الكتاب: مواهب الجليل
المؤلف: الحطاب الرعيني
الجزء: ٥
الوفاة: ٩٥٤
المجموعة: فقه المذهب المالكي
تحقيق: ضبطه وخرج آياته وأحاديثه : الشيخ زكريا عميرات
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٦ - ١٩٩٥ م
المطبعة:
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

مواهب الجليل
لشرح مختصر خليل
تأليف
أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن المغربي
المعروف بالحطاب الرعيني
المتوفى سنة 954 ه‍
ضبطه وخرج آياته وأحاديثه
الشيخ زكريا عميرات
الجزء الخامس
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
1

جميع الحقوق محفوظة
لدار الكتب العلمية
بيروت - لبنان الطبعة الأولى
1416 ه‍ 1995 م
2

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب النكاح
هذه طريقة المتأخرين من المالكية أنهم يجعلون النكاح وتوابعه في الربع الثاني، والبيع
وتوابعه في الربع الثالث. وابتدأ المصنف رحمه الله كتاب النكاح بالخصائص تبعا لابن شاس،
وتبع ابن شاس في ذلك الشافعية قالوا: وذلك لأنه (ص) خص في باب النكاح بخصائص
متعددة لم يجمع مثلها في باب من أبواب الفقه. وفائدة ذكر الخصائص وإن كان أكثرها قد
مضى حكمه التنبيه على خصوصها لئلا يعتقد فيما يخص به (ص) أنه مشروع لنا مع ما في
ذلك من التنويه بعظيم فضله وشريف قدره، فذكرها مطلوب إما ندبا أو وجوبا وهو الظاهر لما
تقدم. واعتمد ابن شاس فيما عده من الخصائص كلام القاضي أبي بكر بن العربي في أحكام
القرآن، وعليه اعتمد القرطبي في تفسيره وزاد عليه بعض زيادة، وكذلك المصنف. وقد ألف
الناس في الخصائص كتبا متعددة والذي خص به (ص) خمسة أنواع.
الأول: ما وجب عليه (ص) دون غيره تشريفا له وتكثيرا لثوابه. قال إمام الحرمين: قال
بعض العلماء: ثواب الواجب يزيد على ثواب النافلة بسبعين درجة.
الثاني: ما وجب له (ص) على غيره.
الثالث: ما حرم عليه (ص) دون غيره تشريفا له أيضا.
الرابع: ما حرم على غيره لأجله.
الخامس: ما أبيح له (ص) دون غيره. وهذه الخصائص منها ما ورد في القرآن، ومنها ما
ورد في السنة، ومنها ما هو متفق عليه، ومنها ما هو مختلف فيه. فإن قيل: التعظيم والتشريف
إن كان مقتضيا لزيادة التشديد وإيجاب ما لم يجب على غيره، فلماذا أبيح له أيضا ما لم يبح
لغيره؟ وإن كان موجبا للتسهيل وإباحة ما لم يبح لغيره، فلماذا وجب عليه ما لم يجب على
غيره وحرم عليه ما لم يحرم على غيره.
فالجواب: أن التعظيم والتشريف يوجب جميع ذلك بحسب ما يقتضيه المقام، فبعض
الأشياء إنما سومح فيه الغير ولم يوجب عليه ولم يحرم عليه خشية أن لا يقدر على القيام بها،
ولقوته (ص) كلف بها. وبعض الأشياء حرمت على الغير حماية له أن يتجاوز الحد المأذون فيه
كصفي المغنم ونحوه. أو خشية أن لا يقوم بالواجب عليه فيها كزيادة على أربع وهو (ص)
مأمون من ذلك فتأمله والله أعلم.
3

كتاب خصائص النبي (ص) باب في خصائص النبي (ص)
ص: (خص النبي (ص) بوجوب الضحى والأضحى والتهجد والوتر بحضر) ش: صرح
بوجوب هذه الأربعة (ص) ابن العربي والقرطبي وابن شاس. ودليل ذلك والله أعلم حديث:
ثلاث علي فرائض ولكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الضحى رواه البيهقي وضعفه. ويؤخذ
من الحديث أن الواجب من الضحى أقله ركعتان. ودليل وجوب التهجد قوله تعالى: * (ومن الليل
فتهجد به نافلة لك) * وقوله سبحانه: * (قم الليل إلا قليلا) * وقد
اختلف العلماء في ذلك وسيأتي شئ من ذلك. والأضحى جمع أضحاة ويجمع على أضاحي
أيضا. قاله في التنبيهات. وقوله: والوتر بحضر قاله في الجواهر عن ابن العربي لما ذكر وجوب
الوتر وهو داخل في قسم التهجد انتهى. فيحتمل أن يكون قوله: بحضر راجعا لهما معا،
ويدل لذلك أنهم استدلوا لعدم وجوب الوتر في السفر بكونه (ص) كان يوتر على الراحلة،
وكان (ص) يتهجد على الراحلة أيضا، وانظر قول السيوطي بعد في المباحات.
تنبيهان: الأول: اختلف في التهجد على ثلاثة أقوال: فقيل إنه النوم ثم الصلاة، وقيل إنه
الصلاة بعد النوم، والثالث إنه الصلاة بعد العشاء. انتهى. من الأقفهسي. وقال الثعلبي في قوله
تعالى: * (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) * أي قم بعد نومك وصل. قال
المفسرون: لا يكون التهجد إلا بعد النوم. يقال تهجد إذا سهر وهجد إذا نام. وقال بعض أهل
اللغة: تهجد إذا نام وتهجد إذا سهر وهو من الأضداد. روى حميد بن عبد الرحمن بن عوف
عن رجل من الأنصار أنه كان مع رسول الله في سفر فقال: لأنظرن كيف يصلي النبي (ص)
قال: فنام رسول الله (ص) ثم استيقظ فرفع رأسه إلى السماء فتلا أربع آيات من آخر سورة آل
عمران: * (إن في خلق السماوات والأرض) * الآيات. ثم أهوى بيده إلى
4

القربة وأخذ سواكا فاستاك به ثم توضأ ثم نام ثم استيقظ فصنع كصنعه أول مرة ويرون أنه
التهجد الذي أمره الله عز وجل به. انتهى بلفظه.
الثاني: قال أبو عمر بن عبد البر في باب صلاة الليل من الاستذكار: وقد قال قوم إن
صلاة الليل واجبة على النبي (ص) وسنة لامته، وهذا لا أعرف وجهه لأن الله تعالى يقول
ومن الليل تهجد به نافلة لك انتهى. وليس في الآية ما يدل على عدم
الوجوب لأن النافلة من النفل الذي هو الزيادة. فيحتمل أن يكون المراد أنه (ص) زيد عليه دون
غيره وجوب التهجد كما قال ابن عبد السلام فتأمله. وفي المسألة أقوال جمهور العلماء على
أن الامر بقيام الليل أمر ندب لجميع الناس. وقيل: للوجوب على جميع الناس ثم نسخ. وقيل:
كان فرضا على النبي (ص) خاصة وبقي كذلك حتى توفي. وقيل غير ذلك. ذكر ذلك ابن
عطية وغيره والله أعلم. ص: (والسواك) ش: لم يبين المصنف وغيره من المالكية فيما علمت ما
هو الذي كان فرضا عليه من السواك، ورأيت للشافعية أنه كان فرضا عليه لكل صلاة والله
أعلم. ص: (وتخيير نسائه فيه) ش: الذي في الصحيح أن آية التخيير نزلت وعنده تسع نسوة
وهن اللواتي توفي عنهن. وذكر أبو إسحاق أن آية التخيير نزلت وكانت عنده فاطمة بنت
الضحاك في عصمته (ص) فاختارت الدنيا ففارقها عليه الصلاة والسلام فكانت بعد ذلك تلقط
البعر وتقول: هي الشقية اختارت الدنيا. قال في المواهب اللدنية: هكذا رواه ابن إسحاق. قال
أبو عمر: هذا عندنا غير صحيح لأن ابن شهاب يروي عن عروة عن عائشة أنه (ص) حين خير
في نسائه بدأ بها فاختارت الله ورسوله وتابع أزواج النبي (ص) على ذلك انتهى.
تنبيه: الأقفهسي: اختلف العلماء فيمن اختارت منهن الدنيا مثلا، هل كانت تبين بنفس
الاختيار أولا؟ أصح القولين أنها تبين انتهى. ص: (وطلاق مرغوبته) ش: هذا من القسم الثاني.
5

قال في الشامل: ولزم غيره له طلاق مرغوبته ثم قال: كإذعان مخطوبته انتهى. وعد فيه أيضا
من المحرمات على غيره خطبة خلية رغب فيها. قال النووي: فإن كانت خلية لزمتها الإجابة
على الأصح وحرم على غيره خطبتها انتهى.
فرع: قال القرطبي: أبيح له عليه الصلاة والسلام أخذ الطعام والشراب من الجائع
والعطشان وإن كان من هو معه يخاف على نفسه التلف لقوله تعالى: * (والنبي أولى بالمؤمنين من
أنفسهم) * وعلى كل أحد أن يقي النبي (ص) بنفسه انتهى. وقال تعالى: * (ولا
يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) * ص: (وإجابة المصلي) ش: فأحرى غيره لحديث
الموطأ أو مسلم لما دعا أبيا في الصلاة ولم يجبه فقال له عليه السلام: ألم يقل الله: * (يا أيها
الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) * ومثله في البخاري
عن أبي سعيد رافع بن المعلى. قال ابن العربي في أحكامه: قال الشافعي: في حديث أبي دليل
على أن الفعل الفرض أو القول الفرض إذا أتى به في الصلاة لا يبطلها لامره عليه الصلاة
والسلام بالإجابة. وإن كان في صلاة. وبينا في غير موضع أن هذه الآية دليل على وجوب
إجابته عليه السلام وتقديمها على الصلاة. وهل تبقى الصلاة معها أو تبطل؟ مسألة أخرى
انتهى. وذكر القرطبي كلام الشافعي وأقره ولم يذكر كلام ابن العربي بل قال: قلت: وفيه
حجة لقول الأوزاعي أن المصلي لو أبصر غلاما يريد أن يسقط في بئر فصاح به وانتهره
وانصرف إليه لم يكن بذلك بأس انتهى. وقال الشارح بهرام والأقفهسي: يجب على المصلي
إذا دعاه أن يجيبه ولا تبطل صلاته وأما ابتداء فذكر النووي أن من خصائصه (ص) أن المصلي
يخاطبه بقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ولا يخاطب سائر الناس انتهى. وقال
ابن عبد السلام في السهو في مسألة الكلام لإصلاح الصلاة لما ذكر حديث ذي اليدين وسؤال
النبي (ص) للصحابة وإجابتهم له ما نصه: وأيضا لو نطقوا بنعم لما روى لما ضرهم لمخالفتهم إيانا
في الكلام إذ مجاوبته (ص) واجبة ولا تمنع منها الصلاة كما في حديث أبي سعيد بن المعلى
انتهى. وقال الآبي في شرح مسلم ناقلا عن المازري: وأجيب بأنهم تكلموا لتعين إجابته لوجوب
طاعته وذلك خارج عن الكلام. ثم قال: قلت: ويدل على أن إجابته لا تبطل الصلاة حديث أبي،
وقوله في الصلاة والسلام عليك أيها النبي، ولو خاطب غيره بذلك لفسدت كما تقدم لابن شعبان.
انتهى والله أعلم. وقال الدماميني في حاشية البخاري في كتاب الفضائل: في حديث أبي سعيد بن
المعلى دليل على أنه لم يقبل اعتذاره بأنه كان في الصلاة. وقد قال بعض الحذاق بأن هذا من خواصه
أن يجيبه في الصلاة ولا تبطل صلاته بذلك وهو قول ابن كنانة، هكذا قال السفاقسي انتهى.
6

تنبيه: قال ابن حجر في أول كتاب التفسير: نسب الغزالي والفخر الرازي وتبعهما
البيضاوي هذه القصة لأبي سعيد الخدري وهو وهم، وإنما هو أبو سعيد بن المعلى ص:
(والمشاورة) ش: قال المتيطي: إنما كان (ص) يشاور في الحروب وفيما ليس فيه حكم بين الناس.
وقيل: له أن يشاور في الاحكام. قال أحمد بن نصر: وهذه غفلة عظيمة انتهى. ولفظ الجواهر:
ومشاورة ذوي الأحلام في غير الشرائع انتهى. وذكر القرطبي القول الأول عن قتادة والربيع وابن
إسحاق والشافعي قال: وأمره بذلك تطييبا لنفوسهم ورفعا لأقدارهم وتألفا على دينهم وإن كان
الله أغناه عن رأيهم، وليقتدى به ولم يذكر القول الثالث لكنه قال: وقال الآخرون ذلك فيما لم
يأته فيه وحي وروي ذلك عن الحسن البصري والضحاك. انتهى بالمعنى. ووجه خصوصيته (ص)
بوجوب المشاورة - والله أعلم - أنه وجب عليه ذلك مع كمال علمه ومعرفته وإلا فقد قال القرطبي:
قال ابن خويز منداد: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون وفيما أشكل عليهم من
أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحروب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه
الكتاب والعمال والوزراء فيما يتعلق بمصالح العباد وعمارتها انتهى. ولعله البلاد عوض العباد وهو
الظاهر. وقال قبله: قال ابن عطية: الشورى من قواعد الدين وعزائم الاحكام ومن لا يستشر أهل
العلم والدين فعزله واجب هذا مما لا اختلاف فيه. انتهى فتأمله والله أعلم. ص: (وقضاء دين
الميت المعسر) ش: اختلف العلماء هل كان القضاء واجبا عليه (ص) أو تطوعا؟ وهل كان يقضيه
من خالص مال نفسه أو من مصالح مال المسلمين؟ وظاهر كلام ابن بطال أنه كان يقضيه من
المصالح وأنه واجب عليه وعلى من بعده من الأئمة. قال ابن حجر في شرح حديث البخاري في
كتاب الكفالة في قوله: من ترك دينا فعلي قضاؤه قال ابن بطال: هذا ناسخ لتركه الصلاة على
من مات وعليه دين. وقوله: فعلي قضاؤه أي مما يضئ الله عليه من الغنائم والصدقات. قال:
وهذا يلزم المتولي لأمر المسلمين أن يفعله بمن مات وعليه دين، فإن لم يفعل فالاثم عليه إن كان
حق الميت في بيت المال يفي بقدر ما عليه من الدين وإلا فيسقطه. انتهى كلام ابن حجر. وهذا
الكلام كله لابن بطال. وذكر الآبي عن القاضي عياض في شرح قوله (ص): من ترك دينا
وضياعا فعلي وإلي أي فعلي قضاؤه وإلي كفاية عياله، وهذا مما يلزم الأئمة من مال الله فينفق منه
على الذرية وأهل الحاجة ويقضي ديونهم. انتهى من شرح مسلم في أحاديث صلاة الجمعة. وقد
صرح بوجوب قضاء دين الميت المعسر أبو عمر بن عبد البر في التمهيد في شرح الحديث السابع
7

عشر ليحيى بن سعيد، وابن رشد في كتاب المديان من المقدمات. ونقله القرافي وقبله وقال:
الأحاديث الواردة في الحبس عن الجنة بالدين منسوخة بما جعله الله من قضاء الدين على السلطان
وكان ذلك قبل أن تفتح الفتوحات انتهى. وذكر البرزلي أيضا عن جماعة من المالكية. فإذا علم
هذا فعلى القول بأنه (ص) كان يقضي هذا الدين من مال نفسه فوجه الخصوصية ظاهر، وعلى
القول بأنه كان يقضيه من مال المصالح فالظاهر أنه لا خصوصية حينئذ فتأمله والله أعلم.
تنبيه: لا بد من تقييد الميت المعسر بكونه مسلما كما قيده في الشامل وهو ظاهر من
الحديث في كونه يصلى عليه ص: (وإثبات عمله) ش: يعني به المداومة على العمل يعني إذا
عمل عملا أثبته أي دوام عليه ص: (ومصابرة العدو الكثير) ش: تصوره واضح. وذكر ابن رشد
في أول رسم من سماع ابن القاسم أن من خصائصه (ص) أنه فئة للمسلمين ولو كان مقيما
بالمدينة فيجوز للجيش أن ينحاز إليه ولا يكون ذلك فرارا بخلاف غيره من الأئمة إنما يكون فئة
إذا برز مع الجيش فيكون فئة لمن خرج من السرايا. انتهى والله أعلم. ص: (وتغيير المنكر) ش: لم
يذكره ابن العربي في سورة الأحزاب ولا ابن شاس. وقال القرطبي: كان يجب عليه (ص) إذا
رأى منكرا أنكره وأظهره لأن إقراره لغيره على ذلك يدل على جوازه. وذكر صاحب البيان
انتهى. وقد استوفى الكلام على تغيير المنكر في حق سائر الناس في رسم الأقضية الثالث من
سماع أشهب من كتاب السلطان. وفي إرشاد أبي المعالي: لا يكترث بقول الروافض أن الامر
بالمعروف والنهي عن المنكر موقوفان على ظهور الإمام انتهى. فيكون وجه الخصوصية أنه
كان (ص) فرض عين، ولا يشترط فيه ما يشترط في حق غيره من أمنه على نفسه وظنه تأثير ذلك
والله أعلم. نعم قيده الغزالي في الاحياء بما إذا لم يعلم أو يظن أن فاعله يزيد فيه عنادا. وقال
الشيخ جلال الدين الأسيوطي في أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب لما عد من الواجبات تغيير
المنكر قال: ووجه الخصوصية فيه من وجوه: أنه في حقه من فرائض الأعيان وفي حق غيره من
فرائض الكفايات. ذكره الجرجاني في الشافي: وأنه يجب عليه إظهار الانكار ولا يجب الاظهار
على أمته. ذكره صاحب الذخائر: وأنه لا يسقط عنه للخوف فإن الله وعده بالعصمة بخلاف
غيره. ذكره في الروضة. ولا إذا كان المرتكب يزيده الانكار إغراء لئلا يتوهم إباحته بخلاف سائر
8

الأمة. ذكره السمعاني في القواطع انتهى. وهذا الأخير مخالف لما قاله الغزالي إلا أن يكون المراد
بالتغيير إظهار ذلك لغير المرتكب للمنكر والله أعلم. ص: (وحرمة الصدقتين عليه وعلى آله)
ش: لا خلاف في حرمة الصدقة المفروضة عليه (ص) وعلى بني هاشم الذين هم آله على المشهور
على مواليهم كما صرح به القرطبي في سورة براءة وغيره. وأما صدقة التطوع فأكثر أهل العلم
على تحريمها عليه أيضا. وقالت طائفة: كان يتنزه عنها ولم تكن محرمة. وأما آله (ص) ومواليهم
فقد اختلف في حرمتها عليهم، ومذهب مطرف وابن الماجشون وابن نافع التحريم وشهره ابن
عبد السلام فلذلك جزم به المصنف هنا. ومذهب ابن القاسم أنها لا تحرم عليهم. قاله ابن عبد البر في
التمهيد، وهو الذي عليه جمهور أهل العلم وهو الصحيح عندنا. انتهى من شرح الحديث الثالث
لربيع من التمهيد، وصرح القرطبي أيضا في سورة براءة بأنه الصحيح، وتقدم في مصرف الزكاة
عن ابن مرزوق أنهم إذا لم يعطوا ما يستحقونه من بيت المال وأضربهم الفقر أنهم يعطون من
الزكاة، وأن إعطاءهم أفضل من إعطاء غيرهم.
تنبيه: قال الشيخ جلال الدين الأسيوطي: قال البلقيني: وخرجنا على حرمة الصدقة عليه
والكفارة والنذورات أنه يحرم أن يوقف عليهم معينا لأن الوقف صدقة تطوع. ثم قال: وعن
أبي هريرة أن صدقات الأعيان كانت حراما عليه دون العامة كالمساجد ومياه الآبار انتهى. ثم
قال: وتحرم الزكاة على آله. قيل والصدقة أيضا وعليه المالكية، وعلى موالي آله في الأصح،
وعلى زوجاته بالاجماع. قاله ابن عبد البر. وتحريم كون آله عمالا على الزكاة في الأصح.
تنبيه: أبيحت له (ص) الهدية. قال في الذخيرة في كتاب الأقضية: من خصائصه (ص)
قبول الهدية انتهى. قال السهيلي في شرح غزوة حنين: إذا أهديت له في بيته لا في الغزو
ونصه: أموال النبي (ص) على ثلاثة أوجه: منها الصفي والهدية تهدى إليه في بيته لا في الغزو
من بلاد الحرب ومن خمس الخمس انتهى.
تنبيه: قال القرطبي: ويحرم عليه أن يمد عينيه إلى ما متع به الناس لقوله تعالى: *
(ولا تمدن عينيك) * الآية انتهى. ص: (وأكله كثوم) ش: قال في الجواهر: وغيره من
الأطعمة الكريهة الرائحة انتهى. كالبصل والكراث والفجل وهذا في النيئ، وأما في المطبوخ
فقد صح أنه (ص) أكل طعاما طبخ ببصل ذكره الزركشي من الشافعية في الخادم والله أعلم.
ص: (أو متكئا) ش: لحديث البخاري: أما أنا فلا آكل متكئا قال عياض: الاتكاء هو التمكن
من الأرض والتقعد في الجلوس كالتربع وشبهه من تمكن الجلسات التي يعتمد فيها على ما تحته
9

فإن الجالس على هذه الهيئة يستدعي الاستكثار منه ورسول الله (ص) إنما كان جلوسه جلوس
المستوفز وقال: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد. وليس معنى
الاتكاء المذكور في الحديث الميل على شق عند المحققين انتهى. وقال ابن ناجي في شرح
الرسالة: واعترضه الفاكهاني وقال: التحقيق أنه الميل على الشق لأنه الذي يسبق إلى الذهن من
لفظ الاتكاء ولأنه غير الجلوس، ولذلك قال الراوي في الحديث: وكان متكئا فجلس. فيلزم
على ما قال عياض أن يكون معنى الكلام وكان جالسا فجلس انتهى. وهذا لا يلزم لأن
القاضي لم يقل إن الاتكاء لا يطلق إلا على الجلوس وإنما قال: المراد منه في هذا الحديث كذا.
وبما فسره عياض فسره الخطابي قبله وأقره عليه البيهقي في سننه وأنكره عليه ابن الجوزي
وفسره بما قال الفاكهاني فتأمله والله أعلم. ص: (وتبدل أزواجه) ش: هذا قريب من لفظ الآية
وهو قوله: * (ولا إن تبدل بهن من أزواج) * وفي معناها ثلاثة أقوال. أصحها
قول ابن عباس إنه لا يحل لك أن تطلق امرأة من أزواجك وتنكح غيرها. والثاني لا يحل لك
أن تبدل المسلمة التي عندك بمشركة. قاله مجاهد. والثالث لا تعطى زوجتك في زوجة أخرى
كما كانت تفعله الجاهلية. انتهى بالمعنى من أحكام ابن العربي.
تنبيه: أول الآية: * (لا يحل لك النساء من بعد) * واختلف في معناها
على أقوال أصحها قول ابن عباس أيضا أن معناه لا يحل لك النساء من بعد من عندك منهن. قاله
في الاحكام أيضا. قال الأقفهسي: واختلف هل نسخ هذا التحريم أم لا؟ وحمل كلام المصنف
على هذا الأخير أعني قوله: * (لا يحل لك النساء) * والظاهر أن المراد الأول
والله أعلم. وحرم تبدل أزواجه والتزويج عليهن مكافأة لهن على حسن صنعهن لما خيرهن
فاخترنه والله أعلم. وذكر الشيخ جلال الدين أن من الواجبات عليه إمساكهن بعد أن اخترنه
في أحد الوجهين قال: وترك التزوج عليهن والتبدل بهن مكافأة لهن ثم نسخ ذلك لتكون المنة
له (ص). ص: (ونكاح الكتابية) ش: وكذا وطؤها بملك اليمين على ما اختاره ابن العربي. وقال
الشارح: إن التسري بها حلال على الأصح. ص: (والأمة) ش: يعني وحرم عليه نكاح الأمة
سواء كانت مسلمة أو كافرة وإلا فلا خصوصية ولا فائدة في ذكرها، لأنه إذا حرم نكاح الحرة
الكتابية فأحرى الأمة، وأما وطئ الأمة بملك اليمين فحلال له والله أعلم. ص: (ومدخولته
لغيره) ش: وأما من لم يدخل بها فلا تحرم على غيره. قاله القرطبي في سورة الأحزاب.
10

فرع: قال في الشامل وأصله في الجواهر: وفي بقاء نكاح من مات عنها قولان، وعلى
انقطاعه ففي وجوب العدة ونفيها قولان بناء على أنها متوفى عنها، أو لأنها لا تنتظر الإباحة،
وفي مطلقته خلاف انتهى. يعني هل ثبت لها حرمة نسائه اللاتي مات عنهن أولا. ذكر
القرطبي الخلاف في ذلك ونقله في الجواهر وقال القرطبي: الصحيح جواز نكاحها. وقال
أيضا: الصحيح أنه لا عدة على من مات عنهن وبقاء نكاحهن. وقال ابن العربي: وببقائه أقوال
والله أعلم.
تنبيه: انظر هل يدخل في قولهم مدخولته الأمة التي وطئها قال ابن أبي شريف من
الشافعية في شرح الارشاد: وفي الميمن تبعا لتعليقه أن أمته الموطوءة إذا فارقها بالموت أو العتق
أو البيع تحرم وهو ظاهر إطلاق الحاوي ومدخولته انتهى.
قلت: وهو ظاهر. وإذا حرمت موطوءته فأحرى أم ولده. وقد قال ابن القطان من
أصحابنا في كتاب الاقناع في مسائل الاجماع: اتفقوا على أن إبراهيم ابن رسول الله (ص)
خلق حرا وأمه مارية أم ولد رسول الله (ص) محرمة على الرجال بعده غير مملوكة، وأنه (ص)
كان يطؤها بعد ولادتها، وأنها لم تبع بعده ولا تصدق بها وإنما كانت بعده عليه السلام حرة
انتهى.
تنبيه: وقع بين بعض طلبة العلم بحث في أم ولده إبراهيم عليه السلام هل هي من
أمهات المؤمنين أم لا؟ والذي يظهر لي أنها ليست من أمهات المؤمنين لما في صحيح البخاري
من كتاب الجهاد وكتاب النكاح أنه (ص) لما بنى بصفية قال أصحابه: هل هي إحدى أمهات
المؤمنين أو مما ملكت يمينه؟ ثم قالوا: إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها
فمن ما ملكت يمينه فتأمله. وانظر شراحه والله أعلم. لكن ربما يقال هذا في حال حياته لماله من
الرق وبعد موته فهي حرة فقد يقال صارت من أمهات المؤمنين.
فوائد الأولى: قال الشيخ جلال الدين الأسيوطي في حاشية البخاري في كتاب الوضوء
في باب خروج النساء إلى البراز: ذكر القاضي عياض وغيره أن من خصائص النبي (ص) تحريم
رؤية أشخاص أزواجه ولو في الأزر تكريما له، ولذا لم يكن يصلي على أمهات المؤمنين إذا
ماتت الواحدة منهن إلا محارمها لئلا يرى شخصها في الكفن حتى اتخذت القبة على التابوت
انتهى. والظاهر أن هذا ليس متفقا عليه فقد حكى القرطبي في كون نسائه عليه السلام
كالأمهات في الحرمة وإباحة النظر أو في الحرمة فقط قولين، ولكن الظاهر منهما الثاني والله
أعلم.
الثانية: قال في الطرر لابن عات في أواخر الجزء الثالث في ترجمة الطلاق وما يلزم من
ألفاظه ومن الاستغناء قال في المشارق: وجبت نفقة أزواج النبي (ص) في ماله بعد وفاته إلى أن
11

متن لقوله: إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ولقوله: ما تركت بعد نفقة نسائي
ومؤنة عيالي فهو صدقة ولأنهن كن محبوسات عليه بعد موته لقوله تعالى: * (وما كان لكن
أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) * انتهى.
الثالثة: قال القرطبي في شرح مسلم في فضائل السيدة فاطمة رضي الله عنها:
وقوله (ص): يريبني ما يريبها أي يؤذيني: وتظهر فائدة ذلك بأن من فعل منا ما يجوز فعله لا
يمنع منه وإن تأذى بذلك الفعل غيره، وليس كذلك حالنا مع النبي (ص) بل يحرم علينا كل
فعل يؤذيه وإن كان في أصله مباحا لكنه إذا أدى إلى أذى النبي (ص) ارتفعت الإباحة وحصل
التحريم انتهى. وتقدم عن الشامل والنووي أن من المحرمات له على غيره خطبة خلية رغب
فيها. ص: (ونزع لامته حتى يقاتل) ش: لامته مهموز كذا قيده جماعة عن عياض في المشارق
وهي الدرع. قال في الصحاح وغيرها. وفي قول المصنف: حتى يقاتل مسامحة والأولى أن
يقول حتى يلقى العدو، أو يقول حتى يقاتل أو يحكم الله بينه وبين محاربه، ولهذا قال ابن
غازي أنه خطأ من مخرج المبيضة، وإنما الصواب ونزع لامته حتى يقاتل أو يحكم الله بينه وبين
محاربه، قال: وهو كذلك في بعض النسخ المصححة ولا يصح غيره. ولفظ ابن العربي وابن
شاس: وحرم عليه إذا لبس لامته أن يخلعها أو يحكم الله بينه وبين محاربه أي حتى يحكم
الله. ف‍ أو بمعنى حتى وكذا هو في الحديث بلفظ أو وبهذا يظهر لك أن حكم الله بينه
وبين محاربه أعم من القتال، فلو أسقط المصنف لفظة القتال كان أولى انتهى. ويأتي لقوله بعد
هذا والحكم بينه وبين محاربه معنى يحمل عليه والله أعلم. قال الشيخ جلال الدين الأسيوطي:
وكذلك الأنبياء. قال أبو سعيد وابن سراقة، وكان لا يرجع إذا خرج للحرب ولا ينهزم إذا لقي
العدو ولو كثر العدو انتهى. ص: (والمن ليستكثر) ش: هو قريب من لفظ الآية وفي معناها ستة
أقوال: الأول: لا تعط عطية لتطلب أكثر منها. الثاني: لا تعط الأغنياء فتصيب منهم أضعافها.
12

الثالث: لا تعط عطية تنظر ثوابها. الرابع: لا تمنن بعملك على ربك. الخامس: لا تمنن على
الناس بالنبوة تأخذ أجرا منهم عليها. السادس: لا تضعف عن الخير أن تستكثر منه والله أعلم.
ص: (وخائنة الأعين) ش: لحديث أبي داود: ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين
وصححه الحاكم على شرط مسلم. قال في الجواهر: وهو أن يظهر خلاف ما يضمر أو ينخدع
عما يجب انتهى. وقال النووي: هي الايماء إلى المباح من قتل أو ضرب على خلاف ما يظهر
ويشعر به الحال انتهى. وأبيح له (ص) إذا أراد السفر أن يوري بغيره وسمى ما تقدم خائنة
الأعين لشبهه بالخيانة بإخفائه ولا يحرم على غيه إلا في محظور والله أعلم. ص: (والحكم بينه
وبين محاربه) ش: قال في المقصد الجليل: أي حرم على غيره أن يحكم بينه وبين محاربه لقوله
تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سمع عليم) *
أي اتقوه في التقدم السلمي في إهمال حقه وتضييع حرمته انتهى. ويكون
المراد بالمحارب من يكون بينه وبين النبي (ص) خصومة. قال مجاهد في تفسير الآية: لا تفتاتوا
على رسول الله حتى يقضي الله على لسان رسوله. ذكره البخاري انتهى من ابن العربي. وقال
البساطي: لما عد المحرمات عليه (ص) وأن يحكم بين نفسه وبين محاربه وهذا ليس مرادا قاطعا
قال الأقفهسي: لعل معناه أنه (ص) يحكم بين محاربه وبين الغير لأنه لا يتهم انتهى. وهذا وإن
كان صحيحا في نفسه لكنه بعيد من السياق لأنه المصنف يعد المحرمات وهذا من المباحات له
دون غيره فتأمله والله أعلم. ص: (ورفع الصوت عليه وندائه من وراء الحجرات وباسمه)
ش: قال الأقفهسي: يعني أن من خصائصه (ص) أنه لا يجوز لاحد أن يرفع صوته عليه، ولا أن
يناديه من وراء الحجرات، ولا أن يناديه باسمه فيقول يا محمد بل يقول يا نبي الله يا
13

رسول الله، وحرمته (ص) ميتا كحرمته حيا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة كالمسموع من
لفظه، فإذا قرئ كلامه وجب على كل حاضر أن لا يرفع صوته ولا يعرض عنه، وقد نبه الله
على ذلك بقوله: * (وإذا قرئ القرآن) * الآية. وكلامه من الوحي وله من
الحرمة مثل ما للقرآن إلا في معان مستثناة. انتهى ونحوه والقرطبي عن ابن العربي. وقال في المدخل
في فضل العالم: لا فرق بين رفع الصوت في حياته عليه السلام وبين رفعه على حديثه بعد مماته.
وكذا قال إمام الحرمين عن مالك بن أنس انتهى. وقال في فصل اللباس: فيرفعون أصواتهم في
مجلس الحديث وذلك مكروه انتهى. ويريد والله أعلم بالمكروه الحرام كما يؤخذ من كلامه الأول
الذي نقله عن مالك فتأمله. قال القرطبي: وقد كره بعض العلماء رفع الصوت عند قبره عليه الصلاة
والسلام، وكره بعض العلماء رفع الصوت في مجلس العلماء تشريفا لهم إذ هم ورثة الأنبياء.
فرع: وصرح في المواهب اللدنية في المقصد الرابع بأنه يكره لقارئ حديثه (ص) أن يقوم
لاحد، وهو الذي يؤخذ من كلام صاحب المدخل في أول فصل القيام، لكنه يدل على كراهة
ذلك كراهة شديدة. ونقل ابن الصلاح في النوع السابع والعشرين من علوم الحديث. روينا أو
بلغنا عن محمد بن أحمد بن عبد الله الفقيه أنه قال القارئ لحديث رسول الله (ص) إذا قام لاحد
فإنه يكتب عليه خطيئة انتهى. وقوله: وندائه باسمه قال الشيخ السمهودي في تاريخ المدينة
المسمى بخلاصة الوفا في أثناء الفصل الثاني في توسل الزائرين به من الباب الثاني: والذي ينهى
عنه من ذلك في النداء أن لا يقرن به الصلاة والسلام ونصه: وليقدم ما تضمنه خبر ابن أبي
فديك عن بعض من أدركه قال: بلغنا أن من وقف عند قبر النبي (ص) فقال: * (إن الله وملائكته
يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) * صلى الله
عليك يا محمد يقولها سبعين مرة، ناداه ملك: صلى الله عليك يا فلان لم تسقط لك اليوم
حاجة. قال بعضهم: والأولى أن يقول صلى الله عليك يا رسول الله إذ من خصائصه أن لا
يناديه باسمه. والذي يظهر أن ذلك في النداء الذي لا تقترن به الصلاة والسلام انتهى.
والحجرات جمع حجرة وهي الموضع المحجور من الأرض بحائط أو غيره. وسبب النهي
أنه (ص) كان لا يحتجب عن الناس إلا في أوقات يشتغل فيها بمهمات نفسه، فكان إزعاجه
في تلك الحالة من سوء الأدب. انتهى بالمعنى من القرطبي. ص: (وإباحة الوصال) ش: قال
الآبي: قال النووي: الوصال صوم يومين فأكثر دون فصل بينهما بفطر. وقال القاضي
عياض: كرهه مالك والجمهور لعموم النهي، وأجازه جماعة قالوا: والنهي رحمة وتخفيف فمن قدر فلا
حرج. وأجازه ابن وهب وأحمد وإسحاق إلى السحر. قال الخطابي: هو من خصائصه وحرام
على أمته انتهى. ثم قال الآبي: وقال النووي: الأصح عندنا أن النهي عنه على التحريم. وقيل
14

على الكراهة. الآبي: كرهه مالك ولو إلى السحر. واختار اللخمي جوازه إلى السحر لحديث:
من واصل فليواصل إلى السحر (1) وقول أشهب من واصل أساء ظاهره التحريم انتهى. وقال
ابن عرفة: وكره مالك الوصال ولو إلى السحر. اللخمي: هو إليه مباح ولحديث: من أراد أن
يواصل فليواصل إلى السحر اه‍.
قلت: انظر عزو ابن عرفة جوازه إلى السحر للخمي مع أن القاضي عياضا عزاه لابن
وهب ونقله عنه الآبي وذكر أن اللخمي اختاره. ولفظ الاكمال: اختلف العلماء في أحاديث
الوصال، فقيل النهي عنه رحمة وتخفيف فمن قدر فلا حرج، وقد واصل جماعة من السلف
الأيام، وأجازه ابن وهب وإسحاق وابن حنبل من سحر إلى سحر، وحكى ابن عبد البر عن
مالك والثوري وأبي حنيفة والشافعي وجماعة من أهل الفقه والأثر كراهة الوصال للجميع لنهي
النبي (ص) ولم يجيزوه لاحد. قال الخطابي: الوصال من خصائص ما أبيح للنبي (ص) وهو محظور
على أمته انتهى. والله أعلم.
ص: (وصفي المغنم والخمس) ش: الخمس معطوف على صفي قال ابن غازي: قال
الهروي: إن أعطيتم الخمس وسهم النبي (ص) والصفي فأنتم آمنون. الشعبي: الصفي علق
بتخييره (ص) من المغنم ومنه صفية. ابن العربي: من خواصه عليه الصلاة والسلام صفي المغنم
والاستبداد بخمس الخمس أو الخمس. ومثله لابن شاس وكأنه إشارة إلى قولين فاقتصر المصنف
على الثاني، ولو اقتصر على الأول لكان أولى لأنه أشهر عند أهل السير. وفي سماع أصبغ: إنما
والي الجيش كرجل منهم له مثل الذي لهم، وعليه مثل الذي عليهم. ابن رشد: لا حق للامام من
رأس الغنيمة عند مالك وجل أهل العلم والصفي مخصوص به عليه السلام بإجماع العلماء إلا أبا
ثور فرآه لكل إمام، وكذا لا حق للامام في الخمس إلا الاجتهاد في قسمه لقوله عليه السلام،
مالي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذا إلا الخمس والخمس مردود عليكم ومن أهل العلم من
15

ذهب إلى أن الخمس مقسوم على الأصناف المذكورة بالسواء وأن سهمه عليه السلام للخليفة
بعده انتهى. قال السهيلي في شرح غزوة حنين: كان في الجاهلية المرباع أي ربع الغنيمة
والصفي أي ما يصطفى للرئيس، فنسخ المرباع بالخمس وبقي الصفي. ثم قال: وكان أمر
الصفي أنه عليه السلام إذا غزا في الجيش اختار من الغنيمة قبل القسم وضرب له بسهم مع
المسلمين، فإن قعد ولم يخرج مع الجيش ضرب له بسهم ولم يكن صفي. وذكره أبو داود.
وأمر الصفي بعد الرسول عليه السلام لإمام المسلمين في قول أبي ثور وخالفه جمهور الفقهاء
وقالوا: كان خاصا بالرسول انتهى. ص: (ويزوج من نفسه ومن شاء) ش: قال الأقفهسي:
يعني أنه (ص) كان يزوج المرأة من نفسه ومن شاء بغير إذنها ولا إذن وليها ومن نفسه يتولى
الطرفين انتهى. وقال الشارح بهرام: أي ومما يباح له عليه السلام أن يتزوج من نفسه من شاء
نكاحها انتهى. وقوله: ويزوج من نفسه وهو تكرار مع قوله بعد بلا مهر وولي وشهود
فتأمله. والله أعلم. ص: (بلا مهر) ش: تصوره واضح وخص أيضا عند مالك بجواز جعل عتق
الأمة صداقها خلافا للشافعي والله أعلم. ص: (ويحمي له) ش: قال ابن غازي: هذا من
زياداته على ابن العربي وابن شاس، وقد ثبت أنه عليه السلام حمى النقيع بالنون وقال: لا
حمى إلا لله ورسوله: فلعل القائل بالاختصاص حمله على ظاهره وهو خلاف ما فسره به
الباجي إذ قال: يريد أنه ليس لأحد أن ينفرد عن المسلمين بمنفعة تخصه، وإنما الحمى لحق الله
ولرسوله أو من يقوم مقامه من خليفته وذلك إنما هو في سبيل الله والنظر في دين نبيه. ذكره
في جامع الموطأ عند قول عمر رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل في
سبيل الله ما حميت عليهم في بلادهم شبرا. ص: (ولا يورث) ش: قال ابن غازي: قال ابن
العربي: وإنما ذكرناه في قسم التحليل لأن الرجل إذا قارب الموت بالمرض لم يبق له إلا الثلث،
16

ونفى ملكه (ص) بعد موته على ما تقرر في آية المواريث انتهى. قلت: ويباح له أن يوصي
بجميع ماله وينفذ وإن بهبة جميعه. قال الأقفهسي: اختلف هل ما تركه باق على ملكه ينفق
على أهله منه كحياته أو سبيله سبيل الصدقات؟ فالصواب أنه صدقة لقوله عليه الصلاة
والسلام ما تركناه صدقة انتهى. وتقدم عند قول المصنف ومدخولته لغيره عن المشاور ما
يخالف ما صوبه فتأمله والله أعلم.
فائدة: قال في أول كتاب الفرائض من الذخيرة: الأنبياء لا يورثون خلافا للرافضة
، ورأيت كلاما للعلماء يدل بظاهره على أنهم لا يرثون أيضا. والحكمة في كونهم لا يورثون
خشية أن يتمنى وارثهم موتهم فيكفر فإن من تمنى موت النبي (ص) كفر. وفي كونهم لا يرثون
على قول من قال به خشية أن يتوهم الموروث أنهم يحبون موته فيبغضهم لذلك والله أعلم.
تنبيهان: الأول: قال ابن غازي: ليس كل ما ذكر هنا مشهورا بل فيه أشياء ما قال بها
إلا من شذ كوجوب الضحى واستبداده بجميع الخمس انتهى. قلت: فيه نظر لأنه قد قال به
جماعة فليتأمل والله أعلم.
الثاني: قال ابن غازي أيضا: ليس ما قيل باختصاصه به عليه الصلاة والسلام
محصورا فيما ذكر، ففي مسلم عن سفيان أن نومه (ص) لا يوجب وضوءا. وفي رسم قطع
الشجرة من الجامع وفي القبس أيضا أنه عليه الصلاة والسلام يحكم وهو غضبان بخلاف
غيره، ودليله ما رويناه في صحيح البخاري أنه حكم عليه السلام للزبير على الأنصاري الذي
أحفظه أي أغضبه إذ قال: إن كان ابن عمتك. إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة انتهى.
ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام جواز خلوته بالأجنبية كما نقل الدماميني في حاشيته
على البخاري في أول كتاب الجهاد في دخوله (ص) على أم حرام بنت ملحان. وقال الشيخ
جلال الدين في المباحات: واختص (ص) بإباحة النظر للأجنبيات والخلوة بهن وإردافهن وإباحة
المكث في المسجد جنبا والعبور فيه عند المالكية، وأنه لا ينتقض وضوؤه بالنوم ولا باللمس
في أحد الوجهين وهو الأصح. وبجواز صلاة الوتر على الراحلة مع وجوبه عليه. ذكره في
شرح المهذب، وقاعدا ذكره في الخادم، وبجواز الصلاة على الغائب عند أبي حنيفة " وعلى
القبر عند المالكية انتهى.
قلت: وكذا الغائب عند المالكية، وذكر ابن العربي في الأحوذي أنه قال: اختص بإباحة
الكلام لامته في الصوم وكان محرما على من قبلنا عكس الصلاة. وقال الأسيوطي: فيما
اختص به (ص) من الواجبات عليه ركعتا الفجر. قال: لحديث في المستدرك وغيره. وغسل
الجمعة ورد في حديث رواه. وأربع عند الزوال ورد عن سعيد بن المسيب. وبالوضوء لكل
صلاة بالوضوء إذا أحدث قيل: ولا يكلم أحدا ولا يرد سلاما حين يتوضأ ثم نسخ. قيل:
17

وبالاستعاذة عند القراءة وأن يقول إذا رأى ما يعجبه لبيك إن العيش عيش الآخرة في وجه
حكاه في الروضة. وإتمام كل تطوع شرع فيه، وأن يدفع بالتي هي أحسن. وكلف من العمل
ما كلف الناس بأجمعهم وكان مطالبا برؤية مشاهدة الحق مع معاشرة الناس بالنفس انتهى.
وحرم عليه (ص) الخط وقول الشعر وتعلمه. قال القرطبي: وذكر النقاش أنه (ص) ما مات حتى
كتب والأول هو المشهور انتهى. وقد تكلم على ذلك الدماميني في كتاب الصلح من حاشية
البخاري والله أعلم. وقال في الشفاء في فصل عصمة الأنبياء قبل النبوة: والصحيح أنه لم يكن
لنبي دعوة عامة إلا لنبينا محمد (ص) انتهى.
كتاب الأحوال الشخصية باب في النكاح ص: (ندب لمحتاج ذي أهبة نكاح بكر) ش: النكاح حقيقة التداخل ويطلق في
الشرع على العقد والوطئ، وأكثر استعماله في العقد. والصحيح أنه لا يطلق على الصداق،
وقيل ورد بمعنى الصداق في قوله * (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا) * ابن
راشد: ولا خلاف أنه حقيقة في الوطئ عند أهل اللغة، وأما إطلاقه على العقد فقيل حقيقة،
والصحيح أنه مجاز وعليه فقيل مجاز مساو، وقيل: راجح وهو الصحيح. انتهى بالمعنى من
التوضيح. ويقال كل نكاح في كتاب الله فالمراد به العقد إلا قوله * (حتى تنكح زوجا غيره)
* قال في الذخيرة: وكأنه يريد المتفق عليه وإلا فقيل في قوله تعالى * (الزاني لا
18

ينكح إلا زانية) * المراد الوطئ وكما قاله في التوضيح. وقال ابن عرفة: النكاح عقد
على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله غير عالم عاقده حرمتها إن
حرمها الكتاب على المشهور أو الاجماع على الآخر. فيخرج عقد تحليل الأمة وإن وقع ببينة،
ويدخل نكاح الخصي والطاريين لأنه ببينة صدقا فيها، ولا يبطل عكسه نكاح من ادعاه بعد
ثبوت وطئه بشاهد واحد أو فشو بنائه باسم النكاح لقول ابن رشد: عدم حده للشبهة لا
لثبوت نكاحه انتهى. والمحتاج إلى النكاح هو الذي تتوق نفسه إليه وإن عدم آلته كالخصي.
والأهبة العدة والمؤنة والمراد بها هنا مؤن النكاح من مهر وغيره وهو المراد بقوله (ص) فيما
رواه الشيخان يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن
للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء فقوله من استطاع منكم الباءة يريد
المال الموصل للوطئ وليس المراد الوطئ وإلا لفسد قوله ومن لم يستطع فعليه بالصوم.
والباءة بالباء الموحدة والمد والهمزة وآخره تاء تأنيث هو النكاح والمراد به مؤن النكاح فهي
على حذف مضاف. قال القاضي عياض في المشارق: قوله عليكم بالباءة ممدود مهموز
آخره تاء ويقال له بالمد وبغير مد، ويقال له أيضا الباه بالقصر والمد والباهة بتاء بعد الهاء هو
النكاح ويسمى به الجماع، وأصله أن من تزوج تبوأ لنفسه وزوجه بيتا. فعلى هذا أصله من
الواو لا من المهموز الأصلي انتهى. وقوله وجاه بكسر الواو والمد. قال في المشارق: وهو
نوع من الخصاء. قيل هو رض الأنثيين، وقيل هو غمز عروقهما، والخصاء هو شق الخصيتين
واستئصالهما، والجب قطع ذلك بشفرة محماة من أصله، شبه ما يقطع الصوم من النكاح
ويكسر من غلمته بذلك إذا صنع بالفحل انقطع ذلك عنه انتهى. واعلم أن الصوم يقطع
النكاح لاضعافه القوة وتخفيفه الرطوبة التي يتولد منها المني، وقد يزيد في النكاح في حق
المرطوبين فيقربون به من الاعتدال فيقوي عندهم بالصوم لكنه قليل في الناس. قاله في
الذخيرة. ولم يذكر المصنف إلا القسم المندوب وقيده بأن يكون محتاجا للنكاح ذا أهبة ولا
بد أن يقيد أيضا بأن لا يخشى العنت. قال اللخمي: وإن كان له أرب في النساء إلا أنه
يقدر على التعفف أو كان لا أرب له ويصح منه النسل كان مندوبا انتهى. قال في الشامل:
تعين لخوف عنت وعدم إمكان تسر نكاح لم يكفه صوم وخير فيه وفي تسر قدر عليه، فإن
كفه الصوم خير فيه وفي أحد الثلاثة والنكاح أولى انتهى. قال اللخمي: وقد يبدأ بالصوم
على النكاح إذا كان لا يقدر على التسري ولا يجد طولا لنكاح الحرة لأن في تزويجه الأمة
إرقاق ولده انتهى. فإن كان لا يقدر على نكاح الأمة أيضا فيتعين عليه الصوم لأنه سيأتي أنه
19

يمنع إذا لم يقدر على نفقة المرأة. ثم قال في الشامل: وأبيح لمن لا يولد له ولا يرغب في
النساء انتهى. قال اللخمي: إذا كان لا أرب له في النساء ولا يرجو نسلا لأنه حصور أو
خصي ومجبوب أو شيخ فإن أو عقيم قد علم ذلك من نفسه كان مباحا انتهى. ويقيد هذا
بما إذا لم يقطعه عن عبادته كما سيأتي، وأن تعلم المرأة منه كونه حصورا أو خصيا أو
مجبوبا لأنه سيأتي أنه يحرم عليه إذا كان يضر بالمرأة لعدم الوطئ. وأما العقم فالظاهر أنه لا
يجب إخبارها به لأنه ليس بعيب يوجب الخيار ولأنه لا يقطع به فلعله يولد له من هذه وإن
لم يولد له من غيرها والله أعلم. ثم قال في الشامل: وكره لمن لا يشتهيه ويقطعه عن
عبادته. انتهى من ابن عرفة عن المازري. فإن لم يقطعه فعد يقال يندب إليه وقد يقال يباح
انتهى. والظاهر أنه يفصل فيه على ما تقدم فإن كان يرجى النسل كان مندوبا، وإن لم
يرجه كان مباحا على ما تقدم. ثم قال في الشامل بعد ذكره هذه الأقسام: وكذلك المرأة
إلا في التسري. انتهى وقال ابن عرفة. قلت: ويوجب النكاح على المرأة عجزها عن قوتها أو سترتها إلا بالنكاح انتهى. ثم قال في الشامل: ومنع لمضر بالمرأة لعدم نفقة أو وطئ أو
كسب محرم ولم يخش عنتا انتهى. ومفهومه أنه لو خشي العنت أنه يتزوج ولو كان عادما
للنفقة ونحوها، والظاهر أنه يجب عليه أن يبين لها ذلك والله أعلم.
تنبيه: قول المصنف بكر ليس قيدا في كون النكاح مستحبا بل هو مستحب آخر،
فلو قال ندب نكاح وبكر لكان أوضح ولهذا قال ابن غازي في بعض النسخ: نكاح وبكر
تصريحا بأنهما مندوبان وهو المقصود على كل حال. قال في العارضة: ولو لم يكن في
البكر إلا أنه كلما فعلته ترى أنه المقصود المحبب، فإذا كانت ثيبا قرنت فعلك مع ما تقدم
معها من فعل غيرك وفاضلت بينكما فرفضتك لو علمتك إلى غير ذلك مما يطول انتهى.
ويستحب نكاح الولود للحديث قال في النوادر: ورغب (ص) في نكاح الولود. وقالت
عائشة: بنت الخمسين لا تلد. وقال عمر: بنت عشر سنين تسر الناظرين، وبنت عشرين لذة
للمعانقين، وبنت ثلاثين ذات شحم ولين، وبنت أربعين ذات بنات وبنين، وبنت خمسين
عجوز في الغابرين انتهى. وقال في رسم الجامع من سماع أصبغ من كتاب الجامع ابن
القاسم يرفعه إلى النبي (ص) لا تنكح المرأة لجمالها ولا لمالها فلعل جمالها لا يأتي بخير
ولعل مالها لا يأتي بخير، وعليكم بذوات الدين فاتبعوهن حيثما كن انتهى.
فائدة: قال البرزلي: وفي طرر ابن عات حديث من يمن المرأة تبكيرها بالبنت ذكره
خالد بن سعيد في نوادره وهو قول لمحمد بن لبابة، وكان من أهل الحديث والمعرفة بطرقه
وبالرجال أو حد في ذلك الفن لا نظير له. قلت: تقدم لنا أن فيها معنى الفرج بعد الشدة
كما في تأويل الرؤيا، وفيه دليل على غبطة المرأة بزوجها ومحبتها له والله أعلم انتهى.
20

ص: (ونظر وجهها وكفيها فقط بعلم) ش: ويكره له أن ينظر إليها بغير علمها عند ابن
القاسم: قاله في رسم طلق من سماعه من كتاب النكاح. وقال في التوضيح: فإن لم تعلم
كره في رواية ابن القاسم أن يستغفلها. وروى محمد بن يحيى: لا بأس أن ينظر إليها
وعليها ثيابها. قال في البيان: يحتمل أن يكون متغفلا لها أو بعد إعلامها انتهى. وانظر
الكراهة هل هي على بابها أو على التحريم؟ وقع في عبارة بعضهم ما يقتضي المنع، وفي
عبارة بعضهم ما يقتضي أن الكراهة على بابها. قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: مشهور
المذهب لا يجوز النظر إليها إلا بعد إعلامها به لا غفلة انتهى. فظاهره المنع. وقال القباب
في مختصر أحكام النصر لابن القطان: مذهب مالك الجواز إذا كان بإذنها ثم قال: مسألة
لا يحتاج في نظره إليها بعد عزمه إلى نكاحها وخطبته لها إلى استئذانها، وأباح مالك ذلك
وكره مالك أن يغفلها من كوة ونحوها. وذكر بعضهم أنه يشترط عند مالك إذنها ولعله
لسد الذريعة مخافة أن يتسبب أهل الفساد بالنظر فإذا اطلع عليهم يقولون كنا خطابا، وأباح
الشافعي وابن وهب النظر من غير شرط انتهى. فظاهره أن الكراهة على بابها لمقابلة الكراهة
بما ذكره بعضهم من الاشتراط، وأكثر عباراتهم الكراهة، أو يقولون لا يغتفلها أو نحو ذلك
مما لا دلالة فيه على المنع. وكلام ابن رشد في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم
من كتاب النكاح يدل على أن الكراهة على بابها، وكذلك كلام صاحب الاكمال
وغيرهما. وما وقع في عبارة بعضهم مما يقتضي المنع فليس بظاهر، والظاهر أن الكراهة على
بابها والله أعلم. وقال ابن رشد: أجاز ذلك ابن وهب ولم ير به بأسا للآثار المروية فيه، وقيل
لأصبغ، بلغنا أن ابن وهب روى عن مالك إجازته فقال: لم يكن ابن وهب يرويه وإنما كان
يقوله برأيه.
فرع: قال ابن القطان في أحكام النظر: فإن علم الخاطب أنها لا تجيبه هي أو وليها لم
يجز له النظر وإن كان قد خطب انتهى.
21

فرع: قال ابن القطان: وللرجل أن يبعث امرأة تنظر له وروي أنه (ص) بعث أم سليم
تنظر إلى امرأة وقال لها: شمي عوارضها وانظري إلى عرقوبها انتهى. فلو بعث خاطبا فقال
البرزلي: انظر هل يفوض إليه في النظر إليها على حسب ما كان له وينزل منزلته أم لا يصح
ذلك إلا للناكح فقط؟ وقد نزلت وتكلمنا فيها هل يتنزل الوكيل منزلة الموكل على ما
تقرر في الأصول أم لا، لأن هذا مما لا يصح فيه النيابة؟ والظاهر الجواز ما لم يخف عليه
مفسدة من النظر إليها. وهذا إذا لم يخطب إلا لمن بعثه وإن خطب لنفسه معه فجائز كما
فعل عمر انتهى.
فرع: قال ابن القطان: ولها أن تتزين للناظرين، بل لو قيل: بأنه مندوب ما كان يعيدا،
ولو قيل: إنه يجوز لها التعرض لمن يخطبها إذا سلمت نيتها في قصد النكاح لم يبعد انتهى.
فرع: هل يستحب للمرأة نظر الرجل؟ لم أر فيه نصا للمالكية والظاهر استحبابه وفاقا
للشافعية قالوا: يستحب لها أيضا أن تنظر إلى وجهه وكفيه. وقد قال ابن القطان: إذا خطب
الرجل امرأة هل يجوز له أن يقصدها متعرضا لها بمحاسنه التي لا يجوز إبداؤها إليها إذا لم
تكن مخطوبة ويتصنع بلبسه وسواكه ومكحلته وخضابه ومشيه وركبته، أم لا يجوز له إلا ما
كان جائزا لكل امرأة؟ هو موضع نظر والظاهر جوازه ولم يتحقق في المنع إجماع. أما إذا لم
يكن خطب ولكنه يتعرض لنفسه ذلك التعرض للنساء فلا يجوز لأنه تعرض للفتن وتعريض
لها ولولا الظاهر ما أمكن أن يقال ذلك في المرأة التي لم تخطب على أنا لم نجزم فيه بالجواز.
انتهى من مختصر أحكام النظر للقباب.
فرع: قال في التوضيح: يجوز النظر للشابة الأجنبية الحرة في ثلاثة مواضع: للشاهد
وللطبيب ونحوه وللخاطب. وروي عن مالك عدم جوازه للخاطب ولا يجوز لتعلم علم ولا
غيره انتهى. زاد الأقفهسي في المواضع التي يجوز النظر فيها البيع والشراء انتهى. ومقتضى
كلام القباب في مختصر أحكام النظر لابن القطان أنه لا يجوز النظر إليهن للبيع والشراء فإنه
قال مسألة ليس من الضرورات احتياجها إلى أن تبيع وتبتاع أو تتصنع وقد روي عن مالك
أرى أن يتقدم إلى الصناع في قعود النساء إليهم ولا تترك الشابة تجلس إلى الصناع وأما المتجالة
والخادم الدون ومن لا يتهم على القعود عنده ومن لا يتهم فلا بأس بذلك وهو كله صواب،
فإن أكثر هذه ليست بضرورة تبيح التكشف فقد تصنع وتستصنع وتبيع وتشتري وهي مستترة،
ولا يمنعن من الخروج والمشي في حوائجهن ولو كن معتدات وإلى المسجد، وإنما يمنعن من
التبرج والتكشف والتطيب للخروج والتزين، بل يخرجن وهن منتقبات ولا يخفقن في المشي
في الطرقات بل يلصقن بالجدرات. انتهى من مختصر أحكام النظر.
تنبيه: من أبيح له النظر فلا يجوز له قصد اللذة، وكذلك النظر إلى الأمرد لا يجوز فيه
22

قصد اللذة والله أعلم. ص: (وحل لهما حتى نظر الفرج) ش: قال البساطي: في كلامه ما
يشعر بأنه يجوز نظر الدبر وفيه نظر انتهى. وقال الأقفهسي: المراد بالفرج القبل لا الدبر لأنه لا
يجوز التمتع به فلا يجوز النظر إليه، والفرج حيث أطلقته العرب فلا يريدون به إلا القبل انتهى.
وقال البرزلي بعد ذكره تحريم الوطئ في الدبر: وأما التمتع بظاهر ذلك المحل فقد فاوضت فيه
بعض أصحابنا لا شيوخنا لعدم المجاسرة عليه في مثل هذا فأجاب بإباحته ولم يبدله وجها.
ووجهه عندي أنه كسائر جسد المرأة وجميعه مباح إذا لم يرد ما يخص بعضه عن بعض
بخلاف باطنه، والامر عندي فيه اشتباه فإن تركه فهو خير وإلا فلا حرج لعسر الاحتراز منه
والله أعلم. انتهى فتأمله مع كلام البساطي والأقفهسي: وما قاله أظهر من كلام البساطي
والأقفهسي. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: النكاح والملك المبيح للوطئ يحل كل
استمتاع من الزوجة والأمة في كل موضع منها إلا الدبر يعني الوطئ في الدبر انتهى. وهو مما
يساعده ما ذكره البرزلي. قلت: وهذا كله والله أعلم إنما هو في الدبر نفسه، وأما الأليتان فلا
كلام في جواز النظر إليهما والاستمتاع بهما ويدل لذلك إباحة وطئ المرأة مقبلة ومدبرة إذا
كان الوطئ في القبل وهذا ظاهر والله أعلم.
فرع: قال القباب في باب نظر النساء إلى الرجال: مسألة نظر المرأة إلى الزوج أو إلى
السيد كنظرهما إليها في جميع ما تقدم سواء، ولا فرق إلا في نظرها إلى فرجه فإنه لم يرد فيه
من النهي ما ورد في نظره هو إلى فرجها انتهى.
فائدة: قال أصبغ: من كره النظر إلى الفرج إنما كره بالطب لا بالعلم ولا بأس به وليس
بمكروه. قال القباب في باب نظر الرجال إلى النساء: مسألة إذا كانت المرأة يحل للرجل وطؤها
فلا كلام إلا في نظره إلى فرجها فإنه موضع خلاف أجازته المالكية. وقيل لأصبغ: إن قوما
يذكرون كراهته فقال: من كرهه إنما كرهه بالطب لا بالعلم ولا بأس به وليس بمكروه. وقد
روي عن مالك أنه قال: لا بأس أن ينظر إلى الفرج في حال الجماع. وزاد في رواية: ويلحسه
بلسانه وهو مبالغة في الإباحة وليس كذلك على ظاهره. قال القاضي أبو الوليد بن رشد: أكثر
العوام يعتقدون أنه لا يجوز أن ينظر الرجل إلى فرج امرأته في حال من الا حوال، ولقد سألني
23

عن ذلك بعضهم واستغرب أن يكون ذلك جائزا، ومثل ذلك مذهب الحنفية وللشافعية
قولان: الإباحة والمنع. والنظر عندهم إلى داخل أشد، قاله الغزالي وأعرف لأبي إسحاق منهم
أنه قال: يكره النظر إليه لأنه سخف ودناءة ولا يحرم وجاء في حديث النهي عنه وأنه
يورث العمى. فإن صح الخبر لزمه الانتهاء ولكن الحديث منكر انتهى. والمسألة في رسم
النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح بأبسط من هذا ونصها: قال أصبغ: وسمعت ابن
القاسم وسئل أيكلم الرجل امرأته وهو يطؤها؟ قال: نعم ويفديها لا بأس بذلك إجارة منه.
قال أصبغ: قال ابن القاسم: حدثنا الدراوردي عمن حدثه عن القاسم بن محمد بن أبي بكر
الصديق رضي الله عنه أنه سئل عن النخير عند ذلك فقال: إذا خلوتم فاصنعوا ما شئتم.
فسئل أصبغ: أينظر الرجل إلى فرج امرأته عند الوطئ؟ قال: نعم لا بأس بذلك. فقيل له: إن
قوما يذكرون كراهته فقال: من كرهه إنما كرهه بالطب ليس بالعلم لا بأس به وليس
بمكروه. قال ابن رشد في أصل السماع عند السؤال عن نظر الرجل إلى فرج امرأته عند
الوطئ قال: نعم ويلحسه. فطرح العتبي لفظه ويلحسه لأنه استقبحه. وفي كتاب ابن المواز:
ويلحسه بلسانه وهو أقبح إلا أن العلماء يستجيزون مثل هذا إرادة البيان ولئلا يحرم ما ليس
بحرام فإن كثيرا من العوام يعتقدون أنه لا يجوز للرجل أن ينظر إلى فرج امرأته في حال من
الأحوال، وقد سألني عن ذلك بعضهم فاستغرب أن يكون ذلك جائزا. وكذا يكلم الرجل
امرأته عند الوطئ لا إشكال في جوازه ولا وجه لكراهته، وأما النخير عند ذلك فقبيح ليس
من أفعال الناس، وترخيص القاسم بن محمد في ذلك لمن سأله عنه على معنى أن ذلك ليس
بحرام والله أعلم. ص: (وتمتع بغير دبر) ش: تصوره ظاهر. وانظر هل يجوز له أن يستمني
بيدها؟ قال ابن غازي: لم نقف على نص في المذهب ونص على جواره في الاحياء. انتهى
ذكره في باب الحيض وإطلاقات المذهب والأحاديث تقتضي جواز ذلك والله أعلم. وأما
الوطئ في الدبر المشهور ما ذكره المصنف أنه لا يجوز، والقول بالجواز منسوب لمالك في
كتاب السر، وموجود له في اختصار المبسوط. قاله ابن عبد السلام: قال قال مالك: إنه أحل
من شرب الماء البارد. أما كتاب السر فمنكر. قال ابن فرحون: وقفت عليه فيه من الغض
من الصحابة والقدح في دينهم خصوصا عثمان رضي الله تعالى عنه ومن الحط على
العلماء والقدح فيهم ونسبتهم إلى قلة الدين مع إجماع أهل العلم على فضلهم خصوصا
أشهب: ما لا أستبيح ذكره وورع مالك ودينه ينافي ما اشتمل عليه كتاب السر وهو جزء
24

لطيف نحو ثلاثين ورقة انتهى. وقال ابن عرفة: سمع عيسى ابن القاسم: ما أدركت من
يقتدي به يشك فيه حدثني ربيعة عن سعيد بن يسار عن ابن عمر: لا بأس به. وأباحه ابن
القاسم قائلا: لا آمر به ولا أحب أن لي ملء المسجد الأعظم وأفعله، وكل من استشارني
فيه آمره بتركه انتهى. وقال البرزلي: لقي أشهب رجلا أراه من أهل العراق ممن يقول بتحريمه
يعني الوطئ في الدبر فتكلم فيه فقال أشهب بتحليله، وقال الرجل بتحريمه، فتحاجا حتى
قطعه أشهب بالحجة فقال له أشهب: أما أنا فعلي من الايمان كذا وكذا إن فعلته قط
فاحلف لي أنت أيضا أنك لم تفعله فأبى أن يحلف. ثم قال البرزلي: والرواية أن من فعله
فإنه يؤدب وهو بناء على تحريمه وعلى أنه مكروه أو مباح فلا يؤدب إذ ليس بمجمع على
كراهته انتهى. ص: (وخطبة بخطبة وعقد) ش: الخطبة بكسر الخاء. قال في التوضيح: عبارة
عن استدعاء النكاح وما يجري من المجاورة انتهى. وقال القرطبي: الخطبة - بكسر الخاء - فعل
الخطب من كلام وقصد واستلطاف بفعل أو قول انتهى. والخطبة بالضم واحدة الخطب وهي
مشروعة في الخطبة وفي العقد. قال مالك: ما قل منها أفضل: قال في التوضيح قال بعض
الأكابر: أقلها أن يقول الولي: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله زوجتك على كذا.
ويقول الزوج: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله قبلت نكاحها. وفي الذخيرة قال
صاحب المنتقى: تستحب الخطبة - بالضم - عند الخطبة - بالكسر - وصفتها أن يحمد الله
ويثني عليه ويصلي على نبيه عليه السلام ثم يقول ما رواه الترمذي * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا
الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * * (واتقوا الله الذي تساءلون
به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) * * (اتقوا الله وقولوا قولا سديدا)
* الآية. ثم يقول: أما بعد فإن فلانا رغب فيكم وانطوى إليكم وفرض لكم
الصداق كذا وكذا فأنكحوه. وفي الجواهر: يستحب أيضا عند العقد انتهى. وقال الشيخ
زروق في شرح الارشاد: وتستحب الخطبة بالضم التي هي الثناء على الله والصلاة على نبيه
وقراءة آية مناسبة عند الخطبة بالكسر. قال مالك: وما خف منها أحسن انتهى. فتحصل من
هذا أن الخطبة بضم الخاء تستحب من الخاطب ومن المجيب له قبل إجابته ومن الزوج ومن
المتزوج. وحكى ابن عرفة في استحباب خطبة المجيب في الخطبة قولين: أحدهما عدم
استحبابها، والثاني استحبابها، وعزا الأول لظاهر قول محمد، والثاني لابن حبيب وهو الذي
25

تقدم في كلام التوضيح المتقدم واقتصر عليه في المقدمات قال: ويستحب إخفاء خطبة النكاح
وأن يبدأ الخاطب قبل الخطبة بالحمد لله والصلاة والسلام على نبيه عليه الصلاة والسلام ويجيبه
المخطوب بمثل ذلك قبل الإجابة انتهى. وصرح الفاكهاني في أول شرح الأربعين بأنه يستحب
البداءة بالحمد لله للخاطب والمتزوج والمزوج والله أعلم.
فروع: الأول: قال في الطراز: قال أبو عبيد: تستحب الخطبة يوم الجمعة بعد العصر
وذلك لقربه من الليل وسكون الناس فيه والهدوء فيه، ويكره في صدر النهار لما فيه من التفرق
والانتشار.
الثاني: يستحب عقده في شوال والابتناء بها فيه لأن عائشة حكت أن النبي (ص) تزوج
بها في شوال وبنى بها فيه، وقد حكى أن رسول الله (ص) كان يستحب النكاح في رمضان
والأول أصح. انتهى من الطراز. ولم يحك في مختصر المتيطية إلا أنه (ص) كان يستحب
النكاح في رمضان وفيه تزوج عائشة والله أعلم.
الثالث: قال في التوضيح: ويستحب إعلان النكاح وإشهاره وإطعام الطعام عليه. روى
الترمذي والنسائي عنه عليه الصلاة والسلام قال أعلنوا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا
عليه بالدفوف وروي أيضا أنه عليه الصلاة والسلام قال فصل ما بين الحرام والحلال
الدف والصوت انتهى. قول صاحب التوضيح: وقال الجزولي في شرح الرسالة: وشاهدين
ومن فضائله الاعلان لأنه روي أن رسول الله (ص) مر بدار فسمع لعبا فقال: ما هذا؟ فقيل له:
الوليمة. فقال: هذا نكاح ولي بسفاح اعقدوه في المساجد واضربوا فيه بالدف انتهى. فأما
استحباب إعلانه فتقدم التصريح به في كلام التوضيح وهو معنى قول الجزولي وفضائله ونص
على استحبابه غير واحد من أهل المذهب، وأما العقد في المسجد فعده المصنف وغيره من
الجائزات فقال في باب موات الأرض: وجاز بمسجد سكنى رجل تجرد للعبادة وعقد نكاح.
ولم أر الآن من صرح باستحباب العقد فيه من أهل المذهب والله أعلم.
الرابع: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ويستحب كتمان الامر إلى العقد انتهى.
وتقدم عن المقدمات نحوه والله أعلم. ص: (وتهنئته والدعاء له) ش: قال في النوادر: قال ابن
حبيب: واستحبوا تهنئة الناكح والدعاء له، وكان مما يقال له بالرفاء والبنين بارك الله له ولا
26

بأس بالزيادة على هذا من ذكر السعادة وما أحب من خير قال: والرفاء الملاءمة يقال رفأت
الثوب لاءمت بين حرفيه انتهى. وذكر النووي في الأذكار أنه يكره أن يقال بالرفاء والبنين،
. ولم أر كراهته لاحد من المالكية. والرفاء بكسر الراء والمد الالتئام والاتفاق وهمزته أصلية. قال
ابن السكيت: إن كان معناه السكون فأصله غير الهمزة من قولهم رفوت الرجل إذا سكنته.
انتهى من الشمني على حاشية المغني. ونص ابن السكيت: وقد رفأت الثوب ارفؤه رفأ،
وقولهم بالرفاء والبنين بالالتئام والاجتماع وأصله الهمزة، وإن شئت كان معناه بالسكون
والطمأنينة فيكون أصله غير الهمزة، ويقال رفوت الرجل إذا سكنته قال الهذلي:
رفوني وقالوا يا خويلد لم ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
تنبيه: قال في الشامل: وتهنئة عروس عند عقد ودخول انتهى. والعروس نعت يستوي
فيه الرجل والمرأة. قاله في الصحاح، وكذا قاله في الكبير، ويقال لكل من الزوجين بارك الله
لكل منكما في صاحبه انتهى.
فرع: قال في النوادر: وقال ابن حبيب: وقد روي عن النبي (ص) فيمن ابتنى بزوجته أن
يأمرها أن تصلي خلفه ركعتين ثم يأخذ بناصيتها ويدعو بالبركة انتهى. وقال في الأذكار
للنووي: يستحب أن يسمي الله ويأخذ بناصيتها ويقول: بارك الله لكل واحد منافي صاحبه.
ويقول: ما رويناه بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود عن النبي (ص) قال إذا تزوج أحدكم
امرأة أو اشترى خادما فليقل: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من
شرها وشر ما جبلتها عليه انتهى. ص: (وإشهاد عدلين غير الولي) ش: ظاهره اشتراط العدالة
عند تحمل الشهادة في النكاح وهو المذهب فشهادة غير العدول فيه كالعدم. قال في المدونة:
وإن نكح مسلم ذمية بشهادة ذميين لم يجز فإن لم يدخلا أشهدا الآن عدلين مسلمين انتهى.
قال أبو الحسن: ويفرق بينهما بعد الدخول بطلقة ويحد على ما تقدم إن ثبت الوطئ انتهى.
وقال القرطبي في أوائل شرح مسلم: ومقتضى الآية أعني قوله * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم
فاسق بنبأ) * الآية أن الفاسق لا يقبل خبره، رواية كان أو شهادة، وهو مجمع
عليه في غير المتأول ما خلا ما حكي عن أبي حنيفة من حكمه بصحة عقد النكاح الواقع
بشهادة فاسقين انتهى. فعزاه لأبي حنيفة. وفي القوانين: ويشترط عدالة الشاهدين فيه خلافا
27

لأبي حنيفة انتهى. وفي البخاري في كتاب الشهادات ما يقتضي الرد على أبي حنيفة في قوله
يجوز النكاح بشهادة غير العدول. وفي مسائل الطلاق من البرزلي: وسئل السيوري فيمن
طلقت ثلاثا وتزوجها آخر ببينة غير عدول ودخل بها وأقام شهورا قليلة ثم طلقها وتزوجها
الأول. فأجاب: لا تبقى مع زوجها ولا تحل له بهذا النكاح إذا كانا غير عدلين ولو حضر
جماعة كثيرة عقد النكاح، فقد أجيب عنه في هذا. قال الشيخ يوسف بن عمر في شرح قول
الرسالة: وشاهدين وشرطهما أن يكونا عدلين، فإن لم يجدوا العدول وإلا استكثروا الشهود مثل
الثلاثين والأربعين انتهى.
تنبيهات: الأول: قال البرزلي في مسائل النكاح عن السيوري: لا يشهد في النكاح إلا
العدول في الوكالة يعني في توكيل المرأة الثيب من يعقد نكاحها وفي العقد غير أنه إن ترك ما
ذكر يعني من شهادة غير العدول عليها في الوكالة على العقد وعلم منها الرضا والدخول بعد
علمها مضى النكاح انتهى. وقال الدماميني في كتاب الشهادات من حاشية البخاري: قال ابن
المنير: ونحن نشترط في جواز الدخول تقدم الاشهاد قبل النكاح ولو دخل قبل أن يشهد حد
ولا بد من الفسخ وفيه أنه نكاح السر، ثم إنا نجوز شهادة المستأمر على إذن المرأة وهو ركن في
العقد للضرورة.
الثاني: قال البرزلي: وفي الطراز: شهادة الخاطبين لا تجوز لأنهما خصمان. وقيل: إنما
ذلك إذا أخذا على ذلك أجرا، فإن لم يأخذا أجرا جازت شهادتهما لأنهما لا يجران لأنفسهما
شيئا وكانت الفتيا تجري على هذا. وقال ابن رشد: شهادة الشاهد في عقد النكاح الذي كان
خاطبا فيه جائزة إذ ليس فيه وجه من أوجه التهمة القادحة في الشهادات. وأعرف لابن رشد
في نوازله أن شهادة المشرف لمن له الاشراف عليه جائزة إذ ليس بيده قبض، ولغيره أنها ضعيفة
لأن له مطلق النظر انتهى. الثالث: قال البرزلي: سئل اللخمي عمن زوج أخته البكر بإذن وصيها، هل يتم النكاح
بشهادة الوصي لعدالته؟ فأجاب: لا يجوز شهادة الوصي في النكاح إذ هو المنكح انتهى.
الرابع: قال الشيخ يوسف بن عمر: وأجرة كاتب الوثيقة على من جرب العادة بها من
الزوج والولي، فإن لم يكن هناك عادة فعليهما معا لأن ذلك حق لهما، ولا تجوز الأجرة على
الشهادة باتفاق ولكن جرى العمل بذلك. قال بعض الشيوخ: ولا أدري من أين أخذوا ذلك
وقد كان قبل هذا الزمان لكاتب الوثيقة معلوم والشاهد معلوم ولا يعمل إلا وضع شهادته ولا
يأخذ شيئا انتهى. وقال الجزولي في شرح قول الرسالة: فإن لم يشهد يؤخذ منه أن أجرة الوثيقة
عليهما معا. وهذا إذا لم يكن هناك عرف، وأما إذا كان هناك عرف فيقضي به. قال صاحب
المنهاج: وأما الأجرة على الشهادة فلا تجوز من غير خلاف، ويا عجبا لمن يفعل ذلك من أين له
28

في ذلك كتاب أو سنة انتهى. ص: (وفسخ إن دخل بلا هو) ش: مفهوم الشرط إن دخلا
بعد الاشهاد لا يفسخ ولو كان الاشهاد بعد العقد وهو كذلك إلا أن يكون قصد إلى
الاستسرار بالعقد فلا يصح أن يثبتا عليه. قال في المقدمات: الاشهاد إنما يجب عند الدخول
وليس من شروط صحة العقد، فإن تزوج ولم يشهد فنكاحه صحيح ويشهدان فيما يستقبل إلا
أن يكونا قصدا إلى الاستسرار بالعقد فلا يصح أن يثبتا عليه لنهيه عليه السلام عن نكاح السر،
ويؤمر أن يطلقها طلقة ثم يستأنف العقد، فإن دخلا في الوجهين جميعا فرق بينهما، وإن طال
الزمان بطلقة لاقرارهما بالنكاح وحدا إن أقرا بالوطئ إلا أن يكون الدخول فاشيا أو يكون على
العقد شاهد واحد فيدرأ الحد بالشبهة انتهى. ومراده والله أعلم بالوجهين النكاح على وجه
الاستسرار وعدمه. وقول ابن رشد: لاقرارهما بالنكاح تعليل لكونه يفرق بينهما بطلقة وتكون
بائنة كما قال ابن الحاجب. قال في التوضيح: لأنه من الطلاق الحكمي، وقاعدة المذهب أن
كل طلاق يوقعه الحاكم فهو بائن إلا طلاق المولى والمعشر بالنفقة انتهى.
تنبيهات: الأول: قال ابن عرفة: ولا يعقد إلا بعد الاستبراء ويحدان إن أقرا بالوطئ إلا
أن يكونا مستفتيين أو فشا نكاحهما، ثم ذكر بقية الكلام على الفشو وعدمه. وقال في اللباب:
والشاهد الواحد لهما بالنكاح أو بابتنائهما باسم النكاح وذكره واشتهاره كالأمر الفاشي. انتهى
والله أعلم. الثاني: شهادة الولي لا تدرأ الحد ولو كان غير عاقد. قال في المدونة: إن وجد رجل
وامرأة في بيت فشهد أبوها أو أخوها بعقدها لم يجز نكاحه ويعاقبان. قال أبو الحسن: وفي
كتاب الحدود في القذف: وإن ثبت الوطئ حدا انتهى.
الثالث: علم من هذا أنه لم يثبت الوطئ لا بالاقرار ولا بالبينة، ولكن حصلت الخلوة
أنهما يعاقبان. وكذا لو اعترف أحدهما بالوطئ وأنكر الثاني فيحد المعترف ويعاقب الآخر.
وقال الشيخ أبو الحسن: يقوم من هنا أن الهاربين يعاقبان وإن ثبت الوطئ حدا ولا يرفع حكم
الخلوة من يكون معهم لأنهم أشرار انتهى.
الرابع: قال في المدونة: تجوز شهادة الأفذاذ في النكاح والعتاق. عياض: الأفذاذ المتفرقون
وهو أن لا يجتمع الشهود على شهادة المتناكحين والولي إذا عقدوا النكاح وتفرقوا قال: كل
واحد لصاحبه أشهد من لقيت. أبو الحسن: فيكون على هذا شاهدان على الزوج وشاهدان
29

على الولي وشاهدان على المرأة إن كانت ثيبا انتهى. قال ابن فرحون في التبصرة عن أبي
إبراهيم: وفي البكر ذات الأب بأربعة: شاهدان على المنكح وشاهدان على الناكح، وأما إن
أشهد كل منهم الشهود الذين أشهدهم صاحبه مرة بعد مرة فليست بأفذاذ انتهى. والظاهر أن
البكر بلا ولي مجبر مثل الثيب والله أعلم.
فرع: قال ابن الهندي في وثائقه: شهادة الأفذاذ لا تعمل شيئا إذا أشهد كل واحد
منهم بغير نص ما شهد به صاحبه وإن كان معنى شهادتهم واحدا حتى يتفق شاهدان على
نص واحد انتهى. وسماها ابن فرحون شهادة الأبداد. قال: قال القاضي منذر بن سعيد في
غريب المدونة: الأبداد بدالين مهملتين وهم المنفرقون واحدهم بد من التبدد لتفرق الشهود.
انتهى كلامه. ص: (ولا حد إن فشا ولو علم) ش: قال الأقفهسي: يعني لا حد على الزوجين
إن ثبت الوطئ ببينة أو إقرار انتهى. ودخل في كلامه صورتان بالمنطوق: وهما لفشو مع العلم
والجهل، ودخل فيه أيضا صورتان بمفهوم الشرط وهو كالمنطوق وهما: عدم الفشو مع العلم
والجهل. والحد في الأولى متفق عليه، وفي الثانية عند ابن الماجشون وابن حبيب قائلين الشاهد
الواحد كالفشو. انظر التوضيح. وأما إن جاءا مستفتيين فلا حد عليهما كما تقدم في كلام ابن
عرفة والله أعلم. ص: (وحرم خطبة راكنة لغير فاسق) ش: قال في التوضيح: لقوله عليه
السلام: لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه واشتراط الركون لكونه عليه الصلاة والسلام
أباح خطبة فاطمة بنت قيس لأسامة وقد كانت خطبها معاوية وأبو الجهم، وأيضا فإنها لما
ذكرت لرسول الله (ص) أن معاوية وأبا جهم خطباها ولم ينكر ذلك، ومن العادة أنهما لا
يخطبان دفعة دل ذلك على جواز الخطبة على الخطبة، والركون ظهور الرضا انتهى. وقال
الشيخ زروق: الركون التفاوت بوجه يفهم منه إذ عان كل واحد لشرط صاحبه وإرادة عقده
وإن لم يفرض صداق وقاله ابن القاسم. انتهى من شرح الارشاد. ومقابل المشهور لابن نافع
وباشتراط تقدير الصداق وهو ظاهر الموطأ. قاله في التوضيح. وقوله لغير فاسق يقتضي أن
الراكنة للفاسق يجوز لغيره أن يخطبها. قال البساطي: والمنقول عن ابن القاسم أنها إذا ركنت
للفاسق جاز للصالح أن يخطبها. وهذا أخص من كلامهم فإنه إذا كان الثاني مجهول الحال
يصدق عليه كلامهم ولا يصدق عليه كلام ابن القاسم انتهى. قلت: والظاهر أنه ليس مراد ابن
القاسم بالصالح من ليس بفاسق ولفظ الرواية في رسم القسمة من سماع عيسى: وسئل عن
الرجل الفاسق المسخوط في جميع أحواله يخطب المرأة فترضى بتزويجه ويسمون الصداق ولم
30

يبق إلا الفراغ فيأتي من هو أحسن حالا منه وأرضى وسأل الخطبة فأباح له أن يخطب على
الفاسق انتهى. ولا شك أن المجهول أحسن حالا ممن هو معلوم بالفسق.
فروع: الأول: قال في التوضيح: وللمرأة ولمن قام لها فسخ نكاح الفاسق انتهى.
الثاني: لا يجوز خطبة الذمية الراكنة لذمي على المشهور. قاله الشيخ زروق في شرح
الرسالة والجزولي. وقال الشيخ يوسف بن عمر: والأخ ليس بشرط ولا يجوز عند مالك الخطبة
على خطبة الذمي. وقال الأوزاعي: ذلك جائز انتهى. وقال في الاكمال ما نصه: وفي قوله على
خطبة أخيه دليل أن ذلك إذا كان الأول مسلما ولا تضييق إذا كان ذلك يهوديا أو نصرانيا،
وهذا مذهب الأوزاعي، وجمهور العلماء على خلافه انتهى. ولا يقال هو أشد من الفاسق لأن
المراد بالفاسق من لم يقره الشارع على فسقه والشارع أقر الذمي على كفره وأباح له أن يتزوج من
كانت على كفره، والفاسق لا يقر على فسقه ولا يجوز له أن يزوج ويفسخ نكاحه والله أعلم.
الثالث: قال البساطي: ركون ولي المرأة ومن يقوم مقامها من أمها وغيرها كركونها إن لم
يظهر منها الرد عند وصول الخبر إليها انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: ركون المرأة أو
من يقوم مقامها الخاطب مانع من خطبة غيره إياها لقوله عليه السلام لا يخطب بعضكم على
خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب متفق عليه انتهى. وتقييد البساطي بقوله
إن لم يظهر منها الرد عند وصول الخبر إليها إنما هو في غير الولي المجبر والله أعلم. الرابع: من خطبته امرأة وركنت إليه فهل لغيره أن يخطبها؟ للحنابلة قولان واستظهروا
المنع. وفي الاكمال ما يدل على الجواز. قال في حديث المرأة التي عرضت نفسها على
النبي (ص) فصعد النظر فيها وصوبه ثم طأطأ رأسه فقال له رجل: إن لم يكن لك بها حاجة
فزوجنيها: وفي قول الرجل هذا دليل على جواز الخطبة ما لم يتراكنا لا سيما مع ما رأى من
زهد النبي (ص) فيها. قال الباجي: فيه جواز ذلك إذا كان باستئذان الناكح إذ هو حقه. عياض:
وعندي أن الاستدلال بهذا كله ضعيف لأنه لم يكن هناك خطبة إلا من المرأة للنبي (ص) في
نفسها، والرجل إنما طلب المرأة وخطبها للنبي ولم يخطبها أحد قبله حتى يقال هي خطبة على
خطبة انتهى. فيؤخذ منه أن المرأة إذا خطبت رجلا أنه يجوز لغيره أن يخطبها إذا لم يقع من
الأول خطبة لها والله أعلم.
الخامس: هل لمن ركنت له امرأة وانقطع عنها الخطاب لركونها إليه أن يتركها أو يكره؟
والظاهر أنه يكره لأن العدة إنما كرهت في العدة قالوا: خوف اختلاف الوعد والله أعلم.
السادس: قال في التوضيح.
فرع: قال مالك في سماع ابن أبي أويس: أكره إذا بعث رجل رجلا يخطب امرأة أن
يخطبها الرسول لنفسه وأراها خيانة، ولم أر أحدا رخص في ذلك انتهى. وقال ابن عرفة:
31

وخطبة رجل على خطبة آخر قبل مراكنة المخطوب إليه جائزة. ابن رشد: ولو اتخذا الخاطب
بخطبته لغيره أولا ولنفسه ثانيا وفعله عمر. أبو عمر عن ابن وهب: طلب جرير البجلي عمر أن
يخطب له امرأة من دوس ثم طلبه مروان بن الحكم بذلك لنفسه ثم ابنه عبد الله كذلك،
فدخل عليها عمر فأخبرها بهم الأول فالأول ثم خطبها لنفسه فقالت: أهازئ أم جاد؟ فقال:
بل جاد فنكحته وولدت له ولدين. قال: وفي سماع ابن أبي أويس: أكره لمن بعث خاطبا أن
يخطب لنفسه وأراها خيانة وما سمعت فيها رخصة.
قلت: هذا إذا خص نفسه بالخطبة فعل عمر رضي الله عنه انتهى. وقال في الارشاد:
يباح النظر لإرادة النكاح وخطبة جماعة امرأة. قال الشيخ زروق في شرحه: يعني يجوز في فور
واحد ومتراسلين وقد فعله عمر إذ خطب لجماعة هو أحدهم فذكرهم وأثنى عليهم، ثم ذكر
نفسه فزوجوه ولم يعترض عليه واحد منهم انتهى. وقال ابن ناجي في شرح الرسالة: وإذا أمر
رجل رجلا أن يخطب له فأراد أن يخطب لنفسه فله ذلك ويعلمه بالباعث له أولا، وفعله عمر
حسبما ذكره ابن عبد البر عن ابن وهب، ولولا الإطالة لذكرنا ذلك، ثم ذكر كلام ابن عرفة
انتهى. وقال في الجلاب: ولا بأس أن يخطب جماعة امرأة مجتمعين أو مفترقين ما لم توافق
واحدا منهم أو تسكن إليه، فإذا وافقت واحدا منهم وسكنت إليه لم يجز لغيره أن يخطبها
حتى يعدل الأول عنها ويتركها، فإن خطبها على خطبته وعقد النكاح على ذلك وثبت عليه
فسخ نكاحه قبل الدخول وبعده، ولها بعد الدخول المهر وعليها العدة، وإن فسخ قبل الدخول
فلا مهر لها ولا عدة انتهى. وقال البساطي: حكم الرسول الخاطب حكم الاثنين فإذا ركنت
لمرسله لم يجز له أن يخطب لنفسه وإلا جاز انتهى.
السابع: إذا وكل رجل رجلا على أن يزوجه امرأة فتزوجها الوكيل لنفسه فهي له
بخلاف الوكيل على شراء سلعة فيشتريها لنفسه ففيه خلاف مذكور في كتاب الوكالة. قال
اللخمي لما تكلم على مسألة الشراء ما نصه: ولا يلزم على هذا النكاح إذا وكله على أن يزوجه
امرأة فتزوجها لنفسه فهي زوجة للوكيل، ولا مقال للآمر لأن المرأة لها غرض فيمن تتزوجه فلا
يلزمها أن تكون زوجة لمن لم ترض به. ولو وكل رجل على تزويج امرأة ففعل وأظهر إنه الزوج
وأشهد في الباطن أن العقد للآمر لم تكن زوجة للوكيل وكانت الزوجة بالخيار بين أن ترضى
أن تكون زوجة للآمر أو تفسخ النكاح انتهى. ص: (وفسخ إن لم يبن) ش: ظاهره سواء كان
32

الثاني عالما بخطبة الأول أو لا، ولم أر من صرح به ولا بعدمه والله أعلم.
فرع: قال البساطي: والفسخ بطلاق وسواء قام الخاطب الأول بحقه أو تركه. انتهى
وهو ظاهر. وقال أيضا: وحيث استمر النكاح فإنه يعذر وينبغي ذلك وإن فسخ. انتهى كلامه.
تنبيه: صحح صاحب الارشاد القول بأنه لا يفسخ ونصه: والصحيح إنه لا يفسخ لكنه
يتحلل منه فإن أبى استغفر الله انتهى. واقتصر في الجلاب على أنه يفسخ قبل البناء وبعده
ونصه إثر كلامه المتقدم: فإن خطب على خطبته وعقد النكاح على ذلك وثبت عليه فسخ
نكاحه قبل الدخول وبعده ولها بعد الدخول المهر وعليها العدة، وإن فسخ قبل الدخول فلا مهر
لها ولا عدة انتهى. ص: (وصريح خطبة معتدة ومواعدتها) ش: أي وحرم التصريح بخطبة
المعتدة ومواعدتها، سواء كانت عدتها من طلاق أو وفاة. قال ابن عرفة: وصريح خطبة المعتدة
حرام. أبو عمر: إجماعا. وحرم مواعدتها. والتصريح التنصيص ودليل ذلك قوله تعالى: * (ولا
جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم
ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى
يبلغ الكتاب أجله) * فتضمنت الآية جواز التعريض وما يضمر في النفس والمنع
من المواعدة والنكاح. واختلف في معنى قوله سرا فقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والشعبي
والسدي وقتادة وسفيان: لا يأخذ ميثاقها وفي عدتها أن لا تتزوج غيره. وقيل: السر الزنا.
اللخمي: وليس بحسن لأن الزنا محرم في العدة وفي غيرها. وسيأتي تفسير التعريض. والمواعدة
أن يعد كل منهما صاحبه بالتزويج فهي مفاعلة لا تكون إلا من اثنين، فإن وعد أحدهما دون
الآخر فهذه العدة، وسيأتي أنها مكروهة، وما ذكره من تحريم المواعدة هو ظاهر الآية. وظاهر
كلام اللخمي وكلام ابن رشد الكراهة. قال ابن عرفة: والمواعدة. قال ابن رشد: تكره في
العدة ابتداء إجماعا. ابن حبيب: لا تجوز. وظاهر قول اللخمي النكاح والمواعدة في العدة
ممنوعان حرمتها وروايتها الكراهة انتهى. يعني إن جعل اللخمي النكاح والمواعدة ممنوعين يقتضي
حرمة المواعدة في العدة، ورواية المدونة الكراهة، ويمكن حمل الكراهة في كلام ابن رشد على
المنع. ص: (كوليها) ش: ينبغي أن يقيد بالمجبر ليوافق كلامه في التوضيح وعليه اقتصر
صاحب الشامل فقال: ومواعدتها كوليها إن كان مجبرا وإلا كره. وبذلك قطع ابن رشد
33

فقال: وإن واعد وليها بغير علمها وهي مالكة أمر نفسها فهو وعدلا مواعدة فلا يفسخ به
النكاح ولا يقع به تحريم إجماعا. ونقل الباجي عن ابن حبيب أن مواعدة المجبر وغيره ممنوعة
كظاهر كلام المصنف وهو ظاهر المدونة عند أبي الحسن وابن عرفة. قال ابن عرفة: الباجي عن
ابن حبيب: لا يجوز أن يواعد وليها دون علمها وإن كانت تملك أمرها. وفي تعليقة أبي
حفص: مواعدة الولي الذي يكرهها في الكتاب وهو الذي يعقد عليها وإن كرهت ليس الذي
لا يزوجها إلا برضاها. ولابن رشد: إن واعد وليها بغير علمها وهي مالكة أمر نفسها فهو وعد
لا مواعدة فلا يفسخ النكاح ولا يقع به تحريم إجماعا، وفيها كره مالك مواعدة الرجل الرجل
في تزويج وليته أو أمته في عدة طلاق أو وفاة فظاهرها كابن حبيب انتهى. وقال الشارح في
الصغير عن ابن المواز أنه قال: ومواعدة الأب في ابنته البكر والسيد في أمته كمواعدة المرأة،
وأما ولي لا يزوج إلا بإذنها فمكروه ولم أفسخه انتهى. فحاصله أن مواعدة الولي المجبر
كمواعدة المرأة، وفي مواعدة غير المجبر ثلاثة أقوال: المنع للباجي عن ابن حبيب مع ظاهرها عند
ابن عرفة وأبي الحسن، والجواز لأبي حفص، والكراهة لابن المواز مع ظاهر كلام ابن رشد والله
أعلم. ص: (كمستبرأة من زنا) ش: لو قال: وإن من زنا لكان أحسن ليشمل أنواع
الاستبراء، وسواء كان هو الزاني بها أو زنى بها غيره فإنه لا يجوز له أن يتزوجها حتى يستبرئها
من الزنى، وإن تزوج بها في مدة الاستبراء فسخ النكاح. قال في النكاح الأول من المدونة: ولا
بأس أن ينكح الرجل امرأة كان زنا بها بعد الاستبراء. وقال في النوادر: ومن زنا بامرأة ثم
تزوجها قبل الاستبراء فالنكاح يفسخ أبدا وليس فيه طلاق ولا ميراث ولا عدة وفاة، والولد بعد
عقد النكاح لا حق فيما حملت به بعد حيضة إن أتت به لستة أشهر من يوم نكحها، وما
كان قبل حيضة فهو من الزنا لا يلحق به انتهى.
فرعان: الأول: هل يتأبد تحريمها عليه؟ أما إن كانت مستبرأة من زنا غيره ففيه قولان
والقول بالتأبيد لمالك وبه أخذ مطرف وجزم به في الشامل وهو الذي يؤخذ من كلام المصنف،
والقول بعدم التأبيد لابن القاسم وابن الماجشون. وأما إن كانت مستبرأة من زنا فذكر ابن رشد
في الأجوبة أنها لا تحرم ويصح نكاحها بعد الاستبراء. ونقله البرزلي عنه وعن ابن الحاج ونص
ما في الأجوبة: وسأله رجل عن رجل وامرأة زنيا ثم إنهما تناكحا بغير استبراء من الماء الفاسد
وتوالدا أولادا، ثم إنهما تفرقا بطلاق وتراجعا بعد الطلاق، ثم تفارقا ثانية بطلاق ثان ثم اتهما
أنفسهما وأنكرا فعلهما وسألا عن ذلك أهل الفتوى فأفتوهما بفساد أفعالهما وأنها كانت على
غير استقامة وإن أولادهما لغير رشدة، ثم إن الرجل زوج المرأة المذكورة مات في خلال ذلك
34

فلم يرث الأولاد منه قليلا ولا كثيرا وأخذت تركة الميت وفرقت على المساكين. فأفتنا وفقك
الله في فعلهما أولا من زواجهما بعد الزنا من غير استبراء وفي طلاقهما وارتجاعهما بعد الطلاق
إلى آخر ذلك من أفعالهما، وفي ميراث الأولاد من الوالد هل يجب لهم ميراث أم لا يجب
بين لنا ذلك كله. وإن كان يجب لهم الميراث، فهل يلزم المفتيين ضمان ما تصدقوا به أم لا؟
وهذان الزوجان إذا وقع الطلاق بينهما على هذا الوجه المذكور ثلاث مرات هل يكون الحكم
عليهما كالحكم على الزواج الصحيح لا يتراجعان إلا بعد زوج، أم يكون الحكم بينهما واحدا؟
بين لنا ذلك أيضا.
فأجاب: تصفحت السؤال ووقفت عليه. والنكاح الأول الذي وقع عقده عليه قبل
الاستبراء من الزنا فاسد لا يلحقه فيه طلاق فتكون مفارقته إياها فيه بطلاق فسخا بغير
طلاق، والنكاح الثاني صحيح يلحقه فيه الطلاق. فإن كان وقع قبل الدخول وجب لها
نصف صداقها ولم يكن لها ميراث، وإن كان وقع بعد الدخول وجب لها جميع الصداق
والميراث إن كان مات قبل انقضاء العدة إلا أن يكون الطلاق الذي طلقها بائنا. وأما الأولاد
فلاحقون به على كل حال يجب لهم الميراث منه، ويلزم من تسور عليه فتصدق به ضمانه،
وأما المفتون فلا ضمان عليهم إذ لم يكن منهم أكثر من الغرور بالقول وإنما الضمان على من
استفتاهم وتسور على ميراثهم بفتواهم فتصدق به دون ثبت ولا أمر واجب على كل حال
وبالله التوفيق انتهى. قال البرزلي بعد نقله كلام ابن رشد المتقدم: يريد الشيخ النكاح الثاني
صحيح إذا كان بعد مدة الاستبراء من الزنا، والنكاح الفاسد لعقده يفتقر للاستبراء كالزنا،
وكذا ما يترتب عليه من الميراث. وكذا رأيت لابن الحاج قال: أجاب محمد بن أصبغ: إن
كانت مراجعته بعد الاستبراء بثلاث حيض فهي صحيحة، وإن كانت الاستبراء فليفارق حتى
يستبرئ بثلاث حيض ثم ينكحها بعد ذلك نكاحا صحيحا إن أحبا، ومثله لابن الحاج وابن
رشد. وما أفتى به من لحوق الولد بكل حال معناه إذا أتت به لستة أشهر من يوم عقد
النكاح الأول فأكثر، وإن أتت به لأقل من ستة أشهر فلا يلحق به ولا ميراث لأنه للزنا
إلا على طريقة الداودي إذا صانها من غيره. حكاه اللخمي في أمهات الأولاد انتهى،
ثم نقلها في موضع آخر بعد هذا بنحو الكراس عن ابن الحاج وقال في آخرها: ويتخرج
في تأبيد تحريمها عليه الخلاف المذكور إذا طرأ النكاح على الماء المجمع على فساده قبل
الاستبراء انتهى.
فتحصل من هذا أنها إذا كانت مستبرأة من زناه أنها لا تحرم عليه ويصح له نكاحها
بعد الاستبراء كما ذكره ابن رشد ونقله البرزلي عنه وعن ابن الحاج، ولم أر في ذلك خلافا،
ويؤيد ذلك ما ذكره المصنف في مسألة المبتوتة وما ذكره في التوضيح في باب الرجعة فيمن
وطئ مطلقته الرجعية في العدة ولم ينو الرجعة أنه لا يجوز له وطؤها إلا بعد الاستبراء من
35

ذلك الوطئ بثلاث حيض، ولا تكون له الرجعة إلا في بقية العدة الأولى في الاستبراء، فإذا
انقضت العدة الأولى فلا يتزوجها هو أو غيره حتى ينقضي الاستبراء، فإن فعل فسخ نكاحه
ولا تحرم أبدا كما أحرمها على غيره لأنها عدته، وليس هو وغيره في مائه سواء. وقيل: حكمه
حكم المصيب في العدة. ومنشأ الخلاف هل التحريم لتعجيل النكاح قبل بلوغه أجله أو
لاختلاط الأنساب؟ وعلى هذا المعنى اختلفوا فيمن طلق زوجته ثلاثا فتزوجها قبل زوج في
عدتها. انتهى. ونحوه لابن عرفة ونصه في باب الرجعة: وعلى إلغاء وطئه دون نية روى محمد
وسمع عيسى ابن القاسم: له مراجعتها فيما بقي من العدة بالقول والاشهاد ولا يطؤها إلا بعد
الاستبراء من مائه الفاسد بثلاث حيض. ابن رشد: فإن تزوجها وبنى بها قبل الاستبراء ففي
حرمتها عليه للأبد قولان: على كون تحريم المنكوحة المجرد تعجيل النكاح قبل بلوغ أجله أوله
من اختلاط الأنساب. انتهى وهو أوفى من كلام التوضيح والله أعلم.
الثاني: قال في التوضيح: من زنت زوجته فوطئها زوجها في ذلك الماء فلا شئ عليه
انتهى. ابن المواز: لا ينبغي له أن يطأها في ذلك الماء. ويأتي الكلام على منع وطئها وكراهته
عند قول المصنف في باب العدة ولا يطأ الزوج ولا يعقد اه‍.
تنبيه: قال ابن ناجي إثر قول المدونة المتقدم ولا بأس أن ينكح الرجل امرأة كان زنا بها
بعد الاستبراء ظاهره وإن لم يتوبا وهو كذلك باتفاق. والصواب عدي حمل لا بأس لما
غيره خير منه انتهى. ص: (وتأبد تحريمها بوطئ وإن بشبهة ولو بعدها) ش: يعني وتأبد تحريم
المرأة التي عقد عليها في العدة إذا وطئها في ذلك العقد، سواء وطئها في العدة أو بعدها. أما
إذا عقد عليها في العدة ووطئها في العدة أيضا فلا إشكال في الحرمة. وأما إذا عقد عليها في
العدة ووطئها بعد العدة فذكر في المدونة في تأبيد حرمتها قولين. قال في طلاق السنة منها.
قال مالك وعبد العزيز: ومن نكح في العدة وبنى بعدها فسخ نكاحه وكان كالمصيب فيها.
وقال المغيرة: لا يحرم عليه نكاحها إلا الوطئ في العدة. وقال ابن القاسم: قال مالك: يفسخ
هذا النكاح وما هو بالحرام البين. قال في التوضيح: قال في الكافي: وقول مالك و عبد العزيز
36

تحصيل المذهب وإلى ترجيح قولها أشار المصنف بقوله ولو بعدها. والفرقة في النكاح الواقع
في العدة فسخ بغير طلاق ونص عليه في المدونة وابن الجلاب وغيره والله أعلم. وأشار بقوله
وإن بشبهة إلى أنه لا فرق في تأبيد تحريمها بين أن يطأها بعقد نكاح أو بشبهة بأن يطأها في
عدتها غالطا فيها يظنها زوجته فإنها تحرم بذلك.
تنبيهات: الأول: لا يصح حمل كلام المصنف على ما إذا خطب في العدة أو وعد فيها
ثم تزوجها بعد العدة ووطئها فإنها لا تحرم عليه بذلك على المشهور كما يأتي في كلام
المصنف. وحمل الشارح في الكبير والأوسط كلام المصنف على هذا وهو بعيد مخالف
للمشهور.
الثاني: إن كان الزوج الناكح في العدة غير عالم بالتحريم حرمت عليه اتفاقا ولا حد
عليه، وإن تزوجها في العدة عالما بالتحريم فالمشهور أنها تحرم على التأبيد، والولد لا حق به
والحد ساقط عنه. وقيل: إنه زان وعليه الحد ولا يلحق به الولد ولا يتأبد تحريمها
. الثالث: هذا التحريم إنما هو في المعتدة من الوفاة ومن الطلاق البائن، وأما الرجعية فلا
يحرم لأنها زوجة ومن تزوج امرأة متزوجة لم تحرم عليه. وقال غير ابن القاسم: هو ناكح في
عدة. قال مالك: وللأول الرجعة قبل فسخ نكاح الثاني وبعده. قاله في التوضيح. وقال ابن
ناجي: قول ابن القاسم في المدونة إنها لا تحرم انتهى. وقال في الشامل: وأما الرجعية فلا تحرم
على الأصح انتهى.
الرابع: انظر وطئ الصبي هل هو كوطئ البالغ أم لا يتأبد به التحريم لعدم الاعتداد كما لا يعتد به الاحصان والاحلال ونحو ذلك فتأمله والله أعلم.
الخامس: قال البرزلي في مسائل النكاح بعد أن ذكر مسألة: ونظيره ما في المدونة إذا
تزوجت في العدة ثم تزوجها آخر بعد خروجها من العدة قبل بناء الأول بها، فالنكاح ثابت
للثاني والأول لغو لأن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا والله أعلم.
السادس: إذا تزوج شخص امرأة ثم ادعت أنه تزوجها في العدة، فإن ثبت أنها تعلم أن
العدة ثلاث حيض واعترفت قبل الزواج أنها قد انقضت عدتها فقال البرزلي: ظاهر المذهب أنه
لا يقبل قولها لأنها تريد فسخ النكاح وما سبق دليل كذبها في دعواها إلا أن يصدقها الزوج
في دعواها فكأنه التزم فسخ النكاح على الوجه المذكور. قال ابن عرفة في فصل تنازع الزوجين
من كتاب ابن سحنون: لو قال تزوجها بعد عدتها وقالت فيها فالقول قوله انتهى.
فرع: قال البرزلي وسئل ابن رشد عمن تزوج امرأة طلقها رجل قبله ثم استراب في أنه
نكحها قبل تمام عدتها فما زال يسألها حتى اعترفت أنه تزوجها بعد حيضتين وقد كانت قبل
ذلك حذرت وخوفت في أن تتزوج حتى تتم عدتها من رجل آخر خطبها فيها، فلما ثبت
37

اعترافها بتكرر سؤاله إياها اعتزلها وشاور العلماء فأفتوه بطلاقها وأنها لا تحل له وشهد عليه
بذلك عدلان وعلى اعترافها بذلك، وقد كانت قبل تزويجها إياه اعترفت بانقضاء عدتها لامرأة
سألتها عن ذلك، فقام الزوج الآن يطلب الصداق وقد قامت له شهادة نساء أنهن عرفنها أن
ذلك لا يجوز، وأنه لا بد من تمام العدة، وأن هذا لا يخرجها من الجهالة بالحكم. جوابها إن
لم يثبت أن المرأة لما حذرت أعلمت أن العدة ثلاث حيض واعتقدت أن العدة أقل، فأرى أن
تحلف ما علمت أن العدة ثلاث حيض ولا تزوجت إلا وهي تظن أن عدتها من الأول قد
انقضت، فإن حلفت على ذلك في الجامع فلا يجب عليها رد شئ من الصداق، وإن نكلت
ردته إلا قدر ما تستحل به وبالله التوفيق انتهى. ونظر أواخر النكاح الأول من المدونة. ص:
(وبمقدمته فيها) ش: أي ويحرم أيضا إن عقد عليها في العدة ثم فعل بها شيئا من مقدمات
الجماع كالقبلة والمباشرة. قال في التوضيح: قال محمد: وإن أرخيت الستور ثم تقاررا أنه لم
يمس لم تحل له أبدا انتهى. وقال في مختصر الواضحة: ومن تزوج امرأة في عدتها فأرخى
عليها الستر ثم فرق بينهما وتناكرا المسيس جميعا فأراد أن يتزوجها بعد انقضاء عدتها فليس
ذلك له وهي تحرم بالخلوة للأبد انتهى. واحترز المصنف بقوله فيها مما إذا عقد في العدة ولم
يحصل فيها شئ من مقدمات الجماع ثم قبلها أو باشرها بعد العدة فإنها لا تحرم بذلك، بل
حكى ابن رشد في البيان الاتفاق على أنها لا تحرم بذلك. لكن قال في التوضيح: فيه نظر لأن
عبد الوهاب حكى رواية أنها تحرم بمجرد العقد فكيف بالمباشرة والقبلة بعد العدة؟ وقد حكى
صاحب البيان هذا القول الأول إلا أن يقال: لعل مراده بالاتفاق ما عدا هذا القول. ص:
(كعكسه) ش: أي عكس الفرع الذي قبله وهو ما إذا تزوجت الأمة في استبرائها من السيد أو
من غيره. قال في المتيطية: وأما المختلف فيه فالوطئ بنكاح أو بشبهة نكاح في الاستبراء أو العدة
38

من غير النكاح كأم الولد يموت عنها سيدها أو يعتقها كان الاستبراء من غصب أو زنا أو من
بيع في الإماء أو هبة أو موت أو عتق الحر وقد وطئ البائع أو الواهب أو الميت أو المعتق، وأما
إن لم يطأ واحد منهم فلا خلاف في أن متزوجها قبل الاستبراء ليس متزوجا في العدة انتهى.
ص: (أو بملك عن ملك) ش: قال في المتيطية: وأما الذي لا يقع به التحريم باتفاق فالوطئ
بملك أو بشبهة ملك في استبراء الأمة خاصة أو في عدة من غير نكاح كعدة أم الولد يموت
عنها سيدها أو يعتقها. كان استبراؤها من غصب أو زنى أو من بيع أو هبة أو عتق انتهى.
ص: (أو مبتوتة قبل زوج) ش: ذكر في التوضيح في هذه المسألة قولين، وتقدم كلامه عند
قول المصنف كمستبرأة من زنى، وذكر الشيخ يوسف بن عمران المشهور عدم التأبيد. ومثل
المبتوتة من يتزوج امرأة تزويجا حراما لا يقر عليه فيفسخ نكاحه بعد الدخول فيتزوجها قبل
الاستبراء. قاله في المقدمات. ويريد المصنف أنه يجد من يتزوج امرأته المبتوتة إذا كان عالما
بالتحريم. قال في كتاب القذف من المدونة: ومن تزوج خامسة أو امرأة طلقها ثلاثا البتة قبل أن
تنكح زوجا غيره أو أخته من الرضاعة أو النسب أو من ذوات محارمه عالما بالتحريم، أقيم عليه
الحد ولم يلحق به الولد إذ لا يجتمع الحد وثبوت النسب. قال اللخمي: يريد إذا ثبت أنه عالم
بالتحريم قبل النكاح وإلا فإن لم يعلم أنه كان عالما بالتحريم إلا بعد النكاح فإنه يحد ويلحق به
الولد انتهى. ص: (وجاز تعريض كفيك راغب) ش: قال في التوضيح: والتعريض ضد
التصريح مأخوذ من عرض الشئ وهو جانبه وهو أن يضمن كلامه ما يصلح للدلالة على
المقصود وغيره إلا أن إشعاره بالمقصود أتم ويسمى تلويحا. والفرق بينه وبين الكناية أن التعريض
ما ذكرناه والكناية هي التعبير عن الشئ يلازمه كقولنا في كرم الشخص هو طويل النجاد كثير
الرماد انتهى. وقال في جمع الجوامع: والتعريض لفظ استعمل في معناه ليلوح بغيره فهو حقيقة
أبدا انتهى. النجاد حمائل السيف. قاله في الصحاح وهو بكسر النون. قال ابن عبد السلام:
39

والمذهب جواز التعريض في كل معتدة سواء كانت في عدة وفاة أو طلاق. وأجازه الشافعي
في عدة الوفاة ومنع منه في عدة المطلقة طلاقا رجعيا واختلف قوله في عدة الطلاق الثلاث
وعدة المختلعة انتهى وقبله في التوضيح. قلت: وما ذكر ابن عبد السلام مخالف لما ذكره
القرطبي في تفسيره ونصه: لا يجوز التعريض بخطبة الرجعية إجماعا لأنها كالزوجة، وأما من
كانت في عدة البينونة فالصحيح جواز التعريض بخطبتها والله أعلم انتهى.
تنبيه: قال ابن عرفة الباجي: عن إسماعيل: إنما يعرض بالخطبة ليفهم مراده لا ليجاب وفي
المقدمات: يجوز التعريض من كل منهما للآخر معا. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: قال
القاضي أبو إسحاق: إنما يعرض المعرض ليفهم مراده لا ليجاب، ولو جاوبته بتعريض يفهم منه
الإجابة كره ذلك ودخل في باب المواعدة انتهى. وقال القرطبي: قال ابن عطية: اجتمعت الأمة
على أن الكلام مع المعتدة بما هو نص في تزويجها وتنبيه عليه لا يجوز، وكذلك اجتمعت الأمة
على أن الكلام معها بما هو رفث أو ذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز، وجوزنا ما عدا ذلك.
وجائز أن يمدح نفسه ويذكر مآثره، ومن أعظم التعريض قوله (ص) لفاطمة بنت قيس: كوني عند
أم شريك ولا تسبقيني بنفسك انتهى. وما ذكره ابن عرفة عن المقدمات من جواز التعريض لكل
منهما يشير به - والله أعلم - لقوله فيها: الذي يجوز هو التعريض بالعدة أو المواعدة وهو القول
المعروف الذي ذكره الله في كتابه وصفته أن يقول لها وتقول له، أو يقول كل واحد لصاحبه: إن
يقدر الله أمرا يكون وإني لأرجو أن أتزوجك وإني فيك لمحب أو ما أشبه ذلك. وإلى هذا أشار
المصنف بقوله كفيك راغب. قال في التوضيح: وهكذا قوله: إن النساء من شأني وإنك علي
لكريمة وإذا حللت فآذنيني وإن يقدر الله خيرا يكن انتهى. ص: (والاهداء) ش: قال في طلاق
السنة من المدونة: وجائز أن يهدي لها. قال أبو الحسن الصغير: والهدية هنا بخلاف وإجراء النفقة
عليها لأن النفقة عليها كالمواعدة انتهى. قال اللخمي: والمفهوم من الهدية التعريض. وقال الشيخ
أبو الحسن إثر كلامه المتقدم: فإن أنفق أو أهدى ثم تزوجت غيره لم يرجع عليها بشئ.
تنبيه: عزا ابن عرفة هذه المسألة لابن حبيب واللخمي مع أنها في المدونة كما تقدم،
وعزاها الشارح لابن حبيب ونحوه في التوضيح قال فيه: قال مالك: ولا أحب أن يفتي به إلا
من تحجزه التقوى عما وراءه اه‍.
فرع: قال البرزلي عن أحكام الشعبي: من تزوج امرأة فأخرج دينارا فقال: اشتروا به
طعاما واصنعوه. فوقع الشراء وانفسخ النكاح بعد الشراء فإن جاء من قبلهم ضمنوا له الدينار
والطعام لهم، وإن كان من قبل الزوج فليس له إلا الطعام إن أدركه. قلت: فهو كأعوان
40

القاضي: إن ظهر لدد من المطلوب فالأجرة عليه وإلا كان الاجر على الطالب. وظاهر ما تقدم
لابن رشد أنه من الزوج مطلقا إن فقد ذلك أو تلف اه‍. ص: (وتفويض الولي العقد لفاضل)
ش: ظاهر كلام المصنف أن الولي فقط هو الذي يفوض العقد للفاضل، وعلى هذا شرحه
الشيخ بهرام والبساطي وقالا: إنه يشير به إلى قول ابن الماجشون في الواضحة أن الولي والناكح
يفوضان للفاضل وأنه يتولى الطرفين. وحمل المصنف ولفظ الواضحة يقتضي أنه الأولى لقوله
وكان يفعل فيما مضى ونصه: قال ابن الماجشون: ولا بأس أن يفوض الناكح وولي المرأة
للرجل الصالح أو الشريف أن يعقد النكاح وكان يفعل فيما مضى. وقد فوض ذلك إلى عروة
فخطب واختصر فقال: الله حق ومحمد رسوله، وقد خطب فلان فلانة وقد زوجته إياها على
كتاب الله وشرطه. قال ابن حبيب: وشرطه إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. انتهى والله
أعلم. ص: (وذكر المساوي) ش: قال القرطبي في شرح مسلم في كتاب البر والصلة لما تكلم
على الغيبة وما يجوز فيه ذكر الانسان بما يكره قال: وقد يخرج عن هذا الأصل صور فتجوز
الغيبية في بعضها وتجب في بعضها ويندب إليها في بعضها. فالأول - يعني الجائز - كغيبة المعلن
بالفسق المعروف به فيجوز ذكره بفسقه لا بغيره مما لا يكون مشهورا به لقوله عليه الصلاة
والسلام بئس أخو العشيرة وقوله لا غيبة في فاسق وقوله لي الواجد يحل عرضه وعقوبته.
الثاني يعني ذكر جرح الشاهد عند خوف إمضاء الحكم بشهادته، وجرح المحدث الذي يخاف
أن يعمل بحديثه أو يروى عنه. وهذه أمور ضرورية في الدين معمول بها مجمع عليها من
السلف الصالح ونحو ذلك ذكر عيب من استنصحت في مصاهرته أو معاملته، فهذا يجب
عليه الاعلام بما يعلم من هيئاته عند الحاجة إلى ذلك على وجه الاخبار كما قال النبي (ص):
أما معاوية فصعلوك الحديث. وقد يكون من هذين النوعين ما لا يجب بل يندب إليه كفعل
المحدثين حين يعرفون بالضعفاء مخافة الاغترار بحديثهم، وكتحذير من لم يسأل مخافة معاملة
من حاله يجهل. وحيث حكمنا بوجوب النص على العيب فإن ذلك إذا لم يجد بدا من
التصريح والتنصيص، فأما لو أغنى التعريض أو التلويح لحرم التفسير والتصريح فإن ذلك
ضروري والضروري مقدر بالحاجة انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر: إذا قال له أريد أن
أناكح فلانة فإنه يذكر له ما فيها وفيه ابتغاء النصح لا لعداوة وفي المشاور فيه انتهى.
تنبيه: قال الجزولي في شرح الرسالة: إذا استشير الانسان فإنه يجوز له أن يكشف عما
يعلم فيه من خير أو شر ولا يجب عليه ذلك. الشيخ: إذا كان هناك من يعرف حال المسؤول
41

عنه وإلا فذلك واجب عليه لأنه من باب النصيحة لأخيه المسلم. وقد قال قبل هذا: وعليه
موالاة المؤمنين والنصيحة لهم. وقد نص على هذا ابن يونس. قال بعض الشيوخ: انظر هل
يكشف له عن حاله قبل أن يستشار أم لا. الشيخ: ظاهر الكتاب أنه يذكر حاله إذا سئل عنه
وإلا فهو غيبة والغيبة حرام انتهى. وما ذكره الجزولي من أنه لا يجب عليه أن يكشف عما يعلم
فيه إذا سئل عنه إلا إذا لم يكن هناك من يعرف حاله مخالف لما تقدم في كلام القرطبي،
وكذلك ما ذكره من أنه لا يكشف عن حاله إلا إذا سئل عنه وإلا كان غيبة مخالف لما تقدم
في كلام القرطبي من أنه مندوب فتأمله. ص: (وركنه ولي وصداق ومحل وصيغة) ش
: الضمير عائد للنكاح يعني أن أركان النكاح أربعة، وكذا فعل صاحب الجواهر. وفي الحقيقة
هي خمسة لأن المحل يشمل الزوج والزوجة. وقد عدها ابن راشد في اللباب خمسة. وقال
الشارح: جعل ابن محرز الولي والشهود والصداق شروطا وهو أقرب مما هنا لكن الامر في
ذلك قريب انتهى.
قلت: أما الولي والزوجة والزوج والصيغة فلا بد منها ولا يكون نكاح شرعي إلا بها
42

، لكن الظاهر أن الزوج والزوجة ركنان والولي والصيغة شرطان، وأما الشهود والصداق فلا ينبغي
أن يعدا في الأركان ولا في الشروط لوجود النكاح الشرعي، بدونهما، غاية الأمر أنه شرط في
صحة النكاح أن لا يشترط في سقوط الصداق ويشترط في جواز الدخول الاشهاد فتأمله. وقد
تقدم أن الاشهاد في العقد مستحب. وأما الصداق فقال الشيخ يوسف بن عمر في قول
الرسالة: وصداق هذا شرط كمال في العقد لأنه لو سكت عنه لم يضر كالتفويض. نعم لو
تعرضوا لاسقاطه فسد النكاح وفسخ قبل الدخول. انتهى مختصرا. فعلم أن ذكر الصداق أولى
من نكاح التفويض والله أعلم ص: (بأنكحت وزوجت) ش: قال ابن الحاجب: الصيغة لفظ
يدل على التأبيد مدة الحياة كأنكحت وزوجت وملكت وبعت وكذلك وهبت بتسمية صداق.
قال في التوضيح: وما ذكره المصنف في الصيغة نحوه في ابن شاس، ومقتضاهما أنه لا ينعقد
بالكتابة والإشارة ونحو ذلك وهو مقتضى كلامه في الاشراف، وكذلك في الاستذكار.
والنكاح يفتقر إلى التصريح ليقع الاشهاد عليه انتهى. وكلام ابن عبد السلام يقتضي أنه لا
ينعقد بالكتابة والإشارة. وفي اللباب: الصيغة من الولي لفظ الخ.
تنبيهات: الأول: ينبغي أن يقيد ذلك بمن يمكنه النطق كما سيأتي في الدال على القبول
من جهة الزوج. وفي كتاب الحمالة من المدونة: وما فهم عن الأخرس أنه فهمه من الكفالة أو
غيرها لزمه انتهى.
الثاني: لا خلاف في المذهب في انعقاد النكاح بهذين اللفظين كما قاله في التوضيح
وقاله غيره. والظاهر أنه لا فرق بين لفظ الماضي والمضارع. قال ابن عرفة: صيغته ما دل عليه
كلفظ التزويج وإلا نكاح انتهى. فأتى بالمصدر. وقال أبو الحسن في شرح قول المدونة: زوجني
فيقول فعلت. انظر جعل لفظ المستقبل في النكاح الماضي ومثله في إرخاء الستور. وإذا قالت له
اخلعني ولك ألف فقال قد فعلت لزمها ذلك، وإن لم تقل بعد قولها الأول شيئا انتهى.
وسيأتي لفظ المدونة المتقدم بكماله. وقال ابن فرحون: فإن قلت أنكحت ونكحت خبر عن
شئ وقع في الماضي وكلامنا في لفظ ينعقد به النكاح في المستقبل. فالجواب: أن المراد بهذه
الصيغ الانشاء وإن دلت على الاخبار عن الماضي، والانشاء سبب لوقوع مدلوله كقول الحاكم
حكمت انتهى.
الثالث: قال في المسائل الملقوطة: وصيغة العقد مع الوكيل أن يقول الولي للوكيل
زوجت فلانة من فلان ولا يقول زوجت ملك، وليقل الوكيل قبلت لفلان ولو قال قبلت لكفي
إذا نوى بذلك موكله انتهى.
43

الرابع: ينبغي أن يلحق باللفظين المتقدمين أعني أنكحت وزوجت لفظ فعلت أو
قبلت وما أشبهه جوابا لقول الزوج زوجني أو أنكحني فإنهم لم يذكروا في انعقاد
النكاح بذلك خلافا. قال ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: ومن الزوج ما يدل
على القبول يعني أن الصيغ المتقدمة هي المشترطة من الولي وقد يتسع الكلام فيها، وأما
جانب الزوج فيكفي فيه كل لفظ يدل على القبول دون صيغة معينة، وكذا الإشارة وكل
ما يدل على القبول. ولو ابتدأ الزوج فقال للولي قد نكحت فلانة أو تزوجتها فقال الولي في
جواب الزوج قد فعلت أو قبلت أو ما أشبه ذلك لكان مثل الأول، لأنه لا فرق بين أن
يبتدئ الولي أو الزوج انتهى. وقال ابن عرفة: وجواب قولها أن الصيغة أحد العاقدين بقول
الآخر قبلت كاف انتهى. فالحاصل أنه إذا جرى لفظة التزويج أو الانكاح من الولي أو من
الزوج فأجابه الآخر بما يدل على القبول صح النكاح والله أعلم. ص: (وبصداق وهبة) ش:
هذا مذهب المدونة في لفظ الهبة. قال ابن عرفة: وفي كون الصدقة كالهبة ولغوها قولا ابن
القصار وابن رشد انتهى. ويظهر من كلام المصنف ترجيح قول ابن رشد لاقتصاره على
التنصيص على لفظ الهبة ولم يذكر الصدقة بل أدخلها في التردد وهو الذي يظهر من كلام
صاحب الشامل لقوله: وفي وهبت مشهورها إن ذكر مهرا صح وإلا فلا. وقيل: يصح
بعت وتصدقت بقصد نكاح انتهى. وهذا قول ابن القصار إلا أنه لا يشترط ذكر المهر
لا في الصدقة ولا في الهبة. قال في التوضيح: ابن القصار: وسواء عندي ذكر المهر في لفظ
الهبة والبيع والصدقة أو لم يذكره إذا علم أنهم قصدوا النكاح. وقال في التوضيح قبل هذا
الكلام: ويلحق بالهبة في اشتراط التسمية الصدقة من باب أولى انتهى. يعني على مذهب
المدونة إلا أنه لم يصرح في المدونة بلفظ الصدقة والذي ذهب إليه ابن رشد أنه لا يلحق بها
والله أعلم.
تنبيه: قال ابن عرفة: وفي الإباحة والاحلال قولان: لبعض أصحاب ابن القصار وله.
قلت: حكى أبو عمر الاجماع على الثاني انتهى. وقوله على الثاني أي على قول ابن القصار
أنه لا ينعقد بهما. قال في الذخيرة: وقال صاحب الاستذكار: أجمعوا على أنه لا ينعقد بلفظ
الاحلال والإباحة انتهى. وصاحب الاستذكار هو أبو عمر. ثم قال ابن عرفة: ونقل ابن بشير
عن ابن القصار الاطلاق كالتحليل والإباحة والرمي والإجارة والعرية والوصية لغو انتهى. ويعني
أن ابن بشير نقل عن ابن القصار يظهر لك ذلك من كلام ابن بشير ونصه: والنكاح عندنا
جائز بكل لفظ اقتضى لفظ الملك كالهبة والصدقة والانكاح والتزويج والاعطاء. وذكر أبو
44

الحسن بن القصار عن بعض أصحابنا جوازه بلفظ الإباحة والتحليل والاطلاق إذ أريد بذلك
النكاح وكان ميله إلى أن هذا لا يصح لأنه لا يفيد معنى العقد عن البضع بعوض انتهى. ولم
يذكر الرهن وما بعده وذكر الأربعة في التوضيح عن ابن القصار وعبد الوهاب قال: لاقتضاء
الإجارة والعارية والتوقيت والرهن التوثق دون التمليك وعدم لزوم الوصية. انتهى بالمعنى. وقال
الشارح في الكبير بعد ذكره كلام التوضيح: ولم أر فيه خلافا انتهى.
ص: (وهل كل لفظ يقتضي البقاء مدة الحياة كبعت تردد) ش: يشير بالتردد
لاختلاف المتأخرين في نقل المذهب. قال في التوضيح: واختلفت طرق الشيوخ في نقل لمذهب
فيما عدا أنكحت وزوجت. فذهب ابن القصار وعبد الوهاب في الاشراف والباجي وابن
العربي في أحكامه إلى أنه ينعقد بكل لفظ يقتضي التأبيد دون التوقيت، فينعقد بملكت
وبعت. وأشار الباجي في توجيهه لذلك إلى أنه قول مالك، واستدل جماعة لذلك بما في
الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام: ملكناكها بما معك من القرآن. وفي رواية:
أمكناكها. وذهب صاحب المقدمات إلى أنه لا ينعقد بما عدا أنكحت وزوجت إلا لفظ
الهبة، فاختلف فيه قول مالك انتهى. وتبع الأولين صاحب الارشاد وابن بشير ولفظه: والنكاح
عندنا جائز بكل لفظ اقتضى لفظ الملك كالهبة والصدقة والانكاح والتزويج والاعطاء انتهى.
ثم ذكر كلامه المتقدم. وتبع ابن بشير صاحب الجواهر وابن الحاجب وصاحب اللباب وأكثر
أهل المذهب. قال الشيخ بهرام في الشرح الكبير: والذي رأيت عليه الأكثر الانعقاد بذلك
خلافا للمغيرة وابن دينار وما ذكره صاحب المقدمات انتهى. ويفهم من كلامه في الشامل
ترجيح طريقة ابن بشير لأنه قال: وصيغة من ولي بأنكحت وزوجت وفي وهبت
مشهورها إن ذكر مهرا صح وإلا فلا. وقيل: يصح ببعت وتصدقت بقصد نكاح. وقيل:
وبتحليل وإباحة وكل لفظ يقتضي تمليكا مؤبدا لا إجارة وعارية ورهنا ووصية اه‍. وما تقدم
عن ابن رشد وهو كذلك في المقدمات في آخر كتاب النكاح. وله في الشارح آخر مسألة في
رسم إن أمكنتني من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق ما نصه: وكذلك التزويج ليس
من ألفاظ الشراء والشراء ليس من ألفاظ التزويج. فإذا قال الرجل للرجل قد بعتك ابنتي أو
أختي بكذا وكذا لا يكون ذلك نكاحا إلا أن يكون أراد بذلك البيع. انتهى فتأمله مع ماله في
آخر كتاب النكاح من المقدمات أعني ما نقله عنه المصنف في التوضيح وغيره والله أعلم.
تنبيهات: الأول: قال في التوضيح: ما ذكره ابن الحاجب من أن الصيغة لفظ يدل على
التأبيد مدة الحياة صحيح كما بيناه. واعترضه ابن عبد السلام بما حاصله أنه لا يشترط دلالة
45

الصيغة على التأبيد بل أن لا يدل على التوقيت، وذكر أن ذلك هو الذي يؤخذ من كلام أهل
المذهب وكلام عبد الوهاب وذلك أعم من كونها دالة على التأبيد وفيه نظر، لأن عبد الوهاب في
الاشراف صرح بما ذكره المصنف وكذلك غيره انتهى. واعلم أن أكثرهم يصدر الكلام بما قاله ابن
الحاجب ثم يذكرون الألفاظ المتقدمة وهي إنما تدل بصريحها على نفي التوقيت لكن يلزم ذلك
الدلالة على التأبيد مدة الحياة، فالسؤال وارد على عبارة غير ابن الحاجب ومراد الجميع واضح.
الثاني: على قول الأكثر فيخرج منه لفظ الاحلال والإباحة والاطلاق لأنه لم يقل بها
إلا بعض أصحاب ابن القصار، ونقل أبو عمر الاجماع على خلافه كما تقدم. ويخرج من
ذلك أيضا لفظ التحبيس والوقف والاعمار. قال في التوضيح: فقد يقال حد المصنف للصيغة
غير مانع لشموله مثل وقفت وحبست على فلان وأعمرته لدلالة ذلك على التأبيد مدة
الحياة انتهى. ونقله ابن فرحون في شرحه وزاد: ولا مدخل لها في باب النكاح. ولعل قول
المصنف كبعت إشارة إلى إخراج ما تقدم.
الثالث: ظاهر كلامهم أنه لا يشترط تسمية الصداق لأنهم إنما ذكروا الخلاف في ذلك
في الهبة. قال ابن عرفة: وصيغته ما دل عليه كلفظ التزويج والانكاح وفي قصرها عليهما نقلا
أبي عمر عن ابن دينار عن المغيرة ومالك، وعليه قال القاضي: ينعقد بكل لفظ دل على
التمليك أبدا كالبيع. ابن القصار: وإن لم يذكر صداقا وفي الهبة ثالثها إن ذكر انتهى. وقال
ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: وكذلك وهبت بتسمية الصداق دون غيرها من
الصيغ التي ذكر لأنها ظاهرة في نفي العوض ويلحق بها لفظ الصدقة وهي أحرى من الهبة
لأن هبة الثواب أحد نوعي الهبة والصدقة لا عوض فيها البتة.
فإن قلت: لفظ الإباحة والتمليك والتحليل لا يستلزم العوض فينبغي أن تلحق به الهبة
والصدقة لاشتراك الجميع في عدم شرط العوض بخلاف البيع.
قلت: هي وإن اشتركت فيما ذكرته إلا أن الإباحة والتحليل والتمليك كما لا تدل على
شرط العوض لا تدل على نفيه بخلاف الهبة والصدقة، لأنها لا تدل على نفي العوض ظاهرا
فاحتيج في التعريض إلى التسمية والله أعلم انتهى. ص: (وكقبلت) ش: يعني أن الصيغة المطلوبة
من الزوج هي كل ما دل على قبوله كقبلت وقال في الكبير: ورضيت واخترت انتهى.
وقال ابن الحاجب: ومن الزوج ما يدل على القبول قال في التوضيح: دون صيغة متعينة. ابن
عبد السلام: وكذلك الإشارة. خليل: ولا أعلم نصا في الإشارة والظاهر أنها لا تكفي من
جهة الزوج. أما أولا فلان النكاح لا بد فيه من الشهادة ولا تمكن إلا مع التصريح من الولي
46

والزوج ليقع الاشهاد عليها. وأما ثانيا فلان قوله: ومن الزوج معطوف على مقدر تقديره
الصيغة من جانب الولي كذا ومن جهة الزوج كذا. وعلى هذا فالظاهر أن مراده بقوله كل
لفظ لا يشترط فيه تعيين كما في صيغة الايجاب انتهى. وقال ابن عرفة: أبو عمر: إشارة
الأخرس به كلفظه انتهى. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد: أبو عمر: إشارة الأخرس كافية
إجماعا انتهى. وانظر ابن فرحون. وقال في الجواهر: ويكفي أن يقول الزوج قبلت إذ تقدم من
الولي الايجاب ولا يشترط أن يقول قبلت نكاحها، وينعقد النكاح بالايجاب والاستيجاب. فلو
قال لأبي البكر أو لأبي الثيب وقد أذنت له أن يزوجها زوجني فلانة فقال قد فعلت، أو قال
قد زوجتك فقال الخاطب لا أرضى فقد لزم النكاح. انتهى ونحوه في المدونة وسيأتي. وقال
الشيخ زروق في شرح الارشاد: والاستيجاب طلب الايجاب بقوله: زوجني فيقول: فعلت
أو يقول: قد زوجتك فيقول: قبلت. والحاصل أن خلو النكاح عن الصيغة لا يصح معها
وكونها من أحد الجهتين كاف انتهى. قاله في الجواهر وتبعه ابن الحاجب فقال: يكفي كل
لفظ يدل عليه انتهى. ويعني - الشيخ والله أعلم - الصيغة المخصوصة التي فيها الانكاح والتزويج
لا مطلق الصيغة، وكلام صاحب الجواهر الذي أشار إليه هو ما تقدم والله أعلم. ص:
(وبزوجني فيفعل) ش: أشار بهذا إلى أن الترتيب ليس بشرط إلا أنه الأولى. وقال ابن عرفة:
ولازم استيجاب خطبة الخاطب تقديم إعطاء الولي وتأخير قبول الزوج انتهى. ولم يظهر لي
وجه الملازمة فتأمله. ولا يقال وجه ذلك أنه لو بدأ الزوج لم يقع الحمد والثناء في ابتداء الامر
لأنا نقول قد تقدم أن الزوج يستحب له أن يخطب عند قبوله، ثم إن كلامه إنما هو في الأولى
كما تقدم عن المدونة والله أعلم.
تنبيه: قال في القوانين: والنكاح عقد لازم لا يجوز فيه الخيار خلافا لأبي ثور ويلزم فيه
الفور في الطرفين، فإن تراخى القبول عن الايجاب يسيرا جاز. وقال الشافعي: لا يجوز مطلقا
وأجازه أبو حنيفة مطلقا انتهى. وما قاله ظاهر جار على قول ابن القاسم الذي مشى عليه
المصنف بعد في الذي يقول إن مت فقد زوجت ابنتي من فلان، أنه لا يجوز ذلك في
الصحة وإنما أجازوه في المرض لأن أصبغ قال: إنه مجمع على إجازته وهو من وصايا المسلمين.
وقال في التوضيح عن اللخمي: لولا الاجماع الذي نقله أصبغ وإلا فالقياس المنع لأن المرض قد
يطول فيتأخر القبول عن الايجاب بالسنة ونحوها، وكأنهم لاحظوا أن المريض مضطر إلى ذلك
ولذلك اختلف في الصحيح انتهى. وقال ابن رشد في رسم حلف من سماع ابن القاسم من
النكاح: اختلف إذا قال الرجل في حياته إن فعل فلان كذا فقد زوجته ابنتي فقال مالك في
رسم سن بعد هذا في الذي يقول إن جاءني فلان بخمسين فقد زوجته ابنتي: لا يعجبني هذا
47

النكاح ولا تزويج له. وانظر كلام القرافي في كيفية أداء الشهادة وكلام ابن عرفة في باب
الشهادات في الكلام على أداء الشهادة. ص: (ولزم وإن لم يرض) ش: يعني أن الرجل إذا قال
لولي المرأة المجبر لها والمفوض إليه نكاحها زوجني وليتك فقال قد فعلت فقال الزوج لا أرضى
بذلك فإنه يلزمه النكاح، وكذلك لو قال قلت هازلا. قال في النكاح الأول من المدونة: وإن
قال الخاطب للأب في البكر أو لوصي مفوض إليه زوجني فلانة بمائة فقال قد فعلت، ثم قال
الخاطب لا أرضى لم ينفعه ولزمه النكاح بخلاف البيع. قال ابن المسيب: ثلاث ليس فيهن
لعب هزلهن جد: النكاح والطلاق والعتاق انتهى. قال في التوضيح: ويؤخذ من كلام ابن عبد
السلام أنه فهم من قول الزوج: لا أرضى وأن الزوج أنشأ ما يقتضي الرضا بعد قول الولي
قد فعلت وليس بظاهر لأنا قد بينا أن قول الزوج زوجني يقوم مقام الرضا يعني أن ابن
عبد السلام فهم من قول الزوج لا أرضى أن الزوج أنشأ ما يقتضي الرضا بعد قول الولي: قد
فعلت. فلأجل ذلك لم يقبل قوله: لا يرضى. وأما إن لم يقم منه ما يدل على الرضا لم
يلزمه، وما قاله المصنف من أن ما قاله ابن عبد السلام ليس بظاهر ظاهر. ثم قال في التوضيح:
والفرق بين النكاح والبيع من وجهين: أحدهما أن هزل النكاح جد على المشهور. والثاني أن
العادة جارية بمساومة السلع وإيقافها للبيع في الأسواق، فناسب أن لا يلزم ذلك في البيع إذا
حلف لاحتمال أن يكون قصد معرفة الأثمان ولا كذلك النكاح انتهى.
تنبيه: فهم من هذا أن هزل النكاح لازم ولو علم أنه قصد الهزل وبذلك صرح غير واحد
من الشيوخ. قال في النوادر عن كتاب ابن المواز: قال مالك: من قال لرجل وهو يلعب زوج
ابنتك من ابني وأنا أمهرها كذا فقال الآخر على ضحك ولعب أتريد ذلك؟ قال: نعم زوجتك
وهو يضحك فقال: قد زوجته، فذلك نكاح لازم للأبوين أن يفسخاه إذا رضيا، يريد على وجه
الخلع والمباراة. قال ابن القاسم: ثلاث لا لعب فيهن: النكاح والطلاق والعتاق. وكان في الجاهلية
يناكح ويقول كنت لاعبا وكذلك يقول في الطلاق والعتاق فأنزل الله سبحانه: * (ولا تتخذوا
آيات الله هزوا) * انتهى. وقال ابن رشد في سماع أبي زيد من كتاب النكاح في
رجل أحضر رجلا فقيل: تراك تبصر هذا وقد بلغنا أنه ختنك فقال: نعم أبصره واشهدوا أني
قد زوجته ابنتي فقيل له: بكم؟ فقال: بما شاء، ثم قال الرجل فقال امرأتي فقال الأب: والله ما
كنت إلا لاعبا فقال: يحلف الأب بالله ما كان ذلك منه على وجه النكاح ولا شئ عليه.
قيل له: طلب ذلك بحدثانه أو بعد ذلك بيومين؟ قال: ذلك سواء. قال ابن رشد: هذا من قول
ابن القاسم مثل ما حكاه أبو عبيد عن مالك ورواه الواقدي عنه من أن هزل النكاح هزل ولا
48

يجوز منه إلا ما كان على وجه الجد خلاف المشهور المعلوم من قول مالك وأصحابه في المدونة
وغيرها من أن هزله جد على ما جاء في ذلك عن جماعة من السلف عمر بن الخطاب وسعيد بن
المسيب وغيرهما انتهى. وقال في التوضيح في كتاب الطلاق في شرح قول ابن الحاجب: وفي
الهزل في الطلاق والنكاح والعتق ثالثها إن قام عليه دليل لم يلزم ما نصه: يلحق بالثلاث الرجعة
والمشهور اللزوم لما في الترمذي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): ثلاث هزلهن
جد: النكاح والطلاق والرجعة وهو حديث حسن غريب. والقول بعدم اللزوم في السليمانية
لكن إنما ذكره في النكاح. والقول الثالث في كلام المصنف نقله ابن شاس عن اللخمي. ابن عبد
السلام: والذي يحكيه غير واحد إنما هو قولان، وما ذكر من القول الثالث وهو شرط قيام الدليل
على عدم اللزوم يعدونه من تمام القول الثاني، لأن الهزل لا يثبت بمجرد الدعوى. لكن ذكر بعض
المتأخرين أنه اختلف أنه إذ قال تزوجني وليتك أو تبيعني سلعتك فقال قد بعتها من فلان أو
زوجتها على أربعة أقوال: يلزم ولا يلزم. والفرق بين أن يدعي ذلك بأمر ما متقدم أو لا يدعيه إلا
بذلك اللفظ والفرق فيلزم في النكاح لا البيع. والقول الثالث يشبه الثالث من كلام المصنف.
انتهى كلام التوضيح ونحوه لابن عبد السلام وابن فرحون. إذا علم ذلك فما ذكره المشذالي عن
القابسي أنه قال: معناه إذا ادعى الهزل بعد الرضا، وأما إن علم الهزل ابتداء فلا يلزم. ونحوه لابن
القاسم ومثله للخمي في كتاب الغرر وغيره مخالف للمشهور الذي ذكره ابن رشد والمصنف في
التوضيح، واقتصار المشذالي عليه يوهم أنه المذهب، وكذلك اقتصار الشيخ أبي الحسن الصغير
على كلام اللخمي يقتضي أنه المذهب وقد علمت أنه خلاف المشهور والله أعلم. وما ذكره
المصنف في التوضيح من الخلاف في مسألة من قال تزوجني وليتك فقال قد زوجتها من فلان،
ذكره ابن رشد في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح. وفي رسم العشور من سماع
عيسى من كتاب الدعوى والصلح في مسألة ما إذا خطب رجل من شخص ابنته فقال قد
زوجتها فلانا فقام فلان بذلك وأنكر الأب وقال كنت معتذرا ونصه: وأما إذا خطبت إلى رجل
ابنته البكر فقال قد زوجتها فلانا وطلب ذلك المقر له ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أن النكاح
واجب للطالب، سواء كان طلبه بهذا القول أو بنكاح كان قبله، لأن النكاح لا لعب فيه ولا
اعتذار وهو قول أصبغ في كتاب الدعوى والصلح وقول ابن حبيب في الواضحة. والثاني أن
النكاح لا يلزم بهذا الاقرار ولا بدعوى متقدمة وإليه ذهب ابن المواز. والثالث الفرق بين أن يطلبه
بذلك القول أو بقول متقدم وهو قول ابن كنانة في رسم العشور من سماع عيسى من كتاب
الدعوى والصلح، وقول أصبغ وروايته عن ابن القاسم في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب
النكاح، فإن طلبه بقول متقدم حلف الزوج بالله لقد كان زوجني وثبت النكاح، وإن طلبه بهذا
49

القول حلف الأب بالله ما كان منه إلا اعتذارا إليه وما زوجه. انتهى ملخصا من رسم النكاح من
سماع أصبغ من كتاب النكاح، ومن رسم العشور من سماع عيسى من كتاب الدعوى والصلح،
ونقله ابن عرفة في أول النكاح. وقال ابن رشد في سماع أصبغ من كتاب النكاح: إن القول
الثاني أشبه الأقوال انتهى. وهو الجاري على المشهور فيمن أقر اعتذارا أنه لا يلزمه كما ذكره
المصنف في باب الاقرار والله أعلم.
فرع: قال في المتيطية في فصل الاختلاف في الزوجية: واختلف في نكاح الهزل، فقال
الشيخ أبو الحسن: إذا لم يقم دليله لزم الزوج نصف الصداق ولم يمكن من الزوجة لاقراره على
نفسه أن لا نكاح بينهما. وقال الشيخ أبو عمران: يمكن منها ولا يضره إنكاره انتهى. وهذا الأخير
هو الذي يوافق قول المصنف وليس إنكار الزوج طلاقا والله أعلم. ص: (وجبر المالك أمة وعبدا
بلا إضرار) ش: نحوه لابن الحاجب. قال ابن عبد السلام: مراده بالمالك الجنس فيدخل فيه الذكر
والأنثى والحر والعبد ومن فيه عقد حرية إذا كان له النظر في ماله وهو المكاتب انتهى. وهذا إنما
يكون للمكاتب إذا قصد ابتغاء الفضل، وأما إذا لم يكن في صداقها فضل لم يكن له أن يزوجها
إلا بإذن سيده. قاله ابن رشد: انتهى من ابن فرحون. فعلم منه أن المالك إذا كان عبدا أو كانت
فيه شائبة حرية ولكن ليس له التصرف في ماله فليس له أن يزوج إلا بإذن سيده والجبر في الحقيقة
للسيد لا له، بل ليس له أن يتولى نكاح الأمة وإن رضي سيده والله أعلم.
فرع: يلحق بالمالك الوصي. قال ابن الحاجب: والوصي يزوج رقيق الموصى عليه
بالمصلحة. وقاله ابن عرفة وصاحب الشامل. قال ابن عبد السلام: وله جبرهم انتهى.
قلت: ومثل الأب في رقيق ولده مقدم القاضي والله أعلم.
تنبيه: قال في أوائل النكاح الأول من المدونة: وللوصي أن ينكح إماء اليتامى وعبيدهم
على وجه النظر انتهى. قال أبو الحسن: لأنه قد يهرب فإذا زوجه لم يهرب. وقال في الرسالة
في آخر باب الأقضية: وللوصي أن يتجر بأموال اليتامى ويزوج إماءهم. قال القلشاني: لسقوط
نفقة الإماء عن اليتامى. واختلف هل له تزويج ذكور المماليك؟ وفي المدونة: الجواز. قيل: لا
يجوز لأنه يصير العبد مديانا بالصداق والولد لغيره ويشتغل بالزوجة ويترك الأيتام. وحمل بعض
الشراح الرسالة على هذا القول انتهى. وما ذكره عن المدونة يشير به لكلامها المتقدم. قال ابن
ناجي في شرح المدونة إثر كلامها المتقدم: زاد في الام: بعضهم لبعض ومن أجنبيين. ويريد
بقوله: على وجه النظر إذا خاف أن يأبقوا إذا لم يقع تزويج انتهى.
50

فرع: وأما الأمة المخدمة فإن كان مرجعها إلى حرية فليس له جبرها ولا يزوجها إلا
برضاها. قال في النوادر: يريد ورضى المخدم وليس ذلك للمخدم. قاله في ترجمة من يكره
على النكاح ممن فيه بقية رق. وانظره في رسم الأقضية من سماع عيسى من كتاب النكاح.
ونص ما في النوادر قال مالك فيمن أخدم أمته رجلا ومرجعها إلى حرية بعد الاجل: ولا
يزوجها إلا برضاها يريد ورضى المخدم وليس ذلك للمخدم أيضا انتهى. ففهم منه إذا أخدمها
مرة ومرجعها إليه فليس له أن لا يزوجها إلا برضا المخدم والله أعلم. ص: (لا عكسه) ش:
يحتمل أن يريد لا يجبر السيد على تزويج العبد والأمة إلا إذا قصد الاضرار. وقاله ابن عبد
السلام وتبعه في التوضيح، ويكون عكسها من كل وجه. ومعنى جبره ما أشار إليه في
التوضيح أنه يؤمر بالتزويج أو البيع، ويحتمل أن يريد أن لا يجبر على زواجهما إن احتاجا وإن
قصد إضرارهما. ونص كلام التوضيح عند قول ابن الحاجب: فالمالك يجبر الأمة والعبد ولا
يجبر هو لهما. قوله: ولا يجبر هو لهما أي إذا طلبا الزواج وأبى هو ذلك فلا يجبر لأنه
يتضرر بالتزويج. قال مالك في الموازية: وإن تبين أن العبد والمكاتب محتاجان إلى النكاح وأن
السيد ضار بهما فلا يقضى على السيد بنكاحهما. عبد الحميد: واختلف الناس في هذه المسألة
وكان بعض الشيوخ يقول: الصواب عندي أن القول قول العبد لاشتداد الضرر به إذ ذاك ضرر
في الدين وضرر في الدنيا. وكان بعض المذاكرين يقول: انظر إلى ما قاله ابن خويز منداد في
الحر إذا كان لا قدرة له على التسري وله حاجة إلى النكاح يخاف منه العنت، أن النكاح
واجب عليه، وإذا كان واجبا فالعبد يشاركه فيها، ولان بعض أصحابنا أوجبه للأب على ابنه
انتهى. والظاهر أنه يؤمر بالتزويج أو البيع لقوله عليه الصلاة والسلام: لا ضرر ولا ضرار.
انتهى كلام التوضيح. وقال في العتبية في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم من
كتاب السلطان: وسئل مالك عن العبد يشكو العزبة فيسأل سيده أن يبيعه لذلك ويقول
وجدت موضعا: ليس على سيده أن يبيعه ولو جاز ذلك لقال ذلك المخدم. قال ابن رشد: وهذا
كما قال إنه ليس على الرجل واجب أن يبيع عبده ممن يزوجه إذ سأله ذلك وشكى العزبة، وإنما
يرغب في ذلك ويندب. وليس امتناعه منه من الضرر الذي يجب به بيعه عليه كما ليس عليه
أن يزوجه واجبا إذا سأله ذلك، لأن قول الله عز وجل: * (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من
عبادكم وإمائكم) * ليس على الوجوب إنما هو أمر بالانكاح على سبيل الحض
والترغيب، وإنما يباع عليه إذا ظهر ضرره من تجويعه وتعريته وتكلفه من العمل ما لا يطيق
51

وضربه في غير الحق إذا تكرر منه ذلك أو كان شديدا منهكا، وهذا مما لا أعلم فيه اختلافا
انتهى. ونقل في النوادر كلام العتبية في آخر كتاب الأقضية الثاني في ترجمة الرفق بالمملوك.
والنهك المبالغة في العقوبة. قال في الصحاح: نهكه السلطان عقوبة ينهكه نهكا ونهكه إذا بالغ
في عقوبته انتهى والله أعلم.
فرع: قال الشيخ أبو الحسن في شرح مسألة عقد أحد الشريكين على الأمة المشتركة:
ولا يجوز لاحد أن يزوج الأمة لطول غيبة سيدها أو لعضلها انتهى. ص: (ولا مالك بعض وله
الولاية والرد) ش: يعني أن مالك بعض الرقيق ليس له جبره على النكاح سواء كان البعض
الآخر حرا أو رقيقا إلا إذا اتفق المالكان على الجبر فلهما ذلك، وإذا انتفى عن مالك البعض
الجبر فله الولاية على الأمة وله رد نكاحها ونكاح العبد إذا تزوجها بغير إذنه. ويشكل عليه أن
كلامه يقتضي إذا زوج الأمة المشتركة أحد السيدين أن للآخر الإجازة والرد وليس كذلك. قال
في النكاح الأول من المدونة: ولا ينكح أمة أو عبد بين رجلين إلا بإذنهما، فإن عقد أحد
الشريكين للأمة بصداق مسمى لم يجز وإن أجازه السيد الآخر. ويفسخ وإن دخل ويكون بين
السيدين الصداق المسمى إن دخل، فإن نقص عن صداق المثل أتم للغائب نصف صداق المثل
إن لم يرض بنصف التسمية انتهى. ولا يصح أن يقال يندفع الاشكال بأن يكون الألف واللام
في الولاية والرد للعهد يعني أن الولاية المعهودة في الأمة المملوكة جميعا لشخص واحد، والرد
الذي للسيد في رقيق الإناث والذكور على كل حسب ما تقرر فيه. وإنما لم يصح هذا لأن
الولاية المعهودة في الأمة المملوكة جميعا لشخص واحد ولاية الجبر وقد نفاها. وقال ابن
الحاجب: وإذا نكح الأبعد مع وجود المجبر لم يجز ولو أجازه كالأب، ومثله السيد في أمته
على الأرجح ولو كان شريكا. قال في التوضيح: وقيل يجوز في الأمة لخفة الامر فيها والأصح
ومقابله روايتان.
فرع: وعلى المشهور أنه لا بد من فسخه، فإن فسخ قبل البناء سقط الصداق عن الزوج
ورجع به إن استهلكته أو ما نقص إن تجهزت به، وإن لم يساوه الجهاز رجع على الذي زوجه
إن غره ولم يعلمه أنه شريك يريد ويأخذ الجهاز وإن فسخ بعده، وإن أجازه الشريك فإنما له
نصف المسمى، وإن لم يجزه أو أجازه ولم يرض بالصداق فالمشهور أن له الأكثر من المسمى
وصداق المثل ويرجع الزوج بالزائد على الذي زوجه إن غره ويريد الجهاز بأن قال: هي حرة أو
هي لي وحدي. والشاذ لأشهب أن ماله نصف المسمى. ابن المواز: ولا شئ للعاقد من
الصداق إن غره، فإن قال هي حرة أو هي لي وحدي قال الشيخان أبو محمد وأبو الحسن:
52

وإذا رجع على الغار بما دفع إليه ترك ربع دينار. وقيل: لا يترك له شئ. وهذا إذا رضي
الشريكان في الأمة بقسم المال، وإن أباها أحدهما فعلى الزوج أن يكمل لها صداق المثل على
المشهور ويكون بيدها، فإذا اقتسماه رجع على الذي زوجها منه بما استفضل في نصفه إن لم
يكن غره، وبجميع الزيد إن غره كما ذكرنا اه‍. كلام التوضيح. ويمكن أن يخرج هذا من
كلام المصنف لنفيه عنه الجبر وهذا مجبر إذا وافقه شريكه. قال ابن عرفة: المالك ولو تعدد
يجبر عبده وأمته اه‍. وهذا هو الظاهر فيكون داخلا في قوله بعد وبأبعد مع أقرب أن لم
يجبر انتهى. فتحصل من هذا أن مالك البعض ولو انتفى عنه الاجبار فلا تنتفى عنه الولاية،
سواء كان البعض الآخر ملكا لآخر أو حرا. فإن تزوج العبد أو الأمة بغير إذنه، فإن كان البعض
الآخر ملكا لآخر فتقدم حكمه، وإن كان حرا فقال ابن الحاجب: ومن بعضه حر لا يجبر
ولكنه كمالك الجميع في الولاية والرد. قال في التوضيح: لأن البعض الحر لا تصرف له فيه.
قال في البيان: لا خلاف في ذلك. وقوله: كمالك الجميع في الولاية على الأمة وفي رد
نكاح العبد أو الأمة إذا تزوجها بغير إذن السيد انتهى. وقال ابن عبد السلام: يعني أن المعتق
بعضه والمعتق بعضها، سواء كان الجزء العتيق يسيرا أو كثيرا. لا يجبر واحد منهما على التزويج
إذ لا تسلط للمالك إلا على الجزء الرقيق، فلو أجبر السيد الأمة أو العبد المذكورين على النكاح
لكان متصرفا في ماله ومال غيره. ومعنى قوله ولكنه كمالك الجميع ويفترقان في الاجبار
خاصة، وهذا بالنسبة إلى الأمة المعتق بعضها، وأما العبد المعتق بعضه فلا يتصور فيه إلا الجبر
خاصة، فإذا انتفى الجبر لم يبق هناك مانع فقال: ولكنه كمالك الجميع في الولاية بالنسبة إلى
الأمة وفي الرد بالنسبة إلى العبد أو وليهما انتهى. وهذا يقتضي أن من بعضها حر إذا تزوجت
بغير إذن من له البعض فنكاحها باطل وهو ظاهر، لأن غايتها أن تكون كأحد الشريكين في
الأمة والله أعلم ص: (والمختار ولا أنثى بشائبة ومكاتب) ش: تصوره من كلام الشارح ظاهر.
وحيث انتفى إجبار السيد عنهم فلا تنتفى ولايته عنهم وله فسخ النكاح إن وقع بغير إذنه. قال
المتيطي بعد أن ذكر الأقوال الأربعة التي ذكرها الشارح واختيار اللخمي: ولا يجب لاحد من
53

هؤلاء أن ينكح إلا بإذن السيد انتهى. وفي النكاح الأول من المدونة في ترجمة نكاح الخصي
والعبد: ولا يتزوج مكاتب ولا مكاتبة بغير إذن السيد لرجاء فضل أو غيره، لأن ذلك يعيبهما
إذا عجزا فإن فعلا فللسيد فسخه انتهى. ص: (وجبر المجنونة) ش: قال في التوضيح: وينبغي أن
يلحق بالأب القاضي. وهذا إذا كانت لا تفيق، وأما إذا أفاقت أحيانا فلتنتظر إفاقتها انتهى.
وفي شرح العمدة لمصنفها ما نصه: ولا يزوج غير الأب من الأولياء إلا بإذن، ومن لا إذن لها
كالمجنونة والسفيهة لا يزوجها إلا من له ولاية الاجبار والحاكم، والبلوغ المعتبر في الاذن بلوغ
المحيض. قال ابن حبيب: أو بلوغ ثمان عشرة سنة. واختلف في الانبات فاعتبره ابن القاسم في
المحتاجة لدفع الضرر، ولم يعتبره ابن حبيب وقال: إن زوجت فسخ وإن بنى بها. وقال غيره: لا
يفسخ لأنه مختلف فيه انتهى. وسيأتي الكلام على البلوغ عند قوله: فالبالغ ص: (والبكر)
ش: ويستحب للأب استئذانها. قال ابن العربي في العارضة: بواسطة لا مشافهة لأنها إن
استحيت من ذكر النكاح مرة استحيت من ذكره مع أبيها مرارا وقال فيها: قوله في الحديث:
آمروا النساء في بناتهن هذا غير لازم بالاجماع وإنما هو مستحب فربما يكون عند أمها
رأي صدر عن علم بها أو بالزوج، ولأنه إذا كان برضاها حسنت صحبة زوج ابنتها. ص: (إلا
لكخصي) ش: انظر ما قاله هنا مع قوله مما يأتي: وللأم التكلم في تزويج الأب ص: (وهل
إن لم يتكرر الزنا تأويلان) ش: قال في العارضة: هذا إذا كانت مشهورة محدودة وأما إن
54

كانت غير مشهورة فلا يجوز أن يرتب نكاح على ما لم يثبت بل يجب الحد على من ذكره
والله أعلم. ص: (وهو في الثيب ولي) ش: وهل يقدم على الولي أو يقدم عليه الولي؟ قولان
والقول بتقديم الوصي. قال فضل: هو قول مالك وأصحابه المدنيين والمصريين. انتهى من
التوضيح. وقال ابن سلمون: وصي الأب أولى من الأولياء في مذهب مالك وابن القاسم
ويشاور الولي انتهى. وقال في الارشاد: ووصي الأب مقدم في البكر وفي الثيب أسوتهم
55

انتهى. ص: (فالبالغ) ش: قال في الجواهر: السبب الثالث من أسباب الولاية العصوبة كالبنوة
والإخوة والجدودة والعمومة ولا تفيد إلا تزويج العاقلة البالغة برضاها. ثم قال: البلوغ المعتبر في
التزويج هو الحيض. قال ابن حبيب: أو بلوغ ثمان عشرة سنة. واختلف في الانبات ثم إن
تزوجت به قال ابن حبيب: يفسخ قبل البناء وبعده. وقال محمد: لا يفسخ إذا أنبتت. وقال
الشيخ زروق في كتاب الحج: فأما الاحتلام والحيض والحمل فلا اختلاف في كونها علامات
ويصدق في الاخبار عنها نفيا، طالبا كان أو مطلوبا، انظر بقية كلامه في باب الحج وفي
البرزلي. وسئل السيوري عن البكر اليتيمة تريد النكاح وتدعي أنها حائض، هل يقبل قولها أو
ينظر إليها هل أنبتت أم لا؟ اه‍. وسئلت عن بكر غاب أبوها ودعت إلى التزويج وادعت
البلوغ، فأجبت إذا غاب الأب عن ابنته البكر غيبة انقطاع بمعنى أنه لا يرتجى قدومه، أو غاب
غيبة طويلة وكانت المسافة بعيدة كالشهرين ونحوهما ودعت البنت البكر إلى التزويج، فإن
القاضي يزوجها إذا كانت بالغا. وللبلوغ خمس علامات: الاحتلام والانبات والحيض والحمل
والسن وهو ثمانية عشرة سنة على المشهور، ويقبل قولها في ذلك إذا أشبه، وأما إن كانت غير
بالغ فلا تزوج إلا إذا خيف عليها الفساد أو احتاجت إلى النفقة والله أعلم. ص: (والأصح إن
دخل وطال) ش: هذا الذي مشى عليه المصنف من أنه إذا زوجت اليتيمة ولم يخف عليها
الفساد أو لم تبلغ عشر سنين أو لم يشاور القاضي فسخ قبل البناء وبعده ما لم يطل بعد
الدخول وهو الذي قال في المتيطية إنه المشهور. وقال الشيخ أبو الحسن الصغير: المشهور أنه
يفسخ أبدا وهو الذي ذكره ابن حبيب وعزاه إلى مالك. وقال قبل هذا الكلام: وإذا فسخ هذا
النكاح على قول من فسخه فالفسخ فيه بطلاق، وما طلق فيه الزوج قبل الفسخ لزمه ويكون
56

فيه الميراث بينهما إن مات أحدهما قبل الفسخ ويكون فيه جميع الصداق المسمى في الموت
قبل الدخول وبعده، ونصفه إن طلق قبل الدخول وقبل الفسخ اه‍. ونحوه في المتيطية وابن
سلمون. ص: (وقدم ابن فابنه) ش: يعني أن الابن مقدم على سائر الأولياء وكذلك ابن الابن
وإن سفل.
تنبيه: هذا إذا لم تكن الابنة في حجر أبيها أو في حجر وصي لها، أما إن كانت في
حجر أبيها أو وصيها فالأب مقدم على الابن، وكذلك الوصي ووصي الوصي. قاله في الوثائق
المجموعة وطرر ابن عات وذكره في شرح رجز ابن عاصم. ص: (فحاكم) ش: لا بد من إثبات
57

فصول عند زواجها. ذكره صاحب النوادر وصاحب التلقين وصاحب المفيد والمتيطي وابن
سلمون وابن فرحون في تبصرته والبرزلي وغيرهم. قال في المتيطية.
فصل: إذا لم يكن للثيب ولي ممن ذكرنا ورفعت أمرها إلى السلطان وهي ثيب
وزعمت أنها لا ولي لها وأنها ثيب مالكة أمر نفسها خلو من زوج وفي غير عدة منه،
كلفها الامام إثبات ذلك. قال فضل بن مسلمة: وتثبت عنده أنها حرة. وهكذا ذكره أصبغ
في كتاب القضاء. وأنها لا تصدق أنها لا زوج لها حتى تثبت أنها خلو من زوج وفي غير
عدة منه وأنها حرة مخافة أن تكون أمة قوم. قال الباجي: وهذا على مذهب من يقول من
أصحاب مالك وهو أشهب وغيره إن الناس بين حر وعبد. وأما على مذهب ابن القاسم
الذي يقول إن الناس أحرار، فلا تحتاج إلى أن تثبت أنها حرة، فإذا ثبت ما ذكرنا وحضرت
مع الخاطب عنده واتفقا على النكاح والصداق وأقرت عنده بالرضا والتفويض عقد نكاحها
أو قدم من يباشر عقده اه‍. ثم قال: وقولنا في المرأة إنها خلو من زوج وفي غير عدة منه
وأن لا ولي لها وأن ذلك في علم من شهد به هو الصواب، لأن المرأة قد يمكن أن يكون
لها ولي أو زوج ولا يعلمه الشهود اه‍. وما ذكره عن فضل بن مسلمة نحوه للبرزلي ونصه:
وزاد فضل ابن مسلمة في وثائقه أنها حرة، وذكره أصبغ في كتاب القضاء إذ لعلها مملوكة.
الباجي: هذا على قول أشهب إن الناس بين حر وعبد، وعلى قول ابن القاسم إنها أحرار فلا
يحتاج اه‍. وذكرها أيضا في المسائل الملقوطة عن الجزولي، وذكر أيضا تثبت أنها حرة،
وذكر في موضع آخر أنه لا يحتاج إلى ذلك عند ابن القاسم. وذكر في الباب الثامن
والعشرين من التبصرة أنها لا تحتاج إلى إثبات الحرية. وقال في التبصرة أيضا في الفصل
الخامس من القسم الثالث في الركن السادس.
مسألة: قال ابن راشد في المذهب: ينبغي للحاكم أن لا يمكن المرأة من النكاح إلا بعد
ثبوت ما يتوصل به إلى ذلك وذلك على ثلاثة أقسام: الأول: البكر اليتيمة البلدية إذا أرادت
الزواج كلفها إثبات يتمها وبكارتها وبلوغها وخلوها من زوج وأنهم ما علموا أن أباها أوصى
بها إلى أحد وأن لا أحد من القضاة قدم عليها مقدما، وتثبت أيضا أن الأولى بنسب لها أو أن
لها وليا فهو أحق بعقد النكاح عليها ويثبت كفاءة الزوج. وأن الصداق مثلها على مثله. قال
58

فضل بن مسلمة: وأنها حرة ويسمع الشهود منها رضاها بالزوج وبالصداق وأنها فوضت
للقاضي في إنكاحها بذلك وسماعهم منها صمتا لا نطقا. الثاني: الثيب البلدية وإذا طلبت
الثيب البلدية الزواج كلفها أن تثبت أصل الزوجية وطلاق الزوج لها أو وفاته عنها وأنها لم
تخلف زوجا أو تخلل ذلك طول وأن لا ولي لها. الثالث: أن يكون الأب غير معروف
ويأتي إلى الحاكم ليزوج ابنته فقد كلفه بعض قضاة العصر أن يثبت أن له ابنة اه‍. وذكر في
المسائل الملقوطة في موضع آخر مسألة ونصها: وإذا قدمت المرأة من بلد بعيد بحيث لا يمكن
أن تكلف البينة فقالت لا زوج لي فإنها تصدق. وذكرها أبو محمد في النوادر وفي الاحكام
لابن أبي زمنين، وقال الباجي في وثائقه: إذا قالت كان لي زوج ففارقني في الطريق ولا
أدري أحي هو أو ميت، فلها أن تقف إلى الشهود وتطلق نفسها لعسر النفقة ولا ترجع إلى
القاضي لأنه لا يقضي إلا ببينة. اه‍ من التقييد على التهذيب لأبي إبراهيم الأعرج. اه‍ كلام
المسائل الملقوطة. وفي باب الطلاق على الغائب لعدم النفقة مسائل من هذا المعنى.
تنبيهان: الأول: الفصول التي يحتاج إلى إثباتها عند الحاكم إذا أراد أن يزوج إذا كان
القاضي هو المتولي للعقد فتثبت عنده، وإن كان القاضي قدم رجلا للمناكح فإن كان فوض
إليه إثبات تلك الفصول فتثبت عنده وإلا لم يصح له تزويج المرأة حتى تثبت تلك الفصول عند
القاضي ويعلمه القاضي بذلك. قاله ابن رشد في نوازله.
الثاني: فإن زوجها القاضي من غير إثبات ما ذكر، فالظاهر أنه لا يفسخ حتى يثبت ما
يوجب فسخ النكاح في الموانع فإن هذه موانع يطلب انتفاؤها قبل إيقاع العقد، وإذا وقع العقد
لم يفسخ حتى يثبت ما يوجب رفعه ولم أر في ذلك نصا والله أعلم. ص: (وصح بها في
دنية مع خاص لم يجبر كشريفة دخل وطال) ش: إنما تكلم المصنف على هذه المسألة بعد
الوقوع ولم يذكر حكم الاقدام على ذلك. قال في أوائل النكاح الأول من المدونة: يكره أن
يتزوج الرجل امرأة بغير إذن ولي. قال أبو الحسن: يعني ولي خاص. ثم قال في المدونة قال ابن
القاسم: فإن فعل كره له وطؤها حتى يعلم وليها فيجيز أو يفسخ. قال أبو الحسن: حمل بعض
الشيوخ الكراهة على بابها وهو عندي مشكل لأنه قال: يعاقب وكيف يعاقب على المكروه؟
ويحسن أن يقال وكره له وطؤها على المنع اه‍. وإن اطلع على ذلك فلا شك أنه يوقف
59

حتى ينظر هل يجيزه الولي أو يرده. قاله اللخمي فيما إذا كان الولي غائبا غيبة قريبة. ونقله عنه أبو
الحسن، وهو يدل على المنع. وفيها قبل الكلام المتقدم قيل لمالك: من تزوج امرأة بغير إذن ولي
بشهود، أيضرب أحد منهم؟ فقال: أدخل بها؟ قالوا: لا، وأنكر الشهود أن يكونوا حضروا
فقال: لا عقوبة عليهم. ابن القاسم: إلا أني رأيت منهم أنه لو دخل بها لعوقبت المرأة والزوج
والذي أنكح ويؤدب الشهود أيضا إن علموا اه‍. قاله في التوضيح. قوله: وأنكر الشهود الخ
أي أنكروا أن يكونوا علموا أن هذا النكاح لا يجوز بدليل قوله: ويؤدب الشهود إن علموا.
هكذا قال أبو الحسن. وجعل بعضهم فاعل أنكر ضميرا يعود إلى مالك أي وأنكر مالك أن
يكون الشهود يحضرون مثل هذا اه‍. قال أبو الحسن كما قال في موضع آخر: أنتم تقرأون
العلم وتشهدون على مثل هذا اه‍. قال في التوضيح: وقيد الباجي عدم عقوبتهم قبل البناء بما
إذا كان النكاح مشهورا اه‍. وهو ظاهر لأنه إذا لمن يكن مشهورا فهو نكاح سر وهو يعاقب فيه
قبل الدخول وبعده. قال اللخمي: أرى أنه لا عقوبة على الزوجين إذا كانا من أهل الاجتهاد
وذلك مذهبهما، أو كانا مقلدين من يرى ذلك، أو كانا يجهلان ويظنان ذلك جائزا، وإن كانا
ممن يعتقد فساد ذلك فتستحسن العقوبة، وكذلك البينة إذا علمت أنها تزوجت بولاية الاسلام
ينظر إلى مذهبهما أو من يقلدانه. اه‍ من أبي الحسن. وقال الشيخ زروق في شرح الارشاد:
يعني إن عقد صاحب الولاية العامة مع وجود الولي المجبر وهو الأب والمالك والوصي الذي
جعل له ذلك فالنكاح باطل يفسخ مطلقا. عياض: اتفاقا. وكذلك الخاص الغير المجبر مع المجبر
يبطل عقده إلا ما تقدم في الكافل والحاكم في الفضل.
تنبيهان: الأول: الدنية كالسوداء والمسلمانية والمعتقة. قال الشيخ زروق في شرح
الارشاد: ومن في معناهما ممن لا يرغب فيه بحسب ولا مال ولا جمال.
الثاني: يصح العقد بالولاية العامة في الدنية ولو تولى الزوج العقد بنفسه كما قاله
اللخمي، وسيأتي كلامه عند قول المصنف وابن عم ونحوه والله أعلم. ص: (وإن قرب
فللأقرب أو الحاكم إذا غاب الرد) ش: يعني إذا اطلع على النكاح الذي عقد بالولاية العامة
مع وجود الولاية الخاصة في الشريفة وكان ذلك بالقرب، فللولي الخاص أن يرده، وسواء دخل
بها أو لم يدخل. قال في المدونة: قال ابن القاسم: إذا أجازه الولي جاز دخل الولي أم لا، وإذا
أراد فسخه بحدثان الدخول فذلك له. فأما إن طالت إقامته معها وولدت الأولاد أمضيته إن
60

كان صوابا ولم يفسخ وقاله مالك اه‍. فعلم من كلام ابن القاسم أنه إذا دخل وطال لم يفسخ
وهو الذي قدمه المؤلف، وعلم أيضا أنه إن لم يطل له الإجازة والرد دخل أم لا. وبقي ما إذا
لم يدخل وطال، ففهم ابن التبان عنه أنه إذا طال تحتم فسخه عنده وعليه اقتصر ابن يونس
ونصه: تحصيل مذهب ابن القاسم فيها أنه إذا طال قبل البناء فلا بد من فسخه، وإن كان بعد
البناء فلا بد من إجازته، وإنما يخير الولي في القرب. كذا كان يدرسه بعض من لقيته من بعض
شيوخنا اه‍. وكذا قال عنه في التوضيح ونصه: واختلف الشيوخ في فهم هذا القول، فقال ابن
التبان: إن كان قبل البناء بالقرب فللولي إجازته وفسخه، وإن طال قبله فليس له إلا
الفسخ، وإن كان بقرب البناء فليس للولي أيضا فسخه وإجازته، وإن طال بعده فليس له فسخه. قال
عبد الحق: وقال غير ابن التبان: إنه مخير قبل البناء وإن طال على مذهب ابن القاسم اه‍.
وإلى هذين التأويلين أشار المصنف بقوله وفي تحتمه إن طال قبله تأويلان. وقوله أو الحاكم
إن غاب ظاهره أنه ينتقل الامر في ذلك إلى الحاكم إذا غاب الولي الأقرب ولا ينتقل للأبعد
وهو كذلك على مذهب المدونة، وظاهره سواء قربت غيبته أو بعدت، وليس كذلك فيما إذا
قربت غيبته بل يكتب إليه. قال في المدونة: وإذا استخلفت امرأة على نفسها رجلا فزوجها
ولها وليان، أحدهما أقعد بها من الآخر، فلما علما أجازه الأبعد ورده الأقعد، فلا قول هنا
للأبعد بخلاف التي زوجها الأبعد وكره الأقعد لأن ذلك نكاح عقده ولي، وهذا نكاح عقده
غير ولي، فلا يكون فسخه إلا بيد الأقعد. فإن غاب الأقعد وأراد الأبعد فسخه نظر فيه
السلطان، فإن كانت غيبة الأقعد قريبة بعث إليه وانتظره ولم يعجل، وإن كانت غيبته بعيدة
نظر السلطان كنظر الغائب في الرد والإجازة وكان أولى من الولي الحاضر اه‍. وقال أيضا بعده
بنحو الورقة: وإن كان وليها غائبا وقد استخلفت رجلا فزوجها فرجع أمرها إلى الامام قبل
قدوم وليها نظر الامام في ذلك وبعث إلى وليها إن قرب فيفرق أو يترك وإن بعد نظر الامام
كنظره في الرد والإجازة. وقال غيره: إن بعدت غيبة الولي لم ينتظر وينبغي أن يفرق الامام
بينهما ويأتنف نكاحها منه إن أرادته، ولا ينبغي إن ثبت نكاح عقده غير ولي في ذات الحال
والقدر اه‍.
فرع: قال في المدونة في هذا المحل: وإذا أراد الولي أن يفرق بينهما فعند الامام إلا
أن يرضى الزوج بالفراق دونه اه‍. ص: (وبأبعد مع أقرب إن لم يجبر) ش: يعني أن النكاح
61

يصح إذا عقده الأبعد مع وجود الأقرب إذا لم يكن مجبرا ولو كان الأبعد هو الحاكم. قال في
أوائل النكاح الأول في المدونة: وإن لم يكن لها ولي فزوجها القاضي من نفسه أو من ابنه
برضاها جاز ذلك لأنه ولي من لا ولي له. وإن كان لها ولي فزوجها القاضي من نفسه أو من
ابنه برضاها وأصاب وجه النكاح ولم يكن جور فليس لوليها فسخ ذلك. أبو الحسن: قوله ولي
من لا ولي له مفهومه من لها ولي فليس بولي لها وليس كذلك، بل القاضي ولي كل واحد
اه‍. وقوله: إن لم يجبر أي فإن كان الولي القريب مجبرا فلا يصح تزويج البعيد، والمجبر هو
الأب والوصي. قال ابن عرفة: ولو أنكح بكرا ذات وصي بغير إذن وليها ففي تحتم الفسخ
وإجازته بإجازة الوصي ثالثها إن كان نظرا لم يفسخ لعياض عن ظاهرها وابن شعبان وبعض
الشيوخ اه‍. والمالك أيضا مجبر كما تقدم.
تنبيه: فإذا تعدد الأوصياء وكان وصي ومشرف فقال ابن رشد في الأجوبة: ليس إنكاح
أحد الوصيين دون إذن صاحبه بمنزلة إنكاح الوصي دون إذن المشرف، لأن الوصيين وليان جميعا
كالسيدين في الأمة لا يجوز لأحدهما أن ينفرد بالعقد عليها دون صاحبه إلا أن يوكله على
ذلك، فإن فعل كان العقد فاسدا كنكاح عقده غير ولي، وأما المشاور فليس بولي ولا له من ولاية
العقد شئ وإنما له المشاورة، فإن أنكح الولي دون إذنه فالعقد صحيح إلا أنه موقوف على إجازته،
فإن مات المشرف وقف على نظر القاضي انتهى. ونقله ابن سلمون في أوائله. وفي النوادر: إذا
عقد كل واحد من الوليين على وليته فنكاح كل واحد منهما مردود إلا أن يأذن كل واحد
لصاحبه فيكون للأول منهما وذلك منهما وذلك في الوصيين والسيدين انتهى بالمعنى.
تنبيه: لو فرض للبنت أبوان كما في مسائل القافة، فانظر هل يكونان كالوصيين؟ وانظر
في باب الوصايا كلام المدونة.
62

تنبيه: يستثنى من مسألة المؤلف عضل الولي ومسألة الكافل على أحد الأقوال. ص:
(ورضا البكر صمت كتفويضها) ش: يعني أن الولي غير المجبر لا يزوج إلا برضاها ويكفي في
رضا البكر الصمات، وكذلك يكفي الصمات في تفويضها إليه العقد. قال المتيطي: وهذا هو
ظاهر مذهب الموثقين قال: وانظر إذا كانت غائبة عن موضع الولي والزوج وأرادت التفويض
إليه، والظاهر أنه لا بد من نطقها ولا ينبغي أن يختلف في ذلك انتهى. وفهم من كلام الشيخ
أن الولي لا يعقد إلا بتفويض من المرأة وهو قول ابن القاسم قاله في التوضيح.
فائدة: في الحديث البكر تستأذن وأذنها صماتها والأيم تعرب عن نفسها أي تبين،
والأيم في اللغة من لا زوج له ذكرا كان أو أنثى، بكرا كانت أو ثيبا، ولكن فهم من مقابلته
63

بالبكر وتأنيث فعله تخصيصه بالأنثى الثيب والله أعلم. ص: (أو بكت) ش: قال ابن عرفة،
ففي كونه إنكارا قولا الجلاب مع المتيطي عن ابن مسلمة وابن مغيث قائلا: نزلت فاختلف فيها
وحكم بإمضائه. قلت: الصواب الكشف عن حال بكائها هل هو إنكار أو لا انتهى. وعزا في
التوضيح القول بأنه رضا للموازية أيضا ولم يعزه له ابن عرفة فكأنه لم يره والله أعلم. ص:
(كبكر رشدت) ش: يعني بعد البلوغ قاله في معين الحكام.
فرع: فلو أراد الأب أن يرجع عن ترشيدها ويردها في ولايته فهل له ذلك؟ قولان
64

حكاهما في المعين والله أعلم. ص: (أو أفتيت عليها) ش: يعني أنه لا يكون رضاها إلا
بالنطق. قال في المدونة: قال ابن القاسم: وإذا بلغت اليتيمة فزوجها وليها بغير أمرها ثم أعلمها
بالقرب فرضيت جاز ولا يكون سكوتها هنا رضا. ابن يونس: وإنما لم يجعل سكوتها رضا
لتعديه في العقد قبل إعلامها، فزوال الحياء عنها هو الذي أوجب أن يكون صمتها رضا،
والأول إنما عقد بعد إعلامها فجعل سكوتها رضا كما جاء في الحديث ابن يونس: فإن زوجها
بغير أمرها ثم أعلمها بذلك فسكتت فأعلمها أن سكوتها رضا وترك ردها له نطقا يكون رضا
به وأشهد عليها بذلك وكل ذلك وهي ساكتة لعد ذلك منها رضا ولا كلام لها بعد ذلك.
ابن المواز: قال أشهب عن مالك في امرأة زوجها أخوها ثم مات الزوج قبل البناء فقال ورثته لم
تكن رضيت قال: تسأل هي الآن فإن قالت كنت رضيت فذلك لها. ومن المدونة: وإن كانت
65

بغير البلد أو فيه فتأخر إعلامها لم يجز وإن رضيت. قال سحنون: وهذا قول مالك الذي عليه
أصحابنا انتهى وقال في التوضيح في المسائل التي لا يعذر فيها بالجهل: ومنها المرأة تزوج وهي
حاضرة فتسكت ولا تنكر حتى يدخل بها الزوج ثم تنكر النكاح وتقول لم أرض به وتدعي
الجهل انتهى. ص: (وإن أجازه مجبر الخ) ش: تصوره واضح. وقوله مجبر يشمل البنت
البكر والأمة وهو كذلك كما صرح به في النكاح الأول من المدونة وفي ترجمة نكاح العبد
بغير إذن سيده والله أعلم. ص: (وفسخ تزويج حاكم أو غيره ابنته في كعشر وزوج الحاكم
في كإفريقية وظاهرها من مصر وتأولت أيضا بالاستيطان كغيبة الأقرب الثلاث وإن أسر أو
66

فقد فالأبعد) ش: أشار رحمه الله بهذا الكلام إلى اختصار كلام ابن رشد في رسم مساجد
القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح فإنه قال: غيبة الأب على ابنته البكر على ثلاثة
أقسام: أحدها أن تكون قريبة كعشرة أيام وما أشبه ذلك، فلا خلاف أنها لا تزوج في مغيبه،
فإن زوجت فسخ النكاح زوجها الولي أو السلطان. قاله في الواضحة انتهى. قال في التوضيح:
زاد في المتيطية عن ابن القاسم: ويفسخ وإن ولدت الأولاد وإن أجازه الأب انتهى. وإلى هذا
القسم أشار المصنف بقوله وفسخ نكاح حاكم أو غيره ابنته في كعشر والضمير في قوله
ابنته عائد على المجبر في قوله وإن أجازه مجبر الخ.
تنبيه: قيد الرجراجي عدم تزويجها بأن لا يتبين ضرر الأب، فإن تبين زوجت وهو ظاهر
وسيأتي كلامه. ثم قال ابن رشد: الثاني أن تكون غيبته بعيدة منقطعة مثل إفريقية أو طنجه أو
الأندلس من مصر وما أشبه ذلك، فاختلف في ذلك على أربعة أقوال: أحدها أن الامام يزوجها
إذا دعت إلى ذلك، فإن كانت نفقته جارية عليها ولم يخف عليها ولا استوطن الأب البلد
الذي هو به وهو ظاهر قول مالك في هذه الرواية وفي المدونة. وقد تؤل على المدونة من قوله
فيها: وأما من خرج تاجر الغير مقام فلا يزوجها ولي ولا سلطان وإن أرادته وليس يريد المقام
بتلك البلدة فلا تهجم للسلطان على ابنته أنها لا تزوج إلا أن يستوطن ذلك البلد ويطول مقامه
فيه العشرين سنة والثلاثين حتى يؤيس من رجعته. وهذا قول ابن حبيب الثالث أنها لا تزوج
أبدا وإن طال مقامه وهو ظاهر قول مالك في الموازية، وهو قول ابن وهب في رسم الأقضية
من سماع يحيى انتهى. وهو قول ابن رشد مثل أفريقية من مصر تفسير منه لقول مالك في
كتاب النكاح الأول من المدونة: ومن غاب عن ابنته غيبة انقطاع كمن خرج إلى المغازي إلى
67

مثل إفريقية والأندلس وطنجة فأقام بها فرفعت أمرها إلى السلطان، فلينظر إليها وليزوجها. وأما
إن خرج تاجرا أو في سفر لغير مقام فلا يزوجها ولي ولا سلطان وإن أرادته الابنة انتهى.
فحمل قوله في المدونة إلى مثل إفريقية على أن المراد من مصر. واستبعد ذلك ابن عبد
السلام قال: لأن المسألة من كلام مالك في المدونة، ويحتمل أن يريد ذلك مثل إفريقية من
المدينة انتهى. وعلى ذلك حملها الرجراجي كما سيأتي في كلامه، وإلى هذا القسم أشار
المصنف بقوله وزوج الحاكم في كإفريقية وظهر من مصر وتأولت أيضا بالاستيطان. فصدر
بالقول الأول الذي صدر به ابن رشد وقال: إنه ظاهر المدونة والعتبية. وأشار إلى تفسير ابن
رشد المدونة بقوله: وظهر من مصر. ثم أشار إلى القول الثاني لأن ابن رشد ذكر أن المدونة
تأولت عليه. وأفاد بقوله أولا أن المدونة تأولت على الأول أيضا، واقتصر على هذين القولين
لقوتهما عنده لأن المدونة تأولت عليهما وصدر بالأول لأن ابن رشد ضعف القول الثاني فإنه
قال في آخر شرح هذه المسألة: وأما الاعتبار بالاستيطان فلا وجه له انتهى.
تنبيهات: الأول: علم من كلام المدونة وكلام ابن رشد أن هذا الخلاف إنما هو إذا
كانت غيبة الأب عن ابنته غيبة انقطاع بمعنى أنه طالت إقامته بحيث لا يرتجى قدومه بسرعة
غالبا، وأما من خرج لحاجة أو تجارة ونيته العود ولم تطل إقامته فلا تزوج ابنته، وصرح بذلك
الرجراجي وابن الحاجب وغيرهما. وربما يستروح ذلك من قول المصنف وتأولت أيضا
بالاستيطان. قال الرجراجي: غيبة الأب عن ابنته البكر على وجهين: غيبة انقطاع وغيبة ارتجاع.
وغيبة انقطاع بمعنى الغلبة والاضطرار أو على معنى الترفه والاختيار. فإن كانت على معنى
الغلبة والاضطرار كالأسير، فإن كانت البنت في حرز وتخصيص ونفقة جارية ولم تدع إلى
النكاح فلا تزوج في غيبة إذ لا يجبرها سواه، وإن دعت إلى النكاح زوجت إن كانت بالغة،
وإن كانت في غير حرز وتحصين أو كانت في حرز ولا كفاية ولا مؤنة معها فإنها تزوج إذا
خشي عليها الفساد والضيعة دعت إلى النكاح أم لا. وإن كانت غيبة الانقطاع على معنى
الترفه والاختيار فلا يخلو من أن تعلم حياته أو تجهل، فإن علمت حياته وكان موضعه قريبا فلا
خلاف أنه لا يفتات عليه في إنكاح بناته، دعون إلى ذلك أم لا، إلا أن يتبين ضرره بهن
فيكون كالعاضل فإن الامام يتقدم إليه، إما أن يزوجها وإلا زوجها عليه الامام. وإن كان بعيد
الغيبة كالأندلس من المدينة فالمذهب على قولين: أحدهما أنها تزوج بلا تفصيل وهو ظاهر
المدونة. والثاني أنها لا تزوج إلا أن يخشى عليها الفساد والضيعة وهو ظاهر قول مالك في
كتاب محمد. وإن جهلت حياته فظاهر المذهب الامام ينظر لها ويعقد عليها. ولمالك في
كتاب محمد أن الأخ يزوجها برضاها. وهذا الخلاف مبني على الخلاف في المفقود، هل
حكمه حكم الحي أو الميت.
وأما إن كانت غيبة الأب غيبة ارتجاع كمن خرج لتجارة أو لطلب حاجة لا إشكال في
68

هذا الوجه أنه لا يتعرض للنظر في أمور بناته على أي حالة هو عليها كما لو كان حاضرا.
انتهى باختصار. وقال ابن الحاجب: ويعتبر في غيبة أبي البكر إلى مثل إفريقية لغير تجارة. قال
في التوضيح: واحترز بقوله لغير تجارة مما لو خرج إلى تجارة فإنها لا تزوج لأن الغالب فيها
أن يرجع عاجلا انتهى. وقال ابن عبد السلام: ومراد المؤلف بقوله لغير تجارة ما قاله في
المدونة غيبة انقطاع، لكن فيه مسامحة لأن غير التجارة أعم من الانقطاع. ومثل ما قال في
المدونة نص عليه ابن المواز والقاضي عبد الوهاب انتهى. فعلم من هذا أن المراد بقول المصنف
وزوج الحاكم في كإفريقية ما إذا كانت غيبته غيبة انقطاع يعني أنه لا يرجى عوده بسرعة
غالبا. وليس معناه الاستيطان الذي هو السكنى بنية عدم الانتقال لأنه لا يشترط في القول
الأول. وقوله في المدونة وابن الحاجب فيمن خرج لتجارة لا تزوج، يريد والله أعلم إذا لم تطل
إقامته كما يفهم من قوله في التوضيح، لأن الغالب أن يرجع عاجلا، ويفهم أيضا ذلك من
كلام عبد الوهاب الآتي والله أعلم.
الثاني: ما ذكره من أمنها تزويج في القول الأول الراجع وإن كانت نفقة الأب جارية
عليها ولم يخف عليها الصيغة. إنما ذلك إذا كانت بالغة، أما إذا كانت دون البلوغ ونفقة
جارية عليها ولم يخف عليها الفساد فلا تزويج وهذا ظاهر، فإن اليتيمة إذا كانت بهذه المثابة
فلا تزويج فأحرى التي أبوها حي. نعم إذا خيف عليها الفساد أو انقطعت عنها النفقة فتزوج
حينئذ قبل البلوغ وصرح بذلك اللخمي ونقله أبو الحسن عن عبد الوهاب. قال اللخمي: إذا
كان سفر الأب قريبا لم تزوج، وكذلك إذا كان بعيدا أو أسر أو فقد وهي في حال صيانة ولم
تدع إلى التزويج، فإن دعت إليه ولم تكن منه نفقة وهي تحت حاجة زوجت، وإن كانت
نفقته جارية عليها وكان أسيرا أو فقيدا زوجت واختلف إذا علمت حياته ولم يكن أسيرا،
فظاهر الكتاب أنها تزوج، وفي كتاب محمد لا تزوج، وإن خشي عليها الفساد زوجت ولم
تترك، دعت إلى ذلك أم لا. والتزويج إذا كانت النفقة جارية عليها وهي بحال الصيانة إنما
يصح بعد البلوغ، وإذا عدمت النفقة وكانت تحت الحاجة أو خشي عليها الفساد يصح وإن لم
يكن بلوغ انتهى. وقال أبو الحسن الصغير: قال عبد الوهاب: إذا غاب الأب غيبة انقطاع، فإن
كانت حياته معلومة ومكانه معروفا إلا أن استئذانه يتعذر وهي بالغة، فاختلف في جواز نكاحها
فقال مالك: يزوجها الامام إن رفعت إليه. وقال عبد الملك: لا يجوز إنكاحها في حياة الأب
بوجه، وقال ابن وهب: إن قطع عنها النفقة جاز إنكاحها برضاها وإن أكرهها لم يجز. ووجه
قول مالك أن طول غيبته ضرر بها فهو كما لو عضلها انتهى.
الثالث: هذا الخلاف إنما هو إذا كانت نفقته جارية عليها. قال ابن رشد بعد حكاية
الأقوال الأربعة المتقدمة: ولا اختلاف بينهم إذا قطع الأب عنها النفقة في غيبته وخشيت
عليها الضيعة في أنها تزوج وإن كان ذلك قبل البلوغ، وإنما اختلفوا هل يزوجها هنا
69

السلطان - وهو المشهور - أو الولي وهو قول ابن وهب والله أعلم انتهى. وظاهر كلام عبد
الوهاب المتقدم وكلام ابن يونس في التوضيح أن الخلاف جار سواء كانت النفقة جارية أم
لا. فتحصل في ذلك طريقان، وقد تقدم أن الراجح أنها تزوج مع إجراء النفقة فأحرى إن
انقطعت والله أعلم. ثم قال ابن رشد في الرسم المذكور: الثالث أن يكون الأب أسيرا أو
فقيدا فلا اختلاف في أن الامام يزوجها إذا دعت إلى ذلك وإن كانت في نفقته وأمنت
عليها الضيعة اه‍. وقال في التوضيح: المشهور أن الولي يزوجها وإن كانت نفقته جارية عليها
ولم يخف عليها الضياع. قال في المتيطية: وبهذا القول القضاء. وقال عبد الملك: ليس لهم
ذلك إلا بعد أربع سنين من يوم فقد. وقال أصبغ: لا تزوج بحال اه‍. وهو ظاهر كلام
الشيخ زروق في شرح الارشاد. وإن الولاية تنتقل للأبعد ونصه: فإن أسر أو فقد انتقل
للأبعد وإن كان مجبرا على المشهور. المتيطي: وبه القضاء: وقال بعض الموثقين: وإذا فرعنا
على المشهور فينبغي أن يثبت الولي عند الحاكم طول غيبة الأب وانقطاع خبره والجهل
بمكانه. وحينئذ يبيح للولي إنكاحها اه‍. وفي الطراز: إن الامام يزوجها إذا دعت إلى ذلك فجعل
ذلك للحاكم دون الولي وهو الصواب أي وفرق بين هذه والتي قبلها اه‍. وإلى هذا
القسم أشار المؤلف بقوله وإن أسر أو فقد فالأبعد فمشى على ما شهره في المتيطية. وأما
قوله كغيبة الأقرب الثلاث يعني أن المرأة إذا كان لها وليان أحدهما أقرب من الآخر
فالولاية للأقرب، فإذا غاب هذا الأقرب فهل يسقط حقه وتنتقل الولاية للأبعد أم لا؟ قال
المصنف: إن كانت غيبته على مسافة ثلاث ليال يريد فأكثر فإن الولاية تنتقل للحاكم لا
للأبعد، لأن غيبة الأقرب لا تسقط حقه والحاكم وكيل الغائب. وهذا معنى قوله كغيبة
الأقرب الثلاث. ومفهومه أنه لو كانت غيبة الأقرب على مسافة أقل من ثلاث ليال لا
تنتقل الولاية للحاكم وهو كذلك إلا أن المصنف لم يذكر ما يفعل، والحكم في ذلك أنه
يرسل للولي ويعلمه. قال ابن عرفة: وقرب غيبة الولي كحضوره وبعيدها. قال الشيخ: روى
ابن وهب: إن بعدت غيبة الولي زوج السلطان ثم قال: وفي كون السلطان بغيبة الأقرب
أحق من الأبعد أو العكس قولها ونقل اللخمي انتهى. وانظر إذا أسر الأقرب غير الأب أو
فقد. وظاهر كلام الشيخ زروق في شرح الارشاد أن الولاية تنتقل للأبعد ونصه: فإن أسر أو
فقد انتقل للأبعد وإن كان مجبرا على المشهور. المتيطي: وبه القضاء اه‍. ويمكن أن يحمل
كلام المصنف على ذلك ويكون قوله وإن أسر أي الأب أو الولي الأقرب انتقلت الولاية
للأبعد فتأمله والله أعلم.
فرع: قال المتيطي: إذا زوج الحاكم فإن كانت بكرا ذكرت معرفة الشهود أن النكاح
نظر لها وأن الصداق مهر مثلها كما يفعل في الوصي إذا لعلة واحدة، ولا ينبغي أن يذكر
في هذا النظر أنه ثبت عنده شئ مما يجب كما يفعل في إنكاحه لها غيره فانظره. ص:
70

(كذي رق وصغر وعته وأنوثة) ش: مراد المصنف - والله أعلم - أن يذكر شروط الولي بنفي
الولاية عمن اتصف بضد الشروط. قال ابن الحاجب: ولا ولاية لرقيق على ابنته ولا غيرها
ويقبل لنفسه ولموكله بإذن سيده وبغير إذنه، ولا صبي ولا معتوه، ولا تزوج امرأة نفسها ولا
غيرها بل تلي على عبدها وعلى الذكر المولاة هي عليه. قال في التوضيح: شروط الولاية
ثمانية: ستة متفق عليها واثنان مختلف فيهما. فالستة أن يكون حرا بالغا عاقلا ذكرا حلالا
مسلما، والاثنان أن يكون رشيدا عدلا اه‍. فمراد المصنف رحمه الله بكلامه هذا ذكر شروط
الولاية بنفي الولاية عمن اتصف بضد الشروط فهو مشبه بما تقدم في سقوط الولاية عمن
اتصف بوصف من هذه الأوصاف لا في الانتقال فقد لا يكون هناك غيره وإلا فقد يشكل
ذكر الأنوثة، سواء قلنا التشبيه راجع لانتقال الولاية أو لسقوطها، لأن المرأة إذا لم تكن وصية
ومالكة معتقه لا يمكن أن توصف بالولاية، لأن أنوثتها لا تفارقها بخلاف العبد والصبي والمعتوه
فإن المانع لهم عارض غير ذاتي يرتجى زواله والله أعلم. ص: (كعبد أوصي) ش: قال ابن
71

رشد: وأما العبد والكافر في بناتهما فلا يعقدان النكاح عليهن ولا يستخلفان على ذلك أحدا،
ولا اختلاف في هذا، فالعبد يزوج ابنه وابن من أوصى إليه ولا يزوج ابنته أو يستخلف من
يزوج ابنة من أوصى إليه ولا يزوجها هو، وكذلك النصراني سواء مثل العبد في هذا. والمرأة
تلي العقد على من إلى نظرها من الذكور ولا تليه عمن إلى نظرها من النساء لكنها تستخلف على
ذلك رجلا يصح له العقد اه‍. وانظر المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم وفي آخر
رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب النكاح والله أعلم. ص: (وصح توكيل زوج
72

الجميع) ش: يتناول بظاهره المحرم ولا يصح عقده والله أعلم. ص: (لا العكس) ش: يعني إذا
وكل الرجل رجلا يزوجه ولم يعين له المرأة فزوجه امرأة ولم يعينها لزمه ذلك إذا كانت المرأة
ممن تليق به. قاله في المتيطية. ص: (ولابن عم ونحوه إن عين تزويجها من نفسه بتزوجتك
بكذا وترضى وتولى الطرفين) ش: قال الشيخ زروق في شرح الارشاد: يعني أن الولي إذا كان
ابن عم أو وصيا أو كافلا أو مولى أعلا فأراد تزويج وليته من نفسه له ذلك ويتولى طرفي العقد
فيعقد عليها لنفسه ولها على نفسه. قال في المدونة: وليشهد على ذلك غيرهما. وللخمي عن
المغيرة: لا يعقد ولا بد أن يوكل غيره فيزوجها منه، والمشهور الأول. وعليه فلو قالت زوجني
ممن أحببت فزوجها من نفسه أو لغيره لم يجز حتى يسمى لها من يزوجها منه ولها أن تجيز أو
ترد اه‍. وقال في شرح العمدة: فإذا رضيت به أشهد على رضاها خوف إنكارها ولا يشترط
ذلك بل يستحب، فإن كان عقد عليها من غير تعريفها فالمشهور أنه لا يلزمها اه‍. ونحو ابن
العم الحاكم وقد صرح به في المدونة ونقله في الشامل. فظاهر إطلاقاتهم صحة ذلك في الولاية
73

العامة خصوصا عبارة التلقين ونصه: وللولي أن يلي نكاح نفسه من وليته التي يجوز له
نكاحها بأي شئ كانت ولايته اه‍. وصرح بذلك اللخمي فقال ما نصه: باب إذا كان
الزوج وليا هل توكله فيزوجها من نفسه؟ اختلف فيه، فأجازه مالك وغيره من أصحابه
فيكون زوجا وليا. وحكى ابن القصار عن المغيرة وأحمد أن ذلك جائز إذا وكل غيره.
وكذلك إذا كانت المرأة لا ولي لها وصار الامر إلى ولاية الاسلام، أو كانت دنية لا قدر
لها، يجوز أن توكل من يزوجها على العقد فيعقد ذلك من نفسه وإن لم يكن من أوليائها،
ويمنع ذلك على قول المغيرة وغيره إلا أن يوكل غيره يعقد لها منه. والأحوط أن يوكل غيره
فإن وكله مضى وجاز اه‍. والله أعلم. ص: (وإن تنازع الأولياء المتساوون في الزوج أو
العقد نظر الحاكم) ش: هكذا ذكر في التوضيح عن ابن سعدون أن قوله في المدونة وإن
اختلفت الأولياء وهم في العقد سواء نظر السلطان، يحتمل أن اختلافهم فيمن يعقد أو في
الزوج لكن قال ابن عرفة: إن كان في الزوج تعين من عينته المرأة إن كان كفؤا وهو ظاهر،
فتحمل المسألة فيما إذا لم تعين أحدا وفوضت إليهم، وأما إذا اختلفوا فيمن يلي العقد
فحصل ابن عرفة في ذلك ستة أقوال: الأول اللخمي عن المدونة ينظر السلطان. الثاني لعبد
الحق عن بعض القرويين تعين المرأة أحدهم. الثالث للخمي عن ابن حبيب أفضلهم فإن
استووا فأسنهم فإن استووا وليه كلهم إن تشاحوا. وزاد المتيطي والباجي عن ابن حبيب:
وليس للمرأة أن تفوض لأحدهم دون سائرهم لأنه حق الولي. قلت: وعلى هذا اقتصر ابن
الحاجب. وانظر قوله وليه كلهم هل معناه أن يقولوا له جميعا زوجناك فلانة؟ ولفظه في
مختصر الواضحة: فإن استووا في الفضل والسن فذلك إليهم كلهم يجتمعون على عقد
ذلك عليها انتهى. ولا إشكال إن فوضوا جميعا لرجل يعقد عليها والله أعلم الرابع: للكافي
أفضلهم فإن استووا عقد السلطان أو من يعينه منهم الخامس: أيضا يعين أحدهم ولا يعقد
هو السادس اللخمي: لو قيل يعقدون أجمعون دون تعيين الأفضل كان حسنا، ولا إشكال
إن بادر أحدهم وعقد في صحة عقده وإنما الكلام، هل يجوز له الاقدام على ذلك؟ قال ابن
عبد السلام: ينبغي أن لا يقدم على ذلك حتى يعلم بما عند الباقين لأن لكل واحد منهم
مثل ما للآخر. وقال في التوضيح: لا يقدم على ذلك ابتداء لكن مقتضى كلامه في المدونة
أن لبعض الأولياء إذا كانوا في درجة أن يزوج ابتداء بغير إذن الباقين والله أعلم. ص: (وإن
أذنت لوليين فعقد فللأول إن لم يتلذذ الثاني بلا علم) ش: أذنت لوليين يعين بأن تكون
74

فوضت إليهما في رجلين معينين أو لما عين لها الثاني ناسية الأول. قاله في التوضيح: ومفهوم
قوله إن لم يتلذذ الثاني فإن تلذذ فهي للثاني وهو كذلك، وانظر لو خلا بها ثم تصادق
هو والزوجة على أنه لم يقع منه تلذذ ولا وطئ ما الحكم؟ هل تكون هذه الخلوة فوتا على
الأول أو لا تكون فوتا؟ وظاهر نصوصهم أن الدخول فوت. وانظر أيضا إذا ثبت للثاني هل
يفسخ نكاح الأول بطلاق أو بغير طلاق؟ والظاهر أنه يفسخ بطلاق لأنه مختلف فيه والله
أعلم.
فرع: فإن لم يدخل أحدهما وجهل الأول فهل تصدق المرأة أو الوليان أن أحدهما هو
الأول؟ فيه قولان. مذهب المدونة عدم التصديق وقول أشهب في الواضحة التصديق. قاله في
المقدمات. قال: وانظر إذا أقر أحد الوليين أنه زوج وقد علم بتزويج الآخر قبله، هل يصح له
النكاح ولا يفرق بينهما أو لا؟ انتهى. ومفهوم قوله بلا علم أنه لو علم ودخل لم تفت بذلك
وهو كذلك. قال ابن الحاجب: أما لو دخل بعد علمه لم ينفعه الدخول وكانت للأول منهما.
قال في التوضيح: إن من شرط كونها للثاني أن يدخل وهو غير عالم بالأول لقوة الشبهة، أما
لو دخل بعد علمه بأنه ثان فلا انتهى، ونحوه لابن عبد السلام. ولا يفيده طلاق الأول أو
موته. قاله ابن الحاجب وانظر هل يحد أو لا يحد والله أعلم.
فرع: فإن لم يعلم الأول منهما ودخلا جميعا فسخ النكاحان. قاله في المقدمات قال:
ويدخل الخلاف المذكور في تصديق المرأة أو الوليين على الأول منهما إلا أنه يكون على كل
واحد منهما صداقها المسمى بالمسيس انتهى. وأما إذا دخلا جميعا وعلم الأول منهما في العقد
إلا أن الزوج الثاني لم يعلم بعقد الأول. فلو كان دخول الثاني قبل دخول الأول فالظاهر أنها
له لكونه دخل بها ولم يعلم بعقد الأول: وأما إن كان الأول هو الذي دخل قبل الثاني قال ابن
بشير: لا شك في مضي نكاحه وإبطال إنكاح الآخر انتهى. وقال الرجراجي: لا خلاف أنها
للأول ويفسخ نكاح الثاني انتهى. إلا أنهما قالاه فيما إذا دخل الأول ولم يدخل الثاني،
والظاهر أنه كذلك في مسألتنا لأنه لما أن دخل الأول فاتت على الثاني كما قالا، فوطئ الثاني
بمنزلة من عقد على زوجة شخص ودخل عليها والله أعلم.
75

ص: (إن لم تكن في عدة وفاة ولو تقدم العقد على الأظهر) ش: هذا شرط في تفويت
دخول الثاني بها. وفهم من قوله في عدة وفاة أن طلاق الأول لا يضر الثاني، سواء عقد الثاني
ودخل قبل طلاق الأول، أو عقد ودخل بعد طلاقه، أو عقد قبل طلاقه ودخل بعد طلاقه وهو
كذلك، لأنه طلاق قبل البناء فلا عدة فيه. وأما في وفاة الأول فإن عقد الثاني ودخل قبل موته
فهي له ولا ترث الأول، وأما إذا كان العقد والدخول بعد الموت فهي في عدة الأول وترثه وتحرم
على الثاني على التأبيد، وكذلك إن وقع العقد قبل الموت والدخول بعده على ما اختاره ابن رشد.
وانظر التوضيح. وكان الأليق بقاعدة المؤلف أن يشير لابن رشد بالفعل لأنه اختاره من نفسه لا
من الخلاف، وإنما خرجه على مسألة المفقود، قاله ابن عرفة والله أعلم. ص: (وفسخ بلا طلاق
أن عقدا بزمن أو لبينة بعلمه أنه ثان لا إن أقر أو جهل الزمن) ش: اعلم أن المصنف رحمه الله
ذكر أربع مسائل يفسخ فيها النكاح، لكن اثنتان بطلاق وثنتان بغير طلاق، وبعضها يفسخ فيها
النكاحان معا وبعضها يفسخ نكاح أحدهما، وبعضها يفسخ النكاح قبل الدخول وبعده وبعضها
قبل الدخول فقط، وجمعها المصنف للاختصار. فقوله وفسخ بلا طلاق إن عقدا بزمن أشار به
إلى إحدى المسألتين اللتين يفسخ النكاح فيهما بلا طلاق وهي مما يفسخ فيها النكاحان معا قبل
الدخول وبعده، وما ذكره المصنف هنا من أن الفسخ بلا طلاق هو الذي ارتضاه في التوضيح.
76

وقال ابن الحاجب: إن المشهور الفسخ بطلاق وسلمه ابن عبد السلام إلا أنه استظهر الفسخ فيها
بغير طلاق. وقال المصنف في التوضيح: ولعل ابن عبد السلام اعتمد على المصنف، وما ذكره
المصنف يعني ابن الحاجب من أنه يفسخ بطلاق مع الاتحاد لم أره وهو مشكل لاستحالة الشركة
في الزوجة شرعا فلم تدخل في عصمة أحدهما انتهى. وقال البساطي بعد نقله كلام التوضيح:
وأقول: لم أ من ذكر هذه المسألة أصلا انتهى. فإن عنى بذلك أنه لم يطلع على من قال فيها إن
الفسخ بطلاق كما قاله المصنف فظاهر، وإن عنى بذلك أنه لم يطلع على من نص على مسألة
اتحاد العقدين بزمن واحد فغير ظاهر، لأن المسألة نص عليها اللخمي والرجراجي ونقلها ابن عرفة
وأبو الحسن الصغير عن اللخمي وسيأتي كلامهم.
تنبيه: قال ابن عبد السلام: ولو اتحد زمن العقدين حتى لا يكون أحد الزوجين هو
الأول، أو تعدد الزمن ولكن جهل الأول من الزمانين مع الجهل بالأول من الزوجين، فلا شك
على المشهور أن من دخل من الزوجين أولى، ولظهور الحكم في هذا الوجه سكت عنه المصنف
يعني ابن الحاجب. ولو لم يقع دخول ففيها ثلاثة أقوال وذكرها. فقوله فلا شك على المشهور
أن من دخل من الزوجين أولى قد يتبادر منه أن ذلك راجع إلى المسألتين معا وليس كذلك،
بل هو راجع إلى المسألة الأخيرة فقط وهي مسألة ما إذا جهل الزمان وعلى ذلك حمله في
التوضيح كما يظهر من كلامه لمن تأمله. ورجوعه لمسألة اتحاد زمن العقدين مشكل، لأنه
خلاف المنصوص. قال الرجراجي: وأما الوجه الثالث وهو ما إذا فوضت أمرها إلى أكثر من
واحد مثل أن تفوض أمرها إلى رجلين فزوجهما هذا من رجل وهذا من رجل، فلا يخلو ذلك
من وجهين: أحدهما أن يكونا عقدا معا، والثاني أن يتقدم أحدهما بالعقد على الآخر، فإن
عقدا عليها معا فلا خلاف في المذهب في فسخ النكاح من غير اعتبار بالدخول انتهى. وقال
اللخمي: ولو عقد الوليان في مجلس واحد من رجلين معا لم يتقدم أحدهما الآخر يفسخ
النكاحان جميعا، دخلا بها أو أحدهما أو لم يدخلا، لأن العقدين فاسدان لعلم كل واحد
منهما بعقد الآخر انتهى. وقال ابن عرفة اللخمي: ولو عقد الوكيلان في مجلس واحد فسخا،
ولو بنى أحدهما العلم كل واحد منهما بعقد الآخر انتهى.
وقال أبو الحسن إثر قول المدونة: وإن لم يدخل بها واحد منهما ولم يعلم الأول فسخا
جميعا في الكتاب، في هذه المسألة ثلاث صور: الأولى إذا علم الأول ولم يدخل الثاني فهذه
ترد للأول ويفسخ نكاح الثاني بغير طلاق. قاله ابن المواز: الثانية أن يكون دخل بها والمسألة
تحالها فهذه مسألة الخلاف. قال في الكتاب الثاني أحق. الثالثة أن لا يعلم واحد منهما فهذه
أيضا قال فيها في الكتاب فسخا جميعا، فإن دخل بها الثاني كان أحق بها بطريق الأولى على
مذهب الكتاب، وعلى قول ابن عبد الحكم بفسخ. حكى ذلك اللخمي. ومعنى مسألة الكتاب
إذا لم يمكن اتفاق العقدين، وأما إن أمكن اتفاقهما فهذه صورة رابعة لا يفيتها دخول أحدهما
77

ويفسخ النكاحان لامكان أن يكون وقع عندهما في زمن واحد. الخامسة أن يتحد زمن
العقدين يقينا، أما في زمن واحد في مجلس أو مجلسين فقال اللخمي: إن كان عقدهما في
مجلس فنكاحهما فاسد لعلم كل واحد منها بعقد الآخر. وقال الغزالي في البسيط: إذ ليس
هذا أولى من هذا ولا سبيل إلى الجمع. وتعليل الغزالي أحسن لأنه يشمل ما كان في مجلس
واحد أو مجلسين لأن الزمان متحد، وتعليل اللخمي إنما يشمل ما إذا كان المجلس واحدا.
واستفيد من كلام أبي الحسن أنه لا فرق في اتحاد زمن العقدين بين أن يكون ذلك في مجلس
واحد أو مجلسين. وظاهر كلامه أيضا أن العقدين تارة بتيقن اتحاد زمانهما كما ذكره في
الصورة الخامسة. وتارة يمكن اتفاقهما كما ذكره في الصورة الرابعة، وأن الحكم في ذلك واحد
فتأمله والله أعلم.
وأما قوله أو ببينة بعلمه أنه ثان فأشار إلى المسألة الثانية من المسألتين اللتين يفسخ
النكاح فيهما بلا طلاق، وقوله لا إن أقر أشار به إلى المسألة الأولى من المسألتين اللتين يفسخ
فيهما النكاح بطلاق. والضمير في قوله بعلمه يحتمل أن يعود على كل من الوكيل الثاني والزوج
الثاني، ورجوعه إلى الزوج الثاني أقرب لذكر مقابله بقوله لا إن أقر والحكم مع قيام
البينة بعلمه أنه ثان الفسخ بغير طلاق كما تقدم. وأما مع عدمها فالحكم فيما إذا أقر الزوج
الفسخ بطلاق كما تقدم، وفيما إذا أقر الولي مع عدم تصديقه. قاله في التوضيح وغيره.
والفسخ في هاتين المسألتين قبل الدخول وبعده والفسخ فيهما لنكاح الزوج الثاني فقط من
الزوجين والله أعلم. وقوله أو جهل الزمن أي جهل زمن الأول منها، وأشار به إلى المسألة
الثانية من المسألتين اللتين يفسخ فيهما النكاح بطلاق والحكم في ذلك فسخ النكاحين معا
بطلاق إن أدرك ذلك قبل الدخول، فإن دخل بها أحدهما كان أحق بها. قال اللخمي: وهذا
قول مالك. وعلى قول ابن عبد الحكم يكون حكمه حكم من لم يدخل لأنه على شك فقد
يكون الأخير فلا يصح له المقام عليها اه‍. ونقله في التوضيح. وقال الرجراجي: فأما إن جهل
الأول منهما فلا يخلو من أن يدخل بها أحدهما أو لا يدخل بها واحد منهما، فإن دخل بها
أحدهما فالمذهب على قولين: أحدهما أنه أحق بها وهو قول مالك في المدونة. والثاني لا يكون
أحق بها وأن الدخول لا تأثير له في ثبوت النكاح لأنه على شك أنه قد يكون هو الأخير فلا
يصح له المقام على هذا النكاح وهو قول ابن عبد الحكم، فإن لم يدخل بها واحد منهما فلا
خلاف في المذهب أن نكاحهما مفسوخ، وظاهر المذهب في ذلك أن الفسخ بغير طلاق لأنه
نكاح فسخ بالغلبة. وقيل: بطلاق وهو المنصوص في المذهب اه‍.
فرع: قال ابن رشد في المقدمات: وإن تزوجها أحدهما بعد زوج كانت عنده على
طلقتين، وإن تزوجها أحدهما قبل زوج كانت عنده على ثلاث تطليقات لأنه إن كان هو
78

الأول فإنما تزويجه إياها تجديد لنكاحه الأول وذلك لا يوجب طلاقا، وإن كان الأخير فلا
يلزمه طلاق لأنه لم ينعقد له نكاح ويقع على الذي لم يتزوجها بتزويج الذي تزوجها منهما
طلقة، فمتى تزوجها كانت عنده على تطليقتين اه‍. وتعقبه الرجراجي ونصه إثر كلامه المتقدم:
فإن تزوجها أحدهما بعد الفسخ هل ترجع عنده على جميع الطلاق أو على ما بقي من إطلاق
الملك؟ فقد ذكر بعض المتأخرين عن ابن المواز كلاما متناقضا في نفسه وقال: لا يخلو الذي
تزوجها منهما من أن يكون تزوجها قبل زوج أو بعد زوج، فإن تزوجها قبل زوج ثم ذكر
الكلام الذي ذكره ابن رشد برمته. وقال إثره: هذا الكلام مدخول لأن الفسخ الذي فسخ به
نكاحهما إن كان بطلاق فكيف ترجع عند الذي تزوجها منهما بعد ذلك على جميع الطلاق
لأنه فسخ وقع بحكم حاكم والأول منهما مجهول، وإن كان بغير طلاق فكيف يلزمه الطلاق
بتزويج غيره إياها بعد الفسخ من غير أن يوجبه عليه حكم حاكم، وهذا الكلام كما تراه
وربك أعلم بمن هو أهدى سبيلا اه‍. ص: (وإن ماتت وجهل الأحق ففي الإرث قولان) ش:
الأحق هو الأول إن لم يدخلا، وإن دخل أحدهما فالثاني هو الأحق. قاله ابن عبد السلام.
وقوله ففي الإرث قولان أي فهل يقسم الإرث بينهما نصفين أو لا ميراث لهما؟ قاله ابن
عرفة ورجحه التونسي. قال ابن عبد السلام: وعليه أكثر المتأخرين. وعلى القول الأول يكون
لغزا يقال ما امرأة يرثها زوجان معا؟ والله أعلم. ص: (وعلى الإرث فالصداق) ش: قال ابن
عبد السلام: والأقرب أنه يجب أن لا يستحق أحد الزوجين شيئا من الإرث إلا بعد دفع جميع
الصداق. قاله في التوضيح. اه‍ بالمعنى. ولم يذكر ابن عرفة هذا البحث. وما قاله ابن عبد
السلام إنه الأقرب هو الذي يفهم من قوله في التوضيح عن اللباب: من كان صداقه قدر ميراثه
فأقل فلا شئ عليه، ومن كان ميراثه أقل غرم ما زاد على ميراثه لاقراره بثبوت ذلك اه‍. ونقله
ابن عرفة عن ابن محرز والتونسي عن بعض المذاكرين ثم قال التونسي: هذا إن ادعى كل
منهما أنه الأول وإن شكا فلا غرم اه‍. ففهم من هذا الكلام مطالبة كل واحد منهما بالصداق
والله أعلم. ص: (وإلا فزائده) ش: أي وإن لم نقل بالإرث فاللازم لكل واحد من الزوجين
79

الزائد على ما يخصه من الإرث، ويشير بذلك لما تقدم عن اللباب في كلام التوضيح وعن ابن
محرز والتونسي في كلام ابن عرفة والله أعلم. ص: (وإن مات الرجلان فلا إرث ولا صداق)
ش: قال ابن عرفة: ولو ماتا أو أحدهما فلا إرث لها. ابن محرز: ولها أخذ من وافقته على أنه
الأول لأنه إقرار بمال اه‍. وقال ابن عبد السلام: وأما إن مات أحدهما مدعيا أنه الأحق وصدقته
في دعواه فقال بعضهم: لها أخذ الصداق ويختلف في الميراث اه‍. ص: (ولو صدقته المرأة) ش:
قال ابن عبد السلام: يعني أنه لا يلتفت إلى قولها في تصديق من صدقت، وكذلك لو صدقتهما
أن أحدهما بعينه هو الأول اه‍. وعد في التوضيح ما يفيته الدخول وما لا يفيته. وقال: إن ما يفيته
الدخول تسع وما لا يفيته خمس ونظمها بعضهم. ونقله الشيخ بهرام في الكبير والبساطي وتكلم
هنا في المختصر على واحدة في بابها، ويشبه أن يكون مما يفيته الدخول على المشهور مسألة من
خطب على خطبة أخيه بعد الركون والله أعلم. ص: (وفسخ موصى وإن بكتم شهود من امرأة
أو بمنزل أو أيام إن لم يدخل ويطل وعوقبا والشهود) ش: يعني أن نكاح السر هو الموصي
بكتمه وإن بكتم شهود. قال ابن عرفة: قال الباجي عن عيسى عن ابن القاسم وأصبغ: ولو كانوا
ملء المسجد الجامع اه‍. وقال أيضا الباجي: إن اتفق الزوجان والولي على كتمه ولم يعلموا البينة
بذلك فهو نكاح سر اه‍. وقاله المصنف في التوضيح. وقول المصنف وفسخ يدل بطريق الالتزام
على أنه ممنوع. قال ابن عبد السلام: ولا خلاف أعلمه في المنع منه اه‍.
فرع: قال ابن عرفة: ولو استكتم الولي والزوجة الشهود دون الزوج لم يؤثر شيئا. وعزاه
لابن رشد في سماع أصبغ. وما ذكره المصنف أنه نكاح السر قال في توضيحه: إنه المشهور.
80

وعند يحيى: نكاح السر ما كان بغير بينة أو بشهادة امرأتين أو رجل وامرأتين. وعلى المشهور
فإنما يفسد إذا أوصى بالكتمان قبل العقد، وأما لو أمر الشهود بالكتمان بعد العقد فإنه صحيح
ويؤمرون بإشهاره. قال أشهب: وهذا إذا لم تكن له نية وإن نكح على نية الاستكتام فليفارق
اه‍. قال في التوضيح: قال أصبغ: لا شئ عليه إلا أن يكون تواطأ الزوجة والولي عليه. ابن
رشد: تصويب التونسي تعقب أصبغ غير صحيح لأن أشهب لم يقل بفسخ النكاح كما ظنه
أصبغ وإنما رأى فراقه استحسانا لاقراره ببينة وفعل والطلاق بيده لأنه يحكم عليه به لأنه حكم
على الزوجة بما لم يثبت ولا أقرت به اه‍. وقال في التوضيح في سماع أشهب: يفرق بينهما
بطلقة ولها صداقها إن كان أصابها انتهى. وقال ابن عرفة: وسمع القرينان: من قام من عقد
نكاحه لمن قال له كأنكم كنتم على أملاك فقال: لا أكرهه وأكتمه وأحب أن يشاع ولا شئ
عليه في قوله هذا اه‍. ص: (وعوقبا والشهود) ش: الأرجح في الشهود النصب على أنه
مفعول معه ويجوز العطف، وظاهر كلامه كقول ابن شهاب العقوبة على الشاهدين مطلقا.
وأما قول مالك فقال في التوضيح عن المدونة: لا يعاقب الشاهدان إن جهلا ذلك اه‍. وقال ابن
عرفة: وروى ابن وهب يعاقب عامد فعله منهم اه‍. وقال في المسائل الملقوطة بعد ذكره
الشاهدين والزوجين والولي إلا أن يعذروا الجهل اه‍. والله أعلم. ص: (وقبل الدخول وجوبا
على أن لا تأتيه إلا نهارا) ش: إنما قال وجوبا خشية أن يتوهم أنه على الاستحباب لقوله في
الرواية: لا خير فيه. قال في التوضيح عن ابن القاسم: فإن دخل ثبت ولها صداق المثل ويسقط
الشرط اه‍. وما قاله البساطي فيه نظر فانظره وكونه يفسخ ويستلزم المنع منه أو لا. والله أعلم.
ص: (أو بخيار لأحدهما أو غير) ش: أما خيار المجلس فحكى في التوضيح عن بعضهم
81

الاتفاق على جوازه. قال ابن عرفة: وجوزه اللخمي فيما قرب لقول محمد عن ابن القاسم إن
شرط مشورة من قرب بالبلد بإتيانه من فورهما جاز اه‍. ثم قال: وحيث يجوز سمع أصبغ لا
إرث فيه وله ترك المشورة ومخالفة رأي المستشار. ابن رشد: اتفاقا. إلا نقل التونسي عن ظاهر
كتاب محمد إن سبق رأي المستشار لزم كالبيع وهو بعيد، والإرث فيه بعد الرضا والمشورة قبل
البناء أو بعده.
فرع: قال في المدونة: ولها المسمى دون صداق المثل. ص: (وجاء به) ش: يريد قبل
الاجل قال في البيان: والخلاف إنما هو إذا أتى الزوج بالصداق قبل الاجل، وأما إن لم يأت
بالصداق إلى الاجل حتى انقضى الاجل فلا نكاح بينهما قولا واحدا. اه‍ من التوضيح. ص:
(أو على شرط يناقض المقصود كأن لا يقسم لها) ش: من الشروط المناقضة أن يشترط أن لا
ينفق عليها وأن تكون النفقة على غيره. قال في رسم حلف أن لا يبيع رجلا من سماع ابن
القاسم من كتاب النكاح: وسئل مالك عن الرجل يزوج ابنه صغيرا ويشترط على الأب نفقة
82

امرأته. قال: لا خير في هذا. قال عيسى: وسألت ابن القاسم عنه قال: يفسخ قبل الدخول فإن
دخل جاز وكانت النفقة على الزوج. قال مالك: أرأيت لو مات الأب، أيوقف لها ماله أو كان
عليه دين يحاص به الغرماء استنكارا لذلك؟ ابن القاسم: قال لي هذا وشبهه وأكثر الكلام فيه
على وجه الكراهة ابن رشد: اختلاف قول مالك في شرط النفقة في النكاح على والد الابن
الصغير حتى يبلغ، وولي السفيه حتى يرشد، أجازه مرة وكرهه أخرى، وقال بكل منهما كثير
من أصحاب مالك. وحكى ابن حبيب عن ابن الماجشون وابن وهب عن مالك إجازة ذلك،
وزاد لزوم ذلك ما عاش الأب والزوج مولى عليه. وهذا الخلاف إنما هو إذا لم يقع بيان إن
مات الأب قبل بلوغ الصبي أو الولي قبل رشد اليتيم وسقطت النفقة بموتهما، هل تعود في
مال الصبي ومال اليتيم أو لا تعود عليهما إلى بلوغ الصبي ورشد اليتيم؟ فإن شرط عودها في
مالهما جاز النكاح اتفاقا، وإن شرط سقوطها إلى بلوغ الصبي ورشد اليتيم كان النكاح فاسدا
اتفاقا. وإنما الخلاف إذا وقع الشرط مبهما، وعلى القول بفساده قال ابن القاسم: إن دخل جاز
وكانت النفقة على الزوج، ولم يبين هل هو بالمسمى أو بمهر المثل وهو الأظهر. ولو شرط النفقة
في نكاح الكبير المالك أمر نفسه في نفس العقد على غيره فسخ قبل البناء. قال ابن حبيب: إلا
أن ترضى المرأة بكون النفقة على الزوج ويثبت بعده وتكون النفقة على الزوج. ولا يدخله
الخلاف الذي في المسألة الأولى لظهور الغرر والفساد في هذه، ولا يجوز النكاح على إعطاء
الزوج حميلا بالنفقة لأنها ليست بدين ثابت في ذمته كالمهر، فإن وقع عليه فسخ قبل البناء
وثبت بعده بمهر المثل، ولو وقع في مسألة اشتراط النفقة على غير الزوج بيان رجوعها على
الزوج إن مات من اشترطه عليه أو طرأ عليه دين أو ما يبطل النفقة عنه جاز النكاح على قياس
ما تقدم. وقيل: يفسخ قبل البناء على كل حال لأن شرطها على غير الزوج خلاف السنة
ويمضي بعده بمهر المثل ويسقط الشرط وإليه نحا الأبهري. وما قلناه أبين وأظهر. انتهى بعضه
باللفظ وبعضه بالاختصار. ابن عرفة: وقال في البيان بعده في رسم حلف ليفعلن وسئل عن
العبد يزوج ويشترط النفقة على سيده. فقال مالك: لا يجوز لو هلك ذهب الشرط، ولو جاز
هذا لاخذ لها النفقة من مال سيده. ومعنى قوله: فيما نرى والله أعلم إذا لم يدخل بها. قال
عيسى: قلت لابن القاسم فإن دخل بها؟ قال: يثبت النكاح وتكون النفقة على البعد وسقط
الشرط على السيد. ابن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم حلف أن لا يبيع رجلا
يشير إلى الكلام المتقدم في المتيطية في نكاح العبد. واختلف في اشتراط النفقة على السيد
فمنعه في كتاب محمد وأجازه أبو مصعب انتهى. فتحصل من هذا أنه إذا اشترط نفقة زوجة
العبد على سيده أو زوجة الصبي على أبيه أو المولى عليه على وليه، فلا يجوز ويفسخ قبل
الدخول ويثبت بعده ويسقط الشرط، وهذا داخل في قول المصنف وألغي والله أعلم.
فرع: فلو لم ينعقد على ذلك وتطوع السيد بالتزام النفقة أو الأب أو الولي، فالظاهر أنه
83

يلزمه. قال البرزلي في أثناء مسائل النكاح عن ابن رشد: وسئل عمن زوج عبده وأشهد على
نفسه تطوعا بعد العقد أنه ينفق عليها مدة الزوجية ثم مات، هل توقف تركته لذلك؟ وكيف
إن كان في أصل العقد أو اختلفا في ذلك؟ فأجاب بأنه لا شئ في تركة السيد إن مات لأنه
متطوع، وإنما يجب عليه مدة الزوجية ما دام حيا وبعد الموت هبة لم تقبض، ولو شرط في
أصل النكاح لكان فاسدا يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بمهر المثل ويبطل الشرط ويكون على
العبد. وقيل: لا يفسخ إذا أسقطت شرطها والنفقة على الزوج. ووجه الأول الغرر إذ قد يموت
السيد قبل انقضاء العصمة، ولو شرط، أنه إن مات قبل انقضاء العصمة لرجعت على العبد
جاز. ولو اختلفا هل كان شرطا أو تطوعا فالقول قول من ادعى الشرط لشهادة العرف له. هذا
الذي أقول به على منهاج مذهب مالك انتهى. ومثله يقال في الصبي والمولى عليه والله أعلم.
ص: (وألغي) ش: يعني وألغي الشرط المناقض فلا يعمل بمقتضاه غير أنه إذا اطلع على هذا
النكاح قبل البناء فسخ وجوبا، يريد بطلاق لأنه مختلف فيه. وإن بادر الزوج ودخل مضى
النكاح وسقط الشرط. قال ابن عرفة عن ابن رشد: اتفقوا إن بني بشرط أن لا نفقة لها على
ثبوت النكاح وسقط الشرط. قال ابن عرفة عن ابن رشد: اتفقوا إن بني بشرط أن لا نفقة لها
على ثبوت النكاح وسقوط الشرط انتهى. وقال اللخمي لما أن تكلم على أقسام الشروط:
السادس أن يتزوجها على أن لا يأتيها إلا نهارا أو على أن يؤثرها على غيرها أو على أن لا
يعطيها الولد أو لا نفقة لها أو لا ميراث بينهما أو على أن أمرها بيدها، فهذه شروط لا يصح
الوفاء بها. واختلف في النكاح، فقيل يفسخ قبل وبعد، وقيل يفسخ قبل ويثبت بعد ويمضي
84

على سنة النكاح ويسقط الشرط. انتهى والله أعلم. ص: (ومطلقا كالنكاح لأجل) ش: هذا
نكاح المتعة. قال في التوضيح: والفسخ فيه بغير طلاق وقيل بطلاق ويعاقب الزوجان انتهى.
قال ابن عرفة: وظاهرها مع غيرها ولو بعد الاجل بحيث لا يدركه عمر أحدهما، ومقتضى
القول بإلغاء الطلاق إليه إلغاء مانعيته فلا يكون النكاح فيه متعة لولا أن المانع الواقع في العقد
أشد تأثيرا منه واقعا بعده انتهى. وظاهر كلام الشيخ أبي الحسن أن الاجل البعيد الذي لا يبلغه
أحدهما لا يضر. قال: قوله يعني في المدونة لا يجوز النكاح إلى أجل قرب أو بعد. الشيخ:
معناه ما لم يبلغه عمرهما أو عمر الزوج انتهى. وفي مسألة المسافر يتزوج ونيته أن يطلق،
والرجل يتزوج لهوى انظرها في آخر رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب
النكاح فإنه حرر الكلام في ذلك وأطال، وهي مذكورة في التوضيح عند الكلام على نكاح
السر وكذا في ابن عرفة وفي الشامل وفي اللخمي، ولكن كلام البيان أتم والله أعلم. وانظر ابن
الحاجب في ضابط ما يفسخ قبل البناء وبعده وما يفسخ قبله فقط والله أعلم.
فرع: قال البرزلي: ومن استمتع بالزوجة عالما بالتحريم لا يحد ويعاقب. قاله في المدونة.
وعن ابن نافع إن فيه الرجم على المحصن والجلد على غيره مع العلم انتهى. ص: (وهو طلاق
إن اختلف فيه كمحرم وشغار) ش: قال ابن الحاجب: كولاية العبد والأمة وكالشغار والمريض
والمحرم وكالصداق الفاسد انتهى.
تنبيهات: الأول: قال في التوضيح عن أبي عمران: الشغار لا خلاف في منعه وإنما
85

اختلف في فسخه وبه يعلم أن قول ابن عبد السلام إن ابن القاسم إنما قال بالفسخ بطلاق في
المختلف في جوازه ابتداء ليس بظاهر، ولا أعلم من قال بجواز كون العبد وليا انتهى.
الثاني: إذا قلد الزوجان من يرى صحة هذا النكاح وترافعا إلى قاض يرى صحته فإنهما
يقران عليه. قاله ابن عبد السلام في باب الخلع عند قول ابن الحاجب ولو تبين فساد النكاح.
الثالث: فسخ النكاح لعيب أحد الزوجين فسخ بطلاق. قال في باب الخلع من إرخاء
الستور من المدونة: وفراقها إياه من أجل الجنون والجذام فسخ بطلاق انتهى. وكذلك إذا فارقها
لعيبها. قاله في المدونة بعد الكلام المتقدم بيسير والله أعلم.
الرابع: هل يفتقر فسخ النكاح الفاسد إلى حكم حاكم أو يكفي في ذلك تراضي
الزوجين أو الزوج والولي؟ والظاهر أنه لا يفتقر إلى حكم حاكم. قال في النكاح الأول من
المدونة في النكاح الذي عقده الأجنبي مع وجود الولي وأراد الولي فسخه قال ابن القاسم: وإذا
أراد الولي أن يفرق بينهما فعند الامام إلا أن يرضى الزوج بالفراق دونه انتهى. وقال اللخمي:
النكاح خمسة: صحيح لا خيار فيه، وصحيح فيه خيار ولا خلاف فيه، وصحيح فيه خيار
مختلف فيه، وفاسد مجمع عليه، وفاسد مختلف فيه. والفراق في الأول بطلاق. والذي فيه
الخيار ثلاثة أقسام.
الأول: ما كان الخيار فيه قبل تمام العقد كما لو زوج رجل بغير أمره أو زوجت امرأة
بغير أمرها وعلم المتعدي عليه بالقرب كان له الخيار بين الإجازة والرد، والرد فسخ بغير طلاق
لأنه لم ينعقد نكاح.
الثاني: ما كان الخيار فيه بعد انعقاده لحق تقدم العقد كما إذا اطلع أحد الزوجين على
عيب متقدم على العقد يوجب الرد فرد. قال ابن القاسم: ذلك طلاق. وقال الأبهري: إذا وجد
الرجل المرأة مجنونة أو مجذومة إن الرد بغير طلاق، وعلى هذا إذا كان العيب به وأرادت هي
الفراق كان فسخا بغير طلاق، فإذا قال أو قالت رددت بالعيب وقعت الفرقة، ولو قال رددت
بالعيب هي طالق لم يقع لأنه يقول رددت في غير عصمة، ولو قال أنا راد بالعيب هي طالق
لوقع الطلاق. ومن هذا الأصل اختلف فيمن وكل من يزوجه بألف فزوجه بألفين فلم يرض
ورد النكاح قال ابن القاسم: تكون فرقتهما طلاقا. وذكر عن غيره أنه قال: يفسخ بغير طلاق.
وكذلك إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فرد نكاحه فقال مالك وابن القاسم: يكون طلاقا.
وعلى قول الأبهري يكون فسخا.
الثالث ما كان الخيار فيه لحق حدث بعد العقد كما إذا حدث بالزوج عيب بعد العقد
يوجب الرد فذلك طلاق، وكذا إذا قامت المرأة بالفراق لعدم النفقة أو لأنه أضر بها أو عتقت
الأمة فذلك كله طلاق لأنه أمر حدث بعد العقد وصحته، ويصح أن تكون الفرقة في النكاح
86

الصحيح وإن كان بأمر طارئ فسخا كملك أحد الزوجين الآخر والرضاع ونكاح الام على
البنت وما أشبه ذلك. واختلف في ارتداد أحد الزوجين هل هو فسخ أو طلاق؟ وأرى أن
ارتداده فسخ وارتدادها طلاق، لأنه إذا ارتد كان كافرا والكافر لاطلاق عليه، وإذا ارتدت
وقع الطلاق لأنه مسلم. واختلف في اللعان أيضا كذلك، ويحتاج إلى هذا على القول بأنه إذا
كذب نفسه بعد اللعان له أن يتزوجها فترجع إليه على نكاح مبتدأ على القول بأنه فسخ، وعلى
القول بأنه طلاق ترجع على طلقتين انتهى. وما ذكره في المرتد من أن ارتداده هل هو فسخ أو
طلاق، المشهور أنه طلاق كما سيأتي. ثم قال إثر كلامه المتقدم.
(فصل)
وإن كان الخيار مختلفا فيه كالتي تزوج بغير إذن وليها وكان الولي بالخيار في إجازته
ورده فرده فإنه طلاق، وإن كان النكاح مجمعا على فساده كانت الفرقة فسخا، سواء طلق
بنفسه أو طلق عليه. وإن كان مختلفا في فساده كان فيه قولان. قال مالك مرة يكون فسخا،
وقال مرة طلاقا. وسواء كان الفساد من قبل العقد أو الصداق أو منهما جميعا. انتهى من
النكاح الأول مختصرا ونقله الشيخ أبو الحسن. وقال في النكاح الثاني باب الحكم في الصداق
إذا طلق قبل البناء أو كان النكاح فاسدا: ولا صداق لها في النكاح الفاسد إذا فسخ قبل البناء
إذا كان الفساد في الصداق، وكذا إن كان الفساد في العقد وكان مجمعا على فساده، وكذا
إن كان مختلفا فيه وفسخ بحكم أو تفاسخاه وإن طلق قبل النظر فيه. فمن لم يراع الخلاف
ولا قول من رأى جوازه لم يجعل لها صداقا ولا ميراثا إن مات، ويلزم من راعى الخلاف
وجعل فيه الميراث وألزم الطلاق أن يجعل لها نصف تلك التسمية. وقال أشهب: في كتاب
محمد فيمن كان فساده من قبل صداقه فمات قبل البناء لها الصداق والميراث ولم يجعل لها
شئ إن طلق قبل البناء انتهى. ففي كلامه الأول أن المجمع عليه يكون فسخا، وسواء وقعت
الفرقة في الزوج باختياره أو فرق عليه جبرا. وفي كلامه الثاني أن تفاسخهما يكفي في ذلك
وهو الذي تقدم في كلام المدونة أنه لا يحتاج إلى الامام إلا أن لا يرضى الزوج بالفراق، فإذا
كان النكاح مجمعا عليه وتراضيا على فسخه انفسخ، وسواء فسخاه بلفظ الفسخ أو بلفظ
الطلاق وهو فسخ بغير طلاق كما تقدم في كلام اللخمي ومن وقت المفاسخة تكون العدة
كما يأتي في كلام التوضيح وابن عبد السلام. ولا بد من إشهادهما على الفسخ لتشهد لهما
البينة على ذلك إن رفعا إلى الحاكم بعد مضي زمن الاستبراء، فإن امتنعا أو الزوج من الفسخ
رفعاه إلى الحاكم وفسخه حينئذ الحاكم. وإن كان مختلفا فيه ففسخه الزوج بطلاق فلا شك
في لزومه كما تقدم في كلام اللخمي، وإن طلق فيه ظانا أنه صحيح كفاه ذلك ولا تكون فيه
رجعة كما سيأتي في باب الرجعة، فإن أراد أن يجعله فسخا بغير طلاق بأن قال فسخته بغير
87

طلاق أو تركنا هذا النكاح وما أشبه ذلك، لزمه الفسخ وكان طلاقا على ظاهر ما قاله في باب
الخلع والصلح من إرخاء الستور من المدونة إلا أن يقلدا من يقول بأنه فسخ بغير طلاق فله
ذلك كما قال ابن عبد السلام: إنهما إذا قلدا من يرى صحة هذا النكاح فإنهما يقران عليه،
وتقدم كلامه منقولا من باب الخلع. ونص كلام المدونة المشار إليه: وإن انكشف بعد الخلع أن
بها جنونا أو جذاما أو برصا كان له ما أخذ وتم الخلع، لأن له أن يقيم، ولو تركها أيضا بغير
الخلع لما غرته كان فسخا بغير طلاق انتهى بلفظه. وكلام التوضيح وابن عبد السلام هو في
باب العدة. قال ابن الحاجب: ويجب على الحرة عدة المطلقة من كل نكاح فاسد بعد الدخول
من حين فرق بينهما. قال في التوضيح: قوله من كل نكاح أي سواء كان مجمعا على
فساده أو لا، وهذا هو المشهور وهو مذهب المدونة. اللخمي: وقيل يكفي في المتفق على فساده
حقيقة. وقوله بعد الدخول ظاهره لأنه إذا لم يجب على المطلقة قبل البناء في النكاح
الصحيح شئ فأحرى الفاسد. وقال من حين فرق بينهما لأنه قد يتوهم أن النكاح المجمع على
فساده لما كانت الفرقة فيه لا تحتاج إلى حكم حاكم كانت في كل وقت كالأجنبية فتكون
العدة من آخر وطئ. وقوله ثلاث حيض بدل من قوله عدة المطلقة أو عطف بيان. انتهى
ونحوه في ابن عبد السلام إلا أنه قال: في قوله من حين فرق بينهما أنه قد يتوهم أن
النكاح المجمع على فساده لما كان قد لا يحتاج إلى التفرقة بينهما فيه إلى حكم حاكم الخ.
ما تقدم. فقوله قد يحتاج يعني والله أعلم إذا لم يوافق الزوج على الفسخ. وقوله هو وصاحب
التوضيح المجمع على فساده لا مفهوم له لأن الطلاق بالمختلف فيه لازم فإذا فسخه بطلاق فكأنه
طلق، ولا شك في لزومه الطلاق بذلك وتصير بائنا لا رجعة له عليها إلا بنكاح جديد برضاها،
وإنما يرجع إلى الحاكم إذا كان مقلدا لمن يرى فسخ النكاح وامتنع من فسخه، وقد ذكروا في البيع
الفاسد أن المجمع عليه لا يحتاج إلى حكم حاكم، واختلف في المختلف فيه، فقيل يكفي تراضيهما
بالفسخ، وقيل: إنما يكفي تراضيهما مع الاشهاد، وقيل: لا بد من الحاكم. حصل الأقوال الثلاثة
ابن عرفة في الصرف الفاسد. وقال ابن بشير: الخلاف بذلك مبني على أصل وهو من فعل
فعلا لو رفع إلى الحاكم لم يزد عليه هل يكون فعله بمنزلة الحاكم قولان انتهى. وسيأتي لذلك
مزيد بيان عند قول المصنف في فصل علة طعام الربا، وإنما ينتقل ضمان الفاسد بالقبض، وفي
مسألة النكاح المختلف فيه لا يتأتى لفوات محل الحكم بالتزام الزوج الفسخ في ذلك والله أعلم.
ص: (والتحريم بعقده ووطئه) ش: هو كقول ابن الحاجب في موانع الزوجية وكل نكاح
88

اختلف فيه اعتبر عقده ووطؤه ما لم يكن بنص أو سنة ففي عقده قولان. قال في التوضيح:
معنى كلامه أن كل نكاح اختلف العلماء في صحته وفساده والمذهب قائل بالفساد فإنه
يعتبر عقده فيما يعتبر فيه العقد ووطؤه فيما يعتبر فيه الوطئ، فيحرم بالعقد أمهاتها، وتحرم
بالوطئ على آبائه وأبنائه، وتحرم عليه البنت بالدخول بالأم فيه. وقوله ما لم يكن بنص أو
سنة يعني أنه اعتبر العقد والوطئ إلا أن يكون الفساد بنص كتاب الله أو سنته فحذف من
الأول ما أثبت نظيره في الثاني، ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول. ففي عقده قولان
ويعتبر وطؤه بالاتفاق. وقال في المقدمات: والمشهور أن الحرمة تقع بكل نكاح لم يتفق على
تحريمه، ونفى غيره الخلاف ورأي أن المذهب كله على التحريم. فإن قلت: كيف يكون فيه
نص كتاب الله أو سنته ويختلف فيه؟ قيل: النص على ثلاث اصطلاحات: الأول ما احتمل
معنى قطعيا ولا يحتمل غيره قطعا. والثاني ما احتمل معنى قطعيا وإن احتمل غيره. والثالث
ما احتمل معنى كيف كان ولا يتأتى الخلاف على الاصطلاح الأول. فإن قلت: فما مثال
ذلك؟ قيل: أما ما فيه نص سنة فنكاح المحرم وإنكاح المرأة نفسها، وأما ما فيه نص كتاب
فنكاح الخامسة فإن قوله تعالى * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) *
نص في عدم الزيادة وقد أجاز بعض الظاهرية الزيادة اه‍. وفي ابن فرحون نحو
ذلك وأوسع منه فراجعه والله أعلم. فقوله فحذف من الأول الخ هو من النوع المسمى
بالاحتباك من أنواع البديع. وهو أن يحذف من أحد شقي الكلام نظير ما أثبته في الثاني، ومن
الثاني نظير ما أثبته في الأول ومنه قوله تعالى: * (ومثل الذي كفروا كمثل الذي ينعق بما لا
يسمع) * أي ومثل الأنبياء والذين كفروا كمثل الذي ينعق وينعق به. وجعل
منه السيوطي قوله تعالى: * (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) * على أن المراد
بالزمهرير البرد أي لا يرون فيها شمسا ولا قمرا ولا حرا ولا زمهريرا. ومنه قوله تعالى * (وأدخل
يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء) * التقدير. تدخل غير بيضاء وأخرجها
تحرج بيضاء. وذكر أنه لم يقف عليه في شئ من كتب البديع إلا أنه خطر له في الآية
المذكورة أعني قوله: * (لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) * وهذا النوع
لطيف وأنه لا يعرف في أنواع البديع ما يدخل تحته. ثم ذكر ذلك لصاحبه برهان الدين
البقاعي فأفاده أن بعض شيوخه أفاد أن هذا النوع يسمى الاحتباك، ثم وقف عليه في شرح
بديعية ابن جابر لصاحبه أحمد بن يوسف الأندلسي قال: ومن ألطفه قوله تعالى: * (خلطوا
عملا صالحا وآخر سيئا) * أي صالحا بسئ وآخر سيئا بصالح. ومأخذه من
الحبك الذي معناه الشد والاحكام وتحسين آثار الصنعة وبيانه أن مواضع الحذف أشبهت الفرج
بين الخيوط فلما أدركها الناقد البصير فوضع المحذوف مواضعه كان حابكا له مانعا من
خلل يطرقه فسد بتقديره ما يحصل به الخلل وقد ذكره الخلوي في بديعيته والله أعلم. ص:
89

(وفيه الإرث) ش: قال ابن الحاجب في تمييز ما يفسخ بطلاق: وما فسخ بطلاق يقع به التحريم
والطلاق والموارثة ما لم يكن الفسخ لحق الورثة قال في التوضيح: قوله يقع به التحريم أي تحريم
المصاهرة من كونها تحرم على آبائه وأبنائه وتحرم عليه أمهاتها وبناتها كما تقدم في قوله والطلاق
أي إذا أوقعه الزوج قبل الفراق ويتوارثان قبل الفسخ إلا أن يكون الفسخ لحق الورثة في نكاح
المريض فلا إرث فيه لأنه لأجل الإرث فسخناه اه‍. وقال ابن فرحون: وكذلك الموارثة إن مات
أحدهما قبل الفسخ إلا أن يكون الفسخ لحق الورثة كنكاح المريض فلا موارثة فيه اه‍. وقال في
النكاح الأول من المدونة: قال ابن القاسم: وكل ما اختلف الناس في إجازته رده فالفسخ فيه
بطلاق ويقع فيه الطلاق والموارثة قبل الفسخ كالمرأة تزوج نفسها أو تنكح بغير ولي والأمة تزوج
بغير إذن السيد، لأن هذا قاله خلق كثير، إن أجازه الولي جاز ولو قضى به قاض لم أنقضه،
وكذلك نكاح المحرم والشغار للاختلاف فيهما اه‍. وقال الرجراجي في المسألة الحادية عشرة:
وكل نكاح اختلف في تحريمه وإن غلبا على فسخه قبل الدخول وبعده ففيه الطلاق والميراث قبل
الدخول وبعده، وهو الذي قاله ابن القاسم لرواية بلغته. اه‍. فظهر أن كلام الشارح في شروحه
الثلاثة غير ظاهر، وكذلك ما ذكره بعض الفرضيين أن المشهور في النكاح المختلف فيه إذا مات
قبل الدخول لا ميراث فيه مخالف لما تقدم والله أعلم. ص: (لا إن اتفق على فساده فلا طلاق
كخامسة) ش: صرح هنا بأن نكاح الخامسة من المتفق على فساده، وكذلك ابن الحاجب وصرح
به في أوائل النكاح الأول من المدونة. وقال في التوضيح لما تكلم على ما يحرم بالمصاهرة وأن
90

الفاسد إن كان مختلفا فيه يحرم عقده أن نكاح الخامسة من ذلك قال: فإن بعض الظاهرية أجاز
الزيادة، وكذلك ذكر في التوضيح في تمييز ما يفسخ قبل الدخول وما يفسخ أبدا أن نكاح الخامسة
مختلف فيه، وتقدم كلامه وهو مخالف للمدونة فإنه جعله من المتفق عليه وأنه لا ينشر الحرمة والله
أعلم. ص: (وما فسخ بعده فالمسمى) ش: يريد إذا كان المسمى صحيحا، وأما إن كان صداقا
فاسدا فإنما فيه صداق المثل. فإن قلت: لا يحتاج إلى هذا لأن المشهور في النكاح الفاسد لصداقه أنه
إنما يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل وكلام المؤلف فيما يفسخ بعد الدخول. قلت: بل
يحتاج إليه لأن النكاح قد يكون فاسدا لعقده وصداقه معا ويكون مما يفسخ بعده، فيكون فيه إذا
فسخ بعد الدخول صداق المثل. قال اللخمي في النكاح الأول: إذا دخل كان له صداق المثل إن كان
فساده من قبل صداقه أو من قبل عقده وصداقه، واختلف إذا كان الفساد في العقد وحده هل يكون
لها المسمى أو صداق المثل؟ اه‍. ص: (وسقط بالفسخ قبله الانكاح الدرهمين فنصفهما) ش: اعلم
أنه إنما لم يسقط بالفسخ في نكاح الدرهمين لأن المشهور فيه أنه لا يتحتم فسخه بل يجبر الزوج
على أنه يتمه ربع دينارا وأن يفسخ النكاح، فإن اختار الفسخ لزمه نصفهما لأنه كالمختار للطلاق.
وإنما كان الزوج مخيرا فيه دون ما عداه مما فسد لصداقه لأن التحديد بربع دينار لم يرد فيه نص بل
الظاهر خلافه لقوله: التمس ولو خاتما من حديد فتأمله والله أعلم.
تنبيه: ينبغي أن يستثنى هنا أيضا فسخ نكاح المتلاعنين قبل البناء فإن المعروف أنه فسخ
والمعروف أن فيه نصف الصداق كما قاله في التوضيح في باب اللعان، وعلله بأنه يتهم أن يكون
91

لاعنها للفسخ فسقط عنه النصف فعومل بنقيض مقصوده والله أعلم. ص: (كطلاقه) ش: يعني
أن الزوج إذا طلق في النكاح الفاسد قبل الدخول فلا شئ فيه، وإن طلق بعد الدخول ففيه
المسمى إن كان وإلا فصداق المثل. قاله الشارح. وقال ابن غازي: الضمير للنكاح المستحق للفسخ
أي فإذا طلق فيه الزوج بعد البناء اختيارا ففيه المسمى إن كان وإلا فصداق المثل، وإن طلق قبل
البناء فلا شئ فيه إلا نكاح الدرهمين اه‍. وما زاده على الشارح من استثناء نكاح الدرهمين في
الطلاق أيضا صحيح. نص عليه في التوضيح في باب الصداق وغيره والله أعلم. واعلم أن في
كلام المؤلف إطلاقا وقد أبقوه على إطلاقه. والمنقول خلاف ذلك كما تقدم في كلام اللخمي
ونحوه في التوضيح عن نوازل ابن رشد، ونقله ابن عرفة عن سماع أبي زيد في النكاح. قال في
التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وما فسخ قبل البناء فلا صداق، فإن طلق الزوج قبل البناء أو
مات في النكاح الفاسد فقال ابن رشد في نوازله: الفاسد قسمان: قسم فسد لصداقه وقسم فسد
لعقده. فأما الفاسد لصداقه فالصحيح من المذهب لا شئ فيه للمرأة إلا بالدخول. وروي عن
أصبغ فيمن تزوج بغرر ثم مات قبل البناء إن لها صداق مثلها، وإن طلقها فلا شئ لها. فجعله
كنكاح التفويض على قول من أوجب فيه صداق المثل بالموت، وأما الفاسد لعقده فإن اتفق على
فساده كنكاح التفويض على قول من أوجب فيه صداق المثل بالموت، وأما الفاسد لعقده فإن اتفق
على فساده كنكاح ذات محرم أو معتدة والمرأة على عمتها أو خالتها أو ما أشبه ذلك، فلا صداق
فيه بالموت ولا نصفه بالطلاق اتفاقا، وإنما يوجبه الدخول. وإن كان مختلفا فيه فهو قسمان: قسم
لا تأثير لعقده في الصداق كنكاح المحرم والمرأة بغير ولي فهل يقع فيه الطلاق وتجب فيه الموارثة
ويفسخ بطلاق أو لا؟ في الثلاثة قولان. فعلى القول بوجوب الميراث والطلاق يجب المسمى
بالموت ونصفه بالطلاق إذ لا يصح أن يفرق بين الميراث والصداق فيجب أحدهما ويسقط الآخر
إذ لا مزية لأحدهما على صاحبه لأن الله تعالى نص على وجوب الصداق للزوجة كما نص على
وجوب الميراث. وعلى القول الآخر لا يلزم الصداق بالموت ولا نصفه بالطلاق. ولا خلاف أنه لو
عثر على هذا النكاح وفسخ قبل البناء أنه لا شئ لها. ولو قلنا إن فسخه طلاق لأن الفرقة هنا
مغلوب عليها وقسم لها تأثير في الصداق كنكاح المحلل ونكاح الأمة على أن ولدها حر وعلى أن
لا ميراث بينهما فقيل للمرأة بالدخول صداق المثل، لأن للفساد تأثيرا في فساد الصداق. وقيل:
المسمى لأن فساده في عقده والصداق فيه صحيح، فهذا القسم لا يجب للمرأة فيه شئ من
الصداق بالموت أو الطلاق قبل البناء. وهذا بين على القول بأن لها صداق المثل بالبناء، وأما على
القول بالمسمى فينبغي أن لا شئ لها إلا بالدخول. وقد يقال لها نصفه بالطلاق إذ ليس الصداق
عوضا عن البضع وإن كان لا يستباح إلا به لأن الله تعالى سماه نحلة والنحلة الهبة. اه‍ كلام
التوضيح بلفظه وهو نحو ما تقدم في كلام اللخمي. وقال في البيان في شرح مسألة من أواخر
سماع ابن أبي زيد من كتاب النكاح: مذهب ابن القاسم في المدونة والذي اختاره لرواية بلغته
92

عن مالك أن كل نكاح اختلف الناس فيه، فالفسخ فيه طلاق، والطلاق قبل الفسخ لازم،
والميراث فيه واجب، والخلع فيه جائز نافذ، وإن كان الفساد في العقد دون الصداق وجب فيه
جميع الصداق المسمى بالموت ونصفه بالطلاق قبل الدخول ما لم يفسخ، وكل نكاح لم يختلف
في فساده فلا طلاق فيه ولا ميراث والخلع فيه مردود، لأن مذهب ابن القاسم أن الخلع تابع
للطلاق خلاف قول ابن الماجشون ومذهب ابن المواز، وقد ذكرنا ذلك في سماع سحنون. ثم
ذكر القول الثاني الذي عليه أكثر الرواة في فسخ النكاح بطلاق وبغير طلاق، ونقل ابن عرفة
كلامه هذا في الكلام على ما يفسخ بطلاق أو بغير طلاق والله أعلم. ومن البرزلي سئل المازري
عن العقد الفاسد إذا عقد بعده عقدا صحيحا قبل زوال الفاسد، فهل يفسخ الصحيح أم لا؟
وكيف إن دخل بها في الصحيح وطال بالأولاد ما وجه الحكم فيه؟ فأجاب: إن الفاسد إذا وقع
في البياعات ووقع بعده عقد صحيح استغنى فيه عن الفسخ. لكن الشيخ أبو محمد تأول ما وقع
في هذا معناه أنهما يتفاسخان العقد الفاسد. وكان شيخنا يجريه على الخلاف في العقد الفاسد
هل هو عقد أم لا؟ والظاهر أن العقد مهما وقع فاسدا ثم عقدا عقدا صحيحا لعلمهما أن الأول
باطل. فقيل له: إنما يصح ما ذكره إن كان العاقدان على الفساد أولاهما العاقدان على وجه
الصحة وليس كذلك العقد الثاني من زوج ثان والفاسد من زوج أول، ولا سيما العقد الفاسد إذا
ثبت ببينة سماع فهل العقد الصحيح الثاني ودخوله يزيح الفاسد ويحصل له حرمة؟ فأجاب: إنما
فهمت من السؤال أن العاقد الثاني هو الأول لكن الجواب عن الثاني أن العقد الصحيح الثاني
أولا؟ إذا كان ظاهر الفساد بحيث يتضح الحكم فيه لا سيما أنك قلت إنما يثبت الأول بشهادة
السماع. قلت: إن كان العاقد الثاني هو الأول كما ذكر الشيخ فيجري على مسألة الصرف
وغيرها وهو قوله: إذا ثبت الفسخ بينهما هل بتوافقهما على فساده أو شهادة أو بحكم الحاكم.
فيجري هذا عليه كما ذكره الشيخ في عقد البيع الفاسد، أو يفرق بين المجمع على فساده فلا
حرمة له ولا شبهة والمختلف فيه فله شبهة. وعلى رواية أبي زيد إنه لا تمضي فيه البياعات ولا ينشر
حرمة مطلقا. حكاه ابن رشد في الأسئلة والشارح من كتاب السلطان فلا يفتقر لفسخ البتة،
وأحفظ من كلام اللخمي في التبصرة أنه يمضي بالعقد. فعلى هذا لا يفتقر التحديد إلا لتصحيح
العقد الفاسد خاصة، وتكرر العقد فيه تأكيد أو خروج من الخلاف. وأما إذا عقده ثان فإن كان
الأول مجمعا على فساده صح الثاني ولا يفتقر لفسخ الأول ولا حرمة له، ففي ثالث نكاح المدونة
إذا تزوجها في عدة فلم يبن بها حتى تزوج أمها أو أختها أقام على نكاح الثانية، لأن نكاح المعتدة
غير منعقد وهي تحل لآبائه وأبنائه. وهو معنى قول الشيخ: إذا كان الأول ظاهر الفساد وإن كان
مختلفا فيه جرى على الخلاف في فسخه هل هو بطلاق أم لا. وكذا في لزوم بقية الاحكام إذا
وقعت قبل الفسخ فمن يلغي هذا العقد ويقول إنه لا طلاق فيه ولا يقع فيه شئ من الاحكام
فورود الثاني عليه صحيح لالغاء الأول إلا أن يراعي الخلاف فيستحب فسخه ثم يعقد الثاني،
93

ومن لم يثبت له أحكاما فلا يرد الثاني حتى يحكم بفسخ الأول. هذا الجاري على الأصول
ويكون الحكم بالفسخ على ما تقدم في القسم الأول. ص: (ولولي صغير فسخ عقده) ش: هذا
شروع منه في الكلام على أحد ركني المحل الذي هو الزوج. قال ابن فرحون: وفي شرح ابن
الحاجب: والولي أعم من أن يكون وصيا أو غيره اه‍. وقال في الذخيرة: يشترط فيه شروط
الصحة وشروط الاستقرار. أما شروط الصحة فأربعة: الأول الاسلام لأن الكفر مانع من استيلاء
الكفار على فروج المسلمات. والتمييز العقل حتى يتأتى منه الانشاء للعقد فيخرج الصبي غير المميز
والمجنون. وأما السكران فقال صاحب البيان: أما الذي لا يعرف الرجل من المرأة فكالمجنون في
أقواله وأفعاله اتفاقا بينه وبين الناس إلا في قضاء الصلاة، وأما من فيه بقية عقل وهو المختلطة فأربعة
أقوال وذكرها الشرط الرابع تحقق الذكورية. قال اللخمي: الخنثى المشكل لا ينكح ولا ينكح.
وذكر بعض أحكامه ثم قال: وأما شروط الاستقرار فخمسة: الجزية والبلوغ والرشد والصحة
والكفاءة، وتكلم على كل واحد على انفراده. وزاد في التوضيح الطوع ونصه: وكذا أيضا
يشترط الطوع. محمد: وأجمع أصحابنا على إبطال النكاح المكره والمكرهة لا يجوز المقام عليه،
وفي قياس بعض مذاهبهم أنه لا يجوز بحدثان ذلك وإلا لم يجز اه‍. وقال في الشامل في فصل
الزوج: وشرط صحة عقده إسلام وتمييز وخلو من كإحرام ومرض وفي السكران خلاف. وهل
وإن كان معه ميز وإلا بطل اتفاقا أو بالعكس طريقان غير خنثى مشكل اه‍. وسيتكلم الشيخ على
الشروط التي ذكرها القرافي لكن على خلاف ترتيبه فبدأ بالكلام على البلوغ فقال: ولولي صغير
يعني إذا تزوج الصغير يعني المميز، وأما غيره فلا يصح نكاحه فلوليه فسخ عقده أي وله إجازته
علم ذلك من قوله: ولولي ففهم من لام الإباحة أن الامرين له. وقيده في المدونة بقوله: ويقوى
على الجماع فقال في النكاح الأول منها: وإن تزوج صغير بغير إذن أبيه أو وصيه ومثله يقوى
على الجماع فإن أجازه من يلي عليه جاز، وإن رأى فسخه فسخه، فإن فسخه قبل البناء أو بعده
فلا صداق لها اه‍.
واختلف الشراح في اعتبار هذا القيد وعدم اعتباره، فالذي مشى عليه أبو الحسن عدم
اعتباره وذكره في التوضيح وهو الظاهر لأنه في السؤال. قال ابن ناجي: وما ذكره في قولها:
94

يقوى على الجماع ليس بشرط وإنما ذكره لأنه الوجه المشكل الذي يتوهم فيه أن لها الصداق فغيره
أحرى قاله المغربي اه‍. ويعني بالمغربي أبا الحسن الصغير. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب:
وفي التقريب على التهذيب إنما قال: ومثله يقوى على الجماع إنه إذا لم يقو عليه لم يجز له تزويجه
ولا إجارته لأنه ضرر عليه بلا فائدة إلا أن تكون الزوجة قريبة له يرغب فيها أو ذات منصب ومال
فينظر وصيه في ذلك، وفيما قاله نظر لأن هذا الوصف إنما ذكره في السؤال ولم يتعرض له في
الجواب. اه‍. كلام ابن فرحون. وقال المشذالي: قوله: ومثله يقوى على الجماع في اعتبار هذا
الوصف نظر اه‍ وقول المصنف: فسخ عقده يريد والله أعلم بطلاق، وهذا لأنه نكاح صحيح. قال
الشيخ بهرام في الكبير: حاصله على مذهب ابن القاسم أن النكاح على ثلاثة أقسام: ما كان عقده
صحيحا إلا أن للولي أو لاحد الزوجين فيه خيارا فلا شك أن هذا الفسخ بطلاق. ثم ذكر بقية
الكلام ويؤيده ما يأتي في مسألة السفيه، وانظر ما تقدم للخمي، وانظر المتيطية في تزويج البنت البكر
بغير أمر وليها وكلام المتيطي في ذلك أعم من كلام الشارح والله أعلم.
فرع: فلو لم يرد النكاح حتى مات الصغير، فالظاهر أن حكمه حكم السفيه وكذلك إذا
ماتت الزوجة. انظر ابن عرفة.
فرع: فلو لم يرد نكاح الصبي حتى كبر وخرج من الولاية جاز النكاح. ابن رشد:
وينبغي أن ينتقل النظر في ذلك إليه فيمضي أو يرد اه‍. وقال ابن ناجي في شرح المدونة: ما
ذكره يعني في مسألة المدونة أنه إن أجازه جاز هو المشهور. وقال سحنون: يفسخ على كل
حال. سواء كان إمضاؤه نظرا أم لا. وإذا فرعنا على قولها وجهل حتى ملك الصبي أمر نفسه
فقيل: لا خيار له، وقيل: له من الخيار فيه ما كان لوليه اه‍.
تنبيه: قال المشذالي إثر كلام المدونة: وهنا بحث وهو أن يقال إن طلاق الصبي لا يلزم ولا
يخير الولي فيه كالنكاح. أجاب القرافي بأن عقد النكاح سبب للإباحة والصبي من أهلها
والطلاق سبب التحريم ولم يخاطب به. قلت: الأولى في الفرق أن يقال الطلاق حد من الحدود
ولا حد على الصبي ولذلك تشطر طلاق العبد والنكاح جرى مجرى المعاوضة فلذلك خير وليه.
فإن قلت: لا نسلم أن الطلاق حد لقوله في الكتاب وليس حدا من الحدود. قلت: قال قبله في
الام: لا تقام الحدود إلا على من احتلم، والطلاق من حدود الله، ولعياض وغيره كلام على
اللفظين. وقال تعالى: * (تلك حدود الله) * والطلاق من جملة المشار إليه. اه‍
كلامه. وما نسبه للقرافي هو في الذخيرة وفي الفرق الأربعين والمائة من القواعد. ص: (بلا
مهر) ش: تصوره ظاهر. قال أبو الحسن إثر قوله في المدونة: وإن رأى فسخه بلا صداق لها لأن
وطأه كلا وطئ، وظاهره وإن افتضها وإنما يكون عليه ما شانها لأنها سلطته اه‍. فجزم بأن عليه
ما شانها. وقال ابن عبد السلام: ينبغي أن يضمن له ما شانها اه‍. فلم يجزم بذلك فتأمله مع
95

كلام أبي الحسن والله أعلم. ص: (ولا عدة) ش: يريد ما لم يمت فإن مات قبل الرد فالعدة
عليها دخل بها أو لم يدخل، وتقييد الشيخ بهرام لذلك بالدخول ليس بظاهر فتأمله والله أعلم.
ص: (وإن زوج بشروط أو أجيزت وبلغ وكرهت فله التطليق وفي نصف الصداق قولان)
ش: قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: ولو اشترط عليه شروط من طلاق أو عتق
ونحوه فبلغ فكرهها ففي خياره في الفسخ ولزومه قولان، كما لو زوجه وليه يعني إذا تزوج
الصغير بنفسه فشرط عليه ولي المرأة شروطا من طلاق من يتزوجها أو عتق من يتصرف بها أو
نحو ذلك فأجاز ذلك وليه على تلك الشروط ثم بلغ، فإن أقر الشروط فواضح، وإن كرهها
فهل يلزمه أو لا؟ قولان، والقولان أيضا فيما إذا زوجه أبوه أو وصيه بتلك الشروط وهو معنى
قوله: كما لو زوجه وليه اه‍. زاد ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وكذا لو تزوج الصبي
بنفسه وشرط ولي المرأة على الصبي الشروط ولم يطلع وصيه على ذلك أو لم ينظر حتى بلغ
الصبي اه‍. وعلى القول بعدم لزوم الشرط والتخيير في التزامها وثبوت النكاح أو عدم التزامها
وفسخ النكاح اقتصر المصنف فقال: فله التطليق.
تنبيه: قد يتبادر أنه لا فائدة لقول المصنف فله التطليق فإن الزوج له التطليق وإن لم يكره
الشروط. واعلم أنه إذا كره الشروط المعقود عليها فقيل لا شئ له وهي لازمة وهو قول ابن
وهب. وقيل: لا تلزمه وهو قول ابن القاسم في الموازية وهو الذي اقتصر عليه المصنف كما تقدم
وعليه فهل تسقط وهو قول ابن العطار، أو يخير في التزامها ويثبت النكاح وعدم التزامها ويفسخ
النكاح وهو قول ابن القاسم؟ وعليه فهل بطلاق قال الباجي وهو ظاهر قول ابن القاسم، أو بغيره
وهو ظاهر قول أصبغ؟ فأفاد الشيخ بقوله: فله التطليق أن الشروط لا تسقط عنه كما يقول ابن
96

العطار، وإنما التطليق يعني إنما هو مخير في التزامها أو في التطليق، وأفاد أيضا بذكر التطليق أن
الفسخ فيه بطلاق كما هو قول ابن القاسم ويتفرع عليه قوله: وفي نصف الصداق قولان
والقول بأن عليه نصف الصداق قال في التوضيح: هو قول ابن القاسم في الكتاب والقول بعدمه
هو له في المجالس اه‍. وقال ابن عرفة المتيطي عن أكثر الموثقين: إن التزامها بعد البلوغ لزمه
النكاح. اللخمي: ولا خيار له. المتيطي: قال ابن الهندي: إنما يصح التزامه بعد بلوغه في الشروط
بالطلاق لا بعتق السرية لأن عتقها منه لغو عاجلا وآجلا إلا أن يلتزمه بعد رشده. اه‍.
فروع: الأول: جميع ما قاله المصنف إنما هو إذا لم يحصل دخول منه بها، وأما إذا دخل
بها فحصل كلامه في التوضيح أنه إن كان دخوله قبل البلوغ فالشروط ساقطة عنه وإن علم بها
لأنها مكنت من نفسها من لا تلزمه الشروط كما قاله المتيطي وغيره، وإن كان دخوله بعد البلوغ
فحكى في ذلك طريقتين: الأولى أن الشروط تلزمه، فإن ادعى عدم العلم بها ففي ذلك قولان:
أحدهما لابن القاسم أن القول قوله بيمين. والثاني لابن العطار لا يقبل قوله، والثانية طريقة ابن
بشير أنه إن علم بالشروط ففي اللزوم ونفيه قولان، وإن لم يعلم فثلاثة أقوال: اللزوم ونفيه والتخيير
الآن ونص كلامه: وهذا كله إذا لم يحصل دخول، فإذا حصل دخول، فإما أن يدخل بعد بلوغه
أو قبله، فإن دخل بعد بلوغه لزمته الشروط إن علم بها. ابن القاسم: ولو ادعى أنه لم يعلم بها
فالقول قول مع يمينه. وقال ابن العطار: لا يقبل قوله في ذلك ولزمه بدخوله، وأما إن دخل قبل
البلوغ فذكر المتيطي وغيره أن الشروط تسقط عنه وإن علم بها، لأن المرأة مكنت من نفسها من
لا تلزمه الشروط. وقال ابن بشير: لو دخل الصبي وقد بلغ وهو عالم بالشروط، فهل تلزمه أولا؟
قولان: أحدهما لا تلزمه وهذا على القول بسقوط الشروط، الثاني تلزمه وهذا على القول بأنه
مخير. فإذا دخل مع العلم فكأنه التزم ما شرط عليه، وإن دخل قبل العلم فثلاثة أقوال: أحدها
يلزمه وهذا بناء على أن الشرط لازم، والثاني لا يلزمه وهذا بناء على سقوط الشرط، والثالث يخير
الآن وهذا بناء على التخيير. انتهى كلام التوضيح. وجزم في الشامل بأنه إن دخل بعد بلوغه عالما
بالشروط أنها تلزمه ونصه: فإن دخل قبل بلوغه لم تلزمه الشروط وبعده عالما بها لزمته، وإن لم
يعلم فثالثها يخير الآن وصدق في نفي العلم مع يمينه على الأصح انتهى.
الثاني: قال في التوضيح: ثم الفسخ بطلاق أو بغير طلاق، إنما هو إذا تمسكت المرأة
بشروطها، وأما لو رضيت المرأة بإسقاطها فلا، وإذا أسقطته فلا كلام لأبيها ولو كان محجورا
عليها. ورأي ابن القاسم أن ذلك للأب في المحجورة، واختار الأول ابن الفخار واحتج بقول
مالك في البكر يشترط لها زوجها أن لا يخرجها إلا برضاها فرضيت بترك شرطها أن ذلك
جائز وإن كره الأب انتهى. وقال ابن عبد السلام: الثالث قوله: وفي نصف الصداق قولان
وكذا القولان فيمن طلق قبل علمه بالشروط هل عليه نصف الصداق وهو قول محمد، أو لا
97

شئ عليه وروي عن ابن القاسم؟ والخلاف مبني على أصل وهو من طلق ثم علم بعيب هل
يرجع بالصداق أم لا. قاله في التوضيح.
الرابع: من زوج ولده بشروط قبل البلوغ والتزم القيام عنه بالصداق فلما بلغ كره الابن
وطلق، فلا يلزمه شئ من الشروط ولا يلزم الصداق على أحد القولين اللذين ذكرهما
المصنف، وبه أفتى ابن رشد في نوازله قال: ولا يلزم أباه ما التزمه. ص: (والقول لها إن العقد
وهو كبير) ش: قال ابن عرفة: ابن رشد: ولو قال كنت حين شرط أبي صغيرا، وقال وليها أبا
أو وصيا كنت كبيرا وعجز الزوج عن البينة، ففي حلف وليها دونها وعكسه سماع أبي زيد.
والتخريج من سماع ابن القاسم فيمن ادعى في تزويج ابنته البكر تسمية بعد موت زوجها
وادعى وارثه تفويضا تحلف الجارية عاجلا إن بلغت وتؤخر إليه الصغيرة، وإن لم يدع وليها أنه
كان كبيرا حلفت المرأة إذا بلغت انتهى. ص: (وللسيد رد نكاح عبده بطلقة بائنة) ش: أي
وللسيد يريد أو ورثته رد نكاح عبده يريد ومدبر ه ومكاتبه ومعتقه إلى أجل والمعتق بعضه بطلقة
بائنة فقط لا أزيد على المشهور، واستحسن اللخمي أن تكون له الرجعة إذا عتق في العدة وقاله
جميعه في التوضيح.
فرع: وعلى المشهور من أن سيده لا يطلق عليه إلا طلقة واحدة، فلو طلق عليه سيده
طلقتين فهل يلزمه ذلك أو لا يلزمه إلا واحدة؟ ذكر في التوضيح في ذلك قولين، وأن اللخمي
استحسن القول بعدم لزوم الزائد على الواحدة. وذكر عن ابن يونس أكثر الرواة روى لزوم
واحدة فقط. وقال غيره: هو اختيار الجمهور.
فرع: قال ابن عرفة: ابن العطار: ولو اختلف وارثوه في فسخه وإمضائه فالقول قول ذي
الفسخ. فإن قالوا إن وقع لذي إجازته جاز لم تجز القسمة على هذا لأنها إجازة لنكاحه.
قلت: وعدم جريان استحسان مسألة وارثي خيار واضح انتهى. ص: (إلا أن يرد به)
98

ش: ظاهره كان عالما حين البيع أو غير عالم. ونقل في التوضيح فيما إذا باعه بعد علمه بالزواج
ورد عليه قوله ونصه: وقوله يعني ابن الحاجب: قبل علمه مفهومه أنه لو باعه بعد علمه لكان
ذلك دليلا على الرضا فليس له الفسخ إذا رد عليه، وهكذا قال القرويون. وذكر بعض
الأندلسيين قولا أن ذلك لا يسقط حق البائع انتهى. وصدر في الشامل بالقول بعدم الفسخ
وعطف عليه الثاني بقيل وقوله به مفهومه لو رده بغير عيب التزويج أنه ليس كذلك. ولا
يخلو إذا رده بغيره إما أن يكون اطلع المشتري على التزويج ورضي أو لم يطلع عليه، فإن لم
يطلع عليه فالظاهر أنه إن كان السيد عالما بالتزويج وقت البيع ففيه القولان، وإن لم يكن عالما
فله الرد، وإن اطلع عليه المشتري ورضيه فاختلف هل يرجع على البائع بأرشه أو لا يرجع وله
الفسخ على قولين نقلهما في التوضيح. ولو أعتقه المشتري ثم اطلع على التزويج فهل يرجع
بالأرش أو لا؟ وقولان نقلهما أيضا فيه، ص: (أو بعتقه) ش:.
فرع: قال ابن عرفة: ابن محرز: الموهوب له هذا العبد كمبتاعه لا كوارثه. ابن عات:
يختلف فيه كالمبتاع. ص: (ولها ربع دينار إن دخل) ش: قال ابن عرفة: وفيها لمالك لربه رد
99

المهر من الزوجة برد نكاحها الأربع دينار إن بنى انتهى. زاد في المدونة: فإن أعدمت اتبعت به.
ص: (وله الإجازة إن قرب ولم يرد الفسخ أو يشك في قصده) ش:.
فرع: قال ابن عرفة: المتيطي: إن أجازه بعد بنائه ففي لزوم استبرائه قول سحنون. ونقل
اللبيدي عن إسماعيل مع ابن محرز عن عبد الرحمن انتهى. وانظر هل يأتي مثله في السفيه أو لا؟.
فرع: فإن استمتع العبد بزوجته بعد علم سيده بنكاحه على وجه كان سيده، يقدر على
منعه من ذلك فلا يكون له الفسخ بعد ذلك لأن سكوته قائم مقام الاذن له، وكذلك إذا علم
السيد بنكاحه ثم رآه يدخل عليها ولا يمنعه فنكاحه جائز. انتهى من ابن فرحون على ابن
الحاجب، وانظر ابن عرفة. وقال الجزيري في وثائقه في عقد فسخ نكاح: وإن علم الأب أو
الوصي أو السيد بنكاح من إلى نظرهم وسكتوا عن ذلك مدة مضي النكاح ولم يرد ذلك
بخلاف الأمة إن نكحت بغير إذن سيدها فلا يجوز، وإن أجازه السيد وإن لم يعلم حتى عتق
العبد أو باعه فلا رد له ولا للمبتاع رد النكاح وله رد العبد بعيب النكاح، فإن رده فللبائع
الإجازة للنكاح أو الفسخ، وكذلك إن لم يعلم الأب أو الوصي حتى رشد المحجور فإن النكاح
ماض انتهى. وقوله: أو شك بفعل ماض مبني للمجهول كذا في أكثر النسخ وهو معطوف
على مفهوم الشرط، وفي بعض النسخ: أو يشك بفعل مضارع فيكون معطوفا على قوله:
ولم يرد الفسخ والله أعلم. ص: (ولولي سفيه فسخ عقده ولو ماتت) ش: قال ابن رشد في
نوازله في مسائل النكاح: وإذا لم يحضر الوصي العقد وإنما اتصل به بعد أن عقده السفيه بغير
أمره فلم يقض فيه برد ولا إجازة حتى مات السفيه، فهو بمنزلة إذا لم يعلم به حتى مات إلا أن
يكون دخل بها بعلمه فيكون ذلك إجازة منه انتهى والله أعلم.
فرع: فإن لم يعلم الولي بنكاحه حتى خرج من الولاية فإنه يثبت النكاح وقال بعض
القرويين: ينتقل إليه ما كان بيد الوصي من النظر. قاله في التوضيح، وصحح الأول في الشامل.
فرع: قال ابن عبد السلام: والمنصوص أن الفسخ بطلاق انتهى كلامه.
تنبيه: لم يتعرض المصنف لما يجب لها وتركه اعتمادا على ما قاله في العبد قبله ونبه
على ذلك السيد في تصحيح ابن الحاجب ونصه: وسقط هذا الفرع من مختصر خليل
واستغنى عن ذلك بما ذكره في العبد يتزوج بغير إذن سيده ويبني انتهى. وقد صرح صاحب
100

اللباب بأن المشهور لا بد من الترك لها قال: وفي قدره خمسة أقوال. قال ابن القاسم ومالك
في رواية ابن وهب: يترك لها ربع دينار وبه الحكم. ثم ذكر بقية الأقوال. وقال السيد في
تصحيح ابن الحاجب: والقول بترك ربع دينار لمالك وأكثر أصحابه وبه أخذ ابن القاسم وغير
واحد. ابن يونس: وهو الجاري على مذهب المدونة في العبد يتزوج ويبني بغير إذن سيده وجزم
به في الشامل انتهى. وقال ابن عبد السلام: لما تكلم على مسألة ما إذا تزوج العبد بغير إذن
سيده وبنى بالزوجة في شرح قول ابن الحاجب: فإن بنى بها ترك لها ربع دينار. هذا قول ابن
القاسم في المدونة وقد تقدم نكاح السفيه بغير إذن وليه والعقد فيهما قريب انتهى. ص:
(ولمكاتب ومأذون تسر وإن بلا إذن) ش: يعني من ماله الموهوب له أو المتصدق به عليه، وأما
غير المأذون فلا يجوز له أن يشتري جارية ليطأها بماله إلا بإذن سيده، ولا يجوز للعبد أن
يشتري جارية من مال سيده بإذن السيد إلا إذا وهب له المال أو أسلفه إياه. وانظر رسم باع
غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح ورم الطلاق من سماع أشهب منه وأول
مسألة من كتاب العتق، وقد أشار إلى ما في السماعين المذكورين ابن عرفة فقال: وسمع ابن
القاسم: من اشترى أمة من المال الذي بيدك تطوعا لا تحل له بذلك حتى يهبه المال قبل ذلك.
وسمع أشهب: أو يسلفه إياه. وسمع ابن القاسم: هبة السيد عبده الأسود للخارج الجارية يعفه
بها لا يعجبني ولا يعمل به لأنه تحليل إنما الهبة للعبد التاجر. ابن رشد: لا يجوز هذا انتهى.
ص: (ونفقة العبد في غير خراج وكسب) ش:
101

فرع: فإن لم يجد غيره فرق بينهما إلا أن يتطوع السيد بالنفقة، ولا يباع العبد في نفقة
زوجته ولا فرق بين عبد الخراج وغيره. انتهى من التوضيح. ومنه المدبر والمعتق لأجل كالعبد
والمكاتب كالحر لأنه بان عن سيده بماله، فإن عجز طلق عليه، المعتق بعضه في اليوم الذي
يخصه كالحر. وفي اليوم الذي يخص سيده كالعبد. ص: (ولا يضمنه سيد بإذن التزويج)
ش: هذا إذا أذن له، وأما إن أنكحه فهو من شرط عليه، وإن سكتوا عنه فالمعروف أنه على
العبد. وقيل على السيد، وعلى المعروف فالمشهور أنه فيما حصل له من معروف انتهى. ص:
(ووصي) ش: يريد الذي له الاجبار، وقاله ابن فرحون في شرح ابن الحاجب. ووصي الوصي
كالوصي. قال في الشامل: لا غيرهم على + المشهور، وفي فسخه وثبوته إن دخل فطال قولان
انتهى. ص: (مجنونا احتاج) ش: وأما المجنونة فلا تزوج قاله اللخمي. وقوله: احتاج يشير إلى
قول اللخمي، وأما المجنون فإن كان لا يفيق ولا يصح منه طلاق فإن كان لا يخشى منه فساد
لم يزوج، وإن كان يخشى ذلك زوج انتهى. وقال ابن فرحون: وقول ابن الحاجب: إن
احتاج يدخل فيه هذا الوجه. وأما إذا لم يكن محتاجا لمن يخدمه ويعانيه انتهى. وهذا في
الذي لا يفيق هكذا فرضه اللخمي. ابن عرفة: ومن يفيق كسفيه ثم ذكر الخلاف في السفيه
والله أعلم. ص: (وصغيرا) ش: قال في التوضيح: قال عياض: ولا خلاف في جواز إنكاح ابنه
102

الصغير وقد ذكر ذلك في كتاب الخلع فقال: إذا كان فيه الغبطة والرغبة كنكاحه من المرأة
الموسرة. وتبعه في الشامل فقال: ولأب صغير لغبطة على المنصوص انتهى. ص: (وفي السفيه
خلاف) ش: قال ابن عرفة عن اللخمي: والصواب إن أمن طلاقه وخشي فساده إن لم يزوج ولا
وجه لتسريه وجب تزويجه ولو لم يطلبه فيلزم ومقابله يمنع ولو طلب إلا أن يقل المهر، وإن أمن
طلاقه ولم يخش فساده أبيح إلا أن يطلبه فيلزم ومقابله إن قدر على صونه منه وإلا زوج بعد
التربص انتهى. ص: (وصداقهم إن عدموا على الأب وإن مات وأيسر وأبعد ولو شرط ضده)
ش: قال في الشامل: كان زوجه تفويضا ولم يفرض حتى بلغ.
فروع: الأول: قال في الشامل: فلو كانا عديمين فلا شئ على الأب. قيل: ومقتضى
المذهب أنه مع الابهام عليه لأنه متولي العقد، فلو كان الابن حين العقد مليا فعليه إلا أن
يشترط على الأب على المعروف. وقيل: للمرأة أخذه من حيث شاءت فإن كان مليا بالبعض
فعليه قدر ذلك. قال في التوضيح: ويكون في الزائد حكم من لا مال له انتهى. فإن شرط
الأب في عقده أن يعطيه فكالموسر على الأصح.
الثاني: قال في الشامل أيضا: ولو أذن لولده الصغير فعقد وكتب المهر عليه ثم مات
الزوج فلا شئ على الأب.
الثالث: قال ابن عرفة: وصداق الابن الرشيد بإنكاحه أبوه على من شرط عليه، فإن سكتوا
103

والابن ملئ فعليه، فإن كان عديما ففيها ليحيى بن سعيد إن كان الابن عديما صغيرا أو كبيرا
فعلى الأب. قال بعض أصحاب الصقلي: يريد السفيه. وقال الصقلي: والرشيد كوكيل شراء لم
يتبرأ من ثمنه ويريد بأنه القابض في البيع وموكله في النكاح انتهى. وقال في التوضيح: إن تأويل
أكثر الشيوخ على أنه على الابن ونص عليه في الواضحة قال: وقال عياض وغيره في تأويل ابن
يونس: إنه ضعيف. ص: (إن لم ينكروا بمجرد علمهم) ش: قال ابن عرفة: وفيها من زوج ابنه
ساكتا فلما فرغ قال ما وكلته ولا أرضى حلف على ذلك. اللخمي: فإن أنكر حين فهم العبد
عليه لم يحلف وبعده حين فراغه فهي على مسألتها وعلى قولها أو نكل فالأحسن قول الشيخ لا
غرم عليه ولا قول غيره يغرم نصف الصداق، وبعد تمام العقد وتهنئته لا يقبل قوله ويغرم نصف
104

الصداق ولو رضي بعد ذلك بالنكاح، فإن قرب رضاه ولم يكن منه إلا الانكار فله ذلك
واستحسن حلفه أنه لم يرد إنكاره فسخا، فإن نكل لم أفرق بينهما، وإن رضي بعد طول أو قال
رددت العقد لم يكن له ذلك إلا بعقد جديد انتهى. ص: (ورجع لأب وذي قدر زوج غيره
الخ) ش: انظر إذا خالعته الزوجة قبل البناء على رد جميعه فهل للزوج نص الذي كان يأخذه في
ذلك؟ قولان انظر المتيطي. وقال في التوضيح: قال ابن القاسم: جميعه للأب. وقال ابن
الماجشون: للزوج النصف وللأب النصف. اللخمي: والأول أصوب لأن قصد الأب أن يراه
زوجة. المتيطي: وبقول ابن القاسم الحكم انتهى. ص: (إلا أن يصرح بالحمالة) ش: فإذا صرح
بالحمالة فتكون على حكمها. قال المتيطي: والحمالة معناها الضمان وهي لا تلزم إلا مع عدم
الزوج أو مغيبه غيبة بعيدة، فإذا أعدم أو غاب الغيبة المذكورة كان لها اتباع الحميل ثم له الرجوع
على الزوج بما أدى له انتهى. ص: (حتى يقرر) ش: كذا في أكثر النسخ حتى يقرر براءين. وفي
بعضها بدال مهملة ثم راء ومعناهما متقارب، ويشير بذلك إلى أن الصداق إذا كان على غير
105

الزوج وتعذر أخذه من الغير وكان نكاح تفويض فلها منع نفسها حتى يقرر، ويتصور ذلك في
مسألة فإنه قال في التوضيح: إذا زوج الصغير ولا مال له نكاح تفويض ولم يفرض لها حتى بلغ
فالصداق في مال الأب حيا وميتا. قاله عيسى - يريد لأن الصداق كان ثابتا حين العقد وإنما تأخر
تعيينه انتهى. ففي هذه الصورة لو لم يفرض حتى بلغ الابن ورشد وتعذر أخذ الصداق من الأب
فلها الامتناع حتى يقرر لها صداقها ويفرض لها، وهذا ظاهر وإن لم ينص عليه في خصوص هذه
المسألة والله أعلم. ص: (والكفاءة الدين والحال) ش: قال في التوضيح: الدين المراد به الاسلام
مع السلامة من الفسق ولا يشترط المساواة لها في الصلاح والحال. قال ابن راشد: المراد به أن
يساويها في الصحة أي سالما من العيوب الفاحشة، وهذا هو الذي يؤخذ من كلام ابن بشير وابن
شاس وغيرهما من الأصحاب انتهى. فإن فقد الدين وكان الزوج فاسقا فليس بكفء ولا يصح
نكاحه. قال ابن بشير: والمطلوب من الزوج أن يكون كفؤا في دينه بلا خلاف، وإن كان فاسقا
فلا خلاف منصوص أن تزويج الأب من الفاسق لا يصح وكذا غيره من الأولياء، فإن وقع وجب
للزوجة ولمن قام لها فسخه. وكان بعض أشياخنا يهرب من الفتوى في هذا ويرى أنه يؤدي إلى
فسخ كثير من الأنكحة. ابن عبد السلام: وقول ابن بشير: وإن وقع يحتمل أن يكون داخلا في
غير المختلف فيه وهو ظاهر، ويحتمل أن يكون ابتداء كلام وتأسيس مسألة مع عدم التعرض لنفي
الخلاف. انتهى من التوضيح. وهذا ليس بظاهر لقوله أو لا خلاف أنه لا يصح وإن كان كذلك
فهو فاسد. وقال ابن سلمون: قال ابن بشير: لا خلاف منصوص أن للزوجة ولمن قام لها فسخ
نكاح الفاسق. وسئل ابن زرب عن ولية لقوم نكحها رجل من أهل الشر والفساد وأنكر ذلك
أولياؤها عليها وذهبوا إلى فسخ النكاح وكان قد بنى بها فقال: لا سبيل إلى حل النكاح إن كان
106

قد دخل بها. قيل له: فلو لم يدخل بها؟ فوقف وقال: الذي لا يشك فيه أنه إذا دخل لم يفسخ
والكفاءة حق للزوجة وللأولياء فإذا تركوها جاز. ووقع لأصبغ في النوادر أنه إذا زوج الأب ابنته
البكر من رجل سكير فاسق لا يؤمن عليها لم يجز وليرده الامام وإن رضيت هي به. وذكر ابن
أبي زمنين عن بعض الموثقين أنه قال: لا بد أن تثبت الكفاءة في الثيب كالبكر. حكاه عنه ابن
فتحون، وحكى أن القاضي أبا الوليد كان يأخذ بهذا القول ويكلف إثبات الكفاءة عنده ويقول:
إن كانت تملك نفسها فإنها إذا ادعت إلى غير كفؤ لا يلزمني أن أعينها على ذلك اه‍. وفي
أحكام ابن سهل ذكر فتوى ابن زرب وأنها في صفر سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وذكر كلام
أصبغ في النوادر وزاد في آخره في الوصي ونحوه في آخر نوازله اه‍. وفي تفسير القرطبي في أول
سورة النور قال ابن خويز منداد: من كان معروفا بالزنا أو بغيره من الفسوق معلنا به فتزوج بقوله عليه
الصلاة والسلام: لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله قال ابن خويز منداد: وإنما ذكر المجلود لاشتهاره
بالفسق وهو الذي يجب أن يفرق بينه وبين غيره فأما من لم يشتهر بالفسوق فلا. اه‍. وفي المسائل
الملقوطة قال ابن بشير: لا خلاف منصوص أنه للزوجة ولمن قام لها فسخ نكاح الفاسق، مراده
الفاسق بجوارحه. فزواج الوالد من الفاسق لا يصح، وكذلك غيره من الأولياء. وفي التبصرة: وإن
كان كسبه حراما أو كثيرا الايمان بالطلاق لم يكن للأب أن يزوج ابنته منه لأن الغالب على مثل هذا
الحنث والتمادي معها، فإن فعل فرق الحاكم بينهما. ويمنع من تزويجها من يشرب الخمر لأنه
يدعوها إلى ذلك. انتهى من تسهيل الأمهات. ومراده بالتبصرة تبصرة اللخمي، وتسهيل الأمهات
شرح والده على المهمات. ابن الحاجب: وقال الفاكهاني في شرح قول الرسالة: ولا يخطب أحد
على خطبة أخيه لما ذكر أنه إذا خطبها الفاسق ركنت إليه وللصالح أن يخطبها وهو أحق.
قلت: إنما يجئ هذا على أحد القولين أن نكاح الفاسق صحيح وهو المشهور، وإلا فمتى
قلنا بالقول الآخر فما بينهما صيغة أفعل والله أعلم. وهذا في الفاسق بالجوارح، وأما الفاسق
بالاعتقاد فقال ابن الحاجب: مالك: لا يزوج من القدرية ولا يزوجون. قال ابن عبد السلام: إنه
يفسخ. وقال في التوضيح: هذا لمالك في المدونة ولا يتأتى هنا توقف الشيخ المتقدم في الفاسق
بجوارحه لأنه يؤدي إلى فسخ كثير من الأنكحة ويشارك القدري من يساويه في البدعة اه‍. وفي
المسائل الملقوطة قال مالك: لا تزوج إلى القدرية يعني أنه يفسخ النكاح الواقع بين أهل السنة
وبينهم. هذا على القول بتكفيرهم، وأما على القول بأنهم فساق فهم كالفاسق بجوارحه وأشد
لأنه يجرها إلى اعتقاده ومذهبه ولا يتزوج منهم ولا يزوجون من نساء أهل السنة. وقول مالك في
القدرية جار فيمن يساويهم في البدعة، وفي بعض الروايات أن مالكا تلا قوله تعالى * (ولعبد مؤمن
خير من مشرك) * وهذا يدل على أنه أراد تكفيرهم. اه‍ من تسهيل الأمهات.
107

تنبيه: قال ابن فرحون في تبصرته في الفصل الذي في بيان ما يفتقر إلى حكم الحاكم
وما لا يفتقر: أن من الطلاق الذي يوقعه الحاكم بغير إذن المرأة وإن كرهت إيقاعه نكاحها
الفاسق اه‍. بالمعنى وظاهره سواء كان فاسقا بالجوارح أو بالاعتقاد، وظاهر كلامهم أنه يفسخ
مطلقا بعد الدخول وقبله. فظاهر كلام ابن فرحون أنه يفسخ بطلاق لأنه جعله من الطلاق
الذي يوقعه الحاكم والله أعلم. وأما الحال فلا إشكال أن للمرأة إسقاطه، وإذا علم هذا فيكون
قول المؤلف ولها وللولي تركها ليس راجعا إلى الدين. ص: (وللأم التكلم الخ) ش: أشار به
إلى أن الحال اختلف في اعتباره. وانظر البرزلي في أوائل النكاح وفي أثنائه وأنه تكلم في ذلك
الموضعين وذكر في ذلك اختلافا من فتوى الشيوخ فتأمله والله أعلم. وانظر ما تقدم عند قوله
108

وجبر المجنونة والبكر ولو عانسا مع قوله وللأم التكلم الخ. هل يعارضه ما هنا؟ والله أعلم.
ص: (ولو خلقت من مائه) ش: قال ابن عبد السلام: واعلم أن الذاهبين إلى التحريم اختلفوا.
فمنهم من رآها بنتا أو كالبنت وهؤلاء يرونها محرمة على الواطئ وعلى كل من حرمت عليه
ابنة الواطئ، ومنهم من يراها كالربيبة وهؤلاء يلزمهم أن يبيحوها لأب الواطئ وابنه، والمسألة
موضوعة في علم الخلاف والكلام عليها أوسع من هذا اه‍. وقال القرطبي في تفسير سورة
الفرقان: اختلف الفقهاء في نكاح الرجل ابنته أو أخته أو ابنة ابنه من الزنا: فحرم ذلك قوم
منهم ابن القاسم وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وأجاز ذلك آخرون منهم عبد الملك بن
الماجشون وهو قول الشافعي اه‍. وصرح في سورة النساء بأن القول إن المخلوقة من مائه لا تحل
هو المشهور. وقال في قول ابن الماجشون: هو الصحيح واستدل للأول بحديث جريج وقوله
للغلام من أبوك؟ فقال: فلان الراعي. فقال: فإن قيل يلزم أن تجري أحكام البنوة والأبوة من
التوارث والولايات وغير ذلك. وقد اتفق المسلمون على أن لا توارث، فالجواب أن ذلك
موجب ما ذكرناه وما انعقد عليه الاجماع من الاحكام استثنيناه وبقي الباقي على أصل ذلك
الدليل والله أعلم. ص: (كالملك) ش: يعني أن من تلذذ بأمه يملكها بقبلة أو مباشرة أو ملاعبة
أو بنظر باطن فإنها تحرم على آبائه وأبنائه.
فرع: قال في التوضيح: واختلف إذا وطئ الصغير بملك اليمين أو قبل أو باشر فقد قال
مالك في الموازية: إن قبل أو باشر لم تحرم إذا كان صغيرا. وقال ابن حبيب: إذا بلغ أن يلتذ
109

بالجواري يحرم انتهى. وقال ابن عرفة اللخمي في لغو وطئ الصغير وإيجاب قبلته ومباشرته
الحرمة: إن بلغ أن يلتذ بالجارية رواية محمد وقول ابن حبيب وخص ابن بشير القولين بالمس
ونحوه انتهى. وحكى في الشامل القولين من غير ترجيح، ويفهم من كلام الجزولي والشيخ
يوسف بن عمر أن الخلاف إنما هو في المراهق وأما غيره فلا خلاف في أن وطأه لا يحرم والله
أعلم. ص: (وحرم العقد وإن فسد) ش: جعل في التوضيح هنا من المختلف فيه نكاح
الخامسة وهو مخالف لما قدمه المصنف في قوله: كخامسة، ولما قاله في التوضيح أيضا عند
قول ابن الحاجب في تمييز ما يفسخ بطلاق أو بغير طلاق، ومخالف لما قاله في أوائل النكاح
الأول من المدونة من أنه متفق على فساده ولا يحرم عقده فتأمله والله أعلم. ص: (فالتذ
بابنتها) ش: احترز من ابنها فإنها لا تحرم به. قال المازري في كشف الغطاء: وقد ذهب بعض
الناس إلى أنه تنتشر الحرمة بوطئ الغلام وهذا بعيد عن أصول الشرع والله أعلم. وفي تفسير
القرطبي في سورة النساء: واختلف العلماء في مسألة اللائط فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة
وأصحابهم: لا يحرم النكاح باللواط. وقال الثوري: إذا لعب بالصبي حرمت عليه أمه وهو قول
أحمد بن حنبل قال: إذا لاط بابن امرأته أو أبيها أو أخيها حرمت عليه امرأته. وقال الأوزاعي:
إذا لاط بغلام وولد للمفجور به بنت لم يجز للفاجر أن يتزوجها لأنها بنت من قد دخل به،
وهو قول أحمد ابن حنبل. انتهى كلامه. ص: (ولو قال أب نكحتها أو وطئت أمة عند
قصد الابن ذلك وأنكر) ش: تصوره واضح. قال في التوضيح: إن صارت إليه جارية أبيه أو
110

ابنه بعد موته ولم يقر مالكها بوطئ ولا غيره فقال ابن حبيب: لا تحل اللخمي: وهذا يحسن
في العلي وإن كانت من الوخش ندب أن لا يصيب ولا تحرم، وكذلك إذا باعها ثم غاب قبل
أن يسأل انتهى. وقال في الشامل: وإن ملك أمة أبيه أو ابنه ولم يعلم هل وطئها أم لا لم تحل
له. اللخمي: وهذا في العلي ويندب في الوخش ولا تحرم انتهى. وقال ابن عرفة: والتحريم
بقول أب أو ابن قال اللخمي: إن عرف ملكه حرمت بقوله ولو بعد خروجها من ملكه
أصبتها، فإن قال لم أصب لم تحرم، ولو غاب أو مات دون قول ففي حرمتها مطلقا أو إن
كانت علية نقل الباجي عن ابن حبيب مع اللخمي واختياره. ص: (وجمع خمس) ش: أي
جمعن في عصمة واحدة فأحرى في عقد. وتقييده في الكبير بقوله والمعنى وحرم جمع خمس
من النساء في عقدة غير ظاهر وما في الوسط والصغير أحسن. ص: (أية ذكرا حرم) ش:
بإدخال تاء التأنيث على أي. قال الدماميني في حاشية البخاري في كتاب الشهادات في
حديث الإفك المنصوص: إنه إذا أريد بأي المؤنث جاز إلحاق التاء به، موصولا كان أو
استفهاما أو غيرهما انتهى. وجعل في الكبير بدل التاء هاء وبدل أي إن، ويشكل عليه قوله
ذكرا بالنصب فإنه في النسخ بألف بعده، وقوله حرم والضمير للوطئ. ص: (كوطئها
بالملك) ش: قال اللخمي: ولا بأس أن يجمع بين الأختين في ملك اليمين من غير وطئ وأن يطأ
إحداهما وأختها في ملكه ويؤمن على أن لا يصيبها أخرى انتهى.
فرع: قال الباجي: وكما يحرم الجمع في الوطئ فكذلك النظر للذة للمعصم والصدر
قياسا على ما تسوى الشرع فيه بين الوطئ والنظر للذة انتهى. ثم شرع المصنف يتكلم على ما
111

إذا عقد على اثنين ممن يحرم عليه جمعهما فتارة يعقد عليهما عقدا واحدا، وتارة واحدة بعد
واحدة. فإن كان عقد على اثنين ممن يحرم عليه جمعهما عقدا واحدا فيفسخ ذلك بلا طلاق،
دخل بهما أو لم يدخل بهما، أو دخل بإحداهما ولو ولدت الأولاد. ومن فسخ نكاحها قبل
الدخول فلا مهر لها، ومن فسخ نكاحها بعد الدخول فلها المهر وله أن يتزوج أيتهما شاء بعد
الاستبراء إن دخل بها، وإن لم يدخل بها فلا استبراء عليه، وإن عقد عليهما واحدة بعد واحدة
فأشار إلى ذلك المصنف بقوله. ص: (وفسخ نكاح ثانية) ش: أي قامت عليها البينة أنها ثانية أو
ادعى ذلك الزوج وصدقت هي على ذلك، فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر وإن فسخ بعد الدخول
فلها المسمى، وأما الأولى فنكاحها صحيح دخل بها أو لم يدخل. أما مع قيام البينة فواضح،
وأما مع عدم البينة فما ذكره المصنف هو الذي مشى عليه ابن الحاجب. قال في التوضيح: وهو
قول أشهب ومحمد قال: قال اللخمي: الجاري على مذهب المدونة من عدم قبول تعيين المرأة
الأول في مسألة الوليين عدم قبول قولها هنا انتهى. ص: (وإلا حلف للمهر) ش: أي وإن لم تعلم
الأولى بالبينة ولم تصدق المرأة التي زعم الزوج أنها ثانية على ذلك بأن قالت لا علم عندي أو
ادعت أنها الأولى، فإنه يحلف لها ويبرأ من المهر، فإن نكل غرم لها نصف الصداق ولا يمين
عليها إن قالت لا علم لي أو ادعت العلم فعليها اليمين، والتي ادعى أنها الأولى فلها الصداق
بالدخول ونصفه قبله. وهل يصدق فيه؟ يأتي في ذلك القولان المتقدمان، والذي مشى عليه
المصنف أنه يقبل، وإن قال الزوج لا علم عندي فيفسخ النكاحان جميعا، فإن قالت المرأتان أيضا
لا علم عندنا فسخ النكاحان أيضا وعليه نصف صداق واحد يقسمانه لأنه وجب عليه نصف
صداق لواحدة مجهولة. وإن ادعت إحداهما فقط العلم فإنها تحلف وتستحق النصف ولا شئ
للأخرى، فإن نكلت اقتسما النصف، وإن ادعت كل واحدة العلم حلفت كل واحدة أنها الأولى
وأخذت نصف صداقها، قاله اللخمي والرجراجي. وهذا منقول منهما بالمعنى. والفسخ ها هنا
بطلاق. قاله في التوضيح عن محمد والباجي. وقول المصنف بلا طلاق متعلق بقوله فسخ
راجع لقوله: نكاح ثانية صدقت، ثم يشبه بهذه المسألة في كون الفسخ بلا طلاق ما إذا عقد
على الام وابنتها عقدا واحدا فقال: ص: (كأم وابنتها بعقد) ش: أي فإنه يفسخ ذلك بلا
طلاق مطلقا، دخل بهما أم لم يدخل بهما أو دخل بإحداهما. ثم لما كان يختلف الحكم في
تحريمهما أو إحداهما السبب الدخول وعدمه وسيأتي من ذلك ثلاثة أقسام أشار إلى الأول
112

بقوله: ص: (وتأبد تحريمهما إن دخل ولا إرث) ش: يعني إذا تزوج المرأة وأمها ودخل بهما معا
فلا بد من فسخ العقد كما تقدم ويحرمان عليه أبدا لأن وطئ كل واحدة يحرم الأخرى، لأنه
وإن كان وطأ في نكاح فاسد باتفاق إلا أنه يدرأ الحد ولا ميراث في ذلك لأنه متفق على فساده،
وقد تقدم أن المتفق على فساده لا ميراث فيه ولكل واحدة صداقها المسمى لأجل المسيس. انتهى
كلامه تنبيه: قال ابن فرحون إثر قول ابن الحاجب: وإذا عقد على الام وابنتها عقدا واحدا فسخ
أبدا، فإن دخل بهما حرمتا أبدا، قال ابن رشد: أما إن لم يكن عالما بالتحريم ودرأ عنهما الحد
فإنهما يحرمان عليه أبدا، وأما إن كان عالما بالتحريم ولم يعذر بجهالة لحقه الحد فيجري التحريم
على القولين في التحريم بالزنى. وقول المؤلف حرمتا عليه أبدا يدل على أنه تكلم على الصورة
التي يدرأ فيها الحد. قاله ابن راشد. انتهى. ثم بالغ المصنف. ص: (وإن ترتبتا) ش: يعني أن
دخوله بهما يحرمهما أبدا ولو كان نكاحهما مترتبا واحدة بعد واحدة ولا ميراث كما تقدم. ولو
قال كان ترتبتا لكان أحسن. قال ابن الحاجب: فإن ترتبتا غير عالم فواضح، وأما العالم ففيها
يحد إن لم يعذر بجهالة. قال ابن فرحون: وأما العالم فهو قسيم قوله فإن ترتبتا غير عالم يعني
تزوج أم امرأته ووطئها عالما فوطؤه لها تحريم للبنت في أحد قوليه ويحد إلا أن يعذر بجهل انتهى.
ثم أشار إلى القسم الثاني. ص: (وإن لم يدخل بواحدة) ش: من الام وابنتها المعقود عليهما
عقدا واحدا فإنه يفسخ ذلك. ص: (وحلت الام له) ش: أي نكاحها فأحرى البنت. ولو قال
حلتا لكان أخصر وأوضح. ولم يتكلم على القسم الثالث وهو ما إذا دخل بإحداهما والحكم
فيه أنه يفسخ النكاحان وتحرم عليه التي لم يدخل بها وتحل له التي دخل بها بعد الاستبراء باتفاق
إن كانت البنت، وعلى المشهور إن كانت الام. ولم يذكر المصنف من أحكام المترتبتين إلا
113

المدخول بهما وبقي ثلاثة أخر: الأول: إذا عثر على ذلك قبل أن يدخل بهما، والحكم أن
يفسخ نكاح الثانية بلا طلاق ويمسك الأولى، سواء كانت الام أو البنت على المشهور. ثم إن
كانت التي فسخ نكاحها الام فهي حرام، وإن كانت البنت كان له أن يطلق الأولى التي هي
الام ويتزوجها. الثاني: أن يدخل بالأولى فنكاحها ثابت إن كانت البنت باتفاق، وإن كانت
الام على المشهور ويفسخ نكاح الثانية ولا تحل له أبدا. الثالث: أن يدخل بالثانية فالحكم أن
يفرق بينه وبينها وحرمت الأولى بوطئ الثانية. وأما الثانية فإن كانت هي الام فهي حرام أيضا،
وإن كانت البنت لم تحرم عليه. ثم قال: وإن لم تعلم السابقة منهما يعني وقد مات ولم يدخل
بواحدة منهما فالإرث لهما يقتسمانه ولكل منهما نصف صداقها، لأن أحد النكاحين صحيح،
وأما إن دخل بهما فلا ميراث مع العلم بالترتيب لفساد النكاحين حينئذ فأحرى مع عدم العلم.
ويدل على ذلك قوله نصف صداقها لأن الصداق بالدخول يتكمل. فقوله كان لم تعلم
الخامسة أي فإن الميراث بينهن سواء دخل بهن أو لم يدخل فأما الصداق فإن دخل بهن
فلكل واحدة صداقها. فإن دخل بأربع فلهن صداقهن وللخامسة نصف صداقها، وإن دخل
بثلاث فلهن صداقهن وللأخيرتين صداق ونصف يقتسمانه لكل واحدة ثلاثة أرباع صداقها،
وإن دخل باثنتين فلهما صداقهما وللثلاث الاخر صداقان ونصف يقتسمنه بينهن، وإن دخل
بواحدة فلها صداقها وللأربع ثلاث صداقات ونصف يقتسمنها بينهن، وإن لم يدخل بواحدة
فأربع صدقات يقتسمنها الخمسة. هذا أحد الأقوال وانظر ابن عرفة والله أعلم. ص: (وحلت
الأخت ببينونة السابقة) ش: فقوله الأخت يريد ومن في معناها لأن التحريم إنما هو تحريم
جمع. قاله في التوضيح وابن عبد السلام: وهذا في النكاح، وأما في الملك فسيتكلم عليه، انظر
كلام البساطي فإنه غير ظاهر والله أعلم.
فرع: قال في النكت: قال بعض شيوخنا من القرويين: إذا تزوج أختا على أختها عالما
بالتحريم وجب عليه الحد إلا أن يكونا أختين من الرضاع فلا يحد لأن هذه لتحريم السنة
والأولى لتحريم القرآن، وأما في تزويجه المرأة على عمتها أو خالتها فلا يحد لأنه تحريم السنة.
114

هذا أصل كل ما كان من تحريم السنة فلا حد فيه، وإن كان محرما بالكتاب ففيه الحد إذا لم
يعذر بجهل فاعلمه انتهى. وقوله ببينونة السابقة قال في التوضيح: وبينونتها بأحد ثلاثة أوجه
وهي: الخلع والطلاق الثلاث وانقضاء عدة الطلاق الرجعي انتهى.
فرع: فإذا قال في الرجعية انقضت عدتها وأكذبته لم يقبل قوله. ابن عبد السلام: ولو
مضى لطلاقها ثلاثة أشهر انتهى. وقال في المدونة في النكاح الثالث: ومن طلق امرأته طلاقا
بائنا فله تزوج أختها في عدتها، وكذلك خامسة في عدة رابعة مبتوتة. وإن طلقها تطليقة
فادعى أنها أقرت بانقضاء عدتها وذلك في أمد تنقضي العدة في مثله وأكذبته فلا يصدق في
نكاح الخامسة أو الأخت أو قطع النفقة أو السكنى لأن القول في العدة قولها، وإن نكح
الأخت أو خامسة فسخ الثاني إلا أن يأتي هو على قولها ببينة أو بأمر يعرف به انقضاء العدة
انتهى. قال ابن محرز: قال بعض المذاكرين: وعليها اليمين في النفقة والسكنى فأما العدة فلا.
انتهى من التوضيح، ونقله ابن عرفة.
فرع: فإذا طلقها طلاقا رجعيا وأراد أن يتزوج خامسة أو أختها فقالت احتبس عني الدم
فهي مصدقة حتى تمضي سنة، فإن ادعت التحريك بعد السنة لم تصدق لأن ذلك يظهر فينظر
إليها النساء فإن صدقتها وإلا لم يلزم الزوج أن يتربص إلى أقصى أمد الحمل. انتهى من
التوضيح. وقال في النوادر: قال ابن حبيب: قال أصبغ فيمن أسرت زوجته فغاب خبرها فأراد
نكاح أختها أو عمتها أو خالتها: فإن طلق المأسورة بالبتة جاز ذلك الآن، وإن طلقها دون
الثلاث لم يجز له ذلك إلا بعد خمس سنين من يوم سبيت إذا كان طلاقه بحدثان السبي
لاحتمال تمادي الريبة بحبس البطن فلا يبرئها إلا خمس سنين، فإن طلق بعد السبي بسنتين
فبعد ثلاث سنين، وكذلك إن طلقها بعد ثلاث سنين من السبي فأكثر لاحتمال أن تستراب
فتأتيها الحيضة في آخر السنة ويصيبها في الثانية، وكذلك في الثالثة تكمل إما بثلاث حيض أو
سنة لا حيض فيها. وإن كانت مسترابة بالحيض فما تقدم من المدة يحسب من الخمس سنين
التي هي أقصى أمد الحمل. ولو سبيت وهي نفساء وطلقها بحدثان ذلك انتظر ذلك سنة
- كما في ابن عرفة - لأنها عدة التي ترفعها الحيضة لنفاسها ابن أبي زيد: وانظر ما معنى قول
ابن حبيب وكأنه تكلم على أنه تمادى بها الدم وقد تطهر من نفاسها ثم تستراب ثم تحيض في
آخر السنة ثم تستراب، فكيف لم يأمره بصبر ثلاث سنين وليست تؤمر بخمس سنين لأنه
موقن أن لا حمل بها منه إذا لم يطأها بعد النفاس وهذا صحيح. اه‍. ونقله ابن عرفة واختصره
والله أعلم. ص: (بعتق وإن لأجل) ش: قال ابن عرفة: أو عتق بعضها. الشيخ من الواضحة: لو
115

زوجها فطلقت فوطئها في عدتها حلت الأولى قبل انقضاء عدة الثانية لحرمتها عليه انتهى.
ص: (أو بيع دلس فيه) ش: قال في المدونة: لأن للمشتري التماسك انتهى. فأحرى إذا لم
يدلس فيه فانظر قول البساطي عند قول المصنف وحلت الأخت والله أعلم. ص: (لا فاسد
لم يفت) ش: أما لو فات حلت الثانية. ابن عرفة: فيها بالبيع الصحيح أو الفاسد بعد فوته.
اللخمي والشيخ عن الموازية مع الخروج مع الاستبراء انتهى. ص: (وعدة شبهة) ش: تقييده
العدة بالشبهة حسن لا بد منه لأنها لو كانت من نكاح صحيح لكان النكاح وحده محرما
والعدة من توابعه. قاله ابن عبد السلام. ابن عرفة الشيخ عن الموازية: لو زوجها من عبد فمات
أو طلقها قبل مسها حلت له أختها. انتهى والله أعلم. ص: (وظهار) ش: قال ابن عرفة: ولا
يجزئه تحريم من وطئ منهما بيمين بحريتها. اللخمي عن ابن الماجشون: قوله إن أصبتها فهي
حرة لغو لأن إصابته إياها حلال فهو الموجب حنثه انتهى. ص: (وعهدة ثلاث) ش: قال في
التوضيح: بخلاف عهدة السنة لطول زمانها انتهى. ونقل ابن أبي زيد في النوادر عن ابن أبي
مسلمة العهدة مطلقة فقال في النوادر أيضا: إن محمدا قال: يريد عهدة الثلاث. ص: (وهبة
لمن يعتصرها منه) ش: قال ابن عرفة: وفيها قيل لو وهبها لابنه الصغير أو الكبير أو عبده
الصغير أو يتيمه قال: كل ماله أن يصيبها بشراء هو الحاكم فيه أو باعتصار أو انتزاع وما يفسخ
116

من بيع أو نكاح لا يثبتان عليه إن شاء الواحد منهما لغو انتهى. قال اللخمي عقب نقل كلام
المدونة: ولا شئ عليه فيما بينه وبين الله تعالى لأن الملك الآن لغيره فلم يجمع بينهما في ملك
انتهى. ومفهوم قوله لمن يعتصرها منه أن الموهوب له إذا كان ممن لا يعتصر منه تحل بالهبة
وهو كذلك إن كانت الهبة لغير ثواب، وإن كنت لثواب فلا تحل حتى يعوض عليها أو تفوت
عنده وتجب فيها القيمة. قاله الجزولي والشيخ يوسف بن عمر. وظاهر قوله أيضا لمن يعتصرها
منه أن الموهوب له إذا كان ممن يعتصر منه أنها لا تحل مطلقا وليس كذلك، بل إذا فاتت عند
الذي يعتصر منه فإنها تحل، قاله الشيخ يوسف بن عمر. ص: (بخلاف صدقة عليه إن
حيزت) ش: قال في التوضيح: فإن تصدق على ولده وحيزت له جاز وطئ الأخرى لأنه لا
اعتصار في " الصدقة وإن لم تجز فلا انتهى. وهو لابن عبد السلام. قال ابن فرحون: والظاهر أنه
لا يكفي إذ له انتزاعها بالبيع كما في حق اليتيم فتأمله. والله أعلم. ص: (ووقف إن وطئهما
ليحرم) ش: قال القرطبي عن مذهب مالك: ولم يوكل ذلك إلى أمانته لأنه متهم انتهى. ص:
(فإن أبقى الثانية استبرأها) ش: قوله الثانية مفهومه لو كانت الأولى لم يستبرئ وهو كذلك.
فرع: قال اللخمي: فإن عاود الأولى قبل أن يحرم الثانية وقف عنهما فأيتهما حرم لم
يصب الباقية إلا بعد الاستبراء انتهى. قال الشيخ أبو الحسن الصغير في قوله في المدونة: ولو أنه
حين وطئ إحداهما وثب على الأخرى فوطئها قبل أن يحرم عليه التي وطئ وقف عنهما
حتى يحرم أيتهما شاء، ظاهر الكتاب سواء وطئها عالما بأن ذلك لا يجوز أو جاهلا. وقال
اللخمي: قال ابن القاسم فيمن كانت عنده أختان أصابهما ثم باع إحداهما ثم اشتراها قبل أن
يطأ الباقية عنده له أن يطأ أيتهما أحب. وهذا يحسن إذا فعل ذلك وكان وطؤه إياهما جاهلا،
وأما إن فعل ذلك وهو عالم لم يجز له أن يصيب واحدة منهما حتى يخرج الأخرى من ملكه
لأنه لا يتهم أن يعود إلى مثل ذلك. انتهى كلام الشيخ أبي الحسن من النكاح الثالث. وقال
في النوادر: وإذا وطئ بالملك أختا بعد أخت فليكف عنهما حتى يحرم فرج واحدة، فإن حرم
117

الأولى استبرأ الثانية، وإن حرم الثانية لم يستبرأ الأولى إلا أن يكون وطئها بعد الثانية فليستبرئها
أيضا لأن وطئ لا ينبغي والجاهل والعالم في جميع ما ذكرناه سواء انتهى. وذكر قبل هذه
المسألة المسألتين اللتين بعد هذه في كلام المؤلف وبعض المسائل المتقدمة. وقال في المدونة قبل
الكلام المتقدم: ومن اشترى أختين فوطئ إحداهما فلا يطأ الأخرى حتى يحرم فرج التي
وطئها، فإن باع التي وطئ ثم وطئ الباقية ثم اشترى المبيعة تمادى على وطئ الباقية، ولو لم
يطأ الباقية حتى اشترى المبيعة وطئ أيتهما شاء انتهى. وفي النوادر: من باع أمة وطئها ثم
اشترى أختها فلا يطؤها حتى تحيض التي باع ولو حاضت ثم استقاله منها أو ابتاعها، فإن كان
وقد وطئ أختها فلا يقرب هذه حتى يحرم فرج أختها، وإن لم
يطأها فهو مخير في
إحداهما انتهى. ص: (وإن عقد) ش: سواء كانت حرة أو أمة قاله اللخمي. ص: (فالأولى)
ش: قال في المدونة: ولا يطأ التي اشترى حتى يفارق امرأته انتهى. ص: (فإن وطئ) ش:
هذا الشرط جوابه قوله فكالأولى يعني فكما إذا وطئهما بملك اليمين فيوقف حتى يحرم
إحداهما وتحريمي الأمة بما تقدم وتحريم الزوجة بالطلاق البائن أو الرجعي إذا انقضت العدة. قاله
اللخمي قال: ولا يقع التحريم بالظهار ويختلف إذا قال إن وطئتك فأنت طالق انتهى. ص: (أو
عقد بعد تلذذه بأختها بملك فكالأولى) ش: اعلم أنه لا يجوز له أولا. قال أبو الحسن: انظر
إذا اختار تحريم الزوجة وذلك قبل البناء، هل يكون عليه نصف الصداق أم لا؟ قال: وهذه تشبه
مسألة المجوسي يسلم وتحته! عشر اه‍. والظاهر أنه لو اختار بعد الدخول دخلها المسمى كاملا،
والظاهر أيضا أن هذا جار في المسألة التي قبلها وتحريم الزوجة في هذه مثل تحريمها في تلك
والله أعلم.
فرعان من المدونة: الأول: من باع أمة وطئها ثم تزوج أختها فلم يطأها حتى اشترى
المبيعة لم يطأ إلا الزوجة والعقد ها هنا كالوطئ في الملك.
الثاني: من زوج أم ولده ثم اشترى أختها فوطئها ثم رجعت إليه أم ولده أقام على وطئ
الأمة، ولو ولدت منه الأمة ثم زوجها وأختها ثم رجعتا إليه جميعا وطئ أيتهما شاء إلا أن يطأ
118

أولاهما رجوعا. ص: (والمبتوتة) ش: تصوره ظاهر والمبتوتة هي التي انقطعت عصمتها.
فرع: قال البرزلي في آخر مسائل النكاح: وسئل المازري عمن طلق زوجته ثلاثا ثم
وطئها فحملت عارفا بالتحريم. فأجاب بأنه يلحقه الولد ويحد. قيل: فما الجامع بينهما؟ قال:
ربما اجتمعا. ص: (حتى يولج بالغ قدر الحشفة) ش: فهم منه إن عقد الغير عليها دون وطئ
لغو وهو كذلك. قال الشارح في الكبير بلا خلاف وقاله في التوضيح. وفهم من قوله بالغ
أن شرط الايلاج أن يكون الزوج بالغا وهو أعلم من أن يكون حال العقد بالغا أو غير بالغ وهو
كذلك قاله في التوضيح وغيره. قال ابن عرفة: وفيها وطئ الصبي القادر على الجماع ولم
يحتلم لغو اللخمي: إن شارف البلوغ حل وطؤه على قول مالك يحد إن زنى اه‍. وفهم من
قوله قدر الحشفة أنه لو أدخل بعض الحشفة لم تحل وهو كذلك، وكذلك لو وطئها فوق
الفرج فأنزل ودخل ماؤه في فرجها فأنزلت لم تحل ولا تحصن. قاله في التوضيح وابن عرفة.
تنبيه: قال في العارضة عن الحسن البصري: لا تحل إلا بوطئ فيه إنزال لقوله حتى
تذوقي عسيلته. ورأي العلماء أن مغيب الحشفة هي العسيلة فأما الانزال فهي الذبيلة، فإن
الرجل لا يزال في لذة في الملاعبة حتى إذا أولج فقد عسل، ثم يتعاطى بعد ذلك بقضاء الله
وقدره ما فيه علو نفسه وإتعاب نفسه ونزف دمه وإضعاف أعضائه فهي إلى الحميضة أقرب
منها إلى العسيلة لأنه يبدأ بلذة ويختم بألم اه‍.
فرع: إذا كان الزوجان مسلمين فارتد أحدهما بعد طلاق الثلاث لم تسقط الردة
الخطاب بأن تنكح زوجا غيره، وإذا ارتدا معا سقط الخطاب عند ابن القاسم دون غيره، وإن
كانت الزوجة نصرانية وارتد الزوج بعد الثلاث فعند ابن القاسم لا تحل له إذا رجع للاسلام إلا
بعد زوج، وإن أحلها زوج فارتدت هي أو المحلل فالأحسن عند اللخمي أنها تحل من غير زوج.
قال جميع ذلك اللخمي وسيأتي للمصنف بعض هذا في باب الردة والله أعلم. ص: (بلا
منع) ش: يدخل فيه كل وطئ نهى الله عنه، ومنه وطئ الصغيرة التي لا تطيق الوطئ. ابن عرفة
عن اللخمي: هو لغو لأنه جناية. وفهم ذلك من قول المصنف بلا منع لأن الجناية ممنوعة
119

ومنع الوطئ في الدبر فلا اعتراض على المصنف بأنه كان ينبغي له أن يقيد ذلك بالقبل والله
أعلم ص: (ولا نكرة فيه) ش: يعني إذا علمت الخلوة وتناكرا في الإصابة والتناكر يصدق
بإنكار كل واحد منهما لكن لما كان إنكارها ظاهرا سكت عنه، فإذا أنكر المسيس فقال
اللخمي: إن طال مقامه معها واعترف أنه لا آفة به صدقت. انتهى ونقله ابن عرفة والله أعلم.
فرع: إذا علمت الخلوة وغاب المحلل أو مات قبل أن يعلم منه إقرار أو إنكار صدقت.
قاله اللخمي ونقله ابن عرفة. قال ابن عرفة أيضا: الباجي: لو بنى وبات عندها ليلة ومات
صدقت انتهى. ص: (بانتشار) ش: قال ابن عرفة وابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم
إدخالها ذكر الشيخ في فرجها دون انتشار إن انتشر بعد لك أحلها وإلا فلا. اللخمي لمحمد
عن ابن القاسم: يحلل ويحصن والأول أحسن. وفي تعليقة الشيخ عبد الحميد: لو وطئها غير
منتشر ثم انتشر في فرجها أحلها اتفاقا من أصحاب مالك، ولو كان كسل ولم ينتشر ففي
كتاب محمد يحلل ويحصن، وفي بعض رواياته يحل فتبقى المسألة بلا جواب. التونسي
وغيره من المذاكرين: الأشبه أنه لا يحلل ولا يحصن بعض المذاكرين إن عرى ذلك عن اللذة
المعتادة عند مغيب الحشفة ألغى وإلا حلل وحصن اه‍. ص: (في نكاح) ش: يعني أنت المبتوتة
لا تحل إلا بوطئ في نكاح فلا تحل بوطئ سيدها لمن بتها ولا باشترائها الذي بتها. قاله في
التوضيح. ص: (لازم) ش: احترازا من نكاح العبد المتعدي ونكاح ذات العيب والمغرورة أو
ذي العيب والمغرور، فإن أجاز السيد نكاح العبد المتعدي أو رضي الزوج في عيب المرأة
وغرورها، أو رضيت هي في عيب الزوج وغروره وحصل وطئ بعد الإجازة أو الرضا خلت به.
قاله ابن الحاجب والله أعلم. ص: (وعلم خلوة) ش: قال ابن عرفة اللخمي: خلوة الزيارة لغو
وفيها إن مات قبل بنائه فقالت طرقها ليلا فأصابها لم تصدق ولا يقبل قولها قال اللخمي.
ص: (ولو خصيا) ش: يريد بعد علمها به وهو بين وصرح به ابن عرفة وغيره، ص
120

(لا بفاسد) ش: يدخل في نكاح النصراني، وسواء كانت الزوجة مسلمة أو نصرانية، لأن
أنكحتهم فاسدة وقد نص على ذلك في المدونة فبهذا يستغني عما في بضع النسخ من قوله
حتى يولج بالغ مسلم ص: (وكمحلل) ش: ويفسخ قبل البناء وبعده بطلاق بائن إذا أقر به
بعد العقد، وأما إن أقر قبل النكاح فليس بنكاح. قاله في الموازية: قال في التوضيح: يعني يفسخ
بغير طلاق. الباجي: وعندي أنه يدخله الخلاف في النكاح الفاسد المختلف فيه هل هو بطلاق
أم لا، وهو تخريج ظاهر، وإن بنى بها فلها المسمى على الأصح. وقال مالك: للمحلل أن
يتزوجها بعد ذلك. وقال أشهب: أحب إلي أن لا ينكحها أبدا. اه‍. بالمعنى من التوضيح. وقال
ابن عرفة اللخمي: وإن لم يبن بها فإن أقر قبل العقد فلا شئ لها وإن أقر بعده فلها نصف
المسمى اه‍.
فرع: قال ابن عرفة: فإن تزوجها الأول فهذا النكاح فسخ بغير طلاق اه‍. ص: (ونية
المطلق ونيتها لغو) ش: وإنما المعتبر نية المحلل ولو كانت من غير شرط عند مالك خلافا فالغير
واحد من أصحابه ويعاقب هو ومن علم ذلك من الولي والشهود والزوجة ويجب عليه أن يأتي
الأول فيعلمه أنه قصد تحليلها ليمتنع من نكاحها اه‍. بالمعنى من التوضيح.
فروع: الأول: قال في التوضيح: ولو قال المطلق تزوجي فلانا فإنه مطلاق حلت إن
تزوجته، وكذلك إن تزوجته هي لذلك.
الثاني: قال ابن عرفة عن تعليقة عبد الحميد: لو زوجها لعبده ليسأله طلاقها بعد وطئها
حلت به ومال إليه بعض الشيوخ.
الثالث: قال ابن عرفة أيضا اللخمي: ويختلف إن تزوجت غريبا عالمة بأنه لا يريد
121

حبسها على القول بفساده لا تحل به، ونقله البرزلي في أوائل مسائل النكاح.
الرابع: قال الشيخ عن الموازية: لو تزوج مبتوتة بني بها وأقر بوطئها كاذبا ثم أبتها
فتزوج بها من أبتها أولا وبنى بها وأقر بوطئها لم تحل لمن أبتها ثانيا لفساد نكاح من أبتها
أولا بعد من أبتها ثانيا اه‍. ص: (وقبل دعوى طارئة التزويج) ش: قال اللخمي: الاحلال
يصح بشاهدين على نكاح المحلل وامرأتين على الخلوة وتصادق الزوجين، فإن لم يعلم التزويج
إلا من قولها فذكر التفصيل الذي ذكره المؤلف. واعلم أنه إنما يقبل نكاح الطارئة إذا لم
يكن الموضع قريبا. قاله اللخمي ونقله في التوضيح. والظاهر أن مرادهم أنها لا تصدق إذا
كان الموضع قريبا فتأمله والله أعلم. ص: (إن بعد) ش: أما إن قرب الأمد فقولها لغو أمنت
أم لا. قاله اللخمي ونقله ابن عرفة وقاله في التوضيح. ص: (وملكه) ش: أعم من أن
يكون المالك حرا أو عبدا.
فرع: قال ابن عبد السلام: وأما إن دفعت إليه جارية ليستخدمها فرأى بعضهم أنه
يجري جواز نكاحه لها على الخلاف في حده إذا زنى بها، فمن يقول بحده يقول بصحة
النكاح، ومن يقول بسقوطه يمنع النكاح وفيه نظر، لأنه لا يلزم من كون الحد ساقطا بالشبهة
فسخ النكاح بها اه‍. ونقله المصنف. وكأنهم لم يقفوا على نص في المسألة، والمسألة في أوائل
الرسم الأول من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، وفي كتاب الخدمة في رسم البراءة من
سماع عيسى. وفي سماع محمد بن خالد عن مالك أنه لا يجزئه أن يتزوجها وأنها بمنزلة الأمة
المشتركة. وفي مختصر الوقار: يكره للرجل أن يتزوج أمته المخدمة وإن أذن في ذلك من
أخدمها.
فرع: قال ابن عرفة: وفيها لابن القاسم: إن أراد أن يزوج أمة عبده منه انتزعها ثم
تزوجها منه، فإن تزوجها منه قبل انتزاعها أو وطئها جاز نكاحه وكان انتزاعا، وإن أراد سيده
وطأها انتزعها ووطئها فإن وطئها قبل انتزاعها كان انتزاعا.
122

قلت: ويجب استبراؤها قبل وطئها وبعده قبل استبرائها اه‍. وقال المشاذلي في حاشيته
في النكاح الثاني: وانظر لو زوج أمة عبده من عبد له آخر، هل يكون انتزاعا أم لا؟ قال في
سماع عيسى في رجل أخذ جارية لام ولده فزوجها غلامه فمات فطلبت أم الولد جاريتها،
هل ترى تزويجه إياها غلامه انتزاعا؟ قال: لا، والجارية لام ولده والنكاح ثابت بمنزلة ما لو
زوج جارية لعبده غلامه ثم أعتق سيده الجارية ولم يستثن ماله أن الجارية للعبد أعني سيدها
والنكاح ثابت، ابن رشد: هذا كما قال لأن العبد وأم الولد مالكان أموالهما فلا يحمل فعل
السيد ذلك على الانتزاع إذا لم يصرح به إلا أن يكون مالا يصلح أن يفعله إلا بعد الانتزاع
كالوطئ والعتق والصلح به على نفسه وشبه ذلك، وقد اختلف إذا رهن السيد عبد عبده في
دين على السيد ففي الكتاب لا يكون انتزاعا اه‍. ص: (أو لولده) ش: سواء كانا حرين أو
أحدهما حرا والآخر رقا. قاله في التوضيح. أجاز في العتبية للرجل أن يتزوج جارية زوجته.
وعن ابن كنانة: كراهيته. وهذا في جارية لم تكن في الصداق، وأما جارية الصداق فيجوز
ذلك فيها بعد الدخول. ومنع منه في العتبية قبل الدخول وخرج فيها صاحب البيان قولا
بالجواز. انتهى باختصار من التوضيح. ص: (وفسخ) ش:.
فرع: قال ابن عرفة اللخمي عن محمد: إن اشترى أحدهما الآخر بخيار لم يفسخ
نكاحه إلا ببته، وإن بيع على العهدة فسخ حينئذ، فإن حدث في العهدة: وقد انفسخ النكاح
وشراء زوجها إياها بشرط الاستبراء يوجب فسخ نكاحها لأن الماء ماؤه. اللخمي: القياس فيها
عدم تعجيل الفسخ فإن سلمتا مدة العهدة والاستبراء ثم البيع وفسخ النكاح وإلا فلا اه‍. ص:
(وإن طرأ) ش: أي بميراث أو غيره.
فرع: فإن اشترى زوج أمه أو امرأة أبيه انفسخ النكاح. قاله في التوضيح.
فرع: قال ابن عرفة: ولو اشترى أحدهما الآخر وهو مكاتب ففي فسخ نكاحه قولان
بناء على أنه ملك رقبته أو كتابته، فإن عجز فسخ اتفاقا. قلت: يريد أن المبيع الكتابة اه‍.
فرع: قال في أول رسم من سماع عيسى من كتاب النكاح. وقال مالك في أمة تحت
حر ولدت أولادا له وأرادوا بيعها وولدها فقال زوجها أنا آخذها فقال مالك: أرى أنه أحق بما
أعطوا فيها لأن في ذلك خيرا لعتق ولدها ولا أرى به بأسا. ابن رشد: وهذا كما قال لأن
123

الزوج إذا أراد أن يأخذهم بالثمن الذي أعطوا لهم فبيعهم من غيره بذلك الثمن إضرار بالولد
في غير منفعة تصير لهم فلا يمكنون من ذلك ثم قال: ولو باعوها وحدها لم يكن أحق بها
إذ لا تكون أم الولد إذا اشتراها وإن ولدت منه أولادا. اه‍ كلام ابن رشد بالمعنى والله أعلم.
ص: (ولو بدفع مال ليعتق عنها) ش: قال في كتاب الولاء من المدونة: ومن أعتق عبده عن
امرأة للعبد حرة فولاؤه لها بالسنة ولا يفسخ النكاح لأنها لم تملكه، ولو دفعت الحرة مالا
لسيد زوجها على أن يعتقه عنها فسخ النكاح وذلك شراء لرقبته وولاؤه لها. وقال أشهب:
لا يفسخ النكاح لأنها لم تملكه ولو دفعت الحرة اه‍. وقال المشذالي في حاشيته: قوله: من
أعتق عبده عن امرأته معناه لم تسأل عتقه ولم ترغبه ولو رغبته وقالت أعتقه لكان لها الولاء
ويفسخ النكاح كما لو أعطته مالا على العتق اه‍. وقال أبو الحسن: أترى كلام المدونة
المذكور يريد ولم تسأله في ذلك ولا رغبته. اللخمي: فإن سألته فسخ النكاح على قول ابن
القاسم لأنها مستوهبة ولم يفسخ عند أشهب، وانظر جعل لها الولاء ولم يفسخ النكاح
والشيوخ إنما يثبتون الولاء للمعتق عنه بتقدير الملك ولو قدر ذلك هنا لفسخ النكاح، وإن لم
يقدر هنا ملكه ففيه هبة الولاء لأن الولاء فرع عن ثبوت الملك ولهذا قال فولاؤه لها
بالسنة انتهى. واعلم أنه إذا أعتقه عنها ولم تدفع له مالا فملكه لها إنما هو تقديري لا
تحقيقي. فباعتبار تقديره يثبت لها الولاء، وباعتبار كونه غير تحقيقي لم يفسخ النكاح. وقال
أبو الحسن: قوله ولو دفعت الحرة مالا الخ. الشيخ: وكذلك الأمة لو دفعت لسيد زوجها
مالا للاجماع أنه لا يجوز للمرأة أن تتزوج عبدها. وقوله وقال أشهب لا يفسخ النكاح لأنها
لم تملكه قال ابن يونس ابن المواز عنه: كما لو سألته عتقه عنها لغير شئ أعطيته. قال
سحنون: وهو أحسن. ص: (أو قصد بالبيع الفسخ) ش: قال ابن غازي: كذا في كثير من
النسخ قصدا بألف التثنية وهو المطابق لقوله في المدونة إلا أن يرى أنها وسيدها اغتزيا فسخ
النكاح فلا يجوز ذلك وتبقى زوجة. قال ابن عرفة: ظاهره أن اغتزاءه وحده لغو وفيه نظر.
اه‍ كلام ابن غازي. والذي قاله ابن عرفة فيه نظر لم يتوقف فيه ابن عبد السلام. قال:
وينبغي أن يكون قول المؤلف تعمدا بألف التثنية على أنه فاعل كما نص عليه سحنون بقوله
اغتزيا أي قصدا، والواقع فيما رأيت من نسخ هذا الكتاب بدون الألف ولا معنى له. نعم
124

لو تعمدت هي ذلك دون السيد البائع لكان له وجه كما لو ارتدت قاصدة لفسخ النكاح
لم يفسخ وتستتاب اه‍. وهذا الذي قاله فيما إذا قصدت هي وحدها ظاهر، وأما قوله فيما
إذا قصد السيد وحده لا معنى له فغير ظاهر، بل الحق ما قاله ابن عرفة إذ فيه نظر. والظاهر
أيضا أنه لا يفسخ كما في مسألة الهبة الآتية وعلى هذا فيقرأ قوله قصد بلا ألف بالبناء
للمفعول ليعم القاصد فتأمله والله أعلم. ص: (وملك أب جارية ابنه بتلذذه بالقيمة)
ش: وكذلك الجد على قول ابن القاسم خلافا لأشهب. قاله ابن ناجي في شرح
الرسالة. ويريد المصنف سواء حملت أو لا، وسواء كان عديما أو مليا. فإن كان عديما بيعت
إلا أن تكون حملت فلا تباع، وإذا أعطى الأب قيمتها فلا يطؤها حتى يستبرئها من مائة
الفاسدة. قاله في التوضيح. وهذه المسألة في كتاب أمهات الأولاد من المدونة وفي كتاب
القذف منها.
تنبيه: قال في كتاب القذف منها: ولا يحد الأب إذا وطئ أمة ابنه وكذلك الجد في
أمة ولد ولده. قال أبو الحسن الصغير: وانظر هل يعاقب الأب فقال في كتاب أمهات الأولاد
من كتاب ابن يونس في باب الاستلحاق: يعاقب الأب إن لم يعذر بالجهالة انتهى
قلت: ذكره ابن يونس في أثناء كلامه لما تكلم على من استلحق ولد أمة
ولده فقال: إنه يلحق به إن لم يدعه الولد لنفسه ولم يجزه نسب معروف ويغرم قيمة
الأمة لولده في ملائه ويتبع بها في عدمه وهي له أم ولد وعليه الأدب إن لم يعذر بجهل
انتهى. ولم أر من صرح بالأدب على الأب إلا ما ذكره ابن يونس، وانظر هل يمكن أن
يقال إنما أدب لأنه سكت حتى بيعت؟ والذي فهمه أبو الحسن إنما هو لوطئه. وانظر
على ما ذكره ابن يونس من الأدب في الوطئ هل يلزم الأدب أيضا في تلذذه بها أو إنما
يلزم إذا وطئ؟ ولم أر فيه نصا والظاهر أنه يلزمه لأنه ارتكب محرما بدليل أنه يجب عليه
أن يستبرئها من وطئه إياها وسيقول المصنف وعزر الامام لمعصية الله والله أعلم. ص:
125

(وعتقت على مولدها) ش: قال في التوضيح: والحكم أنها تعتق على الابن إذا كان أولدها
قبل وطئ والده وقد أتلفها الأب بوطئه فيغرم قيمة أم ولد، وإن كان الابن وطئها ولم تحمل ثم
وطئها أبوه وحملت منه غرم قيمتها أمة وعتقت عليه. انتهى بالمعنى. ص: (ولعبد تزوج ابنة
سيده بثقل) ش: والمكتب في الزواج والاستثقال مثل العبد قاله في التوضيح. قال: وكذلك تزويج
ابنه لمكاتبته مثل، فإن مات السيد انفسخ النكاح، وقيل لا ينفسخ بالموت بل إذا عجز انفسخ والله
أعلم. ص: (وإلا فإن خاف زنى وعدم ما يتزوج به حرة الخ) ش: تصوره واضح.
فرع: كل ما يمكنه بيعه فهو طول كدينه المؤجل بخلاف دار سكناه، ونقله ابن فرحون
في شرح ابن الحاجب.
فرع: فإذا فرعنا على المشهور إنه لا ينكح الأمة إلا بشرطين فإن عدم الشرطان معا فهل
يحرم عليه ذلك أو يكره؟ قال الباجي في المدونة: ما يدل على القولين قاله في التوضيح ونقل
ابن رشد في المقدمات عن مالك جوازه وإن كان لا يخاف عنتا وهو واحد للطول قال: وهو
المشهور عن ابن القاسم وقال الرجراجي: فإن كانت الأمة ممن لا يعتق ولدها، فهل يجوز للحر
أن يتزوجها أو لا يجوز؟ فالمذهب على ثلاثة أقوال كلها قائمة من المدونة: أحدها أنه لا يجوز
إلا بشرطين اثنين. عدم الطول وخشي العنت وهو مشهور قول مالك. والثاني أنه لا يجوز له
أن يتزوجها وهو عادم الشرطين وهو مشهور قول ابن القاسم وأحد قولي مالك. والثالثة
الكراهة. والقول بالمنع يعني القول الأول أنه منع تحريم به قال أشهب وابن عبد الحكم وهو قائم
126

من المدونة من قوله بفسخه. ثم ذكر مأخذ القولين الباقيين من المدونة أيضا ونسب الخلاف في
ذلك وأطال فراجعه إن أردته والله أعلم. وظاهر كلام المصنف أنه إن وجد ما يتزوج به حرة ولو
لم يجد ما ينفقه عليها حصل له الطول وهي رواية محمد خلافا لما قاله ابن حبيب عن أصبغ أن
الطول ما يصلح لنكاح الحرة من نفقة ومؤنة. اللخمي: وهو أبين إلا أن يجد من تتزوجه بعد
علمها بعدم قدرته على النفقة ابن رشد: ما رواه ابن حبيب أصح مما رواه محمد. قاله جميعه في
التوضيح. وقال ابن الفرس في أحكام القرآن: إن اعتبار النفقة هو الأصح والله أعلم.
فرع: فإن وقع نكاح الأمة من غير حصول الشرطين فتقدم في نقل الرجراجي في القول
الأول من الأقوال الثلاثة عن مالك أنه قال بفسخه، وفي كلام ابن عبد السلام في باب الخلع
ما يدل على أنه يفسخ، ونصه في قول ابن الحاجب: ولو تبين فساد النكاح، وفي كتاب ابن
المواز. ومن خالع زوجته ثم وجدها أمة قد أذن لها سيدها في النكاح، فإن كان يجد الطول
بحرة رجعت بما أعطته. قاله بعد الملك وبه أقول، فإن كان ممن لا يجد الطول ويخشى العنت
فله ما أخذ لأنه كان له أن يقيم وواجد الطول إن لم يكن له المقام عليها فيرد ما أخذ ويرجع
على من غره انتهى. فقوله وواجد الطول الخ يدل على أنه يفسخ وهو ظاهر كلام اللخمي
في الايمان بالطلاق في باب من حلف ليتزوجن هل يبر بتزويج غير الأكفاء ونصه: وإن تزوج
أمة لم يبر على قول مالك. وقال ابن القاسم: يبر إذا لم يجد طولا لحرة، وإن كان واجدا عاد
الخلاف المتقدم هل يبر بالنكاح الفاسد انتهى. فجعله فاسدا وهو الذي يظهر من كلام المصنف
127

في موضعين: أحدهما عند قول ابن الحاجب: ولو جمع من لا يجوز له الجمع في عقد بطل
في الأمة وفي الحرة قولان. قال في التوضيح: يعني لو تزوج حرة وأمة في عقد واحد وكان لا
يجوز له الجمع لفقدان الشرطين بطل نكاح الأمة لعدم شرطه، وفي الحرة قولان: الصحة لابن
القاسم والبطلان لسحنون. واحتج سحنون بأنها صفقة جمعت حلالا وحراما، وما هذا شأنه
باطل فبطل الجمع على المشهور. ثم قال ابن الحاجب: ولو جمع من يجوز له الجمع فكجمع
أربع. قال في التوضيح: هذا الفرع يأتي على القول بأن الطول ما يتوصل به إلى دفع العنت
فعلى هذا القول يجوز له الجمع. ابن شاس: وكذا يأتي على المشهور إذا قلنا إن الطول المال
وعدم طول حرتين ولم تكفه حرة واحدة. وقوله فكجمع أربع أي إن سمى لكل واحدة
صداقها صح انتهى. وثاني الموضعين عند قول ابن الحاجب وإذا تزوج الحر الأمة على الحرة
وأمضى على المشهور ففيها تخير في نفسها. قال في التوضيح: المشهور الامضاء بناء على أن
الحرة تحته ليست بطول وعلى القول بأنها طول يفسخ النكاح انتهى. وقال ابن عبد السلام: إذا
تزوج الحر الأمة على الحرة - قال المؤلف - وأمضى على المشهور يعني وقلنا بأن النكاح صحيح
لأن الطول بالمال لا وجود الحرة تحته، وهذه النكتة هنا أفادت أن المشهور الطول والمال انتهى.
زاد ابن فرحون بعد نقله نحو كلام ابن عبد السلام: ومقابل المشهور أنه يفسخ ولا يمضي وأن
الحرة تحته طول. وهذا هو القول المرجوع عنه من قولي مالك انتهى. فقوله في التوضيح في
مسألة الجمع إذا خلا عن الشرطين بطل وتعليلهم قول سحنون بأنها صفقة جمعت حلالا
وحراما،، وقوله هو وابن عبد السلام وابن فرحون في المسألة الثانية أن القول الثاني أنه يفسخ
لوجود الطول، وما تقدم للخمي وابن عبد السلام عن كتاب ابن المواز صريح أو كالصريح في
أن نكاح الأمة إذا خلا عن الشرطين يفسخ والله أعلم. ومما يشهد لفسخ نكاح الأمة إذا عرا
عن الشرطين اختلافهم في فسخه إذا طرأ الطول بعد أن تزوج الأمة بالشرطين، فقد قال ابن
عرفة ناقلا عن ابن رشد في إلزامه فراق الأمة: ثالثها إن تزوج الحرة. وقال عنه أيضا: ولو زال
خوف العنت لم يلزمه الفراق اتفاقا. وقال في الكافي: فإن عدم الطول ولم يخش العنت لم
يجز له نكاح الأمة. ثم قال: وقد سئل مالك " عن رجل يتزوج أمة وهو ممن يجد الطول فقال:
أرى أن يفرق بينهما. فقيل: إنه يخاف العنت؟ فقال: السوط يضرب به ثم خففه بعد ذلك انتهى.
والأول هو المشهور وهذا الذي ظهر لي في هذه المسألة والله أعلم.
تنبيهان: الأول: إذا ثبت أنه يفسخ ذلك فلا شك أن الفسخ بطلاق لأنه يختلف فيه
اختلافا قويا. وتقدم في كلام ابن رشد والرجراجي أن المشهور قول ابن القاسم أنه يجوز من
غير شرط.
الثاني: قال في النوادر في الجزء الثالث من النكاح في ترجمة نكاح الأمة على الحرة بعد
128

أن تكلم على الشرطين في نكاح الأمة وبيان الطول ما هو، قال ما نصه ناقلا له عن كتاب ابن
المواز: وإن كان يجد طولا إلى آخره، أو كانت تحته حرة فهوى أمة حتى يخاف العنت فيها
فله نكاحها بعينها. قاله مالك وأصحابه اه‍. وقال قبله: قال أصبغ: وإنما يجوز نكاحه يعني
الأمة وتخير الحرة إذا كان فيه الشرطان أن يخشى العنت ولا تكفيه الحرة ولا يجد طولا مع
تلك الحرة أو يهوى الأمة وهو يخاف على نفسه العنت إن لم يتزوجها اه‍. وانظر ابن عرفة
فإنه استوفى الكلام على ذلك.
فرع: فإذا صح نكاح الحر الأمة فنفقة الأمة لازمة للزوج، وكذا لو كان الزوج عبدا. قال
ابن الحاجب: ويلزم الزوج نفقة زوجته الأمة مطلقا على المشهور. اه‍. وانظر ابن " عرفة فإنه أشبع
الكلام في ذلك.
فرع: قال في آخر رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الرضاع: وسئل عمن تزوج أمة
ثم أعتق سيد الأمة ولده منها قال: أرى الرضاع عليه. قال محمد بن رشد: الهاء من عليه
عائدة على الرجل أبي المعتق لا على السيد المعتق، لأن السيد لما أعتقه صار حرا فسقطت عنه
نفقته ووجبت على أبيه، ولو كان أبوه معدما أو لم يكن له أب لما سقط عنه رضاعه ونفقته في
حال صغره لأن من أعتق صغيرا ليس له من ينفق عليه فنفقته عليه اه‍. زاد في رسم باع غلاما
من سماع ابن القاسم في النكاح: لأنه يتهم أن يكون إنما أعتقه ليسقط على نفسه نفقته اه‍.
وقال البرزلي في مسائل الأنكحة بعد ذكر الكلام على المسألة: ويؤخذ منه أن من أعتق صغيرا
فإنه تلزمه نفقته ما دام لا يقدر على الكسب، وقد نص عليه أبو حفص العطار اه‍. وكأنه لم
يقف على كلام ابن رشد هذا. ثم قال: وانظر إن من أوصى بعتق صغير هل يلزم الموصي نفقته
أم لا؟ ونزلت هذه في زمن ابن عبد السلام في مدبرة ولم يوجد عنده ولا عن غيره فيها نص
بعد البحث منه وتوقف على إيجاب نفقتها في ثلث مدبرها ووقعت في عصرنا في رجل أعتق
صغيرا ومات قبل أن يبلغ، فاختار شيخنا أن يوقف من تركة معتقه ما ينفقه إلى بلوغه وأشك
أن القاضي حكم بذلك. وكان ظهر لي أنه لا يلزم في تركته من مسألة كتاب الجعل في الذي
مات بعد أن دفع نفقة ولده أنه يسترجعها الورثة، ولا يلزم بعد موته نفقة، وما وجب بالسنة
أقوى مما وجب بالاقتراب. وفي المذهب مسائل تشهد لذلك إلا أن يقال إنما يلزم رد هذا لأن
الشرع إنما أوجب النفقة مدة حياته، فإذا مات سقط الوجوب. وهذا لما التزم العتق التزم لوازمه
فيجري على قاعدة ما لا يتوصل للواجب إلا به فهو واجب وهو مقدور المكلف كغسل شئ
من الرأس لكن هذا مشروط بالحيازة لأن قاعدة المذهب أن كل شئ يتبرع به شرطه الحيازة
من الصحة وليس المرض والموت والفلس بزمان حيازة، فلذلك اخترنا أنه لا يلزمه شئ ويصير
من فقراء المسلمين اه‍. وكرره في مسائل الهبة. وقال المشذالي في حاشيته في باب التجارة إلى
أرض الحرب بعد أن ذكر كلام ابن رشد المتقدم وغيره: وأقام الشيوخ من هذا أن من أعتق زمنا
129

لزمته نفقته. ومثله في الموازية. وقيل نفقته على المسلمين أو الامام اه‍.
فرع: قال الشيخ أبو الحسن في كتاب العرايا لما تكلم على سقي العربة وزكاتها: ومما
يلحق بهذا الباب من وهب صغيرا يرضع، قيل رضاعه على الواهب، وقيل على الموهوب،
حكى القولين ابن بشير. ص: (بطلقة بائنة) ش: قال ابن الحاجب: ولا يقضي إلا بواحدة بائنة
بخلاف المعتقة تحت العبد. وقيل كالمعتقة. ابن فرحون: لأن بها يزول الضرر وعلى الزوج فيما
زاد عليها ضرر، وهي في ذلك بخلاف المعتقة تحت العبد لأن المذهب أنها تخير في إيقاع
طلقتين جميع طلاق العبد وهي في ذلك بخلاف المعتقة تحت العبد لأن المذهب أنها تخير في
إيقاع طلقتين جميع طلاق العبد وهي الرواية المرجوع إليها. وقال محمد: وإن قضت بثلاث
وقعت وقد أساءت وهو معنى قوله وقيل كالمعتقة يعني أن لها أن تقضي بالثلاث اه‍. وقال
في التوضيح في أثناء كلامه: والشاذ حكاه ابن يونس عن محمد فقال: أو قال ابن المواز: إن
فسخت بالثلاث لزمت وقد أساءت. اه‍ والله أعلم.
فرع: قال في أواخر الجزء الثاني من الطراز: إن تزوج رجل حرة فأقرت لرجل أنها أمته
130

لم يقبل قولها ولم يفسخ النكاح ولا يوجب إقرارها على ذريتها، لأن إقرارها بذلك إقرار
على غيرها وقد قال تعالى * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) * وإقرارها لا
يوجب زوال حريتها ولا استرقاق ذريتها ولا زوال حكم زوجها. حكاه من الاستغناء اه‍. ص:
(والوفاء بالتزويج) ش: قال في التلقين: ومن أعتق أمته على أن تتزوجه بعد العتق فلا يلزمها
ذلك، وإن شرط أن عتقها صداقها لم يصح ولزمه الصداق. ص: (وصداقها إن بيعت لزوج)
ش: يعني لزوجها فإن قبضه السيد رده قاله في المدونة. ص: (وهل ولو بيع سلطان بفلس أو
لا ولكن لا يرجع به من الثمن تأويلان) ش: يعني أن ما ذكره من سقوط الصداق إن لم
131

تدفعه يريد والرجوع به إذا دفع اختلف فيه، هل هو مطلق سواء باعها سيدها أو السلطان،
أو ما ذكره خاص بما إذا باعها سيدها؟ وأما بيع السلطان فيخالف ذلك وهذا معنى قوله
أولا، ثم بين معنى المخالفة بأنه في بيع السلطان لا يرجع به يعني إذا دفعه لا يرجع به
ويحسبه من الثمن لأن الثمن تقرر بالعقد والفسخ إنما طرأ بعده يعني ويرجع به على السيد
بعد ذلك دينا في ذمته. زاد ابن عرفة بعد نقله هذا التأويل: ولا يحاص به الغرماء لأنه يشبه
أن يكون طرأ من معاملة أخرى فراجع ابن عرفة وابن عبد السلام والتوضيح. ص: (وبطل
في الأمة أن جمعها مع حرة فقط) ش: يعني أنه إنما يبطل نكاح الأمة فقط لا الحرة وهذا
إذا لم تكن الأمة أمة الزوجة. قال اللخمي: وإن كانت الأمة للزوجة فسد جميع العقد على
المشهور من المذهب لأنه يصير صفقة جمعت حلالا وحراما لمالك واحد اه‍. وقال الشارح:
ويريد يعني المصنف حيث لا يجوز له تزويج الأمة. والظاهر في تصويره التي يجوز له نكاح
الأمة فيها على المشهور أن يتزوج وهو عديم على أن الصداق في ذمته والله أعلم. ص:
(بخلاف الخمس والمرأة ومحرمها) ش: تصوره واضح. والفرق بين جمع الحرة والأمة وبين
جمع الخمس والمرأة ومحرمها أن في مسألة جمع الحرة والأمة الحرام معلوم وهو نكاح الأمة
بخلاف جمع الخمس والمرأة ومحرمها فإن الحرام ليس معلوما في واحدة بعينها، وانظر أبا
الحسن الصغير. ص: (ولزوجها العزل إن أذنت وسيدها) ش: تصوره واضح. وأما العزل
132

عن السراري له فجائز من غير إذن. ونقله في التوضيح والشارح في الكبير والبساطي ونقله
الجزولي عن ابن العربي. ص: (كالحرة إن أذنت) ش: قال ابن عرفة اللخمي: إن امتنع
حملها لصغر أو كبر أو لحمل بها استقلت بإسقاطه واستحسن استقلالها لتمام طهرها إن
أصابها مرة وأنزل اه‍.
فرع: منه أيضا ابن عات: عن المشاور للحرة أخذ عوض عنه لأجل معين ولها الرجوع
متى شاءت برد ما أخذت ابن عبد السلام: وأشار بعض الأندلسيين إلى أن حق الحرة في ذلك
كحقها في القسمة فقال: وللمرأة أن تأخذ من زوجها مالا على أن يعزل عنها إلى أجل
معروف، ولها أن ترجع في ذلك متى أحبت وترد جميع ما أخذته، وهو عندي ضعيف لأنه
أجراه أولا مجرى المعاوضات ثم نقض ذلك من وجهين: أحدهما أنه جعل لها الرجوع عنه،
والثاني أنها إذا ردت الجميع والقياس كان لها أن ترد بقدر ما منعته من الاجل اه‍.
فروع: الأول: ليس للمرأة أن تلزم زوجه العزل عنها والله أعلم.
الثاني: قال ابن ناجي في شرح المدونة في القسم بين الزوجات: وأما التسبب في إسقاط
الماء قبل أربعين يوما من الوطئ فقال اللخمي جائز. وقال ابن العربي في القبس: لا يجوز
باتفاق. وحكى عياض في الاكمال قولين في ذلك للعلماء وظاهره أنهما خارج المذهب انتهى.
وقال البرزلي في مسائل الرضاع: وأما جعل ما يقطع الماء أو يسد الرحم فنص ابن العربي أنه لا
يجوز، وإما استخراج ما حصل من الماء في الرحم فمذهب الجمهور المنع مطلقا، وأحفظ
133

للخمي أنه يجوز قبل الأربعين ما دام نطفة، كماله العزل ابتداء والأول أظهر إذ زعم بعضهم أنه
الموؤودة. انتهى كلام البرزلي.
الثالث: قال الجزولي في شرح قول الرسالة: ونهى عن خصاء الخيل ولا يجوز للانسان
أن يشرب من الأدوية ما يقلل نسله. ص: (بكره) ش: قال في التوضيح عن عبد الحميد: إنما
كره ذلك لأنه سكون إلى الكوافر ومودة لهن لقوله تعالى في الزوجين * (وجعل بينكم مودة
ورحمة) * وذلك ممنوع لقوله تعالى: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر
يوادون من حاد الله ورسوله) * إلى آخر الآية. ص: (وتأكد بدار الحرب) ش:
قال ابن عرفة عن عياض: أشد ما علل به فيهما سكناه معها بدار الحرب حيث يجري حكمهم
عليه وهو بإجماع جرحة ثابتة. قلت: فيخرج كراهة تزويجها للأسير ومن لا يمكن الخروج من
دار الحرب انتهى. ص: (ولو يهودية تنصرت) ش: ذكر اللخمي في تبصرته هذه الصورة التي
ذكرها المصنف، وذكر ما إذا ارتدت اليهودية إلى المجوسية أنها لا تحل، وبقي ما إذا ارتدت
المجوسية إلى اليهودية فلم أر من نقله والظاهر أن حكمها حكم اليهودية والله أعلم. ص:
(وأمتهم بالملك) ش: يعني لا بغيره لا لحر ولا لعبد قاله في النكاح الثالث من المدونة. وقال:
ولا يزوجها بها لغلامه. ونقله ابن عرفة وهو منصوب عطفا على المستثنى.
فرع: فلو أسلم وتحته أمة فقال ابن عرفة: ففي وجوب الفسخ ثالثها يستحب لمعروف
قول ابن القاسم مع أشهب مرة، ومعروف قول أشهب وابن القاسم انتهى. ووجوب الفسخ هو
المشهور قاله ابن فرحون. وأما المجوسية فلا يجوز له الاستمتاع منها بقبلة ولا غيرها بملك أو
نكاح حرة أو أمة قاله في المدونة. وحكى ابن القصار قولا بجواز نكاح الحرة. قال في
التوضيح: بناء على أحد القولين أن لهم كتابا.
فرع: قال ابن عرفة في فصل التنازع: ولو قال تزوجتها بعد أن أسلمت وكانت مجوسية
وقالت قبل أن أسلم فالقول قوله. وقال ابن عبد الحكم: القول قولها. ابن عرفة: وعليهما لو
قال بعد أن عتقت وقالت قبله انتهى.
134

فائدة: قال الجزولي: قال بعض المؤرخين: كان للمجوس كتاب رفع وسبب رفعه أن
عظيمهم تزوج بابنته فأرادوا رجمه فتحصن بحصنه، وقال لهم: نعم الدين دين آدم الذي يزوج
الأخ على أخته فرفع الكتاب عقوبة لهم. ص: (وقرر عليها إن أسلم) ش: يعني على الكتابية.
قال ابن ناجي في شرح الرسالة: ولكن مع الكراهة في الاستدامة كما يكره للمسلم نكاح
الكتابية ابتداء. هكذا نبه عليه بعضهم وقبله ابن عبد السلام، ورده شيخنا أبو مهدي بأنهما
ليسا بسواء لسبقية النكاح في الكافر بخلاف المسلم انتهى. وقال ابن عرفة عن المدونة: ويقرر
على الكتابية إذا أسلم ولو كانت بدار الحرب أو كانت صغيرة زوجها منه أبوها ولا خيار لها
إن بلغت. ابن القاسم: ويكره وطؤه إياها بدار الحرب لكراهة مالك نكاحه بدار الحرب خوفا
أن يكون الولد على دين الام انتهى. ص: (وأنكحتهم فاسدة) ش: اجتمعت الشروط أم لم
تجتمع وما قاله هو المشهور وقيل صحيحة. قال ابن عرفة: وعليهما خلاف شيوخ شيوخنا في
جواز شهادة الشهود المنتصبين للشهادة بين الناس لليهود في أنكحتهم بولي ومهر شرعي ومنعه
وألف كل واحد منهما على صاحبه، والصواب ما رجحه ابن عبد السلام من المنع ويأتي
للشيخ ما يرجح الجواز انتهى. ص: (وعلى الأمة والمجوسية إن عتقت وأسلمت) ش: سواء
كان قبل الدخول أو بعده كما صرح به ابن يونس، ونقله أبو الحسن وغيره، ونقله ابن الحاجب
عن ابن القاسم، ونقل ابن عرفة قولا بأنه يلزمه فراقها مطلقا وقوله إن عتقت هذا خاص
بالأمة، وقوله وأسلمت عام في الأمة والمجوسية. قال ابن عبد السلام في شرح قول ابن
الحاجب: وأما غيرها أي وأما غير الكتابية الحرة فيدخل في هذه الغيرية المجوسية، حرة كانت أو
135

أمة والكتابية الأمة، فقال ابن القاسم: إن أسلمت - يعني المجوسية - أو عتقت الكتابية - يعني بعد
إسلام زوجها - ثبت يعني نكاحها - وسواء كان قبل البناء أو بعده انتهى. وإذا كانت الأمة
المجوسية إذا أسلمت ثبت عليها فأحرى الأمة الكتابية والله أعلم. وقال ابن عرفة الشيخ عن
الموازية عن ابن القاسم: إن أسلم حر أو عبد على أمة نصرانية عرض عليها الاسلام إن أسلمت
أو عتقت ثبت نكاحها وإلا فسخ بغير طلاق انتهى. وقول المصنف والمجوسية أعم من أن تكون
أمة أو حرة. فأما في الحرة فظاهر، وأما في الأمة فهو بمنزلة ما تقدم عن ابن عرفة في الأمة
النصرانية إذا أسلمت يثبت نكاحها لأن كلا منهما أمة مسلمة. وهذا إذا كان موصوفا
بالشرطين. قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وإذا أسلم الحربي الكتابي لم تزل
عصمته قدم أو بقي إلا إذا سبيت ولم تسلم لأنه أمة كافرة. قال في التوضيح: وأما لو أسلمت
بقيت في عصمته. وكذا نص عليه في المدونة واعترض إطلاقه لبقاء العصمة مع احتمال أن
يكون واجدا للطول أو لا يخشى العنت، وأجيب بأن مراده التقييد والمسألة في أواخر النكاح
الثالث والله أعلم. ص: (ولا نفقة) ش: قال ابن عرفة: قال ابن شاس: إذا طلقت ثم أسلمت
فلا نفقة لها مدة التخلف لأن الامتناع منها. وظاهر قول ابن الحاجب من سبق إسلامه سقط
عنه نفقة ما بينهما أنه ولو كان ما بينهما غفلة عن وقفها خلاف ظاهر المذهب حيث يحكم
ببقائها، وخلاف مفهوم قول ابن شاس انتهى. ص: (أو أسلمت ثم أسلم في عدتها) ش:
قال ابن عرفة: وسمع أصبغ ابن القاسم: أن إسلامه رجعة دون إحداث رجعة الشيخ والصقلي
عن المختصر واللخمي عن الموازية: لو خافت نصرانية أسلمت إسلام زوجها فأعطته مالا على أن
لا يسلم حتى تنقضي عدتها أو على أن لا رجعة له عليها فهو أحق بها إن أسلم ويرد
ما أعطته. زاد الشيخ عن المختصر: ولو كان شرط أبوها عليه إن أسلم فأمرها بيدها أو بيده فهو
ساقط انتهى. ص: (ولو طلقها) ش: قال ابن عبد السلام: إذا أسلمت وقعدت في زمن
الاستبراء منه فطلقها فلا عبرة بذلك الطلاق حتى لو أسلم في زمن الاستبراء كان أحق، ولو
أسلم بعد انقضاء العدة فتزوجها كانت عليه ابتداء عصمة. نص على الوجهين في المدونة
136

انتهى. ص: (ولا نفقة) ش: وأما السكنى فهي لها بلا خلاف وإن كانت حاملا فلها النفقة
والسكنى أيضا بلا خلاف. قاله ابن عبد السلام. قال ابن عرفة: ونقل ابن بشير الخلاف في
السكنى لا أعرفه انتهى. وسبقه إليه ابن عبد السلام. قال ابن عرفة: وقول ابن الحاجب إذا سبق
سقطت عنه نفقة ما بينهما وإذا سبقت فقولان، يوهم أن القول بثبوتها مشروط بإسلامه وليس
كذلك انتهى. وسبقه إليه ابن عبد السلام أيضا والله أعلم. ص: (وقبل البناء بانت) ش: قال
ابن عبد السلام: المشهور أنها تبين ولو أسلمت بعده مكانها. وقاله في التوضيح أيضا والله
أعلم. ص: (وقبل انقضاء العدة) ش: أما بعد انقضائها فلا ولو لم يبن بها. قاله في المدونة
ونقله ابن عرفة. وقال عن المدونة: ولو أسلم في العدة فارقها وعليها ثلاث حيض إن مسها. ابن
عرفة: وكذا لو أسلمت دونه ووطؤه إياها في عدتها في كفره لغو وبعد إسلامها يحرمها ابن
عرفة: وكذا بعد إسلامها. ص: (وتماديا له) ش: الظاهر أن المراد أنهما إذا أسلما قبل انقضاء الأجل
فإنه يفسخ بشرط أن يكون مرادهما التمادي إلى الاجل، وأما إن أرادا بعد الاسلام
يتماديا على النكاح على الاطلاق فيصح، وهو الذي يؤخذ من كلام التوضيح هنا في شرح
قولها وصداقها الفاسد كالخمر والاسقاط وهو خلاف ما فهمه البساطي فانظره والله أعلم.
ص: (لا ردته فبائنة) ش: يعني لأن ردة أحد الزوجين بطلقة بائنة. قال الجزولي ويوسف بن
137

عمر في شرح قول الرسالة: وإذا ارتد أحد الزوجين وكذلك إذا ارتدا معا عند مالك وقال أبو
حنيفة: لا يفسخ. اه‍ من الجزولي. وقال أبو محمد فيمن قال لزوجة ارتدت وهي تنكر أنه
يلزمه الطلاق: وكذلك من تزوج كتابية فقالت أسلمت وهي تنكر لا بد أقر أنها أسلمت ثم
ارتدت فكأنه أقر بالطلاق ومن أقر بالطلاق يلزمه اه‍.
فرع: قال في النكاح الثالث: والردة تزيل الاحصان. قال المشذالي في حاشيته على هذا
المحل: قال ابن عرفة: لو ارتد قاصدا الإزالة الاحصان ثم أسلم فزنا فإنه يرجم معاملة له بنقيض
ما قصده. قلت: كرواية علي في التي ترتد قاصدة فسخ النكاح. ونقلها ابن يونس وابن رشد
في سماع يحيى من المرتدين وغير واحد، وتوقف ابن زرب فيها ليس خلافا لرواية علي ولا أنه
لم يطلع عليها بل لما ذكره في جوابه اه‍. وقال في الشامل في باب الردة: ولو قصدت بردتها
فسخ نكاحها لم ينفسخ انتهى. وذكر الشيخ سعد الدين في شرح العقائد أن من أفتى امرأة
بالكفر لتبين من زوجها فإن ذلك كفر. قاله في أواخر شرح العقائد وهو الظاهر، لأنه قد أمر
بالكفر ورضي به.
138

تنبيه: قال ابن ناجي في شرح قول الرسالة: ومن اشترى زوجته انفسخ نكاحه وسلم
المغر في إقامة بعض المتأخرين منها أن من ارتد في مرضه وعلم أنه قصد الفرار بماله من الورثة
أنهم يرثونه ويعاقب بنقيض مقصوده اه‍.
فرع: قال ابن الحاجب: ولها المسمى بالدخول. قال في التوضيح: وقول ابن الحاجب
ولها المسمى في الدخول ظاهره ولو ارتد قبل الدخول بها سقط صداقها، وكذلك لو ارتد
زوجها. ويتخرج فيها رواية أخرى أن لها نصف الصداق. وقال اللخمي: إن ارتد الزوج فلها
نصف الصداق على القول أنه طلاق، ويختلف على القول أنه فسخ فقال مالك في
المبسوط: لها نصف الصداق. وقال عبد الملك: لا شئ لها. والقول الأول أحسن اه‍. وقال
ابن التلمساني في شرح كلام ابن الحاجب المتقدم ونقله عن التوضيح: وأما الصداق فإن
ارتدت الزوجة قبل البناء فلا شئ لها لأن منع تسليم المبيع وما تستحق عليه العوض منها،
وسواء قلنا إنه فسخ أو طلاق، وإن ارتد الزوج كان لها نصف الصداق على القول أنه
طلاق، ويختلف على القول إنه فسخ، فقال مالك في المبسوط: لها نصف الصداق. وقال
عبد الملك: لا شئ لها اه‍. وقبله القرافي ونقله بلفظ أنها منعت التسليم كمنع تسليم المبيع
وهو نص كلام اللخمي بالحرف في تبصرته في النكاح الثاني لما تكلم على تنصيف الصداق
على أنه زاد فيه بعد قوله وقال عبد الملك لا شئ لها ما نصه: وأنكر قول مالك وقال إنما
يكون الصداق حيث وقع الطلاق والأول أحسن اه‍. وقال الشيخ أبو الحسن: عرف في
بعض تأليف ابن شعبان في ارتداد المرأة قبل البناء قولين في وجوب نصف الصداق لها.
فقيل: لا يجب لها. وقال عبد الملك: لها نصف الصداق اه‍. وما اقتصر عليه ابن الجلاب
واللخمي وقبله ابن التلمساني والقرافي هو ظاهر أن لا شئ لها، سواء قلنا إنه طلاق أو
فسخ فتأمله والله أعلم. ص: (وإن أواخر) ش: كذا في كثير من النسخ وهي أحسن من
نسخة أوائل لأنها أصرح في الرد على المخالف القائل بأنه يتعين الأوائل فتأمله. ص: (أو
139

ظهر أنهن أخوات) ش: انظر بحث ابن عبد السلام وبحث ابن عرفة معه فإنه حسن والله
أعلم. ص: (كاختياره واحدة من أربع رضيعات تزوجهن وأرضعتهن امرأة) ش: قال
الشارح: يعني إن حكم من تزوج أربع رضيعات وأرضعتهن امرأة ثم أسلم حكم من تزوج
عشر نسوة ثم أسلم الخ. وليس هذا الذي حمل عليه هو مراد المصنف لأن هذا معلوم من
قول المصنف أو إحدى أختين مطلقا. وإنما مراد المصنف أن المسلم إذا تزوج أربع رضيعات
يريد أو ثلاثا أو اثنين فأرضعتهن امرأة فإنه يختار واحدة ويفارق الباقي منهن، ولا شئ لمن
فارقها عند ابن القاسم لأنه مغلوب على الفراق. قاله في المدونة.
ص: (وعليه أربع صدقات) ش: يريد غير معينة بل يعطي لكل واحدة خمسا
صداقها كما يفهم من كلامه في التوضيح وكلام ابن عرفة وغيرهم. وهذا إذا لم يدخل
140

بهن، فإن دخل بهن لزمه لكل واحدة صداقها، وإن دخل ببعض وعلمت المدخول بها فلها
صداقها كاملا. ص: (وهل يمنع مرض أحدهما المخوف وإن أذن الوارث أو إن لم يحتج
خلاف) ش: يعني إن اختلف في نكاح المريض على قولين مشهورين: أحدهما أنه يمنع سواء
كان المريض محتاجا إلى النكاح لخدمة أو استمتاع، أوليس بمحتاج، وهذا القول جعله
اللخمي هو المشهور. والثاني أنه إنما يمتنع إذا لم يحتج المريض إلى النكاح، وهذا الذي شهره
في الجواهر. وأشار المصنف إلى القول الأول بقوله: وهل يمنع مرض أحدهما المخوف وإلى
الثاني بقوله: أو إن لم يحتج وأما قوله: وإن أذن الوارث فأشار به إلى إذن الورثة في
نكاح المريض إذا كان ممنوعا لا يدفع المنع والله أعلم. فإن قيل: منع المريض من النكاح لنهيه
عليه الصلاة والسلام من إدخال وارث، فلم لا يمنع الوطئ خوف إدخال الوارث؟ قيل:
إدخال الوارث في النكاح متحقق وقد يكون من الوطئ حمل ولا يكون. قاله القرافي وكلام
الشارح في شرح هذا المحل صواب وكلام البساطي فيه نظر والله أعلم.
فرع: وللمريض أن يراجع زوجته - وقاله الجزولي - وليس للمريض نكاح مطلقته البائن
في آخر حملها. قاله في النوادر وهو ظاهر لأنه نكاح في المرض.
فرع: قال اللخمي في نكاح من حضر الزحف أو ركب البحر على الاختلاف في
141

طلاقه وميراث زوجته منه بمنزلة المريض، فإن مات من ذلك لم ترثه على أحد القولين، وإن
سلم صح النكاح ونكاح من قرب للقتل غير جائز لأنه مضار. ويختلف إذا نكح وهو في
السجن هل يمضى نكاحه أو لا؟ فإن كان القتل حقا لله كالمحارب. يكون قد قتل والزاني
المحصن يحبس ليرجم لم أر له أن ترثه، وإن كان حقا لآدمي مما يرجى العفو عنه كان الامر
أوسع. ص: (وللمريضة بالدخول المسمى وعلى المريض من ثلثه الأقل منه ومن صداق المثل)
ش: اعلم أنه إذا لم يدخل المريض على زوجته أو الزوج الصحيح على المريضة فلا صداق لها
وقاله ابن الحاجب وغيره. وإن دخل الصحيح على المريضة فلها المسمى. اللخمي: من رأس
ماله. قال في التوضيح: بلا خلاف. وهذا معنى قوله: وللمريضة بالدخول المسمى. وإن كان
المريض هو الداخل على زوجته الصحيحة فلها من الثلث خاص الأقل من المسمى ومن الصداق
المثل وإلى هذا أشار بقوله: وعلى المريض الخ. وسيذكر في باب الوصايا ما يبدأ
عليه وما يبدأ هو عليه. والظاهر أنه إن كان الزوج مريضا والزوجة مريضة يكون الحكم فيه كالحكم فيما إذا
كان الزوج فقط هو المريض. لأنه علل في التوضيح كون المسمى لها فيما إذا كانت هي
المريضة فقط بأن الزوج صحيح لا حرج عليه والله أعلم.
فرع: وأما إذا غصب المريض امرأة فصداقها من رأس المال قولا واحدا، لأنها لم تدخل
على الحجر بخلاف المختارة. قاله في الذخيرة ناقلا عن صاحب البيان.
فرع: وأما الإرث فإن كان الزوج هو المريض فلا ترثه الزوجة المتزوج بها في المرض ولا
يرثها، وكذلك إذا كانت الزوجة هي المريضة وماتت فلا يرثها. وهذان الوجهان منصوص
142

عليهما ونقله ابن عبد السلام والتوضيح. فلو مات الزوج في هذه الصورة قال ابن عبد السلام:
القياس أن لا ترثه، ونص مالك على عكسها وهي شبيهة بها في المعنى ونقله في التوضيح،
والظاهر أنها لا ترثه ولا يرثها إذا كانا معا مريضين والله أعلم.
فرع: قال اللخمي: الاقرار بالنكاح في المرض أو في الصحة لا يجوز ولا مهر ولا
ميراث، وإن أقرت في مرضها بزوج في الصحة فصدقها الولي لم يقبل قولها، وإن أقرت في
الصحة ثم مرضت وماتت وقال الولي زوجتها منه في صحتها وادعى ذلك الزوج فله الميراث
وعليه الصداق. انتهى من الذخيرة.
فرع: قال ابن عرفة: لو شهدت بينة بنكاحه صحيحا وشهدت بينة به مريضا مرض
المنع، ففي تقديم بينة المرض أو الصحة ثالثها ترجع التي هي أعدل، وانظر عزوها فيه والله أعلم.
فرع: حكم نكاح التفويض حكم نكاح غيره. قاله في الذخيرة. ص: (وعجل بالفسخ)
ش: أتى بهذه العبارة هنا وفي التوضيح وفيها قلق، وعبارة أهل المذهب أنه على القول بصحة
النكاح إذا صح هل يفسخ النكاح مطلقا أو قبل الدخول أو الفسخ على جهة الاستحباب والله
أعلم. ص: (إلا أن يصح المريض منهما) ش: قال في المدونة: وإن صح ثبتا على النكاح دخل
أو لم يدخل ولها المسمى انتهى.
143

فصل في الخيار لاحد الزوجين
ص: (الخيار إن لم يسبق العلم أو لم يرض أو لم يتلذذ) ش: أي يثبت الخيار لكل
واحد من الزوجين لعيب صاحبه ولو كان به ذلك العيب أو غيره كما صرح به الرجراجي قال:
وإن كانت العيوب بهما جميعا فاطلع كل واحد على عيب صاحبه كان من جنس عيب
صاحبه أو مخالفا له كان لكل واحد منهما القيام بما اطلع عليه ويظهر به انتهى. وانظر قوله:
ويظهر به لعله يطلق به. وقال في التوضيح: وإن كان معيبين بجنسين فقال بعض أهل النظر:
لكل واحد منهما الخيار. عبد الحميد وغيره: وهو الصواب. وإن كانا بجنس واحد ففيه نظر
قاله غير واحد انتهى. وعليه اقتصر في الشامل والله أعلم. وإنما يكون للصحيح منهما الخيار إن
لم يسبق له العلم بعيب صاحبه قبل عقده أو حينه. قاله في الشامل وإن سبق فلا خيار له
لدخوله على ذلك وإن عقد ولم يسبق العلم ثم علم فله الخيار ما لم يكن صاحبه من نفسه أو
ما لم يرض بصريح القول وإن عقد أو ما لم يتلذذ بصاحبه. وفي بعض النسخ بإسقاط لم
اكتفاء بالعطف. وعلم من حل النكاح أن التلذذ لا يسقط الخيار إلا بعد العلم وهو كذلك.
قاله في النوادر: وإن بنى قبل أن يعلم فلما أمسك فهو مخير انتهى. وسيقول المصنف ومع الرد
قبل البناء الخ. وهذا ظاهر وإنما نبهنا عليه لأنه قد يتبادر من عبارة المصنف: ومع الرد قبل
البناء أن أحد الأمور كاف في إسقاط الخيار وليس كذلك لما علمت وكأنه حاول أن يحاذي
كلام ابن الحاجب فلم توف العبارة بما قصد. قال ابن الحاجب: فالعيب الجنون والجذام
والبرص وداء الفرج ما لم يرض بقول أو تلذذ أو تمكين أو سبق علم بالعيب. قال ابن عبد
السلام: وفي كلام المصنف إشارة إلى حصر دلائل الرضا فيما ذكر لأن السليم من الزوجين إما
أن يكون عالما بالعيب قبل العقد أم لا. فالأول هو مراده بقوله: أو سبق علم بالعيب. والثاني
وهو الذي علم إلا بعد العقد إما أن يعلم رضاه بقول أو فعل أو لا قول ولا فعل وهو الترك
144

والقول ظاهر، والفعل لا بد أن يكون بينه وبين الرضا به ارتباط وهو التلذذ، والترك يستحيل أن
يكون تركا مطلقا لأن مثل هذا لا دلالة فيه على شئ فلا بد أن يكون تركا مضافا وهو
التمكين من التلذذ انتهى. وقال ابن عرفة: وعيب أحد الزوجين جاهلا به الآخر ولا يرضى به
يوجب خياره، والتصريح بالرضا واضح ودليله مثله. أبو عمر: تلذذه بها عالما به رضا وفيها
تمكينها إياه عالمة بعيبه رضا.
قلت: وتقدم دليل اختيار من أسلم على عشر يدل عليه وفي الطلاق والايلاء نظر،
ودليل اختيار الأمة مما يتأتى منه في الزوجة رضا من انتهى. ص: (وحلف على نفيه) ش: أي
فإذا ادعى صاحب العيب على السليم أنه علم بالعيب قبل العقد أو رضي به بعد العقد بقول أو
تلذذ به بعد علمه بالعيب ولم تكن له بينة على دعواه، حلف السليم على نفيه أي نفي ما
ادعى عليه به. قال في النوادر: فإن ادعت أنه مسها أو تلذذ منها بعد العلم فأنكر حلف
وصدق، فإن نكل حلفت وصدقت وإن لم تدع عليه بذلك فلا يمين عليه انتهى. وفي الشامل:
وحلف على نفيه إن ادعى عليه العلم والرضا ونحوه ولا بينة له انتهى. قال ابن عرفة: لو تنازعا
في برص بموضع خفي على الرجل صدق مع يمينه. المتيطي عن بعض الموثقين: إن قالت علم
عيبي حين البناء وأكذبها وذلك بعد البناء بشهر ونحوه صدقت مع يمينها إلا أن يكون العيب
خفيا كبرص بباطن جسدها ونحوه فيصدق مع يمينه. وهذا ما لم يخل بعد علمه عيبها فإن
فعل سقط قيامه، وإن نكل حيث يصدق حلفت وسقط خياره انتهى، وانظر لو نكلت " هي
أيضا ما الحكم؟ أو نكلت حين تصدق مع يمينها هل يحلف ويستحق الخيار؟ وعلى هذا التقدير
إذا نكل هو أيضا فإني لم أر في ذلك الآن نصا والله أعلم. ثم شرع يذكر العيوب التي يرد بها
بشرط وغير شرط، والتي لا يرد بها إلا بشرط. والأولى هي أربعة فقط على المشهور من
المذهب: الجذام والبرص وداء الفرج والجنون. وذكر اللخمي العذيطة وكأنها محلقة بداء الفرج.
وهذه العيوب إما أن تكون قديمة أو حادثة بعد العقد ولكل حكم يخصه. ولما كانت الثلاثة
الأول أعني البرص والجذام وداء الفرج - حكمها واحد في كونها لا توجب الرد لكل واحد من
الزوجين إلا إذا كان قديما بخلاف الجنون فإنه يوجبه وإن حدث بعد العقد وقبل الدخول على
145

ما قاله المصنف، جمعها وبين حكم القديم منها والحادث، ولما كان الجذام والبرص لا يختلف
تفسيرهما بالنسبة إلى الرجل والمرأة، وداء الفرج يختلف تفسيره بالنسبة إلى كل واحد منهما،
أطلق فيهما وفصل الثالث وجمع العذيطة معهما لكونها بمنزلتهما فقال. ص: (ببرص وعذيطة
وجذام) ش: فمعنى كلامه الخيار المذكور لاحد الزوجين ثابت ببرص وهو مرض يلحق الانسان
من ضعف الصورة وهو البياض، وظاهر كلامه أنه يرد به سواء كان قليلا أو كثيرا، كان في
الرجل أو المرأة، وهو كذلك على المشهور، وهذا كله من قبل العقد كما سيقول المصنف.
وعذيطة وهو حصول الحدث من أحد الزوجين عند الجماع ويقال للرجل عذيوط. قال ابن
عرفة: هذه الكلمة كذا وجدتها بالعين المهملة ثم الذال المعجمة ثم الياء باثنتين من أسفل ثم
الواو ساكنة ثم الطاء المهملة ثم تاء التأنيث كل ذلك بصورة الحروف. وكذا رأيتها في قانون
ابن سينا في الطب. وقال الجواليقي: تقول العامة العذروط لمن يحدث عند الجماع وإنما هو
العذبوط بكسر العين وفتح الباء بواحدة من تحتها والواو والذال ساكنان، والعذروط الذي تقوله
العامة هو الذي يخدمك بطعامه وجمعه عذاريط وعذارطة.
قلت: الكلمة الذي صوب كذلك في المحكم والصحاح لفظا ومعنى، والتي تعقب لم
أجدها في المحكم ولا في الصحاح إلا قول صاحب المحكم: العذارطي الفرج الرخو، والعذروط
الخادم بطعام بطنه. وأما بالياء من اثنتين من أسفل فلم أجدها في كتب اللغة بحال انتهى.
وظاهر كلام التوضيح أنها في الصحاح بالياء المثناة من تحت فإنه قال بعد أن ذكر ضبط
الجواليقي: وذكره ابن فارس في محكمه وصاحب الصحاح بالياء. الجوهري: ويقال للمرأة
عذيوطة انتهى. وهو كذلك في نسخة صحيحة من الصحاح بالياء المثناة من تحت، وكذا في
نسخه من القاموس. وظاهر كلامهم أيضا أن الياء مفتوحة. وزاد في القاموس من ضبطين
146

آخرين على وزن عصفور وعتور قال: وهو التيتاء قال ونصه: العذوط والعذيوظ والعذيوط
كحردون وعصفور وعتور التيتاء. قاله في فصل العين من حرف الطاء. وقال في فصل التاء من
التاء: التيتاء والتئتاء من يحدث عند الجماع أو ينزل قبل الايلاج انتهى. وأنشد في الصحاح عن
امرأة:
إني بليت بعذيوط له بخر * يكاد يقتل من ناجاه إن كثرا *
قال اللخمي: وقد نزل في زمن أحمد بن نصر من أصحاب سحنون وادعاه كل واحد
من الزوجين على صاحبه فقال أحمد: يطعم أحدهما تينا والآخر فقوسا فيعلم ممن هو منهما
انتهى. وانظر ما المراد بقولهم يحدث، هل ذلك خاص بالغائط أو يجري في البول والريح؟
والظاهر أنه خاص به لذكرهم مسألة أحمد بن نصر. وقال الشيخ يوسف بن عمر: ولا يكون
كثرة البول عيبا إلا بشرط انتهى. وقال الجزولي: واختلف إذا وجدها تبول في الفرش هل هو
عيب أم لا قولان، وإن وجدها زعراء قيل عيب ترد به، وقيل ليس بعيب انتهى. والزعر قلة
الشعر. ص: (وبخصائه) ش: بالمد قاله في الصحاح وهو المقطوع الخصيتين دون الذكر أو
العكس. ابن عرفة اللخمي: قطع الحشفة كقطع الذكر. انتهى ونحوه في التوضيح.
فرع: قال في الشامل: والأقرب إنها لا خيار لها إن كان خنثى محكوما له بالرجولية
147

انتهى. ونقله في التوضيح عن الشيخ عبد الحميد. واحترز بقوله: محكوما له بالرجولية ممن
حكم له بالأنوثة فلا نكاح له، ومن الخنثى المشكل فإنه لا يصح نكاحه. ص: (وإفضائها) ش:
فسره ابن الحاجب وابن عرفة في الديات باختلاط مسلكي البول والوطئ، وبه فسره ابن عمر
والجزولي، وفسره البساطي هنا باختلاط مسلكي البول والدبر وانظر أبا الحسن. ص: (لا
بكاعتراض) ش: قال ابن غازي: يريد بعد أن يطأ لو مرة كما في المدونة.
فرع: قال في النوادر: فلو وطئها ثم اعترض عنها فلا حجة لها، فإن طلقها ثم تزوجها
فرافعته فليضرب لها لأجل إلا أن يعلمها في النكاح الثاني أنه لا يقدر على جماعها انتهى.
وقال ابن عرفة: وسمع يحيى بن القاسم: امرأة المعترض إن تزوجها بعد فراقها إياه بعد تأجيله
فقامت بوقفه لاعتراضه فلها ذلك إن قامت في ابتنائه الثاني قدر عذرها في اختيارها له، وقطع
رجائها إن بان عذرها بأن يكون يطأ غيرها وإنما اعترض عنها فتقول رجوت برأه انتهى.
فائدة: قال الشيخ يوسف بن عمر: جاء فيما يعالج به المعترض أن تأخذ سبعة أوراق من
السدرة وتستحقها وتمزجها بالماء الفاتر وتقرأ عليها فاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسي سبع
148

مرات وذوات قل من قل هو الله أحد وغيرها فيشربه ثلاثا فيبرأ بإذن الله تعالى انتهى. وانظر
البرزلي في كتاب الجامع من نوازله فإنه ذكر شيئا مما يتعلق بذلك والله أعلم.
تنبيه: قال ابن غازي: ومما يدخل تحت الكاف في كلام المصنف الكبر المانع من الوطئ
وقد صرح به ابن عبد البر انتهى. وقال في الوسط: قوله: لا بكاعتراض أي فإنه إذا حدث لا
يكون موجبا لخيار المرأة، وكذلك الجب والخصاء ولهذا أتى بكاف التشبيه والله أعلم. واعلم أنه
لا يسقط خيارها في الجب والخصاء أيضا إلا بعد الدخول والمس على المشهور. قال في سماع
محمد بن خالد من كتاب النكاح قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يخصى قبل أن يدخل
على امرأته، هل لها الخيار في نفسها؟ فقال: نعم لها ذلك. قلت لابن القاسم: فإن حصل بعد
ما دخل ومس فقال: لا خيار لها. قال ابن رشد: وهذا هو المشهور في المذهب. وذهب أصبغ
إلى أنه لا فرق بين أن يخصى قبل أن يمس أو بعدما مس لأنها بلية نزلت بها وليس ذلك من
قبله ليضر امرأته. وقوله: هو القياس ووجه القول الأول أن المرأة إنما تزوجت على الوطئ فإن
نزل به ما يمنعه من الوطئ قبل أن يطأ كان لها الخيار إذا لم يتم لها ما نكحت عليه، وإن نزل
به ذلك بعد الوطء لم يفرق بينهما إذ قد نالت منه ما نكحت عليه، ولا حجة لها في امتناع
المعاودة إن لم يكن ذلك من قبل إرادة ضرر وبالله التوفيق انتهى. ص: (وبجنونهما) ش: يعني
قبل العقد ص: (قبل الدخول وبعده) ش: يعني قبل الدخول وبعد العقد، وكلام ابن غازي
كاف في ذلك والله أعلم. ص: (وبغيرها إن شرط السلامة ولو بوصف الولي) ش: يريد أن
149

العقد إذا وقع بشرط السلامة يرد متى وجد عيبا. اللخمي: قولا واحدا. وإن عرا عن الشرط
فلا رد إلا بالعيوب المتقدمة. قاله ابن عبد السلام: وقال ابن عرفة عن ابن رشد: الشرط في
النكاح هو أن يتزوجها على صفة كذا أو على أن لها كذا له الرد بفوت الشرط اتفاقا انتهى.
فرع: وإن وجدها سوداء أو عرجاء أو عمياء وادعى أنه تزوجها على السلامة فالقول
قول المرأة. قاله ابن الهندي انتهى من التوضيح.
فرع: منه أيضا ولو قال غير الولي الذي زوجها منه أنا أضمن لك أنها ليست سوداء ولا
عرجاء ولا عوراء ودخل بها ووجدها بخلاف ما ضمن لكان له الرجوع بما زاد على صداق
مثلها وليا كان أو غيره. وقوله: ولو بوصف الولي هو قول عيسى وابن وهب قالا: إذا وصفها
الولي عند الخطبة بالبياض وصحة العينين من غير سبب وهو عوراء سوداء، فهو بالخيار قبل
الدخول إن شاء تقدم على أن عليه جميع الصداق، وإن شاء فارق ولم يكن عليه شئ، وإن
لم يعلم حتى دخل ردت إلى صداق مثلها ورجع بالزائد عليها. هذا إذا كان وصف الولي من
غير سبب، فأما إن قال الخاطب للمخطوب منه قد قيل: إن وليتك سوداء أو عوراء فقال له
الولي كذب من قال بل هي بيضاء، فلا اختلاف أن ذلك شرط. هذه طريقة ابن رشد قال:
وكذلك الذي زوج وليته على أن لها من المال كذا فيفرق بين أن يسمي ذلك ابتداء أولا. قاله
عنه في التوضيح ص: (وفي الرد إن شرط الصحة تردد) ش: التردد بي المتأخرين لعدم نص
المتقدمين وهو بين ابن أبي زيد والباجي. وصورة ذلك إذا كتب في العقد صحيحة البدن فهل
هو كالشرط وهو الذي قاله الباجي في وثائقه، أوليس بشرط وهو رأي ابن أبي زيد؟ يريد وأما
لو قال سليمة البدن لكان شرطا عن أبي محمد أيضا قال: وبه كان يفتي علماؤنا ونفتي نحن.
150

قاله في التوضيح. وهذه السلامة غير السلامة التي في قول المصنف إن شرط السلامة لأن لفظ
سليمة قد يكون مطلقا كما في هذا الأخير، وقد يكون مقيدا بالسلامة كمن كذا مثلا من
السواد والعمي أو غير ذلك وهو الأول في كلام المصنف فتأمله والله أعلم. ص: (إلا أن يقول
عذراء) ش:.
فرع: قال ابن عرفة ابن رشد: لو وصفها وليها حين الخطبة بأنها عذراء دون شرط لجرى
على الخلاف فيمن وصف وليته بالمال والجمال انتهى. ص: (وفي بكر تردد) ش: وعلى عدم
ردها بالثيوبة في هذا. قال ابن عرفة المتيطي وابن فتحون: لو بان أنها ثيب من زوج لكان
للزوج الرد انتهى.
فرع: قال ابن عرفة: قال غير واحد: ولا حد على من ادعى أنه وجد امرأته ثيبا لأن
العذرة تذهب بغير جماع. ابن رشد: إن أعاد ذلك عليها في عتاب أو بعد مفارقتها بسنين
حلف أنه ما أراد قذفا ولا حد عليه. قاله مالك وابن القاسم في المدونة: ابن الحاج عن ابن
فرج: إنه إذا قال وجدتها مفتضة حد، وإن قال لم أجدها بكرا لم يحد انتهى. ونقل في
التوضيح بعض شئ من هذا. ص: (وإلا تزويج الحر الأمة والحرة العبد) ش: فإن قيل لم لم
151

يقل المؤلف وإلا تزويج الحر الأمة وعكسه كما فعله غير مرة وهو الاكتفاء بذكر العكس عن
بيان كيفية ذلك العكس؟ قيل: لأن الاصطلاح في العكس أن يجعل الكلمة الأولى ثانية
والثانية أولى، فلو اكتفى هنا بلفظ العكس ما أفاد شيئا لأنه يصير التقدير وإلا تزويج الحر الأمة
والأمة الحر وكل واحد هو عين الآخر، فلذلك عدل عنه إلى الكلام الذي أتى به والله أعلم.
ص: (بخلاف العبد مع الأمة والمسلم مع النصرانية إلا أن يغرا) ش: يعني أن العبد إذا تزوج
امرأة من غير تبيين ثم ظهر أنها أمة فلا كلام له، وكذلك هي إن تزوجت رجلا من غير تبيين
ثم ظهر أنه عبد. قاله ابن فرحون في شرح ابن الحاجب وابن غازي وغيرهما. وكذلك إن
تزوج المسلم امرأة من غير تبيين ثم ظهر أنها نصرانية، أو تزوجت نصرانية رجلا من غير تبيين
ثم ظهر أنه مسلم. نص عليه في النوادر. وقوله: إلا أن يغرا يتصور الغرر في هذه الصور
الأربعة. فأما العبد مع الأمة إذا غرها بأن قال لها أنا حر فتجده عبدا فلها الخيار. قاله الشارح
والبساطي: والأمة تغر العبد بأن تقول له أنا حرة فيجدها أمة فله الخيار. نقله في النوادر وابن
يونس. والنصرانية تغر المسلم بأن يشترط إسلامها أو تظهره ويعلم أنه إنما تزوجها على أنها
مسلمة لما كان سمع منها من الكتمان وإظهار الاسلام. اه‍. من ابن يونس. وأما المسلم يغر
النصرانية قال ابن يونس: بأن يقول لها أنا على دينك اه‍. وأما الحر مع الأمة مع العبد
فسكوتهما عن التبيين غرور يثبت الخيار. قاله غير واحد كابن عبد السلام والشيخ وغيرهما من
المتقدمين والمتأخرين والله أعلم. وحكمهما في الصداق حكم الغرور والمغرورة. هذا ظاهر
152

الجواهر والله أعلم. ص: (والظاهر لا نفقة لها فيه) ش: ما قاله ابن غازي من النص أشار
الشارح إلى غالبه إلا أن كلام ابن غازي أتم فائدة وفيه التنبيه على ما نظر فيه الشارح بقوله:
وانظر هل يجري ذلك في مسألة المعترض وهو مقتضى كلام الشيخ هنا فقال ابن غازي: ولا
يصح قياس المعترض على المجنون لأن المجنون يعزل هنا المعترض يرسل عليه والله أعلم. ص:
(وصداق إن ادعى فيها الوطئ بيمينه) ش:
فرع: قال ابن عرفة: ولو سألته اليمين قبل تمام الاجل فإن أبى ثم حل الاجل فقال
أصبت فله أن يحلف فإن نكل الآن طلق عليه، ولو قال بعد الطلاق في العدة أنا أحلف لم
يقبل منه. ابن عرفة: ظاهره أنه يتعين نكوله عند تمام الاجل يطلق عليه، ومثله للمتيطي عن ابن
عمر ورواية ابن حبيب قال: وقال غيره: إن نكل حلفت وفرق بينهما اه‍. والمشهور سواء
كانت بكرا أو ثيبا. وقول ابن عرفة ظاهره أنه بنفس نكوله يعني ظاهر قوله فإن نكل الآن طلق
عليه والله أعلم. ص: (وإن لم يدعه طلقها) ش: ابن عبد السلام قال بعض الشيوخ: يوقع
الزوج منه ما شاء وظاهره أنه يكون له أن يوقع اثنتين أو ثلاثا اه‍. ص: (وإلا فهل يطلق عليه
الحاكم أو يأمرها به ثم يحكم قولان) ش: قال ابن عبد السلام: وفي أحكام ابن سهل
اختلاف بين الشيوخ في هذه المسألة وفي معناه من امرأة المولى والمعتقة تحت العبد وغير ذلك
هل تكون المرأة وهي الموقعة للطلاق أو السلطان اه‍. وقال في التوضيح في باب المعسر بالنفقة:
واختلف هل الحاكم الذي يطلق كما هو ظاهر كلامه يعني ابن الحاجب ابن عبد السلام وهو
153

الصحيح، أو يبيح للمرأة الايقاع؟ على قولين اه‍. ونقل ابن عرفة عن المتيطي تشهير القول بأن
الامام الذي يوقع الطلاق، ونصه المتيطي في كون الطلاق بالعيب للامام يوقعه أو يفوضه إليها
قولان للمشهور وابن زيد عن ابن القاسم اه‍. ونقل ابن سهل في باب الطلاق أن ابن عات
أفتى أن المرأة هي التي توقع الطلاق ورجحه ابن مالك ورجحه ابن سهل أيضا. وقال ابن
فرحون في التبصرة في القسم الثالث من الفصل الأول من الركن السادس في كيفية القضاء.
والقسم الأول لا بد فيه من حكم الحاكم وهو ما يحتاج إلى نظر وتحرير وبذل جهد في تحرير
سببه وذلك كالطلاق بالاعسار، والطلاق بالاضرار، والطلاق على المولى لأنه يفتقر إلى تحقيق
الاعسار، وهل هو ممن يلزمه الطلاق بعد النفقة أم لا كما إذا تزوجت فقيرا علمت بفقره فإنها
لا تطلق بالاعسار بالنفقة، وكذلك تحقيق صورة الاضرار، وكذلك يمين المولى هل لعذر أو لا
كمن حلف أن لا يطأها وهي مرضع خوفا على ولده فينظر فيما ادعاه، فإن كان مقصوده
الاضرار طلقت عليه، وإن كان لمصلحة لم تطلق عليه، وكذلك التطليق على الغائب والمعترض
ونحوهما.
تنبيه: إذا تقرر أن هذه المسائل وما أشبهها لا بد فيها من حكم الحاكم، فهل صدور
الطلاق فيها صادر عن الحاكم أو عن الزوجة أو بعضه عن الزوجة وبعضه عن الحاكم؟
اختلف في هذه المسألة فحكى ابن سهل فيها أن القاضي أبا محمد بن سراج أجاب فيها أن
الطلاق للرجل إلا ما وقع فيه تخيير أو تمليك. ثم ذكر أن ابن عات أجاب بخلاف
جوابه وأطال الكلام في ذلك ثم قال في كلامه: وجملة القول أن الحق إذا كان للمرأة
خالصا فإنفاذ الطلاق إليها مع إباحة الحاكم لها ذلك كما جاء في حديث بريرة، ونسبة
الطلاق إلى القاضي لكونه ينفذه ويحكم به كما يقال فرق الحاكم بينهما وكما يقال قطع
الأمير السارق ورجم وجلد وهو لم يفعل وإنما أمر به، فما جاء من تفريق السلطان فهو من
هذا المعنى. اه‍ كلام ابن فرحون، وما أفتى به ابن عات تقدم أن ابن مالك رجحه وكذلك
ابن سهل.
فرع: قال ابن عبد السلام عن أصبغ: وأرى في الامام إن طلق في الايلاء والنفقة
والاضرار والجنون والجذام بأكثر من واحدة لا يلزم منه إلا واحدة. اه‍ ونقله في التوضيح.
تنبيه: سيأتي في كلام المصنف في آخر طلاق السنة أنه لا يطلق على من به عيب في
الحيض والنفاس حتى تطهر المرأة، وسيأتي في شرحه حكم ما إذا وقع الطلاق فيها والله أعلم.
154

ص: (ولها فراقه بعد الرضا بلا أجل) ش: هذا قول ابن القاسم في العتبية والموازية إلا أنه قال في
الموازية: وليس لها أن تفارق دون السلطان. وفي قول العتبية لها أن تطلق نفسها وإن لم ترفع إلى
السلطان. قاله في التوضيح. ص: (والصداق بعدها) ش: أما قبل انقضاء الأجل إذا لم يطل مقامه
معها فلها نصف الصداق. قاله في المدونة ونقله في التوضيح ص: (وجس على ثوب منكر الجب
ونحوه) ش: نحو الجب الخصا والعنة فهذه الثلاث قال ابن عرفة: إذا ثبت أحدها بإقراره لزمه.
قلت: إن كان بالغا وإلا فكمنكر دعوى زوجته عليه انتهى. يعني أنه بمنزلة المنكر والجس
بظاهر اليد. قاله ابن عرفة: قال ابن عبد السلام: فإن قلت قد نص بعضهم على ما لا يجوز
النظر إليه لا يجوز لمسه ولو من فوق الثوب، وهذا يدل على أنهما متساويان في المنع، فإذا
دعت الضرورة إلى واحد وجب إلحاق الآخر به للمساواة ويترجح النظر لأن حصول العلم
للمشهود به أقوى.
قلت: هما متساويان في المنع فقط ولا شك أن الادراك بالبصر أقوى مع أن اللمس
كان في حصول العلم فوجب الاقتصار عليه. اه‍ باختصار. وقال ابن عرفة: المراد بالجس بظاهر
155

اليد وأصله أقرب للإباحة من النظر. أبو عمر: أجمعوا على مس الرجل فرج حليلته وفي نظره
إليه خلاف ما تقدم اه‍. وأما الجذام والبرص في الرجل فقال ابن عرفة في المتيطي: يعرف
بالرؤية ما لم يكن في العورة فيصدق الرجل فيهما. وحكى بعض الموثقين عن بعض شيوخه
نظر الرجل إليه كالنساء إلى المرأة اه‍. وقال في مختصر المتيطية: أما الجنون فإن ذلك لا يخفى
على جيرانه وأهل مكانه اه‍. ص: (وصدق في الاعتراض) ش: واختلف بعد التصديق هل عليه
يمين أو لا. قال ابن عرفة: والاعتراض إن أقر به فواضح، وإن أنكر دعوى زوجته صدق المتيطي
عن المدونة بيمين. وكذا نقله ابن محرز واللخمي ونحوه لمحمد عن ابن القاسم ونحوه عن
مالك وقاله ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ وابن حبيب اه‍. ثم نقل خمسة أقوال أخر.
تنبيه: قال في المتيطية: ولو نكل قبل الاجل ثم أتى الاجل فادعى أنه أصاب كان له أن
يحلف وليس نكوله والحكم عليه قبل الاجل بشئ كذلك رآه ابن المواز انتهى.
فرع: قال في النوادر قال أصبغ: في امرأة المقعد تدعي أنه لم يمسها وأنها تمكنه من
نفسها فيضعف عنها وقال هو تدفعني عن نفسها، فهي مصدقة مع يمينها ولا يعجل بفراقه إلا
بعد سنة كالمعترض. ولو جعل الامام بقربه امرأتين وإن سمعتا امتناعا منها أمر بها فربطت
وشدت وزجرها وأمرها أن تلين له فذلك عندي حسن انتهى. ص: (كالمرأة في دائها) ش: ابن
عرفة: ولو أنكرت دعواه عيبها فما كان ظاهرا كالجذام والبرص يدعيه بوجهها وكفيها أثبت
ذلك بالرجال وما بسائر بدنها غير الفرج بالنساء، وما بالفرج في تصديقها وعدم نظر النساء
إليه واثباته بنظرهن إليه قولان: الأول لابن القاسم. قال بعض الأندلسيين وهو مذهب مالك
وجميع أصحابه إلا سحنون انتهى. ثم قال: وعلى الأول يعني القول بتصديقها قال ابن الهندي
وتحلف، وقاله الشيخ أبو إبراهيم ولها رد اليمين على الزوج. قال: ورأيت من مضى يفتي به.
انتهى ونقله في التوضيح. ص: (أو وجوده حال العقد) ش: اختصر المؤلف هذه المسألة
156

وملخص ما في البيان فيمن زوج ابنته على أنها صحيحة فجذمت بعد سنة ونحوها فقال الأب
تجذمت بعد النكاح وقال الزوج قبله لا يخلو، لأنه إما أن يتداعيا بعد البناء أو قبله، فإن كان بعد
البناء فعلى الزوج البينة والأب مصدق في ذلك. ابن رشد: ولا بد من يمينه وينبغي كونها على
العلم لأنه مما يخفى وإن كان ظاهرا الآن لامكان كونه يوم العقد خفيا لأنه يزيد إلا أن يشهد أن
مثله لا يكون يوم العقد إلا ظاهرا فيحلف على ألبت، فإن نكل الأب حلف الزوج فكان له الرد
قبل العلم في الوجهين. وقيل: على نحو ما وجب على الأب، هذا مشهور المذهب. وإن كان
التداعي قبل البناء فالقول قول الزوج مع يمينه وعلى الأب البينة. انتهى ملخصا من كلام ابن عرفة
والله أعلم. ص: (أو بكارتها وحلفت) ش: هذا إنما ذكره أهل المذهب على القول أنها ترد بشرط
البكارة ولا يبعد أن يجئ مثله فيما إذا شرط أنها عذراء والله أعلم.
157

ص: (وإن أتى بامرأتين) ش: هذا واضح لأنه يؤل إلى المال بخلاف ما لو أتت امرأة
المعترض بامرأتين تشهدان بأنها بكر لم يقبلا لأنه يؤل إلى الفراق. قاله ابن عرفة والمصنف في
التوضيح وابن عبد السلام. ص: (وإن علم الأب بثيوبتها بلا وطئ) ش: لا معارضة بين هذا
الكلام وبين ما قدمه لأن ذلك مع عدم علم الأب وهذا مع علمه، ولهذا قال: وإن علم الأب
والله أعلم. وقوله بلا وطئ فالوطئ أحرى وأحرى إن كان بزواج. ويبقى ملخص المسألة أنه
إن شرط الزوج أنها عذراء فله الرد إذا وجدها قد أزيلت عذرتها قولا واحدا، سواء أزيلت
بوطئ أو بغير وطئ. وإن شرط أنها بكر فإن أزيلت البكارة بزواج ردت بلا كرم، وإن أزيلت
بزنا أو بغير وطئ فلا يخلو إما أن يكون الأب عالما أو لا، فإن لم يكن عالما ففيه التردد، وإن
كان عالما فيلزمه إعلام الزوج، فإن لم يعلمه ففي الرد قولان الأصح أن له الرد والله أعلم.
وانظر هذا الكلام مع قوله فيما يأتي وللولي كتم العمى ونحوه وعليه كتم الخنا وانظر كلام
أبي الحسن وابن رشد على ذلك. ص: (ومع الرد قبل البناء فلا صداق) ش: يعني إذا علم
أحد الزوجين إن بالآخر عيبا ورده بذلك العيب قبل المسيس فلا صداق للمرأة على الرجل،
سواء كان هو الراد أو هي الرادة، أما إن كان هو الراد فلا خلاف فيه إلا أن ابن عبد السلام
قال فيما إذا زوج البكر أبوها أو من يعلم أنه عالم بعيبها قد يقال يجب لها على الزوج نصف
158

الصداق ويرجع به على وليها وفيه نظر انتهى. وأما إن كانت هي الرادة فالذي تقدم هو أحد
القولين وهو ظاهر المذهب، وقيل لها نصف الصداق وهو ظاهر المذهب والله أعلم. ص:
(كغرور بحرية) ش: لا شك أنه يشمل أربع صور: الأولى والثانية تزويج الحر الأمة والحرة العبد
من غير تبيين فأحرى إذا شرط أنها حرة أو شرطت هي أنه حر. نص عليهما في النوادر وفي
المدونة على إحداهما. الثالثة والرابعة إذا غر العبد الأمة بالحرية أو غرت الأمة العبد بالحرية كما
تقدم وهما مفهومان من عموم كلام الشارح وغيره والله أعلم. ص: (وبعده فمع عيبه
المسمى) ش: سواء كان عيبه أحد العيوب الأربعة أو غيرها إن شرط السلامة منه. قاله ابن عبد
السلام عند قول ابن الحاجب الغرور. وكذلك إن غر العبد الحرة بالحرية لها المسمى إن كان
أذن له السيد في التزويج ابتداء أو أجازه لما أن علم به. قال في النوادر: ومن أذن لعبد في
النكاح فنكح حرة ولم يخبرها وأجازه السيد فلها أن تفسخه ولها المسمى إن بنى ولا قول
للسيد فيه لأنه أجازه، وإن لم يبن فلا شئ لها. انتهى من باب نكاح العبد والأمة بغير إذن
السيد. وقال في باب المغرورة بالعبد: إن غر عبد حرة بأنه حر فتزوجها بغير علم سيده ثم علم
فأجاز فلها الخيار، فإن فارقت قبل البناء فلا شئ لها. وإن بنى فلها الصداق، وإن لم يقل لها
إني حر ولا عبد فلهما الخيار أبدا وهو غار حتى يخبرها أنه عبد انتهى. وأما العبد يغر الأمة فلم
أر من قال إن لها المسمى إلا أنه لازم لما تقدم من أن الخيار له إذا غرها والله أعلم. وانظر لو غر
رجل غير الزوج الحرة أو الأمة وقال لها تزوجي هذا فإنه حر، فلم أر من نص عليها والظاهر أنه
لا رجوع لها عليه لأنه غرور بالقول كما سيأتي في قول المصنف وعلى غار غير ولي ص:
(ومعها رجع بجميعه لا بقيمة الولد على ولي لم يغب كابن وأخ ولا شئ عليها) ش: يعني
وأما لو اختار بعد البناء حالة كون العيب معها وكذلك إذا غره الولي بالحرية لها جميع
الصداق ويرجع به الزوج على الولي، وسواء كان الزوح حرا أو عبدا. أما الحر فقال ابن فرحون
في شرح قول ابن الحاجب: إذا غر الولي الزوج بأنها حرة فظهرت أنها أمة ولم يتبين له ذلك
إلا بعد الدخول والولادة فإنه يرجع على الولي بجميع الصداق وهو المشهور ثم قال: ولا يرجع
على الولي بقيمة الولد لأن الولي لم يغر إلا في النكاح انتهى. وأما العبد ففي النوادر في باب
159

الغارة: وإن غرت أمة عبد بأنها حرة فسيدها يسترق ولدها ويرجع العبد على غره بالمهر. ثم لا
يرجع على من غره عليها، وإن لم يغره أحد رجع عليها بالفضل من صداق مثلها انتهى. وقول
المؤلف لم يغب هذا راجع إلى غرور المرأة بالعيب، وسواء كانت المرأة بكرا أو ثيبا، كان
العيب ظاهرا أو خفيا. قاله في التوضيح وغيره. ومفهوم قوله لم يغب أنه لو غاب لم يرجع
عليه بشئ وهو كذلك، ومفهوم معنى هذه الصورة أن يغيب الولي غيبة طويلة ثم يقدم من
غيبته فيعقد نكاح وليته. كذا صوره أبو الحسن الصغير. وقال في التوضيح: إذا غاب الولي
بحيث يظن خفاء ذلك عليه فلابن القاسم وابن وهب وابن حبيب ورواه ابن عبد الحكم عن
مالك أنه يسقط عنه الغرم ويرجع على الزوجة ويترك لها ربع دينار. ابن القاسم: بعد يمينه على
جهله بذلك انتهى بالمعنى وشهر هذا القول في الشامل.
فرع: وإن زوجها الأخ وهي بكر بإذن الأب فالغرم على الأب، وإن كانت ثيبا فعلى
الأخ. قاله في النوادر ونقله ابن فرحون وابن عرفة.
فرع: قال ابن عرفة الصقلي عن محمد: حيث يجب غرم الولي إن كان بعض المهر
مؤجلا لم يغرمه للزوج إلا بعد غرمه. قلت: هذا بين إن لم يخش فلسا انتهى. وقوله ولا شئ
عليها ظاهره وإن أعدم الولي. قال في التوضيح: وهذا قول مالك وابن القاسم.
فرع: فإن مات ولا شئ له فلا يرجع عليها عن ابن القاسم، وسواء كانت بكرا أو ثيبا.
قاله في النوادر والله أعلم. ص: (وعليه أو عليها) ش:.
فرع: فإذا قلنا يرجع عليها فوجدها قد اشترت به جهازا فله عليها قيمته لأنها متعدية.
قال اللخمي: وإذا ردت الزوجة بعيب جنون أو جذام أو برص والصداق عين ضمنته وإن هلك
160

ببينة أو اشترت به جهازها كانت في حكم المتعدية، فإن أحب الزوج أخذ نصفه أو ضمنها
ما قبضت انتهى. ونقله المصنف في التوضيح عند قول ابن الحاجب في فصل الصداق، وكذا
ما اشترته منه أو من غيره من جهاز مثلها والله أعلم. وانظر ابن عرفة فيما إذا كان الولي
القريب عديما والله أعلم. ص: (وعليها في كابن العم الأربع دينار) ش: دخل تحت الكاف
العم والرجل من العشيرة أو من الموالي أو السلطان. قاله في التوضيح. ص: (فإن علم
فكالقريب) ش: أي فإن علم البعيد سواء كان عما أو ابن عم أو مولى أو من العشيرة أو
سلطانا. نص عليه اللخمي. قال في النوادر: وهذا إن أقر أو قامت بينة عليه انتهى. ص:
(وحلفه إن ادعى علمه) ش: فإن حلف فلا رجوع له على واحد منهما من الولي أو الزوجة.
قاله ابن عرفة. ص: (فإن نكل رجع على الزوجة على المختار) ش: ظاهر كلامه أنه إذا نكل
الولي ثم نكل أيضا الزوج يرجع على الزوجة على المختار وليس كذلك، بل لم يذكر اللخمي
فيها إلا أنه لا شئ على الولي ولا على الزوجة والله أعلم. ص: (وعلى غار غير ولي تولي
العقد إلا أن يخبر أنه غير ولي) ش: غروره بأن يقول إنها حرة أو سالمة من العيب. قاله ابن
161

عبد السلام. قال في التوضيح: وينبغي أن يؤدب ويتأكد أدبه على المنصوص من عدم الغرامة
انتهى. وإذا قلنا يرجع عليه فلا يرجع بقيمة الولد قاله في المدونة. وقول المصنف إنه يرجع على
الغار إذا تولى العقد ولم يجبر أنه غير ولي، قيده في المدونة بما إذا علم هذا الغار أنها أمة، وأما
إن لم يعلم فلا رجوع، وإن أخبره أنه غيره ولي فلا رجوع مطلقا علم أو لم يعلم، وكذلك إن
لم يتول العقد علم أو لم يعلم. قاله في المدونة. وليس هذا مخالفا لما تقدم نقله من أنه إذا قال
أجنبي أنا أضمن لك أنها غير سوداء لا يضمن الصداق لأن هذا صرح فيه بلفظ الضمان والله
أعلم. ص: (وولد المغرور الحر فقط حر) ش: هو ظاهر التصور قالوا: لأنه دخل على أن ولده
حر فيوفي له ثم يعاوض السيد عنهم بقيمتهم أو أمثالهم كما ذكر في باب الاستلحاق. ص:
(وعليه الأقل من المسمى وصداق المثل) ش: هذا في الحر إذا غرته الأمة بنفسها هكذا يفهم
من التوضيح. وأما العبد فالمنصوص فيه إذا غرته الأمة يرجع عليها بالفضل على مهر مثلها كما
تقدم عن النوادر، ونقله ابن يونس وابن عرفة وغيرهما. وما ذكر من أن الحر إذا غرته الأمة
بنفسها أن عليه الأقل من المسمى وصداق المثل، هذا إذا اختار فراقها، وأما لو اختار إمساكها
فلها المسمى. قاله في المدونة، فنقل المصنف له في التوضيح عن الجواهر كأنه لم يره في المدونة
والله أعلم. وأما إذا أمسكها فيستبرئها ليفرق بين الماءين لأن الماء الذي قبل الإجازة الولد فيه
حر، والذي بعدها الولد فيه رق. قاله أبو الحسن الصغير. ولا فرق في جميع ما تقدم من
الخلاف في الصداق وغيره بين أن تكون الأمة الغارة قنا أو أم ولد أو مدبرة أو معتقة لأجل.
قاله الرجراجي، وكذلك المكاتبة فيما يظهر والله أعلم. وهذا إذا أذن لها السيد أن تستخلف
رجلا على نكاحها. قاله في المدونة. قال بعض الشيوخ: يريد أذن لها أن تستخلف رجلا بعينه،
ولو أذن لها أن تستخلف من شاءت فاستخلفت فسخ النكاح. قال أبو الحسن: وهذا مشكل إذ
لا فرق بين أن يعين لها أو لا يعين. ألا ترى أنها لو كانت وصية لها أن تستخلف من شاءت
162

انتهى. واعلم أنه لا يخلو نكاح الأمة الغارة من ثلاثة أوجه: الأول أن يكون السيد أذن لها في
النكاح والاستخلاف وإنما غرته بالحرية فهذا يصح مقامه عليها بالمسمى. الثاني أن يتزوجها على
أنها حرة ولم يكن السيد أذن فيه الاستخلاف وهذا يفسخ على المعروف أبدا. الثالث
أن يكون أذن في النكاح ولم يأذن في الاستخلاف وهو كالذي قبله في تحتم الفسخ. انتهى
باختصار من شرح الرسالة للشيخ أحمد زروق وأصله للقلشاني فانظره وانظر ابن عرفة أيضا.
تنبيه: قال أبو الحسن: إن الكلام المتقدم فيما إذا اختار فراقها أن عليه الأقل من المسمى
وصداق المثل، وإن اختار إمساكها فلها المسمى. انظر كيف جعل له الخيار في الفراق وفي
الإقامة عليها ولم يشترط خوف العنت ولا عدم الطول ولكنه قد يقال: إنما تكلم هنا على
الوقوع وقد حصل بوجه جائز وحكم الابتداء عنده بخلافه أو يقال: إنما تعرض هنا لأحكام
باب آخر وهو الغرور وأما نكاح الإماء فقد تقدم انتهى. ص: (وقيمة الولد) ش: والقيمة
لازمة للزوج أمسك أو فارق. قاله في المدونة.
فرع: والمنصوص في مختصر الواضحة أنه إذا زوج السيد أمته على أنها ابنته أو ابنة عمه
فدخل الزوج وأولدها فعليه قيمة أولاده وهم أحرار. ونقله ابن عرفة فقال: ولو غر سيد أمة من
زوجها منه على أنها ابنته ففي غرم الزوج قيمة ولده منها. نقل اللخمي عن ابن حبيب مع قول
ابن الماجشون على من أولد أم ولد ابتاعها من سيدها قيمة ولده منها وتخريجه على قول
مطرف لا قيمة عليه انتهى.
فرع: قال ابن يونس: ومن اشترى جارية من رجل وهو يعلم أنها ليست له فوطئها فهو
زان وعليه الحد وولده رقيق لسيد أمهم بخلاف أن لو زوجته الأمة نفسها وأخبرته أنها حرة
وهو يعلم أنها كاذبة فيطؤها بعد العلم فلا يكون على هذا حد ويلحق به نسب ولده وهم
وأمهم رقيق لسيدهم ويفسخ نكاحه. انتهى من النكاح الأول. وقال في مختصر الواضحة فيمن
زوج ابنته فبعث إلى الزوج بأمة فوطئها الزوج ثم ظهر على ذلك فإن الأمة تلزم الزوج بالقيمة
ولا حد عليه وعلى سيد الأمة العقوبة ونكاح الابنة ثابت وعلى الأمة الحد إلا أن تدعي أنها
ظنت أن سيدها زوجها. وقال فضل: وماله لا يسقط عنه الحد حين كان سيدها أخرجها
ويكون هذا من جنس الاكراه. انتهى باختصار.
فرع: فلو أقر الزوج أنه عالم أنها أمة وقد فشا وعرف أنها غرته بأنها حرة فلا يصدق
163

الأب على ما يدفع عن نفسه من غرم قيمة ولده ولا يقبل قوله فيما يريد إرقاقهم وإن صدقه
السيد على ذلك. انتهى من الرجراجي وهو في النوادر وابن يونس ونص النوادر ومن العتبية.
قال أصبغ: ولو أقر الزوج الآن أنه نكحها عالما بأنها أمة وقد فشا أنها غرته من الحرية والسماع
على ذلك أو الشك، فلا يصدق إلا على ما يدفع عن نفسه من غرم قيمة ولده ويريد من
إرقاقهم انتهى. ص: (يوم الحكم) ش: هذا إذا وقع التنازع فيه بعد الولادة، وأما لو وقع
التنازع فيه وهو حمل فإن القيمة يوم الولادة. قاله ابن الحاجب وغيره والله أعلم. ص: (إلا
لكجده ولا ولاء له) ش: قال سحنون: إذا غرت أمة الابن والده فتزوجها على أنها حرة فإن
الأب يغرم قيمتها بمنزلة ما لو وطئها بملك اليمين وتكون أم ولد للأب، وليس للابن أخذها، ولا
شئ على الأب من القيمة، والتزويج فيها ليس بتزويج. نقله ابن عبد السلام ونقله ابن عرفة
عن الشيخ في المجموعة قال عنه: ولا قيمة عليه للولد ولا مهر مثل ولا مسمى ونكاحه لغو
وذلك كوطئه إياها يظن أنها له أو عمدا انتهى. ثم قال ابن عبد السلام عن سحنون: وأما
الابن إذا غرته أمة والده فهو مثل الأجنبي يكون لها صداق مثلها ويأخذها الأب ولا قيمة عليه
في الولد. قال ابن عبد السلام: وهذا كله صحيح انتهى. وقول المصنف ولا ولاء لأنه حر
بالأصالة لا بإعتاقه. ابن يونس: قال ابن المواز: يكون ولاؤهم لأبيهم. انتهى من التوضيح. ثم
قال: أما لو زوج الأب أمته لابنه لكان ولاء الأولاد الكائنين من الأمة لجدهم لأنهم عليه عتقوا.
ص: (وسقط بموته) ش: أي وسقطت القيمة بموت الولد في الأمة القن وأم الولد والمدبرة يريد
قبل الحكم، أما في القن وأم الولد فنص عليه في التوضيح وابن عبد السلام. وأما في المدبرة
فالظاهر أن الحكم كذلك، وكذلك في المكاتبة والمعتقة إلى أجل لأن القيمة إنما تجب على
المشهور يوم الحكم، وأما لو مات السيد ففي القن ورثته بمنزلته وفي أم الولد أو المعتقة إلى أجل
تسقط القيمة. نص على الأول فقط اللخمي. وأما في المدبرة فقال اللخمي: إن حمل الثلث
164

قيمته وقيمتها فلا شئ على الأب، وإن كان عليه دين يرقها كانت القيمة قيمة عبد لا عتق
فيه، وإن لم يخلف مالا سواهما ولا دين عليه كانت على الأب قيمة ثلثيه وتسقط قيمة الثلث
انتهى. وأما في المكاتبة فينتقل الحكم الآتي إلى ورثته، ولم يذكر المؤلف الحكم في ولد المعتقة
إلى أجل، والحكم فيه على المشهور الذي هو مذهب المدونة أن تكون قيمته على رجاء العتق
إن حيي إلى انقضاء الأجل وخوف الرق إن مات قبل انقضائه. قاله اللخمي وغيره، وانظر
حكم المعتق بعضها والله أعلم. ص: (والأقل من قيمته أو ديته إن قتل) ش: هذا الحكم عام
في ولد الأمة. القن وولد أم الولد وولد المدبرة. نص على ذلك المصنف في التوضيح وابن عبد
السلام وغيرهما. ولا يبعد أن يجري ذلك في ولد المعتقة إلى أجل والمكاتبة والله أعلم. والقيمة
هنا على أنه عبد في الجميع قاله في التوضيح. وحكى في ولد أم الولد قولا بأنه يقوم على
ما فيه من الرجاء والخوف. ونقل عن عبد الحميد أنه يجري مثل ذلك في ولد أم الولد ونصه:
وإذا فرعنا على مذهب المدونة فقتل هذا الولد يعني ولد أم الولد قبل الحكم فيه، فهل تجب
قيمته لسيد أمه على أنه رقيق لأن الترقب قد فقد؟ عياض: وإليه ذهب معظم الشيوخ. أو قيمته
على ما فيه من الرجاء والخوف وإليه ذهب ابن أبي زيد في المختصر واستشكله أبو عمران
وصوبه غيره؟ ثم قال في الكلام على ولد المدبرة عبد الحميد: فإن قتل ولد المدبرة جرى فيه من
الخلاف ما في ولد أم الولد اه‍.
فرع: قال في التوضيح: والقيمة إنما تجب فيهم إذا قتلوا يوم القتل اه‍.
فرع: منه أيضا لو استهلك الأب الدية ثم أعدم لم يكن للسيد رجوع على القاتل بشئ
لأنه إنما دفعها بحكم اه‍.
فرع: قال في التوضيح وغيره: ولو هرب القاتل أو اقتص منه في العمد لم يكن على
الأب شئ. وذكر فيه أيضا أنه اختلف إذا عفا الأب هل يتبع المستحق الجاني أو لا شئ له؟
على قولين: وكذلك لو مات الولد وله مال كثير لاختص به الأب والحكم إذا عفا الأب
وكذلك لا شئ للمستحق عليه. قاله أبو الحسن في باب الاستحقاق.
165

فرع: قال ابن عرفة الشيخ عن الموازية: لو قتل خطأ اقتص الأب عن سائر ورثته من أول
النجوم بقدر قيمته وورث مع سائر الورثة ما بقي اه‍. ص: (كجرحه) ش: قال القاضي عياض
في كتاب الاستحقاق من التنبيهات: ومسألة الجارية تستحق وقد أولدها مشتريها فقطع رجل يد
الولد خطأ وقيمته أكثر من ألف دينار فأخذ الأب دية ولده قال: يغرم الوالد قيمة الولد أقطع اليد
يوم الحكم فيه ويقال ما قيمته صحيحا وقيمته أقطع يوم جنى عليه، فينظركم بينهما. فإن كان بين
ذلك قدر ما أخذ الأب من دية الولد غرمها، وإن كان أقل غرم ذلك كان الفضل للأب، وإن
كان أكثر لم يكن على الأب إلا ما أخذ. واختصار هذه المسألة أن على الأب قيمته مقطوع اليد
يوم الحكم والأقل مما أخذ من دية ولده أو مما نقصه القطع من قيمته يوم الجناية. وبيانه أنه يقوم
ثلاث تقويمات: قيمة اليوم أقطع اليد، وقيمته يوم الجناية سليما، وقيمته حينئذ أقطع، فيضاف
ما بين القيمتين إلى قيمة يوم القطع فيأخذها السيد إلا أن يكون ما بين القيمتين أكثر من دية اليد
التي أخذ الأب فلا يزاد عليها. ولو كان القطع يوم الاستحقاق أو لم تختلف القيمة من يوم القطع
إلى يوم الاستحقاق والحكم لقيل له ادفع الأقل من قيمته سليما الآن قبل قطعه، ومن قيمته
مقطوعا مع ما أخذت في ديته ولا يحتاج هنا إلى قيمتين سليما ومقطوعا. فإن كان قيمته سليما
أقل لم يلزمه سواها وكان ما فضل من الدية للأب، وإن كانت القيمة أكثر من ذلك كله لم يلزمه
إلا قيمته مقطوعا أو ديته. اه‍ كلامه بلفظه ونقله أبو الحسن. وقوله يقومه ثلاث تقويمات قيمة
اليوم أقطع اليد وقيمته يوم الجناية سليما وقيمته حينئذ أقطع يعني. إنه يقوم يوم الحكم أقطع اليد
ويقوم أيضا يوم جنى عليه على أنه سالم من قطع اليد وعلى أنه مقطوع اليد والله أعلم.
تنبيه: قال في المدونة: وإن كان ما بين القيمتين أقل من دية اليد كان ما فضل من الدية
للأب. ابن يونس وعبد الحق: يريد يلي النظر فيه لولده الصغير اه‍. من كتاب الاستحقاق، ونحوه
للقاضي عياض في التنبيهات إثر كلامه السابق والله أعلم. ص: (ولعدمه تؤخذ من الابن) ش:
يريد ولا يرجع الابن بها على الأب إن أيسر. قاله ابن عبد السلام. فإن كانا عديمين فقال ابن
عرفة: وفيها إن كانا عديمين غرمها أو لهما يسارا ولا رجوع لمن غرمها على الآخر وموته عديما
كحياته كذلك اه‍. وإن كانا مليين فقال في التوضيح لا إشكال أن القيمة تؤخذ من الأب ولا
يرجع بها الأب على الولد اه‍. وإن كان الولد عديما والأب موسرا القيمة على الأب ولا يرجع
على الولد بشئ لأنه إذا كانا مليين كان الحكم كذلك فأحرى مع عدم الابن والله أعلم.
فرع: قال ابن عبد السلام عن المدونة: ولا تؤخذ من الابن قيمة الام في ملاء الأب أو عدمه اه‍.
166

فرع: قال ابن عرفة: فلو فلس الأب لحاص المستحق بقيمة الولد غرماء أبيه. اه‍ والله
أعلم. ص: (وقبل قول الزوج أنه غر) ش: يعني أنه ما تقدم إذا قامت بينة للزوج على الغرور
أو صدقه السيد فأما إن تنازعا هو والسيد فيقبل قوله، وانظر هل بيمين أم لا؟ لم أر فيه نصا
ص: (ولو طلقها أو مات ثم اطلع على موجب خيار فكالعدم) ش: قال ابن عرفة الشيخ:
روى محمد: من ظهر على عيب بامرأته يوجب ردها بعد طلاقها لا يرجع بشئ من مهرها
ولو كان قبل البناء ويغرمه إن لم يكن دفعه، وإن مات أحدهما قبل الفراق وعلم العيب توارثا
وثبت المهر اه‍. ص: (وللولي كتم العمى ونحوه) ش: قال أبو الحسن: قال عبد الحق في
الأمهات: أيخبر الولي بعيوب المرأة الزوج؟ أما ما لا ترد به فلا يفعل ولا يجوز ولا ينبغي وقد
قاله مالك. قال الشيخ أبو الحسن في البيوع: إنه لا يجوز للبائع أن يكتم من أمر سلعته شيئا لو
ذكره لكرهه المبتاع ولو كان أمرا لو ذكره لنقص من الثمن فهو عيب يوجب الرد. وقال في
النكاح: لا يذكر إلا ما للزوج أن يرد به ونحن نعلم أن الزوج ولو ذكر له ما لا يجب الرد به
من عمى أو عور أو سواد أو شلل وما أشبه ذلك لكرهه ولم يعقد. فجعلوا أنه لما لم يكن له
رده بهذه الأشياء لم يجب بيانها له مع علمنا أنه لو ذكرت له لكرهها ولحط من الصداق ولو
رضي به صح من الاستلحاق. وقال ابن رشد في النكاح الأول من البيان: ولفرق بين النكاح
والبيع أن البيع طريقه المكايسة، والنكاح طريقه المكارمة، وليس الصداق فيه ثمنا للمرأة ولا
167

عوضا من شئ يملكه الولي وإنما هي نحلة من الله عز وجل فرضه للزوجات على أزواجهن اه‍.
كلام أبي الحسن والله أعلم. ص: (والأصح منع إلا جذم من وطئ إمائه) ش: قال في
النوادر: وفي كتاب النكاح روى ابن القاسم عن مالك في الأجذم الشديد الجذام قال: يحال
بينه وبين وطئ إمائه إن كان في ذلك إضرار، يريد إن طلبن ذلك كما يفرق بينه وبين الحرة
للضرر اه‍. ولو قال المصنف والأظهر أصح لأن ابن رشد استظهر القول بأنه يمنع من وطئ
إمائه في آخر سماع عيسى من كتاب السلطان فاعلمه والله أعلم. ص: (وللعربية رد المولى
المنتسب لا العربي إلا القرشية تتزوجه على أنه قرشي) ش: نقل ابن عرفة تحصيل ابن رشد
في هذه المسألة وهو أن المرأة إذا وجدت الرجل أفضل مما اشترطت فلا خيار لها، وإن وجدته
أني مما اشترطت وأدنى منها فلها الخيار، وإن وجدته أدنى مما اشترطت وهو أرفع منها أو مثلها
ففي خيارها قولان. قال: والقول بالخيار أظهر. وإذا وجب خيارها واختارت قبل البناء فلا شئ
لها من المسمى، وإن لم تعلم ذلك حتى بنى بها واختارت فهي طلقة بائنة ولها المسمى،
وحكم الرجل كما تقدم يكون له الرد حيث لكون لها الخيار. اه‍ ملخصا ابن عرفة وهذه
المسألة في سماع أبي زيد من كتاب النكاح.
فصل ولمن كمن عتقها
يريد أما في دفعة أو أكثر فقد نص في العتبية والموازية فيما إذا تزوجت وهي معتق
168

بعضها وكمل عتقها بعد ذلك على أن لها الخيار. قاله في التوضيح. واحترز بقوله كمل ما لو
أعتق بعضها أو كوتبت أو دبرت أو عتقت لأجل أو كان زوجها معزولا عنها واستولدها
السيد. قاله في التوضيح. قال: ولا يستبعد الاستيلاد لأنه نص في المدونة في غير موضع على
أن السيد إذا وطئ أمته المتزوجة وكان الزوج معزولا عنها تكون له أم ولد انتهى. وسواء
كانت أجبرت على تزويج العبد أو طلبت أن تتزوج منه. قاله في التوضيح.
تنبيه: قال ابن الحاجب: وإذا عتق جميعها تحت العبد حيل بينهما وخيرت بخلاف الحر
اه‍. وقال ابن عرفة في الايمان بالطلاق منها: إن عتقت تحته حيل بينهما حتى تختار وعدم
ذكر أقصرهم حيل بينهما مخل بفائدة معتبرة انتهى. والعلة في التخيير ما قاله ابن عرفة: وعلة
تخييرها نقص زوجها لعدم حريته. اللخمي: وقيل لأنها كانت مجبرة على النكاح وانظر بقيته
فيه والله أعلم. ص: (فراق العبد بطلقة بائنة أو اثنتين) ش: اعلم أنها إنما تؤمر بواحدة، فإن
أوقعت اثنتين فقال المصنف هنا: مضى وصوب اللخمي عدم مضيه فإن لم تصرح بواحدة أو
اثنتين بل طلقت أو قالت اخترت فهي بائنة. قاله في التوضيح. وقد تقدم هل هي التي توقع
الطلاق أو الحاكم؟ والله أعلم. وقوله فراق العبد وكذا من فيه شائبة حرية حكمه حكم
العبد نص عليه اللخمي، وظاهر كلام البساطي خلاف ذلك فانظره. ص: (والفراق إن قبضه
السيد أو كان عديما) ش: أي وسقط الفراق. والمعنى أن العتق ماض وخيارها ساقط هكذا
نقله في مختصر المتيطية وقاله في معين الحكام ونصه: فبقاؤها حرة تحت عبد خير من رجوعها
أمة والله أعلم. ص: (كما لو رضيت وهي مفوضة بما فرضه بعد عتقها) ش: يريد وقد
أعتقت قبل البناء وبعد الفرض كما فرض المسألة ابن الحاجب وغيره. وأما لو دخل الزوج بها
قبل أن يفرض لها وقبل العتق ثم أعتقها السيد أو أعتقها بعد الدخول والفرض، فلا شك أن
صداق مثلها واجب لها وحكمه كما لها فيكون لها إلا أن يشترطه السيد وهذا ظاهر ولم
169

يحضرني الآن من صرح به والله أعلم. ص: (إلا أن يأخذ السيد) ش: قال في التوضيح:
وينبغي أن يقيد بما إذا كان قبضا على سبيل الانتزاع وهو الذي يدل عليه لفظ المدونة انتهى.
وهذا التقييد يأتي على كلام ابن الحاجب حيث قال قبضه، وأما قول المصنف يأخذه فإنه
يدل على ذلك ولا يحتاج إلى التعبير والله أعلم. ص: (وصدقت إن لم تمكنه) ش: مذهب
المدونة أنها تصدق بل يمين. قاله في التوضيح: ثم قال تبعا لابن عبد السلام: وفي العتبية
تحلف. قال ابن عرفة: إنه لم يجده في العتبية والله أعلم. ص: (وإن بعد سنة) ش: سواء
أوقعها الحاكم أو الزوج وهو خطأ من الحاكم إن فعله أو لم يوقفها أحد. قاله ابن عبد السلام.
ص: (أو تمكنه) ش: أي يستمتع بها أو تستمتع هي به. قال في التوضيح: وهو أقوى في
الدلالة. قال ابن عرفة: قال اللخمي: القبلة والمباشرة كالإصابة وكذا إذا مكنته ولم يفعل اه‍.
ص: (لا العتق) ش: ابن عبد السلام: وينبغي أن يعاقب الزوج إذا علم بالعتق والحكم كما قالوا
إذا وطئ المملكة والمخيرة وذات الشرط اه‍.
فرع: قال ابن عرفة الشيخ عن محمد: لو ادعى وطأها بعد علمها بالعتق وأكذبته، فإن
170

ثبتت خلوة صدق مع يمينه وإلا صدقت دون يمين. اللخمي: إن اتفقا على المسيس وادعت
الاكراه وزوجها الطوع صدق مع يمينه اه‍. ص: (ولها أكثر المسمى أو صداق المثل) ش:
يعني إذا عتقت قبل البناء ولم نعلم بذلك ودخل بها الزوج فلها الأكثر، وظاهر كلامهم سواء
علم الزوج أم لا. انظر التوضيح. وقال ابن عرفة اللخمي: إن علمت بعد أن دخل بها أنها
عتقت قبل أن يدخل بها فلها الأكثر من المسمى ومهر مثلها على أنها حرة، وإن كان العقد
فاسدا فمهر مثلها حرة اتفاقا. اه‍. ص: (لا برجعي) ش: يريد فلها أن تطلق فيكمل طلاقه.
نقله ابن عرفة في الكلام على الطلاق هل هو بائن أو رجعي والله أعلم ص: (أو عتق قبل
الاختيار) ش:
فرع: قال ابن عرفة الشيخ: روى محمد: أن بيع زوجها قبل عتقها بأرض غربة فظنت
أن ذلك طلاق ثم عتقت فلم تختر لنفسها حتى عتق زوجها فلا خيار لها. ثم قال الشيخ عن
محمد: إن عتقت وزوجها قريب الغيبة كتب إليه خوف تقدم عتقه، فلو اختارت قبل ذلك
لزمه ولا حجة لزوجها ولو عتق في عدتها، ولو بعدت غيبتها حتى يضرها انتظاره فهي كمن
أسلمت وزوجها كافر بعيد الغيبة اه‍. ص: (إلا لتأخير لحيض) ش: فهم منه أنها تؤمر أن تؤخر
اختيارها إذا عتقت وهي حائض حتى تطهر. ونقل ابن عرفة عن المدونة أن ابن القاسم قال:
أكره ذلك يعني الاختيار وهي حائض.
فرع: فإن اختارت في الحيض فلا تجبر على الرجعة قاله في التوضيح. ص: (وإن
تزوجت بعد علمها ودخولها فأتت بدخول الثاني) ش: مفهومه لو علمت لم يفتها الدخول
171

والظاهر أنه كذلك: وانظر لو علم الزوج الثاني أن الأول عتق قبلها هل يفوت بالدخول أو لا؟
والظاهر أنها لا تفوت كما في مسألة المرأة يزوجها وليان والله أعلم. ص: (ولها إن وقفها
تأخير تنظر فيه) ش: قال ابن عرفة اللخمي: أستحسن تأخير ثلاثة أيام والله أعلم.
فصل في الصداق وهو الركن الخامس
(الصداق كالثمن) ش: تصوره من كلام الشارح ظاهر.
فرع: قال ابن سلمون في أوائله: ولابد من بيان السكة إن كان الصداق دنانير أو
دراهم، فإن سقط ذكرها كان لها السكة الجارية في البلد في تاريخ النكاح، فإن اختلفت أخذ
من الأغلب، فإن تساوت أخذ من جميعها بالسوية كمن تزوج برقيق ولم يصف حمرانا ولا
سودانا اه‍. وقال في المتيطية: وقولنا من سكة كذا هو الصواب. قال بعض الموثقين: ولو
سقط ذكره من العقد واقتصر على قوله كذا وكذا دينارا ولم يسم من أي سكة لكان للزوجة
من السكة الجارية عقد الصداق في تاريخه، فإن كان يجري في البلد سكتان كان لها من
أغلبهما، فإن تساوتا في الجري أعطيت النصف من كلا السكتين كمن تزوج برقيق ولم يصف
حمرانا ولا سودانا. المتيطي: وهذا على قول ابن القاسم أجاز ذلك، وأما على قول سحنون
الذي يقول لا يجوز حتى يسمى الجنس فيكون عليه وسط من ذلك الجنس، فإن وقع مجملا
فسخ قبل البناء وثبت بعده بصداق المثل فينبغي أيضا على مذهب سحنون هذا لا يجوز حتى
يسمى سكة الدنانير التي وقع النكاح بها والله أعلم.
172

ص: (وضمانه وتلفه واستحقاقه وتعييبه أو بعضه كالمبيع) ش: ذكر رحمه الله خمس
مسائل من مسائل الصداق، وذكر أن حكمه فيها حكم المبيع، فأما ضمانه فذكر أنه كالمبيع
فإن كان النكاح صحيحا فينتقل الضمان إلى الزوجة بالعقد، وإن كان فاسدا فبالقبض. قال في
المدونة: ومن نكح على عبد آبق أو بعير شارد أو جنين في بطن أمه أو بما في بطن أمته أو بما
173

تلده غنمه أو بثمرة أو زرع لم يبد صلاحهما أو على دار فلان أو على أن يشتريها لهما، فسخ
النكاح في ذلك كله قبل البناء وثبت بعده ولها صداق المثل وترد ما قبضت من آبق وشارد
وغيره، وما هلك بيدها ضمنته ولا تضمنه قبل قبضه، ويكون من الزوج وما قبضته ثم تغير في
174

يدها في بدن أو سوق فقد فات، وترد قيمة ما يقوم به يوم قبضته وترد مثل ماله إن زالت
عينه أو تغيرت اه‍. وقال بعد هذا: وكل ما أصدق الرجل امرأته من حيوان أو غيره مما هو
بعينه فقبضته أو لم تقبضه فحال سوقه أو نقص في بدنه أو نما أو توالد ثم طلقها قبل البناء،
فللزوج نصف ما أدرك من هذه الأشياء يوم طلق على ما هو به من نماء أو نقص، لا ينظر
في هذا إلى قضاء قاض، لأن كان في ذلك شريكا لها. ألا ترى أن هذه الأشياء لو هلكت
بيدها ثم طلقها قبل البناء لم يرجع عليها بشئ؟ ولو هلكت بيده كان له أن يدخل بها ولا
صداق عليه؟ ولو نكحها بعرض بعينه فضاع بيده ضمنه إلا أن يعلم ذلك فيكون منها
انتهى. وقال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: ووجب تسليمه إن تعين لأنه مضمون
منها بنفس العقد فلا معنى لبقائه بيد الزوج انتهى. وسيأتي كلامه عند قول المصنف:
ووجب تسليمه فعلم من هذا أن ضمان الصداق من الزوجة بالعقد إلا أنه إذا كان مما
يغاب عليه ولم تقم بينة فإن الزوج يضمنه. وهذا معنى قول الشيخ فيما يأتي: وضمانه إن
هلك ببينة أو كان مما يغاب عليه منهما وإلا فمن الذي بيده. واعتراض بعض الشراح على
المصنف غير ظاهر، والكلام الذي ذكره إنما هو حكم النكاح الفاسد فتأمله. وأما استحقاق
الصداق فلا يخلو إما أن يتزوجها على شئ بعينه أو بشئ مضمون. فإن تزوجها بشئ
بعينه ثم استحق فإنها ترجع بقيمة الشئ المستحق إن كان مقوما وبمثله إن كان مثليا كما
قاله في النكاح الثاني من المدونة وقاله ابن الحاجب. وإن كان مضمونا فترجع بمثله. وانظر
تشبيه المصنف له بالبيع فإنه يقتضي أنها ترجع بصداق المثل وعوض البضع، فإذا استحق
وجب أن ترجع بقيمته لفواته بالعقد، وسيذكر المصنف في باب الاستحقاق أنها ترجع بقيمة
المستحق. ص: (ووجب تسليمه إن تعين) ش: يعني أن المهر إذا لم يكن مضمونا فإن كان
ذاتا مشارا إليها كدار أو عبد أو ثوب بعينه فإنه يجب تسليمه للمرأة بالعقد - قاله اللخمي - وإن
كان الزوجان صغيرين أو كان أحدهما مريضا انتهى. وقال ابن عبد السلام: ولا ينتظر
بلوغ زوجته أو إطاقة زوجته ولا يجوز تأخيره كما لا يجوز بيع معين يتأخر قبضه لأنه مضمون
منها بنفس العقد فلا معنى لبقائه بيد الزوج. انتهى كلامه. ص: (وإلا فلها منع نفسها وإن
175

معيبة من الدخول والوطئ بعده والسفر إلى تسليم ما حل) ش: أي وإن لم يكن المهر شيئا معينا
فلا يجب تسليمه بالعقد ولكن لها منع نفسها حتى يسلم الحال. هذا ظاهر كلامه وهو خلاف
قول ابن الحاجب. ويجب تسليم حاله وما يحل منه بإطاقة الزوجة الوطئ وبلوغ الزوج لا بلوغ
الوطئ على المشهور. وقبله ابن عبد السلام. قال في التوضيح: أي ويجب تسليم حال المهر وما
كان مؤجلا منه فحل عند زمن إطاقة الزوجة الوطئ وعند بلوغ الزوج الحلم على المشهور، ولمالك
في كتاب ابن شعبان عند بلوغ القدرة على الوطئ اه‍. وقال ابن عرفة: وتسليم حال المهر يجب
للزوجة بإطاقتها الوطئ وبلوغ زوجها، وفي كون إطاقته إياه قبل بلوغه كبلوغه روايتا اللخمي
مصوبا الثانية انتهى. فعلم أنه يجب على الزوج تسليم المهر الحال بإطاقتها الوطئ وبلوغه. وقول
المصنف: لها منع نفسها يفيد مسألة أخرى وهي ما إذا قال الزوج لا أدفع المهر حتى أدخل
وقالت المرأة لا أمكنه حتى أقبض ما حل فلها منع نفسها. وقاله في الجواهر. قال في التوضيح:
وهو ظاهر كلام ابن الحاجب ومقتضى المدونة لقولها: وللمرأة منع نفسها الخ. حتى تقبض
صداقها، ولهذا قال ابن الحاجب بعد كلامه المتقدم: وللمرأة منع نفسها الخ.
واعلم أن كلام المصنف وإن كان يستلزم وجوب الحال من الصداق أو ما حل منه لكن
أول كلامه يدل على عدم وجوبه، ففي كلامه ما يشبه التدافع. ولو قال المصنف: ووجب
تسليم معينه بالعقد وحال غيره أو ما حل منه ببلوغ زوج وإطاقتها ووجب تسليمه بالعقد إن
تعين وإلا فتسليم ماله أي ما حل منه ببلوغ زوج وإطاقة زوجة ولها منع نفسها وإن معيبة من
الدخول حتى تقبضه ومن الوطئ بعده والسفر لا بعد الوطئ إلا أن يستحق ولو لم يغرها على الأظهر
. وقوله: ما حل تقدم في التوضيح أنه شامل لما كان حالا من الأصل ولما كان مؤجلا
فحل. أما الأول فلا كلام فيه، وأما الثاني ففيه خلاف، والذي شهره ابن الحاجب وغيره ورواه
اللخمي عن مالك وجوب تسليمه قبل البناء. وقيل: إنما يجب تسليمه بعد البناء. وقيل: لا
يكلف الزوج دفع الكالئ وإن كان موسرا حتى يكمل أسبوعه بعد بنائه بها، وإن كان معسرا
اتبعته به. قال بعض الموثقين: كان رأى أنهما اتفقا حين العقد على بنائه بدفع المعجل فألزمها
176

ذلك بعد حلول المؤجل اه‍. وقيل: إنما يجب بعد الدخول بقدر اجتهاد الحاكم وعزاه ابن سهل
لسحنون قال: قد ينقد الرجل عشرة ومهره مائة لو قيل تأخذ له بها ما رضي بسدسها فإنما
يكون حلوله إذا رأى الحاكم ذلك ولا يكون قبل الدخول على حال وإن كان في الكتاب
مهرها حال لها عليه اه‍. من ابن عرفة بالمعنى. وقال بعده: وما نقله ابن سهل عن سحنون
حجة لاحد قولي شيوخ بلدنا في اختلافهم في تمكين المرأة من طلب مهرها بعد البناء دون
موت ولا فراق. وقال بعضهم: يقضى لها بذلك لكتبهم في الصدقات أنه على الحلول. وقال
بعضهم: لا يقضى لها لاستمرار العادة بعدم طلبه إلا لموت أو فراق فألزم كون أنكحتهم فاسدة
فالتزمه. وكان شيخنا ابن عبد السلام في أول أمره ولا يقضي به فقضى به بعض ولاته بالجزيرة
فشكى له به فأنبه فقال له: إنما قضيت به لأن الزوجة وهبته فقبل ذلك منه. ثم بعد ذلك كتب
لبعض قضاته بالقضاء به مطلقا كدين حل.
وكان الشيخ أبو محمد والآجمي مدة قضائه يندب المرأة لعدم طلبه ويقول لها: إذا كانت
المرأة لا مهر لها على بعلها زهد فيها ونحو ذلك، فإن لم تقبل مكنها من طلبه. وهذا إذا كان
على الزوج، وإن كان على غيره فلا يختلف في تمكينها من طلبه اه‍. وقوله: وإن معيبة سواء
طرأ العيب بعد العقد أو كان قديما ورضي به الزوج وإن كان لا يمكنه الوطئ. نقله في التوضيح
وغيره وكذلك المريضة. قال ابن عرفة ابن عبد السلام: قول ابن الحاجب المريضة كالصحيحة
فيحتمل أن يريد غير التي بلغت جد السياق كما في النفقة، ويحتمل أن يريد العموم، والفرق بين
النفقة والمهر أن النفقة في مقابلة الاستمتاع وهو في البالغة حد السياق متعذر والصداق لا يصلح
كون المرض مانعا لأن قصاراه الموت والموت موجب للصداق لا مانع منه.
177

قلت: يمنع إرثه نصفه أو ربعه، وظاهر متقدم لفظها أن المهر كالنفقة وفيها لابن القاسم
المهر في هذه المسائل أوجب من النفقة اه‍. وتأمل قوله: قلت يمنع إرثه بل الذي يمنع الإرث
الموت أو ما هو فإنه لم يظهر لي والله أعلم. وقد جزم في التوضيح بالاحتمال الثاني فقال:
يعني أنه لا يكون الامتناع من دفع الصداق لمرضها ولو بلغت حد السياق اه‍. وهو ظاهر كلام
المدونة الذي نقله ابن عرفة عنها لقوله أوجب وهو في آخر النكاح الثاني والله أعلم.
فرع: قال ابن عرفة قال مالك: الزوج المريض الذي لا يقدر على جماع كصحيح اه‍.
قوله والسفر قال البساطي: ولو مكنت من الدخول والوطئ بعده فلها منع نفسها من السفر
ثم قال: فإن قلت ظاهر كلامه وكلامهم أن السفر كالوطئ والدخول أعني لها التعلق به قبل
الوطئ لا بعده كهما وهو يخالف ما قررت به كلامه.
قلت: نظرت في معنى كلامهم فوجدته يعطي أن لها المنع من السفر وإن دخل ووطئ
اه‍. وما قاله يخالف ما قاله ابن عبد السلام ونقله في التوضيح عنه ونصه: وأما امتناعها من
السفر معه قبل قبض صداقها فإنما يكون لها ذلك قبل الدخول اه‍. فجعل الدخول مسقطا
حقها من السفر فأحرى الوطئ. وقال في أواخر إرخاء الستور من المدونة: وللزوج أن يظعن
بزوجته من بلد إلى بلد وإن كرهت وينفق عليها وإن قالت حتى آخذ صداقي، فإن كان بنى
بها فلها الخروج وتتبعه به دينا. قال ابن يونس: يريد في عدمه، وأما إن كان موسرا فليس له
الخروج بها حتى تأخذ صداقها وقاله أبو عمران اه‍. قال عبد الحق في التهذيب بعد ذكره
كلام أبي عمران: وقال بعض شيوخنا من أهل بلدنا: إن كان يخرج بها إلى بلد تجري فيه
الاحكام ويوصل فيه إلى الحقوق فيخرج بها قبل أن يدفع إليها صداقها، وإن كان يخرج بها
إلى بلد لا تجري فيه الاحكام على ما ذكرنا فلها أن لا تخرج معه حتى يدفع إليها صداقها
انتهى.
تنبيه: قال المشذالي في حاشيته: قوله: في إرخاء الستور من المدونة للزوج أن يظعن
بزوجته من بلد إلى آخر معناه الحر لا العبد ولو كانت زوجته أمة. ابن رشد: للحر ذلك إلا أن
يكون غير محسن ولا مأمون عليها وهو معنى ما في المدونة وصرح به أشهب عن مالك. ابن
رشد في سماع أشهب من النكاح: هو محمول على ما يوجب له الخروج بها حتى يعلم خلافه
وهو مقتضى ما في ستورها أنه محمول على حسن العشرة اه‍. وفي رسم الجواب من سماع
عيسى من طلاق السنة: وسألته عن العبد يريد أن يظعن بزوجته الحرة قال ابن القاسم: ليس
للعبد أن يظعن بزوجته، حرة كانت أو أمة، إلا أن يكون الشئ القريب الذي لا يخاف عليها
فيه ضرورة، فأما الاسفار والبلدان والعبد فليس له ذلك. أرأيت لو ظعن بها في أرض غربة ثم
باعه سيده ممن يظعن به كيف كانت تكون وإن لم تقدر على النهوض والرجوع ولا يحملها
178

سيده معه ويمنعه من ذلك وتبقى تستطعم: ولا أعلمه إلى قول مالك ابن رشد قد بين وجه قوله
بما لا مزيد عليه وللحر ذلك إلا أن يكون غير محسن إليها ولا مأمون عليها على ما مضى في
رسم الطلاق من سماع أشهب من النكاح وهو معنى ما في المدونة. وقوله: إلى تسليم ما
حل قال المصنف في التوضيح وغيره: يكره الدخول قبل تقديم ربع دينار اه‍. وكلام البساطي
يفهم خلاف ذلك فإنه قال: ليس لها أن تمكنه من الدخول قبل أن تقبض ربع دينار اه‍. وقال
في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب النكاح: وللمرأة أن تمنع نفسها من الزوج حتى
يقدم لها ربع دينار ولو لم يكن حالا. ولو رضيت له بالدخول بلا شئ فلا أن تمنعه لأن
الكراهة في ذلك حق لله فلا تسقط عنه بإذنها. وهذا ما لم يدخل بها، وإن دخل بها فلا يكره
له وطؤها ثانية قبل أن يعطيها ربع دينار ولا لها أن تمنعه خلافا لمحمد. اه‍ بالمعنى.
تنبيهان: الأول: قال في التوضيح: كره ابن القاسم الدخول بالهدية لأنها ليست من
الصداق لأنه لو طلقها لم يكن له فيها شئ. قيل له: فهل تدخل برهنها بالصداق رهنا؟ قال:
نعم. قيل: فهل يجوز أن يتحمل عنه بالصداق ويبني؟ قال: أخبرني من أثق به أن بعض أهل
العلم أجازه وأحب إلي أن يقدم لها ربع دينار اه‍.
الثاني: تقدم في شرح قول المصنف في الزكاة كحسب على عديم عن أبي الحسن عن
بعض الشيوخ أن من له على مليئة ربع دينار أن له أن يحتسب به في مهرها ويتزوجها. وقال
الشيخ أبو الحسن: إنه غير بين لأن الدين إنما تعتبر قيمة إذ هو كالعرض وقيمته دون ذلك فلا
يحتسب به عليها في مهرها لأنه يؤدي إلى أن يتزوجها بأقل من النصاب والله أعلم. ص: (إن
بلغ الزوج) ش: هذا راجع إلى قوله: لتسليم ما حل كما تقدم تقريره والله أعلم. ص: (وتمهل
سنة إن اشترطت لتغربة أو صغر) ش: يريد بالصغر الصغر الذي يمكن معه الوطئ. ونقله ابن
عرفة عن ابن رشد ونصه، وما ذكر أصبغ عن مالك من لزوم الشرط إذا كان لصغر أو ظعون
معناه في السنة ونحوها كذا في المدونة ويريد بالصغر الذي يمكن معه الوطئ اه‍. ص: (وإلا
بطل لا أكثر) ش: قال البساطي: لو أخر المؤلف قوله: وإذا بطل عن قوله: لا أكثر لكان
أحسن. اه‍ ولو فعل المؤلف كما قال لفسد معنى المسألة والله أعلم. ص: (وللمرض والصغر
المانعين للجماع) ش: أما الصغر المانع للجماع فلا إشكال أن من طلب التأخير لأجله من الزوج
أو من أهل الزوجة أجيب إلى ذلك. وقد نص في آخر النكاح الثاني من المدونة على الوجهين
179

جميعا أعني طلب التأخير من الزوج وأهل الزوجة بل قال ابن عرفة إثر كلامه المتقدم في القولة
التي قبل هذه: ولو كانت في سن من لا توطأ. كما إن من حق أهلها منعه البناء بها حتى تطيق
الوطئ. قاله في المدونة اه‍. وأما إمهال الزوجة للمرض إذا طلبته فذكر المصنف أنها تمهل. ونحوه
لابن الحاجب ولم ينص عليه في المدونة ولا ابن عرفة، وإنما نص فيها على أن المريضة مرضا يمنع
الجماع إذا دعت الزوج إلى البناء والنفقة لزمه ذلك قال: ومن دعته زوجته إلى البناء والنفقة
وأحدهما مريض مرضا لا يقدر معه على الجماع لزمه أن ينفق أو يدخل، وإذا كانا صحيحين في
العقد لم ينظر إلى ما حدث بهما من مرض إلا أن يكون مرضا بلغ حد السياق فلا يلزمه ذلك،
والصداق أوجب من النفقة في هذه المسائل لأن لها منع نفسها حتى تقبضه. ولو تجذمت بعد
النكاح حتى لا تجامع معه فدعته إلى البناء قبل دفع الصداق وأنفق ودخل أو طلق، ولم اطلع الآن
على من نص عليه فتأمله والله أعلم. ص: (وقدر ما يهيئ مثلها أمرها) ش: تصوره ظاهر.
فروع: الأول: قال في النوادر: وإذا طلبت المرأة النفقة ولم يبن بها فإن فرغوا من جهازها
حتى لم يبق ما يحبسها قيل له ادخل أو أنفق، ولو قال الزوج: انظروني حتى أفرغ وأجهز
بعض ما أريد فذلك له ويؤخر الأيام بقدر ما يرى، وهو قول مالك، ولا شئ عليه فيما تقدم
إلا أن يكون وليها قد خاصم في ذلك ففرض لها السلطان ولا يطلب بالنفقة من لم يبلغ الحلم
ولا بالصداق انتهى. وقوله: إلا أن يكون وليها قد خاصم الخ هو قول أشهب وهو خلاف
قول مالك كما سيأتي في فصل النفقات.
الثاني: إذا غاب وليها وأراد الزوج البناء فإن كان قريبا أعذر إليه في ذلك، فإن جاوب
بالإياب عن قرب لمثل ما يجهز فله مثل ذلك، وإن لم يرجع أو كان بعيدا قضى للزوج بالبناء
ولم ينتظر. نقله في التوضيح.
الثالث: قال في التوضيح: إذا شرط عليها البناء ببلد غير بلد النكاح فعلى الولي حملها
إلى بلد البناء ومؤنة الحمل عليه والنفقة إلى وقت البناء إن كانت بكرا، وإن كانت ثيبا كان
180

ذلك عليها إلا أن يشترطوا على الزوج فيكون عليه، ولو كان على الطوع لكان أحسن انتهى.
ص: (إلا أن يحلف ليدخلن الليلة) ش: قال ابن عرفة: المشاور إن مطل الا الزوج بالبناء
فحمل ليبنين الليلة بعتق أو طلاق قضى له، وسمعت بعض شيوخنا يحكيه لا بقيد المطل. ص:
(وإن لم يجده أجل لاثبات عسرته) ش: يعني فإن كان الزوج الذي منعته زوجته نفسها حتى
يسلم لها الصداق مقرا بالصداق وببقاء النقد عليه وادعى الاعسار وسأل التأجيل وأكذبه أبو
الزوجة وزعم أنه من أهل الجدة، أجل لاثبات عسره. كذا قرره. وفي المتيطية.
فرع: قال في التوضيح: واعلم أنه إن كانت الزوجة ثيبا كان الحق لها دون أبيها، وإن
كانت بكرا فهل للأب ذلك وإن لم تطلبه البنت؟ وعبر ابن فرحون بقوله: ولو رضيت البنت
بعدم القيام أوليس له ذلك إلا بتوكيلها له على ذلك الأول. قال المتيطي وغيره: ظاهر المدونة
وإليه ذهب بعض شيوخنا وقال: إنه مقتضى المذهب. وذهب إلى الثاني ابن عات وابن رشيق
وغيرهما والله أعلم. ص: (ثلاثة أسابيع) ش: قال في المتيطية: وكان القضاة بقرطبة يجمعونها
مرة ويفرقونها أخرى على حسب ما يبدو لهم. فإذا فرقوها جعلوها ثمانية أيام ثم ستة ثم أربعة
ثم يتلومون بثلاثة انتهى. ثم قال عقيبه: وهذا في غير الأصول، وأما التأجيل في الأصول فالذي
مضى عليه عمل الحكام ثلاثون يوما يضرب له عشرة أيام ثم عشرة ثم يتلوم له بعشرة، أو
يجمع ذلك فيضرب له ثلاثين يوما. ثم قال بعض الشيوخ: وهذا مع حضور بينته في البلد،
وأما إن كانت غائبة عنه فأكثر من ذلك بحسب اجتهاد الحاكم انتهى. وقال ابن عرفة: وإذا
وقف الزوج لأداء المهر وطلب طالبه سجنه لأدائه أو جميلا به وادعى العدم فقال المتيطي وابن
فتحون: المذهب أنه كدين يؤجل لاثبات عدمه أحدا وعشرين يوما. قال: وليس هذا التحديد
بلازم بل هو استحسان لاتفاق قضاة قرطبة وغيرهم عليه، وهو موكول لاجتهاد الحاكم، ثم
نقل بقية كلام المتيطي المتقدم والله أعلم.
فرع: قال في التوضيح: وللمرأة أن تطلبه بحميل بوجهه، فإن عجز منه فلها أن تسجنه
لأن الصداق دين كسائر الديون انتهى. وتقدم في كلام ابن عرفة عن المتيطي.
فرع: فإذا مضت آجال التلوم ولم يثبت إعساره لم يصرحوا هنا بحكمه، والظاهر أن
حكمه حكم المديان إن كان مجهولا حبس ليستبرئ، وإن أثبت إعساره بصفة ما يشهد
الشهود أنهم يعرفون فلان ابن فلان الفلاني معرفة تامة صحيحة بعينه واسمه ويعلمونه فقيرا
عديما قليل ذات اليد ممن لا يقدر على أداء ما لزوجته عليه من النقد على هذه الحالة عرفوه
181

وبها خبروه ولم ينتقل عنها ولا تبدل سواها منها في علمهم إلى الآن. قاله المتيطي ص: (ثم
تلوم بالنظر وعمل بسنة وشهر) ش: يعني فإذا ثبت عسره أو صدق فيه أو استبرئ بالحبس.
قال في المتيطية: أعذر القاضي فيه إلى الأب فإن كان عنده مانع وإلا حلف القاضي الزوج على
تحقيق ما شهد له به من عدمه ثم أجله. قال المصنف بالنظر وعمل بسنة وشهر يعني بثلاثة
عشر شهرا. كذا قرره الشارح بهرام. وقال البساطي: يعني أنه عمل بسنة وعمل بشهر. ثم ذكر
كلام الشارح على هيئة المعترض عليه. وما قاله ليس بظاهر بل مراد المؤلف ما ذكره الشارح
وصفة التأجيل يؤجله ستة أشهر ثم أربعة ثم شهرين ثم شهرا. قال ابن عرفة المتيطي وابن فتوح:
يؤجل أولا ستة أشهر ثم أربعة أشهر ثم شهرين ثم يتلوم له بثلاثين يوما، فإن أتى بشئ وإلا
عجزه. وإنما حددنا التأجيل بثلاثة عشر شهرا استحسانا.
فرع: قال المتيطي: ولا يعد اليوم الذي يكتب فيه الاجل ولا يحتسب به فإذا تم الاجل
لم يكتب الثاني في اليوم الذي تم فيه الأول بل اليوم الذي بعده، ولا يحتسب بهذا اليوم الذي
كتب فيه من الاجل الثاني وكذلك بقية الآجال. انتهى باختصار.
فرع: قال ابن عرفة: ويحضر الزوج لضرب أول آجاله، وفي إحضاره لضرب ما سواه
دون إشهاد الحاكم بحكمه بضرب الاجل ثالثها ويشهد به لعمل بعض القضاة قائلا ليس على
إحضاره إلا في الآجل الأول كما لو جمعتها عليه وغيره محتجا بأن الخصم قد يدعي أنه ما
أجل غير الأول. وابن فتوح محتجا بأنه إن لم يشهد على حكمه به بطل بموته أو عزله ولا
يقبل قوله بعد عزله ولا تفيد علامته على أداء شهود تأجيله فيؤدي إلى استئناف نظر من ولي
بعده فيطول انتهى. والقول الثالث قال في المتيطية: هو أخص وأحسن.
فرع: قال ابن فرحون: وهل يشترط في التأجيل إقامة النفقة والكسوة؟ فإن لم يقم بها
عجل عليه الطلاق فيه خلاف انتهى. وقال ابن عرفة: وسمع عبد الملك أشهب وابن وهب كم
يؤجل في المهر إن أجرى النفقة؟ قال قال مالك: فسنتين أو ثلاثا. ورأي ابن وهب ثلاثا. ابن
رشد: معناه إذا عجز عن المهر وإن اتهم أنه غيب ماله فلا يوسع له. قاله ابن حبيب إلا أنه قال:
182

يتلوم له في المهر إذا أجرى النفقة السنتين قال: ولو عجز عن المهر والنفقة لم يوسع له في أجل
المهر إلا الأشهر إلى السنة وهذا إن دلبته بالمهر ولم تطلبه بأجل النفقة والتلوم فيها له. قاله
محمد وهو صحيح، ولو كان له مال ظاهر حكم عليه بدفع المهر وأمر بالبناء.
قلت: الذي رأيته في العتبية ورأي ابن وهب بهمزة بعد الراء ونقله ابن فتوح وروي بواو
بعد الراء. وقال ابن القاسم في المدونة: لا أعرف سنة ولا سنتين بل قول مالك يتلوم له مرة
بعد مرة وأن لا فرق بينهما انتهى. ص: (ثم طلق عليه) ش: يعني فإذا انقضت الآجال ولم يأت
بشئ وظهر عجزه عجزه الحاكم وطلقها عليه إن دعا أبوها إليه. قاله في المتيطية. وقال بعد
ذلك: يكتب ذلك في العقد فأمر القاضي وفقه الله الزوج فلانا بتطليقها فأبى من ذلك وثبتت
إبايته فطلقها عليه طلقة واحدة تملك بها أمر نفسها انتهى. وقال ابن فرحون في شرح ابن
الحاجب: والذي يوقع الطلاق في هذه المسألة هو الحاكم، وإنما يوقعه بسؤالها وتفويضها له في
الطلاق، وله أن يأذن لها فتوقعه هي على نفسها انتهى. وقال ابن عرفة: وفي كون التطليق
لعجزه بإيقاعه الزوج أو الزوجة ثالثها الزوج فإن أبى فالحاكم لابن سهل عن ابن القاسم ابن
سراج وابن عات في الطلاق لما هو من حق الزوجة مع استحسانه. ابن مالك وابن فتحون اه‍.
ص: (وتقرر بوطئ وإن حرم) ش: وأما القبلة والمباشرة والتجرد والوطئ دون الفرج فلا يوجب
عليه الصداق. قاله في إرخاء الستور.
مسألة: من دفع امرأة فسقطت عذرتها فعليه ما نقصها بذلك من صداقها عند الأزواج
وعليه الأدب، وكذا لو أزالها بأصبعه، والأدب هنا أشد، وسواء فعل ذلك رجل أو غلام أو
امرأة. هذا في غير الزوج، وأما الزوج فحكمه في الدفعة مثل غيره عليه ما نقصها عند غيره
وإن فارقها ولم يمسكها، وإن فعل بها ذلك بأصبعه فاختلف هل يجب عليه بذلك الصداق أو
لا يجب عليه بذلك الصداق وإنما يجب عليه ما شأنها عند غيره من الأزواج إن طلقها ولم
يمسكها قولان. انتهى بالمعنى من رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الجنايات،
وذكرها في سماع أصبغ وسحنون من كتاب النكاح وتكلم عليها ابن رشد في سماع سحنون
183

ونسبها ابن عرفة لسماع عيسى وليست فيه. وقال في التوضيح: إن أصابها بأصبعه وطلقها فإن
كانت ثيبا فلا شئ لها، وإن كانت بكرا وافتضها به فقيل يلزمه كل المهر، وقيل يلزمه ما
شأنها مع نصفه، وقيل إن رؤي أنها لا تتزوج بعد ذلك إلا بمهر فكالأول وإلا فكالثاني، ومال
أصبغ إلى الثاني واستحسنه اللخمي، انتهى باختصار منه ومن ابن عرفة. قال في النوادر: ولا
أدب عليه، ولو فعل بها ذلك غير زوجها فعليه الأدب وما شأنها وتقدم هذا في كلام العتبية.
فرع: قال في التوضيح: وإذا كان الزوج غير بالغ فلا يتكمل بوطئه الصداق اه‍. وإذا
كانت الزوجة غير مطيقة للوطئ قال فيه: لا يتكمل والظاهر أنه يكون جناية. قال في النوادر في
الذي افتض زوجته فماتت: روى ابن القاسم عن مالك إن علم أنها ماتت منه فعليه ديتها وهو
كالخطأ، صغيرة كانت أو كبيرة، وعليه في الصغيرة الأدب إن لم تكن بلغت حد ذلك، وقال ابن
الماجشون: لا دية عليه في الكبيرة ودية الصغيرة على عاقلته ويؤدب في التي لا يوطأ مثلها اه‍.
تنبيه: انظر هل يدخل الوطئ في الدبر في قول المصنف: وإن حرم وفيه قولان. قال
ابن عرفة قال اللخمي: اختلف في استحقاق المهر بالوطئ في الدبر وفيه نظر وهو في البكر
أبعد. قلت في رجمها لمالك وطؤها في الدبر جماع لا شك فيه انتهى.
مسأله: قال في المسائل الملقوطة في ذكر الذين لا صداق عليهم ما نصه: وكذلك المرأة
إذا اشتهرت بالسفاح وإباحة فرجها لغير زوجها فلا صداق لها على زوجها. قاله ابن القاسم في
أسئلته. وقيل لها الصداق وتحد. قاله في كتاب الأحكام من مسائل الاحكام انتهى. ص:
(وموت واحد) ش: صغيرا كان أو كبيرا. وفي النوادر ما يدل على ذلك قال فيها: ومن زوج
ابنه الصغير من ابنة رجل صغيرة فمات الصبي فطلب أبو الصبية المهر فقال أبو الصبي لم أسم
مهرها وإن ذلك إنما كان منك على الصلة لابني قال محمد: لا يصدق ولها ما ادعى أبوها إن
كان صداق مثلها. قال مالك: لا شئ لها إلا الميراث. انظر بقية المسألة فيها والله أعلم. ص:
(وصدقت في خلوة الاهتداء) ش: قال في إرخاء الستور من المدونة: وإن قالت قد وطئني
صدقت، كان الدخول عندها أو عنده إذا كان دخول اهتداء اه‍. وقوله: صدقت أي بيمين
وهو أحد الأقوال. ابن عبد السلام: وهو الصحيح، وسواء كانت كبيرة أو صغيرة لأن ابن عرفة
184

نقل أن القول الثالث يفرق فيه بين الصغيرة فلا يجب عليها شئ وبين الكبيرة فيجب عليها
اليمين. وقال في التوضيح: قد تقدم أن الكبيرة لا تأخذ الصداق إلا بعد اليمين على الظاهر،
وأما الصغيرة فلا تحلف في الحال ويقال للزوج احلف، فإن كل غرم الجميع عند ابن عبد
السلام ولم يكن له أن يحلفها إذا بلغت اه‍. ثم قال في التوضيح: وإن حلف دفع النصف
فإذا بلغت حلفت وأخذت النصف الآخر فإن نكلت لم يحلف الزوج ثانية اه‍. وهذا إن
أنكر الزوج الوطئ وإن وافقها عليه يثبت الوطئ بلا خلاف. قاله ابن عرفة. ص: (وفي نفيه وإن
سفيهة وأمة) ش: يريد إذا وافقها الزوج على نفيه أيضا بدليل قوله بعد: وإن أقر به فقط.
ومن طالع الجواهر وابن عرفة علم صحة هذا. ابن عبد السلام: وحيث قبلنا قولها في الوطئ
فهي على العموم، سواء كان في وجود الوطئ أو عدمه. أدى ذلك إلى منفعتها أو مضرتها،
رشيدة كانت أو سفيهة، بكرا أو ثيبا، صغيرة أو كبيرة، حرة أو أمة. اه‍ والله أعلم. ص:
(والزائد منهما) ش: يريد بيمين. انظر ابن عرفة وتأمل كلام التوضيح والله أعلم. ص: (وإن أقر
به فقط أخذ إن كانت سفيهة) ش: جرى رحمه الله هنا على ما نقله في التوضيح عن ابن راشد
وهو خلاف ما قاله ابن عبد السلام: وإن ادعت عيبة وأقربه الزوج فإن كانت رشيدة في المسألة
التي يذكرها المؤلف عقب هذه، وإن كانت سفيهة أو صغيرة أو أمة ففي ذلك قولان، أحدهما
قولها وهو المشهور. اه‍ فتأمله والله أعلم. ص: (وهل أن أدام الاقرار الرشيدة كذلك) ش: أما
إن لم يدم الاقرار فإن رجع لقولها قبل رجوعها لقوله فإنه يسقط عنه نصفه ولا يمين عليه أقامت على
إنكارها أو نزعت. قاله ابن عرفة عن ابن رشد. وأما إن أدام الاقرار فعلى التأويل الأول لا كلام،
وعلى الثاني وهو إن كذبت نفسها فلا يمين عليه أقام على قوله أو نزع عنه. قاله أيضا ابن عرفة.
فرع: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: ولو أنكر الزوج الخلوة ولم تقم له بينة فإنه
يحلف ويلزمه نصف الصداق وإن نكل غرم الجميع انتهى.
185

فرع: قال ابن عرفة الصقلي عن القابسي: من بنى بمن نكحها بذي غرر وأنكر وطأها
وادعته غرم مهر مثلها وفسخ نكاحه لاقراره بنفي موجب إمضائه ولو ادعاه لم يفسخ ولو
أكذبته اه‍. ونقله ابن عبد السلام، وانظر تمام الكلام على المسألة في ابن رشد واللخمي وشرح
المدونة في إرخاء الستور والله أعلم.
فرع: قال البرزلي في مسائل النكاح: وسئل ابن أبي زيد عمن بنى بزوجته ثم طلقها
وادعى عدم المسيس وكذبته فأخذت منه صداقها ثم أخذت تزني فقالت أقررت بالمسيس لاخذ
الصداق، فهل يرجع عليها بنصفه؟ وأجاب: وكذا ينبغي أن له ذلك عليها.
قلت: فيحتمل هذا وإن رجعت عن إقرارها لأنه حق لآدمي كما إذا أقر بقتل رجل ثم
رجع فإنه لا يقبل منه في حق الآدمي، ويقبل منه في درء الحد، ويحتمل أن يكون ذلك ما لم
ترجع عن إقرارها كالحد، وسكت عن نوع الحد وجوابه في المدونة أنه حد البكر لعدم اتفاقهما
على الوطئ انتهى. وتكلم على المسألة في موضعين: الأول منهما لم يذكر فيه قوله وسكت عن
نوع الحد الخ. والثاني لم يذكر فيه قوله ويحتمل هذا إلى قوله كالحد والله أعلم. ص: (وفسد
إن نقص عن ربع دينار) ش: قال ابن الحاجب: ولو كان عبده لامته انتهى. وأما أكثر الصداق
فلا حد له. قال في المتيطية بإجماع قال الله في كتابه: * (هن قنطارا) *
قال الشيخ أبو بكر في كتابه: والقنطار ألف أوقية ومائتا أوقية، وروي ذلك عن النبي عليه
السلام. وقيل: القنطار ألف دينار ومائتا دينار. وعن ابن عباس أنه اثنا عشر ألف درهم. وقال
ابن المسيب: ثمانون ألفا. وعن أبي هريرة أنه اثنا عشر ألف أوقية. وعن ابن عباس أيضا هو
أيضا دية أحدكم. وعنه ثمانون ألف درهم وعنه سبعون ألفا. وقال قتادة: ثمانون ألف درهم.
وقيل: هو مائة رطل من ذهب. وعن مجاهد سبعون ألف دينار. وقيل: المال الكثير. وقيل:
أربعون أوقية من ذهب أو فضة. انتهى كلامه. ص: (وإلا فإن لم يتمه فسخ) ش: يعني وإن
لم يدخل فالزوج مخير بين أن يتمه أو يفسخ النكاح، هذا هو المشهور كما صرح به في غالب
الكتب وسقط من نسخة البساطي، فإن لم يتمه فصار الكلام وإلا فسخ فشرحه على المعنى إن
186

لم يدخل تحتم فسخه وقال: إنه المشهور. وهذا ليس بظاهر كما ترى، وإذا لم يتمه وفسخ فلها
النصف على المشهور وقد قدمه المصنف في قوله: وسقط بالفسخ قبله إلا نكاح الدرهمين
فنصفهما كطلاقه ولا شك أن الفسخ هنا بطلاق لأنه مختلف فيه وصرح به في التوضيح وغيره
وانظر ابن عبد السلام. ص: (أو بما لا يملك كخمر وحر) ش: وكذلك الخنزير والقرد والسم وإذا
وقع فالمشهور أنه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل، وهذا معلوم من قول المصنف فيما
تقدم وما فسد لصداقه، وقيل: يمضي مطلقا وقيل: يفسخ مطلقا. ولا شك أن الفسخ هنا بطلاق
للخلاف المذكور ولا شئ على الزوج فيما هلك من ذلك. قاله ابن الحاجب وغيره.
فرع: قال في التوضيح: واختلف إذا استهلكت الذمية الخمر فقال ابن القاسم: لها
صداق المثل ولا تتبع بشئ. وقال أشهب: تعطى ما تستحل به وهو ربع دينار. اللخمي: وهو
أحسن لأن حقها في الصداق سقط بقبضها الخمر وإنما بقي الحق لله تعالى انتهى. وقال البساطي: أن ابن القاسم يقول: لا شئ لها. وقال غيره: لا بد من ربع دينار اه‍.
تنبيه: مشهور المذهب أن النكاح الفاسد لصداقه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق
المثل، واختلف هل الفسخ قبل البناء على الوجوب أو الاستحباب قولا المغاربة والعراقيين. قاله
ابن عبد السلام والمصنف.
فرع: قال ابن عبد السلام: واختلف إذا دعا الزوج في مثل هذا النكاح إلى البناء والنفقة
فاتفق على أنه نكاح صحيح ثم عثر على فساده قبل البناء ففسخ أنه يرجع في مال الزوجة بما
أنفق عليها كمن اشترى من رجل داره على أن ينفق عليه حياته فإنه يرجع عليه بالنفقة التي
دفع إليه ويفسخ البيع، وقال عبد الله بن الوليد: لا يرجع على الزوجة بشئ انتهى. زاد في
التوضيح إثر كلام ابن الوليد: لأن الفسخ قبل البناء غير واجب إذ أجازه جماعة من العلماء إذا
عجل ربع دينار اه‍. وصحح في الشامل القول بالرجوع ونصه: وحيث فسخ فهل وجوبا أو
استحبابا قولان، ويرجع بما أنفق قبل البناء إن فسخ على الأصح انتهى.
فرع: قال في رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب النكاح: وسئل عمن يكتسب
مالا حراما فيتزوج به، أيخاف أن يكون ذلك مضارعا للزنا؟ فقال: إني والله لأخافه ولكن لا
أقوله. ابن رشد: وجه اتقاء مالك أن يكون فعله مضارعا للزنا هو أن الله تعالى إنما أباح الفرج
بنكاح أو بملك يمين وقال (ص): لا نكاح إلا بولي وصداق فنفى أن يكون نكاحا جائزا إلا
على هذه الصفة، والمتزوج على حرام لم يتزوج بصداق إذ ليس المال الحرام بمال له فإذا وطئ
187

به فقد وطئ فرجا بغير ملك يمين ولا نكاح أباحه الشرع انتهى. ص: (أو بإسقاطه)
ش: حكميها كالتي قبلها. قاله ابن الحاجب عند ذكر نكاح التفويض. وقاله غيره. ومثله النكاح
بلفظ الهبة من غير ذكر الصداق وهما من الفاسد لصداقه. قاله في التوضيح. ص: (أو
كقصاص) ش: ومثله أن ينكحها بقرآن يقرؤه. ابن عرفة: وشرطه كونه منتفعا به للزوجة
متمولا. الباجي عن ابن مزين عن يحيى بن يحيى: من نكح بقرآن يقرؤه فسخ قبل البناء
ويثبت بعده. أبو عمر: روى ابن القاسم مثله. قال ابن القاسم: وكذا من تزوج بقصاص وجب
له على امرأة. وقال سحنون: النكاح جائز وإن لم يدخل.
قلت: هو جار على قول أشهب بجبر القائل على الدية اه‍. وظاهر كلام ابن عرفة أن
القصاص على المرأة نفسها وأحرى لو كان على غيرها والله أعلم. ص: (أو أبق) ش: لو قال:
كآبق لكان أحسن، ويحتمل أن تكون الكاف مقدرة فيه وفيما بعده لأنه معطوف على لفظ
كقصاص كما قاله ابن غازي، ويدخل في ذلك كل ما كان فيه غرر كالبعير الشارد والجنين
والثمرة التي لم يبد صلاحها على التبقية لا على القطع. قاله في التوضيح. وكأنه نافل له عن
غيره بدليل قوله بعده محمد: وإن غفل عنها حتى بدا صلاحها لم يفسخ لأنه كان جائزا ولا
يتهمان على ذلك ويكون لها قيمة ذلك يوم عقد النكاح وترد الثمرة التي طابت للزوج. وظاهر
كلام ابن عرفة أن هذا القيد من عند نفسه لأنه قال: قلت: ثم ذكره والله أعلم وهذا أيضا
المشهور فيه أنه يفسخ ذلك قبل البناء ويثبت بعده صداق المثل والفسخ بطلاق للاختلاف فيه،
وترد ما قبضته من ذلك ويدخل في ضمانها بالقبض لا بالعقد كالبيع الفاسد على المشهور، فإن
قبضته وفات بيدها بحوالة سوق ونحوه فهو لها وتغرم القيمة. قاله ابن الحاجب وغيره. ص:
(أو دار فلان أو سمسرتها) ش: ابن عرفة عنها: ويفسخ قبله ويثبت بعده بمهر المثل، ولا شك
أن الفسخ بطلاق للخلاف الذي فيه والكاف مقدرة فيه كالذي قبله كما تقدم أي وكذا عبد
فلان ودابة فلان والله أعلم. ص: (أو بعضه لأجل مجهول) ش: يأتي حكمها في كلام
188

المؤلف. ص: (أو لم يقيد الاجل) ش: قال في التوضيح اختلف إذا لم يؤرخ أجل الكالئ فقال
المتيطي: المشهور من مذهب مالك وأصحابه وبه العمل وعليه الحكم أنه يفسخ قبل البناء ويثبت
بعده بصداق المثل.
فرعان: الأول: قال في التوضيح: وهل يجوز في الاجل أن يقدر بما يؤجله الناس؟ سئل
ابن زرب عمن نكح بنقد مقدم وكالئ إلى ما يكلأ الناس فقال: لا يجوز لأن الناس يختلفون
في التأجيل. وذكر ابن الهندي عن بعض معاصريه أنه لا يفسخ قبل البناء ويجعل أجله على ما
مضى عليه الناس في الكالئ، فإن اختلف الاجل ضرب له أجل وسط انتهى.
الثاني: قال ابن سلمون في أوائله وفي كتاب الاستغناء: إذا اختلف الزوج والولي في
أجل الكالئ فقال الشهود نسيناه، فإن كان أجل الكوالئ كلها متعارفا عندهم وكان لقلة
الكوالئ وكثرتها أجل، جعل ذلك الكالئ إلى مثل ذلك الاجل، فإن لم يكن ذلك عندهم
متعارفا حمل أجله إلى أكثر ما تحمل عليه الكوالئ إلى مثل ذلك الاجل ويثبت النكاح
انتهى. ص: (إلا لقريب جدا) ش: قاله ابن رشد في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب
189

النكاح: حد القرب على ظاهر قوله - يعني ابن القاسم - إذ قاسمه على الشراء اليوم واليومين
والثلاثة، ونحو ذلك - قال أصبغ - الأربعة والخمسة. وأجاز ابن حبيب أن يدخل بها في البعيد
الغيبة إلا أنه يستحب أن يعطيها ربع دينار عند ابتنائه بها ففرق بين الدخول في النكاح والنقد
في البيع.
فرع: قال: وقوله: إن أصيب العبد فلها قيمته يريد في القريب والبعيد على ما اختاره
من قول مالك في مسألة البيع.
مسألة: وهذا إذا عرفت المرأة العبد أو وصف لها قال: وأما إذا لم تعرفه ولم يوصف لها فلا
إشكال ولا اختلاف في أنه نكاح فاسد يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل انتهى.
ص: (وجمع امرأتين سمى لهما أو لإحداهما) ش: أي وجاز جمع امرأتين فأكثر في
190

عقد واحد إذا سمى لهما أي سمى لكل واحدة منهما صداقها، وكذلك في أكثر من
اثنتين. ونص ابن رشد وغيره على أن هذه المسألة لا خلاف فيها، أو سمى لإحداهما
صداقها ولم يسم للأخرى بل تزوجها نكاح تفويض وجمعهما في عقد واحد. نقله في
التوضيح عن ابن يونس. قال: وكذلك لو جمعهما جميعا في عقد واحد على تفويض، وقاله
أبو عمران ونبه على جميع ذلك الشارح. ص: (وهل وإن شرط تزويج الأخرى أو إن
سمى صداق المثل قولان) ش: يعني وهل يجوز النكاح على الوجه المذكور، وإن شرط في
تزوجه إحداهما تزوج الأخرى، وسواء سمى لكل واحدة منهما صداق مثلها أو لم يسم
لكل واحدة صداق مثلها كما لو تزوجها في عقد واحد وسمى لكل واحدة ثلاثين وصداق
مثل إحداهما أربعون وصداق مثل الأخرى، عشرون، وشرط في تزوج إحداهما تزوج
الأخرى، وإنما يجوز النكاح المذكور إذا شرط في تزوج إحداهما تزوج الأخرى إن سمى
لكل واحدة منهما صداق المثل، وإن لم يسم لكل واحدة صداق المثل لم يجز كما في
الصورة المذكورة؟ قولان للمتأخرين: الأول لابن سعدون، والثاني لغيره. كذا قال ابن عبد
السلام والمصنف في التوضيح. وظاهر كلام ابن عرفة عزوه للخمي، فعلم مما تقدم أن محل
القولين إنما هو إذا تزوج إحداهما بشرط تزوج الأخرى ولم يسم لكل واحدة صداق مثلها،
وأما لو سمى لكل واحدة صداق مثلها أو لم يشترط تزوج إحداهما بتزوجها الأخرى قولان.
قال في الشامل: وهل يجوز إن شرط ولا يتزوج واحدة إلا مع الأخرى مطلقا، أو إن سمى
لكل مهر مثلها؟ قولان: ص: (ولا يعجب جمعهما والأكثر على التأويل بالمنع والفسخ
قبله وصداق المثل بعده) ش: أي هذا الذي تقدم إذا جمعهما في عقد وسمى لكل واحدة
صداقا، وأما إن جمع المرأتين أو أكثر في عقد واحد بصداق واحد فقال في المدونة: لا
191

يعجب جمعها. والأكثر من الشيوخ، ابن الحاجب وغيره، على التأويل اللفظ المذكور بالمنع
وعلى ذلك اختصرها البراذعي قال في تهذيبه: ولا بأس أن يتزوج امرأتين في عقد واحد إذا
سمى لكل واحدة صداقها، وإن أجملهما في صداق واحد لم تجز. وعلى ما ذهب إليه
الأكثر من تأويل اللفظ على المنع، فذهب الشيخ أو محمد بن أبي زيد إلى الفسخ للنكاح
المذكور قبله أي قبل البناء. قال في التوضيح عنه: ولا شئ لها. وكذلك قال ابن محرز:
ظاهر قول ابن القاسم إن النكاح فاسد وأن المطلقة والمتوفى عنها لا شئ لهما. ومقتضى
قوله إن النكاح يفسخ قال بعض المذاكرين لهما ما يخصهما من تلك التسمية يعني في
الطلاق والوفاة لأن النكاح أخف من البيوع. ومقتضى هذا أنه لا يفسخ قال: وكذلك قال
في التنبيهات: ظاهره على أصله أنه لا شئ لها لأنه عنده من باب غرر الصداق انتهى.
وهذا عنده حكم ما قبل الدخول وإن عثر على ذلك بعد الدخول مضي ولكل واحدة صداق
المثل بعده أي بعد الدخول.
فرع: قال ابن عرفة: ولو تزوج أمة رجل وابنته في عقد واحد أو امرأة وأمنها ففي جوازه
بمهر بينها أو حتى يسمي مهر كل منهما طريقا أبي حفص وابن محرز قائلا: لأن المهر مستحق
للأمة لا لمالكتها. قلت: والأول بناء على العكس انتهى. وظاهر كلام المصنف شمول المنع لهذه
المسألة على ما قال ابن محرز والله أعلم. ص: (أو تضمن إثباته رفعه) ش: انظر مسائل هذا
192

النوع في التوضيح في الكلام على مسألة السريجية. ص: (أو كزوجني أختك بمائة على أن
أزوجك أختي بمائة) ش: هذا نكاح الشغار. وقال الرجراجي: يطلق ويراد به الرفع. يقال شغر
الكلب إذا رفع رجليه ليبول وذلك أنه لا يفعل ذلك إلا إذا كبر وبلغ حد الوثوب على الإناث
انتهى. ومثل المصنف لذلك بالأختين، ومثل ابن الحاجب بالبنتين. فقال في التوضيح: الشغار
وفي الأختين والأمتين كالبنتين، وصرح به في أصل المدونة. ولعل المصنف اقتصر على البنتين
تبعا للحديث. وبذكر الأختين يعلم أن الشغار لا يختص بالوليتين المحجورتين. قال في تهذيب
الطالب: وذهب بعضهم إلى أن الشغار إنما يكون فيمن تجبر على النكاح وهو غلط انتهى. وقال
في الاكمال في شرح قوله زوجني أختك: لم يختلف المذهب أن غير البنت من الإماء
والأخوات وغيرهن حكم البنات انتهى. وقال في التوضيح: قال أبو عمران في رجلين عقد كل
منهما نكاح أخته من صاحبه: ففي مجلس واحد وهو جائز إذا لم يفهم إن لم يزوج أحدهما
193

صاحبه لم يزوجه الآخر. ومثله لابن لبابة قال: إن قال تزوجني وأزوجك وعقدا على ذلك
وسميا صداقا جاز. قال: والذي يثبت به الشغار زوجني على أن أزوجك وإن زوجتني
زوجتك انتهى. واختصره في الشامل فقال: وإن زوج كل صاحبه بمهر مسمى ولم يفهم
وقف. أحدهما على الآخر جاز كزوجني وأزوجك لا إن زوجتني زوجتك أو زوجني على أن
أزوجك اه‍. ص: (وعلى حرية ولد الأمة أبدا) ش: قال في الشامل: ولها المسمى إن بنى.
وقيل: الأصح مهر المثل وما ولدته فحر وولاؤه للسيد ولا قيمة على الأب فيه، فإن استحقت
أخذت مع الولد ورد عتقه وكان زوجها على حرية أول ولد تلده. وقال عبد الملك: يفسخ إلا
194

أن تلد وكان زوج عبده أمة غيره ليكون الولد بينهما، فإن ولدت فالولد لسيد الأمة لا بينهما
على الأصح ولها مهر المثل بالبناء. ولو زاد على المسمى انتهى. والمسألة في رسم سن من
سماع ابن القاسم من كتاب النكاح وفي أوائل رسم من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق.
ص: (والأجل) ش: قال في كتاب النكاح من النوادر من كتاب ابن المواز: وكره مالك
لصداق بعضه معجل وبعضه مؤجل إلى ست سنين قال: ولم يكن من عمل الناس وقال ابن
القاسم: ألا يعجبني إلا إلى سنة أو إلى سنتين، فإن وقع في المسألة الأولى لم أفسخه إلا في
الاجل البعيد. قال أصبغ: إلا أن يطرحوا ذلك عنه أو يجعلوه إلى أجل قريب أو ليبني فيكون
195

...
196

لها صداق المثل نقدا كله اه‍. ص: (ونقدها كذا مقتض لقبضه) ش: قال في التوضيح في
اختلاف الزوجين في الصداق.
فرع: إذا قال الموثق في الكتاب النقد من الصداق كذا فهو مقتض لبقائه في ذمة الزوج.
واختلف إذا قال نقدها كذا فقال سحنون: ذلك براءة للزوج من النقد. وقال سحنون: لا يبرئه
ذلك حتى ينص على الدفع اه‍. وفي الشامل: وقوله نقدها أو أقبضها أو عجل لها أو قدم
ونحوه مقتض لقبضه، وقوله النقد من الصداق كذا مقتض لقبضه فإن قال نقده كذا فقولان.
ص: (وجاز نكاح لتفويض والتحكيم عقد بلا ذكر مهر) ش: قال ابن عرفة: نكاح التفويض
ما عقد دون تسمية مهر ولا إسقاطه ولا صرفه لحكم أحد الباجي: هو جائز اتفاقا. ثم قال أبو
عمر: قوله أزوجك على ما شئت فاسد مهره. ثم قال عن اللخمي: إن شرط فيه أن ما فرض
فيه من فوض إليه لزم ولو قل فسد ثم قال: ونكاح التحكيم قالوا ما عقده على صرف قدر
مهره لحكم حاكم. قلت: ظاهر أقوالهم والروايات ولو كان المحكم عبدا أو امرأة أو صبيا تجوز
وصيته اه‍. فعلم أن المراد بنكاح التحكيم إنما هو النكاح الذي صرف الحكم في قدر صداقه
لحكم حاكم إما أحد الزوجين أو غيرهما، وليس المراد به النكاح الذي جعل إمضاءه أو رده إلى
أحد الزوجين أو غيرهما لأن ذلك هو النكاح على خيار وقد تقدم أنه فاسد فقال المصنف لما
197

ذكر نكاح السر ثم ذكر ما يفسخ قبل الدخول أو على خيار لأحدهما أو غيره.
تنبيه: قول المصنف عقد بلا ذكر مهر تفسير لنكاح التفويض ولنكاح التحكيم لأنه
جمع النوعين وفسرهما بالقدر المشترك بينهما وهو عدم ذكر المهر أي عدم تسمية قدره، ولكل
واحد من النوعين فصل يمتاز به. فيمتاز نكاح التفويض عن نكاح التحكيم بأنه لم يذكر فيه
المهر ولا صرف الحكم فيه لحاكم، ونكاح التحكيم بأنه صرف الحكم فيه لحاكم فتأمله والله
أعلم..
فائدة: قال ابن عرفة: وفيها أرأيت إن تزوجها على حكمه أو حكمها أو حكم فلان
قال: كنت أكرهه حتى سمعت من أثق به يذكره عن مالك فأخذت به وتركت رأيي فيه. ابن
عبد السلام: إن قلت رجوع ابن القاسم دليل على أنه مقلد لمالك كتقليده من دونه. قلت:
يحتمل أنه أجاب أولا على قواعد مالك فلما وجد نصه رجع إليه، ولا يلزم من هذا أنه مقلد.
ألا ترى أنه لا ينافي التصريح بنقيضه فيقول الجاري على أصل المذهب كذا والصحيح عندي
كذا لنص حديث أو غيره من الأدلة الظاهرة إلا أن التقليد معلوم من غالب حال أهل العصر
بدليل منفصل، وحال ابن القاسم معلومة بدليل منفصل، ألا ترى إلى كثرة مخالفته لمالك
وإغلاظه القول عليه فيقول هذا القول ليس بشئ وما أشبهه من الألفاظ التي يبعد صدورها من
مقلد. قلت: ظاهره أن ابن القاسم عنده مجتهد مطلقا وهو بعيد. لأن بضاعته من الحديث
مزجاة، والأظهر ما قاله ابن التلمساني في شرح المعالم إنه مجتهد في مذهب مالك فقط كابن
سريج في مذهب الشافعي. وظاهر قول ابن عبد السلام في غالب حال أهل العصر أن عصره
لم يخل من مجتهد وهو كما قال والله أعلم. ص: (بلا هبة) ش: يعني أن من شرط نكاح
التفويض أن لا يكون بلفظ الهبة، فإن عقد النكاح بلفظ الهبة مع عدم تسمية الصداق فذلك
كالتصريح بإسقاط المهر. قاله ابن الحاجب. قال في التوضيح: قال في المدونة. قال ابن القاسم:
وليس الموهوبة إذا لم يسموا معها صداقا كالتفويض وكأنه قال في الهبة: قد زوجتكها بلا
صداق فلا يصلح ولا يقر هذا النكاح ما لم يدخل بها، فإن دخل بها فلها صداق مثلها ويثبت
النكاح. قال سحنون: وقد كان قال يفسخ وإن دخل بها ابن المواز. وقاله أشهب وابن عبد
الحكم وأصبغ لأن فساده في البضع أشهب ويكون لها إذا فسخ ثلاثة دراهم. وقال أصبغ: بل
صداق المثل. ابن رشد: والأول أقيس لأن الثلاثة الحق لله والزائد وقد وهبته انتهى. ص:
(وفسخ إن وهبت نفسها قبله وصحح أنه زنا) ش: اعلم أن هذه المسألة غير المسألة المتقدمة.
لأن الصورة الأولى قصد فيها الولي النكاح وهبة الصداق وهذه قصد فيها هبة نفس المرأة. قال
198

ابن عبد السلام، والمصنف في التوضيح: قال ابن حبيب: والحكيم فيها أيضا الفسخ قبل البناء
199

ويثبت بعده بصداق المثل. واعترضه الباجي وقال: يفسخ قبل البناء وبعده وهو زنا ويجب فيه
الحد وينتفى الولد انتهى. ومن رأى كلام التوضيح وابن عبد السلام علم صحة ما قلناه من أن
كلامه مشتمل على مسألتين وبه يتضح، وإذا جعل مسألة واحدة صار قوله وإن وهبت نفسها
كأنه غير محتاج إليه، وأيضا لا يصح قوله فيه وصحح أنه زنا، لأن الباجي إنما قاله في هذه
الصورة كما علمته فتأمله منصفا والله أعلم. واعترض ابن عرفة ما قاله الباجي. ص: (وإن
فرض في مرضه) ش: تصوره واضح.
فرع: قال ابن عبد السلام: قال محمد: ولو سمى لها في مرضه ثم صح ثم مات لزمه
200

ذلك يريد وإن زاد على صداق المثل. انتهى بلفظه. ص: (أو أسقطت شرطا قبل وجوبه) ش:
ما حمله عليه ابن غازي مخالف لما سيأتي في قوله في فصل المفقود والمطلقة لعدم النفقة ثم
ظهر إسقاطها وقد ذكرنا كلام الأصحاب هناك. ص: (وأخت شقيقة أو لأب لا لام
والعمة) ش: ما أشار إليه ابن غازي صحيح ونص ما في رسم الطلاق من سماع القرينين من
كتاب النكاح قال محمد بن رشد: مذهب مالك رحمه الله أن يعتبر في فرض صداق المثل في
نكاح التفويض بصدقات نسائها إذا كن على مثل حالها من العقل والجمال والمال، فلا يكون
لها مثل صداق نسائها. إذا لم يكن على مثل حالها ولا مثل صداق من لها مثل حالها وإذا لم
يكن لهن مثل نسبها. ثم قال: ونساء قومها اللواتي يعتبر بصدقاتهن أخواتها الشقائق وللأب
وعماتها الشقائق أيضا وللأب ولا يعتبر في ذلك بصدقات أمهاتها ولا خالاتها ولا أخواتها
201

للام ولا عماتها للام لأنهن من قوم آخرين انتهى. وقال في التوضيح بعد نقله هذا الكلام:
وقال عبد الوهاب باعتبار عشيرتها وجيرانها كن عصبة أم لا خلافا للشافعي في مراعاة العصبة.
وينبغي أن يراعى من ذلك العرف، فإن جرى العرف بالنظر إلى صداق الام وغيرها كما هو في
زماننا فيجب اعتباره، وأشار اللخمي وغيره إلى ذلك انتهى. وقال اللخمي: قال مالك: وليس
الرجل يغتفر فقره لقرابته كالأجنبي الموسر يرغب في حاله. وقوله هذا يصح مع عدم العادة فإن
كان قوم لهم عادة لا يحطون لفقر وقبح ويزيدون ليسار وجمال حملوا على عادتهم كأهل
البادية اليوم انتهى. ص: (كالغالط بغير عالمة وإلا تعدد كالزنا بها أو بالمكرهة) ش: تصوره
واضح وينظر في ذلك في التوضيح، والمقصود أن هذا الحكم خاص بالحرة، وأما الأمة فقال ابن
عرفة في كتاب الرهن في وطئ المرتهن الأمة المرهونة: فيها إن وطئها المرتهن فولدت منه حد
ولم يلحق به الولد ولا يعتق عليه إن ملكه وكان رهنا مع أمه ويغرم ما نقضها وطؤه ولو كانت
ثيبا إن أكرهها، وكذا إن طاوعته وهي بكر، وإن كانت ثيبا فلا شئ عليه والمرتهن وغيره في
ذلك سواء، الصقلي: الصواب أن عليه ما نقصها وإن طاوعته وإن كانت ثيبا وهو أشد من
الاكراه لأنها في الاكراه لا تعد زانية بخلاف الطوع فأدخل على سيدها فيها عيبا فوجب عليه
غرم قيمته. ونحوه في كتاب المكاتب إن على الأجنبي ما نقصها بكل حال. ولأشهب: إن
طاوعته فلا شئ عليه مما نقصها وإن كانت بكرا كالحرة انتهى. وقال في الشامل في باب
الرهن في هذا المحل: ويغرم ما نقصها إن أكرهها وإلا فثالثها الأصح إن كانت بكرا انتهى.
والظاهر ما رجحه ابن يونس والله أعلم. وانظر أبا الحسن والبيان في كتاب القذف. والحاصل
من كلامهم أن عليه ما نقصها في الاكراه مطلقا، وفي الطوع إن كانت بكرا على الراجح
202

الذي هو مذهب المدونة، وإن كانت ثيبا فرجح ابن يونس أن عليه ما نقصها. وذكر في الشامل
أن الأرجح لا شئ عليه، وفهم من كلام المصنف أن من أكره امرأة حرة على الوطئ فعليه
صداقها، سواء كانت ثيبا أو بكرا. وصرح به في النوادر في كتاب الزنا وقاله ابن الجلاب أيضا
في باب الجنايات وأظنه في المدونة والله أعلم.
فرع: قال في آخر معين الحكام: إذا أكره الرجل على أن يزني بامرأة مكرهة فلها الصداق
عليه، فإن كان عديما أخذته ممن أكرهه ثم لا رجوع لدافعه على الواطئ انتهى. ص: (وجاز
شرط أن لا يضربها في عشرة وكسوة ونحوهما) ش: تصوره واضح مسألة: إذا توافق الزوج والمرأة
على النكاح على شروط ثم لم يعقدوا في ذلك المجلس ثم عقدوا في مجلس آخر ولم يذكروا
الشروط، فهل الشروط الأولى لازمة أم لا؟ انظر النوادر في كتاب الشروط والمسألة في البيان،
وكذا مسألة المرأة تأذن لوليها أن يزوجها على شروط فيزوجها بغير شروط انظرها فيه والله أعلم.
فرع: قال في أول رسم من سماع عيسى من كتاب النكاح: إذا تزوج أمة على أنه إن
تزوج عليها أو تسرى فأمرها بيد وليها فهلك مولاها فلا شئ بيدها وتنتقل إلى ورثته، ولو
جعل الامر بيد غير مولاها فهلك فلا ينتقل لورثته ويرجع الامر إليها. انتهى بالمعنى والله أعلم.
فائدة: في الحديث لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإن مالها
ما قدر لها رواه مالك في الموطأ. قال ابن عبد البر: فقه هذا الحديث أنه لا يجوز لامرأة ولا
لوليها أن يشترط في عقد نكاحه طلاق غيرها انتهى. وقوله غيرها يريد أختها في الدين. قاله
الباجي في شرح هذا الحديث في كتاب الجامع. وقال النووي: المراد غيرها سواء كانت أختها
في النسب أو في الاسلام أو كافرة. انتهى والله أعلم.
فرع: قال ابن سلمون: فإن اشترط أبو الزوجة على صهره أن لا يتزوج عليها، فإن فعل
فأمرها بيد أبيها ففعل ذلك الزوج وأراد الأب أن يفرق وأرادت البنت البقاء فالاختيار في ذلك
للأب إلا أن يرى السلطان في ذلك أن الفراق ليس بنظر للبنت فيمنعه وينظر في ذلك للبنت،
فإن كان الزوج جعل ذلك بيد أبيها من غير أن يشترط عليه ذلك الوالد فإن القول في ذلك
قول البنت ويمنع أبوها من الفراق إن أحبت هي البقاء بخلاف الأول فإنه حق للأب لا يخرج
من يده إلا بنظر السلطان.
203

فرع: منه أيضا: قال: فإن التزم لها التصديق بالضرر بغير يمين فقال ابن رشد: اختلف
في ذلك فروى سحنون أنه قال: أخاف أن يفسخ النكاح قبل البناء، فإن دخل بها فلا يقبل
قولها إلا ببينة على الضرر. وحكى ابن دحون أنه كان يفتي بأن ذلك لا يلزم ولا يجوز إلا
بالبينة. ثم قال: ولا اختلاف أنه إذا لم يكن مشترطا في أصل العقد أنه جائز.
فرع: للرجل السفر بزوجته إذا كان مأمونا عليها. قال ابن عرفة: بشرط أمن الطريق
والموضع المنتقل إليه وجري الأحكام الشرعية فيه انتهى. وظاهر كلام ابن عرفة: بشرط أمن من
الطريق والموضع المنتقل إليه وجرى الأحكام الشرعية فيه انتهى. وظاهر كلام ابن عرفة أنه من
عنده. ونص على ذلك ابن الجلاب في باب النفقة إلا شرط جري الاحكام فليس صريحا في
كلامه، ونقل في التوضيح كلامه في باب النفقات. وقال البرزلي: الذي استقر عندي من
أحوال قرب القيروان حين كنت مقيما بها أنها لا تتناولها الأحكام الشرعية فلا تمكن الفارة من
زوجها من الخروج إلى القرى أو إلى الجبال التي حولها وبلاد هوارة مثل برقة انتهى. فلو كان
الطريق مخوفا أو الموضع المنتقل إليه لم يجبرها على السفر، فلو رضيت بالسفر معه للموضع
المخوف أو الطريق المخوف وأراد أبوها منعها فهل له ذلك؟ لم أر فيه نصا. ووقعت وأفتى فيها
بعض المالكية والشافعية بأن له منعها، ويمكن أن يوجه بأنه لما كان الموضع أو الطريق مخوفا
سقط جبر الزوج إياها على السفر وصارت هي المختارة للسفر. وقد صرح في التوضيح في باب
الجهاد وغيره بأن للأبوين المنع من سفر الخطر والبحر فيكون له المنع، وتوقف والدي فيها ولكنه
مال إلى أن له المنع والله أعلم. ص: (ولو شرط أن لا يطأ أم ولد أو سرية لزم في السابقة
منهما على الأصح لا في أم ولد سابقة في لا أتسرى) ش: اعلم أن ابن غازي قال: لفظة
لا يتسرى أشد من لفظه لا يتخذلان المشهور في لا يتسرى يلزم في السابقة واللاحقة
وفي لا يتخذ يلزم في اللاحقة. قال: وأما لا يطأ فهو أشد من لا يتسرى باعتبار ما فقد
قال ابن عات: قال ابن نافع: إنما التسري عند الاتخاذ وليس الوطئ. فإن وطئ جارية لا يريد
204

اتخاذها للولد فلا شئ عليه إلا أن يكون شرط إن وطئ جارية فيلزمه. انتهى كلام ابن غازي
بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى. فعلى ما قال من أن لفظه لا يطأ أشد من لا يتسرى لكونه
يلزم فيها في السابقة واللاحقة أحرى، فيكون قصد المؤلف أنه يلزم في السابقة في لا يطأ
فيلزم في اللاحقة من باب أحرى، ولو قال المؤلف ولو في السابقة منهما أو وإن في السابقة
لا تضح ولكن يحمل على هذا. وأما قوله لا في أم ولد سابقة في لا أتسرى فيكون مشى
فيه على قول سحنون القائل بأنه لا يلزمه في السابقة في لا يتسرى وإنما يلزمه في اللاحقة،
ويبقى الكلام على ظاهره من غير تكلف والله أعلم. وصورة المسألة أنه شرط عتق من يتسرى
أو يتخذ أو يطأ فهو أي العتق المعنى بقولهم لزم أو ما لزم. هذا فرض المسألة في المطولات والله
أعلم.
فرع: من شرط لزوجته أن لا يتسرى معها قال ابن سلمون: فإن زنى بامرأة فلها أن
تأخذ بشرطها لأنها إنما اشترطت عليه أن لا يجامع معها امرأة سواها، فإن تزوج عليها وقد
اشترطت عليه التسري فلا يمنع من ذلك، وما جعل لها من بيع السرية غير لازم لأنها بمنزلة
الوكيل يعزلها عن ذلك متى شاء. وقيل: ليس له عزلها. وكذلك إن قال لها أن تدبرها عليه أو
هي صدقة لم يقض عليه بها انتهى. ص: (ولها الخيار ببعض شروط ولو لم يقل إن فعل
شيئا منها) ش: يشير بهذا إلى أن المرأة إذا اشترطت في عقد الصداق شروطا على زوجها، فإذا
فعل بعض تلك الشروط فلها القيام ولو لم يقل الموثق إن فعل شيئا من ذلك فأمرها بيدها. وإنما
قال فإن فعل ذلك ويشير ب " لو " إلى قول محمد بن العطار أنه إذا لم يقل الموثق إن فعل شيئا من
لك فليس لها القيام بفعل الزوج بعض الشروط. وممن نقل المسألة على هذا الوجه المتيطي في
205

فصل الشروط ونصه: وقولنا فإن فعل شيئا من ذلك هو الصواب لقول أبي محمد العطار وغيره
من الموثقين: إن العاقد إذا قال فإن فعل ذلك ولم يقل شيئا من ذلك فلا يجب لها الاخذ
بشرطها حتى يفعل جميع ما عقد عليه اليمين. وإذا قال فإن فعل شيئا من ذلك ففعل فعلا
واحدا من الجملة كان لها الاخذ بشرطها. وانتقد ذلك عليه أبو عبد الله محمد بن الفخار
وغيره وقالوا: الحكم في ذلك سواء، وللمرأة أن تأخذ بشرطها إن فعل واحدا من الجملة في
الوجهين جميعا، لأن الحنث في الايمان يقع بفعل البعض. قال محمد بن عرفة: وقد قال الله
تعالى * (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) * إلى قوله * (ومن يفعل ذلك) * ولم
يقل ومن يفعل شيئا من ذلك، والسر أنه يستحق العقاب بفعل البعض كما يستحقه بفعل
الجميع، كذلك يجب للمرأة الاخذ بشرطها وتستحق ذلك بفعل أحد الضررين كما تستحقه بفعل
الضررين جميعا انتهى. ونقل بعد هذا الكلام عن بعض الموثقين أنه قال: إذا كانت
الشروط انعقد عليها النكاح فالحكم كما قال ابن الفخار، وإن طاع الزوج بها فالقول قوله مع
يمينه والله أعلم. ص: (وعليها نصف قيمة الموهوب والمعتق يومهما) ش: اعلم أن القيمة تتعين
في ذوات القيم، والمثل في ذوات الأمثال. فإذا وهبت العبد أو أعتقته أو دبرته أو تصدقت به أو
أعتقته إلى أجل أو أخدمته إلى غير ذلك مما هو مثل هذا على القول بأنها لا تملك بالعقد ولا
النصف. قاله ابن عبد السلام.
فرع: قال ابن عرفة اللخمي: للزوجة التصرف في مهرها بالبيع والهبة والصدقة اتفاقا
206

انتهى. ص: (ونصف الثمن في البيع) ش: قال في الشامل: إن لم تخاب. ص: (ولا يرد
العتق إلا أن يرده الزوج لعسرها يوم العتق) ش: قال في المدونة: وإن كان عبدا فأعتقته
غرمت نصف قيمته يوم العتق ولا يرد العتق معسرة كانت أو موسرة، لأنها إن كانت موسرة
يوم أعتقت لم يكن للزوج كلام، وإن كانت معسرة يوم العتق وقد علم الزوج فترك ذلك رضا،
ولو قام حينئذ رده، إن شاء إن زاد على ثلثها ولم يعتق منه شئ. قال أبو الحسن الصغير: قال
اللخمي: إن لم يعلم الزوج حتى طلقها وهي الآن بمعسرة وكانت يوم الجمعة والعتق موسرة
مضى، وإن كانت معسرة ذلك اليوم إلى اليوم كان له أن يرد هبتها وعتقها، وهذا هو المعروف
من قوله وهو مبني على أن النصف مترقب، وأما على القول بأنه بالعقد وجب جميعه فلا رد
له ولا مقال، لأن مقاله كان قبل الطلاق لحقه في مال الزوجة فزال بالطلاق وصار حقه من
أجل الدين وهو طارئ بعد الطلاق انتهى. والظاهر أن مراده بقوله كان له أن يرد هبتها على
المعروف أن يردها على المعروف أي يرد النصف من ذلك وهذا ظاهر، وعلى هذا فقول
المصنف يوم العتق بعسرها يعني أن تكون يوم العتق معسرة يريد أو كان العبد أكثر من ثلثها
فإن الزوج له رد العتق في جميعه كما سيأتي في باب الحجر. قال المصنف: وله رد الجميع إن
تبرعت بزائد فإذا رد الزوج العتق فلا يعتق من العبد شئ، وكذلك لو كان العبد غير صداق
وكان أكثر من ثلثها، ويفهم ذلك من التوضيح، وليس هذا الحكم خاصا بالعتق بل وكذلك
الهبة والصدقة، وأما وقت الرد فلم يفهم من كلامه ونقول: يريد ما لم يعلم به ويسكت والله
أعلم. ص: (ثم إن طلقها عتق النصف بلا قضاء) ش: وانظر هل يكمل عليها إن اختارت
عتقه أم لا؟ وقول المصنف عتق النصف يريد والعبد باق بيدها. قاله ابن عبد السلام قال
وكذا الهبة والصدقة فلو مات الزوج عتق جميع العبد.
207

فرع: قال ابن عرفة: ولو أعتقت عبدها ولا مال لها غيره فرد الزوج عتقها ثم طلقها أو
مات عتق عليها جميعه. انتهى والله أعلم. ص: (وتشطر ومزيد بعد العقد) ش: قال البرزلي في
مسائل النكاح: سئل اللخمي عمن يريد في صداق زوجته، هل تنتفع بذلك عند موت أو فراق
أو فلس أو رجوع عن هبة؟ فأجاب: الزيادة لازمة للزوج ليس له رجوع عنها ولها أخذه بذلك
ما لم يقع فلس أو موت فتبطل لكونها هبة لم تقبض.
قلت: ويتخرج على القول بأن الهبة جائزة غير لازمة أن له الرجوع فيها متى أحب
وعلى مذهب آخر أنها كالبيع لا تبطل مطلقا وأحفظ هذا عن خارج المذهب حكاه في القبس.
ص: (وضمانه إن هلك ببينة أو كان مما لا يغاب عليه منهما) ش: يريد أو كان مما يغاب عليه
وهو بيد أمين. قاله في التوضيح ص: (وتعين ما اشترته من الزوج) ش: فليس له أن يطلب
نصف الأصل وليس لها هي أن تجبره على نصف الأصل وإنما يجوز بتراضيهما. قاله ابن
الحاجب وقبله في التوضيح. وقال في المتيطية في كتاب الطلاق في فصل طلاق من لم يدخل
208

بها: وإن كانت اشترت به - أي بالصداق - مالا يصلح لجهازها رجع بنصف العين عليها ولم يكن
له في متاع شئ إلا أن تكون ابتاعت ذلك من الزوج أو من غيره بإذنه فيكون حكمه حكم ما
يصلح لجهازها ويأخذ نصفه ولا يكون له سواه. قاله في المدونة: وهو بمنزلة ما أصدقها إياه. قال
الشيخ أبو عمران: يعني إنها بينت للزوج أن تشتري في ذلك بالصداق. قال بعض القرويين: وقول
أبي عمران إن هذا جيد إذا قبضت صداقها وافترقا من المجلس ولو اشترت ذلك منه في المجلس لما
احتيج إلى بيان أن ذلك من الصداق. ص: (وهل مطلقا وعليه الأكثر أو إن قصدت التخفيف
تأويلان) ش: الأول تأويل الأكثر كما ذكره، والثاني تأويل القاضي إسماعيل ورجحه ابن عبد
السلام. ص: (وما اشترته من جهازها وإن من غيره) ش: قال في الشامل إن لم تكن ذات عيب
إلا أن يعلم بها ونقله في التوضيح وأصله للخمي. ص: (وسقط المزيد بالموت فقط) ش: احترز
بقوله: فقط من الهدية المشترطة في العقد فإنها لا تسقط بالموت بل تكمل به أو بالدخول فلها
حكم الصداق من كل وجه. قاله في التوضيح والشامل في الكبير. ص: (وفي تشطر هدية بعد
العقد وقبل البناء أو لا شئ له وإن لم تفت إلا أن يفسخ قبل البناء فيأخذ القائم منها لا
إن فسخ بعده روايتان) ش: الذي حصله ابن رشد في هذه المسألة في ثاني مسألة من سماع
أصبغ من كتاب النكاح أن من أهدى لامرأة هدية قبل البناء ثم طلقها قبله أو بعده فلا رجوع
له في هديته وإن كانت قائمة لأنه طلق باختياره ولو شاء لم يفعل فلا شئ له فيما أعطى،
ولم يحك في ذلك خلافا. وأما من لم يجد النفقة فطلق عليه فقال في السماع المذكور: لا
يرجع. قال ابن رشد: وهو على أصله في أن ذلك طلاق يجب للمرأة فيه نصف الصداق قال:
209

وعلى قول ابن نافع الذي لا يرى للمرأة في ذلك شيئا ويرى الطلاق منه كفرقة الجنون
والجذام، يكون له أن يرجع في هديته إن كانت قائمة، وأما إذا فسخ النكاح قبل البناء فإنه
يرجع في هديته إن كانت قائمة ولو كان النكاح مما يثبت بعد البناء لأن ما أهدى عليه قد
بطل كما قال سحنون في جامع البيوع فيمن وضع من ثمن سلعة باعها بسبب خوف المبتاع
تلفها أو خسارته فيها فسلم من ذلك أنه له الرجوع بما وضع، ومثل سماع يحيى في الايمان
بالطلاق فيمن يؤخذ في الحق بسبب فلا يتم له السبب. ولابن القاسم في الدمياطية: لا يرجع
بها ولو كان النكاح صحيحا فوجد بالزوجة عيبا يجب له به ردها فردها به قبل البناء لكان له
الرجوع في هديته على ما في الصداق من المدونة في الهبة لأجل البيع أنه إذا رد السلعة بعيب
رد الهبة أيضا خلافا لسحنون في قوله: لا يرجع بالهبة. قال: ولا اختلاف في أنه إذا
210

فسخ النكاح بعد البناء أنه لا شئ له في الهدية وإن كانت قائمة إلا أن تكون الهدية بعد
الدخول والفسخ بحدثان ذلك فله أخذها، وأما إن طال الزمن جدا السنتين والسنين قبل الفسخ
ثم فسخ فلا شئ له. وهذا كله في الهدية التي يتطوع بها الزوج من غير شرط ولا جرى بها
عرف. وأما المشترطة فحكمها حكم الصداق في جميع الأحوال. والتي جرى بها العرف
أجراها ابن حبيب على القول بوجوب القضاء بها مجرى الصداق يرجع بنصفها في الطلاق.
فعلى قوله إن طلق قبل أن يدفعها يلزمه نصفها، وأبطلها مالك عن الزوج في الموت والطلاق
على القول بأنه لا يحكم بها حكمها حكم التي تطوع بها من غير شرط، وقد مضى القول في
ذلك والله الموفق. انتهى بالمعنى مختصرا. وقال في الشامل: ولا يرجع بشرط هدية طاع بها
بعده يعني بعد العقد ولو كانت قائمة على الأصح انتهى. ص: (ولزمها التجهيز على العادة
بما قبضته) ش: قال البرزلي في مسائل النكاح عن ابن مغيث: إن أبان الزوج زوجته ثم راجعها
لم يلزمها أن تتجهز إلا بما قبضت في المراجعة خاصة، وأما بنصف نقدها الذي قبضته قبل
211

البناء فلا. انتهى من أوائل والله أعلم. ص: (وقبل دعوى الأب فقط في إعارته لها في السنة
بيمين وإن خالفته الابنة) ش: هو نحو قوله في توضيحه: وإن جهزها يعني الأب ولم يصرح بهبة
ولا عارية ثم ادعى أنه عارية عندها، فإن قام عن قرب من البناء فالقول قول مع يمينه كان ما ادعاه
معروفا له أم لا، وسواء أقرت بذلك الابنة أم لا إذا كان فيما ساق لزوجها وفاء بما أعطاها سوى
هذا الذي ادعاه الأب، وإن بعد فلا قيام له. قال في الواضحة: وليست السنة بطول. وقال غير
واحد من الموثقين: إن قام قبل العام فالقول قوله بغير يمين لأن مثل هذا عرف بين الآباء، وإن
212

قام بعد العام لم يلتفت إلى قوله. وقال أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم: العشرة أشهر عندي كثير
تقطع حجة الأب انتهى. وزاد ابن عرفة قولين آخرين وسيأتي كلامه، وما ذكره المصنف من
قبول دعوى الأب هو المشهور ومقابله لابن القاسم في الدمياطية أنه إنما يصدق في العارية إذا
كان له على أصل العارية بينة، قربت المدة أو بعدت، وإلا لم يصدق. قال ابن سلمون في
وثائقه: وإذا ادعى الأب العارية فيما جهز به ابنته زائدا على النقد كان القول قوله ما لم يطل
ذلك بعد البناء، وليست السنة في ذلك بطول، وفي الدمياطية أنه إنما يصدق في ذلك إذا كان له
على أصل العارية بينة وإلا لم يصدق في ذلك، قرب أو بعد، والمشهور ما تقدم انتهى. وأطلق
المصنف في الابنة وخصها ابن حبيب بالبكر. قال في التوضيح إثر كلامه المتقدم: ولا يقبل دعوى
العارية إلا من الأب في ابنته البكر، وأما الثيب فلا، لأنه لا قضاء للأب في مالها انتهى.
قال ابن رشد: ومثل البكر الثيب التي في ولايته قياسا على البكر، ومثل الأب الوصي
فيمن في ولايته بكر أو ثيب مولى عليها. وأما الثيب التي ليست في ولاية أبيها فهو في حقها
كالأجنبي. وكذا سائل الأولياء غير الأب في البكر والثيب لا يقبل قولهم إذا خالفتهم المرأة أو
وافقتهم وكانت سفيهة. ويقيد أيضا كلام المصنف بما إذا كان فيما بقي بعد ما ادعاه وفاء
بقدر مهرها كما تقدم بيانه في كلام التوضيح وابن سلمون وأصله لابن حبيب في الواضحة
وأصبغ في العتبية، فإن لم يكن فيما بقي فنقل في الواضحة عن ابن المواز أنه يقبل قوله بيمينه
أيضا ويحضر ما قبل لها من الصداق. وفصل في العتبية في ذلك فقال: إن عرف أصل ما
ادعاه له أخذه أيضا واتبع بوفاء المهر، وإن لم يعرف أصله له فإنما يصدق فيما زاد على قدر
الوفاء به، ويتضح لك جميع ما تقدم بالوقوف على كلام الواضحة والعتبية وكلام ابن رشد
عليها.
قال في الواضحة في كتاب النكاح في أثناء ترجمة ما جاء في مهور النساء: وإن ادعى
الأب بعض ما جهز به ابنته البكر بعد دخولها على زوجها وأنه له وأنه لم يعطها إياه وإنما كان
عارية منه لها، فالقول قوله مع يمينه إذا كان فيما ساقت الابنة إلى زوجها وفاء بما أعطاها سوى
هذا الذي يدعيه الأب، عرف ذلك له قبل ذلك أو لم يعرف. أقرت الابنة أو لم تقر، ما لم
يطل زمان ذلك جدا، ولا أرى السنة طولا. قال: ولا يكون القول قوله في ابنته الثيب لأن
مالها في يدها وفي ولايتها ولا قضاء للأب فيه ولا قول، وهو في ذلك بمنزلة الأجنبي في مال
الأجنبية. وكذلك الولي مع البكر والثيب هو بمنزلة الأب أي وهو كالأجنبي مع الثيب فقط،
وهكذا أوضح لي من كاشفت عنه من أصحاب مالك. وإن لم يكن فيما ساقت بعد دعواه
العارية كفافا لما أصدق الزوج حلف الأب أنه عارية وكان على سبيل العارية وعلى الأب أن
يحضر ما قبض لها من الصداق غير العارية وقد ذكره ابن المواز انتهى. وقوله: كالأجنبي في
213

مال الأجنبية يقتضي أنه إذا ثبت أن أصل ذلك المال له فيكون له أخذه وهو ظاهر والله أعلم.
وقال في العتبية في المسألة الرابعة عشر من سماع أصبغ من كتاب النكاح: قلت: يعني لابن
القاسم فلو زوج ابنته وهي بكر رجلا فأدخلها عليه ومضى لدخولها حين ثم قال الأب فادعى
بعض ما جهزها به وزعم أنه إنما كان عارية منه ليجملها به وصدقته الابنة أو أنكرت ما ادعى
وزعمت أنه لها ومن جهزها، فإن القول قول الأب إذا قدم بحدثان ما ابتنى الزوج بها وليس
للزوج مقال والأب مصدق، ولا يلتفت إلى إنكار الابنة في ذلك ولا إقرارها لأن هذا من عمل
الناس معروف ذلك من شأنهم يستعيرون المتاع يتجملون به ويكثرون بذلك الجهاز إذا كان
فيما بقي من المتاع وفاء بالمهر، فإذا كان هذا فليس للزوج مقال، وسواء كان ذلك المتاع معروفا
أصله للأب أو غير معروف، هو فيه مصدق إذا كان فيما بقي وفاء بالمهر.
قلت: فإذا كان قيام الأب يحدثان دخول زوجها بها وكان أصل المتاع معروفا للأب
وليس فيما بقي من الجهاز ما فيه وفاء بالمهر قال: فهو للأب إذا عرف أصله له ويتبع الزوج
الأب بوفاء الصداق حتى يتم له من الجهاز لابنته ما فيه وفاء بما أصدقها. قال ابن رشد: فإن
الأب مصدق فيما ادعى مما جهز به ابنته أنه كان على عارية منه لها بشرطين: أحدهما أن
يكون ذلك بحدثان البناء، والثاني أن يكون فيما بقي بعد ما ادعاه وفاء بالمهر، يريد أنه
مصدق في ذلك مع يمينه كذا قال ابن حبيب وزاد فقال: ولا أرى السنة فيه طولا. وهذا
في الأب خاصة في ابنته البكر، وأما في الثيب وفي وليته البكر أو الثيب فلا، وهو فيها
كالأجنبي، وقاله بعض أصحاب مالك. فأما إيجاب اليمين في ذلك على الأب فصحيح، ولا
يقال إن اليمين تسقط عنه من أجل أن الوالد لا يحلف لولده إذ ليس ذلك حكما عليه
باليمين وإنما هو حكم له به إن شاء أن يأخذ ويحلف حلف وأخذ، وإن شاء أن يترك ترك.
وإنما خص بذلك الأب في البكر لأنها في ولايته ومالها في يديه. فعلى قياس هذا يكون في
الثيب إذا كانت في ولايته بمنزلته في البكر، ويكون الوصي فيمن إلى نظره من اليتامى
الأبكار والثيب بمنزلته أيضا. ويحمل قوله: وأما في الثيب أنه أراد بها الثيب التي لا ولاية
له عليها. وقوله: إذا ادعى الأب بحدثان البناء وفيما بقي وفاء بالمهر فليس للزوج فيه مقال
كلام صحيح لأنه إذا لم يكن فيما بقي وفاء بالمهر فإنما يصدق فيما زاد على قدر الوفاء به
بخلاف إذا عرف أصل المتاع له لأنه إذا عرف أصل المتاع له فيأخذه ويتبع بوفاء المهر إذ من
حقه أن يجهز زوجته به إليه انتهى. واقتصر ابن عرفة على نقل كلام العتبية وكلام ابن رشد
عليها وقال بعد قول ابن رشد: فعلى قياس هذا يكون في الثيب إذا كانت في ولايته بمنزلته
في البكر ويكون الوصي فيمن إلى نظره من اليتامى الأبكار والثيب بمنزلته.
قلت: كقولها يعني المدونة في حوزه لها ما وهبه لها. ثم قال: وذكر المتيطي قول ابن
حبيب. وقال بعض الموثقين: يكون للأب ما وجد من ذلك ولا شئ على الابنة فيما فوتته من
214

ذلك أو امتهنته أو زوجها معها ولا ضمان عليه لتملك الأب ذلك. وقال غير واحد من
الموثقين: إن قام قبل مضي عام من يوم بنائه قبل دخوله دون يمين لأنه عرف من فعل الآباء،
وإن قام بعد عام سقط قوله. وقال أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم: قول ابن القاسم القول قول
الأب ما لم تثبت الابنة أو زوجها مضي السنة ونحوها. قال: والعشرة أشهر عندي كثير تسقط
دعوى الأب. وقال في موضع آخر: إن طلب لأب الشورة بعد ثلاثين يوما من بنائها حلف
لي دعواه عاريتها وأخذ ما حلف عليه. قال بعض الموثقين: هذه المسألة في سماع أصبغ ابن
القاسم. قال فيه: إن قام بحدثان بنائها صدق ولفظ التصديق عند شيوخنا إن وقع مبهما
اقتضى نفي اليمين. ولم يحد في سمع أصبغ مدة القرب إلا أن الشيخ أبا إبراهيم جليل في
العلم والورع ممن يلزمنا الاقتداء به. قال أبو إبراهيم: وادعاء الأب لما في يد ابنته من الأمور
الضعيفة التي لنا فيها الاتباع لسلفنا، ولولا ذلك كان الوجه عدم خروج ما بيدها إلا بما تخرج
به من سائر الحقوق ولا سيما ما بيد البكر.
قلت: قوله: ليس فيه إلا الاتباع يريد بما استدل به ابن القاسم من العرف، ولا يخفى
وجوب العمل بالعرف على مثل الشيخ أبي إبراهيم كدلالة إرخاء الستور ونحوه. وأجاب ابن
عات في أب ادعى أن نصف ما شور به ابنته البكر عارية له بعد أربعة أعوام من بنائها أنه غير
مصدق في دعواه. ابن سهل: وكذا الرواية عن مالك وابن القاسم وغيرهما في الواضحة
والعتبية وغيرهما ولا خلاف أعلمه فيها، وجواب ابن القطان أن الأب مصدق فيما زاد على
قدر النقد من ذلك خطأ. زاد المتيطي قال بعض شيوخنا: الذي في الرواية إذا قام بعد طول مدة
فلم ير ابن القطان هذه المدة طولا.
قلت: لعله نحا بها منحى مدة الحيازة ففي بطلان دعواه العارية بسنة أو بها أو نحوها
بدلا منها ثالثها بعشرة أشهر، ورابعها بما زاد على سنة، وخامسها لا تبطل بأربعة أعوام.
للمتيطي عن غير واحد من الموثقين وأبي إبراهيم عن ابن القاسم واختياره ودليل قول ابن حبيب
وابن القطان اه‍. كلام ابن عرفة بلفظه. وقوله: بدلا منها أي من السنة يعني لا بمجموعها
فمضي السنة أو نحو السنة كاف في بطلان دعواه العارية، ونبه به خشية توهم تكراره مع
القول الرابع وهو قول ابن حبيب القائل بأن بطلان دعواه إنما يكون بما زاد على السنة إلا أن
ابن عرفة لم يتعرض لبيان مقدار الزيادة. وقال البرزلي بعد قول ابن حبيب: وليست السنة في
ذلك طولا.
قلت: ذكر هنا أن السنة قريب ومفهومه أن أكثر منها طول وهي تجري على مسألة
الشفعة فيكون الخلاف في مقدار زيادة الأشهر كالثلاثة ونحوها مما يصيرها طولا انتهى.
تنبيهات: الأول: علم مما تقدم في كلام صاحب التوضيح وكلام ابن عرفة أن قول غير
215

واحد من الموثقين مخالف لقول ابن حبيب وأن الفرق بينهما أن الأب لو قام بدعوى العارية
بعد كمال السنة لم تقبل ودعواه عند غير واحد من الموثقين، وتقبل بيمين عند ابن حبيب ولا
تبطل إلا بالزيادة على السنة. وحمل الشارح قول المصنف في السنة على قول غير واحد من
الموثقين وجعله موافقا ابن حبيب ونصه. وما ذكره من أن القرب سنة أي فأدنى ذهب إليه غير
واحد من الموثقين وحكاه في النوادر عن ابن حبيب. وقال أبو إبراهيم: العشرة الأشهر عندي
تقطع حجة الأب اه‍. وما عزاه للنوادر عن ابن حبيب هو قوله المتقدم وليست السنة في ذلك
بطول، وما ذكره من التوفيق بين القولين مخالف لما تقدم. وقول المصنف: في السنة ظاهره
يقتضي أنه قول غير واحد من الموثقين كما قاله الشارح. وقوله: بيمين هو قول ابن حبيب
فلعله مشى على قبول الدعوى في السنة على قولهم وفي إيجاب اليمين على قول ابن حبيب
فتأمل والله أعلم.
الثاني: قال الشارح في حل قول المصنف: وقبل دعوى الأب ما نصه: أي إذا ادعى
أن الذي دخلت به عارية له أو لغيره فإنه يصدق إن قام بقرب البناء مع يمينه انتهى. فقوله:
عارية له أو لغيره صريح في أنه لا فرق فيما يدعي الأب إعارته لها بين أن يدعي أنه ملك أو
لغيره. ويعضده قول العتبية المتقدم لأن هذا من عمل الناس معروف ذلك من شأنهم يستعيرون
المتاع فيتجملون به ويكثرون بذلك الجهاز. انتهى فتأمله والله أعلم.
الثالث: ذكره البرزلي في مسائل النكاح عن ابن عرفة أنه أفتى بأن الام كالأب. قال:
فعارضته بقول ابن حبيب وذكر كلام ابن حبيب المنقول عن الواضحة فوقف في المسألة وأرشد
إلى الصلح فوقع الصلح مع الزوج، والصواب على ما وقع هنا أن لا مقال لها إلا أن تكون
وصية أو على ما قال في المدونة إنه استحسن إن توصي بولدها في المال اليسير كالستين دينارا
فيكون القول قولها في هذا القدر، أو يرى أن الام بخلاف غيرها بدليل جواز اعتصارها ما
وهبته في حياة الأب بشرطه انتهى. ونقل صاحب المسائل الملقوطة عن إملاء الأقفهسي مثل ما
قال البرزلي إنها ليست كالأب ونصه: ومن إملاء القاضي جمال الدين الأقفهسي: إذا ادعى
الرجل أن جهاز ابنته عارية قبل السنة فله ذلك بيمين، وأما بعد السنة فإن أشهد عليها بذلك
فهو له، وإن لم يشهد فليس له ذلك إلا أن تصادقه على ذلك فيكون من ثلثها لحق الزوج ولا
تصدق الام لا قبل السنة ولا بعدها انتهى. لكن قول الأقفهسي في الأب: فإن أشهد عليها
بذلك إلى آخر كلامه، يقتضي أن الضمير في قوله يعود على الابنة، واشتراط الاشهاد على
الابنة بالعارية هو قول ابن القاسم في الدمياطية المتقدم ذكره، وسيأتي أيضا عن ابن رشد وغيره
في القولة التي بعد هذه في شرح قول المصنف: لا إن بعد ولم يشهد أن قول الدمياطية
مخالف للمشهور وأن المشهور من انتفاع الأب بالاشهاد بالعارية فقط ولو لم تعلم الابنة
بالاشهاد بها، ويمكن أن يعود الضمير في عليها للعارية وهو الأولى ليوافق المشهور فتأمله والله
216

أعلم. ص: (لا إن بعد ولم يشهد وإن صدقته ففي ثلثها) ش: تقدم في كلام الواضحة أن
القول قول الأب ما لم يطل زمان ذلك جدا. وقال في التوضيح: قال بعض الموثقين: فإن كان
قيام الأب على بعد من البناء والأصل له معروف أم لا، ثم قال فليس له ذلك وهو للابنة بطول
حيازتها، ولا ينفعه إقرار الابنة إذا أنكر الزوج، ابن الهندي: إلا أن تكون خرجت من ولاية
أبيها فيلزمها الاقرار في ثلثها وللزوج فقال فيما زاد على الثلث انتهى. وما عزاه في التوضيح
لبعض الموثقين نحوه لأصبغ عن ابن القاسم في العتبية ونصه إثر كلامه المتقدم في القولة التي
قبل هذه.
قلت: يعني لابن القاسم: فإن طال الزمان ثم قام الأب يدعي ذلك وفيما بقي بعد ما
ادعى وفاء بالمهر وكان الأصل معروفا أو غير معروف، كانت الابنة مقرة أو منكرة قال: إذا لم
يعرف أصل المتاع له وطالت حيازتها للمتاع الزمان الطويل فأرى للزوج في هذا مقالا، ولا أرى
فيه مصدقا إذا جاء مثل هذا من الطول والبعد، وأراه بطول حيازتها.
قلت: فإن كانت مقرة بأن المتاع للأب ولم تنكر ما ادعى الأب من ذلك قال: لا يجوز
إقرارها إذا بلغ هذا الحد من الطول، لأن إقرارها هنا عطية مبتدأة ولا يجوز إقرارها إذا رد عليها
ذلك زوجها وإن كان فيما يبقى بعد ذلك وفاء بالمهر.
قلت: فإن عرف أصل المتاع للأب قال: عرف أصله له أو لم يعرف، فطول حيازتها له
هذا الزمان يقطع دعوى الأب إذا أنكر الزوج والمرأة. قال ابن رشد: قوله: إن للزوج فيه مقالا
فيه نظر، إذ لا كلام للزوج فيما دون الثلث من مالها إلا على وجه الحسبة لكونها مولى عليها
لا تجوز عطيتها في شئ من مالها لأبيها ولا لغيره. وقوله: إن طول حيازتها يقطع دعوى
217

الأب إذا أنكر الزوج معناه إذا أنكر بالحسبة إذ ليس له معنى يذكر له سوى ذلك. وفي قوله:
إذا أنكر الزوج أو المرأة دليل على أنهما لو لم ينكرا وسلما جميعا ورضيا لجاز ذلك للأب
وهو بعيد، إلا أنه دليل الخطاب. وقد اختلف في القول به فلا ينبغي أن يعمل به انتهى.
وحاصله أنه إذا بعد ولم يشهد فلا يقبل قوله إذا كذبته الابنة، وكذا إن صدقته وكانت سفيهة.
وإن كانت رشيدة وصدقته ففي ثلثها إذا كانت على وجه العطية، وإن لم يكن على وجه
العطية فقال القرافي في الذخيرة في كتاب الحجر: قال في النوادر: قال عبد الملك: إذا أقرت
في الجهاز الكثير أنه لأهلها جملوها به والزوج يكذبها، فإن لم يكن إقرارها بمعنى العطية نقدا
وبمعنى العطية رد إلى الثلث انتهى. وإذا كان هذا في أهلها فأحرى الأجانب والله أعلم. وفهم
من قول المصنف: ولم يشهد أنه لو أشهد نفعه ذلك وإن طال الزمان، وظاهره سواء أشهد
على العارية أو على أصل العارية وهو كذلك على المشهور وهو ظاهر إطلاق كلامه في
التوضيح أيضا ونصه: لو أشهد أن الذي شور ابنته به إنما هو على وجه العارية نفعه ذلك، وله
أن يسترده متى شاء ولو طال ذلك انتهى. ومقابل المشهور قول الدمياطية المتقدم.
قال ابن رشد إثر كلامه المتقدم: وفي الدمياطية لابن القاسم أن الأب إنما يصدق فيما
218

ادعى من جهاز ابنته بعد البناء أنه عارية لها وإن كان فيما بقي وفاء بالمهر إذا كان على أصل
العارية بينة. والمشهور ما تقدم في المسألة قبل هذه أنه مصدق إذا أشهد على العارية وإن طال
الامر إذا كان فيما بقي وفاء بالمهر، وإن لم يكن فيما بقي وفاء به صدق فيما زاد على قدر
الوفاء به. انتهى كلام ابن رشد. والفرق بين الاشهاد على العارية والاشهاد على أصل العارية،
أن الاشهاد على العارية لا يشترط فيه علم الابنة بالاشهاد بل إذا أشهد الأب بالعارية فقط نفعه
ذلك. علمت الابنة به أم لا. والاشهاد على أصل العارية هو الاشهاد على الابنة بالعارية.
ويتضح لك ذلك بالوقوف على المسألة التي أشار إليها ابن رشد وكلامه عليها ونصها: قال
أصبغ: سئل ابن القاسم عن الرجل يزوج ابنته ويخرج جهازا وشوارا، فيقول أشهدكم أن هذا
عارية في يد ابنتي ولم يروا البنت ولم تحضر، فطلب الأب المتاع والشورة بعد ذلك فلم يقدر
عليه عند ابنته وقد شهد الشهود أنه أدخله بيت زوجها. فقال: إن كانت بكرا وقد علمت
بالعارية فلا ضمان عليها إلا أن يكون هلاكه يوم هلك بعد أن رضي حالها فهي ضامنة له إلا
أن يكون طرقها من ذلك أمر من الله عز وجل تقيم عليه بينة، وإن لم تكن علمت بذلك فلا
شئ لها أصلا، وإن حسنت حالها أو كانت ثيبا فعلمت بذلك فهي ضامنة له وإن لم تعلم
فلا ضمان على واحد منهما البكر والثيب فيما لم تعلم ولم تقبله على وجه العارية - وقاله
أصبغ - ولا شئ على الزوج في هذا كله إذا لم يستهلك هو شيئا من ذلك استهلاكا. وهذا
فيما يفضل عن صداقها وجهازها مما لا تجهز به من صداقها ولا عطية أبيها لها.
قال ابن رشد: قوله: إنه لا ضمان على الابنة فيما جهزها به الأب من المتاع وأشهد أنه
عارية عندها إذا لم تعلم بالاشهاد ولم تقبله على وجه العارية صحيح إذ ليس لأحد أن يضمن
أحدا ضمان ما لم يلتزم ضمانه وحسبه أن ينفعه الاشهاد في استرجاع متاعه وإن طال زمان
ذلك عند الابنة. انتهى وبالله التوفيق ونقله ابن عرفة. وقال البرزلي: ولابن فتحون في وثائقه:
إذا ساق سوى نقدها من أسباب وأورده فلا يخلو إما أن يصرح بالهبة أو بالعارية أو يسكت.
فالأول لا فقال له في استرجاعه لملكه. والثاني له أن يسترجعه متى شاء طال الزمان أو قصر،
فإن أتلفته في هذا القسم في حال سفهها فلا ضمان عليها، وأن أتلفته بغدر سدها ضمنته،
وهذا إذا أشهد بالعارية أو علمت بها، فإن لم يكن واحد منهما فلا ضمان عليها، وإن كانت
رشيدة والتفريط جاء من قبل الأب والثيب مثلها ولا شئ على الزوج في الوجهين إذا لم يكن
استهلكه. رواه أصبغ عن ابن القاسم. وقال ابن عبد الغفور: وإن أشهد عند البناء أنه عارية
كان القول قوله وإن طال زمانه، ولا ينظر إلى أصل المتاع عرف للأب أو لم يعرف وليس له
أن يأخذ إلا ما وجده ولا يتبعها بما لبست أو أتلفت لأنها في ولاية أبيها وهو الذي سلطها
عليه. ولابن القاسم في الدمياطية أن الأب إنما يصدق فيما ادعى من جهاز ابنته بعد البناء أنه
عارية له ولو كان فيما بقي وفاء بالمهر إذا كان على أصل العارية بينة. والمشهور ما في العتبية
219

وانظر سماع أصبغ من الشرح انتهى. ويسير بذلك لكلام العتبى المتقدم وكلام ابن رشد عليها.
تنبيهان: الأول: تحصل مما تقدم أن شهادة الأب على العارية ينفعه في استرجاع متاعه
وإن طال الزمان على المشهور، والبكر والثيب مع الاشهاد في ذلك سواء، ولا ضمان عليها
فيما تلف إلا أن تعلم المالكة متهما لأمرها بالعارية فتضمن ما تلف. قال ابن سلمون: وحكم
سائر الأولياء في الاشهاد حكم الأب ونصه: وإن كان أشهد حين التجهيز فإن ذلك منه عارية
كان القول قوله وإن طال الزمان، ويكون له أخذ ما وجد من ذلك ولا ضمان على الابنة فيما
تلف من ذلك ولا على زوجها. قال في سماع أصبغ: فإن أشهد على الشورة أنها عارية قبل
الدخول ثم قام يطلبها كان له ذلك وإن كانت ثيبا. وعلى هذا يكون حكم سائر الأولياء
كذلك مع الاشهاد، وإذا تلف شئ من ذلك لم يكن عليها شئ إلا أن تعلم المالكة لأمرها أن
ذلك عارية فتضمن ما تلف انتهى.
الثاني: نقل البرزلي عن فتوى أشياخه أن حكم الاشهاد بعد الدخول في المدة التي يقبل.
فيها دعوى الأب العارية حكم الاشهاد قبل الدخول، ونصه بعد كلام ابن عبد الغفور المتقدم:
قوله يصدق في العارية إذا أشهد عند البناء بها، يريد وكذلك بعده فيما يقبل دعواه فيه " العارية،
كذلك كان أشياخنا يفتون به انتهى. وقوله فيما يقبل دعواه فيه العارية يفهم منه اختصاص
الانتفاع بالاشهاد بعد الدخول، فالأب والوصي في البكر أو الثيب المولى عليها والأم على
فتوى ابن عرفة وهو ظاهرها والله أعلم. ص: (إلا أن تهبه على دوام العشرة كعطية لذلك
ففسخ) ش: قال في أواخر كتاب الجامع من البيان في سماع عبد الله ابن عمر بن غانم: وسئل
ابن كنانة عن الرجل يقول لامرأته إن لم تضعي عني مهرك فأنت طالق إن لم أتزوج عليك
220

فتضع ذلك عنه هل ترى ذلك حلالا؟ قال: لا، لأنه خيرها بين أن تضع عنه مهرها وبين أن
يضرها وإنما قاله الله تعالى: * (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) *
قال ابن رشد: قوله: إن ذلك لا يحل له بين إن لم تضع ذلك له عن طيب نفس وإنما وضعته
عنه مخافة أن يلزمها الطلاق إن لم يضرها بالتزويج عليها فتلزمه الوضيعة ويقضى عليها بها،
ولا يكون لها الرجوع فيها إن طلقها أو تزوج عليها بمنزلة أن لو قال لها أنت طالق إن لم
تضعي عني مهرك فوضعته عنه، فلما وضعته طلقها ويؤمر أن يستحلها من ذلك أو يرده عليها
من غير قضاء يقضى به عليه، ولو سألها أن تضع صداقها دون أن يحلف على ذلك بالطلاق
فلما وضعته عنه طلقها بحدثان ذلك، كان لها أن ترجع عليها بما وضعت عنه لأنها إنما
وضعت عنه ذلك رجاء استدامة العصمة، فلما لم يتم لها المعنى الذي وضعت الصداق عنه
بسببه وجب لها الرجوع به، والذي قال لزوجته أنت طالق إن لم تضعي عني صداقك أو أنت
طالق إن لم تضعي عني صداقك لأتزوجن عليك فوضعته عنه، ليس هذا أن ترجع فيه وإن
طلقها بفور ذلك أو تزوج عليها لأن الذي وضعت عليه الصداق قد حصل لها وهو سقوط
اليمين عنه بطلاقها أو بطلاقها إن لم يتزوج عليها، فلو شاءت نظرت لنفسها وقالت له لا أضع
عنك الصداق إلا على أن لا تطلقني بعد ذلك ولا تتزوج علي. وقد مضى هذا المعنى في رسم
النكاح من سماع أصبغ من كتاب الطلاق السنة انتهى. وقال في التوضيح في فصل الخلع.
221

فرع: وإذا أعطته مالا على أن يمسكها ثم فارقها عاجلا فقالوا: لها الرجوع. وأما إن
كان بعد طول فحيث يرى أنها بلغت غرضها لم ترجع ولو طال ولم يبلغ ما يرى أنها دفعت
المال لأجله كان له من المال بقدر ذلك على التقريب فيما يرى. وهكذا قال مالك فيمن
أسقطت صداقها عن زوجها على أن لا يتزوج عليها فطلقها بحضرة ذلك إن لها الرجوع، وإن
طلقها بعد ذلك بحيث يرى أنه لم يطلقها لذلك لم ترجع. أصبغ: إلا أن يكون الطلاق
بحدثان الاسقاط ليمين نزلت ولم يتعمد ولم يستأنف يمينا فلا شئ عليه. ورأي اللخمي أن
لها الرجوع ولو كان الطلاق ليمين نزلت ولم يتعمد انتهى. وقال: ولو أعطته على أن لا يتزوج
عليها فتزوج رجعت ولو تأخر تزويجه انتهى. وما ذكره المصنف هنا ليس بتكرار في الظاهر
لقوله المتقدم إلا أن تسقط ما تقرر بعد العقد لأنه تكلم هناك على جوازه وهنا على الرجوع
والله أعلم. ص: (وإن خالعته على كعبد أو عشرة ولم تقل من صداقي فلا نصف لها ولو
قبضته ردته لا إن قالت طلقني على عشرة أو لم تقل من الصداق فنصف ما بقي) ش: يعني
إذا خالعته على عبد أو شئ تعطيه من مالها فلا نصف لها وتقدم كلامه، وإن خالعته على
كعبد فلا نصف لها ولو قبضته ردته. وهذه المسألة هي التي قال ابن الحاجب فيها: ولو خالعته
على عبد أو شئ تعطيه لم يبق لها طلب بنصف الصداق على المشهور انتهى. ومعنى قوله:
أو عشرة ولم تقل من صداقي هو متعلق بقوله: أو عشرة أي قالت خالعني على عشرة ولم
تقل من صداقي فلا نصف لها ولو قبضته ردته. فقوله: ولم تقل من صداقي هو متعلق بقوله:
أو عشرة. وما ذكره المصنف في هذه المسألة هو قول ابن القاسم. وقال أشهب: لها نصف
222

الصداق. ولما مشى المصنف على قول ابن القاسم وكانت هذه تشبه ما إذا خالعته على عبد أو
شئ تعطيه جمعهما للاختصار انتهى. وكذا قال في التوضيح لما فرغ من توجيه قول ابن
القاسم: وعلى هذا فهذه المسألة بمنزلة ما إذا خالعته على عبد أو شئ انتهى. وما مشى عليه
المؤلف مخالف لما مشى عليه ابن الحاجب فإنه مشى على قول أشهب. وأما قوله: لا إن قالت
طلقني إلى آخره فيعني به أن قولها: طلقني ليس كقولها: خالعني بل هو مخالف له ولها
نصف ما بقي. هذا معنى كلامه. أما كون طلقني مخالفا لخالعني فلا شك فيه. وأما قوله: لها
نصف ما بقي فلم أره منقولا في التوضيح ولا اللخمي الذي نقله عنه في التوضيح، وإنما لها
النصف من أصل الصداق ويقاصها بعشرة. وقد عقد اللخمي لهذه المسألة فصلا في التبصرة
في كتاب إرخاء الستور فليذكره. قال رحمه الله: باب حكم الصداق في المختلعة قبل الدخول
وبعده وهل يسقط الخلع ديون الزوجة. وإذا قالت اخلعني أو اتركني أو تاركني أو بارئني على
عشرة دنانير وكانت مدخولا بها، كانت له العشرة ولها صداقها كاملا، وسواء قالت ذلك
مطلقا أو شرطت العشرة من صداقها، وإن كانت غير مدخول بها وقالت بارئني على عشرة
دنانير، فإن شرطت العشرة من الصداق سقطت العشرة من جملته وكان الباقي بينهما نصفين،
وسواء قالت اخلعني أو طلقني إذا شرطت العشرة من الصداق. واختلف إذا لم تشترط من
الصداق وقالت على عشرة دنانير ولم تزد على ذلك فقال ابن القاسم: إن قالت طلقني على
عشرة دنانير كانت له العشرة والصداق ثابت بينهما يقتسمانه نصفين، وإن قالت اخلعني لم
يكن لها من الصداق شئ، وإن لم تكن قبضته لم تأخذ شيئا، وإن قبضته ردت جميعه. وقال
أشهب: قولها طلقني واخلعني له العشرة ولها نصف الصداق قبضته أو لم تقبضه. وقال أصبغ
في كتاب ابن حبيب: إن لم تكن قبضته لم تأخذ شيئا. وإن قبضته فهو لها كله ولا شئ له
إلا ما خلع عليه، وإن قبض بعضه لم يكن له مما قبض شئ، وسواء قالت اخلعني أو طلقني.
وقول أشهب: أحسن لأن قولها اخلعني أو بارئني أو تاركني إنما يتضمن خلع النفس والابراء
من العصمة والمتاركة فيها ليس الاخلاع من المال ولا الابراء منه ولا المتاركة فيه، ولو كان
ذلك لسقط الصداق عنه إذا كان مدخولا بها، وكذلك غيره من ديونها. وقد أجمعوا أن هذه
الألفاظ الانخلاع والمبارأة والمتاركة. إنما يراد بها بعد الدخول النفس دون المال، فوجب أن
يكون حقها في النصف قيل الدخول ثابتا، وكذلك إن لم يكن دخل بها وكان لها عليه دين
فقالت اخلعني أو بارئني، لا خلاف أن دينها باق. وكذلك إذا قالت قبل الدخول اخلعني على
ثوبي هذا أو عبدي هذا، فعلى قول ابن القاسم يسقط الصداق ولا يكون لها منه شئ قبضته
أم لم تقبضه، وعلى قول أشهب يمضي العبد أو الثوب للزوج والصداق عليه وهو أحسن في
هذا الأصل انتهى. فعلم من هذا أن المؤلف إنما مشى في مسألة خالعني على عشرة إلى آخره
على قول ابن القاسم، لأنهم جعلوا سقوط النصف في المسألة خالعني على ثوبي مقيسا على
223

قوله خالعني على عشرة. وقال ابن الحاجب: إن سقوط النصف في خالعني على ثوب ونحوه
هو المشهور، فعلم أن قول ابن القاسم في المسألة خالعني على عشرة هو المشهور والله أعلم.
ص: (ويرجع أن أصدقها من يعلم بعتقه عليها) ش: قوله يرجع بالمثناة التحتية. وقوله
يعلم اختلفت فيه النسخ ففي بعضها بالتحتية وفي بعضها بالفوقية، فأما على النسخة التي فيها
بالمثناة التحتية فالمعنى أن الزوج يرجع على المرأة إذا طلقها قبل البناء وكان قد أصدقها من
الرقيق من يعتق عليها وهو يعلم ذلك يريد بنصف قيمة ذلك الرقيق، وظاهره سواء علمت هي
أم لم تعلم، وإذا رجع عليها مع علمه فأحرى أن يرجع عليها مع عدم علمه. فحاصله أنه يرجع
عليها في الأربع الصور، سواء علما أو جهلا أو علم دونها أو العكس. وهذا ظاهر المدونة على
ما اختاره ابن القاسم قال فيها: وإن تزوجها على من يعتق عليها عتق عليها بالعقد، فإن طلقها
قبل البناء رجع عليها بنصف قيمته، كانت معسرة أو موسرة ولا يتبع العبد بشئ ولا يرد عتقه
كمعسر أعتق فعلم غريمه والزوج لم ينكر حين أصدقها إياه قد علم أنه يعتق عليها فلذلك لم
أرده على العبد بشئ. وقد بلغني عن مالك استحسان أنه لا يرجع الزوج على المرأة بشئ
وقوله الأول أحب إلي انتهى. قال أبو الحسن الصغير: معنى مسألة المدونة أنهم ا عالمان. قال
اللخمي: وكذلك لو كانا جاهلين. حكى القولين فيهما ثم قال أبو الحسن: وإن علمت دونه
فحكى ابن يونس عن مالك أن له أخذ نصفه ويمضي عتق نصفه إلا أن يشاء اتباعها بنصف
قيمته فذلك له ويمضي عتقه كله. وقاله عمن كاشفت من أصحاب مالك. وقال أبو عمران: لا
يرجع في عين العبد وليس له إلا اتباعها، ولو كان الزوج عالما لعتق عليه ويغرم لها قيمته فإن
224

طلق قبل البناء فعليه نصف قيمته. انتهى فتأمل والله أعلم. وكلام ابن غازي على هذه المسألة
جيد والله أعلم. ص: (وإن جنى العبد في يده فلا كلام له) ش: فأحرى إذا كان في يدها
والكلام لها في الوجهين وقصد المؤلف إلى المشكل من الوجهين. ص: (ولو قال الأب بعد
225

الاشهاد بالقبض لم أقبضه حلف الزوج في كالعشرة الأيام) ش: ليس هذا بمعارض لقوله
226

فيما تقدم ونقل هكذا مقتض لقبضه، بل المراد به أن هذا اللفظ مقتض للقبض وإذا كان
كذلك فغايته أنه كالتصريح بالقبض، فإن ادعى فيه ما ادعت في التصريح قبل قولها ولا
إشكال في ذلك والله أعلم..
فصل إذا تنازعا في الزوجية ثبتت ببينة
قدم ابن الحاجب هذا الفصل على فصل الصداق وينبغي أن يكون الفاعل المضمر يعود
على المتنازعين المفهومين من السياق أو إلى الزوجين، لكن قال ابن عبد السلام: في تسميتهما
زوجين تجوز والله أعلم.
مسألة: قال البرزلي: إذا شهد الشهود على المرأة على عينها أو كانوا يعرفونها فيلزمها
النكاح ولو كانوا إنما شهدوا عليها بمعرف كما هو الواقع في أنكحة زماننا فالامر في ذلك
مشكل إذا لم يوثق بالمعرف، ولو وثق به لكانت بمنزلة من شهد عليه بحق فأنكر أن يكون
227

المشهود عليه، فذكر ابن رشد أن الأصل أنه هو حتى يثبت أن ثم غيره على صفته ونصبه
فيكون حينئذ الاثبات على الطالب في تعيينه دون غيره انتهى.
فرع: قال ابن عرفة ابن سحنون: لو قال في يتيمة بعد أن بلغت وقالت قبلة، فرجع
سحنون عن قبول قولها القبول قوله. ابن سحنون: لو قال تزوجتك وأختك في عقد واحد.
ابن عبد الحكم: أو قال وأختك عندي وقالت تزوجتني وحدي أو لم تكن عندك أختي فسخ
لاقراره بفساده وعليه نصف المسمى إن لم يبن، وإن لم يسم فلا شئ عليه. ابن عبد السلام:
لها المنفعة. ابن سحنون: وإن بنى لم يصدق في إبطال الطلاق والسكنى، وكذا إن قال
تزوجتها في عدة. قلت: كذا وجدته في نسخة عتيقة مصححة في إبطال الطلاق والسكنى
وهو وهم في السكنى لاقتضائه سقوطها لو ثبت ببينة وليس كذلك، وتقدم نحوه لابن بشير
والرد عليه بنص ثالث نكاحها من نكح ذات محرم ولم يعلم ففرق بينهما بعد البناء فلها
السكنى لأنها تعتد منه وإن كان فسخا انتهى. ذكر ذلك في فصل التنازع في الزوجية. ص:
(ولو بالسماع بالدف والدخان) ش: وصفة شهادتهم قال في المتيطية: أنهم سمعوا سماعا
فاشيا مستفيضا على ألسنة أهل العدل وغيرهم أن فلانا المذكور نكح فلانة هذه بالصداق
المسمى وأن وليها فلانا عقد عليه نكاحها برضاها وأنه فشا وشاع بالدف والدخان انتهى.
ص: (وإلا فلا يمين) ش: ظاهره ولو طارئين. وعزا ابن عرفة هذا المعروف المذهب وجعل مقابله
قولين توجيهها مطلقا والتفريق بين الطارئين وغيرهما. قال: ودعوى النكاح على منكره دون
شاهد في سقوطها ولزوم يمين المنكر كغير النكاح ثالثها إن كانت بين طارئين لمعروف المذهب
وحكاية المتيطي نقل ابن الهندي قائلا: لما روى أشبه شئ بالبيع النكاح. وقول ابن حارث
اتفقوا على لغو دعوى النكاح اتفاقا محملا فسره سحنون بقوله إن كانا طارئين وجبت الايمان
بينهما انتهى. والذي صدر به ابن رشد وساقه على أنه المذهب لزوم اليمين للطارئين، وحكى
الآخر بقوله: وقد قيل إنه لا يمين عليها، ذكر ذلك في رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب
النكاح. وإطلاق الشيخ هنا كإطلاقه في باب الأقضية في قوله وكل دعوى لا تثبت إلا
بعدلين فلا يمين بمجردها ولا ترد كنكاح. وما ذكر ابن عرفة أنه المعروف قال في الشامل: إنه
الأصح وسيأتي لفظه في القولة التي بعد هذه. وأما إقرار الزوج والولي دون المرأة فيؤخذ حكمه
مما تقدم للمصنف إذ قال: وحلف رشيد وأجنبي وامرأة إلى آخره. والله أعلم. ص: (ولو أقام
228

المدعي شاهدا) ش: سيصرح المصنف بهذه المسألة في كتاب الشهادات حيث يقول: وحلف
بشاهده في طلاق وعتق لا نكاح انتهى. وظاهره ولو كانا طارئين وهو ظاهر كلامه في الشامل
ونصه: وإذا تنازعا في الزوجية فلا يمين على منكر ولو طارئا على الأصح لانتفاء ثمرتها ولو أقام
شاهدا. وقيل: يحلف فإن نكل غرم المهر ولا يثبت النكاح كنكولها إلا ببينة انتهى. ص:
(وحلفت معه وورثت) ش: هذا قول ابن القاسم. قال في التوضيح: وعليه فإنما تحلف مع
شاهدها وترث إذا لم يكن ثم وارث معين ثابت النسب انتهى. وسيصرح المصنف بهذه المسألة
في باب الشهادات حيث ذكر ما يثبت بشاهد ويمين حيث قال: ونكاح بعد موت. وظاهره
عموم الحكم بهذه المسألة ولعكسها وهي ما إذا أقام الرجل شاهدا على نكاح امرأة ببينة أنه
يحلف ويأخذ الميراث. قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: ولا صداق لها على قول ابن
القاسم لأن الصداق من أحكام الحياة. قاله في حواشي التجاني. انتهى كلامه والله أعلم.
ص: (وأمر الزوج باعتزالها الشاهد ثان زعم قربه) ش: هذه المسألة في رسم النكاح من
سماع أصبغ من كتاب الخلع. وهذا والله أعلم إذا ادعى هذا المدعي أنه كان تزوجها ودخل
بها، وأما لو ادعى أنها تزوجها ولم يدخل بها فقد تقدم في مسألة الوليين أن دخول الثاني
يفيتها والله أعلم.
تنبيه: قال في السماع المذكور: وكذلك العبد والجارية يدعيان الحرية إذا أقاما شاهدا
واحدا ويدعيان مع ذلك أمرا قريبا فيوقفان على صاحبهما ويخرجان عن يديه، لذلك قال
ابن رشد: قال في كتاب ابن المواز: إذا لم يقم لها شاهد آخر أو كان ذلك بعده حلف
السيد ولا شئ على الزوجة ولا على الزوج. قال ابن رشد: أما قوله لا شئ على الزوجة
ولا على الزوج فصحيح لأنهما لو أقرا له أو أحدهما بما ادعاه من النكاح لم ينتفع بذلك،
وأما قوله حلف السيد فصحيح على ما في المدونة وغيرها إذا كان ادعى على السيد أنه
أعتقه وأقام على ذلك الشاهد، وأما إن كان ادعى أنه حر من أصله وأن غيره أعتقه قبل أن
يشتريه وهو وأقام على ذلك شاهد فلا يمين على الذي هو بيده. والجواب في ذلك أن يوقف
عنه ويحال بينه وبين وطئها إن كانت أمة، ويؤخذ في طلب شاهد آخر الشهر والشهرين
والثلاثة. وإن أراد أن يذهب إلى موضع بيته كان ذلك له بعد أن يعطى حميلا بقيمته وإن
كانت له غلة وخراج فقيل: إنه يوقف ذلك، فإن استحق الحرية كان له ما وقف من خراجه.
وقيل: إنه لا يوقف ذلك إلا في حال الاعذار بعد ثبوت الحرية بشاهدين. وقيل: لا يوقف
229

ذلك والغلة للذي هو في يديه حتى يقضى عليه بحريته. وكلها قائمة من المدونة انتهى
مختصرا. ص: (وأمرت بانتظاره لبينة قريبة) ش: قال في التوضيح عن المتيطي: الذي جرى
به العمل عند شيوخنا وانعقدت الاحكام عليه أن تجعل المرأة عند امرأة صالحة تحتفظ بها أو
تجعل المرأة عندها وإلا فتحبس في الحبس حتى يحق الحق انتهى. وفي الشامل: وهل بحميل
وجه إن طلبه أو تحبس عند امرأة؟ وبه جرى عمل المتأخرين انتهى. ص: (وليس لذي
ثلاث تزويج خامسة) ش: قال في التوضيح ابن راشد: ويلزم على هذا أن لا تمكن من
النكاح إن ادعته وأنكرها لأنها معترفة أنها ذات زوج انتهى. ص: (وليس إنكار الزوج
طلاقا) ش:.
فرع: إذا أقامت المرأة على الرجل المنكر شاهدين ولم يأت بدافع لزمه النكاح والدخول
والنفقة ولا ينحل النكاح عنه إلا بالطلاق، فإن طلق قبل البناء لزمه نصف الصداق، فإن أبى
230

من الدخول والطلاق فقال ابن الهندي: كان بعض من أخذت عنه يقول: إن السلطان يطلق
عليه بعد أربعة أشهر من وقت إبايته. خليل: وفيه نظر، لأن مشهور المذهب فيمن ترك وطئ
زوجته لغير يمين يطلق بغير ضرب أجل. انتهى من التوضيح. ص: (وفي التوريث بإقرار
الزوجين غير الطارئين) ش: هذا إذا لم يكن مع المرأة ولد استلحقه الرجل، فإن كان كذلك
فترث بلا خلاف كما أشار إليه ابن الحاجب وصرح به في التوضيح وقاله ابن رشد في سماع
ابن القاسم من كتاب الاستلحاق ولم يحك فيه خلافا.
فرع: قال ابن عبد السلام: وكذلك ينبغي إذا أقرت ولم يعلم منه إنكار أن يرثها انتهى.
فرع: قال في التوضيح: قال في الجواهر: ومن احتضر فقال لي امرأة بمكة سماها ثم
مات فطلبت ميراثها منه فذلك لها ولو قالت ذلك هي ورثها. ابن راشد: وعلى ما حكاه في
المثمر إن كان في عصمته امرأة غيرها لم ترثه لأن هذه قد حازت الميراث انتهى. ص:
(والاقرار بوارث وليس ثم وارث ثابت خلاف) ش: أما لو كان هناك وارث ثابت لم يرثه
كما سيأتي في باب الاستلحاق. ص: (بخلاف الطارئين) ش: يؤخذ منه إن نكاح الطارئين
يثبت الاقرار منهما بخلاف البلديين. كما قاله ابن عبد السلام وغيره، وسواء طرءا معا أو طرأ
الرجل قبل المرأة قاله اللخمي. ابن عرفة: وحكم به قاضي الأنكحة حين نزلت بتونس عام بضع
وأربعين وسبعمائة خلاف ظاهر قول ابن عبد السلام انتهى بالمعنى. وانظر كلام ابن رشد في
رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح. ص: (وقوله تزوجتك فقالت بلى) ش: قال
231

في التوضيح: اعلم أن ما ذكره المصنف يعني ابن الحاجب هنا من الاقرار إنما يفيد في الطارئين
وأما غيرهما فلا، لأنه تقدم إنهما ولو تصادقا على الزوجية لم يقبل على الظاهر انتهى.
فرع: قال ابن فرحون في التبصرة في الفصل الخامس من القسم الثاني من الركن
السادس: مسألة إذا تداعى رجل وامرأة في شئ من أمور الزوجية وأقر بالزوجية، فإن كانا
طارئين لم يتعرض لهما الحاكم، وإن كانا من أهل البلد وادعيا وقوع الزوجية في البلد كلفهما
إثبات النكاح وسألهما عن الولي العاقد والشهود بذلك، فإن بان له كذبهما وأقرا بالوطئ أقام
عليهما الحد. انظر ابن سهل. ص: (وفي قدر المهر أو صفته) ش: هذا معطوف على قوله في
الزوجية في أول الفصل واختلافهما في الصفة مثل أن يقول الرجل بدنانير يزيدية وتقول المرأة
بمحمديه قاله ابن عبد السلام. وقال في التوضيح: مثل أن تقول بتركي وتقول بزنجي وكلاهما
واحد وهو واضح والله أعلم. ص: (حلفا وفسخ) ش: المتيطي: إذا ارتفعا إلى الحاكم وثبتت
232

مقالتهما عنده كلف كل واحد منهما إثبات ما ادعاه، فإن عجزا عن البينة أو أتياه ببينة لا
يعرفها ولا زكيت عنده قضى بينهما بالتحالف بعد الاعذار إليهما. وقال بعده: ويؤجل كل
واحد في تزكية شهوده على ما مضى عليه العمل في التأجيل. قال: وهو أحد وعشرون يوما
التي جرى عليها أمر الحكام في كثير من أحكامهم انتهى، وانظر لو زكى كل واحد بينته فإن
عينت واحدة زمانا غير زمان الأخرى فسيأتي للمصنف، وإن عينتا زمنا واحدا فالظاهر أنهما
يتساقطان والله أعلم. ص: (أو طلاق أو موتها فقوله بيمين) ش: قوله أو طلاق يعني قبل
البناء، وكذا قوله أو موتها يعني قبل البناء كذا فرض المسألة ابن الحاجب وغيره. وقوله فقوله
بيمين يريد فإن نكل حلفت المرأة في الطلاق. قاله في المدونة والمتيطية وغيرهما. وإن نكل في
233

الموت فالظاهر أن الورثة يحلفون لأنه مثله. هذا إذا كان الاختلاف بينه وبينها أو بينه وبين
ورثتها في القدر والصفة، وإن كان الاختلاف بينه وبينها أو بينه وبينهم في التفويض وعدمه
فحكمه ومثله كما قال المتيطي. ولو مات وادعى ورثته التفويض فالقول قولهم بيمين. قاله ابن
عبد السلام. ص: (ورد للمثل) ش: هكذا رأيته في نسخة وهو الصواب رد مبنيا للمفعول
وللمثل بلام الجر ونائب الفاعل ضمير يعود على الزوج المفهوم من السياق يعني يرد عن الذي
ادعاه إلى صداق المثل. واعلم أن هذا إنما يكون بعد أن يتحالفا. قاله في التوضيح وابن ناجي
على المدونة وغيرهما والله أعلم. ص: (ولو أقامت بينتين على صداقين في عقدين لزما وقدر
طلاق بينهما وكلفت بيان أنه بعد البناء) ش: اعلم أنه اختلف في فرض هذه المسألة ففرضها
ابن شاس وابن فرحون وابن عرفة كلاهما عنه أن المرأة أقامت بينتين على عقدين وعينت كل
بينة زمانا، فحكمها كما ذكر. وعلى هذا فيناسب أن يقرأ كلام المصنف ولو أقامت من باب
الأفعال وهو كذلك في بعض النسخ. وقوله كلفت بيان إنه بعد البناء ذكر ابن شاس قولين
في تكليفها وتكليف الزوج، وجزم الشيخ بالأول لأنه الجاري على المشهور من أنها لا تملك
بالعقد إلا النصف وفرضها المصنف في التوضيح وابن عبد السلام أن الزوج ادعى قدرا أو جنسا
وادعت خلافه وأقام كل منهما البينة على دعواه وعينت كل بينة زمانا غير الذي عينته الأخرى
فإنه يلزمه الصداقان، ويحمل على أنه طلقها إلى آخر الكلام إلا أن ابن عبد السلام قيد لزوم
234

مجموع الصداقين انتهى، بما إذا أقامت المرأة بالنكاحين معا، وأما إذا أقامت بأحدهما فلا يمكن أن
تأخذ مجموع الصداقين وكأنه يقول: إن الزوج لما أقام بينة على خلاف ما أقامت هي عليه البينة
قالت المرأة حينئذ ما شهدت به بينة الزوج صحيح لأنه عقد على عقدين، أما لو اتحد زمان البينتين
لسقطتا. هذا الذي يظهر والله أعلم. ص: (وإن قال أصدقتك أباك فقالت أمي حلفا وعتق
الأب) ش: اعلم أنه إن وقع الاختلاف ففيه أربع صور: يحلفان ينكلان تنكل هي ويحلف هو
وعكسه. فإن حمل كلام المؤلف على أنه تكلم على ما قبل الدخول وفي بالكلام على الأربع.
واعلم أن النكاح علم حكمه مما تقدم أنهما إذا حلفا فسخ وكذا إذا نكلا عن المشهور، وإذا نكل
أحدهما لزم الناكل، واعلم أيضا أن الأب يعتق في الصور الأربع وإن الام إنما تعتق إذا نكل الزوج
وحلفت المرأة. قاله ابن عبد السلام. قال في المتيطية: وولاء الأب للبنت انتهى. وأما الام فلا
كلام أنها إذا عتقت يكون ولاؤها للبنت أيضا لأنها إنما تعتق عليها، وإن كان الاختلاف بعد
البناء فإن القول قوله مع يمينه ويدفع إليها أباها، وإن نكل فيعتقان معا الأب وعلى الزوج والأم
على الزوجة بعد يمينها على المشهور. وقيل: بغير يمين. قاله في المتيطية. وقال فيها أيضا: وولاؤهما
للابنة. إذا عتق الأب فلا رجوع للزوج على الزوجة بشئ لأنه إنما عتق بإقراره أنه حر، فإن مات
الأب عن مال أخذ الزوج قيمة الأب وكان ما بقي للابنة وهي الزوجة أيضا انتهى. والظاهر أن
الزوج يأخذ أيضا قيمة الأب إذا مات عن مال وكان الاختلاف قبل البناء والله أعلم.
تنبيه: إذا حلفا أو نكلا وفسخ النكاح، فهل يفسخ بطلاق أم لا ينبني ذلك على
الاختلاف فيه هل يفسخ بتمام التحالف أم لا؟ فإن قلنا لا ينفسخ بتمام التحالف وهو الذي
مشى عليه المؤلف في باب البيع فلا إشكال إنه يفسخ بطلاق، وإن قلنا يفسخ بتمام التحالف
235

ففي ذلك نظر، وهذا الحكم جار في هذا الباب جميعه والله أعلم. ص: (وفي قبض ما حل
فقبل البناء قولها وبعده قوله بيمين فيهما) ش: هذا معطوف على قوله في الزوجية أول الفصل
إذا تنازعا في قبض ما حل. وقوله قولها بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي فالقول قولها، وكذا
قوله وبعده فقوله. واعلم أنه إنما يكون القول قولها مع يمينها إن كانت رشيدة. قال ابن
فرحون في شرح ابن الحاجب: إن كان التنازع قبل البناء حلفت المرأة إن كانت رشيدة وإلا
حلف أبوها أو وصيها إن ادعى الزوج الدفع إليه انتهى. وقال المتيطي: وإن اختلفا في دفع
المعجل قبل البناء حلفت المرأة إن كانت مالكة أمر نفسها وادعى دفع ذلك إليها أو حلف من
زوجها أو من أب أو وصي أو ولي إن كانت محجورا عليها وادعى دفع ذلك إليهم، فإن
حلف من وجب عليه الحلف منهم دفع الزوج المعجل ثانية ودخل بأهله، وإن صرفت اليمين
عليه حلف وبرئ منه إن كانت ذات أب أو وصي أو مالكة أمر نفسها ووجب على الأب أو
الوصي غرم ذلك لها ولا يبرأ منه إن كانت يتيمة بكرا ذات ولي ويلزمه دفعه ثانية ويتبع به
الولي الذي حلفه. وإن ادعى دفع ذلك إليها يريد المولى عليها قبل البناء أو بعده لم
ينتفع بذلك ولا يجب عليها يمين إن أنكرته ولا يبرأ منه إن أقرت له لأنها سفيهة لا يجوز
إقرارها ولا قبضها إلا أن يدعي دفع ذلك إليها بعد عام من دخوله بها فتجب له اليمين عليها
236

لأنها بتمام العام تخرج من سفهها وتنفذ أمورها على المختار من الاختلاف انتهى. وقول المؤلف
ما حل يفهم منه أن المؤجل حكمه خلاف ذلك وهو كذلك. قال ابن فرحون: والقول قولها
فيما لم يحل، وسواء وقع التنازع فيه قبل البناء أو بعده انتهى. وقال في المدونة: وإن نكح على
نقد ومؤجل فادعى بعد البناء أنه دفع المؤجل وأكذبته، فإن بنى بها بعد الاجل صدق، وإن بنى
بها قبل الاجل صدقت، كان المؤجل عينا أو حيوانا مضمونا بعد الايمان فيما ذكرناه انتهى. وقوله
بيمين فيهما أي في صورة كون القول قولها أو قوله وانظر إذا نكل من القول قوله عن اليمين.
فرع: قال في التوضيح: وجعل في المدونة ورثة كل واحد من الزوجين يتنزل منزلة
موروثه سواء ماتا معا أو أحدهما. قال في المدونة: وإن قال ورثة الزوج في المدخول بها قد
دفعه أو لا علم لنا فلا شئ عليهم، فإن ادعى ورثتها عليهم العلم حلفوا أنهم لا يعلمون
أن الزوج لم يدفع ولا يمين على غائب، ومن يعلم أنه لا علم عنده. انتهى كلامه في
التوضيح، وقوله في المدونة لا شئ عليهم خلاف سماع القرينين ونقله ابن عرفة. وقوله
فيها من يعلم أنه لا علم عنده قال ابن ناجي: العلم هنا بمعنى الظن، وكان شيخنا حفظه
الله تردد في الزمن الذي يعتبر فيه العلم، هل يوم العقد أو يوم الموت أو يوم الحكم؟ ويذكر
أنها وقعت في أيام شيخنا أبي عبد الله محمد القابسي في بلد القيروان وإن ولم يجزم بما
وقع الحكم به، والصواب عندي من العقد إلى دخوله والله أعلم. ص: (عبد الوهاب إلا
أن يكون بكتاب وإسماعيل بأن لا يتأخر عن البناء عرفا) ش: هو تقييد. وقيده عياض
أيضا بما إذا ادعى دفعه قبل الدخول، وأما إن ادعى دفعه بعد الدخول فلا يصدق فيه
كسائر الديون. قاله في التوضيح.
فرع: إذا أخذت بالصداق رهنا ثم سلمته فالقول قول الزوج مع يمينه أنه دفع و يبرأ،
وسواء دخل أو لم يدخل. واختلف إذا دخل وبقي الرهن في يدها فقال سحنون: القول قول
الزوج مع يمينه. وقال يحيى: القول قولها مع يمينها واختاره اللخمي وغيره. انتهى من التوضيح.
وانظر اللخمي وابن عرفة والذخيرة فيما إذا أخذت به حميلا فإنهم أطالوا الكلام في ذلك والله
أعلم. ص: (وفي متاع البيت فللمرأة المعتاد النساء فقط بيمين وإلا فله بيمين) ش: إذا تنازع
الزوجان في متاع البيت قال ابن عبد السلام: كانا باقيين على الزوجية أو افترقا أو ماتا فاختلف
ورثتهما أو مات أحدهما، وسواء كانا حرين أو عبدين أو أحدهما حرا والآخر رقيقا أو حصل
237

فيهما، أو أحدهما عقد حرية مسلمين أو أحدهما أو لم تقم لهما أو لأحدهما بينة، قضى
للمرأة بما يعرف أنه للنساء وهو المشهور في المذهب انتهى. وقال ابن عرفة المتيطي عن ابن
المواز. وكذا الكافرون إن ترافعا إلينا لأنها مظلمة. قلت: إن كانت مظلمة كفى فيها رفع
المظلوم خلاف قوله ترافعا انتهى. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: اعلم أنه لا فرق بين
الزوجين والقرابة كالرجل ساكنا مع بعض محارمه انتهى. وافتراق الزوجين سواء كان بطلاق أو
خلع أو لعان أو إيلاء الحكم واحد. قاله في المدونة. قال ابن عرفة: وكون الدار للزوج أو
للزوجة سواء انتهى. وقاله في المدونة.
فرع: فلو كان ما تنازعا فيه مما يكون للرجال والنساء فقال ابن رشد في رسم اغتسل
على غير نية من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات: لم يختلف قول مالك وابن القاسم
في أن القول قول الزوج إذا اختلفا في متاع البيت وهو مما يكون للرجال والنساء. وقال في
رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الشهادات الثاني: ويد الزوج عند ابن القاسم هي
المغلبة على يد الزوجة إذا اختلفا فيما هو من متاع الرجال والنساء. وقد قيل: إنه لا يدلها معه
فالقول قوله إذا اختلفا في متاع البيت وإن كان ذلك من متاع النساء انتهى.
فرع: قال في المدونة: وفيها من أقام بينة فيما يعرف للآخر أنه له قضى به انتهى. فلو
أقام كل واحد من الزوجين بينة في شئ أنه له فالظاهر أنه يقضى بأعدل البينتين، فإن تساويا
رجح بسبب من أسباب الترجيح، فإن تكافأتا سقطتا ورجع في ذلك إلى أنه هل يعرف للرجال
أو للنساء أو لهما. قال في النوادر في كتاب الشهادات في ترجمة المتداعيين في شئ بأيديهما
أو في يد أحدهما أو في يد غيرهما. وأقاما البينة ما نصه: وسأله ابن حبيب عمن حكم عليه
بدين فأثبت عدمه ببينة فأقام الطالب ببينة أن له دارا هو بها ساكن وأقامت امرأة الغريم بينة
الدار لها. قال: يقضى بأعدل البينتين، فإن تكافأتا بقيت الدار للزوج وتباع في دينه لأن سكناه
أغلب من سكنى امرأته وعليه هو أن يسكنها انتهى. وحاصل ذلك أن جميع ما يعرف أنه
للرجال يقضى به للرجل مع يمينه، وكذا ما يعرف للرجال والنساء يقضى به للرجل مع يمينه
لأن البيت بيت الرجل، وما يعرف للنساء يقضى به للمرأة مع يمينها، ووارث كل واحد منهما
يتنزل منزلته. فما يعرف للرجال يقضى به لورثة الرجل مع يمينهم، وما يعرف للرجال والنساء
يقضى به لورثة الرجل مع يمينهم، وما يعرف للنساء يقضى به لورثة المرأة مع يمينهم أنه لها فإن
أقام الرجل أو ورثته بينة على ما يعف للنساء أنه له قضى له به أولهم، وكذا إذا أقامت المرأة أو
ورثتها بينة على ما يعرف للرجال أو ما يعرف لهما قضى به لها ولهم، وكذا إذا أقام الرجل بينة
على أنه اشترى ما يعرف للنساء فإنه يقضي له به مع يمينه إنه اشتراه لنفسه كما سيأتي في
كلام المؤلف إلا أن تشهد بينة للمرأة أو لورثتها أنه اشتراه لها، وكذلك الحكم في المرأة إلا أن
238

في يمينها تأويلين كما سيذكره المصنف. قال في المدونة: والمتاع الذي يعرف للنساء مثل
الطست والنور والمنارة والقباب والحجال والأسرة والفرش والوسائد والمرافق والبسط وجميع
الحلي إلا السيف والمنطقة والخاتم فإنه يعرف للرجل، وللرجل جميع الرقيق ذكرانا وإناثا، وأما
أصناف الماشية وما في المرابض من خيل أو بغال أو حمير فلمن حاز ذلك انتهى، والحاصل أن
العمدة فيما يعرف. للرجال أو للنساء على ما جرى به العرف في مثل الزوجين قالوا: حتى إن
الشئ الواحد في الزمن الواحد والمكان الواحد يكون من متاع الرجل بالنسبة إلى قوم، ومن
متاع النساء بالنسبة إلى آخرين والله أعلم.
تنبيهان: الأول: انظر لو نكل من توجهت عليه اليمين من الزوج أو الزوجة أو ورثته.
الثاني: سيأتي في أول الاقرار حكم من أشهد لامرأته أن كل شئ يغلق عليه باب بيتها
فهو لها. وانظر ابن سلمون في أوائل كتاب الوصايا في الحكم في الاختلاف في متاع البيت
فإنه ذكر غالب ما يحتاج إليه فيه والله أعلم.
فائدة: قوله في المدونة مثل الطست قال ابن ناجي: جرت عادة أصحابنا يقرأونه على
شيوخنا بكسر الطاء. وقال شيخنا: أعرف الرواية بفتح الطاء. وقال في حاشية الحجازي على
الشفاء في باب الثاني: الطسب بسين مهملة والتاء بل من سين فهو طس بالتشديد أبدلت
للاستثقال، وإذا أجمعت وصغرت ردت للفصل بين السين بألف الجمع أو ياء التصغير فتقول
طساس وطسيس، ويقال طسه تفتح الطاء في الجميع وتكسر، وقد تضم والفتح أفصح. ونقل
عن صاحب القاموس أنه يقال بالشين انتهى. ص: (ولها الغزل إلا أن يثبت أن الكتان له)
ش: ابن عرفة قلت: إن كان الزوج من الحاكة وأشبه غزله غزلها فمشترك وإلا فهو لمن أشبه
239

غزله منهما انتهى. ص: (وإن أقام الرجل بينة على شراء ما لها حلف وقضى له به
كالعكس وفي حلفها تأويلان) ش: قال ابن فرحون: الورثة في البينة واليمين بمنزلتهما إلا أنهم
إنما يحلفون فيما يدعى عليهم فيه العلم. فلو كان شئ من متاع النساء وادعى الزوج أنه اشتراه
لنفسه ولا بينة حلفوا أنهم لا يعلمون أن الزوج اشترى هذا الذي يدعيه من متاع النساء وورثة
الزوج بهذه المنزلة انتهى. وأصله في المدونة.
فرع: إذا طلقها وعليها ثياب وطلبته بالكسوة فقال لها ما عليك فهو لي وقالت بل هو
لي أو عارية عندي، فللأندلسيين في ذلك ثلاثة أقوال: فقال ابن الفخار: القول قول الزوج.
وقال ابن دحون: القول قول المرأة. وقال المشاور: إن كانت من كسوة البذلة فالقول قوله مع
يمينه وإلا فقولها مع يمينها، فإذا حلفت كساها وإذا اشترى لزوجته ثيابا فلبستها في غير البذلة
ثم فارقها وادعى أنها عارية وأنكرته قال الداودي: إن كان مثله يشتري ذلك لزوجته على وجه
العارية فالقول قوله مع يمينه وإلا فقولها. قاله في التوضيح.
240

فرع: قال ابن فرحون: إذا عرفت المرأة أنها فقيرة لم يكن القول قولها إلا في قدر
صداقها انتهى.
فصل في الوليمة
ص: (فصل الوليمة مندوبة بعد البناء يوما) ش: قال في العتبية في رسم طلق بن
حبيب في سماع ابن القاسم من كتاب الجامع الخامس في ترجمة وجه الاطعام في الوليمة قال
مالك: كان ربيعة يقول: إنما يستحب الطعام في الوليمة لاثبات النكاح وإظهاره ومعرفته لأن
الشهود يهلكون. قال ابن رشد: يريد أن هذا هو المعنى الذي من أجله أمر رسول الله (ص)
بالوليمة وحض عليها بقوله لعبد الرحمن بن عوف: أولم ولو بشاة وبما أشبه ذلك من الآثار.
وقوله صحيح يؤيده ما روي أن النبي (ص) مر هو وأصحابه ببني زريق فسمعوا غناء ولعبا فقال:
ما هذا؟ فقالوا: نكح فلان يا رسول الله فقال: كمل دينه هذا النكاح لا السفاح ولا نكاح
حتى يسمع دف أو يرى دخان وبالله التوفيق انتهى. وقوله: بعد البناء هو المشهور. قال في
العارضة قال ابن حبيب: قد كان النبي (ص) يستحب الطعام على النكاح عند عقده وعند البناء
وليس كما زعم ما أطعم قط إلا بعد البناء انتهى، وقال فيها أيضا: ليس في الوليمة على بعض
النساء أكثر من الوليمة على غيرها ما يخرج من العدل بينهن كما فعل النبي (ص)، لأن ذلك
لم يكن قصدا وإنما كان بقدر الوجد انتهى. وهذا إذا كان كذلك فواضح، وأما إن كان
بقصد فالظاهر كراهته فلا يحرم والله أعلم. وقال أيضا: والوليمة في السفر مطلوبة كالحضر
وليست من القربات التي يسقطها السفر انتهى. ص: (وتجب إجابة من عين) ش: يعني أن
الإجابة تجب يوما واحدا على من دعى معينا، ومراده سواء كان سابعا أو غير سابع. قال ابن
عرفة ابن رشد: إن جعل الوليمة والسابع معا وجبت إجابته لأنه دعاء لحق، ومن دعي للسابع
بخلافه لأنه لم يدع لحق بل لمعروف، وكذا من ترك الوليمة. وفعل السابع. وإن أخر الوليمة
للسابع فقال مالك: يجيب وليس كالوليمة لأنه ربما جعل الوليمة والسابع ووجه تعليله تخفيف
الاتيان لما قال هو أنه لما كان الرجل قد يجمعهما احتمل عنده أنه لم يؤخر الوليمة إلى يوم
241

السابع بل تركها وعلمه، ولو كان عادة الناس بالبلد أنهم لا يولمون إلا يوم السابع لوجبت
الإجابة انتهى. والمسألة في رسم الطلاق من سماع أشهب في كتاب النكاح وأطال ابن رشد
الكلام عليها. وقال في جامع الذخيرة مسألة فيما يؤتى من الولائم قال صاحب المقدمات: هي
خمسة أقسام: واجبة الإجابة إليها وهي وليمة النكاح، ومستحبة الإجابة وهي المأدبة وهي
الطعام يعمل للجيران للوداد، ومباحة الإجابة وهي التي تعمل من غير قصد مذموم كالعقيقة
للمولود والنقيعة للقادم من السفر والوكيرة لبناء الدار والخرس للنفاس والاعذار للختان ونحو
ذلك، ومكروه وهو ما يقصد به الفخر والمحمدة لا سيما أهل الفضل والهيئات لأن إجابة مثل
ذلك يخرق الهيئة، وقد قيل ما وضع أحد يده في قصعة أحد إلا ذل له، ومحرمة الإجابة وهو
ما يفعله الرجل لمن يحرم عليه قبول هديته كأحد الخصمين للقاضي انتهى. وقال في الشامل:
وأما طعام أعذار الختان ونقيعة لقادم من سفر وخرس لنفاس ومأدبة لدعوة وحدقة لقراءة صبي
ووكيرة لبناء دار، فيكره الاتيان له وقد تقدم حكم العقيقة. انتهى كلامه فتأمله مع ما نقله في
الذخيرة عن صاحب المقدمات في القسم المستحب والمباح. ولابن رشد في شرح المسألة الرابعة
من رسم قطع الشجرة من كتاب المديان في القسم المباح نحو ما له في المقدمات ونصه:
الدعوة في الختان ليست بواجبة عند أحد من أهل العلم ولا مستحبة وإنما هي من قبيل الجائز
الذي لا يكره تركه ولا يستحب فعله انتهى. وما نقله في الذخيرة عن ابن رشد في المقدمات
نحوه في البيان في أول سماع أشهب من كتاب الصيام، وأشار إلى شئ منه في رسم طلق بن
حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح. والمأدبة بضم الدال وفتحها قاله في الصحاح.
والاعذار طعام الختان وهو في الأصل مصدر قاله في الصحاح فهو بكسر الهمزة لأنه ليس
شئ من المصادر على وزن أفعال.
فروع: الأول: قال في العارضة: إذا اجتمع داعيان أجب أقربهما منك بابا، فإن سبق
أحدهما فالسابق انتهى.
الثاني: قال في رسم الجامع من سماع أصبغ من كتاب الجامع: إذا دعي الرجل إلى
الوليمة وغيرها وقيل له ائت بمن تحب معك أنه لا بأس أن يستصحب من إخوانه ما شاء. ابن
رشد: هذا بين أنه يستصحب من شاء ولا يجب على المستصحب إلا أن يشاء إذا لم يقصد
صاحب الوليمة إلى دعائه فلا يلزمه الاتيان إليها على ما قاله مالك في رسم الطلاق من سماع
أشهب من كتاب النكاح انتهى. ونص ما في رسم سماع أشهب قلت: أرأيت صاحب الوليمة
يدعو إنسانا فيقول له اذهب فانظر من لقيت فادعه فيدعو الرجل، أهو في سعة من ترك
الإجابة؟ فقال: أرجو أن لا يكون على هذا بأس أن لا يأتيه لأنه لا يعرفه بعينه ولم يتعمده.
الثالث: قال ابن عرفة: وفي طرر ابن عات لا بأس أن يحضر وليمة اليهودي ويأكل
242

منها. قال بعض أصحابنا: بعد أن يحلفه أنه لم يتزوج أخته ولا عمته ولا خالته.
قلت: الأصوب أو الواجب عدم إجابته لأن في إجابته إعزازا له والمطلوب إذلاله. وقوله:
بعد أن يحلفه فيه نظر إن كان ذلك مباحا في ملتهم انتهى. وقال في العتبية في رسم
الأقضية من سماع أشهب في كتاب النكاح: وسئل عن النصراني يختن ابنا له فيدعو مسلما،
أترى أن يجيبه؟ فقال: إن شاء جاء ليس عليه في ذلك ضيق إن جاءه فلا بأس به. قال ابن
رشد: معنى قوله إنه لا إثم عليه في ذلك ولا حرج إن فعله وذلك إذا كان له وجه من جوار
أو قرابة أو ما أشبه ذلك، والأحسن أن لا يفعل لا سيما إذا كان ممن يقتدى به لما في ذلك من
التودد إلى الكفار وقد قال الله عز وجل: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من
حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم) * الآية. ص: (وإن صائما) ش:.
تنبيه: ظاهر كلام الآبي في كتاب الصيام أن الصائم إذا أخبر أنه صائم لا يلزمه
الحضور، وقيده النووي بأن يسامح في ذلك والله أعلم. ص: (إن لم يحضر من يتأذى به
ومنكر كفرش حرير وصور على كجدار) ش: قال ابن العربي في العارضة: اتفق العلماء على
أنه إذا رأى منكرا أو خاف أن يراه أنه لا يجيب. وقال أيضا بعد حكاية الخلاف في وجوب
الإجابة: أما الذي يصح في هذا كله عند النظر أن إجابة الدعوة واجبة إذا خلصت نية الداعي
لله وخلصت وليمته عما لا يرضي الله، ولما عدم هذا سقط الوجوب عن الخلق بل حرم عليهم
كما سيأتي بيانه فلا معنى للاطناب في ذلك انتهى. وقال القرطبي في شرح مسلم: وهذا كله
ما لم يكن في الطعام شبهة أو تلحق فيه منة أو رؤية منكر فلا يجوز الحضور ولا الاكل ولا
يختلف فيه انتهى.
فرعان: الأول: قال الآبي: ويأتي لابن حبيب وغيره من السلف زيادة مانع آخر، وهو أن
لا يخص بالدعوة الأغنياء فإن خصهم سقط الوجوب انتهى. وقال القرطبي في معنى قوله (ص)
شر الطعام طعام الوليمة ذكره العلماء اختصاص الأغنياء بالدعوة واختلفوا فيمن فعل ذلك.
هل تجاب دعوته أم لا؟ فقال ابن مسعود: لا تجاب ونحا نحوه ابن حبيب من أصحابنا، وظاهر
كلام أبي هريرة وجوب الإجابة والله أعلم انتهى. وقال في العتبية في رسم طلق بن حبيب من
243

سماع ابن القاسم من كتاب الجامع الخامس في ترجمة حكاية عن أبي هريرة رضي الله عنه في
إتيان الوليمة قال مالك: بلغني أن أبا هريرة رضي الله عنه دعي إلى وليمة وعليه ثياب دون،
فأتى ليدخل فمنع ولم يؤذن له فذهب فلبس ثيابا جيادا ثم جاء فأدخل، فلما وضع الثريد
وضع كميه عليه فقيل له: ما هذا يا أبا هريرة؟ فقال: إنما هي التي أدخلت وأما أنا فلم أدخل
قد رددت إذ لم تكن علي ثم بكى وقال: ذهب حبي ولم ينل من هذا شيئا وبقيتم تهانون
بعده. قال ابن رشد: هذه الوليمة التي رد فيها أبا هريرة من لم يميزه من حجاب باب الوليمة إذ
ظنه فقيرا لما كان عليه من الثياب الدون وأدخله بعد ذلك من رآه من حجابها في صفة الأغنياء
بالثياب الحسان هي التي قال فيها رسول الله (ص): شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء
ويترك الفقراء ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله ويروى: بئس الطعام يريد أنه
بئس الطعام لمطعمه إذ رغب عماله في الحظ من أن لا يخص بطعامه الأغنياء دون الفقراء.
فالبأس في ذلك عليه لا على من دعاه إليه لقوله في الحديث نفسه: ومن لم يأت الدعوة فقد
عصى الله ورسوله وبكى رضي الله عنه شفقا من تغيير الأحوال على قرب العهد بالنبي (ص)
ورغبة الناس عما ندبوا إليه في ولائمهم من عملها وترك الرياء فيها والسمعة وبالله التوفيق
انتهى.
تنبيه: قال ابن العربي في العارضة: روي عن ابن عمر أنه دعا في وليمة الأغنياء والفقراء
فعزل الفقراء عنهم وقال: نطعمكم ما يأكلون لا تفسدوا عليهم ثيابهم. وهذا مما لم يثبت فلا
تعولوا عليه ولو أراد الجمع بين الفقراء والأغنياء والفقراء لفرقتهم ولم يجمع بينهم ويعتذر إليهم،
فإن هذا كسر لنفوسهم وإثم يدخل عليه من جهتهم فلا ينفع إشباعه بذلك انتهى.
الثاني: قال الأقفهسي عند قول الرسالة: وقد أرخص مالك في التخلف لكثرة زحام
الناس فيها قال: وكذلك إذا كان من حضر يأكلون وعلى رؤوسهم قوم ينظرونهم فهذا من
المشقة والضرر انتهى. ص: (لا مع لعب مباح ولو لذي هيئة) ش: قال في سماع أشهب في
244

كتاب الجامع: وسألته عمن يدعى إلى الوليمة وفيها إنسان يمشي على الحبل وآخر يجعل في
جبهته خشبة ثم يركبها إنسان فقال: لا أرى أن يأتي. قيل: فإن دخل ثم علم بذلك أيخرج؟
قال: نعم يقول الله تبارك وتعالى: * (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا
مثلهم) * قال ابن رشد: اللعب في الوليمة هو من ناحية ما رخص فيه من
اللهو، واختلف فيما رخص فيه من ذلك هل الرخصة فيه للنساء دون الرجال أو للنساء
والرجال؟ فقال أصبغ في سماعه من كتاب النكاح: إن ذلك يجوز للنساء دون الرجال وأن
الرجال لا يجوز لهم عمله ولا حضوره وهو ظاهر ما في هذه الرواية، والمشهور أن عمله
وحضوره جائز للرجال والنساء وهو قول ابن القاسم في رسم سلف من سماع عيسى من
كتاب النكاح، ومذهب مالك خلاف قول أصبغ إلا أنه كره لذي الهيئة أن يحضر اللعب
انتهى. وسيأتي ما في الرسمين المذكورين عند قول المصنف لا الغربال ص: (وفي وجوب
أكل المفطر تردد) ش: أشار لقول الباجي لا نص لأصحابنا وفي المذهب مسائل تقتضي القولين
اه‍. واعترضه ابن عرفة بأن في رواية محمد يجيب وإن لم يأكل قال: وهو نص فقهي ونقله
ابن ناجي وقال: يعترض بقول الرسالة وأنت في الاكل بالخيار انتهى. ولا شك أن الثاني نص
في ذلك وأما الأول ففيه نظر فتأمله. وقال في العتبية في سماع أشهب من كتاب النكاح في
رسم طلق بن حبيب: وسئل مالك عن الاتيان إلى الوليمة؟ فقال: أرى أن يأتيها. فقيل له:
ربما كان الزحام فيكره ذلك لموضعه فقال: إن كان الزحام فإني أرى له سعة. فقيل له: فيجيب
245

وإن كان صائما؟ قال: نعم أرى أن يجيب أكل أو لم يأكل. قال ابن رشد: قوله أرى أن
يجيب أكل أو لم يأكل، يريد أن الإجابة تلزمه كان صائما أو مفطرا، فإن كان صائما صلى
كما جاء في الحديث أي دعا، وإن كان مفطرا فليس عليه بواجب أن يأكل وإنما يستحب له
ذلك ويندب إليه لأن أمر النبي (ص) بالاكل فيما روي عنه من قوله: إذا دعي أحدكم فليجب
فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل محمول على الندب عند مالك رحمه الله
بدليل قول النبي (ص) في حديث آخر إذا دعي أحدكم فليجب، فإن شاء أكل وإن شاء
ترك وأهل الظاهر يوجبون عليه الاكل بظاهر الحديث الأول، وما ذهب إليه مالك من
استعمال الحديثين أولى من إطراح أحدهما اه‍.
نكتة عجيبة: أخبرني سيدي الوالد حفظه الله عن بعض من قرأ الرسالة أنه قال: كنت
أظن أن معنى قول الشيخ وأنت في الاكل بالخيار أن تأخذ كل لقمة كالخيارة وهو فهم غريب
والله أعلم.
تنبيه: قال البرزلي في مسائل الهبة والصدقة: وما يفعل من الأطعمة في بعض الأعراس
أو الولائم أو الأعياد من طعام رفيع أو حلاوة وقصد بعض الناس بها المفاخرة وعرضه فقط
لا أكله، فلا ينبغي أن يحضر فضلا عن أن يكثر من أكله، فإن حضر لضرورة فلا يأكل منه
إلا قدر ما تطيب به نفس صاحبه على العادة، ولا يجوز الافداح في الاكل منه إذا لم يصنع
لذلك انتهى. وقال قبله: إذا قدم الطعام لضيافة أو غيرها فلا يأكل منه إلا قدر ما يأتي بين
يديه ولا يتعدى إلى جاره في نصيبه إلا بطيب نفس منه، وكذا إذا كان الطعام كثيرا أو
أكل أكلا خارجا عن المعتاد لا بد له من استئذان رب الطعام لا سيما على القول أنه لا
يملك إلا بالازدراد فلا يأخذ منه إلا ما جرت به العادة من باب تخصيص العموم بالعادة،
ولا يطعم منه هرا ولا غيرها إلا بإذن ربه. وعلى القول بأنه يملكه بالتمكين فيجوز أن يطعم
246

الهر ونحوها. ونص على المسألة القرافي في آخر شرحه للتنقيح له ويحتمل أن لا يعطي شيئا
من ذلك كله لأنه إنما ملك الانتفاع في نفسه خاصة لا عموم منفعة الطعام في كمال
التصرف كما في بعض مسائل الحبس. وبلغني عن الشيخ الصالح أبي عبد الله الرماح شيخ
عصره في بلده أكل معه بعض أهل البادية طعاما فجاوز العادة فخاف البدوي الفضيحة
فقال: يا سيدي يقول الناس: من راءى في أكله راءى في دينه فقال له: اسكت من راءى
في أكله ستر في دينه انتهى. ص: (وكره نثر اللوز والسكر) ش: قال في رسم سن من
سماع ابن القاسم من كتاب العقيقة قال مالك فيما ينثر على الصبيان عند خروج أسنانهم
وفي العرائس فتكون فيه النهبة قال: لا أحب أن يؤكل منه شئ إذا كان ينتهب. قال ابن
رشد: كرهه مالك بكل حال لظواهر الآثار الواردة عن النبي (ص) في ذلك، من ذلك نهيه
عن النهبة وأنه قال: النهبة لا تحل وأنه قال: من انتهب فليس منا وفي ذلك
تفصيل. أما ما ينثر عليهم ليأكلوه على وجه ما يؤكل دون أن ينتهب فانتهابه حرام لا يحل
ولا يجوز لأن مخرجه إنما أراد أن يتساووا في أكله على وجه ما يؤكل، فمن أخذ منه أكثر
مما كان يأكل منه مع أصحابه على وجه الاكل فقد أخذ حراما وأكل سحتا لا مرية فيه
ودخل تحت الوعيد، وأما ما ينثر عليهم لينتهبوه فقد كرهه مالك وأجازه غيره، وتأول أن
النهي عن الانتهاب إنما معناه انتهاب ما لم يؤذن في انتهابه بدليل ما روى عبد الله بن قرط
قال قال رسول الله (ص): أحب الأيام إلى الله يوم النحر ثم يوم القرب فقرب إلى
247

رسول الله (ص) بدنات خمسا أو ستا فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها
قال كلمة خفيفة لم أفهمها فقلت للذي كان إلى جنبي: ما قال رسول الله (ص)؟ قال:
اقتطع. وما روي من أن صاحب هدي رسول الله (ص) قال يا رسول الله كيف أصنع بما
عطب من الهدي فقال رسول الله (ص) انحرها ثم ألق قلائدها في دمها وخل بين الناس
وبينها يأكلونها انتهى. وقال في جامع الكافي: وطعام النهبة إذا أذن فيه صاحبه وذلك نحو
ما ينثر على رؤوس الصبيان وفي الأعراس والختان اختلف في كراهته والتنزه عنه أولى انتهى.
ص: (لا الغربال ولو لرجل وفي الكبر والمزهر ثالثها يجوز في الكبر ابن كنانة وتجوز
الزمارة والبوق) ش: قال في النوادر عن ابن المواز: الغربال هو الدف المدور. وقال غيره: هو
مغشى من جهة واحدة. وقال أيضا: المزهر هو المربع انتهى. وقال أصبغ في العتبية في رسم
النكاح من كتاب النكاح: والغربال هو الدف المدور وليس المزهر والمزهر مكروه وهو
محدث. والفرق بينهما أن المزهر ألهى وكلما كان ألهى كان أغفل عن ذكر الله وكان من
الباطل. وقال الشيخ يوسف بن عمر: الدف هو المغشى من جهة واحدة إذا لم يكن فيه أوتار
ولا جرس ويسمى الآن بالبندير انتهى. وقال في المدخل في فصل المولود: ومذهب مالك أن
الطار الذي فيه الصراصر محرم وكذلك الشبابة انتهى. وقال التلمساني في شرح الرسالة:
قال ابن رشد: اتفق أهل العلم على إجازة الدف وهو الغربال في العرس انتهى. وسيأتي
كلام ابن رشد مستوفى. وقال الشيخ جعفر بن ثعلب الأدفوي الشافعي المصري في كتابه
المسمى بالاقناع في أحكام السماع: وذهبت طائفة إلى إباحة الدف في العرس والعيد وقدوم
الغائب وكل سرور حادث. وهذا ما أورده الغزالي في الاحياء والقرطبي المالكي في كشف
القناع لما ذكر أحاديث تقتضي المنع قال: وقد جاءت أحاديث تقتضي الإباحة في النكاح
وأوقات السرور فتستثني هذه المواضع من المنع المطلق انتهى. وقال قبله: قال ابن بطال في
248

شرح البخاري: قال المهلب: من السنة إعلان النكاح بالدف انتهى. وقال بعد هذا وقبل
الأول: قال القاضي أبو بكر بن العربي في الاحكام من كلام ذكره وقسمه: إن آلات اللهو
المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه وذكر الدف منها.
وقال ابن رشد في المقدمات: ولا يجوز تعمد شئ من اللهو ولا من آلات الملاهي
ورخص في الدف في النكاح وفي الكبر والمزهر أقوال انتهى. ثم ذكر في الدف بالجلاجل ما
نصه: قال القرطبي: لما استثنى الدف فيما ذكرناه من المواضع ولا يلحق بذلك الطارات ذات
الصلاصل والجلاجل لما فيها من زيادة الاطراب. وإذا كان الضارب بها رجلا فقال يحيى بن
مزين في شرح الموطأ: قال أصبغ: لا يكون الدف إلا للنساء ولا يكون عند الرجال. ثم قال:
وكل من تقدم النقل عنه يعني من المالكية وغيرهم من الأئمة الأربعة غير هؤلاء الذين ذكرناهم
أطلقوا القول ولم يفصلوا بين الجلاجل وغيره وبين النساء والرجال. وذهب عبد الملك بن حبيب
إلى جواز الدف والكبر والمزهر في العرس إلا للجواري العواتق في بيوتهن وما أشبههن فإنه
يجوز مطلقا، ويجري لهن مجرى العرس إذا لم يكن غيره. ذكره في مؤلفة في السماع انتهى.
وقال في الكلام على الطبول والقرطبي المالكي وابن الجوزي من الحنابلة استثناء طبل الحرب. ثم
ذكر كلام ابن رشد ويحيى بن مزين والمزهر أعني الثلاثة الأقوال والخلاف في اختصاص ذلك
بالنساء أو يعم الرجال ثم قال:
تنبيه: المعروف في اللغة أن المزهر العود ولم أر من أهل اللغة من ذكر خلافه وكتب
الفقهاء مخالفة لذلك فإنهم إنما يعنون بالدف المربع المغلوف. وصرح به يحيى بن مزين المالكي
والكبر الطبل الكبير ولعله الطلخانة والله أعلم. وذكر المسألة في العتبية في رسم سلف دينارا
من سماع عيسى من كتاب النكاح وفي رسم النكاح من سماع أصبغ من كتاب النكاح.
واستوفى ابن رشد الكلام عليها في سماع عيسى المتقدم ذكره على نحو ما ذكره المصنف.
ولنذكر كلام سماع عيسى وكلام ابن رشد عليه ثم نتبعه بما في سماع أصبغ. قال في العتبية:
وسئل مالك عن الرجل يدعى إلى الصنيع فيجد به اللعب أيدخل؟ قال: إن كان الشئ
الخفيف مثل الدف والكبر الذي يلعب به النساء فما أرى به بأسا. قال ابن رشد: يريد بالصنيع
صنيع العرس أو صنيع العرس والملاك على ما قاله أصبغ في سماعه لأن ذلك هو الذي رخص
فيه بعض اللهو فيه لما يستحب من إعلان النكاح. واتفق أهل العلم فيما علمت على إجازة
الدف وهو الغربال في العرس، واختلفوا في الكبر والمزهر على ثلاثة أقوال: أحدها أنهما
يحملان جميعا محمل الغربال ويدخلان مدخله في جواز استعمالهما في العرس وهو قول ابن
حبيب. والثاني أنه لا يحمل واحد منهما محمله ولا يدخل معه ولا يجوز استعماله في عرس
ولا غيره وهو قول أصبغ في سماعه بعد هذا من هذا الكتاب، وعليه يأتي ما في سماع
سحنون من كتاب جامع البيوع أن الكبر إذا بيع يفسخ بيعه ويؤدب أهله لأنه إذا قال ذلك في
249

الكبر فأحرى أن يقوله في المزهر لأنه ألهى منه.
والثالث: أنه يحمل محمله ويدخل مدخله في الكبر وحده دون المزهر وهو قول ابن
القاسم هنا. وفي رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب الوصايا: وعليه يأتي ما في
سماع عيسى من كتاب السرقة أن السارق يقطع في قيمة الكبر صحيحا. ولابن كنانة في
المدونة إجازة البوق في العرس. فقيل: معنى ذلك في البوقات والزمارات التي لا تلهي كل
الالهاء والله أعلم. واختلف في جواز ما أجيز من ذلك، فقيل هو من قبيل الجائز الذي يستوي
فعله وتركه في أنه لا حرج في فعله ولا ثواب في تركه وهو المشهور في المذهب. وقيل: إنه
من قبيل الجائز الذي تركه أحسن من فعله فيكره فعله لما في تركه من الثواب إلا أن في فعله
حرجا أو عقابا وهو قول مالك في المدونة أنه كره الدفاف والمعازف في العرس وغيره. واختلف
هل يجوز ذلك للنساء دون الرجال أو النساء والرجال، فقال أصبغ في سماعه: إن ذلك إنما
يجوز للنساء دون الرجال، وإن الرجال لا يجوز لهم عمله ولا حضوره، والمشهور أن عمله
وحضوره جائز للرجال والنساء وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية في سماع أصبغ خلاف
قول أصبغ وهو مذهب مالك إلا أنه كره لذي الهيئة من الناس أن يحضر اللعب. روى ذلك
ابن وهب عنه في سماع أصبغ. وأما ما لا يجوز عمله من اللهو في العرس فلا يجوز لمن دعي
إليه أن يأتيه، وقد مضى القول على ذلك في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم. انتهى
كلامه برمته والله أعلم.
ونص ما في سماع أصبغ: قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن الذي يدعى إلى
الصنيع فجاء فوجد فيه لعبا أيدخل؟ قال: إن كان شيئا خفيفا مثل الدف والكبر الذي يلعب
به النساء فما أرى به بأسا. قال أصبغ: ولا يعجبني وليرجع. وقد أخبرني ابن وهب أنه سمع
مالكا يسأل عن الذي يحضر الصنيع وفيه اللهو فقال: ما يعجبني للرجل ذي الهيئة يحضر
اللعب. وأخبرني ابن وهب عن مالك: وسئل عن ضرب الكبر والمزمار أو غير ذلك من اللهو
ينالك سماعه وتجد لذته وأنت في طريق أو مجلس أو غيره قال مالك: أرى أن يقوم من
ذلك المجلس. قال أصبغ: وأخبرني ابن وهب عن بكر بن مضر عن عمرو بن الحرث أن رجلا
دعا عبد الله بن مسعود إلى وليمة، فلما جاء سمع لهوا فرجع فلقيه الذي دعاه فقال له
ما لك: رجعت ألا تدخل فقال: إني سمعت رسول الله (ص) يقول: من كثر سواد قوم فهو
منهم، ومن رضي عمل قوم كان شريك من عمله قال أصبغ: وأخبرني ابن وهب عن
خالد بن حميد عن يحيى بن أبي أسيد أن الحسن البصري كان إذا ادعى إلى الوليمة يقول
250

أفيها برابط؟ فإن قيل نعم قال: لا دعوة لهم ولا نعمة عين. قال أصبغ: ما جاز للنساء مما
جوز لهن من الدف والكبر في العرس فلا يجوز للرجال عمله، وما لا يجوز لهم عمله فلا
يجوز لهم حضوره ولا يجوز للنساء غير الكبر والدف، ولا غناء معها ولا ضرب ولا برابط
ولا مزمار وذلك حرام محرم في الفرح وغيره إلا ضربا بالدف والكبر هملا وبذكر الله
وتسبيحا وحمدا على ما هدى، أو برجز خفيف لا بمنكسر ولا طويل مثل الذي جاء في
جواري الأنصار.
أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم * ولولا الحبة السمرا لم نحلل بواديكم
وما أشبه ذلك، ولا يعجبني مع ذلك الصفق بالأيدي وهو أخف من غيره. قال
أصبغ: وقد أخبرني عبد الله بن وهب عن الليث أن عمر بن عبد العزيز كتب بقطع اللهو
كله إلا الدف وحده في العرس وحده. فهذا رأيي وأحب إلى العامة والخاصة والعمل به ولا
أرى به بأسا في الملاك على مثل العرس وما فسرنا فيه فهو منه. ثم ذكر حديث: أظهروا
النكاح واضربوا عليه بالغربال وحديث: أعلنوا النكاح ثم قال أصبغ: فالاعلان يجمع
عندي الملاك والعرس جميعا أن يعلن بهما ولا يستخفى بهما سرا في التفسير ويظهر بهما
ببعض اللهو مثل الدف والكبر للنساء والغربال هو الدف المدور. وذكر ما تقدم نقله عنه في
تعريفه في أول القولة ثم قال: وما كان من الباطل فمحرم على المؤمنين اللهو والباطل. قال
رسول الله (ص): كل لهو يلهو به المؤمن باطل إلا ثلاث. قال القاسم بن محمد: إذا جمع
الحق والباطل يوم القيامة كان الغناء من الباطل وكان الباطل في النار. وقال أصبغ: والباطل
كله محرم على المؤمنين قال الله عز وجل: * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا
ترجعون) * كما أن القمار حرم للهوه وميسره فهو لهو كله. قال ابن رشد:
قد مضى القول في اللهو في العرس وما يجوز من عمله وحضوره موعبا في رسم طلق بن
حبيب من سماع ابن القاسم، وفي رسم سلف دينارا من سماع عيسى فلا معنى لإعادة شئ
من ذلك ها هنا. وأشار لما تقدم ذكره ثم قال: والثلاث التي أبيح اللهو بها في الحديث
المذكور: ملاعبة الرجل امرأته وتأديبه فرسه ورميه عن قوسه وبالله التوفيق انتهى.
فائدة: حكي في النوادر أن الحسن دعي إلى عرس هو وجماعة فأكلوا ثم غسل يده ثم
جئ بمجمر بيد جارية فأجمرته ثم أدخلت يدها تحت ثيابه فلم يمنعها ودهنت لحيته بيدها فلم
يمنعها انتهى.
251

فصل في القسم بين الزوجات والنشوز
ص: (إنما يجب القسم للزوجات في المبيت) ش: أفاد بقوله: للزوجات أن الزوجة
والأمة لا قسم بينهما ولا بين غير الزوجات من الموطوءات. قال في الرسالة: ولا قسم في
المبيت لامته ولا لام ولده ونحوه في المدونة. وقال ابن عرفة الشيخ: روى محمد: لا قسم لام
ولده ولا أمة مع حرة ولا قسم بين السراري. ابن شاس: لا يجب بين المستولدات ولا بين
الإماء ولا بينهن وبين المنكوحات إلا أن الأولى العدل انتهى. وقال ابن عبد السلام: وأما قول
المؤلف يعني ابن الحاجب إلا أن الأولى العدل وكف الأذى يعني أن القسم وإن لم يكن واجبا
بين الزوجة والمستولدة وبين المستولدات إلا أن الأولى ما ذكره انتهى. قال في المدونة: وجائز أن
يقيم عند أم ولده ما شاء ما لم يضارر انتهى. قال اللخمي: ولا قسم بين الزوجات وملك
اليمين والمدبرة وأم الولد والمذهب أنه لا مقال للحرة إن أقام عند الأمة وفيه نظر إلا أن يكون
هناك إجماع فيسلم. قال في المتيطية: وله أن يطأهن في أيام الزوجات انتهى. قال البرزلي في
مسائل النكاح: وسئل اللخمي عمن يميل لسريته دون زوجته هل هو حرام أم لا؟ فأجاب:
الرواية جوازه والقياس منعه وهو ظلم للحرة. ابن الحاج: ليس معنى قوله في المدونة له أن يقيم
عند أم ولده ما شاء أنها أتم حرمة بل للحرة المقال ولها المبيت وليس لام الولد قسم، فلما
ضعف أمر أم الولد جاز المبيت عندها الليلتين والثالث دون الحرة إذ هو معظم الامر للحرة.
قلت: يحتمل الليلتين والثلاث في الشهر إذ معظم الامر للحرة، فظاهر قول اللخمي
252

العموم وأنه على ظاهر الرواية يقيم عند أم ولده ما شاء. وقوله: والقياس منعه أي أنه إذا كان
الامر ولا بد فليعدل ويكون ليلة بليلة، وعلى قول ابن المسيب إذا تزوج الأمة معها بإذنها لها
ليلة وللحرة ليلتين يكون هنا أحرى وهو قول ابن الماجشون. وحمل شيخنا الامام المدونة على
ما إذا أضر بالحرة وهو أن يزيد على الحرة، وأما إذا زاد على قدر ما للحرة فهو ضرر يمنع منه
وأشار إليه بقوله: ما لم يحاب والله أعلم انتهى. والظاهر أن في الكلام سقطا وصوابه على ما
إذا لم يضر بالحرة وهو أن لا يزيد على الحرة والله أعلم. وقوله: في المبيت أشار به لقوله في
المدونة: ويعدل في المبيت. قال ابن ناجي: قال شيخنا: يعني أن العدل في الليل آكد منه في
النهار لأنهم إذا تكلموا في الدخول لحاجة إنما يخصونه بالنهار، وكنت أجيبه بأن كلامهم أعم.
قال ابن الحاجب: ولا يدخل على ضرتها في زمانها إلا لحاجة انتهى.
تنبيه: قال أبو الحسن الصغير: سئل أبو عمر عمن يجوز بين نسائه ولا يعدل هل ذلك
جرحة له؟ قال: نعم إن تابع ذلك وداوم عليه انتهى. وقال الجزولي: هو جرحة في إمامته
وشهادته والله أعلم. ص: (وإن امتنع الوطئ شرعا أو طبعا) ش: صوابه عقلا بدل طبعا كما
قال في التوضيح، فإن الرتقاء إنما يمنعه العقل وإلا فطبع الانسان لا يميل عن الرتقاء إذا كانت
سليمة والله أعلم. ص: (كمحرمة ومظاهر منها ورتقاء) ش: إنما مثل لامتناع الوطئ شرعا
بمثالين ليعلم أنه لا فرق بين أن يكون سبب الامتناع منه كالظهار أو منها كالاحرام. قال
اللخمي: إذا كانت إحداهن مريضة أو صغيرة أو رتقاء أو حائضا أو نفساء أو محرمة أو مجنونة
أو مجذومة كان القسم بينهن سواء، وكذلك من آلى من واحدة أو ظاهر فهي على حقها
والكون عندها وأن لا يصيب البواقي إلا أن يتحلل من الايلاء والظهار وعليه أن يتحلل من
ذلك إلا إذا قامت لحقها التي لم يول منها ولا يظاهر. ومحمل الآية في الايلاء على من كان
خلوا من غيرها، فإن كان له نسوة كان لها أن تطالبه بالعدل في الإصابة حسبما تقدم إلا أن
يعتزل جميعهن. وقد غاضب النبي (ص) بعض نسائه فاعتزل جميعهن شهرا إرادة العدل.
خرجه البخاري ومسلم اه‍. ونقله ابن عرفة ولم يذكره قائله. قال ابن عبد السلام: في قول ابن
الحاجب والصغيرة الموطوءة يريد الصغيرة المدخول بها، وكذلك من عطف عليها لا بد أن
253

يكون مدخولا بها اه‍. وقال ابن فرحون: يريد المدخول بها لأنها إذا لم توطأ لم يكن لها
تشوف وهو نص التهذيب. اه‍ والله أعلم. ص: (لا في الوطئ) ش: يريد وكذلك النفقة
والكسوة له أن يوسع على من شاء منهن. قال ابن عرفة ابن رشد: معروف مذهب مالك
وأصحابه أنه إن أقام لكل واحدة ما يجب لها بقدر حالها فلا حرج عليه أن يوسع على من
شاء منهن بما شاء. وقال ابن نافع: يجب أن يعدل بينهن في ماله بعد إقامته لكل واحدة ما
يجب لها والأول أظهر.
قلت: قول ابن نافع يجب حكاه المتيطي رواية اه‍. ونقل في التوضيح عن اللخمي بعض
شئ من هذا والله أعلم. ص: (وعلى ولي المجنون إطافته) ش: قال ابن عرفة: وفيها العبد
كالحر والمجنون ومن لا يقدر على الجماع يقسم في نفسه بالعدل إذ له أن يتزوج. ابن شاس:
يجب على كل مكلف انتهى. ص: (وفات إن ظلم فيه) ش: قال في المدونة: وزجر عن ذلك
وابتدأ العدل فإن عاد نكل به اه‍.
مسألة: من حلف أن لا يطأ زوجته حتى تفطم ولدها ليس بمول، ولو حلف أن لا يطأ
هذه المرضع عامين فصد النفي الضرر عن ولده فمات الولد وقد بقي أكثر من أربعة أشهر فهو
مول. قاله ابن عبد السلام ص: (والمبيت عند الواحدة) ش: نقله في التوضيح عن ابن شاس،
وكذا قال ابن عرفة. ابن شاس: من له زوجة واحدة لا يجب مبيته عندها.
254

قلت: الأظهر وجوبه أو تبييته معها امرأة ترضى لأن تركها وحدها ضرر بها وربما تعين
عليه زمن خوف المحارب والسارق اه‍. وقال في التوضيح: إذا شكت الوحدة ضمت إلى
الجماعة إلا أن يكون تزوجها على ذلك اه‍. ذكره في باب البيوع في قول ابن الحاجب فإن
أشكل ونقله في الكبير في قوله وسكنها بين قوم صالحين. وقال ابن ناجي على المدونة: ظاهر
الكتاب أنه لو كان عنده زوجة واحدة لم يجب المبيت عندها وهو كذلك. نص عليه ابن
الجلاب وهو متفق عليه ولم يعزه بعض شيوخنا وخليل إلا لنقل ابن شاس وهو قصور اه‍.
ويعني ببعض شيوخه ابن عرفة.
فرع: قال في التوضيح: ولو خاصمها الرجل في الجماع ففي الطراز عن المشاور: يقضي
له عليها بأربع مرات في الليلة وأربع في اليوم. ونقله صاحب المفيد عن عبد الله بن الزبير، ونقل
عن المغيرة أنه يفرض له أربع مرات في اليوم والليلة ونقله ابن عرفة. قال ابن ناجي على المدونة:
إذا كان الزوج يكثر الوطئ وتضررت المرأة فقال ابن حبيب: هي كالأجير تمكن نفسها ما
قدرت وما ذكره هو الصحيح اه‍. واقتصر في الشامل على القول بأربع في اليوم وأربع في الليلة
وعلى القول بأربع فيهما. وصدر بالأول وذكر المسألة في خيار الزوجين، وأما عكس المسألة
فقال في المدونة: ومن سرمد العبادة وترك الوطئ لم ينه عن تبتله وقيل له إما وطئت أو فارقت
اه‍. قال ابن ناجي: ليس في المدونة جلاء ما الذي يقضى للزوجة على الزوج إن هو لم يطأ،
والذي يغلب على ظني أني وقفت على أنه يقضي لها بليلة من أربع لأن له أن يتزوج أربعا اه‍.
وقال الشيخ أبو الحسن: قال أبو عمران: اختلف في أقل ما يقضى به على الرجل من الوطئ
فقال بعضهم ليلة من أربع، أخذه من أن للرجل أن يتزوج أربعا من النساء، والذي قال ليلة من
ثلاث أخذه من قوله: * (للذكر مثل حظ الأنثيين) * وقضى عمر بمرة في الطهر
لأنه يحلها ويحصنها اه‍. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: ويستحب مجامعتها يعني
المرأة في كل أربع ليال مرة اه‍. قيل: نزلت مسألة التبتل بعمر فأتت إليه امرأة فأنشدت:
ألهي خليلي عن فراشي مسجده * وخوف ربي باليقين نعبده
نهاره وليله ما يرقده * مفترش جبينه يكدده
ولست في أمر النساء أحمده
فأنشأ الرجل فقال:
إني امرؤ أذهلني ما قد نزل * في سورة النور وفي السبع الطول
وفي الحواميم الشفا وفي النحل * زهدني في قربها إلى العمل
فأنشد كعب:
فإن خير العاملين من عدل * ثم قضى بالحق جهرا وفصل
255

إن لها عليك حقا يا بعل * ليلتها من أربع لمن عقل
وأنت أولى بالثلاث في مهل * فصل فيهن وصومن وسل
وافعل لها ذاك ودع عنك الملل
انتهى.
مسألة: قال في العارضة في باب ما يحل المطلقة ثلاثا: طلب المرأة الوطئ عند الحاكم لا
يناقض الحياء الممدوح ولا المروءة المستحسنة لأنه مقصود النكاح، فإذا عقدته علم الكل أنه له،
فإذا تعذر جاز طلبه دينا وحسن مروءة اه‍. ومن مسائل النكاح من مختصر البرزلي.
مسألة: في حديث مسلم: فراش للرجل وفراش للضيف وفراش للشيطان أخذ منه أنه
ليس على الرجل النوم مع امرأته في فراش واحد وإنما حقها في الوطئ خاصة اه‍. وانظر النووي
في شرح مسلم في شرح هذا الحديث في كتاب اللباس، وكذلك الآبي. وانظر كلام البرزلي
في شرح قول المؤلف في باب النفقات وسقطت إن أكلت معه. وانظر بهراما الكبير في شرح
قوله في الايلاء أولا وطئتها ليلا أو نهارا. ص: (وقضي للبكر بسبع وللثيب بثلاث) ش: سواء
كانت المتجددة حرة أو أمة قاله في الجواهر وفهم من قوله: قضى أنه مشى على القول بأنه
حق للمرأة. قال في التوضيح: وهو اختيار ابن القاسم في المدونة واختاره اللخمي وغيره. قال
ابن فرحون: وهو الصحيح. وقال أيضا: واختلف هل يخرج للصلاة ولقضاء حوائجه؟ وأما
الجمعة فهي عليه واجبة انتهى. واختار اللخمي أنه لا يخرج لصلاة ولا لقضاء حوائجه ونقله
عنه ابن عرفة فقال اللخمي عن ابن حبيب: يخرج يتصرف في حوائجه وإلى المسجد والعادة
256

اليوم أن لا يخرج ولا لصلاة وإن كان خلوا من غيرها وعلى المرأة بخروجه وصم، وأرى أن
يلزم العادة انتهى. وما قاله ظاهر. وظاهر كلام المصنف كانت له زوجة غيرها أم لا وهو الذي
اختاره اللخمي كما تقدم في كلامه. وقال البرزلي في مسائل النكاح عن ابن أبي زيد: إنما
تكون الإقامة سبعا وثلاثا من حق الزوجة إذا كان له غيرها وإلا فلا حق لها ولا يلزمه وهو
قول ابن حبيب والظاهر من مذهب أصحابنا، والعامة ترى الحق لها عموما وهو غلط البرزلي،
وعلى الأول حمل المدونة أبو حفص العطار وغيره، وحملها بعضهم على العموم وهو قول في
المذهب وهو الصواب اليوم بتونس ونحوها من البلاد التي يرى خروج الزوج في هذا الزمان
معرة على الزوجة وإشعار بعدم الرضا بها، وأما في بلد لا يعتبرون ذلك فالصواب ما قال ابن
حبيب. واختلف المذهب بعد وجوبه هل هو حق لها يقضى " عليه به أو حق له؟ في ذلك
خلاف معلوم انتهى والله أعلم.
مسألة: قال ابن عرفة اللخمي عن ابن عبد الحكم: إن زفت إليه امرأتان في ليلة أقرع
بينهما. وقبله عبد الحق وقال على أحد قولي مالك: إن الحق له فهو مخير دون قرعة. ابن
عرفة: قلت: الأظهر إن سبقت إحداهما بالدعاء للبناء قدمت وإلا فسابقة العقد، وإن عقدا معا
فالقرعة. ص: (وجاز الأثرة عليها برضاها) ش: تصوره ظاهر. قال القاضي عياض في كتابه
المسمى بغية الرائد فيما في حديث أم زرع من الفوائد: وفيه إكرام الرجل بعض نسائه بحضرة
ضرائرها بما يراه من قول أو فعل وتخصيصها بذلك إذا لم يكن قصده الأثرة والميل بل لسبب
اقتضاه ومعنى أوجبه من تأنيس وحشته منها، أو مكافأة جميل صدر عنها. وقد أجاز بعض
العلماء تفضيل إحداهما على الأخرى في الملبس إذا وفي الأخرى حقها، وأن يتحف إحداهما
ويلطفها إذا كانت شابة أو بارة به ولمالك نحو من هذا ولأصحابه. قال ابن حبيب: والمساواة
أولى، والمكروه من ذلك كله ما قصد به الأثرة والميل والتفضيل لا لسبب سواه انتهى. وقال فيه
أيضا: وفيه من الفقه حسن عشرة الرجل مع أهله وتأنيسهن واستحباب محادثتهن بما لا إثم
فيه، وقد وردت الآثار الصحاح بحسن عشرته (ص) لأهله ومباسطته إياهم وكذلك السلف
الصالح، وقد كان مالك رضي الله عنه يقول في ذلك مرضاة لربك ومحبة في أهلك ومثراة
في مالك ومنسأة في أجلك. قال: وقد بلغني ذلك عن بعض أصحاب النبي (ص)، وكان
مالك من أحسن الناس خلقا مع أهله وولده وكان يحدث بقول يجب على الانسان أن
يتحبب إلى أهل داره حتى يكون أحب الناس إليهم. وقال: فيه أيضا: جواز إخبار الرجل
257

زوجته وأهله بصورة حاله معهم وحسن صحبته إياهم وإحسانه إليهم وتذكيرهم ذلك وقال: إذا
حدث الناس بهذا الحديث فيه منفعة في الحض على الوفاء للزوج كما في كلام أم زرع والصبر
على الأزواج كما في حديث غيرها انتهى. ص: (وشراء يومها منها) ش: تصوره واضح.
فرع: قال ابن عرفة: وليس للأمة إسقاط حقها من قسمها إلا بإذن سيدها كالعزل لحقه
في الولد إلا أن تكون غير بالغ أو يائسة أو حاملا، واستحسن اللخمي إن أصابها مرة وأنزل أن
لها أن تسقط حقها في القسم.
قلت: يرد باحتمال خيبتها فيه ورجائه في تكرره انتهى.
تنبيه: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب قال بعضهم: يؤخذ من الخلاف في المرأة
تبيع من زوجها أو من ضرتها اليوم واليومين جواز النزول عن الوظيفة بشئ وهو ضعيف، لأن
الغالب بقاء الأنس الصحيح اليوم واليومين والمأخوذ منه شئ يسير بخلاف النزول عن الوظيفة
انتهى. ويؤخذ المنع من النزول بشئ مما ذكره في آخر كتاب البيوع من النوادر ونصه: ومن
كتاب ابن المواز قال مالك في رجلين كانا في منزل من منازل الامارة فضاق بهما فأراد
أحدهما أن يعطي صاحبه شيئا على أن يخرج: فلا خير فيه لأنه لا يدري متى يخرج منه وهو
إلى غير أمد انتهى. ومن مسألة الديوان في كتاب الجهاد من المدونة فيما إذا تنازع اثنان في
رسم مكتوب في العطاء فأعطى أحدهما الآخر مالا على أن يبرأ إليه من ذلك الاسم أنه لا
يجوز قال: لأنه إن كان الذي أعطاه الدراهم أخذ غير اسمه فلا يجوز شراؤه، وإن كان الذي
أعطى صاحب الاسم فقد باعه ما لا يحل، وإن كان الآخذ هو صاحب الاسم فلا يجوز له
لأنه لا يدري ما باع أقليل بكثير أم كثير بقليل ولا ما لا يبلغ حياة صاحبه فهذا غرر ولا
يجوز، وكذلك لا يجوز لمن زيد في عطائه أن يبيع تلك الزيادة بعرض انتهى. وفي الكتاب
المذكور أيضا ما يدل على عدم جواز النزول عن الوظيفة بغير شئ ونقله ابن عرفة، وكذا أيضا
في كتاب البيوع الفاسدة ما يؤخذ منه ذلك من مسألة بيع غيران المعادن، ويؤخذ ذلك أيضا مما
ذكره في التوضيح في الكلام على بيع الطعام قبل قبضه عن البيان وأنه لا يجوز بيع العطاء
السنة والسنتين إذا كان مأمونا قال: ولا يجوز بيع أصل العطاء لأنه يبطل بموته انتهى. ص:
258

(ووطئ ضرتها بإذنها في نوبتها) ش: أي وتصوره ظاهر.
فرع: قال المتيطي: ولا بأس أن يطأ إحداهما في يوم الأخرى قبل الغسل وبعده انتهى.
وقال ابن العربي في التأليف الذي جعله في فروض الجماع وسننه وآدابه: ومن آداب الجماع أن
لا يطأ حرة بعد أمة حتى يغتسل وأن ذلك مكروه قبل الغسل، وكذلك من آدابه أن لا يطأ
زوجته بعد الاحتلام حتى يغسل فرجه من الأذى انتهى. وقال ابن يونس في كتاب الطهارة:
فأما أن يصيب الرجل جاريته ثم يصيب الأخرى قبل أن يغتسل فلا بأس بذلك. قاله مالك في
الموطأ انتهى. وعلى هذا فيجوز وطئ الأمة بعد الحرة من باب أولى، وهذا كله في الغسل، وأما
وطؤها قبل غسل الفرج من وطئ الأخرى فظاهر قول الشيخ في باب الغسل أنه يستحب له
الغسل، وظاهر قول سيدي محمد ابن سيدي أبي الحسن شارح الشفاء عند قوله في الفصل
الذي أوله والضرب الثاني من الباب الثاني من القسم الأول قالت سلمى: طاف النبي (ص)
على نسائه التسع وتطهر من كل واحدة قبل أن يأتي الأخرى وقال: هذا أطهر وأطيب، وأن
الوطئ قبل غسل فرجه لا يجوز لأنه قال في أثناء كلامه: لا يجوز لاحد أن يكون بفرجه شئ نجس
فيدخله هنالك حتى يغسله انتهى والله أعلم. ص: (والسلام بالباب) ش: أي في يوم الأخرى
يعني من غير حاجة فليس معارضا لقوله أولا: ولا يدخل على ضرتها في يومها إلا
لحاجة. وقال ابن عرفة عن ابن راشد: لا بأس أن يتوضأ الرجل من ماء إحدى زوجتيه ويشرب
الماء من بيتها ويأكل من طعامها الذي ترسله إليه في يوم الأخرى من غير تعمد بل ويقف ببابها
يتفقد من شأنها ويسلم من غير دخول انتهى. ص: (وبرضاهما جمعهما بمنزلين من دار) ش:
قال ابن فرحون: أن من حقها أن لا تسكن مع ضرتها ولا مع أهل زوجها ولا مع أولاده في
دار واحدة، فإن أفرد لها بيتا في الدار ورضيت فذلك جائز وإلا قضى عليه بمسكن يصلح لها
انتهى. وقال ابن عبد السلام: أما الجمع بينهن في دار واحدة ويكون لكل واحدة منهن بيت
فذلك من حقهن، فإن رضين به جاز، وإن أبين منه أو كرهته واحدة لم يمكن منه وهكذا ينبغي
259

إن سكنتا معا باختيارهما أن يكون القول قول من أرادت الخروج منهما، وأما الجمع بينهما في
بيت واحد فلا ينبغي ذلك ولو رضيت به انتهى. قال ابن عرفة: وليس عليه إبعاد الدار بينهن. ص:
(واستدعاؤهن لمحله) ش: وعليه من قال لامرأته أنت طالق إن وطئتك إلا أن تأتيني أنه
مول إذ ليس عليها أن تأتيه انتهى من ابن عرفة ص: (والزيادة على يوم وليلة) ش: قال في
لجواهر: وأما المقدار من الزمان فليلة ولا ينصف الليلة ولا يزيد عليها إلا أن يرضين ويرضى
بالزيادة أو يكن في بلاد متباعدة فيقسم الجمعة أو الشهر على حسب ما يمكنه بحيث لا يناله
ضرر لقلة المدة انتهى. وقال اللخمي: إن كانت له زوجتان ببلدين جاز قسمه جمعة وشهرا
وشهرين على قدر بعد الموضعين مما لا يضر به، ولا يقيم عند إحداهن إلا لتجر أو ضيعة. اه‍.
ونحوه في ابن الحاجب. وانظر قوله في كتاب الحج: وهل إلا أن يقيم بأحدهما أكثر فيعتبر؟
ص: (ودخول حمام بهما) ش: قال ابن عرفة: وأجازه سحنون بإحداهما.
قلت: وذكر ابن دقيق العيد أن أسد بن الفرات أجاب الأمير بجواز دخوله الحمام
بجواريه وخطأه ابن محرز بحرمة الكشف بينهن. ص: (وجمعهما في فراش ولو بلا وطئ)
ش: قال الكافي في كتاب الجامع: ويكره للرجل أن ينام بين أمتيه أو بين زوجتيه وأن يطأ
إحداهما بحيث تسمع الأخرى، وأن يطأ الرجل حليلته بحيث يراه أحد صغير أو كبير، وأن
يتحدث بما يخلو مع أهله، ويكره للمرأة مثل ذلك من حديثها بما تخلو به مع بعلها اه‍. وقال
في التوضيح: ولا يجوز أن يصيب الرجل زوجته أو أمته ومعه أحد في البيت يقظان أو نائما
اه‍. وقال ابن عرفة: ومنع الوطئ وفي البيت نائم غير زائد ونحوه عسير إلا لأهل السعة اه‍.
قال الجزولي: وقد روي عن ابن عمر إذا أراد أن يطأ يخرج كل من كان في البيت من البهائم
وغيرهم حتى الصبي في المهد وهذا لا يكاد يتخلص منه أحد اه‍. ص: (وإن وهبت نوبتها من
260

ضرة له المنع لا لها) ش: والذي رأيت في النسخ بإسقاط فاء الجواب أعني في قوله: له
المنع ورأيته في نسخة بالفاء، والذي يجب هنا الاتيان بها والله أعلم. وقوله: لا لها لم يتكلم
عليه الشارح ونحوه في ابن الحاجب ونصه: وإذا وهبت واحدة يومها لضرتها فللزوج الامتناع
لا للموهوبة. قال ابن عبد السلام: يريد أن هبة الضرة لضرتها يومها جائز ثم للزوج الامتناع من
قبولها تلك الهبة وليس للضرة الموهوبة الامتناع منه لأن الحق في الاستمتاع في الواهبة بيد
الرجل، فلو صار للموهوبة قبول هذه الهبة بغير رضا الزوج لسقط حق الزوج في منفعته
بالواهبة بغير رضاه وهو باطل، وكذلك لو قبل الزوج الهبة لم يكن للموهوبة الامتناع من
القبول اه‍. ص: (ولا تختص بخلاف منه) ش: في بعض النسخ: ولا يخص بإسقاط التاء
من خص ثلاثي مجرد مضاعف ويعني به أن الزوج له المنع وليس له أن يخص به من شاء من
نسائه بخلاف ما إذا ملكته اليوم فإن له أن يخص به من شاء. هذا الذي اختاره في توضيحه
وابن عبد السلام أيضا. وفي بعضها وتختص بخلاف منه ومعناه أن الموهوبة تختص باليوم دون
غيرها بخلاف ما إذا وهبته للزوج فلا تختص به واحدة وتصير كالعدم وهو الذي ذكره ابن
الحاجب. وفي بعضها ولا تختص وهي ظاهرة الفساد والله أعلم. ص: (وإن مسافر اختار) ش:
قال القرطبي في شرح مسلم في فضل عائشة: وليست القرعة في هذا واجبة عند مالك لأنه قد
يكون لبعض النساء من الغناء في السفر والمنفعة والصلاحية ما لا يكون لغيرها فتتعين الصالحة
لذلك، ولان من وقعت القرعة عليها لا تجبر على السفر مع الزوج إلى الغزو والتجارة وما أشبه
ذلك اه‍. وما ذكره من عدم القرعة في الغزو كما هو ظاهر كلامه بأن القصة في الغزو فغير
مسلم، وكذلك قوله إن من وقعت عليها القرعة لا تجبر على السفر والله أعلم. وقال ابن عرفة
ناقلا عن اللخمي: ومن تعين سفرها أجبرت عليه إن لم يشق عليها أو يعرها. المتيطي عن أبي
261

عمر: من أبت السفر معه سقطت نفقتها اه‍. وقوله: أو يعرها أي يدركها معرة، ولفظ
اللخمي إلا أن يكون سفرا يدركها فيه مشقة أو يدركها فيه معرة اه‍.
فرع: قال القرطبي في شرح مسلم في فضل عائشة: لم يختلف الفقهاء في أن الحاضرة
لا تحاسب المسافرة بما مضى لها مع زوجها في السفر، وكذلك لا يختلفون في أنه يقسم بين
الزوجات في السفر كما يقسم بينهن في الحضر اه‍.
فرع: قال ابن عرفة اللخمي: إن انقصت أيام بنائه أو مرضه أو سفره لم تحاسب بها
وفي تخييره في ابتدائه بمن أحب مطلقا أو سوى التي كان عندها ثالثها يقرع بين من سواها،
فأرى بداءة قسمه بأبعدهن قسما ممن يليه ومن كان عندها أخرجهن، وإن جهل ترتيبهن أقرع
بينهن، وفيها لا قضاء لها على الزوج لأيام غيبتها عنه في ضيعتها أو حج أو عمرة وبقائه مع
غيرها. اللخمي في لغو قولها أحرم عليك مكث أيام غيبتي عند ضرتي مطلقا أو ما لم يكن
على ميل ونحوه في رواية المبسوط. ومحل جواب مالك على قوله فيمن أغلقت الباب دونه أن
له المضي لضرتها لا على قول ابن القاسم إلا أن يضره طول غيبتها اه‍.
فرع: قال ابن عرفة عن ابن حبيب عن مالك وأصحابه: أحب إتمامه يوم من خرج في
يومها إن قدم أثناء يوم وله إتمامه عند غيرها.
قلت: الأظهر على وجوب إتمام كسر اليوم في القصر والعقيقة ونحوهما يجب. اه‍ والله
أعلم ص: (ووعظ من نشزت) ش: اعلم أنه إذا علم أن النشوز من الزوجة فإن المتولي لزجرها
هو الزوج إن لم يبلغ الامام أو بلغه ورجا إصلاحها على يد زوجها، وإلا فإن الامام يتولى
زجرها. نقله ابن عبد السلام ص: (ثم هجرها) ش: المراد من الهجر أن يترك مضجعها. هذا
قول جماعة من التابعين ورواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك واختاره ابن العربي، وغاية
الهجر شهر ولا يبلغ الأربعة الأشهر التي للمولى. قاله القرطبي ص: (ثم ضربها) ش: قال
القرطبي في تفسير قوله تعالى: * (واللاتي تخافون نشوزهن) * والضرب في هذه
الآية هو ضرب الأدب غير المبرح وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة كاللكزة
ونحوها، فإن المقصود منه الصلاح لا غير، فلا جرم إذا أدى إلى الهلاك وجب الضمان اه‍.
قال الآبي عن عياض في شرح حديث جابر في كتاب الحج: ومعنى غير مبرح غير شديد اه‍.
وقال المحب الطبري في القربى في الباب العاشر في صفة حجة النبي (ص) في شرح قوله:
262

واضربوهن ضربا غير مبرح أي غير مؤثر ولا شاق. قال بعضهم: ولعله من برح الخفاء إذا
ظهر يعني ضربا لا يظهر أثره تأديبا لهن اه‍. وفي المسائل الملقوطة: من ضرب امرأته عمدا
قضى عليه بما جرى من حق وهو يختلف باختلاف البلدان. وسئل أبو محمد عمن ضرب
زوجته ثم اصطلحا بعطاء فهو له لازم فهذا يدل على أن لها حقا. قال أبو محمد: فإن ادعت
العمد وادعى الزوج الأدب فالقول قولها، وكذلك العبد والسيد وفيهما خلاف من الاحكام
لمسائل الاحكام اه‍.
تنبيه: قيد ابن الحاجب الضرب بقوله غير مخوف. قال في التوضيح: وتقييد المصنف
الضرب بأن يكون غير مخوف صحيح، وإذا غلب على ظنه أن الضرب لا يفيد لم يجز له
ضربها انتهى. وفي الجواهر: فإن غلب على ظنه أنها لا تترك النشوز إلا بضرب مخوف لم
يجز تعزيرها أصلا. انتهى وقبله ابن عرفة. ص: (إن ظن إفادته) ش: تصوره ظاهر من كلام
التوضيح المتقدم. قال ابن عبد السلام: وهكذا ذكر في الصبي إذا ظن أن الضرب لا يفيد فيه
شيئا فإنه لا يضرب. قال: وأما الكبير فيسجن لأن في السجن كفه عما يفعله من المفاسد ولا
يضرب لأن الفرض عدم تأثيره في الكف انتهى. ص: (وبتعديه زجره الحاكم) ش: تأمل هذا
مع قوله: ولها التطليق بالضرر إلا أن يكون المراد أن لها التطليق بالضرر إذا شهدت البينة به
وإن أشكل بعث حكمين ولو لم تشهد البينة بتكرر، ولها أن تقيم ويزجره الحاكم إلا أن يكون
المراد أن لها التطليق بالضرر إذا شهدت البينة به ولو لم تشهد بتكرره، ولها أن تقيم ويزجره
الحاكم ويظهر ذلك من كلام ابن غازي. ص: (وإن أشكل بعث حكمين) ش: اللخمي: إذا
263

اختلف الزوجان وخرجا إلى ما لا يحل من المشاتمة والوثوب كان على السلطان أن يبعث
حكمين ينظران في أمرهما وإن لم يترافعا ويطلبا ذلك منه، ولا يحل له أن يتركهما على ما
هما عليه من الاثم وفساد الدين انتهى. ونقله عنه أبو الحسن ص: (من أهلهما إن أمكن) ش:
اللخمي: فإن لم يكن في أهلهما من يصلح لذلك فمن جيرانهما، فإن لم يكن فمن غيرهم.
وإن كان في أحد الجانبين رجلان يصلحان لذلك حكم أحدهما ونظر في الآخر من الجيرة أو
غيرهم ولا يكونا من أخذ الجنبين. ثم قال: وإن كان بين الزوجين قرابة جاز أن يحكم السلطان
من هو منهما بمنزلة عميهما أو خاليهما أو عم وخال، ولو جعل ذلك إلى واحد هو منهما
بمنزلة عم أو خال جاز على مغمز فيه انتهى. وظاهر كلام اللخمي بل صريحه أنه إذا كان من
جانب واحد من يصلح فإنه يحكم وينظر في الآخر من الجيران أو غيرهم وهو خلاف ظاهر
كلام ابن الحاجب وشراحه إذ قال ابن عبد السلام في قوله: فإن لم يوجد أحدهما أو كلاهما
فمن غيره يريد إن لم يوجد الحكمان على هذه الصفة في أهل الزوجين أو لم يوجد أحدهما
كذلك ووجد الآخر فإنه ينتقل إلى الأجانب. انتهى ونحوه في التوضيح ص: (وسفيه وامرأة
وغير فقيه بذلك) ش: إنما عطف هؤلاء على العدل لأن السفيه يكون عدلا وكذلك المرأة
264

تكون عدلا وكذلك غير الفقيه بحكم هذا الباب والله أعلم. ص: (لا أكثر من واحدة أوقعا)
ش: ابن غازي: أكثر بالرفع عطفا على طلاقهما وأوقعا في موضع الصفة له والعائد المفعول
المحذوف أي ولا ينفذ أكثر من واحدة أوقعاه، وكأنه نبه بالصفة على أن هذا بعد الوقوع، وأما
في الابتداء فلا يجوز أن يوقعا أكثر من واحدة كما صرح به المتيطي. انتهى كلامه. فعزو ابن
غازي هذا للمتيطي كأنه لم ينظر في المدونة ولا اللخمي. قال في التهذيب: ولا يفرقان بأكثر
من واحدة انتهى. وقال اللخمي: ولا يجوز أن يوقعا من الطلاق أكثر من واحدة انتهى. ص:
(ولها التطليق بالضرر) ش: قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: من الضرر قطع كلامه
عنها وتحويل وجهه في الفراش عنها وإيثار امرأة عليها وضربها ضربا مؤلما، وليس من الضرر
منعها من الحمام والنزاهة وتأديبها على ترك الصلاة ولا فعل التسري انتهى. وقد تقدم
الاختلاف فيمن يوقع هذا الطلاق. هل الحاكم أو الزوجة في فصل العيوب؟ وكذلك إن أوقع
أكثر من واحدة والله أعلم. وسيأتي عند قول المصنف في باب الخلع ورد المال بشهادة سماع
على الضرر الكلام على شهادة السماع بالضرر. ص: (وعليهما الاصلاح) ش: قال ابن
فرحون في شرح قول ابن الحاجب: وعليهما الاصلاح يعني قبل النظر في الطلاق وذلك بأن
يجتمع كل واحد من الحكمين بقريبه ويسأله عما نقم وما كره من صاحبه ويقول له إن كان
لك حاجة في صاحبك رددناه إلى ما نختار منه ويكون ذلك منهما المرة بعد المرة ولا
يلازماهما، وعليهما أن يجتهدا في الاصلاح ما استطاعا وإلا نظرا في أمرهما، فإن لم يقدرا
265

على الاصلاح، فإن كان المسيئ الزوج طلقا بلا خلع، ثم ذكر ما ذكره المصنف. وقال ابن
عرفة والمتيطي وابن فتحون وغيرهما: إذا توجه الحكمان باشرا أمورهما وسألا عن بطانتهما،
فإذا وقفا على حقيقة أمرهما أصلحا إن قدرا وإلا فرقا. زاد فيها: وتجوز فرقتهما دون الامام
انتهى.
فرع: ولا يعذر الحكمان قبل حكمهما. ابن رشد: لأنهما لا يحكمان بالشهادة القاطعة
وأنهما يحكمان بما خلص إليهن بعد النظر. انتهى من التوضيح. ص: (أو خالعا له بنظرهما)
ش: هذا زاده اللخمي. قال في تبصرته: وإن كان الظلم منهما وكان لا يتجاوز الحق فيها
ائتمناه عليها وأقرت عنده إلا أن يحب هو الفراق فيفرقا ولا شئ لها من الصداق انتهى. ص
: (وإن أساءا) ش: هو بضمير التثنية يعني به إذا تبين أن الظلم منهما فإن أشكل الامر أيهما
يظلم أو أيهما أظلم أجريا الحكم بمنزلة المساواة. قاله اللخمي والله أعلم. ص: (وللزوجين إقامة
واحد على الصفة وفي الوليين والحاكم تردد) ش: فهم من هذا أن للجميع إقامة الحكمين
وهو كذلك على المشهور، وأما الأمينة فلا يحكم بها على المشهور انظر التوضيح. وقال في
الشامل: ولا يعمل بأمينة على المشهور انتهى. وقال ابن عرفة: ولا يقضى بإسكان أمينة معهما.
ورأيت لابن العباس أنه يقضى بذلك والأول أظهر وأشهر إلا أن يتفق الزوجان عليها وتكون
نفقتها عليها انتهى. والقائل بأنه يجوز إقامة واحد للزوجين وللحاكم وللوليين هو اللخمي،
وقيده بأن يكون من غير الأهل، ونقله عنه ابن عرفة وسيأتي كلامه. والقائل بأنه لا يجوز ذلك
266

للوليين ولا للحاكم وإنما يجوز للزوجين هو الباجي، وزاد ابن عرفة بعد نقله قول الباجي عن
ابن فتحون والمتيطي ما نصه ابن فتحون: لا يجوز للامام أن يحكم واحدا لمخالفة التنزيل. زاد
المتيطي: ولا يجوز لهما ذلك إن كانا رشيدين ولا لمن يليهما إن كانا في ولاية، فإن جعلا
ذلك لواحد عدل لم ينقض. قاله عبد الملك في المدونة، ثم ذكر قول اللخمي ثم قال في آخر
كلامه: قلت: ففي منع الاقتصار على بعث واحد مطلقا وجوازه إن كان أجنبيا مطلقا، ثالث
الطرق يجوز مطلقا للزوجين معا فقط لابن فتحون واللخمي والباجي وقول ابن الحاجب.
ويجوز أن يقيم الزوجان والوليان خاصة واحدا على الصفة لا على غيرها غير الجميع انتهى.
وإلى اختلاف الطرق المذكورة أشار المصنف بقوله: وفي الوليين والحاكم تردد والله أعلم.
وقوله: وفي الوليين يعني في محجوريهما. قال ابن عرفة: إنما يبعث الحكمين الحكام أو
الزوجان أو آباؤهما إن كانا محجورين. ثم قال: قلت: معنى البعث والزوجان محجوران أن
الزوجة قامت بالضرر ولو رضيته سقط فقال وليها ولو كان أبا. قاله عن المذهب الشعبي وابن
فتوح وغيرهما. قال ابن فتوح: وكذا كل شرط فيه فأمرها بيدها وتمامه في التمليك انتهى.
ص: (وإن طلقا واختلفا في المال فإن لم تلزمه فلا طلاق) ش: استغنى المصنف رحمه الله
بهذا الفرع عن فرع ذكره في المدونة معه لأنه يفهم حكمه منه بالأحروية، وهو ما إذا حكم
أحدهما بالفراق ولم يحكم الآخر قال: قال فيها: لم يلزم شئ انتهى. وعزا ابن عرفة هذا
الأخير للخمي وكأنه لم يره في المدونة والله أعلم.
267

باب في الخلع والطلاق
ص: (باب جاز الخلع وهو الطلاق بعوض) ش: الطلاق أصله في اللغة الانطلاق
والذهاب. المتيطي: مأخوذ من قولك أطلقت لناقة فانطلقت إذا أرسلتها من عقال، وكان ذات
الزوج موثوقة عند زوجها فإذا فارقها أطلقها من وثاق ويدلك على ذلك قول الناس هي في
حبالك إذا كانت تحتك انتهى. وقال الجوهري: وطلق الرجل امرأته تطليقا وطلقت هي بالفتح
تطلق طلاقا فهي طالق وطالقة. قال الأخفش: لا يقال طلقت بالضم انتهى وأما حقيقته في
الشرع فقال ابن عرفة: الطلاق صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بزوجته موجبا تكررها مرتين
للحر ومرة لذي رق حرمتها عليه قبل زوج. وقبل المتيطي صرف الخطابي الكراهة في حديث
أبغض الحلال إلى الله الطلاق لسوء العشرة لا للطلاق لإباحة الله تعالى وفعله
رسول الله (ص).
قلت: الأقرب منه كونه منه (ص) كان لسبب رجحه، ومحمل كونه أبغض أنه أقرب
الحلال إلى البغض فنقيضه أبعد من البغض فيكون أحل من الطلاق. اللخمي: إن كان الزوجان
على أداء كل منهما حق صاحبه استحب البقاء وكره الطلاق، وإن كانت الزوجة غير مؤدية
حقه كان مباحا، فإن كانت غير صبية استحب له فراقها إلا أن تعلق نفسه بها، وإن فسد ما
بينهما ولا يكاد يسلم دينه معها وجب الفراق. زاد ابن بشير: حرمته وهو إذا خيف من وقوعه
ارتكاب كبيرة وجعله ما جعله اللخمي مباحا مندوبا وجعله اللخمي مندوبا مباحا. انتهى
باختصار.
268

فائدة: ثبت عنه عليه السلام أنه طلق حفصة بنت عمر ثم راجعها، وطلق العالية بنت
ظبيان وهي كان يقال لها أم المساكين ونكحت في حياته قبل أن ينزل عليه تحريم نسائه، وأول
من طلق إسماعيل عليه السلام. انتهى بالمعنى من أول كتاب الطلاق من المتيطي والله أعلم.
وقول المصنف: وهو الطلاق بعوض هذا هو المشهور أن الخلع طلاق. وقيل فسخ. قال
المسيلي في نكت التفسير: قال شيخنا يعني ابن عرفة: كان شخص يقال له النحاس له في
امرأته طلقتان فخالعها ثم ردها قبل زوج بناء على أن الخلع فسخ ففرق بينهما ولم يحد للشبهة
اه‍. ص: (وبلا حاكم) ش: يعني أن الخلع جائز ولو لم يكن عند الحاكم. قال في المدونة:
والخلع والمبارأة عند السلطان وغيره جائز اه‍. قال أبو الحسن: خلافا للحسن وابن سيرين اه‍.
ص: (وبعوض من غيرها) ش: المراد بالغير الأجنبي: قال ابن عبد السلام: قلت: ينبغي أن
يقيد المذهب بما إذا كان الغرض من التزام الأجنبي ذلك للزوج حصول مصلحة أو درء مفسدة
ترجع إلى ذلك الأجنبي مما لا يقصد به إضرار المرأة، وأما ما يفعله أهل الزمان في بلدنا من
التزام أجنبي ذلك وليس قصده إلا إسقاط النفقة الواجبة في العدة للمطلقة على مطلقها فلا
ينبغي أن يختلف في المنع ابتداء وفي انتفاع المطلق بذلك بعد وقوعه نظر اه‍. ونقله في
التوضيح والشامل. وقال ابن عرفة: باذل الخلع من صح معروفه والمذهب صحته من غير الزوجة
مستقلا.
قلت: ما لم يظهر قصد ضررها بإسقاط نفقة العدة فينبغي رده كشراء دين العدو.
وفيها: من قال لرجل طلق امرأتك ولك علي ألف درهم فقبل لزم ذلك الرجل اه‍. ولفظ
الشامل: ودافعه من له التبرع وإن أجنبيا إن قصد مصلحة أو درء مفسدة اه‍. وقول ابن عبد
السلام ترجع إلى ذلك الأجنبي ليس بشرط كما يظهر من كلام ابن عرفة، بل المقصود أن لا
يقصد به ضرر المرأة وهو الذي يظهر من كلام المصنف في التوضيح فإنه أسقط هذا اللفظ من
كلام ابن عبد السلام.
تنبيه: قول ابن عبد السلام فلا ينبغي أن يختلف في المنع ابتداء وفي انتفاع المطلق بذلك
بعد وقوعه نظر، أما المنع من ذلك ابتداء فلا إشكال فيه، وأما إذا وقع الطلاق فالظاهر لزومه
وسقوط النفقة. أما وقوع الطلاق فظاهر لأنه لا يرتفع بعد وقوعه ولا إشكال في بينونته، وأما
سقوط النفقة به فظاهر أيضا لأن أهل المذهب كلهم مصرحون في باب النفقات بأن البائن لا
نفقة لها. قال في المدونة: وكل مطلقة لها السكنى، وكل بائنة بطلاق بتات أو خلع أو مبارأة
269

أو لعان ونحوه فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة إلا في الحمل البين فذلك لها ما أقامت
حاملا خلا الملاعنة. انتهى من طلاق السنة. قال أبو الحسن: لأن النفقة إنما هي عوض عن
الاستمتاع فلما عدم لم يكن لها نفقة انتهى. ثم قال: ولما كانت الرجعة بيده أشبه من هو
متمكن من الوطئ ونحوه في إرخاء الستور منها. ألا ترى أنه لو طلق بنفسه طلاق الخلع من
غير عوض أليس بائنا ولا نفقة لها؟ وكذلك لو طلقها بعوض منها وكان ذلك عن ضرر بها
فقد قالوا إنها ترجع بالعوض، وأما الطلاق فيلزمه وتكون بائنا ولم يذكروا أنها ترجع عليه
بالنفقة فتأمله. وانظر بهراما الكبير في شرح قول المصنف وتعجيله لها ما لا يجب قبوله، وقول
ابن عرفة ينبغي رده إن أراد قبل أن يقع الطلاق فظاهر، وإطلاق الرد مجاز. وإن أراد بعد وقوع
الطلاق وأنه يرتفع الطلاق فغير ظاهر والله أعلم.
فرع: قال أبو الحسن: إذا أتى الأجنبي إلى الزوج قبل أن يطلق فقال له لا تفعل فقد بدا
لي فذلك له انتهى. ص: (لا من صغيرة وسفيهة) ش: أما السفيهة المولى عليها فالمنصوص ما
ذكره المصنف. وأما المهملة فذكر في التوضيح فيها ثلاثة أقوال. قال الرجراجي في شرح
المدونة: المشهور أن ذلك لا يجوز، ولذلك والله أعلم أطلق في السفيهة، فسواء كانت ذات
أب أو وصي أو مقدم من القاضي أو مهملة لا يصح خلعها. وهذا إذا صالحت دون إذن
وصيها، وأما إن أذن وصيها فيصح الخلع وهو قول المصنف بعد بخلاف الوصي أي فلا يصح
خلعه عمن في حجره يريد بغير رضاها، وأما إذا رضيت فيصح. قال في المدونة في إرخاء
الستور في ترجمة الصلح: وللأب أن يخالع على ابنته الصغيرة وإن كان على إسقاط جميع
المهر، وليس للوصي أو غيره أن يخلعها من زوجها بخلاف مبارأة الوصي عن يتيمة. والفرق
بينهما أن الوصي يزوج يتيمه ولا يستأمر ولا يزوج يتيمته إلا بإذنها، وكذلك يباري عن يتيمه
ولا يستأذنه ولا يباري عن يتيمته إلا بإذنها انتهى. وظاهر كلام الرجراجي أنه لا خلاف في
جواز خلعه عنها برضاها، وانظر ابن سلمون، وقال ابن عرفة: وفي خلع الوصي عن يتيمته دون
إذنها ثالثها إن لم تبلغ. اللخمي عن رواية ابن نافع: لا بأس أن يباري الوصي عن يتيمته وإن
زوجها أبوها قبل إيصائه إليه مع قول أصبغ إن خالع عمن في ولايته بأقل من نصف المهر قبل
البناء على النظر لفساد وقع أو ضرر جاز ولروايتها. ولعيسى عن رجوع ابن القاسم إلى جواز
مبارأة الوصي والسلطان على الصغيرة إن كان حسن نظر وهو أحسن وعلى الثاني المشهور.
270

قال ابن فتحون والمتيطي: للمحجورة أن تخالع بإذن وليها أو وصيها ثم قال: قلت: فالأرجح
عقده على الوصي برضاها لا عليها بإذنها انتهى ص: (وذي رق ورد المال وبانت) ش: تصوره
ظاهر.
فرع: فلو اشترط الزوج في الخلع أنه إن لم يصح له الخلع فالعصمة باقية غير منفصلة
فقال في الطراز في ترجمة مبارأة الوصي عن اليتيمة عند قوله لا يلزمها ما أعطته بالغا كانت أو
غير بالغ. انظر لابن سعدون في شرحه نكاح المدونة فإنه قال في هذه المسألة: إذا اشترط في
الخلع الزوج أنه إن لم يصح له الخلع على ما وقع فالعصمة باقية غير منفصلة فالشرط ينفعه،
ومتى طلب منه ما أخذ كانت زوجته كما كانت فتأمل ذلك انتهى. ونقله ابن سلمون أيضا
والبرزلي في مسائل الخلع. وهذا الذي قاله غير ظاهر بل هو مخالف لكلام أهل المذهب. قال
في رسم حلف من سماع ابن القاسم من طلاق السنة: وسئل عمن صالح زوجته أن ترضع
ولده سنتين وتكفله أربع سنين بعد ذلك، فإن ماتت فأبوها ضامن لنفقته حتى يستكمل ست
سنين، واشترط عليها إن لم يكن أصل هذا الصلح جائزا فله الرجعة عليها؟ قال مالك: الشرط
باطل ولا يصلح في صلح رجل وامرأته أكثر من الرضاع، فإن كان قد رضيا بالصلح وتفرقا
على ذلك فما كان فوق الرضاع فهو ثابت على الأب ينفق على ولده، وما اشترط أنه إن لم
يكن هذا الصلح جائزا فله الرجعة فهذا باطل ولا رجعة له عليها. قال سحنون: تلزمها النفقة
ولو اشترط عليها نفقة خمس عشرة سنة لكان ذلك لازما لها. قال ابن رشد: قوله في اشتراط
271

الرجعة عليها إن لم يكن الصلح جائزا أنه شرط باطل صحيح بين المعنى في الصحة، لأن
الشرع قد حكم أن المرأة تبين من زوجها بالصلح كان جائزا أو غير جائز، فاشتراطه أن تكون
له الرجعة عليها إن لم يكن الصلح جائزا لا يجوز، لأنه يخالف حكم الشرع وقد قال
رسول الله (ص): من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط
انتهى. وسيأتي بقية كلامه على هذه المسألة برمته واختصار ابن عرفة له في شرح قول المصنف
وبالغرر. وقال في النوادر في ترجمة من خالع على أنها إن طلبت ما أعطته أو خاصمته عادت
زوجته ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإن شرط إن طلبت ما أعطته عادت زوجة لم ينفعه
ولا رجعة له، وإن ظننا أن ذلك يلزم فعادت تحته بذلك ووطئها فليفارقا ولها ما رد إليها
صداقا، ولو صالحته بعد ذلك بشئ أعطته وقد حملت أو على إن أبرأته من نفقة الحمل
والرضاع فهذا الصلح باطل ويرد إليها ما أخذ ولها النفقة وله أن يتزوجها بعد أن تضع، وإن لم
تحمل فبعد الاستبراء وليس بناكح في عدة. وروي عن مالك أنه كالنكاح في العدة، والمعروف
عندنا من قوله ما قلت لك انتهى. ثم قال: ومن كتاب محمد والعتبية عن أشهب عن مالك
قال مالك: وإن شرط إن خاصمته فهي رد إليه فالشرط باطل. قال مالك: وإن خالعها على أنها
إن كانت حاملا فلا خلع لها، وإن لم يكن حمل فذلك خلع قال: قد بانت منه كانت حاملا
أو غير حامل. قال مالك في العتبية في سماع ابن القاسم: وفي كتاب محمد: وإذا خالعها في
سفر على أنه إن مات قبل أن يبلغ بلده فما أخذ رد فمات في سفره، فالشرط باطل والصلح
ماض ولا يتوارثان انتهى. وفيه مسائل غير ما ذكر تدل على ذلك وسيأتي عند قول المصنف:
وبإسقاط حضانتها. مسألة من العتبية تدل على ذلك أيضا والله أعلم. وقوله: وذي رق قال
272

في الجواهر: والتزام الأمة فاسد واختلاعها بإذن السيد صحيح ولا يكون السيد ضامنا للمال
انتهى. وفي مسائل الخلع من البرزلي عن ابن رشد: من تمام الخلع إشهاد الأمة على نفسها
بالرضا ولكن الامر نافذ في ذلك، ولا يجوز ابتداء كما لا يجوز أن تطلق على نفسها ولا أن
يفعل بعبده فعلا يؤدي إلى فسخ نكاحه. ص: (وجاز من الأب عن المجبرة بخلاف الوصي)
ش: وأما غير المجبرة فلا يجوز إلا بإذنها.
فروع: الأول: قال في المتيطية قال ابن لبابة في وثائقه: ولو كان الأب فوض إلى الوصي
العقد قبل البلوغ وبعده لوجب أن يبارئ عنها في قياس قوله انتهى.
الثاني: قال ابن سلمون: فإن عقد الخلع على اليتيمة أو غيرها ولي أو أجنبي فلها
الرجوع على زوجها والطلاق ماض. وهل يرجع الزوج على الذي عقد معه الخلع إذا لم يضمن
ذلك أم لا؟ في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أنه يرجع عليه وإن لم يضمن له لأنه هو أدخله في
الطلاق وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب الصلح من المدونة، وقول أصبغ في
الواضحة والعتبية. والثاني أنه لا رجوع له عليه إلا أن يلتزم له الضمان وهو ظاهر قول ابن
القاسم وروايته عن مالك في كتاب إرخاء الستور من المدونة وقول ابن حبيب. الثالث: أنه إذا
كان أبا أو ابنا أو أخا أو له قرابة للزوجة فهو ضامن وإلا فلا، وهو قول ابن دينار انتهى. وكلام
أصبغ المذكور في نوازله من كتاب التخيير. وقال ابن عرفة ابن رشد: لو صالح عنها أجنبي
دون إذنها ففي ضمانه العوض، وإن لم يشترط أو يشترطه قولان لأصبغ في نوازله كالواضحة
مع ابن حبيب وصلح المدونة. وظاهر قول ابن القاسم في روايته في إرخاء الستور منها مع
سماعه يحيى ولابن رشد في التخيير، وثالثها لابن دينار إن كان أبا أو ابنا أو أخا ضمن انتهى.
الثالث: ظاهر كلامهم أنه لا خلاف في وقوع الطلاق بائنا، فلو راجعها الزوج معتقدا
أن ذلك الطلاق رجعي أو مقلد لمن يراه من أهل المذهب ثم دخل بها ووطئها ولم يحكم له
273

بصحة الارتجاع حاكم يرى ذلك ثم رفع لحاكم مالكي يرى أن الأول بائن، فالظاهر أن
للحاكم أن يحكم بالبينونة ويكون وطؤه وطئ شبهة. وانظر كلام البرزلي في. مسائل الايمان في
أوائله بنحو الكراسين في مسألة من قال لأخي زوجته إن تركت لي ما لأختك على فقد خليتها
فقال له الأخ قد تركت.
الرابع: قال ابن سلمون: وإن عقدته المرأة وضمن للزوج وليها أو غيره ما يلحقه من درك
في الخلع المذكور ثم ظهر ما يسقط التزامها من ثبوت ضرر أو عدم أو غير ذلك ففي ذلك
قولان: أحدهما أن الضامن يغرم للزوج ما التزمه، والثاني أنه لا شئ عليه وكذا في البيع
الفاسد انتهى. ص: (وبالغرر كجنين) ش: قال ابن عرفة: والخلع بذي غرر قد يجب عليها يوما
ما جائز لنقل ابن رشد: يجوز على مجرد رضاع الولد اتفاقا وإن كان فيه غرر لاحتمال موته
قبل تمام أمده لوجوبه عليها في عدم الأب، وفيما لا يجب ثالثها فيما لا يقدر على إزالته
كالآبق والجنين والثمرة قبل بدو صلاحها، لا فيما يقدر على إزالته كالخلع على التزام نفقة
الولد بعد الرضاع أعواما للقدرة على إزالته بشرط أن لا يسقط النفقة عنها بموته انتهى. ويشير
بذلك لكلام ابن رشد في شرح مسألة رسم حلف من سماع ابن القاسم المتقدم ذكره في شرح
قول المصنف: ورد المال وبانت الموعود بذكره ونصه إثر كلامه في قول المصنف ورد المال
وبانت. وقوله أي في العتبية ولا يصلح في صلح رجل وامرأة أكثر من الرضاع هو مثل قوله
في المدونة: وإنما لم يجز لأنه غرر قد يموت الصبي قبل الاجل الذي التزمت نفقته إليه. ومن
قوله إن الخلع بالعبد الآبق والبعير الشارد والجنين والثمرة قبل بدو صلاحها جائز فقيل اختلاف
من قوله، وقيل الفرق بين المسألتين أن غرر الآبق وما أشبهه لا يقدر على إزالته وقد تدعو المرأة
الضرورة إلى المخالعة وليس لها إلا ذلك، وغرر التزام نفقة الولد أعواما تقدر على إزالته بأن
تشترط أن لا تسقط النفقة عنها بالموت وأن يكون للزوج أن يأخذها إلى الاجل الذي سماه
وإن بعد، وكذلك ما أشبه النفقة فيما يقدر على إزالته كالصلح بمال إلى أجل مجهول وما أشبه
ذلك، فتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها هذا. الثاني أن الخلع بالغرر جائز، كان الغرر مما
يقدر وعلى إزالته أو لا يقدر، هو قول المخزومي في المدونة وقول سحنون هنا. والثالث أن ذلك
لا يجوز مطلقا قدر على إزالته أم لا. وهو قول ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع
274

عيسى من هذا الكتاب لأنه إن لم يجزه بالذي لا يقدر على إزالته، فأحرى أن لا يجيزه إلا بما
يقدر على إزالته، واختلف على القول بأن الخلع بالغرر لا يجوز إذا لزم الزوج الطلاق وأبطل ما
خالع عليه، هل يرجع على المرأة بشئ أم لا؟ فقوله في المدونة وهنا أنه لا رجوع عليها بشئ.
والثاني أنه يرجع عليها إذا بطل الجميع بخلع المثل، وإذا أبطل البعض بمقدار ذلك الجزء مع
خلع المثل. وأما المخالعة على رضاع الولد خاصة فلا خلاف في جواز ذلك وإن كان فيه غرر
إذ قد يموت الولد قبل انقضاء أمد الرضاع لأن الرضاع قد يتوجه عليها في عدم الأب، فلما
كان قد يتوجه عليها استخف الغرر فيه. ولا رجوع للأب عليها بشئ إذا مات الولد قبل
انقضاء أمد الرضاع إذا كانا إنما عملا على إن بارأته من مؤنة رضاعه بإفصاح وبيان. واختلف
إذا وقع الامر مبهما، فحمله مالك في المدونة على ما تأوله عليه ابن القاسم أنها إنما أبرأته من
مؤنة رضاعه فلا رجوع عليها بشئ. قال: وما رأيت أحدا طلب ذلك. وفي المختصر الكبير: لو
طلب ذلك لكان له فيه قول انتهى. وسيتكلم المصنف بعد هذا على خلع الزوج بشرط نفقة
ولدها مدة رضاعه وعلى خلعه بشرط نفقته أزيد من مدة الرضاع، وأنه إن خالعها على أزيد
من مدة الرضاع أنه يسقط الزائد على مدة الرضاع فاقتضى كلامه هناك أنه مشى على خلاف
قول المخزومي ومن وافقه من أن الخلع بالغرر يجوز مطلقا، سواء قدر على إزالته أم لا، ونبه على
ذلك ابن غازي هناك والله أعلم.
تنبيهان: الأول: قال المتيطي: من أراد العقد على إزالة الغرر وإجازته على مذهب مالك
وابن القاسم فقد حكى بعض الشيوخ من القرويين وقاله غير واحد من الموثقين أنهما إذا شرطا
ثبوت النفقة بعد الوفاة كثبوتها قبلها جاز وارتفع الغرر، وهو مثل ما لو باع على أن ينفق
المشتري عليه مدة معلومة فهو جائز، وإذا جاز في البيع فهو في الخلع أجوز، وتقدم ذلك في
كلام ابن رشد أيضا. ثم قال المتيطي أيضا: ومما يجمع به أيضا بين القولين أن ابن حبيب حكى
في كتابه عن ابن القاسم فيمن أبان امرأته على أن تسلم ولدها منه إليه، فإن أرادت أخذه فلا
يكون ذلك لها إلا بأن تلتزم نفقته وتسقط عن الأب مؤنته أن ذلك خلع تام لازم. وحكى مثله
أيضا أبو عمران عن فضل بن مسلمة ويعقد فيه وذكر كيفية العقد.
الثاني: قال في المتيطية أيضا: إذا خالعها عن نفقته إلى الحلم على القول بجوازه فبلغ
مجنونا أو زمنا عادت نفقته على الأب، ولو قال إلى حين سقوط النفقة عن الأب لزمت المرأة
النفقة حينئذ انتهى. ص: (وبإسقاط حضانتها) ش: تصوره واضح. وإذا أسقطت هي حضانتها
275

فتنتقل الحضانة لمن بعدها على الذي جرى به العمل. قاله المتيطي ونقله المشذالي في الشفعة
وأظنه في ابن يونس في كتاب الخلع، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله في باب الحضانة.
تنبيه: إذا خالعها على إسقاط حضانتها وهي حامل، هل يلزمها أم لا؟ الظاهر لزومه
وليس ذلك من باب إسقاط الحضانة قبل وجوبها. قال في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع
ابن القاسم من طلاق السنة: وسئل مالك عن رجل صالح امرأته وهي حامل وشرط عليها أن
لا نفقة عليه حتى تضع حملها، فإذا وضعت حملها أسلمته إلى أبيه، فإن طلبته فنفقته ورضاعه
عليها حتى تفطمه فإن لم تستقم له بذلك فهي امرأته. قال مالك: الصلح جائز وكل ما شرط
عليها جائز إلا ما اشترط أنها ترجع إليه فليست ترجع إليه وقد بانت منه. قال ابن رشد: وهذا
كله كما قال لأن ما شرط عليها حق لها فجاز أن يشترط عليها حاشا الرجعة انتهى. ص:
276

(وقيمة كعبد استحق) ش: قال في الجواهر: ولو خرج حرا رجع بقيمته أيضا أن لو كان عبدا.
وقيل: لا يرجع بشئ. ولو قال إن أعطيتني هذا الحر وقع الطلاق بإعطائه رجعيا انتهى. ص:
(ومغصوب وإن عبدا ولا شئ له) ش: هذا إذا كان الزوج عالما بذلك، وأما إن لم يعلم
فسيأتي أنها إذا خالعته بشئ واستحق فإن كان لها فيه شبهة فله قيمته، وإن كان لا شبهة لها
فيه لم يلزمه، وهذا يفهم من لفظ الجواهر وما لو خالعته بخمر أو خنزير أو مغصوب فلا
يختلف في المنع ابتداء ونفوذه إذا وقع والمنصوص لا شئ للزوج فيه والله أعلم. ص:
(وخروجها من مسكنها) ش: قال في إرخاء الستور من المدونة: وإن خالعها على أن لا سكنى
لها عليه، فإن أراد إلزامها كراء المسكن جاز ذلك، كان المسكن لغيره أو كان له وسمي الكراء،
وإن كان على أن تخرج من منزله تم الخلع ولم تخرج ولا كراء له عليها، وانظر الجزولي في
شرح قول الرسالة أو للحامل كانت مطلقة واحدة أو ثلاثا. ص: (وبانت ولو بلا عوض نص
عليه) ش: يعني أن الخلع طلاق بائن ولو وقع بغير عوض إذا نص عليه أي على الخلع بأن
صرح به، قال في النوادر: ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن قال أنت
277

طالق واحدة بائنة فهي البتة في التي بنى بها، وإن قال هي طالق طلاق الخلع فهي واحدة بائنة.
وكذلك إن قال خالعت امرأتي أو باريتها أو افتدت مني لزمته طلقة بائنة. قال أصبغ: إن قال
لها أنت صلح أو طالق طلاق الصلح أو قد صالحتك أو يقول اشهدوا أني قد صالحت امرأتي
وهي غائبة أو حاضرة، راضية أو كارهة، أخذ منها عوض أو لم يؤخذ، فهي طلقة بائنة.
وكذلك قوله أنت مبارية أو طلقتك طلاق المبارأة أو قد بارأتك رضيت أو لم ترض انتهى.
ونحوه في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب التخيير قال في المدونة: ولا بأس
بالمبارأة على أن لا تعطيه ولا تأخذ منه شيئا وهي طلقة بائنة انتهى. وقال في معين الحكام:
ويكره للرجل أن يطلق طلقة مبارأة أو خلع أو صلح دون أخذ أو إسقاط لوقوعها خلاف
السنة، فإن فعل ففيها ثلاثة أقوال: مذهب ابن القاسم أنها طلقة بائنة وبه القضاء وتملك المرأة
نفسها بهذا الطلاق ولا يجبر على رجعتها إن كانت حائضا أو نفساء. والقول الثاني أنها طلقة
رجعية. والقول الثالث يلزمه الثلاث انتهى. وقاله في المتيطية والتوضيح وغيرهما. ص: (أو على
الرجعة) ش: هذا خلاف ما صدر به ابن الجلاب ونصه: ولو خالعها على أن له الرجعة إليها
278

لصحت رجعته. وقيل: لا يكون له رجعة وشرطه باطل. ص: (أو طلق أو صالح وأعطى) ش:
أما إن طلق وأعطى فتصوره واضح، وأما إذا صالح وأعطى فمعناه والله أعلم أن يلفظ بالصلح
فيقول صالحيني على أن أعطيك مائة دينار مثلا وخالعني على أن أعطيك، فإن الصلح والخلع
يطلق على ما لم يكن فيه إعطاء من الزوجة، أو يقول لها خذي هذا الألف واتركي مهرك وأنا
أطلقك ونحو ذلك والله أعلم. قال في المدونة فيمن خالعها على عبد لها وزاد لها ألفا وإن
كانت قيمة العبد أقل من الألف فهو كمن صالح زوجته على أن يعطيها من عنده. مالك:
فالصلح جائز ولا يرجع عليها بشئ مما دفع إليها. وقال ابن عرفة: وفيها أخالعك على أن
أعطيك مائة دينار فقبلتها هي طلقة بائنة، وكذا لو لم يعطها. وانظر بقية كلامه. وفي الجواهر:
وقد روي فيمن قال أخالعك على أن أعطيك مائة درهم فقبلت كانت بائنة لا يملك رجعتها،
وكذلك لو لم يعطها الزوج شيئا فخالعها فهي أيضا بذلك بائن انتهى. إلا أن في جعل المصنف
إذا طلق وأعطى مثل إذا صالح وأعطى نظر، لأن المذكور فيه الخلاف في المدونة وابن الحاجب
وغيرهما ما إذا طلق وأعطى. قال في إرخاء الستور من المدونة: وإن لم يكن لها عليه مهر ولا
دين فخالعها على أن أعطاها شيئا أو لم يعطها فذلك خلع ولا رجعة له. وروى ابن القاسم
وابن وهب عن مالك فيمن طلق وأعطى أن له الرجعة وليس بخلع. وروي عنه أنها واحدة
بائن، وأكثر الرواة على أنها غير بائن لأنه إذا لم يأخذ منها فليس بخلع وهو رجل طلق وأعطى
انتهى. لكن المصنف قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وفيها فيمن طلق وأعطى
أكثر الرواة رجعية. وهذا الاختلاف إنما هو في موطأ ابن وهب والأسدية والموازية فيمن صالح
وأعطى، وليس فيمن طلق وأعطى. قال في النكت: وهذا هو الصحيح، والنقل الذي في المدونة
ليس بصحيح ولا خلاف فيمن طلق وأعطى أن له الرجعة، لأنه إنما وهبها هبة وطلقها وليس
من الخلع في شئ انتهى. ص: (وهل مطلقا أو إلا أن يقصد الخلع تأويلان) ش: قال في
279

النوادر في ترجمة الخلع بغير عطية في كتاب ابن المواز: وإن لم يقصد قصد الصلح وقال أنت
طالق ولي متاعي وقال ولك متاعك أو قال ولك زيادة كذا فله الرجعة. قال ابن وهب عن
مالك: وإذا صالحها على أن أعطاها شيئا من ماله جهلا أو ظنا أنه وجه الصلح قال: هي طلقة
وله الرجعة ثم رجع فقال: لا رجعة له إذا كان منهما على وجه الصلح. وقاله الليث. قال
محمد: وعلى قوله الآخر العمل انتهى. وقال قبله: ومن كتاب ابن المواز: وإذا تداعيا إلى
الصلح وافترقا عليه وإن لم يأخذ منها شيئا فهو فراق كما لو أخذ منها، وإذا قصد إلى الصلح
بغير عطية أو على أن يأخذ متاعه ويسلم إليها متاعها فذلك خلع لازم، قاله مالك في العتبية
من سماع ابن القاسم قال: وتكون بائنا، قال أنت طالق أو لم يقل اه‍. ص: (وطلاق حكم
به) ش: وكذلك المفقود والكافر إذا أسلم في عدة زوجته ويأتي في آخر فصل الطلاق مسائل
من هذا الباب والله أعلم. ص: (وموجبه زوج مكلف) ش: لم يشترط فيه الاسلام كما قال
ابن الحاجب لأنه قال في التوضيح: اشتراط الاسلام مع كون المرأة مسلمة لا يظهر له كبير
معنى انتهى. ص: (ولو سفيها) ش: قال المتيطي: إلا أن يكون الخلع على أن يعطيها فالخلع
باطل والمال مردود انتهى. وكأنه يعني أن الطلاق يلزمه ويرد المال. وقال في التوضيح في شرح
قول ابن الحاجب: وفي خلع السفيه قولان نحوه في الجواهر زاد: وإذا صححناه فلا يبرأ المختلع
بتسليم المال إليه بل إلى وليه انتهى. وقال ابن عرفة: وقول ابن شاس: اختلف في خلع
280

السفيه لا أعرفه قال: وعلى صحته لا يبرأ المختلع بتسليم المال إليه بل إلى الولي. وقال اللخمي:
إن كانت رشيدة والزوج سفيها مضى الخلع لأن الطلاق لا يرد وإن كان في الخلع غبن كمل
له خلع المثل.
قلت: فيجب صرف الخلاف الذي نقله ابن شاس لتكميل خلع المثل لارتفاع رفع
الطلاق، وتفسير ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب مجمل، وظاهر كلام الموثقين براءة المختلع
بدفع الخلع للسفيه دون وليه. قال ابن فتحون والمتيطي: لا يفتقر المبارئ للولي لأن لطلاق إنما
هو للسفيه بخلعه يأخذ منه أو يسقط دينا عليه بلا إذن الوصي في ذلك.
قلت: لأنه عوض عن غير مثمون السفيه مستقل به فصار كهبة اه‍. ص: (وولي صغير
أبا أو سيدا أو غيرهما) ش: أي وصيا أو حاكما. قال في الشامل: وجاز لولي صغير وإن
وصيا وحاكما ونائبه بالنظر كأب انتهى.
فرع: قال في الشامل: ولا يطلقون بلا عوض على الأصح انتهى. وتبع في حكايته
الخلاف المصنف في التوضيح. وقال الرجراجي في كتاب إرخاء الستور في المسألة الرابعة: إنه
لا خلاف في أنه لا يجوز لوليه أن يطلق عليه إلا على مال والله أعلم. وقال في الخلع من
المدونة: وإذا زوج السيد عبده الصغير لم يطلق عليه إلا بشئ يأخذه له. وروى ابن نافع عن
مالك فيمن زوج وصيفه وصيفته ولم يبلغا أنه جائز، فإن فرق السيد بينهما على النظر
والاجتهاد جاز ذلك ما لم يبلغا. وقال ابن نافع: لا يجوز إلا ما كان على وجه الخلع انتهى.
قال في التوضيح بعد نقله لكلام المدونة المذكور: وظاهره أنه يتفق على جواز المخالعة ويختلف
في طلاقه عليه بغير عوض. عياض: ومذهب ابن القاسم في الكتاب في تطليق السيد على
عبده الصغير لاق لسنة عند غير واحد، وروايته عن مالك مثل مذهب ابن نافع أنه لا يجوز
إلا ما كان على وجه الخلع، وأن رواية ابن نافع تخالف ذلك إذ لم يشترط الخلع ويجوز إذا
كان نظرا بغير خلع إذا حمل على ظاهره وهو قول أكثرهم، وحمل بعضهم الكل على الوفاق،
وقال ابن كنانة: وقد قيل إنه لا يجوز وإن كان على وجه الخلع لأن للسيد انتزاعه فكأنه أخذه
لنفسه. انتهى وانظر ابن عبد السلام ص: (لا أب سفيه) ش: يعني فأحرى غيره من الوصي
ومقدم القاضي. قال في التوضيح في شرح كلام ابن الحاجب: وليس لولي السفيه ولو كان أبا
أن يخالع عنه على المشهور لأن الطلاق بيد السفيه انتهى. وصرح بتشهير هذا القول المتيطي.
281

ص: (وسيد بالغ) ش: قال الشارح: أي لا يجوز لسيد العبد البالغ أن يخالع عنه انتهى. وقال
ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: وكذلك السيد في عبده وأمته لا يمضي خلع السيد عليهما
بغير اختيارهما انتهى. وما ذكره ابن فرحون في الأمة البالغة وأن السيد لا يخالع عليها غير
ظاهر، وقد صرح الرجراجي في المسألة الرابعة من كتاب إرخاء الستور بأن له أن يخالع عليها
بغير رضاها وهو ظاهر كلام الشامل حيث قال: ولسيد عن أمة وعبد صغير وإن كرها على
المشهور فقيد العبد بالصغر دونها وهو ظاهر كلام التوضيح فإنه بحث مع ابن بشير في قوله:
وهل يجوز الخلع عن العبد أو الأمة بغير اختيارهما؟ قولان: المشهور جوازه والشاذ منعه فإنه
قال: فانظره مع كلام ابن عبد السلام، وأشار بذلك لما قدمه عن ابن عبد السلام في حل قول
ابن الحاجب وبخلاف السيد في العبد مراده العبد البالغ. ثم قال في التوضيح: إلا أن يكون
مراد ابن بشير العبد الصغير. وقد نص في المدونة على أن العبد الكبير ليس للسيد أن يخالع
عنه ولم أقف على القول بأن للسيد أن يخالع عنه وإن ثبت فهو مشكل انتهى. فمناقشته مع
ابن بشير في إطلاقه في العبد وسكوته عن إطلاقه في الأمة، ظاهره يقتضي أن الأمة يجوز
للسيد أن يخالع عنها، سواء كانت بالغة أو غير بالغة فتأمله والله أعلم.
تنبيه: الأمة البالغة قد تقدم أنه لا يمضي خلعها عن نفسها إلا بإذن السيد، وأما العبد
البالغ فيجوز. قال في المتيطية: وأما العبيد الكبار فحكم الذكور منهم حكم السفيه البالغ ويطلق
بغير إذن سيده وتختلع منه امرأته وينفذ ذلك إلا أن يكون الخلع على أن يعطيها من عند نفسه
فيكون الخلع نافذا والمال إن رده السيد مردود انتهى.
فرع: قال في المسائل الملقوطة: من المسائل التي انفرد بها مالك إذا اختلعت الأمة من
زوجها على شئ بغير إذن سيدها فاسترجعه المولى منه فليس للزوج أن يرجع عليها بشئ إذا
عتقت انتهى.
فرع: قال ابن عرفة ابن بشير: ذو عقد حرية على عدم جبره على النكاح لا يخالع عنه
وعلى جبره في الخلع قولان انتهى. ص: (ونفذ خلع المريض) ش: قال في التوضيح: عبر ابن
الحاجب بالنفوذ ولم يعبر بالجواز لأن الاقدام عليه لا ينبغي لأنه طلاق في المرض انتهى. وقال
الشارح: إنما قال نفذ ولم يقل جاز تنبيها على أن الاقدام على ذلك ابتداء لا يسوغ. انتهى من
الكبير ونحوه في الصغير. وقال الشيخ يوسف بن عمر في شرح قول الرسالة في باب النكاح:
282

ولو طلق المريض تكلم أبو محمد على الوقوع، وهل يجوز ذلك أم لا؟ فقال مالك: لا يجوز
ذلك لأن فيه إخراج الوارث وقد نهى عليه السلام عن إخراج الوارث إلا أن على هذا التعليل
يجوز طلاق من لا يرث مثل الأمة والكتابية. وقيل: لا يجوز ذلك إذ تعتق الأمة وتسلم الكتابية
انتهى. وفي رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من طلاق السنة قال مالك: من حجتنا
في الذي يتزوج وهو مريض أنه ليس له ميراث لأنه يمنع أن يطلق وهو مريض، فكما يمنع من
الطلاق وهو مريض لحق امرأته في الثمن فإنه لا ينبغي أن يدخل عليها من ينقصها من ثمنها.
ابن رشد: هذا بين لأن المعنى الذي من أجله لم يجز أن يطلق في المرض موجود في النكاح
فلا يجوز له أن يدخل وارثا على ورثته كما لا يجوز له أن يخرج عنهم وارثا انتهى. فعبر
مالك بالمنع مرتين وعبر ابن رشد بعدم الجواز. وفي كلام ابن يونس وأبي الحسن والرجراجي أنه
ممنوع، وفي المتيطية: وطلاق المريض وخلعه جائز ويصح له ما أخذ من الزوجة غير أنه إن مات
من مرضه قبل ظهور صحته ورثته المرأة بائنا كان أو رجعيا انتهى. فظاهره أنه جائز ابتداء
ويمكن أن يحمل قوله جائز على أن المراد لازم والله أعلم. ص: (وورثته) ش: أشار إلى أن
طلاق المريض وإن كان بائنا لا يمنع الزوجة الميراث، وأما غير ذلك من أحكام الطلاق فتترتب
عليه. قال ابن الحاجب في الكلام على من هو أهل للطلاق: وطلاق المريض وإقراره به
كالصحيح في أحكامه وتنصيف صداقه وعدة المطلقة وسقوطها في غير المدخول بها إلا أنها لا
ينقطع ميراثها هي خاصة إن كان مخوفا، قضى به عثمان رضي الله عنه لامرأة عبد الرحمن.
قال في التوضيح: وترثه سواء كان طلاقها بائنا أو رجعيا، ثلاثا أو واحدة، انقضت عدتها أم لا
اه‍. وترثه من جميع ما ترك حتى ما اختلعت به منه هذا مذهب المدونة قاله في التوضيح. قال:
وروي عن مالك أنها لا ترث منه لضعف التهمة لأن الفراق وإن كان ابتداؤه منه لم يستقل به
وإنما تممته هي أو غيرها، وهذا مقابل المعروف. انتهى يعني مقابل المعروف في قول ابن الحاجب
على المعروف وأنكره ابن عرفة والله أعلم. ص: (كمخيرة) ش: أشار إلى أنه لا فرق في كون
الفراق من الرجل أو من المرأة فسخا كما في اللعان أو طلاقا كما في غيره، تسببت المرأة
283

في ذلك كما إذا أحنثته أم لا؟ ص: (وملاعنة) ش: قال في التوضيح:
فرع: ابن محرز وغيره: وإذا لاعن في المرض انتفى الولد لأن الأنساب لا تهمة فيها. ألا
ترى أنه لو استلحق ولدا في المرض لحق به ولم يتهم فكذلك إذا نفاه انتهى.
فرع: لو ارتد المريض لم ترثه زوجته ولا غيرها من ورثته.
فإن قيل: إذا وجب الميراث في اللعان مع كونه فسخا ففي الردة أولى لأنها طلاق
والفسخ أقوى في حل العصمة.
فالجواب: أن اللعان خاص بالمرأة فاتهم بخلاف الردة لأنه يمنع سائر الورثة قاله في التوضيح.
فرع: قال فيه اللخمي: ولو عاد للاسلام ثم مات بقرب ذلك ورثه ورثته دون زوجته
على مذهب ابن القاسم، لأن الردة عنده طلاق بائن والاسلام ليس مراجعة، وترثه على قول
أشهب وعبد الملك لأنهما يريان إذا عاد للاسلام أنها تعود زوجة على الأصح، بل من غير
طلاق انتهى. وما قاله اللخمي غير ظاهر ولهذا قال ابن عرفة بعد ذكره كلامه قلت: الأظهر
أن ترثه زوجته على قول ابن القاسم أيضا لأنه مطلق في المرض ورافع تهمة نفيه لاسلامه
انتهى. وما قاله ابن عرفة ظاهر.
فرع: قال في التوضيح: وألحق الشيخ أبو إسحاق بالردة ما إذا طلق عليه في المرض
بسبب جنون أو جذام أو لعان أو نشوز منها في المرض. وفي الباجي: إن المطلقة لنشوز منها
كالمخالعة والملاعنة في أن حكم الميراث باق خلافا لأبي حنيفة ولم يذكر في ذلك خلافا انتهى.
وقال ابن عرفة: وجعل التونسي الطلاق عليه في مرضه بجنون أو جذام كالردة واضح إلا أن
في الحكم عليه به في مرضه نظرا والصواب تأخيره. وقول ابن عبد السلام النشوز منها كالمرض
في الردة مشكل إذ لا أثر للنشوز في الفرقة انتهى.
284

فرع: إذا علم أن المطلقة في المرض وارثة فلا تصح الوصية لها، وإن أوصى بأكثر من
الثلث أو لوارث وقف على إذنها، وإن قتلته خطأ ورثت من المال دون الدية وعمدا لم ترث
منها. قاله في التوضيح ص: (ولو صح ثم مرض فطلقها لم ترث إلا في عدة الطلاق الأول)
ش: أي ولو طلق زوجته طلاقا رجعيا في المرض ثم صح من مرضه صحة بينة ثم مرض فطلقها
في المرض الثاني قبل أن يراجعها طلقة أخرى رجعية أو بائنة، فإن مات قبل انقضاء العدة من
الطلقة الأولى ورثته لأن لطلاق في الصحة لا يمنع الميراث إن مات المطلق في العدة فأحرى
الطلاق في المرض، وإن مات بعد انقضاء العدة لم ترث الزوجة لأن ميراثها قد انقطع بسبب
الصحة الكائنة بعد الطلاق الأول، ولا عبرة بالطلقة الثانية لأنها لا تستأنف عدة لها وإنما
تحسب عدتها من الطلقة الأولى وإن كان قول المصنف إلا في عدة الطلاق الأول يوهم أن ثم
عدة أخرى. أما لو راجعها " انفسخت العدة التي للطلاق الأول، ثم إن طلقها بعد ذلك في
المرض فله حكم المطلق في المرض وفرضنا الطلاق الأول رجعيا لأنه لو كان بائنا لم يلحق
الطلاق الثاني بعده وانقطع الميراث بالصحة التي حصلت بعده، ولو طلقها في المرض طلاقا
رجعيا ثم صح فأبانها في الصحة فإنها لا ترثه، وسواء مات في العدة أو بعدها، وسواء كان
ارتجعها أم لا، وهكذا ذكر ابن شاس وابن الحاجب وانظر التوضيح والله أعلم ص: (ولو شهد
بعد موته بطلاقه فكالطلاق في المرض) ش: قال في رسم طلق من سماع ابن القاسم من
طلاق السنة: وسئل مالك عن الرجل يشهد عليه بأنه طلق امرأته البتة وقد ماتت، أترى أن
يرثها؟ قال: لا. وحين قيل له: أفرأيت إن مات هو، أفترى أن ترثه؟ قال: ليس هي مثله نعم
ترثه. قال سحنون: معناه أن الشهود كانوا قياما معه يعني حضورا معه في البلد فلم يقوموا عليه
حتى مات. ابن رشد: قول سحنون: معناه كانوا قياما فلم يقوموا حتى مات ليس بصحيح إذ
لو كانوا قياما معه فلم يقوموا لوجوب أن يرث كل واحد صاحبه، لأن شهادتهم كانت تبطل
285

بترك قيامهم بها، وإنما وهم سحنون في تفسير قول مالك هذا - والله أعلم - لما وقع في كتاب
الايمان بالطلاق من المدونة من قول يحيى بن سعيد في شهود شهدوا على رجل بعد موته أنه
طلق امرأته لا تجوز شهادتهم إذ كانوا حضورا ولامرأته الميراث، وكذلك يقول يحيى بن سعيد
أيضا لو ماتت هي أن له الميراث من أجل سقوط شهادة الشهود لحضورهم. فليس معنى مسألة
مالك يعني المسألة المتقدمة التي فرق فيها بين أن يشهدوا بعد موته أو بعد موتها إلا إن كانوا
غيبا. وكذلك وقع في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من الايمان بالطلاق وأن الشهود
كانوا غيبا لا يتهمون، فمالك أحق بتبيين ما أرادوا. ووجه تفرقته بين ميراثه منها وميراثها منه
هو أنه إذا كان هو الميت فلم يعذر إليه في شهادة الشهود ولعله لو أعذر إليه فيهم لا تبطل
شهادتهم، فرأى لها الميراث من أجل أن الشهادة لا يجب الحكم بها إلا بعد الاعذار إلى
المشهود عليه، وإذا كانت هي الميتة أمكن أن يعذر إليه وأنه عجز عن المدفع وجب الحكم
بالطلاق يوم وقع فلم يكن له ميراث منها.
وقال محمد بن المواز: إنما ورثته ولم يرثها لأنه كالمطلق في المرض لأن الطلاق وقع يوم
الحكم ولو لم يقع يوم الحكم لكان فيه الحد. قال أبو إسحاق: وهو كلام فيه نظر، لأن الحاكم
إنما ينفذ شهادة البينة وهي تقول إن الطلاق وقع قبل الموت، وإنما درأ الحد بالشبهة إما لنسيانه
وإما لامكان أن يكون صادقا في إنكار الشهادة. ولو كان الطلاق وقع بعد الموت أورثها هو
أيضا والقياس أنها لا ترثه كما لا يرثها لأن الاعذار يجب إليهما جميعا، فكما لا يرثها وإن لم
يعذر إليها لا ترثه وإن لم يعذر إليه وهو قول سحنون ويحيى بن عمر، وسيأتي في رسم بع من
سماع عيسى طرف من هذا المعنى وبالله التوفيق انتهى. وقال في رسم بع: ولا نقصان عليك
من سماع عيسى من الكتاب المذكور. وسئل مالك عن رجل أقر عند قوم أنه بارأ امرأته ثم
زعم بعد ذلك أنه كان مازحا ولم يبارئ وأنكرت هي تكون بارأته قال: إذا شهد عليه بإقراره
بانت منه بواحدة ولا رجعة له عليها إلا بنكاح جديد، وإن مات في عدتها ورثته ولم يرثها.
ابن رشد: في الميراث لا يصح بوجه لأن قوله لا رجعة له عليها يدل على أن الشهادة كانت
عليه في حياته، فإذا حكم عليه في حياته بأنها بائنة منه وجب أن لا يكون بينهما ميراث، ولو
كانت الشهادة عليه بعد موته لوجب ما قلناه في معنى مسألة رسم طلق من سماع ابن القاسم
أن ترثه ولا يرثها، مات في العدة أو بعدها، لأنه طلاق بائن. ولا وجه لقوله وإن مات في
عدتها على كل حال انتهى. ونص ما في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الايمان
بالطلاق وقال عن مالك في رجل مات عن امرأته فجاء شهود عدول لا يتهمون فشهدوا أنه
قد طلقها منذ سنين أنها ترثه ولو ماتت لم يرثها. قيل له: فما الحجة في أنها ترثه؟ قال: أرأيت
لو كان قائما فشهدوا عليه أترجموه؟ قلت: لا. قال: فما يدرينا ما كان يدرأ به عن نفسه قال
ابن القاسم: وهو رأيي وتعتد أربعة أشهر وعشرا.
286

قال ابن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها في رسم طلق من سماع ابن القاسم
من طلاق السنة فلا معنى لإعادته انتهى. وكلام المدونة الذي أشار إليه ابن رشد هو في آخر
كتاب الايمان بالطلاق ونصه: قال يحيى بن سعيد: ومن طلق وأشهد ثم كتم هو والبينة ذلك
إلى حين موته فشهدوا بذلك حينئذ فلا تجوز شهادتهم إن كانوا حضورا ويعاقبون ولها الميراث
انتهى. فذكر الشيخ أبو الحسن كلام ابن المواز وذكر ما في سماع ابن القاسم من طلاق السنة
وكلام سحنون فيه. وقال بعده ابن يونس: يجب على هذا أن لا يثبت الطلاق وترثه ويرثها.
وقد رواها عيسى عن ابن القاسم عن مالك أن الشهود كانوا غيبا سنين. وقال يحيى بن عمر:
لا ترثه انتهى. ثم ذكر أبو الحسن عن عبد الحميد أنه فرق بين كونها ترثه ولا يرثها بما نصه
عبد الحميد، والفرق بين الموضعين أن الحكم بالطلاق لا يتصور على ميت وإنما يتصور على
حي، فإذا كان الزوج هو الميت فحكم عليه بالطلاق وقع عليه من آخر أجزاء حياته، ومن طلق
في تلك الحال ورثته زوجته، فإذا كانت الزوجة هي الميتة لم يرثها لأن من طلق امرأته وهي
مريضة لم يرثها. وكذلك لو ماتا جميعا فإن كان الزوج هو الميت الأول ورثته، وإن كانت
الزوجة هي الميتة أولا لم يرثها ويشهد لهذا الذي عللناه قول ابن المواز في توريثها منه إذا كان
هو الميت لأنه طلاق في المرض. الشيخ: ووجه قول يحيى بن عمر لا ترث نظرا إلى يوم وقع
الطلاق انتهى. وذكر في المتيطية كلام ابن رشد الخ لم يعزه له صريحا.
قال بعض الشيوخ: ثم قال بعده: وما قاله أبو إسحاق معترض من قوله إنما درأ الحد
بالشبهة فكان يجب على هذا أن لو شهد أربعة على رجل بالزنا شهادة يجب بها حده وأنكر
الشهادة أن يكون صادقا في إسقاط الشهادة وهذا لا يقوله أحد والله أعلم انتهى. قال ابن عرفة
بعد ذكره الكلام المتقدم يرد تعقبه على أبي إسحاق بأن الشبهة عنده هي مجموع ما ذكر
وإمكان نسيانه حنثه في زوجته انتهى. فتحصل من هذا أنه إذا كان الشهود حضورا فشهادتهم
باطلة وترثه ويرثها، وإن كانوا غيبا ثم قدموا فشهدوا بالطلاق فإن كان بعد موته ورثته، وإن
بعد موتها هي لم يرثها على قول مالك وابن القاسم. وقال سحنون ويحيى بن عمر: لا ترثه
كما أنه لا يرثها. وقال في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم: وقال مالك في الرجل
يحلف بطلاق امرأته فيشك في يمينه فيسأل ويستفتي ثم يتبين له حنثه قال مالك: تعتد من
حين وقفه عنها وليس من حين تبين له، قيل لابن القاسم: فإن مات قبل ذلك أيتوارثان؟ قال:
ينظر في يمينه، فإن كان يحنث فيها لم ترثه وإلا ورثته. ابن رشد: قوله: تعتد من حين وقفه
صحيح لا اختلاف فيه لأن العدة من يوم الطلاق والطلاق إنما وقع عليه من يوم الحنث. وقوله
في الميراث: ينظر في يمينه الخ وفي بعض الكتب لم ترثه ولا يرثها ليس بخلاف لما تقدم
في رسم طلق في الذي يشهد عليه الشهود أنه قد طلق امرأته البتة وقد ماتت أنها ترثه ولا
يرثها. والفرق بين المسألتين أن الرجل في هذا لم يزل مقرا على نفسه بما أوجب عليه الطلاق
287

فوجب أن لا يكون بينهما ميراث بعد وقوع الطلاق، ومسألة كتاب طلق شهد الشهود وهو
منكر لشهادتهم فوجب في ذلك الاعذار إليه حسبما تقدم القول فيه وبالله التوفيق. تنبيه: علم من هذا الكلام وما قبله أن صورة هذه المسألة أن تكون المرأة تحت الزوج إلى
حين موته ولم يعلم طلاقها إلا من الشهود بعد موته، وأما لو طلقها في صحته وانفصلت عنه
وعلم ذلك فلا شك أنها ترثه، وقد نبه على هذا ابن الفرات في شرحه لهذا المحل ونصه:
ويظهر أن هذا مقيد بما إذا كان معها يعاشرها معاشرة الأزواج إلى أن مات لقول المتيطي في
توجيه ذلك لأن الطلاق إنما يقع يوم الحكم انتهى. ص: (وإن أشهد به في سفر ثم قدم
ووطئ وأنكر الشهادة فرق ولا حد) ش: قال في أواخر كتاب الايمان بالطلاق من المدونة:
ومن طلق زوجته في سفر ثلاثا ببينة ثم قدم قبل البينة فوطئها ثم أتت البينة فشهدوا بذلك
وهو منكر للطلاق ومقر بالوطئ فليفرق بينهما ولا شئ عليه. قال يحيى بن سعيد: ولا يضرب
انتهى. قال أبو الحسن: أي لا حد عليه. قال الأبهري: وإنما ذلك لأن الزوجية بينهما حتى
يحكم بالطلاق. وقال ابن المواز: إنما لم يجب عليه لأن العدة من يوم الحكم. وقال المازري:
إنما لم يجب عليه الحد لأنه كالمقر بالزنا. ثم رجع وقال غيره: لأنه يجوز عليه أن يكون نسي.
وقوله: فليفرق بينهما عياض: ظاهره أنها تعتد من يوم الحكم يدل عليه قوله: ولا حد عليه.
الشيخ: وفي طلاق السنة من العتبية فيمن شهدت عليه البينة أنه طلق زوجته منذ سنة فحاضت
فيها ثلاث حيض قالوا عدتها من الطلاق فقالوا: يناقض قوله هنا. والفرق بينهما أن ما في
العتبية مقر بالطلاق وها هنا منكر للطلاق. قال سحنون: ولو شهد أربعة أنه طلقها وأقر الزوج
بالوطئ بعد وقت الطلاق وجحد الطلاق حددته، ولو قالوا نشهد أنه طلقها ثم وطئها حددته،
وروى علي عن مالك فيمن شهد عليه أربعة عدول أنه طلق امرأته البتة وأنهم رأوه يطؤها بعد
ذلك وهو مقر بالمسيس أنه يفرق بينهما ولا حد عليه. قال سحنون: وأصحابنا يأبون هذه
الرواية ويرون عليه الحد. ابن يونس: وقول سحنون في إيجاب الحد خلاف للمدونة في الذي
شهدت عليه البينة في سفره. وقد اختلف ابن القاسم وأشهب في الأمة يعتقها في سفره
وتشهد البينة على ذلك ثم يقدم فيطؤها ويستغلها فاختلفا في الغلة واتفقا أن لا حد عليه وأن
لا فرق بين هذه وبين الحرة انتهى. ولما ذكر في التوضيح المسألة التي قبل هذه أعني قوله: ولو
شهد بعد موته بطلاق الخ. وذكر عن الباجي بأنه علله بأن الطلاق إنما يقع يوم الحكم ولو لم
يقع يوم الحكم لكان فيه الحد إذا أقر بالوطئ وأنكر الطلاق. قال في التوضيح: وهذا الذي علل
288

به الباجي في المدونة نحوه لأن فيها فيمن طلق امرأته في السفر وأشهد على ذلك ثم قدم
فأصاب امرأته إلى آخر مسألة المدونة، وذكر أكثر الكلام المتقدم عن الشيخ أبي الحسن. وقال
المتيطي بعد أن ذكر كلام الباجي: وهذا الذي علل به الباجي في المدونة خلافه وذكر مسألة
المدونة هذه. فقول المتيطي: إن الذي في المدونة خلاف تعليل الباجي يناقض قول الشيخ في
التوضيح، وهذا الذي علل به الباجي في المدونة نحوه ويمكن أن يقال: لا مخالفة في ذلك
ومراد الشيخ بقوله في المدونة نحوه يعني قوله إن الطلاق إنما يقع يوم الحكم، وكلام المتيطي
باعتبار قوله لم يقع يوم الحكم لكان فيه الحد إذا أقر بالوطئ وأنكر الطلاق لأنه قد صرح في
المدونة بأنه إذا أنكر الطلاق وأقر بالوطئ أنه لا حد عليه ولكن قد يقال: إنما قال ذلك في
المدونة لأنه يرى أن الطلاق إنما يقع يوم الحكم فتأمله والله أعلم. ص (ولو أبانها ثم تزوجها
قبل صحته فكالمتزوج في المرض) ش: تشبيهه هذا النكاح بالنكاح في المرض مشكل لأنه
يقتضي عدم الإرث فيه وليس كذلك. قال في التوضيح في أثناء التفريق بين هذا النكاح
والنكاح في المرض ما نصه: وهذه المطلقة قد ثبت لها الميراث انتهى. وإنما شبهه المصنف وابن
الحاجب بالتزوج في المرض لأنه يفسخ على المشهور قبل وبعد ولهذا قال في الشامل: ولو
تزوجها بعد البينونة في مرضه فسخ وإن دخل على الأصح والله أعلم. ص: (ولم يجز خلع
المريضة وهل يرد أو المجاوز لإرثه يوم موتها ووقف إليه تأويلان) ش: التأويل الأول أنه يرد
جميع الخلع ولا يرث الزوج شيئا، وهذا على أن قول مالك مخالف لقول ابن القاسم وعليه
أقل الشيوخ، والأكثر على أنه وفاق فلا يرد إلا ما جاوز قدر ميراثه منها يوم تموت فيوقف ما
خالعها عليه إلى يوم موتها فينظر فيه حينئذ مع قدر إرثه منها. وانظر المسألة في كتاب الايمان
بالطلاق من المدونة وفي رسم العتق من سماع عيسى من طلاق السنة مسألة تشبه هذه المسألة
289

على تأويل الأكثر، وهي امرأة توفيت وأوصت لزوجها وهو غائب بثلث مالها وقد تركت ولدا
منه أو من غيره فقيل لها: إنه لا وصية لوارث فقالت: إنه كتب إلي بالطلاق فسترت ذلك
وقدم الزوج وصدقها وقال الورثة إنها بالزوج الوصية، وقال بنوها من غيره إنها أرادت أن تحرمنا
فضل ما بين الثلث والربع قال: لا يقبل قولها ولا إقراره بالطلاق لموضع التهمة في ذلك وينظر
إلى وصيتها في ذلك، فإن كانت أقل من ميراثه منها دفع إليه ذلك ولم يكن له أكثر من تتمة
ميراثه منها لما لقربه من فراقها، وإن كانت أوصت له كفاف ميراثه منها دفع إليه لأنها لا تتهم
فيه ولا يتهم في ذلك، وإن كان أكثر من ميراثه اتهم واتهمت ولم يكن له إلا قدر ميراثه منها.
قال ابن رشد: هذه المسألة صحيحة بينة المعنى اه‍. ص: (وإن نقص وكيله عن مسماه لم
يلزم) ش: قال ابن عرفة: والتوكيل على الخلع جائز كالبيع لا كالنكاح فيجوز توكيل الزوج
امرأة. ابن شاس: لو قال خالع بمائة فنقص لم يقع طلاق انتهى. فإن خالعها بما سماه أو زاد
فلا شك في وقوع الطلاق البائن. قاله في التوضيح وهو مفهوم من قول المصنف: وإن نقص.
تنبيه: قال في التوضيح بعد أن تكلم على ما إذا نقص وكيله لم يقع الطلاق: وهذا
ظاهر في النقص الكثير، وأما اليسير فينبغي أن يختلف فيه كالبيع اه‍. وكذلك قال ابن عرفة:
وسيأتي لفظه في مسألة مخالفة وكيل الزوجة الذي مشى عليه المصنف أن المخالفة في البيع
بالنقص اليسير لا تغتفر كما اختاره عبد الحق وابن يونس واللخمي والمتيطي وراجع ذلك في
الوكالة.
فرع: قال في الشامل: ولا ينفذ إن وكل اثنين إلا باجتماعهما اه‍. ونقله ابن عرفة عن
المدونة ص: (أو أطلق له أو لها حلف أنه أراد خلع المثل) ش: قال ابن عرفة عن ابن شاس:
ولو قال خالعها فنقص عن المثل قبل قول الزوج إنه أراد المثل. ابن الحاجب مع يمينه انتهى.
ولفظ ابن شاس: ولو قال مطلقا خالعها فنقص عن خلع المثل فادعى الزوج أنه أراد خلع المثل
فالقول قوله انتهى. ولفظ ابن الحاجب: ولو قال خالعها فنقص عن المثل حلف أنه أراد خلع
المثل. قال في التوضيح: يعني لو وكل رجلا على أن يخالع له زوجته فإن خالعها بخلع المثل
فأكثر لزمه، وإن نقص عن المثل ففي الجواهر: القول قوله إنه أراد خلع المثل ولم يذكر يمينا ولم
يذكرها أيضا مالك في المجموعة. ابن عبد السلام: ولا يكاد يوجد النص على اليمين قال:
290

وظاهر الرواية سقوط اليمين كما في البيع وقد يقال بثبوتها هنا لأن السلعة في البيع لها قيمة
كالمغررة ولا قيمة هنا. خليل: والظاهر أن اليمين هنا تجري على الخلاف في توجهها في أيمان
التهم، وما ذكره عن المجموعة نقله ابن عرفة ولفظه: وفي المجموعة لابن القاسم عن مالك: من
وكل من يصالح عنه امرأته فصالحها بدينار فأنكره الزوج فله ذلك إنما يجوز عليه صلح مثلها.
ثم ذكر اعتراض ابن عبد السلام ثم قال قلت: لا يبعد إجراؤه على أن العرف كشاهد واحد
انتهى. وأما قول المصنف: أو لها فيشير به والله أعلم إلى ما نقله في التوضيح إثر الكلام
المتقدم، وقد نص مالك في العتبية على اليمين فيمن قال لامرأته إن دعوتني إلى الصلح فلم
أجبك فأنت طالق فأعطته دينارا فقال لم أرد هذا وإنما أردت نصف ما تملكينه فقال: لا يلزمه
الخلع ويحلف ويخلى بينه وبينها. ابن القاسم: وإن لم تكن له بينة فلم يجبها حنث لكن قال
في البيان: قوله: يحلف يدل على أنه إن لم يكن مستفتيا في يمينه وإنما كان مخاصما وحلف
لأنه ادعى نية تخالف ظاهر اللفظ، ولو كان مستفتيا لقبل منه بغير يمين، وذكر ابن رشد مسألة
العتبية هذه وذكر أنه لم يوجب عليه في الرواية يمينا قال: وتجري على أيمان التهم. وعند ابن
شعبان: له أن يطلبها بجميع ما تملكه. وأنكره اللخمي ورأي أن ذلك ليس من مقاصد الناس
وإنما يقصدون بعض المال لا كله. وانظر قول ابن بشير مع ما تقدم ولم يوجب في الرواية يمنيا
إلا أن يكون حمل ما في الرواية على المرافعة كما ذكر صاحب البيان انتهى. وهذا ظاهر أن
اليمين إنما تكون إذا رافعته الزوجة أو غيرها، وأما إن جاء مستفتيا ولم يخاصمه أحد فلا يلزمه
شئ، ولم ينبه الشيخ في شرحه على قوله: أو لها وقال البساطي بعد ذكره الاطلاق
للوكيل: وكذلك إذا أطلق للزوجة انتهى. وقال ابن الحاجب: ولو قال إن أعطيتني ما أخالعك
به لم يلزم بالتافه ويلزم بالمثل على الأصح انتهى. ونحوه في الجواهر وسيصرح المصنف بمفهوم
ما ذكره هنا في قوله: أو بتافه الخ والله أعلم. ومسألة العتبية التي أشار إليها في التوضيح هي
في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك. قال ابن رشد فيها: ولو قال
لها إن دعوتني إلى الصلح من غير تعريف لوجب أن لا ينوي مع قيام البينة فإنه إنما يقال مع
الألف واللام لاحتمالها الجنس والعهد انتهى. ص: (وإن زاد وكيلها فعليه الزيادة) ش: قوله:
زاد ما إذا سمت له عددا فزاد عليه وما إذا أطلقت له فخالع بأكثر من خلع المثل فجاءت
الزيادة في الوجهين على الوكيل، وأما ما سمته المرأة أو خلع المثل إذا طلقت فإنه يلزمها إن
أضاف الخلع إليها أو لم يصرح بالإضافة إليها أو إلى نفسه وإن أضافه إلى نفسه لزمه. قال في
الشامل: فإن وكلته مطلقا فخالع بالمثل فأقل لزم، وإن زاد غرم الزيادة كزائد عدد سمته له، فإن
291

أضاف الاختلاع لنفسه صح وغرم المسمى وإن لم يصرح بالإضافة إليه أو إليها بانت ولزمها ما
سمت وغرم الزيادة اه‍. وقال في الجواهر: وأما وكيلها بالاختلاع بمائة فإن زاد وقع الطلاق
ولزمت المائة والزيادة على الوكيل، وإن أضاف إلى نفسه صح ولزمه المسمى، وإن لم يصرح
بالإضافة إليها ولا إلى نفسه لزمت البينونة وعليها ما سمت والزيادة على الوكيل، وإن أذنت
مطلقا فهو كالمقيد بخلع المثل انتهى. وقال ابن الحاجب لما تكلم على القابل: شرطه أهلية التزام
المال فيلزم في الأجنبي والمال عليه فإن وكلته فكوكيل الشراء. قاله في التوضيح في شرح
الكلام الأخير يعني فإن وكلت الزوجة من يخالع لها فكوكيل الشراء، فإن خالع بخلع المثل
فأقل لزمها الخلع ودفع العوض، وإن خالع بأكثر لم يلزمها. ويفهم من قوله: كوكيل الشراء
أن العوض وعهدته عليه إلا أن يشترط أن ذلك عليها انتهى. ثم قال ابن الحاجب بعد أسطر:
ولو قال خالعها بمائة فنقص لم يقع ولو قالته فزاد وقع والزيادة على الوكيل. قال في التوضيح:
قوله ولو قالته أي لو قالت المرأة ما قاله الرجل فقالت خالع لي زوجي بمائة فإن خالعه بها أو
أقل لزمها ذلك، وإن زاد وقع الطلاق البائن وكانت الزيادة على الوكيل. وينبغي أيضا أن تقيد
هذه الزيادة بالزيادة الكثيرة، وأما اليسيرة فيلزمها كالوكيل على شراء سلعة انتهى. وقال ابن
عرفة الشيخ عن الموازية: لو وكلت من يصالح عنها ولها على زوجها مائة دينار فصالح على
تركها لزوجها لعله يريد إذا كان صلح مثلها ثم قال قلت: ظاهر ما تقدم أن مخالفة الوكيل
بزيادة اليسير عليها ونقصانه له كالكثير والأظهر أنه فيهما كالبيع والشراء انتهى. ص: (ورد
المال بشهادة السماع على الضرر) ش: قال المتيطي: وتحلف مع بينتها أن فعلها ذلك كان
للاضرار الذي أثبتته. ونصه بعد فصل الشروط: إذا أسقطت المرأة وكالتها عن زوجها أو افتدت
منه بمال زادته إياه من عند نفسها أو دفعت له ثمنها منه أو أسقطت الحضانة الواجبة لها ثم
قامت بعد ذلك عند الحاكم وزعمت أن ما أسقطته أو أعطته أو التزمته كان على إضرار من
الزوج وإكراه منه لها وأكذبها الزوج وزعم أن ذلك كان من قبلها وأنه لم يزل محسنا لها
وأقامت بالضرر بينة استرعتهم أو لم تسترعهم وعجز الزوج عن المدفع فيهم، أنفذ عليه الخلع
وحكم بنقض ما التزمته وصرف ما أعطته بعد يمينها إن فعلها ذلك كان للاضرار الذي أثبتته
انتهى. وفي رسم العارية من سماع عيسى من كتاب التخيير والتمليك: وسئل عن المرأة
يصالحها زوجها عن رضاع ولدها وعلى إن أخذ منها فأقامت سنة ثم أتت بامرأتين تشهدان
أنها إنما صالحته على ضرورة قال: تحلف مع شهادتهما ويرد عليها ما أخذ منها وتأخذ منه
292

رضاع ما أرضعت من ولده. قال ابن رشد: وهذا كما قال، فإذا افتدت المرأة من زوجها ثم
ثبت أنه كان يضربها وجب أن يرد عليها ما أخذ منها ويجوز في ذلك شهادة النساء لأنه
مال والطلاق قد مضى بغير شهادتهما، فإن شهد لها بالضرر شاهدان أو شاهد وامرأتان رد
عليها مالها بغير يمين، وإن شهد لها به رجل واحد وامرأتان حلفت مع شهادة الرجل أو مع
شهادة المرأتين واستوجبت أن يرد إليها ما أخذ منها، ويجوز ذلك أيضا بشهادة شاهدين على
السماع فتأخذ ما أخذ منها بشهادتهما دون يمين. قاله في سماع أصبغ من كتاب الشهادات
وأكثر من ذلك أحب إليه. ابن الماجشون: لا يجوز في شهادة السماع أقل من أربعة شهداء
وبالله التوفيق. فقول ابن رشد إنه إذا قام لها شاهدان بالضرر أو شاهد وامرأتان أو شاهدان
بالسماع على الضرر أنها لا تحلف معها مخالف لما قاله المتيطي، ولعل هذه اليمين التي نفاها
ابن رشد غير اليمين التي أثبتها المتيطي فتأمله والله أعلم.
تنبيهان: الأول: قال في التوضيح: من الاضرار أن يمنعها من زيارة والديها. ابن القاسم:
وليس من الاضرار بها البغض لها وإنما الاضرار الأذى بضرب أو اتصال شتم في غير حق أو
أخذ مال أو المشاورة. ومن علم من امرأته الزنا فليس له أن يضارها حتى تفتدي انتهى. وقال
في الشامل: ورد العوض فقط بشهادة سماع أو بيمينها مع شاهد مباشر أو امرأتين بضرره لها
بضرب أو دوام شتم بغير حق أو أخذ مال أو مشاررة أو إيثار غيرها عليها لا ببغض لها، وفي
رده بيمينها مع شاهد سماع أو امرأتين بذلك قولان. أما إن استخفت به فأساءت عشرته أو
نشزت أو خرجت بغير إذنه أو أذنت لمن يكره في بيته وأظهرت البغض له حل له الاخذ، ولو
علم منها زنا أو أتت بفاحشة فليس له الاضرار لتفتدي انتهى. وقول صاحب الشامل مع شاهد
سماع أو امرأتين بذلك يعني بالسماع.
الثاني: قال في التوضيح إثر قول ابن الحاجب: وتقبل شهادة السماع أي على الضرر،
والمعمول به عند الشيوخ - وهو قول أصبغ - أن الشاهد يشهد فيه بالقطع وغمز ذلك ابن
القاسم وقال: من أين للشهود القطع بمعرفة ذلك؟ ولهذا قال أصبغ يقول ذلك علمي وصح
عندي. ابن القاسم: وصفة الشهادة أن يقولوا سمعنا سماعا فاشيا مستفيضا على ألسنة النساء
والخدام والجيران قال: ويكفيني في ذلك عندي عدلان والعدول الكثير أحب إلي وهو المشهور
المعمول به. وعنه أيضا أن السماع أن يكون من العدول إلا في الرضاع فيجوز أن يكون على
لفيف القرابة والأهلين والجيران وإن لم يكونوا عدولا كالنساء والخدام. وعن مالك: تجوز شهادة
السماع في ضرر الرجل بامرأته إذا سمع بذلك الرجال والنساء سماعا فاشيا وإن لم يسمع
بذلك الرجال والنساء فليس بفاش انتهى. وقال في مختصر المتيطية: ويجزي عند ابن القاسم
عدلان على السماع الفاشي من لفيف الناس والجيران بذلك وتكثير الشهود أحب إليه. هذا
293

المشهور من المذهب وعليه العمل، وروى حسين بن عاصم لا تجوز شهادة السماع إلا على
العدول إلا في الرضاع يجوز أن يشهد العدول عن لفيف القرابة والجيران من النساء والخدام.
قال أبو عمران: وهو حسن لأنه لا يحضره الرجال في الغالب. ولابن القاسم في كتاب محمد
ما ظاهره أن السماع لا يجوز إلا من الثقات في جميع الأشياء. وفي سماع ابن وهب عن
مالك أن الشهادة على السماع إنما تكون عاملة إذا سمع ذلك الرجال والنساء سماعا فاشيا،
فإن شهد في ذلك النساء عند القاضي وحدهن لم يجز. وقال بعض الشيوخ: لأن الطلاق من
معاني الحدود فلا تجوز فيه شهادة النساء. وقال ابن الهندي: إذا شهد بالضرر صالحات النساء
والخدام اللاتي يدخلن إليها جاز انتهى. ص: (وبيمينها مع شاهد أو امرأتين) ش: قال في
الشامل: مع شاهد مباشر أو امرأتين وتقدم كلامه في القولة التي قبل هذه ص: (ولا يضرها
إسقاط البينة المسترعاة على الأصح) ش: يريد فأحرى إذا لم تسقط البينة المسترعاة وإنما
اعترفت في عقد الخلع بالطوع، وسواء استرعت ببينة أو قامت لهما بينة علمت بها أو لم تعلم
على ما قال ابن الهندي وابن العطار وغيرهما. قاله في التوضيح.
فرع: وإن خالعها وأخذ منها حميلا بالدرك فقال ابن العطار: إذا أثبتت الضرر لا يسقط
التباعة عن الحميل لأنه غير مكره وقد أدخل الزوج ضررا في زوال العصمة ولا يرجع الحميل
على المرأة بشئ، وإليه ذهب بعض فقهائنا الصقليين. وذكر ابن يونس في ذلك خلافا بين
القرويين وأن منهم من يقول هكذا ومنهم من يقول إذا أثبتت المرأة الضرر له سقط الطلب عن
الحميل لأنه إذا سقط المال عن الأصل سقط عن الحميل المطالبة. انتهى من التوضيح وذكر
القولين في الشامل من غير ترجيح. ص: (وبكونها بائنا) ش: قال ابن عرفة: ولملزومية الخلع
العوض من الجانبين امتنع في فقد العصمة لا في ملكها الزوجة فيمتنع في البائن والمرتدة
والملاعنة كأجنبية لا في المخيرة لأنه منها رد اه‍. ولا تعذر بالجهل قاله في رسم يوصى من
294

سماع عيسى من كتاب التخيير والتمليك. ص: (أو لكونه يفسخ بلا طلاق) ش: سقط ذلك
من نسخة الوسط ويعني به أنه النكاح المجمع على فساده الذي يفسخ بغير طلاق إذا خالعت
المرأة فيه، فإن الزوج يرد المال بخلاف غير المجمع على فساده فإن في رد المال فيه قولين مبنيين
على أن فسخه هل هو بطلاق أم لا. قاله في التوضيح. وقد علمت أن المشهور يفسخ بطلاق
فيكون الجاري عليه أنه لا يرد المال ولهذا قال هنا يفسخ بلا طلاق والله أعلم. ص: (فلا نفقة
للحمل) ش: قال في التوضيح عن الباجي: وليس لها أيضا أن تطلبه بالصداق انتهى. وهذا غير
ظاهر فقد قال في آخر سماع ابن القاسم من كتاب التخيير: إن من طلق زوجته وهي حامل
فأقام شهرا ثم بارأها على أن عليها رضاع ولدها فطالبته بنفقة ما مضى من الشهور. قال ابن
295

رشد: أما ما مضى قبل المبارأة فتبين أن ذلك لها كما قال، لأنها قد وجبت عليه فلا تسقط
عنه إلا بما تسقط به الحقوق انتهى، وانظر بقية المسألة فيه، وتقدم أيضا عن اللخمي في آخر
296

باب الصداق ما يدل أيضا على عدم سقوطه فتأمله والله أعلم. ص: (وعليه نفقة الآبق
والشارد) ش: قال الشارح: مراده بالنفقة عليهما الأجرة انتهى. وأصله للمصنف في التوضيح
في شرح قول ابن الحاجب: ونفقة الآبق والشارد على الزوج. ونصه: مراده بالنفقة الجعل على
طلب الآبق والشارد وإلا فالنفقة عليهما مع الجهل بموضعهما أو عدم القدرة على تحصيلهما
محال انتهى.
قلت: ويمكن أن يقال: يصح أن يكون أيضا مراده النفقة عليهما في تلك المدة، فإنه لو
أمسكهما إنسان وأنفق عليهما ليرجع على سيدهما فإنه إنما يرجع على الزوج كما أشار إليه ابن
فرحون في شرح كلام ابن الحاجب المتقدم ونصه: المراد بالنفقة الأجرة على الطلب وكذلك
نفقتهما من وقت وجدانهما إلى حين وصولهما إلى الزوج انتهى. ص: (وكفت المعاطاة) ش:
قال في التوضيح في شرح قوله الصيغة وهي كالبيع في الايجاب والقبول: هذا هو الركن
الخامس وهو كالبيع في أنه لا بد من الايجاب والقبول، ولا يشترط أن يكون بصيغة خاصة بل
تكفي المعاطاة قاله في المدونة. وإن أخذ منها شيئا فانقلبت وقال ذلك بذلك ولم يسميا طلاقا
فهو خلع انتهى. وقال ابن الحاجب: إلا أن يقع معلقا منهما فلا يحتاج إلى القبول ناجزا. قال
في التوضيح: قوله: منهما أي منه أو منها ولا يريد أنه وقع منهما جميعا انتهى. قال ابن عبد
السلام: قوله: فلا يحتاج الخ إشارة منه إلى أن غير المعلق يحتاج إلى القبول ناجزا وهو
كذلك كما في عقود المعارضة ما لم يعرض منهما عارض كالخيار وشبهه وتصريح منه بأن
المعلق لا يحتاج إلى القبول ناجزا لأنه يشبه تعليق الطلاق وقاعدة التعليق عدم اشتراط المناجزة
بل الغالب أن التعليق قرينة في إرادة التأخير انتهى. ص: (وإن علق بالاقباض أو الأداء لم
يختص بالمجلس إلا لقرينة) ش: قال في إرخاء الستور من المدونة: وإن خالعها على أن تعطيه
297

ألف درهم فأصابها عديمة جاز الخلع واتبعها بالدراهم إلا أن يكون إنما صالحها على أنها إن
298

أعطته الآن تم الصلح فلا يلزمه الصلح إلا بالدفع انتهى. ص: (وإن ادعى الخلع الخ) ش: قال
في الجلاب: وإذا أقر الرجل أنه خالع زوجته على مال وأنكرته لزمه الطلاق ولم يكن له من
المال الذي ادعى عليها شئ وكان القول في ذلك قولها مع يمينها إلا أن يذكر أنه اشترط
عليها أنها إن دفعت المال إليه فهي طالق وأنكرت ذلك فلا يلزمه طلاق ولا يكون له مال
انتهى.
299

فصل في شروط طلاق السنة
ص: (فصل طلاق السنة واحدة بطهر لم يمس فيه بلا عدة وإلا فبدعي) ش: خرج
بقوله: بطهر الصغيرة واليائسة والمستحاضة الغير المميزة فلا طلاق بدعي فيهن، وأما
المستحاضة المميزة للدم فطلاقها في الحيض بدعي. ونقل ابن الحاجب القول بأنها كغير المميزة
وقبوله ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح قال ابن عرفة: لا أعرفه.
فرع: قال في مختصر الوقار: ويطلق اليائسة والتي لم تبلغ الحيض متى شاء وأفضل ذلك
أن يستقبل بها الأهلة. ومن أراد طلاق زوجته وهو غائب كتب إليها إذا أتاك كتابي وأنت
طاهر فاعتدي بطلقة فإن وافاها طاهرا فهي طالق، وإن وافاها حائضا فلا شئ عليه. انتهى من
طلاق السنة منه والله أعلم. وقوله: بلا عدة نحوه لابن الحاجب فقال في التوضيح: احترز به
من أن يطلقها في كل طهر طلقة انتهى. وعلل ذلك في التوضيح بأنه بمنزلة من طلق ثلاثا دفعة
انتهى. وانظر هل مرادهم بالعدة خصوصية ما ذكر أو مطلق العدة حتى إنه لو كانت آيسة أو
صغيرة وطلقها واحدة ثم طلقها بعد ذلك يكون طلاقا بدعيا. قال ابن الحاجب: فلا بدعة في
الصغيرة والآيسة والمستحاضة غير المميزة إلا في العدة. قال ابن عبد السلام: لما ذكر الطلاق
السني والبدعي أخذ يذكر محال كل واحد منهما، فبين أن البدعي لا يمكن دخوله في
الصغيرة ولا في اليائسة ولا يريد بها من جاوزت المحيض أو بلغت السبعين بل هما مع التي لم
تر الحيض في عمرها ومن في معناها. وبالجملة من عدتها بالأشهر ليست من هذا المعنى
ولأجل ذلك شاركها في هذا الحكم المستحاضة غير المميزة لدم الحيض لأن عدتها عام، ولما
فقد الحيض في حقهن وفقد بسببه الطهر المقابل له وهو الذي يتقدم الحيض أو يتأخر عنه لا
مطلق الطهر، انتفى في حقهن سببان من أسباب الطلاق البدعي ولم يبق من أسبابه إلا سبب واحد وهو الزيادة على الطلقة الواحدة انتهى. وكذلك قال أبو الحسن. وأما غير ذوات الأقراء
فإنما يكون بدعة بالنظر إلى العدد انتهى. ويمكن أن يقال: بل المراد مطلق العدة، وما ذكر عن
ابن عبد السلام وأبي الحسن لا يرده لأن هذا من الزيادة على الواحدة ويظهر هذا من قول ابن
300

عبد السلام فانتفى في حقهن سببان. وأما قوله لم يبق من أسبابه إلا سبب واحد وهو الزيادة
على الواحدة فإنما اقتصر على ذلك، ولو لم يقل بقي سببان لأن السبب الرابع راجع إليه كما
تقدم عن التوضيح في تعليل ذلك والله أعلم. ص: (وكره في غير الحيض) ش: لما ذكر تفسير
طلاق السني والقيود المتعلقة به وذكر أنه متى عرا عن قيد منها فهو بدعي، أخذ يبين حكم
الطلاق الخالي عن أحد تلك القيود فذكر أنه يكره إلا الواقع في الحيض فإنه يمنع. قال القاضي
عبد الوهاب: حرام بالاجماع. وظاهر كلام المصنف أن الزائد على الواحدة مكروه، وسواء
كانت اثنتين أو ثلاثا وهو ظاهر إطلاق المقدمات على ما نقله عنه الشارح في الكبير ونصه:
قال في المقدمات: يكره إيقاع ما زاد على الواحدة. وقال اللخمي: إيقاع اثنتين مكروه
والثلاث ممنوع انتهى كلامه. والذي رأيته في المقدمات ما نصه:
فصل: وكذلك لا يجوز عند مالك أن يطلقها ثلاثا في كلمة واحدة فإن فعل لزمه
انتهى. وقال في الشامل: وفي منع الثلاث وكراهتها كالاثنتين قولان انتهى. واقتصر في اللباب
على القول بالتحريم قال: والثلاث حرام. ولفظ المدونة الكراهة. قال في أول طلاق السنة:
ويكره أن يطلقها ثلاثا في مجلس واحد أو في كل طهر طلقة فإن فعل لزمه انتهى. لكن قال
الرجراجي: مراده بالكراهة التحريم. وأما أبو الحسن فلم يتعرض لتبيين مراده.
تنبيه: قال أبو الحسن في شرح كلام المدونة المتقدم صورته أن يقول لها أنت طالق أنت
طالق أنت طالق في مجلس واحد، فإن كان على غير هذه الصفة كما إذ قال لها أنت طالق
ثلاثا في كلمة واحدة فقال عبد الحميد الصائغ: ثلاث تطليقات في كلمة أشد منه في ثلاث
مجالس، وفي ثلاث مجالس أشد منه في ثلاثة أطهار، وكلما طلق من ذلك يلزمه انتهى.
وظاهر كلامه أيضا أنه إذا طلقها في طهر مس فيه فهو مكروه وصرح بكراهيته في التوضيح.
وقال في الشامل: وكره في طهر مس فيه. وقيل: يمنع انتهى. وقال في المقدمات: لما تكلم على
حكم الحلف بالطلاق قال: ولأنه قد يمنع حنثه به في حال الحيض أو دم النفاس أو في طهر قد
مس فيه، وهذه أحوال لا يجوز إيقاع الطلاق فيها انتهى. فظاهر كلامه هذا أن طلاقه في طهر
مس فيه لا يجوز، وظاهر كلامه أيضا أنه إذا طلق في كل طهر طلقة أنه مكروه، وظاهر لفظ
المدونة المتقدم. وقال الرجراجي: والمذهب المشهور أن الذي عليه الجمهور أن ذلك لا يجوز
انتهى. وقال في المقدمات في طلاق السنة:
فصل: ولا يجوز عند مالك أن يطلق عند كل طهر طلقة لأنه عنده طلاق بدعة على
301

غير السنة. انتهى فتأمله والله أعلم ص: (ولم يجبر على الرجعة) ش: يعني في هذه الوجوه
كلها. قال في التوضيح في شرحه: إذا طلق طلاق بدعة لم يجبر إلا في الحيض فقط لأن الجبر
على خلاف الأصل. انتهى من شرح قوله وإن طلق في الطهر الأول ص: (كقبل الغسل منه أو
التيمم الجائز) ش: إنما شبه رحمه الله هذا بما قبله في كونه لا يجبر فيه على الرجعة فقط لا
في كون الطلاق قبل الغسل مكروها، لأن الطلاق حينئذ ممنوع. قال في التوضيح: وفهم من
قول المصنف يعني ابن الحاجب لم يجبر على الرجعة منع الطلاق بعد الطهر وقبل التطهير وهو
صحيح كما ذكرنا عن المدونة. وحكى ابن عبد السلام قولا بجواز الطلاق إذا رأت القصة
قال، وهو الظاهر. انتهى من شرح قوله فإن طلق في الطهر الأول. وما ذكره عن المدونة هو
قولها: ولا يطلق التي رأت القصة البيضاء حتى تغتسل بالماء فإن فعل لزمه ولم يجبر على
الرجعة انتهى. ونقله الرجراجي بلفظ: لا يجوز. وحمل الشارح كلام المصنف على أنه شبهه به
في الكراهة وصرح بذلك في شامله فقال: وكره بين قصة وغسل على الأصح انتهى. ص:
(ومنع فيه) ش: أي ومنع الطلاق في الحيض يريد وكذلك في النفاس كما صرح به في أوائل
طلاق السنة من المدونة، وقاله ابن الحاجب وغيره. وما ذكره صاحب اللباب في كتاب الطهارة
من أن الحيض يختص بمنع الطلاق مخالف للمذهب والله أعلم. ص: (وأجبر) ش: أي وأجبر
على الرجعة وإنما حذفه لدلالة قوله أولا ولم يجبر على الرجعة ويعني أنه يجبر على الرجعة إذا
طلق في الحيض يريد أو النفاس، سواء وقع منه الطلاق فيه ابتداء أو كان حلف به فحنث في
الحيض والنفاس. وقاله ابن الحاجب. ويفهم من كلام المصنف أن الجبر مختص بالطلاق
الرجعي وهو الصحيح. قاله في التوضيح وغيره. وسواء كان الرجعي طلقة واحدة أو اثنتين. قال
ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب: فإن طلق في الطهر الأول حكم الاثنتين حكم
302

الواحدة والله أعلم. ص: (لآخر العدة) ش: قال ابن عرفة: وفي جبر من طلق في حيض أو
نفاس طلاقا رجعيا ولو حنث ما لم تنقض العدة أو ما لم تطهر من الحيضة الثانية قولان: لها
مع ابن الماجشون ولأشهب مع ابن شعبان انتهى. وما عزاه للمدونة هو في أوائل كتاب طلاق
السنة. وفي المقدمات: ومن حلف بالطلاق فحنث وامرأته حائض أو في دم نفاسها فإنه يجبر
على الرجعة كما يجبر المطلق في الحيض، والمطلق في الحيض يجبر ما لم تنقض العدة في
مذهب مالك وجميع أصحابه خلافا لأشهب انتهى. ص: (وجاز الوطئ له) ش: قال في
التوضيح: هذا هو الأصح وهو قول أبي عمران وقاسه على المتزوج هازلا لأنه يلزمه النكاح وله
الوطئ. قال في المقدمات: وهو الصحيح قياسا على من يجبر على النكاح من أب أو وصي أو
سيد فيجوز للزوج الوطئ وإن غلب على النكاح انتهى. وقال ابن عرفة: وسمع عيسى ابن
القاسم: من أمر بالرجعة من طلاق الحيض فراجع مريدا طلاقها وطئها. ابن رشد: هو المأمور به
ولو ارتجعها كذلك ولم يصبها كان مضرا آثما انتهى. وقال في المقدمات: ولا يجوز له أن
يراجع ليطلق وإنما يجوز له أن يراجع ليطأ انتهى.
ص: (والأحب أن يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر) ش: فلو أنه لما أجبر على
الرجعة في الحيض طلقها في الطهر الأول الذي يلي الحيض الذي راجع فيه لم يجبر على
الرجعة. ابن القاسم: وبئس ما صنع بخلاف ما لو لم يجبر على الرجعة حتى طهرت ثم طلقها
ثانية فإنه يجبر على الرجعة. قاله ابن عرفة وابن عبد السلام. ص: (لأن فيها جواز طلاق
303

الحامل) ش: وهو أحد القولين والقولان أيضا في تطليقها في دم وضعها ولدا وفي بطنها آخر.
قاله ابن عرفة وفي التوضيح نحوه. ص: (لمنع الخلع) ش: هذا هو المشهور ومقابله جواز الخلع
في الحيض وصدر به ابن الجلاب وعطف عليه المشهور بقيل. ص: (والطلاق على المولي)
ش: ما ذكره هنا هو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في آخر كتاب اللعان، وصرح ابن عرفة
وغيره بأنه المشهور. وما قاله المصنف هنا يخالف ما يأتي له في باب الايلاء في قوله: إن لم
يمتنع وطؤها وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله مستوفى في محله. وفي ذلك الباب ذكر
ابن عرفة أنه المشهور واعترض على ابن الحاجب وابن شاس والله أعلم. ص: (لا لعيب وما
للولي فسخه أو لعسره بالنفقة كاللعان) ش: قال في آخر كتاب اللعان من المدونة: ومن
304

قذف زوجته أو انتفى من حملها وهي حائض أو في دم نفاسها فلا يتلاعنا حتى تطهر، وكذا
إن حل أجل التلوم في المعسر بالنفقة أو العنين وغيره والمرأة حائض فلا تطلق عليه حتى تطهر
إلا المولي فإنه إذا حل الاجل وهي حائض فلم يفئ طلق عليه. وروى أشهب عن مالك أنها لا
تطلق عليه حتى تطهر انتهى. وقال في المقدمات في طلاق السنة ولا يطلق السلطان على من
به جنون أو جذام أو برص أو عنة أو عجز عن النفقة وما أشبه ذلك مما يحكم فيه بالفراق في
الحيض ولا في دم النفاس، وكذلك لا يلاعن بين الزوجين في الحيض ولا في النفاس، فإن فعل
فقد أخطأ ولا يجبر في شئ من ذلك على الرجعة لأنه طلاق بائن إلا في الذي يطلق عليه
لعدم الانفاق فإنه يجبر على الرجعة إن أيسر في العدة. هذا الذي يلزم على أصولهم ولا أعرفه
فيها رواية. وأما المولي فاختلف قول مالك هل يطلق عليه في الحيض أو لا على قولين. فإذا
طلق عليه في الحيض على أحد قوليه فإنه يجبر على الرجعة تطلق عليه بالقرآن ويجبر على
الرجعة بالسنة. وذهب أبو إسحاق التونسي إلى أن تطليق الامام على المجنون والمجذوم والمبروص
إنما هي طلقة رجعية، وأن الموارثة بينهما قائمة ما دامت العدة لم تنقض، ولو صحوا في العدة
من أدوائهم لكانت لهم الرجعة وهو خلاف المعلوم من المذهب أن كل طلاق يحكم به الامام
فهو بائن إلا المولي والمطلق عليه لعدم النفقة. فعلى قوله لو أخطأ الامام فطلق على أحدهم في
الحيض لجبر على الرجعة إن صح من دائه. وأما العنين فلا اختلاف أن تطليق الامام عليه تطليقة
بائنة لأنه طلاق قبل الدخول لتقاررهما على عدم المسيس ثم قال:
فصل: وأما كل نكاح يفسخ بعد البناء لفساده وإن فسخ بطلاق فإنه يفسخ عليه ما عثر
عليه وإن كان ذلك في الحيض أو دم النفاس بخلاف ما كان في فسخه وإجازته خيار لاحد،
وكذلك الأمة تعتق تحت العبد لا تختار في الحيض، فإن فعلت لم تجبر على الرجعة لأنها طلقة
بائنة. وقد روى عيسى عن ابن القاسم ما يدل على أنها رجعية وهي رواية ابن نافع عن مالك،
فعلى هذا يجبر على الرجعة إذا عتق في العدة ولا يملك أحد زوجته في الحيض، فإن فعل فلا
تختار فيه وذلك بيدها حتى تطهر من حيضتها وإن انقضى المجلس. ولا يدخل في ذلك
اختلاف قول مالك في مراعاة المجلس، وإن سبقت إلى الخيار في الحيض جبر زوجها على
الرجعة فيما دون الثلاث انتهى. وقال اللخمي في طلاق السنة: قال محمد: ولا تطلق على
المجنون والمجذوم والعنين ومن عدم النفقة في الحيض والنفاس. قال الشيخ: وأرى إن أخطأ
الحاكم وطلق حينئذ لم يلزم الطلاق بخلاف طلاق الزوج بنفسه، لأن القاضي في هذا
كالوكيل على صفة ففعل غير ما وكل عليه، ولأنه لو أجيز فعله لجبر الزوج على الرجعة ثم
305

يطلق عليه أخرى إذا طهرت فيلزمه طلقتان، وفي هذا ضرر إلا العنين فإنه يمضي عليه الطلاق
لأن الطلقة بائنة انتهى. ثم ذكر الخلاف في المولي وفسخ الفاسد وما فيه خيار كما ذكره ابن
رشد. وما ذكره ابن رشد هو الظاهر لأن المذهب أن فعل الوكيل كفعل الموكل. ولما ذكر في
التوضيح كلام اللخمي المتقدم في شرح قول ابن الحاجب في طلاق السنة والقول قولها إنها
حائض قال: وكلام اللخمي يقتضي أن الطلاق الذي يوقعه على المجنون والمجذوم رجعي وهو
قول التونسي وهو خلاف أصل المذهب، ففي المقدمات ذهب التونسي ثم ذكر من كلام
المقدمات المتقدم إلى قوله: وأما العنين. واقتصر الشارح في شامله هنا على كلام اللخمي
فقال: لا لعيب وعسر بنفقة وما للمولى فسخه. اللخمي: وإن أوقعه الحاكم خطأ لم يقع إلا في
العنين انتهى. مع أنه نقل في شرحه الكبير كلام ابن رشد المتقدم وأنه يقع بائنا ولا يجبر على
الرجعة. وكذلك ابن عرفة ولم يذكر هنا إلا كلام اللخمي مع أنه قال في فصل الخيار للعيب
وطلاق العيب واحدة بائنة ولو كان بعد البناء حيث تصور. ثم ذكر كلام ابن رشد وعزاه له
في البيان في سماع ابن القاسم. ص: (وفي طالق ثلاثا للسنة إن دخل بها وإلا فواحدة) ش:
قال في طلاق السنة من المدونة: ولو قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة وقعن ساعة إذ كانت طاهرا
أو حائضا أو بانت منه انتهى. قال الوانوغي في حاشيته: ما يعطيه هذا الكلام من التنافي يزيله
من توغل في قواعد المذهب. قال المشذالي: ظهور التنافي بين الطلاق ثلاثا أو في الحيض
وكونه سنيا، ويدفعه أن القاعدة إذا علق على محقق الوقوع أو غالبه وجب تنجيزه فكأنه هنا
علقه على طهرها فوجب تنجيزه عليه في المسألتين انتهى. وما قاله المشذالي لا يزيل الاشكال
306

فيما يظهر لمن هو قصير الباع في قواعد المذهب مثلي، لأن من طلق في كل طهر طلقة فليس
هو من طلاق السنة على المشهور إلا أن يقال ألزمه الطلاق مراعاة لقول أشهب وغيره أن
الطلاق الواقع على الصفة المذكورة طلاق سنة فيمكن ذلك فتأمله والله أعلم.
فرع: وكذا تلزمه طلقة واحدة ويجبر على الرجعة إذا قال أنت طالق للسنة ولم يقل
ثلاثا. قاله في طلاق السنة من المدونة ونقله ابن الحاجب وغيره.
فرع: إذا قال أنت طالق إذا حضت الأولى وأنت طالق إذا حضت الثالثة وأنت طالق إذا
حضت الخامسة، لا يقع عليه إلا طلقة لأن ما زاد عليها لا يقع إلا بعد العدة. ولو طلقها
واحدة ثم قال أنت طالق كلما حضت وقعت الثلاث، ولو قال أنت طالق إذا حضت ثانية بعد
أولى فأنت طالق وإذا حضت ثالثة فأنت طالق لزمه طلقتان الأولى وطلقة عجلت عليه. ابن أبي
زيد: ووقعت الثالثة بعد انقضاء العدة بدخولها في الحيضة الثالثة.
فصل في أركان الطلاق
ص: (وركنه أهل ومحل وقصد ولفظ) ش: تبع رحمه الله ابن الحاجب وابن شاس
في عد هذه أركانا للطلاق، ورده ابن عرفة بأنها خارجة عن حقيقته وكل خارج عن حقيقة
الشئ غير ركن له، وجعل هو الأهل والمحل شرطين والقصد مع اللفظ أو ما يقوم مقامه سببين
ونصه: وشرط الطلاق أهل ومحل والقصد مع لفظ أو ما يقوم مقامه من فعل أو إشارة سبب
انتهى. ص: (وإنما يصح طلاق المسلم المكلف) ش: خرج بالمسلم الكافر. ومراده هنا إذا لم
يتحاكموا إلينا. أما إن تحاكموا ففيه أربع تأويلات قدمها المصنف. ودخل في غير المكلف فاقد
العقل قال ابن عرفة: طلاق فاقد العقل ولو بنوم لغو انتهى. قال اللخمي: والمعتوه كالمجنون
انتهى.
فرع: ولو طلق المريض وقد ذهب عقله من المرض فأنكر ذلك وقال لم أعقل حلف ولا
307

شئ عليه. قاله مالك في الموازية وكذلك نقله عنه في العتبية إلا أنه قال: ثم صح فأنكر وزعم
أنه لم يكن يعقل. قاله في التوضيح. وقال ابن عرفة: ابن رشد: إنما ذلك إن شهد العدول أنه
يهذي ويختل عقله، وإن شهدوا أنه لم يستنكر منه شئ في صحة عقله فلا يقبل قوله ولزمه
الطلاق. قاله ابن القاسم في العشرة انتهى. هكذا نقل ابن عرفة تقييد ابن رشد. وأما الباجي
فأبقاه على إطلاقه. قاله ابن عرفة وهذا الفرع غير الفرع الذي يأتي في كلام المصنف ص:
(ولو سكر حراما) ش: قال في التوضيح: وتحصيل القول في السكران أن المشهور تلزمه
الجنايات والعتق والطلاق والحدود ولا تلزمه إلا قرارات والعقود. قال في البيان: وهو قول مالك
وعامة أصحابه وأظهر الأقوال ثم قال: وعلى المشهور من عدم إلزامه بالنكاح فقال في البيان:
اختلف إن قالت البينة أنها رأت منه اختلاطا ولم تثبت الشهادة بسكره على قولين: أحدهما
وهو المشهور أنه يحلف ولا يلزمه النكاح، والثاني أنه لا يصدق ولا يمكن من اليمين ويلزمه
النكاح ثم قال: وحمل في البيان قول مالك لا أرى نكاح السكران جائزا. وقول سحنون لا
يجوز بيعه ونكاحه وهبته وصدقته على معنى أنه لا يلزمه ذلك وله أن يرجع عنه قال: ولا يقال
في شئ من ذلك على مذهب مالك أنه غير منعقد وإنما يقال غير لازم. وكلام ابن شعبان
يدل على أن عقوده غير منعقدة لأنه جعل بيعه من الغرر ثم قال: إذا أوصى السكران بوصية
فيها عتق ووصايا لقوم وإذا أبت عتق عبيده في مرضه فقال صاحب البيان: الصحيح على
مذهب مالك إن مات من مرضه ذلك نفذ العتق وغيره من الثلث على معنى الوصية، وإن صح
من مرضه نفذ عليه العتق ولزمه وكان له الرجوع فيما بتله من الهبة والصدقة من أجل السكر
انتهى. هذا زبدة كلامه في التوضيح وهنا قال فيه: واعلم أن اصطلاحه في الجواهر إذا أراد.
الباجي: قال القاضي أبو الوليد: وإذا أراد. ابن رشد: قال قال الشيخ أبو الوليد قال: وقد التبس
هذا على المصنف - يعني ابن الحاجب - فنسب للباجي ما لا بن رشد وذلك في سبعة مواضع:
هنا وفي القراض وفي المزارعة وفي الوقف، وخامسها في الأقضية، وسادسها في الشهادات،
وسابعها قوله بأثر هذه المواضع انتهى بالمعنى والله أعلم. ص: (وهل إلا أن يميز أو مطلقا تردد)
308

ش: الكلام بإثبات لا ظاهر والتردد يشير به لخلاف ابن رشد والمازري واللخمي، وأما على
إسقاط لا فيشكل الكلام لأنه يصير الاستثناء من مقابل المشهور المفهوم من لو ويشير حينئذ
بالتردد لخلاف ابن بشير والمازري واللخمي والله أعلم. ص: (وطلاق الفضولي كبيعه) ش:
قال البساطي: وتكون العدة من يوم إجازة الزوج فلو أمضى الطلاق وكانت حاملا ثم ولدت
خرجت من العدة ولو وضعت ثم أمضى استأنفت انتهى بالمعنى.
تنبيهان: الأول: سيأتي في البيوع عن القرافي في بيع الفضولي أن ظاهر كلام عياض
عدم جواز الاقدام عليه، وظاهر كلام صاحب الطراز الجواز، فانظر على قولهم إن طلاق
الفضولي كبيعه هل حكم الطلاق حكم البيع في جواز الاقدام عليه وعدم جواز الاقدام أم لا؟
والله أعلم.
الثاني: قال في المسألة السابعة في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من الايمان
بالطلاق في الذي يقول لغارمه عليك الطلاق أو امرأتك طالق لتدفعن إلي حقي غدا فيقول نعم
فيحنثه فيقول أردت واحدة ويقول صاحب الحق ثلاثا: القول قول صاحب الحق. وفي سماع
عبد الملك أن القول قول الغريم. قال ابن رشد: هذان القولان على اختلافهم في اليمين هل هي
على نية الحالف أو المحلوف له انتهى. فعلم من هذا أنه لو طلق عليه غير غريمه لكان القول قول
الزوج بلا خلاف والله أعلم. ص: (ولزم ولو هزلا) ش: قال ابن عرفة: وهزل إيقاع الطلاق
لازم اتفاقا، وهزل إطلاق لفظه عليه المعروف لزومه. الشيخ في الموازية عن ابن القاسم: من قال
لامرأته قد وليتك أمرك إن شاء الله فقالت فارقتك إن شاء الله وهما لاعبان لا يريدان طلاقا، لا
شئ عليهما وتحلف، وإن أراد الطلاق على اللعب لزمه انتهى. ويلحق بالطلاق النكاح والعتق
والرجعة والمشهور اللزوم. قاله ابن عبد السلام قال: ومن فروع هذا الباب إذا قال زوجني
وليتك فقال زوجتها من فلان، وتقدم الكلام على ذلك في أول باب النكاح والله أعلم. ص:
(لا إن سبق لسانه في الفتوى) ش: قال ابن عرفة: سبق لسانه لغو إن ثبت وإلا ففي الفتيا
309

فقط انتهى. ص: (أو لقن بلا فهم) ش: أما لو فهم العجمية وطلق بها لزمه. قال في المدونة:
ومن طلق بالعجمية لزمه إن شهد بذلك عدلان يعرفان العجمية. قال ابن ناجي: قال أبو
إبراهيم: يؤخذ منها أن الترجمان لا يكون أقل من عدلين انتهى. ص: (أو قال لمن اسمها طالق
يا طالق) ش: ويقبل قوله في الفتيا والحكم. قاله ابن عبد السلام وابن فرحون والله أعلم. ص:
310

(أو في فعل) ش: يعني إذا حلف لا يفعل فعلا فأكره على فعله فلا حنث عليه. قال القرافي
في الفرق الثاني والثلاثين بعد المائة: فإذا زال الاكراه ففعله مرة أخرى بعد الاكراه حنث، ولو
أكره على ابتداء الفعل وأمكنه تركه فتمادى عليه حنث بالتمادي. انتهى وقاله غيره.
فرع: قال ابن عرفة في كتاب الايمان قبل الكلام على الكفارة: وفي حنث من حلف لا
فعل غيره كذا ففعله مكرها نقل المجموعة عن رواية ابن نافع في لا خرجت زوجته. وعن
سحنون: من قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فأكرهها غيره على دخولها لم يحنث، ولو
أكرهها هو خفت أنه رضي بالحنث وفي كون المعتبر في حصوله غلبة الظن به أو اليقين الذي
311

لا يشك فيه. نقل ابن محرز عن المذهب وسماع عيسى ابن القاسم مع الشيخ عن محمد
انتهى.
مسألة: قال البرزلي في مسائل الايمان في أوائله بنحو الكراس: لو حلف لزوجته على
312

عدم الخروج فخرجت قاصدة لحنثه، فالمشهور أنه يحنث. وحكى ابن رشد عن أشهب أنه لا
يحنث معاملة لها بنقيض المقصود ومال إليه بعض أصحابنا لكثرته من النسوة في هذا الوقت
انتهى ص: (وأما الكفر وسبه عليه السلام وقذف المسلم فإنما يجوز للقتل) ش: قال ابن
فرحون في شرح ابن الحاجب: ويلحق بقذف المسلم سب أصحابه عليه الصلاة والسلام انتهى.
ص: (لا قتل المسلم وقطعه وأن يزني) ش: قال في آخر معين الحكام: ومن هدد بقتل أو غيره
على أن يقتل رجلا أو يقطع يده أو يأخذ ماله أو يزني بامرأته أو يبيع متاع رجل فلا يسعه ذلك
وإن علم أنه إن عصى وقع ذلك به، فإن فعل فعليه القود وغرم ما أتلف ويحد إن زنى ويضرب
إن ضرب ويأثم انتهى. وقال ابن فرحون في تبصرته في الفصل الخامس من القسم الثالث:
ومن أكره على قتل ولده أو أخيه والقاتل وارثه، فإن فعل ذلك يمنع الإرث ولا يدفع عنه القود.
تنبيه: قال عبد الملك: قالوا: وكذلك لو استكره على أن يزني وحمل السيف على رأسه
وأقيم عليه الحد ووجب عليه الاثم، وليس هذا من الاكراه الموضوع عن صاحبه وإنما الموضوع
عن صاحبه إثم ما ركب بالاستكراه في الايمان والطلاق والبيع والافطار في رمضان وشرب
الخمر وترك الصلاة وأشباه هذا مما هو لله تعالى اه‍. وقال في التوضيح: الصحيح جواز شرب
الخمر وأكل الخنزير إذا أكره عليه اه‍.
فرع: قال في معين الحكام إثر كلامه السابق: من أكره على قطع يد رجل فأذن له في
ذلك المقطوعة يده طائعا لم يسعه أن يفعل، فإن فعل أثم ولا قصاص عليه ولا دية ولا على من
أكرهه. ولو أذن صاحب اليد مكرها بوعيد أثم القاطع وعليه الأدب والحبس. ثم قال:
313

مسألة: من أكره على قتل رجل فأذن لرجل في قتل نفسه ففعل المكره فهو آثم ولورثة
القتيل القصاص، وليس على من أكره إلا الأدب. ووقع لابن عبد الحكم خلاف هذا وأنه لا
قود في النفس ولا في الأطراف. انتهى باختصار يسير والله أعلم. ص: (وفي لزوم طاعة أكره
عليها قولان) ش: اعلم أن الاكراه على اليمين تارة يكون على أن لا يفعل في المستقبل أو على
أن يفعل في المستقبل أيضا فهذا قال فيه في التوضيح: إن كان على معصية أو ما ليس بطاعة
ولا معصية فلا تلزم اليمين، وإن كان على طاعة ففيه قولان. مثال ما هو على معصية أن يحلفه
الظالم بالطلاق مثلا أن لا يصلي وأن يشرب الخمر فيصلي ولا يشرب الخمر فلا يحنث. ومثال
ما ليس بطاعة ولا معصية أن يحلفه مثلا أن لا يدخل السوق أو أن يدخل السوق فيدخل أو لا
يدخل فلا يحنث أيضا. ومثال ما هو طاعة مثل أن يحلفه أن لا يشرب الخمر أو أن يصلي
فيشرب الخمر ولا يصلي ففي الحنث قولان. وتارة يكون الاكراه على أن يحلف أنه ما فعل في
الماضي أو " أنه فعل، وهذا أيضا يكون على معصية ويكون على ما ليس بطاعة ولا معصية
ويكون على طاعة. مثال الأول أعني ما هو على معصية مثل أن يحلفه بالطلاق أنك ما صليت
اليوم وإلا قتلتك ويكون المحلف - بكسر اللام - أمره بعدم الصلاة أو أنك ظلمت فلانا ويكون
المحلف أمر الحالف بظلم فلان ويكون الحالف لم يظلم فلانا ويكون صلى، فهذا إذا تحقق
الاكراه لا كلام أنه لا يلزمه شئ. ومثال الثاني أعني ما ليس بطاعة ولا معصية، أن يحلفه
على أنه ما دخل السوق أو أنه دخل ويكون الحالف حالف في الوجهين، فالظاهر أيضا لا تلزمه
اليمين لأنه إذا كان إذا أكره على اليمين على أن لا يفعل أو يفعل في المستقبل ما ليس بطاعة
ولا معصية لا حنث عليه فأحرى أنه لا حنث عليه إذا أكره على أن يحلف أنه ما فعل أو فعل
ما ليس بطاعة ولا معصية، لأنه في الأول إنما أكره على اليمين فقط، وأما الحنث فإنما فعله هو
باختياره فهو أدخل الحنث على نفسه وهنا أكره على أن يحلف بيمين هو كاذب فيها والله
أعلم. ومثال الثالث أعني ما هو على طاعة مثل أن يحلفه أنه صلى أو أنه ما ظلم فلانا أو أنه
ما اغتاب فلانا، ويكون الحالف صلى أو يكون ظلم أو اغتاب، فالظاهر أنه يدخل فيه الخلاف
الذي فيما إذا حلف على أن لا يفعل في المستقبل أو يفعل في المستقبل كما تقدم، لأنه إذا
314

اختلف في هذا وهو الذي أدخل الحنث على نفسه وإنما أكره على اليمين فقط فأحرى أن لا
يحنث في مثالنا لأنه لم يتعمد الحنث وإنما أكره على أن يحلف يمينا هو فيها حانث كما تقدم
في المثال الثاني والله أعلم. هذا من جهة البحث، وأما النقل فالذي رأيته يدل على ما تقدم.
قاله في كتاب الايمان من النوادر ونصه: ومن كتاب ابن المواز قال مالك: من حلف على
خوف من العذاب واليمين على حق وقد كذب في يمينه فهو حانث ولا ينفعه التقية ها هنا.
قال ابن المواز: كأنه غصب شيئا أو فعل أمرا وحلف ما فعله، قال مالك فيمن طولب ليقتل
ظلما فخباه رجل عنده فأحلف بالطلاق ما هو عنده قال: قد أجر وطلقت عليه امرأته. وقال
أشهب: لا شئ عليه والمكره على اليمين لا تلزمه وكذلك المكره على الحنث، يريد أشهب إن
خاف إن لم يحلف عذب بضرب أو سجن انتهى. فقول أشهب يحتمل أن يكون خلافا في
الثانية فقط وفيها أو في الأولى، وكونه فيها وفي الأولى أولى لنقل البرزلي عن السيوري عدم
اللزوم ونصه على ما ذكره البرزلي في مختصره: وسئل السيوري عمن قال له رجل شرير
تكلمت في فلان فأنكر فحلفه بالطلاق أنه لم يفعل ذلك فحلف وقال قد خفت وقد قلت
بعض القول وجاء مستفتيا وكانت يمينه بالثلاث فما الحكم؟ فأجاب: إن كان يخاف ممن
ذكرت خوفا لا يشك فيه ويثبت له أنه يخاف العقوبة البينة في ذلك فلا يحنث إذا دفع عن
نفسه تلك العقوبة. انتهى من مسائل الطلاق. فهذان القولان يدلان على جريان الخلاف في
المسألة هنا في الاكراه على اليمين، وأما الاكراه على الحنث فلا يتصور إلا إذا كانت اليمين
على مستقبل، والمشهور حينئذ أنها إن كانت على بر فلا حنث، وإن كانت على حنث فالحنث
والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. ص: (كإجازته كالطلاق طائعا والأحسن المضي)
ش: قال في آخر معين الحكام:
مسألة: ومن أكره على طلاق زوجته أو عتق عبده ثم أجاز ذلك آمنا لزمه. قيل
لسحنون: ولم ألزمته ذلك ولم يكن ليعقد عليه طلاق ولا عتق وإنما ألزم نفسه ما لم يلزمه؟
315

قال: وإنما ألزمته لاختلاف الناس لأن من العلماء من يلزم طلاق المكره وعتقه.
تنبيه: ظاهر هذا أن العدة وأحكام الحرية تكون من يوم وقع الطلاق والعتق بالاكراه.
انتهى كلامه. ص: (عقبه) ش: وفي بعض النسخ: عقيبه بإثبات الياء ص: (وعليه النصف
إلا بعد ثلاث على الأصواب ولو دخل فالمسمى فقط كواطئ بعد حنثه ولم يعلم) ش: قال
316

في الايمان بالطلاق منها: ومن قال كل امرأة أتزوجها من الفسطاط طالق فتزوج منها فدخل
فعليه صداق ونصف واحد لا صداق ونصف كمن وطئ بعد الحنث ولم يعلم فإنما عليه المهر
الأول الذي سمى انتهى. قال ابن عرفة: وفيها مع غيرها كل حنث لزم لتعلقه بجزء لم يتكرر
بتكرر تزويجه إلا بلفظ يقتضي تكرره، وإن علق بكلي تعلق في أشخاص أفراده تكرر بتكرر
317

تزويجه لتعلق الطلاق في الأول بالذات وهي محل الحكم، وفي الثاني بالوصف وهو علة
الحكم انتهى. ص: (أو آخر امرأة) ش: قال اللخمي: وإن قال أول امرأة أتزوجها طالق لزمه
لأنه أبقى ما بعد الأولى ولا يحنث إلا في امرأة واحدة. انتهى من كتاب الايمان بالطلاق.
وانظر هل لا يبر هنا أيضا إذا تزوج بغير نسائه كما قال المصنف في الايمان إذا حلف ليتزوجن
على امرأته أنه لا يبر بغير نسائه أولى والظاهر أنه كذلك. قال في النوادر في كتاب الايمان:
ومن حلف ليتزوجن من أهل مصر فتزوج نصرانية أو ذمية فلا يبر حتى يتزوج بنكاح مثله
انتهى. وقال اللخمي في تبصرته: وإن قال أول امرأة أتزوجها طالق ثم قال بعد ذلك آخر امرأة
أتزوجها طالق، انعقدت اليمين فيهما جميعا. فإن تزوج امرأة طلقت لأنها أول امرأة، وإن تزوج
318

ثانية كانت اليمين منعقدة فيها لأنه قادر على أن يتزوج أخرى وتحل الثانية انتهى. فأطلق في
كلامه فظاهره جواز ذلك فتأمله والله أعلم. ص: (فلو فعلت المحلوف عليه حال بينونتها لم يلزم
) ش: اعلم أن للمسألتين صورتين: الأولى فيما لا يمكن تكرره مثل أن يحلف لغريمه
بطلاق زوجته البتة ليقضينه إلى أجل سماه فيصالح زوجته قبل الاجل ثم يراجعها بعد مضي
الاجل فلا حنث عليه. والثاني أن يكون يمكن تكرره فلا يقع الحنث بما فعلته حال البينونة
ويحنث بما فعلته بعدها، كما لو حلف بطلاقها أن لا تدخل دار فلان فأبانها ثم دخلت ثم
راجعها فلا حنث عليه، فإن دخلت الدار مرة ثانية بعد مراجعته حنث، فلو تزوجها مرة ثانية
بعد الحنث ثم دخلت لم يتكرر عليه الحنث. ذكر ذلك في رسم يوصي من سماع عيسى من
كتاب النكاح وفي ابن عرفة وغيره. وقال القرافي في آخر الفرق الثاني والثلاثين بعد المائة: وإذا
قال إن دخلت الدار فعبد من عبيدي حر أو امرأته طالق فخالف ودخل، عتق عبد من عبيده
وطلقت امرأته طلقة واحدة، فإن عاد وخالف مقتضى التعليق لم يلزمه عتق عبد آخر ولا طلقة
أخرى. ثم قال: ومثل ذلك إذا حلف بالطلاق لا يكلم زيدا فخالع امرأته وهم وكلم زيدا لم
يلزمه بهذا الكلام طلاق، فلو رد امرأته وكلمه حنث عند مالك رحمه الله اه‍. وفي رسم شك
من سماع ابن القاسم من الايمان بالطلاق: وسئل مالك عن رجل يحلف بطلاق امرأته البتة إن
خرجت إلى بيت أهلها إلا بإذنه إن لم يضربها فخرجت مرة فضربها، هل ترى عليه شيئا إن
هي خرجت؟ قال: لا إلا أن يكون نوى ذلك. ابن رشد: هذه مسألة موافقة لما في كتاب النذر
من المدونة من أن من حلف أن لا يكلم رجلا عشرة أيام فكلمه حنث ثم كلمه مرة أخرى
بعد أن كفر أو قبل أن يكفر أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة. وموافقة أيضا لجميع روايات
العتبية من ذلك ما في سماع أبي زيد بعد هذا وأول سماع أشهب من النذور وأول رسم باع
غلاما من سماع ابن القاسم من طلاق السنة حاشا مسألة الوتر من رسم حلف من سماع ابن
القاسم من النذور انتهى. ونص ما في سماع أبي زيد:
مسألة: وسئل عن رجل قال لا مرأته أنت طالق إن دخلت جاريتك على أختك إن لم
أضربها مائة فدخلت ثم ضربها مائة ثم دخلت مرة أخرى قال: لا شئ عليه إلا أن يكون نوى
أن يضربها كلما دخلت. ابن رشد: هذه مسألة مضت في رسم شك من سماع ابن القاسم.
319

ونص ما في أول سماع أشهب من النذور قال سحنون: أخبرني أشهب وابن نافع عمن أبق له
غلام فأخذه فحلف له إن عدت لأضربنك فعاد فأبق ولم يضربه ثم عاد فأبق له فضربه، أتراه
خرج عن يمينه؟ قال: لا أراه وقت وقتا وأرى ذلك قد أخرجه عن يمينه إذا ضربه الضرب الذي
حلف عليه ضربا لا عذاب ولا دون. ابن رشد: هذا خلاف مسألة الوتر. ونص ما في رسم
باع غلاما من سماع ابن القاسم من طلاق السنة.
مسألة: سئل مالك عن رجل قال لامرأته أنت طالق واحدة إن بت عنك فبات عنها
فطلقت منه بواحدة ثم ارتجعها ثم بات عنها بعد ذلك ليالي وقال لا شئ عليه إلا الأولى. قال
محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصله في المدونة وفي غير مسألة من العتبية حاشا
مسألة الوتر انتهى. وانظر الرسم الأول والثاني من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق.
ونص مسألة الوتر من رسم حلف من سماع ابن القاسم من النذور.
مسألة: وسئل عن رجل حلف إن نام حتى يوتر فعليه صدقة دينار فنام ليلة من ذلك قبل
أن يوتر، أترى عليه في ليلة أخرى إن نامها شيئا أم قد أجزأ عنه الأمر الأول؟ قال: ذلك إلى ما
نوى وهو أعلم بما أراد به من ذلك، وما رأيت أحدا يفعل هذا الوجه ليس الوتر أعني ولكن ما
يوجب على نفسه في غير هذا من هذه الأشياء إلا أن عليه في كل ما فعل ما حلف عليه، وما
يريد أحد في مثل هذه الأشياء مرة واحدة ولا أن ينويه. قال ابن رشد: هذه الرواية مخالفة لما
في المدونة من ذلك مسألة من حلف أن لا يكلم رجلا عشرة أيام، ومخالفة أيضا لجميع
روايات العتبية من ذلك أول مسألة من سماع أشهب ثم قال: وهذا الاختلاف جار على
اختلاف الأصوليين في الامر المقيد بصفة هل يقتضي تكراره بتكرار الصفة أم لا. فمسألة الوتر
على القول بوجوب تكراره بتكرار الصفة لأنه أوجب عليه صدقة دينار لكل ليلة نام فيها قبل
أن يوتر إلا أن ينوي مرة واحدة. قال: وكذلك ما يوجب على نفسه من هذه الأشياء، ومسائل
المدونة والعتبية التي ذكرناها على القول بأن الامر لا يجب تكراره بتكرار الصفة لأنه لم يوجب
عليه ما حلف به كلما تكرر الفعل الذي جعله شرطا فيما حلف به إلا أن ينوي ذلك وبالله
التوفيق انتهى. ص: (ولو نكحها ففعلته حنث إن بقي من العصمة المعلق فيها شئ) ش: قال
في كتاب النكاح الأول من المدونة: وإن تزوجها على شرط يلزمه ثم صالحها أو طلقها طلقة
وانقضت عدتها ثم تزوجها عاد عليه الشرط في بقية طلاق الملك، وإن شرط في نكاحه الثاني
320

أنه إنما نكح على أن لا يلزمه من تلك الشروط شئ لم ينفعه ذلك انتهى. وقد سألت عن
رجل زوج ابنته وهي صغيرة من رجل بصداق فقال له الزوج أخشى أنها تموت وتطلق مني
المهر قال أبو الزوجة زوجته طالق إن طالبتك من صداقها بشئ، ثم إن أبا الزوجة طلق زوجته
ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج ثم ماتت البنت، فهل له مطالبته بالصداق وهل يلزمه الحنث أم لا؟
فأجبت بما صورته لوالد الزوجة المتوفاة مطالبة الزوج ولا حنث عليه لأن هذه عصمة جديدة
والله أعلم.
فرع: إذا حلف بالطلاق أن لا يفعل فعلا ثم طلق تلك الزوجة أو ماتت ثم تزوج غير
تلك الزوجة ثم فعل ذلك الفعل فلا حنث عليه من باب أولى والله أعلم. ص: (كالظهار)
ش: يعني إذا علق الظهار على أمر ففعلت المحلوف عليه حال بينونتها لم يلزمه شئ، ولو
نكحها ففعلته لزمه ما دامت العصمة المعلق فيها، فإن طلقها ثلاثا ثم تزوجها سقط حكم
الظهار المعلق. وأما لو وقع المعلق عليه وهي في عصمته ولزمه الظهار أو ظاهر من غير تعليق ثم
321

طلقها ثلاثا لم يسقط الطلاق الثلاث الظهار. وسيقول المصنف في باب الظهار: وسقط إن
تعلق ولم يتنجز بالطلاق الثلاث ص: (لا محلوف لها) ش: قال ابن غازي: يريد أو عليها
مثال المحلوف لها: كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق فتلزمه اليمين في التي يتزوجها عليها ولو
كان ذلك بعد أن طلقها ثلاثا وتزوجها بعد زوج. هذا الذي ارتضاه المصنف وغيره خلاف ما
شهره ابن الحاجب في هذه المسألة وهو قوله في كتاب الايمان بالطلاق: ومثال المحلوف عليها
إذا قال زينب طالق إن وطئت عزة، فعزة محلوف عليها فتلزمه اليمين فيها ما دامت زينب
عنده، ولو طلقها أعني عزة ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج ما دامت زينب عنده، فإذا علم ذلك
فالذي يختص فيها الطلاق بالعصمة هي المحلوف بها مثل زينب في المثال الثاني، ومثل قوله إن
322

دخلت الدار فأنت طالق وإن أكلت الرغيف فأنت طالق ونحو ذلك ص: (وفي ما عاشت مدة
حياتها إلا لنية كونها تحته) ش: نحوه في الايمان بالطلاق وفي حاشية المشذالي في هذه المسألة
قال: قالوا فيمن اشترى طستا وأشهد لامرأته أن تنتفع به حياتها ثم طلقها وقال أردت ما بقيت
عندي حلف وأخذه. ص: (ولو علق عبد الثلاث على الدخول فعتق ودخلت لزمت واثنتين
بقيت واحدة) ش: قال ابن عرفة: المعتبر في قدر الطلاق حال المطلق يوم نفوذه لا يوم عقده.
ابن سحنون عن أبيه وأشهب: إن قال عبد إن فعلت كذا فأنت طالق ففعلته بعد عتقه بقيت له
طلقتان انتهى. وقال ابن عبد السلام: ولو قال العبد أنت طالق إن فعلت كذا ثم عتق ثم حنث
فهذه تبقى عندي على تطليقتين وإنما يراعي يوم الحنث كما قال إن فعلت كذا فأنت حر ففعله
في مرضه فإنما هو في ثلثه انتهى. ص: (كما لو طلق واحدة ثم عتق) ش: يعني أنه تبقى له
واحدة، وهذا والله أعلم ما لم يثبت أنه أوقع هذه الطلقة وهو حر بقي اثنتان كما قال ابن
القاسم: لو طلقها طلقتين ثم ثبت أنه أعتق قبل طلاقه وله الرجعة إن لم تنقض العدة وإن
انقضت فقد بقيت له فيها طلقة إن تزوجها، وسواء علم أن جميع طلاقه طلقتان أم لم يعلم إذا
لم ينو البتات أو يلفظ بالبتة كمن طلق طلقة وظن أنها تحرم عليه فلا يلزمه إلا واحدة، ولا يلزم
ذلك إلا من عرف أن له الرجعة إن نوى بها في قلبه البتة، فأما من ظن ذلك فلا يضره،
وكذلك الأمة تعتد حيضتين ثم يثبت أنها عتقت قبل ذلك فلتتم عدة الحرة، وإن نكحت قبل
ذلك فسخ النكاح وواطئها واطئ في عدة، وسواء ثبتت حريتها بعتق أو أصل حرية. انتهى من
ابن عبد السلام ومنه قال ابن المواز: وكل من فيه بقية رق كالعبد في طلاقه حتى إذا عتق صار
323

كالحر من يومئذ في طلاقه. انتهى والله أعلم ص: (ولو علق طلاق زوجته المملوكة لأبيه على
موته لم ينفذ) ش: ابن عرفة: قلت: ما لم يمت مرتدا. انتهى ص: (ولفظه طلقت أو أنا طالق
أو أنت) ش: لو قال أنت طالقا بالنصب أو أنت طالق بالخفض لزمه. قاله القرافي في الفرق
الحادي والستين والمائة وقريب منه فرع قاله في الجواهر ونصه: ولو قال أنت طالق إن لم
أطلقك أو أن طلقتك بفتح الهمزة فيهما فهو للتعليل فيقع في الحال إلا إذا لم يعرف اللغة فهو
كالتعليق انتهى. وذكر البرزلي عن الرماح في أوائل مسائل الطلاق أن من قال لزوجته أنت
طالق ولم ينطق بالقاف يجري على الخلاف في الطلاق بالنية.
مسألة: لو قال غدا أطلق زوجتي فجاء غد ولم يطلق فلا شئ عليه. البرزلي: هذا بين
على أن الوعد لا يقضى به في العطيات وعلى أنه يقضى به ففيه نظر هنا انتهى. ص:
(كاعتدي وصدق في نفيه إن دل البساط على العد) ش: العد مصدر عددت الشئ أعده
324

ويشير بهذا الكلام لقوله في المدونة في كتاب التخيير والتمليك: وإن قال لها كلاما مبتدأ
اعتدي لزمه الطلاق. وسئل عن نيته كم نوى واحدة أو أكثر، فإن لم تكن له نية فهي واحدة،
وهذا هو الذي أشار إليه المؤلف بقوله: كاعتدي يعني أنه كما تلزم واحدة إلا لنية أكثر في
مطلقة وطالق كذلك في اعتدي. ثم قال في المدونة: فإن لم يرد به الطلاق وكان جوابا
لكلام قبله كدراهم تعتدها ونحو ذلك فلا شئ عليه، وإلى هذا أشار بقوله: وصدق في نفيه
إن دل البساط على العد. وقال قبله وفي المدونة: وإن قال لها اعتدي اعتدي اعتدي أو قال
لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق نسقا فهي ثلاث إلا أن ينوي واحدة، بنى بها أولا، وإن
قال أنت طالق اعتدى لزمته طلقتان إلا أن ينوي إعلامها أن عليها العدة فتلزمه واحدة انتهى.
وقال أبو الحسن قال ابن القاسم في المجموعة: إذا قال أنت طالق واعتدي فهي طلقتان ولا
ينوي، وإن قال أنت طالق اعتدي لزمه طلقتان إلا أن ينوي واحدة. وقال قبله: روي عن
الحسن فيمن قال لزوجته أنت طالق فاعتدي لزمته واحدة. ابن يونس: وما قاله صواب. انتهى
بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى والله أعلم. ص: (أو كانت موثقة وقالت أطلقني) ش: هذه مسألة
325

أخرى غير المسألة التي قبلها مصدرة بأو العاطفة وجعلهما الشارحان مسألة واحدة لأنهما
جعلا الألف التي قبل الواو من تتمة الكلمة التي قبلها على أنها من باب العداء بالمد الذي هو
مجاوزة الحد والظلم كما قاله في الصحاح، ولم يجعلاه من باب العد الذي هو مصدر عددت
الشئ كما قدمناه، ومعنى كلام المصنف أنه يصدق في نفي الطلاق إذا كانت موثقة وقالت
أطلقني فقال لها أنت طالق. قال في التوضيح: ولا خلاف أنه يدين. وظاهر كلامه - يعني ابن
الحاجب - أنه لا فرق بين أن تكون هناك بينة أم لا. انتهى والله أعلم. وانظر المسألة في سماع
أصبغ من كتاب الايمان بالطلاق. ص: (والثلاث إلا أن ينوي أقل إن لم يدخل بها كالميتة
والدم الخ) ش: يريد أنه ينوي في التي لم يدخل بها ولا ينوي في المدخول بها. قال في
كتاب التخيير من المدونة قال مالك: وإن قال لها أنت علي كالدم أو كالميتة أو كلحم الخنزير
فهي ثلاث وإن لم ينو به الطلاق انتهى. ابن يونس عن ابن المواز: هذا بعد البناء، وأما قبله فإن
قال أردت واحدة فله نيته ويحلف وإن لم يكن له نية فالثلاث انتهى. وقال أبو الحسن: له نيته
ولم يذكر اليمين ثم قال في المدونة: وإن قال لها أنت خلية أو برية أو بائنة قال مني أو أنا
منك أو لم يقل أو وهبتك أو رددتك إلى أهلك - قال عبد العزيز - أو إلى أبيك، فذلك في
326

المدخول بها ثلاث ولا ينوي فيما دونها قبل الموهوبة أهلها أوردوها وله نية في ذلك كله إذا
لم يدخل بها في واحدة فأكثر منها، وإن لم تكن له نية فذلك ثلاث. انتهى. قال في المنتقى:
فرع: فإذا قلنا ينوي في غير المدخول بها ولا ينوي في المدخول بها، فلو حلف قبل
البناء وحنث بعده ففي كتاب ابن سحنون عن أبيه فيمن حلف بالحلال عليه حرام قبل البناء
وحنث بعده ونوى واحدة وقامت بينة بالحنث بعد البناء لا ينوي لأنه يوم الحنث ممن لا
327

ينوي، ووجه ذلك أن اليمين إنما تنعقد ويقع الطلاق بها يوم الحنث فيجب أن يراعى صفة ما
يلزمه من الطلاق ذلك اليوم. قال ابن سحنون: وقد قال بعض أصحابنا: إلا أن تعلم ذلك منه
البينة قبل البناء فلا يلزمه إلا طلقة وله الرجعة، وقال سحنون: إذا حلف قبل البناء بالحرام أو
الخلية أو البرية ثم حنث بعد البناء فقال نويت واحدة فله ذلك وله الرجعة. ووجهه أن الاعتبار
باليمين يوم أوقعها لا يوم الحنث بدليل أنه إن كان يوم اليمين بصفة من لا تلزمه
328

يمينه لم تلزمه يمينه، ولو كان يوم اليمين بصفة من تلزمه الايمان وكان يوم الحنث بصفة من لا تلزمه الايمان
لذهاب عقل أو غيره لزمته اليمين انتهى. وقال في الشامل: ولو حلف قبل البناء بحرام أو خلية
أو برية ثم حنث بعده فالأحسن ثبوته. انتهى. ص: (ونوي فيه وفي عدده في اذهبي
وانصرفي) ش: هو كقول ابن الحاجب فتقبل دعواه في نفيه وعدده. قال في التوضيح: قوله:
في نفيه أي إذا ادعى أنه لم يرد الطلاق قبل منه. ابن القاسم في الواضحة: ويحلف في ذلك
كله. وكذلك نص عليه في المدونة أي على الحلف في أنت سائبة أو عتيقة أوليس بيني وبينك
حلال ولا حرام اه‍. وظاهر كلام المصنف وابن الحاجب أنه إن لم تكن له نية لزمه الطلاق
وليس كذلك بل لا يلزمه طلاق إلا إذا قصد الطلاق. انظر التوضيح والتخيير من المدونة.
وقوله: وفي عدده فانظر إذا لم تكن له نية. نص في التوضيح على أنه يلزمه الثلاث. نقله عن
أصبغ ولم يحك فيه خلافا وحكاه في الشامل بقيل فظاهر كلامه أن الصحيح خلافه. وقال
ابن عرفة بعد أن نقل كلام أصبغ عن ابن أبي زيد وابن حبيب.
قلت: في قبولهما إياه نظر، لأنه إن دل على الثلاث بذاته لم يفتقر لنية الطلاق، وإن لم
يدل إلا بنية الطلاق فالنية كاللفظ ولفظ الطلاق لا يوجب بنفسه عددا انتهى. ونقله عنه
البرزلي في مسائل الطلاق بعد أن نقل عن الرماح أنه إنما يلزمه واحدة. ونقل كلام أصبغ ثم
329

قال: كان شيخنا الامام يقول فيه نظر، لأنه إن دل على الثالث بذاته لم يفتقر لنية الطلاق، وإن
لم يدل إلا بنية الطلاق فالنية كاللفظ وهو يوجب مطلق الطلاق وهو واحدة حتى ينوي أكثر،
وكذلك هذا وبه كان يفتي رحمه الله إلى أن توفي وهو الواقع في هذا الجواب اه‍. وقال في
آخر مسألة من سماع عيسى من الايمان بالطلاق في الذي يقول للمملوكة إن تزوجتك فأنت
طالق فاشتراها فلا شئ عليه، وكذلك إن قال إن اشتريتك فأنت حرة فيتزوجها فلا شئ
عليه. قال ابن رشد: وهذا كما قال، لأن الطلاق ليس من ألفاظ الحرية والحرية ليست من
ألفاظ الطلاق. فإذا قال الرجل لامرأته أنت حرة فلا تكون طالقا إلا أن يكون أراد بذلك
الطلاق، وإذا قال لامته أنت طالق فلا تكون حرة إلا أن يريد بذلك الحرية. واختلف إذا قال
لامرأته أنت حرة مني ففي الثمانية أنها طالق البتة وإن لم ينو الطلاق. وفي التخيير منها لابن
شهاب أنه يحلف ما أراد الطلاق ولا يلزمه اه‍. ص: (ودين في نفيه إن دل بساط عليه) ش:
قال في التخيير والتمليك من المدونة: وإن قال لها أنا خلي أو بري أو بائن أو بات قال منك أو
لم يقل، أو قال أنت خلية أو برية أو باتة أو بائنة قال مني أو لم يقل إلا أنه قال في هذا كله
لم أرد طلاقا، فإن تقدم كلام من غير طلاق يكون هذا جوابه فلا شئ عليه ويدين وإلا لزمه
ذلك ولا تنفعه نيته انتهى. وقال في رسم باع غلاما من كتاب الايلاء: فإن جاء مستفتيا لم
يلزمه طلاق ولا يمين، وإن خاصمته امرأته وأثبتت عليه أنه قال لها ذلك في العتاب استظهر
عليه باليمين، ولو قال ذلك من غير عتاب لبانت منه امرأته بثلاث. انتهى. ص: (أو على
وجهك) ش: تقديره كما قال ابن غازي وجهي على وجهك حرام. فقوله: على وجهك
330

جار ومجرور متعلق بحرام، وقد رأيتها في بعض النسخ المصححة كذلك، وما يوجد في بعض
النسخ من تشديد ياء علي فيكون وحده جارا ومجرورا ورفع وجهك على أنه مبتدأ خبره
قوله: بعد حرام خطأ من الناسخ لأنه يصير حينئذ محرما لجزء منها. وقد قال في التوضيح
في شرح هذه المسائل: ولو أضاف التحريم إلى جزء من أجزائها فحكمه كالطلاق يلزمه في
اليد والرجل ويختلف في الشعر والكلام ولا يلزمه في السعال والبصاق. انتهى. ولا يريد بقوله
يلزمه في اليد والرجل خصوصهما فقط فقد صرح بعد هذا أنه لو طلق عضوا منها وقال: إن
الأحسن من القولين لزومه في الشعر والكلام. وفي الشامل: ولو أضاف التحريم إلى جزئها
331

فكالطلاق. انتهى. ص: (أو حرام علي) ش: أي قال هذا اللفظ ولا يريد أنه قال الحلال حرام
علي، لأنه قد تقدم في الايمان أن من قال الحلال علي حرام يلزمه التحريم في الزوجة إلا أن
يحاشيها. ولا فرق بين أن يقول الحلال علي حرام أو الحلال حرام علي. أما الأولى فحكمها
واضح، وأما الثانية فقد نقل الشارح هنا عن ابن المواز أن حكمها كذلك يلزمه في الزوجة ما
لم يحاشها. وفي الايمان والنذور من المدونة: ومن قال علي حرام إن فعلت كذا لا يكون الحرام
يمينا في شئ لا طعام ولا شراب ولا في أم ولد إلا أن يحرم امرأته فيلزمه الطلاق. انتهى.
ص: (وإن قصده بكاسقني الماء) ش: قال في المعونة: وضرب ثالث من النطق وهو ما ليس
332

من ألفاظ الطلاق ولا محتملاته نحو قوله اسقني ماء وما أشبه ذاك. فإذا ادعى أنه أراد به
الطلاق فقيل يكون طلاقا، وقيل لا يكون طلاقا انتهى. وقال في العمدة: وهل يلزم الطلاق
333

بإرادته بما ليس بكناية كقوله اسقني ماء ونحوه؟ والظاهر عدم لزومه انتهى. ص: (وإن كرر
الطلاق بعطف بواو أو فاء أو ثم فثلاث إن دخل) ش: أي ولا ينوي وتقييده بالمدخول بها
تبع فيه ابن شاس وابن الحاجب وناقشهما في ذلك في التوضيح، وكذلك ابن عبد السلام وابن
عرفة ونبه على ذلك ابن غازي، وكلام المدونة صريح في أنه لا ينوي وإن لم يدخل. قال في
كتاب الايمان بالطلاق من المدونة: وإن قال لامرأته أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق أو ثم ثم
ثم فهي ثلاث ولا ينوي وفي النسق بالواو إشكال. قال ابن القاسم: ورأيت الأغاب من قوله
إنها مثل ثم ولا ينويه وهو رأي. وكذلك إن قال ذلك لأجنبية وقال معه إن تزوجتك انتهى.
فهذا نص في أنه يلزمه في غير المدخول بها، وقد قال ابن عرفة بعد نقله كلام الام: فمن
أنصف علم أن لفظها في لزوم الثلاث في ثم والواو ظاهر، أو نص فيمن بنى أو لم يبن وهو
مقتضى مشهور المذهب فمن أتبع الخلع طلاقا وناقش ابن شاس وابن الحاجب في
تخصيصهما ذلك بمن بنى بها وناقش ابن عبد السلام أيضا لأن في كلامه ميلا لقبول
كلامهما، وناقشه فيما تمسك به لهما من كلام البراذعي وأطال الكلام في ذلك فراجعه إن
أردته والله أعلم.
فائدة: قال القرافي في الفرق الثاني والستين بعد المائتين: حكى صاحب مجالس العلماء
أن الرشيد كتب إلى قاضيه أبي يوسف هذه الا بيان وبعث بها إليه يمتحنه بها:
فان ترفقي يا هند فالرفق أيمن * وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم
فأنت طالق والطلاق عزيمة * ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم
فبيني بها إن كنت غير رفيقة * وما لامرئ بعد الثلاث مقدم
وقال له: إذا نصبنا ثلاثا ما يلزمه وإذا رفعناه كم يلزمه؟ فأشكل عليه ذلك وحمل
الرقعة إلى الكسائي وكان معه في الدرب فقال له الكسائي: اكتب له في الجواب: يلزمه بالرفع
واحدة، وبالنصف ثلاث. يعني أن الرفع يقتضي أن ثلاثا خبر عن المبتدأ الذي هو الطلاق
الثاني ويكون منقطعا عن الأول فلم يبق إلا قوله: أنت طالق فليزمه واحدة، وبالنصب يكون
334

تمييزا لقوله: فأنت طالق فيلزم الثلاث. فإن قلت: إذا نصبناه أمكن أن يكون تمييزا عن الأول
كما قلت، وأمكن أن يكون منصوبا على الحال من الثاني أي الطلاق معزوم عليه في حال
كونه ثلاثا أو تمييزا فلم خصصته بالأول؟ قلت: الطلاق الأول منكر يحتمل تنكيره جميع
مراتب الجنس وأعداده وأنواعه من غير تنصيص على شئ من ذلك لأجل التنكير فاحتاج
للتمييز ليحصل المراد من ذلك المنكر المجهول، وأما الثاني فمعرفة استغنى بتعريفه واستغراقه
الناشئ عن لام التعريف عن البيان فهذا هو المرجح، ويحكى عن الرشيد أنه بعث بهذه الرقعة
أول الليل وبعث أبو يوسف الجواب بها أول الليل على حاله وجاءه من آخر الليل بغال موثقة
قماشا وتحفا جائزة على الجواب فبعث بها أبو يوسف إلى الكسائي ولم يأخذ منها شيئا بسبب
أنه الذي أعانه على الجواب فيها. انتهى. ونقل ابن عرفة في هذا الباب كلام القرافي المذكور
برمته ولم يزد عليه شيئا، ونقل الحكاية أيضا ابن هشام في المغني في الكلام على أل والله
أعلم. ص: (وبلا عطف ثلاث في المدخول بها كغيرها إن نسقه إلا لنية تأكيد فيهما) ش:
يعني إذا كرر الطلاق بلا عطف فقال أنت طالق أنت طالق أنت طالق يلزمه الثلاث في
المدخول بها إلا أن ينوي بذلك التأكيد، وكذا يلزمه الثلاث في غير المدخول بها بشرط أن
يكون نسقه ولم ينو التأكيد على المشهور خلافا للقاضي إسماعيل. قال في التوضيح: إذا كانت
الزوجة غير مدخول بها وكان كلامه متتابعا بأن قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق نسقا،
فالمشهور أنه يلزمه الثلاث إلا أن ينوي التأكيد. واحترز بمتتابع مما إذا لم يتابعه فإنه لا يلزمه إلا
واحدة بالاتفاق لبينونتها بالأولى فلم تجد الثانية لها محلا، وإليها أشار بقوله يعني ابن الحاجب:
وإلا فواحدة فمقابل المشهور للقاضي إسماعيل. ومنشأ الخلاف هل الكلام بآخره وكأنه
قال أنت طالق ثلاثا أو بمجرد قوله أنت طالق قد بانت فلا يمكن وقوع الثانية بدليل أن له أن
335

يتزوج خامسة أو أختها بأثر نطقه بالقاف من قوله أنت طالق من غير مهلة؟ ومثل هذه
المسألة ما لو أتبع الخلع طلاقا هل يلزمه أم لا؟ انتهى. ومسألة من أتبع الخلع طلاقا ذكرها
في المدونة في كتاب إرخاء الستور في ترجمة ما جاء في الصلح ونصها: وإذا أتبع الخلع
طلاقا من غير صمات نسقا لزم، فإن كان بين ذلك صمات أو كلام يكون قطعا لذلك لم
يلزمه الطلاق الثاني. انتهى. قال أبو الحسن: لأنه لما أتبع الخلع الطلاق نسقا علمنا أن
الطلاق الذي كان في قلبه وأراد إيقاعه اثنتان. وقال القاضي إسماعيل: لا يلزم الطلاق الثاني
وإن كان نسقا.
وقوله: وإن كان بين ذلك صمات إلى قوله: لم يلزم الشيخ: لأنه لما فصل بينهما
بالصمات علمنا أن الطلاق الذي كان في قلبه وأراد إيقاعه واحدة. وقال أبو حنيفة والنخعي
وحماد: يلزم الطلاق الثاني متى أوقع داخل العدة. وقوله: وإن كان بين ذلك صمات يعني
اختيارا تحرزا من الصمات لأجل العطاس والسعال. انتهى كلام أبي الحسن في الكبير وفي
الصغير نحوه. وزاد بعد قوله والسعال وشبه ذلك فإنه في حكم الاتصال انتهى. وقال ابن
ناجي في شرح المدونة بعد قوله في المدونة: وإن كان بين ذلك صمات اختيارا احترازا من
الصمات لأجل العطاس والسعال. قاله المغربي وهو بين ويشهد له ما ذكره في الايمان في
الاستثناء انتهى. وظاهر كلام اللخمي أن القول بعدم لزوم الطلاق مخرج في هذه المسألة أعني
مسألة من أتبع الخلع طلاقا من قول القاضي إسماعيل في المسألة الأولى أعني مسألة من كرر
الطلاق بلا عطف في غير المدخول بها. وظاهر كلام ابن الحاجب أنه منصوص له فيها أيضا
كما صرح به الشيخ أبو الحسن في كلامه المتقدم، وصرح بذلك أيضا ابن ناجي في شرح
مسألة المدونة المتقدمة في مسألة من أتبع الخلع طلاقا ونصه ما ذكره إذا كان نسقا هو المشهور.
336

وقال إسماعيل: لا يلزمه ذكره في هذه، وفيمن قال للتي لم يدخل بها أنت طالق
أنت طالق أنت طالق. نقله اللخمي: وقال ابن عبد السلام: الخلاف فيمن أتبع الخلع طلاقا ليس بمنصوص
عليه يريد إنما لإسماعيل القاضي النص في مسألة غير المدخول بها ويجري قوله في الخلع ذكره
معترضا على ابن الحاجب في إطلاقه الخلاف في ذلك وليس كذلك لما قلناه. انتهى. وما ذكره
ابن عبد السلام من الاعتراض على ابن الحاجب نحوه في التوضيح. ولم يتعقب ابن عرفة كلام
ابن عبد السلام بل اختصاره لكلام اللخمي يقتضي ظاهره أنه مخرج فيها لا منصوص. ونص
كلامه وتخريجه - يعني اللخمي - إلغاء طلاق الحنث كإلغاء الطلاق المتبع للخلع على قول
إسماعيل القاضي بإلغاء ما زاد على الواحدة في قوله قبل البناء أنت طالق أنت طالق يرد،
وأطال الكلام في الرد عليه، ولابن عبد السلام مع اللخمي وابن عرفة معهما مناقشة في غير ما
اعترض به ابن عبد السلام على ابن الحاجب وأطال الكلام في ذلك فراجعه في باب الخلع إن
أردته والله أعلم.
فرع: إذا قال أنت طالق ثلاثا أنت طالق ثلاثا إن فعلت كذا فقال مالك: يلزمه بقوله
الأول والثاني لازم. وقال ابن القاسم: يحلف ما كان ذلك منه إلا تكرارا ثم هو على يمينه.
اللخمي: وهو أبين. انتهى. وقال ابن عرفة: وفي سماع ابن القاسم: من قالت له امرأته وعنده
شهود ائذن لي أذهب لأهلي فقال أنت طالق البتة أنت طالق البتة أنت طالق البتة إن أذنت لك
قد طلقت عليه فقال: إنما أردت أن أسمعها وأردد اليمين ولم أقطع كلامي، فقال مالك: ما
أظنها ولا بانت منه وفيه ما ترى الاشكال وما هو باليمين. ابن القاسم: يحلف ما أراد إلا أن
يفهمها والقول قوله ولا حنث عليه. ابن رشد: الواجب على المشهور من رعى البساط أن لا
يلزمه طلاق ولا حلف، لأن سؤالها الاذن لأهلها دليل عليه لا تبتيلي الطلاق، ولو سألته تبتيله
فقال ذلك اللفظ بعينه بانت منه بالثلاث قولا واحدا. وعلى مذهبه في المدونة لا يمين عليه قال
فيها: من قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق إن دخلت الدار أنه ينوي إن دخلتها في أنه إنما
أراد واحدة فلم ير عليه طلاقا إلا أن تدخل الدار. انتهى باختصار. وفي رسم كتب عليه ذكر
حق من السماع المذكور من كتاب الايمان بالطلاق والله أعلم. ص: (ولو طلق فقيل له ما
فعلت فقال هي طالق فإن لم ينو إخباره ففي لزوم طلقة أو اثنتين قولان) ش: قال في أول
337

كتاب الايمان بالطلاق من المدونة: ومن طلق زوجته فقال له رجل ما صنعت فقال هي طالق،
فإن نوى إخباره فله نيته. قال في التنبيهات: نص على النية وسكت عن غيرها. وظاهر المدونة
أنه إن لم ينو شيئا يلزمه الثلاث. وذهب بعض الشيوخ إلى أنه لا يلزمه شئ إذا لم ينو شيئا
لقرينة السؤال. انتهى. قال أبو الحسن الصغير ومنهم اللخمي: لأنه قال وإن عدم البينة لم يكن
عليه سوى تلك الطلقة لأن بساط جوابه على السؤال الذي يسأل عنه ما صنع فيه فأخبر عنه
ولا يحتمل أنه أضرب عن السؤال وابتدأ طلاقا انتهى. وقال الرجراجي: إن نوى إخباره بنيته
فلا تخلو هذه المرأة من أن يدخل بها زوجها أو لم يدخل، فإن لم يدخل بها فلا شئ عليه
ولا يلزمه إلا طلقة واحدة، وإن دخل بها فلا يخلو من أن يقول فيه هي مطلقة أو قال هي
طالق، فإن قال هي مطلقة فلا يلزمه غير الطلقة الأولى باتفاق لأن قوله هي مطلقة إخبار، وإن
قال هي طالق فلا يخلو من أن يدعي نية أو لا يدعيها، فإن ادعى نية وقال أردت الاخبار وإنما
هي ذات الطلاق فإنه يقبل قوله باتفاق المذهب، وهل يقبل قوله بيمين أو بغير يمين؟ فالمذهب
على ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يمين عليه جملة، والثاني أنه يحلف جملة، والثالث يفرق بين أن
يتقدم له فيها طلقة أم لا، فإن تقدمت له فيها طلقة فإنه يحلف عند إرادة الرجعة، فإن لم
يتقدم له فيها طلقة فلا يمين عليه، والأقوال الثلاثة لأصحابنا المتأخرين. فإن لم يدع النية
وعدمها فهل تلزمه طلقة أخرى؟ فالمذهب على قولين: أحدهما أنه يلزمه تطليقة أخرى وهو
ظاهر قوله في المدونة فإن نوى إخباره وإليه ذهب القاضي أبو الفضل. والثاني لا شئ عليه غير
التطليقة الأولى وهو قول اللخمي انتهى. وقال في التنبيهات: ولو قال في جوابه للرجل قد
طلقتها لم يحتج إلى نية ولا يمين، نوى الاعلام أو لم ينوه، لأنه إنما أخبر عن شئ فعله.
انتهى وقال أبو الحسن الصغير: ولو كان إنما قال له قد طلقتها لكان لا شئ عليه لأن قوله قد
طلقتها خبر وليس بإيقاع طلاق مبتدأ، وكذلك قوله طلقها مثل قوله قد طلقتها ليس فيه إيقاع
طلاق مبتدأ، ولو كان الطلاق الذي أوقعه قبل البناء طلقة ثم سأله فقال هي طالق فلا شئ
عليه، لأنه إنما أوقع طلقة على غير زوجة لأن الطلقة تبينها، وكذلك لو كان دخل بها وكان
الطلاق الذي أوقعه طلاق الخلع انتهى. وانظر مسألة من قيل أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم مثل
ما طلقت امرأتك في آخر سماع عيسى، ومسألة من قال لزوجته يا مطلقة في رسم النذور من
سماع أصبغ من كتاب الايمان بالطلاق. وانظر النوادر في آخر كتاب طلاق السنة وكلام ابن
عرفة في الركن الثالث الذي هو القصد، وكلام المدونة في قوله، أردت الكذب بقولي حرام
ص: (ونصف طلقة) ش: قال ابن عرفة: وفيها من طلق بعد طلقة لزمه طلقة. ابن شهاب:
338

ويوجع ضربا. ابن عبد السلام: اختلف العلماء في ذلك، منهم من كمل عليه التجزئة إما
احتياطا وإما لأنه رآه هازلا، ومنهم من لم يلزمه ذلك وهذا القول خارج المذهب وكأنه أجرى
على مهيع الدليل لعدم استلزام الجزء الكل. قال ابن عرفة: قلت: قوله منهم من لم يلزمه ذلك
يقتضي عدم شذوذ قائله. وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن من
طلق زوجته نصف تطليقة أنها تطليقة واحدة. وقال ابن القصار في عيون الأدلة: حكي عن
داود أن من قال لزوجته أنت طالق نصف تطليقة لا يقع عليه شئ والفقهاء على خلافه.
قلت: وتقرر في أصول الفقه أن ندور المخالف مع كثرة المجمعين لا يقدح في كون
إجماعهم حجة، ومثل هذا لا ينبغي أن ينقل بتلك العبارة واستدلاله على ترجيحه بعدم استلزام
الجزء للكل يرد بأنه ليس منه بل من باب إبطال الكل بإبطال جزئه. وهذا لأن الطلقة إنما هي
عبارة عن إبطال جزء حكمي من العصمة المجزأة ثلاثة أجزاء للحر وجزءين للعبد عندنا، فمن
طلق بعض طلقة أبطل ذلك الجزء وبطلان الجزء يبطل الكل ضرورة. انتهى. ص: (أو واحدة
في واحدة) ش: قال ابن عرفة الشيخ عن ابن سحنون عنه في أنت طالق واحدة في واحدة
واثنتين في اثنتين وأربعة تبين منها بثلاث وكذا بقية هذا المعنى.
339

قلت: هذا إن كان عالما بالحساب أو قصده ولو لم يعلمه وإلا فهو ما نوى. وإن كان
مستفتيا أو علم من قرائن الأحوال عدم قصده معنى الضرب كقول من علم جهله من البادية
أنت طالق طلقتين في طلقتين وقال أردت طلقتين فقط. انتهى. ص: (أو كلما حضت) ش:
يعني يلزمه الثلاث ومثله كلما جاء شهر فأنت طالق، فابن القاسم ينجز عليه الثلاث، وسحنون
يلزمه اثنين وفرع عليهما في الجواهر فرعين.
الأول من قال لأربع نسوة له حوامل من وضعت منكن فصواحبها طوالق قال: فعلى
المشهور - أعني قول ابن القاسم - يلزمه الثلاث في كل واحدة، وعلى الشاذ يلزمه في الأولى
ثلاث وكذا الرابعة، وأما الثانية فطلقة واحدة بوضع الأولى ثم تبين بوضعها، وأما الثالثة فيقع
عليها طلقتان بوضع الأولى والثانية ثم تبين بوضعها. وأما الأولى فوضعها لا يقع عليها بسببه
شئ وإنما يقع عليها الطلاق بوضع صواحبها. قال: ولو قال من وضعت منكن فالبواقي طوالق
وأراد غير من وضع فلا طلاق على الأول وحكم الثلاث ما تقدم. قال البرزلي بعد نقله قول
سحنون: وهذا أوضح إن وضعن على التعاقب، ولو جهل الترتيب فالاحتياط يلزم كل واحدة
ثلاثة، ولو اتحد الوقت في ولادتهن فالظاهر إلزام كل واحدة طلقة لأن كل واحدة تقدح في
صواحبها مدة ويكون ذلك كلا لا كلية والله أعلم. انتهى.
والفرع الثاني إذا قال لها إذا وضعت فأنت طالق فوضعت ولدا وبقي في بطنها ثان،
فهل ينجز الطلاق بوضع الأول أو يقف التنجيز على وضع الثاني؟ وفي ذلك قولان. انتهى
340

وانظر المسألة في الشامل ص: (أو كلما أو متى ما أو إذا ما طلقتك أو وقع عليك طلاقي
فأنت طالق وطلقها واحدة) ش: هو ظاهر التصوير من كلام الشارح وابن غازي.
مسألة: تتعلق بشئ من الألفاظ المذكورة. رأيت كتابا يشتمل على نوازل الجماعة من
متأخري الأندلسيين كالشيخ أبي إسحاق الشاطبي والأستاذ أبي القاسم بن سراج والأستاذ أبي
عبد الله السرقسطي والأستاذ أبي عبد الله الفخار وغيرهم ما نصه: وسئل الأستاذ أبو القاسم بن
سراج فيمن طلق امرأته ثلاثا ثم قال بعد إيقاعه الطلاق متى حللت حرمت ثم تزوجت هذه
المطلقة بعد ذلك وفارقها زوجها الثاني والأول يريد تزويجها، هل له ذلك أم لا؟ فأجاب: له أن
يراجعها. قاله ابن سراج انتهى. والظاهر أنه يفصل في ذلك، فإن أراد بقوله متى حللت حرمت
أنها إذا حلت له بعد زواجها زوجا غيره فهي حرام عليه وإن تزويجها لا يحلها فلا يلزمه شئ
كما قال المفتي، وإن أراد أنها إذا حلت بعد زوج فإن تزوجها فهي حرام فيلزمه التحريم فيها
ويفصل فيه بين إن وكلما ومتى، ويأتي الكلام الذي في هذه الحروف. والمتبادر من
اللفظ إنما هو المعنى الأول وهو أن الحالف لما طلقها ثلاثا وحرمت عليه. وكانت حرمة نكاحها
ترتفع بزواجها أراد أن يبطل ذلك وأنه إذا حل زواجها له بعد زوج تصير عليه حراما كما
كانت. هذا هو الظاهر من اللفظ، وإذا كان كذلك فلا يلزمه شئ لأنه بمنزلة من حرم تزويج
امرأته على نفسه فإنها لا تحرم عليه. وقد ذكر ابن سهل مسألة تشبه هذه أو هي أقوى من هذه
قال: وكتبت إليهم فيمن قال لزوجته أنت طالق ثلاثا إن كنت لي زوجة قبل زوج أو بعد زوج
هل تحرم للأبد؟ وكيف إن طلقت عليه ثلاثا فتزوجها بعد زوج؟ فكتب إليه ابن عتاب لا تحرم
عليه الأبد وله نكاحها بعد زوج إن شاء الله إلا أن يكون أراد بقوله أو بعد زوج إن تزوجها
بعد زوج فهي طالق ثلاثا، فإن أراد هذا أو عقد عليه حلفه فلا سبيل له إليها والله الموفق
للصواب. وقال ابن القطان: متى طلقت عليه بالبتة فلا تحرم عليه إن تزوجها بعد زوج وله ذلك
إن شاء الله. وقال ابن مالك: إذا طلقت عليه الزوجة بعد زوج ثم تزوجها بقيت له زوجة إن
شاء الله تعالى، وانظر جواب ابن مالك، والظاهر أن فيه تقديما وتأخيرا، وصوابه إذا طلقت عليه
341

ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج والله أعلم. وجواب ابن عتاب أتم من جوابيهما، و التفصيل الذي
يأتي في مسألتنا فلا يلزمه الحنث فيها بعد زوج إلا إذا حلف على ذلك الوجه وعقد عليه يمينه،
وأما إذا لم تكن له نية أو نوى الوجه الأول فلا يلزمه شئ والله أعلم. وفي ابن سهل جواب
القاضي أبي محمد وأبي القاسم بن سراج وكان أحد المشاورين، فلعله هو المجيب في هذه
المسألة فيكون عمدة والله أعلم. وفي البرزلي في مسائل الايمان مسائل من هذا المعنى ونصه:
سئل المازري عمن طلق زوجته ثلاثا والتزم عدم ردها بعد زوج ولا تكون له بزوجة ما دامت
الدنيا فأجاب: إن قال لا أردها قولا مجردا من غير تعليق ما يوجب تحريمها ولا فهمته البينة
عنه وليس في سياق كلامه وقرائن أحواله ما يدل على ما ذكرناه فلا تحرم عليه انتهى. وسئل
المازري عمن كلم في تزويج بعض قرابته ثم بلغه عن أبيها قبيح فقال متى ما تزوجتها فهي
طالق ثلاثا وأردف وهي عليه حرام فما يلزمه من ذلك، وهل تحل له بعد زوج أم لا؟ فأجاب:
متى تزوجها طلقت عليه، ثم إن تزوجها بعد زوج نظر في قوله متى ما. فإن أراد كلما تزوجها
تكرره عليه الحنث، وإن أراد مرة واحدة فلا يتكرر انتهى. ومنه سئل أبو الحسن بن خلف عمن
طلق زوجته ثلاثا ثم وقعت بينهما خصومة فقال هي علي حرام، ثم أراد الآن تزويجها بعد
زوج هل له ذلك أم لا؟ فأجاب: إن علق التحريم عندما ذكر له ارتجاعها أو عيب عليه تطليقها
أو رأى في الخصومة ما يكرهه أو علم منه أنه أراد إن تزوجها فتحرم عليه بعقد نكاحها ثانية
ولا تحل له إلا بعد زوج.
قلت: وكان شيخنا الشيخ أبو محمد الشبيبي يحكي بسنده عن ابن قداح أنه يفتي
بعدم اللزوم قال: لأن العامة لا تعرف التعليق ولا تقصده. وحكاه شيخنا الامام عن شيخنا
الفقيه القاضي أبي حيدرة، وكان أولا يختار اللزوم وهو الذي حكاه في مختصره ويقول العامة
تقصد التعليق ولكن لا تعرف أن تكني عنه، ثم شهدته رجع إلى الفتوى بهذا في وسط عمره
وآخره ورأيت بخطه كذلك بعد أن حكى فيه ما تقدم وقال: إن أخذ السائل بالرخصة لم
أعبه وسلكه الآن أتباعه من بعده انتهى. ومنه سئل الفقيه أبو علي القوري فيمن قال لامرأته
أنت حرام علي في الدنيا والآخرة، فأجاب بأن له نكاحها بعد زوج وكان يلزم أن يكون مع
ذلك الظهار لأنه لازم قوله كما لو قال لها أنت حرام علي مثل أبي. انتهى.
مسألة: ذكرها في النوازل المتقدم ذكرها وهي سئل ابن سراج في رجل قصد غشيان
زوجته فلم تطاوعه فقال لها في الحين هي حرام علي في هذه الساعة وخرج عن السرير حيث
كان معها مضطجعا، فما يجب عليه في قوله هذا؟ فأجاب: الحمد لله ذكر موصله أنه الحالف
وأنه لم ينو بقوله هي عليه حرام طلاقا ولا تحريما وإنما أراد الامتناع منها في الحال، والجواب أنه
لا يلزمه لعدم النية على الصحيح. قاله ابن سراج.
342

مسألة: قال البرزلي: من قيل له تزوج فلانة فقال الذمام لا أتزوجها فلا تحرم بذلك، فإن
أراد بذلك ذمة الله تعالى فهي يمين فيكفر عن يمينه إذا تزوجها، وإن أراد ذمة الناس التي تجري
على ألسنتهم فليس بيمين. انتهى ص: (أو إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا) ش: قال ابن
عرفة: قال ابن شاس: من قال إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا ألغى لفظ قبله، وإن طلقها لزمه
الثلاث.
قلت: قال الطرطوشي: هذه المترجمة بالسريجية. قال دهماء الشافعية: لا يقع عليه
طلاق أبدا. وهذا قول ابن سريج. وقال طائفة منهم: يقع المنجز دون المعلق منهم أبو العباس
المروزي وأبو العباس القاضي. وقال طائفة: يقع مع المنجزة تمام الثلاث من المعلق قاله أبو حنيفة.
ومن الشافعية أبو عبد الله المعروف بالحسن وغيره وأبو نصر بن الصباغ من خيار متأخريهم،
وهذا الذي نختاره وليس لأصحابنا في هذه المسألة ما نعول عليه، ولمالك ما يدل على
تصحيحها وهو عدم قبوله شهادة عدلين على من أعتقهما أنه غصبهما لمن ادعاهما لأن ثبوتها
يؤدي إلى نفيها، وعدم قبول شهادتهما بدين يبطل عتقهما، ووقع له ما يدل على خلاف
هذا وهو ثبوت ما يؤدي إلى نفيه منه قوله: من أعتق ولده أو والده في مرضه بتلا صح عتقه وورثه
مع أن إرثه يؤدي إلى نفيه لأن العطية في المرض كالوصية لا تصح لوارث، فثبوت إرثه يبطل
العطية له، وبطلان العطية يبطل حريته، وبطلان حريته يبطل إرثه. انتهى. وقال القرافي في
الفرق الثالث: قال أصحابنا: إذا قال إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا لزمه أي عدد
طلق منجزا حملنا معه الثلاث. وقال الغزالي في الوسيط: لا يلزمه شئ عند ابن الحداد لأنه لم
يقع مشروطه وهو تقدم الثلاث، ولو وقع مشروطه لمنع وقوعه لأن الثلاث تمنع ما بعدها فيؤدي
إثباته إلى نفيه ولا يقع. قال: والبحث في هذه المسألة مبني على ثلاث قواعد: إن من شرط
إمكان اجتماعه مع المشروط لأن حكمة السبب في ذاته وحكمة الشرط في غيره، فإذا لم
يمكن اجتماعه معه لم تحصل فيه حكمة. الثانية أن اللفظ إذا دار بين المعهود في الشرع وغيره
حمل على المعهود في الشرع لأنه الظاهر. الثالثة أن من تصرف فيما يملك وما لا يملك نفذ
تصرفه فيما يملك دون ما لا يملك.
إذا تقررت هذه القواعد فقوله: إن طلقتك إما أن يحمل على اللفظ أو على المعنى
343

الذي هو التحريم، فإن حمل على اللفظ فهو خلاف الظاهر والمعهود العرفي فيلزم مخالفة
القاعدة الأولى وإن حمل على التحريم وأبقينا التعليق على صورته تعذر اجتماع الشرط مع
مشروطه وهو خلاف القاعدة الثانية التي هي المشروط وهو ما وقع به التباين، فإن أوقع واحدة
أسقطنا واحدة لأن اثنتين يجتمعان مع واحدة، وإن أوقع اثنتين أسقطنا اثنتين لأن واحدة تجتمع
مع اثنتين، فإذا أسقطنا المنافي وجب أن يلزمه الباقي فتكمل الثلاث. فمن قال امرأته وامرأة
جاره طالق تطلق امرأته واحدة فينفذ تصرفه فيما يملك، كذلك هنا الذي ينافي الشرط لا يملك
شرعا للقاعدة الأولى ويسقط كمرأة الغير وينفذ تصرفه فيما يملكه مما يتناوله اللفظ فيلزمه
جميع الباقي بعد إسقاط المنافي فيلزمه الثلاث للقاعدة الأولى، وعلى رأي ابن الحداد يلزمه
مخالفة إحدى هذه القواعد الثلاث، وهذه المسألة هي المعروفة بالسريجية. ويحسنها بعضهم
بأنه قال بها ثلاثة عشر من أصحاب الشافعي وهو ساقط لأن ثلاثة عشر غير معتد بهم به
بالنسبة إلى عدد من قال بخلافهم لأنهم مئون بل آلاف، وكان الشيخ عز الدين بن عبد
السلام يقول: هذه المسألة لا يصح التقليد فيها والتقليد فيها فسوق لأن القاعدة أن قضاء
القاضي ينقض إذا خالف أربعة أشياء: الاجماع والقواعد والنص والقياس الجلي. وما لا يقر
شرعا حرم التقليد فيه لأن التقليد في غير شرع ضلال، وهذه المسألة على خلاف ما تقدم في
القواعد فلا يصح التقليد فيها وهذا حسن بين ظاهر. انتهى. ص: (سحنون وإن شرك طلقن
ثلاثا ثلاثا) ش: تبع ابن الحاجب في نسبة هذا لسحنون. قال في التوضيح: ونسبة المصنف له
لاحتمال أن لا يوافق عليه ابن القاسم. وجزم في الشامل بموافقته للمذهب وهو الذي يفهم.
344

وكلام ابن رشد في المسألة الثالثة من نوازل أصبغ من الايمان بالطلاق فإنه جعلهما مسألتين
وفرق بينهما وكذلك ابن عرفة والله أعلم. ص: (كمطلق جزء وإن كيد) ش: قال في الايمان
بالطلاق منها: وإن قال لها يدك أو رجلك أو أصبعك طالق طلقت عليه. وكذلك العتق قال
في حاشية المشذالي: قلت لشيخنا يعني ابن عرفة: وصوابه لو طلق عقلها حرمت بخلاف
345

علمها دليله قولها إذا حدث له جنون لأن العقل مما يستمتع به بخلاف عدم العلم، ولو طلق
روحها حرمت عليه. انظر ابن العربي انتهى ص: (وفي إلغاء ما زاد على الثلاث واعتباره
قولان) ش: استظهر ابن رشد في شرح المسألة الثانية من نوازل سحنون من الايمان بالطلاق
القول باعتباره وهو الذي رجع إليه سحنون. نقله في التوضيح وغيره. قال في التوضيح: وهو
الأقرب. ابن عبد السلام: وهو أرجح في النظر والله أعلم. ص: (ونجز إن علق بماض ممتنع
عقلا أو عادة أو شرعا أو جائز كلو جئت قضيتك) ش: قول المصنف: أو جائز معطوف
على قوله: ممتنع. وظاهر كلام المصنف أنه يحنث في الممتنع في الشرع ولو كان قادرا عليه
ولو قصد المبالغة وهو كذلك، لأن غاية ما يقصد بالمبالغة أمر جائز، والمشهور إنه إذا علقه على
أمر ماض جائز يحنث. قال ابن ناجي: وهو ظاهر المدونة خلافا لابن بشير فيهما انتهى. يعني
في القادر على الفعل وفي قاصد المبالغة وذلك لأنه لو كان قادرا على فعله فيما مضى فهو الآن
مشكوك في وقوعه لجواز مانع أو تبدل إرادته. كذا علله ابن عرفة، وقال صاحب الجواهر تبعا
346

لابن بشير: إذا علق الطلاق بممتنع عادة وقصد المبالغة لم يحنث، والعجب من صاحب الشامل
كيف جعل الأصح أنه لا يحنث إذا قصد المبالغة في جائز وجعل الأصح في الجائز الحنث
فتأمله والله أعلم. وأما إذا حلف على أمر ماض واجب فقال ابن ناجي: ظاهر الكتاب أنه لا
يحنث قال: وهو كذلك باتفاق. وصرح به ابن عبد السلام عن بعض المتأخرين وهو خلاف
قول أصبغ لو حلف لغريمه لو جئتني أمس قضيتك حقك هو حانث لأنه غيب لا يدري أكان
فاعلا أم لا؟ انتهى. وما ذكره من الاتفاق خلاف قول أصبغ سبقه إليه ابن عرفة وقال: لا أعرفه
إلا من نقله. وقول ابن الحاجب فيما يأتي في إن صليت انتهى. يعني أنه لا يعرف الاتفاق إلا
من نقل ابن عبد السلام ثم قال ابن عرفة: هذا إن أراد ناقل الاتفاق الوجوب الشرعي، ولو أراد
العادم لصح الاتفاق فيما أظن كقوله امرأته طالق لو لقيني أمس أسد لفررت منه انتهى. وما
شهره المصنف من الحنث في الجائز قال ابن الحاجب تبعا لابن شاس: هو قول ابن القاسم. قال
القرافي: وهو خلاف نقل الصقلي عن ابن القاسم ومالك أنه إن أمكن الفعل شرعا لم يحنث
وإلا حنث، وخلاف ظاهر الكتاب. قال القرافي: فيحتمل أن يكون سهوا أو ظفر بنقل غريب
وترك الجادة، وعلى التقدير فهو ردئ. انتهى من ابن عرفة بعضه باللفظ وبعضه بالمعنى.
وحاصل كلام المؤلف أنه إذا علقه بماض ممتنع أو جائز حنث. وهذا القول حكاه في البيان
في كتاب الايمان بالطلاق في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم في مسألة من
قال لمن نازعه وجبذ ثوبه لا تشقه امرأته طالق لو شققته لشققت جوفك. عن أصبغ في
الواضحة: وحكى مقابله عدم الحنث مطلقا عن مالك في هذه المسألة، والثالث التفصيل بين ما
يجوز فعله فلا يحنث أو ما لا يجوز فعله فيحنث وهو قول مالك في رواية ابن الماجشون عنه
في الواضحة، ودليل قوله في كتاب الايمان بالطلاق من المدونة في مسألة الذي حلف لو كان
347

حاضرا لفقأ عين الذي يشتم أخاه أنه حانث. وحكى الثلاثة الأقوال ابن عرفة عن ابن رشد.
وقال شيخنا سيدي أحمد بن عبد الغفار: قول المصنف: ونجزان علق بماض ممتنع إلى قوله:
كلو جئت قضيتك ظاهره أن الطلاق في هذه الصور معلق على جواب لو، ولا يخفى أنه
ليس كذلك، لأن جواب لو في هذه الصور كلها أعني الممتنع بأقسامه والجائز ليس بمعلق
عليه شئ أصلا لا طلاق ولا غيره، بل هو نفسه معلق عن الشرط كما هو قاعدة في أدوات
الشروط. وقول القائل الطلاق يلزمني لو كان كذا لكان كذا إنما هو حالف بالطلاق على
صدق هذا التعليق المستفاد من الشرطية كأنه يقول: الطلاق يلزمني هذه الملازمة صادفة ولذلك
عبر ابن عرفة عن هذه المسألة بقوله: لو حلف به على فعل مرتب على فرض ماض لم يقع ففي
حنثه ثالثها إن كان فعله ممنوعا انتهى.
فإن قلت: فعلى هذا لا تكون المسألة مما علق فيه الطلاق أصلا فلا شئ ذكرها ابن
عرفة وغيره في باب التعليق.
قلت: الحلف بالطلاق مطلقا ينحل من حيث المعنى إلى التعليق فكأنه في هذه المسائل
يقول: إن كانت الملازمة غير صادقة فامرأته طالق، فالطلاق في الحقيقة معلق على عدم صدق
الملازمة فجعله معلقا على حال الشرطية المصرح بها في النص فيه مسامحة والله أعلم. انتهى
كلام سيدي أحمد بن عبد الغفار.
فرع: قال ابن رشد في شرح المسألة المذكورة: لو حلف بالطلاق أن يشق كبده إن شق
ثوبه في المستقبل لم يختلف في أنه لا شئ عليه إن لم يشق الثوب ولا في أنه يعجل عليه
الطلاق إن شقه ولا يمكن من أن يشق كبده انتهى.
تنبيه: قال في الشامل: وهل تعليقه مكروه أو ممنوع ويؤدب فاعله؟ خلاف. انتهى يعني
تعليق الطلاق والله أعلم. ص: (أو مستقبل محقق) ش: ابن عرفة: وفيها إن أتى أجل طلاقها
بعد أن تزوجها لم تطلق عليه. انتهى وقاله في التوضيح.
فرع: قال ابن القاسم فيمن قال لامرأته أنت طالق إذا قدم الحاج إنها تطلق الساعة لأنه
348

أجل آت وحمل الكلام على الزمن لا على القدوم كما هو المذهب أيضا في البيع إلى قدوم
الحاج. انتهى من ابن عبد السلام عند قول ابن الحاجب. فإن قال بعد قدوم زيد بشهر طلقت
عند قدومه ونقل المسألة في النوادر عن ابن القاسم في المجموعة.
فرع: قال ابن عرفة: ومن قال إذا مات فلان فأنت طالق لزمه الطلاق مكانه. وفي
الواضحة عن مطرف وأصبغ: إذا خسفت الشمس أو مطرت السماء لزمه الطلاق بكلامه لأنه
أجل آت. جبن حارث: أنت طالق إلى مستهل الهلال أو إلى وقت يأتي على كل حال فهي
طالق وقت قوله اتفاقا. وسمع ابن القاسم في العدة أن ناسا اختلفوا فيمن طلق إلى أجل سماه
وأن عطاء كان يقول ذلك فقال مالك: لا أقول له ولا لغيره هذه المدينة دار النبي (ص) ودار
الهجرة، فما ذكروا أن المطلق إلى أجل يتمتع بامرأته إلى ذلك الاجل فإنا لم ندرك أحدا من
علماء الناس قاله وهذا شبيه المتعة. ابن رشد: قياسه ذلك على المتعة صحيح واستدلاله بأنه
الذي عليه أهل المدينة دليل على أن إجماعهم عنده حجة فيما طريقه الاجتهاد، والذي عليه
أهل التحقيق أن إجماعهم إنما هو حجة فيما طريقه التوقيف أو أن الغالب منه أنه عن توقيف
كنفي زكاة الخضراوات والاذان. انتهى. وقال في النوادر في ترجمة الطلاق إلى أجل: قال ابن
سحنون عن أبيه فيمن قال لزوجته أنت طالق في شهر كذا أو إلى شهر كذا: فهو سواء وهو
طلاق إلى أجل وتطلق الساعة. انتهى. وما قاله في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب
وكذلك إن لم أطلقك رأس الشهر البتة فأنت طالق البتة أنه ينجز عليه البتة لأن إحدى البتتين
عند رأس الشهر لا بد منها لأنه إن طلقها البتة فواضح وإلا وقعت البتة المعلقة فكان بمنزلة من
قال أنت طالق رأس الشهر البتة، وقد تقدم أن من علق الطلاق مثل هذا يعجل عليه. انتهى.
فائدة لطيفة: تتعلق بالكلام على تعليق الطلاق بشهر قال القرافي في الفرق الثالث
أنشد بعض الفضلاء:
ما يقول الفقيه أيده الله * ولا زال عنده الاحسان
في فتى علق الطلاق بشهر * قبل ما قبل قبله رمضان
واعلم أن هذا البيت من نوادر الأبيات وأشرفها معنى وأدقها فهما وأعذبها استنباطا، لا
يدرك معناه إلا العقول السليمة والأفهام المستقيمة والأفكار الدقيقة من أفراد الأذكياء وآحاد
الفضلاء والنبلاء بسبب أنه بيت واحد، وهو مع صعوبة معناه ودقة مغزاه يشتمل على ثمانية
أبيات في الانشاء بالتغيير والتقديم والتأخير بشرط استعمال الألفاظ في حقائقها دون مجازاتها
مع التزام صحة الوزن على القانون العربي اللغوي، وكل بيت مشتمل على مسألة من الفقه في
التعاليق الشرعية والألفاظ اللغوية، وتلك المسألة صعبة المغزى وعرة المرتقى ثم قال: هذا تقرير
البيت على هذه الطريقة من التزام الحقيقة والوزن. وأما على خلافهما من التزام المجاز وعدم
349

الوزن بأن يكون الكلام نثرا فتصير المسائل والأجوبة تسعمائة مسألة وعشرين مسألة من المسائل
الفقهية والتعاليق اللغوية. ثم ذكر في آخر كلامه كيفية وصول ذلك إلى العدد المذكور وقال
بعده: وإن زدت في لفظ البعد أو القبل وصل الكلام إلى أربعين ألف مسألة وأكثر على
حسب الزيادة فتأمل ذلك فهو من طرف الفضائل والفضلاء والأذكياء والنبهاء. وقال إثر كلامه
السابق: وقد وقع هذا البيت لشيخنا الامام الصدر العالم جمال الفضلاء رئيس زمانه في العلوم
وسيد وقته في التحصيل جمال الدين الشيخ أبي عمرو يعني ابن الحاجب بأرض الشام وأفتى
فيه وتفنن وأبدع فيه ونوع رحمه الله تعالى وقدس روحه الكريمة، وها أنا قائل لك لفظه الذي
وقع بفصه ونصه، ثم أذكر لك بعد ذلك ما وهب الله تعالى لي من فضله من أمور لم يتعرض
لها الشيخ ينبغي زيادتها وإيضاحها.
ثم ذكر جواب ابن الحاجب الذي في أماليه بلفظه، ثم ذكر ما (ظهر له فيه وأطال
الكلام في ذلك بنحو الثلاث ورقات ثم قال في آخر كلامه: وتقريب أجوبة المسائل أن تعلم
أن جميع الأجوبة الثمانية منحصرة في أربعة أشهر، طرفان وواسطه: فالطرفان جمادي الأخير
وذو الحجة، والواسطة شوال وشعبان. وتقريب ضبطها أن جميع البيت إن كان قبل فالجواب
بذي الحجة، أو بعد فالجواب جمادي الأخيرة، أو ترك من قبل وبعد فمتى وجدت في الأخير
قبل بعده أو بعد قبله فالشهر مجاوز لرمضان فإن كل شهر قبل بعده أو بعد قبله. فالكلمة
الأولى إن كانت حينئذ قبل فهو شوال لأن المعنى قبله رمضان أو بعد فهو شعبان لأن التقدير
بعده رمضان. وهذا إن اجتمع آخر البيت قبل وبعد، فإن اجتمع قبلان أو بعدان وفيهما
مخالف لهما في البعديين شعبان وفي القبليين شوال فشوال ثلاثة وشعبان ثلاثة، فهذه الستة
هي الواسطة بين جمادي وذي الحجة. انتهى كلامه باختصار لفظه وتقديم وتأخير. وما ذكره
من أن البيت المذكور يشتمل على ثمانية أبيات وكل بيت على مسألة وأن الثمانية الأجوبة
منحصرة في الأربعة الأشهر المذكورة إنما هو بالتقديم والتأخير وقبل وبعد كما أشار إلى ذلك
في كلامه المتقدم. فالأول هو ما أنشده القرافي وهو قوله: بشهر موصوف بأن ما قبل قبله
رمضان، والجواب هو ذو الحجة لأن تقدير الكلام بشهر موصوف بأن الذي قبل قبله أي ذلك
الشهر الذي علق عليه الطلاق رمضان، وهذا الشهر هو أحد الطرفين. الثاني بشهر بعد ما بعد
بعده رمضان، والجواب هو جمادي الأخيرة لأن تقدير الكلام علق الطلاق على شهر موصوف
بأن الذي بعد بعده أي ذلك الشهر رمضان وهذا الشهر هو الطرف الثاني. الثالث بشهر قبل ما
بعد بعده رمضان، والجواب هو شعبان لأن القاعدة في ذلك أن كل ما اجتمع فيه منها قبل
وبعد فألغهما لأن كل شهر حاصل بعد ما هو قبله وحاصل قبل ما هو بعده فلا يبقى حينئذ
بعده إلا رمضان فيكون شعبان، أو قبله رمضان فيكون شوال، وعلى هذا يتخرج ما فيه قبل
وبعد، وهذان الشهران أعني شعبان وشوال هما الواسطة ويتكرران ثلاث مرات كما تقدم
350

بيانه. الرابع بشهر قبل ما بعد قبله رمضان، والجواب هو شوال بناء على القاعدة التي قبله.
الخامس بشهر بعد ما قبل بعده رمضان، والجواب هو شعبان لأن المعنى بعده رمضان وهو
شعبان. السادس بشهر بعد ما بعد قبله رمضان، والجواب هو شعبان أيضا لأن المعنى بعده
رمضان وهو شعبان. السابع بشهر بعد ما قبل قبله رمضان، والجواب هو شوال لأن المعنى قبله
رمضان وذلك شوال. الثامن بشهر قبل ما قبل بعده رمضان، والجواب هو شوال أيضا لأن
المعنى قبله رمضان أيضا والله أعلم. ص: (أو إن لم أمس السماء) ش: هذا محقق عدم ثبوته
والأمثلة الأول محقق وقوعها. وانظر إذا قال امرأته طالق إن لم يوره النجوم في النهار، هل
يحمل على المبالغة أم على ظاهره؟ وفي الذخيرة في كتاب الايمان في مدارك البر والحنث قال:
المدرك الرابع مقتضى اللفظ لغة ثم قال: قال أبو الوليد: هذا في المظنون، وأما المعلوم وكقوله
والله ليورينه النجوم في النهار ونحوه فلا خلاف أنه يحمل على ما علم من ذلك من المبالغة
دون الحقيقة، انتهى ونقله في الشامل في كتاب الايمان. ص: (أو إن لم يكن هذا الحجر
حجرا أو لهزله كطالق أمس) ش: هذا الكلام موافق لما في التوضيح حكما مخالف له تعليلا
إلا أن تسقط أو من قوله أو لهزله كما قال ابن غازي، ومخالف لكلام ابن عرفة حكما. قال
ابن عرفة: ولو علقه على واضح نقيضه مؤخرا عنه كأن لم يكن هذا الانسان إنسانا فأنت طالق
فلا شئ عليه ومقدما عليه. قال ابن الحاجب: حانث كانت طالق أمس.
قلت: الا ظهر كإن شاء هذا الحجر. وتقدم نقل اللخمي في أنت طالق إن هذا لعمود.
ولابن محرز في أنت طالق أمس لا شئ عليه انتهى. ونقل اللخمي الذي أشار إليه هو ما نقله
351

عنه في أوائل الكلام على التعليق ونصه: ولو علقه على محال كإن شاء هذا الحجر ففي لزومه
طلاقها. نقل اللخمي عن سحنون وابن القاسم ونقلهما الصقلي عن القاضي روايتين وللشيخ
عن ابن القاسم مرة كسحنون. اللخمي: وعليهما قوله إن هذا الحجر. ولمحمد عن أصبغ: من
قال في منازعة امرأته أنت طالق إن هذا لعمود، هي طالق إن لم تكن منازعتهما في العمود.
اللخمي: أرى أن يحلف في جميع ذلك ويبر إن قامت عليه بينة، وإن جاء مستفتيا فلا يمين
عليه. إلا أن تدعي الزوجة ندمه فيحلف. انتهى. وإنما قال ابن عرفة إنه إن كان لفظ أنت طالق
مؤخرا عن المعلق لا يحنث ونقل في الثاني وهو ما إذا قدم لفظ أنت طالق كلام ابن الحاجب
ويحنث فيه، لأنه قد يقال في الثاني إنه طلق وإنما أتى بأمس ندما والله أعلم. وأما إذا قال إن
كان هذا الحجر حجرا أو إن كان هذا الانسان إنسانا فظاهر كلام ابن عبد السلام أنه الذي
ثبت في نسخته من ابن الحاجب وشرح عليه أنها تطلق عليه لهزله قال: إلا أن يقترن بالكلام
ما يدل على أن المراد المجاز وهو تمام الأوصاف الانسانية كالكرم والشجاعة وغير ذلك وكون
الحجر صلبا بحيث لا يتأثر للحديد، فعلق المتكلم الطلاق على وجود هذه الأوصاف وعدمها،
فإذا لم يحصل ذلك الشرط لم يحصل الطلاق. وأما قول المؤلف يعني ابن الحاجب كما لو
قال طالق أمس، فلا شك أن مقتضى هذا الكلام في اللغة الهزل إذا قصد به الانشاء، وأما إن
قصد به الخبر فلا هزل ويلزم الطلاق لكونه من باب الاقرار، وأهل العرف يستعملون ما يقرب
لهذا في المستقبل الذي يجزمون بوقوعه كجزمهم بالماضي ومرادهم التشبيه في تحقق الوقوع،
فيقال للانسان منهم أتفعل كذا؟ فيجيب بأن يقول أمس. فإن وقع مثل هذا في الطلاق
فالأقرب أنه لا يلزم لأنه وعد بالطلاق لا إيقاع الطلاق. انتهى كلام ابن عبد السلام ص: (أو
غالب كإن حضت) ش: هذا في غير اليائسة والشابة التي لم تر الحيض. قال اللخمي: وأما إن
كانت يائسة ممن لم تر الحيض لم يعجل بالطلاق على كل حال. انتهى من التبصرة ونقله في
352

التوضيح عنه. وقال ابن عبد السلام: وهذا في غير اليائسة والصغيرة، وأما اليائسة والصغيرة
يقول لهما أو لإحداهما إذا حضت فلا خلاف أنها لا تطلق عليه حتى ترى دم الحيض. انتهى.
واعترض عليه ابن عرفة في قبول قول بعضهم فقال: وقبول ابن عبد السلام قول بعضهم هذا
في غير اليائسة والصغيرة لو قال لإحداهما إذا حضت فأنت طالق فلا خلاف أنها لا تطلق
عليه حتى ترى الحيض يرد بنقل الشيخ من الواضحة. قال ابن الماجشون من قال لزوجته ولم
تحض إذا حضت فأنت طالق طلقت الآن، ولو كانت قعدت عن المحيض لم تطلق إلا أن
تحيض، يريد ويقول النساء إنه دم حيض. انتهى. وكان مناقشته معه في قبول نفي الخلاف
في الصغيرة التي لم تحض لأن ظاهر كلام ابن الماجشون أنه لم يحك عدم الطلاق إلا في
التي قعدت عن المحض وهي اليائسة، وشمل قوله أولا من قال لزوجته ولم تحض الصغيرة
التي لم تر الحيض فتأمله والله أعلم. ومثل كلما حضت أو كلما جاء شهر أو يوم أو سنة
قال ابن عرفة: وفيها في أنت طالق كلما حضت أو كلما جاء يوم أو شهر أو سنة طلقت
عليه الآن ثلاثا ولم تعد يمينه إن نكحها بعد زوج لذهاب الملك الذي طلق فيه. انتهى.
وانظره فإنه أطال الكلام في ذلك. وأما إذا قال لها إن طهرت فينجز عليه، سواء أراد بالطهر
انقطاع الدم أو حلية الصلاة على المشهور، وفرق بينهما في الجواهر والأول ظاهر التوضيح.
وإذا فرعنا على المشهور من أنها تطلق فهل يفتقر إلى حكم؟ فقال مالك وابن القاسم: يلزمه
الطلاق مكانه متى تكلم بذلك ولا يفتقر إلى حكم. قاله في التوضيح قال ابن عبد السلام:
ولزومه من غير حكم هو الجاري على الأصل. انتهى. وقال في الشامل: وعلى الحنث فلا
يحكم على الأصح. فإن قال كلما حضت لزمه ثلاث لا اثنتان على المشهور ومتى كذلك
إن نوى معنى كلما وإلا فمثل إن. انتهى. والمشهور قول ابن القاسم ومقابله لسحنون.
قال ابن عبد السلام: ولو قال لامرأته كلما حاضت فلانة لامرأة أجنبية لعجلت الثلاث على
قول ابن القاسم وسحنون معا. انتهى. وناقشه ابن عرفة فقال: يرد بمنع كونه على مذهب
سحنون بل الصواب جريها على قوله في كلما جاء شهر أو سنة لاحتمال انقضاء عدة
المطلقة قبل الحيضة الثانية للأجنبية كالشهر والسنة. انتهى. وقال في المدونة: وإن قال لها إن
حضت أو إذا حاضت فلانة وفلانة ممن تحيض فأنت طالق طلقت الآن وتأخذ في العدة
فتعتد بطهرها التي هي فيه من عدتها، قال الشيخ أبو الحسن: ولو كانت ممن لا تحيض لكان
مطلقا إلى أجل قد يأتي وقد لا يأتي كالطلاق إلى قدوم زيد. انتهى. وانظر إذا قال
لحائض يعلم حيضتها أو طاهر يعلم طهرها إذا حاضت أو طهرت فأنت طالق، والظاهر
من المذهب الحنث لأن الذي يظهر أنه بمنزلة قوله إن كان هذا الحجر حجرا وانظر إذا قال
إن لم تحيضي أو إن لم تطهري لطاهر أو لحائض هل يوقف عنها وهو الظاهر أو ينجز الحنث
353

ولا وجه له والله أعلم. ص: (أو محتمل واجب كإن صليت) ش: قال ابن الحاجب: إلا
أن يتحقق المؤجل. قال في التوضيح: مثاله لو قال إن صليت اليوم فأنت طالق فمضى اليوم
ولم تصل. انتهى. ويفهم من هذا أنه لا يتنجز إلا بحكم والله أعلم. ص: (أو فلان من
أهل الجنة) ش: ليس هذا من أمثلة ما لا يعلم حالا ويعلم مآلا وإنما هو من أمثلة ما لا يعلم
حالا ومآلا كما قاله في التوضيح وكان الأنسب ذكره هناك.
فروع: الأول: قال في رسم جاع من سماع عيسى من كتاب الايمان بالطلاق: وقال
مالك في الرجل يقول لامرأته أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة: إنها طالق ساعته. إذ قال
ابن القاسم: وإن لم أدخل الجنة مثله. قال ابن رشد: ساوى ابن القاسم بين أن يحلف أنه من
أهل الجنة أو يحلف ليدخلن الجنة. ومثله لمالك في المبسوط إذا حلف على ذلك حتما. وقال
الليث بن سعد: لا شئ عليه وإليه ذهب ابن وهب. ولا يخلو الحالف على هذا من أن يريد
بيمينه أنه من أهل الجنة الذين لا يدخلون النار، أو من أهل الجنة الذين لا يخلدون. أو لا نية
354

له. فأما إن أراد أنه من الذين لا يدخلون النار فتعجيل الطلاق عليه بين ظاهر وذكر وجه
ظهوره ثم قال في آخر كلامه: فلا ينبغي أن يختلف في هذا الوجه. وأما إن أراد أنه من الذين
لا يخلدون فالمعنى في يمينه أنه لا يكفر بعد إيمانه فالحالف على هذا حالف على أمر به من
الثبوت على الاسلام فهذا بين أنه لا شئ عليه، لأنه إنما هو حالف على أنه لا يكفر فلا ينبغي
أن يختلف في هذا أيضا. وأما إن لم تكن له نية فالظاهر من مذهب مالك وابن القاسم أن
يمينه تحمل على الوجه الأول فيعجل عليه الطلاق، والأظهر أن يفرق بين اللفظين فيحمل قوله
إن لم يكن من أهل الجنة على الوجه الأول فيعجل عليه الطلاق، ويحمل قوله إن لم أدخل
الجنة على الوجه الثاني فلا يكون عليه شئ. وقول الليث وابن وهب بناء على حمل قوله على
الوجه الثاني ولا يتأول عليهما أنهما حملاه على الوجه الأول ولم يوجبا طلاقه لأنه خروج إلى
الارجاء. انتهى..
فائدة: نقل ابن عرفة إثر نقله هذه المسألة أن ابن سحنون يقول: إخبار المرء عن إيمان
نفسه جزم فقط وابن عبدوس يجيز تقييده بأن شاء الله ثم قال: وفي الاخبار عمن سمع لفظ
إيمانه بأنه مؤمن عند الله مطلقا أو بقيد قوله إن وافقت سريرته علانيته قولا ابن التبان والشيخ.
انتهى. وقال في أوائل كتاب الجامع من الذخيرة.
مسألة: قال ابن أبي زيد في جامع المختصر: قيل لمالك: أقول أنا مؤمن والله محمود أو
إن شاء الله؟ فقال: قل مؤمن ولا تقل معها غيرها. معناه لا تقل إن شاء الله. وهذه مسألة
خلاف بين العلماء قال الأشعري والشافعي وغيرهما: يجوز إن شاء الله. وقال أبو حنيفة وغيره:
لا يجوز لأن الايمان يجب فيه الجزم ولا جزم مع التعليق. وقال غيرهم: بل يجوز لاحد وجوه.
إما أن يريد المستقبل وهو مجهول حصول الايمان فيه، أو يريد يقع الايمان الحاضر في المستقبل
355

وهو مجهول الحصول، أو يكون للتبرك لا للتعليق. انتهى. الثاني قال البرزلي في مسائل الايمان:
وسئل أبو القاسم الغبريني عمن حلف بالطلاق ما يموت إلا على الاسلام إدلالا على كرم
الكريم، هل يكون عليه شئ أم لا؟ جوابها إذا كان مراده بذلك أنه لا يكفر بعد إيمانه ولا
ينتقل عن إسلامه فهذا بين أنه لا شئ عليه لأنه إنما حلف أن يثبت على إسلامه. البرزلي:
وسكت عن مراده إن قصد حسن الخاتمة أو دخول الجنة، وعندي أنها تجري على مسألة من
حلف أنه من أهل الجنة والمشهور " الحنث. وقيل: لا حنث عليه. ومنهم من يفرق بين أن يستدل
عليه ويثبت له دليل بالأحاديث مثل حلفه على عمر بن عبد العزيز أنه من أهل الجنة فلا يلزمه
يمين وإلا لزمه الحنث لأن العلماء أجمعوا على عدالته، ورأيت في بعض كتب التصوف أن
بعض أمراء بني العباس حلف أنه يدخل الجنة فاستفتى الفقهاء فأفتوه بالحنث إلا رجلا منهم
قال له: عرض لك معصية قط وتركتها لوجه الله؟ قال: نعم واعدت امرأة لأفعل بها فلما
تحصلت لي وهممت بالفعل خفت من الله وتركت شهوتي فقال: لا حنث عليك لقوله تعالى:
* (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) * (النازعات:
40 - 41) ورأيت فيه أيضا في رجل صعد لشجرة عريانا فحلف آخر أنك لا تنزل إلا مستورا
ورأيت فيه أيضا في رجل صعد لشجرة عريانا فحلف آخر أنك لا تنزل إلا مستورا
ولا يمد أحد إليك لباسا فأفتوه بالحنث إلا رجلا منهم قال له: انزل بالليل ولا حنث على
الحالف لقوله تعالى: * (وجعلنا الليل لباسا) * اه‍.
قلت: وهذا جار على مذهب أهل العراف الذين يراعون ظواهر الألفاظ لا المقاصد،
والآتي على مذهب مالك رحمه الله حنثه إلا أن يدل سياق على ما قال. وعكس هذه المسألة
إذا حلف أن الحجاج من أهل النار فاختلف فيها أيضا لأنه من أهل القبلة، وقد رأيت بعض
الفقهاء أفتاه بعدم الحنث وقال: إن كان هذا حانثا فجنايته أقل من جناية الحجاج ومع ذلك
رجى له النجاة، وإن كان صادقا فقد وافق. ونزلت قضية وهي أن رجلا حلف بالثلاث أن
تبارك الملك تجادل عنه فاستفتى بعض أصحابنا فقال: تطلق عليه لأن هذا مظنون. وقلت أنا: لا
حنث عليه لوجوه منها: أنه حلف على أنها تجادل عنه وهذا من العمليات، ونص الأصوليون
على أن العمل بخبر الآحاد قطعي بخلاف ما لو حلف على أن هذا الحديث صحيح وخبر
الآحاد مظنون غير مقطوع به. ومنها أن هذا الحديث ثبت في الموطأ. وحكي في المدارك عن
بعض عدول المحدثين أنه إذا حلف الانسان أن كل ما وقع في الموطأ صحيح فإنه لا يحنث.
ومنها أن الاحكام مبنية على غلبة الظنون. واحتج من خالف بأن من قال تجادل عن صاحبها
وكيف يعرف أنه من أصحابها فأجبته: إذا ثبت له وصف الصحيح المذكورة في أصحابه (ص)
على أكمل وجوه ما قيل فيها من كثرة الملازمة لقراءتها وتحصيل ما أوجب ثلوج صدره بأنه
كذلك وهو مستفت وكذا وقع السؤال، هل الحجاج أعظم معصية من الزمخشري أو بالعكس؟
فوقع الجواب أن على القول بأن مذهبه يقود إلى الكفر فهو أعظم، وإن قلنا يقود إلى الفسق
356

فيقع التردد في الترجيح لأن معصية الزمخشري مما يرجع إلى الذات الإلهية، ومعصية الحجاج
بالجوارح لكنها تتعلق بحق المخلوقين، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: ذنب لا يتركه الله وهو
مظالم العباد، وذنب لا يعبأ الله به وهو ما بين العبد وبين خالقه، وذنب لا يغفره الله وهو
الشرك بالله. وإن كان في صحة هذا الأثر مقال ذكره عز الدين وكان يتقدم الترجيح أن
الحجاج أعظم جرما لأن أفعاله تدل على عدم إيمانه مع كثرته وجراءته على الصحابة والتابعين
وخيرة هذه الأمة. انتهى والله أعلم.
وما ذكره فيمن حلف على عمر بن عبد العزيز أنه من أهل الجنة ذكره في العتبية في
أول سماع عبد الملك بن الحسن في كتاب الايمان بالطلاق ونصه: قال عبد الملك: وأخبرني
غير واحد من المصريين أن ابن القاسم عن رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم يكن عمر بن
الخطاب في الجنة قال ابن القاسم: لا حنث عليه. وأخبرني من أثق به عن ابن القاسم في أبي
بكر مثل ذلك. قال ابن الصلت: وسمعت ابن القاسم يقول في عمر بن عبد العزيز مثل ذلك.
قال ابن رشد: أما من حلف بالطلاق أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما من أهل الجنة فلا
ارتياب في أنه لا حنث عليه، وكذلك القول في سائر العشرة أصحاب حراء الذين شهد لهم
رسول الله (ص) بالجنة، وكذلك من جاء فيه عن النبي (ص) من طريق صحيح أنه من أهل الجنة
كعبد الله بن سلام فيجوز أن يشهد له بالجنة. وأما عمر بن عبد العزيز فتوقف مالك رحمه الله
في تحنيث من حلف عليه أنه من أهل الجنة وقال: هو إمام هدى وهو رجل صالح ولم يزد
على هذا لأنه لم يرد فيه نص يقطع العذر. ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم التعلق بظاهر
ما روي عن النبي (ص) من قوله: إذا أردتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه فانظروا ماذا يتبعه من
حسن الثناء وقوله: أنتم شهداء الله في أرضه. من أثنيتم عليه بخير وجبت له الجنة، ومن
أثنيتم عليه بشر وجبت له النار وقد حصل الاجماع من الأمة على حسن الثناء عليه
والاجماع معصوم لقوله: لم تجتمع أمتي على ضلالة انتهى. وما ذكره البرزلي عن المدارك
فيمن حلف أن كل ما في الموطأ صحيح أنه غير حانث، ذكره في مختصرها أيضا. وقال ابن
فرحون في الديباج المذهب: لما تكلم على الموطأ وثناء الناس عليه قال أبو زرعة: لو حلف رجل
بالطلاق على أحاديث الموطأ التي في الموطأ أنها صحاح كلها لم يحنث، ولو حلف على
حديث غيره كان حانثا. انتهى والله أعلم.
357

الثالث: قال في سماع أصبغ من كتاب الايمان بالطلاق: وسئل عن رجل قال لرجل: أنا
والله أتقى لله منك وأشد حبا لله ولرسوله وامرأته طالق البتة قال: أراه حانثا. قيل له: فلو قال له
امرأته طالق إن لم يكن فلان أتقى لله منك وأشد حبا لله ولرسوله منك؟ قال: إن كان ذلك
في رجل من أصحاب رسول الله (ص) وقد عرف فضله مثل أبي بكر وعمر فلا شئ عليه،
وإن قال ذلك لأهل هذا الزمان فهو حانث إلا أن يعلم من ذلك الذي حلف عليه فسقا بينا
فأرجو أن لا يكون عليه شئ. قال ابن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة على أصولهم فيمن
حلف على غيب لا يعلم حقيقته أنه حانث. ويريد بقوله وقد عرف فضله على صاحبه أي من
قد عرف فضله من أصحاب رسول الله (ص) على صاحبه الذي قال له: أنا أتقى لله منك وأشد
حبا لله ولرسوله. وقوله مثل أبي بكر وعمر وغيرهما من فضلاء الصحابة كعبد الله بن عمر
ومعاذ بن جبل وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود ومن سواهم ممن شهرت فضائلهم
وعلمت مناقبهم. ولو حلف بالطلاق أن فلانا لرجل غير مشهور من الصحابة أتقى لله وأشد
حبا لله ولرسوله لرجل من أهل الزمان معلوم بالخير لحنث بدليل قوله (ص): أعجب الناس
إيمانا قوم يخرجون من بعدي ويؤمنون بي ولم يروني ويصدقوني ولم يروني أولئك إخواني ولو
حلف بذلك في بعض الصحابة على بعض لحنث إلا في أبي بكر وعمر للاجماع الحاصل من
أهل السنة أنهما أفضل من غيرهما وأن أبا بكر هو الأفضل وبالله التوفيق. ومثله أن يحلف أن
فلانا يعني من غير المشهورين من الصحابة أو التابعين خير من فلان يعني به شخصا من أهل
هذا الزمان المعروفين بالصلاح والخير، ولا يقال قد ثبت أن خير القرون الذين رأوا رسول
الله (ص) ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم لأن هذا من حيث الجملة لا من حيث كل شخص
على انفراده والله أعلم ص: (أو إن كنت حاملا أو إن لم تكوني) ش: هذا من أمثلة ما لا
يعلم حالا. وهكذا قوله إن كان في بطنك غلام أو إن ولدت جارية إلى غير ذلك من الفروع
كلها من باب واحد. وقول المصنف فيما يأتي: أو إن ولدت جارية مع الفروع التي ذكرها
358

في التوضيح وابن عبد السلام هنا مبنية على خلاف ما يشهر هنا والله أعلم. ص: (وحملت
على البراءة) ش: قال ابن عرفة: فيه على المشهور أن الحامل تحيض نظر. انتهى. ص: (أو بما
لا يمكن إطلاعنا عليه) ش: تصوره واضح.
مسألة: قال البرزلي: وسئل ابن أبي زيد عمن حلف بطلاق زوجته ما أنا إلا فلان ابن
فلان يعني أباه. فأجاب: لا حنث عليه. وأجاب القاضي القابسي بأنه حانث لأنه يمين غموس.
359

قال البرزلي: قلت: إن كان مقصده أنه ينسب إلى أبيه لا إلى غيره فهو بار في يمينه، وإن أراد
في نفس الامر فيجري على اليمين على غلبة الظن أنه كالشك والوهم ولهذا قال غموس.
انتهى. ص: (بخلاف إلا أن يبدو لي في المعلق عليه فقط) ش: نص عليه في العتق الأول من
المدونة في أوائله. وقوله: فقط احتراز مما إذا قال إلا أن يبدو لي في الطلاق مثل أن يقول
أنت طالق إلا أن يبدو لي فإنه لا ينفعه. قال ابن رشد في رسم جاع من سماع عيسى من
الايمان بالطلاق: فلا خلاف كما أنه إذا قال إلا أن يبدو لي في المعلق عليه ينفعه بلا خلاف.
انتهى بالمعنى وسيصرح به المصنف والله أعلم.
مسألة نازلة: رجل قال لزوجته أنت طالق إلا أن يبدل الله ما في خاطري فأجبت بأنها
كمسألة أنت طالق إلا أن يبدو لي والمشهور فيها اللزوم، بل حكى ابن رشد في رسم جاع من
سماع عيسى من الايمان بالطلاق أنه لا خلاف في لزوم الطلاق وأشرت بذلك لكلامه المتقدم.
ص: (أو كإن لم تمطر السماء غدا) ش: اللخمي: وإن قال أنت طالق إن أمطرت السماء
كانت طالق الساعة لأن السماء لا بد أن تمطر. وإن قال إن لم تمطر فأنت طالق فلا شئ
عليه، وسواء عم أو خص بلدا لأنه لا بد أن تمطر في زمن ما، وكذلك إن ضرب أجلا عشر
سنين أو خمس سنين.
مسألة نازلة: وهي أن شخصا خاصم شخصا فقال أحدهما وكأنه المظلوم خيمته علي
360

حرام إن لم ينصفني الله من فلان، فمكث يومين ونحوهما فأصابه مرض فقتله، والخيمة في
عرفهم كناية عن الزوجة، فأجبت بأن الظاهر أن هذا من الحلف على الغيب نحو إن لم تمطر
السماء غدا فالمشهور أنه ينجز عليه الطلاق، فإن غفل عنه حتى وقع المحلوف عليه فحكى ابن
رشد في رسم يوصي من سماع عيسى من الايمان بالطلاق في ذلك قولين، قال المغيرة يلزمه،
وقال ابن القاسم لا يلزمه وذكر القولين في التنبيهات، وحكى عن فضل بن مسلمة أنه حكى
القولين عن ابن القاسم. ص: (أو يحلف لعادة فينتظر) ش: كما في حديث الموطأ إن نشأت
بحرية فتشاءمت فتلك عين غديقة. قال ابن الأثير في النهاية: أي كثرة الماء هكذا جاءت
مصغرة وهو من تصغير التعظيم. انتهى من باب الغين المعجمة مع الدال المهملة فيكون بغين
معجمة مضمومة ودال مهملة مفتوحة ثم ياء مثناة تحتية ساكنة ثم قاف مفتوحة انتهى. وأما
قوله: بحرية فرأيته مضبوطا بالفتح والظاهر أنه منصوب على الحال من الضمير المستتر في
تشاءمت العائد للسحابة المفهومة من السياق. وقد ورد إذا نشأت السحابة من العين فتلك
عين غديقة ذكره ابن الأثير في النهاية. والغدق بفتح الدال المطر الكبار وغدق اسم بئر معروفة
في المدينة. قاله في النهاية ص: (أو بمحرم كإن لم أزن إلا أن يتحقق قبل التنجيز) ش:
361

والظاهر أنه لا يبر بمقدمات الجماع. واعلم أن كلامه هنا يدل على أن التنجيز إنما يكون بحكم
حاكم والله أعلم. ص: (أو إن شاء هذا الحجر) ش: قال الرجراجي: وإن علقه بمشيئة ما لا
تصح مشيئته كالجمادات وغيرها من الحيوانات مثل أن يقول: أنت طالق إن شاء هذا الحجر أو
ينشد هذا الحمار:
قفا نبك من ذكرى
هل يلزم الطلاق أم لا؟ فالمذهب على قولين: أحدهما أنه لا شئ عليه وهو قول ابن
القاسم في المدونة، والثاني وهو قول ابن القاسم في النوادر وبه قال سحنون. انتهى. ص: (أو
لم تعلم مشيئة المعلق بمشيئته) ش: قال في المدونة: وإن مات فلان قبل أن يشاء وقد علم
362

بذلك أو لم يعلم أو كان ميتا قبل يمينه أو قال لها: إن شاء هذا الحجر أو الحائط فلا شئ
عليه. انتهى. قال ابن ناجي: وظاهر قوله أو كان ميتا قبل يمينه علم بذلك أم لا وهو كذلك
في أحد القولين. وقيل: يلزم الطلاق إن علم ويعد نادما. وقال اللخمي في التبصرة: وكذلك
إن كان فلان ميتا ولم يعلم الزوج بموته فلا شئ عليه. واختلف إذا كان عالما بموته فذكر
القولين ثم قال: وإن قال أنت طالق إن كلمت فلانا إلا أن يشاء فلان وفلان ميت كانت
اليمين منعقدة فإن كلمه طلقت عليه. انتهى. ص: (أو لا يشبه البلوغ إليه) ش: أي لا يبلغه
عمر أحد الزوجين وليس المراد أنه لا يبلغه عمرهما معا. قاله في التوضيح: وقال في التوضيح
أيضا: قال في البيان: والمعتبر الأعمار التي يعمر إليها المفقود على الاختلاف بينهم في ذلك
انتهى. وظاهر كلامهم أن قائل هذا لا يلزمه طلاق ولو عاش إلى الاجل المعلق عليه مثلا لأنه
حكى في التوضيح عن الجلاب في هذه المسألة روايتين فقال أحدهما: تطلق عليه في الحال
والأخرى لا تطلق عليه بحال. انتهى. ومثله قوله في المتيطية: والأخرى أنها لا تطلق عليه
بوجه. انتهى والله أعلم. ص: (أو طلقتك وأنا صبي) ش: قال في المدونة في كتاب الايمان
بالطلاق في ترجمة الشك في الطلاق: وإن قال لها طلقتك قبل أن أتزوجك أو أنا صبي فلا
شئ عليه. وكذلك إن قال وأنا مجنون إن عرف أنه كان به جنون. انتهى. قال ابن ناجي: ما
ذكره في المثالين الأولين لا خصوصية لذلك بل وكذلك لو قال طلقتك في منامي أو قال قبل
أن تولدي فإنه يقبل قوله عند ابن القاسم، نص على ذلك في كتاب ابن سحنون وهو أحد
الأقوال الثلاثة. وقيل: يلزمه الطلاق قاله سحنون: وقيل: يصدق مع يمينه قاله في المدونة. وما
ذكره في الجنون هو أحد الأقوال الثلاثة أيضا. وقيل: يقبل سواء كان به جنون أم لا. قاله
محمد وعكسه. وقيد المغربي قولها في الصبي بما بعده فقال: معناه إذا أقام البينة أنها كانت في
363

عصمته حالة الصبا وأطلقها الأكثر. وأقام الشيخ الفقيه المفتي أبو عبد الله السكوني منها إذا قال
لها أنت طالق من ذراعي إنه لا يلزمه شئ. قال: وعلى قول سحنون يلزمه. وكان شيخنا
حفظه الله يذكر ذلك عن نفسه وقد سبقه به وذكرته في درس شيخنا ابن مهدي فقال: يمنع
التخريج على قول سحنون يجري عادة الناس بالحلف بالذراع فلا بعد منه ندما اتفاقا انتهى.
وقال الشيخ أبو الحسن في التقييد الكبير: قوله وإن قال لها طلقتك قبل أن أتزوجك. الشيخ:
صورته أن يكون قال لها فلانة طالق ولم يذكر شرط التزويج، وأما إن ذكره فيلزمه ذلك.
وقوله: أو وأنا صبي الشيخ: إن علم أنه كان تزوجها في حال الصبا صدق فيما قال الآن،
وأما الصبا فمعلوم أنه كان صبيا ويدل على هذا التقييد قوله: إن علم أنه كان به جنون وكذلك
إن علم أنه كان طلقها قبل أن يتزوجها. وقال سحنون: يلزمه الطلاق وكذلك ندم. وقوله: أو
مجنون اللخمي: إن علم أنها كانت له زوجة في حال جنونه. انتهى ص: (أو إن ولدت
جارية) ش: أعلم أن المؤلف جرى في هذا المحل على غير عادته أن يذكر المشهور ولا يذكر
الطرق، وهنا ذكر طريقين: الأولى منهما هي التي قدمها في قوله كان في بطنك غلام أو إن
لم يكن أو إن كنت حاملا أو لم تكوني، وهذه الطريقة اللخمي أنه ينجز في قول مالك بصيغة
البر والحنث ونصه في التبصرة: واختلف فيمن قال إن ولدت جارية فأنت طالق أو إن لم تلدي
غلاما فأنت طالق نحو الاختلاف المتقدم في قوله إن كانت حاملا أو إن لم تكوني حاملا، ففي
قول مالك إنها طالق مكانها في الوجهين جميعا انتهى. والاختلاف المتقدم هي الأربعة الأقوال
التي ذكرها التوضيح في هذا المحل والله أعلم. والطريقة الثانية هي التي ذكرها الآن وهي طريقة
القاضي عياض. قال في التنبيهات: قوله إن لم يكن في بطنك غلام فأنت طالق لأنها شاكة
في حالها الآن، وهذا الخلاف إن ولدت جارية وإذا ولدت جارية فلا شئ عليه حتى تلد لأنه
تعليق بشرط. وكذلك إن أمطرت السماء غدا تطلق حتى تمطر وكذا بينة في كتاب ابن
حبيب. انتهى. قال الشيخ أبو الحسن: فيظهر من قول عياض إنه حمل قول ابن حبيب على
التفسير وكذلك يظهر من ابن يونس، ويظهر من قول اللخمي إنه خلاف. انتهى من كتاب
الايمان بالطلاق والله أعلم. ص: (إذا حملت) ش: الظاهر أنها إن كانت يائسة لا تحيض لا
364

يلزمه شئ والله أعلم ص: (وانتظر إن أثبت كيوم قدوم زيد) ش: يعني أن من حلف على أمر
محتمل غير غالب يثبت فإنه لا يلزمه الطلاق حتى يقع الامر المعلق عليه كما إذا قال أنت
طالق يوم قدوم زيد فإنها لا تطلق حتى يقدم زيد. قال في المدونة: وإن قال لامرأته إذا قدم
فلان أو إن قدم فأنت طالق لم يلزمه شئ حتى يقدم فلان انتهى.
تنبيهان: الأول: قال ابن ناجي: ومعناه ما لم يقصد جعل قدومه أجلا، فإن قصده
طلقت الآن انتهى. يعني أن هذا إذا لم يكن مراده تعليق الطلاق على الوقت، فأما إن كان
مراده تعليق الطلاق على الوقت وذكر الامر الموقت على سبيل التبع فإنه يصير بمنزلة من علق
الطلاق على وقت. وقاله ابن عرفة ونقله عن النوادر والله أعلم.
الثاني: قال ابن ناجي إثر كلامه المتقدم: وظاهر الكتاب لو قدم بفلان ميتا فإنه لا حنث
عليه لأنه لا يصدق عليه قولها إذا قدم فلان. قاله أبو محمد عن سحنون واختاره شيخنا أبو
365

مهدي. وقال شيخنا حفظه الله: يتخرج على قولين من قولهم في الايمان إذا حلف لا دخل
عليه بيتا فدخل عليه ميتا فالروايات الحنث خلافا لسحنون. وانظر اللخمي إذا قال: إن قدم أبي
انتهى من كتاب الايمان بالطلاق في ترجمة جامع القول.
فرع: قال في الجواهر: ولو قال أنت طالق يوم قدوم فلان فقدم في نصف النهار تبين
الوقوع أول النهار، ولو قدم ليلا لم تطلق عليه إلا أن تكون نيته تعليق الطلاق بالقدوم انتهى.
وقال في كتاب الايمان بالطلاق من المدونة في آخر ترجمة جامع القول في الايمان بالطلاق:
وإن قال لها أنت طالق يوم أدخل دار فلان فدخلها ليلا أو حلف على الليل فدخلها نهارا دون
ليل أو ليلا دون نهار حنث إلا أن ينوي. انتهى فتأمله مع كلام الجواهر فإنهما يتعارضان فيما
إذا لم تكن له نية. وانظر كلام الجواهر أيضا مع ما قاله المازري في شرح التلقين في أثناء كتاب
الوكالة مشبها مسألة بمسألة ونصه: وكمن قال لامرأته أنت طالق يوم يقدم زيد من سفره فقدم
زيد ليلا فإنه يلزمه الطلاق، لأن المراد بقوله يوم الوقت وإطلاق هذه اللفظة على الوقت مجاز
والوقت هو الليل والنهار فلهذا لزمه الطلاق انتهى. وقال البرزلي بعد نقله كلام المدونة: وفي
كلام الشعبي من قال لعبده يوم تلد فلانة فأنت حر وقال الآخر ليلة إن تلد فلانة فأنت حر،
فإن ولدت نهارا عتق الأول، وإن ولدت ليلا عتقا معا، لأن الليل من النهار. البرزلي: ولفظ
المدونة إنما هو في اليوم وهو كمال دورة الفلك، إما من الطلوع للطلوع، أو من الغروب
للغروب، أو من الزوال للزوال وظاهر القرآن المغايرة من قوله: * (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية
أيام) * والايمان تحمل على المقاصد أو على كلام العرب، ومذهبهم أن الليل يستلزم
النهار دون العكس عند الاطلاق. انتهى فتأمله ذلك والله أعلم ص: (أو إلا أن يشاء زيد مثل
إن شاء زيد) ش: هكذا قال ابن الحاجب ونصه: فإن قال إلا أن يشاء زيد فمثل إن شاء
على المشهور. قال في التوضيح: أي فلا يطلق عليه حتى يشاء زيد لأن الطلاق فيهما موقوف
على مشيئته، وأرى في الشاذ لزوم الطلاق. والفرق أن الكلام في الصورة الثانية اقتضى وقوع
الطلاق إلا أن يشاء زيد رفعه بعد وقوعه والطلاق لا يرتفع بعد وقوعه بخلاف الصورة الأولى
366

فإن وقوع الطلاق فيها مشروط بالمشيئة. ومن هذه المسألة ما وقع لأصبغ فيمن قال أنت طالق
إلا أن يمنعني أبي فمنعه أبوه لا شئ عليه. واستشكله بعضهم بأن الطلاق بعد وقوعه لا يرتفع
بإرادة أبيه إلا أن يريد التعليق انتهى. وهذه المسألة في نوازل أصبغ من كتاب الايمان بالطلاق
قال في رجل قال لامرأته: أنت طالق البتة إلا أن يمنعني أبي فمنعه أبوه: لا أرى عليه شيئا وأراه
بمنزلة قوله إلا أن يشاء أبي فلم يشأ أبوه، وأصله قوله هي طالق إن شاء أبي فلم يشأ. قال ابن
رشد: تشبيه أصبغ إلا أن يمنعني أبي إلا أن يشاء صحيح، وأما قياسه ذلك على قوله امرأته
طالق إلا أن يشاء أبوه فليس بصحيح، لأن قوله إن شاء أبي طلاق مقيد بشرط مشيئة أبيه فلا
يقع إلا أن يشاء أبوه إذا لم يوجبه على نفسه إلا بذلك كمن قال امرأته طالق إن ضرب أبوه
غلامه أو دخل الدار، وقوله إلا أن يشاء إنما هو طلاق قيد حله عنه بمشيئة أبيه لأن تقدير قوله
امرأته طالق إلا أن يشاء أبي إلا أن يكون طلاقا ولا مشيئة لأبيه في أن لا تكون طالقا إذا كان
هو قد طلقها. فقوله لها أنت طالق فلا يسقط عنه الطلاق بما استثنى من مشيئة أبيه كما لا
يسقط عنه لو قال امرأتي طالق إلا أن يضرب أبي غلامه أو يدخل الدار وهذا بين لا خفاء فيه.
فلا يصح أن يحمل قول الرجل امرأته طالق البتة إلا أن يمنعني أبي من ذلك أو إلا أن يشاء أبي
ذلك على أن مراده بذلك إنما هو امرأتي طالق البتة إن شاء أبي إذ لا يحتمل ذلك اللفظ لكونه
ضد مقتضاه إلا أن يقول الرجل أردت ذلك فينوي إذا جاء مستفتيا. ولا يصح على أصولهم
أن ينوي في ذلك مع قيام البينة عليه فضلا عن أن تحمل يمينه على ذلك إذا لم تكن له نية.
ووجه قول أصبغ أنه لما كان قوله إلا أن يشاء أبي أو إلا أن يمنعني أبي لغو لا فائدة فيه لقائله
ولا تأثير له في الطلاق، حمل على أنه أراد إن شاء أبي إذ لا تفرق العوام والجهال بين هذه
الألفاظ، فهذا يشبه أن يفتي به الجاهل على أن من قوله في نوازله إن الجهالة ليست بأحسن
حالا من العلم في الطلاق. فقوله على كل حال ضعيف، وهذا الذي ذكرناه أظهر محتملات
كلامه. ويحتمل أن يريد بقوله امرأته طالق إلا أن يشاء أبي امرأته طالق ولا ألزم نفسي ذلك إلا
أن يشاء أبي، فيكون على هذا التأويل بمنزلة قوله إلا أن يريد أبي، وإلى هذا نحا أصبغ،
ويحتمل وجها ثالثا وهو أن يريد بذلك امرأته طالق إلا أن يفعل فلان كذا وكذا أو إن لم يفعل
كذا وكذا، فيكون على هذا التأويل كمن حلف بالطلاق على غيره أن يفعل فعلا فيحال بينه
وبين امرأته ويدخل عليه الايلاء أو يتلوم له على الاختلاف في ذلك، فهذه ثلاثة وجوه تحتملها
المسألة: فإن أراد الحالف أحدها حملت عليه يمينه، وإن لم تكن له نية فيختلف على أي وجه
منها تحمل يمينه. انتهى.
قلت: أما إذا قال إلا أن يشاء أبي فأظهر الاحتمالات هو الثاني كما قال أصبغ. وأما إذا
قال إلا أن يضرب أبي غلامه أو يدخل الدار فأظهرها الثالث فتأمله والله أعلم. ونقل ابن عرفة
367

كلام ابن رشد ص: (بخلاف إلا أن يبدو لي) ش: قال ابن عرفة: وجه تفرقته أن الرافع في
قوله: إلا أن يبدو لي هو الموقع فكان تلاعبا، والرافع في إلا أن يشاء فلان غيره فأشبه كونه
تفويضا. وقال ابن عبد السلام: الفرق أن قول: إلا أن يشاء زيد يمكن حمله على أن يشاء،
وقوله: إلا أن يبدو لي لا يمكن رده للشرط لأنه إخراج حالة مستقبلة بعد وقوع الطلاق لا
يمكنه تعلقه بالحال فوجب.
قلت: فيلزم كونه في إلا أن يشاء كقوله إلا أن يشاء زيد لصحة حمل إن أشاء على
إن شئت والمنصوص في إن شئت حمل إن أشاء على إن شئت والمنصوص في إن
شئت عدم اللزوم وفي إلا أن أشاء اللزوم انتهى.
قلت: ما فرق به ابن عرفة هو معنى قول المصنف في التوضيح والفرق للأشهر قوة
التهمة في إلا أن يبدو لي بخلاف إلا أن يشاء زيد فإنه لا يتهم على ذلك انتهى. وحاصل
كلامهم أن الأظهر في قوله: إلا أن يبدو لي حمله على الوجه الأول من احتمالات ابن رشد
بخلاف إلا أن يشاء زيد وإليه يرجع كلام ابن عبد السلام عند التأمل. وقول ابن عرفة فيلزم
كونه في إلا إن شاء مثل إلا أن يشاء زيد ليس بظاهر لما قلنا إن الأظهر في قوله: إلا أن
أشاء أو يبدو لي أنه طلاق قيد حله بمشيئته أو إرادته وذلك لا يفيد بخلاف إلا أن يشاء
زيد فإن الأظهر فيه أنه طلاق معلق على مشيئة زيد فتأمله. وما ذكره من أن المنصوص في
أنت طالق إن شئت عدم اللزوم. قاله في العتق الأول من المدونة ونصه: وإن قال لها أنت
طالق إن شئت أو إن شاء فلان لم تطلق حتى ينظر إلى ما شاء أو شاء فلان انتهى. قال أبو
الحسن: لم يذكر التعليق بمشيئة نفسه في الكتاب إلا هنا، وهذا بخلاف قوله: أنت طالق إلا
أن يبدو لي. والفرق بينهما أن قوله: إلا أن يبدو لي والاستثناء في الطلاق لا ينفعه، وقوله:
إن شئت تعليق بصفة فلا يلزمه إلا بوقوع الصفة انتهى. فعلى هذا ما يوجد في بعض نسخ
التهذيب في قوله: إن شئت بكسر التاء فليس بصحيح والله أعلم. ص: (وإن نفى ولم
يؤجل كإن لم يقدم منع منها) ش: قال في كتاب العتق من المدونة: ومن قال لزوجته إن لم
368

أتزوج عليك أو أفعل كذا فأنت طالق فهو على حنث ويتوارثان قبل البر إذ لا يطلق ميتة ولا
يوصي ميت بطلاق انتهى. ص: (لا إن لم أحبلها) ش: قال الشارح في الكبير في شرح قول
المصنف أو إذا حملت إلا أن يطأها مرة إلى آخره ما نصه.
فرع: قال في المجموعة قال أشهب: ومن قال لزوجته إن لم أحبلك فأنت طالق فإنه
يطؤها أبدا حتى تقعد عن الحمل ويؤيس منه لها. انتهى وهو ظاهر فتأمله ص: (وهل يمنع
مطلقا أو إلا في كإن لم أحج في هذا العام وليس وقت سفر تأويلان) ش: يعني إذا حلف
369

على فعل له وقت معلوم قبل وقته فهل يمنع من الآن أو حتى يأتي الوقت. ص: (إلا إن لم
أطلقك مطلقا أو إلى أجل فأنت طالق) ش: أي فيقع عليه الطلاق على المشهور. وقيل: لا
يقع عليه حتى يرفعه للحاكم. قال في التوضيح: ولا إشكال على القولين أنه لا يمكن من الوطئ
لأنه حنث في يمينه. عياض: فإن اجترأ أو وطئ سقط عنه الايلاء واستؤنف له ضرب الاجل
ولا يلزمه استبراء من هذا الوطئ متى جاز له تطليقها ومراجعتها للاختلاف في منع الوطئ في
يمين الحنث. ص: (وإن قال إن لم أطلقك واحدة بعد شهر فأنت طالق البتة إلى آخره) ش:
370

قال ابن عرفة الشيخ في الموازية عن عبد الملك: قوله أنت طالق إلى مائة سنة إن لم أطلقك
الآن لغو، وفي أنت طالق الساعة إن لم أطلقك إلى مائة سنة هي طالق الساعة. انتهى والله
أعلم ص: (وهل كذلك في الحنث أو لا يضرب له أجل الايلاء ويتلوم له قولان) ش: ظاهر
كلامه أنه إذا حلف على فعل غيره فيفصل فيه، فإن بان أنه كان محرما فإنه ينجز الطلاق
وهذا الذي مال إليه في توضيحه من طريق البحث ولكنه لم ينقله عن أحد. وصرح ابن
الحاجب بأنه إذا حلف على فعل غيره فإنه لا ينجز عليه، سواء كان محرما أم لا، وتبعه ابن
رشد القفصي فقال: وإن علقه بفعل غيره لم ينجز، محرما كان أو غير محرم، لكن يمنع من
الوطئ حتى يقع ما حلف عليه. وفي تسوية المصنف رحمه الله بين القولين نظر، فقد صرح في
كتاب العتق الأول من المدونة أن من حلف على فعل غيره لا يضرب له أجل الايلاء وإنما يتلوم
له الامام بقدر ما يرى أنه أراد من الاجل ونصه: ومن قال لامته إن لم تدخلي أنت الدار أو
تفعلي كذا فأنت حرة، أو لزوجته فأنت طالق، أو قال إن لم يفعل فلان كذا فعبدي حر
وزوجتي طالق، منع من البيع والوطئ وهو على حنث ولا يضرب له في هذا أجل الايلاء في
المرأة، وإنما يضرب له ذلك في يمينه ليفعلن هو. فأما هذا فإن الامام يتلوم له بقدر ما يرى أنه
أراد من الاجل في تأخير ما حلف عليه وتوقف لذلك الزوجة والأمة والأجنبي، فإن لم يفعل
ذلك عتق عليه وطلق إلا أن يريد إكراه الأمة على ما يجوز له من دخول دار أو غيره فله
إكراهها ويبر. ولو مات الحالف في التلوم مات على حنث وعتقت الأمة في الثلث وترثه
الزوجة انتهى. قال ابن يونس: لأن الحنث وقع عليه بعد موته انتهى. وقال في قوله إلا أن يريد
إكراه الأمة ويكون القول قوله اه‍. وقال في التوضيح: المشهور أنه إنما يضرب له أجل الايلاء
إذا حلف على فعل نفسه، وأما على غيره فلا، ويتلوم له القاضي ثم يطلق عليه ولم يحك
القرويون غيره وحكى صاحب المقدمات الخلاف انتهى. ص: (وإن أقر بفعل ثم حلف ما
371

فعلت صدق بيمين بخلاف إقراره بعد اليمين) ش: تصوره واضح. قال البرزلي في مسائل
الايمان بعد نقله المسألة: وانظر إذا نكل هل يلزمه ما يلزمه في إقامة شاهد على الطلاق،
والظاهر أن إقراره أسدله، واعلم أنه لا مفهوم لقول المصنف: بفعل بل الحكم سواء في جميع
الأشياء. ولو قال وإن أقر بشئ لكان أوضح ويشهد لما قلناه مسائل منها ما في رسم يشتري
الدور والمزارع في سماع يحيى من كتاب الايمان بالطلاق وهي مشتملة على مسائل ونصها:
وقال في الرجل يقول: إني حلفت بالطلاق أن لا أكلم فلانا فجاء قوم يشهدون أنهم حضروه
يكلم ذلك الرجل بعد ما كان أقرانه حلف أنه لا يكلمه فقال: امرأته طالق إن كنت حلفت
وما كان الذي قلت إلا كذبة كذبتها ولقد كلمت فلانا وما علي يمين بطلاق ولا غيره أن لا
أكلمه قال: يحنث ولا يدين لأن الفعل الذي أقر أنه حلف أن لا يفعله قد ثبت عليه أنه فعله
بعد إقراره باليمين الذي زعم أنه حلف بها أن لا يفعل ذلك الفعل. قال: ومن قال لقد كلمت
فلانا اليوم أو أتيت فلانا أو أكلت طعام كذا وكذا ثم عوتب في بعض ذلك فقال: امرأته طالق
إن فعل شيئا من ذلك، فإنه يدين ويحلف بالله ما فعل الذي حلف أنه لم يفعله مما كان زعم
أنه قد كان فعله وأنه إنما كان كذب أولا، ثم لا حنث عليه إلا أن تقوم عليه بينة بعد يمينه
بالطلاق أنه لم يفعل ذلك الشئ فتشهد البينة أنه فعل قبل أن يحلف فيحنث أو يقر بعد يمينه
أنه قد كان فعله فيلزم الحنث أيضا بإقراره.
قال: ومن شهد عليه قوم بحق لرجل أو أنه فعل شيئا ينكره فقال بعد شهادتهم عليه
امرأته طالق إن لم يكونوا شهدوا عليه بزور وما كان لفلان قبلي شئ وما فعلت الذي شهدوا
به علي وإلا فامرأته طالق، فإنه يدين ويحلف أنهم كذبوا في شهادتهم وتحبس امرأته، فإن أقر
بعد تصديق الشهداء أو جاء شهداء آخرون يشهدون على تصديق شهادة الأولين الذين حلف
بتكذيبهم حنث في يمينه. قال: وكذلك لو حلف بالطلاق إن كان لفلان عليه كذا وكذا أو
إن كان كلم اليوم فلانا فشهد عليه عدول بإثبات الحق وأنه كلم ذلك الرجل فإن الحنث
يلزمه. قال ابن رشد: هذه المسائل كلها صحاح وأصلها في الايمان بالطلاق منها وتكرر في
أول سماع ابن القاسم من الشهادات، ولا خلاف أحفظه في شئ منها. وتلخيصها أن اليمين
على الفعل بالطلاق كان ببينة أو إقرار إذا تقدم على الاقرار بالفعل والشهادة به عليه طلقت
عليه، وإن تقدم الاقرار منه بالفعل أو الشهادة به على اليمين كان ببينة أو بإقرار لم تطلق عليه.
والفرق بين أن تتقدم اليمين على الفعل أو الفعل على اليمين، هو أن اليمين إذا تقدم بإقرار أو
بينة فقد لزم حكمه ووجب أن لا يصدق في إبطاله، وإذا تقدم الفعل ببينة أو إقرار لم يثبت
لليمين بتكذيب ذلك حكم إذا لم يقصد الحالف إلى إيجاب حكم الطلاق الذي حلف به
على نفسه وإنما قصد إلى تحقيق نفي ذلك الفعل. انتهى.
372

وانظر كلام مختصر الواضحة في كتاب الايمان والنذور وكلام النوادر. وذكر ابن رشد
في رسم المكاتب في سماع يحيى من كتاب الايمان بالطلاق مسألة، وهي من ادعى على رجل
بحق فحلف بالطلاق ما لك عندي حق حلف المدعي بالطلاق أن ذلك الحق عندك ولم تقم
له بينة بذلك، فإنه لا يقضى عليه بالحق، وأما الطلاق فلا يلزمه ويدين. وهل يحلف أو لا
يحلف؟ قولان اه‍. وأشار إلى ذلك في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب وفي رسم تسلف
في المبتاع من سماع ابن القاسم قال: وهذا إذا طولب بحكم الطلاق، أما إن جاء مستفتيا فلا
وجه لليمين وهي يمين تهمة والله أعلم. وفي سماع يحيى من كتاب الايمان بالطلاق في رجل
أمر غريمه أن يدفع ماله عليه إلى وكيله ثم سأله بعد أيام فقال دفعته إلى وكيلك فقال كتب
إلي وكيلي أنه لم يقبض منك شيئا فقال الغريم: امرأته طالق البتة إن كنت لم أدفع إليه حقه
وقال الطالب: امرأتي طالق إن كنت دفعت إليه شيئا قال: أما المطلوب فينوي في يمينه ولا يبرأ
من الحق إلا ببينة على الدفع، وأما الطالب فحانث لأنه حلف على غيب لا علم له به، ولا
يجوز للامام أن يقر امرأته عنده وقد بان أنه حلف على غير علم. انتهى من حاشية المشذالي
في كتاب الهبات وقال في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الايمان بالطلاق.
مسألة: قال مالك في الرجل يحلف بطلاق امرأته إن لم يضربها كذا وكذا، أو يقول
غلامي حر إن لم أضربه كذا وكذا، ثم تأتي المرأة أو العبد يدعيان أنه لم يضربهما ويقول
الرجل قد ضربت: إنه ليس على السيد ولا على الزوج البينة على ذلك ويصدق ويحلف. قال
ابن القاسم: وذلك مخالف للحقوق في قول مالك لأن الرجل لو حلف بطلاق امرأته البتة إن
لم يقض الرجل حقه إلى أجل سماه فحل الاجل وزعم أنه قضاه قال مالك: إن لم يكن عليه
بينة بالقضاء طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق. قال ابن رشد: أما الذي
يحلف بطلاق امرأته ليضربنها إلى أجل يسميه أو بعتق عبده ليضربنه إلى أجل يسميه، فلا
اختلاف في أن كل واحد منهما مصدق مع يمينه بعد الاجل على أنه قد ضرب قبل الاجل
لأن ضرب الزوج امرأته والسيد عبده ليس بحق لهما تسأله الزوجة من زوجها والعبد من سيده
فيتوثق باليمين من الحالف على ذلك، ولا يلزمه الاشهاد على تأديبه ولعله ضرب عداء فلا يسوغ
للشاهد إن استشهد على ذلك أن يحضر ليشهد به. قال في الواضحة: وإن مات السيد
بادعاء العبد أنه لم يضربه وجهل الورثة ذلك، فالقول قول العبد حتى يدعوا أنه قد ضربه فينزلوا
منزلة السيد في ذلك. وأما الذي يحلف بطلاق امرأته البتة إن لم يقض رجلا حقه إلى أجل
سماه فحل الاجل وزعم أنه قضاه وزعمت المرأة أنه لم يقضه وأنه قد حنث فيها بطلاق البتات
ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أن القول قوله مع يمينه يحلف ويبر من الحنث بمنزلة الذي يحلف
على ضرب امرأته أو أمته، وإن أنكر صاحب الحق القبض حلف وأخذ حقه وهو قول مالك في
رواية زياد عنه. والثاني أنه لا يصدق في القضاء ولا يمكن من اليمين ويبرأ من الحنث بما يبرأ
373

من الدين من إقرار صاحب الحق بقبضه أو شاهد ويمين أو شاهد وامرأتين وهو الذي يأتي على
قول سحنون في كتاب ابنه. والثالث أنه لا يبرأ من الحنث بشاهد ويمين ولا شاهد وامرأتين ولا
بإقرار صاحب الحق ولا يبرأ إلا بشاهدين عدلين، وهو قول مطرف وابن الماجشون وروايتهما
عن مالك وظاهر رواية ابن القاسم هذه عن مالك ورواية ابن وهب عنه في رسم أسلم من
سماع عيسى. وقد قيل: إنه يبرأ أيضا بإقرار صاحب الحق إذا كان مأمونا لا يتهم أن يطأ
حراما، وهو قول أشهب وابن عبد الحكم في الواضحة.
قال ابن نافع في المبسوطة مع يمينه، وزاد ابن القاسم في رسم أسلم من سماع
عيسى: إذا كان من أهل الصدق وممن لا يتهم. وهذا كله إذا كانت على أصل اليمين بينة
وهو معنى قوله في هذه الرواية: طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق لأنه يريد
بقوله على أصل اليمين، وأما إذا لم تكن على أصل اليمين بينة إلا أن الزوج أقر باليمين لما
روجع فيها وطلب بها فيتخرج ذلك على قولين: أحدهما أن إقراره على نفسه باليمين كقيام
البينة بها عليه. والثاني أنه يحلف لقد قضاه حقه قبل الاجل ويبرأ من الحنث ولا يبرأ من
المال إذا لم يقر صاحبه بقبضه ولا شهدت بذلك بينة، وسواء كانت على أصل الدين بينة
أو لم تكن. وذهب بعض الشيوخ وهو ابن دحون إلى أن قيام البينة على أصل الحق كقيامها
على أصل اليمين على ظاهر قوله في هذه الرواية طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على
أصل الحق وليس ذلك بصحيح، لأن الشهادة على أصل الحق لا تأثير لها بوجوب الطلاق.
فالمعنى في ذلك هو ما ذكرناه، ولو أنكر اليمين ولم تقم عليه بها بينة لم تلحقه في ذلك
يمين، ولو أنكر اليمين وأقر أنه لم يدفع الحق قبل الاجل فلما قامت عليه البينة باليمين أقام
هو بينة على دفع الحق قبل الاجل قبلت منه بينته على اختلاف في هذا الأصل قائم من
المدونة وغيرها وبالله التوفيق.
مسألة: قال في سماع أصبغ من كتاب طلاق السنة في رسم النكاح: وسئل ابن القاسم عمن
نزلت به يمين في امرأته فأفتى بأن قد بانت فقال لها وللناس قد بانت مني ثم علم أنه لا شئ
عليه فقال: لا ينفعه وأراها قد بانت إذا قال ذلك. قال ابن رشد: هذا قول أشهب أيضا.
وحكى ابن حبيب عن مالك أنه لا شئ عليه. وقال سحنون في كتاب ابنه: إن قال ذلك على
وجه الخبر يخبر بما قيل له ولا شئ عليه، وإن قال ذلك يريد الطلاق طلقت عليه، والذي
أقول به في هذا: إن كان الذي أفتى به خطأ مخالف للاجماع لا وجه له في الاجتهاد فلا
شئ عليه، وإن كان قول قائل وله وجه في الاجتهاد ومفتيه به من أهل الاجتهاد فالطلاق له
لازم، فينبغي أن يرد الاختلاف المذكور في المسألة إلى هذا. وهذا كله إذا أتى مستفتيا، وأما إن
حضرته البينة بقوله قد بانت منه ثم ادعى أنه إنما قال ذلك لأنه أفتى به فلا يصدق في ذلك
374

ويؤخذ بما ظهر من إقراره إلا أن تشهد بينة أنه أفتى بذلك فيصدق في أنه قال ذلك لذلك مع
يمينه انتهى. واعلم أنه إذا قال اللفظ المذكور أو ما أشبهه يريد به الطلاق فلا إشكال في لزوم
الطلاق كما قال سحنون، وأما إن أراد الاخبار عما أفتى به فكما قال ابن رشد: إن كان ما
أفتى به مخالفا للاجماع لا وجه له في الاجتهاد فلا شئ عليه، وإن كان قول قائل وله وجه
في الاجتهاد ومفتيه من أهل الاجتهاد فالطلاق له لازم. وبقي قسم وهو مفهوم من قول ابن
رشد ومفتيه من أهل الاجتهاد وهو ما إذا كان مفتيه ليس من أهل الاجتهاد والترجيح وأفتاه
بالقول المرجوح جهلا فهذا لا يلزمه شئ وهو مفهوم كلام ابن رشد والله أعلم. ص: (ولا
تمكنه زوجته إن سمعت إقراره وبانت) ش: اعلم أن ظاهر كلام المصنف أنه شرط في منعها
نفسها منه شرطين: الأول: أن تسمع إقراره. الثاني: أن تبين ولم يبين أحد من شروحه التي
وقفت عليها معنى الشرط الثاني وهو قوله: وبانت. وكذلك شارحا ابن الحاجب أعني
المصنف وابن عبد السلام مع أن عبارة ابن الحاجب أوضح من عبارة المؤلف ونصه: ولا يسع
زوجته إن علمت إقراره المقام معه إلا كرها إن بانت كمن علمت أنها طلقت ثلاثا ولا بينة
375

لها انتهى. ولم ينبها على معنى قوله إن بانت. ثم إني وقفت على شرح ابن الحاجب للعلامة
ابن فرحون فذكر بعض شئ ونصه: قال في المدونة: فإن كان علم هو أنه كاذب في إقراره بعد
يمينه حل له المقام عليها فيما بينه وبين الله ولم يسع امرأته المقام معه إن سمعت إقراره
وكان الطلاق بالثلاث. وهذا معنى قوله: إن بانت وترفعه للحاكم إلا أن لا تجد بينة ولا
سلطانا انتهى. وما ذكره عن المدونة أعني قوله: وكان الطلاق بالثلاث لم أره في التهذيب،
ولم أر من نقله عن المدونة ولا من نبه عليه من شراحها بعد النظر في ابن يونس وأبي الحسن
الكبير والصغير وابن ناجي والرجراجي والتنبيهات والنكت وحاشية المشذالي فتأمله والله أعلم.
وقال البرزلي في مسائل الأنكحة.
مسألة: وسئل ابن أبي زيد عمن شهد على زوجها شاهدان بالطلاق وهي تعلم زورهما،
هل يباح لها التزويج أم لا؟ فأجاب: هذا لا يعرف أبدا إلا على وجه أن يشهد أنه طلقها في
يوم الخميس وتعلم هي أنها لم تفارقه في ذلك اليوم، فينبغي إن كان ذلك أن لا تتزوج.
البرزلي: وعكسه تعلم تحقيقا أن يشهدا عليه أنه طلقها وهو يعلم بطلان شهادتهم، وقد وقعت
وأفتى فيها شيخنا أبو محمد عبد الله الشبيبي وقد كانت منعت منه أنه يجوز له أن يتسور
عليها ويطأها إذا خفي له ذلك وصدقته وهي عندي تجري على مسألة من رأى هلال شوال
وحده وهو في الحاضرة هل يباح له الفطر إذا خفي له، وعلى مسألة من جحد له مال فظفر
بمال للجاحد هل يباح له أ - لا؟ أما إذا كان غير وديعة عنده ولم يخف على نفسه فجائز، وإن
خاف على نفسه مثل الفقير يقدر على أموال مستغرق الذمة بالتستر والسرقة فكان شيخنا أبو
محمد المذكور يبيح للفقراء أخذ أموال الظلمة كيفما تأتي، وكان شيخنا الامام يمنع ذلك
ابتداء خشية أن يطلع عليه فيدركه الضرر. هذا الذي شافهته منه، ثم بلغني أنه رجع إلى جواز
ذلك وهو كمسألة المضطر لاكل مال الغير إن خاف على نفسه القطع أبيحت له الميتة وإلا جاز
له أخذه، وأما إن كان عنده وديعة فهل ينفعه الجحد أم لا؟ فيه ستة أقوال حكاها ابن رشد في
الشرح وذكر ابن يونس أكثرها حيث تكلم عليها في المدونة من آخر الوديعة انتهى. والمشهور
المنع في المسألتين المخرج عليها والاجراء عليها ظاهر فيلزم في المسألة المذكورة والله أعلم. قال
ابن الحاجب: ولا يفطر في هلال شوال ظاهرا ولا خفية وإن أمن الظهور على الأصح. قال في
التوضيح: ومقابل الأصح لم أره منصوصا، وخرجه اللخمي من مسألة الزوجين يشهد عليهما
376

شاهدان بالطلاق الثلاث والزوجان يعلمان أنهما شهدا بزور فقد قيل: لا بأس أن يصيبها خيفة،
فالاكل مثله من باب أولى لأن التخفي في الاكل أكثر من الجماع. انتهى. ص: (وأمر
بالفراق في إن كنت تحبيني أو تبغضيني) ش: قال الشيخ أبو الحسن: هو رباعي من قولهم
أبغض في الله وأحب في الله انتهى. ونحو هذه المسائل ما قاله بعد هذه في المدونة: وإن قال
لها إن دخلت الدار فأنت طالق فقالت دخلت فكذبها ثم قالت كنت كاذبة أو لم تقل، فإنه
يؤمر بفراقها ولا يقضى به عليه ولو صدقها أولا لزمه الفراق بالقضاء وإن رجعت عن إقرارها،
وإن قال لها أنت طالق إن كتمتيني أو كذبتيني لشئ سألها عنه فتخبره فلا يدري أكتمته أم
كذبته فليفارقها بلا قضاء انتهى. وقريب من هذه المسائل ما قاله في نوازل أصبغ من طلاق
السنة. قال أصبغ في رجل قال لامرأته أنت طالق البتة إن كنت حائضا قالت أنا حائض قال:
أرى أن يخلي سبيلها وأن الطلاق وقع عليها. ولو قالت لست حائضا أرى أن لا يصدقها ولا
يقبل منها ولا ينتفع بذلك وليخل سبيلها، لأن ذلك شك لا يدري ما هو عليه منها أصادقة
هي أم كاذبة، فلا يقيم على الشك إلا أن ينكشف له ذلك بأسباب يقبل عليها ويقع على
يقينها به. قال ابن رشد: قوله: ولا يقيم على الشك يريد ويفرق بينهما في الحكم. هذا
مذهب أصبغ فيما كان من هذا الفرع مما يحلف الحالف فيه على غيره فيما قد مضى فيكون
الشك فيه قائما إذ لا يعلم حقيقته إلا من جهته ولا يدري هل صدقته، مثل أن يقول امرأتي
طالق إن كنت تبغضيني أو إن لم تصدقيني فتقول أنا أحبك وتخبره وتزعم أنها قد صدقته وما
أشبه ذلك. وابن القاسم يرى مثل هذا أنه يؤمر ولا يجبر، وقد مضى هذا المعنى في رسم
القطعان من سماع عيسى.
فرع: قال في المدونة: وإن قال لها أنت طالق إن كنت أحب طلاقك وهو يحبه بقلبه
فهي طالق. انتهى والله أعلم ص: (وبالأيمان المشكوك فيها) ش: قال ابن غازي: قوله:
377

وبالأيمان معطوف علي بالفراق بحذف مضاف أي وأمر بالفراق في كذا أو في كذا أو
بإنفاذ) الايمان المشكوك فيها انتهى. وهذا أحسن مما حمله عليه الشارحان لأن مسألتهما يجبر
فيها على الفراق لأنهما جعلاه أشار إلى قوله في المدونة: وكل يمين في الطلاق لا يعلم
صاحبها أنه فيها بار فهو حانث. قال ابن ناجي قال ابن الحاجب: يعني يشك احترازا من
الوهم فإنه لا أثر له. ثم قال: وقال خليل: لا يؤمر بشئ إذا ظن البر كما يفهم من كلامه أو
يكون أخف فقال بالجبر مع الشك يؤمر ها هنا من غير جبر، وعلى القول بالجبر لا يؤمر هنا
بشئ انتهى. انظر ابن عبد السلام. وجعل ابن غازي أنه أشار إلى قوله ومن لم يدر بما حلف
بطلاق أو عتق أو مشي أو صدقة فليطلق نساءه ويعتق رقيقه ويتصدق بثلث ماله ويمش إلى
مكة يؤمر بذلك من غير قضاء. قال أبو الحسن: قال ابن محرز: لم يذكركم يطلق زوجته ولا
كم يمشي إلى مكة وإن كان الشك لا يتناول عددا قائما يلزمه طلقة واحدة والمشي مرة واحدة
لأنه كأنه إنما حلف بهذه الأجناس انتهى. ابن ناجي: فهم شيخنا أبو مهدي قولها يؤمر على
اللزوم ووجوبا وإنما أراد نفي الجبر فقط. وفهم شيخنا حفظه الله قولها على الاستحباب
والصواب هو الأول لقرينة قولها من غير قضاء. ثم قال ابن محرز: إنما قال: ويتصدق بثلث
ماله لأنه شك هل حلف بصدقة جميع ماله، ولو شك هل حلف بصدقة أم لا فليخرج أقل ما
ينطلق عليه الاسم مدا أو درهما انتهى. وعلى ما حمله ابن غازي تكون عبارة المؤلف أحسن
من عبارة ابن الحاجب لموافقته للمدونة في أنه إنما يلزمه من الايمان ما شك في حلفه به لا ما
اعتاد الحالف به من الايمان كما يفهم من ابن الحاجب والله أعلم. ص: (ولا يؤمر إن شك
هل طلق أم لا) ش: تصوره واضح. سئلت عمن جزم أنه طلق بالكلام النفسي وشك هل
تلفظ بذلك أم لا؟ فأجبت: أما على القول بلزوم الطلاق بالكلام النفسي وهو أحد المشهورين
378

فلا شك في لزوم الطلاق له، وأما على القول بعدم لزوم الطلاق بالكلام النفسي فالظاهر أنه
بمنزلة من شك هل طلق أم لا، والمشهور أنه لا يلزمه شئ والله أعلم. ص: (وإن شك أهند
هي أم غيرها) ش: تصوره واضح.
مسألة حسنة: وقعت لابن عرفة والآبي وهي أن ابن عرفة سئل عن رجل له أربع
زوجات رأى إحدى زوجاته الأربع مشرفة من طاقة فقال لها إن لم أطلقك فصواحبك طوالق
فردت رأسها ولم يعرفها بعينها وأنكرت كل واحدة منهن أن تكون هي المشرفة. فأجاب بأنه
يلزمه طلاق الأربع وكان ذلك بحضور الآبي فقال: إنما يلزمه طلاق ثلاث منهن وتبقى الرابعة
لأنها إن كانت هي المشرفة فقد طلق صواحبها، وإن كانت المشرفة إحدى الثلاث اللاتي طلقن
379

فلا حنث في التي تحته. أخبرني بذلك بعض أصحابنا من طلبة العلم من أهل القيروان من أهل
الدين والفضل قال: إنه أخبره بذلك والده وكان من أهل العلم والدين غفر الله للجميع بمنه
وكرمه آمين. ص: (أو قال إحداكما طالق) ش: قال في الايمان بالطلاق من المدونة: ومن قال
إحدى نسائي أو امرأة من نسائي طالق أو كان ذلك في يمين حنث بها، فإن نوى واحدة
طلقت التي نوى خاصة وصدق في القضاء والفتيا، فإن لم ينوها أو نواها ونسيها طلقن كلهن
من غير استئناف طلاق، فإن جحد فشهد عليه كان كمن لا نية له انتهى. قال ابن ناجي:
قوله صدق في القضاء والفتيا ظاهره بغير يمين. قاله المغربي وابن عبد السلام. وقال اللخمي:
اختلف في يمينه وأرى إن لم تكن عليه بينة لم يحلف على كل حال وإن كانت عليه بينة، فإن
قال أردت فلانة وكان كلامه نسقا صدق بغير يمين، وإن لم يكن نسقا وكانت منازعته معها
صدق بلا يمين وإن لم تكن ثم منازعة، فإن عين الحسناء أو التي يعلم أنه يميل إليها لم يحلف،
وإن عين الأخرى حلف. وقوله: طلقن كلهن هذا قول المصريين. وقال المدنيون: يختار
كالعتق. انتهى كلام ابن ناجي.
تنبيه: وكذلك لو قال امرأته طالق وله امرأتان قاله ابن الحاجب ونقله في الشامل.
مسألة: قال ابن رشد في نوازله في أول مسائل الحبس: إذا قال الرجل نسائي طوالق وله
أربع نسوة ثم أتى مستفتيا وقال أردت فلانة وفلانة وفلانة صدق ولم يلزمه طلاق الرابعة التي
قال إنه لم يردها بقوله. ولو قال جميع نسائي طوالق لم ينو أنه أراد بعضهن لنصه على
جميعهن إلا أن يقول قد استثنيت فقلت إلا فلانة أو نويت إلا فلانة فيصدق إذا أتى مستفتيا
على الخلاف في الاستثناء بإلا دون تحريك اللسان إن كان قد نويت إلا فلانة انتهى.
والمشهور أن الاستثناء إنما يفيد بحركة اللسان إلا أن يكون عزل واحدة في يمينه أو لا فيكون
من باب المحاشاة والله أعلم. وانظر أحكام ابن سهل فيمن حلف بطلاق امرأته ولا يعلم له
الحاضرون إلا امرأة واحدة ثم أثبت أن له امرأتين وأنه أراد الثانية، وقد أطال الكلام في ذلك
والمسألة في الجزء الأول قبل ترجمة من قال جميع ما أملك حرام، والمسألة في سماع أشهب
وسماع أصبغ من العتبية، ومما يناسب هذا المحل ما في سماع يحيى من الايمان بالطلاق في
رسم الصبرة في الرجل يقول: امرأته طالق أو غلامه حر إن فعل كذا وكذا فحنث قيل: إنه
يخير فيقال له أوجب حنثا في أيهما شئت فأعتق العبد وإن شئت فطلق. قال ابن رشد: وهذا
كما قال لأن موضوع أو في اللسان الماضي الشك وفي المستقبل التخيير فوجب إذا قال الرجل
امرأتي طالق أو غلامي حر إن فعلت كذا فيفعله أنه يخير فيما شاء من ذلك إلا أن يقول ولا
خيار لي في ذلك أو يريد ذلك فيلزمه عتق الغلام وطلاق المرأة. وقال في رسم العارية من
سماع عيسى من الكتاب المذكور: وسئل عن رجل قال: امرأته طالق البتة أو غلامه حر إن لم
380

يفعل شيئا سماه فلم يفعل حتى مات قال: ترثه امرأته ويعتق الغلام في ثلثه. قال ابن رشد:
وهذا كما قال لأن الحالف ليفعلن فعلا هو على حنث حتى يفعل، فإذا لم يفعل حتى مات
وقع عليه الحنث بعد الموت بالطلاق أو بالعتق فوجب أن ترثه المرأة لأن الطلاق بعد الموت لا
يصح، وأن يعتق الغلام في الثلث على حكم العتق بعد الموت احتياطا للعتق، ولأنه أيضا لو
وقع عليه الحنث في حياته لخير بين العتق والطلاق إذ قد استثنى ذلك لنفسه، فلما وقع على
نفسه الحنث بعد الموت حمل على أنه لم يرد إلا العتق إذ لا يطلق أحد امرأته بعد موته. ولو
قال قائل إن ورثته ينزلون بعد موته في التخيير منزلته في حياته لكان لذلك وجه لأن الأصل
براءة الذمة والعتق لا يكون إلا بيقين انتهى. قال ابن عرفة بعد نقله لهذا الكلام:
قلت: هذا وهم لأن لازم تخييره هو إيقاعه الطلاق بدل العتق وهذا بعد موته ممتنع،
والأصل في الفقه والبرهان أن انتفاء أحد الامرين المخير فيهما موجب تعين الآخر كتعذر العتق
والكسوة في الكفارة يوجب الاطعام ومن ثم كان انتفاء أحد جزأي الحقيقة المنفصلة ينتج
ثبوت الآخر. انتهى. ص: (وإن شك أطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا لم تحل إلا بعد زوج
وصدق إن ذكر في العدة) ش: تصوره واضح.
مسألة: إذا أقر على نفسه بالطلاق فادعت عليه الزوجة من عدد الطلاق أكثر مما أقر به
يجب عليه أن يحلف بخلاف ما إذا ادعت عليه أنه طلق وأنكر. قاله في أول مسألة في رسم
381

سلعة سماها من سماع ابن القاسم من الايمان بالطلاق. وقال في هذه أيضا: إن اليمين تغلظ
بالحلف عند المنبر وهي أحرى من المال لأن حرمة الفرج أكثر حرمة من المال. وقال فيها أيضا:
إن شهادة السيد على عبده بطلاق زوجته لا تجوز كما قاله في المدونة. ص: (وإن حلف صانع
طعام على غيره لا بد أن تدخل الدار فحلف الآخر لا دخلت حنث الأول) ش: قوله:
حنث الأول أي صانع الطعام لأنه حلف على أمر ليس بيده، ولو قال المصنف: حنث
الصانع لكان أحسن لأنه قد يكون هذا الثاني في الحلف كما لو سأل صاحب الطعام إنسانا
أن يدخل بيته أو يأكل طعامه فحلف أنه لا يدخل أو لا يأكل فحلف صاحب الطعام على أنه
لا بد أن يدخل أو يأكل فإن صاحب الطعام يحنث. وكان المصنف رأى المسألة في هذه
الصورة أحرى من التي قبلها وكذلك والله أعلم ويقرب من هذه المسألة.
فروع: الأول: قال في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الايمان
والنذور في رجل حلف أن لا ينفق على امرأته حتى تستأذن عليه يعني ترفعه إلى القاضي وقال:
أنت حرام إن أنفقت عليك حتى تستأذني علي وقالت هي: مالي صدقة إن استأذنت عليك
قال مالك: اليمين عليها، فإن شاءت أن تقيم وتنفق على نفسها فعلت، فإن استأذنت فلتخرج
ثلث مالها فتتصدق به. قيل له: فإن استأذنت، فهل على زوجها بأس إن أنفق عليها أكثر من
قوتها فإن لم تكن له نية فلا أرى ذلك عليه إن استأذنت عليه. قال ابن رشد: وهذا كما قال
لأنه إنما حلف على الانفاق ولم يكن حلف على الأفضل إذ ليس مما يستأذن عليه، فإن
استأذنت عليه في الانفاق لم يكن عليه شئ في الأفضل انتهى.
الثاني: قال البرزلي في أول مسائل الايمان: وسئل أبو الحجاج بن العربي عمن له حلي
وثياب فكساهما زوجته ثم شاجرها فأزالهما ثم أعاد ذلك عليها ثم شاجرها فأزالهما ثم
أعادهما وفعل ذلك مرة أخرى فحلفت بصوم العام لا لبستهما وحلف هو بالطلاق لتلبسنهما،
فمن يلزمه الحنث منهما؟ وهل يلزمها إن أراد ذلك أم لا؟ وهل تحنث بهذا الاكراه أم لا؟
382

فأجاب: ليس له إجبارها على ذلك، فإن أكرهها فأرى أن لا يمنعها ما لصوم. البرزلي: كان
الاكراه عنده غير شرعي فلم لم يعذرها به على أحد القولين فيه، لكن المشهور عند ابن رشد
أنها تعذر به. وفيه قول آخر بخلاف إذا حلفت لتفعلن فمنعها من الفعل فالمشهور الحنث، وأما
لو كان الاكراه شرعيا فالمشهور أنها لا تعذر به. والصواب في هذه المسألة ارتكاب أخف
الضررين كمن حلف لا يدخل على زوجته القرابة القريبة غير الأبوين أنه لا يقضى عليه
بالدخول بخلاف إذا لم يحلف فإنه يقضى عليه بدخولهم انتهى.
الثالث: قال البرزلي أيضا: وسئل أبو عمران الفاسي عمن حلف لامرأته بطلاقها البتة لا
أخدمتك إلا خادمي وحلفت هي بعتق خادمها أو صدقة ثلث مالها لا أخدمها إلا خادمها، من
أولى بالحنث منهما؟ فأجاب بأن الزوج أولى بالحنث. البرزلي: لما تقرر أن الزوجين إذا اختلفا
فيمن يخدم الزوجة هل خادمها أو خادمه فإنه يقضى بخادمها لأنها أعرف بمصالحها، وأما إذا
لم تكن لها خادم فهو بالخيار بين أن يخدمها بنفسه أو يكري من يخدمها أو يشتري لها خادما
يقضي عليه بأحد الأمور الثلاث انتهى.
الرابع: قال في كتاب الهبات من المدونة: ومن لزمه دين لرجل أو ضمان عارية فغاب
عليها فحلف بالطلاق ثلاثا ليؤدين ذلك وحلف الطالب بالطلاق ثلاثا إن قبله، فأما الدين
فيجبر الطالق على قبضه ويحنث ولا يجبر في أخذ قيمة العارية ويحنث المستعير إن أراد
ليأخذه مني، فإن أراد ليغرمنه له قبله أو لم يقبله لم يحنث واحد منهما. والفرق أن الدين لزم
ذمته والعارية إنما ضمنها لغيبة أمرها فإنما يقضى بالقيمة لمن طلبها في ظاهر الحكم وله تركها
وقد تسقط أن لو قامت بينة بهلاكها انتهى.
الخامس: قال في المدونة: ومن قال لرجل امرأته طالق لقد قلت لي كذا وكذا وقال
الآخر امرأته طالق إن كنت قلته فليدينا ويتركا إن ادعيا يقينا. قال ابن ناجي: ما ذكره هو
المعروف. ونقل ابن التلمساني عن مالك أن كلا منهما حانث لأن في نفس الامر واحدا منهما
حانث. ويتوهم معارضتها بما إذا اختلطت ميتة مع مذكاة فإنهما يحرمان فكان المناسب على
هذا طلاقها. وأجاب بعض المشارقة بتعيين المحكوم عليه في المذكاة، ولذلك لو تعدد مالك
الشاتين وكل منهما يدعي ذكاة شاته لكان لكل منهما أكل شاته لتعذر تعيين المحكوم عليه بالتحريم
ولفظ الكتاب محتمل لليمين وعدمه وفيه خلاف، وظاهر الكتاب أنهما إن شكا أو
ظنا أنهما يحنثان. وفي كتاب العتق الأول في العبديين شريكين فقال أحدهما: هو حر إن دخل
المسجد وقال الآخر: هو حر إن لم يدخله، فليدينا وليتركا إن ادعيا يقينا، فإن شكا عتقا
عليهما. قال ابن القاسم: بغير قضاء. وقال غيره: بل بالقضاء. المغربي: ويجري القولان هنا
انتهى.
383

تنبيه: من حلف على رجل ليأكلن بر بثلاث لقم. وقيل: إن كان أول الطعام ليبرئه
الثلاث وإن كان في آخره أبرأته. انتهى من البرزلي. وقال أيضا:
مسألة: إذا حلف لغريمه بالطلاق على حقه لا بد أن يأخذه فعثر له على قدر حقه فأخذه
بر في يمينه إن لم يؤتمن عليه. البرزلي: فلو ائتمن لمن يسأله أخذه فكذلك ومن
منع فلا، ومن يكرهه ففي بره بذلك نظر. وقال:
مسألة: إذا حلف لابنه لا كلمه حتى يطلق زوجته يبرأ بطلقة واحدة لكن لا يكلمه
حتى تنقضي عدتها. البرزلي: ظاهر المذهب أن مطلق الطلاق كاف وإن ارتجعها لأن المقصود
وقوع ذلك في العصمة وقد حصل. انتهى. ص: (وإن شهد شاهد بحرام وآخر ببتة) ش: قال
البرزلي في أثناء مسائل الايمان: قال في المدونة: وإن شهد أحدهما بالبتة والآخر بقوله أنت
علي حرام أو بالثلاث لزمه الثلاث، وكذلك واحد بخلية وآخر ببرية أو بائن، وإذا اختلفت
الألفاظ وكان المعنى واحدا كانت شهادة واحدة. وأخذ من هذا العموم إذا شهد أحدهما
بالايمان اللازمة والآخر بالحلال عليه حرام أنها تلفق، وأما لو شك الشهود هل حنث بهذا أو
بهذا فكان شيخنا الامام يفتي بعدم اللزوم لشك الشهود في اليمين. وظاهره أنه لا يمين وأعرف
للخمي في باب تلفيق الشهادة ما يدل على اليمين. انتهى كلامه. وانظر قوله: وأخذ من هذا
العموم إذا شهد أحدهما بالايمان اللازمة والآخر بالحلال عليه حرام أنها تلفق مع ما قاله في
أول مسائل الطلاق في أثناء كلامه على مسألة سئل عنها ابن رشد متضمنة لمسائل ونصه: سئل
ابن رشد ما تقول فيمن سأله عدل عن زوجته فقال: لا تحل لي قال له: لم ذلك؟ قال: لأني
طلقتها ثلاثا وشهد عليه آخر مقبول أنه قال لهذه الزوجة الايمان تلزمني إن كنت لي زوجة
أبدا، هل تلفق الشهادة أم لا؟ فأجاب: أما مسألة لا تحل لي امرأتي أبدا إلى آخرها فهي مختلفة
الشهادة لا تلفق، فإن كذب الشاهدين حلف على تكذيب كل منهما ويبقى مع زوجته.
انتهى فتأمله ذلك والله أعلم. ص: (أو بتعليقه على دخول دار في رمضان وذي الحجة) ش:
قال في المدونة: وإن شهد أحدهما أنه قال في رمضان إن دخلت دار عمرو بن العاص فامرأتي
طالق وشهد آخر أنه قال ذلك في ذي الحجة وشهدا عليه هما أو غيرهما أنه دخلها بعد ذي
الحجة طلقت عليه. قال أبو الحسن: هذه شهادة على تعليق الطلاق واختلف موضع عقد اليمين
384

انتهى. ص: (أو أنه طلقها يوما بمصر ويوما بمكة) ش: وعدتها من يوم شهد الآخر لأن
بشهادته وقع الحكم بالطلاق والعدة تتعقب الطلاق المحكوم به لا تتقدم عليه. ص: (لا بفعلين)
ش: يعني أن الشهادة إذا كانت بفعلين لا تلفق يريد إذا كانا من جنسين، وأما إذا كانا من
جنس واحد فنلفق كما تقدم فيمن حلف أنه لا يكلم زيدا فشهد واحد أنه كلمه في السوق
وآخر أنه كلمه بالمسجد والله أعلم. قال الشيخ أبو الحسن في أواخر كتاب الايمان بالطلاق عن
385

القاضي عياض ما نصه: مذهب الكتاب هنا أن لا تلفق الشهادة بالطلاق على الأفعال
المختلفة كشاهد على الحالف على دخول الدار وآخر على الحالف على كلام زيد انتهى.
وقال في المدونة: وإن شهد أحدهما أنه حلف بالطلاق أن لا يدخل الدار وأنه دخل وشهد
الآخر أنه حلف لا يكلم فلانا وأنه كلمه لم تطلق عليه ويلزم الزوج اليمين أنه لم يطلق وإن
نكل سجن كما ذكرنا. وفي قول مالك الآخر إن نكل طلقت عليه، أبو الحسن عن ابن
يونس: يريد تطليقتين انتهى. وكذلك أيضا إذا شهد عليه واحد أنه قال: إن دخلت الدار
فأنت طالق ويشهد الآخر أنه قال: إن كلمت زيدا فأنت طالق وشهد عليه هما أو غيرهما،
فالمنصوص في المذهب أنها لا تطلق، وظاهر ما وقع لمالك في كتاب القذف أنها تلفق والله
أعلم. ص: (وإن شهدا بطلاق واحدة ونسياها لم تقبل وحلف ما طلق واحدة) ش:
تصوره واضح.
فرع: قال البرزلي في مسائل الايمان في أثناء الكلام على مسألة من أقر بفعل ثم حلف
ما فعلت، ونقل عن الرماح أنه إذا كان بحضرة رجلين وسمع من أحدهما الطلاق وشك في
أحد الرجلين فلا يشهد حتى يتحقق أحد الرجلين وظاهره أن لا يمين على واحد منهما،
وأعرف للخمي في باب تعليق الشهادة ما يدل على اليمين فعلى هذا يرفع ويوجب اليمين
قبلهما معا.
386

فصل في أحكام وأقسام الاستنابة على الطلاق
ص: (إن فوضه لها توكيلا فله العزل إلا لتعليق حق لا تخييرا أو تمليكا) ش: لما كان
إيقاع الطلاق ينقسم إلى قسمين، إما بمباشرة الزوج أو بتفويضه لغيره في إيقاعه، ولما فرغ
المصنف من الكلام على القسم الأول أتبعه بالكلام على الثاني أعني التفويض وهو على ثلاثة
أقسام: توكيل وتمليك وتخيير. لأن التفويض رد الامر إلى الغير، يقال فوض الامر إليه إذا رده
إليه. والفرق بين التوكيل وغيره أن الوكيل يفعل ذلك على سبيل النيابة عمن وكله، والمملك
والمخير إنما يفعلان ذلك عن نفسهما لأنهما ملكا ما كان يملكه الزوج. وأما الفرق بين التخيير
والتمليك فقيل: أمر عرفي لا مشاركة للغة فيه. فقولهم في المشهور كما سيأتي أن للزوج أن
يذكر المملكة دون المخيرة إنما هو أمر مستفاد من العرف، وعلى هذا ينعكس الحكم بانعكاس
العرف. وقيل: هو وإن كان تابعا للعرف إلا أن العرف موافق للغة أو قريب منها لأن التمليك
إعطاء ما لم يكن حاصلا فلذلك قلنا: إن للزوج أن يناكرها لأن الأصل بقاء ملكه بيده فلا
يلزمه إلا ما اعترف بأنه أعطاه، وأما التخيير فقال أهل اللغة: خير فلانا بين الشيئين إذا جعل له
387

الخيار فيكون تخيير الزوجة معناه أن الزوج فوض إليها البقاء على العصمة والذهاب عنها،
وذلك إنما يتأتى لها إذا حصلت على حال لا يبقى للزوج عليها حكم، وإنما يكون ذلك بعد
الدخول في إيقاع الثلاث. انظر التوضيح وابن عبد السلام. وقال ابن عرفة: النيابة فيه توكيل أو
رسالة وتمليك وتخيير التوكيل جعل إنشائه بيد الغير باقيا منع الزوج منه فله العزل قبله اتفاقا
ورسم الوكالة في كتابها، فإن كان لاثنين توقف على اجتماعهما. والرسالة جعل الزوج إعلام
الزوجة بثبوته لغيره، وإن كان لاثنين كفى أحدهما ثم قال: والتمليك جعل إنشائه حقا لغيره
راجحا في الثلاث يحضر بما دونها بنية أحدهما، والتخيير جعل الزوج إنشاء الطلاق ثلاثا
حكما أو نصا عليها حقا لغيره انتهى. وفي جعله الرسالة داخلة في النيابة في الطلاق نظر، لأنه
ليس فيها إلا النيابة في التبليغ لا في إيقاع الطلاق إلا أن يريد بقوله النيابة فيه ما هو أعم من
النيابة في إيقاعه أو تبليغه. وقوله في حد التخيير أو نصا عليها أي على الثلاث. وقال في
التمليك: الصيغة كل لفظ دل على جعل الطلاق بيدها أو بيد غيرها دون تخيير كقوله أمرك
بيدك وطلقي نفسك وأنت طالق إن شئت وطلاقك بيدك. وفي الموازية وغيرها: ملكتك. وفي
العتبية: وليتك أمرك. ثم قال في التخيير: صيغته فيها اختاري أو اختاري نفسك. وروى
محمد: أو طلقي نفسك ثلاثا أو اختاري أمرك انتهى. ص: (وعمل بجوابها الصريح) ش:
يعني أن المملكة والمخيرة إذا أجابت بجواب صريح في الطلاق فإنه يعمل به. قال في المتيطية:
فإذا لفظ بالتمليك فلا تخلو المملكة من أن تجيب الطلاق في واحدة أو في البتات أو بلفظ
يدل عليه أو بجواب يحتمل أن يريد به بعض الطلاق أو كله أو شيئا غيره أو تسكت عنه،
فأما إجابتها بصريح الطلاق الثلاث أو بلفظ يدل عليه مثل أن تقول قبلت نفسي أو اخترتها أو
أبنتها أو حرمتها فينفذ عليه إن سكت أو أنكره ولم يدع نية، ولا تحل له أبدا إلا بعد زوج ولا
يلتفت إلى قولها أنها أرادت به واحدة. وأما إجابتها بلفظ يشكل فلا يدري أرادت به الطلاق
كله أو بعضه أو لم ترد به شيئا فإنها تسأل، وكذلك أن قالت وهي غير مدخول بها خليت
سبيلك فإنها تسأل كم أرادت انتهى.
تنبيه: قال في المتيطية: إذا وقع طلاق المملكة قبل الدخول فلها النصف من صداقها
بخلاف المعتقة تختار نفسها قبل البناء تلك لا صداق لها والتخيير مثله، والطلاق بالتمليك إذا
كان بعد البناء رجعي إلا أن يملكها على مال فيكون بائنا كالخلع انتهى. وفي الشامل في ذلك
388

قولان ونص في أول التخيير من المدونة على أن له الرجعة ص: (كطلاقها) ش: كذا في بعض
النسخ أي كطلاقها نفسها بأن تقول طلقت نفسي أو أنا طالق أو بنت منك أو بنت مني. وفي
بعض النسخ كطلاقه أي كما لو قالت له طلقتك. ص: (ورده) ش: أي رد ما جعل لها من
التمليك والتخيير كقولها رددت إليك ما جعلته لي أو لا أقبله. ص: (كتمكينها طائعة) ش:
فلو لم تكن طائفة كانت على خيارها. قال في التوضيح: وأحرى إذا كانت غير عالمة ويعاقب
الزوج في فعله. نص عليه في المدونة وهو وإن كان في المدونة إنما نص على المعاقبة في التخيير
والتمليك مساو له في ذلك. ثم قال: فإن ادعى على المملكة العلم فالقول قولها وإن أعلمها
فأمكنته وادعت الجهل لم تعذر، فإن اختلفا في الإصابة فالقول قولها إلا أن تكون هناك خلوة.
وإن أصابها وقالت: أكرهني فالقول قوله مع يمينه بخلاف إذا قبلها فالقول قولها مع يمينها
انتهى.
تنبيه: فهم من كلام التوضيح أنها إذا مكنته من مقدمات الوطئ سقط خيارها وهو
كذلك. قال اللخمي: قال أصبغ: وإن رضيت بالخلوة وإرخاء الستور أو غلق الباب مما يمكن
فيه الوطئ فقد سقط ما بيدها إذا زعم أنه أصاب. وإن قبلها وقالت أكرهني أو اغتفلني وقال
أطاعت كان القول قولها مع يمينها بخلاف الوطئ فإنه لا يكون إلا على هيئة وصفة وهذا
كالحضرة يكون عن غفلة انتهى. ثم قال في مسألة ما إذا خيرها أو ملكها ثم أبانها ثم تزوجها،
389

إن خيارها يسقط. قال: لأن مضمون التزويج الرضا بالإصابة وبه يستحق الصداق والرضا
بذلك يسقط ما بيدها، ولو رضيت بالإصابة قبل الطلاق لسقط ما بيدها وإن لم يصب انتهى.
ص: (وقبل تفسير قبلت أو قبلت أمري أو ما ملكتني برد أو طلاق أو بقاء) ش: قال في
آخر كتاب التخيير من البيان فيمن جعل أمر امرأته بيدها فقالت قد فرغت أو جعله بيد رجل
فقال إن ذلك مثل قولها قبلت. قال ابن رشد: لأن قولها قد فرغت من الألفاظ المحتملة
للطلاق وعدمه فوجب سؤالها عن إرادتها بذلك مثل إذا قال قد شئت أو قد رضيت وقد
قبلت أو قد اخترت وما أشبه ذلك. انتهى بالمعنى.
فرعان: الأول: قال في المنتقى: فإن قالت قبلت أمري في المجلس ولم تفسر ذلك حتى
حاضت ثلاث حيض أو وضعت حملها ثم قالت أردت بذلك طلقة واحدة قبل قولها بغير يمين
ولا رجعة للزوج عليها. قاله في النوادر: ومعنى ذلك أن قولها قبلت أمري محتمل للطلاق،
فإذا فسرته بالطلاق قبل ذلك منها ولم يكن عليها يمين كما لو فسرته في العدة، وإذا فسرته
بعد العدة فقد انقضى وقت الرجعة والزوج ضيع حقه حين لم يوقفها ويستفسر قولها.
الثاني: لو أجابت المرأة بغير ألفاظ الطلاق عندما ملكها لم يقبل منها أنهد أرادت بذلك
الطلاق لأنها مدعية وكذلك تمليك العتق. انظر ابن يونس ص: (وناكر مخيرة لم تدخل
ومملكة مطلقا إن زادت على طلقة) ش: قال في المدونة: وإن خيرها قبل البناء فقالت قد
اخترت نفسي أو طلقت نفسي ثلاثا أو قالت له قد خليت سبيلي تريد بذلك الثلاثة، فله أن
يناكرها. فإن لم يرد بذلك إلا واحدة صدق لأن الواحدة تبينها والخيار والتمليك فيها سواء
390

انتهى. وقوله إن زادت على طلقة قيد للمخيرة التي لم تدخل وفي المملكة مفهومه أنهما لو لم
يزيدا على واحدة لم يكن له مناكرتهما وهو كذلك، أما المملكة فواضح، وأما المخيرة فعدم
المناكرة يقتضي أنه لا يبطل ما لها من التخيير إذا لم تقض بالثلاث. قال ابن عبد السلام: وهو
الظاهر لأن المخيرة التي لم تدخل بمنزلة المملكة. انتهى منه بالمعنى. ولأنها أيضا تبين بالواحدة
وهو المقصود، ومن طالع مسائل كتاب التخيير من البيان علم هذا.
مسألة: إذا قارن التخيير والتمليك خلع فهل له المناكرة فيما زادت على الواحدة؟ فقال
في رسم سعد في الطلاق من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك قال مالك: إذا
أعطت المرأة زوجها شيئا على أن يخيرها ففعل فاختارت نفسها فهي ثلاث البتة وليس هو
بمنزلة التمليك. قال ابن رشد: اختلف قول مالك في الرجل يملك امرأته أو يخيرها على شئ
تعطيه إياه، فمرة رأى التخيير في ذلك جاريا على سنة لا تأثير لما أعطته من المال في شئ من
ذلك لأنها إنما أعطته المال على أن يملكها ويخيرها، فإذا ملكها أو خيرها وجب له المال وكان
لها هي في ذلك سنة الخيار والتمليك وهو قوله في هذه الرواية: فإن خيرها فقضت بالثلاث لم
يناكرها، وإن قضت بدونها لم يكن لها شئ، وإن ملكها فقضت بما فوق الواحدة كان له إن
يناكرها وتكون له الرجعة. ومرة رآها بما أعطته من المال في حكم المملكة والمخيرة قبل الدخول
لأنها تبين بالواحدة بسبب المال كما تبين المطلقة قبل الدخول بواحدة بسبب أنه لا عدة عليها
فيكون له أن يناكرها في التخيير والتمليك إن قضت بما فوق الواحدة وتكون طلقة بائنة. وعلى
هذا القول يأتي قول ابن القاسم في رسم أوصى ورسم إن خرجت من سماع عيسى وعليه
قيل: إن من أعطته امرأته شيئا على أن يطلقها ثلاثا فطلقها واحدة أنه لا حجة له في ذلك إذ
قد نالت بها ما نالت بالثلاث إذ هي بائنة انتهى.
مسألة: قال البرزلي في مسائل الايمان: وسئل ابن أبي الدنيا عمن خالع زوجته وقال لها
إثر الخلع: أمرك بيدك فأجاب: إن نسق كلامه بذلك لزمه، وإن كان بعد انقضاء كلامه فلا
شئ عليه. البرزلي: يريد في إيقاع طلاق آخر إن أرادته انتهى. ص: (وبادر) ش: تصوره
واضح ولا يدخله الخلاف الذي في المرأة ببطلان خيارها في المجلس لأن سكوت الزوج التزام
391

لما قضت. قاله في التوضيح ص: (ولم يكرر أمرها بيدها إلا أن ينوي التأكيد) ش: في ذكر
هذا الشرط نظر، فإن حكمه موافق لما إذا لم يكرر ذلك، فلو أتى به المصنف على صيغة المبالغة
فقال: وإن كرر أمرها بيدها لكان أحسن لأنه يصير المعنى حينئذ إذا نوى الواحدة فله نيته
وإن كرر لفظ التمليك والله أعلم.
تنبيهان: الأول: قال في التوضيح: ولا فرق بين أن يعطف تمليكه أم لا انتهى. الثاني:
من شرط المناكرة أن لا يقول لها كلما شئت فأمرك بيدك، فإن قال لها ذلك فلا مناكرة. قاله
ابن الحاجب ولو أشار المصنف لهذا الشرط لكان أحسن من الذي ذكره لأنه لا فائدة فيه كما
تقدم بيان ذلك فتأمله والله أعلم. ص: (ولم يشترط في العقد) ش: أما اشتراطه عليه في العقد
فلا مناكرة له دخل أم لا.
392

تنبيهان: الأول: إذا شرط عليه التمليك في أصل العقد فطلقت نفسها واحدة بعد البناء
فله الرجعة. وقال سحنون وغيره: لا رجعة لأن ذلك مشترط. ابن عات: لأنه راجع إلى الخلع
لأنها أسقطت من صداقها لشرطها. قال: قوله في المدونة جار على أصولهم. انتهى من
التوضيح.
الثاني: قول المصنف في العقد أحسن من قول ابن الحاجب عند نكاحه أو قبله والله
393

أعلم. ص: (وحلف في اختاري في واحدة أو في أن تطلقي نفسك طلقة واحدة لا اختاري
طلقة) ش: قال في التوضيح: إن قال اختاري في واحدة فلا خلاف في وجوب اليمين أنه ما
أراد إلا واحدة لا أنك تختاري في مرة واحدة. وإن قال اختاري من الطلاق واحدة أو من
الطلاق طلقة أو اختاري طلقة فلا يمين عليه بلا خلاف. واختلف في وجوب اليمين إذا قال في
أن تطلقي نفسك طلقة واحدة وفي أن تقيمي على قولين، ونسب اللخمي وجوب اليمين لابن
القاسم وعدم اليمين أحسن انتهى. ص: (وبطل إن قضت بواحدة في اختاري تطليقتين أو في
تطليقتين) ش: مفهوم قوله إن قضت بواحدة أنها لو قضت بأكثر مما عين لها لا يبطل ما لها
من التخيير وهو كذلك إلا أنه لا يلزمه ما عينه ويلغي ما زادته. قال ابن عسكر في الارشاد:
وإن عين لها عددا فزادت ألغى الزائد. قال التتائي في شرحه لهذا المحل: كما إذا قال اختاري
تطليقتين أو في تطليقتين فطلقت ثلاثا ألغى الزائد ولو قضت بواحدة بطل خيارها انتهى. وقال
سيدي الشيخ أحمد زروق في شرحه لهذا المحل أيضا: كما لو قال اختاري طلقة أو طلقتين
فطلقت ثلاثا ألغى الزائد والله أعلم. ص: (وبطل في المطلق إن قضت بدون الثلاث) ش:
394

اختلف فيما يوجبه التخيير على ستة أقوال. قال في التوضيح: أشهرها مذهب الكتاب أن
اختيارها ثلاثا ولا مناكرة للزوج، نوت المرأة الثلاث أم لا. وإن قضاءها بدون الثلاث لا حكم
له ولا يقع شئ. ثم اختلف هل ذلك مسقط لخيارها لعدولها عمل جعل لها وهو المشهور أو
لا، ولا يكون لها بعد ذلك أن تقضى بالثلاث وهو قول أشهب. قال ابن المواز متمما
للمشهور: وما لم يتبين منه الرضا بما أوقعت فيلزم ذلك. وهل اللزوم فيما أوقعته من باب
الطلاق بالنية أو لا؟ تردد. انتهى مختصرا من الموضعين من التوضيح. وقال ابن عرفة: ولو
قضت المدخول بها بطلقة فقال اللخمي عن محمد: إن رضيها الزوج كانت رجعية وإلا ففي
سقوط اختيارها وبقائه ثالثها تجب بها الثلاث للمشهور مع الأكثر، وأشهب مع الشيخ عن
روايته، واللخمي عن عبد الملك، وصوب الثاني انتهى. وظاهر كلامه في المدونة أنه مخالف لما
نقله اللخمي عن محمد إلا أن يفسر به ونصه: وإن طلقت دون الثلاث لم يلزمه شئ انتهى.
تنبيهات: الأول: قال في المتيطية: إنها إذا أوقعت دون الثلاث وكان سبق له فيها من
الطلاق ما يكمل الثلاث أن ذلك كإيقاع الثلاث وهو ظاهر ونصها: وإن خيرها مطلقا
فاختارت تطليقتين لم يلزمه شئ ولا يقع عليها طلاق إلا أن يتقدم له فيها طلقة، فإن تقدم له
فيها طلقة بانت الآن بالتطليقتين اللتين أوقعتهما. ثم قال: وسئل ابن عتاب عمن خير امرأته
فاختارت طلقة واحدة وقد كان طلقها طلقتين فقال: قد بانت منه بالبتة ولا تحل له إلا بعد
زوج. وفي كتاب ابن المواز ما يدل على ذلك قال أبو الأصبغ: وهذا عندي صحيح لا يتوجه
فيه خلاف انتهى.
الثاني: فهم من قول المصنف إن قضت بدون الثلاث أنها لو قضت بأكثر من الثلاث
لم يبطل ذلك ولزمه الثلاث وهو ظاهر مما تقدم في كلام صاحب الارشاد وشارحيه والله أعلم.
الثالث: قال ابن ناجي إثر كلام المدونة المتقدم: ويقوم منها أن الحاضنة إذا رضيت بأخذ
بعض الأولاد دون بعض فإنه ليس لها ذلك، ووجه الإقامة أنه جعل هنا الجزء من الجملة لا
يستقل فيلزم إطراده. انتهى من أول كتاب التخيير.
فرعان: الأول: قال في المدونة قال مالك: وإن قال لها اختاري أباك أو أمك أو كانت
تكثر التردد إلى الحمام أو الغرفة فقال لها اختاريني أو اختاري الحمام أو الغرفة، فإن لم يرد
بذلك طلاقا فلا شئ عليه انتهى. قال ابن ناجي: يريد بقوله لا شئ عليه أي مع يمينه كما
قال في كتاب محمد انتهى. ثم قال في المدونة: وإن أراد بذلك الطلاق فهو الطلاق. قال ابن
القاسم: ومعنى قوله إن أراد به الطلاق فهو الطلاق، وإنما ذلك إذا اختارت الشئ الذي خيرها
395

فيه بمنزلة ما لو خيرها في نفسها فإن لم تختر ذلك فلا شئ لها انتهى. قال ابن ناجي: ولم
يبين في الكتاب ما الذي يلزمه من الطلاق. وقال اللخمي: إن أراد الطلاق ولم ينو عددا لزمه
الثلاث، وإن قال نويت واحدة فقيل يلزمه الثلاث. قاله ابن القاسم. وقيل: واحدة قاله أصبغ
وهو أشبه.
الثاني: قال فيها: وإن قال لها أمرك بيدك وأراد ثلاثا فطلقت نفسها واحدة فذلك لها
وتلزمه طلقة وله الرجعة انتهى. ص: (ووقفت إن اختارت بدخولها على ضرتها) ش: هكذا
قال في المدونة. وقال سحنون في المجموعة: ليس لها قضاء لأنها أجابت بغير ما جعل لها.
وعورض قوله في المدونة بقوله إنها إذا طلقت واحدة بطل خيارها. ووجه المعارضة أن كلا
منهما أخذت بعض حقها وأسقطت بعضا، فإن كان إسقاطها للبعض مقتضيا لسقوط حقها
فهو سقوط فيهما كما قال سحنون وإلا فلا. وأجيب بأنها في مسألة طلاقها واحدة تركت
بعض ما جعل لها وللزوج فيه غرض لأنها إذا وقعت الثلاث سقطت عنه نفقة العدة فصارت
لذلك الواحدة كأنها أمر آخر بخلاف الثانية فإنها لم تترك شيئا للزوج فيه غرض وإنما وقفت
لحق الله في إبقاء العصمة على الشك. قاله في التوضيح.
فرع: قال اللخمي: فإن لم توقف حتى دخل على ضرتها وقع الطلاق بالاختيار المتقدم،
وإن وطئها قبل ذلك لم يسقط الحكم المتقدم، وإن أرادت بعد قولها الأول أن تقضي الآن لم
يكن لها ذلك إلا برضا الزوج إذا كان قد أجاز قولها الأول. ص: (ورجع مالك إلى بقائهما
بيدها في المطلق ما لم توقف أو توطأ كمتى شئت) ش: أي ورجع مالك إلى بقاء التخيير
والتمليك بيد الزوجة في التخيير والتمليك العاري عن التقييد بالزمان أو بالمكان أو بما يدل على
الاطلاق ما لم يوقفها الحاكم. ويلزمها بإيقاع الطلاق أو ردد ذلك إلى الزوج، فإن لم تفعل
396

أسقطت من يدها كما تقدم في قوله: ووقفت. وإن قال إلى سنة متى علم فتقضي أو ترد إلا
أن يسقط الحاكم. وقوله: أو توطأ يعني أن المملكة والمخيرة إذا مكنت الزوج من وطئها بطل
ما بيدها. وهذا القول رجع إليه مالك بعد أن كان يقول إنهما إذا تفرقا من المجلس أو طال
المجلس بهما حتى يرى أنهما قد تركا ذلك وخرجا من الكلام الذي كانا فيه إلى غيره بطل،
وأما إن ملكها وأسرع القيام عنها لم يسقط خيارها بلا خلاف كما أنه لا يختلف في أن ذلك
بيدها. وإن افترقا أو طال المجلس إذا قال لها أمرك بيدك متى شئت ما لم توقف وإليه أشار
بقوله: كمتى شئت. واختلف إذا وطئها هل يقطع وطؤه خيارها وهو قول ابن القاسم، أو لا
يقطعه وهو مذهب أصبغ؟ قال في التوضيح: ولا خلاف أنه لو نص المخير أو المملك على أن
ذلك لا يكون للمرأة إلا إن اختارت في الحال أو نص على أن ذلك بيدها وإن تفرقا أنه يعمل
على ذلك. ص: (وأخذ ابن القاسم بالسقوط) ش: قال في المدونة: وعليه جماعة الناس. قال
المتيطي: وبه القضاء وعليه جمهور أصحاب مالك انتهى. قال في التوضيح: ونقل أشهب أن
مالكا إنما قال ببقائه إن انقضى المجلس مرة ثم رجع عنه إلى أن مات انتهى. ص: (وهما في
397

التنجيز لتعلقهما بمنجز وغيره كالطلاق) ش: تصوره واضح.
فرع: قال اللخمي: وإن قال لامرأته إن تزوجتك فلك الخيار أو كلما تزوجتك أو كل
امرأة أتزوجها لزمه، وليس بمنزلة قوله كل امرأة أتزوجها طالق لأن التمليك لا يحرم النكاح وقد
تختار البقاء معه، بل الغالب أن المرأة إذا تزوجت الرجل لا تختار فراقه بحضرة العقد وقربه
انتهى. ص: (واعتبر التخيير قبل بلوغها) ش: هذه المسألة في رسم الشجرة من سماع ابن
القاسم من كتاب التخيير والتمليك. وقال في المنتقى: ومن خير امرأته وهي مغمورة جاز
398

قضاؤها عليه لأنه رضي بذلك لنفسه، ولو كانت مفيقة ثم أصابها ذلك لم يلزمه قضاؤها. قاله
عبد الملك في المجموعة. ووجهه أنه إنما رضي قضاءها على ما علم من حالها وعقلها، فلما
ذهب ذلك لم يلزمه ما قضت به على غير تلك الصفة انتهى. ص: (وهل إن ميزت أو حتى
توطأ قولان) ش: القولان في تفسير قول مالك إذا كانت قد بلغت في حالها ورجح في رسم
الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك التفسير الأول والله أعلم. ص: (
وهل له عزل وكيله قولان) ش: قال الشارح في الوسط في شرح قول المصنف: وله التفويض
لغيرها. وهل له عزل وكيله؟ قولان. قوله: وله التفويض لغيرها هذا هو المشهور وهو مذهب
المدونة. وقال أصبغ: ليس له تفويض أمر امرأته لغيرها ويرجع الامر إليها فإما قضت أو ردت،
وعلى الأول فهل للزوج عزل الوكيل إذا أراد ذلك وهو قول مالك في المبسوط ونحوه في
المدونة، أو لا ونحوه لعبد الملك؟ وإلى ذلك أشار بقوله: وهل له عزل وكيله قولان انتهى.
ونحو هذا الشرح في الصغير وهو سهو لأن الشارح حمل كلام المصنف على أن الخلاف في
المملك يبين ذلك كلامه في الكبير ونصه: واختلف هل يجوز للزوج أن يفوض أمر امرأته
لغيرها أم لا، فالمشهور وهو مذهب المدونة جواز ذلك. وقال أصبغ: ليس له ذلك. وإذا قلنا
399

بجوازه فهل للزوج أن يعزل الوكيل إذا أراد ذلك أو لا؟ حكى الباجي في ذلك قولين: الأول
أنه ليس له ذلك وهو قول مالك في المبسوط. قال الشارح: قلت: وهو مذهب المدونة: قال:
وروى ابن حبيب عن ابن الماجشون فيمن قال لام زوجته إن تكاريت لابنتك وخرجت بها من
القرية فأمرها بيدك فتكارت لها لتخرجها فأبى وبدا له فقال: ذلك له ولا شئ عليه. وإلى هذا
الاختلاف أشار بالقولين إلا أن الباجي تأول القول الثاني بما يدل على أنه رده للأول فقال:
ومعنى ذلك عندي له الرجوع في سبب التمليك وهو بأن يمنع أمها من الخروج بها ولو
أخرجتها لم يكن له الرجوع في التمليك انتهى. ويمكن حمل كلام الشيخ على الوكيل
الحقيقي الذي هو قسيم المملك والمخير. وقد نقل المصنف في التوضيح في باب الوكالة أن في
عزل الوكيل عن الطلاق قولين، وذكر ذلك عن اللخمي وعبد الحق وغيرهما. وعلى هذا
فيكون معنى كلام المصنف وللزوج تفويض الطلاق لغير الزوجة بأنواع التفويض الثلاثة السابقة،
فإن فوض ذلك على سبيل التوكيل ففي عزله للوكيل قولان. ويفهم منه أنه لو فوضه للغير
تمليكا وتخييرا لم يكن له عزله حينئذ، وهذا الحمل حسن غير أن فيه مخالفة لما جزم به أول
الفصل من أنه إذا فوضه للزوجة توكيلا فله عزلها، وإذا كان له عزلها فغيرها أحرى. ويمكن
حمل كلام المصنف على معنى ثالث وهو أن يكون المراد بقوله: وله التفويض لغيرها أي على
سبيل التمليك، ويكون الضمير في قوله: وهل له عزل وكيله عائدا على التمليك. والمعنى أنه
إذا وكل رجلا على أن يملك زوجته أمرها أو يخيرها فهل له عزله أو لا؟ قولان. ويشير بذلك
400

إلى ما قاله في التوضيح في باب الوكالة ونصه: واختلف إذا وكله أن يملك زوجته أمرها هل
للموكل أن يعزله، فرأى اللخمي وعبد الحق وغيرهما أنه ليس له ذلك قالوا: بخلاف أن يوكله
على أن يطلق زوجته فإن فيه قولين. ورأي غيرهم أنه يختلف في عزله كالطلاق. واستشكل
المازري الطريقة الأولى بأنه لا منفعة للوكيل في هذه الوكالة وكان الأولى أن يكون له عزله إلا
أن يقال لما جعل له تمليك زوجته صار كالملتزم لذلك التزاما لا يصح له الرجوع عنه. انتهى
والله أعلم.
فصل في أحكام رجعة المطلقة
ص: (يرتجع من ينكح) ش: هذا شروع منه رحمه الله في الكلام على الرجعة. والرجعة
بفتح الراء وكسرها. قال الجوهري: والفتح أفصح وأنكر غيره الكسر. وقال ابن عرفة:
الرجعة رفع الزوج أو الحاكم حرمة المتعة بالزوجة لطلاقها فتخرج المراجعة انتهى. يريد بالمراجعة
ما إذا تزوج من طلقها طلاقا بائنا لأن وإن صح أن يقال ارتجع زوجته وراجعها في المطلقة
طلاقا رجعيا إلا أن كثيرا من الفقهاء والموثقين يستعملون في رجعة المطلقة غير البائن لفظ
ارتجع دون راجع لأن الرجعة بيد الزوج وحده، وإن كانت بائنا استعملوا راجع لكون
الحال متوقفا على رضا الزوجين فهي مفاعلة. وفي كلام المصنف إشعار بذلك حيث قال
يرتجع وهو ظاهر المناسبة. قال الشارح في الكبير: إلا أن قوله (ص) في قضية ابن عمر مرة
فليراجعها يخالف ذلك انتهى. ونحوه لابن عبد السلام. ولا اعتراض بالحديث لأنه ورد
بحسب اللغة وهذا اصطلاح الفقهاء. ثم قال ابن عرفة: وعلى رأي رفع إيجاب الطلاق حرمة
المتعة بالزوجة بعد انقضاء عدتها انتهى. ويشير بذلك إلى الخلاف في الرجعية هل هي محرمة
في زمن العدة كما هو المشهور، أو مباحة كما في القول الشاذ؟ فالحد الأول جار على
المشهور، والثاني جار على الشاذ. ثم قال: وقول ابن الحاجب رد المعتدة عن
طلاق قاصر عن الغاية ابتداء غير خلع بعد دخول ووطئ جائز قبوله ويبطل طرده بتزويج من صح رجعتها بعد
401

انقضاء عدتها إلا أن الاثم المشتق محكوم عليه لا به انتهى. يعني أن حده غير مانع لدخول من
طلقها زوجها طلاقا رجعيا يصح فيه الرجعة ثم لم يراجعها حتى انقضت عدتها فتزوجها، لأنه
يصدق عليه أنه رد المعتدة فإن المعتدة مشتق محكوم عليه، ويشير بذلك إلى ما ذكره القرافي
من التفصيل بين أن يكون الوصف محكوما به حقيقة في حال التلبس بالتعلق فقط، أو يكون
محكوما عليه فيكون حقيقة في الأحوال الثلاثة. وقد رد عليه ذلك ابن السبكي وغيره وقالوا:
التلبس بالمعنى فقط فاندفع السؤال لأنه لا يطلق على المطلقة بعد انقضاء عدتها أنها معتدة إلا
مجازا فتأمله. وقوله: من ينكح هو نحو قول ابن الحاجب وشرط المرتجع أهلية النكاح. قال
ابن عبد السلام: يريد أن المرتجع والناكح يستويان في الشروط دون انتفاء الموانع، فكل ما
يشترط في الزوج يشترط في المرتجع وذلك هو العقل انتهى. فعدم اشتراطه البلوغ أحسن من
قول المصنف في التوضيح يعني أن المرتجع يشترط فيه أن يكون أهلا للنكاح فلا بد أن يكون
عاقلا بالغا انتهى ونحوه للشارح. لأن البلوغ لا حاجة لاشتراطه إذ الطلاق الرجعي لا يتصور
من الصبي لأن طلاق غير البالغ لا يلزم وليس لوليه أن يطلق عنه إلا بخلع، وأما اشتراط العقل
فظاهر كما إذا طلق وهو عاقل ثم حصل له الجنون فارتجع فلا تصح رجعته. ص: (وإن
بكإحرام ومرض وعدم إذن سيد) ش: اعلم أن الذين يمنعون من النكاح ولا يمنعون من الرجعة
خمسة: المحرم والعبد والمولى عليه والمريض والمديان إذا قام عليه غرماؤه. قاله ابن فرحون وغيره
في شرحه. وقال في المسائل الملقوطة: ستة يرد نكاحهم: المحرم والعبد والمفلس والسفيه والمريض
والمرتد إلا أن يجيز السيد للعبد والمديان وولي السفيه. فهذه الثلاثة تجوز بالإجازة، والثلاثة
الباقية لا تجوز بالإجازة ويفسخ وإن دخلوا، ولهم أن يراجعوا إذا طلقوا طلاقا رجعيا انتهى.
وقوله: والمديان لعله سقط منه وغرماء الديان، أو أطلق المديان على رب الدين. وقوله: فلهم
أن يراجعوا أما الخمسة الأول فذلك ظاهر وقد تقدم أن ذلك لهم في كلام ابن فرحون، وأما
المرتد فلا، لأن بردته تبين منه زوجته والله أعلم. وقوله: وعدم إذن سيد يريد وليس لسيد
العبد أن يمنعه من الارتجاع. قاله في رسم شك من سماع ابن القاسم من طلاق السنة. قال ابن
رشد: لأن الطلاق الرجعي لا يزيل العصمة وإنما يوجب فيها ثاما يمنع من الوطئ انتهى. ولهذا
قال في المتيطية: لا تحتاج المرتجعة إلى ولي ولا صداق ولا رضا من المرتجعة انتهى. وقال البرزلي
في أواخر كتاب الايمان: وسئل ابن أبي زيد عمن طلق امرأته طلقة رجعية ثم تزوجها بنكاح
جديد بشروطه في العدة ودخل بها فأجاب: تزويجها رجعة ولا صداق لها إلا الأول ويرجع
عليها بالثاني.
402

قلت: تجري على مسألة من عرض صدقته ظنا أن ذلك يلزمه فإذا فات الصداق فلا
يرجع به على هذا والله أعلم انتهى. ص: (طالقا غير بائن) ش: احترز بغير البائن من
المطلقة طلاقا بائنا فإنه لا رجعة له عليها، وله أن يتزوجها في عدتها منه بعقد جديد إذا لم
يبلغ الثلاث. قال في كتاب إرخاء الستور من المدونة: والخلع طلقة بائنة سماها أو لم يسم
طلاقا وتعتد عدة المطلقة، وله أن ينكحها في عدته إن تراضيا لأن الماء ماؤه بوطئ صحيح
إلا أن يتقدم له فيها طلاق ويكون به هذا ثلاثا للحر أو اثنتين للعبد فلا تحل له إلا بعد زوج
انتهى. وذكر أبو الحسن أن له الرجعة ولو كانت حاملا إلا أن تثقل بالحمل فلا يجوز له ولا
لغيره لأنها تصير كالمريضة انتهى. وفي المتيطية فصل: فإن راجع هذا الزوج زوجته المختلعة
منه أو المفتدية فلا بد في ذلك من رضاها وولي يعقد عليها وصداق يبذل لها كالنكاح
المبتدأ سواء، لأنها قد ملكت بالطلاق أمر نفسها فصار هو في ذلك بمنزلة غيره إلا أنه ينفرد
بتزويجها في العدة دون من سواه، لأن العدة منه والماء ماؤه فلا حرج في ذلك عليه إلا أن
تكون مريضة أو حاملا مثقلا قد بلغت ستة أشهر فحكمها حكم المريضة لا يجوز له العقد
عليها حتى يزول ذلك المانع منها انتهى. فخرج بقوله: غير بائن المختلعة والمطلقة قبل البناء
والطلاق المحكوم به والثلاث. ص: (في عدة صحيح) ش: قال ابن بشير في كتاب إرخاء
الستور من التنبيه: وقد يشترط أن يكون النكاح صحيحا، فإن كان النكاح فاسدا نظرت،
فإن كان مما يفسخ بعد الدخول لم تكن فيه رجعة، وإن كان مما لا يفسخ ثبتت الرجعة
انتهى. وهذا داخل في كلام المصنف لأن الرجعة لا تكون إلا بعد الدخول وهو بعد
الدخول لا يطلق عليه أنه فاسد. وقال اللخمي في إرخاء الستور: الرجعة تصح في النكاح
الصحيح والإصابة الصحيحة إذا كان الطلاق بالطوع من الزوج ليس بحكم أوجب ذلك
عليه، وكذلك إذا كان فاسدا مما الحكم أنه يفوت بالدخول فطلق بعد أن دخل، وإن كان
مما يفسخ بعد الدخول فطلق قبل أن يدخل أو بعد أن دخل وقبل أن يفسخ لم تكن فيه
رجعة انتهى.
وقال ابن رشد في اللباب: الرجعة رد المعتدة عن طلاق قاصر عن الغاية ابتداء غير خلع
أوقعه الزوج في نكاح صحيح ووطئ جائز أو أوقعه الحاكم لسبب ثم زال ذلك السبب في
العدة وأقرت الزوجة ببقائها، فلا رجعة له على المبتوتة ولا على المختلعة ولا على التي لم يدخل
بها ولا على المنكوحة نكاحا فاسدا ولا على التي طلقها بعد أن وطئها وطئا فاسدا كالتي
403

وطئها وهي حائض، وله رجعة من طلقها عليه الحاكم بالايلاء أو لوجود العيب أو بعدم النفقة
إذا أصاب في العدة أو زال العيب أو أيسر فيها انتهى. وقوله: ابتداء يعني أن كونه قاصرا عن
الغاية إنما يفيد إذا كان الطلاق ابتداء، وأما إذا كان قد أوقع قبله من الطلاق ما كمل بالأخير
ثلاثا فإنها تبين. وقوله: وعلى التي طلقها بعد إن وطئها وطئا فاسدا يريد ولم يطأها وطئا
صحيحا لا قبله ولا بعده، وأما لو وطئها قبله أو بعده وطئا صحيحا فله الرجعة. وقوله:
ولوجود العيب هو قول أبي إسحاق التونسي أن طلاق العيب واحدة رجعية وهو خلاف
المشهور المعلوم في المذهب. قال ابن عرفة: في عيوب الزوجين وطلاق العيب واحدة بائنة ولو
كان بعد البناء حيث تصور. وسمع يحيى ابن القاسم: إن طلقت امرأة المجنون نفسها فهي
طلقة بائنة. ابن رشد: هذا معلوم المذهب لأن كل طلاق يحكم به الامام فهو بائن إلا المولى والمعسر
بالنفقة. وقال التونسي: تطليق الامام على المجنون والمجذوم والمبروص رجعي والإرث بينهما قائم
في العدة، ومن صح من دائه فله الرجعة. وقوله صحيح إلا أنه خلاف المعلوم في المذهب هو
نحو سماع عيسى في الأمة تختار نفسها فيموت في عدتها ترجع لعدة الوفاة.
ابن عرفة: في قوله: المبروص نظر صوابه الأبرص أو المبرص. قال الجوهري: برص
الرجل فهو أبرص وأبرصه الله. انتهى ونحوه في المقدمات في كتاب طلاق السنة. ووافق
التونسي على قوله اللخمي ونقله ابن عرفة في باب الرجعة واقتصر عليه ونصه: ولمن طلق عليه
لعسر النفقة أو عيب الرجعة إن أيسر في العدة أو ذهب عيبه وإلا فلا إن لم ترض ويختلف إن
رضيت فيهما أو في الايلاء بعدم إصابته، ففي صحة رجعته قولا ابن القاسم مع الأخوين في
الايلاء وسحنون فيه وفي المعسر انتهى. وتقدم الكلام على هذا جميعه مستوفيا عند قول
المصنف في آخر طلاق السنة لا لعيب وما للولي فسخه فراجعه والله أعلم. ص: (حل وطؤه)
ش: خرج به الوطئ المحرم كالوطئ في الحيض والصوم خلافا لابن الماجشون، وكالوطئ في
الدبر ووافق عليه ابن الماجشون. قاله في التوضيح وغيره.
تنبيه: قال اللخمي: وإن أصابها في صوم تطوع أو في اعتكاف غير منذور أو منذور في
الذمة كانت له الرجعة ليس ذلك الصوم والاعتكاف قد بطل بأول الملاقاة، ولا يجب إمساك
بقيته فكان تماديه بمنزلة من لان في صوم ولا اعتكاف انتهى. وقال في التوضيح بعد أن ذكر
404

كلام اللخمي: وذهب الباجي إلى أن الخلاف مطلق انتهى. ص: (أو نية على الأظهر وصحح
خلافه) ش: قال اللخمي: وإذا لم تصح الرجعة بمجرد النية ثم أصاب بعد ذلك بغير نية لم
تصح الرجعة أيضا إذا بعد ما بين النية والفعل أو القول إلا أن يحدث نية عند الإصابة. وقال
محمد: إن نوى الرجعة ثم قبل أو باشر أو ضم، فإن فعل ذلك لمكان ما نوى فهي رجعة يريد
إذا أصاب ساهيا عن الطلاق المتقدم لم يكن وطؤه رجعة إذا لم تقارنه نية. وقد اختلف في
النية للطهارة هل من شرطها مقارنة الفعل انتهى. وهذا إذا أصاب زوجته وهو ذا هل عن
الرجعة، وأما لو أصابها وهو يرى أن رجعته بالنية صحيحة وأنها رجعت إلى عصمته، فلا شك
أن هذه الإصابة رجعة محدثة صحيحة لاقتران الفعل بالنية، لأن وطأه وهو يرى أنه مرتجع
رجعة. قاله اللخمي في مسألة من قال إذا جاء غد فقد ارتجعتك وسيأتي ذلك عند قول
405

المصنف: وفي إبطالها إن لم تنجز كغد والله أعلم. ص: (ولا إن لم يعلم دخول) ش: قال
ابن عرفة: وشرطها ثبوت بنائه بها ومثبتة ما تقدم في الاحلال انتهى. والذي تقدم أنه يثبت
بشاهدين على النكاح وامرأتين على الخلوة وتقاررهما على الإصابة ص: (كدعواه لها بعدها)
ش: تصوره واضح.
فرع: إذا طلق الرجل امرأته وادعى بعد انقضاء عدتها أنه قد كان راجعها قبل أن
تنقضي عدتها وأتى برجعة مكتوبة قبل ذلك بمدة لا يعلم إن كانت قبل الطلاق أو بعده فيقول
بعد الطلاق وتقول المرأة قبله من طلاق آخر، فيدخل ذلك من الاختلاف ما يدخل في البراءة
التي لا يعلم إن كانت متأخرة عن ذكر الحق أو متقدمة عليه. انتهى من رسم الكراء والأقضية
من سماع أصبغ من كتاب المديان والتفليس، والاختلاف في ذلك سيأتي الكلام عليه إن شاء
الله مستوفيا في كلام المصنف في باب الاقرار وبيان المشهور فيه فراجعه هناك والله أعلم. ص:
406

(ولا إن أقر به فقط في زيارة) ش: أي فلا رجعة له. واحترز بقوله: فقط مما إذا أقرنه في
خلوة الاهتداء فإن له الرجعة، وهذا القول هو الذي رجحه المصنف في التوضيح هنا، وذكر في
باب العدة أنه إذا أقر أحد الزوجين فقط فلا رجعة. قاله في شرح قول ابن الحاجب. وتسقط
النفقة والسكنى ولا يجب إلا نصف الصداق ولا رجعة، وظاهره أنه لا رجعة مطلقا من غير
تفصيل بين خلوة الزيارة والاهتداء وهو أحد الأقوال ولم يحك في باب العدة غيره فتأمله والله
أعلم. ص: (وفي إبطالها إن لم ينجز كغد أو الآن فقط تأويلان) ش: يعني أن الرجل إذا لم
ينجز رجعة زوجته بأن يقول راجعت زوجتي بل علقها كما لو قال إذا كان غدا فقد ارتجعتك
فقال مالك: لا يكون ذلك رجعة. فظاهر كلامه أن هذه الرجعة باطلة مطلقا. ومن الشيوخ من
حمل كلام مالك على ظاهره كعبد الحق، ومنهم من قال: مراده لا تكون رجعة الآن وتصح
إذا جاء غد، فإبطالها إنما هو الآن فقط. ولما وجه اللخمي كلام مالك قال عقيبة: وإذا كانت
هذه رجعة فاسدة على قوله ثم لم يحدث رجعة ولا أصاب حتى خرجت من العدة بانت، وإن
أصاب في العدة وهو يرى أن تلك الرجعة كان وطؤه رجعة لأنه وإن كان الارتجاع الأول
فاسدا فإن حقه في الرجعة قائم وإصابته وهو يرى أنه مرتجع رجعة محدثة انتهى. ص:
(بخلاف ذات الشرط تقول إن فعله زوجي فقد فارقته) ش: ومثله اخترت زوجي في أنه لا
407

يلزم. نقله ابن رشد عن مالك في أول مسألة من سماع القرينين من كتاب التخيير. ص
: (وصحت رجعته إن قامت بينة) ش: تعين حمله على الوجه الثاني من الوجهين اللذين ذكرهما
الشارح في الكبير ولا يصح حمله على ما في الوسط ص: (ثم قالت كانت انقضت) ش:
أفاد بقوله: ثم قالت أن قولها كان متراخيا عن إشهاده برجعتها ص: (وإن لم تعلم بها حتى
انقضت وتزوجت) ش: تصوره واضح من كلام الشارح. وقال في طلاق السنة من مختصر
الوقار: ومن كتب إلى زوجته بطلاقها ووصل ذلك إليها وارتجعها ولم يصل إليها ارتجاعه إياها
408

حتى انقضت عدتها وتزوجت فلا سبيل له إليها. قال أبو بكر: ولست آخذ به
409

لأن الله جعله مالكا لرجعتها وقد ارتجعها. ص: (وندب الاشهاد) ش: ويستحب إسماعها.
قاله ابن رشد في آخر سماع ابن القاسم من طلاق السنة والله أعلم. ص: (والمتعة على قدر
حاله بعد العدة للرجعية) ش: وقيل: على قدر حالها فقط. قاله أبو عمران. وقيل: على قدر
حالها نقل القولين ابن عرفة وابن ناجي على المدونة والله أعلم.
فرع: قال ابن عرفة: ابن محرز عن ابن وهب وأشهب: إن لم يمتعها حتى ارتجعها
سقطت انتهى. ص: (ككل مطلقة بنكاح لازم) ش: قال في المدونة: ولكل مطلقة المتعة طلقة
واحدة أو اثنتين أو ثلاثا إلا المطلقة قبل البناء أو قد سمى لها فحسبها نصفه ولا متعة لها
انتهى. وقال ابن عرفة: لما تكلم على من لا متعة لها عاطفا عليه. اللخمي: ولا من قامت
بعيب ولا من فسخ نكاحها ولا لعارض حدث انتهى. وقال في الشامل: والمتعة مستحبة لا
واجبة على المشهور في كل نكاح لازم أو فاسد يفوت بالبناء انتهى. وقال ابن يونس في النكاح
الثاني: وكلما فسخ قبل البناء لصداقة فلا متعة فيه انتهى. ص: (لا في فسخ كلعان) ش: قال
411

ابن عرفة اللخمي: إن فسخ لرضاع بأمر الزوج رأيت عليه المتعة انتهى. وقال قبله: وقول الباجي
المفارقة عن مفالجة كالملاعنة خلاف ظاهر المذهب انتهى. وقال ابن ناجي: وقال ابن عرفة بعده
ابن رشد: ظاهر قول ابن القاسم إن طلق فيما يفسخ بطلاق قبل فسخه فلا متعة عليه انتهى.
ص: (وملك أحد الزوجين) ش: قال ابن عرفة عن اللخمي: وإن اشترى زوجته لم يمتعها
لبقائها معه ولو اشترى بعضها متعها ص: (أو فرض لها وطلقت قبل البناء) ش: قال في
المدونة: وإذا خلا بزوجته وأرخى الستر وقد سمى لها وطلقها وقال: لم أمسها وقالت: مسني،
فالقول قولها في الصداق ولا متعة لها انتهى. وقال ابن ناجي: قال أبو عمران: وإذا قال أصبت
وأكذبته ينبغي أن يكون لها جميع المهر مع المتعة. انتهى والله أعلم. ص: (ومختارة لعتقها أو
لعيبه) ش: قال ابن عرفة الصقلي: لمن اختارت نفسها لتزويج أمة عليها المتعة والله أعلم.
باب
ص: (الايلاء يمين وزوج مسلم مكلف يتصور وقاعه) ش: اختلف في مدلول الايلاء
لغة، فقال عياض: أصل الايلاء الامتناع قال الله تعالى: * (ولا يأتل أولو الفضل منكم) * [النور:
412

22] ثم استعمل فيما كان الامتناع منه بيمين. وقال الباجي: الايلاء في اللغة اليمين. وقاله
ابن الماجشون وكذلك قال المفضل. ويقال آلى وتألى وائتلى وآلى هو المستعمل عند الفقهاء.
يقال: الأ يولي إيلاء والاسم منه الألية والجمع الألايا على وزن عطية وعطايا. قاله في تهذيب
الأسماء. قال كثير في عمر بن عبد العزيز:
قليل الألايا حافظ ليمينه * وإن ندرت منه الألية برت
يصفه بقلة الحلف. ويقال الألوة بتثليث الهمزة. قاله في التوضيح وهو بسكون اللام
وفتح الواو كما يفهم من الصحاح فإنه قال فيه: والألوة فأما الألوة بالتشديد فهو العود الذي
يتبخر به وفيه لغتان ضم الهمزة وفتحها وهو فارسي معرب. وأما الشرع فحده ابن عرفة بأنه
حلف زوج على ترك وطئ زوجته يوجب خيارها في طلاقه. وحده المصنف بقوله: الايلاء يمين
زوج مسلم مكلف يتصور وقاعه. وكان الايلاء والظهار طلاقا بائنا في الجاهلية فغير الشرع
حكمهما. واختلف العلماء هل عمل بهما في أول الاسلام أم لا، وصحح بعضهم أنه لم يعمل
بهما والله أعلم. وانظر تهذيب الأسماء واللغات، وقوله: يتصور وقاعه تصوره ظاهر قال ابن
عرفة: وفيها من آلى من صغيرة لا يوطأ مثلها لم يؤجل حتى يمكن وطؤها. اللخمي: سواء
ضمها إليه أم لا، والكبيرة قبل البناء لا يوقف لها إلا بعد أربعة أشهر من يوم دعائه للبناء بعد
مدة جهازها وجهازه لأنه الوقت الذي توجه لها حق الإصابة فيه انتهى. ص: (وإن مريضة)
ش: قال ابن عرفة: وإيلاء المريض لازم إن لم يقيده بمدة مرضه وإلا فقولان: الأول نص عليه
ابن شاس وغيره، والثاني نص عليه ابن رشد وغيره انتهى. ص: (بمنع وطئ زوجته) ش: سواء
كانت يمينه صريحة في ترك الوطئ أو متضمنة عقلا كوالله لا التقي معها، أو شرعا كلا أغتسل
من جنابة كما سيذكره المصنف قريبا.
فرع: فإن قال علي نذر أن لا أقربك فقال ابن القاسم: هو مول. وقال يحيى بن عمر:
413

ليس بمول وهو بمنزلة قوله علي نذر أن لا أكلمك وهو نذر في معصية. قاله في التوضيح ص:
(غير المرضعة) ش: هذا هو المشهور. وقال أصبغ: هو مول. اللخمي: وهو أقيس لأن للمرأة
حقا في الوطئ ولا حق للولد ولا مضرة عليه لقوله عليه الصلاة والسلام إن ذلك لا يضر.
واتفق على أنه مول إذا أرضع الولد غيرها وعلى المشهور فقال في كتاب ابن سحنون: إن
وحلف بطلاقها البتة أن لا يطأها حتى تفطم ولدها فمات الولد قبل الفطام حل له الوطئ ولا
حنث عليه إن كانت نيته إصلاح ولده، وإن كانت نيته أن لا يمسها حولين فهو مول وتطلق
عليه إذا أوقفه السلطان بعد أربعة أشهر لأنه لا يقدر أن يمسها ولا يفئ لأن يمينه بالبتة. انتهى
من التوضيح ص: (أو إن لم أطأك فأنت طالق) ش: ظاهره أنه يكون موليا بمجرد كلامه
وليس كذلك بل له وطؤها الآن، فإن وقف عن وطئها كان موليا. قال في التوضيح لما تكلم
414

في باب الطلاق المعلق على قول ابن الحاجب: فإن كان نفيا يمكن دعوى تحقيقه بفعل له غير
محرم أو لغيره مطلقا غير مؤجل منع منها حتى يقع ما نصه: يستثنى من هذه القاعدة ما إذا
قال امرأته طالق إن لم أحبلها فإنه لا يمنع من وطئها. قاله في المقدمات. وله أن يطأها أبدا حتى
415

يحبلها لأن بره في إحبالها. وكذلك إن قال إن لم أطأك له أن يطأها لأن بره في وطئها، فإن
وقف عن وطئها كان موليا عند مالك والليث فيما روى عنهما. وقال ابن القاسم: لا إيلاء
عليه وهذا هو الصواب انتهى. وقال المصنف في باب الطلاق من المختصر في الكلام على
التعليق: وإن نفى ولم يؤجل كأن لم يقدم منع منها إلا إن أحبلها أو إن لم أطأها، ولا يصدق
حد الايلاء على هذه الصورة لأنه ليس عليه يمين تمنع من الوطئ والله أعلم ص: (أو ترك
الوطئ ضررا) ش: قال الفاكهاني في شرح الرسالة: قوله تعالى: * (فإن فاءوا فإن الله غفور
رحيم) *. قال ابن العربي: يقتضى أنه تقدم ذنب وهو الاضرار بالمرأة في المنع
416

من الوطئ، ولهذا قلنا: إن المضارة دون يمين توجب من الحكم ما توجب اليمين إلا في أحكام
417

المدة انتهى. وانظر ما نقله البرزلي عن المازري وكلام ابن بشير في التنبيه وكلام ابن رشد في
سماع ابن القاسم وسماع عيسى من طلاق السنة والله أعلم. ص: (وهل المظاهر إن قدر على
التكفير) ش: يريد بأي نوع من أنواع الكفارات وإن لم يقدر على التكفير لم يدخل عليه إيلاء.
قال ابن عرفة: روى أشهب: إن لم يجد ما يعتق ولا يقدر على الصوم ولا يجد ما يطعم فليكف
عن أهله حتى يجد، الشيخ: ولا حجة لها انتهى. ونص ابن الحاجب قال: وأما من ليس بمضار
فلا يدخل عليه الايلاء. قال في التوضيح: قيده اللخمي بما إذا طرأ عليه العسر والعجز عن الصيام
بعد عقد الظهار، وأما إن عقده على نفسه مع علمه أنه عاجز عن حله فإنه يدخل عليه الايلاء لأنه
قصد الضرر بالظهار. ثم يختلف هل يطلق عليه الآن أو يؤخر إلى انقضاء أجل الايلاء رجاء أن
يحدث لها رأي في ترك القيام انتهى. ص: (إلا أن يعود بغير إرث) ش:
418

فرع: لو اشترى بعض العبد وورث بعضه عاد عليه الايلاء لأجل بقاء اليمين في ذلك
البعض المشتري، وكذلك لو لم يرث منه شيئا ولكن اشترى بعضه فإن وطئها في المسألتين عتق
عليه جميع العبد البعض المشتري بنفس حنثه وبقية العبد بالتقويم. قاله في التوضيح ص: (إن لم
يمتنع وطؤها) ش: قال الشارح في الكبير: يريد سواء كان المانع عقليا كالرتق، أو عاديا
كالمرض، أو شرعيا كالحيض والنفاس انتهى. وتبع المصنف رحمه الله وشارحه كلام ابن
الحاجب قال: ولا مطالبة لممتنع وطؤها برتق أو مرض أو حيض انتهى. وتبع ابن الحاجب ابن
شاس رحمه الله. وما قالوه مخالف لما قدمه المصنف رحمه الله في فصل طلاق السنة في قوله
: وعجل فسخ الفاسد في الحيض والطلاق على المولى وهو قول ابن القاسم في المدونة وذكره
في آخر كتاب اللعان. وقال ابن عرفة هنا: وإن حمل أجله وهي حائض وقفت، فإن قال أفئ
أمهل، وإن أبى ففي تعجيل طلاقه روايتا ابن القاسم وأشهب بلعانهما. وعلى المشهور قال
محمد: ويجبر على الرجعة. وتعقبه ابن الكاتب بأن علة جبره عليها قصده تطويل عدتها وهي
419

في هذه الطالبة طلاقها فيه، وبأن الحاكم لا يحكم بمنهي عنه. وأجاب الصقلي بأن إبايته سبب
420

طلاقه فكأنه المستقل بطلاقها. وقول ابن شاس وابن الحاجب: وقبوله لا مطالبة للمريضة
المتعذر وطؤها ولا للرتقاء ولا للحائض لا أعرفه، ومقتضى قولها في الحائض ينافيه انتهى.
وقوله: وقبوله كذا هو في النسخ التي رأيتها ولعل قبوله ابن عبد السلام والله أعلم.
واستشكل في التوضيح كلام ابن الحاجب بأنه مناقض لما في اللعان بالنسبة إلى الحيض.
وأجاب بأن قال: لا يبعد أن تكون الفيئة على هذا القول بالوعد كما في نظائر المسألة حيث
تتعذر الفيئة بالوطئ ويكون التطليق عليه إنما هو إذا امتنع من الوعد انتهى. وما قاله لا يدفع
الاشكال، لأن كون الفيئة بالوطئ أو بالوعد وإلزامه الطلاق إن امتنع فرع المطالبة بها وقد نفى
421

المطالبة بها فتأمله. وقد استفيد من قول ابن عرفة وعلى المشهور أن قول ابن القاسم الذي مشى
عليه المصنف في فصل طلاق السنة من تعجيل الطلاق على المولى هو المشهور، ويدخل في
كلام المصنف من آلى من زوجته الصغيرة التي لا تطيق الوطئ وقد تقدم نص المدونة في ذلك
من كلام ابن عرفة والله أعلم.
باب
ص: (الظهار تشبيه المسلم المكلف من تحل أو جزأها بظهر محرم أو جزئه ظهار)
422

ش: قال الجوهري: الظهار قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي. عياض: وهو مأخوذ من
الظهر، وكنى به عن المجامعة لأنه ركوب للمرأة كما يركب ظهر المركوب لا سيما وعادة كثير
من العرب وغيره المجامعة على حرف من جهة الظهر، ويستقبحون سواه ذهابا إلى الستر والحياء
والخفاء وأن لا تجتمع الوجوه حينئذ، وأن لا يطلع على العورات وهي كانت سيرة الأنصار
حتى نزل * (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) * على إحدى الروايتين
في سبب نزولها انتهى. وقال في التوضيح: واعلم أن الظهار كان في الجاهلية وأول الاسلام
طلاقا حتى أتت خويلة بنت ثعلبة على ما رواه أبو داود وغيره تشكو زوجها إلى النبي (ص)
وتقول: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت وجادلت النبي (ص) انتهى. وظاهر كلام النووي في
تهذيب الأسماء واللغات أنه لم يعمل في الاسلام بأن الظهار والايلاء طلاق على القول
الراجح. قال القاضي عبد الوهاب: والظهار محرم بالكتاب كما أخبر الله عز وجل فقال: * (ما
هن أمهاتهم) * ولنصه في الآيات على أنه منكر وزور ولقوله في آخر الآية: * (وإن
الله لعفو غفور) * الشيخ أبو إسحاق: ويؤدب من ظاهر انتهى. وقال ابن عرفة
القاضي: هو محرم لأنه منكر وزور. وروى ابن شعبان: يؤدب المظاهر. ونقل الباجي قبل قولها
رواية المبسوط: الظهار يمين تكفر يحتمل الجواز والكراهة أرجح انتهى.
وحده ابن عرفة بقوله: الظهار تشبيه زوج زوجه أو ذي أمة حل وطؤه بمحرم إياها عجز
منه أو بظهر أجنبية في تمتعه بها، والجزء كالكل، والمعلق كالحاصل. وأصوب منه تشبيه حل
متعة حاصلة أو مقدرة بآدمية إياه أو جزأها بظهر أجنبية أو بمن حرم أبدا أو جزء في الحرمة فيها
من قال أنت مثل قدم أمي ونحوه مظاهر. ومن قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي
مظاهر. وقول ابن الحاجب تشبيه من يجوز وطؤها بمن يحرم يبطل طرده بقولها. قال مالك: إن
423

قال أنت علي كفلانة فهي البتات وعكسه بتشبيه الجزء انتهى. وقول المصنف: تشبيه المسلم
يدخل في كلامه السيد والزوج. وتفسير المصنف قول ابن الحاجب وشرط المظاهر أن يكون
مسلما أي زوجا مسلما. وتبعه ابن فرحون ليس بظاهر، وسواء كان عبدا أو سفيها فإذا ألزم
العبد أو السفيه الظهار فحكم العبد يأتي. وأما السفيه فمذهب ابن القاسم أن وليه ينظر له، فإن
كان موسرا وامتنع وليه من التكفير عنه فليس له الصيام، فإذا طلبته امرأته بالوطئ طلق عليه من
غير ضرب أجل. وعند ابن وهب: إذا امتنع وليه له أن يصوم ولا يطلق عليه إلا بعد ضرب
الاجل. قاله ابن رشد في سماع عبد الملك. وقال اللخمي في تبصرته: وإذا ظاهر السفيه وهو
موسر بالعتق عاجز عن الصيام كان الامر إلى وليه، فإن رأى أن العتق خير له من الطلاق أمره
بالعودة وأعتق عنه، وإن لم ير ذلك لأن العتق يجحف بماله أو لأنه ممن تكرر منه اليمين بالظهار
أو يكون مطلاقا، فإن أعتق عنه وطلق هو بعد ذلك لم يعتق عليه وكان للزوجة أن تقوم
بالطلاق إذا مضت أربعة أشهر. وقيل: يطلق عليه من غير ضرب أجل لأن الصبر إلى تمام
الاجل لا يفيد بمنزلة من قال إن وطئتك فأنت طالق البتة. واختلف إذا امتنع العتق وكان قادرا
على الصوم فقيل: لا يصح منه الصوم لأنه موسر. وقيل له أن يصوم لأنه في معنى المعسر.
والأول أحسن انتهى. قال في النوادر: فإن لم يكن له مال صام ولا يمنع من الصوم فإن أبى
فهو مضار. انتهى والله أعلم.
تنبيه: قال المصنف تنبيه قال ابن عبد السلام هنا: إنه لا بد من أداة التشبيه كلفظة
مثل أو الكاف فيقول أنت علي كظهر أمي أو مثل أمي، وأما لو حذف الأداة فقال أنت أمي
لكان خارجا عن الظهار ويرجع إلى كنايات الطلاق، وإن كان محمد نص في هذه اللفظة
على أنه مظاهر انتهى. وقوله: المسلم المكلف بصيغة التذكير يدل على أن المرأة لو ظاهرت لم
يلزمها كفارة. قال في التوضيح: وهو صحيح وقد نص عليه في المدونة. زاد ابن المواز: ولو
كان ملكها الطلاق انتهى. وما قاله عن ابن المواز هو في البيان بأتم من هذا ونصه في سماع
أبي زيد قال: وسئل ابن القاسم عن الرجل يقول لامرأته قد جعلت أمرك بيدك فتقول أنا عليك
كظهر أمك قال: ليس لها ذلك. ابن رشد: هذا كما قال لأن الزوج إنما ملكها في الطلاق
فليس لها أن توجب عليه أن لا يقر بها حتى يكفر كفارة الظهار، فإذا لم يكن لها ذلك فقط
سقط ما بيدها من التمليك إذا قضت بما ليس لها إلا أن تقول أردت بذلك الطلاق فيكون
ثلاثا إلا أن يناكرها الزوج فيما فوق الواحدة والله أعلم انتهى. وخرج بالمكلف المكره لقوله
عليه السلام: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وقد نص عليه في المدونة.
وأما ظهار السكران فكطلاقه على المشهور.
424

تنبيه: ظهار الفضولي هل يلزم إذا أمضاه الزوج أم لا؟ لم أر فيه نصا، والظاهر أنه يلزم
كالطلاق. وقوله: من تحل مراده به من تحل إما تحقيقا أو تعليقا وإلا كان رسمه غير جامع
لخروج نحو قوله للأجنبية إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي مع أنه ظهار. قاله في المدونة
ونقله ابن عرفة وغيره والله أعلم. وقوله: أو جزأها بظهر محرم أو جزئه لو قال بمحرم أو جزئه
لكان أحسن، لأن الجزء يشمل الظهر وغيره ويكون شبيه قوله في المقدمات وهو على أربعة
أوجه: تشبيه جملة بجملة وبعض ببعض وبعض بجملة وهي كلها في الحكم سواء إلا أن
يكون البعض الذي شبه من زوجته أو شبه به زوجته مما ينفصل عنها أو عن المشبهة بها من
ذوات المحارم كالكلام أو الشعر فيجري ذلك على الاختلاف فيمن طلق ذلك من زوجته
انتهى. وقد قال الشيخ: إن الأحسن لزومه في الشعر والكلام. وقال في التوضيح في قول ابن
الحاجب: وجزؤها مثل كلها كالطلاق. وقوله: كالطلاق يحتمل معنيين: أحدهما: الاحتجاج
على الشافعي لأنه يوافق على التطليق بالجزء ويخالف هنا. وثانيهما: الإشارة إلى أنه ليس كل
جزء يلزم به الظهار بل هو كالطلاق فيتفق على الظهار إن شبه بيدها ورجلها ويختلف في
الشعر والكلام. انتهى. وقال ابن فرحون: وإنما يلزم في الأجزاء المتصلة لا المنفصلة كالبصاق
ونحوه انتهى. وأما تعليق الظهار بدواعي الوطئ مثل أن يقول مضاجعتك أو ملامستك أو
قبلتك علي كظهر أمي، فمشهور المذهب أن الظهار يلزمه. قاله الرجراجي قال: وهذا القول
قائم من المدونة والله أعلم. وقوله: محرم يشمل المحرم على التأبيد كالمحارم والملاعنة والمدخول
بها في العدة، ويشمل المحرمة لا على التأبيد كالأجنبية وأخت الزوجة وعمتها. والظاهر أنه
كذلك، ويشمل أيضا مكاتبته وهو كذلك. قال الشيخ أبو الحسن الصغير عند قوله في المدونة:
وإن تظاهر من امرأته وهي حرة أو أمة أو صغيرة أو محرمة أو حائض إلى آخره. عن ابن محرز:
ولو قال لزوجتك أنت علي كظهر مكاتبتي لزمه الظهار لأنه لو ظاهر من مكاتبته لم يلزمه ظهار،
فكذلك إذا ظاهر بها لزمه الظهار وإن كانت قد تحل إذا عجزت انتهى. وقال ابن عبد السلام
في قول ابن الحاجب: وفي المكاتبة لو عجزت قولان، وانظر لو شبه بها في الظهار فالحكم كما
لو قال لزوجته أنت علي كظهر مكاتبتي فأدت أو عجزت هل تكون الزوجة مظاهرا منها؟
انتهى. وهذا الكلام يدل على أنه لم يقف على نص في المسألة والنص موجود ولم ينبه ابن
عرفة فيما رأيت على هذه المسألة والله أعلم.
مسألة: قال المشذالي في حاشيته: سئل ابن عبد السلام عمن قال لرجل أنت علي حرام
كأمي وأختي وزوجتي، ما يلزمه في زوجته وهل هي منصوصة؟ فقال: لا أعرف فيها نصا،
والظاهر عندي لزوم التحريم فيها لاحتمال عطفها على المبتدأ الذي هو أنت فكأنه قال أنت
وزوجتي، ويحتمل عطفه على المجرور بالكاف لكن على الأول يلزم الظهار لا الطلاق، وعلى
الثاني الطلاق ويكون من عكس التشبيه، ولعل الأقرب تحليف القائل بأنه ما نوى الطلاق
425

ويكلف بحكم الظهار. ص: (وبوقت تأبد) ش: يعني إذا وقت الظهار بوقت تأبد ولم يختص
بذلك الوقت كما لو قال لزوجته أنت علي كظهر أمي اليوم أو هذا الشهر فإنه مظاهر ولو
مضى اليوم أو الشهر، وليس منه قول المحرم لزوجته أنت علي كظهر أمي ما دمت محرما لأنها
عليه الآن كظهر أمه فهو بمنزلة من قال للمظاهر منها أنت علي كظهر أمي. قال اللخمي: في
الكلام على ظهار المجبوب والمعترض ظهار المحرم على وجهين: فإن قال أنت علي كظهر أمي ما
دمت محرما لم ينعقد عليه ظهار لأنها في تلك الحال كظهر أمه فهو بمنزلة من ظاهر ثم ظاهر
فلا يلزمه. الثاني وإن قال أنت علي كظهر أمي ولم يقيد بقوله ما دمت محرما، لزمه الظهار
لأن يمينه مع الاطلاق تتضمن جميع الأزمنة. انتهى نقله في الشامل. ومثل المحرم فيما يظهر
المعتكف والصائم الذي يعلم من نفسه السلامة والله أعلم. ص: (وبعدم زواج فعند اليأس أو
العزيمة) ش: نحو هذه العبارة قول ابن الحاجب: ولو قال إن لم أتزوج عليك فإنما يلزم عند
اليأس أو العزيمة. قال في التوضيح: يعني لا يكون مظاهرا إلا عند اليأس أو العزيمة انتهى.
زاد ابن شاس: إلا أن ينوي مدة معينة فيحنث بمضيها. فحمل كلام ابن الحاجب على هذا فقط
وقال: لم يتعرض المصنف يعني ابن الحاجب لكونه هل يمنع من الوطئ كالطلاق أو لا. ونص
الباجي على أن الظهار كالطلاق وأنه يحرم عليه الوطئ إذا كانت يمينه على حنث ويدخل عليه
الايلاء ويضرب له الاجل من يوم الرفع انتهى. وفهم ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب على
أنه لا يمنع من وطئها. وقال ابن عرفة الشيخ في الموازية: من قال إن لم أفعل كذا فأنت علي
كظهر أمي إن ضرب أجلا فله الوطئ إليه وإلا فلا، فإن رفعته أجل حينئذ ووقف لتمامه، فإن
فعل بر. وإن قال التزام الظهار واحدة في الكفارة لزمه ولم يطلق إلا بالايلاء حين دعي للفيئة،
فإن فرط في الكفارة صار كمول يقول أفئ فيختبر المرة بعد المرة وتطلق عليه بما لزمه من
الايلاء. ثم قال: وقول ابن الحاجب مع ابن شاس لو قال إن لم أتزوج عليك إلى آخره خلاف
426

ما تقدم. وقبله ابن عبد السلام ولا أعرفه، ومقتضى المذهب خلافه في الايمان والنذور منها: إن
قال أنت طالق إن لم أفعل كذا حيل بينه وبينها حتى يفعل ذلك وإلا دخل عليه الايلاء انتهى.
وانظر إنكاره هذا إن كان بناء منه رحمه الله على فهم كلام ابن الحاجب كفهم كلام ابن عبد
السلام فليس بظاهر عبارة واحد منهما فضلا عن كونه صريح عبارته، بل ظاهر عبارتهما كما
قال الشيخ خليل: إنه إنما يلزمه الظهار في ذلك الوقت ولم يتعرضا لكونه لا يمنع، وعلى هذا
ففي قوله: وقبله ابن عبد السلام نظر لأن ابن عبد السلام قال في أثناء كلامه: هذا ظاهر
كلام المؤلف. وحكى غيره أن الظهار كالطلاق وأنه يمنع من الوطئ إذا كانت يمينه على حنث
ويدخل عليه الايلاء انتهى. وإن أراد الانكار عليهما في قولهما إنه لا يكون مظاهرا إلا عند
اليأس أو العزيمة فليس بظاهر لأن ما قالاه هو المنصوص. قال ابن رشد في شرح آخر مسألة من
سماع أبي زيد من كتاب الظهار: لا يجب على الرجل الظهار بقوله امرأتي علي كظهر أمي إن
لم أتزوج عليها لأنه لم يحنث بعد ولا يقع عليه الحنث بذلك إلا بعد الموت إلا أن الكفارة
تجزئه قبل الحنث لأنها يمين هو فيها على حنث، فإن أراد أن يكفر ليحل عن نفسه الظهار
فيجوز له الوطئ كان ذلك له، وإن لم يفعل وطالبته امرأته بالوطئ ورفعته إلى السلطان ضرب
له أجل الايلاء إذ لا يجوز له أن يطأها إلا أن يكفر انتهى. فقوله: ولا يقع عليه الحنث بذلك
إلا بعد الموت إلى قوله: فإن أراد أن يكفر صريح في أنه يمنع من الوطئ وستأتي مسألة
سماع أبي زيد وكلامه المشار إليه برمته في شرح قول المصنف: وتعددت الكفارة إن عاد ثم
ظاهر. وإن أراد الانكار عليهما بخلاف هذا الوجه فلم يظهر لي وليس في كلامهما إشكال
أصلا والله أعلم. ومن هذا المعنى مسألة القرافي التي ذكرها في كتابة المسمى كفاية اللبيب
في كشف غوامض التهذيب المتقدم ذكرها عند قول المصنف في باب الايمان وبعزم على
ضده وهي قوله في المدونة في الايمان والنذور: ومن قال لامرأته أنت طالق واحدة إن لم
أتزوج عليك فأراد أن لا يتزوج عليها فليطلقها طلقة ثم يرتجعها فتزول يمينه، ولو ضرب أجلا
كان على بر وليس له أن يحنث نفسه قبل الاجل، وإنما يحنث إذا مضى الاجل ولم يفعل ما
حلف عليه، وتقدم هناك ما أورده عليها من الاشكال وما حملها عليه فراجعه هناك والله أعلم.
ص: (ولم يصح في المعلق تقديم كفارته قبل لزومه) ش: نحوه في سماع عيسى من كتاب
الظهار في رسم لم يدرك قال: من قال امرأتي علي كظهر أمي إن فعلت كذا لا يجزئه كفارته قبل حنثه كحلفه بالطلاق لا فعل كذا لا يجزيه تقديم طلاقه على حنثه. قال ابن رشد:
427

هو في الظهار أوضح لأن طلاقه يجب بحنثه والكفارة لا تجب بحنثه في الظهار حتى يطأ.
قال: ولو حلف بالظهار على شئ أن يفعله ولم يضرب لذلك أجلا لجاز له أن يقدم الكفارة
ويبر بذلك لأنه على حنث كما يجوز له أن يقدم الطلاق إذا حلف بالطلاق أن يفعل فعلا ولم
يضرب له أجلا ويبر في يمينه، لأنه على حنث حتى يفعل على ما في النذور من المدونة. انتهى
ونقله ابن عرفة وذكره ابن رشد أيضا في آخر سماع أبي زيد من الكتاب المذكور. وهذا يفهم
من قول المصنف: أو بعدم جواز فعند اليأس أو العزيمة والله أعلم ص: (وصريحه بظهر مؤبد
تحريمها أو عضوها أو ظهر ذكر) ش: يعني أن ألفاظ الظهار على نوعين: صريح وكناية.
فالصريح ما فيه ظهر مؤبد تحريمها. قال في التوضيح: وهذا لا خلاف فيه، والمشهور قصر
428

الصريح على ما ذكر. وقال ابن عرفة: الصيغة. قال ابن الحاجب وابن شاس: صريحه ما فيه
ظهر مؤبدة التحريم كظهر أمي أو عمتي، وكنايته الظاهرة ما سقط فيه أحدهما كأمي أو كظهر
فلانة الأجنبية، والخفية كاسقني الماء مرادا به الظهار. ابن رشد: صريحه عند ابن القاسم
وأشهب ما ذكر فيه الظهر في ذات محرم وغيرها. وعند ابن الماجشون ما ذكر فيه ذات محرم
ولو لم يذكر الظهر. وكنايته عند أشهب أن لا يذكر الظهر في غير ذات محرم ولو لم يذكر
الظهر، وكنايته عند أشهب أن لا يذكر الظهر في غير ذات محرم، وما ذكر فيه الظهر عند ابن
الماجشون غير كناية فلا كناية له عنده انتهى.
قلت: ما ذكر عن ابن رشد مخالف لكلامه في المقدمات ونصه كلامه: وله صريح
وكنايات، فصريحه عند ابن القاسم وأشهب وروايتهما عن مالك أن يذكر الظهر في ذات
محرم. وكنايته عند ابن القاسم أن لا يذكر الظهر في ذات محرم. أو يذكر الظهر في غير ذات
محرم. وكنايته عند أشهب أن لا يذكر الظهر في غير ذات محرم. ومن صريحه عند ابن
الماجشون أن لا يذكر الظهر في ذات محرم، وليس من كناياته عنده أن لا يذكر الظهر في غير
ذات محرم فلا كناية عنده للظهار انتهى. فكلام ابن شاس وابن الحاجب موافق لما ذكره ابن
رشد عن ابن القاسم، وهو خلاف ما ذكره ابن عرفة ولعل في كلامه سقطا أو في نسخته من
المقدمات سقط والله أعلم. وأما قول المصنف: أو عضوها أو ظهر ذكر فمشكل لأنه يقتضي
أنه إذا شبه بعضو من ذوات محارمه فإنه من الصريح وليس كذلك، بل صرح في الجواهر بأنه
إذا شبه بعضو من ذوات المحارم فإنه من الكنايات الظاهرة ونصه: الركن الثالث اللفظ وهو
قسمان: صريح وكناية، والصريح ما تضمن ذكر الظهر في محرم من النساء كقوله أنت علي
كظهر أمي أو أختي أو عمتي أو من أمي من الرضاعة. والكناية نوعان: ظاهرة وهي ما تضمنت
ذكر الظهر في المحرم أو التشبيه بالمحرم من غير ذكر الظهر كقوله أنت علي مثل أمي أو حرام
كأمي أو مثل أمي أو فخذها أو بعض أعضائها، وكقوله أنت علي كظهر فلانة الأجنبية وهي
متزوجة أو غير متزوجة. وخفية وهي ما لا تقتضي الظهار بوجه كقوله ادخلي أو أخرجي أو
تمتعي وشبهه انتهى. وقال في التوضيح: ونص في الجواهر على أنه يلحق به بقوله كأمي في
كونه كناية ظاهرة ما لو قال أنت كخدامي أو رأسها أو عضو من أعضائها انتهى. وأما إذا
قال كظهر ذكر فاختلف هل هو من ألفاظ الظهار أم لا؟ ومذهب ابن القاسم أنه ظهار لكن
غايته أن يكون كالكناية الظاهرة، في كلامه في التوضيح إشارة إلى ذلك وسيأتي في التنبيه
الثالث والله أعلم.
تنبيهات: الأول: يدخل في الصريح على ما قال المصنف ما إذا شبه بظهر ملا عنة وقد
أدخله المصنف في كلام ابن الحاجب وقال: إنه يتناول الملاعنة وليست محرما إذ المحرم من حرم
نكاحها على التأبيد لحرمتها. فقولنا لحرمتها احتراز من الملاعنة لأن تحريمها ليس لحرمتها بل
429

لعارض انتهى: ويدخل في الكناية الظاهرة ما إذا شبه بظهر أخت زوجته أو عمتها أو خالتها.
وقال في الجواهر ونصه: ولو شبه بمحرمه لا على التأبيد، فإن ذكر الظهر فهي من الكناية
الظاهرة وقد تقدم حكمها انتهى.
الثاني: لا فرق بين أن يقول أنت علي كظهر أمي أو أنت كظهر أمي بحذف علي
قاله في اللباب.
الثالث: تحصل مما تقدم أن القسمة رباعية تارة يذكر الظهر من غير مؤبدة التحريم، وتارة
يذكر مؤبدة التحريم من غير ظهر، وتارة يذكر غير مؤبدة التحريم بغير ظهر، والقسم الأول هو
الصريح، والثاني والثالث هما الكناية الظاهرة، وبقي القسم الرابع، وسيذكر المصنف حكمه
وأنه يلزم فيه البتات إلا أن ينوي به الظهار. وقال في التوضيح لما تكلم على هذا القسم الرابع:
فإن قلت: هذه المسألة وما بعدها من أي الأقسام هي؟ فإنها ليست من صريح الظهار قطعا ولا
من الكناية الخفية والمصنف يعني ابن الحاجب قد أخرجها من الكناية الظاهرة. قيل: هي
كالمترددة بين الظاهرة والخفية ولذلك ذكرها المصنف بينهما انتهى. وهذا كلام التوضيح الموعود
به. وقوله: وما بعدها يعني به مسألة التشبيه بظهر الذكر ومسألة قوله كابني وغلامي ومسألة
أنت حرام كظهر أمي أو كأمي، وهذا الكلام صريح في أن التشبيه بظهر الذكر ليس من
الصريح قطعا والله أعلم ص: (ولا ينصرف للطلاق وهل يؤخذ بالطلاق معه إذا نواه مع قيام
البينة كأنت حرام كظهر أمي أو كأمي تأويلان) ش: يعني أن صريح الظهار لا ينصرف
للطلاق، فإن ادعى أنه أراد بصريح الظهار الطلاق فهل يؤخذ بالطلاق مع الظهار إذا قامت
البينة عليه أو إنما يؤخذ بالظهار فقط؟ تأويلان. هذا معنى كلامه. وأما قوله كأنت حرام كظهر
430

أمي أو كأمي فمسألة أخرى شبهها بهذه المسألة في جريان التأويلين فيها، ولم يذكر المصنف
الحكم مع عدم قيام البينة اتكالا على المفهوم. فعلى التأويل الأول الذي يقول يؤخذ بالطلاق
مع الظهار إذا نوى بصريح الظهار الطلاق مع قيام البينة يفهم منه أنه مع عدم قيام البينة لا
يؤخذ بالظهار. وعلى التأويل الثاني فلا يلزمه إلا الظهار لأنه إذا لم يؤخذ بالطلاق مع قيام البينة
فأحرى مع عدمها غير أن الذي يقتضيه كلام المصنف أنه لا ينصرف للطلاق مع عدم قيام
البينة على كلا التأويلين إلا أن يحمل قوله: ولا ينصرف للطلاق ما إذا لم تكن له نية،
وقوله: وهل إلى آخره على ما إذا نوى به الطلاق دون الظهار فيقرب حينئذ من كلام ابن
رشد، ويكون مفهوم قوله: مع قيام البينة أنه لو لم تقم البينة يؤاخذ بالطلاق على التأويل
الأول، وكأنه يشير إلى ما قاله في المقدمات ونصه إثر كلامه المتقدم: والفرق بين الصريح
والظهار والكناية أنه إذا ادعى أنه أراد بالكناية الطلاق صدق، أتى مستفتيا أو أحصرته البينة،
والصريح لا يصدق إذا ادعى أنه أراد به الطلاق إذا أحضرته البينة ويؤخذ بالطلاق فيما أقربه
وبالظهار بما لفظ به فلا يكون له إليها سبيل إن تزوجها بعد زوج حتى يكفر كفارة الظهار.
وقيل: إنه يكون ظهارا على كل حال ولا يكون طلاقا وإن نواه وأراده وهي رواية أشهب عن
مالك وأحد قولي ابن القاسم انتهى.
فمفهوم كلامه في القول الأول إنه لو لم تقم عليه بينة لصدق في إرادة الطلاق ولم
يؤخذ بالظهار، وأن القول الثاني يقول: هو ظهار على كل حال وبين ذلك كلام ابن رشد في
المقدمات في آخر كتاب الظهار قال: أصل الظهار بذوات المحارم، فإذا ظاهر بشئ من ذوات
المحارم فهو مظاهر، سمى الظهر أو لم يسمه، أراد بذلك الظهار أو لم تكن له نية. فإن أراد
بذلك الطلاق ولم يرد به الظهار فقول ابن القاسم في رواية عيسى عنه من كتاب الايمان
بالطلاق أنه يكون طلاقا بتاتا ولا ينوي في واحدة ولا اثنتين. ثم قال: هذا نص قول ابن
القاسم أنه إذا ظاهر بذوات محرم وأراد بذلك الطلاق أنه طلاق، سمى الظهر أو لم يسمه،
ومساواته في هذا بين أن يسمي الظهر أو لم يسمه إنما يصح على مذهبه فيما بينه وبين الله إذا
جاء مستفتيا، وأما إذا حضرته البينة وطولب بحكم الظهار، فإن كان قد سمى الظهر حكم
عليه بالظهار لأن البينة قد حضرته بالافصاح به فلم يصدق في طرح الكفارة عن نفسه وقضي
عليه بالطلاق لاقراره أنه نواه وأراد الطلاق، وكان من حق المرأة إن تزوجها بعد زوج أن تمنعه
نفسها حتى يكفر كفارة الظهار. وإن كان لم يسم الظهر لم يحكم عليه بالظهار وصدق أنه
لم يرده إذا لم يصرح به، وهذا أصل من أصولهم، أن من ادعى نية مخالفة لظاهر لفظه لا
يصدق فيها. ثم قال: وروى أشهب عن مالك أنه يكون طلاقا إن لم يسم الظهر وظاهر إن
سماه. وقد فسر بعض الشيوخ ما في المدونة برواية أشهب عن مالك. وحكى أبو إسحاق
التونسي إنه مذهب ابن القاسم في كتاب ابن المواز، والصواب أن يفسر ما في المدونة برواية
431

عيسى عن ابن القاسم وعلى رواية أشهب عول الأبهري فقال: إن صريح الظهار ظهار وإن
نوى به الطلاق كما أن صريح الطلاق طلاق وإن نوى الظهار. وهذا لا يصح على مذهب ابن
القاسم في رواية عيسى بل يخالف في الطرفين فيقول في الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق
وقال أردت بذلك الظهار: ألزم الظهار بما أقر به من نيته والطلاق بما أظهر من لفظه انتهى.
وقال المصنف في شرح قول ابن الحاجب: وفي تنويته ثالثها ينوي في الطلاق الثلاث
يعني لو ادعى في صريح الظهار أنه لم يرد به الظهار وإنما أراد الطلاق، فهل يقبل منه أم لا؟
المازري: والمشهور أنه لا يقبل ويكون ظهارا. رواه ابن القاسم وأشهب عن مالك. زاد ابن
المواز: ولا يلزمه الطلاق ولو نوى أنك بما أقول طالق والقول بأنه ينوي في الطلاق سواء، قصد
الثلاث أو دونها. لعيسى وسحنون: والثالث أنه ينوي إن قصد الثلاث ولا ينوي إن قصد
دونها. لابن القاسم: وقيد اللخمي الخلاف بما إذا كان المتكلم عالما بموجب الظهار وقصد
الطلاق، وأما إن قصد الطلاق وهو يجهل حكم الظهار وينوي أنه طلاق فهو مظاهر وفي مثله
نزل القرآن.
تنبيه: المراد بعدم تصديقه في القول الأول إذا جاء مستفتيا، وكذلك قال أشهب وهو
أحد قولي ابن القاسم ومذهب المدونة على تأويل الأبهري، وروى عيسى وابن سحنون أنه
يصدق وهو مذهب المدونة على تأويل ابن رشد. وأما إن أحضرته البينة فإنه يؤخذ بالظهار
والطلاق معا. هكذا أشار إليه سحنون واللخمي وغيرهما ونص عليه صاحب المقدمات انتهى.
تنبيه: كلام المصنف في التوضيح عكس كلامه في المختصر لأن كلامه في التوضيح
يقتضي أن التأويلين مع عدم قيام البينة، هل يصدق في إرادة الطلاق أم لا؟ وأما مع البينة
فيؤخذ بهما وكلامه في المختصر يقتضي أن التأويلين مع قيام البينة هل يؤخذ بالطلاق مع
الظهار أو إنما يؤخذ بالظهار فقط؟ ويفهم منه أنه مع عدم البينة لا يؤخذ إلا بالظهار، وقد
علمت من كلام ابن رشد أن التأويلين جاريان مع قيام البينة. ومع عدم قيامها فتأويل ابن رشد
أنه يصدق في إرادة الطلاق مع عدم قيام البينة ولا يؤخذ إلا بالظهار، وكذلك مع قيامها. وقد
تقدم أنه إذا حمل قول المصنف ولا ينصرف للطلاق على ما إذا لم تكن له نية وقوله: وهل
إلى آخره على ما إذا نوى، ويجعل مفهوم قوله: مع قيام البينة أنه إذا لم تقم البينة لم يؤخذ
بالظهار فيقرب من كلام ابن رشد. ولو قال المصنف وهل ينصرف للطلاق فيؤخذ بها مع البينة
أو لا يؤخذ إلا بالظهار مطلقا تأويلان لوفى بالمقصود والله أعلم فتأمله والله أعلم. وأما قول
المصنف: كانت حرام كظهر أمي أو كأمي فهو كما قال ابن غازي: تشبيه لمسألة بأخرى لا
تمثيل للمسألة نفسها، ولذا اغتفر فيه إدراج كأمي وليس بصريح انتهى. وهو كما قال رحمه
الله: إنما أراد أن ينبه على أن التأويلين الجاريين فيما إذا نوى بصريح الظهار الطلاق يجريان فيما
432

إذا قال أنت حرام كظهر أمي أو كأمي يعني إذا أراد بذلك الطلاق. وقد صرح ابن رشد
بجريان ذلك فيها في أول رسم من كتاب الظهار. وأما إذا لم تكن له نية فصرح في المدونة
بأنه لا خلاف في أنه ظهار ونصه في كتاب الظهار: وإن قال لها أنت علي حرام مثل أمي أو
حرام كأمي ولا نية له فهو مظاهر، وهذا مما لا اختلاف فيه. وقال قبله: وإن قال لها أنت علي
حرام مثل أمي فهو مظاهر لأنه جعل للحرام مخرجا حين قال مثل أمي. قال غيره: ولا تحرم
عليه لأن الله أنزل الكفارة في الظهار ولا يعقل من لفظ به فيه شيئا سوى التحريم. ثم قال
مالك: ولو لم يذكر أمه كان البتات انتهى. ولم يذكر في المدونة أنت حرام كظهر أمي ولكنه
يؤخذ حكمه من باب أحرى، لأنه إذا قلنا إن قوله أنت حرام كأمي ظهار، فقوله كظهر أمي
من باب أولى، وقد جمع بينهما ابن الحاجب لكن ذكر فيهما خلاف ما قال في المدونة
ونصه: ولو قال أنت حرام كظهر أمي أو كأمي فعلى ما نوى منهما أو من أحدهما، فإن لم
تكن له نية فظهار. وقال عبد الملك: طلاق. وقال في التوضيح: يعني إن نوى بذلك الظهار
والطلاق لزماه. قال في الجواهر: إذا قدم الظهار في نيته وإن نوى أحدهما لزمه ما نواه فقط.
وتبع المصنف هنا ابن شاس وظاهر المدونة خلاف ما قالاه، ثم ذكر كلام المدونة السابق ثم قال
بمقتضاه: إن الكلام الأول هو الذي نقلناه آخرا مع النية وأنه يلزمه الظهار ولو نوى الطلاق،
ويدل عليه قوله في الثانية إن هذا مما لا اختلاف فيه، وقوله هذا مما لا اختلاف فيه يدل على
أن قول الغير في الأولى خلاف. هكذا قال ابن عبد السلام في معنى المدونة، وكذلك قال
غيره لا خلاف في إلزامه الظهار، والمشهور أنه لا يلزمه الطلاق. وكلام عياض قريب منه أعني
أنه يدل على أن مذهب الكتاب أنه ظهار، ولو نوى به الطلاق فإنه قال: وإن قرن بظهاره لفظة
الحرام فقال أنت علي حرام مثل أمي ففي المدونة أنه ظهار ومثله في العتبية. وقال مالك في
الموازية: ما لم يرد به الطلاق. وكذلك قال عبد الملك في ذلك: وفي حرام من أمي أنه ظهار
ولو نوى به الطلاق. وقال محمد: هذا إذا سمى الظهر، وإن لم يسمه فيلزمه ما نوى. وفي
كتاب الوقار: في حرام مثل أمي هو البتات ويلزمه الظهار متى راجع. وفي سماع عيسى في
أحرم من أمي أنها ثلاث انتهى. ونقل ابن حارث عن ابن القاسم فيما إذا قال حرام مثل أمي
أنه طلاق إلا أن ينوي به الظهار. قيل: والمشهور في أحرم من أمي أنه ظهار انتهى. وما ذكره
ابن عبد السلام نحوه لأبي الحسن في فهم كلام المدونة، وأن قوله في الثانية لا اختلاف يدل
على أن قول الغير في الأولى خلاف، ويعني والله أعلم أن مراد ابن القاسم بقوله في الأولى هو
ظهار ما لم يرد به الطلاق فيلزمه وأن الغير يقول هو ظهار ولو نوى به الطلاق والله أعلم.
تنبيهات: الأول: ما تقدم عن اللخمي من قصر الخلاف على من يعلم حكم الظهار تبعه
على ذلك في اللباب واقتصر عليه وجعله في الشامل طريقة.
433

الثاني: لو أراد بصريح الظهار الطلاق والظهار جميعا فالظاهر على تأويل ابن رشد أنهما
يلزماه معا، وأما على التأويل الثاني فلا شك في عدم لزوم الطلاق.
الثالث: علم مما تقدم أنه إذا قبلنا قوله في لزوم الطلاق فاللازم له الثلاث وكان المصنف
سكت عن ذلك لما سيقوله في الكناية الظاهرة أنه إذا قصد بها الطلاق ينوي في ذلك ويلزمه
البتات ص: (أو أنت أمي) ش: قال اللخمي في أوائل كتاب الظهار: قال مالك في كتاب
محمد: إذا قال أنت أمي إن فعلت كذا وكذا ففعله فهو مظاهر، وهذا لقصد الحالف ليس
لمجرد لفظه لأن الظهار أن يجعلها حراما كأمه، ومقتضى قوله أنت أمي أن تكون الزوجة أما
وهذا مستحيل أن يكون شخصان هنا شخصا واحدا انتهى، فظاهره أنه لا يلزمه شئ في
قوله: أنت أمي إلا إذا أراد به الظهار أو قامت قرينة على ذلك وهو ظاهر لأنه يشبه قوله يا
أمي ويا أختي. وقال في رسم القسمة من سماع عيسى من كتاب الظهار: قال ابن القاسم:
من قال لامرأته أنت أمي يريد بذلك الطلاق فهو الطلاق، وإن كان لا يريد به الطلاق فهو
ظهار انتهى. وذكر الرجراجي فيه قولين.
أحدهما: رواية عيسى هذه.
والثاني: رواية أشهب أنه الطلاق الثلاث ولا يلزمه الظهار وعلى رواية عيسى مشى
المصنف. ص: (فالبتات) ش: قد تقدم أن الكناية نوعان:
الأول: إذا شبه بذوات المحارم ولم يذكر الظهر فثبوته في الطلاق هو المشهور. وقال ابن
الماجشون: هو ظهار ولا يصدق في دعوى الطلاق. قال في التوضيح: وعلى المشهور إذا نوى
به الطلاق فهو البتات ولا ينوي في دونها إلا أن يكون غير مدخول بها فينوي. وقال سحنون:
ينوي أيضا في المدخول بها. قال صاحب المقدمات: وهو أظهر لأنه ليس من ألفاظ الطلاق
434

فوجب أن يوقف الامر على ما نوى. وأما النوع الثاني: إذا قال أنت كظهر فلانة الأجنبية. فما
قاله من أنه ظهار إلا أن ينوي به الطلاق فيكون ما نوى هو مذهب المدونة انتهى. وقال أولا
في شرح قول ابن الحاجب: وينوي في الطلاق أي ينوي في الكناية الظاهرة بنوعيها ويصدق
فيما قصده منه انتهى. ثم قال: وأما النوع الأول وذكر ما تقدم وظاهر كلامه في التوضيح أنه
ينوي فيما أراد فتأمله. وظاهر كلام ابن عرفة أنه البتات قال: وفيها إن قال أنت علي كظهر
فلانة الأجنبية وهي متزوجة أم لا فهو مظاهر. وقال غيره: هي طالق. أبو إبراهيم: قول الغير
خلاف. قال فضل وابن رشد وعبد الملك: زاد بعده ولا نية له وزاد أيضا بعد إلا أن يريد
بذلك التحريم فيكون البتات انتهى والله أعلم. ص: (ولزم بأي كلام نواه) ش: هذه هي
الكناية الخفية. قال ابن عرفة: والكناية الخفية ما معنى لفظه مباين له وأزيد منه إن لم يوجب
معناه حكما اعتبر فيه كاسقني الماء وإلا ففيهما كانت طالق. وأشار في المقدمات إلى إجرائها
على خفية الطلاق فتلغى على قول مطرف وروايته لغوها في الطلاق، وعلى قول أشهب فيها
إن لم ينو فيها معنى التطليق. انتهى وتقدم في المقدمات ص: (لا بأن وطئتك وطئت أمي)
ش: قال ابن غازي: ذكره ابن عبد السلام، وذكر ابن عرفة أنه لم يجده لغيره قال: وكونه
ظهارا أقرب من لغوه لأنه إن كان معنى قوله إن وطئتك وطئت أمي لا أطؤك حتى أطأ أمي
فهو لغو، وإن كان معناه وطئي إياك كوطئ أمي فهو ظهار وهذا أقرب كقوله تعالى: * (إن
يسرق فقد سرق أخ له من قبل) *. ليس معناه لا يسرق حتى يسرق أخ له من
قبل وإلا لما أنكر عليهم يوسف عليه السلام، بل معناه سرقته كسرقة أخيه من قبل ولذا أنكر
عليهم انتهى. وما ذكره عن ابن عرفة بعض كلامه وترك منه شيئا كثيرا محتاجا إليه ونص
كلامه: وسمع يحيى ابن القاسم: من قال لجاريته لا أعود لمسك حتى أمس أمتي لا شئ عليه.
ابن رشد: لأنه كمن قال لا أمس أمتي أبدا.
قلت: انظر هل هذا مثل قوله: إن وطئتك فقد وطئت أمي؟ نقل ابن عبد السلام أنه
لا شئ عليه ولم أجده لغيره. وفي النفس من نقله الصقلي عن سحنون شك لعدم نقله
435

الشيخ في نوادره. وانظر هل هو مثل قوله: أنت أمي سمع عيسى أنه ظهار وهذا أقرب من
لغوه، لأنه إن كان معنى قوله إن وطئتك إلى آخر ما نقله ابن غازي فانظر هذا الذي تركه ابن
غازي رحمه الله وما فيه من الفوائد وما ذكره ابن عرفة من جهة البحث ظاهر، فإن المتبادر من
قوله: إن وطئتك فقد وطئت أمي أي وطئي إياك مثل وطئ أمي. وأما من جهة النقل
فذكره ابن عبد السلام قبل الكلام على الكناية الخفية كما قال قبله ونقله في التوضيح أيضا
وقبله، ونقله ابن يونس في أوائل الظهار كما قال وقبله ونصه: وقال سحنون: وإن قال إن
وطئتك وطئت أمي فلا شئ عليه انتهى. وكلام ابن عرفة متدافع لأنه قال أولا لم أجده لغير
ابن عبد السلام ثم قال: إن الصقلي ذكره عن سحنون. وقوله إن في النفس شيئا من نقله
الصقلي عن سحنون لعدم نقله الشيخ في نوادره فغير ظاهر، لأن إمامة ابن يونس وجلالته وثقته
معروفة فلا ينبغي أن يطعن في قوله، وكون الشيخ لم يذكره ليس فيه حجة لأن من حفظ
حجة على من لم يحفظ، على أن الشيخ لم ينف وجوده. وهذا كله إذا لم ينو الظهار، أما إذا
نوى به الظهار فلا إشكال أنه يلزمه. وقول الشارح في الكبير ظاهر كلام المصنف أنه لا يلزمه
ولو نوى به الظهار بعيد، لأن المصنف قد قدم أنه يلزم بأي كلام نواه به فتأمله. وقول البساطي
أكثر هذه الألفاظ في المدونة ليس كذلك لأنه ليس شئ منها في المدونة. وقال اللخمي في
أوائل كتاب الظهار: ولو قال لا أمسك حتى أمس أمي لم يكن مظاهرا لأنه لم يلحقها بها في
التحريم ولم يشبهها بها، ولو أراد بذلك التحريم لكانت طالقا انتهى.
قلت: فيفهم منه إن قصد به التحريم فهو طلاق. فيتحصل من هذا أن هذه الألفاظ إن
قصد بها التحريم فهو طلاق، وإن قصد بها الظهار فظهار، وإن لم يقصد بها شيئا فلا شئ
عليه والله أعلم. ص: (وتعددت الكفارة إن عاد ثم ظاهر) ش: يعني لو ظاهر ثم عاد ثم ظاهر
أيضا لزمته كفارة ثانية ولو كان ظهاره ثانية بما ظاهر به أولا. قال في التوضيح: كما لو قال
أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار، وعاد ثم قال ثانيا: أنت علي كظهر أمي إن دخلت
436

الدار. لأن الأولى لما تقرر شرطها وهو العود صارت اليمين الثانية وإن كانت بغير ما علق به أولا
مخالفة للأولى فصار بمنزلة ما لو قال أنت علي كظهر أمي إن كلمت زيدا وأنت علي كظهر
أمي إن دخلت الدار انتهى. واعلم أولا أن كلام المصنف نحو كلام ابن الحاجب وهو شامل لما
مثل به في التوضيح وبما إذا قال لزوجته أنت علي كظهر أمي من غير تعليق ثم عاد ثم قال
أنت علي كظهر أمي ومقتضى كلامها أن الكفارة تتعدد في ذلك، وهو خلاف مذهب ابن
القاسم في الصورتين، بل لو شرع في الكفارة عن الأول ثم ظاهر لم تتعدد الكفارة بل يبتدئها
من حينئذ وتجزئ عن الظهارين. قال ابن رشد: إذا وقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة
عن الظهار الأول وكان ذلك مما لا يجب فيه إلا كفارة واحدة لم يجب عليه إتمام الأولى
واستأنف كفارة الظهار من يوم أوقع الظهار الثاني، وحيث تجب عليه لكل واحد كفارة إذا
أوقع الثاني بعد أن شرع في الكفارة الأولى يجب عليه إتمامها وابتداء كفارة أخرى للظهار
الثاني. هذا تحصيل مذهب ابن القاسم في هذه المسألة. وحكى ابن حبيب عن أصبغ أنه إذا
كان الظهار الأول بفعل والثاني بفعل فعليه لكل واحد كفارة وإن كان الفعل واحدا وهو بعيد.
ولابن الماجشون في ديوانه أن كفارة واحدة تجزئه في ذلك كيفما كان، فعلى مذهبه إذا وقع
الظهار الثاني بعد أن شرع في كفارة الظهار الأول يبتدئ من يوم أوقع الثاني وإن كانا جميعا
بفعلين في شيئين مختلفين، وقد قيل: إنه إذا أوقع الظهار الثاني بعد أن شرع في الكفارة للأول
يتم للأولى ثم يستأنف الثانية وإن كانا جميعا بغير فعل. قال ابن المواز: وهو أحب إلي إن لم
يبق من الأولى إلا يسير، وإن لم يكن من الأولى إلا يومان أو ثلاثة فإنه يتمها ويجزئه لهما
جميعا. وقول ابن القاسم في هذه المسائل كلها أظهر الأقوال وأولاها بالصواب انتهى.
ثم قال في سماع أبي زيد: قال ابن القاسم في رجل قال أنت علي كظهر أمي إن لم
أتزوج عليك فأخذ في الكفارة فلما صام شهرا وقع بينه وبينها مشاجرة فقال لها: أنت علي
كظهر أمي إن لم أتزوج عليك قال: يبتدئ شهرين من يوم ظاهر للظهار الآخر. قيل له: فإنه
ابتدأ فلما صام أياما أراد أن يبر بالتزويج عليها قال: إذا تزوج عليها سقطت عنه الكفارة وبطل
عليه الصيام. قال ابن رشد: لا يجب على الرجل الظهار بقوله: امرأتي علي كظهر أمي إن لم
أتزوج عليها، لأنه لم يحنث بعد ولا يقع عليه الحنث إلا بعد الموت إلا أن الكفارة تجزئه قبل
437

الحنث لأنها يمين هو فيها على حنث، فإن أراد أن يكفر ليحل عن نفسه الظهار فيجوز له
الوطئ كان له ذلك، وإن لم يفعل وطلبته المرأة بالوطئ ضرب له أجل الايلاء إذ لا يجوز له أن
يطأ إلا أن يكفر. فإن هو لما أخذ في الكفارة قال لها مرة أخرى: أنت علي كظهر أمي إن لم
أتزوج عليك عاد إلى ما كان عليه قبل أن يبتدئ الكفارة وسقط ما مضى منها، ولم يكن له
أن يطأ حتى يستأنف الكفارة على ما قال، ولم يكن له أن يتم الكفارة التي دخل فيها ثم
يستأنف الكفارة لليمين الأخرى لأن اليمينين جميعا على فعل واحد فلا يلزمه فيهما إلا كفارة
واحدة. فإن تزوج عليها بر بالتزويج وانحلت اليمين ولم يكن عليه إتمام ما دخل فيه من
الكفارة، وهذا كله بين انتهى. وقال في التوضيح: ولو أخذ في كفارة الظهار ثم قال: أنت
علي كظهر أمي، فليبتدئ الآن كفارة واحدة وتجزئه. وقل: بل يتم الأولى ويبتدئ كفارة
ثانية. محمد: وهو أحب إلي إذا كان لم يبق من الأولى إلا اليسير، وأما إن مضى يومان أو
ثلاثة فليتم ويجزئه لهما. وقال أشهب: سواء مضى أكثر الكفارة أو أقلها فإنه يجزئه أن يبدأ
الكفارة عن الظهارين إذا كانا نوعا واحدا مثل أن يقول: أنت علي كظهر أمي ثم يقول وقد
أخذ في الكفارة مثل ذلك، وكذلك لو كان الأول بيمين حنث فيها والثاني بغير يمين قال: وإن
كان الأول بغير يمين والثاني بيمين حنث فيها فليتم الأول ويبتدئ كفارة ثانية للظهار الثاني
انتهى. وقال ابن عرفة: ولو حدث التكرار بعد تمام كفارة الأول تعددت لما بعدها اتفاقا. ولو
حدث في أثنائها ففي أجزاء ابتدائها عنهما ولزوم تمام الأولى وابتداء ثانية ثالثها إن لم يبق من
الأولى إلا اليسير، وإن مضى منها يومان أو ثلاثة أجزأه إتمامها عنهما. ثم ذكر الخلاف ثم قال:
وقول ابن الحاجب لو عاد ثم ظاهر لزم ظهاره دون خلاف ليس كذلك. ولو قال: لو وطئ
بدل لو عاد لاستقام. انتهى والله أعلم. ص: (لا إن تزوجتكن) ش: أي لا إن قال لنسوة: إن
تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي، فلا تتعدد عليه الكفارة بل عليه كفارة واحدة إذا تزوجهن أو
تزوج واحدة منهن. قاله في المدونة. قال ابن رشد: ولا خلاف في ذلك بخلاف ما لو قال
لأربع نسوة من تزوجت منكن فهي علي كظهر أمي. قاله في المدونة وعزاه ابن رشد في آخر
سماع ابن القاسم لابن المواز. ص: (أو كل امرأة) ش: أي إذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي
علي كظهر أمي فإنما عليه كفارة واحدة، وكذلك إذا قال لامرأته كل امرأة أتزوجها فهي علي
438

كظهر أمي بخلاف ما لو قال من تزوجت من النساء فهي علي كظهر أمي. قاله ابن المواز
وقاله في البيان وفي التوضيح. قال في التوضيح: قال في الاستلحاق: وانظر إذا قال من
تزوجت فهي علي كظهر أمي ولم يقل من النساء، فهل تجزئه كفارة واحدة؟ انتهى ص: (أو
كرره أو علقه بمتحد) ش: قال ابن رشد في نوازل أصبغ من كتاب الظهار: مذهب ابن
القاسم أن الرجل إذا ظاهر من امرأته ظهارا بعد ظهار أنهما إن كانا جميعا بغير فعل أو جميعا
بفعل في شئ واحد أو الأول بفعل والثاني بغير فعل، فليس عليه فيهما جميعا إلا كفارة
واحدة إلا أن يريد أن عليه في كل ظهار كفارة فيلزمه ذلك، وأنهما إن كانا جميعا بفعلين
مختلفين أو الأول منهما بغير فعل والثاني بفعل فعليه في كل واحدة منهما كفارة. ثم ذكر ما
نقلناه عنه في شرح قول المصنف: وتعددت الكفارة إن عاد ثم ظاهر والله أعلم. ص: (وله
المس بعد واحدة على الأرجح) ش: لأنها هي كفارة الظهار والباقي كطعام نذره. قاله القابسي
439

وأبو عمران قالا: وإنما تفاوضا بهذه الكفارة وضاق الثلث قدمت كفارة واحدة على كفارة
اليمين بالله تعالى، وتقدم كفارة اليمين على ما بقي لأنه نذر. قال ابن يونس: هذا هو الصواب
ومقابله لأبي محمد: لا يطأ حتى يكفر ما نوى من الكفارات. انتهى من التوضيح بالمعنى.
وقال ابن رشد في نوازل أصبغ من كتاب الظهار: قال أبو إسحاق: ويجوز له أن يطأ بعد
الكفارة الأولى وقبل الثانية. قال ابن رشد: بل هو الواجب لأنه لو كفر يعني الثانية قبل أن يطأ
لم تجزه الكفارة إذ ليس بمظاهر وإنما هو حالف كرجل قال: إن وطئت امرأتي فعلي كفارة
الظهار فلا تلزمه الكفارة حتى يطأ انتهى. قال ابن عرفة: وللخمي نحو ما لابن إسحاق. وقال
ابن عبد السلام: قد يقال إن المكلف التزام ما بقي من الكفارة قبل المماسة فيلزمه ما التزم كما
لو قال لله علي أن أعتق رقبتين قبل أن أطأ لما جاز له الوطئ إلا بعد عتقهما وأجل. هذا هو
الذي فهمه الشيخ أبو محمد من مراد المظاهر. وفهم غيره النذر المعلق فكأنه قال: إن وطئتها
فعلي كفارتان. وعلى هذا فيسأل المظاهر عن مراده ويتفق القولان قال: وينبغي أن لا يشترط
العود فيما زاد على كفارة واحدة على مذهب القابسي انتهى. وما قاله إذا بين المظاهر مراده أنه
يعمل عليه ظاهر، ولعل الخلاف إنما هو إذا لم تكن (له نية فاختلف على ماذا يحمل كلامه.
وأما قوله إنه ينبغي أن لا يشترط العود على مذهب القابسي، فإن أراد بذلك إذا كان مراد
الحالف ما قال فظاهر، وأما إن كان مراده الوجه الآخر أو لم تكن له نية فلا يصح أن يقدم
الكفارة قبل الوطئ فضلا عن العود فتأمله والله أعلم. ص: (وسقط إن تعلق ولم يتنجز
بالطلاق الثلاث) ش: تصوره ظاهر. وقوله: الثلاث احتراز مما لو طلق واحدة أو اثنتين. قال
440

في المدونة: وإن قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي فطلقها واحدة أو اثنتين
فبانت منه ودخلت الدار وهي في غير ملكه لم يحنث بدخولها، فإن تزوجها ودخلت وهي
تحته عاد عليه الظهار انتهى. وقوله في المدونة فطلقها واحدة أو اثنتين فبانت منه ودخلت فظهر
منه أنها لو دخلت في العدة وكان الطلاق رجعيا لزمه الظهار. وقد صرح به ابن الحاجب في
الكلام على الطلاق.
فرع: قال في المقدمات: ومن ظاهر من أمته بيمين ثم باعها ثم اشتراها فإن اليمين ترجع
عليه على مذهب ابن القاسم إن بيعت عليه في الدين، وإنما لا تعود عليه اليمين إذا عادت إليه
بميراث انتهى. قال اللخمي: وعلى قول ابن بكير لا يكون مظاهرا يعني إذا عادت إليه بشراء.
ونقله ابن عرفة وصاحب الشامل.
فرع: قال اللخمي: وإن كان نكاحان بينهما ملك فحلف وهي زوجة لم يحنث حتى
طلق ثم اشتراها ثم باعها ثم تزوجها عادت على العصمة الأولى، فإن حنث كان مظاهرا. وإن
كانا ملكين بينهما نكاح لم يبن الملك الثاني على الأول لأن النكاح الذي بينهما صحح البيع.
قال: وإن حلف وهي زوجة فانفسخ النكاح ثم باعها ثم تزوجها ثم حنث لم يكن مظاهرا لأن
العصمة الأولى زالت، وهذا نكاح مبتدأ بمنزلة من قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثم اشتراها
فانفسخ النكاح ثم باعها ثم تزوجها ثم دخل لم تطلق عليه، لأن العصمة التي حلف لها زالت
وهذا نكاح مبتدأ، ولو لم يحنث بالطلاق وأوقع عليها طلقة كان قد بقي له فيها طلقتان
انتهى. ففرق بين أن يكون اشتراها بعد طلقة أو فعل طلقة. ونقل في الشامل كلامه الأول ولم
ينقل الأخير، فيتوهم أن حكمهما واحد. ولم ينقل ابن عرفة هنا عن اللخمي ولا كلمة ولا عن
ابن يونس، وإنما نقل كلامه في المقدمات في المسألة المتقدمة وفي هذه المسألة وهي ما إذا ظاهر
من زوجته وهي أمة بيمين ثم اشتراها قبل أن يحنث باليمين. قال في المقدمات: فذهب بعض
الشيوخ إلى أن اليمين لا تعود عليه لأنه ملك يمين لا ملك عصمة فهو غير المالك الأول كملك
العصمة بعد الطلاق ثلاثا قال: إلا أن يبيعها ثم يتزوجها فإنه يعود عليه اليمين لأنه بقي له فيها
طلقتان واليمين تعود ما بقي من طلاق ذلك الملك شئ انتهى. ويظهر من كلامه الأخير أن
شراءها كان بعد أن طلقها طلقة واحدة. وهذا القول نقله ابن يونس عن بعض أصحابنا، وقاله
اللخمي ولم ينقل غيره قال: وعكسه أن يحلف بظهر أمته فلم يحنث حتى باعها ثم تزوجها
ثم حنث وهي زوجة لم يلزمه ظهار انتهى. ثم قال في المقدمات: وذهب بعضهم إلى أن اليمين
تعود عليه إذا اشتراها انتهى. قال ابن يونس: وهو أصوب. ثم قال في المقدمات: والذي أقول
به إنه إن ورث جميعها أو اشترى جميعها في صفقة واحدة فاليمين باقية عليه لا تسقط عنه إذ
لم تحرم عليه لخروجها من عصمة النكاح إلى ملك اليمين، ولا أقول إنها تعود عليه إذ لا يكون
العود إلا بعد المفارقة. وأما إذا ورث بعضها أو اشترى بعضها فحرمت عليه بذلك ثم اشترى
441

بقيتها فحلت له بالملك فاليمين لا تعود عليه، لأن ملك اليمين غير ملك العصمة، وملك اليمين
من ملك العصمة أبعد من ملك العصمة الثانية من ملك العصمة الأولى انتهى. ص: (لا إن
تقدم) ش: لا كلام في هذا، وكذلك لو ظاهر من زوجته الأمة ثم طلقها ثم اشتراها أو
اشتراها قبل أن يطلقها أو كان علقه ثم حنث قبل الشراء فإن الظهار لازم له. قاله اللخمي وهو
في المدونة والله أعلم ص: (أو صاحب) ش: قال في التوضيح عن اللخمي: ولو كانا في
مجلسين أعني قال في مجلس إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا، وفي مجلس إن تزوجتك فأنت
علي كظهر أمي. ونقل أبو الحسن عن ابن محرز أن قوله لزوجته التي في عصمته إن دخلت
الدار فأنت طالق البتة وأنت علي كظهر أمي مثل قوله للأجنبية إن تزوجتك إلى آخره. وقال
عنه: ولو أنه قال إن تزوجتها فهي طالق ثلاثا ثم هي علي كظهر أمي، أو قال لزوجته أنت
طالق إن دخلت الدار ثم أنت علي كظهر أمي لم يلزمه الظهار، لأنه حينئذ وقع على غير
زوجة لما وقع مرتبا على الطلاق انتهى. وانظر اللخمي والله أعلم. ص: (وإن عرض عليه
نكاح امرأة) ش: قال ابن عرفة: والمعلق بالقرينة كالصريح كالطلاق. وروى الباجي: من ذكر
له نكاح امرأة فقال هي أمي مظاهر إن تزوجها. الباجي: يريد لأنه مستند إلى ما عرض عليه
442

من زواجها فكأنه قال: إن فعلت فهي أمي، ولو أراد أن يصفها بالكبر لم يلزمه ظهار انتهى.
ص: (وتتحتم بالوطئ) ش: قال في المتيطية: فإن وطئ قبل الكفارة فقد ثبت وجوبها عليه
ويعاقب جاهلا كان أو عالما وعقوبة العالم أشد انتهى ص: (وهل يجزئ إن أتمها تأويلان)
ش: هذان التأويلان في الطلاق البائن أو الرجعي بعد العدة. وأما الرجعي قبل انقضاء العدة فإن
أتمها أجزأه باتفاق. قاله في تهذيب الطالب. وقيده صاحب البيان بما إذا نوى رجعتها وعزم
على الوطئ وإن لم ينو فيكون كالطلاق البائن. قاله في التوضيح.
فرع: قال في الشامل: فإن قصد البراءة بالرجعي ارتجع ثم كفر قبل الرجعة في العدة
ففي الاجزاء قولان انتهى. وقوله: فإن قصد البراءة أي أن يبتدئ الكفارة في الرجعي ارتجع
ثم كفر. وانظر المسألة في كتاب الظهار في أول سماع القرينين.
فرع: فإن كان لما إن طلقها لم تتم الكفارة حتى تزوجها. قال في التوضيح: فاتفق على
أنه لا يبني على الصوم اتفاقا. واختلف هل يبني على الاطعام على أربعة أقوال فذكرها انتهى.
وهذا الذي قاله هو أيضا في أول سماع القرينين ص: (لا جنين وعتق بعد وضعه) ش: هو
كقوله في المدونة: ويعتق إذا وضعته. وقال ابن عبد السلام: قول ابن الحاجب فلو أعتق جنينا
عتق ولم يجزه أقرب من عبارتها، لأن ظاهر كلامه أنه معتق حين عتقه وعبارتها تدل على أن
443

عتقه حين الوضع فيقال على هذا: إذا وضعته صار رقبة وعتقه حينئذ عن الكفارة فيجزئه ولكن
لا يخفى عليك الجواب عن هذا انتهى. وقوله في الشامل وعتق بعد وضعه وقيل بعتقه ولم أر
من نقل هذا الخلاف والله أعلم.
فرع: وأما عتق الرضيع فيجزئ. قاله كل أهل المذهب. قال في المدونة: ويجزئ عتق
الصغير والأعجمي في كفارة الظهار إذا كان من قصر النفقة. قال ابن ناجي: ما ذكره في
الصغير متفق عليه، ويريد بقوله: يجزئه أن نفقته عليه إلى أن يبلغ الكسب ولو بالسؤال وبه
كان شيخنا حفظه الله يفتي ويذكر أن أبا حفص العطار نص على ذلك، وأخذ ابن رشد مثله
من قولها في كتاب التجارة: ومن أعتق ابن أمته الصغير فله بيع أمه، ويشترط على المبتاع نفقة
الولد ومؤنته. وقد تقدم الكلام على هذا المعنى أعني نفقة الصغير في فصل زواج الإماء.
وما ذكر أن ابن العطار نص عليه، تقدم نقله عن ابن رشد وكأنه لم يقف عليه والله أعلم.
وقوله في المدونة: إذا كان من قصر النفقة قال في التوضيح: قال أبو عمران: هو على
الاستحباب، وأما الاجزاء فإنه يجزئ وإن كان مع سعة النفقة. قال ابن عبد السلام: وقيل: إنه
شرط ينتفي الاجزاء بانتفائه والأولى أولى لأنه لا يعلم شئ من مسائل هذا الباب وما يقرب
منه يجزئ الفقير ولا يجزئ الغني. انتهى كلامه.
فرع: قال في سماع أصبغ: قيل: أرأيت من أعتق في رقبة واجبة منفوسا فكبر أخرس أو
أصم أو مقعدا أو مطبقا، أعليه بدلها؟ قال: ليس ذلك عليه وهذا شئ يحدث، وكذلك لو
ابتاعه فكبر على مثل هذا لم يلحق البائع شئ من ذلك. ابن رشد: تعليله لاجزاء ذلك في
الكفارة وأنه لا رجوع في ذلك على البائع بأن هذا شئ يحدث ليس بعلة صحيحة، لأن ما
يقدم ويحدث من العيوب إذا أمكن أن يعلم بحلف البائع فيه اليمين ولا يجزئ عن المكفر
في الكفارة إذا كان العيب مما لا يجوز في الرقاب، فالعلة في ذلك إنما هي أن هذا مما يستوي
البائع والمبتاع في الجهل بمعرفته ولا يمكن أن يعلمه أحد، فإن لم يكن له حكم البيع في قيام
المبتاع على البائع ولا في عدم الاجزاء في الكفارة لأن المكفر قد ادعى ما يجب عليه باجتهاد
ولم يقصر فلا درك عليه. ص: (ومنقطع خبره) ش: قال في المدونة في كتاب الضوال: ومن
أعتق آبقا عن ظهاره لم يجزه إذ لا يدري أحي هو أم ميت أم معيب أم سليم إلا أن يعرف في
الوقت موضعه وسلامته من العيوب فيجزئه، أو يعلم بذلك بعد عتقه فيجزئه ذلك وإن جهل
أولا انتهى. والفرق بينه وبين الجنين، أن هذا رقبة والجنين ليس برقبة والله أعلم. ص: (وفي
444

العجمي تأويلان) ش: الكافر إذا كان يجبر على الاسلام كالمجوسي صغيرا أو كبيرا أو من لا
يعقل دينه من أهل الكتاب، ففي إجزائه خلاف. انظر اللخمي ص: (سليمة عن قطع أصبع
ش: ومثله الشلل والاقعاد وذهاب الأسنان كلها. قاله ابن عرفة عن اللخمي.
فروع: الأول: المشهور في المذهب المعلوم من قول مالك في الحج الثاني من المدونة
وغيرها فيمن اشترى عبدا فأعتقه في ظهاره أو بعيرا فقلده وأشعره ثم أصاب به عيبا لا يجزئه
العبد في الرقاب ولا البعير في الهدايا، أنه يرجع بقيمة العبد ولا يرده لفواته بالعتق أو بالهدي،
ويجعل ما يؤخذ في قيمة العيب فيما وجب عليه من بدله، قاله في سماع محمد بن خالد.
الثاني: من أعتق رقبة في ظهار فاستحقت الرقبة فرجع المعتق على بائعها بالثمن وهو
ثمن واسع قال ابن القاسم: يشتري به كله رقبة ولا يشتري ببعضه لأن مالكا سئل عن الرجل
يعتق الرقبة عن ظهار ثم يطلع على عيب قال: يرجع به على بائعه ويجعله في رقبة، فإن لم
يجد به رقبة أعان به في رقبة يتم بها عتقها. قال ابن القاسم: فمن هنا رأيت ما قلت لك قال:
والعيب الذي أصيب بالعبد ليس هو مما إذا كان في العبد لم يجز في الرقاب ولكنه إذا كان
بالعبد جاز العبد به وأجزأه.
445

قلت: فلو كان تطوع قال: يرجع بالعيب ويصنع به ما شاء. قاله في سماع سحنون.
الثالث: قال ابن عرفة: والدين المانع سعيه لنفسه لصرفه في قضاء دينه وزمانة الشيخوخة
يمنعان إجزاءه بخلاف الصغير لاستقباله كذلك ولذا جاز بيعه انتهى. ص: (أو أعتق نصفا
فكمل عليه أو أعتقه) ش: يعني أنه إذا أعتق نصف عبده عن ظهار ثم كمل الحاكم عليه
عتق نصفه الثاني، أو أعتق نصفه عن ظهاره ثم أعتق نصفه الثاني عن ذلك الظهار فإنه لا
يجزئه. أما الأولى فظاهر، وأما الثانية فما ذكره المصنف هو قول ابن الماجشون وأصبغ. وقال
ابن عبد السلام: هو ظاهر المدونة، والأظهر لأن الحكم يوجب عليه التتميم فملكه للباقي غير
تام. ونقله في التوضيح. ص: (ومغصوب) ش: قال ابن عرفة: في قول ابن شاس: يجزئ
المغصوب نظرا لعدم قدرة العبد على التخلص انتهى. قال في التوضيح: وسواء قدر على
خلاصه أم لا. والله أعلم ص: (ومرض وعرج خفيفين) ش: قال ابن عرفة: وخفيف العيب
446

لغو. اللخمي: كالخفيف من مرض وعرج وصمم. ثم قال ابن عرفة واللخمي معها: وكجذع
447

في الانف أو قطع أنملة أو بعض الأسنان. الباجي عن ابن حبيب: أو الضرس. ابن رشد: ويجزئ
ولد الزنا اتفاقا انتهى. وانظر إذا ذهبت أنملتان والأشبه الاجزاء لأن الخلاف في الإصبع والله
أعلم. والأنملة بالفتح قاله في الصحاح. ص: (وفيها ونسيان ثم قال وشهر أيضا القطع
بالنسيان) ش: يعني أن من أكل ناسيا في صوم ظهاره لم ينقطع تتابع صومه على مذهب
448

المدونة، وشهر أنه ينقطع، وهكذا حمله الشارحان ونحوه في التوضيح وذكر فيه أن المشهر
للقول بالقطع هو صاحب البيان. فأما ما نسبه للمدونة فهو في كتاب الظهار ونصه: ومن أكل
449

ناسيا في صوم ظهار أو قتل نفس أو نذر متتابع أو أكره على الفطر أو تقايأ أو ظن أن الشمس
قد غربت فأكل أو أكل بعد الفجر ولم يعلم أو وطئ نهارا غير التي تظاهر منها ناسيا، فليقض
في ذلك يوما يصله بصومه، فإن لم يفعل ابتدأ الصوم من أوله انتهى. قال ابن ناجي في
شرحها: ما ذكره في النسيان والاكراه لا أعلم فيه خلافا انتهى. وأما ما ذكره من تشهير القول
بالقطع بالنسيان ففيه إجمال، وكلامه في التوضيح يقتضي أن صاحب البيان قال في مسألة
المدونة هذه أعني من أكل ناسيا، ثم قضى يوما وصله بصيامه أن المشهور فيها القطع لأنه قال
في التوضيح في قول أشهب بن الحاجب: وفي الخطأ والسهو ثالثها ينقطع بالخطأ، والمشهور لا
ينقطع ولو بوطئ غيرها ويقضيه متصلا. يعني اختلف هل ينقطع التتابع بالفطر سهوا كمن أفطر
في يوم ناسيا أو خطأ كمن صام تسعة وخمسين يوما ثم أصبح مفطرا معتقدا أنه أكمل الصوم،
وكمن اعتقد أن الشمس غربت فأكل أو الفجر لم يطلع فأكل ثم تبين له خلاف ما اعتقده
على ثلاثة أقوال: الأول أنه ينقطع في السهو والخطأ وهو لمالك في الموازية نص فيه على القطع
بالفطر ناسيا. اللخمي وغيره: وعليه فينقطع بالفطر خطأ. وفي البيان: مشهور المذهب أنه لا
يعذر بالنسيان في كفارة القتل والظهار. والقول الثاني أنه لا ينقطع بهما. قال المصنف: وهو
المشهور. وإنما عزاه اللخمي وصاحب البيان وغيرهما لابن عبد الحكم. وقوله: ولو بوطئ
غيرها يعني إن عذر في الوطئ فأحرى في الأكل والشرب. والقول الثالث لا ينقطع بالسهو
لأنه يعرض في كل جزء من أجزاء الصوم فيعسر التحرز منه بخاف الخطأ. وبعضهم يرى هذا
450

الثالث ظاهر المذهب ذكره فيما أصبح مفطرا بعد تسعة وخمسين معتقدا الاتمام. وقوله:
ويقضيه أي وإذا فرعنا على عدم القطع وهو ظاهر. انتهى كلامه برمته.
واعلم أن هنا شيئين: أحدهما الفطر ناسيا، والثاني تفرقة صوم الظهار نسيانا كما إذا
صام بعض الصوم ثم نسي التتابع فأفطر يوما أو يومين أو أكثر ثم ذكر أنه لم يكمل الصيام،
وكمن أفطر لعذر ثم لم يصل القضاء نسيانا، والذي قال فيه صاحب البيان يبطل التتابع على
المشهور هو الثاني لا الأول، يظهر لك ذلك بكلامه. وهذه المسألة في سماع سحنون وعزاه ابن
عرفة لسماع يحيى ولم أرها إلا في سماع سحنون من كتاب الظهار، ولم ينقلها الشيخ أبو
محمد بن أبي زيد في نوادره إلا عن سحنون، وسماع يحيى ليس فيه إلا مسألة واحدة فلعل
ذلك وقع في نسخة الشيخ ابن عرفة. ونص كلامه في كتاب الظهار: التتابع في كفارة القتل
والظهار فرض بنص التنزيل فلا يعذر أحد في تفرقتهما بالنسيان على المشهور في المذهب، وإنما
يعذر في ذلك بالمرض أو الحيض إن كان امرأة. فإن مرض الرجل فأفطر في شهري صيامه أو
أكل فيهما ناسيا قضى ذلك ووصله بصيامه، فإن ترك أن يصله بصيامه ناسيا أو جاهلا أو
متعمدا استأنف صيامه. ثم قال: ومحمد بن عبد الحكم يرى أنه يعذر في تفرقة الصوم بالنسيان
لأنه أمر غالب كالمرض انتهى. وكذلك كلام اللخمي قريب من ذلك ونصه: الصوم عن
الظهار شهران متتابعان حسبما ورد به القرآن، فمن أتى به متفرقا متعمدا لم يجزه، وإن كانت
التفرقة عن مرض أجزأ. أو اختلف إذا كانت عن نسيان أو خطأ. ثم ذكر الخلاف وذكر ما نقله
المصنف عنه في التوضيح ثم قال في آخر كلامه: ومن أكل في نهاره بعد أن كان بيت الصوم
ناسيا قضى يوما ووصله بصيامه وأجزأه ولم يستأنف، لأن بعض أهل العلم قال: إنه صوم
صحيح لا يجب قضاؤه، وقياس المذهب أن يكون بمنزلة من بيت الفطر لأنه لم يختلف قول
مالك وأصحابه أنه صوم فاسد يجب قضاؤه ولا يحتسب به انتهى. فقوله: وقياس المذهب
يدل على أنه ليس فيه خلاف منصوص، فبان من كلامهما أنهما لم ينقلا الخلاف إلا في تفرقة
النسيان لا فيمن أفطر ناسيا كما قاله المصنف في التوضيح. وما نقله ابن عرفة عن ابن رشد هو
كذلك فيه لا في عز وسماع يحيى فقط فإني لم أره إلا في سماع سحنون كما تقدم بيانه.
ونص كلام ابن عرفة ابن رشد في سماع يحيى لا يعذر بتفرقة النسيان، وعذره به ابن عبد
الحكم انتهى. وهذا هو الذي يظهر من كلامه في الجواهر ولم يذكر في التوضيح ما شهره ابن
الحاجب إلا عن ابن عبد الحكم وقد شهره صاحب اللباب وذكر في المتيطية وفي معين الحكام
مثل ما في المدونة فقط من غير ذكر خلاف والله أعلم. هذا ما ظهر لي في ذلك وما ظهر له
الحق بعد هذا الكلام في طريق فليتبعه والله الهادي للصواب.
تنبيه: أدخل المصنف في التوضيح في الخطأ مسألة من صام تسعة وخمسين ثم أصبح
معتقدا للتمام وهي من التفرقة نسيانا والله أعلم. ثم فرع المصنف مسألة اليومين فقال: فإن لم
451

يدر بعد صوم أربعة عن ظهارين موضع يومين صامهما وقضى شهرين، وإن لم يدر اجتماعهما
صامهما والأربعة. وصورة المسألة أنه صام أربعة أشهر عن ظهارين ثم ذكر بعد فراغه أنه ناس
ليومين، فتارة يذكر أنهما مجتمعان، وتارة لا يدري هل هما مجتمعان أم مفترقان. فإذا علم
اجتماعهما فتارة يعلم أنهما ليس يوم من الأولى ويوم من الآخرة، وتارة لا يعلم ذلك، هذه
صورة المسألة. وأما حكمها فهي على ما قلنا إن الفطر ناسيا لا يقطع وإنما يقطع تفرقة
النسيان بصوم يومين وشهرين فقط في جميع الصور. أما اليومان فلاحتمال أن يكون اليومان
اللذان أفطرهما من الأخيرة، سواء كانا مجتمعين، إما في أولها أو في آخرها أو في وسطها،
أو واحد من أولها وواحد من آخرها، أو يكون منها يوم واحد فقط فيقضي يومين بعدها
متصلا. وأما الشهران فلاحتمال أن يكون اليومان من الأولى، سواء كانا مجتمعين أو
مفترقين، أو يوم منها ويوم من الأخيرة، لأنه كان الواجب عليه أن يصومهما إن كانا يومين
أو واحدا إن كان واحدا عقيب فراغه منهما، فلما فصل بينهما بالكفارة الثانية لزمه أن
يبتدئهما والله أعلم. وكذا قال ابن شاس وابن بشير إنه إنما يلزمه شهران ويومان، كان يعلم
اجتماعهما أم لا يعلم. وفرعنا ذلك على القول بأن النسيان يبطل، وفرعنا على القول بأن
التفرقة نسيانا لا تبطل أنه إنما يلزمه يومان. وفرض ابن رشد المسألة في البيان في يومين ولم
يذكر اجتماعا ولا افتراقا إلا أنه يقال من كلامه إنهما مجتمعان. وأما على ما قال المؤلف
من أن الفطر نسيانا يقطع التتابع فقالوا: يصوم اليومين والأربعة الأشهر إذا كان لا يدري
اجتماعهما. ووجه لزوم اليومين عند ابن القاسم على ما قال ابن عبد السلام هو أنه يقول:
احتمال اجتماع اليومين وكونهما من الكفارة الأخيرة قائم فلا بد من رعيه فيصوم اليومين،
ثم يبقى احتمال افتراقهما فيصوم أربعة أشهر. وبالجملة: ابن القاسم يراعي كل احتمال.
انتهى كلام ابن عبد السلام.
وقال ابن عبد السلام أيضا. وتبعه المؤلف: واعلم أنه إنما يحتاج إلى صيام الأربعة أشهر
في هذه الصورة إذا شك في أمسه هل هو من اليومين اللذين ذكرهما، وأما إن تحقق أن
اليومين سابقان على ذلك فيحتسب بالعدد الذي تحقق أنه صامه وإن لم يتخلله فطر ويبني عليه
بقية الأربعة أشهر والله أعلم. انتهى كلام ابن عبد السلام. قالوا: أما إن علم اجتماعهما فلا
يصوم إلا يومين وشهرين. قال في التوضيح: يصوم يومين لاحتمال أن يكونا من الأخيرة فلا
ينتقل عنها وهو قادر على تمامها، ويقضي شهرين لاحتمال أن يكونا من الأولى أو أحدهما من
الأولى والآخر من الثانية انتهى. وانظر هذا التعليل الذي قاله إنما يستقيم على أن الفطر ناسيا لا
يقطع التتابع، وأما إذا قلنا إنه يقطع التتابع فلا فائدة لصوم اليومين لأنه قد انقطع التتابع بالفطر
ناسيا فلا يبني إلا على ما صامه بعد ذلك ويكمل عليه فتأمله والله أعلم. وقد نقل
صاحب الشامل عن المدونة القطع بالنسيان وهو غريب، وانظر كلام أبي الحسن الصغير ص:
452

(ولا أحب الغداء والعشاء كفدية الأذى) ش: قال في المدونة: ولا أحب أن يغدي ويعشي
في الظهار لأن الغداء والعشاء لا أظنه يبلع مدا بالهاشمي. قال الشيخ أبو الحسن: لا أحب هنا
على بابه. قال ابن يونس في كتاب ابن المواز: من غدى أو عشى خبز البر وإلا دام في الظهار
لم يتبع ولا إعادة عليه. ثم قال في المدونة: ولا ينبغي ذلك في فدية الأذى ويجزئ ذلك فيما
سواها من الكفارات. الشيخ: لا ينبغي هنا على بابه انتهى. وقال ابن ناجي: لا أحب ولا ينبغي
على التحريم لوجهين: أحدهما: تعليله ذلك بقوله لأن الغداء والعشاء لا أظنه يبلغ مدا
بالهاشمي.
الثاني: قوله: ويجزي ذلك فيما سواها من الكفارات مفهومه أنه لا يجزئ في الظهار
ولا في فدية الأذى. وفي قول: لا أظنه مسامحة لأنه لا يبني على غلبة الظن وإنما يبني على
العلم. وقال المغربي: قوله: بالهاشمي صوابه بالهشامي لأنه منسوب إلى هشام لا هاشم
453

انتهى. وانظر التوضيح ص: (ولا يجزئ تشريك كفارتين) ش: يعني أن من لزمه ظهاران
مثلا فأخرج مائة وعشرين مدا إلا أنه نوى أن كل مد نصفه عن كفارة ونصفه الثاني عن
كفارة أخرى فإنه لا يجزئه. قال في المدونة: ولو صام ثمانية أشهر متتابعات عن الأربع ونوى
لكل واحدة منهن لم يعينها كفارة أجزأه، وكذلك الاطعام فإن شركهن في كل يوم من الصيام
أو في كل مسكين من الاطعام لم يجزه إلا أن ينوي مدا لكل مسكين في كفارته، وإن لم ينو
به امرأة بعينها ولا كفارة كاملة فيجزئه ذلك لأن الاطعام يجوز أن يفرق فيطعم اليوم عن هذه
أمدادا، وفي غد عن الأخرى أمدادا ثم يتم بعد ذلك كفارة لكل واحدة فيجزئه، وإن كان
متفرقا بخلاف الصوم لأن فيه شرط التتابع، فإن ماتت منهن واحدة وقد أطعم عن جميعهن
454

مائة وعشرين مسكينا ولم ينو ما لكل واحدة من ذلك ولا أشركهن في كل مسكين، سقط
حظ الميتة من ذلك وجبر على ما بقي بعد ذلك تمام ثلاث كفارات انتهى. وإلى هذا أشار
المصنف بقوله ص: (ولو نوى لكل عددا أو عن الجميع كمل وسقط حظ من مات) ش:
يعني لو أطعم مثلا مائة وثمانين مسكينا عن أربع نسوة ظاهر من كل واحدة منهن فإنه يجزئه
ذلك عن مقدار ثلاث كفارات ويكمل الرابعة، وسواء نوى أن لكل واحدة عددا من المائة أو
نوى أن المائة والثمانين عن الأربعة ولم يشرك في كل مسكين فإنه يجزئه عن مقدار ثلاث
كفارات. فإن ماتت واحدة سقط حظها إن كان بينه، سواء كان أقل مما لغيرها أو أكثر أو
مساويا، وإن لم يبينه فإنه يسقط ربع المائة والثمانين، ولو نوى أن لواحدة غير معينة عددا
والأخرى غير معينة وأقل وماتت واحدة جعل لها الأكثر. قال جميع ذلك في التوضيح. وقوله:
إنه إن شرك في كل مسكين لا يجزئ يعني إذا لم تعرف أعيان المساكين ولو عرفت لنظر
إلى ما يقع لكل واحد منهم فيكمل تمام المد. قاله في التوضيح والله أعلم.
باب
ص: (إنما يلاعن زوج) ش: قال ابن عرفة: ولا نص في حكمه. ابن عات: لاعن ابن
455

الهندي فعوتب في ذلك فقال: أردت إحياء سنة قد دثرت. والحق أنه إن كان لنفي نسب
وجب وإلا فالأولى تركه بترك سببه، فإن وقع صدقا وجب لوجوب دفع معرة القذف وحده ثم
وجدت نحوه في سراج ابن العربي.
قلت: في الجواهر إشارة إلى ذلك ونصه: الزوج كالأجنبي في القذف إلا في أمور منها:
أنه قد يباح له ذلك وقد يجب لضرورة دفع النسب انتهى. وقال في اللباب: حكمه الجواز
الحديث عويمر انتهى. وقال البرزلي: قول ابن الهندي سنة قد أميتت يعني صفة اللعان وقد أغنى
الله عنه بما ذكره في القرآن والستر أولى، وإنما تستر بهذا الكلام حتى عوتب. وقد وقع في
زمن الأمير يحيى بجامع الزيتونة ثم وقع مرة أخرى، ولا غرابة في وقوع سببه في هذا الزمان
لكثرة المفاسد فنعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. وقال في الطراز: كانت ملاعنته إياها
في المسجد الجامع بقرطبة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ص: (أو فسقا أو رقا لا كفرا) ش:
قال في المدونة: واللعان بين كل زوجين كانا أو مملوكين أو أحدهما أو محدودين أو كتابية
تحت مسلم إلا الكافرين فلا لعان بينهما. فأما الأمة والكتابية فلا يلاعن الزوج في قذفهما بغير
رؤية كان حرا أو عبدا إذ لا يحد قاذفهما ويلاعن فيهما إن أحب إذا نفى حملا أو ادعى
استبراء أو ادعى رؤية لم يمس بعدها لخوف الحمل، ولو شاء أن يلاعن في قذفهما ليحقق ذلك
عليهما لم أمنعه انتهى. قال أبو الحسن: قوله: كانا مملوكين كأنه يقول يلاعن من لا تجوز
شهادته خلافا لأبي حنيفة أنه لا يلاعن العبد ولا المحدود، لأن الله استثناهم من الشهداء.
وقوله: إلا الكافرين ابن يونس: ذكر أن أبا عمران قال في أهل الكتاب: إذا تراضوا بحكم
الاسلام فنكلت، فعلى قول ابن القاسم ترجم، وعلى ما قال البغداديون لا ترجم لأن أنكحتهم
فاسدة وإنما يجب على من نكل منهم الحد كالمتلاعنين قبل البناء انتهى. وقال في الشامل: لا
كافرين إلا أن يتحاكما إلينا، وهل ترجم المرأة إن نكلت أو تحد؟ قولان انتهى. وقال ابن عرفة:
وشرط وجوبه أي اللعان على الزوجة إسلامها وعلى الزوج في قذفه دون حل نفي إسلامها
وحريتها، ثم ذكر لفظ المدونة. وسيقول المصنف: ولاعنت الذمية بكنيستها ولم تجبر.
456

تنبيه: قوله في المدونة: فأما الأمة والكتابية فلا يلاعن الزوج في قذفهما قال الشيخ أبو
الحسن: أي لا يلزمه لعان يدل عليه قوله فيما يأتي ويلاعن فيهما إن أحب انتهى. وظاهر هذا
الكلام أنه إذا لم يلاعن لا يؤدب وليس كذلك، لأن المصنف سيقول: وحكمه رفع الحد
والأدب في الأمة والذمية والله أعلم ص: (إن قذفها بزنا) ش: لما ذكر من لا
يلاعن ومن لا يلاعن أخذ يذكر أسباب اللعان فبدأ بالكلام على القذف بالزنا فقال: إن قذفها بزنا يريد سواء
كان في قبل أو دبر. صرح بذلك ابن القصار وتبعه ابن الحاجب وغيره. قال ابن عرفة: وهو
مقتضى المذهب. وقال القرطبي: إذا قذف بالوطئ في الدبر لاعن. وعن أبي حنيفة: لا يلاعن
وبناه على أصله في أن اللواط لا يوجب الحد وهو فاسد لأن الرمي به معرة انتهى. وشرط فيه
ابن الحاجب أن ترفعه للحاكم. قال في التوضيح: فإن لم ترفع فلا لعان لأن ذلك من حقها،
ثم إن لم يبلغ رميه لها الحاكم فلا كلام، وإن بلغه حد إلا أن يلاعن. وقال ابن عبد السلام:
وشرطه فيه أن ترفعه للحاكم فلو لم ترفعه فلا لعان عليهما لأن لعانهما من حقها. وإنما يبقى
النظر هل يلاعن الزوج أو يحد القذف؟ وبالجملة إن هذا الشرط في تلاعنهما معا فإذا انتفى
ذلك الشرط انتفى تلاعنهما، ولا يلزم انتفاء تلاعنه هو انتهى. وخرج بقوله: بزنا ما إذا رماها
بغير الزنا. واختلف إذا عرض لها هل يجب اللعان أم لا، والمعروف أنه لا يوجب اللعان. قاله
ابن عرفة. قال: وعلى المعروف في حده به كأجنبي أو تأديبه. نقل محمد وقول أشهب عن ابن
القاسم الشيخ عن محمد عن ابن عبد الحكم: إن صرح بعد تعريضه لاعن انتهى. ونقله في
المقدمات. ولا بد من تقييد كلام المصنف بما إذا رماها بزنا طوعا فإن رماها بغصب فيأتي والله
أعلم. ص: (وانتفى به ولد لستة وإلا لحق إلا أن يدعي الاستبراء) ش: يعني أن اللعان إذا
457

كان لرؤية، فتارة يدعي الزوج أنه استبرأها بحيضة قبل الرؤية وأنه لم يطأ بعد الاستبراء فإن
الولد ينتفي بذلك اللعان، وادعى ابن رشد في ذلك الاجماع وسيأتي لفظه. وإن لم يدع
الاستبراء فإن أتت بالولد لستة أشهر من يوم الرؤية فأكثر انتفى الحمل، وإن أتت به لدون ستة
أشهر لحق به لأن اللعان إنما كان للرؤية. وحكى ابن رشد في ذلك ثلاثة أقوال ونصه في
المقدمات: فإذا لاعن على الرؤية وادعى الاستبراء انتفى الولد بإجماع، وإن لم يدع الاستبراء
فاختلف هل ينتفي الولد بذلك اللعان أم لا على ثلاثة أقوال: أحدها: أن الولد ينفيه اللعان على
كل حال وإن ولدته لأقل من ستة أشهر وهو أحد قولي مالك في المدونة.
458

والثاني: أنه لا ينفيه بحال وإن ولدته لأكثر من ستة أشهر ويلحق به الولد وهو قول عبد
الملك وأشهب.
والثالث: التفرقة بين أن يولد لأقل من ستة أشهر أو لأكثر منها. وهذا القول الثاني لمالك
في المدونة فيأتي على هذا في جملة المسألة ثلاثة أقوال وفي كل طرف منها قولان إذا ولدته
لدون ستة أشهر وإذا ولدته لأكثر من ستة أشهر قولان انتهى. وظاهر كلام المصنف وابن رشد
أن الحكم كذلك سواء كانت ظاهرة الحمل يوم الرؤية أم لا، وسيأتي في كلام المصنف عن
ابن القاسم أنها إذا كانت ظاهرة الحمل يوم الرؤية فإنه يلحق به وهو ظاهر فيقيد به ما هنا والله
أعلم. فإن لاعن للرؤية ولم يكن ذكر الاستبراء ثم أتت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية
وقلنا إنه يلحق به فادعى الآن أنه كان استبرأ قبل الرؤية وقال: ليس الولد مني. قال في
المقدمات: كان ذلك له في الوجوه كلها باتفاق وسقط نسب الولد، قيل بذلك اللعان وهو
قول أشهب، وقيل بلعان ثان وهو قول أصبغ وعبد الملك، وفي المدونة ما يدل على القولين
انتهى. ونقله في التوضيح.
قلت: وكلامه في الام صريح في أنه ينتفى باللعان الأول ونصه: قلت: فإن ادعى رؤية
أو زعم أنه لم يكن استبرأ ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم ادعى الرؤية فلما ولدت
ادعى الاستبراء قال: لا يلحق به الولد ويكون اللعان الذي تلاعنا نفيا للولد.
قلت: فإن قال بعد ذلك الولد ولدي وقد كنت كاذبا في الاستبراء وما استبرأتها قال:
يضرب الحد لأنه صار قاذفا ويلحق به الولد.
قلت: فإن لم يدع الاستبراء إلا أنه قال الولد ليس مني ولاعنها برؤية ثم جاءت بولد
لأدنى من ستة أشهر فألحقته به أيكون قاذفا ويجلد الحد؟ قال: لا.
تنبيه: مشى المصنف هنا فيما إذا لم يدع الاستبراء على القول الثالث في كلام ابن رشد
في التفصيل بين أن تلده لستة أشهر من الرؤية فأكثر فلا يلحقه، أو تلده لأقل فيلحق، ثم ذكر
بعد هذا مسألة المدونة وذكر الثلاثة الأقوال فقال: ص: (وإن لاعن لرؤية وادعى الوطئ قبلها
وعدم الاستبراء فلمالك في إلزامه به وعدمه ونفيه أقوال ابن القاسم ويلحق إن ظهر يوما)
459

ش: وهذه المسألة داخلة في عموم المسألة التي فرغنا منها. لأن فرض المسألة الأولى أنه لم يدع
الاستبراء وهذه أخص لأنه ادعى أنه وطئ. واقتصر المصنف في تلك على قول واحد وذكر
هنا لمالك ثلاثة أقوال ويشير إلى قوله في المدونة: ومن قال رأيت امرأتي تزني ولم أجامعها بعد
ذلك إلا أني كنت وطئتها قبل الرؤية في اليوم أو قبله ولم استبرئ فإنه يلاعن. قال مالك: ولا
يلزمه ما أتت به من ولد. قال ابن القاسم: إلا أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية
فيلزمه. وقد اختلف في ذلك قول مالك. فمرة ألزمه الولد ومرة لم يلزمه الولد ومرة قال بنفيه
وإن كانت حاملا. قال ابن القاسم: وأحب ما فيه إلى أنه إن كان لها يوم الرؤية حمل ظاهر لا
يشك فيه أن الولد يلحق به إذا التعن على الرؤية. انتهى لفظ التهذيب. واختلف شيوخ المدونة
في فهم كلامها، فمنهم من فهم المدونة على ظاهرها وإن قول مالك اختلف على ثلاثة أقوال،
فمرة ألزمه الولد وإن لم ينفه باللعان الأول وألحقه به وإن ولدته لأكثر من ستة أشهر من يوم
الرؤية إلا أن ينفيه بلعان ثان. وقوله: مرة لم يلزمه أي ليس في اللعان الأول تعرض للولد
فيبقى الامر موقوفا، فإن نفاه بلعان ثان انتفى وإن استلحقه لحق به. وقوله: ومرة قال بنفيه
يعني أن الولد ينتفي باللعان الأول فلا يلحق به، فإن ادعاه بعد ذلك حد ولحق به، هكذا قرر
الأقوال الثلاثة في التوضيح. ومنهم من فهم المدونة على أنه ليس فيها إلا قولين: الأول: أن
الولد منفي وإن أتت به لأقل من ستة أشهر وهو معنى قوله: ومرة لم يلزمه الولد وقوله بعده:
مرة قال بنفيه تأكيد لهذا القول. والقول الثاني: الفرق بين أن يولد لستة أشهر فأكثر أو لأقل
وهو معنى قوله في المدونة: فمرة ألزمه الولد لكن على أن هذا القول مقيد بكلام ابن القاسم
أعني قوله إلا أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية، وعلى هذا التأويل حمل المدونة ابن
رشد وابن لبابة.
تنبيهات: الأول: ظاهر التهذيب أن هذا التقييد لابن القاسم وأنه ليس من كلام مالك،
وقبله المصنف في التوضيح وغيره وظاهر كلام الام أنه لمالك وسيأتي نصه.
الثاني: هذا الخلاف جار، سواء كانت يوم الرؤية ظاهرة الحمل أم لا. ولهذا قال ابن
القاسم: وأحب ما فيه إلي إن كان لها يوم الرؤية حمل ظاهر لا يشك فيه أن الولد لاحق. قال
في التوضيح: وتفصيل ابن القاسم ظاهر لأنه لا يلزم من لعانه لنفي الحد نفي حمل ظاهر،
والظاهر أنه لا يشترط الظهور بل إنما يشترط أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية، ولو
قيل إنه للأول ولو أتت به لستة أشهر لأن وضع الولد لستة أشهر نادر والأصل إلحاق الولد
بالفراش لكان أحسن انتهى.
قلت: الذي اختاره ابن القاسم في المدونة ظاهر لأنه يقول: إن كانت ظاهرة الحمل يوم
الرؤية فالولد لاحق به إذا لم يدع الاستبراء يريد ولو أتت به لأكثر من ستة أشهر. وإن لم تكن
460

ظاهرة الحمل فالذي صدر به ابن القاسم أنه إن أتت به لأقل من ستة أشهر فهو لاحق وإلا فهو
منفي باللعان للرؤية ونص كلامه الموعود به.
قلت: فإن قال رأيتها تزني الساعة ولم أجامعها بعد ذلك إلا أني قد كنت جامعتها من
قبل أن أراها فقال مالك: يلتعن ولا يلزمه الولد.
قلت: فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من بعد ما التعن أيلزمه؟ قال: نعم، لأن
الحمل قد كان من قبل أن يراها تزني. وقد اختلف قول مالك فمرة ألزمه الولد ومرة لم يلزمه
إياه ومرة قال بنفيه وإن كانت حاملا، وأحب ما فيه إلي أنه إذا رآها تزني وبها حمل ظاهر لا
شك فيه أنه يلحق به الولد إذا التعن على الرؤية.
الثالث: قال في التوضيح: فإن قيل في قول ابن القاسم أحب إلي نظر إذ هو موضع
الجزم لعظم أمر الأنساب، وإنما يقال أحب في باب العبادات قيل: إنما حمله على ذلك
اضطراب مدرك الامام فلم يستطع الجزم بمخالفته انتهى. ص: (ولا وطئ بين الفخذين إن
أنزل) ش: قال ابن عرفة: الشيخ عن الموازية: من أنكر حمل امرأته بالعزل لم ينفعه وكذلك
كل وطئ في موضع يمكن وصول المني للفرج، وكذا في الدبر قد يخرج منه الفرج، ونحوه
مفهوم قول استبرائها إن قال البائع كنت أفاخذ ولا أنزل وولدها ليس مني لم يلزمه. اللخمي:
461

إن أصاب بين الفخذين وشبهه لزمه الولد ولا يلاعن ولا يحد لأن نفيه لظنه إلا أن يكون عن
وطئه حمل. الباجي إثر ذكره ما في الموازية: يبعد وجود الولد من الوطئ في غير الفرج ولو
صح ما حدت امرأة بحملها ولا زوج لها لجواز كونه من وطئ في غير الفرج انتهى. وقال في
التوضيح في قول ابن الحاجب: ولا يعتمد على الوطئ بين الفخذين إن أنزل لاحتمال أن يكون
وصل من مائة شئ للفرج قالوا: وكذلك الوطئ في الدبر. واستشكل الباجي هذا وقال: يبعد
عندي أن يلحق الولد من غير الوطئ في الفرج انتهى. وقوله: استشكل الباجي هذا يعني به
الالحاق بالوطئ بين الفخذين والوطئ في الدبر لا الأخيرة فقط كما قد يتوهم والله أعلم. ص:
(وورث المستلحق الميت إن كان له ولد حر مسلم أو لم يكن وقل المال) ش: انظر ابن غازي
وما سيأتي في باب الاستلحاق ص: (وإن وطئ أو أخر بعد علمه بوضع أو حمل بلا عذر
امتنع) ش: هذا بالنسبة إلى اللعان لنفي الولد، فإن كان اللعان لرؤية فإنه يمتنع اللعان بوطئها
462

بعد الرؤية. قال ابن عرفة: الباجي عن محمد وابن حبيب عن ابن الماجشون: إن ادعى رؤية
قديمة ثم قام الآن بها حد. ولم يقبل ابن عرفة: ظاهره ولو قال لم أمسها بعد رؤيتها. وقال
اللخمي: لم يختلف المذهب إن رآها وسكت ولم يذكر ذلك إلا بعد مدة أو ظهور الحمل إلا
أنه لم يصب بعد الرؤية أن له أن يلاعن انتهى.
قلت: يقيد الأول بما إذا كان قد وطئ كما هو المتبادر منه ويتفق النقلان، ويفهم منه
أنه إذا وطئ بعد الرؤية لم يكن له أن يلاعن ولا ينفي الولد وهو ظاهر، وقد صرح به ابن
الحاجب وقبله في التوضيح ص: (وشهد بالله أربعا) ش: قال ابن عرفة: شرط اللعان ثبوت
الزوجية إلا أن يكونا طارئين. انتهى مختصرا بالمعنى.
فرع: قال ابن عرفة المتيطي: إذا ثبتت مقالتهما وزوجيتهما سجنه الامام. الباجي: اختلف
في سجنه فسألت أبا عمران ابن عبد الملك فقال: يسجن لقول مالك فيها أنه قاذف. انتهى
ونقله في التوضيح.
تنبيه: قال ابن الحاجب: وصفته أن يقول أربع مرات أشهد بالله. وقال محمد بن يزيد:
الذي لا إله إلا هو. قال في التوضيح: قال ابن عبد السلام: وظاهر كلام المؤلف أنه اختلف
ابتداء هل يزيد الذي لا إله إلا هو وظاهر ما حكاه غيره أنه يقوله وإنما الخلاف إذا تركه.
خليل: وفيه نظر فقد ذكر المتيطي وابن شاس القولين كما ذكره المصنف انتهى. قلت: والظاهر
ما قاله ابن عبد السلام وسيأتي للمصنف في باب الشهادات أن اليمين في كل حق بالله الذي
لا إله إلا هو، فيحمل كلام المتيطي وابن شاس على ما قاله ابن عبد السلام انتهى.
فرع: قال ابن عرفة اللخمي: في لزوم إني لمن الصادقين قولان للموازية ولها،
463

والصواب الأول لوروده في القرآن. انتهى فينبغي أن لا يترك ص: (ووصل خامسته بلعنة الله
عليه) ش: أشار بقوله: بلعنة الله إلى أنه لا يتعين أن يقول: إن لعنة الله. قال في التوضيح:
ولكن ينبغي أن يكون ذكرها أولى. ومقتضى كلامه أن يحلف في الخامسة كما حلف في
الايمان قبلها ويزيد فيها اللعنة وتفعل المرأة ذلك وتزيد الغضب وهو الذي صرح به في كتاب
محمد خلاف ما قال القابسي. انظر ابن عرفة ص: (بأشرف البلد) ش: قال القرطبي في سورة
النور: اللعان يفتقر إلى أربعة أشياء: عدد الألفاظ وهي أربع شهادات. والمكان وهو أن يقصد به
أشرف البقاع بالبلد إن كان بمكة فعند الركن والمقام، وإن كان بالمدينة فعند المنبر، وببيت
المقدس فعند الصخرة، وإن كان في سائر البلدان ففي مساجدها، وإن كانا كافرين بعث بهما
إلى الموضع الذي يعتقد أن تعظيمه إن كانا يهوديين فالكنيسة، أو مجوسيين فبيت المقدس، وإن
كان لا دين لهما مثل الوثنيين ففي مجلس حكمه، والوقت وذلك بعد صلاة العصر. والجمع
وذلك بأن يكون هناك أربعة أنفس فصاعدا. فاللفظ وجمع الناس مشروطان والزمان والمكان
مستحبان انتهى. وقال قبله: إذا فرغ المتلاعنان من تلاعنهما جميعا تفرقا وخرج كل واحد
منهما من باب المسجد الجامع غير الباب الذي يخرج منه صاحبه، ولو خرجا من باب واحد
لم يضر لعانهما، ولا خلاف أنه لا يكون اللعان إلا في مسجد جامع يجمع فيه الجمعة بحضرة
464

السلطان أو من يقوم مقامه من الحكام. ص: (وتخويفهما وخصوصا عند الخامسة) ش: نحوه
لابن الحاجب وقبله شراحه. وقال ابن عرفة: ابن شعبان: يخوفان قبل اللعان ويذكران عذاب
الآخرة. يقال للرجل: أنت تجلد ويسقط إثمك ويقال لها نحو ذلك.
465

قلت: في صحيح مسلم في رواية ابن عمر فأنزل الله هذه الآيات: * (والذين يرمون
أزواجهم) * فتلاهن عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب
الآخرة فقال: لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها. ثم دعاها فوعظها وأخبرها أن عذاب
الدنيا أهون من عذاب الآخرة. عياض: حديث مسلم سنة في وعظ المتلاعنين يعظ كلا منهما
بعد تمام الرابعة قبل الخامسة. وقول ابن الحاجب: يستحب تخويفهما وخصوصا عند الخامسة
لا أعرفه إلا ما عزاه عياض للشافعي، وظاهره أنه غير المذهب انتهى. ص: (وإن اشترى زوجته
ثم ولدت لستة فكالأمة ولأقل فكالزوجة) ش: لما قدم أن اللعان في الزوجة دون الأمة ذكر
هذه المسألة لأنها مركبة من القسمين، وهي إذا اشترى زوجته الأمة ثم ظهر بها حمل فنفاه،
فإن ولدت لدون ستة أشهر فهو للنكاح وحكمها حكم الزوجة فلا ينتفي إلا بلعان، وإن
وضعته لستة أشهر فأكثر من يوم الشراء فحكمها حكم الأمة، له أن ينفيه بغير لعان. هذا إن
أقر أنه وطئها بعد الشراء واستبرأها بحيضة، وأما إن أقر أنه لم يطأها بعد الشراء فالولد للنكاح
ولا ينتفي إلا بلعان، وهذا مقيد بما إذا لم يعلم أنها كانت حاملا يوم الشراء، فإن علم أنها
كانت حاملا يوم الشراء لم ينفه إلا بلعان. قاله في التوضيح.
تنبيهان: الأول: قال في التوضيح: وهذا مقيد بما إذا لم يطأها يعني بعد رؤية الحمل
انتهى.
قلت: وهذا لا يحتاج إليه لأنه قد تقرر أولا أنه إذا وطئ بعد علمه بالحمل لم يكن له
أن يلاعن بعد ذلك.
الثاني: قال في التوضيح أيضا: قولهم إنها إذا ولدت لستة أشهر فأكثر أن له نفيه بغير
لعان يريدون بغير يمين انتهى.
466

قلت: وهذا مخالف لما سيقوله في باب أم الولد والله أعلم. وفي بعض نسخ التوضيح
بغير يمين. وقال ابن عرفة: قال ابن حبيب عن أصبغ: من اشترى زوجته حاملا أو غير ظاهرة
الحمل وأتت به لأقل من ستة أشهر من الشراء. سحنون: أو لأكثر وأقر أنه ما وطئها بعد الشراء
فحملها للنكاح. سحنون: ولو لخمس سنين وإلا فهو للملك. وقول ابن الحاجب إن ولدت
لستة أشهر فأكثر فحكمه فيه حكم الأمة ظاهره ولو أقر بعدم الوطئ بعد الشراء، ولذا قال ابن
عبد السلام لما قرر كلامه هذا: إن لم يطأها السيد بعد الشراء وهذه غفلة فتأمله انتهى. ص:
(وحكمه رفع الحد) ش: اعلم أنه يترتب على اللعان ستة أحكام: ثلاثة على لعانه وثلاثة على
لعانها. فالثلاثة التي تترتب على لعانه: الأول: سقوط الحد عنه إن كانت الزوجة حرة مسلمة
والأدب إن كانت نصرانية أو أمة. الثاني: إيجابه على المرأة إن لم تلاعن. الثالث: قطع النسب.
والثلاث التي على لعانها سقوط: الحد عنها والفراق وتأبيد حرمتها. وقيل في الأخيرين إنهما
يترتبان على لعانه والله أعلم. ص: (وإن استلحق أحد توأمين لحقا) ش: يعني أن حكم التوأمين
467

حكم الولد الواحد فلا يمكن لحوق أحدهما ونفي الآخر. قال في التوضيح: وكذلك إذا لاعن
لأولهما خروجا انتفى الثاني بذلك اللعان، ومتى استلحق أحدهما لحق الآخر وحد، فإن نفى
أحدهما وأقر بالآخر حد ولم ينتف شئ. انتهى مختصرا. والتوأمان كما قال ابن عرفة ما ليس
بين وضعهما ستة أشهر انتهى. وقال في المدونة: قال ابن القاسم: وإذا ولدت المرأة ولدين في
بطن أو وضعت ولدا ثم وضعت آخر بعده بخمسة أشهر فهو حمل واحد، فإن أقر الزوج
بأحدهما ونفى الآخر حد ولحقا به جميعا انتهى. والمسألة من كلام مالك كما في الام وإن
كان البراذعي عزاها لابن القاسم.
فائدة: قال ابن الحاجب هنا: إن توأما الملاعنة شقيقان. قال في التوضيح: وهو المشهور.
وقال المغيرة: إنهما يتوارثان لام كالمشهور في توأمي الزانية والمغتصبة خلافا لابن نافع في قوله:
إن توأما الزانية شقيقان وأما توأما المسبية والمستأمنة فإنهما يتوارثان لأب وأم. قاله في البيان.
انتهى كلام التوضيح. وكلام البيان المشار إليه هو في أول كتاب اللعان منه وعزا مقابل المشهور
في المغتصبة لابن القاسم في سماع يحيى من كتاب الاستلحاق، وسيقول المصنف في باب
الفرائض: ولا يرث ملاعن وملاعنة وتوأماها شقيقان انتهى والله أعلم. ص: (وإن كان بينهما
ستة فبطنان) ش: يعني أنه إذا كان بين الولدين ستة فليسا بتوأمين بل هما بطنان. قال في
المدونة: وإن وضعت الثاني لستة أشهر فهما بطنان، فإن أقر بالأول ونفى الثاني وقال: لم أطأ
بعد ولادة الأول لاعن ونفى الثاني إذ هما بطنان. فإن قال: لم أطأها من بعد ما ولدت الأول
وهذا الثاني ولدي فإنه يلزمه لأن الولد للفراش وسئل النساء، فإن قلن إن الحمل يتأخر هكذا لم
يحد وكان بطنا واحدا، وإن قلن لا يتأخر حد ولزمه الولد، وهذا هو الذي أشار إليه المصنف
بقوله ص: (إلا أنه قال إن أقر بالثاني وقال: لم أطأ بعد الأول سئل النساء فإن قلن إنه
يتأخر هكذا لم يحد) ش: يعني أن مالكا رحمه الله بعد أن قال إنهما إذا كان بينهما ستة
أشهر فهما بطنان وفرع على ذلك الفرع الأول في المدونة الذي لم يذكره المصنف وهو ما إذا
468

أقر بالأول ونفى الثاني وقال لم أطأ بعد ولادة الأول قال: إنه يلاعن الثاني. ذكر هذا الفرع
الثاني الذي ذكره المصنف أعني إذا أقر بالثاني يريد مع إقراره بالأول وقال: لم أطأ بعد الأول
فقال: إنه يسأل النساء فإن قلن إن الحمل قد يتأخر هكذا لم يحد، وإن قلن لا يتأخر حد. وإنما
لم يحد إذا قلن يتأخر لعدم نفيه إياه بقوله لم أطأها بعد وضع الأول لجواز أن يكون ناشئا عن
الوطئ الذي كان عنه الأول عملا بقولهم لا يتأخر. وإذا قلن لا يتأخر فيحد لنفيه إياه بقوله لم
أطأها بعد وضع الأول والحال أن بينهما ستة أشهر وانضم إلى ذلك قول النساء إن الحمل لا
يتأخر هكذا. وهذا كالمخالف لما قاله أولا، وإلى هذا الاستشكال أشار المصنف بأداة الاستثناء
كابن الحاجب، ولم يذكر الفرع الأول من كلام المدونة لجريه على الأصل المذكور أعني
كونهما بطنين. ووجه الاستشكال أنه جزم أولا بأنه إذا كان بينهما ستة أشهر فهما بطنان. ثم
قال ثانيا: يسأل النساء فقال: إن كانت الستة كافية في الدلالة على كونهما بطنين كما قال
في الفرع الأول فلا يسأل النساء في الفرع الثاني ويحد لأنه قد نفاه بقوله لم أطأ بعد الأول
وأكذب نفسه باستلحاقه، وإن لم تكن كافية فيسأل النساء أيضا في الفرع الأول؟ فإن قلن إنه
يتأخر هكذا حد ولم يلاعن كما لو وضعت لأقل من ستة. وأجاب ابن عرفة بأن ذلك كاف
حيث لا يعارض أصلا ولا يكفي حيث يعارض أصلا وهو في المسألة الثانية يعارض أصلا وهو
درأ الحد بالشبهة انتهى. وإلى هذا الاستشكال والجواب أشار الشيخ أبو الحسن الصغير بأنه
قال: جزم أولا بجعلهما بطنين ثم قال: يسأل النساء. وإنما قال يسأل النساء ولم يجزم كالتي
قبلها لأجل حد الزوج حد القذف، لأن الحدود تدرأ بالشبهات انتهى.
تنبيه: هذا الذي فرضناه في تقرير المسألة من أنه أقر بالأول أيضا هو الذي يفهم من لفظ
الام ونصه: قلت: فإن وضعت الثاني لستة أشهر أتجعله بطنا واحدا؟ قال: بل هما بطنان.
قلت: فإن قال لم أجامعها بعد ما ولدت الولد الأول قال: يلاعنها وينفي الثاني. قلت: فإن قال
لم أجامعها بعدما ولدت الولد الأول ولكن هذا الثاني ابني قال: يلزمه الولد ويسأل النساء، فإن
كان الحمل يتأخر هكذا لم أر أن يجلد، وإن قلن لا يتأخر إلى مثل هذا جلدته الحد. وقد
سمعت غير واحد يذكر أن الحمل يكون واحدا ويكون بين وضعهما الأشهر انتهى. وصرح
بذلك الشيخ أبو محمد في اختصاره للمدونة فقال: ولو أقر بالثاني. محمد: وبالأول وقال لم
أطأها بعد الأول لحق الثاني ويسأل النساء الخ. وكذلك نقله اللخمي فقال: وإن أقر بهما
جميعا وقال لم أجامعها بعد ما ولدت الأول يسأل النساء إلى آخره. وما ذكرناه في وجه
الاستشكال وفي جوابه هو الذي قاله ابن عرفة وهو المفهوم من كلام أبي الحسن وهو الظاهر
كما تقدم وحمل ابن عبد السلام المسألة على أنه إنما أقر بالثاني بعد أن نفى الأول ولاعن فيه،
وقرر الاشكال في كلام ابن الحاجب المدلول عليه بالاستثناء بأنه إذا قال النساء يتأخر كان كما
469

لو ولدا في وقت واحد أو كان بينهما أقل من ستة أشهر. وقد قال في هاتين الصورتين: إن
أقر بأحدهما ونفى الآخر حد ولحقا به، فكذا يجب الحكم في إشراكهما. وقبله في التوضيح
وكذا الشارح زاد في التوضيح، وكأنه إنما أسقط الحد لأن قول النساء لا يحصل به القطع
فكان ذلك شبهة تسقط الحد. ثم قال: ويرد هذا أنه لو كان كذلك لزم أيضا سقوط الحد إذا
قلنا إنه لا يتأخر لأن قولهن لا يحصل القطع، وقد نص في المدونة على وجوب الحد في ذلك
انتهى. والظاهر في المسألة التي فرضها ابن عبد السلام أنه إذا نفى الأول ولاعن فيه وأقر بالثاني
وقال لم أطأ بعد الأول أنه يحد ولا يسأل النساء، لأن الولد الثاني قد أقر به بعد أن نفاه فيحد
على كل حال والله أعلم.
باب
ص: (تعتد حرة) ش: قال ابن عرفة: دليل براءة الرحم عدة واستبراء. العدة مدة منع
النكاح لفسخه أو موت الزوج أو طلاقه فيدخل مدة منع من طلق رابعة نكاح غيرها إن قيل هو
له عدة، وإن أريد إخراجه قيل مدة منع المرأة النكاح إلى آخره. وفي مسائل استبرائها إطلاق
لفظه عليها مجازا وفيها التصريح بأن مدة منعه للفسخ عدة. وقولها إن علم بعد وفاته فساد
470

نكاحه وأنه لا يقر بحال فلا إحداد عليها ولا عدة وعليها ثلاث حيض استبراء معناه لا عدة
وفاة. وأطلق الاستبراء على عدة مدة الفسخ مجازا لأنه خير من الاشتراك. انتهى كلامه.
قلت: الذي يظهر أن في حده للعدة دورا لأن معرفة مدة منع النكاح متوقفة على معرفة
العدة، فإنه قد تقدم أن من موانع النكاح كون المرأة معتدة إذا توقفت معرفة كونها معتدة على
معرفة كونها ممنوعة من النكاح فقد جاء الدور فتأمله. فالأولى أن تعرف العدة بأنها المدة التي
جعلت دليلا على براءة الرحم لفسخ النكاح أو لموت الزوج أو طلاقه. وقد قال ابن عرفة في
حد الاستبراء: إنه مدة دليل براءة الرحم لا لرفع عصمة أو طلاق فتأمله. وأما تسمية مدة منع
الزوج من النكاح إذا طلق الرابعة أو طلق أخت زوجة أو من يحرم الجمع بينهما عدة، فلا شك
أنه مجاز فلا ينبغي إدخاله في حقيقة العدة الشرعية والله أعلم. فإن قيل: يخرج من هذا الحد
عدة الصغيرة التي لا يوطأ مثلها من الوفاة لتيقن براءة رحمها، وكذلك من علم أن الزوج لم
يدخل بها. فالجواب أن عدة الوفاة إنما شرعت فيمن علم أن الزوج لم يدخل بها احتياطا لبراءة
الرحم، لأنه لو ظهر بها حمل وادعاه الزوج لحق به. فالعدة واجبة لتيقن براءة الرحم، وهذه
العلة ظاهرة فيمن يوطأ مثلها. ولكن لما لم يكن في قدر من يوطأ مثلها حد يرجع إليه من
الكتاب والسنة حمل الباب محملا واحدا فوجبت العدة على من كانت في المهد حسما
للباب، فعلم أن أصل وجوب العدة إنما هو للدلالة على براءة الرحم ولا يضر عدم وجود
العلة في بعض الصور فتأمله والله أعلم.
تنبيه: قال ابن عبد السلام: ويجب الاعتناء بالعدة لأن الله سبحانه أكد ذلك بقوله:
* (وأحصوا العدة) * على خلاف بين المفسرين من المخاطب بذلك، هل الحكام أو
المطلقون وهو الأظهر، أو المطلقات؟ واختار بعضهم أن الامر بالاحصاء يتناول الجميع لأن لكل
واحد منهم تعلقا بذلك انتهى. ص: (بخلوة بالغ) ش: أي بسبب خلوة بالغ وهي إرخاء
الستور، فلو لم تكن خلوة لا عدة، وهو كذلك وهي المطلقة قبل البناء. قال في التوضيح:
فرع: قال في المدونة: ولو كان معها نساء حين دخل وانصرف بمحضرهن فلا عدة
عليها. الباجي: وكذلك امرأة انتهى. وقال ابن عبد السلام إثر كلام الباجي: هذا صحيح لأن
471

الخلوة قد فقدت انتهى. ونقل الشيخ أبو الحسن في الكبير كلام الباجي عن ابن يونس ونصه
ابن يونس: قال بعض أصحابنا: وامرأة واحدة فأكثر في ذلك سواء لا الخلوة لم تثبت.
الشيخ: وهذا إذا كانت المرأة الواحدة أو النساء من أهل العفاف والصيانة، وأما إن كانت المرأة
أو النساء من شرار الناس فعليها العدة لأنهن لا يمنعن الخلوة انتهى. وقوله: بالغ احتراز من
غير البالغ وإن قوي على الجماع.
فإن قيل: ما الفرق بين الصغيرة التي لا تطيق الوطئ تجب عليها العدة، والصغير الذي لا
يطيق الوطئ لا عدة في وطئه؟
قيل: لأن الصبي لا ماء له قطعا فلا يولد له قطعا، ونفي الولد عن الصغيرة المطيقة
للوطئ لا يبلغ القطع فوجبت العدة للاحتياط. قاله ابن عرفة. وقال اللخمي: وذكر بعض أهل
العلم أنه رأى جدة بنت إحدى وعشرين سنة وعرفت أن في بلاد مكة مثل ذلك كثيرا كاليمن
انتهى. ص: (أمكن شغلها) ش: الشغل فيه أربع لغات: ضم أوله وتسكين ثانيه وضمهما معا
وفتح أوله وتسكين ثانيه وفتحهما معا. قاله في الصحاح ص: (وذات رق قرءان) ش: قال في
472

تهذيب الأسماء: القرء بفتح القاف وضمها لغتان حكاهما القاضي عياض وأبو البقاء
أشهرهما الفتح وهو الذي قاله جمهور أهل اللغة واقتصروا عليه. ص: (والجميع للاستبراء لا
الأول فقط على الأرجح) ش: فائدة الخلاف تظهر في الذمية. فعلى القول إن الجميع للاستبراء
يلزمها الثلاث، وعلى الثاني يختلف هل يلزمها جميع الثلاثة أولا على الخلاف في خطابهم
بفروع الشريعة. وإنما قال المصنف: لا الأول لئلا يتوهم أن مقابل الأرجح يقول اثنتان
للاستبراء وواحدة للتعبد. ورجح عبد الحق قول: بكر القاضي: وهو مقابل الأرجح. نقله في
التوضيح والله أعلم ص: (ولو اعتادته في كالسنة) ش: ما ذكره المصنف من انتظار هذه المرأة
الحيض هو المشهور. وقيل: تحل بانقضاء السنة. حكاه ابن الحاجب. فأشار المصنف ب " لو " إلى
مقابل المشهور الذي حكاه ابن الحاجب من أنها تحل بانقضاء السنة، وقد أنكره ابن عبد السلام
والمصنف. وقال ابن عرفة: ابن رشد عن محمد: من حيضتها لسنة أو أكثر عدتها سنة بيضاء
إن لم تحض لوقتها وإلا فأقراؤها، ولا مخالف له من أصحابنا. فتعقب شارحي ابن الحاجب
نقله عدم اعتباره انتظار الأقراء بانفراده حسن انتهى. قال في التوضيح: ويمكن أن يريد به
المصنف أنها تحل بثلاثة أشهر لكن هذا القول إنما حكاه أشهب عن طاوس انتهى. قال في
التوضيح: وعلى الانتظار فقال محمد: إن لم تحض عند مجيئها حلت وإن حاضت من الغد
انتهى. وقال ابن عبد السلام: وإذا فرعنا على القول الأول يعني الانتظار فقالوا: إذا طلقت
تربصت سنة، فإن جاء فيها وقت الحيض ولم تحض حلت للأزواج، وإن لم يجئ وقتها في
هذه السنة طلبت وقتها بعد السنة، فإن جاء وقتها أيضا ولم تحض حلت، وإن جاء وقتها
فحاضت اعتدت بقرء واحد، ثم تفعل في الثاني والثالث كما في الأول. قال ابن المواز: إذا
كان وقت حيضتها بعد تمام السنة فلم تحض عنه مجيئه حلت وإن حاضت من الغد. قال
اللخمي: وليس هذا أصل المذهب لأن الحيض يتقدم ويتأخر، وإنما قال هذا مراعاة للخلاف
473

الذي ذكره أشهب في مدونته عن طاوس أنه قال: يكفيها ثلاثة أشهر انتهى.
تنبيه: قال ابن عبد السلام: مرادهم بالمعتادة في هذا الباب خلاف مرادهم في كتاب
الحيض، لأن المعتادة هنا هي التي شأنها أن ترى دم الحيض، سواء كان عدد أيامه في جميع
الشهر متساويا ومحله من الشهر الذي يكون فيه واحدا، أو اختلف ذلك، والمعتادة في كتاب
الحيض أخص من هذا وهي التي لا تختلف أيامها بالاعتبارين أو يكون لها عادتان. انتهى والله
أعلم ص: (أو أرضعت) ش: معطوف على ما في حيز لو وظاهره وجود الخلاف في ذلك.
وحكى ابن الحاجب الاتفاق عليه، ونقل ابن عرفة عن ابن يونس الاجماع ونصه: ومتأخرته
لرضاع بأقرائها. الصقلي: إجماعا انتهى. ومعنى كلام المصنف أنها تعتد بالقرء ولو كانت
ترضع فتأخر حيضها لسبب الرضاعة فإن عليها أن تنتظر الحيض حتى تفطم ولدها، فإن لم
تحض من يوم فطمته حتى مضت سنة حلت، وإن رأت في آخرها الدم اعتدت بقرء، وكذا
تفعل في الثاني والثالث. ابن عبد السلام: هذا إذا كانت المرضع لا ترى الدم في مدة رضاعها،
وأما إن رأته فلا شك أنها تعتد بتلك الأقراء والأمة في ذلك كالحرة. انتهى والله أعلم ص: (أو
استحيضت وميزت) ش: هو أيضا معطوف على ما في حيز لو والخلاف في هذا موجود
لمالك في روايتين: إحداهما اعتبار الحيض المميز واختارها ابن القاسم، والثانية أنها كالمرتابة تعتد
بالسنة واختارها ابن وهب. نقله في التوضيح وغيره والله أعلم. وقوله: وميزت قال في
التوضيح وغيره: وتمييزه برائحته ولونه. وقال ابن المواز: بكثرته أي إن دم الحيض كثير ودم
الاستحاضة قليل انتهى. ص: (وللزوج انتزاع ولد المرضع) ش: ابن عبد السلام: وغلبوا حق
الرجل على حق المرأة في النفقة والسكنى لأنه إنما كان ذلك لها بسبب العدة التي هي من حق
الرجل. وظاهر كلامهم أنه يشترط أن يظهر في ذلك معنى مقصود الرجل انتهى. قال ابن رشد
في رسم كتاب سعد في الطلاق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة: وليس للأب أن
ينتزعه منها إلا أن يتبين صدق قوله ويعلم أنه لم يرد بذلك الضرر انتهى.
474

فروع: الأول: قال في الرسم المذكور: إذا كان الولد لم يعلق بأمه فللأم أن تطرحه
للأب إن شاءت إذ ليس يجب عليها إرضاعه إذا كان للأب مال وهو يقبل ثدي غيرها انتهى.
وهذا الذي قاله ابن رشد مشكل، فإن الرجعية يجب عليها الرضاع كما صرح به في كتاب
الرضاع من المدونة وسيصرح به المصنف في فصل النفقات.
الثاني: إذا كان غرض الأب بالانتزاع إسقاط النفقة والكسوة فله ذلك لأنهم قالوا له أن
ينتزع لئلا ترثه فلا يكون له ذلك لأجل إسقاط النفقة من باب أولى، لأن مصلحة الميراث لغيره
ومصلحة النفقة له. هذا الذي يظهر والله أعلم.
الثالث: قال ابن فرحون في شرحه: إذا انتزع ولده ومات فله أن يمنعها من أن ترضع
ولد غيره بأجر أو بغير أجر، لأن مقصوده لا يحصل إلا بمنعها من الرضاع جملة، وحقه مقدم
على حقها في النفقة والسكنى انتهى. ص: (وإن لم تميز) ش: أي تربصت سنة ولا خلاف
في ذلك ص: (أو تأخر بلا سبب أو مرضت تربصت تسعة ثم اعتدت بثلاثة) ش: يعني أن
المرأة إذا رأت الحيض ولو مرة في عمرها ثم انقطع عنها سنين ثم طلقت فإن لم تأتها الأقراء
فإن أتتها وإلا تربصت سنة. قاله في التوضيح وسيأتي كلامه عند قول المصنف: كعدة من لم
تر الحيض. وقال في كتاب طلاق السنة من المدونة: وإذا بلغت المرأة الحرة عشرين سنة أو
ثلاثين ولم تحض فعدتها في الطلاق ثلاثة أشهر، ولو تقدم لها حيض مرة لطلبت الحيض، فإن
أبانها اعتدت سنة من يوم الطلاق تسعة أشهر براءة لتأخير الحيض ثم ثلاثة أشهر عدة انتهى.
قال أبو الحسن: قال ابن المواز: إلا أن تعتد بالسنة من زوج قبله فتصير ممن عدتها ثلاثة أشهر
حتى يعاودها حيض فتطالب به أو تعاود السنة. ابن يونس: ووجهه أنها لما حبست أولا تسعة
475

أشهر للريبة غالب مدة الحمل صارت من أهل الاعتداد بالشهور فلا تنتقل عنها إلا أن يعاودها
حيض انتهى.
تنبيهات: الأول: ما ذكره المصنف أنها إذا تأخر حيضها بلا سبب تربصت سنة ظاهره
سواء كانت حرة أو أمة وهو المشهور. وقال أشهب: تمكث الأمة أحد عشر شهرا تسعة استبراء
وشهرين في العدة. قال في التوضيح: وهو الظاهر لأن الثلاثة الأشهر أنها لم تنتظر في حق
الأمة على المشهور لأجل أن الحمل لا يظهر في أقل منها، وها هنا قد حصل قبلها تسعة،
ويمكن أن يدخل هذا في قول المصنف: ولو برق.
الثاني: قال في رسم استأذن من سماع عيسى من طلاق السنة: والاستبراء من الريبة في
الوفاة بعد العدة وفي الطلاق قبل العدة. يقال للحرة والأمة في الطلاق انتظرا تسعة أشهر من
حين طلقكما زوجاكما لعلكما تحيضان انتهى. وقال في كتاب طلاق السنة من المدونة: والعدة
في الطلاق بعد الريبة وفي الوفاة قبل الريبة انتهى. قال ابن ناجي: يريد أن التسعة أشهر أصل
لزوال الريبة والثلاثة هي العدة بعد، وفي الوفاة يكفي تسعة أشهر. ووجهه عبد الحق بما حاصله
لأن عدة من تحيض لا تنتقل للأشهر إلا بدليل نفي الحمل وهو التسعة، والحكم بالدليل واجب
التقدم على حصول مدلوله، وعدة الوفاة بالأشهر دون شرط وتأخير الحيض مانع، والعلم بدفع
المانع جائز تأخيره لأن الأصل عدمه انتهى.
الثالث: قال الزناتي: وهل التسعة الأشهر من يوم طلقت أو من يوم رفعت حيضتها
قولان انتهى. ص: (كعدة من لم تر الحيض واليائسة) ش: عدل عن أن يقول كعدة الصغيرة
واليائسة لشمول ما ذكره للكبيرة إذا لم تر الحيض والحكم فيها كالحكم في الصغيرة فلذلك
476

عدل إلى ما ذكره. قال ابن الحاجب: والتي لم تحض وإن بلغت الثلاثين كالصغيرة. قال في
التوضيح: يريد أو أكثر من الثلاثين. وقد صرح في أصل المدونة بأن الأربعين كذلك. قال
علماؤنا: وأما لو حاضت مرة في عمرها ثم انقطع عنها سنين لمرض أو غيره وقد ولدت أو لم
تلد ثم طلقت، فإن عدتها الأقراء حتى تبلغ سن من لا تحيض، فإن أتتها الأقراء وإلا تربصت
سنة كما تقدم انتهى. ص: (ولو برق) ش: مقابل المشهور قولان: أحدهما أن عدتها شهر
ونصف، والثاني أنهما شهران. حكاهما ابن بشير والله أعلم ص: (وألغي يوم الطلاق) ش:
وكذا يلغى يوم الوفاة. قاله في رسم البر من سماع ابن القاسم من طلاق السنة. وهذا هو الذي
رجع إليه مالك بعد أن كان يقول تعتد المرأة إلى مثل الساعة التي طلقها فيها زوجها أو توفي
عنها. قال ابن رشد: وقول مالك الأول هو القياس إذ لا اختلاف به أنه يجب عليها أن
تبتدئ العدة من الساعة التي طلقت فيها وتوفي عنها زوجها، ولا يصح لها بإجماع أن تلغي
بقية ذلك اليوم فتبتدئ العدة من غروب الشمس، فإذا وجب عليها بالاجماع أن تبتدئ العدة
من تلك الساعة وتجتنب الطيب والزينة من حينئذ إن كانت عدة وفاة، وجب أن تحل في تلك
الساعة من النهار، وبقاؤها إلى بقية النهار زيادة على ما فرض الله عليها. انتهى فتأمله والله
477

أعلم. ص: (ولا يطأ الزوج ولا يعقد) ش: فإن وطئ الزوج زوجته في مدة استبرائها من الزنا
فلا تحرم عليه كما تقدم عن التوضيح في الكلام على نكاح المعتدة والله أعلم. ص: (قدرها)
ش: جعل فيه الشارح احتمالين، الظاهر منهما الثاني. والمعنى أن المرأة إذا وطئت بزنا أو اشتباه
وجب عليها أن تمكث قدر العدة المتقدمة، فإن كانت حرة من ذوات الأقراء مكثت ثلاثة
قروء، وإن كانت أمة قرأين، وإن كانت من ذوات الأشهر ثلاثة أشهر. وقال ابن غازي: المراد
الحرة وحكم الأمة يأتي في باب الاستبراء، والذي يأتي في باب الاستبراء استبراؤها من ذلك
لوطئها بالملك، واستبراؤها هنا لوطئها بالنكاح. وقد قال في كتاب الاستبراء من المدونة: وإن
تزوجت أمة بغير إذن سيدها ففسخ النكاح بعد البناء ولم يمسها إلا بعد حيضتين لأنه استبرأها
478

من نكاح يلحق فيه الولد ولا عدة عليها انتهى. وانظر النص على بقية أحكام المسألة وكلام
الشارح في الكبير يقتضي ذلك والله أعلم. ص: (وهل ينبغي أن لا تعجل برؤيته تأويلان) ش:
لما ذكر أن المطلقة تحل بأول الحيضة الثالثة كما هو المشهور وهو مذهب المدونة، نبه على أنه
وقع في المدونة بأن ذلك عن أشهب أنه لا ينبغي أن يعجل بالنكاح حتى تستمر الحيضة.
واختلف الشيوخ هل هو خلاف لابن القاسم أو وفاق؟ فمعنى كلام المصنف وهل ينبغي للمرأة
إذا رأت أول الحيضة الثالثة أن لا تعجل بالتزويج بسبب رؤية الدم. فمعمول تزويج محذوف
والباء في برؤيته للسببية. ونص كلامه في المدونة: وترتجع الحامل ما بقي في بطنها ولد، وغير
الحامل ما لم تر أول الدم من الحيضة الثالثة، فإن رأته فقد مضت الثلاثة الأقراء والأقراء
الأطهار. قال أشهب: وأحب إلي أن لا تنكح حتى تستمر الحيضة لأنها ربما رأت الدم ساعة أو
يوما ثم ينقطع فيعلم أن ذلك ليس بحيض، فإذا رأت امرأة هذا في الحيضة الثالثة فلترتجع إلى
بيتها والعدة قائمة ولزوجها الرجعة حتى تعود إليها حيضة صحيحة مستقيمة. انتهى من أوائل
إرخاء الستور منها. قال المصنف في التوضيح: واعلم أن قوله: وينبغي هو من كلام أشهب
في المدونة، والكلام الأول لابن القاسم. كذا قال الجمهور. واختصر ابن أبي زمنين المدونة على
479

أن مجموع الكلام لأشهب. وعلى الأول فاختلف هل كلام أشهب وفاق وهي طريقة المصنف
يعني ابن الحاجب وأكثر الشيوخ، أو خلاف وإليه ذهب غير واحد وهو مذهب سحنون لقوله
هو خير من رواية ابن القاسم؟ وهو مثل رواية ابن وهب أنها لا تحل للأزواج ولا تبين من
زوجها حتى يتبين أنها حيضة مستقيمة وهو مذهب ابن المواز وابن حبيب. وعلى هذا فيكون
قول أشهب: وأحب محمولا على الوجوب، ويبين ذلك تعليل أشهب بقوله: إذ قد ينقطع
عاجلا فإنها علة تقتضي الوجوب انتهى. فمعنى كلام المصنف أنه إذا قلنا إن المرأة تحل برؤية
الحيضة الثالثة فهل ينبغي لها أن لا تعجل بالنكاح لأجل تلك الرؤية وخوف انقطاعه بناء على
أن كلام أشهب وفاق، ولا ينبغي لها ذلك عند ابن القاسم بناء على أنه خلاف. وإذا قلنا بهذا
فأحب للوجوب كما قال في التوضيح. وحمله ابن رشد في رسم الطلاق من سماع أشهب
من طلاق السنة على الاستحباب، واستدل على ذلك فراجعه إن أردته والله أعلم.
تنبيهات: الأول: قال في التوضيح: اختلف القائلون بحمل قوله: على الخلاف لو
انقطع الدم فالحكم عند ابن القاسم فقال أبو عمران وابن رشد: لا يضرها ذلك وقد حلت
للأزواج لرؤيته أولا ورأوا أن مذهب ابن القاسم في مقدار الحيض واحد في بابي العبادات
والعدد. ومنهم من قال: بل يضرها. وإنما لم يطلب منها ابن القاسم ما طلبه أشهب، لأن
الأصل عدم انقطاع الدم وهو أيضا الغالب فلا يلزمها وجوبا ولا استحبابا. رعى مخالفة الأصل
والغالب، وإلى هذا ذهب جمهورهم أنه إن لم يتماد بها لا تحتسب به حيضة انتهى.
الثاني: قال في التوضيح: إذا ماتت الزوجة بعد رؤية الدم وقبل التمادي فإنه يحمل أمرها
فيه على التمادي ولا يرثها مطلقا، وإن مات الزوج حينئذ لم ترثه إن تمادى. وإن قالت قبل موته
باليوم والشئ القريب انقطع الدم عني وكان موته بأثر قولها ذلك ورثته. نقله ابن عبد السلام.
الثالث: قال في التوضيح: قال عياض: اختلفوا إذا راجعها زوجها عند انقطاع هذا الدم
وعدم تماديه ثم رجع الدم بالقرب، هل هي رجعة فاسدة إذ قد ظهر أنها حيضة صحيحة
وقعت الرجعة فيها فتبطل وهو الصحيح. وقد قيل لا تبطل رجع عن قرب أو بعد. خليل: وهذا
الكلام يدل على أنها لو لم يعاودها الدم أن الرجعة صحيحة وأن للزوج الرجعة وإن قالت قبل
ذلك قد رأيت الدم ثم ادعت انقطاعه. انتهى ص: (ورجع في قدر الحيض هنا هل هو يوم أو
بعضه وفي أن المقطوع ذكره أو أنثياه يولد له فتعتد زوجته أو لا وما تراه اليائسة هل هو
480

حيض للنساء) ش: ذكر رحمه الله ثلاث مسائل، وأنه يرجع فيها للنساء، ولم يذكر في المدونة
الرجوع للنساء في الثانية وإنما ذكره في الأولى والثالثة. وأما المسألة الأولى فذكر المصنف أنه
يرجع في قدر الحيض هنا يعني في باب العدة للنساء. واحترز بذلك من العبادات فإنه تقدم أنه
لا حد لأقله بالنسبة للعبادات، وبين أن المرجوع إليهن فيه هل يكون الحيض يوما أو بعض يوم؟
وظاهر كلامه رحمه الله أن اليوم لا كلام أنه حيض كامل، وكلامه في المدونة ليس كذلك.
قال في أوائل كتاب الاستبراء منها: وإن ابتاعها فرأت عنده دما لخمسة أيام من حيضتها عند
البائع لم يجزه من الاستبراء لأنه دم واحد وتدع له الصلاة، وإن رأته بعد أيام كثيرة يكون هذا
لها حيضا مؤتنفا فرأته يوما أو بعض يوم أو يومين ثم انقطع، فإن قال النساء: إن مثل ذلك
حيضة أجزأتها وإلا لم يكن استبراء لرحمها وإن لم تصل فيه حتى تقيم في الدم ما يعرف
ويستيقن أنه استبراء لرحمها انتهى.
481

وقال المصنف في التوضيح: قد تقدم أن أبا عمران وابن رشد تأولا على المدونة أنه لا
حد لأقل الحيض هنا كالعبادات وأن أكثرهم خالفهم في ذلك. ونص المازري على أن المشهور
عن مالك نفي التحديد واستناد الحكم إلى ما يقول النساء إنه حيض انتهى. وهذا الذي أراد
المصنف أن يمشي عليه، لكن عبارته رحمه الله لا توفي بذلك كما تقدم، وكلام ابن رشد
الذي ذكره في التوضيح وهو في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب من طلاق السنة.
واستدل على أن ذلك مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة بقوله فيها: إن الأمة
المبيعة إذا دخلت في الدم من أول ما تدخل فمصيبتها من المشتري وقد حل للمشتري أن يقبل
ويباشر، ويجوز للمرأة أن تتزوج بأول ما تراه، ولا معنى لاستحباب التأخير لأن الدم إذا انقطع
لا يخلو أن يعود عن بعد أو قرب، فإن عاد عن بعد انكشف أن ذلك الدم هو الحيضة الثالثة
وأن هذا الدم حيضة رابعة، وإن عاد عن قرب كان مضافا للأول وعلم أنه كان ابتداء الحيضة
الثالثة وأن ما بينهما من الطهر ملغى لا حكم له. ثم ذكر كلام ابن القاسم في كتاب الاستبراء
ثم قال: فعلى قوله هذا إن سئل عنه النساء فقلن: إنه لا يكون حيضا يكون الحكم في ذلك
على ما في سماع أشهب، وفرع على هذا هل تقضي الصلاة في تلك الأيام أم لا؟ قال:
والذي يأتي على المذهب إنها لا تقضي لأن الاختلاف إنما هو بالنسبة إلى العدة لا إلى إسقاط
الصلاة. قال: وروي عن سحنون أنها تقضي الصلاة وهو خارج عن المذهب مثل قول أبي
حنيفة انتهى. ونقل القاضي عياض عن ابن رشد أنه يقول: إنها تقضي الصلاة واعترض عليه.
وقال: في قوله نظر ولا يوافق عليه. ونقل المصنف كلامه في التوضيح وقبله، وقد علمت أن
ابن رشد إنما نقله عن سحنون واعترضه كما تقدم، وقد تعقب ابن عرفة ذلك على عياض والله
أعلم. ونقل ابن عرفة كلام ابن رشد ونقل بعده كلام المدونة في إرخاء الستور كالمقوي له،
ولفظه أقوى من لفظ التهذيب المتقدم ونصه: وفي إرخاء الستور منها إذا رأت أول قطرة من
الحيضة الثالثة تم قرؤها انتهى. وحصل في أقل الحيض في العدة خمسة أقوال: الأول:
كالطهارة. الثاني: يسأل النساء وقد تقدم عزوهما. الثالث: يوم رواه الخطابي عن مالك. الرابع:
ثلاثة أيام لابن مسلمة. الخامس: خمسة أيام لابن الماجشون والله أعلم.
وأما المسألة الثانية وهي قوله: وفي أن المقطوع ذكره وأنثياه يولد له فتعتد زوجته أو لا
فهو كقول ابن الحاجب: ولا تجب بوطئ الصغير ولا بالمجبوب ذكره وأنثياه بخلاف الخصي
القائم. وفيها: فيه وفي عكسه يسأل النساء فإن كان يولد لمثله فالعدة وإلا فلا عدة ولا يلحق.
والذي في آخر كتاب النكاح الأول من المدونة: وإذا كان الرجل مجبوبا أو خصيا ولم تعلم به
المرأة فلها أن تقيم أو تفارق ويتوارثان قبل أن تختار فراقه، فإن فارقته بعد أن دخل بها فعليها
العدة إن كان يطأها، وإن كان لا يطأها فلا عدة عليها. قيل: فإن كان مجبوب الذكر قائم
الخصي؟ قال: إن كان يولد لمثله فعليها العدة وسئل عن ذلك، فإن كان يولد لمثله لزمه الولد
482

وإلا لم يلزمه ولا يلحق به انتهى. وقال في التنبيهات: المجبوب المقطوع جميع ما هنالك،
والخصي المقطوع الأنثيين أو المسلول ذلك منه. قال ابن حبيب: وذكره قائم أو بعضه. والفقهاء
يطلقونه على المقطوع منه أحدهما انتهى. وقال في النكت: قال عبد الحق: إذا كان مجبوب
الذكر والخصا هذا لا يلزمه ولد ولا عدة على امرأته، وإن كان مجبوب الخصا فعلى المرأة العدة
لأنه يطأ بذكره ولا يلزمه ولد، وإن كان مجبوب الذكر قائم الخصا فهذا إن كان يولد لمثله
فعليها العدة ويلزمه الولد وإلا فلا. وهذا معنى ما في المدونة، ونحوه حفظت عن بعض شيوخنا
من القرويين انتهى. وقال في المدونة في كتاب طلاق السنة: والخصي لا يلزمه ولد إن أتت به
امرأته إلا أن يعلم أنه يولد لمثله. وقال بعده: وتعتد امرأة الخصي في الطلاق. قال أشهب: لأنه
يصيب ببقية ذكره انتهى. فهذه المواضع هي التي تكلم في المدونة فيها على الخصي وليس فيها
شئ يوافق ما ذكره ابن الحاجب والمصنف. والحق في ذلك الذي جمع ما في المدونة كلام
صاحب النكت، وعليه اعتمد الشيخ أبو الحسن في الكلام على مسائل المدونة وهو الظاهر،
غير أنه ذكر أن اللخمي رجح في مسألة القائم الذكر المقطوع الخصيتين عدم العدة، والظاهر ما
قاله عبد الحق. فتحصل من هذا الذي يسأل عنه إنما هو المقطوع ذكره دون أنثييه، وأيضا فلم
يقل في هذه أنه يسأل النساء والله أعلم.
وأما المسألة الثالثة وهي قوله: وما تراه اليائسة هل هو حيض فيشير به إلى قوله في
كتاب طلاق السنة من المدونة: وإذا بلغت الحرة عشرين سنة أو ثلاثين ولم تحض فعدتها ثلاثة
أشهر ولو تقدم لها حيضة مرة لطلبت الحيض، فإن لم يأتها اعتدت سنة من يوم الطلاق تسعة
براءة ثم ثلاثة عدة، فإن حاضت بعد عشرة أشهر رجعت إلى الحيض، وإن ارتفع ائتنفت سنة
من يوم انقطع الدم، ثم إن عاودها الدم في السنة رجعت إلى الحيض، هكذا تصنع حتى تتم
ثلاث حيض أو سنة لا حيض فيها، وكذلك التي لم تحض قط قبل الطلاق أو اليائسة ترى
الدم بعد ما أخذت في عدة الأشهر فترجع إلى عدة الحيض وتلغي الشهور وتصنع كما وصفنا.
هذا إن قال النساء فيما رأته اليائسة إنه حيض، وإن قلن إنه ليس بحيض أو كانت في سن من
لا تحيض من بنات السبعين أو الثمانين لم يكن ذلك حيض وتمادت بالأشهر انتهى. وفي كلام
المدونة فائدة وهي: إنما يسأل النساء عمن يشك في أمرها هل هي يائسة أم لا، وأما من تحقق
أنها يائسة كبنت السبعين فلا يسأل النساء عنها، وقال أبو الحسن: وقوله يعني في المدونة لم
يكن ذلك حيضا ظاهره أنها تصوم وتصلي ولا تغتسل وهو أحد القولين، والآخر أن حكمها
في الصلاة والصوم وغير ذلك حكم الحائض إلا العدة انتهى.
فرع: قال الشيخ أبو الحسن: انظر إذا أشكل الامر عليهن فيرجع لما قال ابن رشد: إنه
يحمل على أنه حيض انتهى. ويشير بذلك لما قال في رسم الصلاة من سماع أشهب من
كتاب الوضوء: والنساء في الحيض ينقسمن خمسة أقسام: صغيرة لا يشبه أن تحيض، ومراهقة
483

يشبه أن تحيض، وبالغة في سن من تحيض، ومسنة تشبه أن لا تحيض، وعجوز لا يشبه أن
تحيض. ولما لم يرد في القرآن ولا في السنة حد يرجع إليه من السنين يفصل به بين المسنة التي
يشبه أن لا تحيض، وبين العجوز التي يشبه أن تحيض، وجب أن يرجع في ذلك إلى قول النساء
كما قال: فليسألن عنه، فإن قلن إن هذه المرأة التي دفعت دفعة أو دفعتين من دم بعد أن كانت
يئست من المحيض فيما كانت ظنت أن مثلها تحيض فلتعد ذلك الدم حيضا وتغتسل منه إذا
انقطع عنها وتصلي، وإن قلن مثلها لا يحيض فلا تعد ذلك حيضا ولا تترك الصلاة ولا تغتسل
منه. قاله ابن القاسم في المجموعة. وقال ابن حبيب: إنها تغتسل وليس ذلك بصحيح. وإن
شككن فيها عدت ذلك حيضا لأن ما تراه المرأة من الدم محمول على أنه حيض حتى يوقن
أنه ليس بحيض من صغر أو كبر لقول الله عز وجل: * (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى)
* والأذى الدم الخارج من الرحم فوجب أن يحمل على أنه حيض حتى يعلم أنه
ليس بحيض، وهذا ما لا أعلم فيه خلافا وبالله أستعين انتهى. ونقل في المقدمات في كتاب
الطلاق في الشك نحو ما تقدم نقله عنه في التوضيح والله أعلم ص: (وإن أتت بعدها بولد
لدون أقصى أمد الحمل لحق إلا أن ينفيه بلعان) ش: الضمير في بعدها عائد على العدة أعم
من أن تكون عدة طلاق أو وفاة. قاله في المدونة ونقله في التوضيح وابن عرفة. وقال في
التوضيح: هذا مقيد بما إذا لم تتزوج غير هذا الزوج أو تزوجت غيره وأتت به لدون ستة أشهر
من عقد الثاني، وحينئذ يفسخ نكاح الثاني لأنه ناكح في عدة وترجع إلى الأول، وأما لو أتت
به لستة أشهر فأكثر فهو لاحق بالثاني قطعا انتهى. ص: (وتربصت إن ارتابت به وهل أربعا
أو خمسا خلاف) ش: يعني فإذا مضت الخمسة أو الأربعة على أحد القولين حلت ولو بقيت
الريبة. قال في المدونة في الباب الذي بعد ترجمة المنعي لها زوجها من كتاب العدة: ولا تنكح
مستبرأة البطن إلا بعد زوال الريبة أو بعد خمس سنين انتهى. قال ابن عبد السلام: أبو الحسن:
وإن قالت أنا باقية على ريبتي لأن خمس سنين أمد ما ينتهي إليه الحمل انتهى. قال ابن عبد
السلام: وسواء كان ذلك في عدة الطلاق أو عدة الوفاة. انتهى. ونحوه للخمي ونصه: كتاب
484

العدة في باب صفة العدد بعد أن ذكر أقصى أمد الحمل قال: والطلاق والوفاة في هذا سواء
إلا في أن تذهب الريبة قبل ذلك أي قبل مضي أقصى أمد الحمل. انظر بقيته فيه والله أعلم.
وهذا إذا كانت الريبة هل حركة ما في بطنها حركة ولد أو حركة ريح، وأما إن تحقق وجود
الولد فلا تحل أبدا. قاله اللخمي ونقله ابن عرفة ونص ما قاله اللخمي في تبصرته ونقله أبو
الحسن الصغير قبل مسألة المدونة المتقدمة قال الشيخ: الريبة على وجهين، فإن تحقق أنه حمل
وإنما كانت الريبة لأجل طول المدة والخروج عن العادة فشكت هل هو حمل أم لا، لم تحل
أبدا. وإذا صح عن بعض النساء أنها ولدت لأربع سنين وأخرى لخمس وأخرى لسبع جاز أن
تكون الأخرى لأبعد من ذلك، وإن كانت الريبة والشك هل هي حركة الولد أم لا؟ حلت
ولم تحبس عن الأزواج انتهى. وكأنه من عند نفسه. وهذا الكلام منقول عنه من أبي الحسن
لأن النسخة التي عندي من التبصرة في هذا الموضع منها تصحيف. وقال ابن عرفة: الخامسة
يعني من المعتدات المرتابة في الحمل بجس بطن عدتها بوضعه أو مضي أقصى أمد الحمل مع عدم
تحققه. ثم قال اللخمي: إن تحقق حملها والشك لأجل طول المدة لم تحل أبدا انتهى. فمفهوم قوله
مع عدم تحققه مع ما نقله عن اللخمي يدل على ما قيد به كلام المصنف والله أعلم.
فرع: فإن مات في بطنها فلا تحل إلا بخروجه كما سيأتي. نقل ذلك عن المشذالي وابن
سلمون عند قول المصنف: واستمر إن مات لا إن ماتت إن شاء الله والله أعلم ص: (وعدة
الحامل في موت أو طلاق وضع حملها كله) ش:.
فرع: قال في كتاب الطهارة من المدونة وقاله في النوادر في كتاب العدة: ولو طلقها
بعد وضع الأول فله الرجعة إلى آخر ما تضع انتهى.
مسألة: إذا ضربت المرأة وخرج بعض الجنين وهي حية ثم بقيته بعد موتها، فهل فيه غرة
485

أم لا؟ في ذلك قولان. وعليها يأتي الخلاف فيما إذا مات أبوه أو طلق في تلك الحال هل
تنقضي العدة بوضع بقيته أم لا؟ ذكر ذلك الرجراجي في المسألة الثانية من كتاب الديات والله
أعلم.
تنبيه: إنما تنقضي العدة بوضع الحمل إذا كان لاحقا بأبيه. قال في كتاب طلاق السنة
من المدونة: وإذا كان الصبي لا يولد لمثله وهو يقوى على الجماع فظهر بامرأته حمل لم يلحق
به وتحد المرأة، وإن مات هذا الصبي لم تنقض عدتها من الموت بوضع حملها وعليها أربعة
أشهر وعشر من يوم مات، وإنما الحمل الذي تنقضي به العدة الحمل الذي يثبت به نسبه من
أبيه خلا الملاعنة خاصة فإنها تحل بالوضع وإن لم يلحق بالزوج، وإن مات زوجها وهي في
العدة لم تنتقل إلى عدة الوفاة انتهى. قال ابن يونس: يريد وكذلك المختلعة والمنعي لها زوجها
والمعتدة من وفاة تتزوج فتحمل من الآخر أو تكون حاملا من الأول فيلحق الولد بأحدهما فإنه
تنقضي به عدتها من الآخر وإن لم يلحق به انتهى. وقال في الشامل: فإن ولدت من زنا أو
كان الميت صغيرا لا يولد لمثله أو مجبوبا أو وضعت لأقل من ستة أشهر لم تنقض به ولا يلحق
انتهى. وسيقول المصنف في فصل: إن طرأ موجب وبعدم وضع حمل ألحق بنكاح صحيح غيره
وبفاسد أثره وأثر الطلاق لا الوفاة والله أعلم. ص: (وإلا فكالمطلقة إن فسد) ش: أطلق رحمه
الله هذا الحكم وهو خاص بالمجمع على فساده، وأما المختلف فيه فقال في التوضيح: إن كان لم
يدخل فمن ورثها قال عليها العدة، ومن لم يورثها لم ير عليها شيئا انتهى. وقد تقدم للمصنف
أن المختلف فيه فسخه بطلاق وفيه الإرث فعليه تكون عليها العدة. ثم قال في التوضيح: وإن
دخل ففي اعتدادها بالأشهر أو الأقراء قولان. وروى ابن المواز عن ابن القاسم فيمن تزوج في
المرض ثم مات أنها تعتد بأربعة أشهر وعشر. وقال أيضا: وتعتد بثلاثة أقراء والأول أظهر انتهى.
486

وقال ابن فرحون هنا: وأما المختلف فيه فمبني على الميراث، فمن ورثها قال تعتد بأربعة أشهر
وعشر وعليها الاحداد، ومن نفى الميراث فلا عدة عليها إن لم يدخل وعليها إن دخل ثلاثة
أقراء ولا إحداد عليها انتهى. وقد تقدم أن المشهور الإرث فتلخص أن المشهور في المختلف فيه
أن حكمها حكم المتوفى عنها والله أعلم. وأما المجمع على فساده فقال ابن عبد السلام:
حكمها يوم وفاته حكم المطلقة، وقد علمت أن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها فكذلك هذه
وإن دخل بها فالواجب الاستبراء، فإن كانت حرة فثلاث حيض وإن كانت أمة فحيضتان.
انتهى والله أعلم ص: (وإلا فأربعة أشهر وعشر) ش: كذا في الآية الشريفة إلا أنه في الآية
منصوب. قال القرطبي في تفسيره: قال الخطابي: قوله تعالى: * (وعشرا) * يريد والله أعلم الأيام
بلياليها. وقال المبرد: إنما أتت العشرة لأن المراد به المدة، المعنى: وعشر مدد كل مدة من يوم
وليلة، فالليلة مع يومها مدة معلومة من الدهر. وقيل: لم يقل عشرة تغليبا لحكم الليالي إذا الليلة
أسبق من اليوم والأيام في ضمنها. وعشرا أخف من اللفظ فتغلب الليالي على الأيام إذا
اجتمعت في التاريخ لأن ابتداء الشهور بالليل عند الاستهلال، فكلما كان أول الشهر الليلة
غلبت تقول: صمنا خمسا من الشهر فتغلب الليالي وإن كان الصوم بالنهار. وذهب مالك
والشافعي والكوفيون إلى أن المراد بها الأيام والليالي. قال ابن المنذر: فلو عقد عاقد عليها
النكاح على هذا القول وقد مضت أربعة أشهر وعشر ليال كان باطلا حتى يمضي اليوم العاشر.
وذهب بعض الفقهاء إلى أنه إذا انقضى لها أربعة أشهر وعشر ليال حلت لأنه رأى العدة
مبهمة فغلب التأنيث وتأولها على الليالي. وإلى هذا ذهب الأوزاعي من الفقهاء وأبو بكر
الأصم من المتكلمين. وروي عن ابن عباس أنه قرأ: أربعة أشهر وعشر ليال انتهى. وجعل
سبحانه أربعة أشهر وعشرا عبادة العدة لأن فيها استبراء للحمل إذ فيها تكمل الأربعون
والأربعون حسب حديث ابن مسعود وغيره: ثم تنفخ فيه الروح فجعل العشرة تكملة إذ هي
مظنة ظهور الحمل بحركة الجنين وذلك لنقص الشهور أو كمالها ولسرعة حركة الجنين
وإبطائها. قاله ابن المسيب وغيره انتهى من الثعالبي ص: (وإلا انتظرتها) ش: قوله: وإلا
487

يشمل صورتين: الأولى أن تكون العدة تتم قبل زمن حيضتها إلا أنه قال النساء بها ريبة. قال
في التوضيح في هذه الصورة: وإن قال النساء بها ريبة فلا بد من الحيضة أو ما يقوم مقامها
انتهى. وعلى هذه الصورة فقط حمل المصنف قول ابن الحاجب: والمشهور إن تمت قبل
عادتها فلا، وينظرها النساء وإلا فتعم والله أعلم. الصورة الثانية أن تتم العدة بعد زمن الحيضة
وعلى هذه الصورة حمل الشيخ بهرام والبساطي كلام المصنف وأدخلها ابن فرحون في قول
ابن الحاجب وإلا فتعم، وحكمها كما قال المصنف الانتظار، قال الشيخ بهرام: يريد إلى تسعة
أشهر، ومثله في ابن فرحون ونصه: ويدخل في قوله: وإلا إذا كان شأنها أن ترى الدم في
أقل من عدة الوفاة فلم تره فيها، فعدم رؤيته في زمنه ريبة فترجع إلى تسعة أشهر. انتهى ونحوه
في ابن عرفة وعزاه للمشهور مع مالك وأصحابه ونصه: وإن فقدته ومضى وقته لا لسبب ولا
ريبة لحس بطن ففي كونها كذلك أي يكفيها أربعة أشهر وعشر أو وقفها على حيضة أو تسعة
أشهر نقلا. ابن رشد عن سحنون مع ابن الماجشون. والمشهور مع مالك وأصحابه: فإذا مر بها
تسعة أشهر قول واحد وهو ظاهر.
تنبيهات: الأول: قال في المقدمات إثر نقله قول مالك وأصحابه: فإذا مر بها تسعة أشهر
حلت إلا أن تكون بها ريبة بحس البطن فتقيم حتى تذهب الريبة أو تبلغ أقصى أمد الحمل
انتهى. وقال الشيخ يوسف بن عمر في شرح الرسالة في قولها ما لم ترتب الكبيرة ذات المحيض
بتأخره عن وقته فتقعد حتى تذهب الريبة الشيخ: يريد بحيضة أو بتمام تسعة أشهر، فإذا مضت
التسعة الأشهر فقد خلت إلا أن تحس ببطنها شيئا فإنها تبقى أمد الحمل انتهى. والظاهر أن
هذه طرأت لها ريبة البطن في آخر التسعة الأشهر أو بعد كمالها لأن فرض المسألة أولا إن
تأخر حيضتها لا لريبة ولا لعذر والله أعلم. والظاهر أن الحكم كذلك في الصورة الأولى وهي
ما إذا قال النساء بها ريبة كما تقدم والله أعلم.
الثاني: يفهم من كلام المؤلف بالأحروية أنها لو كانت العدة إنما تتم بعذر من حيضتها
ورأت الحيض أنها تحل وهذا لا خلاف فيه. قال ابن عرفة: وعدة الوفاة في نكاح صحيح
للمرأة المسلمة ولو قبل البناء أو صغيرة أربعة أشهر وعشرا إن رأت فيها ذات الحيض حيضا
اتفاقا. عبد الحق في تهذيب الطالب: وكذا إن لم تره من لم تحض قط ومثل هذا الفرع من
تكون في سن من لا تحيض لصغر أو كبر ويؤمن حملها. قاله في المقدمات.
الثالث: قال الجزولي في الكبير: انظر الريبة أمن العدة أم لا؟ قال أبو عمران: ظاهر
الرسالة أنها في الريبة معتدة، وفائدته إذا تزوجت بعد تمام أربعة أشهر وعشر وقبل تمام الريبة هل
هي متزوجة في العدة فيفسخ ويتأبد التحريم، أوليس كالمتزوج فيها وأن العدة إنما هي أربعة
أشهر وعشر وما زاد فهو احتياط فلا يفسخ وإنما يكره؟ قولان. وكذلك الاحداد ونقل ابن عرفة
488

عن ابن أبي زيد القول الأول فقط ونصه: الشيخ لأصبغ في الموازية: إن تزوجت المرتابة بتأخير
الحيض بعد أربعة أشهر وعشر لم يفسخ نكاحها. وفي سماع عيسى من طلاق السنة:
والاستبراء من الريبة في الوفاة بعد العدة. يقال للحرة في الوفاة اعتدي أربعة أشهر وعشرا،
وللأمة شهرين وخمس ليال ثم استبرئا أنفسكما بتمام تسعة أشهر من حين يهلك زوجكما
انتهى.
الرابع: علم من الكلام المتقدم أن الصورة الثانية إنما هي إذا تأخر الحيض لا لريبة ولا
لعذر، فإن تأخر لريبة فقال ابن رشد: وأما إن ارتابت من الحيض بامتلاء في البطن فلا
اختلاف في أنها لا تحل حتى تنسلخ من تلك الريبة أو تبلغ أقصى أمد الحمل. انتهى من
شرح آخر مسألة من الرسم الثاني من كتاب طلاق السنة. ونقله ابن عرفة. وأما إن تأخر
لعذر فقال في المقدمات في طلاق السنة: والعذر الرضاع والمرض انتهى. أما الرضاع فقال
ابن عرفة: ابن رشد: تأخره عن وقته لرضاع كتأخره لوقته انتهى. وأما المرض فقال ابن عرفة
أيضا: وفي كون ارتفاعه بالمرض كالرضاع تحل في الوفاة بأربعة أشهر وعشر، وفي الطلاق
بالأقراء ولو تباعدت أو ريبة تربصت في الوفاة تسعة أشهر وفي الطلاق سنة قولا أشهب
وابن القاسم مع روايته انتهى. زاد في المقدمات مع ابن القاسم أصبغ وابن عبد الحكم. وفي
التوضيح: اتفق على أن المرضع والمريضة تحل بمضي أربعة أشهر وعشر. قاله ابن بشير
ونصه في التنبيه: وإن كانت مريضة أو مرضعة فلا خلاف في المذهب أن تكتفي
بالأربعة الأشهر والعشرة أيام انتهى. فانظره مع ما قاله ابن عرفة عن ابن رشد وهو
في المقدمات. وفي البيان في الرسم المتقدم وأما المستحاضة فقال ابن عرفة: وفي عدة
المستحاضة بتسعة أشهر وأربعة أشهر وعشر سماع عيسى ابن القاسم مع الباجي عن
المذهب ورواية ابن رشد مع ابن زرقون عن رواية الموازية الشيخ لأصبغ في الموازية مثل ما
تقدم في المسترابة. وقول ابن الحاجب يفصل في المميزة يريد على رواية ابن القاسم اعتبار
التمييز إن ميزت في الأشهر حلت وإلا طلب التمييز أو تسعة شهر، وعلى رواية ابن وهب
لغوه فالمعتبر التسعة انتهى. وفي عزوه لسماع عيسى أن عدتها تسعة أشهر مسامحة، لأنه
يفهم منه أن التسعة كلها عدة. ونص ما في سماعه تعتد الحرة أربعة أشهر وعشرا والأمة
شهرين وخمس ليال ثم يقال لهما الاستحاضة ريبة فانتظرا حتى يمر لكما تسعة أشهر أقصى
الريبة انتهى.
الخامس: يلغى يوم الوفاة كما يلغى يوم الطلاق على القول الذي رجع إليه مالك بعد
أن كان يقول تعتد لمثل ساعة الوفاة، وقد تقدم عن قول المصنف: وألغى يوم الطلاق
كلام ابن رشد: في ذلك وإنه إن ألغى يوم الطلاق والوفاة فالاجماع على أن ابتداء العدة
من ساعة الطلاق والوفاة ويجب عليها من حينئذ الاحداد في الوفاة والله أعلم ص:
489

(وتنصفت بالرق وإن لم تحض فثلاثة أشهر إلا أن ترتاب فتسعة) ش: قال في سماع أبي
زيد من طلاق السنة في الجارية يتوفى عنها زوجها وهي ترضع شهران وخمس ليال وإن لم
تحض إلا أن ترتاب. ابن رشد: قوله في التي توفي عنها زوجها وهي ترضع أنها تعتد
بشهرين وخمس ليال ولم تمض إلا أن تستراب الريبة ها هنا إنما تكون بحس تجده في
بطنها، فإن وجدت ذلك فلا تحل حتى يذهب عنها أو تبلغ أقصى أمد الحمل، وإن لم
تسترب تنقضي عدتها التي فرض الله عليها بالشهرين وخمس ليال كما قال فيسقطه بعد
العدة عنها الاحداد ويسقط عنها في السكنى إلا أنها لا تتزوج إن كانت مدخولا بها حتى
تمضي ثلاثة أشهر فيعلم أنه لا حمل بها لأن الحمل يتبين في أقل من ثلاثة أشهر انتهى.
ونقله ابن عرفة. وهذا يرجح أحد القولين اللذين نقلهما الجزولي في الريبة، هل هي من العدة
490

أو ليست منها فانظره مع ما تقدم والله أعلم. وقال ابن عرفة: ولذات الرق ولو قبل البناء
صغيرة شهران وخمس ليال. ابن زرقون: رواية ابن العطار لا عدة عليها قبل البناء وإن
أطاقت الوطئ شاذة، وعلى المعروف إن صغرت عن سن الحيض حلت بشهرين وخمس ليال.
الباجي والشيخ عن الموازية: إن بلغت ولم تحض أو كانت يائسة ولم يؤمن حملها فثلاثة
أشهر، وإن أمن فلمالك كذلك وأشهب شهران وخمس ليال وغيرهن. قال ابن زرقون بها:
إن حاضت فيها وإن استريبت بحس بطن فبزوالها اتفاقا فيهما، وإن لم تحض فيها من عادتها
فيها فالمشهور ترفع لتسعة أشهر. أشهب وابن الماجشون وسحنون: لثلاثة أشهر وإن لم تحض
ومثلها يحمل ففي حلها بشهرين وخمس ليال أو بثلاثة أشهر قولا ابن القاسم وأشهب
انتهى. وانظر قوله: وإن لم تحض ومثلها يحمل إلى آخره كأن هذه طريقة ابن زرقون وهي
مخالفة لما قدمه عن الباجي والشيخ عن الموازية والله أعلم. فقول المصنف: وإن لم تحض
فثلاثة أشهر يحمل على من بلغت سن المحيض ولم تحض أو كانت يائسة، سواء كان يمكن
حملها أم لا، كما قال الشيخ ابن أبي زيد في الرسالة: وأما التي لا تحيض لصغر أو كبر
وقد بنى بها فلا تنكح في الوفاة إلا بعد ثلاثة أشهر. وقول المصنف: إلا أن ترتاب أي
بتأخر الحيض فتؤخر إلى تسعة كما قال في الرسالة بعد أن ذكر عدة الحرة: والأمة من الوفاة
ما لم ترتب الكبيرة ذات المحيض بتأخره عن وقته فتقعد حتى تذهب الريبة. انتهى والله أعلم
ص: (وإن أقر بطلاق متقدم استأنفت العدة من إقراره) ش: قال في كتاب الطلاق السنة
491

من المدونة: وإذا بلغها موت زوجها فعدتها من يوم مات، فإن لم يبلغها ذلك حتى انقضت
عدتها فلا إحداد عليها وقد حلت، وكذلك إن طلقت وهو غائب فعدتها من يوم طلق إذا
أقامت على الطلاق بينة، وإن لم تكن على ذلك بينة إلا أنه لما قدم قال كنت طلقتها فالعدة
من يوم إقراره ولا رجعة له في ذلك فيما دون الثلاث إذا تمت العدة من يوم دعواه وترثه
في العدة من يوم دعواه المؤتنفة ولا يرثها، وإن كان الطلاق بتا لم يتوارثا بحال ولا يرجع
عليها بما أنفقت من ماله بعد طلاقه قبل علمها لأنه قد فرط. قال ابن يونس: وأما المتوفى
عنها فإنها ترد ما أنفقت من ماله بعد وفاته لأن ماله صار لورثته فليس لها أن تختص منه
بشئ دونهم. قال ابن المواز: ولو قدم عليها رجل واحد يشهد بطلاقها أو رجل وامرأتان
فليس ذلك بشئ حتى يشهد لها من يحكم به السلطان في الطلاق وترجع بما تسلفت
عليه، وكذلك روى أشهب عن مالك في العتبية. وقال سحنون عن ابن نافع: لا ترجع بما
تسلفت عليه. انتهى ونقله أبو الحسن. وقال في أول رسم من سماع ابن القاسم من طلاق
السنة: إنه شهد بالطلاق رجل وامرأة أن لها النفقة حتى يثبت ذلك بشاهد آخر.
فروع: الأول: قال في الرسم المذكور: وتكون عدتها من يوم طلق إن اتفق الشاهدان
على اليوم، فإن اختلفا اعتدت من الآخر ولو لم يذكر اليوم الذي طلق فيه وفات سؤال الشهود
كانت عدتها من يوم شهدا عند القاضي لا من يوم الحكم إن تأخر عن الشهادة.
الثاني: قال فيه أيضا: ولا غرم عليها فيما أنفقت من ماله أو أنفق عليها منه من يوم
الطلاق إلى يوم علمها به لأنه ألبس على نفسه أي فرط إذا لم يعلمها بطلاقه. زاد في سماع
أشهب باتفاق.
492

الثالث: لو أنفقت من مالها أو تسلفت لرجعت عليه بذلك. عن مالك قاله في سماع
أشهب. وقال ابن نافع: لا ترجع بشئ من ذلك انتهى.
الرابع: قال في أول رسم من سماع أشهب من طلاق السنة: أما ما ازدادت في السلف
مثل أن تشتري ما قيمته بدينار بأكثر من دينار إلى أجل فتبيعه بدينار في نفقتها فلا يلزمه
باتفاق، وأما ما أنفقته مما خلفه عندها من ماله فلا غرم عليها فيه باتفاق، واختلف فيما أنفقت
من مالها وتسلفته عليه من غير أن تغبن فيه بزيادة على هذين القولين انتهى. ص: (فأقصى
الأجلين) ش: أي أما العدة مع حيضة أو تسعة أشهر وليست كالمعتدة من الطلاق. قال
القابسي: لأن العدة من أول الوفاة قد انقضت بمضي شهرين وخمس ليال، والتربص لزوال
الريبة فمتى زالت حلت والمطلقة عدتها بالأقراء وإنما تصير من أهل الأشهر بعد تسعة أشهر
ص: (وتركت المتوفى عنها فقط) ش: هذا شروع منه رحمه الله في الكلام على الاحداد.
والاحداد مأخوذ من الحد وهو المنع. يقال: حددت الرجل إذا منعته، ومنه الحدود الشرعية لأنها
تمنع. ويقال للبواب حداد. وقال ابن عرفة: الاحداد هو ترك ما هو زينة ولو مع غيره فيدخل
ترك الخاتم فقط للمبتذلة. وقول ابن الحاجب وابن محرز ترك الزينة المعتادة يبطل طرده بصحة
سلب الزينة المعتادة عمن لبسته مبتذلة. انتهى. يعني أن لبس الخاتم وحده لا يعد زينة ولكنه
493

زينة مع غيره فيدخل في حده ويخرج من حد ابن الحاجب وابن محرز لأنه ليس بزينة معتادة
فتأمله والله أعلم. وقال الشيخ زروق في شرح قول الرسالة: والاحداد أن لا تقرب المعتدة من
الوفاة شيئا من الزينة بحلي والحلي الخاتم فما فوقه. ص: (والتطيب وعمله) ش: تصوره واضح.
فرع: إذا لحقتها العدة وهي متطيبة هل عليها ترك الطيب؟ قال التادلي في منسكه في
غسل الاحرام عن القرافي: وتنزع المحرمة ما صادف الاحرام من الطيب بخلاف المعتدة تلحقها
العدة وهي متطيبة انتهى. ثم ذكر فرقا بينهما حاصله أن العدة تدخل عليها بغير اختيارها
بخلاف الاحرام. ثم ذكر عن البيان خلاف ذلك ولم يبين موضعه من البيان وهو في المسألة
الثانية من سماع أشهب من طلاق السنة ونصه:
مسألة: وسئل عن التي يتوفى زوجها وقد امتشطت، أتنقض مشطها؟ فقال: لا، أرأيت
إن كانت مختضبة كيف تصنع لا أرى أن تنقضه. قال ابن نافع وهو وابن رشد: قوله إنه ليس
عليها إذا توفي عنها زوجها وهي ممتشطة أن تنقض مشطها، معناه إذا كانت امتشطت بغير
طيب، وأما لو امتشطت بطيب أو تطيبت في سائر جسدها لوجب عليها أن تغسل الطيب لما
يجب عليها لو توفي عنها وهي لابسة ثوب زينة أن تخلعه، وكما يجب على الرجل إذا أحرم
وهو متطيب أن يغسل الطيب عنه. قال ابن عرفة بعد نقله هذا الكلام:
قلت: قول ابن رشد يريد إذا كانت امتشطت بغير طيب يقتضي منعها من الامتشاط
بغيره وهو خلاف متقدم قولها تمتشط بالسدر. ولما نقل الباجي لفظها قال: ولو مات زوجها
بعد أن مشطت رأسها بشئ من الطيب فروى أشهب في العتبية وذكر ما تقدم، وهذا
494

خلاف ما تقدم لابن رشد. وقول ابن رشد: لو كان بطيب أو تطيبت لوجب عليها غسله
إلى آخره خلاف قول عبد الحق في تهذيبه. قال بعض شيوخنا: إذا لزمتها العدة وعليها
طيب فليس عليها غسله بخلاف من أحرم وعليه طيب. عبد الحق: يحتمل أن يفرق بينهما
بأن المحرم أدخل الاحرام على نفسه فلو شاء نزع الطيب قبل أن يحرم، وبأن فيما دخل على
المرأة من وفاة زوجها والاهتمام شغلا لها عن الطيب انتهى. ص: (والتجر فيه) ش: قال ابن
عرفة: قال في الموازية: لا تحضر حاد عمل طيب ولا تتجر فيه ولو كان كسبها. انتهى والله
أعلم.
فصل في مسائل زوجة المفقود
ص: (ولزوجة المفقود الرفع للقاضي والوالي ووالي الماء وإلا فلجماعة المسلمين) ش:
قال ابن عرفة: المفقود من انقطع خبره وممكن الكشف عنه فيخرج الأسير. ابن عات: والمحبوس
495

الذي لا يستطاع الكشف عنه انتهى. ثم قال في آخر الباب ابن عبد الحكم: من سافر في
البحر فانقطع خبره فسبيله سبيل المفقود انتهى. وفي مسائل الشيخ أبي الحسن القابسي: وسئل
عن مركبين مرسيين بجانب البر وفي أحد المركبين رجل يعرفه بعض من في المركب الآخر
فهال عليهم البحر في الليل فسمع تكبير أهل المركب الذي فيه الرجل المعروف فأصبحوا فلم
يجدوا للمركب خبرا ولا أثرا، وهل يشهد الذين يعرفون الرجل أنه مات؟ فقال: يشهدون
بصفة الامر والحاكم يحكم بالموت في هذا. قيل له: فلو كانوا في الموسطة؟ فقال: قد يكون
هؤلاء رمتهم الريح على موضع آخر هؤلاء سبيلهم سبيل المفقود انتهى. قال البرزلي في مسائل
العدة والاستبراء لما تكلم على المفقود ومن فقد زمن الوباء وأنه محمول على الموت: ومن هذا
ما يوجد اليوم ممن يفقد من مراكب المسلمين فلا يدري أغرق أو أخذه العدو ولم يظهر له
خبر البتة، والصواب أنهم محمولون على الموت بعد الفحص عنهم بأخبار مراكب النصارى،
وأما من أخذه العدو على ظهر البحر وغدوا به كما يجري اليوم فحكمه حكم الأسير، وقد
ذكر حكمه في المدونة وغيرها. ابن عات: ومثله المحبوس الذي لا يستطاع الكشف عنه انتهى.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه يصح أن يرفع إلى الوالي مع وجود القاضي وإلى والي الماء
مع وجود القاضي والوالي. وأما جماعة المسلمين فظاهر كلامه أنه لا يصح ضربهم الاجل إلا
عند فقد من ذكر، والظاهر أنه كذلك لجعلهم القول بأنه إذا كان الامام الأعظم حاضرا لم
يضرب غيره خلاف المشهور، ولقول اللخمي المعروف من المذهب أن الكشف عن خبره إلى
سلطان بلده وإن تولى ذلك بعض ولاة المياه والعقود منهم أجزأ. انتهى ونقله في التوضيح ص:
(إن دامت نفقتها) ش: قال في المتيطية: اعلم أن الغائبين على أزواجهم خمسة: فالأول غائب
لم يترك نفقة ولا خلف مالا ولا لزوجته عليه شرط في المغيب، فإن أحبت زوجته الفراق فإنها
تقوم عند السلطان بعدم الانفاق. والثاني غائب لم يترك نفقة ولزوجته عليه شرط في المغيب،
فزوجته مخيرة في أن تقوم بعدم الانفاق أو بشرطها وهو أيسر عليها لأنه لا يضرب له في ذلك
أجل. والثالث غائب خلف نفقة ولزوجته عليه شرط في المغيب. فهذه ليس لها أن تقوم إلا
بالشرط خاصة، وسواء كان الغائب في هذه الثلاثة الأوجه معلوم المكان أو غير معلوم إلا أن
معلوم المكان يعذر إليه إن تمكن من ذلك. والرابع غائب خلف نفقة ولا شرط لامرأته وهو مع
496

ذلك معلوم المكان فهذا يكتب إليه السلطان، إما أن يقدم أو يحمل امرأته إليه أو يفارقها وإلا
طلق عليه. والخامس غائب خلف نفقة ولا شرط لامرأته عليه وهو مع ذلك غير معلوم المكان
فهذا هو المفقود. انتهى باختصار. وما ذكره في الرابع من أنه يكتب إليه السلطان إلى آخره وإلا
طلقها عليه لم يبين كم ينتظر. وقال ابن رشد في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم من
طلاق السنة: لم يحدها هنا يعني في هذا الرسم في الطول حدا. وقال في أول رسم شهد من
سماع عيسى: إن السنتين والثلاث في ذلك قريب وليس بطول. وهذا إذا بعث إليها بنفقة،
وأما إن لم يبعث إليها بنفقة ولا علم له مال فإنها تطلق عليه بعد الاعذار إليه والتلوم عليه. وأما
إن علم أنه موسر بموضعه فتفرض لها النفقة عليه تتبعه بها ولا يفرق بينهما. فهذا ظاهر قول
ابن حبيب في الواضحة ومعنى ذلك ما لم يطل على ما قال هنا والله أعلم. انتهى كلامه في
رسم الشريكين.
تنبيه: قال في المدونة: وينظر السلطان في مال المفقود ويجمعه ويوقفه كان بيد وارث أو
غيره، ويوكل به من يرضى وإن كان من ورثته من يراه لذلك أهلا أقامه له، وينظر في قراضه
وودائعه ويقبض ديونه ولا يبرأ من دفع من غرمائه إلى ورثته لأن ورثته لم يرثوه بعد. وما أسكن
أو أعار أو آجر إلى أجل أرجئ إليه، وإن قارض إلى أجل فسخ وأخذ المال، وما لحقه من دين
أو اعتراف أو عهدة ثمن أو عيب قضى به عليه ولا يقام له وكيل، وتباع عروضه في ذلك.
وإن أقام رجل البينة أنه أوصى له بشئ أو أسند إليه الوصية سمعت بينته فإذا قضى بمدته
بحقيقة أو تعمير جعل للوصي وصية وأعطت للموصى له وصيته إن كان حيا وحملها الثلث
وإلا أعيدت البينة. وكذلك إن أقامت المرأة بينة أنه زوجها قضيت لها كقضائي على الغائب.
انتهى كلام المدونة. قال أبو الحسن: قوله: أو اعتراف أي استحقاق. وقوله: أو عهدة ثمن
أي استحقاق ما باع فرجع عليه بالثمن. وقوله: أو عيب أي باع سلعة فظهر بها عيب.
وقوله: ولا يقام له وكيل وجهه أن الوكيل لا يعمم حجج الغائب ويقوم بحجته إذا قدم
انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن في كتاب العيوب في الكلام على الرد على الغائب: القاعدة أن
الامام لا يتعرض لديون الغائب يقضيها إلا أن يكون مفقودا أو مولى عليه أو يكون حاضرا
ويريد أن يبرئ ذمته ورب الدين غائب أو حاضر فله، وهذا بخلاف ما إذا أفسد شخص مال
غائب فإن الامام يأخذ منه القيمة ويحبسها الغائب. انتهى ونحوه في النكت فانظره. وقال في
المتيطية: وأما مال المفقود فينبغي للامام أن ينظر فيه ويثقفه ويجعله في يد من يرتضيه من أهله
أو من غيرهم ويقدمه للقيام بتمييز ماله والنظر في جميع أمواله. فإن كانت له أملاك اغتلها
ورم ما وهي منها، وإن كان له عبيد في خراجهم ما يفضل عن نفقتهم وكسوتهم حبسه له
وإلا باعهم عليه ويقتضي ديونه إن كانت له عند حلول آجالها ويمكن من إثباتها والخصام فيها.
وكذلك ما استودعه المفقود أو قارضه وما كانت عليه من ديون ثبتت عليه قضاها عند حلول
497

آجالها بعد بيان أربابها، وما تراخى أجله منها ومن مهور نسائه ولا تحل إلا بانقضاء تعميره
انتهى. وقوله: وما تراخى أجله يريد تراخى أجله بعد مدة التعمير والله أعلم. ثم قال في
المتيطية: وينفق من ماله على أزواجه ويخدمهن إن كن مخدمات وكان ماله يتسع لذلك. هذا
إن كن مدخولا بهن، وأما غير المدخول بهن فالمشهور من المذهب والذي عليه العمل وقاله ابن
القاسم من رواية المصريين عنه ورواه أيضا عيسى وبه قال ابن المواز ولم يذكر في ذلك خلافا
مع معرفته باختلاف أصحاب مالك، أن لها النفقة وإن لم يدخل بها المفقود انتهى. وانظر
الشيخ أبا الحسن الصغير في آخر النكاح الثاني من طلاق السنة. ثم قال في المتيطية، وينفق
على فقراء صغار بنيه وأبكار بناته حتى يحتلم الذكر منهم وهو صحيح الجسم والعقل ويدخل
بالأنثى زوجها. انتهى والله أعلم ص: (وللعبد نصفها) ش: قال المتيطي: وسواء كان مغيبه
بإباق أو بيع فغاب به مشتريه وانقطع خبره. انتهى والله أعلم ص: (وسقطت بها النفقة) ش:
قال في المتيطية: وينفق هذا الوكيل أو السلطان إن لم يقدم أحدا على زوجة المفقود في الأربع
سنين ويكسوها بعد أن تحلف أن زوجها لم يترك لها نفقة ولا كسوة ولا أرسل بشئ وصل
إليها، ولا يكلفها إثبات الزوجية لثبوتها عنده قبل الاجل، ويكلف ذلك غيرها من نسائه ولا
ينفق عليها في العدة وينفق على صغار بنيه وأبكار بناته بعد ثبوت البنوة وأنه لا مال لهم في
علم الشهود. ثم قال في عقد الوثيقة: تقول دفع فلان النظر للمفقود إلى فلانة بعد أن ثبت
عند القاضي أنها زوجة المفقود فلان لم تنقطع عصمته عنها إلى حين قيامها عنده، وبعد أن
ثبت عنده يمينها في المسجد الجامع بمدينة كذا أنه ما ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئا تمون به
نفسها ولا أرسل إليها بشئ وصل إليها ولا أسقطت ذلك عنه ولا شيئا منه كذا وكذا دينارا
إلى آخره. ثم قال: وإن كان له بنون قلت إلى فلانة زوجة المفقود وحاضنة بنيها منه فلان
498

وفلان الصغيرين وفلانة البكر بعد أن ثبت عند الفقيه القاضي أنها زوجته وأن بنيها المذكورين
هم من المفقود فلان وأن فلانا وفلانا صغيران وأن فلانة بكر وأنهم لا مال لهم في علم من
ثبت ذلك بشهادتهم. انتهى والله أعلم ص: (وليس لها البقاء بعدها) ش: حمله الشارح على
أن المراد ليس لها البقاء في الزوجية بعد العدة، وهذا لا إشكال فيه والظاهر عوده إلى الأربع
سنين. قال ابن عرفة: أبو عمران: لها البقاء على عصمته في خلال الأربع سنين لأنها لم تجب
عليها عدة، ومتى رجعت للرفع للسلطان ابتدأ لها الضرب وليس لها ذلك أن تمتد لأربع. انتهى
بلفظه. وكلام الشارح هنا مشكل فانظره مع كلام ابن عرفة ص: (فكالوليين) ش: يعني فإن
جاء المفقود أو تبين أنه حي أو أنه مات بعد دخول الثاني بها فإنها فاتت بدخوله بها، وإن جاء
الزوج المفقود أو تبين أنه حي قبل ذلك ردت إلى الأول، سواء تبين ذلك وهي في عدة المفقود
أو بعد خروجها منها على المعروف أو بعد أن عقد عليها الثاني وقبل الدخول، وأما إن ثبت أنه
مات بعد عقد الثاني وقبل دخوله بها فإنه يفسخ نكاحه لأنه تزوج بزوجة الغير، وأما إن ثبت
موته قبل عقد الثاني فإن حكمها حكم غيرها من النساء، فإن كان عقد الثاني بعد خروجها
من عدة الأول في نفس الامر صح نكاحه، وإن كان عقده قبل خروجها من عدة الأول في
نفس الامر فهو كالنكاح في العدة وإليه أشار بقوله: ص: (ولو تزوجها الثاني في عدة فكغيره)
ش: يعني فإن كان لم يدخل بها فسخ النكاح ولم تحرم عليه، وإن كان دخل بها وطئها في
العدة حرمت عليه، وإن كان العقد في العدة والدخول بعدها جرى على الخلاف في ذلك
والمشهور تأبيد التحريم والله أعلم.
499

فروع: الأول: إذا دخل بها في نكاح فاسد فالأول أحق بها إن فسخ بلا طلاق لا إن
فسخ بطلاق. ونص عليه الباجي وغيره ونقله في التوضيح.
الثاني: إذا فقد قبل البناء وضرب له الاجل وفرق الحاكم بينهما فروي عن مالك أنها
تعطى جميع الصداق وبه قال سحنون. قال ابن بطال: وبه القضاء. وفي الجلاب: إنها تعطى
نصفه فإن ثبت بعد ذلك موته أو مضى سن التعمير فيكمل لها. وقال جماعة: إن لم تكن
قبضته لم تعط إلا النصف، وإن قبضته لم ينتزع منها. وعلى أنها تأخذ الجميع فقال مالك:
يعجل لها المعجل ويبقى المؤجل لأجله. وقال سحنون: يعجل لها الجميع. ومنشأ الخلاف أن
فيها شائبتين: شائبة الموت بدليل أنها تعتد عدة الوفاة، وشائبة الطلاق بدليل أن دخول الثاني
يوقع على الأول طلقة. وعلى القول بأنها تعطى الجميع فإن جاء الأول بعد دخول الثاني فقيل
ترد إليه نصف الصداق واختاره اللخمي. وقال ابن رشد: إنه الأصح. وقيل: لا ترد إليه شيئا.
قيل: وبه العمل نقله في التوضيح.
الثالث: قال في المنتقى في باب الرعاف من كتاب الطهارة: قال ابن حبيب: من تزوج
امرأة لها زوج غائب لا يدرى أحي هو أم ميت ثم تبين أنه مات لمثل ما تنقضي فيه عدتها
قبل نكاحه أن نكاحه ماض انتهى. ص: (وورثت الأول إن قضى له بها) ش: فإن ثبت أنه
مات وهي في العدة فترثه اتفاقا، وكذا بعد خروجها وقبل عقد الثاني على المعروف وبعد عقده
قبل دخوله على المرجوع إليه.
فرع: قال اللخمي: فإن جهلت التواريخ وقد دخل الثاني لم يفسخ نكاحه ولم يرث
500

الأول لأنه لم يفرق بينها وبين الثاني بالشك ولا ترث أيضا بالشك. ص: (وأما إن نعي لها)
ش: النعي خبر الموت. قال عياض: الفقهاء يقولون: المنعى بضم الميم وفتح العين وهو خطأ عند
أهل العربية، والصواب المنعي بفتح الميم وكسر العين وتشديد الياء وهي التي أخبرت بموت
زوجها فاعتمدت على الاخبار وتزوجت ثم قدم زوجها فالمشهور من المذهب أنها ترد إلى
الأول، ولو دخل بها الثاني وسواء حكم بموته حاكم أو لم يحكم. وقيل: تفوت بدخول الثاني
كامرأة المفقود. وثالثها التفرقة فإن حكم به حاكم فاتت بدخول الثاني وإلا لم تفت، وأما إن
لم يدخل بها الثاني فهي للأول اتفاقا. قاله ابن رشد.
فرعان: الأول: وإذا ردت إلى الأول فلا يقربها حتى تحيض أو تضع حملها إن كانت
حاملا وتعتد في بيتها الذي كانت تسكن فيه مع الآخر ويحال بينه وبين الدخول عليها.
عياض: ولا إشكال في منع الثاني من النظر إليها والدخول عليها لأنه أجنبي، وأما الأول فلا
إشكال في منعه الوطئ لاحتياط الأنساب، وأما ما عداه من الاستمتاع فمباح لأنها زوجة. وإنما
حبست لأجل اختلاط النسب كما لو استبرأها من زنا، وبدليل لو كانت المغصوبة ظاهرة
الحمل من زوجها لجاز له وطؤها إذ الولد ولده عند ابن القاسم وكرهه أصبغ كراهة لا تحريما.
الثاني: قال ابن الحاجب: قال أبو عمران: لو ثبت موته عندها برجلين فلم يظهر خلافه
لم يفسخ إلا أن يكونا غير عدلين أو لم يعلم إلا بقولهما. قال في التوضيح: ما ذكره عن أبي
عمران لا يؤخذ منه جواز ذلك ابتداء. ونقل عنه ابن يونس وغيره أنه يجوز لها أن تتزوج بغير
العدلين وليس عليها أن ترفع إلى الحاكم ولا يفسخ. انتهى جميعه من التوضيح ملخصا ص:
(والمطلقة لعدم النفقة ثم ظهر إسقاطها) ش: هكذا ذكر في توضيحه في الكلام على ذات
501

الوليين، ونص على ذلك أبو عمران الجزائري في نظائره، ونص ابن يونس في أواخر كتاب
النكاح الثاني في الغائب إذا طلق عليه لعدم النفقة ثم ثبت أنه كان يرسلها إليها أنها ترد إليه
وإن دخل بها الثاني. ونقله عنه ابن عرفة في الكلام على التطليق على الغائب بعدم النفقة،
وذكر معه أيضا مسألة من طلق عمرة وادعى أن له زوجة أخرى تسمى بذلك. ونقلها أيضا عن
المتيطي وذكر عنه أيضا قولا ثانيا بأنها لا ترد إليه وهو في المتيطية في الكلام على الطلاق على
الغائب بعدم النفقة، وهذا كله يقتضي أن المرأة إذا أسقطت النفقة عن زوجها في المستقبل
تسقط عنه. وصرح بذلك عبد الحق في تهذيبه ونقله عنه أبو الحسن وقبله ولم يذكر خلافه
502

ذكره في الكلام على من وهبت نوبتها من ضرتها في النكاح الثاني وهو خلاف ما جزم به
القرافي في الفرق الثالث والثلاثين من قواعده من أن ذلك لا يسقط ولها الرجوع فيه. وقبله
ابن الشاط وحمل ابن غازي عليه قول المصنف في فصل الصداق أو أسقطت شرطا قبل
وجوبه، وقد ذكر في التوضيح في الكلام على نكاح التفويض في ذلك قولين والله أعلم ص:
(والضرب لواحدة ضرب لبقيتهم وإن أبين) ش: معنى كلامه والله أعلم أن من قام من نسائه
بعد ضرب الاجل لواحدة فإنه لا يضرب للثانية أجل مستأنف بل يكفي أجل الأولى، وإن
كانت الثانية امتنعت حين ضرب الاجل للأولى. وليس معنى كلامه إن قامت امرأة من نسائه
فضرب لها الاجل ثم اعتدت أن العدة تلزم الباقي وتنقطع عنهن النفقة ولو اخترن المقام، يظهر
ذلك بكلام المتيطي ونصه: ولو كان له نساء سواها فقمن في خلال الاجل أو بعد انقضاء الأجل
فطلبن ما طلبته من الفراق، فهل يستأنف الامام الفحص عنه لهن وإعادة ضرب الاجل
من بعد اليأس، أو يجزئه ما تقدم من فعله الأول؟ فذكر ابن العطار في وثائقه عن ابن الفخار
أنه رأى لمالك أن الامام لا يستأنف ضربا. وقاله بعض شيوخنا القرويين. قال: وكذلك إن قمن
بعد مضي الاجل وانقضاء العدة فإنهن يجزئهن، وضرب الامام الاجل لواحدة من نسائه
كضربه لجميعهن كما أن تفليسه المديان لاحد الغرماء تفليس لجميعهن. قال يحيى بن عمر:
وبلغني عن ابن القاسم أنه سئل عنها فتفكر ثم قال: ضرب الاجل للمرأة الواحدة ضرب
لجميعهن، فإذا انقضى الاجل تزوجن إن أحببن. قال بعض القرويين: وذكر عن الشيخ أبي
عمران أنه قال: يضرب للثانية الاجل حين ترفع إليه من غير أن يكشف عن أمر المفقود لأنه قد
كشف عنه للأولى. قال بعض شيوخنا القرويين: وهذا أصح وأحسن انتهى. وكلام ابن يونس
503

نحوه ونصه: وروى لمالك إذا كان للمفقود امرأتان فرفعت إحداهما أمرها إلى السلطان فضرب
لها أجلا أربع سنين ثم بعد ذلك رفعت الأخرى قال مالك: لا يستأنف لها ضرب. وذكر لنا
عن بعض شيوخنا مثل هذا قال مالك: وكذلك إن قامت بعد مضي الاجل والعدة فإنه
يجزئها، وضرب الامام الاجل لواحدة من نسائه كضربه لجميعهن. ثم ذكر ما تقدم عن
المتيطي. وانظر قول المتيطي: فقمن في خلال الاجل، وقول ابن يونس: ثم بعد ذلك رفعت
الأخرى فجعلا قول مالك: لا يستأنف لها الامام ضربا محله إذا قامت تطلب الفراق.
فمفهومه أنها لو لم تقم فلا يكون ضرب الاجل لواحدة ضربا لبقيتهن. وقول ابن فرحون في
شرحه يعني أن الحاكم كتب بأمر زوجها وعجز عن الوقوف على خبره وضرب الاجل
واعتدت فإن ذلك كاف للجميع، يريد إذا قمن بطلب ذلك والله أعلم. وكلام ابن فرحون
هذا مع نقل ابن يونس والمتيطي عن مالك في قوله: وكذا إن قمن بعد مضي الاجل وانقضاء
العدة فإن ذلك يجزئهن يقتضي بظاهره أنهن لا يحتجن إلى عدة إذا قمن بعد مضي الاجل
والعدة فتأمله والله أعلم. ومقابل هذا القول قول الشيخ أبي عمران الذي صححه واستحسنه
بعض القرويين، وقاله ابن عبد السلام هو الأقرب عندي والله أعلم ص: (وبقيت أم ولده) ش:
نقله في التوضيح عن ابن رشد، وكأنه لم يقف عليه للمتقدمين وقد نقله غير واحد. قال
المتيطي: وينفق على أم ولده إلى انقضاء تعميره انتهى. ثم قال بعد أن ذكر أن السلطان يقدم
على مال المفقود من يحفظه ويكفي عياله كما تقدم نقله: وينفق الوكيل أو السلطان إن لم
يقدم أحدا على أم ولده بعد أن تثبت أنها أم ولده وبعد يمينها،. ثم قال في نص الوثيقة: وإن
كان دفع إلى أم ولده قلت إلى فلانة أم ولده المفقود فلان بعد أن ثبت عند الفقيه القاضي أبي
504

فلان أنها أم ولد وأنه لم يبتل عتقها إلى حين قيامها عنده في علم من ثبت ذلك عنده
بشهادتهم، وأنها حلفت بأمره وثبت يمينها عنده على الواجب فيه، وإن كان لها منه ابن
ذكرت فيه مثل ما تقدم في البنين. انتهى وقد تقدم ما ذكره في البنين والله أعلم. ص:
(وورث ماله حينئذ) ش: أي فيرثه من كان وارثا له يوم يحكم بموته لانقضاء سن التعمير. قال
ابن عرفة: وأقوال المذهب واضحة لأن مستحق إرثه وإرثه يوم الحكم بتمويته حسبما يدل عليه
لفظ اللخمي والمتيطي وابن كوثر وابن الهندي وغيرهم وبه أفتيت من ذكر أنها نزلت، وأفتى
بعض الناس بإرث مستحقه يوم بلوغه لا يوم الحكم، وسئل عنها غير واحد لعل موافقا له فلم
يجده فيما علمت انتهى. ص: (وزوجة الأسير) ش: وسواء علم موضعه أم لا.
فرع: إذا هرب الأسير من أرض الحرب وثبت هروبه وجهل خبره، فإن ثبت دخوله بلد
الاسلام فكالمفقود، وإن لم يثبت فكالأسير لاحتمال عدم خروجه من بلد الحرب انتهى. ص:
(وإن تنصر أسير فعلى الطوع) ش: ولو تزوجت زوجته ثم ثبت أنه تنصر مكرها فقيل كزوجة
المفقود، وقيل كالمنعي لها. وذكر القولين في التوضيح وفي الشامل واقتصر في التوضيح في
أوائل النكاح على أنها كزوجة المفقود والله أعلم.
فرع: إن شهدت بينة بالاكراه وأخرى بالطوع فبينة الاكراه أعمل لأنها علمت ما لم
تعلم الأخرى. قاله في التوضيح ص: (واعتدت في مفقود المعترك بين المسلمين بعد انفصال
505

الصفين) ش: هذا إن شهدت البينة العادلة أنه حضر المعترك، وأما إن كان إنما رأوه خارجا عن
العسكر ولم يروه في المعترك فحكمه حكم المفقود في زوجته وماله باتفاق. انتهى من التوضيح
506

ناقلا له عن المقدمات ص: (أو المحبوسة بسببه في حياته السكنى) ش: مفهومه أنه لا سكنى
لها في حياة الموت وقرره الشارح كذلك ولينظر في ذلك. وانظر كلام ابن عبد السلام عند
شرح قول ابن الحاجب: ولام ولد تعتق أو يموت عنها السكنى فإنه يدل على أن الحرة إذا فسخ
نكاحها بعد الموت لها السكنى في مدة الاستبراء فتأمله والله أعلم. ص: (لا بلا نقد وهل
مطلقا أو إلا الوجيبة تأويلان) ش: يعني فإن كان موضع سكناها مع زوجها بكراء ولم ينقد
ففي المدونة أنها لا تكون أحق بالسكنى بغير عوض كما إذا كانت إذا نقد الكراء، وظاهر ذلك
أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون الكراء مشاهرة أي كل شهر بكذا أو وجيبة وهو المدة المعينة،
وعلى هذا الظاهر حمل المدونة الباجي وغيره واحتجوا بأن المسألة وقعت لمالك كذلك في
الموازية. وذكر في النكت عن بعض القرويين أنه حمل المدونة على المشاهرة، وأما الوجيبة فإنها
أحق بالسكنى، سواء قدم الكراء أم لا؟ واحتج لمفهوم كلام المدونة الآتي واحتج في تهذيب
الطالب لذلك بأن أبا قرة روى عن مالك أنها تكون أحق بالوجيبة مطلقا. قاله في التوضيح.
والتأويل الأول أرجح لموافقته لما في الموازية. وقال ابن عرفة بعد ذكره كلام بعض القرويين.
507

وهو خلاف ما في الموازية وغيرها. وذكر أيضا أن اللخمي حمل المسألة على ما حملها عليه
الباجي والله أعلم.
تنبيهات: الأول: إذا لم يكن لها السكنى في مال الميت فلا تخرج إلا أن يخرجها رب
الدار ويطلب من الكراء ما لا يشبه. قال في المدونة في الكلام على المتوفى عنها: إن كانت
الدار بكراء ولم ينقد الزوج الكراء وهو موسر فلا سكنى لها في ماله وتؤدي الكراء من مالها،
ولا تخرج إلا أن يخرجها رب الدار، ويطلب من الكراء ما لا يشبه، واحتج بعض القرويين
على تأويله المتقدم بقوله إلا أن يطلب منها رب الدار ما لا يشبه فإن ذلك يدل على أن الكراء
لم يكن سنة بعينها لأنه لو أكرى سنة بعينها كان الكراء لزم بما تعاقداه، وليس لرب الدار أن
يطلب غيره، وحملها الأولون على أن مدة الكراء فقد انقضت والله أعلم.
508

الثاني: إذا كان الكراء وجيبة ولم ينقد وقلنا لا سكنى لها فتسكن في حصتها وتسلم الكراء.
الثالث: هل لرب الدار إخراجها لغير زيادة؟ انظر التوضيح ص: (كبدوية ارتحل أهلها
509

فقط) ش: قال ابن عرفة: وفيها إن كانت في قرار فانثوى أهلها لم تنتقل معهم وإن تبدى
زوجها فمات رجعت للعدة في بيتها يدل على أنه لم ينتقل للبادية رفضا للإقامة ولو كانت
رفضا لها لكانت كالبدوية انتهى. ص: (والخروج في حوائجها في طرفي النهار) ش: يعني أن
اللازم للمعتدة إنما هو الميت في مسكنها، وأما ما عدا ذلك فلها الخروج في حوائجها في طرفي
النهار وأخرى في وسط النهار، وسواء كانت معتدة من طلاق أو وفاة. قال في كتاب
طلاق السنة من المدونة: ولا تبيت معتدة من وفاة أو طلاق بائن أو غير بائن إلا في بيتها
، ولها التصرف نهارا والخروج سحرا قرب الفجر وترجع ما بينها وبين العشاء الآخرة انتهى.
وانظر أبا الحسن. وقال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم: للمتوفى عنها الخروج للعرس ولا تبت
إلا في بيتها بما لا تتهيأ به الحاد. ابن رشد: هذا إن لم يكن فيها من اللهو إلا ما أجيز في
العرس انتهى.
مسألة: قال في المسائل الملقوطة: قال عيسى في كتاب ابن مزين: إذا أنهى إلى الامام أن
المعتدة تبيت في غير بيتها أرسل إليها وأعلمها بما جاء في ذلك وأمرها بالكف، فإن أبت أدبها
510

على ذلك وأجبرها عليه. انتهى من تهذيب الطالب ص: (إلا لضرر جوار بحاضرة ورفعت
للحاكم وأقرع لمن يخرج إن أشكل) ش: قال ابن عرفة: وفيها لا تنتقل من مسكنها إلا لضرر
لا تقدر معه كخوف سقوط أو لصوص بقرية لا مسلمون بها، وإن كانت بمدينة لا تنتقل
لضرر جوار ولترفع ذلك إلى الامام. قال ابن عرفة: قلت: ضابطه إن قدرت على رفع ضررها
بوجه ما لم تنتقل. وحملها ابن عات على الفرق بين القرية والمدينة لأن بها من ترفع إليه أمرها
بخلاف القرية غالبا. اللخمي: وإن وقع بينها وبين من ساكنها شرفان كان منها أخرجت عنه،
وفي مثله جاء حديث فاطمة بنت قيس. وإن كان من غيرها أخرج عنها فإن أشكل الامر أقرع
بينهم.
قلت: إنما يقع الاخراج لشر بعد الإياس من رفعه بزجر من هو منه. وقبل ابن عات وابن
عبد السلام وغيرهما قوله: أقرع بينهم والصواب إخراج غير المعتدة لأن إقامتها حق لله تعالى
وهو مقدم على حق الآدمي حسبما تقدم عن قرب انتهى.
قلت: وفيه نظر لأنه قد ثبت جواز إخراجها لشرها من حديث فاطمة بنت قيس. ص:
(وهل لا سكنى لمن أسكنت زوجها ثم طلقها قولان) ش: الأول لابن المكوي وضعفه ابن
رشد. قال ابن عرفة عن ابن عات: قال ابن رشد: قول ابن المكوي وهم ثم قال: ولو كتبت له
إسقاط خراج دارها أمد العصمة وتوابعها لم يكن عليه شئ. ولو قالت أمد العصمة فقد لزمه
اتفاقا فيهما ص: (وسقطت إن أقامت بغيره) ش: أي وسقطت سكنى المعتدة إذا أقامت بغير
المسكن الذي يسكن به من غير عذر، ولو طلبت كراء الموضع الذي هربت عنه فلا كراء لها.
511

قاله في التوضيح. قال: وظاهر المدونة وكلام ابن الحاجب أنه لا فرق بين أن يكري الزوج
الموضع الذي هربت منه أو يتركه خاليا. وقال اللخمي: إن خرجت لغير عذر فطلبت كراء
المسكن الذي انتقلت عنه لم يكن لها ذلك، وإن خرجت عن مسكن يملكه الزوج أو اكتراه
وحبسه لم يكره بعد خروجها، وإن أكراه رجعت بالأقل مما اكترت أو أكرى به. انتهى ونقله
ابن عرفة وقبله وزاد عن اللخمي: ولها نفقتها إن كان طلاقها رجعيا، ولو خرجت بغير رضاه.
والكراء في هذا بخلاف النفقة لأن المطلقة لا منفعة له فيها، ولو ارتجعها فامتنعت من الرجعة
سقطت من حينئذ نفقتها. انتهى فتأمله ونقله أبو الحسن الصغير وقال: وظاهر الكتاب خلافه
والله أعلم. ص: (وللغرماء بيع الدار) ش: قال أبو الحسن: واختلف هل للورثة بيع الدار
واستثناء العدة؟ فأجازه اللخمي ومنعه غيره لأن غرر لا يدري من المشتري متى يتصل بقبض
الدار، وإنما رخص فيه في الدين صح من جامع الطرر انتهى. وقال في التوضيح في قول ابن
الحاجب: والحكم في المتوفى عنها الجواز بعد قوله وليس للزوج بيع الدار للدين عليه إلا في
ذات الأشهر ما نصه هذه المسألة ذكرها في المدونة في كتاب العدة والغرر وفرضها في بيع
الغرماء دار الميت لدين عليه، وفرضها الباجي في بيع الورثة. ابن عبد السلام: وهو ظاهر كلام
512

المصنف واعترض بعضهم كلام الباجي لما توهمه من إجازة بيعهم إياها اختيارا فقال: إنما أجاز
ابن القاسم هذا البيع إذا بيع للغرماء، وأما إذا أراد الورثة البيع في غير دين فلم ينص عليه ابن
القاسم. قال: وعندي أنه غير جائز انتهى. انظر ما حكاه عن الباجي مع ما نقله ابن عرفة
ونصه ابن الباجي: إنما يجوز هذا في عدة الوفاة لأنها أيام محصلة وذلك إذا دعا الغرماء الورثة
ببيعها ولا يجوز في عدة الطلاق انتهى ص: (وأبدلت في المنهدم والمعار والمستأجر) ش: يريد
إذا امتنع ربها من كرائه وكان لامتناعه وجه وإلا فليس له الامتناع. انظر التوضيح وغيره ص:
(وإن اختلفا في مكانين أجيبت) ش: قال في المدونة: وإذا انهدم المسكن فدعت المرأة إلى
سكنى موضع ودعا الزوج إلى غيره فذلك لها إلا أن تدعوه إلى ما يضر به لكثرة كراء أو
سكنى فتمنع، ولو أسقطت الكراء سكنت حيث شاءت. قال ابن يونس: قوله أو سكن يعني به
مثل أن تدعوه إلى موضع بعيد منه أو فيه جيران سوء ونحو ذلك لأن له التحفظ لنفسه.
وقوله: سكنت حيث شاءت يريد حيث يعرف أنها معتدة لا في موضع يخفى عنه خبرها
انتهى. ص: (ولام ولد يموت عنها السكنى) ش: قال في رسم سعد من سماع ابن القاسم من
طلاق السنة. قال مالك في أم الولد يتوفى عنها سيدها وهي حامل والحرة يتوفى عنها زوجها
513

وهي حامل: ليس لواحدة منهما نفقة، لا من جملة المال ولا من حصة الولد. ابن رشد: أما
الحرة فلا خلاف، وأما أم الولد فهو المشهور. وروي لها النفقة من الجملة وعلى المشهور.
فاختلف في الأمة يموت عنها سيدها وهي حامل فالمشهور لا نفقة لها لأنها حرة بتبين الحمل.
وقال ابن الماجشون: لها النفقة انتهى. وقال الجزولي: وإذا مات وهي حامل فهل تعتق في الحال
أو حتى تضع؟ والأول المشهور. وعليه فاختلف في نفقتها فقيل على نفسها، وقيل في التركة.
وعلى القول الآخر بأنها لا تعتق حتى تضع فنفقتها في التركة انتهى. وقال ابن فرحون في
شرح ابن الحاجب: وأما الأمة يموت سيدها وهي حمل منه لها النفقة من رأس مال المالك. قال
فضل: أوجب لها النفقة من مال سيدها. ولعله يرى أنها لا تعتق إلا بعد وضع الحمل خيفة أن
ينفش الحمل فتكون أمة. قاله في مختصر الواضحة. انتهى كلام ابن فرحون والله أعلم.
514

فصل
ص: (يجب الاستبراء بحصول الملك إن لم توقن البراءة ولم يكن وطؤها مباحا ولم
يحرم في المستقبل) ش: الاستبراء مشتق من التبرؤ وهو التخلص، ثم استعمل لغة في
الاستقصاء والبحث والكشف عن الامر الغامض. وفي الشرع في الكشف عن حال الأرحام
عند انتقال الأملاك مراعاة لحفظ الأنساب. قاله في التوضيح. وقال ابن عرفة: الاستبراء مدة
515

دليل براءة الرحم لا لرفع عصمة أو طلاق، فتخرج العدة ويدخل استبراء الحرة ولو للعان
والموروثة لأنه للملك لا لذات الموت. وجعل القرافي جنسه طلب براءة الرحم لأنه استفعال
يخرج استبراء اللعان لأنه يكون لا عن طلب. قال في التوضيح: وهو واجب كإيجاب العدة
في الزوجات لحديث أبي داود في سبي أوطاس قال (ص): لا توطأ حامل حتى تضع ولا
حائل حتى تحيض حيضة انتهى. وذكر المصنف أنه يجب بأربعة شروط:
الأول: حصول الملك لمن لم يكن حاصلا له.
الثاني: أن لا توقن البراءة.
الثالث: أن لا يكون وطؤها مباحا أي قبل الملك.
الرابع: أن لا يكون وطؤها حراما في المستقبل. فاحترز بالأول مما إذا تزوج أمة فإنه لا
يجب عليه استبراؤها، وبالثاني ممن علمت براءتها كالمودعة عنده تحيض قبل استبرائها، وبالثالث
مما لو اشترى زوجته، وبالرابع مما لو اشترى ذات زوج. ص: (كالموطوءة إن بيعت أو زوجت)
ش: قال ابن عرفة: وفيها يجب لإرادة بيعها ربها من وطئه إياها أو لتزويجه إن وطئها أو زنت
أو ابتاعها ممن لم ينف وطأها، ومن لم يطأ أمته له تزويجها دونه انتهى. وقوله: الموطوءة
516

احتراز من غير الموطوءة فإن له أن يزوجها دون استبراء كما نقله ابن عرفة والله أعلم. ص:
(وقبل قول سيدها) ش: هو راجع إلى التزويج.
فرع: قال في كتاب الاستبراء من المدونة: قيل لمالك: أفلا يزوجها ويكف عنها زوجها
517

حتى تحيض؟ قال: لا، فإن زوجها وقد وطئها قبل أن تحيض حيضة ثم لم يطأها الزوج حتى
حاضت فالنكاح مفسوخ انتهى. اللخمي: ولا تحرم على الزوج انتهى ص: (أو أرسلها مع
غيره) ش: يعني وأما لو جاء بها المبضع معه فإنها لا تحتاج إلى استبراء كما قاله في التوضيح
ص: (وبموت سيد وإن استبرئت أو انقضت عدتها) ش: يعني أن الاستبراء يجب بموت
السيد، وسواء كان المتوفى عنها أم ولد أو أمة أقذ السيد بوطئها أم لم يقر. وقوله: وإن
استبرئت يعني أن كل واحدة يجب عليها الاستبراء بموت سيدها وإن كان السيد استبرأها قبل
موته أو كانت كل واحدة متزوجة فمات عنها زوجها أو طلقها وانقضت عدتها في حياة
سيدها. وقوله: وانقضت عدتها مفهومه أنه لو لم تنقض العدة لم يجب الاستبراء، فأحرى أن
لا يجب إذا كانت كل واحدة مات عنها سيدها وهي متزوجة، وكذلك نص عليه ابن
الحاجب. وعلله في التوضيح بأنه إذا لم تكن أم الولد أو الأمة متزوجة ولا معتدة فلا مانع
للسيد من وطئها، فاحتمل أن تكونا موطوءتين له بخلاف ما إذا كانتا متزوجتين أو معتدتين فإن
هناك مانعا له من الوطئ والله أعلم.
فرع: إذا قلنا لا بد من الاستبراء بموت السيد فمات وهي في أول الدم، فإن كانت أم
ولد لم تعتد به لأنه كالعدة لها، وإن كانت أمة اعتدت به قاله ابن الحاجب. ص: (وبالعتق
518

واستأنفت إن استبرئت أو غاب غيبة علم أنه لم يقدم أم ولد فقط) ش: يعني أن الاستبراء
يجب أيضا بالعتق. وظاهر قوله: وبالعتق أنه يجب الاستبراء سواء استبرأها قبل العتق أم لم
يستبرئ، ولما كان كذلك بين حكم ما إذا حصل قبل العتق استبراء بقوله: استأنفت فعلم أن
مراده بقوله: وبالعتق الذي ليس قبله استبراء. وفاعل قوله: استأنفت هو أم الولد. وقوله:
استأنفت إن استبرئت يريد أو انقضت عدتها. قاله ابن الحاجب. وقوله: فقط احتراز من
الأمة القن فإنها لا تستأنف بل تكتفي بالاستبراء الحاصل قبل العتق أو انقضاء عدتها.
تنبيه: ومحل وجوب الاستبراء بالعتق ما إذا لم تكن الأمة أو أم الولد متزوجة أو معتدة،
وأما لو كانت واحدة منهما كذلك فلا يجب الاستبراء. قاله ابن الحاجب. وقوله: أو غاب
إلى آخره يعني أن أم الولد إذا غاب عنها سيدها غيبة علم أنه لم يقدم منها. قال في التوضيح:
ولا يمكنه أن يأتي خفية فإن أم الولد تستأنف لموته أو عتقه حيضة ولو حاضت قبله حيضا
بخلاف الأمة والله أعلم. انظر ابن عبد السلام ص: (بحيضة وإن تأخرت إلى آخره) ش:
يتعلق هذا المجرور بقوله أول الباب: يجب الاستبراء فهو راجع إلى جميع ما تقدم من مسألة
استبراء الأمة وأم الولد. أما الأمة فواضح، وأما أم الولد فإن كانت تحيض فلا شك أن عدتها
519

من وفاة سيدها وعتقه حيضة، وإن كانت ممن لا تحيض لكبر أو لغير سبب فثلاثة أشهر، وأما
إن كانت تحيض فتأخر حيضها أو تأخر للرضاع أو المرض أو كانت مستحاضة فظاهر كلام
المؤلف أن حكمها كذلك ثلاثة أشهر، وبه صرح الشارح وذكره في النوادر. قال في ترجمة
عدة المستحاضة في الوفاة وأم الولد واستحاضة الحامل: وإذا استحيضت أم الولد في وفاة السيد
أو أمته قد أعتقت أو بيعت فثلاثة أشهر تبرئها، وكذلك في الريبة بتأخير الحيضة أو تأخر
الرضاع أو لمرض إلا أن تحس حركة بطن فتتم إلى زوال ذلك، وإذا قال النساء لا حمل بها
وقد تمت الثلاثة الأشهر فقد حلت انتهى. وذكر ابن عرفة هذا أيضا عن عبد الحق والقرويين
ورواية أبي عمر بن عبد البر وذكر ابن الجلاب أن المستبرأة بتأخير الحيض، والمستحاضة إنما
تكون عدتها من وفاة سيدها بتسعة أشهر، ولم يذكر الرضاع والمرض. فحصل ابن عرفة في
المستبرأة طريقتين.
الأولى: للجماعة المذكورين.
والثانية: للجلاب فقط لكنه لم يذكر بماذا وقعت الريبة، هل بتأخير الحيض أو
بالاستحاضة أو بتأخيره للرضاع أو المرض ونص كلامه: وأم الولد ذات الحيض كالأمة، وفي
كونها مستبرأة مثلها، ولزوم تسعة أشهر لموت ربها طريقا عبد الحق مع غير واحد من القرويين
والشيخ عن رواية محمد ورواية أبي عمر والجلاب انتهى. وكذلك ابن الحاجب في كلامه
إجمال ولم يفسره المصنف ولا ابن عبد السلام والله أعلم.
فرع: إذا كانت تحيض في كل ستة أشهر فاختلف هل تستبرئ بحيضة أو تستبرئ
بثلاثة أشهر؟ وهو الذي اختاره ابن رشد في رسم استأذن من سماع عيسى.
تنبيه: قال المصنف: بحيضة ولم يقل بقرء لأن المشهور أن الاستبراء حيضة لا طهر
ومقابل المشهور أنه طهر. قال في التوضيح: ولم أره منصوصا ويريد أن هذا في المعتادة لمقابلته
له بالمرتابة في قوله: وإن تأخرت إلى آخره والله أعلم ص: (ونظر النساء فإن ارتبن فتسعة)
ش: يعني تسعة أشهر يؤخذ منها الثلاثة قبل أن ينظرنها النساء. ابن عبد السلام وابن فرحون:
فإن زالت الريبة قبل وفا التسعة حلت، وإن استمرت بعد التسعة ولم تزد بحس ولا تحريك
520

حلت أيضا. انظر التوضيح وأبا الحسن ص: (وبالوضع كالعدة) ش: يعني بوضع حملها كله
وإن دما اجتمع، ويعني به إن حصلت لها ريبة بالحمل لم تحل إلا بأقصى أمد الحمل كما تقدم
والله أعلم. ص: (وحرم في زمنه الاستمتاع) ش: قال في المدونة في كتاب الاستبراء: ولا
ينبغي للمبتاع أن يطأ في الاستبراء ولا يقبل أو يجس أو ينظر للذة، ولا بأس أن ينظر لغير لذة،
وإن وطئ المبتاع الأمة في الاستبراء قبل الحيضة نكل إن لم يعذر بجهل، حاضت بعد ذلك أو
لم تحض انتهى. قال أبو الحسن: معنى قوله: لا ينبغي أي لا يجوز بدليل قوله: نكل.
عياض: مذهبه على العموم كانت حاملا أو غير حامل. ثم قال: قوله: نكل ابن رشد: مع
طرح شهادته. ثم قال: قوله: ولا بأس أن ينظر لغير لذة يفهم منه أن النظر لغير لذة يجوز وإن
كان لغير ضرورة. وفي كتاب الظهار: أجاز أن ينظر المظاهر إلى وجه زوجته قال: وقد ينظر
غيره إليه. وقال أبو محمد: ولا بأس أن يراها لعذر من شهادة عليها، فشدد أبو محمد وهذه
مسألة قولين انتهى. وقال في المدونة: ومن اشترى جارية حاملا فلا يتواضعانها ثم قال: ولا
يطؤها حتى تلد. قال أبو الحسن: وتطهر ولا يدخل النفاس في الاستبراء وله أن يتلذذ منها بما
عدا الوطئ. انتهى والله أعلم ص: (ولا استبراء إن لم تطق الوطئ) ش: قال في التوضيح:
ونص المتيطي على أن بنت ثمان سنين لا تطيق الوطئ وعمل بذلك وثيقة انتهى. ثم قال في
شرح قوله: كالمطيقة للوطئ. قال في الجواهر: كبنت العشر والتسع فإنه يمكن وطؤها. انتهى.
521

هذا والله أعلم لم يختلف باختلاف الناس ص: (أو اشترى زوجته) ش:.
فرع: قال البرزلي: سئل ابن أبي زيد عمن كان يطأ أمه فاستحقت منه فاشتراها من
مستحقها هل يستبرئها؟ فأجاب: لا يطأها إلا بعد الاستبراء بخلاف لو أعتقها ثم تزوجها.
انتهى من مسائل العدة والاستبراء ص: (فإن باع المشتراة وقد دخل الخ) ش: مفهوم قوله:
وقد دخل أنه لو لم يدخل لكان الحكم خلاف ذلك وهو كذلك. قال في استبراء المدونة:
ومن اشترى زوجته قبل البناء أو بعده لم يستبرئ، وإن ابتاعها قبل البناء ثم باعها قبل أن
يطأها وبعد أن وطئها فليستبرئ المبتاع بحيضة. انتهى ص: (وهل إلا أن تمضي حيضة
522

استبراء) ش: يعني وهل نفي الاستبراء إذا حصل الملك في أول الحيض مقيد بأن لا يمضي
مقدار حيضة استبراء يعني مقدار حيضة كافية في الاستبراء على التفصيل المتقدم في أقل
الحيض في العدد. كذا فسر ابن فرحون قول ابن الحاجب بشرط أن لا يمضي مقدار حيضة
استبراء، أو نفي الاستبراء مقيد بأن لا يمضي أكثر حيضتها يعني أقواها والله أعلم ص: (أو
استبرأ أب جارية ابنه ثم وطئها وتأولت على وجوبه وعليه الأقل) ش: يعني أن الأب إذا
عزل جارية ابنه واستبرأها ثم وطئها بعد الاستبراء فإنه يملكها بل بمجرد تلذذه بها حرمت على
الابن وملكها الأب وتلزمه قيمتها، حملت أم لا، كان موسرا أو معسرا إلا أنها تباع عليه إن
كان معسرا ولم تحمل، وإن حملت لم تبع، وقد تقدم ذلك في النكاح. فإذا ملكها بوطئه إياها
بعد أن كان استبرأها فإنه لا يحتاج فيها إلى استبراء آخر بعد الوطئ. هذا هو المشهور قاله في
التوضيح وعليه حمل أكثر الشيوخ قول ابن القاسم في المدونة. وقال غير ابن القاسم في
المدونة: إنه يجب عليه الاستبراء من وطئه ولو كان استبرأها قبل ذلك. وتأول ابن اللباد وابن
الشقاق وابن الكاتب قول ابن القاسم في المدونة عليه وأنه موافق للغير، وسيأتي بيانه وإليه أشار
بقوله: وتأولت على وجوبه يعني الاستبراء، وعليه الأقل يعني أن أقل الشيوخ على تأويلها
على وجوب الاستبراء وأكثرهم على أنه لا يجب، وأن قول الغير مخالف لقول ابن القاسم.
قال في المدونة: ومن وطئ جارية ابنه فقومت عليه فليستبرئها إذا لم يكن الأب قد عزلها
عنده واستبرأها. وقال غيره: لا بد أن يستبرئها لفساد وطئه وإن كانت مستبرأة عند الأب.
قال ابن القاسم: وكل وطاء فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ انتهى. فظاهر قول الغير أنه مخالف
لقول ابن القاسم وعلى ذلك حملها اللخمي وابن رشد وابن الحاجب. قال في التوضيح:
وطريق الأكثر وذلك أن الأكثر فهموا قول ابن القاسم إذا لم يكن الأب عزلها عنده واستبرأها
أنه لو استبرأها قبل الوطئ لا يحتاج إلى استبراء بعده انتهى. واختاروا قول ابن القاسم ورجحوه
وردوا قول الغير بأنه وطئ فاسد، فإن الأب إذا تلذذ بجارية ولده حرمت على الابن ولزمت
الأب القيمة، فهي بمجرد مخالطتها ومباشرتها لزمته قيمتها وصارت ملكا له، فما حصل وطؤه
إلا في مملوكة والفرض أنه قد كان استبرأها فكفاه ذلك كما يكفي المودع استبراء الأمة قبل أن
يستبرئها، بل من اشترى أمة من فضولي وحاضت عند المشتري ثم أجاز ربها البيع قال في
المدونة: هي المودعة يعني لا تحتاج إلى استبراء آخر بعد الإجازة، بل الغاصب إذا حاضت عنده
الأمة ثم ضمنها بوجه من وجوه الضمان أو اشتراها فله وطؤها من غير استبراء كما صرح به
523

اللخمي وغيره. وخالف ابن اللباد وابن الشقاق وابن الكاتب الأكثر وحملوا قول ابن القاسم
على موافقته للغير، وحملوا قول الغير فليستبرئها إذا لم يكن الأب قد عزلها عنده واستبرأها
على أن المراد إذا قومت عليه فليستبرئها إذا لم يكن عزلها عنده واستبرأها بعد وطئه الفاسد.
واختار هذا التأويل ابن مرزوق شيخ ابن رشد، وخالفه تلميذه ابن رشد وصحح مذهب الأكثر
كما تقدم.
وقال القاضي عياض: والذي عندي أن ما ذهب إليه ابن الكتاب أصوب وأنه مراد ابن
القاسم بدليل قوله آخر المسألة لأنه وطئ فاسد وكل وطئ فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ
فهو " إنما علل بفساد الوطئ كما علل به غيره، ولو كان ما ذهب إليه القابسي لعلل بأنه لا
يدري براءة رحمها ولم يعلل بفساد الوطئ الذي يقول ابن القابسي إنه غير فاسد بإلزامه القيمة
بالمباشرة فتأمله فهو بين. انتهى من التنبيهات. وما قاله فيه نظر. أما أولا فليس في كلام ابن
القاسم أنه وطئ فاسد وإنما فيه وكل وطئ فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ كما تقدم، وكذلك
اختصرها المختصرون. وعلى تقدير وجوده فليس في كلامه إلا دعوى أن هذا الوطئ فاسد من
غير دليل. وحمل كلام ابن القاسم على ذلك من غير دليل، فإن الوطئ إذا وقع في غير بريئة
الرحم فهو فاسد، وأما وطئ الأب بعد الاستبراء فالقول بفساده لا وجه له. ألا ترى أنه لو تلذذ
بها ولم يطأها أليس له أنه يلزمه قيمتها وتصير ملكا له على المعروف؟ فتأمله والله أعلم. وقال
المصنف في التوضيح: وقول الغير ظاهر انتهى. فكأنه اختار قول الغير وقد تبين أن قول ابن
القاسم هو الراجح الظاهر المشهور والله أعلم. وقال في التوضيح: وأشار التونسي إلى أن قول
الغير مبني على قول ابن عبد الحكم أن الأب لا يضمن القيمة بوطئها بل يكون للابن التماسك
بها في عسر الأب ويسره انتهى. ويريد إذا لم تحمل. وعزاه غير المصنف لسحنون وعبد الملك
وهو ظاهر إلا أن ابن عرفة رده بأن في لفظ الغير لا ينبغي صب مائه على الماء الذي لزمته له
القيمة، فإن كان هذا في لفظه فلا يتجه حمله على قول سحنون وابن عبد الحكم والله أعلم.
تنبيهان: الأول: أما لوطئها قبل أن يستبرئها فقومت عليه لم يكن له وطؤها بعد التقويم
إلا بعد استبراء لأنه يمكن أن يكون رحمها مشغولا من غيره كما تقدم في لفظ المدونة.
الثاني: وقع في عبارة الشارح في شروحه الثلاثة ما نصه: وفهم ابن اللباد وابن الشقاق
قوله: فليستبرئها إن لم يكن عزلها عنده واستبرأها على أن المراد قبل وطئه وإن كان فعل
ذلك بعد وطئه فلا يحتاج إلى استبراء لأن الاستبراء لا يحتاج إلى قصد ونية انتهى. وهذا إما
أن يكون تبدلت لفظة بعد بقبل أو يكون سقط منه شئ، والمراد قبل وطئه إياها بعد التقويم أو
قبل وطئه إياها ثانيا ونحو ذلك. وقوله: إلا أن الاستبراء لا يحتاج إلى قصد ونية تعليل لقوله:
إن لم يكن فعل ذلك يعني أنه يستبرئها إن لم يكن حصل منه استبراء بأن يكون عزلها
524

وتركها وطأها فحاضت فإن الاستبراء لا يحتاج إلى قصد ونية والله أعلم. ثم قال في الأوسط
والصغير: وكلام الغير يشعر بأن الاستبراء واجب على الأب لفساد وطئه وهو رأي الأقلين وإليه
أشار بقوله: وتأولت على الوجوب انتهى. وما قاله ليس بظاهر، فإن كلامه صريح في
إيجاب الاستبراء على الأب. وقوله: رأي الأقلين يعني وجوب الاستبراء لكن هو رأيهم
لحملهم كلام ابن القاسم على موافقة الغير. وقال في الكبير: وكلام الغير يشعر بالمخالفة لابن
القاسم لقوله: لفساد الوطئ وعليه فيجب الاستبراء على الأب وهو رأي الأقلين وإليه أشار
بقوله إلى آخره انتهى. وهو قريب من كلامه الأول والله أعلم. وقال البساطي: وقال ابن اللباد
وابن الشقاق: قوله: إذا لم يكن الأب عزلها أي ولم يطأها. وأما إذا وطئها فلا بد منه
ويعضده قول غيره: لفساد وطئه لأنه إذا لم يكن وطئ يقال لفساد وطئه وها هنا كلمات
لم أقدر على سماعها انتهى. وما ذكره عن ابن اللباد وابن الشقاق لم يقولاه وقد عرفت
كلامهما، وما وقع لبعض أهل المذهب من الكلام وهل هو حسن أم لا والله أعلم. ص:
(ويستحسن إذا غاب عليها مشتر لخيار له وتأولت على الوجوب أيضا) ش: هذا نحو قوله
في المدونة في كتاب الاستبراء: ومن ابتاع جارية بالخيار ثلاثا فتواضعاها أو كانت وخشا
فقبضها فاختار الرد من له الخيار فلا استبراء على البائع، لأن البيع لم يتم فيها. وإن أحب البائع
أن يستبرئ التي غاب عليها المشتري وكان الخيار له خاصة فذلك حسن، إذ لو وطئ المبتاع
لكان بذلك مختارا وإن كان منهيا عن ذلك كما استحب استبراء التي غاب عليها الغاصب.
قال الشيخ أبو الحسن في قوله: فلا استبراء على البائع. هو أعم من أن يكون له الخيار أو
للمبتاع. وقوله: فتواضعاها سواء كانت المواضعة على يد المشتري أو البائع أو أمين فلا استبراء
عليه لأنها كالمودعة انتهى. وقال اللخمي: وإذا بيعت جارية على خيار البائع أو المشتري ثم
ردها في أيام الخيار جرت على ما تقدم في المودعة فقال في المدونة: ليس على البائع استبراء
وإن استبرأها إذا كان الخيار للمشتري. وقال أبو الفرج: القياس أن عليه الاستبراء. قال الشيخ:
وهذا بين إلا أن يثبت أمانة المشتري فيحسن الاستبراء ولا يجب اه‍. فظاهر المدونة وما نقله
اللخمي عنها أن استحسان الاستبراء إنما هو إذا كان الخيار للمشتري فقط، وظاهر ما نقله عن
أبي الفرج وجوب الاستبراء مطلقا، سواء كان الخيار له أو لأجنبي، وكذلك أيضا ظاهر
استحسانه هو الاطلاق، وعلى هذا الاطلاق حمل الشارح كلام المصنف. قال الشارح في
الكبير: يعني ويستحسن الاستبراء إذا غاب على الأمة مشتر بخيار يريد كان الخيار للمشتري أو
525

للبائع أو لأجنبي، فإذا ردت إلى سيدها استحسن له أن لا يطأها حتى يستبرئها. اه‍ ونحوه
للبساطي والأقفهسي وزاد أولهما والله أعلم: ويمكن أن يفهم هذا الاطلاق من قول الشيخ في
التوضيح. خليل: والأقرب حمل المدونة على الوجوب لا سيما إذا كان الخيار للمشتري اه‍.
وفي اختصار ابن أبي زمنين: قال ابن القاسم: ومن باع جارية على أن الخيار له أو للمشتري
وكانت رفيعة فتواضعاها أو كانت من الوخش فقبضها المشتري ثم ردها الذي كان الخيار له،
فليس على البائع أن يستبرئها لأن البيع لم يتم فيها، وإذا أحب أن يستبرئها إذا كانت من
الوخش، وكان المشتري قد قبضها لنفسه وغاب عليها فهو حسن. اه‍ من المغربي. واختصر ابن
أبي زيد المدونة مثل اختصار البراذعي المتقدم والله أعلم. وقال أبو الحسن في قوله في المدونة
المتقدم: وقوله: وإن كان منهيا لأنه وإن كان مختارا بوطئها ذلك فأول وطئه يكون فيه غير
أمته. وقوله: كما استحب استبراء التي غاب عليها استحب للوجوب، والجامع بين مسألة
الغاصب ومسألة الخيار أن الغاصب والمشتري بالخيار كل واحد منهي عن الوطئ. اه‍ والله أعلم
ص: (وتتواضع العلية) ش: قال ابن عرفة: المواضعة جعل الأمة مدة استبرائها في حوز مقبول
خبره على حيضتها اه‍.
قلت: كلامه يقتضي أن المواضعة إنما هي فيمن تحيض. وقال ابن رشد في أول كتاب
الاستبراء من البيان: ولا يرخص في تركها للمسافر. والمجتاز وهي أن توضع الجارية عند امرأة أو
رجل له أهل حتى تعرف براءة رحمها من الحمل بحيضة إن كانت من ذوات الحيض، وثلاثة
أشهر إن كانت يائسة من المحيض لكبر أو صغر ممن توطأ، بكرا كانت أو ثيبا، أمن منها الحمل
أو لم يؤمن. وقد قيل: إذا أمن منها الحمل فلا مواضعة فيها اه‍. ثم قال: والضمان في ذلك
على البائع والنفقة عليه، ولا يجوز أن يتلذذ بشئ منها. وإن كان الضمان منه والنفقة عليه من
أجل أنه قد أوجبها لغيره، ولا يجوز ذلك للمشتري أيضا من أجل أن الضمان على غيره، وإن
اشتراها في أول دمها أو عظمه كان ذلك براءة رحمها ولم يكن فيها مواضعة اه‍. وقال بعد
هذا في سماع أشهب: أما الصغيرة التي لا يوطأ مثلها فلا اختلاف في أنه لا مواضعة فيها ولا
استبراء، وإنما اختلف في الصغيرة التي لا يوطأ مثلها ويؤمن الحمل منها، فمذهب مالك وعامة
أصحابه وجوب الاستبراء فيها. والمواضعة إن كانت من ذوات الأثمان بثلاثة أشهر لأن الحمل
لا يستبين بأقل منها. وقيل: شهران. وقيل: شهر ونصف. وقيل: شهر. وذهب مطرف وابن
526

الماجشون إلى أنه لا يجب فيها استبراء ولا مواضعة، وذلك عن جماعة من السلف منهم
عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب وسليمان والقاسم بن محمد وابن
شهاب وأبو الزناد وأبو الربيع وابن هرمز وغيرهم. وكذلك الكبيرة التي يؤمن الحمل لها والله
أعلم. ص: (والشأن النساء) ش: هو المستحب، ويجوز أن توضع على يد رجل إذا كان
مأمونا وله أهل، ولا يجوز أن تكون على يد رجل غير مأمون كان له أهل أم لا. واختلف إذا
كان مأمونا لا أهل له، فأجاز ذلك في كتاب محمد على كراهته، ومنعه أصبغ وهو أصوب.
اه‍ من اللخمي. وانظر إذا وضعاها عند غير مأمون أو مأمون لا أهل له على قول أصبغ
وحاضت هل تكفي أو لا؟ والظاهر أنها تكفي، وكذا إذا وضعاها على يد أحدهما وهو غير
مأمون فإنه لا يجوز. وانظر هل يكفي أو لا والله أعلم. ص: (وإذا رضيا بغيرهما فليس
لأحدهما الانتقال) ش: هذا إذا لم تكن في يد أحدهما أما في يد أحدهما فله ذلك والله
أعلم. ص: (وهل يكتفي بواحدة قال يخرج على الترجمان) ش: قال اللخمي: المواضعة تجوز
على يد أهل الأمانة من النساء والمرأة الواحدة تجزئ في الائتمان عليها، ويختلف هل يفيد
قولها إنها حاضت؟ فالمشهور من المذهب أن ذلك يجزئ اه‍. والله أعلم ص: (ولا مواضعة
في متزوجة) ش: دخل بها زوجها أو لم يدخل. قاله اللخمي ص: (ومعتدة) ش: سواء كانت
العدة من طلاق أو وفاة. قاله اللخمي ص: (وزانية) ش: يريد المستبرأة من زنا أو غصب. قاله
اللخمي واستحسن القول بالمواضعة والله أعلم ص: (كالمردودة بعيب أو فساد أو إقالة إن لم
527

يغب المشتري) ش: انظر استبراء المدونة فإن فيه ما يخالف مفهوم كلام المصنف والله أعلم.
ص: (وفسد إن نقد بشرط لا تطوعا) ش: قال في كتاب الاستبراء من المدونة: من ابتاع
جارية وهي ممن تستبرأ لم يجز اشتراط النقد فيها في عقدة البيع، وضعت على يد المبتاع أو
على يد أجنبي، واشتراط النقد فيها يفسد البيع، وإن لم يشترط النقد في العقد ثم تبرع المبتاع
فنقد الثمن في المواضعة جاز ذلك. قال أبو الحسن: معنى قوله: ممن تستبرأ ممن تتواضع احترازا
ممن لا مواضعة فيها كالحامل والوخش التي لا توطأ اه‍.
تنبيه: هذا حيث تباع على المواضعة، فإما إذا بيعت على عدم المواضعة فالبيع صحيح
ويبطل الشرط وينزع الثمن من البائع. قال في المدونة قبل هذا الكلام: وأكره ترك المواضعة
وائتمان المبتاع على الاستبراء، فإن فعلا أجزأه إن قبضها على الأمانة وهي من البائع حتى
تدخل في أول دمها، فإن قبضها على شرط الحيازة وسقوط المواضعة كالوخش أو لم يشترط
استبراء في المواضعة أو جهلا وجه المواضعة فقبضها كالوخش ولم يتبرأ البائع من الحمل لم
يفسد وألزمتهما حكم المواضعة اه‍. قال أبو الحسن: إذا اشترط إسقاط المواضعة أو وقع الامر
مبهما ولم يشترط إسقاطها ولا وجوبها عمدا أو جهلا ولم يتبرأ البائع من الحمل، فالبيع
صحيح على مذهب الكتاب، ويلزمها حكم المواضعة. ومن كتاب محمد أن البيع فاسد إذا
اشتراطا ترك المواضعة. الشيخ: فعلى هذا إذا أبهما كان البيع صحيحا فيتفقان في هذا. وقال
ابن يونس: قال أصبغ: وما بيع على المواضعة أو على معرفة المواضعة والاستبراء فإن اشتراط
النقد فيه يفسد البيع إلا أن يتطوع به بعد العقد فيجوز، فأما ما بيع على ألبت ممن لا يعرف
المواضعة مثل بيع أهل مصر ومن لا يعرفها من البلدان يبتاعون على النقد ولا يشترطون نقدا
528

ولا مواضعة فهو بيع لازم ولا يفسخ ولا يقضي عليهما بالمواضعة. قال مالك في العتبية: ولو
انصرف بها المبتاع وغاب عليها رد إلى المواضعة ولا حجة للمبتاع بغيبة عليها وهو قد ائتمنه
عليها انتهى. وقال ابن عرفة: ابن رشد المذهب وجوبها ولو في بيع سلطان أو مسافر. ثم
قال في صحة شرطه إسقاطها في العقد وبطلانه. ثالثها يبطلان مطلقا، ورابعها إن شرط نقد
الثمن، وخامسها إن تمسك بشرط لابن رشد عن ابن عبد الحكم ولها وللأبهري مع الموازية
وابن حبيب واللخمي وعلى الأول. قال الباجي عن ابن حبيب: يخرج من يد المشتري
للمواضعة انتهى. ثم قال: وشرط نقد المواضعة في عقد بيعها يفسده وطوعه به بعده جائز
في بيعها بتا وبخيار مذكور في كتابه. وروي عن محمد بيع من لا يعرف المواضعة كمصر
يبيعون على النقد لا يشترطون نقدا ولا مواضعة صحيح ويقضي بها وينزع الثمن من البائع
إن طلبه المبتاع.
قلت: وإن لم يطلبه لقول محمد لا يوقف بيد البائع ولو طبع عليه انتهى. ونقله عبد
الحق في التهذيب بحروفه. وقال أبو إسحاق التونسي: وإذا بيع بشرط البراءة من الحمل فالبيع
فاسد في المرتفعات. وقيل: الشرط باطل والبيع جائز. ذكره في كتاب محمد وكتاب ابن
حبيب. وإن باع المرتفعات بشرط ترك المواضعة وأن يضمن المشتري بالعقد كما يضمن الوخش
الرقيق وإن وجد حملا أو عيبا قام به، فالشرط باطل والبيع جائز ويتواضعانها. هذا في كتاب
المدونة. وفي كتاب محمد قول: إن البيع فاسد انتهى. وقال في المقدمات: الحكم بالمواضعة
واجب في كل بلد، كانت جارية فيه أم لم تكن، لم يختلف قول مالك في ذلك ويجب عنده
على كل أحد حاضرا كان أو مسافرا. وقد سئل مالك عن ذلك في أهل منى وأهل مصر عند
الخروج إلى الحج في الغرباء الذين يقدمون، فرأى أن يحملوا على ذلك على ما أحبوا أو
كرهوا، وسواء باع الأمة ربها أو وكيل له أو باعها عليه السلطان في الدين، وسواء باع بنقد أو
إلى أجل، كان ممن يطأ أو ممن لا يطأ إلا أنه إن باع بنقد لم يجز النقد في المواضعة بشرط. ثم
قال: فإن شرط البراءة من الحمل في الرفيعة فالبيع فاسد والمصيبة فيها من المشتري إن ثبتت بعد
قبضه كالبيع الفاسد، وذلك بعد خروجها من عهدة الثلاث. هذا هو المشهور من قول مالك
وأصحابه. وقيل: الشرط باطل والبيع جائز وقع هذا القول في كتاب محمد. وقال ابن عبد
الحكم: الشرط جائز والبيع جائز، وأما إن باعها بشرط ترك المواضعة فالبيع جائز والشرط باطل،
ويحكم بينهما بالمواضعة وتخرج من يد المشتري إلى المواضعة. ثم قال: وقد قال أبو بكر
الأبهري: البيع على شرط ترك المواضعة فاسد. ومثله في كتاب ابن المواز في قول. وهو على
مذهب ابن عبد الحكم بيع جائز وشرط لازم، وأما إن دفعها إلى البائع جهلا بسنة المواضعة ولم
يشترط إسقاطها فالبيع جائز باتفاق وتخرج إلى المواضعة، وأما إن باعها وتبرأ من حملها وهو
529

مقر بوطئها فجعله في المدونة بيعا فاسدا. وذهب ابن حبيب إلى أنه ليس بفاسد وتخرج إلى
المواضعة.
فرع: فإذا قبضها المبتاع ثم جاء بها وقال: لم تحض قبل قوله قال في النوادر ومن كتاب
ابن سحنون وسأل ابن حبيب سحنونا عن الجارية تباع فيقبضها المشتري من غير مواضعة ثم
يأتي المشتري فيقول: رفعتها حيضتها وذلك بعد عقد الشراء بشهر قال: قد أخطأ في ترك
المواضعة. قال: والشهر قليل، ولو جاء بعد المواضعة لشهر ونصف وشهرين أحسن فينظرها
القوابل، فإن قلن مشغولة الرحم وإن لم يكن بها حمل بين ردها وإن كان قد غاب عليها
انتهى ص: (ومصيبته ممن قضي له به) ش: به هو بضمير مذكر عائد على الثمن المفهوم من
قوله: إن نقد. وهذا مذهب المدونة ونصه: فإن هلك الثمن قبل محيضها ارتقبت، فإن
خرجت من الاستبراء فهو من البائع، وإن لم تخرج حتى هلكت أو ظهر بها حمل فهو من
المبتاع انتهى. قال أبو الحسن: قال ابن يونس: قال ابن المواز: قال مالك: وإن ظهر بها حمل
من غير البائع أو حدث بها عيب قبل الحيضة وقد ملك الثمن قبل ذلك فالمبتاع مخير في
قبولها بالعيب أو بالحمل بالثمن التالف، فيصير من البائع واستثناء ردها وكان الثمن منه انتهى.
قال في المدونة: ومن باع أمة رائعة مثلها يتواضع للاستبراء فظهر بها حمل فقبلها المبتاع به
فذلك له، وليس للبائع ردها إلا أن يدعي أن الحمل منه انتهى ص: (وفي الجبر على إيقاف
الثمن قولان) ش: لو قدم هذا لكان أحسن لأن الأول مفرع عليه. كذا جعله ابن عرفة وغيره.
وقال في الشامل: وجبر مبتاع على وقف الثمن عند عدل على المشهور، فإن تلف فهو ممن
يصير له. وقيل: من المشتري. وعليه فإن خرجت سليمة لزمه ثمن آخر. وقيل: يفسخ. انتهى
والله أعلم.
530

فصل في بيان أحكام تداخل العدد والاستبراء
ص: (إن طرأ موجب قبل تمام عدة أو استبراء انهدم الأول وائتنفت) ش: تصوره ظاهر.
قال في المدونة: وإذا مات الزوج في عدة من طلاق بائن والطلاق في صحته لم تنتقل
531

إلى عدة الوفاة وتمادت على عدة الطلاق وورثته في طلاق المرض لا في طلاق الصحة، وإن
مات بعد العدة والطلاق بائن أو غير بائن فلا عدة عليها لوفاته، وإن مات وهي في عدتها من
طلاق غير بائن في صحته أو في مرضه انتقلت إلى عدة الوفاة وورثته. وقال ابن عباس وغيره:
عليها أقصى الأجلين انتهى. قال ابن ناجي: ما ذكره واضح لأن أحكام الزوجية جارية عليها
والقريب قوله في الكتاب. وقال ابن عباس وغيره هو سليمان بن يسار: قال أبو عمران: قد
يكون وفاقا أي إنها وإن رأت الدم ثلاث مرات قبل الأربعة الأشهر وعشر فلا بد لها من
الأربعة الأشهر وعشر آخر الأجلين، وأخذ ابن بشير من كلام المدونة إباحة وطئها في العدة.
ورده بعض شيوخنا بأنه لا يلزم من كون أحكام الزوجية بينهما باقية إباحته بدليل الحائض
والمحرمة انتهى. ص: (وبفاسد أثره وأثر الطلاق لا الوفاة) ش: مما يصلح مثالا لقوله: لا الوفاة
ما تقدم عن المدونة في طلاق السنة أن امرأة الصبي إذا حملت ثم مات الصبي فلا يبرئها
532

الوضع من عدته ومثله المجبوب. ومثل ذلك ما إذا وطئت المتزوجة باشتباه بعد حيضة من وطئ
زوجها وحملت وألحقناه بالثاني على ما قاله ابن الحاجب، ثم مات زوجها، فهذه أمثلة لذلك.
وظاهر كلام ابن عرفة والتوضيح أن أمثلة ذلك عزيزة، ولعل المصنف وابن عرفة إنما عز عليهما
المثال لأنهما فرضا المسألة في نكاحين أحدهما صحيح والآخر فاسد فتأمله والله أعلم.
533

تنبيه: قوله: وبفاسد أي بوطئ فاسد لكن له شبهة، أما لو كان الحمل لزنا فإنه لا
يبرئها من عدة الطلاق أيضا. قال ابن رشد في سماع أبي زيد من طلاق السنة: ولا خلاف
في ذلك فلا بد لها من ثلاث حيض بعد الوضع ونحوه في التوضيح لكنه حكى عن ابن
إسحاق أنه بحث في ذلك والله أعلم.
534

باب في أحكام الرضاع يقال: رضاع ورضاعة بفتح الراء وكسرها فيهما. نقله في التوضيح عن الصحاح ص: (باب حصول لبن امرأة وإن ميتة أو صغيرة بوجور أو سعوط أو حقنة يكون غذاء) ش:
وحده ابن عرفة بما نصه: الرضاع عرفا وصول لبن آدمي لمحل مظنة غذاء وآخر لتحريمهم
بالسعوط والحقنة ولا دليل إلا مسمى الرضاع انتهى. وقوله: لبن امرأة قال عياض: ذكر أهل
اللغة أنه لا يقال في بنات آدم لبن وإنما يقال فيه لبان، واللبن لسائر الحيوان غيرهن، وجاء في
الحديث كثيرا خلاف قولهم، انتهى من التوضيح. وقوله: وإن ميتة قال في المدونة: وإذا
حلب من ثدي المرأة لبن في حياتها أو بعد موتها فوجر به صبي أو دب فرضعها وهي ميتة
وعلم أن في ثديها لبنا فالحرمة تقع بذلك انتهى. قال ابن ناجي: يريد في الكتاب وكذلك
يحرم إذا شك هل هو لبن أم لا؟ لأنه أحوط. وقول ابن راشد إنما يحرم إذا كان هناك لبن
محقق وإلا فلا خلاف انتهى. وقال ابن فرحون تبعا لابن عبد السلام في قول ابن الحاجب: إن
علم هذا شرط في العلم بوجوده في الثدي بعد الموت وبوصوله إلى جوف الرضيع لأنه ربما
535

يمص من ثدي الميتة ولا يكون فيه شئ من اللبن فيظن أنه خرج انتهى. وقوله: وصغيرة قال
في المدونة: وإذا درت بكر لا زوج لها ويائسة من المحيض فأرضعت صبيا فهي أم له انتهى. قال
ابن ناجي: ظاهره في البكر وإن كان لا يوطأ مثلها وهو كذلك على ظاهر المذهب ثم قال:
وما ذكره من اعتبار لبن اليائسة ظاهره وإن كانت لا توطأ وهو كذلك على المعروف انتهى.
وقال ابن فرحون في الشرح: قال في الجلاب: وإذا حدث للصبية الصغيرة التي لا يوطأ
مثلها لبن فرضعها صبي لم تقع به حرمة والصحيح أنه يحرم. قاله ابن راشد انتهى. وأبقى
المصنف في التوضيح كلام ابن الحاجب وفي لبن من نقصت عن سن المحيض قولان على
إطلاقه إذ ظاهره سواء كان يوطأ مثلها أم لا. وتعقب ابن هارون ابن الحاجب بأنه إنما ذكر
الأشياخ الخلاف فيمن لم تبلغ حد الوطئ. وقال ابن عرفة: وقول ابن الحاجب: وفي لبن من
نقصت إلى آخره وقبوله ابن عبد السلام لا أعرفه. وقول ابن هارون: إنما ذكر الأشياء إلى
آخره صواب انتهى. وقال في التوضيح: إن ابن الحاجب تبع في نقل القولين ابن بشير وابن
شاس. وقال ابن ناجي: إنه وهم في ذلك وهو كذلك إذ نص ابن بشير إذا وقع الرضاع من ا
لمرأة وهي في سن من توطأ حصلت به الحرمة بلا خلاف، فإن كانت من الصغر في سن من
لا توطأ فهل تقع الحرمة بينهما؟ قولان، والمشهور وقوعها لعموم الآية والأحاديث، والشاذ أنها
لا تقع قياسا على الولادة انتهى.
وقال ابن شاس: ويحرم لبن البكر واليائسة من المحيض وغير الموطوءة والصبية. وقيل: ما
لم ينقص سن الصبية عن سن من توطأ. انتهى فتأمل كلامهما. وإذا علم أن المشهور وقوع
الحرمة بلبن الصغيرة ولو كانت في سن من لا توطأ فإبقاء المدونة على ظاهرها من الخلاف
لكلام الجلاب أولى مما حمله عليه الشيخ خليل في التوضيح من الوفا ونصه خليل: ولا يبعد
أن يحمل ما في المدونة على ما إذا كانت في سن من يوطأ ولا يكون ما في الجلاب خلافا
للمدونة والله أعلم. ثم قال ابن عرفة: وقول أبي عبد السلام قال ابن رشد: لبن الكبيرة التي لا
توطأ من كبر لغو لا أعرفه بل ما في مقدماته تقع الحرمة بلبن البكر والعجوز التي لا تلد وإن
كان من غير وطئ إن كان لبنا لا ماء أصفر. ومفهوم قول ابن عمر في الكافي لبن العجوز التي
536

لم تلد إذا كان مثلها يوطأ يحرم. ونقل ما نقله عن ابن رشد. انتهى والله أعلم ص: (إن
حصل في الحولين) ش: نحوه في المدونة قال فيها: ولا يحرم رضاع إلا ما قارب الحولين
كالشهر ولم يفصل كالشهر والشهرين. وقال ابن ناجي: فظاهر الكتاب أن رضاع البكر لا أثر
له ولو في الحجابة وهو كذلك. وقال ابن المواز: لو أخذ به أحد في الحجابة لم أعبه كل
العيب. قال عبد الحميد: وقد استحسن بعض شيوخنا الاخذ به في ذلك وفعل به متقدمو
شيوخنا في أهليهم.
537

قلت: وبه أفتى شيخنا أبو محمد عبد الله الشبيبي فيما بلغني انتهى. ص: (وقدر الطفل
خاصة ولدا لصاحبة اللبن) ش: فيحرم على الولد أمهات المرضعة بالنسب والرضاع وأولادها
نسبا ورضاعا. قاله في الجواهر ونقله القرافي وغيره ص: (من وطئه) ش: يريد إن أنزل. قال في
الشامل: واعتبر صاحبه من حد الوطئ إن أنزل ثم قال: لا من العقد اتفاقا ولو قبل أو باشر أو
وطئ ولم ينزل انتهى. ونحوه في التوضيح ص: (إلا أن لا يلحق به الولد) ش: هذا القول
538

ذكره ابن حبيب عن مالك قال: ثم رجع إلى أنه يحرم وهو الأصح. وقاله أئمة من العلماء.
وبالتحريم قال سحنون وغيره وهو ظاهر المذهب. قاله في التوضيح ص: (وأدبت المتعمدة
539

للافساد) ش: ولا غرامة عليها على المشهور. قاله في الشامل وابن الحاجب. قال في الشامل:
540

ويفسخ بلا طلاق في الجميع ص: (وندب التنزه مطلقا) ش: قال ابن الحاجب: ولو بأجنبية لم
يفش من قولها.
باب في النفقة
ص: (يجب لممكنة مطيقة الوطئ على البالغ وليس أحدهما مشرفا قوت وإدام) ش:
541

يعني أن المرأة إذا مكنت من نفسها فإنه يجب لها النفقة. وظاهر كلامه أن مجرد تمكينها من
نفسها يوجب النفقة على الزوج وذلك يصدق بما إذا لم تمتنع من الدخول ولم تطلب به الزوج
وهو قول عبد الملك. وظاهر المدونة أن النفقة إنما تجب على الزوج إذا دعا إلى الدخول وهو
المشهور من المذهب. قال في كتاب النكاح الثاني من المدونة: ولا يلزم من لم يدخل نفقة حتى
يبتغى ذلك منه ويدعى للبناء فحينئذ تلزمه النفقة والصداق انتهى. قال أبو الحسن الصغير: قوله:
يبتغى منه أي يدعى إلى البناء، وظاهره أن النفقة لا تلزم حتى يدعى إليها. وقال ابن عبد
الحكم: لها النفقة بالتمكين وإن لم تدعه إلى البناء. الشيخ: وهو ظاهر ما في كتاب الزكاة
الثاني في قوله: وإن لم يكن ممنوعا وكانت هذه الخادم لا بد للمرأة منها فكذلك يعني زكاة
الفطر عليه عنهما، لكن قال ابن محرز: معنى مسألة الزكاة ودعواه إلى البناء انتهى. وفي الرسالة:
ولا نفقة للزوجة حتى يدخل بها أو يدعى إلى الدخول وهي ممن يوطأ مثلها. وقال ابن الحاجب:
تجب بالدخول أو بأن يبتغى منه الدخول والله أعلم. وقيل: تجب بالعقد إن كانت يتيمة.
تنبيهات: الأول: قال اللخمي في باب الحكم في قبض الصداق من كتاب النكاح
الثاني: معنى مسألة المدونة إذا مضى بعد العقد القدر الذي العادة أن يتربص إليه بالدخول وما
يتشور فيه انتهى. ونقله أبو الحسن الصغير. وقال في النوادر: إذا طلبت المرأة النفقة ولم يبن بها،
فإن فرغوا من جهازها حتى لم يبق ما يحبسها قيل له ادخل أو أنفق، ولو قال الزوج: انظروني
حتى أفرغ وأجهز بعض ما أريد فذلك له ويؤخر الأيام بقدر ما يرى وهو قول مالك انتهى.
الثاني: إذا ادعى الزوج إلى الدخول فامتنع، فهل تلزمه النفقة بنفس الامتناع وهو قول
مالك، أو بعد وقف السلطان له وفرضه للنفقة وهو قول أشهب؟ قال اللخمي: والأول أحسن
إن علم أنه امتنع لددا وأنه لا عذر له، وإن أشكل أمره فحتى يوقفه السلطان انتهى. ونقل
القولين ابن راشد في اللباب ولم يذكر اختيار اللخمي، وعزا القاضي عياض قول أشهب لابن
شهاب. فعلى قول مالك تلزمه النفقة بنفس الدعاء إذا شهدت بذلك بينة. قال الجزولي في
شرح الرسالة: ظاهر الرسالة أنه إذا دعا إلى الدخول وأشهد عليه تلزمه النفقة وإن لم ترفعه إلى
السلطان. وقال أشهب: حتى ترفع إلى السلطان ويحكم انتهى. ونحوه للشيخ يوسف بن عمر
وهو ظاهر وبه أفتى الوالد في هذه المسألة فقال: إذا ثبت أن الزوج دعا وجبت النفقة والظاهر
أيضا أن الكسوة كذلك تلزمه إذا طال الامر ولم يدخل والله أعلم.
الثالث: قال ابن عرفة: عياض: ظاهر مسائلها يدل على أن لأبي البكر دعاء الزوج للبناء
الموجب للنفقة وإن لم تطلبه بنته وهو المذهب عند بعض شيوخنا، وقاله أبو مطرف. الشعبي:
بجبره إياها على العقد وبيع ما لها وتسليمه. وقال المأموني: ليس له ذلك إلا بدعائها أو
توكيلها إياه ومثله لابن عات.
542

قلت: ظاهره كانت نفقتها على أبيها أو على مالها والأظهر الأول في الأول والثاني في
الثاني انتهى. قلت: في استظهاره الثاني في الثاني نظر، لأنه وإن كانت نفقتها في مالها فلأبيها
النظر فيه، وليس من السداد أن تنفق منه ولها طريق إلى النفقة من غيره، وأيضا فإنه يريد
دخولها لصيانتها فتأمله والله أعلم.
قلت: والظاهر أن السيد في أمته كالأب وكذلك الوصي إذا كان له الاجبار، وأما
غيرهم فليس له ذلك إلا بدعاء الزوجة إلى ذلك والله أعلم.
الرابع: إذا سافر الزوج قبل الدخول فطلبت زوجته النفقة فلها ذلك على ما رجحه ابن
رشد ونصه: قال في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم: وسئل عن الرجل يسافر عن
امرأته ولم يدخل فيقيم الأشهر فتطلب النفقة؟ قال: أرى له أن ينفق عليها من ماله ويلزم ذلك.
ابن رشد: قد قيل: لا نفقة لها إذا كان قريبا لأنها لا نفقة لها حتى تدعوه وهي لم تدع قبل
مغيبه فيكتب له إما أن يبني أو ينفق. وقيل: لها النفقة من حين تدعو إلى البناء وإن كان غائبا
على قرب فليس عليها انتظاره وهذا أقيس وهو ظاهر الرواية إذ لم يفرق فيها بين قرب ولا
بعد. انتهى ونحوه في المقدمات. وقال في رسم أسلم من سماع عيسى لما تكلم على زوجة
المفقود وأنه يضرب لها أجل أربع سنين ما نصه: واختلف هل لها نفقة في هذه الأربع سنين؟
فقال المغيرة: إنها لا نفقة لها إلا أن يكون فرض لها قبل ذلك نفقة فيكون سبيلها في النفقة
سبيل المدخول بها، والصواب أن لها النفقة لأنه كالغائب، ولم يختلفوا أن من غاب عن امرأته
قبل الدخول غيبة بعيدة أنه يحكم لها بالنفقة في ماله، وإنما اختلفوا في الغيبة القريبة على ما
543

مضى في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم انتهى. وتقدم في المفقود عن المتيطي أنه
قال: وأما غير المدخول بهن من أزواجه، فالمشهور من المذهب والذي عليه العمل وقاله ابن
القاسم من رواية المصريين عنه ورواه أيضا عيسى وبه قال ابن المواز ولم يذكر في ذلك اختلافا
مع معرفته باختلاف أصحاب مالك، أن لها النفقة وإن لم يدخل فيها المفقود انتهى. وقال
اللخمي بعد ذكره كلام العتبية: هذا يحسن أن يسافر بغير علمها ومضى أمد الدخول وبعلمها
لم يعد في الوقت المعتاد، فإن علمت بسفره لذلك المكان وقامت قبل وقت رجوعه لم يكن لها
نفقة انتهى. ونقله ابن عرفة وقال: هو مقتضى قولها إن سافر الشفيع بحدثان الشراء فأقام سنين
ثم قدم إن كان سفرا يعلم أنه لا يؤب منه إلا لأمر يقطع شفعته فلا شفعة وإلا فلا انتهى.
الخامس: لا يلزم النفقة بدعاء الزوج إلى البناء اتفاقا. قاله ابن عرفة عن ابن حارث والله
أعلم. ص: (والبلد) ش: فينفق عليها من الصنف الذي جرت عادة مثله ومثلها من أهل ذلك
البلد بالانفاق منه. قال ابن عرفة: فصنف مأكولها جل قوتها ببلدهما يفرض لها من الطعام ما
يرى أنه الشبع مما يقتات به أهل بلدهما من البلاد ما لا ينفق أهله شعيرا بحال غنيهم ولا
فقيرهم ومنها من ذلك عندهم يستخف ويستجاز انتهى. ص: (فيفرض الماء والزيت والحطب)
ش: تصوره ظاهر. وكذلك أجرة الطحن والخبز كما صرح بذلك في النوادر من كتاب
النكاح. وقال ابن عرفة: ابن رشد: ورواية المبسوط ليس عليه طحن المد خلاف سماع
544

عيسى ابن القاسم يفرض لها من النفقة ما فيه ماؤها وطحنها ونضج خبزها. ابن عرفة: لعل
المنفي ولاية طحنه والمثبت أجرة. المتيطي: وافق ابن حبيب من بعده من أهل العلم بقرطبة
على ما ذكر من قفيز القمح وشرطوه مطحونا انتهى. وذكر في مختصر الوقار: أن لها أجرة
الطحن والله أعلم. ص: (وأجرة قابلة) ش: تصوره واضح.
فرع: قال في سماع أشهب من طلاق السنة: وسئل عن الرجل يطلق امرأته البتة وهي
حامل، أترى عليه أجرة القابلة؟ فقال: ما سمعت ذلك ولا أعلمه عليه وما سمعت أحدا سأل
عن هذا. ابن رشد: قوله: ولا أعلمه عليه يقتضي أنه على المرأة، وأصبغ يراه على الأب.
وقال ابن القاسم: إن كان أمرا يستغني عنه النساء فهو على المرأة، وإن كان لا يستغني عنه
النساء فهو على الأب، وإن كانا ينتفعان به جميعا فهو عليهما جميعا على قدر منفعة كل
واحد في ذلك، وقع ذلك في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الجعل والإجارة فهي
ثلاثة أقوال انتهى. وفي مختصر الوقار: وعلى الرجل أن يقوم بجميع مصلحة زوجته عند
ولادتها، فأجرة القابلة كانت تحته أو مطلقة إلا أن تكون أمة مطلقة فيسقط ذلك عنه لأن
ولدها رقيق لسيدها، وليس عليه أن ينفق على عبد سيدها وإن كان ولده انتهى. ص: (وزينة
تستضر بتركها) ش: يعني أن الزينة التي تستضر المرأة بتركها فإنها يقضى بها على الزوج لأنه
يجب عليه القيام بضرورياتها التي لا غنى لها عنها، وأما الزينة التي لا تستضر بتركها فلا
يقضى على الزوج بها كما سيأتي. وقول البساطي الظاهر أنها عليه من باب أولى لأنه إذا
كانت هذه عليه مع أن تركها يضر بها فأحرى غيرها خلاف المنصوص في المذهب، وكأنه
545

فهم أن العلة فيها كونها زينة وليس كذلك فتأمله والله أعلم. ص: (ككحل ودهن معتادين
وحناء ومشط) ش: انظر لم أخر قوله: وحناء ومشط عن قوله: معتادين مع أن ذلك يوهم
القضاء بهما ولو لم يكونا معتادين. وقد قال ابن رشد في رسم الجواب من سماع عيسى من
طلاق السنة: أوجب في هذه الرواية على الرجل في فرض امرأته من الدهن ما تدهن به ومن
الحناء ما تمتشط به، وكذلك العرف عندهم وعادة جرى عليها نساؤهم، ولا يفرض ذلك عندنا
إذ لا يعرفه نساؤنا، ولأهل كل بلد من ذلك عرفهم وما جرت به عادتهم. وأما الصبغ والطيب
والزعفران والحناء لخضاب اليدين والرجلين فلا يفرض على الزوج شئ من ذلك. قاله ابن
وهب في رسم الأقضية من سماع يحيى انتهى. ونص ما في سماع يحيى: وأما الطيب
والزعفران وخضاب اليدين والرجلين بالحناء فإنا نقول: إنما هذا وشبهه للرجال يصلحون به إلى
نسائهم للذاتهم، فمن شح به فليس يلزمه حكم يقضى به عليه انتهى.
قلت: وعرف أهل الحجاز في الحناء كما ذكر ابن رشد عن نسائهم لا يمشطون بها فلا
يقضى بها عندهم. وقوله: مشط الظاهر أنه أراد به ما يمتشط به لا آلة المشط ليكون كلامه
في ذلك موافقا لقوله: لا مكحلة. وعلى هذا فلا يجب من الحناء والمشط إلا ما جرت به
عادة أهل البلد لأنه مما يستضرون بتركه كالورس والسدر عند أهل مكة، فلا مفهوم لتقديم
المصنف قوله: معتادين والله أعلم. ص: (وإخدام أهله وإن بكراء) ش: يعني أنه يجب على
الزوج إخدام الزوجة إذا كانت أهلا للاخدام لشرف قدرها وكون مثلها لا يخدم، وهذا هو
المتبادر من قوله: أهله ثم يقال: ويريد بشرط أن يكون الزوج متسعا له خدام كما قال في
الرسالة: وإن اتسع فعليه إخدام زوجته، وهذا يستفاد من قول المصنف بعد هذا: ولها الفسخ
إلى آخره، فإنه يقتضي أنه لا يطلق عليه لعجزه عن الاخدام فيعلم أنه إنما يجب حيث تكون له
قدرة عليه. وهكذا قال في رسم الجواب عن سماع عيسى من كتاب طلاق السنة أن المشهور
من المذهب أنه لا يطلق عليه لعجزه عن الاخدام قال: وقد روى ابن المعدل عن ابن الماجشون
546

أنه يطلق عليه بعجزه عن النفقة عليها والله أعلم.
فرع: قال القرطبي في كتاب النفقات في حديث السيدة فاطمة: ولا خلاف في
استحباب خدمتها بنفسها تبرعا لأنه معونة للزوج وهي مندوب إليها أيضا. ص: (وله التمتع
بشورتها) ش: تقدم أن الشورة بفتح الشين المعجمة وأنها المتاع وما يحتاج إليه البيت. وأما
الشورة بالضم فهي الجمال وما ذكره من التمتع بشورتها فهو كذلك. وقال في الشامل: وله
التمتع بشورتها التي من مهرها إن لزمها التجهيز به وإلا فلا انتهى. وكأنه يشير إلى ما ذكره
في التوضيح ونقله صاحب الشامل في شرح المختصر من أن هذا الحكم جار على المشهور أن
المرأة يلزمها التجهيز بصداقها، وأما على الشاذ فلا. انتهى بمعناه ص: (ولا يلزمه بدلها) ش:
يعني أنه لا يلزمه أن يشتري لها بدل الشورة التي دخلت بها عليه، ولكن يلزمه أن يشتري لها
547

شورة ما لا يستغنى عنه. قال في التوضيح ابن حبيب: وإذا خلقت الشورة أو لم يكن في
صداقها ما تشور به فعليه الوسط من ذلك ما يصلح للشتاء والصيف، وكذلك قال أصبغ:
يفرض الوسط ممن لا شورة لها انتهى. وقال ابن عرفة: وفي سماع عيسى بن القاسم: يفرض
لها اللحاف في الليل والفراش والوسادة والسرير إن احتيج له لخوف العقارب وشبهها. ابن
سهل عن ابن حبيب: إن كانت حديثة البناء وشورتها من صداقها فليس لها يرها، لا في
ملبس ولا في مفرش وملحف، بل له الاستمتاع معها، بذلك مضت السنة وحكم الحاكم،
يريد إلا أن يقل صداقها عن ذلك أو كان عهد البناء قد طال فعليه ما لا غنى عنه بها وذلك
في الوسط فراش ومرفقة وإزار ولحاف ولبد تفترشه على فراشها في الشتاء وسرير لخوف
عقارب أو حياة أو فأر أو براغيث وإلا فلا سرير عليه وحصير حلفاء يكون عليه الفراش
وحصيرتان أو بردى انتهى. وكلام الشارح يوهم أنه لا يلزمه أن يخلف شيئا من شورتها، وأن
ابن الماجشون يقول: يلزمه أن يخلفها ولم أقف على هذا الخلاف هكذا فتأمله والله أعلم. ص: (
لا إن حلف أن لا تخرج) ش: قال في المديان منها: وللرجل منع أم ولده من التجارة في
مالها كما له انتزاعه، وليس له منع زوجته من التجارة، وله منعها من الخروج انتهى. قال أبو
548

الحسن: يعني الخروج للتجارة وما أشبه ذلك، وأما في زيارة أبويها وشهود جنازتهما فليس له
منعها، وكذلك خروجها إلى المساجد. ويقوم من قوله: ليس له منعها من التجارة أنه لا يغلق
عليها وهو منصوص في الوثائق المجموعة في كتاب الوصايا انتهى.
فرع: قال المشذالي في حاشيته في هذا المحل: قال سحنون في نوازله: لذات الزوج أن
تدخل على نفسها رجالا تشهدهم بغير إذن زوجها غائب ولا تمتنع من ذلك لكن لا
بد أن يكون معهم محرم منها. ابن رشد: وهذا كما قال إنه من حقها أن تدخل من تشهده
على نفسها بما تريد مما يجب عليها أو يستحب لأنها في ذلك كالرجل، ولا يمنعها من شئ
من ذلك. والاختيار كما قال إنه لا بد من ذي محرمها يكون معهم إن كان زوجها غائبا، فإن
لم يكن فرجال صالحون ا ه‍. ونبه على ذلك أبو الحسن في كتاب الشركة في قوله: وتجوز
الشركة بين النساء وبينهن وبين الرجال. وذكره ابن عرفة في أثناء الكلام على النفقة. وهل له
أن يغلق عليه الباب أم لا؟ ص: (ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه إلا لوضيعة) ش: أو
يكون تزوجها على ذلك قاله ابن الماجشون. قال ابن رشد في رسم المحرم من سماع ابن
القاسم من كتاب النكاح: وقول الماجشون ليس بخلاف لقول مالك والله أعلم ص: (كولد
صغير لأحدهما) ش: انظر البيان في رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب النكاح ورسم
549

المحرم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح ص: (وسقطت إن أكلت معه ولها الامتناع)
ش: تصوره واضح. ومن مختصر البرزلي مسألة قال ابن الحاج: تؤمر المرأة بأن تأكل مع زوجها
لما في ذلك من التودد وحسن العشرة ولا تجبر عليه في باب الحكم. قال البرزلي قلت: تقدم
أيضا أنه لا يجبر الزوج على المبيت معها في فراض واحد من الحديث، غير أنه يندب إليه لما
يدخل عليها من المسرة إلا أن يكون لقصد عدم الوطئ لما يدخل عليه من الضرر في جسمه، أو
تكون هي مائلة إلى الكبر فمبيته معها مما ينحل بدنه. انتهى من مسائل الأنكحة. ونقل الشارح
في الكبير في باب الايلاء في شرح قوله: أو لا وطئتها ليلا أو نهارا عن اللخمي أنه لا
يقضى عليه النون في فراش واحد والله أعلم.
فرع: قال في التوضيح: وكذلك أيضا يضم نفقة بنيه الأصاغر إلى نفقتها إلا أن يكون
مقلا فلا تضم نفقتهم معها، وينفق على ولده بقدر طاقته وإلا فهم من فقراء المسلمين، ولا
يفرق بينهم وبين أمهم، وجد ما ينفق عليهم أم لا انتهى. ص: (أو منعت الوطئ والاستمتاع
أو خرجت بلا إذن ولم يقدر عليها إن لم تحمل) ش: يعني أن المرأة إذا منعت زوجها الوطئ
551

أو الاستمتاع فإن نفقتها تسقط، يريد إذا كان ذلك بغير عذر، فإن كان لعذر كسفرها للحج
أو حبسه أو حبسها أو مرض ونحوه فلا تسقط، فإن أكذبها في العذر فيثبت ذلك بشهادة
امرأتين. قاله ابن فرحون في شرح ابن الحاجب. وفي البرزلي قبل مسائل الخلع بنحو الكراس
عن أحكام ابن حديد ما يقتضي أن الزوج إذا كان ممنوعا من المرأة، بحبس أو نحوه فلا يكون
خروجها نشوزا ونصه: وبقاء المرأة في الدار وخروجها سواء إذا كان ممنوعا منها، ولا فرق بين
سجنه لزوجته أو لأجنبي. وعن القاضي عبد الوهاب: لا يخلو حال المرأة إما أن تعدم الوطئ من قبل الله عز وجل أو
من قبل الزوج أو من نفسها. فالأول كمرض الزوج أو مرضها أو
حيضها فالنفقة واجبة، والثاني كالسفر وترك الوطئ فلا تسقط أيضا نفقتها، والثالث كمنعها
لزوجها من وطئها فهي ساقطة بالنشوز. وعن ابن عبد الحكم أنها غير ساقطة انتهى. وكلام
عبد الوهاب ليس هو في خروجها من بيت زوجها إنما تكلم على هذه الموانع من حيث هي
والله أعلم. وجمع الشيخ بين ذكر الوطئ والاستمتاع لينبه على أن كل واحد منهما مسقط،
ولا يقال يكفي ذكر الاستمتاع عن ذكر الوطئ لأنه إذا سقطت النفقة بمنع الاستمتاع فتسقط
بمنع الوطئ من باب أولى، لأنا نقول: خشي أن يتبادر إلى الفهم أن المراد بالاستمتاع الوطئ
لأن الاستمتاع إذا ذكر مفردا فكثيرا ما يراد به الوطئ ص: (أو خرجت بلا إذن إلى آخره)
ش: يريد أن النفقة تسقط أيضا بخروج المرأة من بيت زوجها بغير إذنه إذا لم يقدر على ردها،
أما إن كان قادرا على ردها فلا تسقط النفقة. نعم له أن يؤدبها هو أو الحاكم على خروجها
بغير إذنه، وانظر ما المراد بقوله: ولم يقدر عليها هل بالحاكم أو بمجرد الارسال إليها أو
بامتناعها؟ قال في تهذيب الطالب: اختلف في الناشز على زوجها. هل لها نفقة؟ فعند ابن
المواز وهو مذكور عن مالك ورواه عن ابن القاسم ومثله سحنون أن لها النفقة. وقال البغداديون
من أصحابنا: لا نفقة لها لأنها منعته من الوطئ الذي هو عوض النفقة، واعتلوا بإيجاب النفقة
على الزوج إذا دعي للبناء وأن ذلك لا يلزمه إذا لم يمكن من البناء. قال الشيخ أبو عمران:
واستحسن في هذا الزمان أن يقال لها: إما أن ترجعي إلى بيتك وتحاكمي زوجك وتنصفيه وإلا
فلا نفقة لك لتعذر الاحكام والانصاف في هذا الوقت، فيكون قول البغداديين حسنا في هذا،
ويكون الامر على ما قاله الآخرون إذا كان الزوج يقدر على محاكمتها فلم يفعل فيؤمر بإجراء
النفقة حتى إذا لم تمكنه المحاكمة ولم يتمكن له حالة تنصفه ولم تجبه هي إلى الانصاف،
فاستحسن أن لا نفقة لها. قال: وكذلك الهاربة إلى موضع معلوم مثل الناشز، وأما إلى موضع
مجهول فلا نفقة لها عليه. انتهى من ترجمة الحضانة والنفقات من إرخاء الستور. وقال في
المسائل الملقوطة: الهاربة من زوجها إلى وليها إنه يسجن حتى يردها. انتهى من الأجوبة. ومن
552

كتاب الفصول: سقوط نفقتها مدة هروبها وما تركت عند الزوج بما له غلة يستأجر عليه
انتهى. وقال في تهذيب الطالب أيضا في باب سكنى المعتدة من كتاب طلاق السنة: قال
الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن: إنما فرق بين المرأة تسكن في غير بيت الزوج أنها لا كراء لها
في ذلك، وبين ما إذا هربت منه أن لها أن تطلبه بالنفقة، لأن السكنى حق لها فتركته وسكنت
في موضع آخر. وأما التي هربت منه فقد كان له أن يرجعها إلى الحاكم ويردها إلى بيتها
فحكم النفقة قائم عليه غير ساقط عنه، ولو كان لا يعلم أين هربت أو تعذر عليها رفعها
للحاكم. ونحو هذا من الاعذار التي يظهر أنه غير قادر على ردها فلا شئ عليه، فيستوي
حكم ذلك وحكم السكنى انتهى. وقال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب: ولا خلاف أنها
إذا خرجت وسكنت في موضع فلا كراء لها على زوجها، وهذا بخلاف النفقة انتهى. وفي
المتيطية عن كتاب محمد: إذا غلبت امرأة زوجها وخرجت من منزله وأرسل إليها فلم ترجع
وامتنع من النفقة عليها حتى ترجع فأنفقت على نفسها ثم طلبته بذلك قال مالك: ذلك عليه
لها وترجع عليه وتغرمه. قال: ولو خرجت من مسكنه وسكنت سواه لم يكن عليه كراء. ابن
المواز: وذلك لا يشبه النفقة انتهى. وقال الجزولي في شرح قول الرسالة: ولا نفقة للزوجة حتى
يدخل بها. قال أبو محمد: لا نفقة للناشز وهو المشهور. وقيل: لها النفقة. وهذا في بلد لا
حكم فيه، وأما بلد فيه الحكم فينفق لأنه حين لم يرفعها فقد رضي. قال: والنشوز أن تخرج
إلى بيت أوليائها بغير إذنه أو تمنعه من الوطئ انتهى. وقوله: وإن لم تحمل قال ابن رشد: بلا
خلاف في ذلك لأن للناشز الحامل النفقة للحمل لا لأجلها ص: (وإن بانت) ش: يعني أن
البينونة مسقطة للنفقة، وسواء كانت من الزوج أو كان الطلاق من الحاكم فإنه قد تقدم أن
طلاق الحاكم بائن إلا للايلاء وللعسر بالنفقة، ولذلك كانت لها النفقة في ذلك. قال في معين
الحكام في فصل النفقات.
مسألة: وتجب النفقة لكل مطلقة مدخول بها في أيام عدتها إذا لم يكن الطلاق بائنا
وكان الزوج يملك ارتجاعها فيه، سواء أوقعه الزوج أو الزوجة أو السلطان بإيلاء أو عدم نفقة إذا
أيسر في العدة. وفي المدونة: وجوب النفقة على المولى أيام العدة، ولمطرف وابن الماجشون
553

وأصبغ: لا نفقة لها لأن رجعته لا تصح بالقول إلا أن يقترن به الفعل، وأما المبتوتة والمبارأة
والمختلعة وكل من لا يملك الزوج رجعتها لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا انتهى. وقال في
طلاق السنة: وكل مطلقة لها السكنى وكل بائنة بطلاق بتات أو خلع أو مبارأة أو لعان أو
نحوه فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة إلا في الحمل البين فذلك لها ما أقامت حاملا، ما
خلا الملاعنة فلا نفقة لحملها لأنه لا يلحق بالزوج انتهى. قال أبو الحسن: قوله: ونحوه يعني
المفسوخ انتهى. ثم قال فيها: وكل طلاق فيه رجعة فلها النفقة والكسوة حتى تنقضي عدتها،
حاملا كانت أو غير حامل. وكذلك امرأة المولى إذا فرق بينهما لأن فرقة الامام فيها غير بائن
وهما يتوارثان ما لم تنقض العدة، وتجب السكنى في فسخ النكاح الفاسد أو ذات محرم
بقرابة أو رضاع كانت حاملا أم لا، لأنه نكاح يلحق فيه الولد، وتعتد فيه حيث كانت تسكن
ولا نفقة عليه ولا كسوة إلا أن تكون حاملا فذلك عليه انتهى. قال أبو الحسن: قوله:
وكذلك امرأة المولى إذا طلق عليه لعدم النفقة ثم أيسر في العدة هل تجب عليه النفقة وإن لم
ترتجع فعلى ما نص هنا تلزمه النفقة. ومثله لابن حبيب ثم قال: فانظر في سماع عيسى من
طلاق السنة مسألة النصرانية تسلم تحت النصراني أنه لا نفقة لها عليه. وفي سماع أصبغ
خلافه صح من جامع الطرر. اللخمي: قال ابن المنذر: أجمع من أحفظ على أن المعتدة التي
تملك رجعتها لها السكنى والنفقة إذ أحكامها أحكام الأزواج في عامة أمورها. وقوله في فسخ
النكاح الفاسد. الشيخ: هذا إذا كان مما يفسخ بعد البناء، وأما ما يفسخ قبل ويثبت بعد فلا.
انتهى ص: (واستمر إن مات لا إن ماتت) ش: قال البرزلي في كتاب النفقات: وتقدم
للشعبي أن عبد الرحمن بن عيسى أفتى في مطلقة طلاقا بائنا أن النفقة لها إذا كانت حاملا ما
دام الولد حيا، فإذا مات في بطنها سقطت نفقتها ووقعت وحكم فيها القاضي ابن الخراز
554

بالنفقة وأفتى فيه جميع الفقهاء حتى طال على زوجها الانفاق، فاستشارني في ذلك فأفتيته
بالسقوط إذا أقرت المرأة بذلك لأن بطنها صار له كفنا، وإنما النفقة لها لأن الولد يتغذى
بغذائها، فلو تركت غذاءها مات، فإذا اعترفت بأنه مات فقد صار لا غذاء له، وإنما صار داء
في بطنها يحتاج إلى دفعه عنها بالدواء انتهى. وقال ابن سلمون في وثائقه ومن كتاب النفقات
لابن رشيق: كتبت إلى الفقيه أبي محمد بن دحون بقرطبة أسأله عن امرأة طلقها زوجها طلقة
مبارأة، فادعت أنها حامل منه وثبت الحمل فأنفق عليها أكثر من عام ولم تضع فوقفها عند
الحاكم فقالت: إن الجنين في بطني وهو به ميت. فكتب إلي مجاوبا. إذا مات الجنين في بطنها
كما زعمت فقد انقطعت النفقة إذا كانت النفقة بسبب الجنين. وقال به أيضا الفقيه أبو
محمد بن الشقاق وزاد قال: وانقضاء عدتها منه بالوضع انتهى. وقال المشذالي في حاشيته على
المدونة: ولو مات في بطنها لم تنقض عدتها إلا بوضعه وهو ظاهر القرآن الكريم وصريح في
نوازل بعضهم انتهى.
ص: (وردت النفقة كانفشاش الحمل لا الكسوة بعد أشهر) ش: قال ابن غازي:
555

ردت مبني للغائب فيتناول موته وموتها والحكم في رد النفقة والتفصيل في الكسوة عام كما
في المدونة وغيرها انتهى. ويشير بذلك لما قاله في أول كتاب القذف من المدونة قال مالك:
ومن دفع لامرأته نفقة سنة أو كسوتها لفريضة قاض أو بغير فريضته ثم مات أحدهما بعد يوم
أو يومين أو شهر أو شهرين، فلترد بقية النفقة بقدر ما بقي من السنة، واستحسن في الكسوة
أن لا ترد إذا كان موت أحدهما بعد ثلاثة أشهر ولا تتبع المرأة فيها بشئ. قال ابن القاسم:
وأما إن ماتت بعد عشرة أيام ونحو هذا فهذا قريب انتهى. قال أبو الحسن: قوله في الكسوة:
إذ مات أحدهما بعد أشهر هذا من جموع القلة من ثلاثة إلى تسعة انتهى. وقال في المسائل
الملقوطة: قال في العوفية: واستحسن في الكسوة أن لا ترد إذا كان موت أحدهما بعد ثلاثة
أشهر انتهى. وقوله: كانفشاس الحمل يعني به أن من طلق زوجته فادعت أنها حامل فأنفق
عليها ثم ظهر انفشاش الحمل فإنه يرجع عليها بالنفقة وتردها، وسواء أنفق الرجل من أول
الحمل ظانا أنها تلزمه أو ظهر الحمل فألزم الانفاق، والقول باللزوم هو قول ابن الماجشون
وروايته واختاره ابن المواز ولذا رجحه المؤلف. وقيل: لا رجوع له مطلقا وهو قول مالك في
الموازية. وقيل: إن أنفق بحكم رجع وإلا فلا، وهو لمالك في رسم مرض من سماع ابن القاسم
من طلاق السنة. وقيل: عكس الثالث ونسبه ابن رشد لعبد الملك ونظر فيه المؤلف في التوضيح
بأن الذي نسبه له ابن رشد هو الأول والله أعلم. قال ابن رشد في الرسم المتقدم: ولهذه المسألة
نظائر كثيرة تفوق العد منها: شفعتها في الذي يثيب على الصدقة ويظن لزوم ذلك، ومنها
مسألة صلحها في الذي يصالح عن دية الخطأ ظانا لزومها له، ومنها مسألة الصداق وفي سماع
أصبغ من النكاح، ومنها ما في سماع عيسى ونوازل سحنون من الصدقات والهبات، ومنها ما
556

في سماع أصبغ من الشهادات انتهى. وانظر المشذالي في الصلح وسماع عيسى في الحج ص:
(ولا نفقة لحمل ملاعنة) ش: يريد إذا كان اللعان لنفي الحمل، وإن كان للرؤية وهو مقر
بالحمل كانت لها النفقة. وكذا قيد به أبو الحسن إطلاق المدونة وهو ظاهر لأن مراد المصنف
إذا كان الحمل للعان والله أعلم. ص: (وأمة) ش: أي لا نفقة لحمل أمة يريد والزوج حر
بدليل قوله بعد: ولا على عبد. قال ابن عبد السلام: والمانع لها من النفقة كون ذلك رقيقا
كما لو ولد لأنه إذا اجتمع موجبان من موجبات النفقة لشخص أخذ نفقة واحدة بأقوى
الموجبين وسقط الموجب الآخر انتهى. وقال في طلاق السنة منها: وليس للأمة الحامل نفقة على
الزوج إذا طلقها إذ الولد رق لغيره، سواء كان الزوج حرا أو عبدا، وكذلك حرة طلقها عبد
وهي حامل منه انتهى. وقال اللخمي: للحامل النفقة على زوجها إذا كانا حرين، وإن كان
عبدا وهي حرة لم يلزمه نفقة لحملها في البائن، وكذلك إن كانت أمة والزوج حر. ثم قال:
فإن أعتق السيد الأمة لزمته النفقة لأن الحمل عتيق بعتق أمه، ويختلف إذا عتق الحمل وحده.
فعلى القول على أنه لا يكون عتيقا إلا بالوضع تبقى النفقة على السيد، وعلى أنه حر من الآن
وفيه الغرة تكون النفقة على الأب. انتهى من التبصرة وطلاق السنة. والقول الأول من القولين
الذين ذكرهما عليه اقتصر ابن يونس في كتاب أمهات الأولاد قال: قال ابن المواز: من اشترى
زوجة بعد أن أعتق السيد ما في بطنها فشراؤه جائز وتكون بما تضعه أم ولد لأنه عليه عتق
بالشراء ولم يكن يصيبه عتق السيد إذ لا يتم عتقه إلا بالوضع، ولأنها تباع في فلسه ويبيعها
ورثته قبل الوضع إن شاؤوا وإن لم يكن عليه دين والثلث يحملها انتهى. ولو ضربها رجل
فألقته ميتا فإن فيه ما في جنين أمه، ولو كان ذلك بعد أن اشتراها كان فيه ما في جنين الحرة،
وولاؤه إن استهل لأبيه. ولا ينظر في ذلك كله إلى عتق السيد إلا أنه لا يشتريها أجنبي بعد
عتق السيد جنينها من قبل أن يرهقه دين ويرد إن فعل انتهى.
وقال في العتق الثاني من المدونة في الكلام على هذه الأمة: ولو ضرب رجل بطنها
فألقته ميتا ففيه عقل جنين أمة بخلاف جنين أم الولد من سيدها فتلك في جنينها عقل جنين
الحرة، لأن جنين الأمة لا يعتق إلا بعد الوضع وجنين أم الولد حر حين حملت به انتهى.
وهذا القول هو الذي يظهر من قوله في المختصر في باب الظهار لقوله إذا عتق الجنين لا
يجزئه ويعتق بعد وضعه والله أعلم. وهذا أعني سقوط نفقة الأمة البائن الحامل عن زوجها
الحر إنما يظهر والله أعلم إذا لم تكن الأمة جارية ولده أو أمه أو من يعتق ولد الأمة عليه،
وأما إن كانت الأمة لاحد هؤلاء فلم أر فيه نصا لأهل المذهب الآن. والذي يظهر من تعليل
557

ابن عبد السلام عدم لزوم النفقة لحمل الأمة بكون الولد رقا. ومن بناء اللخمي لزوم النفقة
وعدم لزومها فيما إذا أعتق السيد الجنين فقط على الخلاف في كونه حرا من الآن أو إنما
يكون حرا بعد وضعه أن النفقة لازمة للزوج إذا كانت الأمة لمن يعتق ولد الزوج عليه، لأن
المذهب على أن الولد حر في بطن أمه. قال في أمهات الأولاد من المدونة: من اشترى
زوجته لم تكن له أم ولد بما ولدت قبل الشراء إلا أن يبتاعها حاملا فتكون بذلك أم ولد،
ولو كانت لأبيه فابتاعها حاملا لم تكن له أم ولد بذلك الحمل، لأن ما في بطنها قد عتق
على جده بخلاف أمة الأجنبي، لأن الأب لو أراد بيع أمته لم يجز له ذلك لأنه قد عتق
عليه ما في بطنها، والأجنبي لو أراد بيع أمة وهي حامل من زوجها جاز ذلك ودخل حملها
في البيع معها. وقال غيره: لا يجوز للابن شراؤها من والده وهي حامل لأن ما في بطنها قد
عتق على جده فلا يجوز أن تباع، ويستثنى ما في بطنها لأن ذلك غرر لأنه وضع من ثمنها
بما استثنى وهو لا يدري أيكون أم لا. فكما لا يجوز بيع الجنين لأنه غرر فكذلك لا يستثنى
انتهى.
قال ابن يونس: وقول الغير هذا كله ليس بخلاف لابن القاسم، وإنما تكلم ابن القاسم
إذا اشتراها وفات ذلك كيف يكون الحكم، وأما بدأ فليس له أن يبتاعها على قوله، فإن ابتاعها
فسخ البيع إلا أن تضع الولد فيكون عليه قيمتها يوم قبضها على أن حملها حر لأنه بيع فاسد
فات بالوضع. ونحوه حكى بعض شيوخنا عن القابسي، وكان يعيب قول من يجعله خلافا
انتهى. وقال أبو الحسن الصغير: انظر قول الغير هنا علل بكون المستثنى مشترى. الشيخ:
وكذلك لو كان المستثنى مبقي في هذه المسألة لما جاز لأنه لا يتصرف فيه إلا بعد الوضع ففيه
تحجير، وقاعدتهم أنه متى آل الامر إلى الفساد في أن المستثنى مبقي منعوا، وكذلك إن آل
الامر إلى الفساد على أن المستثنى مشترى. انظر الأكرية إذا باع دابة واستثنى ركوبها عشرة أيام
لا يجوز وهو بناء على أن المستثنى مبقي وإن استثنى ركوبها ثلاثة أيام أجازه لأنه لا يؤل الامر
فيه إلى فساد، سواء كان المستثنى مبقي أو مستثنى انتهى.
ثم قال في المدونة: وهذا الجنين لا يرق ولا يلحقه دين لأنه عتق سنة وليس هو عتق
اقتراب. ابن القاسم: ومن ابتاع زوجة والده حاملا انفسخ نكاح الأب إذ لا ينكح أمة ولده ولا
تكون أم ولد للأب وتبقى رقيقا للابن ويعتق عليه ما في بطنها ولا يبيعها حتى تضع إلا أن
يرهقه دين فتباع وهي حامل. وقاله أشهب. وقال غيره: لا تباع في الدين حتى تضع لأنه عتق
سنة لا باقتراب انتهى. قال ابن يونس: وهذا بخلاف من اشترى زوجته الحامل وهي أمة لأبيه.
عند ابن القاسم: تلك أمة لا يرق حملها ولا يلحقه دين. والفرق بينهما عنده والله أعلم أن
الولد في المسألة الأولى خلق حرا لم يمسه رق، وفي هذه قد مسه الرق في بطنها، وإنما عتق
باشتراء الولد بأمة فأشبه العتق المبتدأ، وغيره لم يفرق بينهما لأنه كله عتق بسنة فوجب أن
558

يتساوى الحكم فيهما فتأمل ذلك جميعه والله أعلم ص: (ولا على عبد) ش: أي لا نفقة على
العبد لمطلقته البائن الحامل، سواء كانت حرة أو أمة. قال في التوضيح: لأنه لا يجب على العبد
أن ينفق على ولده انتهى. قال ابن الحاجب: ولا على عبد الحمل أو ولد وإن كانت الزوجة
حرة انتهى. قال ابن فرحون: لو كان للعبد ولد من زوجته الحرة أو الأمة ثم طلقها طلاقا بائنا
لم يجب عليه نفقة ولده لأنه إتلاف لمال سيده انتهى. وانظر قوله: ثم طلقها طلاقا بائنا فإنه
لا مفهوم له. قال في المدونة: إلا أن يعتق العبد قبل وضعها فينفق على الحرة من يومئذ، وأما
559

الأمة فلا إلا أن تعتق هي أيضا فينفق عليها في حملها لأن الولد ولده انتهى. فيفهم من قوله:
يومئذ أنه لا يعطيها إذا عتق نفقة أول الحمل، ولذا قال ابن عمر في شرح الرسالة: فينفق
عليها في بقية حملها. انتهى والله أعلم. ص: (غير سرف) ش: نحوه في ابن الحاجب. قال
في التوضيح: يعني إذا وجب لها الرجوع بما أنفقته عليه أو على نفسها وولدها ووجب
للأجنبي الرجوع بما أنفقه على الأجنبي فإنما رجع عليه بالمعتاد في حق المنفق عليه، فأما ما كان
سرفا بالنسبة إليه فلا يرجع به المنفق لأن المفهوم من قصد المنفق به العطية إلا أن تكون التوسعة
في زمنها كالأعياد فيرجع بذلك ص: (وعلى الصغير إن كان له مال علمه المنفق وحلف له
أنه أنفق ليرجع) ش: وأن لا يكون لليتيم تحت يده مال ناض، فإن كان له وتركه وأنفق من
560

عنده فلا رجوع له عليه. قال في كتاب الرهون من المدونة: وللوصي أن يسلف الأيتام ويرجع
عليهم إن كان لهم يوم السلف عرض أو عقار ثم يبيع ويستوفى انتهى. قال أبو الحسن: ذكر
هنا العقار والعرض وفي تضمين الصناع ولليتيم مال ظاهره كان عينا أم لا، وفي موضع آخر
في اليتيم إلا أن تكون لهم أموال عروض. فيحمل قوله في المال حيث ذكره على العروض
كما قال هنا لأنه إذا كان له ناض فلا فائدة في السلف. وانظر على هذا لو سلفه وله ناض
هل يرجع عليه أم لا. قال في وثائق ابن القاسم: ولو كان له بيده ناض لم يرجع عليه بما أسلفه
لأنه متطوع انتهى. وعلى هذا اقتصر الوانوغي في حاشيته قال في هذا المحل: ولو أسلفه ولليتيم
ناض في بلده لم يرجع عليه، لأن اليتيم غير محتاج إلى سلفه وهو في نفقته على اليتيم حينئذ
متطوع اه‍. ثم قال في المدونة: فإن لم يكن لليتيم مال وقال الوصي: أنا أسلفه، فإن أفاد
رجعت عليه لم يكن له ذلك والنفقة عليه من يومئذ على وجه الحسبة فلا يرجع بشئ وإن
أفاد اليتيم مالا اه‍. قال أبو الحسن: وقال أشهب: ذلك له اه‍.
تنبيه: قوله على وجه الحسبة فلا يرجع بشئ وإن أفاد اليتيم علمه المنفق أم لا قال في
المدونة: فإن تلف المال الذي علم المنفق وكبر الصبي فأفاد مالا لم يرجع عليه بشئ. نقله في
التوضيح.
فروع: الأول: من أنفق على ولد رجل غائب موسر وخاف ضيعته فإنه يتبع الأب بما
أنفقه بالمعروف، وإن لم يستنبه في النفقة عليهم لما كان نفقتهم واجبة على الأب كمن قضى
عن رجل دينا على أن يتبعه به كان له أن يتبعه بها. اه‍ من باب زكاة الفطر من الطراز. وقال
ابن عرفة: وسمع سحنون ابن القاسم: من غاب أو فقد فأنفق رجل على ولده فقدم أو مات
في غيبته وعلم أنه كان عديما لم يتبعه بما أنفق عليه ولا ولده. ابن رشد: لأن الولد إذا لم يكن
لأبيه ولا له مال فهو كاليتيم النفقة عليه احتسابا ليس له أن يعمر ذمة بدين إلا برضاه إذ ليس
ممن يجوز على نفسه رضاه، وإن كان له أو لليتيم مال فللمنفق عليه الرجوع عليهما في
أموالهما إن كانت له بالنفقة بينة، وإن لم يشهد أنه إنما أنفق ليرجع بعد يمينه أنه إنما أنفق عليها
ليرجع في أموالها لا على وجه الحسبة ويسر أبي الولد كماله وهذا إذا أنفق وهو يعلم مال
اليتيم أو يسر الأب، ولو أنفق عليهما ظانا أنه لا مال لليتيم ولا للابن ولا لأبيه ثم علم ذلك
فلا رجوع له. وقيل: له الرجوع والقولان قائمان منها.
قلت: الأول ظاهر قولها في تضمين الصناع ولا يتبع اليتيم بشئ إلا أن يكون له مال
561

فيسلفه حتى يبيع عروضه، فإن قضى ذلك عما أسلفه لم يتبع بالتالف وكذا اللقيط.
الثاني: ظاهر قولها في النكاح الثاني: من أنفق على صغير لم يرجع عليه بشئ إلا أن
يكون له مال حين أنفق عليه فيرجع بما أنفق عليه فيما له ذلك. ونحوه في كتاب الولاء منها،
والأولى تقييد مطلقها بمقيدها فيكون ذلك قولا واحدا. اه‍ كلام ابن عرفة. وقال في المدونة في
كتاب تضمين الصناع: ومن التقط لقيطا فأنفق عليه فأتى رجل فأقام البينة أنه ابنه فله أن يتبعه
بما أنفق إن كان الأب موسرا حين النفقة لأنه ممن تلزمه نفقته. هذا إن تعمد الأب طرحه، وإن
لم يكن هو طرحه فلا شئ عليه. وقال مالك في صبي صغير ضل عن والده فأنفق عليه رجل:
فلا يتبع أباه بشئ فكذلك اللقيط.
الثالث: قال في مسائل الوصايا من نوازل ابن رشد في وصي على يتيمة أشهد عند موته
أن لها عليه عشرين مثقالا ولا يدعي هو أن له عليها شيئا، فتموت فتطلب اليتيمة الذهب
فيدعي ورثته أن له عليها حضانة ويثبتون أنها كانت في حضانته مدة نظره، فهل لهم أن
يحاسبوها أم لا؟ فأجاب: إشهاد الوصي لها عند موته بالعشرين مثقالا يوجبها لها ويبطل
دعوى الورثة عليها، ولا يلتفت إلى ما أثبتوه ولا يحاسبوها بشئ اه‍.
الرابع: قال في المسائل الملقوطة: إذا كان للأولاد مال فلا يلزم الأب نفقتهم، سواء كان
مالهم عينا أو عرضا. فإن أنفق من ماله وأبقى مالهم على حاله حتى مات فأراد الورثة
محاسبتهم بالنفقة، فإن قال الأب: حاسبوا والدي فعلى ما قال أي نوع كان المال، وإن قال: لا
تحاسبوه فكذلك، ولا يشبه الوصية لأن الآباء ينفقون على أولادهم. ولو كان لهم أموال، وإن
سكت الأب، فإن لم يكتب لم يحاسب الولد، وإن كتب وكان المال عينا فلا يحاسب أيضا
لأنه لو شاء أنفق منه ويحتمل كتبه على الارتياء والنظر، وإن كان عرضا حوسب بذلك. قال
ذلك كله مالك وابن القاسم. فإن مات الابن في حياة الأب وورث معه غيره فادعى أنه أنفق
ليرجع، فروى ابن القاسم أنه إن كان الأب مقلا مأمونا صدق بغير يمين، وإن كان غنيا حلف.
وهذا إذا لم يشهد عند الانفاق وإن أشهد فلا يمين، وسواء كان المال عينا أو عرضا اه‍. وهذه
المسألة هي أول مسألة من طلاق السنة من سماع ابن القاسم ونصها، قال سحنون: أخبرني ابن
القاسم قال: سمعت مالكا يقول: فالرجل ينفق على أولاده ولهم مال قد ورثوه من أمهم
فكتب عليهم ما أنفق فلما هلك أراد سائرهم من الورثة أن يحاسبوه ويحتجوا عليه بالكتب
قال: إن كان مالهم عنده موضوعا فليس عليهم غرم ما أنفق عليهم إذا لم يقل ذلك عند موته
لأن الأب ينفق على ولده، وإن كان لهم مال ومن أمر الناس أن ينفق الرجل على ولده ولهم
المال، وإن كان لهم في عرض أو حيوان رأيت أن يحاسبوهم به لأنه كتبه. وإنما اختلف ذلك
لأن المال الموضوع في يده لم يكن يمنعه منه شئ فلعله إنما كتبه يريد أن يلزمهم أو يتركه
562

فتركه، وأما الذي كان في العروض والحيوان فإنما يرى أنه يمنعه من ذلك بيعه وكتابه عليهم
والله أعلم. قال ابن القاسم: وهذا أحسن ما سمعت عنه.
قال ابن رشد: هذه مسألة تتفرع إلى وجوه وقعت مفرقة في مواضع من هذا السماع،
وفي رسم باع شاة من سماع عيسى، وفي سماع أبي زيد من كتاب الوصايا ما يعارض بعضها بعضا
في الظاهر فكان الشيوخ يحملون ذلك على أنه اختلاف من القول. وقوله: إنه لا
اختلاف في شئ مما وقع من ذلك في هذه الروايات كلها. وبيان ذلك أن مال الابن لا يخلو
من أربعة أحوال: أحدها أن يكون عينا قائما في يد الأب، والثاني أن يكون عرضا قائما بيده،
والثالث أن يكون قد استهلكه وحصل في ذمته، والرابع أن يكون لم يصل بعد إلى يده. فأما
إن كان عينا قائما في يده وألفى على حاله في تركته فلا يخلو من أن يكون كتب النفقة عليه
أو لم يكتب، فإن كان كتبها عليه لم تؤخذ من ماله إلا أن يوصي بماله وهو دليل قوله في هذه
الرواية إذا لم يفعل ذلك عند موته، وإن كان لم يكتبها عليه لم تؤخذ من ماله وإن أوصى
بذلك. قاله ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا. وإما إن كان المال عرضا بعينه
ألفي في تركته، فلا يخلو أيضا من أن يكون كتب النفقة عليه أو لم يكتبها، فإن كان كتبها
حوسب بها الابن وإن أوصى الأب أن لا يحاسب بها وهو ظاهر ما في هذه الرواية. ووجه
ذلك أنه لما كتبها عليه دل على أنه لم يرد أن يتطوع بها فوصيته أن لا يحاسب بها وصية
لوارث. وهو قول أصبغ في الواضحة أن المال إذا كان عرضا لم تجز وصية الأب أن لا يحاسب
بها، ومثله لابن القاسم في المدونة.
وإن كان لم يكتبها عليه حوسب بها إلا أن يكون أوصى الأب أن لا يحاسب بها
فتنفذ وصيته، وهذا قول ابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى. وأما الحالة الثالثة وهي
أن يكون الأب قد استهلك المال وحصل في ذمته فإن الابن يحاسب بذلك كتبها، الأب عليه
أو لم يكتبها. وهو قول مالك في رسم الشجرة بعد هذا إلا أن يكون كتب لابنه بذلك ذكر
حق أشهد له به فلا يحاسب بما أنفق عليه. قال ذلك مالك في رواية زياد بن جعفر عنه وهو
تفسير لما في الكتاب. وأما الحالة الرابعة وهو أن لا يكون قبض المال ولا كان بيده بعد، فسواء
كان عينا أو عرضا، هو بمنزلة إذا كان عرضا بيده، وقد مضى الحكم في ذلك. وما في رسم
سلعة سماها ورسم كتب عليه ذكر حق، يحتمل أن يكون تكلم فيها على أن المال لم يصل
إلى يده، أو على أنه قد أخذه واستهلكه، وقد مضى الكلام على حكم الوجهين. ولا فرق بين
موت الأب وموت الابن فيما يجب من محاسبته بما أنفق عليه أبوه وبالله التوفيق اه‍. وانظر
النوادر في كتاب الوصايا الخامس. قال ابن سلمون: إن كان المنفق وصيا من أب أو قاض فله
الرجوع فيما أنفق في مال الصبي دون يمين ولا إثبات لأنهم مأمورون بالانفاق. وقيل: عليه
اليمين. وإن كان غير وصي فلا بد من إثبات حضانته له وكفالته ويمينه بعد ذلك ولا يحتاج
563

إلى أن يشهد أن إنفاقه إنما هو ليرجع به، وروي أنه لا بد أن يشهد اه‍ ص: (لا إن علمت
فقره أو أنه من السؤال) ش: وهي محمولة في غسر السائل على عدم العلم وفي السائل على
العلم لظهور حاله. نقله ابن عرفة عن ابن رشد عن سماع القرينين في كتاب النكاح ص: (إلا
أن يتركه) ش: يعني إذا تزوجته وهو من السؤال ثم ترك السؤال فعجز عن النفقة فلها طلبه
ص: (وإلا تلوم بالاجتهاد) ش: أي وإن أثبت عسره تلوم له القاضي باجتهاده. قال في
التوضيح: ولا يمين على الرجل إن صدقته المرأة على عسره إذ لا يحتاج إلى إقامة بينة، وأما إن
لم تصدقه فلا بد من البينة على الاعسار واليمين، ثم يتلوم له القاضي على القول المشهور
المعمول به. وقيل: يطق عليه من غير تلوم وعلى المشهور. اختلف في مقدار التلوم فلمالك في
المبسوط أنه اليوم ونحوه مما لا يضر بها الجوع. ولمالك في الواضحة الثلاثة الأيام. والصحيح أنه
يختلف بالرجاء وعدمه وهو مذهب المدونة قال فيها: ويختلف التلوم فيمن يرجى له وفيمن لا
يرجى له. اه‍ مختصرا وقول الشارح قوله: وإلا تلوم أي وإن أبى الزوج من ذلك ومن الطلاق
تلوم له الحاكم لا يصلح لتفسير كلام المصنف، فإن من لم يثبت عسره وامتنع من الانفاق
والطلاق فتارة يقر بالملأ وتارة يدعى العسر، فإن ادعى العسر تلوم له. وإن أقر بالملأ فحكى ابن
عرفة في ذلك قولين: أحدهما أنه يعجل عليه الطلاق، والثاني أنه يسجن حتى ينفق. وعليه إن
كان له مال ظاهر أخذت النفقة منه كرها. ونصه المتيطي وغيره من الموثقين إن ادعى العدم
وصدقته نظر في تأجيله، وإن أكذبته فبعد إثبات عدمه وحلفه.
قلت: ما فائدة إثبات عدمه إذا ادعاه وأكذبته، هل هي تأجيله حاكمه بناء على أنه لو
564

أقر بملئه وامتنع من الانفاق لجعل لها الطلاق، أو هي عدم سجنه بناء على أنه لو علم ملؤه
وامتنع من الانفاق سجن حتى ينفق وعليه إن كان له مال ظاهر أخذت منه النفقة كرها؟
والأول ظاهر كلام الموثقين اه‍ ص: (وإن غائب) ش: يعني أن حكم الغائب في الطلاق بعدم
النفقة كحكم الحاضر. قال في التوضيح: وهو المشهور. وقال القابسي: لا يطلق على غائب
لأنه لم يستوف حجته، وعلى الأول فلا بد أن تثبت الزوجية وأنه قد دخل بها أو دعا إلى
الدخول والغيبة بحيث لا يعلم موضعه أو علم ولم يمكن الاعذار إليه فيه. وأما إن علم وأمكن
الاعذار إليه فإنه يعذر إليه ولا بد أن تشهد لها البينة بأنها لا تعلم أن الزوج ترك لها نفقة ولا
كسوة ولا شيئا يعدى فيه بشئ من مؤنتها، ولا أنه بعث إليها بشئ وصل إليها في علمهم
إلى هذا الحين، ثم بعد ذلك يضرب لها أجلا على حسب ما يراه كما تقدم ثم يحلفها على ما
شهدت لها البينة، وحينئذ إن دعت إلى الطلاق طلقها هو أو أباح لها التطليق كما تقدم. اه‍.
ونقل ابن عرفة نحو ما تقدم عن المتيطي ونصه: وعلى الأول يعني القول الأول. قال المتيطي:
تثبت غيبته ببينة تعرف غيبته واتصال زوجيتهما وغيبته بعد بنائه أو قبله بموضع كذا، أو بحيث
لا يعلمون منذ كذا ولا يعلمون ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئا تعول به نفسها ولا تعدى
فيه بشئ من مؤنتها، ولا أنه آب إليها ولا بعث بشئ ورد عليها في علمهم إلى حين التاريخ،
ثم يؤجله القاضي في الانفاق عليه شهرا أو شهرين أو خمسة وأربعين يوما، فإذا انقضى ولا
قدم ولا بعث بشئ ولا ظهر له مال ودعت إلى النظر لها أمر بتحليفها بمحضر عدلين كما
تجب في صفة الحلف أنه ما رجع إليها زوجها المذكور من مغيبه الثابت عند الحاكم إلى حين
565

حلفها، ولا ترك لها نفقة ولا كسوة ولا وضعت ذلك عنه ولا وصل إليها شئ منه إلى الآن،
فإذا ثبت عند القاضي حلفها طلقها عليه.
قلت: ولابن سهل في بكر قام أبوها بتوكيلها إياه قبل البناء بذلك أفتى ابن عات أنها
تحلف، فإذا حلفت طلقت نفسها. وأفتى ابن القطان لا يمين عليها ولا على أبيها ولها أن تطلق
نفسها. وأفتى ابن رشيق فقيه المرية بحلفها وزاد فيه أن زوجيتهما لا تنقطع. ابن سهل: زيادة
هذا في يمينها لا أعلمه لغيره. وقول ابن القطان: لا يمين عليها ولا على أبيها لا وجه له. وقد
تقرر من قول ابن القاسم وغيره أن السفيه يحلف في حقه. ابن الحاجب: حكم الغائب ولا
مال له حاضر حكم العاجز. ابن عبد السلام: يعني أن الغائب البعيد الغيبة وليس له مال أو له
ولا يمكنها الوصول إليه إلا بمشقة حكمه حكم الحاضر العاجز.
قلت: قوله: إلا بعد مشقة خلاف ظاهر أقوالهم أنه لا يحكم لها بطلاقها إلا إذا لم
يكن له مال بحال دون استثناء. وما تقدم لابن سهل في فتاويهم من قولهم: طلقت نفسها
خلاف ما تقدم للمتيطي من قوله: طلقها القاضي عليه اه‍.
تنبيه: علم من كلام ابن عرفة هذا أنه يطلق على الغائب بعدم النفقة ولو كانت غيبة
قبل البناء. وقد جلب البرزلي من ذلك مسائل في أوائل مسائل الطلاق فانظره. وقد تقدم في
أوائل النفقات في باب المفقود ما يقوي ذلك فلا يتمسك بما يعطيه ظاهر كلام التوضيح والله
أعلم. وظاهر ما تقدم عن التوضيح وغيره أنه إذا لم تقم للزوجة بينة بشئ من ذلك لا يحكم
لها القاضي، وقال البرزلي خلاف ذلك في أواخر مسائل النكاح ما نصه: وسئل اللخمي عمن
شهد لها نحو العشرين أو الخمسة عشر أن زوجها فلان وقد غاب لناحية سجلماسة ويخاف
ضياعها وليس لزوجها مال ولا يوجد من يشهد بنكاحهما إلا من تقدم ولم يوجد فيهم عدل
وهي تحب الفراق، فهل يثبت به الزوجية ويجب الفراق؟ وهل يكون الحكم واحدا ولو كانت
مدينة فيها من العدول كثير أو الواحد خاصة أو لا يكون شئ؟ وفي شهادة من تقدم أن المرأة
ليس لها ولي وفي انتقال أملاك الرباع وبيعها على من يجب بيعها عليه بما تقدم. فأجاب:
للمرأة القيام بالطلاق بمن ذكرته، ولو عدمت البينة ومن يشهد لها بالزوجية وأقرت أن فلانا
زوجها لكشف القاضي عنه بقولها. وسئل عن هذا الاسم في البلد وما قرب منه، فإن لم يجده
حكم لها بالطلاق بعد تحليفها أنه لم يكن لها منه نفقة ويحكم عليه بالطلاق متى جاء وأقر
بالزوجية، وإن أنكر الزوجية لم يضره ما وقع ويكتب في الحكم: رفعت إلى فلانة بنت فلان
وأقرت بالزوجية لفلان فكشفت عنه فلم أجده ولم أجد أحدا يعرفه فحلفتها وحكمت بالطلاق
إن ثبت أو أقر أنه زوج لها. والمدن والقرى في هذا سواء، وشهادة من ذكرت بأنه لا ولي لها
ماضية وللقاضي تزويجها، والامر فيه خفيف لأن القاضي وليها وإن كان هناك غيره إذا زوج
566

الثيب مضى. والبكر إذا لم يكن لها ولي تزوج ومثله لا يخفى. وأما شهادة هؤلاء في الرباع
فلا أتقلد فيها شيئا، وقد سئلت عنها غير مرة فلم أجب بشئ والضرورة لها حكم وقول غير
العدول كلا شئ. وسئل السيوري عن المرأة تأتي وتذكر أن لها زوجا أو لابنتها وقد غاب ولم
يخلف شيئا، ولم يكن له شئ يعدون فيه بالنفقة ولا يعرف ذلك إلا من قولها، وتكلف بالبينة
فتعجز عن إثباته، وربما ذكرت غريبا أي أن الزوج غريب وربما أتت ببينة غير ثقات من سوقه أو
غيره ولا تقدر على أكثر من ذلك، فإن أفتيت بأعمال هؤلاء فهل أسميهم بأسمائهم أو أقول
ثبت عندي ما أوجب الفراق أو قبول قولها، وربما لم يوجد على توكيل الام بينة إلا بقولها؟
فأجاب: إن كان الزوج معروفا ولم تعرف غيبته كلف القاضي رجلين يكشفان عنه وسئل
جيرانه ومن يخالطه أو أقاربه عن الموضع الذي غاب إليه، فإن لم يكن أو لم يعلم حيث توجه
حلفت الزوجة أنه لم يخلف شيئا، وإن أقرت بشئ حلفت أنه لم يخلف سوى ما اعترفت به
ولم يصل إليها شئ من قبله وطلق عليه، ولو كان غير معروف سئلت المرأة عن صنعته ومن
يعرفه فيسألون نحو الأول، وإن لم يكن له صنعة ولا من يخالطه كشف العدلان عن ذلك
الاسم وعن تلك الصفة هل هي بالبلد، فإن لم توجد طلق عليه بعد يمين المرأة كما مر، ويذكر
القاضي فيما يشهد به إنه رفعت إليه تلك المرأة ويذكر أمرها وذكرت أن لها زوجا اسمه
وصفته كذا، وذكرت أنه غائب عن البلد وأنه خلفها على عدم النفقة وطلق عليه. فإن أتى
الرجل واعترف بالزوجية وقع الطلاق موقعه، وإن أنكر لم يضر ذلك. وسئل المازري عن امرأة
طارئة من المغرب تذكر أن زوجها تخلف في الطريق قبل وصوله إلى بجاية، وأرادت أن تطلق
عليه وتأتي بشهود صحبتها لا يعرفون. فأجاب: لا يصح الحكم على زوج هذه المرأة بالفراق
الآن لاعترافها بالزوجية وبقاء العصمة وادعت غيبته فصارت مقرة بالعصمة مدعية ما يوجب
زوالها، وعلى الطريقة الأخرى لا تؤخذ بأكثر مما أقرت وقد زعمت وجها يوجب الفراق فورا
لأنها ذكرت أنه فارقها قبل وصوله بجاية، ومن الممكن أن يكون زوجها أخذ طريقا آخر قادما
لهذا البلد طالبا لزوجته وقد عاقه عائق عن الوصول، فالواجب تسميته والبحث عن اسمه الذي
تذكر في المواضع القريبة حتى يعلم أنه ليس بالقرب ليعذر إليه وأنه لا شئ له ينفق عليها منه،
فينظر حينئذ بالفراق منه بالواجب والشهود غير المقبولين لا يعول عليهم والقول على إقرارها
وفيه ما ذكرنا عن المذهبين.
قلت: الأصل الذي أشار إليه هو تبعيض الدعوى وإجمالها. فابن القاسم يبعض الدعوى
فيصيره مقرا مدعيا، وأشهب لا يؤاخذه ولا بجملة كلامه. وسئل ابن حبيب عن المرأة تقدم
المدينة مع الحاج وتقول: خفت العنت وأردت التزويج ولا يعلم هل لها زوج أم لا إلا من قولها
وهي من ذوات القدر والأولياء، هل يزوجها السلطان أم لا؟ فأجاب: تزوج ولا تطلب بينة
بأنها لا زوج لها إذا كانت غريبة بعيدة الوطن، وأحب السؤال لأهل معرفتها وبلدها ممن معها
567

في الرفقة سؤالا من غير تكليف شهادة، فإن استراب ترك تزويجها وإلا زوجها، وليست كمن
مكانها قريب. قال ابن فرحون: كلام ابن حبيب أصل مذهب مالك لما يتقى من زوج يكون
لها، فإذا ظهر خلاف قولها لم يزوجها. وبيان ذلك الرجل يأتي بامرأة ومعه صداق فيقول:
اشهدوا علي بما في هذا الصداق أنه حق قبلي لزوجتي هذه وقد ضاع صداقها فقال مالك: إن
أتى بشاهدين عدلين على أصل الزوجية بينهما فليشهد الشهود الذين أشهدهم على نفسه، وإن
لم يأت بهم لم يقبل منه كيلا يكون نكاح بغير ولي، وهذا في غير الغرباء. قاله مالك في
الديات من المدونة. وانظر هل يؤخذ ذلك من أول كتاب القذف من المدونة أو من غيره.
وذكر مسألة ابن حبيب في المسائل الملقوطة عن الواضحة. وقال فيها: سئل مالك عن المرأة
تقوم مع الحاج من المغرب إلى آخره وقال في آخره: ليست هذه كالحضرية ولا التي مكانها
قريب انتهى.
ومن البرزلي قال الغرناطي في وثائقه في تجديد الصداق: يذكر إشهاد الزوج على نفسه
أن زوجته ذكرت له تلف صداقها وسألته تجديده وأجابته إلى ذلك وإقراره بما بقي عليه فيه
وتضمنه معرفة الزوجية واتصالها إلى حين الاشهاد في غير الغريبين، ويذكر إشهاد المرأة على
نفسها أنه لم يكن لها في التالف غير ما ذكر. وسئل أبو عمران عن المرأة تقدم بلدا ولا يدري
من أي موضع قدمت، ولا من هي وتطلب التزويج، فهل يزوجها السلطان بغير إثبات موجب؟
وكذا لو زعمت أنه كان لها زوج مات عنها أو طلقها. فأجاب: إن كان البلد قريبا كتب إليه،
وإن كان بعيدا يتعذر وصول الجواب أو يكون بعد أزمنة طويلة خلى بينها وبين ما تريده إن لم
يتبين كذبها. وسئل الصائغ عن طارئة على بلد تأتي لقاضيه فتذكر أن لها زوجا غاب عنها في
بلدها غيبة منقطعة وأخرجت صداقها مجهول الشهود واسم زوج مجهول ولا يعرف صدقها
من كذبها وقد شكت الضيعة وأنها إن بقيت خافت على نفسها وحالها الفقر، فهل تطلق عليه
بما تقدم؟ جوابها للمازري كذا في هذا الأصل الذي اختصرت منه قال: ينظر في حالها
ويتثبت فيه ويتلوم حتى يؤنس معرفة صدقها أو كذبها من حال الزوج ومكانه ولا مال له، أو
يثبت كونها طارئة من مكان بعيد يتعذر كشف حال زوجها فتحلف اليمين الواجبة في هذا
وعلى صدقها مما ذكرت، ويوقع الطلاق بشرط أن يقال: إن كان الامر كما ذكر لي. انتهى
بلفظه. وقال ابن فرحون في الفصل التاسع من القسم الأول من الركن السادس في الحكم
المعلق على شرط صدق المدعي ما نصه:
مسألة في الحاوي في الفتاوى لابن عبد النور قال: سئل المازري عن امرأة مجهولة طارئة
على بلد قامت على قاضيه فذكرت أن زوجها غاب عنها في بلدها غيبة منقطعة ولا يعلم
صدقها من كذبها وشكت المضيعة، فما ترى في أمرها، هل تطلق وتزوج أم لا؟ فأجاب: تثبت
في أمرها حتى يؤيس من العثور على صدقها من كذبها أو تثبت كونها طارئة من بلد بعيد
568

يتعذر معه الكشف عن حال الزوج، فتستحلف حينئذ اليمين الواجبة في مثل هذا وأنها صادقة
فيما ذكرت، ويوقع الطلاق عليها ويكتب لها الحاكم أنه أوقع عليها الطلاق بشرط أن يكون
الامر كما ذكرت اه‍. فانظر هذا كله فإنه يقتضي أنه لا يحتاج إلى البينة إذا تعذرت، وأن
القاضي يطلق على الغائب ولو كانت المرأة طارئة وأن سفرها بعد زوجها حين لم يترك لها نفقة
لا يكون نشوزا. وأما لو سافرت بغير إذنه لكان نشوزا، وكذلك لو طلبها بالسفر معه وكان
صالح الحال معها فامتنعت من السفر معه فإن ذلك يكون نشوزا. قاله ابن الجلاب في كلامه
على النفقة وغيره. وانظر الشيخ أبا الحسن في النكاح الثاني والجزولي عند قول الرسالة: ولا
نفقة للزوجة حتى يدخل بها أو يدعى إلى الدخول. وتقدم عن المسائل الملقوطة عند قول
المصنف في باب النكاح في تعدد الأولياء فحاكم فانظره والله أعلم.
فرع: فإذا لم يكن حاكم فإنها ترفع للعدول قال المشذالي في أول كتاب الصلح في
خروج أحد الغريمين لاقتضاء دين لهما وأعذر إليه في الخروج وأشهد أنه يكفي الاشهاد ما
نصه: جعل هنا جماعة العدول تقوم مقام السلطان ولو كان هناك سلطان. ومثله في أواخر
النذور فيمن حلف ليقضين إلى أجل كذا، ومثله في الرواحل في هروب الجمال، ومثله لابن
مغيث في المرأة يغيب عنها زوجها أنها تثبت عند العدول ما تثبت عند القاضي فتطلق نفسها.
وذكر أبو عمران وابن مغيث تعذر تناول السلطان. المشذالي: هكذا وقع هذا كما رأيت.
والذي حكاه الشيخ أبو الحسن هو إن قال ما ذكره ابن مغيث في مسألة الزوجة وما ذكره أبو
عمران من أن جماعة العدول تقوم مقام الامام في المحارب وفي القصاص إنما ذلك حيث يتعذر
تناول السلطان. المشذالي: وهو كلام واضح يوضح الكلام الأول انتهى. ومثله فسخ البيع
الفاسد. انظر شرح ابن جماعة وكلام أبي الحسن الذي أشار إليه هو في كتاب المكاتب ونصه
بعد أن ذكر عن أبي عمران أن المكاتب إذا بعث لسيده بكتابته فلم يقبلها لا يخرج من الرق
حتى يقضي عليه القاضي بذلك إلا أن يكون ببلد لا حكم فيه فليشهد ويكون ذلك كالحكم.
الشيخ: انظر جعل أبي عمران هذا الاشهاد مقام الحكم، وكذلك في المحارب وكذلك في
الديات وإذا ترك بنتا وعصبة فاختلفا ولا إمام. وذكر ابن يونس في كتاب الحمالة أن جماعة
العدول تقوم مقام الامام انتهى. وقال البرزلي في أثناء مسائل الأقضية: سئل السيوري عمن
غاب إلى مصر وله زوجة لم يخلف لها نفقة إلا ما لا يفي بصداقها وليس في البلد قاض،
وربما كان فيه أمير من قبله فحلف بالمشي إلى مكة أنه لا يحكم فيه ولا ينظر في طلاق، وربما
كان بين البلد والأمير نحو ثمانية أميال والخوف بينهم عام، وربما انجلى الخوف في بعض
الأوقات، فهل تقوم الجماعة مقام القاضي في هذه النازلة وغيرها، أو يجب على أمينه أن
يحنث نفسه ويحكم أم لا؟ جوابها: إذا تحرج الناس لعدم القضاة أو لكونهم غير عدول
فجماعتهم كافية في الحكم في جميع ما وصفته وفي جميع الأشياء، فيجتمع أهل الدين
569

والفضل فيقومون مقام القاضي في ضرب الآجال والطلاق وغير ذلك. قال البرزلي: قلت:
تقدم أن الجماعة تقوم مقام القاضي مع فقده إلا في مسائل تقدم شئ منها انتهى. وانظر
مسائل السلم من البرزلي والجهاد من المشذالي، وقد ذكر بعض كلامه في الوصايا وفي باب
الأقضية شئ من هذا والله أعلم.
مسألة: إذا قامت المرأة بالطلاق لعدم النفقة في غيبة الزوج فتطوع بها متطوع، فذكر
المشذالي في حاشية المدونة في كتاب الإجارة في ذلك قولين ونصه في شرح قول المدونة: ولو
تطوع رجل بأدائها لم يفسخ.
قلت: ويؤخذ من هنا ما نص عليه أبو بكر بن عبد الرحمن في مسألة اختلف فيها مع
ابن الكاتب رأيناها في حاشية نسخة من نوازل ابن رشد ونصها: سئل عن رجل غاب عن
زوجته فقامت المرأة وادعت أنه لم يترك لها زوجها شيئا ورفعت أمرها إلى السلطان وأرادت
الفراق إذا لم يترك لها زوجها نفقة، ثم إن رجلا من أقارب الزوج أو أجنبيا عنه قال لها: أنا
أؤدي عنه النفقة ولا سبيل لك إلى فراقه. فقال ابن الكاتب: لها أن تفارق لأن الفراق قد
وجب لها. وقال ابن عبد الرحمن: لا مقال لها لأن عدم النفقة الذي أوجب لها القيام قد
انتفى.
قلت: وقد أشار ابن المناصف إلى هذا فقال ما حاصله: قيام الزوجة في غيبة زوجها
على وجهين: أحدهما: لترجع بما تنفق عليه وفائدته قبول قولها من حين الدفع. الوجه الثاني:
لتطلق نفسها لعدم الانفاق، فإذا أثبتت الزوجية والمغيب ولم يترك لها شيئا ولم يخلف ما يعدى
فيه ولم يتطوع بالنفقة عنه ودعت إلى الطلاق إلى آخره، فظاهره أن التطوع بإجراء النفقة
يسقط مقالها كقول ابن عبد الرحمن وهو الذي تقتضيه المدونة في النكاح الثاني في قوله: إلا
أن يتطوع الزوج بالنفقة انتهى بلفظه.
فرع: قال في أحكام ابن سهل في أول القضاء في مسائل الغائب ما نصه: مملوكة غاب
سيدها وأثبتت عدمه في ملكه لها وأنه لم يخلف عندها شيئا ولا بعثه إليها ولا مال لها تنفقه
ولا له مال تعدى فيه في علم من شهد بذلك، فأفتى ابن عتاب وابن القطان بأمر القاضي
ببيعها ويقبض ثمنها للغائب ويوقفه عند ثقة انتهى. ونقله ابن فرحون في تبصرته في الفصل
الخامس في التنبيه على أمور تتوقف سماع الدعوى بها على إثبات فصول انتهى.
تنبيه: قوله: ولا لها مال تنفقه يدل على أنه إذا كان لها خراج عليها الاكل منه فإنها
لا تباع وتأكل من خراجها. وقال في معين الحكام في كتاب الأقضية إثر كلام ابن سهل
المتقدم ما نصه:
تنبيه: ينبغي للحاكم أن يكلفها أنها عاجزة عن استعمالها فيما يستعمل فيه مثلها لتنفق
570

منه على نفسها. وقال ابن عتاب: مثله في أم الولد التي غاب عنها سيدها والمملوكة أحرى
انتهى. وقال في التوضيح:
فرع: ولو كانت المرأة أم ولد غاب عنها سيدها وأثبتت مغيبه، فإن الحاكم يتلوم لسيدها
الشهر ونحوه، ثم ينجز عتقها على الغائب. هكذا قال ابن عتاب والقرشي وروى ذلك ابن
زياد. وقال ابن الشقاق وابن العطار: لا تعتق وتسعى في معاشها. وبه قال ابن القطان قال:
وتبقى حتى يصح موت سيدها أو ينقضي تعميره. ابن سهل: والأول هو الصواب. واحتج
الأولون بقول أشهب إذا عجز الرجل عن نفقات أمهات أولاده أهن بمنزلة أزواجه إذا لم يقم
بأمرهن فيضرب له أجل شهر ونحوه، فإن وجد لهن أدنى ما يكفي وإلا أعتقن عليه. ابن
سهل: قلت لابن عتاب: هل عليها عدة إذا حكم بعتقها؟ قال: تعتد بحيضة. قلت: وهل عليها
يمين أن سيدها لم يخلف عندها شيئا ولا أرسل إليها شيئا كما يلزم زوجة الغائب؟ قال: لا يمين
عليها وبذلك أفتيت لطول أمد المغيب انتهى. وقال ابن عرفة: ومن أعسر بنفقة أم ولده فقيل:
تزوج ولا تعتق وقيل تعتق، وكذا إن غاب سيدها ولم يترك لها نفقة. وانظر تمامه فيه ثم قال
الصقلي عن بعض القرويين: إن لم يكن في خدمة المدبر ما يكفيه في نفقته أو أعسر السيد بها
عتق عليه انتهى. وانظر ما حكم المعتق إلى أجل والظاهر أنه مثله والله أعلم ص: (وله الرجعة
إن وجد في العدة يسارا) ش: فإن لم يجد فلا رجعة له، فلو رضيت الزوجة بالرجعة مع عدم
اليسار كانت رجعة. قاله في الواضحة وغيرها. وقال سحنون في السليمانية: لا تصح الرجعة.
انتهى من التوضيح.
فرعان: الأول: قال في التوضيح: ولم يتعرض ابن الحاجب لقدر الزمان الذي إن أيسر
به كانت له الرجعة. واختلف في ذلك. ولابن القاسم وابن الماجشون: إن أيسر بنفقة الشهر
وإلا فليس له الرجعة. وفي كتاب ابن مزين: قوت نصف شهر فأكثر. وعن ابن الماجشون: إذا
وجد ما لو قدر عليه أو لا لم يطلق عليه. قال ابن عبد السلام: وينبغي أن تتنزل هذه الأقوال
571

على ما إذا ظن مع ذلك أنه يقدر على مداومة النفقة في المستقبل وقبله في التوضيح.
الثاني: قال في التوضيح: قال في البيان: إذا قدر أن يجريها مياومة وكان يجريها قبل
الطلاق كذلك فله الرجعة، وإن كان يجريها قبل الطلاق مشاهرة فاختلف في ذلك فقيل له
الرجعة وقيل لا انتهى ص: (وفرض في مال الغائب) ش: قال الشارح في الكبير: قال فيها
يعني المدونة: ولا يفرض على الغائب النفقة لزوجته إلا أن يكون له مال يعدى فيه انتهى.
وقوله: يعدى قال أبو الحسن الصغير: قال عياض في المشارق: والاستعداء طلب النصرة.
وقيل: طلب الإعانة ومعناه يحكم. انتهى من كتاب الزكاة الأول. وكلام المدونة هو في أواخر
النكاح الثاني، وقد يتبادر منه أنه إذا لم يكن للغائب مال يعدى فيه لا يفرض الحاكم لها النفقة
عليه ولو علم أنه ملئ في غيبته كما نبه على ذلك ابن عرفة وسيأتي كلامه. وليس كذلك إن
علم أنه موسر في غيبته فرض لها عليه، وإن علم عسره أو جهل أمره لم يفرض لها عليه. قال
في العتبية في آخر رسم من سماع يحيى من طلاق السنة وهو رسم أول عبد ابتاعه قال:
وسألته عن الرجل يغيب عن أهله وله أولاد صغار في حجر أمهم تلزمه نفقتهم، فإذا قدم ادعت
امرأته وهي أمهم أنها أنفقت عليهم من مالها، أيلزمه ذلك أم يبرأ بمثل ما يبرأ به من نفقتها إذا
زعم أنه كان يبعث بها إليها ولا يكون لها عليه شئ إلا أن ترفع أمرها إلى السلطان؟ قال:
حالها فيما تدعي من الانفاق من مالها بمنزلة ما تدعي أنها أنفقت على نفسها إذا لم ترفع ذلك
إلى السلطان حتى يقدم لم تصدق، وإن رفعت ذلك إلى السلطان فرض لها ولهم وحسبه لها
عليه من يوم يفرضه وكان لها دينا تتبع به، قال ابن رشد: قوله: إن الرجل يبرأ من نفقة ولده
الذي في حجره مع زوجته أمهم بما يبرأ به من نفقة زوجته صحيح لأنه مؤتمن على ذلك وأما
قوله: وإن رفعت ذلك إلى السلطان فرض لها ولهم قوله. فمعناه إذا عرف ملاوه في غيبته
وذلك أنه لا يخلو في مغيبه من ثلاثة أحوال. أحدهما: أن يكون معروف الملا.
والثاني: أن يكون معروف العدم. والثالث: أن يكون حاله مجهولة إذا كان معروف الملا
فإن النفقة تفرض لها عليه على ما يعرف من ملئه فتتبعه بذلك دينا ثابتا في ذمته. هذا معنى
572

قول ابن القاسم هنا، ونص قول ابن حبيب في الواضحة. وظاهر قوله فيها أنه لا خيار للمرأة
في فراقه كما يكون ذلك لها في المجهول الحال، ومعنى ذلك إذا كان لها مال فتنفق منه
على نفسها وما لم تطل إقامته عنها على ما مضى في رسم الشريكين من سماع ابن
القاسم، وفي رسم شهد من سماع عيسى. وأما إن كان معروف العدم فلا يفرض لها
السلطان إذ لا يجب على المعدم لامرأته عليه نفقة ويفرق السلطان بينهما بعد التلوم، وإن
أحبت الصبر عليه كتب لها كتابا بذلك اليوم من ذلك الشهر أنها قامت عنده عليه طالبة
لنفقتها، فإن قدم وعلم أنه كان له مال كان القول قولها إنها أنفقت على نفسها من ذلك
اليوم إن ادعى أنه خلف عندها أو بعث إليها. وأما إذا كان مجهول الحال لا يعرف ملؤه في
غيبته من عدمه فقال في المدونة: إن السلطان لا يفرض لها نفقة على زوجها في مغيبه حتى
يقدم، فإن كان موسرا فرض عليه نفقة مثله لمثلها. وقال ابن حبيب في الواضحة: إنها إن
أحبت الصبر عليه أشهد لها السلطان إن كان فلان زوج فلانة اليوم مليا في غيبته وجب
عليه لامرأته فريضة مثلها من مثله. وسيأتي في سماع أصبغ القول في فرض نفقة الأبوين
وبالله عز وجل التوفيق. اه‍ كلامه بلفظه ونقله في التوضيح باختصار. ونصه في شرح قول
ابن الحاجب: فإن كان له مال بيع وفرض منه.
فرع: وإن أحبت المرأة أن تفرض لها النفقة إذا لم يكن له مال حاضر فقال ابن القاسم:
لا يفرض عليه شئ حتى يقدم إذا علم عدمه أو جهل أمره. وفي البيان عن ابن حبيب: إذا
أحبت الصبر عليه أشهد السلطان عليه إن كان فلان زوج فلانة اليوم مليا في غيبته فقد أوجبت
عليه فريضة مثلها من مثله، أما إن علم أنه موسر فإنه يفرض لها نفقة مثلها. قال في الموازية:
وتداين عليه ويقضى لها اه‍. ونقل ابن عرفة من كلام ابن رشد الحالة الثالثة فقط وهي ما إذا
جهلت حاله فقط، وأما إذا عرف ملؤه أو عدمه فنقله عن المتيطي وحكى عنه فيما إذا علم
عدمه قولين ونص كلامه: وفيها لا يفرض على الغائب النفقة لزوجته إلا أن يكون له مال
تعدى فيه.
قلت: ظاهره إن لم يكن ذلك لم يفرض. وقال المتيطي: إن علم أنه ملئ في غيبته
فرض لها القاضي نفقة مثلها وكان دينا لها عليه تحاص به غرماءه وإذا قدم أخذته به، وإن كان
معدما في غيبته فالمشهور لابن القاسم أنه لا يفرض لها. وقال في الموازية: تداين عليه ويقضى
لها.
قلت: فهذا يؤدي إلى وجوبها على المعسر.
قلت: ولابن رشد في آخر مسألة من سماع يحيى من طلاق السنة: إن جهل ملؤه من
عدمه ففيها لا يفرض لها السلطان عليه نفقة حتى يقدم، فإن كان موسرا فرض لها. وقال ابن
573

حبيب: إن أحبت الصبر أشهد لها السلطان إن كان فلان زوج فلانة اليوم مليئا في غيبته فقد
أوجبنا لها عليه فريضة مثلها من مثله اه‍.
تنبيهات: الأول: ما حكاه المتيطي عن الموازية من أنها تتداين عليه ويقضى لها في مسألة
ما إذا علم عدمه في غيبته وجعله قولا ثانيا مخالف لما تقدم في كلام التوضيح من أن كلام
الموازية المذكور من تتمة القول بفرض النفقة لها عليه في مسألة ما إذا علم ملؤه في غيبته،
ولهذا استشكله ابن عرفة بقوله قلت: هذا يؤدي إلى وجوبها على المعسر فتأمل ذلك والله
أعلم.
الثاني: علم من كلام العتبية المتقدم وتسليم ابن رشد له بما شرحه به أن نفقة الولد
تفرض على الولد في غيبته إذا كان موسرا والله أعلم.
الثالث: ما أشار إليه ابن رشد في آخر كلامه في القول في فرض النفقة على الأبوين
وأنه في سماع أصبغ ذكره في رسم الأقضية من سماعه من كتاب طلاق السنة، ولا بأس
بذكره ليستفاد به مع ما تقدم حكم فرض النفقة على الغائب للزوجة والولد والأبوين ونصه:
قال أصبغ: سألت ابن القاسم عن الذي يغيب ويحتاج أبواه أو امرأته وله مال حاضر فيرفعانه
إلى السلطان. قال: يباع ماله وينفق عليهن، فإن لم يكن له مال أيؤمران أن يتداينا عليه ويقضى
لهما بذلك؟ قال: أما الزوجة فنعم، وأما الأبوان فلا، لأنهما لو لم يرفعوا ذلك حتى قدم فأقر
لهم جميعا بذلك غرم للمرأة ولم يكن عليه أن يغرم ذلك للأبوين وإن أقر لهما، لأن المرأة
نفقتها عليه، موسرة كانت أو معسرة، والمرأة تحاص الغرماء إذا رفعت ذلك وكان يوم أنفقت
موسرة والأبوان ليسا كذلك. وقال أصبغ: فنفقة الأبوين لا تجب إلا بفريضة من سلطان حتى
يجدهما يستحقانها ويجد له ما لا يعديهما فيه وإلا فلا. قال ابن رشد: قوله: إن مال الغائب
يباع في نفقة أبويه هو مثل ما في كتاب إرخاء الستور من المدونة، وكان الشيوخ يفتون أن
أصول الغائب لا تباع في نفقة أبويه بخلاف زوجته، ويتأولون أن المراد بمال الغائب الذي يباع
في نفقة أبويه عروضه لا أصوله. والفرق عندهم في ذلك بين نفقة الزوجة ونفقة الأبوين، أن
نفقة الزوجة واجبة حتى يعلم سقوطها، ونفقة الأبوين ساقطة حتى يعلم وجوبها بمعرفة حياته
وأنه لا دين عليه يغترق ماله. وكان القياس أن لا تباع عليه أيضا عروضه في مغيبه لاحتمال أن
يكون حين الحكم عليه بذلك ميتا، وأن يكون عليه دين يغترق عروضه إلا أن ذلك في
العروض استحسان، وبهذا المعنى فرقوا أيضا بين نفقة الزوجة والأبوين في أن الأبوين لا يفرض
لهما النفقة عليه في مغيبه وإن كان موسرا إذا لم يكن له مال حاضر ولا يؤمران أن يتداينا
عليه، فإن فعلا لم يلزمه من ذلك شئ بخلاف الزوجة في ذلك كله، ويلزم على الفرق الذي
ذكرناه لو كانت النفقة قد فرضت لهما عليه قبل مغيبه فغاب وترك أصوله أن تباع عليه في
574

نفقتهما. وقوله: إن المرأة تحاص الغرماء بما أنفقت من يوم رفعت إذا كان يوم أنفقت موسرا
يدل على أنها لا تحاص إلا في الدين المستحدث مثل قول سحنون في رسم باع غلاما من
سماع ابن القاسم وقد مضى بيان ذلك هناك والله أعلم وبالله التوفيق اه‍.
واقتصر ابن عرفة على نقل كلام العتبية فقط وأتى به استشهادا على مسألة سئل عنها
ابن رشد وهي من أنفق على أبويه وله إخوة فأراد الرجوع على إخوته بما ينوبهم. وسيأتي
كلامهما عند قول المصنف: وهل على الرؤوس أو الإرث والله أعلم. وقال في أحكام ابن
سهل في القضاء في مسائل الغائب: رجل غاب منذ عشرين عاما وأثبت أبوه أنه فقير عديم
وأن له دارا ودعا أن تباع وينفق عليه من ثمنها، فأفتى ابن عات: لا سبيل إلى بيع هذه الدار
بسبب الأب الطالب للنفقة وهو مما لا اختلاف فيه. وكان ابن مالك وابن القطان قد ماتا
وأفتى غيره: يجب بأن يحلف الأب ما له مال معلوم وأنه لفقير عديم وتباع الدار وينفق من
ثمنها على الأب وزوجته. وقال بعضهم: يمين الأب في هذا مختلف فيها. وذكر ابن العطار أن
ابن لبابة أفتى بهذا، ثم تكلمت فيها مع ابن عتاب فقال لي: هذه الأجوبة كلها خطأ ولا نفقة
للأب إلا بعد ثبوت حياة الابن وبتيقن ذلك قد يكون غنيا أو مديانا. قال: ولا حجة بما في
طلاق السنة من إيجابه الانفاق من مال من فقد على زوجه وبنيه، لأن نفقة هؤلاء قد كانت
لزمت المفقود إذا كان حاضرا فلا ترتفع عنه إلا بصحة وفاته. ولو باع الحاكم دار الغائب قبل
صحة حياته وأنفق على الأب ثمنها لزمه الغرم لأنه من الخطأ الذي لا يعذر فيه، ولكني أرى
أن تكرى الدار ويعطى للأب ما يرتفق به استحبابا على سبيل السلف ويخص ذلك بالتسجيل اه‍.
وفي نوازل ابن رشد في آخر كتاب الأنكحة أنه سئل عما ذكره ابن سهل يعني كلامه
المتقدم فأجاب: إنما حكى ذلك يعني ابن سهل عن الشيخ محمد بن عتاب وهو صحيح لأن
نفقة الأبوين قد كانت ساقطة عنه ولا تجب عليه لهما حتى يطلباه بها، فإذا غاب عنهما لم
يصح أن يحكم لهما عليه في مغيبه وتباع عليه فيها أصوله لاحتمال أن يكون في ذلك الوقت
قد مات، أو قد استدان من الديون ما يستغرقها، أو يكون أحق بها من نفقتهما، وذلك
بخلاف نفقة الزوجة. والفرق بينهما أن نفقة الأبوين ساقطة حتى يعلم وجوبها بمعرفة حياته
وأنه لا دين عليه يغترق ماله، وأن نفقة الزوجة واجبة حتى يعلم سقوطها بمعرفة موته أو
استغراق ذمته بالديون، وهذا من باب استصحاب الحال وهو أصل من الأصول يجري عليه
كثير من الاحكام من ذلك: الفرق بين من أكل شاكا في الفجر أو شاكا في الغروب، والفرق
بين من أيقن بالوضوء وشك في الحدث بعده وبين من أيقن بالحدث وشك في الوضوء بعده،
ومن ذلك مسألة كتاب طلاق السنة من المدونة في المفقود يموت بعض ولده في تفرقته بين أن
يفقد وهو حر أو يعتق بعد أن فقد، ومثل هذا كثير. وأما قوله: إن الحاكم يضمن إن فعل لأنه
من الخطأ الذي لا يعذر فيه فليس بصحيح وإن كان الشيخ ابن عتاب قد قاله فإنما قاله انحرافا
575

لمخالفة من خالفه من أصحابه وأفتى ببيع أصول الغائب في نفقة الأبوين. وإنما قلنا: إن ذلك
ليس بصحيح لأن ابن المواز حكى الاجماع في ذلك، وإن وجد في بعض المسائل الخلاف في
ذلك فهو شذوذ خارج عن الأصول. وما في إرخاء الستور منها وسماع أصبغ في العتبية من
بيع مال الغائب ونفقة أبويه يحمل على ما عدا الأصول استحسانا أيضا على غير قياس، لأن
القياس على ما ذكرناه أن لا ينفق عليهما في مغيبه بشئ من ماله إذ لا يؤمن من أن يكون
قد مات أو قد استدان من الديون ما هو أحق به من نفقة أبويه، ولهذه العلة قالوا: إن الغائب
لا يؤخذ من ماله الناض الزكاة وبالله التوفيق انتهى.
فرع: ونقل البرزلي كلام ابن رشد هذا في مسائل الأنكحة، ونقل ابن عرفة كلام
المدونة وكلام ابن سهل وابن رشد في كلامه على نفقة الوالدين من مختصره، وكلام المدونة
المشار إليه في إرخاء الستور هو قبل ترجمة الحكمين بأسطر ونصه بعد أن ذكر نفقة الزوجة
ونفقة الأولاد ونفقة الأبوين ويعدى على الغائب في بيع ما له للنفقة على من ذكرنا انتهى.
فرع: قال البرزلي في مسائل الأنكحة: وسئل المازري عمن أثبتت غيبة زوجها وعدم
نفقته وأنه لا مال له سوى ربع وأمرت باليمين فحلفت ونودي على الربع واستقر على المشتري
ولم ينعقد البيع، فهل يعدى لها بالنفقة من يوم الحلف أو من الحكم بالبيع؟ فأجاب: الأعداء
بالنفقة من يوم الحلف لا من يوم انعقاد البيع انتهى. وكررها في موضع آخر وقال عقيبها:
قلت: تقدم أنه يفرض لها مما ذكرت أنه بيدها من يوم الرفع انتهى ص: (وأقامت البينة على
المنكر) ش: مفهومه أنه لو أقر لم يحتج لإقامة البينة وهو ظاهر كلامه في أواخر النكاح الثاني
من المدونة. قال المشذالي وسحنون: إنه لا يقضى لها بما ذكره ابن سهل وابن رشد وهو أنه يقر
للغائب بالدين ليوجب عليه خلطة ثم يدعي عليه بأكثر مما أقر به. وقال ابن رشد في سماع
يحيى من كتاب الشهادات: إذا أراد الموثق أن يحترز من هذا فيكتب: أقر لفلان بدين بغير
محضره. انظر بقية كلامه. ونقل ابن فرحون في آخر الفصل الخامس في التنبيه على أحكام
يتوقف سماع الدعوى فيه على إثبات فصول أنه لا يكتفى بإقرار الخصم بالدين واقتصر على
ذلك ونصه.
576

مسألة: قامت امرأة على رجل غائب تدعي عليه وذكرت أن للغائب دينا على رجل
حاضر قد حل عليه وأحضرت العقد المكتوب على الغريم الحاضر، فحضر غريم الغائب مجلس
الحكم وأقر بالدين وبصحة العقد وأن الدين باق عليه للغائب، وأثبتت عند الحاكم غيبة غريمها،
فأفتى ابن مالك وابن عتاب أن إقرار غريم الغائب لا يكتفى به وأن القاضي يلزم المرأة القائمة
بإثبات العقد، فإذا ثبت أمرها بالحلف في مقطع الحق مما يجب عليها أن تحلف ويتقاضى يمينها
من يقدمه القاضي لذلك، فإذا حلفت أمر غريم الغائب بإحضار ما عليه ويدفع للمرأة حقها
وترجى الحجة للغائب وإن لم يكن الاعذار إليه انتهى. وما أفتيا به ونقل عن سحنون فالظاهر
أنه مخالف للمشهور فتأمله والله أعلم ص: (وبيعت داره بعد ثبوت ملكه) ش: تصوره واضح
مما تقدم عند قول المصنف: وفرض في مال الغائب.
فرع: قال البرزلي في مسائل التفليس: يجب على من قام على غائب بدين إثبات الدين
وملك الغائب وحيازته عن أمر القاضي وثبوت الحيازة عنده وغيبة المطلوب وأنه بعيد بحيث لا
يعلم ثم يحلف أنه ما قبض دينه ثم يقضى له ببيع الملك ويقضى دينه وترجى الحجة للغائب،
فإذا قدم وأثبت أنه قضاه فلا سبيل إلى نقض مبيع الملك ويرجع على الطالب بما قبض من
الدين. وحكى التونسي في كتاب الاستحقاق أنه ينقض البيع ودفع الثمن للمشتري. وفي العتق
من الواضحة ما يدل على هذا في مسألة من أعتق له شركا في عبد قال البرزلي.
قلت: ومثل الأول للخمي في كتاب التخيير قال: ينفذ البيع إذا فات لأنه لم ينفذ إلا
577

على الذمة. وفي الطرر: إذا ادعى الراهن أنه دفع الدين وأنكر المرتهن، فإن لم يشترط في العقد
التصديق وأقام بينة على الدفع انتقض البيع، وإن لم تقم بينة حلف المرتهن وينفذ البيع، وإن
نكل حلف الراهن لقد أوفاه وسقط الدين ونفذ البيع ويدفع المرتهن الثمن إلى الراهن، وإن
اشترط التصديق في العقد فله شرطه وينفذ البيع. قاله ابن فتحون قال: وهو مثل ما ذكر
التونسي وخلافه ما ذكر اللخمي انتهى ص: (وإن تنازعا في عسره في غيبته اعتبر حال
قدومه) ش: قال في الشامل: وإن تنازعا في عسره في الغيبة ولا بينة فثالثها لابن القاسم إن
قدم معسرا صدق وإلا صدقت انتهى. فعلم أنه إنما يعتبر حاله إذا لم تكن بينة والله أعلم. وانظر
رسم طلق من سماع ابن القاسم من طلاق السنة ص: (وفي إرسالها بالقول قولها إن رفعت
من يومئذ لحاكم) ش: يعني وإن تنازعا في إرسال النفقة، فإن رفعت المرأة أمرها لحاكم في
غيبة الزوج فالقول قولها من يومئذ يعني من يوم الرفع. قال ابن فرحون: الثالث يعني من
الأقوال المشهورة لابن القاسم قال: إن رفعت أمرها إلى الحاكم فالقول قولها من يوم الرفع
انتهى. والظاهر أن حكم الكسوة حكم النفقة والله أعلم.
تنبيه: قال أبو الحسن الصغير في أواخر كتاب النكاح الثاني: وهذا فيمن هي في
العصمة، وأما المطلقة الحامل فالقول قولها، كان الطلاق بائنا أو رجعيا. قاله ابن رشد انتهى.
ص: (لا لعدول وجيران) ش: قال ابن عرفة: الذي استمر عليه عمل قضاة بلدنا أن الرفع إلى
578

العدول كالرفع إلى السلطان والرفع إلى الجيران لغو. ص: (كالحاضر ش: يعني أن القول قوله
مطلقا ص: (وحلف لقد قبضتها) ش: راجع إلى الغائب والحاضر. قاله في التوضيح والشامل
وغيرهما. وقال في الشامل: ويعتمد في يمينه على كتابها أو رسولها انتهى. ونص كلامه في
التوضيح في شرح قول ابن الحاجب: وأما الحاضر فالقول قوله للعرف. حكى في لبيان الاتفاق
على ذلك لأن العرف يشهد بصحة قوله ولا بد له من اليمين. صرح بذلك صاحب الكافي.
وفي الطرر قال ابن رشد: إنما يصدق الرجل أنه دفع النفقة إذا ادعى بعد مضي المدة أنه كان
ينفق عليها أو كان يدفع إليها نفقتها أو ما تنفق شيئا بعد شئ أو في جملة واحدة، وأما إن
ادعى أنه دفع إليها مائة دينار عن نفقتها فيما مضى وأنكرت ذلك فلا يصدق إجماعا، وحكى
ابن زرب خلافه وخطأه. انتهى كلام التوضيح ص: (وفيما فرضه فقوله إن أشبه وإلا فقولها
إن أشبه) ش: فاعل: فرضه ضمير يعود إلى الحاكم أعم من أن يكون حاكمها هو الفارض
أو حاكم غيره. كذا ارتضاه في التوضيح. واختلف هل هذا الحكم إذا قلنا فيما مضى، وأما
579

المستقبل فالحكم فيه استئناف النظر من غير نظر قول مدعي الأشبه أو هذا الحكم مطلقا. ذكره
عياض ونقله في التوضيح ص: (وفي حلف مدعي الأشبه تأويلان) ش: التأويل بلزوم اليمين
رجحه عياض وارتضاه ابن عبد السلام.
فرع: قال ابن فرحون تبعا لابن عبد السلام: ولو أقام أحدهما شاهدا بأن الحاكم فرض
بينهما كذا وكذا فيجري على الخلاف في حكم القاضي هل يثبت بشاهد ويمين انتهى. قال
أبو الحسن في شرح هذه المسألة في أواخر النكاح الثاني: ابن رشد: والمشهور أن حكم الحاكم
في المال يثبت بالشاهد واليمين انتهى. وسيأتي الكلام على ذلك عند قول المصنف في باب
القضاء وشاهدين مطلقا والله أعلم.
فصل في نفقة الرقيق والدواب والقريب وخادمه والحضانة
ص: (إنما تجب نفقة رقيقه ودوابه إن لم يكن مرعى وإلا بيع) ش: الحصر راجع إلى
النفقة الواجبة بالملك. وقوله: تجب نفقة رقيقه يريد وكسوته بالمعروف كما قاله في آخر
سماع أشهب من كتاب الأقضية ونصه:
مسألة: قال: قال رسول الله (ص): للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف العبد
من العمل ما لا يطيق قيل لمالك: افترى أن يقضي على مالكه ولا يكلفه من العمل ما لا
580

يطيق؟ فقال: نعم أرى أن يقضي بذلك عليهم ولا يكلفوا من العمل إلا ما يطيقون. قال ابن
رشد: الحديث هو حديث الموطأ من رواية أبي هريرة. ومعنى: بالمعروف أي من غير إسراف
ولا إقتار على قدر سعة السيد وما يشبه حال العبد أيضا، فليس الوغد الأسود الذي هو للخدمة
والحرث كالنبيل التاجر الفاره فيما يجب لهما على سيدهما من الكسوة سواء، ويقضى للعبد
على سيده إن قصر عما يجب له عليه بالمعروف انتهى. وقال الباجي في شرح الموطأ في كتاب
الأقضية في نحر ناقة المزني: يلزم الرجل أن لا يجيع رقيقه عن شبعهم الوسط أو يبيعهم انتهى.
فائدة: قال ابن رشد إثر كلامه المتقدم في بيان معنى المعروف في قوله في الحديث:
للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف. وفي هذا دليل ظاهر على أن لا يلزم الرجل أن يساوي
بين نفسه وعبيده في المطعم والملبس على ما ذهب إليه بعض أهل العلم لقول النبي (ص):
أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون وقد روي عن أبي اليسر الأنصاري وأبي ذر
من أصحاب رسول الله (ص) أنهما كانا يفعلان ذلك، وهو محمول منهما على الرغبة في فعل
الخير لا أن ذلك واجب عليهما إذا لم يقل (ص) أطعموهم مثل ما تأكلون واكسوهم مثل ما
تكتسون وإنما قال: مما تأكلون ومما تلبسون، فإذا أطعمه وكساه بالمعروف من بعض ما يأكل
من الخبز والأدام ويلبس من الصوف والقطن والكتان فقد شاركه في مطعمه وملبسه وامتثل
بذلك قول النبي (ص)، وإن تفضل عليه في ذلك فلم يكن ملبسه مثل ملبسه ومطعمه مثل
مطعمه سواء فعلى هذا تحمل الآثار ولا يكون بينها تعارض. وقد سئل مالك في سماع أشهب
581

من كتاب الجامع: أيصلح أن يأكل الرجل من طعام لا يأكل منه عياله ورقيقه ويلبس ثيابا لا
يكسوهم مثلها؟ قال: أي والله إني لأراه من ذلك في سعة. فقيل له: أرأيت ما جاء من حديث
أبي الدرداء؟ قال: كان الناس يومئذ ليس لهم ذلك القوت انتهى. وقوله: ودوابه إن لم يكن
مرعى يريد وكذلك إن لم يكن المرعى يكفيها. قال في الجواهر: ويجب على رب الدواب
علفها أو رعيها إن كان في رعيها ما يقوم بها. وقاله في التوضيح وغيره انتهى. وقال ابن
فرحون: وأما إن كان المرعى يكفيها فإنما يجب عليه أن يرعاها بنفسه أو بأجرة انتهى.
وما ذكره المصنف، وقاله في الجواهر نقله ابن عرفة عن أبي عمر، ونقل عن ابن رشد ما يخالفه
وناقشه في ذلك واستصوب ما قاله أبو عمر. ولنذكر كلام ابن رشد من أصله ومناقشة ابن
عرفة له.
قال ابن رشد إثر قوله المتقدم في العبد: ويقضى للعبد على سيده إن قصر عما يجب
له بالمعروف في مطعمه وملبسه بخلاف ما يأكله من البهائم فإنه يؤمر بتقوى الله في ترك
ذلك عنها ولا يقض عليه بعلفها. وقد روي عن أبي يوسف أنه يقضى على الرجل يعلف
دابته كما يقضى عليه بنفقة عبده لما جاء أن رسول الله (ص) دخل حائط رجل من الأنصار
فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي (ص) رق له وذرفت عيناه فمسح رسول الله (ص) سروه وذفريه
حتى سكن ثم قال: من رب هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله.
فقال رسول الله (ص): أفلا تتقي الله في البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك
تجيعه. والفرق بين العبد والدابة أن العبد مكلف تجب عليه الحقوق من الجنايات وغيرها،
فكما يقضى عليه يقضى له، والدابة غير مكلفة لا يجب عليها حق لا يلزمها جناية فكما لا
يقضى عليها لا يقضى لها. انتهى كلام ابن رشد بلفظه ونقله ابن عرفة برمته، وقال بعده:
قلت: تعذر شكوى الدابة يوجب أحروية القضاء لها، وذكر أبو عمر في العبد ما تقدم وقال:
ويجبر الرجل على أن يعلف دابته أو يرعاها إن كان في رعيها ما يكفيها أو يبيعها أو يذبح
ما يجوز ذبحه ولا يترك يعذبها بالجوع. قلت: ولازم هذا القضاء عليه لأنه منكر وتغيير
المنكر واجب القضاء به، وهذا أصوب من قول ابن رشد. وقوله: مسح سروه أي ظهره.
الجوهري: سراة كل شئ ظهره ووسطه والجمع سروات. والذفر بالذال المعجمة. الجوهري:
هو الموضع خلف أذن البعير أول ما يعرق منه. انتهى كلام ابن عرفة بلفظه والله أعلم.
وقوله: وإلا بيع أي وإن لم ينفق على رقيقه أو على دابته حيث تلزمه النفقة عليهم فإنهم
يباعون عليه، يريد إلا الحيوان المأكول فإنه لا يتعين عليه البيع بل يخير بين الذبح والبيع كما
تقدم في كلام أبي عمر. وما قاله في الجواهر وغيرها ونص الجواهر إثر كلامه المتقدم فإن
أجدبت الأرض تعين عليه العلف، فإن لم يعلف أمر بأن يذبحها أو يبيعها إن كانت يجوز
أكلها ولا يترك وتعذيبها بالجوع أو غيره انتهى.
582

فروع: الأول: نفقة العبد المشترك على قدر الأنصباء، والمعتق بعضه كالمشترك، والمدبر
والمعتق إلى أجل كالقن والمخدم المشهور أن نفقته على من له الخدمة، وقيل على سيده وقيل إن
كانت الخدمة يسيرة فعلى السيد وإلا فعلى من له الخدمة. انتهى بالمعنى من ابن عرفة.
الثاني: قال ابن عرفة: قال ابن حارث: اختلف في الأمة المستحقة تكون حاملا ممن
استحقت منه فقال ابن عبد الحكم: نفقتها على مستحقها. وقال يحيى بن عمر: بل هي على
من هي حامل منه، وقول يحيى هذا جيد لأن الجنين حر.
قلت: الأظهر إن كان في خدمتها قدر نفقتها أنفق عليها منه انتهى.
الثالث: قال الشيخ يوسف بن عمر: من كان له شجر ضيعها بترك القيام بحقها فإنه
يؤمر بالقيام فيها، فإن لم يفعل فإنه مأثوم ولم نسمع أنه يؤمر ببيع ذلك إذا فرط فيه انتهى.
وقاله الجزولي أيضا وزاد: ويقال له ادفعها لمن يخدمها مساقاة لجميع الثمرة انتهى والله أعلم
ص: (كتكليفه من العمل ما لا يطيق) ش: يعني أنه كما يباع عليه رقيقه ودوابه لعدم النفقة
عليهم حيث تلزمه النفقة عليهم فكذلك يباعون عليه إذا كلفهم من العمل ما لا يطيقون.
وقوله: ما لا يطيق يريد ما لا يطيقه إلا بمشقة خارجة عن المعتاد لا ما لا يطيقه أصلا ولذلك
قال مالك: لا يكلف العبد الصغير الذي لا صنعة له الخراج لأنه لا يجد ما يخدم فيؤدي إلى
أن يسرق، وكذلك الأمة لأنه يؤدي إلى أن تسعى بفرجها. وروي هذا عن عثمان. كذا قال
الجزولي في شرح قول الرسالة: ولا يكلف من العمل ما لا يطيق. وقال أيضا: وسئل مالك:
هل للسيد أن يقيم عبده للطحن بالليل؟ فقال إذ كان يخدم بالنهار فلا ينبغي لسيده أن يقيمه
بالليل ليطحن إلا الشئ الخفيف، وإن كان لا يخدم بالنهار يجوز ذلك. انتهى. ونقله ابن عمر
وقال: لا يخدم بالليل إلا ما خف من الأعمال انتهى. والمسألة في كتاب الإجارة من المدونة
في ترجمة الأجير يفسخ إجارته في غيرها ونصها: ومن آجر أجيرا للخدمة استعمله على عرف
الناس من خدمة الليل والنهار كمناولته إياه ثوبه أو الماء في ليله وليس مما يمنعه النوم إلا في أمر
يفرض مرة بعد المرة يستعمله فيه بعض ليلة كما لا ينبغي لأرباب العبيد إجهادهم، فمن عمل
583

منهم في نهاره ما يجهده فلا يستطحن في ليله إلا أن يخف عمل نهاره فليستطحنه ليله إن شاء
من غير إفداح ويكره ما أجهد أو قل منه انتهى.
تنبيه: قال في الجواهر: لا يتعين ما يضرب على العبد من خراج بل عليه بذل المجهود
انتهى. وقوله: كتكليفه الضمير راجع إلى المملوك المدلول عليه بالرقيق والدواب. فأما الرقيق
فقال في التوضيح:
فرع: إذا تبين ضرره بعبده في تجويعه وتكليفه من العمل ما لا يطيق وتكرر ذلك منه بيع
انتهى. وما ذكره في التوضيح هو نص كلام ابن رشد وسيأتي ذلك في أثناء كلام له عند قول
المصنف: وإعفافه بزوجة. وتقدم في باب النفقات عند قول المصنف: وإن غائبا حكم ما إذا
أعسر السيد بنفقة أم الولد والمدبر والمعتق إلى أجل أو غاب وتركهم، وأما إن أضر بهم فقال في
النوادر في آخر ترجمة الرفق بالمملوك من كتاب الأقضية الثاني ناقلا له عن العتبية وقال: يعني
أشهب في مدبر أضر به سيده ويؤدبه قال: يخرج من يده ويؤاجر عليه. قال أصبغ: إنه لا يباع
عليه اه‍. والمسألة في العتبية في كتاب السلطان في ثاني مسألة من سماع أصبغ ونصها: وسئل
يعني أشهب عن المدبر يضر به سيده ويؤدبه قال: يخرج من يده ويؤاجر عليه. قال أصبغ: ولا
يباع لأن المدبر لا يباع على حال في الحياة ولا تنقض الضرورة التدبير لأنه عتق. قال ابن
رشد: هذا بين على ما قاله قياسا على مدبر النصراني يسلم أنه يؤاجر ولا يباع كما يباع عليه
عبده إذا أسلم وبالله التوفيق اه‍. والظاهر أن المعتق إلى أجل مثله، وانظر أم الولد هل تؤاجر أو
تعتق والله أعلم. وأما الدواب فقال الشيخ يوسف بن عمر عند قول الرسالة في باب التعالج:
ويرتفق بالمملوك والرفق بسائر الحيوان أيضا مطلوب، فلا يجوز له أن يحمل دابته ما لا تطيق
ولا يعرى ظهرها، فإن لم يقم بحق الحيوان فإنه يقال له إن لم تقم بحقها وإلا تباع عليك
اه‍. ونحوه قول الجواهر المتقدم، ولا يترك وتعذيبها بالجوع ونحوه.
تنبيه: قال الجزولي في شرح قول الرسالة: ويكره الوسم في الوجه ويجوز أن يحمل على
البغال والحمير ويجوز ركوبها. قال ابن العربي: ولا خلاف في البقر أنه لا يجوز أن يحمل
عليها وإنما اختلف في ركوبها هل يجوز أم لا قولان. الشيخ: وإنما كره ابن العربي أن يحمل
عليها لما رأى بعض الناس حمل على بقرة فقالت له: ألهذا خلقت اه‍. والله أعلم.
فرع: قال الزناتي: يجوز للعبد أن يقول لسيده يا سيدي ويا مولاي ولا يقول ربي اه‍.
ص: (وبالقرابة على الموسر نفقة الوالدين المعسرين) ش: يريد سواء كانا مسلمين أو كافرين،
584

كان هو مسلما أو كافرا، صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، سواء رضي الزوج أو أبى. قاله في
المدونة في آخر كتاب إرخاء الستور قبل ترجمة الحكمين بأسطر. ويلزم الولد الملئ نفقة أبويه
الفقيرين، كانا مسلمين أو كافرين. والولد صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، كانت البنت متزوجة
أم لا وأنكره زوج الابنة اه‍. وقاله ابن الحاجب وهذا هو المشهور. وروى ابن غانم عن مالك أنه
لا نفقة للأبوين الكافرين. نقله في التوضيح. وقال ابن عرفة: وتجب نفقة الوالد لفقره على ولده
ليسره والكفر والصحة والصغر وزوج البنت وزوج الام الفقير لغو. ابن حارث: روى ابن غانم:
لا نفقة للأبوين الكافرين. المتيطي: بالأول العمل وهو قول مالك المشهور اه‍.
فروع: الأول: فإن كان للوالد مال فوهبه أو تصدق به ثم طلب الابن بالنفقة فللولد أن
يرد فعله، وكذلك لو تصدق به على أحد ولديه لكان للولد الآخر أن يرد فعله. قاله اللخمي
ونقله في التوضيح.
الثاني: قال اللخمي: وإن كان للأب صنعة تكفيه وزوجته جبر عليها وإن كفت
بعض نفقته أكملها ولده. وقال الباجي: نفقة الوالدين المعسرين تلزم الولد ولو قويا على
العمل، قال ابن عرفة إثر نقله كلامهما قلت: قولا اللخمي والباجي كالقولين في الفقير
القادر على العمل هل يعطي الزكاة أم لا اه‍. واقتصر في الجواهر على قول اللخمي فقال في
نفقة القرابة: ويشترط في المستحق الفقر والعجز عن التكسب، ويختص الأولاد بزيادة شرط
الصغر اه‍. وسيأتي كلامه بأتم من هذا في شرح قول المصنف: ونفقة الولد. وهذا هو
الظاهر قياسا على الوالد فإنه يشترط في وجوب نفقته العجز عن التكسب وعليه اقتصر في
الشامل والله أعلم.
الثالث: قال ابن عرفة في نوازل ابن رشد: من استلحقه رجلان وأنفقا عليه حتى كبر ثم
افتقرا لزمه نفقة رجل واحد يقتسمانها، وإن افتقر أحدهما لزمه نصف ذلك اه‍ ص: (وأثبتا
العدم بلا يمين) ش: لو قال: ولا يمين لكان أحسن والأول صواب، وتردد ابن رشد في لحوق
اليمين واستظهر الحكم بوجوبها ذكره في رسم صلى نهارا من كتاب الأقضية والله أعلم ص:
585

(وهل الابن إن طولب بالنفقة محمول على الملا أو العدم قولان) ش: قال ابن رشد في
البيان إثر كلامه المتقدم في التنبيه الثالث في شرح قول المصنف: وفرض في مال الغائب في
قول العتبية المتقدم هناك: فنفقة الأبوين لا تجب إلا بفريضة من سلطان حتى يجدهما
يستحقانها ويجد لهما ما لا يعديهما فيه وإلا فلا. وقوله: ويجد لهما ما لا يعديهما فيه مثله
في كتاب ابن المواز وهو يدل على أنه محمول على العدم حتى يثبت ملاوه على ما ذهب إليه
ابن الهندي خلاف ما ذهب إليه ابن العطار اه‍. قال في مختصر المتيطي إثر نقله القولين: وهذا
الخلاف إنما هو إذا لم يكن له ولد سواه، فإن كان له غيره وجب على الابن المدعي العدم
إثبات عدمه لحق أخيه اه‍. ونحوه في التوضيح والشامل والله أعلم ص: (وإعفافه بزوجة) ش:
تصوره واضح.
فرع: قال ابن عرفة: وسمع ابن القاسم في العدة لا يجبر الولد على إحجاج أبيه. ابن
رشد: هذا على أن الحج على التراخي، وعلى الفور يلزمه ذلك كما يجبر على شراء الماء لغسله
ووضوئه.
فرع: وأما الولد فقال اللخمي: وقول مالك ليس على الأب أن ينفق على زوجة ولده
والقياس أن ذلك عليه قياسا على زوجة الأب أن على الابن أن ينفق عليها ولان الابن أحوج
إلى الزوجة منه اه‍. ونقله ابن عرفة عنه. وقال بعده: قلت: يرد بأن نفقة الابن تسقط ببلوغه
وإن فرض كونه بلغ زمنا فالزمانة مظنة عدم الحاجة للزوجة اه‍ والله أعلم. وأما العبد والأمة إذا
شكيا العزبة فتقدم الكلام عليه في باب النكاح عند قول المصنف: وجبر المالك عبدا أمة بلا
586

إضرار لا عكسه والله أعلم. ص: (ولا تتعدد إن كانت إحداهما أمه) ش: فأحرى إن لم
تكن إحداهما أمه، ولو قال المصنف: لو لكان أحسن وأجرى على طريقته.
فرع: قال ابن عرفة عن اللخمي: فإن كانت له زوجتان ونفقتهما مختلفة فدعا الأب
للتي نفقتها أكثر وخالف الولد فلا أعرف فيها نصا، ومقتضى أصول المذهب أن القول قول
الأب إن كانت من مناكحه اه‍. ص: (وهل على الرؤوس أو الإرث أو اليسار أقوال) ش:
ذكر البرزلي في أواخر مسائل النكاح أن المشهور أنها على قدر الملا فانظره والله أعلم.
مسألة: قال ابن عرفة: وفي نوازل ابن رشد: من أنفق على أبيه المعدم فلا رجوع له
على إخوانه الأملياء بشئ مما أنفق، ليس لأجل ما ذكر أنه يحمل منه ذلك على التطوع، بل
لو أشهد أنه إنما ينفق عليه على أن يرجع على إخوته بمنابهم لما وجب له الرجوع عليهم بشئ،
لأن نفقته لم تكن واجبة عليهم حتى يطلبوا بها بخلاف نفقة الزوجة.
قلت: ويؤيده ما في سماع أصبغ من كتاب العدة من يغيب ويحتاج أبواه وامرأته ولا
مال له خاص، أيؤمران أن يتداينوا عليه ويقضى لهم بذلك؟ قال: أما الزوجة فنعم، وأما
الأبوان فلا لأنهم لو لم يرفعوا ذلك حتى يقدم فيقر لهم غرم للمرأة لا للأبوين اه‍. وقال أبو
الحسن الصغير في أوائل الزكاة الأول في شرح قول المدونة في الأبوين والولد إذا أنفقوا ثم
طلبوا لم يلزمه ما أنفقوا وإن كان موسرا. ويقوم من هنا مثل ما ذكر ابن رشد في الأجوبة
فيمن أنفق على أبيه وله إخوة فأرادوا الرجوع على إخوته بما ينوبهم، فليس ذلك له وإن أشهد
إذ لا تجب للأب النفقة حتى يبتغيها اه‍. وقول ابن رشد لأنها ساقطة عنهم حتى يطلبوا بها،
587

انظر لو طلبوا بها وفرضها الحاكم والظاهر أنه إن أشهد أنه يرجع فله الرجوع، وإن لم يشهد
فيحلف ويرجع والله أعلم. ونقل البرزلي كلام ابن رشد في مسائل الأنكحة ص: (ونفقة الولد
الذكر حتى يبلغ عاقلا قادرا على الكسب والأنثى حتى يدخل زوجها) ش: يعني أنه يجب
بالقرابة أيضا على الأب الحر إذا كان له فضل عن قوته وقوت زوجته إن كانت له زوجة نفقة
الولد الذكر الحر إذا لم يكن له مال ولا كسب بصنعة لا تلحقه فيها معرة، فإن كان له مال أو
صنعة لم تجب على الأب إلا أن يمرض الولد أو تكسد صنعته فتعود النفقة على الأب، وإن لم
يكن فيها كفاية وجب على الأب التكميل. وتستمر نفقة الولد الذكر حتى يبلغ عاقلا قادرا
على الكسب أو يحدث له مال أو صنعة، وحكم الأنثى كذلك في جميع ما تقدم إلا أنها
تستمر نفقتها حتى يدخل بها زوجها، يريد أو يدعى إلى الدخول وهي ممن يوطأ مثلها وهو
بالغ. ولو قال: حتى تجب النفقة على الزوج كما قال في الجواهر: السبب الثاني القرابة
والمستحق بها أولاد الصلب والأبوان، ولا يتعدى الاستحقاق لولد الولد ولا للجد والجدة.
ويشترط في المستحق فقره وعجزه عن التكسب، ويختص الأولاد بشرط آخر وهو الصغر على
تفصيل يأتي، ويشترط في المستحق عليه يسره بما يزيد على حاجته ولا يباع عليه عبده وعقاره
إذا لم يفضلا عن حاجته، ولا يلزمه الكسب لأجل نفقة القريب، ولا يشترط المساواة في الدين
بل ينفق المسلم على الكافر والكافر على المسلم، وتستمر النفقة في حق الأبوين للموت أو
لحدوث مال، وفي الولد الذكر لبلوغه صحيحا، وفي الأنثى حتى تتزوج، وتجب النفقة على
زوجها فمن بلغ وبه زمانة تمنعه السعي لم تسقط على المشهور، وقيل تسقط انتهى.
588

قلت: قوله: يشترط في المستحق عجزه عن التكسب هو أحد القولين اللذين ذكرهما
ابن عرفة وتقدما. وقال المصنف في التوضيح: وإنما تجب نفقة الولد على من قدر عليها وإن لم
يقدر عليها وقدر على حق الزوجة فلا درك عليه في ذلك. ونقله ابن عرفة أيضا وغيره ونقله
البرزلي في مسائل النكاح، وزاد عن القابسي: والولد من فقراء المسلمين إلا الذي يرضع فعلى
أمه رضاعه في عسر أبيه مع قيامه بنفقتها انتهى. ونحوه في كتاب النفقات لابن رشد. وفيه:
إنهن لو كن أربع زوجات كن أحق من والدته وولده.
فرع: قال ابن عرفة اللخمي: نفقة الأب فيما فضل للولد عن نفقته ونفقة زوجته،
واختلف إذا كان للولد ولد، فقيل يتحاص الجد وولد الولد. وقال ابن خويز منداد: يبدأ الابن
وأرى أن يبدأ الابن وإن كان صغيرا لا يهتدى لنفعه، وسواء كان الأب صحيحا أو زمنا. وإن
كان الولد كبيرا ترجح القولان، وكذا الولد أن يبدأ الصغير على الكبير والأنثى على الذكر،
وكذا الأبوان تبدأ الام على الأب انتهى. ونقله في الشامل أيضا. وفي آخر باب النفقات من
التوضيح شئ منه عن اللخمي.
تنبيه: لو رشد الرجل ابنته لم تسقط نفقتها بترشيده وتلزمه نفقتها حتى يدخل بها
زوجها. قاله المتيطي ونقله في المسائل الملقوطة ص: (وتسقط عن الموسر بمضي الزمن إلا
لقضية أو ينفق غير متبرع) ش: أي وتسقط نفقة القريب، سواء كان أبا أو ابنا بمضي الزمن
عن قريبه، فلو تحيل في الانفاق ثم أراد الرجوع فليس له ذلك لأنها مواساة لسد الخلة، فإذا
انسدت الخلة زال الوجوب، وهذا بخلاف نفقة الزوجة لأنها في معنى المعاوضة فلا تسقط،
وأما نفقة القريب فتسقط إلا لقضية أي إلا إذا كان القاضي قد فرضها فلا تسقط ويرجع بها
589

المنفق ولو مضى زمنها، أو ينفق على القريب شخص غير متبرع. وما ذكره المصنف هو نحو
قول ابن الحاجب: وتسقط عن الموسر بمضي الزمان بخلاف الزوجة إلا أن يفرضها الحاكم أو
ينفق غير متبرع. قال ابن عرفة: وكلامه يقتضي أن نفقة الأجنبي غير متبرع كحكم القاضي
بالنفقة وليس كذلك، إنما يقضي للمنفق غير متبرع إذا كان ذلك بعد الحكم بها. قال: إلا أن
يفرضها فيقضي بها لهما أو لمن أنفق عليهما غير متبرع لكان أصوب. الشيخ عن الموازية: إذا
رفع الأبوان إلى السلطان في مغيب الابن ولا مال له حاضر لم يأمرهما أن يتسلفا عليه بخلاف
الزوجة إذ لا تجب نفقتهما إلا بالحكم انتهى. وكلام ابن عبد السلام قريب مما قاله ابن عرفة
ونصه إثر قول ابن الحاجب: إلا أن يفرضها الحاكم أو ينفق غير متبرع يعني إلا أن تكون النفقة
وجبت بعد توجه موجبها عند الحاكم وفرضها لمن وجبت له وتعذر أخذها ممن وجبت عليه
لغيبة وشبهها أو لم تتعذر فأنفق على الأب أو على الولد من لم يقصد إلى التبرع بل قصد
الرجوع فله الرجوع.
ونبه بقوله: وفرضها القاضي على الجمع بين مسألتي المدونة، وذلك أنه قال في كتاب
الزكاة الأول في الأبوين والولد إذا أنفقوا ثم طلبوا لم يلزمه ما أنفقوا وإن كان موسرا. وقال في
النكاح الثاني: وإذا أنفقت يعني الزوجة على نفسها وعلى صغار ولده وأبكار بناته من مالها أو
سلفا والزوج غائب، فلها اتباعه إن كان في وقت نفقتها موسرا. فجمعوا بينهما على أن ما في
الزكاة قبل فرض القاضي وما في النكاح بعد فرضه انتهى. ونقل ابن عرفة كلامه هذا برمته
وقال بعده: قلت: في زكاتها مثل ما في نكاحها وهو قوله: ويعدى الولد والزوجة بما تسلفاه
في يسره من النفقة انتهى. فأول كلام ابن عبد السلام إلى قوله: فله الرجوع ظاهره يقتضي
ما قاله ابن عرفة إن إنفاق غير المتبرع على الأب والولد كان بعد وجوب النفقة، وذلك بعد
توجه موجبها عند الحاكم وفرضها لمن وجبت له. وهذا الذي ذكره ابن عرفة بالنسبة إلى نفقة
الوالدين ظاهر كما تقدم في كلام ابن رشد في مبيع عقار الغائب للنفقة على أبويه في شرح
قول المصنف: وفرض في مال الغائب، وأما نفقة الولد فليس ذلك بظاهر بل قد نقل هو في
كلامه المتقدم عن المدونة في الزكاة والنكاح أنه يعدى الولد والزوجة بما تسلفا في يسره من
النفقة، وتقدم عنه أيضا عند قول المصنف: وعلى الصغيران كان له مال أنه نقل عن ابن رشد
أن المنفق على الصغير لا يرجع إلا إذا كان للصغير مال أو لأبيه وإن رأى الولد كماله، وأن
رجوعه إنما هو إذا أنفق وهو يعلم مال اليتيم أو يسر الأب. وما ذكره عن زكاة المدونة هو قول
أشهب في الزكاة الأول وفي آخر باب المديان بعد كلام ابن القاسم الذي نقله ابن عبد السلام
عن نكاحها الثاني هو في أواخره في باب زكاة ما يباع على الرجل فيما يلزمه من نفقة امرأته،
وهو نص ما ذكره ابن عبد السلام عنها هو نص كلام ابن القاسم برمته. وأما ما ذكره
ابن عرفة فهو بعض كلام أشهب، ولتركه كلام الكتابين المتقدمين من الام بلفظها تتميما
590

للفائدة قال في النكاح الثاني: قلت: أرأيت إن أنفقت على نفسها وعلى ولدها والزوج غائب
ثم طلبت نفقتها؟ قال: ذلك لها إن كان موسرا يوم أنفقت على نفسها وعلى أولادها منه إذا
كانوا صغارا أو جوارا أبكارا، حضن أو لم يحضن، وهذا رأيي انتهى.
وقال في الزكاة الأول بعد قوله قلت: أرأيت رجلا له عشرون دينارا قد حال عليه
الحول وعليه عشرة دراهم نفقة شهر لامرأته، قد كان فرضها القاضي أو لم يفرضها، ثم اتبعته
بنفقة الشهر وعند الزوج هذه العشرون دينارا؟ فقال: تأخذ نفقتها ولا يكون على الزوج فيها
زكاة. قلت: أرأيت إن كانت هذه النفقة على هذا الرجل الذي وصفت لك إنما هي نفقة
والدين أو ولد؟ فقال: لا تكون نفقة الوالدين والولد دينا أبطل به الزكاة عن الرجل لأن
الوالدين والولد إنما تلزم النفقة لهم إذا اتبعوا ذلك، وإن أنفقوا ثم طلبوه بما أنفقوا لم يلزمه ما
أنفقوا، وإن كان موسرا تلزمه ما أنفقت قبل أن تطلبه بالنفقة إذا كان موسرا.
قلت: فإن كان القاضي قد فرض للأبوين نفقة معلومة فلم يعطهم ذلك شهرا وحال
الحول على ما عند الرجل بعد هذا الشهر، أتجعل نفقة الأبوين ها هنا دينا فيما في يديه إذا
قضى بها القاضي؟ قال: لا. وقال أشهب: أحط به عنه الزكاة وألزمه ذلك إذا قضى القاضي
عليه في الأبوين، لأن النفقة لهما إنما تكون إذا طلبا ذلك، ولا يشبهان الولد ويرجع الولد على
الأب بما تداين الولد لو أنفق عليه إذا كان موسرا، ويحط ذلك عنه الزكاة، كان بفريضة من
القاضي أو لم يكن، لأن الأولاد لم تسقط نفقتهم عن الوالد إذا كان له مال من أول ما كانوا
حتى يبلغوا والوالدان قد كانت نفقتهما ساقطة فإنما ترجع نفقتهما بالقضية والحكم من
السلطان والله أعلم انتهى. قال أبو الحسن الصغير: قوله: وإن أنفقوا ثم طلبوا لم يلزمه ما
أنفقوا انظر هذه المسألة تناقض مسألة تضمين الصناع فيمن أنفق على لقيط ثم ظهر له بعد
ذلك أنه يرجع على الأب بالنفقة، فيقوم مما في تضمين الصناع مثل قول أشهب أن نفقة الولد
تسقط الزكاة وإن كانت بغير قضية. ثم نقل كلام اللخمي وأبي إسحاق وغيرهما من الشيوخ
وما قالوه من التوفيق بين قول ابن القاسم وأشهب، وأطال الكلام في ذلك فليراجعه من أراده
والله أعلم. وتقدم في كلام ابن عبد السلام الإشارة إلى معارضة كلام ابن القاسم المذكور أيضا
بكلامه الذي في النكاح الثاني وما وفق به بينهما والله أعلم ص: (واستمرت إن دخل زمنه ثم
طلق لا إن عادت بالغة أو عادت الزمانة) ش: أي واستمرت النفقة إن دخل الزوج بالبنت
591

حال كونها زمنة ثم طلقها، ومثل ذلك إذا كان للولد الزمن مال ثم ذهب فإن نفقته تعود على
الأب. قاله الباجي ونقله في التوضيح. وقوله: لا إن عادت بالغة أي لا إن زوجت البنت قبل
البلوغ ودخل بها الزوج ثم طلقها أو مات عنها بعد البلوغ وعادت إلى الأب بالغة، فإن النفقة
لا تعود على الأب. ومفهوم كلامه أنها لو عادت غير بالغة لوجب على الأب الانفاق عليها
وهو كذلك. قال سحنون: ولا يسقطها بلوغها بل حتى تتزوج زوجا آخر ويدخل بها. وقال
غيره: لا تعود أصلا. وقال غيره: تعود إلى أن تبلغ فتسقط وهو الذي قدمه المتيطي فقال: ولا
تسقط النفقة بترشيده إياها. وتقدم نقل ذلك عنه أيضا وعن المسائل الملقوطة والله أعلم.
فرع: ومفهوم قولنا ودخل بها الزوج أنها إن طلقت قبل البناء فهي على نفقتها وهو
كذلك. قاله في التوضيح. وأشار بقوله: أو عادت الزمانة إلى أنه إذا بلغ الولد زمنا وقلنا
استمرت نفقته، فإذا صح سقطت نفقته، فإن عادت إليه الزمانة لم تعد نفقته على الأب وعلى
هذا اقتصر ابن الحاجب والله أعلم ص: (وعلى الام المتزوجة والرجعية) ش: ما ذكره المصنف
في الرجعية هو المذهب كما صرح به في أواخر كتاب الرضاع من المدونة، وعليه اقتصر ابن
الحاجب وابن عرفة وغيرهما، فما صرح ابن رشد في رسم سعد في الطلاق من سماع ابن
القاسم من طلاق السنة من أنه لا يلزمها مشكل لأنه مخالف للمذهب والله أعلم ص: (إلا
لعلو قدر) ش: قال ابن عرفة اللخمي: لذات الشرف رضاعه بأجر انتهى. وقال المصنف في
التوضيح: نص عليه اللخمي وابن بشير وابن عبد السلام وأفتى بعض أشياخ شيخي بأن الشريفة
إذا تواضعت للارضاع لا أجر لها لاسقاطها حقها ولا كبير مؤنة عليها في لبنها ص: (أو
592

يعدم الأب) ش: يريد ولا مال للصبي، فإذا لم يكن لواحد منهما مال ولها ابن ومال كانت
مخيرة بين أن ترضعه أو تسترضعه إلا أن لا يقبل غيرها فتجبر على رضاعه، فإن لم يكن لها
لبن أجبرت على أن تسترضع له. قاله ابن رشد في أول مسألة من كتاب الرضاع ثم قال: ولا
رجوع لها على من أيسر من الأب أو الابن كانت أرضعته أو استرضعت له من مالها لأنها
أسقطت عنهما ذلك بعدمهما انتهى. ص: (ولو وجد من ترضعه عنده مجانا) ش: قال في
المسائل الملقوطة ناقلا له عن معين الحكام: إذا أبت المرأة أن ترضع ولدها فإن الأب يستأجر
له من ترضعه وليس عليه أن يكون ذلك عند أمه، وأما إن وجد الأب من ترضعه باطلا أو بدون
ما طلبته الام فعليه أن يرضعه عند أمه ولا يخرجه من حضانتها انتهى. ص: (وحضانة الذكر
للبلوغ والأنثى كالنفقة للام) ش: الحضانة مأخوذة من الحضن وهو ما دون الإبط إلى الكشح
ونواحي كل شئ وجوانبه أحضانه، وكأن الصبي ضم إلى جوانب المحضون. وقال ابن عرفة:
الحضانة هي محصول قول الباجي: حفظ الولد في مبيته ومؤنة وطعامه ولباسه ومضجعه
وتنظيف جسمه. ابن رشد والمتيطي: الاجماع على وجوب كفالة الأطفال الصغار لأنه خلق
593

ضعيف يفتقر لكافل يربيه حتى يقوم بنفسه، فهو فرض كفاية إن قام به قائم سقط عن الثاني لا
يتعين إلا على الأب والأم في حولي رضاعه إن لم يكن له أب ولا مال أو كان ولا يقبل
غيرها انتهى. والكشح بفتح الكاف والشين المعجمة ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف. قاله في
الصحاح.
تنبيه: إنما قال المصنف في الذكر البلوغ وفي الأنثى كالنفقة ولم يقل في الذكر كالنفقة
لأن المشهور في الحضانة أنها تنقطع في الذكور بالبلوغ ولو كان زمنا بخلاف النفقة والله
أعلم. وفهم من قوله: والأنثى كالنفقة أن البنت إذا تزوجت قبل البلوغ ودخل بها الزوج ثم
طلقها أن الحضانة تعود للام. وقاله الجزولي في شرح الرسالة. وقوله: للام ظاهر التصور.
مسألة: إذا التزمت المرأة حضانة ابنتها فتزوجت قبل تمام الحضانة فسخ نكاحها حتى يتم
أمد الحضانة. قال ابن عبد الغفور: وأراه أراد قبل الدخول. وقال الأبهري: شرط باطل، ولا
يجوز وتتزوج إن أحبت. تأمل ذلك في شرح ابن عبد السلام في كتاب التخيير. انتهى من
المسائل الملقوطة ص: (ولو أمة عتق ولدها) ش: قال ابن عرفة:
قلت: ذلك إن لم يتسررها سيدها انتهى.
فرع: قال الباجي:
مسألة: إذا عتقت الأمة على أن تركت حضانة ولدها فقد روى عيسى عن ابن القاسم
أنه يرد إليها بخلاف الحرة تصالح الزوج على تسليم الولد إليه لأنه يلزمها. وروى عنه أبو زيد
أن الشرط لازم كالحرة. انتهى من كتاب الأقضية في القضاء بالحضانة، وذكر المسألة في رسم
أوصى من سماع عيسى من التخيير والتمليك، وفي سماع أبي زيد من العتق، واستظهر ابن
رشد القول بعدم لزومها من جهة القياس والقول باللزوم من جهة المعنى فانظره والله أعلم ص:
(وللأب تعاهده وأدبه وبعثه للمكتب) ش: هذا نحو قوله في المدونة: وللأب تعاهد ولده عند
أمه وأدبه وبعثه للمكتب ولا يبيت إلا عند أمه انتهى. قال ابن عرفة:
594

قلت: يجب كون الظرف الذي هو عند في موضع الحال من ولده لأنه معمول للفظ
تعاهده لأن ذلك ذريعة لاتصاله بمطلقته مع زيادة ضرر زوجها بذلك.
قلت: إذا تزوجت سقطت ولذلك شرط في الجدة التي لا تكون عند أمه التي سقطت
حضانتها. وقال في التوضيح: يمكن أن تكون العلة أن للأب تعاهدهم عند الام وأدبهم، فإذا
سكنت الحاضنة مع أمهم لم يكن للأب تعاهدهم لسبب ما يحدث بذلك مما لا يخفى انتهى.
قال أبو الحسن الصغير: ويقوم من هنا أن الأب له القيام بجميع أمور ولده يختنه ويصنع
الصنيع، وله أن يختنه في داره ثم يرسله لامه. ولو تنازع الأبوان في زفاف البنت عند أيهما
يكون فظاهر النقل أن القول للام انتهى. وقال المشذالي في إرخاء الستور: قال الشيخ أبو
الحسن: لم أر فيه نصا وفيه حق للأب وحق للام انتهى. والذي رأيته لأبي الحسن هو ما تقدم.
وقال الجزولي في شرح قول الرسالة: ونكاح الأنثى ودخولها أخذ بعض الموثقين من هذا أن
الأب والأم إذا تنازعا فيمن تزف عنده أن ذلك للام. انتهى باختصار ص: (ثم جدة الام) ش:
ظاهره أنه سواء كانت جدتها لأمها أو لأبيها وهو كذلك. قاله ابن عرفة واللخمي قال: فإن
اجتمعا فأم أمها أحق من أم أبيها، فإن لم تكن واحدة منهما فأم أم أمها أو أم أم أبيها أو أم أبي
أبيها أو أم أبي أمها، فإن اجتمع الأربع فأم أم الام ثم أم أب الام وأم أم الأب بمنزلة واحدة ثم
أم أبي أم الأب، وعلى هذا الترتيب أمهاتهن ما علون فإن لم تكن واحدة منهن فأخت الام
الشقيقة. انتهى وقاله في المقدمات.
فرع: قال في المسائل الملقوطة: إذا كان للولد جدتان من قبل الأب ومن قبل الام
وليس له إلا دار قيمتها عشرون دينارا أو نحوها فقالت أم الأب أنا أنفق عليه من مالي ويكون
معي وتبقى له داره رفقا به وأرادت جدة الام بيعها لتنفق ثمنها، فجدة الام أولى بالحضانة
انتهى. ونقله ابن عرفة عن بعض الموثقين وزاد وقال المشاور: ينظر إلى الأرفق بالصبي. قال ابن
عرفة:
قلت: في كون الحضانة حقا للحاضن أو للمحضون ثالثها لهما لروايتي القاضي واختيار
الباجي مع ابن محمد. فعلى الثاني تقدم الجدة للأب انتهى. والمشاور هو ابن الفخار كما قال
595

ابن غازي هنا ص: (ثم جدة الأب) ش: يريد أم الأب ثم أم أمه ثم أم أبيه ص: (ثم هل بنت
الأخ أو الأخت أو الأكفأ منهما وهو الأظهر أقوال) ش: قال ابن عرفة: وتلحق بنت الأخ
وفي تقديمها على بنت الأخت ثالثها هما سواء يرجح بقوة الكفاءة. لابن رشد وابن محرز
ونقل ابن رشد اه‍. وقد حكاها في المقدمات في آخر الفصل فسقط اعتراض الشرح الكبير
على المصنف في الأقوال التي ذكرها بأنها ليست كذلك في المقدمات ص: (لا جد لام) ش:
قال في التوضيح: قال اللخمي: لم أر للجد للام في الحضانة نصا، وأرى له في ذلك حقا لأن
596

له حنانا ولذا غلظت الدية فيه وأسقط عنه القود، وفي الوثائق المجموعة: إذا اجتمع الجدان فالجد
للأب أولى من الجد للام. وهو قول ابن العطار ونص في المقدمات على أنه لا حق له اه‍.
قلت: ذكره في المقدمات لما تكلم على الحاضنة إذا كانت متزوجة بمحرم وأن حضانتها
لا تسقط قال: سواء كان ممن له الحضانة كالعم والجد للأب أو ممن لا حضانة له كالخال
والجد للأم لا تأثير له في إسقاط الحضانة اه‍. وقال ابن عرفة بعد أن ذكر كلام اللخمي: قلت:
قول ابن الهندي: الجد للأب أولى من الجد للام بدليل حضانته انتهى. ص: (وفي
المتساويين بالصيانة والشفقة) ش: قال ابن عرفة: قال اللخمي: إن علم جفاء الأحق لقسوته أو
لما بينه وبين أحد أبويه ورأفة إلا بعد قدم عليه. قال ابن عرفة: قلت: إن كانت قسوته ينشأ
عنها إضرار الولد قدم الأجنبي عليه وإلا فالحكم المعلق بالمظنة لا يتوقف على تحقيق الحكمة
انتهى. ص: (وحرز المكان في البنت يخاف عليها) ش: هكذا قال اللخمي ونقله المصنف في
التوضيح. ونقل ابن عرفة عن المدونة ما يقتضي أنه شرط في الذكر أيضا ثم قال: والحق أنه
597

شرط فيهما وهو في البنت حين يخاف عليها أوكد انتهى. ص: (إلا أن يعلم ويسكت العام)
ش: قال أبو الحسن الصغير في إرخاء الستور من شرح المدونة في الكلام على الحضانة: وأما إذا
علم من له الحضانة بتزويج الام فقام بعد طول مدة فليس له أخذ الولد وحد الطول سنة انتهى.
وسيأتي عند قول المصنف إلا لكمرض عن العتبية شئ من ذلك والله أعلم. قوله: إلا أن
يعلم ويسكت العام ذكر في المسائل الملقوطة أن بعضهم جعل من ذلك إذا كان زوجها وصي
الطفل انتهى ص: (أو لم ترضعه المرضعة عند أمه) ش: ما ذكره ابن غازي صواب وأن هنا
598

مضاف محذوف أي عند بدل أمه وهي من صارت لها الحضانة، ولو لم يحمل على ذلك
لكان مشكلا لأنه يقتضي أن الام إذا تزوجت يلزم الأب أن يأتي بالمرضعة ترضعه عند أمه
وليس كذلك، لأنها قد سقطت حضانتها كما صرح به في المدونة، فإنه لما ذكر أن الحضانة
للام قال: إلا أن تتزوج الام والولد صغير يرضع أو فوق ذلك فإنه إذا دخل بها زوجها انتزعه
599

منها لا قبل ذلك ثم لا يرد إليها إذا طلقت ص: (ولا تعود بعد الطلاق أو فسخ الفاسد) ش:
وأما إذا سافر ولي المحضون سفر نقلة وأخذ الولد ثم رجع فإنه الحضانة تعود إلى الام. نقله أبو
الحسن عن أبي عمران في كتاب إرخاء الستور. قيل له: فإن سافرت هي ثم رجعت؟ قال: إن
كان سفرها اختيارا لم تعد، وإن كان بغير اختيارها عادت له الحضانة. قيل له: فإن لحقتها
ضرورة إلى التزويج؟ قال: تسقط حضانتها انتهى. ص: (أو الاسقاط) ش: يعني أن الحاضنة إذا
أسقطت حضانتها لم تعد إليها. وهذا إذا كان ذلك بعد وجوب الحضانة، وأما إن أسقطت
حقها من الحضانة قبل وجوبها ففي ذلك خلاف. قال المشذالي في كتاب الشفعة وتسليم
الشفعة قبل الشراء قال لي ابن عرفة: الفتوى عندنا فيمن خالع زوجته على أن تسقط هي وأمها
الحضانة أنها لا تسقط في الجدة لأنها أسقطت ما لم يجب لها انتهى. وقال ابن ناجي في
كتاب الشفعة في شرح قول المدونة: ولو قال المبتاع قبل الشراء اشتر لي فقد أسلمت لك
الشفعة وأشهد بذلك فله القيام بعد الشراء لأنه سلم ما لم يجب له بعد. قال بعض شيوخنا
على ما بلغني يؤخذ منها ما به الفتوى: إن من خالع زوجته على أن أسقطت هي وأمها
الحضانة أنها لا تسقط في الجدة لأنها أسقطت ما لم يجب لها وفيها خلاف انتهى. ثم قال
600

المشذالي إثر كلامه المتقدم: قال المتيطي: ذكر ابن العطار في وثائقه في عقد تسليم الام ابنها
إلى أبيه. وعلى أن سلمت إليه ابنها منه وأسقطت حضانتها فيه وقطعت أمها فلانة أو أختها
فلانة حجتها فيما كان راجعا إليها من حضانتها. وانتقد ذلك ابن الفخار وقال: الصواب أن
يقال: ثم قطعت حجتها فيما كان راجعا إليها من حضانتها، فيدل هذا اللفظ أن الجدة قطعت
حجتها بعد أن وجب لها ذلك، وأما بالواو التي لا تفيد رتبة فكأنها قطعت حجتها قبل
وجوب الحضانة لها فلا يلزمها والله أعلم. قال المشذالي: وتفرقة ابن الفخار بين العاطفين
ضعيفة في المعنى فتأمله. ثم قال المتيطي: وهذا أصل مختلف فيه على ما وقع في المدونة في
غير كتاب منها انتهى. فعلم من هذا أن الراجح الذي عليه الفتوى في إسقاط الحضانة قبل
وجوبها عدم اللزوم، وإن صورة ذلك أن يسقط من له الحضانة بعد الام حضانته قبل وجوبها
كالجدة والخالة مثلا وأنه ليس من ذلك إسقاط الام حقها من الحضانة في حال العصمة وإلا
لكان حكمها حكم الجدة والخالة ولم يفرق بينهما. وأيضا فلا يمكن أن يقال إن الام لا حضانة
لها في حال العصمة لأنها إذا وجبت لها الحضانة بعد الطلاق فأحرى في حالة العصمة. وقد
صرح بذلك ابن عرفة فقال لما تكلم على الحضانة ومستحقها: وأبو الولد زوجا لها وفي
افتراقهما أصناف الأول الام الخ. ولا أعلم أحدا أجاز للأب أخذ ولده من أمه في حال
العصمة، بل ذكر اللخمي في الشروط الناقضة لمقتضى العقد أن يتزوج المرأة على أن لا يكون
الولد عندهما، وأنه إن تزوجها على ذلك فسخ النكاح قبل الدخول وصح بعده وسقط الشرط.
وليس المراد ولدها من غيره لأن ذلك لازم صحيح إذا كان للولد من يحضنه كما ذكر ذلك
المصنف في أول باب النفقات حيث قال: كولد صغير لأحدهما إن كان له حاضن والله أعلم
تنبيه: قال المشذالي إثر كلامه المتقدم: وهذا الخلاف يعني فيمن أسقط حقه من الحضانة
قبل وجوبها كالجدة والخالة مثلا إنما هو إذا حضرت الجدة أو الخالة وأشهدت على نفسها
بإسقاط ما يرجع إليها من الحضانة، وأما إن لم تشهد على نفسها بذلك ففيه خلاف أيضا. قال
المتيطي: الذي عليه العمل وقاله غير واحد من الموثقين إن الام إذا أسقطت حقها في الحضانة
بشرط في عقد المبارأة كما ذكرنا أن ذلك يرجع إلى الجدة أو الخالة. وقاله أبو عمران قال:
القياس أن لا يسقط حق الجدة بترك الام. وقال غيره من القرويين: يسقط بذلك حق الجدة
والخالة ولا كلام لهما في ذلك انتهى. وقال ابن عرفة: وفي إمضاء نقل ذي حضانة إياها لغيره
على من هو أحق بها من المنقول إليه نقل ابن رشد مع أخذه من قولها إن صالحت زوجها
على كون الولد عنده جاز وكان أحق به ظاهره، ولو كان له جدة ونقله قائلا: كالشفعاء ليس
لمن هو أحق بالشفعة تسليمها لشريك غيره أحق بها منه. اللخمي: إن تزوجت الام أخذته
الجدة ثم أحبت أن تسلمه لأخته لأبيه فله منعها لأنه أقعد منها، وإن أمسكته ثم طلقت الام لم
يكن له منعها من رده لامه لأنه نقل لما هو أفضل.
601

قلت: إنما يتم هذا على أن تزويج الام لا يسقط حضانتها دائما بل ما دامت زوجة
انتهى ص: (إلا لكمرض) ش: أي فلها أن تأخذه بعد زوال المرض ونحوه إلا أن تتركه بعد
زوال العذر سنة ونحوها فليس لها أن تأخذه. قاله ابن رشد في أول رسم من سماع ابن
القاسم من طلاق السنة. وحكى في الرسم المذكور أيضا خلافا فيما إذا مات هل لها أن
تأخذه ممن تصير إليه الحضانة بعده أم لا ونص كلامه:
مسألة: قال ابن القاسم: سمعت مالكا قال في امرأة طلقها زوجها وله منها ولد فردته
عليه استثقالا له ثم طلبته لم يكن ذلك لها. قال ابن رشد: وهذا كما قال إنها إذا ردته إليه
استثقالا له فليس لها أن تأخذه لأنها قد أسقطت حقها في حضانته إلا على القول بأن الحضانة
من حق المحضون وهو قول ابن الماجشون. ولو كانت إنما ردته إليه من عذر مرض أو انقطاع
لبنها لكان لها أن تأخذه إذا صحت أو عاد إليها اللبن على ما وقع لمالك في سماع أشهب
من كتاب الايمان بالطلاق، ولو تركته بعد أن زال العذر حتى طال الأمد السنة وشبهها لم
يكن لها أن تأخذه. واختلف إن مات، هل لها أن تأخذه ممن تصير إليه الحضانة بعده؟ قال في
آخر رسم من سماع أشهب: ليس لها أن تأخذه لأنه رأى تركها إياه عند أبيه إسقاطا منها
لحقها في حضانته. وقد قيل: إن لها أن تأخذه إذا مات لأن تركها له عند أبيه إنما يحمل منها
على إسقاط حضانتها للأب خاصة، وكذلك إذا قامت الجدة بعد السنة لم يكن لها أن تأخذه.
وقال ابن نافع: لها أن تأخذه. ومثله لابن القاسم في المدونة أن لها أن تأخذه إلا أن يكون
عرض عليها فأبت من أخذه. وهذا على الاختلاف في السكوت هل هو كالاقرار والاذن أم
602

لا، وهو أصل قد اختلف فيه قول ابن القاسم وبالله تعالى التوفيق. ص: (وللحاضن قبض
نفقته) ش: قال في التوضيح: ولمن الولد في حضانته من أم وغيرها أن تأخذ ما يحتاج إليه
الولد من نفقة وكسوة وغطاء ووطاء، وإن قال الأب هو يأكل عندي ثم يعود إليك لم يكن له
ذلك لأن في ذلك ضررا على الولد وعلى الحاضنة إذ الأطفال يأكلون في كل وقت. قاله غير
واحد. وكتب شجرة لسحنون في الخالة الحاضنة إذا قال الأب إنها تأكل ما أعطيه وطلب
الأب أنه يأكل عنده ويعلمه، فكتب إليه أن القول للأب، فجعل للحاضنة أن يأوي إليها فقط.
والأول هو الأصل ولعله ظهر صدقه في السؤال. وقد ذكر ابن يونس عن مالك هذا التفصيل
نصا في العتبية انتهى. وما ذكره عن سحنون نقله الباجي أيضا في المنتقى في القضاء بالحضانة
ونصه: وإن شكى الأب ضياع نفقة ابنه فأراد أن يطعمه فقد كتب إلى سحنون شجرة في
الخالة تجب لها الحضانة فيقول الأب ويكون ولدي عندي لأعلمه وأطعمه لأن الخالة, تأكل ما
أرزقه وهي تكذبه أن للأب أن يطعمه ويعلمه وتكون الحضانة للخالة، فجعل الحضانة أن يأوي
إليها وتباشر سائر أحواله مما لا يغيب عليها من نفقته انتهى. وما ذكره عن العتبية يشير به لقوله
في رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب العدة وطلاق السنة: وسئل مالك عن الذي
يطلق امرأته وله منها بنت أربع سنين فيقول ما عندي ما أنفق عليها أرسليها إلي تأكل معي
فقال: أخاف أن يكون مضرا بها ولكن ينظر فيما يقول، فإن كان كذلك أمرا غالبا معروفا قيل
لها أرسليها تأكل مع أبيها وتأتيك. قال ابن رشد: ليس للرجل الموسر أن تأكل ابنته عنده
ويلزمه أن يدفع نفقتها إلى أمها الحاضنة لها، فإن ادعى أنه لا يقدر نظر في حاله، فإن تبين
صدق قوله وأنه لا يريد الضرر بما دعا إليه من أن يأكل ولده عنده كان ذلك له وإلا فلا وبالله
التوفيق. ونقل ابن عرفة كلام العتبية وكلام ابن رشد عليها وقال بعده:
قلت: ونقله ابن فتوح غير معز وكأنه المذهب. ولابن زرقون عن الباجي قال سحنون في
الخالة ونقل كلام الباجي المتقدم برمته وقال بعده.
قلت: كذا في النوادر وهو خلاف الروايات أن طعام المحضون إنما هو عند حاضنته من
كانت، والعجب من الباجي وابن زرقون في قبولهما هذا وتصديق الأب على الخالة أنها تأكل
رزقهم ويأتي للشعبي نحو هذا انتهى. ص: (والسكنى بالاجتهاد) ش: قال في التوضيح:
والمشهور أن على الأب السكنى وهو مذهب المدونة خلافا لابن وهب. وعلى المشهور فقال
603

سحنون: تكون السكنى على حسب الاجتهاد. ونحوه لابن القاسم في الدمياطية وهو قريب
مما في المدونة. وقال يحيى بن عمر: على قدر الجماجم. وروي: لا شئ على المرأة ما كان
الأب موسرا. وقيل: إنها على الموسر من الأب والحاضنة. وحكى ابن بشير قولا بأنه لا شئ
على الام من السكنى. ورأي اللخمي أن الأب إن كان في مسكن يملكه أو بكراء ولو كان
ولده معه لم يزد عليه في الكراء أن لا شئ عليه لأنه في مندوحة عن دفع الأجرة في سكناه،
وإن كان يزاد عليه في الكراء أو عليها هي لأجل الولد فعليه الأقل مما يزاد عليه أو عليها
لأجله، فإن كان ما زيد عليها أقل أخذته لأنه القدر الذي أضر بها، وإن كان ما يزاد عليه
غرمه لأنه مما لم يكن له بد لو كان عنده. وفي الطرر: لا سكنى للرضيع على أبيه مدة
الرضاع، فإذا خرج من الرضاعة كان عليه أن يسكنه. خليل: ولا أظنهم يختلفون في الرضيع.
ثم ذكر المسائل التي اختلف فيها هل هي على الرؤوس أو لا فقال:
فائدة: في المذهب مسائل اختلف فيها هل هي على الرؤوس أو لا، منها هذه يعني أجرة
المسكن الذي فيه المحضون، ومنها أجرة كاتب الوثيقة. ومنها كنس المرحاض، ومنها حارس
الأندر، ومنها أجرة القاسم، ومنها التقويم على المعتقين، ومنها الشفعة إذا وجبت للشركاء هل
هي على الشركاء أو على قدر الأنصباء، ومنها العبد المشترك في زكاة الفطر، ومنها النفقة على
الأبوين، ومنها إذا أرسل أحد الصائدين كلبه والآخر كلبين، ومنها إذا أوصى بمجاهيل من
أنواع. انتهى كلامه ونقله عنه صاحب المسائل الملقوطة.
فرع: وللحاضنة الاخدام إن كان الأب مليا واحتاج المحضون لمن يخدمه. قال في كتاب
إرخاء الستور من المدونة: وإذا أخذ الولد من له الحضانة فعلى الأب نفقتهم وكسوتهم
وسكناهم ما بقوا في الحضانة ويخدمهم إن احتاجوا إلى ذلك وكان الأب مليا ولحاضنتهم
قبض نفقتهم انتهى. وقال ابن وهب: لا إخدام على الأب. نقله عنه اللخمي. ونقل أبو الحسن
والمصنف في التوضيح وابن عرفة وغيرهم كلام اللخمي ونص ابن عرفة اللخمي. واختلف في
خدمته ففيها: إن كان لا بد لهم من خادم لضعفهم على أنفسهم والأب يقوى على إخدامهم.
ولابن وهب: لا خدمة عليه به قضى أبو بكر على عمر، وأرى أن يعتبر في الخدمة مثل ما
تقدم في الاسكان انتهى. وقوله: وأرى أن يعتبر في الخدمة الخ يعني أن اللخمي رأى أن
604

يفصل في الخدمة مثل ما تقدم عنه في السكنى والله أعلم ص: (ولا شئ لحاضن لأجلها)
ش: وإن كان الأولاد يتامى كان للام أجر الحضانة إذا كانت فقيرة والأولاد مياسير لأنها
تستحق النفقة في مالهم ولو لم تحضنهم، واختلف إذا كانت موسرة فقال مالك: لا نفقة لها.
ومرة قال: لها النفقة إذا قامت عليهم بعد وفاة الأب. وقال أيضا: تنفق بقدر حضانتها إذا
كانت لو تركتهم لم يكن لهم بد من حاضن، فجعل لها في هذا القول الآخر دون النفقة.
وأرى إن هي تأيمت لأجلهم وكانت هي الحاضنة والقائمة بأمرهم أن يكون لها النفقة وإن
كانت أكثر من الأجرة، لأنها لو تركتهم وتزوجت أتى من ينفق عليها، فكان من النظر للولد
كونهم في نظرها وخدمتها. وإن لم تكن تأيمت لأجلهم أو كانت في سن من لا يتزوج كان
لها الأجرة، وإن كانت دون نفقتها وإن كان لهم من يخدمهم أو استأجرت من يقوم بخدمتهم
وإنما هي ناظرة فيما يصلح للولد فقط لم أرها شيئا انتهى. ونقله ابن عرفة والله أعلم.
605