد لان بيع المرابحة والتولية بيع بمثل
الثمن الأول وزيادة ربح مسمى في عقد المرابحة والعبد لا مثل له من جنسه فلو باعها مرابحة
أو تولية من غير أن يملك العبد لكان هذا بيعا بقيمة العبد وطريق معرفة القيمة الحزر والظن
دون الحقيقة فاما ممن يملك العبد إنما يبيعها على العبد بعينه وهو قادر على تسليمه فان باعها تولية
جاز وان باعها مرابحة بربح عشرة دراهم جاز ويأخذ العبد عشرة دراهم وان باعها مرابحة
بربح عشرة أحد عشر لم يجز لان هذا اللفظ يوجب أن يكون الربح من جنس رأس
المال ورأس المال لا مثل له من جنسه ليضم إليه مقدار الربح من جنسه بخلاف ما إذا كان
اشتراها بماله مثل من جنسه كالمكيل والموزون فان هناك يبيعها مرابحة ممن شاء فسواء
سمى مقدارا معلوما من الربح أو قال بربح عشرة أحد عشر لأنه لما اشترى بماله مثل
من جنسه فهو والمشترى بالنقد سواء ولو كان الذي اشترى العبد باعه من رجل آخر أو
78

وهبه وسلمه ثم باعه المضارب الجارية مرابحة أو تولية كان باطلا لأنه لم يبق العبد في ملكه
فهو في هذا الشراء كأجنبي آخر ولو باع المضارب الجارية من الموهوب له بالغلام مرابحة أو
تولية جاز ذلك لان عين الغلام في ملكه وهو قادر على تسليمه فهو بمنزلة الواهب في المسألة
الأولى ولو باع المضارب الجارية من رجل لا يملك العبد بربح عشرة دراهم على رأس المال
فأجاز رب العبد البيع جاز لأنه بإجازة رب العبد قدر المشترى على التسليم للعبد فنزل في
ذلك منزلة المالك للعبد فان بملكه كان يقدر على التسليم وقد قدر على ذلك بإجازة رب العبد
والمانع من جواز هذا العقد عجزه عن تسليم العبد ثم الجارية تكون للمشترى من المضارب
ويأخذ المضارب الغلام ويأخذ من المشترى منه الجارية عشرة دراهم ويرجع مولى الغلام
على المشترى بقيمة الغلام لان المشترى للجارية عامل لنفسه في شرائها فنفذ الشراء عليه ولم
يتوقف على إجازة رب الغلام ولكنه استقرض منه الغلام ليدفعه في ثمنها وهو بالإجازة
صار مقرضا منه واستقراض الحيوان وإن كان فاسدا لكنه مضمون بالقيمة عند تعذر
رد العين وقد تعذر رد الغلام بخروجه عن ملك المستقرض وصيرورته على المضاربة ولو
كان في يد المضارب جارية من المضاربة فباعها بغلام وتقابضا ثم إن المضارب باع الغلام من
صاحب الجارية بربح العشرة أحد عشر كان البيع فاسدا لان موجب هذا اللفظ أن يكون
الربح من جنس رأس المال وليس للجارية مثل من جنسها ولو باع الغلام من رب الجارية
بوضيعة العشرة أحد عشر كان البيع جائزا ويعطيه المشتري من الجارية عشرة أجزاء من
أحد عشر جزأ لان موجب هذا اللفظ في الوضيعة نقصان جزء من أحد عشر جزأ من
ثمن الأول وقد بينا ذلك في البيوع فيما إذا كان الثمن عشرة دراهم فكذلك هنا يصير في التقدير
كأنه باع الغلام من رب الجارية بعشرة أجزاء من أحد عشر جزأ من الجارية ولو قال
أبيعك هذا الغلام بربح عشرة دراهم كان جائزا ويأخذ الجارية وعشرة دراهم لان ما سماه
ربحا وضمه إلى الجارية دراهم معلومة ولو قال أبيعك بوضيعة عشرة دراهم من رأس المال
كان البيع باطلا لان موجب لفظ الوضيعة النقصان وإنما ينقص من ثمن الجارية مقدار عشرة
دراهم منها وذلك لا يعرف الا بالتقويم والبيع بالوضيعة كالبيع مرابحة في أنه إذا وقعت
الجارية إلى التقويم كان باطلا لان طريق معرفة القيمة الحزر والظن * يوضحه انه يصير في
التقدير كأنه قال بعتك هذا الغلام بهذه الجارية الا مقدار عشرة دراهم منها وذلك باطل
79

وان كانت المضاربة بألف درهم بخية فاشترى بها عبدا ثم باعه بالكوفة مرابحة بربح مائة
درهم فعلى المشترى ألف درهم بخية ومائة درهم غلة نقد الكوفة ولو قال أبيعك بربح
عشرة أحد عشر كان الثمن والربح كله بخية لان موجب هذا اللفظ أن يكون الربح من
جنس ثمن الأول بصفته ليكون الربح جزأ من أحد عشر جزأ من جميع الثمن الثاني واللفظ
الأول لا يوجب ذلك وإنما يوجب أن يكون الربح مائة درهم كما سمى فيه وتسمية مائة
درهم في البيع مطلقا ينصرف إلى غلة الكوفة (ألا ترى) أنه لو قال أبيعك بربح دينار كان
الثمن ألف درهم بخية ودينارا من نقد الكوفة ولو كان باعه بوضيعة مائة درهم أو بوضيعة عشرة
أحد عشر كانت الوضيعة من البخية لان الوضيعة لا تكون أبدا الا من الثمن الأول فان
طرح بعض الثمن الأول بأي لفظ ذكره لابد أن يكون المطروح جزأ من الثمن الأول والربح
ليس من الثمن الأول فلهذا افترقا وإذا دفع مالا مضاربة إلى رجل فاشترى به جارية وقبضها
وباعها بغلام وتقابضا فزادت الجارية في يد المشترى أو ولدت ثم باع المضارب الغلام من رب
الجارية بربح مائة درهم وهو لا يعلم بالولادة فإن كانت الزيادة في البدن أخذ الجارية ومائة
درهم لان الزيادة المنفصلة لا تعتبر في عقود المعاوضات (ألا ترى) أنه لو وجد بالجارية عيبا
ردها مع الزيادة المنفصلة فكان وجود هذه الزيادة كعدمها وان كانت ولدت فإن شاء المضارب
أخذ الجارية ومائة درهم وان شاء نقض البيع ولا سبيل له على الولد لأنه إنما باع الغلام
بالجارية والولد منفصل عنها عند هذا العقد فلا يدخل في البيع ولكن ان كانت الولادة نقصت
الجارية فلا اشكال في ثبوت الخيار للمضارب لأنه وجدها معيبة ولم يكن عالما بعيبها وإن لم
يلف فيها نقصان الولادة فعلى رواية هذا الكتاب الجواب كذلك فان الولادة في هذه
الجارية على رواية هذا الكتاب عيب لازم أبدا بخلاف رواية كتاب البيوع وقد بينا وجه
الروايتين ثمة والتولية في هذا كالمرابحة ومقصود بيان الفرق بين هذا وبين الرد بالعيب أنه
فسخ للعقد الأول فلو جاز بقي الولد ربحا للمشترى بغير عوض وهو الربا بعينه فأما التولية
أو المرابحة فلا توجب فسخ العقد الأول فيمكن تصحيح ذلك في الجارية مع سلامة الولد للمشترى
وان كانت المضاربة ألف درهم فاشترى بها جارية وباعها بألف وخمسمائة ثم اشتراها بألف
باعها مرابحة على ألف درهم عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وعند أبي حنيفة رحمه الله على
خمسمائة وقد بينا هذا في البيوع أن من أصل أبي حنيفة ضم أحد العقدين إلى الآخر
80

واعتبار الحاصل مما بقي من ضمانه فإنما يبيعه مرابحة على ذلك وذلك خمسمائة هنا ولو كان
باعها بألف درهم وكر حنطة وسط أو بألف درهم ودينار ثم اشتراها بألف لم يبعها مرابحة
عند أبي حنيفة لأنه إنما يبيعها مرابحة على حاصل ما بقي في ضمانه ولا يعرف ذلك الا بالحزر
والظن لأنه غرم فيها مرتين ألف درهم ورجع إليه ألف وكر حنطة أو ألف دينار فلا بد من
طرح ذلك من الألفين وطرح الحنطة والدينار من الدراهم يكون باعتبار القيمة وطريق
معرفتها الحزر والظن ولو كان باعها بمائة دينار وقيمتها أكثر من ألف درهم ثم اشتراها بألف
درهم لم يبعها مرابحة في قياس قول أبي حنيفة لان الدراهم والدنانير في الصورة جنسان وفى
المعنى كجنس واحد (ألا ترى) أن في شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن جعل الدراهم
والدنانير كجنس واحد للاحتياط وفي بيع المرابحة كذلك وإذا كانا كجنس واحد فلا بد من
طرح مائة دينار من الألفين التي غرمها في ثمنها مرتين ولا طريق لذلك الا باعتبار القيمة
فلهذا لا يبيعها مرابحة عنده ولو كان المضارب باع الجارية بشئ من المكيل أو الموزون أو
بعرض قيمته أكثر من ألف درهم ثم اشتراها بألف درهم فله أن يبيعها مرابحة على الألف
لان ما عاد إليه ليس من جنس ما غرم فيها حقيقة وحكما وضم بعض العقود إلى البعض كما
لا يكون عند اختلاف جنس النقود بأن يكون أحد العقدين هبة فكذلك لا يكون عند
اختلاف الجنس فيما غرم فيه وفيما عاد إليه وهذا بمنزلة شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن
فإنه لو اشتراه بكر حنطة قيمته أقل مما باعه به قبل قبض الثمن كان جائزا بخلاف النقود فهذا
مثله والله أعلم
* (باب * المضارب يبيع المال ثم يشتريه لنفسه بأقل من ذلك) *
(قال رضي الله عنه) قد بينا في البيوع أن من باع أو بيع له فليس له أن يشترى المبيع بأقل
من الثمن الأول قبل قبض الثمن إذا لم يتعيب المبيع عند المشترى فعلى ذلك الأصل بنى الباب
قال إذا اشترى المضارب بألف المضاربة جارية وقبضها ثم باعها بألف درهم فلم ينقد ثمنها حتى
اشتراها لنفسه بخمسمائة لم يجز لأنه هو البائع لها والبائع لغيره كالبائع لنفسه في حق قبض
الثمن فكذلك في المنع من الشراء بأقل قبل قبض الثمن وكذلك لو اشتراها رب المال لنفسه
بخمسمائة لم يجز لان المضارب باعها له (ألا ترى) انه يرجع عليه بما لحقه من العهدة فكأنه
81

باعها بنفسه وكذلك لو كانت قيمتها ألفي درهم يوم اشتراها المضارب وإنما أورد هذا لان
المضارب في مقدار حصته من الربح يبيعها لنفسه لا لرب المال فكان ينبغي أن يصح شراء رب
المال في ذلك الربح لأنه ما باعه ولا بيع له ولكنه قال حق المضارب تبع لحق رب المال لا يظهر
قبل وصول رأس المال إلى رب المال فبيعه في جميعها كان لرب المال حكما (ألا ترى) انه لو
استوفى من المشترى ألفا من الثمن وتوى عليه ألف كان المقبوض كله لرب المال من رأس
ماله فيه تبين أن بيعه في جميعها وقع لرب المال وكذلك لو كان المضارب باعها بألفين وقبض
الثمن الا درهما ثم اشتراها المضارب لنفسه أو اشتراها رب المال لنفسه بأقل من الثمن الأول
لم يجز لان المنع من الشراء بأقل من الثمن الأول حكم ثبت لعدم قبض الثمن فيبقى ما بقي شئ
من الثمن غير مقبوض كحق الحبس للبائع في المبيع وكذلك لو اشتراها أحدهما بدنانير قيمتها
أقل من الثمن الأول لان الدراهم والدنانير في هذا الحكم كجنس واحد استحسانا وقد
بيناه في البيوع وكذلك لو اشتراها ابن أحدهما أو أبوه أو عبده أو مكاتبه في قول أبي حنيفة
رحمه الله وفي قولهما شراء هؤلاء جائز إلا المكاتب والعبد وقد بينا هذا في البيوع
ولو وكل المضارب ابنه بشرائها أو ابن رب المال لم يجز الشراء في قول أبي حنيفة للوكيل
وللموكل لان هذا الوكيل لا يملك شراءها لنفسه بهذا الثمن فلا يملك شراءها لغيره أيضا
كالمسلم في الخمر بخلاف ما إذا وكل أجنبيا فان الأجنبي يملك شراءها لنفسه بأقل من الثمن الأول
فيصح منه شراؤها للمضارب أيضا بناء على أصل أبي حنيفة في المسلم يوكل ذميا بشراء الخمر
وقد بينا في البيوع الفرق بين شراء الوكيل للبائع وبين شراء ابن الآمر لنفسه على أصل أبي حنيفة
رحمه الله ولو وكل المضارب رب المال أن يشتريها له أو وكل رب المال المضارب بذلك
لم يجز لان كل واحد منهما لا يملك شراءها لنفسه وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على
أن يشترى بها من الهروي خاصة والربح بينهما نصفان وما يشترى بها من النسائي فالربح كله
لرب المال وما يشترى بها من الزطي فالربح كله للمضارب فهو على ما سمى لأنه فوض إلى
رأيه ثلاثة أنواع من العمل اما العمل على طريق المضاربة أو على سبيل البضاعة أو على سبيل
القرض لنفسه وكل ذلك معلوم عند مباشرته العمل والجهالة عند العقد لا تفضى إلى تمكن
المنازعة بينهما فيصح فإن كان اشترى الهروي فهو على المضاربة كما اشترطا وإن كان اشترى
بها النسائي فهو بضاعة في يده والربح لرب المال والوضيعة عليه فإن كان اشترى بها الزطية فالمال
82

قرض عليه والربح له والوضيعة عليه وإذا اشترى المضارب بمال المضاربة جاريتين تساوى كل
واحدة منهما ألف درهم ثم باع إحداهما بألف والأخرى بألفين وقبضهما المشترى ثم لقيه
المضارب وقال زدني في ثمنها فزاده مائة درهم وقبضها المضارب ثم وجد المشترى بأحدهما
عيبا ردها بثمنها ونصف المائة لان الزيادة أضيفت إليهما والتزمها المشترى بمقابلها فيتوزع على
قيمتهما كأصل الثمن إذا سمى بمقابلهما جملة وقيمتهما سواء فانقسمت الزيادة عليهما نصفين
ولو كان المشترى طعن فيهما بعيب فصالحه المضارب على أن حط من الثمن مائة درهم ثم وجد
المشترى بعد ذلك بالذي اشتراها بألف درهم عيبا ردها بألف غير ثلاثة وثلاثين وثلث لأنه
حط المائة من الثمنين فيقسم على قدر الثمنين ثلثاه من ثمن التي باعها بألفين وثلثه من ثمن التي باعها
بألف وثلث المائة ثلاثة وثلاثون وثلث فلهذا ينتقص من ثمنها وهو ألف هذا المقدار وهذا لما
قسمنا في الباب الأول ان الحط من الثمن والزيادة ليست من الثمن إنما هي مال التزمه المشترى
بمقابلة الجاريتين فهو كالمال الذي اشترى به الجاريتين ولو كان المضارب اشترى الجاريتين من
المشترى بربح مائة درهم على ما باعهما به ثم وجد بإحداهما عيبا ردها بثمنها وحصتها من الربح
إذا قسمت على الثمنين لما بينا أن الثمن في بيع المرابحة مبنى على الثمن الأول أصله وربحه ولو
كان المشترى اشترى احدى الجاريتين بألف والأخرى بألفين ثم أراد أن يبيعهما مرابحة على
ثلاثة آلاف درهم فله ذلك لان حاصل ما غرم في ثمنهما ثلاثة آلاف درهم وان باع كل
واحدة منهما على حدة مرابحة على ثمنها جاز عند أبي حنيفة وأبى يوسف وقد بينا هذا في
البيوع فان زاد في ثمنهما مائة درهم وأراد أن بيعهما مرابحة باعهما جميعا على ثلاثة آلاف
درهم ومائة درهم لأنه تيقن بمقدار ما غرم في ثمنهما فيبيعهما على ذلك مرابحة وان أراد أن
يبع إحداهما مرابحة على حدة لم يكن له ذلك لان المائة الزائدة إنما تقسم على قيمتها وطريقة
معرفة القيمة الحزر والظن وذلك يمنعه من بيع المرابحة كما لو كان اشتراهما بثمن واحد له أن
يبيعهما جميعا مرابحة على الثمن وليس له بيع إحداهما مرابحة على حصتها من الثمن والله أعلم
* (باب عمل رب المال مع المضارب) *
(قال رضى الله) وإذا وقعت المضاربة على أن يعمل رب المال مع المضارب فالمضاربة
فاسدة لان من شرط صحتها التخلية بين المضارب وبين رب المال وهذا الشرط بعدم التخلية
83

وإنما قلنا ذلك لان من حكم المضاربة أن يكون رأس المال أمانة في يد المضارب ولا يتحقق
ذلك الا بان يخلى رب المال بينه وبين المال كالوديعة وإذا اشترط عمل نفسه معه تنعدم هذه
التخلية لان المال في أيديهما يعملان فيه * يوضحه أن المضاربة فارقت الشركة في الاسم فينبغي
أن تفارقها في الحكم وشرط العمل عليهما من حكم الشركة فلو جوزنا ذلك في المضاربة
لاستوت المضاربة والشركة في العمل وشرط الربح فلا يبقى لاختصاص المضاربة بهذا
الاسم فائدة وإذا أخرج الرجل من ماله ألف درهم وقال لرجل اعمل بهذه مضاربة فاشتر
بها وبع على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بيننا نصفان ولم يدفع إليه المال مضاربة
فالمضاربة فاسدة لان المال غير مدفوع إلى المضارب وقد بينا أن من شرط المضاربة دفع
المال إلى المضارب ليكون أمانة في يده فبقي هذا استئجارا على البيع والشراء بأجرة مجهولة
فإذا تصرف كان الربح كله لرب المال والوضيعة عليه وللعامل أجر مثله فيما عمل ولو دفع المال
إليه على أن يعمل به المضارب وعبد رب المال على أن لرب المال نصف الربح وللمضارب
والعبد نصف الربح فهذه مضاربة جائزة والربح على ما اشترطا سواء كان على العبد دين أولم
يكن لان عبد رب المال في حكم المضاربة كعبد أجنبي اخر (ألا ترى) ان لرب المال ان
يدفع ماله إليه مضاربة فما هو شرط المضاربة يوجد مع اشتراط عمل رب المال وهو التخلية
بين المضارب والمال بخلاف شرط عمل رب المال فإنه لا يدفع المال إلى نفسه مضاربة وهذا
لان للعبد يدا معتبرة في كسبه وليست يده بيد رب المال فيتحقق خروج المال من يد رب
المال مع اشتراط عمل عبده وإذا ثبت هذا في عبده فهو في مكاتبه وابنه وأبيه أظهر ولو
اشترط أن يعمل معه شريك مفاوض لرب المال فالمضاربة فاسدة لان المفاوضين فيما بينهما
من المال كشخص واحد فكل واحد منهما إنما يستحق الربح الحاصل بعمل المضارب بملكه
رأس المال فاشتراط عمل شريكه كاشتراط عمل نفسه لان بهذا الشرط تبقى المرابحة لمالك
المالك مع المضارب في اليد فتنعدم به التخلية وإن كان شركة عنان فإن كان المال من شركتهما
فالمضاربة فاسدة لان كل واحد منهما يستحق الربح بملكه بعض رأس المال وإن لم يكن
من شركتهما فهي مضاربة جائزة لان ما ليس من شركتهما ينزل كل واحد منهما من
صاحبه منزلة الأجنبي (ألا ترى) أن لا حدهما أن يدفع إلى صاحبه مالا من غير شركتهما
مضاربة وإذا دفع الرجل مال ابنه الصغير مضاربة إلى رجل على أن يعمل معه الأب بالمال
84

على أن للمضارب ثلث الربح وللابن ثلثه وللأب ثلثه جاز على ما اشترطا وكذلك الوصي لان
الأب أو لوصي لو أخذ مال الصبي مضاربة ليعمل فيه بنصف الربح جاز كما لو دفعه إلى أجنبي
مضاربة وكل مال يجوز أن يكون الانسان فيه مضاربا وحده يجوز أن يكون مضاربا فيه
مع غيره وهذا لأنهما يستحقان الربح بالعمل لا بملك المال فكانا في ذلك كأجنبي آخر وما هو
شرط المضاربة وهو كون المال أمانة في يد المضارب لا ينعدم بهذا لان يدهما بعد هذا
الشرط يد المضارب على المال كيد المضارب الآخر ولو كان الأب اشتراط عمل الابن مع
مضارب كانت المضاربة فاسدة لان الابن لا يجوز أن يكون مضاربا بالعمل في مال نفسه
ولأنه يستحق الربح بملك المال سواء كان الدافع هو أو أباه أو وصيه ولو كان الدافع هو
بعد بلوغه وأباه أو وصيه وشرط عمل نفسه مع المضارب بطلت المضاربة فكذلك أبوه
أو وصيه تم أجر مثل المضارب في عمله على الأب أو الوصي يؤديان ذلك من مال الابن
لأنه أجير في العمل فإنما يطالب بالأجر من استأجره والأب استأجره للعمل للابن فيؤدى
أجره من مال الابن وإذا دفع لي رجل مالا مضاربة بالنصف فرده المضارب على رب المال
وأمره أن يشترى به ويبيع على المضاربة ففعل رب المال ذلك فربح ولم يل المضارب شيئا
من العمل فهذه مضاربة جائزة لان رب المال معين للمضارب في إقامة العمل والمال في يده على
سبيل البضاعة في حق المضارب ولو أبضعه غيره كان الربح بينهما على الشرط فكذلك إذا
أبضعه رب المال وعلى قول زفر رحمه الله رده المال على رب المال نقض منه للمضاربة لان رأس
المال في المضاربة من جانب العامل عمله ورب المال لا يجوز أن يكون عاملا في مال نفسه لغيره
فكان ذلك بمنزلة نقض المضاربة ولكنا نقول منافع رب المال لم يتناولها عقد المضاربة كمنافع
أجنبي آخر فكما يجوز إقامة عمل أجنبي آخر مقام عمل المضارب ما استعان به بعد فكذلك تجوز
إقامة عمل رب المال من منزل المضارب بغير أمره فاشترى به وباع وربح فقد انتقضت
المضاربة والربح كله لرب المال لان عمله هنا لا يمكن أن يجعل كعمل المضارب فإنه ما استعان
به (ألا ترى) انه لو فعل ذلك أجنبي آخر كان غاصبا عاملا لنفسه ضامنا لرب المال فإذا فعل
رب المال ذلك كان عاملا لنفسه أيضا فانتقضت المضاربة لفوات العمل حقيقة وحكما بخلاف
الأول على ما بينا وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها المضارب جارية
وقبضها وأخذها رب المال وباعها بغير أمر المضارب فربح فيها جاز بيعه والربح على ما اشترطا
85

ولا يكون بيعه الجارية نقضا للمضاربة أما جواز البيع فلانه مالك للجارية قادر على تسليمها ثم قد
بينا انه بعد ما صار المال عروضا لا يملك رب المال نقض المضاربة ومنع المضارب من التصرف
فلا يكون بيعه نقضا للمضاربة أيضا بل يكون نظرا منه للمضارب ولنفسه فربما يخاف أن
يفوته هذا المشترى لو انتظر حضور المضارب فأعانه في بيعها بخلاف الأول فان المال ما دام
نقدا في يده فهو متمكن من نقض المضاربة فيجعل اقدامه على الشراء نقضا للمضاربة يوضح
الفرق ان استحقاق المضارب الربح باعتبار ضمانه الثمن بالشراء في ذمته فان ربح ما لم يضمن
منهى عنه ولهذا لم تجز المضاربة بالعروض فإذا كان المضارب هو المشترى فقد تأكد به سبب
استحقاقه لحصة من الربح إذا ظهر فلا يبطل ذلك بيع رب المال الجارية فاما قبل الشراء فلم
يتأكد سبب ثبوت الحق للمضارب في الربح إذا ظهر فلا يثبت ذلك بشراء رب المال قال
باع رب المال الجارية بألفي درهم ثم اشترى بألفين جارية أخرى فباعها بأربعة آلاف درهم
ضمن رب المال للمضارب خمسمائة درهم حصته من الربح على الجارية الأولى ولا حق له في
ثمن الجارية الأخيرة لان ببيع الجارية الأولى صار المال نقدا في يد رب المال فهو بمنزلة ما
لو كان نقدا قبل شراء المضارب الجارية بالمال وقد بينا هناك أن عمل رب المال في المال يكون
لنفسه ويكون نقضا للمضاربة إذا عمل بغير أمر المضارب فهنا أيضا شراء الجارية الأخيرة
بغير أمره لنفسه وقد نقد ثمنها حصة المضارب من الربح وهو خمسمائة فيضمن له ذلك القدر
وثمن الجارية الأخيرة كلها له لأنه عمل لنفسه في ماله في شرائها وبيعها ولو كان المضارب دفع
الجارية إلى رب المال وأمره أن يبيعها ويشترى بثمنها ويبيع على المضاربة جاز ما صنع على المضاربة
وما ضاع في يد رب المال من ذلك ضاع من الربح لأنه فيه بمنزلة أجنبي آخر استعان به
المضارب في العمل فكما أن الأجنبي إذا استعان به المضارب يكون أمينا في المال وما يهلك في
يده يجعل كالهالك في يد المضارب فكذلك رب المال ولو كان رب المال أخذ الجارية بغير أمر
المضارب فباعها بغلام أو عرض أو شئ من المكيل والموزون يساوى ألف درهم وقبضها
وباعها بأربعة آلاف درهم فذلك كله على المضارب لان رب المال لا يتمكن من نقض المضاربة
ما دام المال عروضا (ألا ترى) أنه لو نهى المضارب عن التصرف لا يعمل نهيه وان حوله
المضارب من عرض إلى عرض لم يصر المال نقدا فكذلك لا تنتقض المضاربة بتحويل رب المال
من عرض إلى عرض بغير أمر المضارب ولكنه فيما يباشر من التصرف بمنزلة الأجنبي يعقد
86

للمضارب فجميع ما يحصل يكون على المضاربة ولو كان رب المال باع الجارية الأولى بمائتي دينار
ثم اشترى بها جارية أخرى كان هذا بمنزلة بيعه لها بالدراهم والجارية الأخرى له دون المضارب
لان الدراهم و الدنانير في حكم المضاربة كجنس واحد (ألا ترى) أنه بعد ما نهى المضارب
عن التصرف لو صار المال في يده دنانير عمل نهى رب المال حتى لا يملك أن يشترى بها عرضا
بمنزلة ما لو صار المال في يده دراهم فكذلك هنا لما صار المال في يد رب المال دنانير انتقضت
المضاربة بمنزلة ما لو صار دراهم فكان هو في شراء الجارية الأخيرة عاملا لنفسه والذي قلنا إن
تأكيد السبب في حق المضارب بضمان الثمن بالشراء وذلك ينعدم في شراء رب المال
بالدنانير كما ينعدم في شرائه بالدراهم بخلاف العروض وفي بيع المقابضة واحد من المتعاقدين
لا يلتزم الا تسليم العين التي من جهته سواء كان المضارب هو المباشر لهذا العقد أو رب المال
فالتزام تسليم العين يكون بصفة واحدة فلهذا كان العرض المشترى بمقابلة العرض على
المضارب ولو لم يشتر بالدنانير جارية ولكنه اشترى بها ثلاثة آلاف درهم كانت على المضاربة
يستوفى رب المال منها رأس ماله والباقي بينهما على الشرط لأنه في هذا التصرف خاصة معين
للمضارب (ألا ترى) أنه بعد ما نهاه عن التصرف أو مات رب المال وبطلت المضاربة بموته
يملك المضارب هذا التصرف ليحصل به جنس رأس المال فكذلك رب المال يكون معينا
للمضارب في هذا التصرف والحاصل أن كل تصرف صار مستحقا للمضارب على وجه
لا يملك رب المال منعه منه فرب المال في ذلك يكون معينا له سواء باشره بأمره أو بغير أمره
وكل تصرف يتمكن رب المال أن يمنع المضارب منه فهو في ذلك التصرف بغير أمر المضارب
عامل لنفسه إلا أن يكون بأمر المضارب فحينئذ يكون معينا له وإذا دفع العبد المأذون إلى رجل
مالا مضاربة فهو جائز لان هذا من صنيع التجار وهو منفك الحجر عنه فيما هو من صنيع
التجار فان اشترط أن يعمل مولاه معه على أن للعبد نصف الربح وللمضارب ربعه وللمولى
ربعه ولا دين على العبد فالمضاربة فاسدة لان المولى يستحق الربح هنا بملك المال فلا يجوز
اشتراط عمله فيه وإن كان الدافع عبده ولأنه لا يجوز أن يكون هو مضاربا لعبده في عمله في
المال هنا لو دفعه إليه وحده فلهذا كان اشتراط عمله مفسدا للعقد وإن كان عليه دين جاز على ما
اشترطوا لان عند أبي حنيفة رحمه الله المولى لا يملك كسب عبده المديون فيه أنما يستحق الربح
بعمله هنا لا بملك المال كأجنبي آخر وعندهما وإن كان هو يملك كسب عبده إلا أن حق
87

الغرماء في كسبه مقدم على حق المولى ويجوز أن يكون المولى مضاربا وحده في هذا المال
لاعتبار حق الغرماء فكذلك يجوز اشتراط عمله مع المضارب ويكونان كالمضاربين في هذا
المال ولو كان العبد اشترط عمل نفسه مع المضارب ولا دين عليه فالمضاربة فاسدة لان العبد
متصرف لنفسه بحكم انفكاك الحجر عنه فهو كالمالك في هذا المال ويده فيه يد نفسه فاشتراط
عمله بعد التخلية بين المضارب والمال فلهذا فسدت المضاربة وللمضارب أجر مثل عمله على
العبد لأنه هو الذي استأجره للعمل ولو كان الدافع مكاتبا واشترط أن يعمل مولاه مع
المضارب جاز لان المولى من كسب مكاتبه أبعد منه من كسب العبد المديون وهو يجوز أن
يكون مضاربا في هذا المال وحده فكذلك مع غيره فان عجز قبل العمل ولا دين عليه
فسدت المضاربة لان المال صار مملوكا للمولي وصار بحيث يستحق ربحه بملكه المال وقد بينا
أن الفساد الطارئ بعد العقد قبل حصول المقصود به كالمقترن بالعقد فلهذا فسدت المضاربة
فان اشتريا بعد ذلك وباعا وربحا فالربح كله لرب المال والأجر للمضارب في عمله لان رب
المال لم يستأجره للعمل والمكاتب بالعجز صار عبدا محجورا عليه واستئجار العبد المحجور عليه
غيره للعمل في مال مولاه باطل واستئجار المكاتب لو كان صحيحا في حال الكتابة يبطل بعجزه
فكيف يثبت حكم الاستئجار بعد عجزه موجبا للأجر عليه ولو كانا اشتريا بالمال جارية ثم عجز
المكاتب فباعا الجارية بغلام ثم باعا الغلام بأربعة آلاف درهم فان المولى يستوفى منها رأس
ماله وما بقي فهو بينهما على ما اشترطا لان عجز المكاتب هنا بمنزلة موته أو بمنزلة موت الحر
والموت لا يبطل المضاربة ما دام المال عروضا وإنما يبطل إذا صار المال نقدا فهنا كذلك ولو
دفع مالا إلى رجل مضاربة بالنصف وأمره أن يعمل فيه برأيه فدفعه المضارب إلى رجل
آخر مضاربة على أن يعمل المضارب الأول معه وللمضارب الآخر ربع الربح وللأول ربعه
ولرب المال نصفه فالمضاربة فاسدة لان المضارب الأول في عمله في المال بمنزلة المالك فاشتراط
عمله يعدم التخلية بين المال وبين المضارب الآخر وذلك شرط صحة المضاربة الثانية والدليل
عليه أن المضارب لا يعاقد نفسه في هذا المال عقد المضاربة وحده فكذلك لا يعاقد غيره على
شرط عمله معه فان عملا فللآخر أجر مثله لأنه أوفى عمله بعقد فاسد والربح بين الأول ورب
المال على شرطهما والوضيعة على رب المال لان المضارب الآخر أجير للأول إجارة فاسدة
ولو استأجره إجارة صحيحة للعمل في المال كان يعطى أجره من المال والربح بين المضارب ورب
88

المال على الشرط فكذلك هنا فان دفعه المضارب الأول إلى رب المال مضاربة بالثلث فعمل
به فربح أو وضع فإنه يقسم على شرط المضاربة الأولى والمضاربة الأخيرة باطلة والمال في يد
رب المال بمنزلة البضاعة وعلى قول زفر رحمه الله الثانية تنقض الأولى والربح كله لرب المال
وعندنا رب المال في العمل معين للمضارب لان المضارب قد استعان به فيكون عمله كعمل
المضارب والربح بينهما على الشرط ولا تصح المضاربة الأخيرة لان رب المال مالك للمال
يستحق الربح باعتبار ملكه فلا يجوز أن يكون مضاربا فيه لان المضارب من يستحق الربح
بعمله لا بملكه المال فالمضاربة الثانية لم تصادف محلا فكانت باطلة (ألا ترى) أن المضارب
لو استأجر رب المال أن يشترى له ويبيع بعشرة دراهم في الشهر فاشترى له فربح أو وضع
كان ما صنع من ذلك جائزا على المضارب ولا أجر له لأنه عامل في مال نفسه فلا يستوجب
على عمله أجرا بالشرط وبه تبين الفرق بينه وبين الأجنبي ولو دفعه المضارب إلى رجل مضاربة
بالربع على أن يعمل هو ورب المال فعلا فالمضاربة الثانية فاسدة لان رب المال يستحق الربح
بملكه المال ولا يجوز أن يكون مضاربا في هذا المال وحده فاشتراط عمله بعدم التخلية فإذا
فسدت المضاربة الثانية فللمضارب الآخر أجر مثله والربح بين الأول وبين رب المال
على ما اشترطا والله أعلم
* (باب الاختلاف بين المضارب ورب المال) *
(قال رضي الله عنه) وإذا قال المضارب بعد حصول الربح شرطت لي نصف الربح
وقال رب المال شرطت لك ثلث الربح فالقول قول رب المال مع يمينه لان الربح بما ملك
رب المال وإنما يستحقه المضارب بالشرط فهو يدعى الزيادة فيما شرط له ورب المال منكر
فالقول قوله مع يمينه وان أقاما البينة فالبينة بينة المضارب لاثباته الزيادة في حقه ببينة وان
قال رب المال لم أشترط لك الربح أو قال اشترطت لك مائة درهم من الربح وقال المضارب
شرطت لي نصف الربح فالقول قول رب المال لانكاره استحقاق شئ من ربح ماله
عليه و للمضارب أجر مثله فيما عمل أما في قوله شرطت لك مائة درهم فظاهر فالمضاربة بهذا
الشرط تصير إجارة فاسدة وكذلك في قوله لم أشترط ربحا لأنهما اتفقا على أن الدفع إليه كان
بطريق المضاربة فإذا لم يبين نصيب المضارب كانت إجارة فاسدة وقد وفى العمل فاستحق
89

أجر المثل ولو قال المضارب شرطت لي ثلث الربح وقال رب المال شرطت لك ثلث الربح
وزيادة عشرة دراهم فالقول قول المضارب لأنهما تصادقا على أنه شرط له ثلث الربح ثم أقر
رب المال بزيادة على ذلك لا يستحقها المضارب بل ليفسد العقد بها ويبطل استحقاق المضارب
فهو متعنت في هذا فلا يقبل قوله ويجعل القول قول من يدعى جواز العقد لان الأصل في
العقود الصحة وان أقاما البينة فالبينة بينة رب المال لأنه يثبت ببينته زيادة الشرط المفسد
للعقد فهو كما لو أثبت أحد المتعاقدين خيارا أو أجلا مجهولا بينة ولو قال رب المال
شرطت لك ثلث الربح الا مائة وقال المضارب شرطت ثلث الربح فالقول قول رب المال
لان المضارب يدعى عليه زيادة فان الكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء المستثنى
فالمضارب يدعى أن المشروط له ثلث كامل ورب المال ينكر ذلك والقول قول المنكر لأنه
غير متعنت في ذلك والبينة في هذا الفصل بينة المضارب لاثباته الزيادة في حقه بالبينة ولو
وضع في المال فقال رب المال شرطت لك نصف الربح وقال المضارب شرطت لي مائه
درهم أو دفعته إلى مضاربة ولم تشترط لي شيئا فلي أجر المثل فالقول قول رب المال لان
المضارب يدعى لنفسه دينا في ذمته وهو أجر المثل ورب المال ينكر ذلك فالقول قوله فان
أقام رب المال البينة أنه شرط له ثلث الربح وأقام المضارب البينة أنه لم يشترط له شيئا فالبينة
بينة رب المال لأنها قامت لاثبات شرط نصف الربح وبينة المضارب قامت على نفى الشرط
والشهادة على النفي لا تقبل فلهذا كانت البينة بينة رب المال والقول قوله وإن كان أقام المضارب
البينة أنه شرط له ربح مائة درهم وأقام رب المال البينة انه شرط له نصف الربح فالبينة بينة
المضارب لان البينتين استوتا في اثبات الشرط فرجحت بينة المضارب لأنها تثبت دينا
مضمونا في ذمة رب المال ولان المضارب هو المحتاج إلى البينة وذكر نظير هذه المسألة في
المزارعة أن رب الأرض والبذر إذا قال للعامل شرطت لك نصف الخارج وقال العالم شرطت
لي مائة أقفزة من الخارج ولم يحصل الخارج وأقاما البينة فالبينة بينة رب الأرض والبذر
وأكثر مشايخنا رحمهم الله قالوا جوابه في كل واحد من الفصلين جواب في الفصل الآخر
وفي المسألتين روايتان. وجه هذه الرواية ما ذكرنا ووجه رواية المزارعة ان رب المال يثبت
صحة العقد فترجح بينته لذلك وأصح الجوابين ما ذكر هنا قال الشيخ الامام الاجل رحمه
الله والأصح عندي الفرق بين المضاربة والمزارعة لان عقد المزارعة يتعلق بها اللزوم (ألا ترى)
90

انه ليس للعامل أن يمتنع من إقامة العمل فترجح فيه البينة المثبتة لصحة العقد لما فيها
من الالزام وأما المضاربة فلا تكون لازمة فان للمضارب أن يمتنع من العمل ويفسخ
العقد متى شاء فترجح هنا البينة التي فيها إلزام وهي المثبتة للدين في ذمة رب المال وإذا
ادعى المضارب انه شرط له نصف الربح أو شرط له مائة درهم وقال رب المال إنما دفعت
إليك المال بضاعة لتشترى به وتبيع فالقول قول رب المال لان المضارب يدعى استحقاق
جزء من ربح ماله أو استحقاق الاجر دينا في ذمته ورب المال ينكر ذلك بإنكاره سببه
فالقول قوله والبينة في هذا الفصل بينة المضارب لأنها تثبت حقه على رب المال وبينة رب المال
تنفى ذلك ولو كانت المضاربة بالنصف فجاء المضارب بألفي درهم فقال رب المال دفعت إليك
الفين وقال المضارب دفعت إلى ألف درهم وربحت ألف درهم فالقول قول المضارب في
قول أبي حنيفة الآخر وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهم الله وفى قوله الأول القول قول
رب المال وهو قول زفر رحمه الله. وجه قوله الأول ان المضارب أقر أن جميع ما في يده مال
المضاربة والأصل في مال المضاربة حق رب المال فإذا ادعى بعد ذلك استحقاق بعض المال
لنفسه لا يقبل قوله الا بحجة والقول قول رب المال لانكاره كما في مسألة البضاعة بخلاف ماذا
قال المضارب ألف من الألفين خلطته لي بمال المضاربة وقد كان قال له اعمل فيه برأيك لان
هناك لم يقر أن جميع ما في يده مال المضاربة والأصل أن القول قول المرء فيما في يده من المال
بخلاف ما لو ادعي رب المال رأس المال أكثر مما جاء به المضارب وانه قد استهلك بعضه فان
هناك هو يدعي دينا على المضارب والمضارب ينكر والقول قول المنكر وجه قوله الآخر أن
الاختلاف بينهما في مقدار المقبوض من رأس المال والقابض هو المضارب فيكون القول قوله
في مقدار المقبوض لان رب المال يدعي زيادة فيما أعطاه وهو ينكر لأنه لو أنكر أصل القبض
كان القول قوله فكذلك إذا أنكر زيادة القبض يوضحه أن المال في يده فالقول قوله في بيان
جهة حصوله في يده كما لو قال ألف من المال لي خلطته بمال المضاربة فان اختلفا مع ذلك فيما
شرط له من الربح فقال رب المال شرطت لك الثلث وقال المضارب شرطت لي النصف فالقول
قول المضارب في رأس المال والقول قول رب المال فيما شرط له من الربح لان المضارب
يدعي الزيادة فيما شرط له ورب المال ينكر ولو أنكر أصل الشرط بان قال كان المال في يدي
بضاعة فالقول قوله فكذلك إذا أنكر الزيادة فيما شرط له وان أقاما البينة فالبينة بينة رب
91

المال في مقدار ما سلم إليه من رأس المال ويأخذ الألفين برأس ماله لأنه أثبت زيادة فيما دفعه
إليه وإن كان المال ثلاثة آلاف كانت البينة بينة المضارب فيما ادعي من الربح حتى أن
الألف الفاضلة عن الألفين بينهما نصفان لان المضارب يثبت ببينته زيادة في حصته من
الربح وإذا دفع الرجل إلى رجلين مالا مضاربة بالنصف فجاء بثلاثة آلاف درهم فقال رب
المال كان رأس مالي ألفين والربح ألف وصدق أحد المضاربين وقال الآخر كان رأس
المال ألفا والربح ألفي درهم فان رب المال يأخذ ألف درهم من رأس ماله من يد المضاربين
لأنهما اتفقا على ذلك القدر من رأس ماله ويبقي في يد كل واحد منهما ألف درهم فيأخذ رب
المال خمسمائة من الذي صدقه لأنه يقر أنه قد بقي من رأس ماله ألف نصفه في يده ونصفه
في يد شريكه واقراره فيما في يده حجة وإن لم يكن حجة فيما في يد شريكه فيأخذ منه
خمسمائة بحساب رأس ماله لان حق رب المال في الربح ضعف حق المصدق فيقسمان الحاصل
من الربح في أيديهما على أصل حقهما أثلاثا ويقاسم الآخر خمسمائة مما في يده أثلاثا لان
رب المال يزعم أن هذه الخمسمائة من رأس ماله أيضا ومن في يده ينكر ويقول هو ربح
وحق رب المال فيه ضعف حقي لان حق رب المال في نصف الربح وحق كل واحد من
المضاربين في ربع الربح فلهذا يقاسمه خمسمائة أثلاثا ثلثها لرب المال يأخذها بحساب رأس
ماله بزعمه فيجتمع في يده ألف وثمانمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ثم يقتسمون الألف الباقية
ربحا بينهم أرباعا فيصير في يد رب المال خمسمائة من الربح وفي يد الذي صدقه مائتان وخمسون
فيجمع ذلك فيأخذ منه رب المال ما بقي من رأس ماله على ما تصادقا عليه لان الربح لا يكون
الا بعد وصول جميع رأس المال إلى رب المال وقد بقي من رأس المال بزعمهما مائة وستة
وستون وثلثا درهم فيأخذ رب المال ذلك والباقي من الربح بينهما أثلاثا لان حق رب المال
في الربح ضعف حق المصدق فيقسمان الحاصل من الربح في أيديهما على أصل حقهما أثلاثا
والمكذب بزعمهما استوفى أكثر من حقه فتجعل تلك الزيادة في حقهما كالتاوي وقد
طعن عيسى بن أبان رحمه الله في فصل من جواب هذه المسألة وهو قوله ان الخمسمائة مما
في يد المكذب تقسم بين رب المال وبين المكذب أثلاثا وقال الصحيح أنه ليس لرب المال
الا نصفها لان المنكر يزعم أن الألف الباقية مقسومة بينهم أرباعا نصفها لرب المال وربعها
للمصدق وربعها لي فالمصدق أقر بحصته لرب المال من هذه الألف فيصير لرب المال ثلاثة
92

أرباعها وقد وصل إليه من بدء المصدق نصف هذه الألف وهو خمسمائة فإنما بقي حقه في
ربعها وحقي في ربعها فينبغي أن تقسم هذه الخمسمائة بينهما نصفان وكان القياس ما ذكره
عيسى رحمه الله ولكن محمد رحمه الله ترك ذلك لوجهين أحدهما أنا لو فعلنا هكذا كنا قد
أعطينا المنكر جميع حصة مدعاه من ربح الألفين ويأخذ من الألف الثانية مائتين وخمسين
ومن الألف الثالثة مائتين وخمسين فتسلم له حصته من ربح الألفين بزعمه ولا يجوز أن يصدق
هو على ما في يد صاحبه كما لا يصدق صاحبه على ما في يده والثاني أن ما وصل إلى رب المال
من تلك الألف لم يصل ربحا كما ادعاه هذا المضارب وإنما أخذه على أنه من رأس ماله فلا
يكون للمنكر أن يجعل ذلك محسوبا عليه من الربح في مقاسمته الخمسمائة الأخرى معه فلهذا
قسمت هذه الخمسمائة بينهما أثلاثا وهذا الجواب حكاه ابن سماعة عن محمد رحمهما الله وإذا دفع
الرجل إلى رجل مالا فربح فيه ربحا فقال العامل أقرضتني هذا المال وقال الدافع دفعته إليك
بضاعة أو مضاربة بالثلث أو قال مضاربة ولم أسم لك شيئا أو قال سميت لك مائة درهم من
الربح فالقول قول رب المال لان العامل يدعي تملك المال عليه بالقبض ورب المال ينكر ذلك
ولان الاذن في التصرف مستفاد من جهة رب المال فالقول قوله في بيان الاذن والتسليط
فإن كان أقر بالمضاربة فلا شئ للعامل بل الربح كله لرب المال لأنه بما ملكه وإن كان أقر له
بربح الثلث أعطاه ذلك لان العامل يدعى عليه جميع الربح وهو أقر له بالثلث وان أقر بمضاربة
فاسدة أعطاه أجر مثله فيأخذه المضارب قضاء مما ادعاه من المال الذي أخذه منه رب المال
لان العامل يدعى عليه أكثر مما أقر له به فيعطيه مقدار ما أقر له به من الجهة التي أقر بها
ويأخذه العامل من الجهة التي يدعيها فان هلك المال في يد المضارب بعد هذا القول فهو ضامن
للأصل والربح لأنه كان أمينا في الكل وقد جحد حق صاحب المال فيه وادعى أنه ملكه
فيكون ضامنا له ولو قال المضارب شرطت لي النصف وقال رب المال شرطت لك الثلث
ثم هلك المال في يد المضارب فهو ضامن لسدس الربح لأنه ادعى تلك الزيادة لنفسه وقد كان
أمينا فيه فيصير ضامنا بدعواه الأمانة لنفسه ولو وضع في المال ثم قال العامل دفعته إلى مضاربة
وقال رب المال دفعته إليك قرضا فالقول قول رب المال لان الاذن مستفاد من جهته فالقول
قوله في بيان صفته ولان العامل يزعم أنه كان نائبا عن رب المال في العمل ورب المال ينكر
ذلك فأقول قوله وان أقاما البينة فالبينة بينة رب المال أيضا لأنه يثبت ببيته سبب تمليك المال
93

منه بالقرض ووجوب الضمان دينا له في ذمته فكانت بينته أولى بالقبول ولأنه لا تنافى
بين البينتين فالقرض يرد على المضاربة فيجعل كأنه دفعه إليه مضاربة ثم أقرضه منه ولا يمكن
أن يجعل على عكس هذا لان المضاربة لا ترد على القرض والقرض يرد على المضاربة ولو لم يكن
عمل بالمال وضاع فالقول قول المضارب لان رب المال يدعى عليه سبب الضمان والمضارب
ينكر والبينة بينة رب المال لاثباته الضمان دينا في ذمة المضارب ثم الفرق بين هذا والأول أن
في هذا الفصل تصادقا على أنه قبضها بإذن المالك وذلك غير موجب للضمان عليه فبقي دعوى
رب المال سبب الضمان وفى الفصل الأول عمل العامل في ملك الغير سبب موجب للضمان وقد
ظهر ذلك فيحتاج إلى سبب مسقط للضمان عن نفسه وهو كونه نائبا عن المالك في عمله في المال
مضاربة ولا يثبت هذا المسقط الا بالبينة ولا يقال تصادقا أن عمله حصل باذن رب المال وتسليطه
فلا يكون سببا لوجوب الضمان عليه لان رب المال يزعم أنه عمل لنفسه في مال نفسه فإذا
لم يثبت الملك له لا يكون هو عاملا باذن رب المال كما أقربه فيبقى عاملا في المال بغير إذنه
وذلك موجب للضمان عليه ولو قال المضارب دفعته إلى مضاربة وقد ضاع المال قبل أن أعمل
به وقال رب المال أخذته غصبا فلا ضمان على المضارب لأنه ما أقر بوجود السبب الموجب
للضمان عليه وإنما أقر بتسليم رب المال إليه وذلك غير موجب للضمان عليه ورب المال يدعى
عليه الغضب الموجب للضمان وهو ينكر فإن كان عمل به ثم ضاع فهو ضامن للمال لان عمله
في مال الغير سبب موجب للضمان عليه ما لم يثبت اذن صاحبه فيه ولم يثبت ذلك لانكاره
فان أقاما البينة فالبينة بينة المضارب في الوجهين لأنه يثبت تسليم رب المال والاذن له في
العمل ببينة ولو قال المضارب أخذت منك هذا المال مضاربة فضاع قبل أن أعمل به أو
بعد ما عملت قال رب المال أخذته منى غصبا فالقول قول رب المال والمضارب ضامن في
لأنه ت حتى أقر بالأخذ وهو سبب موجب للضمان عليه قال عليه الصلاة والسلام وعلى
الوجهين اليد ما اخذ ترد ثم ادعى المسقط وهو اذن صاحبه فلا يصدق في ذلك الا
بحجة ولو قال أخذته منك مضاربة فضاع قبل أن أعمل به وقال رب المال أقرضتكه فلا
ضمان على المضارب لتصادقهما أن القبض حصل بإذن المالك فإنه هو الذي دفعه إليه إلا أن
يكون عمل بالمال فحينئذ هو ضامن لان عمله في مال الغير سبب موجب للضمان عليه
كما ذكرنا وإذا دفع الرجل إلى الرجلين ألف درهم مضاربة بالنصف فجاءا بألفين فقال أحدهما
94

ألف رأس مالك وألف ربح فصدقه رب المال بذلك وقال المضارب الآخر ألف رأس المال
وخمسمائة ربح وخمسمائة لفلان كان دينا علينا في المضاربة وادعى المقر له ذلك فان رب المال يأخذ
رأس ماله ألف درهم لتصادقهما على ذلك ويأخذ المقر له بالدين من المضارب المقر مائتين
وخمسين درهما لأنه أقر أن نصف الخمسمائة دينا عليه يؤديه مما في يده ونصفه دين على شريكه
واقراره على نفسه وبما في يده حجة وعلى غيره لا فلهذا يأخذ منه مائتين وخمسين وهذا
بخلاف أحد الوارثين إذا أقر على الميت بدين فإنه يستوفى جميع الدين من نصيبه لان هناك
ما أقر بالدين في ذمة نفسه ولا في ذمة شريكه وإنما أقر به على الميت والمقر يعامل في حق
نفسه كان ما أقر به حق فلا يسلم له شئ من التركة ما لم يقض جميع الدين الذي على الميت
وهاهنا إنما أقر بالدين على نفسه وعلى شريكه بسبب معاملتهما مع المقر له واقراره بالدين في
ذمة الغير لا يلزمه القضاء مما في يده ثم يقاسم المضارب الجاحد مع رب المال مائتين وخمسين
درهما مما في يده له ثلثها ولرب المال ثلثاها لان المضارب المقر يزعم أنه لا حق له في هذا بل
حق صاحب الدين والجاحد يزعم أنه ربح ولكن لا حق فيه للمقر لأنه أتلف مثل هذا
باقراره كاذبا فهو محسوب عليه من نصيبه فيقسم هذا المقدار بين رب المال والجاحد على
مقدار حقهما من الربح لرب المال ثلثاها وللجاحد ثلثها ويبقى في يد المضاربين خمسمائة درهم
قد أقروا جميعا أنها ربح فيقتسمونها بينهم لرب المال نصفها ولكل واحد من المضاربين ربعها
ولا يرجع الغريم على المضارب المقر بشئ مما أخذ لما بينا انه أقر له بالدين في ذمة شريكه فلا
يلزمه ذلك القضاء من مال نفسه وكذلك لو كان أحدهما ادعى لنفسه خمسمائة من هذا
المال أنه من خاصة مال فهذا والأول في التخريج سواء كما بينا ولو جاء المضاربان بألفي درهم
خمسمائة منها بيض وألف وخمسمائة سود فقال أحدهما الخمسمائة البيض وديعة لفلان عندنا
والخمسمائة السود ربح وقال المضارب الآخر كلها ربح فان رب المال يأخذ رأس ماله ألف
درهم من السود ويأخذ المقر له مائتين وخمسين من البيض وهي التي في يد المقر بالوديعة لان
نصف البيض في يده وأقراه فيه حجة ويقسم المضارب الآخر ورب المال مائتين وخمسين
من البيض أثلاثا سهمان لرب المال وسهم للمضارب لان المقر لا يدعي لنفسه في هذا شيئا
والمنكر يزعم أنه أتلف فوق حقه من هذا المال فلا حق له فيما بقي بل يقسم هذا المقدار بين
الجاحد ورب المال مائتين وخمسين على أصل حقهما أثلاثا ويقسم الخمسمائة السود أرباعا لاتفاقهم
95

على أن ذلك ربح وكذلك لو كان جميع المال في يد المنكر للوديعة لان المنكر للوديعة يزعم
أن الخمسمائة البيض ربح من مال المضاربة ومال المضاربة في أيديهما فباعتبار اقرار ذي اليد هذه
وما لو كان المال كله في أيديهما سواء بخلاف ما إذا كان المال كله في يد المقر لان المقر يزعم أن
هذه الخمسمائة ليست من مال المضاربة بل هي وديعة لصاحبها ولا يدفعها للمضارب الآخر
ولا قول فلهذا كان المقر مصدقا في جميعها هنا فإن كان المضاربان حين جاءا بألفين كانت الخمسمائة
البيض كلها في يد المقر بالوديعة فقال هذه وديعة لفلان عندي وقال الآخر ورب المال كله
ربح أخذها صاحب الوديعة كلها لان اليد فيها له فكان القول قوله فيها والخمسمائة السود
بينهم أرباعا لاتفاقهم على أنها ربح ولو كانت البيض في يد المنكر للوديعة أخذ رب المال
رأس ماله ألف درهم وما بقي من المال قسم على أربعة أسهم لرب المال سهمان ولكل واحد
من المضاربين سهم لان البيض هنا قبل القسمة في يد الجاحد ليس شئ منها في يد المقر
واقراره بالوديعة فيما في يد الغير لا يكون صحيحا ما لم يصل إليه المال فلهذا قسم الكل كما
هو زعم المنكر للوديعة ثم ما وقع في سهم المقر بالوديعة من البيض سلمه إلى صاحب الوديعة
لان ذلك القدر قد وصل إلى يده وقد أقر بالملك له وهذا بخلاف ما سبق إذا كان المال كله
في يد الجاحد لان هناك الجاحد مقر للمقر بالوديعة باليد في نصفه وهنا الجاحد لا يقر باليد في
شئ من البيض للمقر بالوديعة لان في يده مثلها من مال المضاربة وهي الخمسمائة السود وإذا
دفع إلى رجلين ألف درهم مضاربة بالنصف وأمرهما أن يعملا في ذلك برأيهما فجاءا بألفي
درهم في أيديهما جميعا فقال أحدهما ألف منها رأس المال وخمسمائة ربح وخمسمائة وديعة لفلان
خلطناها بالمال بأمره فهو شريكنا في هذا المال بخمسمائة درهم وصدقه فلان بذلك وقال
المضارب الآخر يملك الألف كلها ربح فان رب المال يأخذ رأس ماله ألفا ويأخذ المقر له
بالشركة مائتين وخمسين مما في يد المنكر أثلاثا لأنهما يزعمان ان ذلك ربح وان المقر أتلف
منه ذلك فهو محسوب عليه ثم يقسم رب المال والمضاربان الخمسمائة الباقية أرباعا لاتفاقهم على أن
ها ربح فيكون للمضارب المقر بالشركة منها مائة وخمسة وعشرون درهما فيجمعها إلى ما أخذ
المقر له بالشركة ويقسم ذلك كله بينهما على خمسة أسهم سهم للمضارب وأربعة للمقر له
بالشركة لأنهما تصادقا على الشركة بينهما في المال وتصادقهما معتبر في حقهما فما وصل إليهما
يقسم على أصل حقهما وهما متفقان أن حق المقر له في خمسمائة وان حق المقر في مائة وخمسة
96

وعشرين فاجعل كل مائة وخمسة وعشرين سهما فيكون الخمسمائة أربعة أسهم فأربعة أسهم
حق المقر له وسهم حق المقر فلهذا قال يقسم ما في أيديهما أخماسا بينهما وما لم يصل إلى يدهما
من المال يجعل كالتاوي بينهما ولو كان المال كله في يد المقر بالشركة يوم أقربها أخذ المقر له
بالشركة جميع الخمسمائة من المال لان اقرار المقر فيما في يده مقبول ويأخذ رب المال رأس
ماله ألف والخمسمائة الباقية بين المضاربين وبين رب المال أرباعا ولو كان المال كله في يد
المنكر للشركة أخذ رب المال رأس ماله ألف درهم فاقتسم هو والمضاربان الألف الباقية
أرباعا وما أخذه المقر بالشركة اقتسمه هو والمقر أخماسا لان الواصل إلى يده من المال هذا
المقدار فباعتباره يصح اقراره ويقسم بينهما أخماسا للمقر خمسه وللمقر له أربعة أخماسه قال
عيسى بن أبان رحمه الله هذا غلط وسواء كان المال في أيديهما أو في يد المنكر منهما ينبغي
أن يأخذ المقر له بالشركة مائتين وخمسين أولا كما أجاب به في مسألة البيض والسود قبل
هذا لان المنكر مقر أن المال كله من المضاربة وان نصفه في يد صاحبه ولكن ما ذكره
هنا أصح. والفرق بين هذا وبين تلك المسألة من وجهين أحدهما أن المنكر وان أقر في هذه
المسألة أن نصف المال في يد صاحبه وصاحبه ينكر ويقول يد المقر له على ماله لأنه شريك
معنى فلم نثبت يد المقر على شئ من تلك الخمسمائة فلهذا لا يجوز اقراره في شئ منها قبل
القسمة بخلاف مسألة البيض والثاني ان في مسألة الشركة حق المقر له شائع في الكل وحق
المضاربة كذلك شائع فلم يختص واحد من المضاربين بشئ منه ولم يثبت تنفيذ اقراره الا
بعد القسمة وأما في الوديعة فقد أقر بشئ بعينه متميز من حق المضاربة غير مفتقر إلى المقاسمة
ولو جاء المضاربان بألفي درهم فقال أحدهما كان رأس المال ألف درهم فشاركنا فلان في
المال بخمسمائة درهم فخلطناها بالألف ثم عملنا فربحنا خمسمائة وقال الآخر كلها ربح فان رب
المال يأخذ رأس ماله ألف درهم لاتفاقهم عليه ثم يدفع إلى المقر له مائتين وخمسين درهما في
يد المقر بالشركة لان اقراره فيما في يده مقبول ويبقى في يد المقر بالشركة مائتان وخمسون
فقد أقر أنها ربح بين صاحب الشركة وبين المضاربين وبين رب المال على ثلاثة فيأخذ صاحب
الشركة أيضا منها حصته من الربح باقراره وذلك ثلاثة وثمانون وثلث ويبقى في يد المضارب
المقر بالشركة مائة وستة وستون وثلثان ثم ينظر إلى ما في يد المنكر للشركة وهو خمسمائة
فيدفع منها مثل ما أخذ المقر له مما في يد المقر بالشركة وذلك ثلاثمائة وثلاثون وثلث فيقسمها
97

رب المال والمضارب المنكر للشركة بينهما أثلاثا لاقرارهما أن هذا ربح وان المقر بالشركة
أتلف مثل هذا مما في يده وذلك محسوب عليه من نصيبه ويقسم هذا القدر بين المضارب
الجاحد ورب المال على أصل حقهما ثلثاه لرب المال وثلثه للمضارب الجاحد ثم يجمع ما بقي
في يد المضاربين وذلك ثلاثمائة وثلاثون وثلث فيكون ذلك بينهم أرباعا لاتفاقهم على أن ذلك
ربح مال المضاربة فيقسم بينهم على الشرط ثم يجمع ما أصاب المقر بالشركة من الربح وهو
ثلاثة وثمانون وثلث إلى ما في يد صاحب الشركة فيقسمان ذلك كله على تسعة أسهم للمقر
سهم وللمقر له ثمانية لان المقر زعم أن للمقر له سهما أصل ماله وثلث الخمسمائة ربح وذلك
مائة وستة وستون وثلثان وثلث الخمسمائة الربح بينه وبين رب المال أرباعا فيجعل كل
خمسمائة على ستة أسهم والخمسمائة التي أقر بها المقر لصاحب الشركة ستة أسهم وحصته من
الربح سهمان فذلك ثمانية وحصة المضارب المقر بالشركة مما بقي من الخمسمائة سهم فذلك
كله إذا جمعته تسعة أسهم فلهذا يقسم ما حصل في أيديهما على تسعة أسهم ثمانية أتساعه للمقر له
وتسعه للمقر لان ما زاد على ما وصل إليهما يجعل في حقهما كالتاوي والله أعلم
* (باب المضارب يدفع المال مضاربة) *
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل ألف درهم ولم يقل اعمل فيه برأيك فليس للمضارب
أن يدفعه إلى غيره مضاربة لأنه سوى غيره بنفسه في حق الغير ولأنه يوجب للثاني شركة في
ربح مال رب المال ورب المال ما رضي الا شركته فليس له أن يكسب سبب الشركة للغير فيه
فان دفعه مضاربة إلى غيره فاشترى به وباع فرب المال بالخيار ان شاء ضمن المضارب الأول
رأس ماله لأنه صار غاصبا مخالفا بدفعه إلى غيره لا على الوجه الذي رضى به رب المال فان
ضمنه سلمت المضاربة فيما بين المضارب الأول والمضارب الآخر على شرطهما لأنه ملكه
بالضمان من حين صار مخالفا فإنما دفع مال نفسه مضاربة إلى الثاني وان شاء ضمن المضارب
الآخر لأنه قبض ماله بغير إذنه وتصرف فيه ثم يرجع المضارب الآخر بما ضمن من ذلك على
المضارب الأول لأنه مغرور من جهته فيرجع عليه بما يلحقه من الضمان ولأنه كان عاملا
للمضارب الأول فيرجع عليه بما يلحقه من العهدة ثم الربح بين المضاربين على ما اشترطا لأن الضمان
استقر على الأول فيثبت الملك له وان اختار رب المال أن يأخذ من الربح الذي ربح
98

المضارب الآخر حصته الذي اشترط على المضارب الأول لا يضمن واحد منهما شيئا فليس له
ذلك لان المضارب الأول صار غاصبا بما صنع ومن غصب من رجل مالا ودفعه مضاربة فعمل
به المضارب وربح فلا سبيل لرب المال على الربح ولكن يضمن أيهما شاء وفرق بين المضاربة
والرهن فان المرهون إذا استحق وضمن المرتهن قيمته فرجع به على الراهن لم يصح الرهن
حتى يرجع عليه بالدين أيضا وهنا إذا رجع الثاني على الأول صحت المضاربة بين الأول والثاني
لان استرداد القيمة كاسترداد العين فينتقض قبض المرتهن باسترداد المستحق القيمة منه وبدون
قبضه لا يكون مرهونا وهنا أيضا استرداد المثل كاسترداد العين ولكنه لا ينعدم به ابتداء
اليد للمضارب على المال واستدامته ليست بشرط لحكم المضاربة حتى أنه إذا رد المضارب بالمال
على رب المال واستعان به في التصرف كان الربح بينهما على الشرط ولو رد المرتهن المرهون
على الراهن بعارية أو غيرها خرج من ضمان الرهن ولو كان المضارب الثاني لم يعمل بالمال
حتى ضاع في يده فلا ضمان على واحد من المضاربين وكذلك لو غصب رجل المال من
الآخر فالضمان على الغاصب ولا ضمان على واحد من المضاربين وقال زفر رحمه الله لرب
المال أن يضمن أيهما شاء لان المضارب الأول أمين وقد خالف بالدفع إلى غيره على وجه
المضاربة فكان كل واحد منهما ضامنا كالمودع إذا أعار الوديعة من غيره ولكنا نقول
المضارب غير ممنوع من دفع المال إلى غيره (ألا ترى) أن له أن يودع المال وأن يبضعه
فلا يكون مجرد الدفع موجبا للضمان على واحد منهما ولكن في ظاهر الرواية حين عمل به
الثاني صار المال مضمونا على كل واحد منهما وروى الحسن عن أبي حنيفة أن بمجرد العمل
لا يصير مضمونا على واحد منهما حتى يحصل الربح لأنه إنما يصير مضمونا إذا صار مخالفا
وذلك باشتراك الغير في ربح ماله ولهذا لا يضمن إذا أبضع أو أودع لأنه ليس في ذلك
اشتراك الغير في الربح والشركة في الربح لا تتحقق قبل حصول الربح لسبب الخلاف وإنما
تتحقق إذا حصل الربح. وجه ظاهر الرواية أن الربح إنما حصل بالعمل فيقام سبب حصول
الربح مقام حقيقة حصول الربح في صيرورة المال به مضمونا عليهما بخلاف مجرد الدفع فهو
ليس سببا لحصول الربح ليقام مقام حصوله ولو استهلك المضارب الاخر المال أو وهبه
كان الضمان على الآخر خاصة دون الأول لأنه في مباشرة هذا الفعل مخالف لما أمره به الأول
فيقصر حكمه عليه بخلاف ما إذا عمل بالمال لأنه في مباشرة العمل ممتثل أمر المضارب الأول
99

فيجعل ذلك كعمل المضارب الأول فلهذا كان له أن يضمن أيهما شاء ولو أبضعه المضارب
الثاني مع رجل يشترى به ويبيع فلرب المال أن يضمن ماله أي الثلاثة شاء لان المضارب
الثاني بمطلق العقد يملك الابضاع كما يملك التصرف فيه فيكون هو فيما صنع ممتثلا أمر
المضارب الأول والربح الحاصل بين المضاربين على الشرط لان عمل المستبضع كعمل المبضع
بنفسه وكان الربح بينهما على الشرط والوضيعة على المضارب الأول ولا ربح لرب المال لان
الأول صار بمنزلة الغاصب في حق رب المال فان ضمن المضارب الأول صحت المضاربة
الثانية وان ضمن الثاني رجع به على الأول لأنه مغرور من جهته وصار المال مملوكا للمضارب
الأول حين استقر عليه الضمان وان ضمن المستبضع رجع به على المضارب الثاني لأنه عامل
له ومغرور من جهته ويرجع به الثاني على المضارب الأول كما لو ضمن نفسه لرب المال فإذا
ظهر استقرار الضمان عليه تبين به وجه صحة المضاربة الثانية وإذا دفع الرجل مالا مضاربة
بالنصف ولم يقل له اعمل فيه برأيك فدفعه المضارب إلى آخر مضاربة بالثلث ولم يقل له اعمل
فيه برأيك فدفعه الثاني إلى آخر مضاربة بالسدس فعمل فيه وربح أو وضع فالمضارب
الأول برئ من الضمان لان الثاني خالف أمره حين دفعه إلى الغير مضاربه فلا يتحول منه
هذا العقد إلى الأول كما لو استهلك المال ورب المال بالخيار ان شاء ضمن الثاني رأس ماله وان
شاء ضمن الثالث وحال الثالث في هذه المسألة كحال الأول في المسألة الأولى حتى إذا ضمن لم
يرجع على أحد بشئ وان ضمن الثالث رجع على الثاني والربح بينهما على ما اشترطا لأن الضمان
استقر على الثاني فصحت المضاربة بينه وبين الثالث ولو كان المضارب الأول حين دفع المال
مضاربة إلى الثاني بالثلث وقال له اعمل فيه برأيك فدفعه الثاني إلى الثالث مضاربة بالسدس فربح
أو وضع فلرب المال أن يضمن أي الثلاثة شاء لان الثاني بالدفع إلى الثالث هنا ممتثل أمر الأول
فان بعد قوله اعمل فيه برأيك له أن يدفع المال مضاربة إلى غيره فكان فعله كفعل الأول فلرب
المال أن يضمن أي الثلاثة شاء فان ضمن الثالث رجع على الثاني ورجع الثاني على الأول لمعنى
الغرور وان ضمن الثاني رجع على الأول وان ضمن الأول لم يرجع على أحد بما ضمن بعد كما
استقر الملك للأول صحت المضاربتان جميعا الثانية والثالثة والوضيعة على الأول وأما الربح
فللضارب الآخر سدسه لأنه المشروط له هذا المقدار وللثاني سدسه لان الأول للثاني شرط
ثلث الربح ولنفسه ثلثيه فشرط الثاني السدس للثالث ينصرف إلى نصيبه خاصة دون نصيب
100

الأول لأنه ليس للثاني أن يبطل حق الأول عن شئ من الربح الذي شرط لنفسه وإن كان
قال اعمل فيه برأيك فلهذا كان للثاني ما بقي من الثلث بعد حق الثالث وهو السدس وللأول
ثلث الربح ولو كان المضارب الأول دفع المال إلى رجل مضاربة على أن للمضارب الثاني من
الربح مائة درهم فعمل به فربح أو وضع أو توى المال بعد ما عمل به فلا ضمان لرب المال على
أحد والوضيعة عليه والتوى من ماله لان المضارب الأول إنما يصير ضامنا باشراك الغير في
ربح ماله وبما باشر من المضاربة الفاسدة لا يوجد سبب الاشتراك بل المضاربة الفاسدة
كالإجارة ولو استأجر أجيرا ليعمل في المال لم يكن مخالفا به وجعل عمل الأجير كعمله فكذلك
إذا دفعه إلى غيره مضاربة فاسدة وللعامل أجر مثله على المضارب الأول لأنه هو الذي استأجره
ويرجع به الأول على رب المال لأنه في الاستئجار عامل له بأمره غير مخالف وإن كان فيه ربح
فإنه يعطي أجر مثل العامل أولا من المال كما لو استأجره إجارة صحيحة ثم الربح بين رب المال
والمضارب الأول على الشرط لان عمل الأجير كعمل المضارب بنفسه وهذا وما لو أبضعه غيره
سواء ولو كان رب المال شرط للمضارب الأول من الربح مائة درهم ولم يقل له اعمل برأيك
فدفعه المضارب إلى آخر مضاربة بالنصف فعمل به فلا ضمان على المضاربين في الوضيعة والتوى
لان المضارب الأول ما أوجب للغير شركة في ربح ماله فان بالعقد الذي بينه وبين رب المال
لا يستحق هو شيئا من الربح فكيف يوجبه لغيره وإنما يتحقق الخلاف بايجاب الشركة للغير
في ربح ماله ثم الربح كله لرب المال هنا لان عمل الثاني بأمر الأول كعمل الأول بنفسه وعليه
أجر مثل المضارب الأول بمنزلة ما لو أقام العمل بنفسه وعلى المضارب الأول للمضارب الآخر
مثل نصف الربح الذي ربح في ماله خاصة لأنه صار مغرورا من جهته فإنه أطمعه في نصف
الربح وقد حصل الربح ولم يسلم له مع حصوله بل استحقه رب المال بسبب كان بينه وبين
المضارب الأول وهو فساد العقد فرجع المضارب الثاني على المضارب الأول بمثل نصف
الربح في ماله خاصة لأجل الغرر (ألا ترى) أن رجلا لو استأجر رجلا يعمل له بماله
فيشتري به ويبيع ويبضعه ويستأجر عليه ان أحب فاستأجر عليه الأجير من يعمل به أو أبضعه
مع رجل فربح أو وضع فالربح لرب المال والوضيعة عليه وللأجير الأول اجره على رب المال
لان عمل أجيره بأمره كعمله بنفسه وللأجير الآخر أجره على الأول لأنه هو الذي
استأجره وعمل له ولو كان الأجير الأول دفعه مضاربة إلى رجل بالنصف فعمل به وربح
101

كان الربح كله لرب المال وللأجير أجره على رب المال وللمضارب نصف الربح على الآخر
في ماله خاصة لأجل الغرر الموجود من جهته ولا ضمان على الأجير والمضارب في المال لان
المضارب لم يصر شريكا في المال بمضاربته والخلاف إنما يتحقق به ولو دفع إلى رجل مالا
مضاربة بالنصف وقال له اعمل برأيك فدفعه المضارب إلى رجل مضاربة بالثلث فعمل به
وربح فللمضارب الآخر ثلث الربح وللأول سدسه ولرب المال نصفه لان دفعه إلى الثاني
مضاربة كان باذن رب المال حين قال له اعمل برأيك فالمضارب بهذا اللفظ يملك الخلط والشركة
والمضاربة في المال لان ذلك كله من رأيه وهو من صنيع التجار إلا أن رب المال شرط
لنفسه نصف جميع الربح فلا يكون للمضارب الأول أن يوجب شيئا من ذلك لغيره بل
ما أوجبه للثاني وهو ثلث الربح ينصرف إلى نصيبه خاصة كأحد الشركين في العبد إذا باع
ثلثه وإذا كان المشروط للمضارب الأول نصف الربح وقد أوجب للثاني الثلث بقي له السدس
وذلك طيب له بمباشرته العقدين وإن لم يعمل بنفسه شيئا (ألا ترى) انه لو أبضع المال مع
غيره أو أبضعه رب المال له حتى ربح كان نصيب المضارب من الربح طيبا له وإن لم يعمل
بنفسه شيئا وان دفع الثاني إلى ثالث مضاربة وقد كان الأول قال للثاني اعمل فيه برأيك
فهو جائز والمضارب الثاني فيه بمنزلة الأول لأنه قال اعمل فيه برأيك فله أن يخلطه بماله وان
يشارك فيه وان يدفعه إلى غيره مضاربة وهذا بخلاف الوكيل إذا قال له الموكل اعمل برأيك
فوكل غيره وقال للثاني اعمل برأيك لم يصح هذا منه حتى لا يكون للثاني أن يوكل غيره لان
الوكيل نائب محض لا حق له في المال فليس للأول أن يسوى غيره بنفسه في تفويض الامر
إلى رأيه على العموم بل هو نائب عن الموكل في توكيل الثاني به فأما المضارب فله في المال نوع
حق من حيث إنه شريك في الربح فيكون له أن يفوض الامر إلى رأى غيره على العموم فيما
يعامله من عقد المضاربة ولو لم يقله الأول للثاني لم يكن للثاني أن يدفعه مضاربة وله أن يبضعه
ويستأجر فيه بمنزلة الأول لو لم يقل له رب المال اعمل فيه برأيك وهذا لان المضارب لا يستغنى
عن الأعوان والاجراء لتتميم مقصود رب المال وإذا دفع مالا مضاربة إلى رجل على أن للعامل
من الربح مائة درهم وقال له اعمل فيه برأيك فدفعه المضارب إلى غيره بالنصف فربح فيه
أو وضع فالربح كله لرب المال والوضيعة عليه لان المضارب غير مخالف في دفعه المال إلى غيره
مضاربه فقد قال له رب المال اعمل فيه برأيك والمضاربة الفاسدة تعتبر بالمضاربة الجائزة في
102

الحكم فكما أنه في العقد الجائز بهذه الصورة لا يصير مخالفا بالدفع إلى غيره مضاربة فكذلك
الفاسدة الا انه لاحق للأول في الربح فلا يستحق الثاني بشرطه شيئا من غير الربح ولكن
عمل المضارب الثاني كعمل الأول فالربح كله لرب المال والوضيعة عليه وعلى رب المال أجر
مثل المضارب الأول فيما عمل المضارب الآخر وللمضارب الاخر مثل نصف الربح في مال
المضارب الأول لأنه صار مغرورا من جهته وقد استحق الربح من يده بعد حصوله فيرجع
عليه بمثل ما أوجبه له ولو كان الأول أخذ المال مضاربة بالنصف وقيل له اعمل فيه برأيك
فدفعه مضاربة إلى آخر على أن له من الربح مائة درهم فعمل به الثاني فللثاني أجر مثله على
المضارب في تلك المضاربة لما بينا انه بمنزلة الأجير له ولكن الإجارة فاسدة ولو كانت
صحيحة كان رجوعه في مال المضاربة فكذلك في الإجارة الفاسدة والربح بينه وبين
رب المال على الشرط لان عمل أجيره كعمله بنفسه ولو كان رب المال حين دفعه إلى
الأول قال على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بيننا نصفان أو قال ما كان في ذلك
من رزق فهو بيننا نصفان أو قال خذ هذا المال مضاربة بالنصف وقال اعمل فيه برأيك فدفعه
المضارب إلى آخر مضاربة بالثلث فربح فللمضارب الآخر ثلث الربح وللأول سدسه ولرب
المال نصفه لان رب المال بهذه الألفاظ يكون شارطا نصف ربح جميع المال لنفسه فما
أوجبه المضارب الأول للاخر يكون من نصيبه خاصة حتى لو دفعه الأول إلى الثاني
مضاربة بالنصف فنصف الربح للمضارب الثاني ونصفه لرب المال ولا شئ للمضارب الأول
لأنه حول جميع نصيبه إلى الثاني فإن كان المضارب الأول شرط للثاني ثلثي الربح فللمضارب
الثاني نصف الربح لان ايجاب المضارب الأول للثاني إنما يتم سببا لاستحقاقه فيما هو
نصيب الأول وهو النصف دون الزيادة على ذلك ثم يرجع الثاني على الأول في ماله خاصة
بسدس الربح أيضا لأنه صار مغرورا من جهته فإنه شرط له الثلثين ولم يسلم له الا النصف
وهذا الشرط من المضارب الأول غير صحيح في ابطال استحقاق رب المال أما في حق
نفسه فهو صحيح وقد التزم سلامة ثلثي الربح للثاني فإذا لم يسلم الا النصف رجع عليه بالسدس
إلى تمام الثلثين ولا ضمان على المضارب الأول لان رب المال قال له اعمل برأيك فلا يصير
هو مخالفا بايجاب الشركة للغير في ربح المال ولو قال رب المال للأول ما ربحت في هذا من
شئ فهو بيننا نصفان أو ما رزقك الله فيه أو قال على أن ما كان لك فيه من فضل أو ربح أو
103

قال على أن ما كسبت فيه من كسب أو قال على أن ما رزقك الله فيه من شئ أو قال على
أن ما صار لك فيه من ربح فهو بيننا نصفان وقال له اعمل فيه برأيك ودفعه الأول إلى آخر
مضاربة بالنصف أو بثلثي الربح أو بخمسة أسداس الربح كان ذلك كله صحيحا وللثاني من
الربح جميع ما شرط له والباقي بين الأول ورب المال نصفان لان رب المال بهذه الألفاظ
ما شرط لنفسه نصف جميع الربح وإنما شرط لنفسه نصف ما يحصل للأول من الربح لأنه
أضاف بحرف الخطاب وهو الكاف أو التاء فما شرطه الأول للثاني قل أو كثر لا يتناول
شيئا مما شرط رب المال لنفسه فيستحق الثاني جميع ما شرط له وما وراء ذلك جميع ما حصل
للمضارب الأول وإنما شرط رب المال لنفسه نصف ذلك فلهذا كان الباقي بينهما نصفين
بخلاف الأول فرب المال هناك شرط نصف جميع ربح المال لنفسه لأنه أضاف الرزق والربح
إلى المال دون المضارب الأول وإذا دفع رب المال ماله مضاربة على أن ما رزق الله تعالى في
ذلك من شئ فهو بينه وبين المضارب نصفان وقال له اعمل فيه برأيك فدفعه الثاني إلى الثالث
مضاربة بالثلث فعمل به وربح فيه فللثالث ثلث الربح لان ما أوجبه الثاني له ينصرف إلى
نصيبه خاصة وللثاني سدس الربح لان هذا القدر هو الباقي من نصيبه فلرب المال نصف الربح
ولا شئ للمضارب الأول لأنه أوجب للثاني جميع نصيبه حين شرط له النصف ولو كان
المضارب الأول دفعه إلى الثاني وشرط عليه ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بيننا
نصفان وقال له اعمل فيه برأيك فدفعه الثاني إلى ثالث مضاربة بالثلث فللمضارب الآخر
ثلث الربح كله وسدس الربح بين المضارب الثاني والأول نصفان ونصف الربح لرب المال
لان رب المال شرط لنفسه نصف جميع الربح والأول إنما شرط للثاني نصف ما رزق الله
وذلك سدس الربح فكان بينهما نصفين ولو كان رب المال قال للأول ما رزق الله من شئ
والمسألة بحالها فالمضارب الآخر يأخذ ثلث الربح ويقاسم المضارب الثاني المضارب الأول
الثلثين نصفين لان الأول إنما أوجب للثاني نصف ما رزقه الله تعالى والذي رزقه الله تعالى
ما وراء نصيب الثالث فكان ذلك بينهما نصفين ويقاسم رب المال المضارب الأول ثلث
الربح الذي وصل إليه نصفين لان رب المال إنما شرط لنفسه نصف ما رزق المضارب الأول
والذي رزق الأول هذا الثلث فكان بينهما نصفين والله أعلم
104

* (باب قسمة رب المال والمضارب) *
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فربح ألفا فاقتسما
الربح وأخذ كل واحد منهما خمسمائة لنفسه وبقي رأس مال المضاربة في يد المضارب على حاله
حتى هلك أو عمل بها فوضع فيها أو توى بعد ما عمل فيها فان قسمتها باطلة والخمسمائة التي
أخذها رب المال تحتسب من رأس ماله فيغرم له المضارب الخمسمائة التي أخذها لنفسه فيكون
له من رأس ماله وما هلك فهو من الربح لان الربح لا يتبين قبل وصول رأس المال إلى رب
المال قال عليه الصلاة والسلام مثل المؤمن كمثل التاجر لا يسلم له ربحه حتى يسلم له رأس ماله
فكذلك المؤمن لا تسلم له نوافله حتى تسلم له عزائمه أو قال فرائضه وهذا لان رأس المال
أصل والربح فرع وما بقي من رأس المال في يد المضارب فهو أمين فيه فإذا هلك من عمله
أو من غير عمله لا يكون مضمونا عليه ولكن يجعل ما هلك كأن لم يكن فتبين ان الباقي من
المال كان مقدار الألف وصل إلى رب المال من ذلك خمسمائة وما أخذه لنفسه فهو مضمون
عليه فيغرم لرب المال الخمسمائة التي أخذها حتى يصل إليه كمال رأس ماله وقسمة الربح هنا
قبل وصول رأس المال إلى رب المال بمنزلة قسمة الوارث التركة مع قيام الدين على الميت
ولو أن الورثة عزلوا من التركة مقدار الدين وقسموا ما بقي ثم هلك المعزول قبل أن يصل
إلى الغرماء بطلت القسمة وعليهم ضمان ما أخذوا لحق الغرماء فكما أن حق الغرماء سابق
على حق الورثة في التركة فكذلك هنا حق رب المال سابق على حقهما في الربح وكذلك لو
هلك أيضا ما أخذه كل واحد منهما لنفسه لان ما أخذ رب المال محسوب عليه من رأس ماله
فيستوى هلاكه في يده وبقاؤه وما هلك في يد المضارب كان مضمونا عليه لأنه أخذه لنفسه
وأخرجه من المضاربة بأخذه فبقاؤه وهلاكه في يده سواء ولو كان الربح ألفين وأخذ كل
واحد منهما ألفا من الربح ثم ضاع المال كله ولم يقبض رب المال رأس ماله من المضاربة
فان الألف التي قبض رب المال هو رأس ماله لان قسمة الربح بعد انتهاء العقد بوصول
رأس المال إلى يد رب المال أو إلى يد وكيله فاما مع بقاء المال في يد المضارب وقيام عقد المضاربة
فلا يصح قسمة الربح بينهما فيجعل ما هلك كأن لم يكن وتبين ان ما قبضه رب المال هو رأس
ماله وأن الربح كله ما أخذه المضارب وقد أخذه لنفسه فكان مضمونا عليه فيغرم نصف
تلك الألف لرب المال حصته من الربح ولو لم يضع المال حتى اشترى المضارب بالألف
105

التي بقيت في يده بعد قسمة الربح فربح مالا كثيرا كانت الألف التي قبضها رب المال أولا
من رأس المال ويأخذ من هذا المال ألف در هم مثل ما أخذ المضارب من الربح الأول
ثم يكون الباقي ربحا بينهما نصفين لما قلنا إن قسمة الربح لا تجوز حتى يستوفى رب المال رأس
ماله أو يستوفى له وكيله فإذا استوفاه ثم اقتسموا الربح جازت المقاسمة فان استوفاه ثم اقتسما
الربح فأخذ كل واحد منها نصفه ثم إن رب المال دفع إلى المضارب الألف التي قبضها برأس
ماله فقال خذها فاعمل بها على المضاربة التي كانت فهذه مضاربة مستقبلة جائزة ان ربح فيها أو
وضع لم تنتقض القسمة الأولى لأن العقد الأول قد انتهى بوصول رأس المال إلى يد رب
المال ثم قسمتهما الربح حصلت في أوانها فتمت ثم دفع المال إلى الأول مضاربة مستقلة بمنزلة
ما لو دفع إليه ألفا أخرى سوى الألف الأولى ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة بالنصف
فربح فيها ألفي درهم ثم اقتسما فدفع إلى رب المال رأس ماله ألف درهم وأخذ المضارب من
الألفين حصته من الربح ألف درهم وبقيت حصة رب المال ولم يأخذها حتى ضاعت فإنها
تضيع منهما جميعا لان المضارب أمين فيما بقي في يده من المال ما لم يأخذه لنفسه فإذا هلك
صار كأن لم يكن ويرد المضارب نصف ما أخذ من الربح لان تلك الألف مضمونة عليه حين
أخذها لنفسه وقد تبين أنها كانت جميع الربح ولأنها لا تسلم للمضارب ربحا حتى يسلم لرب
المال مثلها ربحا ولم يسلم فعلى المضارب أن يرد نصف ما أخذ من الربح ولو كانت الألف
التي أخذها المضارب لنفسه هي التي هلكت وبقيت الألف الأخرى فإنها تحسب على المضارب
من حصته وتسلم الألف التي بقيت لرب المال لأنه قبض تلك الألف لنفسه فصارت
مضمونة عليه والضمان الذي لزمه بعد ما هلك محسوب عليه من حصته من الربح فيأخذ
رب المال الألف الباقية من الربح فإن كان المضارب قاسم رب المال الربح وأخذ حصته ولم
يقبض رب المال حصته حتى ضاع ما قبضه المضارب لنفسه وما بقي فان الذي لم يقبضه رب
المال هلك من مالهما ويصير كأن لم يكن لان المضارب بقي أمينا في ذلك ويغرم المضارب
لرب المال نصف الربح الذي كان قبضه لنفسه وكان مستوفيا له بالقبض فهلك مضمونا
عليه وقد تبين أنه جميع الربح فيغرم نصفه لرب المال ولو ربح ألفا فاقتسما الربح وأخذ كل
واحد منهما نصفه ثم اختلفا في رأس المال فقال المضارب قد دفعته إليك وإنما قاسمتني بعد
الدفع وقال رب المال لم تدفع إلى رأس المال فالقول قول رب المال ويأخذ الخمسمائة التي
106

أخذها المضارب فتكون له من رأس ماله لان المضارب أمين والأمين فيما يدعى من الرد
مقبول القول في براءة نفسه عن الضمان غير مقبول القول في وصول المال إلى المردود عليه
(ألا ترى) أن المودع إذا ادعى رد الوديعة على الوصي ليس لليتيم أن يضمن الوصي شيئا
وإذا ادعى الرد على أحد الشريكين ليس للشريك الآخر أن يضمنه شيئا فكذلك هنا لا يقبل
قول المضارب في وصول رأس المال إلى رب المال وما لم يصل رأس المال إليه لا يسلم للمضارب
شئ بطريق الربح ولان المضارب يدعى خلوص الخمسمائة المقبوضة له ورب المال منكر
لذلك والقول قول المنكر فان قيل كان ينبغي أن يقال اشتغالهما بقسمة الربح يكون اقرار
بوصول رأس المال إليه فهو في انكاره بعد ذلك مناقض إذ الظاهر يشهد للمضارب لأن الظاهر
أن قسمة الربح تكون بعد قبض رب المال رأس المال قلنا لا كذلك فبين التجار عادة
ظاهرة في المحاسبة في كل وقت وأخذ كل واحد منهما حصته من الربح مع بقاء رأس المال
على حاله فلا يكون هذا اقرارا من رب المال بقبض رأس المال فباعتبار هذا العرف لا يشهد
الظاهر للمضارب أيضا ثم الظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا لاثبات الاستحقاق والمضارب
يدعى استحقاق الخمسمائة ربحا والظاهر لهذا لا يكفي فان أقاما البينة فالبينة بينة المضارب
لأنه أثبت ببينته دفع رأس المال إلى رب المال وبينة رب المال تنفى ذلك ولأنه أثبت استحقاقه
الخمسمائة ربحا بالحجة وإن لم يقيما بينة وهلكت الخمسمائة التي أخذها المضارب لنفسه فالمضارب
ضامن لها لأنه أخذها على أنها له فصار ضامنا لها ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة بالنصف
فذكر المضارب أنه قد ربح فيها ألفا وجاء بألفين ثم إنه جحد فقال لم أربح فيها الا خمسمائة
فهلكت الألفان في يده وقامت البينة على اقراره بما قال من الربح فإنه يضمن الخمسمائة التي
جحدها من الربح فيأخذها رب المال من رأس ماله ولا يضمن شيئا غيرها لان جميع المال
أمانة في يده وإنما يصير ضامنا مقدار ما جحد من المال كالمودع وإنما جحد الخمسمائة فيما سوى
ذلك وقد هلكت في يده فهي أمانة فإنما عليه ضمان الخمسمائة فيأخذها رب المال من رأس
ماله ولو كان أنكر أن يكون ربح في المال شيئا والمسألة بحالها ضمن الألف الربح كلها فيأخذها
رب المال من رأس ماله ولا ضمان عليه في رأس المال لأنه لم يجحدها فهلكت في يده
أمانة وقد جحد الألف التي اعترف أنها ربح في يده فيكون ضامنا مثلها يأخذها رب المال
من رأس ماله ولو ربح فيها ألفا وقال لرب المال قد دفعت إليك رأس المال ألف درهم وبقيت
107

هذه الألف الربح وقال رب المال لم أقبض منك شيئا فالقول قول رب المال مع يمينه أنه
لم يقبض شيئا ويأخذ الألف الباقية من رأس ماله ويستحلف المضارب بالله ما استهلكها ولا
ضيعها لان المضارب أمين في رأس المال والقول قول الأمين مع اليمين في براءته عن الضمان
لكونه غير مقبول القول فيما يدعى من سلامة نصف ما بقي له ولا هو مقبول القول في وصول
رأس المال إلى رب المال بل القول في ذلك قول رب المال مع يمينه فإذا حلف هو ونكل
المضارب عن اليمين غرم الخمسمائة لرب المال حصته من الربح لان رب المال يأخذ الألف
الباقية كلها من رأس المال والمضارب بنكوله عن اليمين قد أقر أنه استهلك تلك الألف أو ضيعها
وقد بين أن ذلك كان جميع الربح فيغرم حصة رب المال وهو النصف ولو أن المضارب حين
أراد رب المال استحلافه قال لم أدفعها إليك ولكنها ضاعت مني وحلف على ذلك فإنه يغرم
نصفها لرب المال لأنه تناقض كلامه في تلك الألف حين ادعى مرة أنه دفعها إليه ثم ادعى
انها ضاعت منه وقد بينا في الوديعة أن المودع يضمن بمثل هذا التناقض فكذلك المضارب
ولو أن المضارب حين قال دفعت إليك رأس مالك وبقيت هذه الألف الربح في يدي
وكذبه رب المال وأقاما البينة فالبينة بينة المضارب لأنه يثبت قبض رب المال رأس ماله ببينته
ورب المال ينفي ذلك ولو أقام المضارب البينة أن رب المال أقر أنه قبض رأس ماله ألف
درهم وأقام رب المال البينة على المضارب أن رب المال لم يقبض من رأس ماله شيئا فإن لم
يعلم أي الا قرارين أول فالبينة بينة المضارب لأنه يثبت حق نفسه في نصف ما بقي بطريق
الربح ورب المال ينفى ذلك وان علم أيهما أول فالبينة بينة الذي يدعى الاقرار الآخر لأنا لو
عاينا الاقرارين كان الثاني منهما ناقضا للأول فان المقر الآخر يصير به رادا اقرار الأول
والاقرار يرتد برد المقر له فلهذا كان المعمول به آخر الاقرارين وإذا دفع الرجل إلى الرجل
مالا مضاربة بالنصف فاشترى به وباع وربح أو لم يربح أو لم يشتر به شيئا منذ دفع المال
إليه أو اشترى به عرضا ولم يبعه حتى زاد رب المال من الربح السدس فصار لرب المال الثلثان
من الربح وللمضارب الثلث ثم ربح المضارب بعد ذلك ربحا فهذا جائز على ما فعلا ويقتسمان
على ذلك ما حصل قبل الزيادة أو الحط وما حصل بعد ذلك لا ينظر فيه إلى الشرط الأول
لان الحط والزيادة قد نقضا الشرط الأول وهذا لأن العقد قائم بينهما ما لم يصل إلى رب
المال رأس ماله والزيادة والحط في العقود اللازمة تثبت على سبيل الالتحاق بالأصل ففيما
108

ليس بلازم أولى وإذا التحق بأصل العقد وصار كأنهما شرطا في الابتداء أن يكون الربح
بينهما على الثلث والثلثين ولو كان ربح ربحا فاقتسماه نصفين وأخذ رب المال رأس ماله قبل
الحط والزيادة ثم وقع الحط والزيادة بعد ذلك فقال المضارب انك قد غبنتني فزاده سدس
الربح أو قال رب المال قد غبنتني فنقص المضارب من حقه سدس الربح فهذا جائز لازم
يرجع كل واحد منهما على صاحبه بما حصل له من ذلك في القياس وهو قول أبى يوسف
رحمه الله فاما في قول محمد رحمه الله فيجوز الحط ولا تجوز الزيادة لأن العقد قد ارتفع
بوصول رأس المال إلى رب المال وقسمة الربح وصحة الزيادة في حال بقاء العقد ثم ما يأخذ
المضارب يأخذه بمقابلة عملة وقد انقضى عمله حقيقة وحكما بانتهاء العقد بقسمة الربح فلا
تجوز الزيادة بعد ذلك في البدل وتجوز في الحط كما في الإجارة والبيع فان بعد هلاك المبيع
لا تجوز الزيادة ويجوز الحط فهذا مثله وأبو يوسف يقول القسمة تنهى عقد المضاربة والمنتهى
ما يكون متقررا في نفسه فكان في معنى القائم دون المفسوخ فيجوز الحط والزيادة جميعا ثم من
حيث المعنى كل واحد منهما يزيد من وجه ويحط من وجه لان رب المال يزيد في حصة
المضارب وذلك حط من نصيبه وكذلك المضارب يزيد في نصيب رب المال وذلك حط
منه لنصيبه فإذا جاز من المضارب هذا بطريق الحط فكذلك يجوز من رب المال بطريق
الحط والله أعلم
* (باب عتق المضارب ودعوته الحط) *
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها عبدا
يساوى ألفا فأعتقه المضارب فعتقه باطل لأنه لا فضل في مالية العبد على رأس ماله والمضارب
إنما يثبت له الملك في الفضل فبعتقه العبد ولا فضل فيه عتق فيما لا يملكه ولا عتق فيما
لا يملكه ابن آدم والذي تدور عليه مسائل الباب ان رأس المال معتبر في كل نوع من أنواع
مال المضاربة كان ذلك النوع جميع المال (ألا ترى) انه لو هلك أحد النوعين استوفى رب
المال جميع رأس ماله من الآخر فهنا يعتبر العبد كأنه جميع المال ولا فضل فيه على رأس المال
فلا ينفذ عتق المضارب فيه سواء كان في يد المضارب من مال المضاربة شئ آخر أو لم يكن
ولو أعتقه رب المال كان حرا لأنه أعتق ملك نفسه ولا ضمان على رب المال فيه لان جميعه
109

مشغول برأس المال ورأس المال خالص حق رب المال وقد بطلت المضاربة إن لم يكن في
يد المضارب سوى العبد من مال المضاربة شئ لان المال قد تلف كله باتلاف رب المال ولو
أن المضارب اشترى بخمسمائة درهم من الألف عبدا يساوى ألفا فأعتقه المضارب فعتقه
باطل لما قلنا وان أعتقه رب المال جاز عتقه وصار مستوفيا لرأس المال بعتقه فتبقى الخمسمائة ربحا
في يد المضارب فيقسمانها نصفين ولو كان اشترى بالألف عبدا يساوى ألفين فأعتقه المضارب
جاز عتقه في ربعه لان المال كله من جنس واحد وفيه فضل على رأس المال فيملك المضارب
حصته من الربح وذلك ربع العبد فان نصفه مشغول برأس المال والنصف الآخر ربح بينهما
نصفان واعتاق أحد الشريكين صحيح في حصته ثم عند أبي حنيفة رحمه الله إن كان موسرا
فلرب المال الخيار بين أن يضمن المضارب ثلاثة أرباع قيمته وبين أن يستسعى العبد فيها وبين
أن يعتقه بناء على مذهبه أن العتق يتجزأ وعندهما قد عتق كله والمضارب ضامن لرب المال ثلاثة
أرباع قيمته إن كان موسرا وإن كان معسرا استسعى العبد في ثلاثة أرباع قيمته وهي مسألة
معروفة في العتاق ولو كان المضارب اشتراه بخمسمائة درهم من المضاربة وهي تساوى ألفين
فأعتقه وهو موسر جاز عتقه في ربعه ويأخذ رب المال الخمسمائة الباقية من رأس المال ويضمن
المضارب تمام رأس ماله خمسمائة ونصف الربح وهو سبعمائة وخمسون ويرجع المضارب في
قول أبي حنيفة رحمه الله على العبد بجميع ما ضمن وهو ألف ومائتان وخمسون ويرجع المضارب
أيضا على العبد بمأتين وخمسين فيستسعيه فيها وذلك تمام ما كان وجب له من الربح لان عتقه
إنما نفذ في القدر الذي هو مملوك له وقت الاعتاق وذلك ربع العبد فالعبد كأنه جميع مال
المضاربة لان ما سواه ليس من جنسه وإذا نفذ عتقه في ربعه وذلك خمسمائة أخذ رب المال
الخمسمائة الباقية من رأس ماله وضمن المضارب الخمسمائة الأخرى من قيمة العبد تمام رأس
ماله وظهر أن الربح ثلاثة أرباع العبد وهو ألف وخمسمائة لكل واحد منهما سبعمائة وخمسون
فيغرم المضارب لرب المال حصته وذلك سبعمائة وخمسون وقد أتلف من نصيب نفسه بالاعتاق
خمسمائة فإنما بقي له مائتان وخمسون فيستسعى العبد في ذلك ويرجع عليه أيضا بما ضمن لرب
المال وذلك ألف ومائتان وخمسون لأنه ضمن له ذلك باعتاقه ومن أصل أبي حنيفة رحمه
الله أن المعتق إذا ضمن يرجع بما ضمن على العبد فيستسعيه فيه لأنه قائم مقام الساكت في
ذلك وقد كان للساكت أن يستسعى العبد في ذلك فكذلك للمعتق إذا ضمن ولأنه بالضمان
110

ملك نصيبه فيستسعى العبد في ذلك لاتمام العتق وعند أبي يوسف ومحمد يعتق العبد كله
ويستوفى رب المال الخمسمائة الباقية من رأس ماله ويضمن المضارب ألفا ومائتين وخمسين
درهما ولا سعاية له على العبد في شئ بناء على أصلهما أن العتق لا يتجزأ ولو اشترى المضارب
بألف المضاربة عبدين كل واحد منهما يساوى ألفا فأعتقهما المضارب فعتقه باطل عندنا وعند
زفر رحمه الله نافذ في ربع كل واحد منهما وقيل على قول أبى يوسف ومحمد رحمه الله ينبغي
أن يكون الجواب كذلك بناء على أصلهما أن الرقيق يقسم قسمة واحدة فكان هذا بمنزلة
جنس واحد من المال فيملك المضارب حصته من الربح وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يجرى في
الرقيق قسمة الجبر فيستسعى كل واحد من العبدين على حدته وكل واحد منهما مشغول برأس
المال والأصح عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله أن لا ينفذ عتق المضارب في شئ منهما لأنهما يريان
قسمة الجبر على الرقيق عند امكان اعتبار المعادلة إذا رأى القاضي النظر في ذلك فعند عدم هذا
الشرط كل واحد منهما معتبر على حده لا فضل في كل واحد منهما على رأس المال فلا ينفذ
عتق المضارب في شئ منها فزفر رحمه الله يقول العبدان في حكم المضاربة كعبد واحد
ورأس المال ألف درهم فيتيقن بوجود الفضل فيهما على رأس المال فينفذ عتق المضارب في
حصته وهو الربع كما في العبد الواحد (ألا ترى) أنه لو أعتقهما رب المال كان ضامنا حصة
المضارب خمسمائة فإذا ظهر نصيب المضارب في حق وجوب الضمان له عند اعتاق رب المال
فلان يظهر نصيبه في تنفيذ العتق كان أولى ولنا أن باعتاق رب المال إياهما يصل إليه رأس
المال فيظهر الفضل فأما باعتاق المضارب إياهما لا يصل إلى رب المال شئ ولا فضل في واحد
منهما على رأس المال فيعتبر كل واحد منهما على حدة كأنه ليس معه غيره فلا ينفذ عتق
المضارب في واحد منهما. يوضحه أن للمضارب هنا حقا يتقرر عند وصول رأس المال إلى
رب المال لا قبله (ألا ترى) أنه لو هلك أحدهما كان الباقي كله لرب المال برأس ماله
وباعتبار الحق يجب الضمان ولكن لا ينفذ العتق وإنما ينفذ باعتبار الملك ولا ملك له في واحد
منهما عند الاعتاق فلهذا لا ينفذ عتقه وان زادت قيمتهما بعد ذلك كان العتق باطلا أيضا
لأنه إنما يملك نصيبه الآن حين ظهر الفضل فيهما على رأس المال بزيادة قيمتهما ومن أعتق
ما لا يملك ثم ملك لا ينفذ عتقه ولو أعتقهما رب المال معا عتقا لان كل واحد منهما ملكه لكون
كل واحد منهما مشغولا بملك رأس المال وألف ربح فيضمن حصة المضارب من ذلك وهو
111

خمسمائة موسرا كان أو معسرا ولا سعاية على العبد عندهم جميعا لان كل واحد منهما عتق
كله باعتاق الملك إياه فلا يلزمه السعاية ورب المال صار متلفا حق المضارب من الربح بالعتق
فيضمن له موسرا كان أو معسرا فان أعتق أحدهما قبل صاحبه عتق الأول كله وولاؤه له
ويعتق من الثاني نصفه لأنه حين نفذ عتقه في الأول منهما قد وصل إليه كمال رأس ماله
وبقي العبد الآخر ربحا والربح مشترك بينهما نصفان فهو باعتاق الثاني أعتق عبدا
مشتركا بينه وبين غيره وحكم هذا في الخيار والاستسعاء والتضمين معروف ولو كان
المضارب اشترى بها عبدين يساوى أحدهما ألفين والآخر ألفا فأعتقهما المضارب معا أو
متفرقين وهو موسر فعتقه في دين قيمته ألف درهم باطل لأنه لا فضل في قيمته على
رأس المال فلا يملك هو شيئا منه وأما الذي قيمته ألفان فالمضارب مالك لربعه حين أعتقه
فيعتق منه ربعه ثم باع الذي قيمته ألف درهم فيستوفى رب المال من ذلك رأس ماله لان
رأس المال يحصل من شراء الأموال وذلك مالية العبد الذي لقي فيه عتقه بطريق البيع
فقد تعذر البيع في معتق العبد فإذا وصل إليه رأس ماله ظهر أن العبد الثاني كله ربح وان
نصيب المال منه ألف در هم فيضمن المضارب ذلك لرب المال إن كان موسرا ويرجع بها
على العبد في قول أبي حنيفة ويستسعيه أيضا في خمسمائة تمام نصيبه لأنه حين أعتق ما كان
يملك منه الا الربع فان حدث له ملك في ربع آخر بعد ذلك بان وصل إلى رب المال رأس
ماله لا ينفذ ذلك العتق فيه فلهذا يستسعيه في هذا الربع لتتميم العتق ولو لم يعتقهما المضارب
وأعتقهما رب المال في كلمة واحدة فالعبد الذي قيمته ألف جزء من مال رب المال ولا سعاية
عليه وأما العبد الذي قيمته ألفان فثلاثة أرباعه جزء من مال رب المال لان عتقه إنما نفد
فيه بقدر ملكه فيهما وقت الاعتاق وقد كان مالكا جميع العبد الأوكس لأنه لا فضل
فيه على رأس المال وثلاثة أرباع الا رفع فينفذ عتقه في ذلك القدر وأما الربع الباقي فإن كان
رب المال موسرا فالمضارب في قول أبي حنيفة رحمه الله بالخيار ان شاء أعتق ذلك الربع
وان شاء استسعى العبد فيه وان شاء ضمنه رب المال ويرجع به رب المال على العبد
وإن كان معسرا فإن شاء أعتق وان شاء استسعى وهذا ظاهر وضمن المضارب أيضا
رب المال تمام حصته من الربح وذلك خمسمائة موسرا كان أو معسرا لأنه بالاعتاق صار
متلفا مقدار ألفين وخمسمائة ألف من ذلك رأس ماله وألف وخمسمائة ربح وقد وصل إلى
112

المضارب خمسمائة اما بالتضمين أو بالاستسعاء فيسلم مثله لرب المال بقي ألف درهم بما أتلفه
فنصفها حصة المضارب فلهذا غرم له خمسمائة موسرا كان أو معسرا. والحاصل ان كل شئ
زاد بنصيب المضارب بعد عتق رب المال فالضمان فيه على رب المال ولا ضمان فيه على العبد
وكل ما كان الملك فيه ظاهرا للمضارب وقت اعتاق رب المال فالحكم فيه بالتضمين والاستسعاء
يختلف باليسار والاعسار كما بينا ثم رب المال لا يرجع على العبد بما ضمن للمضارب من هذه
الخمسمائة الأخرى لأنه التزم ذلك بالا تلاف فإن كان رب المال أعتق الذي قيمته ألفان أولا
عتق منه ثلاثة أرباعه لما بينا ثم تبين بوصول رأس المال إلى رب المال أن الآخر كله ربح مشترك
بينهما فإنما ينفذ عتق رب المال في نصفه فالحكم فيه بمنزلة الحكم في العبد المشترك يعتقه أحد
الشريكين وإن كان أعتق الذي قيمته ألف درهم أولا عتق الأول كله وصار رب المال
مستردا جميع رأس ماله فيظهر أن الآخر كله ربح وانه مشترك بينهما وإنما ينفذ عتق رب
المال في نصفه وللمضارب الخيار في نصيبه كما بينا ولو اشترى بألف عبدين كل واحد منهما
يساوي ألفا فأعتقهما المضارب معا أو أحدهما قبل صاحبه ثم فقأ رب المال عين أحدهما أو
قطع يده فقد صار مستوفيا نصف رأس ماله لأن العين من الآدمي نصفه فصار متلفا نصفه
بفقء العين أو قطع اليد ولو كان العبد الأجنبي يضمن نصف قيمته خمسمائة فإذا كان من
مال المضاربة صار مستوفيا نصف رأس ماله ثم ظهر الفضل في العبد الآخر لان الباقي
من رأس المال خمسمائة وقيمته ألف إلا أن العتق الذي كان من المضارب قبل ذلك فيه باطل
لأنه سبق الملك فلا ينفذ وان ظهر الملك من بعده وان أعتقهما المضارب بعد ذلك لم يجز عتقه
في المجني عليه لأنه لا فضل فيه عما بقي من رأس المال وأما العبد الآخر فيعتق منه ربعه نصف
الفضل على ما بقي من رأس المال فيه ثم يباع المجني عليه فيدفع إلى رب المال تمام رأس ماله
ويضمن المضارب إن كان موسرا لرب المال نصف قيمة العبد الذي جاز عتقه فيه لأنه ظهر أن
جميعه ربح وان نصفه لرب المال فيضمن المضارب له ذلك إذا كان موسرا ضمان العتق
ويرجع به على العبد ويرجع عليه أيضا بمائتين وخمسين درهما وهذا قياس قول أبي حنيفة
رحمه الله لأنه ظهر ملكه في نصفه الا ان أعتقه حين عتق ما نفذ الا في ربعه فيستسعيه في
قيمة ربعه لتتميم العتق فيه وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى
بها جارية تساوى ألفا فولدت ولدا يساوى ألفا فادعاه المضارب فدعواه باطل لان كل
113

واحد منهما مشغول برأس المال ولا فضل فيه وكل واحد منهما معتبر بانفراده فدعوته حصلت
في غير ملكه فهو ضامن لعقر الجارية لأنه أقر بوطئها وهي مملوكة لرب المال فعليه عقرها
لما سقط الحد عنه بالشبهة وله أن يبيع الجارية وولدها فقد أبهم الجواب هنا وهو على التقسيم
فإن كانت جاءت بالولد منذ اشتراها لأقل من ستة أشهر فله أن يبيعها ولكن لا يلزمه العقر
لأنا تيقنا ان الوطئ سبق شراءه فلا يوجب عليه العقر للمضاربة وان كانت جاءت به لا كثر
من ستة فعلية العقر وله أن يبيعها ما لم يستوف رب المال منه عقرها فان استوفى عقرها وهو
مائة درهم صحت دعوته وثبت نسب الولد منه وصارت الجارية أم ولد له لان ما وصل إلى
رب المال وهو مائة درهم محسوب من رأس ماله فإنما يبقى من رأس ماله تسعمائة وفى قيمة
كل واحد منهما فضل على ما بقي من رأس المال فتصح دعواه ثم يغرم لرب المال من قيمة
الجارية تسعمائة تمام رأس ماله وخمسين درهما مما بقي موسرا كان أو معسرا لان ضمان
الاستيلاد ضمان تملك فلا يختلف باليسار والاعسار ولهذا لا يعتمد الصنع فإذا غرم له تسعمائة
فقد وصل إليه تمام رأس ماله وصارت المائة الباقية من قيمتها ربحا بينهما فيغرم حصة رب
المال من ذلك خمسين درهما وأما الولد فهو ربح كله ويعتق نصيب المضارب منه وهو النصف
ويستسعى في نصف قيمته لرب المال ولا ضمان على المضارب في ذلك وإن كان موسرا لأنه
كالمعتق له وضمان الاعتاق لا يجب الا بالصنع وإنما عتق نصيبه هنا حكما لظهور الفضل في
قيمة كل واحد منهما على رأس المال فإن لم يبع واحد منهما ولم يستوف رب المال عقرها
حتى زادت الجارية فصارت تساوى ألفين فهي أم ولد للمضارب لأنه ظهر الفضل في قيمتها
على رأس المال فيملك المضارب حصته منها وهو الربع فتصير أم ولد له لأنه بدعواه نسب الولد
قد أقر أنها أم ولد له والاقرار بالاستيلاد إذا حصل قبل الملك يوقف على ظهور الملك في
المحل وبعد الملك يصير كالمجدد له ثم الاستيلاد لا يحتمل الوصف بالتحري في المحل فصار
هو متملكا نصيب رب المال منها وذلك ثلاثة أرباعها ألف وخمسمائة ألف رأس ماله وخمسمائة
ربح فعليه قيمة ثلاثة أرباعها موسرا كان أو معسرا لأنه ضمان التملك وأما الولد فهو رقيق
على حاله ما لم يؤد ما عليه من قيمة الأم أو يأخذ رب المال شيئا من العقر لأنه لا فضل فيه على
رأس المال وله أن يبيعه فإن لم يبعه حتى صار يساوى ألفين فإنه يصير ابن المضارب ويعتق منه
ربعه لأنه ظهر الفضل في قيمته على رأس المال فملك المضارب نصيبه من الربح وذلك ربع
114

الولد فيعتق ذلك القدر عليه بخلاف ما سبق انه إذا أعتقه ولا فضل فيه على رأس المال ثم ظهر
الفضل فيه لم ينفذ ذلك العتق لان انشاء العتق متى سبق الملك لم ينفذ بحدوث الملك في
المحل بعده ودعوى النسب إذا سبقت لملك نفذ لحدوث الملك في المحل بعده باعتبار ان سببه
لا يحتمل الفسخ بحال وهو كونه مخلوقا من مائه ثم لا ضمان على المضارب فيه لأنه عتق حكما
لظهور الفضل في قيمته وضمان العتق يعتمد الصنع وحين وجد منه الصنع وهو الدعوى لم يعتق
شئ منه لأن علة العتق القرابة والملك فإنما يضاف إلى آخر الوصفين وجودا وقد حصل ذلك
حكما بغير صنعه ولهذا لو ورث بعض قريبه لم يضمن لشريكه شيئا بخلاف الأم فان ضمان
الاستيلاد ضمان تملك وهو لا يعتمد الصنع (ألا ترى) انه لو ورث بعض أم ولده يضمن
لشريكه نصيبه فان استوفى رب المال من المضارب ألف درهم صار ما بقي من الابن وما
بقي على المضارب من قيمة الأم وعقرها على المضاربة ربحا كله فإن كان العقر مائة درهم
ضمن رب المال المضارب الألف كلها والمائة الدرهم فإذا أخذها كان للمضارب مثل ذلك
من الولد فيعتق من الولد قدر ألف در هم ومائة ويبقى تسعمائة فهو بين المضارب وبين رب
المال نصفين فيعتق حصة المضارب ويستسعى الولد لرب المال في حصته أربعمائة وخمسين
ولرب المال من ولاء الولد عشره وربع عشره والباقي للمضارب في قول أبي حنيفة رحمه الله وهذا
اللفظ سهو فان لرب المال من ولاء الولد خمسه وربع عشره لان قيمة الولد ألفان والذي
عتق منه على ملك رب المال قدر أربعمائة وخمسين وأربعمائة خمس الألفين والخمسون ربع
العشر فان العشر مائتان فعلمنا أن له من الولاء خمسه وربع عشره والباقي للمضارب وقد
طعن عيسى رحمه الله في هذا الجواب فقال هو خطأ لان الباقي بعد الألف الذي استوفاها
رب المال كله ربح بينهما نصفان فلا يكون حصة المضارب من الولد خاصة ولكن المضارب
يضمن نصف ما بقي من نصف قيمة الأم نصف العقر واستسعى الولد في نصف قيمته واستشهد
بالمسألة التي ذكرها في آخر الباب فإنه خرجها على هذا الوجه فقال تلك صحيحة وهي تنقض
هذه المسألة فقال مشايخنا رحمهم الله ما ذكره عيسى هو القياس ولكن ما ذكره محمد رحمه
الله نوع استحسان وإنما أخذ به هنا لزيادة العتق في الولد فأما لو سلكنا طريق القياس لم
يعتق الولد مجانا الا بصفة وإذا صرنا إلى ما ذكره محمد رحمه الله يعتق من الولد ثلاثة أرباعه
وربع عشره مجانا ومبنى العقد على الغلبة والسراية فيترجح الطريق الذي فيها تكثير العتق
115

ثم الفرق بين هذه المسألة وبين تلك بيناه في آخر الباب ولو كان المضارب معسرا لا يقدر على
الأداء فأراد رب المال أن يستسعى الجارية في رأس ماله وحصته من الربح لم يكن له ذلك
لان ذلك دين على المضارب ولا سعاية على أم الولد في دين مولاها وان أراد أن يستسعى
الولد كان له ذلك في الألف وخمسمائة ألف درهم رأس ماله وخمسمائة حصته من الربح في
الولد لان نصيب المضارب من الولد وهو الربع عتق بالدعوى فعليه السعاية في نصيب رأس
المال وهو ثلاثة أرباعه وهذا لان الولد يعتق بأداء السعاية والاستسعاء لتتميم العتق صحيح
فاما أم الولد فلا تعتق بأداء السعاية فلهذا لا يلزمها السعاية في دين مولاها ثم لرب المال ثلاثة
أرباع ولاء الولد لان هذا القدر عتق على ملكه بأداء السعاية إليه ويرجع على المضارب بنصف
قيمة الأم ونصف العقد لأنها مع عقرها كله ربح فيسقط عن المضارب حسته من ذلك ويغرم
حصة رب المال فإذا أدى ذلك إلى رب المال فأراد الولد أن يرجع بشئ مما سعى فيه على
واحد منهما لم يكن له ذلك لان عوض ما سعى فيه قد حصل له وهو ذلك القدر من رقبته
ولو كان المضارب حين اشترى الجارية بالألف وهي تساوى ألفا فولدت ولدا يساوي
ألفا فلم يدعه ولكنه ادعاه رب المال فهو ابنه والأم أم ولد له ولا يغرم للمضارب شيئا من
عقر ولا قيمة جارية لان الجارية كلها مملوكة لرب المال إذ لا فضل فيها على رأس المال فاستيلاده
حصل في خالص ملكه وذلك نقض منه للمضاربة بمنزلة ما لو استردها بالاعتاق فلم يلزمه
عقرها وقد علق الولد حر الأصل ولا شئ للمضارب قبله من قيمتها ولا من قيمة ولدها
وكذلك لو كان الولد يساوى ألفين لان نسبه ثبت من وقت العلوق وإنما علق حر الأصل
فلا معتبر بقيمته قلت أو كثرت ولو كانت الأم تساوى ألفين غرم ربع قيمتها وثمن عقرها
للمضارب لأنه حين استولدها كان الربع منها للمضارب فيغرم له ربع قيمتها وقد لزمه ربع
عقرها أيضا باعتبار ملك المضارب لكن هذا الربع من العقر ربح بينهما نصفان فتسقط حصته
من ذلك ويغرم حصة المضارب وهو ثمن عقرها ولا ضمان عليه في الولد لأنه علق حر الأصل
فان أصل العلوق حصل في ملكه فتستند دعواه إلى تلك الحالة ويكون الولد حر الأصل
ولو كان المضارب هو الذي وطئ الجارية وقيمتها الفان فجاءت بولد فادعاها المضارب بعد ما
ولدته وقيمته ألف درهم فالولد ولد المضارب لأنه كان مالكا لربعها حين استولدها وذلك
يكفي لثبوت نسب الولد بالدعوى ولا ضمان عليه فيه وهو عبد لأنه لا يملك شيئا من الولد فإنه
116

لا فضل في قيمته على رأس المال ولو اشترى المضارب ابنا معروفا له بمال المضاربة ولا فضل
فيه على رأس المال لم يعتق عليه فكذلك إذا ثبت النسب بدعواه ويغرم لرب المال ثلاثة أرباع
قيمة الجارية لان نصيبه منها صار أم ولد له وصار به متملكا نصيب رب المال وهو ثلاثة
أرباعها فلهذا يعزم ثلاثة أرباع قيمتها ويغرم له ثلاثة أثمان العقر ولكن ذلك ربح كله فيسقط
نصف حصة المضارب ويضمن لرب المال حصته من ذلك وهو ثلاثة أثمان عقرها فإذا قبض
رب المال ذلك عتق نصف الولد لان الولد صار ربحا كله فيعتق نصيب المضارب منه وهو
النصف ويسعى في نصف قيمته لرب المال ولا ضمان على المضارب فيه لان العتق حصل حكما
بحدوث ملكه فيه ولا يقال كان ينبغي أن يكون الولد حر الأصل كما في جانب رب المال لان
رب المال صار ناقضا للمضاربة باسترداد رأس المال عنه عند الاستيلاد والمضارب لا يتمكن من
ذلك فلا يسلم له شئ من الربح ما لم يسلم رأس المال لرب المال فلهذا كان الولد رقيقا وإنما يعتق
إذا سلم رأس المال لرب المال ولو كانت الجارية تساوى ألفا فولدت ولدا يساوي ألفا فادعاه
المضارب فغرمه رب المال العقر وهو مائة درهم وأخذها صارت الجارية أم ولد للمضارب
ويعتق الولد ويثبت نسبه لظهور الفضل في قيمة كل واحد منهما على ما بقي من رأس المال
ويضمن المضارب من قيمة الأم تسعمائة وخمسين درهما تسعمائة ما بقي من رأس المال وخمسون
حصة رب المال من المائة التي هي ربح في الجارية فإذا قبضها رب المال عتق نصف الولد من
المضارب ويسعى في نصف قيمته لرب المال وولاؤه بينهما نصفان لان الولد كله ربح بينهما
نصفين وهذه هي المسألة التي استشهد بها عيسى رحمه الله والفرق بينها وبين الأول على
جواب الكتاب من وجهين أحدهما أن في هذا الموضع سبب عتق الولد اشترك فيه المضارب
ورب المال فلهذا لا يجمع نصيب المضارب من الربح في الولد كله وهناك لا صنع لرب المال
في السبب الموجب للعتق في الولد وإنما السبب ظهور الفضل في قيمته على رأس المال فلهذا
يجمع جميع نصيب المضارب من الربح في الولد لدفع الضرر عن رب المال بوصوله إلى جميع
نصيبه بالتضمين في الحال والثاني أن الجمع هناك لتغليب العتق وذلك لا يقوى هناك لان
تفاوت ما بين الجمع والتفريق نصف عشر الولد فالربح من الجارية قدر المائة وان جعلنا ذلك
كله لرب المال لا يزداد العتق للولد الا بقدر نصف العشر وذلك قليل فلهذا لم يشتغل بالجمع
هنا وإن كان المضارب معسرا وقد أدى العقر فلرب المال أن يستسعى الولد بتسعمائة وخمسين
117

درهما تسعمائة بقية رأس ماله لأنه لا وجه لاستسعاء الجارية في ذلك فإنها أم ولد فلا يلزمها
السعاية في دين مولاها ولكن يستسعى الولد في ذلك ليعتق ثم المائة الباقية منه ربح فيسعى
لرب المال في نصفها ويكون لرب المال من الولد تسعة أعشاره ونصف عشره ويكون له
نصف قيمة الأم دينا على المضارب في قول أبي حنيفة رحمه الله لان الأم صارت ربحا كلها
وإنما يضمن المضارب لرب المال مقدار حصته منها بالاستيلاد وذلك النصف والله أعلم
* (باب جناية العبد في المضاربة والجناية عليه) *
(قال رحمه الله) رجل دفع إلى رجل ألف در هم مضاربة فاشترى وباع وربح ثم
اشترى ببعضها عبدا يساوى ألفا فقتله رجل عمدا فلا قصاص فيه لاشتباه المتوفى لان في الحال
العبد كله مشغول برأس المال فالقصاص لرب المال دون المضارب وباعتبار المال المضارب
شريك لان رب المال باستيفاء القصاص لا يصير مستوفيا رأس ماله فان القصاص ليس بمال
فلا بد أن يستوفى ما بقي من المال بحساب رأس المال وإذا استوفى ذلك ظهر في العبد فضل
على ما بقي من رأس المال فيكون المضارب شريكا بقدر حصته من الربح وليس لا حد الشريكين
أن ينفرد باستيفاء القصاص فان قيل كان ينبغي أن يجتمعا في استيفاء القصاص قلنا هذا غير
ممكن أيضا فان المضارب يصير مستوفيا لنفسه شيئا قبل أن يصل إلى رب المال كمال رأس ماله
وذلك لا يجوز وبه فارق العبد المرهون إذا قتل عمدا واجتمع الراهن والمرتهن في استيفاء
القصاص فان لهما ذلك في قول أبي حنيفة وأحد الروايتين عن أبي يوسف رحمهما الله وفي قول
محمد رحمه الله وهو أحد الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله ليس لهما ذلك لان حق المرتهن مع
حق الراهن فيه بمنزلة حق المضارب مع حق رب المال هنا والفرق بينهما عند أبي حنيفة وأبى
يوسف ان هناك الحق لا يعد وهما وليس في اجتماعهما على استيفاء القصاص ما يتضمن مخالفة
حكم الشرع بل مالية الرهن تصير تاوية به ويسقط الدين وذلك مستقيم بتراضيهما وهنا في
اجتماعهما على الاستيفاء سلامة شئ للمضارب قبل وصول كمال رأس المال إلى رب المال.
يوضحه ان هناك الراهن هو المالك لجميع العبد في الحال والمال وللمرتهن حق فيشترط رضاه
ليتمكن المالك من استيفاء القصاص وهنا المالك رب المال في الحال وباعتبار المآل المضارب
شريك في المآل وهو نظير المكاتب إذا قتل عن وفاء وله وارث سوى المولى لا يجب القصاص
118

لاشتباه المستحق ولو كان المضارب اشترى بالألف المضاربة عبدا يساوى ألف درهم فقتله
رجل عمدا فالقصاص واجب لرب المال لان العبد قتل على ملكه ولا شركة للغير فيه باعتبار
الحال والمال إذ لا فضل في المال على رأس المال فيجب القصاص له على القاتل وقد خرج العبد
عن المضاربة لان القصاص الواجب ليس بمال وقد صار مال المضاربة بحال لا يتأتى فيه
التصرف بيعا ولا شراء فلهذا يخرج من المضاربة كما لو أعتقه رب المال فان صالحه على ألف
در هم كانت لرب المال من رأس ماله وان صالحه على ألفي درهم استوفى رب المال من ذلك
رأس ماله وما بقي بمنزلة الربح بينهما على ما اشترطا لان القود الواجب كان مثلا لمال المضاربة
وقد صار ذلك القود بالصلح مالا والمال عوض عن ذلك القود وحكم العوض حكم المعوض
إلا أنه كان لا يظهر حق المضارب في القود لأنه ليس بمال والربح لا يظهر ما لم يصل رأس
المال إلى رب المال فأما هنا العوض مال فيظهر نصيب المضارب فيه إذا وصل رب المال رأس
ماله وهو نظير الموصى له بالثلث لا حق له في القصاص فان وقع الصلح عنه على مال ثبت
فيه حق الموصى له ولو كان المضارب اشترى العبد بألف المضاربة وهو يساوى ألفين فقتله
رجل عمدا فلا قصاص عليه وان اجتمع على طلبه رب المال والمضارب لان رب المال لا ينفرد
باستيفاء القصاص هنا للشركة التي كانت للمضارب في العبد حين قتل ولا يجوز أن يجتمعا
على الاستيفاء لان رب المال باستيفاء القصاص لا يصير مستوفيا رأس ماله فيؤدى إلى أن
يستوفى المضارب شيئا لنفسه قبل أن يصل إلى رب المال رأس ماله فلهذا لا يجب القصاص
أصلا ومتى تعذر ايجاب القصاص في العمد المحض يجب بدل المقتول في مال القاتل وبدل
المقتول قيمته هنا فيأخذ المضارب قيمة العبد من القاتل في ماله في ثلاث سنين لان وجوب
المال بنفس القتل فيكون مؤجلا وان كانت العاقلة لا تعقله لكونه عمدا كالأب إذا قتل ابنه
عمدا ثم هذه القيمة على المضاربة يشترى بها ويبيع بمنزلة ما لو غصب العبد غاصب وتلف في
يده ولو كانت قيمته ألف درهم أو أقل فقتل العبد رجلا عمدا فادعى ذلك أولياؤه على العبد
وأقاموا عليه البينة بذلك والمضارب حاضر ورب المال غائب لم يقض على العبد بالقصاص
حتى يحضر رب المال وكذلك أن حضر رب المال والمضارب غائب لم يقض بالقصاص حتى
يحضر المضارب لان الملك لرب المال واليد للمضارب وهي يد مستحقة له (ألا ترى) أنه
يتمكن من التصرف باعتبارها على وجه لا يملك رب المال نهيه عن ذلك فنزل هو منزلة المالك
119

واشتراط حضور المالك في القضاء بالبينة على العبد بالقود قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وفى
قول أبى يوسف الآخر لا يشترط ذلك لان العبد في حكم دمه مبقى على أصل الحرية وعندهما
للمولى حق الطعن في الشهود فلا يجوز تفويت ذلك الحق عليه بالقضاء بالبينة حال غيبته وقد
بينا المسألة في الآبق فحال غيبة المضارب على الخلاف أيضا ولا خلاف أن العبد لو أقر بالقتل
عمدا فإنه يقضي عليه بالقود حضرا أو لم يحضرا لان الاقرار ملزم بنفسه وليس لهما حق الطعن
في اقراره ولو أقر العبد بذلك وهما حاضران يكذبانه فيه وللمقتول وليان فعفا أحدهما فان
حق ولى الآخر باطل لان صحة اقراره باعتبار أن المستحق به دمه وهو خالص حقه وبعد
عفو أحد الوليين المستحق للآخر هو المال واقراره في استحقاق الملك والمالية على مولاه
باطل كما لو أقر بجناية خطأ وكذلك لو كان المضارب صدقه لان العبد كله مشغول برأس المال
فالمضارب فيه كالا جنبي وباعتبار اليد لا ينفذ اقراره كالمرتهن إذا أقر بذلك على المرهون فإن كان
في العبد فضل فقيل له ادفع نصف حصتك إلى الولي الذي لم يعف أو افده لأنه ملك
حصته من الفضل ولو أقر فيه بجناية خطأ خوطب بالدفع أو الفداء فكذلك بجناية العمد
بعد عفو أحد الوليين في نصيب الآخر فإذا احتال أحدهما بطلت المضاربة لأنه لو اختار
الدفع فقد صار مملكه ذلك القدر من جهة نفسه لا على وجه التصرف في مال المضاربة وان
اختار الفداء فقد سلم له ذلك القدر بما أدى من الفداء وذلك يبطل عقد المضاربة فيه وإذا بطل
حكم المضارب في بعض رأس المال بطل في كله فيأخذ رب المال من العبد قدر رأس ماله
وحصته من الربح ويأخذ المضارب نصف حصته الذي بقي ولو لم يكن في دفعه الا اثبات
الشركة للغير في مال المضاربة لكان ذلك مبطلا للمضاربة ولو كان المضارب أنكر ما أقر به
العبد وأقر به رب المال وقيمته ألف أو أقل قيل لرب المال ادفع نصفه أو افده بنصف الدية
لان العبد كله مملوك لرب المال فاقراره عليه بالجناية الموجبة للمال صحيح فان دفعه كان
النصف الباقي على المضاربة ورأس المال فيه خمسمائة لأنه في حق المضارب صار هو مستوفيا
نصفه بالدفع فيكون ذلك محسوبا عليه من رأس ماله وان كانت قيمته أقل من ألف طرح من
الألف قدر قيمة ما استهلك رب المال من العبد بالدفع ورأس ماله ما وراء ذلك والباقي على
المضاربة يتمكن المضارب من التصرف فيه ولو كانت قيمته ألفي درهم صدق رب المال على
حصته من ذلك وهو ثلاثة أرباع العبد فيقال له ادفع نصف حصتك أو افده ويسلم لرب المال
120

نصف حصته من العبد ويكون للمضارب حصته من العبد وهو الربع لان المولى حين أقر عليه
بالجناية كان العبد مشتركا بينه وبين المضارب أرباعا فإنما يعمل اقراره في نصيبه دون نصيب
المضارب ولو اشترى المضارب بألف المضاربة عبدا قيمته ألف درهم فجني جناية خطأ لم يكن
للمضارب أن يدفعه بالجناية لان العبد كله مملوك لرب المال فالدفع بالجناية تمليك لا بطريق
التجارة فلا يملكه المضارب بعقد المضاربة كالتمليك بالهبة والصدقة وكابطال الملك فيه بالا عتاق
وان فداه كان متطوعا في الفداء لأنه لا ملك له في العبد وهو غير مجبر على هذا الفداء فهو
فيه كأجنبي آخر وكان العبد على المضاربة على حاله لأنه فرغ من الجناية بالفداء فإن كان رب
المال حاضرا قيل له ادفعه أو افده لأنه هو المالك لجميع العبد حين جنى والمالك هو المخاطب
بالدفع أو الفداء فان اختار الفداء أخذه ولم يكن للمضارب عليه سبيل لأنه سلم له العبد بما أدى
من الفداء فصار هو في حق المضارب كالتاوي حين أبى المضارب أن يفديه فلا يبقي له حق
فيه باعتبار يده وان أراد دفعه فقال المضارب أنا أفديه ويكون على المضاربة لأني أريد أن
أبيعه فاربح فيه كان له ذلك لان له في العبد يدا معتبرة وباعتبارها يتمكن من التصرف على
وجه لا يملك رب المال منعه عن ذلك فيكون هو متمكنا من استدامة يده بأداء الفداء لأنه
لا يبطل بالفداء شيئا من حق رب المال ورب المال بالدفع يبطل حق المضارب ولو كان
المضارب غائبا لم يكن لرب المال أن يدفعه وإنما له أن يفديه لأنه ليس في الفداء ابطال اليد
المستحقة للمضارب فيه بل فيه تقرير يده بعد ما أشرفت على الفوات وفى الدفع تفويت يده
فلا يملكه الا بمحضر من المضارب لان له أن يختار الفداء إذا حضر فلا يملك رب المال أن
يبطل عليه خياره ولو كان المضارب اشترى ببعض المضاربة عبدا فجنى جناية خطأ وفى يد
المضارب من المضاربة مثل الفداء أو أكثر لم يكن له ان يفديه بالمال الذي في يده لان
الفداء من الجناية ليس من التجارة وليس له أن يتصرف في مال المضاربة على غير وجه التجارة
وإنما له أن يفديه من مال نفسه ان أحب ولو كان اشترى بألف المضاربة عبدا يساوى ألفين
فجنى جناية خطأ تحيط بقيمته أو أقل منها لم يكن لواحد منهما أن يدفعه حتى يحضرا جميعا
لان العبد مشترك بينهما ربعه للمضارب وثلاثة أرباعه لرب المال وأحد الشريكين في العبد
لا ينفرد بدفع جميع العبد وأيهما فداه فهو متطوع في الفداء لان في نصيب شريكه هو
غير مجبر على الفداء ولا مضطر إلى ذلك لا حياء ملكه فكان متبرعا فيه فان حضرا واختارا
121

الدفع دفعاه وليس لهما شئ وان اختارا الفداء فالفداء عليهما أرباعا على قدر ملكهما فيه وقد
خرج العبد من المضاربة وليس للمضارب بيع نصيب رب المال منه لأنه إنما سلم له بما أدى
من الفداء والمضارب قد رضي بفوات يده وحقه فيه حين أبي الفداء في حصة رب المال فان
اختار رب المال الفداء واختار المضارب الدفع فكل واحد منهما يختص بملك نصيبه وله
ما اختار في نصيبه من دفع أو فداء وقد وقعت القسمة بينهما وخرج العبد من المضاربة لان
رب المال ان دفع نصيبه وفدى المضارب نصيبه فقد تميز نصيب أحدهما من الآخر وكذلك
إن كان المضارب دفع نصيبه وتميز نصيب أحدهما من نصيب الآخر لا يكون الا بعد القسمة
فلهذا جعل ذلك قسمة بينهما وابطالا للمضاربة ولان بالتخيير في حق كل واحد يثبت في
نصيبه حكم ليس ذلك من حكم المضاربة فيتضمن ذلك بطلان المضاربة بينهما والله أعلم
* (باب ما يجوز للمضارب أن يفعله ومالا يجوز) *
(قال رحمه الله) وإذا اشترى المضارب بألف المضاربة عبدا أو أمة ليس له أن يزوج واحدا منهما في
قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وفي قول أبى يوسف رحمه الله يزوج الأمة ولا يزوج العبد لان
في تزويج الأمة اكتساب المال واسقاط نفقتهما من مال المضاربة وذلك بمنزلة بيعها واجارتها
وتزويج العبد اضرار لا منفعة فيه للمضاربة ولهما أن المضارب فوض إليه التجارة في هذا
المال والتزويج ليس من التجارة فان التجار ما اعتادوه ولم نعرف في موضع من البلدان سوقا
معدا للتزويج وفيما ليس بتجارة المضارب كغيره من الأجانب (ألا ترى) انه لا يكاتب
لان الكتابة ليست بتجارة وإن كان فيها اكتساب المال فكذلك تزويج الأمة وان كاتب
عبدا من المضاربة ولا فضل في قيمته على رأس المال فادي الكتابة فهو عبد لأنه لو أعتقه كان
عتقه باطلا فكذلك إذا استوفى منه بدل الكتابة وما أداه فهو من المضاربة لأنه كسب عند
المضاربة والكسب يتبع الأصل فإذا كان المكتسب على المضاربة فكذلك كسبه وإذا كان
كاتبه وفيه فضل على رأس المال فالكتابة أيضا باطلة لأنه لا يمكن تنفيذها على المضاربة فإنها
ليست بتجارة ولا يمكن تنفيذها في نصيب نفسه باعتبار ملكه لان ذلك القدر يخرج من
المضاربة فيؤدى إلى سلامة شئ للمضارب قبل وصول رأس المال إلى رب المال ثم هذا عبد
مشترك بينهما وأحد الشريكين إذا كاتب فللآخر أن يفسخ الكتابة لدفع الضرر عن نفسه
122

فهنا للمولى أن يبطل الكتابة أيضا فإن لم يبطلها حتى أدى البدل عتق نصيب المضارب منه
لأنه كان علق عتقه بالأداء فعند استيفاء البدل منه يصير كالمعتق إياه واعتاق المضارب
في نصيب نفسه صحيح إذا كان في العبد فضل على رأس المال ثم حصة نصيب المضارب من
المكاتب وهو الربع يسلم له وما وراء ذلك كسب ثلاثة أرباعه فيكون على المضارب يستوفى
رب المال منه رأس المال وما بقي بعد ذلك اقتسماه على الشرط في الربح ثم رب المال بالخيار في
قول أبي حنيفة رحمه الله ان شاء ضمن المضارب إن كان موسرا نصف قيمة العبد إذا كانت
المضاربة بالنصف وان شاء استسعى العبد وان شاء أعتقه لأنه لما وصل إلى رب المال رأس
المال بقي العبد كله ربحا فيكون بينهما نصفين وقد عتق نصيب المضارب منه باعتاقه وهو موسر
فيكون للثالث ثلاث خيارات كما هو أصل أبي حنيفة ولو كان المضارب أعتقه على ألفي درهم
ولا فضل في قيمته على رأس المال فعتقه باطل لأنه لا يملك اعتاق شئ منه بغير عوض
لانعدام ملكه في شئ من الرقبة فكذلك لا يملك الاعتاق بعوض وإن كان فيه فضل عتق
نصيبه منه بحصته من المال الذي أعتقه عليه لأنه في حصته يملك الاعتاق بغير عوض فيملك
الاعتاق بعوض وشرط العتق قبول العبد جميع العوض وقد وجد وسلم تلك الحصة له
ورب المال بالخيار وإن كان المضارب موسرا بين التضمين والاستسعاء والاعتاق. وإذا دفع
الرجل إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى ببعضها عبدا فرهنه المضارب بدين عليه من
غير المضاربة لم يجز كان في العبد فضل على رأس المال أو لم يكن لأنه صرف مال المضاربة
إلى حاجة نفسه والرهن نقيض الاستيفاء وليس له أن يوفي دين نفسه بمال المضاربة قبل
القسمة فكذلك لا يرهن به فان رهنه بدين من المضاربة وفيه فضل أوليس فيه فضل فالرهن
جائز لأنه يملك ايفاء دين المضاربة بمال المضاربة فيملك الرهن أيضا وهذا لأنه من
صنيع التجار والمضارب فيما هو من صنيع التجار بمنزلة المالك ولو لم يرهنه ولكن العبد
استهلك مالا لرجل أو قتل دابة فباعه المضارب في ذلك دون حضور رب المال أو
دفعه إليهم بدينهم أو قضى الدين عنه من مال المضاربة فذلك جائز لان ما فعله من صنيع
التجار أما البيع فلا يشكل وكذلك قضاء الدين عنه لان فيه تخلص المالية فيكون بمنزلة
فكاك الرهن بقضاء الدين وهذا بخلاف جنايته في بني آدم فان موجب الجناية الدفع أو
الفداء وليس ذلك من التجارة فليس تستند المضاربة به ولو أذن المضارب لهذا العبد في
123

التجارة ولم يقل له رب المال في المضاربة اعمل برأيك جاز ذلك على رب المال لان الاذن
في التجارة من التجارة وبمطلق العقد يملك المضارب ما هو من التجارة في مال المضاربة
مطلقا فان اشترى العبد عبدا من تجارته فنجى عبده جناية لم يكن للعبد أن يدفعه ولا يفديه
حتى يحضر رب المال والمضارب وهذا بخلاف العبد المأذون من جهة مولاه إذا اشترى عبدا
فجنى جناية فان للمأذون أن يدفعه أو يفديه لان هناك العبد استفاد الاذن ممن يخاطب
بموجب جنايته فكذلك هو بعد انفكاك الحجر يخاطب بموجب جناية عبده فيخير بين الدفع
والفداء وأما عبد المضاربة فاستفاد الاذن من جهة من لا يكون مخاطبا بموجب جنايته
فكذلك هو لا يكون مخاطبا بموجب جناية عبده في الدفع أو في الفداء قبل حضور رب
المال والمضارب وهذا لان المأذون من جهة المضارب لا يكون أحسن حالا في التجارة من
المضارب فإذا كان المضارب لا ينفرد بدفع عبد المضاربة بالجناية ولا بالفداء من مال المضاربة
قبل أن يحضر رب المال فكذلك المأذون من جهته لان كسب هذا المأذون مال المضاربة
لنفسه وإذا دفع الرجل مال ابنه الصغير مضاربة بالنصف أو بأقل أو بأكثر فهو جائز
لأنه مأمور بقربان ماله بالأحسن وقد يكون الأحسن هذا فقد لا يجد من يحتسب
بالتصرف في ماله ولا يتفرغ لذلك لكثرة أشغاله وان استأجر من يتصرف في ماله وجب
الاجر حصل الربح أو لم يحصل فكان أنفع الوجوه للصبي أن يجعل المتصرف شريكا في الربح
التابع في النظر لأجل نصيب نفسه من الربح ولا يغرم الصبي له شيئا إن لم يحصل الربح
وكذلك لو أخذه لنفسه مضاربة لان منفعة الصغير في هذا أبين فإنه أشفق على ماله من
الأجنبي ويكون المال عنده محفوظا فوق ما يكون عند الأجنبي ولو أخذ الأب لابنه
الصغير مال رجل مضاربة بالنصف على أن يعمل به الأب للابن فعمل به الأب فربح
فالربح بين رب المال والأب نصفان ولا شئ للابن من ذلك لان الربح في المضاربة يستوجب
بالعمل وإذا كان العمل مشروطا على الأب فما يقابله من الربح يكون له وهذا لأنه يعمل
بمنافعه وهو العقد على منافع نفسه ولا يكون نائبا عن الابن فكانت الإضافة إلى الابن لغو
إذا كان العمل مشروطا على الأب ولو كان مثله يشترى ويبيع فأخذه الأب على أن يشترى
به الغلام ويبيع والربح نصفان فالمضاربة جائزة والربح بين رب المال والابن نصفان لأنه ممن
يملك التصرف عند الاذن له في التجارة والأب نائب عنه فيما هو من عقود التجارة وفيما هو
124

من عقود التجارة عليه وأخذ المال له المضاربة بتلك الصفة فمباشرة الأب له كمباشرته بنفسه
ان لو كان بالغا وكذلك لو عمل به الأب للابن بأمره لأنه استعان بالأب في إقامة ما التزم
من العمل بعقد المضاربة ولو استعان بأجنبي آخر كان عمل الأجنبي له بأمره كعمله بنفسه
فكذلك إذا استعان فيه نائبه وإن كان الابن لم يأمره بالعمل فهو ضامن للمال لان رب المال
إنما رضي بتصرف الصبي لا بتصرف أبيه فيكون الأب في التصرف فيه كأجنبي آخر بخلاف
مال الصبي فله ولاية التصرف فيه شرعا لكونه قائم مقام الصبي وان ثبت انه في هذا التصرف
كأجنبي آخر كان غاصبا ضامنا للمال والربح له يتصدق به لأنه استفاده بكسب خبيث
والوصي في جميع ذلك بمنزلة الأب لأنه بعد موته قائم مقامه فيما يرجع إلى النظر للصغير في ماله
وإذا دفع المكاتب مالا مضاربة بالنصف أو بأقل أو بأكثر أو أخذ مالا مضاربة فهو جائز
وكذلك العبد المأذون له في التجارة لان هذا من عمل التجار وكذلك الصبي المأذون له في
التجارة لأنه منفك الحجر عنه فيما هو من صنيع التجار كالعبد وان دفعه الصبي بغير إذن ابنه أو
وصيه وهو غير مأذون له في التجارة فعمل به المضارب فهو ضامن له لأنه غاصب للمال فاذن
الصبي له في التصرف ودفعه المال إليه بدون رأى الولي باطل وإذا كان غاصبا ضمن المال
وملك المضمون بالضمان والربح له ويتصدق به والله أعلم
* (باب مضاربة أهل الكفر) *
(قال رحمه الله) ولا بأس بان يأخذ المسلم من النصراني مالا مضاربة لأنه من نوع التجارة
والمعاملة أو هو توكيل من رب المال إياه بالتصرف فيه ولا بأس للمسلم أن يلي البيع والشراء
للنصراني بوكالته ويكره للمسلم أن يدفع إلى النصراني مالا مضاربة وهو جائز في القضاء كما
يكره أن يوكل النصراني بالتصرف في ماله وهذا لان المباشر للتصرف هنا النصراني وهو
لا يتحرز عن الزيادة ولا يهتدى إلى الأسباب المفسدة للعقد ولا يتحرز عنها اعتقادا وكذلك
يتصرف في الخمر والخنزير ويكره للمسلم أن ينيب غيره منابه في التصرف فيها ولكن هذه
الكراهة ليست لعين المضاربة والوكالة فلا تمتنع صحتها في القضاء ولا يكره للمسلم أن يدفع ماله
إلى مسلم ونصراني مضاربة لان النصراني لا يستبد بالتصرف في هذا المال دون المسلم والمسلم
125

لا يمكنه من الربا والتصرف في الخمر فكان دفعه إليهما مضاربة كالدفع إلى المسلمين ولا ينبغي
للمضارب ولا لرب المال ان يطأ جارية اشتراها للمضاربة كان فيها فضل على رأس المال أو
لم يكن ولا يقبلها ولا يلمسها لأنه إن لم يكن فيها فضل فهي ملك رب المال ليست بزوجة
للمضارب ولا بملك يمين ولكن للمضارب فيها حق نسبة الملك حتى أن رب المال لا يملك
أخذها منه ولا نهى المضارب عن التصرف فيها فكان المضارب ممنوعا عن التصرف والتي
يختص بالملك فيها والوطئ ودواعيه من هذه الجملة وكان رب المال ممنوعا من ذلك لقيام
حق المضارب فيها وفي المضاربة الصغيرة قال إذا لم يكن فيها فضل فأحب إلى أن لا يطأها
رب المال ولا يعرض لها بشئ من هذا ولو فعل لم يكن آثما فيه لأنه خالص ملكه وحق
المضارب في المالية وحل الوطئ ينبنى على ملك المتعة وإنما يستفاد ذلك بملك الرقبة دون ملك المالية
وإن كان فيها فضل فهي بمنزلة جارية مشتركة بين اثنين فلا يحل لواحد منهما أن يطأها لان
حل الوطئ ينبنى على ملك المتعة وإنما يستفاد ذلك بكمال ملك الرقبة وببعض العلة لا يثبت
شئ من الحكم ولو زوجها رب المال من المضارب فإن كان فيها فضل فالنكاح باطل لان
المضارب يملك مقدار حصته منها وملك جزء منها كملك جميع الرقبة في المنع من النكاح
ابتداء وبقاء وإذا بطل النكاح بقيت على المضاربة كما كانت وإن لم يكن فيها فضل جاز النكاح
كما لو زوجها من أجنبي آخر لأن ولاية التزويج تستفاد بملك الرقبة كولاية الاعتاق ولو
أعتقها رب المال أو دبرها نفذ ذلك منه فكذلك إذا زوجها وقد خرجت من المضاربة لان
التزويج ليس من التجارة وتنفيذ المولى فيها تصرفا ليس من التجارة بل يكون اخراجا لها من
المضاربة فليس للمضارب أن يبيعها بعد ذلك (ألا ترى) أن المولى لو زوج أمته من كسب
عبده المأذون ولا دين عليه من المأذون أو غيره جاز النكاح وخرجت الجارية من التجارة
حتى لا يملك المأذون بيعها بعد ذلك فكذلك المضارب وإذا اشترى المضارب بمال المضاربة
جارية ثم أشهد بعد ذلك أنه اشتراها لنفسه شراء مستقلا بمثل ذلك المال أو بربح وكان رب
المال أذن له أن يعمل فيه برأيه أو لم يأذن فان شراءه لنفسه باطل ولا ينبغي له أن يطأها
وهي على المضاربة على حالها لأنه يشتري من نفسه لنفسه وأحد لا يملك ذلك غير الأب في
حق ولده الصغير وهذا المعنى يضاد الاحكام وإن كان حين اشتراها بمال المضاربة أشهد أنه
يشتريها لنفسه فإن كان رب المال أذن له في ذلك فذلك جائز وما اشترى فهو له وهو
126

ضامن لرب المال ما نقد لأنه قضى بمال المضاربة دين نفسه فان ثمن ما اشترى لنفسه يكون
عليه وإن كان رب المال لم يأذن له في ذلك فالجارية على المضاربة لأنه أضاف الشراء إلى مال
المضاربة وهو لا يملك التصرف في مال المضاربة الا للمضاربة والمأمور بالتصرف لا يعزل نفسه
في موافقته أمر الآمر كالوكيل بشراء شئ بعينه إذا اشترى ذلك الشئ لنفسه يكون مشتريا
لرب المال لأنه يريد عزل نفسه في موافقة أمر الآمر فاما إذا كان أذن له في ذلك
فيتمكن من التصرف في هذا المال الا للمضاربة ويصير رب المال بهذا الاذن كالمقرض
للمال منه ان اشترى به لنفسه وإن كان اشتراها على المضاربة وفيها فضل فأراد المضارب
أن يأخذها لنفسه فباعها إياه رب المال بربح فذلك جائز ويستوفى رب المال من ذلك
رأس ماله وحصته من الربح وخرج المال من المضاربة لان رب المال لو باعها من غيره
برضاه جاز فكذلك إذا باعها منه وأكثر ما فيه أن للمضارب فيها شركة وشراء أحد الشريكين
من صاحبه جائز في نصيبه ثم قد خرج المال من المضاربة لأنه حين اشتراها لنفسه فقد تحول
حكم المضاربة إلى ثمنها والثمن مضمون في ذمة المضارب ومن شرط المضاربة كون المال أمانة
في يد المضارب فإذا صار مضمونا عليه بطلت المضاربة ولو كان رب المال أراد أخذ الجارية
لنفسه فباعها إياه المضارب بزيادة على رأس المال فهو جائز عندنا وهو قول زفر لا يجوز لان
الملك فيها لرب المال حقيقة وللمضارب فيها حق وبيع الحق لا يجوز ولنا ان هذا تصرف مفيد
لأنه يخرج به من المضاربة ما كان فيها ويدخل به في المضاربة ما لم يكن فيها وهو الثمن ومبنى
التصرفات الشرعية على الفائدة فمتى كان مفيدا كان صحيحا كالمولي إذا اشترى عبدا من عبده
المأذون المديون ويكون الثمن هنا على المضاربة لان شرط المضاربة ما انعدم بصيرورة الثمن دينا
في ذمة رب المال فان العينية شرط ابتداء المضاربة فأما في حالة البقاء في ذمة رب المال وكونه
في ذمة أجنبي آخر فسواء بخلاف الأول فيكون المال أمانة في يد المضارب بشرط بقاء العقد
وابتدائه فإذا صار مضمونا عليه قلنا بأن المضاربة تبطل وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا مضاربة
بالنصف فارتد المضارب أو دفعه إليه بعد ما ارتد ثم اشترى وباع فربح أو وضع ثم قتل على
ردته أو مات أو قتل بدار الحرب جاز جميع ما فعل من ذلك والربح بينهما على ما اشترطا لان
توقف تصرفاته عند أبي حنيفة رحمه الله لتعلق حق ورثته بماله أو لتوقف ملكه باعتبار
توقف نفسه وهذا المعنى لا يوجب تصرفه في مال المضاربة لأنه نائب فيه عن رب المال وهو
127

متصرف في منافع نفسه ولا حق لورثته في ذلك فلهذا نفذ تصرفه والعهدة في جميع ما باع
واشترى على رب المال في قول أبي حنيفة لان حكم الردة نيط بردته وقد بينا ذلك في ردة
الوكيل وهذا لأنه لو لزمته العهدة لكان قضى ذلك من ماله فإذا نحيت العهدة عنه بأن قتل
على ردته تعلق بما انتفع بتصرفه بمنزلة الصبي المحجور عليه إذا توكل بالشراء للغير أو بالبيع في
قول أبى يوسف ومحمد وحاله في التصرف بعد الردة كحالة قبل الردة فالعهدة عليه ويرجع
بذلك على رب المال وإن كان المضارب امرأة فارتدت أو كانت مرتدة حين دفع المال إليها
ثم فعلت ذلك كانت العهدة عليها كما لو تصرفت لنفسها وهذا لان المرتدة لا توقف نفسها
ما دامت في دار الاسلام ولا يوقف مالها أو تصرفها أيضا بخلاف المرتد قال ولو لم يرتد المضارب
وارتد رب المال أو كان مرتدا ثم اشترى المضارب وباع فربح أو وضع ثم قتل المرتد أو مات
أو لحق بدار الحرب فان القاضي يجيز البيع والشراء على المضاربة والربح له ويضمنه رأس المال
في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله هو على المضاربة
لان رب المال حين ارتد فقد توقفت نفسه وصار بحيث لا يملك التصرف بنفسه فكذلك
لا يملك المضارب التصرف له ولكن ينفذ تصرفه في الشراء والبيع على نفسه ويضمن ما نقد
من مال المضاربة وعند أبي يوسف ومحمد تصرفه نافذ على المضاربة ثم على قول أبي حنيفة
رحمه الله ينفذ شراؤه على نفسه غير مشكل ولكن الاشكال في تنفيذ بيعه وإنما ينفذ بيعه
لان ردة رب المال بعد ما صار المال عروضا كموته وقد بينا أنه يملك البيع بعد موت رب
المال فلا بد من تنفيذ بيعه لذلك ثم شراؤه بعد ذلك بالمال على نفسه ولو لم يدفع ذلك إلى
القاضي حتى رجع المرتد مسلما جاز جميع ذلك على المضاربة كما اشترطا وهذا بخلاف الوكالة
فان الموكل إذا ارتد ولحق بدار الحرب ثم عاد مسلما جاز جميع ذلك على المضاربة كما اشترطا
وهذا بخلاف الوكالة فان الموكل إذا ارتد ولحق بدار الحرب ثم عاد مسلما لم يعد الوكيل على
وكالته أما إذا لم يتصل قضاء القاضي بلحاقه فلان هذا بمنزلة الغيبة فلا يوجب عزل الوكيل
ولا بطلان المضاربة وأما بعد الالتحاق والقضاء به فالوكيل إنما ينعزل بخروج محل التصرف
عن ملك الموكل إلى ملك ورثته وذلك مبطل للوكالة والوكالة بعد ما بطلت لا تعود الا
بالتجديد وهو غير مبطل للمضاربة لمكان حق المضارب كما لو مات حقيقة وهذا الفرق فيما
ينشأ من التصرف بعد عود رب المال فاما فيما كان أنشأ من التصرف فإن كان قد قضي
128

القاضي بلحاقه لا ينفذ ذلك التصرف على المضاربة بعد ما نفذ على المضارب نفسه كما لو مات
حقيقة فإن كأن لم يقض القاضي بلحاقه فهو كما لو غاب ثم رجع قبل اللحوق بدار الحرب
وأسلم فينفذ جميع ذلك على المضاربة ولو كان لرب المال امرأة مرتدة كان جميع ذلك جائزا
على المضاربة ان أسلمت أو لم تسلم لأنها تملك التصرف بعد الردة فكذلك ينفذ تصرف المضارب
لها بعد ردتها. وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا مضاربة بالنصف فارتد رب المال ولحق بدار
الحرب فلم يقض في ماله بشئ حتى رجع مسلما وقد اشترى المضارب بالمال أو باع ورب المال
في دار الحرب فذلك كله جائز على المضاربة لان اللحوق بدار الحرب إذا لم يتصل به قضاء
القاضي بمنزلة الغيبة ولو كان المضارب هو الذي ارتد ولحق بدار الحرب واشترى به في
دار الحرب وباع ثم رجع بالمال مسلما فان له جميع ما اشترى وباع من ذلك ولا ضمان عليه
في المال لأنه لما لحق بالمال دار الحرب فقد تم استيلاؤه عليها لأنه حربي أدخل مال المسلم دار
الحرب بغير رضاه وهذا الاستيلاء يوجب الملك له في المال فتصرفه بعد ذلك لنفسه
لا للمضاربة ولا ضمان عليه في المال لأنه صار مستوليا مخالفا بعد الاحراز بدار الحرب ولو
استهلك بعد ذلك لم يكن عليه ضمان لان الموجب للتقوم في هذا المال كان هو الاحراز بدار
الاسلام وقد انقطع ذلك (ألا ترى) انه لو لحق مرتدا ثم عاد فاخذ المال فاستهلكه لم يكن
عليه ضمان فكذلك إذا أدخله مع نفسه في دار الحرب وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم
مضاربة فاشترى بها ثم ارتد رب المال ولحق بدار الحرب أو قتل مرتدا ثم باع المضارب
العرض جاز بيعه على المضاربة لأنه لو مات رب المال حقيقة كان للمضارب بيع العروض بعد
ذلك فكذلك إذا قتل أو مات مرتدا وإن كان المال في يده دراهم لم يكن له ان يشترى بها
شيئا اعتبارا للموت الحكمي بالموت الحقيقي وان كانت دنانير فليس له أن يشترى بها عين
الدراهم وإن كان غيرهما كان له أن يبيعه بما بدا له حتى يصير في يده دراهم أو دنانير وإذا
دخل الحربي الينا بأمان فدفع إليه مسلم مالا مضاربة بالنصف فأودعه الحربي مسلما ثم رجع
إلى دار الحرب ثم دخل الينا بعد ذلك بأمان وأخذ المال من المستودع فاشترى به وباع فهو
عامل لنفسه ويضمن لرب المال رأس ماله لأنه لما عاد إلى دار الحرب التحق بحربي لم يكن
في دارنا قط وذلك ينافي عقد المضاربة بينه وبين المسلم لان ما هو أقوى من المضاربة وهو
عصمة النكاح منقطع بتباين الدارين حقيقة وحكما فانقطاع المضاربة بهذا السبب أولى فإذا
129

بطلت المضاربة كان هو في التصرف غاصبا ضامنا لرب المال رأس ماله ولو أن الحربي دخل
بالمال دار الحرب فاشترى به وباع هناك فهو له ولا ضمان عليه لأنه صار مستوليا على المال
حين دخل دار الحرب بغير إذن رب المال وتم احرازه لها فيكون متملكا متصرفا فيه لنفسه
وبعد الاسلام هو غير ضامن لما يملكه على المسلم بالاستيلاء وإن كان رب المال أذن له في
أن يدخل دار الحرب فيشترى به ويبيع هناك فانى أستحسن أن أجيز ذلك على المضاربة
وأجعل الربح بينهما على ما اشترطا ان أسلم أهل الدار ورجع المضارب إلى دار الاسلام مسلما
أو معاهدا أو بأمان وفي القياس هو متصرف لنفسه لان المنافى للمضاربة قد تحقق برجوعه
إلى دار الحرب وإن كان باذن رب المال بعد تحقق المنافى لا يمكن تنفيذ تصرفه على المضاربة
فيكون متصرفا لنفسه بطريق الاستيلاء على المال ووجه الاستحسان أنه ما دخل دار الحرب
الا ممتثلا أمر رب المال ولا يكون مستوليا على ماله فيما يكون ممتثلا فيه أمره وإذا انعدم
الاستيلاء كان تصرفه في دار الحرب وفي دار الاسلام سواء (ألا ترى) أن رب المال لو
بعث بماله إليه ليتصرف فيه له جاز وتكون الوديعة في ذلك التصرف على رب المال والربح له
فكذلك إذا أدخله مع نفسه باذن رب المال وان ظهر المسلمون على تلك الدار والمال في يد
المضارب فربح فيه واشترى عرضا فيه فضل أولا فضل فيه قال رب المال يستوفى من المضاربة
رأس ماله وحصته من الربح وما بقي فهو فئ للمسلمين لان الباقي حصة الحربي والحربي صار فيأ
بجميع أمواله فاما قدر رأس المال وحصته من الربح فهو حق رب المال ورب المال مسلم ماله
مصون عن الاغتنام كنفسه وقيل هذا قول أبي حنيفة فاما عندهما فينبغي أن يكون جميع المال
فيأ لأنه مال المسلم في يد الحربي ولا حرمة ليده وأصل الخلاف في مسلم أودع ماله عند حربي
في دار الحرب ثم خرج إلى دار الاسلام ثم ظهر المسلمون على الدار فعند أبي حنيفة هذا
وما لو أودعه عند مسلم أو ذمي سواء فلا يكون فيأ وعند أبي يوسف ومحمد يد المودع على
الوديعة لا تكون أقوى من يده على مال نفسه ويد الحربي على مال نفسه لا تكون دافعة للاغتنام
فكذلك يده على الوديعة وإذ دخل الحربيان دار الاسلام بأمان فدفع أحدهما إلى صاحبه
مالا مضاربة بالنصف ثم دخل أحدهما دار الحرب لم تنتقض المضاربة لأنهما من أهل دار
الحرب والذي بقي منهما في دار الاسلام كأنه في دار الحرب حكما (ألا ترى) انه يتمكن من
الرجوع إلى دار الحرب وان زوجته التي في دار الحرب لا تبين منه فانتقاض المضاربة بين المسلم
130

والحربي الراجع إلى دار الحرب كان حكما لتباين الدارين وذلك غير موجود هنا ولو أن
أحد الحربيين دفع إلى مسلم مالا مضاربة بالنصف ثم دخل المسلم دار الحرب لم تنتقض المضاربة
وكذلك أن كان المضارب ذميا لأنه من أهل دار الاسلام فان دخل دار الحرب تاجرا حتى
لا تبين زوجته التي في دار الاسلام فيكون هذا السفر في حقه بمنزلة السفر إلى ناحية أخرى
من دار الاسلام ولو دفع أحد الحربيين إلى صاحبه مالا مضاربة على أن له من الربح درهما
فالمضاربة فاسدة وهما في ذلك بمنزلة المسلمين والذميين لان المضاربة من المعاملات وقد
التزموا أحكام الاسلام فيما يرجع إلى المعاملات حين دخلوا دارنا بأمان للتجارة فما يفسد بين
المسلمين يفسد بينهم الا التصرف في الخمر والخنزير وكذلك حكم المسلمين في المضاربة الفاسدة
في دار الحرب ودار الاسلام سواء لان المسلم ملتزم أحكام الاسلام حيثما يكون فإذا دخل
المسلم والذمي دار الحرب بأمان فدفع إلى حربي مالا مضاربة بربح مائة درهم أو دفعه إليه
الحربي فهو جائز في قول أبي حنيفة ومحمد والربح بينهما على ما اشترطا حتى إذا لم يربح الا مائة
درهم فهي كلها لمن شرط له والوضيعة على رب المال وفي قول أبى يوسف رحمه الله المضاربة
فاسدة وللمضارب أجر مثله وحالهما في ذلك كحالهما في دار الاسلام وهو بناء على
مسألة الربا فإنه لا يجرى بين المسلم والحربي في دار الحرب عن أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
خلافا لأبي يوسف رحمه الله والعقود الفاسدة كلها في معنى الربا وإن كان ربح أقل من مائه
درهم فذلك للمضارب ولا شئ على رب المال غيره لأنه إنما شرط له المائة من الربح فلا
يلزمه أداء شئ من محل آخر وهكذا إن لم يربح شيئا فلا شئ له على رب المال لان محل
حقه قد انعدم ولا وجه لاثبات الحق له في محل آخر لانعدام السبب وإذا دفع المسلم
المستأمن في دار الحرب مالا مضاربة إلى رجل قد أسلم هناك ولم يهاجر الينا يربح مائة درهم
وأخذ منه ذلك جاز على ما اشترطا في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قول أبى يوسف ومحمد
رحمهما الله المضاربة فاسدة وهو بمنزلة الربا أيضا فان عند أنى حنيفة الذي أسلم ولم يهاجر
في حكم الربا كالحربي وعندهما كالتاجر المسلم في دار الحرب وقد بينا المسألة في الصرف والله
أعلم بالصواب
* (باب الشركة في المضاربة) *
(قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى رجل مالا مضاربة ولم يقل له اعمل فيه برأيك فدفع
131

المضارب المال إلى رجل وقال له أخلطه بمالك هذا أو بمالي ثم اعمل بهما جميعا فأخذه الرجل
منه فلم يخلطه حتى ضاع من يده فلا ضمان على المضارب ولا على الذي أخذه منه لأنه بمنزلة
الوديعة في يده ما لم يخلطه والمضارب بمطلق العقد يملك الايداع والابضاع فلا يصير هو
بالدفع مخالفا ولا القابض بمجرد القبض منه غاصبا ما لم يخلطه ولو كان رب المال حين دفع
إليه المال مضاربة قال له شارك به فدفعه المضارب إلى رجل مضاربة جاز ولا ضمان على واحد
منهما فيه لان المضاربة في معنى الشركة فإنه اشراك للمضارب في الربح وبمطلق العقد إنما
كان لا يملك الدفع مضاربة لمعنى الاشتراك للثاني في الربح (ألا ترى) أنه يملك الابضاع
واستئجار الاجراء للتصرف فيه فإذا أذن له في الاشراك كان ذلك اذنا له في الدفع مضاربة
وإذا اشترى الآخر به وباع فهو على المضاربة بمنزلة ما لو كان قال له رب المال اعمل فيه برأيك
ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة بالنصف ودفع إليه ألفا أخرى مضاربة بالثلث أيضا ولم يقل في
واحد منهما اعمل فيه برأيك فخلطهما المضارب قبل أن يعمل بشئ منهما ثم عمل فربح أو وضع
فلا ضمان عليه والوضيعة على رب المال لان المالين على ملك رب المال والمضارب أمين فيهما
والأمين بخلط الأمانة بعضها ببعض لا يصير ضامنا لان الخلط إنما يكون موجبا للضمان
باعتبار أن فيه معنى الاستهلاك لمال رب المال أو معنى الشركة فيه وذلك لا يوجد إذا خلط
بماله ماله فان ربح في المالين ربحا قسما نصف الربح نصفين والنصف الآخر أثلاثا لان
نصف الربح حصة الألف المدفوعة إليه مضاربة بالنصف والنصف الآخر حصة الألف
المدفوعة إليه مضاربة بالثلث فما يكون من ربح كل واحد منهما بعد الخلط معتبر به قبل
الخلط وان ربح في أحدهما ووضع في الآخر قبل أن يخلطهما فالربح بينهما على الشرط
والوضيعة على المال الآخر ولا يدخل أحد المالين في المال الآخر ذكر هذا في كتاب
المضاربة الصغيرة لان كل واحد من المالين في يده بحكم عقد على حدة وهو مختص بحكم فهو
وما لو كانا من جنسين مختلفين سواء في أن الوضيعة التي تكون في أحدهما لا تعتبر كما له
من ربح ماله الآخر فان خلطهما بعد ذلك صار ضامنا للمال الذي وضع فيه ولا ضمان عليه في
مال الآخر لأنه صار شريكا في المال الذي ربح فيه بمقدار حصته من الربح فإنما يخلط الذي
وضع فيه بمال نفسه في مقدار حصته من الربح وذلك موجب الضمان عليه فأما المال الذي ربح
فيه فإنما خلطه بمال رب المال لان الذي وضع فيه كله لرب المال وقد بينا أن خلط رب المال
132

بماله لا يكون موجبا للضمان على المضارب فان عمل بعد ذلك كان ربح المال الذي كان وضعه
للمضارب يتصدق به لأنه بالضمان يملك ذلك المال فيملك ربحه أيضا ولكنه استفاده بكسب
خبيث فيتصدق به وربح المال الآخر بينهما على الشرط لأنه أمين فيه ممتثل أمر رب المال في
التصرف فيه ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة فاشترى المضارب بها وبألف من ماله جارية
ثم خلط الألفين قبل أن ينقدهما بعد الشراء ثم نقدهما فلا ضمان عليه لان حكم المضاربة
بالشراء تحول من المال إلى الجارية وتعين عليه قضاء ثمن الجارية بالألفين ووجود الخلط
قبل النقد في هذا الموضع وعدمه سواء (ألا ترى) انه لا يملك أن يصرف الألف إلى غيره
بل عليه دفعها إلى البائع مع الألف من عنده وفي حق البائع لا فرق بين أن يأخذ الألفين
مختلطا أو غير مختلط والاختلاط الذي في الجارية يثبت حكما لاتحاد الصفقة وقد بينا أن
المضارب لا يصير مخالفا ضامنا بمثل ذلك فان باعها بعد ذلك وقبض الثمن مختلطا فلا ضمان
عليه فيه لأنه بالبيع استوجب ثمن الكل جملة فالاختلاط في الثمن حكمي بمنزلة الاختلاط
في الجارية وله أن يشترى بالثمن بعد ذلك ويبيع فيكون نصفه على المضاربة حصة ما اشترى
من الجارية بمال المضاربة ونصفه للمضارب حصة ما اشترى منها بمال نفسه وان قسم المضارب
المال بغير محضر من رب المال فقسمته باطلة لأنه شريك مع رب المال في هذا المال وأحد
الشريكين لا ينفرد بالقسمة من غير محضر من صاحبه لان القسمة للحيازة والافراز وذلك
لا يتم بالواحد وإنما يتحقق بين اثنين ولو أن المضارب حين أخذ الألف المضاربة خلطها بألف
من ماله قبل أن يشترى بها كان مشتريا لنفسه وهو ضامن لمال المضاربة لأنه بالخلط بماله
صار مستهلكا أو موجبا الشركة في مال المضاربة على حال لم يأمره به رب المال فيصير ضامنا
وبعد ما صار ضامنا للمال لا تبقى المضاربة لان شرطها كون رأس المال أمانة في يده فلهذا كان
مشتريا لنفسه بها و لو كان خلط المال بعد ما اشترى به ثم لم ينقد حتى ضاع في يده كان ضامنا
لألف المضاربة حتى يدفعها من ماله إلى البائع لأنه كان أمينا في المال ما لم يسلمها إلى البائع
والأمين إذا خلط الأمانة بمال نفسه كان ضامنا في حق صاحب الأمانة فما ضاع يكون مما
له وعليه دفع الثمن إلى البائع كما لو التزمه بالشراء ولا يرجع على رب المال بشئ لأنه استوجب
الرجوع بالألف على رب المال ولرب المال عليه مثله فصار قصاصا ولكن حكم المضاربة تحول
من الألف إلى الجارية فلا تبطل المضاربة بخلط الألف بعد ذلك ولكنه إذا قبض الجارية
133

كان نصفها على المضاربة ونصفها للمضارب وهذا نظير ما لو كانت الجارية مشتركه بين المضارب
وبين الأجنبي فاشترى نصيب الأجنبي منها بمال المضاربة للمضاربة فذلك جائز ولا يصير
هو مخالفا بشراء نصفها شائعا للمضاربة ولو كان المضارب اشترى بألف المضاربة مع رجل
وبألف مع عبد ذلك الرجل جارية ودفعها قبل أن يخلطاها ثم قبض الجارية فنصفها على
المضاربة ونصفها لذلك الرجل وهذا الشيوع لا يجعل المضارب مخالفا في تصرفه على المضاربة
فان باعا بثمن واحد وقبضا الثمن مختلطا فهو جائز ولا ضمان على المضارب لأنه اختلاط
ثبت حكما لكون الأصل مختلطا فان قاسم المضارب ذلك الرجل الثمن فهو جائز على رب
المال لان القسمة اما أن تكون تمييز أو مبادلة وكل واحد منهما يملكه المضارب في حق
رب المال فان خلط مال المضاربة بمال ذلك الرجل بعد القسمة فالمضارب ضامن للمضاربة
لان بالقسمة تميز أحد المالين من الآخر فالخلط بعد ذلك اشتراك واستهلاك حكمي باشره
المضارب قصدا فيصير ضامنا للمضاربة وان شارك المضارب بمال المضاربة باذن رب المال
ثم قال المضارب للشريك قد قاسمتك والذي في يدي من المضاربة كذا وكذبه الآخر فالقول
قول الشريك مع يمينه لان المضارب يدعي الايفاء وقطع الشركة فلا يصدق الا بحجة ويدعى
الاختصاص بما بقي دون شريكه بعد ما علم أنه كان مشتركا فلا يقبل قوله الا بحجه وإذا فدفع
الرجل إلى الرجل ألفا مضاربة بالنصف وأمره أن يعمل فيها برأيه فعمل فربح ألفا ثم أعطاه
ألفا أخرى مضاربة بالثلث فعمل فيها برأيه فخلط خمسمائة من هذه الألف بالمضاربة الأولى ثم
هلك منها ألف فالهالك في قول أبى يوسف هو ربح المال الأول وقال محمد رحمه الله يهلك
من ذلك كله بالحساب ولم يذكر قول أبي حنيفة رحمه الله في الكتاب وقوله كقول أبى
يوسف رحمه الله هو بناء على مسألة الايمان إذا أعطى في يمينين كل مسكين صاعا على قول أبي حنيفة
رحمه الله وأبى يوسف رحمهما الله لا يجزئه إلا عن يمين واحدة وفي قول محمد يجزئه
عنهما وجه قول محمد ان حكم المالين مختلف لان المال الأول مدفوع إليه مضاربة بالنصف بعقد
على حدة والذي خلطه من المال الثاني في يده مضاربه بالثلث بعقد على حدة فالسبيل أن يجعل
الهالك من المالين جميعا والباقي من المالين بالحساب (ألا ترى) انه لو كان دفع الألف
الأخرى إلى آخر مضاربة يعمل فيه برأيه والمسألة بحالها كان الهالك من المالين بالحصة فكذلك
إذا كان المدفوع إليه واحد وأبو يوسف يقول الكل في حق رب المال كمال واحد وقد اشتمل
134

على أصل وتبع فيجعل الهالك من التبع دون الأصل (ألا ترى) أنه لو هلك من المال ألف
قبل أن يخلط بالخمسمائة يجعل الهالك كله من الربح فكذلك بعد الخلط وهذا لأنا لو جعلنا شيئا
من الهالك من الخمسمائة يؤدى إلى أن يسلم للمضارب شئ من الربح قبل وصول جميع رأس
المال إلى رب المال وذلك لا يجوز لان المستحق للربح واحد سواء كان المالان دفعهما إليه رب
المال بعقد واحد أو بعقدين بخلاف ما إذا كان المضارب في الألف الأخرى رجلا آخر لان
لكل واحد من المضاربين بالمال المدفوع إليه حقا معتبرا وعند اختلاف المستحق لا بد من أن
يعتبر اختلاف السبب فجعلنا الهالك من المالين فأما عند اتحاد المستحق فلا حاجه إلى ذلك وهو
نظير العبد المأذون مع المولى وأجنبي إذا تنازعا في شئ في أيديهم فإن لم يكن على العبد دين فهو
بين المولى والأجنبي نصفان لاتحاد المستحق فيما في يد المولى والعبد بخلاف ما إذا كان على
العبد دين فالمستحق لكسب العبد هناك غرماؤه فلا بد من اعتبار يد كل واحد منهما على
حدة ولو لم يهلك حتى عمل فربح ألفا أخرى فخمس هذا الربح من المضاربة الأخيرة وأربعة
أخماسه على المضاربة الأولى لان الربح نماء الربح وخمس الربح نماء الخمسمائة التي خلطها
من الألف الأخرى بالمال فيكون بينهما على الثلث والثلثين وأربعة أخماسه على المضاربة الأولى
فيكون مع الربح الأول بنيهما نصفان وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف يعمل
فيها برأيه فعمل فربح ألفا وأعطي رب المال رجلا آخر ألف درهم مضاربة بالنصف يعمل فيها
برأيه ودفع المضارب الثاني الألف إلى هذا الرجل أيضا مضاربة بالثلث يعمل فيها برأيه فخلط
الألف بالألفين فلا ضمان عليه لان الامر من المضاربين كان مفوضا إلى رأيه على العموم وقد
صح منهما كما يصح من رب المال فيمنع ذلك وجوب الضمان عليه بالخلط فان ربح على
ذلك كله ألفا أمسك ثلثه لنفسه وقسم الثلثين الباقيين المضاربان الأولان ثلاثا باعتبار ما دفعا
إليه من المال لان أحدهما دفع إليه الألفين والآخر دفع إليه ألفا فإذا أخذ صاحب الألفين
الثلثين من ذلك دفع إلى رب المال رأس ماله ألف درهم وما بقي فلرب المال نصف ما كان ربح
المضارب الأول في المال من شئ وذلك خمسمائة ونصف ذلك للمضارب ولرب المال أيضا
ثلاثة أرباع ما كان من الربح الثاني لان المضارب الأول أوجب للثاني ثلث الربح وذلك من
نصيبه خاصة وقد كان له نصف الربح فإنما بقي من حقه سهم وحق رب المال في النصف وهو
ثلثه فيجعل هذا الباقي مقسوما بينهما على مقدار حقهما ثلاثة أرباعه لرب المال وربعه للمضارب
135

ويأخذ المضارب الآخر من المضارب الثاني ثلث الثلثين ثم يدفع إلى رب المال رأس ماله
ويقاسمه الربح أرباعا ثلاثة أرباعه لرب المال وربعه له لما بينا أنه أوجب الثلث للمضارب
المتصرف وذلك من نصيبه خاصة فإنما بقي من حقه ثلث النصف وهو سهم من ستة وحق
رب المال في ثلثه فيجعل الربح مقسوما بينهما أرباعا ولو كان المضارب الأول لم يربح شيئا
حتى دفع المال مضاربة بالثلث وأمره أن يعمل فيها برأيه فعمل فربح ألفا ثم دفع إليه
المضارب الثاني الألف التي في يده مضاربة بالثلث وأمره أن يعمل فيه برأيه فعمل فخلطها
بألفين ثم عمل وربح ألفا ثم دفع إليه المضارب الثاني الألف التي في يده مضاربة بالثلث وأمره
أن يعمل فيه برأيه فخلطها بألفين ثم عمل فربح ألفا فان الربح على ثلاثة والوضيعة على ثلاثة
بحسب المال فنصيب الألف ثلث الربح ويأخذ المضارب الآخر حصته من ذلك الثلث
ثم يأخذ رب المال منه رأس ماله ألفا واقتسما ما بقي بينهما لرب المال ثلاثة أرباعه وللمضارب
ربعه لأنه أوجب ثلث الربح للمضارب الآخر وذلك من نصيبه خاصة وما أصاب الألفين
من الربح وهو الثلثان من ذلك أخذ المضارب الآخر منه ومن الألف التي هي ربح والألف
الأول ثلثه لان ذلك حصة من الربح ورد ما بقي على المضارب الأول ويأخذ منه رب المال
رأس ماله وثلاثة أرباع ما يبقي بعده من الربح وللمضارب ربعه لأنه قد أوجب ثلث الربح
للمضارب الآخر وذلك من نصيبه خاصة وإنما يقسم الباقي على مقدار ما بقي من حق كل
واحد منهما وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم فقال نصفها قرض عليك ونصفها معك
مضاربة بالنصف فأخذها المضارب فهو جائز على ما سمي أما في حصة المضاربة فغير مشكل
لان الشيوع لا يمنع صحة المضاربة فان شرطها كون رأس المال أمانة في يد المضارب وذلك
في الجزء الشائع يتحقق وأما القرض فلانه تمليك بعوض والشيوع لا يمنع صحته كالبيع بخلاف
الهبة فان الهبة تبرع محض والتبرع ينفى وجوب الضمان على المتبرع وبسبب الشيوع فيما
يحتمل القسمة يجب ضمان المقاسمة على المتبرع فاما القبض بجهة القرض فلا ينفى وجوب
الضمان إلا أنه يدخل على هذه الهبة بشرط العوض فإنه لا يجوز في مشاع يحتمل القسمة
وقبل الشيوع إنما يمنع صحة الهبة لأنه لا يتم القبض فيما يحتمل القسمة مع الشيوع وهذا
لا يتحقق هنا فالمال كله في يد المستقرض فيتم قبضه في المستقرض وهذا ليس يقوى فان
هبة المشاع من الشريك لا تجوز فيما يحتمل القسمة وكون النصف في يده بطريق المضاربة
136

لا تكون أقوى مما يكون في يده بطريق الملك والأوجه أن نقول القرض أخذ شبها من
الأصلين من الهبة باعتبار انه تبرع ومن البيع باعتبار انه مضمون بالمثل على كل حال فيوفر
حظه على الشبهين فلشبهه بالتبرع يشترط فيه أصل القبض وبشبهه بالمعاوضة لا يشترط فيه ما يتم
القبض به وهو القسمة بخلاف الهبة بشرط العوض فإنه تبرع في الابتداء وإنما يصير معاوضة
بعد تمامه بالقبض من الجانبين فان هلك المال قبل أن يعمل به فهو ضامن لنصفه لأنه تملك
نصف المقبوض بجهة القرض وكان مضمونا عليه بمثله والنصف الباقي أمانة في يده وهو
ما أخذه بطريق المضاربة ولو عمل به فربح كان نصف الربح للعامل ونصفه على شرط
المضاربة بينهما وان قسم المضارب المال بينه وبين رب المال بعد ما عمل به أو قبل أن يعمل
به بغير محضر من رب المال فقسمته باطلة لما بينا ان الواحد لا ينفرد شئ بالقسمة فان هلك أحد
القسمين قبل أن يقبض رب المال نصيبه هلك من مالهما جميعا لان القسمة صارت كأن لم
تكن وإن لم يهلك حتى حضر رب المال فأجاز القسمة فالقسمة جائزة ومعنى قوله أجاز
القمسة أي قبض نصيبه فيكون ذلك بمنزلة القسمة تجرى بينهما ابتداء لان معنى الحيازة
والافراز قد تم حين وصل إلى رب المال مقدار نصيبه فإن لم يقبض رب المال نصيبه الذي
حصل له حتى هلك رجع بنصف نصيب المضارب لان نصف رب المال لم يسلم له وإنما يسلم
للمضارب نصيبه إذا سلم لرب المال نصيبه فإذا لم يسلم كان الهالك من النصيبين والباقي من
النصيبين ولو كان هلك نصيب المضارب لم يرجع المضارب في نصيب رب المال بشئ
لأنه قد قبض منه نصيبه وذلك منه حيازة في نصيبه الا ان شرط سلامة ذلك له في سلامة
الباقي لرب المال وقد وجد ذلك وان هلك النصيبان جميعا بعد رضا رب المال بالقسمة رجع
رب المال على المضارب بنصف ما صار للمضارب لان شرط سلامة النصف له سلامة الباقي
لرب المال ولم يوجد والمضارب قبض تلك الحصة على سبيل التملك لنفسه فلهذا يضمن نصفها
لرب المال ولرب المال على المضارب قرض خمسمائة على حالها لأنه قبض نصف الألف بحكم
القرض وقد بينا أن ذلك مضمون عليه بالمثل ولو قال خذ هذه الألف على أن نصفها قرض
عليك وعلى أن تعمل بنصفها الآخر مضاربة على أن الربح كله لي فهذا مكروه لأنه قرض
جر منفعة فإنه أقرضه نصف الألف وشرط عليه منفعة العمل له في النصف الآخر ونهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قرض جر منفعة فان عمل مع هذا فربح أو وضع فالربح
137

والوضيعة بينهما نصفان لان نصف المال ملكه فقد قبضه بجهة القرض والنصف الآخر بضاعة
في يده فقد قبضه على أن يعمل فيه لصاحبه ولو دفعها إليه على أن نصفها مضاربة بالنصف
ونصفها هبة للمضارب وقبضها المضارب غير مقسومة فهي هبة فاسدة لأنه هبة المشاع فيما
يحتمل القسمة وبهذا تبين أن الصحيح من المذهب أن هبة المشاع بعد اتصال القبض بها
فاسدة بخلاف ما ظنه بعض المتأخرين رحمهم الله انها تكون بمنزلة الهبة قبل القبض ولكن
الصحيح انها فاسدة لان القبض الموجب للملك قد وجد مع الشيوع (ألا ترى) أن هذا
القبض فيما لا يحتمل القسمة يوجب الملك لكن شرط صحته القسمة فلانعدام شرط الصحة
تكون الهبة فاسدة والمقبوض بحكمها مملوك للموهوب له وهو مستحق الرد عليه للفساد فلهذا
كان مضمونا عليه بخلاف المقبوض بهبة صحيحة فان هلك المال في يده قبل العمل أو بعده
ضمن نصفه لهذا المعنى فان ربح في المال كان نصف الربح حصة الهبة للمضارب والنصف
الآخر على ما اشتر طا في المضاربة بينهما فان وضع فالوضيعة عليهما نصفين لان نصف المال
مملوك للمتصرف فله ربح ذلك النصف وعليه وضيعته والنصف الآخر مضاربة في يده ولو
دفعها إليه على أن نصفها بضاعة ونصفها مضاربة بالنصف فهو كما قال لان الشيوع لا يمنع صحة
دفع المال مضاربة ولا صحة دفعه بضاعة ولو دفعها إليه على أن نصفها وديعة في يد المضارب
ونصفها مضاربة بالنصف فذلك جائز على ما سمى لأنه لا منافاة بينهما فمال المضاربة أمانة في
يد المضارب كالوديعة فان تصرف في جميع المال كان ضامنا للنصف حصة الوديعة لأنه خالف
بالتصرف فيه وربح ذلك النصف له وعليه وضيعته وان قسم المضارب المال نصفين ثم عمل
بأحد النصفين على المضاربة فربح أو وضع فالوضيعة عليه وعلى رب المال نصفين لأنه لا ينفرد
بالقسمة فالنصف الذي تصرف فيه من النصفين جميعا نصفه مما كان مضاربة في يده ونصفه
كان وديعة فله ربح حصة الوديعة من ذلك وعليه وضيعته لأنه صار مخالفا ضامنا والبعض
في هذا الحكم معتبر بالكل نقول فان أراد أن يشترى بالمضاربة ولا يضمن اشترى بنصف
الألف غير مقسوم وكان البائع شريكا في الألف حتى يحضر رب المال فيقاسمه ومراده أن
يشترى بنصفه ويسلمه على سبيل الشيوع لأن الضمان في الوجه الأول إنما كان يلزمه بالتسليم
لا بنفس الشراء فطلب السلامة في هذا الموضع من الضمان الذي كان يلحقه في الوجه الأول
ثم قد صار نصف المال شائعا مملوكا للبائع ونصفه وديعة في يد المضارب والمودع لا يملك
138

المقاسمة فلا بد من أن يحضر رب المال ليقاسمه ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة بالنصف
وأشهد عليه في العلانية انها قرض يتوثق بذلك فعمل المضارب بالأمر فان تصادقوا ان
الامر كان على ذلك وانهم إنما شهدوا بالقرض على جهة الثقة فالمال على حكم المضاربة لان
تصادقهما حجة تامة في حقهما وكذلك أن تكاذبا فقامت البينة انه دفعه مضاربة وأشهد عليه
بالقرض وقالوا أخبرانا انهما إنما أشهدا بالقرض على وجه التوثق وليس بقرض إنما هو
مضاربة فان الثابت بالبينة كالثابت باتفاق الخصمين أو أقوى منه وان شهد شاهدان
بالمضاربة وشاهدان بالقرض ولم يفسروا شيئا غير ذلك فالبينة بينة الذي يدعى القرض لأنه
لا تنافي بينهما فيجعل كان الامرين كانا والقرض يرد على المضاربة والمضاربة لا ترد على
القرض فيجعل كأنه دفع المال إليه مضاربة أولا ثم أقرضه منه وفي بينة من يدعي القرض
اثبات الزيادة وهو الملك في المقبوض للقابض واستحقاق القرض عليه إذا دفع الرجل إلى
رجل جراب هروي فباع نصفه بخمسمائة ثم أمره بان يبيع النصف الباقي ويعمل بالثمن
كله مضاربة على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان فباع المضارب
نصف الجراب بخمسمائة ثم عمل بها وبالخمسمائة التي عليه فالربح والوضيعة نصفان في قول
أبي حنيفة رحمه الله لان من أصله ان من قال لمديون اشتر لي متاعا بمالي عليك لا يصح
هذا التوكيل فإذا اشتر المديون كان مشتريا لنفسه وهنا أمره إياه بالشراء بالخمسمائة التي
هي دين عليه لا يصح فكان هو عاملا لنفسه فيما اشتراه بتلك الخمسمائة له ربحه وعليه وضيعته
وأما عندهما فأمره المديون بالشراء بما عليه من الدين صحيح ذلك لا على وجه المضاربة لان
شرط صحة المضاربة أن يكون رأس المال أمانة في يد المضارب ولا يوجد هذا الشرط فيما
هو دين في ذمته فكان نصف ما اشترى للآمر له ربحه وعليه وضيعته والنصف الآخر على
المضاربة ولو كان رب المال أمره أن يعمل بالمالين مضاربة على أن للمضاربة ثلثي الربح
فعمل بها كان للمضارب ثلثا الربح لأنه في النصف مشتر لنفسه فاستحق نصف الربح بذلك
والنصف الآخر إنما دفعه إلى مضاربة بثلث ربح هذا النصف وذلك صحيح ولو كان رب
المال اشترط لنفسه الثلثين من الربح وللمضارب الثلث والمسألة بحالها كان الربح بينها نصفان
و الوضيعة عليهما نصفين لان من أصله أن المضارب صار مشتريا بالدين لنفسه فنصف الربح
له باعتبار ملكه نصف المشترى وقد شرط رب المال لنفسه ثلث ذلك النصف من الربح وليس
139

له في ذلك النصف مال ولا عمل فلا يستحق شيئا من ربح ذلك النصف لأنه أسباب المعدوم
فهو بمنزلة رجل دفع إلى آخر خمسمائة مضاربة بالنصف وأمره أن يخلطها بخمسمائة من ماله
ثم يعمل بها على أن للمضارب ثلث الربح و لرب المال الثلثان فعمل بها فالربح بينهما نصفان
فكذلك في الفصل الأول والله أعلم
* (باب اقرار المضارب بالمضاربة في المرض) *
(قال رحمه الله) وإذا مات المضارب وعليه دين ومال المضاربة في يده معروف وهو
دراهم وكان رأس المال دراهم بدئ برب المال قبل الغرماء بأخذ رأس المال وحصته من
الربح لأنه وجد عين ماله ومن وجد عين ماله فهو أحق به ثم دين المضارب إنما يتعلق بتركته
بعد موته وتركته ما كان مملوكا له عند موته وهو حصته من الربح فأما مقدار رأس المال
وحصة رب المال من الربح فهو ملكه ليس من تركة المضارب في شئ فان قال ورثة المضارب
والغرماء الدين الذي على المضارب من المضاربة وكذبهم رب المال فالقول قول رب المال
لأنهم يدعون استحقاق ملكه بالدين الذي هو على المضارب في الظاهر فلا يقبل قولهم
الا بحجة ورب المال منكر لدعواهم فالقول قوله مع يمينه وإنما استحلف على علمه لأنه
استحلاف على فعل الغير وان كانت المضاربة حين مات المضارب عروضا أو دنانير فأراد
رب المال أن يبيعها مرابحة لم يكن له ذلك لأنه في حال حياة المضارب كان هو ممنوعا عن
أخذها وبيعها لحق المضارب وحقه بموته لا يبطل والذي يلي بيعها وصي المضارب لأنه قائم
مقامه فيبيعها لتحصيل جنس رأس المال فإن لم يكن له وصى جعل القاضي له وصيا ببيعها
فيوفى رب المال رأس ماله وحصته من الربح ويعطى حصة المضارب من الربح غرماءه
لان الميت عجز عن النظر لنفسه والقيام باستيفاء حقه فعلى القاضي أن ينظر له بنصيب الوصي
وقال في المضاربة الصغيرة يبيعها وصى الميت ورب المال ووجهه أن رب المال ما كان راضيا
بتصرف الوصي في ماله والمال وإن كان عروضا أو دنانير فالملك لرب المال فيه ثابت فلا
ينفرد الوصي ببيعها ولكن رب المال يبيعها معه وما ذكر هنا أصح لان الوصي قائم مقام
الموصى وكان للموصى أن ينفرد ببيعها فكذلك لوصيه وهذا لان رب المال لو أراد بيعها
بنفسه لم يملك فلا معنى لاشتراط انضمام رأيه إلى رأى الوصي في البيع وان كانت المضاربة
140

لا تعرف بعينها في يد المضارب وعليه دين في الصحة فرب المال أسوة الغرماء في جميع
تركته ولا ربح للمضارب لان مال المضاربة كان أمانة في يده وقد صار مجملا بترك التعيين
عند موته فيكون متملكا ضامنا لها وهذا دين لزمه بسبب لا تهمة فيه فيكون رب المال
مزاحما لغرماء الصحة في جميع تركته وتركته ما كان في يده لان الأيدي المجهولة عند الموت
تنقلب يد ملك وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فأقر المضارب عند موته
أنه قد عمل بالمال فربح ألفا ثم مات والمضاربة غير معروفة وللمضارب مال فيه وفاء بالمضاربة
وبالربح فان رب المال يأخذ من مال المضارب رأس ماله ولا شئ له من الربح لان المضارب
لم يقر بان الربح وصل إليه إنما أقر أنه ربح ألفا وليس لرب المال أن يأخذ من تركته شيئا
من الربح ما لم يثبت وصوله إلى يده ولو كان أقر أن ذلك وصل إليه أخذ رب المال حصته
منه مع رأس المال لان حصة رب المال من الربح كانت أمانة في يد المضارب مع رأس المال
وقد مات مجملا للملك فصار ذلك دينا عليه يستوفيه رب المال من مال المضاربة ولو قال
المضارب في مرضه قد ربحت ألف درهم ووصلت إلى فضاع المال كله وكذبه رب المال فالقول
قول المضارب مع يمينه لأنه أمين أخبر بما هو مسلط على الاخبار به فإن لم يستحلف على ذلك
حتى مات فهو برئ من المال لاخباره بضياع المال ولرب المال أن يستحلف ورثته على علمهم
بضياع المال لأنهم لو أقروا بما ادعاه رب المال كانوا ضامنين له من التركة فإذا أنكروا استحلفهم
على العلم لرجاء نكولهم وهو استحلاف على فعل الغير بأن يدهم ما وصلت إلى المال ولذلك
لو قال في مرضه قد دفعت رأس المال إلى رب المال وحصته من الربح فهو مخبر بما هو مسلط
عليه فيقبل قوله في براءته عن ذلك إلا أن قوله غير مقبول في الحكم بايصال المال إلى رب
المال حقيقة فيأخذ حصة المضارب من الربح فيكون له من رأس ماله لان ما وراء ذلك كالتاوي
حين لم يثبت وصوله إلى رب المال ولم يكن المضارب ضامنا فإن كان على المضارب دين يحيط
بماله وحصة المضارب من الربح غير معروفة وقد علم أن المضارب قد ربح ألف درهم ووصلت
إليه فان رب المال يحاص الغرماء بحصة المضارب من الربح لان ذلك القدر قد صار دينا له
في تركته بسبب لا تهمة فيه فيكون صاحبه مزاحما لغرماء الصحة ولو أقر المضارب عند موته
وعليه دين يحيط بماله انه ربح في المال ألف درهم وان المضاربة والربح دين على فلان ثم مات
فان أقر الغرماء بذلك فلا حق لرب المال فيما ترك المضارب لأنه عين مال المضاربة بما أقر به
141

وذلك يمنع صيرورة المال في تركته ولكن يتبع رب المال المديون برأس ماله فيأخذه
ويأخذ نصف ما بقي منه أيضا حصة من الربح واقتسم نصفه غرماء المضارب مع ماله وان قال
غرماء المضارب ان المضارب لم يربح في المال شيئا وليس الدين الذي على فلان من المضاربة
كان ذلك الدين مع سائر تركته بين الغرماء ورب المال بالحصص يضرب رب المال برأس ماله
ولا يضرب بشئ من الربح لان ذلك الدين واجب بمعاملة المضارب فيكون في الظاهر له
كالمال الذي في يده واقراره به لرب المال كاقراره بعين في يده لإنسان ومن عليه الدين المستغرق
إذا أقر في مرضه بعين لإنسان وكذبه الغرماء لم يصح اقراره فهذا مثله إلا أن بقدر رأس المال
قد علمنا وجوبه في تركته وصيرورته دينا عليه حين لم يعمل بيانه فهذا القدر دين لزمه لسبب
لا تهمة فيه فاما حصة رب المال من الربح لو لزمه إنما يلزمه باقرار المضارب به واقرار المضارب
بالدين غير صحيح في مزاحمة غرماء الصحة ولو أقر في مرضه بمال في يده انه مضاربة لفلان ولا
يعرف الا بقوله بدئ بدين الصحة لان المريض محجور عن الاقرار بالدين والعين بحق
غرماء الصحة فإن لم يكن عليه دين في الصحة وإنما أقر بالدين في مرضه قبل اقراره بالمضاربة
حاص رب المال الغريم برأس ماله لان اقراره بمضاربة بعينها كالاقرار بالوديعة وقد بينا في
كتاب الاقرار ان المريض إذا أقر بالدين أولا ثم بالوديعة يتحاصان لان حق الغريم متعلق
بماله فيمنع ذلك سلامة العين للمقر له بالعين ويصير هذا كالاقرار بالوديعة مستهلكة ولو كان بدأ
الاقرار بالمضاربة بعينها بدئ بها لأن العين صار مستحقا لرب المال وخرج من أن يكون مملوكا
للمضارب فاقراره بالدين بعد ذلك يكون شاغلا لتركته لا لأمانة الغير في يده وان أقر لها بغير
عينها تحاصا لان الاقرار بالمضاربة المجهولة كالاقرار بالدين فكأنه أقر بدين ثم بدين وان أقر بها
بعينها ثم أقر بالدين ثم أقر بعد ذلك أن المضاربة في هذه الألف بعينها تحاصا لان اقراره بالعين كان
بعد الاقرار بالدين فلا يكون مقبولا في استحقاق المقر له العين واختصاصه به بعد ما صار
مشغولا بحق المقر له بالدين وان قال هذه الألف مضاربة لفلان عندي ولفلان عندي وديعة
كذا ولفلان كذا من الدين بدئ بالمضاربة لأنه أقر بها بعينها فبنفس الاقرار صارت العين
مستحقة لرب المال فلا يتغير ذلك بما يعطف عليه الاقرار بوديعة غير معينة بالدين ولو لم يقر بها
بعينها كان جميع مال المضاربة بين صاحب الدين وصاحب الوديعة وصاحب المضاربة بالحصص لان
اقراره بأمانة غير معينة بمنزلة اقراره بالدين ولو قال لفلان عندي ألف درهم مضاربة وهي في هذا
142

الصندوق ولفلان على ألف درهم فلم يوجد في الصندوق شئ كان ما تركه المضارب بين رب
المال والغريم بالحصص لأنه حين لم يوجد في الصندوق شئ فقد ظهر أن تعيينه كان لغوا بقي
اقراره بمضاربة غير معينة وبالدين ولو وجد في الصندوق ألف كان رب المال أحق بها لان
تعيينه كان صحيحا فان التعيين وجد منه قبل الاقرار بالدين فكأنه أقر ابتداء بالمضاربة بعينها
. فان قيل كان ينبغي أن يقال إذا لم يوجد في الصندوق شئ أن لا يكون لرب المال شئ لفوات
محل حقه. قلنا هذا ان لو صح تعيينه مع فراغ الصندوق عنه ولم يصح ذلك بل هو تجهيل منه
والمضارب بالتجهيل ضامن وقال في المضاربة الصغيرة إذا لم يشهد الشهود ان هذه الألف
كانت في الصندوق يوم أقر جعلناها بين الغرماء ورب المال بالحصص والقياس ما قاله ثمة
لان الموجود من المضارب تعيين الصندوق ولم يوجد منه تعيين مال المضاربة إذا لم يعلم أن
الألف كانت في الصندوق يومئذ وطريق العلم به شهادة الشهود وما ذكر هنا استحسان
لان الصندوق محل لما فيه من المال فتعيينه كتعيين المال فلهذا كان رب المال أحق بها ولو وجد
في الصندوق ألفان فلرب المال منها خاصة والباقي بين الغرماء لان تعيينه صحيح لما وجد
في الصندوق من جنس حق رب المال مقدار حقه وزيادة وسواء كانت الألفان مختلطة أو
غير مختلطة لان المضارب أمين في مال المضاربة واختلاط الأمانة بمال الأمين من غير صنعه
لا يكون موجبا للضمان فان علم أن المضارب هو الذي خلط المال بغير أمر رب المال كان
المال كله بينهم بالحصص في قول أبي حنيفة وفى قول أبى يوسف ومحمد نصفه لرب المال
ونصفه للغرماء وهو بناء على ما تقدم بيانه أن الأمين إذا خلط الوديعة بمال نفسه صار مستهلكا
للمخلوط وصارت الأمانة دينا عليه عند أبي حنيفة رحمه الله فيكون رب المال صاحب دين
كغيره من الغرماء وأما عندهما فبالخلط يصير ضامنا ولكن لا يصير متملكا فلرب المال ان
يرضى بالخلط ويختار المشاركة فيأخذ نصف المخلوط برأس ماله ونصفه للغرماء ولو قال لفلان
عندي ألف درهم مضاربة وهي التي على فلان ولفلان على ألف درهم ولا مال له غيره
فذلك الدين لرب المال لان تعيينه للمضاربة التي على غير كتعيينه ألفا في صندوق أو في كيسه
أو بيته فإذا حصل ذلك قيل الاقرار بالدين اختص رب المال به وان جحد المضارب المضاربة
في صحة أو مرض ثم أقر بها فهي دين في ماله لان الاقرار بعد الانكار صحيح ولكن الأمين
بالجحود يصير ضامنا فاقراره بعد ذلك كالاقرار بالدين وكذلك لو جحد شيئا من الربح ثم أقر
143

ثم قال لم يصل إلى ضمن ما جحد من الربح وإن كان دينا قال عيسى رحمه الله هذا غلط وان
جحد الدين لم يضمنه حتى يقبضه على الجحود لان الجحود إنما يكون موجبا للضمان عليه
باعتبار ان المال في يده وانه متملك له مستول عليه بهذا الجحود وهذا لا يتحقق فيما هو دين
على الغير ما لم يقبضه فان قبضه على الجحود فهو ضامن وان رجع إلى الاقرار ثم قبضه
فلا ضمان عليه وقيل يحتمل أن مراد محمد رحمه الله قوله لرب المال لك ثلث الربح ولى ثلثاه
ليس باقرار وفى المختصر للكافي قال ليس اقراره بأن له النصف وقيل في تأويله أنه أقر له
بالثلث ثم بالنصف بعد ذلك فيكون مقرا بالسدس بعد الجحود فيجب عليه الضمان وذكر
القاضي أبو عاصم في شرحه فقال جحوده الربح اقرار بابراء الغريم ولو صرح بالابراء فإنه يضمن
الربح وإن لم يصل إلى يده كذلك هذا باقرار بان له النصف فيكون ضامنا ثم سلم بما سلم من
ذلك على ذلك والأصح أن يقول حق القبض فيما وجب بمعاملته له خاصة فكونه في ذمة
الغريم وكونه في يده سواء في أنه صار متملكا مقدار ما جحده متويا حق رب المال فيه
فكان قبضه على الجحود وعلى الاقرار بعد الجحود في ايجاب الضمان عليه لأجل الاقرار سواء
وإذا دفع إلى رجلين مالا مضاربة فمات أحدهما وقال الآخر هلك المال صدق في نصيبه
لكونه أمينا فيه وكان نصيب الآخر دينا في تركته لأنه مات مجهلا لنصيبه فان علم أن
الميت كان أودع نصيبه صاحبه الحي فقال الحي قد هلك فهو مصدق على جميعه لان المضارب
يملك الايداع فقول مودعه قد هلك بمنزلة قول المضارب في حياته انه قد هلك وان قال قد
دفعت ذلك إلى صاحبي كان مصدقا مع يمينه لكونه أمينا فيه وكان ذلك دينا في مال صاحبه
لان صاحبه مات مجهلا فإنه إن ثبت وصوله إليه فلا اشكال وإن لم يثبت وصوله إليه من يد
الحي فالحي كان مسلطا من جهته على الرد وإنما قبل قوله في ذلك لأجل التسليط فيكون
المضارب الميت مجهلا له على كل حال فكان ذلك دينا في تركته وإذا ربح المضارب في المال
ربحا فأقر به وبرأس المال ثم قال قد خلطت مال المضاربة بمالي قبل أن أعمل وأربح لم يصدق
لان الربح صار مستحقا لرب المال فهو بهذه المقالة يبطل استحقاقه ويدعى ملك جميع الربح
لنفسه بالخلاف الحاصل منه بالخلط فلا يقبل قوله الا بحجة ولان الربح نماء المال فيكون ملكا
لصاحب المال باعتبار الظاهر فلا يستحقه غيره الا بالشرط (ألا ترى) أن المضارب لو ادعى
زيادة فيما شرط له من الربح لم يقبل قوله فيه الا بحجة فإذا ادعى سببا يملك به جميع الربح
144

فلان لا يقبل قوله من غير حجة كان أولى فان هلك المال في يده بعد ذلك ضمن رأس المال
لرب المال وحصته من الربح لإقراره على نفسه بالسبب الموجب للضمان ولأنه لما زعم أنه
خلط بماله ثم ربح بعد ذلك فقد ادعى أن الربح كله ملكه والأمين ان ادعي الملك
لنفسه في الأمانة يصير ضامنا وإذا أقر المضارب بدين في المضاربة لولده أو والده أو زوجته
أو مكاتبه أو عبده وعليه دين أو لا دين عليه لزمه ذلك في ماله خاصة في قول أبي حنيفة
رحمه الله الا ما أقر به لعبده ولا دين عليه فإنه لا يلزمه منه شئ وفى قول أبى يوسف ومحمد
رحمهما الله اقراره لهؤلاء صحيح على المضاربة الا لعبده أو لمكاتبه وهذا لان المضارب نائب
في التصرف كالوكيل وقد بينا في البيوع أن عند أبي حنيفة رحمه الله الوكيل لا يملك
التصرف مع من لا يجوز شهادته له في حق الموكل لكونه متهما في ذلك وعندهما يملك
ذلك الا في عبده ومكاتبه فالمضارب كذلك وهذا لأنه يلزمه لهؤلاء حق في مال رب المال
بمجرد قوله فيكون في معنى الشاهد لهم على غيره بمال وشهادته لهؤلاء لا تقبل فكذلك قراره
إلا أن الدين بالمعاملة يجب في ذمته وهو غير متهم فيما يلزمه لهؤلاء فلذا لزمه ذلك في ماله
خاصة فأما العبد الذي لا دين عليه له فهو ليس من أهل أن يستوجب دينا عليه وعندهما
اقراره لعبده ومكاتبه كاقراره لنفسه لأنه يملك كسب عبده وله حق الملك في كسب مكاتبه وأما
اقراره لابنه وأبيه كاقراره لأخيه من حيث إنه لا يثبت له في المقر به ملكا ولا حق ملك
فيصح في حق رب المال وقال في المضاربة الصغيرة في قول أبي حنيفة إذا كان في المضاربة
فضل لزم المضارب ما أقر به من حصته وهو صحيح لما بينا أنه غير متهم في حق نفسه وإن كان
متهما في حق غيره ولو أقر المضارب في مرضه بمضاربة بعينها ثم أقر بها بعينها وديعة
لآخر ثم أقر بدين ثم مات بدئ بالمضاربة لان رب المال استحق ذلك المال باقراره عينا كما
أقر به ثم هو أقر للثاني بوديعة قد استهلكها باقراره فيها بالمضاربة والاقرار بالوديعة المستهلكة
اقرار بالدين فكأنه أقر بدين ثم بدين فيتحاص صاحب الوديعة والدين فيما بقي من تركته
* (باب الشفعة في المضاربة) *
(قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم مضاربة فاشترى المضارب بها
دارا تساوى ألفا أو أقل منها أو أكثر ورب المال شفيعها بدار له فله أن يأخذها بالشفعة
145

من المضارب ويدفع إليه الثمن فيكون على المضاربة لان أكثر ما فيه أن المضارب اشتراها
لرب المال ومن اشترى أو اشترى له فهو على شفعته وإنما تسقط شفعة من باع أو بيع له ثم
الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء لأنه يملك الدار عليه بما يعطيه من الثمن وقد بينا أن رب المال لو
اشترى من المضارب دارا اشتراها للمضاربة جاز شراؤه لكونه مفيدا فكذلك إذا أخذها
بالشفعة ولو اشترى المضارب دارا ببعض المضاربة ثم اشترى رب المال دارا لنفسه إلى جنبها
فللمضارب أن يأخذها بالشفعة بما بقي من مال المضاربة لان أكثر ما فيه أن المضارب يأخذها
لرب المال ورب المال مشتر والشراء لا يكون مبطلا شفعة الشفيع ثم أخذه بالشفعة كالشراء
المبتدأ وشراء المضارب بمال المضاربة دارا من رب المال يكون صحيحا لكونه مفيدا من
حيث إنه يدخل فيه في المضاربة ما لم يكن فيها ويخرج من المضاربة ما كان فيها ولو اشترى
بألف مضاربة دارا تساوى ألفا ورب المال شفيعها فتسلم الشفعة ثم باع المضارب الدار فلا
شفعة لرب المال فيها لان المضارب نائب عن رب المال في بيعها ومن بيع له لا يستوجب
الشفعة كما لا يستوجبها من باع وكذلك لو باع رب المال داره لم يكن للمضارب فيها شفعة
بدار المضاربة لأنه لو أخذها أخذها للمضاربة ومال المضاربة لرب المال ورب المال بائع لهذه
الدار فكما لا يكون له أن يأخذها بالشفعة بدار أخرى له لا يكون لمضاربه أن يأخذها بدار
المضاربة ولو اشترى المضارب بألف المضاربة دارا تساوى ألفين ورب المال شفيعها فسلم
الشفعة ثم باعها المضارب بألفي درهم لم يكن لرب المال ان يأخذ شيئا منها بالشفعة أما مقدار
رأس المال وحصته من الربح فلان البيع فيه وقع من المضارب لرب المال وأما حصة نصيبه
من الربح فلانه لو أخذها رب المال تفرقت الصفقة على المشترى وليس للشفيع أن يفرق
الصفقة على المشترى ولان حق المضارب في الربح تبع وإذا لم تجب الشفعة فيما هو الأصل
لا تجب في التبع ولهذا لا يستحق البناء بدون الأصل في الشفعة لان البناء يمنع الأصل
ولو لم يبعها المضارب ولكن باع رب المال داره فأراد المضارب أن يأخذها بالشفعة لنفسه
من الربح الذي له في مال المضاربة بحصته من الربح كان له ذلك لان رب المال ما باع داره
للمضارب والمضارب حاز للدار المبيعة بحصته من الربح فإنه تملك حصته قبل القسمة حقيقة
ولهذا تجب عليه الزكاة فيه فيكون له أن يأخذها بالشفعة لنفسه بذلك السبب ولو اشترى
المضارب ببعض المال دارا في قيمتها فضل على رأس المال فباع رجل إلى جنبها دارا وفي يد
146

المضارب من مال المضاربة مثل ثمن الدار التي بيعت إلى جنب دار المضاربة فأراد المضارب
أن يأخذ الدار بالشفعة لنفسه لم يكن له ذلك وإنما يأخذها على المضاربة أو يدع لان حق
رب المال أصل وحق المضارب تبع وهو متمكن من أخذها بما هو الأصل والتبع لا يظهر
مع ظهور الأصل وهذا لان في أخذها للمضاربة مراعاة الحقين جميعا حق رب المال وحق
المضارب وفي أخذها لنفسه ابطال حق رب المال وليس للمضارب أن يقدم حق نفسه في الربح
ويبطل حق رب المال فتسلم المضارب الشفعة فأراد رب المال أن يأخذها بالشفعة لنفسه لم يكن
له ذلك لان المضارب إذا كان متمكنا من الاخذ بالشفعة يصح منه التسليم في حق نفسه وفي
حق رب المال جميعا فان التسليم من التجارة كالأخذ قيل هذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله فاما عند محمد رحمه الله فينبغي أن لا يصح تسليمه في حق رب المال كما في الأب
والوصي إذا سلما شفعة الصبي والأصح أن هذا قولهم جميعا لان فيما هو من صنيع التجار المضارب
نائب عن رب المال على الاطلاق وتسليم الشفعة من صنيع التجار ولو لم يكن في يد المضارب
من مال المضاربة شئ يأخذ به الدار التي بيعت كان له أن يأخذها بالشفعة لنفسه لأنه غير
متمكن من أخذها للمضاربة هنا لأنه لو أخذها للمضاربة كان استدانة منه على المال والمضارب
لا يملك ذلك فإذا لم يثبت له الحق باعتبار الأصل ظهر حكم التبع وهو أنه جار للدار المبيعة
بملكه في نصيبه من الربح فيكون له أن يأخذ بالشفعة لنفسه وإن لم يكن فيها فضل على رأس
المال لم يكن للمضارب أن يأخذها لنفسه لأنه لا ملك له فيها وإنما جواره من حيث اليد
دون الملك وبه لا يستحق الشفعة وان أراد رب المال أن يأخذها لنفسه فله ذلك لان ما في
يد المضارب ملك لرب المال حقيقة فيكون به جارا للدار المبيعة فان سلم المضارب الشفعة
فتسليمه باطل ورب المال على شفعته لان تسليم الشفعة إنما يصح ممن يكون متمكنا من الاخذ
بالشفعة والمضارب هنا لم يكن متمكنا من الاخذ فليس له تسليم الشفعة ولو كان في الدار
التي من المضاربة فضل على رأس المال وليس في يد المضارب من مال المضاربة شئ فأراد
المضارب ورب المال أن يأخذ الدار المبيعة إلى جنب دار المضاربة بالشفعة لأنفسهما فلهما
أن يأخذاها نصفين لان كل واحد منهما جار لها بملكه في حصته من دار المضاربة واستحقاق
الشفعة باعتبار عدد رؤس الشفعاء لا باعتبار مقدار الأنصباء فان سلم أحدهما كان للآخر أن
يأخذها كلها لان لكل واحد من الشفيعين سببا تاما لاستحقاق جميع الدار المبيعة ولكن
147

للمزاحمة عند طلبهما يأخذ كل واحد منهما النصف فإذا انعدمت هذه المزاحمة بتسليم أحدهما
كان للآخر أن يأخذها كلها فإن كان بقي في يد المضارب من المضاربة قدر ثمن الدار التي
بيعت فأراد المضارب أو رب المال أن يأخذها بالشفعة لم يكن له ذلك لان حق المضاربة
في هذه الدار هو الأصل قبل القسمة لما في الاخذ للمضاربة من مراعاة الحقين في أخذ أحدهما
لنفسه ابطال حق الآخر وإذا كان الاخذ باعتبار الحق الأصلي ممكنا يوجب ترجيع ذلك
فيكون للمضارب أن يأخذها للمضاربة وليس لواحد منهما أن يأخذها لنفسه فان سلم
المضارب الشفعة لم يكن لواحد منهما أن يأخذها بالشفعة بعد ذلك لان المضارب كان متمكنا
من أخذه لهما فيعمل تسليمه أيضا في حقهما أرأيت لو أخذها للمضاربة ثم باعها من الذي أخذها
منه أوردها عليه بحكم الإقالة أما كان يصح ذلك منه في حق رب المال فكذلك إذا ردها عليه
بتسليم الشفعة له ولو لم يعلم المضارب بالشفعة حتى تناقضا المضاربة واقتسما الدار التي من المضاربة
على قدر رأس المال والربح ثم أرادا أن يأخذا الدار المبيعة بالشفعة لأنفسهما فلهما ذلك لان
سبب الاستحقاق لكل واحد منهما يتقرر بالقسمة ولا ينعدم فان السبب كونه جارا للدار المبيعة
بملكه في دار المضاربة وبالقسمة يتقرر ملك كل واحد منهما إلا أن حق المضاربة كان مقدما
فإذا انعدم ذلك بقسمتها كان لكل واحد منهما حق الاخذ لنفسه بالشفعة كالشريك إذا سلم
الشفعة فللجار أن يأخذها فان طلباها جميعا فهي بينهما نصفان وأيهما سلم أخذ الآخر الدار كلها
لما قلنا وإذا دفع الرجل إلى الرجلين مالا مضاربة فاشتريا به دارا ورب المال شفيعها فله أن
يأخذ حصة أحدهما بالشفعة دون حصة الآخر لان الصفقة تتفرق بتعدد الشريكين في
حكم الشفعة (ألا ترى) أنهما لو اشترياها لأنفسهما كان للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما دون
الاخر قبل القبض في ظاهر الرواية وقد بينا هذا في الشفعة فكذلك إذا كان المشتريان
مضاربين وكذلك لو كان الشفيع أجنبيا فان المضاربين في شرائهما للمضاربة في حق
الشفيع كالمشتريين لأنفسهما حتى كان له أن يأخذها منهما بالشفعة وإن لم يحضر رب المال
وكذلك الوكيلان ولو كان المضارب واحدا فأراد الشفيع أن يأخذ بعض الدار بالشفعة لم
يكن له ذلك سواء كان الشفيع رب المال أو أجنبيا لما فيه من تفريق الصفقة على المشترى
وإذا دفع الرجلان إلى رجل مالا مضاربة فاشترى بها دارا وأحد صاحبي المال شفيعها فأراد
أن يأخذ بعضها بالشفعة فليس له ذلك اما أن يأخذها كلها أو يدع لان المشترى لما كان
148

واحدا كانت الصفقة في حكم الشفعة متحدة فلا يكون للشفيع أن يفرقها بأخذ البعض سواء
كان الشفيع أجنبيا أو أحد ربى المال وكذلك الرجلان يوكلان رجلا بشراء دار كان للشفيع
أن يأخذها من الوكيل جملة وإن كان الآمران غائبين وليس له أن يأخذ نصيب أحد
الآمرين وإن كان المأمور اثنين فله أن يأخذ نصيب أحد الآمرين دون الآخر لان
المشترى لغيره في حق الشفيع كالمشترى لنفسه فان المعتبر في تفريق الصفقة واجتماعها حال
العاقد لا حال من وقع العقد له وإذا وجبت الشفعة للمضاربة فسلم أحد المضاربين الشفعة لم
يكن للآخر أن يأخذها لان الاخذ بالشفعة شراء وأحد المضاربين لا ينفرد بالشراء دون
صاحبه فكذلك في الاخذ بالشفعة (ألا ترى) انه ليس لأحدهما أن يأخذ الشفعة دون
صاحبه وإن لم يسلما فبعد تسليم أحدهما أولى وإن كان رأس المال ألف درهم فاشترى بها
المضارب دارا تساوى ألفا أو أقل أو أكثر وشفيعها رب المال بدار له ورجل أجنبي أيضا
شفيعها بدار له أخرى فلهما أن يأخذا الدار نصفين لان كل واحد منهما لو انفرد لاستحق الكل
بالشفعة فإذا اجتمعا وطلباها أخذاها بينهما نصفين فان سلم رب المال الشفعة وأراد الأجنبي
أن يأخذها فالقياس أن يأخذ الأجنبي نصف الدار بالشفعة وليس له غير ذلك لان المضارب
إنما اشتراها لرب المال وشراء الشفيع لنفسه يكون أخذا بالشفعة فكذا شراء غيره له واحد
الشفيعين إذا سلم بعد الاخذ فليس للآخر أن يأخذ الا النصف بخلاف ما إذا سلم قبل الاخذ
لان مزاحمته في الاخذ تنعدم بالتسليم قبل الاخذ لا بعده وفي الاستحسان للأجنبي أن يأخذ
الدار كلها أو يدع لان المضارب إنما اشترى للمضاربة وذلك حق آخر غير حق رب المال
فيما له على الخصوص والمزاحمة بينهما باعتبار الحق الخالص لكل واحد منهما ولم يوجد من رب
المال أخذ باعتبار هذا الحق ولا من غيره له فإنما سلم قبل الاخذ والدليل عليه انه لو تمكن
الأجنبي من أخذ النصف تفرقت الصفقة به على المشترى وليس للشفيع حق تفريق الصفقة
على المشترى بالأخذ بالشفعة فلهذا يأخذ كلها أو يدع
* (باب الشروط في المضاربة) *
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف على أن للمضارب
بما عمل في المال أجرا عشرة دراهم كل شهر فهذا شرط فاسد ولا ينبغي له ان يشترط مع
149

الربح أجرا لأنه شريك في المال بحصته من الربح وكل من كان شريكا في مال فليس ينبغي له
أن يشترط أجرا فيما عمل لان المضارب يستوجب حصة من الربح على رب المال باعتبار عمله
له فلا يجوز ان يستوجب باعتبار عمله أيضا اجرا مسمى عليه إذ يلزم عوضان لسلامة عمل
واحد له وان اعتبرنا معنى الشركة في المضاربة كان رأس مال المضاربة عمله ورأس ماله فلا
يجوز أن يستوجب باعتبار عمله على رب المال أجرا فان عمل على هذا الشرط فربح فالربح
على ما اشترطا ولا أجر للمضارب في ذلك لأنه ما سلم عمله بحكم الإجارة على رب المال
والمضاربة شركة والشركة لا تبطل بالشرط الفاسد إذا كان لا يؤدي ذلك إلى قطع الشركة
بينهما في الربح بعد حصوله وقد طعن عيسى رحمه الله في هذه المسألة وقال يجب أن يكون
للمضارب أجر مثله فيما عمل لان شرط الاجر المسمى ينافي موجب المضاربة فان المضاربة
جائزة غير لازمة فلكل واحد منهما أن يفسخها واشتراط الاجر المسمى يجعل العقد لازما
وكل شرط يضاد موجب المضاربة فهو مفسد للمضاربة كما لو شرط للمضارب مائة درهم من
الربح واستدل بما قاله في كتاب المزارعة في نظير هذه المسألة ان المزارعة تفسد والخارج
كله لصاحب البذر وقد قيل في الفرق بينهما أنه قال في مسألة المزارعة على أن للمزارع أجر
مائة درهم ولم يقل كل شهر فصار الاجر شرطا على العمل الذي قد اشترط له نصيبه من الزرع
عليه وفي المضاربة قال على أن له أجرا عشرة دراهم كل شهر فالاجر هناك مشروط بمقابلة
منافعه لا مقابلة العمل (ألا ترى) ان بمضي المدة بعد تسليم النفس يجب الاجر وإن لم يعمل له
شيئا وشرط الربح بمقابلة العمل فكانا في حكم عقدين إذا فسد أحدهما لم يفسد الآخر به وقيل
في الفرق بينهما المزارعة إجارة ولهذا شرط التوقيت فيها والإجارة تبطل بالشروط الفاسدة
فاما المضاربة فشركة حتى لا يشترط فيها التوقيت والشركة لا تبطل بالشروط الفاسدة قوله
هذا الشرط يضاد موجب المضاربة قلنا الشرط لا يضاد ذلك ولكن صحة الشرط واستحقاق
الاجر به يوجب اللزوم وهذا الشرط غير صحيح هنا بل هو لغو كما ذكرنا فتبقى المضاربة بينهما
صحيحة كما هو موجب المضاربة ولذلك إذا شرط ذلك الاجر لعبد له يعمل معه في المضاربة
أو لبيت يشترى فيه ويبيع فالربح على ما اشترطا ولا أجر لعبد المضارب ولا لبيته لان
المشروط للبيت مشروط للمضارب وعليه حفظ مال المضاربة في بيته ولا يجوز أن يستوجب
على ذلك أجرا ولهذا لا يجوز استئجار المرتهن على حفظ المرهون وعبد المضارب الذي لا دين
150

عليه كسبه لمولاه فالمشروط له من الاجر كالمشروط للمضارب ولو كان العبد الذي اشترط
له الاجر عليه دين أو كان مكاتب المضارب أو ولده أو والده فهو جائز على ما اشترطا وللذي
عمل بالمال مع المضارب من هؤلاء عشرة دراهم كل شهر على ما اشترطا لأنه من كسب هؤلاء
كالأجنبي وله أن يستأجرهم للعمل معه ويكون أجرهم في مال المضاربة فاشتراط ذلك
في المضاربة لا يزيده الا وكادة وليس له ان يستأجر عبده الذي لا دين عليه ولا بيته من نفسه
ليبيع فيه ويشترى للمضاربة فكان اشتراط ذلك في العقد شرطا فاسدا ولو اشترطا ان يعمل
عبد رب المال مع المضارب على أن للعبد أجرا عشرة دراهم كل شهر ما عمل معه فهذا شرط
فاسد لان عبد رب المال إذا لم يكن عليه دين كنفسه ولو شرط عمل رب المال معه باجر لم يجز
ذلك ولا أجر له فيما عمل فكذلك إذا شرط ذلك لعبده أو لأبيه والربح بينهما على الشرط
لان الشرط الفاسد غير متمكن في صلب العقد بخلاف ما إذا شرط رب المال أن يعمل معه
وهو بغير أجر لان ذلك الشرط يعدم التخلية بين المضارب ورب المال وهنا الشرط لا يعدم
التخلية فان العبد أجير المضارب ويد الأجير كيده ولو كان عبد رب المال عليه دين فاشترط
له أجرا عشرة دراهم كل شهر أو اشترط ذلك لمكاتبه أو لابنه جاز لما بينا ان هؤلاء كأجنبي
آخر فيما يشترط لهم من الاجر على العمل وإذا استأجر رجل رجلا عشرة أشهر كل شهر
بعشرة دراهم يشترى له البز ويبيع ذلك فهو جائز لأنه عقد على منافعه في مدة معلومة
ببدل معلوم فان دفع إليه رب المال في هذه العشرة الأشهر مالا يعمل به على أن الربح بينهما
نصفان فعمل به الأجير فالربح لرب المال والوضيعة عليه ولا شئ للأجير من الربح في قول
أبى يوسف وقال محمد ربح المضاربة بينهما على ما اشترطا ولا أجر للأجير ما دام يعمل بهذا
وإذا عمل بغيره من ملك رب المال فله أجر عشرة دراهم في كل شهر حتى تنقضي هذه الشهور
لان اتفاقهما على المضاربة بمنزلة الفسخ منهما للإجارة ولكن هذا الفسخ في ضمن المضاربة
فيقتصر على المنافع التي يعمل بها في مال المضاربة ولا تتعدى إلى ما يعمل به في غيره من مال
رب المال فيستوجب الشركة في الربح باعتبار المضاربة والأجر بمنافعه المصروفة إلى عمله لرب
المال من غير مال المضاربة ولان المضاربة شركة ولو أن الأجير شارك رب المال بألف من
ماله خلطه بمال رب المال باذنه على أن يعمل بالمالين فما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو
بينهما نصفان كانت الشركة جائزة على ما اشترطا ولا أجر للأجير ما دام يعمل بهذا المال
151

فكذلك في المضاربة وأبو يوسف يقول عقد الإجارة لا ينتقض بالمضاربة لان المضاربة
دون الإجارة فالإجارة لازمة من الجانبين والمضاربة غير لازمة ولا ينتقض الشئ بما هو
دونه ولان المعقود عليه في الإجارة منافعه وفي المضاربة العمل وأحدهما غير الآخر والعقد
المضاف إلى محل لا يبطل عقدا مضافا إلى محل آخر هو أقوى منه ومع بقاء الإجارة لا يجوز أن
نثبت له الشركة في الربح إذا اجتمع له الاجر والشركة في الحاصل بعمله وذلك لا يجوز ولان
المضارب إنما يستحق الشركة في الربح بإزاء عمل نفسه بمنافع هي له وهنا منافعه بعقد الإجارة
مستحقة للمستأجر فلا يوجد ما هو موجب استحقاق الشركة في الربح وهذا بخلاف الشركة
فان الشريك يستحق الربح بماله لا بعمله فبالإجارة السابقة بينهما لا ينعدم ما به يستحق الشريك
ولان الشريك يعمل لنفسه في مال نفسه فلا يستوجب الاجر بهذا العمل على المستأجر والمضارب
يعمل لرب المال وهو بعمله لرب المال يستوجب الاجر هنا فلا يجوز أن يستوجب الشركة
في الربح وعقد الإجارة يرد على منافعه كما قال ولكن المقصود هو العمل فإذا وجد ما هو
المقصود كان البدل بمقابلته وإن كان تسليم النفس عند عدم العمل يقام مقامه في استحقاق
الاجر كالصداق فإنه بمقابلة ما هو المقصود وإن كان تسليم المرأة نفسها قد يقام مقام ما هو
المقصود في تأكد المهر به لدفع الضرر عنها ولو كان الأجير دفع إلى رب المال مضاربة
يعمل به على النصف جاز والأجير على الإجارة والمستأجر على المضاربة لان عقد الإجارة
لا يوجب للأجير حقا في منافع رب المال ولا في عمله فدفعه المال إليه مضاربة بعد الإجارة
كدفعه إليه قبل الإجارة فان استبضع رب المال الأجير مال المضاربة يشترى به ويبيع على
المضاربة فقبضه الأجير فاشترى به وباع فهو جائز على ما اشترطا في المضاربة لان عمل
المستبضع كعمل المبضع كما لو أبضعه المضارب مع أجنبي آخر والأجر على حاله للأجير لأنه
قد تحقق منه تسليم نفسه في المدة للعمل به وهو يستوجب الاجر بذلك وعقد المضاربة لا يفسد
هنا بخلاف ما إذا اشترط عمل رب المال بالمال لان ذلك الشرط يعدم التخلية فأما الابضاع
فلا يعدم التخلية المستحقة لتمكن المضارب من استرداد المال منه متى شاء وإذا دفع إلى رجل
مالا مضاربة بالنصف على أن يعمل معه رب المال على أن لرب المال اجرا عشرة دراهم كل
شهر فهذا الشرط يفسد عقد المضاربة لأنه يعدم التخلية وقد بينا أنه لو شرط عمل رب المال
مع المضارب بغير اجر فسد العقد فإذا شرط عمله مع المضارب كان أولى وإذا فسد العقد
152

كان الربح كله لرب المال والوضيعة عليه وللمضارب اجر مثله فيما عمل وهو الحكم في المضاربة
الفاسدة ولا اجر لرب المال لأنه عامل في مال نفسه لنفسه وهو في ذلك لا يكون أجيرا
لغيره فلهذا لا يستوجب الأجرة به والله أعلم
* (باب المرابحة بين المضارب ورب المال) *
(قال رحمه الله) رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن ما كان في ذلك من ربح فهو بينهما نصفان فاشترى رب المال عبدا بخمسمائة وباعه من المضارب بألف المضاربة جاز
ذلك لكون العقد مفيدا بينهما فان باعه المضارب مساومة باعه كيف شاء وان باعه مرابحة
باعه على خمسمائة وهو ما اشتراه به رب المال دون الألف الذي اشتراه به المضارب لان الذي
يجرى بين رب المال والمضارب في الحقيقة لم يكن بيعا فان البيع مبادلة ملك انسان بملك غيره
وهذا كان مبادلة ملك رب المال بملكه ولكن جعل بمنزلة العقد في حق ما بينهما لكونه
مفيدا في حقهما فاما في حكم بيع المرابحة فالعقد هو الأول وهو شراء رب المال إياه بخمسمائة
فيبيعه مرابحة على ذلك * يوضحه أن المضارب متهم في حق رب المال بالمسامحة وترك الاستقصاء
بيع المرابحة بيع أمانة ينفى عنه كل تهمة وخيانة وانتفاء التهمة في أقل الثمنين فبيعه مرابحة
على ذلك إلا أن يبين الامر على وجهه فحينئذ يبيعه كيف شاء ولان المضارب يبيعه لرب المال
فينبغي أن يطرح ربح رب المال عند انضمام أحد العقدين إلى آخر وربح رب المال خمسمائة
فيطرح ذلك من الثمن ويبيعه مرابحة على ما بقي ولو كان رب المال اشترى العبد بألف فباعه
من المضارب بخمسمائة درهم من المضاربة باعه المضارب مرابحة على خمسمائة لأنه أقل الثمنين
والذي جرى بينهما عقد في حقهما فإن لم يكن في الحقيقة عقدا فيعتبر هذا الجانب إذا كان
أقل الثمنين عند اعتباره وانتفاء التهمة إنما يكون في الأقل ولو كان رب المال ملك العبد
بغير شئ فباعه من المضارب بألف المضاربة لم يبعه مرابحة حتى يبين انه اشتراه من رب المال
لما بينا ان الذي جرى بينهما ليس ببيع في الحقيقة وليس لرب المال على هذه العين شراء
سوى هذه ليبيعه المضارب به مرابحة باعتبار ذلك فان بين الامر على وجهه فقد انتفت
التهمة ولو عمل المضارب بألف المضاربة فربح فيها ألفا ثم اشترى رب المال عبدا يساوى
ألفي درهم فباعه من المضارب بالألفين فله أن يبيعه مرابحة على ألف وخمسمائة لان مقدار
153

الخمسمائة في العقد الثاني ربح رب المال فيطرح ذلك من الثمن الثاني إذا لم يخرج ذلك القدر من
ملك رب المال وإنما بقي من الثمن ربح المضارب فيه وهو خمسمائة وما اشتراه به رب المال وهو
ألف فيبيعه مرابحة على ذلك لان المضارب إنما يبيعه لرب المال في مقدار رأس ماله وحصته
من الربح ولهذا لو لحقه عهدة في ذلك رجع به عليه فيطرح مقدار ربح رب المال لذلك ولو
كان رب المال اشتراه بخمسمائة والمسألة على حالها باعه المضارب مرابحة على ألف درهم
خمسمائة منها التي اشترى بها رب المال العبد وخمسمائة ربح فاما الف المضارب التي
طرحت من الثمن بخمسمائة درهم تمام رأس مال رب المال والعقد في ذلك لرب المال فيعتبر
أقل الثمنين فتطرح الزيادة إلى تمام رأس مال رب المال وخمسمائة درهم ربح رب المال فلا
يحتسب بشئ من ذلك ويبيعه مرابحة على ما اشتراه به رب المال وعلى حصة المضارب من
الربح إلا أن يبين الامر على وجهه ولو كان رب المال اشتراه بألف وقيمته ألف فباعه من
المضارب بألفين باعه المضارب مرابحة على الألف لان قيمته إذا كانت مثل رأس المال فلا ربح
للمضارب منه (ألا ترى) أنه لو أعتقه لم يجز عتقه وربح رب المال يطرح من بيع المضارب
فإنما يبيعه مرابحة على ما اشتراه به رب المال وهو ألف درهم وإن كان اشتراه رب المال
بخمسمائة وقيمته ألف فباعه من المضارب بالألفين باعه المضارب مرابحة على خمسمائة لأنه
لا ربح في قيمته فإنما يبيعه لرب المال كله فان قيل كيف ينفذ هذا الشراء بالغبن الفاحش من
المضارب على المضاربة. قلنا لأنه اشتراه من رب المال وشراؤه بالزيادة الفاحشة من غيره إنما
لا ينفذ على المضاربة لحق رب المال فإذا كان العامل معه رب المال فهو راض بذلك ولو كان رب
المال اشتراه بألفين وقيمته ألف فباعه من المضارب بألفين باعه المضارب مرابحة على ألف
على أنه لا فضل فيه على رأس المال وفي حق رب المال إنما يعتبر أقل الثمنين وذلك مقدار
قيمته فبيعه مرابحة على الألف كذلك. فان قيل رب المال اشتراه بألفين والمضارب اشتراه
منه كذلك بألفين فقولكم أقل الثمنين ألف من أين. قلنا نعم رب المال اشتراه بألفين وقد عاد
إليه الف زائدة على قيمته بالعقد الذي جرى بينه وبين المضارب فإنما بقي له فيه بقدر رأس مال
المضاربة وذلك ألف درهم ولو كان العبد يساوى ألفا وخمسمائة وقد اشتراه رب لمال بألف
والمسألة بحالها باعه المضارب مرابحة على ألف ومائتين وخمسين لان الربح فيه خمسمائة نصف ذلك
لرب المال وقد بينا أن ربح المال يطرح وإنما يعتبر قدر رأس المال وربح المضاربة وذلك ألف
154

ومائتان وخمسون ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى المضارب بها عبدا
فباعه من رب المال بألفي درهم باعه رب المال مرابحة على ألف وخمسمائة لان خمسمائة من الألفين
حصة رب المال من الربح فيطرح ذلك من الثمن لان المضارب إنما كان اشترى العبد له فيعتبر
في حقه أقل الثمنين وذلك ما اشترى به المضارب وهو ألف وحصة المضارب من الربح معتبرة
لا محالة فيبيعه رب المال مرابحة على ألفي درهم وخمسمائة ولو كان المضارب اشترى العبد
بخمسمائة من المضاربة فباعه من رب المال بألفي درهم فإنه يبيعه مرابحة على ألف وخمسمائة الثمن
الذي اشتراه به المضارب وخمسمائة ربح المضارب ويطرح عنه خمسمائة ربح رب المال وخمسمائة
ربح رب المال أيضا مما يكمل به رأس المال وإن كان بقي من المضاربة خمسمائة في يد المضارب
لم يحتسب بها في ثمن هذا العبد وقد بينا أن في حق كل جنس من المال يجعل كأنه ليس في
المضاربة غيره (ألا ترى) أن تلك الخمسمائة لو ضاعت كان رأس مال المضاربة كله ثمن هذا العبد
فلهذا حسب جميع رأس المال في ثمن هذا العبد فطرح تمام رأس المال من ثمن العبد الذي اشتراه
به رب المال وهو خمسمائة وربح رب المال باعه مرابحة على الثمن الذي اشترى به المضارب
وهو خمسمائة وعلى ربح المضارب وهو خمسمائة ويشترى ان كانت قيمة العبد أقل من ذلك
أو أكثر في هذا الوجه لأنه لا معتبر بقيمة العبد فإنه إنما يصل إلى المضارب في هذا الوجه الثمن
دون العبد ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى بها عبدا فباعه من رب المال بألفي
درهم ثم باعه رب المال من أجنبي مساومة بثلاثة آلاف ثم اشتراه المضارب من الأجنبي
بالألفين اللذين أخذهما من رب المال ثمنا للعبد فإنه لا يبيعه مرابحة في قياس قول أبي حنيفة
رحمه الله أصلا وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يبيعه المضارب مرابحة على الثمن
الأخير الذي اشتراه به من الأجنبي وهو ألفا درهم وهذا بناء على ما بينا في كتاب البيوع
ان عند أبي حنيفة يضم بعض العقود إلى البعض ثم ينظر إلى حاصل الضمان فيه فعلى ذلك
يباع مرابحة فهنا الثمن الأول كان ألف درهم فلما باعه المضارب بألفين من رب المال كان
المعتبر من ذلك مقدار رأس المال وهو ألف وحصة المضارب من الربح وهو خمسمائة فلما
باعه رب المال بثلاثة آلاف فقد ربح فيه ألفا وخمسمائة فلا بد من أن يطرح ذلك من رأس
المال بعد ما اشتراه المضارب من الأجنبي ليبيعه مرابحة لرب المال على ما بقي وإذا طرحت ذلك
من رأس المال لم يبق شئ فلهذا لا يبيعه مرابحة أصلا إلا أن يبين الامر على وجهه وعندهما
155

لا يعتبر ضم العقود بعضها إلى بعض في المعاملة مع الأجنبي فيبيعه مرابحة على ما اشتراه من
الأجنبي وذلك ألفا درهم ولو كان المضارب باع العبد من رب المال بألف وخمسمائة ثم باعه
رب المال من أجنبي بألف وستمائة ثم عمل المضارب بالألف وخمسمائة حتى صارت الفين
فاشترى بها العبد من الأجنبي بألف وستمائة ثم عمل المضارب بألف وخمسمائة حتى صارت
الفين فاشترى بها العبد من الأجنبي فان بيعه مرابحة في قولهما على ألفين وهو ظاهر وأما في
قياس قول أبي حنيفة فان يبيعه مرابحة على ألف وأربعمائة لان المضارب كان ربح في البيع
الأول مائتين وخمسين وكان المعتبر رأس المال وحصة المضارب من الربح فحين باعه رب
المال بألف وستمائة فثلثمائة وخمسون من ذلك ربح المال فيطرح ذلك من الألفين ويطرح
أيضا ما ربح المضارب على رب المال وذلك مائتان وخمسون درهما فإذا طرحت ذلك من
الألفين يبقى ألف وأربعمائة درهم فعلى ذلك يبيعه المضارب مرابحة وإنما يطرح ما ربح المضارب
على رب المال لأنه لو ربح ذلك في معاملته مع الأجنبي بيعا وشراء لكان يطرح ذلك
عند أبي حنيفة رحمه الله في بيع المرابحة فلان يطرح ذلك عند معاملته مع رب المال أولى
وإذا دفع إلى رجل مالا مضاربة بالنصف فاشترى بألف منها عبدا يساوى الفين فولاه رب المال
فهذا جائز عند أبي حنيفة لا يشكل لأنه يملك البيع بالمحاباة وعندهما بيعه بالمحاباة الفاحشة من
غير رب المال لا يجوز لحق رب المال فلا يكون ذلك مانعا من جواز المعاملة بينه وبين رب المال
فان باعه رب المال من أجنبي بألف وخمسمائة مرابحة ثم اشتراه المضارب من الأجنبي مرابحة
بألفي درهم من المضاربة ثم حط رب المال عن الأجنبي من الثمن ثلاثمائة فان الأجنبي يحط عن
المضارب مثل ذلك من الثمن وحصته من الربح وذلك كله أربعمائة لان العقدين جميعا كانا
مرابحة فإذا خرج القدر المحطوط من أن يكون ثمنا في حق الأجنبي بحط رب المال عنه يخرج
ذلك القدر وحصته من الربح من أن يكون ثمنا في عقد المضارب أيضا والمحطوط في عقد رب
المال خمس الثمن وفي عقد المضارب جملة الثمن ألفان فيحط عنه خمس الثمن وفي عقد المضارب
جملة الثمن ألفان فيحط عنه خمسها أيضا وهو أربعمائة ثم يبيعه المضارب مرابحة على ما بقي من
الألفين في قول أبى يوسف ومحمد وهو ألف وستمائة وعند أبي حنيفة رحمه الله يبيعه مرابحة
على ألف ومائتي درهم لان رب المال كان ربح فيه خمسمائة فلما حط ثلاثمائة كان الحط من
جميع الثمن ثلثاه من رأس المال وثلثه من الربح فبقي ربحه على الأجنبي أربعمائة درهم فيطرح
156

المضارب هذه الأربعمائة مع الأربعمائة التي سقطت عنه من الألفين لأنه يبيعه مرابحة لرب المال
فلهذا باعه مرابحة على ألف ومائتين إلا أن يبين الامر على وجهه ولو كان المضارب حط عن
رب المال من الثمن الذي ولاه به العقد مائتي درهم فان رب المال يحط المائتين وحصتها من
الربح وهو مائة درهم عن الأجنبي لان المضارب حط عنه خمس الثمن وبيعه من الأجنبي
كان مرابحة بألف وخمسمائة فيطرح عنه أيضا خمس الثمن وذلك ثلاثمائة ثم يحط الا جنبي عن
المضارب هذه الثلثمائة حصتها من الربح وهو مائة لما قلنا فيبقى العبد في يد المضارب بألف
وستمائة شراء من الأجنبي فان أراد أن يبيعه مرابحة باعه في قول أبي حنيفة مرابحة على ألف
ومائتين لما بينا أنه يطرح ما ربح رب المال عن الأجنبي وهو أربعمائة لأنه بقي حاصل ضمانه
الأول فيه ثمانمائة وحاصل ما سلم له من الأجنبي ألف ومائتان فعرفنا أن ربح كان أربعمائة
فيحط المضارب ذلك في بيع المرابحة عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يبيعه مرابحة وهو على
ألف وستمائة لما بينا والله أعلم
* (باب ضمان المضارب) *
(قال رحمه الله) رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف وأمره أن يعمل فيه
برأيه أو لم يأمره فعمل فربح ألف درهم ثم إنه دفع إليه ألف درهم مضاربة بالنصف وأمره
أن يعمل فيها برأيه أو لم يأمره فخلط هذه الألف الأخيرة بالألف الأولى ثم عمل بالمال كله
فربح ألفا فإن كأن لم يأمره أن يعمل في الأخيرة برأيه فالمضارب ضامن للألف الأخيرة
بالخلط لان له في المال الأول من الربح خمسمائة فهذا منه خلط مال المضاربة بمال نفسه وذلك
موجب للضمان عليه في المضاربة المطلقة فإن كان ربح بعد هذا الخلط ألف در هم فثلث
ذلك حصة الألف الأخيرة وقد ضمنها المضارب فيكون ربحها له فيأخذ من المال هذه الألف
وربحها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وما بقي من المال فهو على المضاربة الأولى بينهما لان في
حق المضاربة الأولى إنما خلط مال رب المال بماله وذلك لا يوجب الضمان عليه ولو ضاع
المال قبل القسمة لم يضمن المضارب الا الألف الأخيرة لان سبب الضمان وهو الخلط بمال
نفسه إنما وجد فيها خاصة ولو كان أمره في المضاربة الثانية أن يعمل فيها برأيه ولم يأمره بذلك
في الأولى أو أمره والمسألة بحالها فلا ضمان عليه والمال كله مضاربة على ما اشترطا لان الامر
157

في المضاربة الأخيرة مفوض إلى رأيه على العموم فلا يصير ضامنا لها بالخلط وفي المضاربة الأولى
إنما خلط مال رب المال بماله وذلك غير موجب للضمان عليه فلهذا كان المال كله مضاربة في
يده على ما اشترطا ولو لم يأمره أن يعمل في واحد من المالين برأيه فخلطهما قبل أن يربح في واحد
منهما شيئا فلا ضمان عليه لأنه إنما خلط مال رب المال بماله وذلك ليس بسبب موجب للضمان
عليه في المضاربة المطلقة ولو كان ربح في كل واحد ربحا ثم خلطهما ضمنهما جميعا مع حصة
رب المال من الربح الذي كان قبل الخلط لان في كل واحد من المالين وجد سبب وجوب
الضمان وهو خلط ملك رب المال بملك نفسه وذلك حصته من الربح في كل مال وما ربح فيهما
بعد ما خلطهما فهو للمضارب لأنه يملك المالين بالضمان فما ربح عليهما بعد ذلك يكون له
ويتصدق به لأنه حصل له ذلك بسبب حرام الا حصة ربحه قبل أن يخلطها فإنها حلال
له لان ذلك حصل له بسبب لا حنث فيه وفي قول أبى يوسف لا يتصدق بشئ من الربح لأنه
حصل على ضمانه وأصل الخلاف في المودع إذا تصرف في الوديعة وربح وإذا كان أمره فيهما
جميعا أن يعمل برأيه كان ذلك كله مضاربة بينهما على الشرط لوجود تفويض الامر إلى
رأيه في المضاربتين على العموم والجواب في المضاربين إذا خلطا المالين قبل أن يربح واحد
منهما شيئا أو بعد ما ربح أحدهما في مضاربته شيئا نحو الجواب في المضارب الواحد لاستواء
الفصلين في المعنى الذي أشرنا إليه والله أعلم
* (باب المرابحة في المضاربة بين المضاربين) *
(قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم مضاربة بالنصف ودفع إلى
آخر ألف در هم مضاربة بالنصف فاشترى أحدهما عبدا بخمسمائة من المضاربة فباعه من
المضارب الآخر بجميع الألف المضاربة فهو جائز وإن كان المالان لواحد لان هذا البيع
مفيد فإنه يدخل في مضاربة كل واحد منهما ما لم يكن فيها وللمشتري أن يبيعه مساومة كيف
شاء وان أراد أن يبيعه مرابحة باعه على أقل الثمنين وهو خمسمائة التي اشتراه بها المضارب
الأول لان ما زاد على ذلك لم يتم خروجه من ملك رب المال فان ما في يد المضارب الأول
وما في يد المضارب الآخر كله ملك رب المال وكل واحد منهما عامل له فإنما يبيعه مرابحة
على ما يتيقن بخروجه من ملكه وهو الخمسمائة التي دفعها الأول إلى البائع ولو كان المشترى
158

اشترى العبد بألف المضاربة وبألف من ماله ثم أراد أن يبيعه مرابحة باعه على ألف ومائتين
وخمسين لأنه اشترى نصفه لنفسه بألف من ماله فيبيعه على ذلك مرابحة ويشترى النصف
الآخر للمضاربة فإنما يبيعه مرابحة على أقل الثمنين فيه وثمن هذا النصف في العقد الأول
كان مائتين وخمسين فيبيع العبد كله مرابحة على ألف ومائتين وخمسين فان بين الامر على
وجهه باعه مرابحة على الألفين لان تهمة الجناية تنعدم ببيان الامر على وجهه ولو دفع
ألف درهم إلى رجل مضاربة بالنصف ودفع إلى آخر ألفي درهم مضاربة بالنصف فاشترى
المدفوع إليه الألف عبدا بها وباعه من آخر بألفي درهم المضاربة فلهذا كان للثاني أن يبيعه
مرابحة على ألف وخمسمائة لان المضارب الأول ربح ألف درهم حصته من ذلك خمسمائة
وحصة رب المال خمسمائة إلا أن حصة رب المال من الربح تطرح في بيع المرابحة لان
ذلك لم يخرج من ملكه فإنما يعتبر حصة المضارب الأول من الربح والألف التي غرمها
المضارب الأول في ثمنه فيه فيبيعه الآخر مرابحة على ألف وخمسمائة لهذا ولو كان الأول
اشتراه بخمسمائة من المضاربة وباعه من الثاني بألفي المضاربة باعه مرابحة على ألف درهم
خمسمائة منها رأس مال المضاربة الأول الذي نقد في العبد وخمسمائة ربح المضارب الأول
وقد بطلت حصة رب المال من الربح وهو خمسمائة وخمسمائة أخرى تمام رأس مال رب المال
من المضاربة الأولى لا نا قد بينا انه يعتبر رأس المال في كل جنس كأنه ليس معه غيره (ألا ترى)
انه لو هلكت الخمسمائة الأخرى كان جميع رأس المال محسوبا من هذا الثمن بمقدار ما يكمل
به رأس مال رب المال ويطرح في بيع المرابحة كما يطرح حصة رب المال من الربح لان ذلك
لم يخرج من ملكه والمضارب الآخر إنما اشتراه لرب المال والأول كذلك باعه لرب المال
وإذا ثبت انه يطرح من الثمن الثاني ألف در هم باعه مرابحة على ألف ولو كان الأول اشتراه
بألف المضاربة ثم باعه من الثاني بألفي المضاربة وألف من ماله فله أن يبيعه مرابحة على ألفين
ومائة وستة وستين درهما وثلثي درهم لأنه اشترى ثلثه لنفسه بألف درهم فيبيعه مرابحة على
ذلك واشترى ثلثيه بألفي المضاربة ورأس مال المضاربة الأولى فيه ثلثا الألف وربح المضارب
الأول فيه خمسمائة فإذا ضممت خمسمائة إلى ثلثي الألف يكون ألفا ومائة وستة وستين
وثلثين ويضم إليه الألف التي هي ثمن ثلث العبد فيبيعه مرابحة على ذلك ويطرح ما سواه
يعني حصة رب المال من الربح وذلك خمسمائة وما يكمل به رأس ماله في المضاربة الأولى
159

من هذا المال وذلك ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فتبين أن المطروح من ثلاثة آلاف ثمانمائة
وثلاثة وثلاثون وثلث ولو كان المضارب الأول اشترى العبد بخمسمائة وقيمته ثلاثة آلاف
والمسألة بحالها فان للآخر أن يبيعه مرابحة على ألف وثمانمائة وثلاثة وثلاثين درهما وثلث لان
الآخر اشترى ثلثه لنفسه بألف درهم وذلك معتبر كله واشتري ثلثه للمضاربة وإنما يعتبر
فيه حصته من الثمن الأول وهو ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وحصة المضارب من الربح
وهو خمسمائة فإذا جمعت ذلك كان مقداره ما بيناه ويطرح حصة رب المال من الربح وهو
خمسمائة وما يكمل به رأس ماله في المضاربة الأولى من هذا المال وهو ستمائة وستة وستون
وثلثان فإذا طرحت من ثلاثة آلاف ألفا ومائة وستة وستين وثلثين يبقى ألف وثمانمائة
وثلاثة وثلاثون وثلث ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف ثم دفع إلى آخر ألف
درهم مضاربة بالنصف فعمل الآخر بالمال حتى صارت ألفين ثم اشترى الأول بألف المضاربة
عبدا فباعه من الآخر بالألفين اللتين في يده وقيمته ألفا درهم فان الثاني يبيعه مرابحة على ألف
وخمسمائة لان رأس مال الأول فيه ألف درهم فيعتبر ذلك ويعتبر حصة الأول من الربح
وهو خمسمائة وتبطل حصة رب المال من الربح في المضاربة الأولى لان ذلك لم يخرج من
ملكه بالعقد الثاني فلهذا باعه الثاني مرابحة على ألف وخمسمائة ولو كان الأول اشتراه بخمسمائة
من المضاربة خمسمائة من ماله والمسألة على حالها باعه مرابحة على ألف وخمسمائة لان الأول
اشترى نصفه لنفسه بخمسمائة وباعه من الثاني بألف فيبيع ذلك النصف مرابحة على ألف واشترى
الأول النصف الآخر وباعه من الآخر وباعه من الآخر بألف ولا فضل فيه على رأس مال المضاربة في العقد
الأول فإنما يبيع هذا النصف مرابحة على الثمن الأول وهو خمسمائة ولو كان الأول اشتراها
بألف من عنده وخمسمائة من المضاربة والمسألة بحالها باعه الآخر مرابحة على ألف وثمانمائة
وثلاثة وثلاثين وثلث لان الأول اشترى ثلثيه لنفسه وباع ذلك من الآخر بثلث الألفين
وذلك ألف وثلاثمائة وثلاثون وثلث فيعتبر ذلك كله وأما الثلث الذي اشتراه للمضاربة وباعه
من الآخر للمضاربة بما لا فضل فيه على رأس مال المضاربة الأولى فإنما يبيع هذا الثلث مرابحة
على الثمن الأول وهو خمسمائة وإذا ضممت الخمسمائة إلى الألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث
كانت جملته ألفا وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا ولو كان الأول اشتراه بألف المضاربة وبخمسمائة من
ماله فان الآخر يبيعه أيضا مرابحة على ألف وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلث لان الأول
160

اشترى بنفسه ثلثه وباعه بثلث الألفين فيعتبر ذلك واشترى ثلثه للمضاربة وباعه بثلثي الألفين
فيعتبر من ذلك مقدار رأس المال وهو ألف درهم وحصة المضارب من الربح وذلك مائة
وستة وستون وثلثان ويطرح حصة رب المال من الربح خاصة وإذا طرحت من الألفين
مائة وستة وستين وثلثين كان الباقي ألفا وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا ولو دفع إلى رجل ألف
درهم مضاربة وإلى آخر ألفي درهم ما ضربة فاشترى الأول بألف عبدا من ماله وبخمسمائة
من المضاربة ثم باعه من الآخر بثلاثة من ماله وألفى المضاربة فان الآخر يبيعه مرابحة على
ألفين وستمائة وستة وستين درهما وثلثي درهم لان الأول اشترى ثلثي العبد لنفسه وباعه من
الآخر بألفي درهم فيعتبر جميع ذلك واشترى ثلثه للمضاربة ثم إن الآخر اشترى منه ثلث
هذا الثلث لنفسه بثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث لا ينتقص من ذلك شئ واشترى ثلثي هذا
الثلث منه للمضاربة فيعتبر فيه حصة من الثمن الأول وذلك ثلث الألف ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون
وثلث هذا هو المعتبر فيه ويطرح ما زاد على ذلك فان جمعت ذلك كله كان ألفي درهم
وستمائة وستة وستين وثلثين فيبيعه مرابحة على ذلك وحاصل ما طرح ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون
وثلث وذلك ربح ثلثي هذا الثلث لأنه مشغول برأس المال كله ولم يخرج من ملك رب المال
بالعقد الثاني ولو كان الأول اشترى العبد وقيمته خمسة آلاف درهم بألف المضاربة وبخمسمائة
من ماله والمسألة بحالها باعا الثاني مرابحة على ألفين وخمسمائة لان الأول اشترى ثلث العبد لنفسه
وباعه من الثاني بألف فيبيعه مرابحة على ذلك فاشترى الثلثين للمضاربة ثم إن المضارب الآخر
اشترى منه ثلث الثلثين لنفسه بستمائة وستة وستين وثلثين فلا ينقص منه شئ واشترى منه
ثلث الثلثين للمضاربة بألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث فالمعتبر من ذلك رأس المال في
العقد الأول وذلك ستمائة وستة وستون وثلثان وحصة المضارب الأول من الربح وهو مائة
وستة وستون وثلثان فإذا جمعت ذلك كله كان ألفين وخمسمائة والمطروح من ذلك حصة رب
المال من الربح وهو مائة وستة وستون وثلثان وما يكمل به رأس المال في المضاربة الأولى
وذلك ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف ودفع
إلى آخر ألفي درهم مضاربة بالنصف فاشترى الأول جارية بألف من ماله وخمسمائة من المضاربة
وباعها من الاخر بثلاثة آلاف درهم ألف من المضاربة وألفين من ماله فإنه يبيعها مرابحة على
ألفين وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلث لان الأول اشترى ثلثيها لنفسه وباع ذلك من الثاني بألفي
161

درهم فيعتبر ذلك كله واشترى ثلثها للمضاربة ثم باع ثلثي هذا الثلث من الثاني واشترى الثاني
لنفسه بستمائة وستة وستين وثلثين فيعتبر ذلك أيضا واشترى ثلث هذا الثلث للمضاربة فإنما
يعتبر حصة هذا الجزء من الثمن الأول وذلك مائة وستة وستون وثلثان فإذا جمعت هذا كله
كان ألفين وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا فإذا قبض الثمن أخذ لنفسه من الثمن حصته ألف
درهم وكان ما بقي من المضاربة لان الثمن في بيع المرابحة مقسوم على الثمن الأول وثلث الثمن
الأول كان من مال المضارب الآخر فإن كان الثمن الذي باعها به أربعة آلاف درهم كان له
خاصة من ذلك اثنا عشر جزأ والباقي يكون من المضاربة لان مقدار الألفين من ماله وثمانمائة
وثلاثة وثلاثون وثلث مال المضاربة فالسبيل أن يجعل كل مائة وستة وستين وثلثين وسهم
فصار الألفان اثنى عشر وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا خمساه فتكون الجملة سبعة عشر سهما
للمضاربة من ذلك خمسة وللمضارب الآخر اثنا عشر فعلى ذلك يقسم الأربعة آلاف ولو دفع
إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف ودفع إلى آخر ألفي درهم مضاربة بالنصف فاشترى
الأول جارية بألف المضاربة وبخمسمائة من ماله وباعها من الآخر بألف المضاربة وبألفين
من ماله فإنه يبيعها مرابحة على ألفين وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلث لان الثاني اشترى ثلث
الثلث الباقي لنفسه وباع ذلك بثلث الألف فيعتبر ذلك كله في بيع المرابحة والأول كان اشترى
ثلث الثلث الباقي لنفسه وباع ذلك بثلث الألف فيعتبر ذلك كله أيضا وكان اشترى ثلثي الثلث
للمضاربة وباعها للمضارب بثلثي الألف وإنما يعتبر من ذلك رأس مال هذا الجزء وفي العقد
الأول وذلك ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث وحصة المضارب من الربح وذلك مائة وستة
وستون وثلثان ويطرح حصة رب المال من الربح وذلك مائة وستة وستون وثلثان فيبيعه
مرابحة على ألفين وثمانمائة وثلاثة وثلاثين وثلث بهذا فإذا قسم الثمن على سبعة عشر سهما
بينه وبين المضارب كما بينا في الفصل الأول قال عيسى رحمه الله هذا الجواب خطأ فإنما
يبيعها مرابحة على ألفين وستمائة وستة وستين وثلث لان ثلث الثلثين باعه الأول من
المضاربة واشتراه منه الثاني للمضاربة أيضا فلا يعتد بربح رب المال فيه وذلك إذا تأملت
مائة وستة وستون وثلثان فتبين أن المطروح من ثلاثة آلاف مائة وستة وستون وثلثان
مرتين فيكون الباقي الفين وستمائة وستة وستين وثلثين وقيل إنما يصح ما ذهب إليه عيسى رحمه
الله ان لو كان مقدار ذلك الثلث من الثلثين مقررا في مملوك أو في مبيع على حدة فاما إذا كان
162

في جملة مملوك قد بيع بيعا واحدا وسائر رأس المال فيه مجمل فلا يصح ذلك ولكن يجب اعتبار
جميع ثمن الثلثين لان المضارب الآخر اشترى الثلثين لنفسه بألفين من ماله فلا بد من اعتبار
جميع ذلك في بيع المرابحة والله أعلم
* (باب دعوى المضارب ورب المال) *
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف وأمره أن يعمل
فيها برأيه أو لم يأمره فاشترى بالألف ابن رب المال فهو مشتر لنفسه لان رب المال إنما
أمره بان يشترى بالمال ما يملكه بيعه فان المقصود الاسترباح ولهذا أوجب له الشركة في
الربح وذلك لا يحصل الا بالبيع بعد الشراء فعرفنا انه مأمور بشراء ما يمكنه بيعه وقريب رب
المال لو جاز شراؤه منه على المضاربة عتق ولا يمكنه بيعه فلم يكن هذا من جملة ما تناوله الامر
كما لو قال اشتر لي جارية أطؤها فاشترى أخت الموكل من الرضاع أو جارية مجوسية لم تلزم
الآمر لهذا وإذا لم ينفذ شراؤه على رب المال صار مشتريا لنفسه وقد نقد ثمنها من مال
المضاربة فيخير رب المال بين أن يسترد المقبوض من البائع ويرجع المضارب على البائع بمثله
وبين أن يضمن المضارب مثل ذلك لأنه قضى بالمضاربة دينا عليه ولو كان اشترى دين
نفسه وقيمته ألف درهم أو أقل جاز على المضاربة وهو عبد لأنه لا يملك المضارب شيئا منه
ولا ربح فيه فهو متمكن من بيعه فإذا زادت قيمته على ألف عتق ويسعى في رأس المال
وحصة رب المال من الربح لأنه لما ظهر في قيمته فضل على رأس المال ملك المضارب نصيبه
من الفضل فيعتق ذلك الجزء عليه لأنه ملك جزأ من قريبه ولا ضمان على المضارب فيه لرب
المال لأنه لا صنع للمضارب في هذه الزيادة بل عتق حكما وعليه السعاية في رأس المال وحصة
رب المال من الربح لتتميم العتق لأنه احتبس ذلك القدر عنده من ملك رب المال فعليه أن
يسعى له في ذلك ولو كانت قيمته يوم اشتراه أكثر من ألف درهم كان مشتريا لنفسه لأنه
اشترى للمضاربة ما لا يمكنه بيعه فإنه يعتق منه بقدر نصيبه من الربح كما ينفذ شراؤه على
المضاربة فلهذا كان مشتريا لنفسه فيعتق عليه ولرب المال الخيار في تضمين مال المضاربة أيهما
شاء كما بينا ولو كان اشترى بالألف عبدا يساوي ألفي درهم لا يعرف له نسب فقال المضارب
لرب المال هذا ابنك وقال رب المال كذبت فان الغلام يعتق لان المضارب مالك مقدار ربع
163

منه بحصته من الربح وقد أقر بفساد الرق فيه حين زعم أنه ابن رب المال فيعتق لذلك ويسعى
الغلام في جميع قيمته بينهما أرباعا ثلاثة أرباعها لرب المال وربعها للمضارب فان قيل كان ينبغي أن
لا يعتق لان رب المال يزعم أن المضارب كاذب وأن العبد مملوك لهما على المضاربة والمضارب
يزعم أنه مملوك له اشتراه لنفسه لأنه ابن رب المال قلنا نعم ولكن العبد في الظاهر مشترى
على المضاربة وباعتبار هذا الظاهر يكون المضارب مقرا بفساد الرق فيه ورب المال مقر
بصحة اقرار المضارب فيه باعتبار نصيبه فيكون هذا بمنزلة عبد مشترك بين اثنين أحدهما مقر
على صاحبه بالعتق في نصيبه ولو قال المضارب لرب المال هذا ابنك وقال رب المال بل هذا ابنك
وقال صدقت فهو مملوك للمضارب أما إذا قال صدقت فقد تصادقا على أن المضارب اشتراه
لنفسه لأنه ابن رب المال بمنزلة ما لو اشترى ابنه المعروف وأما إذا قال بل هو ابنك فقد
تصادقا على أنه اشتراه لنفسه لأنه إذا كان في قيمته فضل فالمضارب يصير مشتريا لنفسه سواء
كان ابنه أو ابن رب المال ثم كان رب المال شاهدا على المضارب للعبد بالعتق والنسب وبشهادة
الفرد لا تتم الحجة فلهذا كان مملوكا للمضارب وعلى المضارب أن يرد رأس المال على رب
المال بخلاف الأول فهناك المضارب يدعى أنه اشتراه لنفسه وقد كذبه رب المال في ذلك
وكان العبد مشتركا بينهما باعتبار الظاهر فلهذا يفسد الرق فيه باقرار المضارب ولو دفع
إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى عبدا يساوى ألفا فقال المضارب لرب المال
هو ابنك وكذبه رب المال فالعبد على حاله في المضاربة لان المضارب لا يملك شيئا منه حين
لم يكن في قيمته فضل على رأس المال فلا يفسد الرق فيه باقراره ويبقى على حاله في المضاربة
فإن لم يبعه حتى زاد فصار يساوى ألفي درهم عتق لاقرار المضارب أنه ابن رب المال وأنه
أقر بما لا يحتمل الفسخ فيصير كالمجدد لإقراره بعد ما ظهر الفضل في قيمته فيفسد الرق فيه
لذلك ويسعى في قيمته بينهما أرباعا لأنه في معنى الشاهد على رب المال بالعتق أو فساد الرق
فيه كان حكما عند ظهور الفضل فيه فلا يوجب الضمان على المضارب ولا يسقط به حقه
عن شئ من نصيبه من السعاية فلهذا يسعى في قيمته بينهما أرباعا ولو قال رب المال صدقت
ولا فضل فيه على رأس المال فالغلام للمضارب ويضمن رأس المال لرب المال لتصادقهما على أن
المضارب اشتراه لنفسه ولو قال رب المال كذبت ولكنه ابنك فهو على المضاربة لان المضارب
يدعى أنه اشتراه لنفسه ورب المال ينكر ويزعم أنه اشتراه على المضاربة إذ لا فضل فيه على
164

رأس المال والمضارب يشترى ابن نفسه على المضاربة إذا لم يكن فيه فضل على رأس المال
والظاهر شاهد لرب المال فيما يقول إنه اشتراه على المضاربة فإن لم يبعه حتى زادت قيمته
فصار يساوى ألفي درهم استسعى في قيمته بينهما أرباعا لان كل واحد منهما في معنى الشاهد
على صاحبه بالعتق والمضارب يزعم أنه ابن رب المال وأن نصيبه منه قد عتق ورب المال يزعم
أنه ابن المضارب وأن نصيبه منه قد عتق وهذه الشهادة منهما تفسد الرق فلا تسقط شيئا من
السعاية عن العبد حقيقة فيسعى في جميع قيمته بينهما أرباعا ثلاثة أرباعها لرب المال وربعها
للمضارب ولو كان اشترى بألف عبد يساوى ألفين فقال رب المال للمضارب هذا ابنك
وقال المضارب كذبت فإنه يعتق ويسعى في حصة المضارب من الربح خمسمائة ولا سعاية عليه
لرب المال لان رب المال يتبرأ من السعاية ويزعم أن المضارب اشتراه لنفسه وأنه عتق كله
عليه وأنه ضامن له بمثل رأس المال إلا أنه لا يصدق فيما يدعى من الضمان على المضارب فلا
يسعى العبد له في شئ لأنه لا يدعى عليه السعاية وإنما سعى للمضارب في خمسمائة لأنه يدعى
سعايته ويقول قد فسد الرق فيه بشهادة رب المال على كاذبا ولم يجب لي ضمان عليه وإنما حقي
في استسعاء العبد في نصيبي فلهذا يستسعى له في خمسمائة ولو كان المضارب صدقه في ذلك
ثبت نسبه منه لتصادقهما عليه ويكون حرا على المضارب لأنه صار مشتريا إياه لنفسه باعتبار
الفضل على رأس المال في قيمته ويكون ضامنا لرب المال رأس ماله ولو قال رب المال للمضارب
هو ابنك وقال المضارب بل هو ابنك فهو مملوك للمضارب وضمن له رأس ماله لأنهما تصادقا
أن المضارب اشتراه لنفسه فإنه إن كان ابن رب المال كما ادعاه المضارب فقد اشتراه المضارب
لنفسه ولو كان ابن المضارب كما زعم رب المال فقد اشتراه لنفسه باعتبار الفضل فيه فلهذا
ضمن لرب المال رأس ماله فيه وهو مملوك للمضارب لأنه أقر بحريته باقراره بنسبه لرب
المال (ألا ترى) أن رب المال لو صدقه في ذلك يثبت نسبه منه ولم يعتق فرب المال شهد عليه
بالعتق في ملكه وبشهادته لا تتم الحجة ولو كان اشترى بها عبدا يساوى ألفا فقال رب المال
للمضارب هو ابنك وقال المضارب كذبت فالعبد على المضاربة بحاله لأنه وإن كان هو ابن
المضارب فقد صار مشتريا له على المضاربة إذ لا فضل فيه على رأس المال وإنما بقي اقرار رب
المال بنسبه للمضارب وقد كذبه في ذلك فلم يثبت النسب منه فان زادت قيمته حتى صارت
ألفي درهم عتق ويسعى في قيمته بينهما أرباعا لان رب المال أقر بما لا يحتمل الفسخ فيصير
165

كالمجدد لإقراره بعدما زادت قيمته وقد صار الربع منه مملوكا للمضارب ففي زعم رب المال أن
الرق فيه قد فسد بملك المضارب جزأ منه فلهذا عتق ويسعى في قيمته بينهما أرباعا وإن كان
المضارب صدقه ولا فضل في الغلام فهو ابنه مملوك له في المضاربة بمنزلة ما لو اشترى ابنه
المعروف ولا فضل فيه على رأس المال فإن لم يبعه حتى بلغت قيمته ألفي درهم عتق وسعى
في ثلاثة أرباع قيمته لرب المال لان الربع منه صار مملوكا للمضارب فيعتق عليه لثبوت نسبه
منه ولكن هذا العتق حصل منه حكما لظهور الزيادة من غير صنع للمضارب فيه فلا يكون
ضامنا لرب المال شيئا ولكن العبد يسعى في حصة رب المال باعتبار رأس المال وحصته من
الربح وذلك ثلاثة أرباعه ولو كان اشترى عبدا يساوي ألفين فقال المضارب هو ابني وقال
رب المال كذبت ثبت نسبه من المضارب لأنه مالك له بعد مقدار حصته من الربح وذلك
يكفي لصحة دعواه النسب فيه ثم هذه دعوى تحرير لان أصل العلوق به ما كان في ملكه
فيكون بمنزلة الاعتاق ولو أعتقه المضارب عتق نصيبه ورب المال في نصيبه بالخيار إن كان
المضارب موسرا بين الاعتاق والاستسعاء والتضمين وإن كان معسرا فله الخيار بين الاعتاق
والاستسعاء والولاء بينهما أرباعا لان ثلاثة أرباعه عتقت على رب المال حين أعتقه أو استسعاء
وربعه عتق من جهة المضارب ولو كان رب المال صدقه في ذلك عتق على المضارب ويضمن
المضارب رأس المال لأنهما تصادقا على أن المضارب اشتراه لنفسه وإن لم يصدقه ولكنه ادعى
ثبوته بعد ذلك فهو ابن المضارب يعتق عليه ويضمن رأس المال لأنهما تصادقا على أن المضارب
اشتراه لنفسه فإنه إن كان ابن رب المال كما زعم فقد اشتراه المضارب لنفسه وإن كان ابن المضارب
فكذلك وإذا كان مشتريا لنفسه ترجحت دعواه بالسبق وبالملك فيعتق عليه ويضمن رب
المال ولو كان اشترى عبدا يساوي ألفا فقال المضارب هو ابني وكذبه رب المال لم يثبت نسبه
وهو على حاله في المضاربة لأنه مشتر له على المضاربة بمنزلة ابنه المعروف ولا ملك له فيه لتصح
دعواه باعتباره مع تكذيب رب المال فلهذا لم يثبت نسبه منه فان صارت قيمته ألفين عتق ربعه
وثبت نسبه من المضارب لان بظهور الفضل صار هو مالكا لربعه وهو كالمجدد لدعوى النسب
لان النسب لا يحتمل الفسخ بعد ثبوته فيثبت نسبه منه ويسعى في ثلاثة أرباع قيمته لرب المال
ولا ضمان على المضارب فيه لان العتق حصل حكما بظهور الفضل في قيمته من غير صنع
للمضارب فيه ولو كان صدقه رب المال وقيمته ألف ثبت نسبه منه وهو على المضاربة لأنه
166

مملوك لرب المال وقد أقر بنسبه للمضارب فيثبت نسبه منه وهو على المضاربة بمنزلة ابنه
المعروف فان صارت قيمته ألفين عتق ربعه لان المضارب صار مالكا ربعه وهو ثابت النسب
منه ويسعى في ثلاثة أرباع قيمته لرب المال ولو زادت قيمته حتى صارت ألفين قبل دعوى
المضارب ثم ادعي انه ابنه وكذبه رب المال ثبت نسبه منه لأنه مالك لربعه حين ادعى نسبه
ويكون هذا بمنزلة اعتاق ربعه فيخير رب المال بين أن يضمن المضارب ثلاثة أرباع قيمته وبين
الاستسعاء والاعتاق إن كان موسرا وإذا ضمن المضارب لم يرجع المضارب بها على الغلام لأنه
ملك بالضمان ثلاثة أرباعه فعتق عليه لثبوت نسبه منه وإذا اختار الاستسعاء أو الاعتاق فلرب
المال ثلاثة أرباع ولائه لان ثلاثة أرباعه عتقت من قبله ولو كان رب المال صدقه فلا ضمان
له على المضارب وله أن يستسعى الغلام أو يعتقه لأنهما تصادقا على أنه عتق على المضارب ربعه
حكما عند ظهور الفضل فيه فهو بمنزلة ابن معروف له ولو لم تزد قيمته على ألف فقال المضارب
هو ابني وقال رب المال كذبت ولكنه ابني فهو ابن رب المال حر من ماله لأنه في الظاهر
مشترى على المضاربة وهو مملوك لرب المال كله فتصح دعواه لمصادفته ملكه ويعتق من ماله
ولا ضمان على المضارب فيه لان رب المال يدعى عليه أنه ضامن رأس ماله مشترى الابن لنفسه
ولا يصدق في ذلك الا بحجة وإن لم يدعه واحد منهما حتى صارت قيمته ألفين فقال المضارب
هو ابني وقال رب المال كذبت ولكنه ابني فهو ابن المضارب لأنه حين ادعى نسبه كان مالكا
لربعه فثبت نسبه منه ثم رب المال ادعى نسبه منه بعد ذلك وهو ثابت النسب فلا يثبت
نسبه منه وقد عتق منهما جميعا والولاء بينهما أرباعا ولا ضمان على واحد منهما لصاحبه لان
رب المال يدعى أنه لا سعاية له على العبد وانه حر كله باقرار المضارب وان حقه في تضمين
المضارب رأس ماله وهو غير مصدق في التضمين الا بحجة ولكن كل واحد منهما يصير
كالمعتق بحصته منه أما المضارب فلا اشكال فيه ورب المال بدعواه النسب يصير كالمعتق
لنصيبه لان من ادعى نسب مملوكه وهو معروف النسب من الغير يكون ذلك بمنزلة الاعتاق
منه فلهذا كان الولاء بينهما أرباعا ولو كان العبد يساوى ألفين يوم اشتراه ونقد ثمنه فقال رب
المال هو ابني وكذبه المضارب ثبت نسبه من رب المال وعتق ثلاثة أرباع العبد بدعواه إياه
والمضارب بالخيار في الربع كما وصفنا في رب المال لان رب المال صار بمنزلة المعتق له فان دعوى
التحرير كالاعتاق ولو لم يكذبه المضارب ولكن صدقه فالغلام ابن لرب المال وعبد للمضارب
167

ويضمن المضارب رأس مال رب المال لأنهما تصادقا على أن المضارب اشتراه لنفسه فيكون
عبدا له ولكن نقد ثمنه من مال المضاربة فيصير ضامنا لرب المال ولو لم يصدقه المضارب ولكنه
قال كذبت بل هو ابني فهو ابن المضارب حر من ماله لأنهما تصادقا ان المضارب اشتراه لنفسه
وقد ادعى نسبه فهو حر من ماله ويضمن رأس المال لرب المال ولو كان يساوى ألفا فقال رب
المال هو ابني وكذبه المضارب فهو ابنه حر من ماله لأنه مالك لجميعه في الظاهر وقد أقر بنسبه
ولو صدقه المضارب كان ابن رب المال وهو عبد للمضارب لأنهما تصادقا أن المضارب اشتراه
لنفسه وقد أقر بنسبه لرب المال فثبت نسبه منه ويكون عبدا للمضارب وهو ضامن رأس
المال لرب المال ولو لم يصدقه المضارب ولكنه قال كذبت ولكنه ابني فهو ابن رب المال حر
من قبله لأنه هو المالك له في الظاهر وقد ادعى نسبه فيثبت نسبه منه ويعتق عليه ولا ضمان
على واحد لصاحبه لان المضارب ما كان يملك منه شيئا فلا يضمن رب المال له شيئا من قيمته ولو
لم يقولا ذلك حتى صارت قيمته ألفي درهم فقال رب المال هو ابني وقال المضارب كذبت
ثبت نسبه منه وعتق ثلاثة أرباعه لإقراره بنسبه والمضارب بالخيار في الربع لأنه مالك
حصته من الربح ورب المال صار كالمعتق فيتخير المضارب في نصيبه كما بينا ولو صدقه المضارب
بما قال فهو ابن رب المال وهو عبد للمضارب لتصادقهما على أن المضارب اشتراه لنفسه ويكون
ضامنا لرب المال رأس ماله ولو لم يصدقه رب المال ولكنه قال كذبت بل هو ابني فالغلام
ابن رب المال لأنه سبق بالدعوى فيثبت نسبه منه وعتق ثلاثة أرباعه من قبله ثم المضارب
ادعى نسبه وهو ثابت النسب من رب المال فلا يثبت نسبه منه ولكنه صار كالمعتق لنصيبه
فلا ضمان لواحد منهما على صاحبه وكان ولاؤه بينهما أرباعا
* (باب ضياع مال المضاربة قبل الشراء أو بعده) *
(قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها
شيئا ثم ضاعت الألف قبل أن ينقدها المضارب البائع فان المضارب يرجع بمثلها على رب
المال لان رأس المال كان أمانة في يده بعد الشراء كما قبله فهلك من مال رب المال ولم يبطل
الشراء بهلاك الألف والمضارب عامل لرب المال في هذا الشراء فيرجع عليه بما لحقه من
العهدة فلهذا يرجع بألف أخرى على رب المال فيدفعها إلى البائع فان قبضها من رب المال فلم
168

يدفعها إلى البائع حتى ضاع رجع بمثلها أيضا وكذلك كل ما ضاع مما يقبضه قبل أن ينقده
البائع كان ما يقبضه من رب المال يكون أمانة في يد المضارب (ألا ترى) أن عند حصول
الربح يحصل جميع رأس المال وهو ما قبضه في المرات كلها ورأس المال يكون أمانة في يد
المضارب فلهذا يرجع مرة بعد أخرى حتى يصل الثمن إلى البائع بخلاف الوكيل فإنه إذا
رجع بالثمن على الموكل مرة بعد البيع لم يرجع مرة أخرى لان بالشراء يجب الثمن للبائع على
الوكيل وللوكيل على الموكل فيصير الوكيل بالقبض من الموكل مقتضيا دين نفسه فيكون
المقبوض مضمونا عليه وهنا قبض المضارب لا يكون اقتضاء لدين وجب له كيف يكون
كذلك والمقبوض رأس مال المضاربة وهو في قبض رأس مال المضاربة عامل لرب المال
ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها عبدا يساوى ألفين فقبضه وباعه
بألفين ثم اشترى بالألفين جارية ولم ينقد الألفين حتى ضاعا فان المضارب يرجع على رب
المال بألف وخمسمائة ويغرم من ماله خمسمائة لان المضارب في شراء ربع الجارية عامل
لنفسه باعتبار حصته من الربح فلا يرجع بما يلحقه من العهدة في ذلك الربع على رب المال
وفي شراء ثلاثة أرباعها كان عاملا لرب المال فيرجع عليه بالعهدة في ذلك القدر فإذا دفع
الألفين إلى البائع وقبض الجارية فباعها بخمسة آلاف درهم فله ربع ثمنها وهو حصة ما اشترى
لنفسه شئ ونقد الثمن من ماله وثلاثة أرباع ثمنها من مال المضاربة فيأخذ منها رب المال رأس ماله
ألفين وخمسمائة لأنه غرم ذلك مرتين وقد بينا ان جميع ما يأخذ المضارب من المال يكون
رأس ماله والربح لا يظهر الا بعد وصول رأس المال إلى رب المال فإذا أخذ جميع رأس ماله
كان الباقي ربحا على الشرط ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة بالنصف فضاعت قبل أن يشترى
بها شيئا فقد بطلت المضاربة لفوات محلها بخلاف ما إذا ضاعت بعد الشراء بها لان حكم المضاربة
بالشراء تحول إلى المشترى فهلاك الألف بعد ذلك لا يفوت محل المضاربة وان اشترى بالألف
جارية فضاعت الألف فقال رب المال ضاعت قبل أن يشترى بها وقال المضارب بعد ما اشتريت
بها فالقول قول رب المال لان المضارب يدعى لنفسه حق الرجوع على رب المال بألف في ذمته
ورب المال ينكر ذلك. فان قيل هلاك ذلك المال عارض ورب المال يدعى فيه سبق تاريخ
والمضارب ينكره. قلنا هذا متعارض فالمضارب يدعى سبق التاريخ في شراء الجارية على هلاك
المال ورب المال ينكره فعند التعارض كان الترجيح فيما قلنا لان كون هلاك المال محالا به
169

على أقرب الأوقات نوع من الظاهر وبالظاهر يرفع الاستحقاق ولا يثبت الاستحقاق
وحاجة المضارب إلى استحقاق الرجوع على رب المال فان أقام رب المال البينة انها ضاعت قبل أن
يشترى بها وأقام المضارب البينة انه اشترى بها قبل أن يضيع فالبينة بينه المضارب لأنه
يثبت الاستحقاق لنفسه ببينة ورب المال ينفى ذلك ولو لم يهلك الألف ولم ينقدها في ثمن
الجارية ولكنه اشترى بها جاريه أخرى على المضاربة وقال أبيعها فأنقد الثمن الأول فإنما اشترى
الجارية الأخيرة لنفسه ولا تكون من المضاربة لان ما في يده من المال مستحق في ثمن الجارية
الأولى فقد اشترى الأخرى وليس في يده من مال المضاربة شئ من ثمنها فلو نفذ شراؤه
على المضاربة كان هذا استدانة منه على المضاربة والمضارب بمطلق المضاربة لا يملك الاستدانة
ولو اشترى بالجارية التي قبض جارية أخرى جاز وكانت على المضاربة لما بينا أن حكم المضاربة
تحول بالشراء من الألف إلى الجارية فإنما أضاف العقد الثاني إلى مال المضاربة والمضارب كما
يملك البيع والشراء بالنقد يملك ذلك بالعرض فلهذا كانت الأخرى على المضاربة (ألا ترى) أن
ثمنها لا يصير دينا على المضارب في هذا الفصل وفي الفصل الأول ثمن الجارية الأخرى دين
على المضاربة فلو نفذ شراؤه على المضاربة لصار عليه دين ألفا درهم في ثمن المشترى للمضاربة
ورأس مال المضاربة ألف درهم فكأنه اشترى جارية أو جاريتين بالألفين ابتداء ولو دفع
إليه ألف درهم مضاربة فاشترى جارية بألف درهم ولم يقل بهذه الألف وقال أردت بذلك
المضاربة فالقول قوله لان المأخوذ عليه الشراء للمضاربة لا إضافة العقد إلى ألف المضاربة
فان النقود لا تتعين في العقود بالتعيين وإذا لم يتعين الألف لم يبق في التعيين فائدة فيكتفى ببينته
للمضاربة كما في حق الوكيل وما في ضميره لا يعرف الا من جهته فيقبل قوله فيه ولو اشتراها
بألف درهم نسيئة سنة يريد بها المضاربة جاز على المضاربة أيضا لان في يده من المال مثل ما
اشترى به والشراء بالنسيئة وبالنقد من صنيع التجار فيملك المضارب النوعين جميعا بمطلق العقد
فان قبضها فاشترى بها شيئا فهو على المضاربة لان حكم المضاربة تحول إلى الجارية المشتراة فإنما
أضاف الشراء الثاني إلى مال المضاربة ولو لم يشتر بالجارية ولكنه اشترى بالألف التي في يده
كان مشتريا لنفسه لان حكم المضاربة تحول إلى الجارية المشتراة فلما أضاف الشراء الثاني إلى
ألف المضاربة فقد أضافه إلى غير محل المضاربة فكان مشتريا لنفسه ولان الألف صارت
مستحقة عليه في ثمن الجارية الأولى عند حل الاجل فلو صار مشتريا الأخرى على المضاربة
170

لكان ذلك منه استدانة وإذا اشترى بألف المضاربة حنطة أو غيرها ثم اشترى بما في يديه عبدا
بألف درهم وهو يريد أن يبيع بعض ما في يده وينقد الألف وفى يده وفاء بالألف وفضل
فهو مشتر لنفسه لان الذي في يده غير ما اشترى به يعنى ان حكم المضاربة تحول إلى الحنطة
وهي تتعين في العقد بالتعيين فإذا اشترى بالدراهم فقد اشترى بغير مال المضاربة فكان مشتريا
لنفسه إذ لو جاز شراؤه بالدراهم على المضاربة كان في معنى الاستدانة منه ولو اشترى بالألف
حنطة ثم اشترى جارية بكر حنطة وسط نسيئه شهر وهو يريد أن يكون على المضاربة وفى يده
حنطة مثل ما اشترى به أو أكثر فهذا جائز على المضاربة لأنه اشترى بجنس ما في يده من
مال المضاربة وله في ترك الإضافة إلى العين غرض صحيح وهو ثبوت الاجل في ثمن المشترى
لأن العين لا تقبل الاجل ولا فرق في حق رب المال بين أن يشترى بتلك الحنطة بعينها وبين
أن يشترى بمثلها من حنطة وسط (ألا ترى) انه عند حلول الأجل يملك ايفاء الثمن بغير
ما في يده من مال المضاربة فلهذا نفذ شراؤه على المضاربة وإذا كانت المضاربة ألف درهم
فاشترى عليها جارية بخمسين دينارا وقبضها وصرف الدراهم فنقدها البائع فالقياس فيه أن
يكون مشتريا لنفسه وهو قول زفر رحمه الله ولكن استحسن علماؤنا الثلاثة رحمهم الله وقالوا
هو مشتر للمضاربة وكذلك لو كانت المضاربة دنانير فاشترى عليها بدراهم فصرفها ونقد
الدراهم وجه القياس في الفصلين انه اشتري بجنس آخر غير ما في يده من مال المضاربة لان
الدراهم والدنانير جنسان حقيقة وحكما ولهذا لا يحرم التفاضل بينهما فكان هذا بمنزلة ما لو
اشترى بالحنطة والمال في يده دراهم أو دنانير (ألا ترى) انه لا يملك ايفاء الثمن من مال
المضاربة الا بالمبادلة أو رضا البائع به كما في المكيل والموزون ووجه الاستحسان أن الدراهم
والدنانير جنسان صورة ولكنهما جنس واحد معنى ومقصود الآن المعنى المطلوب بهما الثمنية
والمقصود هو الرواج والنفاق وهما في ذلك كشئ واحد وكذلك في حكم المضاربة هما كشئ
واحد تصح المضاربة بهما بخلاف سائر الأموال فان الشراء بها يكون شراء محضا بثمن في ذمة المشتري
ويسر عليه إذ ما يلزمه من أحد النوعين في ذمته بالآخر الذي في يده لان الانسان
في مصارفة أحدهما بالآخر لا يحتاج إلى مؤنة كثيرة فهي بمنزلة ما لو كانت المضاربة دراهم
بخية لها فضل في الصرف فاشترى المضارب بألف درهم غلة البلد جارية وصرف الدراهم
بالدنانير ثم صرفها بدراهم غلة البلد وأعطاها البائع فذلك جائز استحسانا وزفر رحمه الله يخالف
171

في هذا الفصل أيضا ولكن من عادة محمد رحمه الله الاستشهاد بالمختلف على المختلف لايضاح
الكلام وكذلك لو دفع إلى رجل ألف دينار مضاربة فاشترى بخمسين دينارا منها جارية
وقبضها ثم اشترى بها وبدراهم أو فلوس طعاما يأكله فان ذلك من المضاربة ولا فرق بين
ان يشتري طعاما بالدنانير أو بالدراهم أو بالفلوس بخلاف ما إذا اشترى بشئ آخر وهذا
في الفلوس بناء على الرواية التي قلنا إن المضاربة بالفلوس يصح وهو كالنقود في الصلاحية
لرأس مال المضاربة ولو كان الذي في يده من المضاربة سوى هذه الثلاثة الأصناف ثم اشترى
عليها بدراهم أو دنانير أو فلوس أو صنف آخر غير ما في يده كان مشتريا لنفسه لأنه لا مجانسة
بين ما في يده من مال المضاربة وبين ما اشترى به في الصورة والمعنى المقصود فلهذا كان
مشتريا لنفسه وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها جارية
تساوى ألفين فقبضها ولم ينقد الدراهم حتى باع الجارية بألفي درهم وقبض الألفين ثم هلكت
الدراهم قبل أن ينقد الثمن وهلكت الجارية مع ما في يده معا فعلى رب المال أن يؤدى ألفا
أخرى مكان الألف الأولى التي اشترى بها الجارية فيدفعها المضارب إلى الذي باعه الجارية
ويغرم رب المال أيضا ألفا وخمسمائة فيدفعها إلى المضارب فيؤديها المضارب مع خمسمائة من
ماله إلى مشترى الجارية لان الألف الأولى كانت أمانة في يد المضارب قد هلكت وكان
المضارب في شراء الجارية عاملا لرب المال فيرجع عليه بألف أخرى ليؤدي منها ثمنها به حين
باع الجارية وقبض ثمنها كان هو في ثلاثة أرباعها عاملا لرب المال وكان في الربع عاملا لنفسه
وهو مقدار حصته من الربح وبهلاك الجارية قبل التسليم انفسخ البيع فيجب عليه رد المقبوض
من الثمن وقد هلكت في يده فيرجع على رب المال بمقدار ما كان عملة فيه لرب المال وذلك
ألف وخمسمائة ويغرم من مال نفسه مقدار ما كان عمله فيه لنفسه وذلك خمسمائة فان هلكت
الدراهم الأولى أولا ثم هلكت الدراهم المقبوضة والجارية بعد ذلك فالثلاثة الآلاف كلها على
رب المال لان الدراهم الأولى حين هلكت استوجب المضارب الرجوع بمثلها على رب المال
وكان ذلك دينا لحق المضارب ويصير رأس مال رب المال به ألفي درهم (ألا ترى) انه ان
استوفى من رب المال ألفا أخرى ثم تصرف في ثمن الجارية وربح يحصل رأس ماله ألفا
درهم أولا فيتبين انه لا ربح فيما في يده وانه في بيع جميع الجارية وقبض الثمن عامل لرب
المال فيرجع عليه بالعهدة في جميعه * يوضحه ان ألفا من الألفين المقبوضة وجب دفعها إلى بائع
172

الجارية والألف الأخرى مشغولة برأس المال فظهر أنه لا ربح فيها والمضارب إنما يغرم من
ماله شيئا باعتبار حصته من الربح ولو هلكت الجارية أولا ثم هلك المال الأول والآخر معا
فعلى رب المال ألفان وخمسمائة وعلى الضارب خمسمائة وهذا وهلاك المال كله معا سواء لان
بهلاك الجارية لا يزداد رأس مال المضاربة ولا يلحق المضارب دين فلا يخرج المضارب من أن
يكون عاملا لنفسه في قبض ربع ثمن الجارية وكذلك أن هلكت الجارية أولا ثم هلك المال
الآخر ثم هلك المال الأول فهذا وما لو هلك المالان بعد هلا ك الجارية معا سواء لاستواء
الفصلين في المعنى وإذا كانت المضاربة ألف درهم فاشترى عليها جارية بخمسمائة وكر حنطة
وسط فقبض الجارية وهلكت الدراهم عند الضارب فالمضارب مشتر للجارية لنفسه وعليه
ثمنها لأنه ليس في يده جنس ما اشترى من مال المضاربة صورة ولا معنى فيكون شراؤه
للمضاربة استدانة عليها وهو لا يملك ذلك ولا ضمان عليه في المضاربة لأنه اشترى الجارية
لنفسه بثمن في ذمته وهذا التصرف منه لا يمس مال المضاربة وهو إنما يصير مخالفا ضامنا إذا
تصرف في مال المضاربة على خلاف ما أمر به فإذا لم يمس تصرفه مال المضاربة لا يكون ضامنا
ولو كان اشتراها بخمسين دينارا فقبضها ولم ينقد الثمن حتى ضاعت الدراهم رجع على رب المال
بخمسين دينارا استحسانا لما بينا أن المجالسة بين ما اشترى به وبين ما في يده من مال المضاربة موجود
معنى فصار مشتريا للمضاربة وقد هلكت الدراهم في يده بصفة الأمانة فيرجع على رب
المال بما اشترى به الجارية وذلك خمسون دينارا فيعطيها بائع الجارية فإذا باعها بعد ذلك بثلاثة
آلاف أو أقل أو أكثر استوفى رب المال رأس ماله ألف درهم وخمسين دينارا والباقي ربح
بينهما وكذلك لو كان رأس المال نقدا ثبت المال فاشترى الجارية بألف غلة ولو دفع إلى رجل
ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها جارية تساوى ألفا فقبض الجارية ولم ينقد الدراهم
حتى باعها بألفين فقبضهما ولم يدفع الجارية حتى اشترى بالألفين جارية تساوى ألفين فقبضها
ولم يدفع الدراهم فهلكت الدراهم كلها والجاريتان جميعا فعلى المضارب أن يؤدى إليهم خمسة
آلاف إلى بائع الجارية الأولى ثمنها ألف درهم ويرد على مشترى الجارية الأولى ما قبض
منه من ثمنها وذلك ألف درهم بانفساخ البيع فيها بالهلاك قبل التسليم وإلى بائع الجارية الثانية ألفي
درهم ثمنها لأنه حين قبضها دخلت في ضمانه وتقرر عليه جميع الثمن بقبضها ثم يرجع على رب
المال من هذه الجملة بأربعة آلاف درهم ألف ثمن الجارية الأولى وألف وخمسمائة مما قبض
173

من ثمن الجارية الأولى بعد بيعها لأنه في قبض الألفين كان عاملا لرب المال في ثلاثة أرباعها
وذلك ألف وخمسمائة وفي الربع كان عاملا لنفسه باعتبار حصته من الربح وكذلك في
شراء الجارية الثانية وقبضها كان عاملا لرب المال في ثلاثة أرباعها وذلك ألف وخمسمائة
وفي الربع كان عاملا لنفسه باعتبار حصته من الربح فلهذا يغرم ألفا من ماله ويرجع على
رب المال بأربعة آلاف ولو هلكت الألف الأولى ثم هلك ما بقي معا يرجع بجميع الخمسة
آلاف على رب المال لان هلاك الألف الأولى لحق المضاربة دين بقدر ألف وصار رأس
مال المضاربة ألفي درهم للطريقين اللذين بيناهما فتبين انه في بيع جميع الجارية وقبض ثمنها
كان عاملا لرب المال وكذلك في شراء الجارية الثانية فلهذا يرجع بالكل على رب المال ولو
هلكت الجارية الأخيرة أولا ثم هلك ما بقي معا رجع على رب المال بأربعة آلاف درهم
لان بهلاك الجارية الأخيرة لا يلحق مال المضاربة دين فلا يخرج المضارب من أن يكون
عاملا لنفسه في الربع وكذلك لو هلكت الجارية الأولى أولا أو هلكت الألفان أولا ثم
هلك ما بقي فهذا وما لو هلك الكل معا في المعنى سواء ولو دفع إليه الألف مضاربة بالنصف
فاشترى بها جارية تساوى ألفا وقبضها ولم ينقد الثمن ثم اشترى بالجارية عبدا يساوى ألفين
وقبضه ولم يدفع الجارية ثم اشترى بالعبد جراب هروي يساوى ثلاثة آلاف درهم وقبضه
ولم يدفع العبد فهلكت هذه الأشياء كلها ورأس مال الأول معا فعلى المضارب ستته آلاف
درهم ألف ثمن الجارية الأولى وألفان قيمة العبد لأنه اشتراه بالجارية وقد انفسخ البيع
بهلاك الجارية قبل التسليم وتعذر عليه رد العبد بهلاكه في يده فعليه رد قيمته والثلاثة آلاف
قيمة الجراب لأنه اشترى الجراب بالعبد وقد انفسخ العقد بهلاك العبد قبل التسليم وتعذر
عليه رد الجراب بهلا كه في يده فيغرم قيمته ثلاثة آلاف درهم ويرجع على رب المال من
ذلك بأربعة آلاف وخمسمائة لأنه في شراء العبد كان عاملا لرب المال في ثلاثة أرباعه وذلك
ألف وخمسمائة وفي الربع كان عاملا لنفسه باعتبار حصته من الربح فيرجع عليه بألف وخمسمائة
من قيمة العبد الأول وفي شراء الجراب كان عاملا لنفسه في الثلث لان الثلث مشغول منه
برأس المال والثلثان ربح بينهما نصفين فكان عاملا لنفسه في شراء الجراب في الثلث فحاصل
ما استقر على المضارب ربع قيمة العبد وثلث قيمة الجراب وذلك ألف وخمسمائة فيرجع على
رب المال بما سوى ذلك ولو هلك رأس المال أولا ثم هلك ما سواه معا رجع المضارب على
174

رب المال بخمسة آلاف وخمسمائة لأنه حين هلك رأس المال أولا فقد لحق مال المضاربة
دين ألف درهم وصار رأس المال ألفين فهو في شراء جميع العبد عامل لرب المال وأما في
شراء الجراب فهو عامل لنفسه في السدس باعتبار حصته من الربح وفيما سوى ذلك عامل
لرب المال فيغرم من ماله قيمة سدس الجراب وهو خمسمائة ويرجع بما سوى ذلك على رب
المال ولو هلك الجراب أولا ثم هلك ما بقي معا رجع على رب المال بأربعة آلاف وخمسمائة
لأنه لهلاك الجراب لا يلحق مال المضاربة دين يوجب زيادة في رأس المال وكذلك لو هلك
العبد أولا ثم هلك ما بقي رجع على رب المال بأربعة آلاف وسبعمائة وخمسين لان الجارية
لو هلكت أولا انفسخ البيع في العبد ووجب على المضارب قيمة العبد لأنه أتلف العبد حين
باعه بالجراب وقيمة العبد ألفا درهم فلما وجبت عليه قيمته كان في القيمة فضل ألف درهم على
رأس المال فذلك ربح بينهما فعليه غرم حصته من ذلك وهو خمسمائة وذلك ربعه فقد استوجب
الرجوع على رب المال بألف وخمسمائة من قيمة العبد وبالألف الأولى ثم كان مشتريا ربع
الجراب لنفسه فعليه قيمة ذلك عند انفساخ البيع فيه وذلك سبعمائة وخمسون فحاصل ما
عليه من الغرم في ماله ألف ومائتان وخمسون وعلى رب المال ثلاثة أرباع قيمة الجراب لان
رأس ماله في الجراب ألفان وخمسمائة وقيمته ثلاثة أرباع الجراب دون رأس ماله فظهر أنه
لا ربح فيها فلهذا رجع عليه بثلاثة أرباع قيمة الجراب وذلك ألفان ومائتان وخمسون مع
الألفين والخمسمائة فيكون جملة ذلك أربعة آلاف وسبعمائة وخمسين (ألا ترى) أنه لو لم
يملك غير الجارية وغرما قيمة العبد أرباعا ثم باع الجراب بثلاثة آلاف درهم أخذ المضارب
ربعها لنفسه واحتاج رب المال إلى الألفين وخمسمائة من بقية ثمن الجارية ولا وفاء فيه فيأخذ
ما بقي فقط وبهذا تبين أنه لا ربح له في الجراب ولو اشترى بالألف جارية تساوي ألفا فقبضها
ثم اشترى بالجارية جاريتين تساوي كل واحدة منهما ألفا فقبضهما ثم هلكت الجواري
ورأس المال الأول معا فعلى المضارب ثمن الجارية الأولى ألف درهم وألفان قيمة الجاريتين
لان البيع قد انفسخ فيهما بهلاك الجارية قبل التسليم وقد تعذر عليه ردها فيرد قيمتها ويرجع
بجميع ذلك على رب المال لان كل واحدة من الجاريتين كانت مشغولة برأس المال إذ لا فضل
في قيمة كل واحدة منهما على رأس المال وقد بينا أنه تعتبر كل واحدة منهما على حدة ولهذا
لو أعتق المضارب واحدة منهما لم ينفذ عتقه فكان هو عاملا لرب المال في جميع كل واحدة
175

منهما بخلاف ما لو كان اشترى بالجارية الأولى جارية تساوي ألفين وقبضها فهلكت الجاريتان
ورأس المال معا فان على المضارب ثلاثة آلاف درهم ألف ثمن الجارية الأولى وألفان قيمة
الجارية الثانية ويرجع على رب المال بألفين وخمسمائة لان في قيمة الجارية الثانية فضلا على
رأس المال بقدر الألف فكان المضارب في ربعها عاملا لنفسه فيغرم ربع قيمتها من ماله وكذلك
لو هلكت احدى الجاريتين أولا ثم هلك ما بقي معا لان الجارية الأولى ان هلكت أولا
فبهلاكها ينتقض البيع ولم يلحق رأس المال دين لان الواجب رد الجارية الأولى وان هلكت
الأخرى أولا لم ينتقض البيع بهلاكها لان المضارب قابض لها ولو هلكت الألف الأولى
أولا ثم هلك ما بقي معا رجع بالثلاثة آلاف كلها على رب المال لان بهلاك الألف الأول لحق
رأس المال دين ألف درهم فظهر أنه في شراء الجارية الثانية عامل لرب المال في جميعها إذ لا
فضل في قيمتها على رأس المال ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها
جارية تساوى ألفا وقبضها ثم باعها بألفي درهم وقبض الثمن ولم يدفع الجارية ثم اشترى بالألفين
وبالألف الأولى وهي في يديه جارية تساوى أربعة آلاف وقبضها ثم دفع رأس المال الأول
إلى صاحب الجارية الأولى ودفع الألفين إلى الذي اشترى منه الجارية الأخيرة فان عيه غرام
ألف درهم من ماله للذي اشترى منه الجارية الأخيرة لأنه اشتراها منه بثلاثة آلاف درهم
الفان منها في المضاربة وهما الألفان الاخريان وألف منها على نفسه لان الألف الأولى مستحقة
عليه في ثمن الجارية الأولى فشراؤه بها مرة أخرى بكون استدانة على المضاربة وهو لا يملك
ذلك فصار مشتريا ثلث الجارية الأخيرة لنفسه فعليه ثمنها وثلثاها على المضاربة فإن لم ينقد
الألف الأولى حتى هلك وباع الجارية الأخيرة بستة آلاف درهم كان له من ثمنها ألفا درهم
حصة ثلثها الذي كان اشترى لنفسه ويكون أربعة آلاف درهم على المضاربة يؤدى منها
ألف درهم إلى الذي اشترى الأول منه ثم يأخذ رب المال رأس ماله ألف درهم من الباقي
وما بقي وهو ألفا درهم ربح بينهما على الشرط فإن كان المضارب لم ينقد الألفين اللتين اشترى
بهما الجارية الأخيرة حتى ضاعت والمسألة بحالها فإنه يؤدى ذلك أيضا من ثلثي الجارية
الأخيرة ولا يبقى فيه ربح لان ثلثي ثمنها أربعة آلاف وقد دفع ألفا من ذلك إلى بائع الجارية
الأولى وألفين إلى بائع الجارية الأخيرة وألف يأخذه رب المال بحساب رأس ماله ولو اشترى
وباع بالألف المضاربة حتى صار في يده ألفا درهم فاشترى بها جارية وقبضها ثم باعها بأربعة
176

آلاف درهم نسيئة منه وقيمتها يوم باعها ألف درهم أو أكثر أو أقل فدفعها إلى المشترى
ثم هلكت الألفان الأوليان قبل أن ينقد الثمن بائع الجارية الأولى فإنه يرجع بألف وخمسمائة
على رب المال فيؤديها مع خمسمائة من ماله إلى بائع الجارية لأنه في شراء ربع الجارية كان
عاملا لنفسه باعتبار حصته من الربح في مال المضاربة فإذا خرجت الأربعة آلاف كان
للمضارب ربعها من غير المضاربة لأنه لما استقر عليه ربع ثمنها فقد ظهر أنه كان مشتريا ربعها
لنفسه من غير المضاربة ويأخذ رب المال من الثلاثة الأرباع رأس ماله الفين وخمسمائة لأنه
غرم هذا المقدار في دفعتين والباقي ربح بينهما ولو اشترى بألف المضاربة جارية قيمتها أكثر
من ألف درهم ونقد الدراهم ثم باعها بجارية تساوى ألفا فقبضها ثم هلكت الجاريتان جميعا
فعلى المضارب قيمة الجارية الأخيرة لانفساخ البيع فيها بهلاك ما يقابلها قبل التسليم ويرجع بها
على رب المال لأنه لا فضل في قيمتها على رأس المال فكان هو في شرائها عاملا لرب المال في
الكل ولا ينظر إلى الفضل فيما اشترى به في هذه الجارية لان الواجب عليه قيمة الجارية ولا
فضل فيها ولو عمل بالمضاربة حتى صارت ألفي درهم ثم اشترى بها جارية قيمتها أقل من الفين
وقبضها فهلك ذلك كله عنده معا فعلى المضارب ألفا درهم ثمن الجارية لأنه تقرر عليه بقبضها
وهلاكها في يده ويرجع على رب المال بثلاثة أرباعها لان الربع من ذلك حصته من الربح فيكون
عاملا لنفسه في ذلك ولا ينظر إلى قيمة الجارية هنا لان الثمن هو الواجب دون قيمتها بخلاف
الأول ولو عمل بالمضاربة حتى صارت أربعة آلاف ألفان منها دين وألفان عين في يده فاشترى
بهاتين الألفين جارية فلم يقبضها حتى هلكت الألفان فإنه يرجع بثلاثة أرباعها على رب المال
لان رأس المال في هاتين الألفين ألف درهم فان الدين والعين في معنى جنسين وقد بينا أنه
يعتبر جميع رأس المال في كل جنس كأنه ليس معه غيره (ألا ترى) أن الدين لو توى كان
رأس المال كله في الألفين فعرفنا أن ربحه في الألفين بقدر الربع فكان هو عاملا لنفسه في
الشراء بربعها ولرب المال في الشراء بثلاثة أرباعها ويرجع على رب المال بألف وخمسمائة وإذا
أخذا الجارية كان له ربعها من غير المضاربة لأنه أدى ربع ثمنها من مال نفسه فان هلكت الجارية
في يده ثم خرج الدين بعد ذلك كان كله لرب المال لأنه دون رأس المال فرأس ماله ألفان
وخمسمائة ولا يرجع المضارب في هاتين الألفين بشئ لأنه صار له ربع الجارية باعتبار ما فقد
وقد هلكت الجارية في يده فقدر الربع منها هلك في ضمانه (ألا ترى) انها لو لم تهلك وباعها
177

بعشرة آلاف كان له ربع ثمنها من غير المضاربة فلهذا لا يرجع بشئ مما نقد من مال نفسه
في الدين الذي خرج
* (باب المضارب يأمره رب المال بالاستدانة على المضاربة) *
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف وأمره أن يستدين
على المال فهو جائز لان الاستدانة شراء بالنسيئة قال الله تعالى إذا تداينتم بدين إلى أجل
مسمى فاكتبوه فقد وكله بالشراء بالنسيئة على أن يكون المشترى بينهما نصفين ولو وكله
بالشراء بالنسيئة على أن يكون المشترى كله للموكل جاز فكذلك النصف فان اشترى بالمضاربة
غلاما ثم اشترى على المضاربة جارية بألف درهم دينا وقبضها ثم باعها بألفي درهم فقبض
المال ثم هلك ما قبض ولم يدفع ما باع وما كان عنده فان المضارب يلحقه نصف ثمن الجارية
ويكون على رب المال نصف ثمنها لأنه فيما استدان كان مشتريا نصفه لنفسه ونصفه لرب المال
على المضاربة فان الشرط بينهما في المضاربة المناصفة ولا تكون المناصفة في الربح في المشترى
بالنسيئة الا بعد أن يكون المشترى بينهما نصفين وقد قررنا هذا في كتاب الشركة في
شركة الوجوه فإذا ثبت انه اشترى نصفها لنفسه كان عليه نصف ثمنها ونصف ثمنها كان على
رب المال لأنه اشترى نصفها له بأمره ولو لم تهلك الجارية كانت بينهما نصفين يؤديان من ثمنها
ما عليه من الثمن والباقي عليهما نصفان فإن لم يبع المضارب الجارية ولكنه أعتقها ولا فضل فيها
على رأس المال فعتقه جائز في نصفها لأنه ملك نصفها بالشراء لنفسه فهي بمنزلة جارية بين رجلين
أعتقها أحدهما وهذا بخلاف العبد المشترك بالمضاربة فإنه مملوك لرب المال إذا لم يكن فيه فضل
على رأس المال فلا ينفذ عتق المضارب فيه ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة وأمره أن يستدين
على المال على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما للمضارب ثلثاه ولرب المال ثلثه
فاشترى المضارب بالألف جارية تساوى ألفين ثم اشترى على المضاربة غلاما بألف درهم يساوى
ألفين فباعهما جميعا بأربعة آلاف فان ثمن الجارية يستوفى منه رب المال رأس ماله وما بقي فهو
ربح بينهما على ما اشترطا ثلثاه للمضارب وثلثه لرب المال وأما ثمن الغلام فيؤدى منه ثمنه والباقي
بينهما نصفان لان الامر بالاستدانة كان مطلقا فالمشترى بالدين يكون مشتركا بينهما نصفين
ومع المناصفة بينهما في المشترى لا يصح شرط التفاوت في الربح (ألا ترى) ان رجلين لو اشتركا
178

بغير مال على أن يشتريا بالدين ويبيعا فما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما أثلاثا
فاشتريا وباعا وربحا كان الربح بينهما نصفين فاشتراطهما الثلثين والثلث في الربح يكون لغوا
لأنه لو صح ذلك استحق أحدهما جزأ من ربح ما ضمنه صاحبه وذلك لا يجوز فكذلك
المضارب إذا أمره رب المال أن يستدين على المضاربة وشرط الثلث والثلثين في الربح لا في
أصل الاستدانة فإن كان أمره أن يستدين على المال على أن ما اشترى بالدين من شئ فلرب
المال ثلثه وللمضارب ثلثاه على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان فاشترى
المضارب بالمضاربة جارية تساوى ألفين واشترى على المضاربة جارية بألف دينا تساوى ألفين
فباعهما بأربعة آلاف درهم فحصة جارية المضاربة يأخذ منه رب المال رأس ماله ألف درهم
والباقي بينهما نصفان على ما اشترطا وثمن الجارية المشتراة بالدين بينهما أثلاثا على قدر ملكيهما
لأنه إنما وكله بالاستدانة على أن يكون ثلث ما يستدين لرب المال وثلثاه للمضارب فيكون الثمن
بينهما على قدر ذلك واشتراط المناصفة في الربح في هذا يكون باطلا لان أحدهما يشترط
لنفسه ربح ما قد ضمنه صاحبه وذلك باطل ولو دفع إليه الا لف مضاربة على أن ما رزق الله
تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما كذلك أيضا فاشترى بالمضاربة جارية تساوى ألفين ثم
اشترى على المضاربة جارية بألف دينار تساوى ألفين فباعهما بأربعة آلاف فاما حصة المضاربة
فتكون بينما على شرطهما بعد ما يستوفى رب المال رأس ماله وحصة الجارية المشتراة بالدين
بينهما لان ضمانها عليهما نصفين لاطلاق الامر بالاستدانة فاشتراط كون الربح بينهما أثلاثا
بعد المساواة في الضمان يكون باطلا وكذلك لو كان أمره أن يستدين على رب المال لان
قوله استدن على المضاربة وقوله استدن على سواء في المعنى وما استدان سواء كان بقدر
مال المضاربة أو أقل أو أكثر فهو بينهما نصفان فربحه ووضيعته بينهما نصفان حتى لو هلك
المشتراة بالدين كان ضمان ثمنها عليهما نصفين ولو كان أمره أن يستدين على نفسه كان ما اشتراه
المضارب بالدين له خاصة دون رب المال لأنه في الاستدانة على نفسه يستغني عن أمر رب المال
فكان وجود أمره فيه وعدمه سواء بخلاف ما إذا أمره أن يستدين على المال أو على رب المال
لأنه في الاستدانة على رب المال أو على المال لا يستغنى عن أمر رب المال فلا بد من اعتبار
أمره في ذلك وأمره بالاستدانة على المال كامره بالاستدانة على رب المال لان ملك المال
لرب المال والمال محل لقضاء الواجب لا للوجوب فيه فالواجب يكون على رب المال ثم أمره
179

بالاستدانة عليه مطلقا يقتضى الشركة بينهما فيما يستدين ولا تكون هذه الشركة بطريق
المضاربة لان المضاربة لا تصح الا برأس مال عين فكانت هذه الشركة في معنى شركة
الوجوه فيكون المشترى مشتركا بينهما نصفين فلا يصح منهما شرط التفاوت في الربح مع
مساواتهما في الملك في المشترى ولو كان أمره أن يستدين على المال أو على رب المال فاشترى
بالمضاربة جارية ثم استقرض المضارب ألف درهم على الضاربة واشترى بها جارية فهو مشتر
لنفسه خاصة والقرض عليه خاصة منهم من يقول إن الاستدانة هو الشراء بالنسيئة والاستقراض
غيره فلا يدخل في مطلق الامر بالاستدانة والا صح أن يقول الامر بالاستقراض باطل
(ألا ترى) انه لو أمر رجلا أن يستقرض له ألفا من فلان فاستقرضها كما أمره كان الألف
للمستقرض دون الآمر وهذا لان القرض مضمون بالمثل في ذمة المستقرض وإذا كان البدل
في ذمته كان المستقرض مملوكا له وهو غير محتاج في ذلك إلى أمر الآمر وما كان الامر
بالاستقراض الا نظير الامر بالتكدي وهو باطل وما يحصل للمتكدي يكون له دون الآمر
إذا ثبت هذا فقول ما استقرضه المضارب يكون مملوكا له فإذا اشترى به جارية فقد أضاف
العقد إلى ملك نفسه فكان مشتريا الجارية لنفسه ولو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالثلث
وأمره أن يعمل في ذلك برأيه وأمره أن يستدين على المال فاشترى بألف ثيابا فأسلمها إلى صباغ
يصبغها صفرا بمائة درهم ووصف له شيئا معروفا فصبغها ثم إن المضارب باع الثياب مرابحة
بألفي درهم فان رب المال يأخذ رأس ماله ألف درهم ويؤدى المضارب أجر الصباغ مائة
درهم وما بقي من الربح قسم على أحد عشر سهما عشرة أسهم من ذلك حصة المضاربة بينهما
أثلاثا على الشرط وسهم حصة المائة التي بينهما نصفان لأنه لما أمره أن يعمل برأيه فقد ملك
به خلط مال المضاربة بمال آخر والصبغ عين مال قائم في الثوب وهو في الصبغ مستدين
بأمره فلا يصير مخالفا بخلط ما استدان بمال المضاربة ثم الثمن في بيع المرابحة يكون مقسوما
على الثمن الأول وقد كان ثمن ثياب المضاربة ألف درهم وثمن الصبغ مائة درهم فيحصل
من ثمن الباقي رأس مال المضاربة لرب المال ويعطى المائة ثمن الصبغ والباقي ربح فيكون
مقسوما على أحد عشر سهما عشرة من ذلك حصة ربح مال المضاربة فيكون بينهما أثلاثا على
الشرط وسهم من ذلك ربح ما استدان فيكون بينهما نصفين لاستواء ملكيهما فيما استدان
ولو كان باع الثياب مساومة قسم الثمن على قيمة الثياب وعلى ما زاد الصبغ فيها لان في بيع
180

المساومة الثمن بمقابلة الملك والملك الذي تناوله البيع أصل الثياب والصبغ القائم فيها فيقسم الثمن
جملة على قيمة الثياب غير مصبوغة وعلى ما زاد الصبغ فيها فما يخص قيمة الثياب فهو مال
المضاربة يعطى منه رب المال رأس ماله ويقسم الباقي بينهما أثلاثا على الشرط وما أصاب قيمة
الصبغ يعطى منه أجر الصباغ مائة درهم والباقي بينهما نصفان لأنه ربح حصة الاستدانة ولو
اشترى المضارب بألف المضاربة ثيابا واستقرض على المال مائة درهم فاشترى بها زعفرانا فصبغ
به الثياب ثم باعها مرابحة على مال المضاربة وعلى ما استقرض بألفي درهم فإنها تقسم على أحد
عشر سهما عشرة أسهم منها مال المضاربة على شرطهما وسهم للمضارب خاصة لان ما
استقرض كان على نفسه خاصة وما اشترى به من الزعفران مملوك له الا انه لا يصير مخالفا
إذا صبغ الثياب بها لأنه أمره أن يعمل في المال برأيه والثمن في بيع المرابحة مقسوم على الثمن
الأول فيكون على أحد عشر سهما عشرة أسهم حصة مال المضاربة وسهم حصة الصبغ وهو
للمضارب خاصة فيكون بدله له ولو باعها مساومة قسم الثمن على قيمة الثياب وعلى ما زاد الصبغ
في الثياب فما أصاب قيمة الثياب كان على المضاربة وما أصاب قيمة الصبغ كان للمضارب وكان
عليه أداء القرض لان في بيع المساومة الثمن بمقابلة الملك فإنما يقسم على قدر الملك ولو كان
اشترى الزعفران بمائة درهم نسيئة فصبغ الثياب به كان هذا والذي كان استأجر الصباغ
بمائة ليصبغها سواء في جميع ما ذكرنا لان شراء الزعفران بالنسيئة استدانة فينفذ على رب
المال وعلى المستدين ويكون الصبغ مشتركا بينهما نصفين فهو ومسألة استئجار الصباغ لنصفها
سواء ولو خرج المضارب بالمال إلى مصر فاشترى بها كلها ثيابا ثم استكرى عليه بغالا بمائة
درهم فحمله إلى مصره فله أن يبيعها مرابحة على ألف ومائة لان الكراء مما جرى الرسم به
بين التجار بالحاقه برأس المال وقد بينا في البيوع ان ما جرى العرف به بين التجار في الحاقه
برأس المال فله أن يلحقه به في بيع المرابحة وعلى هذا أجر السمسار فان باعه مرابحة بألفي درهم
كانت حصة المضارب من ذلك من كل أحد عشر سهما عشرة أسهم بينهما على شرطهما وحصة
الكراء سهم واحد بينهما نصفان لان الثمن في بيع المرابحة مقسوم على رأس المال الأول
وذلك ألف درهم التي غرمها في شراء الثياب والمائة التي غرمها في الكراء فإذا جعلت كل
مائة سهما كان على أحد عشر سهما سهم من ذلك حصة الكراء وهو استدانة فيكون بينهما
نصفين ولو باعها مساومة كان جميع الثمن في المضاربة على الشرط بينهما لان الثمن في بيع
181

المساومة بمقابلة الملك والملك الذي تناوله البيع الثياب دون منفعة الحمل من مصر إلى مصر وقد
كان جميع الثياب على المضاربة فيكون الثمن كله في المضاربة على الشرط بينهما بخلاف ما تقدم
من مسألة الصبغ لان الصبغ عين مال قائم في الثوب يتناوله البيع ثم غرم الكراء على المضارب
ورب المال نصفان لان المضارب كان مستدينا فيها بأمر رب المال ففعله كفعلهما جميعا فلهذا
كان غرم الكل عليهما نصفين ولو لم يكن استكرى به ولكنه استقرض مائة درهم فاستكرى
بها بأعيانها دواب يحمل على كل دابة كذا وكذا ثوبا فله أن يبيعها مرابحة على ألف ومائة وهذا
قول أبي حنيفة رحمه الله وإن لم ينص عليه في الكتاب وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله
ببيع الثياب مرابحة على ألف درهم ولا يدخل في ذلك حصة الكراء وأصل المسألة فيما إذا
اكترى دواب للثياب بمائة من مال نفسه لان ما استقرض له خاصة ثم وجه قولهما انه متطوع
فيما أدى من مال نفسه في الكراء ولو تطوع انسان آخر بحمل الثياب على دوابه لم يكن
للمضارب أن يلحق ذلك برأس المال فكذلك إذا تطوع المضارب به وأبو حنيفة رحمه الله
يقول المضارب في حمل الثياب كالمالك لأنه محتاج إلى ذلك لتحصيل حصة الربح والمالك لو
استكرى دواب للثياب المشتراة بماله كان له أن يلحق ذلك برأس المال في بيع المرابحة فكذلك
للمضارب أن يلحق الكراء برأس المال فيبيعها مرابحة على ألف ومائة فان باعها بألفين كانت
عشرة أسهم من أحد عشر سهما من ذلك حصة المضاربة على شرطهما وسهم واحد للمضارب
خاصة وان باعها مساومة كان الثمن كله مضاربة لان الثمن بمقابلة الثياب هنا والثياب كلها مال
المضاربة وضمان الكراء في مال المضاربة خاصة لأنه هو المستقرض فعليه ضمان ما استقرضه
فان قال المضارب لرب المال إنما استكريت الدواب لك تحمل ثيابك وقال رب المال إنما استكريت
بمالك لنفسك ثم حملت ثيابي عليها فالقول قول رب المال لأنه استكرى بالمائة التي استقرض
بعينها وملك المائة للمضارب فاضافته العقد إلى مال نفسه دليل على أنه استكراها لنفسه ولو لم
يأمره أن يعمل في المضاربة برأيه فاشترى بها كلها ثيابا تساوى ألف درهم ثم اشترى من عنده
عصفرا بمائة درهم فصبغها فهو ضامن للثياب لان ما اشترى من الصبغ له وقد خلط مال
المضاربة به حين صبغ الثياب والمضارب بمطلق العقد لا يملك الخلط فيصير به غاصبا ضامنا
وصاحب المال بالخيار ان شاء أخذ ثيابه وأعطاه ما زاد العصفر في ثيابه وان شاء ضمنه ثيابه غير
مصبوغة ألف درهم فأخذها منه فكانت الثياب للمضارب بمنزلة ما لو غصب ثوبا فصبغه فان
182

لم يختر شيئا من ذلك حتى باع المضارب المتاع بألفي درهم جاز بيعه لان عقد المضاربة باق بينهما
ببقاء المال وان صار مخالفا ونفوذ بيع المضارب باعتبار الوكالة ووجوب الضمان عليه لا ينفى جواز
بيعه بحكم الوكالة فيقسم الثمن على قيمة الثياب وما زاد الصبغ فيها فما أصاب زيادة الصبغ فهو
للمضارب لأنه بدل ملكه وما أصاب الثياب فهو بينهما على شرطهما لأنه بدل مال المضاربة
فان هلك الثمن من المضارب بعد ما قبضه فلا ضمان عليه فيه لأنه ببيع الثياب خرج من
أن يكون مخالفا والاختلاط الذي في الثمن حكمي وبه لا يكون المضارب مخالفا ضامنا فإن كان
ت الثياب حين اشتراها المضارب تساوي ألفي درهم فصبغها بعصفر من عنده فإن شاء رب
المال ضمنه ثلاثة أرباع قيمة الثياب وسلم الثياب للمضارب وان شاء أخذ ثلاثة أرباع الثياب
وأعطى المضارب ما زاد الصبغ في ثلاثة أرباعها لأنه في مقدار الربع عامل لنفسه بالصبغ فان
مقدار حصته من الربح مملوك له في الثياب وفي ثلاثة أرباعها هو مخالف لعمله في مال رب
المال بالخلط من غير أمره فتكون ثلاثة أرباع الثياب في هذا الفصل نظير جميع الثياب في
الفصل الأول في حكم الضمان والخيار فإن لم يختر شيئا حتى باعها المضارب جاز بيعه لبقاء
عقد المضاربة بينهما بعد الصبغ وكان للمضارب حصة الصبغ من الثمن والباقي مضاربة
بينهما على شرطهما ولو أن المضارب لم يصبغ الثياب ولكن قصرها بمائة درهم من عنده
وذلك يزيد فيها أو ينقص منها فلا ضمان عليه في ذلك أن زادت أو نقصت لأنه لم يخلط
بها شيئا من ماله وهو إنما يصير ضامنا بالخلط لا بعمل القصارة (ألا ترى) انه لو كان في يده
فضل من مال المضاربة كان له أن يقصر الثياب به ولا يكون مضمونا عليه ان زادت
أو نقصت فكذلك إذا قصرها بمال نفسه بخلاف الصبغ فإنه عين مال قائم في الثوب فيصير
بخلط مال المضاربة بماله ضامنا هناك فان باعها بربح أو وضيعة فهو على المضاربة لأنه متبرع
فيما غرم من مال نفسه في قصارتها قيل هذا على قولهما فأما عند أبي حنيفة فينبغي أن يكون
الجواب في هذا كالجواب في مسألة الكراء لان مؤنة القصارة جرى الرسم بالحاقها برأس
المال بمنزلة الكراء وكذلك لو اشترى بها ثيابا تساوى ألفا فصبغها أسود فهذا والقصارة سواء
لان السواد نقصان وليس بزيادة ولا ضمان على المضارب في ذلك لأنه لم يخلط مالا من عنده
بالمضاربة (ألا ترى) انه لا قيمة للسواد في الثياب ولا يضمن النقصان الذي دخل في
الثياب لأنه بمطلق عقد المضاربة يملك أن يصبغ الثياب بالسواد (ألا ترى) انه لو كان
183

فضل في يده من مال المضاربة فصبغ الثياب بها سوادا لم يضمن وقيل هذا قول أبي حنيفة
رحمه الله فأما على قولهما فالسواد كالصفرة والحمرة وقد بينا ذلك في كتاب الغصب والأصح
ان هذا في ثياب ينقص السواد من قيمتها فأما في ثياب يزيد السواد في قيمتها فهو بمنزلة ما لو
صبغها أصفر أو أحمر ولو كان أمره أن يعمل في المضاربة برأيه فاشترى بها ثيابا ثم صبغها
بعصر من عنده فهو شريك في الثياب بما زاد العصفر فيها لأنه يملك الخلط عند تفويض
الامر في المضاربة إلى رأيه على العموم فلا ضمان عليه في ذلك وأصل الثياب على المضاربة والصبغ
فيه ملك للمضارب خاصة وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالثلث وأمره أن يستدين
على المال فاشترى بها وبثلاثة آلاف درهم جارية تساوي خمسة آلاف درهم فقبضها وباعها بخمسة
آلاف درهم وقبض الدراهم فهلكت المضاربة الأولى والجارية وثمنها في يد المضارب فعلى المضارب
تسعة آلاف أربعة آلاف لبائع الجارية لأنه قبضها وهلكت في يده وخمسة آلاف لمشتري الجارية
لان بهلاكها قبل التسليم انفسخ البيع فيها فعليه رد المقبوض من الثمن ثم يرجع على رب المال
بخمسة آلاف وخمسمائة واحد وأربعين درهما وثلثي درهم وعلى المضارب في ماله بثلاثة آلاف
وأربعمائة وثمانية وخمسين وثلث لأنه حين اشتراها اشتراها بأربعة آلاف فألف منها مال المضاربة
وثلاثة آلاف كانت دينا عليهما نصفين نصف ذلك على المضارب وهو ألف وخمسمائة ثم باع
الجارية بخمسة آلاف درهم فيكون هو في قبض الثمن عاملا لنفسه في مقدار ألف وخمسمائة
وحصتها من الربح وذلك في الحاصل ثلاثة أثمان خمسة آلاف مقداره ألف وثمانمائة وخمسة
وسبعون وخمسة أثمان هذه الخسمة الآلاف كانت على المضاربة مقدار ذلك ثلاثة آلاف ومائة
وخمسة وعشرون حصة ألف المضاربة من ذلك ألف ومائتان وخمسون فتبين أن الربح في مال
المضاربة مائتان وخمسون وللمضارب ثلث ذلك وثلثه ثلاثة وثمانون ثلث فإذا ضممت ذلك
إلى ألف وثمانمائة وخمسة وسبعين يكون جملة ذلك ألفا وتسعمائة وثمانية وخمسين وثلثا فإذا ضممت
إليه أيضا ألفا وخمسمائة يكون ذلك ثلاثة آلاف وأربعمائة وثمانية وخمسين وثلثا هذا حاصل ما
على المضارب وما زادا على ذلك إلى تمام تسعة آلاف كله على رب المال وذلك خمسة آلاف
وخمسمائة واحد وأربعون وثلثا درهم وإذا جمعت حاصل ما وجب عليه متفرقا بلغ هذا المقدار
فان هلكت الألف المضاربة أولا ثم هلكت الجارية والخمسة آلاف بعد ذلك معا والمسألة على
حالها فإنه يؤدى تسعة آلاف درهم كما بينا ويرجع على رب المال بخمسة آلاف وستمائة وخمسة
184

وعشرين درهما لان الألف الأولى حين هلكت فقد لحق رب المال في المضاربة ألف درهم
دين وصارت المضاربة لا ربح فيها فلم يبق على المضارب الا حصته من الدين وربحها فأما حصة
المضارب من الرابح وذلك ثلاثة وثمانون وثلث كما بيناه في المسألة الأولى فيتحول غرم ذلك
إلى رب المال مع ما عليه من خمسة آلاف وخمسمائة واحد وأربعين وثلثين فيكون جميع ما عليه
خمسة آلاف وستمائة وخمسة وعشرين درهما والله أعلم
* (باب الشهادة في المضاربة) *
(قال رحمه الله) وإذا أقر رب المال للمضارب بسدس الربح وقال المضارب لي نصف
الربح وأقام شاهدين فشهد أحدهما أنه شرط له ثلث الربح وشهد الآخر أنه شرط له نصف
الربح فالشهادة باطلة في قياس قول أبي حنيفة لأنه يشترط الموافقة بين الشهادتين لفظا ولم
يوجد والثلث غير النصف وإذا بطلت الشهادة كان للمضارب ما أقربه رب المال وهو السدس
وفى قول أبى يوسف ومحمد الشهادة جائزة على ثلث الربح للمضارب لأنهما يعتبران الموافقة
بين الشهادتين معنى وقد اتفقا على مقدار الثلث فالشاهد بالنصف شاهد بالثلث وزيادة فيقضى
القاضي له بثلث الربح ويبطل ما زاد على ذلك إلى تمام النصف لان الشاهد به واحد ولو كان
ادعى المضارب نصف الربح فشهد له شاهد على نصف الربح وشهد له شاهد آخر ان رب المال
شرط له ثلثي الربح فالشهادة باطلة عند أبي حنيفة وعندهما لان المضارب يكذب أحد شاهديه
وهو الذي شهد له بأكثر مما ادعاه بخلاف الأول فهناك المضارب يدعي الأكثر فلا يكون
مكذبا أحد شاهديه ولو قال رب المال دفعته إليك بضاعة وادعي المضارب انه شرط له مائتي
درهم من الربح فالقول قول رب المال مع يمينه لان المضارب يدعي عليه أجر المثل في ذمته ورب
المال ينكر ذلك فالقول قوله مع يمينه وان أقام المضارب شاهدين فشهد أحدهما انه شرط له
مائتي درهم وشهدا الآخر أنه شرط له مائة درهم ففي قول أبي حنيفة الربح كله لرب المال
ولا شئ للمضارب على رب المال من أجر ولا غيره لان الشاهدين اختلفا في المشهود به
لفظا فتبطل الشهادة أصلا وعندهما له أجر مثله فيما عمل لأنهما اتفقا على شرط المائة معنى
فيوجب قبول شهادتهما على ذلك فكان للمضارب أجر مثله لفساد عقد المضاربة ولو ادعي
المضارب أنه شرط مائتين وخمسين وشهد له شاهد بها وشاهد بمائة فله أجر مثله عندهم
185

جميعا لاتفاق الشاهدين على المائة لفظا ومعنى وإن كان المضارب يدعي المائة لم تقبل الشهادة
لأنه مكذب أحد شاهديه فيما يشهد به من الزيادة على المائة ولو دفع إلى رجلين ألف درهم
مضاربة فعملا بها وربحا ربحا فادعى أحدهما انه شرط لهما نصف الربح وادعى الآخر أنه
شرط لهما الثلث وادعي رب المال أنه شرط لهما مائة درهم من الربح فالقول قول رب المال
لان المضارب يستحق الربح على رب المال بالشرط فهما يدعيان عليه استحقاق جزء من
الربح ورب المال ينكر ذلك فالقول قوله مع يمينه فان أقاما شاهدين فشهد أحدهما بنصف
الربح والآخر بثلث الربح ففي قياس قول أبي حنيفة لا تقبل هذه الشهادة لاختلاف الشاهدين
في المشهود به لفظا ويكون للمضاربين أجر مثلهما فيما عملا لان رب المال أقر لهما بذلك
فيأخذان ذلك منه من الوجه الذي يدعيانه وعندهما الشهادة جائزة للمضارب الذي الدعي
نصف الربح ويكون له من الربح سدسه لأنه مدع للأكثر فلا يكون مكذبا أحد شاهديه
ولكن الشهادة تقبل له في مقدار ما اتفق الشاهدان عليه معنى وهو سدس الربح وللاخر
أجر مثله لأنه صار مكذبا أحد شاهديه وهو الذي شهد له بأكثر مما ادعاه فإذا بطلت
شهادتهما له كان له أجر مثله كما أقر به رب المال ومن كتاب المضاربة الصغيرة قال وإذا اشترى
المضارب بالمال وهو ألف درهم خادما ثم هلكت الألف فيرجع بمثلها على رب المال ونقدها
ثم باع الخادم بثلاثة آلاف درهم فاشترى بها متاعا فهلكت قبل أن ينقدها فإنه يرجع على
رب المال بألفين وخمسمائة ويؤدى من عنده خمسمائة لأنه حين رجع بمثل الألف التي هلكت
على رب المال فقد لحق رب المال في المضاربة دين ألف درهم وصار رأس ماله ألفين فلما باع
الغلام بثلاثة آلاف فألفان من ذلك مشغولان برأس المال وألف ربح بينهما نصفان فحين اشترى
بها متاعا كان هو في الشراء بحصته من الربح عاملا لنفسه وذلك خمسمائة فيغرم ذلك من ماله
وفى مقدار رأس المال وحصة رب المال من الربح عامل له فيرجع عليه بذلك وهو ألفان
وخمسمائة فان باع المتاع بعد ذلك بعشرة آلاف كان للمضارب سدس الثمن لان سدس المتاع
كان مملوكا فقد نقد ثمنه من مال نفسه فيكون سدس الثمن له من غير المضاربة وخمسة أسداس
الثمن على المضاربة يستوفى منها رب المال ما غرم في المرات وذلك أربعة آلاف وخمسمائة والباقي
ربح بينهما وقال أبو يوسف إذا عمل الوصي بمال اليتيم فوضع أو ربح فقال عملت به مضاربة
فهو مصدق في حال الوضيعة لأنه ليس مسلطا على التصرف فيما في يده من مال اليتيم وهو
186

بمقابلته ينكر وجوب الضمان عليه فالقول قوله في ذلك ولا يصدق في حال الربح حتى يشهد
قبل العمل انه يعمل به مضاربة لان الربح نماء المال فيكون مملوكا لليتيم بملك المال والوصي
يدعى استحقاق بعض الربح لنفسه والقول قول الأمين في براءته عن الضمان لا في استحقاق
الأمانة لنفسه إلا أن يشهد قبل العمل فيحنئذ يكون هذا اقرارا بما منه يملك استئنافه على ما بينا
ان للوصي أن يأخذ مال اليتيم مضاربة فيعمل به ولو قال اسقرضته لم يصدق وإن كان فيه
ربح حتى يشهد قبل العمل لان ما حصل من الربح مستحق لليتيم بملكه أصل المال في الظاهر
فالوصي يدعى استحقاق ذلك عليه لنفسه فلا يقبل قوله في ذلك وان أشهد قبل العمل فقد علمنا
أنه في التصرف عامل لنفسه ضامن لمال الصبي لأنه ليس له أن يستقرض مال اليتيم لنفسه
ولكن الفاسد من القرض معتبر بالصحيح فيكون الربح الحاصل بعمل له وان كانت فيه وضيعة
فهو ضامن لها وإن لم يشهد قبل العمل لأنه في قوله استقرضه أقر لليتيم على نفسه بالضمان وفي
مقدار الوضيعة واقراره على نفسه حجة وكذلك لو دفعه إلى رجل فعمل به ثم قال دفعته قرضا
ليعمل به وصدقه ذلك الرجل فهو يقر له باستحقاق الربح واقراره في مال اليتيم ليس بحجة
وان قال مضاربة لليتيم أو بضاعة له وصدقه الرجل وفيه وضيعة فلا ضمان عليهما لان في تصادقهما
انتفاء الضمان عن العامل لا اثبات الاستحقاق له في شئ من مال اليتيم وللوصي هذه الولاية
فإنه يودع مال اليتيم ويبضعه وإن كان فيه ربح فهو لليتيم كله إلا أن يشهد على ما صنع من ذلك
قبل أن يعمل به لان الصبي صار مستحقا لجميع الربح بملكه أصل المال فاقرار الوصي بجزء منه
للعامل يكون اقرارا في مال اليتيم لغيره وذلك غير مقبول عن الوصي وكل هذا يسعه فيما
بينه وبين الذي يعمل على ما قال إن كان صادقا لان الله تعالى مطلع على ضميرهما عالم بما
كان منهما إلا أن القاضي لا يقبل قوله الا ببينة لان القاضي مأمور باتباع الظاهر وأصله
في الوصي إذا عرف وجوب الدين على الميت فإنه يسعه فيما بينه وبين ربه أن يقضي دينه
من التركة ولكن ان علم به القاضي ضمنه إذا لم يكن لصاحب الدين بينة على حقه فهذا
قياسه والله أعلم بالصواب
(تم الجزء الثاني والعشرون من كتاب المبسوط للامام السرخسي الحنفي رحمه الله)
(ويليه الجزء الثالث والعشرون * وأوله كتاب المزارعة)
187

* (فهرست الجزء الثاني والعشرون من كتاب المبسوط) *
* (للامام السرخسي الحنفي رحمه الله) *
2 باب الغصب في الرهن
9 باب جناية الرهن في الحفر
17 كتاب المضاربة
29 باب اشتراط بعض الربح لغيرهما 33 باب المضاربة بالعروض
38 باب ما يجوز للمضارب في المضاربة 48 باب شراء المضارب وبيعه
62 باب نفقة المضارب 73 باب المرابحة في المضاربة
81 باب المضارب ببيع المال ثم يشتر به لنفسه بأقل من ذلك
83 باب عمل رب المال مع المضارب 79 باب الاختلاف بين المضارب ورب المال
98 باب المضارب يدفع المال مضاربة 105 باب قسمة رب المال والمضارب
109 باب عتق المضارب ودعواه الحط 118 باب جناية العبد في المضاربة والجناية عليه
122 باب ما يجوز للمضارب أن بفعله ومالا يجوز 125 باب مضاربة أهل الكفر
131 باب الشركة في المضاربة 140 باب اقرار المضارب بالمضاربة في المرض
145 باب الشفعة في المضاربة 149 باب الشروط في المضاربة
153 باب المرابحة بين المضارب ورب المال
157 باب ضمان المضارب
158 باب المرابحة في المضاربة بين المضاربين
163 باب دعوى المضارب ورب المال
168 باب ضياع مال المضاربة قبل الشراء أو بعده
178 باب المضارب يأمره رب المال بالاستدانة على المضاربة
185 باب الشهادة في المضاربة * (تمت) *
188