الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ٢٧
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء السابع والعشرون من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(باب الناخس)
(قال رحمه الله) وإذا سار الرجل على دابة في الطريق فنخسها رجل أو ضربها فنفحت
برجلها رجلا فقتلته كان ذلك على الناخس دون الراكب لان نخسه جناية فما تولد منه كان
مضمونا عليه وإنما تكون النفحة بالرجل جبارا إذا كان يسير في الطريق قال بلغنا ذلك عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وان نفحت الناخس كان دمه هدرا لان
ذلك تولد من نخسه فصار كأنه هو الذي جنى على نفسه ولو ألقت الراكب من تلك النخسة
فقتلته كانت ديته على عاقلة الناخس لأنه تولد ذلك من نخسه وجنايته وكذلك لو وثبت من
نخسه على رجل فقتلته أو وطئت رجلا فقتلته لان ذلك تولد من جنايته والواقفة في ذلك والتي
تسير سواء لان ذلك من تولد من نخسه فكان الضمان على عاقلته قال ولو نخسها باذن الراكب
كان ذلك منزلة فعل الراكب لو نخسها ولا ضمان عليه في نفحتها وهي تسير لان النفحة في حال
السير هدر لقوله عليه الصلاة والسلام الرجل جبار ولو وطئت رجلا في سيرها وقد نخسها
هذا باذن الراكب كانت الدية عليهما جميعا إذا كان في فورها الذي نخسها فيه لأنه لما نخس
باذن الراكب صار بمنزلة السائق والراكب سائقا وراكبا كان الضمان عليهما نصفين وهذا إذا
كان في ذلك الفور الذي نخسها فيه فاما إذا انقطع ذلك الفور كما إذا سارت ساعة وتركها من
السوق فالضمان على الراكب خاصة لان فعل الناخس قد انقطع وبقي فعل الراكب قال وإذا
نخس الرجل الدابة ولها سائق بغير إذن السائق فنفحت رجلا فقتلته فالضمان على الناخس
وكذلك لو كان لها قائد لان ذلك تولد من نخسه وان نخس باذن السائق أو باذن القائد
فنفحت رجلا فقتلته فلا ضمان عليه ولا عليهما لان الناخس صار سائقا والنفحة بالرجل
جبار في هذه الحالة قال وإذا قاد الرجل الدابة فنخسها رجل آخر فانفلتت من القائد ثم
2

أصابت في فورها ذلك فضمان ذلك على الناخس لان حكم قوده قد انقطع وصار الناخس
جانيا فضمان ذلك عليه قال وإن كان الناخس عبدا فجناية الدابة في رقبة العبد يدفع بها أو
يفدي لأنه بمنزلة جنايته بيده وإن كان الناخس صبيا فهو كالرجل في أن ضمان الدية يجب على
عاقلته وان مرت الدابة بشئ نصب في ذلك الطريق فنخسها ذلك الشئ فنفحت انسانا فقتلته
فهو على الذي نصب ذلك لأنه متعد في نصب ذلك الشئ في الطريق فكان نخس ذلك الشئ
للدابة بمنزلة نخس الذي نصبه وإن كان الرجل يسير في الطريق فأمر عبدا لغيره فنخس
دابته فنفحت فلا ضمان على أحد منهما لان فعل المأمور كفعل الامر عبدا كان المأمور أو
حرا فان وطئت في فورها ذلك أنسانا فقتلته فعلى عاقلة الراكب نصف الدية وفي عنق العبد
نصف الدية يدفعها مولاه أو يفديه بمنزلة السائق مع الراكب إلا أن المولى يرجع على الامر
بالأقل من قيمة العبد ومن نصف الدية لأنه صار للعبد غاصبا باستعماله إياه في نخس الدابة فإذا
لحقه ضمان بذلك السبب كان للمولى أن يرجع به على المستعمل له وكذلك لو أمره بالسوق
أو بقود الدابة ولو كان الراكب عبدا فأمر عبدا آخر فساق دابته فأوطأت انسانا فقتلته فالدية
في أعناقهما نصفين يدفعان بها أو يفديان بمنزلة السائق مع الراكب ولا شئ على الراكب
لمولى العبد المأمور إذا كان الراكب محجورا عليه حتى يعتق لان سبب وجوب هذا الضمان
استعماله إياه بالقول والمحجور لا يؤاخذ بضمان القول حتى يعتق وإذا عتق كان عليه قيمة
المأمور وإن كان تاجرا أو مكاتبا فهو دين في عنقه لأنه لا يؤاخذ بضمان القول فكذلك
السائق في الحال وإذا أقاد الرجل قطارا في طريق المسلمين فما وطئ أول القطار وآخره
فالقائد ضامن له وإن كان معه سائق فالضمان عليهما لان القائد مقرب ما أصاب بالصدمة أو
غير ذلك وكذلك السائق مقرب من ذلك ومشتركان في الضمان لاستوائهما في السبب
وهذا لان السوق والقود في الطريق مباح مقيد بشرط السلامة بمنزله الركوب فكما أن
الراكب يجعل ضامنا بما تلف بسبب يمكن التحرز عنه فكذلك السائق والقائد والمعنى في الكل
ان الدابة في يده فعليه أن يتحرز عما يمكن التحرز عنه في صرف الدابة بسوقه أو بقوده وإن كان
معها سائق للإبل وسط القطار فالضمان في جميع ذلك عليهم أثلاثا لان الذي هو في
وسط القطار سائق لما بين يديه فعليه أن يتحرز عما يمكن التحرز عنه من الإبل قائدا لما خلفه
والسائق والقائد في حكم الضمان سواء وكذلك أن كأن يكون أحيانا وسطها وأحيانا يتقدم
3

وأحيانا يتأخر لأنه في جميع هذه الأحوال سائق للقطار أو قائد ولو كان الرجل راكبا وسط
القطار على بعير ولا يسوق منها شيئا لم يضمن شيئا مما تصيب الإبل التي بين يديه لأنه ليس
بسائق لما بين يديه فان ثقل السوق في الزجر على الإبل والضرب ولم يوجد منه شئ من
ذلك وهو معهم في الضمان فيما أصاب البعير الذي هو عليه وما خلفه أماما في البعير الذي هو
عليه فلانه راكب والراكب شريك السائق والقائد في الضمان وأما ما خلفه فلانه قائد لما خلفه
لان ما خلفه زمامه مربوط ببعيره ومشي البعير الذي هو عليه يضاف إلى الراكب فيجعل هو
بهذا المعنى كالقائد لما خلفه وقال بعض المتأخرين هذا إذا كان زمام ما خلفه يقوده بيده وأما
إذا كان هو نائما على بعيره أو قاعدا لا يفعل شيئا لا يكون به قائدا لما خلفه فلا ضمان عليه
في ذلك وهو في حق ما خلفه بمنزلة المتاع الموضوع على بعيره وإذا أتى الرجل ببعير فربطه
إلى القطار والقائد لا يعلم وليس معها سائق فأصاب ذلك البعير انسان ضمن القائد لأنه قائد
لذلك البعير والقود سبب لوجوب الضمان ومع تحقق سبب الضمان لا يسقط الضمان لجهله ثم
يرجع القائد على الذي ربط البعير بذلك الضمان لأنه هو الذي ألزمه ذلك الضمان حين ربط
البعير بقطاره وهو متعد فيما صنع فيكون له أن يرجع عليه بما يلحقه من الضمان ولو كان
البعير واقعا حين ربطه بالقطار ثم قاد فأصاب ذلك البعير شيئا فالضمان على القائد ولا يرجع
علي الذي ربط البعير بذلك الضمان لأنه هو الذي ربط البعير بقطاره كان هو السبب لما يلحقه
من الضمان فيثبت له حق الرجوع به عليه وفي الوجهين جميعا ان علم صاحب القطار وقاد القطار
على حاله لم يكن له أن يرجع على الرابط بشئ من الضمان لأنه بعد ما علم صاحب القطار فقد صار
ضامنا بفعله فيجعل كأنه ربط بأمره ولو سقط شئ مما يحمل الإبل على انسان فقتله أو سقط
بالطريق فعثر فمات كان الضمان في ذلك على الذي يقود الإبل وإن كان معه سائق فالضمان
عليهما لان هذا مما يمكن التحرز عنه بان يشد الحمل على البعير على وجه لا يسقط وإنما يسقط
لتقصير كان من القائد والسائق في الشد فكأنه أسقط ذلك بيده فيكون ضامنا لما تلف
بسقوطه عليه ولمن يعثر به بعد ما سقط في الطريق لأنه شئ أحدثه في طريق المسلمين وإذا
سار الرجل على دابته في الطريق فعثر بحجر وضعه رجل أو بدكان قد بناه رجل أو بماء
قد صبه رجل فوقعت على انسان فمات فالضمان على الذي أحدث ذلك في الطريق لأنه ممنوع
من احداث شئ من ذلك في طريق المسلمين فان الطريق معد لمرور الناس فيه فيما يضر بالمارة
4

أو يحول بينهم وبين المرور فيه يكون هو ممنوعا من احداث ذلك وبهذا الطريق يصير
المحدث كالدافع للدابة على ما سقطت عليه فيكون الضمان عليه دون الراكب قالوا هذه إذا
لم يعلم الراكب بما أحدث في الطريق فان علم بذلك وسير الدابة على ذلك الموضع قصدا
فالضمان عليه لأنه طرأ على فعل الذي أحدث فعل آخر ممن هو مختار فيفسخ به حكم فعل
الأول ويكون الضمان على الثاني بمنزلة من وضع حجرا على الطريق فزحزحه رجل آخر إلى
جانب آخر من الطريق ثم عثر به انسان كان الضمان على الثاني دون الأول ولو سار على دابته
في ملكه فأوطأت انسانا بيد أو رجل فقتلته فعليه الدية والكفارة جميعا لان الراكب مباشر
للقتل فيما أوطأت دابته والمباشرة في ملكه وفي غير ملكه سواء في ايجاب الضمان عليه
كالرمي فان رمى في ملكه فأصاب انسانا كان عليه ضمانه وإن كان سائقا أو قائدا فلا
ضمان عليه في ذلك لأنه تسبب بتقريب الدابة من محل الجناية والمتسبب إنما يكون ضامنا
إذا كان متعديا بسببه وهو في ملك نفسه لا يكون متعديا في سوق الدابة ولا قودها فهو
نظير القاعد في ملكه إذا تعثر به انسان والدليل على الفرق ان السائق والقائد في الطريق
لا تلزمه الكفارة لانعدام مباشره القتل منه والراكب تلزمه الكفارة ولو أوفقها في ملكه
فأصابت انسانا من أهله أو أجنبيا دخل باذنه أو بغير إذنه فلا ضمان عليه لأنه غير متعد في
ايقافها في ملكه وكذلك الكلب العقور في دار مخلى عنه أو مربوطا لان صاحب الكلب غير
متعدي في إمساكه في ملكه ولو ربط دابته في الطريق فجالت في رباطها من غير أن يحلها أحد
فما أصابت فهو على الذي ربطها لأنه متعد في ربطها في الطريق وفي أي موضع وقفت بعد
أن تكون مربوطة فذلك يكون مضافا إلى من ربطها لان الرابط يعلم حين ربطها انه تحول
في رباطها بهذا القدر فلا يكون تغييرها عن حالها مبطلا الضمان عنه بعد أن يكون الضمان
بالرباط كما هي إلا أن يحل الرباط وتذهب فحينئذ تكون في معنى المنفلتة وكذلك كل بهيمة
من سبع أو غيره إذا أوقفه رجل على الطريق فهو متعد في هذا التسبب حكما ضامن لما يتلف
به ما لم يتغير عن حاله وكذلك لو طرح بعض الهوام على رجل فلدغه ذلك فهو ضامن له
لأنه متعد في هذا التسبب ولا يقال قد طرأ على تسببه مباشرة وهو اللدغ من العقرب أو
الحية لان ذلك غير صالح لبناء الحكم عليه فلا يقطع به حكم التسبب الموجود ممن ألقاه عليه
5

بمنزلة مشى الماشي وفعله في نفسه في مسألة حفر البئر فإنه لا يكون ناسخا للسبب الموجود
من الحافر في حكم الضمان والله أعلم
(باب ما يحدث الرجل في الطريق)
(قال رحمه الله) وإذا وضع الرجل في الطريق حجرا أو بنى فيه بناء أو أخرج من
حائطه جذعا أو صخرة شاخصة في الطريق أو أشرع كنيفا أو حياضا أو ميزابا أو وضع
في الطريق جذعا فهو ضامن لما أصاب من ذلك لأنه مسبب لهلاك ما تلف بما أحدثه وهو
متعد في هذا التسبب فإنه أحدث في الطريق ما يتضرر به المارة أو يحول بينهم وبين المرور
في الطريق الذي هو حقهم ووجوب الضمان لصيانة دم المتلف عن الهدر فإذا أمكن ايجابه على
المسبب لكون متعديا في تسبيبه نوجبه عليه وإن لم يكن قاتلا في الحقيقة حتى لا تلزمه الكفارة
عندنا ولا يحرم الميراث وقال الشافعي لما جعل التسبب كالمباشرة في حكم الضمان فكذلك في
حكم الكفارة وحرمان الميراث ولكنا نقول الكفارة وحرمان الميراث جزاء قتل محظور ولا يوجد
ذلك في التسبب لأنه لا يتمكن أن يجعل قاتلا باحداث ذلك ولا مقتولا عند احداثه ولا يمكن
أن يجعل قاتلا عند الإصابة فلعل المحدث ميت عند الإصابة وكيف يكون الميت قاتلا والدليل
عليه أن القتل لا يكون الا بفعل القاتل والقتل نوعان عمد وخطأ ففي كل ما يتصور العمد في
جنسه بتصور الخطأ أيضا والقتل العمد بهذا الطريق لا يتحقق فكذلك الخطأ وحرمان الميراث
باعتبار توهم القصد إلى استعجال الميراث وذلك في العمد لا يشكل وفي الخطأ يحتمل أن يكون
الخطأ أظهر من نفسه وهو قاصد إلى ذلك وهذا لا يتحقق في هذه المواضع وعلى هذا الأصل قال
علماؤنا رحمهم الله الكفارة وحرمان الميراث لا يثبت في حق الصبي والمجنون بالقتل لأنه جزاء
قتل محظور وفعل الصبي لا يوصف بذلك فالخطأ شرعا يبنى على الخطاب وعند الشافعي يثبت
الكفارة وحرمان الميراث في حقهما كما تثبت الدية وعلى هذا قلنا إذا قضي القاضي على
مورثه بالقصاص لم يحرم الميراث وان رجعوا لا تلزمهم الكفارة لان ذلك جزاء فعل
محظور والقاضي بقضائه لا يصير قاتلا وكذلك شهود القصاص لا يحرمون الميراث وان
رجعوا لا تلزمهم الكفارة لان ذلك جزاء قتل محضور وهم بالشهادة ما صاروا قاتلين مباشرة
فان عثر بما أحدثه في الطريق رجل فوقع على آخر فماتا فالضمان على الذي أحدثه في الطريق لأنه
بمنزلة الدافع لمن يعثر بما أحدثه فكأنه دفعه بيده على غيره فلا ضمان على الذي عثر به لأنه مدفوع
6

في هذه الحالة والمدفوع كالآلة وإذا نحى رجل شيئا من ذلك عن موضعه فعطب به آخر فالضمان
على الذي نحاه وقد خرج الأول من الضمان لان حكم فعله قد انفسخ بفراغ الموضع الذي
شغله بما أحدث فيه وإنما شغل بفعل الثاني في موضع آخر فهو كالمحدث لذلك في ذلك
الموضع والقاء التراب في الطريق واتخاذ الطين فيه بمنزلة القاء الحجر والخشبة ولو أن رجلا
كنس الطريق فعطب بموضع كنسه انسان لم يضمن لأنه لم يحدث في الطريق شيئا إنما كنس
الطريق لكيلا يتضرر به المارة ولا يؤذيهم التراب فلا يكون هذا متعديا في هذا السبب ولو رش
الطريق أو توضأ في الطريق فعطب بذلك الموضع انسان فهو ضامن لان ما أحدث في الطريق
من صب الماء يلحق الضرر بالمارة ويحول بينهم وبين المرور مخافة أن تزل أقدامهم ومنها كله
في طريق هو للعامة فإن كان في سكة غير نافذة والذي فعل ذلك من أهل السكة لم يضمن
لان ذلك الموضع مشترك بينهم شركة خاصة وقد بينا أن أحد الشركاء إذا أحدث من ذلك
في الملك المشترك لم يكن ضامنا وإذا أشرع الرجل جناحا إلى الطريق ثم باع الدار فأصاب
الجناح رجلا فقتله فالضمان على البائع لأنه كان جانيا بوضع الجناح فان سواء الطريق كرقية
الطريق فمن أحدث فيه شيئا يكون جانيا وبالبيع لم ينسخ حكم فعله لأنه لم ينزع الموضع الذي
شغله بما أحدثه فبقي ضامنا على حاله (الا ترى) انه ولو وضع الجناح في غير ملكه كان ضامنا
لما تلف به فلما كان عدم الملك لا يمنع انعقاد سبب الضمان فكذلك لا يمنع بقاءه ولا شئ
على المشترى لأنه ما أحدث في الطريق شيئا وكذلك الميزاب فان سقط الميزاب يصرفان فان
أصاب ما كان منه في الحائط رجلا فقتله فلا ضمان فيه علي أحد لأنه إنما وضع ذلك الطرف
من الميزاب في ملكه واحداث شئ في ملكه لا يكون تعديا وان أصابه ما كان خارجا منه
من الحائط فالضمان على الذي وضعه لأنه متعد في ذلك الطرف فإنه شغل به هواء الطريق
فإن لم يعلم أيهما اصابه ففي القياس لا شئ عليه لأنه إن كان أصابه الطرف الداخل لم يضمن
شيئا وان أصابه الطرف الخارج فهو ضامن والضمان بالشك لا يجب لان فراغ ذمته ثابت يقينا
وفى الاشغال شك وفي الاستحسان هو ضامن للنصف لأنه في حال هو ضامن للكل وفي
حال لا شئ عليه فيتوزع الضمان على الأحوال ليتحقق به معنى النظر من الجانبين وإذا استأجر
رب الدار الفعلة لاخراج الجناح أو الظلة فوقع فقتل انسانا فان سقط من عملهم قبل أن يفرغوا
منه فالضمان عليهم دون رب الدار لأنه إنما سقط لتقصيرهم في الامساك فكأنهم ألقوا ذلك
7

فيكونون قاتلين مباشرة فيلزمهم الدية والكفارة ويحرمون الميراث وان سقط ذلك بعد فراغهم
من العمل فالضمان فيه على رب الدار استحسانا وفي القياس هذا كالأول لأنهم باشروا
احداث ذلك في الطريق وصاحب الدار ممنوع من احداثه وإنما يعتبر فيما أمره في ماله أن
يفعله بنفسه ولكنه استحسن لحديث شريح فإنه قضى بالضمان على مثله على رب الدار والمعنى
فيه أنهم يعملون له ولهذا يستوجبون الاجر عليه وقد صار عملهم مسلما إليه بالفراغ منه فكأنه
عمل ذلك بنفسه بخلاف ما قبل الفراغ فان عملهم لم يصر مسلما إليه بعد وهذا لأنه إنما يحدث
ذلك في فنائه ويباح له فيما بينه وبين ربه احداث مثل ذلك في فنائه إذا كأن لا يتضرر به
غيره ولكن لكون الفناء غير مملوك لم يتقيد بشرط السلامة فبهذا اعتبر أمره في ذلك
وجعل هو كالقاتل لنفسه ولو وضع ساجة في الطريق أو خشبة باعها من رجل وبرئ إليه
منها فتركها المشترى حتى عطب بها انسان فالضمان على الذي وضعها لأنه كان متعديا في
وضعها فما بقيت في ذلك المكان بقي حكم فعله وكما أن انعدام ملكه في الخشبة لا يمنع وجوب
الضمان عليه بوضعها في الطريق فكذلك زوال ملكه بالبيع وإن كان جميع ما ذكرنا في ملك
قوم أشرعوه في ملكهم فلا ضمان في شئ من ذلك وإن كان أشرعه بعضهم دون بعض فعليه
الضمان يرفع عنه بحصة ما ملكه من ذلك لان أحد الشركاء لا يملك البناء في الملك المشترك بغير
رضا شركائه فهو جان باعتبار ارضائهم غير جان باعتبار نصيبه فيتوزع الضمان على ذلك بمنزلة
أحد الشركاء في الجارية إذا وطئها يلزمه العقر ويرفع عنه من ذلك حصته وذلك بخلاف ما
لو توضأ فيه أو صب فيه ماء أو وضع متاعا لان ذلك يتمكن من فعله كل واحد من الشركاء
شرعا فيستحسن أن لا يجعله ضامنا به بخلاف البناء وإذا وضع في الطريق جمرا فأحرق شيئا
فهو ضامن له لأنه متعد في احداث النار في الطريق فان حركته الريح فذهب به إلى
موضع آخر ثم أحرق شيئا فلا ضمان عليه لان حكم فعله قد انتسخ بالتحول من ذلك الموضع
إلى موضع آخر قال وهذا إذا لم يكن اليوم يوم ريح فإن كان ريحا فهو ضامن لأنه كان عالما حين
ألقاه ان الريح يذهب به من موضع إلى موضع فلا ينسخ حكم فعله بذلك بمنزلة الدابة التي
جالت برباطها والله أعلم
(باب الحائط المائل)
(قال رحمه الله) وإذا مال حائط الرجل أو وهي فوقع على الطريق الأعظم فقتل انسانا فلا
8

ضمان على صاحبه لأنه لم يوجد منه صنع هو تعد فإنه وضع البناء في ملكه فلا يكون متعديا
في الوضع ولا صنع له في مثل الحائط ولكن هذا إذا كان بناء الحائط مستويا فإن كان
بناه في الأصل مائلا إلى الطريق فهو ضامن لمن يسقط عليه لأنه متعد في شغل هواء
الطريق ببنائه وهواء الطريق كأصل الطريق حق المارة فمن أحدث فيه شيئا كان متعديا
ضامنا فأما إذا بناه مستويا فإنما شغل ببنائه هواء ملكه وذلك لا يكون تعديا منه فلو
أشهد عليه في هذا الحائط المائل فلم يهدمه حتى سقط وأصاب انسانا ففي القياس لا ضمان
عليه أيضا وهو قول الشافعي لأنه لم يوجد منه صنع هو تعد والاشهاد فعل غيره فلا يكون
سببا لوجوب الضمان عليه لكن استحسن علماؤنا رحمهم الله ايجاب الضمان روى ذلك عن علي
رضي الله عنه وعن شريح والنخعي والشعبي وغيرهم من أئمة التابعين وهذا لان هواء
الطريق قد اشتغل بحائطه وحين قد أشهد عليه فقد طولب بالتفريغ والرد فإذا امتنع من ذلك
بعد ما تمكن منه كان ضامنا بمنزلة ما لو هبت الريح بثوب ألقته في جحر فطالبه صاحبه بالرد
عليه فلم يفعل حتى هلك بخلاف ما قبل الاشهاد ولأنه لم يطالب بالتفريغ فهو نظير الثوب إذا
هلك في جحره قبل أن يطالبه صاحبه بالرد ثم لا معتبر بالاشهاد وإنما المعتبر التقدم إليه في هدم
الحائط فالمطالبة تتحقق وينعدم به معنى العذر في حقه وهو الجهل بميل الحائط إلا أنه ذكر
الاشهاد احتياطا حيت إذا جحد صاحب الحائط التقدم إليه في ذلك أمكن اثباته عليه بالبينة بمنزلة
الشفيع فالمعتبر في حقه طلب الشفعة ولكن يؤمر بالاشهاد على ذلك احتياطا لهذا المعنى وهذا
التقدم إليه يصح من كل واحد من الناس مسلما أو ذميا رجلا كان أو امرأة لان الناس في
المرور في الطريق شركاء والتقدم إليه صحيح عند السلطان وعند غير السلطان لأنه مطالبة
بالتفريغ وغير مطالبة في الطريق ولكل أحد حق في الطريق فينفرد بالمطالبة بتفريغه وصورته
أن يقول له ان حائطك هذا مائل فاهدمه وذكر عن الشعبي انه كان يمشي ومعه رجل فقال
الرجل ان هذا الحائط لمائل وهو لعامر ولا يعلموا الرجل انه عامر فقال عامر ما أنت
بالذي يفارقني حتى أنقضه فبعث إلى الفعلة فنقضه فعرفنا أن الاشهاد بهذا اللفظ يتم وبعد
الاشهاد ان تلف بالحائط مال فالضمان في ماله وان تلف به نفس فضمان ديته على عاقلته لان
هذا دون الخطأ ولا كفارة عليه فيه لانعدام مباشره القتل منه ويستوى أن شهد عليه رجلان
أو رجل وامرأتان في التقدم إليه لان الثابت بهذا التقدم ما لا يندرئ بالشبهات وهو المال
9

وإذا باع الحائط بعد ما أشهد عليه برئ من ضمانه لأنه إنما كان جانيا بترك الهدم مع تمكنه
منه وبالبيع زال تمكنه من هدم الحائط فيخرج من أن يكون جانيا فيه بخلاف الجناح فهناك
كان جانيا بأصل الوضع * يوضحه أن ابتداء الاشهاد عليه لا يصح إذا لم يكن هو مالكا للحائط
فكذلك لا يبقى حكم الاشهاد بعد زوال ملكه بخلاف الجناح ولا ضمان على المشترى
في الحائط لأنه لم يتقدم إليه في هدمه فحاله كحاله قبل أن يتقدم إليه فيه فان شهد المشترى في
الحائط فإنه لا يتقدم إليه في هدمه فحاله كحال البائع قبل أن يتقدم إليه فيه فان أشهد على المشترى
بعد شرائه فهو ضامن لتركه تفريغ الطريق بعد ما طولب به مع تمكنه من ذلك ولو كان
الحائط رهنا فتقدم إلى المرتهن فيه لم يضمنه المرتهن ولا الراهن لان المرتهن غير متمكن من
هدمه فلا يصح التقدم فيه إليه ولم يتقدم إلى الراهن فيه وان تقدم فيه إلى الراهن كان ضامنا
لأنه متمكن من أن يقضى الدين ويسترد الحائط فهدمه فيصح التقدم فيه وان تقدم إلى ساكن
الدار في بعض الحائط المائل فليس ذلك بشئ سواء كان ساكنا باجر أو بغير أجر لأنه غير
متمكن من النقض وان تقدم إلى رب الدار فعليه الضمان لأنه متمكن من هدمه فإذا تقدم إلى
أب الصبي أو الوصي في ذلك فلم ينقضه حتى سقط فأصاب شيئا فضمانه على الصبي لان الأب
والوصي يقومان مقامه ويملكان هدم الحائط فيصح التقدم إليهما فيه ويكون ذلك كالتقدم إلى
الصبي بعد بلوغه ثم هما في ترك الهدم يعملان للصبي وينظران له فلهذا كان الضمان عليه دونهما
وإذا تقدم في الحائط إلى بعض الورثة فالقياس أن لا ضمان على أحد منهم لان أحد الشركاء
لا يتمكن من نقض الحائط كما لا يتمكن من بنائه ولم يوجد التقدم إلى الباقين فلا يصح هذا
الاشهاد ولا يكون هو متعديا في تركه التفريغ بعد هذا ولكنا نستحسن فنضمن هذا الذي
أشهد عليه بحصة نصيبه مما أصاب الحائط لأنه كان متمكنا من أن يطلب شركاءه ليجتمعوا
على هدمه وهذا لان الاشهاد على جماعته يتعذر عادة فلو لم يصح الاشهاد على بعضهم في نصيبه
أدى إلى الضرر والضرر مدفوع الرجل والمرأة والمسلم والذمي والحر والمكاتب في هذا
الاشهاد سواء لأنهم في التطرق في هذا الطريق سواء وإذا تقدم إلى العبد التاجر في
الحائط فأصاب انسانا وعليه دين أولا دين عليه فهو على عاقلة مولاه لان العبد متمكن من
هدم الحائط فيصح التقدم إليه ثم الحائط ملك المولى إن لم يكن عليه دين وإن كان عليه دين
فالمولى أحق باستخلاصه لنفسه فيجعل في حكم الجناية كان المولى هو المالك على ما بينا فيما
10

إذا وجد القتيل في دار العبد فلهذا كان ضمان الدية على عاقلة المولى وان أصاب مالا فضمانه
في عنق العبد يباع فيه وينبغي في القياس أن يكون على المولى كضمان النفس ولكنا
استحسنا الفرق بينهما فقلنا العبد بالتزام ضمان المال كالحر فإنه منفك الحجر عنه في اكتساب
سبب ذلك وفي التزام ضمان الجناية على النفس هو كالمحجور عليه لان فك الحجر بالاذن
لم يتناول ذلك فكان الضمان على عاقلة المولى وإذا وضع الرجل على حائطه شيئا فوقع ذلك
الشئ فأصاب انسانا فلا ضمان عليه فيه لأنه وضعه على ملكه فهو لا يكون متعديا فيما يحدثه
في ملكه ويستوى إن كان الحائط مائلا أو غير مائل لأنه في الموضعين لا يكون ممنوعا من
وضع متاعه على ملكه وإذا تقدم إلى رجل في حائط من داره في يده فلم يهدمه حتى سقط
على رجل فقتله فأنكرت العاقلة أن تكون الدار له أو قالوا لا ندري هي له أو لغيره فلا
شئ عليهم حتى تقوم البينة على أن الدار له لان ثبوت الملك له باعتبار اليد من حيث الظاهر
وذلك لا يصلح حجة لاستحقاق الدية على العاقلة فهو نظير المشترى للدار إذا أنكر أن يكون
ما في يد الشفيع ملكه كان على الشفيع اثبات ملكه بالبينة ليتمكن من الاخذ بالشفعة والحاصل
انه يحتاج إلى اثبات ثلاثة أشياء بالبينة أحدها أن تكون الدار له والثاني أن يتقدم إليه في هدم
الحائط والثالث أن المقتول إنما مات بسقوط الحائط عليه فإذا ثبتت هذه الأشياء بالبينة
فحينئذ يقضي بالدية على العاقلة فان أقر بوجوب الدية على العاقلة والمقر على الغير إذا صار مكذبا
في اقراره لم يضمن شيئا ولكنا نستحسن أن نضمنه الدية لإقراره على نفسه بالتعدي وهو
ترك الحائط بعد ما تمكن منه وإنما هذا بمنزلة جناح أخرجه في دار يده إلى الطريق
فوقع على انسان فقتله فقالت العاقلة ليست الدار له وإنما أخرج الجناح بأمر رب الدار وأقر
ذو اليد ان الدار له فإنه يكون ضامنا الدية في ماله فهذا مثله وإذا كان الرجل على حائط له
مائل أو غير مائل سقط به الحائط فأصاب من غير عمله انسانا فقتله فهو ضامن في الحائط
المائل إذا كان قد تقدم إليه فيه ولا ضمان عليه فيما سواه لأنه مدفوع بالحائط حين سقط
الحائط وسقوطه على انسان بمنزلة سقوط الحائط عليه في حكم الضمان ولو كان هو سقط
من الحائط من غير أن سقط الحائط فقتل انسانا كان هو ضامنا لأنه غير مدفوع هنا بالحائط
فان الحائط على حاله لم يسقط ولكنه بمنزلة النائم انقلب على انسان فقتله يكون ضامنا له ولو
11

مات الساقط بطرق الأسفل فإن كان يمشي في الطريق فلا ضمان عليه لأنه غير متعد في
مشيه في الطريق ولا يمكنه أن يتحرز عن سقوط غيره عليه وإن كان واقفا في الطريق أو
قاعدا أو نائما فهو ضامن لدية الساقط عليه لأنه متعد بالوقوف والقعود والنوم فيكون
ضامنا لما يتلف به وإن كان الأسفل في ملكه فلا ضمان عليه لأنه غير متعد في الوقوف
في ملكه وعلى الأعلى ضمان الأسفل في هذه الحالات لان الأعلى مباشر بقتل من سقط
عليه وفي المباشرة الملك وغير الملك سواء كذلك أن تعقل فسقط أو نام فانقلب فهو
ضامن لما أصاب الأسفل لأنه تلف بثقله فكأنه قتله بيده وعليه الكفارة في ذلك وكذلك لو
تردى من جبل إلى رجل فقتله فعليه ضمانه وملكه وغير ملكه في ذلك سواء وكذلك لو
سقط في بئر احتفرها في ملكه وفيها انسان فقتل ذلك الانسان كان ضامنا للانسان بمنزلة
ما لو قتله بيده وإن كان البئر في الطريق كان الضمان على رب البئر فيما أصاب الساقط والمسقوط
عليه لان الحافر للبئر إذا كان متعديا فهو بمنزلة الدافع لمن سقط في البئر والساقط بمنزلة المدفوع
وإذا شهد على رجل في حائط مائل شاهدان فأصاب الحائط أحد الشاهدين أو أباه أو عبدا له
أو مكاتبا له ولا شاهد على رب الحائط غيرهما لم تجز شهادة هذا الذي يجر إلى نفسه أو إلى أحد
ممن تجوز شهادته له نفعا لان الموجب للضمان على صاحب الحائط التقدم إليه في الهدم
وهو منكر لذلك فشهادة الشهود عليه بهذا السبب كشهادتهم عليه بوجوب الضمان بسبب
آخر ولو شهد عبدان أو صبيان أو كافران ثم عتق العبد وأسلم الكافر وأدرك الصبيان ثم
وقع الحائط فأصاب انسانا فهو ضامن لذلك وكذلك أن كان السقوط قبل أن يعتقا أو يسلما
أو يدركا ثم كان ذلك قبل أداء الشهادة لما بينا أن المعتبر هو التقدم إليه والاشهاد عند ذلك
محض تحمل فيكون صحيحا من هؤلاء وهم أهل للشهادة عند الأداء فوجب قبول شهادتهم
وإذا شهد على اللقيط في حائطه ثم سقط فقتل رجلا فديته على بيت المال لأنه متمكن من
هدم حائطه فإذا لم يفعل حتى سقط كان بمنزلة جنايته بيده فتكون على بيت المال إذا لم يوال
أحدا وكذلك الكافر يسلم ولم يوال أحدا فهو كاللقيط يعقل عنهما جنايتهما بيت المال
وميراثهما لبيت المال وإذا مال الحائط على دار قوم فأشهدا عليه فهو ضامن لما أصاب عليه
الحائط منهم أو من غيرهم لأنه بميل الحائط شغل هواء ملكهم فتكون المطالبة بالتفريغ إليهم
فإذا تقدموا إليه أو أحدهم صح التقدم ويكون هو في تركة التفريغ بعد ذلك جانيا وكذلك
12

العلو إذا وهي فتقدم أهل السفل فيه إلى أهل العلو وكذلك الحائط يكون أعلاه لرجل وأسفله
لاخر والفرق بينهما إذا مال الحائط إلى ملك انسان وبين ما إذا مال إلى الطريق في
موضعين أحدهما التقدم إليه ها هنا لا يصح الا من المالك لأنه أشغل بالحائط هواء ملكه
بخلاف الأول والثاني ان صاحب الملك بعد ما تقدم إليه لو أخره أياما أو أبرأه من ذلك صح
لان يتصرف في ملك نفسه بالاسقاط والتأخير وفي الطريق لو أخره الذي تقدم إليه فيه أو
أبرأه هو أو غيره لم يصح ذلك لان الواحد ينوب عن العامة في المطالبة بحقهم لا في اسقاط
حقهم وقد صحت المطالبة منه فلا معتبر باسقاطه بعد ذلك ولا بتأخيره وإذا مال الحائط
المشترك بين اثنين إلى الطريق فتقدموا فيه إلى أحدهما ثم سقط فأصاب انسانا فإنما يضمن
الذي تقدم إليه نصف من ذلك إذا كان الحائط هو الذي أصابه كله وكذلك العلو والسفل إذا
وهيا أو مالا إلى الطريق فتقدم إلى أحدهما فيه وهذا على القياس والاستحسان الذي
ذكرنا في الورثة إذا مال حائط الرجل بعضه على الطريق وبعضه على دار قوم فتقدم إليه فسقط
المائل إلى الدار على أهل الدار فهو ضامن له لأنه حائط واحد فإذا أشهد على بعضه فقد
أشهد على جميعه وإذا كان المتقدم إليه من أهل الدار فتقدمه إليه صحيح في جميع الحائط فيما
مال إلى الدار باعتبار أنه المالك وفيما مال إلى الطريق باعتبار انه واحد من الناس فإذا كان
الذي تقدم إليه من غير أهل الدار فتقدمه صحيح فيما مال منه إلى الطريق فإذا صح في بعضه
صح في كله وإذا وهي بعض الحائط وما بقي منه صحيح غير واه فتقدم إليه فيه فسقط ما وهي
وما لم يه فقتل انسانا فهو ضامن له لأنه حائط واحد فإذا وهي بعضه وهي كله إلا أن
يكون حائطا طويلا بحيث لو وهي بعضه لم يه ما بقي منه وتفرق ذلك فحينئذ يضمن ما أصاب
الواهي منه ولا يضمن ما أصاب الذي لم يه منه لأنه إذا كان بهذه الصفة فهو بمنزلة حائطين
والتقدم إليه إنما يصح في الحائط المائل أو الواهي دون الحائط الصحيح فإذا أصاب الذي لم
يه منه شيئا لم يكن به عليه ضمان لأنه لم تتوجه عليه المطالبة بالهدم فيه قال وإذا كان سفل
الحائط لرجل وعلوه لاخر وقد وهي فتقدم فيه إليهما ثم سقط العلو فقتل انسانا فالضمان
على صاحب العلو لان العلو غير مدفوع بالسفل ولكنه ساقط بنفسه وقد صح التقدم فيه
إلى صاحبه فيجعل صاحبه كالمتلف لما سقط عليه العلو قال وإذا استأجر الرجل اجراء
13

يهدمون له حائطا فقتل الهدم من فعلهم رجلا منهم أو من غيرهم فالضمان عليهم والكفارة دون
رب الدار لأنهم مباشرون اتلاف من سقط عليه شئ من أيديهم في حالة العمل وإذا تقدم
إلى المشترى للدار في حائط منها مائل وهو في خيار الشراء ثلاثة أيام ثم رد بالخيار
بطل الاشهاد لأنه أزال الملك بفسخ البيع فكأنه أزاله بالبيع ولو استوجب البيع لم يبطل
الاشهاد لان التقدم إليه حين تقدم صحيح اما لان مالك أو لأنه متمكن من هدم الحائط وقد
تقرر ذلك باسقاط الخيار ولو كان أشهد على البائع في تلك الحالة لم يضمن لان البائع غير
متمكن من هدم الحائط بعد ما أوجبنا البيع فيه مطلقا ولو كان الخيار للبائع فتقدم إليه فيه
فان نقض البيع فالاشهاد صحيح لأنه كان مالكا متمكنا من نقض الحائط وقد تقرر ذلك حين
فسخ البيع وان أوجبه بطل الاشهاد لأنه زال الحائط عن ملكه ولو تقدم إلى المشترى في
تلك الحالة لم يصح التقدم لأنه ما كان متمكنا من هدم الحائط يومئذ حتى أن البائع وان
أوجب له البيع لم يكن على واحد منهما فيه ضمان ولو تقدم إلى رجل في حائط مائل له عليه
جناح شارع قد أشرعه الذي باع الدار فسقط الحائط والجناح فإن كان الحائط هو الذي
طرح الجناح كان صاحب الحائط ضامنا لما أصاب ذلك لان الجناح مدفوع ها هنا والحائط
بمنزلة الدافع له وقد صح التقدم في الحائط إلى صاحبه ولو كان الجناح هو الساقط وحده
كان الضمان على البائع الذي أشرعه لان البائع كان متعديا في وضع الجناح وشغل هواء
الطريق به والجناح الآن هو الساقط مقصودا فكان ضمان ما تلف به على الذي وضع الجناح
والله أعلم بالصواب
(باب البئر وما يحدث منها)
(قال رحمه الله) وإذا احتفر الرجل بئرا في طريق المسلمين في غير فنائه فوقع فيها
حرا وعبد فمات فضمان ذلك على عاقلة الحافر لحديث شريح فان عمرو بن الحارث حفرا بئرا
عند درب أسامة فوقعت فيها بغلة فضمنه شريح قيمتها وكان قضاؤه بمحضر من الصحابة
ولم ينكر أحد منهم ذلك ولان الحافر بمنزله الدافع للواقع في مهواة فإنه بفعله أزال المسكة
عن الأرض والآدمي لا يستمسك الا بمسكة فإزالة ما به كان مستمسكا ايجاد شرط الوقوع
والحكم يضاف إلى الشرط مجازا عند تعذر اضافته إلى السبب والسبب ها هنا ثقل الماشي في
14

نفسه ولا يمكن إضافة الحكم إليه إذ لا صنع لاحد من العباد فيه فيصير مضافا إلى الشرط
ولان الحافر سبب لوقوعه وهو متعد في هذا السبب لأنه أحدث في الطريق ما يتضرر به
المارة ويخرج به ذلك الموضع من أن يكون ممرا لهم ثم الضمان على عاقلته لأنه دون المخطئ
وفعل المخطئ اتصل بالمتلف وفعل الحافر اتصل بالأرض فما يجب على العاقلة من فعل المخطئ
يجب على العاقلة ها هنا بطريق الأولى ولا كفارة عليه عندنا لما بينا انه ليس بقاتل مباشرة
وقد يكون الحافر مبينا على وقوع الواقع في البئر فلا تلزمه الكفارة في ذلك وفي ظاهر
الرواية أوجب الضمان على الحافر مطلقا وقال في النوادر هذا إذا مات من وقوعه في البئر
فان سلم من ذلك فمات جوعا أو غما فلا شئ على الحافر في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ان
مات جوعا فكذلك وان مات غما فالحافر ضامن له وقال محمد هو ضامن في الوجوه كلها فأبو
حنيفة يقول إنما يصير هلاكه مضافا إلى الحافر إذا هلك بسبب الوقوع فيجعل الحافر كالدافع
له فاما إذا طرأ عليه سبب آخر لهلاكه كالجوع الذي هاج من طبعه أو الغم الذي أثر في قلبه
فإنما يكون هلاكه مضافا إلى هذا السبب ولا صنع للحافر فيه وأبو يوسف لما سبب للغم
سوى الوقوع في البئر فاما الجوع فله سبب آخر وهو بعد الطعام عنه واحترق معدته حتى لم
يبق فيها شئ من مواد الطعام ومحمد يقول كل ذلك أنما حدث بسبب الوقوع في البئر لولاه
لكان الطعام قريبا منه والحافر متعد في ذلك السبب والحكم تارة يضاف إلى السبب بغير واسطة
وتارة بواسطة فكذلك يضاف إلى الشرط تارة بواسطة وتارة بغير واسطة فإن كان استأجر
عليها اجراء فحفروها له فذلك على المستأجر ولا شئ على الاجر إن لم يعلموا أنها في غير فنائه
لان عمرو بن الحرث كان من جملة الرؤساء ومعلوم أنه ما باشر الحفر بنفسه وإنما استأجر الاجراء
لذلك ثم ضمنه شريح وهذا لان الاجراء يعملون له ولهذا يستوجبون عليه الاجر وقد صاروا
مغرورين من جهته حين لم يعلم أن ذلك الموضع ليس من فنائه وإنما حفروا اعتمادا على أمره
وعلى أن ذلك من فنائه فلدفع ضرر الغرور انتقل فعلهم إلى الامر فيصير كأنه حفر بنفسه
وان كانوا يعلمون أنها من غير فنائه فالضمان عليهم لأنهم جناة في الحفر وأمره إياهم بالحفر
غير معتبر شرعا لأنه غير مالك للحفر بنفسه في هذا الموضع وإنما يعتبر أمره لاثبات صفة الحل
به ولدفع الغرور عن الحافر به وقد انعدما جميعا في هذا الموضع فسقط اعتبار أمره فكان
الضمان على الذين باشروا الحفر وإن كان في فنائه فهو على الامر دون الاجراء علموا أو لم
15

يعلموا لان أمره في فنائه معتبر فان عند أبي يوسف ومحمد له ان يحفر في فنائه إذا كأن لا يضر
بالمارة وليس لاحد أن يمنعه من ذلك وعند أبي حنيفة يحل له ذلك فيما بينه وبين ربه ما لم يمنعه مانع
وهذا لان الفناء اسم لموضع اختص صاحب الملك بالانتفاع به من حيث كسر الحطب وايقاف
الدواب والقاء الكناسة فيه فكان أمره معتبرا في الحل وانتقل فعل الآمر إليه بهذا الامر
فيصير كأنه فعل ذلك بنفسه وان سقطت فيه دابة فعطبت فضمانه في ماله لان العاقلة لا تعقل
المال وإنما تعقل العاقلة النفوس من الأحرار والمماليك بدليل حالة الخطأ وإذا وقع فيها انسان
متعمدا للسقوط فيها فلا ضمان على الحافر لأنه أوقع نفسه فيها ولو أوقعه غيره لم يكن على الحافر
شئ وهذا لان وضعه القدم على ذلك الموضع مع علمه تعد منه ومباشرة فعل القاء النفس
في المهلكة وإنما يضاف الحكم إلى الشرط إذا تعذر اضافته إلى السبب فأما مع امكان الإضافة
إلى السبب فلا يضاف إلى الشرط قال وإذا استأجر الرجل أربعة رهط يحفرون له بئرا فوقعت
عليهم من حفرهم فقتلت واحدا منهم فعلى كل واحد من الثلاثة الباقين ربع ديته وسقط
الربع وكذلك لو كانوا أعوانا له لأنه إنما سقط عليهم ما سقط بفعلهم فكانوا مباشرين لسبب
الاتلاف والقتيل أحد المباشرين فتوزع الدية عليهم ويسقط منه حصة القتيل بجنايته على
نفسه ويبقى حصة الثلاثة بجنايتهم عليه والأصل ما روى أن عشرة نفر مدوا الحلة فسقطت
على أحدهم فقتلته فقضى علي رضي الله عنه على كل واحد من التسعة بعشر الدية وأسقط
العشر حصة المقتول وعن الشعبي أن عليا رضي الله عنه قضى في القارصة والواقصة والقامصة
بالدية أثلاثا وتفسير ذلك أن ثلاث جوار كن يلعبن فركبت إحداهن صاحبتها فقرصت
الثالثة المركوبة فقمصت المركوبة ووقعت الراكبة فاندقت عنقها فقضى علي رضي الله عنه
بثلث الدية على القارصة وبالثلث على الغامصة وأسقط الثلث حصة الواقصة وإن كان الذي
يحفر بئرا في فنائه فضمان ما يقع فيها على الحافر ولو كان في غير فنائه فالضمان في رقبة العبد
يدفع به أو يفدى ولم يفضل هاهنا بين أن يكون العبد عالما بذلك أو غير عالم بخلاف الحر
والفرق هناك لمعنى الغرور ولا غرور بين العبد وسيده فان قرار الضمان في الفصلين على
السيد فلهذا جعل فعل عبده بأمره كفعله بنفسه وإذا حفر بئرا في الطريق ثم جاء آخر فحفر
منها طائفة في أسفلها ثم وقع فيها انسان فمات فإنه ينبغي في القياس أن يضمن الأول كأنه
الدافع وبه يأخذ محمد لان الأول بما حفر من وجه الأرض يصير كالدافع لمن سقط في
16

القعر الذي حفره صاحبه ولم يبين جواب الاستحسان فيه والاستحسان الضمان عليهما لان
هلاكه كان بسبب فعلهما فان الواقع في البئر إنما يهلك عند عمق البئر واتمام ذلك بفعل
الثاني وقد انضم فعله إلى فعل الأول في تمام شرط الاتلاف فيكون الضمان عليهما ولكنه أخذ
بالقياس لان وجه القياس أقوى فان التعدي في التسبيب من حين إزالة المسكة عن وجه
الأرض واخراج ذلك الموضع من أن يكون ممرا وإنما حصل ذلك بفعل الأول ولو وسع
أحد رأسها فوقع فيها انسان فمات كان الضمان عليهما نصفين وتأويل هذا أن الثاني وسع
ورأسها قليلا على وجه يعلم أن الساقط إنما وضع قدمه في موضع بعضه من حفر الأول
بعضه من فعل الثاني فاما إذا وسع رأسها كثيرا على وجه يعلم أنه إنما وضع قدمه في الموضع
الذي حفره الثاني فالضمان على الثاني لان الثاني كالدافع للواقع بما حفر في البئر الذي حفرها
الأول والضمان على الدافع وان علم أن الواقع إنما وضع قدمه فيما حفر الأول خاصة فالضمان
على الأول لأنه هو الذي أوجد شرط وقوعه حين أزال المسكة عن الموضع الذي وضع فيه
قدمه ولو حفر بئرا في الطريق ثم سدها بطين أو تراب أو جص فجاء آخر فاحتفرها فوقع
فيها انسان فمات كان الضمان على الثاني لان الأول نسخ فعله لأنه طمها بما تطم الآبار فعاد ذلك
الموضع أرضا كما كان وإنما الثاني هو الحافر للبئر في هذا الموضع ولو سد الأول رأسها
واستوثق منها فجاء الاخر فنقض ذلك كان الضمان على الأول لان فعل الأول ما انتسخ فإنها
بئر وان سد رأسها إلا أنه استتر بما فعل والثاني إنما أظهر فعل الأول فيبقي الضمان على الأول
وهذا لان ما فعله الثاني من فتح رأس البئر غير موجب لهلاكه لولا البئر في ذلك الموضع
بخلاف الأول فما فعله الثاني هناك موجب هلاك الواقع في البئر وإن لم يوجد الفعل من الأول
أصلا وكذلك إذا جعل فيها طعاما أو متاعا أو ما أشبه ذلك مما لا تسد به الابار فجاء انسان
واحتمل ذلك ثم وقع فيها انسان فالضمان على الأول لان حكم فعله لم ينسخ بما صنع فان
ذلك الموضع بئر وان جعل فيها الطعام وفعل الأول كان حفر البئر وما بقي اسم البئر في
ذلك الموضع بقي حكم فعله فكان الضمان عليه ولو تعقل بحجر فسقط في البئر كان الضمان على
واضع الحجر لأنه متعد في احداث الحجر في الطريق فيصير به كالدافع لمن وقع في البئر
بمنزلة ما لو دفعه بيده فإن لم يكن وضع الحجر أحد فإن كان شئ آخر من شفير البئر أو جاء به
سيل فالضمان على حافر البئر لان التعقل بالحجر هاهنا غير صالح لإضافة الحكم إليه حين لم
17

يكن بصنع أحد من العباد فبقي الحكم مضافا إلى البئر ولو وضع رجل في هذه البئر حجرا أو
حديدا فوقع فيها انسان فقتله الحجر أو الحديد كان الضمان على الحافر لأنه بمنزلة الدافع للواقع
على الحجر أو الحديد وإنما يضاف الاتلاف إلى الدافع وإذا حفر انسان بئرا في الطريق فوقع
فيها رجل فقطعت يده ثم خرج منها فشجه رجلان فمرض من ذلك ثم مات فالدية عليهم
أثلاثا لان ما حصل من الجراحة بالوقوع في البئر مضاف إلى الحافر فكأنه فعل ذلك بيده
والمعتبر عدد الجناة لا عدد الجنايات (ألا ترى) أنه لو قطع يديه رجلان وشجه رجل آخر
فمات من ذلك كانت الدية عليهم أثلاثا وكذلك لو أن اللذين قطعا يديه شجه أحدهما شجة
أخرى لان المعتبر عدد الجناة فقد يتلف المرء من جراحة واحدة ويسلم من عشر جراحات
ولو كان أحدهم جرحه جرحين أو ثلاثة وجرحه الاخر جراحة صغيرة كانت الدية على عدد
الرجال ولا يكون على عظم الجراحة ولا على صغرها ولا على عدد جراحها لان كل جراحة علة
تامة للاتلاف وبكثرة العلل في حق الواحد لا يزداد معنى بإضافة الحكم إليها وإذا وقع الرجل
في بئر في الطريق فتعلق باخر وتعلق الاخر بآخر فوقعوا جميعا فماتوا ولم يقع بعضهم على
بعض فدية الأول على ذلك حفر البئر ودية الثاني على الأول المتعلق به ودية الثالث على الثاني
والحاصل ان المسألة على وجهين * أحدهما ان يعلم أنهم كيف ماتوا بان خرجوا من البئر أحياء
وأخبروا بذلك فنقول في هذا الوجه موت الأول على سبعة أوجه أحدهما أن يكون مات بوقوعه
في البئر فديته على عاقلة الحافر لأنه كالدافع له في مهواة والثاني أن يموت من وقوع الثاني عليه
فدمه هدر لأنه هو الذي جر الثاني على نفسه فيكون متلفا نفسه والثالث أن يموت من وقوع
الثالث عليه فتكون ديته على الثاني لأنه هو الذي جر الثالث والرابع أن يموت من وقوعه في
البئر ووقوع الثاني عليه فيجب نصف ديته عليه ويهدر نصفها لأنه جنى على نفسه وجنى عليه
الحافر والخامس أن يموت بوقوعه في البئر ووقوع الثالث عليه فتكون ديته على الحافر وعلى
الثاني نصفين لان الثاني جان عليه بجر الثالث والحافر جان بالحفر والسادس أن يموت من وقوع
الثاني والثالث عليه فيهدر نصف دمه ويجب نصف ديته على الثاني لأنه جنى على نفسه وجنى
عليه الثاني والسابع أن يموت من وقوعه في البئر ومن وقوع الثاني والثالث عليه فيجب ثلث
ديته على الحافر وثلثها على الثاني بجر الثالث عليه ويهدر ثلثها لأنه بجنايته على نفسه بجره الثاني
عليه وأما الثاني فلموته وجوه ثلاثة أحدها أن يكون مات بسبب الوقوع فتكون ديته على
18

عاقلة الأولى لأنه هو الذي جره إلى مهواة فيكون بمنزلة الدافع له والثاني أن يموت من وقوع
الثالث عليه فيكون دمه هدرا لأنه هو الذي جر الثالث على نفسه والثالث أن يموت من
الوقوع في البئر ووقوع الثالث عليه فيجب نصف ديته على الأول ويهدر نصف ديته بجنايته
على نفسه وأما الثالث فلموته سبب واحد وهو أن يموت بوقوعه في البئر فتكون ديته على
عاقلة الثاني لأنه هو الذي جره في مهواة * وأما الوجه الثاني وهو انه إذا ماتوا في البئر ولا يعلم
كيف ماتوا فإن لم يقع بعضهم على بعض فدية الأول على الذي احتفر البئر لأنه لا سبب
لموته سوى الوقوع في البئر والأول هو الذي أوقعه حين جره إلى مهواة وان وجد بعضهم على
بعض موتى ولا يعلم كيف كان حالهم فالقياس وهو قول محمد ان صاحب البئر يضمن الأول
ويضمن الأول الثاني ويضمن الثاني الثالث على عواقلهم لان وقوع الأول في البئر سبب لهلاكه
وهو أسبق الأسباب وقد ظهر الحكم عقيبه فيكون مضافا إليه ولا يعتبر احتمال موته من
وقوع الثاني أو الثالث عليه لان هذا الاحتمال ترجح بالسبق والسابق وقوعه في البئر وكذلك
في حق الثاني أسبق الأسباب الوقوع في البئر وهو مضاف إلى الأول وفي حق الثالث
لا سبب لموته سوى الوقوع في البئر وهو مضاف إلى الأول فضمانه على الثاني وقال وفيها
قول آخر ولم يبين من قائل هذا القول وقيل هو قول أبي يوسف وقيل هو قول أبي حنيفة
أيضا ان دية الأول أثلاث فثلثها على الحافر وثلثها على الثاني وثلثها هدر لأنه ظهر بموته أسباب
ثلاثة وقوعه في البئر ووقع الثاني والثالث عليه وليست الإضافة إلى البعض بأولى من البعض
فالترجيح في هذا لا يقع بالسبق كما في الجراحات فيكون ثلث ديته على الحافر وثلثه على الثاني
لأنه جر الثالث إليه وثلثه هدر لأنه هو الذي جر الثاني عليه ودية الثاني نصفين نصفه هدر
ونصفه على الأولى لأنه ظهر لموته سببان فيضاف إليهما ودية الثالث على الثاني كلها لأنه لا سبب
لموته سوى جر الثاني إياه إلى نفسه قال فإذا لم يعرف من أي ذلك ماتوا يبطل نصف ذلك
ويؤخذ بالنصف قيل ليس مراده حقيقة المناصفة بل مراده التبعيض والانقسام في حق
الأول أثلاثا فإن كان مراده المناصفة فإنما أراد به في حق الثاني خاصة لأنه لاشك ان جميع
دية الثالث واجب على الثاني في الأحوال كلها قال في الزوائد وبهذا القول نأخذ وإذا دفع
رجل رجلا في بئر في ملكه أو في الطريق فالضمان على الدافع لأنه مباشر لاتلافه ومباشرة
19

القتل لا تختلف في الملك وغير الملك كالدم وإذا سقط الرجل في بئر في الطريق فقال الحافر
ألقى نفسه فيها عمدا وقال ورثة الرجل كذب فالقول قول الحافر وهذا قول أبى يوسف
الاخر وهو قول محمد وكان يقول أولا القول قول الورثة لأن الظاهر يشهد لهم فالانسان
لا يلقى نفسه في البئر عمدا في العادة فعند المنازعة القول قول من يشهد له الظاهر ثم رجع فقال
الضمان بالشك لا يجب والظاهر أنما يكون حجة لدفع الاستحقاق لا لاثبات الاستحقاق
وحاجة الورثة هاهنا إلى الاستحقاق وهو استحقاق الدية على عاقلة الحافر فلا يكفيهم الظاهر
لذلك بل يحتاجون إلى إقامة البينة على أنه وقع فيها بغير عمد وهذا الظاهر يقابله ظاهر
آخر وهو ان الظاهر أن البصير يرى البئر امامه في ممشاه فيتقابل الظاهران ويبقى الاحتمال
في سبب وجوب الضمان فلا نوجبه بالشك وإذا أمر المولى عبده أن يحفر بئرا في الطريق
ليس عنده داره فحفرها كان ما وقع فيها رقبة العبد يدفعه به المولى أو يفديه وقد بينا الفرق
بين هذا وبين الحر من حيث إن الغرور لا يتمكن بين المولى وبين عبده ولو استأجر عبدا
محجورا عليه وحرا ومكاتبا يحفرون له بئرا فحفروها فوقعت عليهم من حفرهم فماتوا فلا ضمان
على المستأجر في الحر والمكاتب وهو ضامن لقيمة العبد المحجور عليه يؤديها إلى مولاه لأنه
صار غاصبا للعبد بالاستعمال والعبد المحجور يضمن بالغصب بخلاف الحر والمكاتب فهو ضامن
فإذا ماتوا في حالة ما كان مستعملا لهم كان عليه ضمان قيمة العبد ثم هذه القيمة بدل عن العبد
والعبد الجاني إذا أخلف بدلا يتعلق حق أولياء الجناية بذلك البدل فنقول في بيان حكم الجناية
ان موتهم حصل من فعلهم فكل واحد منهم يكون جانيا على نفسه وعلى صاحبه فينقسم فعل
كل واحد منهم أثلاثا فالعبد المحجور أتلف ثلث الحر فيرجع وليه بثلث دية الحر في قيمة العبد
وأتلف ثلث المكاتب فيرجع ولي المكاتب بثلث قيمة المكاتب في تلك القيمة فيقسمون القيمة
التي أخذها مولاه على ذلك إلا أن تكون القيمة أكثر فيكون الفضل للمولى لان كل واحد
منهما استوفى كمال حقه ثم يرجع المولى على المستأجر بما أخذوا منه من القيمة لأنه كان
غصب العبد فارغا وقد رد عليه القيمة مشغولا بجناية كانت من العبد في يده فإذا استحقت
بذلك الشغل كان له أن يرجع بها مرة أخرى لتسلم له قيمة عبده فارغا ثم المستأجر قد ملك
العبد حين تقرر عليه ضمانه من وقت الغصب وقد تلف ثلث نفسه بجنايته على نفسه فيكون
هدرا وثلثه بجناية الحر عليه فيرجع المستأجر على عاقلة الحر بثلث قمية العبد وكذلك أولياء
20

المكاتب يرجعون على عاقلة الحر بثلث قيمة المكاتب لان ثلث نفسه تلف بجناية الحر فيجمع
اما أخذ أولياء المكاتب إلى ما تركه فينظر قيمته من ذلك فيقرر فيخرج ويضرب فيها أولياء
الحر يثلث دية الحر والمستأجر بثلث قيمه العبد لان المكاتب جنى على ثلث الحر وعلى ثلث
العبد ولكن جناية المكاتب توجب عليه الأقل من قيمة نفسه ومن الأرش فإذا كانت قيمة
نفسه أقل كان المستوفى من تركته قيمته يضرب كل واحد منهما فبها بجميع حقه ولو استأجر
حرا وعبدا يحفران له بئرا فوقعت عليهما فماتا وللعبد موليان قد أذن له أحدهما ولم يأذن له
الاخر فلا ضمان على المستأجر في الحر ولا في نصيب الاذن من العبد وهو ضامن لنصف
قيمة العبد نصيب الذي لم يأذن له لأن الغصب بالاستعمال إنما يتحقق في هذا النصف ثم يرجع
فيه ورثة الحر بربع دية الحر لان العبد كله متلف لنصف الحر فان موت كل واحد منهما حصل
بفعلهما جميعا فهذا النصف من العبد إنما جنى على ربع الحر وقد مات وأخلف بدلا فترجع ورثة
الحر في ذلك البدل بربع دية الحر ويرجع المولى الذي لم يأذن له بما أخذ منه من ذلك النصف
على المستأجر لأنه أعطاه نصف القيمة مشغولا فإذا استحق بذلك بشغل صار كأنه لم يعطه شيئا
فرجع به مرة أخرى ليسلم له نصف قيمة العبد فارغا ثم المستأجر قد ملك هذا النصف بالضمان
وقد تلف نصف هذا النصف بجناية الحر فيرجع المستأجر على عاقلة الحر بربع قيمة العبد فيسلم له
ذلك ويرجع الاذن للعبد على عاقلته الحر بربع قيمة العبد ثم هذا النصف من العبد كان جني
على ربع الحر وقد فات وأخلف بدلا فيرجع ورثة الحر في ذلك الربع بربع دية الحر ولو كان
العبد مأذونا له في التجارة كان على عاقلة الحر نصف قيمة العبد لان معنى الغصب هاهنا
قد انعدم وإنما يبقي حكم الجناية وقد جنى كل واحد منهما على نصف صاحبه فيكون على عاقلة
الحر نصف قيمة العبد ثم يرجع بذلك ورثة الحر على مولى العبد فيأخذونه بنصف الدية فان
العبد قد جنى على نصف الحر وقد فات وأخلف هذا البدل ولا شئ على المستأجر لأنه كان
يضمن فيما سبق باعتبار الغصب وقد انعدم ذلك حين كان العبد مأذونا له ولو أستأجر عبدين
أحدهما مأذون له والاخر محجور عليه فحفرا بئرا فوقعت عليهما فمات فان المستأجر يضمن
قيمة المحجور عليه لمواليه لأنه غاصب له باستعماله ثم يرجع مولى المأذون له بنصف قيمته في تلك
القيمة لان المحجور كان جنى على نصف المأذون وقد مات وأخلف قيمة فيرجع مولي المأذون
في تلك القيمة بنصف قيمة المأذون ثم يضمن المستأجر لمولى المحجور عليه ما أخذ منه في ذلك لان
21

لان المأخوذ استحق بسبب الجناية التي كانت من العبد في يده ثم المستأجر ملك العبد
المحجور عليه بالضمان وقد جنى المأذون على نصفه ثم مات المأذون وأخلف نصف القيمة
فيرجع المستأجر عليه بنصف قيمة المحجور عليه فيما أخذه مولى المأذون حتى يسلم له نصف قيمة
المحجور عليه وإذا احتفر الرجل بئرا في دار لا يملكها بغير إذن أهلها فهو ضامن لما وقع فيها
لأنه متعد بالحفر في ملك الغير كما هو متعد بالحفر في الطريق فان أقر رب الدار انه
أمره بذلك لم يصدق في القياس لأن الضمان قد وجب على عاقلة الحر وهو بقوله يريد
اسقاط ذلك الضمان ولا ولاية له على أولياء المقتول في اسقاط حقهم وفى الاستحسان القول
قوله ولا ضمان على أحد لان رب الدار أقر بما يملك انشاءه فإنه لو أذن له بالحفر الآن في
ملكه صح اذنه ومن أقر بما يملك انشاءه يكون مصدقا في ذلك فكان الثابت من الاذن باقراره
كالثابت بالبينة والحافر يخرج به من أن يكون متعديا فإذا احتفر الرجل بئر في طريق مكة أو
في غير ذلك من الفيافي فلا ضمان عليه في ذلك لأنه غير متعد بالحفر في ذلك الموضع إذا
لا يتضرر به أحد ولهذا قال أبو يوسف ومحمد رحمها الله يملك بالحفر موضع بئره وما حوله
من الحريم وعند أبي حنيفة رحمه الله كذلك إذا كان حفر باذن الامام فعرفنا انه غير متعد في
هذا الحفر فهو كالحافر في ملكه (ألا ترى) انه لو ضرب هناك فسطاطا أو اتخذ تنورا يخبز
فيه أو ربط هناك دابته لم يضمن ما أصاب من ذلك من بمنزلة ما لو فعله في ملكه وهذا إذا كان
في غير المحجة فاما إذا احتفر في محجة الطريق فهو ضامن لما يقع فيه لان الحق في ذلك الموضع
للعامة فالتصرف فيه بمنزلة التصرف في الأمصار والله أعلم
(باب النهر)
(قال رحمه الله) وإذا احتفر الرجل نهرا في ملكه أو جعل عليه جسرا أو قنطرة في
أرضه فعطب به انسان فلا ضمان عليه لأنه غير متعد فيما أحدثه في ملكه والمسبب إذا لم يكن
متعديا لا يكون ضامنا وإذا حفر البئر في ارض غيره فهو بمنزلة البئر فيكون ضامنا لكونه
متعديا في السبب وكذلك لو جعل عليه جسرا أو قنطرة في غير ملكه والجسر اسم لما يوضع
ويرفع فلا يرجع والقنطرة ما يحكم بناؤه وعن أبي يوسف انه لا يكون ضامنا في هذا وان أحدثه
في غير ملكه إذا كان بحيث لا يتضرر به غيره لأنه محتسب فيما صنع فان الناس ينتفعون بما أحدثه
22

فلا يكون هو متعديا فيه ولكنا نقول إنما يكون محتسبا إذا جعله باذن الامام بمنزلة حفر
البئر فإنه محتسب فيه أيضا في الموضع الذي يحتاج إليه الناس ومع ذلك إذا فعله بغير إذن الإمام
كان ضامنا لما يعطب به فان مشى على جسره انسان متعمدا لذلك فانخسف به فلا
ضمان عليه لان هذا تعمد المشي عليه فيعتبر وقوعه مضافا إلى فعله لا إلى تسبب من اتخذ الجسر
ولو حفر نهرا في غير ملكه فانشق من ذلك النهر ماء فغرق أرضا أو قرية كان ضامنا لذلك
لأنه أسال الماء في غير ملكه فاما أن يقال هو متعد فيه أو يقال هو مباح له ولكنه مقيد
بشرط السلامة والتلف بهذا مما يمكن التحرز عنه فكان ضامنا كالمشي والسير على الدابة في
الطريق ولو كان في ملكه لم يضمن شيئا لان ذلك مباح له مطلق وكذلك لو سقى أرضه
فخرج الماء منها إلى غيرها لم يضمن لان سقى أرضه تصرف في ملكه وذلك مباح له مطلقا
وكذلك لو أحرق حشيشا في أرضه أو حصائد أو أجمه فخرجت النار إلى أرض غيره وأحرقت شيئا
فلا ضمان عليه لان هذا التصرف في ملكه مباح له مطلقا وقال بعض المتأخرين هذا إذا كانت
الرياح ساكنة حين أوقد النار فأما إذا كان اليوم ريحا على وجه يعلم أن الريح يذهب بالنار إلى
أرض جاره فهو ضامن استحسانا بمنزلة من صب الماء في ميزاب له وتحت الميزاب متاع لإنسان
يفسد به قال هو ضامن فكذلك يوقدها الرجل في داره أو تنوره فلا ضمان عليه فيما
احترق لان هذا التصرف في ملكه مباح له مطلقا وكذلك لو حفر نهرا أو بئرا في داره
فنزت من ذلك أرض جاره لم يضمن بهذا السبب شيئا ولا يؤمر بان يحول ذلك عن موضعه
لأنه أحدثه في ملكه الا انه بقي فيما بينه وبين ربه ان يكف عما يؤذى جاره فأما الحكم
فإنه لا يؤمر أن يحوله ان يشاء ولو صب الماء في ملكه فخرج من صبه ذلك إلى ملك غيره
فأفسده كان هذا والأول في القياس سواء الا ان صب الماء في ملكه مباح مطلقا غير أن
الاخذ بالقياس هاهنا يقبح لأن الماء سيال بطبعه فإذا كان عند صب الماء يعلم أنه يسيل إلى ملك
جاره يكون ضامنا لما يفسد به استحسانا (ألا ترى) انه لو صبه في ميزاب له فأفسد متاعا له
تحته يكون ضامنا ويعد ذلك من جنايته بمنزلة مباشرته بيده وكذلك الجواب فيما يشبهه والله أعلم
(باب ما يحدث في المسجد والسوق)
(قال رحمه الله) وإذا احتفر أهل المسجد فيه بئر الماء المطر أو وضعوا فيه حبا فصب
23

فيه الماء أو طرحوا فيه بواري أو حصى أو ركبوا فيه بابا أو علقوا فيه قناديل أو ظللوه فلا
ضمان عليهم فيما عطب بذلك لان هذا النوع من التصرف مباح لأهل المسجد في مسجدهم
مطلقا فان حق التدبير في المسجد فيما يرجع إلى الاصلاح إليهم على الوجه الذي يكون للمالك
في ملكه فكما أن المالك لا يكون جانيا باحداث شئ من هذا في ملكه فكذلك أهل المسجد
في مسجدهم وكذلك أن فعله غيرهم بإذنهم لا يكون فعل المأذون من جهتهم كفعلهم وان فعل
بغير أمرهم فهو ضامن في قول أبي حنيفة وهو القياس وفي قول أبي يوسف ومحمد إذا كان
مسجدا للعامة فلا ضمان عليه فيه استحسانا الا البناء والحفر وجه قولهما ان هذا مما يرجع إلى
اصلاح المسجد وعمارة المسجد مما ندب الله إليها كل مسلم قال الله تعالى إنما يعمر مساجد الله
الآية ثم بتعليق القنديل وبسط الحصر يتمكن الناس من إقامة الصلاة في المسجد وغير أهل
المسجد سواء في إقامة الصلاة فيه فكذلك فيما يرجع إلى التمكن منه إلا أن أهل المسجد أخص
بالتدبير فهم في ذلك كالملاك وغيرهم كالسكان نحو المستعير والمستأجر في الدار ثم المستعير
لا يكون جانيا في وضع الأمتعة وصب الماء ونصب القنديل في الدار ويكون جانيا في البناء
وحفر البئر بغير إذن صاحب الدار فكذلك غير أهل المسجد في المسجد وهذا لان المسجد معد
للصلاة فيه والبناء والحفر يخرج ذلك الموضع من أن يكون مصلى فيكون ذلك من باب التدبير
لا من باب التمكين من إقامة الصلاة فيه فيختص به أهل المسجد دون غيرهم فيكون جانيا إذا
فعله بغير أمرهم وإذنهم فاما بسط الحصير ونصب القنديل فمن باب التمكين من إقامة الصلاة
فيه فغير أهل المسجد فيه كاهل المسجد وأبو حنيفة يقول اختص أهل المسجد بالتدبير في هذه
البقعة فغيرهم إذا أراد شيئا من ذلك يباح له فعله ولكنه مقيد بشرط السلامة بمنزلة المشي والسير
على الدابة في الطريق والدليل على اختصاص أهل المسجد به أن التدبير في فتح الباب واغلاقه
ونصب الامام والمؤذن والمتولي يكون إلى أهل المسجد دون غيرهم فإنه لو وجد في مسجدهم
قتيل كان ذلك عليهم خاصة دون غيرهم والدليل عليه البناء والحفر فان أهل المسجد هم المختصون
بذلك وإذا فعله غيرهم وكان فيه اصلاح للمسجد كان مباحا لهم ولكنه مقيد بشرط السلامة ولا
يبعد أن يكون المسلمون فيما هو المقصود وهو الصلاة فيه سواء ثم مع ذلك يختص أهله بالتدبير
فيه كالكعبة فالناس فيما هو المقصود هو الطواف سواء وقد اختص بنو شيبة بالتدبير فيها حتى أن
النبي عليه الصلاة والسلام لما أخذ المفتاح منهم يوم الفتح عليه الوحي يأمره بالرد قال الله
24

تعالى ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا قعد الرجل في مسجد لحديث أو
نام فيه في غير صلاة أو مر فيه فهو ضامن لما أصاب كما يضمن في الطريق الأعظم في قول
أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا ضمان عليه فيه لأنه لو كان مصليا في هذه البقعة لم يضمن
ما يعطب به فكذلك إذا كان جالسا فيه لغير الصلاة بمنزلة الجالس في ملكه وهذا لان
الاعتكاف في المسجد قربة كالصلاة والمعتكف يتحدث وينام في المسجد والجلوس لانتظار
الصلاة مندوب إليه قال عليه السلام المنتظر للصلاة في الصلاة ما دام ينتظرها وندب
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجلوس في المسجد بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وبعد
صلاة العصر إلى غروب الشمس وكذلك الجلوس في المسجد لتعليم العلم وتعلمه مندوب إليه
فيكون ذلك مباحا مطلقا والمطلق لا يكون سببا لوجوب الضمان على الحر وأبو حنيفة
يقول المسجد معد للصلاة والقعود والنوم فيه لغير الصلاة مقيد بشرط السلامة كالطريق فإنه
معد للمشي فيه فالجلوس أو النوم فيه وان كأن لا يضر بالمارة يتقيد بشرط السلامة والدليل
عليه أن يجلس في المسجد للصلاة إذا احتاج من يصلي في ذلك الموضع إلى ازعاجه ليصلى
كان له ذلك شرعا وليس لغير المصلى أن يزعج المصلي عن مكانه فعرفنا انه معد للصلاة فيه
فشغله بغير ذلك يتقيد بشرط السلامة وإن كان ذلك مباحا أو مندوب إليه ولا يكون هذا
أقوى من الرمي إلى الكافر أو العبد فإنه مباح أو مندوب إليه ومع ذلك إذا أصاب مسلما
كان ضامنا له ولا خلاف انه إذا مشى في المسجد فأوطأ انسانا أو نام فيه فانقلب على انسان
فهو ضامن له لاتلافه وبمثل هذا السبب يضمن في ملكه ففي المسجد أولى وإذا احتفر الرجل
في سوق العامة بئرا أو بنى فيها دكانا بغير أمر السلطان فهو ضامن لما عطب به من شئ لأنه
متعد في هذا السبب فالحق بالطريق العامة وما يكون حقا لعامة المسلمين فالتدبير فيه إلى
الامام فإذا أحدثه بغير إذن الإمام كان متعديا وإذا فعله بأمر السلطان لا يكون متعديا في
هذا التسبب فلا يكون ضامنا بمنزلة ما لو قتله بملكه وإذا أوقف دابة في السوق فما أصابت
دابته فهو ضامن له ولأنه متعد بايقافها في الطريق فان ذلك يحول بين المارة والمرور في ذلك
الموضع وإن كان موقفا تقف فيه الدواب للبيع وقد أذن له السلطان في ذلك فأوقف فيه الدابة
لم يكن ضامنا فيما أصابت الدابة وإن لم يكن السلطان أذن فيه فهو ضامن لان باذن السلطان
يصير ذلك الموضع معدا لايقاف الدواب فيه فيكون ايقافها فيه بمنزلة ايقافها في ملكه فاما
25

بدون اذن السلطان فهو ممر وليس بموضع لايقاف الدابة فإذا أوقف فيه دابته أو أرسلها فيه
كان ضامنا لما تلف به وإن لم يكن هو أوقفها ولا أرسلها فيه فلا ضمان عليه لأنها دابة منفلتة
فجرحها هدر والقول في ذلك قوله مع يمنيه مع أنه ينكر وجوب الضمان عليه في الموضع المعد
لايقاف الدواب إذا سار على دابته فيه لم يكن ضامنا للنفحة بالرجل والذنب لان هذا جزء من
الطريق كسائر أجزاء الطريق فالسير فيه يتقيد بشرط السلامة فيما يمكن التحرز عنه دون ما
لا يمكن فإذا أنكر أن يكون أرسلها فهو ينكر وجوب الضمان عليه والمدعي يدعي ذلك فكان
القول فيه قوله مع يمينه والله أعلم
(باب جناية العبد)
(قال رحمه الله) وإذا جنى العبد جناية خطأ فمولاه بالخيار ان شاء دفعه بها وان شاء
فداه بالأرش عندنا وعند الشافعي جنايته تكون دينا في رقبته يباع فيه إلا أن يقضي المولى
دينه ومذهبنا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال يخير المولى ففي خطأ عبده بين الدفع
والفداء ومذهبه مروى عن عمر وعلي رضي الله عنهما فإنهما قالا عبيد الناس أموالهم وجنايتهم في
قيمهم وإنما أراد بالقيمة الثمن وجه قوله ان هذا فعل موجب للضمان فإذا تحقق من العبد كان الضمان
الواجب به دينا في رقبته يباع فيه بمنزلة استهلاك الأموال وهذا لان العبد لا عاقلة له وضمان الجناية
في حق من لا عاقلة له بمنزلة ضمان المال فيكون واجبا في ذمة العبد ويكون شاغلا لمالية رقبته
فيباع فيه إلا أن يقضي المولى دينه * وحجتنا في ذلك أن المستحق بالجناية على النفوس نفس
الجاني إذا أمكن (الا ترى) ان في جناية العمد المستحق نفس الجاني قصاصا حرا أو عبدا
فكذلك في الخطأ إلا أن استحقاق النفس نوعان أحدهما بطريق الاتلاف عقوبة والاخر
بطريق التملك على وجه الجبر ان الحر من أهل أن يستحق فيه بطريق العقوبة لا بطريق
التمليك والعبد من أهل ان يستحق نفسه بالطريقين جميعا فيكون العبد مساويا للحر في حالة
العمد ويكون مفارقا له في حالة الخطأ لان عذر الخطأ لا يمنع استحقاق نفسه تمليكا والسبب
يوجب الحكم في محله وفي حق الحر لم يصادف محله وفي حق العبد السبب صادف محله فيكون
مقيدا حكمه وهو ان نفسه صارت مستحقة للمجني عليه تمليكا ليتحقق معنى الصيانة عن الهدر
الا ان يختار المولى الفداء فيكون له ذلك لا مقصود المجني عليه يحصل به وبدل المتلف يصل
26

إليه بكماله بخلاف اتلاف المال فالمستحق به بدل المتلف دينا في ذمة المتلف ولا يستحق به
بدل المتلف دينا في ذمة المتلف ولا يتسحق به نفس المتلف بحال والطريق الثاني ان موجب
جناية الخطأ يتباعد عن الجاني لكونه معذورا في ذلك ويكون الخطأ موضوعا شرعا ويتعلق
بأقرب الناس لاظهار صيانة المحل المحترم والتخفيف على المخطئ (ألا ترى) ان في حق الحر
تجب على عاقلته لهذا المعنى فكذلك في حق العبد إلا أن عاقلة العبد مولاه لان الحر مستنصر
بعاقلته ومزاد قوة وجرأة بهم كما أن المملوك يستنصر بمولاه فيجب ضمان جنايته على المولى
إلا أن للمولى أن يقول إنما لحقني هذا البلاء بسبب ملكي فيه فلي أن أتخلص عنه بنقل ملكي
فيه إلى المجني عليه فأدفعه بالجناية فإذا دفعه صار كالمجني عليه هو المالك فلا يجب شئ آخر عليه
بالجناية وإذا لم يدفعه كان الرد عليه بخلاف ضمان المال فإنه يجب في ذمة المتلف ولا يخاطب
غيره كما في حق الحر إذا عرفنا هذا فنقول لا شئ على المولى في ذلك حتى يظهر حال المجني عليه
اعتبارا لجناية العبد بجناية الحر وقد بينا أن هذا يتأتى في جناية الحر لان موجبها يختلف بالسراية
وعدم السراية فلا يصير ذلك معلوما قبل الاستيفاء والقضاء بالمجهول غير ممكن ثم الواجب
هاهنا الدفع أو الفداء والمولى يخير في ذلك واختلافه بالبراء والسراية والخطأ والعمد
في ذلك سواء ما لم يبلغ النفس لما بينا أنه لا قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفس
فيكون موجب جنايته فيما دون النفس المال بكل حال فلهذا كان العمد والخطأ فيه سوا فإذا
بلغ النفس وهو عمد ففيه القصاص ووجوب القصاص باعتبار انه نفس مخاطبة والمملوك في
ذلك كالحر والمستحق بالقصاص دمه والمملوك في حكم الدم مبقي على الحرية ولهذا استحق
المولى عليه القصاص إذا تقرر سببه كما يستحق غيره والصغير من الجراحات في ذلك والكبير
سواء على الحر والمملوك والذكر والأنثى بمنزلة الموجود من الحر فكما أن هناك لا يتلف
موجب الجناية بهذه الأسباب فكذلك بجناية العبد ولا تعقل العاقلة شيئا من جناية العبد
والمدبر وأم الولد لان المستحق بالجناية نفسه ونفسه غير مملوكة للعاقلة والمولى ولان المولى
في كونه مخاطبا بجناية العبد بمنزلة العاقلة ولا يتحمل غير العاقلة عواقلهم فكذلك لا يتحمل
جناية العبد عاقلة مولاه بل سبب وجوب ذلك على المولى ملكه رقبته وكسبه وهو مختص
بذلك دون عواقله ولهذا لم يكن على المولى موجب جناية المكاتب لأنه لا يملك كسبه بل
المكاتب أحق بمكاسبه فيكون موجب جنايته عليه دون مولاه والمستسعى في بعض قيمته
27

عند أبي حنيفة كالمكاتب فاما جناية العبد على الحيوان والعروض فتكون دينا في عنقه تقضى
من كسبه أو يباع فيها وكذلك لو وطئ امرأة مكرهة فذلك دين في عنقه يباع فيه لان
المستوفى بالوطئ مما يملك بالعقد سواء كان في حكم المنفعة أو في حكم العين فيكون بمنزلة المال
(ألا ترى) انه لو كان الملتزم بذلك حرا كان عليه في ماله دون عواقله وطئ امرأة بشبهة
أو مستكرهة وسقط الحد للشبهة فكذلك العبد إذا فعل ذلك يكون دينا في ذمته والدين عليه
يكون شاغلا لمالية رقبته ولا تعقل العاقلة كما لو جنى على المماليك خطأ فيما دون النفس وإن كان
الجاني حرا لان المملوك فيما دون النفس بمنزلة المال (ألا ترى) انه لا يتعلق به القصاص بحال
لان فيما دون النفس المتلف جزء من الجسم والجسم بدخل تحت القهر والاستيلاء فيصير مملوكا
مالا فيكون اتلافه في حكم اتلاف المال فيجب فيه الضمان على المتلف بالغا ويكون ذلك
حالا في ماله ولا تعقله العاقلة بمنزلة اتلاف سائر الأموال فإذا بلغ النفس عقلته العاقلة في ثلاث
سنين كما هو أصله وقد اعتبره في حكم القصاص على ما بينا وقد روي عن أبي يوسف ومحمد ان
العاقلة لا تعقل نفس العبد وهو قول ابن أبي ليلى واستدل فيه بقوله عليه السلام لا تعقل العاقلة
عمدا ولا عبدا والمراد أن نفس العبد لا تعقلها العاقلة وهذا لان العبد يحل للتملك بالعقد فما
يجب من الضمان باتلافه يكون على المتلف في ماله كسائر الأموال * وحجتنا في ذلك القيمة
الواجبة باتلاف نفس العبد بمنزلة الدية الواجبة باتلاف نفس الحر وذلك على العاقلة مؤجلا في
ثلاث سنين فهذا مثله وهذا لان معنى النفسية لا يدخل تحت القهر فلا يتناولها الملك بل العبد
فيه بمنزلة الحر (ألا ترى) انه يتعلق بالقصاص بقتله عمدا كما يتعلق بقتل الحر وكذلك الكفارة
في الخطأ ولا مدخل للقصاص ولا كفارة في ضمان الأموال فعرفنا ان المال واجب هاهنا
بالنص بخلاف القياس لان المال لا يكون مثلا لما ليس بمال وما لا يكون مملوكا من الادمي
لا يكون ما لا وإنما وجوب المال بقوله ودية مسلمة إلى أهله إلا أن هذه الدية في حق العبد
القيمة وفي حق الحر مائة من الإبل كما بينه الشرع والدية تجب على العاقلة مؤجلة في ثلاث
سنين في حالة الخطاء وبهذا المعنى خالف النفس ما دون النفس لان ما دون النفس لا مدخل فيه
للكفارة والقصاص وتأويل الأحاديث أن العاقلة لا تعقل جناية العبد على نفس العبد وبه نقول
ثم الواجب بالجناية على نفس المملوك قيمته قلت قيمته أو كثرت غير أنها لا تزاد على دية الحر
ولا تنقص عن عشرة آلاف الا عشرة دراهم إذا كان العبد كبير القيمة في قول علمائنا رحمهم
28

وفى قول الشافعي تجب قيمته بالغة ما بلغت وهو قول أبى يوسف الذي رجع إليه وإن كان
المقتول أمة فإنها لا تزاد قيمتها على خمسة آلاف وينقص من ذلك عشرة دراهم في الروايتين
وفي بعض الروايات خمسة دارهم فأما في قطع طرف العبد فيجب نصف قيمته بالغة ما بلغت
في الصحيح من الجواب الا رواية عن محمد أن يجب في قطع يد العبد خمسة آلاف الا خمسة
ذكره في بعض نسخ الوكالة وجه قول الشافعي ما روي عن عمر وعلي وابن عمر رضي الله عنهم
انهم أوجبوا في قتل العبد قيمته بالغة ما بلغت ولان المتلف مات فيجب ضمان قيمته بالغة
ما بلغت كسائر الأموال وهذا لان ضمان المال يجب بطريق الجبران وإنما يحصل الجبران بما
يكون مثلا له في صفة المالية ولهذا يضمن المملوك عند الغصب بقيمته بالغة ما بلغت كسائر
الأموال فكذلك عند القتل وإنما قلنا إنه مال لأن الضمان يجب للمولى وملكه في عبده
ملك مال والضمان الواجب له يكون ضمان المال إذا أمكن ولا يدخل عليه القصاص في
حالة العمد لان على هذا الطريق يقول القصاص يكون بدلا عن المالية أيضا إلا أن المالية
ترقب بهذا المحل فتصير مضمونة بالنقصان وإن لم يكن المال في غير هذا المحل مضمونا
بالقصاص بمنزلة الصيد في الحرم يكون مضمونا باعتبار حرمة المحل بما لا يضمن به في غير هذا
المحل وهذا لان القصاص يعتمد العمد والتكافؤ وذلك تمكن مراعاته في هذا المال دون
سائر الأموال فكان هذا المال مضمونا بالقصاص دون سائر الأموال والدليل عليه انه يرجع
إلى تقويم المقومين في الأسواق ليوجب به حين ينفد السوق وهذا يختص بضمان الأموال
فاما في غير الأموال فإنما تجب الإبل ولا مدخل للإبل هاهنا والدليل عليه أنه باختلاف
أوصاف المتلف في الجنس والجمال والمالية تختلف هذه الأوصاف فإنه ينقص عن الدية نقصانا
غير معتبر فعرفنا انه ضمان مال أو يكون المتلف عبد فتجب قيمته بالغة ما بلغت كما لو كان قليل
القيمة وهذا لان في العبد معنيين معنى النفسية والمالية فيكون الواجب بدلا عن المالية والدليل
على ترجيح معنى المالية صيرورته محلا قابلا للتصرفات كسائر الأموال وخروجه من أن يكون
أهلا للولايات التي اختصت بها النفوس المحترمة على أنا نعتبر كلا الوصفين فنقول متى كان
الواجب باتلافه ما ليس بمال وهو القصاص يترحج معنى النفسية ولهذا لا يختلف بقلة المالية
وكثرة المالية وهذا لان ضمان المال بالمال أصل وضمان ما ليس بمال يكون على خلاف الأصل
ومهما أمكن ايجاب الضمان على موافقة القياس فلا معنى للمصير إلى ايجابه بخلاف القياس
29

والدليل عليه ان المبيع قبل القبض إذا قبض فالبيع يبقى ببقاء القيمة وإنما يبقى البيع إذا فات
المعقود عليه وأخلف فلو لم يكن الضمان بدل المالية لما بقي العقد باعتباره لان البيع يتناول المالية
والراهن إذا قتل المرهون يضمن قيمته بحق المرتهن ولاحق للمرتهن الا في المالية ولهذا لا
يجب عليه القصاص بحال لان القصاص بدل عن النفسية فلو كانت القيمة كذلك لما وجب على
الراهن أن يجمع بينهما في الاعتبار فنقول إذا كان العبد كبير القيمة يجب مقدار الدية لاعتبار
معنى النفسية وما زاد على ذلك إلى تمام القيمة لاعتبار معنى المالية بمنزلة من قتل حرا ومزق
عليه ثيابه وهذا مروي عن أبي يوسف فقد روى ابن سماعة ورحمه الله عنه أن مقدار الدية من
قيمة العبد تتحمله العاقلة وما زاد على ذلك إلى تمام القيمة يكون في مال الجاني لهذا المعنى
* وحجتنا في ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه لا تبلغ قيمة العبد دية الحر وينقص منه عشرة
دراهم وهذا كالمروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لان المقادير لا تعرف بالقياس وإنما
طريق معرفتها التوقيف والسماع من صاحب الوحي والمعنى فيه أن هذا ضمان وجب بقتل
الادمي فلا يزاد على الديات كما لو وجب بقتل الحر وهذا لان زيادة البدل تكون بزيادة
الفضيلة وما من فضل في العبيد الا ويوجد ذلك في الأحرار وزيادة ثم الحر مع أنه مجمع
القصاص لا يزاد بدله على أعلى الديات فالعبد أولى وإنما قلنا إن الضمان وجب بالقتل هاهنا لان
القتل سبب تضمن به النفس بالدية وهو حكم ثابت بالنص قال الله تعالى ومن قتل مؤمنا خطأ
فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ونفس العبد في هذا داخلة كنفس الحر (ألا ترى)
انها تضمن بالكفارة كنفس الحر فكذلك بالدية والدية بمقابلة النفس مقدرة بالنص لا تجوز
الزيادة عليها بالرأي فلا يجوز اسقاطها بالرأي فهذا دليل واضح على أن الضمان يجب هاهنا
باعتبار النفسية وان الواجب الدية لأنا لو لم نجعله واجبا باعتبار النفسية كنا قد أسقطنا بالرأي
ما هو ثابت بالنص والدليل عليه أن ضمان النفس بالدية لاظهار حرمة المحل وصيانة؟ عن
الاهدار ونفس العبد محترمة كنفس الحر فلا يجوز اهدارها ما أمكن والدليل عليه أن صفة
المالية في هذا المحل تبع للنفسية لان قوام المالية ببقاء النفسية وهذا هو علامة التبع مع
المتبوع ولا يجوز اهدار الأصل بحال المراعاة التبع لان في اعتبار الأصل اعتبار البيع وليس
في اعتبار التبع اعتبار الأصل وإذا جعلنا الضمان واجبا باعتبار النفسية كنا اعتبرنا ما هو الأصل
وباعتباره يحصل اعتبار التبع فكان ذلك أولى من أن يجعل بمقابلة المالية ويهدر معنى النفسية
30

ولان أكثر ما في الباب ان تثبت المساواة بين النفسية والمالية ولكن مع المساواة تترجح النفسية
باعتبار السبب وهو القتل لان القتل سبب لا يقصد به الأموال عادة وإنما يقصد به النفوس
لمعنى التشفي والانتقام فاما الأموال فإنما تقصد بالغصب فلا جرم ضمان الغصب يكون ضمان
مال يجب بالغة ما بلغت ولا يثبت في حق الأحرار وضمان القتل يكون باعتبار النفسية سواء
بقتل الحر أو وجب بقتل العبد الا انه لا يجب على المولى بقتل عبده لخلوه عن الفائدة فان ما يجب
بمقابلة نفس العبد يكون لمولاه على سبيل الخلافة عنه والخلافة بسبب الملك لا تنعدم حكما
بالقتل فلو وجب له على نفسه والدليل على هذا فضل القصاص فان القصاص يجب باعتبار معنى
النفسية ثم لا يجب على المولى إذا قتل عبده لأنه غير مفيد فكذلك المال ومن يقول القصاص
واجب باعتبار المالية فهو لغو من الكلام لان المال لا يضمن بالقصاص بحال فكيف يضمن
بالقصاص والمقصود بالمال التمول والادخار لوقت الحاجة وليس في القصاص شئ من ذلك
ولهذا يتبين ترجيح معنى النفسية على معنى المالية لان المتلف في حال الخطأ ما هو المتلف في
حالة العمد فإذا جعل المضمون منه في حال العمد معنى النفسية فكذلك في حالة الخطأ ومن
يقول يجمع بينهما فذلك فضل من الكلام لأنه لو كان هاهنا طريق إلى الجمع بينهما لكان
ينبغي ان يضمن الدية مع كمال القيمة ويستوفي في حالة العمد القصاص باعتبار النفسية والقيمة باعتبار
المالية وأحد لا يقول ذلك فعرفنا أنه لا وجه إلى الجمع بينهما لما بين الوصفين من المغايرة على سبيل
التضاد فاما النقصان فنقول بدل النفس قد ينقص عن أعلى الديات باعتبار معنى موجب للنقصان
في المحل (ألا ترى) انه ينقص بالأبوة وبالكفر عن أصل الخصم وبالاجتنان في البطن بالاتفاق
فان بدل الجنين دون بدل المنفصل وإن كان الوجوب باعتبار النفسية هناك إذ لا مالية في الجنين
حرا كان أو مملوكا فكذلك يجوز أن ينقص عن أعلى الديات باعتبار صفة المملوكية وهذا لان
تكميل الدية باعتبار كمال صفة المالكية (ألا ترى) أن بدل الأنثى على النصف من بدل الذكر
لان الذكر أهل لمالكية المال والنكاح والأنثى أهل لمالكية المال دون مالكية النكاح فإنها
مملوكة نكاحا فيتنصف بدلها بذلك والجنين ليس بأهل للمالكية في الحال ولكن فيه عرضة
الأهلية لذلك إذا انفصل حيا فباعتباره ينقص بدله غاية النقصان إذا عرفنا هذا فنقول بسبب
الرق تنتقص صفة المالكية لأنه صار مملوكا مالا ولم يبق مالكا للنكاح بنفسه إلا أن هذا
النقصان عارض على شرف الزوال بان يعتق فيجوز ان يزاد بدل الرقيق على بدل الأنثى لهذا
31

ويجوز أن ينقص باعتبار الحال وهو انه دون الأنثى في صفة المالكية ثم صفة المملوكية وان
كانت لا تختلف في الرقيق ولكن يبنى على هذا الوصف ما يختلف في نفسه وهو المالية فان أمكن
إظهار النقصان باعتبار صفة المالكية بان كان قليل القيمة يعتبر ذلك لاظهار النقصان وإن لم
يمكن بان كان كثير القيمة فحينئذ يصار في النقصان إلى معنى شرعي وبهذا يتبين فساد قول من
يقول إن النقصان إذا كان فباعتبار المالكية وإنما النقصان باعتبار المملوكية وذلك لا يزاد بزيادة
المالية وإنما اعتبار المالية لاظهار مقدار النقصان إذا أمكن لا لثبوت أصل النقصان على أن
بزيادة المالية يزداد النقصان وعند قلة المالية ينتقص الواجب عن الدية لا عن القيمة وعند كثرة
المالية ينتقص الواجب عن القيمة وعن الدية جميعا وإنما قررنا النقصان بعشرة لحديث ابن مسعود
رضي الله عنه ولان صفة المملوكية تظهر التفاوت بينهما فيما يتقدر بالعشرة وهو المستوفى
بالوطئ فإنه لا يحل استيفاء ذلك من الحر الا بعقد يتقدر البدل فيه بعشرة ويجوز استيفاء
ذلك من الأمة بعقد متعد عن البدل وهو الهبة فان الجارية الموهوبة يباح وطؤها فإذا ظهر
باعتبار صفة المملوكية التفاوت بينهما فيما هو مقدر بالعشرة نصا قدرنا النقصان بالعشرة لهذا
ولهذا قلنا في أصح الروايتين سواء كان المقتول عبدا أو أمة فالنقصان عن الدية يتقدر بعشرة
والرجوع إلى تقويم المقومين قد يكون فيما يجب بمقابلة النفسية كحكومة العدل والوجوب
للمولى لأنه يخلفه خلاف الوارث المورث ولأنه ملك المالكية قوامها باعتبار هذا المحل فما
يجب بمقابلة المحل في حقه يجعل كالواجب بمقابلة المالية ولهذا قلنا البيع يبقى إذا قتل المبيع قبل
القبض لان صحة البيع باعتبار بقاء معنى المالية التي تملك بالبيع باعتبار هذا المحل فيجعل بدل
المحل بمنزلة بدل المالية في بقاء البيع باعتباره ولهذا لو كان القتل عمدا حتى وجب القصاص
بقي البيع أيضا عند أبي حنيفة وهذا بخلاف العبد المرهون إذا قتله الراهن فان ايجاب الضمان
هناك باعتبار معنى النفسية غير ممكن لما قررنا في المولى إذا قتل عبده فجعلنا الواجب باعتبار
المالية ولهذا لا يتعلق به القصاص بحال فتجب فيه المالية بالغة ما بلغت فأما طرف المملوك فقد بينا
ان المعتبر فيه المالية فقط (ألا ترى) أنه لا يضمن بالقصاص ولا بالكفارة فلهذا قال كان
الواجب فيه القيمة بالغة ما بلغت الا ان محمدا رحمه الله قال في بعض الروايات القول بهذا يؤدي
إلى أن يجب بقطع طرف العبد فوق ما يجب بقتله بان تكون قيمته بلغت ألفا فيجب بقطع
طرفه خمسة عشرة ألفا أو عشرة آلاف الا عشرة وهذا قبيح جدا فلهذا قال لا يزاد على نصف
32

بدل نفسه فيكون الواجب خمسة آلاف الا خمسة ولو قتل العبد قتيلا وله وليان فعفى أحدهما
دفع المولى إلى الباقي نصفه أو فداه بنصف الدية لان النصيب الذي لم يعف انقلب مالا عند
عفو الشريك فيكون هذا في نصيبه كالجناية الموجبة للمال في الأصل وهو الخطأ ولو قتل
قتيلا خطأ وفقأ عين آخر دفعه الولي إليهما أو فداه فان اختار الفداء فداه بالأرش وذلك دية النفس
عشرة آلاف وأرش العين خمسة آلاف وإذا اختار الدفع كان العبد بينهما أثلاثا لان كل واحد
منهما تصرف فيه بجميع حقه وحق ولي القتيل عشرة آلاف وحق المفقوء عينه خمسة آلاف
فان أعتقه المولى وهو يعلم بالجنايتين فهو مختار وعليه خمسة عشر ألفا في ماله لأنه فوت محل
الدفع بالاعتاق وبعد العلم بالجناية كان هو مخيرا بين الدفع والفداء فتفويته محل الدفع يكون
اختيار الفداء دلالة التصرف فهو كالتصريح بالاختيار وكذلك لو دبره أو باعه أو كاتبه فإنه
يتعذر عليه دفعه بما أنشأ من التصرف فيتضمن الذي اختار الفداء منه وكذلك لو كانت أمة
فاستولدها فان جامعها ولم تلد فليس هذا باختيار وله أن يدفعها بعد ذلك الا في رواية عن أبي
يوسف فإنه يقول الوطئ دليل الاختيار بدليل ان البائع إذا كان بالخيار فوطئ المبيعة كان
ذلك منه اختيارا للفسخ وهذا لان الوطئ دليل تقرير ملكه فيها ولان الوطئ في حكم الجناية
ولو جنى عليها كان للفداء وجه وظاهر الرواية أن الوطئ لا يمكن نقصانا في عينها إذا كانت
ثيبا ولا يعجزه عن دفعها فيكون اقدامه عليه دليل الاختيار كالاستخدام وهذا بخلاف البيع
بشرط الخيار لان هناك لو لم يجعله فاسخا للعقد بالوطئ لكان إذا أجاز العقد ملكها المشتري
من وقت العقد ولهذا يستحق زوائدها فتبين به أن الوطئ حصل في غير ملكه فللتحرز عن
هذا جعلناه فاسخا وهاهنا إذا دفعها بالجناية ملكها ولي الجناية من وقت الدفع ولهذا لا يسلم
له شئ من زوائدها فلا يتبين به أن الوطئ كان في غير ملكه والوطئ وإن كان كالجناية لكن
الجناية لا يبقى لها أثر في العين فلا يكون اختيارا وكذا الوطئ بهذه الصفة وكذلك لو زوجها
لان التزويج كالاستخدام من حيث إنه لا يمكن نقصانا في عينها ولا يعجزه عن دفعها بالجناية
وكذلك لو أجرها أو رهنها في ظاهر الرواية وفي بعض النسخ الديات يقول الإجارة والرهن
يكون اختيارا منه بمنزلة الكتابة لان البدل بهذين العقدين يصير مستحقا عليه ذلك يمنعه من
دفعها بالجناية فيجعل اختيار الفداء كالكتابة وجه ظاهر الرواية ان الإجارة تنقض بالقدر
فيكون قيام حق ولى الجناية فيها عذرا في نقض الإجارة والراهن يتمكن من قضاء الدين
33

واسترداد الرهن متى شاء ولم يتحقق عجزه عن دفعها بهذين العقدين فلا يجعل ذلك اختيارا
بخلاف الكتابة فان بعقد الكتابة ثبت له استحقاق لا يملك الولي ابطاله وذلك يمنعه من دفعها
وان ضرب العبد ضربا لزمه منه عيب فاحش أو جرحه أو قتله وهو يعلم فمختار لان حق ولى
الجناية يثبت في كل جزء منه وقد فوت جزء فامتنع الدفع في ذلك الجزء وهولا يتحمل
التجري في الدفع الجناية فتفويت جزء منها كتفويت كله ولو دفع العبد في بئر حفرها المولى
في الطريق أو أصابه جناح أشرعه المولى فليس هذا باختيار لان المولى إن كان فعل هذا قبل
جناية العبد ولم يوجد منه صنع بعد جنايته إذ لا صنع له في وقوع العبد في البئر وإن كان الحفر
منه بعد جنايته فهو عند الحفر ما كان يعلم أن عبده يقع به ولا قصد ذلك بحفره وقد بينا
ان حافر البئر يصير قاتلا ولهذا لا يجب عليه الكفارة والاختيار إنما يحصل بمباشرة فعل من
المولى يكون مقويا له محل الدفع وكذلك كل ما لا يجب على المولى فيه الكفارة فليس ذلك
باختيار منه ولكن على المولى القيمة ان مات العبد من ذلك بينهما أثلاثا لان المولى سبب لهلاكه
وهو متعد في ذلك التسبب ولو أتلفه مباشرة على وجه لم يصر مختارا بأن لم يكن عالما بالجناية
كان عليه قيمته فكذلك إذا أتلفه بطريق التسبب ولو أوطأه المولى وهو يسير على دابته
أو وقع عليه فقتله وهو يعلم بجناية العبد ولم يتعمد الوطئ ولا الوقوع فهذا اختبار وعليه الأرش
لأنه مباشر قتله بهذا الطريق ولهذا يلزمه الكفارة ومباشرة القتل بتفويت محل الدفع فإذا
كان بعد العلم بالجناية يجعل اختيارا ولا معتبر بتعمده الوطئ والوقوع عليه لان ذلك من باطنه
لا يمكن الوقوف عليه وان أعتقه وأن باعه أو وهبه أو كاتبه وهو لا يعلم بجنايته فعليه قيمته
لأنه منع الدفع بما أحدث من التصرف ولكنه لم يصر مختارا للفداء حين لم يكن عالما بالجنابة
فيكون مستهلكا محل الدفع وذلك يوجب عليه القيمة لمولى ولي الجناية كالراهن إذا استهلك
المرهون يغرم قيمته لحق المرتهن وإن كان علم بإحدى الجنايتين ولم يعلم بالأخرى فهو مختار
للذي علم بها وعليه الأرض وللأخرى حصتها من قيمة العبد لأنه يجعل تصرفه في حق كل
واحد من الجنايتين كأنه لا جناية سواها ففيما كان عالما بها يجعل مختارا لوجود دليل الاختيار
وفيما لم يكن عالما بها مستهلكا محل الدفع فعليه حصتها من قمية العبد وإذا جنى العبد جناية لم
تبلغ النفس فأعتقه المولى وهو يعلم بها قبل البرء ثم انتقضت الجراحة فمات وهو مختار فعليه
الدية لان السبب الموجب لتخير المولى جناية العبد وإنما وجد الاعتاق بعد العلم بها فيكون
34

ذلك منه اختيارا للأرش بمنزلة ما لو أعتقه بعد الموت (ألا ترى) ان أداء الكفارة بعد الجرح
قبل زهوق الروح جائز بمنزلة أدائها بعد الموت وهذا لأنه لما أعتقه مع علمه ان الجناية قد
برئت فقد صار مختارا لما يجب من الأرش برأت أو سرت ولو قال لعبده ان ضربت فلانا بالسيف
أو بالعصا أو بسوط أو بيدك أو شججته أو جرحته فأنت حر ففعل به ذلك فمات منه عتق
والمولى مختار للدية لان المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ولان المولى لما علق عتقه بشرط
هو سبب لوجوب الأرش وتخيره بين الدفع والفداء فقد صار راضيا بالتزام الفداء بمنزلة
الصحيح إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إذا مرضت فمرض ومات يصير فارا من ميراثها فان
كانت جناية العبد مما يتعلق بها القصاص فلا شئ على المولى لان الواجب هو القصاص على العبد
وذلك لا يختلف بالرق والحرية فلا يصير المولى بالعتق مفوتا حق ولي الجناية فلهذا لا يلزمه
شئ وادا جرح العبد رجلا فخوصم فيه المولى فاختار العبد وأعطى الأرش ثم انتقضت الجراحة
فمات المجروح فالقياس فيه أن يكون المولى مختارا للفداء وهو قول أبي يوسف الاخر وفي
الاستحسان يخير المولى خيارا مستقبلا وهو قول أبي يوسف الأول وهو محمد ورجع
أبو يوسف من الاستحسان إلى القياس وأخذ محمد رحمه الله بالاستحسان وقد بينا فيما تقدم
أن بهذه الصورة في الكتب ثلاث مسائل هذه ومسألة تكرار تلاوة السجدة في الركعة الثانية
وجه القياس ان المولى اختار الأرش بعد ما تقرر السبب فنزل ذلك منزلة اختياره بعد موت
المجروح وهذا لأنه أقدم على الاختيار مع علمه أنه قد يبرأ وقد ينتقض فيسري إلى النفس
* يوضحه ان الاختيار قد يكون منه حكما وقد يكون قصدا فقد صار مختارا لما يجب بها ثم
الاختيار بطريق الحكم يسوى فيه بين ما قبل البرء وما بعده وهو الاعتاق باعتبار انه اختيار
لموجب الفعل فكذلك في الاختيار قصدا وجه الاستحسان أن المولى اختار الأرش على
حسبان أن البرء قد تم وان الواجب أرش الطرف فلا يكون ذلك منه دليل اختياره الدية
فالانسان قد يختار الشئ إذا كان قليلا ولا يختاره إذا كان كثيرا فإذا تبين أن الواجب كان
هو الدية قلنا يخير خيارا مستقبلا بمنزلة الشفيع إذا أخبر بثمن قليل فطلب الشفعة وقضى له بها
ثم تبين أن الثمن كان أكثر من ذلك كان على خياره ولو أخبر أن الثمن كثير فسلم الشفعة
ثم تبين انه كان أقل من ذلك كان هو على حقه بخلاف الاعتاق فإنه تفويت لمحل الدفع ولا
يمكن ابقاء خياره بعده قائما وعند الاختيار قصدا لا يفوت محل الدفع فلهذا كان لي خياره الا انه
35

روى عن أبي يوسف انه فرق بين ما إذا أعطى الأرش بغير قضاء وبين ما إذا أعطاه بقضاء
القاضي قال إذا أعطاه بقضاء القاضي فان المجروح بخير خيارا مستقبلا بخلاف ما إذا أعطاه
بغير قضاء القاضي فان ذلك اختيار منه للدية طوعا بمنزلة من اشترى دارا بعبد فاخذها الشفيع
بقيمة العبد ثم استحق العبد فان أخذها بقضاء القاضي بطلت شفعته ووجب عليه ردها
وان أخذها بغير قضاء القاضي جعل ذلك كالشراء المبتدأ وعن زفر أنه قال في الوجهين
جميعا يصير مختار الآن القاضي إنما قضي بالأرش بناء على اختياره قال وإذا جنى العبد جناية
فاختار المولى إمساك عبده وليس عنده ما يؤدى وكان ذلك عند قاضي أو عند غير قاض
فالعبد عبده والأرش دين عليه في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد ان أدى الدية
مكانه والا دفع العبد إلا أن يرضى الأولياء أن يتبعوه بالدية على ما قال فان رضوا بذلك
لم يكن لهم بعد ذلك أن يرجعوا في العبد وجه قولهما أن نفس صاحب الدار صار حقا لمولى
الجناية إلا أن المولى يتمكن من تحويل حقهم من العبد إلى الأرش باختياره الفداء فإذا أعطاهم
الأرش كان هذا تحويلا لحقهم من محل إلى محل فيه وفاء بحقهم فيكون صحيحا منه وإذا كان
مفلسا كان هذا منه ابطالا لحقهم لا تحويلا من محل إلى محل يعد له فيكون ذلك باطلا من
المولى وهذا لان ثبوت الخيار للمولى كان على وجه النظر من الشرع وإنما يثبت على وجه
لا يتضرر به صاحب الحق فإذا آل الامر إلى الضرر كان باطلا بمنزلة المحتال عليه إذا مات
مفلسا فان الدين يعود إلى ذمة المحيل لأنه حول حقه من ذمته إلى ذمة المحتال عليه بشرط أن
يسلم له فإذا لم يسلم عاد كما وفي بيع المعاوضة إذا هلك أحد العوضين قبل القبض بطل
العقد في الاخر لان صاحبه حول حقه إلى العوض الآخر بشرط أن يسلم له فإذا لم يسلم
عاد كما كان وكذلك في البيع والاخر بالشفعة ان سلم الثمن كان له أن يأخذ الدار وان عجز
عن ذلك لم يكن له أن يأخذها إلا أن يرضي البائع والمشتري في فصل الشفعة بالتسليم فهاهنا
أيضا ان رضي الولي كان مسقطا حقه في العبد وان أبى كان له أن يأخذ العبد وأبو حنيفة يقول
بجناية العبد يخير المولى بين الدفع والفداء والمخير بين اثنين إذا اختار أحدهما تعين ذلك واجبا
من الأصل كالمكفر إذا اختار أحد الأنواع الثلاثة فهاهنا باختياره تبين أن الواجب هو الدية
في ذمة المولى من الأصل وان العبد فارغ من الجنابة فلا يكون لأولياء الجناية عليه سبيل
* يوضحه ان من ثبت له الخيار شرعا يستبد بالخيار من غير أن يحتاج إلى رضا صاحبه ولو
36

رضي الأولياء أن يتبعوا بالدية لم يبق لهم حق في العبد فكذلك إذا اختار المولى ذلك في حال
ما ثبت له الخيار شرعا وقيل إن هذه المسألة في الحقيقة تبنى على اختلافهم في التفليس وعند أبي
حنيفة التفليس ليس بشئ والمال غاد ورائح وهذا التصريف من المولى يكون تحويلا لحق الأولياء
إلى ذمته لا ابطالا وعندهما التفليس معتبر والمال في ذمة المفلس يكون تاويا فيكون هذا
الاختيار من المولى ابطالا لحق الأولياء وقد روي عن أبي يوسف ان اختيار المولى ها هنا
معتبر حتى لا يكون لأولياء الجناية حق تملك العبد بالأخذ بعد هذا الاختيار ولكن يباع
العبد فيه فيدفع ثمنه إلى الأولياء من حساب الدية التي على المولى وهو بناء على مذهب أبي
يوسف في الحجر بسبب الدين فإنه يقول القاضي يحجر على المديون ويبيع عليه ماله وعند أبي
حنيفة لا يفعل ذلك وقد بينا هذا في كتاب الحجر قال وإذا جنى العبد جناية خطأ ثم أقر المجني
عليه انه حر قبل الدفع إليه فلا حق له في رقبة العبد ولا على المولى لأنه يزعم أنه حر وان جنايته
على عاقلته ولا يستحق بها رقبته وزعمه معتبر في حقه فلا سبيل له على العبد بعد هذا الاقرار
ولا شئ له على المولى لأنه لم يدع على المولى بعد الجناية حتى يصير به مختارا أو مستهلكا ولو
كان اقرار المجني عليه بعد ما دفع إليه العبد فهو حر لأنه ملكه بالدفع وقد أقر بحريته فيعتق
باقراره ويكون موقوف الولاء بمنزلة من اشترى عبدا ثم أقر ان البائع كان أعتقه قال وإذا
جنت الأمة جناية ثم ولدت ولدا أو اكتسبت كسبا فان مولاها يدفعها بالجناية ولا يدفع
ولدها ولا كسبها لان استحقاق نفسها بالجناية الخطأ كاستحقاق نفسها بالعمد قصاصا وذلك
لا يسري إلى الكسب والولد وهذا لان حق ولي الجناية غير متأكد في عينها (ألا ترى)
ان المولى مخير بين أن يدفعها أو يفديها بالأرش وإنما يسري إلى الولد ما يكون متأكدا في
الأصل حين انفصل الولد عنها وأما الكسب فإنما يملك بملك الأصل وعند الاكتساب كان
ملك الأصل للمولى دون المجني عليه فان جنى عليها فأخذ المولى لذلك أرشا فإنه يدفع الأرش
معها لان الأرش عوض عن الجزء الفائت منها بالجناية وحق ولي الجناية كان ثابتا فيها بجميع
أجزائها فيثبت في بدل جزء منها أيضا والجزء معتبر بالكل ولو قتلت وأخذ المولى قيمتها
كان عليه دفع تلك القيمة إلى ولي الجنابة فكذلك إذا أخذ أرش جزء منها بخلاف الولد
فإنه حر وهو زيادة حادثة بعد الجناية وحق الولي إنما يثبت في الاجزاء الموجودة عند الجناية
وإن كان جنى عليها قبل جنايتها لم يدفع المولى ذلك الأرش معها لان الجزء الفائت بتلك الجناية
37

لم يكن موجودا عند جنايتها فلا يثبت حق ولي الجناية فيه ولا في بدله بخلاف الفائت بعد جنايتها
وإن لم يعلم أن الجناية عليها كان قبل جنايتها أو بعده فالقول فيه قول المولى لان الأرش المقبوض
في يد المولى فأولياء الجناية يدعون استحقاق ذلك على المولى وهو ينكر ولأنهم يستحقونها
بالجناية على المولى فالقول قول المولى في بيان صفتها حين ثبت الاستحقاق لهم وإن كان
وجب الأرش بعد جنايتهما فأمسكها المولى وفداها فله أن يستعين بذلك الأرش في الفداء
لأنه ملكه كسائر أمواله وإن لم يختر الفداء حتى استهلك أو وهبه الجاني عليها لم يكن مختارا
وله أن يدفعها لان الأرش منفصل عنها فتصرفه في الأرش لا يكون تصرفا فيها ولا يعتذر
دفعها فكان له أن يدفعها بمنزلة ما لو حدثت الجناية من أمتين فاستهلك إحداهما كان له أن يدفع
الأخرى بجنايتها ثم عليه أن يغرم مثل ما استهلك فيدفعه معها لان حق ولي الجناية ثبت في
ذلك الأرش وقد أتلفه المولى بتصرفه وهذا بخلاف ما إذا أتلف المولى جزأ منها بجنايته لان
هناك المولى تصرف فيه بالجناية والجزء الذي أتلفه بجنايته كان متصلا بها ولهذا صار المولى
به مختارا وإن كان الجاني عليها عبدا فدفعه المولى كان عليه أن يدفعها جميعا أو يفديهما بالدية
لان العبد المدفوع قائم مقام الجزء الفائت منها فان أعتق العبد المدفوع إليه فهذا اختيار منه
للأمة وعليه الدية وكذلك أن أعتق الأمة فإنه لا يستطيع أن يدفع واحدا منهما دون صاحبه
لان العبد قائم مقام الجزء الفائت وحكم الدفع فيها لا يتجزأ بل إذا تعذر دفع بعضها بتصرف
المولى يتعذر دفع كلها فكذلك حال العبد المدفوع مكان الجزء الفائت منها وهذا بخلاف الأرش
المستوفى من الجاني إذا كان جزأ لان الأرش دراهم وفي الدراهم لا يثبت للمولى الخيار بين
الدفع والفداء واقدامه على التصرف إنما يكون دليل الاختيار إذا صادف محلا ثبت له فيه
الخيار فأما هنا فالخيار ثابت له في العبد والأمة لان كل واحد منهما يفيد التخيير فيه بين الدفع
والفداء فاعتاقه أحدهما يكون تصرفا في المحل الذي ثبت له فيه الخيار فيجعل ذلك اختيارا
وهذا الاختيار يثبت له فيهما باعتبار جناية واحدة فيكون اختياره أحدهما اختيار لهما جميعا
بخلاف الأمتين إذا جنت كل واحدة منهما لان ثبوت الخيار له في كل واحدة منها باعتبار جناية
على حدة فلا يكون اختياره احدى الجنايتين دليل الاختيار منه في الأخرى فان أعتق العبد
وهو لا يعلم بالجناية ثم اختار دفع الأمة دفع معها قيمة العبد لان العبد لو كان قائما بعينه كان
عليه دفعه معها وقد صار مستهلكا له بالاعتاق حين لم يكن عالما بالجناية فكان عليه قيمته (ألا ترى)
38

انه لو أعتق الأمة وهو لا يعلم بالجناية كان عليه قيمتها ولو كان هذا العبد فقأ عين الأمة فدفع
بها وأخذت الجارية فان العبد يصير مكانها يدفعه المولى أو يفديه بالدية لأنه قائم مقامها حين دفع
بها وكذلك لو قتلها عبد فدفع بها ولو قتلها حر خطأ فأخذ المولى قيمتها لم يقل للمولى ادفعها
أو افدها ولكنه يدفع قيمتها لان القيمة دراهم أو دنانير والأرش كذلك ولا معنى للتخيير بين
القليل والكثير في الجنس الواحد وإنما يؤمر بدفع القيمة التي قبضها إلى ولي الجناية بخلاف
ما تقدم فالمدفوع هناك عبد وللناس في الأعيان أغراض فتخييره بين دفع العبد وبين الفداء بالقيمة
يكون مقيدا ولو أن عبدا قتل رجلا خطأ ثم قتلت جارية المولى العبد خطأ قيل للمولى ادفعها
أو افدها بقيمة العبد لان العبد الجاني صار مستحقا لولي الجناية فجناية جارية المولى عليه بمنزلة
جنايتها على عبد مملوك لولي الجناية ولو قتلت عبدا أو مملوكا له كان على المولى أن يدفعها أو
يفديها بقيمة العبد فكذلك هاهنا لا يجوز أن يلزمه أكثر من ذلك وهذا لان عطاءه قيمة العبد
بمنزلة اعطائه العبدان لو كان قائما ولو أعطاهم العبد لم يلزمه شئ آخر فكذلك إذا أعطاهم قيمته
بعد ما قتلته أمته قال وإذا قتل العبد رجلا خطأ وقتلت الأمة رجلا وهما لرجل واحد ثم إن
العبد قتل الأمة خطأ واختار المولى دفعه فإنه يقسم على قيمة الأمة ودية الحر لان الأمة كانت
مستحقة لأولياء جنايتها وقد جنى العبد عليها فثبت حق أولياء جنايتها في مقدار قيمتها وحق
أولياء الحر في الدية ومولاه يتخير بين الدفع والفداء فان اختار الدفع ضرب فيه أولياء الحر بدية
الحر وأولياء الأمة بقيمتها فيقسم العبد بينهما على ذلك وان اختار الفداء فداه بدية الحر
وبقيمة الأمة لأولياء جنايتها قال وإذا جنى العبد جناية ففداه المولى منها ثم جنى جناية أخرى
قيل له ادفعه بها أو افده لأنه لما فداه من الأولى فقد طهره منها فكأنه ما وجد منه الا الجناية
الأخرى فيخاطب بالدفع أو الفداء فإن كان لم يقض من الأولى شيئا حتى جنى الثانية دفعها
بهما أو فداه لان الجنايتين اجتمعتا في رقبته وللمولى أن يتخلص بدفعه ويقول إنما لحقني
هذا الشغل بسبب ملكي رقبة العبد وانا أتخلص بدفعه فيدفعه بالجنايتين أو يفديه بأرشهما وإذا
أعتق العبد ثم أقرانه كان جنى في حال رقة جناية عمدا أو خطأ لم يلزمه شئ منها الا القود في
النفس لأنه لو أقربها قبل العتق لم يصح اقراره الا بالجناية الموجبة للقود فكذلك بعد العتق
وهذا لأنه في الوجهين جميعا إنما يقر على غيره فان جناية العبد فيما يوجب المال يكون على
المولى لا شئ منه على العبد قبل عتقه ولا بعد عتقه واقراره على غيره لا يكون حجة في الحالين
39

فاما ما يكون موجبا للقود فاقراره يكون على نفسه ولو جنت أمة جناية فقال المولى كنت
أعتقتها قبل الجناية أو دبرتها أو كانت أم ولدى فإنه لا يصدق من أجل الجناية وهو مختار
للفداء ان قال هذا بعد العلم بالجناية وان قاله قبل العلم بالجناية فعليه القيمة لأنه متهم في حق
أولياء الجناية فيجعل اقراره بمنزلة الانشاء في حقهم وأن انشاء العتق أو التدبير كان الحكم
فيه ما بينا فكذلك إذا أقر مستندا إلى ما قبل الجناية لان هذا الاسناد لا يثبت بقوله حين
لم يصدقه أولياء الجناية فيه وإذا جنى العبد جناية فأخبر ولي الجناية ولي العبد فأعتقه فقال
لم أصدقه فيما أخبر به فهو مختار للفداء لان ولي الجناية في اختياره يطلب بحقه فعلى المولى أن
ينظر في خبره (ألا ترى) انه لو أخبر القاضي بذلك وطالبه باحضار المولى وتكليفه الجواب
أجابه القاضي إلى ذلك فكذلك إذا أخبر المولى بذلك كان عليه أن ينظر إلى خبره فإذا لم يفعل
وأعتق العبد كان هذا بمنزلة الاعتاق بعد العلم بالجناية فيكون مختارا وكذلك أن أخبره رسول
ولي الجناية فاسقا كان الرسول أو عدلا لان عبارة الرسول كعبارة المرسل فاما إذا أخبره
بذلك فضولي فان صدقه فيما أخبره به ثم أعتق العبد فهو مختار للفداء أيضا وان كذبه في ذلك
أو لم يصدقه ولم يكذبه حتى أعتق العبد فإن كان المخبر عدلا فكذلك الجواب لان خبر العدل
مقبول فيما يكون ملزما وإن كان المخبر فاسقا فعلى قول أبي حنيفة لا يكون مختارا للفداء ولكن
عليه قيمته باستهلاكه إياه وعند أبي يوسف ومحمد هو المختار للفداء وهذا من الجنس الذي بيناه
في المأذون أن عندهما خبر الواحد في المعاملات مقبول عدلا كان أو فاسقا وعند أبي حنيفة
فيما يتعلق به اللزوم لا يعتبر خبر الفاسق وهذا خبر الملزم في حق المولى لان حق الاعتاق بعد
العلم بالجناية يلزمه الفداء فلا يعتبر فيه خبر الفاسق إذا كان فضوليا وان أخبره به فاسق
ففي احدى الروايتين كذلك في الرواية الأخرى يكون مختارا للفداء لأنه تم احدى
شطرى الحجة وهو العدد فيعتبر بما لو وجد الشطر الاخر وهو العدالة في حق المخبر الواحد
ولو جنى عبده جناية فقال المولى كنت بعته من فلان قبل الجناية وصدقة فلان أو قال هو له
لم يكن لي قط وصدقة فلان قيل لفلان ادفعه أو افده لان المولى ما أتلف على ولي الجناية
شيئا حين أخرجه إلى ملك رجل يخاطب بدفعه أو الفداء كما كان هو يخاطب به فان كذبه
فلان قيل للمولى ادفعه أنت أو افده لان الملك ثابت له فيه باعتبار يده والاقرار بطل
بتكذيب المقر له فصار كأنه لم يكن فيخاطب ذو اليد بالدفع أو الفداء ولو أن عبدا في يد
40

رجل جنى جناية فقال ولي الجناية هو عبدك فقال الرجل هو وديعة عندي لفلان أو عارية
أو إجارة أو رهن فان أقام على ذلك بينة أخر الامر فيه حتى يقدم الغائب فإن لم يقم بينه
خوطب بالدفع أو الفداء وقال زفر هو مختار للفداء بمجرد قوله لأنه زعم أنه لا سبيل له على
دفعه فيجعل به مقوما للدفع مختارا للفداء كما لو أعتقه ولكنا نقول هو بكلامه يزعم أنه ليس
بخصم في هذه الجناية أصلا واختياره يبنى على كونه خصما فإذا ثبت بالبينة انه ليس بخصم
فيه صار اثبات ذلك بالبينة كالاثبات بالمعاينة وإن لم يقم بينة على ذلك فهو الخصم باعتبار
ظهور يده فيه وهو متمكن من دفعه فيخاطب بالدفع أو الفداء ولا معنى لجعله مختارا مع بقاء
تمكنه من الدفع بالجناية فان فداه ثم قدم الغائب أخذ عبده بغير شئ لان ذا اليد أقر بذلك
له وقد اتصل تصديقه بذلك الاقرار وقد كان ذو اليد متبرعا في هذا الفداء فإنه ما كان
مجبرا عليه فلا يرجع بشئ منه على المقر له وإن كان دفعه فالغائب بالخيار ان شاء أمضى
ذلك وان شاء أخذ العبد ودفع الأرش لان تصديقه اتصل بذلك الاقرار فيثبت الملك ويتبين
انه كان له الخيار فان أمضى دفعه كان ذلك بمنزلة اختيار الدفع منه ابتداء وان اختار الأرش
فله أن يأخذ عبده وان أنكر الغائب أن يكون العبد له فما صنع الأول فيه من شئ فهو جائز
لان الاقرار بطل بتكذيب المقر له وإذا كان عبد في يدي رجل وهو مقر بأنه عبده أو لم
يقر ولم ينكر فأقر عليه بجناية خطأ ثم أقر انه لرجل آخر وانه لم يملكه قط وصدقة الرجل فالعبد
له لان الجناية الثابتة عليه باقرار المولى لا تكون أقوى من الثابتة بالمعاينة وذلك لا يمنع المولى
من التصرف فيه والاقرار بالملك لغيره ثم إن كذبه المقر له في الجناية فهو مختار للأرش لان
الجناية ثبتت على العبد باقرار ذي اليد عليه بها ثم صار متلفا العبد باقراره بالملك فيه لغيره
فيجعل ذلك بمنزلة تمليكه منه بالبيع وذلك اختيار منه للفداء فهذا مثله إذا كان ذو اليد اقرانه
عبده قبل اقراره بالجناية عليه أو بعد ذلك قبل اقراره لهذا الرجل وإن لم يكن ادعاه لنفسه
قبل اقراره لهذا الرجل فلا شئ عليه ولا على العبد من الجناية لان المقر ما أتلف شيئا على أحد
وأنما أقر على ملك غيره بالجناية واقراره على ملك الغير لا يلزمه شيئا وهذا بخلاف ما إذا أثبتت
الجناية عليه ببينة لان هناك ذو اليد قد صار مخاطبا بالدفع وثبتت الجناية على العبد بما هو حجة
في حق الكل فإذا حوله باقراره إلى المقر له خوطب بما كان يخاطب به المقر وهاهنا باقرار
ذي اليد ما ثبتت به الجناية على العبد في حق المقر له فلهذا لا يخاطب بشئ قال وإذا جنى العبد
41

جناية ثم أصابه عيب سماوي فان المولى يخاطب بدفعه أو الفداء ولا شئ عليه بسبب ذلك
العيب لأنه ما كان مضمونا عليه (ألا ترى) انه لو مات في يده لم يلزمه شئ فإذا فات جزء
منه بغير صنعه أولى أن لا يلزمه شئ وكذلك لو بعثه المولى في حاجة فعطب فيها أو استخدمه
فلا ضمان عليه فيما لحقه بذلك لان المولى حق الاستخدام في العبد ما لم يدفعه فلا يكون فعله
ذلك تعديا فلو أذن له في التجارة بعد جنايته فاستغرق رقبته فهو ضامن قيمته لأهل الجناية
تعديا ولو أذن له لان الاذن له في التجارة لا يمنعه من الدفع في الجناية فلا يصير به مختارا
ولكن استحقاق ماليته في الدين يثبت بذلك الاذن فيصير المتلف به كالمتلف للمالية على أهل
الجناية لأنه تعذر الدفع إليهم بالجناية حين يباع في الدين لان حقهم كان ثابتا في عبد غير مشغول
المالية فلهذا لا يضمن المولى قيمته قال وإذا قتل العبد قتيلا خطأ ثم قفا رجل عينه ثم قتل آخر
خطأ ثم اختار المولى دفعه فإنه يدفع أرش العين إلى الأول لأنه جنى على الأول وعينه كانت
صحيحة فيثبت فيها حق المجني عليه ثم فاتت وأخلفت بدلا فيكون البدل له ولا مزاحمة للثاني
معه فيه لأنه جنى على الثاني وهو أعور فلم يثبت حق الثاني في هذه العين أصلا ثم يكون العبد
بينهما يضرب فيه الأول بالدية الا ما أخذ من أرش العين يضرب فيه الاخر بالدية حتى إذا
كانت قيمته ألف درهم وكان أرش العين خمسمائة فان العبد يقسم بينهما على تسعة وثلاثين
سهما لان الأول إنما بقي من حقه تسعة آلاف وخمسمائة فيضرب بذلك في العبد والثاني إنما
يضرب بعشرة آلاف كمال الدية فإذا جعلت كل خمسمائة سهما كان العبد بينهما على تسعة وثلاثين
سهما وكذلك ولو كان الذي فقأ عينه عبدا فدفع به كان ولي الأول أحق به ثم يضرب مع الاخر
بالدية الا قيمة العبد الذي أخذه لأنه وصل إليه ذلك القدر من حقه وإذا قتل العبد قتيلا خطأ
وللمقتول وليان فدفعه المولى إلى أحدهما بقضاء قاض ثم قتل عنده آخر ثم جاء ولي الاخر
والشريك في الجناية الأولى فإنه يقال للمدفوع إليه الأول ادفع نصفك إلى الأول أو افده
بنصف الدية لان نصف العبد صار مملوكا بالدفع إليه بقضاء القاضي فإنما جنى على ملكه فيخاطب
بان يدفع ذلك النصف أو يفديه بنصف الدية فان دفعه برئ من نصف الدية ويرد النصف
الباقي على المولى لأنه أخذه بغير حق فيرده على من أخذ منه ثم لقال للمولى ادفعه أو افده بعشرة
آلاف خمسة آلاف للاخر وخمسة آلاف لولي الأول الذي لم يأخذ شيئا فان دفعه ضرب كل
واحد منهما في هذا النصف بخمسة آلاف فيكون بينهما نصفين فحصل ثلاثة أرباع العبد
42

لولي الجناية الآخرة وربعه للذي لم يكن قبض من ولي الجناية الأولى ثم يضمن المولى الذي
كانت الجناية الثانية في يده ربع قيمته للمولى فيدفعه إلى الأوسط لان هذا الربع استحقه
ولي الجناية الآخرة بجناية كانت منه عند المدفوع إليه وقد كان مضمونا في يده فيرجع عليه
بربع القيمة لذلك ويدفعه إلى الأوسط لان حقه كان ثابتا في هذا الربع وقد فات وأخلف
بدلا فيجمع له ربع العبد وربع القيمة ولا يكون ذلك موجبا للضمان عليه حتى لو كان دفعه إليه
بغير قضاء القاضي كان للأوسط الخيار ان شاء ضمن المولى هذا الربع باعتبار دفعه إلى صاحبه
بغير قضاء قاض وان شاء ضمنه فان ضمن المولى رجع به المولى على المدفوع إليه الأول لما قلنا
قال وإذا قتل العبد قتيلين خطأ فدفعه المولى إلى أحدهما بغير قضاء القاضي فقتل عنده قتيلا
خطأ ثم اجتمعوا واختاروا الدفع فان المدفوع إليه الأول يقال له ادفع نصف العبد إلى الاخر
لان حقه كان في نصف العبد وقد تم ملكه في ذلك النصف بالدفع إليه ثم كانت الجناية
الأخيرة من هذا النصف على ملكه وقد اختار الدفع فيؤمر بدفع نصف العبد إليه ويرد النصف
الباقي على المولى لأنه أخذه بغير حق ثم يدفعه المولى إلى الأوسط والاخر يضرب فيه الاخر
بخمسة آلاف لأنه وصل إليه نصف حقه ويضرب فيه الأوسط بعشرة آلاف لأنه لم يصل
إليه شئ من حقه فيكون هذا النصف بينهما أثلاثا ثلثاه للأوسط وثلاثة للاخر ثم يضمن المولى
سدس قيمة العبد للأوسط وهو ما سلم من هذا النصف لولي الجناية الأخيرة لان حق
الأوسط كان ثابتا في جميع هذا النصف وكان قد دفعه إلى غيره بغير قضاء القاضي فلهذا
يضمن له سدس القيمة ويرجع به على الأول الذي كان في يده لان استحقاق هذا السدس
بجنايته كانت في يده وان شاء الأوسط ضمن هذا السدس الذي كان في يده هكذا يقوله
العراقيون من مشايخنا والصحيح عندي انه ليس له ذلك هاهنا ولا في الفصل الأول لأنه
ما كان مالكا لهذا النصف قبل أن يدفع إليه حين يكون قبض الأول جناية على حقه فيكون
ضامنا له ولو كان الدفع بقضاء قاض كان مثله هذا أيضا لان المولى لا يضمن شيئا للأوسط
ولكنه يرجع بسدس القيمة على المدفوع إليه الأول لما قلنا وإذا قبض ذلك منه دفعه إلى
الأوسط وعلى ما يقوله العراقيون الأوسط هو الذي يرجع بسدس القيمة على المدفوع إليه
قال وإذا قتل العبد قتيلا خطأ وفقأ عين آخر فدفعه المولى إلى المفقوء عينه فقتل عنده قتيلا آخر
ثم اجتمعوا فاختاروا دفعه فان صاحب العين يدفع ثلثه إلى الاخر لأنه ملك الثلث والجناية
43

الأخيرة من هذا الثلث حصلت على ملكه فيدفعها بها ويرد الثلثين على المولى فيدفعه المولى إلى
ولي القتيلين يضرب فيه الأول بعشرة آلاف والاخر بثلثي الدية لأنه قد وصل إليه ثلث حقه
فيكون هذا مقسوما بينهما أخماسا ثلاثة أخماسه للأول وخمساه للاخر ثم يضمن المولى للأول ستة
أجزاء وثلثي جزء من ستة عشر جزأ وثلثي جزء من ثلثي قمية العبد وذلك في الحاصل خمسا
بدل ما سلم للاخر من هذا الثلثين الا انه إذا بنى الجواب على القسمة التي كان بينهما فان
الأول ضرب فيه بعشرة آلاف والاخر بستة آلاف وثلثي الف ولهذا قال ما قال وفي
الحقيقة رجوعه على المولى بخمسي ثلثي قيمته لان المولى أتلف ذلك عليه حين دفعه إلى صاحب
العين بغير قضاء قاض واستحق بالجناية التي كانت عنده ثم يرجع به المولى على صاحب العين لما
قلنا إن الاستحقاق بسبب جناية كانت في ضمانة. قال وإذا قتلت الأمة قتيلا خطأ ثم ولدت
بنتا ثم قتلت البنت رجلا خطأ ثم إن البنت قتلت الأم فاختار المولى دفعها ضرب أولياء قتيل
الأمة فيها بقيمة الأم وأولياء قتيل البنت بالدية لان البنت في هذا الحكم كجارية أخرى
للمولى فان حق ولي جناية الأم لا يثبت في البنت ثم قد وجد من البنت جنايتان إحداهما
على الحر والأخرى على الأم وهي مقدرة بحق أولياء جناية الأم فان دفعها المولى ضرب كل
واحد منهما فيها بمقدار حق أولياء الأم بقيمة الأم وولي الحر بالدية فتقسم البنت بينهما على
ذلك وان اختار المولى فداء البنت دفع قيمتها إلى وليها وقيمة الأم إلى ولي الأم لأنه إنما أقر بها
بما يثبت فيها من الحق باعتبار جنايتها ولو كانت البنت فقأت عين الأم فهذه المسألة على أربعة
أوجه ان اختار المولى دفعها دفع الأم بجنايتها ودفع البنت يضرب فيها أولياء قتيلها بالدية وأولياء
قتيل الأم بنصف قيمة الأم لأنها على غير الأمة وقد ثبت فيها حق أولياء الأم والعين من
الادمي نصفه فلهذا ضربوا فيها بنصف قيمة الأم وان اختار الفداء فدى كل واحد منهما
بعشرة آلاف أرش جنايتها وقد خلطن بحق فيهما للمولى ولا تعتبر جناية البنت على الأم وان
اختار الدفع في الأم والفداء في البنت دفع الأم إلى أولياء جنايتها وفدى البنت بالدية إلى
أولياء قتيلها وبنصف قيمة الأم لأولياء قتيل الأم لأنها أتلفت نصف الأم بجنايتها وهي جناية
معتبرة بحق أولياء جناية الأم وان اختار الدفع في البنت والفداء في الأم فدى الأم بعشرة
آلاف ودفع البنت إلى أولياء جنايتها لأنه حين فدى الأم صارت هي مخالفة له فجناية البنت
عليها غير معتبرة لحق المولى فلهذا دفع البنت إلى أولياء جنايتها ولو فقأت الأم عين البنت
44

بعد ما فقأت البنت عينها فاختار المولى دفعهما فإنه يدفع البنت وإنما يبدأ بها لأنها هي التي
ابتدأت بالجناية على الأم فيضرب فيها أولياء قتيلها بالدية وولي قتيل الأم بنصف قيمة الأم
ثم يكون ذلك المقدار من البنت مع الأم ويدفع الأم وما أصابها بأرش عينها من البنت فيكون
ما دفع بها من البنت لولي قتيل الأم خاصة لان الأم حين ثبتت الجناية الأولى كانت عينها
صحيحة فيثبت حق المولى في بدل تلك العين ولا مزاحمة فيه لأولياء جناية البنت وهي عوراء
فلا يثبت حقهم في بدل عينها ثم يضرب ولي قتيل الامر بما بقي من الدية ويضرب فيها
ولي جناية البنت بنصف قيمة البنت فتكون القسمة بينهما على ذلك وقد طعنوا في هذا الجواب
فقالوا (ينبغي أن يضرب أولياء قتيل البنت في البنت بالدية الا مقدار ما يصل إليهم من الأم
باعتبار جنايتها على نصف البنت لان المعتبر هو المال وباعتبار المال سلم له هذا ولكن ما ذكره
في الكتاب أصح لان عند دفع البنت لم يصل إلى أولياء قتيلها شئ بعد فيضربون بجميع الدية
ولا معتبر بما يكون بعد ذلك (ألا ترى) ان رجلا لو مات وترك ألف درهم ولرجل عليه
ألف درهم ولاخر عليه ألف درهم فاقتسما الألف بينهما أثلاثا ثم إن صاحب الألفين أبرأه عن
الألف لا يتغير بهذا الابراء حكم تلك القسمة لهذا المعنى وان اختار المولى الفداء فيهما فداهما
بديتين وأمسكهما جميعا لأنه يفدي كل واحدة منهما بدية قتيلها وقد خلصتا للمولى ولا يعتبر
جناية كل واحدة منهما على صاحبتها قال وإذا قتلت الأمة رجلا خطأ ثم ولدت بنتا ثم إن ابنتها
قتلتها فإنه يقال لمولاها ادفعها أو افدها بقيمة الأم لان البنت في هذا حكم كجارية أخرى
للمولى ولو جنت الأمة وهي حامل ثم ولدت ولد اقبل أن يدفعها فالولد للمولى لان الولد زيادة
انفصلت عنها قبل تقرر حق ولي الجناية فيها وإذا ولدت آخر بعد الدفع فهو للمدفوع
إليه لأنه ملكها بالدفع إليه والولد يتبع الأم في الملك ولو جنت الأمة جناية خطأ ثم ولدت
ولدها فقطع الولد يدها فالمولى بالخيار ان شاء دفع الأم ونصف قيمتها إلى أهل الجناية وان
شاء دفعها وولدها وان شاء أمسكها وأعطى الأرش لان الولد بمنزلة مملوك آخر للمولى
إذا لم يعتق به حق أولياء جنايتها وقد أتلف الولد نصف الأم فتعتبر جنايته عليها بحق أولياء
جنايتها فلهذا خير المولى على ما بينا سواء كان أرش الجناية أقل من نصف قيمتها أو مثل
نصف قيمتها ولو جنى عليها عبد لغيره فاخذ الأرش أعطى من ذلك أرش جنايتها وأمسك الباقي
لان جناية عبد الغير عليها معتبرة لحق المولى فإذا قبض الأرش التحق ذلك بسائر أملاكه
45

فيكون له أن يعطي من ذلك أرش جنايتها ويمسك ما بقي معها كما لو كان له أن يعطي أرش
جنايتها من سائر أملاكه بخلاف ما سبق فجناية الولد عليها هناك غير معتبرة لحق الأم وإنما
كانت معتبرة لحق ولي جنايتها وإذا اختلف المولى وولي جنايتها فقال الولي جنت وهي صحيحة
ثم فقأ رجل عينها فالأرش لي وقال المولى جنت بعد الفق ء فالقول قول المولى لما بينا أن
الولي يدعي استحقاق مال في يد المولى ويدعي تاريخا في جنايته سابقا على وجوب الأرش
بالجناية عليها فلا يصدق في ذلك الا بحجة وكذلك لو كان الذي جنى عليها القتيل نفسه أو
وليه ثم اختلف فالقول في ذلك قول المولى لما بينا انه ينكر سبق تاريخ يدعيه المولى فالقول
قوله مع يمينه وعلى المولى اثبات ما يدعيه بالبينة والله أعلم
(باب جناية العبد في البئر)
(قال رحمه الله) وإذا حفر العبد بئرا في طريق بغير إذن مولاه ثم أعتقه مولاه
ثم علم بما حفر ثم وقع فيها رجل فمات فعلى المولى قيمة العبد لان الحافر عند الوقوع يصير
جانيا بسبب الحفر السابق فان ذلك الحفر كان تعديا منه الا انه اتصل بالمجني عليه عند الوقوع
فيصير جانيا عليه بذلك الحفر كالمعلق للطلاق والعتاق بالشرط فعند وجود المشروط يصير مطلقا
ومعتقا بالكلام السابق وذلك الفعل كان منه في ملك المولى وموجب جناية العبد واستحقاق
نفسه على المولى وقد أتلفه المولى بالاعتاق على وجه لم يصر مختارا اما لأنه لم يكن عالما بالحفر أو
لأنه لم يكن عالما بان يقع فيها انسان فكان مستهلكا للعبد فعليه قيمة العبد لولي الجناية فان
وقع فيها آخر اشتركا في تلك القيمة لأنه صار جانيا على الثاني بالسبب الذي به صار جانيا على
الأول وهو الحفر فيستويان في الاستحقاق الثابت بذلك السبب والمولى بالاعتاق ما استهلك
الا رقبة واحدة فلا يلزمه أكثر من قيمة واحدة ولكن تلك القيمة بينهما نصفان فان وقع فيها
العبد فهو وارثه تركة في تلك القيمة أيضا لان العبد بعد ما عتق فقد طهر من تلك الجناية
والتحق هو بغيره من الأجانب وروي عن محمد بن الحسن ان دمه هدر وأصل هذه المسألة
فيما إذا حفر العبد بئرا ثم أعتقه المولى ثم وقع العبد فيها فمات فدمه هدر في قول
محمد لأنه كالجاني على نفسه بذلك الحفر السابق وفي ظاهر الرواية على المولى قيمته لورثته لأنه حين
أعتق فقد خرج من أن يكون جانيا حكما ويصير كان الجاني بالحفر هو المولى حتى أن عند
46

وقوع الواقع فيها يكون موجب الجناية على المولى ولا شئ فيه على المعتق فيكون وقوع
المعتق فيها كوقوع أجنبي آخر فيغرم المولي قيمته لورثته ولو كان أعتقه المولى بعد ما وقع فيها
رجل فإن كان المولى لا يعلم بوقوع الرجل فعليه قيمة العبد لأنه صار بالاعتاق مستهلكا
لا مختارا وان علم بموت الرجل فيها فعليه الدية لأنه صار مختارا بالاعتاق فقد صار متخيرا بموت
الرجل فيها وعلمه بذلك بخلاف ما إذا كان اعتاقه قبل أن يقع في البئر أحد لأنه ما صار متخيرا
قبل وقوع الواقع فيها فلا يمكن أن يجعل اعتاقه اختيارا فان وقع آخر فيها فمات فإنه يقاسم
صاحب الدية فيضرب الاخر بقيمة العبد والأول بالدية في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو
يوسف ومحمد رحمهما الله على المولى نصف قيمة أخرى لولي القتيل الاخر ولا يشرك الأول
في الدية لان اعتاق المولى إياه اختيار الدية في حق الأول فكأنه لم يعتقه ولكنه أمسكه وأدى
الدية ولو فعل ذلك ثم وقع في البئر آخر كان عليه أن يدفع نصفه إلى الاخر أو يفديه بالدية
فكذلك هاهنا يصير هو الاعتاق في حق الثاني مستهلكا للعبد فيغرم له نصف قيمته وأبو حنيفة
يقول دفعه الدية إلى الأول بسبب اعتاقه بعد العلم بالجناية بمنزلة دفعه القيمة إليه إذا لم يكن
عالما بالجناية ثم هناك المولى لا يغرم شيئا آخر إذا وقع فيها انسان آخر ولكن الثاني شارك
الأول فيما قبض فكذلك هاهنا وهذا لان المولى قد غرم جميع موجب جناية العبد فلا يلزمه
شئ آخر بعد ذلك لأنه لا يثبت بوقوع الثاني فيه في حق المولى تجدد الجناية فإنه حر حين
وقع فيه الثاني وبه فارق ما إذا أمسكه وأدى الدية لان العبد عند وقوع الثاني فيه صار جانيا
باعتبار الحفر السابق وهذا على ملك المولى في هذه الحالة فيخاطب المولى بموجب هذه
الجناية فيدفع إليه النصف أو يفديه وإذا ثبت أن المولى لا يغرم شيئا اخر قلنا ولي الثاني يضرب
مع الأول فيما قبضه بقيمة العبد لأنه صار جانيا عليه لا بالحفر السابق والمولى في حقه يصير
مختارا فيكون حقه في قيمة العبد وحق الأول في الدية فقد صار المولى مختارا في حقه فيضرب
كل واحد منهما في المقبوض بمقدار حقه ولو وقع فيها رجل فمات ثم وقع فيها آخر فذهبت
عينه والعبد قائم دفعه المولى إليهما فيكون بينهما أثلاثا على مقدار حقيهما وان اختار الفداء فداه
بخمسة عشر ألفا عشرة آلاف لصاحب النفس وخمسة آلاف لصاحب العين وان أعتقه قبل
أن يعلم بهما فعليه قيمتها بينهما أثلاثا لأنه صار مستهلكا للعبد عليهما بالاعتاق وإن كان يعلم
بالقتل ولا يعلم بالعين فعليه عشرة آلاف لولى القتيل لأنه مختار لذلك وعليه ثلث قيمته
47

لصاحب العين لأنه صار مستهلكا في حقه حين لم يكن عالما بالجناية فيغرم له حصته من القيمة
وهو الثلث ولو باع العبد قبل أن يقع فيها أحد ثم وقع فيها انسان فمات فعلى البائع قيمته لان
ازالته العبد عن ملكه بالبيع بمنزلة ازالته بالعتق وكذلك ولو وقع فيها العبد في ظاهر الرواية على
البائع قيمته للمشترى وفي رواية محمد دمه هدر كما بينا في العتق قال وإذا حفر العبد بئرا في طريق
المسلمين فوقع فيها رجل فقال المولى انا كنت أمرته بذلك لم يضمن عاقلته ولم يصدق على
ذلك الا البينة لان الجناية باعتبار الظاهر تعلقت برقبة العبد وصار المولى مخاطبا بالدفع أو الفداء
فلا يقبل قوله في ايجاب موجب الجناية على العاقلة الا بالبينة ولا في تفريغ العبد عن موجب
هذه الجناية إذا كذبه ولي الجناية وان صدقه ولي الجناية برئ العمد من الجناية بتصادقهما
على ذلك والحق لا يعد وهما فتكون الدية في مال المولى لان اقراره بالحفر كان من العبد
بأمره بمنزلة اقراره بأنه حفر بنفسه ولو وقع انسان في بئر في الطريق فأقر رجل بأنه هو
الذي حفر البئر كان مصدقا على نفسه دون عواقله وتكون الدية في ماله في ثلاث سنين وإذا
استأجر الرجل عبدا محجورا عليه وحرا يحفران له بئرا فوقعت عليهما فماتا فعلى المستأجر
قيمة العبد للمولى لأنه صار غاصبا العبد باستعماله وقد تلف في عمله ثم تلك القيمة تكون لورثة
الحر إن كان أقل من نصف الدية لان العبد صار جانيا على نصف الحر وقد مات وأخلف
بدلا فيستوفي وليه ذلك البدل بحقه ثم يرجع بها المولى على المستأجر لان المقبوض استحق من
يده بجناية كانت من العبد وفي ضمانة ثم المستأجر قد ملك العبد بالضمان وقد صار الحر جانيا على
نصفه فيكون على عاقلة الحر نصف قيمة العبد المستأجر ولو كان العبد مأذونا له في العمل
لم يكن على المستأجر شئ لأنه ليس بغاصب له وكان على عاقلة الحر نصف قيمة العبد لان الحر
صار جانيا على نصف العبد ثم يكون ذلك لورثة الحر باعتبار جناية العبد على نصف الحر وإذا
حفر العبد بئرا في الطريق بغير إذن مولاه ثم قتل قتيلا خطأ فدفعه مولاه إلى ولي القتيل
ثم وقع في البئر انسان فمات فان ولى القتيل بالخياران شاء دفع نصفه وان شاء فداه بالدية
لان العبد صار جانيا على الواقع في البئر بالحفر السابق وباعتبار تلك الجناية يكون نصف قيمة
حق ولي الواقع في البئر (ألا ترى) أنه لو كان وقوع الواقع في البئر قبل أن يدفع بجنايته كان
العبد بينهما نصفين ولان المدفوع إليه بالجناية قد ملك جميعه لأنه حين دفعه إليه العبد ما كان
لاحد سواه حق في العبد وبوقوع الواقع في البئر لا يتبين أن حق وليه كان تام يومئذ وإنما
48

يثبت مقصورا على الحال ولكن بذلك السبب فلا يبطل به ملك المدفوع إليه العبد بذلك في
شئ من العبد ولكنه في الخيار يقوم مقام المولى باعتبار ملكه فإن شاء دفع إليه نصفه وان شاء
فداه بالدية ولو وقع في البئر أولا انسان فمات فدفعه ثم قتل قتيلا خطأ فدفعه المدفوع إليه ثم
وقع في البئر آخر فان ولي القتيل يدفع ثلثه إلى الواقع في البئر آخرا أو يفديه بالدية لان العبد
في الحاصل قاتل ثلاثة نفر اثنان في البئر وواحد بيده وقد صار حصة صاحب البئر الأول
للذي قتله بيده مع حصته وذلك ثلثان من العبد والثلث منه حق ولي الواقع في البئر آخرا وقد
قام المدفوع إليه مقام المالك فيه فيتخير بين أن يدفع الثلث أو يفديه بالدية وإذا حفر المدبر
أو أم الولد بئرا في الطريق وقيمته ألف درهم فوقع فيها انسان فمات فعلى المولى قيمته لان
جنايته بالحفر عند اتصال الوقوع به كجنايته بيده وجناية المدبر وأم الولد توجب القيمة على
المولى به قضى أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه حين كان أميرا بالشام وكان ذلك بمحضر
من الصحابة ولم ينكر عليه أحد وهذا لان المولى بالتدبير السابق صار مانعا دفع الرقبة بالجناية
على وجه لم يصر مختارا فيكون ضامنا قيمة لو فعل ذلك بعد الجناية وهو لا يعلم بها فان وقع فيها
واحد بعد واحد فماتوا وقد تغيرت قيمته فيما بين ذلك إلى زيادة أو نقصان لم يكن على المولى
الا قيمة ألف درهم يوم حفر بينهم جميعا بالسوية لأنه ما منع الا رقبة واحدة فلا يغرم الا قيمة
واحدة والجناية من المدبر سببها كان هو الحفر فيعتبر قيمته عند ذلك (ألا ترى) ان في الجناية
بيده يعتبر قيمته حين جنى وكذلك لو مات قبل أن يقع فيها انسان أو أعتقه أو كاتبه
أو فعل شيئا من ذلك بعد ما وقع فيها بعضهم ثم وقع فيها انسان فمات فعلى المولى قيمته لان
جناية المدبر لا تتعلق برقبته فإنه ليس بمحل الدفع وإنما تجب القيمة على المولى ابتداء فموت المدبر
وحياته وعتقه في ذلك سواء وكذلك لو جنى جناية بيده شارك أهلها في تلك القيمة لان المولى
ما منع الا رقبة واحدة الا انه إذا كانت قيمته يوم جنى بيده ألفين فعلى المولى ألف درهم
لهذا خاصة لان على المولى قيمته وقت جنايته فإنه عند ذلك صار مانعا دفعه بالتدبير السابق
وهذه الجناية الثانية وجدت منه الآن فعليه لصاحبها قيمته ألفان وقد غرم مرة ألفا فيغرم لهذا
ألفا أخرى ثم يضرب هو في القيمة الأولى مع أهلها بتسعة آلاف لأنه وصل إليه مقدار
ألف فينتقص من حقه ذلك القدر ويضرب كل واحد من أصحاب البئر بعشرة آلاف فتكون
القيمة بينهم على ذلك قال وإذا استأجر أربعة رهط مدبرا ومكاتبا وعبدا وحرا يحفرون له بئر
49

فوقعت عليهم من حفرهم فماتوا ولم يؤذن للمدبر ولا للعبد في العمل فيقول كل واحد منهم
تلف بفعله وفعل أصحابه فيهدر ربع نفسه وتعتبر جناية أصحابه عليه في ثلاثة أرباع نفسه ثم على
المستأجر قيمة العبد والمدبر لمولاه لأنه صار غاصبا لها بالاستعمال والمدبر يضمن بالغصب
كالقن ثم لورثة الحر ربع دية الحر في رقبة كل انسان منهم ولولى المكاتب ربع قيمة المكاتب
في رقبة كل منهما فيضرب في هاتين القيمتين ودية الحر بنصف دية الحر وورثة المكاتب بنصف
المكاتب فيقسمان ذلك على هذا ثم يرجع مولاهما بذلك على المستأجر لان المقبوض استحق
بجناية قيمة كانت منهما في يد المستأجر فيثبت لهما حق الرجوع عليه في رقبة العبد ثم للمستأجر
على عاقلة الحر ربع قيمة كل واحد منهما لأنه ملك العبد بالضمان وقد صار بمنزلة المالك للمدبر
باستحقاق بدل نفسه بعد ما ضمن قيمته فلهذا رجع على عاقلة الحر بربع قيمة كل واحد منها
وله في رقبة المكاتب ربع قيمة كل واحد منهما وقد كان للمكاتب في رقبة كل واحد منهما ربع
قيمته من القيمة التي أخلفها كل واحد منهما فيكون بعضه قصاصا من بعض ويترادان الفضل
ولو مع قيمة المكاتب على عاقلة الحر لان الحر أتلف ربع المكاتب ثم يأخذ ذلك ورثة الحر
باعتبار جناية المكاتب على ربع الحر إلا أن يكون لهم أكثر من ربع الدية فيأخذون ربع
الدية ويردون الفضل على مولى المكاتب ولكن هذا إنما يستقيم على قول من يقول قيمة المملوك
في الجناية بالغة ما بلغت ولكل واحد من العبدين يعنى المدبر والعبد ربع قيمته في قيمة الاخر
ولكن ذلك على المستأجر له فلا يفيد اعتباره فإن كان العبد ان مأذونا لهما في العمل فلا ضمان
على المستأجر لانعدام الغصب وربع قيمة كل واحد منهما على عاقلة الحر وكذلك ربع قيمة
المكاتب على عاقلة الحر وثلاثة أرباع دية الحر في أعناقهم في عنق كل واحد منهم ربع فإذا
عقلت عاقلة الحر ربع قيمة كل واحد منهما وأخذ ذلك كل واحد منهم قلنا يؤخذ من مولى
المدبر قيمة كاملة لأنه صار مانعا بالتدبير السابق فيكون موجب جنايات المدبر القيمة عليه
بعد أن يكون القيمة مثل ما عليه من ذلك أو أقل فيقسم ذلك بينهم بضرب فيه ورثة الحر
بربع الدية ومولى العبد بربع القيمة ومولى المكاتب بربع القيمة وإن كان المكاتب ترك وفاء
أخذ من تركته تمام قيمته ان كانت قيمته أقل مما عليه من ذلك لان جنايات المكاتب إذا
اجتمعت لا توجب الا قيمة واحدة في كسبه ثم يضرب فيها ولي الحر بربع الدية ومولى
العبد بربع القيمة ومولى المدبر بربع القيمة ثم يؤخذ من مولى العبد جميع ما أخذ من ذلك
50

لان المأخوذ بدل عبده وأولياء جناية العبد أحق بذلك من مولاه فيضرب في ذلك ورثة
الحر بربع دية الحر ومولى المدبر بربع قيمة المدبر ومولى المكاتب بربع قيمة المدبر ومولى المكاتب بربع قيمة المكاتب لان
العبد كان جنى على ربع كل واحد منهم فلهذا كانت قيمة بدله بينهم
(باب الجنايات بالكنيف والميزاب)
(قال رحمه الله) وإذا أخرج الرجل كنيفا شارعا من داره على الطريق أو ميزابا أو مصبا
أو صلاية من حائط فما أصاب من ذلك أنسانا فقتله فعلى عاقلة الذي أخرجه ديته لأنه متعد في
تسببه حتى شغل طريق المسلمين بما أحدثه فيه اما في رقبة الطريق أو في هواه فكل واحد
منهما يحول بين المارة وبين المرور في الطريق وفي الميزاب إذا أصاب الذي في الحائط
لا ضمان عليه فيه لأنه غير متعد في وضع هذا الطرف في ملكه وقد بينا تفصيل هذه المسألة
ولو وضع خشبة على الطريق فتعقل به رجل فهو ضامن له لأنه شغل رقبة الطريق بالخشبة التي
وضعها فيه فهو بمنزلة ما لو بني في الطريق دكانا أو جلس فيه بنفسه أو وضع ظله على الطريق
فان وطئ المار على الخشبة ووقع فمات كان ضامنا له بعد أن لا يتعمد الزلق قال وهذا إذا كانت
الخشبة كبيرة يوطأ على مثلها فإن كانت صغيرة لا يوطأ على مثلها فلا ضمان على الذي وضعها
لان وطأه على مثلها على هذه الخشبة بمنزلة تعمد الزلق أو بمنزلة التعقل بالحجر الموضوع على الطريق
عمدا وذلك لا يوجب الضمان على واضع الحجر فطريان المباشرة على التسبيب بمنزلة ما لو حفر
بئرا في الطريق فألقى انسان نفسه فيها عمدا فان قال واضع الحجر ذلك أنه تعمد التعقل به
وكذبه الولي فهو على الخلاف الذي بيناه في البئر وفي قول أبي يوسف الأول القول قول الولي
وفي قوله الاخر وهو قول محمد قول الواضع وهذا بخلاف واضع الجارح إذا ادعى
أن المجروح مات بسبب آخر لان الجرح علة موجبة للضمان فبعد وجود العلة لا تقبل دعوى
العارض المسقط وهاهنا الواضع والحافر يدعي صلاحية العلة لإضافة الحكم إليه فإنما يضاف
الحكم إلى الشرط عند عدم صلاحية العلة لذلك والأصل هو الصلاحية فكان هو متمسكا
بالأصل معنى منكر السبب الضمان فلهذا كان القول قوله وإذا تعقل الرجل بحجر فوقع على
حجر ومات فان الضمان على واضع الحجر الأول لأنه دافع له بحجره على الحجر الثاني فكأنه
دفعه بيده وإن لم يكن له واضع فهو على واضع الحجر لان وضع الحجر الثاني سبب وهو التعدي
51

وإذا تعذر إضافة القتل إلى ما دفعه عليه يجعل مضافا إلى الحجر الثاني وأحد من هؤلاء يلزمه
الكفارة ولا يحرم الميراث لأنه سبب الكفارة وحرمان الميراث مباشرة قتل محظور
(باب الغصب في الرقيق مع الجناية)
قال رحمه الله وإذا غصب الرجل من رجل عبدا فقل العبد عنده قتيلا خطأ ثم اختصموا فان
العبد يرد إلى مولاه لأن الغصب حرام مستحق الفسخ وفسخه بالرد على مولاه ولان موجب
الجناية تخيير المالك بين الدفع والفداء والمالك هو المغصوب منه فهو المتمكن من دفعه بها
دون الغاصب فيردها إليه ثم يقال له ادفعه أو افده أي ذلك فعل يرجع على الغاصب بالأقل
من قيمته ومما فداه به لان الرد لم يسلم له حين استحق من يده بجناية عند الغاصب فكأنه
هلك في يد الغاصب ولان فسخ فعل الغاصب إنما يحصل برده كما قبضه ولم يوجد لأنه قبضه
فارغا ورده مشغولا بالجناية فإذا لم ينفسخ حكم فعله كان ضامنا قيمته لمولاه إلا أنه يعتبر
الأقل لان المولى يتخلص بالأقل منهما فهو في التزام الزيادة مختار فحق الرجوع انهما يثبت له
بما تتحقق فيه الضرورة دون ما هو مختار له وذلك في مقدار الأقل وإذا كانت قيمة العبد
أقل فإنما يرجع بقيمته يوم غصبه حتى أن كان زاد عنده خيرا فليس عليه من الزيادة شئ
لان الرد لما لم يسلم له جعل كالهالك في يد الغاصب فإنما يضمن قيمته يوم غصبه وان حدث فيه عيب
قبل الجناية فهو ضامن ذلك للمولى لأنه فات جزء منه وحق ولي الجناية في العبد على ما هو
عليه عند الجناية فما وجب من الضمان على الغاصب قبل الجناية يسلم للمولى لفراغه عن حق
ولي الجناية وان كانت عينه ذهبت عند الغاصب بعد الجناية واختار دفعه بالجناية فدفعه رجع
على الغاصب بقيمته يوم غصبه ويدفع نصفها إلى ولي الجناية لان حق ولي الجناية كان في العين
الذي ذهبت عند الغاصب والعين من الادمي نصفه فلهذا دفع إليه نصف القيمة والنصف الآخر
للمولى ويرجع المولى على الغاصب بالنصف الذي دفعه إلى ولي الجناية لان ذلك استحق
من يده بالجناية التي كانت عند الغاصب وإن كان أعور قبل الجناية كان نصف القيمة للمولى
لان حق ولي الجناية لم يثبت في هذه العين ويرجع المولى على الغاصب بقيمته أعور لأنه دفع
العبد بالجناية التي كانت عند الغاصب وهو أعور فيرجع بتلك القيمة على الغاصب وإذا غصب
الرجل عبدا فهو ضامن له ولما جنى عبده من جناية أو لحقه من دين ما بينه وبين قيمته ولا يضمن
52

أكثر من ذلك من نفسه وماليته استحقت بما حدث عند الغاصب ولكن هذا لاستحقاق
إنما يتقدر في مقدار قيمته ولان المولى كان يمنعه من هذه الأسباب لو كان العبد في يده
قائما يكن منه بأن لم يمنعه الغاصب من ذلك فلهذا كان الضمان على الغاصب وإذا غصب عبدا
فقتل عده قتيلا ثم مات العبد فعلى الغاصب قيمته لأنه تعذر رد عينه بالهلاك في يده ثم يدفع المولى
هذه القيمة إلى ولي الجناية لان بنيته كانت مستحقة لولي الجناية وقد فاتت وأخلفت هذا
البدل وحكم البدل حكم الأصل ثم يرجع المولى بقيمة أخرى على الغاصب لان القيمة الأولى
استحقت بجناية كانت عند الغاصب ولو استحق عين العبد من يده بتلك الجناية رجع على
الغاصب بقيمته فكذلك إذا استحقت القيمة يرجع على الغاصب بقيمة أخرى حتى تخلص له
قيمته قائمة مقام عبده ولو لم يمت العبد ولكن ذهبت عينه فدفعه إلى المولى أعور فقتل عنده
قتيلا آخر ثم اجتمعوا فدفعه المولى بجنايته فإنه يأخذ نصف قيمته من الغاصب باعتبار عينه التي
فاتت عنده فيدفعها إلى الأول لان حق الأول كان ثبت في حق العين لقيامها عند جنايته
وحق الثاني ما ثبت في تلك العين فإذا سلم نصف القيمة للأول ضرب هو في العبد المدفوع
بالدية الا ما أخذ لان القدر المأخوذ سالم له فلا يضرب به وإنما يضرب بما بقي من حقه
ويضرب الاخر بالدية ثم يرجع المولى على الغاصب بنصف القيمة التي أخذت منه لان ذلك
استحق من يده بجناية كانت عند الغاصب ويرجع عليه أيضا بما أصاب الأول من قيمة العبد
أعور لان استحقاق ذلك القدر من العبد بجناية كانت عند الغاصب ولا يرجع عليه بقيمة
ما أصاب الباقي لان الجناية الثانية من العبد كانت عند المولى ثم يرجع أولياء الأول فيما أخذ
المولى من ذلك بتمام قيمة العبد إلى ما في يده لان حقه ثبت في عبد صحيح فارغ فما لم يسلم له
كمال حقه لا يسلم شئ من بدل العبد للمولى وهذا ينبغي أن يكون على قول أبي حنيفة وأبي
يوسف خاصة على ما نبيته في المسألة الثانية ثم يرجع المولى على الغاصب بمثل ما أخذ منه لان
الذي أخذه منه الأول استحقه بجناية كانت عند الغاصب فيكون قرار ذلك على الغاصب فيكون قرار ذلك على الغاصب ولو
غصب عبدا فقتل عنده قتيلا خطأ بأمره أو بغير أمره ثم رده إلى المولى فقتل عنده آخر
خطأ فاختار المولى دفعه بهما فإنه يكون بينهما نصفين لاستواء حقهما في رقبته ثم أخذ المولى من
الغاصب نصف قيمة العبد استحق قبل الجناية الأولى بجناية كانت من العبد عند الغاصب
ثم يدفع هذا النصف إلى ولي قتيل الأول ويرجع بمثله أيضا على الغاصب فيكون للمولى وهذا
53

قول أبي حنيفة وأبي يوسف قال محمد وزفر يأخذ المولى نصف القيمة من الغاصب فيسلم له
ولا يدفعه إلى الأول والقياس هذا لأنه إنما يرجع على الغاصب بقيمة نصف المدفوع إلى ولي
الجناية الأولى فلو أمر بدفع ذلك النصف إليه اجتمع البدل والمبدل في ملك شخص واحد
وذلك لا يجوز هذا ولان المصير إلي القيمة عند عدم سلامة العين لتقوم القيمة مقام العين وذلك
النصف سالم لولي الجناية الأولى فلا حق له في بدلها والنصف الذي أخذه ولي الجناية الثانية
فات ولم يخلف بدلا لان استحقاق ذلك النصف بجناية كانت عند المولى فلا يكون لولي
الجناية الأولى ان يرجع على المولى بشئ وأبو حنيفة وأبو يوسف قالا حق ولي الجناية الأولى
ثبت في جميع العبد فارغا وإنما سلم له نصف العبد فلا يجوز أن يسلم للمولى شئ من قيمة العبد
مع بقاء نصف حق ولي الجناية الأولى ولكن يدفع إليه هذا النصف من القيمة حتى يسلم
له كمال حقه ونصف العبد ونصف قيمته بمنزلة ما لو كانت الجانية الأولى عند المولى والجناية
الثانية عند الغاصب فدفعه المولى بهما فإنه يرجع بنصف القيمة على الغاصب فيدفعه إلى ولي
الجناية الأولى بالاتفاق إلا أن محمدا رحمه الله يفرق بما ذكرنا أن رجوع الولي هناك بقسمة
نصف المدفوع إلى ولي الجناية الثانية لان تلك الجناية كانت عند الغاصب وقد كان حق ولي
الجناية الأولى ثابتا فيه وهاهنا رجوعه بقيمة النصف المدفوع إلى ولي الجناية الأولى ولكنهما
يقولان هذا في ما بين الغاصب والمولى بدل عن النصف المدفوع إلى ولي الجناية الأولى فاما
في حق ولي الجناية الأولى فلا يكون بدلا عن ذلك ولكنه يجعل بدلا عن النصف المدفوع إلى
ولي الجناية الثانية لان ذلك لم يسلم له بعد ما ثبت حقه فيه أوما يأخذه ولي الجناية الأولى
من القيمة لا يستحقه باعتبار انه بدل عن النصف الأول أو عن النصف الثاني وإنما يستحقه
باعتبار الجناية الحاصلة من البعد على وليه حال فراغه عن كل حق وصيرورته مقدما على المولى
في استحقاق جميع العبد به وهو بمنزلة الذمي يبيع خمرا يقضى بالثمن دين المسلم فان المقبوض
يطيب للمسلم لأنه في حق البائع المقبوض ثمن الخمر وفي حق المسلم إنما يأخذ ما يأخذه باعتبار
دينه لا باعتبار انه بدل الخمر فيطيب له ذلك ثم ذكر الفصل الثاني ان العبد لو كان جنى الجناية
الأول عند المولي والثانية عند الغاصب فدفعه المولى بهما فإنهما يقتسمان العبد نصفين ثم يرجع
المولى على الغاصب بنصف القيمة وهو بدل ما استحقه ولي الجناية الثانية فيدفعه إلى الأول ثم
لا يرجع المولى بشئ من ذلك على الغاصب لان استحقاق هذا النصف من القيمة كان بجناية
54

من العبد عند المولى والغاصب غصب العبد مشغولا بالجناية الأولى ثم رد نصف القيمة كذلك
مشغولا بالجناية ولو رد جميع القيمة فاستحقها ولي الجناية الأولى بعد هلك العبد عنده لم
يرجع المولى عليه بشئ وكذلك إذا رد النصف القيمة فاستحقه ولي الجناية الأولى ثم بنى
المسائل إلى آخر الباب بعد هذا على فصل مختلف فيه وهو ان جناية العبد المغصوب على
المغصوب منه أو على ماله معتبره في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قول صاحبيه هدر وأما جنايته
على الغاصب أو على مال الغاصب فهدر في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قولهما معتبر وجه
قولهما ان العبد بعد الغصب باق على ملك المغصوب منه والغاصب منه كالأجنبي بدليل ان
التصرفات المختصة بالملك تنفذ فيه من المولى دون الغاصب وكذلك في حكم الجناية حتى لو جنى
على أجنبي كان المولى هو المخاطب بالدفع أو الفداء دون الغاصب ثم رجوع المولى الغاصب
يكون بسبب الغصب لا بسبب الجناية وذلك أنه يقرر ملك المولى إذ ثبت هذا فنقول جناية
المملوك على مال مالكه أو على نفسه فيما يكون خطأ هدار مالان المستحق بهذه الجناية من
مملوك له على نفسه في نفسه أو ماليته والمالك لا يستحق ملكه لنفسه على نفسه أو لان جناية المملوك
فيما يكون موجبا للمال كجناية المالك وجنايته على نفسه وعلى مال نفسه هدر فكذلك جناية
مملوكه عليه يدل عليه ان بسبب الملك تهدر جناية المولى على مملوكه وجناية المملوك على مولاه
فيما يكون موجبا للمال ثم في أحد الحكمين المغصوب كغيره حتى أن المغصوب منه إذا قتل العبد
المغصوب كان ذلك هدرا و إذا قتله الغاصب كان معتبرا فكذلك في الحكم الاخر قلنا تهدر
جناية العبد على المغصوب منه فيعتبر جنايته على الغاصب لان الغاصب من ملك الرقبة كأجنبي
فلهذا تعتبر جنايته على العبد وكذلك تعتبر جناية العبد عليه بمنزلة ما لو كان العبد في جنايته
وديعة أو عارية وبان كان مغصوبا على الغاصب فكذلك لا يدل اعتبار جنايته على مولاه كالعبد
المرهون إذا جنى على الراهن لا تعتبر جنايته وإن كان مضمونا على المرتهن بالقبض * يوضحه
أن في اعتبار جنايته على الغاصب فائدة وهو ان يتملك الغاصب رقبته على المولى بسبب الجناية
وما ثبت له هذا الحق بسبب الغصب بل كان عليه رد العين وللإنسان في ملك الغير غرض
فينبغي أن تعتبر جنايته عليه ليتملك به العبد وإن كان المولى يرجع عليه بقيمته إذا دفعه إليه بالجناية
وأبو حنيفة رحمه الله يقول الغاصب في حكم جناية المغصوب كالمالك باعتبار المال والمغصوب
منه بمنزلة الأجنبي * الدليل عليه أنه لو على أجنبي آخر كان قرار ضمان الجناية على الغاصب
55

واستحقاق ضمان جناية العبد على مالكه فلما كان قرار ضمان جنايته على الغاصب هاهنا عرفنا
انه صار كالمالك في حكم ضمان الجناية والمولى كالأجنبي * يوضحه ان اهدار جناية المملوك على
المالك ليس لعين الملك بل لان اعتبارها غير مفيد (ألا ترى) انه لو قتل مولاه عمدا فإنه تعتبر
جنايته عليه في حكم القصاص لأنه مفيد فإذا عرفنا هذا فنقول هاهنا لو اعتبرنا جنايته على
مولاه أو على مال مولاه كان مفيدا لأنه ثبت للمولى حق الرجوع على الغاصب باعتباره بعد
ما أخذ العبد كما لو جنى على غيره فلكونه مفيدا وجب اعتباره بمنزلة جناية المولي علي عبده
المديون فإنه يكون معتبر الحق الغرماء لان ذلك مفيد لا فائدة في اعتبار جنايته على مال الغاصب
لأنه يستحق به ماليته ثم يرجع المولى بتلك المالية فأي فائدة تكون في اعتبار هذه الجناية في
جنايته على نفس الغاصب قال بعض مشايخنا رحمهم الله في قول أبي حنيفة رحمه الله لاستحقاق
ملك العبد بها على قياس مسألة أطلق جوابها في آخر الباب كما بيناه والأصح ان الخلاف
فيهما جميعا وهذا لان المجني عليه لا يستحق رقبة العبد الا باختيار المولى الدفع إليه والمولى
مخير بين الدفع وبين الفداء فإنما يكون المستحق به المالية فقط ولهذا لو أعتقه المولى قبل
العلم بالجناية نفذ عتقه ولم يغرم الا قيمته فهو من هذا الوجه بمنزلة الجناية على ماله وقد بينا
الفرق بين هذا وبين جناية المرهون على الراهن في كتاب الرهن ان اعتبار جناية المرهون
لحق المرتهن ولا فائدة للمرتهن في اعتبار جنايته على الراهن * يوضح الفرق ان ضمان الرهن
ليس بضمان مال فإنه وان تقرر لا يوجب الملك للمرتهن فلو اعتبرنا جنايته وجعلنا قرار ذلك
المرتهن لا يتبين به أن العبد مملوك للمرتهن وهاهنا ضمان الغصب إذا تقرر أوجب الملك
للغاصب من وقت الغصب فيتبين ان جنايته على المغصوب منه جناية على غير المالك فلهذا اعتبرنا
ذلك وان جناية على العبد المغصوب جناية على المالك فلهذا لا يعتبر فوضح كلام أبي حنيفة
بما استشهد به في الكتاب ان العبد المغصوب لو قتل نفسه جعل الغاصب ضامنا لقيمته وكذلك
إذا قتل عبدا آخر للمغصوب منه بل أولى فان جنايته على غيره أقرب إلى الاعتبار من جنايته
على نفسه ثم لما اعتبرنا جنايته على نفسه هاهنا وجب الضمان على الغاصب وإن كان هو ملكا
للمغصوب منه فكذلك جنايته على عبد آخر للمغصوب منه فان قيل نحن لا نعتبر جنايته على
نفسه ولكنا نجعل قتله نفسه كموته في يد الغاصب فكذلك قتله عبدا آخر للمغصوب منه يجعل
كموت ذلك العبد قلنا لا كذلك فانا لو لم نعتبر جنايته في ايجاب الضمان على الغاصب لزمنا جعل
56

جنايته كجناية مالكه على ما قالا إن جناية المملوك في حكم الضمان كجناية المالك فلو قتله المغصوب
منه لم يجب شئ فكان ينبغي إذا قتل المغصوب نفسه أن لا يجب شئ على الغاصب أيضا
واستدلالهما بهذا الفصل ساقط لان المغصوب منه بقتل العبد يصير مستردا له فينعدم به
الضمان الذي باعتباره كان هو كالأجنبي والغاصب كالمالك وذلك لا ينعدم بجناية المغصوب
على أحدهما فلهذا افترقا قال الشيخ الامام إذا عرفنا هذا احتجنا إلى بيان المسائل فنقول لو
غصب عبدا وجارية فقتل كل واحد منهما عنده قتيلا ثم قتل العبد الجارية ثم رده الغاصب إلى
المولى فاختار دفعه فإنه يضرب فيه أولياء قتيله بالدية وأولياء قتيلها بقيمتها لأنه جنى عليها وهي
مشغولة بحق أولياء قتيلها فكذلك يعتبر جنايته عليهم ثم يرجع المولى على الغاصب بقيمة العبد
وقيمة الجارية لان الجارية كانت مضمونة عليه ولم يوجد الرد فيها أصلا والرد في العبد لم يسلم
حين استحق بجنايته عند الغاصب فإذا استوفى قيمة من قيمة الجارية إلى أولياء قتيلها لأنها
ماتت وأخلفت عوضا وقد كانت نفسها مستحقة لأولياء قتيلها فيكون لهم أن يأخذوا ما بقي
من حقهم من قيمتها ثم يرجع به الولي على الغاصب لان ذلك استحق من يده بجناية كانت
جنتها عند الغاصب ويأخذ أولياء قتيل العبد من قيمة العبد تمام قيمة العبد لان حقهم كان قد
ثبت في جميع العبد فارغا ولم يسلم لهم الا البعض وقد أخلف العبد عوضا فيستوفي ما بقي لهم من
قيمة العبد ويرجع بذلك المولى على الغاصب ولو اختار المولى الفداء وأدى دية قتيل العبد وأدى
قيمة الجارية إلى ولي قتيل الجارية لان فداء العبد إنما يكون بأرش جنايته وجنايته كانت على
الجر وعلى الجارية ثم يرجع على الغاصب بقيمة العبد والجارية لانعدام الرد في الجارية وانعدام
سلامة الرد في العبد بدون الأرش وتأويل ما ذكر في هذه المسألة فيما إذا كان الغاصب بعيدا
أو كان غائبا فإذا كان حاضرا وتمكن المولى أخذها منه فتخرج المسألة على وجه آخر كما ذكره
بعد هذا وهذه المسألة إنما ذكرها في نسخ أبي حفص رحمه الله فاما في نسخ أبي سليمان رحمه
الله فإنما ذكر المسألة الطويلة وبين التقسيم في الجواب فقال إذا اغتصب عبدا وجارية وقيمة
كل واحد منهما ألف فقتل كل واحد منهما عنده قتيلا ثم قتل العبد الجارية ثم رده على المولى
فإنه يرد معه قيمة الجارية لتعذر ردها بالهلاك ثم يدفع المولى هذه القيمة إلى ولي قتيل الجارية
لأنها كانت مستحقة له وقد ماتت وأخلفت قيمة فهو أحق بقيمتها ثم يرجع بها على الغاصب
لان استحقاق قيمتها من يده بجنايتها عند الغاصب كاستحقاق عينها فيرجع بقيمتها مرة أخرى
57

لتقوم مقام الجارية للمولى فارغة كما غصبها ثم يخير المولى في العبد بين الدفع والفداء فان اختار
الفداء أفداه بالدية ورجع بقيمته على الغاصب وهذا قياس قول أبي حنيفة رحمه الله فأما على
قولهما ان اختار الفداء أفداه بالدية لولي قتيل الغلام ولا يرجع بقيمته على الغاصب وان اختار
الدفع دفعه إلى ولي قتيل الغلام والى الغاصب على أحد عشر سهما لان قيمة الجارية لما تقررت
على الغاصب فقد ملكها بالضمان فظهر ان العبد المغصوب جنى على أمة الغاصب وهو هدر
في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله هو معتبر فإذا اختار الفداء
وفداء العبد بالدية فقد استوجب هو الرجوع بقيمة العبد على الغاصب واستوجب الغاصب
الرجوع عليه بقيمة الأمة لاختياره الفداء أو اعتباره جناية العبد على الأمة فيقع المقاصة لاستواء
القيمتين فلهذا لا يرجع على الغاصب بشئ وان اختار الدفع فقد اجتمع في العبد جنايتان معتبرتان
جناية على الحر فيضرب ولي الحر فيه بالدية وجناية على الأمة فيضرب الغاصب فيه بقيمتها وهو
ألف درهم فإذا جعلت كل ألف سهما كان العبد بينهما على أحد عشر سهما عشرة لولي قتيل
الغلام وجزء للغاصب ثم يرجع المولى على الغاصب بقيمة الغلام لان الغلام استحق من يده
بجنايته عند الغاصب فيدفع منها جزأ من أحد عشر جزأ إلى ولي قتيل الغلام لان حقه كان
يثبت في جميع العبد فارغا عشرة وإنما سلم منه جزاء وقد فات الجزء الواحد وأخلف بدلا
فإذا دفع ذلك إليه رجع به على الغاصب أيضا لأنه استحق بجنايته عند الغاصب فإذا رجع به
صار في يد المولى قيمة الغلام تامة وقيمة الجارية صار في يد ولي قتيل الغلام عشرة أجزاء من
أحد عشر جزأ من العبد وجزأ من أحد عشر من قيمته وصار في يد الغاصب من الغلام جزء
من أحد عشر جزأ وصار في يد ولي قتيل الجارية قيمة الجارية فإن كان الغاصب معسرا ولم
يقدر عليه ليؤخذ منه قيمة الجارية واختار المولى الدفع فان قال ولي قتيل الجارية لا أضرب
بقيمة الجارية في الغلام ولكني أنظر فان خرجت قيمة الجارية أخذتها كان له ذلك لان لحقه
محلين فله أن يختار أيهما ثم في قياس قول أبي حنيفة يدفع الغلام كله إلى ولي قتيل الغلام لان
جنايته على الأم غير معتبرة عنده كما بينا فإنها باعتبار المال للغاصب فإذا دفعه إلى ولي قتيله
رجع على الغاصب بقيمته وبقيمة الجارية فيدفع قيمة الجارية إلى ولي قتيلها ثم يرجع به عليه
فيصير في يده قيمتان فاما في قياس قول أبي يوسف ومحمد يدفع من العبد عشرة اجزاء من
أحد عشر جزأ إلى ولي قتيل الغلام ويترك الجزء في يديه لأنه جنايته على الأمة جناية معتبرة
58

وهذا الجزء الفائت في حقه ولكنه ما لم يؤد قيمتها لا يتمكن من قبض هذا الجزء فيترك في
يد المولى حتى إذا خرجت قيمة الجارية أخذها المولى فيدفعها إلى ولي قتيلها ثم يرجع بها على
الغاصب ثم يقال للمولى ادفع هذا الجزء إلى الغاصب أو افده بقيمة الجارية فان دفعه رجع عليه
بقيمة الغلام فيدفع منها إلى ولي قتيل الغلام جزأ من أحد عشر جزأ بدل ما لم يسلم له من العبد
ويرجع به على الغاصب وان فداه فإنما يفديه بقيمة الجارية ولكنه يرجع بقيمة الغلام على
الغاصب والقيمتان سواء فيكون أحدهما قصاصا بالأخرى ويدفع مكان ذلك الجزء إلى ولي
قتيل الغلام جزأ من أحد عشر جزأ من قيمة لأنه بطريق المقاصة صار مستوفيا لقيمته
كأنه استوفاه حقيقة ثم يرجع بقيمته على الغاصب لان استحقاق ذلك من يده كان بجناية العبد
عند الغاصب وان قال ولي قتيل الجارية أنا أضرب في الغلام بقيمتها دفع إليهما فيضرب فيه
ولي قتيل الجارية بقيمتها وولي قتيل الغلام بالدية فيكون بينهما على أحد عشر كما بينا فان قدر
الغاصب أو أيسر أدى إلى المولى قيمة الغلام وقيمة الجارية لانعدام الرد في الجارية أصلا
ولانعدام سلامة الرد في الغلام فيدفع من قيمة الغلام إلى ولي قتيل الغلام جزأ من أحد
عشر جزأ من قيمته بدل ما لم يسلم له من العبد به على الغاصب وقال ليس لولي قتيل
الجارية الا ما أصابه من الغلام ولا يعطى من قيمة الجارية شئ وقد ذكر قبل هذا في المسألة
القصيرة انه يعطى من قيمة الجارية إلى أولياء قتيلها تمام قيمتها ففي هذا الجواب روايتان وقد
بينا وجه تلك الرواية ان حقهم كان ثابتا في جميعها فيعطون من بدلها كمال حقهم وجه هذه
الرواية ان ما استوفى ولي قتيل الجارية من العبد كان بمقابلة الجارية فيكون استيفاؤه ذلك
الجزء بمنزلة استيفائه جميع قيمتها فلا يكون له أن يرجع بشئ آخر بعد ذلك وهذا لأنه كان
مخيرا بين شيئين فإذا اختار أحدهما يعين ذلك له ولا يبقى له في المحل الاخر حق كالمغصوب
منه إذا اختار تضمين الغاصب الأول أو الثاني وان اختار المولى الفداء فداه بعشرة آلاف
وبقيمة الجارية ثم يرجع على الغاصب بقيمة الغلام وبقيمتين في الجارية قيمة مكان القيمة التي
أداها إلى أولياء جنايتها وقيمة أخرى بالغصب ليسلم له مكان الجارية وهذا قول أبي حنيفة
فاما على قياس قولهما إذا أدى الغاصب قيمة الغلام وقيمة الجارية صار كأن الجارية كانت له
لتقرر ضمانها عليه فيقال للمولى ادفع جزأ من أحد عشر جزأ من العبد إليه أو افده بقيمة الجارية
وأي ذلك فعل لم يرجع على الغاصب بشئ لما بينا من حكم المقاصة فيما يرجع كل واحد منهما على
59

صاحبه هذا تمام بيان هذه المسألة قال ولو غصب عبدا ثم أمره أن يقتل رجلا فقتله ثم رده
إلى مولاه فقتل عنده آخر ثم عفا ولي قتيل الأول عن الدية كان على المولى أن يدفع نصفه
إلى ولي قتيل الاخر أو يفديه بالدية لان حقه ما ثبت في العبد الا وهو مشغول بالجناية
الأولى فلم يستحق من العبد الا نصفه ثم بعفو الأول لا يزداد حق الثاني وسواء دفعه أو فداه
لم يرجع على الغاصب بشئ لان الرد قد سلم في حق الغاصب فإن لم يستحق شئ من العبد
بالجناية التي كانت عند الغاصب أو قد فرغ من تلك الجناية فهو كما كان مريضا فرده ثم برأ
ولو دفعه إليهما قبل العفو ثم عفا الأول عما بقي له رجع المولى على الغاصب بنصف قيمته وهو
بدل ما أخذه ولي الجناية الأولى لأنه استحق ذلك بجنايته عند الغاصب والعفو إنما ينصرف
إلى ما بقي لا إلى ما استوفى فإذا أخذ نصف القيمة لم يدفعه إلى ولي الجناية الأولى لأنه
أسقط ما بقي من حقه بالعفو وإذا سلم ذلك للمولى لم يرجع به على الغاصب مرة أخرى قال
وإذا اغتصب الرجل عبدا واستودع مولى العبد الغاصب أمة فقتل العبد قتيلا عند الغاصب
ثم قتل الأمة فإنه يكون على الغاصب قيمة العبد لهلاكه عند الغاصب فإذا أخذها المولى دفعها
إلى أولياء القتيل لان العبد قد مات وأخلف القيمة وكانت نفسه مستحقة لأولياء القتيل ثم
يدفع الغاصب قيمة أخرى إلى المولى ليسلم له مكان العبد ثم يقال للمولى ادفع مثل الوديعة إلى
الغاصب أو افدها بقيمة العبد لان العبد بالضمان صار مملوكا للغاصب وجناية الأمة الوديعة على
عبد المودع معتبرة فيخير مولاها بين الدفع أو الفداء ولو كان العبد هو الذي قتل الأمة مع
قتله الحر فاختار المولى الدفع قسم العبد على دية القتيل وقيمة الأمة في قول أبي حنيفة فيأخذ
أولياء القتيل من ذلك ما أصاب الدية ويأخذ المولى ما أصاب قيمة الأمة ويضمن له الغائب تمام
قيمة الأمة ويرجع المولى على الغاصب من قيمة العبد بمثل ما أخذ أولياء القتيل لان العبد
المغصوب جنى على أمة المغصوب منه ومن أصل أبي حنيفة ان جنايته على المغصوب منه وعلى
ماله معتبرة فاما على قول أبي يوسف ومحمد لا يضرب المولى بشئ من قيمة أمته في العبد لان
عندهما جناية المغصوب على مال المغصوب منه هدر وكون الأمة أمانة للمغصوب منه في يد
الغاصب ككونها في يد المغصوب منه فإنما يدفع المولى العبد كله إلى أولياء الجناية ويرجع
بقيمته على الغاصب قال ولو غصب فإنما يدفع المولى العبد كله إلى أولياء الحر ثم يرجع بها على
الغاصب فيكون له ثم يقول ادفع الولد إلى الغاصب أو افده بقيمة الأمة لان الولد كان أمانة
60

للمغصوب منه في يده وقد ملك الأمة بالضمان وقد بينا أن جناية الأمانة على مال الأمين
معتبرة فيخير المولى بين الدفع أو الفداء لذلك قال ولو غصب رجلان عبدا فقتل في يدهما
قتيلا ثم قتل أحدهما قيل للمولى ادفعه إلى أولياء القتيلين نصفين فمن قال من أصحابنا رحمهم الله
ان على قول أبي حنيفة رحمه الله جناية المغصوب على الغاصب معتبرة وإنما لا يعتبر جنايته على
مال الغاصب بما يستدل به في هذه المسألة فان جعل جنايته على أحد الغاصبين كجنايته على الأجنبي
حيث قال العبد بينهما نصفان ومن يقول جنايته على الغاصب هدر عنده يقول هذا الجواب
قولهما فاما في قياس قول أبي حنيفة ينبغي أن يسلم ثلاثة أرباع العبد للأجنبي وربعه لولى الغاصب
المقتول لان الجناية عليه إنما تعتبر من النصف الذي هو غير مضمون عليه أما من النصف
الذي هو مضمون عليه لا تعتبر عنده لان ضمان الغصب بمنزلة الملك فهو كجناية العبد المشترك
على أحد الشريكين خطأ ثم إذا دفع العبد إلى أولياء القتيلين رجع على الغاصبين بقيمته لان
الرد لم يسلم فيدفع نصفها إلى ولي قتيل الأول لأنه استحق جميع العبد فارغا ولم يسلم له الا
النصف وقد فات النصف الآخر وأخلف بدلا ثم يرجع به على الغاصب الأول يعني الحي
منهما وفي مال الغاصب المقتول لان ذلك استحق بيده بجناية كانت عندهما فيكون ذلك له
ولا يرجع فيها واحد من الغاصبين بشئ لان حق الغاصب المقتول ما يثبت الا في النصف
العبد فإنه جنى عليه وهو مشغول بالجناية الأولى وقد سلموا له نصفه والله أعلم
(باب جناية المكاتب)
(قال رحمه الله) وإذا جنى المكاتب جناية خطأ فعليه أن يسعى في الأقل من أرشها
ومن قيمتها يوم جنى لان المكاتب أحق بمكاسبه بمنزلة الحر ولا عاقلة له وهذا بخلاف المدبر
وأم الولد فان بجنايتهما تجب القيمة على المولى لان الحق في كسبهما للمولى هناك يوضح الفرق
ان المولى صار مانعا دفع الرقبة هناك بالتدبير السابق وهاهنا المكاتب صار مانع دفع رقبته
بقبول عقد الكتابة فيكون عليه موجب الجناية فان قيل لا بل المولى صار مانعا دفع رقبته
بايجاب الكتابة قلنا لا كذلك فإنه لا يعتذر دفع الرقبة بايجابه هاهنا وإنما يتعذر بقبول المكاتب
ثم لا يتعذر الدفع بمجرد عقد الكتابة بل باستبراء أمته لأنه بعد الفسخ يمكن دفعه بالجناية
واستبراء أمة لمكاتب دون المولى فان للمكاتب أن يعجز نفسه فيفسخ العقد وليس للمولى
61

ذلك فلهذا كان موجب الجناية على المكاتب ثم إن كان الأرش أقل فبأدائه قد وصل إلى
المستحق كمال حقه وان كانت قيمته أقل فهو ما منع الا رقبته فلا يلزمه أكثر من قيمة يوم
جنى لأنه لو كان بمحمل الدفع استحق ولي القتيل نفسه حين جنى فإذا كان الدفع متعذرا يعتبر
قيمته يوم جنى ثم الأصل عندنا ان جناية المكاتب تتعلق برقبته وعند زفر موجب جنايته
القيمة دينا في ذمته ابتداء وإنما يتيسر هذا في فصول أحدها إذا عجز قبل قضاء القاضي يسعى
عندنا ويدفع بالجناية أو يفدى وعند زفر يباع في قيمته كما يباع في دين آخر لو كان عليه لان
دفعه بالجناية ممتنع عند الجناية لحقه فيكون موجب الجناية القيمة ابتداء كما في المدبر وأم الولد
وعندنا الدفع وإن كان معتذرا في الحال ولكن لم يقع اليأس عنه بعد العجز فلتوهم الدفع تعلقت
الجناية برقبته فإذا عجز تقررت الجناية في رقبته فيدفع بها أو يفدى بخلاف المدبر وأم الولد
وفي الحقيقة إنما تنبنى هذه المسألة على أن مجرد الكتابة هل يوجب حق العتق للمكاتب عند
زفر يوجب ولهذا لا يجوز اعتاقه عن الكفارة وعندنا لا يوجب ولهذا جوزنا اعتاقه عن
الكفارة فتتعلق الجناية برقبته وإنما يتحول إلى القيمة عندنا بإحدى معان ثلاثة اما قضاء
القاضي بالقيمة لان بقضائه يتحقق معنى تعذر الدفع فيتحول الحق إلى القيمة كما إذا قضى
القاضي في المغصوب الآبق أو بعتق المكاتب لأنه يتحقق اليأس عن الدفع بالعين أو
بموته عن وفاء لأنه يؤدي كتابته ويحكم بعتقه في حال حياته فيتحقق اليأس عن الدفع ويتقرر
حق ولي الجناية في القيمة فإذا عرفنا هذا فنقول إذا جنى المكاتب ثم جنى فإن كان القاضي
قضى للأول بالقيمة قبل الجناية الثانية فعليه أن يسعى لولي الجناية الثانية في الأقل من أرشها
ومن قيمتها لان بقضاء القاضي تحول حق الأول إلى القيمة دينا في ذمته وفرغت الرقبة منه
فيثبت فيها حق ولي الجناية الثانية وكذلك في كل جنايته يجنيها بعد القضاء بما قبلها وإن لم يكن
القاضي قضى في الأول بشئ فعليه الأقل من قيمته ومن أرش الجنايتين عندنا لان حق الوليين
في الرقبة معتبر حتى لو عجز دفع إليهما فلا يلزمه الا قيمة واحدة بجميع الرقبة وعند زفر هذا
وما بعد القضاء سواء لان حق كل واحد منهما ثبت في القيمة في ذمته ابتداء وفي الذمة
سعة فإن كانت الجناية نفسا وقيمته أكثر من عشرة آلاف سعى في عشرة الا عشرة دراهم
لان قيمة المملوك بسبب الجناية لا نزيد على هذا المقدار فكذلك في الجناية منه لان في
الموضعين وجوب القيمة بسبب الجناية فان قتل المكاتب رجلا خطأ وقيمته ألف درهم ثم
62

قتل آخر خطأ وقيمته ألفان فإنه يقضي عليه أن يسعى في ألفين ألف منهما للاخر خاصة لان
المعتبر قيمته حين جنى وقد جنى على الأول وقيمته ألف وجنى على الثاني وقيمته ألفان فالألف
الثانية يختص بها ولي الجناية الثانية إذ لاحق فيها لولي الجناية الأولى وفي مقدار ألف يثبت
حقهما فيقسم بينهما على تسعة عشر سهما قال وإذا قتل المكاتب قتيلين خطأ فقضى عليه بنصف
الدية لأحدهما والاخر غائب ثم قتل آخر ثم عجز فاختار المولى الدفع فإنه يدفع نصفه إلى
الثالث ويتبعه الأول بنصف القيمة فيباع ذلك النصف فيه لان في النصف تحولت الجناية
بقضاء القاضي إلى القيمة دينا في ذمته ثم جنى الجناية الثالثة يتعلق حق وليها بهذا النصف وقد
اجتمع في هذا النصف جناية ودين فيدفع بالجناية أو لا ثم يباع في الدين لا بقاء الحقين ويدفع
النصف الآخر إلى الثالث والأوسط لان حقهما جميعا يتعلق بذلك النصف فإذا دفع إليهما
ضرب فيه الأوسط بعشرة آلاف لأنه ما استوفى شيئا من حقه وضرب فيه الثالث بخمسة
آلاف لان باستيفائه نصف العبد قد صار مستوفيا نصف حقه وإنما بقي من حقه النصف
فإذا ضرب بخمسة آلاف كان هذا النصف بينهما أثلاثا قال وإذا جنى المكاتب جناية ثم مات
ولم يترك الا مائة درهم ومكاتبته أكثر من ذلك ولم يقض عليه بالجناية فالمائة لمولاه لأنه
مات عاجزا وقد انفسخت الكتابة وكانت الجناية في رقبته فيبطل حق ولي الجناية بموته
لفوات محل حقه والمائة كسبه فهي لمولاه وهي على قول زفر المائة لولي الجناية لان جنايته
كانت دينا والدين يقضي من كسبه بعد وفاته ولو ترك وفاء بالجناية والمكاتبة كان عليه
الأقل من قيمته ومن أرش الجناية لان عقد الكتابة يبقى هاهنا فيستوفي المولى المكاتبة ويحكم
بحريته بحياته فتصير جنايته دينا في ذمته بخلاف الأول ولو كان عليه دين مع ذلك بدئ بالدين
لان الدين أقوى فإنه مطلوب به قبل العجز وبعده مستوفيا من تركته سواء مات عن وفاء
أو عن عجز بخلاف الجناية وعند الاجتماع يبدأ بالأقوى وروى عن قتادة أنه قال قلت لسعيد
ابن المسيب أخطأ شريح وإن كان قاضيا وإنما القضاء ما قضى به ويبدأ به في تركة المكاتب
بدينه قال نعم فإذا قضى الدين بقيت الجناية وبدل الكتابة وفيما بقي وفاؤهما فيكون الحكم ما بينا
في الفصل الأول وان كانت الجناية قد قضى بها حاص وليها صاحب الدين بالتركة لأنه
صار دينا متأكدا بقضاء القاضي كسائر الديون فالحاصل ان الدين أقوى الحقوق والكتابة
أضعف الحقوق عليه من حيث إنه لا يحبس به في حال حياته والجناية تتوسط بينهما من حيث
63

انه يقضى بها عليه في حياته ويحبس لأجلها ولا تقضى من تركته بعد موته فلهذا بدأنا بالدين
ثم بالجناية ثم بالكتابة إلا أن تتأكد الجناية بقضاء القاضي فحينئذ هي كالدين وهذا بخلاف
حال حياة المكاتب فإنه إذا قضى بكسبه بدل الكتابة كان ذلك سالما للمولى لان الحقوق في
ذمته وذمته تتقوى بعتقه فكان التدبير إليه في تقديم ما بينا من ذلك فاما بعد الموت الحقوق
في ماله فيبدأ بالأقوى لهذا ولو مات المكاتب وترك ولدا قد ولد له في مكاتبته من أمته وعليه
دين وجناية قد قضى بها أو لم يقض بها سعى الولد في الدين والجناية والمكاتبة لان عقد
الكتابة يبقى ببقاء من يؤدي وما يبقي ببقاء ما يؤدى به يصير الجناية ما لا ثم لا يجبر على أن يبدأ
من ذلك بشئ لأنه خلف عن أبيه فكان بقاؤه كبقاء الأب وللأب في حال حياته أن يبدأ
بأي ذلك شاء لأنه بالبداءة بالكتابة يحصل العين لنفسه وتتقوى ذمته وهذا المعنى موجود
في حق الولد بخلاف المال فهناك القاضي هو الذي يؤدي الحقوق من تركته فعليه أن يبدأ
بالأقوى لهذا إذا عجز الولد ورد في الرق بعد ما قضى عليه بالجناية بيع وكان ثمنه بين الغرماء
وأصحاب الجناية بالحصص وان عجز قبل القضاء بالجناية بطلت الجناية لان الولد قائم مقام أبيه
وانفساخ الكتابة بعجزه كانفساخها بعجز الأب في حياته إلا أن هناك الجناية متعلقة قبل
القضاء فيدفع بها ثم يباع في الدين وههنا الجناية غير متعلقة برقبة الولد ولكن فات محل الجناية
بموت الجاني حين ظهر العجز فلهذا بيع الولد في الدين خاصة فإن كانت أم الولد حية حين
مات المكاتب ولا دين على المكاتب وقد قضى عليه بالجناية أو لم يقض فان على الأم والولد
السعاية في الأقل من قيمة المكاتب ومن أرش الجناية مع بدل الكتابة لأنهما يستفيدان العتق
بالأداء فيقومان مقامه بالسعاية فيما عليه فان قضى عليهما بها أو لم يقض حتى قتل أحدهما قتيلا
خطا قضى عليه بقيمته لولى القتيل لان كل واحد منهما بمنزلة المكاتب حين كان يسعى في بدل
الكتابة ليعتق فيقضى عليه بقيمته في جنايته وهذا لا يشكل إن كان قضى عليهما بجناية المكاتب
وكذلك إن لم يقض عليهما لان حق ولي الجناية المكاتب لا يتعلق برقبتهما حتى لو عجزا لم
يدفع واحد منهما بتلك الجناية فلهذا قضى على الجاني منهما بقيمة لولى القتيل سوى ما عليهما
لولى جناية المكاتب فان عجز بعد ذلك بيع كل واحد منهما في جنايته خاصة فان فضل من
ثمنه شئ فالفضل لولي جناية المكاتب لان دين نفسه في تعلقه بماليته أقوى من دين الغير فلهذا
كانت البداءة بما وجب على كل واحد منهما بسبب جنايته فلو ماتت المكاتبة وتركت مائة
64

درهم وابنا ولدته في مكاتبتها وعليها دين وقد قتلت قتيلا خطأ فقضى بها أو لم يقضي
على الابن أن يسعى في المكاتبة والدين والجناية ثم تلك المائة بين أهل الجناية والدين
بالحصص لان المكاتبة غير عاجزة ما دام لها ابن يسعى في المكاتبة فتكون جنايتها دينا في هذه
الحالة يقضى من كسبها كسائر الديون وان استدان الابن دينا وجني جناية فقضى عليه بذلك
مع ما قضى عليه من دين أمه وجنايتها فعليه أن يسعى في ذلك كله لأنه بمنزلة المكاتب فان
عجز في دينه وجنايته خاصة فان فضل من ثمنه شئ كان في دين أمه وجنايتها بالحصص
لان دين نفسه في ثمنها مقدم على دين أمه وإن كان إنما عجز قبل أن يقضى عليه بجنايته دفعه
مولاه بها أو فداه لان حق ولي جنايته في رقبته فيخير المولى بعد عجزه وإذا دفعه تبعه دينه
خاصة فبيع فيه دون دين أمه وجنايتها فان فضل من ثمنه شئ لم يكن لصاحب دين الأم وجنايتها
عليه سبيل لأنه ما تبعها شئ من ذلك في ملك المدفوع إليه بالجناية فان جنايته مقدمة في رقبته
على الدين الذي لحقه من قبل أمه بخلاف دين نفسه فان يبتعه في ملك المدفوع إليه لان حق ولي
الجناية في ماليته غير مقدم على حق غريمه ولو فداه المولى فقد ظهر بالفداء من جنايته فيباع
في دينه فان فضل من ثمنه شئ كان دين أمه وجنايتها لان هذا الفضل باق على ملك المولى
وفي ملك المولى دين الأم وجنايتها يقضى من مالية الولد وإذا جنى المكاتب ثم مات قبل أن
يقتضى عليه بها وقد ترك وفاء بالمكاتبة فقد بينا في المكاتبة ان الجناية في هذه الحالة تصير مالا
فيستوفى صاحب الجناية من تركته حقه قبل الكتابة ثم يؤدى بدل الكتابة مما بقي منه وان
مات المكاتب وعليه دين وترك عبدا تاجرا عليه دين آخر بيع العبد في دينه خاصة لان دين
نفسه في ماليته مقدم فان حق غريمه أسبق تعلقا بماليته من حق غريم المكاتب فان بقي من ثمنه
شئ كان في دين المكاتب لأنه في كسبه وإن لم يكن على العبد دين ولكنه كان جنى جناية
وليس للمكاتب مال غيره فإنه يخير المولى فإن شاء دفعه هو وجميع الغرماء بالجناية ولا
حق للغرماء فيه لما بينا ان حق ولي جنايته في نفسه مقدم على حق غرماء المكاتب فإذا دفع
الجناية برضاهم لم يبق لهم عليه سبيل وان شاؤوا فدوه بالدية ثم يباع في دين الغرماء لأنه ظهر
من الجناية إلى الفداء فإن كان عليه دين أيضا فإنه أيضا فإنه يخير مولاه فإن شاء دفعه وأتبعه دينه فبيع
فيه ولا شئ لغرماء المكاتب وان شاء فداه ثم بيع في دينه خاصة فان فضل شئ كان لغرماء
المكاتب لان المولى متطوع في الفداء وقد ظهر العبد به من الجناية فكأنه لم يكن في رقبته
65

جناية ثم في الفصل الأول شرط في الدفع رضاء غرماء المكاتب وفي الفصل الثاني لم يشترط
رضاءهم لان في هذا الفصل بامتناع الدفع لا يظهر حق غرماء المكاتب في ماليته لأنه إنما يباع
في دين نفسه فلهذا لا يشترط رضاؤهم وفي الفصل الأول بامتناع الدفع يظهر حق غرماء المكاتب
في ماليته لأنه يباع في دينهم إذ لا دين على العبد فلهذا المعنى اعتبر رضاؤهم في الدفع والله أعلم
(باب جناية المكاتب بين اثنين)
قال رحمه الله وإذا كان العبد بين اثنين فكاتب أحدهما نصيبه بغير أمر صاحبه ثم جنى
جناية ثم أدى يعتق فالمسألة تشتمل على حكمين حكم الكتابة وحكم الجناية أما بيان حكم الكتابة
في هذا الجنس قد تقدم حكمه في كتاب العتاق والمكاتب وإنما تبين حكم الجناية فنقول يقضي
على المكاتب بالأقل من نصف قيمته ونصف أرش الجناية لان النصف منه مكاتب حين جنى
والبعض معتبر بالكل وقد تأكد حكم الكتابة بالأداء والعتق بالجناية وجناية المكاتب تلزمه
بعد العتق الأقل من قيمته ومن أرش الجناية فكذلك في هذا النصف والذي لم يكاتب ان
اختار تضمين الشريك واستسعاه في قيمة نصيبه وقبض هو ضامن للأول من نصف قيمة
المكاتب ومن نصف أرش الجناية لان الجناية في نصبيه كانت متعلقة بالرقبة وقد فاتت وأخلف
بدلا وهو ما قبض من نصف القيمة فيلزمه دفع ذلك إلى ولي الجناية إلا أن يكون نصف
الأرش أقل منه وكذلك أن أعتقه لأنه صار متلفا بالاعتاق الا انه لم يصر مختارا لان الدفع
كان متعذرا بما يفديه من العتق فكان ضامنا للأقل من نصف قيمته ومن نصف أرش الجناية
وكذلك لو كاتبه باذن الشريك فهذا والأول في حكم الجناية سواء وإنما يفترقان في حكم الضمان
واثبات حق الفسخ وذلك من حكم الكتابة دون الجناية ولو خوصم المكاتب في الجناية قبل أن
يعتق وقضى القاضي عليه بالأقل من نصف قيمته ونصف الأرش ثم عجز عن المكاتبة فإنه يباع
نصيب المكاتب منه فيما قضى به عليه لأنه صار دينا في ذمته بقضاء القاضي ويقال للاخر ادفع
نصيبك بنصف الجناية أو أفده بنصف أرشها لان الجناية في نصيبه متعلقة بالرقبة فان القاضي
لم يقض فيها بشئ فيخير المولى بين الدفع والفداء وإذا كاتب أحدهما نصيبه ثم اشترى المكاتب
عبدا فجنى جناية ثم أدى المكاتبة فعتق فإنه يخير المكاتب والذي لم يكاتب فان شاءا دفعا وان
شاءا أفدياه بالدية لان العبد مشترك بين الذي لم يكاتب وبين المكاتب نصفين باعتبار ما يكاتب
66

منه وقد تقرر ملك المكاتب في نصيبه بالعتق وجناية العبد المشترك توجب للموليين الخيار
بين الدفع والفداء فإن كان هذا العبد الجاني ابن المكاتب وولد عنده من أمة له كان عليه أن
يسعى في الأقل من نصف قيمته ومن أرش الجناية لان النصف منه كان مكاتبا مع ابنه وقد
عتق بأداء الأب فيلزمه في هذا النصف ما كان يلزم الأب لو جنى بنفسه وليس على الذي لم
يكاتب شئ حتى يعتق أو يستسعى ثم يضمن الأقل من نصف قيمته ومن أرش الجناية لأنه
ان أعتق نصيبه فقد صار مستهلكا على وجه ثم يصير مختارا وان استسعاه فقد استوفى بدل
نصيبه وحق ولي الجناية في نصبيه كان مقدما على حقه ولو كان هذا الابن جنى على أبيه ثم
أدى الأب فعتق فعلى الابن نصف قيمة نفسه فيسعى فيه للذي لم يكاتب ولا ضمان على المكاتب
في ذلك بخلاف الأم فالمكاتب ضامن لنصف قيمتها للذي لم يكاتب لأنه صار متملكا نصيب
الذي لم يكاتب منها حين صارت أم ولد له فيلزمه نصف قيمتها ولا سعاية على أم الولد بحال وهو
لم يصر متملكا نصيب الذي لم يكاتب من الولد وإنما احتبس نصيبه عند الولد فللذي لم يكاتب
الخيار بين أن يعتق نصبيه منه أو يستسعيه في قيمة نصيبه وأما جناية الابن على الأب فقد
جنى حين جنى ونصفه مكاتب مع أبيه ونصفه رقيق والأب كذلك فما كان في الأب من حصة
الذي لم يكاتب فهو في عنق الابن يأخذه المولى من الابن يعني النصف الذي هو مكاتب من
الابن حيث جنى على نصيب الذي لم يكاتب وما كان من جناية نصيب الذي لم يكاتب من الابن على
النصف الذي هو مكاتب يوجب على الذي لم يكاتب الأقل من نصف قيمته ومن ربع قيمة
المكاتب فقد وجب لكل واحد منهم على صاحبه مثل ما لصاحبه عليه فيكون قصاصا ولا
يكون لاحد على أحد شئ وإذا كانت أمة بين رجلين كاتب أحدهما حصته منها ثم ولدت
ولدا ثم ازدادت خيرا أو انتقصت بعيب ثم أدت فعتقت فاختار الشريك تضمين المكاتب
ضمنه نصف قيمتها يوم عتقت لان ملكه إنما تلف بالعتق (ألا ترى) ان قبل الأداء كان
متمكنا من فسخ الكتابة واستيفاء حقه وإن لم يضف ما اكتسب قبل أن يعتق ونصف أرش
ما جنى عليها ولو كان الضمان وجب بنفس الكتابة لم يكن له من ذلك شئ وللذي لم يكاتب أن
يستسعى الابن في قيمة نصيبه لأنه لما عتق نصيب المكاتب من الابن فقد احتبس نصيب
الشريك عند الولد فيستسعيه في قيمة نصيبه منها ولو كاتب أحدهما نصيبه منها ثم ولدت ولدا
فكاتب الاخر نصيبه من الولد ثم جنى الولد على الأمة أو جنت عليه جناية لا تبلغ النفس
67

ثم أديا فعتق والموليان موسران فللذي كاتب الولدان يضمن الذي كاتب الأم نصف قيمتها
ان شاء استسعاها وان شاء أعتقها لأنه أفسد نصيب الشريك منها بما صنع ولم يوجد من
الشريك دلالة الرضاء في ذلك لان كتابة الولد لا تكون رضى منه بكتابة الأم ولا ضمان
عليه للذي كاتب الأم على شريكه في الولد لان نصيب الذي كاتب الأم من الولد ما أفسد
على شريكه نصبيه من الولد وجناية كل واحد منهما على صاحبه على ما وصفت لك في العبد
وأبيه من حكم المقاصة لان الجناية على نصف الولد الذي كاتبه المولى لا يبطل منها شئ بالكتابة
فكان وجود ذلك كعدمه فلهذا كان قصاصا ولا شئ لواحد منهما على صاحبه قال وإذا كان
العبد بين اثنين ففقأ عين أحدهما وقيمته ألف ثم إن الذي فقئت عينه كاتب نصيبه منه ثم جرحه
جرحا آخر ثم أدى فعتق ثم مات المولى بالجنايتين فنقول في بيان حكم الجناية ان على الحي
منهما أن يدفع نصف قيمة العبد إلى ورثة الميت بجنايته سواء استوفى الضمان من شركة شريكه
أو استسعى العبد أو أعتقه لان نصيبه جنى عليه جنايتين أحدهما قبل الكتابة والاخر بعده
وحكمهما سواء في حقه وهو انه صار مستهلكا لنصيبه على وجه لم يصر مختارا فيلزمه نصف
قيمته وعلى العبد أن يسعى في الأقل من نصف قيمته ومن ربع الدية لورثة الميت لان
النصف الذي هو نصيب المجني عليه جنى جنايتين أحدهما قبل الكتابة وهي هدر والأخرى
بعدها وهي توجب موجبها على المكاتب بمنزلة جنايته على أجنبي آخر فلهذا كان عليه الأقل
من نصف قيمته ومن ربع الدية لورثة الميت من قبل الجناية قال وإذا كان العبد بين رجلين
فجنى على أحدهما ففقأ عينه أو قطع يده ثم إن الاخر باع نصف نصيبه من شريكه وهو
يعلم بالجناية ثم جنى عليه العبد أيضا جناية أخرى ثم إن الذي باع ربعه اشترى ذلك الربع
ثم كاتبه المجني عليه على نصيبه منه ثم جنى عليه جناية أخرى ثم أدى فعتق ثم مات المولى من
الجنايات فعلى المكاتب الأقل من نصف قيمته ومن ربع الدية لان النصف الذي هو مكاتب
منه جنى على مولاه ثلاث جنايات جنايتين قبل الكتابة وحكمها سواء في أنه هدر وجناية
بعد الكتابة وهي معتبرة ولهذا كان عليه الأقل من نصف قيمته ومن ربع الدية على الذي
لم يكاتب سدس وربع سدس دية صاحبه والأقل من نصف قيمة العبد ومن سدس وربع
سدس الدية ولا يؤدى هذا النصف حتى يعتق أو يستسعى أو يضمن وقد بطل نصف سدس
لأنه قد جري في نصف نصيبه البيع والشراء ولم يجر في النصف الأخير فلا بد من اعتبار
68

ذلك فنقول أما نصف نصيبه الذي جرى فيه البيع والشراء فقد أتلف ربع النفس بثلاث
جنايات جناية قبل البيع وقد صار المولى مختارا لذلك البيع وجناية بعد البيع وذلك هدر لان جناية
المملوك على المالك وجناية بعد الشراء وهي معتبرة فمن هذا الوجه يبطل ثلث الربع وهو نصف
سدس الدية وأما النصف الذي لم يجر فيه البيع والشراء جنى على ربع النفس أيضا ثلاث جنايات
أحدهما قبل البيع وقد صار مختارا بذلك لان بيع البعض باختيار الفداء كبيع الكل ويتبين بعد
البيع وحكمهما سواء في حق التعلق بالرقبة فيتوزع هذا نصفان فلهذا قال على الذي لم يكاتب
سدس الدية وربع سدس الدية مقدار ما صار مختارا له ببيع نصف نصيبه ومثل ذلك متعلق
بنصيبه وقد تعذر الدفع بكتابة شريكه على وجه لم يصر مختارا فيلزمه الأقل من نصف قيمة
العبد ومن سدس وربع سدس الدية ولكن هذا الاستهلاك إنما يتحقق إذا أعتق أو استسعى
أو ضمن فلهذا لا يلزمه هذا النصف ما لم يوجد أحد هذه المعاني قال وإذا كان العبد بين اثنين
فقطع يد رجل ثم باعه أحدهما من صاحبه وهو يعلم ثم اشتراه منه فقطع يد آخر وفقأ عين
الأول ثم ماتا من ذلك قيل لشريك المشترى ادفع نصفك إلى أولياء القتيلين نصفين أو افده
بعشرة آلاف لان الجنايتين تعلقتا بنصيبه الذي كان له في الأصل ولم يوجد في ذلك النصف
ما يكون دليل اختيار فيخير بين دفعه إليهما وبين ان يفدى كل واحد منهما بنصف الدية ويقال
للبائع ادفع ألفين وخمسمائة إلى ولي قتيل الأول لان نصيبه جنى على القتيل الأول جنايتين
أحدهما قبل البيع والأخرى بعد الشراء فيصير مختارا لما كان قبل البيع حين باعه وهو يعلم
بجنايته فلهذا يلزمه أن يدفع إليه الفين وخمسمائة ثم يخير بعد ذلك بين أن يدفع نصيبه إليهما أو
يفديهما لولي القتيل الاخر بخمسة آلاف ولولي القتيل الأول ألفين وخمسمائة باعتبار جنايته
عليهما بعد الشراء فإذا اختار الدفع كان هذا النصف مقسوما بينهما أثلاثا لولي قتيل الأول
وثلثاه لولي قتيل الاخر على مقدار ما بقي من حق كل واحد منهما قال وإذا كان العبد بين
رجلين فجرح رجلا جرحا خطأ فكاتبه أحد الشريكين وهو يعلم بذلك ثم جرحه أيضا ثم مات
الرجل من ذلك كله فعلى الذي كاتب أولا ربع الدية لان نصيبه من العبد حين جنى ثلاث
جنايات على نصف النفس أحدها قبل الكتابة واثنان بعد الكتابة وحكمهما سواء فانقسم
هذا النصف نصفين وذلك قد صار مختارا له بالكتابة فعليه ربع الدية ونصف ذلك يكون على
المكاتب وأما الذي كاتب آخر فنصيبه أيضا حين جنى ثلاث جنايات جنايتين قبل الكتابة
69

وحكمهما سواء في حقه وجناية بعد الكتابة فيوزع أيضا هذا النصف نصفين نصفه على الذي كاتب
آخرا فيلزمه الأقل من نصف القيمة ومن ربع الدية لان بكتابة نصيبه صار مستهلكا لا مختارا فقد
كان الدفع متعذرا قبل هذا بكتابة شريكه فلهذا لزمه الأقل من نصف القيمة ومن ربع الدية
وعلى المكاتب الأقل من قيمته ومن نصف الدية لان كل نصف منه جنى بعد الكتابة وموجب
ذلك عليه وإنما تلف نصف النفس بالجنايات الموجودة منه بعد الكتابة فلهذا كان عليه الأقل من
قيمته ومن نصف الدية وهذا كله قياس قول أبي حنيفة بناء على أن الكتابة تتجزأ والله أعلم
(باب جناية المدبر)
(قال رحمه الله) قد بينا ان جناية المدبر لا تتعلق برقبته ولا تكون على عاقلة مولاه
لأنه مملوك وإنما توجب على المولى قيمته يوم جنى المدبر لأنه بالتدبير السابق صار مانعا دفع
الرقبة عند الجناية ولم يصر مختارا بذلك التدبير لأنه عند التدبير ما كان يعلم أنه جنى فيكون
مستهلكا ضامنا للقيمة ولا يلزمه الا قيمة واحده وان كثرت الجناية من المدبر لأنه ما منع الا رقبة
واحدة ولكن تلك القيمة مشتركة بين أولياء الجنايتين سواء قربت المدة فيما بينهما أو بعدت
لأنها قائمة مقام الرقبة في تعلق حق أولياء الجنايات بها فان قتل المدبر رجلا خطا وفقأ عين
آخر فعلى مولاه قيمته لأصحاب الجنايتين أثلاثا لأنه لو كان محل الدفع كان يدفع إليهما أثلاثا
فكذلك القيمة في المدبر والمعنى ان كل واحد منهما يضرب بجميع حقه وحق ولي القتيل في
الدية وحق الاخر في أرش العين فان اكتسب كسبا أو وهب له هبة لم يكن لأهل الجناية
من ذلك شئ لان حقهم في القيمة دينا في الذمة فكما لا يكون لهم حق في كسب المولى فكذلك
في كسب المدبر ولو قتل المدبر رجلا خطأ وقيمته ألف درهم ثم ذهبت عينه فعلى المولى قيمته
يوم جنى لان بذهاب العين فات نصفه ولو مات بعد الجناية لم يسقط شئ من قيمته عن المولى
فكذلك إذا ذهبت عينه وكذلك لو ازدادت قيمته لان حق أولياء الجناية لا يثبت في تلك
الزيادة فان الجناية ما تعلقت برقبته أصلا فان دفع المولى قيمته إلى ولي الجناية ولم يحدث به
عيب ثم قتل رجلا آخر خطأ فإن كان دفع إلى الأول بقضاء قاض فلا سبيل للثاني على المولى
لأنه ما ألزمه أكثر من قيمة واحدة بجناياته ودفعها إلى الأول بقضاء قاض كدفع القاضي
نفسه فلا سبيل للثاني على المولى ولكنه يتبع الأول فيأخذ منه نصف القيمة وان قد كان دفعها
70

بغير قضاء قاض علي قول أبي يوسف ومحمد الجواب كذلك وعند أبي حنيفة للثاني الخيار ان
شاء اتبع الأول بنصف القيمة وان شاء اتبع المولى بذلك فإذا أخذه منه رجع المولى به على
الأول وجه قولهما في المسألة ان المولى حين دفع القيمة إلى الأول فقد فعل بنفسه غير ما
يأمره القاضي به لو رفع الامر إليه فيكون القضاء وغير القضاء سواء كما في الرجوع بالهبة
وأخذ الدار بالشفعة بعد وجوبها وهذا لأنه حين دفع ما كأن لاحد في القيمة حق سوى الأول
لان السبب الموجب لحق الثاني وهو الجناية لم يوجد بعد والحكم لا يسبق السبب فلا يكون
بهذا الدفع جانيا في حق الثاني فلا يضمن له شيئا وكيف يكون جانيا في حقه ولو أن أدان يمنع
بعض القيمة من الأول لمكان حق الثاني ما كان يتمكن من ذلك وأبو حنيفة يقول القيمة إنما
تجب على المولى باعتبار منع الرقبة وإنما منعها بالتدبير السابق وذلك في حق أولياء الجنايتين جميعا
سواء فيجعل في حق أولياء الجنايتين كان دفع القيمة من المولى كان بعد وجوب الجنايتين
جميعا وهناك ان دفع إلى أحدهما جميع القيمة بقضاء القاضي لم يضمن للثاني شيئا وان دفع بغير
قضاء القاضي كان للثاني الخيار فهذا مثله والدليل على أن المعتبر هذا ان للثاني حق المشاركة
مع الأول في تلك القيمة ولا يكون ذلك الا باعتبار ما بينا وهو أن يجعل كأنه جنى عليهما
في حالة واحدة يوضحه ان بذلك التدبير انعقد سبب ثبوت حق ولي الجناية في القيمة دينا
في ذمة المولى عند جنايته فهو يدفع القيمة نحو ذلك الحق من ذمته إلى المدفوع فإن كان
ذلك بقضاء القاضي ثم التحويل لان للقاضي هذه الولاية وإن كان بدون قضاء القاضي لم يتم
التحويل لأنه ليس للمولى هذه الولاية فيبقى الخيار لولي الجناية الثانية ان شاء رضى بهذا
التحويل واتبع الأول بنصف القيمة وان شاء لم يرض بهذا واتبع المولى بنصف القيمة في ذمته
ثم يرجع المولى على الأول لأنه تبين انه استوفى منه زيادة على مقدار حقه وهو نظير الوصي
إذا قضى دين أحد الغريمين من التركة ولم يعلم بالدين الاخر أو قضى دين الغريم ثم أحدث
آخر بسبب كان وجد من الميت في حياته فإن كان دفعه بقضاء القاضي لم يضمن للثاني شيئا
ولكن الثاني يتبع الأول بنصيبه وإن كان الدفع بغير قضاء قاض كان للثاني الخيار بين ان يتبع
الأول بنصيبه وبين أن يضمن الوصي ثم يرجع الوصي به على الأول وأم الولد بمنزلة المدبر في
جميع ما ذكرنا لان دفعها بالجناية تعذر بسبب لا يحتمل الفسخ فتكون كالمدبر في حكم الجناية
لان المولى أحق بكسبهما قال وإذا قتل المدبر رجلا خطأ وقيمته ألف درهم ثم ازدادت قيمته
71

إلى ألفين ثم قتل آخر خطأ ثم أصابه عيب فرجعت قيمته إلى خمسمائة ثم قتل آخر خطأ فعلى
مولاه ألفا درهم لأنه جنى على الثاني وقيمته ألفان ولو لم يكن منه الا تلك الجناية لكان
المولى ضامنا قيمته ثم ألف من هذا لولي القتيل الأوسط خاصة لان ولي الأول إنما ثبت
حقه في قيمته يوم جنى على وليه وهو ألف درهم فلا حق له في الألف الثاني فيسلم ذلك
المولى قتيل الأوسط وخمسمائة منها بين ولي القتيل الأول وبين الأوسط لأنه لاحق في هذه
الخمسمائة لولي قتيل الثالث وإنما حقه في قيمته يوم جنى على وليه فيقسم هذه الخمسمائة بين
الأوسط والأول يضرب فيه الأول بعشرة آلاف والأوسط بتسعة آلاف لأنه وصل
إليه من حقه شئ ويضرب فيه الأول بعشرة آلاف الا ما أخذ لأنه وصل إليه من حقه
مقدار المأخوذ فلا يضرب به وكذلك الأوسط لا يضرب بما أخذ في المرتين وإنما يضرب
بما بقي من حقه فيقسم الخمسمائة بينهم على ذلك قال ولو قتل المدبر رجلا خطأ وقيمته ألف
درهم فدفعه المولى بقضاء قاض ثم رجعت قيمته إلى خمسمائة ثم قتل آخر فان خمسمائة مما
أخذ الأول للأول خاصة لان حق الثاني إنما يثبت في قيمته عند الجناية على وليه وهي خمسمائة
فبقيت الخمسمائة الأخرى سالمة للأول بلا منازعة والخمسمائة الباقية بينهما يضرب فيها الأول
بعشرة آلاف الا خمسمائة والاخر بعشرة آلاف فتكون ذلك مقسومة بينهما على تسعة وثلاثين
سهما لأنه يجعل كل خمسمائة منها سهما قال وإذا اجتمع مدبر وأم ولد وعبد ومكاتب فقتلوا
رجلا فكل واحد منهم أتلف ربع النفس فيقال لمولى العبد ادفعه أو افده بربع الدية ويسعى
المكاتب في الأقل من قيمته ومن ربع الدية وعلى مولى المدبر الأقل من قيمته ومن ربع
الدية وعلى مولى أم الولد الأقل من قيمتها ومن ربع الدية اعتبار بما لو انفرد كل واحد منهم
بجنايته ولو قتل المدبر قتيلا خطأ واستهلك مالا فعلى المولى قيمته لأولياء القتيل وعلى المدبر
أن يسعى فيما استهلك من المال لان ما يستهلكه المدبر من المال يكون دينا في ذمته يقضى من
كسبه ولا يكون المولى ضامنا بسببه شيئا من قبل أن يحل قضاء الدين وذلك لا يتغير بالتدبير
ومحل موجب الجناية الرقبة وبالتدبير يتعذر دفعها فيجب على المولى القيمة لذلك (ألا ترى)
ان المملوك يدفع بالجناية أو يفدى وانه يباع في الدين إذا لم يكن له كسب فبه يظهر الفرق
ثم لا يشارك أحد الفريقين الاخر فيما يأخذ لان حقهما ما اجتمع في محل واحد فان حق
أولياء القتيل في ذمة المولى وحق أصحاب الدين في كسب المدبر فمن أي وجه تثبت الشركة
72

بينهما فان مات المولى قبل أن يقضي شيئا من ذلك ولا مال للمولى غيره فان المدبر يسعى في قيمته
فيكون أصحاب ديته أحق بها لان أصل الجناية كان دينا في ذمة المولى وذلك يمنع سلامة شئ
من الرقبة للمدبر لان التدبير وصية والوصية بعد الدين فيلزمه السعاية في قيمته لرد
الوصية ثم أصحاب ديته أحق بهذه القيمة من أصحاب جنايته لان دينهم في ذمته والسعاية
بدل ماليته وحق غرمائه في ماليته مقدم على حق المولى وعلى حق غرماء المولى لان حق
غرماء المولى إنما يثبت في هذه المالية من جهة المولى فإذا استغرق دينه هذه المالية لم يكن
للمولى فيها حق فكذلك لا يكون لغريم المولى فيها حق وإن كان دينه أكثر من قيمته
فعليه السعاية في الفضل أيضا لان بالعتق يتقرر ما بقي من الدين في ذمته وإن كان الدين عليه
أقل من قيمته فالفضل من القيمة على مقدار دينه يكون لأصحاب الجناية باعتبار ان ذلك الفضل
حق المولى فيقضى به منه دين المولى ولا شئ لهم عليه أكثر من ذلك لان حقهم إنما يثبت
من جهة المولى وكذلك لو كان القاضي قضى على المولى بالقيمة لأولياء الجناية وعلى المدبر
بالسعاية في الدين قبل موت المولى فهذا تقرير منه للحكم الذي كان نابتا فلا يتقرر به الجواب
وأما أم الولد فلا تسعى لايجاب الجناية في شئ لان عتقها ليس بوصية ولا يمتنع لمكان دين
المولى وجناية المدبر وأم الولد على المولى في نفس أو ما دونها خطأ وعلى مماليكه هدر لأنه
لا فائدة في اعتبارها فإنها لو اعتبرت أو جبت على المولى القيمة له الا ان المدبر يسعى في قيمته
إذا قتل مولاه لأنه لا وصية له فإنه قاتل والقاتل عن الوصية والميراث محروم فعليه رد رقبته
وقد تعذر ردها فلزمه السعاية في قيمته قال لو قتل المدبر مولاه عمدا فعليه أن يسعى في
قيمته لرد الوصية وعليه القصاص للقتل العمد وللورثة الخيار ان شاؤوا قتلوا قصاصا في
الحال وقد قوى حقهم في السعاية الا انهم رضوا بذلك وان شاؤوا استسعوه في القيمة أولا
فإذا استوفوا ذلك منه قتلوه قصاصا لان كل واحد منهم خالص حق الورثة فالتدبير في
التقديم والتأخير في الاستسعاء إليهم وإن كان له ابنان فعفا أحدهما عنه فعلى المدبر أن يسعى
في نصف قيمته للذي لم يعف لأنه لزمه السعاية في جميع قيمته لرد الوصية فيكون بمنزلة
المكاتب عند أبي حنيفة وعندهما هو حر عليه دين وعند عفو أحدهما إنما ينقلب نصيب
الاخر مالا في الحال وهو في الحال مكاتب أو حر من أهل أن يجب عليه المال لمولاه
ولمن يخلفه من الورثة إلا أن الوجوب بسبب جناية كانت منه في حال الرق فيكون الواجب
73

من القيمة دون الدية فلهذا يسعى في نصف قيمته للذي لم يعف مع السعاية في جميع القيمة
لهما باعتبار رد الوصية فإن كان على المولى دين بدئ بالدين من جميع ذلك لان ما وجب للمولى
باعتبار انه بدل نفسه أو بدل ملكه فيقضي دينه من جميع ذلك والباقي بين الوارثين أثلاثا لان
الباقي يقسم بينهما على ما كان يقسم عليه الكل لولا الدين ولولا الدين لكان للذي لم يعف
قيمة كاملة وللاخر نصف القيمة فكذلك ما بقي يقسم بينهما على ذلك أثلاثا ولو قتلت أم الولد
مولاها عمدا ولا ولد لها منه فعليها القصاص ولا سعاية عليها لان عتقها ليس بوصية فلا
يمنع سبب القتل وإن كان لها منه ولد فلا قصاص عليها لان الولد ورث جزأ من القصاص
على أبيه وذلك مسقط للقصاص عليها وعليها أن تسعى في القيمة من قبل الجناية لان القصاص
كان وجب فإنه ما لم يجب لا يصير ميراثا لولدها وما لم يصير ميراثا لولدها لا يسقط فإنما
تعذر استيفاء القصاص باعتبار الولادة وهي حرة حين سقط القصاص فيجب أن يلحق المال
لمولاها ولمن يخلف مولاها إلا أن وجوب المال بسبب جنايتها في حالة الرق فلهذا يلزمها القيمة
دون الدية وكما أن نصيب سائر الورثة انقلب مالا فكذلك نصيب الولد لأنه تعذر عليه استيفاء
القصاص لا بمعنى من جهته مع بقاء المحل قال وإذا قتل العبد مولاه عمدا فعليه القصاص لان
العبد في حكم الدم مبقي على الحرية والمولى من دمه كأجنبي آخر فيستحق دمه بالقصاص لما لم يكن
مستحقا له بالمال فإن كان له وليان فعفا أحدهما عنه بطل الدم كله وهو عندهما وهو قول
أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف على الذي عفا أن يدفع نصيبه إلى الذي لم يعف أو يفديه
بربع الدية لأنه صار مشتركا بينهما بالإرث نصفين وبعفو أحدهما ينقلب نصيب الاخر
مالا عند العفو وعند العفو نصفه للعافي ونصفه للذي لم يعف ويجوز أن يستحق الذي لم يعف
نصيب صاحبه بالجناية ولا يجوز أن يستحق نصيب نفسه فحين انقلب مالا كان نصف ذلك
في نصيبه فيهدر ونصفه في نصيب صاحبه فيثبت ويخاطب بالدفع أو الفداء كما بينا في المدبر وأم
الولد إذا انقلب القصاص الذي عليهما مالا بعد موت المولى وهما يقولان العبد بعد الموت مبقي
على حكم ملك الميت ولهذا يقضي منه ديونه وتنفذ وصاياه ولو أنقلب نصيب الاخر مالا بعد
عفو أحدهما كان ذلك للميت أيضا حتى يقضي منه ديونه فإنما يكون هذا ايجاب المال للميت
بالجناية في ملكه وذلك لا يجوز كما لو قتل العبد مولاه خطأ فان هناك لا يجب شئ وإن كان
لو وجب إنما يجب بعد الموت وبعد الموت الملك للوارث ولكن قيل هو كالباقي على ملك
74

الميت حكما لأنه يبقي للوارث الملك الذي كان ثابتا للمورث أو الوارث قائم مقام المورث فكما
لا يجوز ان يجب للمورث بسبب هذه الجناية مال على العبد لا يجوز ان يجب للوارث بخلاف المدبر
وأم الولد فقد عتقا بالموت وصار الكسب لهما على الخلوص فلو أوجبنا المال عند تعذر استيفاء القصاص
لا يكون ذلك واجبا للمالك في حكم ملكه وإنما يكون واجبا له على معتقه وذلك مستقيم ولو قتل
المدبر مولاه عمدا وله وليان أحدهما ابن المدبر فعلى المدبر أن يسعى في قيمتين قيمة لرد الوصية
وقيمة بالجناية لان ابنه قد ورث بعض القصاص عليه فتعذر استيفاؤه وينقلب كله مالا وهو
في هذه الحالة حرا أو مكاتبا وقد بينا نظيره في أم الولد ولو حفر المدبر بئرا في الطريق فوقع
فيها المولى فمات فلا شئ على المدبر لان هذا لا يكون أعلى مما إذا قتله خطأ وهناك لا يجب على
المدبر بالجناية شئ فهاهنا لا يحرم الوصية مسبب وكما لا يحرم المسبب الميراث فكذلك
لا يحرم الوصية فلهذا أعتق من الثلث قال وإذا قتل المدبر رجلا وقيمته ألف درهم ثم فقأ
رجل عين المدبر يغرم خمسمائة درهم ثم قتل المدبر رجلان آخر فان الخمسمائة أرش العين للمولى
لاحق لأولياء الجناية فيه لان الجناية لم تتعلق برقبته وعلى المولى ألف درهم قيمته يوم جنى على
الأول خمسمائة منها للأول خاصة لان حق الثاني إنما يثبت في قيمته يوم جنى على وليه وقد
كانت قيمته خمسمائة فلهذا أسلمت الخمسمائة للأول والخمسمائة الباقية يضرب فيها الثاني بالدية
والأول بالدية إلا الخمسمائة لأنه قد استوفى ذلك ولو كان الباقي عبدا فدفع به كان للمولى
أيضا لان حق ولي الجناية إنما يثبت في رقبته فلا يثبت فيما يكون بدل جزء منه (ألا ترى)
ان المولى لو لم يأخذ العبد في الجناية أصلا أو أخذه وباعه أو وهبه لم يضمن لأصحاب
الجناية بذلك شيئا وكان عليه قيمة المدبر صحيحا ولو استهلك المدبر لرجل ألف درهم فأعتقه
مولاه لم يضمن لصاحب الدين شيئا لان حق صاحب الدين في كسبه وسعايته ولم يتعين
ذلك باعتاقه إياه في ابائه ولو لم يعتقه ولكن رجلا قتل المدبر فغرم قيمته وجنى المدبر ثم
مات المولى ولا مال له غير ذلك فصاحب الدين أحق بالقيمة من صاحب الجناية لان بدل
رقبته بمنزلة كسبه في وجوب صرفه إلى الدين ولان دين نفسه مقدم على دين مولاه في مالية
رقبته وحق صاحب الجناية على مولاه فلهذا كان صاحب الدين أحق بالقيمة من صاحب الجناية
سواء كان المولى حيا أو ميتا قال وإذا قتل المدبر رجلين أحدهما عمدا والاخر خطأ فعليه
القصاص وعلى المولى قيمته لأصحاب الخطأ فان عفا أحد ولي العمد فالقيمة بين الذي لم يعف
75

وبين ولي الخطأ يقسم على طريق العول أثلاثا في قول أبي حنيفة وفي قولهما على طريق المنازعة
أرباعا وكذلك لو كان القاتل قد دفعه المولى وقد بينا نظير هذه المسألة في المأذون وجميعها
واضدادها ونظيرها في كتاب الدعوى فهما يقولان حق الذي لم يعف ثابت في النصف دون
النصف فيسلم لولي الخطأ النصف الذي هو حصة العافي لفراغ ذلك النصف عن حق الذي لم
يعف والنصف الآخر حقهما فيه سواء فيكون بينهما نصفان وهذا بخلاف ما إذا قتل العبد
أو المدبر رجلا خطأ وفقأ عين آخر لان هناك حق صاحب العين ثابت في الكل بدليل انه
لو انفرد كان المولى مخاطبا بدفع جميع العبد إليه أو الفداء وكذلك في الدين يدفع إليه جميع
القيمة إلا أن يكون الأرش أقل من ذلك وهاهنا حق الذي لم يعف في النصف دون النصف
بدليل حالة الانفراد وأبو حنيفة يقول أصل كل واحد منهما في الأرش وحق ولي الخطأ عشرة
آلاف وحق الذي لم يعف من ولي الدم خمسة آلاف وإنما وجب قسم ألفين بينهما بسبب حق
الدين في الذمة فيضرب كل واحد منهما بحقه بمنزلة الغرماء في التركة وبمنزلة صاحب النفس
من صاحب العين وعلى هذا الخلاف لو قتل المدبر رجلا عمدا وله وليان فعفا أحدهما ثم قتل
آخر خطأ فعلى المولى القيمة وقسمتها بينهما على الخلاف الذي بينا وروي الحسن بن أبي مالك
عن أبي يوسف رحمهما الله ان لولي القتيل نصف القيمة وللذي لم يعف من ولي العمد ربع القيمة
ويسقط ربع القيمة عن المولى بعفو العافي وهو قول زفر وهو القياس وقد بينا الخلاف فيما إذا
جنى العبد المغصوب عند الغاصب وعند مولاه ففي المدبر الحكم على ذلك التفصيل أيضا لان
القيمة في جناية المدبر بمنزلة الرقبة في جناية القن يقول فان غصب رجل مدبرا فقتل عنده قتيلا
واستهلك لرجل ما لا ثم رده على المولى فقتل عنده رجلين خطأ فعلى المولى قيمته بين أصحاب
الجنايات أثلاثا ثم يرجع المولى على الغاصب بثلث القيمة وهو ما استحقه ولي القتيل الأول
بجنايته عند الغاصب فيدفع ذلك إلى الأول ثم يرجع بثلث القيمة أيضا فيدفعه إلى الأول حتى
يسلم له قيمة تامة كما استحقه ثم يرجع بمثله على الغاصب فيدفع نصفه إلى الثاني لان حق الثاني
ثبت في نصف القيمة وقد سلم له الثلث فيدفع إليه نصف الثلث ولا يرجع به على الغاصب لان
هذا استحق بجنايته عند المولى وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد
رحمه الله يرجع بثلث القيمة فيسلم له ويسعى المدبر لصاحب الدين في دينه فإذا قضاه يرجع المولى
بالأقل من قيمته ومن الدين على الغاصب لأنه إنما قضى الدين من كسب مملوك للمولى
76

وكان استحقاق ذلك كان منه عند الغاصب فيرجع المولى به على الغاصب إلا أن تكون قيمته
أقل من ذلك فحينئذ لا يرجع الا بقدر القيمة لان الغاصب إنما يصير ضامنا باعتبار ان الرد لم يسلم
فيجعل كالهالك في يده قال وإذا قتل المدبر رجلا خطا ثم غصبه رجل فقتل عنده رجلا عمدا ثم
رده إلى المولى فإنه يقتل قصاصا وعلى المولى قيمته لصاحب الخطأ بالجناية التي كانت منه عند
المولى ويرجع على الغاصب بقيمته لأنه قتل بجناية كانت منه عند الغاصب فلم يسلم الرد للمولى فان
عفا أحد ولي العمد كانت القيمة بينهم أرباعا في قول أبي يوسف ومحمد وأثلاثا في قول أبي حنيفة
ثم يرجع على الغاصب بما أخذه صاحب العمد منه لان ذلك القدر استحق بجنايته عند الغاصب
ثم يدفع ذلك إلى صاحب الخطأ لان حقه كان يثبت في جميع القيمة فلا يسلم للمولى شئ من
قيمته ما لم يصل إليه كما حقه ولو قتل عند الغاصب أولا رجلا عمدا ثم رده إلى المولى فقتل
عنده رجلا خطأ بعد ما عفا أحد ولي الدم فعلى المولى قيمته كما بينا ثم يرجع على الغاصب بما
أخذه الذي لم يعف من ولي العمد فيدفعه إلى صاحب العمد الذي لم يعف إلى تمام نصف القيمة
لان حقه لما ثبت في نصف القيمة فعليه أن يدفع إليه ما يأخذه من قيمته حتى يصل إليه كمال
حقه في قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف ثم يرجع بمثله على الغاصب لان قبضه ينتقض فيما
يستحق من يده بجنايته عند المولى أو عند الغاصب وإذا غصب رجل مدبرا فأقر عنده بقتل
رجل عمدا وزعم أن ذلك كان عند المولى أو عند الغاصب فهو سواء وإذا قتل بذلك بعد الرد
فعلى الغاصب قيمته لأنه مصدق في الاقرار غير مصدق في الاسناد وإنما استحق نفسه بسبب
كان منه عند الغاصب وهو الاقرار فيظهر به ان الرد لم يسلم للمولى ولو عفا أحد الوليين فلا
شئ للاخر لان الاخر لو استحق المال إنما يستحقه باقراره واقرا المدبر والقن في الجناية
التي توجب الأرش باطل لان ذلك اقرار منه على مولاه ولو كان أقر عند الغاصب بسرقة
أو ارتد عن الاسلام ثم إنه رده فقتل في الردة فعلى الغاصب قيمته أو قطع في السرقة فعلى
الغاصب نصف قيمته لان استحقاق ذلك باقرار كان منه عند الغاصب بمنزلة استحقاقه بمباشرة
سببه عند الغاصب قال وقياس هذا عندي البيع لو باع عبدا مرتدا فقتل عند المشتري يرجع
بجميع الثمن وكذلك لو باعه وقد أقر بقتل عمدا في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قول أبي
يوسف ومحمد في البيع خاصة يقوم مرتدا أو غير مرتد وسارقا أو غير سارق فيرجع بحصة
ذلك من الثمن وقد بينا الفرق لهما بين الغصب والبيع في كتاب البيوع ولو قتل المدبر عند
77

الغاصب رجلا خطأ أو أفسد متاعا ثم قتله رجل خطأ فعلى عاقلة القاتل قيمته لصاحب الدين
لان بدل رقبته إذا قتل بمنزلة كسبه وعلى المولى قيمته لولي القتيل بسبب جنايته ويرجع بذلك
كله على الغاصب لان استحقاق كل واحدة من الجنايتين بسبب كان منه عند الغاصب قال
ولو غصب عبدا أو مدبرا فاستهلك عنده مالا ثم رده على المولى فمات عنده فلا شئ لأصحاب
الدين لفوات محل حقهم من ذلك الكسب أو مالية الرقبة ولا للمولى على الغاصب لان الرد
قد سلم للمولى حين لم يستحق من يده بسبب كان عند الغاصب وإنما هلك بسبب حادث عنده
ولو مات عند الغاصب قبل أن يرده فعلى الغاصب قيمته لأنه تعذر عليه رد عينه فإذا أخذها
المولى دفعها إلى الغرماء لأنه فات وأخلف بدلا ثم يرجع المولى على الغاصب بمثل ذلك
لاستحقاق المقبوض من يده بسبب كان منه عند الغاصب ولو كان قتل عند المولى خطأ
فقيمته لأصحاب الدين على عاقلة القاتل يقبضها المولى ويدفعها إليهم ثم يرجع بها على الغاصب
لأنها استحقت من يده بسبب كان من المدبر في ضمان الغاصب ولو استهلك المدبر مالا عند
المولى ثم غصبه رجل فحفر عنده بئرا في الطريق ثم رده إلى المولى فقتله رجل خطأ فغرم قيمته
للمولى وأخذها أصحاب الدين ثم وقع في البئر دابة فعطبت شارك صاحبها أصحاب الدين الذين
أخذوا القيمة في تلك القيمة بالحصة لان عند وقوع الدابة فيها صار متلفا لها بالحفر السابق
وصارت قيمتها دينا في ذمته بمنزلة الدين الاخر فتكون قيمة نفسه بين غرمائه بالحصص
ثم يرجع المولى بذلك على الغاصب فيدفعه إلى صاحب الدين الأول لان حقه كان ثابتا في جميع
القيمة فان وقع في البئر انسان آخر فمات فعلى المولى قيمة المدبر لأنه صار جانيا عليه بالحفر
السابق وجناية المدبر على النفوس توجب القيمة على المولى سواء كان بطريق السبب أو
المباشرة ثم يرجع بها على المولى ثم يرجع بها على الغاصب لأن هذه القيمة لزمته لسبب كان
في ضمان الغاصب والله أعلم
(باب جناية المدبر بين اثنين)
قال رحمه الله وإذا كان المدبر بين رجلين فقتل أحد مولييه ورجلا خطأ بدئ بالرجل قبل
المولى فعلى المولى الباقي نصف قيمته وفي مال المقتول نصف قيمته ثم يكون لولي المقتول ربع
القيمة وللاخر ثلاثة أرباعها وهذا ظاهر عندهما وكذلك عند أبي حنيفة لان مولى القتيل
78

لاحق له فيما ضمن فان جناية المدبر على مولاه خطأ هدر فكذلك النصف من القيمة يسلم
لولي الأجنبي ولصاحبه في النصف الآخر فيضرب هو فيه بخمسة آلاف والاخر بخمسة
آلاف فكان ذلك النصف بينهما نصفان وعلى المدبر أن يسعى في قيمته نصفها لورثة المقتول
لأنه قاتل ولا وصية له ونصفها للمولى الحي لأنه لما عتق بسبب المقتول كان حق المولى الحي
باستسعائه في نصف قيمته ولو كان قتل المولى عمدا والمسألة بحالها فعلى المولى الباقي وفي مال
المقتول قيمته تامة لولي الخطأ لان حق ولي العمد في القود فلا مزاحمة له مع ولي الخطأ في القيمة
ويسعى المدبر في قيمته بين الموليين لما قلنا ويقتل بالعمدة فان عفا أحد ولي العمد سعى المدبر
للذي لم يعف في نصف قيمته لأنه حين انقلب نصيب الاخر مالا كان بمنزلة المكاتب والحر
فإنما يجب له نصف القيمة عليه فيستسعيه في ذلك ولا مزاحمة له في ولي الخطأ في القيمة الأولى قال
وإذا قتل المدبر رجلا عمدا وله وليان فعفا أحدهما ثم قتل أحد مولييه خطأ فعلى المولى الباقي نصف
قيمته فيكون نصف ذلك النصف لولي القتيل والنصف الباقي من ذلك النصف بينه وبين الذي
لم يعف من أصحاب العمد نصفين وفي مال القتيل ربع قيمة المدبر للذي لم يعف لان نصيب
الذي لم يعف انقلب مالا وذلك نصف القيمة على الموليين فلهذا كان في مال الميت ربع القيمة
للذي لم يعف وقد وجب للمولى الحي نصف قيمته بالجنايتين إلا أنه لاحق للذي لم يعف في
نصف ذلك النصف فيسلم لولي مولى القتيل وحقهما في النصف سواء فكان بينهما نصفين
ويسعى المدبر في قيمته تامة للحي ولورثة الميت لما قلنا وإذا قتل المدبر مولييه مما خطأ سعى
في قيمتها لورثتهما لرد الوصية ولا شئ لواحد منهما على صاحبه لان جنايته على كل واحد
منهما في نصفه هدر وفي نصف صاحبه موجب بنصف القيمة عليه ولكن نصف القيمة
قصاص ولو غصب المدبر أحد مولييه فقتل عنده قتيلا خطأ ثم رده فقتل رجلا عمدا له
وليان فعفا أحدهما فعليهما قيمة تامة لصاحب الخطأ ثلاثة أرباعها وللذي لم يعف من ولي
الدم ربعها وهذا على نحو ما بينا ثم يرجع المولى للذي لم يعف على الغاصب بثلاثة أرباع
نصف قيمة المدبر وهو مقدار ما غرم هو لولي الخطأ لأنه إنما غرم ذلك بجناية كانت عند
المدبر في حال كون الشريك غاصبا له ضامنا ثم يرد على صاحب الخطأ من ذلك من قيمة العبد
لان صاحب الخطأ استحق عليه نصف قيمته فارغا وإنما سلم له من جهته ثلاثة أرباع ذلك
النصف وقد أخلف نصيبه عوضا فيرجع في العوض بما بقي من حقه وذلك من الجميع وهو
79

ربع نصف القيمة ثم يرجع هو بذلك على الغاصب لأنه استحق من يده بجناية كانت عند
الغاصب قال وإذا قطع رجل يد المدبر وقيمته ألف درهم فبرئ وزاد حتى صارت قيمته ألفين
ثم فقأ عينه آخر ثم انتفض البرء فمات منهما والمدبر بين اثنين فعفا أحدهما عن اليد وما حدث
منها وعفى الاخر عن العين وما حدث منهما فللذي عفا عن اليد على صاحب العين ستمائة
وخمسون درهما على عاقلته إن كان خطأ وفي ماله إن كان عمدا وللذي عفا عن العين على
صاحب اليد ثلاثمائة واثنا عشر ونصف في ماله إن كان عمدا وعلى عاقلته إن كان خطأ لان
القاطع قطع يده وقيمته ألف فكان عليه نصف قيمته خمسمائة ثم فقأ الاخر عينه وقيمته ألفان
فكان عليه نصف قيمته ألف فلما مات منهما صار صاحب اليد ضامنا لمائة وخمسة وعشرين من
قيمته مع الخمسمائة التي عليه لأنه لا معتبر بالزيادة في حقه فكان الفاقئ فقأ عنه وقيمته خمسمائة
فصار به متلفا نصف ما بقي وإنما الباقي مائتان وخمسون وقد تف بالجنايتين فنصفه وهو مائة
وخمسة وعشرون تلف بفعل صاحبه فلهذا صار هو ضامنا ستمائة وخمسة وعشرين ونصف ذلك
للعافي فيسقط ونصفه للذي لم يعف وهو ثلاثمائة واثنا عشر ونصف وأما العافي ضامنا بجنايته
ألف وبسراية جنايته نصف ما بقي وذلك خمسمائة بين الموليين نصفين وقد سقط حق أحدهما
بالعفو إذ للذي لم يعف منهما عليه نصيبه سبعمائة وخمسون وأم الولد في حكم الجناية بمنزلة
المدبر على ما ذكرنا قال ولو قتلت أم الولد مولاها عمدا ولا ولد لها فعفا أحدا بين المولى عنها
سعت للاخر في نصف قيمتها لأنها حرة حين انقلب نصيب الاخر مالا الا ان صل الجناية كان
منها في حالة الرق فعليها نصف القيمة للاخر وكذلك عبد قتل رجلا عمدا فأعتقه المولى ثم
عفا أحد ولي الدم وهذا لان المولى بالاعتاق لا يصير ضامنا شيئا لان حقهما كان في القصاص
ولا يختلف ذلك بالرق والحرية قال وإذا كاتب الرجل أم ولده أو مدبره ثم قتلت مولاها خطأ
سعت في قيمتها من قبل الجناية لأنها جنت وهي مكاتبة وجناية المكاتبة على مولاها كجنايتها
على غيره لا موجب جنايتها في كسبها وهي أحق بكسبها ثم قد بطلت عنها الكتابة لأنها
عتقت بموت المولى فان عتق أم الولد ليس بوصية فلا يمتنع بسبب القتل قال (ألا ترى)
انها لو استقرضت منه مالا ثم مات المولى بطلت عنها الكتابة ولزمها الدين وإنما استشهد
بهذا السبب انه وان ألزمها القيمة بسبب الجناية فان ذلك دين عليها كسائر الديون فلا يمتنع
بطلان الكتابة عنها بسبب العتق وأما المدبرة فعليها أن تسعى إلى قيمتها من قبل الجناية وتسعى
80

في قيمة أخرى لرد الوصية فإن كانت مكاتبتها أقل من قيمتها سعت في مكاتبتها بمنزلة ما لو كانت
مدبرته ثم مات وعليه دين يحيط بماله فإنها تسعى في الأقل من مكاتبتها ومن قيمتها لان حق
المولى في الأقل وإذا أسلمت أم ولد النصراني فاستسعاها في قيمتها فقتلته خطأ وهي تسعى
فعليها قيمتها من قبل الجناية لأنها بمنزلة المكاتبة ويبطل عنها سراية الرق ولأنها عتقت بموت
المولى فإن كان القتل عمدا فعليها القصاص وإن كان لها منه ولد صغير فلا شئ لولدها من ذلك
لان الولد مسلم مع أبيه والمسلم لا يرث الكافر ولهذا كان عليها القصاص لورثة الأب وإذا
قتلت أم الولد مولاها عمدا وهي حبلى منه ولا ولد لها فلا قصاص عليها من قبل أن ما في
بطنها من جملة ورثته ومن قبل أن الحبلى لا تقتل بالقصاص حتى تضع فان ولدته حيا وجبت
القيمة عليها لجميع الورثة لان جزأ من القصاص صار ميراثا لولدها وان ولدته ميتا كان عليها
القصاص لورثة الأب لان الذي ينفصل ميتا ليس من جملة الورثة فان ضرب انسان بطنها وألقته
ميتا ففيه غرة لان الجنين الذي في بطنها كان حرا والواجب في الجنين الحر الغرة ولها ميراثها من
تلك الغرة لأنها عتقت بموت المولى فهي وارثة حين وجبت الغرة بالضربة وتقتل هي بالمولى
لان الجنين انفصل ميتا فلا تكون من جملة الورثة سواء كان انفصاله بالضربة أو بغير الضربة
وايجاب الغرة لا يكون حكما بكون الجنين حيا في ذلك الوقت فان وجوبها بسبب قطع السر
ولهذا يستوي فيه الذكر والأنثى ثم نصيبها من الغرة ميراث لبني مولاها لأنهم عتقا ولا
يحرمون الميراث لأنهم قتلوها بحق والله أعلم
(باب جناية المكاتب في الخطأ)
(قال رحمه الله) وإذا قتل المكاتب رجلا خطأ وله وارثان فقضى عليه القاضي لأحدهما
بنصف القيمة ولم يقض للاخر بشئ ثم قتل الاخر فجاء الاخر فخاصم إلى القاضي وهو
مكاتب بعد وفائه فإنه يقضي له بثلاثة أرباع القيمة لان النصف المقضي فيه للأول قد فرغ من
الجناية الأولى فيتعلق به حق الاخر فيقضي له عليه بنصف القيمة لذلك والنصف الباقي يقضي
له بنصفه لأنه اجتمع فيه حقه وحق الذي لم يقض له من ولي الجناية الأولى فان عجز المكاتب
وجاء الأوسط فإنه يدفع إليه ربع العبد أو يفديه مولاه بنصف الدية لان حقه في نصف
الدية والجناية في حقه باقية في ربع الرقبة لانعدام المحول إلى القيمة وهو قضاء القاضي فلهذا
81

يدفع إليه ربع العبد بعد العجز ويفديه مولاه بنصف الدية قال فلو قتل المكاتب رجلا خطأ
ثم أعور ثم قتل آخر فعليه قيمته صحيحا للأول نصفها لان حق الثاني إنما يثبت في قيمته عند
الجناية عليه وهو أعور في هذه الحالة فلهذا كان نصف قيمته صحيحا للأول خاصة والنصف الآخر
يضرب فيه الأول بالدية الا ما أخذ والاخر بكمال الدية فيكون بينهما على ذلك
وكذلك لو فقأ عينه انسان أو نقصت قيمته من سعرا أو عيب لان المعتبر في حق كل واحد
منهما قيمته حين جنى عليه قال ولو قتل رجلا خطأ وحفر بئرا في الطريق فوقع فيها انسان
فمات أو أحدث في الطريق شيئا فقضى عليه بالقيمة للذي وقع في البئر ولولي القتيل وسعى
فيها بينهما ثم عطب مما أحدث في الطريق انسان فمات فإنه يشاركهم في تلك القيمة للذي وقع
في البئر ولولى القتيل وسعى فيها لأنه أحدثه في الطريق قبل أن يقضى عليه بالقيمة وإنما صار
جانيا بذلك التسبب وجنايات التسبب والمباشرة لا تلزمه الا قيمة واحدة ما لم يقض عليه بها
وكذلك لو وقع في البئر انسان آخر فمات ولو حفر بئرا أخرى في الطريق بعد ما قضي عليه
بالقيمة فوقع فيها انسان فمات قضى القاضي بقيمة أخرى لان جنايته بالتسبيب ابتداء بعد القضاء
بالقيمة في الجناية الأولى بمنزلة جنايته بالمباشرة فيلزمه باعتبارها قيمة أخرى لان الرقبة قد
فرغت من قبل قضاء القاضي بالقيمة فيشغل بالجناية المبتدأة بعد ذلك فيلزمه القيمة لأجلها
ولو وقع في البئر الأول فرس فعطب كان عليه قيمته دينا يسعى فيه بالغا ما بلغ ولا يشاركه
أهل الجناية ولا يشاركونه لان الواجب صاحب الفرس ضمان مال وقد بينا أنه لا مشاركة
بين ضمان المال وضمان النفس ولا مشابهة بينهما في الحكم (ألا ترى) أنه لو قتل انسانا خطأ
فاستهلك مالا قضى عليه بالقيمة في القتل وبالمال بالغا ما بلغ وكل من يكاتب على المكاتب فهو في
حكم الجناية بمنزلة المكاتب فيما يلزمه من السعاية وكذلك أم ولده التي ولدت منه في المكاتبة
لان دفعها بالجناية متعذر بسبب الكتابة فهي بمنزلة المكاتبة فيما يلزمها بالجناية ولو جنى عبده
خوطب المكاتب فيه بالدفع أو الفداء وهو بمنزلة الحر فالتدبير في كسبه ولهذا لو كان القتل
من العبد عمدا فصالح المكاتب على مال جاز صلحه لأنه قصد به تخليص ملكه قال وإذا أقر
المكاتب بقتل عمدا ثم إنه عفا أحد الوليين عنه قضى عليه بنصف القيمة للاخر فان عجز قبل
أن يؤدي بطل ذلك عنه في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قول أبي يوسف ومحمد إذا قضى
عليه قبل أن يعجز صار دينا عليه يباع فيه وكذلك لو قتل المكاتب رجلا عمدا ثم صالح عن نفسه
82

على مال فهو جائز ويلزمه المال ما لم يعجز فإذا عجز قبل أداء المال بطل عنه المال في قول أبي
حنيفة وفي قول أبي يوسف ومحمد هو لازم يباع فيه لان هذا دين لزمه في حال الكتابة
فيكون بمنزلة سائر ديونه يباع؟ فيه بعد العجز إلا أن يقضي المولى عنه وأبو حنيفة يقول لا تأثير
لعقد الكتابة في اطلاق الحجر عنه في الجناية والصلح عن دم العمد فكان هو في حق المولى
بمنزلة العبد المحجور عليه إلا أن في حال قيامه بالكتابة المال إنما يؤدي من كسبه وهو أحق
بكسبه فكان اقراره معتبرا في حقه وكذلك قبوله بسبب الصلح فإذا عجز صار الحق لمولاه
واقراره في حق المولى باطل وكذلك قبوله المال بالصلح عن دم العمد لأنه ملتزم مالا لا بإزاء
مال وذلك غير صحيح في حق المولى فلا يطلب بشئ منه ولا يباع فيه بخلاف سائر الديون فان
ذلك لزمه بسبب صار هو يعقد الكتابة منفك الحجر فكذلك السبب في حق المولى قال وإذا
قتل المكاتب رجلا عمدا وله وليان فعفا أحدهما يسعى للاخر في نصف القيمة فان وقع رجل
في بئر حفرها المكاتب في الطريق قبل القتل فعليه نصف قيمة أخرى لصاحب البئر لأنه قد
غرم نصف القيمة وجناياته لا تلزمه الا قيمة واحدة فكان عليه نصف قيمة أخرى لصاحب
البئر وشاول صاحب البئر صاحب القتيل فيأخذ منه نصف ما أخذ في قول أبي يوسف ومحمد
وفي قول أبي حنيفة قسمت القيمة بينهما أثلاثا كما بينا وإذا قتل ابن المكاتب رجلا خطأ
ثم إن المكاتب قتل ابنه وهو عبد وقتل آخر خطأ فعليه القيمة يضرب فيها أولياء القتيل
الاخر بالدية وأولياء قتيل الابن بقيمة الابن لان الجنايتين إذا حصلتا من المكاتب قبل قضاء
القاضي لا يلزمه الا قيمة واحدة وإنما يضرب كل واحد منهما في تلك القيمة بمقدار حقه وحق
أولياء الحر في الدية وحق أولياء قتيل الابن كان في الدية ولكن بجناية الابن فأما بجناية
المكاتب فلا حق لهم قبله الا في قيمة الابن لان المكاتب ما جنى على وليهم إنما جنى على الابن
الذي كان مستحقا لهم بجنايته فلهذا ضربوا في قيمته بقيمة الدين قال وإذا جنى المكاتب جناية
ثم اختلف المكاتب وولي الجناية في قيمة المكاتب وقد علم أنها ازدادت أو نقصت فالقول في
القيمة قول المكاتب لانكاره الزيادة وعلى المولى اثبات الزيادة بالبينة وإنما شرط العلم بأنها زادت
أو نقصت لأنه إذا لم يعلم ذلك ففي قول أبي يوسف الأول يحكم بقيمته في الحال على قياس المدبر
كما بينه في أول الجنايات وكذلك لو فقئت عين المكاتب فقال المكاتب جنيت بعد ما فقئت عيني
فالقول قوله لان المولى يدعي سبق تاريخ في جنايته إلى ما قبل فق ء العين وهو منكر ولان
83

الولي يدعي ثبوت حقه في العين المفقوءة والمكاتب منكر لذلك والقول قول المنكر مع يمينه
وعلى المولى اثبات ما يدعيه بالبينة والله أعلم بالصواب
(كتاب الجنايات)
(قال الشيخ الامام الاجل الزاهد رحمه الله) ورضي عنه وعن أسلافه اعلم بان الجناية اسم
لفعل محرم شرعا سواء حل بمال أو نفس ولكن في لسان الفقهاء يراد باطلاق اسم الجناية الفعل
في النفوس والأطراف فإنهم خصوا الفعل في المال باسم وهو الغصب والعرف غيره في سائر
الأسامي ثم الجناية على النفوس نهايتها ما يكون عمدا محضا فإنها من أعظم المحرمات بعد الاشراك
بالله تعالى قال الله تعالى من أجل ذلك كتبتا على بني إسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو
فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا فقد جعل قل؟ نفس واحدة كتخريب العالم ان لو كان
ذلك في وسع البشر وإنما جعله كذلك لان الواحدة يقوم مقام الجماعة في الدعاء إلى الدين وفي
الإعانة لكل من ستعان به فان التعاون بين الناس ظاهر فالذي يقتل الواحد يكون قاطعا لهذه
المنفعة وأيد هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام لزوال الدنيا أهون على الله تعالى من قتل
امرئ مسلم وقال عليه السلام سيات المؤمن فسق وقتاله كفر وهذا وإن كان تأويله قتاله
لايمانه فظاهره يدل على عظم الجناية في قتل المسلم ولهذا كان ابن عباس رضي الله عنه لا يرى
التوبة القاتل العمد ولم يؤخذ بقوله حتى روى أن رجلا سأله فقال ما تقول في من يقتل
مؤمنا متعمدا فقال جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما فقال الا
من تاب وعمل صالحا ثم اهتدى فقال وأني يكون له الهدى سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول يؤتى بقاتل العمد يوم القيامة عند عرش الرحمن والمقتول متعلق به ويقول يا رب سل
هذا فيم قتلني وفي ذلك نزل قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا وما نسخها شئ بعد نبيكم
ولعظم الجناية في قتل العمد لم ير علماؤنا الكفارة على قاتل العمد لان الوعيد المنصوص عليه
لا يرتفع بالكفارة والذنب فيه أعظم من أن ترفعه الكفارة ويستوي فيه أن كان عمدا يجب فيه
القصاص أولا يجب كالأب إذا قتل ابنه عمدا والرجل إذا قتل من أسلم في دار الحرب ولم
يهاجر الينا عمدا والشافعي يوجب الكفارة باعتبار القتل ولكن لا يقول إن ما يلحقه من المآثم
يرتفع بالكفارة وكيف يقول ذلك والوعيد منصوص عنده عليه واستدل لايجاب الكفارة
84

بالقتل ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة والمراد ايجاب الكفارة بالقتل
لا بصفة الخطأ لأنه عذر مسقط وربما يقول المراد بالخطأ ما يضاد الصواب قال الله تعالى ان
قتلهم كان خطأ كبيرا أي ضد الصواب ويقال فلان أخطأ في مسألة كذا إذا لم يصب والعمد
ضد الصواب فتتناوله الآية والدليل عليه قوله تعالى فإن كان من قوم عدو لكم الآية وإنما
يقتل المرء عدوه عمدا فعرفنا ان المراد ايجاب الكفارة بقتل العمد وفي حديث وائلة ابن
الأسقع قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاحب لنا أوجب القتل بالنار فقال عليه السلام
أعتقوا عنه رقبة يعتق الله تعالى بكل عضو منها عضوا منه من النار وايجاب النار إنما يكون
بقتل العمد والمعنى فيه أنه قتل آدمي مضمون فيكون موجبا للكفارة كالخطأ وشبه العمد وهذا
على أصله صحيح لان اثبات الكفارة بالقياس جائز والزيادة على النص بالقياس جائزة عنده
وقياس المنصوص على المنصوص مستقيم عنده وشئ من ذلك لا يجوز عندنا صحيح علينا
نفصل الخطأ على طريق الاستدلال وهو أن الكفارة إنما وجبت على الخاطئ لأنه نقص
بفعله من عدد المسلمين أحدهم ممن كان يحضر الجمعة والجماعات فعليه إقامة نفس مقامها وليس
في وسعه ذلك بطريق الاحياء فألزمه الشرع ذلك بطريق التحرير لان الحرية حياة والرق تلف
في حق أحكام الدنيا وفي هذا المعنى العامد والمخطئ سواء وحجتنا في ذلك قوله تعالى ومن
يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها فهذا يقتضي أن يكون المذكور في الآية جميع
أجزائه ولو أو جبنا عليه الكفارة لكان المذكور بعضي جزئه فيكون فسخا لهذا الحكم ولا
وجه لحمل الآية على المستحل لان المذكور في الآية جزاء قتل العمد وإذا حمل على المستحل
كان المذكور جزأ لرده وتبين بهذه الآية ان المراد بقوله ومن قتل مؤمنا خطأ الخطأ الذي
هو ضد القصد لأنه عطف عليه العمد ولا يعطف الشئ على نفسه ولأنه قابله بالعمد ومتى
قوبل الخطأ بالعمد فالمراد ما يضاد القصد قال الله تعالى وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به
ولأنه استثنى الخطأ من التحريم بقوله الا خطأ والاستثناء من التحريم إباحة فلو حمل هذا على
ضد الصواب أدى إلى أن يكون القتل الصواب هو المحرم وهذا محال فعرفنا أن المراد الخطأ
الذي هو ضد القصد فان أصل ذلك الفعل غير محرم لكونه رمى إلى قصد الصيد أو الحربي لكنه
باتصاله بالمحل المحترم يصير محرما ولكن لا يلحقه اثم نفس الفعل لكونه موضوعا عنه كما قال
تعالى ولا جناح عليكم فيما أخطأتم به وإنما يلحقه به نوع مأثم بسبب ترك التحرز والكفارة
85

تلزمه لمحو ذلك الاثم والاثم في حق قاتل العمد ليس من ذلك الجنس حتى تمحوه الكفارة
ثم إن الله تعالى ذكر أنواع قتل الخطأ ما يكون منه بين المسلمين وما يكون في دار الحرب
لقوله تعالى فإن كان من قوم عدو لكم أي في قوم عدو لكم وما يكون في حق أهل الذمة
لقوله وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ونص على ايجاب الكفارة في كل نوع ففيه أشاره
إلا أنه لا مدخل للقياس فيه إذ لو كان للقياس مدخل لنص على الكفارة في نوع من الخطأ
ليقاس عليه سائر الأنواع وقال عليه السلام خمس من الكبائر لا كفارة فيهن ومن جملتها قتل
نفس بغير حق والمشهور من حديث وائلة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاحب لنا قد
أوجب النار فيحتمل أن ذلك بسبب آخر غير القتل ولان صح قوله بالقتل فهو محمول على
القتل بالحجر والعصا الكبير ثم مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم التطوع بالاعتاق عنه
(ألا ترى) أنه خاطب به غير القاتل والكفارة لا تجب على غير القاتل والمعنى فيه أن هذا
محظور محض فلا يكون سببا لايجاب الكفارة كالزنا والسرقة وتفسير الوصف انه حرام
ليس فيه شبهة الإباحة وتأثيره أن الكفارة دائرة بين العباد والعقوبة فسببهما ما يكون دائرا
بين الحظر والإباحة فكما أن المباح المحض وهو القتل بحق لا يصلح سببا للكفارة فكذلك
المحظور المحض وإنما السبب القتل الخطأ لأنه باعتبار أصل الفعل مباح وباعتبار المحل الذي
أصابه محظور فكان جائزا وشبه العمد كذلك فان القصد به التأديب والتأديب مباح
والقتل بالحجر الكبير عند أبي حنيفة ليس بمحظور محض أيضا من حيث أن الآلة باعتبار
جنسها ليس بآلة القتل فتتمكن فيه الشبهة ولهذا لم يجعله موجبا للقود ولا يدخل على هذا
قتل الأب ابنه عمدا فإنه محظور محض وإنما لم يكن موجبا للقصاص لانعدام الأهلية فيمن
يجب عليه وكذلك قتل المسلم الذي لم يهاجر الينا محظور محض وإنما لا يكون موجبا للضمان
لانعدام الاحراز بالدار وبه لا تخرج الفعل من أن يكون محظورا محضا وكذلك المسلم يقتل
المستأمن عمدا فان الفعل محظور محض وإنما لم يجب القصاص به لانعدام تمام لاحراز ثم قد
بينا أنه لا مدخل للقياس في هذه المسألة عندنا من الوجوه الذي بيناها وكلامه على طريق
الاستدلال ممنوع فان الكفارة وجبت عندنا بطريق الشكر لان الشرع لما عذره بالخطأ
وسلم له نفسه فلم يلزمه القصاص مع تحقق الفعل منه كان عليه أن يقيم نفسا مقام نفسه شكرا
لله تعالى وذلك في أن يحرر شبحا ليتفرغ لعبادة الله تعالى فإذا عجز عن ذلك شغل نفسه بعبادة
86

الله فصام شهرين متتابعين هذا المعنى لا يوجب في حق العامد فان الشرع ألزمه القصاص
وما سلم له نفسه والدليل على أن المعنى ليس ما قلتم انه لو قتل مستأمنا أو ذميا خطأ يلزمه
الكفارة أيضا وما نقص فيه من عدد المسلمين أحدهم يوضحه ان في نفس المقتول
حرمتان والمال في الخطأ وجب باعتبار حرمة صاحب النفس فقط فتجب الكفارة باعتبار
حرمة حق الله تعالى فاما في العمد الواجب هو العقوبة ولا يجب العقوبة الا باعتبار الحرمتين
جميعا لان الفعل لو لم يكن موجبا للعقوبة إنما يكون حراما لعينه لمجموع الحرمتين فلا يمكن
اثبات الكفارة مع ذلك مع أحكام الدنيا إذا عرفنا هذا فنقول جناية القتل أنواع ثلاثة عمد
وخطأ وشبه عمد وقد يكون ذلك من الأحرار وقد يكون من المماليك وكذلك يعرف على
الأحرار تارة وعلى المماليك تارة وقد ذكرنا في كتاب الديات عامة أحكام هذه الأنواع الا
انه ذكر في هذا الكتاب بعض ما لم يذكر هناك من الاحكام وفرع على بعض ما ذكرنا من
الأصول هناك فبدأ الكتاب بجناية المدبر وروي عن معاذ بن جبل ان أبا عبيدة بن الجراح
رضي الله عنهما جعل جناية المدبر على سيده وعن عمر بن عبد العزير انه جعل جناية المدبر
على مولاه وعن إبراهيم وعن عامر رضي الله عنهما قالا جناية المدبر على مولاه والمراد به
ما يكون موجبا للمال من جنايته كالخطأ والعمد فيما دون النفس فأما ما يكون موجبا للقصاص
فعلى الجاني خاصة ليس على المولى منه شئ والمراد بايجاب القيمة على المولى بجناية المدبر الا بايجاب
الدية على المدبر لان المدبر مملوك والمستحق بجناية المملوك نفسه يدفع بها إلا أنه بالتدبير السابق
منع دفعه على وجه لم يصر مختارا لأنه ما كان يعلم أنه يجني ولو منعه بالتدبير بعد الجناية على وجه
لم يصر مختارا بأن لم يكن عالما بالجناية كان عليه قيمته فكذلك أن منعه بتدبير قبل الجناية
وهذه القيمة في مال المولى لا تعقله العاقلة لان وجوبها بجناية مملوكة ووصلة الملك بين المملوك
والمالك وهذه القيمة في ذمة المولى لا في ذمة المدبر لان جناية القن لا تتعلق بذمته فكذلك
جناية المدبر وعند كثرة قيمة المدبر لا يجب على المولى أكثر من عشرة آلاف الا عشرة لان
قيمته بعد الجناية عليه لا تزيد على هذا المقدار فكذلك قيمته عند الجناية منه ويستوى جنايته
على النفس وما دونها لان فيما دون النفس الواجب على المولى الأقل من قيمته ومن أرش الجناية
لأنه لو كان ما كان الواجب دفعه أو فداه بأرش الجناية فالقيمة هنا بمنزلة الدفع هناك إلا أن
التخيير بين القليل والكثير في الجنسين مستقيم وفي جنس واحد لا يستقيم عليه الخلوة عن
87

الفائدة فأوجبنا الأقل لهذا فان مات المدبر بعد الجناية فعلى المولى قيمته في ماله لان جنايته
ما تعلقت بنفسه ولا بذمته وإنما أوجبت القيمة دينا على المولى فبقاء المدبر وموته في ذلك سواء
وان اختلفوا في مقدار قيمته بعد موته فالقول قول المولي لانكاره الزيادة وعلى ولي الجناية
اثبات ما يدعيه بالبينة وإذا اختلفوا في قيمة وقت جنايته وهو حي وقيمته ألف فقال المولى لم
تزل هذه قيمته منذ جنى وقال المولى كانت قيمته يوم الجناية أقل من هذه ولا يعلم متى كانت
الجناية لم يصدق واحد منهما وأخذ بالقيمة على ما وجد عليه اليوم على أبي يوسف الأول
وقال محمد إذا أقر المجني عليه ان الجناية وقعت قبل اليوم في وقت لا يدرى كم كانت قيمته
فيه فالقول قول السيد وهو قول أبي يوسف الا آخر ولو لم يعلم وقت الجناية عليه تجب قيمته
للحال إضافة للحادث إلى أقرب الأوقات ولو علم وقت الجناية وعلم أنها كانت سابقة فعلى قول
أبي يوسف الأول يحكم بقيمته في الحال ولا يصدق المولى في النقصان ولا في قيمته وفي قوله
الاخر وهو قول محمد إذا أقر المجني عليه ان الجناية كانت قبل اليوم في وقت لا يدرى كم
كانت قيمته يومئذ فالقول قول المولى وجه قوله الأول ان قيمته للحال معلوم وفيما مضى
مسببه فيرد المسبب إلى المعلوم ويجعل في الحال شاهدا على ما مضى باعتبار الظاهر فيكون القول
قول من شهد له الظاهر كما إذا اختلف رب الماء مع المستأجر في انقطاع الماء في المدة فإنه يحكم
الحال فيه (ألا ترى) انه لو كان عجل الدفع كان مدفوعا بالجناية في الحال فكذلك إذا لم يكن
عجل الدفع كان الواجب على المولى قيمته في الحال إلا أن يعلم أن قيمته وقت الجناية كانت
دون هذا وجه قوله الاخر ان جنايته لا تتعلق برقبته وإنما يقوم في الحال ليتبين به حكم متعلق
برقبته ولكن موجب جنايته قيمته في ذمة المولى وقت الجناية وقيمته في الحال لا يكون دليلا
على قيمته وقت الجناية إذا القيمة تزاد تارة وتنقص الأخرى فان بقي بينهم الدعوى والانكار
فالمولى يدعي الزيادة فيما هو دين له في ذمة المولى والمولى ينكر ذلك فكان القول قول المولى
كما في سائر الدعاوي ثم ذكر في الأصل في الدعاوي الجناية على طرف العبد وقد بينا هذا
في الزيادات فزاد هاهنا رواية عن أبي يوسف إذا قطع يد عبد كثير القيمة فصالح على عشرة
آلاف فاني أرد من الصلح أحد عشر درهما وقال محمد لا يزاد يدل على يد العبد على خمسة آلاف
الا خمسة وكان أبو يوسف يقول لما تعذر بدل نفسه بعشرة آلاف فلا بد من أن
ينقص بدل طرفه عن بدل نفسه ولا نص في مقدار هذا النقصان فقدره بدرهم واحد اعتبارا
88

للآدمي ومحمد جعل بدل طرفة النصف من بدل نفسه كما في الحر وسوى هذا رواية عن محمد
ان الواجب في بدل طرف المملوك نقصان القيمة فقط وهو رواية عن أبي يوسف أيضا
وعلى قول أبي حنيفة بدل طرف المملوك يتقدر بنصف بدل نفسه إذا لم يتجاوز الدية الا ان
في رواية الحسن عن أبي حنيفة عم جميع الأطراف في ذلك وفي رواية أبي يوسف عن أبي
حنيفة استثنى الاذن والشعر كالحاجب وشعر الرأس واللحية فقال أستقبح اعتبار المملوك
بالحر في هذا وأوجب نقصان القيمة وجه قول محمد ان طرف المملوك في حكم المال بدليل انه
لا يجرى فيه القصاص بحال ويتحمله العاقلة بالجناية عليه بمنزلة الجناية على سائر الأموال في أنها
توجب نقصان المالية بدلا مقدار وجه رواية الحسن عن حنيفة رحمه الله أن الأطراف تابعة
للنفس المملوك والحر في ذلك سواء فكما أن موجب الجناية على طرف الحر نصف بدل نفسه
فكذلك موجب الجناية على طرف العبد وجه رواية أبي يوسف ان البدل المقدر في الحر تارة
يجب لتفويت الزينة وتارة يجب لتفويت الزينة وتارة يجب لتفويت المنفعة ومعنى الزينة في المملوك غير المطلوب وإنما المطلوب
المنفعة ففي كل طرف يجب بدله باعتبار تفويت المنفعة كان العبد فيه كالحر وفي كل ما يجب
في الحر باعتبار تفويت الزينة والجمال كالشعر وقطع الاذن المملوك فيه لا يحلق بالحر ولكن
يحلق بالمال فيجب النقصان وهذا لان المملوك يشبه الحر من وجه والمال من وجه والسبيل
فيما يردد بين أصلين أن يوفر عليه حظهما وإذا حفر المدير بئرا في الطريق فوقعا فيها رجل فمات
فعلى المولى قيمته لأنه بالحفر السابق جان على من وقع في البئر بطريق التسبب فان دفع المولى
قيمته إلى وليه بقضاء قاض فوهب الولي نصف القيمة للمولى ثم وقع فيها آخر قال يدفع الولي
النصف الذي في يده كله إلى الاخر لأنه تبين أن القيمة المقبوضة كانت مشتركة بينهما نصفين
فهبة المولى النصف ينصرف إلى نصيبه خاصة دون نصيب شريكة فما بقي في يده كله نصيب
شريكه ولأنه صار مستهلكا كالقائم من القيمة إذ لا فرق بين أن يهب ذلك من المولى وبين أن
يهب من أجنبي آخر وما استهلكه كالقائم في يده حكما فعليه أن يدفع نصف قيمته إلى شريكه
فان وقع فيها ثالث وقد غرم الواهب نصف القيمة للثاني بأمر القاضي فعلى الواهب لولي
الثالث سدس القيمة لأنه تبين أن القيمة الواجبة كانت بينهم أثلاثا وان حق الثالث في ثلث
القيمة الا ان نصف ذلك في النصف الذي هو في يد الثاني ولا ضمان على الأول فيه لأنه دفعه
بقضاء قاض فيرجع به على الثاني ويأخذ منه ثلث ما في يده ونصف حقه وهو سدس القيمة كان
89

في النصف الذي وهبه الأول وهو مستهلك لذلك فلهذا يغرم له سدس القيمة ولا سبيل له
على المولى لان المولى قد أدى ما عليه من القيمة وإنما يملك الموهوب بتملك صحيح من الواهب
ولا سبيل لاحد عليه وان حفر المدبر بئرا في الطريق فوقع فيها رجل فمات ثم كاتب المولى
المدبر ثم وقع فيها رجل آخر فعلى المولى قيمته بينهما نصفان ولا شئ على المكاتب لأنه إنما صار
جانيا بالحفر السابق وقد كانت تلك الجناية قبل الكتابة فلهذا لا يجب على المكاتب شئ (ألا ترى)
أنه لو أعتقه مولاه أو أدى بدل الكتابة فعتق ثم وقع فيها رجل كان على المولى قيمته ولا شئ
على المعتق ولا على عاقلته وعلى هذا يعتبر قيمته يوم الحفر لأنه صار بذلك الحفر (ألا ترى)
ان عند الوقوع قد يكون المدبر ميتا ولا تتحقق الجناية من الميت وعلى هذا لو أعتقه المولى بعد
الحفر ثم وقع المولى في البئر فمات كان دمه هدرا لأنه صار جانيا بالحفر وهو كان مملوكا للمولى
عند ذلك وجناية المملوك على المالك فيما يوجب المال هدر وكذلك لو وقع فيها عبد للمولي عند ذلك
والمولى وارثه أو ابنه أو بعض من لا يرثه الا المولى فدمه هدر لأنه لو اعتبر كان موجبا للمولى
على نفسه الا المكاتب فان على المولى الأقل من قيمة المكاتب يوم وقع فيها ومن قيمة المدبر يوم
حفر البئر يؤدى من ذلك مكاتبته وما بقي فهو ميراث لان المكاتب إذا ترك وفاء فهو في حكم
الأجنبي عن المولى فتعتبر الجناية عليه في ايجاب الأقل من قيمته يوم وقع في البئر ومن قيمة المدبر
يوم حفر ليؤدي منه المكاتبة فتحصل له الحرية ثم ما بقي ميراث فإن كان للمكاتب ولد حر فهو
ميراث له والا فهو للمولى بالولاء ويستوي إن كان حفر المدبر البئر قبل أن يكاتب المولى هذا
العبد أو بعده لان جنايته فيما اتصلت به حين وقع في البئر وهو مكاتب في هذه الحالة وإن كان
الواقع فيها ابن المولى وله وارث غير المولى فهو ضامن حصة من يرث معه من قيمة العبد ويسقط
حصة بمنزلة دين آخر واجب للابن على الأب ثم مات الابن فإنه يسقط حصته من ذلك
ويؤدي حصة الابن الاخر ولو حفر المدبر البئر ثم أعتقه المولى ثم مات المولى وقع في البئر
انسان فمات كانت قيمة المدبر في مال المولى لان الحفر كان جناية منه في حال كونه مملوكا للمولى
وكان موجبه القيمة على المولى إذا اتصل الوقوع به فيكون هذا نظير ما لو حفر المولى بنفسه
ثم وقع فيها دابة بعد موته فكما أن هناك قيمة الدابة تكون في تركة المولى فيها هنا قيمة
المدبر كذلك وإن لم يترك المولى شيئا فلا شئ على ورثته ولا على المعتق لما بينا ان موجب هذه
90

الجناية الدين في ذمة المولى وليس على الوارث قضاء دين المورث من مال نفسه ولا على المعتق شئ
من دين المعتق مدبر قتل دابة رجل وأحرق ثوب آخر فعليه السعاية في قيمته ذلك كله لان
جنايته على المال توجب الضمان دينا في ذمته يقضي من كسبه وسعايته ولكن بصير بهذا مأذونا
له في التجارة حتى لا ينفذ سائر تصرفاته لان انفكاك الحجر منه يعتمد الرضا له من المولى به
صريحا أو دلالة ولم يوجد وحاله هاهنا كحال العبد المحجور عليه يلزمه دين بالاستهلاك فلا يصير
به مأذونا ولكنه لو اكتسب كسبا أو وهبت له هبة فذلك كله مصروف إلى دينه فان قضى به
دين أحدهما كان للاخر أن يشارك فيه لان القاضي لما قضى لهما موجبا الدين في ذمته فقد تعلق
حقهما بكسبه فلا يملك تخصيص أحدهما بقضاء دينه وابطال حق الاخر بمنزلة العبد المحجور
عليه يخص بعض غرمائه بقضاء الدين من كسبه وهناك حق الباقين حق المشاركة معه ولو أن
رجلا أعتق عبدا في مرضه ولا مال له غيره أو ماله غيره يخرج العبد من ثلثه ثم إن العبد
قتل سيده خطأ فعليه أن يسعى في قيمتين في قول أبي حنيفة إحداهما رد الوصية فان العتق في
المرض وصية ولا وصية للقاتل والأخرى لأجل الجناية لان المستسعى في قيمة عبده مكاتب
وجناية المكاتب على مولاه خطأ كجناية الأجنبي فيلزمه قيمته كذلك وعند أبي يوسف ومحمد
عليه قيمة واحدة لرد الوصية والدية على عاملته لان المستسعى عندهما حر عليه دين فجنايته خطأ
تكون على عاقلته ولو أن عبدا جرح مولاه فأعتقه مولاه ثم مات من تلك الجراحة فإن كان
المولى صاحب فراش سعى العبد في قيمته لورثته وإن كان المولى يجئ ويذهب فالعبد حر
لا سبيل عليه لأنه إذا كان صاحب فراش فهو مريض والاعتاق منه بمنزلة الوصية ولا وصية
لقاتل وإذا كان يذهب ويجئ فهو بمنزلة الصحيح ينفذ اعتاقه لا بطريق الوصية (ألا ترى)
ان رجلا لو جرح رجلا جراحة وأقر له بدين وهو يجئ ويذهب جاز وإن كان صاحب فراش
لم يجز وحصل ذلك بمنزلة الوصية منه للقاتل ولو أن مدبرة قتلت مولاها خطأ وهي حبلى
ثم ولدت بعد موته فلا سعاية على ولدها في شئ من قيمته لأنه وجب عليها السعاية في قيمتها
لرد الوصية فكانت كالمكاتبة عند أبي حنيفة والمكاتبة إذا ولدت ولدا فالولد يدخل في كتابتها
ويعتق بعتقها وليس عليه شئ من بدل الكتابة وعندهما هي حرة والولد ينفصل عنها حرا ولو
جرحت مولاها ثم ولدت ثم مات المولى من تلك الجراحة فعليها السعاية في قيمتها لرد الوصية
ويعتق الولد من الثلث لان الولد انفصل عنها وهي مدبرة فان المولى حي حين ولدت وهي إنما
91

تعتق بموت المولى وولد المدبرة مدبر ولم يوجد من الولد ما يحرمه من الوصية فكان هذا من
الثلث مدبر تاجر عليه دين قتل مولاه خطأ فعليه أن يسعى في قيمة رقبته لغرمائه وما بقي من
الدين عليه على حاله أما وجوب السعاية عليه في قيمة رقبته فلرد الوصية حين قتل مولاه ثم غرماؤه
أحق بهذه القيمة من المولى لان المولى صار ضامنا لهم شيئا فان حقهم كان في كسبه (ألا ترى)
ان المولى لو أعتقه في حياته لم يغرم لهم شيئا فكذلك إذا أعتق بموته ولكن هذه القيمة بدل ماليته
وغرماؤه أحق بمكاتبته من مولاه (ألا ترى) انه لو قتل في حياة مولاه كانت قيمته لغرمائه دون
مولاه وأما وجوب ما بقي من الدين عليه فلان في حال حياة المولى كان الدين واجبا بمعاملته
فبقي بعد موت المولى على حاله وكذلك لو كان عبدا مأذونا عليه دين جرح مولاه ثم أعتقه المولى
وهو صاحب فراش ثم مات من جراحه ولا مال له غيره لأنه أعتقه وهو مريض فيكون
ذلك بمنزلة الوصية ولا وصية لقاتل وان أعتقه وهو يجئ ويذهب فإن كان ترك مالا فغرماء
العبد بالخيار ان شاؤوا أخذوا قيمة العبد من تركته لان المولى أتلف عليهم مالية رقبته بالاعتاق
ويأخذون قيمته من تركته ويتبعون العبد ببقية دينهم وان شاؤوا باعوا العبد بجميع دينهم لكن الدين
واجب بمعاملته في ذمته ولا سعاية على العبد لورثة المولى لان المولى أعتقه في صحته مدبر ضرب
مولاه ورجلا أجنبيا خطأ بدئ بأحدهما قبل الاخر الا إن كان الأجنبي مات قبل المولى فلورثة
الأجنبي قيمة المدبر في مال المولى لأنه صار قاتلا له وهو مدبر فيجب قيمته دينا في ذمة
المولى ويستوفي من تركته بعد موته ويسعى المدبر في قيمته لورثته لأنه صار قاتلا لمولاه
فصار محروما من الوصية فعليه رد قيمته للورثة لبطلان الوصية وكذلك لو مات المولى قبل
الأجنبي لان المدبر إنما صار قاتلا للأجنبي بالضربة وقد وجدت منه في حال حياة المولى فيكون
موجبها القيمة على المولى (ألا ترى) ان مدبرا لو جرح رجلا ثم مات المولى بعد ذلك كانت
القيمة في مال المولى وكذلك إن لم يعلم أنهما ماتا أولا لا ان قد علمنا أن الجناية من المدبر لان
قيمته كانت دينا لهم على المولى وما يسعى فيه المدبر ملك المولى وحق غرمائه في ملكه مقدم
على حق ورثته وإن كان لرجلين مدبران لكل واحد منهما مدبر فقطع كل واحد منهما يد
صاحبه فيرثا جميعا فان سيد كل واحد منهما يضمن نصف قيمة مدبر صاحبه يوم جنى عليه
مدبره إلا أن يكون قيمة مدبره أقل من ذلك لان موجب جناية المدبر الأقل من قيمته
مدبرا ومن أرش الجناية فان ماتا جميعا ضمن كل واحد منهم قيمة مدبره إلا أن يكون قيمة
92

مدبر صاحبه أقل فحينئذ يلزمه ذلك لان كل منهما صار قاتلا لصاحبه بفعل كان منه في حياته
فموته بعد ذلك لا يمنع وجوب القيمة على المولى وان مات أحدهما دون الاخر فعلى مولى الباقي
الأقل من قيمة مدبره ومن قيمة المقتول وعلى مولى المقتول الأقل من قيمة الميت ومن نصف
قيمة الحي لان أرش الجناية عليه هذا المقدار وان أعتقهما مولاهما بعد الجناية كان على كل واحد
منهما الأقل من قيمة مدبره وأرش جنايته على صاحبه إلى يوم أعتق الاخر سيده ولا يضمن
الفضل الذي حدث في الجناية بعد العتق لان اعتاق المجني عليه بمنزلة البرء في انقطاع السراية
به لمعنى يبدل المستحق وقد بيناه في الديات مدبر بين رجلين أثلاثا جنا جناية فعليهما قيمته على
قدر حصتهما فيه لان وجوب القيمة على المولى لمنعه دفع الرقبة بالتدبير السابق وإنما منع كل
واحد منهم بقدر ملكه فيلزمه من القيمة بقدر ذلك وكذلك لو كان أحدهما دبر نصيبه منه
وأختار الاخر تركه على حاله في قول أبي حنيفة لان التدبير عنده يتجزأ إلا أن الاخر
لا يخاطب بالدفع أو الفداء في نصيبه لان مدبر البعض لا يحتمل التمليك كمعتق البعض فيتعذر
عليه دفع نصيبه كما يتعذر عليه نصيبه مدبر بين رجلين على أحدهما جناية فعلى الاخر نصف
قيمته له لان قيمته نصيب المجني عليه فما يكون موجبا للمال عليه هدر وجناية نصيب صاحبه
عليه معتبرة (ألا ترى) أنه لو كان محل الدفع كان يخاطب صاحبه بدفع نصيبه إليه فكذلك
يخاطب بدفع نصف القيمة إليه إذا كان نصيبه مدبرا فان أعطى ذلك بأمر القاضي ثم جنى
المدبر على أجنبي فعلى المولى المجني عليه نصف قيمة المدبر للأجنبي لان الجناية الأولى لم تثبت في
نصيبه فكأنه لم يوجد من نصيبه الا هذه الجناية على الأجنبي فيغرم نصف قيمته له فيكون
النصف الباقي فيما أخذه المولى المجني عليه من صاحبه يقتسمانه على مقدار انصاف جنايتهما لأنه
اجتمع في ذلك النصف جنايتان والمولى لا يغرم بجنايات المدبر وان كثرت الا قيمة واحدة وقد
غرم قيمة نصيبه للمجني عليه مرة فلا يغرم شيئا آخر ولكن ما غرم يكون مشتركا بينهما لان الأجنبي
قد وصل إليه نصف حقه فان ما بقي نصف حقه والمولى المجني عليه ما تثبت من الجناية عليه
الا نصفه فكان هذا النصف بينهما نصفان فان جنى المدبر بعد ذلك جناية مالية لم يكن على الموليين
بسبب هذه الجناية شئ آخر لان كل واد منهما غرم قيمة نصيبه مرة ولكن الاخر يتبع المولى
المجني عليه الأول فيكون ما أخذه المولى والأول بينهما وبين هذا الآخر يضرب فيه كل
واحد منهم بنصف حقه ويكون ما أخذ الأول أيضا من المولى المجني عليه بينه وبين هذا الآخر
93

يضرب كل واحد منهما فيه بنصف الجناية لاستواء حقهما فيه وكذلك أن جنى بعد ذلك
جناية أخرى فهو على هذا القياس والمعنى الذي بينا يعم الفصول كلها وإذا جنى المدبر على أحد
مولييه جناية تزيد على قيمته فغرم شريكه له نصف قيمته بأمر القاضي ثم جنى المدبر على الاخر
فغرم شريكه له نصف قيمته بأمر القاضي ثم جنى على أجنبي جناية فإنه يضرب مع كل واحد
من الموليين فيما في يده بنصف الجناية لان كل واحد من الموليين غرم قيمة نصيبه بجنايته المدبر
مرة فلا يغرم شيئا آخر ثم حق الاخر استوى بحق كل واحد من الموليين في النصف الذي
وصل إليه من القيمة فكذلك يقسم لك نصف بينه وبين من في يده نصفان رجل مات وترك
مدبرا لا مال له غيره فجنى المدبر جناية فعليه أن يسعى في الأقل من قيمته ومن أرش الجناية
ويسعى المدبر في ثلثي قيمته في قول أبي حنيفة لان بموت المولى عتق ثلثه بالتدبير ولزمه السعاية
في ثلثي قيمته والمستسعى بمنزلة المكاتب عنده وجناية المكاتب توجب عليه في كسبه الأقل من
قيمته ومن أرش الجناية وعلى قولهما حر عليه دين فجنايته تكون على عاقلته وعاقلته عاقلة مولاه
ثم عند أبي حنيفة حكمه في الجناية كحكم المكاتب حتى إذا جنى جنايتين قبل أن يقضي القاضي
عليه بشئ فليس عليه الا قيمة واحد إلا أن يكون القاضي قضى عليه للأول بالقيمة ثم جنى جنايته
أخرى فحينئذ تلزمه القيمة للثاني وعلى قول زفر لا فرق بين ما قبل القضاء وبين ما بعده وهو
قول أبي يوسف الأول وقد بينا هذا في الديات وفيه اشكال هاهنا فان في المكاتب جعلنا
جنايته في رقبته لتوهم دفعه بالجناية بعد العجز وهذا لا يتحقق في معتق البعض فكان ينبغي أن
يكون موجب جنايته القيمة في ذمته ابتداء سواء قضى بها القاضي أو لم يقض ولكنا نقول
الدفع هاهنا متوهم أيضا فان من العلماء من يقول معتق البعض يستدام فيه الرق فيما بقي منه
ويكون محتملا للتمليك والتملك فان اجتهد القاضي هذا القول حكم به عند عجزه عن الأداء
بعد حكمه فلهذا تتعلق بجنايته برقبته كما تتعلق بجناية المكاتب إلا أنهما يفترقان في فصل وهو
أن هذا المدبر لو مات بعد جنايته قبل أن يسعى في ثلثي قيمته للورثة وعليه دين فان ما تركه
بين أصحاب الجناية وأصحاب الدين الذين لهم عليه بالحصص بخلاف المكاتب فقد بينا أن هناك
إذا لم يقض القاضي بالجناية على المكاتب حتى مات وعليه دين كان صاحب الدين مقدما على صاحب
الجناية لان هناك بموته عاجزا تنفسخ الكتابة ويبطل حق ولي الجناية فكان صاحب الدين
أقوى من هذا الوجه وهذا المعنى لا يوجد هنا فان بموته لا ينفسخ السبب الموجب للسعاية
94

عليه ولكن يتحول حق ولي الجناية إلى القيمة باعتبار الناس عن الدفع سواء كان قضى القاضي
بالدفع أو لم يقض فلهذا كان مساويا لصاحب الدين ولو ترك ولدا له من ابنه ولم يترك مالا يسعى
الولد فيما على أبيه لأنه بمنزلة ولدا لمكاتبة وقد بينا أن الولد هناك بعد موت أبيه يسعى في
بدل الكتابة وفيما كان على ابنه لأصحاب الدين والجناية فإن كان المدبر قد سعى فيما قد كان
للورثة ولم يقض القاضي عليه بالجناية حتى مات الأب يسعى في ثلثي قيمة أبيه لان هذا بمنزلة
بدل الكتابة وفيما على أبيه لأصحاب الدين والجناية فإن كان المدبر قد سعى فيما قد كان
للورثة ولم يقض القاضي عليه بالجناية حتى مات الأب لم يسع الابن في شئ لان الأب عتق
بأداء ثلثي قيمته إلى ورثته والولد عتق بعتقه وإنما كان يجب عليه السعاية لتنفيذ العتق بالأداء
فإذا عتق بالأول في حياته بشئ من دين أبيه كما لا يطالب به سائر ورثة أبيه رجل
أوصي بعتق عبد له يخرج من ثلثه ثم مات الموصى فجني العبد جناية بعد موته قال يدفعه إلى
الورثة وتبطل الوصية أو يفدونه متطوعين من أموالهم ويعتقونه عن الميت لان الوصية بالعتق
لا تصير منفذة بدون التنفيذ فجنى بعد موت المولى قبل أن يعتق كان هو بمحل الدفع وهو
مبقي على محل ملك المولى فيخاطب من يخلف المولى بالدفع وإذا دفعه بطلت الوصية لفوات
محلها فإذا اختار فداه فهو متطوع في ذلك في غير محله عليه فهو كما لو تبرع أجنبي بالفداء عنه
وإذا ظهر عن الجناية يعتق عن الميت كما كان يعتق قبل الجناية فإن لم يكن له مال غيره وفدوه أعتق
واستسعى في ثلثي قيمته لان الوصية بالعتق إنما تنفذ من ثلثه وجناية المدبر الذمي بمنزلة جناية
مدبر المسلم لأنه مانع دفع الرقبة بالتدبير السابق كالمسلم فان الذمي ملزم أحكام الاسلام فيما
يرجع إلى المعاملات فليس له أن يتبع مدبره كما ليس له أن يتبع أم ولده وسواء ما جنبي قبل
اسلامه وما جنى بعد اسلامه ما لم يقض عليه بالسعاية لمولاه الذمي من أجل اسلام المدبر لان
نفس الاسلام لا يضر ما لم يقض عليه بالسعاية (ألا ترى) ان مولاه لو أسلم بقي مدبرا له على
حاله فيكون موجب جنايته على مولاه فان قضى القاضي عليه بالسعاية في قيمته ثم جنى كان
عليه في كسبه الأقل من قيمته ومن أرش الجناية لأنه صار بمنزلة المكاتب بقضاء القاضي
(ألا ترى) ان مولاه لو أسلم بعد هذا بقي هو في حكم المكاتب يعتق بأداء القيمة الا ان يعجز
عنها فيكون هو في جنايته كالمكاتب وهذا بالاجماع أما عند أبي حنيفة فلان المستسعى بمنزلة
المكاتب بقضاء القاضي وأما عندهما فلانه إنما يسعى ليعتق بخلاف معتق البعض وأما مدبر
95

العبد الحربي المستأمن فإن كان دبره في دار الحرب ثم جنى العبد في دار الاسلام قيل للحربي
ادفعه أو افده لان التدبير في دار الحرب باطل بمنزلة الاعتاق فان الحربي إذا أعتق عبده في
دار الحرب كان عتقه باطلا وإذا أخرجه إلى دار الاسلام كان له أن يتبعه فكذا إذا دبره في
دار الحرب كان له أن يتبعه في دار الاسلام وإن كان بمحل التبع يخاطب مولاه في جنايته
بالدفع أو الفداء وإن كان دبره في دار الاسلام فهو بمنزلة مدبر الذمي لان تدبيره في دار الاسلام
صحيح كاعتاقه فيتعذر به دفع الرقبة ويلزمه القيمة بجنايته دينا عليه فان دبره في دار الاسلام ثم
لحق الحربي بدار الحرب والعبد في دار الاسلام ثم جنى جناية لم يكن على العبد منها شئ لان
موجب جناية المدبر القيمة دينا في ذمة مولاه والدين في ذمة الحربي لا تعلق له بمدبره فان
رجع الحربي بأمان أو مسلما أو أسلم أهل داره أخذه بقيمته كما يؤخذ بسائر الديون الواجبة عليه
فان سبى الحربي فالمدبر حر لان نفسه تبدلت بالسبي من صفة المالكية إلى صفة المملوكية
وذلك كموته حكما فيعتق به مدبره لان الحرية حياة والرق تلف ولأنه بالرق خرج من أن
يكون أهلا للملك فلا يبقى المدبر على ملكه ولا يحتمل أن النقل إلى غيره فيعتق لهذا والجناية
تبطل لأنها كانت دينا عليه والحربي إذا سبي عليه دين يبطل وقد بينا هذا في المأذون وان قتل
المولى ولم يسب أو مات فالمدبر وليس عليه شئ من السعاية للمسلمين ولا لورثة الحربي لان
حكم الأمان باق في هذا المدبر ولا حرمة لحق ورثته من أهل الحرب فلا يجب على المدبر
السعاية لحقهم ولكنه مدبر مات مولاه لا وراث له فيعتق كله من غير سعاية وإذا فقأ الحر عين
مدبر أو أم ولد أو مكاتب أو قطع يديه أو أذينة أو رجليه كان عليه نقصان ذلك لان ايجاب
جميع القيمة على الجاني غير ممكن هاهنا فان شرط وجوب جميع قيمة الدية دفع الجثة بدليل
انه لو كان قنا فغرم الجاني جميع القيمة بهذه الجناية سلمت له الجثة و اتخاذ هذا الشرط متعذر في
هؤلاء فيكون الواجب نقصان المالية بمنزلة ما لو جنى على المملوك جناية لها أرش مقدر
فإنه يجب نقصان ولو فعل ذلك بعبد بأن فقأ عينه أو قطع بدية كان عليه قيمته كاملة فإذا أخذها
المولى دفع إليه الجثة عندنا وقال الشافعي ليس عليه دفع الجثة إلى الجاني ولكن يأخذ منه
القيمة ويسلم له الجثة لان القيمة بدل عن الفائت خاصة فان الجناية على المماليك بمنزلة الجناية
على الأحرار ولهذا يقدر بدل طرفه بكمال بدل نفسه كما في الحريم الواجب في حق الحر
يكون بدلا عن الفائت دون القائم فكذا منه في حق العبد وهذا على أصله مستقيم فإنه يجعل
96

طرف العبد مضمونا بالقصاص بطرف الحر ولا أجمعنا على أنه لو قطع احدى اليدين من العبد
بغرم نصف القيمة ولا يملك به شيئا من الجثة بل يكون ذلك بدلا عن الفائت خاصة فكذلك
إذا قطع اليدين اعتبارا للكل بالبعض وأصحابنا يقولون يوفر على المولى كمال بدل ملكه وملكه
محتمل للنقل فلا يحتمل للبدل على نفسه على ملكه كالغاصب إذا أخذ منه المغصوب القيمة
بطريق الصلح بالاتفاق أو بقضاء القاضي عندنا وهذا لان البدل والمبدل لا يجتمعان في ملك
رجل والضمان إنما يجب جبرا للفائت فمع بقاء أصل ملكه في العين لا يملك ايجاب الضمان بطريق
الجبران ثم الدليل على أن الواجب هاهنا بدل عن جميع العبد لان الواجب يقدر بمالية العبد
وان العبد صار في حكم المستهلك لفوات منفعة الجنس منه ولو كان مستهلكا حقيقة كان
الواجب من القيمة بدلا عنه فكذلك إذا صار مستهلكا حكما وإذا ثبت ان الواجب بدل
عن الكل فيملك به ما يحتمل دون مالا يحتمله والجثة وان كانت مستهلكة حكما فهي
محل التمليك بخلاف ما إذا كانت مستهلكة حقيقة فأما في الحر لا يمكن أن يجعل بمقابلة الجثة إذ لا
قيمة للحربي الحر لان جعل القيمة بمقابلة الجثة إنما يجعل ليتملك والحر لا يحتمل ذلك فلو جعلنا
الدية بمقابلة الجثة إنما يجعل ليتمكن من اتلافه الجثة وهذا لا وجه له فأما إذا قطع احدى اليدين
من العبد فهناك الجثة قائمة حقيقة وحكما لبقاء منفعتها فيجعل الواجب بمقابلة المتلف خاصة
وهذا لان الواجب جزء من مالية المعتق والفائت جزء من العين فيمكن جعل الجزء بمقابلة الجزء
وهاهنا الواجب جميع مالية العين والفائت جزء من العين حقيقة وجميع المالية لا يمكن أن
تجعل بمقابلة الجزء فلهذا جعلنا القيمة بمقابلة الكل يوضحه أنه إذا غرم نصف القيمة بقطع
احدى اليدين فأما أن ملك نصفا معينا من جانب اليد المقطوعة ولحيوان لا يحتمل ذلك أو نصفا
شائعا من جميع العبد فيكون ذلك ثلاثة أرباعه معنى لان اليد من الآدمي نصفه وقد فات
النصف وملك نصف ما بقي فذلك ثلاثة أرباع ولا يجوز أن يسلم ثلاثة أرباعه بضمان نصف
القيمة فأما هاهنا الواجب جميع مالية العين ولا يسلم له الا جميع مالية العين تمليكا واتلافا فان
أبي المولى ان يدفع الجثة فلم يكن له أن يرجع بشئ على الجاني في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال
أبو يوسف ومحمد رحمهما الله له أن يرجع بنقصان المالية وفي ظاهر المذهب عندنا الخيار ثبت
للمولى بين أن يدفع الجثة ويأخذ القيمة وبين أن يمسك ويأخذ النقصان وكان أبو بكر الأعمش
رحمه الله يقول الخيار للجاني بين أن يأخذ الجثة ويغرم القيمة وبين أن يغرم النقصان
97

ولا يأخذ الجثة لأن الضمان عليه فالخيار في مقدار ما يلزمه من الضمان إليه والأصح هو الأول
ووجه قولهما أن العبد في حكم الجناية على أطرافه بمنزلة المال حتى لا يتعلق القصاص بالجناية
على أطرافه بحال ولا تتحمله العاقلة وتجب بالغة ما بلغت فعرفنا انه بمنزلة المال وفي الجناية
على الأموال يثبت الخيار للمالك بمنزلة ما لو خرق ثوب انسان خرقا فاحشا أو قطع بعض
قوائم دابة الغير كان لصاحبها الخيار بين أن يضمنه جميع القيمة ويسلم العين إليه وبين أن يضمنه
النقصان فهذا مثله وهذا بخلاف الجناية على الحر لأنه لا يمكن النقصان في بدل نفسه
بالجناية على طرفه وها هنا يمكن النقصان من بدل نفسه بالجناية على طرفه فيعتبر النقصان ها هنا
(ألا ترى) أن في الجناية على المدبر يعتبر نقصان المالية لتعذر الدفع فكذلك في الجناية على
القن فإذا امتنع دفع الرقبة التحق بما لو كان الدفع متعذرا والدليل أن البائع لو قطع يدي
المبيع قبل القبض واختار المشتري امضاء العقد فإنه يسقط عنه من الثمن حصة نقصان المالية
لهذا المعنى ان يقطع اليدين النقصان في بدل نفسه فيعتبر ذلك النقصان من قيمة الثمن فكذلك
هاهنا وأبو حنيفة يقول الجناية على بني آدم ان أوجبت كمال بدل النفس لا يكون موجب
النقصان كما في الجناية على الأحرار وهذا لان كمال بدل النفس وجوبه بالنص والنقصان إنما
يكون بطريق الاجتهاد والحذر والاجتهاد في غير موضع النص فمع وجود النص لا معنى
لاعتبار النقصان وبه فارق المدبر ان ما وجب هناك جميع بدل النفس بالجناية على أطرافه
(ألا ترى) انه ليس للمولى أن يأخذ القيمة فوجب اعتبار النقصان بطريق المصير إلى الاجتهاد
في غير موضع النص وكذلك في جناية البائع لان مع امضاء المشتري العقد لا يجب جميع بدل
النفس بجناية البائع فاعتبرنا منها النقصان لذلك وحقيقة المعنى فيه وهو ان الجناية على أطراف
المماليك من وجه بمنزلة الجناية على الأموال ومن وجه بمنزلة الجناية على الأحرار (ألا ترى)
انه يجب جميع بدل النفس بقطع الطرف وان الأطراف تابعة للنفس فإذا كان معنى النفسية
معتبرا في الجناية على نفس المملوك فكذلك في الجناية على أطرافه وما تردد بين أصلين توفر
حظه عليهما فلشبهه بالجناية على الأموال قلنا إذا لم يكن محل الدفع يجب النقصان ولشبهه بجناية
الأحرار قلنا إذا وجب كمال النفس لا يعتبر النقصان فإذا ثبت ان الواجب هاهنا هو
القيمة دون النقصان عن شرط استيفاء جميع القيمة تسلم الجثة فإذا منع المولى هذا الشرط
باختياره لم يكن له أن يرجع بشئ كما لو كسر قلب فضه لإنسان فان لصاحب القلب أن يضمنه
98

قيمة القلب مصوغا من الذهب ويسلم إليه المكسور وإذا أمسك المكسور لم يكن له أن يرجع
عليه بشئ لأنه منع ايجاد شرط سلامة القيمة له فيكون كالمبرئ له عن ضمان القيمة فكذلك
هاهنا رجل غصب مدبر رجل فقتل عنده قتيلا خطأ ثم رده على المولى فعلى الولي قيمته ويرجع
به على الغاصب لان ذلك لزمه بجناية كانت عنده (ألا ترى) ان المغصوب لو كان عبدا فدفعه
المولى بالجناية رجع بقيمته على الغاصب وكذلك لو كانت جنايته على نفس عمدا فقتله عند
المولى رجع على الغاصب بقيمته قنا كان أو مدبرا لأنه تلف بسبب كان عنده فان غصب المدبر
رجل آخر فقتل عنده قتيلا آخر خطأ فليس على المولى شئ لأنه غرم القيمة بسبب جنايته مرة
ولكن ولي الجناية الثانية يتبع ولي الجناية الأولى فيأخذ منه نصف تلك القيمة ثم يرجع
المولي على الغاصب الاخر بنصف القيمة وهو ما أخذه ولي الجناية الثانية فيدفعه إلى ولي
الجناية الأولى لان الأول استحق جميع القيمة فارغا ولان الثاني إنما يستحق نصف الجناية
على الأول بجناية المدبر عند الغاصب الثاني إلا أن الرجوع بسبب الغصب وقد كان بين المولى
والغاصب الثاني فهو الذي يرجع بنصف القيمة ويدفعه إلى ولي الجناية ولو غصب مدبرا
فقتل المدبر الغاصب أو عبده أو رجلا هو وارثة لم يكن على المولى المدبر من ذلك شئ في
قول أبي حنيفة لان المدبر يضمن بالغصب وقد بينا في كتاب الديات ان جناية العبد المغصوب
على الغاصب وعلى ماله هدر عند أبي حنيفة لان اعتبارها لا يفيد شيئا فقرار الضمان يكون
على الغاصب فكذلك المدبر ولو جنى المدبر عند الغاصب على مولاه جناية ففي قول أبي حنيفة
يعتبر جنايته فيجب الضمان على الغاصب وفي قول أبي يوسف ومحمد جنايته على مولاه وعلى
مال مولاه هدر وقد بينا ذلك في الديات في العبد فكذلك في المدبر وكلامهما فيه أوضح فالمدبر
بالضمان لا يصير مملوكا للغاصب وأم الولد في جناياتها والجناية عليها بمنزلة المدبر لأنه يتعذر
دفعها بالجناية بسبب لم يصر المولى به مختارا وفي وجوب ضمان أم الولد بالغصب اختلاف
معروف بين أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله وكذلك في وجوب السعاية عليها بعد ما عتق نصيب
أحد الشريكين منها ولو أن أمة بين رجلين دبرها أحدهما ثم وطئها الاخر فجاءت بولد فادعاه
الواطئ ثبت نسبه منه في قول أبي حنيفة لان التدبير عنده يتجزأ فنصيب المستولد باق على
ملكه وذلك كاف لثبوت نسب الولد منه بالدعوة وعليه نصف قيمة الولد ونصف قيمة عقر
الأم لأنه وطئها وهي مشتركة ولم يتملك نصيب شريكه منها لأجل التعبير فيصير الولد مقصودا
99

بالاتلاف ولهذا يضمن نصف قيمة الولد مع نصف العقر لشريكه وجنايتها عليهما أو على غيرهما
بمنزلة جناية مدبر هو بين اثنين في الحكم فان مات الواطئ منهما عتق نصيبه منها ويسعى
للاخر في نصف قيمتها مدبرة لان الاستيلاد لم يثبت في نصيب الشريك فان مات المدبر
منهما عتق نصيبه إذا كان يخرج من ثلثه ولا سعاية عليها للمستولد لان نصيبه أم ولد ولا سعاية
على أم الولد لمولاها عنده وفي قول أبي يوسف ومحمد هي مدبرة كلها للأول لان التدبير عندهما
لا يتجزأ وعليه نصف قيمتها للواطئ لأنه يملك نصيبها منه بالتدبير وجنايتها عليه وولدها له
لم يثبت نسبه من الواطئ لأنه إنما استولد مدبرة للغير إلا أن الحد يسقط عنه للشبهة فيلزمه
العقر للمدبر ولا يثبت نسب الولد من الواطئ وإذا جنى المكاتب جنايات ثم أعتقه سيده
فعلى المكاتب الأقل من قيمته ومن أرش الجناية دينا في ذمته لان جناياته كانت متعلقة برقبته
وقد تحولت إلى ذمته لوقوع الناس عن دفعه بسبب العتق إلا أن المولى لا يصير ضامنا شيئا
لأنه ما أتلف على أولياء الجناية شيئا فإنهم قبل العتق كانوا يطالبون المكاتب بالأقل من قيمته
ومن أرش الجناية في كسبه وذلك باق لهم بعد العتق فان قضى عليه بذلك فرضى بعضهم جاز
ما فعل ولم يشركهم الآخرون في ذلك لان دين كل واحد منهم في ذمته وهو حر والحر يملك
تخصيص الغرماء بقضاء دينه وهو كدين آخر على المكاتب لا ناس وكذلك لو فعل ذلك وهو
مكاتب لان حق كل واحد منهم في ذمته وهو قضاء ديونه من اكسابه بمنزلة الحر ولو لم يقض
عليه بالجناية حتى عجز فأعتقه المولى وهو يعلم بها كان مختارا لأنه بعد العجز كان مخيرا بين الدفع
والفداء فإذا منع أحدهما صار مختارا للاخر إذا كان عالما بها وإن لم يكن عالما فقد صار مستهلكا
للرقبة فعليه قيمته وكذلك لو جنى وهو مكاتب ثم عجز قبل القضاء فجنى جناية أخرى فهما
سواء فيه لان جنايته متعلقة برقبته فيخلص المولى يدفع الرقبة إليهما قبل الاعتاق ويدفع القيمة
بعد الاعتاق ان كأن لا يعلم بالجناية وإن كان يعلم بها فهو مختار للأرش فيها مكاتبة جنت
جناية ثم جنى عليها بعد ذلك ثم عجزت قبل أن يقضى عليها وليها فالمولى بالخيار ان شاء دفعها
وان شاء فداها فان فداها فقد ظهرها عن الجناية فيتبع الجاني عليهما بالأرش إن كان ذلك لم
يأت على جميع قيمتها وان أتى على جميع قيمتها من نحو فق ء العينين أو قطع اليدين أو جدع
الانف وقد برأت من ذلك فالمولى بالخيار ان شاء دفعها إلى الجاني وأخذ منه قيمتها وان شاء
أمسكها ولا شئ عليه في قول أبي حنيفة وفي قولهما يرجع عليه بنقصان قيمتها وقد بينا هذا
100

وان اختار دفعها إلى المجني عليه قام المجني عليه في الجناية عليها مقام المالك فيتبع الجاني بأرش
الجناية ان كأن لا يأتي على جميع قيمتها وإن كان يأتي على جميع ذلك فهو بالخيار ان شاء دفعها
إليه وان شاء أخذ قيمتها وان شاء أمسكها ولا شئ له بمنزلة عبد جنى على رجل جناية ثم
جنى عليه جناية ثم دفعه المولى بجنايته كانت الجناية على العبد المدفوع إليه العبد فكذلك في
المكاتب والأرش مخالف للولد فان المكاتبة لو ولدت بعد الجناية ثم عجزت فدفعها المولى
كان الولد للمولى وأرش الجناية يكون للمجني عليه لان الأرش بدل جزء وكان تعلق حق
المجني عليه به وحكم البدل حكم المبدل والولد ليس ببدل عن شئ تعلق به حق المجني عليه
ولكنه زيادة تولدت على ملك المولى فيكون سالما للمولى وإذا جنى المكاتب جناية فقضي عليه
بها ثم جنى أخرى فلم يقض عليه بها حتى عجز أو جناها بعد العجز وعليه دين قان المولى يدفعه
بهذه الجناية ويتبعه صاحب الدين والجناية المقضي بها فيباع فيهما لان جنايته متعلقة برقبته
ما لم يتصل به القضاء وقد صارت الأولى دينا في ذمته بالقضاء فقد اجتمع بعد العجز دين وجناية
فيبدأ بالدفع بالجناية ثم يباع في الدين لمراعاة الحقين وجناية المكاتب على مولاه وعلى الأجنبي
سواء ما لم يعجز لان موجب جنايته في كسبه والمولى في كسبه كأجنبي آخر قبل العجز فإذا
عجز بطلت جنايته على المولى لان المولى صار أحق بكسبه فلا يجوز أن يجب له الحق في كسبه
بسبب الجناية (ألا ترى) انه لو جنى عليه بعد العجز كان هدرا فكذلك إذا جنى قبل العجز
ثم عجز فإن كان قد قضي عليه بجناية المولى والأجنبي وهما سواء ثم عجز بيع نصفه في جناية
الأجنبي العبد لان حق كل واحد منهما كان في نصف القيمة دينا عليه وبالعجز يسقط نصيب
المولى لان المولي لا يستوجب على عبده دينا ولكن لا يزداد به حق الأجنبي فيباع نصفه في
دين الأجنبي لهذا لا أن يقضى المولى عنه نصف القيمة وإن كان قضى بجنايته المولى عليه ثم جنى
على الأجنبي فقضى بها أيضا ثم عجز بيعت رقبته كلها في جناية الأجنبي لان كل واحد منهما
استوجب جميع القيمة دينا في ذمته وبالعجز يسقط دين المولى ويبقى دين الأجنبي فيباع فيه
إلا أن يقضي المولى عنه رجل قطع يد مكاتبه فقضى عليه بذلك والمكاتبة إلى أجل ثم جنى
المكاتب جناية على رجل فقضى عليه بها ثم عجز فرد في الرق قال لا تبطل جناية المولى على
المكاتب ويباع المكاتب في جناية الأجنبي فإن لم يف تمنه أو قطع بها رجع فيما على المولى لان
نصف القيمة كان دينا له على المولى بمنزلة كسبه وكسبه بعد العجز لا يسلم للمولى ما بقي عليه
101

دين والقيمة لولي جنايته دين عليه فيباع فيه فإذا لم يف ثمنه بالقيمة رجع بما بقي على المولى وهو
بمنزلة مكاتب استهلك له مولاه ألف درهم وعليه دين أوليس عليه دين ثم استدان بعد ذلك
دينا ومكاتبته إلى أجل ثم عجز أو مات اتبع المولى بذلك فكان بين سائر غرمائه بالحصص
لان كسبه لا يسلم لمولاه ما لم يفرغ من دينه فإن كان المكاتب جنى على أجنبي وقضى عليه
بذلك ثم جنى عليه المولى جناية فقضى عليه بها ثم عجز بيع العبد في دين الأجنبي فان وفي والا
نظر إلى ما نقص من قيمة العبد يوم جنى المكاتب فيضمن المولى للأجنبي الأقل منه ومن أرش
جنايته لان المولى بجنايته أتلف جزأ قد تعلق به حق ولي الجناية وبقضاء القاضي صارت القيمة
دينا في ذمته لولي الجناية فيقضي من ثمنه وكسبه وما وجب على المولى بمنزلة كسبه فإذا لم يف
ثمنه بدينه ضمن المولى ذلك لولي الجناية (ألا ترى) ان عبدا لو جنى جناية جنى عليه
المولى وهو لا يعلم بجنايته ثم اختار دفعه ضمن ما جنى عليه واستوضح هذا كله بمكاتب عليه
دين ألف درهم واستهلك له مولاه ألف درهم ثم استدان بعد ذلك القائم مات ولم يترك مالا
غير الدين الذي على مولاه أتبع الغرماء جميعا الأولون والآخرون المولى بتلك الألف حتى
يأخذونها فيقسمونها ولو كان الدين يبطل فيما سبق عن المولى لم يكن على المولى في هذه الفصول
شيئا الا للغرماء الأولين فهذا يوضح لك جميع ما سبق رجل جنى على مكاتبه جناية ثم مات
المكاتب وترك ولدا ولد في المكاتبة ولم يدع شيئا فإنه يرجع على الابن من الكاتبة بقدر أرش
الجناية لان ذلك كان دينا على المولى للمكاتب وقد بقيت الكتابة لما خلف ولدا فيصير المولى
مستوفيا ذلك القدر من بدل الكتابة بطريق المقاصة لان في حال الحياة المكاتب إنما كأن لا تقع
المقاصة لمكان الاجل في بدل الكتابة وبموته سقط الاجل في المال الذي خلفه كما لو ترك وفاء
وإذا صار المولى مستوفيا ذلك على الولد ان يسعى فيما بقي من بدل الكتابة فإن كان على
المكاتب دين يقضى على المولى بالأرش فيؤخذ منه ويؤدى إلى غريم المكاتب لان ما على المولى
بمنزلة كسب المكاتب والدين في كسبه مقدم على بدل الكتابة بعد موته فيمنع ذلك وقوع
المقاصة ولكن يأخذه الغريم من المولى ويسعى الولد فيما بقي من الدين والمكاتبة لأنه قائم مقام
أبيه فيما كان واجبا على أبيه ولو جنى المكاتب على مولاه جناية فقضي عليه بقيمته والجناية أكثر
من القيمة ثم أعتق المولى نصفه فهذا وما لو أعتق كله سواء ولو أعتق كله بعد القضاء عليه
بالجناية بقي ذلك دينا عليه يسعى فيه لمولاه لأنه قبل العتق كان يسعى فيه فلا يزيده العتق الا
102

وكادة فكذلك إذا أعتق نصفه ويسعى في قول أبي حنيفة مع ذلك في الأقل من نصف القيمة
ومن نصف المكاتبة لان العتق عنده يتجزأ فيجب اخراج الباقي إلى الحرية بالسعاية وإنما يلزمه
الأقل لأنه هو المتيقن به وإذا قتل العبد رجلا خطأ ثم كاتبه المولى فالكتابة جائزة ان علم
المولى بالجناية أو لم يعلم لأنه باق على ملكه بعد الجناية والمولى متمكن من التصرف فيه (ألا ترى)
انه لو وهبه أو باعه بعد ذلك منه لم تكن الجناية بعضها فكذلك إذا كاتبه فإن كان المكاتب
يعلم بالجناية فهو ضامن للأرش لأنه منع بالكتابة دفع الرقبة فيصير به مختارا للأرش ويستوي
ان عجز المكاتب أو لم يعجز وعن أبي يوسف قال إن لم يخاصم في الأرش حتى عجز كان للمولى
أن يدفعه بالجناية بخلاف ما إذا خوصم وقضى القاضي بالأرش لان الكتابة لا تزيل ملك المولى
وهو يعرض الفسخ ففيه لا يكون اختيارا للأرش وإنما يتم به الاختيار إذا تأكد بقضاء
القاضي لان المنع من دفع الرقبة إنما يتحقق بعد المطالبة فإذا عجز قبل القضاء صارت الكتابة
كأن لم تكن والكتابة كانت تمنعه من دفعه بالجناية واقدامه عليه مع علمه بالجناية يكون
اختيارا للفداء لبيعه رقبته من انسان فإنه وان فسخ البيع بقضاء القاضي لم يسقط الأرش عن
المولى وإن كان كاتبه وهو لا يعلم بجنايته فعجز قبل الخصومة في الجناية خير المولى بين الدفع
والفداء لان المولى ما صار مختارا شيئا هاهنا وإنما يغرم القيمة لاستهلاك الرقبة فإذا ارتفع
المانع من الدفع قبل قضاء القاضي فقد انقدم الاستهلاك فيخير بين الدفع والفداء بمنزلة ما لو
باعه وهو لا يعلم بالجناية ثم فسخ البيع بسبب هو فسخ من كل وجه قبل أن يخاصم في الجناية
فان يخير بين الدفع والفداء وان كاتبه بعد ما قضى به لأصحاب الجناية قبل أن يقبضوه كان
باطلا لان بقضاء القاضي تحول إلى ملك ولي الجناية فإنما كاتب ما لا يملك (ألا ترى) انه
لو أعتقه أو باعه في هذه الحالة كان باطلا فكذلك إذا كاتبه ولو كاتبه وهو لا يعلم بالجناية فلم
يقض بها حتى مات المكاتب ولم يدع شيئا فلا ضمان على المولى لأنه لما أشرف على الموت تحقق
عجزه عن أداء بدل الكتابة فانفسخت الكتابة فزال المانع من الدفع فخرج المولى من أن يكون
مستهلكا وصار بمنزلة ما لو عجز في حال حياته ثم مات بعد ذلك فيبطل حق ولي الجناية
لفوات محل حقه ولو مات عن وفاء كانت عليه القيمة لان عقد الكتابة يبقى بعد موته فيتحقق
من المولى استحقاق الرقبة بعقد الكتابة فيلزمه القيمة لهذا وكذلك أن ترك ولدا يسعى في
الكتابة لان عقد الكتابة يبقى ببقاء الولد كما يبقى باعتبار مال خلفه فان عجز فرد في الرق لم
103

تبطل القيمة عن السيد قال لأني ألزمتها إياه ومراده إذا عجز بعد ما قضى بالقيمة على
الولد فأما إذا عجز قبل قضاء القاضي بالقيمة فقد بطلت الجناية لان الولد قائم مقام أبيه وقد
بينا أن الأب لو مات عاجزا قبل قضاء القاضي بالقيمة يبطل حق ولي الجناية بخلاف ما إذا
مات بعد القضاء فكذلك إذا عجز الولد وليس في عنق الولد شئ من حق ولي الجناية لما
بينا أن حق ولي الجناية لا يسرى إلى الولد وإذا كان العبد بين رجلين فجنى جناية فكاتبه
أحدهما بغير إذن شريكه فأدى إليه المكاتبة ثم جاء أصحاب الجناية فإن كان علم بالجناية فهو
ضامن لنصف الأرش ولو لم يعلم فهو ضامن نصف قيمة العبد لأنه في نصيبه كان مخيرا بين
الدفع والفداء وكتابته في نصيبه تنفذ في حق ولي الجناية ويتأكد بأداء البدل فهو وما لو كان
العبد كله سواء وأما الذي لم يكاتب فلا شئ عليه لأنه ما أحدث بعد جنايته شيئا يصير به مختارا
ولكنه يرجع على شريكه بنصف ما قبض من بدل الكتابة لأنه كسب عبد مشترك بينهما
ويضمنه قيمة أيضا إن كان موسرا ويسعى العبد فيه أن كان معسرا ثم يدفع ذلك إلى
أصحاب الجناية لان نصيبه من العبد فات وأخلف بدلا فيدفع إلى ولي الجناية إلا أن يكون
الأرش أقل من ذلك وان أعتق نصيبه ضمن نصف القيمة لأصحاب الجناية لأنه صار ذلك
متلفا عليهم باعتاقه ولا سبيل لأصحاب الجناية على ما أخذه من المكاتب من نصف ما قبض
من بدل الكتابة لان ذلك كسب نصيبه وليس لولي الجناية على كسب الجاني سبيل وان
كاتب كل واحد منهما وهما يعلمان بالجناية أو كاتبه أحدهما باذن شريكه وهما يعلمان بالجناية
فكذلك الجواب عند أبي يوسف ومحمد لان الكتابة عندهما لا تتجزأ وعند أبي حنيفة المكاتب
يصير مختارا لنصيبه فأما الاذن لا يصير مختارا لان الكتابة عنده تتجزأ في نصيبه فكان هذا في
حكم الجناية وما لو كاتبه بغير إذن شريكه سواء رجل كاتب عبدا وقد جنى جناية ولم يعلم بها
ثم جنى جناية أخرى فقضى عليه بها ثم عجز ثم حضر أصحاب الجناية الأولى قال يدفعه المولى
إليهم ويبيعه صاحب الجناية الثانية المقضى بها فيباع له فيها لان الجناية الأولى باقية في رقبته
بعد عقد الكتابة فان المولى لم يكن عالما بها (ألا ترى) أنه لو عجز قبل القضاء دفع بها فكان
وجود تلك الجناية قبل الكتابة وبعده سواء وقد تحول حق ولي الجناية الثانية لان القيمة
بقضاء القاضي فحين عجز كان عبدا قد اجتمع في رقبته دين وجناية فيدفع بالجناية أولا ثم يباع
في الدين لمراعاة الحقين وإن لم يقض القاضي بشئ حتى عجز خير المولى بين أن يدفعه
104

بالجنايتين أو يفديه بالأرش منهما وإذا قتل المكاتب رجلا خطأ ثم قتل رجلا آخر خطأ ثم جاء
ولي أحدهما فقضى له بقيمة العبد ولم يعلم بالجناية الأخرى ثم عجز المكاتب فان نصف قيمة
العبد دين للمقضى له في نصف العبد وجميع الجناية الأخرى في النصف الباقي فإن شاء
مولاه فداه وان شاء دفعه لان الجنايتين اجتمعتا عليه في حالة الكتابة فيكون حق كل واحد
منهما في نصف القيمة وإنما قضى القاضي للأول بجميع القيمة لجهله بالجناية الثانية فحين علم
بها تبين ان قضاءه فيما زاد على النصف للمقضي له كان باطلا فكأنه ما قضى له الا بنصف القيمة
فإذا عجز كان نصف القيمة دينا له في نصف العبد يباع فيه وحق ولي الجناية الثانية في
النصف الثاني لانعدام المحول إلى القيمة وهو قضاء القاضي فيخير المولى فيه بين الدفع والبقاء
ولو لم يعجز وأخذ المقضى له فيه جميع القيمة ثم حضر الاخر فإنه يقضي للاخر على المكاتب
بنصف القيمة ويرجع المكاتب على الأول بنصف القيمة لأنه تبين انه استوفى منه فوق حقه
فان حقه كان في نصف القيمة والنصف الآخر للثاني بخلاف ما إذا كانت احدى الجنايتين
قبل الكتابة وقد غرم المكاتب ما كان منه قبل الكتابة لان هناك موجب الجناية الأولى على
مولاه وموجب الجناية الثانية على المكاتب فلم يجتمعا في حق المكاتب ولهذا كان قضاء
القاضي للثاني بجميع القيمة صحيحا وهاهنا موجب الجنايتين على المكاتب والمكاتب لا يلزمه
بجناياته الا الأقل من قيمته ومن أرش الجناية * مكاتب قتل رجلا خطأ ثم قتل رجلا آخر
خطأ فقضي عليه بإحدى الجنايتين ثم قتل آخر خطأ فإنه يكون للمقضى له نصف القيمة التي
قضى له بها لان عند القضاء كان الموجود منه جنايتين فحق كل واحد من الموليين في نصف
القيمة وقد تحول حق المقضي له إلى نصف القيمة بقضاء القاضي ثم قضى للثالث بنصف قيمة
العبد خاصة لان نصف القيمة فرغ من الجناية بتحويل القاضي حق الثاني إلى نصف القيمة
فيتعلق حق ولي الجناية الثانية بذلك النصف فلهذا يقضي له بنصف القيمة ويقضي أيضا بنصف
القيمة للذي لم يقض له بشئ بينه وبين الثالث أثلاثا ثلثاه للأوسط وثلثه للثالث لان في هذا
النصف اجتمع حق الأوسط وحق الثالث فان المحول لم يوجد وفي حق كل واحد منهما جنى
إلا أن يقضى لهما بنصف القيمة إلا أن الثالث قد وصل إليه نصف حقه فلا يضرب في هذا
النصف الا بما بقي له والأوسط ما وصل إليه شئ من حقه فهو يضرب بجميع حقه في هذا
النصف فلهذا كان النصف بينهما أثلاثا ولو عجز قبل القضاء بالجناية الثالثة فاختار دفعه كان
105

نصفه بين الثالث والأوسط أثلاثا ثلثاه للأوسط وثلثه للثالث ويكون النصف الباقي للثالث
خاصة ويكون حق المقضى له دينا في هذا النصف لان حق الأول تحول إلى ذمته في هذا
النصف فتعلق به حق الثالث فعند العجز اجتمع في هذا النصف دين وجناية فيدفع بالجناية
ثم يباع بالدين في النصف الآخر فقد اجتمع في هذا نصف وحق الأوسط فيدفع إليهما
ويضرب فيه الأوسط بجميع حقه والثالث بنصف حقه لأنه قد وصل إليه نصف حقه فلهذا
كان النصف بينهما أثلاثا * مكاتب قتل رجلا خطأ ثم فقأ عين رجل فقضى للمفقوءة عينه بثلث
القيمة عليه ثم عجز قال يباع الثلث في دين المفقوءة عينه ويدفعه المولى إلى ولي النفس أو يفديه
بجميع الدية لان حقهما كان تعلق به أثلاثا فان حق المفقوءة عينة في خمسة آلاف وحق ولي
النفس في عشرة آلاف (ألا ترى) أنه لو كان بمحل الدفع كان يدفع إليهما أثلاثا فكذلك
القيمة في المكاتب يكون بينهما أثلاثا ثم المحول وهو القضاء وجد في حق المفقوءة عينه فيصير
ثلث القيمة دينا له في مالية ثلث الرقبة يباع فيه بعد العجز والثلثان حق مولى النفس ولم يوجد
المحول فيه حتى عجز فيخاطب المولى بان يدفع إليه ثلثيه أو يفديه بجميع الدية فإن لم يعجز حتى قتل
رجلا خطأ ثم عجز فاختار دفعه فاما المقضي له فله ثلث القيمة دينا في ثلث العبد وقد تعلق حق
ولي الثالث بذلك الثلث فاجتمع في ذلك الثلث دين وجناية فيدفع في الجناية ثم يباع في الدين
وأما الثلثان فقد اجتمع فيهما حق ولي الأول وحق ولي الاخر ولم يوجد المحول في حق واحد
منهما يدفع إليهما ثم يضرب فيه الأول بالدية والاخر بثلثي الدية لأنه قد وصل إليه ثلث حقه
فإنما يقسم ثلثا الرقبة بينهما أخماسا على قدر حقهما ولو جنى المكاتب جنايتين فقضى لأحدهما
بنصف القيمة فاداها إليه المكاتب ثم قضى للاخر وسلم ما استوفى لا شركة للثاني مع الأول
فيما قبض لان حق أحدهما تميز عن حق الاخر (ألا ترى) انه تحول حق القيمة إلى القيمة
وحق الاخر في نصف العبد حتى لو عجز قبل القضاء يدفع إليه نصفه فلا يكون له حق مشاركة
المستوفى فيما استوفى سواء مات المكاتب أو لم يمت عجز أو لم يعجز * مكاتبة قتلت رجلا
خطا ثم فقأت عين آخر ثم ولدت ولدا فقضى عليها للمفقوءة عينه بثلث قيمتها ثم عجزت فان
حق ولي النفس في ثلثي رقبة الأم يدفع أو يفدى لان المحول وهو القضاء لم يوجد في حقه
ويباع الثلث في دين المقضي له فإن لم يف الثلث بحقه بيع ثلث الولد فيه أيضا لان حق الغريم
حق قوى في الأم فيسري إلى الولد (ألا ترى) ان أمة مديونة لو ولدت بيع ولدها معها في
106

الدين بخلاف حق ولي الجناية وحق المفقوءة عينه صار دينا بقضاء القاضي في الثلث فيثبت في
ثلث الولد أيضا فهو نظير مكاتبة عجزت وعليها دين وقد ولدت في مكاتبتها فبيعت في دينها فلم
يف ثمنها به بيع ولدها فيه أيضا بخلاف حق ولي النفس * والذي يوضح الفرق أن حق صاحب
الدين يثبت في الكسب فكذلك يثبت في الولد بخلاف حق ولي الجناية وإن كان إنما قضى
لولي المقتول على المكاتبة بالسعاية في ثلثي قيمتها ثم عجزت وقد ولدت في مكاتبتها فحق المفقوءة
عينه في ثلث رقبتها ان شاء دفعه وان شاء فداه ولا سبيل له على شئ من ولدها ويباع ثلثها
للمقضي له فان وفي والا بيع ثلثا الولد لان حق صاحب الولد صار دينا بقضاء القاضي والدين
يسرى إلى الولد وحق صاحب العين في الجناية لم يصر دينا بعد فلا يسرى إلى الولد * مكاتب
قتل رجلا خطأ فقضى عليه بها ثم جنى جنايتين فقضى عليه بإحداهما ثم عجز والجنايات مستوية
وكل واحدة منها تأتي على قيمته فان القيمة للمقضى له دين في جميع الرقبة لأنه حين تحول حق
الأول إلى القيمة بقضاء القاضي لم يكن في رقبته جناية سواها فيثبت حقه في جميع القيمة دينا
في جميع الرقبة ثم لا يتغير ذلك الحكم بما يكون له من الجناية ونصف القيمة للمقضى له الاخر
دين في نصف الرقبة لان الجنايتين الأخريين تعلقتا برقبته فيكون حق كل واحد من الموليين
في النصف وقد تحول حق المقضي له إلى نصف القيمة بقضاء القاضي وبقي حق الاخر في
نصف العبد فيخاطب المولى بدفعه إلى من لم يقض له أو الفداء فان فداه طهر هذا النصف
عن حق الثالث وإنما بقي فيه حق الأول في نصف قيمته فيباع هذا النصف له خاصة وأما
النصف الآخر فقد وجب فيه دينان دين المقضى له الأول ودين المقضي له الثاني فيباع هذا
النصف ويقسم لثمن بين الأول والثاني أثلاثا لان الأول يضرب فيه بخمسة آلاف فقد وصل
إليه نصف حقه والثاني يضرب فيه بعشرة آلاف فإنه لم يصل إليه شئ هكذا ذكره الحاكم رحمه
الله في المختصر قال والأوضح عندي ان هذا النصف بينهما نصفان لان حق كل واحد منهما
بقضاء القاضي حول إلى نصف القيمة في هذا النصف فكانا مستويين في ذلك فيكون ثمن
هذا النصف بينهما نصفين وان دفع المولى نصفه بالجناية بيع النصف المدفوع في دين الأول
خاصة لأنه اجتمع في هذا النصف دين وجناية فيدفع أولا بالجناية ثم يباع في الدين وبيع النصف
الباقي للآخرين نصفين لما بينا أن حقهما في هذا النصف تحول إلى القيمة وهما مستويان فيه
وبهذا تبين ان ما ذكره الحاكم في الفصل الأول من القيمة بينهما أثلاثا غلط ولو كان قضي
107

للآخرين أيضا بقيمة العبد ثم عجز بيع العبد فكان نصفه ثمنه للأول ونصفه للآخرين لان
حق الأول ثبت في جميع القيمة وحق الآخرين بقضاء القاضي إنما ثبت في قيمة واحدة أيضا *
مكاتب قتل ثلاثة أنفس خطأ فقضى لأحدهم بثلث قيمته ثم إن أحد الآخرين وهب جنايته
للمكاتب ثم عجز المكاتب قال يباع ثلثه في دين المقضى له لان حقه بقضاء القاضي تحول إلى ثلث
القيمة دينا في ثلث المالية ثم يباع الثلث في دينه بعد العجز ويدفع المولى ثلثه إلى الثالث ويبقى ثلثه
للمولى لاحق لهما فيه لان القاضي حين قضى لأحدهم بثلث القيمة فقد قضى بالقيمة بينهم
أثلاثا إلا أن حق الثاني لم يتحول إلى القيمة بعد فان عجز دفع المولى إليه من العبد بمقدار حقه
وهو الثلث والثلث منه كان حق الوهب وقد أسقطه بالهبة فيبقى للمولى (ألا ترى) أن
عبدا لو جنى جنايتين فعفا أحدهما عن جنايته كان نصفه للسيد لهذا المعنى إذا حق كل واحد
منهما في نصفه فحصة العافي تسلم للمولى وفي حصة الاخر يخاطب المولى بالدفع أو الفداء
وكذلك أن كان المكاتب جنى جنايتين فعفا أحدهما عنه وقضى للاخر بحقه ثم عجز بيع
للاخر نصفه في دينه منه ويبقى العبد سالما للمولي وهو حصة العافي وكذلك أن كان في
يد المكاتب مال يفي بدين المقضى له قضى دينه ويبقى سالما للمولي إن كان الاخر قد عفا وإن لم
يكن عفا خوطب المولى بدفع نصيبه إليه أو الفداء وإن كان ما في يده لا يفي بحق المقضى
له بذلك ثم بيع في بقدر نصيبه ثلثا كان أو نصفا فيما بقي له من الدين فإن كان عليه دين سوى
ذلك تحاصا في هذا المال لاستواء حقهما فيه ثم يباع ما بقي من العبد في دين صاحب الدين
لان دينه تعلق بجميع الرقبة فلا يسلم شئ من الرقبة للمولى ما لم يصل إلى الغريم كمال حقه وإذا
ولد للمكاتب في كتابته من أمة له ولد فقتله رجل خطأ كانت قيمته للمكاتب لان من دخل في
كتابته صار تبعا له (ألا ترى) أنه أحق بكسبه يأخذه فيقضي به من دين الكتابة فكذلك هو
أحق ببدل رقبته وإذا كان للمكاتبة ولد ولدته في المكاتبة فجنى الولد جناية قضى عليه بالجناية
ولم يلحق الأم منها شئ لان الولد لما دخل في كتابتها صار مكاتبا للمولى لأنه لو أعتقه ينفذ
عتقه فيه وجناية المكاتب توجب عليه الأقل من قيمته ومن أرش الجناية ولا يقال إن الأم
أحق بكسبه فينبغي أن يكون موجب جنايته عليها لأنها إنما كانت أحق بكسبه لتؤدي منه
بدل الكتابة فتجعل العتق لنفسها وله حتى أن ما رواء ذلك من الكسب يكون للولد بمنزلة
مكاتب آخر للمولى وضمان المكاتبة دينا على المكاتب باطل في رقها فان عتقت جاز ذلك الضمان
108

بمنزلة العبد إذا ضمن مالا عن انسان ثم عتق أخذ بذلك الضمان وكذلك أن ضمنت دينا آخر
على الولد منه لم يصح ضمانها في حال رقها فان عتقت كان ضمانها صحيحا لزوال المانع وهو الرق
وإذا كان العبد وامرأته مكاتبين كتابة واحدة فولدت ولدا ثم قتله الأب فعليه قيمته للأم لان
الولد دخل في كتابتها فإنه جزء منها يتبعها في الرق والحرية فكذلك بدل الرقبة وكذلك في
الكتابة وجناية الأب على الولد كجناية أجنبي آخر ولو قتله أجنبي آخر كان عليه قيمته للأم لان
بدل الرقبة بمنزلة الكسب وكسب الولد للأم دون الأب فكذلك بدل الرقبة وكذلك لو أديا
فعتقا فإنه لا يسقط عنه شئ من ذلك لأنه واجب عليه لها وبالعتق يتأكد حقهما قبله وكذلك
لو قتل الابن أباه كان الضمان في قيمته لأنه صار مكاتبا للمولى تبعا لامه فجنايته على أبيه كجناية
مكاتب آخر فليزمه السعاية في قيمته وليس على الأم من ذلك شئ وليس عليه من بدل الكتابة
شئ لأنه تبع للأم في الكتابة فان أدت الأم عتقوا جميعا وكانت القيمة الواجبة عليه ميراثا
عن الأب بمنزلة سائر أكسابه ولو لم يقتل الولد الأب ولكن الأم قتلت الولد لم يلزمها شئ
لان الولد جزء منها ولو قتله غيرها كانت القيمة واجبة لها فإذا كانت هي الذي قتلته لو وجبت
القيمة وجبت لنفسها وذلك لا يجوز وكذلك لو قتل الولد الأم فليس عليه بسبب
الجناية شئ لأنه جزء منها فجنايته عليها كجنايته على نفسه إلا أنه يلزمه الكتابة بمنزلة ما لو كانت
الأم باقية ولأنه قائم مقامها فان الكتابة تبقى بموتها حتى يؤدي البدل فعليه أن يسعى فيما كانت
الأم تسعى فيه وان قتل الأب الولد كان عليه الأقل من قيمته ومن قيمة أبيه بسبب جنايته
وليس عليه من بدل الكتابة شئ لأنه ما كان داخلا في كتابة أبيه فلا يقوم مقامه بعد موته
والأم حية تسعى في الكتابة فلا حاجة للولد إلى السعاية فيما على أبيه فان أدت الأم جميع الكتابة
عنقا جميعا والسعاية الواجبة على الولد بجنايته على الأب تكون ميراثا عنه تأخذ الأم حصتها فما
أدت عنه بمنزلة كسب آخر يخلفه الأب وما بقي هو ميراث لورثة الأب ليس لهذا الولد منه
شئ لأنه قاتل إلا أن يكون صغيرا فحينئذ لا يحرم الميراث بقتله عندنا وقد بينا هذا في الديات
وأن حرمان الميراث بسبب القتل إنما يثبت في حق من ينسب إلى تقصير في التحرز وذلك
لا يتحقق في حق الصبي والمجنون ولان حرمان الميراث جزاء الفعل المحظور وذلك ينبي على
الخطاب فلا يثبت في حق الصبي وعند الشافعي الصبي بمنزلة البالغ في حرمان الميراث بسبب
القتل كما هو بمنزلة البالغ في الكفارة على مذهبه ولو أن رجلا كاتب عبدين مكاتبة واحدة
109

فولد لأحدهما ولد من أمته ثم جنى الأب على ولده أو جنى عليه فالجناية باطلة لأنه دخل
في كتابة أبيه فكان مانعا له فجناية كل واحد منهما على صاحبه بمنزلة جنايته على نفسه لأنهما
كشخص واحد في حكم الكتابة فلو اعتبرنا جناية أحدهما على صاحبه بمنزلة جنايته على آخر
كانت القيمة واجبة على واحد منهما وذلك لا يجوز ولو جنى المكاتب الاخر على الولد لزمته
الجناية للأب لان المكاتب الاخر من هذا الولد كأجنبي آخر ولان المكاتب الاخر لو جنى
على الأب كانت جنايته معتبرة فكذلك أن جنى على الولد الذي لم يبع له في الكتابة وإذا
ولدت المكاتبة ولدا ثم أقرت عليه بجناية أو دين لم تصدق عليه لان الولد صار بمنزلة المكاتب
للمولى حين دخل في كتابتها واقرارها علي مكاتب المولي بالدين والجناية باطل وكذلك أن
أدت فعتقت لان الولد ازداد بعدا عنها فان مات الولد قبل أن تؤدي من ماله أخذت باقرارها
من ذلك المال لأنها أحق بالمال الذي خلفه الولد وقد أقرت أن ذلك المال مشغول بحق صاحب
الدين والجناية وان حقهما مقدم على حقها فتؤاخذ باقرارها وتجعل كأنها جددت الاقرار بدين
بعد موت الولد كمن أقر على مورثه بدين في حياته ثم مات فصار المال ميراثا له وكذلك لو قتل الولد
فأخذت قيمته لان قيمة نفسه بمنزلة كسبه في أنه يسلم لها إذا فرغ من دينه وجنايته فيكون
اقرارها صحيحا فيه إذا خلص الحق لها (ألا ترى) ان الدين لو كان ثابتا على الولد بالبينة كان الغريم
أحق بكسبه وقيمته إذا قتل ولو أقر الولد على الأم بجناية أو دين لم يصدق لأنه لو جاز كان
على الأم دونه ولا ولاية له على أمه في أنه يلزمها دينا فان ماتت الأم عن مال بدئ بالكتابة
فقضيت لان اقرار الأم كما لا يصح في حق الولد لا يصح في حق المولى وحق استيفاء بدل
الكتابة من تركتها بعد موتها فإذا قضت الكتابة وحكم بعتقها كان الباقي ميراثا منها للابن
فيؤاخذ باقراره فيما ورثة كما لو جدد الاقرار عليها بذلك بعد ما صار المال ميراثا له وإن لم تدع
الأم شيئا فقضى على الولد أن يسعى فيما على أمه من الكتابة وهو مقر اليوم بالجناية التي كان
أقر بها على الأم فإنه يقضي عليها بالسعاية فيها أيضا لان المقر يعامل في حقه نفسه كأن ما أقر به
حق والثابت بالاقرار المقر كالثابت بالمعاينة ولو ثبت في الكسب القائم في يده ولو
ثبتت الجناية بالبينة كان على الولد السعاية بعد موتها في الأقل من قيمتها ومن أرش الجناية
مع بدل الكتابة فان عجز وقد أدى بعض الكتابة لم يستر دما أدى ويبطل ما بقي لان بالعجز
صار كسبه ورقبته حقا للمولى واقراره في حق المولى غير صحيح إلا أنه لا يسترد من القابض ما أدى
110

لان حق المولى عنده عجزه إنما ثبت في الكسب القائم في يده وذلك خرج من ملكه إلى ملك
القابض بسبب صحيح فلا يثبت فيه حق المولى ولو أقرت المكاتبة علي ولدها بدين وعلى الولد
دين ببينة وفي يده مال قد أكتسبه فصاحب البينة أحق بماله لان دينه ثابت بحجة هي حجة
في حق الكل ودين الاخر إنما ثبت باقرار المكاتبة واقرارها ليس بحجة على غيرها فان قضى
صاحب البينة وفضل شئ كان للذي أقرت له الأم لان الولد بمنزلة عبدها من حيث إنها
أحق بكسبه إذا فرغ من دينه وقد أقرت بان حق المقر له فيه مقدم على حقها فان عجزت
أو عتقت لم يلزم رقبة الولد من اقرارها شئ لان بالعجز صار الولد عبدا للسيد فلا يجوز
اقرارها عليه وبالعتق صار الولد حرا ولم يبق لها حق في كسبه فلا يجوز اقرارها عليه في ذمته
ولا في كسبه ولو قتل الولد وهي مكاتبة وأخذت قيمته صرفت في الدين بمنزلة كسب
خلفه الولد لأنها أحق بجميع ذلك فان صرفت في الدين ثم عجزت لم يسترد من ذلك شئ
من المقر له لما بينا أن حق المولى إنما ثبت بعد عجزها فيما بقي في يدها فأما المصروف إلى الدين
فقد خرج من ملكها إلى ملك المقر له فلا يثبت حق المولى في شئ منه * ولو غصب المكاتب عبدا
فهلك عنده ضمن قيمته بالغة ما بلغت وكذلك سائر الأموال لان ضمان الغصب بمنزلة ضمان
العقد من حيث إنه يوجب الملك في المضمون والمكاتب في ذلك بمنزلة الحر بخلاف ضمان
الجناية فإنه لا يجب على المكاتب بسبب الجناية الا الأقل من قيمته ومن أرش الجناية اعتبارا
للمكاتب بالقن وضمان المال بسبب الغصب والاستهلاك يجب على القن في ذمته بالغا ما بلغ
وضمان الجناية لا يوجب على المولى الا دفع الرقبة بها فكذلك في حق المكاتب فان غصب
المكاتب عبدا قيمته ألف درهم فصارت قيمته في يده ألفين ثم قتله وقتل آخر خطأ فمولى
العبد بالخيار لأنه وجد من المكاتب في عبده سببان موجبان للضمان الغصب والقتل فكان له
أن يضمنه بأي السببين شاء فان اختار تضمينه بالقتل قضى على المكاتب بقيمته واقتسم المولى
العبد المغصوب وولى الحر يضرب فيه المولى بألفي درهم قيمته وقت القتل وولى الحر بالدية
لأنه لما اختار تضمينه بالقتل فقد أبرأه عن ضمان الغصب فيجعل كما لو قتله في يد مولاه وان
أراد المولى أن يضمنه بالغصب ضمنه قيمته يوم غصبه ألف درهم وقضى عليه لولى الحر بقيمته
المكاتب بسبب جنايته على الحر ولا يشتركان في ذلك لان ما وجب بسبب الغصب يكون
دينا في ذمته وما وجب بسبب القتل يكون في رقبته فلا تتحقق المشاركة فيه بخلاف
111

الأول فهناك الواجب عليه لهما بسبب الجناية فيشتركان في القيمة الواجبة على المكاتبة بقدر
حقهما وكذلك لو كانت قيمته يوم غصب أكثر القيمتين فهذا والأول في التخريج سواء
* رجل كاتب نصف عبد له فاستهلك العبد مالا لرجل فذلك دين في عنقه يسعى فيه ولا يباع شئ
منه في الدين لان عندهما صار الكل مكاتبا وعند أبي حنيفة رحمه الله النصف منه مكاتب
ومكاتب النصف لا يحتمل البيع كمكاتب الجميع فيكون عليه ولو أن مكاتبا قتل عمدا وله وارث
في كسبه غير المولى أوليس له وارث غيره ولم يترك وفاء في قيمته ولا وفاء بالمكاتبة فلا
قصاص فيه لان في ايجاب القصاص ضررا على المكاتب وفي ايجاب القيمة توفر المنفعة عليه لأنه
يؤدي عنه كتابته فيحكم بحريته وحق المقتول في بدل نفسه مقدم على حق غيره فايجاب
ما ينتفع به المقتول أولى من ايجاب القصاص الذي لا منفعة فيه للمقتول ولا لمن له القصاص
بسببه إذا ترك وارثا غير المولى واشتباه من له القصاص يمنع وجوب القصاص وان ترك وفاء
وله ولد حر فلا قصاص فيه أيضا وان اجتمع في طلبه الولي والولد لاشتباه المستوفى كان على
قول علي وابن مسعود رضي الله عنه يؤدي كتابته فيحكم بحريته والقصاص لولده وعلى قول
زيد بن ثابت رضي الله عنه يموت عبدا فيكون القصاص لمولاه واختلاف الصحابة يورث
الشبهة ولان المولى يأخذ بدل الكتابة من تركته فيحكم بحريته فباعتبار ابتداء القتل القصاص
للمولى لأنه جناية على ملكه وباعتبار المآل القصاص للوارث لأنه يحكم بموته حرا فلاشتباه
المستوفي كذلك وكذلك أن اجتمعا على استيفاء القصاص لان أصل الفعل لم يكن
موجبا للقصاص فباجتماعهما لا يصير موجبا وإن لم يدع المكاتب شيئا فلا قصاص في هذا الوجه
للمولى ومراده من هذا الفصل إذا لم يكن في قيمته وفاء بالكتابة أما إذا كان في قيمته وفاء
بها فقد ذكر قبل هذا أنه لا يجب القصاص أيضا وان ترك وفاء ولا وارث له غير المولي فللمولى
القصاص في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لأنه متعين للاستيفاء مات حرا أو عبدا
وفي قول محمد رحمه الله لا قصاص فيه لاشتباه السبب وقد بينا المسألة في كتاب المكاتب * رجل
قطع يد مكاتب ثم جنى المكاتب على القاطع جناية ثم عجز فعلى الحر أرش الجناية للمولى ويدفع
المولى عبده مقطوعا أو يفديه لان ما وجب على الحر بجنايته بمنزلة كسب المكاتب وكسبه
للمولى بعد العجز ثم حق المجني عليه تعلق العبد مقطوعا لان الجناية وجدت منه وهو أقطع
اليد فيخاطب مولاه بالدفع لذلك بعد العجز أو الفداء وان كانت جناية المكاتب على الحر قبل
112

جنايته عليه قيل للمولى ادفعه أو افده فان دفعه بطلت جناية الحر عليه لأنه جنى على الحر ويده
صحيحة فيتعلق حق ولي الجناية بيده ثم يحول إلى بدله بالجناية عليه فإذا اختار المولى دفعه
كان عليه ان يدفع أرش اليد معه لو كان الجاني أجنبيا آخر فإذا كان هو المجني عليه فقد ملك
ما عليه من أرش اليد فيسقط ذلك عنه وان فداه أخذ المولى من الحر أرش جنايته على العبد
لأنه وصل إلى المجني عليه كمال حقه وطهر العبد من الجناية فيكون أرش يده خالص حق
المولى * رجل كاتب نصف عبده ثم قطع رجل يديه فعليه ضمان النقصان لان مكاتب النصف
مكاتب الكل في أنه يتعذر تسليم الجثة إلى الجاني وقد بينا في الديات ان ذلك يمنع وجوب
ضمان جميع القيمة على الجاني فإنما يلزمه ضمان النقصان ثم نصف ذلك للمولى ونصفه للمكاتب
لان النصف منه مكاتب والنصف مملوك للمولى غير مكاتب في قول أبي حنيفة وضمان
النقصان وبمنزلة كسب اكتسبه المكاتب فيكون نصفه لمولاه ونصفه للمكاتب وإذا قتل
عبد المكاتب رجلا خطأ فاختار المكاتب فداه بالدية وقضى عليه بها فهو دين في عنق المكاتب
لان المكاتب في عبده بمنزلة الحر وفي اختيار الفداء منفعة له هو استخلاص عبده عن الجناية
فيكون هو فيه كالحر وتكون الدية عليه دينا بقضاء القاضي بمنزلة سائر ديونه ويطالبه به في
حال الكتابة وان عجز بيع فيه إلا أن يؤديه المولى عنه وعلى هذا لو أقر المكاتب على عبده بجناية
جاز اقراره عليه ويخير المكاتب فيه بين الدفع والفداء بمنزلة الحر يقر على عبده بذلك وكذلك
لو صالح عن جناية على عبده فهو في ذلك بمنزلة الحر وقد بينا حكم هذا فيما إذا عجز وأدى في
الديات * رجل كاتب نصف عبده ثم جنى المكاتب جناية ضمن المولى نصفها وسعى المكاتب
في نصفها لان المكاتب أحق بنصف كسبه فيكون موجب الجناية عليه في ذلك النصف
والمولى أحق بنصف كسبه باعتبار ملكه فيكون موجب الجناية على في ذلك النصف و إنما يلزمه
الأقل من نصف القيمة ومن نصف الأرش لأنه صار مانعا دفع هذا النصف بالكتابة السابقة
ولم يصر مختارا بذلك فيكون مستهلكا ضامنا للقيمة كما في جناية المدبر وأم الولد فان قضى بذلك
عليهما ثم عجز بيع نصفه في النصف الذي قضى به عليه وكان النصف الآخر دينا على المولى
لان الحق بقضاء القاضي تحول من نصف نفسه إلى نصف القيمة دينا في ذمته فيباع ذلك النصف
فيه بعد عجزه فاما النصف الآخر فإنما قضى به دينا في ذمة المولى فلا يتغير ذلك بعجزه لأنه
حين قضى به كان السبب القضاء وهو تعذر الدفع قائما فإن لم يعجز ولكن قتل آخر خطأ فإنه
113

يقضى على المكاتب بنصف قيمة أخرى لأنه في النصف هو مكاتب فيه وقد تحول حق الأول
إلى القيمة بالقضاء فيتعلق حق الثاني بهذا النصف فيقضي عليه بنصف قيمة لهذا ويدخل الثاني
مع الأول في نصف القيمة الذي قضى به على المولى لان المولي ما منع بالكتابة السابقة الا نصف
الرقبة فلا يغرم باعتباره الا نصف القيمة وقد أدى ذلك النصف إلى الأول فليس عليه شئ آخر
ولكن الثاني يشارك الأول فيما قبض من المولى من نصف القيمة وان عجز قبل أن يقضي
للثاني قيل للمولى ادفعه إلى الثاني أو افده لان الجناية الثانية تعلقت برقبته باعتبار توهم الدفع
بعد العجز فان دفعه تبعه الأول بنصف القيمة دينا في ذمته لان حق الأول تحول إلى نصف
القيمة بقضاء القاضي فاجتمع في ذلك النصف دين وجناية فيدفع الجناية ثم يباع في الدين
ويكون للأول على المولى نصف القيمة لقضاء القاضي له بذلك * رجل كاتب نصف أمته ثم
ولدت ولدا فجنى الولد جناية فإنه يسعى في نصف جنايته ويكون نصفها على المولى لان الولد
بمنزلة الأم نصفه مكاتب ونصفه مملوك ففي النصف الذي هو مكاتب موجب جنايته
عليه وفي النصف الآخر موجب جنايته على المولى إلا أن الدفع للمولى متعذر بسبب الكتابة
السابقة فعليه نصف قيمته فان أعتق السيد الأم بعد ما جنى الولد عتق نصف الولد وسعى في
نصف قيمته للمولى لان نصف الولد كان مكاتبا تبعا لامه فيعتق بعتقها والنصف الآخر كان
مملوكا للمولى وقد تعذر استيفاء الملك له بسبب عتق النصف فعليه السعاية في نصف القيمة
للمولى ونصف الجناية على الولد باعتبار أن نصفه كان مكاتبا وقد تأكد ذلك بالعتق وكذلك
حكم الجناية إذا أعنق المولى الولد إلا أن هناك لا سعاية على الولد لأنه إنما عتق باعتاق المولى
إياه وفي الأول إنما عتق بحكم السعاية في الكتابة وذلك كان في النصف منه دون النصف ولو
لم يعنق أحد منهما ولم يجنيا على الأجنبي ولكن جنى أحدهما على الاخر لزم كل واحد منهما
من جنايته الأقل من قيمته ومن نصف الجناية باعتبار الكتابة في النصف ثم نصف ذلك على
المولى باعتبار أن النصف مملوك له وهو مستهلك بالكتابة السابقة ونصفه على الجاني للمولى
باعتبار أن المجني عليه نصفه مملوك للمولى غير مكاتب فيصير بعضه بالبعض قصاصا لأنه وجب
لكل واحد منهما على صاحبه مثل ما لصاحبة ولو جنت الأم ثم ماتت قبل أن يقضى عليها ولم
تدع شيئا فولدها بمنزلها يسعى في نصف الجناية والكتابة لان نصف الولد مكاتب معها
ولو كان الكل تبعا لها كان يقوم مقامها في السعاية فيما عليها من بدل الكتابة وموجب الجناية
114

فكذلك إذا كان دينا في ذمة المولى ابتداء فلا يسقط ذلك بموتها كجناية المدبر ويستوى إن كان
قضى عليها بالجناية أو لم يقض أما في النصف الذي هو على المولى فغير مشكل وفي النصف الذي
هو عليها فلان الكتابة بقيت ببقاء من يؤدي البدل وتصير جنايتها دينا بموتها عمن يؤدي كما
تصير دينا بموتها عمن يؤدي له بدل الكتابة فكان القضاء وغير القضاء فيه سواء فان جنى
الولد بعد ذلك جناية ثم عجز وقد كان قضى عليه بجناية أمه فان الذي قضى به عليه من جناية
أمه دين في نفسه غير أن للمولى أن يدفعه بجنايته لان حق ولي جنايته تعلق برقبته وزال المانع
من دفعه بعجزه قبل القضاء فيكون للمولى أن يدفعه بجنايته وان شاء فداه فان فداه بيع
نصفه في الدين الذي على أمه وان دفعه لم يتبعه في هذا الدين لأنه دين أمه وحق ولي جنايته
مقدم على حق صاحب دين أمه فلهذا لم يتبعه المقضى له بنصف القيمة في ملك المدفوع إليه *
رجل كاتب نصف عبده فجنى جناية ثم كاتب النصف الباقي فجنى جناية أخرى ولم يكن قضي
للأول فان على الأول نصف الجناية الأول ويقضى على المكاتب بقيمته لأنه حين جنى على
الأول كان النصف منه مملوكا للمولى غير مكاتب فكان الدفع منه متعذرا فوجب على المولى
نصف قيمته لولي تلك الجناية دينا ذمته ثم جنى على الثاني وهو مكاتب كله فيقضى عليه بقيمته
وتكون نصف هذه القيمة لولى الجناية الثانية خاصة لان الذي كوتب منه آخرا ما ثبت فيه
الا حق ولي الجناية الثانية فقيمة هذا النصف عند قضاء القاضي تكون له خاصة والنصف الآخر
وهو الذي كوتب منه أو لا قد تعلق به الجنايتان جميعا فقيمة ذلك النصف إذا قضى
به القاضي يكون بينهما نصفين لاستواء حقهما فيه فقد وصل إلى كل واحد منهما نصف حقه
وإنما بقي له نصف حقه فان عجز قبل قضاء القاضي دفعه إليهما أو فداه فإن كان قضى عليه
بالجناية الأولى قبل أن يجني الثانية ثم عجز فان للمقضى له نصف ما قضى له على المولى ونصفه
دين في نصف العبد ويدفع العبد إلى الثاني أو يفديه لأنه حين جنى على الثاني كانت الرقبة
فارغة عن الجناية الأولى فيتعلق حق ولي الجناية الثانية به فيدفع إليه بعد العجز أو يفدى
بالدية فان دفعه تبعه الأول فيباع له في نصف قيمته لما قلنا إن نصف القيمة صار دينا في ذمته
بقضاء القاضي فيتبعه ذلك في ملك المدفوع إليه ويباع فيه إلا أن يقضيه عنه ولو كاتب نصف
عبده فجنى جناية ثم كاتب النصف الباقي فجنى جناية ثم عجز عن المكاتبة الأولى يرد ذلك النصف
إلى الرق لان كل نصف بمنزلة شخص على حدة فالعجز في النصف الأول لا يوجب العجز
115

في النصف الثاني وإنما تنفسخ الكتابة فيما تقرر فيه سببه ثم يقضى على المولى للأول خاصة بنصف
جنايته ونصفها بينه وبين الثاني يضرب كل واحد منهما فيه بنصف جنايته لان الجناية الأولى كان
قد أوجب على المولى نصف القيمة لأنه حين جنى تلك الجناية كان النصف منه للمولى ملكا فلا
يتغير ذلك الحكم لعجزه وفي النصف الآخر كانت الجناية على الأول متعلقة بنصف الرقبة وقد
تعلق أيضا بجنايته على الثاني بذلك النصف وكان على المولى دفع ذلك النصف بالجنايتين بعد
عجزه عن المكاتبة الأولى لولا الكتابة الثانية وهو بالكتابة الثانية صار مانعا دفع ذلك النصف
على وجه لم يصر مختارا فعليه نصف القيمة بين ولي الجنايتين نصفين وعلى المكاتب نصف
القيمة أيضا لولي الجناية الثانية لأنه جنى عليه والنصف الباقي مكاتب فموجب جناية عليه في
هذا النصف ما بقيت الكتابة وهي باقية وان عجز عن المكاتبة الثانية خاصة ولم يعجز عن الأولى
فعلى المولى هنا الأقل من نصف قيمته ونصف الجناية الأولى وهو للأول خاصة ونصف
الجناية الأخيرة فيضرب كل واحد منهما بنصف جنايته ويقضى على المكاتب في النصف
الذي كوتب أخيرا بالأقل من نصف قيمته ومن أنصاف جنايتهما وهذا كله على قياس قول
أبي حنيفة رحمه الله فاما عندهما إذا كاتب الرجل نصف عبده فهو مكاتب كله والحكم في
جنايته كالحكم في جناية المكاتب على ما سبق * رجل كاتب عبدين له مكاتبة واحدة ثم جنى
أحدهما جناية سعى في الأقل من قيمته ومن أرش الجناية ولم يلزم صاحبه منها شئ ان عاش
هذا أو مات لان كل واحد منهما مقصود بعقد الكتابة بمقابلة بعض البدل فاتحاد العقد
واختلاف العقد فيما يلزم كل واحد منهما بالجناية والدين سواء ولو كوتب كل واحد منهما
يعقد على حدة لم يلزم أحدهما شئ مما على صاحبه من جناية أو دين فكذلك إذا كوتبا بعقد
واحد وإنما صار كل واحد منهما مطالبا بجميع بدل الكتابة لأجل الضمان ولأنه لا يتوصل
إلى العتق الا بأداء جميع البدل وهذا المعنى غير موجود في الدين والجناية وعلى هذا لو قتل أحدهما
صاحبه خطأ وقيمتها سواء فعليه قيمة المقتول بمنزلة ما لو كانا مكاتبين في عقدين ثم الحي
منهما يسعى في جميع الكتابة وتبقى الكتابة في حق الميت لأنه مات عمن يؤدي البدل ولان
العقد واحد فلا يمكن فسخه في حق الميت مع ابقائه في حق الحي ولا بد من ابقاء العقد
في حق الحي وهذا لا يتوصل إلى الحرية الا بأداء جميع البدل وإذا أداها عتق واستوجب
الرجوع على صاحبه بما يؤدي عنه من حصته فيصير ذلك قصاصا بما لصاحبه عليه من القيمة
116

ويؤدى فضلا ان بقي عليه ويرجع بفضل إن كان بقي له ولو كاتب أمتين له مكاتبة واحدة
فولدت إحداهما ولدا ثم جنى الولد على الأخرى فادت أمه المكاتبة عتقوا فان الأم ترجع على
صاحبتها بحصتها من المكاتبة لأنه أدت ذلك عنها بحكم صحيح بأمرها ويسعى الولد في الجناية
لان الولد كان مكاتبا وجناية المكاتب تلزمه الأقل من قيمة ومن أرش الجناية ويتقرر ذلك
عليه بالعتق لوقوع الناس عن الدفع به فإن كان في يد الولد مال حين عتق كان ذلك للأم إن لم
يكن قضى بالجناية على الولد لان جناية المكاتب قبل العتق لا تصير دينا الا بقضاء القاضي
لتوهم الدفع بعد العجز وكسب الولد المولود في الكتابة سالم لها بشرط الفراغ عن دينه
لما قلنا إن في حكم الكسب ولدها بمنزلة عبدها والجناية إنما صارت دينا عليه بعد العتق
فلا يكون ذلك مانعا من سلامة الكسب لها إلا أن يكون قضى عليه بها قبل العتق فحينئذ
موجب الجناية من قيمة أو أرش بمنزلة دين آخر على الولد ودينه في كسبه مقدم على حق
أمه بمنزلة دين العبد فيؤخذ الدين أولا من ذلك المال فان فضل شئ فهو للأم ولو كانت
الأخرى جنت على الولد كان أرش ذلك عليها للأم لان أرش الجناية عليها بمنزلة كسبه والمعنى
فيهما أن الولد إنما يجعل ملكا للمولى ضرورة التبعية في الكتابة كما يكون خارجا من حكم
الكتابة لا تتحقق فيه هذه الضرورة فجعل ذلك لها وأرش طرفه خارج من الكتابة وكذلك
كسبه فيسلم ذلك كله للأم بمنزلة كسبها وأرش طرفها فان أدت في الكتابة صار ما أدت عن
صاحبتها قصاصا بالأرش ويتراجعان بالفضل انه استوجب الرجوع على صاحبتها بأرش الجناية
وصاحبتها استوجبت الرجوع عليها بما أدت عنها من بدل الكتابة فتقع المقاصة كذلك عبد بين
رجلين جنى جناية فكاتبه أحدهما وهو لا يعلم والاخر يعلم فبلغ المولى الذي لم يكاتب كتابة
صاحبه فأجازها لم يكن مختارا بالإجازة وهو لا يعلم بالجناية فلا يصير به مختارا وأما المجيز فقد
كان الدفع متعذرا في نصيبه قبل الإجازة لما بينا ان عقد الكتابة في النصف كعقد الكتابة في
الكل في المنع عن الدفع بالجناية فان قيل لا كذلك فالمجيز قبل الإجازة كان متمكنا من فسخ
الكتابة ودفع نصيبه بالجناية وإنما يتعذر ذلك بإجازته الكتابة فينبغي ان يصير ذلك مختارا للأرش
* قلنا هو بالإجازة أسقط حقه في الفسخ فلا يتصرف في المحل بالمستحق بالجناية والاختيار إنما
يحصل بتصرفه في المحل المستحق بالجناية على معنى انه مخير بين شيئين فإذا فوت أحدهما تعين
الاخر وهذا غير موجود هنا فإنه ما تصرف في نصيب نفسه بشئ وإنما أسقط حقه في فسخ
117

كتابة صاحبه في نصيبه وما كان دفع نصيب صاحبه مستحقا عليه فلهذا لا يجعل بهذا الإجازة
مختارا للفداء ولكن يكون عليهما الأقل من قيمته ومن أرش الجناية بمنزلة ما لو كتباه وهما
لا يعلمان بالجناية * عبد جنى على حر بقطع يده ثم قطع يد العبد رجل حر ولا يعلم أي الجنايتين
قبل فقال الحر كانت جناية العبد على قبل الجناية عليه وقال المولى بل كان ذلك بعد الجناية
عليه فالقول قول المولى في ذلك لان سبب استحقاق المولى أرش يد العبد ظاهر وهو ملكه
رقبته والمجني عليه يدعي استحقاق ذلك عليه بدعواه سبق جناية العبد عليه فعليه اثبات
ما يدعي بالبينة؟ وإن لم يكن له بينة فعلى المولى اليمين لان الحر يدعي تاريخا سابقا في جناية العبد
عليه وهذا التاريخ لا يثبت الا ببينة فإذا لم يكن له بينة وحلف المولى خير فإن شاء دفع العبد
إلى المجني عليه وان شاء فداه بجميع الأرش قال (ألا ترى) ان عبدا لو قطع يد حر وجرح
المولى عبده فقال المولى قبلت ذلك قبل جناية عبدي عليه وقال المجني عليه بل فعلته بعد ذلك
كان القول قول المولى لان المجني عليه يدعي اختيار الفداء والمولى منكر لذلك فالقول قوله
مع يمينه فكذلك ما سبق وان التقى عبد وحر ومع كل واحد منهما عصا فشج كل واحد منهما
صاحبه موضحة فبرئا جميعا ولا يدرى أيهما بدأ بالضربة فقال المولى للحر أنت بدأت بالضربة
وقال الحر بل العبد بدأ بها فالقول قول المولى لما بينا من المعنيين ان الحر يدعي سبق تاريخ في
جناية العبد عليه ويدعي استحقاق أرش الجناية على العبد فإذا حلف المولى كان على الحر نصف
عشر قيمة العبد للمولى أرش الموضحة ويدفع المولى عبده بجنايته أو يفديه وكذلك أن كان مع
العبد سيف فمات العبد وبرأ الحر لأنه لا قصاص على العبد هاهنا فإنه لا قصاص بين العبيد
والأحرار فيما دون النفس والحر إنما جنى على العبد بالقصاص فلا يجب عليه القصاص فان مات
العبد من ذلك فكان الواجب الأرش كما في المسألة الأولى وإذا ثبت أن القول قول المولى
في انكار التاريخ كان على عاقلة الحر جميع قيمة العبد لان نفس العبد تحمله العاقلة فيكون
مقدار ما تقتضيه ضربة الحر في قيمته إلى الوقت الذي ضرب العبد الحر وهو الوقت
الذي يفديه المولى ذلك يكون للمولى ويكون في الباقي أرش جنايته على الحر لا ان الحر
استحق نفسه بجنايته عليه وقد مات وأخلف بدلا فيقوم البدل مقامه ويؤمر المولى بدفع ذلك
القدر إلى الحر إلا أن يكون أرش جنايته عليه أقل من ذلك فحينئذ يدفع إليه مقدار أرش جنايته
والباقي للمولى وإن كان السيف مع الحر والعصا مع معبد وقد مات العبد وأرش جراحة الحر
118

أكثر من قيمة العبد فقال المولى أنت بدأت فضربت عبدي وقال الحر بل العبد بدأ فضربني
فالقول قول المولى لأنه منكر سبق التاريخ في جناية عبده عن الحر يكون له أن يقتل الحر
قصاصا لأنه قتل عبده بالسيف وبطل حق الحر لان المستحق له بجناية العبد نفس العبد وقد
مات ولم يخلف بدلا يمكن استيفاء حقه منه لأنه إنما أخلف القصاص وابقاء موجب جناية العبد
على الحر فيما دون النفس من القصاص غير ممكن * فان قيل كان ينبغي أن لا يجب القصاص
على الحر لأنه إن كان الحر جنى على العبد أولا فقد استحق نفسه بجنايته ثم أقدم على قتل نفس
هي مستحقة له بالجناية فصير ذلك شبهة في اسقاط القود عنه في الوجهين * قلنا لا كذلك
فان عبدا لم جنى على الحر ثم جنى الحر عليه وقتله يجب عليه القصاص لان موجب جناية العبد
على مولاه على ما بينا أن جناية الخطأ تتباعد عن الجاني وتتعلق بأقرب الناس إليه وأقرب
الناس إلى العبد مولاه ولهذا خير المولى بين الدفع وبين الفداء وحق المجني عليه في العبد حق
ضعيف حتى لا يمنع بقود شئ من تصرفات المولى فيه ومثل هذا الحق الضعيف لا يعتبر شبهة
في اسقاط القود فان أقام الحر البينة على العبد انه بدأ فضربه فهذا مثل الأول لما بينا أن حقه في
العبد بسبب جنايته حق ضيف؟ فلا يمنع ذلك وجوب القصاص عليه بقتله اباء وقد فات محل
حق الحر فبطل حقه * ولو التقى عبد وحر ومع كل واحد منهما عصا فاضطربا فشج كل واحد
منهما صاحبه موضحة فبرأ منها واتفق المولى والحر انهما لا يدريان أيهما بدأ فان المولى يدفع
المولى أو يفديه لان جناية العبد على الحر معلومة وهي تثبت الخيار للمولى فان دفعه رجع على
الحر بنصف أرش جناية الحر عليه لان جناية الحر عليه ان سبقت فللمولى الأرش وان تأخرت
فليس للمولى عليه شئ لان الأرش مدفوع مع العبد بجنايته فلاعتبار الأحوال قلنا يرجع على
الحر بنصف أرش جنايته على العبد وان فداه رجع على الحر بجميع أرش جنايته على العبد لأنه
بالفداء طهره عن جنايته وأرش جناية الحر عليه سالم له بعد الفداء وان تقدمت جناية العبد
على الحر * ولو كانا عبدين فشج كل واحد منهما صاحبه معا وبرءا خير مولى كل واحد منهما فإن شاء
دفعه وان شاء فداه بجناية مملوكه على مملوك صاحبه فان اختار الدفع صار عيد كل واحد
منهما للاخر فلا يتراجعان بشئ سوى ذلك لان كل واحد منهما وصل إلى ما كان مستحقا له
وان اختار الفداء أدى كل واحد منهما أرش جناية الاخر تاما وان سبق أحدهما بالضربة قيل
لمولى البادي بالضربة ادفعه أو افده لان عبده سبق بالجناية فيخير هو أولا فان دفعه صار العبد
119

للمدفوع إليه ولا يرجع الدافع عليه بشئ لأنه لو رجع بشئ لزمه دفع ذلك مع عبده
عن الجناية فتبقى جناية عبد الاخر عليه معتبرة فان مات البادي من الضربة وبرئ الآخر
وقيمة كل واحد منهما خمسة آلاف فان قيمة الميت في عنق الحي يدفع بها أو يفدى فان فداه
بقيمة الميت رجع في تلك القيمة بأرش جناية عبده لان حقه كان ثابتا في رقبة الميت باعتبار
جنايته على ملكه وقد مات وأخلف بدلا فيكون له أن يرجع في ذلك البدل بأرش جراحة
عبده وان دفعه رجع بأرش شجة عبده في عنقه ويخير المدفوع إليه بين الدفع والفداء لان
الجناية من عبده كانت بعد الشجة فلا يتعلق حق مولى المجني عليه بأرش تلك الشجة وقد كان
قبل جنايته مولى المجني عليه مخيرا بين الدفع والفداء فكذلك بعد جنايته (ألا ترى) أن عبدا
لو شج عبدا موضحة ثم جاء عبد آخر فقتل الشاج خطأ خير مولاه بين الدفع والفداء فان
فداه كان أرش جراحة المشجوج في ذلك الفداء وان دفعه خير مولى العبد الميت فإن شاء دفعه
على ما سبق وقد أعاد جواب هذا السؤال بعد هذا بأسطر وقال مولى الميت بالخيار ان شاء
دفع أرش جناية الحي مكان قيمة عبده في عنق الباقي ويخير مولاه فإن شاء دفعه وان شاء فداه
وان أبى أن يدفع المولى أرش جناية الحي فلا شئ له في عنق الحي لان عبده هو البادي بالجناية
فلا يكون له في عنق الحي شئ حتى يؤدي أرش جنايته (ألا ترى) أن عبده لو كان حيا بدى به
فقيل له ادفعه أو افده فكذلك إذا كان ميتا ولو برأ الأول ومات الاخر من الجناية خير مولى
الأول بين الدفع والفداء لان عنده هو الذي بدأ بالجناية فان فدى عبده كان أرش جناية عبده
في الفداء بعد ما يدفع منه أرش موضحة العبد الاخر لان العبد الاخر جنى على عبده وهو
مشجوج فلا يتعلق به حقه بأرش الشجة وإنما كان حقه في العبد مشجوجا وقد مات وأخلف
عوضا وان دفع عبده فلا شئ له عليه لان حقه بالدفع يسقط عن أرش جناية العبد الاخر على
عبده فإذا استوفى ذلك لزمه دفعة مع عبده فلا يكون استيفاؤه مفيدا شيئان ولو تضارب العبد *
بالعصا فشج كل واحد منهما صاحبه موضحة فبرءا والبادئ معروف ثم إن عبد الرجل قتل
البادئ منهما خطأ قيل لمولاه ادفعه أو افده فان فداه بقيمته أدى مولاه من تلك القيمة
أرش جراحة العبد الباقي والفضل له من قبل أن مولى البادي هو المخاطب أولا وحكم جناية
مملوكه إنما يتبين باختيار مولى العبد الثالث الدفع أو الفداء فلهذا بدئ به ولما اختار الفداء فقد
اختلف البادي قيمته فلمولى العبد الباقي في تلك القيمة أرش الجناية على عبده والفضل لمولى
120

البادي ثم يرجع مولى البادئ بأرش جراحة عبده في عتق العبد الباقي فيدفع بها أو يفدي لأنه
قد وصل إلى مولى العبد الباقي كمال حقه وان دفع مولى القاتل عبده قام المدفوع مقام المقتول
وقد بينا ان المقتول لو كان الباقي كان يخير مولاه أولا فان دفعه لم يكن له على المولى المدفوع
إليه من أرش جراحة عبده وشئ وان فداه رجع في عنق صاحبه بأرش جراحة عبده فكذا
هنا ولو كان العبد الثالث قتل الاخر منهما فدفعه مولاه قام المدفوع مقام المقتول فان فداه بقيمته
خير مولى البادي بين الدفع والفداء فان دفعه إليه شئ له على مولى المقتول ولا في قيمته
لان عند اختياره الدفع يكون حق مولى المقتول ثابتا في أرش الجناية على العبد البادي فلا
يفيد رجوع مولاه عليه شيئا لان ما قبضه منه يلزمه رده عليه وان فداه فقد طهر عبده من
الجناية وقد فات المقتول وأخلف قيمة فيرجع في تلك القيمة بأرش جراحة عبده وان مات
العبد القاتل خير مولى العبد البادئ فإن شاء دفع أرش شجة المقتول وان شاء دفع نفسه
وأيهما فعل فقد بطل حقه لان حقه كان في المقتول مشجوجا وقد فات ولم يخلف عوضا لان
عوضه كان العبد القاتل وقد فات وصار كأن لم يكن مات البادئ بالضربة من شئ آخر
وبقي الاخر فان مولى البادئ بالخيار ان شاء دفع إلى مولى الثاني أرش جناية عبده ويتبع
عبده بأرش جناية عبده لان بالفداء طهر عبده عن الجناية وقد جنى العبد الاخر على عبده
فيتبعه بأرش ذلك ويخير مولى العبد بين أن يدفع بذلك أو يفديه وان أبى أن يدفع
الأرش فلا شئ له في عنق العبد الحي لما بينا أنه كان هو المخاطب ابتداء لبداءة عبده بالجناية
وشرط وجوب الجناية بوجه الخطاب له على مولى الباقي أن يدفع أرش جناية عبده عليه فإذا
انعدم هذا الشرط بابائه لم يكن له أن يرجع عليه بشئ كما قال أبو حنيفة رحمه الله في مولى
المفقوءة عيناه إذا دفع الشجة لم يكن له أن يرجع على الباقي بشئ * ولو أن عبدين التقيا ومع كل
واحد منهما عصا فشج كل واحد منهما صاحبه موضحة وأحدهما بدأ بالضربة وهو معلوم
فمات الضارب الأول منهما من ضربة صاحبه وبرأ الاخر فمولى العبد الميت بالخيار ان شاء
دفع أرش جناية الحي فكانت قيمة عبده في عنق الحي وخير مولاه بين أن يدفعه أو يفديه
لأنه بالفداء طهر عبده وان شاء قتل العبد الباقي ويخير مولاه بين الدفع والفداء ولا يتعلق حقه بذلك
لان العبد الباقي إنما قتل الضارب الأول وهو مشجوج وان أبى مولى الميت أن يدفع أرش
جناية الحي فلا شئ له في عنق الحي لتفويته شرطه كما بينا ولو كانا برئا من الموضحتين ثم إن
121

البادي منهما قتل الاخر خطأ خير مولاه فإن شاء دفعه وان شاء فداه بأرش الموضحة
وبالقيمة لأنه تخلل بين الجنايتين برء فتكون جنايته الثانية على المجني عليه الأول بمنزلة جنايته
على غيره فإذا فداه فلا شئ له لان عند اختيار الدفع يلزمه أن يدفع أرش الجناية على عبده معه
فلا يكون استيفاؤه مفيدا شيئا وان فداه كان أرش شجة المقتول لمولاه خاصة ويكون أرش
شجة الحي في هذه القيمة المقبوضة يأخذه مولاه منها لان حقه كان ثابتا في المقتول وقد فات
وأخلف قيمة فيثبت حقه في تلك القيمة وذلك بقدر أرش شجة الحي وإن كان الاخر هو
الذي قتل البادي خطأ فإنه يخير مولى المقتول فإن شاء أبطل جنايته ولا شئ لواحد
منهما على صاحبه وان شاء فداه بأرش موضحة الحي ثم يخير مولى الحي بين أن يدفع عبده أو
يفديه بقيمة المقتول وهذا نظير ما سبق على معنى أن مولى البادي هو المخاطب أولا وشرط
ثبوت حق الرجوع له ان يفدي عبده بموضحة العبد الحي فان وجد منه هذا الشرط يكون
له أن يطالب مولى الحي بموجب جناية عبده على عبده فان أبى ايجاد هذا الشرط كان مبطلا
حقه فلا شئ لواحد منهما على صاحبه وان اختار مولى العبد الاخر دفع عبده فدفعه فان
أرش الشجة التي شجها الأول في عنقه فإن شاء المدفوع إليه فداه وان شاء دفعه المولى إلى
المدفوع فهو قائم مقام المقتول وسواء دفعه أو فداه لم يكن للأول شئ لان الجناية من الاخر
على الأول كانت وهو مشجوج فلا يتعلق حق مولى الأول ببدل تلك الشجة قال الحاكم رحمه
الله أراد أن الاخر يسبق إلى الدفع قبل أن يختار الأول شيئا فالحكم ما بينة أولا وإن كان
لا يعرف البادئ من العبدين بالضربة ثم قتل أحدهما صاحبه بعد ما برئا فإنه يخير مولى القاتل
فإن شاء دفع عبده وان شاء فداه بقيمة المقتول المشجوج صحيحا لأنا تيقنا جناية القاتل على
المقتول وكنا قد علمنا أن المقتول كان صحيحا واشتبه حال وقت القتل فيجب التمسك بما كان
معلوما فلهذا يفديه بقيمته صحيحا ان اختار الفداء فان دفعه كان له نصف أرش شجته في عنقه
باعتبار الأحوال كما بينا فإن شاء فداه المدفوع إليه بذلك وان شاء دفع منه حصة قيمة العبد
مشجوجا من العبد الذي دفعه أو يفديه فان فداه بقيمته رجع عليه بأرش الشجة في الفداء
الذي دفعه بعد ما يدفع العبد المقتول نصف أرش شجته لان ذلك القدر لا يتعلق به حق
الذي فدى عبده بقيمته باعتبار الأحوال فيه فيسلم ذلك لمولى العبد المقتول من الفداء أو يرجع
فيما بقي منه بأرش شجة عبده * ولو التقى عبدان وتضاربا فقطع كل واحد منهما يد صاحبه معا
122

فبرئا فإنه يخير مولى كل واحد منهما فإن شاء دفع عبده وأخذ عبد صاحبه وان شاء أمسك
عبده ولا شئ له في قول أبي حنيفة وقد تقدم بيان هذه المسألة في الحر كان هو القاطع
ليد العبد فكذلك في العبدين * ولو أن أمة قطعت يد رجل ثم ولدت ولدا فقتلها ولدها خطأ
فان المولى بالخيار ان شاء دفع الولد إلى المقطوعة يده وان شاء فداه وأيهما فعل خير مولى
المقطوعة يده بين دفع الأقل من دية العبد ومن قيمة الأم لان حق المقطوعة يده كان ثابتا في
الأم والولد ما انفصل عنها بمنزلة عبد آخر جنى عليها فتعتبر جنايته لحق صاحب اليد ويخير كما
بينا ولو أن عبدا قتل رجلا خطأ ثم إن عبدا لرجل قطع يد هذا العبد خطأ فبرأ فمولى القاطع
بالخيار ان شاء دفع عبده وان شاء فداه وأيهما فعل خير مولى المقطوعة يده فإن شاء دفع
عبده وما أخذ بجنايته معه وان شاء فداه لان عبده كان صحيحا حين قتل الرجل فحق وليه
كان ثابتا في الجزء الفائت منه بقطع العبد يده إلى بدل فيثبت حقه في بدله أيضا فإذا اختار
دفعه فعليه بذلك ذلك ولم يكن هذا اختيارا للاخر لان نفس كل واحد منهما إنما استحقت
بجنايته وأحدهما منفصل عن الاخر فكان هذا وما لو كانت جنايتهما على شخصين سواء فلا
يكون اعتاقه أحدهما اختيارا في حق الاخر لأنه لا يتعذر دفع الاخر بجنايته بسبب هذا
الاعتاق وهذا بخلاف ما سبق فان المولى لو أعتق العبد المدفوع باليد المقطوعة كان ذلك منه
اختيارا للفداء لان دفعهما كان باعتبار جناية واحدة وفي الجناية الواحدة اختياره في البعض
يكون اختيارا في الكل * ولو أن رجلا قطع يد رجل فأعتقه مولاه قبل أن يبرأ وهو يعلم
بذلك أو لا يعلم فلا شئ له في قول أبي حنيفة وله أن يرجع بنقصان قيمة عبده في قولهما
وهذا بناء على ما سبق فان بالاعتاق فوت بتسليم الجثة ولو منع ذلك عند أبي حنيفة لم يرجع
بشئ فكذلك إذا فوته وعندهما له أن يمتنع عن تسيلم الجثة ويرجع بنقصان القيمة فكذلك إذا
فوت ذلك بالعتق * أم ولد بين رجلين كاتباها فقتلت أحد الموليين خطأ فعليهما الأقل من
القيمة ومن الدية لان جناية المكاتبة على مولاها كجنايتها على أجنبي آخر وقد جنت وهي
مكاتبة فعليها الأقل من قيمتها ومن أرش الجناية فان قتلت الاخر بعده فعلى عاقلتها الدية
لأنها عتقت حين قتلت الأول منهما على اختلاف الأصلين لان عندهما وان لزمها السعاية في
نصيب الاخر فالمستسعى حر وعند أبي حنيفة لا سعاية على أم الولد لمولاها فعرفنا أنها قتلت
الاخر منهما وهي حرة فعليها الدية وعليها كفارتان لان الكفارة بالقتل تجب على المملوكة كما
123

تجب على الحر وان قتلتهما معا فعليها قيمتهما لأنها جنت على كل واحد وهي مكاتبة وإنما عتقت
بعد ذلك ولو جنت على أجنبيين ثم عتقت كان عليها قيمتها لهما فكذلك أن جنت على مولييها
وإذا قطع الرجل يد عبد قيمته ألف درهم فلم يبرأ حتى زادت قيمته فصارت ألفي درهم
ثم قطع آخر رجله من خلاف ثم مات منهما جميعا قال على الأول ستمائة وخمسة وعشرون
درهما وعلى الاخر سبعمائة وخمسون درهما قال الحاكم رحمه الله وفي جواب هذه المسألة نظر
وإنما قال ذلك لأنه أجاب في نظير هذه المسألة في كتاب الديات بخلاف هذا وقد بينا تمامه
* قال الشيخ الامام الاجل الزاهدي رحمه الله وعندي ما ذكر هاهنا صحيح وتأويله أن قيمته
صارت ألفي درهم صحيحا لا مقطوع اليد فعلى هذا التأويل الجواب ما ذكره في الكتاب من
قبل أن الأول حين قطع يده وقيمته ألف لزمه بالقطع خمسمائة ثم الثاني بقطع الرجل أتلف
نصف ما بقي فيلزمه أيضا خمسمائة لأنه إذا كان قيمته صحيحا ألفي درهم فقيمته مقطوع اليد
ألف درهم وقد أتلف نصفه بقطع الرجل وهو مقطوع اليد فيلزمه خمسمائة فحين مات منها
فقد صار كل واحد منهما متلفا نصف ما بقي منه بسراية جنايته إلا أن في حق الأول لا
معتبر بزيادة القيمة فيكون عليه نصف هذا من القيمة الأولى كانت ألف درهم
وربع تلك القيمة مائتان وخمسون فعليه بالسراية نصف ذلك الربع وهو مائة وخمسة وعشرون
فإذا ضممت ذلك إلى خمسمائة يكون ستمائة وخمسة وعشرين وقد أوجب على الأول هذا
المقدار والاخر منهما لزمه بالسراية قيمة ما تلف بسراية فعله وذلك معتبر من قيمة وقت
جنايته ألفي درهم وربع تلك القيمة خمسمائة فنصف الربع مائتان وخمسون وقد وجب
عليه بأصل الجناية خمسمائة وبالسراية مائتان وخمسون فذلك سبعمائة وخمسون درهما والله
أعلم بالصواب
(كتاب المعاقل)
قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة أبو بكر محمد بن سهل السرخسي رحمه
الله إملاء يوم الأربعاء الرابع عشر من شهر ربيع الاخر سنة ست وستين وأربعمائة الأصل
في ايجاب الدية على العاقلة في الخطأ وشبه العمد قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما روي
في حديث حمل بن مالك أن النبي عليه السلام قال لأولياء الضاربة قوموا فدوه قال أخوها
124

عمران بن عويمر الأسلمي أندى من لا عقل ولا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل ومثل
دمه بطل فقال عليه السلام أسجع كسجع الكهان أو قال دعني وأراجيز العرب قوموا فدوه
فقال إن لها بيتا هم سراة الحي وهم أحق بها مني فقال أنت أحق بها قم فدوه وشئ من
المعقول يدل عليه وهو أن الخاطئ معذور وعذره لا يعدم حرمة نفس المقتول ولكن يمنع وجوب
العقوبة عليه فأوجب الشرع الدية صيانة لنفس المقتول عن الهدر وفي ايجاب الكل على القاتل
إجحاف به واستئصال فيكون بمنزلة العقوبة وقد سقطت العقوبة عنه للعذر فضم الشرع إليه
العاقلة لدفع معنى العقوبة عنه وكذلك في شبه العمد باعتبار أن الآلة آلة التأديب ولم يكن فعله
محظورا محضا ولهذا لا يجب عليه القصاص فلا يكون جميع الدية عليه في ماله لدفع معنى العقوبة
عنه ولكن الشرع أوجب الدية هاهنا مغلظة ليظهر تأثير معنى العمد وأوجبها على العاقلة لدفع
منع العقوبة عن القاتل ثم هذا الفصل لا يحصل الا بضرب استهانة وقلة مبالاة وتقصير في
التحرز وإنما يكون ذلك بقوة يجدها المرء في نفسه وذلك بكثرة أعوانه وأنصاره وإنما ينصره
عاقلته فضموا إليه في إيجاب الدية عليهم وإن لم يجب لهذا المعنى وكل أحد لا يأمن على نفسه أن
يبتلى بمثله وعند ذلك يحتاج إلى إعانة غيره فينبغي أن يعين من ابتلى ليعينه غيره إذا ابتلى بمثله كما
هو العادة بين الناس في التعاون والتوادد فهذا هو صورة أمة متناصرة وجبلة قوم قوامين
بالقسط شهداء لله متعاونين على البر والتقوى وبه أمر الله تعالى الأمة هذه ثم كانت للعرب
في الجاهلية أسباب للتناصر منها القرابة ومنها الولاء ومنها الحلف ومنها ممالحة العدو
وقد بقي ذلك إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكونوا حلفاء له كما كانوا حلفاء لجده
عبد المطلب ودخل بنو بكر في عهد قريش ليكونوا حلفاء لهم الحديث فكانوا يضلون عن
حليفهم وعديدهم ويعقل عنهم حليفهم وعديدهم ومولاهم باعتبار التناصر كما يعقلون عن أنفسهم
باعتبار التناصر فلما كان في زمن عمر رضي الله عنه ودون الدواوين صار التناصر بينهم بالديوان
فكان أهل ديوان واحد ينصر بعضهم بعضها وان كانوا من قبائل شتى فجعل عمر العاقلة أهل
الديوان بيانه في الحديث الذي بدأ به الكتاب فقال بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فرض العقل على أهل الديوان لأنه أول من وسع الديوان فجعل العقل فيه وكان قبل ذلك على
عشيرة الرجل في أموالهم وبهذا أخذ علماؤنا رحمهم الله فقالوا العقل على أهل الديوان من
العاقلة وأبي الشافعي ذلك فقال هو على العشيرة فقد كان عليهم في عهد رسول الله صلى الله عليه
125

وسلم ولا نسخ بعد رسول الله ولكنا نقول قد قضى به عمر رضي الله عنه على أهل الديوان
بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه منكر فكان ذلك اجماعا منهم * فان قيل كيف يظن بهم
الاجماع على خلاف ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم * قلنا هذا اجتماع على وفاق
ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم علموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى
به على العشيرة باعتبار النصرة وكان قوة المرء ونصرته يومئذ بعشيرته ثم لما دون عمر رضي
الله عنه الدواوين صارت القوة والنصرة بالديوان فقد كان المرء يقاتل قبيلته عن ديوانه على
ما روي عن علي رضي الله عنه أن يوم الجمل وصفين جعل بإزاء كل قبيلة من كان من أهل تلك
القبيلة ليكونوا هم الذين يقاتلون قومهم فلهذا فضوا بالدية على أهل الديوان ثم الشافعي يقول؟
إلزام الدية العاقلة بطريق الصلة والصلة المالية مستحقة بوصلة القرابة دون الديوان كالنفقة
والميراث ونحن نقول الوجوب عليهم بطريق الصلة كما قال وايجابه فيما هو صلة أولى وأهل
ديوان واحد فيما يخرج من الصلة لهم بعين العطاء كنفس واحدة وايجاب هذه الصلة فيما يصل إليهم
بطريق الصلة أولى في ايجابه ومن أصول أموالهم ثم لاشك ان المعتبر النصرة ففي حق كل
قاتل يعتبر ما به تتحقق النصرة وتناصر أهل الديوان يكون بالديوان فإن كان القاتل من قوم
يتناصرون بالحلف فذلك هو المعتبر لان المعنى متى عقل في الحكم الشرعي تعدى الحكم بذلك
المعنى إلى الفروع ثم القاتل أحد العواقل يلزمه من الدية مثل ما يلزم أحد العاقلة عندنا وعند
الشافعي ليس على القاتل شئ من الدية لان الخطأ مرفوع قال الله تعالى وليس عليكم جناح
فيما أخطأتم به وقال عليه السلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وإنما يتحقق ذلك إذا لم يكن
عليه شئ من الدية ثم هذا الجزء كسائر الاجزاء فبالمعنى الذي نوجب سائر الأجزاء على العاقلة
من نصرة أو صلة نوجب؟ هذا الجزء عليهم أيضا ولكنا نقول الايجاب على العاقلة لدفع الاجحاف
والاستئصال عن القاتل والتخفيف عليه وذلك في الكل لا في الجزء ثم الوجوب عليهم باعتبار النصرة
ولا شك انه ينصر نفسه كما ينصر غيره وكما أنه معذور غير مؤاخذ شرعا فالعاقلة لا يؤاخذون
بفعله أيضا قال الله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى ومن لم يجن فهو أبعد من المؤاخذة من
الجاني المعذور فإذا أوجبنا على كل واحد من العاقلة جزأ من الدية فلان نوجب عليه مثل
ذلك أولى وهذا لان محل أداء الواجب العطاء الذي يخرج لهم بطريق الصلة وهم في ذلك
كنفس واحدة فكما يخرج العطاء لغير القاتل يخرج للقاتل وذكر عن المعرور بن سويد قال
126

فرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه الدية تؤخذ في ثلاث سنين فالنصف في سنتين وما دون
الثلث في سنة وبه نأخذ فنقول جميع الدية متى وجبت بنفس القتل كانت مؤجلة في ثلاث
سنين سواء كانت على العاقلة أو في مال القاتل كالأب يقتل ابنه عمدا وقد بينا هذا في
الديات وإذا كان جميع الدية في ثلاث سنين فكل ثلث منه في سنة ومتى كان الواجب بالقتل
ثلث بدل النفس أو أقل من ذلك كان في سنة واحدة وما زاد على الثلث إلى تمام الثلثين في
السنة الثانية وما زاد على ذلك إلى تمام الدية في السنة الثالثة وهذا لان تقوم النفس بالمال غير
معقول وإنما عرف ذلك شرعا والشرع إنما ورد بايجاب الدية مؤجلة في ثلاث سنين فعلينا
اتباع ذلك واتباع الاجزاء بالجملة في مقدار ما يثبت فيها من الاجل والشافعي يجعل التأجيل
لمعنى التخفيف كالايجاب على العاقلة معن التخفيف معقول فأما في التأجيل فمعنى نقصان المالية
لان المؤجل في المالية أنقص من الحال وبسبب صفة العمدية يخرج من أن يكون متسحقا
للتخفيف ولكن ليس لهذه الصفة تأثير في ايجاب زيادة على قيمة المتلف ولو أوجبنا الدية
عليه حالا كان ذلك زيادة * فان قيل أليس في شبه العمد أن الدية تجب مغلظة وفيه ايجاب
زيادة المالية باعتبار صفة العمد * قلنا نعم ولكنا إنما ننكر ايجاب الزيادة بالرأي فيما لا مدخل
للرأي فيه وتلك الزيادة إنما أوجبناها بالنص كأصل المال بمقابلة النفس أوجبناه بالنص بخلاف
القياس وعن إبراهيم قال في دية الخطأ وشبه العمد في النفس على العاقلة على أهل الديوان في
ثلاثة أعوام في كل عام الثلث وما كان من جراحات الخطأ فعلى العاقلة على أهل الديوان إذا
ثلاثة أعوام في كل عام الثلث وما كان من جراحات الخطأ فعلى العاقلة على أهل الديوان إذا
بلغت الحاجة ثلث الدية ففي عامين وإن كان النصف فكذلك وإن كان الثلث ففي سنة
واحدة وذلك كله على أهل الديوان وبه نقول فان الواجب وما دون ذلك بمنزلة ضمان
المال يكون على الجاني والشافعي يسوي بين القليل والكثير والقياس فيه أحد السببين أما
التسوية فكما ذهب إليه الشافعي في ايجاب الكل على العاقلة والتسوية في أن لا يوجب شئ
على العاقلة كما في ضمان المال ولكنا تركنا القياس بالسنة وإنما جاءت السنة في أرش الجنين
بالايجاب على عاقلته وأرش الجنين نصف عشر بدل الرجل فيقضى بذلك على العاقلة وفيما دونه
يؤخذ بالقياس وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم لا تعقل عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون أرش الموضحة
127

وأرش الموضحة نصف عشر بدل النفس ففيما دونه يؤخذ بالقياس وهذا لان الايجاب على
العاقلة كان لمعنى دفع الاجحاف عن الجاني وذلك في الكثير دون القليل فلهذا أوجبنا الكثير
على العاقلة دون القليل والفاضل بينهما يكون مقدرا وأدنى ذلك أرش الموضحة قال وليس على
النساء والذرية ممن كان له عطاء في الديوان عقل لأنه بلغنا عن عمر رضي الله عنه قال لا يعقل
مع العاقلة صبي ولا امرأة وإنما جعل الفضل فيما يؤدى والله أعلم على عشيرة الرجل ولم يجيؤوا
على وجه العون لصاحبهم لأنهم أهل يد واحدة ونصرة واحدة على غيرهم وهذه النصرة إنما
تقوم بالرجال دون النساء فبنية المرأة لا تصلح لهذه النصرة وكذلك النصرة لا تقوم بالصبيان
(ألا ترى) ان الشرع نهى عن قتل النساء والصبيان من أهل الحرب لا نهم يقاتلون لدفع
من يقاتلهم وتناصرهم فيما بينهم وذلك لا يحصل بالنساء والصبيان وكذلك الجزية التي خلت عن
النصرة لم توجب على النساء والصبيان فكذلك تحمل العقل وعلى هذا لو كانت المرأة هي
القاتلة أو الصبي لم يكن عليهما شئ من الدية بخلاف الرجل لان وجوب جزء على القاتل
باعتبار انه أحد العواقل وهو لا يوجد في النساء والصبيان ولا ينظر إلى مالهم من فرض العطاء
في الديوان لان ذلك ليس باعتبار النصرة بل باعتبار المؤنة كما فرض عمر رضي الله عنه
لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم العطاء في الديوان فكان يوصله لهن في كل سنة * وإذا قتل
الرجل خطأ فلم يرفع إلى القاضي حتى مضت سنون ثم رفع إليه فإنه يقضي بالدية على عاقلته في
ثلاث سنين من يوم يقضي لان ثبوت الاجل يبنى على وجوب المال والمال إنما يجب بقضاء
القاضي فاما قبل القضاء فالمال ليس بواجب لان ضمان المتلفات يكون بالمثل بالنص ومثل النفس
نفس الا انه إذا رفع إلى القاضي فيتحقق العجز عن استيفاء النفس لما فيه من معنى العقوبة
وتحول الحق بقضائه إلى المال كما في ولد المغرور فان قيمته إنما تجب على المغرور بقضاء القاضي
وإن كان رد عينه متعذرا قبل القضاء ولكن في الحكم جعل الواجب رد العين إلى أن يحوله
القاضي إلى القيمة بقضائه لتحقق العجز عن رد العين ولهذا لو هلك الولد قبل القضاء لم يضمن
شيئا واعتبر قيمة الولد يوم القضاء لهذا وهو نظير الاجل في حق العين فإنه لا يعتبر ما مضى
من المدة قبل الخصومة وإنما يكون ابتداء التأجيل من وقت قضاء القاضي فكذلك هاهنا
ابتداء التأجيل يكون من وقت قضاء القاضي فإن كانوا أهل ديوان قضى بذلك في أعطياتهم
فيجعل الثلث في أول عطاء يخرج لهم بعد قضائه وإن لم يكن بين القتل وقضائه وبين خروج
128

أعطياتهم الأشهر أو أقل من ذلك لان التأجيل في حق العاقلة كان لمعنى تأخر خروج العطاء
ومحل قضاء الدية منه العطاء فإنما يعتبر خروج العطاء بعد القضاء (ألا ترى) انه لو لم يخرج
سنين لم يطالبوا بشئ فكذلك إذا خرج بعد قضاء القاضي بشهر أو أقل يؤخذ منه ثلث الدية
والثلث الثاني في العطاء الاخر إذا خرج ان أبطأ بعد الحول أو عجل قبل السنة وكذلك
الثلث الثالث فان عجل للقوم العطاء فخرجت لهم ثلاثة أعطية مرة وهي أعطية استحقوها
بعد قضاء القاضي بالدية فان الدية كلها تؤخذ من تلك الأعطية الثلاثة لوصول محل أداء الدية
منه إلى يد العاقلة قال ولا يقضى بالدية على القوم حتى يصيب الرجل في عطائه من الدية كلها
أربعة دراهم أو ثلاثة أو أقل من ذلك عندنا وقال الشافعي ما يقضي به على كل واحد منهم
لا يكون أقل من نصف دينار لأنها صلة واجبة شرعا فيعتبر بالزكاة وأدنى ما يجب في الزكاة
نصف دينار أو خمسة دراهم فقد كان ذلك بمعنى نصف دينار في زمن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولكنا نقول الايجاب عليهم للتخفيف على القاتل وإنما يجب على وجه لا يتعسر ذلك عليهم
وذلك في ايجاب القليل دون الكثير ثم هذه صلة يؤمرون بأدائها على وجه التبرع فلا يبلغ
مقدارها مقدار الواجب من الزكاة بل ينقص من ذلك (ألا ترى) انه لا تجب هذه الصلة
في أصول أموالهم وإنما تجب فيما هو صلة لهم وهو العطاء فعرفنا أنه مبنى على التخفيف من
كل وجه وقد ظن بعض أصحابنا رحمهم الله ان التقدير بثلاثة دراهم فيما يؤخذ منهم في كل سنة
وذلك غلط فقد فسرها هنا فقال حتى يصيب الرجل في عطائه من الدية كلها أربعة دراهم
أو ثلاثة دراهم فعرفنا انه لا يؤخذ في كل سنة من كل واحد منهم الا درهم أو درهم وثلث
فان قلت العاقلة فكان يصيب الرجل أكثر من ثلاثة دراهم أو أربعة ضم إليهم أقرب القبائل
في النسب من أهل الديوان حتى يصيب الرجل في عطائه ما وصفنا وهذا لان ايجاب الزيادة
عليهم إجحاف بهم فلا يجوز فلذلك ضم إليهم أقرب القبائل كما ضممنا العاقلة إلى القبائل للتحرز
عن الاجحاف بهم ولأنه متى حزبهم أمر ولا يتمكنون من دفع ذلك عنهم بأنفسهم فإنما
يستعينون بأقرب القبائل إليهم فإذا كانوا في بعض الأحوال يستنصرون بهم عند الحاجة
فكذلك يضمون إليهم في تحمل العقل عند الحاجة قال ولا يستحقون العطاء عندنا الا بآخر
السنة فلذلك قلنا إذا خرج العطاء بعد القضاء بشهر أو أقل أخذ منه ثلث الدية ومعنى هذا أن
العطاء إنما يخرج لهم في العادة في كل سنة واستحقاق ذلك عند تمام السنة لأنهم يستحقون
129

ذلك بطريق الصلة والتبرع إلى آخر المدة في حكم المعاوضات دون الصلات وإنما يكون استحقاق
الصلة عند تمام المدة ولا يثبت الملك فيها الا بالقبض بمنزلة الجزية ولهذا قلنا إن من مات من
أهل الذمة أو أسلم لم يكن عليه شئ من الجزية وفي حق أهل الديوان ان من مات منهم قبل
خروج العطاء وقبل تمام السنة لم يصر عطاؤه ميراثا لورثته فعرفنا ان وجوبه باعتبار آخر السنة
فمتى كان يجئ ذلك الوقت بعد القضاء كان العطاء الواجب باعتبار ذلك الوقت محلا لاخذ
الدية منه وإذا لم يقض عليهم بالدية حتى مضت سنون ثم قضى بها ولم يخرج للناس أعطياتهم
الماضية لم يكن فيها من الدية شئ لان وجوب هذه الأعطية باعتبار مدة مضت قبل قضاء
القاضي وقد بينا أن وجوب الدية بقضاء القاضي فمحل الأداء الأعطيات التي تجب بعد القضاء
فلهذا لا يستوفي من الأعطيات الماضية شئ من الدية ويستقبل بصاحب الدية الأعطية المستقبلة
بعد القضاء ولو كانت عاقلة الرجل أصحاب رزق يأخذونه في كل شهر قضى عليهم بالدية في
أرزاقهم في ثلاث سنين في كل سنة الثلث لان الرزق في حقهم قائم مقام العطاء فان العطاء إنما
كان محلا لقضاء الدية منه لأنه صلة يخرج لهم من بيت المال ولأجله اجتمعوا واثبتوا أسماءهم
في الديوان وهذا موجود في الرزق إذا كانوا أصحاب رزق ثم ينظر ان كانت أرزاقهم تخرج
في كل سنة فكلما خرج رزق يؤخذ منه الثلث وإن كان يخرج في كل شهر فمقدار نصف
سدس الثلث يؤخذ من كل رزق حتى يكون المستوفى في كل سنة مقدار الثلث يؤخذ من كل
رزق وان خرج الرزق بعد قضاء القاضي بيوم أو أكثر أخذ من رزق ذلك الشهر بحصة
الشهر كما بينا فإن كانوا يأخذون الأرزاق في كل ستة أشهر فخرج لهم رزق ستة أشهر بعد
القضاء أخذ منهم سدس الدية وان كانت لهم أرزاق في كل شهر ولهم أعطية في كل سنة
فرضت عليهم الدية في أعطياتهم دون أرزاقهم لان الأرزاق إنما كانت خلفا عن الأعطيات
ولا يعتبر الخلف مع وجود الأصل وهذا لان الأرزاق لهم لكفاية الوقت فاخذ شئ من
ذلك منهم يؤدي إلى اضرار بهم وبعيالاتهم فيشق ذلك عليهم عادة فأما الأعطيات فليست
لكفاية الوقت ولكن لتألفهم حتى يكونوا مجتمعين في الديوان يقومون بالنصرة فلا يشق عليهم
الأداء من الأعطيات فلهذا قلنا عند الاجتماع بفرض الدية من الأعطيات دون الأرزاق
ومن جنى عليهم من أهل البادية وأهل الثمن الذين لا ديوان لهم فرضت الدية على عواقلهم في
أموالهم في ثلاث سنين على الأقرب فالأقرب منهم يوم يقضي القاضي بالدية لان تناصرهم
130

بالقرب وإنما يعتبر ذلك عند القضاء بالدية كما في حق أهل الديوان ويضم إليه أقرب القبائل
في النسب حتى يصيب الرجل من الدية في السنين الثلاثة ثلاثة دراهم أو أربعة دراهم لتحقق
معنى التخفيف عليهم وهذا المعنى هنا أولى بالاعتبار منه في حق أهل الديوان لان المأخوذ
من أموالهم هاهنا والأداء من الأعطيات يكون أيسر من الأداء من أصول الأموال ومن
أقر بقتل خطأ ولم يرتفعوا إلى القاضي سنين ثم ارتفعوا قضى عليه بالدية في ماله في ثلاث
سنين من يوم يقضي لان ما يثبت بالاعتراف لا تتحمله العاقلة لقوله عليه السلام ولا صلحا ولا
اعترافا وهذا لان اقراره في حقه محمول على الصدق وفي حق عاقلته محمول على الكذب لكونه
متهما في حقهم ثم موجب الجناية في الأصل على الجاني ثم تحمل العاقلة للتخفيف عليه فإذا لم
يثبت التسبب في حق العاقلة ففي الواجب عليه باعتبار الأصل والتأجيل فيه من وقت القضاء
لا من وقت الاقرار لان الثابت بالاقرار من القتل لا يكون أقوى من الثابت بالمعاينة وفي القتل
المعاين الدية إنما تجب بقضاء القاضي فيها أولا ولو أقر انه قتل ولي هذا الرجل وأقر أنه خاصمه
إلى قاضي بلد كذا فقامت بذلك البينة فقضى به القاضي على عاقلته من أهل ديوان الكوفة وصدقه
ولي الجناية في ذلك وكذبه العاقلة فلا شئ على العاقلة لان تصادقهما ليس بحجة على العاقلة ولم
يكن عليه شئ في ماله لأنهما تصادقا على أن الواجب بقضاء القاضي تقرر على العاقلة وبعد تقرره
على العاقلة لا يبقي عليه وتصادقهما حجة في حقهما بخلاف الأول فهناك السبب الموجب للدية
على العاقلة هو قضاء القاضي ولم يوجد أصلا فيقضى بها في مال المقر قال إلا أن يكون له عطاء
معهم فتكون عليه حصته من ذلك لأنه في مقدار حصته يقر على نفسه وفي حصة عواقلهم يقر
عليهم فيؤخذ بما أقر به على نفسه وهذا يبين أن القاتل إنما يكون أحد العواقل عندنا وإذا كان
له عطاء في الديوان فأما إذا لم يكن فليس عليه من الدية شئ لان الدية تؤخذ من الأعطيات *
فان قيل لما كان أصل الوجوب عليه وقد تحول بزعمه إلى عاقلته بقضاء القاضي فإذا توى ذلك
على العاقلة بجحودهم ينبغي أن يقضي بالكل عليهم كما إذا توى الدين على المحال عليه بجحوده
عاد الدين إلى ذمة المحيل * قلنا هذا مستقيم فيما إذا كان أصله دينا لدفع التوى عن مال المسلم
وهذا أيضا لم يكن دينا عليه وإنما كان بطريق الصلة لصيانة دم المقتول عن الهدر وبعد ما تقرر
على العاقلة بقضاء القاضي لا يتحول إليه بحال سواء استوفى من العاقلة أو لم يستوف والعمد
الذي لا قود فيه يقضي بالدية من مال القاتل في ثلاث سنين من يوم يقضي بها القاضي لقوله
131

عليه السلام لا تعقل العاقلة عمدا ولان ذلك للتخفيف ودفع الاجحاف عن القاتل والعامد
لا يستحق ذلك ولو قتل عشرة رجلا فعلى العاقلة كل واحد منهم عشر الدية في ثلاث سنين
لان ما يجب على كل واحد منهم بدل النفس وبدل النفس يكون مؤجلا في ثلاث سنين فيعتبر
الجزء منه بالكل ولا يعقل أهل مصر عن أهل مصر آخر وإنما يريد به إذا كأن لأهل مصر
ديوان على حدة أو كان تناصرهم باعتبار القرب في السكنى وأهل مصر أقرب إليه من أهل
مصر آخر ويعقل أهل كل مصر عن أهل سوقهم وقراهم لأنهم اتباع لأهل مصر فإذا
حزبهم أمر استنصروا بهم فأهل مصر يعقلون عنهم باعتبار معنى القرب والنصرة ومن كان
منزله بالبصرة وديوانها بالكوفة عقل عنه أهل الكوفة لأنه إنما استنصر باهل ديوانه لا بجيرانه
(ألا ترى) أن القرب في السكنى لا يكون أقوى من قرب القرابة * ولو أن أخوين لأب
وأم ديوان أحدهما بالكوفة وديوان الاخر بالبصرة لم يعقل أحدهما عن صاحبه وإنما يعقل
عن كل واحد منهما أهل ديوانه فكذلك ما سبق ولو أن قوما من أهل خراسان أهل
ديوان واحد مختلفين في أنسابهم منهم من له ولاء ومنهم القربى ومنهم من لا ولاء له جنى
بعضهم جناية عقل عنه أهل رايته وأهل فنائه وإن كان غيره أقرب إليه في النسب لان
استنصاره باهل رايته أظهر ومن كان أهل الديوان لا يرجع في استنصاره إلى عشيرته
عادة ولان عطاء أهل راية واحدة إنما يخرج من بيت المال جملة واحدة فهم في ذلك كنفس
واحدة وإن كان عدد أهل رايته قليلا ضم إليهم الامام من رأى من أهل الديوان حتى يجعلهم
عاقلة واحدة لدفع الاجحاف عن أهل رايته وإنما يضم إليهم الامام من يكون أقرب إليهم
في معنى النصرة إذا خربهم أمر في ذلك وإنما يعرف ذلك الامام فجعل مفوضا إلى رأيه لهذا
ومن لا ديوان له من أهل البادية ونحوهم تعاقلوا على الأنساب وان تباعدت منازلهم واختلفت
الباديتان لان تناصرهم بالأنساب ولان حالهم في معنى الذين كانوا على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقد بينا أنه قضى بالعقل على الأقارب ولا يعقل أهل البادية عن أهل الأمصار
الذين عواقلهم في العطاء لان أهل الأمصار إنما يقوم بنصرتهم والذب عنهم أهل العطاء من
أهل ديوانهم لا أهل اخوة البادية وهم إنما يتقوون بأهل العطاء وكذلك لا يعقل أهل العطاء؟
عن أهل البادية لأنهم يتقوون بهم ولا ينصر بعضهم بعضا وان كانوا اخوة لأب وأم وإنما
ينصر كل واحد منهم أهل العطاء ومن جنى جناية على أهل المصر وليس في عطاء وأهل البادية
132

أقرب إليه ومسكنه المصر عقل عنه أهل الديوان من ذلك المصر لأنهم من الذين يقومون
بنصرة أهل المصر والدفع عنهم ولا يخصون بذلك من كان له في المصر عطاء دون من لا عطاء
له فلهذا كانوا عاقلة لجميع أهل المصر وذلك لا يعقل عن صاحب العطاء أهل البادية وإن كان
فيهم نازلا وأصحاب الأرزاق الذين لا أعطيات لهم بمنزلة أهل العطاء في جميع ذلك لكون
الأرزاق خلفا عن الأعطيات في حقهم * وان كأن لأهل الذمة عواقل معروفة يتعاقلون بها فقتل
أحدهم قتيلا خطأ فديته على عواقلهم بمنزلة المسلم لأنهم التزموا أحكام الاسلام في المعاملات
ومعنى التناصر الذي يبنى عليه العقل يوجد في حقهم كما يوجد في حق المسلمين وإن لم يكن لهم
عاقلة معروفة يتعاقلون بها فالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى بها عليه لما بينا أن أصل
الوجوب على القاتل وإنما يتحول عنه إلى العاقلة إذا وجدت فإذا لم توجد بقيت عليه بمنزلة
مسلم في دار الحرب قتل مسلما خطأ وهما أجنبيان منها فإنه يقضى بالدية عليه في ماله لان من
يكون في دار الحرب فأهل دار الاسلام لا يعقلون عنه وتمكنه من هذا الفعل لم يكن بنصرتهم
ولا يعقل مسلم عن كافر ولا كافر عن مسلم والكفار يتعاقلون فيما بينهم وان اختلفت ملتهم
لان التعاقل ينبنى على الموالاة والتناصر وذلك ينعدم عند اختلاف الملة قال الله تعالى والذين
كفروا بعضهم أولياء بعضهم وقال والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى
يهاجروا فلما انقطعت الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر حين كانت الهجرة فريضة كان
ذلك قطعا للموالاة بين الكفار والمسلمين وحكم الميراث والنفقة يؤيد ما ذكرنا * ولو كان
القاتل من أهل الكوفة وله بها عطاء فلم يقض بالدية على عاقلته حتى جعل ديوانه إلى البصرة
فإنه يقضى بالدية على عاقلته من أهل البصرة وعلى قول زفر يقضى على عاقلته من أهل الكوفة
وهو رواية عن أبي يوسف أيضا لان الموجب للمال الجناية عند قضاء القاضي وقد تحققت منه
وعاقلته أهل ديوان الكوفة وبعد ما تحول إلى ديوان البصرة لم يوجد منه جناية وإنما تعقل
العاقلة عند جنايته (ألا ترى) ان القاضي لو قضي بالبينة على عاقلته بالكوفة ثم تحول إلى ديوان
البصرة قبل استيفاء شئ كانت الدية على عاقلته من أهل الكوفة فكذلك قبل قضاء القاضي
لوجهين. أحدهما ان وجوب الدية في القتل الخطأ ثابت بالنص فيستوي فيه القضاء وغير
القضاء. والثاني على أن الدية * العاقلة بطريق الصلة والصلات لا تصير دينا بقضاء القاضي قبل
الاستيفاء كنفقة الأقارب. وجه قولنا ان المال لا يجب بنفس القتل وإنما يجب بقضاء
133

القاضي على ما قررنا ان العجز عن استيفاء المثل إنما يتقرر بقضاء القاضي ثم أصل الوجوب على
القاتل وبعد ما وجب عليه تتحمل عنه عاقلته (ألا ترى) انه لو أقر بقتل خطأ كانت الدية عليه
خاصة ولو كان الوجوب على العاقلة ابتداء وجبت عليه بذلك عند الاقرار فإذا ثبت ان
الوجوب عليه عند قضاء القاضي فإنما تتحمل عنه من يكون عاقلة له عند القضاء وهم أهل
ديوان البصرة بخلاف ما إذا قضى بها على عاقلته بالكوفة لان هناك قد تقرر الوجوب عليهم فلا
يتحول إلى غيرهم بعد ذلك ثم إذا تحول بعد قضاء القاضي تؤخذ منه في عطائه بالبصرة
حصته لان في مقدار حصته محل الأداء وعطاؤه من ديوان البصرة عند الأداء فيؤخذ ذلك
القدر منه وفيما زاد على ذلك محل الأداء عطاء أهل الكوفة لان ذلك التقدير عليهم بقضاء
القاضي ولو قلت العاقلة بعد القضاء عليهم وتعذر الاخذ منهم ضم إليهم أقرب القبائل في النسب
حتى يعقلوا معهم لدفع الاجحاف عنهم ولا يشبه قلة العاقلة بعد القضاء تحول الرجل بعطائه
من بلد إلى بلد لان الذين يضافون إليهم عاقلة واحدة وهذه عاقلة مستقلة يعنى ان الذين يضمون
إليهم يكونون بمنزلة الاتباع لهم فلا تتبدل العاقلة باعتبارهم * يوضحه ان الضم لدفع الاجحاف
عنهم وذلك عند الأداء فيصار فيه إلى وقت الأداء وأما القضاء على العاقلة ففي حكم وجوب
الدية وذلك يثبت بقضاء القاضي فيعتبر فيه وقت القضاء ولو كان رجل مسكنه بالكوفة فقتل
رجلا خطأ فلم يقض عليه حتى تحول عن الكوفة واستوطن البصرة فإنه يقضى بالدية على
عاقلته بالبصرة ولو كان قضى بها بالبصرة على عاقلته بالكوفة ولم ينتقل عنهم لان من لا عطاء
له إذا كان يسكن مصرا فعاقلته أهل ديوان ذلك المصر بمنزلة من له عطاء وكذلك البدوي
إذا التحق بالديوان بعد القتل قبل قضاء فإنه يقضى بالدية على أهل الديوان وإن كان
ذلك بعد القضاء على عاقلته بالبادية لم يتحول عنهم لان الجناية لم تجنها العاقلة وإنما جناها الرجل
فإنما يكون على عاقلته إذا قضى بها عليهم (ألا ترى) ان التأجيل في الدية يعتبر من وقت قضاء
القاضي ولو قلنا تتحول بتحويله إلى ديوان آخر بعد القضاء لكان إذا تحول بعد مضى سنة
يؤخذ الثلث من الديوان الذي انتقل إليهم حالا وذلك ممتنع وفي اعتبار الاجل من وقت
قضاء القاضي دليل ظاهر على أن الجناية إنما توجب المال بقضاء القاضي ولو أن قوما من أهل
البادية قضى عليهم بالدية في أموالهم في ثلاث سنين فأدوا الثلث أو الثلثين أو لم يؤدوا أشياء
حتى جعلهم الامام في العطاء صارت الدية عليهم في أعطياتهم وإن كان قد قضى بها أول مرة
134

في أموالهم لان العطاء من أموالهم فليس في أخذ ذلك من العطاء يعتبر القضاء الأول لان
العطاء محل الأداء فيكون المعتبر فيه وقت الأداء لا وقت القضاء والاخذ من العطاء بمعنى
التيسير عليهم فهو بمنزلة أقرب من القبائل إليهم عند قلتهم فإنه يعتبر فيه وقت الأداء لا وقت
قضاء القاضي ولكنه يقضى عليهم في أعطياتهم بما كان قضى عليهم بالبادية حتى أن كان قضى
بالإبل لم يتحول عن ذلك لان في القضاء بشئ آخر ابطال القضاء الأول وذلك لا يجوز
وليس في القضاء به في أعطياتهم ابطال القضاء الأول * وإذا قتل ابن الملاعنة رجلا خطأ فعقلت
عنه عاقلة الأم ثم ادعاه الأب وثبت نسبه منه فرجعت عاقلة الأم بما أدت على عاقلة الأب
في ثلاث سنين من يوم قضى القاضي لعاقلة الأم على عاقلة الأب بها لان النسب كان ثابتا منه
بالفراش وقد انقطعت النسبة عنه بقضاء القاضي ولكن بقي أصل النسب موقوفا على حقه
حتى إذا ادعاه غيره لم يثبت منه وإذا ادعاه هو ثبت النسب منه مع كونه مناقضا وان كذبته
الأم في ذلك وإنما يثبت النسب من وقت العلوق لا من وقت الدعوى فتبين أنه عقل جناية
كانت على عاقلة أبيه وعاقلة الأم ما كانوا متبرعين فيما أدوا بل أجبروا عليه بقضاء القاضي فيثبت
لهم حق الرجوع على عاقلة الأب ويصير حالهم مع عاقلة الأم كحال ولي الجناية وقد بينا ان ولي
الجناية لو كان هو المقضي له بالدية عليهم كان التأجيل فيه معتبرا من وقت قضاء القاضي
لا من وقت الجناية فكذلك إذا قضى به لعاقلة الأم عليهم يعتبر التأجيل فيه من وقت قضاء
القاضي لا من وقت دعوى الأب وهذا لان التأجيل لتأخر المطالبة وذلك بعد تقرر الوجوب
عليهم وإنما يتقرر بقضاء القاضي وكذلك إذا مات المكاتب عن ولد حر ووفاء فلم يؤد الكتابة
حتى جنى ابنه وابنه من امرأة حرة مولاه لبنى تميم والمكاتب لرجل من همدان فعقل عنه
جنايته قوم أمه ثم أدى الكتابة فان عاقلة الأم يرجعون بما أدوا على عاقلة الأب لان عتق
المكاتب عند أداء البدل يستند إلى حال حياته فتبين انه كان للولد ولاء من جانب الأب
حين جنى وان موجب جنايته على موالي أبيه وموالي أمه ما كانوا متبرعين عنه في الأداء
فيرجعون بالمؤدى على موالي الأب * وكذلك رجل أمر صبيا أن يقتل رجلا فقتله فضمنت
عاقلة الصبي الدية رجعت بها على عاقلة الامر لان الآمر متسبب متعد فإنه استعمل الصبي في
أمر لحقه فيه تبعة فيثبت لعاقلته حق الرجوع بما أدوا على الامر غير أنه إن كان الامر يثبت
الامر بالبينة فرجوعهم على عاقلة الآمر لان التسبب في الجناية لا يكون فوق المباشرة وان
135

كان الآمر ثبت باقراره فإنهم يرجعون عليه في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضي بها القاضي
على الآمر أو على عاقلته فان اقراره ليس بحجة على العاقلة وان كانوا اجتمعوا في أول الأمر
وقضى القاضي بها لولى الجناية على عاقلة الصبي ولعاقلة الصبي على عاقلة الآمر لان القضاء
باعتبار السبب والسبب هو الجناية وذلك قد وجد من الصبي فيقضى للمولى على عاقلة الصبي
ثم الرجوع على عاقلة الآمر بسبب الامر وذلك بين الآمر والصبي فيقضى لعاقلة الصبي على
عاقلة الآمر مثل ذلك فكلما أخذ ولي الجناية من عاقلة الصبي شيئا أخذت عاقلة الصبي من
عاقلة الآمر بمثل ذلك لان الرجوع لدفع الغرم عن عاقلة الصبي وإنما يتحقق الغرم بالأداء
فيرجعون بقدر ما أدوا بمنزلة رجوع الكفيل على الأصيل إذا كان كفل عنه بأمره * ولو أن
ابن الملاعنة قتل رجلا خطأ فقضى القاضي بالدية على عاقلة الأم فأدوا الثلث ثم ادعاه الأب
وحضروا جميعا فإنه يقضى لعاقلة الأم بالثلث الذي أدوا على عاقلة الأب لأنهم ما كانوا متبرعين
في أداء ذلك ويبدأ بهم في سنة مستقبلة قبل أهل الجناية ويبطل الفضل عن عاقلة الأم ويقضى
بالثلثين الباقيين على عاقلة الأب في السنتين بعد السنة الأولى ولا يسترد من ولي الجناية ما أخذ
من عاقلة الأم لأنه ملك ذلك بسبب صحيح فان القاضي قضى بذلك على عاقلة الأم فكان قضاؤه
ذلك حقا يومئذ وإنما يبطل الفضل على عاقلة الأم لأنه تبين بالقضاء بثبوت نسبه من أبيه أن
جنايته على عاقلة أبيه لا عاقلة أمه ولا فائدة في استيفاء ما بقي من عاقلة الأم ثم القضاء بالرجوع
لهم على عاقلة الأب بل يستوفي ما بقي من عاقلة الأب بخلاف ما تقدم في مسألة الآمر مع
الصبي فان هناك السبب بين ولي الجناية وبين الامر وهنا السبب بين ولى الجناية وعاقله
الأب قد ظهر بدعوى السبب فلهذا قضى بالباقي عليهم ثم في السنة الأولى بعد القضاء ليس
لولي الجناية أن يستوفي منهم شيئا لأنه قد ثبت لعاقلة الأم حق الرجوع عليهم بما أدوا في
هذه السنة وحقهم مقدم فإنهم يرجعون بما استوفاه ولي الجناية فلو قلنا بأن ولي الجناية يستوفي
منهم في هذه السنة أيضا شيئا أدى إلى أن يستوفي منهم ثلثي دية واحدة في سنة واحدة وفيه
إجحاف بهم وعلى هذا ابن المكاتب الذي وصفناه لأنه بمنزلة ابن الملاعنة حين استندت حرية
ابنه إلى حياة أبيه وإذا كان المرأة حرة ومولاه لبني تميم تحت عبد لرجل من همدان فولدت
غلاما فعاقلة الابن عاقلة أمه لأنه لا ولاء له من جهة أبيه فإنه عبد والولاء كالنسب فيتبع
الولد فيه أمه إذا انعدم من قبل الأب كما في النسب فان جنى جناية فلم يقض بها القاضي
136

على عاقلة الأم حتى عتق الأب فان القاضي يحول ولاءه إلى موالي أبيه لأنه ظهر له ولاء في
جانب الأب وهو الأصل كما في النسب ثم يقضي القاضي بالجناية التي قد جناها على عاقلة أمه
ولا يحولها عنهم * وكذلك لو كان حفر بئرا قبل عتق أبيه ثم سقط فيها انسان بعد عتق أبيه
وما خاصم في ذلك حتى قضى بالدية على عاقلة الأم إن كان بالغا وإن كان صغيرا فأبوه لان
مباشرة السبب كانت منه فهو الخصم بالقضاء بالسبب عليه والحكم يبنى على السبب ثم إنما يقضى
هاهنا على عاقلة الأم بخلاف ما تقدم في ابن الملاعنة وابن المكاتب لان هذا ولاء حادث حدث
بعد الجناية ولم يستند إلى وقت سابق فلم يتبين به انه عند جنايته لم تكن على عاقلة موالي أمه
وفي مسألة النسب لم يثبت من وقت الدعوى وإنما ثبت من وقت العلوق وذلك عتق
المكاتب الميت عند أداء بدل الكتابة لا يثبت مقصورا على حالة الأداء بل يستند إلى حال حياته
فلهذا كان القضاء هناك على عاقلة أبيه وهاهنا على عاقلة الأم وكذلك في مسألة حفر البئر لان
عند الوقوع إنما يصير جانيا بالحفر السابق وقد كانت عاقلته في الوقت قوم أمه * ولو أن امرأة
مسلمة مولاة لبني تميم جنت جناية أو حفرت بئرا فلم يقض بالجناية حتى ارتدت ولحقت
بدار الحرب ثم سبيت فأعتقها رجل من همدان ثم وقع في البئر رجل فمات قضى بتلك الجناية
على بنى تميم لأنه إنما حدث لها ولاء بسبب الاعتاق بعد الجناية أو الحفر فلا أثر لهذا الولاء في
الجناية التي كانت منها قبل ذلك كما في المسألة المتقدمة وعلل في الكتاب فقال لان الحالة الثانية
غير الحالة الأولى يعنى ان حالها تبدل بالسبي والعتق فكانت في حكم شخص آخر وإنما يقضى
بالجناية الأولى على عاقلة الجانية وعاقلة الجانية بنو تميم فاما همدان فعاقلة امرأة أخرى في
الحكم لأنها تبدل حالها حين صارت في حكم امرأة أخرى * حربي أسلم ووالى مسلما في دار
الاسلام ثم جنى جناية عقلت عنه عاقلة الذي والاه فان ولاء الموالاة عندنا بمنزلة ولاء
العتق في حكم عقل الجناية وقد بينا هذا في كتاب الولاء ثم لا يكون له أن يتحول بولائه
بعد الجناية لأنها تأكدت بفعل الجناية فان عقلوا عنه أو لم يقض بها حتى أسر أبوه من دار
الحرب فاشتراه رجل وأعتقه جر ولاء ابنه لان ولاء العتق أقوى من ولاء الموالاة فبعد ما ظهر
لأبيه ولاء عتق لا يبقي ولاء الموالاة في حقه بل يلغي حكما وتأكده لا يمنع من ذلك بمنزلة
الولد الثابت ولاؤه لموالي أمه عليه ثم لا ترجع عاقلة الذي كان والاه على عاقلة موالي الأب
بشئ فلا تزول تلك الجناية عنهم وإن لم يكن قضى بها عليهم لان هذا ولاء حادث بسبب
137

جديد وهو اعتاق الأب فلا يظهر أثره في الجناية الثانية وكذلك لو حفر بئرا أن يؤسر
أبوه ثم وقع فيها انسان بعد عتق الأب فان ذلك على عاقلة الذي والاه دون عاقلة أبيه والخصومة
في سببه مع الجاني لان مباشرة السبب كانت منه * ذمي أسلم ولم يوال أحدا حتى قتل قتيلا
خطأ فلم يقض به حتى والى رجلا من بني تميم ثم جنى جناية أخرى فإنه يقضى بالجنايتين على
بيت المال ويجعل ولاؤه لجماعة المسلمين وتبطل موالاته مع الذي والاه لان الذي أسلم ولم يوال
أحدا فولاؤه لبيت المال حتى يكون ميراثه لو مات لبيت المال فإذا جنى جناية تعقل وجب
على بيت المال وتأكد به حكم ذلك الولاء ولا يصح منه عقد الموالاة بعد ذلك مع أحد فلهذا
كان موجب جنايته على بيت المال * وكذلك لو رمى بسهم أو حجر خطأ قبل أن يوالي أحدا
فلم تقع الرمية حتى والى رجلا ثم وقعت فقتلت رجلا كانت موالاته باطلة لأنه بالرمي جان
(ألا ترى) ان المعتبر حالة الرمي حتى لو رمى إلى صيد وهو مسلم ثم ارتد فأصابه السهم حل
تناوله وإذا كان بالرمي جانيا وذلك حصل منه قبل الموالاة تأكد به الولاء لبيت المال * ولو
حفرا بئرا في الطريق فلم يقع فيها أحد حتى والى رجلا ثم وقع فيها رجل فمات فان دية القتيل
عليه في ماله وولاء الذي والاه صحيح ولا يشبه هذا ما مضى قبله من الرمية والجناية لان
مجرد الحفر ليس بجناية يجب بها أرش حتى يعطب فيها انسان فقد والى وليس في عنقه جناية
فصحت الموالاة والرمية كانت جناية منه فإنما والاه وفي عنقه جناية وبيان هذا الفرق أن
الرامي مباشر ولا تتحقق المباشرة الا باعتبار فعله (ألا ترى) انه بالرمي ملتزم القود إذا كان
عمدا والكفارة إذا خطأ فعرفنا انه جان حين رمى وأما الحافر فليس بمباشر للقتل ولهذا
لا تلزمه الكفارة ولا يحرم الميراث ولكنه متسبب وإنما يتم هذا السبب عند وقوع الواقع في
البئر فقد والى وليس في عنقه جناية فصحت الموالاة ثم دية هذا الواقع في البئر لا تكون على
من والاه لأنه عند الوقوع صار جانيا عليه بالحفر السابق وقد كان ذلك قبل الموالاة ومن
والاه لم يتحمل عنه موجب أفعاله قبل الموالاة ولا يعقل عنه بيت المال لأنه ان جعل ذلك
على بيت المال بطل ولاؤه ولا وجه لا بطال الولاء المحكوم بصحته فلنا ان وجب عليه دية
القتيل في ماله بمنزلة من لا عاقلة له وكذلك الرجل يسلم ويوالي رجلا ثم يجنى أو يرمي أو
يحفر بئرا ثم ينتقل بولائه فهو بمنزلة ما تقدم لان الأول في المعنى تحول بالولاء فإنه كان مولى
لبيت المال فلا فرق بين أن يتحول بولاء كان ثابتا عليه لبيت المال وبين أن يتحول بولاء
138

كان ثابتا عليه لإنسان بعقده (ألا ترى) أن حافر البئر لو لم يقع في البئر أحد حتى تحول
بولائه إلى رجل فوالاه وعاقده ثم جنى جنايات كثيرة كان عقلها على عاقلة المولى الاخر علم
بالحفر أو لم يعلم لأنه لم يدر انه يقع في البئر انسان أولا يقع فيكون ولاؤه مع الثاني صحيحا
وعقل جنايته عليه فبعد ما عقلوا إذا وقع في البئر رجل لو قلنا بان ديته على عاقلة المولى الأول أو
على بيت المال بطل هذا كله وذلك لا يستقيم ثم اشتغل في الكتاب بالكلام مع زفر رحمه الله
فقال إن قال قائل فكيف لم يشتبه الولاء المنتقل بعتق الأب قبل القضاء للعاقلتين اللتين تكون
إحداهما عاقلة ثم لا يتحول إلى العاقلة الأخرى وقد قلت إذا تحول من ديوان إلى ديوان قبل
قضاء القاضي انه يقضى بالدية على أهل الديوان الذي انتقل إليهم ثم أشار إلى الفرق فقال إذا
انتقل من ولاء إلى ولاء صارت الحالة الثانية في حقه غير الحالة الأولى فيكون ذلك بمنزلة نفسه
ونظيره ما بينا في المرأة الجانية إذا ارتدت فسبيت وأعتقت وصاحب العاقلتين لم يتحول حاله
بل حاله واحدة وان تحولت عاقلته بتحولة من ديوان إلى ديوان فلهذا كان المعتبر عاقلته وقت
القضاء واستوضح هذا بما بينا ان نفس القتل الواجب عليه النفس فإنما يتحول إلى الدية بقضاء
القاضي وعند القضاء العاقلة يتحملون عنه فمن ضرورته أن يكون الوجوب عليه أولا والدليل
عليه ما ذكرنا من الاقرار بقتل الخطأ ثم استوضح بهذا بمسألة مبتدأة فقال كان أبو حنيفة
رحمه الله يقول لو أن رجلا قتل رجلا خطأ فلم يقض عليه بالدية حتى صالحه على عشرين ألف
درهم أو على ألفي دينار أو على مائتي بعير أو ثلاثة آلاف شاه أو ثلاثمائة؟ بقرة لم يجز ذلك ورد
إلى الدية ولو قضى القاضي عليه بألف دينار فصالح على عشرين ألف درهم أو على مائتي بعير
بأعيانها كان جائزا فبهذا يتبين ان النفس إنما تصير ما لا بقضاء القاضي فالقضاء ما يقع عليه
الصلح بدل النفس وبدل النفس شرعا مقدر بعشرة آلاف درهم أو مائة من الإبل فالصلح
على أكثر من ذلك باطل وبعد قضاء القاضي بالدنانير قد وجبت الدنانير فإنما يقع الصلح بعد
ذلك من الدنانير على الدراهم أو الإبل ثم هذه المسألة لا يستقيم جوابها على أصل أبي حنيفة
فان عنده البقر والغنم ليسا بأصل في الدية ولا يدخلهما التقدير فينبغي أن يجوز الصلح عنده على
أي مقدار كان منها وقيل بل هو مستقيم لان عنده القاضي لو قضى في الدية بالبقر والغنم كان
قضاؤه نافذا فيما يقضي بألفي شاة ومائتي بقرة لان ذلك مجتهد فيه فينفذ قضاء القاضي به وكذلك
إذا اصطلح الخصمان لان صلحهما في حقهما كقضاء القاضي به ولو قضى القاضي في الدية بثلاثة
139

آلاف شاة أو ثلاثمائة بقرة لم يجز قضاؤه فكذلك إذا اصطلح الخصمان على ذلك * ولو أقر
رجل بقتل رجل خطأ عند القاضي وأقام ولي الجناية عليه البينة قضى بالدية على العاقلة لان
الولي محتاج إلى هذه البينة فوجب قبولها وبه يتبين ان المال لا يجب بدون القضاء لان الاقرار
موجب بنفسه فلو وجب المال به عليه لا يستقيم قبول البينة من الولي بعده والقضاء به على
العاقلة فان قال الولي بعد الاقرار به لا أعلم لي بينة فاقض لي بها عليه في ماله فقضى القاضي بها
في مال المقر ثم وجد ولي الجناية بينة فأراد أن يحول ذلك إلى العاقلة لم يكن له ذلك لان المال
قد وجب عليه بقضاء القاضي فلا يكون للولي أن يبطل قضاءه ببينته فتحول ذلك إلى العاقبة
ولو قال الولي لا تعجل بالقضاء في ماله لعلى أجد بينه فاخره القاضي ثم وجد بينة قضى له على
العاقلة لما بينا * ولو أن رجلا من أهل البادية حفر بئرا في الطريق ثم إن الامام نقل أهل البادية
إلى الأمصار فتفرقوا فيها وصاروا أصحاب أعطية ثم وقع في تلك البئر انسان كانت الدية على
عاقلته يوم وقع الرجل في البئر لان عند الوقوع في البئر يصير جانيا بالحفر السابق وأورد
هذا النوع لايضاح ما سبق من الفرق بين هذا الحفر وغيره * قال وكذلك لو حفر وهو من
أهل العطاء ثم أبطل الامام عطاءهم وردهم إلى أنسابهم فتعاقلوا عليها زمانا طويلا ثم مات
انسان في البئر كان عليه اليوم الذي وجب المال فيه لما بينا ان الرجل لم يخرج من نسبه وان
أثبت له في الديوان عطاء ولم يتحول إلى حالة أخرى وإنما انتقلت عاقلته فلا تتبدل به نفسه
* ولو أن أهل عطاء الكوفة جنى رجل منهم جناية وقضى بها على عاقلته ثم ألحق بقوم من
قومه من أهل البادية أو من أهل المصر لم يكن لهم ديوان وجعلوا مع قومهم عقلوا معهم
ودخلوا فيما قضى به من الجناية ولم يدخلوا فيما أدوا قبل ذلك وهذا بمنزلة ما لو قلت العاقلة حتى
ضم الامام إليهم أقرب القبائل في النسب والأصل في هذا كله أن حال الجاني إذا تبدل حكما
وانتقل من ولاء إلى ولاء بسبب حادث لم ينتقل جنايته عن الأولى كان قضى بها أو لم
يقض وان ظهرت حالة حقيقية مثل دعوى الملاعنة حولت الجناية إلى الأخرى وقع القضاء
بها أو لم يقع ولو لم تختلف حالة الجاني ولكن العاقلة تبدلت كان الاعتبار في ذلك الوقت بالقضاء
فإن كان قضى على الأولى لم ينتقل إلى الثانية وإن لم يكن قضى بها على الأولى فإنه يقضى بها على
الثانية وإذا كانت العاقلة واحدة فلحقها زيادة أو نقصان اشتركوا في حكم الجناية قبل القضاء
وبعده الا فيما سبق أداؤه * ولو أن رجلا من أهل البادية من أهل الإبل جنى جناية فلم يقض
140

بها حتى نقله الامام وقومه فجعلهم أهل عطاء وجعل عطاءهم الدنانير ثم رفع إلى القاضي قضى
عليهم بالدنانير دون الإبل لان وجوب المال بقضاء القاضي وعند قضاء القاضي ما لهم عطاء
فيقضي بالدية من جنس ذلك ولو كان قضى عليهم بمائة من الإبل ثم نقله الامام وقومه إلى
العطاء وجعل عطاءهم الدنانير أخذوا بالإبل أو بقيمتها وإن لم يكن لهم مال غير العطاء أخذت
قيمة الإبل من أعطياتهم قلت القيمة أو كثرت لان الإبل تعينت دية بقضاء القاضي والحيوان
لا يثبت دينا في الذمة ثبوتا صحيحا بل يتردد بينه وبين القيمة فلا يتغير حكم ذلك القضاء
بصيرورتهم من أهل العطاء ولكنهم يؤخذون بما قضى به عليهم في أموالهم فإن لم يكن لهم
مال غير العطاء أخذت قيمة الإبل من أعطياتهم لان ذلك ما لهم وقد ذكر قبل هذا إذا قضى
عليهم بالدية ثم جعلهم الامام أهل العطاء صارت الدية عليهم في أعطياتهم ومن أصحابنا رحمهم الله
من بين في هذه المسألة روايتين كلتاهما في هذا الكتاب ومنهم من وفق فقال هناك أبهم الجواب
أنه يؤخذ من أعطياتهم للتيسير عليهم ولم يبين ماذا يؤخذ ثم فسر ذلك هاهنا فقال تؤخذ قيمة
الإبل من أعطياتهم وتأويل ما ذكر هناك انه قضى من جنس العطاء عليهم بالدية ولم يعين جنسا
منها بقضاء حتى صاروا أهل عطاء وإنما يعين عليهم بعد ذلك ما هو من جنس العطاء ويأخذه
من العطاء وهاهنا عين الجنس عند قضائه وقضى عليهم بمائة من الإبل والعطاء وليس من
جنس الإبل فيكون الرأي إليهم ان شاؤوا أدوا الإبل من أموالهم وان شاؤوا القيمة فإذا
لم يكن لهم مال غير العطاء تؤخذ القيمة من أعطياتهم * ولو أن ذميا أسلم ووالى رجلا ثم جنى
جناية خطأ فلم يقض بها القاضي على العاقلة بشئ حتى أبرأ أولياء المجني عليه الجاني من الجناية
فللجاني أن يتحول بولائه عن الذي والاه لان بابرائه سقط موجب الجناية ولم يجب شئ على
الذي والاه لان الوجوب عليه بقضاء القاضي ولو كان الابراء بعد ما قضى القاضي على العاقلة
بالدية لم يكن له أن يتحول بولائه لان بقضاء القاضي وجبت الدية على العاقلة لتأكد الولاية
ثم بسقوطه عن العاقلة بالابراء وسقوطه بالاستيفاء سواء ومعنى هذا الفرق أن موجب الجناية
قبل القضاء على الجاني فالابراء يكون اسقاطا عن العاقلة وهذا بخلاف ما تقدم إذا لم يوجد
الابراء ولا القضاء حتى تحول بولائه إلى غيره لان هناك موجب الجناية الأولى الباقية فإنما يقضى
القاضي به على عاقلة الأولى فلا يمكن أن يتحول حتى لو كان أقر الجاني بالجناية كان له أن
يتحول سواء قضى بها عليه في ماله أو لم يقض لان موجب الجناية الثانية باقراره يكون عليه
141

لا على عاقلته فلم يوجد في حق العاقلة ما يتأكد به الولاء ولو لم يجن ولكنه التحق معهم في
ديوانهم فجنى بعضهم فعقل عنه معهم لم يكن له أن يتحول بولائه عنهم لان الذي والاه ليس
له أن يحول إذا عقل عنهم فكذلك لا يكون له أن يتحول عنهم (ألا ترى) ان المولى بعد
ما عقل عنه لم يكن له أن يبرأ من ولائه كما ليس له أن يتحول بالولاء عنه وقد كان قبل العقل
لكل واحد منهما ذلك فإذا لم يكن لأحدهما أن يتحول بعد عقل الجناية لم يكن للاخر أن يحوله
أيضا ولو أخذ معهم العطاء ولم يعقل عنهم كان له أن يتحول عنهم لان بأخذ العطاء لا يتأكد
حكم الولاء بينه وبينهم أنما يتأكد ذلك بعقل الجناية اعتبار الولاء الموالاة فان ذلك أنما يتأكد
بعقل الجناية حتى أن عقل عقل الجناية لكل واحد منهما أن يتحول بولائه وليس له ذلك
بعد عقل الجناية من جانب واحد أو من جانبين والله أعلم بالصواب
(كتاب الوصايا)
(قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي
رحمة الله عليه إعلم بان الوصية عقد مندوب إليه مرغوب فيه ليس بفرض ولا واجب عند
جمهور العلماء وقال بعض الناس الوصية للوالدين والأقربين إذا كانوا ممن لا يرثونه فرض
وعند بعضهم الوصية واجبة على أحد ممن لم يرثوه واستدلوا بقوله تعالى كتب عليكم إذا
حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين والمكتوب علينا يكون فرضا
وقال عليه السلام لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر إذا كان له مال يريد الوصية فيه أن
يبيت ليلتين الا وصيته مكتوبة عند رأسه وحجتنا في ذلك أن الوصية مشروعة لنا لا علينا قال
عليه السلام ان الله تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم فضعوه حيث
شئتم أو قال حيث أحببتم والمشروع لنا ما لا يكون فرضا ولا واجبا علينا بل يكون مندوبا
إليه بمنزلة النوافل من العبادات ثم التبرع بعد الوفاة معتبر بالتبرع في حالة الحياة وذلك احسان
مندوب إليه وكذلك التبرع بالوصية بعد الموت وأما الآية فقد اتفق أكثر أهل التفسير على
أن ذلك كان في الابتداء قبل أن ينزل آية المواريث ثم انتسخ وتكلموا في ناسخه وكان أبو
بكر الرازي رحمه الله يقول إنما انتسخ بقوله من بعد وصية يوصى بها أو دين فإنه نص على
الميراث بعد وصية منكرة فلو كانت الوصية للوالدين والأقربين ثابتة بعد نزول هذه الآية
142

لذكر الإرث بعد الوصية المعرفة لان تلك وصية معهودة وهذا قول الشافعي أيضا بناء على
مذهبه أنه لا يجوز نسخ الكتاب بالسنة والرازي كان لا يجوز نسخ الكتاب الا بالخبر المتواتر
وأكثر مشايخنا رحمهم الله يقولون إنما انتسخ هذا الحكم بقوله عليه السلام ان الله أعطى كل
ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث وهذا حديث مشهور تلقته العلماء بالقبول والعمل به ونسخ
الكتاب جائز بمثله عندنا لان ما تلقته العلماء بالقبول والعمل به كالمسموع من رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولو سمعناه يقول لا تعملوا بهذه الآية فان حكمها منسوخ لم يجز العمل بها
ولأجل شهرة هذا الحديث بدأ الكتاب به ورواه عن أبي قلابة ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لا وصية لوارث وفي بعض الرواية قال إلا أن يجيزه الورثة وفي هذه الزيادة بيان
ان المراد نفى الجواز لا نفي التحقيق ومن ضرورة نفي الجواز نفي الفرضية والوجوب والحديث
مرسل بالطريق الذي رواه ولكن المراسيل حجة عندنا كالمسانيد أو أقوى من المسانيد لان
الراوي إذا سمع الحديث من واحد لا يشق عليه حفظ اسمه فيرويه مسندا وإذا سمعه من
جماعة يشق عليه حفظ الرواية فيرسل الحديث فكان الارسال من الراوي المعروف دليل
شهرة الحديث فاما الحديث الذي رواه فهو شاذ فيما تعم به البلوى والوجوب لا يثبت بمثله
ثم هو محمول على ما كان ابتداء قبل نزول آية المواريث أو المراد أن ذلك لا يليق بطريق
الاحتياط والاخذ بمكارم الأخلاق لقوله عليه السلام لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر
ان يبيت شبعانا وجاره طاو إلى جنبه والمراد ما بينا ثم الوصية تتقدر بقدر الثلث من المال وهي
مأخوذة من الدين لحديث رضي الله عنه قال إنكم تقرؤن الوصية قبل الدين وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يبدأ بالدين قبل الوصية وهكذا نقل عن أبن عباس رضي الله عنهما فهذا
منهما إشارة إلى معنى التقديم والتأخير في الآية ثم قضاء الدين من أصول حوائج المرء لأنه
تفرغ به ذمته والوصية ليست من أصول حوائجه وحاجته مقدمة في تركته (ألا ترى) انه
يقدم جهازه وكفنه لحاجته إلى ذلك فكذلك قضاء الدين ثم زعم بعض أصحابنا أن الوصية بعد
الدين تقدم على الميراث لظاهر الآية وأكثرهم قالوا التقديم لا يظهر في الوصية بل
الوارث يستحق الثلثين إرثا في الوقت الذي يستحق الموصى له الثلث بالوصية والمراد من
الآية تقديم الوصية على الميراث في الثلث لأنه محل للإرث إذا لم يوص فيه بشئ فإذا أقضى
كانت الوصية في الثلث مقدمة على الميراث والدليل على أن محل الوصية النافذة شرعا ثلث
143

المال ما رواه من حديث سعد بن مالك قال يا رسول الله أوصى بمالي كله فقال لا قال فبنصفه
قال لا قال فبثلثه قال الثلث والثلث كثير انك ان تدع ورثتك أغنياء خير أن من تدعهم فقراء
يتكففون الناس وفي رواية يتكفكفون وأصل هذا الحديث ما روى أن سعدا رضي الله عنه
مرض بمكة عام حجة الوداع فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده فقال يا رسول
الله خلف عن دار الهجرة فأموت بمكة فقال أني لأرجو أن يبقيك الله ينتفع بك أقوام
ويضربك آخرون لكن البائس سعد بن خولة يرثى له ان مات بمكة قيل هذا من النبي عليه
السلام إشارة إلى ما جرى عن الفتوح على يد سعد في زمن عمر رضي الله عنه ثم قال يا رسول
اني لا يرثني الا ابنة لي أفأوصى بمالي كله الحديث وفيه دليل على أنه لا ينبغي للمرء أن يوصى
بأكثر من ثلثه لان النبي عليه السلام ذم المعتدين في الوصية والتعدي في الوصية مجاوزة حدها
قال الله تعالى ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون وفي الحديث الحيف في الوصية أكبر
الكبائر والحيف هو الظلم والميل وذلك بمجاوزة الحد المحدود شرعا بان يوصى لبعض ورثته
أو يوصي بأكثر من ثلث ماله على قصد الاضرار بورثته والدليل على أن محل الوصية الثلث
ما روينا من قوله ان الله تصدق عليكم بثلث أموالكم ثم بين المعنى بقوله انك تدع عيالك
أغنياء معناه ورثتك أقرب إليك من الأجانب فترك المال خير لك من الوصية فيه وفي هذا
دليل أن التعليل في الوصية أفضل وذلك مروى عن أبي بكر وعمر وقال لان يوصى بالخمس
أحب الينا من أن يوصى بالربع ولان يوصى بالربع أحب الينا من أن يوصى بالثلث وعن علي
رضي الله عنه مثل ذلك وزاد وقال من أوصى بالثلث فلم يترك شيئا يعني لم يترك شيئا مما جعل له
الشرع حق الوصية فيه فعرفنا ان القليل في الوصية أفضل لان ذلك أبعد عن وحشة الورثة فإنه
إذا أوصى بجميع الثلث قال الوارث لا منة له علي فإنه ما ترك الوصية بما زاد على الثلث الا لعجزه
عن تنفيذه شرعا وحق الوارث ثبت في ماله شرعا قال عليه السلام ان أفضل الصدقة أن
تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر حتى إذا بلغ هذا وأشار إلى التراقي قلت
لفلان كذا ولفلان كذا كان ذلك وإن لم يقل وإنما تحل الوصية بالثلث شرعا لمن يترك مالا
كثيرا يستغني ورثته بثلثيه اما لكثرة المال أو لقلة الورثة هكذا روي أن عليا استأذنه رجل في
الوصية لمن يترك خيرا يريد قوله تعالى ان ترك خيرا ثم يستدل بظاهر هذا الحديث من يقول
بان الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر فان النبي عليه السلام قدم صفة الغني لوارثة سعد فقال
144

انك ان تدع عيالك أغنياء ولكنا نقول قدم صفة الغني لهم واختار الفقر لنفسه والأفضل ما اختاره
رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ثم إنما قدم الغني على الفقير الذي يسأل كما قال من أن
تدعهم فقراء يتكففون الناس أي يلحون في السؤال ونحن إنما نقدم الفقير الصابر دون الذي
يسأل كما وصفهم الله بقوله تعالى يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون
الناس الحافا وهذا لان الفقير مع الصبر أسلم للمرء وأزين للمؤمن قال عليه السلام الفقر أزين
للمؤمن من العذار الجيد على جلد الفرس فأما الغني فسبب للطغيان والفتنة قال الله تعالى كلا ان
الانسان ليطغى أن رآه استغنى وروى أن حمزة بن عبد المطلب أوصي إلى زيد بن حارثة يوم
أحد وان عليا رضي الله عنه أوصى إلى الحسن رضي الله عنهم وفيه دليل ان للمرء أن يوصى
إلى غيره في القيام بحوائجه بعد وفاته وهذا من نظر الشرع له أيضا فقد يفرط في بعض حوائجه
في حياته أو تحترمه المنية فيحتاج إلى من يقوم مقامه في القيام بحوائجه بعد موته والايصاء إلى
الغير كان مشهورا بين الصحابة رضي الله عنهم فان أبا بكر رضي الله عنه استخلف عمر وأوصى إلى
عائشة رضي الله عنها في حوائجه وعمر أوصى إلى حفصة وتكلم الناس في أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم هل أوصى إلى أحد والصحيح عندنا انه لم يوص إلى أحد بشئ إنما أمر أبا بكر
أن يصلي بالناس وبه استدلوا على خلافته فقالوا ما اختاره لامر ديننا الا وهو يرضي به لامر
دنيانا وينبغي أن يوصي إلى من هو أقرب إليه إذا كان أهلا لذلك كما أوصى علي إلى ولده
الحسن رضي الله عنه وأوصى حمزة إلى زيد بن حارثة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
آخى بينهما حين قدم المدينة وذكر عن ابن مسعود انه سئل عن انسان أوصى بسهم من ماله
فقال هو السدس وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقال مطلق لفظ السهم في الوصية والاقرار
ينصرف إلى السدس وهو مروى عن جماعة من أهل اللغة منهم اياس بن معاوية قالوا السهم
السدس وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قالا للموصى له سهم مثل أخس سهام الورثة وروى ذلك
في الكتاب عن شريح لان ماله يصير سهاما بين ورثته فذكر السهم ينصرف إلى ذلك وأخس
السهام متيقن فيه إلا أن يجاوز السهم فحينئذ لا تنفذ الوصية فيما زاد على الثلث بدون إجازة
الورثة وأبو حنيفة يقول هذا ان لو ذكر السهم معرفا وقد ذكره منكرا بقوله أوصيت
لكم بسهم من مالي فينصرف إلى ما فسر أهل اللغة السهم به * وبيان المسألة يأتي في موضعه
وعن عمر رضي الله عنه قال إذا أوصى الرجل بوصيتين فالأخيرة منهما أملك وبظاهره
145

أخذ الشافعي فقال الوصية الثانية بالثلث أو بالعتق للذي أوصى به لغيره يكون دليل الرجوع
عن الوصية الأولى ولكنا نقول المراد وصيتان بينهما منافاة بان يوصى ببيع عبده من انسان
ثم يوصى بعتقه أو على عكس ذلك فان بين هاتين الوصيتين في محل واحد منافاة فالثانية منهما
دليل الرجوع عن الأولى فأما إذا أوصى إلى انسان بعبد بعينه ثم أوصى لاخر بذلك العبد
فلا منافاة بين الوصيتين في المحل ومراده أن يكون كله لأحدهما إن لم يقبل الاخر الوصية
أو لم يبق إلى ما بعد موت الموصى وإن لم يكن مشتركا بينهما ان قبلا جميعا الوصية فلا تكون
الثانية منهما دليل الرجوع عن الأولى وإن لم يستحق الموصى له الأول الترجيح بالسبق
فلا أقل من أن يزاحم الموصي له الثاني وعن إبراهيم في الرجل يموت ولم يحج قال إن أوصى أن
يحج عنه فمن الثلث وإن لم يوص فلا شئ وبهذا نأخذ وقد بينا المسألة في كتاب المناسك
فنقول فيما يجب حقا لله تعالى خالصا كالزكاة والحج لا يصير دينا في التركة بعد الموت مقدما
على الميراث ولكنه ينفذ من الثلث ان أوصى به كما ينفذ بسائر التبرعات وإن لم يوص به فهو
يسقط بالموت في أحكام الدنيا وإن كان مؤاخذا في الآخرة بالتفريط في الأداء بعد التمكن
منه وعلى قول الشافعي يصير ذلك دينا في تركته مقدما على الميراث أوصى به أو لم يوص
وقد بينا المسألة في كتاب المناسك والزكاة وعن إبراهيم في الرجل يوصي بثلث ماله يحج به
عنه أو يعتق به رقبة فلم تتم الحجة ولا الرقبة قال يتصدق عنه ولسنا نأخذ بهذا فأين تنفذ الوصية
تجب على ما أوجبه الموصى بحسب الامكان والتحرز عن التبديل واجب بالنص قال تعالى
فمن بدله بعد ما سمعه الآية وإنما يحج بثلثه من حيث يبلغ وإن كان الثلث لقلته بحيث لا يمكن
أن يحج به عنه فهو لورثته وكان إبراهيم ذهب في ذلك إلى أن مقصود الموصى التقرب إلى الله
تعالى بثلث ماله ونيل الثواب في ذلك القدر من المال فيجب تحصيل مقصوده؟ بحسب الامكان
وذلك في التصديق به ولكنا نقول اعتبار التعبير في ألفاظ الشرع يجب لأنها لا تخلو عن حكمه
حميدة فاما في أوامر العباد فيعتبر اللفظ (ألا ترى) انه لو أمر انسانا بان يطلق امرأته للسنة
فطلقها بغير السنة لم يقع والشرع أمر بايقاع الطلاق للسنة ومن طلق امرأته لغير السنة كان
طلاقه واقعا وعن إبراهيم قال لا بأس بأن يوصى المسلم للنصراني أو النصراني للمسلم فيما
بينه وبين الثلث وهكذا عن شريح وبه نأخذ فان الوصية تبرع بعد الوفاة بعقد مباشرة
فيعتبر بالتبرع في حياته ولا بأس بعقد الهبة بين المسلم والذمي في حال الحياة والأصل فيه قوله
146

تعالى لا ينهاكم الله إلى قوله ان تبروهم وتقسطوا إليهم وان أراد بهذا بيان الفرق بين الوصية
والميراث فان الإرث لا يجرى مع اختلاف الدين لان الإرث طريقه طريق الولاية والخلافة
على معنى أنه يبقى للوارث المال الذي كان للمورث واختلاف الدين يقطع الولاية فاما الوصية
فتمليك بعقد مبتدأ ولهذا لا يرد الموصى له بالعيب ولا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصى
بخلاف الوارث وعن إبراهيم في الرجل يستأذن ورثته في الوصية فيأذنون له ثم يرجعون
بعد موته قال لهم ذلك أن شاؤوا رجعوا وبه نأخذ فان الإجازة من الورثة معتبرة في
الوصية بما زاد على الثلث أو في الوصية للوارث وإنما تعتبر اجازتهم بعد موت الموصى فأما في
حياته فلا تعتبر لان الإجازة اما أن تكون بمنزلة التمليك منهم أو بمنزلة اسقاط الحق وإنما
ثبت ذلك كله لهم بعد موت الموصى فتمليكهم قبل أن يملكوا أو اسقاطهم لحقهم قبل أن يتقرر
وجوب الحق لهم يكون لغوا ثم اجازتهم في حالة الحياة لا تكون دليل الرضى منهم بهذا بل
الظاهر أنهم كارهون له إلا أنهم احتشموا المورث فلم يجاهروه بالاباء فلو لزمهم حكم
الإجازة في حالة الحياة تضرروا بخلاف ما بعد الموت فإجازتهم بعد الموت دليل الرضى منهم
وعن إبراهيم في رجل أوصى لغير وارث بدين أو أقر به قال هو جائز ولو أحاط بماله ومراده
الاقرار بالدين لا الوصية وإنما سماه وصية لذكره إياه فيما بين الوصايا وفي موضع الوصية
وبهذا نأخذ فنقول الاقرار لغير الوارث بالدين صحيح وان أحاط بماله وهو مروى عن ابن
عمر رضي الله عنه وقد روى مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيناه في كتاب الاقرار
وعن الشعبي انه سئل عن رجل له ثلاث بنين فأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم قال له
الربع وبه نأخذ لان مثل الشئ غيره فهو جعل نصيب أحد البنين معيارا لما أوجب الوصية
فيه وجعل وصيته بمثل ذلك فاما أن يقال يصير الموصى له بالايجاب كابن آخر له مع البنين الثلاثة
فله الربع أو يقال ينظر في نصيب أحد البنين فيزاد على أصل السهام مثل ذلك الموصى له
والمال بين البنين الثلاثة على ثلاثة أسهم لكل واحد منهم سهم فإذا زدنا للموصى له سهما على
الثلاثة كانت السهام أربعة ثم نعطيه ذلك السهم فيكون له الربع ولا يجوز له أن يعطى الثلث
بهذا الايجاب لان ذلك حينئذ ينفذ الوصية له في نصيب أحد البنين لا في مثل نصيب أحدهم
وهو إنما أوصى له بمثل نصيب أحدهم وعن إبراهيم والشعبي قالا في رجل أوصى لرجلين
بالنصف والثلث فردوا إلى الثلث أن الثلث بينهم على خمسة أسهم لصاحب النصف ثلاثة ولصاحب
147

الثلث اثنان وهذا قول أبي يوسف ومحمد وابن أبي ليلى رحمهم الله فأما عند أبي حنيفة رحمه الله
فالثلث بينهما نصفان والأصل عند أبي حنيفة أن الوصية بما زاد على الثلث عند عدم إجازة الورثة
تبطل في حق الضرب بها في الثلث وبيانه إذا أوصى لرجل بجميع ماله والاخر بثلث ماله فلم
تجز الورثة أو أوصي لرجل بجميع ماله والاخر بنصف ماله فلم تجز الورثة فعند أبي حنيفة
الثلث بينهما نصفان في الفصلين جميعا وعندهما في الفصل الأول يكون الثلث بينهما أرباعا على
أن يضرب الموصى له بالجميع بالثلث في سهام جميع المال الثلاثة والموصى له بالثلث بسهم واحد
وفي الفصل الثاني يكون الثلث بينهما أثلاثا على أن يضرب الموصى له بالجميع بسهمين والموصى
له بالنصف بسهم فهما يقولان ما يوجبه الموصى بعد موته معتبر بما أوجبه الله تعالى من السهام
للورثة بعد الموت والله تعالى أوجب للزوج النصف وللأخت النصف واللام الثلث فكان
موجب استحقاق كل واحد منهم بما أوجب له عند الانفراد والضرب بجميع ما سمى له
بالوصية في محل الميراث عند المزاحمة فذلك فيما أوجب الموصي المقصود استحقاق كل
واحد منهما لما أوجبه له عند الانفراد وإجازة الورثة * يوضحه ان الموصى قصد سلامة
ما سمى لكل واحد منهما بكماله وتفضيل أحدهما على الاخر ففي أحد الحكمين تعذر
تحصيل مقصودة عند عدم إجازة الورثة وفي الحكم الاخر ما تعذر تحصيل مقصوده فيجب
تحصيله كما لو قال أوصيت بهذه الألف لفلان منهما بستمائة ولفلان منها بسبعمائة تعتبر تسميته
لكل واحد منهما وفي القدر الذي سمى التفضيل بينهما وان تعذر اعتباره في استحقاق جميع
المسمى لكل واحد منهما لضيق المحل ثم وصيته بالنصف والثلث ينصرف كل واحد منهما
إلى جزء شائع في جميع ماله وفيما ذهب إليه أبو حنيفة تنفذ وصية أحدهما بجميع الثلث الذي
له أن يوصى به وجعل الزيادة فيما أوصى لا حدهما بثلث ماله للاخر خاصة حتى يبطل بعدم
إجازة الورثة وذلك خلاف ما أوجبه الموصى (ألا ترى) انه لو أوصي لأحدهما بثلث ماله
ولاخر بسدس ماله ولأحدهما بالثلث وللاخر بالربع ان لكل واحد منهما أن يضرب بجميع
ما أوصى به له في الثلث وكذلك لو أوصى لأحدهما بألف درهم وللاخر بألفين وثلث ماله
ألف وضرب كل واحد منهما في الثلث بجميع ما سمى له وكذلك لو أعتق في مرضه عبدا
قيمته ألف وعبدا قيمته ألفان وثلث ماله ألف أو باع من انسان عبدا وحاباه بألف وباع من
أحد شيئا وحاباه بألفين وضرب كل واحد منهما في الثلث بجميع ما حاباه وإن كان أكثر من ثلث
148

ماله فكذلك فيما سبق ولأبي حنيفة رحمه الله طريقان أحدهما أن الوصية بما زاد على الثلث
عند عدم إجازة الورثة مفسوخة بتغيير الوصية المفسوخة كالمرجوع فلا يستحق الضرب بها
كالوصية بمال الجار وإنما قلنا ذلك لأنها كانت موقوفة على إجازة الورثة فتنفسخ بردهم كالبيع
الموقوف على إجازة المالك ينفسخ برده وتأثيره ان حق الضرب فيه بناء على صحة الايجاب
وقد بطل ذلك بالانفساخ فلا معنى للضرب به في مزاحمة وصية الايجاب فيها صحيح ولهذا
فارق المواريث فان ما أوجبه الله تعالى لكل وارث صحيح قطعا ويقينا فعرفنا ان المراد
المضاربة بها عند ضيق المحل لعلمنا ان المال الواحد لا يكون له نصفان وثلث وبه فارق الوصية
بالثلث والسدس لان كل واحد منهما ايجاب صحيح لا ينفسخ برد الوارث فان كل واحد
منهما ايجاب بتسمية يوجد ذلك فيما هو محل الوصية وهو الثلث فاما هذا فايجاب بتسمية
لا توجد تلك التسمية الا فيما هو حق الورثة فيبطل بردهم الايجاب فيما يتناول حقهم وكذلك
الوصية بالألف والالفين فإنها ما وقعت في حق الورثة بهذه التسمية لان حق الورثة في
أعيان التركة دون الألف المرسلة (ألا ترى) انه يتصور تنفيذ جميع هذه الوصية على ما سمى
الموصى من غير إجازة الورثة بان يكثر مال المورث فكذلك في مسألة العتق فان ذلك وصية
بالبراءة عن السعاية والسعاية بمنزلة الألوف المرسلة (ألا ترى) انه يتصور تنفيذ الوصية لكل
واحد منهما بدون إجازة الورثة بان يكثر مال الميت وكذلك في مسألة المحاباة فالوصية بالمحاباة
تكون من الثمن وذلك بمنزلة المال المرسل حتى يتصور تنفيذه واحد منهما بدون إجازة
الورثة عند كثره المال * فان قيل هذا فاسد فان الخلاف ثابت فيما إذا أوصى بعبد بعينه
لإنسان قيمته ألف وبعبد آخر بعينه لإنسان قيمته ألفان ولا مال له سواهما وهنا يتصور تنفيذ
الوصية لكل واحد منهما في جميع ما سمى له بغير إجازة الورثة بان يكثر مال الميت فيخرج
العبدان من الثلث * قلنا نعم ولكن وصيتهما بعين التركة حق الورثة فكانت تلك الوصية واقعة
في حق الورثة (ألا ترى) انها لا تصح الا بعد قيام ملكه في العين عند الوصية بخلاف الوصية
بالألف المرسلة فإنها صحيحة إن لم يكن في ملكه مال عند الوصية والطريق الاخر لأبي حنيفة
أن الوصية بما زاد على الثلث وصية ضعيفة حتى لا يجب تنفيذها الا بإجازة الورثة والوصية بالإرث
وصية قوية ولا مزاحمة بين الضعيف والقوي في الاستحقاق ولكن الضعيف في مقابلة القوي
كالمعدوم بمنزلة الوصية للوارث مع الوصية للأجنبي فإنه لا تثبت المزاحمة بينهما والمضاربة عند
149

عدم إجازة الورثة وبه فارق المواريث فقد استوى السهام في القوة وكذلك والوصايا في الثلث
فقد استوت في القوة لمصادفة كل واحد منهما محل الوصية وكذلك التركة إذا كانت ألفا وفيها
دين ألف ودين ألفان لان الدينين استويا في القوة وكذلك الوصايا في الألوف المرسلة والعتق
والمحاباة فإنها استوت في القوة حين لم تصح في حق الورثة على ما بينا وقول الموصى قصد تبين
قلنا الفصيل بناء على صحة الايجاب في حق الاستحقاق وقد بطل ذلك بالرد على الطريق الأول
وهو ضعيف على الطريق الثاني فلا يزاحم القوي وبه فارق مسألة الألف لان مطلق الإضافة
إليهما بعقبة تفسير وهو ما سمى من الستمائة لأحدهما والسبعمائة للاخر فيكون الحكم لذلك
التفسير استواء الايجاب في القوة وما قالوا إن الايجاب ينصرف إلى جزء شائع هاهنا فاسد
فإنه إذا أوصي بثلث ماله لابنه استحق الموصى له جميع الثلث ولو أنصرف الايجاب إلى ثلث
شائع في جميع المال صار له ثلث الثلث لان ذلك القدر صادف محل الوصية وحيث استحق جميع
الثلث عرفنا ان تسمية الثلث مطلقا تنفيذ محل الوصية لتصحيح ايجابه في جميعه كالعبد المشترك
بين اثنين يبيع أحدهما نصفا مطلقا فإنه ينصرف البيع إلى نصيبه خاصة فهذا مثله وعن أبي عاصم
الثقفي قال سألني إبراهيم عن رجل أوصي بنصف ماله وثلثه وربعه فأجازوا قلت لا علم لي بها قال
لي خذ مالا له نصف وثلث وربع وذلك اثنا عشر فخذ نصفها ستة وثلثها أربعة وربعها ثلاثة
فاقسم المال على ذلك وهذا قول أبي يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة رحمه الله بخلاف ذلك ولم
يزد على ذلك حتى اختلفوا في تخريج المسألة على قول أبي حنيفة وهذه مسألة معروفة تدعى
الثقفية وربما يمتحن من يدعى التحرز في المقدرات من أصحابنا فأما تخريج قولهما فظاهر لان
القسمة عندهما على طريق العول والمضاربة فالموصى له بالنصف يضرب بنصف المال ستة من
اثنى عشر والموصى له بالثلث يضرب بأربعة من اثنى عشر والموصى له بالربع يضرب بثلاثة فمبلغ
هذه السهام ثلاثة عشر فحينئذ اجازه الوارثة يقسم جميع المال بينهم على ذلك وعند عدم الإجازة
يقسم الثلث بينهم على ذلك وأما عند أبي حنيفة فقسمة المال بينهم عند إجازة الورثة على طريق
المنازعة فخرج أبو يوسف رحمه الله قوله على طريق ومحمد رحمه الله على طريق آخر والحسن
رحمه الله على طريق آخر وكل واحد منهما روي طريقه عنه وطريق الحسن أوجه فأما طريق
أبي يوسف فهو ان الموصي له بالنصف فضل الموصى له بالثلث بسهمين لا تفاوت ما بين
النصف والثلث سهمان ولا منازعة في هذين السهمين لصاحب الثلث والربع فيأخذهما صاحب
150

النصف ثم لا منازعة لصاحب الربع فيما زاد على الربع إلى تمام الثلث وهو سهم وصاحب الثلث
والنصف كل واحد منهما يدعى ذلك وفي المال سعة فيأخذ كل واحد منهما سهما ففي ثمانية
استوت منازعتهم فيها يكون بينهم أثلاثا فانكسر بالأثلاث فيضرب أصل المال اثنا عشر في
ثلاثة فيكون ستة وثلاثين صاحب النصف أخذ مرة سهمين ومرة سهما وقد ضربنا ذلك
في الثلاثة وهي تسعة وصاحب الثلث أخذ سهما وذلك ثلاثة والباقي أربعة وعشرون بينهم
لكل واحد منهم ثمانية فحصل لصاحب الربع ثمانية من ستة وثلاثين ولصاحب الثلث أحد عشر
ولصاحب النصف سبعة عشر وأما تخريج محمد لقول أبي حنيفة فقريب من هذا ولكنه قال
لما أخذ صاحب النصف سهمين بلا منازعة تراجع حقه إلى الثلث فوصاياهم جميعا بعد ذلك
اجتمعت في الثلث ومن أصل أبي حنيفة أن الوصايا متى وقعت في الثلث فالقسمة بين أربابها
على طريق العول فيضرب صاحب النصف بما بقي من حقه وهو أربعة من اثنى عشر وصاحب
الثلث بأربعة أيضا وصاحب الربع بثلاثة فيكون بينهم على أحد عشر فالسبيل ان تضرب أصل
المال اثنى عشر في احدى عشر فيكون مائة واثنين وثلاثين كان قد أخذ صاحب النصف
سهمين وضربنا سهما في أحد عشر وذلك اثنان وعشرون بقي بعد ذلك مائة وعشرة لصاحب
الربع من ذلك ثلاثون ولصاحب الثلث أربعون و لصاحب النصف كذلك فجملة ما حصل
لصاحب النصف اثنان وستون ولصاحب الثلث أربعون ولصاحب الربع ثلاثون فاما تخريج
الحسن رحمه الله لقوله فهو انه اجتمع هاهنا وصيتان وصية في الثلث ووصية فيما زاد على الثلث
وأبو حنيفة يرى القسمة على طريق العول في الوصايا في الثلث والقسمة على طريق المنازعة
في الوصايا فيما زاد على الثلث فيعتبر كل واحد منهما ويبدأ بقسمة الثلث لان القسمة على طريق
العول تكون عن موافقة فهو أقوى مما ينبنى علي المنازعة ولان الوصية في محلها أقوى مما إذا
جاوزت محلها فنقول يضرب صاحب النصف في الثلث بجميع الثلث وهي أربعة وصاحب
الثلث بمثله وصاحب الربع بينهم فيضرب الثلث بينهم على أحد عشر فيكون جميع المال على ثلاثة
وثلاثين ثم يأتي إلى القسمة بطريق المنازعة فنقول صاحب النصف حقه في النصف من جميع
المال وذلك ستة عشر ونصف وقد وصل إليه أربعة بقي له من حقه اثنا عشر ونصف وصاحب
الثلث كان حقه في أحد عشر وصل إليه أربعة بقي له سبعة فما زاد على سبعة إلى تمام اثنى عشر
ونصف لا منازعة فيه لصاحب الثلث فيأخذه صاحب النصف وذلك خمسة ونصف ثم صاحب
151

الربع كان حقه في الربع وذلك ثمانية وربع وصل إليه ثلاثة بقي له خمسة وربع فما زاد على خمسة
وربع إلى تمام سبعة لا منازعة فيه لصاحب الربع فصاحب الثلث والنصف كل واحد منهما
يدعيه وفي المال سعة فيأخذ كل واحد منهما سهما وثلاثة أرباع بلا منازعة فجملة ما أخذا من
اثنين وعشرين وهو ثلثا المال تسعة مرة خمسة ونصف ومرتين سهم وثلاثة أرباع وذلك ثلاثة
ونصف والباقي ثلاثة عشر استوت منازعتهم فيه فيكون بينهم أثلاثا فانكسر بالأثلاث وكان
قد انكسر بالانصاف والأرباع إلا أن الربع يجزى عن النصف لان النصف يخرج عن مخرج
الربع فالسبيل أن يضرب ثلاثة في أربعة فيكون اثنى عشر ثم يضرب أصل المال وذلك ثلاثة
وثلاثون في اثنى عشر فيكون ثلاثمائة وستة وتسعين الثلث من ذلك مائة واثنان وثلاثون كان
لصاحب النصف من ذلك أربعة مضروبة في اثنى عشر وذلك ثمانية وأربعون ولصاحب الثلث
مثل ذلك ولصاحب الربع ثلاثة مضروبة في اثنى عشر وذلك ستة وثلاثون وكان ما أخذ
صاحب النصف من الثلاثين بلا منازعة خمسة ونصف مضروبة في اثنى عشر فذلك ستة وستون
وما أخذه صاحب النصف وصاحب الثلث ثلاثة ونصف مضروبة في اثنى عشر وذلك اثنان
وأربعون بينهما نصفان لكل واحد منهما أحد وعشرون وكان الذي لا يستقيم بينهم ثلاثة عشر
مضروبة في اثنى عشر فيكون ذلك مائة وستة وخمسين بينهم لكل واحد منهم اثنان وخمسون
فصاحب الربع ما وصل إليه من الثلثين الا اثنان وخمسون وصاحب الثلث أخذ مرة اثنين
وخمسين ومرة أحدا وعشرين وذلك ثلاثة وسبعون وصاحب النصف أخذ مرة اثنين وخمسين
ومرة أحدا وعشرين ومرة ستة وستين فيكون ذلك مائة وتسعة وستين فإذا جمعت بين هذه
السهام بلغت سهام ثلثي المال مائتين وأربعة وستين فإذا ضممته إلى الثلث الذي اقتسموه على طريق
العول كانت الجملة ثلاثمائة وستة وتسعين فاستقام التخريج وعن إبراهيم رحمه الله قال إذا أوصى
الرجل وأعتق بدئ بالعتق وبه نأخذ وهو مروى على ابن عمر رضي الله عنه وهذا
لان العتق أقوى سببا من سائر الوصايا فإنه لا يحتمل الفسخ وهو اسقاط للرق والمسقط
يكون متلاشيا وسائر الوصايا يتحمل الفسخ والرجوع عنها وثبوت الحكم بحسب السبب
ولا مزاحمة للضعيف مع القوي ثم أبو يوسف ومحمد رحمهما الله أخذا بظاهر هذا الحديث
فقد ما العتق على المحاباة المتقدمة وأبو حنيفة رحمه الله خص المحاباة من سائر الوصايا باعتبار انها
أقوى سببا فسببها عقد الضمان وعقد الضمان أقوى من التبرع وقوة العتق باعتبار حكم السبب
152

فعند البداءة بالمحاباة يترجح بالسبق وبقوة السبب فقال يبدأ بها وعند البداءة بالعتق يستويان
من حيث إن للعتق قوة السبق وقوة الحكم وللمحاباة قوة السبب والمعتبر أولا السبب فان
الحكم يبنى على السبب فيتحاصان وسيأتي بيان المسألة في موضعها وعن إبراهيم في رجل يوصى
إلى رجل فيموت الموصى إليه فيوصى إلى رجل آخر فان وصيتهما جميعا صحيحة وبه نأخذ فان
الموصى بعد موت الموصى قائم مقام الموصى في ولايته في المال وقد كانت ولايته في ماله ومال
الموصى الأول فيخلفه وصيه في التصرف في المالين لان بعد قبول الوصية التصرف في مال
الموصى الأول من حوائج الوصي كالتصرف في مال نفسه وإنما يقيم الموصى مقامه فيما هو
من حاجته وعن إبراهيم في الرجل يوصى لام ولده في حياته وصحته فيموت قال هو ميراث
وان أوصي عند موته لها بوصية فهو لها من الثلث والمراد بوصيته لها في صحته الاقرار والهبة
لا الوصية المضافة إلى ما بعد الموت لان حالة الصحة وحالة المرض في ذلك سواء وبه نأخذ
فنقول الهبة لام الولد والاقرار لها بالدين باطل من المولى لأنها باقية على ملكه وكسبها له
بمنزلة القنة فأما وصيته لها مضافة إلى ما بعد الموت فصحيحة لأنها تعتق بالموت ووجوب
الوصية يكون بعد الموت فالوصية لها بمنزلة الوصية لجارية أجنبية وعن ابن عمر رضي الله عنه
قال إذا أقر الرجل عند موته بدين لوارث فإنه لا يجوز الا ببينة وان أقر لغير وارث بالدين
جاز ولو أحاط بجميع ماله وبه نأخذ في الفصلين وقد روى في بعض الروايات مرفوعا إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بينا ذلك في الاقرار وعن إبراهيم في المرأة يضربها الطلق
قال هي بمنزلة المريض في الوصية والتبرع والطلق اسم لوجع الولادة ويسمى ذلك مخاضا أيضا
قال الله تعالى فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ومتى أخذها وجع الولادة فهي بمنزلة المريض
لأنها أشرفت على الهلاك إلا أنه قد يأخذها الوجع ثم يسكن فباعتبار ذلك الوجع لا تصير
في التبرعات كالمريضة بمنزلة مرض يعقبه برء وإنما تصير كالمريضة إذا أخذها الوجع الذي
يكون آخره انفصال الولد عنها من سلامتها به أو موتها لان المعتبر مرض الموت ومرض
الموت ما يتصل به ومن أوصى بأكثر من ثلث ماله لم يجز في الفضل على الثلث الا ان يجيزه الورثة
بعد موته وهم كبار لان حقهم تعلق بماله بمرضه ولكن الشرع جعل الثلث محلا لوصية الموصى
ليتدارك به ما فرط في حياته فما زاد على ذلك إذا أوصى به فقد قصد الاضرار بورثته باسقاط
حقهم عما تعلق حقهم به وايثار الأجنبي على من آثره الشرع وهو الوارث فللوارث أن يرد عليه
153

قصده بأن يأبى الإجازة ولا معتبر بإجازته في حياة الموصى عندنا وقال ابن أبي ليلى تصح اجازته
في حياته وليس له أن يرجع بعد وفاته لأنه سقط حقه بالإجازة وبالمرض قد تعلق حقه بماله
فيصح اسقاطه وفقه هذا أن حق الوارث إنما يثبت في ماله بالموت ولكن سبب موته المرض
فلما أقيم هذا السبب مقام حقيقة الموت في منع المورث من التصرف المبطل لحق الوارث
فكذلك قام مقامه في صحة اسقاط الحق من الوارث بالإجازة ولكنا نقول اسقاط الحق
قبل وجود السبب لا يجوز ويعتبر المرض بسبب تعلق حقه بماله بل السبب مرض الموت
ومرض الموت ما يتصل به الموت فقبل؟ اتصال الموت لا يكون سببا وهذا الاتصال موهوم
فيكون هذا اسقاط الحق قبل تقرر السبب ثم الإجازة من الوارث إنما تعمل لوجود دليل
الرضى منه بتصرف المريض واجازته في حياة الموصى لا تدل على ذلك بل الظاهر أنه احتشم
المورث فلم يجاهره بالرد من غير أن يكون راضيا بوصيته بخلاف ما إذا أجازه بعد الموت وفي
الإجازة بعد الموت إن لم يكن الوارث من أهله بان كان صغيرا فهو باطل أيضا لأنه اسقاط
الحق بطريق التبرع فأما إذا كان كبيرا فاجازته صحيحة ويسلم المال للموصى له بطريق الوصية
من الموصى عندنا وعند الشافعي صحيحة بطريق التمليك من الوارث ابتداء منه حتى لا يتم الا
بالقبض على قوله وعندنا يتم من غير قبض الموصى له والشيوع لا يمنع صحة الإجازة وليس
للوارث أن يرجع فيه. وجه قوله أن ينفس الموت قد صار قدر الثلثين من المال ملكا للوارث
لان الميراث يثبت من غير قبول الوارث ولا يرتد بالرد فاجازته تكون اخراجا للمال عن ملكه
بغير عوض وهذا فيه لا يتم الا بالقبض كما لو أوصى بمال جاره فأجازه الجار بعد موته ولكنا
نقول تصرف الموصى صادف ملكه وامتنع نفوذه بقيام حقه الغير فيه إجازة من له الحق
تكون اسقاطا كإجازة المرتهن بيع الراهن وكذلك أن أجازوا وصية الوارث ولو أوصى
بألف درهم من مال رجل أو بعبد أو ثوب فأجاز ذلك الرجل قبل موته أو بعده فله أن يرجع
عنه ما لم يدفعه إلى الموصى له فإذا دفعه إليه جاز لان وصيته من مال غيره بمنزلة الهبة كأنه وهب
مال غير فلا يصح إلى بالتسليم والقبض كما لو وهب مال نفسه بخلاف الوصية من مال نفسه
بأكثر من الثلث لأنه أوصى بمال نفسه إلا أنه لم ينفذ لحق الورثة فإذا أجازوا فقد أبطلوا
حقهم وجاز من قبل الوصي جواز الوصية فلم يكن التسليم من شرط صحتها وجوازها وإذا
أوصى الرجل لرجل بعبد ولاخر بثوب ولاخر بدار والثلث يبلغ ألف درهم والوصية تبلغ
154

ألفا وخمسمائة أصاب كل واحد منهم ثلثي وصيته وبطل الثلث لأنه لا بد من ابطال الفضل على
الثلث وليس أحدهم بابطالها أولى من الاخر وقد استووا في استحقاق الثلث فكذا في
ابطاله فينقص من وصية كل واحد منهما ثلثها ووجه ذلك أن ينظر إلى مبلغ الوصايا والى ثلث
ماله فإن كانت الزيادة مقدار الثلث ينقص من نصيب كل واحد منهما الثلث وإن كان نصفا
النصف وتفسيره إذا أوصي لرجل بعبد قيمته ألف درهم ولاخر بثوب قيمته ثلاثمائة درهم
ولاخر بدار قيمتها مائتان فذلك كله ألف وخمسمائة وثلث ماله ألف فالزيادة مقدار الثلث
فينقص من وصية كل واحد منهم مقدار الثلث فلصاحب العبد ثلثا العبد ولصاحب الدار ثلثا
الدراهم ولصاحب الثوب ثلثا الثوب فاستقام الثلث والثلثان وإذا أوصى لذوي قرابته بالثلث
فان ذوي قرابته كل ذي رحم محرم منه * قال رضي الله عنه هنا خمسة ألفاظ اما ان يوصى
لذوي قرابته أو لا قاربه أو لأنسابه أو لأرحامه أو لذوي أرحامه فأبو حنيفة يعتبر خمسة
أشياء ذا رحم محرم واثنين فصاعدا ما سوى الوالد والولد ومن لا يرث والأقرب فالأقرب
وفي قول أبي يوسف الأول يدخل فيها جميع ذوي رحم محرم منه الأقرب والأبعد في ذلك
سواء ثم رجع فقال كل من يجمعه وأباه أقصى أب في الاسلام ويدخل في الوصية ذو الرحم
وغير ذي الرحم المحرم كلهم سواء وهو قول محمد والاختلاف في موضعين أحدهما أنه
يصرف إلى ذوي الرحم المحرم ولا يصرف إلى غيرهم عند أبي حنيفة وعندهما ذو الرحم المحرم
وغيره سواء والثاني انه يصرف إلى الأقرب فالأقرب عنده وعندهما يستوى فيه الأقرب
والأبعد واتفقوا انه لا يدخل فيها الوصية لوارث لقوله عليه السلام لا وصية لوارث وكذلك يعتبر
الاثنان بالاتفاق لان ذوي لفظ جمع وأقل الجمع اثنان في الميراث (ألا ترى) ان الأخوين
ينقلان الأم من الثلث إلى السدس فكذلك في الوصية إذ هي أخت الميراث فلذلك لا يصرف
إلى الولد لأنهما يسميان قرابة لقوله تعالى ان ترك خيرا لوصية للوالدين والأقربين من بينهما
فتبين ان الوالدين غير القرابة فإذا خرج الأب من أن يكون قريبا للابن خرج الابن من أن
يكون قريبا للأب وهل يدخل فيها الجدود وولد الولد ففي الزيادات انه يدخل ولم يذكر فيه
خلافا وروى الحسن عن أبي حنيفة ان الجد وولد الولد يدخلان في الوصية وكذا روى عن
أبي يوسف لان الجد بمنزلة الأب وولد الولد بمنزلة الولد وإنما اعتبر أبو حنيفة ذا الرحم المحرم
لان الموصى قصد بالوصية صلة الرحم لأنه مأمور بها قال الله تعالى ان الله يأمر بالعدل
155

والاحسان وايتاء ذي القربى وقال جل وعلا وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فلما
كان مأمورا بصلة القرابة وإنما تجب الصلة ممن كان ذا رحم محرم منه فانصرفت الوصية إليه
دون غيره لان القرابة المطلقة قرابة ذي الرحم المحرم لاختصاصها باحكام مخصوصة من عدم
جواز المناكحة والعتق عند الملك وعدم الرجوع في الهبة ووجوب النفقة عند العشرة فانصرفت
الوصية إليه وإنما اعتبر الأقرب فالأقرب لان كل من كان أقرب إليه فهو أشبه بهذا اللفظ
فكان أولى كما في العصبات وذوي الأرحام في الميراث والأقرب في الشفعة وجه قول أبي
يوسف الأول أنه ينصرف إلى كل ذي رحم محرم منه الأقرب والأبعد منه سواء لأنهم في
استحقاق الاسم سواء (ألا ترى) انه لو أوصى لاخوته وله اخوة بعضهم لأب وأم وبعضهم
لأب وبعضهم لام أنهم في الوصية سواء ولا يعتبر الأقرب. وجه قوله الاخر وهو قول محمد
انه يدخل فيه ذو والرحم المحرم وغير ذي الرحم المحرم ويصرف إلى كل من يجمعه وأباه أقصى
أب في الاسلام ان هذا اللفظ في الأبعدين أكثر استعمالا من الأقربين (ألا ترى) انه
لا يقال للأخ أو العم هذا قريبي فيدخلون كلهم في الوصية (ألا ترى) إلى ما روى في الخبر لما نزل
قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرباءه سبعين نفسا
وقال لهم اني نذير لكم بين يدي عذاب شديد وكان فيهم ذو رحم محرم وغيره فثبت ان كلهم
في الوصية سواء إلا أنه لا يمكن أن يدخل فيه جميع أولاد آدم عليه السلام فيجعل الحد فيه
من يجمعه وإياهم أقصى أب في الاسلام لأنه لما ورد الاسلام صارت المعرفة بأهل الاسلام
وكان قبل ذلك يعرف بقبائل الجاهلية وهما إنما قالا ذلك في زمانهما لان في ذلك الوقت ربما
يبلغ إلى ثلاثة آباء أو أربعة آباء ولا يجاوز ذلك فتتبين أقرباؤه أما في زماننا فلا يمكن أن يعتبر
ذلك لان النسبة قد طالت فتقع الوصية لقوم مجهولين فان ترك عمين وخالين وهم ليسوا
بورثة فعند أبي حنيفة الوصية للعمين دون الخالين لان العم أقرب من الخال لأنه من قبل
الأب بدليل والولاية وعندهما الثلث بينهم بالسوية ولو كان له عم واحد وخالان كان للعم النصف
والنصف للخالين عنده لأنه أوصى بلفظ الجمع وهو قوله ذوي وأقل الجمع في الوصية اثنان
ويصرف النصف إلى الخالين لأنهما يستحقان اسم القرابة فإذا خرج العم من الوسط صار كأنه لم
يترك الا الخالين قال محمد رحمه الله إذا أوصى بثلث ماله لقبيلة دخل الموالي فيه لأنهم ينسبون
إلى تلك القبيلة وقد روى عن النبي عليه السلام أنه قال مولي القوم منهم هذا إذا كانوا يحصون
156

فإن كانوا لا يحصون فالوصية باطلة لان المقصود من هذه الوصية الصلة (ألا ترى) انه يستوي
فيه الغني والفقير فإذا كانوا لا يحصون صاروا مجهولين فبطلت وجه الاحصاء ذكرناه في
الشرب والشفعة ولا خلاف في المسألة الا انه نص علي قول محمد وقال أبو يوسف ومحمد
رحمهما الله إذا أوصى لفقراء أهل بيته فلكل من ينسب إلى أقصى جد في الاسلام من قبل
الرجال وكذا لمحتاجي أهل بيته أي إذا أوصى لأهل بيته فإن كان الموصى من أولاد العباس
فكل من كان نسبه إلى العباس من قبل الأب دخل فيه سواء كان هو بنفسه ذكر أو أنثى
بعد أن يكونا منسوبين إليه من قبل الاباء ومن كان نسبه إليه من قبل الأم لا يدخل فيه
لأنه لا يسمى من أهل بيته وإنما يسمى من أهل بيت آخرين وكذلك الوصية لجنس فلان
أو لمحتاجي جنسه لان الجنس وأهل البيت سواء وسواء كانوا يحصون أو لا يحصون لان
هذا سبيل الصدقة لأنه حصر الفقراء والمحتاجين وجهالة المتصدق عليه لا تمنع؟ الصحة فان
قابض الصدقة هو الله تعالى وهذا عندهم إلا أن عند أبي حنيفة يعتبر الأقرب فالأقرب ولا
يعطى غير ذي الرحم المحرم وعندهما تصرف إلى الكل * ولو أوصى بثلث ماله لاخوته وله ستة
اخوة متفرقين وله ولد يجوز ميراثه فالثلث بين اخوته سواء لان الاستحقاق بالاسم وهم في
استحقاق الاسم سواء بخلاف ما لو أوصي لأقرباء فلان عند أبي حنيفة لأنه يصح أن يقال
هذا أقرب من فلان ولا يصح أن يقال هذا أكثر أخوة من فلان بل كلهم في استحقاق
الاسم سواء هذا إذا كان له ولد يجوز ميراثه فإن لم يكن فلا وصية للوارث وللأخوين لأب
ثلث ذلك لأنهما لا يرثان * فان قيل وجب ان يصرف جميع الثلث إليهما إذا لم تصح الوصية
لهم كما لو أوصى لحي وميت * قلنا الإضافة كانت صحيحة إلى الأخوين لأب وأمين ولأخوين
لام (ألا ترى) انه لو أجازت الورثة جازت إلا أنهم خرجوا بعد الدخول في الوصية فلا
يزداد حق الأخ لأب (ألا ترى) انه لو أوصي لثلاثة نفر فمات اثنان قبل موته كان للباقي
ثلث الثلث لصحة الإضافة (ألا ترى) أنه لو قال الثلث الذي أوصيت به لفلان أوصيت
به لوارثة فإنه يكون رجوعا بخلاف ما لو قال لفلان وفلان وأحدهما ميت لان الميت ليس بمحل
بوجه ما فلا يدخل تحت اللفظ (ألا ترى) انه لو قال الثلث الذي أوصيت به فلان فقد أو صيت
به لفلان الميت لا يكون رجوعا وإذا أوصى بثلثه لبني فلان فهذا لا يخلو اما أن يكون الأب
هو قبيلة مثل تميم وكليب ووائل لا يكون قبيلة بل أب خاص فإن كانت قبيلة خاصة دخل
157

فيه الذكور والإناث لان المراد بالنسبة والمرأة تقول أنا من بنى فلان كما يقول الرجل لأنه
لا حقيقة لهذه النسبة وإنما ينسب إليها مجازا فيتناول جنس من ينسب إليها حقيقة كان أو مجازا
(ألا ترى) أنه لو يدخل فيه الحليف والخليل وإذا كانوا يحصون فإن كانوا لا يحصون فهي
باطلة لان في القبيلة أغنياء وفقراء والوصية للأغنياء صلة والصلة للمجهول باطلة أما إذا كان
فلان أب صلب فإن كانوا ذكور دخلوا في الوصية لان لفظ البنين للذكور حقيقة فينصرف
إليه ما أمكن وان كن إناثا لا يدخل فيه ذكور واحدة منهن لان اللفظ لا يتناولهن وان
كانوا ذكورا وإناثا فعند أبي حنيفة وأبي يوسف الوصية للذكور دون الإناث وعند محمد
يدخل فيه الذكور والإناث وهو احدى الروايتين عن أبي حنيفة رواه يوسف بن خالد السمين
لأبي يوسف وأبي حنيفة فعند أبي حنيفة وأبي يوسف ان البنين جمع لابن يقع على الذكور
لأنه حقيقة (الا ترى) أنهم لو كانوا كلهم إناثا لم يدخلوا في الوصية ومحمد يقول البنين إذا
ذكروا مطلقا يقع على الذكور والإناث عند اشتراكهم قال الله تعالى يا بني آدم ولم يقصر اللفظ
على الذكر خاصة لان النسب إلى الجد بمنزلة النسب إلى الأب في الحقيقة لان أكثر الناس
ينسب إلى الجد ليعرف دون الأب (ألا ترى) ان ابن أبي ليلي ينسب إلى جده وكذلك أبو
نصر بن سلامة ينسب إلى جده لان سلامة جده لا أبوه وإذا كان ينسب إلى الجد صار الحكم
أن الصلب والجد سواء ولو أوصى بثلاثة لولد فلان وله بنون وبنات كان الثلث بينهم سواء لان
الولد اسم الجنس المولود ذكرا كان أو أنثى واحدا كان أو أكثر ولو كانت له امرأة حامل
دخل ما في بطنها في الوصية لأنه دخل تحت تسمية الولد (ألا ترى) أنه يرث فيدخل تحت
الوصية أيضا فإن كانت له بنات وبنو ابن فالوصية لبناته دون بنى ابنه لان لفظ الولد يتناول
ابنه حقيقة ويتناول أولاد الابن مجازا فمهما أمكن صرفه إلى حقيقته لا يصرف إلى مجازه ولا
يدخل أولاد البنات لأنهم من قوم آخرين وليسوا من أولاده لان النسب للآباء ولو كان
له ولد واحدا ذكر أو أنثى فجميع الوصية له لأنه هو المستحق للاسم على الحقيقة فلا يصرف إلى
مجازه والولد اسم جنس يتناول الولد الواحد فصاعدا وإذا أوصى لفخذ فلان أو لبطن فلان فالجواب
فيه مثل الجواب في قوله لقبيلة فلان يدخل فيه البنون والبنات وهذا إذا كانوا يحصون فأما إذا
كانوا لا يحصون فالوصية باطلة لأنه للمجهول الا إذا قال لفقرائهم فحينئذ يجوز لان المقصود
به التقرب إلى الله تعالى فإن كانوا يحصون يدفع إلى جميعهم لأنه بمنزلة التسمية لهم وان كانوا
158

لا يحصون يجوز أن يدفع إلى بعضهم دون بعض غير أن عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله
يجوز صرفه كله إلى فقير واحد وعند محمد لا يجوز إلا أن يصرف إلى اثنين لان الوصية أخت
الميراث والجمع في باب الميراث اثنان فصاعدا ولهما ان الفقر اسم جنس والجنس يتناول الواحد
فصاعدا دل عليه قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء الآية ولو دفع إلى فقير واحد جاز ولهذا
لو قال إن تزوجت النساء فعبدي حر فتزوج امرأة واحدة يعتق * ولو أوصى بثلثه لفلان
وفلان أو بني فلان وفلان ثم مات الموصى فالمسألة على ثلاثة أوجه اما أن يموت أحدهما قبل
موت الموصى أو بعد موته أو كان ميتا وقت الوصية أما إذا مات بعد موته فإنه يكون الثلث
بين الحي والميت نصفين ولان الموصى لما مات أولا فقد وجبت الوصية لهما فإذا مات أحدهما
صار نصيبه لورثته وان مات أحدهما قبل موته صار نصف الثلث للحي ونصفه مردودا إلى
ورثة الموصي لأنه مات قبل وجوب الوصية له لان الوصية تملك بعد الموت وقد مات قبل
الملك وإنما يكون للحي نصف الثلث لان الإضافة إليهما كانت صحيحة وكان لكل واحد منهما
نصف الثلث فلا يزاد حقه بموت الاخر فكان لورثة الموصى وأما إذا كان أحدهما ميتا وقت
الوصية فإن كان الموصى قال بني فلان وفلان فللحي نصف الوصية ولا شئ لورثة الميت لان
كلمة بين كلمة تقسيم وتجزئة فصار كأنه أوصى لكل واحد منهما بنصف الثلث وإذا بطل نصيب
الميت رجع إلى ورثة الموصى ولا يكون للحي الا النصف ولو قال لفلان وفلان وأحدهما
ميت فالوصية كلها للحي سواء علم بموته أو لم يعلم ويروى عن أبي يوسف أنه قال إن كان
الموصى علم بموته فالثلث كله للحي وإن لم يعلم فللحي نصفه لأنه إذا لم يعلم بموته كان قصده
تمليك نصف الثلث لكل واحد منهما فلا يثبت الا ذلك بخلاف ما إذا علم بموته لأنه قصد
صلة الحي منهما وجه ظاهر الرواية أنه أضاف الوصية إلى اثنين أحدهما تصلح الإضافة إليه
والاخر لا تصلح فبطلت الإضافة إلى من لا تصلح إليه الإضافة وتثبت إلى من تصلح
الإضافة (ألا ترى) انه لو قال ثلث مالي لفلان ولهذه الاسراء ولهذه الأسطوانة كان
الثلث كله لفلان ولو قال ثلث مالي لفلان ولعقبه فالثلث كله لفلان لان الإضافة إلى العقب
فاسدة لان عقبه من يعقبه فإذا كان هو حيا لا يكون له عقب وإذا بطلت الإضافة إلى العقب
ثبت ثلث المال إليه ولو قال ثلث مالي لفلان وللمساكين كان نصفه لفلان ونصفه للمساكين
عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد ثلثه لفلان وثلثاه للمساكين بناء على ما ذكرنا أن عنده
159

المساكين اسم جمع فيتناول الاثنين وعندهما اسم جنس فيقع على الأدنى وكذا لو قال ثلث مالي
لفلان وللحج كان نصفه للحج لان الوصية للحج وصية لله تعالى فصار كأنه
أوصى لاثنين وإذا قال حجوا عني حجة وأعتقوا عني نسمة ينفذ من الثلث لان الوصية نفاذها
من الثلث فإذا كأن لا يسعها ينظر ان كانت الحجة حجة الاسلام بدى بها وان أخره
الميت لان حجة الاسلام أقوى من نسمة التطوع ويعلم أن اسقاط الفرض أهم إليه من غيره
إلا أنه أخره ليقبل قلبه وإن كان حجه تطوعا وليس أحدهما بأولى من الاخر فيبدأ بما بدأ
به الميت لأنه أهم عنده هذا إذا أوصى بعتق نسمة منه بغير عينها اما إذا كانت النسبة بعينها
فإنهما يتحاصان في الثلث لان الوصية بالعتق وصية للعبد إذا كان معينا والوصية بالحج وصية
لله تعالى فصار بمنزلة وصيتين مختلفتين فيتحاصان بخلاف ما إذا كانت النسمة بغير عينها لأنهما
وصيتان لله تعالى وإذا أوصى بالثلث لبنى فلان وهم أربعة فمات منهم اثنان وولد للأب ولد
آخر ثم مات الوصي فالثلث لولده يوم يموت الموصى لان الوصية تمليك بعد الموت فانصرف
إلى الموجودين بعد الموت (ألا ترى) انه يعتبر ماله يوم الموت لا يوم الوصية وكذا لو قال
ثلث مالي لموالي فلان وفلان العربي ثم مات منهم ميت وأعتق فلان منهم عبدا ثم مات الموصى
فالثلث لمواليه يوم مات لما ذكرنا ولو كان لفلان موالي أعتقهم وموالي أعتقوه فإن لم يكن
من العرب ولم يبين لأي الفريقين أوصى فالوصية باطلة لان الموصى له مجهول لان المولى
يذكر ويراد به المولى الأسفل ويذكر ويراد به الأعلى ولا يمكن الجمع بينهما لاختلاف
المقصود لان المقصود من الوصية للأسفل زيادة انعام ومن الوصية للأعلى الشكر علي النعمة
وهما متضادان لا يمكن الجمع بينهما وروى عن أبي حنيفة أن الثلث للمولى الأسفل لان قصده
بالوصية البر والناس يقصدون بالبر المولى الأسفل دون الأعلى (ألا ترى) انه لو وقف على
مواليه كان للأسفل دون الأعلى كذلك هنا وروى عنه أيضا ان الثلث بين الفريقين نصفان
لان الاستحقاق بالاسم وهم في استحقاقه سواء (ألا ترى) انه لو وصى لاخوته وله
أخ لأب وأم وأخ لام ان الثلث بينهم لاستحقاق الاسم كذلك هاهنا ولو أوصى
بثلث ماله لفلان وله مال فهلك ذلك المال أو لم يكن له مال ثم اكتسب مالا فله ثلث ماله يوم
يموت لان الوصية تمليك عند الموت ولان الرجل لا يكون ماله أبدا على حالة واحدة فربما
يستفيد وربما يهلك فلما أوصى بثلث ماله مرسلا ولم يقيده صار كأنه قال لفلان ثلث مالي الذي
160

يكون وقت الموت (ألا ترى) أنه لو ربح في المال ربحا أو زاد في المال شيئا ان له ثلث جميع
المال * ولو أوصى له بثلث غنمه فهلكت الغنم قبل موته أو لم يكن له غنم من الأصل فالوصية
باطلة وكذا العروض كلها لان الوصية تعلقت به فالهلاك يبطلها وكذلك إن لم يكن موجودا
فاستفاد لأنه علقه بالعين وأنها غير موجودة وكذا لو قال شاة من غنمي أو قفيز من حنطتي ثم
مات وليس له غنم ولا حنطة فالوصية باطلة إذا لم يكن له في الأصل غنم ولا حنطة ومثله لو قال
شاة من مالي أو قفيز حنطة من مالي أو ثوب من مالي فالوصية جائزة ويعطى له قيمة شاة
لأنه أضافها إلى ماله فالمال اسم للجنس يتناول الدراهم والدنانير والعروض ونحوها والشاة
ليست من أجزاء هذا المال فعلم أنه أراد قيمة شاة من ماله * ولو أوصي له بشاة ولم يقل من
غنمي ولا من مالي فمات وليس له غنم لم تذكر في هذا الكتاب وينبغي أن يعطى له شاة أو
قيمة شاة وقد ذكر في السير الكبير مسألة تدل على هذه الحالة قال إذا قال الامام من قتل
قتيلا فله جارية من السبي فإن كان في السبايا جارية فإنه يعطى له وإن لم يكن فإنه لا يعطى له
ولو قال من قتل قتيلا فله جارية ولم يقل من السبي فإنه يعطى جارية على كل حال كذلك
هنا * ولو أوصى لرجل بثوب ثم قطعه وخاطه قميصا فهذا لا يخلو اما أن يغيره عن جنسه أو
يزيد فيه أو ينقصه أما إذا غيره عن جنسه كان رجوعا كما إذا أوصى له بثوب ثم قطعه وخاطه
قميصا أو أوصى له بقطن ثم غزله أو بغزل ثم نسجه أو بحديدة ثم صاغ منها اناء أو سيفا أو
بفضة ثم صاغ منها خاتما أو غيره كان رجوعا لأنه لما غيره عن حاله استدل به أنه أراد الرجوع
إذا لو كان من قصده البقاء على الوصية لما كان يغيره عن حاله فالذي أوصى به لم يوجد والذي
وجد لم يوص به لأنه صار شيئا آخر وأما إذا زاد فيه فإن كانت زيادة لها قيمة مثل الثوب إذا
صبغه والسويق إذا لته بالسمن أو أوصى له بدار وليس فيها بناء فبنى فيها كان ذلك رجوعا لان
الموصي له لا يتوصل إليه الا ببذل وقد جعل وصيته بغير بذل فلما لم يتوصل إليه الا ببذل يستدل
به أنه أبطل الوصية وأما إذا زاد شيئا يتوصل به إليه بغير بذل كما أوصى بدار ثم جصصها
أو طينها فذلك لا يكون رجوعا لان ذلك تحسين وتزيين ويتوصل إليه بغير بذل فلم يكن
رجوعا وكان ذلك دليل البقاء على الوصية * وكذلك لو أوصى له بثوب ثم غسله لم يكن رجوعا
لأنه ليس بزيادة وإنما ذلك لإزالة الدرن والوسخ وأما إذا نقصه فإن كان نقصانا يبقى الغير مع
ذلك النقصان لا يكون رجوعا كما إذا أوصى له بثوب ثم قطعه ولم يخطه لان الشئ لم يتغير عن
161

حاله لكن انتقص وان كأن لا يبقي مع ذلك النقصان كان رجوعا كما إذا أوصى له بشاة ثم ذبحها
لان اللحم لا يبقي إلى وقت الموت والانسان وان مرض مرضا شديدا فإنه لا ينقضى أجله فلما
كان عنده أن اللحم لا يبقى إلى وقت موته فقد قصد الرجوع عن الوصية * ولو أوصى له
بقطن ثم حشا به قباء أو ببطانة ثم بطن بها أو بظهارة ثم ظهر بها ثوبا فذلك رجوع لان هذا يعد
استهلاكا من طريق الحكم (ألا ترى) أن الغاصب لو فعل هذا انقطع حق المالك فالاستهلاك
يدل على الرجوع * ولو أوصى له بعبد أو بثوب ثم باعه ثم اشتراه فبيعه رجوع عن الوصية
لأنه لما باعه صار بحال لو أوصى به في هذه الحالة لا يصح لأنه وصية بملك الغير فكان بيعه
دليلا على الرجوع * ولو أوصى لرجل بعبد لا يملكه ان يشترى له ثم تملكه الموصى بهبة أو
ميراث أو وصية ثم مات فهو جائز من ثلثه لأنه أوصى بشراء ذلك العبد وبدفعه إلى فلان
فإذا ملكه بوجه من أسباب الملك دفع بموته الشراء عن الورثة وليس هذا كما إذا قال أوصيت
بهذا العبد لفلان والعبد لغيره ثم ملكه أنه لا تنفذ وصيته لأنه لو لم يشتر في تلك المسألة لا يجب
على الورثة شراؤه فان ذلك بمنزلة هبة عبد الغير أن أجاز صاحبه جاز وإلا فلا أما في مسئلتنا
فلو لم يشتر بنفسه يجب على الورثة شراؤه ان قدروا عليه ودفعه إليه فلما اشترى بنفسه أو ملكه
بوجه آخر وجب عليهم نصفين لأنه أوصى لكل واحد منهما بجميع العبد الا انه لما تضايق
عن حقهما يقضى بينهما لاستوائهما هذا كدار بيعت ولها شفيعان ثبت حق الشفعة لكل واحد
منهما علي الكمال الا انه يقضى بينهما الضيق المحل كذلك هنا قال في الأصل انه متى سمى الوصية
الأولى وأوصى بها للثاني كان رجوعا عن الوصية الأولى ومتى سمى الوصية به ولم يسم الوصية
الأولى لم يكن رجوعا وكان ذلك بينهما * وبيانه إذا أوصى بعبده لرجل ثم قال العبد الذي
أوصيت به لفلان أوصيت به لفلان آخر كان رجوعا لأنه سمى الوصية الأولى واستأنف
الوصية للثاني فكان رجوعا واستئنافا للوصية للثاني وكذلك لو قال العبد الذي أوصيت به
لفلان هو لفلان آخر وكذا لو قال العبد الذي أوصيت به لفلان قد أوصيت به فلان آخر لأنه
سمى الوصية الأولى واستأنف الوصية للثاني بحرف قد لأنه للايقاع والابلاغ في الاستئناف
فكان رجوعا وكذا لو قال العبد الذي أوصيت به لفلان فقد أوصيت به لفلان آخر ولو قال
العبد الذي أوصيت به لفلان وقد أوصيت به لفلان كان بينهما نصفين ولم يكن رجوعا لان
الواو للعطف والجمع فقد جمع بينهما في الوصية ولم يستأنف الوصية للثاني أما إذا سمي الموصى
162

به ولم يسم الوصية الأولى لم يكن رجوعا ولكن كان بينهما كما إذا أوصى بعبده الرجل ثم
أوصي به لاخر لما ذكرنا ولو لم يوص به لاحد ولكنه جحد وصية الأول وقال لم أوص
له فهذا رجوع هكذا ذكر هنا في الجامع إذا قال اشهدوا أني لم أوص له لا يكون
رجوعا وهذه المسألة علي قياس تلك المسألة ينبغي أن لا يكون رجوعا وبعضهم فرق لاختلاف
الوضع أما من جعل في المسألة روايتين فوجه من قال إنه رجوع أن الوصية تحتمل الرد
والنقص فكان الجحود رجوعا كما إذا جحد الموكل الوكالة كان حجرا على الوكيل والمتبايعين
إذا جحدا البيع كان إقالة منهما ووجه الرواية التي لا تكون رجوعا أن الوصية وجوبها
بالموت بدليل انه يعتبر القبول والرد بعد الوفاة فإذا قال لم أوص له بشئ فهو صادق في مقالته
على معنى انه لم يوجب له الوصية بعد فلا يكون رجوعا ومن فرق لاختلاف الوضع قال
هنا جحد الوصية فكان رجوعا وفي الجامع لم يجحد ولكن قال اشهدوا اني لم أوص له
بشئ فقد أمر الشهود أن يكذبوا عليه فلا يكون رجوعا والأصح ما ذكره المعلى في نوادره
أن على قول أبي يوسف الجحود يكون رجوعا عن الوصية وعلى قول محمد لا يكون رجوعا
فما ذكر هنا قول أبي يوسف وما ذكر في الجامع قول محمد. وجه قوله أن الرجوع فسخ
ورفع للعقد الثابت وجحود أصل العقد لا يكون تصرفا فيه بالرفع كما أن جحود النكاح
من الزوج لا يكون رفعا له بالطلاق. وجه قول أبى يوسف انه بالجحود يبقي العقد في الماضي
ومن ضرورته نفى العقد في الحال والثابت بضرورة النص كالثابت بالنص وهو يملك نفى
العقد في الحال ان كأن لا يملك نفيه في الماضي وبه فارق النكاح لان نفى النكاح من
الأصل يقتضى نفى وقوع الطلاق عن المحل الا انه يقتضى ايقاع الطلاق علي المحل في الحال *
ولو أوصي له بثلث غنمه أو إبله أو طعامه أو شئ مما يكال أو يوزن من صنف واحد
فاستحق الثلثان من ذلك أو هلك وبقي الثلث وله مال كثير يخرج الباقي من ثلثه فللموصي
له جميع ما بقي وقال زفر في الاستحقاق كذلك وفي الهلاك للموصى له ثلث ما بقي لأنه
بالاستحقاق تتبين أنه عند الوصية ما كان يملك الا الثلث وأن تصرفه تناول ذلك الثلث لان
وصيته بالعين لا تصح الا باعتبار ملكه في المحل فأما بالهلاك فلا يتبين ان الهالك لم يكن على
ملكه وقت الايجاب وإنما وجب له الثلث شائعا فما هلك يهلك علي الشركة وما لم يبق يبقى على
الشركة ولكنا نقول إن تنفيذ الوصية بعد الموت وعند ذلك محل الوصية هو الباقي في الفصلين
163

جميعا فيستحق جميع ما بقي وهذا لان الموصي جعل حاجته في هذه العين مقدمة على حق ورثته
بقدر ما سمى للموصي له فكان حق الورثة فيه كالتبع وإنما يجعل الهالك من التبع لا من
الأصل وهذا بخلاف ما إذا أوصي له بثلث ثلاثة أجناس من المال فاستحق جنسان أو هلك
جنسان قبل موت الموصى فان للموصى له ثلث ما بقي لان هناك الموصى له لا يستحق جميع
ما بقي بما أوجبه له بحال (ألا ترى) انه لو بقيت الأجناس لم يكن له أن يجبر الورثة على أن
يقسم الكل قسمة واحدة فيعطونه أحد الأجناس وفي الجنس الواحد هو مستحق لجميع ما بقي
بما أوجبه حتى إذا لم يهلك منه شئ كان له أن يجبر الورثة على القسمة ليأخذ الثلث والباقي
هو الثلث * ولو أوصي له بثلث ثلاثة وبثلاثة من الرقيق واستحق البعض أو هلك لم يكن
للموصى له الا ثلث الباقي ومن أصحابنا من يقول هو عند أبي حنيفة رحمه الله لأنه لا يرى
قسمة الجبر في الدور والرقيق فهي عنده كالأجناس المختلفة فما عندهما فينبغي أن يكون للموصى
له جميع ما بقي لأنها بمنزلة جنس واحد عندهما في أنها تقسم قسمة واحدة والأصح قولهم جميعا
لأنهما لا يقولان بقسمة لجبر في الدور إلا أن يرى القاضي المصلحة في ذلك فلا يكون الموصى له
مستحقا للدار الباقية بما أوجب له الموصى وكذلك لا يريان قسمة الجبر في الرقيق الا عند التساوي
في المالية ولا يكون ذلك الا نادرا فالتفاوت في بني آدم كثير في الظاهر فلهذا لا يكون
للموصى له الا ثلث ما بقي ولو أوصى لرجل بعبد قيمته خمسمائة ولاخر بثوب قيمته مائة ولاخر
بسيف قيمته مائتان وله سوى ذلك ألف درهم أو عروض بقيمة ألف فان الورثة إن لم يجيزوا
فلكل واحد منهم ثلاثة أرباع وصيته لان مبلغ الوصايا ثمانمائة درهم وثلث مال الرجل ستمائة
فكان الثلث من مبلغ الوصايا بقدر ثلاثة أرباعه فعند عدم الإجازة يبطل من وصية كل واحد
منهم الربع فيسلم لصاحب العبد ثلاثة أرباع العبد وقيمته ثلاثمائة وخمسة وسبعون ولصاحب
الثوب ثلاثة أرباع الثوب وقيمته خمسة وسبعون ولصاحب السيف ثلاثة أرباع السيف وقيمته
مائة وخمسون فجملة ما نفذت فيه الوصية ستمائة وحصل للورثة ألف درهم وربع العبد قيمته
مائة وخمسة وعشرون وربع الثوب قيمته خمسون ذلك ألف ومائتان فاستقام الثلث والثلثان
* ولو أوصى لرجل بسيف قيمته مائة ولاخر بسدس ماله وله خمسمائة درهم سوى السيف
كان لصاحب السيف أخذ عشر سهما من اثنى عشر سهما من السيف في قول أبي حنيفة رحمه الله
لأنه اجتمع في السيف وصيتان وصية بجميعه ووصية بسدسه والقسمة في هذا عند أبي حنيفة
164

على طريق المنازعة فخمسة أسداس السيف تسلم لصاحب السيف بلا منازعة وقد استوت
منازعتهما في السدس فكان بينهما نصفين وتبين أن سهام السيف صارت على اثنى عشر لحاجتنا
إلى سدس ينقسم نصفين وقيمة السيف مائة فكل مائة من الخمسمائة يكون على اثنى عشر أيضا
فذلك ستون سهما للموصى له بالسدس سدس ذلك لأنه أوصى له بسدس ماله فيستحق به
السدس من كل مال وذلك عشرة فتبين أن للموصى له بالسدس أحد عشر سهما عشيرة من
الخمسمائة وسهم من السيف ولصاحب السيف أحد عشر فقد بلغت سهام الوصايا اثنين
وعشرين وذلك دون الثلث لان سهام المال اثنان وسبعون والسالم للورثة خمسون فكان التخريج
مستقيما وفي قول أبي حنيفة ومحمد قسمة السيف بين الموصى لهما على طريق العول فيضرب فيه
صاحب السيف بستة وصاحب السدس بسهم فيكون السيف بينهما على سبعة أسهم والخمسمائة
الأخرى تجعل كل مائة على سبعة أيضا فذلك خمسة وثلاثون للموصى له بالسدس سدس ذلك
وذلك خمسة وخمسة أسداس سهم فقد نفذت الوصية له في هذا القدر من الخمسمائة وفي سهم
من السيف وذلك ستة وخمسة أسداس ولصاحب السيف ستة من السيف كلها فذلك اثنا
عشر وخمسة أسداس وجملة سهام المال اثنان وأربعون فكانت الوصية بأقل من الثلث فلا
حاجة إلى إجازة الورثة ولو كان أوصى مع هذا أيضا بالثلث كان الثلث بينهم يضرب فيه
صاحب السدس بسدس خمسمائة وثلث سدس السيف وصاحب السدس بثلث خمسمائة
وخمسة أسداس سدس السيف وصاحب السيف بخمسة أسداس السيف الا سدس سدس
السيف فما أصاب صاحب السيف كان في السيف وما أصاب صاحب الثلث كان في الدراهم
وفيما بقي من السيف وكذلك ما أصاب صاحب السدس في قياس قول أبي حنيفة وهذا لأنه
اجتمع في السيف ثلاث وصايا وصية بجميعه ووصية بثلثه ووصية بسدسه فتكون القسمة
على طريق المنازعة وفي الحاصل تصير سهام السيف على ستة وثلاثين لحاجتنا إلى سدس ينقسم
أثلاثا فلصاحب الجميع ثلثاه بلا منازعة أربعة وعشرون وسدس وهو ستة لا منازعة فيه
لصاحب السدس فهو بين صاحب الثلث والجميع نصفان لكل واحد منهما ثلاثة وقد استوت
منازعتهم في السدس فيكون بينهم ستين أثلاثا لكل واحد منهما سهمان فحصل للموصى له
بالسيف بلا منازعة أربعة وعشرون وبالمنازعة خمسة فذلك تسعة وعشرون وهو خمسة
أسداس السيف الا سدس سدسه لان كل سدس منه ستة وحصل لصاحب الثلث بالمنازعتين
165

خمسة وذلك خمسة أسدس سدس السيف وحصل لصاحب السدس سهمان وهو ثلث سدس
السيف كما قال في الكتاب ثم المال الاخر وهو خمسمائة تجعل كل مائة منه على ستة وثلاثين
فيصير جملته مائة وثمانين للموصى له بالثلث ثلث ذلك وهو ستون وللموصى له بالسدس سدس
ذلك ثلاثون فكان لهما تسعون وظهر ان مبلغ سهام الوصايا مائة وستة وعشرون وهو أكثر
من الثلث فالسبيل فيه أن يجعل ثلث المال بينهم على هذه السهام والثلثان ضعف ذلك فجملة
المال ثلاثمائة وثمانية وسبعون السيف من ذلك سدسه وذلك ثلاثة وستون يأخذ صاحب
السيف من ذلك تسعة وعشرين مقدار حقه وصاحب الثلث خمسة وصاحب السدس سهمين
ويبقى للورثة من السيف سبعة وعشرون ثم يأخذ صاحب الثلث من سهام الخمسمائة مقدار
حقه ستين وصاحب السدس ثلاثين فجملة ما نفذت فيه الوصية لهم مائة وستة وعشرون
وحصل للورثة ضعف ذلك مائتان واثنان وخمسون مائتان وخمسة وعشرون من
الخمسمائة وسبعة وعشرون من سهام السيف فاستقام الثلث والثلثان ولم يذكر تخريج قولهما
في الكتاب وعندهما القمسة على طريق العول فيضرب صاحب السيف في السيف بستة
وصاحب الثلث بسهمين وصاحب السدس بسهم فكان السيف بينهم على تسعة وكل مائة
من الخمسمائة الباقية تكون على تسعة أيضا فذلك خمسة وأربعون للموصى له بالثلث ثلث ذلك
خمسة عشر وللموصى له بالسدس سدس ذلك سبعة ونصف فكان جملة سهام الوصايا أحد
وثلاثون ونصف وذلك فوق الثلث فيجعل الثلث بينهم على أحد وثلاثين ونصف والثلثان
ضعف ذلك فيكون جملته أربعة وتسعين ونصف السيف من ذلك السدس وذلك خمسة عشر
وثلاثة أرباع للموصى له بالسيف ستة كله من السيف وللموصى له بالثلث سهمان وللموصى
له بالسدس سهم وبقي للورثة من سهام السيف ستة وثلاث أرباع يأخذ الموصى له بالثلث
مما بقي خمسة عشر والموصى له بالسدس سبعة ونصف فإذا جمعت بين ذلك حصل تنفيذ الوصية
لهم في أحد وثلاثين ونصف وحصل للورثة ضعف ذلك ثلاثة وستون فاستقام الثلث
والثلثان فإذا أردت إزالة الكسر فلا طريق فيه سوى التضعيف * قال رحمه الله وقد خرج
شيخنا الامام الحلواني رحمه الله قولهما علي طريق آخر وهو أن السيف لما صار بين الموصي
لهم على تسعة باعتبار العول فكل مائة من الخمسمائة الباقية تكون على ستة لأنه لا عول في
الخمسمائة الباقية فسهام الخمسمائة الباقية اذن وثلاثون للموصى له بالثلث عشرة وللموصي له
166

بالسدس خمسة فذلك خمسة عشر فإذا ضممت ذلك إلى سهام السيف تسعة كان أربعة وعشرين
فيجعل الثلث بينهم على أربعة وعشرين وجميع المال اثنان وسبعون السيف من ذلك أنثا عشر
لصاحب السيف ستة ولصاحب الثلث منه سهمان ولصاحب السدس منه سهم يبقى ثلاثة من
تسعة للورثة وسهام الخمسمائة ستون للموصى له بالثلث عشرة وللموصى له بالسدس خمسة ويبقى
للورثة من ذلك خمسة وأربعون فجملة ما سلم للورثة من المال ثمانية وأربعون وقد نفذت
الوصية في أربعة وعشرين فاستقام الثلث * قلت هذا واضح ولكنه غير مستقيم على طريق
أهل الحساب لان القسمة الواحدة مع تفاوت مقدار السهام لا تكون فإذا كان السيف
وقيمته مائة على تسعة أسهم ثم تجعل كل مائة من الخمسمائة على ستة أسهم بين السهام تفاوت في
المقدار فكيف تستقيم قسمة الكل بينهم بهذا الطريق قال هو كذلك ولكن صاحب
المذهب نص على هذا الطريق وعليه خرج المسائل إلى آخر الباب تأمل في ذلك تأملته
فوجدته كما قال ومن تلك المسائل قال لو أوصى لرجل بالثلث ولاخر بعبد قيمته ألف درهم
وله ألفا درهم سوى ذلك فان صاحب الثلث يضرب فيه بثلث الألفين وسدس العبد ويضرب
صاحب العبد بخمسة أسداس العبد فما أصاب صاحب العبد فهو في العبد وهو النصف وما
أصاب الثلث فهو فيما بقي من العبد والمال فيكون له خمس ما بقي من العبد وخمس المال في قول
أبي حنيفة لأنه اجتمع في العبد وصيتان وصية بجميعه وبثلثه فيسلم ثلثاه لصاحب الجميع بلا
منازعة والثلث بينهما نصفان لاستواء منازعتهما فيه وإذا صار العبد على ستة فكل ألف من
الألفين كذلك فهما اثنا عشر للموصى له بالثلث أربعة فبلغت سهام الوصايا عشرة فيجعل
ذلك ثلث المال وجميع المال ثلاثون العبد من ذلك عشرة هو للموصى له بالعبد خمسة وهي نصف
العبد وللموصى له بالثلث خمسة أسهم سهم من العبد وهو خمس ما بقي منه وأربعة أسهم من
سهام الألفين وذلك خمس العشرين وحصل للورثة من الألفين ستة عشر سهما ومن العبد
أربعة أسهم فاستقام الثلث والثلثان وفي قول أبي حنيفة ومحمد يكون لصاحب الثلث ما بقي من
العبد وهو سدس العبد وسدس الألفين وإنما يستقيم هذا الجواب عندهما على الطريق الثاني
لان الموصى له بالعبد يضرب في العبد بستة والموصى له بالثلث من ذلك بسهمين فسهام العبد
ثمانية وكل واحد من الألفين على ستة باعتبار الأصل للموصى له بالثلث من ذلك أربعة
فبلغت سهام الوصايا اثنى عشر وذلك الثلث وجميع المال ستة وثلاثون العبد منه اثنا عشر
167

للموصي له بالعبد ستة نصف العبد وللموصى له بالثلث من العبد سهمان وهو ثلث ما بقي منه
وسدس جميع العبد وله من الألفين أربعة من أربعة وعشرين وهو السدس فاستقام التخريج
على هذا الطريق ثم قال في الأصل فأي هذين القولين قلت فهو حسن وهو إشارة إلى أن
بين الطريقين في المعنى تفاوتا وبهذا اللفظ يستدل من يزعم أن مذهب المتقدمين من أصحابنا
ان كل مجتهد مصيب وليس كما زعموا لأنه أراد به أن كل واحد من الطريقين طريق حسن
في التخريج عند أهل الحساب لا أن يكون كل واحد من المجتهدين مصيبا للحكم باجتهاده
حقيقة ولو أوصى بثلث ماله لرجل وبجميع المال لاخر فإن لم تجز الورثة فالثلث بينهما نصفان
عند أبي حنيفة رحمه الله وقد بينا هذا وان أجازوا فجميع المال بينهما أسداسا في قول أبي حنيفة
على ما رواه أبو يوسف ومحمد باعتبار طريق المنازعة لأنه يسلم الثلثان لصاحب الجميع
وقد استوت منازعتهما في الثلث فكان بينهما نصفين فحصل لصاحب الجميع خمسة أسداس
المال ولصاحب الثلث سدس المال وعندهما القسمة بطريق العول فلصاحب الجميع ثلاثة أرباع
المال ولصاحب الثلث ربع المال قال الحسن وهو الصحيح عند أبي حنيفة أيضا على طريق
المنازعة لا كما روى أبو يوسف ومحمد رحمهما الله لأنه يبدأ بقسمة الثلث بينهما وقد استوت
منازعتهما فيه فكان بينهما نصفين ثم يأتي إلى الثلاثين وقد بقي من حق صاحب الثلث
السدس فما زاد على ذلك وهو نصف المال يسلم لصاحب الجميع وفي مقدار السدس استوت
منازعتهما فكان بينهما نصفين فحصل لصاحب الثلث مرة السدس ومرة نصف السدس
فذلك ربع المال والدليل على فساد ما ذهب إليه من تخريج قوله انه يؤدى ذلك إلى أن يكون
ما يسلم للموصى له بالثلث عند الإجازة وعدم الإجازة سواء والإجازة كما تؤثر في الزيادة
في حق صاحب الجميع فكذلك في حق صاحب الثلث ويؤدى ذلك أيضا إلى أن يكون
نصيب صاحب القليل عند عدم الإجازة فوق نصيبه عند الإجازة لأنه إذا أوصى لأحدهما
بجميع ماله وللاخر بسدس ماله فعند عدم الإجازة الثلث يكون بينهما أثلاثا فيصيب صاحب
الثلث تسع المال وعند وجود الإجازة يأخذ صاحب الجميع خمسة أسداس المال بلا منازعة ثم
السدس بينهما نصفان فنصيبه نصف سدس المال وذلك دون تسع المال ومن المحال أن يسلم له
عند عدم الإجازة أكثر مما يسلم له عند الإجازة فظهر أن تخريج الحسن لقول أبي حنيفة رحمه
الله أصح * ولو أوصى لرجل بنصف ماله ولاخر بجميع ماله ولاخر بثلث ماله فأجاز ذلك
168

الورثة فالنصف لصاحب الجميع وصاحب النصف نصفان والثلث بينهم أثلاثا في قول أبي حنيفة
وفي قول أبى يوسف ومحمد القسمة على طريق العول بينهم على أحد عشر سهما
لصاحب الجميع ستة ولصاحب النصف ثلاثة ولصاحب الثلث سهمان وهو قياس ما تقدم
* ولو كان له عبدان قيمتها سواء ولا مال له غيرهما فأوصى لرجل بأحدهما بعينه ولاخر
بثلث ماله فان الثلث يقسم بينها على سبعة أسهم لصاحب الثلث ثلاثة في العبدين جميعا اثنان
في الذي لا وصية فيه للاخر وواحد في الذي فيه الوصية للاخر ولصاحب العبد أربعة أسهم
في قول أبي حنيفة لأنه اجتمع في العبد الموصى بعينه وصيتان بجميعه وبثلثه فللموصى له بالجميع
خمسة أسداس على طريق المنازعة وللموصى له بالثلث سدس والعبد الاخر يصير على ستة أيضا
للموصي له بالثلث منه سهمان فكان جملة سهام الوصايا ثمانية إلا أن وصية الموصي لله بالعبد
زادت على الثلث لان جميع المال اثنا عشر والثلث منه أربعة ووصيته خمسة فما زاد على الثلث
تبطل وصيته فيه عند عدم الإجازة ضربا واستحقاقا كما هو أصل أبي حنيفة في الوصية بالعين
فيبقى حقه في أربعة وحق صاحب الثلث في ثلاثة سهم منه في العبد الموصى بعينه وسهمان في
العبد الاخر فلهذا قال يقسم الثلث بينهما على سبعة وعلى قول أبى يوسف ومحمد الثلث بينهما على
خمسة أسهم وهذا إنما يستقيم على الطريقة الثانية لهما فان العبد الموصى بعينه يضرب الموصى له
بجميعه بثلاثة فيه والموصي له بالثلث بسهم فيكون بينهما على أربعة والعبد الاخر على ثلاثة أسهم
لأنه لا عول فيه للموصى له بالثلث سهم فحصل له سهمان في العبدين ولصاحبه ثلاثة كلها في
العبد الموصى بعينه فلهذا كان الثلث بينهما على خمسة أسهم * ولو أوصى لرجل بعبد وبثلث ماله
لاخر وبعبده ذلك أيضا لاخر وبسدس ماله لاخر وقيمة العبد ألف درهم وله ألفان سوى
ذلك فان الثلث يقسم بينهم على اثنين وسبعين سهما يضرب فيه صاحبا العبد بأحد وثلاثين سهما
وصاحب الثلث بسبعة وعشرين ونصف وصاحب الثلث بثلاثة وعشر ونصف في قول أبي حنيفة
لأنه اجتمع في العبد أربع وصايا والقسمة عنده على طريق المنازعة فيه فثلثا العبد بين صاحبي
العبد نصفان وسدس بينهما وبين صاحب الثلث أثلاثا والسدس الباقي بينهما أرباعا فعند
تصحيح هذه السهام ينتهى الحساب إلى اثنين وسبعين سهما لحاجتنا إلى حساب ينقسم سدسه
أثلاثا وأرباعا فيسلم للموصى لهما بالعبد الثلثان ثمانية وأربعون والسدس وهو اثنا عشر بينهما
وبين صاحب الثلث أثلاثا والسدس الاخر بينهم أرباعا لكل واحد منهم ثلاثة يحصل لكل
169

واحد من صاحبي العبد أحد وثلاثون ولصاحب الثلث سبعة ولصاحب السدس ثلاثة ثم
صار كل ألف من الألفين على اثنين وسبعين فالألفان مائة وأربعة وأربعون سهما لصاحب
الثلث من ذلك الثلث ثمانية وأربعون ولصاحب السدس أربعة وعشرون فإذا جمعت ذلك
كله بلغت سهام الوصايا مائة وأربعة وأربعين فهو ثلث المال والثلثان ضعف ذلك فجملة المال
أربعمائة واثنان وثلاثون العبد من ذلك مائة وأربعة وأربعون لكل واحد من صاحبي العبد
من ذلك مقدار حقه واحد وثلاثون كلها في العبد ولصاحب الثلث من العبد سبعة ومن الألفين
ثمانية وأربعون فذلك خمسة وخمسون و لصاحب السدس من العبد ثلاثة ومن الألف أربعة
وعشرون وذلك سبعة وعشرون * وفي الكتاب خرجه على النصف من ذلك لأنه جوز
الكسر بالانصاف وجعل الثلث اثنين وسبعين وحصل لصاحبي العبد أحد وثلاثون لكل
واحد منهما خمسة عشر ونصف ولصاحب الثلث سبعة وعشرون ونصف ولصاحب السدس
ثلاثة عشر ونصف فاستقام التخريج على ما قلنا * وفي قول أبى يوسف ومحمد الثلث بينهم على أحد
وعشرين سهما لان العبد الموصى بعينه يضرب كل واحد منهما فيه بسهام جميعه ستة والموصي
له بالثلث يضرب فيه بسهمين والموصي له بالسدس يضرب فيه بسهم فيكون بينهم على خمسة عشر
وكل واحد من الألفين يكون على ستة باعتبار الأصل فللموصى له من الألفين الثلث أربعة من
اثنى عشر وللموصى له بالسدس سهمان وان ضمنها هذه الستة إلى سهام العبد خمسة عشر كان
الكل أحدا وعشرين فلهذا كان الثلث بينهم على أحد وعشرين * ولو أوصى لرجل بعبده ولاخر
بنصفه ولاخر بثلث ماله والعبد يساوى ألفا وله ألفان سوى ذلك ولم يجيزوا قسم الثلث بينهم
على ثلاثين سهما لصاحب العبد اثنا عشر ونصف في العبد ولصاحب النصف ثلاثة ونصف
فيه ولصاحب الثلث أربعة عشر فيما بقي من العبد والمال في قول أبي حنيفة لان نصف العبد
يسلم لصاحب العبد بلا منازعة والسدس بينه وبين صاحب النصف نصفان والثلث بينهم أثلاثا
فبلغت سهام العبد ستة وثلاثين للموصى له بالعبد مرة ثمانية عشر ومرة ثلاثة ومرة أربعة
فذلك خمسة وعشرون وللموصى له بالنصف مرة ثلاثة ومرة أربعة فذلك سبعة وللموصى
له بالثلث أربعة ثم كل ألف من الألفين يصير على ستة وثلاثين أيضا فسهام الألفين اثنان
وسبعون ولصاحب الثلث ثلث ذلك وهو أربعة وعشرون فبلغت سهام الوصايا ستين فيجعل
الثلث بينهم على ذلك والثلثان ضعف ذلك وجملة المال مائة وثمانون * وفي الكتاب خرجه على
170

النصف من ذلك فقال يقسم الثلث بينهم على ثلاثين لصاحب العبد اثنا عشر ونصف ما أعطيتاه
وهو خمسة وعشرون ولصاحب النصف ثلاثة ونصف نصف ما جعلناه له وهو سبعة كلها في
العبد ولصاحب الثلث أربعة عشر نصف ما أعطيناه وهو ثمانية وعشرون وهذه الأربعة عشر
له فيما بقي من العبد والمال سدس ذلك في العبد والباقي في المال * قال عيسى رحمه الله هذان
الحرفان الأخيران خطأ وإنما ينبغي أن يجمع ما بقي من العبد والمال فيقسم ذلك بين الموصى له
بالثلث والورثة على أربعة وسبعين سهما فما أصاب أربعة عشر ذلك فهو للموصى له بالثلث
وما أصاب ستين سهما فهو للورثة لان الموصى له بالثلث شريك الورثة في التركة فيضرب
هو فيما بقي من التركة بسهام حقه والورثة بسهام حقهم وان اعتبرنا الأصل فينبغي أن يكون
للموصى له بالثلث مما بقي من العبد سبع حقه لا سدسه لأنه كان له من العبد سهمان ومن
الألفين اثنا عشر فإذا جمعت الكل كان ماله من العبد سبع حقه * ولو أوصى لرجل بعبد قيمته
أكثر من الثلث ولاخر بعد قيمته أقل من الثلث ضرب صاحب الأقل بقيمة عبده وضرب
الاخر بمقدار الثلث من قيمة عبده في قول أبي حنيفة وفي قولهما يضرب كل واحد منهما
بجميع قيمة عبده وهو بناء على اختلافهم في بطلان الوصية فيما زاد على الثلث عند عدم الإجازة
في حق الضرب * ولو أوصى لرجل بمائة درهم بعينها ثم وهبها لاخر وسلمها إليه ثم رجع
فيها ومات فالوصية باطلة لأنها تعلقت بعين المائة وقد أخرجها عن ملكه بالهبة والتسليم فصار
به راجعا والوصية متى بطلت بالرجوع لا تعود الا بالتجديد ولو كان غصبها غاصب ثم رجعت
إليه بعينها لم تبطل الوصية لأنها باقية على ملك الموصى وان كانت في يد الغاصب واستهلكها
الغاصب فقضي عليه بمثلها بطلت الوصية لأنها كانت مقصورة على العين فلا يجوز تنفيذها من
محل آخر بخلاف ما إذا استهلكها مستهلك بعد موت الموصى لان حق الموصى له تأكد فيها
بالموت فيثبت في بدلها وما كان حقه متأكدا فيها قبل موته يبطل بفوات العين ولا يتحول
إلى البدل كالموهوب قبل التسليم إذا أتلفه انسان يبطل حق الموهوب له فيه بخلاف ما بعد
التسليم ولو كان اشترى بها عبدا فاستحق العبد ورجعت إليه المالية بعينها فالوصية باطلة لأنها
خرجت عن ملكه فان بدل المستحق مملوك بالقبض فصارت المائة مملوكة لبائع العبد وان
استحق العبد ولهذا كان عينا بعد تصرفه فيه بعد الاستحقاق والوصية بعد ما بطلت لا تعود
الا بالتجديد والله تعالى أعلم بالصواب
171

(باب الوصية في الحج)
(قال رحمه الله) وإذا أوصى الرجل أن يحج عنه بمائة درهم وثلثه أقل من مائة فإنه يحج
عنه بالثلث من حيث يبلغ لان محل الوصية الثلث وللموصى له الوارث المنفعة وهو قصد بهذه
الوصية صرف المائة من ماله إلى هذا النوع من القربة فيجب تحصيل مقصوده بحسب الامكان
كما لو أوصى أن يتصدق بمائة من ماله وثلثه أقل من مائة يتصدق عنه بقدر الثلث * ولو أوصى
أن يحج عنه حجة بمائة درهم وهي ثلثه فأحج الوصي بها فبقي من نفقة الحاج وكسوته واطعامه
شئ كان ذلك لورثة الميت لان الحاج عن الغير له أن ينفق على نفسه من ماله في الذهاب والرجوع
ولاحق له فيما يفضل من ذلك على ما بينا في المناسك ان الاستئجار على الحج لا يجوز فما يفضل
بعد رجوعه فهو من مال الميت وقد فرغ عن وصيته فيكون لورثته فان جامع ففسد حجه فعليه
الكفارة ورد ما بقي من النفقة والكسوة ويضمن ما أنفق لأنه أذن له في الانفاق بشرط أن
يؤدى بسفره حجة صحيحة وقد فوت هذا الشرط بالافساد فعليه رد ما بقي وهو ضامن لما أنفق
لأنه تبين انه اتفق بغير رضى الموصى ثم ذكر ما لو اعتمر قبل الحج أو قرن أو اعتمر عن آخر وقد
تقدم بيان هذه الفصول في المناسك ولو استأجروا رجلا ليحج عنه فحج كان عليه أن يرد ما يفضل
في يده من النفقة لان الاستئجار لم يصادف محله فكان باطلا ومنى بطلت الإجارة بقي مجرد الاذن
كما في استئجار النخيل لترك الثمار عليها إلى وقت الادراك فعليه أن يرد ما فضل في يده وليس
عليه شئ مما أنفق لأنه أنفق باذن صحيح وان عجزت النفقة عنه كان عليهم أن يكملوا له نفقة مثله
وما لا بد منه له وتجزى الحجة عن الميت بمنزلة ما لو أمروه بان يحج عن الميت من غير استئجار *
وإذا أوصى أن يحج عنه فالأفضل أن يحج من قد حج لأنه أقدر على أداء الأفعال وأبصر بذلك
وهو أبعد عن خلاف العلماء واشتباه الآثار وان حج عنه صرورة جاز عندنا خلافا للشافعي وقد
بيناه في المناسك وان أحجوا عنه امرأة فإنه يجزيهم ذلك لان الخثعمية حين استأذنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم في أن تحج عن أبيها أذن لها في ذلك واستحسن ذلك منها فدل على أنه
يجوز احجاج المرأة عن الرجل وقد أساؤا في ذلك لنقصان حال النساء في باب الاحرام حتى
أن المرأة تلبس المخيط في احرامها ولا ترفع صوتها بالتلبية ولا ترمل في الطواف ولا تسعى في
بطن الوادي وتترك طواف الصدر بعذر الحيض ولا ضرورة لهم في احجاجها عن الميت لان
فيمن يحج عن الرجال كثرة وان كانت المرأة هي الموصية فأحجوا عنها رجلا أجزأها لان
172

الظاهر أن ذلك مجزئ كان مقصودها أو لم يكن مقصودها وإذا أوصى بالحج فإنه يحج عنه من
بلده لأنه لو عزم على الخروج بنفسه للحج كان يخرج من بلده ويتجهز لسفر الحج من بلده
فكذلك إذا أوصى به بعد موته فالظاهر أن مقصوده تجهيز من يحج عنه من بلده وان مات
في الطريق فإن كان خرج للتجارة فإنه يحج عنه من بلده أيضا وان خرج هو يريد الحج فمات
في الطريق يحج عنه من حيث مات وفي الجامع ذكر القياس والاستحسان في المسألة ففي
القياس بحج عنه من بلده وفي الاستحسان وهو قولهما يحج عنه من حيث مات. وجه
الاستحسان أنه باشر بعض العمل بنفسه ولم ينقطع ذلك بموته فيبنى عليه كما إذا وصى باتمامه
وبيان هذا أن خروجه على قصد الحج قربة وطاعة قال الله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا
إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله الآية ولم ينقطع ذلك بموته لما روى أن
النبي عليه السلام قال من مات في طريق الحج كتب له حجة مبرورة في كل سنة وهذا
بخلاف ما إذا خرج للتجارة فان سفره ذلك ليس لأداء الحج فلا يصير به مؤديا شيئا من
الاعمال وبخلاف ما إذا مات بعد ما أحرم لان احرامه انقطع بالموت ولهذا يخمر وجهه
ورأسه ولا يمكن البناء على المنقطع * يوضحه ان في اعتبار هذا الطريق تحصيل مقصوده وفي
الاخذ بالقياس تفويت مقصوده لان الذي يحج عنه من بلده ربما يموت فيحتاج إلى أن يحج
آخر من بلده أيضا حتى يفنى في ذلك ماله قبل أن يحصل مقصوده وجه قول أبي حنيفة ان عمله
قد انقطع بموته ولا بناء على المنقطع كما لو أحرم ثم مات وأوصي أن يحج عنه وبيان هذا من
وجهين أحدهما ان النبي عليه السلام قال كل عمل ابن آدم ينقطع بموته الا ثلاثة والخروج
للحج ليس من هذه الثلاثة فينقطع بالموت ثم خروجه إنما يكون قربة بطريق موصل إلى
أداء الحج وقد تبين أن هذا الخروج ما كان يوصله إلى ذلك والدليل عليه انه ظهر بموته ان
سفره كان سفر الموت لا سفر الحج لما روى أن النبي عليه السلام قال إذا أراد الله تعالى قبض
روح عبد بأرض جعل له إليها حاجة فكان هذا في المعنى وخروجه للتجارة سواء ثم هناك يحج
عنه من بلده فهنا كذلك وإن كان له أوطان مختلفة فمات وهو مسافر وأوصى بالحج عنه فإنه
يحج عنه من أقرب الأوطان إلى مكة لأنه هو المتيقن به وبمطلق اللفظ لا يثبت الا بالتيقن
بما هو كامل في نفسه لان الاطلاق يقتضى الكمال فإن لم يكون له وطن فمن حيث مات لأنه
لو تجهز بنفسه للحج إنما يتجهز من حيث هو فكذلك إذا أوصي وهذا لان من لا وطن له
173

فوطنه حيث حل وان أحجوا عنه من موضع آخر فإن كان أقرب إلى مكة فهم ضامنون وإن كان
بعد فلا ضمان عليهم لان في الأول لم يحصل مقصوده بصفة الكمال والاطلاق يقتضي
ذلك وفي الثاني حصلوا مقصوده وزيادة وان أوصى أن يحجوا عنه فأحجوا رجلا فسرقت
نفقته في بعض الطريق فرجع عليهم أن يحجوا آخر من ثلث ما بقي في أيديهم من حيث
أوصى الميت في قول أبي حنيفة وفي قول أبى يوسف ان بقي من ثلث ماله ما يمكن أن يحج
به من حيث أوصى فكذلك الجواب في قول محمد إن لم يبق شئ من ثلث عزل للحج تبطل
الوصية وعلى هذا الخلاف لو قال أعتقوا عنى نسمة بمائة درهم فاشتروها فماتت قبل أن تعتق
كان عليهم أن يعتقوا من ثلث ما بقي في أيديهم وفي قول محمد بطلت الوصية لان الوصي
قائم مقام الموصي والورثة كذلك يقومون مقام المورث في تنفيذ وصيته فكان تعيين
الموصى والورثة بعض المال لوصيته كتعيين الموصي ولو عينه بنفسه فهلك ذلك المال بطلت
الوصية فكذلك إذا عين ذلك المال لوصيته وقاسم الورثة ثم هلك بطلت الوصية
والدليل عليه أن مقاسمة الوصي مع الموصى له على الورثة يصح فلان تصح مقاسمته مع
الورثة عن الموصى كان أولى لان الموصى أقامه مقام نفسه باختياره والورثة في تمييز محل
الميراث من محل الوصية تصح فأما مقاسمته في تمييز محل الوصية عن البعض لا يجوز فما
بقي من الثلث شئ فقد بقي محل الوصية فيجب تنفيذ الوصية باعتبار ما بقي وهو نظير مقاسمة
الوصي عن الصغير مع الكبير تصح ومقاسمته بين الصغار لتمييز نصيب بعضهم عن بعض
لا تصح وأبو حنيفة يقول مقصود الموصى لم يكن المقاسمة وإنما كان لتحصيل القرية له بالعتق
ويجعل الهالك على التركة كأن لم يكن فتنفذ الوصية في هذه القسمة من ثلث ما بقي وفيه جواب
عما قاله محمد رحمه الله ان الوصي إنما يقوم مقام الموصى فما فيه تحصيل مقصوده خاصة
وهذا بخلاف مقاسمته مع الموصي له لان فيه تحصيل مقصوده فان مقصوده تنفيذ الوصية
وفي هذه المسألة تنفيذ الوصية وهذه المسألة في الحقيقة نظير الأولى في المعنى فان السفر كان
مقصودة فيدور مع ذلك المقصود جعل ذلك أبو حنيفة وجوده كعدمه وهاهنا التعيين والقسمة
لمقصود فإذا لم يحصل ذلك المقصود كان وجود القسمة كعدمها ولو كان الموصي له بالثلث غائبا
فقاسم الموصي الورثة على الموصى له لم تجز عليه حتى إذا هلك في يده ما عزله للموصى له
174

كان له أن يرجع على الورثة بثلث ما أخذوه بخلاف ما إذا قاسم على الورثة مع الموصى له لان
الورثة يخلفون المورث في العين يبقى لهم الملك الذي كان للمورث ولهذا يرد الوارث بالعيب
ويصير مغرورا فيما اشتراه مورثه والوصي قائم مقام الموصى فيكون قائما مقام من يخلفه في
ملكه وأما الموصى له فيثبت الملك له بايجاب مبتدأ حتى لا يرد بالعيب ولا يصير مغرورا
فيما اشتراه الموصى فلا يقوم الموصى مقامه في تعيين محل حقه ولكن ما هلك مما عزله
يهلك على الشركة وما بقي يبقى على الشركة والعزل إنما يصح بشرط أن يسلم المعزول للموصى
له وإذا أوصى أن يحجوا عنه وارثا لم يجز إلا أن يجيزه الورثة لان فيه ايثاره بشئ من ماله
لنفقته على نفسه وكما أنه لا يجوز ايثاره بشئ من المال تمليكا منه بدون إجازة الورثة فكذلك
اباحته له لنفقته على نفسه * ولو أوصي بان يحج عنه بمائة درهم وأوصى بما بقي من ثلاثة لفلان
وأوصى بالثلث من ماله لاخر والثلث بمائة درهم فنصف الثلث للحج ونصفه لصاحب الثلث
لاستواء الوصيتين في القوة والمقدار ولا شئ لصاحب ما بقي لأنه لم يبق من الثلث شئ والايجاب
بهذا اللفظ يتناول ما بقي وإذا لم يبق من الثلث شئ بطل الايجاب لانعدام المحل وهو بمنزلة
العصبة مع أصحاب الفرائض فان للعصبة ما بقي بعد حق أصحاب الفرائض وإذا لم يبق شئ
لم يكن له شئ بقول فان مات الموصى له بالثلث قبل موت الموصى فما بقي من الثلث للموصى
له بما بقي لان وصية الموصى له بالثلث بطلت بموته قبل موت الموصى فكأنها لم تكن ولكن
لا يصح هذا الجواب علي ما وضعه عليه في الابتداء ان الثلث مائة درهم لأنه أوصى أن يحج
عنه بمائة فيجب تنفيذ هذه الوصية أولا ثم لا يبقى من الثلث شئ لان ذلك لا يكون له بما بقي
إلا أن يكون الثلث أكثر من مائة فحينئذ يحج عنه بالمائة والفضل للموصى له بما بقي وإذا كانت
الوصايا لله تعالى لا يسعها الثلث مثل الحجة والنسمة والبدنة بدئ بالذي بدأ به ما خلا حجة
الاسلام أو الزكاة أو شيئا واجبا عليه فإنه يبدأ بالواجب وإن كان الميت أخره استحسن
ذلك ودع القياس فيه وقد تقدم في ترتيب الوصايا من البيان ما هو كاف والله أعلم بالصواب
(باب الوصية للوارث والأجنبي والقاتل)
(قال رحمه الله) قد بينا أن الوصية للوارث لا تجوز بدون إجازة الورثة لقوله عليه
السلام لا وصية لوارث إلى أن يجيزه الورثة فان أوصى لبعض ورثته ولأجنبي جازت حصة
175

الأجنبي وبطلت حصة الوارث لان الايجاب تناولها بدليل ان عند إجازة الورثة ثم الاستحقاق
لهما فبطلانه في حصة الوارث بعدم الإجازة لا يبطل حصة الأجنبي ولا يزيد في نصيبه بخلاف
الوصية لحى وميت فالايجاب في حق الميت غير صحيح أصلا وهذا بخلاف الاقرار لوارثه
ولأجنبي لان الاقرار اخبار عن واجب سابق وقد أقر بالمال مشتركا بينهما ولا يمكن اثباته
بهذه الصفة لما فيه من منفعة الوارث والوصية ايجاب مبتدأ وإنما يتناول ايجابه نصف الثلث
في حق كل واحد منهما فأمكن تصحيحه في نصيب الأجنبي كما أوجبه الموصى له وعلى هذا
الوصية للقاتل وللأجنبي مع الاقرار لهما لان صفة القتل في المنع عن الوصية والاقرار كصفة
الوراثة على ما نبينه ولو أوصى له بشئ وهو وارث يوم أوصي ثم صار غير وارث أو كان
غير وارث يوم الوصية ثم صار وارثا ومات الموصي إنما ينظر إلى يوم يموت الموصى فإن كان
الموصى له وارثة لم تجز الوصية وإن لم يكن وارثه جازت الوصية لان الوصية عقد مضاف إلى
ما بعد الموت وإنما تحقق الوجوب له عند الموت ولان المانع صفة الوراثة ولا يعرف ذلك
الا عند الموت لان صفة الوراثة لا تكون الا بعد بقاء الوارث حيا بعد موت المورث
وكذلك الهبة في المرض والكفالة فان ذلك في حكم الوصية حتى تعتبر من الثلث في حق الأجنبي
ولا يصح للوارث أصلا وقد بينا الفرق بين هذا وبين الاقرار في كتاب الاقرار ان هناك
ان صار وارثا بسبب تجدد الاقرار كان الاقرار صحيحا وان ورثه بسبب كان قائما وقت
الاقرار لم يصح الاقرار * وإذا أوصى لمكاتب وارثة أو لعبد وارثة فهو باطل من أجل أن
ذلك ينتفع به الوارث فان المولى يملك كسب عبده وله حق الملك في كسب مكاتبة * ولو
أوصى لمكاتبه وقد كاتبه في مرضه أو في صحته جازت الوصية لأنه ليس في هذا منفعة لبعض
الورثة دون البعض فإنه إن أعتق فالوصية سالمة له وهو أجنبي وان عجز فرقبته وكسبه يكون
ميراثا بين جميع الورثة قال وبلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه انه لم يجعل للقاتل ميراثا
وعن عمر رضي الله عنه مثله وعن عبيدة السلماني رضي الله عنه قال لا يورث قاتل بعد صاحب
البقرة والوصية عندنا بمنزلة ذلك ولا وصية لقاتل أما الكلام في نفي الإرث للقاتل فقد بيناه
في الديات وأما الوصية للقاتل فلا تصح عندنا سواء أوصى له قبل الجراحة أو بعدها وقال
مالك تصح الوصية له في الوجهين وقال الشافعي ان أوصى له قبل أن يجرحه بطلت الوصية بقتله
إياه وان أوصى بعد ما جرحه صحت الوصية وجه قول مالك ان هذا تمليك المال بالعقد فالقتل
176

لا يبطله كالتمليك بالبيع والهبة وبان كان يبطل الإرث لا يستدل على أنه يبطل الوصية كالرق
واختلاف الدين فإنه ينفى التوريث ولا يمنع الوصية والفرق للشافعي من وجهين أحدهما انه إن كان
الجرح بعد الوصية فالظاهر أن الموصى نادم على وصيته راجع عنها وإذا كانت الوصية بعد
الجرح فلم يوجد بعد الوصية ما يدل على الرجوع عنها بل الظاهر أنه قصد الانتداب إلى ما ندب
إليه وهو مقابلة السيئة بالاحسان والثاني انه إذا جرحه بعد الوصية فالموصى له قصد الاستعجال
بفعل محظور فيعاقب بالحرمان كالميراث فأما إذا أوصى له بعد الجراحة فلم يتوهم قصد الاستعجال
في تلك الجراحة ولا بعد الوصية فبقيت الوصية على حالها وجه قولنا ظاهر قوله عليه السلام
ليس للقاتل شئ ويدخل الوصية والميراث جميعا في عموم هذا اللفظ وقال ولا وصية لقاتل ولان
الملك بالوصية يثبت بعد الموت فيكون معتبرا بالملك الثابت بالميراث ولا فرق بينهما في المعنى
لان بطلان الوصية للوارث لدفع المغايظة عن سائر الورثة وبطلان الوصية للقاتل لهذا المعنى
أيضا فإنه يغيظهم أن يقاسمهم قاتل أبيهم تركة أبيهم بسبب الإرث أو بسبب الوصية وفي هذا
المعنى لا فرق بين أن تتقدم الوصية على الجرح أو تتأخر عنه وبه فارق الرق والكفر فان الحرمان
بهما لانعدام الأهلية للولاية لا لدفع المغايظة عن سائر الورثة ولا معتبر بالأهلية للولاية في
الوصية وبخلاف سائر عقود التمليكات لأنها لا تشابه الإرث صورة ولا معنى وكذلك لو كان
القاتل وارثا فأوصى لله له لم تجز الوصية وهذا تجوز في العبارة فان القاتل لا يكون وارثا وإن كان
وارثا كالصبي والمعتوه والوصية لمثل هذا القاتل تصح ثم الوجه فيه أنه اجتمع فيه وصفان
كل واحد منهما بانفراده يجزئ الوصية فاجتماعهما أولى فان أجازت الورثة الوصية للقاتل
جازت في قول أبي حنيفة ومحمد ولم تجز في قول أبى يوسف ذكر قوله في الزيادات لان
الوصية أخت الميراث ولا ميراث للقاتل وان أوصى به الورثة فكذلك الوصية وهذا لان
الحرمان كان بطريق العقوبة حقا للشرع فلا يتغير ذلك بوجود الرضى من الورثة والدليل
عليه انه لو أوصى لحربي في دار الحرب لم تجز الوصية لتباين الدارين وان أجازت الورثة وإنما
امتنعت الوصية للحربي لكونه محاربا حكما والقاتل محارب له حقيقة فلأن لا تنفذ الوصية
له بإجازة الورثة كان أولى وجه قولهما ان الوصية للقاتل أقرب إلى الجواز من الوصية للوارث
لان الامر في نفس الوصية للوارث مشهور وفي نفس الوصية للقاتل مسبور و العلماء اتفقوا
على أن لا وصية للوارث واختلفوا في جواز الوصية للقاتل ثم بإجازة الورثة تنفيذ الوصية
177

للوارث فكذلك للقاتل والمعنى فيهما واحد و هو ان المغايظة تنعدم عند وجود الرضى من
الوراث بالإجازة في الموضعين جميعا بخلاف ميراث القاتل فان ثبوت الملك بالميراث بطريق
الحكم حتى لا يتوقف على القبول ولا يرتد بالرد والإجازة إنما تعمل فيما يعتمد القبول ويرتد
بالرد وبخلاف الوصية للحربي في دار الحرب لان بطلانها لانعدام الأهلية في جانب الموصى
له فان من في دار الحرب في حق من هو في دار الاسلام كالميت ولهذا تنقطع العصمة بتباين
الدارين حقيقة وحكما والميت لا يكون أهلا للوصية له ولا تأثير للإجازة في اثبات الأهلية
لمن ليس باهل وكذلك الوصية لعبد القاتل أو لمكاتبة فإنها كالوصية للقاتل لما يثبت له من
حقيقة الملك أو حق الملك في الموصى به وقال في الأصل إذا كانت الوصية لمولاه أو لعبده
أبطلناها وقال الحاكم تأويله عندنا إذا كان المولى هو القاتل فأوصى له أو لعبده فأما إذا كان
العبد هو القاتل فالوصية لمولاه وصية صحيحة (ألا ترى) ان عبد الوارث إذا قتل المورث
لا يحرم المولي ميراثه وهذا لأنه لاحق للعبد في ملك مولاه وليس في حق المولى ما يحرمه
الإرث والوصية لابن القاتل وأبويه وغيرهم من قرابته جائزة وكذلك لمماليك هؤلاء من
عبيدهم ومكاتبيهم ومدبريهم وأمهات أولادهم على قياس الإرث فان ابن القاتل وأبويه يرثون
المقتول وإن لم يرثه القاتل وهذا لأنه ليس للقاتل في ملك هؤلاء حق الملك ولا حقيقة الملك
وإذا أقر لقاتله بدين فإن كان مريضا صاحب فراش حتى مات لم يجز وإن كان يذهب ويجئ
فهو جائز لان الجرح وإن كان سبب الهلاك ولكن لا يصير به في حكم المريض ما لم يصر
صاحب فراش فان المريض إنما يباين الصحيح بهذا لان الانسان لا يخلو عن نوع مرض
وإن كان صحيحا فإذا لم يصر صاحب فرش كان هو في حكم الصحيح وإذا كان صاحب فراش
فهو مريض وان تكلف لمشيه إلى بعض حوائجه وكذلك الهبة إذا قبضها للقاتل وهو مريض
فان تصرف المريض كالمضاف إلى ما بعد الموت فأما إذا كان يذهب ويجئ فهو صحيح ينفذ
تصرفه في الحال مع القاتل كما ينفذ مع غيره وهكذا الجواب في الاقرار للوارث والهبة له
وإذا ضربت المرأة الرجل بحديدة أو بغير حديدة فأوصى لها ثم تزوجها فلا ميراث لها ولا
وصية وإنما لها مقدار صداق مثلها من المسمى وما زاد على ذلك في معنى الوصية فيبطل بالقتل
ولو اشترك عشرة في قتل رجل أحدهم عبده وأوصى لبعضهم بعد الجناية وأعتق عبده فالوصية
باطلة لان كل واحد منهم قاتل له على الكمال (ألا ترى) انه يلزمهم القصاص إذا كان عمدا
178

والكفارة إذا كان خطأ كما لو تفرد به وان كل واحد منهم يحرم عن الميراث فكذلك الوصية
إلا أن العتق بعد ما تعذر لا يمكن رده فيكون الرد بايجاب السعاية عليه في قيمته والعفو على
القاتل في دم العمد جائز لان الواجب القصاص والقصاص ليس بمال (ألا ترى) ان متلفه
بالشهادة باطلة والاكراه على العفو لا يكون ضامنا وانه لا يعتبر من الثلث بحال فيكون صحيحا
للقاتل وجعل العفو في الانتهاء بمنزلة الاذن في الابتداء أو أقوى منه ولو كان خطأ فعفا عنه
كان هذا منه وصية لعاقلته فيجوز من الثلث لان الواجب في الخطأ الدية على العاقلة وهو
مال قلنا أصل الوجوب على القاتل والعاقلة يتحملون عنه فتكون هذه وصية للقاتل قلنا باعتبار
المال الوصية تكون للعاقلة وهم المنتفعون بهذه الوصية فان قيل جزؤ من الدية على القاتل ففي
ذلك الجزء الوصية منه تكون للقاتل قلنا نعم ولكن تتعذر الوصية في ذلك الجزء لان كل جزء
من بدل النفس يتقرر وجوبه على القاتل ففي ذلك الجزء الوصية تتحمله العاقلة كما لو اشترك
ألف نفس قتل رجل فالجزء الواجب على كل واحد منهم مع قتله يتحمله العاقلة وكذلك أن
كان القاتل عبدا لان الوصية بالعفو تقع لمولاه فان موجب جناية العبد على المولى وهو الذي
يخاطب بدفعه أو فدائه (ألا ترى) ان بمد عتق العبد لا يطالب بشئ وإذا أوصي لعبده بثلث ماله
صحت الوصية لان رقبته من جملة ماله فيكون موصيا له بجزء منها فان قتله العبد فوصيته
باطلة غير أنه يعتق ويسعى في قيمته لأنه تعذر رد العتق فيكون الرد بايجاب السعاية وعلى هذا
المدبر إذا قتل مولاه عمدا أو خطأ فعليه أن يسعى في قيمته لرد الوصية وعليه في العمد
القصاص فإن كان المقتول وليان فعفى أحدهما عنه انقلب نصيب الاخر مالا فعليه أن يسعى
في نصف قيمته للاخر لأنها إنما صارت مالا بعد ما عتق وصار أحق بمكاسبه إلا أن الواجب
بسبب جناية كانت منه في حال رقه فيكون الوجوب عليه من القيمة دون الدية بخلاف
ما إذا قتل مولاه خطأ لأنه حين وجب المال بسب الجناية كان المولي أحق بكسبه وموجب
جنايته على غيره يكون على المولى فلا يجب بجنايته على مولاه شئ من ذلك لأنه لو وجب
وجب على نفسه وأم الولد إذا قتلت سيدها خطأ فليس عليها سعاية في شئ لان عتقها ليس بوصية
وموجب جنايتها على غير المولى يكون على المولي فلا يلزمه بالجناية على مولاها خطأ شئ وان
قتلته عمدا وليس لها منه ولد كان عليها القصاص فان عفى أحد الوارثين سعت للاخر في نصف
قيمتها لان نصيب الاخر إنما انقلب مالا يعد ما عتقت وصارت أحق بكسبها وإن كان لها منه
179

ولد بطل عنها القصاص لصيرورة جزء منه لولدها وعليها أن تسعى في قيمتها لان القصاص
إنما انقلب مالا بعد موت المولى حين ورث ولدها جزأ منه وإذا أوصى لقاتله بالثلث وأجاز
ذلك الورثة بعد موته جاز وان اجازته قبل موته فهو باطل بمنزلة الوصية للوارث وقد تقدم بيانه
ولو أوصى لرجل بوصية فقامت البينة عليه انه قاتل وصدقهم بذلك بعض الورثة وكذبهم بعضهم
فإنه يبرأ من حصة الذين كذبوا من الدية وتجوز وصيته في حصتهم من الثلث ويلزمه حصة الذين
صدقوا من الدين وتبطل وصيته في حصتهم من الثلث لان في حق كل فريق يجعل كأن الفريق
الاخر في مثل حالة إذ لا ولاية لبعضهم على البعض وإذا قامت عليه بينة بالقتل وأبرأه الميت فابراؤه
عفو منه فيصح من الثلث إن كان القتل خطأ ولا وصية له بعد ذلك لان القتل ثبت عليه بالبينة
فان في حق الذين كذبوهم حتى لو كذب الورثة الشهود جازت الوصية له بعد وإذا جرح الرجل
في مرضه جراحة عمدا أو خطأ فقال المجروح لم يجر حنى؟ فلان ثم مات من ذلك كان القول
قوله ولا سبيل للورثة على القاتل لأنهم يخلفونه وبعد ما قال لم يجر حنى لا سبيل له عليه في
دعوى القتل فكذلك لورثته وان أقام ورثته البينة على القتل لم تقبل بينتهم لان قبول البينة
ينبنى على صحة الدعوى منهم وبعد قول المجروح لم يجر حنى فلأن لا يصح كما لا يصح الدعوى
منه قبل موته بخلاف ما إذا قال لا جراحة لي قبل فلان ثم ادعى عليه القتل وأثبته بالبينة جازت
لأنه نفى موجب الجرح ودعواه موجب النفس لا تنافى ما أبقاه من موجب الجرح وفي الأول
نفى أصل الجرح ومن ضرورته نفى القتل إذ القتل بدون الجرح لا تصور له أما ظاهرا أو
باطنا وإذا أوصى الرجل لرجلين بوصية وأقام كل واحد من ورثته البينة على أحد الموصى لهما
انه قتل صاحبهما خطأ كان على كل واحد منهما خمسة آلاف للذي أقام عليه البينة ولا وصية
له في حصة الذي أقام عليه البينة بالقتل وتجوز له الوصية في حصة الاخر بالحساب لان كل
واحد منهما يثبت الحق على المشهود عليه لنفسه ولصاحبه وصاحبه مكذب لشهوده فيخرج
كل واحد منهما من أن يكون قاتلا في حق من كذب المشهود عليه ويبقى قاتلا في حق
الاخر في حكم الدية والوصية جميعا وإذ أوصى الرجل لرجلين لكل واحد منهما بالثلث
وأوصى لاخر بعبد فشهد الموصى لهما بالثلث على الموصى له بالعبد انه قاتل فشهادتهما باطلة
لأنهما يجزءان الثلث إلى أنفسهما ويسقطان مزاحمة الموصى له بالعبد معهما في الثلث ويلزمه
الدية أيضا ولهما من ذلك الثلث فكانا شاهدين لا نفسهما والموصى له بالثلث شريك الوارث
180

في التركة فهذه الشهادة لا تقبل من الورثة للتهمة فكذلك من الموصى له وكذلك لو شهدا على
وارث أو على أجنبي انه قتله خطأ لان المعنى في الكل سواء وإذا أعتق الرجل في مرضه صبيا
صغيرا لا مال له غيره ثم قتل الصبي مولاه عمدا فعليه أن يسعى في قيمتين يدفع له من ذلك
الثلث وصية له ويسعى فيما بقي لان الصبي لا يحرم الإرث بسبب القتل فكذلك لا يحرم الوصية
ومحل الوصية الثلث فيلزمه السعاية فيما زاد على الثلث والمعتق في المرض ما دام عليه شئ من
السعاية فهو بمنزلة المكاتب فلهذا ألزمه السعاية في قيمته بسبب الجناية وفي قيمته بسبب العتق
في المرض بعد أن يسلم له من ذلك الثلث ولو كان كبيرا فقتل مولاه خطأ سعى في قيمتين للورثة
ولا وصية له لأنه قاتل وهذا أقوى وهذا كله قول أبي حنيفة رحمه الله فأما عندهم عليه السعاية
في قيمته لرد الوصية والدية على العاقلة لان المستسعى حر عندهما ولو قتل غيره مولاه خطأ كانت
الدية على عاقلته وكذلك إذا قتل مولاه وعند أبي حنيفة هو بمنزلة المكاتب فعليه السعاية في
قيمته لأجل الجناية وكذلك قولهما في الصبي أن الدية تجب على عاقلته كما لو قتل غيره مولاه
لأنه حر فإن كان عليه السعاية لم يحسب له قيمته من الثلث بطريق الوصية لان الصبي لا يحرم الوصية
وإن كان قاتلا والله أعلم
(باب الوصية بالغلة والخدمة)
(قال رحمه الله) والوصية بخدمة العبد أو غلته أو سكنى الدار وغلتها تجوز عندنا وعلى
قول ابن أبي ليلى لا يجوز شئ من ذلك موقتا ولا غير موقت لان الموصى يملك له بايجابه
وذلك لا يصح منه فيما ليس بمملوك له والمنفعة والغلة التي تحدث بعد موته ليس بمملوكة له
وبايجابه لا يتناول المنفعة والغلة التي تحدث في حال حياته فيبطل وصيته بها ولكنا نقول المنفعة
تحتمل التمليك ببدل وبغير بدل في حال الحياة فيجعل التمليك بعد الموت أيضا وهذا
لان الموصى تبقي العين على ملكه حتى يجعله مشغولا بتصرفه موقوفا على حاجته فإنما يحدث
المنفعة على ملكه فإذا ثبت هذا في المنفعة فكذلك في الغلة لأنها بدل المنفعة والوصية بخلاف
الميراث فالإرث لا يجرى في الخدمة بدون الرقبة لان الوراثة خلافة وتفسيره أن يقوم الوارث
مقام المورث فيما كان ملكا للمورث وهذا لا يتصور الا فيما يبقى وقتين والمنفعة لا تبقي وقتين
فاما الوصية ايجاب ملك بالعقد بمنزلة الإجارة والإعارة فيما أبقي فان أوصى بخدمة عبده سنة
181

وليس له مال غيره فان العبد يخدم الورثة يومين والموصى له يوما حتى يستكمل الموصى له
سنة لان الوصية لا تنفذ في أكثر من الثلث وفي زمان الخدمة تكون بد الورثة مقصورة
عن العبد فلا يمكن قصر يدهم عن جميع المال بسبب الوصية والعبد لا يحتمل القسمة في نفسه
فتكون القسمة بطريق المهاياة في الخدمة وحق الورثة في سهمين وحق الموصى له في سهم
فيخدمهم يومين والموصى له يوما حتى يستكمل الموصى له سنة وصارت الوصية بالخدمة
ما لم يستوف الموصى له كمال حقه بمنزلة الوصية بالرقبة ولو أوصى بسكنى دار سنة ولا مال له
غيرها فإنه يسكن ثلثها سنة ويسكن الورثة الثلثين لان الدار يمكن قسمتها بالاجزاء وهذا
النوع من القسمة أقرب إلى المعادلة لان كل واحد منهما يستوفى نصبيه من السكنى في الوقت
الذي يستوفيه صاحبه بخلاف ما إذا تهايأ عن الزمان فان هناك يسبق أحدهما بالاستيفاء فلا
يصار إليه الا عند تعذر قسمة السكنى بالاجزاء ولكن ليس للورثة أن يبيعوا ما في أيديهم من
ثلثي الدار الا في رواية عن أبي يوسف يقول إن ذلك حقهم على الخلوص فينفذ بيعهم فيه ولكنا
نقول حق الموصى له بالسكنى ثابت في سكنى جميعها بدليل أنه لو ظهر للميت مال آخر تخرج
الدار من ثلثه كان هو أحق بسكنى جميعها ولو خرب ما في يده من الدار كان له ان يزاحم الورثة
فيما في أيديهم وفي البيع ابطال حقه فكانوا ممنوعين من ذلك ولو أوصي له بغلة عبده سنة
وليس له مال غيره كان له ثلث غلته تلك السنة لان الغلة عين مال محتمل القسمة فإنما تنفذ
الوصية في مقدار الثلث من الغلة في سنة واحدة بخلاف الخدمة فإنها لا تحتمل القسمة
بالاجزاء فللموصى له أن يستوفى الخدمة بطريق المهايأة إلى أن يكون ما يستوفيه خدمة
سنة كاملة كما أوصى لزيد وكذلك أن أوصي له به وكذلك أن أوصي له بغلة داره فهذا وغلة
العبد سواء لان الغلة في الموضعين جميعا تحتمل القسمة فلا يسلم للموصى له الا ثلث الغلة في
سنة واحدة وأن أراد الموصى له قسمة الدار بينه وبين الورثة ليكون هو الذي يستغل
ثلثها لم يكن له ذلك الا في رواية عن أبي يوسف فإنه يقول الموصى بمنزلة الشريك فيما يجب
تنفيذ الوصية فيه فكما أن للشريك أن يطالب بالقسمة ليكون هو الذي يستغل نصيبه
فكذلك الموصى له بالغلة هاهنا ولكنا نقول القسمة تبني على ثبوت حق الموصي له فيما تلاقيه
القسمة ولاحق له في عين الدار إنما حقه في الغلة وقسمة الدار لا تكون قسمة للغلة فلا يكون له
أن يطالب بها وليس للموصى له بسكنى الدار وخدمة العبد أن يؤاجرهما عندنا وقال الشافعي
182

له ذلك لان تمليك المنفعة بعقد مضاف إلى ما بعد الموت كتمليك المنفعة في حال الحياة ولو تملك
المنفعة بالاستئجار في حال الحياة ملك الإجارة من غيره فكذلك إذا تملك المنفعة بالوصية بعد
الموت وهذا لان المنفعة معتبرة بالعين والعين سواء تملكها ببدل أو بغير بدل تملك الاعتياض
عنه مع غيره فكذلك المنفعة بخلاف المستعير فإنه لا يتملك المنفعة عندي ولكن الإعارة في حكم
الإباحة ولهذا قلت المستعير لا يعير من غيره والدليل على الفرق ان الإعارة لا يتعلق بها اللزوم
والوصية بالمنفعة يتعلق بها اللزوم كالوصية بالعين وحجتنا في ذلك أن الموصى له بملك المنفعة
يتعلق بها اللزوم كالوصية بالعين وحجتنا في ذلك أن الموصى له ملك المنفعة بغير عوض فلا
يملك تمليكها من الغير بعوض كالمستعير وهذا لان المستعير مالك للمنفعة فان التملك في حال
الحياة أقرب إلى الجواز منه بعد الموت وإذا كانت المنفعة تحتمل التمليك بعد الموت بغير عوض
فلان تحتمل ذلك في حال الحياة أولى وتصح بلفظ التمليك حتى لو قال ملكتك منفعة هذه الدار
كانت عارية صحيحة وإنما لا يتعلق بهذا اللفظ اللزوم لكونها متعرية عن البدل وكذلك الوصية
إلا أن غير الموصى لا يتمكن من الرجوع بعد موت الموصى والموصى ماتت فلا يتصور رجوعه
فيه وهذا لان المنفعة ليست بمال وفي تمليكها بمال احداث معنى المالية فيها فإنما تثبت هذه الولاية
فيها لمن يملكها تبعا لملك الرقبة أو لمن يملكها بعقد المعاوضة حتى يكون مملكا لها بالصفة التي تملكها
فأما إذا تملكها مقصودة بغير عوض ثم ملكها بعوض كان مملكا أكثر مما يملك معنى وليس
له أن يخرج العبد من الكوفة إلا أن يكون الموصى له وأهله في غير الكوفة فيخرجه إلى أهله
للخدمة هنالك إذا كان يخرج من الثلث لان الوصية تنفذ على ما يعرف من مقصود الموصى فإذا
كان الموصى وأهله في موضع آخر عرفنا أن المقصود له أن يحمل العبد إلى أهله ليخدمهم
وإذا كانوا في بصرة فمقصوده إلى تمكنه من خدمة العبد من غير أن يلزمه مشقة السفر فلا يكون
له أن يخرجه من بلدته وقد بينا هذه المسألة في كتاب الصلح وما فيها من اختلاف الروايات
ولو أوصى له بخدمة عبده وللاخر برقبته وهو يخرج من الثلث فالرقبة لصاحب الرقبة
والخدمة كلها لصاحب الخدمة لأنه أوجب لكل واحد منهما شيئا معلوما وما أوجبه لكل
واحد منهما يحتمل الوصية بانفراده فيعطف؟ احدى الوصيتين على الأخرى لا يتحقق بينهما
مشاركة فيما أوجبه لكل واحد منهما ثم لما صحت الوصية لصاحب الخدمة فلو لم يوص في
الرقبة بشئ لصارت الرقبة ميراثا للورثة مع كون الخدمة للموصى له فكذلك إذا أوصي بالرقبة
183

لإنسان آخر لان الوصية قياس الميراث من حيث إن الملك يثبت بها بعد الموت (ألا ترى) أنه
لو أوصى بأمة رجل وبما في بطنها لاخر وهو يخرج من الثلث كان ذلك كما أوصى ولا شئ
لصاحب الأمة في الولد ولو أوصى لرجل بخاتم ولاخر بفصه كان كما أوصى ولا شئ لصاحب
الخاتم من الفص ولو قال هذه القوصرة لفلان وما فيها من التمر؟ لفلان كان كما أوصى فأما إذا
فصل أحد الايجابين عن الاخر في هذه المسألة فعلى قول أبى يوسف الجواب كذلك وعلى
قول محمد تكون الأمة للموصى له بها والولد بينهما نصفان وكذلك الخاتم والفص والقوصرة
والتمر. وجه قول أبى يوسف ان بايجابه في الكلام الثاني يبين أن مراده من الكلام الأول
ايجاب الأمة للموصى له بها دون الولد وهذا البيان منه صحيح وإن كان مفصولا لان
الوصية لا تلزمه شيئا في حال فيكون حالة البيان الموصول فيه والمفصول سواء كما في الوصية
بالرقبة والخدمة فان هناك المفصول والموصول سواء في الحكم ومحمد يقول اسم الخاتم يتناول
الحلقة والفص جميعا فاسم الجارية يتناولها وما في بطنها وفي القوصرة كذلك ومن أصلنا أن العام
موجبة ثبوت الحكم في كل ما يتناوله على سبيل الإحاطة بمنزلة الخاص فاجتمع في الفص الوصية
لكل واحد منهما بايجاب على حدة فيجعل الفص بينهما نصفين ولا يكون ايجاب الوصية للثاني
فيه دليل الرجوع عن الأول كما لو أوصي بالخاتم للثاني بخلاف الخدمة مع الرقبة فاسم الرقبة
لا يتناول الخدمة ولكن الموصى له بالرقبة إنما يستخدمها لان المنفعة تحدث على ملكه ولا
حق للغير فيه فإذا أوجب الخدمة لغيره لا يبقى للموصى له بالرقبة حق بخلاف ما إذا كان الكلام
موصولا لان ذلك بمنزلة دليل التخصيص أو الاستثناء فتبين أنه أوجب لصاحب الخاتم
الحلقة خاصة دون الفص فإذا جنى العبد الموصى له بخدمته ورقبته جناية فالفداء على صاحب
الخدمة لان فيما هو المقصود بالعبد وهو الاستخدام هو المختص به كالمالك وبالفداء تسلم
الخدمة له ولا يسلم لصاحب الرقبة شئ في الحال فإذا فداه خدمه على حاله لأنه طهره عن الجناية
وان مات صاحب الخدمة انتقضت الوصية لان الحق للموصي له في الخدمة لا يحتمل التوريث
لأنها لا تبقى وقتين فلا يتصور أن تكون مملوكة للمورث ثم للوارث فتبطل الوصية بموته عندنا
خلافا للشافعي فإنه يرى توريث المنفعة وقد بينا هذا في الإجارات ثم يقال لصاحب الرقبة أد إلى
ورثته ذلك الفداء لأنه ظهر أن صاحب الرقبة هو المنتفع بذلك الفداء فان خدمة العبد تسلم
له وقد كان الموصى له مضطرا إلى ذلك الفداء فلا يكون متبرعا فيه فان أبى أن يرد الفداء
184

على ورثته بيع فيه العبد وكان بمنزلة الدين في عتقه لأنه إنما جنى العبد بذلك الفداء ولولاه
لكانت نفسه مستحقة بالجناية وإذا أبى صاحب الخدمة في أول الأمر أن يفدى لم يجز على
ذلك لأنه لا يملك شيئا من الرقبة وقد رضى ببطلان حقه في الخدمة حين أبى أن يفدى ويقال
لصاحب الرقبة ادفعه أو افده فأيهما صنع بطلت وصية صاحب الخدمة لأنه ان دفعه فقد
فات محل وصيته وان فداه فإنما يفديه بما أسلم له من خدمته والموصى له حين أبى أن يفديه فقد
رضى بصيرورة العبد مستهلكا فيما لحقه من الجناية والغرم ولو قتل رجل العبد خطأ ولم يجن
العبد فعلى عاقلة القاتل قيمته يشترى بها عند عدم صاحب الخدمة لان القيمة قائمة مقام الرقبة
وقد كانت الرقبة للموصى له بها مشغولة بحق الموصى له بالخدمة فيها فكذلك ما يقوم مقامها
ولا يقال حق الموصى له بالخدمة في المنفعة والمنفعة لا تتقوم بالاتلاف لان الوصية بالخدمة
وان تعلقت بالمنفعة فالاستحقاق بها يتعدى إلى العين ولهذا يعتبر خروج العين من الثلث
والقيمة بدل العين فيشترى بها ما يقوم مقام العين الأولى ويثبت فيه حق صاحب الخدمة
كما كان ثابتا في الأولى وإن كان القتل عمدا فلا قصاص فيه إلا أن يجتمع على ذلك صاحب
الرقبة وصاحب الخدمة أما صاحب الرقبة فلانه هو المالك للعبد وولاية استيفاء القصاص تثبت
بملك الرقبة وأما صاحب الخدمة فلان في استيفاء القصاص ابطال حقه في الخدمة وهو حق
لازم له فلا يجوز ابطاله بغير رضاه فان اختلفا فيه تعذر استيفاء القصاص فوجب قيمته في
مال القاتل يشترى بها عبدا فيخدمه مكانه لان في استيفاء المال مراعاة الحقين ولو فقأ رجل
عينيه أو قطع يده دفع العبد وأخذت قيمته صحيحا لأن هذه الجناية استهلاك له حكما فيعتبر
باستهلاكه حقيقة فيوجب قيمته صحيحا من الجاني بعد تسليم الجثة إليه ويشترى بها عبدا
مكانه ولو قطعت يده أو فقئت عينه أو شج موضحة فادى القاتل أرش ذلك فإن كانت
الجناية تنقص الخدمة اشترى بالأرش عبدا آخر يخدم صاحب الخدمة مع العبد الأول لان
الأرش بدل الفائت بالجناية وقد كان حق الموصي له بالخدمة ثابتا في ذلك الجزء ولما كان
فواته ينقص الخدمة فيثبت في بدله أيضا أو يباع العبد فيضم ثمنه أيضا إلى ذلك الأرش
ويشترى بهما عبد ليكون قائما مقام الأول ولكن هذا إذا اتفقا عليه فان اختلفا في ذلك لم
يبع العبد لان رقبته لأحدهما وخدمته للاخر فلا يجوز بيعه الا برضاهما ولكن يشترى
بالأرش عبد يخدمه معه فإن لم يوجد بالأرش عبد وقف الأرش حتى يصطلحا عليه فان اصطلحا
185

على أن يقتسماه نصفين أجزت ذلك بينهما لان الحق لا يعدوهما فإذا تراضيا فيه على شئ كان
لهما ذلك ولا يكون ما يستوفيه الموصى له بالخدمة من نصف الأرش بدلا عن نقصان الخدمة
لأنه لا يملك الا الاعتياض عن الخدمة ولكن يكون اسقاطا لحقه ذلك بالمال الذي يستوفيه
بمنزلة ما لو كان العبد قائما على حاله فصالح الموصى له بالرقبة على مال يستوفيه منه ليسلم العبد
إليه فإن كانت الجناية لا تنقص الخدمة فالأرش لصاحب الرقبة لأنه بدل جزء فات من ملكه
وظهر أنه لم يكن لصاحب الخدمة حق في ذلك الجزء حين لم يتنقص؟ الخدمة بفواته وكل
مال وهب للعبد أو تصدق به عليه أو اكتسبه فهو لصاحب الرقبة لان الكسب يملك بملك
الرقبة وهو المختص بملك الرقبة ولو كان مكان العبد أمة كان ما ولدت من ولد لصاحب الرقبة
لأنه تولد من عينها وعينها ملك صاحب الرقبة ونفقة العبد وكسوته على صاحب الخدمة لأنه
إنما يتمكن من استخدامه إذا أنفق عليه فان العبد لا يقوى الخدمة الا بذلك وهو أحق
بخدمته فيلزمه نفقته كالمستعير فإنه ينفق على المستعار وينتفع به وان أبى أن ينفق رده على
صاحبه فيلزمه نفقته فهذا كذلك أيضا فإن كان أوصى بخدمة عبد صغير وبرقبته لاخر وهو
يخرج من الثلث فنفقته على صاحب الرقبة حتى يدرك الخدمة فإذا خدم صارت نفقته على
صاحب الخدمة لان بالنفقة عليه في حالة الصغر تنمو العين والمنفعة في ذلك لصاحب الرقبة
وإذا صار بحيث يخدم فهو بالنفقة يتقوى على الخدمة والمنفعة في ذلك لصاحب الخدمة فلهذا
كانت النفقة عليه ثم نفقة المملوك على المالك باعتبار الأصل إلا أن يصير معدا لانتفاع الغير به
فحينئذ تكون النفقة على المنتفع كالمولى إذا زوج أمته ولم يبؤها بيتا كانت نفقتها على المولى فان
بوأها مع الزوج بيتا كانت نفقتها على الزوج ولو أوصى بدابة لرجل وبظهرها ومنفعتها لاخر
كانت مثل العبد سواء لاستوائهما في المعنى وإذا كان لرجل ثلاثة أعبد فأوصى برقبة أحدهم
لرجل وبخدمة آخر لرجل آخر ولا مال له غيرهم وقيمة الموصى بخدمته خمسمائة درهم وقيمة
الموصى برقبته ثلاثمائة وقيمة الباقي ألف فالثلث بينهما على ثمانية أسهم خمسة لصاحب الخدمة في
خدمة العبد الموصي بخدمته فيكون له من خدمته ثلاثة أيام وللورثة يوم ويكون للاخر من
رقبة عبده مائتان وخمسة وعشرون لان الوصية بالخدمة في الاعتبار من الثلث والمضاربة بها
بمنزلة الوصية بالرقبة وجملة المال ألف وثمانمائة فوصية كل واحد منهما كانت بأقل من الثلث
فيضرب كل واحد منهما بجميع وصيته وقيمة العبد الموصى بخدمته خمسمائة درهم فيضرب
186

صحابها في الثلث بذلك وصاحب الرقبة بثلث ماله فإذا جعلت كل مائة سهما كان الثلث
بينهما على ثمانية ثم ثلث المال بقدر ثلاثة أرباع الوصيتين لان ثلث المال ستمائة ومبلغ
الوصيتين ثمانمائة ويقدر لكل واحد منهما ثلاثة أرباع وصيته في الحال فيجتمع في العبد
الموصى بخدمته حق الورثة وحق الموصى له بخدمته حقه في ثلاثة أرباعه وحق الورثة في
الربع فلهذا قال يخدم الموصى له بخدمته ثلاثة أيام والورثة يوما ولصاحب الرقبة ثلاثة أرباع
رقبة عبده وذلك مائتان وخمسة وعشرون فإذا مات صاحب الخدمة استكمل صاحب الرقبة
عبده كله لان الوصية بالخدمة قد بطلت وجميع العبد للاخر خارج من الثلث وزيادة وكذلك
ان مات العبد الذي كان يخدم لان بموته بطلت الوصية بالخدمة وصار الميت كأن لم يكن فيبقى
السالم للورثة عند التساوي ألف درهم فيمكن تنفيذ الوصية في عبد يساوى ثلاثمائة درهم لان
ذلك دون الثلث ولو كانت قيمته العبد سواء كان لصاحب الخدمة نصف خدمة العبد ولصاحب
الرقبة نصف رقبة الاخر لان حقهما في الثلث سواء والثلث بقدر رقبة واحدة فينفذ لكل
واحد منهما والوصية في نصف الثلث مما أوصى له ولو أوصى بالعبيد كلهم لصاحب الرقبة وبخدمة
أحدهم لصاحب الخدمة لم يضرب صاحب الرقاب لا بقيمة واحد منهم ويضرب الاخر بقيمة
الاخر فيكون هذا كالباب الذي قبله وهو قول أبي حنيفة بناء على أن الوصية بالعين فيما زاد
على الثلث عند عدم الإجازة من الورثة تبطل ضربا واستحقاقا ولو كانوا يخرجون من الثلث
كان لصاحب الرقبة ما أوصى له به من الرقاب ولصاحب الخدمة ما أوصى له به لاتساع محل
الوصية ويجتمع في العبد الواحد الوصية برقبته وبخدمته فإذا مات صاحب الخدمة رجع ذلك
إلى صاحب الرقبة ولو لم يكن له مال غيرهم فأوصى بثلث كل عبد منهم لفلان وأوصى بخدمة
أحدهم بعينه لفلان فإنه يقسم الثلث بينهما على خمسة لصاحب الخدمة ثلاثة أخماس الثلث في
خدمة ذلك العبد وللاخر خمسا الثلث في العبدين الباقيين في كل واحد منهما خمس رقبة لان
حق الموصى له بالخدمة في العبد الموصى بخدمته تقدم على حق الاخر (ألا ترى) انه لو كان
العبد واحدا فأوصى بخدمته لرجل وبرقبته لاخر لا تثبت المزاحمة لصاحب الرقبة مع صاحب
الخدمة فيه فكذلك هاهنا الموصى له بثلث كل عبد لا يزاحم الموصى له بالخدمة في الثلث بشئ
من وصيته في هذا العبد وإنما يزاحمه وصيته في العبدين الآخرين وقد أوصى له بثلث كل
واحد منهما فإذا جعلنا كل ثلث سهما كان حقه في سهمين وحق الموصي له بالخدمة في ثلاثة
187

فلهذا كان الثلث بينهم على خمسة والثلث بقدر رقبة واحدة فللموصى له بالخدمة ثلاثة أخماس
ذلك كله في العبد الموصى بخدمته واجتمع فيه حقه وحق الورثة وذلك في خمسة فلهذا كانت
المهاياة في الخدمة على خمسة أيام يخدم الورثة يومين والموصى له ثلاثة أيام ويكون للاخر خمسا
الثلث في العبدين الباقين فيسلم له من كل واحد منهما خمس الرقبة ولو كان أوصى بثلث ماله
لصاحب الرقاب وبخدمة أحدهم بعينه لصاحب الخدمة ولا مال له غيرهم قسم الثلث بينهما
نصفين لان الموصى له بثلث مال يزاحم الموصى له بالخدمة في الثلث بوصيته في العبد الموصى
بخدمته (ألا ترى) انه لو كان العبد واحدا فأوصى بخدمته لإنسان وبثلث ماله لاخر تثبت
المزاحمة بينهما في العبد بوصيتهما وهذا لان الخدمة نتناولها الوصية بثلث المال كما تتناول الرقبة
لان ذلك من ماله بخلاف الأول فان الوصية بالرقبة لا تتناول الخدمة بحال لان الخدمة غير
الرقبة إذا ثبت هذا فنقول حقهم في الثلث على السواء فيقسم الثلث بينهما نصفين فما أصاب
صاحب الخدمة فهو في العبد الموصي بخدمته وذلك نصفه وما صاب صاحب الثلث وهو نصف
العبد كان له والعبيد الثلاثة في كل عبد ثلث ذلك الثلث فيكون دون الخدمة في العبد الموصى
بخدمته في كل ستة أيام يخدم الموصى له بالخدمة ثلاثة والورثة يومين والموصى له بالثلث يوما
حتى يموت صاحب الخدمة فإذا مات بطلت وصيته فزالت مزاحمته فيكون الموصى له بثلث
المال جميع وصيته وهو ثلث كل عبد من العبيد الثلاثة وإذا أوصي بخدمة عبده لرجل وبغلته
لاخر وهو يخرج من الثلث فإنه يخدم صاحب الخدمة شهرا ويغل على صاحب الغلة شهرا
لاستواء حقهما فيه الا انه في الخدمة جعل المناوبة بالأيام لتيسر ذلك وفي الاستغلال جعل
النوبة بالشهور لان استغلال العبد لا يكون عادة فيما دون الشهر ويتعذر استغلاله في كل نوبة
إذا جعلت بالأيام وفي كل شهر طعامه على من له منفعته لان الغرم مقابل بالغنم وبالنفقة
يتوصل إلى الخدمة والعمل وكسوته عليهما نصفان لاستواء حقهما فيه وتعذر تجديد الكسوة
في كل نوبة وان جنى العبد جناية قيل لهما أفدياه لان تمليكهما من استيفاء حقهما يكون بالفداء
فان أبيا فقداه؟ الوارث بطلت وصيتهما لأنهما حين أبيا الفداء فقد رضيا بدفعه وصار في حكم
المستهلك في حقهما بمنزلة ما لو دفع بجنايته ولو أوصى لرجل من غلة عبده كل شهر بدرهم
وللاخر بثلث ماله ولا مال له غير العبد فثلث العبد بينهما نصفان في قول أبي حنيفة لان
الوصية بغلة العبد كالوصية برقبته في الاعتبار من الثلث فالموصي له بالغلة موصى له بجميع
188

المال ومن أصل أبي حنيفة ان الوصية بما زاد على الثلث عند عدم الإجازة تبطل في حق
الضرب فلهذا قال الثلث بينهما نصفان فما أصاب صاحب الثلث فهو له وما أصاب صاحب
الغلة استغل بحسب غلته وينفق عليه منها كل شهر درهم كما لو أوصى وإنما يحبس جميع تلك
الغلة لجواز أن يمرض أو تبطل فلا يعمل في بعض الشهور ويحتاج إلى الانفاق عليه مما هو
محبوس لحقه فان مات وقد بقي منها شئ رد على صاحب الثلث ويرجع عليه أيضا مما يحبس
على صاحب الغلة من رقبة العبد لان وصيته بطلت بموته فان حقه في بدل المنفعة وهي الغلة
وقد بينا ان وارثة لا يخلفه فيما له من الحق في المنفعة فكذلك في بدلها وهذا لأنه لم يصر مملوكا
له ولكن ثبت له حق يستحق ان لو بقي حيا ومثل هذا لا يورث وإذا بطلت وصيته وزالت
مزاحمته سلم جميع الثلث لصاحب الثلث والمحبوس من الغلة بدل منفعة جزء من الثلث فيكون
للموصى له بالثلث ولو أوصى لرجل بغلة داره ولا مال له غيرها فاحتاجت الورثة إلى سكناها
قسمت الدار ثلاثا ويكون للورثة ثلثاها واستغل ثلثها صاحب الغلة لان الدار تحتمل القسمة
وثلثاها خالص حق الورثة فيجب تمكينهم من صرف نصيبهم إلى حاجتهم وهو السكنى وإنما
يكون ذلك بالقسمة ولو أوصي لرجل بغلة داره ولاخر بعبد ولاخر بثوب فان ثلث مال
الميت يقسم بينهم يضرب فيه كل واحد بما سمى له فما أصاب صاحب الدار كان له غلة ذلك
لان الموصى أوجبه له فيصرف إليه إلى أن يموت صاحب الغلة فحينئذ تبطل وصيته ويقسم
الثلث بينهم وبين من بقي من أهل الوصية لزوال مزاحمته إلا أن هاهنا إن كان حصل من
الغلة شئ قبل موته فهو لورثته لأنه صار مالكا لما حصل من الغلة حتى يتمكن من استيفائها
في الحال وهو عين فيخلفه وارثة فيها ولو أوصي بغلة داره وعبده في المساكين جاز ولا يجوز ذلك
في السكنى والخدمة الا لإنسان معلوم لان الغلة عين مال يتصدق به وهذا وصية بالتصدق
على المساكين فأما السكنى والخدمة لا يتصدق بهما بل تعار العين لأجلهما والإعارة لا تكون
الا من انسان معلوم ثم المساكين محتاجون إلى ما يسد خلتهم ويحصل ذلك لهم بالغلة وقل
ما يحتاجون إلى الخدمة والسكنى وقبل أن ينبغي أن يجوزا على قياس من يجيز الوقف فان هذا
في معنى وقف على المساكين ومن أوصى بظهر دابته لإنسان معلوم يركبها في حاجته ما عاش
فهو جائز لأنه وصية بالإعارة منه ولو أوصى بظهرها للمساكين أو في سبيل الله تعالى كان
باطلا في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وقال محمد هو جائز وهذا لان من أصل أبي حنيفة ان
189

الوقف لا يتعلق به اللزوم وان وقف المنقول لا يجوز وإن كان مضافا إلى ما بعد الموت وهو
قول أبى يوسف فأما عند محمد وقف المنقول جائز فيما هو متعارف بين ذلك في السير الكبير
وروى فيه أن ابن عمر رضي الله عنه مات عن ثلاثمائة فرس ونيف ومائتي بعير مكتوب على أفخاذها
حبس لله تعالى فجوز ذلك استحسانا ولو لم يوص به لإنسان بعينه وهما أبطلا ذلك إلا أن يوصى
به لإنسان بعينه فيجوز حينئذ لحاجته ولو قال في صحته غلة داري هذه أو عبدي هذا صدقة
في المساكين فان ردت بعد موتى فهي وصية من ثلثي تباع ويتصدق بثمنها جاز ذلك لأنا قد
بينا أن ابن أبي ليلى لا يجوز الوصية بالغلة أصلا فلا يأمن الموصى من أن يرفع ورثته
إلى قاض يعتقد قوله فيبطل وصيته فيحرز عن ذلك بما ذكر من الوصية الثانية وعلقها
يرد؟ الأولى والوصية تحتمل التعليق وهذا التعليق فيه فائدة ابقاء الأولى لان الورثة لا يحتالون
في ابطال الأولى إذا علموا انهم لا يستفيدون بذلك شيئا ثم المعلق بالشرط عند وجود الشرط
كالمنجز فإذا ردت الأولى وجب تنفيذ الوصية الثانية فيباع إذا كان يخرج من ثلثه ويتصدق
بثمنه ولو أوصى بداره أو بأرضه فجعلها حبسا على الاخر والاخر من ورثته لا يباع أبطلت
ذلك وجعلتها ميراثا للحديث لا حبس عن فرائض الله تعالى ولان هذا في معنى الوصية للوارث
ولأنه ان جعل في معنى الوقف فالوقف على بعض ورثته بعد موته لا يجوز والتأييد من
شرط الوقف ولم يوجد ذلك ولو أوصى بغلة داره لإنسان وبسكناها لاخر وبرقبتها لاخر
وهي الثلث فهدمها رجل بعد موت الموصي غرم قيمة ما هدم من بنائها وتبنى مساكن كما كانت
فتؤجر ويأخذ غلتها صاحب الغلة ويسكنها الاخر لان حقه كان تعلق بالبناء الأول فيحول إلى
البدل وهو القيمة وطريق ابقاء حقهما منه أن تبنى مساكن كما كانت ليكون الثاني قائما مقام
الأول وكذلك البستان إذا أوصى بغلته فقطع رجل نخله أو شجره والحاصل أن الوصية بغلة
البستان تتناول الثمار بغلة الدار والعبد يتناول الأجرة وكذلك بغلة الأرض تتناول الأجرة
والحصة من الخارج إذا وقعت مزارعة وبغلة الأمة يتناول الأجرة دون الولد حتى أنها
لو ولدت لا يكون الولد للموصى له بالغلة وان ما تولد من عينها كالثمار ولكن يستحق
بمطلق الاسم ما يطلق عليه اسم الغلة في كل شئ عادة واسم الغلة يطلق على الثمار ولا يطلق على
أولادها ولو أوصى لرجل بثلث ماله ولاخر بغلة داره وقيمة الدار ألف وله ألفان سوى
ذلك فلصاحب الغلة نصف غلة الدار لأنه موصى له بالثلث معنى كالموصي له الاخر بالثلث بينهما
190

نصفان نصفه لصاحب الغلة كله في الدار فلهذا كان له نصف غلة الدار ولصاحب الثلث نصف
الثلث فيما بقي من المال والدار إن شئت قلت خمس ذلك في الدار وأربعة أخماسه في المال لأنه
شريك الورثة فيقاسم الورثة بحسب المال والمال المقسوم بينه وبين الورثة نصف الدار وقيمته
خمسمائة وألفان فإذا جعلت كل خمسمائة سهما كانت أخماسا وأن شئت قلت ثلثا ذلك في المال
وثلثه في الدار لان مزاحمة الموصى له بالغلة قد انعدمت في نصف الدار وحق الموصي له
بالثلث في ثلث الدار بدليل أنه لولا وصية الاخر لكان يسلم له ثلث الدار فإذا فرغ من حق
الاخر مقدار حقه وزيادة أخذ جميع حصته من الدار وهو الثلث مما يستوفيه فإذا مات
صاحب الغلة فلصاحب الثلث ثلث الدار والمال لان وصية صاحب الغلة قد بطلت فان استحقت الدار
بطلت وصية صاحب الغلة لأنها كانت وصية بالعين فلا تبقى بعد استحقاق العين وإن لم تستحق
ولكنها انهدمت قيل لصاحب الغلة ابن نصيبك منها ويبنى صاحب الثلث نصيبه والورثة نصيبهم
ليتمكن كل واحد منهم من الامتناع بنصيبهم وأيهم أبى أن يبنى لم يجبر على ذلك ولم يمنع الاخر
من أن يبنى ما يصيبه من ذلك ويؤاجره ويسكنه لان الآبي منهما قصد الاضرار بنفسه
وبغيره وله أن يلزم الضرر في حق نفسه وليس له أن يلزم الضرر غيره ولو أوصى لرجل
بسكنى داره أو بغلتها فادعاها رجل وأقام البينة أنها له فشهد الموصى له بالغلة أو السكنى انه
أقر أنها للميت لم تجز شهادته لأنه يجر إلى نفسه بذلك نفعا وهو أنه يمهد محل حقه وكذلك
لو شهد للميت بدين أو بمال أو بقتل خطأ فشهادته باطلة لأنه له في مال الميت نصيبا وهو متهم
في هذه الشهادة فان مال الميت كلما كثر كان خيرا له وفي وصيته (ألا ترى) أنه لو ظهر على
الميت دين كان يقضى من المشهود به ويسلم له وصيته فلهذا لا تقبل شهادته والله أعلم بالصواب
(تم الجزء السابع والعشرون من كتاب المبسوط)
(ويليه الجزء الثامن والعشرون وأوله باب الوصية بغلة الأرض والبستان)
191