الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ٢٠
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء العشرون من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(باب الكفالة بالنفس والوكالة بالخصومة)
قال رحمه الله وان ادعى رجل قبل رجل دعوى وأخذ منه كفيلا بنفسه ووكيلا بالخصومة
ضامنا لما ثبت عليه فهو جائز لان مقصود صاحب الحق التوثق بحقه وتمام التوثق يكون بهذا
لان المكفول بنفسه ربما لا يأتي بالكفيل ويخفى شخصه فيتعذر على الطالب اثبات حقه ولا
يتوصل إلى حبس الكفيل وإن كان وكيلا في خصومته يمكن من اثبات حقه بالبينة وبعد
الاثبات ليس له أن يطالب الوكيل بأداء المال وربما لا يظفر الوكيل بالأصيل فإذا كان ضامنا
لما ذاب عليه توصل إلى استيفاء حقه منه فعرفنا ان تمام التوثق بها يحصل فلهذا جوزناه
وعلى قول الشافعي رحمه الله هذا الضمان لا يجوز (وأصل المسألة) ان الكفالة بالمال مضافا إلى
سبب وجوبه يجوز عندنا نحو أن يقول ما ذاب لك على فلان فهو على أو ما بعت به فلانا فهو
على وعند الشافعي رحمه الله لا يجوز لأنه التزم المال بالعقد فلا يحتمل الإضافة كالالتزام بالشراء
ولان الإضافة إلى وقت في معنى التعليق بالشرط والتزام المال بالكفالة لا يحتمل التعليق
بالشرط حتى لو علق بدخول الدار وكلام زيد لم يصح فكذلك إذا اضافه إلى وقت * توضيحه
ان عندكم لو أضاف الكفالة إلى موت المطلوب كان صحيحا ولو أضافها إلى موت غيره لم يصح
ولا فرق بين الموتين فان كل واحد منهما كائن غير موجود وفى الحال ثم جهالة المكفول
عنه تمنع صحة الكفالة بهذه الصفة بأن يقول ما بايعت به أحدا من الناس فكذلك جهالة المكفول
به تمنع صحته بالأولى لان الملتزم بالعقد هو المكفول به * وحجتنا قوله تعالى ولمن جاء به حمل بعير
وأنا به زعيم فهذا المنادى أضاف الالتزام بالكفالة إلى سبب وجوب المال وهو المجئ بصواع
الملك وإنما نادى بأمر يوسف عليه السلام وما أخبر به الله تعالى عن شريعة من قبلنا فهو ثابت
في شريعتنا حتى يقوم دليل النسخ غير أن الشافعي رحمه الله يقول هنا بيان العمالة لمن يأتي به
وعندي من أبق عبده فخاطب جماعة وقال من جاء به منكم فله عشرة كان هذا صحيحا ولكنا
2

نقول استدلالنا بزعامة المنادى بقوله وانا به زعيم ولا حاجة هنا إلي معرفة طريق وجوب
ذلك المال فان العمالة تجب على من وقع له العمل فأما الوجوب على الكفيل فبسبب الكفالة
الا إنه يقول لم يكن هذا كفالة على الحقيقة فان المكفول له مجهول وجهالة المكفول له تمنع
صحة الكفالة والكلام فيه من حيث المعنى إذ التزام المال بالكفالة نظير التزام المال بالاقرار
من حيث إنه التزام لا يقابله إلزام على من يلتزم له وجهالة المقر به لا تمنع صحة الاقرار فكذلك
فيما التزمه بالكفالة وجواز الكفالة في الأصل لحاجة الناس والحاجة ماسة إلى إضافة الكفالة
إلى سبب وجوب المال ولهذا جوز العلماء رحمهم الله الكفالة بالدرك وهو مضاف إلى سبب
الوجوب بالاستحقاق فبه يتبين ان مثل هذه الجهالة لكونها لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع صحة
الكفالة ولا يجوز أن تمنع صحتها لمعنى الخطر فإنه موجود في كل كفالة إذ لا يدرى أن الطالب
يطالب الكفيل أو الأصيل فاما الفرق بين الموتين فهو أن موت المطلوب يجوز أن يكون سببا
لتوجه المطالبة بالمال عليه بأن يكون وارثه فلهذا تصح إضافة الكفالة إليه وكذلك التعليق
بكلام زيد ودخول الدار فإنه ليس بسبب لوجوب المال بحال فتمحض ذلك تعليقا بالشرط
ولا يكون التزاما فاما هاهنا فإنه أضاف الالتزام إلى ما هو سبب لوجوب المال وهو المبايعة
والذوب فيكون التزاما صحيحا فان وافى به ودفعه إليه فهو برئ من ذلك لوجود الموافاة به كما
التزمه وإن لم يفعل فللطالب أن يأخذه بالكفالة ويخاصمه في دعواه قبل المكفول به والكفيل
ضامن له لتحقق الذوب بقضاء القاضي وقد كان ملتزما لما يذوب له عليه والذوب عبارة عن
تحقق الوجوب وان قال إن لم أوافك به غدا فانا وكيل في خصومته ضامن لما ذاب عليه
فرضى بذلك المطلوب فهو جائز وإنما شرط رضاه في الوكالة بالخصومة دون الكفالة بالنفس
والمال لان الوكيل بالخصومة نائب عنه وربما يتضرر هو به فلا ينفرد به الوكيل بدون رضا
الموكل فأما الكفالة فالتزام للطالب ولا يتضرر به المكفول عنه فلا يعتبر رضاه بذلك وكذلك
لو قال متى دعوتني به فلم أوافك به فأنا وكيل في خصومته ضامن ما ذاب لك عليه لان كلمة
متى للوقت فمعناه إن لم أوافك به في الوقت الذي تطلب منى وهذا الوقت وإن كان مجهولا
ولكن لا تمكن بسبب جهالته منازعة ولو كفل به علي انه إن لم يواف به غدا ففلان يعنى
رجلا آخر وكيل في خصومته فما قضى به عليه فأنا ضامن له فرضي بذلك المطلوب فهو جائز
إذ لا فرق أن يكون الوكيل والضامن للمال هو الكفيل بالنفس وبين أن يكون غيره إذا وجد
3

منه القبول لذلك وقد بينا انه لو كانت اضافته لذلك كله إلى نفسه كان صحيحا فكذلك إذا
أضاف كل عقد من هذا إلى شخص معلوم وقبلوا ذلك ورضى به المطلوب كان صحيحا ولو
قدم الوكالة فقال هو وكيلي في خصومة ما بيني وبينك ضامن لما ذاب لك على أو لما قضى
لك به على أو لما لزمني لك أو بما لحقني فان وافاني به غدا حتى أدفعه إليك فهو برئ من
ذلك فهذا جائز لأنه وان أخر التزام المال بالكفالة كان محمولا على معنى التقديم فإذا قدمه
فأولى أن يصح وهذه كلها وثائق لحق واحد فلا فرق في صحتها بين تقديم التعيين وتأخير
التعيين لان المقصود لا يختلف بذلك ولو كفل بنفسه إلى أجل فإن لم يواف به فيه فهو وكيل
في الخصومة التي بينهما ضامن لما ذاب عليه ولم يشهد المطلوب على ذلك فالكفالة بالنفس
والمال جائزة والوكالة والكفالة باطلة لأنه أنابه ولا يقدر الانسان على أن يجعل نفسه نائبا
عن غيره في خصومته من غير رضاه فإذا لم يرض المطلوب بوكالته بطلت الوكالة ولا تبطل
ببطلانها الكفالة بالمال والنفس لان جوازهما لا يتعلق بصحة الوكالة فإنهما صحيحان وإن لم يذكر
الوكالة أصلا ولو كفل بنفسه على أنه إن لم يواف به غدا فهو وكيل في خصومته فرضي به
المطلوب فلم يواف به الغد فهو وكيل بالخصومة لان الوكالة اطلاق تحتمل التعليق بخطر
عدم الموافاة فان قضى عليه بشئ لم يلزم الكفيل منه شئ لأنه ما التزم شيئا من المال وبالكفالة
بالنفس لا يصير ملتزما للمال ولكن الطالب يأخذ الكفيل بالكفالة بالنفس حتى يدفعه إليه
لأنه التزم تسليم النفس إليه فلا يبرأ بثبوت المال عليه ما لم يسلمه فان ثبوت المال عليه لا يغنيه عن
نفسه بل يحوجه إلى ذلك ليستوفي حقه منه فكان الكفيل مطالبا به فان قضى الكفيل الطالب
حقه كان متبرعا بذلك كسائر الأجانب لأنه غير ملتزم للمال وبأدائه لا يستفيد البراءة من
الكفالة بالنفس لجواز أن يكون بين الطالب والمطلوب خصوصية أخرى فلهذا كان متبرعا في
أداء المال ان شاء الطالب قبل ذلك منه وان شاء أبى وطالبه بتسليم النفس إليه كما التزمه وإن كان
كفيلا بالمال أجبرت الطالب على قبضه منه على معنى انه إذا وضع المال بين يديه يصير
الطالب قابضا له لأنه يبرئ ذمته بالأداء ولمن عليه الحق ذلك والأول متبرع لا تبرأ ذمته
عن شئ بما يؤديه ولو قضاه الكفيل المال على أن يبرئه من الكفالة بالنفس كان جائزا لأنه
متبرع في قضاء المال وقد قبله الطالب ثم أبرأه الطالب عن الكفالة بالنفس وذلك حقه وكذلك
لو قضاه بعضه على أن يبرئه عن الكفالة بالنفس وهذا لان الطالب ليس يملك ما يقبضه منه
4

بإزاء الابراء عن الكفالة بالنفس إنما يملك ذلك بدلا عن أصل حقه على المطلوب كما يملكه من
جهة متبرع آخر ثم هو مسقط لحقه في الكفالة بالنفس من غير عوض فيكون صحيحا فاما
إذا أبراه عن الكفالة بالنفس بمال يشترطه عليه بمقابلة البراءة فلا يجب ذلك المال ولو أداه كان
له أن يرجع فيه لان الكفالة بالنفس ليست بمال ولا تؤول إلى المال بحال وهو مجرد حتى
لا يوصف بأنه ملكه والاعتياض عن مثله بالمال لا يصح بخلاف العتاق بجعل والطلاق بجعل
فإنه اعتياض عن ملك (ألا ترى) أن ملك النكاح لا يثبت الا بالمال فيجوز الاعتياض عن
ازالته بالمال أيضا بخلاف حق الكفالة بالنفس فإنه لا يثبت ابتداء بمال قط حتى لو أخذ منه
مالا ليكفل به بنفس فلأن لا يصح فكذلك لا يصح التزام المال عوضا عن الابراء بالكفالة
بالنفس وفى حصول البراءة روايتان في كتاب الشفعة يشير إلى أنه يبرأ وجعل هذا كحق
الشفعة إذا سلمه بمال يصح التسليم ولا يجب المال والمعنى أنه اسقاط محض واشتراط العوض
بمقابلته فاسد ولكن الاسقاط لا يبطل بالشرط الفاسد لأنه لا يتعلق بالجائز من الشروط فلا
يكون الشرط الفاسد مبطلا له وفى موضع آخر يقول لا يبرأ عن الكفالة بالنفس بخلاف الشفعة
لان الكفالة بالنفس حق قوى لا يسقط بعد ثبوته إلا باسقاط تام ولا يسقط إلا بعد تمام
الرضا به ولهذا لا يسقط بالسكوت وإنما يتم رضاه بسقوطه إذا وجب له المال فإذا لم يجب
لا يكون راضيا به فأما سقوط الشفعة فليس يعتمد الاسقاط وتمام الرضا به (ألا ترى) أن
بالسكوت عن الطلب بعد العلم به يسقط وحجته ان الوجوب لم يكن لعقده وإنما كان شرعا
لدفع ضرر مخصوص عنه وهو ضرر سوء المجاورة وقد صار راضيا بهذا الضرر وان سلمه بمال
فاما وجوب تسليم النفس بالكفالة فكان بقبوله العقد فلا بد من اسقاط يكون منه وهو إذا
أسقطه بمال فإنما يحول حقه إلى المال فلا يسقط أصلا وهذا التحويل لم يصح فبقيت الكفالة
بالنفس على حالها ولو قضاه المال على أن يرجع به على المطلوب وقبضه منه على ذلك فهذا لا
يجوز لان هذا تمليك الدين من غير من عليه الدين بعوض والمبادلة بالدين من غير من عليه
الدين لا تصح بخلاف الأول لأنه اسقاط المال عن المطلوب وليس بتمليك من المتبرع لقضائه
بعوض وهنا نص على التمليك منه حتى شرط له الرجوع على المطلوب وهذا بخلاف الكفيل
بالمال أيضا فإنه متبرع ملتزم للمال لان بعقد الكفالة يجب المال في ذمته على أحد الطريقين
وعلى الطريق الآخر عند قضاء الدين ليرجع به ولهذا لو وهب هناك المال من الكفيل لرجع
5

به على الأصيل ولو وهب المال هنا من الكفيل بالنفس لا يصح إلا أن يسلطه على قبضه فحينئذ
يكون نائبا عنه في قبضه استحسانا قال فان أبرأه عن الكفالة على هذا كان للكفيل أن يرجع
بما قضاه عليه لأنه قبضه منه بحكم تمليك فاسد ويرجع الطالب عليه بالكفالة بالنفس في أصح
الروايتين ولو كفل نفسه إلى أجل مسمى فإن لم يواف به فهو ضامن لما ذاب عليه وكيل في
خصومته فليس للطالب ان يأخذه بالكفالة بالنفس قبل الاجل ولا أن يخاصمه قبل الاجل
لان اشتراط المدة لتوسعة الامر على نفسه فلا يتضيق الامر عليه الا بمضي المدة كاشتراط
المطلوب الاجل لنفسه في الدين والوكالة في الخصومة وضمان المال عليه بناء على عدم موافاة
مستحقة وذلك لا يكون الا بعد الاجل فلهذا لا يطالبه بشئ من ذلك قبل مضى الاجل وعلى
هذا الكفالة بالنفس بغير وكالة فان المعنى يجمع الكل ولو كفل بنفس رجل وجعل المكفول به
وكيلا في خصومته ضامنا لما ذاب عليه ثم مات الكفيل وله مال فلا خصومة بين الطالب وورثته
ولكنه يخاصم المكفول به لان الوكالة تبطل بالموت فان الموكل إنما رضى برأيه في الخصومة
فلا يقوم رأى وارثه في ذلك مقام رأيه والكفالة بالمال باقية بعد موته ولكن ما لم يتحقق الذوب
على المطلوب لا يكون هو ضامنا للمال والذوب إنما يتحقق عند خصومة الطالب واثبات حقه
عليه بالحجة فلهذا خاصم المكفول به وما قضى له به عليه ضرب به مع غرماء الكفيل في ماله لان
الذوب قد تحقق فالوجوب بالكفالة يستند إلى أصل السبب لان اللزوم تعلق به نفسه وقد
كان أصل السبب في صحته فلهذا المعنى الواجب من جملة دين الصحة يضرب به مع غرماء الصحة
وكذلك لو مات المكفول به أيضا فخاصم الطالب ورثته أو وصيه فقضى له بالمال كان له أن
يتبع ميراث أيهما شاء لان الذوب قد تحقق فيضرب في ميراثه بجميع ماله وفى ميراث الآخر
بما يبقى له لأنه وصل إليه بعض حقه حين ضرب مع غرماء الأول فلا يضرب مع غرماء
الآخر الا بما بقي له والله أعلم فإن لم يكن على واحد منهما سوى هذا الدين فالجواب واضح
وإن كان على كل واحد منهما دين آخر يضرب مع غرماء أيهما شاء أولا بجميع دينه وفى الكتاب
أبهم فقال إن بدأ فضرب مع غرماء الكفيل رجع على ورثة الكفيل بما أدوا في مال المكفول عنه
فضربوا به مع غرمائه لان كفالته عنه كانت بأمره وما يستوفى من تركته بعد وفاته بمنزلة
ما يؤديه في حياته ويرجع به ورثته في تركة المكفول عنه وان بدا فضرب مع غرماء المكفول
عنه لم يرجع ورثة المكفول عنه في تركة الكفيل بشئ لان أصل الحق كان على مورثهم وكان
6

الطالب يرجع بما بقي من حقه فيضرب به مع غرماء الكفيل في تركة الكفيل لأنه لا يبرأ
الكفيل الا من القدر الذي وصل إلى الطالب من تركة المكفول عنه فقطع الجواب في الكتاب
على هذا وهو مبهم في أصل الوضع قاصر في البيان فحينئذ لا يتم بيان المسألة بما ذكر وليس في
الكتاب مسألة أشكل من هذه المسألة من الحسابيات وغيرها فالوجه أن نصور المسألة
ليتبين موضع الاشكال فنقول دين الطالب عشرة دراهم وقد ترك الكفيل عشرة وعليه دين
لرجل آخر عشرة وترك المكفول منه أيضا عشرة وعليه لرجل آخر دين عشرة فالطالب
بالخيار كما بينا فان بدأ بتركة الكفيل ضرب بالعشرة في تركته وغريم الكفيل بالعشرة فكانت
تركته بينهما نصفين فوصل إلى الطالب خمسة يأتي في تركة المكفول عنه فيضرب مع غريمه
بما بقي من دينه وذلك خمسة ويضرب ورثة الكفيل أيضا بما أدوا إلى الطالب وذلك خمسة
فيسلم الغريم المطلوب خمسة وللطالب درهمان ونصف ولورثة الكفيل درهمان ونصف لا يسلم
هذا لورثة الكفيل لأنه تركة الكفيل وقد بقي من دين غريمه خمسة ومن دين الطالب
درهمان ونصف فيقسمان هذا الذي ظهر من تركته على مقدار حقهما أثلاثا فالثلث الذي
يستوفيه الطالب رجع به ورثة الكفيل في تركة المكفول عنه فيتبين به بطلان القسمة الأولى
وان استأنفوا القسمة على هذا الذي ظهر أيضا يرجع به الطالب فيما يستوفون ويرجعون بما
يعطون إليه في تركة المكفول عنه فتنقض القسمة أيضا ولا يزال يدور هكذا إلى ما لا يتناهى
وإذا بدأ بالرجوع في تركة المكفول عنه فضرب مع غريمه بالعشرة واقتسما تركته نصفين
فإنه يضرب بما بقي من دينه وذلك خمسة في تركة الكفيل مع غريم الكفيل فيقتسمان العشرة
أثلاثا فيتبين ان ورثة الكفيل أدوا إلى الطالب ثلاثة وثلثا ويرجعون به في تركة المكفول
عنه وتبين بطلان القسمة الأولى وكذلك أن استأنفوا القسمة ثانيا وثالثا فكما وصل إليهم
شئ يأخذ الطالب من ذلك قدر حصته ويرجع به ورثة الكفيل في تركة المكفول عنه إلى
مالا يتناهى فهذا بيان مواضع اشكال المسألة وكان أبو بكر القمي رحمه الله من متقدمي
علمائنا رحمهم الله من الحساب يقول هذه المسألة من باب مفتريات الجبر ومحمد بن الحسن
رحمه الله كان يعرف مفردات الجبر وما كان يعرف مفتريات الجبر أصلا فلهذا ترك بيان هذه المسألة
ومعنى كلامه أن هذه الحاجة تقع إلى معرفة القدر الذي يرجع به ورثة الكفيل في تركة
المكفول عنه ليضم ذلك إلى ما يضرب به الطالب في تركة المكفول عنه غريمه والعلم بمفردات
7

الجبر لا يهدى إلى ذلك فاما أبو الحسن الأهوازي من حساب أصحابنا رحمهم الله فكأن يقول إنما
تعذر تخريج هذه المسألة لما وقع فيها من جذر الأصم وكانت عائشة رضي الله عنها تقول
سبحان من لا يعلم الجذر الأصم الا هو وقيل الجذر الأصم مغلق ضل مفتاحه فلا يعرفه أحد
من العباد بطريق التحقيق وبرهن بمقالته بمسألة مجتذرة من هذا الجنس وحققها وخرجها
وسئل القاضي أبو عاصم الجنوبي في زمانه وكان مقدما في الحساب ان يخرج هذه المسألة
فتكلف لذلك مدة وخرجها بالتقريب دون التحقيق (والحاصل) ان من تكلف لذلك من
أصحابنا رحمهم الله تعذر عليه تخريج المسألة بالتحقيق أصلا وكل ما ذكروه عندي في تصنيف
ولكن لم يكن معي شئ من كتبي ولم يجد به خاطري الآن فان تيسر وصولي إلى كتبي أو
جاد به خاطري أي وقت أتيت منه بقدر الممكن إن شاء الله تعالى ثم نعيد المسألة في آخر
الكتاب بعينها ومن أراد من أصحابنا رحمهم الله التخلص من هذه الخصومة يقول الطالب إذا
اختار الرجوع على أحدهما ثم ضرب ببقية دينه في تركة الاخر فما سلم لورثة الكفيل لا يرجع
فيه الطالب بشئ لأنه بدل ما وصل إلى الطالب ولا يجتمع البدل والمبدل في ملك رجل واحد
ولكن يكون ذلك سالما لغريم الكفيل غير أن هذا من حيث المعنى بعيد فان ما يأخذون مال
الكفيل فكيف يسلم ذلك لاحد غريميه دون الآخر ولو كفل بنفس رجل إلى آخر الشهر
فإن لم يواف به فهو وكيل في خصومة ما بينهما ولم يبين أي خصومة هي والكفالة بالنفس جائزة
ولا يكون وكيلا في الخصومة لأنه إذا لم يبين انه في أي خصومة وكيله فالوكيل عاجز عن
تحصيل مقصود الموكل لان ما وكله به مجهول جهالة متفاحشة ولم يفوض الامر إلى رأيه على
العموم ولكن فساد الوكالة بالخصومة لا يوجب فساد الكفالة بالنفس لان أحد الحكمين
منفصل عن الآخر فالمفسد في أحدهما لا يتعدى إلى الآخر وكفالة الصبي التاجر باذن أبيه
أو بغير إذنه بنفس أو مال باطلة لأنه تبرع ولا يملكه الصبي بغير إذن أبيه ولا باذنه كالهبة
وهذا لان عقل الصبي إنما يعتبر شرعا فيما ينفعه والتبرع ليس من جنس ما ينفعه عاجلا واذن
الأب له لا يصح فيما لا يملك الأب مباشرته كالطلاق ونحوه ولان الكفالة اقراض للذمة
بالتزام الحق فيها فكان كاقراض المال فلا يملكه الصغير باذن أبيه ولا بغير إذنه والمعتوه والمبرسم
الذي يهذى في ذلك كالصبي وكذلك رجل عليه مال ادخل ابنا له غير بالغ معه في الكفالة
أو بنفسه فهو باطل لأنه لما كأن لا يملك الكفالة عن الغير باذن الأب فلأن لا يملك عن الأب
8

كان ذلك بطريق الأولى لأنه في حق نفسه متهم بما لا يتهم به في حق غيره ولو أقر بعد بلوغه
انه كفل بنفس أو مال وهو صبي كان باطلا لان الثابت بالاقرار بعد البلوغ كالثابت معاينة
ولو عايناه كفل في صباه لم ينفذ ذلك بعد بلوغه ولأنه أضاف الاقرار إلى حال معهودة تنافى
تلك الحال الكفالة فكان منكرا للكفالة في الحقيقة لا مقرا بها ولهذا لو ادعى الطالب انه كفل
به بعد بلوغه فالقول قول الصبي مع يمينه ولو أقر أنه كفل به وهو مغمى عليه فان عرف ذلك
منه فالقول قوله في ذلك لإضافته الكفالة إلى معهود ينافي كفالته وإن لم يعرف ذلك منه فهو
مأخوذ به لإقراره بالالتزام ولو استدان وصي اليتيم دينا في نفقة اليتيم وأمر اليتيم فضمنه
أو ضمنه بنفسه فضمان الدين جائز وضمان النفس باطل لان حاصل الدين على الصبي (ألا ترى)
أن الوصي يؤديه من ماله ولو أداه من مال نفسه رجع به عليه فهو بهذا الضمان يلتزم ما عليه
بخلاف الكفالة بالنفس فإنه يلتزم بها ما ليس عليه * توضيحه انه لو أمر الصبي بأن يستدين ففعله
جاز وكان مطالبا بالمال فكذلك إذا استدان بنفسه وأمره حتى ضمن المال ولا يملك مثله في
الكفالة بالنفس بأمره وكذلك الأب إذا استدان على الابن دينا في بعض ما لا بد منه وأمره
بالكفالة جاز لان تصرف الأب عليه انفذ من تصرف الوصي وان أمره أن يكفل بنفسه لم
يجز والتاجر وغير التاجر في ذلك سواء لان الكفالة ليست من عقود التجارة ولا تجوز الكفالة
لصبي لا يعقل ولا لمجنون ولا لمغمى عليه وفى رواية حماد رحمه الله ان الكفالة لهؤلاء
جائزة في قول أبى يوسف رحمه الله واصل هذا في الكفالة للغائب وقد بينا أن عند أبي يوسف
رحمه الله الكفيل ينفرد بالكفالة فيجوز العقد وإن لم يقبله أحد ولا يجوز عند أبي حنيفة رحمه
الله ما لم يقبل قابل وقبول الصبي الذي لا يعقل والمجنون باطل وتجوز الكفالة للصبي التاجر
لأنه من أهل القبول وهذا تبرع عليه لا منه أو بمنزلة الاقراض له وذلك صحيح إذا قبله ولو
كفل رجل بنفس رجل على أنه يوافي به إلى أجل مسمى فإن لم يواف به إلى ذلك الاجل فهو
ضامن لما ذاب عليه فلو مضى الاجل قبل أن يوافيه به فهو ضامن لما ذاب عليه لوجود شرطه
ولكن الذوب إنما يتحقق بقضاء القاضي فإنما يلزم الكفيل المال إذا قضى به على المكفول عنه
لأنه ضمن مالا بصفة وليس الكفيل بخصم عنه في إقامة البينة عليه بالمال لان المال ما لم يصر
مقضيا به على الأصيل لا يلزم الكفيل منه شئ وما لم يصر كفيلا به لا يكون خصما فيه وان
مات الطالب أو المطلوب قام وارثه أو وصيه في ذلك مقامه وكذلك لو كفل بنفسه على أنه
9

ضامن لما قضى عليه أو لما قضى عليه قاضي أهل الكوفة فقضى بذلك غير قاضي أهل الكوفة
فهو لازم للكفيل لأنه إنما يراعى من الشروط ما يكون مفيدا والتقييد بصفة أن يكون المال
مقضيا به على الأصيل مفيد فأما التقييد بكون القاضي به قاضي أهل الكوفة فغير مفيد لان
المقصود القضاء لا عين القاضي وفى القضاء قاضي الكوفة وغير قاضي الكوفة سواء ولو
كفل بنفس رجل على أنه ضامن لما قضى به على المكفول به وهو ميت والمكفول وارثه فهو
جائز مستقيم لان المكفول به بعد موت أبيه مطالب بقضاء دينه من تركة أبيه فهو في الحكم
كالذي عليه وكذلك وصى الميت يكفل نفس رجل على أنه ضامن لما قضي به على الميت فهو
جائز لأنه مطلوب بذلك الدين يقضيه من تركة الميت وكذلك الوصي يأخذ من غريم الميت
كفيلا بنفسه ضامنا لما قضى به عليه لأنه في ذلك قائم مقام الوصي وكذلك الأب يأخذ من
غريم ولده الصغير لأنه قائم في ذلك مقام ولده ان لو كان بالغا ولو أن رجلا أخذ غريما بمال
لأخيه أو لبعض أهله من غير وكالة من صاحب المال وأخذ كفيلا منه بنفسه ضامنا لما ذاب
عليه فرضى بذلك مدعى المال كان جائزا لان قبول هذا كان موقوفا على إجازة الطالب فإذا
أجازه جاز ولو فسخ الكفيل الكفالة قبل أن يرضى صاحب المال فهو منها برئ في قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله لان الكفالة عندهما لا تلزم الكفيل الا برضا الطالب وهو احدى
الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله وقد بيناه ولو وكل رجلا بأن يأخذ له كفيلا عن غريمه
بنفسه ضامنا لما قضى به عليه كان جائزا لان التوكيل صحيح بما يملك الموكل مباشرته بنفسه فان
كفل الكفيل للوكيل فدفعه إليه برئ من الكفالة بنفسه وليس للموكل أن يطالبه بشئ لأنه
أتى بما التزمه وهو التسليم إلى الوكيل لان الوكيل بإضافة العقد إلى نفسه جعل نفسه مباشرا
العقد واليه الاستيفاء والمطالبة وان كفل به للموكل لم يبرأ بدفعه إلى الوكيل لأنه جعل نفسه
رسولا ولان الكفيل التزم التسليم إلى الموكل فلا يبرأ بالتسليم إلى غيره وان دفعه إلى الموكل
برئ في الوجهين لان في الفصل الأول الوكيل وإن كان هو المباشر للعقد فإنما يطالب بموجبها
لمنفعة الموكل فإذا حصل المقصود بالتسليم إلى الموكل برئ الكفيل ولو وكل رجل رجلا بان
يعطى فلانا كفيلا بنفس الموكل ضامنا لما ذاب على الموكل فأعطى الوكيل كفيلا بذلك فقضى
على الموكل بمال للطالب فإنه يأخذ الكفيل بحكم ضمانه وليس للكفيل أن يأخذ الوكيل بذلك
لأنه كان رسولا من الموكل إليه فلا عهدة عليه إلا أن يكون ضمن له شيئا فحينئذ يؤاخذ بضمان
10

(ألا ترى) لو أن رجلا أمر رجلا أن يضمن رجلا بنفسه وان يضمن ما ذاب عليه لم يكن على
الآمر شئ ولا على المكفول به لان الآمر أشار عليه بالكفالة من غيره ولم يلتزم له شيئا ولا
عهدة على المشير والمكفول عنه لأنه لم يأمره بالكفالة منه فلا يرجع عليه أيضا وفى الباب الأول
يرجع على المكفول به بما أدى من المال لان أمره وكيله بالكفالة عنه ككفالته بنفسه والكفيل
بالأمر إذا طولب طالب ولو لوزم لازم وإذا حبس حبس وإذا أدى رجع ونعني بقولنا
يطالبه أن يقول اقض حق المطلوب لا تخلص من هذه العهدة ولا يطالبه بأن يدفع إليه شيئا
لأنه ما لم يؤد عنه لا يثبت له حق الرجوع فإنه بمنزلة المقرض وبالقرض لا يطالبه بأداء المال
وإنما يطالبه بأداء المال بعد اقراض المال منه وذلك أنما يكون عند أدائه فلهذا لا يرجع عليه
بالمال ما لم يؤد عنه والله أعلم
(باب الكفالة عن الصبيان والمماليك)
(قال رحمه الله) وإذا ادعى رجل قبل صبي دعوى وكفل به رجل بغير إذن أبيه
فالكفالة لازمة للكفيل يؤاخذ بهذا لان تسليم النفس للجواب مستحق على الصبي حتى يحضر
إن كان مأذونا أو يحضر وليه إن لم يكن مأذونا ليقوم وليه في ذلك مقامه فلما التزم الكفيل
تسليم ما هو مستحق للتسليم عليه وهو مما تجرى في النيابة صح التزامه فان طلب الكفيل
أن يحضر معه الصبي ليسلمه إلى خصمه لم يؤاخذ الصبي به وإن كان الصبي طلب ذلك إليه لان
قول الصبي ليس بملزم إياه شيئا إلا أن يكون تاجرا مأذونا له فحينئذ قوله ملزم فيؤمر بالحضور
معه لأنه أدخله في هذه العهدة فعليه أن يخلصه بالحضور معه ليسلمه إلى خصمه وكذلك
إن كان غير تاجر فادعى عليه مالا فطلب أبوه إلى رجل أن يضمنه فضمنه كان جائزا
ويؤخذ به الكفيل وللكفيل أن يأخذ الغلام به لان الأب قوله ملزم علي ولده فيما ينفعه
وهذا من جملة ما ينفع الصبي فكان قول الأب فيه ملزما إياه فلهذا يؤمر بالحضور معه فان
تغيب فله أن يأخذ الأب حتى يحضره فيدفعه إليه أو يخلصه من ذلك لان أمر الأب في
هذا لما جاز على الولد صار الولد مطلوبا به وكل حق كان الولد مطلوبا به فأبوه مأمور بايفائه
ذلك الحق من ملك الولد كما إذا ثبت عليه دين بالبينة فلهذا يؤمر الأب باحضار الصبي
والوصي في هذا بمنزلة الأب لان فيه منفعة للصبي ولو أمره بأن يكفل بنفس غلام ليس هو
11

وصيه أخذ الكفيل بتسليمه لأنه قد التزمه ولا يؤمر الصبي بالحضور معه لأنه ليس للآمر عليه
قول ملزم وليس للكفيل أن يأخذ الآمر بشئ لأنه أشار عليه بالكفالة ولم يلتزم له بشئ
والمعتوه في ذلك بمنزلة الصبي لأن ولاية الوصي على المعتوه تثبت كما تنبت على الصبي ولو
كفل بنفس صبي على أن يوافي به غدا فإن لم يواف به غدا فعليه ما ذاب عليه فالكفالة بالنفس
جائزة وكذلك بالمال إن لم يواف به غدا لوجود شرطه ثم الذوب على الصبي إنما يتحقق بقضاء
القاضي بالمال على أبيه أو وصيه أو قيم نصبه القاضي له فإذا وجد ذلك لزم الكفيل ولم يرجع
به على الصبي إلا أن يكون أمره بالضمان أو الوصي لأنه بمنزلة الاقراض والاقراض من
الصبي المحجور لا يلزمه به شئ إلا أن يكون بأمر وليه فحينئذ يكون المال لازما عليه وأمر وليه
بذلك كأمره بعد بلوغه وكفالة العبد التاجر أو غير التاجر عن سيده بمال أو بنفسه بغير إذنه
باطلة لان الكفالة تبرع وهو منفك الحجر عنه في التجارات دون التبرعات فلا تصح منه
الكفالة بالنفس والمال عن المولى بغير إذنه كما لا يصح عن سائر الأجانب وإنما يعنى بهذا
انه لا يطلب به في حال رقه فأما بعد العتق فهو مأخوذ بذلك لأنه مخاطب من أهل الالتزام
في حق نفسه وان كفل بنفسه باذنه فهو جائز لان المانع من صحة التزامه في الحال حق
مولاه دون حق غيره من غرمائه فان الكفالة بالنفس لا تلاقى حق محل الغرماء فلهذا نفذ منه
بإذن المولى سواء كفل عن المولى أو عن الأجنبي وهذا لان أكثر ما يجب بهذه الكفالة
حبسه إن لم يحضر نفس المطلوب وذلك يوقع الحيلولة بين المولى وبين خدمته فلهذا جاز بإذن المولى
وان كفل عنه بالمال باذنه وليس عليه دين فهو جائز لان الحق في ماليته لمولاه وهو
يملك أن يجعله مشغولا بالدين بأن يرهنه أو يقر بالدين وكذلك إذا أذن له حتى كفل عنه فان
أداه بعد العتق لم يرجع على سيده وعن زفر رحمه الله انه يرجع عليه لأنه قضى دينه من
خالص ملكه بأمره فيرجع عليه كما لو أمره بالأداء بعد العتق ولكنا نقول إن الكفالة حين
وقعت لم تكن موجبة له شيئا على المولى فان العبد لا يستوجب دينا على مولاه فلهذا لا يرجع
عليه إذا أداه بعد العتق وهذا لما بينا أن الكفالة توجب للطالب على الكفيل حقا وللكفيل
على الأصيل الا ان ما يجب للكفيل على الأصيل مؤجل إلى وقت أدائه ولهذا لو أبرأ الكفيل
الأصيل قبل أدائه عنه كان صحيحا ولا يرجع إذا أدى بعد ذلك فتبين بهذا ان المعتبر وقت
الكفالة وعند ذلك لم يكن العبد ممن يستوجب شيئا على مولاه وإن كان عليه دين يستغرق
12

قيمته لم يلزمه الكفالة في حال رقه لان المولى في ماليته كأجنبي آخر (ألا ترى) أنه لا يملك
شغله بالدين بالاقرار عليه ولا بالرهن فكذلك باذنه بالكفالة عنه ولكن الالتزام منه صحيح
في حق نفسه حتى إذا عتق كان مطالبا به وان مات السيد وترك مالا وأعتق العبد عند موته
فان غرماء العبد يستسعونه في قيمته ولا شئ لغرماء السيد من هذه القيمة لأن هذه القيمة
بدل مالية العبد وغرماء العبد حقهم أسبق تعلقا بماليته من حق غرماء السيد (ألا ترى)
انه لو لم يعتقه حتى مات لكان يباع العبد ويصرف ثمنه إلى غرمائه دون غرماء السيد فكذلك
حكم هذه السعاية ولكن غرماء السيد يبيعون مال السيد وان شاء غرماء العبد تبعوا مال السيد
بقيمة العبد أيضا لأنه صار مستهلكا محل حقهم بعتق العبد فوجب لهم قيمة العبد دينا في تركته
بعد موته ثم إن عند أبي حنيفة رحمه الله لا تنفذ الكفالة ما لم يفرغ من السعاية لان المستسعى
في بعض قيمته عنده كالمكاتب وكفالة المكاتب لم تصح وعندهما متى عتق نفذت الكفالة لأنه
عندهما حر عليه دين والمكفول له ان شاء اتبع مال السيد لان أصل دينه عليه وان شاء اتبع
العبد لصحة كفالته بعد عتقه غير أنه لا يشارك غرماءه في تلك القيمة لأنها بدل ماليته ولم
يثبت له مزاحمة مع غرماء العبد في ماليته فكذلك في بدل المالية فإن كان مكان العبد أم ولد
فعتقت فان صاحب الكفالة يستسعيها مع غرمائها بماليتها إذ لا مالية فيها ولكن الديون تتقرر
في ذمتها بعد العتق فتؤمر بقضاء ذلك كله والمكفول له أخذها والمدبرة بمنزلة العبد في ذلك
لقيام المالية فيها ولا يرجع واحد منهم على السيد بشئ مما يؤدى عنه من الكفالة لأنهم كانوا
مملوكين له عند الكفالة والمملوك لا يستوجب الدين على مالكه فان في المدبرة ينبغي أن يثبت
لغرمائها حق الرجوع في تركة المولى بقيمتها بخلاف العبد لان المولى باعتاق المدبرة لم يصر
مستهلكا من حق الغرماء شيئا إذ لم يكن لهم حق بيع الرقبة في الدين وإنما كان حقهم في
الكسب وذلك حاصل لهم قلنا هو كذلك ومراد محمد رحمه الله من هذا اللفظ المساواة في
ايجاب السعاية في القيمة على المدبرة والعبد دون الولد على أن المالية كانت قائمة في المدبرة حتى
لو غصبها غاصب ضمن قيمة ماليتها وكان ذلك لغرمائها فلهذا يجب عليها السعاية في قيمتها
لغرمائها كالعبد وكذلك إذا كان المال على السيد من كفالة فأدى عنه العبد كأدائه بنفسه
فيستوجب الرجوع به على الأصيل وذكر عن شريح رحمه الله قال لا كفالة للعبد ومعناه
انه ليس له حق ولاية الكفالة بالنفس والمال لأنه تبرع بالتزام وهو محجور عنه لحق مولاه
13

وكفالة المدبر والعبد وأم الولد من غير السيد بنفس أو مال بغير إذنه باطلة حتى يعتقوا فإذا
عتقوا لزمهم لان المانع حق مولاه وإذا أذن له سيده فيها جازت إن لم يكن عليه دين ويباع
العبد في الكفالة بالدين وإن كان عليه دين بدئ بدينه قبل دين الكفالة وأما أم الولد والمدبر
فإنهما يستسعيان في الدين لان رقبتهما ليست بمحل للبيع فكان عليهما قضاء الدين من
كسبهما وهو السعاية فيبدأ بدينهما من سعايتهما ثم بدين الكفالة إذا كان اذن المولى وإذا
كفل العبد باذن سيده بنفس رجل ثم أعتقه سيده لم يضمن شيئا وأوخذ العبد بالكفالة لأنه
بالاعتاق لم يضع على المكفول له شئ فان حقه في مطالبة العبد بتسليم نفس المكفول به ذلك
بعد العتق وقبله سواء وإنما أبطل المولى المالية بالعتق ولا تعلق للكفالة بالنفس بالمالية وان
كانت الكفالة بمال ضمن السيد الأقل من قيمته ومن الدين لان حق المكفول له تعلق بماليته
فان الدين لا يجب على العبد الا شاغلا لماليته وقد ظهر الوجوب في حق المولى باذنه له في
الكفالة فإذا أتلفه بالاعتاق صار ضامنا ذلك للطالب والغريم بالخيار ان شاء اتبع العبد بالمال
لكفالته وان شاء اتبع السيد لاتلافه مالية الرقبة فان تبع العبد كان للعبد أن يتبع المكفول
به إن كان كفل بأمره وان اتبع السيد كان للسيد أيضا أن يتبع المكفول به إن كان
المكفول به طلب من السيد أن يأمر عبده وإن لم يكن طلب من السيد ولا من العبد
لم يرجع عليه بشئ لأنهما تبرعا بالالتزام والأداء عنه وإذا كانت قيمة العبد التاجر ألفي درهم
وعليه دين ألف درهم فأمره مولاه فكفل بألف درهم ثم استدان العبد بعد ذلك ألف درهم
ثم باعه القاضي في الدين بألف درهم فان ثمنه يضرب فيه الغرماء الأولون والآخرون بدينهم
كله ويضرب فيه أصحاب الكفالة بألف درهم مقدار الفارغ من قيمته عن الدين يوم كفل
لان التزامه المال بالكفالة بإذن المولى إنما يصح بقدر الفارغ والفارغ يومئذ كان ألف درهم
(ألا ترى) أن المولى لو أقر عليه بالدين لم يصح الا بقدر الفارغ من ماليته فكذلك إذا أذن
له حتى كفل فاستدانته ملزمة إياه من غير أن يشترط فيه فراغ المالية فثبت عليه جميع ما
استدانه فلهذا ضرب كل غريم من غرمائه بجميع دينه ولا يضرب المكفول له الا بألف
درهم وإذا كفل العبد وهو صبي بغير إذن سيده بنفس أو مال ثم عتق لم يلزمه من ذلك
شئ لأنه غير مخاطب والتزامه في حق نفسه غير صحيح (ألا ترى) انه لو كفل بعد ما عتق
وهو صبي لم يلزمه بذلك شئ فكذلك قبله وإن كان كفل باذن سيده فهو جائز عليه في
14

الرق وبعد العتق لما بينا أن اذن السيد في الكفالة بمنزلة اقراره عليه بالدين وذلك صحيح
عليه في الرق وبعد العتق فكذلك هذا وهذا لان للمولى قولا ملزما على عبده وقوله على
عبده ألزم من قول الأب على ولده ثم كل دين وجب على الولد باعتبار اذن والده كديون
التجارة يكون الوالد مؤاخذا به بعد البلوغ فكذلك ما يجب على العبد باذن السيد يكون
مؤاخذا به بعد العتق وان كفل باذن سيده بدين يستغرق قيمته ثم كفل بدين آخر يستغرق
قيمته باذنه أيضا لم يجز الدين الثاني لان شرط صحة هذا الالتزام فراغ المالية فما لم يقض
بالأول لا يصير هذا الشرط موجودا فلا يثبت الثاني وهو بمنزلة ما لو أقر السيد عليه بدين
مستغرق قيمته ثم بدين آخر وكذلك أن كان الدين الأول من تجارته وان عتق قبل أن يقضي
دينه لزمه الثاني لان المانع كان اشتغال المالية بحق الأول وقد زال ذلك المعنى ببطلان المالية بالعتق
فاستوت الديون عليه بعد العتق وإن كان مولى العبد صبيا فاذن هو أو أبوه أو وصيه للعبد
في الكفالة لم يجز أما الصبي فلانه لا يملك مباشرة الكفالة فكذلك لا يأذن فيه لعبده وليس
للأب ولاية الكفالة على الصبي ولا في ماله (ألا ترى) انهم لو أذنوا للصبي حتى كفل لم يصح
فكذلك إذا أذنوا فيه لعبد الصبي وكذلك أن كان مولاه عبدا تاجرا لأنه لا يملك الكفالة بنفسه
فلا يصح اذنه بذلك لعبده فان أذن المولى لعبد عبده في الكفالة بنفس أو مال فإن كان على العبد
الأول دين مستغرق لم يجز لأنه من كسبه كسائر الأجانب في حق التصرف ما لم يفرغ من
دينه وإن لم يكن على واحد منهما دين جاز لان الثاني خالص ملكه كالأول فكما تصح
الكفالة من الأول بإذن مولاه فكذلك من الثاني وان أمر السيد عبده ان يكفل بثلاثة
آلاف درهم عن رجل وكفل بها ثم استدان ثلاثة آلاف درهم وباعه القاضي بألفين فإنه يضرب
فيها أصحاب الكفالة بدينهم كله وأصحاب الدين بجميع دينهم لان الكفالة من العبد حصلت
في حال فراغه من الدين فنفذت في الكل ثم اشتغاله بدين الكفالة لا يمنع وجوب الدين عليه
بالاستدانة فيثبت الدينان فيضرب كل واحد من الغريمين في ثمنه بجميع دينه وهو كما لو أقر
المولى عليه بثلاثة آلاف درهم ثم استدان العبد مثل ذلك وإذا كفل العبد وهو يساوى ألف
درهم باذن سيده بألف درهم ولا دين عليه ثم كفل بألف أخرى باذنه أيضا لم تجز الكفالة
الثانية لان بالكفالة الأولى اشتغلت جميع مالية العبد بحق المكفول له وشرط صحة الكفالة
فراغ المالية فإذا لم يوجد ذلك عند الكفالة الثانية لم يصح كما لو أقر المولي عليه بدين بقدر
15

قيمته ثم بدين آخر فان زادت قيمته حتى بلغت ألف درهم ثم كفل بألف أخرى بإذن مولاه
فهو جائز لان شرط صحة الكفالة الثالثة قد وجد وهو فراغ المالية عندها بقدرها فان قيل
إذا زادت قيمته لماذا لم تشتغل هذه الزيادة بالكفالة الثانية حتى لا تصح الكفالة الثالثة قلنا لان
شرط صحة العقد إنما تعتبر عند وجود العقد لأنه يتعذر اعتبار ما بعده فان القيمة تزداد تارة
وتنتقص أخرى فلهذا صححنا باعتبار هذه الزيادة الكفالة الثالثة دون الثانية فان باعه القاضي
بألفي درهم فإنها تقسم بين المكفول له الأول والمكفول له الآخر نصفين لصحة هاتين
الكفالتين ولا شئ للأوسط لأنه كفل له وليس في قيمته فضل فلم تصح الكفالة له ولا
مزاحمة بين الصحيح والفاسد وكذلك لو باعه بألف وخمسمائة أو بألف درهم لان الكفالتين
يعنى الأولى والثانية استوتا في الصحة والمقدار فما يحصل من ثمن العبد قل أو كثر فهو بينهما
نصفان حتى يستوفيا حقهما فان فضل شئ بان باعه بألفين وخمسمائة أو بثلاثة آلاف فالفضل
للثانية لان هذا الفضل حق المولى والمولى قد رضى بصرفه إلى الكفالة الثانية حين أمره ان
يكفل بها (ألا ترى) ان العبد المديون لو كفل بإذن مولاه ثم سقطت ديونه بالأداء يصرف
كسبه ورقبته إلى دين المكفول له فكذلك هنا وإذا قال الرجل لرجل ما ذاب لك على فلان فهو
على ورضى بذلك الطالب فقال المطلوب لك على ألف درهم وقال الطالب لي عليك ألفان وقال
الكفيل مالك على شئ فالقول قول المطلوب لان الطالب يدعى عليه الزيادة وهو منكر ثم
ما أقر به المطلوب يكون لازما على الكفيل لان القاضي يقضى عليه باقراره فيتحقق الذوب
في هذا القدر بقضاء القاضي كما يتحقق ان لو قامت البينة فيكون ذلك لازما على الكفيل
فان قيل في هذا إلزام المال على الكفيل بقول المطلوب وقوله ليس حجة عليه قلنا ليس كذلك
بل فيه ايجاب المال عليه بكفالته لأنه لما قيد الكفالة بالذوب مع علمه أن الذوب قد يحصل
عليه باقراره فقد صار ملتزما ذلك بكفالته وكذلك لو قال ما أقر لك به فلان من شئ فهو على
وما صار لك عليه فهو على وهذا كله استحسان وفى القياس لا يجب على الكفيل شئ إذا
أنكر الوجوب على المطلوب ما لم يقم البينة بذلك لما بينا ان الاقرار حجة في حق المقر خاصة
فالثابت باقرار المطلوب ثابت في حقه دون غيره ولكنا نترك هذا القياس للتنصيص من
الكفيل في الكفالة على ما يقر به المطلوب أو على ما يذوب عليه مطلقا من غير تقييد الذوب
بشئ وكذلك لو قال ما قضى لك عليه فهو على إلا أن هنا لا يلزم الكفيل حتى يقضى على المطلوب
16

باقراره لأنه كفل بمال مقضى به فما لم يصر المال مقضيا به على المطلوب لا يتقرر الوصف الذي
قيد الكفالة به ولو قال مالك عليه فهو على لم يلزم الكفيل شئ باقرار المكفول عنه لأنه كفل
بما هو واجب عليه وقت الكفالة وما بعد ذلك ثبت الوجوب عليه ولم يبين في حق الكفيل أنه
صار واجبا وقت الكفالة لان الاقرار اخبار في حق المقر ولكن في حق الغير يجعل كالانشاء
بمنزلة اقرار المريض في حق غرماء الصحة بخلاف ما سبق فان هناك إنما كفل بما يقر به في
المستقبل أو بما يلزمه في المستقبل أو بما يقضى عليه به في المستقبل وذلك يثبت باقراره حتى لو قال
ما كان أقر به لك فلان أمس فهو على فقال المطلوب قد أقررت له أمس بألف درهم وجحد ذلك
الكفيل فلا شئ عليه لأنه كفل بمال سبق الاقرار به من المطلوب على الكفالة ولا يتبين ذلك
باقراره بعد الكفالة في حق الكفيل لأنه متهم في ذلك فلا يجب على الكفيل الا ان يقيم البينة
على اقراره بذلك أمس فحينئذ الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو قال ما أقر لك به من شئ فهو
على فقامت عليه البينة انه قد أقر قبل الكفالة بألف درهم لم تلزم الكفيل الا ان يقر بها بعد
الكفالة لان هذا اللفظ إنما يدخل فيه اقرار يكون منه في المستقبل لا ما كان منه في الماضي وكأنه
أورد هذا الفصل لايضاح الفرق الأول وما قضى به القاضي بنكوله عن اليمين لم يلزم الكفيل
لأنه إنما كفل بما يقر به والنكول بدل عند أبي حنيفة رحمه الله وليس باقرار وعندهما هو قائم
مقام الاقرار لضرورة فصل الخصومة وذلك في حق الخصمين دون الكفيل فإذا لم يكن
بمنزلة الاقرار في حق الكفيل لا يلزمه شئ وإذا ادعى رجل قبل عبد دعوى فكفل مولاه
بنفسه فهو جائز لأنه التزم تسليم ما يقدر على تسليمه وهذا الفصل في الكفالة بالنفس أقرب
إلى الجواز من غيره لان له ولاية على عبده بسبب ملكه فيقدر على تسليمه وكذلك كفالة
المولى عن العبد بالمال جائزة لان العبد يصح أن يكون مطلوبا بالمال فلو كفل عنه أحنبي صح
فكذلك مولاه * فان قيل دين العبد مستحق القضاء من ماليته وهو ملك مولاه فأي فائدة
في هذه الكفالة * قلنا الفائدة شغل ذمة المولى اما بالمطالبة أو بأصل الدين واستحقاق قضائه من
سائر أمواله وهذا إذا لم يكن ثابتا قبل الكفالة وإذا أدى المال لا يرجع به على عبده وان أداه
بعد عتقه لم يستوجب المولى عليه شيئا فان المولى لا يستوجب على عبده دينا وقد بينا أنه متى
لم يجب عند الكفالة للكفيل على المكفول عنه لا يجب بعد ذلك وان أحال العبد غريما له على
مولاه بدينه على أن يبرأ العبد فمات المولى ولا مال له الا العبد وعلى العبد دين كثير فللمحتال
17

له أن يرجع على العبد لان مالية العبد مستحقة بديونه وقد مات المولى ولا مال له الا العبد
مفلسا ومن أصلنا ان الحوالة تبطل بموت المحتال عليه مفلسا على ما نبينه في بابه إن شاء الله تعالى
وإذا بطلت الحوالة بعود دين المحتال له إلى العبد فيضرب بدينه في مالية العبد مع غرمائه وان
كفل المولى عن عبده بدين ثم أبرأ صاحب الدين المولى الكفيل كان فسخا للكفالة وذلك
لا يسقط الدين عن الأصيل (ألا ترى) ان قبل الكفالة كان المال واجبا على الأصيل
فكذلك بعد انفساخ الكفالة يبقى المال على الأصيل وهذا بخلاف الهبة من الكفيل لان الهبة
تمليك فلا يمكن تصحيحه الا بتحويل الدين إلى ذمة الكفيل فلهذا يسقط عن الأصيل فاما
الابراء فاسقاط محض واسقاط المطالبة دون أصل الدين صحيح فكان ابراء الكفيل اسقاطا
للمطالبة عنه فيبقى المال على الأصيل بحاله وان أبرأ العبد برئا جميعا لان ابراء الأصيل اسقاط
لأصل الدين وذلك يوجب براءة الكفيل ضرورة فان كفل المولى بنفس عبده وضمن ما ذاب
عليه وغاب العبد تاجرا فان المولى يؤخذ بنفسه لكفالته ولا يكون خصما فيما على العبد حتى
يحضر العبد فيخاصم فإذا قضى عليه لزم المولى لأنه إنما ضمن ما يذوب على العبد بل ولا يتحقق
الوجوب على العبد ما لم يقض عليه القاضي بحضرته وما لم يثبت ضمان المالك لا يكون هو
خصما فيه وقد سبق نظيره في الحر فكذلك في العبد سواء كان عليه دين أو لم يكن لان
المولى ليس بخصم فيما على عبده بدون الضمان وإذا كان لرجل على عبد تاجر ألف درهم ولآخر
على ذلك الرجل ألف درهم فأحاله بذلك على العبد أو ضمنه العبد له بأمره فهو جائز لأنه لا يلتزم
بهذه الحوالة والضمان شيئا لم يكن عليه إنما يلتزم ما هو عليه فلا يتحقق معنى التبرع في هذا
الالتزام وكذلك وصى الصبي لو استدان مالا وأنفقه عليه ثم أمر الصبي بأن يضمن هذا المال
جاز لأنه ليس بالزام للمال بل فيه التزام لما عليه كذا هنا وفى الحقيقة هذا أمر من غريم العبد
للعبد بأن يدفع ماله عليه إلى غريمه أو يوكل غريمه في أن يقبض من العبد ماله عليه وكما يملك أن
يطالب بنفسه يملك أن يوكل غيره (ألا ترى) أن المال لو كان عينا في يد العبد للآمر فأمره
أن يدفعه إلى مديونه صح فكذلك إذا كان دينا في ذمته ولو كفل رجل بنفس عبد محجور
عليه بأمره فان الكفيل يؤخذ بالكفالة لان العبد مخاطب وتسليم النفس عليه لجواب الخصم
مستحق وإنما تأخر ذلك عنه لحق المولى فتصح الكفالة بذلك عنه كالمال فان العبد المحجور لو
أقر لإنسان بمال ثم كفل به عنه انسان صح وليس لهذا الكفيل أن يتبع العبد بذلك حتى
18

يعتق كما أن الطالب لا يطالبه بذلك حتى يعتق فإذا أعتق اتبعه بكفالته حتى يبرئه منها لأنه أمره
بهذه الكفالة وأمره في حق نفسه صحيح فكان مطالبا به بعد العتق ولو كان على المكاتب مال
لرجل فكفل به عنه لاخر كان جائزا بخلاف كفالة المكاتب بالنفس أو بالمال فان ذلك تبرع
واصطناع معروف وهذا ليس بتبرع وإنما هو التزام مال أصله عليه ولا فرق في حقه بين
أن يدفعه إلى الأول أو إلى الثاني فلهذا صحت الكفالة وان أمر المكاتب عبده أن يكفل
بمال على المكاتب فهو جائز لان المكاتب ملتزم فصار هذا الدين من كسبه وعبده كسبه
فليس في هذه الكفالة الا استحقاق ما هو مستحق بخلاف ما إذا أمره أن يكفل عن غيره فان
ذلك التزام بطريق التبرع فيما ليس عليه ولا يملك المكاتب مباشرته بنفسه فكذلك لا يملك أن
يأمر عبده به ولو أن رجلا طلب من مكاتب أو عبد تاجر أن يشترى له متاعا بمال مسمى ولم
يدفع إليه شيئا فاشترى العبد كان شراؤه في القياس لنفسه دون الآمر لأنه ملتزم المال في ذمته
بعوض يحصل للآمر فيكون هذا بمنزلة الكفالة (ألا ترى) انه لو أمره بالشراء له بالنسيئة
لم يصح فكذلك بالنقد وفى الاستحسان هذا جائز لأنه من صنع التجار وهو محتال إليه فان
من لا يعين غيره لا يعان ثم المشترى محبوس في يده حتى يستوفى الثمن من الآمر بخلاف
الكفالة والشراء بالنسيئة وقد بينا هذا في كتاب الوكالة وذكر عن إبراهيم رحمه الله قال
لا يجوز كفالة الرجل عن المكاتب بالمكاتبة لمولاه وبه نأخذ لان المكاتب عبد والمولى
لا يستوجب على عبده دينا ولان ما للمكاتب على المكاتب بصفة لا يمكن ايجابه بتلك الصفة
على الكفيل لان المكاتب يتمكن من أن يسقط عن نفسه المال بان يعجز نفسه ولا يمكن اثباته
في ذمة الوكيل الكفيل بهذه الصفة ولو أثبتناه في ذمة الكفيل لأثبتنا أكثر مما هو واجب في ذمة
الأصيل وذلك لا يجوز وكذلك لو كان للمولى عليه دين سوى مال الكتابة وكفل به رجل
لم يجز للمعنيين اللذين ذكرناهما فان المكاتب إذا عجز نفسه فكما يسقط عنه بدل الكتابة
فكذلك تسقط سائر ديون المولى وكذلك لو كان له مكاتبان كل واحد منهما مكاتب على حدة
فكفل أحدهما بمال على صاحبه للمولى من الكتابة أو الدين لم يجز لأنه كفالة لمكاتب ولا
كفالة للمولى عن المكاتب وذلك غير صحيح من الحر فلأن لا يصح من المكاتب كان أولى
ولو كان بينهما مكاتبة واحدة وجعل نجومها واحدة فإذا أديا عتقا وان عجزا ردا كان ذلك
جائزا استحسانا وفى القياس هذا لا يجوز لأنه كفالة لمكاتب ولأنه كفالة ببدل الكتابة
19

ولكنه استحسن فقال المولى جعلهما في هذا الحكم كشخص واحد فكأنه الزم جميع المال كل
واحد منهما ثم علق عتق صاحبه بأدائه وله هذه الولاية ولهذا كان له أن يأخذ كل واحد منهما
بجميع الكتابة إلا أنه في حق ما بينهما إذا أدى أحدهما جميع البدل رجع على صاحبه بنصفه
فاما في حق المولى فالمال عليهما كشئ واحد حتى أنه لو أدى أحدهما نصيبه من البدل لا يعتق
لان المولى ما رضى بعتقهما ولا عتق أحدهما حتى يصل إليه جميع البدل وإذا دان المولى أحدهما
دينا بعد المكاتبة فكفل الآخر لم يجز لأنه لم يكن على هذا الآخر من الدين شئ ولا تعلق
عتقه بأدائه فكان هذا التزاما منه بطريق التبرع ثم هو التزام الدين عن المكاتب لمولاه وذلك
باطل بخلاف الأول فان عتقه تعلق بأداء ذلك المال فيجوز أن يكون هو ملتزما أداءه ولو
كان للمكاتب مال على رجل فأمره فضمنه لمولاه من المكاتبة أو من دين له سوى ذلك فهو
جائز لان أصل ذلك المال واجب على الكفيل فهذا في الحقيقة أمر له منه بدفع ما عليه إلى
مولاه أو توكيل لمولاه أن يقبض دينه من غريمه وذلك مستقيم ولو كان للمولى دين على
ابن المكاتب أو على رحم محرم منه أو على عبد له فكفل به لم يجز لان من دخل في كتابته فهو
مكاتب لمولاه وكفالة الرجل على المكاتب لمولاه باطلة ومن لم يدخل في كتابته فهو عبد
للمكاتب والدين الذي للمولى على عبد المكاتب بمنزلة الدين له على المكاتب لان كل واحد
منهما يسقط بعجز المكاتب فكما لا تجوز الكفالة للمولى بماله على مكاتبه فكذلك بماله على
عبد مكاتبه وان كفل به المكاتب عن عبده أو أم ولده جاز لان كسبهما ورقبتهما كذلك
(ألا ترى) انه إذا أدى بدل الكتابة يتقرر ملكه فيهما فكان الواجب على ملكه بمنزلة
الواجب عليه وتبين بهذا انه بهذه الكفالة ليس بملتزم ما ليس عليه بطريق التبرع وان كفل به
عن ابنه أو عن أحد أبويه لم يجز أما إذا كان حرا فغير مشكل وكذلك أن كان داخلا في كتابته
لان من دخل في كتابته فهو بمنزلة المكاتب لمولاه (ألا ترى) ان بأدائه يعتق كما يعتق
المكاتب وإن كان في الحال لا تصح منه الكفالة والتبرعات كما لا تصح من المكاتب فكفالة
أحد المكاتبين عن الآخر باطلة وإن كان المولى واحدا وإذا مات مولى المكاتب وكفل رجل
بماله عليه من الكتابة أو غيرها للورثة لم يجز لأنهم قائمون مقام المورث فكما لا تصح كفالة
هذا الرجل للمورث عنه في حياته فكذلك لوارثه بعد وفاته * فان قيل الوارث لا يملك رقية
المكاتب فلماذا لا تصح الكفالة * قلنا هو بمنزلة المالك على معنى انه إذا عجز كان مملوكا له مع
20

أن المانع من الكفالة ضعف ذلك الدين في حق الأصيل حتى أنه يسقط عنه إذا عجز نفسه
وفى هذا لا فرق بين المولى وبين وارثه بعد موته ولو كان للمكاتب دين على بعض الورثة وكفل
به رجل أو كفل بنفس المطلوب كان جائزا لان الأصيل مطلوب بهذا المال مطلقا فتصح كفالة
الكفيل به (ألا ترى) أن المال لو كان للمكاتب على مولاه لم يكن من جنس الكتابة وكفل
به رجلا للمكاتب عن المولى صح فكذلك وارثه بعد موته وإذا أدان العبد التاجر لمولاه دينا
ولا دين عليه وأخذ منه كفيلا بذلك فالكفالة باطلة لان العبد لا يستوجب الدين على مولاه
إذا لم يكن عليه دين فان دينه كسبه وكسبه ملك المولى ومن ملك ما في ذمته سقط ذلك عنه
وإن كان على العبد دين فالكفالة جائزة لان كسبه حق غرمائه فيتحقق واجبا في ذمة المولى
كما يتحقق واجبا في ذمة غيره فلهذا صحت الكفالة به عنه والكفالة بالنفس في ذلك مثل الكفالة
بالمال لأنه إذا لم يكن على العبد دين فخصومته مع المولى لا تلزم المولى تسليم النفس إليه للجواب
فلا تصح الكفالة بتسليم نفسه أيضا وإذا كان عليه دين فإنه يستحق على المولى تسليم النفس
للجواب فيصح إلزامه بالكفالة أيضا وكذلك أخذ هذا الكفيل بنفس مولاه في خصومة
شئ يدعيه قبله وكيلا في خصومته فهو جائز إذا كان عليه دين لان الجواب لما كان مستحقا
على المولى صح توكيله به وإن لم يكن عليه دين فهو باطل لان الجواب غير مستحق له على
المولى فكذلك على وكيله لان العبد إذا لم يكن عليه دين فحقه لمولاه ويكون هذا بمنزلة
التوكيل من المولى عبده في أن يخاصم نفسه وذلك باطل وكذلك لو كفل الوكيل بنفس
المولى وضمن ما عليه وهو مائة درهم فهو على التقسيم الذي قلنا فان مات المولى وعلى العبد
دين فللعبد أن يستوفى المال من الكفيل لصحة الكفالة ويرجع به الكفيل في تركة المولى
لأنه كفل عنه بأمره وأدى وكذلك لو كان المولى صبيا وقد أذن أبوه أو وصيه لعبده في
التجارة فاستهلك الصبي شيئا لعبده وعليه دين فضمان ذلك واجب عليه كما لو استهلكه على غريم
العبد فإذا أخذ منه كفيلا بالمال برضا الأب أو الوصي كان ذلك جائزا لأنه دين مستحق
عليه يؤمر الأب والوصي بقضائه من ماله فتصح كفالة الكفيل به وإذا كان بأمر الأب
أو الوصي رجع الكفيل عليه إذا أداه وإذا كفل الكفيل للعبد بمال عن مولاه وعلى العبد
دين فأدى العبد دينه برئ الكفيل من الكفالة لان صحة هذه الكفالة باعتبار الدين
على العبد حتى إذا لم يكن عليه دين لا تصح الكفالة فإذا سقط الدين فقد انعدم المعنى الذي
21

به كانت الكفالة وان عتق قبل أن يؤدى دينه ثم أداه من مال اكتسبه بعد العتق أخذ
الكفيل بالمال لان الأصل أن العبد المديون إذا أدى دينه بعد العتق من مال اكتسبه بعد
العتق لا يكون متبرعا بالأداء ولكن يرجع بالمؤدى فيما اكتسبه قبل العتق وما اكتسبه
قبل العتق هو الدين الذي له على مولاه فإذا لم يسقط ذلك الدين عن المولى بقي الكفيل على
كفالته وان أداه من مال كان له في الرق برئ الكفيل من الكفالة لأنه لا يستوجب
الرجوع بالمؤدى في كسبه فصار ما في ذمة المولى حقا له فبالخلوص يسقط عنه وبراءة الأصيل
توجب براءة الكفيل وكذلك هذا الحرف فيما إذا أدى دينه في حال الرق فان ما في ذمة المولى
يخلص له ويسقط عنه وبراءته توجب براءة الكفيل وكفالة الرجل للمكاتب بنفس مولاه
أو بدين له عليه جائزة لان المولى في كسب مكاتبه أنفذ منه في كسب عبده المديون
وقد بينا صحة كفالة العبد عن مولاه إذا كان مديونا فللمكاتب أولى وكذلك لو كفل بنفسه
وضمن ما ذاب عليه أو جعله كفيلا بنفسه وكيلا في خصومته وهذا بخلاف كفالة المولى عن
المكاتب لان دين المولى على مكاتبه لا يقوى حتى يملك المكاتب اسقاطه بالتعجيز فاما دين
المكاتب على مولاه فقوى فان المولى لا يملك اسقاطه الا بالأداء فلهذا صحت الكفالة به وكذلك
لو كفل عن المولى بدين لابن المكاتب أو أبعد من ذلك وابن المكاتب بمنزلة المكاتب لان
من دخل في كتابته فهو مكاتب للمولى والمستسعى في بعض قيمته بعد ما عتق بعضه بمنزلة
المكاتب وفى قول أبي حنيفة رحمه الله لا يجوز كفالة أحد عنه بالسعاية لمولاه ولا بنفسه * فان
قيل المعنى الذي لأجله لا تجوز الكفالة ببدل الكتابة عن المكاتب للمولى لأنه ضعيف يملك
المكاتب اسقاطه بالتعجيز وهذا لا يوجد في السعاية فإنه لا يملك اسقاطه بالتعجيز إذ ليس له
ان يعجز نفسه فينبغي ان تصح الكفالة * قلنا بل المعنى أن المكاتب عبد ولا يقوى دين المولى
في ذمته لأنه ليس للعبد ذمة قوية في حق مولاه وهذا موجود هنا فالمستسعى عنده بمنزلة
المكاتب لان الرق يتجزأ عند أبي حنيفة رحمه الله فلا يعتق نصيبه ما لم يؤد حق السعاية
وكذلك العتق عند الموت إذا لم يخرج من الثلث فلزمته السعاية فهذه السعاية بمنزلة بدل
الكتابة على معنى أنه لا يعتق الا بأدائها فلا تصح الكفالة بها عند المولى وهذا بخلاف ما إذا
أعتق عبده على مال فكفل كفيل للمولى بذلك المال صحت الكفالة لأنه عتق هناك بنفس
القبول فكان المال دينا قويا في ذمته كسائر الديون والمستسعى لا يعتق الا بالأداء فلا يكون
22

المال لازما في ذمته بصفة القوة وهذا لان العتق في الأصل صلة وكل مال يحصل بأدائه
العتق أو يتم بأدائه العتق يكون في معنى الصلة فلا تصح الكفالة به فاما الواجب بعد تمام
العتق فليس فيه معنى الصلة فتصح الكفالة به وإذا كان العبد التاجر بين رجلين فأدانه أحدهما
دينا وأخذ منه كفيلا به أو بنفسه فهو جائز غير أنه لا يلزم الكفيل الا نصف المال لأنه إنما
يجب على الكفيل بالكفالة ما هو واجب على الأصيل وهو العبد نصف المال لان حصة المولى
المدينة لا تجب عليه فان المولى لا يستوجب الدين على عبده وإنما ثبت بحصة نصيب الآخر
وذلك نصف المال فوجب على الكفيل ذلك أيضا وكذلك لو كان العبد هو الذي أدان أحد
مولييه وأخذ منه كفيلا بنفسه أو بالمال فهو جائز يؤخذ إن كان على العبد دين لان جميع الدين
هنا ثابت للعبد على المولى الذي له النصف لأنه غير مملوك والنصف الآخر لقيام الدين عليه
وإن لم يكن عليه دين ثبت نصف الدين عليه وهو نصيب المولى الآخر فاما نصيبه من
كسب العبد في خالص حقه فتصح الكفالة عنه للعبد بالنصف هنا دون النصف الآخر
وكذلك شريك المولى شركة مفاوضة لو أدان العبد دينا فأخذ منه كفيلا بنفسه أو بالدين فهو
جائز غير أنه يبطل من حصة المولى من الدين نصفها بقدر ملكه وما سقط عن الأصيل سقط
عن الكفيل بقدره ولو كان للمولى شريك شركة عنان فأدان العبد وأخذ منه كفيلا بنفسه أو
بالدين فهو جائز لان شريكي العنان فيما ليس من شركتهما كسائر الأجانب فكان جميع دينه
مستحقا على العبد فتصح الكفالة ولو أن الموليين جميعا أدانا العبد دينا واحدا بعقد واحد وفى
صفقة واحدة فأخذا منه كفيلا بالمال أو بنفسه فهو جائز غير أنه يبطل منه مقدار حصته لأنه
لا يستوجب الدين على ملكه وبقدر ما يبطل عن الأصيل يبطل عن الكفيل ولو أن العبد
أدان مولييه دينا وأخذ منهما كفيلا به فهو جائز غير أنه يبطل من كل واحد منهما نصف
الدين لان نصف كسب العبد خالص كل واحد منهما إذا لم يكن على العبد دين ولو كان
للعبد دين على رجل فكفل به أحد مولييه أو كفل بنفسه فهو جائز يؤخذ به كله إن كان
عليه دين لان كسبه حق غرمائه فالموليان منه كسائر الأجانب وإن لم يكن عليه دين أخذ
بنصفه لان نصف كسبه للمولى الذي كفل ولا يجب له بالكفالة على نفسه فلهذا كان له عليه
الكفالة بقدر نصيب شريكه وان كفل له الموليان جميعا بمال وكل واحد منهما كفيل ضامن
عن صاحبه فإن كان على العبد دين فهو جائز لأنه ان كفل به أحدهما جاز فكذلك إذا كفلا
23

به لأنهما كسائر الأجانب في كسبه وأيهما أدى إليه المال رجع على صاحبه بنصفه ليستويا في
غرم الكفالة كما استويا في أصل الكفالة وإن لم يكن عليه دين بطل عنهما نصف هذا الدين
لان كل واحد منهما مالك لنصف كسبه ولا يملك لنفسه بنفسه فلهذا بطل عنهما نصف هذا
الدين ولا يكون كل واحد منهما كفيلا من قبل صاحبه لان كل واحد منهما إنما يضمن
بأصل الكفالة صاحبه فلا يجوز ان يصير صاحبه كفيلا عنه بذلك إذ يكون كفيلا بنفسه
وذلك باطل ولو كفل ما جازت فيه كفالة المسلم عن المسلم والذمي عن الذمي جاز لان الكفالة
من المعاملات وأهل الذمة يستوون مع المسلمين في المعاملات ولو كفل الذمي عن الذمي للذمي
بالخمر من قرض أو غصب أو استهلاك صحت الكفالة لان الخمر مال متقوم عندهم فان أسلم
الطالب سقطت الخمر عن الأصيل والكفيل جميعا لا إلى بدل لأنه لا يستوجب الخمر ولا
قيمتها ابتداء بهذا السبب على أحد فكذلك لا يبقى ما كان واجبا له ويجعل باسلامه له كمبرئ
الأصيل والكفيل جميعا وان أسلم المطلوب فكذلك الجواب عند أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله وعند محمد رحمه الله يجب على المطلوب قيمة الخمر ويبقى الكفيل على كفالته وهي
رواية زفر رحمه الله وخالفه أبو حنيفة رحمه الله لان اسلام المطلوب لا يمنع وجوب قيمة الخمر
عليه للذمي ابتداء (ألا ترى) انه لو استهلك المسلم خمر ذمي أو استقرض من ذمي خمرا فأتلفها
كانت مضمونة عليه بالقيمة فكذلك تبقى القيمة على المسلم للذمي وقد جعلنا الطالب باسلامه
كالمبرئ والمطلوب لا يمكن ان يجعل باسلامه كالمبرئ لأنه لا يبرئ نفسه وإن لم يبرأ الأصيل
لا يبرأ الكفيل فيكون للطالب الخيار ان شاء رجع على الأصيل بقيمة الخمر وان شاء رجع
على الكفيل بالخمر ثم الكفيل يرجع على الأصيل بقيمة الخمر إن كان كفل بأمره ووجه قول
أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ان الخمر التي هي بدل القرض إذا سقطت بالاسلام تسقط
لا إلى بدل كما إذا سقطت باسلام الطالب وكان المعنى فيه أن الطالب لو استوفى القيمة لكان
به مملكا من المطلوب الخمر التي في ذمته ولا يجوز تمليك الخمر من المسلم ببدل فتسقط أصلا
لان حق اسقاط البدل متى كان متعلقا بشرط تمليك المبدل فإذا امتنع ذلك يسقط أصلا كمن
هشم قلب فضة لإنسان فلصاحب القلب ان يضمنه قيمته من خلاف جنسه بشرط ان يملكه
المهشوم فإذا امتنع من ذلك لا يرجع عليه بشئ بخلاف ما إذا كان المطلوب مسلما وقت
الاستقراض والاستهلاك فان أصل الخمر هناك لا تجب في ذمته ابتداء وإنما تجب القيمة ولا
24

يشترط لوجوب القيمة ملك ما يقابله كمن غصب مدبرا أو أتلفه يضمن قيمته من غير أن
يملك المدبر به فإذا سقطت عندهما الخمر عن المطلوب لا إلى بدل برئ الكفيل لان ابراء الأصيل
يوجب براءة الكفيل ولو أسلم الكفيل خاصة سقطت الخمر عن الكفيل لا إلى بدل في قول
أبي حنيفة رحمه الله وأبى يوسف رحمه الله ولكن براءة الكفيل لا توجب براءة الأصيل
وكانت الخمر للطالب على المطلوب على حالها وعند محمد رحمه الله الطالب بالخيار ان شاء رجع
على الكفيل بقيمة الخمر لأنه مطلوب وان شاء رجع على الأصيل بالخمر فان أخذ من الكفيل
قيمة الخمر لم يرجع الكفيل على الأصيل بشئ لأنه مطالب في حق الأصيل واسلام الطالب
يسقط الخمر لا إلى بدل وان أسلموا جميعا يسقط الخمر لا إلى بدل لان في اسلامهم اسلام
الطالب وزيادة وكذلك أن أسلم الطالب والكفيل أو الطالب والأصيل فان أسلم الكفيل
والأصيل سقطت الخمر لا إلى بدل عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ويتحول إلى القيمة
عند محمد رحمه الله فإذا استوفاه من الكفيل لم يرجع الكفيل على الأصيل لأنه طالب في حقه
ولو كانت الخمر من ثمن بيع والمسألة بحالها فان أسلم الطالب أو المطلوب سقطت الخمر لا إلى
بدل بالاتفاق لانفساخ البيع بينهما باسلام أحدهما قبل قبض الخمر وان أسلم الكفيل خاصة
فالبيع يبقى على حاله ويسقط الخمر لا إلى بدل من الكفيل في قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله وعند محمد رحمه الله يتحول إلى القيمة لان ما في ذمة الكفيل بمنزلة القرض ولو
كانت الخمر سلما والمسألة بحالها فان أسلم الطالب والمطلوب سقطت لا إلى بدل لانفساخ
العقد بينهما وان أسلم الكفيل يبقى العقد بين رب السلم والمسلم إليه ولكن يبرأ الكفيل
بالاتفاق لأنه لا يجوز ان يتحول حق رب السلم إلى القيمة دينا في ذمته فان الاستبدال بالمسلم
فيه قبل القبض لا يجوز ولو كانت الخمر صداقا والمسألة بحالها فنقول أما بيان قول أبي حنيفة
رحمه الله فالصداق اما أن يكون خمرا أو خنزيرا بعينه أو بغير عينه فإن كان بعينه وقد كفل
به كفيل فهو صحيح لان الصداق مضمون بنفسه في يد الزوج والكفالة بالأعيان المضمونة
بنفسها صحيحة كالمغصوب وسواء أسلم الزوج والمرأة أو أحدهما أو أسلموا جميعا فبقي حقها
في العين كما بيناه في كتاب النكاح فيكون لها أن تأخذ العين من الزوج وإن شاءت طالبت
الكفيل بالتسليم لان لزوج لما بقي بالتسليم بعد اسلامه يبقى الكفيل مطالبا به أيضا وإن كان
بغير عينه فإن كان خمرا وأسلمت المرأة فحقها في ذمة الزوج في قيمة الخمر ويبرأ الكفيل من
25

الكفالة لأنها طالبته وما في ذمة الكفيل بمنزلة بدل القرض فإنه غير واجب بالنكاح بل
إنما وجب بالكفالة فيسقط باسلام الطالب لا إلى بدل فأما في ذمة الزوج فصداق واسلامها
يحول الحق إلى قيمة الخمر في صداق بغير عينه عند أبي حنيفة رحمه الله وان أسلم الزوج
فحقها عليه في قيمة الخمر وإن شاءت طالبت الكفيل بالخمر لان الأصيل ما برئ باسلامه بل تحول
إلى القيمة في حقه لتعذر تسليم عين الخمر عليه ولم يتعذر ذلك على الكفيل فان استوفت الخمر
من الكفيل لم يكن للكفيل ان يرجع على الزوج بشئ لأنه بمنزلة المقرض من الأصيل وعند
أبي حنيفة رحمه الله اسلام المستقرض يسقط الخمر لا إلى بدل وان أسلم الكفيل فإنها ترجع على
الزوج بالخمر وقد برئ الكفيل لان ما في ذمته بمنزله القرض واسلام المطلوب عنده يسقط
الخمر لا إلى بدل وإن كان خنزيرا بغير عينه فان أسلمت المرأة فلها مهر مثلها على الزوج ولا شئ
على الكفيل من ذلك لان الخنزير قد سقط ومهر المثل دين حادث على الزوج والكفيل لم
يكفل به وان أسلم الزوج فكذلك الجواب لان الزوج قد برئ عن الخنزير أصلا فيبرأ
الكفيل ببراءته ومهر المثل دين حادث على الزوج فليس على الكفيل منه شئ وان أسلم
الكفيل سقط عنه الخنزير لا إلى بدل ولها على الزوج الخنزير أو قيمته على حاله فاما على قول
أبى يوسف رحمه الله فالجواب في الفصول كلها كما هو قول أبي حنيفة رحمه الله في الخنزير
بعينه وعلى قول محمد رحمه الله الجواب في الفصول كلها كجواب أبي حنيفة رحمه الله في الخمر
بغير عينها الا في فصلين (أحدهما) فيما إذا أسلم الزوج وأدى الكفيل عين الخمر فعند محمد
رحمه الله يرجع الكفيل على لزوج بقيمة الخمر لأنه مطلوب في حقه واسلام المطلوب عند
محمد رحمه الله يسقط الخمر إلى القيمة (والثاني) فيما إذا أسلم الكفيل عند محمد رحمه الله فلها
الخيار ان شاءت رجعت على الزوج بالخمر وإن شاءت على الكفيل بقيمة الخمر لان الكفيل
مطلوب في حقها واسلام المطلوب عنده يسقط الخمر إلى القيمة ولو كفل الذمي بالخمر عن الذمي
لمسلم فهو باطل لان المسلم لا يستوجب الخمر دينا على أحد ولا يكون له الخمر أيضا عينا مضمونة
على أحد فلا تصح الكفالة بها له وكذلك أن كفل عن مسلم لذمي بخمر لان الخمر لا يكون
دينا في ذمة المسلم لاحد والكفالة بما ليس بواجب في ذمة الأصيل باطلة وكذلك لو كفل
مسلم لذمي عن ذمي بخمر فهو باطل لان المسلم لا يلتزم الخمر بشئ من العقود لاحد فكذلك
بالكفالة لان الخمر ليس بمال متقوم في حق المسلم وكفالة الذمي بالخمر للعبد التاجر الذمي
26

والمكاتب الذمي جائزة وإن كان مولاهما مسلما لأنهما يتصرفان لأنفسهما والمعتبر في التصرف
في الخمر في حقهما دينهما لا دين مولاهما فإن كانا ذميين جازت الكفالة لهما بالخمر كما لو كانا
حربيين وإذا كاتب الذمي عبدين له ذميين على خمر مسماة وكل واحد منهما كفيل عن الآخر
فأسلم أحدهما صارت كلها قيمة لأن جواز العقد كان باعتبار انهما في هذا العقد كشخص
واحد ولولا ذلك لم يصح لاعتبار معنى الكفالة فإذا كانا كشخص واحد يجعل اسلام أحدهما
في حكم التحول من الخمر إلى القيمة كاسلامهما * توضيحه انه لا يعتق واحد منهما الا إذا
أدى جميع البدل إلى المولى ولو تحول نصيب المسلم منهما إلى القيمة وبقي نصيب النصراني منهما
خمرا لتميز ما على أحدهما مما على الآخر فيعتق أحدهما بأداء ما عليه وذلك خلاف شرط المولى
فاما ان يبقى الكل خمرا أو يتحول قيمة وابقاؤه خمرا بعد اسلام أحدهما لا يصح فيتحول
الكل إلى القيمة وكذلك إذا كان عبد واحد مكاتب لذميين على خمر فأسلم أحدهما لما بينا انه
لا يتميز نصيب أحدهما عن نصيب الآخر وقد صح تحول نصيب المسلم منهما إلى القيمة فيتحول
نصيب الآخر أيضا ضرورة ولو كاتب النصراني عبدا مسلما وعبدا نصرانيا على خمر وكل
واحد منهما كفيل عن صاحبه لم يجز لأنهما كشخص واحد في هذا العقد وقد بطل نصيب
المسلم فكذلك النصراني إذ لو جوزنا العقد في نصيب النصراني لا يبقى جعل المسلم كفيلا به
والمولى ما رضى الا بذلك ولو غصب ذمي من ذمي خمرا أو خنزيرا فكفل به عنه مسلم لم
يجز ان كانا قائمين لان المسلم كما لا يلتزم الخمر والخنزير في ذمته دينا بالعقد فكذلك لا يلتزم
تسليم عيني الخمر والخنزير بالعقد وان كانا قد هلكا قبل الكفالة صارت الكفالة بما عليه من
ضمان الخنزير ولم يجز في الخمر لان الخمر مضمونة على الغاصب بالمثل فالكفيل المسلم إنما يلتزم
الخمر في ذمته بالكفالة وذلك لا يجوز فاما الخنزير فمضمون بالقيمة والقيمة دراهم فصح التزام
ذلك بالكفالة ولو كان الغاصب مسلما جازت كفالته عنه في الخمر أيضا بعد هلاكها لان
خمر الذمي مضمونة على المسلم بالقيمة كالخنزير والقيمة دراهم فإذا كانت الكفالة تكون بالقيمة
بعد هلاكها فهذا مسلم التزم دراهم هي دين على الأصيل بالكفالة وذلك صحيح
(باب الكفالة بالمال)
(قال رحمه الله) وفيه حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله
27

عليه وسلم يقول العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضى والزعيم غارم والمنحة نوع
من العارية ولكن فيها معنى العطية فان من أعار غيره شاة أو ناقة ليشرب لبنها يسمى ذلك
منحة ولهذا قلنا إن من منح غيره شيئا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالدار والدابة والثوب
يكون عارية ولا يكون منحة وان منحه شيئا لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه يكون هبة
لا عارية والإعارة في مثله تكون قرضا وفيه دليل ان رد العارية على المستعير ورد المنحة على
الممنوح له لان منفعة النقل حصلت له وقضاء الدين يستحق على المديون بقوله والدين مقضى
ومقصوده آخر الحديث وهو قوله والزعيم غارم معناه الكفيل ضامن أي ضامن لما التزمه
من مال أو تسليم نفس على معنى انه مطالب به وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم إلى أجل
فقال له رجل إذا حل أجل مالك على فلان فلم يوفك مالك فهو على أو قال إن حل فهو على
فهو جائز على ما قال لان حلول المال على الأصيل سبب لتوجه المطالبة عليه والكفالة التزام
المطالبة فيجوز اضافتها إلى وقت توجد المطالبة به على الأصيل وتعليقها به وكذلك لو قال إن
مات فلان قبل أن يوفك مالك فهو على لان موت المديون سبب لحلول الاجل وتوجه المطالبة
بقضاء الدين فيجوز تعليق الكفالة به بخلاف ما إذا علقه بموت رجل آخر وإذا ادعى الكفيل
بعد موته أو بعد حلول المال ان المطلوب قد كان قضاه قبل ذلك لم يصدق لان السبب
الموجب لتوجه المطالبة على الكفيل قد تقرر وقد يدعى مانعا ما لم يظهر وهو قضاء المطلوب
حقه ولو ادعى المطلوب ذلك بنفسه لم يصدق الا بحجة فكذلك إذا ادعاه الكفيل ولو كان
حالا فقال إن لم يعطك فلان مالك فهو على فتقاضى الطالب المطلوب فلم يعطه ساعة تقاضاه
فهو لازم الكفيل لان الشرط امتناع المطلوب من الاعطاء وإنما يتحقق بعد ذلك التقاضي
فكما تقاضاه وامتنع من الأداء فقد وجد شرط وجوب المال على الكفيل ولان مقصود
الكفيل من هذا دفع مؤنة كثرة التقاضي عن الطالب فإنه يتأدى بذلك وإنما يحصل ذلك
إذا صار الكفيل ملتزما عند امتناع المطلوب بعد التقاضي وذكر عن شريح رحمه الله أنه قضى
بكفالة وقال إن الكفيل غارم وفيه دليل جواز الكفالة مطلقا لكن لا يكون مستحق التسليم
حتى يتحقق ان الكفيل غارم له وإذا كفل الرجل عن رجل بمال فللطالب ان يأخذ به أيهما
شاء وبمطالبة أحدهما لا يسقط حقه في مطالبة الآخر بخلاف الغاصب مع غاصب الغاصب
وقد بينا نوع فرق بينهما ونوع آخر وهو أن هناك الحق قبل أحدهما فيعين من عليه الحق
28

باختياره وهنا أصل الدين بعد الكفالة على الأصيل كما كان قبله (ألا ترى) انه يكتب في
الصكوك لفلان على فلان كذا وفلان به كفيل وموجب الكفالة زيادة الحق للطالب في
المطالبة وإنما يتحقق ذلك إذا توجهت المطالبة له عليهما فلا تكون مطالبة أحدهما مسقطة حقه في
مطالبته الآخر فإذا أخذ الكفيل به كان للكفيل ان يأخذ المكفول به فيعامله بحسب ما
يعامل وليس له أن يأخذ المال من الأصيل حتى يؤديه لأنه قبل الأداء مقرض للذمة فلا
يرجع بالمال حتى يؤديه فحينئذ يصير به متملكا ما في ذمة الأصيل ولكن ان قضاه الأصيل
فهو جائز لان أصل الوجوب ثبت للكفيل على الأصيل وإن كان حق الاستيفاء متأخرا إلى
أدائه وتعجل الدين المؤجل صحيح فإذا قبضه الكفيل وتصرف فيه كان ما ربح حلالا له لأنه
ملك المقبوض ملكا صحيحا فالربح الحاصل لديه يكون له ولو هلك منه كان ضامنا لأنه قبضه
على وجه اقتضاء الدين الذي له على الأصيل وعلى وجه الاقتضاء يكون مضمونا على المقتضى ولو
اقتضاه الطالب من الذي عليه وهو الأصيل فله أن يرجع على الكفيل بما أعطاه لأنه إنما أعطاه
ذلك ليسلم له به ما في ذمته بان يؤديه الكفيل عنه فإذا لم يسلم له كان له أن يرجع عليه بما أعطاه
ولو لم يكن دفعه إلى الكفيل في الابتداء على طريق القضاء ولكن قال أنت رسولي بها إلى
فلان الطالب فهلك من الكفيل كان مؤتمنا في ذلك لأنه استعمله حين بعث بالمال على يده إلى
الطالب ولو استعمل في ذلك غيره كان أمينا فيه فكذلك إذا استعمل الكفيل حتى إذا أداه
المطلوب إلى الطالب بعد ذلك لا يرجع على الكفيل بشئ وان أدى الكفيل إلى الطالب رجع
به على الأصيل فهلاك الأمانة في يده كهلاكها في يد صاحبها ولو لم يهلك منه ولكنه عمل به
وربح أو وضع كانت الوضيعة عليه لأنه مخالف بما صنع والربح له يتصدق به في قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله وفى قول أبى يوسف رحمه الله يطيب له بمنزلة المودع إذا تصرف في الوديعة
وربح ولو كان الدين طعاما فأرسل به الأصيل مع الكفيل إلى الطالب فتصرف فيه الكفيل
فربح فهذا والأول سواء ولو أعطاه الطعام اقتضاء عما كفل به فباعه وربح فيه فان أبا حنيفة
رحمه الله يقول الربح له ولو تصدق به كان أحب إلى وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله
يطيب له الربح فالحاصل أن الكفيل ان قضى الطالب طعامه فالربح يطيب له لأنه استربح
على ملك صحيح له وان قضى المطلوب طعامه حتى رجع على الكفيل بالطعام الذي أعطاه فالربح
يطيب للكفيل في رواية كتاب البيوع لان أصل ملكه كان صحيحا فبأن وجب عليه الرد بعد
29

ذلك لا يمكن خبث في الربح وفى الجامع الصغير يقول يرد الأصل والربح على الأصيل عند
أبي حنيفة رحمه الله لأنه إنما رضى بتسليمه إليه بشرط ولم يسلم له ذلك الشرط ولكن مراده
ان يفتى برد الربح عليه من غير أن يجبر عليه في الحكم وهنا قال يتصدق بالربح لأنه يمكن فيه
نوع خبث حين كان قبضه بشرط ولم يسلم ذلك الشرط للمعطى فيؤمر بالتصدق به على
سبيل الفتوى بخلاف ما تقدم من الدراهم فإنها لا تتعين في العقد فلم يكن ربحه حاصلا على عين
المال المقبوض فاما الطعام يتعين فإنما ربح على غير المقبوض فيتمكن فيه الخبث من هذا الوجه
وإذا قال الرجل للرجل اكفل عنى لفلان بكذا وكذا فهذا اقرار منه بالمال ان كفل به أو لم
يكفل لأنه أمره بالكفالة عنه ولا تكون الا بعد وجوب المال على الأصيل فان الكفيل اما
ان يلتزم المطالبة بما هو واجب على الأصيل أو يقرض ذمته على أن يثبت فيها ما هو واجب في
ذمة الأصيل فيقتضى أمره بذلك الاقرار وجوب المال عليه والثابت بمقتضى النص كالثابت
بالنص فكأنه قال لفلان على ألف درهم فاكفل بها عنى وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم
إلى أجل فكفل بها عنه رجل ولم يسمه في الكفالة إلى أجل فالكفيل بها ضامن للأصيل وإن لم
يسمه لأنه يلتزم المطالبة التي هي على الأصيل والمطالبة على الأصيل بهذا المال بعد حلول الأجل
فكذلك على الكفيل أو يلتزم في ذمته ما هو ثابت في ذمة الأصيل والثابت في ذمة
الأصيل مؤجل إلى سنة فكذلك لو كان في ذمة الأصيل زيوف تثبت في ذمة الكفيل
بتلك الصفة وهذا بخلاف الشفيع إذا أخذ الدار بالشفعة والثمن مؤجل على المشترى لا يثبت
الاجل في حق الشفيع لان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء وهو سبب مبتدأ لوجوب الثمن
به على الشفيع فلا يثبت الاجل فيه الا بالشرط فأما الكفالة فليست بسبب لوجوب المال
بها ابتداء ولكنها التزام لما هو ثابت فلا يثبت الا بتلك الصفة فان مات الكفيل قبل الاجل
فهو عليه حال يؤخذ من تركته لأنه بالموت استغنى عن الاجل ولأنه يتصور لابقاء الاجل
بعد موته لان يد وارثه لا تنبسط في التركة لقيام الدين وربما يهلك قبل حلول الأجل والأجل
كان لمنفعة من عليه الدين فإذا أدى إلى الضرر سقط ولكن لا يرجع ورثته على الذي عليه
الأصيل حتى يحل الاجل لان الاجل باق في حق الأصيل لبقاء حاجته حتى لا يطالبه
الطالب بشئ فكذلك ورثة الكفيل ولو مات الأصيل قبل الاجل حلت عليه لاستغنائه عن
الاجل ولم يحل على الكفيل لبقاء حاجته إلى الاجل وليس من ضرورة حلوله على الأصيل
30

سقوط الاجل في حق الكفيل (ألا ترى) انه لو كان أصل المال حالا ثم أجل الكفيل فيما
عليه صح وبقي المال على الأصيل حالا والثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة ولو كان
لرجل على رجل ألف درهم حالة فكفل بها رجل إلى سنة فهو جائز إلى ذلك الاجل وهذا
تأخير عن الذي عليه الأصل قال (ألا ترى) انه لو كان عليه ذكر حق بألف درهم وفلان كفيل
بها إلى سنة كانت عليهما جميعا إلى سنة وعن زفر رحمه الله ان المال على الأصيل حال لأنه أجل
الكفيل خاصة والتأجيل اسقاط للمطالبة إلى غاية فإذا كان ابراء الكفيل لا يوجب براءة الأصيل
فالتأجيل في حق الكفيل لا يمنع كون المال حالا على الأصيل لكنا نقول إنما أجل الطالب
هنا أصل الدين لان الهاء في قوله فكفل بها إلى سنة كناية عن أصل المال وإضافة التأجيل
إلى أصل المال يثبت الاجل في حق الأصيل والكفيل جميعا حتى لو أجل الكفيل بما التزم
بالكفالة يبقى المال حالا على الأصيل وهكذا يقول في الابراء إذا اضافه إلى أصل المال يكون
ابراء لهما وإذا اضافه إلى الكفيل خاصة يكون موجبا براءة الأصيل وإذا كفل له بألف درهم
لفلان على أن يعطيها إياه من وديعة لفلان عنده فهو جائز لأنه قبل الالتزام بمحل مخصوص
وهو ان يؤديه بما في يده وذلك صحيح في الكفالة والحوالة جميعا فان هلكت الوديعة فلا ضمان
على الكفيل لانعدام الجناية ولا فرق في حقه بين التزام أداء الوديعة إلى صاحبها أو غريم صاحبها
بأمر صاحبها فإذا لم يضمن الوديعة فقد فات المحل الذي التزم فيه التسليم للطالب وقد بينا
ان فوات المحل مبطل للكفالة ولو كان لرجل عند رجل ألف درهم وديعة وعلى رب الوديعة
ألف درهم دين وطلب من الذي عنده الوديعة التزام أداء ذمته بمحل مخصوص وهو تقييد
مفيد في حقه حتى لا يكون ضامنا في ذمته شيئا بعد هلاك ذلك المال ثم ليس لصاحب الوديعة
أن يأخذها من الكفيل لا عن حق الغريم وقد تعلق بها ولأنه التزم أداء دينه منها بأمره
ولا يتمكن من ذلك الا بعد كونها في يده فإذا هلكت برئ الكفيل منها لما بينا والقول
قوله في أنها هلكت لأنه بقي أمينا في العين بعد هذه الكفالة كما كان قبلها فيكون مقبول القول
في هلاكها وان اغتصبها إياه رب الوديعة أو اغتصبها إياه انسان آخر فاستهلكها برئ الكفيل
لما بينا ان وجوب الأداء عليه كان مقصورا على العين ما بقيت في يده فإنه ما التزم في ذمته
شيئا فإذا لم تبق العين في يده لا يكون ضامنا شيئا وكذلك لو ضمن له ألف درهم على أن
يعطيها إياه من ثمن هذه الدار فلم يبعها لم يكن عليه ضمان لأنه التزم الأداء من محل مخصوص
31

وهو ثمن الدار ولا يحصل ثمن الدار في يده ما لم يبع الدار وهو لم يلتزم بيعها على ذلك فلهذا
لا يطالب بشئ ما لم يبع الدار ويقبض الثمن ولو كفل رجل عن رجل بمال على أن يجعل له
جعلا فالجعل باطل هكذا روى عن إبراهيم رحمه الله وهذا لأنه رشوة والرشوة حرام فان
الطالب ليس يستوجب بهذه الكفالة زيادة مال فلا يجوز ان يجب عليه عوض بمقابلته ولكن
الضمان جائز إذا لم يشترط الجعل فيه وإن كان الجعل مشروطا فيه فالضمان باطل أيضا لان
الكفيل ملتزم والالتزام لا يكون الا برضاه (ألا ترى) انه لو كان مكرها على الكفالة لم يلزمه
شئ فإذا شرط الجعل في الكفالة فهو ما رضى بالالتزام إذا لم يسلم الجعل وإذا لم يشترطه في
الكفالة فهو راض بالالتزام مطلقا فيلزمه وكفالة المرتد موقوفة عند أبي حنيفة رحمه الله بنفس
كانت أو بمال كسائر تصرفاته وكفالة المرتدة جائزة وان ماتت على الردة كسائر تصرفاتها فإنها
لا تقبل بخلاف الرجل وهذا فرق ظاهر في السير فان لحقت بدار الحرب وسبيت بطلت
الكفالة بالنفس دون المال لأنها لما لحقت وسبيت فكأنها ماتت (ألا ترى) ان مالها لورثتها
وموت الكفيل يبطل الكفالة بالنفس دون المال وفي الكتاب قال هي بمنزلة أمة كفلت بنفس
لان الكفالة بالنفس لما كانت لا تتحول إلى المال وقد صارت هذه أمة بالاسترقاق فكأنها
كفلت ابتداء وهي أمة فلا تطالب بذلك لحق مولاها وأما الكفالة بالمال فقد تحولت إلى ما
خلفت من المال فكان وارثها مطالبا بقضاء ذلك ولكن التعليل الأول أصح لما ذكر بعد هذا
قال وان أعتقت يوما من الدهر لم تؤخذ بالكفالة بالنفس ولا بالمال وقد أبطل السبي كل كفالة
وكل حق قبلها ولو كان هذا بمنزلة ابتداء الكفالة منها وهي أمة كانت تؤخذ بذلك بعد
العتق فعرفنا انه لما تبدلت نفسها بالرق كان ذلك بمنزلة موتها على ما قيل الحرية حياة والرقية
تلف فبطلت الكفالة بالنفس أصلا وتحول المال إلى مال فلا يعود شئ من ذلك إليها بعد العتق
ولو كفل مسلم بنفس مرتد في دين عليه فلحق بدار الحرب أو ارتد بعد الكفالة ولحق كان
الكفيل على كفالته وقد بينا هذا الفصل بفروعه في أول الكتاب فإن كانت امرأة فسبيت
بطلت الكفالة عنها بالنفس دون المال لأنها حين سبيت فقد سقطت عنها المطالبة بالحضور
فيسقط عن الكفيل ما التزم من الاحضار * توضيحه انها لما تبدلت نفسها بالاسترقاق فكأنها
ماتت وموت المكفول عنه بنفسه يبطل الكفالة ولكن الكفيل مأخوذ بقضاء ذلك الدين فإذا
أداه رجع به فيما تركت في دار الاسلام لأنه دين مؤجل كان له عليها بمنزلة سائر ديونها فان
32

لم يكن شئ تركت وأدى الكفيل ذلك ثم إن عتقت يوما لم يتبعها من ذلك بشئ لان السبي
أبطل عنها كل دين فان نفس المسبي تتبدل بالاسترقاق من صفة المالكية إلى المملوكية والدين
لا يجب على المملوك الا شاغلا لماليته وهذا الدين حين وجب لم يكن شاغلا لشئ سوى الذمة
وقد تعذر ابقاؤه بتلك الصفة فلهذا سقط عنها وكذلك الذمي والذمية إذا انقضى العهد ولحقا
بالدار وقد كفل رجل عنهما بنفس أو مال فان الكفيل يؤخذ بذلك فان ماتا أو سبيا بطلت
الكفالة بالنفس دون المال فان أداه ثم عتقا لم يرجع عليهما به لما بينا في المرتدة ولا تجوز كفالة
المرتد عن الذمي بالخمر والخنزير لان حكم الاسلام باق في حق المرتد فإنه مجبر على العود
إلى الاسلام غير مقر على ما اعتقده فكما لا تجوز كفالة المرتد بالخمر فكذلك كفالة المرتد
وعلى هذا لو استهلك المرتد خمر الذمي كان عليه قيمتها كما لو استهلكها مسلم فان كفل بها عنه
مسلم جاز لان القيمة الواجبة عليه دراهم أو دنانير ولو كفل مسلم لمرتد بنفس أو مال ثم لحق
المرتد بدار الحرب كان ورثته على حقه من الكفالة لأنهم يخلفونه في حقوقه بعد لحاقه كما
يخلفونه في أملاكه فان رجع ثانيا كان له ان يأخذ الكفيل بالنفس والمال لان ما كان قائما
من حقوقه يعود إليه إذا رجع ثانيا بمنزلة ما هو قائم من أملاكه وإن كان ورثته قد استوفوا
بقضاء القاضي فالكفيل من ذلك برئ بمنزلة ما هلك من ماله وهذا لان الأداء إلى وارثه
بقضاء القاضي بمنزلة الأداء إليه فيبرأ الكفيل به وكفالة المستأمن والكفالة له بمال أو نفس
جائزة لأنه من المعاملات وإنما دخل دارنا بأمان ليعاملنا ففي المعاملات يستوى بنا فان لحق
بداره ثم خرج مستأمنا فالكفالة بحالها لأنه باللحاق صار من أهل دار الحرب حقيقة بعد أن
كان من أهلها حكما فهو قياس ما بينا في المرتد وان أسر بطلت الكفالة فيما له لان نفسه
قد تبدلت بالأسر وذلك مبطل لحقوقه ولم يخلفه ورثته في ذلك بخلاف المرتدة على ما بينا
فاما فيما عليه فتبطل الكفالة بالنفس لتبدل نفسه بالأسر كما في المرتدة وبالمال كذلك هنا لان
في المرتدة المال يتحول إلى ما خلفت وليس هنا محل هو خلف عنه فلهذا بطلت الكفالة
بالمال أيضا ومكاتب الحربي إذا كان مستأمنا في دار الاسلام وعبده بمنزلة عبيد أهل الذمة
ومكاتبهم في جميع ذلك لان في المعاملات هم بسبب عقد الضمان يكونون بمنزلة أهل الذمة
فكذلك عبيدهم ومكاتبوهم والله أعلم بالصواب
33

(باب كفالة الرهط بعضهم عن بعض)
(قال رحمه الله) وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فكفل بها عنه ثلاثة نفر وبعضهم
كفيل عن بعض وكلهم ضامنون ذلك فهو جائز لان كل واحد منهم كفيل عن الأصل بجميع
المال وذلك جائز فان الكفالة للتوثق بالحق وهو يحتمل التعدد ثم كفل كل واحد منهم عن
الآخرين بما لزمهما بالكفالة والكفالة عن الكفيل صحيحة لان الكفيل مطلوب بما التزمه
وشرط صحة الكفالة أن يكون المكفول عنه مطلوبا بما التزمه الكفيل لان موجب الكفالة
التزام المطالبة بما على الأصيل فان أدى أحد الكفلاء المال كان له أن يرجع على الأصيل بالمال
كله ان شاء لأنه أدى ما تحمل عنه بأمره وان شاء رجع على شريكيه فان الكفالة بثلثي المال
لأنهم في حكم الالتزام بهذه الكفالة سواء فينبغي أن يستووا في الغرم وان شاء أخذ أحدهما
بالنصف لأنه إذا لقي أحدهما قال له أنا وأنت في غرم الكفالة سواء لأنا جميعا كفيلان عن
الأصيل وعن الثالث أيضا فهات نصف ما أديت لنستوي في الغرم ثم إذا رجع عليه بالنصف
رجعا على الثالث إذا لقياه بثلث المال فيأخذان ذلك نصفين ليستوي هو بهما في عدم الكفالة
ثم يرجعون على الأصيل بالمال كله لأنهم كفلوا عنه بأمره وأدوه ولو كان ثلاثة نفر عليهم
ألف درهم وبعضهم كفيل عن بعض فأدى المال أحدهم فان للمؤدى ان يرجع على كل
واحد من الآخرين بالثلث ان شاء لان كل واحد منهم أصيل في ثلث المال والمؤدى قد كفل
عن كل واحد منهما في ذلك الثلث بأمره وان شاء رجع على أحدهما بالنصف أما الثلث فلانه
كفل عنه وأدى وأما السدس فلان المؤدي مع الذي لقيه كفيلان عن الثالث بما عليه وهو
الثلث فينبغي أن يكون غرم هذه الكفالة عليهما على السواء فيرجع عليه بنصف هذا الثلث
لتتحقق المساواة بينهما في الغرم ثم يرجعان على الثالث إذا لقياه بالثلث فيأخذ ان ذلك بينهما
نصفين وفى الكتاب ذكر عن عبد الله بن الجلاب انه باع قوما غنما على أن يأخذ أيهم شاء بحقه فأبى
شريح رحمه الله ذلك وقال اختر أملأهم فخذه حتى تستوفى منه حقك وإنما أوردنا هذا لنبين
انه يجوز أن يكون المال عليهم ويكون بعضهم كفيلا عن بعض بما على كل واحد منهم لما في هذا
من زيادة التوثق لحق صاحب الحق فان بدون هذه الكفالة لم يكن له ان يطالب كل واحد
منهم الا بما عليه وهو الثلث وبعد هذه الكفالة له أن يطالب أيهم شاء بجميع المال مع بقاء
حقه في المطالبة الأصلية وهو ان يطالب كل واحد منهم بالثلث ولا فرق في هذا الحكم بين
34

ان يشترط ان يأخذ أيهم شاء بحقه كما ذكر في الحديث وبين ان يشترط ان بعضهم كفيل عن
بعض بالمال أو لم يقل بالمال لان ذلك معلوم بدلالة الكلام وإن كان قال مليئهم على معدمهم
أو حيهم على ميتهم فليس هذا بشئ ولا يطالب كل واحد منهم الا بثلث المال لأن هذه
كفالة بالمجهول على المجهول ولا يدرى من يفلس منهم ليكون الملئ كفيلا عنه ولا من يموت
منهم ليكون الحي كفيلا عنه فان حرف على في هذه المسائل بمعنى عن كقوله تعالى إذا اكتالوا
على الناس يستوفون أي عن الناس وكفالة المجهول باطلة وإذا كان لرجل على أربعة نفر ألف
درهم ومائتا درهم وكل اثنين منهم كفيلان عن اثنين بجميع المال فان للطالب أن يأخذ أي
اثنين منهم بجميع المال ان شاء وان يأخذ الواحد منهم بسبعمائة وخمسين درهما أما أخذه اثنين منهم
بجميع المال فظاهر لان الكفالة كانت على هذه الصفة ان كل اثنين كفيلان بجميع المال عن
الآخر فأي اثنين منهم شاء فهما كفيلان بجميع المال وأما إذا أخذ الواحد منهم ففي ربع المال
وهو ثلاثمائة هو أصيل فيطالبه بذلك وفى الباقي وهو تسعمائة هو مع واحد من الآخرين
كفيل لان الشرط في الكفالة كان هكذا وإنما يكون هو مطالبا بالكل إذا التزم الكل بالكفالة
فاما إذا التزم الكل بالكفالة مع آخر لم يكن هو مطالبا الا بالنصف وذلك أربعمائة وخمسون
فإذا ضممت ذلك إلى ثلاثمائة يكون سبعمائة وخمسين فلهذا يأخذ الواحد بهذا المقدار فإذا
أدى أحدهم نصف المال ستمائة ففي هذا النصف هو مؤد عن نفسه فلا يرجع على أحد بشئ
منه وفى النصف الآخر وهو ثلاثمائة هو مؤد عن شركائه بحكم الكفالة عنهم بأمرهم فإن شاء
رجع عليهم جميعا وان لقي أحدهم رجع عليه بمائتي درهم لان ثلث هذه الثلثمائة وهو
مائة أداها عنه فيرجع هو بها عليه بقي مائتا درهم وهو مع هذا الذي لقيه كفيلان عن
الآخرين بهما فيرجع عليه بمائه أخرى ليستويا في غرم الكفالة عن الآخرين فلهذا رجع
عليه بمائتين وان لقيا آخر كان لكل واحد منهما ان يرجع بستة وستين درهما وثلثين اما
ليستووا في غرم المائتين أو لان كل واحد منهما مؤد عنه خمسين فيرجع بذلك عليه بقي مائة
أخرى هما مع هذا الثالث كفيلان بذلك عن الرابع وقد أديا فيرجعان عليه بثلث ذلك وهو
ثلاثة وثلث كل واحد منهما بستة عشر وثلثين فصار حاصل ما يرجع به كل واحد منهما عليه
ستة وستين وثلثين فان لقوا الرابع بعد ذلك رجع كل واحد منهم عليه بثلاثة وثلاثين درهما
وثلث درهم لأنهم أدوا عن الرابع قدر المائة فيرجع كل واحد منهما بثلثها ولو كان أدى
35

النصف ولقى أحدهم فاخذ منه مائتي درهم ثم لقي صاحب المائتين أحد الباقين فإنه يأخذ منه
خمسة وسبعين درهما لأنه يقول له إنما أديت المائة عن نفسي ومائة أخرى عنك وعن الرابع
فإنما أديت نصفها عنك والنصف الآخر الذي أديته عن الرابع أنت معي فيه في الكفالة بذلك
على السواء فأرجع عليك بنصف ذلك أيضا فلهذا يأخذ منه خمسة وسبعين فان لقي الأول
الثالث أيضا أخذه باثنين وستين درهما ونصف لأنه يقول له قد أديت عنك وعن الرابع
مائة فارجع عليك بنصف ذلك وذلك خمسون لأني أديتها عنك وأما الخمسون التي أديتها
عن الرابع فنصف ذلك قد أخذه منك الثاني وهو خمسة وعشرون فرجوعنا بذلك عليه بقي
خمسة وعشرون فارجع عليك بنصف ذلك وهو اثنا عشر ونصف لنستوي في غرم الكفالة
عن الرابع فصار حاصل ما يرجع عليه به اثنين وستين درهما ونصف درهم فان لقيهما الأوسط
رجعا عليه بثمانية وثلث بينهما نصفين ليستووا في الغرم في حق الخمسين التي كفلوا بها عن
الرابع فان لقوا الآخر بعد ذلك أخذوه بمائة درهم لأنهم في الحاصل كفلاء عنه بالمائة
وقد أدوا فيأخذون ذلك منه ويقتسمونه أثلاثا لان حاصل ما غرم كل واحد منهم عنه بعد
هذه المراجعات ثلاثة وثلاثون وثلث ولو كان الذي أدى النصف لقي الذي قبض الخمسة
والسبعين فإنه يأخذ منه نصفها لأنا كنا قد التقينا مرة واستوينا في غرم الكفالة وقد بلغني
انه وصل إليه شئ من الثالث فلا بد من أن يعطيني نصف ذلك لنستوي في الغنم كما استوينا
في الغرم فإذا أخذ منه نصفها ثم لقيا الذي أدى الخمسة والسبعين رجعا عليه بثمانية وخمسين
وثلث بينهما نصفان لأنا قد بينا أنهما لو لقياه معا رجع كل واحد منهما عليه بستة وستين
وثلثين فيكون جملة ما يرجعان به مائة وثلاثة وثلاثين وثلثا والآن قد استوفينا منه مرة
خمسة وسبعين فيرجعان بما بقي إلى تمام مائة وثلاثة وثلاثين وثلث وذلك ثمانية وخمسون
وثلث يأخذان ذلك بينهما نصفين ثم إذا لقوا الرابع اتبعوه بمائة كل واحد منهم بثلاثة وثلاثين
وثلث لما بينا ولو كان لرجل على ثلاثة رهط ألف ومائتا درهم وبعضهم كفلاء عن بعض
ضامنون لها فأدى أحدهم المال رجع على كل واحد من شريكيه بثلث ما أدى لأنه في مقدار
الثلث مؤدى عن نفسه وفى الثلثين هو مؤد عن شريكيه بكفالته عنهما بأمرهما فيرجع بذلك
عليهما فان لقي أحدهما ورجع عليه بالثلث لأدائه ما يحمله عنه وبنصف الثلث الآخر أيضا
لأنهما يستويان في الكفالة عن الثالث بهذا الثلث فيرجع عليه بنصفه ليستويا في غرم الكفالة
36

فان لقي أحدهم الغائب بعد ذلك وأخذ منه شيئا كان لصاحبه إذا لقيه أن يأخذ منه نصف
ذلك بالمعنى الذي قلنا وهو انهما حين التقيا قد استويا في غرم الكفالة عن الثالث فينبغي ان
يستويا في الغنم أيضا والذي أخذه أحدهما من الثالث غنم بسبب تلك الكفالة فيرجع عليه
بنصفه ليستويا في الغنم أو لتبقى المساواة بينهما في الغرم كما هو موجب الكفالة وإذا كان
لرجل على رجل ألف درهم فكفل بها عنه رجل ثم إن آخر كفل بها عن الأصيل أيضا
فهو جائز يأخذ الطالب أيهما شاء بجميع المال لان كل واحد منهما التزم جميع المال بالكفالة
عن الأصيل بعقد على حدة وذلك صحيح فان أصل الدين باق على الأصيل بعد الكفالة الأولى
كما كان قبلها فان أخذ أحد الكفيلين فأداه لم يرجع على الآخر بشئ لأنه ما كفل عنه بشئ
وإنما كفل عن الأصيل بعقد باشره وحده فيكون رجوعه عليه إن كان كفل بأمره ولا
يرجع على الكفيل الآخر بشئ وإن لم يؤد واحد منهما شيئا حتى قال الكفيلان للطالب كل
واحد منا كفيل عن صاحبه ضامن لهذا المال ثم أدى أحدهما المال فله ان يرجع على صاحبه
بالنصف لأنهما بالعقد الثاني جعلا أنفسهما في غرم الكفالة سواء فان كل واحد منهما كفيل
بالمال عن الأصيل وقد كفل عن صاحبه أيضا بأمر صاحبه فإذا ثبتت المساواة بينهما في الكفالة
فينبغي أن يستويا في الغرم أيضا وذلك في أن يرجع على الآخر بنصف ما أدى ثم يرجعان
على الأصيل بجميع المال وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فكفل بها عنه بأمره رجل ثم إن
الطالب أخذ الكفيل بها فأعطاه كفيلا آخر بها ثم أداها الآخر إلى الطالب لم يرجع بها
على الأصيل لأنه ما تحمل بها عن الأصيل ولا أمره الأصيل بهذه الكفالة وثبوت حق الرجوع
للكفيل عند الأداء بسبب الأصيل بالكفالة فإنما يرجع على من أمره به وهو الكفيل الأول
ثم الكفيل الأول يرجع على الأصيل لان أداء كفيله بأمره بمنزلة أدائه بنفسه ولأنه قد
أسقط عن الأصيل مطالبة الطالب بهذا المال بما أداه من مال نفسه إلى الكفيل الآخر فكأنه
أسقط ذلك بأدائه إلى الطالب وإن كان كفل عن الذي عليه الأصل رجلان ولم يقل كل
واحد منهما كفلت عن صاحبي فان الطالب يطالب كل واحد منهما بالنصف لأنهما التزما
المال بعقد واحد فيكون كل واحد منهما ملتزما للنصف كالمشتريين أو المقرين لرجل عليهما
بالمال وأيهما أدى النصف لم يرجع على صاحبه بشئ لأنه ما التزم عن صاحبه شيئا إنما التزم
عن الأصيل فيكون رجوعه عليه إن كان كفل عنه بأمره فإن لم يؤديا شيئا حتى قالا للطالب
37

أينا شئت أخذت بهذا المال أو كل واحد منا كفيل ضامن بها فله أن يأخذ أيهما شاء بجميع
المال لأن هذه الزيادة ألحقتها بالكفالة الأولى وقد صحت منهما فصارت كالمذكور في أصل
الكفالة الأولى أخذ أيهما شاء بجميع المال وان أداه أحدهما رجع على صاحبه بالنصف ليستويا
في غرم الكفالة كما استويا في كفالة كل واحد منهما عن صاحبه فان لقي الطالب أحدهما
فاشترط ذلك عليه مثل ذلك بأمر صاحبه فهو سواء لان كل واحد منهما كفيل عن صاحبه
وعن الأصيل ولا فرق بين أن يكون كفالة كل واحد منهما عن الأصيل ولو كتب ذكر
حق على رجل بألف درهم وفلان وفلان كفيلان بهما وأيهما شاء أخذ بها وأقر المطلوب
والكفيلان بذلك فهو جائز لان اضافتهما الاقرار إلى المكتوب في ذكر الحق بمنزلة تصريحهما
بالمكتوب فان أدى أحد الكفيلين المال رجع على الذي عليه الأصل بجميع المال ان شاء وان
شاء رجع على الكفيل الآخر بنصفه ثم يرجعان على الأصيل بجميع المال لان اقرار كل واحد
منهم بالمكتوب في الصك بمنزلة أمر الأصيل لهما بالكفالة عنه وأمر كل واحد منهما لصاحبه
بالكفالة عنه فثبتت المساواة بينهما في الكفالة بهذا الطريق وإذا كان لرجل على عشرة
رهط ألف درهم وجعل كل أربعة كفلاء عن أربعة بجميع المال فهو جائز لما قلنا وله أن يأخذ
أي أربعة شاء بالمال كله لأنهم هكذا التزموا بالكفالة فان أخذ واحدا منهم رجع بثلاثمائة وخمسة
وعشرين لأنه في المائة أصيل وفى الباقي وهو سبعمائة هو مع ثلاثة نفر كفيل عن الباقين
فحظه ربع ذلك وذلك مائتان وخمسة وعشرون وان أخذ اثنين أحدهما بستمائة لأنهما في المائتين
أصيلان وفى الباقي وهو ثمانمائة هما مع آخرين كفيلان عن الباقين فحظهما النصف وهو
أربعمائة وان أخذ ثلاثمائة منهم أخذهم بثمانمائة وخمسة وعشرين أما مقدار ثلاثمائة بحكم الأصالة
فان كل واحد منهما أصيل في مائة والباقي وهو سبعمائة هم مع آخر كفلاء بذلك عن الباقين
فعليهم ثلاثة أرباع ذلك وهو خمسمائة وخمسة وعشرون فان أخذ واحدا منهم فأدى ربع
الألف فان مائة منها حصته لأنه أصيل فيها والأصيل فيما يؤدى عن نفسه لا يرجع على أحد
وفى مائة وخمسين هو مؤد عن أصحابه حصة كل واحد منهم من ذلك التسع فان لقيهم جميعا
رجع على كل واحد منهم بقدر ذلك من تسعمائة وخمسين ستة عشر وثلثان وان لقي أحدهم رجع
أحدهم بستة عشر وثلثين لأنه أدى عنه هذا القدر ويرجع عليه بنصف ما بقي والباقي مائة
وثلاثة وثلاثون وثلث نصفه ستة وستون وثلثان يرجع عليه بذلك ليسستويا في غرم الكفالة
38

فإنهما مستويان في الكفالة عن الباقين فينبغي أن يستويا في الغرم بسببه أيضا فإذا أدى ذلك
إليه ثم لقي الاخر منهما أحد الباقين أخذه بنصف تسع الخمسين والمائة لأنه مع الأول قد
أديا عنه التسع فنصفه من ذلك نصف التسع فيرجع عليه أيضا بنصف ثلاثة اتساع ونصف
لأنه مع هذا الذي لقيه مستويان في الكفالة فينبغي أن يستويا في الغرم عن السبعة الباقين
وهذا قد أدى عنهم ثلاثة اتساع ونصفا فيرجع عليه بنصف ذلك ليستويا في غرم الكفالة فان
لقي الأول الأوسط بعد ما قبض هذا رجع عليه بنصف ما أخذه كله للمعنى الذي بينا انهما
حين التقيا استويا في غرم الكفالة ثم وصل إلى أحدهما بعد ذلك شئ وأخذ الآخر منه
نصفه ليستويا في الغنم أيضا فان لقيا الآخر بعد ذلك وهو الثالث رجعا عليه بتمام ثلاثة اتساع
وثلث تسع حصته من ذلك التسع لأنهما تحملاه عنه وتسعان وثلث للمساواة في غرم الكفالة
لأنهم مع آخر كفلاء عن الباقين فينبغي أن يستويا في غرم الكفالة (ألا ترى) انهما لو لقيا
الثالث معا كان رجوعهما عليه بتمام ثلاثة اتساع وثلث تسع فكذلك إذا أخذ أحدهما منه
بعض ذلك ثم لقياه رجعا عليه بذلك وإذا كان لرجل على ثلاثة رهط ألف درهم وبعضهم
كفلاء عن بعض بها فأدى أحدهم مائة درهم لم يرجع على صاحبه بشئ لأنه في قدر ثلث المال
أصيل فما يؤديه يكون أصيلا فيه فلا يرجع على أحد بشئ إذا كان المؤدى بقدر الثلث أو دونه
وان قال إنما أديت هذا عن صاحبي أو عن أحدهما لم يكن له ذلك على وجهين أحدهما ان فيما
هو أصيل المال ثابت في ذمته وفيما هو كفيل هو مطالب بما في ذمته غيره من المال والمؤدى
ماله فيكون ايقاعه من المال الذي عليه ليسقط عنه به أصل المال أولى لان هذا الطريق أقصر
فإنه إذا جعل المؤدى من غيره احتاج إلى الرجوع وإذا جعل مؤديا عن نفسه لا يحتاج إلى
الرجوع على أحد ولأنه ان جعل المؤدى عن صاحبيه كان لهما أن يقولا أداؤه بالكفالة بأمرنا
بمنزلة أدائنا ولو أدينا كان لنا أن نجعل المؤدى عنك فلا يزال يدور هكذا فلهذا جعلناه إلى تمام
الثلث مؤديا عن نفسه وهذا بخلاف ما إذا كاتب عبيدا له على ألف درهم على أن كل واحد
منهم كفيل ضامن عن الآخرين ثم أدى أحدهم شيئا لا يكون المؤدى عن نفسه خاصة
بل يكون عنهم جميعا لان هناك لو جعلنا المؤدى عن المؤدى خاصة لكان يعتق إذا أدى مقدار
نصيبه ببراءة ذمته عما عليه من البدل والمولى ما رضى بعتق واحد منهم الا بعد وصول جميع
المال إليه ففي جعله عن نفسه يعتبر شرط مذكور في العقد نصا وذلك لا يجوز فلهذا جعلنا
39

المؤدى من نصيبهم ولا يوجد مثل ذلك هنا وهذا أيضا بخلاف ما إذا كان المال على واحد
فكفل به ثلاثة على أن بعضهم كفلاء عن بعض ثم أدى أحدهم شيئا كان له ان يرجع على
صاحبيه بثلثي؟ ما أدى وان شاء رجع على أحدهما بنصف ما أدى لان هناك أصل المال على
غيرهم وهم يلتزمون له بالكفالة فكان حالهم في ذلك على السواء ولو رجع على شريكيه بثلثي
ما أدى لم يؤد ذلك إلى الدور لأنهما لا يرجعان في ذلك عليه بشئ من ذلك بخلاف ما نحن فيه
على ما قدرنا فان أدى زيادة على الثلث كانت الزيادة على صاحبيه نصفين لأنه في الزيادة على الثلث
مؤد بحكم الكفالة وهو كفيل عنهما ولو رجع بذلك عليهما لم يكن لهما ان يرجعا عليه بشئ لفراغ
ذمته عما عليه بأدائه وان أراد أن يجعل الزيادة عن أحدهما دون صاحبه لم يكن له ذلك لان
المال واحد وهو دين في الذمة لا يتحقق فيه لتمييز فتلغو نيته عن أحدهما فان لقي أحدهما
أخذه بنصيبه من الزيادة وهو النصف لأنه أدى عنه ذلك وبنصف ما أدى عن الآخر أيضا
لأنه مع هذا الذي لقيه كفيل عن الآخر بما عليه فينبغي ان يستويا في غرم الكفالة وذلك
في أن يرجع عليه بنصف ما أدى عن الآخر وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فكفل
بها عنه رجلان على أن يأخذ الطالب أيهما شاء فأدى أحدهما مائة فقال هذه من حصة صاحبي
الكفيل معي لم يكن على ما قال ولكنها من جميع المال يرجع على صاحبه بنصفها لان بهذا اللفظ
يصير كل واحد منهما مطالبا بجميع المال ويصير كل واحد منهما ضامنا للأصيل عن صاحبه
فإذا جعل المؤدى ما أدى عن صاحبه كان لصاحبه ان يجعل ذلك عنه فيؤدى إلى الدور ولكن
الوجه فيه أنهما لما استويا في الغرم وذلك في أن يرجع على صاحبه بنصفها وان شاء على الأصيل
بجميعها وإذا كان لرجل على رجلين ألف درهم وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فلزم أحدهما
فأعطاه بها كفيلا ثم أداها الكفيل فله أن يرجع بها على الذي أمره بالكفالة خاصة لان الذي
أمره بالكفالة مستقرض لذمته ابتداء بالتزام المطالبة فيها ولما له بأداء ما التزم وثبوت حق
الرجوع للمقرض على المستقرض لا على غيره والغريم الذي لم يأمره بالكفالة لم يستقرض منه
شيئا ففي حقه يجعل كأنه لم يأمره أحد بالكفالة فلهذا لا يرجع المؤدى عليه ولكن إذا
رجع على الذي أمره بالكفالة فاخذها منه كان للامر ان يرجع على صاحبه بالنصف لأنه
صار مؤديا المال بطريق الاستقراض الذي قلنا وقد تم ذلك بأدائه ما استقرض وهو في النصف
كان كفيلا بأمره فيرجع عليه بعد الأداء كما لو كان أدى بنفسه إلى الطالب وان كانا طلبا إليه
40

أن يكفل بها عنهما ففعل ولم يشترط عليه ان بعضهم كفلاء عن بعض فأداها الكفيل عنهما
رجع على كل واحد منهما بالنصف لأنه لما التزم بالكفالة المال عنهما جملة كان كفيلا عن كل
واحد منهما بنصف المال كما هو قصد مطلق الإضافة إلى اثنين وعند الأداء إنما يرجع كل
واحد منهما بما كفل عنه ولان كل واحد منهما في النصف أصيل وكفالته عنه إنما تكون
فيما هو أصيل فيه ولو كان في الشرط حين كفلوا بعضهم كفلاء عن بعض فأدى الآخر
الألف فإن شاء رجع على كل واحد منهما بنصف ما أدى إذا لقياهما وان شاء رجع على
أحدهما إذا لقيه بثلاثة أرباع ما أدى أما النصف فلانه كفل به عن هذا الذي لقيه وأداه
فيرجع به عليه وأما النصف الآخر فلان المؤدي مع الذي لقيه كفيلان به عن الآخر إذ
هو موجب الشرط المذكور في قوله على أن بعضهم كفلاء عن البعض فينبغي أن يستويا في
الغرم بسبب هذه الكفالة وذلك في أن يرجع بنصف ذلك ثم إذا لقيا الثالث رجعا عليه
بنصف المال لأنهما أديا ذلك عنه بكفالة تلزمه فيكون ذلك بينهما نصفين وإذا كان لرجل
على رجل ألف درهم وكل واحد منهما ضامن عن صاحبه بها فأخذ الطالب أحدهما فأعطاه
كفيلا بالمال كله ثم أخذ الآخر فأعطاه ذلك الكفيل بالمال ثم أدى الكفيل المال فله أن
يرجع على أيهما شاء بالألف كلها لان كل واحد منهما كان مطلوبا بجميع المال والكفيل
كفيل عن كل واحد منهما بجميع المال بعقد على حدة فعند الأداء كان حق البيان إليه يجعل
أداؤه عن أيهما شاء فيرجع عليه بالكل وهو نظير ما لو كان لرجل على رجل ألف درهم في صك وبه
رهن وألف في صك آخر وبه رهن آخر فأدى ألف درهم كان له أن يجعل ذلك عن أي
الصكين شاء فيسترد ذلك الرهن فكذلك إذا أدى الكفيل هنا (ألا ترى) أنه بعد كفالته عنه
لو أدى كان له أن يرجع بالكل عليه فلا يتغير ذلك الحكم بالكفالة عن الثاني ولكن يثبت
في حق الثاني ما هو ثابت في حق الأول لاستوائهما في المعنى فإن لم يؤد شيئا حتى لزمهم
الطالب فجعل بعضهم كفلاء عن بعض ثم أداها الكفيل ثم أخذ أحدهما رجع عليه بثلاثة أرباع
المال لأن هذه الكفالة الأخيرة تنقض ما كان قبلها لان التي كانت قبلها في عقدين مختلفين
والكفيل كفيل عن كل واحد منهما بالكل وهذا الثاني عقد واحد وكل واحد منهم فيه
كفيل مع صاحبه عن الآخر فاقدامهم على العقد الثاني يكون نقضا منهم لما كان قبله وتمام
ذلك العقد كان بهم واليهم نقضه أيضا بمنزلة ما لو باعه شيئا بألف درهم ثم جدد بيعا بألفين
41

ينتقض البيع الأول بالبيع الثاني فإذا ثبت هذا صارت هذه المسألة بحالها والمسألة الأولى
سواء لان الكفيل الآخر يرجع على أحدهما بنصف ما أدى لكفالته عنه وبنصف النصف الآخر
لأنهما مستويان في الكفالة عن الثالث بهذا النصف وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فكفل
بها عنه رجلان على أن بعضهم كفيل عن بعض ثم إن الطالب لزم أحد الكفيلين فأعطاه كفيلا
بالمال ثم لزم الآخر فأعطاه هذا أيضا كفيلا بالمال ثم أدى الكفيل الآخر فإنه يرجع به على
أيهما شاء لان الكفالة عن الكفيلين بمنزلة الكفالة عن الأصيلين وهنا كل واحد من الكفيلين
مطالب بجميع المال وقد بينا ان هناك لتفرق العقد في كفالته عنهما له أن يرجع على أيهما
شاء بجميع المال فهذا مثله وليس له أن يرجع على الأصيل بشئ لأنه ما أمره بالكفالة عنه
ولا يقال أصل المال على الأصيل حتى لو برئ هو برئ الكفيل الآخر وهذا لان
الرجوع عليه عند الأداء ليس باعتبار أن أصل المال عليه بل بأمره إياه بالكفالة فإذا لم يأمره
بالكفالة لم يكن له حق الرجوع عليه بشئ ولو لم يؤد شيئا حتى أخذ الطالب الكفلاء فجعل
بعضهم كفيلا عن بعض ثم أدى الآخر المال كان له أن يرجع على أحد الكفيلين بثلاثة
أرباع المال لما بينا أن هذه الكفالة تنقض الكفالة الأولى فيكون الحكم لهذه فان قيل هذه
الكفالة ينبغي لأحدهما أن يكون رجوعه على الآخر بنصف ما أدى لان واحدا من الثلاثة
ليس بأصيل بالمال فيكون بمنزلة ما لو كفل ثلاثة نفر عن الأصيل على أن بعضهم كفلاء عن
بعض قلنا هذا ان لو صار الآخر كفيلا عن الأصيل مع الأولين بمنزلة ما لو كفلوا عنه
في الابتداء ولم يصر كذلك هنا بل بقي كفيلا عن الأولين وإنما انتقض حكم الكفالة الأولى
فيما بينهما وبين الكفيل الآخر لأنه قبل هذا كان كفيلا عن واحد منهما بجميع المال وحده
والآن صار كفيلا عن كل واحد منهما بالنصف وهو مع صاحبه في الكفالة عن الآخر
بالنصف سواء فلهذا كان رجوعه عليه بثلاثة أرباع ما أدى ولو لم يؤد حتى لقي الكفلاء
الثلاثة والذي عليه الأصل فجعل بعضهم كفلاء عن بعض بالمال ثم أدى الكفيل الآخر المال
فإنه يرجع على صاحبه بالثلثين وان لقي أحدهما رجع عليه بالنصف لان بهذه الكفالة انتقض
ما كان قبلها في حق الكل وقد صار الكفيل الأول والآخر كفيلين عن الأصيل بهذه الكفالة
كالأولين فكان هذا بمنزلة ما لو كفل عنه ثلاثة في الابتداء على أن بعضهم كفلاء عن بعض
فهناك إذا أدى أحدهم رجع على صاحبيه بثلثي ما أدى وان لقي أحدهما رجع عليه بنصف
42

ما أدى فكذلك هنا وكذلك لو أدى المال أحد الكفيلين الأولين رجع على كل واحد منهما
بالثلث وعلى أحدهما ان لقيه بالنصف لان الأولين والآخر في هذه الكفالة التي هي ثابتة
بينهم الآن سواء وإنما كان الاختلاف بينهم في الكفالة المتقدمة وتلك قد انتقضت وإذا كان
لرجل على رجل ألف درهم فكفل بها عنه ثلاثة رهط وبعضهم كفلاء عن بعض بجميع الألف
فأدى أحد الكفلاء المال ثم لقي أحدهم فأخذ منه نصف ما أدى ثم إن الأول لقي الذي لم يؤد
شيئا وأخذ منه خمسين ومائتين فإنهما يؤديان إلى الأوسط مائة وستة وستين وثلثين لأنهم في
غرم الكفالة سواء فينبغي أن يكون الغرم على كل واحد منهم بقدر ثلث الألف والأوسط
قد غرم خمسمائة فيرد عليه مائة وستة وستين وثلثين حتى يبقى عليه غرم ثلث الألف ولم يتبين
كيفية أدائهما هذا المقدار وهو الألف وإنما يؤديان نصفين كل واحد منهما ثلاثة وثمانين وثلثا
لان الآخر قد غرم مائتين وخمسين للأول فيدفع إلى الأوسط ثلاثة وثمانين وثلثا حتى يكون
الغرم عليه بقدر ثلث الألف والأول قد أوصل إليه سبعمائة وخمسين فيدفع إلى الأوسط ثلاثة
وثمانين وثلثا حتى يبقى العائد إليه ثلثا ما أدى ويكون الغرم عليه بقدر ثلث الألف فإذا فعلوا
ذلك رجعوا جميعا على الأصيل بالألف بينهم أثلاثا وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم
فكفل بها رجل ثم إن الكفيل طلب الرجل فضمنها عنه للطالب ثم إن الطالب أخذهم
جميعا حتى جعل بعضهم كفلاء عن بعض ثم إن الكفيل الأول أدى المال فإنه يرجع على الكفيل
الآخر بنصف المال لان الكفالة الأخيرة نقضت الكفالة الأولى فان موجب الكفالة الأولى
الأخير كفيل عن الكفيل الأول دون الأصيل وهو في الكفالة الثانية يصير كفيلا عن
الأصيل وعن الكفيل الأول وكذلك موجب الكفالة الأولى ان الكفيل الأول لا يكون
كفيلا عن الآخر وفى هذه الكفالة الأخيرة الكفيل الأول يصير كفيلا عن الأخير وإذا
انتقضت الكفالة الأولى كان الحكم للأخيرة وهما فيها مستويان في الكفالة عن الأصيل فيرجع
المؤدى على صاحبه بنصف ما أدى ليستويا في الغرم بسبب الكفالة ولو كان لرجل على رجلين
ألف درهم وكل واحد منهما ضامن بذلك ثم أعطاه أحدهما كفيلا بالمال ثم أخذ الاخر فأعطاه
أيضا ذلك الكفيل كفيلا بالمال ثم أدى الكفيل الألف رجع بها على أيهما شاء لأنه كفل
كل واحد منهما بجميع المال بعقد على حدة وإن لم يؤد شيئا حتى أخذهم الطالب فجعل
بعضهم كفلاء عن بعض بالمال ثم إن الكفيل أدى الألف فإنه يرجع على أيهما شاء بثلاثة
43

أرباع الألف لأن هذه الكفالة الأخيرة تنقض الكفالة الأولى وفى هذه الكفالة الأخيرة
الكفيل يصير متحملا عن كل واحد منهما نصف المال ويكون هو مع الآخر في الكفالة
عن الثالث بنصف المال سواء فلهذا رجع عند الأداء على أحدهما بثلاثة أرباع الألف فان لقي
الآخر بعد ذلك فأخذ منه مائتين وخمسين كان للذي أدى الثلاثة الأرباع ان يرجع عليه
بنصف ما أخذ من هذا الآخر لأنهما قد كانا استويا في غرم الكفالة مع الآخر فينبغي ان
يستويا في الغنم وهو المأخوذ من الباقي وإنما تتحقق المساواة في أن يؤدي إليه نصف ذلك ولو
لم يؤد الكفيل شيئا ولكن أدى أحد الأولين المال فله ان يرجع على الكفيل بمائتين وخمسين
لأنه في نصف المال أصيل مؤد عن نفسه فلا يرجع به على أحد وفى النصف الآخر هو مع
الكفيل في الكفالة عن الثالث فيرجع عليه بنصف ذلك ليستويا في غرم الكفالة فان لقي الأول
صاحبه الذي كان معه في الألف فأخذ منه مائتين وخمسين أخرى رد على الكفيل نصفها ليستويا
في الغنم ثم يتبع هو الكفيل الآخر الأول بمائتين وخمسين أخرى ويقتسمان ذلك نصفين
وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فكفل بها عنه رجلان أحدهما مكاتب أو عبد فإنه
يجوز على الحر وحده النصف لأنهما لما كفلا جميعا عنه بالمال فقد صار كل واحد منهما كفيلا
بالنصف وكفالة المكاتب والعبد غير صحيحة في حال الرق كما لو تفرد بها فتبقي كفالته في
نصيبه وهو النصف ولا يقال لما لم تتحقق المزاحمة فينبغي ان يجعل الحر كفيلا بجميع المال
لأنا نقول المزاحمة في أصل الكفالة متحققة فان كفالة العبد والمكاتب صحيحة في حق أنفسهما
حتى يطالبان بذلك بعد العتق وإنما لا يصح في حق المولى فلهذا كان على الحر نصف المال
وعلى العبد والمكاتب النصف بعد العتق ولو كان اشترط أن كل واحد منهما كفيل ضامن
عن صاحبه فعتق العبد وأدى المال كله كان له ان يرجع على الحر بالنصف ثم يتبعان الذي
عليه الأصل فما أدى إلى واحد منهما شركه فيه الآخر لان العبد حين عتق فقد سقط حق
المولى والمانع من كفالته قيام حق المولى في ماليته فإذا سقط ذلك كان هذا بمنزلة الكفالة من
حرين عن ثالث بهذه الصفة ولو أن ثلاثة نفر كفلوا عن رجل بألف درهم وبعشرة أكرار
حنطة ومائة دينار وبعضهم كفلاء ضامنون في ذلك فلقى الطالب أحد الكفلاء فأخذ منه خمسمائة
درهم ثم لقي آخر فأخذ منه خمسة أكرار حنطة ثم غاب الطالب والمطلوب ولقى الكفيلان
المؤديان الكفيل الثالث وأرادا أخذه بما أديا وأراد كل واحد منهما أخذ صاحبه فالذي أدى
44

خمسمائة يرجع على صاحبيه بثلثيها لأنهم في الكفالة بالألف مستوون فينبغي ان يستووا في
الغرم بسببها وذلك في أن يرجع بثلثي ما أدى عن صاحبيه على كل واحد منهما بمائة وستة
وستين وثلثين وللذي أدى الطعام ان يرجع على صاحبيه بثلثي الطعام لهذا المعنى أيضا ولا
يصير البعض قصاصا لان الجنس مختلف والمقاصة بين الدينين عند اتحاد جنسهما وصفتهما لا
عند الاختلاف ولو التقى هذان المؤديان ولم يلقيا الثالث فلكل واحد منهما ان يرجع على
صاحبه بنصف ما أدى ليستويا في الغرم بسبب الكفالة وكذلك لو التقوا جميعا كان لكل واحد
منهما أن يأخذ صاحبه بنصف ما أدى ليستويا في الغرم ثم يتبعان جميعا الذي لم يؤد شيئا بثلث
ما أداه كل واحد منهما فان لقيه أحدهما كان له أن يأخذه بنصف الغرم الذي حصل عليه يوم
يلقاه ليستويا في الغرم بسبب الكفالة فان لقي الثالث أحد هذين رجع عليه بنصف الفضل
بثلث ما أدى كل واحد منهما فيرجع أكثرهما أداء على أقلهما أداء بنصف الفضل للحرف
الذي قلنا وعليه يدور تخريج هذه المسائل في أنهما لما استويا في الكفالة ينبغي أن يستويا في
الغرم بسببها وإذا كفل رجل لرجل عن رجل بمال عليه فأداه الكفيل ثم لقي المكفول عنه
فجحد أن يكون أمره بالكفالة أو أن يكون لفلان الطالب عليه شئ فأقام الكفيل البينة ان
لفلان على فلان ألف درهم وان فلانا هذا قد أمره فضمنها لفلان وانه قد أداها لفلان إلى
فلان فان القاضي يقبل ذلك منه ويقضى بالمال على المكفول عنه لأنه يدعى لنفسه عليه مالا
بسبب وهو لا يتوصل إلى اتيان ذلك الا باثبات سبب بينه وبين الغائب وهو أداء المال
إليه فينصب الحاضر خصما عن الغائب كمن ادعى عينا في يد انسان انها له اشتراها مع فلان
الغائب وأقام البينة على ذلك فان القاضي يقضى ببينته على ذلك بهذا الطريق حتى إذا حضر
الغائب فجحد أن يكون باعه لم يكلف المدعى إعادة البينة عليه فكذلك هنا إذا حضر المكفول
له وجحد أن يكون قبض شيئا من الكفيل لم يكلف الكفيل إعادة البينة وكان الحكم عليه
بوصول حقه إليه ماضيا وهذا لان الأسباب مطلوبة لاحكامها فمن يكون خصما في اثبات
الحكم عليه يكون خصما في اثبات سبب الحكم عليه أيضا ورجوع الكفيل على الأصيل
لا يكون الا بأمره إياه بكفالة وأدائه إلى الطالب بعد الكفالة فما يكون المكفول عنه
خصما لكفيل في اثبات الامر عليه يكون خصما في اثبات الأداء إلى الطالب عليه والقضاء
بالبينة على الحاضر يكون نافذا عليه وعلى الغائب جميعا وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما
45

الله أن لرجل إذا غاب امرأته فأتاها رجل وأخبرها ان زوجها قد أبانها ووكله ان يزوجها
منه ويضمن المهر ففعلت ذلك ثم رجع الزوج وأنكر أن يكون طلقها وأن يكون أمر هذا
الرجل بشئ فالقول قوله وليس للمرأة على الكفيل شئ في قول أبى يوسف رحمه الله لان
الطلاق لما لم يثبت كان العقد الثاني باطلا والكفالة المثبتة عليه كذلك بمنزلة أحد الوارثين
وإذا أقر لمعروف نسب انه أخوه لم يشاركه في الميراث وعلى قول زفر رحمه الله ترجع هي
على الكفيل بالمال لان الكفيل مقر بصحة العقد الثاني ووجوب المال عليه بسبب الكفالة
واقراره حجة في حقه فلو أقام الكفيل البينة على الزوج بما أدى من الطلاق وتوكيله إياه
بالعقد الثاني والكفالة قبلت بينته بذلك وكان لها ان ترجع بالمال على الكفيل ثم يرجع الكفيل
على الزوج وإن شاءت رجعت على الزوج للمعنى الذي قلنا إن الكفيل لا يتمكن من الرجوع
على الزوج الا باثبات هذه الأشياء عليه فصار خصما في ذلك كله والله أعلم وأحكم
(باب الكفالة على أن المكفول عنه برئ)
(قال رحمه الله) وإذا كان لرجل على رجل مال فضمنه له على ابراء الذي عليه الأصل
فهو جائز والكفيل ضامن للمال ولا يأخذ الطالب المكفول عنه بشئ لأنهما أتيا بمعنى الحوالة
وإن لم يصرحا بلفظها ولا لفاظ قوالب المعاني والمقصود هو المعنى دون اللفظ كان العقد الذي
جرى بينهما حوالة لتصريحهما بموجب الحوالة كمن يقول لغيره ملكتك هذا الشئ بألف
درهم فيكون بيعا وإن لم يصرح بلفظ البيع والكفالة والحوالة يتقاربان من حيث إن كل
واحد منهما إقراض للذمة والتزام على قصد التوثق فكما أنه لو شرط في الحوالة ان يطالب
بالمال أيهما شاء كانت الكفالة فإذا شرط في الكفالة أن يكون الأصيل بريئا كانت الحوالة وقوله
ضمنت والى وعلى بمنزلة قوله كفلت إذا شرط براءة الأصيل في ذلك كله كانت حوالة
بناء على أصلنا أن الحوالة توجب براءة المحيل وقد بينا هذه المسألة ولو ثوى المال على المحتال عليه
عاد حق الطالب إلى المحيل وللثوى أسباب فمن ذلك أن يجحد المحتال عليه ويحلف على ذلك
وليس للطالب بينة لأنه يتعذر على الطالب الوصول إلى حقه من جهة المحتال عليه على التأبيد
وهذا أبلغ أسباب الثوى كالدرة الواقعة في البحر والعبد الآبق ونحو ذلك ومن ذلك أن يموت
المحتال عليه مفلسا فيتحقق به الثوى عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله لا يعود المال إلى ذمة
46

المحيل وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يقول بان الحوالة تبرئ المحيل براءة مطلقة
فلا يعود المال إليه بحال كما لو برئ بالابراء (وبيان الوصف) انه لا يطالب بالمال ولا بشئ
يشبهه وهذا موجب البراءة المطلقة وتقريره من وجهين (أحدهما) ان الحوالة ليست بمعاوضة
لان معاوضة الذمة بالذمة والدين بالدين باطلة فإذا لم يكن ما وجب في ذمة المحتال عليه عوضا
عما في ذمة المحيل لم يكن تعذر الوصول إليه مبنيا على حق الرجوع له على المحيل بل بالحوالة
يصير كالقابض من المحيل والمقرض من المحتال عليه لأنه لا يتحقق اسقاط المال على المحيل وايجابه
على المحتال عليه معاوضة الا بهذا الطريق أو يجعل ما في ذمة المحتال عليه كأنه عين ما كان في
ذمة المحيل تحول من ذلك المحل إلى هذا المحل حكما هو قضية لفظة الحوالة وفوات الشئ
من المحل الذي تحول إليه لا يكون سببا لعوده إلى المحل الأول بل فواته عن المحل الذي
تحول إليه كفواته في المحل الأول وذلك يكون على الطالب لا غير وعند الحوالة المحتال له
بالخيار بين ان يقبل فيثبت حقه في ذمة المحتال عليه وبين ان يأتي فيكون حقه في ذمة المحيل
والمخير بين الشيئين إذا اختار أحدهما يتعين ذلك عليه وهو لا يعود إلى المحل الأول بعد ذلك
قط كالغاصب الأول مع الثاني إذا اختار المغصوب منه تضمين أحدهما ثم ثوى عليه لم يرجع
على الآخر بشئ والمولى إذا عتق عبده المديون واختار الغرماء استسعاء العبد ثم ثوى ذلك
عليه لم يرجعوا على المولي بشئ من الضمان * وحجتنا في ذلك حديث عثمان رضي الله عنه
موقوفا عليه ومرفوعا في المحتال عليه يموت مفلسا قال يعود الدين إلى ذمة المحيل لا ثوى على مال
امرئ مسلم والمعنى فيه أن هذه براءة بالنقل فإذا لم يسلم له حقه من المحيل الذي انتقل إليه
يعود حقه إلى المحل الذي انتقل حقه عنه كما لو اشترى بالدين شيئا أو صالح من الدين على
عين (وبيان الوصف) ان حق الطالب كان في ذمة المحيل فنقله إلى ذمة المحتال عليه بالحق الذي
له كما له أن ينقله إلى العين بالشراء ثم هناك إذا هلكت العين قبل القبض عاد حقه في الدين
كما كان فكذلك هنا وكما أن ذلك السبب محتمل الفسخ فهذا السبب محتمل للفسخ حتى لو
تراضيا على فسخ الحوالة انفسخت (وتقريره) ان ما في ذمة المحتال عليه ليس بعوض كما كان
في ذمة المحيل كما قاله الخصم ولا هو واجب بطريق الاقراض كما زعم هو لان القبض يكون
بالمال لا بالذمة والحوالة التزام في الذمة فلا يمكن ان يجعل به قابضا ولأنه يثبت في ذمة المحتال
عليه على الوجه الذي كان في ذمة المحيل حتى لو كان بدل صرف أو سلم لا يجوز الاستبدال
47

به مع المحتال عليه كما لا يجوز مع المحيل ويبطل عقد الصرف والسلم بافتراق المتعاقدين قبل
القبض من المحتال عليه ولو صار بالحوالة قابضا ثم مقرضا لا تثبت فيه هذه الأحكام ولا
يمكن أن يجعل كأن عين ذلك المال تحولت من ذمة إلى ذمة لان الشئ إنما يقدر حكما إذا تصور
حقيقة وليس في الذمة شئ يحتمل التحول فلم يبق الطريق فيه الا جعل الذمة الثانية خلفا
عن الذمة الأولى في ثبوت الحق فيها كما في حوالة الفراش المكان الثاني يكون خلفا عن
المكان الأول ويكون الثابت في المكان الثاني عين ما كان في المكان الأول فإذا كان الطريق
هذا فنقول إنما رضى الطالب بهذه الخلافة على قصد التوثق لحقه فيكون رضاه بشرط أن
يسلم له في ماله في الذمة الثانية فإذا لم يسلم فقد انعدم رضاه فيعود المال إلى المحل الأول كما كان
بمنزلة ما لو اشترى به عينا الا ان هناك المحل الذي هو خلف في يد الغريم فكان مطالبا بتسليمه
وهنا المحل الذي هو حق ليس في يد الغريم فلم يكن هو مطالبا بشئ ولكنه ليس في يد
الطالب أيضا فلم يصر قابضا لحقه ولا يدخل في ضمانه فلا يكون الثواء عليه وبه فارق الغاصب
الأول مع الثاني والمولى مع العبد فان احدى الذمتين هناك ليست بخلف عن الأخرى
ولكن صاحب الحق كان مخيرا ابتداء والمخير بين الشيئين إذا اختار أحدهما تعين ذلك عليه
وعلى هذا الأصل قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إذا فلسه الحاكم عاد الدين إلى ذمة المحيل
لان رضاه بالخلافة كان بشرط السلامة فإذا لم يسلم عاد الحق إلى المحل الأول ولا معتبر ببقاء
المحل الثاني حقيقة كالعبد المشترى بالدين إذا أبق واختار الطالب فسخ العقد عاد حقه كما كان
* توضيحه أن الذمة تتعيب بالافلاس أما عندهما حكما فمن حيث إن التفليس والحجر يتحقق
من حيث العادة وهذا ظاهر فان الناس يعدون الذمة المفلسة معيبة حتى يعدون الحق فيها
ثاويا وكما أن فوات المحل موجب انفساخ السبب فتعيبه مثبت حق الفسخ كما إذا تعيب المشترى
بالدين قبل القبض والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم من أحيل علي ملئ فليتبع فقد قيد
الامر بالاتباع بشرط ملاء المحتال عليه فلا يكون مأمورا بالاتباع بدون هذا الشرط وأبو
حنيفة رحمه الله يقول الافلاس لا يتحقق لان المال غاد ورائح فقد يصبح الرجل فقيرا ويمسى
غنيا ثم عود المال إلى المحيل الثوى لا يتعذر به الاستيفاء (ألا ترى) انه لو تعذر استيفاؤه من
المحتال عليه لعيبه لم يرجع على المحيل بشئ ولا تصور للثوى في الدين حقيقة وإنما يكون ذلك
حكما بخروج محله من أن يكون صالحا للالتزام وبعد الافلاس الذمة في صلاحيتها للالتزام
48

كما كانت من قبل فلا يتحقق التوى ولا العيب بهذا السبب بخلاف ما لو كان بعد الموت مفلسا لان
الذمة خرجت من أن تكون محلا صالحا للالتزام فيثبت التوى بهذا الطريق حكما وأما ذات
المحتال عليه فقال الطالب لم يترك شيئا وقال المطلوب قد ترك وفاء فالقول قول الطالب مع
يمينه على علمه لأنه متمسك بالأصل وهو العسرة ولأنه بالحوالة لم يدخل في ملك المحتال عليه
ولو كان وهو حي يزعم أنه مفلس فالقول قوله فكذلك بعد موته إذا زعم الطالب انه مفلس
فالقول قوله مع يمينه على علمه * توضيحه ان ذمته بالموت خرجت من أن تكون محلا صالحا
للالتزام وبه يتحقق التوى إلا أن يكون هناك مال يخلف الذمة في ثبوت حق الطالب
فيه فالمطلوب يدعى هذا الخلف والطالب منكر لذلك فجعلنا القول قوله لهذا ولو كفل بالمال
من غير شرط البراءة ثم إن الطالب أبرأ الذي عليه الأصل من المال بعد الكفالة برئا جميعا
لان ابراء الكفيل اسقاط لأصل الدين وذلك موجب لبراءة الكفيل ضرورة فكما أن الكفالة
لا تصح الا باعتبار مال واجب في ذمة الأصيل فكذلك لا تبقى بعد سقوط المال عن ذمة
الأصيل بالابراء وهذا بخلاف ما لو كانت الكفالة بشرط الأصل لان ذلك صار عبارة عن
الحوالة واللفظ إذا جعل عبارة عن غيره مجازا سقط اعتبار حقيقته في نفسه * توضيح الفرق ان
الكفالة بشرط براءة الأصيل لا تكون اسقاطا لان أصل الدين يكون تحويلا إلى ذمة الكفيل
بالطريق الذي قلنا فأما ابراء الأصيل بعد الكفالة فيكون اسقاطا لأصل الدين والمطالبة تنبنى
على وجوب أصل الدين فكما لا يبقى على الأصيل مطالبة بعد الاسقاط فكذلك على الكفيل
والدليل على الفرق ما أشار إليه وهو ان الصبي التاجر إذا كان له على رجل مال فضمنه له
آخر على أن أبرأ الأول أو كان عليه مال لرجل فضمنه لآخر بأمر صاحبه على أن أبرأ
المكفول له فهو جائز ولو كان هذا اسقاطا لأصل الحق عن الأصيل ما ملك الصبي التاجر فيما
له على غيره كابراء الأصيل بعد الكفالة ولو كان هذا من المحتال عليه التزاما للمال في ذمته
ابتداء ما ملكه الصبي التاجر فيما عليه وبهذا الفصل يتبين الفرق وكذلك في الصرف ورأس
مال السلم الحوالة تصح والكفالة بشرط براءة الأصيل تصح ولا يبطل به عقد السلم بخلاف
ما إذا أبرأ الأصيل بعد الكفالة فقبله الأصيل حيث يبطل به عقد السلم ولو قال لرجل آخر
ما أقر لك به فلان من شئ فهو علي فقامت عليه بينة انه أقر بعد الكفالة بألف درهم لزم
الكفيل الألف لان الثابت من اقراره بالبينة كالثابت بالمعاينة وان شهدوا انه أقر بذلك قبل
49

الكفالة لم يلزم الكفيل شئ لان هذا اللفظ وإن كان في صورة الماضي فالمراد به المستقبل
عادة فلا يصير به ملتزما لما سبق الاقرار به على العقد وإنما يكون ملتزما لما يقر به بعد العقد
بمنزلة قوله ما يقر لك كما أن قوله ما ذاب لك في معنى ما يذوب فهذا قياسه والله أعلم
(باب ضمان ما يبايع به الرجل)
(قال رحمه الله) وإذا قال الرجل لرجل بايع فلانا فما بايعته به من شئ فهو على فهو جائز
على ما قال لأنه أضاف الكفالة إلى سبب وجوب المال على الأصيل وقد بينا ان ذلك صحيح
والجهالة في المكفول به لا تمنع صحة الكفالة لكونها مبنية على التوسع ولان جهالة عينها لا تبطل
شيئا من العقود وإنما الجهالة المفضية إلى المنازعة هي التي تؤثر في العقود وهذه الجهالة لا تفضى
إلى المنازعة لان توجه المطالبة على الكفيل بعد المبايعة وعند ذلك ما بايعه به معلوم ويستوى
أن وقت لذلك وقتا أو لم يوقت إلا أن في الموقت يراعي وجود المبايعة في ذلك الوقت حتى
إذا قال ما بايعته به اليوم فباعه غدا لا يجب على الكفيل شئ من ذلك لان هذا التقييد مفيد
في حق الكفيل ولكن إذا كرر مبايعته في اليوم فذلك كله على الكفيل لان حرف ما يوجب
العموم وإذا لم يوقت فذلك على جميع العمر وإذا بايعته مرة بعد مرة فذلك كله على الكفيل
ولا يخرج نفسه من الكفالة لوجود الحرف الموجب للتعميم في كلامه ويستوى ان بايعه بالنقود
أو بغير النقود لأنه قال ما بايعته به من شئ وهو يجمع كل ذلك فان قال الطالب بعته شيئا
بألف درهم وقبضه منى فأقر به المطلوب وجحد الكفيل ففي القياس لا يؤخذ الكفيل بشئ
حتى تقوم البينة على أنه بايعه بعد الكفالة وقد روى أسد بن عمرو عن أبي حنيفة رحمه الله
انه أخذ بالقياس ووجه ذلك أن وجوب المال على الكفيل ناشئ عن مبايعته بعد الكفالة وذلك
لا يظهر في حقه باقرار المطلوب لان قوله حجة عليه لا على الكفيل ولو أنكرا جميعا يعنى
المطلوب والكفيل لم يكن على كل واحد منهما شئ فإذا أقر به المطلوب لزمه دون الكفيل
لان الثبوت بحسب الحجة فإذا قامت البينة ثبت في حقهما لان البينة حجة عليهما ولكن
استحسن فقال الكفيل ضامن للمال لان المطلوب مع الطالب تصادقا على المبايعة في حال يملكان
انشاءها فإنهما لو أنشأ المبايعة لزم ذلك الكفيل ومن أقر بما لا يملك انشاءه يكون مقبول
الاقرار في حق الغير لانتفاء التهمة بمنزلة التوكيل قبل العزل إذا أقر بالبيع والمطلق قبل انقضاء
50

العدة إذا أقر بالرجعة * توضيحه انهما ان كانا صادقين فيما أقرا به من المبايعة فقد تحقق السبب في
حق الكفيل وان كانا كاذبين فتصادقهما بمنزلة انشاء المبايعة فيلزم الكفيل أيضا (ألا ترى) انه
لو كان قال ما لزمه لك من شئ فانا ضامن به لزمه ما أقر به المكفول عنه بهذا الطريق وعلى هذا
لو قال بعه ما بينك وبين ألف درهم وما بعته من شئ فهو على إلى ألف درهم فباعه متاعا
بخمسمائة ثم باعه حنطة بخمسمائة لزم الكفيل المالان جميعا وان باعه متاعا آخر بعد ذلك لم يلزم
الكفيل من ذلك شئ لأنه قيد الكفالة بمقدار الألف فلا تلزمه الزيادة على ذلك ولو قال
إذا بعته شيئا فهو على فباعه متاعا بألف درهم ثم باعه بعد ذلك خادما بألف درهم لزم الكفيل
الأول دون الثاني لان كلمة إذا لا تقتضي العموم ولا التكرار وإنما تتناول المبايعة مرة فبوجود
ذلك تنتهي الكفالة بخلاف ما لو قال كلما بايعته بيعا فانا ضامن بثمنه لان كلمة كلما تقتضي التكرار
فيصير هو بهذا اللفظ ملتزما يجب بمبايعته مرة بعد مرة ولو قال بعه ولم يزد على هذا فباعه
لم يلزم الآمر شئ لأنه مشير عليه وليس بضامن وكذلك لو قال أقرضه ولو قال متى بعته بيعا
فانا ضامن لثمنه أو ان بعته بيعا فباعه متاعا في صفقتين كل صفقة بخمسمائة ضمن الكفيل الأول
منهما لما بينا انه ليس في لفظه ما يقتضى التكرار لان كلمة ان للشرط وكلمة متى للوقت بمنزلة
كلمة إذا ولو قال ما بايعته من زطي فهو على فباعه ثوبا يهوديا أو حنطة لم يلزم الكفيل من ذلك
شئ لأنه قيد الكفالة بمبايعته من الزطي خاصة فلا يتناول غيرها وكذلك لو قال ما أقرضته
فهو على فباعه متاعا أو قال ما بايعته فهو على فأقرضه شيئا لم يلزم الكفيل من ذلك شئ لأنه
قيد الكفالة بسبب فلا تتناول شيئا آخر والمبايعة غير الاقراض (ألا ترى) ان المبايعة
تصح ممن لا يصح منه الاقراض كالأب والوصي ولو قال ما داينته اليوم من شئ فهو
على لزمه القرض وثمن المبيع لان اسم المداينة يتناول الكل فإنه عبارة عن سبب
وجوب الدين (ألا ترى) ان الآمر بالكتابة والسهود جاء به اسم المداينة وعلم الكل
فلو رجع الكفيل عن هذا الضمان قبل أن يبايعه ونهاه عن مبايعته ثم بايعه بعد ذلك لم يلزم
الكفيل شئ لان لزوم الكفالة بعد وجوب المبايعة وتوجه المطالبة على الكفيل فاما قبل ذلك
فهو غير مطلوب بشئ ولا ملتزم في ذمته شيئا فيصح رجوعه * توضيحه ان بعد المبايعة إنما
أوجبنا المال على الكفيل دفعا للغرر عن الطالب لأنه يقول إنما عقدت في المبايعة معه كفالة
هذا الرجل وقد اندفع هذا الغرور حين نهاه عن المبايعة ولو قال ما بايعته اليوم من شئ فهو
51

لك على ثم جحد الكفيل والمكفول له المبايعة وأقام الطالب البينة على أحدهما انه قد باع
المكفول له ذلك اليوم متاعا بألف درهم لزمهما جميعا ذلك المال أيهما كان حضر لان الثابت
بالبينة كالثابت بالمعاينة والمال الذي يطالبان به واحد فينصب الحاضر منهما خصما فيكون حضور
أحدهما كحضورهما فلا يكلف إعادة البينة عند حضور الآخر إذا كان القاضي هو الأول
لأنه عالم بسبب وجوب المال على الذي حضر إذ هو باشر القضاء به على الأول وعلمه يغنى
الطالب عن إعادة البينة ولو قال من بايع فلانا اليوم ببيع فهو على فباعه غير واحد لم يلزم
الكفيل شئ لان المكفول له مجهول وجهالة المكفول له تمنع صحة الكفالة كجهالة المقر له فإنه لو
قال لواحد من الناس على شئ كان اقراره باطلا ولو قال لقوم خاصة ما بايعتموه أنتم وغيركم
فهو على كان عليه ما يبيع به أولئك القوم ولا يلزمه ما بايع غيرهم لان في حقهم المكفول له
معلوم فصحت الكفالة وفى حق غيرهم هو مجهول فلا تصح الكفالة ولكن ضم المجهول إلى
المعلوم لا يمنع صحة الكفالة في حق المعلوم لان ما يلتزمه لواحد بالكفالة منفصل عما يلتزمه
للآخر ولو اذن لعبده في التجارة وقال لرجل ما بايعت به عبدي من شئ أبدا فهو على أو لم
يقل أبدا فهو سواء ولزمه كل بيع بايعه به لان التزام المولى من عبده بحكم الكفالة صحيح كما
يصح من الحر وقد بيناه فيما سبق وكذلك لو قال كل ما بايعته أو الذي بايعته بخلاف ما لو قال
إذا بايعته أو ان بايعته فهذا على الأول خاصة وقد بينا الفرق بينهما في الحر فكذلك في العبد
ولو قال ما بايعت فلانا من شئ فهو على فأسلم إليه دراهم في طعام أو باعه شعيرا بزيت فذلك
كله على الكفيل لأنه قد باعه فان السلم نوع بيع ولهذا قال أبو حنيفة رحمه الله إذا وكله
بثوب يبيعه فأسلمه في طعام جاز على الموكل وعندهما لا يجوز لان السلم غير البيع بل إن
مطلق التوكيل بالبيع ينصرف إلى البيع بالنقود والله أعلم بالصواب
(باب الحوالة)
(قال رحمه الله) ذكر عن شريح رحمه الله أنه قال في الحوالة إذا أفلس فلا توى على
مال امرئ مسلم يريد به ان مال الطالب يعود فدليلهما ان بمجرد الافلاس تبطل الحوالة
قال وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا كان لرجل على رجل ألف درهم فأحاله بها فقد برئ الأول
منهما وقد بينا اختلاف العلماء رحمهم الله فيه ووجه الفرق بين الكفالة والحوالة (ففي الكتاب)
52

أشار إلى حروف فإنك لا تكتب ذكر حق فلان بن فلان ان له على فلان ألف درهم وقد
أحاله بها على فلان فان هذا لا يحسن في الكتاب ولا في الكلام وكيف يكون عليه وقد
حولها عنه إلى غيره ويحسن في الضمان أن يقول لفلان على فلان ألف درهم وقد ضمنها عنه
فلان (ثم وجوه التوى) قد بيناها فما سبق (والجواب) بين الأجانب والأقارب في جميع
أصناف الديون من التجارات والمهر والجنايات وغير ذلك جائز لأنه تحويل الحق من الذمة
الأولى إلى الذمة الثانية فيستدعى وجوب الحق في الذمة الأولى ليصح التحويل ولو أن
المحتال عليه أحاله بالمال على غيره كان جائزا لأنه لما تحول المال إليه بالحوالة التحق بما كان
واجبا عليه في الأصل وكما يصح التحويل من الذمة الأولى إلى ذمته يصح التحويل من
ذمته إلى ذمة أخرى بالحوالة وليس للمحتال عليه أن يأخذ الأصيل بالمال قبل أن يؤديه ولكن
يعامله بحسب ما يعامل به من الملازمة والحبس كما بيناه في فصل الكفيل (وفى هذا نوع
اشكال) فان في الكفالة مطالبة الطالب على الأصيل باقية فلا تتوجه عليه مطالبة الكفيل
ما لم يؤد وبعد الحوالة لا تبقى مطالبة المال على الأصيل فينبغي ان تتوجه عليه مطالبة المحتال
عليه كالوكيل بالشراء يطالب الموكل قبل أن يؤدى ولكنا نقول ما سقطت مطالبة الطالب
عن المحيل على الثبات بل يؤخر ذلك على المحتال عليه مفلسا فكان من هذا الوجه بمعنى
التأجيل أو لما كانت المطالبة بعرض ان يتوجه عليه جعل كالمتوجه في الحال بمعنى الكفالة من
هذا الوجه بخلاف الوكيل فإنه ليس للبائع على الموكل مطالبة بالثمن لا في الحال ولا في ثاني
الحال بل مطالبته مقصورة على الوكيل فكان للوكيل ان يرجع على الموكل ولو قضى المحيل
المحتال عليه المال قبل أن يؤديه فعمل به وربح كان ربحه له لأنه بنفس الحوالة قد استوجب
المحتال عليه على المحيل ولكنه مؤجل لأدائه ومن استعجل الدين المؤجل وتصرف فيه
وربح كان الربح له لأنه استربح على ملك صحيح ولو كان لرجل على رجل ألف درهم فأحاله
بها على آخر فقضاها إياه المحتال عليه فلما أراد الرجوع على الأصيل قال الأصيل كانت لي
عليك وقال المحتال عليه ما كان لك على شئ فإنه يقضى للمحتال عليه على الأصيل بالمال لان
السبب الموجب للمال له على الأصيل ظاهر وهو قبوله الحوالة بأمره وأدائه والمحيل يدعى
لنفسه دينا على المحتال عليه ليجعل ما عليه قصاصا بذلك الدين ولم يظهر سبب ما يدعيه والمحتال
عليه لذلك منكر فالقول قوله وليس في قبول الحوالة عنه اقرار بوجوب المال للمحيل عليه
53

فان الحوالة قد تكون مقيدة بما للمحيل على المحتال عليه وقد تكون مطلقة بل حقيقة الحوالة
هي المطلقة فاما المقيدة من وجه فتوكيل بالأداء والقبض عرفنا أنه لم يوجد منه دلالة الاقرار
بوجوب المال للمحيل عليه وكان القول قوله في الانكار ولو كان لرجل على رجلين ألف
درهم وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فأحاله أحدهما على رجل بألف درهم على أن أبرأه
فللطالب أن يأخذ المحتال عليه بالألف لأنه التزمه بالحوالة والمحيل كان أصيلا في النصف الأول
كفيلا في النصف الثاني والحوالة بكل واحد منهما صحيحة وان شاء أخذ الذي لم يحله بخمسمائة
لان المحيل في هذه الخمسمائة كان كفيلا وقد برئ بالحوالة من غير أداء وقد بينا أن براءة
الكفيل لا توجب براءة الأصيل فان أداها المحتال عليه رجع بها على المحيل دون صاحبه لأنه
هو الذي أمره بقبول الحوالة ورجوعه بذلك فان أداها المحيل رجع بنصفها على صاحبه لأنه
كان كفيلا عنه وأداء المحتال عليه بأمره كأدائه أداؤه بنفسه والى المحتال عليه كأدائه إلى
الطالب له ولو أدى إلى الطالب رجع بنفسها على صاحبه فكذلك هنا ولو كان لرجل على رجل
ألف درهم فأحاله بها على رجلين فله أن يأخذ كل واحد منهما بنصفها لأنهما أضافا الحوالة في
جميع ذلك المال إليهما إضافة على السواء فيقسم عليهما انقساما على السواء وقد بينا في الكفالة
نظيره فان اشترط ان كل واحد منهما كفيل عن صاحبه أخذ بالألف أيهما شاء لان كل
واحد منهما التزم بجميع المال هنا في النصف عن الأصيل وفى النصف الآخر عن صاحبه
بالكفالة فإذا أداها رجع على صاحبه بالنصف ليستويا في الغرم الثابت بسبب هذه الحوالة كما
استويا في أصل الالتزام ولو كان لرجل على مكاتب مال فأحاله المكاتب به على رجل عليه
مال فهو جائز لان هذا أمر من المكاتب به على رجل له عليه مال فهو جائز لان هذا أمر
من المكاتب للطالب في أن يقبض ماله من غريمه له أولا ثم لنفسه وأمر للغريم بأن يؤدى
ما عليه إلى الطالب وذلك صحيح من المكاتب وهذا التكلف غير محتاج إليه في هذا الفصل
فان المكاتب لو أحال الطالب حوالة مطلقة يجوز فكذلك الحوالة من المكاتب المقيدة وإنما
يحتاج إليه في الفصل الثاني وهو ما إذا كان المكاتب هو المحتال عليه لان قبول الحوالة من
المكاتب مطلقا لا يجوز بمنزلة الكفالة ولكن يجوز مقيدا بالمال الذي عليه لأنه لا فرق في
حقه بين أن يؤدى ذلك المال إلى المحيل أو إلى المحتال والعبد التاجر والصبي التاجر في هذا
كالمكاتب وكذلك لو كان المال على رجلين كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فأحالاه على
54

واحد جازت الحوالة منهما كما تجوز من الواحد إذا كان مطلوبا بالمال وكذلك الوصي يحتال
بدين اليتيم على رجل أملا من غريمه الأول فاحتال بذلك فهو جائز لان في هذا قربان ماله
بالأحسن فان حياة الدين بملاءة ذمة من عليه وفى قبول الحوالة على من هو أملا إظهار
للزيادة في حقه وتيسر الوصول إلى ماله وكان ذلك منهما نظرا من حقه والله أعلم
(باب الأمر بنقد المال)
(قال رحمه الله) وإذا أمر رجل رجلا بأن ينقد عنه فلانا ألف درهم فنقدها رجع بها على
الآمر لان هذا من الآمر استقراض من المأمور وانه لا يتحقق نقده عنه الا بعد أن يكون
المنقود ملكا له ولا يصير ملكا له بالاستقراض منه فكأنه استقرض منه الألف ووكل
صاحب دينه بأن يقبض له ذلك أولا ثم لنفسه ولأنه أمره أن يملكه ما في ذمته بمال يؤديه
من عنده فكان بمنزلة ما لو أمره أن يملكه عين الغير في يده بأن يشتريها له فيؤدى الثمن من
عنده وهناك يثبت للمأمور حق الرجوع على الآمر بما يؤدى فكذلك هنا وكذلك لو قال
انقد فلانا ألف درهم له على أو قال اقضه عنى كذا أو قال اقضه ماله على أو ادفع إليه الذي
له على أو ادفع عنى كذا أو اعطه عنى ألف درهم أو أوفه ماله على فهذا كله باب واحد وكله
اقرار من الآمر أن المال عليه لفلان اما لقوله عنى أو لقوله اقضه عنى فان القضاء لا يكون
الا بعد الوجوب أو لقوله على أو لقوله أوفه عنى فان الايفاء يكون بعد الوجوب ولو قال
أنقده عنى ألف درهم على أنى ضامن لها أو على أنى كفيل بها أو على أنها لك على أو إلى أو
قبل فهو سواء وإذا نقدها إياه رجع بها على الآمر لأنه صرح بالتزام ضمان المنقود له أو أتى
بلفظ يدل عليه ويستوى ان نقده الدراهم أو نقده بها مائة درهم أو باعه بها جارية أو غير ذلك
لان بالبيع يجب الثمن للبايع على المشترى ولم يصر قابضا الدراهم التي وجبت له عليه كما أمر به
فكان هذا وما لو دفع إليه دراهم في الحكم سواء (ألا ترى) ان الطالب يصير مستوفيا حقه
بهذه الطريق إذا حلف ليسستوفين ماله عليك قبل أن يفارقك وإذا قال الرجل للرجل ادفع إلى
فلان ألف درهم قضاء ولم يقل عنى أو قال اقض فلانا ألف درهم ولم يقل على أنها لك على
فدفعها المأمور فإن كان خليطا للآمر رجع بها عليه لان الخلطة القائمة بينهما دليل ظاهر على أن
أمره بالقضاء عنه بمنزلة التصريح بهذا اللفظ وهذا لان كل واحد من الخليطين ينوب عن
55

صاحبه في قضاء ما عليه وان أداه بناء على الخلطة السابقة وتلك الخلطة تثبت له حق الرجوع بما
يؤدى بأمره كما يثبت له حق الرجوع عليه بما يؤدى إليه وإن لم يكن خليطا له لم يرجع بها عليه
في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو قول أبى يوسف الأول رحمه الله وإنما رجوعه على
المدفوع إليه وقول أبى يوسف الآخر رحمه الله يرجع على الآمر خليطا كان أو غير خليط
لوجهين (أحدهما) ان أمره بالدفع إلى غيره بمنزلة أمره بالدفع إليه ولو قال ادفعه إلى كان له أن
يرجع عليه فكذلك إذا أمره بالدفع إلى غيره ولان فعله في الدفع يترتب على أمره في الفصلين
وإذا اعتمد في الأداء أمره فلو لم يرجع صار مغررا من جهته والغرر مدفوع كما في الخليطين
(الثاني) أنه قال ادفعها إليه قضاء والقضاء ينبنى على الوجوب ولم يكن على المأمور شئ واجب
للمدفوع إليه ولا يعتبر أمر الآمر بذلك بل أمره إنما يعتبر في قضاء ما هو واجب على
الآمر وكان اقرارا بوجوب المال عليه من هذا الوجه وهذا وقوله اقض عنى سواء وأبو
حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا إن قوله اقض أو ادفعه إليه قضاء كلام محتمل يجوز أن يكون
المراد اقضه ما له عليك فيكون هذا منه أمرا بالمعروف ويجوز أن يكون المراد اقضه ماله
على والمحتمل لا يكون حجة فلا يثبت به المال على الآمر للمدفوع إليه وإذا لم يثبت المال عليه
لا يكون هذا منه استقراضا ولا أمرا بان يملكه ما في ذمته وطريق الرجوع عليه هذان بخلاف
ما لو قال قضاء عنى إذا كان قضاء لما له على لان الاحتمال قد زال هناك بما صرح به من
الإضافة إلى نفسه ولا يجوز أن يعتبر أمره بالدفع إلى غيره بالدفع إلى نفسه لان قوله ادفعه
إلى لا يثبت له حق الرجوع عليه بهذا الامر بل يقضه المال منه وهذا المعنى بوجوب أن يكون
رجوعه هنا إلى المدفوع إليه لأنه هو القابض للمال منه دون الآمر ولو كان أمر بذلك ولده
أو أخاه وهو ليس في عياله فهذا وأمره للأجنبي بذلك سواء إلا أن يكون أمره بذلك بعض
من في عياله فيكون ذلك بمنزلة ما لو أمر خليطا له بذلك استحسانا لان الانسان يقضى ما عليه
بيد من في عياله ويد هؤلاء بمنزلة يده ولو دفع بنفسه قضاء كان ذلك قضاء لما هو واجب
فكذلك إذا أمر بعض من في عياله حتى أدى وكذلك الزوجة إذا أمرت بذلك زوجها فان ما
بينهما من الزوجية بمنزلة الخلطة أو أقوى منه وكذلك لو أمر به أجيرا له وإنما أراد به
التلميذ الخاص الذي استأجره مسانهة أو مشاهرة فإنه بمنزلة من في عياله وكذلك لو أمر
به شريكا له لان قيام الشركة بينهما بمنزلة الخلطة أو أقوى منها وهذا كله استحسان وحمل
56

لمطلق الكلام على ما هو معتاد بين الناس ولو قال لرجل ادفع إلى فلان ألف درهم فإن كان
المأمور خليطا للآمر أو بعض من في عياله رجع المأمور على الآمر باعتبار الخلطة التي بينهما
فان ذلك بمنزل الغرر من جهته لو لم يثبت له حق الرجوع عليه لم يرجع الآمر على القابض
وإن لم يكن له عليه شئ يصير قصاصا به فأما إذا لم يكن المأمور خليطا للآمر فلا اشكال على
قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله انه لا يرجع على الآمر وإنما يرجع به على القابض وإنما
اختلفوا على قول أبى يوسف الآخر رحمه الله فعلى قياس الطريقة الأولى يرجع على الآمر
بمنزلة ما لو قال ادفعه إلى وعلى قياس الطريقة الثانية يكون رجوعه على القابض لأنه ليس
في لفظه ما يدل على أن القابض يستوفى حقا واجبا له بخلاف ما إذا قال ادفعها إلى فلان قضاء ولو
أمر خليطا له أن ينقد فلانا عنه ألف درهم نجية فنقد عنه ألف درهم غلة أو نبهرجة لم يرجع على
الآمر الا بمثل ما أعطى بخلاف الكفيل بالنجية إذا أدى بالغلة فإنه يرجع بالنجية فان رجوع
الكفيل بحكم الالتزام (ألا ترى) انه لو وهب المال منه رجع على الأصيل وإنما التزم في ذمته النجية
فاستوجب مثلها في ذمة الأصيل ثم إن سامحه الطالب فتجوز بالغلة لا يجب أن يسامح الأصيل
بشئ فاما المأمور فهو غير ملتزم في ذمته شيئا وإنما يثبت له حق لرجوع بالأداء (ألا ترى) انه
لو وهب المال منه لم يصح فإن كان رجوعه بالأداء رجع المؤدى ولو كان لرجل على رجل ألف
درهم فأحال بها عليه رجلا فلما استوفاها المحتال قال المحتال للمحيل كان المال لي عليك فإنما
استوفيت حق نفسي وقال المحيل بل كنت وكيلي في قبض مالي لم يكن لك علي شئ فالقول
قول المحيل لان وجوب المال له على المحتال عليه كان ظاهرا كالمقبوض بذلك السبب فيكون
ملكا له ثم القابض يدعى لنفسه دينا عليه حتى يحبس ماله بذلك ولم يظهر ذلك الدين له عليه
فان إحالته عليه لا تكون دليلا على وجوب المال للمحتال على المحيل فيكون القول قول المنكر
ويؤمر بدفع المال إليه إلا أن يثبت دين نفسه عليه ولو أراد المحتال عليه أن يمنع المال من الذي
أحال به عليه ورب المال غائب لم يكن له عليه ذلك بعد الحوالة لأنه قد التزم دفع المال إليه
فعليه الوفاء بما التزم وكذلك لو قال رب المال اضمن له هذا المال فهو مثل الحوالة بخلاف
ما لو قال أضمن له هذا المال عنى فإنه يكون اقرارا من رب المال بالمال لهذا لأنه أمره
بان يضمن عنه ولا يتحقق ذلك الا بعد وجوب المال عليه ولان قوله اضمن عنى له بمنزلة
التصريح منه ان القابض عامل لنفسه وليس بوكيل من جهته وإنما يكون ذلك عند وجوب
57

المال للطالب على الأصيل وكذلك الحوالة إذا قال يحتال إليك بالألف التي لي عليك لم يكن
هذا اقرارا بان المال عليه ولو قال هو محتال عليك بألف درهم لتؤديها عنى من المال الذي لي
عليك فهذا اقرار منه بوجوب المال عليه للمحتال وإذا قال يحتال عليك بألف درهم لم يكن
هذا اقرارا منه بالمال ولكن المحتال عليه لا يستطيع الامتناع من أداء المال إلى المحتال لأنه
التزمها له ولان كلامه محتمل وبالمحتمل لا يكون له ان يمتنع من ايفاء ما التزم وان أداها وكان
خليطا للآمر رجع بها عليه ورجع بها الآمر على المضمون له بعد أن يحلف انها ليست
عليه وقد بينا في الحوالة نظيره فكذلك في الضمان ولو لم يكن خليطا له لم يرجع بها عليه لأنه
ليس في لفظه ما يدل على الامر بالضمان فلا يثبت له حق الرجوع عليه ولكنها تسلم
للمضمون له بخلاف ما سبق من قوله ادفع لأنه ليس هناك من المأمور التزام شئ للمدفوع
إليه (ألا ترى) ان له ان يمتنع من الدفع إليه فكذلك بعد الدفع له أن يرجع بها عليه وهنا
بقبول الحوالة والضمان قد التزم المال للمضمون له حتى لا يكون له أن يمتنع من الدفع إليه في
الابتداء فكذلك بعد الدفع إليه لا يكون له ان يرجع عليه بشئ مما أدى إليه والله أعلم
بالصواب
(باب صلح الكفالة)
(قال رحمه الله) وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم وبها كفيل عنه بأمره فصالح
الكفيل الطالب على مائة درهم على ابراء الأصيل من الألف جاز كما لو صالحه الأصيل بنفسه
وهذا ظاهر لان الطالب استوفى عشر حقه وأبرأه من سوى ذلك وكل واحد من الامرين
صحيح في الكل فكذلك في البعض لم يرجع الكفيل على المكفول عنه بمائة درهم لان رجوع
الكفيل باعتبار ثبوت الملك له وذلك مقصور على ما أدى دون ما أبرأه الأصيل عنه لان
الابراء اسقاط فلا يتضمن التمليك من الكفيل ولا يتحول به أصل الدين إلى ذمة الكفيل
بخلاف الايفاء فإنه يتضمن تحول أصل الدين إلى ذمة الكفيل ليتملك بأدائه ما في ذمته
فيستوجب الرجوع به على الأصيل ولو صالحه على مائة درهم على أن يبرئ الكفيل خاصة
من الباقي رجع الكفيل على الأصيل بمائة درهم ورجع الطالب على الأصيل بتسعمائة لان
ابراء الكفيل يكون فسخا للكفالة ولا يكون اسقاطا لأصل الدين فيبقى له في ذمة الأصيل
58

ما أبرأه الكفيل منه وتسعمائة وهذا لان الكفيل يلتزم المطالبة وابراء الكفيل يكون تصرفا
في تلك المطالبة دون أصل الدين وبالابراء لا يتحول الدين إلى ذمة الكفيل ولو صالحه على
مائة درهم على أن وهب التسعمائة للكفيل كان للكفيل ان يرجع بالألف كلها على المكفول
عنه لأنه ملك جميع الأصل وهو الألف بعضها بالأداء وبعضها بالهبة منه والبعض معتبر بالكل
وهذا لان الهبة تمليك في الأصل فمن ضرورة تصحيحه تحول الدين إلى ذمة الكفيل فلا يبقى
للطالب في ذمة الأصيل شئ ويتحول الكل إلى ذمة الكفيل ثم يتملكها بالهبة والأداء فيرجع
بها على الأصيل ولو صالح الكفيل الطالب على عشرة دنانير أو باعه إياه بعشرة دنانير كان
للكفيل ان يرجع على الأصيل بجميع الألف لأنه بهذا الصلح والشراء يتملك جميع الألف ومن
ضرورة صحتها تحول الدين إلى ذمة الكفيل فان الصلح في غير جنس الحق يكون تمليكا كالبيع
وكذلك كل ما صالحه عليه من مكيل أو موزون بعينه أو حيوان أو عرض أو متاع فالجواب في
الكل سواء ولو كان معه كفيل اخر وكل واحد منهما ضامن عن صاحبه كان له ان يرجع على
صاحبه بنصف ذلك لان هذا الصلح أو البيع بمنزلة الأداء في حق الرجوع على الأصيل
فكذلك في حق الرجوع على الكفيل معه ولو أدى جميع المال كان له ان يرجع بنصفه على
شريكه في الكفالة فكذلك هنا ولو كفل رجلان عن رجل بألف درهم وكل واحد منهما
ضامن عن صاحبه فأدى أحدهما ثم أخذ صاحبه في الكفالة معه بالنصف فصالحه من ذلك
على مائة درهم على أن أبراه خاصة مما بقي فهو جائز واستوجب الرجوع على صاحبه بنصف
المؤدى وهو خمسمائة ليستوي معه في الغرم فإذا استوفى منه بعض ذلك وأبرأه عن الباقي
جاز كما لو عامل الأصيل بمثل ذلك ثم براءة الكفيل بالابراء لا تكون براءة للأصيل وقد كان
للمؤدى أن يرجع على الأصيل بجميع الألف فإنما وصل إليه من جهة صاحبه مائة فيبقى حقه
في الرجوع على الأصيل بتسعمائة ويثبت للكفيل الآخر حق الرجوع على الأصيل بمائة
فأيهما أخذ منه شيئا اقتسما المأخوذ اعتبارا على قدر شركتهما فيما في ذمته لأحدهما تسعة
أعشاره وللآخر عشره ولو صالح المؤدى صاحبه من الخمسمائة على عشرة دنانير أو كر حنطة
أو عرض جاز ذلك كما يجوز صلحه مع الطالب عن الخمسمائة على هذا المقدار ويملك الكفيل
الآخر خمسمائة بهذا الصلح بمنزلة ما لو أداها بعينها إلى المؤدى فيتبع كل واحد منهما الأصيل
59

بخمسمائة وأيهما أخذ شيئا كان لصاحبه نصفه على حسب حقهما في ذمته ولو كان الدين طعاما
وبه كفيل فصالح الكفيل الطالب منه على عشرة دراهم رجع بالطعام كله على المكفول عنه
لان ما أداه الكفيل يصلح أن يكون عوضا عن جميع الطعام فيصير به متملكا بجميع الطعام
(ألا ترى) انه لو باعه بالطعام ثوبا كان به متملكا جميع الطعام حتى يرجع به على الأصيل
فهذا مثله ولو كان الدين ألف درهم وبه كفيلان كل واحد منهما ضامن عن صاحبه فصالح
أحد الكفيلين صاحبه على مائة درهم على أن يبرئه من حصته من الكفالة وقبضها منه ثم إن
الكفيل الذي قبض المائة أدى المال كله إلى الطالب رجع على المكفول عنه بتسعمائة ولم يرجع
على الكفيل معه بشئ ويرجع المؤدى للمائة على المكفول عنه بالمائة لان كل واحد منهما
كفيل عن الأصيل بجميع المال وعن صاحبه بنصف المال صلح الكفيل مع الأصيل قبل أدائه
إلى الطالب صحيح كما يجوز صلحه مع الطالب فإذا صالح أحدهما صاحبه على مائة فقد صار
مبرئا له عما زاد على المائة مما استوجب الرجوع عليه وهو كان كفيلا عن الأصيل وابراء
الكفيل لا يوجب براءة الأصيل فإذا أدى القابض للمائة جميع الألف فإنما أدى عن الأصيل
تسعمائة فيستوجب الرجوع بها عليه ويصير مؤديا عن الكفيل معه مقدار ما كفل عنه وذلك
مائة درهم فيرجع المؤدى للمائة على الأصيل بتلك المائة لان أداء كفيله عنه كأدائه بنفسه ولو
لم يكن هكذا ولكن الطالب أخذ الكفيل الذي أدى المائة واستوفى منه الألف كلها فله أن
يرجع على شريكه بتسعمائة لأنه دفع إليه المائة على أن يؤديها عنه إلى الطالب فإذا لم يفعل حتى
أداها بنفسه كان له أن يرجع عليه بتلك المائة وقد كان كفل عنه خمسمائة وأداها فله ان يرجع
عليه بتلك الخمسمائة أيضا ولو كان الكفيل صالح صاحبه على كر حنطة ودفعه إليه على أن أبرأه
من حصته من الكفالة فهذا جائز فيما بينهما لأنه كفل بالخمسمائة وما أدى إليه يصلح أن يكون
عوضا عن الخمسمائة ويكون هذا التصرف منهما غير جائز في حق الطالب فله ان يأخذ بجميع
المال أيهما شاء فان أخذ الطالب الكفيل الذي أدى بالألف فأداها فإنه يرجع بها تامة على
الكفيل الذي معه وبخمسمائة مع ذلك على الذي عليه الأصل ان شاء إلا أن يشاء الكفيل
القابض للطعام ان يرد عليه الطعام ويرد عليه خمسمائة مع ذلك لان المؤدى للألف استوجب
الرجوع على شريكه في الكفالة بنصف ما أدى وهو خمسمائة لأنه تحمل ذلك عنه بأمره
وبالنصف الآخر لأنه دفع إليه الطعام على أن يؤدي عنه ما يقابله وهو خمسمائة إلى الطالب فإذا
60

لم يفعل حتى أدى بنفسه كان له أن يرجع عليه بتلك الخمسمائة أيضا الا ان القابض للطعام
قبضه بطريق الصلح على أن يبرئ المؤدى من رجوعه عليه لا على أن يرجع المؤدي عليه
بخمسمائة فإذا آل الامر إلى ذلك خير لان مبنى الصلح على التجوز بدون الحق فإن شاء
نقض الصلح ورد عليه الطعام وان شاء أمسك الطعام ورد عليه عوضه وهو خمسمائة وان
شاء المؤدى للألف رجع بخمسمائة على الأصيل لأنه أداها عنه بعد ما تحملها بأمره ورجع
بخمسمائة على الكفيل الذي قبض الطعام إلا أن يشاء الكفيل ان يرد عليه الطعام لما بينا
(وحاصل فقه هذه المسألة) ان الخمسمائة التي هي عوض عن الطعام لا يستوجب المؤدى الرجوع
بها على الأصيل لأنه صار مملكا إياها من المؤدى للطعام فيكون رجوعه بذلك على القابض
للطعام خاصة إلا أن يشاء القابض للطعام ان يرد عليه الطعام لأنه قبضه منه على سبيل الحط
والاغماض ولو صالح أحد الكفيلين صاحبه على عشرة دنانير ودفعها إليه على أن أبراه من
حصته من الكفالة ثم إن الطالب صالح الكفيل الذي قبض الدنانير على تلك الدنانير بأعيانها
عن جميع المال وأداها إليه كان جائزا لأنه ملك الدنانير وتم ملكه فيما قبضه من صاحبه فالتحق
تعيينها من دنانيره في جواز الصلح مع الطالب عليها من جميع المال ويكون هذا الصلح تمليكا
منه لانعدام معنى الربا عند اختلاف الجنس ثم يكون للكفيل الذي صالح الطالب أن يرجع
على الأصيل بخمسمائة درهم ويرجع الكفيل الآخر على الأصيل بخمسمائة أيضا لان الذي
صالح الطالب قد يملك جميع الألف بهذا الصلح بمنزلة ما لو أدى إليه جميع الألف وكان له أن
يرجع على شريكه بخمسمائة لولا صلحه معه وقد صح صلحه معه عن الخمسمائة على الدنانير
فيجعل ذلك الصلح بينهما كأنه كان بعد اذنه فيتقرر كل واحد منهما في الرجوع عن الأصيل
بخمسمائة لان أداء الكفيل المصالح الأول عنه كأدائه بنفسه وأيهما أخذ شيئا من الأصيل
شاركه فيه صاحبه لان الدين الذي في ذمة الأصيل مشترك بينهما وما يقبض أحد الشريكين
من دين مشترك بينهما شاركه فيه صاحبه * ولو لم يكن هكذا ولكن أحد الكفيلين أدى المال
كله إلى الطالب ثم صالح الكفيل معه على مائة درهم على أن أبرأه أو على عشرة دنانير على أن
أبرأه وقبض ذلك فهو جائز لأنه بالأداء استوجب الرجوع على شريكه في الكفالة بخمسمائة
والصلح من الخمسمائة على مائة درهم أو على عشرة دنانير جائز وهما يتبعان الأصيل بالألف
تامة لأنهما صارا مؤديين عنه جميع الألف فإن كان الصلح بينهما على الدنانير فالألف بينهما
61

نصفان لان مؤدى الدنانير يصير متملكا للخمسمائة بما أدى فالصلح يصح بطريق التمليك
إذا أمكن والامكان موجود عند اختلاف الجنس فيكون رجوع كل واحد منهما على الأصيل
بخمسمائة بمنزلة ما لو أدى إلى صاحبه خمسمائة وان جرى الصلح بينهما على مائة درهم فالألف
بينهما على عشرة أسهم لان صحة الصلح عنهما هنا بطريق الاسقاط فان مبادلة الخمسمائة بالمائة
ربا فالمؤدى للمائة لا يأخذ الا مقدارها وابراء مؤدى الألف صاحبه عما زاد على المائة لا
يكون ابراء الأصيل فيكون له ان يرجع على الأصيل بتسعمائة وللآخر ان يرجع عليه بالمائة
فإذا اقتضاه شيئا منها يكون المقبوض بينهما على مقدار حقهما اعتبارا ولو صالحه على عرض
أو حيوان كان مثل الصلح على الدنانير لان تصحيحه بطريق التمليك ممكن والصلح قبل
الأداء وبعد الأداء جائز لان الدين يجب للكفيل عن الأصيل بالكفالة كما يجب للطالب على
الكفيل بعين في حق المطالبة (ألا ترى) ان الكفيل يطالب الأصيل بحسب ما تعامله
الطالب مع الكفيل ويجوز صلح الكفيل مع الأصيل قبل الأداء وبعده وإذا كان الدين
طعاما قرضا أو غصبا فصالح أحد الكفيلين صاحبه على دراهم مسماة على أن أبرأه من خصومته
فهو مثل الباب الأول لما بينا أن تصحيح هذا الصلح بينهما بطريق المبادلة ممكن فان أدى
الذي قبض الدراهم والطعام كله كان لهما ان يتبعا الأصيل بذلك نصفين لان المؤدى للدراهم
كان أصيلا في حق صاحبه وأداء كفيله كأدائه بنفسه وقد تم ملكه في حصته من الطعام
بما أدى من الدراهم إلى صاحبه فيرجع على الأصيل بذلك والمؤدى للطعام كفيل عن
الأصيل بالطعام وقد أدى فيرجع عليه بما لم يصل إليه عوضه من صاحبه وذلك نصف الطعام
فلهذا رجعنا عليه بالطعام نصفين وان أدى الطعام الذي دفع الدراهم اتبع صاحب الأصل
بالجميع لأنه كان كفيلا عنه بجميع الطعام وقد أدى فيرجع على الكفيل الذي قبض الدراهم
بنصف ما أدى الطعام لأنه دفع إليه الدراهم عوضا عن نصف الطعام الذي كان كفل به عنه
ليؤديه إلى الطالب ولم يفعل فيرجع عليه بذلك الا ان يشاء القابض للدراهم ان يرد الدراهم
لأنه قبضها بطريق الصلح ومبنى الصلح على التجوز بدون الحق فإذا آل الامر إلى أن يلزمه
رد نصف الطعام ويكمله عليه كان له أن يلتزم هذا الضرر ويرد عليه المقبوض من الدراهم ان شاء
وان شاء الكفيل الذي أدى الطعام اتبع صاحبه في الكفالة بجميع الطعام ليؤديه عنه إلى الطالب
فإذا لم يفعل حتى أدى بنفسه كان له ان يرجع عليه بذلك أيضا إلا أن يشاء القابض للطعام
62

أن يرد عليه دراهمه مكان نصف الطعام فحينئذ يكون له ذلك فيدفع إليه دراهمه مع نصف
الطعام فالمقبوض منه يكون مشتركا بينهما على قدر حقيهما وان كانا كفيلين عن رجل بمائة
درهم وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه بها ثم إن أحد الكفيلين صالح الآخر على عشرة
دراهم على أن أبرأه ثم صالح الطالب الذي قبض العشرة على خمسة دراهم وأداها إليه فإنه
يرد تسعة ونصفا على الكفيل الذي معه ثم يرجعان جميعا على الأصيل بخمسة لان المؤدى
للعشرة إنما أداها إلى صاحبها على أن يؤدى عنه العشرة وهو ما أدى إلى الطالب مما كفل عنه
الا درهمين ونصفا لأنه أدى إليه خمسة وهي شائعة في النصفين نصف ذلك مما هو فيه
متحمل عن صاحبه فعرفنا انه أدى إلى الطالب مما تحمل عن صاحبه درهمين ونصفا وصاحبه
إنما برئ مما بقي بابراء الطالب لان عند اتحاد الجنس يتعدد تصحيح الصلح بطريق المبادلة
فلهذا رجع المؤدى للعشرة على صاحبه بسبعة ونصف ثم كل واحد منهما يؤدى عن الأصيل
درهمين ونصفا حكما فيرجعان عليه بالخمسة كذلك * ولو لم يكن هكذا ولكن الذي عليه الأصل
صالح أحد الكفيلين على عشرة دراهم ودفعها إليه فهو جائز بطريق الاسقاط لما وراء العشرة
مما استوجب الرجوع به عليه عند الأداء فان أدى الكفيل الذي أخذ العشرة إلى الطالب
المائة درهم لم يرجع على الأصيل ولا على صاحبه بشئ وقد صالح الأصيل على ما أخذ منه من
العشرة وصار مبرئا له عما زاد على ذلك فلا يرجع عليه بشئ عند الأداء والكفيل معه إنما
استفاد البراءة ببراءة الأصيل لا بأدائه لان براءة الأصيل على أي وجه تكون تتضمن براءة
الكفيل ولو أدى الكفيل الآخر المائة كان له أن يرجع على الكفيل الذي معه بخمسين درهما
وعلى الأصيل بمثل ذلك لأنه صار مؤديا عن الكفيل الذي معه مقدار الخمسين ولو لم يجر
بين الكفيل الآخر وبين الأصيل صلح كان لهذا المؤدى أن يرجع على الكفيل الآخر
بما أدى عنه بالكفالة وهو مقدار الخمسين فبعد صلحه أولى وقد كان كفيلا عن الأصيل
بالخمسين الأخرى وأداها عنه ثم يرجع الأصيل على الكفيل الذي صالحه بخمسة دراهم لأنه
كان صالحه على عشرة دراهم ونصف ذلك مما كان هو الذي كفل به عنه ونصفه مما كفل
به صاحبه على أن يكون هو المؤدي عنه فإذا لم يفعل كان له أن يرجع عليه بنصف تلك
العشرة وهو خمسة وتسليم الخمسة الأخرى للمصالح لان الكفيل الآخر لما رجع عليه
بخمسين كان له أن يرجع بذلك على الأصيل لولا صلحه معه على هذه الخمسة وابراؤه إياه
63

عما زاد عليها إلى تمام الخمسين ولو صالح الأصيل الكفيلين جميعا على عشرة دراهم من جميع
الكفالة فهو جائز وأيهما أدى بالكفالة المائة إلى الطالب فإنه لا يرجع على الأصيل بشئ إلا
بخمسة لان كل واحد منهما بالصلح قد أبرأه عما زاد على الخمسة إلى تمام ما كفل عنه ولو
أبرأه عن ذلك بعد الأداء سقط حقه في الرجوع عليه فكذلك قبل الأداء وان شاء رجع
على صاحبه بالخمسة التي قبضها من الأصيل لأنه إنما كان قبض تلك الخمسة ليؤدي إلى الطالب
ما تحمل عن الأصيل ولم يؤد شيئا وإنما أداه الآخر فيكون هو أحق بتلك الخمسة يقبضها
منه ولا يتبعان بشئ لما بينا أو المراد بقوله لا يرجع المؤدى على الأصيل الا بخمسة سوى
الخمسة التي قبضها صاحبه في الكفالة لان المؤدى أدى تلك الخمسة بحكم الكفالة عن الأصيل
وهو ما أبرأه منها فيرجع بها على الأصيل ان شاء ثم يرجع بها الأصيل على القابض منه وان
شاء رجع بها على صاحبه لما بينا وإن لم يؤد واحد من الكفيلين المال ولكن أدى الأصيل
رجع على الكفيلين بعشرة دراهم بعينها لأنهما استوفيا العشرة منه ليؤديا عنه ما تحملا من الدين
ولم يوجد ذلك حين أدى هو المال بنفسه فكان له أن يرجع عليهما بتلك العشرة ولا يرجع
بما زاد على ذلك لان رجوعه عليهما بحكم استيفائهما منه لا بحكم اسقاطهما عنه ولو صالحهما على
ثوب ودفعه إليهما ثم إنه أدى المائة إلى الطالب رجع على كل واحد منهما بقبض نصف
الثوب منه في حكم المستوفى الخمسين بطريق المبادلة وإنما استوفى على أن يؤدى عنه حق
الطالب فإذا لم يفعل ولكن أداها صاحبه وقد كان كفيلا عنه بها كان له أن يرجع بتلك
الخمسين عليه وان شاء رجع بها على الأصيل لأنه يتحمل تلك الخمسين عن الأصيل وقد أداها
فان رجع بها على الأصيل رجع بها الأصيل على الكفيل الذي لم يؤد شيئا إلا أن يشاء
الكفيل أن يرد عليه نصف الثوب الذي صالحه عليه لأنه استوفاها عنه ليؤديها عنه فإذا لم
يفعل حتى أدى هو بنفسه إلى الكفيل المؤدى عنه كان ذلك بمنزلة أدائه إلى الطالب فيرجع
بها على الذي لم يؤد شيئا إذ الذي لم يؤد شيئا صار مستوفيا بطريق التجوز بدون الحق فيتخير
لذلك ولو لم يؤد مائة درهم ولكنه أدى عشرة دراهم فصالحه عليها الطالب فإنه لا يرجع
على شريكه في الكفالة بخمسة دراهم ولكن الأصيل يرجع على الكفيل المؤدي للعشرة
إلى الطالب بأربعين درهما وعلى الكفيل الآخر بخمسين لان كل واحد منهما بقبض نصف
الثوب منه صار قابضا للخمسين على أن يؤدى عنه ذلك إلى الطالب ولم يفعل ذلك الذي
64

لم يؤد إلى الطالب شيئا وإنما برئ هو عن تلك الخمسين بابراء الطالب إياه فكان للأصيل أن
يرجع عليه بتلك الخمسين إلا أن يشاء هو رد نصف الثوب عليه والمؤدى للعشرة كان في
حكم القابض للخمسين منه أيضا على أن يؤدى ذلك عنه وإنما أدى إليه عشرة فما زاد على العشرة
إنما برئ الأصيل عنه بابراء الطالب فيكون له أن يرجع على المؤدى للعشرة بقدر الأربعين
لذلك ولا رجوع للمؤدى للعشرة على شريكه بنصف العشرة لأنه قد استوفى من الأصيل
هذه العشرة وزيادة فكيف يرجع بشئ منها على شريكه ولو لم يؤد شيئا ولكن الأصيل
صالح الطالب على عشرة دراهم فإنه يرجع على كل واحد من الكفيلين بخمسين درهما إلا
أن يشاء رد الثوب عليه لان كل واحد منهما في حكم المستوفى للخمسين منه ولكن بطريق
التجوز بدون الحق ولو كان الأصيل صالح الكفيلين على عشرة دراهم وكان أحد الكفيلين
صالح الطالب على أربعة دراهم فإنه لا يرجع على صاحب الدرهمين اللذين أدى عنه لما بينا
انه قبض ذلك من الأصيل وزيادة ولكن يرد درهما على الأصيل لأنه قبض من الأصيل
خمسة وما أدى عنه إلى الطالب إلا أربعة فإنما برئ عما زاد على الأربعة بابراء الطالب ويرد
صاحبه خمسة دراهم على الأصيل لان صاحبه استوفى من الأصيل خمسة دراهم ولم يؤد
عنه شيئا وإنما برئ هو من حصة صاحبه بابراء الطالب ولو كان الأصيل صالحهما على ثوب
ثم إن أحدهما صالح الطالب على دراهم على أن أبرأه من جميع المال لم يرجع على شريكه بشئ
لأنه إنما أدى إلى الطالب درهما وقد صار مستوفيا من الأصيل مقدار الخمسين بالصلح على
الثوب فلهذا لا يرجع على شريكه بشئ ولكن المصالح مع الطالب يرد على الأصيل تسعة
وأربعين درهما وصاحبه يرد على الأصيل خمسين درهما لان كل واحد منهما صار مستوفيا
للخمسين درهما من الأصيل على أن يستفيد الأصيل البراءة من حق الطالب بأدائهما ولم يوجد
ذلك فالذي صالح الطالب على الدراهم إنما أدى عنه الدراهم فقط فيرد عليه ما زاد على ذلك
إلى تمام الخمسين والآخر لم يؤد عنه شيئا إلى الطالب فيرد عليه ما صار مستوفيا منه وذلك خمسون
درهما وإذا كفل رجل بمال مؤجل ثم فاوض رجلا ثم حل الاجل لم يلزم شريكه من ذلك
شئ أما عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله فلان عقد المفاوضة لا يوجب المساواة بينهما في ضمان
الكفالة ان لو كانت الكفالة بعد الشركة فإذا كانت قبلها أولى وأما عند أبي حنيفة رحمه الله
فلان كل واحد من المتفاوضين يكون كفيلا عن صاحبه فيما يجب على صاحبه بسبب يباشره بعد
65

الشركة وهذا المال إنما لزمه بسبب باشره قبل الشركة لان وجوب المال عليه بسبب الكفالة
لا بحلول الاجل والأجل الذي كان مانعا من المطالبة يرتفع بمضي المدة فيبقى المال عليه بسبب
الكفالة وقد كان قبل الشركة فهو بمنزلة ما لو اشترى شيئا بثمن مؤجل ثم فاوض رجلا ولو كفل
بالمال مؤجلا وهو معاوضة ثم فارقه أو صار شريكه فإنه يلزم شريكه جميع الكفالة في قول أبي حنيفة
رحمه الله لان المال إنما لزمه بسبب باشره في حال قيام الشركة بينهما وإنما كان زوال المانع
بعد انقطاع الشركة وكما وجب المال بمباشرة السبب على الذي باشره وجب على الآخر بحكم
الكفالة عنه فيفسخ الشركة وانفساخها بالموت لا يسقط عنه ما كان لزمه كما لو اشترى شيئا
بثمن مؤجل ثم تفاسخا الشركة فان أداها الشريك قبل الفرقة أو بعدها كان له أن يرجع على الذي
أمر شريكه بالكفالة لأنه كما قام مقام الشريك في وجوب المال عليه والأداء إلى الطالب
فكذلك في الرجوع على الأصيل وهذا لان بالكفالة كما وجب المال للطالب على كل واحد
من الشريكين وجب أيضا لكل واحد منهما على الأصيل الذي أمر أحدهما بالكفالة لان
أمره أحدهما كأمره إياهما فإنهما بعقد المفاوضة صارا كشخص واحد وكذلك لو أداه بعد موت
الكفيل لأنه مطالب بالمال بعد موته كان مات قبله فان مات المفاوض الذي لم يكفل قبل حل
الاجل فالمال يحل عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله ولا يحل على الحي منهما لان الاجل كان
ثابتا في حق كل واحد منهما إلا أن الميت استغنى عن الأصيل بموته والحي يحتاج إلى ذلك
والميت لا ينتفع ببقاء الاجل بل يتضرر بذلك لان يد الوارث لا تبسط في التركة والحي ينتفع
بالأجل فيبقى الاجل في حق الحي منهما دون الميت وحلول المال على الميت منهما بعد الموت
لا يوجب حلوله على الآخر لان الشركة قد انقطعت بموته فأما في شركة العنان والمضاربة
إذا كفل أحدهما بمال أو نفس لم يلزم شريكه منه شئ لان الشركة بينهما تتضمن الوكالة في
التجارة دون الكفالة فالدين الذي يجب على أحدهما بمباشرة سببه يكون الآخر كالأجنبي فيه
فلا يطالب بشئ منه وإذا كان لرجل على رجل حنطة سلم وبه كفيل فأداه الكفيل ثم صالح
المكفول عنه على دراهم أو عرض أو مكيل أو موزون يدا بيد فهو جائز لان ما يرجع به
الكفيل على الأصيل ليس بسلم فان السلم اسم لما يجب بعقد السلم وهذا إنما يجب للكفيل على
الأصيل بعقد الكفالة وهو عقد آخر سوى السلم (ألا ترى) أنه لو كفل ببدل الصرف أو برأس
مال السلم وأداه في المجلس ثم فارق الأصيل قبل أن يرجع به عليه جاز ذلك لان ما يرجع به
66

الكفيل على الأصيل بمنزلة بدل القرض فان الكفيل يصير مقرضا ذمته من الأصيل بالالتزام
للمطالبة بالكفالة ثم يصير مقرضا ماله منه بالأداء عنه فما يرجع به عليه يكون بدل القرض
والاستبدال ببدل القرض صحيح ولو كان شئ من ذلك نسيئة لم يجز الا الطعام لان ذلك
يكون دينا بدين فأما إذا صالحه بكر من حنطة إلى أجل فهو جائز لأنه لا مبادلة هنا بل هو
تأجيل في عين ما استوجب الرجوع به عليه * فان قيل فأين ذهب قولكم انه بمنزلة القرض
والأجل في القرض لا يلزم * قلنا هو في حكم القرض وأما في الحقيقة فليس بقرض بل هو
واجب بعقد مآلا وهو الكفالة والأجل في القرض إنما لم يلزم بمنزلة الإعارة وهو غير
موجود فيما وجب بعقد الكفالة فلهذا صح تأجيله فيه ولو صالحه على شئ قبل أن يؤدي
كان جائزا لأنه بنفس الكفالة وجب الدين للكفيل على الأصيل كما وجب للطالب على الكفيل
ولكنه مؤجل على أن يؤدي عنه والصلح عن الدين المؤجل قبل حلول الأجل صحيح فان
أدى الأصيل الطعام إلى الطالب رجع على الكفيل بطعام مثله في ذلك كله (ما خلا خصلة
واحدة) وهي ما إذا كان صالحه على طعام أقل من ذلك فإنه لم يرجع الا بمثل ما أعطاه لان
هذا كان منه اسقاطا لبعض حقه واستيفاء للبعض فلا يرجع عليه الا بقدر ما أوفاه وفيما
سواه كان الصلح بينهما مبادلة وكان الكفيل كالمستوفي منه جميع الطعام بما أخذه من عوضه
وإنما استوفى ذلك ليقضى عنه ما عليه للطالب فإذا لم يفعل كان للأصيل أن يرجع عليه بما استوفى
منه كما إذا أوفاه الطعام حقيقة ولو أخذ الكفيل الطعام من الأصيل قبل أن يؤديه ثم أداه كان
التأجيل صحيحا لأنه استوجب المال عليه بعقد الكفالة قبل الأداء والتأجيل في الدين بعد
وجوبه صحيح ولو صالح الكفيل الأصيل على دراهم ثم افترقا قبل أن يقبضها فالصلح باطل
لأنه استوجب عليه الطعام دينا فإذا صالحه على دراهم كان دينا بدين فلا يكون عفوا بعد
المجلس والدراهم لا تتعين بالتعيين ما لم تقبض وكذلك لو صالحه على شئ بغير عينه مما يكال
أو يوزن ما خلا الطعام فإنه إن صالحه على نصف كر حنطة إلى أجل فهو جائز لأنه لا مبادلة
بينهما في هذا الصلح وإنما حط عنه نصف الكر وأجله في ذلك النصف وذلك مستقيم والله أعلم
(باب الكفالة والحوالة إلى أجل)
(قال رحمه الله) وإذا كان لرجل على رجل مائة درهم إلى أجل مسمى فضمنها رجل عنه إلى
67

أجل دون ذلك أو أكثر منه أو مثله فهو جائز على ما سمى أما إذا لم يسم الكفيل شيئا فالمال
عليه إلى ذلك الاجل لأنه بالكفالة إنما يلتزم المطالبة التي هي ثابتة على الأصيل والمطالبة بهذا
المال على الأصيل بعد حل الاجل فيثبت ذلك على الكفيل أيضا وأما إذا كفل به إلى مثل ذلك
فقد صرح بما هو مقتضى مطلق الكفالة والتصريح بمقتضى العقد لا يزيده الا وكادة وأما
إذا كفل به إلى أجل دون ذلك فلانه لو كفل به حالا لزمه المال في الحال لان الأصيل لو
أسقط الاجل لزمه المال في الحال فكذلك الكفيل وكفالته على أن يؤديه حالا بمنزلة اسقاط
الاجل فإذا جاز في جميع الاجل جاز في بعضه وان كفل به إلى أجل أكثر من ذلك فلانه
لو كان المال حالا على الأصيل فكفل به الكفيل إلى أجل مسمى صح ولم يطالب الكفيل
الا بعد حل الاجل فكذلك إذا كفل به إلى أجل أكثر من الاجل في حق الأصيل فإن كان
أصل المال حالا فأخذ الطالب المطلوب حتى أقام له به كفيلا إلى سنة فهو جائز والتأخير
عنهما جميعا لأنه أضاف التأجيل إلى أصل المال وأصل المال ثابت في ذمة المطلوب فيثبت
الاجل فيه ثم يثبت في حق الكفيل بثبوته في حق الأصيل وهذا بخلاف ما إذا أجل الكفيل
سنة لان التأجيل هنا غير مضاف إلى أصل المال بل هو مضاف إلى المطالبة التي التزمها الكفيل
بالكفالة فيبقى أصل المال حالا على الأصيل ولو أن الكفيل أخر المطلوب بعد الحل إلى أجل
مسمى كان التأخير عن المطلوب للكفيل دون الطالب لأنه أضاف التأخير إلى ما استوجبه
على الأصيل بالكفالة وذلك في حكم دين آخر سوى دين الطالب ولان التأخير تصرف من
الكفيل باسقاط حق المطالبة إلى مدة وذلك صحيح منه على نفسه دون الطالب (ألا ترى) أنه لو
صالحه على ثوب أو أبرأه عن بعضه جاز ذلك عليه دون الطالب ولم يرجع به على المكفول عنه حتى
يمضى الاجل كما لو أجله بعد الأداء ولو أجل المال عليهما ثم أخر الطالب الأصيل سنة فهو
تأخير عنهما ولو أخر الكفيل سنة كان له أن يأخذ الأصيل بها حالة اعتبارا للتأجيل بالابراء
فكما أن ابراء الكفيل لا يوجب براءة الأصيل وابراء الأصيل يوجب براءة الكفيل فكذلك
التأخير وبعد ما أخر الأصيل إذا أدى الكفيل المال قبل الاجل لان اسقاط الكفيل الاجل
صحيح منه فيما بينه وبين الطالب ودعواه غير صحيحة منه في حق المطلوب وإن كان أخر الكفيل
سنة ثم أداه الكفيل قبل الاجل كان له أن يرجع على الأصيل في الحال لان المال حال على
الأصيل (ألا ترى) أن الطالب كان يطالبه به حالا فكذلك الكفيل يطالبه حالا بعد الأداء
68

بخلاف ما سبق والكفالة بالقرض إلى أجل مسمى جائزة لان بدل القرض مضمون تجرى
النيابة في أدائه فتصح الكفالة به وهو على الكفيل إلى أجل وعلى المكفول عنه حالا لما بينا
أن الكفيل إنما التزم المطالبة بالعقد وذلك يقبل التأخير بالتأجيل ولو كفل رجل مالا عن رجل
ثم كفل به عن الكفيل كفيل آخر وأخر الطالب عن الأصيل سنة فهو تأخير عن الكفيلين
لان أصل المال في ذمة الأصيل فإذا صار ما في ذمته مؤجلا ثبت الاجل فيما هو بناء عليه
(ألا ترى) انه لو أبرأ الأصيل منها برئ الكفيلان جميعا وان أخر عن الكفيل الأول فهو
تأخير عنه وعن الكفيل الآخر والمال على الأصيل حال اعتبار التأجيل بالابراء وهذا لان
المطالبة التي التزمها الكفيل الثاني بناء على المطالبة التي هي على الكفيل الأول فالتأجيل في
حق الكفيل الأول يكون تأجيلا في حق الثاني دون الأصيل ولو كفل رجل عن رجل
بألف درهم إلى سنة ثم إن الكفيل باع الطالب بها عبدا قبل الاجل وسلمه إليه فاستحق العبد
فالمال على الكفيل إلى أجله بمنزلة ما لو كانت هذه المعاملة للطالب مع الأصيل وهذا لان
الاجل إنما سقط حكما للعقد وقد انتقض العقد من الأصيل باستحقاق العبد فكان المال عليه
إلى أجله وكذلك لو رده المشترى بعيب بقضاء قاض لان الرد بالعيب بقضاء القاضي فسخ
للعقد من الأصل ولو رد بغير قضاء قاض ولم يسم أجلا فالمال حال على الكفيل لان هذا
بمنزلة الإقالة بمنزلة العقد الجديد فإنها تعتمد التراضي الا انها جعلت فسخا فيما بين المتعاقدين
فيما هو من أحكام العقد الذي جرى بينهما والأجل ليس من ذلك في شئ فكان في حكم
الاجل هذا بمنزلة عقد مبتدأ فلا يثبت الاجل في بدله الا بالشرط ولو كان قضاه الألف
معجلة نبهجرة فوجدها ستوقة فردها عليه كان المال عليه إلى أجله لأنه تبين انه ما صار قابضا
لدينه وسقوط الاجل من حكم قبضه فإذا لم يصر قابضا كان المال مؤجلا عليه وكذلك أن
وجدها زيوفا فردها بقضاء قاض أو بغير قضاء قاض لان الرد بعيب الزيافة فسخ للقبض
من الأصل بدليل أن الراد ينفرد به وان يرجع بموجب العقد والعقد لا يوجب التسليم مرتين
فلو لم ينتقض القبض من الأصل ما كان له أن يرجع بموجب العقد وهذا لان الزيوف غير
الجياد التي هي دين في الذمة فالمقبوض إنما يكون حقا له على أن يتجوز به فإذا لم يتجوز به
ورده عرف أن المقبوض لم يكن حقا له وسقوط الاجل كان باعتبار أنه قبض حقه فإذا انعدم
ذلك بقي الاجل كما كان وإن كان حين أعطاه المال أعلمه انها زيوف فهو جائز لأنه تجوز
69

بدون حقه فيصير الكفيل به قابضا دينه ولا يجعل هذا مبادلة للأجل بالصفة لأنه كان من
غير شرط بينهما وإنما تتحقق المبادلة إذا كان شرط ثم يرجع الكفيل على الأصيل بالجياد لأنه
بالكفالة استوجب ذلك عليه ولو أن الكفيل أحاله بالمال على رجل إلى أجل أو حال فمات
المحتال عليه مفلسا رجع المال على الكفيل إلى أجله لان الحوالة تنفسخ بموت المحتال عليه مفلسا
على ما بينا فإنما يعود الحكم الذي كان قبل الحوالة وهو أن المال عليه إلى أجله ولو كفل رجل عن
رجل بألف درهم وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه على أن المال على أحدهما إلى سنة
وعلى الآخر إلى سنتين فهو جائز لان هذا هو الشرط لما جاء في الحديث الشرط أملك أي
يجب الوفاء به إذا أمكن وهو ممكن هنا لما بينا أن ما يلتزمه كل واحد من الكفيلين ينفصل
عما يلتزمه الآخر في حكم الاجل فان حل الاجل على صاحب السنة بأدائه رجع به على
الأصيل لان المال عليه حال وقد كفل هذا الكفيل عنه بأمره وأداؤه لا يرجع به على
الكفيل الآخر حتى تمضى سنة أخرى لان المال عليه مؤجل إلى سنتين وهو كفيل عنه إلى
سنة فكما أن الطالب لا يطالبه بذلك إلا بعد سنتين فكذلك المؤدى عنه بحكم الكفالة لا يطالبه
بشئ منه حتى تمضى السنتان ولو كان الأصيل باع الطالب عبدا بالمال وسلمه إليه برئ
الكفيل من الكفالة لبراءة الأصيل فان رد الطالب العبد عليه بعيب بغير قضاء قاض لم يرجع
المال على الكفيل لان هذا الرد بمنزلة عقد مبتدأ في حق الكفيل وان رده بقضاء قاض أو
استحق العبد من يده رجع المال على الكفيل لان بهذا السبب ينفسخ العقد من الأصل في
حق الكل فيعود ما كان قبل العقد وهو المال على الأصيل والكفيل جميعا وإذا كان لرجل
على رجل ألف درهم حالة أو إلى سنة فأحاله بها على رجل إلى سنة ثم مات المحيل وهي على
المحتال عليه إلى الاجل لان بالحوالة تحول أصل المال إلى ذمة المحتال عليه وثبت الاجل حقا
له وهو حي محتاج إلى الاجل فيبقى الاجل في حقه بعد موت المحيل وان مات المحتال حل
المال عليه لأنه استغنى عن الاجل بموته فإن لم يترك وفاء رجع المال إلى المحيل فإن كان إلى
أجل فهو عليه إلى ذلك الاجل وإن لم يكن له أجل فهو حال عليه لان الحوالة تنفسخ بموت
المحتال عليه مفلسا فعاد ما كان من الحكم قبل الحوالة ولو كان لرجل على رجل ألف درهم قرض
وللمطلوب على آخر ألف درهم قرض فأحال المطلوب الطالب بالألف التي للمطلوب على
الآخر إلى سنة فهو جائز وهي له إلى سنة لأنها إنما تجب للطالب على المحتال عليه بعقد
70

الحوالة والواجب بعقد الحوالة كالواجب بعقد الكفالة في صحة اشتراط الاجل فيه وليس
للمحيل أن يأخذ المحتال عليه بالألف التي كانت له عليه لأنه إنما قبل الحوالة مقيدة بذلك
المال فصارت مشغولة بحق الطالب ولا يبقى للمحيل سبيل على أخذها لو كانت عينا له في يد
المحتال عليه فكذلك إذا كانت دينا في ذمته وان أبرأه منها أو وهبها له لم يجز لان حق
الطالب تعلق بها وذلك يوجب الحجر على المحيل عن التصرف فيها ولو صح منه هذا التصرف
بطل حق الطالب قبل المحتال عليه لأنه ما التزم الحوالة بالمال مطلقة وإنما التزمها مقيدة بذلك
المال فإذا سقطت عنه بالابراء أو الهبة لم يبق عليه مطالبة بشئ (ألا ترى) أن الحوالة لو كانت
مقيدة بوديعة في يد المحتال عليه فهلكت تلك الوديعة بطلت الحوالة فان مات المحيل وعليه
دين فما كان قبض المحتال له في حياته فهو له وما لم يقبضه فهو بينه وبين الغرماء وعلى قول زفر
رحمه الله الطالب أحق به من الغرماء لأنه بمنزلة المرهون وقد تقدم بيان هذه المسألة فيما
أمليناه من شرح الزيادات ولو أحال رجل رجلا على رجل بألف درهم إلى سنة ثم إن المحتال
عليه ترك الاجل وجعلها حالة كان ذلك جائزا لان الاجل حقه فيسقط باسقاطه كما لو أسقط
الأصيل الاجل قبل الحوالة فان أداها لم يرجع بها على الأصيل المحيل حتى يمضى الاجل لان
اسقاط الاجل صحيح في حقه لا في حق المحيل ولو كان دينا للمحيل على المحتال عليه ثم إن
المحيل قضي المال من عنده كان له أن يرجع بها على المحتال عليه وليس هذا بتطوع عنه لان
أصل دينه بقي على المحتال عليه إلا أنه كأن لا يطالبه به لاشتغاله بحق الطالب فإذا زال ذلك
الشغل بأن قضاه المال من عند نفسه كان له أن يرجع بها على المحتال عليه وإنما لم يجعل هذا
تطوعا منه لأنه قصد به تخليص ذمته عن حق الغرماء بخلاف ما إذا قضاه عنه غيره فإنه يكون
متطوعا في ذلك لأنه ما قصد هذا المؤدى تخليص شئ لنفسه وهو نظير المعير للرهن إذا
قضى الدين لم يكن متبرعا فيه بخلاف ما إذا قضاه غيره وإذا كان المؤدى متطوعا كان المال
الذي عليه له لا سقوط دين الطالب عنه بابراء المتطوع كسقوطه بأداء نفسه ولو أحال رجل
بمال لابنه الصغير على رجل إلى رجل لم يجز وكذلك الوصي لان الحوالة ابراء الأصيل والأب
والوصي لا يملكان الابراء في دين الصغير وكذلك الوكيل إذا لم يفوض إليه الموكل ذلك
والمراد الوكيل بالقبض لأنه ثابت في الاستيفاء وقبول الحوالة ابراء للأصيل وليس باستيفاء
فاما الوكيل بالعقد إذا أحال رجل على رجل بمال إلى أجل ثم إن المحتال عليه أحاله على آخر إلى
71

أجل مثل ذلك أو أكثر أو أقل لم يكن له أن يرجع على الطالب حتى يقبض الطالب ماله لان
بالحوالة لم يصر الطالب مستوفيا شيئا والمال بعرض العود على الأصيل فإنه تنفسخ الحوالتان
بموت المحتال عليه عليهما مفلسين ولو احتال رجل على رجل بمال إلى أجل ثم مات المحتال
عليه وترك وفاء وعليه دين فكان في طلب الغرماء وقسمته تأخير بعد الاجل لم يكن للطالب
أن يرجع على الأصيل حتى ينظر إلى ما يصير أمره لان الحوالة باقية بعد موت المحتال عليه
مليا فان تركته خلف فيما هو المقصود وهو قضاء الدين منه ومع بقاء الحوالة لا سبيل للطالب
على المحيل في المطالبة بشئ والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
(باب الأمر بالضمان)
(قال رحمه الله) وإذا أمر رجل رجلا أن يضمن لرجل ألف درهم وليس بخليط له فضمنها
له فهي لازمة الكفيل يأخذه بها الطالب لأنه التزمها وهو من أهله والمضمون ما يكون لازما
في ذمته ويكون هو مجبرا على أدائه فإذا أداها لم يرجع بها على الآمر لأنه لم يأمره أن يضمن
عنه ولم يشترط الكفيل لنفسه ضمانها عليه وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو قول
أبى يوسف الأول رحمه الله ثم رجع فقال يرجع بها على الذي أمره لان أمره إياه بالضمان
بمنزلة الاعتراف منه أن المال عليه وانه يلتزم المطالبة عليه من المال ويسقط المطالبة عنه بالأداء
وقد بينا هذه المسألة فأعادها في الفروع ولم يذكرها فيما سبق وقال إن قال الكفيل انى لم
أضمن لك دينا كان لك على أحد وإنما ضمنت لك مالا لم يكن علي ولا على غيري فان الطالب
لا يكلف شيئا ولا يطلب منه تفسير وجه هذا المال من أين كان وكيف كان ولكن كان
الكفيل يؤخذ بالضمان باقراره أو بالبينة التي قامت للطالب عليه بالضمان والكفيل هو الذي
ضيع حقه حين كفل على وجه لا يستطيع الرجوع به على أحد وهذا لان مطلق العقود الشرعية
محمولة على الصحة وقد باشر الكفيل الكفالة ظاهرا ووجه صحتها أن يكون ملتزما للمطالبة
بما هو واجب على الأصيل فيصير هو مقرا بذلك ثم هو بالكلام الثاني رجع عما أقر به أولا
فيكون رجوعه باطلا واقراره وإن لم يكن حجة على غيره فهو حجة عليه بمنزلة ما لو قال لفلان
على فلان ألف درهم وأنا بها كفيل عنه بأمره وأنكر الأصيل ذلك كله فان المقر يطالب
بالمال ولا يرجع به على أحد إذا أدى وكذلك لو قال رجل لاخر أكفل لفلان بألف درهم
72

ففعل أو قال احتال عليك فلان بألف درهم فأشهد له الآخر أنه قال احتال عليه بألف درهم
فالمال لازم للكفيل لمباشرته سبب الالتزام وهو الكفالة والحوالة وليس على الآمر من ذلك
شئ لأنه أمره بالكفالة عنه وليس من ضرورة أمره إياه بالكفالة والحوالة وجوب أصل
المال عليه لان الكفالة والحوالة من المباشر كما تجوز بالمال الذي على الآمر لفلان تجوز
بالمال الذي على غيره لفلان ويحتمل أن يكون الآمر رسول ذلك المطلوب إليه أو فضوليا
أمره بذلك ومع الاحتمال لا يثبت المال عليه وكذلك لو كان الامر عبدا أو مكاتبا أو صبيا
وإن كان المأمور صبيا تاجرا لم يجب عليه الضمان لأنه ليس من أهل الالتزام بالكفالة سواء
كان المال على الآمر أو غيره وإن كان المأمور مرتدا فان أسلم فضمانه جائز عليه وان قتل
على الردة فضمانه باطل في قول أبي حنيفة رحمه الله كسائر تصرفاته وان لحق بالدار فذلك بمنزلة
موته فنقول إن رجع مستأمنا أخذناه بالضمان هكذا في بعض النسخ من الأصل والصحيح
فان رجع مسلما لان المرتد لا يعطى الأمان وإذا خرج مستأمنا قتل على الردة إن لم يسلم وكان
الضمان باطلا عند أبي حنيفة رحمه الله وإذا قال رجل لآخر اضمن لفلان ألف درهم التي له
على أو قال أحلت لفلان عليك بألف درهم له على أو قال اضمن لفلان ألف درهم على أنها
لك على أو قال على أنى ضامن لها أو قال على أنى كفيل بها أو قال على أن أؤديها إليك
أو قال على أن أؤديها عنه فضمن له فهو جائز ويرجع به الكفيل على الامر إذا أداه لان في
كلام الآمر تصريحا بوجوب المال عليه للطالب فيكون هذا أمرا منه للمأمور في ذمته
مما يؤديه من ماله أو التزاما له ضمان ما يؤديه إلى الطالب وذلك يثبت حق الرجوع له عليه
إذا أدى وإذا أمر رجل خليطا له أن يضمن لفلان ألف درهم فضمنها له والآمر مقر بأن
الألف عليه فأدى الكفيل المال رجع به على الآمر استحسانا لان الخلطة بينهما تقوم
مقام تصريحه بالأمر بالكفالة عنه فان الخلطة بينهما مقصودة لهذا وهو أن يؤدي عنه ما عليه
ليرجع به عليه فنزل ذلك منه منزلة قوله اضمن لفلان عنى والخليط عندنا هو الذي يأخذ منه
ويعطيه ويداينه ويضع المال عنده وكل من في عياله فهو بمنزلة الخليط نحو ابنه الكبير إذا كان
في عياله لأنه يحفظ ماله في يده ولهذا لو وضع الوديعة عنده لم يكن ضامنا وكذلك أن أمر
الابن أباه والابن كبير في عيال أبيه أو المرأة زوجها فهو مثل ذلك كل واحد منهما يحفظ ماله
بيد صاحبه فذلك بمنزلة الخلطة بينهما وإذا أحال رجل رجلا على رجل بألف درهم كانت للمحيل
73

على المحتال عليه فأداها فقال المحيل المال لي وقال المحتال المال لي فالقول للمحيل لان وجوب
المال للمحيل على المحتال عليه معلوم ووجوب المال للمحتال غير معلوم وفى هذه الحوالة
احتمال يجوز أن يكون المحتال وكيلا له في قبضها من المحتال عليه ويجوز أن يكون مقصوده
اسقاط مطالبة المحتال عن نفسه بمال كان له عليه فلا يجب المال بالشك للمحتال على المحيل
ولا يثبت مع الاحتمال الا أدنى الامرين وهو أن يكون المحتال وكيلا للمحيل في قبض المال
فإذا قبضها أمر بتسليمها إليه حتى يثبت دين نفسه على المحيل وكذلك لو قال له اضمن له ألفي
التي لي عليك أو اكفل له بألفي التي لي عليك لأنه ليس في كلامه اقرار بوجوب المال
للطالب على الآمر ويحتمل أن يكون وكيلا له في قبضه من مديونه ولو أن رجلا أتى خليطا
له فقال اضمن لفلان ألف درهم فضمنها له وأداها إليه فللآمر أن يأخذها من المضمون له
وهو وكيل للآمر في ذلك وليس للكفيل أن يمتنع من دفعها إلى المكفول لأنه ليس في
كلامه اقرار بوجوب المال المضمون له عليه والخلطة بين الآمر وبين الضامن لا بينه وبين
المضمون له وتلك الخلطة لا تكون دليل وجوب المال المضمون له على الآمر فلهذا كان
المضمون له وكيل الآمر إذا قبض المال أمر بالدفع إليه وليس للضامن أن يمتنع عليه من دفعها
إلى المضمون له لأنه التزمها له بعقد الكفالة إلا أن يحضر الآمر فان حضر وادعى أن المال
له على المأمور كلف إقامة البينة على ذلك والا حلف المأمور وبرئ منهما فإذا حلف برئ
من حق الآمر والمضمون له وكيل من جهته وبراءته عن مطالبة الموكل توجب البراءة من
مطالبة الوكيل ضرورة لأنه ادعى لنفسه دينا عليه فيحتاج إلى اثباته بالبينة وإذا لم يكن له بينة
فالقول قول المنكر مع يمينه ولو كان المأمور ليس بخليط للآمر كان الضمان جائزا لأنه التزمه
بعقد الكفالة والمال للمكفول له دون الامر لان المكفول له لا يمكن أن يجعل وكيلا للآمر
هنا فان ذلك لا يكون الا بعد وجوب المال للامر على المأمور وليس في لفظه ما يدل على
ذلك ولا يثبت بينهما بدل على أنه إنما ضمن المال له وكان هذا التزاما من المأمور للمكفول
له خاصة ولو كان الكفيل خليطا للمكفول له لم يرجع على الآمر بشئ لأنه لا سبب بين
الآمر وبين المأمور والخلطة التي بين الكفيل والمكفول له لا تكون دليلا على أن الآمر
إنما أمر المأمور بالضمان عنه فلهذا لا يرجع عليه بشئ الا في قول أبى يوسف الآخر رحمه الله
على ما بينا والله أعلم بالصواب
74

(باب تكفيل القاضي في الدعوى)
(قال رحمه الله) وإذا ادعى رجل على رجل مالا عند القاضي فأنكره وسأل المدعى
أن يأخذ له كفيلا منه بنفسه وادعى أن له بينة حاضرة أخذ له منه كفيلا معروفا بنفسه ثلاثة
أيام وفى القياس لا يأخذ كفيلا لآخر بنفس الدعوى لا يجب شئ على الخصم لكون الدعوى
خبرا محتملا للصدق والكذب وفى الاجبار على اعطاء الكفيل إلزام شئ أباه وإنما تركنا
القياس للتعامل من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا فان القضاة يأمرون بأخذ
الكفيل من الخصوم من غير نكير منكر ولا زجر زاجر وفيه نظر للمدعى لأنه إذا أحضر
شهوده فلا بد من حضور الخصم ليشهدوا عليه وربما يهرب أو يخفى شخصه فيعجز المدعى عن
اثبات حقه عليه وفى أخذ الكفيل بنفسه ليحضره نظر للمدعى ولا ضرر فيه على المدعى عليه
فهو نظير الاستخلاف والخصم يستحلف عند طلب المدعى بعد انكاره وإن لم يتوجه له حق
في تلك الدعوى ولكن فيه منفعة للمدعى من غير ضرر فيه على الخصم إذا كان محقا في انكاره
وكذلك الاشخاص إلى بابه يثبت بنفس الدعوى بما لها من النظر للمدعى فكذلك أخذ
الكفيل وشرط أن يكون الكفيل معروفا لان مقصود المدعي لا يحصل بالمجهول فقد يهرب
ذلك المجهول مع الخصم والتعذير بثلاثة أيام ليس بلازم ولكن يأخذ كفيلا إلى المجلس الثاني
وقد كان القاضي فيهم يجلس بنفسه كل ثلاثة أيام وإن كان يجلس في كل يوم فربما يعرض
للمدعى عارض فيتعذر الحضور في المجلس أو المجلسين وإنما أخذ الكفيلين لنظر المدعى فيؤخذ
الكفيل على وجه لا يؤدى إلى التعنت في حق المدعى وان قال بينتي غيب لم يأخذ له منه
كفيلا لأنه لا فائدة في أخذ الكفيل هنا فالغائب كالهالك من وجه وليس كل غائب يؤب
وان أراد المدعى استحلاف الخصم يمكن منه في الحال فلا معنى للاشتغال بأخذ الكفيل
وكذلك أن أقام شاهدا واحدا لان بالشاهد الواحد لا يثبت للمدعى شئ كما يثبت بنفس
الدعوى وان قال لا بينة لي وأنا أريد أن أحلفه فخذ لي منه كفيلا لم يأخذ منه كفيلا ولكنه
يستحلفه مكانه لان حكم اليمين لا يختلف باختلاف الأوقات والقاضي مأمور بفصل الخصومة
في أول أحوال الامكان وذلك في أن يستحلفه للحال بكون المدعى طالبا لذلك فلا معنى للاشتغال
بأخذ الكفيل وان قال بينتي حاضرة فخذ لي منه كفيلا فقال المطلوب له ولى كفيل فإنه يأمر
الطالب أن يلزمه ان أحب حتى يحضر شهوده لان الملازمة فعل متعارف قد كان على عهد
75

رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على أبي بن كعب
رضي الله عنه وهو يلازم غريما له الحديث وليس تفسير الملازمة أن يقعده في موضع ويقعد
إلى جنبه فان ذلك حبس وليس له ذلك قبل أن يثبت دينه عليه ولكن (تفسير الملازمة)
أن يدور معه حيثما دار فإذا دخل على أهله قعد من يلازمه على باب داره وإن كان يخاف
أن يهرب من جانب آخر فاما أن يقعد معه على باب داره حيث يراه أو يأذن له في أن يدخل
معه ليلازمه إذ المقصود هو الامن من هروبه والتمكن من احضاره إذا أحضر شهوده
ولا يحصل الا بذلك وان أحب أن يستحلفه فعل لان اليمين حق الدعوى قبل المدعى عليه وله
فيه غرض صحيح وهو التوصل إلى حقه في أقرب الأوقات بنكوله وفيه اختلاف بين
أبي حنيفة وصاحبيه رحمهما الله وموضع بيانه شرح أدب القاضي للخصاف رحمه الله ولا ينبغي
أن يسجنه لان الحبس أقوى العقوبات في دعوى المال فلا يثبت بمجرد الدعوى قبل أن
يثبت المال عليه وان قال الطالب خذ لي منه كفيلا بالعين التي ادعيتها في يده أخذ له كفيلا بها
أيضا لأنه لا يتمكن من إقامة البينة الا باحضار العين وربما يخفيها الخصم ولا وجه لاخراجها
من يده قبل إقامة المدعى حجته وكان أخذ الكفيل بها وأخذ الكفيل بنفسه سواء وإن كان
الكفيل بنفسه وبذلك الشئ واحدا جاز لان المقصود حاصل وان أراد الطالب كفيلا بنفسه
ووكيلا في خصومته فان القاضي يأمر المطلوب أن يعطيه ذلك ثلاثة أيام هكذا قال هنا لان
الخصم ربما لا يبالي بالكفيل بالنفس ويهرب فلا يتمكن المدعى من اثبات حقه بالبينة على
الكفيل وفى الزيادات قال لا يجبر على اعطاء الوكيل في خصومته هذا هو الأصح لان المدعى
عليه يقول أنا أهدى إلى الخصومة من غيري خصوصا في هذه الحادثة وربما لا ينظر الوكيل
ولا يشتغل بالدفع بما أشتغل به إذا حضرت ففي الاجبار على اعطاء الكفيل اضرار به
والقاضي ينظر لاحد الخصمين على وجه لا يضر بالآخر فإذا أراد الطالب أن يكون ضامنا
لما قضى له عليه فان القاضي لا يجبر المطلوب على ذلك لان بعد اثبات الدين لا يجبر الخصم على
اعطاء الكفيل به فقبل اثباته أولى وهذا بخلاف ما إذا كان المدعى عينا فان هناك لا يتمكن
من اثبات المدعى الا باحضار العين وهنا يتمكن من اثبات الدين عند احضار الخصم وإنما
الكفيل بالمال هنا للتوثق لجانب المطالبة ولم تتوجه له مطالبة بالمال قبل اثباته فكيف يجبر
على اعطاء الكفيل به وان بعث القاضي مع الطالب رسولا يأخذ له كفيلا فكفل به الكفيل
76

الطالب أو أحضره القاضي فكفل عنده ثم رده الكفيل إلى الطالب برئ لان الكفالة كانت
له وقد أوفاه حقه حين سلم نفس الخصم إليه وان كانت الكفالة للقاضي أو لرسوله الذي
كفل له به وقال زفر رحمه الله يبرأ لان الكفالة للطالب في الوجهين جميعا فإنها تنبنى على
دعواه ولكنا نقول المقصود لا يعتبر مع التصريح بخلافه وقد صرح الكفيل بالتزام النفس
إلى القاضي أو إلى رسوله فلا يبرأ بدونه وان كفل له بنفسه إلى ثلاثة أيام فتغيب الطالب
فالكفيل على كفالته حتى يدفع صاحبه إليه ويبرأ منه لان التزام التسليم إليه لا يبرأ بمضي
الوقت بدون الوفاء بما التزم والعبد التاجر والمكاتب والصبي التاجر مطلوبا كان أو طالبا
والمستأمن والذمي والمرتد في جميع ذلك بمنزلة الحر المسلم لان الكفالة بالنفس تنبنى على الدعوى
والدعوى صحيحة من هؤلاء وعليهم وان قدم رجل مكاتبه إلى القاضي وادعى مضى أجل
الكتابة وقال بينتي حاضره فخذ لي منه كفيلا بنفسه لم يأخذه لأنه عبده والمولى لا يستوجب
على عبده حقا قويا يصح التزامه بالكفالة (ألا ترى) أنه لو كفل عن المكاتب لمولاه ببدل
الكتابة الذي عليه لم يجز ذلك وكذلك لا يأخذ كفيلا بنفسه في دعوى ذلك قبله (ألا ترى)
أن المكاتب يتمكن من أن يعجز نفسه فلا يطالب بشئ من ذلك وكذلك لو ادعى على عبد له
تاجر دعوى وعليه دين أو لا دين عليه فان المولى لا يستوجب على عبده دينا ولو ادعى المكاتب
قبل مولاه دينا فإنه يؤخذ للمكاتب كفيل بنفس المولى لأنه يستوجب قبل مولاه من الحق
ما يستوجبه قبل غيره (ألا ترى) أنه لو كفل كفيل بالدين الذي له على مولاه جاز فكذلك
يؤخذ له الكفيل بنفسه وكذلك العبد التاجر يدعى قبل مولاه دينا وعلى العبد دين لان كسبه
حق غرمائه فهو يستوجب قبل مولاه حق غرمائه وإن لم يكن على العبد دين لم يؤخذ له
من مولاه كفيل لان كسبه خالص حق المولى ولا حق له قبل مولاه إذا لم يكن عليه دين
وان ادعى رجل دعوى والمدعى عليه محبوس في حق رجل فأراد الطالب أن يخرجه من
السجن حتى يخاصمه فقال الذي حبسه خذ لي منه كفيلا بنفسه فيما لي عليه فإنه يخرجه له
ويخاصمه وهو معه حتى يرده إلى محبسه ولا يأخذ منه كفيلا بنفسه لأنه في يده وهو محبوس
معناه إنما يخرجه مع أمينه وهو في السجن محبوس في يد أمينه فكذلك إذا أخرجه ولا غرض
للطالب هنا في المطالبة بالكفيل سوى التعنيت فلا يحبسه القاضي إلى ذلك وقال أبو يوسف
ومحمد رحمهما الله في الكفالة بالنفس لا يجعل لها أجلا إنما ذلك على قدر خلوصه إلى القاضي
77

حتى إذا كان يمكنه من التقدم إلى القاضي في أكثر من ثلاثة أيام جاز ذلك على أكثر من
ثلاثة أيام وهذا عندهم جميعا لان المعتبر توفير النظر على المدعى وإذا كانت الدعوى في شئ
بعينه فخفت أن يغيبها المطلوب وكانت غير معينة وضعتها على يدي عدل ولم أجعل لذلك وقتا
وجعلته بمنزلة الكفالة لان في التعديل هنا معنى النظر للمدعى وليس فيه كثير ضرر على
المدعى وقد بينا انه يأخذ كفيلا بتلك العين ولكن المقصود ربما لا يتم بأخذ الكفيل بأن يغيبها
الخصم ولم يعرف الشهود أوصافها فلا يتمكنون من أداء الشهادة فإن كان ذلك مما يعرفه الشهود
أو مما لا يمكن تعيينه أصلا لم يصفه على يدي عدل لان النظر يتم بأخذ الكفيل بمحضر من
ذلك الشئ وأما العقار فليس فيه كفالة ولا يوضع على يدي عدل حتى يقيم البينة لان تعيينه
غير ممكن ولا حاجة إلى احضارها لإقامة البينة وإنما إقامة البينة بذكر الحدود فان قامت بينة
وكانت أرضا فيها نخيل تمر فلا بد من أن يوضع هذا على يدي عدل إذا خيف على المطلوب
استهلاكه لأنه لما أقام البينة فقد ثبت حقه من حيث الظاهر (ألا ترى) انه لو قضى القاضي
له قبل أن تظهر عدالة الشهود بعد قضائه فمن تمام النظر له أن يوضع على يدي عدل لكيلا
يتمكن المطلوب من استهلاكه ويؤخذ الكفيل في دعوى الدين وفى العتق والطلاق وجميع
أجناس حقوق العباد مما لا يندرئ بالشبهات وإذا ادعى المدعى ألف درهم وقال سله أيقر
بمالي أو ينكره فإنه ينبغي للقاضي أن يسأله عن ذلك ليعلم المدعى انه بماذا يعامله الناس فان
أنكر قال للمدعى أحضر بينتك وإن لم يقر ولم ينكر قال للمدعى أحضر البينة لان الساكت
بمنزلة المنكر وإن لم يكن للمدعى بينة وطلب يمينه فإن كان أنكر استحلفه القاضي له وإن لم
يقر ولم ينكر فقد روى عن أبي حنيفة رحمه الله أن القاضي لا يستحلفه ولكن يحبسه ليتجنب
خصمه لان الاستحلاف لترجح جانب الصدق في انكار المدعى عليه فلا معنى للاشتغال به قبل أن
كاره وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله أن القاضي يستحلفه لان سكوته قائم مقام الانكار
شرعا حتى يقبل عليه البينة بعد سكوته فكذلك يعرض اليمين على الساكت حتى يقضى عليه
بالنكول لحق المدعى ولا ينبغي للقاضي أن يحبسه حتى يقر أو ينكر ولا يجبره على ذلك لأنه
ما ثبت عليه شئ بمجرد سكوته فلا يعاقبه بالحبس والمقصود حاصل من غير أن يجبره على
الانكار لان سكوته قائم مقام انكاره فان المنكر ممتنع والساكت كذلك وان قال المطلوب
للقاضي سل الطالب من أي وجه يدعى على هذا المال سأله من غير أن يجبره على ذلك فان
78

أبى أن يبين وجهه سأله البينة لأنه بدعوى المال قد تم ما كان محتاجا إليه من جانبه وربما
يضره بيان الجهة وليس للقاضي أن يجبر أحدا على ما يضره ولا أن يحبسه إذا امتنع من ذلك
ولكن يسأله البينة فإن لم تكن له بينة استحلف المطلوب بالله ماله قبله هذا الحق ولا شئ منه
فان حلف دعا المدعى ما على شهوده وفى هذا بيان ما ان للمدعى أن يستحلف الخصم وإن كان
شهوده حضورا وهو قولهما فأما عند أبي حنيفة رحمه الله فلا يستحلفه إذا زعم المدعى أن
شهوده حضور هكذا ذكره في النوادر لان مقصود المدعى من ذلك هتك ستر المدعى عليه
وافتضاحه وإذا شهد شاهدان لرجل على رجل بألف درهم فقال أحدهما هي بيض وقال
الآخر سود وللبيض صرف على السود فان ادعى الطالب البيض أو ادعى المالين جميعا
قضيت له بالسود لاتفاق الشاهدين على ذلك لفظا ومعنى فان البياض صفة زائدة لا ثبت
بشهادة أحدهما وتبقى شهادتهما على أصل الألف فيقضى بالقدر المتيقن وهو الشهود وان ادعى
المدعى السود بطلت شهادة الشاهد على البيض لأنه أكذبه في ذلك ولا يقضى له بالسود حتى
يحضر شاهدا آخر عليها وكذلك لو أشهد بكر حنطة فقال أحدهما جيد والاخر ردئ
أو شهد أحدهما بكر حنطة والآخر بكر شعير لم يقض القاضي بشئ لان لكل واحد من الجنسين
شاهدا واحدا والمدعى إنما يدعى أحدهما فيكون مكذبا أحد شاهديه ولو ادعى عليه مائة
درهم فشهد له بها شاهد والآخر بمائتين لم تقبل الشهادة في قول أبي حنيفة رحمه الله وفى
قولهما تقبل على مقدار المائة وهذا بناء على ما سبق ان عندهما الموافقة بين الشاهدين معنى يكفي
لقبول الشهادة وعند أبي حنيفة رحمه الله يعتبر اتفاقهما في اللفظ والمعنى جميعا ولو ادعى مائة
وخمسين فشهد له أحدهما بمائة والآخر بمائة وخمسين جازت شهادتهما على المائة لأنهما اتفقا
عليها لفظا ومعنى وإنما تفرد أحدهما بزيادة الخمسين وهما اسمان أحدهما معطوف على الآخر
ولو ادعى خمسة عشر فشهد له شاهد بعشرة والآخر بخمسة عشر لا تقبل عند أبي حنيفة
رحمه الله في شئ لان هذا كله اسم واحد لقدر معلوم بدليل انه خلا عن حرف العطف فهو
كالمائة والمائتين وعندهما تقبل الشهادة على الأقل في جميع ذلك وهو قول شريح رحمه الله فإنه
شهد عنده شاهدان أحدهما بتسعمائة والآخر بثمانمائة فقضى شريح رحمه الله بالأقل وروى
نحو ذلك عن الحسن وإبراهيم رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله سمعت ابن أبي ليلي رحمه
الله يقول شهادة أهل الأهواء جائزة وقد بينا هذا في كتاب الشهادات انه قول علمائنا رحمهم
79

الله وبين المعنى فيه فقال إنما الهوى شئ افتتن به رجل فأخطأ في ذلك فلا ينبغي أن نبطل به
شهادته وإنما دخلوا في الهوى لشدة المبالغة في الدين فإنهم عظموا الذنوب حتى جعلوها كفرا
فيؤمن عليهم شهادة الربا (ألا ترى) أن أعظم الذنوب بعد الكفر القتل ثم دماء أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم أعظم الدماء وقد قتل بعضهم بعضا فلو شهد بعضهم على
بعض أما كان تجوز شهادتهم الا الخطابية وهم صنف من الروافض فإنهم بلغني أن بعضهم يصدق
بعضا بما يدعى ويشهد له به إذا حلف عنده انه محق فهذا متهم في شهادته فلا أقبل شهادته لهذا
وإذا ادعى رجل قبل رجل ألف درهم وقال خمسمائة منها من ثمن عبد قد قبضه وخمسمائة
من ثمن متاع قبضه وجاء بشاهدين فشهد أحدهما على خمسمائة ثمن عبد وشهد الآخر علي
خمسمائة ثمن متاع قد قبضه فإنه يجوز من ذلك خمسمائة لان البيع انتهى بتسليم المعقود عليه
وإنما دعواه دعوى الدين فهو كما لو ادعى ألفا وشهد له الشاهدان بخمسمائة ولو شهد شاهدان
أن لرجل على رجل ألف درهم وشهد أحدهما انه قبض منها خمسمائة وأنكر الطالب قبضها
فشهادتهما بألف جائزة لأنهما اتفقا على وجوبها وإنما تفرد أحدهما بالشهادة بشئ آخر وهو
أنه قضاه خمسمائة ولو قضاه جميع المال لم يبطل به أصل الشهادة فهذا مثله وعن زفر رحمه الله
أن هذه الشهادة لا تقبل لان المدعى مكذب أحد شاهديه ولكنا نقول هو غير مكذب له
فيما شهد له به وإنما كذبه فيما شهد عليه وذلك لا يضره فكل أحد يصدق الشاهد فيما شهد له
به ويكذبه فيما شهد عليه أرأيت لو شهد أحدهما انه أجره سنة أكنت تبطل شهادته على أصل
المال بذلك ولو شهد شاهدان لرجل على رجل بألف درهم فقال الطالب إنما لي عليك خمسمائة
وقد كانت ألفا فقبضت منها خمسمائة ووصل الكلام أو لم يصل فان شهادتهما جائزة بخمسمائة
لأنه لم يكذبهما بل وفق بين دعواه وشهادتهما بتوفيق محتمل فقد يستوفى المدعى بعض حقه
ولا يعرف الشاهد بذلك ولو قال لم يكن لي عليك قط إلا خمسمائة أبطلت شهادتهما لأنه قد
أكذبهما فيما يشهدان له من الزيادة ولو شهدا على رجل لرجل بألف درهم من ثمن جارية قد
قبضها المشترى فقال البائع قد أشهدهم المشترى بهذه الشهادة والدين باق عليه من ثمن الدين
متاع أجزت شهادتهما لما بينا أن المبيع إذا كان مقبوضا فالعقد فيه منتهى وإنما دعواه دعوى
الدين وقد صدق الشهود في ذلك ولو قال لم يشهدهما بهذا ولكن أشهدهما أنه من ثمن
متاع أبطلت شهادتهما لأنه أكذبهما فيما شهدا له به وأقر عليهما بالغفلة والنسيان ولو شهد أنه
80

كفل له بألف درهم عن فلان كان له أن يأخذه بالمال لأنه ما أكذبهما في الشهادة ويجعل ما
ثبت بشهادتهما كالثابت باقرار الخصم ولو قال لم يقر بهذا وإنما أقر انها كانت عن فلان بطلت
شهادتهما لأنه قد أكذبهما ولو أنكر المطلوب أن يكون للطالب عليه شئ فشهد له شاهدان
بألف درهم فجاء المطلوب بشاهدين يشهدان بالبراءة منها والدفع إليه أجزت ذلك لأنه لا
منافاة بين انكاره للمال في الحال وبين ما ادعى من الابراء والايفاء وكذلك لو قال لم يكن له
على شئ قط ثم أقام البينة على الابراء والايفاء وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول هنا لا تقبل
بينته لكونه مناقضا في دعواه ولكنا نقول هو غير مناقض لأنه يقول ما كان له على شئ قط
ولكن افتديت نفسي من المال الذي ادعاه على أو سألته أن يبرئني ففعل ذلك والبينة حجة
فلا يجوز ابطالها مع العمل بها ولو كان قال لم أدفع إليه شيئا أو لم أقبضه شيئا أو لم أعرفه أو لم
أكلمه أو لم أخالطه لم أقبل منه البينة بعد ذلك على دفع المال لان ما تقدم من كلامه اكذاب
منه لشهوده وشهادة الشاهدين على البراءة في دين أو كفالة وقد اختلفا في الوقت أو المكان
جائزة لان البراءة جائزة باقرار من الطالب فلا يضرهم الاختلاف في المكان أو الزمان ولو
كانوا كفلاء ثلاثة بعضهم كفيل عن بعض فشهد اثنان على واحد أنه دفع المال الذي عليهم
لم تجز شهادتهما لأنهما ينفعان أنفسهما بذلك وهو اسقاط مطالبة الطالب عنهما ولم يرجع
عليهما المشهود له بشئ لأنهما لم يبرءا من شئ من حق الطالب وإنما يرجع الكفيل على الأصيل
إذا استفاد الكفيل البراءة من حق الطالب فإذا لم يوجد ذلك لم يرجع عليهما بشئ والله أعلم
(باب ما يصدق فيه الدافع من قضاء الدين)
(قال رحمه الله) وإذا كان لرجل على رجل ثلاثمائة درهم كل مائة منها في صك فصك منها
قرض وصك كفالة عن رجل وصك كفالة عن آخر فدفع المطلوب مائة درهم إلى الطالب
وأشهد أنها من صك كذا فهي من ذلك الصك لأنه هو المعطى وقد صرح في الاعطاء بالجهة
التي أعطي بها المال فتصريحه بذلك نفى منه الاعطاء بسائر الجهات ولا معارضة بين النافي والمثبت
وكذلك إن لم يشهد عند الاعطاء فوقع الاختلاف بينه وبين الطالب في الجهة التي أعطى بها
فالقول قول المطلوب لأنه هو المالك لما أدى من الطالب والقول في بيان جهة الطالب للتمليك
قول المملك لقوله صلى الله عليه وسلم إذا اختلف المتبايعان فالقول ما يقوله البائع وهذا لأنه
81

لو أنكر التمليك أصلا كان القول قوله فكذلك إذا أقر بالتمليك من جهة دون جهة وهذا
لان المديون إنما يقضى الدين بملك نفسه والانسان مطلق التصرف في ملك نفسه مقبول البيان
فيه في الانتهاء كما في الابتداء إذا كان مفيدا له وهذا بيان مفيد فربما يكون ببعض المال رهن
فتعين المدفوع مما به الرهن ليسترد الرهن وربما يكون ببعض المال كفيل فتعجل المكفول
له من ذلك ليبرئ كفيله وان مات الدافع قبل أن يقول شيئا من ذلك كانت المائة من كل
صك ثلاثة لأنه ليس جعل المدفوع من بعضها بأولى ببعض ولا بيان في ذلك لورثته لأنهم
إنما يخلفونه فيما صار ميراثا لهم والمال الذي قضى به دينه لم يصر ميراثا لهم لأنه مجرد رأى كان
له في التعيين فلا يصير ميراثا وهو حق البيان لما أراده عند الاعطاء ولا طريق لورثته إلى
معرفة ذلك فلا يقومون فيه مقامه كحق البيان في العتق المبهم وكذلك أن مات الدافع والمدفوع
إليه واختلفت الورثة فإنها من كل صك ثلاثة إلى أن تقوم البينة على شئ كان من الدافع قبل
موته فبها تعين بعض الجهات فيجعل الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة أو يتصادق الورثة كلهم
على شئ يعنى ورثة الدافع والمدفوع إليه لان الحق لهم فإذا تصادقوا على شئ كان ذلك كالثابت
بالبينة أو يكون القابض حيا فيقول شيئا فتصدقه ورثة الدافع في ذلك ولو كان لرجل على رجلين
ألف درهم في صك ثم إن أحدهما كفل عن صاحبه بأمره ثم أدى خمسمائة مما في الصك فجعله
من حصة المكفول عنه عند الدافع أو بعد الدفع فذلك صحيح والقول فيه قوله ويرجع بها
المكفول عنه لأنه هو المالك لما أدى وهذا البيان منه مفيد فإذا قبل منه كان مؤديا دين الكفالة
فيرجع على الأصيل لأنه كفل عنه بأمره ولو لم يؤد شيئا حتى كفل الآخر عنه أيضا بأمره
فصار كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه أو كانت الكفالة على ذلك في أصل الصك في عقد البيع
أو القرض فأيهما قضى شيئا فهو من حصته خاصة دون حصة صاحبه حتى يؤدى حصته لأنه
لا فائدة له في أن يجعل المؤدي عن صاحبه لا من جهة صاحبه بأن يقول أنا كفيل عنك
بأمرك وأداؤك عني كأدائي بنفسي فكان لي أن أجعل المؤدى عنك فأنا أجعله الآن عنك فلا
يزال يدور كذلك بخلاف ما سبق فالمؤدى هناك إذا جعل المؤدى عن صاحبه لا يكون لصاحبه
أن يعارضه فيجعل المؤدى عنه لان صاحبه ليس بكفيل عنه فان أدى زيادة على مقدار حقه
كانت مما كفل به عن صاحبه لان صاحبه لا يتمكن في معارضته من هذه الزيادة وقد استفاد
البراءة عن حصته بأدائه وبراءة الأصيل توجب براءة الكفيل وكذلك أن شرط عند الأداء
82

للنصف أن يؤدى ذلك من حصة صاحبه فإنه لا يكون من حصته حتى يؤدى زيادة على النصف
لان هذا الشرط حق لا يفيده شيئا فان صاحبه يعارضه بجعل المؤدى عنه. ولو كان ثلاثة نفر
عليهم ألف درهم من ثمن بيع وبعضهم كفلاء عن بعض كان ما أدى أحدهم من حصته إلى
الثلاث فإذا جاوز الثلاث كانت الزيادة من حصة صاحبه لا يستطيع أن يجعلها من حصة
أحدهما دون الآخر لان كل واحد من الآخرين كفيل عن صاحبه كما أنه كفيل عنهما فإذا
جعل الزيادة من حصة أحدهما كان للمجعول ذلك من حصته أن يجعله من حصة الآخر
بالطريق الذي بينا فتحققت المعارضة بينهما فلهذا كانت الزيادة من النصيبين جميعا فيرجع على كل
واحد منهما بنصف ذلك كما هو قضية المعارضة والمساواة ولو كانوا مكاتبين ثلاثة بعضهم
كفلاء عن بعض فأدى بعضهم طائفة من الكتابة كان ذلك من حصتهم جميعا قل المؤدى أو
كثر ولو جعلها المؤدى من حصته أو حصة صاحبيه أو أحدهما يجوز ذلك لأنهم كشخص
واحد في حكم هذه المكاتبة إذ لو لم يجعلهم كذلك لم يصح فان الكفالة من المكاتب والكفالة
ببدل الكتابة لا تكون صحيحة والمكاتب الواحد لو أراد أن يجعل المؤدى عن بعض نفسه دون
بعض لم يكن ذلك شيئا فهذا مثله بخلاف ما سبق فهناك كل واحد منهم أصل في بعض المال
كفيل في البعض لان ذلك في ثمن المبيع صحيح من الأحرار * توضيح الفرق ان في جعل
المؤدى من نصيب المؤدى خاصة في باب الكتابة ابطال شرط المولى لأنه شرط أن لا يعتق
واحد منهم حتى يصل إليه جميع المال فإذا أدى أحدهم الثلث وجعلنا ذلك من نصيبه خاصة
عتق هو لأنه برئ مما عليه من بدل الكتابة وبراءة المكاتب على أي وجه كان توجب العتق
وفى هذا ابطال شرط المولى فلهذا كان المؤدى عنهم جميعا وذلك لا يوجد في ثمن المبيع لأنا وان
جعلنا المؤدى هناك من نصيب المؤدى خاصة يبقى البائع في حبس المبيع إلى أن يصل إليه الثمن
فجعلنا ذلك من حصته ما لم يزد المؤدى على الثلث ولو كان لرجل دين مائة درهم وله عنده
وديعة مائة درهم فدفع إليه مائة درهم فقال الطالب هي وديعتي وقال المطلوب هلكت
الوديعة وهي من الدين الذي كان لك فالقول قول الدافع مع يمينه لان الاختلاف بينهما في
الملك المدفوع وقد كان ذلك في يد الدافع فيكون القول قوله في أنه ملكي ولأنه أمين في
الوديعة مسلط على ما يخبر به من هلاكها فيثبت القول بهلاك الوديعة ويبقى الدين وقد دفع إلى
الطالب مثل الدين على جهة قضاء الدين فتبرأ ذمته من ذلك بعد أن يحلف على ما يدعى من
83

هلاك الوديعة والكفالة بالمال في المرض بمنزلة الوصية حتى يبطل لمكان الدين المحيط بالتركة
ويبطل إذا وقعت لوارث أو عن وارث ويبطل فيما زاد على الثلث إذا كأن لأجنبي لأنه التزم
المال على وجه التبرع فيكون بمنزلة تمليك المال في مرضه على وجه التبرع إلا أن يبرأ من
مرضه فحينئذ يكون صحيحا على كل حال لان المرض يتعقبه برؤه بمنزلة حال الصحة فان مرض
الموت ما يتصل به الموت وما لا يكون مرض الموت لا يكون مغيرا للحكم فإنما لا تصح الكفالة
من المريض للوارث وعن الوارث لان فيه منفعة للوارث وهو محجور عن القول الذي فيه
منفعة لوارثه فيما يرجع إلى المال ولو كفل المريض عن رجل بألف درهم وأقر بدين يحيط
بماله فلا شئ للمكفول له لان الكفالة تبرع واصطناع معروف كالهبة والدين مقدم على الهبة في
المرض سواء كان بالاقرار أو بالبينة ولو كان له ثلاثة آلاف درهم فكفل بألف درهم ثم مات
جاز ذلك وأخذ من ماله ألف لخروج المكفول به من ثلث ماله ثم يرجع ورثته على المطلوب إذا
كان كفيلا بأمره كما لو أدى بنفسه في حياته وإذا كانت الكفالة منه في الصحة بألف درهم
فمات الكفيل وعليه دين فضرب المكفول له بدينه مع غرمائه فأصابه خمسمائة ثم مات المكفول
عنه وعليه دين ضرب المكفول له في ماله بالخمسمائة التي بقيت له لبقاء ذلك القدر له في ذمة
الأصيل بعد ما استوفى الخمسمائة من تركة الكفيل وضرب وارث الكفيل بالخمسمائة دراهم
التي أدى لأنه كان أدى بحكم الكفالة عنه بأمره فكان ذلك دينا عليه فما أصاب وارث الكفيل
فإنه يقسم بين غرماء الكفيل بالحصص ويضرب المكفول له بما بقي له أيضا (وهذه) هي المسألة
التي بينا فيما سبق أن في هذا جذر الأصم وأنه لا وجه لتخريجها الا بطريق التقريب فان ما
يستوفى المكفول له ثانيا مما في يد الوارث للكفيل يرجع به وارث الكفيل في تركة المكفول
عنه أيضا فتنتقض القسمة الأولى ولا يزال يدور هكذا إلى أن ينتهى إلى ما لا يمكن ضبطه ولو أن
متفاوضين عليهما ألف درهم ماتا جميعا وتركا ألفا وعلى كل واحد منهما ألف درهم مهر امرأته
قسم المال بينهما نصفين ولم يضرب الطالب في مال أيهما شاء بألف درهم لان كل واحد منهما
مطلوب بجميع الألف بعضها بجهة الأصالة وبعضها بجهة الكفالة فيضرب بجميع الألف في تركة
أيهما شاء وتضرب امرأته بمهرها أيضا ثم يضرب مع امرأة الآخر بما بقي وتضرب هي
بألف درهم هكذا ذكره شيخ الاسلام جواهر زاده وتضرب هي بالذي بقي لها من مهرها
ولا ترجع الورثة بالذي أخذ منه أول مرة في مال الثاني بشئ إلا أن يكون الطالب أصاب
84

من ماله أكثر من النصف لأنه في مقدار النصف هو أصيل فإن كان المقبوض النصف
أو ما دونه لا ترجع ورثته في تركة الآخر بشئ من ذلك وإن كان أكثر من النصف فحينئذ
يضربون بالفضل لأنهم أدوا ذلك بجهة كفالة صاحبهم عن شريكه بأمره فإذا قبضوا شيئا من
ذلك كان المقبوض لامرأته وللطالب ان بقي له شئ بالحصص ثم عند ذلك يعود الجذر الأصم
وما لا طريق إلى معرفته الا من الوجه الذي قدرنا ان كل ما يستوفيه الطالب يثبت لهم حق
الرجوع به في تركة الشركة فتنتقض به القسمة الأولى والله سبحانه وتعالى أعلم
(باب ادعاء الكفيل أن المال من ثمن خمر أو ربا)
(قال رحمه الله) وإذا كفل رجل عن رجل بألف درهم بأمره ثم غاب الأصيل فادعى
الكفيل أن الألف من ثمن خمر فإنه ليس بخصم في ذلك لأنه التزم المطالبة بكفالة صحيحة والمال
يجب على الكفيل بالتزامه بالكفالة وإن لم يكن واجبا على الأصيل (ألا ترى) انه لو قال
لفلان على ألف درهم وأنا بها كفيل بأمره وجحد الأصيل ذلك فان المال يجب على الكفيل
وإن لم يكن على الأصيل شئ فبهذا تبين أنه ليس في ادعائه أن المال من ثمن خمر أو ما يسقط
المال عنه فلا يكون خصما في ذلك وهو مع هذا مناقض في دعواه لان التزامه بالكفالة
اقرار منه أن الأصيل مطالب بهذا المال والمسلم لا يكون مطالبا بثمن خمر فيكون مناقضا في
قوله ان المال من ثمن خمر والدعوى مع التناقض لا تصح حتى أنه لو جاء بالبينة على اقرار
الطالب بذلك لم يقبل بعد أن يكون الطالب يجحد ذلك ولو أراد استحلاف الطالب لم يكن
عليه يمين لان توجه اليمين وقبول البينة تنبنى على دعوى صحيحة إلا أن يقر الطالب بذلك
فحينئذ هو مناقض ولو صدقه خصمه في ذلك والتصديق من الخصم صحيح مع كونه مناقضا في
دعواه ثم إن أصل سبب التزام المال جرى بين المطلوب والطالب والكفيل ليس بخصم في ذلك
العقد ويدعى معنى كان في ذلك العقد حتى إذا ثبت ذلك ترتب عليه خروجه من أن يكون
مطالبا بالمال ولا يمكن اثبات ذلك بالبينة لأنها بينة تقوم للغائب والبينة للغائب وعلى الغائب
لا تقبل إذا لم يكن عنه خصم حاضر وهو بمنزلة المشترى للجارية إذا ادعى انها زوجة لفلان
الغائب وأراد إقامة البينة على ذلك ليردها بالعيب لا يكون خصما في ذلك فهذا مثله (والحوالة)
في هذا كالكفالة وكذلك أن كان كل واحد منهما ضامنا عن صاحبه لان أصل المال على غير
85

هذا الكفيل فهو لا يكون خصما فيما على غيره فهذا تنصيص على ما أشرنا إليه في أن الطريق
الأصح في الكفالة أن الكفيل يلتزم المطالبة بما على الأصيل ولا يلتزم أصل المال في ذمته
ولو أدى الكفيل المال إلى الطالب وغاب الطالب وحضر المكفول عنه فقال المال من ثمن
خمر وجاء بالبينة لم يكن بينه وبين الكفيل خصومة في ذلك ويدفع المال إلى الكفيل لأنه
التزم المال بأمره وأدى فيرجع عليه كيف كان ذلك المال ويقال للمكفول عنه اطلب صاحبك
فخاصمه وهذا لما بينا انه يدعي سببا في تصرف جرى بينه وبين الغائب وهذا الحاضر ليس
بخصم عن الغائب أو لأنه مناقض فإنه أمره ان يلتزم المطالبة التي هي متوجهة عليه بجهة الكفالة
ولو أقر الطالب عند القاضي أن ماله عنده من ثمن خمر فهذا مثله وهو اقرار ببراءة الأصيل وهو
بمنزلة ما لو قال لم يكن لي على الأصيل شئ وذلك يوجب براءة الكفيل والأصيل (ألا ترى)
انه لو أبرأ الأصيل برئ الكفيل فإذا بقي أصل المال من الأصيل باقراره أولى أن يبرأ الكفيل
فان أقر الطالب بذلك وأبرأ القاضي الكفيل ثم حضر المكفول عنه فأقر ان المال الذي عليه
قرض لزمه المال ان صدقه الطالب بذلك لتصادقهما على أن وجوب المال له عليه بسبب صحيح
ولا يصدقان على الكفيل لان قولهما ليس بحجة على الكفيل وقد استفاد الكفيل البراءة بما
سبق من اقرار الطالب ويجعل هذا من المطلوب بمنزلة اقراره للطالب ابتداء بدين آخر سوى
الدين كان كفل به الكفيل ولو أن مسلما باع مسلما خمرا بألف درهم ثم أحال مسلما عليه بها
بطلت الحوالة ولو أحاله بألف درهم فجعلها له بذلك ثم غاب المحيل وقال المحتال عليه المال
الذي على من ثمن خمر وأقام البينة فلا خصومة بينه وبين الطالب في ذلك لأنه التزم المال بالحوالة
فعليه أداء ما التزم وهو إنما يدعى سببا مبطلا بعقد جرى بينه وبين الغائب وهذا الحاضر ليس
بخصم عنه في ذلك فإذا دفع المال ثم حضر المحيل خاصمه ان أقام عليه بينة بذلك رجع عليه
بالمال لأنه قبل الحوالة بأمره وأدى واستوجب الرجوع عليه فكان تقع المقاصة بما للمحيل
عليه فإذا تبين أنه لم يكن للمحيل عليه شئ كان له أن يرجع عليه بالمال وإن لم يؤد المال
حتى يحضر المحيل فخاصمه وجاء بالبينة أنها من ثمن خمر أبطلها القاضي عن المحتال عليه لأنه
قبل الحوالة مقيدة بالمال الذي للمحيل عليه وقد تبين انه لم يكن للمحيل عليه شئ فكانت
الحوالة باطلة وإن كان أحاله عليه حوالة مطلقة بألف درهم لم يبرأ منها ولكنه يؤديها ويرجع
بها لان الحوالة المطلقة لا تستدعى مالا للمحيل على المحتال عليه ولا في يده إلا أنه إذا كان
86

للمحيل على المحتال عليه لم يرجع به عليه وإذا كانت مطلقة يؤدى المال ثم يرجع بمثلها عليه
وإذا باع الرجل رجلا عبدا بألف درهم ثم أحال البائع غريمه على المشترى بالمال الذي باعه
به العبد ثم استحق العبد أو وجد حرا فان القاضي يبطل الكفالة والحوالة لأنه ظهر انه أحال
عليه بمال ولا مال ولو رد بعيب بقضاء القاضي أو بغير قضاء القاضي لم تبطل الحوالة والكفالة
وكذلك لو مات العبد قبل القبض وهذا عندنا وقال زفر رحمه الله تبطل الحوالة إذا كانت
مقيدة * وجه قوله ان الثمن الذي تقيدت به الحوالة بطل من الأصل لانفساخ العقد من
الأصيل ولو ظهر بطلانه تبطل الحوالة فكذلك إذا بطل من الأصيل إلا أنا نقول إن الحوالة
لما صحت مقيدة بمال واجب عنده ولم يتبين أنه لم يكن واجبا أو بطل إنما يبطل ببطلانه ان لو
كان له تعلق بالدين بها أما من حيث الوجوب فلا يشكل لان تعلق الدين بالذمة لا بالدين
ولا تتعلق به استيفاء لان تعلقه به استيفاء إنما يستقيم إذا كان قابلا للاستيفاء والدين لا يقبل
استيفاء دين آخر منه الا بعد خروجه فقبل خروجه منه لم يكن لدين الحوالة تعلق به بوجه
من الوجوه فصار كالحوالة المطلقة في حالة البقاء فلا تبطل ببطلانه ولا يلزم إذا أحال على مودعه
ليستوفى دينه من الوديعة ثم هلكت الوديعة حيث تبطل الحوالة لان ثمة للدين تعلق به
استيفاء لكونه قابلا للاستيفاء منه فجاز أن يبطل ببطلانه وإذا أحال رجل رجلا على رجل
بألف درهم كانت للمحتال على المحيل وكان مثلها للمحيل على المحتال عليه ثم مات المحيل وعليه
دين كان ماله الذي على المحتال عليه بين غرمائه وبين المحتال له بالحصص ولا يختص المحتال له بذلك
عندنا وعند زفر رحمه الله يختص به لأنه اختص به في حال حياته حتى كان أحق به من المحيل
حتى لو حجر المحيل عن استيفائه فيختص به بعد موته بمنزلة المرتهن في حق الراهن ولكنا نقول إن
ما في ذمة المحتال عليه مال المحيل لأنه بعقد الحوالة لا يصير للمحتال له لان الدين لا يقبل التمليك
من غير من عليه الدين ومتى كان باقيا على ملكه كان بين غرمائه بالحصص لما مر انه لا تعلق
لحقه بالدين قبل الخروج فصار هو وسائر غرمائه سواء وإنما منع المحيل من التصرف فيه
باعتبار عرضة الخروج لأنه لو خرج يكون المحتال له أحق بها ولهذا كان التوي على المحيل
لان الحوالة كانت مقيدة به وقد استحقت فصار بمنزلة الاستحقاق من الأصيل فيعود
الدين على المحيل والله أعلم
87

(باب الحبس في الدين)
(قال رحمه الله) ويحبس الرجل في كل دين ما خلا دين الولد على الأبوين أو على بعض
الأجداد فإنهم لا يحبسون في دينه أما في دين غيرهم فيحبس لأنه بالمطل صار ظالما والظالم
يحبس وانه عقوبة مشروعة ولهذا كان حدا في الزنا في ابتداء الاسلام قال الله تعالى في حق
قطاع الطريق أو ينفوا من الأرض والمراد به الحبس وكذلك حبس رسول الله صلى الله
عليه وسلم رجلا بالتهمة وكذلك علي كرم الله وجهه اتخذ سجنين سمى أحدهما نافعا والآخر
محبسا وكذلك شريح رحمه الله كان يحبس الناس وحبس ابنه بسبب الكفالة عن رجل ولا
يحبسه في أول ما يتقدم إلى القاضي ولكنه يقول له قم فأرضه لان الظلم لا يتحقق من أول وهلة
فان عاد إليه مرة أو مرتين يحبسه والقياس في دين الولد على والديه هكذا إلا أنا استحسنا
في دين الوالدين ومن كان في معناهم أنه لا يعاقب الوالد بسبب الجناية على ولده قال صلى الله
عليه وسلم لا يقاد الوالد لولده ولا يعاقب بسبب الجناية على ماله لان له ضرب تأويل في ماله
وذكر حديث علي كرم الله وجهه انه اتخذ سجنين وقال فيه
ألا تراني كيسا مكيسا * * يثبت بعد نافع محبسا
وعن الشعبي رحمه الله أن رجلا أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين
أجرني فقال مم قال من دين قال عمر رضي الله عنه السجن ثم قال عمر رضي الله عنه كأنك
بالطلبة حلو ذكر هذا لبيان ان الحبس مشروع قال أبو حنيفة رحمه الله لا يباع مال المديون
المسجون في دين عليه إلا أن يكون عليه دنانير أو يكون عليه دراهم فاصطرفها بدراهم وعند أبي
يوسف ومحمد رحمهما الله يباع ماله وهي مسائل الحجر ثم ذكر عن عمر رضي الله عنه أنه خطب
الناس ثم قال في أسفع جهينة رضى من دينه وأمانته ان يقال له سبق الحاج فأدان معرضا حتى
دين به فمن كان له عليه شئ فليفد علينا فانا بائع ماله قاسم ثمنه بين الغرماء وإياك والدين فان أوله
هم وأخره حرب ونعم ما قال فان الدين سبب العداوة خصوصا في زماننا فيؤدى إلى اهلاك
النفوس ويكون سببا لهلاك المال خصوصا مداينة المفاليس والحرب هو الهلاك ثم إذا حبس
المديون ولم يدع الاعسار فظاهر انه لا يخلى عنه أما إذا ادعى الاعسار فإن كان ذلك في ديون
وجبت بسبب المبايعات فينبغي أن لا يصدق لأن الظاهر يكذبه لأنه يكون واحدا باعتبار
بدله وإن كان بأسباب مشروعة سوى المبايعات كالمهر وبدل الخلع والكفالة وبدل الصلح
88

اختلف مشايخنا رحمهم الله فقال بعضهم يصدق ولا يحبس لأنه متمسك بالأصل وهو العدم
فالقول قوله وقال بعضهم لا يصدق لان التزامه المال اختيارا دليل قدرته ولو كان دينا وجب
حكما باستهلاك مال ونحوه ينبغي ان يصدق ثم قال أبو حنيفة رحمه الله إذا حبس الرجل
شهرين يسأل عنه وان شاء سأل عنه في أول ما يحبسه والرأي فيه إلى القاضي ان أخبر بعد
أو يقات انه معسر خلى سبيله وان قالوا واجد أمر بحبسه حتى يذوق وبال أمره لأنه من
الجائز انه أخفى ماله فيشهد الناس على ظاهر حاله فتبطل حقوق الناس وإذا أخبروه أنه معسر
أخرجه ولم يحل بين الطالب وبين لزومه عندنا وقال زفر رحمه الله يمنعه من ملازمته لأنه منظر
بانظار الله تعالى ولو كان منظرا بانظاره لا يكون له حق الملازمة هكذا كنا نقول بأنه منظر
إلى زمان الوجود ووجود ما يقدره على أداء الدين موهوم في كل ساعة فيلازمه إذا وجد
مالا أو اكتسب شيئا فوق حاجته الدراة يؤخذ منه والكفيل بالمال والذي عليه الأصل سواء
لان خطاب الأداء متوجه على الكفيل كما هو متوجه على الأصيل وذكر عن الكلبي ومحمد
ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس بني قريظة حتى نزلوا في حكم سعد رضي الله عنه
في دار بنت الحارث حتى ضرب رقابهم فإذا تبين ان الحبس مشروع وإذا حبس الكفيل
بالدين فللكفيل ان يحبس المكفول عنه حتى يخلصه إذا كان بأمره وكذلك لو لازمه الطالب
كان له ان يلزم الذي عليه الأصل لأنه التزم الأداء من مال المطلوب بأمره فكان الأصيل
ملتزما تخليصه فله ان يلازمه وليس للكفيل ان يأخذ المال حتى يؤديه لأنه إنما يرجع عليه بحكم
الاقراض وإنما يتحقق هذا المعنى عند الأداء وإذا حبس رجل بدين فجاء غريم له آخر يطالبه
فان القاضي يخرجه من السجن ويجمع بينه وبين هذا المدعى فان أقر له بالدين أو قامت له عليه
بينة كتب اسمه فيمن حبس له مع الأول لأنه لو لم يكتب ربما يشتبه على القاضي انه محبوس
بدين واحد فيخلى سبيله فيكتبه حتى لا يخلى سبيله الا بقضائهما وإن كان القاضي قد فلس
المحبوس جاز اقراره لأشخاص في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ثم رجع أبو يوسف
رحمه الله وقال تفليس القاضي إياه جائز ولا يجوز اقراره بعد ذلك ولا بيعه ولا شراؤه ولا بشئ
يضيفه في ماله ما خلا العتق والطلاق والنكاح والاقرار بالسبب فانا ندع القياس فيه ونجوزه
وهو قول محمد رحمه الله وقول شريح وإبراهيم وابن أبي ليلى رحمهما الله ويعنى بالتفليس ان
يحكم بعجزه عن الكسب فيجعله كالمريض مرض الموت فيحكم بتعلق حق غرمائه في مال هذا
89

وهذا نوع حجر وإن كان أبو حنيفة رحمه الله لا يرى ذلك وهما يجوزان ذلك وليس الحبس
بتفليس لأنه دلالة القدرة على أداء الدين لا دلالة العجز ولا يضرب المحبوس في الدين ولا
يقيد ولا يقام ولا يؤاجر لأن هذه عقوبات زائدة ما ورد الشرع بها وإنما قلنا بالحبس ليكون
حاملا له على قضاء الدين وإن كان فيه ضرب عقوبة بالنصوص ولا نص في الزيادة عليه فإنه
روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال ليس في هذه الأمة صفد ولا قيد ولا غل
ولا تجريد والصفد ما نقيد به الأيدي أراد بقوله لا يقام يعنى لا يؤمر بالقيام بين يدي صاحب
المال إهانة له فان ذلك مع عقوبة ولا يؤاجر من غير اختياره لان ذلك نوع حجر عليه ولا
يجوز ذلك في ماله فلأن لا يجوز في نفسه بطريق الأولى ويحبس الأبوان في نفقة الولد ولا
تشتبه النفقة بالدين لان الانفاق على الولد إنما شرع صيانة للولد عن الهلاك والممتنع
كالقاصد الهلاك ومن قصد اهلاك ولده يحبس بخلاف الدين فإنه ليس فيه قصد اهلاك نفسه
ولا يخرج المحبوس في الدين بجمعة ولا عيد ولا حج ولا جنازة قريب أو بعيد لان الواجب
أن يحبس على وجه لا يخلص بعد زمان حتى يضجر قلبه عند ذلك فيسارع في قضاء الدين فلو
خرج أحيانا لا يضيق قلبه حينئذ ولهذا قالوا ينبغي أن يحبس في موضع خشن لا يتبسط له في
فراش ولا وطاء ولا أحد يدخل عليه ليستأنس ليضجر قلبه بذلك وإذا سأل القاضي عن
المحبوس بعد شهرين أو أكثر في السر فأخبره ثقة بعدمه خلى سبيله ولم يخل بين غريمه وبين
لزومه وان شهد عليه شهود انه موسر أو ان له مالا أجزت شهادتهم ويترك المسألة في السر
لان السؤال للاختبار ومتى ظهرت حاله بالشهادة لا تقع الحاجة إلى الاختبار وان أدى دين
أحد الغريمين لم يخرج من السجن حتى يؤدى دين الآخر لان الظلم قائم ويحبس الرجل في
الدرهم وفى أقل منه لان مانع الدرهم وما دونه ظالم وينبغي أن يكون محبس النساء في الدين
على حدة ولا يكون معهن رجل حتى لا يؤدى إلى فتنة ولا يمنع المحبوس من دخول إخوانه
وأهله عليه لأنه يحتاج إلى ذلك حتى يشاورهم في توجيه ديونه ولكن لا يمكنون من المكث
عنده حتى يستأنس بهم ولا يحبس المكاتب لمولاه بالمكاتبة لأنه عبد ولا يليق به الحبس
(ألا ترى) أنه لو عجز نفسه عن ذلك يسقط ويحبس بدين غير الكتابة قالوا أراد به في حق
غير المولى وقال بعضهم يحبس بدين المولى وهو ملحق بالأجانب في المعاملات مع مولاه
والأول أصح وإن كان للمكاتب على مولاه طعام ومكاتبته دراهم فان المولى يحبس في دين
90

المكاتب لان مطالبته متوجهة على مولاه وهو ملحق بالأجانب في حق أكسابه وكذلك
العبد التاجر الذي عليه الدين يكون له على مولاه دين ولا يحبس لحقه ولكن لحق الغرماء
والصبي التاجر في السجن مثل الرجل يعنى يحبس لأنه يؤاخذ بحقوق العباد فيتحقق ظلمه
والغلام الذي يستهلك المتاع فيضمن قيمته وله أب أو وصى وليس بناجز مثل ذلك يريد به
في حق الحبس ولم يذكر أنه يحبس الصبي أو أبوه أو وصيه والصحيح أنه يحبس وليه وفى
الكتاب ما يدل عليه حيث قيده بهذا اللفظ وهذا لان الظلم إنما يتحقق ممن يخاطب بأداء المال
ووليه هو الذي يخاطب بذلك لا هو وبعضهم قال الحبس للصبي بطريق التأديب حتى لا
يتجاسر على مثله ولكن هذا إنما يكون فيما يباشر من أسباب التعدي قصدا أما ما وقع خطأ
منه فلا ولا يحبس العاقلة في الدية ولا في شئ منها من الأرش بقضائه عليهم ولكنه يؤخذ
من الأعطية وان كرهوا ذلك لان الدية إنما تعطى من عطائهم لا مما في أيديهم من الأموال
حتى يتحقق المنع من قبلهم حتى لو كانوا من أهل التأدية وليس لهم عطاء يفرض ذلك عليهم
في أموالهم فإذا امتنعوا من أدائه حبسوا وكذلك الذعار يحبسون أبدا حتى يتوبوا والذاعر
الذي يخوف الناس ويقصد أخذ أموالهم فكان في معنى قطاع الطريق قال الله تعالى إنما جزاء
الذين يحاربون الله ورسوله الآية ولو أن غلاما استهلك لرجل مالا وله دار ورقيق وعروض
وليس له أب ولا وصى لم يحبس ولكن القاضي يرى رأيه فيه أن شاء جعل وكيلا ببيع بعض
ماله فيوفى الطالب حقه وإن كان له أب أو وصى يجوز بيعه فإنه لا يحبس والصحيح انه يحبس
من يخاطب بقضاء دينه لما مر ولا يحبس الصبي الا بطريق التأديب ويحبس المسلم للذمي بدينه
والذمي للمسلم ويحبس الحربي المستأمن ويحبس له لان معنى الظلم يتحقق في حق الكل والله
أعلم بالصواب
(باب الابراء والهبة للكفيل)
(قال رحمه الله) وإذا قال الطالب للكفيل قد برئت إلى من المال الذي كفلت به من
فلان فهذا اقرار بالقبض وللكفيل ان يرجع به على المكفول عنه لأنه أخبر عن البراءة بفعل
متعد من المطلوب والكفيل إلى الطالب وذلك بفعل الأداء لان الابراء متعد من المطلوب
إلى الطالب وكذلك قوله قد دفعت إلى المال أو نقدتني أو قبضته منك وكذلك الحوالة وإذا
91

قال أبرأتك لم يكن هذ اقرارا بالقبض وللطالب ان يأخذ الذي عليه الأصل لأنه أضاف
الفعل إلى نفسه متعديا إلى المطلوب وذلك أنما يكون باسقاط الدين عنه. ولو قال برئت من
المال ولم يقل إلى فهذا اقرار بالقبض في قول أبى يوسف رحمه الله لأنه وصفه بالبراءة فينصرف
إلى ذلك السبب المعهود والسبب المعهود الايفاء وعند محمد رحمه الله هو بمنزلة قوله أبرأتك
لأنه يحتمل الوجهين فكان الحمل على الأدنى أولى (ألا ترى) ان الحاجة إلى الرجوع على
الأصيل لا تثبت بالشك وقد مر هذا في الجامع والتحليل بمنزلة الابراء لان الدين لا يوصف
بالتحليل أما المال الذي يراد به الدين فيوصف بهذا وذلك بمنزلة الموضوع الديون فمتى حلله
أسقط حقه عن ذلك أصلا فكأنه قال لا حق لي في مالك ولو قال له هكذا كان ابراء مطلقا
فهذا كذلك والمحتال عليه في جميع هذا بمنزلة الكفيل ولو وكل الطالب وكيلا بقبض ماله فقال
الوكيل للكفيل برئت إلى كان هذا اقرارا بالقبض فيصح ولو قال الوصي للكفيل قد أبرأتك
أو أنت في حل منه لم يجز لان ذلك معروف منه وليس له ذلك وكذلك الصبي التاجر والعبد
التاجر والمكاتب إذا قالوا ذلك للكفيل لا يصح لما مر وإذا أبرأ الطالب الكفيل من المال فأبى
أن يقبل ذلك فهو برئ ولا يشبه هذا الهبة لان الابراء اسقاط محض في حقه لأنه ليس في
حقه إلا مجرد المطالبة فصار كسائر الاسقاطات فلا يرتد بالرد بخلاف الذي عليه الأصل لان
أصل الدين عليه فيكون ذلك تمليكا منه لان الحق الذي هو واجب له في ماله غير عين
فصار هذا تصرفا باسقاط الفعل عنه ويجعل الواجب له اسقاطا من وجه وتمليكا من وجه
فوفرنا على السهمين حظهما فعلى هذا يصح من غير قبول لشبهه بالاسقاط ويرتد بالرد لشبهه
بالتمليكات ومثله لو وهب من الكفيل فإنه يرتد بالرد كما لو وهب من الأصيل لان الهبة لفظ
وضع للتمليك ويمكن تحقيق الهبة في حق الكفيل كما في حق الأصيل لان هبة الدين من
غير من عليه الدين جائزة فإذا سلطه عليه فهو مسلط عليه في الجملة أو يجعل ذلك نقلا للدين منه
بمقتضى الهبة منه فيصير هبة الدين ممن عليه الدين لو أمكن ذلك لان له ولاية نقل الدين إليه
قصدا بإحالة الدين عليه فيثبت ذلك بمقتضى تصرفهما تصحيحا له وإذا استقام تحقيق الهبة كما
في حقه وجب الجري على مقتضى الهبة كما في حق الأصيل وقد مر أنه لو أبرأ الذي عليه الأصل
من الدين يصح من غير قبول ولكنه يرتد بالرد لما فيه من معنى التمليك فكذلك لو وهب
منه فلو مات قبل أن يعلم فهو برئ منه في الهبة والابراء جميعا لأنه تام في نفسه ولكنه يرتد بالرد
92

فمتى مات وقع اليأس عن الرد فانبرم بمنزلة لو تصرف له فيه جاز وكذلك لو كان ميتا فأبرأه منه
وجعله في حل منه فهو جائز لان الدين قائم عليه حكما فاحتمل الاسقاط فان قالت الورثة لا تقبل
فلهم ذلك ويقضون المال والكفيل منه برئ في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال محمد رحمه الله
ليس للورثة في ذلك قول فمحمد رحمه الله يقول بان هذا في حق الورثة اسقاط محض لأنه
لا دين عليهم حقيقة إنما عليهم مجرد المطالبة فأشبه الكفيل ثم في حق الكفيل لا يرتد بالرد فكذا
في حقهم وأبو يوسف رحمه الله يقول إن الدين قائم وقد أخذ شبها بالأعيان بعد الموت لتعلقه
بالتركة فكان أقبل للتمليك في هذه الحال والملك بهذا التمليك واقع لهم فيرتد بردهم كما لو
أضاف الابراء إليهم تنصيصا وإذا وهب الطالب المال الذي عليه للأصيل فأبى أن يقبل كان
المال عليه وعليه فضله لان الهبة منه كالهبة من كفيله ولو وهبه من كفيله فأبى ان يقبل كان
المال عليه بخلاف ما إذا أبرأه فأبى أن يقبل لأنه لا يعود الدين على الكفيل لأنا نجعل ابراءه
كابراء الكفيل لا يرتد بالرد فكذلك هنا وإذا وهب للكفيل وقبله رجع به على الذي عليه الأصل
لأنه ملكه بالهبة فصار كما لو ملكه بالأداء والتمليك منه صحيح لأنه قابل للملك في حق ما في ذمة
الأصل ولهذا يملكه بالأداء وإذا ملكه رجع عليه وكذلك المحتال عليه وإذا كانت الكفالة على أن
المكفول عنه برئ أو كانت حوالة فوهب الطالب الذي كان عليه الأصل فالهبة باطلة لأنه
ليس في ذمته شئ لانتقال الدين إلى ذمة غيره وعلى رواية الجامع ينبغي أن يصلح ولو وهب
الكفيل الذي عليه للأصيل فهو جائز لانعقاد سبب وجوب الدين له في الحال فان أدى الكفيل
لم يرجع به عليه لأنه يقرر ملكه ما في ذمته فصحت الهبة فصار كما لو وهبه بعد الأداء فان
أدى الذي عليه الأصل لم يرجع به على الكفيل لأنه تبين أن هبته باطلة لانتقاض سبب
وجوب الدين بينهما والله سبحانه وتعالى أعلم
(باب اقرار أحد الكفيلين بأن المال عليه)
(قال رحمه الله) وإذا كان لرجل على رجلين ألف درهم وكل واحد منهما كفيل عن
صاحبه بالمال فأقر أحد الكفيلين بأن المال كله عليه وأداه وأراد أن يرجع بنصفه على صاحبه
وقال إنما عنيت باقراري أنه على لأني كفلت عنك كل حصتك فله أن يرجع عليه بنصفه
لأنه صادق في قوله انه كله عليه لكن بعضه بحكم الكفالة وبعضه بحكم الأصالة ولو أقر ان
93

كله عليه وان صاحبه كفل عنه بأمره لم يكن له أن يرجع على صاحبه بشئ لأنه قد صرح
انه أصيل في كله وصاحبه كفيل عنه فيجري على قضية قوله. ولو أن رجلين كان عليهما
خمسون دينار الرجل قرضا وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه ضامن له فأشهد أحدهما على
صاحبه أنى معك دخيل في هذا المال ولو أقر الآخر بذلك ثم ادعى أن المال كله على صاحبه
فإنه يرجع على صاحبه بنصفه لان قوله أنت دخيل معي ليس باقرار بشئ لم يكن عليه خاصة
دون الآخر يريد به انه أخبر بكونهما دخيلين في هذا المال وهذا يقتضى أن يكونا أصيلين
في بعضه فمن ادعى أن كله على صاحبه فقد ناقض فيما أخبر فلا يلتفت إلى ذلك وان أقر
أحدهما أن هذا المال عليه خاصة دون الآخر ثم أدى المال لم يرجع على صاحبه بشئ لأنه
نص أنه كفيل أصيل في الكل ولو أداه صاحبه كان له أن يرجع بكله عليه ولو كان لرجل
على ثلاثة نفر ألف درهم في صك باسمه وبعضهم كفلاء عن بعض ضامنون للمال كله فأقر
الطالب ان أصل المال على أحدهم وان الآخرين كفيلان عنه ولم يقر بهذه الكفالة التي
نسبت إليه في الصك ثم أدى المال أحدهم فله أن يرجع على صاحبه بالثلثين لأنه أقر على
غيره فلم يعتبر ولو لم يقر الطالب بذلك ولكن أحد الكفلاء قال أصل المال علي وصاحباي
منه بريئان ثم أدى المال لم يرجع على صاحبيه بشئ لان زعمه معتبر في حقه وان أداه صاحباه
رجعا بالكل عليه لإقراره انه أصيل في جميع المال واقراره ملزم إياه ولو كان لرجل على رجل
ألف درهم في صك باسمه وفلان بها كفيل فأقر الكفيل ان أصل المال عليه وان فلانا
كفيل عنه وانه إنما قدمه في الصك لشئ خافه فأدى المقدم في الصك المال كله فله أن يرجع
بذلك على الكفيل مؤاخذا بما أقر به على نفسه ويجعل ذلك في حقه كالثابت بالبينة ولو
كان أصل المال قرضا في الصك أو من ثمن بيع ونسبه إلى الذي في صدر الصك ثم أقر
الكفيل بهذه المقالة كان اقراره على نفسه أصدق مما في الصك لان اقراره على نفسه حجة
ملزمة والصك ليس بحجة ملزمة ما لم يشهد الشهود بما فيه وشهادة الشهود بما فيه لا تكون
مقبولة مع تكذيبه إياهم باقراره فلهذا كان المقبول ما أقر به على نفسه ولو لم يقر الكفيل
بهذه المقالة ولكنه أقر انه هو القابض للمال من صاحب الصك أو انه قد اشترى المبيع من
صاحب الصك وقبضه وقال الذي عليه الصك وهو الذي اسمه في أوله أجل أو صدق
ثم ادعى المقر له المال فله أن يرجع على صاحبه المقر لان اقراره بمباشرة سبب التزام المال
94

يكون اقرارا منه بأنه أصيل في جميع المال وان صاحبه كفيل به واقراره حجة عليه ولو لم
يقر الكفيل بذلك ولكنه أقر أنه قبض المال من المكفول عنه فهو جائز لأنه بالكفالة قد
استوجب المال على المكفول عنه وإن كان مؤجلا واقراره بقبض الدين المؤجل صحيح فان
أداه المكفول عنه إلى الطالب رجع على الكفيل بسبب اقراره لان ثبوت قبضه منه باقراره
كثبوته بالبينة أو بالمعاينة في حقه وإذا كان لرجل على رجلين ألف درهم وكل واحد منهما
كفيل عن صاحبه بجميع المال فادعى كل واحد منهما على صاحبه انه كفيل عنه لم يصدق
واحد منهما على ذلك الا بحجة لأنه يدعي خلاف المعلوم بطريق الظاهر فعلى كل واحد منهما
البينة على ما ادعى فإن لم يكن له بينة يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه لأنه يدعي
على صاحبه ما لو أقر به لزمه وأيهما نكل عن اليمين فنكوله بمنزلة اقراره فيثبت بنكوله ان
أصل المال عليه وان حلفا جميعا ثم أدى أحدهما المال رجع على صاحبه بنصفه لان دعوى
كل واحد منهما تنفى عن صاحبه نصيبه وقيل هذه الدعوى إذا كان أدى أحدهما المال رجع
على صاحبه بالنصف لاستوائهما في الضمان ان قامت البينة من الأصيل أن المال على أحدهما
والآخر كفيل ولم يعرفوا ذلك فهذا بمنزلة من لم تقم عليه بينة لان المشهود عليه بالأصالة منهما
مجهول والشهادة على المجهول لا تكون مقبولة ولا تبطل هذه الشهادة حق الطالب ولا توهنه
لأنها لا تمس حقه وان أقر الطالب أن الأصل على أحدهما والآخر كفيل لم يصدق على ذلك
لان اقراره ليس بحجة لأحدهما على صاحبه وشهادته في ذلك لا تكون مقبولة لان المال
له فإنما يشهد لنفسه على أحدهما بأن جميع المال عليه وكذلك لو كان للطالب ابنان فشهدا
بذلك لأنهما يشهدان لأبيهما وهذا إذا لم يكن على أصل المال بينة أنه عليهما وكل واحد
منهما ضامن فإن كان على أصل المال بينة بذلك فشهادة ابني الطالب جائزة لأنهما لا يثبتان
بشهادتها حق أبيهما وإنما يشهدان لاحد الغريمين على الآخر انه هو الأصيل وان صاحبه
كفيل فلا تتمكن التهمة في هذه وكذلك أن كان الغريمان مقرين بالمال لان حق الطالب
عليهما ثابت باقرارهما فشهادة ابني الطالب على هذا لا تكون لأبيهما وإنما تكون لأحدهما على
الآخر ولو شهد ابنا أحدهما أن الأصل على أبيه والآخر كفيل عن أبيه جاز لأنهما يشهدان على
أبيهما ولو شهدا أن الأصل على الآخر وان أباهما كفيل به عنه لم تجز شهادتهما لأنهما يدفعان
بهذه الشهادة عن أبيهما مغرما ويجران إليه المنفعة فكانا متهمين فيه والله تعالى أعلم بالصواب
95

(باب بطلان المال عن الكفيل من غير أداء ولا ابراء)
(قال رحمه الله) وإذا كفل الرجل بمال عن رجل من ثمن مبيع اشتراه فاستحق المبيع
من يده برئ الكفيل من المال لان باستحقاق المبيع انفسخ البيع وبرئ الأصيل من الثمن
وبراءة الأصيل منه توجب براءة الكفيل لان الكفيل يلتزم المطالبة التي هي على الأصيل
ولا تبقى المطالبة على الأصيل بعد استحقاق المبيع فكذلك على الكفيل وكذلك لو رده
بعيب بقضاء أو بغير قضاء أو بإقالة أو بخيار شرط أو رؤية أو بفساد البيع لان الأصيل يبرأ عن
الثمن بهذه الأسباب وكذلك المهر يبطل عن الزوج كله بفرقة من جهتها قبل الدخول أو بعضه
بالطلاق ببراءة الكفيل به مما بطل عن الزوج لبراءة الأصيل وكذلك الكفيل بطعام السلم
إذا صالح الأصيل الطالب على رأس المال فهو برئ عما كفل به لبراءة الأصيل وليس عليه
شئ من رأس المال لأنه دين آخر سوى ما كفل به وهو ليس ببدل عن المكفول به وكيف
يكون بدلا ووجوب المسلم فيه بعقد السلم ووجوب رأس المال بانفساخ عقد السلم والبدل
ما يجب بالسبب الذي وجب به الأصل فلو ضمن المشترى ثمن المشترى لغريم البائع يعنى
أحال البائع غريم له على المشترى حوالة مقيدة بالثمن أو كفل المشترى لغريم الكفالة البائع
كفالة مقيدة بالثمن ثم استحق العبد بطلت الحوالة والكفالة لان بانفساخ العقد من الأصل
ينتفى الثمن عن المشترى من الأصل وقد كان التزاما مقيدا به وكذلك لو وجد العبد حرا أو
رده المشترى بعيب بقضاء أو بغير قضاء أو بخيار رؤية أو هلك العبد قبل القبض لم تبطل
الحوالة عندنا ولا الكفالة لان بما اعترض من الأسباب لا يتبين أن الثمن لم يكن واجبا على
الأصيل وعلى قول زفر رحمه الله تبطل الكفالة والحوالة لان البيع ينفسخ من الأصيل
بهذه الأسباب ويسقط الثمن عن المشترى وقد كان التزامه مقيدا به (واستشهد في الكتاب
بالصرف) فقال لو باعه بالدراهم مائة دينار وقبضها ثم انفسخ البيع بهذه الأسباب رجع على
البائع بألف درهم لان صرفها وأصلها صحيح بخلاف ما إذا استحق العبد أو وجد حرا فإنه
يرجع بالدنانير لأنه تبين أن الدراهم لم تكن واجبة من الأصيل وعلى هذا لو ضمن الزوج
مهر المرأة لغريمها ثم وقعت الفرقة بينهما قبل الدخول من قبلها لم يبرأ الزوج عن الكفالة
إلا على قول زفر رحمه الله ثم إذا أداها رجع بها على المرأة لأنه كفل عنها بأمرها فيستوجب
الرجوع عليها عند الأداء الا انه كانت تقع المقاصة قبل الفرقة بمهرها وقد انعدم ذلك بسقوط
96

المهر عنه فيرجع عليها بالمؤدى وكذلك لو طلقها قبل أن يدخل بها غير أنه يرجع عليها بنصف
المؤدى لان المقاصة وقعت بالنصف الثاني من مهرها ولو كاتب رجل عبده على ألف درهم
ثم أمره فضمنها لغريم له على المولى ألف درهم وقبل الحوالة بها فذلك صحيح لان هذا
ليس بكفالة ولا حوالة في الحقيقة ولكنه بمنزلة توكيل المولى غريمه باستيفاء بدل الكتابة
من المكاتب ولا فرق في حق المكاتب بين أن يكون يطالبه المولى بالبدل وبين أن يطالبه
غريم المولى فان أعتق المولى المكاتب عتق ولم يبرأ من الضمان وفي بعض نسخ الأصل قال
وبرئ من الكفالة لأنه كان بمنزلة التوكيل وباعتاق المكاتب يسقط عنه بدل الكتابة حتى
لا يطالبه المولى بشئ منه فكذلك وكيله * ووجه الرواية الأخرى أن الغريم كان يطالبه بدينه
قبل العتق ولم يتغير حكم دينه باعتاق المكاتب وإنما كان هذا بمنزلة التوكيل وحكم توجه المطالبة
للغريم على المكاتب بالتزامه فأما المطلوب في حق الغريم دينه وما اعترض من العتق لا يبقى
التزام المطالبة ابتداء فلأن لا ينفى بقاءه بطريق الأولى ثم إذا أدى رجع على المولى لأنه قبل
العتق كانت تقع المقاصة بدين الكتابة وقد انعدم ذلك حين سقط عنه دين الكتابة بالعتق
وكذلك لو مات المولى والمكاتب مدبر يعتق وعتق من ثلثه أم ولد فعتقت لان البراءة عن بدل
الكتابة يحصل بهذا السبب كما يحصل باعتاق المولى إياه ولو كفل عبد عن مولاه بألف درهم
بأمره ثم أعتقه المولى فأداه لم يرجع على المولي فأما بعد العتق فإنه يطالبه بذلك المال لأنه كان
مطالبا في حال رقه بالعتق وهو لا يزيده الا وكادة ولان المولى شغله به حين أمره بالكفالة عنه
فهو بمنزلة ما لو أقر بالدين عليه ثم أعتقه فلا يرجع العبد بها على المولى وان أدى من كسب هو
خالص حقه لان الكفالة حين وقعت لم تكن موجبة لرجوع الكفيل على الأصيل فلا يصير
موجبا للرجوع بعد ذلك بخلاف المكاتب فان هناك أصل الكفالة كانت موجبة لرجوع
المكاتب على المولى عند الأداء لان المكاتب يستوجب على مولاه دينا إلا أنه كانت تقع المقاصة
ببدل الكتابة وهنا أصل الكفالة لم يكن موجبا لرجوع العبد على المولى فان العبد لا يستوجب
على مولاه دينا ولو أن رجلا له على رجل ألف درهم فأمره ان يضمنها الغريم له ثم إن الآمر
وهبها للكفيل أو أبرأه منها لم يجز ذلك وكان للمكفول له ان يأخذه بالمال لان الكفالة أو
الحوالة المقيدة قد اشتغلت بما للآمر في ذمة الكفيل لحق الطالب وذلك يمنع الآمر من
التصرف فيه بمنزلة الراهن إذا تصرف في المرهون بالهبة أو البيع من انسان فإنه لا ينفذ لحق
97

المرتهن ولو مات الآمر وعليه دين ولم يقتض المكفول له الدراهم كانت الدراهم بين سائر
غرماء الميت ولم يكن المكفول له أحق بها منهم استحسانا وكان ذلك القياس أن يكون
للمكفول له خاصة وهو قول زفر رحمه الله لأنه صار كالمرهون به ولان سائر الغرماء يثبت
حقهم من جهة الأصل وقد كان مقدما على الأصل في هذا المال في حياته * ووجه الاستحسان
ان المكفول له لم يصر أحق بغرم هذا المال حتى لو برئ مما في ذمة الكفيل لم يبطل حق
المكفول له ولا يكون أحق بالغنم وبه فارق الرهن فقد صار المرتهن أحق بغرم الرهن هناك *
يوضحه ان يد الاستيفاء ثبتت للمرتهن بقبض الرهن وعلى ذلك ينبنى اختصاصه به دون سائر
الغرماء وهنا يد الاستيفاء لم تثبت للمكفول له فيما في ذمة الكفيل بل هو مال الأصيل فيقسم
بعد موته بين غرمائه بالحصص ولو كان المكفول عنه حيا فأقام رجل البينة أن هذا المال له
وانه أمر فلانا فباع المبيع الذي هذا المال ثمنه لم يكن له ان يبطل الكفالة في قول أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله ولكنه يضمنه للبائع وفى قول أبى يوسف رحمه الله تبطل الكفالة وهو بناء على
مسألة كتاب البيوع ان الوكيل بالبيع عندهما في نفوذ تصرفه في الثمن بمنزلة العاقد لنفسه
ويضمن للموكل وعند أبي يوسف رحمه الله بمنزلة الثابت لا ينفذ من تصرفه الا ما يرجع إلى
القبض ولو كان المال إلى أجل وبه كفيل فان مات الأصيل فقد حل المال عليه ولا يحل على
الكفيل حتى يمضى الاجل لان الأصيل استغنى بموته عن الاجل والكفيل محتاج إليه وحلوله
على الأصيل لا يمنع كونه مؤجلا على الكفيل كما لو كفل الكفيل بمال هو حال على الأصيل
مؤجلا إلى سنة ولو كان الميت هو الكفيل فقد حل المال عليه لوقوع الاستغناء عن الاجل
ويؤخذ من تركته في الحال ثم لا يرجع ورثته على الأصيل قبل أن يحل الاجل عندنا وقال
زفر رحمه الله يرجعون على الأصيل في الحال لأنهم أدوا دينا عليه بعد توجه المطالبة فيه شرعا بحكم
الكفالة عنه بأمره فيرجعون إليه وهذا لان الكفيل يصير بمنزلة المقرض لما أدى عن الأصيل
فيستوجب الرجوع به عليه في الحال الا إذا قصد اثبات حق الرجوع لنفسه بتعجيله قبل حل
الاجل ولم يوجد إذا كان سقوط الاجل حكما لموته ولكنا نقول بالكفالة كما وجب المال
للطالب على الكفيل مؤجلا والأصيل باق منتفع بالأجل فكما بقي المال مؤجلا في حق الطالب
بعد موت الكفيل فكذلك في حق الكفيل للطالب قبل حل الاجل فإنه لا يرجع على الأصيل
حتى يحل الاجل فهذا مثله ولو كان لرجل على رجل ألف درهم فكفل بها عنه ثلاثة رهط
98

بعضهم كفلاء عن بعض بالمال وهو حال من ثمن مبيع فأخر الطالب أحد الكفلاء إلى سنة
فهو جائز وله أن يأخذ أيهم شاء سواء بجميع المال بمنزلة ما لو كان أحدهم كفل به مؤجلا
في الابتداء فان المال يكون حالا على الباقين وهذا لان كل واحد منهم كفيل بجميع المال
وابراء أحد الكفلاء لا يوجب البراءة للباقين كما لا يوجب براءة الأصيل فكذلك التأخير
عن أحد الكفلاء إلى سنة فان أدى المال أحد الكفيلين الآخرين كان له أن يأخذ صاحبه
بالنصف ليستوي به في غرم الكفالة كما هو مساو له في الالتزام بأصل الكفالة ولا يأخذ
الذي أخره حتى يحل الاجل لان الاجل ثابت في حقه فكما لا تتوجه مطالبة الطالب عليه
بشئ لمكان الاجل فكذلك مطالبة الكفيل الآخر فإذا حل الاجل وقد كان أخذ من
صاحبه النصف بيعا جميعا ذلك الكفيل بالثلث لأنه كان مساويا لهما في الكفالة وقد كان المانع
لهما من الرجوع عليه الاجل وقد انعدم فيرجعان عليه بقسطه وهو الثلث ليستووا في غرم
الكفالة ثم يرجعون على الأصيل بجميع المال فلو كان الطالب أخر المال على الأصيل سنة
كان ذلك تأخيرا عن جميع الكفلاء بمنزلة ما لو أبرأ الأصيل وكان ذلك موجبا براءة
الكفيل أو لو كان أخر كفيلا منهم شهرا وآخر شهرين وآخر ثلاثة أشهر كان جائزا على
ما سمى فان حل على صاحب الشهر أخذه من سهمه ولا يرجع هو على الآخرين لقيام
المانع وهو الاجل وان أخر الذي عليه الأصل بعد هذا سنة كان المال عليهم إلى سنة
ودخلت الشهور تحت السنة لان التأجيل في حق الأصيل فهو في حق الكفيل ولو كان
أخر الكفيل شهرا ثم أخره سنة دخل الشهر في السنة فهذا مثله وإن كان المال من ثمن مبيع
أو غصب وبه كفيل فأخر الطالب الأصيل إلى سنة فأبى أن يقبل ذلك فالمال عليه وعلى
الكفيل حال كما كأن لان تأخير المطالبة بالتأجيل في حق الأصيل بمنزلة اسقاطه بالابراء
وابراء الأصيل يرتد بالرد فكذلك التأخير عنه يرتد برده فيبقى المال عليه حالا وكذلك على
الكفيل لان التأجيل في حق الأصيل يجعل في حق الكفيل بمنزلة ما لو أجل الكفيل ولو
أجل الكفيل فأبى أن يقبل المال أن يثبت حالا فكذلك إذا أجل الأصيل وهذا لان
التأجيل لا يوجب انفساخ الكفالة سواء أجل الكفيل أو الأصيل وإذا كان لرجل على رجل
ألف درهم فكفل بها ثلاثة نفر وبعضهم كفلاء عن بعض ثم إن الطالب وهب المال لواحد
منهم فأبى أن يقبل فالمال عليهم كما كأن لان الهبة من الكفيل تمليك فيرتد برد الكفيل كما
99

يرتد برد الأصيل إذا وهب منه وان قبل فقد تملك المال بقبول الهبة فهو بمنزلة ما لو وهبه
تملكه بالأداء فإن شاء رجع على الأصيل بجميع المال وان شاء رجع على صاحبيه بالثلثين ان
وجدهما أو على أحدهما بالنصف ان وجده دون الآخر بمنزلة ما لو أدى المال فإن كان الموهوب
له غائبا فلم يقبل ولم يرد ولم يعلم به حتى مات فالهبة جائزة ويرجع ورثته على أيهم شاء ولما
بينا أن هبة الدين اسقاط يتضمن التمليك فان ضمنه معنى التمليك يرتد برده ما دام حيا ولكونه
اسقاطا يتهم بموته قبل الرد ويجعل تمامه كتمامه بقبوله وورثته قائمون مقامه فيرجعون على
أيهم شاء كما بينا ولو وهبه لرجلين من الكفلاء فقبلا جاز ورجعا به على الأصيل وان شاءا
رجعا على الكفيل الثالث بالثلث بمنزلة ما لو أديا وليس لواحد منهما أن يرجع على صاحبه بشئ
من أجل ان كل واحد منهما صار متملكا خمسمائة وهما يستويان في ذلك وان أخذا الكفيل
الثالث فأدى إليهما الثلث ثم أراد هذا الكفيل الغارم أن يرجع على أحدهما بنصف ما أدى
إلى الآخر لم يكن له ذلك لان كل واحد منهما متملك للثلث فيكون بمنزلة ما لو أدوا جميعا المال
إلى الطالب وإنما يتبعون الأصل بالألف كلها فإذا أخذوها كان لكل واحد منهم ثلث
المقبوض ولو أن الطالب حين وهب المال لهذين الكفيلين قبل أحدهما الهبة وأبى الآخر
أن يقبل فللذي قبل أن يأخذ ثلث هذا النصف من الكفيلين الآخرين لان تملكه نصف المال
بقبول الهبة كتملكه بأداء النصف فإن شاء رجع على الكفيلين معا بثلثي ذلك النصف وان شاء
على أحدهما بنصف ذلك الثلث ويأخذ الطالب بالنصف الآخر أي الكفلاء شاء وان شاء
رجع على الأصيل لان الهبة بطلت في هذا النصف برد الموهوب له فعاد الحكم كما كان قبل الهبة
فان قبض الطالب من الذي عليه الأصل شيئا فهو له خاصة وللطالب أن يأخذ الموهوب
له بما بقي من ذلك لان النصف الباقي ما وهبه منه فهو فيه كغيره من الكفلاء ولو وهب الطالب
نصف المال لاحد الكفلاء كان بهذه المنزلة فان رجع الموهوب له على الكفيلين بثلثي ذلك
النصف فأخذه منهما لم يتبعه واحد منهما بشئ من ذلك لأنه لو كان له حق الاتباع بعد الأداء
كان له أن يمنع ذلك منه في الابتداء ولكن لو أديا إلى الطالب خمسمائة كان للموهوب له أن
يرجع عليهما بثلث خمسمائة أخرى فيرجع عليهما بتلك الخمسمائة حتى يكون الأداء عليهم أثلاثا
وكذلك الصدقة والنحلة والعطية فأما البراءة فليست كذلك ولا يرجع المبرأ من الكفلاء على
على أحد بشئ لان ابراء الكفيل فسخ للكفالة وليس بتملك شئ منه والله تعالى أعلم
100

(باب الحلف في الكفالة)
(قال رحمه الله) وإذا حلف الرجل لا يضمن لفلان شيئا فضمن له بنفس أو مال فهو
حانث لأنه قد ضمن له فالمفهوم من هذا اللفظ التزام المطالبة بتسليم شئ مضمون له وقد وجد
ذلك وكذلك لو كفل أو قبل الحوالة له وقال في الحوالة ضمان وزيادة والكفالة والضمان
عبارتان عن عقد واحد ولو اشترى شيئا بأمره فهذا ليس بضمان وإنما هذا التزام لعقد الشراء
وعقد الشراء لا يسمى كفالة عرفا وفى الايمان يعتبر العرف ولو ضمن لعبده أو مضاربه
أو شريك له مفاوض أو عنان لم يحنث لأن الضمان وقع لغيره فان المضمون ما تجب به المطالبة
قبل الضامن بعقد الضمان وهو غير المحلوف عليه فاما المحلوف عليه ان توجهت له المطالبة
فذلك باعتبار سبب آخر دون عقد الضمان (ألا ترى) أن الرد والقبول إنما يعتبران ممن
ضمنه له دون المحلوف عليه وعلى هذا لو ضمن الرجل فمات فورثه المحلوف عليه لم يحنث وان
صار الضمان له في الانتهاء لان الأصل كان لغيره وإنما يثبت له باعتبار سبب آخر وهو الخلافة
عن المورث ولو حلف لا يضمن لاحد شيئا فضمن انسان ما أدركه من درك في دار اشتراها
أو عبد حنث لأنه قد ضمن للمشترى (ألا ترى) انه يسمى في الناس ضامنا من كان ضامنا
للدرك وهو بمنزلة ما لو قال إن لم يوفك فلان مالك إذا حل أو ان مات فلان قبل أن يوفيك
فهو على أو فانا له ضامن فإنه يكون ضامنا له ويكون حانثا في يمينه وان كانت المطالبة متأخرة
عنه إلى أن يوجد ما صرح به ولا يخرج به من أن يكون ضامنا في الحال فكذلك في الدرك
ولو ضمن لرجل غائب لم يخاطب عنه أحد لم يحنث في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ويحنث
في قول أبى يوسف رحمه الله وهو بناء على ما سبق أن الكفالة للغائب إذا لم يقبل عنه أحد
باطل في قولهما فلا يحنث في يمينه وهو صحيح في قول أبى يوسف رحمه الله والضمان لازم
للكفيل فيكون حانثا في يمينه ولو خاطبه عنه مخاطب حنث في قولهم جميعا لأن الضمان
صحيح في حق الضامن وإن كان للمضمون له الخيار إذا بلغه بين أن يرضى به وبين أن يرده
فيتم به شرط الحنث في حقه ولو ضمن لصبي لان أباه أو وصيه لو أجاز ذلك جاز فهو بمنزلة
ما لو ضمن الغائب فيتم في حقه إذا خاطبه به مخاطب وكذلك العبد المحجور عليه يحلف انه
لا يضمن شيئا فضمن فهو حانث لان يمين المحجور عليه ينعقد لكونه مخاطبا والالتزام
بالضمان صحيح في حقه وإن كان المال يتأخر عنه إلى ما بعد العتق لحق مولاه فهو بمنزلة ما لو
101

ضمن الغائب وعنه مخاطب أو ضمن لإنسان بعد ما حلف وهو مفلس ولو حلف لا يكفل
بفلان أو لا يضمن فلانا فكفل عنه بمال لم يحنث لان الكفالة بفلان إذا أطلقت فإنما يفهم
منها الكفالة بالنفس ومطلق اللفظ في اليمين محمول على ما يتفاهمه الناس في مخاطباتهم فان عنى
المال كان ذلك على ما عنى لأنه شدد على نفسه بلفظ يحتمله وقد تقدم بيان هذا الجنس في
كتاب والله أعلم
(باب الكفالة بما لا يجوز)
(قال رحمه الله) ولا يجوز الكفالة بشجة عمد فيها قصاص ولا بدم عمد فيه قصاص
حتى لا يؤاخذ الكفيل بشئ من القصاص ولا من الأرش لان الكفالة إنما تصح بمضمون تجرى
النيابة في ايفائه والقصاص عقوبة لا تجرى النيابة في ايفائها فلا يصح التزامها بالكفالة والأرش
لم يكن واجبا على الأصيل بالفعل الذي هو موجب للقصاص والكفيل لم يكفل به أيضا
وكذلك الكفالة بحد القذف باطلة لأنه عقوبة لا تجرى النيابة في ايفائها ولان المغلب فيه
حق الله تعالى فيكون على قياس سائر الحدود وكذلك لا تجوز الكفالة بشئ من الأمانات لأنها
غير مضمونة على الأصيل ولا هو مطالب بايفائها من عنده وإنما يلتزم الكفيل المطالبة بما
هو مضمون الايفاء على الأصيل فإذا استهلكها بعد ذلك من هي في يده أو خالف فيها لم
يلزم الكفيل ضمانها لان أصل الكفالة لم يصح والضمان إنما لزم الأصيل بسبب حادث بعد
الكفالة وهو ما أضاف الكفالة إلى ذلك السبب وذلك في القصاص لو صالح الطالب المطلوب
على مال لم يلزم الكفيل من ذلك المال شئ لأنه وجب بعقد بعد الكفالة والكفالة ما أضيفت
إليه وكما لا تصح الكفالة بهذه الأشياء فكذلك الرهن لأن جواز الرهن يختص بما يمكن
استيفاؤه من الرهن فان موجبه ثبوت يد الاستيفاء وكذلك الكفالة بالرهن عن المرتهن
الرهن باطل لان عين الرهن أمانة في يد المرتهن والكفالة بتسليم الأمانة لا تصح كالوديعة
والعارية والمضاربة وكذلك الكفالة للمولى مملوكة وهو في بيت مولاه أو قد أبق عنه باطلة
لأنه غير مضمون للمولى على العبد فان المولى لا يستوجب على عبده حقا مضمونا وهذه
الكفالة دون الكفالة ببدل الكتابة للمولي عن مكاتبه وذلك باطل فهذا أولى ولو دفع ثوبا
إلى قصار ليقصره وضمنه رجل فضمانه باطل في قول أبي حنيفة رحمه الله وكذلك من يشبهه
102

من الصناع لأن العين عنده أمانة في يد الأجير المشترك ولهذا لو هلك من غير صنعه لم يضمن
وأما في قول من يضمن الأجير المشترك ما هلك عنده بسبب يمكن التحرز عنه وهو قول
أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فالكفيل ضامن لأن العين عندهما مضمونة في يد القابض بنفسها
وهو بمنزلة المغصوب في يد الغاصب فتصح الكفالة به ولو كفل بعبد رجل ان هو أبق من
مولاه فهو باطل لأنه ما أضاف الكفالة إلى سبب وجوب الضمان فالإباق ليس بسبب يوجب
ضمانا للمولى على عبده وكذلك لو كفل بدابته ان انفلتت منه أو بشئ من ماله ان تلف لان
الكفيل يلتزم مطالبة هي على الأصيل وذلك ينعدم هنا ولو استودع رجلا وديعة على أن
هذا كفيل بها ان أكلها أو جحدها فهو جائز على ما شرط لأنه أضاف الكفالة إلى سبب
وجوب الضمان والمتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز وكذلك لو قال أنا كفيل بما
صالحته عليه من مال من القصاص الذي تملك عليه في نفس أو من مال لك عليه لأنه أضاف
الكفالة بالمال إلى سبب توجه المطالبة بها وكذلك لو قال إن قتلك فلان خطأ فانا ضامن
لديتك فقتله فلان خطأ فهو ضامن أرشه لأنه أضاف الكفالة بالأرش إلى سبب موجب له
وهو مما تجرى النيابة في ايفائه ولو قال إن أكلك سبع أو ذئب فأنا ضامن لديتك فهذا
باطل لأنه ما أضاف الضمان إلى سبب موجب له ولو قال إن غصبك انسان فأنا ضامن له
فغصبه انسان شيئا فلا ضمان عليه لأنه عم معناه أن المكفول عنه مجهول جهالة متفاحشة وذلك
يمنع انعقاد الكفالة مضافا كان أو مجردا ولو خص انسانا أو قوما لزمه ذلك لان المكفول
عنه معلوم ولو دفع ثوبا إلى قصار يقصره بأجرة وكفل به رجل ان أفسده أكان جائزا
لان الأجير المشترك ضامن لما جنت يده فقد أضاف الكفالة إلى سبب موجب الضمان
فصحت الكفالة لهذا ولو ادعى قبل رجل قصاصا في نفس أو دونها أو حدا في قذف
وسأل القاضي أن يأخذ له كفيلا بنفسه وقال بينتي حاضرة لم يجبه القاضي إلى ذلك في قول
أبي حنيفة رحمه الله وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يجيبه إلى ذلك لان تسليم النفس
مستحق على الأصيل الطالب في هذا الموضع فتصح الكفالة به كما في دعوى المال وهذا
لان تسليم النفس تجرى فيه النيابة فالكفيل إنما يلتزم ما يقدر على ايفائه وأبو حنيفة رحمه الله
يقول تسليم النفس هنا لمقصود لا تصح الكفالة به وهو الحد والقصاص فلا يجبر على اعطاء
الكفيل بالنفس فيهما بخلاف المال وهذا لان العقوبات تدرأ بالشبهات فلا ينبغي للقاضي أن
103

يسلك فيها طريق الاحتياط بالاجبار على اعطاء الكفيل بالنفس لان ذلك يرجع إلى
الاستيثاق وهو ضد موضوع العقوبات ولكن السبيل أن يقول له ألزمه ما بينك وبين قيامي
فان أحضر البينة قبل أن يقوم القاضي والا خلى سبيله ولو أقام شاهدا واحدا لا يعرفه القاضي
فان أقام شاهدين أو واحدا عدلا يعرفه القاضي فان القاضي يحبسه في السجن حتى يسأل
الشهود لأنه صار متهما بارتكاب الحرام الموجب للعقوبة حين تم أحد شطرى الشهادة
والحبس مشروع في حق مثله (ألا ترى) أن الداعر يحبس ولا يكفل حتى يأتي بشاهد
آخر لان الكفيل للاستيثاق بالحدود والقصاص وذلك غير مشروع فأما الحبس للتعزير
فهو مشروع في حق من هو متهم بارتكاب الحرام وعلى قولهما لا يحبسه قبل تمام الحجة
الموجبة للقضاء ولكنه يكفله ثلاثة أيام كما في دعوى المال ولو ادعى قبل رجل مالا بسرقة
منه وقال بينتي حاضره فإنه يؤخذ له منه كفيل بنفسه ثلاثة أيام لان المدعى مال والاستيثاق
بالكفالة فيه مشروع فان قال قبضت منه السرقة لكني أريد أن أقيم عليه الحد لا يؤخذ منه
كفيل لان الحد يجب لله تعالى وهو ينبنى على البرء والاسقاط فلا يستوثق بأخذ الكفيل
بالنفس فيه وكذلك حد الزنا فان طلب المشهود عليه من الذي شهد عليه بالزنا حد القذف فقال
الشاهد عندي بذلك أربعة شهداء أجل فيه إلى قيام القاضي ليظهر عجزه بهذا الامهال عن إقامة
أربعة من الشهداء فإن لم يحضرهم أقام عليه حد القذف لان السبب الموجب للحد قد تقرر وهو
القذف مع العجز عن إقامة أربعة من الشهداء ولم يحل عنه ولا يكفل لان ذلك يرجع إلى
الاستيثاق ولكن الطالب يلزمه إلى قيام القاضي مراعاة لحقه حتى لا يهرب فان قال الشاهدان
المشهود عليه عبد فالقول قوله لان ثبوت حريته بطريق الظاهر وبمثله يدفع الاستحقاق ولا
يستحق الحد وان طلب المقذوف من القاضي ان يأخذ له منه كفيلا حتى يحضر البينة انه
حر لم يؤخذ لان هذا استيثاق لإقامة الحد ولكن القاذف يحبس على وجه له فقد استوجب
ذلك بإشاعة الفاحشة حرا كان المقذوف أو عبدا ويؤجل المقذوف أياما بمنزلة ما لو أقام
رجل عليه البينة بالرق فزعم أن له بينة حاضرة على الحرية وكما يؤجل هناك أياما ليتمكن من
اثبات حريته بالبينة فكذلك هنا وان أقام رب السرقة شاهدين على السارق وعلى السرقة
وهي بعينها في يديه لم يؤخذ منه كفيل ولكنه يحبس وتوضع السرقة على يدي عدل حتى
يزكى الشهود لان في الاشتغال بأخذ الكفيل بنفسه أو بالعين المسروقة استيثاقا لإقامة الحدود
104

ذلك غير مشروع ولكنه يحبس على وجه التعزير وتوضع السرقة على يدي عدل لان السارق
غير مأمون على العين المسروقة والمدعى عليه المال إذا كان يخاف منه ان يتلف المال فللقاضي
أن يضعه على يدي عدل بعد إقامة البينة حتى يزكى الشهود واخراج العين فيه نوع تعزير له
وإذا ادعي عبد على حر قذفا وأراد أن يعذر له أو ادعي رجل قبل رجل مسألة فيها تعزير
وقال بينتي حاضره أخذ له منه كفيلا بنفسه ثلاثة أيام لأنه ليس بحد وإنما هو تعزير وهو
من حقوق العباد حتى يجوز العفو عنه وهو مما لا يندرئ بالشبهات التي هي في معني البدل
بمنزلة الأموال ولو ادعت امرأة على زوجها انه قذفها والزوج حر أو عبد لم يؤخذ منه كفيل
في قول أبي حنيفة رحمه الله لان اللعان في قذف الزوج زوجته بمنزلة الحد في قذف الأجنبي
وقد بينا الخلاف هناك بين أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله فكذلك هنا ولو ادعى الولد قبل
الوالد قذفا لم يؤخذ منه كفيل ولم يترك ان يلزمه لان الابن لا يستوجب على والده شيئا
من نوع العقوبة تعزيرا كان أو حدا أو قصاصا وكذلك لا يستوجب عليه الحبس في دين له
واجب عليه وكذلك لا يستوجب الملازمة في دعواه قبله وكذلك لو ادعاه قبل والدته أو جده
أو جدته وكذلك لو ادعى عبد ان مولاه قذف أمه وهي حرة مسلمة لان حقوق الملك
في اخراج المملوك من أن يكون أهلا لاستيجاب العقوبة على مالكه بمنزلة الولادة ولو ادعى
حر قبل عبد قذفا فأراد أن يأخذ منه كفيلا بنفسه أو نفس مولاه وخاف أن لا يقام عليه الحد
الا بمحضر من مولاه لم يؤخذ له الكفيل من واحد منهما ولكنه يؤمر بتلازمهما إلى أن
يقوم القاضي في قول أبي حنيفة رحمه الله ولو أقام البينة عليه بذلك بمحضر من مولاه فان
العبد يحبس له ويؤخذ له من مولاه كفيل في قول أبي حنيفة رحمه الله وفى قول أبى يوسف
رحمه الله لا يحبس العبد ولكن يؤخذ له كفيل بنفس العبد خاصة دون نفس المولي وفى قول
محمد رحمه الله يؤخذ له الكفيل بنفس العبد ونفس مولاه والذي قال في الكتاب ان قول
محمد رحمه الله مثل قول أبي حنيفة رحمه الله إنما يريد به أخذ الكفيل من المولى فأما حبس
العبد فقوله كقول أبى يوسف رحمه الله وهو بناء على مسئلتين أحداهما ما بينا من اخذ الكفيل
بنفس المدعى قبله حد القذف والأخرى ما تقدم بيانه في الآبق أن حد القذف بالبينة لا يقام
على العبد الا بمحضر من مولاه في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وفى قول أبى يوسف
رحمه الله يقام عليه وإن لم يحضر المولى فقال أبو يوسف رحمه الله لا يأخذ الكفيلين بنفس
105

المولى لأنه لا حاجة إلى حضوره في اقامته الحد ويؤخذ الكفيل بنفس العبد ولا يحبس قبل
إقامة البينة ولا بعدها قبل ظهور عدالة الشهود لان هذا بمنزلة المال عنده في حكم الكفالة
بالنفس وقال محمد رحمه الله كذلك إلا أنه قال يؤخذ الكفيل بنفس المولى لأنه لا بد من حضرة
المولى لإقامة الحد على العبد عنده وعند أبي حنيفة رحمه الله في دعوى حد القذف لا يجبر على
اعطاء الكفيل بالنفس قبل إقامة البينة ولكن يصار فيه إلى الملازمة ولا بد من حضرة المولى
عنده لإقامة البينة فيكون للمدعى أن يلازمهما وبعد إقامة البينة يحبس العبد تعزيرا كما
يحبس الحر إذا قامت البينة عليه بالقذف ويؤخذ من مولاه كفيل لأنه لا بد من حضرة
المولى لإقامة الحد ولا سبيل إلى حبسه لأنه ما ارتكب حراما فيؤخذ منه كفيل نظرا
للمدعى لأنه ليس في أخذ الكفيل من المولى هنا توثق بحد عليه إذ لا حد على المولى ولو
ادعى رجل على رجل حدا في قذف فأقام شاهدين على شهادة شاهدين أو شاهد وامرأتين
لم يكفل ولم يحبس وكذلك هذا في القصاص لأنه لا مدخل لهذا النوع من الحجة في حد أو
قصاص ولو كان هذا في سرقة أخذ منه كفيل بنفسه حتى يسأل عن الشهود لان المال يثبت
بهذه الحجة فان زكوا قضى عليه بالمال وكذلك كل جراحة لا قصاص فيها لا في دعوى المال
وبمثل هذه الشهادة يثبت المال فإذا ادعى رجل دم عمد على ثلاثة نفر فأقر اثنان منهم بذلك
وشهدا على الثالث أنه قتل معهما عمدا فإنهما يحبسان فاقرارهما على أنفسهما بمباشرة السبب
الموجب للعقوبة ولا يحبس الآخر بشهادتهما ولا يكفل لان شهادتهما ليست بمقبولة على
الثالث فإنهما فاسقان ولأنهما يشهدان بفعل كان مشتركا بينه وبينهما ولا شهادة لهما في مثله
فإنما يبقى في حق الثالث مجرد دعوى المدعي وبه لا يثبت الحبس ولا التكفيل ولو كان أولياء
الدم ثلاثة فادعى أحدهم على رجل وادعى الآخر على الشريك قتل العمد وكل واحد منهما
يدعى بينة حاضرة لم يحبس أحد منهم ولكن يؤخذ من كل واحد منهم كفيل ثلاثة أيام لأنه
لا قصاص في هذه الدعوى وإنما انهاء المال بشئ واحد منهما على من بينته عليه في دعوى المال
يكفل بالنفس ثلاثة أيام ولو ادعى رجل قبل رجل قطع يد عمدا ثم أبرأه وادعاه على آخر
لم يكفل الثاني ولا تقبل بينة عليه لوجود التناقض منه في الدعوى فان أقر الثاني بذلك قضى
عليه لأنه مناقض صدق خصمه في ذلك الا انه لا يقضى عليه بالقصاص لان ما تقدم من
الدعوى منه على غيره يمنعه من استيفاء القصاص منه فيصير ذلك شبهة في حق القصاص
106

دون المال وهذا مشكل فان تعذر استيفاء القصاص لمعنى من جهة من له الحق وهو تناقضه
في الدعوى وفى مثله لا يقضى بالدية كما لو قال قتلت وليك عمدا فقال لا بل قتلته خطأ لا يقضى
بالمال وكل مالا قصاص فيه فهو بمنزلة الخطأ في حكم الكفالة حتى إذا ادعى على رجلين قطع
يد عمدا أخذ له منهما الكفيل بالنفس لان هذا غير موجب للقصاص وإنما الدعوى فيه
دعوى المال ولو أقام شاهدين عدلين على قتل خطأ قضى له بالدية ولا حبس على القاتل في
ذلك ولا كفالة لان الخاطئ معذور والخطأ موضع رحمة من الشرع علينا فالخاطئ لا يستوجب
التعزير إلا أن يكون داعرا فيحبس للدعارة لان في حبس الداعر تسكين الفتنة ولو أن
رجلا قطع يميني رجلين فاجتمعا وطلبا كفيلا بنفسه لا يؤخذ لهما منه كفيلا بنفسه من قبل أن
كل واحد منهما يدعى القصاص (ألا ترى) أن أحدهما إذا أقام البينة قضى له بالقصاص
وإذا أقاما جميعا البينة قضى لهما بالقصاص حتى إذا بادر أحدهما واستوفى كان مستوفيا لحقه
الا انهما إذا استوفيا القصاص يقضى لهما حينئذ بأرش اليد وقضى بنصف طرفه حقا مستحقا
عليه لكل واحد منهما وإذا ثبت أن دعوى كل واحد منهما دعوى القصاص لم يؤخذ الكفيل
بنفسه في قول أبي حنيفة رحمه الله ولو ادعى رجل قبل رجل قطع يد عمدا ويد القاطع شلاء
فقال المدعى أنا أختار الدية فخذ لي منه كفيلا بنفسه أخذ له الكفيل لان باختياره يتعين حقه
في المال وفى دعوى المال تجري الكفالة بالنفس وإذا ادعى رجل قبل رجل شتمة فاحشة
وأقام عليه شاهدين بالشتمة لم يحبس المدعي عليه ولكن يؤخذ منه كفيل بنفسه حتى يسأل
عن الشهود ولما بينا أن دعوى التعزير كدعوى المال وفى دعوى المال لا يحبس ما لم تظهر
عدالة الشهود ثم الحبس نهاية العقوبة في هذه الدعوى (ألا ترى) أن بعد عدالة الشهود لو
رأى القاضي أن يحبسه أياما عقوبة ولا يعزر بالسوط كان له ذلك فلما كان الحبس له نهاية
العقوبة هنا لا يمكن اقامتها قبل ظهور العدالة بخلاف القصاص والحدود وأشار في الحدود
والقصاص إلى أن على قولهما بعد إقامة البينة قبل ظهور عدالة الشهود يحبس ولا يؤخذ
الكفيل ولكن يبرأ الكفيل إن كان أخذه منه (تأويله) بعد ظهور العدالة فأما قبل ذلك
فلا يشتغل بحبسه عندهما على ما فسره في دعوى الحد على العبد وإن كان المدعى عليه الشتمة
رجلا له مروءة وخطر استحسنت أن لا أحبسه ولا أعزره إذا كان ذلك أول مرة لان
احضاره مجلس القاضي فيه نوع تعزير في حقه فيكتفى به في أول مرة ويؤخذ بما رواه
107

الحسن رحمه الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تجافوا عن ذوي المروءة الا في الحد
وإذا ادعى رجل قبل رجل شيئا يجب عليه فيه عقوبة فأخذ منه كفيلا بنفسه ثلاثة أيام فهرب
المكفول به وقدم الطالب الكفيل إلى القاضي فإنه يحبسه حتى يجئ به لأنه التزم تسليم نفسه
فيحبس لايفاء ما التزمه ولو ادعى قبل رجل انه ضربه وخنقه وشتمه وأن له بينة حاضرة
أخذت له منه كفيلا ثلاثة أيام فان أقام على ذلك شاهدين أو شاهدا وامرأتين أو شاهدين
على شهادة شاهدين عزر به لان التعزير بمنزلة المال يثبت مع الشبهات وقد بينا في كتاب
الحدود أنه لا يبلغ بالتعزير أربعين سوطا في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وفى قول أبى يوسف
رحمه الله يبلغ بالتعزير خمسة وسبعين سوطا إذا كان في أمر متفاحش وتعزير العبد في مثل
ذلك تسعة وثلاثون سوطا عنده ذكر هذه الزيادة هنا لان الأربعين حد في حق العبد وقد
قال صلى الله عليه وسلم من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين ولو ادعت امرأة قبل زوجها
أنه ضربها ضربا فاحشا وادعت بينة حاضرة أو ادعى رجل ذلك قبل ولده الكبير أو قبل أخيه
يؤخذ منه كفيل ثلاثة أيام وكذلك الذمي يدعى الشتمة قبل المسلم أو الذمي أو العبد يدعيها
قبل الحر لان الدعوى في هذا كله دعوى التعزير والكفالة فيه مشروعة وإذا مات الرجل
وعليه دين ولم يترك شيئا فكفل ابنه أجنبي للغريم بما له على الميت لم تجز الكفالة في قول
أبي حنيفة رحمه الله وهي جائزة في قول أبى يوسف ومحمد والشافعي رحمهما الله وإذا كان
الميت ترك وفاء جازت الكفالة عندهم جميعا وان ترك شيئا ليس فيه وفاء فإنه يلزم الكفيل
بقدر ما ترك الميت في قوله وفى قولهما يلزمه جميع ما كفل به وحجتهم في ذلك ما روى أن النبي
صلى الله عليه وسلم أتى بجنازة رجل من الأنصار ليصلى عليه فقال صلى الله عليه وسلم هل على
صاحبكم دين فقالوا نعم درهمان أو ديناران فقال صلوات الله عليه وسلامه صلوا على صاحبكم
فقال أبو قتادة هما علي يا رسول الله وفى رواية قال ذلك علي كرم الله وجهه فصلى عليه رسول
الله صلى الله عليه وسلم فلو لم تصح الكفالة عن الميت المفلس لما صلي عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعد الكفالة وعن عبد الحميد بن أبي أمية عن رجل من الأنصار أنه قال لأصحابه من
استطاع منكم أن يموت وليس عليه دين فليفعل فانى شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد أتى بجنازة رجل من الأنصار فقال صلى الله عليه وسلم هل على صاحبكم دين فقالوا نعم
فقال صلوات الله عليه وسلامه وما ينفعكم صلاتي عليه وهو في قبره مرتهن بدينه ثم قال صلى
108

الله عليه وسلم فمن ضمنه قمت فصليت عليه فهذا تنصيص على تصحيح الضمان عن الميت المفلس
والمعنى فيه أنه كفل بدين واجب فيصح كما في حال حياة المديون وهذا لان الدين كان
واجبا عليه في حال حياته فلا يسقط الا بإيفاء أو ابراء أو انفساخ سبب الوجوب وبالموت
لا يتحقق شئ من ذلك (ألا ترى) انه مؤاخذ به في الآخرة مطلوب به ولو تبرع انسان
بقضائه جاز التبرع الا انه تعذرت مطالبته به في الدنيا بموته وبهذا لا يخرج الحق من أن
يكون مطلوبا في نفسه كما لو أفلس في حال الحياة وكالعبد إذا أقر على نفسه بدين ثم كفل
عنه كفيل به صح وإن كان هو لا يطالبه في حال رقه لان الحق مطلوب في نفسه وهذا لان
ذمته باقية بعد الموت حكما لأنها كرامة اختص بها الآدمي وبموته لا يخرج من أن يكون
محترما مستحقا لكرامات بني آدم (ألا ترى) أنه لو مات مليا بقي الدين ببقاء ذمته حكما
لا للانتقال إلى المال وليس بمحل لوجوب الدين فيه وإنما هو محل القضاء الواجب منه ولو
كان بالدين رهن بقي الرهن على حاله وإن كان مات عن افلاس بأن كان الرهن مستعارا من
انسان وبقاء الرهن لا يكون الا باعتبار بقاء الدين لو قتل عمدا وهو مفلس فكفل به
كفيل بالدين الذي عليه صح والقصاص الواجب ليس بمال ولو لم تكن الذمة باقية حكما لما
صحت الكفالة هنا وهذا بخلاف دين الكتابة فالحق هناك غير مطلوب وكذلك الديون الواجبة
لله تعالى فإنها غير مطلوبة في الحكم في الدنيا والكفالة تكون بالحق فيشترط كون الحق
مطلوبا في نفسه على الاطلاق وهناك الحق مطلوب في نفسه وبموته لم يتغير الحكم فبقي مطلوبا
وجه قول أبي حنيفة رحمه الله أن الحق قد توى وإنما تصح الكفالة بالقائم مثلا من الدين
دون التاوي وبيان ذلك هو انه لا يتصور قيام الحق بدون محله ومحل الدين الذمة وقد خرجت
ذمته بموته من أن يكون محلا صالحا لوجوب الحق فيها فان الذمة عبارة عن العهدة ومنه يقال
أهل الذمة وأصل ذلك من الميثاق المأخوذ على الذرية المأخوذة من ظهر آدم صلوات الله عليه
قال تعالى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم الآية وتمامه بالالزام المذكور في
قوله تعالى وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه وذلك باعتبار صفة الحياة قبله فأما بالموت فخرج
من أن يكون أهلا لالتزام شئ من الحقوق في أحكام الدنيا فعرفنا أنه لم يبق له ذمة صالحة
تكون محلا للحق ولكنه في أحكام الآخرة معد للحياة فتبقى الذمة في أحكام الآخرة ولهذا
كان مؤاخذا به وهو معد للحياة في الدنيا عادة فلا تبقى الذمة في أحكام الدنيا وباعتبار المطالبة
109

في أحكام الآخرة لا يمكن تصحيح الكفالة كما في ديون الله جلت قدرته والدليل عليه أن الذمة
لم تبق محلا لوجوب الحق فيها بعد الموت وكما يشترط المحل لابتداء الالتزام فكذلك يشترط
المحل لبقاء الحق ولم يبق المحل فلا يبقى في أحكام الدنيا أيضا والكفيل إنما يلتزم المطالبة بما على
الأصيل ولا يلتزم أصل الدين في ذمته ولم يبق في ذمة الأصيل شئ في أحكام الدنيا فلا
تصح الكفالة وهذا الدين في حكم المطالبة دون دين الكتابة فالمكاتب يطالب بالمال وإن كان
لا يحبس فيه ثم هناك الكفالة به لا تصح فهنا أولى بخلاف المفلس في حال الحياة فان ذمته محل
صالح لوجوب الحق فيها ابتداء فبقي الواجب وبخلاف العبد أيضا فان له ذمة صالحة لوجوب
الحق فيها وان ضعفت ذمته بسبب الرق وبخلاف ما إذا مات مليا فالمال هناك خلف عن الذمة
فيما هو المقصود وهو المطالبة والاستيفاء لان الاستيفاء يكون من المال بجعل الأصل قائما
حكما وهنا لم يبق حلف بعد موته مفلسا وتوهم أن يتبرع انسان بماله فيقضى عنه الدين لا يجعل
مال الغير خلفا عن ذمته قبل جعل صاحبه وبخلاف ما إذا كان بالدين كفيل لان ذمة الكفيل
هنا خلف عن ذمته وبعد صحة الكفالة قد يتحول الدين إلى ذمة الكفيل عند الضرورة وهو
عند أداء الكفيل أو الهبة وقد تحققت الضرورة هنا فلهذا بقي الكفيل في الكفالة وكذلك
الرهن خلف عن الذمة فيما هو المقصود وهو استيفاء الدين منه بقدر استيفائه من محل آخر
وإذا قتل عمدا فقد قال بعض أصحابنا رحمهم الله لا تصح الكفالة عند أبي حنيفة رحمه الله
وبعد التسليم يقول القصاص الواجب بفرض أن يصير مالا بعفو بعض الشركاء أو تمكن
الشبهة فتوهم توجه المطالبة في الدنيا بقضاء ذلك الدين يجعل الذمة باقية حكما فتصح الكفالة
لهذا المعنى والحديث المروى في الباب يحتمل أن يكون ذلك من أبى قتادة أو علي رضي الله عنهما
اقرارا بكفالة سابقة فان لفظ الاقرار والانشاء في الكفالة سواء والعموم بحكاية الحال
لا يثبت ويحتمل أن يكون وعدا منهما لا كفالة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يمتنع من الصلاة على الميت ليظهر طريق لقضاء ما عليه فلما ظهر الطريق لوعدهما صلى عليه
لهذا (ألا ترى) انه ما روى أنه كأن يقول لعلي رضي الله عنه بعد ذلك ما فعل الديناران حتى
قال يوما قضيتهما فقال صلى الله عليه وسلم الآن بردت عليه جلدته ولم يجبره على الأداء وبه
يتبين انه كان وعدا لا كفالة والحديث الآخر شاذ ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف
أن لذلك الرجل مالا ولكنه ما كان ظاهرا عند الناس فلهذا ندبهم إلى الضمان عنه ليصلي
110

عليه ثم هذا حكم منسوخ لإجماعنا على جواز الصلاة على المديون المفلس والاستدلال بالمنسوخ
لا يقوى والله أعلم بالصواب
(باب كتاب القاضي في الكفالة)
(قال رحمه الله) وإذا كتب القاضي إلى القاضي في كفالة بنفس رجل كفل به بأمره
فأراد أن يقبل معه حتى يوافيه به فأقام على كتاب القاضي شاهدي عدل وكتب انه قد
قامت عنده البينة العادلة انه كفل بنفسه بأمره فان القاضي يأمره بالخروج معه حتى
يوفى مكانه ويخلصه مما أدخله فيه لان الكفالة بالنفس تثبت مع الشبهات فيثبت كتاب
القاضي إلى القاضي ثم الثابت بالبينة عند القاضي المكتوب إليه كالثابت باقرار الخصم ولو
أقر الخصم بذلك في الذمة بالخروج معه لأنه هو الذي أوقعه في هذه الورطة حين أمر أن
يكفل بنفسه فعليه أن يخلصه ههنا كما لو أمر بالكفالة بالمال كان عليه تخليصه مما يلزمه به
فان كفل بالبصرة وجاء بالكتاب من قاضي البصرة إلى قاضي الكوفة بذلك فإنه يؤمر أن
يوافيه حتى يبرئه من ذلك لأنه إنما يلزمه تسليمه في الموضع الذي التزم التسليم فيه ولا يقدر
على ذلك الا بموافاة الآمر معه إلى ذلك الموضع وكذلك لو كان كفل به بالكوفة على أن يوافي
به بالبصرة فأخذ الطالب بالكوفة فإنه يأمره القاضي أن يوافي معه بالبصرة حتى يبرئه لما قلنا
ولو كفل بنفسه بالكوفة على أن يدفعه بالكوفة وأخذه الطالب بالبصرة فطلب كتاب قاضي
البصرة إلى قاضي الكوفة بذلك ليأمره بأن يوافي معه البصرة لم يجبه إلى ذلك ولو كتب له
يجبر قاضي الكوفة المكفول به على الذهاب معه إلى البصرة لان مطالبة الطالب بالبصرة لا تلزم
الكفيل شيئا فإنه ما التزم تسليمه إليه بالبصرة ولو طلب الكفيل كتاب قاضي البصرة ببينة
بالكفالة بأمره فإنه يكتب له بذلك حتى إذا قدم الكوفة وطالب الطالب بالتسليم فامتنع
الأصيل وجحد الآمر بالكفالة كان كتاب قاضي البصرة حجة له عليه ولو كتب القاضي إلى
القاضي كتابا في كفالة بنفس رجل ولم يبين في كفالته انه كفل بأمره فإنه لا يؤخذ له بذلك
بمنزلة ما لو أقر انه كفل بغير أمره وهذا لأنه لو كفل عنه بمال بغير أمره لم يكن عليه أن
يخلصه من ذلك لأنه التزمه باختياره فكذلك إذا كفل بنفسه بغير أمره وإذا كان الكفلاء
بالمال ثلاثة وبعضهم كفلاء عن بعض فأدى المال أحدهم والكفيلان الآخران في بلدين
111

وصاحب الأصل في بلد آخر فأقام البينة بذلك عند القاضي وسأله أن يكتب له به فإنه يكتب له
بثلاثة كتب إلى كل بلد بصفة الكفالة وحالها وأداء المال لأنه يحتاج إلى ذلك كله فربما يقصد
أخذ الثلاثة فلا بد من أن يعطيه ما يكون حجة له عليه إلا أنه يكتب إلى كل قاض بما كتب
به إلى القاضي الآخر على سبيل النظر فيه للخصوم لكيلا يلتبس المدعي ويأخذ مالا على
حدة كل كتاب عن كل خصم ولا بد من أن يسمى في كتابه الشهود وآباءهم وقبائلهم لان
هذا الكتاب لنقل الشهادة فلا بد من اعلام الشاهد فيه واعلامه بذكر اسمه واسم أبيه وقبيلته
فان أخذ أحد الكفلاء فقال قد أخذت من الكفيل معي نصف المال أو من الأصيل المال
فعليه البينة لان الأصيل لو ادعى ذلك بنفسه كان عليه أن يبينه بالبينة فكذلك إذا ادعى ذلك
الكفيل وهذا لان السبب الموجب للرجوع له بنصف المال على الذي أخذه ظاهر وهو
يدعي مانعا أو مسقطا فعليه اثباته بالبينة فإن لم يكن له بينة حلف الذي ادعى المال وأخذ منه
نصفه وإذا أدي الكفيل المال وأخذ به كتاب قاض إلى قاض فلم يجد صاحبه هناك فان
القاضي الذي أتاه بالكتاب يكتب له إلى قاض آخر بما أتاه من قاضي كذا لان على المكتوب
إليه أن ينظر له ويقبضه علي ما يتوصل به إلى حقه كما هو على الكتاب ولان شهوده قد ثبت
في مجلس القاضي المكتوب إليه بالكتاب فهو كما لو ثبت بأدائهم الشهادة في مجلسه فعليه أن
يكتب له إلي قاضي البلدة التي فيها خصمه وان رجع القاضي الذي كتب له أول مرة فقال
اكتب لي كتابا آخر فانى لم أجد خصمي في البلد الذي كتب إلى قاضيه لم يكتب له حتى يرد
إليه كتابه الأول نظرا منه لخصمه لان من الجائز أن يقصد المدعى التلبيس ليأخذ مالا بكل
كتاب وإنما حقه في مال واحد وان كتب له قبل أن يرد إليه كتابه فقد أساء في ترك النظر
لأي الخصمين وميله إلى أحدهما وتمكينه من التلبيس وليبين في كتابه أنه قد كتب له في هذه
النسخة إلى قاضي كذا وكذا فبهذا يندفع بعض التلبيس ويحصل للقاضي الكاتب التحرز عن
التمكين من الظلم وإذا كتب للقاضي بمال أداه كفيل عن كفيل فهو جائز ويؤخذ به الكفيل
الأول للثاني إذا كان هو الذي أمره به ولا يؤخذ به الذي عليه الأصل ولم يأمره بالكفالة
عنه وإنما أمره الكفيل الأول والتخليص إنما يجب علي من أوقعه بأمره إياه بالكفالة في الورطة
فإن كان الأصل هو الذي أمر الثاني أن يضمن من لم يأمره بشئ وأصل المال على الأصيل
فلا فرق بين أن يأمره أن يكفل بذلك المال عنه وبين أن يأمره بأن يكفل به عن كفيله وإذا
112

ادعى الكفيل المال وكتب له القاضي بذلك ولم يكتب في كتابه انه كفل بأمره فان الذي أتاه
الكتاب لا يرد الكفيل بالمال لان الأصيل لو أقر بكفالته عنه وجحد أن يكون أمره بذلك
لم يكن له أن يرجع عليه بشئ فكذلك إذا ثبت ذلك بالبينة وان جاء الكفيل بكتاب من قاض
آخر انه كفل عنه بأمره فهو مستقيم ويؤخذ له بالمال بمنزلة ما لو أقر الخصم بذلك أو شهد
عليه شاهدان والله تعالى أعلم بالصواب
(باب الشهادة واليمين في الحوالة والكفالة)
(قال رحمه الله) وإذا ادعى رجل على رجل كفالة بنفس رجل وشهد له شاهدان فاختلفا في
الوقت أو في البلد الذي وقعت الكفالة فيه أو في الاجل بأن قال أحدهما إلى شهر وقال
الآخر إلى شهرين أو قال أحدهما حال وقال الآخر إلى شهر فالكفالة لازمة في ذلك كله
لأنه قول يعاد ويكرر فلا يختلف المشهود به وهو أصل الكفالة باختلافهما في هذه الأشياء
ولو شهدا أن هذا كفل لهذا بنفس رجل لا نعرفه ولكن نعرف وجهه ان جاء به فهو جائز
لأنهما يشهدان على قول الكفيل ويجعل ما ثبت من قوله بشهادتهما كالثابت باقراره فيقضى
القاضي به ويأمره أن يأتي به على معرفتهما ولو قالا لا نعرف وجهه أيضا فإنه يؤخذ بالكفالة
بمنزلة ما لو أقر عند القاضي بأنه كفل بنفس رجل لهذا ثم يقال له أي رجل أتيت به وقلت هو
هذا وحلفت عليه فأنت برئ من الكفالة وهذا لان جهالة المقر به لا تمنع صحة الاقرار فالقول
في بيانه قول المقر بمنزلة ما لو أقر أنه غصب من فلان شيئا أو شهد الشهود على اقراره بذلك
ولو قال أحدهما كفل بنفس فلان وقال الآخر كفل بنفس فلان الآخر لم تجز الشهادة
لاختلافهما في المشهود به على وجه لا يمكن التوفيق فيه ولو ادعى رجل كفالة بنفس رجلين فأقام
شاهدين فأثبتا كفالة أحدهما واختلفا في الآخر فأثبته أحدهما وشك الآخر فيه فإنه يؤخذ
بالكفالة التي اجتمعا عليها لان الحجة فيها قد تمت وفى الآخر لم تتم الحجة حين شك فيه
أحدهما والكفالة بأحدهما تنفصل عن الكفالة بالآخر. ولو شهد رجلان على رجل انه كفل
لأبيهما ولرجل بنفس فلان كانت شهادتهما باطلة لأنهما يشهدان بلفظ واحد وقد بطلت
شهادتهما في حق أبيهما فتبطل في حق الآخر أيضا إذ المشهود به لفظ واحد ولو شهد
رجلان على رجل أنه كفل لفلان بنفس فلان فإن لم يواف به غدا فعليه ما عليه وهو ألف درهم
113

فهو جائز لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة أو اقرار الخصم فان اختلفا في الوقت أو المكان
أو الاجل فشهادتهما جائزة إذا ادعى الطالب أقرب الأجلين فان ادعى أبعد الأجلين لم تقبل
الشهادة لأنه قد أكذب الذي شهد باقرارهما حين ادعى الأبعد وإنما أكذبه فيما شهد له به
واكذاب المدعي شاهده فيما شهد له يبطل شهادته بخلاف الأول فهناك إنما أكذب الشاهد
بأبعد الأجلين فيما شهد عليه به وذلك لا يضره وهو بمنزلة ما لو ادعى ألفا وشهد له أحد
الشاهدين بألف وخمسمائة لا تقبل ولو ادعى ألفا وخمسمائة وشهد له أحد الشاهدين بألف
قبلت شهادتهما على مقدار الألف لهذا المعنى ولو اختلفا في المال فشهدا أحدهما بدراهم والآخر
بدنانير لم تجز شهادتهما في شئ من ذلك إذا ادعى الطالب النصفين وقال لم يشهد لي بالنصف
الآخر لأنه أكذب أحدهما فيما شهد له به فتبطل شهادتهما في جميع ما شهدا به وان ادعى النصفين
جميعا جازت شهادتهما في الكفالة بالنفس وبطلت في المال لأنه ما أكذب واحدا منهما فيقضى
بشهادتهما فيما اتفقا عليه ويتعذر القضاء فيما تفرد به كل واحد منهما فان اتفقا في المال انه
ألف درهم فقال أحدهما قرض وقال الآخر ثمن مبيع وقال لم تشهد لي على القرض فقد
أكذب الشاهد بالقرض فلا تجوز شهادته له في شئ من ذلك وان ادعى الطالب ألفين ألف
قرض وألف ثمن مبيع فهو ما أكذب واحدا منهما فتجوز شهادتهما له في الكفالة بالنفس وفى
ألف درهم لا يقبلها على وجوب الألف واختلافهما في الجهة لا يمنع القضاء بالمال لأنهما
اختلفا ولم يختلفا بقلة ولان الجهة غير مطلوبة بعينها وإنما المقصود المال بخلاف الأول فقد
اختلفا هنا في جنس المال الذي هو مقصود وإن كان الشاهدان كفيلين بالمال عن صاحب
الأصل لم تجز شهادتهما لأنهما يجران بها إلى أنفسهما مغنما فان الطالب إذا أخذ المال من
المشهود عليه استفاد البراءة به وكذلك لا تجوز شهادة ولدهما ووالدهما لأنه ينفعهما بشهادته
وكذلك لا تجوز شهادة ابن الأصيل على الكفيل بذلك لأنه ينفع أباه فان الطالب إذا استوفى
المال من الكفيل برئ الأصيل وكذلك تجوز شهادة ابن الكفيل إذا أقر به الكفيل وأنكره
الأصيل لأنه شهد لأبيه في ثبوت حق الرجوع على الأصيل عند الأداء وان جحد الكفيل
وأقر به الأصيل جازت شهادة ابن الكفيل لأنه يشهد على أبيه للطالب بالزام المال وإذا
ادعى رجل علي رجل انه كفل له بنفس رجل وبألف درهم له عليه إن لم يواف به غدا وشهد
له بذلك شاهدان وشهدا أن المكفول به أمر الكفيل بذلك والكفيل والمكفول به ينكران
114

المال والامر فقضى القاضي بتلك الشهادة على الكفيل ولم يواف به فأخذ المال وأداه رجع
به على المكفول به عندنا وقال زفر رحمه الله لا يرجع لأنه أقر عند القاضي أنه أمره بالكفالة
عنه بشئ واقراره حجة عليه ولأنه بزعمه مظلوم فيما أخذ منه المال وليس للمظلوم أن يظلم
غيره ولكنا نقول القاضي أكذبه في اقراره وزعمه حين ألزمه المال بشهادة الشهود والمقر متى
صار مكذبا في اقراره حكما سقط اعتبار اقراره كالمشتري إذا كان أقر بالملك لبائعه فاستحق
المبيع من يده بالبينة رجع على بائعه بالثمن ولم يعتبر اقراره بذلك ولو أقر الكفيل بالكفالة
بالنفس والمال وقال لم يأمرني بذلك فقضى عليه القاضي بذلك ثم جاء الكفيل بالبينة أن
المكفول عنه أمره بالكفالة لم تقبل بينته على ذلك لأنه مناقض في دعواه حين أقر انه لم
يأمره بذلك والمناقض لا يقبل بينة على خصمه ولان القاضي إنما قضى عليه بالكفالة بالمال
باقراره على نفسه بذلك واقراره ليس بحجة على الأصيل بخلاف الأول فالقضاء هناك كان
بحجة البينة وقد قامت على الكفيل والأصيل جميعا وإذا كفل بنفسه بأمره فإن لم يواف به غدا
فعليه المال ولو ادعى الكفيل انه وافى به لم يصدق الا ببينة لأنه ادعى مانعا أو مسقطا بعد
ما ظهر سبب وجوب المال عليه وهو الكفالة فان أقام البينة على ذلك برئ من الكفالة
بالنفس والمال جميعا لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ويستوى ان شهدا على الموافاة أو
على اقرار الطالب بذلك فان اختلفا في مكان اقراره أو وقته جازت الشهادة لان الاقرار
قول يكرر وان شهد أحدهما انه دفعه إليه غدوة بمحضر منه بغير اقراره وشهد الآخر انه
دفعه إليه عشية بمحضر منه بغير اقرار والمدعي يدعي أحدهما أو كلاهما وقال دفعته إليه غدوة
أو عشية لم تجز شهادتهما لاختلافهما في المشهود به فان الفعل الموجود في مكان أو زمان غير
الفعل الموجود في مكان أو زمان آخر ولو أقر الكفيل انه لم يدفع الرجل إليه وأن المال
قد لزمه والشهود شهدوا بباطل وقد اتفقت شهادتهما فالمال لازم للكفيل لاكذابه الشاهدين
فيما شهدا به له ولا يرجع به إذا أداه على المكفول عنه لأنه قد أقر به فلزمه ذلك باقراره
بعد ما ظهرت حجة براءته واقراره ليس بحجة على الأصيل وإذا كفل رجل بنفس رجل فإن لم
يواف به غدا فعليه المال فشهد عليه شاهد بذلك معاينة وآخر باقراره والكفيل يجحد ذلك
لزمه ذلك لان الكفالة قول وصيغة الاقرار والانشاء فيه واحدة وفى مثله اختلاف الشاهدين
في الاقرار والانشاء لا يضر كالبيع وان شهدا على رجل أنه كفل لرجل بألف درهم عن
115

فلان واختلفا في اللفظ فقال أحدهما كفل بها وقال الآخر ضمنها أو قال أحدهما هي لي وقال
الآخر هي علي فالشهادة جائزة لاتفاقهما فيما هو المقصود وهو الكفالة والألفاظ قوالب المعاني
فعند اتفاقهما على العقد المشهود به لا يضرهما اختلاف العبارة كما لو شهد أحدهما بالهبة والآخر
بالنحلة وان قال أحدهما احتال بها عليه وقال الآخر ضمنها له على أن أبرأ الأول أو لم يذكر
البراءة وادعى الطالب الضمان أو الحوالة والبراءة فإنه يأخذ المحتال عليه بالمال لاتفاق الشاهدين
على الحوالة وان اختلفا في العبارة أو لاتفاقهما على التزام المشهود عليه للمال كما إذا شهد أحدهما
بالضمان ولم يذكر البراءة وهذا لان في الحوالة ضمانا وزيادة فيقضى بما اتفقا عليه والأصيل
برئ باقرار الطالب لا بشهادة أحد الشاهدين بالحوالة ولو ادعى الطالب الضمان بغير براءة
وقال لم أحل عليه فإنه يأخذ أيهما شاء بالمال لاتفاق الشاهدين على مقدار الالتزام بالضمان
والطالب ما أكذب الذي شهد له بالحوالة في شهادته له وإنما أكذبه في شهادته عليه وهو
براءة الأصيل وذلك لا يمنع قبول الشهادة كما لو شهدا له بالمال وشهد أحدهما أنه استوفاه
أو أنه أبرأ المطلوب منه قال (ألا ترى) انه لو شهد شاهدان انه كفل له بالمال على أن
أبرأ الأول والطالب يقول لم أبرئ الأول والكفيل يجحد الكفالة قضيت للطالب بالكفالة
وأبرأت الأصيل إذا كان هو يدعي شهادتهما على البراءة وبهذا يتبين أنهما في الشهادة على
البراءة يشهدان على الطالب لا له وكذلك لو شهدا بالحوالة وقال الطالب إنما كفل لي فهو
ما أكذبهما فيما شهدا له من ضمان المال. ولو شهد رجلان على رجل أنه كفل بألف درهم لرجل
فقال أحدهما إلى سنة وقال الآخر حالة وادعى الطالب حالة وجحد الكفيل أو أقر وادعى
الاجل فالمال عليه في الوجهين من قبل أن الطالب لم يكذب شاهده فيما شهد له به وإنما
أكذبه فيما شهد به عليه والشاهد بالأجل للكفيل واحد وقد بينا فيما سبق أن زفر رحمه الله
يخالفنا في جميع هذه الفصول وانه لا يفصل بين الاكذاب فيما شهد به له أو عليه ولو ادعى رجل
قبل رجلين كفالة بألف درهم وكل واحد منهما كفيل ضامن بها وشهد له شاهدان فشهد
أحدهما بذلك عليهما وشهد الآخر على أحدهما فان الطالب يأخذ الذي اجتمعا عليه بالألف
لان كل واحد منهما بحكم هذه الكفالة مطالب بجميع المال وقد تمت الحجة على أحدهما ولو
شهد شاهد عليهما وشهد آخر على أحدهما وشهد الآخر على الآخر كان للطالب أن يأخذهما
جميعا بالمال لان الحجة قد تمت في حق كل واحد منهما في حق أحدهما لشهادة الأولين
116

وفى حق الآخر بشهادة الآخر أخذ الأولين مع الثالث وان شهد اثنان على أحدهما انه
كفل له هو وفلان عن فلان بألف درهم على أن يأخذ أيهما شاء وشهد له الآخر ان على
كفيل الآخر بمثل ذلك كان له أن يأخذ أيهما شاء بجميع المال لان الحجة قد تمت في حق
كل واحد منهما بالتزامه جميع المال ولو شهد له شاهدان بالمال حالا على الأول وشهد له آخران
على الآخر بالمال إلى أجل على مثل شهادة الأول كان جائزا وأخذ الطالب صاحب الاجل
بالمال إلى أجله والآخر بالمال حالا اعتبارا للثابت بالبينة بالثابت بالمعاينة وكذلك أن اختلف
الفريقان في مبلغ المال أخذ الطالب أيهما شاء بما شهد به الشاهدان عليه اعتبارا بما لو أقر
كل واحد منهما بذلك القدر وإذا ادعى رجل كفالة ألف درهم له على رجل قد سماه فشهد
شاهدان انه كفل له بألف درهم عن رجل وقالا رأيناه ولم نعرفه أو لم نره ولكن الكفيل
أشهدنا على ذلك فالمال لازم للكفيل لأنهما يشهدان على قوله فهو بمنزلة شهادتهما على اقراره
والمشهود له معلوم إذا أدى الكفيل المال لم يرجع على المكفول عنه إلا أن يشهد له شاهدان
انه أمره بذلك وان أراد الطالب أن يأخذ الأصيل دون الكفيل لم يكن له ذلك إذا جحد
لان البينة الأولى ليست بحجة على الأصيل حين لم يعرفه الشهود أو لم يروه وإذا ادعى الرجل
على الرجل ألف درهم أحال بها فلان الغائب وأقام البينة فأدى إليه المحتال عليه رجع بها
على المحيل ولم يكلف إعادة البينة عليه لان المحتال عليه التزم بالحوالة بالمال الذي هو على الأصيل
وإنما يتحول إلى ذمته ما كان في ذمة الأصيل على أن يكون هو خلفا عن الأصيل ولهذا لو
مات مفلسا عاد المال إلى الأصيل فانتصب هو خصما عنه ومن ضرورة القضاء عليه بالحوالة
بالأمر القضاء بالمال على المحتال عليه ولو كان الطالب غائبا فأقام المحتال عليه البينة على الأصيل
أنه كان لفلان عليك ألف درهم وأحلته بها علي وأديتها إليه قضيت بها له عليه وهو قضاء
على الطالب بالاستيفاء لأنه ادعى لنفسه المال على الأصيل ولا يتوصل إلى ذلك الا باثبات
الأداء إلى لطالب ولا يتوصل الأصيل إلى دفع ذلك عن نفسه الا بإنكار قبض الطالب
بالاستيفاء فلا يلتفت إلى جحوده بعد ذلك إذا حضر والكفالة في هذا قياس الحوالة ولو ادعى
رجل على رجل كفالة بنفس أو مال أو حوالة ولا بينة له استحلف المدعى عليه فان نكل
عن اليمين لزمه ذلك وان حلف برئ ورجع المدعى على صاحب الأصيل بالمال وهذا ظاهر
في الكفالة فان الكفالة لا توجب سقوط مطالبة الطالب عن الأصيل وكذلك في الحوالة لان
117

الأصيل إنما يبرأ إذا ثبتت الحوالة ولم تثبت حين حلف المحتال عليه ولأنه حين جحد وحلف قد
تحقق التوى وذلك يوجب عود المال إلى الأصيل كما لو مات المحتال عليه مفلسا فان نكل عن
اليمين وأدى المال رجع على الأصيل إن كان مقرا أو قامت بينة عليه بالأمر وجحود المحتال
عليه لا يبطل تلك الحوالة لأنه صار مكذبا في ذلك حين قضى القاضي به عليه ولم يجعل نكوله
هنا بمنزلة اقراره بل جعله بمنزلة البينة لأنه مضطر إلى هذا النكول وإنما لحقته هذه الضرورة
في عمل باشره لغيره فهو نظير الوكيل بالبيع إذا نكل عن اليمين في دعوى العيب فرد عليه كان
ذلك ردا على الموكل ولو كان قضى بالمال على الكفيل أو المحتال عليه ببينة قامت عليه بذلك
وان فلانا أمره به فأدى المال وصاحب الأصل جاحد للامر فإنه يرجع عليه بالمال لأنه صار
مكذبا شرعا بالبينة التي قامت عليه بذلك ولو كان قضى عليه بالمال بنكوله عن اليمين وأداه فله
أن يستحلف الأصيل بالله ما أمره بذلك لما بينا انه مضطر إلى النكول إلا أن نكوله ليس
بحجة على الأصيل في الامر فيحلفه على ذلك ولو ادعى قبل رجل كفالة بنفس أو مال فقال
الكفيل لم أكفل له بشئ وقد أبرأني من هذه الدعوى فاستحلفه ما أبرأني وقال الطالب بل
استحلفه ما كفل به لي فانى استحلفه بالله ماله قبله ذلك لان القاضي إنما يشتغل بالاستحلاف
على ما هو المقصود وهو قيام الكفالة بينهما في الحال فيحلف على ذلك فان حلف برئ وان
نكل لزمته الكفالة ولم يستحلف الطالب بالله ما أبرأه لان الكفيل يدعى عليه البراءة فيحلف
على ذلك لحقه فان نكل عن اليمين برئ الكفيل من كفالته كما لو أقر ببراءته وان ادعى
الكفيل بالنفس انه دفعه إلى وكيل الطالب حلف الطالب على علمه لأنه استحلاف على فعل
الغير بخلاف ما إذا ادعى الدفع إليه فإنه استحلاف على فعل نفسه فيكون على البتات ولو ادعى
رجل قبل رجل كفالة فقال أخذك غلامي حتى كفلت لي بفلان وجحد الكفيل ذلك فإنه
يحلف على ذلك لأنه لو أقر به لزمه تسليم النفس إليه وان كانت الكفالة له بحضرة غلامه دونه
فان أنكر يستحلف عليه لرجاء النكول وإذا طلب مدعي الكفالة بنفس أو مال ان يحلف
الكفيل بالله ما كفل لم يحلف كذلك ولكنه يحلف بالله ماله قبلك هذه الكفالة لان الانسان
قد يكفل لغيره ثم يبرأ من كفالته بسبب فلو حلفه القاضي ما كفل يضر به لأنه لا يمكنه أن
يحلف وإن كان هو محقا في انكاره الكفالة في الحال والقاضي مأمور بالنظر للخصمين فلهذا
يحلفه بالله ماله قبلك هذه الكفالة وكذلك هذا في كل دين ومال وديعة وعارية وشراء وإجارة
118

فإنه لا يحلف ما اشتريت ولا أستودعك ولا أعارك ولا استأجرت منه ولكن يحلف بالله
ماله قبلك ما ادعى به وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قال هذا إذا عرض المدعي عليه فقال أيها
القاضي قد يكفل الانسان ثم يبرأ منه فلا يلزمه شئ فأما إذا لم يشتغل بهذا التعريض فإنه يحلف
بالله ما كفلت لأنه إنما يستحلف على جحوده وقد جحد الكفالة أصلا فيحلف على ذلك فإذا
عرض فقد طلب من القاضي أن ينظر له فعلى القاضي اجابته إلى ذلك وإن لم يعرض فهو الذي
لم ينظر لنفسه فلا ينظر القاضي له ولكنه يحلفه على جحوده وفي ظاهر الرواية قال هذا
التعريض لا يهتدى إليه كل خصم وعلى القاضي أن يصون قضاء نفسه عن الجور ونفسه عن
الظلم فيحلفه على ما بينا عرض الخصم أو لم يعرض ولو قال الكفيل للقاضي حلف الطالب ان
له قبلي هذه الكفالة فانى أرد عليه اليمين فإنه لم يرد عليه اليمين لان الشرع جعل اليمين على المنكر
فإذا رددت اليمين على المدعى فقد خالفت الأثر وقد بينا هذا في الدعوى ولو جاء الطالب
بشاهديه على قوله فقال المطلوب استحلفه بالله لقد شهدت شهوده على حق لم أستحلفه على ذلك
لان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل البينة على المدعي فإذا جعلت عليه مع البينة يمينا فقد
جعلت ما لم يجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ممتنع والله أعلم بالصواب
(باب كفالة الرجلين على شرط لزوم المال بترك الموافاة)
(قال رحمه الله) وإذا كفل رجل لرجلين بنفس رجل فإن لم يواف به أدى ما ادعيا به عليه
فعليه مالهما عليه وسمى لكل انسان منهما الذي له عليه وهو مختلف فهو جائز لأنه نجز الكفالة
بالنفس لكل واحد منهما وعلق الكفالة بالمال بشرط عدم الموافاة إذا دعياه وذلك صحيح في
حق كل واحد منهما عند الانفراد في حقهما فان دعاه أحدهما ولم يواف به لزمه ماله عليه
لوجود الشرط في حقه ولم يلزمه مال الآخر حتى يدعوه به وبهذا يتبين أن هذا في المعنى
ليس بتعليق للكفالة بالمال بالشرط ولكنه بمنزلة الكفيل بالمال بشرط ابرائه من مال كل
واحد منهما بموافاته به إذا دعياه لأنه لو كان هذا تعليقا بالشرط لم يجب شئ من المال بوجود
بعض الشرط وإذا دعاه أحدهما فلم يوافه به فالموجود بعض الشرط وقال يلزمه المال
عرفنا انه يلزمه لان الموافاة كانت مبرئة له ولم توجد ولو بدأ بالمال فضمنه لكل واحد
منهما وقال إن وافيتكما بنفسه إذا دعوتماني به فأنا برئ من المال فهو مثل الأول وتقديم
119

المال في هذا وتأخيره سواء لأنه وان أخر الكفالة بالمال في لفظه فهو في المعنى مقدم وإنما
هو شرط البراءة عند الموافاة بنفسه إذا دعياه به ولكل واحد منهما أن يأخذ بكفالته
دون الآخر لأنه في المعنى كفيل لكل واحد منهما على حدته ويلزمه ذلك دون الآخر وان
جمع بينهما في العقد لفظا بمنزلة ما لو أقر لهما بمال فلكل واحد منهما أن يأخذ حصته دون الآخر
ولو كان الطالب رجلين متفاوضين لهما على رجل ألف درهم فكفل لهما رجل بنفس المطلوب
فان وافاهما به غدا فهو برئ من المال فوافى به أحدهما ودفعه إليه فهو برئ من كفالته
بالنفس والمال لهما جميعا لان المتفاوضين كشخص واحد ما بقيت المفاوضة بينهما وكل واحد
منهما قائم مقام صاحبه في استيفاء ما وجب لصاحبه كما هو قائم مقام صاحبه في كونه مطالبا
بما على صاحبه ولو كانا شريكين شركة عنان برئ من حصة الذي وافاه به ولم يبرأ من
الكفالة للآخر لأنه فيما هو واجب لصاحبه بمنزلة الأجنبي في الاستيفاء حتى لا يكون
له أن يطالب الغريم به فكذلك لا يبرأ عن كفالة صاحبه بموافاته به ولو كفل رجلان
بنفس رجل على أن يوافيا به غدا فإن لم يفعلا فالمال عليهما فوافى به أحدهما عنه وعن صاحبه
ولم يحضر الآخر فهما بريئان لأنهما التزما التسليم بعقد واحد ولو التزما مالا فأداه أحدهما
برئا منه جميعا فكذلك الكفالة بالنفس ولو مات أحدهما ثم مضى الاجل ولم يوافيا به لزم
الحي منهما نصف المال وفى تركة الميت نصف المال لوجود الشرط وهو عدم الموافاة به ولو
كان وافى به بعض ورثة الميت قبل الاجل برئا جميعا لان الوارث قائم مقام المورث في التسليم
ولو كان كفل به كل واحد منهما على حدة فاشترط الطالب على كل واحد منهما انه إن لم
يواف به إلى وقت كذا فعليه المال فوافى به أحدهما فدفعه فإنه يبرأ من كفالته ولا يبرأ
الاخر لان الكفالة هنا مختلفة وكل واحد منهما أجنبي عن عقد صاحبه إلا أن يقول الذي
جاء به دفعته عن نفسي وعن صاحبي ويقبله الطالب على ذلك بمنزلة ما لو جاء به أجنبي آخر
فدفعه عنهما جميعا وقبله الطالب ولو دفع المكفول به نفسه إلى الطالب عنهما جميعا كانا بريئين
سواء قبله الطالب أو لم يقبله بمنزلة ما لو دفعاه إليه لأنه أصيل في هذا التسليم غير متبرع به بخلاف
الأجنبي والله أعلم بالصواب
(باب الكفالة بالأعيان)
(قال رحمه الله) وإذا ادعى عبدا في يدي رجل فلم يقدمه إلى القاضي وأخذ منه كفيلا بنفسه
120

وبالعبد فمات العبد في يدي المطلوب وأقام المدعى البينة أن العبد عنده فان القاضي يقضى
له بقيمة العبد على المطلوب وان شاء على الكفيل لأنه ثبت بالبينة أن العبد كان مغصوبا
والكفالة بالعين المغصوبة توجب على الكفيل رد القيمة عند تعذر رد العين كما أنها واجبة
على الأصيل وإن لم يقم البينة ولكن المطلوب نكل عن اليمين فقضى عليه القاضي بالعبد
فمات العبد قبل أن يقبضه فإنه يقضى له بقيمته على الأصيل دون الكفيل لان نكوله كاقراره
أو كبدله فلا يكون حجة على الكفيل إلا أن يقر الكفيل بمثل ذلك أو يأبى اليمين فيلزمه مثل
ما يلزم المطلوب ولو غصب رجل عبدا فضمنه رجل لصاحبه فهو ضامن له حتى يأتي به فان هلك
فعليه قيمته لأنه التزم المطالبة بما على الأصيل والقول قول الكفيل في قيمته لانكاره الزيادة
كالأصيل فان أقر الغاصب بأكثر من ذلك لزمه الفضل باقراره ولا يصدق على الكفيل
ولو اشترى رجل جارية من رجل فقبضها وجاء آخر فادعاها وأخذ بها كفيلا وأقام البينة
أنها جاريته فقضي له بها فقال المطلوب قد ماتت أو أبقت وقال الطالب كذبت فانى أحبس
الكفيل حتى يأتي بها كما أحبس فلانا الأصل حتى يثبت إباقها فان طال ذلك يعنى مدة الحبس
ضمنهما قيمتها مراعاة لحق الطالب إذا طلب وان قال هي بمائة درهم وحلفا عليها وقال
الطالب ألف درهم ضمنهما مائة درهم لان الزيادة انتفت أن تكون قيمتها ما لم يقم البينة بها
ويأخذ بها أيا شاء فإذا ظهرت الجارية بعد ذلك فهو بالخيار ان شاء أخذ الجارية ورد القيمة
وان شاء سلم الجارية وسلمت المائة له وقد بينا هذا في كتاب الغصب قال ولا يسع الغاصب
أن يطأها ما كان للمغصوب منه فيها خيار لان المغصوب منه يملك الجارية من الغاصب بالقيمة
فيكون بمنزلة تمليكها بالبيع وما بقي له الخيار يعنى للبائع فليس للمشترى أن يطأها فهذا مثله
ولو كانوا تصادقوا على القيمة أو قامت لهما بينة أن نكلا عن اليمين فأخذها المغصوب منه ثم
ظهرت الجارية لم يكن للمغصوب منه عليها سبيل لان قبضه القيمة رضا منه بخروجها عن ملكه
فان البدل والمبدل لا يجتمعان في ملك وكان للغاصب أن يطأها بعد أن يستبرئها بحيضة لتمام
التملك فيها وإذا كان عبد في يدي رجل فادعاه رجل وأخذ منه كفيلا به ووكل في خصومته
ولم يغب المطلوب وغيب العبد فان الكفيل يحبس حتى يجئ به بعينه لأنه التزم بالكفالة
احضاره وكذلك لو ظهر المطلوب وغيب العبد حبس حتى يأتي به لأنه في تغييبه قاصدا
الاضرار بالمدعى فإنه لا يتمكن من إقامة البينة على استحقاق العين الا بمحضر منه فان قال
121

المدعى أنا آتى بالبينة انه عبدي قبل ذلك منه ليستحق به العين ان قدر عليه والقيمة إن لم
يقدر على العبد فان شهد شاهداه أنه العبد الذي ضمن هذا به وسمياه وجلياه عند فلان قضيت
له بالعبد على الكفيل فان أتى به والا قضيت له بقيمته بعد أن يحلف المدعى بالله ما خرج من ملكه
بوجه من الوجوه قيل إنما يحلف على هذا عند طلب الكفيل وقيل بل يحلف عليه وإن لم
يطلب الكفيل على وجه النظر من القاضي للغائب والصيانة لقضائه وان شهد شاهداه أن العبد
الذي يقال له فلان الفلاني وجلياه لفلان لم أقبل ذلك لان الاسم يوافق الجلية فلا يثبت
بهذه البينة انه ضامن للعبد المشهود به انه ملك للمدعى ولكن الكفيل يحبس حتى يأتي به
لأنه التزم احضاره بالكفالة قبل هذه البينة فان مات الكفيل أخذ به المدعى عليه ان ظهر
العبد حتى يأتي به بعد أن يوافق جلية العبد الذي ظهر بشهادة الشهود ليتمكن المدعى من
اثبات ملكه بالبينة فإن لم يأت المولى بالعبد جليت عنه لان المولى ما ضمن شيئا ولم يثبت عليه
شئ بالبينة التي قامت على الاسم والجلية وليس المولى في هذا كالكفيل لان الكفيل التزم
الاحضار بكفالته فلا بد من أن يأتي به والمولى لم يضمن شيئا فلا يحبسه القاضي ولا يلزمه
شيئا من غير حجة وإذا كان العبد في يد رجل فادعاه آخر وكفل به رجلان فأقام المدعى البينة
أنه عبده حبس الكفيلان حتى يدفعاه إليه وإن لم يكن له بينة أخذ الكفيلان باحضار ما التزما
احضاره بالكفالة فان قالا قد مات العبد أو أبق وأقاما على ذلك بينة فانى أخرجهما من
السجن لأنهما حبسا لاحضاره وقد ثبت بهذه البينة عجزهما عن احضاره ولكن لا أبرئهما من
الكفالة لان بتلك الكفالة هما ضامنان للقيمة إذا ثبت ملك الطالب في العبد بالحجة وادعى
الطالب بشهوده أن العبد عبده فان أقام على ذلك بينة أخذ كل واحد من الكفيلين بنصف
القيمة وإن لم يكن له بينة فلا ضمان على الكفيلين لان الحق لم يثبت على الكفيل ويؤجل
الكفيلان في الإباق أجلا حتى يأتيا به وقد بينا هذا الحكم في الكفالة بالنفس إذا غاب الأصيل
عن البلدة وإذا ادعى الرجل في يدي الرجل أرضا أو حماما أو بستانا وقال بينتي حاضرة أخذ
له منه كفيل بالمدعى به لان العقار لا يغيب ولا يحرك ولا يحول ولأنه لا حاجة إلى احضاره
مجلس الحكم لتقع الإشارة إليه في الدعوى والشهادة ولو استودع رجل رجلا عبدا فجحده
ذلك وأخذ منه كفيلا بنفسه وبالعبد فمات العبد وأقام رب العبد البينة أنه استودعه وقال لا يدرى
ما كانت قيمته يوم كفل به الكفيل فالمستودع ضامن لقيمته يوم استودعه على ما شهدت
122

الشهود لأنه ثبت وصوله إلى يده وعلى هذه القيمة والجحود موجب عليه ضمان تلك القيمة
باعتبار تلك اليد ولا يضمن الكفيل من قيمته الا ما يقر به بعد أن يحلف لان الكفيل إنما
يضمن بعقد الكفالة لاعتبار يد المستودع ولم يثبت بالبينة مقدار قيمته عند الكفالة ولكن
ما عرف ثبوته فالأصل بقاؤه وهذا نوع من الظاهر يصلح حجة لدفع الاستحقاق لا لاثبات
الاستحقاق فلهذا لا يضمن الكفيل من قيمته الا ما يقر به بعد أن يحلف ولو كان العبد يوم
اختصموا فيه أعمى وجحده المستودع فشهد الشهود انه استودعه وهو صحيح يساوى ألفا
فكفل به الكفيل وهو أعمى فرفعوه إلى القاضي وهو كذلك ثم مات في يد المستودع
وزكى شهوده فالمستودع ضامن قيمته أعمى على الحال الذي جحد فيها وكذلك الكفيل لان
المستودع إنما يصير ضامنا عند الجحود وقد علم القاضي تغيره عن المقيمة؟ التي شهدت بها الشهود
فلا تعتبر تلك القيمة في القضاء عليه بخلاف الأول (ألا ترى) انه لو علم هلاكه قبل الجحود
لم يضمنه شيئا ولو لم يعلم بذلك ضمنه قيمته فكذلك إذا علم فوات جزء منه وكذلك لو لم يعم
ولكن السوق اتضعت وجحده يوم جحده وهو يساوى خمسمائة وعلم ذلك القاضي لم يضمنه
الا قيمته خمسمائة ولو لم يعلم ذلك ضمن المستودع ألف درهم كما شهد به الشهود ولم يقبل منه
بينة على اتضاع السوق لان المقصود بهذه البينة النفي والبينات للاثبات لا للنفي (ألا ترى)
انه بعد ما جحد لو قال قد مات العبد لم ألتفت إلى قوله ولم أقبل منه بينة عليه لان المقصود
بهذه البينة نفى الضمان عنه إلا أن يعلم القاضي انه مات قبل جحوده أو يقر الخصم به ولو
استعار دابة من رجل إلى مكان معلوم فجاوز ذلك المكان ضمنها ولو أعطاه كفيلا بها جاز
لأنه صار غاصبا ضامنا بالمجاوزة وكذلك المستودع إذا جار في بعض الوديعة جازت الكفالة
بقدر ما جار فيها لأنها أمانة في يد المودع ولو اشترى عبدا من رجل ونقده الثمن وأخذ منه
كفيلا بالعبد حتى يدفعه إليه فمات العبد لم يكن على الكفيل شئ لأن العقد قد انفسخ بموته
قبل القبض وبرئ الأصيل عن تسليم عينه فكذلك الكفيل والكفيل ما ضمن الثمن فلا
يطالب بشئ منه وكذلك لو كان ضمن الدرك في العبد لان الهلاك قبل التسليم ليس يدرك
وإنما الدرك للاستحقاق ولو قبضه ثم وجد به عيبا فرده لم يكن على الكفيل شئ لان العيب
ليس يدرك ولو لم يجد به عيبا ولكن استحق بصفة فرد المشترى النصف الباقي لم يضمن
الكفيل الا ثمن النصف المستحق لان الدرك تحقق في ذلك النصف الآخر فإنما رده المشترى
123

بعيب التبعيض وذلك ليس بدرك وإذا كفل رجل بالرهن وفيه فضل على الدين فهلك عند
المرتهن لم يكن على الكفيل شئ لان عين الرهن أمانة في يد المرتهن والزيادة على مقدار الدين
من مالية الرهن أمانة فلا يضمن الكفيل شيئا من ذلك بالكفالة ولو كان ضمن لصاحب الدين
ما نقص الرهن من دينه وكان الرهن قيمته تسعمائة والدين ألفا ضمن الكفيل مائة درهم لأنه
التزم بالكفالة دينا مضمونا في ذمة الأصيل ولو أن جارية بين رجلين أخذها أحدهما بغير أمر
صاحبه فكفل رجل لصاحبه بنصيبه منها جاز لان الآخذ غاصب ضامن لنصيب شريكه
ولو كان أخذها برضاه لم يجز لان نصيبه أمانة في يد القابض ولو استعار الرهن من المرتهن على أن
أعطاه كفيلا به فهلك عند الراهن كان خارجا من الرهن لان ضمان الاستيفاء باعتبار يد
المرتهن ولم يبق بعد ما استعاره الراهن ولم يلزم الكفيل شئ لأنه لا ضمان للمرتهن على الأصيل
بسبب هذا القبض فلا يضمن الكفيل أيضا شيئا ولو كان أخذه بغير رضا المرتهن جاز
ضمان الكفيل وأخذ به لان الراهن ضامن مالية العين هنا (ألا ترى) انه لو هلك في يده
يضمن قيمته للمرتهن فيكون هذا بمنزلة الكفالة بالمغصوب ولو استقرض من رجل مالا على
أن يعطيه فلانا عنده رهنا وكفل له بذلك الرهن كفيل فلا ضمان على الكفيل لان الرهن
لا يكون الا بالقبض فقبل القبض ليس هنا شئ مضمون على الأصيل لتصح الكفالة به ولو
أجر عبدا أو دابة وعجل الاجر ولم يقبض العبد ولا الدابة وكفل له كفيل بذلك حتى
يدفعه إليه فالكفيل يؤخذ به ما دام حيا لان التسليم مستحق على الأصيل وهو مما تجرى فيه
النيابة فتصح الكفالة به فان هلك ما استأجره لم يكن على الكفيل شئ لان الإجارة انفسخت
وخرج الأصيل من أن يكون مطالبا بتسليم العين وإنما عليه رد الاجر والكفيل ما كفل
بالأجر ولو أوصى لرجل بأمة وهي حبلى ولآخر بما في بطنها وهي تخرج من الثلث فأخذ
صاحب الحبل من صاحب الأمة كفيلا بما في بطنها لم يجز لان ما في البطن غير مضمون
على صاحب الأمة وكذلك لو دفع الأمة إلى صاحب الولد تكون عنده على أن أعطاه بها
كفيلا لم تجز لأنه أمين فيها حين قبضها باذن صاحبها ولو أخذها بغير أمره وأعطاه بها كفيلا
جاز لأنه غاصب لها ضامن ولو أخذ صاحب الأمة الأمة بغير رضا صاحب الولد وأعطاه كفيلا
بالولد لم يجز لأنه بأخذ الأم لا يصير غاصبا ضامنا لما في بطنها ولو أوصى لرجل بخادم
ولآخر بخدمتها فإنها تكون عند صاحب الخدمة فان أخذ منه صاحب الرقبة كفيلا بها
124

وقد أخذها صاحب الخدمة باذنه لم يكن على الكفيل شئ لأنه أخذها بحق مستحق له تبرعا
فلا يكون ذلك الاخذ موجبا عليه ضمانا فلا يلزم الكفيل ذلك بالكفالة ولو أخذها صاحب
الرقبة بغير إذن صاحب الخدمة ثم أعطاه كفيلا بها حتى يسلمها إليه أخذ بها الكفيل لان
تسليم العين إلى صاحب الخدمة مستحق على صاحب الرقبة هنا وهو مما تجري فيه النيابة
فيصح التزامه بالكفالة فان ماتت برئ الكفيل لان حق صاحب الخدمة بطل بموتها وسقطت
المطالبة عن صاحب الرقبة بالتسليم وكذلك لو كانت الوصية بالغلة مكان الخدمة ولو أن رجلا
باع من رجل عينا فادعى رجل فيه دعوى فأراد المشترى أن يأخذ من البائع كفيلا بنفسه
أو بما أدركه في ذلك لم يكن له ذلك لان بمجرد الدعوى على المشترى لا يستحق المدعى على
البائع شيئا فلا يجبر على اعطاء الكفيل ولكنه لو أعطاه كفيلا بما أدركه في ذلك جاز بمنزلة
ما لو أعطاه ذلك عند الشراء أو بعده قبل دعوى المدعى ولو ادعى ذمي قبل ذمي خمرا أو
خنزيرا بعينه فأخذ منه به كفيلا من أهل الذمة جاز وان كفل به مسلم لم يجز لان الخمر
والخنزير ليسا بمال متقوم في حق المسلم فلا يصح منه التزام تسليمه بالكفالة كما لا يصح في
سائر العقود وان هلك ذلك عنده ثم ضمنه المسلم له ثم أقام المدعى على ذلك شهودا مسلمين
ضمن قيمة الخنزير ولم يضمن الخمر لان الخنزير مضمون بالقيمة عند الهلاك وقيمته دراهم
أو دنانير فتصح الكفالة بها من المسلم وأما الخمر فإنها مضمونة بالمثل فلا تصح الكفالة بها من
المسلم كما لا تصح الكفالة بالعين حال قيامها ولو تقبل من رجل بناء دار معلوم أو كراب أرض
معلوم أو كرى نهر معلوم فأعطاه بها كفيلا كان جائزا لان هذا عمل مستحق على الأصيل
مضمون بالعقد وهو مما تجرى النيابة في ايفائه وكذلك لو اكراه إبلا إلى مكة فأعطاه كفيلا
بذلك جاز لان تسليمها مستحق على الأصيل ولو كانت الإبل بأعيانها فأعطاه كفيلا بها كان
جائزا ما دامت قائمة بأعيانها لان الأصيل مطالب بتسليمها بالعقد فإذا هلكت فقد انفسخ
العقد وبرئ الأصيل عن التسليم فلا ضمان على الكفيل فلو أعطاه كفيلا بالحمولة لم يجز فيما
كان بعينه لأنه لا تجرى النيابة فيه فان إبل الكفيل لا تقوم مقام تلك الحمولة المعينة في ايفاء
المعقود عليه وجاز فيما كان بغير عينه لأنه مستحق على الأصيل بالعقد وهو مما تجرى فيه
النيابة بايفائه وإنما يلتزم الكفيل تسليم ما يقدر على تسليمه وإذا كتب ذكر حق على رجل
وكتب فيه وكل واحد منهما ضامن له وأيهما شاء فلان أخذه بهذا المال ان شاء أخذهما
125

جميعا وان شاء شتى كيف شاء وكلما شاء حتى يستوفى منهما هذا المال وإنما يكتب ذلك
احتياطا لصاحب الحق من اختلاف القضاة فان المذهب عندنا انه إذا كفل بمال فللطالب
أن يأخذ أيهما شاء بجميع المال كيف شاء وكلما شاء وقال ابن أبي ليلى رحمه الله برئ الأصيل
والمال على الكفيل إلا أن يشترط على كل واحد منهما كفيل عن صاحبه أجزته وأيهما
أجاز أبرأت الآخر إلا أن يشترط أن يأخذهما جميعا أو شتى فأدخلا في الصك جميعا أو شتى
لذلك وقال شريك بن عبد الله رحمه الله ان أدخلا جميعا أو شتى أجزته فان اختار أحدهما لم
يكن له أن يأخذ الآخر إلا أن يفلس هذا أو يموت ولا يترك شيئا فأدخلا في الصك
كيف شاء وكلما شاء حتى يكون له الاختيار كل مرة وهذا لان الكتاب للتوثق فينبغي
لكل من يكتب الكتاب أن يحتاط لصاحبه بكل ما يقدر عليه من التوثق ويحتاط للتحرز عن
اختلاف القضاة عملا بقوله تعالى وليؤد الذي ائتمن أمانته والله أعلم بالصواب
(باب من الكفالة أيضا)
(قال رحمه الله) وإذا أقرض الرجل الرجل قرضا على أن يكفل به فلان كان جائزا حاضرا
كان فلان أو غائبا ضمن أو لم يضمن وكذلك لو شرط أن يحيله به على فلأن لان القرض
لا يتعلق بالجائز من الشروط فلا يفسده الباطل بخلاف البيع فإنه لو شرط فيه كفالة أو حوالة
من مجهول أو معلوم غير حاضر لم يرض بذلك فالبيع فاسد لان الفاسد من الشروط مبطل
للبيع فإنه يتعلق بالجائز من الشروط فأما ضمان القرض فإنه يثبت بالقبض شرعا ولا أثر
للشروط فيه كضمان الغصب والتزويج والخلع والصلح من دم عمد وجراحة فيها قصاص
حالا أو مؤجلا وجناية الوديعة والعارية إذا ضمنها فشرط له في ذلك كفالة أو حوالة فهو
بمنزلة القرض لان هذا كله لا يبطل بالشرط الفاسد وكذلك العتق على مال ولو قبل الكفيل
الكفالة أو الحوالة في جميع ذلك جاز لأنه دين لازم يطالب به الأصيل وتجرى النيابة في ايفائه
وبدل العتق بمال ليس كبدل الكتابة في حكم الكفالة لان ذلك ليس بدين قوى ومن الدليل
على أن فساد شرط الكفالة لا يبطل هذه العقود ما قال في العتق لأنه لا يرد ومعنى هذا أن
الشرط الفاسد لا يمنع انعقاد العقد ولكن يستحق به الفسخ بعد الانعقاد وهذه العقود لا تحتمل
الفسخ بعد التمام فلا يؤثر فيها الشرط الفاسد ولو كان لرجل على رجل دين حال من ثمن
126

بيع أو قرض أو غصب فسأله أن يؤخره عنه نجوما على أن يضمنه له فلان الغائب فصالحه
على ذلك فقدم الكفيل فأبى أن يضمن فالصلح منتقض لان الصلح على التنجيم في المال يعتمد
تمام الرضا وهو ما رضى بذلك الا بكفالة الكفيل فإذا أبى أن يكفل كان المال حالا عليه كما
كان وان ضمن الكفيل بعد ما حضر جاز الصلح لتمام الرضا به ولا يشترط حضوره في مجلس
الصلح لأنه ليس في هذا العقد من التمليك شئ فلا فرق بين أن يتم الرضا به في المجلس وبعد
المجلس بخلاف البيع فإنه مال بمال مبنى على الضيق فإذا لم يحضر الكفيل في المجلس صار اشتراط
كفالته شرطا فاسدا والبيع يبطل بالشرط الفاسد وهذا لان البيع لا يجوز أن يتوقف على
القبول بعد المجلس فكذلك لا تتوقف صحته على قبول الكفالة المشروط فيه بعد المجلس ولو
كان حاضرا فأبى أن يضمن لم يجز الصلح لانعدام تمام الرضا به وان ضمن فهو جائز وان
اشترط في التأخير انه ان أخره عن محله فالمال كله حال أو ان أخر نجما عن محله عشرة أيام
فالمال كله حال فهو جائز على ما اشترطا لأنه ليس في هذا الصلح من معنى التمليك شئ
وهذا الشرط في الصلح متعارف ولو أعطاه كفيلا على أن جعل له أجلا معلوما كان جائزا في
جميع الديون الا القرض فإنه حال على الأصيل لان القرض حق الأصيل كالعارية لا يلزم فيه
الاجل وهو مؤجل على الكفيل لان المال إنما يجب على الكفيل بعقد الكفالة والدين
الواجب بالعقد يقبل الاجل وإذا كفل المريض بمال ثم مات ولا دين عليه لزمه من ثلثه لأنه
الكفالة تبرع وتبرعات المريض تصح من ثلثه إذا لم يكن عليه دين وان أقر انه كفل به في
الصحة لزمه ذلك في جميع ماله إذا لم يكن لوارث ولا عن وارث لان الكفالة في الصحة سبب
لوجوب الدين عليه واقراره في المرض بسبب وجوب الدين مضافا إلى حال الصحة يكون
اقرارا بالدين واقرار المريض للأجنبي بالدين صحيح وللوارث باطل وإن كان عن وارث فهذا
قول من المريض فيه منفعة وارثه والمريض محجور عن مثله وإن كان عليه دين يحيط بماله
لم يجز اقراره بذلك لان دين الصحة متقدم على ما أقر به في المرض فما بقي دين الصحة لم
يعتبر اقراره بالدين في المرض وإذا كفل في الصحة بما أقر به فلان لفلان ولم يسمه ثم مرض
وعليه دين يحيط بماله فأقر المكفول عنه أن لفلان عليه ألف درهم لزم المريض ذلك في جميع
ماله لان سبب وجوب المال قد تم منه في حال الصحة وهو الكفالة والدين الواجب عليه بذلك
السبب بمنزلة دين الصحة وكذلك أن أقر بعد موته فان المقر له يخلص غرماء الكفيل بذلك
127

لان أصله كان في الصحة وكان قد لزم على وجه لا يملك الرجوع عنه وابطاله وكذلك لو كفل
بما ذاب لفلان على فلان أو بما صار له عليه وكذلك لو كان لوارث أو عن وارث أو لوارث
عن وارث لأنه كان في الصحة وهو بمنزلة ضمان الدرك فإنه لو كفل في صحته بما أدركه من
درك في دار اشتراها ثم استحقت الدار في مرض الكفيل أو بعد موته فان المشترى يضرب
مع غرماء الكفيل الميت بالثمن لان أصل الدين كان في الصحة بخلاف الكفالة في المرض وان
كفل في المرض وليس عليه دين ثم استدان دينا يحيط بماله ثم مات فالكفالة باطلة لان ما لزمه
في المرض من الدين بسب معاين بمنزلة دين الصحة وقد بينا أن الكفالة في المرض لا تصح
إذا كان دين الصحة محيطا بماله وإذا كفل رجل لرجلين وقال قد كفلت لفلان بماله على فلان
أو كفلت لفلان الآخر بماله على فلان فهذا باطل سواء كان المالان من جنس واحد أو من
جنسين لان المكفول له والمكفول عنه مجهول فتكون الجهالة متفاحشة وقد بينا أن مثل هذه
الجهالة تمنع الكفالة ولو كان الحق لرجل واحد على رجلين على كل واحد منهما ألف درهم
فقال كفلت لك بمالك على فلان فهذا جائز سواء كان المالان من جنس واحد أو من جنسين
لان الجهالة هنا يسيرة مستدركة وهي جهالة المكفول عنه ومثل هذه الجهالة لا تؤثر في العقد
المبنى على التوسع وهذا لان الطالب معلوم فتتوجه المطالبة من جهته على الكفيل وإنما بقي
الخيار في حق الكفيل في أن يؤدى أي المالين شاء ولو كفل عن واحد بأحد المالين جاز
فهذا مثله بخلاف الأول فالمطالبة هناك لا تتوجه من المجهول على الكفيل والكفالة بالنفس في
هذا مثل الكفالة بالمال وكذلك لو جمع بينهما فقال كفلت لك بنفس فلان فإن لم أوافك به غدا
فعلي مالك عليه وهو المائة دينار أو بنفس فلان فإن لم أوفك به غدا فعلى مالك عليه وهو ألف
درهم فلم يواف به غدا فهو ضامن لأحدهما أحد المالين أي ذلك شاء لان الطالب واحد
معلوم وان دفع أحدهما في ذلك اليوم برئ من الكفالة كلها لان اشتغاله بدفع أحدهما اختيار
منه لكفالته فتبطل عنه كفالته عن الآخر بهذا الاختيار وقد وجدت الموافاة في حق الذي
اختار فيبرأ من كفالته أيضا ولو كان لرجلين لكل واحد منهما على رجل مال فقال رجل
لأحدهما كفلت بنفس غريمك فلان فإن لم أوافك به غدا فما لفلان على فلان فهو على جازت
الكفالة بالنفس لأنه كفل بها لمعلوم مطلقا وبطلت الكفالة بالمال لأنها مخاطرة فان الحق
ليس للمكفول له بالنفس وما كان صحة الكفالة بالنفس باعتبار هذا المال لتثبت الكفالة بها
128

تبعا للكفالة بالنفس فيكون هذا تعليق التزام المال بمحض الشرط وهو باطل كما لو علقه
بدخول الدار وكذلك الرجل يقول للرجل كفلت لك بنفس فلان فإن لم أوافك به غدا فأنا
كفيل بنفس فلأن لإنسان آخر فالكفالة الثانية باطلة لأنها ليست من توابع الكفالة الأولى
فيكون تعليقا لالتزام التسليم بمحض الشرط ولو كانت الكفالة عن واحد فقال كفلت لك
بنفس فلان فإن لم أوافك به غدا فما لفلان عليه وهو ألف على فرضى بذلك الآخر فالكفالة
الأولى جائزة والنيابة باطلة لان صحة الكفالة بالنفس ما كانت باعتبار هذا المال فلا يمكن تصحيح
الكفالة بالمال تبعا للكفالة بالنفس ولو قال كفلت لك بنفس فلان أو فلان بماله عليه أو بنفسه
فهذا باطل كله لجهالة المكفول له ولو قال كفلت لك بأحد غريميك هذين أو بأحد ماليك
على هذين كان جائزا لأنه المكفول له والمطالبة تتوجه من جهته والخيار في تعيين ما التزمه
الكفيل إليه وإذا كفل عن رجل بمال بأمره فرهنه المكفول عنه رهنا به وفاء فهو جائز لان
بنفس الكفالة كما وجب المال للطالب على الكفيل وجب للكفيل على الأصيل وإن كان مؤجلا
والرهن بالدين المؤجل صحيح فان هلك الرهن عند الكفيل صار مستوفيا دينه بهلاك الرهن
فكأنه استوفى حقيقة حتى إذا أدى الكفيل المال لم يرجع به وان أداه الأصيل إلى الطالب رجع
على الكفيل بمثله بمنزلة ما لو استوفاه منه حقيقة ولو كفل عن رجل بألف درهم بأمره على أن
يعطيه بها هذا العبد رهنا فوقعت الكفالة بهذا بغير شرط من الكفيل على المكفول له ثم إن
المكفول عنه أبى أن يدفع إليه العبد فان العبد لا يكون رهنا لان الكفيل لم يقبضه والرهن لا يتم
الا بالقبض ولا يجبر المكفول عنه على دفعه لان ذلك كان وعدا من جهته والمواعيد لا يتعلق
بها اللزوم والكفالة لازمة للكفيل لأنه التزم المال للطالب بالكفالة المطلقة عند شرط بينهما
فإن كان الكفيل اشترط على الطالب فقال له أكفل لك بهذا المال عن فلان على أن رهن به
فلان هذا العبد فإن لم يدفعه إلى فأنا برئ من الكفالة فكفل له على هذا الشرط فهو جائز
وإن لم يدفع إليه الرهن برئ الكفيل من الكفالة والمال لأنه لما رضى بالتزام المال بدون هذا
الشرط والتزام المال بالكفالة يعتمد تمام الرضا ولأنه شرط البراءة إذا لم يعطه الرهن والشرط
أملك وكذلك لو كفل عنه بالمال على أن يعطيه بذلك المطلوب كفيلا فوقعت الكفالة للطالب
على غير شرط ثم إن المكفول عنه أبى أن يعطى الكفيل كفيلا فان الكفالة على الكفيل جائزة
وإن كان الكفيل شرط على الطالب إن لم يعط كفيلا بهذا المال فأنا برئ من كفالتي فهو على
129

شرطه إن لم يعطه كفيلا برئ من الكفالة لان الكفالة بمنزلة الرهن وقد بينا في الرهن ان
هذا الشرط مع الطالب يجب الوفاء به فكذلك في الكفالة وهذا لان مقصود الكفيل
بكل واحد منهما التوثق والنظر لنفسه حتى لا يلحقه غرم وان كتب الكفيل على دار المكفول
عنه شراء بالمال فهو جائز لأنه شراء بالدين المؤجل وهذا قضاء من المكفول عنه للكفيل
بطريق المقاصة فكأنه أوفاه الدين حقيقة ولو كفل بنفس رجل على أنه للكفيل إن لم يواف
به إلى سنة فعليه المال الذي عليه وهو ألف درهم ثم أعطى المكفول عنه رهنا بالمال قبل
السنة فالرهن باطل لان المال لم يجب على الكفيل بعد لأنه علق التزام المال بشرط عدم
الموافاة فلا يكون واجبا قبل الشرط (ألا ترى) انه لو دفع نفسه إليه قبل الاجل لم يكن
عليه من المال شئ فان قيل فأين ذهب قولكم ان في كلامه تقديما وتأخيرا أو انه التزم المال
ثم جعل الموافاة بنفسه صرفا له عن المال قلنا ذلك طريق صار إليه بعض مشايخنا رحمهم الله
لتوجه المطالبة بالمال عند عدم الموافاة بالنفس فأما في الحقيقة فإنما يلزمه المال بالتزامه وهو
ما التزم المال الا بعد عدم الموافاة بالنفس غدا فلا يكون المال واجبا عليه في الحال ولا يجوز
الرهن في الكفالة بالنفس على وجه من الوجوه لان الرهن يختص بحق يمكن استيفاؤه من
الرهن فان موجبه ثبوت يد الاستيفاء ولا ضمان على المرتهن ان هلك الرهن في يده لأنه
أخذه رهنا بغير مال وضمان الرهن ضمان استيفاء وذلك لا يكون بدون الدين وإذا كفل
رجل عن رجل بما لم يحل عليه بعد فقال إذا حل المال فهو على وأعطى المكفول عنه الكفيل
رهنا كان جائزا لأنه التزم المال بعقد الكفالة وجعل مطالبة الطالب عنه متأخرة إلى ما بعد
حلول الأجل وذلك غير مانع وجوب أصل المال على الأصيل فكذلك على الكفيل وإذا
وجب المال على الكفيل وجب للكفيل على المكفول عنه أيضا فيجوز الرهن به. ولو قال إن
توى مالك عليه فهو علي وأعطاه بذلك رهنا لم يجز الرهن لان المال لم يجب بعد فإنه علق
التزام المال بالشرط وكذلك لو قال إن مات ولم يوفك المال فهو على فأعطاه المكفول عنه
به رهنا فالرهن باطل لان المال لم يجب بعد والكفالة جائزة على هذا الشرط لأنه شرط
متعارف في الكفالات. ولو أخذ الكفيل بالدرك رهنا فالرهن باطل والكفالة جائزة لان
المال غير واجب على الكفيل قبل لحوق الدرك فلا يكون واجبا على الأصيل فلا يصح
الرهن به ولا ضمان على المرتهن فيه لأنه قبضه باذن صاحبه وكل ما أبطلنا فيه الرهن بالمال
130

فكان الرهن في يدي الكفيل حتى يحل عليه المال ويؤخذ به فان أراد أن يمسك الرهن بذلك
فليس له ذلك لان أصل الرهن لم يكن صحيحا لم يثبت بقبضه يد للاستيفاء فلا يكون له أن
يمسكه بعد ذلك وان وجب الدين عليه ولو آجر منه إبلا إلى مكة وكفل عنه رجل بالأجر
وبالحمولة فأخذ الكفيل منه بذلك رهنا فان الرهن في ذلك جائز لان الكفيل مأخوذ بالكفالة
وقد وجبت عليه أما على أصل محمد رحمه الله فلان الاجر بنفس العقد مؤجلا وعند أبي يوسف
رحمه الله سبب الوجوب متقرر وان تأخر وجوب المال (ألا ترى) أن الابراء عنه صحيح
فيجوز الرهن به سواء ارتهن من الكفيل أو ارتهن الكفيل من المكفول عنه بخلاف ما سبق
ولو أن رجلا أحال على رجل بمال وأعطاه به رهنا جاز لان المال بالحوالة يجب للمحتال عليه
على المحيل كما يجب للطالب على المحتال عليه وإن كان رجوعه عليه يتأخر إلى حين أدائه المال
وإذا ادعى مسلم على كافر مالا وأدى كفالة مسلم بذلك وأقام بينة من الكفار بذلك ثبت
المال بهذه البينة على الأصيل دون الكفيل المسلم وشهادة الكفار لا تكون حجة على المسلم
وكذلك لو كان أصل المال على كافر فشهد كافران على مسلم وكافر أنهما كفلا عنه بهذا المال
وبعضهم كفلاء عن بعض جازت الشهادة على الأصيل وعلى الكفيل الكافر ولا يجوز على
الكفيل المسلم لان بعض هذه الكفالة تنفصل عن البعض فإنما يقضى بقدر ما قامت الحجة به
وإذا ادعى مسلم على مسلم مالا وجحده المطلوب وادعى الطالب كفالة رجل من أهل الذمة عنه
بالمال بأمره وجحد الكفيل وشهد له بذلك ذميان جازت شهادتهما على الكفيل ولم تجز
على المسلم حتى أن الكفيل إذا ادعى لم يكن له أن يرجع على المسلم بشئ لان شهادة الكفار
لا تكون حجة على المسلم فكما لا يثبت بهذه الشهادة الدين للطالب على المسلم فكذلك
لا يثبت بها أمر الكفيل بالكفالة وكذلك لو كان المال عليهما في الصك والمسلم في صدر الصك
والذمي كفيل بعده أو كان الصك عليهما وكل واحد منهما ضامن عن صاحبه لان وجوب
المال على أحدهما ينفصل عن وجوب المال على الآخر فإنما يقضى القاضي بقدر ما قامت
الحجة به وهذه البينة حجة على الكافر دون المسلم وإذا كان الدين لرجلين على رجل فكفل
أحدهما لشريكه بحصته عن المطلوب لم يجز من قبل الشركة التي بينهما معناه ان أصل المال
كان مشتركا بينهما فلا يمكن أن يجعل هو كفيلا بنصيب صاحبه خاصة لان ذلك يؤدى إلى
قسمة الدين قبل القبض ولا يمكن أن يجعل كفيلا بالنصف من المال المشترك بينهما لان هذا
131

يؤدى إلى أن يكون ضامنا نفسه عن نفسه وذلك لا يجوز (ألا ترى) أن أحدهما لو استوفى
نصيبه من المطلوب أو من غيره كان للآخر أن يشاركه فيه فكذلك إذا استوفاه من شريكه
الكفيل ولا يمكن أن يجعل هو بهذه الكفالة مسقطا حقه في المشاركة معه لان الاسقاط
قبل وجوب سبب الوجوب باطل والسبب الموجب للشركة له في المقبوض القبض والكفالة
يستحق ذلك فلهذا بطلت الكفالة وليست الكفالة في هذا بمنزلة التبرع بالأداء فان أحد
الشريكين لو تبرع بأداء نصيب شريكه عن المديون جاز لان ذلك اسقاط لحق المشاركة
في المقبوض مقترنا بالسبب وهو صحيح وهذا بمنزلة الوكيل بالبيع إذا كفل باليمين عن المشترى
للموكل لم يجز ولو ادعى عنه جاز وكذلك لو كفل بنفس انسان ببدل الكتابة لا يجوز ولو
تبرع بأداء بدل الكتابة عن المكاتب جاز وكذلك لو كان الدين لواحد فمات فورثه ابناه
فكفل أحدهما لصاحبه بحصته لان الدين كان مشتركا بينهما إرثا فهو قياس دين مشترك
بسبب آخر وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم كفل بها عنه رجل بأمره أو بغير أمره ثم
مات الطالب والمطلوب وارثه لم يكن له على الكفيل شئ لان المطلوب ملك ما في ذمته بالميراث
فسقط عنه وبراءته توجب براءة الكفيل فإن كان معه وارث آخر للطالب فإنما يسقط عن
الكفيل حصة المطلوب وللوارث الآخر أن يطالب الكفيل بحصته لأنه في حصته قائم مقام
الطالب وإنما يبرأ الكفيل من كل شئ يبرأ به الأصيل ولو كان احتال بها عليه فكفل بها على أن
أبرأ الطالب المطلوب ثم مات الطالب والمطلوب وارثه وكانت الحولة بأمره لم يكن على
الكفيل شئ لان المال صار مملوكا للمطلوب بموت الطالب فلو رجع به على الكفيل والمحتال
عليه بذلك أيضا لان الحوالة والكفالة كانت فاسدة فلا يكون مقيدا بقضاء فإن كان بغير أمره
رجع بها على المحتال عليه أو الكفيل لأنه قائم مقام الطالب بعد موته وهذا رجوع مفيد فان
الكفيل والمحتال عليه ان كانا متطوعين هنا لا يستوجبان الرجوع عند الأداء على أحد بشئ
وهذا بخلاف الأول فان أصل المال هناك في ذمة المطلوب فهو إنما يملك بالإرث ما في ذمة
نفسه فسقط عنه ولا يرجع الكفيل بشئ سواء كفل بأمره أو بغير أمره وهنا أصل المال
تحول إلى المحتال عليه فالأصيل إنما يملك ما في ذمة غيره فيكون له أن يطالبه به إذا كان دينا
مفيدا وإذا كفل الرجل لعبده بدين على رجل وعلى عبده دين فهو جائز لان كسب العبد
المديون لغرمائه فهذه الكفالة في الصورة للعبد وفى المعنى للغرماء والعبد المديون يستوجب
132

على مولاه الدين بسائر الأسباب فكذلك بالكفالة فان قضى العبد الدين بطلت الكفالة عن
المولى لان كسب العبد صار له ولا يكون كفيلا لنفسه عن نصيبه وكان الدين للعبد على
المكفول عنه على حاله يأخذه به لان براءة المولى هنا بمنزلة الفسخ للكفالة فلا توجب براءة
الأصيل وإذا كفل رجل لرجل بألف درهم ثم مات الطالب والكفيل وارثه برئ الكفيل
منه والمال على المكفول عنه على حاله يأخذه به إن كان كفل عنه بأمره وإن كان كفل عنه
بغير أمره فلا شئ على المكفول عنه أيضا لان المال صار للكفيل ميراثا بموت الطالب
فيكون بمنزلة ما لو صار له بهبة الطالب منه أو بقضائه إياه ولو قضاه أو وهبه له في حياته رجع
على المكفول عنه إن كان كفل بأمره وإن كان كفل بغير أمره لم يرجع عليه بشئ فهذا
مثله وكذلك لو كان الطالب أبرأ منه المطلوب على أن ضمنه هذا بأمر المطلوب أو على أن
احتال به على هذا ثم مات الطالب والكفيل وارثه كان له أن يأخذ الأصيل بذلك ولو كان
ذلك بغير أمر المطلوب لم يرجع عليه بشئ لان تملكه ما في ذمته بالإرث بمنزلة تملكه بالأداء
وإذا كفل العبد بأمر سيده لرجلين بألفين أو ثلاثة آلاف وقيمته ألف درهم ثم استدان
ألفا ثم بيع بألف كان ثمنه بينهم يضرب صاحب الكفالة بجميعها لان جميع دينه ثبت على
العبد بكفالته بإذن مولاه حين كان فارغا عن الدين فلو كان استدان أولا ألفا وكانت الكفالة
بعد ذلك فالثمن للمدين خاصة لان الكفالة منه كانت بعد ما اشتغلت ماليته بالدين فكفالته
بأمر المولى اقرار للمولى في الفصلين عليه جميعا ولو كان كفل بألف ثم استدان ألفا ثم بيع
بألف كانت الألف الوسطى باطلة لأنه كفل بها وماليته اشتغلت بالكفالة الأولى وهو بمنزلة
ما لو أقر المولى عليه بألف درهم ثم استدان ألفا ثم بيع بألف وتمام بيان هذه الفصول في
كتاب المأذون والله أعلم بالصواب
(تم كتاب الكفالة ولله المنة)
(كتاب الصلح)
(قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي
سهل السرخسي رحمه الله إملاء اعلم بأن الصلح عقد جائز عرف جوازه بالكتاب والسنة * أما
الكتاب فقوله تعالى (فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) وفى هذا بيان انه
133

نهاية في الخيرية * وأما السنة فما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل مكة عام الحديبية
على وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فرأى
رجلين يتنازعان في ثوب فقال لأحدهما هل لك إلى الشطر هل لك إلى الثلثين فدعاهما إلى
الصلح وما كان يدعوهما الا إلى عقد جائز وقال النبي صلى الله عليه وسلم الصلح جائز بين
المسلمين الا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما وهكذا كتب علي رضي الله عنه إلى أبي موسى
الأشعري رضي الله عنه كل صلح جائز بين الناس الا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما وهذا
اللفظ من الأول لكتاب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري قد اشتهر فيما بين
الصحابة رضوان الله عليهم فما ذكر فيه فهو كالمجمع عليه منهم وبظاهر هذا الاستثناء استدل
الشافعي رحمه الله لابطال الصلح على الانكار فإنه صلح حرم حلالا لان المدعى إن كان محقا
كان أخذ المال حلالا له قبل الصلح وحرم بالصلح وإن كان مبطلا فقد كان أخذ المال على
الدعوى الباطلة حراما عليه قبل الصلح فهو صلح حرم حلالا وأحل حراما ولكنا نقول ليس
المراد هذا فان الصلح عن الاقرار لا يخلو عن هذا أيضا لان الصلح في العادة يقع على بعض
الحق فما زاد على المأخوذ إلى تمام الحق كان حلالا للمدعى أخذه قبل الصلح وحرم بالصلح
وكان حراما على المدعى عليه منعه قبل الصلح وحل بالصلح فعرفنا أن المراد غير هذا والصلح
الذي حرم حلالا وهو أن يصالح احدى زوجتيه على أن لا يطأ الأخرى أو يصالح زوجته على
أن لا يطأ جاريته والصلح الذي أحل حراما هو أن يصالح على خمر أو خنزير وهذا النوع من
الصلح باطل عندنا وحمله على هذا أولى لان الحرام المطلق ما هو حرام لعينه والحلال المطلق
ما هو حلال لعينه (ثم ذكر عن علي كرم الله وجهه) انه أتى في شئ فقال إنه لجور ولولا أنه
صلح لرددته وفيه دليل جواز الصلح ومعنى قوله لجور أي هو مائل عما يقتضيه الحكم أو عما
يستقر عليه اجتهادي من حكم الحادثة والجور هو الميل قال الله تعالى ومنها جائر أي مائل
وفيه قال إن الصلح على خلاف مقتضى الحكم جائز بين الخصمين لأنه يعتمد التراضي منهما
وبالتراضي ينعقد بينهما السبب الموجب لنقل حق أحدهما إلى الآخر بعوض أو بغير عوض
فهذا لم يرده علي رضي الله عنه وذكر عن شريح رحمه الله أنه قال أيما امرأة صولحت على ثمنها لم
يتبين لها كم ترك زوجها فتلك الريبة وفى بعض الروايات الريبة ومعنى اللفظ الأول الشك
يعنى إذا لم يتبين لها كم ترك زوجها فذلك يوقعها في الشك لعل نصيبها أكثر مما أخذت وقوله
134

الربية تصغير الربا يعنى إذا لم يتبين لها كم ترك زوجها يتمكن في هذا الصلح شبهة الربا بأن
يكون نصيبها من جنس ما أخذت من النقد مثل ما أخذت أو فوقه وفيه دليل انه يجوز
للورثة أن يصالحوا بعضهم على شئ يخرجوه بذلك من مزاحمتهم وان جهالة ما يصالح عنه
لا يمنع جواز الصلح لان الجهالة إنما تفسد العقد لتعذر التسليم معها والمصالح عنه لا يستحق
تسليمه بالصلح فجهالته لا تمنع جواز الصلح ثم إذا صولحت المرأة على ثمنها فإن كان بعض تركة
الزوج دينا على الناس فصالحوها عن الكل فهو باطل لأنها تصير مملكة نصيبها من الدين
من سائر الورثة بما تأخذ منهم من العين وتمليك الدين من غير من عليه الدين بعوض لا يجوز
فإذا فسد العقد في حصة الدين فسد في الكل وهو دليل لأبي حنيفة رحمه الله في مسألة
البيوع أن العقد الواحد إذا فسد في البعض المعقود عليه فسد في الكل وهما يقولان حصة
العين هنا من البدل المأخوذ غير معلومة والدين ليس بمال أصلا ما لم يقبض فلا يكون محلا
للتمليك ببدل فهو كما لو جمع بين حر وعبد في البيع بثمن واحد فلهذا يفسد العقد في الكل
وان صالحوها من حصتها من العين خاصة وإن لم يكن في التركة دين فهو على ثلاثة أوجه
أحدها أن يصالحوها على أحد النقدين اما الدراهم أو الدنانير فهو جائز إلا أن يكون في التركة
من جنس ذلك النقد مقدار ما يكون نصيبها من ذلك الجنس أكثر مما أخذت فحينئذ لا يجوز
لان مبادلة مال الربا بحصته لا يجوز الا بطريق المماثلة فإن كان نصيبها أكثر مما أخذت كان
الفضل في هذا الجنس من نصيبها من سائر التركة ربا وكذلك أن كان نصيبها ثمن هذا الجنس
مثل ما أخذت فنصيبها من سائر التركة يكون فضلا خاليا عن العوض وهو الربا بعينه وان
وقع الصلح عن الدراهم والدنانير فذلك جائز وإن كان في التركة من النقدين ما يكون نصيبها
من كل جنس أكثر مما أخذت بطريق صرف الجنس إلى خلاف الجنس فتصحيح العقود
بحسب الامكان واجب والصلح أولى بذلك من غيره لان المقصود به قطع المنازعة لما في
امتدادها من الفساد والله لا يحب الفساد فان صالحوها على عرض فهو جائز لأنه وقع عليه
الصلح بنفس مال الربا فسواء كان في التركة من جنس ما وقع عليه الصلح ما يكون نصيبها
أكثر مما أخذت أو لم يكن فذلك لا يؤدى إلى الربا قال الحاكم رحمه الله إنما يبطل الصلح على
أقل من نصيبها من الربا في حال التصادق وقد بينا ذلك في موضع آخر من هذا الكتاب
فأما حال المناكرة فالصلح جائز لان مع الانكار ليس لها حق مستقر وفى ذلك الجنس أكثر
135

مما أخذت وعند الانكار المعطى يؤدى المال لقطع المنازعة والخصومة ويفدى به يمينه فلا
يتمكن فيه الربا على ما بينه وذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال ردوا الخصوم حتى
يصطلحوا فان فصل القضاء يحدث بينهم الضغائن وفيه دليل أن القاضي لا ينبغي له أن يعجل
وانه مندوب إلى أن يرد الخصوم ليصطلحوا على شئ ويدعوهم إلى ذلك فالفصل بطريق
الصلح يكون أقرب إلى بقاء المودة والتحرز عن النفرة بين المسلمين ولكن هذا قبل أن
يستبين وجه القضاء فأما بعد ما استبان ذلك فلا يفعله الا برضا الخصمين ولا يفعله لا مرة
أو مرتين لما في الإطالة من الاضرار بمن ثبت الاستحقاق له في تأخير حقه ولان لك يجر
إليه تهمة الميل وعلى القاضي أن يتحرز عن ذلك بما يقدر عليه وعن عمرو بن دينار أن احدى نساء
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه صالحوها على ثلاثة وثمانين ألفا على أن أخرجوها من الميراث
وهي تماضر كان طلقها في مرضه فاختلف الصحابة رضوان الله عليهم في ميراثها منه ثم
صالحوها على الشطر وكان له أربع نسوة فحظها ربع الثمن وهو جزء من اثنين وثلاثين جزأ
فصالحوها على نصف ذلك وهو جزء من أربعة وستين جزأ وأخذت بهذا الحساب ثلاثة
وثمانين ألفا ولم يشر لذلك في الكتاب وذكر في كتب الحديث ثلاثة وثمانون ألف دينار
فهذا دليل ثروة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ويساره وكان قد قسم لله تعالى ماله
أربع مرات في حياته تصدق في كل بالنصف وأمسك النصف فهو دليل على أنه لا بأس بجمع
المال واكتساب الغني من حله فابن عوف من الصحابة العشرة الذين شهد لهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالجنة وأيد هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم نعم المال الصالح للرجل
الصالح ولكن مع هذا ترك الجمع والاستكثار وانفاق المال في سبيل الله تعالى أولى وهو
الطريق الذي اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه بقوله صلى الله عليه وسلم اللهم
أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين وفى حديث عبد الرحمن رضي الله عنه
ما يدل عليه فان النبي صلى الله عليه وسلم قال له ما أبطأ بك عنى يا عبد الرحمن قال وما ذاك يا رسول
الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انك آخر أصحابي لحوقا بي بعد القيامة وأقول أين كنت
فتقول منعني عنك المال كنت محبوسا ما تخلصت إليك حتى الآن وذكر عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال يتخارج أهل الميراث يعنى يخرج بعضهم بعضا بطريق الصلح وذلك جائز
لما فيه من تيسير القسمة عليهم فإنهم لو اشتغلوا بقسمة الكل على جميع الورثة ربما يشق
136

عليهم ويدق الحساب أو تتعذر القسمة في البعض كالجوهرة النفيسة ونحوها فإذا أخرجوا
البعض بطريق الصلح تيسر على الباقين قسمة ما بقي بينهم فجاز الصلح لذلك وعن محمد بن سيرين
رحمه الله قال ما رأيت شريحا رحمه الله أصلح بين الخصمين الا امرأة استودعت وديعة
فاحترق بيتها فناولتها جارة لها فضاعت فأصلح بينهما على مائة وثمانين درهما وفيه بيان انه
كان من عادة شريح رحمه الله الاشتغال بطلب الحجة التي يفصل الحكم بها وما كان يباشر
الصلح بين الخصمين بنفسه وكأن يقول إنما حبس القاضي لفصل القضاء ولأجله تقدم إليه
الخصمان وللصلح غير القاضي فينبغي للقاضي أن يشتغل بما تعين له ويدع الصلح لغيره الا انه
في هذه الحادثة لأجل الاشتباه وتعارض الأدلة دعاهما إلى الصلح فان المودع إذا وقع
الحريق في بيته فناول الوديعة جارا له كان ضامنا في القياس وفي الاستحسان لا يكون ضامنا
لان الدفع إلى الغير في هذه الحال من الحفظ ولكنه عادة بخلاف النص فان المودع أمره
بأن يحفظ بنفسه نصا وأن لا يدفع إلى الغير فهذه الحال من الحفظ ولكنه عادة بخلاف
النص فان المودع أمره بأن يحفظ بنفسه نصا وأن لا يدفع إلى أجنبي فلاشتباه الأدلة أصلح
بينهما على مال وذكر هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنهما أن بريرة رضي
الله عنه أتتها تسألها فقالت إن شئت عددتها لأهلك عدة واحدة وأعتقتك فذكرت ذلك
لأهلها فقالوا لا إلا أن يكون الولاء لنا فذكرت ذلك عائشة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال صلوات الله عليه وسلامه الولاء لمن أعتق فاشترتها وأعتقهتا وخطب رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى
شروط الله أوثق وكتاب الله أحق وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة
شرط ما بال أقوام يقول أحدهم أعتق يا فلان والولاء لي وإنما الولاء لمن أعتق وقد تقدم
بيان فوائد هذا الحديث في كتاب الولاء وإنما ذكرناه هنا ليتبين أن الزيادة التي تؤدى أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لها اشترى واشترطي فإنما الولاء لمن أعتق وهم من هشام بن عروة
كما ذكره أبو يوسف رحمه الله في الأمالي فان ذلك من الغرور وما كان لرسول الله صلى الله
عليه وسلم يأمر أحدا بالغرور ومقصوده من ايراد الحديث هنا بيان انه يجوز بطريق الصلح
والتراضي ما لا يجوز بدونه فان بريرة رضي الله عنها كانت مكاتبة وقد اشترتها عائشة رضي الله عنها
برضاها ولولا ذلك ما جاز شراؤها وفيه دليل انه إنما يجوز أن يشترط في الصلح ما لا يكون
137

مخالفا لحكم الله تعالى فأما الذي يكون مخالفا لحكم الله تعالى لا يجوز اشتراطه في الصلح لقوله
صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط معناه ليس
في حكم الله تعالى فالمراد بالكتاب الحكم كما قال الله تعالى كتاب الله عليكم وذكر عن علي
كرم الله وجهه انه أتاه رجلان يختصمان في بغل فجاء أحدهما بخمسة رجال فشهدوا انه أنتجه
وجاء الآخر بشاهدين شهدا انه أنتجه فقال علي كرم الله وجهه للقوم ما ترون فقالوا اقض
لأكثرهما شهودا فقال علي رضي الله عنه لعل الشاهدين خير من الخمسة ثم قال علي رضي الله عنه
فيها قضاء وصلح وسأنبئكم بذلك أما الصلح فإنه يقسم بينهما على عدد الشهود وأما القضاء
فيحلف أحدهما ويأخذ البغل فان تشاحا على اليمين أقرعت بينهما بخمسة أسهم ولهذا سهمين
فأيهما خرج سهمه استحلفته وغلظت عليه اليمين ويأخذ البغل وفي هذا دليل على أن البينة
على النتاج مقبولة في الحيوان وان القاضي ينبغي له عند الاشتباه ان يستشير جلساءه كما فعله
علي رضي الله عنه ثم أشاروا على بالقضاء لأكثرهما شهودا لنوع من الظاهر وهو ان طمأنينة
القلب إلى قول الخمسة أكثر من طمأنينة القلب إلى المثنى ورد علي رضي الله عنه ذلك عليهم
لفقه خفى وهو ان طمأنينة القلب باعتبار معنى العدالة فلذلك ترجح جانب الصدق في الخبر
ولعل الشاهدين في ذلك خير من الخمسة ثم الترجيح عند التعارض يكون بقوة العلة لا بكثرة
العلة وفى حق من أقام خمسة زيادة عدد في العلة فشهادة كل شاهدين حجة تامة يثبت
الاستحقاق بها والترجيح بما لا يثبت الاستحقاق به ابتداء فأما ما يثبت به ابتداء الاستحقاق
لا يقع الترجيح به فلهذا لم يرجح أكثرهما شهودا ثم قال فيه قضاء وصلح وهو دليل على أن
الصلح جائز على غير الوجه الذي يقتضيه الحكم وان الصلح بين الخصمين مع الانكار جائز
ثم بين وجه الصلح وهو أن يكون بينهما على عدد الشهود لأحدهما خمسة أسباعه وللآخر
سبعاه وكأنه اعتبر هذا الظاهر الذي أشار إليه القوم ولكن لما كأن لا يؤخذ به الا عند اتفاق
الخصمين عليه سماه صلحا وأما القضاء لأحدهما بأخذ البغل فهذا مذهب لعلي رضي الله عنه
فقد كان يستحلف المدعى مع البينة وكان يحلف الشاهد والراوي فكأنه جعل يمين أحدهما
مرجحة لجانبه باعتبار ان الاستحقاق باليمين لا يثبت ابتداء فيقع الترجيح بها كقرابة الأم
في استحقاق العصوبة فان الأخ لأب وأم يقدم في العصوبة على الأخ لأب لان العصوبة
لا تثبت بقرابة الأم ابتداء فتقوى بها عليه العصوبة على الأخ لأب ولسنا نأخذ بهذا فقد ثبت
138

عندنا انه لا معتبر بيمين المدعى وقد قررنا ذلك فيما سبق ثم قال فان أداها على اليمين أقرعت
بينهما لهذا بخمسة ولهذا بسهمين وهو عود منه إلى وجه الصلح وبهذا يستدل الشافعي رحمه
الله في استعمال القرعة عند تعارض الحجج في دعوى الملك ولسنا نأخذ بهذا لأنه في معنى
القمار ففيه تعليق الاستحقاق بخروج القرعة وإنما يستعمل القرعة عندنا فيما يجوز الفصل فيه
من غير اقراع وقد بيناه في كتاب القسمة وحكم الحادثة عندنا أن يقضى بالمدعى بينهما نصفين
لاستوائهما في الحجة وقد بينا ذلك في كتاب الدعوى وروينا فيه من الأثر والمعنى ما يكون
الاخذ به أولى من الاخذ بقول علي رضي الله عنه فإنه بناه على مذهبه الذي تفرد به وهو
استحلاف المدعى مع الحجة والأمة قد اجتمعت على خلافه والله أعلم بالصواب
(باب الصلح في العقار)
(قال رحمه الله) وإذا ادعى رجل دارا في يد رجل فأنكرها الذي هي في يديه
ثم صالحه على دراهم أو دنانير مسماة فهو جائز * واعلم بأن الصلح أنواع ثلاثة صلح بعد
الاقرار وصلح بعد الانكار وصلح مع السكوت بأن لم يجب المدعى عليه بالاقرار ولا
بالانكار ويجوز مع الانكار وقال الشافعي رحمه الله يجوز الصلح مع الاقرار والسكوت ولا
يجوز مع الانكار وقال الشافعي رحمه الله يجوز الصلح مع الاقرار ولا يجوز مع الانكار
والسكوت وكان الشيخ أبو منصور الماتريدي رحمه الله يقول لم يعمل الشيطان في ايقاع
العداوة والبغضاء بين المسلمين مثل من عمل في ابطال الصلح على الانكار لما في ذلك من
امتداد المنازعات بين الناس ولسنا نأخذ بهذا فمن أبطل ذلك أنما أبطله احتياطا للتحرز عن
الحرام وللرشوة والاعمال بالبينات وإنما نقول كما قال أبو حنيفة رحمه الله أجود ما يكون
الصلح على الانكار وأما الشافعي رحمه الله فإنه استدل بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) والصلح على الانكار لا يكون
الا بالتجارة عن تراض فذلك ينبنى على ثبوت ملك المدعى على المدعي وبدعواه لا يثبت
ذلك مع انكار المدعى عليه فكان أكل المال بالباطل وهو المعنى في المسألة فإنه يأخذ المال
بطريق الرشوة والرشوة حرام وبالصلح لا يحل ما هو حرام وقاس بصلح الشفيع مع المشترى
بمال يأخذه ليسلم الشفعة أو يصلح القائل مع الانكار ليقبضه منه الولي بمال يعطيه ويصلح
139

معروف النسب مع مدعي الرق على مال ليسترقه وبيان الوصف أن بدل الصلح اما أن
يكون عوضا عن المال أو عن الدعوى والخصومة أو عن اليمين ولا يجوز أن يجعل عوضا عن
المدعى لان بمجرد الدعوى لا يثبت الملك في المدعي للمدعى قال صلى الله عليه وسلم لو أعطى
الناس بدعواهم الحديث * والدليل عليه أنه لو استحق بدل الصلح لا يرجع بالمال المدعى ولكن
يعود على رأس الدعوى ولو كان المال بدلا عن المدعى لكان يعود به عند الاستحقاق كما لو
كان الصلح بعد الاقرار ولو كان المصالح عنه دارا لا يجب للشفيع فيها الشفعة أو كان المال بدلا
عن المدعى والخصومة لان ذلك ليس بمال فلا يجوز الاعتياض عنه بالمال ولأنه كما لا يستحق
بنفس الدعوى أخذ المال المدعى فكذلك لا يستحق أخذ المال بطريق الصلح ولا جائز أن
يكون بدلا عن اليمين لان اليمين مشروعة لقطع الخصومة فلا يجوز الاعتياض عنها بالمال
كالمودع إذا ادعى رد الوديعة أو هلاكها كان القول قوله مع اليمين ولو صالح من هذه
اليمين على ما كان باطلا فعرفنا أن المدعى عليه إنما يبذل المال ليدفع به أذى المدعي عن نفسه
والمدعى يأخذ المال ليكف عن الخصومة معه بغير حجة وخصومته بغير حجة ظلم منه شرعا
وأخذ المال ليكف عن الظلم رشوة فيكون حراما لقوله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي
في النار ولقوله صلى الله عليه وسلم لعن الله الراشي والمرتشي والرائش وبنحو هذا يستدل
ابن أبي ليلى رحمه الله إلا أنه يقول المدعي بنفس الدعوى يصير حقا للمدعى ما لم يعارضه المدعى
عليه بإنكاره (ألا ترى) انه لو لم ينازعه في ذلك لتمكن من أخذه وهذا لان الدعوى خبر
محتمل بين الصدق والكذب ولكن الصدق يترجح فيه من حيث إنه دينه وعقله يدعوانه
إلى الصدق ويمنعانه من الكذب إلا أن المدعى عليه إذا عارضه بإنكاره فانكاره أيضا محتمل
بين الصدق والكذب فلتحقق المعارضة تخرج دعواه من أن تكون موجبة للاستحقاق ما لم
يظهر الترجيح في جانبه بالبينة وإذا كان المدعى عليه ساكتا فالمعارض لم يوجد فتبقى دعوى
المدعى معتبرة في الاستحقاق فلهذا يجوز الصلح في هذه الحال فأما بعد المعارضة بالانكار لم
يبق للدعوى سبب الاستحقاق فأخذ المال بطريق الصلح يكون رشوة وأصحابنا رحمهم الله
استدلوا في ذلك بظاهر قوله تعالى والصلح خير فالتقييد بحال الاقرار يكون زيادة على النص
المغيا فيه أن المدعى أحد الخصمين في دعوى العين لنفسه فيجوز له أن يأخذ المال بطريق
الصلح من صاحبه كالمدعي عليه فإنه لو وقع الصلح بينهما على أن يسلم العين إلى المدعى بمال
140

يأخذه منه جاز ذلك بالاتفاق وتأثيره ان كل واحد منهما يدعى العين لنفسه وخبره في حقه
محمول على الصدق وإنما لا يكون حجة على خصمه ثم المدعى عليه إنما يأخذ المال بطريق
الصلح باعتبار قوله ان العين لي وانى أملكه من المدعى بما استوفي منه لا باعتبار يده (ألا ترى)
أن المودع باعتبار يده بدون هذا القول لا يأخذ العوض عن الوديعة من المودع والمدعي قد
وجد منه القول مثل ما وجد من المدعى عليه فكما يجوز للمدعي عليه أن يأخذ المال صلحا
باعتبار قوله فكذلك يجوز للمدعى وفى هذا بيان أن المال عوض من المدعى في حق من يأخذه
فإن كانت قد انقطعت الخصومة في حق صاحبه ومثله جائز كمن اشترى عبدا أقر بحريته فما
يعطى من الثمن بدل ملك الرقبة في حق البائع وهذا فداء في حق المشترى حتى يعتق العبد
فهذا مثله ولان الصلح مع الانكار ابراء بعوض ولو أبرأه بغير عوض صح ذلك فكذلك
إذا أبرأه بعوض كما لو صالح بعد الاقرار ومعنى ذلك أن المدعى يسقط حقه عن المال المدعى
دينا كان أو عينا ثم إنكار المدعى عليه لا يمنع صحة ابرائه بغير عوض حتى لو أبرأه عن الدين
ثم أقر المدعي عليه بأنه كان واجبا كان الابراء صحيحا وهذا لان الابراء اسقاط والاسقاط
يتم بالمسقط وحده وإنما يحتاج إلى مراعاة الجانب الآخر في التملكات فأما في الاسقاطات
فلا كالطلاق والعتاق وهذا لان المسقط يكون متلاشيا ولا يكون داخلا في ملك أحد
ولهذا صح الابراء عن الدين قبل قبول المديون وإن كان يرتد برده لتضمنه معنى التمليك
ولكن ذاك تبع وإنما يعتبر ما هو المقصود وهو الاسقاط فشرط صحته ثبوت الحق في
جانب المسقط وذاك ثابت بخبره وإنما لم يجعل الدعوى سببا للاستحقاق على الغير ثم بنفس
الدعوى يستحق الجواب والحضور على المدعي عليه ويستحق اليمين بعد المعارضة بالانكار
حتى يستوفى بطلبه واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لك يمينه فعرفنا ان جانب
الصدق ترجح في حقه قبل المعارضة بالانكار وبعد المعارضة وإنما لا يعطى بنفس الدعوى
المال المدعى لما قال صلى الله عليه وسلم لو أعطى الناس بدعواهم الحديث فإذا ترجح معنى
الصدق في حقه ثبت الحق في جانبه فيملك التصرف فيه بالاسقاط وهذا النوع من الاسقاط
مما يجوز أخذ العوض عنه كما بعد الاقرار فيأخذ المال بطريق الصلح عوضا عن اسقاط حق
ثابت في حقه والمدعي عليه ليس يتملك شيئا فلا يشترط ظهور الحق في جانبه (ألا ترى)
أن الزوج إذا خالع امرأته على مال مع أجنبي ضمنه أو من له القصاص إذا صالح مع أجنبي
141

على مال ضمنه يصح ذلك ويستحق المال عوضا عن الاسقاط وإن كان من يعطى المال لا يتملك
به شيئا وأظهر من هذا كله صلح الفضولي فإنه لو قال للمدعي ان المدعى عليه قد أقر معي سرا
وأنت محق في دعواك فصالحني على كذا من المال وضمن له ذلك فصالحه صح الصلح بالاتفاق
ومعلوم أن باقراره لا يثبت المال على المدعى عليه وإنما صح هذا الصلح بطريق الاسقاط لظهور
الحق في جانب المدعي دون المدعى عليه فكذلك إذا صالح مع المدعي عليه بل أولى لان
المدعي عليه ينتفع بهذا الصلح والفضولي لا ينتفع به ووجوب المال عوضا عن الاسقاط على
من ينتفع به أسرع ثبوتا منه على من لا ينتفع به (ألا ترى) انه لو خالع امرأته على مال وجب
المال عليها وإن لم يضمن بخلاف ما لو كان الخلع مع أجنبي (يقرره) أن الفضولي لا يتملك بهذا
الصلح شيئا ثم يلزمه دفع المال عوضا عن الاسقاط فكذلك المدعى عليه إذا كان منكرا فهو
لا يتملك بهذا الصلح شيئا ولكن يلزمه دفع المال عوضا عن الاسقاط كما لو التزمه وقد قال بعض
مشايخنا رحمهم الله ان بدل الصلح كالمقر به يكون عوضا عن المدعى عليه ويصير المدعى عليه
بالاقدام على الصلح كالمقر به لان القاضي يقول له أي ضرورة ألجأتك إلى الصلح وكان من
حقك أن ترفع الامر إلي لأمنع ظلمه عنك فلما اخترت الصلح صرت كالمقر لما ادعى ولكن
هذا اقرار ثبت ضمنا للصلح فإذا بطل الصلح بالاستحقاق يبطل ما كان في ضمنه كالوصية
بالمحاباة لما ثبت ضمنا للبيع يبطل ببطلان البيع فلهذا يعود على رأس الدعوى ولما كان هذا
الاقرار في ضمن الصلح لا يظهر حكمه في غير عقد الصلح واستحقاق الدعوى بالشفعة حكم
وراء ذلك فلا يظهر في حقه كما لو كان الصلح مع فضولي ومنهم من يقول المدعى يستحق
المال عوضا في حقه عن المدعى فأما في حق المدعى عليه فإنه قد التمسه لان اليمين حق للمدعى
قبله مستحق الهلاك علي ما بيناه في الدعوى فيكون بمنزلة القصاص والعفو عن القصاص على
مال يأخذه صحيح فكذلك فداء المال باليمين صحيح نص عليه في الجامع الصغير قال ولو فدى
يمينه بعشرة دراهم يجوز وذلك مروى عن حذيفة رضي الله عنه أن رجلا ادعى عليه مالا
وطلب يمينه وقال لا تحلفني ولك عشرة فأبى فقال لا تحلفني ولك عشرون فأبى فقال لا تحلفني
ولك ثلاثون فأبى فقال لا تحلفني ولك أربعون فأبى فحلف ومن هذا وقع في لسان العوام أن
اليمين الصادقة يشترى بأربعين درهم فأما المودع إذا ادعى الرد فمحمد رحمه الله يقول بجواز
الصلح هناك أيضا فداء لليمين وأبو يوسف رحمه الله لا يجوز ذلك لأنه إنما استفاد البراءة بمجرد
142

قوله رددت وهو تسلط على ذلك من جهة المودع وإنما اليمين لنفى التهمة (ألا ترى) انه لو مات
قبل أن يحلف كان بريئا وهنا اليمين حق للمدعى قبل المدعى عليه لمعنى الاهلاك على ما قد قررنا
فيجوز أخذ العوض عنها بهذا يتبين أن هذا ليس بأكل المال بالباطل ولكنه بمنزلة التجارة
عن تراض على أحد الطريقين وهو ثبوت الاقرار في ضمن الصلح وعلى الطريق الآخر هو
ليس بتجارة عن تراض ولا أكل بالباطل ولكن بذل مقيد بمنزلة الهبة والصدقة ونحوهما
وفى الحقيقة الخلاف بيننا وبين الشافعي رحمه الله ينبنى على الابراء عن الحقوق المجهولة بعوض
وهو لا يجوز عنده لان معنى التمليك يغلب في الصلح فيكون كالبيع وجهالة المبيع تمنع صحة
البيع فكذلك جهالة المصالح عنه وعندنا ذلك جائز بعوض وبغير عوض واعتمادنا فيه ما روى
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث خالدا إلى بني جذيمة داعيا لا مقاتلا وبلغه ما صنع خالد
أعطى عليا رضي الله عنه مالا وقال أئت هؤلاء القوم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك
وأدهم كل نفس ذا مال فأتاهم علي رضي الله عنه ووداهم حتى ميلغة الكلب فبقي في يده مال
فقال هذا لكم مما لا تعلمونه أنتم ولا يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال صلوات الله عليه وسلامه أصبت وأحسنت فذلك
تنصيص على جواز الابراء عن الحقوق المجهولة بعوض وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
للرجلين اللذين اختصما إليه اذهبا تحريا وأقرعا وتوخيا واستهما ثم ليحلل كل واحد منكما
صاحبه وهذا ابراء عن الحق المجهول والدليل عليه أن الجهالة إنما تؤثر لأنها لا تمنع التسليم
والمصالح عنه لا يحتاج فيه إلى التسليم فالجهالة فيه لا تمنع صحة الصلح ففي بيان قول أبي حنيفة
رحمه الله أجوز ما يكون الصلح على الانكار قد طعن في هذا اللفظ بعض الناس وقال
الاختلاف في الصلح على الانكار اختلاف ظاهر فكيف يكون المختلف فيه أجوز من
المتفق عليه ولكنا نقول مراده انه أنفذ وألزم فالصلح مع الاقرار يفسد بأسباب لا يفسد
الصلح مع الانكار بذلك السبب أو مراده انه أكثر ما يكون بين الناس لأنه إذا وقع
الاقرار استوفى المدعى حقه فلا حاجة إلى الصلح وإنما الحاجة إلى ذلك عند الانكار
ليتوصل به المدعى إلى بعض حقه أو مراده ان ثمرة الصلح قطع المنازعة وذلك عند
الانكار أظهر لان مع الاقرار لا تمتد المنازعة بينهما والعقد الذي يفيد ثمرته يكون أقرب
إلى الجواز مما لا يكون مفيدا ثمرته ثم الصلح على الاقرار تمليك مال بمال فيكون بيعا
143

وهذا العقد اختص باسم فلا بد لاختصاصه بالاسم من أن يكون مختصا بحكم وذلك الحكم
لا يكون الا جوازه مع الانكار فهو معنى كلام أبي حنيفة رحمه الله ثم اعلم بأن ما وقع عليه
الصلح يكون عوضا من المدعي في حق المدعى بمنزلة العوض في البيع فكل ما يصلح أن
يكون عوضا في البيع يصلح أن يكون عوضا في الصلح وقد بينا ذلك في البيوع والمصالح عليه
يحتاج إلى قبضه فلا بد من اعلامه على وجه لا تبقى فيه منازعة بينهما ولهذا لا يثبت الحيوان
فيه دينا في الذمة ولا يثبت الثياب فيه دينا الا موصوفا مؤجلا كما في البيع والمصالح عليه إذا
كان عينا لا يجوز التأجيل فيه كما في البيع لا يجوز التأجيل في العين ثم الصلح عقد هو فرع
فيعتبر بنظائره مما هو أصل حتى إذا كان على دين في الذمة فحكمه حكم اليمين في البيع وإن كان
على غير دين فحكمه حكم البيع وإذا كان على منفعة فحكمه حكم الإجارة وكل منفعة يجوز
استحقاقها بعقد الإجارة يجوز استحقاقها بالصلح ومالا فلا حتى إذا صالح على سكنى ثبت
بعينه إلى مدة معلومة يجوز وان قال أبدا أو حتى يموت لم يجز وكذلك أن صالح على أن
يزرع له أرضا بعينها سنين مسماة يجوز وبدون بيان المدة لا يجوز كما في الإجارة ولو كان
لرجل ظلة أو كتف شارع على طريق نافذ فخاصمه رجل فيه وأراد طرحه فصالحه من
ذلك على عشرة دراهم كان الصلح باطلا ويخاصمه في طرحه متى شاء لان هذا الطريق النافذ
حق جماعة المسلمين فلا يمكن واحد منهم أن يعتاض عنه شيئا فصاحب الظلة لا يستفيد
بهذا الصلح حق الاقرار لان لكل مسلم أن يخاصمه في طرحه والذي خاصمه كان محتسبا في
ذلك فارتشى لترك الحسبة وذلك حرام وهذا لان من أصل أبي حنيفة رحمه الله ان لكل
مسلم أن يمنع من وضع الظلة على طريق المسلمين وأن يطالب الرفع بعد الوضع سواء كان
فيه ضرر أو لا ضرر فيه وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله إن كان فيه ضرر فكذلك الجواب
وإن لم يكن فيه ضرر فلكل مسلم حق المنع في الابتداء وليس له أن يخاصم في الرفع بعد
الوضع لأنه قاصد إلى الاضرار بصاحب الظلة غير دافع الضرر عن المسلمين وقد روى عن أبي
يوسف رحمه الله لا يمنع في الابتداء إذا لم يكن فيه ضرر كما لا يرفع بعد الوضع وأبو حنيفة
رحمه الله يقول الطريق مشترك بين جميع الناس وكل واحد منهم بمنزلة الشريك في الطريق
الخاص فكما لا يعتبر هناك الضرر في ثبوت حق المنع والرفع فكذلك هنا ولو كان على طريق
غير نافذ فخاصمه رجل من أهل الطريق وصالحه على دراهم مسماة كان جائزا لان شركة
144

أصحاب الطريق شركة ملك ولهذا يستحقون به الشفعة فهذا المصالح ملك نصيبه من صاحب
الظلة وتمليك ما هو مملوك له بعوض صحيح فان قيل صاحب الظلة لا يستفيد بهذا الصلح
شيئا لان لسائر الشركاء أن يخاصموه في الطريق قلنا لا كذلك بل يستفيد من حيث إن سائر
الشركاء لو صالحوه أيضا لم يكن له أن يخاصمه في الطريق وهذا لأنه بالصلح يتملك نصيبه فيصير
كأحد الشركاء في وضع الظلة على هذه الطريق حتى إذا رضى شركاؤه بذلك كان له حق
قرار الظلة وبعض المتقدمين من أصحابنا رحمهم الله كأن يقول تأويل هذه المسألة ان الظلة على ما
هي على الطريق فالمصالح يصير مملكا نصيبه من وضع أصل البناء وذلك جائز فأما إذا لم يكن
كذلك فينبغي أن لا يجوز لأنه يصير مملكا نصيبه من هواء الطريق وتمليك الأهواء بعوض
لا يجوز والأصح هو الأول لان هواء الطريق الخاص مشترك بينهم كأصل الطريق واسقاط
الحق عن نصيبه من هواء الطريق بعوض صحيح كما يصح اسقاط الحق فيه بغير عوض ولو
صالحه على مائة درهم على أن يطرح الظلة عن هذا الطريق كان جائزا لان فيه منفعة لأهل
الطريق فكان المفيد للمال صالح عن نفسه ليوصل المنفعة إليهم بإزالة الشاغل عن هواء طريقهم
وذلك جائز وتأويل هذا ان الظلة كانت على بناء مبنى على الطريق وصاحب الظلة يدعى
ملك ذلك الوضع لنفسه أو يدعى حق قرار الظلة بسبب صحيح فسقط حقه بما يأخذ من
المال بطريق الصلح على الانكار وذلك جائز من أحد الشركاء عن نفسه وعن أصحابه بطريق
التبرع كصلح الفضولي ولو ادعى حقا في دار في يدي رجل فصالحه من ذلك على خدمة
عبد بعينه شهرا فهو جائز لان المصالح عليه مقدور التسليم معلوم فان مات العبد قبل أن
يخدمه بطل الصلح لتحقق فوات المعقود عليه لا على عوض فيعود على رأس الدعوى وان
مات بعد ما خدمه نصف الشهر كان على دعواه في النصف اعتبارا للبعض بالكل ولو قتله
أجنبي فعلى قول أبى يوسف رحمه الله لا يبطل الصلح ولكن للمدعي الخيار ان شاء أبطل الصلح
وعاد على رأس الدعوى وان شاء أمضى الصلح واشترى له بالقيمة عبدا آخر ليخدمه وقال
محمد رحمه الله الصلح باطل وجه قوله ان الصلح على المنفعة بمنزلة الإجارة ولو قتل العبد
المستأجر بطل عقد الإجارة فكذلك إذا قتل العبد الذي وقع الصلح علي خدمته وهذا لان
حق المصالح في المنفعة والقيمة الواجبة على القاتل بدل العين لا بدل المنفعة فقد فات المعقود
عليه لا إلى عوض وهو نظير موت العبد ولان الصلح عقد محتمل للفسخ ودفع الضرر عن
145

المدعي ممكن بالإعادة إلى رأس الدعوى فلا حاجة بنا إلى أن نقيم بدل العين مقام بدل المنفعة
في ايفاء هذا العقد بخلاف الوصية فان العبد الموصى بخدمته إذا قتل لا تبطل الوصية لان
دفع الضرر عن الموصى له هناك غير ممكن بإعادة عوضه إليه فلأجل الضرورة أقمنا بدل العين
مقام بدل المنفعة ولان العبد من وجه كأنه موصى به ولهذا يعتبر خروجه من الثلث
وأبو يوسف رحمه الله يقول المصالح ملك المنفعة بعقد يجوز أن يملك به العين فإذا هلكت
العين وأخلفت بدلا لا يبطل الصلح كالعبد الموصى بخدمته إذا قتل لا تبطل الوصية ولكن
يشتري بقيمته عبدا آخر ليخدم الموصي له بخلاف الإجارة وهي ملك المنفعة بعقد لا يجوز ان
تملك به العين فلا يمكن إقامة بدل العين هناك مقام بدل المنفعة في الاستحقاق بحكم ذلك
العقد وإذا كان العقد بحيث يجوز أن يملك به العين يمكن إقامة بدل العين فيه مقام بدل المنفعة
في ايفاء العقد ثم الصلح على الانكار في معنى الوصية لأنه ليس بإزاء المنفعة بدل يستقر وجوبه
باستيفاء المنفعة كما في الوصية بخلاف الإجارة فان قيل كيف يستقيم هذا والمصالح هناك له أن
يؤاجر العبد من غيره وفى الوصية الموصي له بالخدمة لا يملك أن يؤاجره من غيره قلنا إنما
ملك ذلك لان الصلح على الانكار مبنى على زعم المدعى وهو يزعم أنه ملك المنفعة بعوض
فالصلح على الانكار بمنزلة عقد المفاوضة فإذا تملك المنفعة به ملك أن يؤاجره من غيره وان
كأن لا يستقر وجوب البدل باستيفاء المنفعة كما إذا ملك المنفعة بالخلع أو النكاح أو الصلح
عن القود * توضيحه ان هذا العقد من وجه يشبه الإجارة وهو ان المنفعة تملك بعوض ومن
وجه يشبه الوصية وهو ان باستيفاء المنفعة لا يستقر وجوب عوض فلشبهه بالإجارة قلنا يملك
أن يؤاجره من غيره ولشبهه بالوصية قلنا لا يبطل بالقتل وتقوم قيمته مقام عينه لان المقصود
بهذا العقد قطع المنازعة بينهما وذلك واجب بحسب الامكان ابتداء وبقاء لما في امتدادها
من الفساد وإنما أثبت الخيار للمدعى لحصول التغير لا في ضمانه فالمنفعة لا تدخل في ضمانه
قبل الاستيفاء وعلى هذا لو كان القاتل هو المدعى عليه تجب القيمة أيضا لأنه وإن كان مالكا
للعبد فالمصالح قد صار أحق به منه فهو في وجوب القيمة عليه بالقتل كأجنبي آخر عند أبي
يوسف رحمه الله كالراهن إذا قتل المرهون أو الوارث إذا قتل العبد الموصى بخدمته وإن كان
المصالح هو الذي قتل العبد فهو على الخلاف أيضا لأنه أجنبي من الرقبة فيلزمه من القيمة
بالقتل ما يلزم غيره واختلف مشايخنا رحمهم الله في ثبوت الخيار للمصالح في هذا الفصل عند
146

أبى يوسف رحمه الله فمنهم من يقول يثبت كما إذا قتله أجنبي آخر والا وجه أن لا يثبت لان
التغيير حصل بفعله هنا وهو راض بفعله لا محالة وهذا على أصل أبى يوسف رحمه الله مستقيم
فقد قال إذا جنى البائع على المبيع وهو في يد المشترى فهو غير ثابت لا محالة وهذا على أصل أبى
يوسف رحمه الله لا يسقط به خيار المشترى بخلاف ما إذا جنى عليه غيره وعلى هذا لو صالحه
على لبس هذا الثوب شهرا أو على أن يركب دابته هذه إلى بغداد فان هذه منفعة يجوز
استحقاقها بالإجارة والوصية فكذلك بالصلح فان مات المدعى أو المدعى عليه وقد استوفى
نصف المنفعة فإنه يبطل الصلح بقدر ما بقي ويرجع في دعواه بقدره وهذا في قول محمد رحمه
الله بناء على أصله ان الصلح على المنفعة كالإجارة والإجارة تبطل بموت أحد المتعاقدين وهذا
لأنه ان مات المدعى فلو أبقينا الصلح أدى إلى توريث المنفعة والمنفعة لا يجرى فيها الإرث
(ألا ترى) أن الموصى له بالخدمة إذا مات لا يخلفه وارثه في استيفاء المنفعة وأكثر ما فيه أن
يجعل الصلح كالوصية وان مات المدعى عليه فالعين صارت لوارثه والمنفعة بعد ذلك تحدث على
ملكه ويستحق عليه منفعة ملكه بغير رضاه فأما عند أبي يوسف رحمه الله فان مات المدعي
عليه لم يبطل الصلح وان مات المدعى ففي سكنى الدار وخدمة العبد كذلك الجواب فأما في لبس
الثوب وركوب الدابة يبطل الصلح وهذا الجواب عنه محفوظ في الأمالي ومن أصحابنا رحمهم
الله من يقول تأويله إذا ادعى عبدا في يد غيره ثم صالحه على خدمته شهرا أو ادعى بيتا ثم
صالحه على سكناه شهرا فان الصلح على الانكار مبنى على زعم المدعى وفى زعمه انه يستوفى المنفعة
بملكه الأصلي لا ان يتملكها بعقد الصلح بعوض فلا يبطل ذلك بموته ولا بموت المدعى عليه
فأما إذا كان الصلح على خدمة عبد للمدعي عليه فينبغي أن يبطل بموت أحدهما كما ذكره في
الكتاب مطلقا ومنهم من حقق الخلاف في الفصول كلها ووجه قول أبى يوسف رحمه الله ما
ذكرنا أن المقصود بالصلح قطع المنازعة وفى ابطال هذا الصلح بموت أحدهما إعادة المنازعة
بينهما فلوجوب التحرز عن ذلك قلنا بأنه يبقى الصلح بعد موت أحدهما لأنه ان مات المدعى
عليه فوارثه ينتفع بإيفاء هذا الصلح مثل ما كان المورث انتفع به وهو سقوط منازعة المدعي
فلو أبطلنا الصلح ربما لا يتمكن من تحصيل هذه المنفعة لنفسه بخلاف الإجارة وان مات المدعى
فوارثه يقوم مقامه فيما لا يتفاوت الناس في استيفائه كخدمة العبد وسكنى البيت وربما لا يتمكن
من تحصيل ذلك لنفسه بعقده فأبطلنا الصلح فأما فيما يتفاوت الناس فيه كلبس الثوب وركوب
147

الدابة لا يمكن إقامة الوارث فيه مقام المورث للضرر الذي يلحق المالك فيه ولم يرض بالتزامه
فلهذا أبطلنا الصلح ويشبه هذا بالمنفعة إذا جعلت بدلا في الخلع أو الصلح من دم العمد والنكاح
فإنه لا يسقط الحق عنها بموت أحدهما ولكن يستوفى المنفعة أو بدلها بعد الموت على حسب
ما تكلموا فيه فكذلك هنا وان صالحه على سكنى بيت فانهدم لم يبطل الصلح لان الأصل
باق والانتفاع به من حيث السكنى ممكن إلا أن تمام المنفعة بالبناء فإذا رضى المدعى عليه بأن
يبنى البيت بماله فيه ليسكنه بقي الصلح بينهما ولكن للمدعى الخيار للتغيير وان شاء أبطل
الصلح وعاد على دعواه وان شاء أمضى الصلح وهذا قولهم جميعا والجواب في إجارة البيت
هكذا ولو صالحه من دعواه على كذا كذا ذراعا مسماة من هذه الدار لم يجز في قول أبي حنيفة
رحمه الله وجاز في قولهما بمنزلة ما اشترى كذا ذراعا من الدار وقد بيناه في التبرع فان الصلح
على عين يكون بمنزلة البيع وكذلك أن صالحه على كذا كذا جريبا من الأرض ولو ادعى أذرعا
مسماة في الدار فصالحه منها على دراهم مسماة كان جائزا عندهم جميعا لان جهالة المصالح عنه
لا تمنع صحة الصلح كما لو ادعى حقا في دار ولم يسمه ثم صالح منه على شئ معلوم وهذا لان
المصالح عنه لا يستحق تسليمه بالصلح فجهالته لا تفضى إلى المنازعة ولو ادعى كل واحد منهما
في دار في يدي صاحبه حقا ثم اصطلحا على أن يسلم كل واحد منهما لصاحبه ما في يده بغير
تسمية ولا اقرار فهو جائز لان كل واحد منهما قابض لما شرط له بالصلح فلا حاجة إلى
التسليم والجهالة إنما تمنع إذا كانت تفضى إلى منازعة مانعة من التسليم ولو ادعى رجل في أرض
رجل دعوى فصالحه على طعام بعينه مجازفة فهو جائز لان الطعام المعين يجوز بيعه وإن لم يكن
معلوم القدر فكذلك الصلح عليه وكذلك لو صالح على دراهم بعينها بغير ذكر الوارث لان
مثله يصلح ثمنا في البيع فيصلح بدلا في الصلح أيضا ولو صالحه على عبد بعينه لم يره فهو بالخيار
إذا رآه لان المصالح عليه إذا كان عينا فهو كالمشترى بطريق البناء على زعم المدعى ولهذا
يستحق بالشفعة لو كانت دارا ومن اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه وكذلك الرد بالعيب
في الصلح بمنزلة الرد بالعيب في البيع حتى يرد المصالح عليه بالعيب اليسير والفاحش بطريق
البناء على زعم المدعي وإذا تعذر الرد بالعيب رجع بحصة العيب في الدعوى لان رأس ماله في
حق المدعي عليه هو الدعوى والخصومة فكما أن عند الرد بالعيب يرجع في ذلك فكذلك
عند تعذر الرد بالعيب من الدعوى ولو استحق نصف العبد من يده كان بالخيار فيما بقي لعيب
148

التبعيض فان رد ما بقي كان على دعواه فان أمسك ما بقي منه كان على نصف دعواه اعتبارا
لاستحقاق البعض بالكل ولو ادعى رجل في دار لرجل دعوى فصالحه عنه آخر بأمره
أو بغير أمره بإنكار أو اقرار فان ذلك جائز ولا شئ للمصالح من حقوق المدعى إنما يكون
ذلك للذي في يده الدار ولا يجب المال على المصالح إلا أن يضمنه الذي صالحه لان الصلح
على الانكار معاوضة باسقاط الحق فيكون بمنزلة الطلاق بجعل والعفو عن القصاص بمال وذلك
جائز مع الأجنبي كما يجوز مع الخصم إلا أن الأجنبي ان ضمن المال فهو عليه بالالتزام ولا
يدخل في ملكه بإزاء ما التزم شئ لان المسقط يكون متلاشيا ولا يكون داخلا في ملكه
وإن لم يلزمه المال بمطلق العقد ولكن إن كان الصلح بأمر المدعى عليه فالمال عليه لان الأجنبي
يعبر عنه (ألا ترى) انه لا يستغنى عن إضافة العقد إليه وإن كان بغير إذنه فهو موقوف على
اجازته لان المال لم يجب للمصالح ولا يمكن ايجابه على المدعى عليه بغير رضاه والمدعى لم يرض
سقوط حقه الا بعوض يجب له فيتوقف على رضا المدعى عليه ولو لم يكن في صلح الأجنبي
الا العرف الظاهر وحاجة الناس إلى ذلك لان المدعي عليه يتحرز من قبول ذلك مخافة أن
يجرى على لسانه ما هو اقرار لكان هذا كائنا لجواز هذا العقد فان صالحه على عبد بعينه فوجد
به عيبا فرده أو استحق أو وجد حرا أو مدبرا أو مكاتبا عاد في دعواه ولم يكن له على المصالح
شئ لان هذا الصلح لو كان مع المدعي عليه كان يبطل بهذه العوارض ويعود المدعي على
دعواه فكذلك إذا كان مع الأجنبي وهذا لأن العقد انفسخ بهذه الأسباب والتزام المصالح
كان بالعقد فإذا انفسخ العقد عاد الحكم الذي كان قبله وهو خصومة المدعى مع المدعى عليه
ولو صالحه على دراهم مسماة وضمنها له فدفعها إليه فاستحقت أو وجد منها زيوفا أو ستوقا
فله أن يرجع بذلك على الذي صالحه دون الذي في يديه الدار كما لو كان هذا الصلح مع المدعى
عليه وهذا لان المصالح التزم بالمال بالعقد دينا في ذمته حين ضمنه وبالرد بهذه الأسباب
ينتقض القبض لا أصل العقد فيعود الحكم الذي كان قبل القبض وهو انه مطالب بتسليم
المال بسبب التزامه في ذمته ولو صالحه على دراهم وضمنها ثم قال لا أؤديها أجبرته على أن
يؤديها إليه لأنه التزم بالضمان والزعيم غارم وشرط على نفسه أن يؤدى المال والوفاء بالشرط
لازم خصوصا إذا كان الشرط في عقد لازم ولو لم يكن ضمنه لم يكن عليه شئ ولكن الصلح
موقوف عليه فان قبل لزمه المال وان رد فالصلح باطل ولو ادعى في دار رجل حقا فصالحه
149

على دراهم ودفعها إليه ثم استحقت الدار من يد المدعي عليه كان له أن يرجع بدراهمه لان
هذا الصلح مبنى على زعم المدعي وفى زعمه انه أخذ الدراهم عوضا عن الدار فإذا استحقت
كان عليه رد المقبوض من البدل كالمبيع إذا استحق وان جعلناه مبنيا على زعم المدعي عليه ففي
زعمه أنه أعطى المال بغير عوض وان له حق الاسترداد وكذلك لو صالح عنه غيره وضمن
المال رجع المصالح بدراهمه لان بعد الاستحقاق ثبوت حق الرجوع بسبب أداء المال وإنما
يثبت لمن أدى ولو استحق نصفها أو ثبت معلوم فيها أو جميعها الا موضع ذراع لم يكن للمصالح
أن يرجع بشئ من الدراهم لأني لا أدرى لعل دعواه فيما بقي دون ما استحق وهذا الصلح
مبني على زعم المدعى وهو يتمكن من أن يقول إنما كان حقي ما بقي وقد صالحتك عنه فلهذا
لا يرجع بشئ من الدراهم بخلاف ما إذا استحق جميع الدار وان ادعى في بيت في يدي رجل
دعوى فصالحه من ذلك على أن يبيت على سطحه سنة فهو جائز لان في زعم المدعي انه
يستوفى ملك المنفعة باعتبار ملك الأصل ولم يذكر ما إذا صالحه على أن يبيت آخر بعينه سنة
والجواب في ذلك أنه يجوز أيضا لما استشهد به فقال (ألا ترى) انه لو استأجره جاز وقد
بينا أن ما يستحق من المنفعة بعقد الإجارة يجوز استحقاقه بعقد الصلح قال الحاكم رحمه الله
وقد تأوله بعض مشايخنا رحمهم الله على السطح المحجر لأنه إذا كان بهذه الصفة فهو موضع
السكنى عادة فيجوز استئجاره لمنفعة السكنى قال رضي الله عنه والأصح عندي أنه يجوز على
كل حال لان السطح مسكن كالأرض ولو استأجر أرضا معلومة من الأرض لينزل فيه مدة
معلومة جاز فكذلك السطح وهذا لأنه يتمكن من السكنى عليه بنصب خيمة فيه أو نحوها ولو
ادعى نصف الدار وأقر بأن نصفها لذي اليد فصالحه ذو اليد على دراهم مسماة ودفعها إليه ثم
استحق نصف الدار رجع عليه بنصف الدراهم لان في زعم المدعى أن الدار كانت بينه وبين
المدعى عليه نصفين والمستحق نصف شائع فيكون من النصيبين وبه تبين انه استحق نصف
ما وقع الصلح عليه فيرجع بنصف الدراهم لو كان المدعى لم يقر لذي اليد بحق فيها أو قال
نصفها لي ونصفها لفلان وقال المدعي كذبت بل نصفها لي والنصف الآخر لا أدرى لمن هو
أو قال كلها لي ونصفها لفلان لم يرجع عليه بشئ من الدراهم لأنه لم يستحق شيئا وقع الصلح
عنه بزعم المدعى فهو يقول إنما صالحت عن النصف الذي بقي في يدك وقد بينا أن الصلح
على الانكار مبنى على زعم المدعى وإذا كانت الدار وديعة في يد المدعى فصالح المدعى من
150

دعواه فيها على شئ لم يرجع به على المودع لأنه كأجنبي آخر في التزام المال بالصلح فقد كان
متمكنا من أن يثبت بالبينة انه مودع فيها لتندفع الخصومة عنه إلا أن يكون أمره بذلك
فحينئذ يرجع عليه لأنه عامل له بأمره فيرجع عليه بما يلحقه من العهدة وإذا صالح الرجل من
دعواه في دار لم يعاينها الشهود ولا عرفوا الحدود أو صالحه من دعواه في دار بغير عينها
ثم خاصمه في دار وزعم أنها غير التي صالحه عنها وقال المدعى عليه هي تلك تحالفا وترادا الصلح
وعادا في الدعوى لان الصلح عقد محتمل للفسخ بالإقالة فإذا اختلفا في عين ما تناوله العقد
تحالفا وترادا كالمتبايعين إذا اختلفا في عين المبيع ولو أن دارا في يدي ورثة ادعى رجل فيها
حقا وبعضهم غائب فصالح الشاهد منهم المدعي على شئ مسمي من جميع حقه فهو جائز لأنه
في حصة شركائه متبرع بالصلح وقد ذكرنا أن صلح المتبرع جائز إذا التزم العوض والدار
الموروثة على حالها لان المدعى مسقط لحقه بما يأخذ من العوض غير متملك شيئا ممن يأخذ
منه العوض فلا يرجع هذا الصلح عليهم بشئ لأنهم لم يأمروه بدفع شئ ولو كان صالح
على أن يكون حقه له خاصة دون الورثة فهو جائز أيضا لان المدعى يملك ما يدعيه لنفسه من
الذي يصالحه بما يستوفى من العوض والصلح مبنى على زعمه فيجوز ثم يقوم هذا المصالح
مقام المدعى فيما بينه وبين شركائه على حجة المدعى فان أثبت له ملك شئ معلوم بالحجة ثبت
ملكه في ذلك بالشراء وإذا لم يكن له بينة فله أن يرجع على المدعي بحصة شركائه التي لم يسلم
له لان المدعى عاجز عن تسليم ذلك إليه والصلح مبنى على زعمه فيتحقق عجزه عن التسليم في
ذلك القدر فيبطل الصلح فيه ويرجع بما يقابله من البدل (ألا ترى) أن رجلا لو ادعي دارا
في يدي رجل فصالحه رجل منها على عبد على أن تكون الدار له ثم خاصمه الذي في يديه
الدار فلم يظفر بشئ كان له أن يرجع على المدعى بالعبد أو بقيمته إن كان هلك عنده لأن العقد
ينفسخ بينهما لتعذر تسليم المعقود عليه بزعمهما ولو أن رجلين ادعيا دارا في يدي رجل وقالا
ورثناها عن أبينا وجحدهما الرجل ثم صالح أحدهما عن حصته من هذه الدعوى على مائة
درهم فأراد شريكه أن يشركه في هذه المائة لم يكن له ذلك لان الملك لو كان ظاهرا لهما
في الدار فباع أحدهما نصيبه لم يكن للآخر أن يشاركه في ثمنه فكذلك إذا صالح أحدهما
من نصيبه مع انكار ذي اليد وليس للآخر أن يأخذ من الدار شيئا إلا أن يقيم البينة لان
ذا اليد بقبوله الصلح مع الانكار لا يصير مقرا بحق المصالح فيما صالحه عنه فكيف يصير
151

مقرا بحق غيره فيما لم يقع الصلح عنه وذكر ابن رستم رحمه الله في نوادره أن أبا يوسف
رحمه الله قال يشاركه وقال محمد رحمه الله لا يشاركه وجه قول أبى يوسف رحمه الله ان المصالح
يزعم أنه يأخذ بجهة الميراث عن أبيه ولهذا كان مصروفا إلى دين الأب لو ظهر عليه دين
ولا يختص أحد الابنين بشئ من ميراث الأب فللآخر حق المشاركة معه في المقبوض
باعتبار زعمه ولو صالح أحدهما من جميع دعواهما على مائة درهم وضمن له تسليم أخيه فان
سلم الأخ ذلك له جاز وأخذ نصف المائة لان الصلح في نصيب أخيه كان موقوفا على
اجازته فإذا أجازه جاز ويجعل كأنهما باشرا الصلح فالبدل بينهما نصفان وإن لم يجز فهو على
دعواه ورد المصالح على الذي في يديه الدار نصف المائة لان الصلح قد بطل في نصيب أخيه
برده ولو ادعى دارا في يدي رجل فقال هي لي ولإخوتي فأقر ذو اليد بذلك ثم اشترى
منه نصيبه لم يكن لاخوته أن يشاركوه في شئ من الثمن لأنه إنما يأخذ العوض عن نصيبه
خاصة وأبو يوسف رحمه الله يفرق بين هذا وبين الصلح فيقول هنا بقية الورثة يتمكنون من
أخذ نصيبهم من الميراث أو أخذ العوض عنه بالبيع فالقول بقطع الشركة لا يؤدى إلى
تخصيص بعض الورثة في بدل شئ من الميراث بخلاف الصلح على ما قررنا ولو ادعى دارا في يدي
رجل فاصطلحا فيها على أن يسكنها ذو اليد سنة ثم يدفعها إلى المدعي فهذا جائز بمنزلة ما لو
اصطلحا على أن يسكنها المدعى سنة ولم يسلمها لذي اليد وهذا في جانب المدعى ظاهر لأنه
يزعم أن رقبتها ومنفعتها له فهو بهذا الصلح يبطل ملكه عن رقبتها ويبقى ملكه في مقدار
ما شرط لنفسه من المنفعة فإنما يستوفى ذلك بحكم ملكه وذلك جائز وكذلك أن كان يستوفيها
بحكم عقد الصلح كما لو صالحه على سكنى دار أخرى سنة وأما في جانب المدعى عليه ففيه بعض
اشكال لأنه يزعم أن رقبتها ومنفعتها له وانه يملكها من المدعى بعد سنة والتمليك لا يحتمل
التعليق بالشرط ولا الإضافة ولكنا نقول هذا الصلح مبنى على زعم المدعى وفى زعمه أنه يعيرها
من ذي اليد سنة ثم يأخذها منه والمدعى عليه يجعل مملكا رقبتها منه في الحال مبقيا منفعتها
سنة على ملكه وهو إنما يستوفى بحكم ملكه وذلك جائز (ألا ترى) أن من أوصى لغيره بسكنى
داره سنة ثم مات صارت الدار لورثته وبقيت السكنى على حكم ملك الموصى يستوفيها الموصي
له باخلائها له وكذلك لو باع الدار المؤجرة والمشترى يعلم بالإجارة فإنه يملك رقبتها وتبقي منفعتها
على حق البائع حتى يتملكها المستأجر عليه بالاستيفاء ويكون الاجر للبائع فهذا مثله وإن كان
152

للمدعى فيها شركاء لم يجز صلحه عليهم وهم علي حجتهم في اثبات أنصبائهم لأنه لا ولاية
للمدعى عليه على شركاء المدعى لتملك انصبائهم منه وكذلك لو كان هذا الصلح في أرضه على
أن يزرعها ذو اليد خمس سنين على أن رقبتها للمدعى فهو جائز لما قلنا. ولو اشترى دارا فاتخذها
مسجدا ثم ادعى رجل فيها دعوى فصالحه الذي بنى المسجد والذين بين أظهرهم المسجد
فهو جائز لأنهم ينتفعون بهذا الصلح ولو صالحه من لا ينتفع به كالفضولي والتزم المال كان
الصلح جائزا فإذا صالحه من ينتفع به كان إلى الجواز أقرب وكذلك لو باع الدار أو وهبها
لابن صغير أو جعلها مقبرة أو غيرها عن حالها ثم صالح عنها المدعى فهو فيما يلتزم من المال بالصلح
لا يكون دون فضولي فيجوز ذلك منه وإذا أنكر المدعى عليه دعوى المدعى بعد الاقرار
ثم صالحه جاز الصلح لأنه لا معتبر بإنكاره بعد الاقرار فهذا صلح على الاقرار وهو جائز
بالاتفاق وان أنكر في الابتداء وصالح ثم أقر أنه كان محقا في دعواه فالصلح ماض وهو آثم
بالجحود لكونه كاذبا فيه ظالما ولكن الصلح من المدعى اسقاط لحقه بعوض وقد بينا أن
جحود الخصم لا يمنع صحة الاسقاط من المسقط بغير عوض (ألا ترى) أن الطالب لو أبرأ
المديون وهو جاحد للدين كان ابراؤه صحيحا فكذلك جحوده لا يمنع صحة الاسقاط بعوض
وهذا لان الاسقاط تصرف من المسقط في حقه (ألا ترى) ان انكار المرأة للنكاح لا يمنع
صحة الطلاق من الزوج بعوض كان أو بغير عوض وكذلك انكار القاتل لا يمنع صحة العفو
من الولي لهذا المعنى ولو ادعى دارا في يد رجل فصالحه منها على خدمة عبد سنة ثم أعتقه
صاحبه جاز عتقه لان العبد باق على ملكه وان صارت خدمته للمدعى واعتاقه في ملك
نصيبه نافذ كالوارث إذا أعتق العبد الموصى بخدمته نفذ وكان صاحب الخدمة على حقه لان
خدمته صارت مستحقة له بعقد لازم والعتق لا ينافي بقاءها ولو أعتقه المدعى لم ينفذ عتقه
لأنه مالك للخدمة ونفوذ العتق باعتبار ملك الرقبة وهو من رقبته كأجنبي آخر فلا ينفذ عتقه
لقوله صلى الله عليه وسلم لا عتق فميا لا يملك ابن آدم ولو أن رب العبد باعه لم يجز بيعه لأنه
عاجز عن تسليمه فلا ينفذ بيعه فيه لحق صاحب الخدمة كالاجر إذا باع العبد المؤجر أو
الوارث إذا باع العبد الموصى بخدمته أو الراهن إذا باع المرهون ولصاحب الخدمة أن
يؤجره للخدمة لما بينا أنه ملك خدمته بعقد معاوضة فهو كالمستأجر يملك أن يؤاجر قال
وله أن يخرج بالعبد من المصر إلى أهله وقد ذكرنا في كتاب الإجارات أن من استأجر
153

عبدا ليخدمه فليس له أن يسافر به (قال رضي الله عنه) وكان شيخنا رحمه الله يقول تأويل
ما قال في كتاب الصلح ان أهل المدعى إذا كانوا في بعض القرى القريبة من المصر والمدعى
عليه يعلم ذلك أو كان هو على جناح السفر والرجوع إلى أهله وقد علم ذلك المدعى عليه
فحينئذ يكون هو راضيا باخراجه العبد إلى أهله لان الانسان إنما يستخدم العبد في أهله
وتأويل ما قال في كتاب الإجارات انه إذا لم يكن ذلك معلوما للآجر عند عقد الإجارة
فلا يكون راضيا باخراج العبد وتكليفه خدمة السفر لان الخدمة في السفر أشق منها في
الحضر (قال رحمه الله) والذي يتراءى لي من الفرق بين الفصلين ان في باب الإجارة مؤنة
الرد على الآجر بعد انتهاء العقد لان المنفعة في النقل كانت له من حيث إنه يقر حقه في
الاجر والمستأجر إذا سافر بالعبد فهو يريد أن يلزم المؤاجر ما لم يلزمه من مؤنة الرد فأما هنا
فمؤنة الرد ليست على المدعى عليه لأنه زعم أنه يملك الخدمة بغير شئ فهو كالموصي له بالخدمة
فان مؤنة الرد عليه دون الوارث فالمدعى هنا باخراجه إلى أهله يلتزم مؤنة الرد لا ان يلزم
المدعى عليه شيئا فلهذا كان يخرجه ولو ادعى رجل في حائط رجل موضع جذوع أو ادعي
في داره طريقا أو مسيل ماء فجحده ثم صالحه على دراهم معلومة جاز لان المصالح عليه معلوم
وجهالة المصالح عنه لا تمنع صحة الصلح فان تسلمه بالصلح لا يصير مستحقا ولو ادعي رجل
حقا فصالحه من ذلك على طريق في داره أو على مسيل ماء أو على أن يضع على حائط من
داره جذعا فالصلح على الطريق جائز لان المصالح عليه إذا كان عينا فهو كالمبيع وبيع الطريق
جائز لان المصالح عليه إذا كان مما لا يقع فيه منازعة يجوز وبيع المسيل لا يجوز لأنه مجهول فإن كان
مسيل ماء الميزاب فذلك يختلف بقلة المطر وكثرته والضرر بحسبه يختلف وإن كان مسيل
ماء الوضوء فذلك يختلف أيضا بقلة الحاجة إليه وكثرتها فكذلك بيع موضع الجذع من
الحائط لا يجوز للجهالة فاستئجار الحائط لوضع الجذع عليه لا يجوز أيضا وقد بينا أن من
لا يستحق بالبيع والإجارة فالصلح عليه لا يجوز ولو صالحه على شرب نهر شهرا لم يجز لان
بيع الشرب بدون الأرض جائز فكذلك الصلح عليه لان ما هو المقصود يختلف بقلة الماء
وكثرته وجريان أصل الماء في النهر على خطر ومقداره غير معلوم ولو صالحه على أن يسيل
ماء فيها لم يجز لان مقدار ذلك لا يستحق بالإجارة فكذلك لا يستحق بالصلح عليه بخلاف
ما إذا صالحه على عثر نهر بأرضه أو على عثر بئر أو عين فالمصالح عليه هنا جزء معلوم رقبة
154

النهر واستحقاقه بالبيع جائز فكذلك بالصلح عليه وكذلك لو ادعى عثر نهر أو بئر فصالحه منها
على مال معلوم فهذا إلى الجواز أقرب ولو ادعى في دار في يد رجل دعوى فصالحه من ذلك
على عبد ومائة درهم وقيمة العبد مائة درهم ثم استحق العبد رجع في نصف دعواه لأنه
لو استحق جميع ما وقع الصلح عليه بطل الصلح في الكل وعاد على رأس الدعوى فكذلك
إذا استحق نصف ما وقع الصلح عليه وإن كان الذي في يديه الدار أخذ من المدعى ثوبا
رجع المدعي في نصف الدعوى ونصف الثوب لان من جانب المدعى شيئين المدعى وهو
مجهول والثوب وهو معلوم والمعلوم إذا ضم إلى المجهول فلا طريق إلى الانقسام سوى
المناصفة والمدعى عليه بدل المائة والعبد فكان بإزاء العبد نصف الثوب ونصف المدعى
بإزاء المائة فكذلك عند استحقاق العبد يرجع المدعى بما يقابله وهو نصف الدعوى ونصف
الثوب ولو كان استحق الثوب رجع الذي في يديه الدار بحصة الثوب من قيمة العبد والدراهم
ثم ينظر كم ادعى من الدار فيعود ذلك أن كان معلوما ويقوم الثوب فإن كانت قيمتهما سواء
رجع بنصف العبد ونصف المائة لان الثوب والمدعى من جانب المدعى فيتوزع عليهما المائة
والعبد فإذا استوفى القيمة كان بمقابلة الثوب ونصف المائة وقد استحق الثوب فيرجع بما
يقابله وان اختلفا في قدر الحق في الدار فقال الطالب كان لي نصف الدار وقال المدعى عليه
بل كان لك عشرها فالقول قول الذي الدار في يديه مع يمينه لانكاره الزيادة وأصل المدعي
وهو الدار والصلح كان باعتباره فإذا وقعت الحاجة إلى معرفة مقداره كان القول قول المنكر
مع الزيادة (ألا ترى) أنه لو باع من رجل طعاما بمائة درهم ودفعها وقبض الطعام ثم وجد به
عيبا فرده فقال البائع كان طعامي الذي بعتك كر حنطة وقال الرجل كان نصف كر فالقول
قول المشترى مع يمينه ومعنى هذا الاستشهاد أن الصلح على الانكار مبنى على زعم المدعي
وفي زعمه أن المدعى عليه اشترى منه نصيبه من الدار بما أعطاه من بدل الصلح فإذا وقع
الاختلاف في مقدار المشترى جعل القول قول المشترى كما في مسألة الطعام وكذلك لو
اشترى شقصا في دار بعبد فاستحق العبد فقال الذي قبض الشقص كان المبيع ثلث الدار وكان
للآخر نصف الدار فالقول قول الذي في يديه الدار لان الاختلاف بينهما في مقدار المشترى
فالحاصل أن المشترى قابض للمشترى بالعقد ومتى وقع الاختلاف في مقدار المقبوض يجعل
القول قول القابض لأنه لو أنكر القبض أصلا كان القول قوله فكذلك إذا أنكر قبض
155

الزيادة ولو كانت دار في أيدي ثلاثة نفر في يد كل واحد منهم منزل منها وساحتها على حالها
واختصموا فيها فلكل واحد منهم ما في يده والساحة بينهم أثلاثا لان ما في يد كل واحد منهم
الظاهر يشهد له والبناء على الظاهر واجب ما لم يتبين خلافه وحقهم في الساحة على السواء
لان كل واحد منهم مستعمل للساحة في حوائجه وللاستعمال يد فلهذا قضي بالساحة بينهم
أثلاثا فان اصطلحوا قبل أن يقضى بينهم على أن لفلان نصف الساحة وكل واحد من الآخرين
ربعها فهو جائز لأنه صلح عن تراض فيما لا يتمكن فيه معنى الربا فيجوز كيفما اتفقوا عليه وكذلك
ان اشترط أحدهم لنفسه نصف المنزل الذي في يد صاحبه جاز لان ذا اليد يصير مملكا
نصف منزله منه بعوض معلوم وذلك صحيح قل العوض أو كثر ولو كانت الدار في يد رجل
منها منزل وفى يد آخر منزل وقال أحدهما الدار بيني وبينك نصفان وقال الآخر بل هي
كلها لي فللذي ادعى جميعها ما في يده ونصف ما في يد صاحبه والساحة بينهما نصفين لان
صاحبه يدعي النصف من جميع الدار شائعا فيكون مدعيا نصف كل جزء بعينه من الدار
والقول للذي في يده جزء معين منها فهو يدعى نصف ذلك ولا مدعى للنصف الآخر
سوى من يدعى جميعها ولا منازع له في ذلك فيأخذ نصف ما في يده والساحة كذلك موضع
معين منهما في يد كل واحد منهما نصفه شائعا فمدعي النصف مدع جميع ما في يده من الساحة
فالقول في ذلك قوله فلهذا كانت الساحة بينهما نصفين والمنزل الذي في يد مدعي الجميع صاحبه
يدعى نصفه ولا يستحق ما في يد الغير بمجرد الدعوى ما لم يقم البينة وذو اليد يدعى جميع
ذلك المنزل فلهذا كان له جميع ما في يده فان اصطلحوا قبل القضاء على أن تكون الدار بينهما
نصفين أو على الثلث والثلثين فهو جائز لوقوع الاتفاق والتراضي على شئ معلوم وكذلك
لو اصطلحوا بعد القضاء فهو جائز بطريق التمليك من كل واحد منهما من صاحبه بعد ما
قضى له به بعوض ولو كان أحدهما نازلا في منزل من الدار والآخر في علو ذلك المنزل
وادعى كل واحد منهما جميعها فلكل واحد منهما ما في يده والساحة بينهما نصفان لان العلو
مسكن على حدة كالسفل فيهما كبيتين من الدار أحدهما متصل بالآخر وقد بينا في البيتين
والمنزلين ان لكل واحد منهما ما في يده والساحة بينهما نصفان لثبوت يدهما عليها بالاستعمال
ولا يقال الساحة أرض من جنس حق صاحب السفل فينبغي أن يكون هو أولى بها لان
ثبوت اليد لا تكون بالمجانسة بل بالاستعمال وصاحب العلو مستعمل لها كصاحب السفل فان
156

اصطلحا قبل القضاء أو بعده على أن لصاحب السفل العلو ونصف الساحة ولصاحب العلو
السفل ونصف الساحة جاز لوجود المبادلة بينهما في العلو والسفل بالتراضي والساحة بينهما
نصفان كما هو قضية الحكم وإذا كان الحائط بين داري رجلين وكل واحد منهما يدعى أنه
له ولكل واحد منهما عليه جذوع وجذوع أحدهما أكثر من جذوع الآخر كان للآخر
أن يزيد في جذوعه حتى تكون جذوعه مثل جذوع صاحبه لان يد كل واحد منهما ثابتة
على الحائط وانه مستعمل له بوضع حمل مقصود عليه ينبنى الحائط لأجله فان الحائط تبني
لوضع ثلاثة جذوع عليه كما يبنى لوضع عشرة من الجذوع عليه فكان الحائط بينهما نصفين
لاستوائهما في اليد عليه ولأحد الشريكين أن لا يسوى نفسه بصاحبه في الانتفاع بالملك
المشترى وللمساواة هنا طريقان اما رفع فضل جذوع صاحبه أو بأن يزيد في جذوعه والرفع
غير ممكن بهذا النوع من الظاهر لأن الظاهر حجة لدفع الاستحقاق على الغير وكان له أن
يزيد في جذوعه حتى تكون جذوعه مثل جذوع صاحبه ولكن هذا إذا كان الحائط يحتمل
ذلك فإن كأن لا يحتمل فالوضع يكون بمنزلة هدم الحائط وليس له أن يهدم الحائط المشترك
وقد تقدم بيان هذه الفصول وما فيها من اختلاف الروايات في كتاب الدعوى والاقرار
وليس لواحد منهما أن يبنى على هذا الحائط ويفتح فيه كوة وجمعه كوى ولا بابا لان أصل
الحائط مشترك بينهما وفتح الباب والكوة يكون رفعا لبعض الحائط وهو لا يتمكن من
أن يرفع جميع الحائط بغير رضا صاحبه فكذلك لا يتمكن من رفع البعض وهذا لان فتح
الباب والكوة يوهن البناء ويظهر أثر ذلك في الثاني ان كأن لا يظهر في الحال ولا كذلك
بناء الحائط عليه لان فيه وضع حمل زائد على حائط مشترك وفيه ضرر على الحائط لا محالة
ولو أراد أن يبنى في حائط ساحة مشتركة لم يملك ذلك بغير أذن صاحبه فهذا أولى ولو
اصطلحا على أن يكون الحائط بأصله لأحدهما وعلى أن يكون للآخر موضع جذوعه
وعلى أن يبنى عليه حائطا مسمى معروفا يحمل عليه جذوع علو مسمى فهو باطل لأنه إنما
يستحق بالصلح ما يجوز استحقاقه بالبيع أو الإجارة ومثل هذا لا يصير مستحقا بالبيع والإجارة
لمعنى الجهالة على ما قررنا فكذلك لا يجوز أن يقع عليه الصلح وإذا اختصما في حائط وكان
مخوفا فاصطلحا على أن يهدماه أو على أن يبنياه على أن لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثيه فالنفقة
عليهما على قدر ذلك وعلى أن يحملا عليه من الجذوع قدر ذلك فهو جائز لأنهما تراضيا على
157

ما هو معلوم في نصيبه على ما يجوز أن يكون مبيعا فكذلك الصلح عليه ولو كان بيت في يد
رجل له سطح فادعى رجل فيه دعوى فاصطلحا على أن يكون البيت لأحدهما ويكون
سطحه للآخر فهذا لا يجوز إذ سطحه لا بناء عليه وبيعه لا يجوز فإنه بيع الهواء فكذلك لا يجوز
الصلح عليه وقد ذكرنا قبل هذا انه لو صالح على أن يبيت على سطح سنة فهو جائز فمن
حمل ذلك الجواب على سطح محجر فهو لا يحتاج إلى الفرق بين الفصلين والفرق أن هناك
المصالح عليه السطح دون المنفعة فإذا لم يكن عليه بناء فهو عبارة عن الهواء وهو لا يملك
بالصلح كما لا يملك بالبيع ولو كان عليه بناء أو حجزة فاصطلحا على أن يكون لأحدهما علوه
وللآخر سفله جاز لان كل واحد من البيتين يجوز استحقاقه بالبيع فكذلك بالصلح عليه ولو
كانت دار في يد قوم في يد كل واحد منهم ناحية منها فاختصموا في درج فيها معقود بأزج
سفلها وهو في يد أحدهما وظهر الدرج طريق للآخر إلى منزله فإنه يقضى بالدرج كلها لصاحب
السفل لأن الظاهر شاهد له فإنها في يده غير أن لصاحب العلو طريقا عليها على حاله لان
صاحب اليد بالظاهر يدفع الاستحقاق ولا يستحق ابتداء وقد عرفنا طريق صاحب العلو
على هذا الدرج فلا يكون له أن يمنعه طريقه بالظاهر كما لو كأن لإنسان حائط وللآخر عليه
جذوع فإن كان متصلا ببناء أحدهما اتصال وضع فاختلفا فيه فالحائط لصاحب الاتصال
ولكن تترك جذوع الآخر على حالها لأنه بالظاهر لا يستحق رفع جذوع الآخر ولو كان
روشن على رأس هذه الدرجة منهم من يقول روشني وهو على منزل صاحب السفل وهو
طريق لصاحب العلو وعرف ذلك فاختصموا فيه فالروشن كله لصاحب العلو لا السفل لأنه
بمنزلة سقف منزله فيكون في يده ولكن صاحب العلو المحجر عليه على حاله لما بينا أن
بالظاهر لا يمنعه الممر الذي كان معروفا له ولو كان بيت سفل في يد رجل وبيت علو عليه في
يد آخر فسقف السفل وهواديه وجذوعه وبواريه كله لصاحب السفل لان صاحب السفل
مستحق للبيت والبيت إنما يكون بيتا بسقف والظاهر أن الذي يبنى البيت يجعله مسقفا
ولصاحب العلو سكناه في ذلك كله لأنه بالظاهر لا يمنعه ما كان معلوما بالسكنى فكذلك
الدرج والروشن ولو اصطلحا على أن يكون الدرج والروشن بينهما نصفين جاز ذلك قبل
القضاء وبعده لتراضيهما عليه ولو أن بيتا في يد رجل وفوقه بيت في يد آخر وكل واحد
منهما مقر لصاحبه بما في يده فوهى البنيانان جميعا فاصطلحا على أن ينقض كل واحد بيته على
158

مثل ما كان عليه فهو جائز لأنهما اصطلحا على ما يوافق الشرع فان على كل واحد منهما
اصلاح ملكه شرعا ويؤمر صاحب السفل بالبناء هنا لأنه هدم بناء السفل ولو هدمه بغير
شرط أجبر على بنائه لحق صاحب العلو فإذا كان عن شرط فهو أولى بخلاف ما إذا سقط بناء
السفل فإنه لا يجبر صاحب السفل على بنائه لأنه يلحقه فيه مؤنة لم يرض بالتزامها ولكن يبنى
صاحب العلو السفل ثم يبنى عليه علوه ولا يسكنه صاحب السفل حتى يؤدى إليه قيمة البناء
وقد بينا هذا في الدعوى وإذا كان لرجل نخلة في ملكه فخرج سعفها إلى ملك غيره فأراد
الآخر قطع سعفها فله ذلك لأنه شاغل لهواء ملكه وكان له أن يطالبه بالتفريغ فهذا
مثله إلا أنه إنما يتمكن من قطعه إذا كأن لا يتمكن صاحب النخلة من أن يجوز إلى هواء
ملكه فإن كان يتمكن من ذلك امره به لان مقصوده تفريغ هواء ملكه وذلك يحصل بهذا
الطريق فليس له أن يلحق الضرر لصاحب النخلة في قطع سعفها فان صالحه رب النخلة على
أن يترك السعف على دراهم مسماة لم يجز لان هذا لا يجوز استحقاقه من هواء ملك الغير بالبيع
والإجارة فكذلك لا يجوز استحقاقه بالصلح وهذا لأنه تمليك جزء من الهواء بعوض وهو
غير معلوم في نفسه إذ أن السعف يطول بمضي الوقت. ولو أن نهرا بين قوم فاصطلحوا على كريه
أو بوضع ممشاة أو قنطرة عليه على أن يكون النفقة عليهم بحصصهم فهذا جائز كله عليهم لأنهم
يجبرون على ذلك لو لم يصطلحوا إذا كان فيه ضرر عام فان رفع الضرر واجب فإذا اصطلحوا
كان إلى الجواز أقرب فإن كان بحيث لا يضرهم تركها ففي القنطرة والممشاة لا يجبرون على
ذلك لأنه تدبير في الملك وهو مفوض إلى رأى الملاك وإنما يجبرون على إزالة الضرر العام فما
ليس فيه ضرر عام لا يجبرون عليه وأما الكرى فانى أجبر عليه لان في تركه ضررا عاما فان
للناس في النهر حق السقي فيتضررون بانقطاع ذلك عنهم ولا يصل إليهم ملك المنفعة الا
بالكرى وللامام أن يجبر الشركاء فيه على الكرى وتمام هذا في كتاب الشرب. ولو ادعى زرعا
في أرض رجل فصالحه من ذلك الزرع علي دراهم فهو جائز لأنه صلح على الانكار وقد بينا
أن المدعي بنفس الدعوى صار حقا للمدعى في جواز الاعتياض عنه ولم يعارضه المدعي عليه
بإنكاره فلا يبطل عليه هذا الحق بمعارضته إياه بإنكاره لان ذلك ليس بحجة في حق المدعى
في ابطال حقه وكذلك لو ادعى نصفه وإن كان بيع نصف الزرع قبل الافراك يجوز
لان امتناع جواز البيع لما على البائع من الضرر في التسليم وهذا لا يوجد هنا ولان النصف
159

الاخر من الزرع لصاحب الأرض وبيع نصف الزرع من شريكه قبل الادراك جائز ولو
كانت أرض لرجلين فيها زرع لهما فادعاه رجل فجحداه ثم صالحه أحدهما على أن أعطاه
مائة درهم على أن يسلم نصف الزرع للمدعى لم يجز لان المدعي عليه يصير مملكا نصف
الزرع قبل الادراك من غير شريكه بعوض وذلك لا يجوز ولان نصف الزرع والأرض
للذي هما في يديه فلو جوزنا هذا الصلح صار نصف الزرع للمصالح فيجبر على قلعه وتفريغ
أرض الآخر منه ولا يتأتى ذلك الا بقلع الكل وفيه من الضرر على الآخر ما لا يخفى
وكذلك هذا في البيع وكذلك النخل والشجر إذا كان مشتركا بين اثنين فباع أحدهما نصيبه
من غير شريكه لم يجز ذلك وقد بينا هذا في البناء على كتب الشفعة فهو مثله في النخل والشجر
ولو ادعى رجل سقفا في دار في يد رجل فصالحه منه على سكنى بيت من هذه الدار معلوم
عشر سنين فهو جائز لان ما وقع عليه الصلح منفعة معلومة ببيان المدة فان أجره من الذي
صالحه جاز في قول أبى يوسف رحمه الله ولم يجز في قول محمد رحمه الله وهذا بناء على الفصل
المتقدم ان عند محمد رحمه الله استحقاق هذه المنفعة بالصلح كاستحقاقها بالإجارة ولهذا قال
يبطل الصلح بموت أحدهما كما تبطل الإجارة ثم المستأجر إذا أجر المؤجر من الآجر لا يجوز
فكذلك هنا إذا أجره من الذي صالحه لا يجوز وعند أبي يوسف رحمه الله استحقاقه هذه
المنفعة باعتبار ملكه بناء على زعمه لا باعتبار العقد فكما يملك الاعتياض عنه مع غير الذي
صالحه بالإجارة منه فكذلك يملك مع الذي صالحه ولهذا قال أبو يوسف رحمه الله ان وارثه
يخلفه بعد موته في استيفاء هذه المنفعة ولا يبطل الصلح بموت أحدهما ثم على قول محمد رحمه الله
إذا استأجر الذي كان في يديه فكان عنده حتى مضى الاجل لم تجب عليه الأجرة ولكن
يبطل الصلح ويعود المدعى على دعواه لفوات المعقود عليه في ضمانه قال ولو باع هذا السكنى
بيعا من رجل لم يجز بيع السكنى وهذا فصل مشترك فان لفظ البيع يملك به الرقبة وملك
الرقبة سبب لملك المنفعة فكان ينبغي أن يجوز استعارة لفظ البيع لتمليك المنفعة به مجازا كما أنه
يجوز النكاح بلفظ الهبة والبيع بهذا الطريق وزعم بعض أصحابنا رحمهم الله ان تأويل هذه
المسألة فيما إذا أطلق البيع في السكنى وبين المدة وإنما يفسد لترك بيان المدة كما لو صرح بلفظ
الإجارة (قال رحمه الله) والأصح عندي أن الجواب مطلق على ما قال في الكتاب وإنما
160

امتنع جواز بيع السكنى لانعدام المحل لا لفساد الاستعارة فالمنفعة معدومة في الحال وايجادها
ليس في مقدور البشر والمعدوم لا يكون محلا لإضافة العقد إليه فالشرع أقام الموجود وهو الدار
المنتفع بها مقام المنفعة في جواز إضافة عقد الإجارة إليها فأما لفظ البيع ان أضيف إلى الدار
فهو تمليك لعينها وان أضيف إلى المنفعة فالمعدوم لا يكون محلا لإضافة العقد إليه سواء كانت
الإضافة بلفظ الإجارة أو بلفظ البيع حتى لو قال الحر لرجل بعتك نفسي شهرا بكذا لعمل
فهذه إجارة صحيحة قال فكذلك لو صالحه الذي كانت الدار في يده من هذه السكنى على
دراهم فهو جائز لأنه لو صالحه في الابتداء على الدراهم يجوز فكذلك إذا صالحه على سكنى
معلومة ثم منها على دراهم وهذا على أصل أبى يوسف رحمه الله ظاهر لأنه لو استأجره منه
بدراهم جاز فكذلك إذا صالحه ومحمد رحمه الله يقول الصلح يمكن تصحيحه بطريق اسقاط
الحق فأما الإجارة فلا يمكن تصحيحها الا بطريق التمليك وإذا كان يتملك هو عليه المنفعة
بجهة المعاوضة فيملك أن يملكه منه بمثل تلك الجهة وكذلك لو صالحه من الدراهم على دنانير
وقبضها فهو جائز لان المصالح عليه إذا كان نقدا فهو كالثمن والاستبدال بالثمن قبل القبض
جائز لكن بشرط قبض الدنانير قبل الافتراق لان النقد صرف ولأنه لو فارقه قبل القبض
كان افتراقا عن دين بدين ولو قبض البعض ثم تفرقا جاز بمقدار ما قبض ويرجع بحصة
ما بقي من الدراهم اعتبارا للبعض بالكل قال والاقرار من المدعى للذي في يديه الشئ به على
وجه الصلح لا يمنعه من الدعوى إذا بطل الصلح بوجه من الوجوه لما بينا أن الاقرار ان
ثبت فإنما يثبت ضمنا للصلح وما يثبت ضمنا للشئ يبقى ببقائه ويبطل ببطلانه كالوصية بالمحاباة
في ضمن البيع والاقرار به من الذي هو في يديه عند الصلح للمدعي يوجب رده عليه إذا
بطل الصلح لأنه اقرار مقصود وكان يجب العمل به قبل تمام الصلح فكذلك بعد بطلان
الصلح قال وكل شئ وقع الصلح عليه مما لو استحق رجع بقيمته فله أن يبيعه قبل أن يقبضه
بمنزلة الصداق وبدل الخلع والصلح عن دم العمد لأنه لم يبق في الملك المطلق للتصرف
عذر يمكن التحرز عنه فان ملكه لا يبطل بالهلاك ولكن يتحول إلى القيمة وكل شئ يرجع
فيه على دعواه فليس له أن يبيعه قبل القبض لبقاء الغرر في الملك المطلق للتصرف كما
في البيع وفى العقار الخلاف معروف في جواز البيع قبل القبض وقد بيناه في البيوع
فكذلك إذا وقع الصلح عليه ولو في ادعى دارا في يدي رجل حقا فصالحه من ذلك على
161

عبدين فدفع إليه أحدهما ومات الآخر في يده فالمدعى بالخيار ان شاء رد العبد الذي قبضه
وعاد في دعواه وان شاء أمسك ورجع في حصة العبد الميت لان الصفقة تفرقت عليه قبل
القبض والاتمام فان تمام الصفقة بقبضها وقد بينا أن الصلح على الانكار مبنى على زعم المدعى
وهو كما لو اشترى عبدين فهلك أحدهما قبل القبض. ولو كان ادعي في أرض حقا فصالحه منها
على أرض أخرى باقرار فغرقت الأرض التي وقع الصلح عليها فإن شاء المدعى رضى بها
وان شاء تركها إن كان قد نقصها الغرق لان ما وقع عليه الصلح بمنزلة المبيع وقد تعيب قبل
التسليم فان غرقت الأرض التي كان ادعى فيها قبل أن يصل إليها المصالح ونقصها العرق فهو
بالخيار أيضا لان الصلح على الاقرار محض معاوضة فكان المدعى عليه مشتر للمدعى به وقد
تعيب قبل القبض فله الخيار وإن كان الصلح وقع على الانكار لم يكن له فيها خيار لان في
زعم المدعى ان المدعي عليه غاصب بجحوده وانه بالصلح كالمشترى فصار قابضا بنفس الشراء
وإنما تعيب بعد ذلك. ولو ادعى سكنى في دار وصية من رب الدار فجحده أو أقر به ثم
صالحه منه على شئ جاز وإن كان الموصى له بالسكنى لا يؤاجر لان تصحيح الصلح بطريق
اسقاط الحق بعوض ممكن والأصل فيه أن الصلح صحيح بطريق المعاوضة إن أمكن وان
تعذر ذلك تصحح بطريق الاسقاط كما لو صالح من الألف على خمسمائة وكذلك لو صالحه
على سكنى دار أخرى فإنه يصح هذا الصلح بطريق الاسقاط لما تعذر تصحيحه بطريق
التمليك فان مبادلة السكنى لا تجوز ولو ادعى دارا في يد رجل فصالحه منها على دراهم مسماة
أو على شئ من الحيوان على أن يزيد الآخر كر حنطة لمدة وليس عنده طعام لم يجز لان ما يقع
عليه الصلح مبيع وبيع ما ليس عند الانسان لا يجوز قال (ألا ترى) أنه لو باع عبدا بدراهم
واشترط للمشترى مع العبد طعاما يعطيه إياه وليس عنده كان البيع فاسدا لهذا المعنى. ولو
ادعى في دار رجل طريقا فصالحه منها على دراهم أو على طريق في دار أخرى كان جائزا
بعد أن يبين أن الطريق بمنزلة البيع ولو كان له باب في غرفة أو كوة وآذاه جاره وخاصمه
فافتدى من خصومته بدراهم وصالحه عليها فالصلح باطل وله أن يترك بابه وكوته على حالهما
قال لأنهما في غير ملك أحد ومعنى هذا أن الباب والكوة يكون برفع بعض الحائط والحائط
خالص ملكه ولو رفعه كله لم يكن لجاره أن يمنعه من ذلك فكذلك إذا رفع بعضه وبهذا يتبين
ان الجار ظالم له مدع بالباطل وانه أخذ منه مالا ليكف عن ظلمه وذلك حرام فلهذا لزمه
162

رده والله أعلم بالصواب
(باب الصلح في الشفعة)
(قال رحمه الله) قد ذكرنا في كتاب الشفعة ان صلح الشفيع مع المشترى على ثلاثة
أوجه في وجه يصح على أخذ نصف الدار بنصف الثمن وفى وجه لا يصح ولا تبطل شفعته
وهو أن يصالح على أخذ بيت بعينه من الدار بحصته من الثمن لان حصته مجهولة ولا تبطل
شفعته لأنه لم يوجد منه الاعراض عن الاخذ بالشفعة بهذا الصلح وفى وجه تبطل شفعته
ولا يجب المال وهو أن يصالح على أن يترك الشفعة بمال يأخذه من المشترى فهنا تبطل
شفعته لوجود الاعراض منه عن الاخذ بالشفعة ولا يجب المال لان ملك المشتري في الدار
لا يتغير بهذا الصلح بل يبقى على ما كان قبل الصلح وترك الشفعة ليس بمال ولا يؤل مالا
بحال فالاعتياض عنه بالمال لا يجوز بخلاف القصاص فان نفس القاتل كانت مباحة في حق
من له القصاص وبالصلح تحدث له العصمة في حقه فيجوز أن يلزمه بمقابله ولو صالح المشترى
الشفيع على أن أعطاه الدار وزاده الشفيع على الثمن شيئا معلوما فهو جائز لان تسليم الدار
بالشفعة بثمن بغير قضاء يكون بيعا مبتدأ والثمن الذي وقع عليه التراضي معلوم فكأنه باعه
منه مرابحة بما سميا من الثمن وإذا اختصم في الشفعة شريك وجار فاصطلحا على أن أخذاها
نصفين وسلمهما المشترى جاز كما لو باعها منهما ابتداء وإذا اشتري الرجل دارا فخاصمه رجل
في شقص منها وطلب الشفعة فيما بقي ثم صالحه المشترى على نصف الدار بنصف الثمن على
أن يبرأ من الدعوى فهو جائز بمنزلة البيع المبتدأ فان بيع نصف الدار منه بالثمن ابتداء
صحيح وشرط البراءة من الدعوى لا يبطل البيع أما إذا لم يكن مشروطا فتصحيح هذا
بعقد ممكن بأن كان للمدعى جزء من هذا النصف فيكون المدعى تاركا للدعوى فيه باقدامه
على الشراء ابتداء وقابضا لذلك الشقص بحقه مشتريا لما زاد عليه بما سمي من الثمن أو مصالحا
في ذلك الشقص بعوض يؤديه مشتريا فيما زاد عليه ولو ادعى في دار في يد رجل حقا أو ادعاها
كلها فصالحه على دارهم فلا شفعة للشفيع فيها لان المدعى عليه يزعم أن الدار له على قدم
ملكه وزعمه فيما في يده معتبر فكما لا يتمكن المدعى من أخذ ما في يده باعتبار زعمه فكذلك
الشفيع وقد بينا أن باقدامه على الصلح لا يصير مقرا للمدعى بالدار وإنما التزم البدل فداء
163

ليمينه. وان خاصمه في الشفعة فسلم له نصف الدار بنصف الثمن الذي صالح عليها المدعى جاز
كما لو باعه منه ابتداء ولو اشترى أرضا فسلم الشفيع الشفعة ثم جحد التسليم وخاصمه فصالحه
على أن أعطاه نصف الدار بنصف الثمن جاز وهذا والبيع المبتدأ منه سواء وكذلك لو مات
الشفيع ثم صالح الورثة المشترى على نصف الدار بنصف الثمن جاز كالبيع المبتدأ وإذا ادعى الرجل
شفعة في دار فصالحه المشترى على أن يسلم له دارا أخرى بدراهم مسماة على أن يسلم له
الشفعة فهذا فاسد لا يجوز لأنه بائع الدار الأخرى منه وقد شرط فيه تسلم الشفعة وهو
شرط ينتفع به أحد المتعاقدين فإذا شرط في البيع فسد العقد كما لو باعه عبدا بألف درهم على
أن يسلم له الشفعة ولو ادعى شفعة في عبد فصالحه المشترى على أن يسلم نصف العبد بنصف
الثمن وهو معلوم عندهما جاز لأنه بيع مبتدأ والبيع ينعقد بلفظ التسليم وبفعل التسليم وإن لم
يكن هناك لفظ كما هو مذهبنا في انعقاد البيع صحيحا بالتعاطي والله أعلم بالصواب
(باب الصلح الفاسد)
(قال رحمه الله) وإذا ادعى الرجل في دار حقا فصالحه ذو اليد على عبد إلى أجل فالصلح
فاسد لان تصحيح الصلح على الانكار بطريق البناء على زعم المدعي وفى زعمه أن يتملك العبد
بغير عينه بعوض هو مال وذلك فاسد فان قيل الحيوان يثبت دينا في الذمة في العقود المبنية
على التوسع في البدل كالنكاح والخلع والصلح على الانكار بهذه الصفة قلنا لا كذلك ولكن
الحيوان لا يثبت دينا في الذمة بدلا عما هو مال وإنما يثبت بدلا عما ليس بمال (ألا ترى) أن
الغرة وجبت شرعا في جنين الحرة دون جنين الأمة وهذا لان مقابلة ما ليس بمال بمال لا يثبت
ثبوتا صحيحا بل يردد بين الحيوان والقيمة وبمقابلة ما هو مال لا يمكن اثباته بهذه الصفة ثم
الصلح على الانكار في المصالح عليه غير مبنى على التوسع (ألا ترى) انه لا يثبت في الذمة
مع جهالة الصفة وانه يرد بالعيب اليسير والفاحش فكذلك لا يثبت الحيوان فيه دينا فإن كان
صالحه من حقه فقد أقر له بالحق ولكن لم يبين مقداره فالقول فيه قول المدعى
عليه بعد أن يقر بشئ لانكاره الزيادة بمنزلة ما لو قال لفلان على حق وإن كان صالحه من
دعواه لم يكن ذلك اقرارا لان الدعوى قد تكون حقا وقد تكون باطلا (ألا ترى) انه
لو قال لفلان على دعوى لا يصير مقرا له بشئ بهذا اللفظ بخلاف قوله لفلان على حق فكذلك
164

لو صالحه على دراهم مسماة إلى الحصاد وما أشبهه لان الصلح فيما يقع عليه الصلح كالبيع
واشتراط هذه الآجال المجهولة مفسد للبيع ولو ادعى رجل في عبد رجل دعوى فصالحه
على غلته شهرا فهذا فاسد بخلاف ما إذا صالحه على خدمته شهرا لان الخدمة معلومة ببيان
المدة وهي مقدورة التسليم لصاحب العبد فأما الغلة فمجهولة المقدار في نفسها غير مقدورة
التسليم لصاحب العبد لأنه ما لم يؤاجره من غيره لا تحصل الغلة له وذلك لا يتم به وحده
وبعد ما أجره لا تجب الغلة الا بسلامة العبد في الشهر ولعله يمرض أو يموت فلهذا بطل
الصلح وكذلك الصلح على غلة الدار وثمرة النخل فاسد لأنه مجهول وهو على خطر الوجود
بخلاف الوصية فإنها أخت الميراث فمثل هذه الجهالة لا تمنع صحتها أما الصلح فهو بمنزلة البيع
والإجارة فيما يقع الصلح عليه ومثل هذه الجهالة تمنع الاستحقاق بالبيع والإجارة وعلى هذا
لو صالح من دعواه على شرب يوم من هذا النهر في الشهر من غير أن يكون له حق في رقبته
فإنه لا يجوز والوصية بمثله تجوز لما قلنا. ولو ادعى قبل رجل ألف درهم دينا فصالحه منها
على عشرة دنانير إلى أجل لم يجز مقرا كان أو جاحدا أما إذا كان مقرا فلان هذا صرف
بالنسيئة وكذلك لو صالحه منها على طعام موصوف مؤجل أو غير مؤجل وفارقه قبل
القبض فهو باطل لأنه دين بدين والدين بعد المجلس حرام لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن
الكالئ بالكالئ وكذلك لو صالحه من غيره فهو في هذا المعنى وصلح المدعي عليه سواء
ولو ادعى عليه ألف درهم سودا فصالحه منها بعد الانكار على ألف درهم بخية إلى سنة لم
يجز لان البخية لها فضل فالبخية الجياد التي هي نقد بيت المال سميت بذلك لأنه يقال لمن
يتملكها بخ بخ ثم جعل هذا الفضل عوضا عن الاجل ومعاوضة المال بالأجل لا يجوز وفى
نظيره نزل قوله تعالى لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ولو ادعى عليه بخية فصالحه على سود
مثلها أو أقل حالا أو موجلا فهو جائز لان صاحب الحق هو المحسن إليه من كل وجه حيث
أبرأه عن فضل الجودة ولو أبرأه عن بعض المقدار وأجله فيما بقي جاز أيضا وإذا كان الاحسان
كله من جهته لا يتحقق معنى المعاوضة بينهما ولو باع عبدا بألف درهم سود ثم صالحه على
ألف ومائة نبهرجة أو زيوف حالة أو إلى أجل كان ذلك باطلا لان ما شرط من زيادة القدر
عوض عن الاجل أو عن صفة الجودة فان الزيوف دون السود في الجودة ومثل هذه المعاوضة
ربا شرعا وكذلك لو صالحه منها على شئ مما يكال أو يوزن بغير عينه لم يجز لان المكيل
165

والموزون إذا قابلته الدراهم يكون مبيعا وهو بيع ما ليس عند الانسان وذلك باطل قبض
في المجلس أو لم يقبض ولا يمكن تصحيحه سلما وان ذكر شرائط السلم لان رأس المال دين
وعقد السلم برأس مال هو دين لا يجوز. ولو كان لرجل قبل رجل ألف درهم غلة فصالحه
منها على خمسمائة بخية نقدا ونقدها إياه فهو جائز في قول أبى يوسف رحمه الله الأول باعتبار
انه يجعل كل واحد منهما محسنا إلى صاحبه بطريق الاسقاط فصاحب الحق أبرأه عن
خمسمائة والمديون أعطى ما بقي أجود مما عليه وهذا منه احسان في قضاء الدين وذلك مندوب
إليه وإذا كان المقصود بالصلح قطع المنازعة فإذا أمكن تصحيحه لا يجوز ابطاله وهنا تصحيحه
بطريق ممكن فلا يحل على المعاوضة وان تفرقا قبل أن يقبض فله خمسمائة من غلة الكوفة لأنه
أبرأه عما بقي وإنما تبقى الخمسمائة في ذمته بالصفة التي كانت قبل الابراء والمجازاة على الاحسان
مطلوبة بطريق ولكن غير مستحق دينا ثم رجع فقال الصلح باطل وهو قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله لأنهما صرحا بالمعاوضة فإنه أبرأه عن الخمسمائة بشرط أن يسلم له بصفة
الجودة فيما بقي ومعاوضة الدراهم بالجودة لا يجوز ومع التصريح بالمعاوضة لا يمكن حمله على
البراءة المبتدأة كما إذا باع درهما بدرهمين لا يجعل أحد الدرهمين هبة ليحصل مقصودهما وإذا
كان لرجل على رجل ألف درهم فصالحه منها على مائة درهم على أن يبيعه بها هذا الثوب أو
على أن يؤاجره بها هذه الدار أو صالحه منها على عبد بعينه على أن يشتريه منه فهذا فاسد لنهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة وقد بينا أن الصلح في معنى البيع واشتراط بيع
أو إجارة في البيع يكون مفسدا له وكذلك لو صالحه منها على دار وشرط أن يسكنها الذي عليه
الدين سنة أو على عبد وشرط خدمته سنة فهو فاسد لأنه شرط الاجل في تسليم العين
أو شرط أحد المتعاقدين منفعة لنفسه من ملك صاحبه وذلك مفسد للبيع والإجارة فكذلك
يفسد الصلح ولو ادعى رجل في غنم رجل دعوى فصالحه منها على صوفها الذي على ظهرها
أن يجزه من ساعته فهو جائز في قول أبى يوسف رحمه الله ولا يجوز في قول محمد رحمه الله
لان المصالح عليه إذا كان معينا فهو كالمبيع وبيع الصوف على ظهر الغنم باطل فكذلك الصلح
(ألا ترى) انه لو صالحه على صوف على ظهر شاة أخرى بعينها لم يجز لهذا المعنى وأبو يوسف
رحمه الله يقول تصحيح هذا الصلح باعتبار زعم المدعى ممكن لأنه يزعم أن الصوف والشاة
ملكه وانه يترك للمدعى عليه بعض ملكه ويبقى في الصوف لا ان تملكه ابتداء وذلك
166

جائز وقد بينا أن الصلح على الانكار مبنى على زعم المدعي وان من أصل أبى يوسف رحمه الله
انه إذا أمكن تصحيح الصلح بوجه ما يجب تصحيحه لقطع المنازعة بخلاف ما إذا صالحه على
صوف على ظهر شاة أخرى ولو صالحه على ألبانها التي في ضروعها أو على ما في بطونها من
الولد فهو باطل أما عند محمد رحمه الله فلان هذا بمنزلة البيع وأما عند أبي يوسف رحمه الله
فلانه إنما يمكن تصحيح هذا الصلح بطريق ابقاء ملكه في بعض العين واللبن في الضرع
والولد في البطن ليس بعين مال متقوم ووجوده على خطر فربما يكون انتفاخ البطن والضرع
بالريح بخلاف الصوف على ظهر الغنم فهو مال متعين متقوم مملوك فتصحيح الصلح بطريق
ابقاء الملك فيه ممكن ولو ادعى في أجمة في يدي رجل حقا فصالحه على أن يسلم صيدها للمدعي
سنة فهذا فاسد لأنه مجهول ووجوده على خطر وكذلك لو صالحه على ما فيها من الصيد إذا كان
ذلك لا يوجد الا بصيد وإن كان محظورا لأنه غير مملوك لاحد وبيعه لا يجوز لنهى النبي
صلى الله عليه وسلم عن بيع ضرية القانص ونهى عمر وابن مسعود رضي الله عنهما عن بيع
السمك في الماء وإذا كان الصيد محظورا وهو يؤخذ بغير صيد كان الصلح جائزا وله الخيار
إذا رآه بمنزلة البيع وقيل تأويله إذا أخذتم السمك في الماء أو دخل الأجمة مع الماء ثم منع
من الخروج بسد فوهة الأجمة فيكون ذلك بمنزلة الاخذ الموجب للملك ولكنه غير مرئى
فأما إذا دخل الأجمة مع الماء ولم بسد فوهة الأجمة فلا يجوز بيعه لأنه لم يصر مملوكا لصاحب
الأجمة بالدخول في أجمته ما لم يأخذه. ولو ادعى في عبد دعوى فصالحه من ذلك على مخاتيم
دقيق معلومة من دقيق هذه الحنطة أو على أرطال من لحم شاة حية لم يجز لأنه لا يجوز بيع
شئ من ذلك اما لأنه معدوم في الحال أو لأنه يحتاج في تسليمه إلى بضع البنية وذلك مانع من
جواز العقد وكذلك لو صالحه على عبد آبق فان الآبق لا يجوز بيعه لان ماليته تاوية بالإباق
وهو غير مقدور التسليم فكذلك الصلح عليه ولو ادعى قبل رجل مائة درهم وكر حنطة
سلما فصالحه من ذلك على عشرين دينارا لم يجز إذا كان رأس المال دراهم لان في حصة الحنطة
هنا استبدال بالمسلم فيه فيبطل لقوله صلى الله عليه وسلم لا تأخذ الا سلمك أو رأس مالك
والعقد صفقة واحدة فإذا بطل بعضه بطل كله عند أبي حنيفة رحمه الله ظاهر وأما عندهما
فالصلح كذلك وقد بيناه في الكتاب وهذا لان مبنى الصلح على الحط والاغماض والتجوز
بدون الحق وربما يكون ذلك في البعض دون البعض فبعد ما بطل في البعض لا يمكن تصحيحه
167

فيما بقي وإن كان رأس المال خمسة دنانير فصالحه منها علي عشرين دينارا خمسة منها رأس مال
السلم جاز لان في حق السلم هذا صلح على رأس المال وما وراء ذلك بمقابلة المائة وهو
صرف مقبوض في المجلس فيكون جائزا وذكر عن أبي إسحاق الشيباني رحمه الله قال سألت
عبد الله بن مغفل وفى رواية معقل عن رجل كان لي عليه عشرة أكرارا حنطة فاشتريت
بها منه أرضا فقال لي خذ رأس مالك وإنما أورد هذا لبيان أن الاستبدال بالمسلم فيه قبل
القبض لا يجوز ثم عندنا يبقى عليه طعام السلم بحاله آن الشراء والصلح إذا بطل صار كالمعدوم
وكأنه ذهب إلى أنهما قصدا اسقاط طعام المسلم إلى عوض فيعتبر قصدهما بحسب الامكان
ورد رأس المال متعين لذلك ولكن ما ذكرنا أقوى وعن طاوس رحمه الله قال أسلم رجل
إلى رجل في حلل دق فأراد أن يعطيه حلل جل كل حلتين بحلة فسأله ابن عباس رضي الله عنهما
عن ذلك فكرهه وبه نأخذ فان هذا استبدال بالمسلم فيه لان الثياب من أنواع مختلفة وأجناس
مختلفة وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما في
بطون الانعام وعن بيع ما في ضروعها الا مكيلا يعنى الا مكيلا بعد الحلب وعن بيع العبد
الآبق وعن بيع ضرية القانص وعن بيع الصدقة حتى تقبض وعن بيع المغنم حتى يقسم وبذلك
كله نأخذ فان بيع نصيبه قبل القسمة باطل لأنه بيع قبل الملك وكذلك بيع الصدقة قبل
القبض وبيع ضرية القانص وبيع العبد الآبق باطل للعجز عن التسليم وبيع ما في بطون
الانعام وما في ضروعها باطل للغرر والجهالة وعن محمد بن زيد قال سألت ابن عمر رضي الله عنهما
فقلت انى أسلمت إلى رجل ألف درهم وقال إن أعطيتني برا فبكذا وان أعطيتني
شعيرا فبكذا فقال سم في كل نوع وزنا فان أعطاك فذاك والا فخذ رأس مالك وبه نقول إذ
مثل هذه الجهالة والتردد يمنع صحة السلم وانه لا يأخذ بطريق الصلح الا سلمه أو رأس ماله
وعن ابن عباس رضي الله عنهما انه نهى عن بيع اللبن في الضرع والحمل في البطن وان صالحه
عن سلمه على رأس ماله ثم صالحه من رأس المال على شئ آخر يدا بيد لم يجز ذلك لان حال
رب السلم مع السلم إليه بعد الإقالة كحال المسلم إليه مع رب السلم قبل قبض رأس المال وكما أن
الاستبدال برأس المال قبل القبض لا يجوز فكذلك بعد الإقالة قبل الرد الا انهما يفترقان
من حيث إن قبض رأس المال واجب في المجلس وبعد الإقالة لا يجب قبض رأس المال في
المجلس وكان ذلك بمعنى الدينية فان الدين بالدين حرام أو لمقتضى لفظ السلم فهو أخذ عاجل
168

بآجل وذلك غير موجود في الإقالة وليس من ضرورة كونه غير مستحق القبض في المجلس
جواز الاستبدال به كالمسلم فيه وعن زفر رحمه الله الاستبدال بعد الإقالة جائز لأنه دين
سبب وجوبه القبض فيجوز الاستبدال به كبدل القرض والغصب وهذا هو القياس ولكنا
تركناه لما بينا ولقوله صلى الله عليه وسلم لا تأخذ الا سلمك أو رأس مالك فلو جوزنا الاستبدال
برأس المال بعد الإقالة كان آخذا غير سلمه وغير رأس ماله وذلك ممتنع شرعا ولو أسلم رجل
إلى رجل دراهم في شئ سلما فاسدا وتفرقا كان له أن يأخذ بدراهمه ما بدا له يدا بيد لأنه دين
سبب وجوبه القبض وعقد السلم كان باطلا في الأصل وإنما يلزمه رد المقبوض باعتبار القبض
والاستبدال ببدل القرض فان جعله في شئ من الوزن إلى أجل مسمى فهو فاسد لأنه دين
بدين فالمقبوض صار مملوكا له مع فساد العقد بالقبض ومثله صار دينا في ذمته فالسلم يضاف
إلى ذلك الدين ولو ادعى عبدا في يد رجل ثم صالحه منه على دراهم أو دنانير مؤجلة والعبد
قائم أو هالك فهو جائز لأنه إن كان قائما بعينه فهو بيع العبد بثمن مؤجل في زعم المدعى وإن كان
هالكا فالواجب هو القيمة والقيمة دراهم أو دنانير فهذا تأجيل في بدل المغصوب وذلك
جائز وقد بيناه في الصرف وان صالحه على طعام مؤجل جاز إن كان العبد قائما بعينه لان
الطعام متى كان دينا بمقابلة العبد يكون ثمنا ولم يجز إن كان هالكا أما عند أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله فظاهر لان الواجب هو القيمة فيكون بائعا ما ليس عنده لان الطعام إذا قوبل
بالدراهم والدنانير يكون مبيعا وعند أبي حنيفة رحمه الله ما يقع الصلح عليه يكون بدلا عن
العبد على ما بيناه في الصلح عن المغصوب الهالك على أكثر من قيمته انه جائز عنده ولكن
العبد الهالك في معنى الدين لان مالا يمكن الوقوف على عينه فهو دين فيكون ذلك دينا بدين
فلهذا كان فاسدا ولو لم يكن فيه أجل جاز إن كان بعينه أو بغير عينه فدفعه إليه قبل أن يتفرقا
عن عين دين وذلك جائز وهو دليل لأبي حنيفة رحمه الله فإنه لو كان ما يقع عليه الصلح
بدلا عن القيمة لم يجز وان قبض في المجلس إذا كان دينا عند العقد لأنه بيع ما ليس عند الانسان
وان فارقه قبل أن يقبضه ولم يكن بعينه والعبد هالك بطل لأنهما افترقا عن دين بدين وكذلك
ان صالحه على ثياب مؤجلة والعبد هالك لم يجز لأنه دين بدين وهو فاسد شرعا والله أعلم
بالصواب
169

(باب المهايأة)
(قال رحمه الله) اعلم بأن القياس يأبى جواز المهايأة لأنها مبادلة المنفعة بجنسها وكل
واحد من الشريكين في نوبته ينتفع بملك شريكه عوضا عن انتفاع الشريك بملكه في نوبته
ولكن تركنا القياس وجوزناه للكتاب والسنة * أما الكتاب فقوله تعالى لها شرب ولكم
شرب يوم معلوم وهذا هو المهايأة * وأما السنة فما روى أن الرجل الذي خطب تلك المرأة
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلوات الله عليه ماذا تصدقها قال نصف إزاري هذا
قال صلى الله عليه وسلم ما تصنع بإزارك ان لبسته لم يكن عليها منه شئ وان لبسته لم يكن عليك شئ
وهذا تفسير المهايأة ولان المنافع يجوز استحقاقها بالعقد بعوض وبغير عوض كالأعيان ثم
القسمة في الأعيان المشتركة عند امكان التعديل جائزة فكذلك في المنافع المشتركة ولهذا يجبر
القاضي الشركاء على المهايأة إذا طلب ذلك بعضهم وأبى البعض والذي أبى لم يطلب قسمة العين
والأصل أن اختصاص العقد باسم لاختصاصه بحكم يدل عليه معنى ذلك الاسم فقسمة المنافع
لما اختصت باسم المهايأة فذلك دليل على اختصاصها بمعنى يدل عليه هذا الاسم وهو أن
وصول نصيب أحدهما إليه يسبق وصول نصيب الآخر إليه بخلاف قسمة العين وهذا العقد
ليس كالإجارة في جميع الأحكام لان في الإجارة يستحق منفعة العين بالعقد وهنا ما يستوفيه
كل واحد منهما بل يجعل في الحكم كأنه منفعة ملكه على ما هو موضوع القسمة من العين
وكون معنى المعاوضات فيه بيعا وليس في عين الجارية أيضا لهذا المعنى ولان العارية لا يتعلق بها
الاستحقاق ويتعلق بالمهاياة فمن هذا الوجه تشبه الإجارة ولكن الاستحقاق في المهايأة دون
الاستحقاق في الإجارة على معنى ان هناك لا ينفرد أحدهما بالفسخ بغير عذر وهنا يملك
أحد الشريكين فسخ المهايأة بطلب القسمة لان الأصيل فيما هو المقصود وهو تمييز الملك
قسمة العين والمهايأة خلو عنه (ألا ترى) ان في الابتداء لو طلب أحدهما قسمة العين لم يشتغل
القاضي بينهما بالمهاياة فكذلك في الانتهاء إذا طلب ما هو الأصل وهو قسمة العين لا تستدام
المهايأة بينهما ثم العارية والإجارة تبطل بموت أحدهما وقسمة الشركة تبطل بموت أحدهما
عند محمد وعند أبي يوسف رحمه الله لا تبطل والمهايأة لا تبطل بموت أحد الشريكين لأنا
لو أبطلناها احتجنا إلى اعادتها فالشريك الحي أو وارث الميت طالب لذلك ولا فائدة في نقض
شئ يحتاج إلى اعادته في الحال ثم المهايأة قد تكون بالمكان وقد تكون بالزمان فصورة
170

المهايأة بالمكان فيما بدئ الباب به قال دار بين رجلين تهايأ فيها على أن يسكن كل واحد
منهما منزلا معلوما وأن يؤاجر كل حصة منزله فهو جائز ولا حاجة إلى بيان المدة في صحة هذا
العقد لان المهايأة قسمة المنفعة المشتركة وفى قسمة العين لا حاجة إلى بيان المدة فكذلك في
قسمة المنفعة المشتركة ولان الحاجة إلى بيان المدة في الإجارة لمعرفة مقدار ما يستحق من
المنفعة من تلك العين على وجه به تنقطع المنازعة وكل واحد منهما هنا يستوفى المنفعة باعتبار
انه ملكه والمنازعة تنقطع ببيان منزل لكل منهما ثم إن كانا شرطا في المهايأة أن يؤاجر كل
واحد منهما منزله فذلك جائز وإن لم يشترطا ففي ظاهر المذهب لكل واحد منهما أن
يفعل ذلك في نصيبه وما يستوفى من الغلة حلال له وكان أبو علي الشاشي رحمه الله يقول
ليس لكل واحد منهما الا ما شرط لان كل واحد منهما منتفع بنصيب صاحبه حقيقة
فالمنزل الذي في يده مشترك بينهما وليس ذلك بحكم المعاوضة بينهما لان معاوضة المنفعة
بجنسها لا يجوز فعرفنا أن ذلك بطريق الإباحة والإعارة والمستعير لا يؤاجر بمطلق العقد
ووجه ظاهر الرواية أن المهايأة قسمة المنفعة فما يصيب كل واحد منهما من المنفعة يجعل مستحقا
له باعتبار قديم ملكه لان المنفعة جنس واحد لا يتفاوت بمنزلة القسمة في المكيل والموزون
وهو يملك الاعتياض عن المنفعة المملوكة له لا من جهة غيره سواء شرط ذلك أو لم يشترط
وليس لأحدهما أن يحدث في منزله بناء ولا ينقضه ولا يفتح بابا في حائط ولا كوة الا
برضا صاحبه لأن العين تبقى مشتركة بينهما كما كانت قبل المهايأة وأحد الشريكين لا يستبد
بشئ من هذه التصرفات في الملك المشترك ما لم يرض به صاحبه وبالمهاياة إنما تثبت القسمة
في المنفعة ففيما ليس من المنفعة حالهما بعد المهايأة كما قبلها وكذلك لو تهايأ على أن يكون
السفل في يد أحدهما والعلو في يد الآخر لان كل واحد منهما مسكن بمنزلة المنزلين في
علو أو سفل وكذلك التهايؤ في الدارين على السكنى والغلة جائز وكان الكرخي رحمه الله
يقول المراد إذا تراضيا عليه فأما عند طلب بعض الشركاء فالقاضي لا يجبر على ذلك عند
أبي حنيفة رحمه الله بمنزلة القسمة للعين وقد بينا في كتاب القسمة ان قسمة الجبر لا تجرى
في الدور عند أبي حنيفة رحمه الله بهذه الصفة فكذلك التهايؤ والأظهر أن القاضي يجبر عليه
عند طلب بعض الشركاء لان القسمة في المهايأة تلاقى المنفعة دون العين ومنفعة السكنى
تتقارب ولا تتفاوت الا يسيرا بخلاف قسمة العين فالمعادلة في المالية هناك معتبرة والدور
171

تختلف في المالية باختلاف المكان والجيران ولهذا كان لكل واحد منهما أن يؤاجر ما في يده
ويأكل غلته لان المنفعة سالمة له بهذه القسمة باعتبار قديم ملكه (ألا ترى) أن في الدارين إذا
غلت ما في يد أحدهما أكثر مما غلت ما في يد الآخر فليس لواحد منهما أن يرجع على صاحبه
بشئ بخلاف الدار الواحدة فهناك إذا تهايأ فيها على الاستغلال فكانت غلة نصيب أحدهما في
نوبته أكثر فذلك الفضل بينهما لان في الدارين معنى القسمة والتميز بالتراجع على معنى ان كل
واحد منهما يصل إلى المنفعة والغلة في الوقت الذي يصل إليه صاحبه فما يستوفيه كل واحد
منهما عوض عن قديم ملكه يستوجبه بعقده فيسلم له وفى الدار الواحدة كل واحد منهم بمنزلة
الوكيل من صاحبه في إجارة نصيبه في نوبته إذا تهايئا على الاستغلال فإنما يكون ذلك بالزمان
وأحدهما يصل إلى الغلة قبل وصول الآخر إليها وذلك لا يكون قضية القسمة فلا بد أن يجعل
كل واحد منهما بمنزلة وكيل عن صاحبه وما يقبضه كل واحد منهما عوض عما يقبض صاحبه
من عوض نصيبه فعند التفاضل يثبت التراجع فيما بينهما ليستويا ويوضح هذا أن الفرق على
ما ذهب إليه الكرخي رحمه الله ان في المهايأة في الدارين يعتمد التراضي عند أبي حنيفة
رحمه الله ظاهر وعندهما قسمة الجبر في الدارين عند أبي حنيفة رحمه الله لا تجرى الا إذا
رأى القاضي المصلحة فيه وعند التراضي يسلم لكل واحد منهما ما رضى به صاحبه وفى الدار
الواحدة لا يعتبر التراضي في المهايأة فلا بد من اعتبار المعادلة فيما هو المقصود بالمهاياة فلهذا
يتراجعان فضل الغلة والمهايأة في النخل والشجر على كل الغلة باطل لان غلة النخل والشجر
لا يجوز استحقاقها بعقد الإجارة فلا تستحق المهايأة أيضا وهذا لأنها عين تبقى بعد حدوث
ويتأتى فيها قسمة العين وإنما جواز المهايأة فيما لا يتأتى فيها القسمة بعد الوجود حقيقة أو ما
يكون عوضا منه كغلة الدار ونحوها ولهذا لا تجوز المهايأة في الغنم على الأولاد والألبان
والأصواف لأنها عين تحتمل القسمة بعد الوجود حقيقة ولو ادعى في دار حقا فتهايئا على
أن ينزل بيتا منها من غير صلح على أن يكف عن الخصومة حتى يبدو له أن يخاصم
على أنه لا يستحق من سكنى البيت شيئا ولا يلزمه بخروجه حق فذلك جائز لان ذا اليد أعاره
البيت والآخر ترك الخصومة زمانا ومثل هذا يجوز بالتراضي فيه ولا يتعلق به اللزوم وكل
واحد منهما على حجته إذا بدا له والتهايؤ على الخدمة في العبد الواحد تجوز على الزمان هذا
شهر وهذا شهر لان اعتبار المعادلة في قسمة الخدمة بالزمان ممكن وذلك في العبدين إذا تهايئا
172

على أن يخدم هذا العبد أحدهما والعبد الآخر الآخر فذلك جائز أما عندهما فلان قسمة
الجبر في الرقيق تجرى فكذلك في خدمة الرقيق وأما عند أبي حنيفة رحمه الله في الرقيق
لا تجرى قسمة الجبر لان اعتبار المعادلة في المالية غير ممكن فإنها تختلف بمعان باطنة لا يوقف
على حدها وذلك لا يوجد في الخدمة والمهايأة في خدمة العبدين والمهايأة في خدمة العبد
الواحد سواء ولو تهايئا على الغلة في العبدين لم يجز في قول أبي حنيفة رحمه الله وجاز في قول
أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وفى العبد الواحد لا تجوز المهايأة في الغلة بالاتفاق فهما يقولان
معنى القسمة والتمييز يترجح في غلة العبدين لان كل واحد منهما يصل إلى نصيبه في الوقت
الذي يصل إلى صاحبه فيجوز ذلك كما في المهايأة في الخدمة وفى غلة الدارين فأما في العبد
الواحد فمعنى المعاوضة يغلب لأنه يصل أحدهما إلى الغلة قبل أن يصل الآخر إليه وفيه معنى
الخطر وربما يمرض العبد في نوبة أحدهما فيعجز عن الخدمة وربما يمتنع من الخدمة بدعوى
الحرية ومعنى الخطر في المعاوضة مبطل له وبه فارق غلة الدار الواحدة لان باعتبار العادة
هناك الغلة تسلم لكل واحد منهما في نوبته والغالب هو السلامة * توضيحه ان المهايأة في
الغلة من وجه كالمهايأة في الخدمة لان الغلة بدل المنفعة ومن وجه كالمهايأة في غلة النخل لان
ما يسلم لكل واحد منهما به عين فلشبهه بالمهايأه في الخدمة جوزنا ذلك في العبدين لترجح
معنى القسمة فيها ولشبهه بالمهايأة في غلة النخل أبطلنا ذلك في العبد الواحد وأبو حنيفة رحمه
الله يقول المقصود بهذه المهايأة سلامة سبب ملك الحيوان فلا يجوز كالمهايأة في غلة العبد
الواحد وكالمهايأة في أولاد الغنم وألبانها وهذا لان التهايؤ على الاستقلال لو كان يجوز في
الرقيق لكان جوازه في العبد الواحد أولى لان معنى المعادلة والتمييز فيه أظهر منه في العبدين
فإذا لم يجز ذلك في العبد الواحد فأولى أن لا يجوز في العبدين وهذا لان الآدمي في يد نفسه
وربما لا ينقاد في الاستعمال وكل واحد منهما لا يتمكن من تحصيل ما هو المقصود بنفسه في
نوبته أو فيما في يده من العبد وقيل هذه المسألة تنبني على اختلافهم في قسمة الرقيق فالمقصود
لكل واحد منهما المالية هنا فأبو حنيفة رحمه الله لا يرى قسمة الجبر في الرقيق وهما يريان
قسمة الجبر في الرقيق فكذلك في غلة الرقيق ولهذا لا تجوز المهايأة في غلة العبد الواحد
عندهم جميعا لان القسمة لا تجرى فيه بخلاف المهايأة للخدمة فالمقصود هناك المنفعة دون
المالية فجاز ذلك في العبد الواحد والعبدين وإذا كانت جارية بين رجلين فخاف كل واحد منهما
173

صاحبه عليها فقال أحدهما تكون عندك يوما وعندي يوما وقال الآخر بل نضعها على يدي
عدل فانى أجعلها عند كل واحد يوما ولا أضعها على يدي عدل الا بتراضيهما لان اليد مستحقة
لكل واحد منهما كالملك فكما لا يجوز ابطال ملك العين عليهما بطلب أحدهما فكذلك ابطال
ملك اليد وفى التعديل ابطال اليد على كل واحد منهما ولان ما يخاف كل واحد منهما موهوم
والموهوم لا يعارض المتحقق وباعتبار الملك المتحقق لكل واحد منهما يستحق العبد في نوبته
فلا يجوز ابطاله عن يد ما هو موهوم فان تنازعا فيمن يبدأ به في هذه المهايأة فالرأي في ذلك
إلى القاضي يبدأ بأيهما شاء كما في القسمة والمهايأة في الخدمة والسكنى للقاضي أن يبدأ بأيهما
شاء على وجه النظر دون الميل والأولى أن يقرع بينهما نفيا لتهمة الميل عن نفسه وقد بينا
أن فيما للقاضي أن يفعله بغير اقراع يستعمل القرعة لتطييب قلوب الشركاء ونفى تهمة الميل
عن نفسه والتهايؤ على الركوب أو الغلة في الدابتين لا يجوز في قول أبي حنيفة رحمه الله فيما
يعلمه أبو يوسف رحمه الله وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يجوز في الغلة كالركوب جميعا
أما في الغلة فهو بناء على التهايؤ في غلة العبدين وقد بينا ذلك وإنما صحت الراوية هنا عن
أبي حنيفة رحمه الله فقال فيما يعلم أبو يوسف رحمه الله لان الدابتين في القسمة ليستا كالعبدين
عند أبي حنيفة رحمه الله فقسمة الجبر في الدابتين تجوز ولا تجوز في العبدين ولكن لما كان
المقصود أن ما يملكه كل واحد منهما بسبب ملك الحيوان يشبه هذا التهايؤ في الغنم على الأولاد
والألبان فكذلك لا يجوزه أبو حنيفة رحمه الله وأما الكلام في المهايأة في ركوب الدابتين
فأبو يوسف ومحمد رحمهما الله يقولان منفعة الركوب في الدواب كمنفعة الخدمة في العبيد
والسكنى في الدار (ألا ترى) أن استحقاق ذلك بالإجارة يجوز وكذلك استيفاؤه بالإعارة
فكما لا تجوز المهايأة في خدمة العبدين فكذلك في ركوب الدابتين وأبو حنيفة رحمه الله يقول
جواز المهايأة في خدمة العبدين باعتبار معنى المعادلة والتمييز وذلك في ركوب الدابتين غير
ممكن فالناس يتفاوتون في ركوب الدابة فرب راكب يروض الدابة ويثقلها الآخر ولهذا
لو استأجر دابة أو استعارها ليركبها هو لم يكن له أن يركب غيره وبهذا الطريق يتعذر اعتبار
معنى المعادلة بين الشريكين في الانتفاع بالدابتين ركوبا بخلاف الخدمة والسكنى وذلك لا يختلف
باختلاف المستوفي (ألا ترى) أن من استأجر عبدا للخدمة كان له أن يؤاجره من غيره
وإذا ثبت بهذا الطريق أن التهايؤ على الدابتين في الركوب لا يجوز ثبت في الغلة بالطريق
174

الأولى لان استقلال الدواب بالإجارة ممن يركبها وذلك غير معلوم عند المهايأة والضرر
على كل دابة يختلف باختلاف من يركبها فلهذا لا يجوز وعلى هذا الخلاف التهايؤ في ركوب دابة
واحدة لأنهما لا يجوزان التهايؤ في غلة دابة واحدة كما لا يجوزان في غلة عبد واحد والتهايؤ
في الغنم على الألبان والأولاد لا يجوز لان ذلك يزيد وينقص ووجود أصله على خطر وكل
واحد منهما لا يتمكن من تحصيل ما هو المقصود لنفسه فيما في يده والتهايؤ في دار وعبد على
السكنى والخدمة جائز لان ما هو المقصود لكل واحد منهما يجوز استحقاقه بالمهايأه عند
اتحاد الجنس فعند اختلاف الجنس أولى وعلى الغلة باطل في قول أبي حنيفة رحمه الله وهو
جائز في قولهما لان عند أبي حنيفة رحمه الله غلة العبد لا تستحق بالتهايؤ واعتبار هذا الجانب
يبطل العقد واعتبار جانب غلة الدار يصححه ويتمكن المفسد من أحد الجانبين بفساد العقد
كما لو باع دارا بألف درهم ورطل من خمر ولو تهايئا في أرض على أن يزرع كل واحد منهما
طائفة منها معلومة ويؤاجرها جاز بمنزلة السكنى في الدار ولهما أن يبطلا المهايأة ويقتسما إذا
بدا لهما أو لأحدهما لما بينا أن قسمة العين هو الأصل في الباب وتمام التمييز به يحصل
وورثتهما في ذلك بمنزلتهما لقيام الوارث مقام المورث فيما هو من حقه وكذلك المهايأة في دار
وأرض على أن يسكن هذا الدار ويزرع هذا الأرض وكذلك المهايأة في دار وحمام لان كل
واحدة من المنفعتين يجوز استحقاقها بالمهايأة ولو كانت المهايأة في منزل واحد على أن يسكن
أحدهما سفله والآخر علوه فانهدم العلو كان لصاحبه أن يسكن مع صاحب السفل لأنه إنما
رضى بسقوط حقه عن سكنى السفل بشرط سلامة سكنى العلو له ولم يسلم له حين انهدم فكان
هو على حقه في سكنى السفل باعتبار ملك نصيبه وورثته في ذلك بمنزلته وان كانا تهايئا على
الخدمة في عبد أو أمة أو في عبد وأمة على أن تخدم الأمة أحدهما والعبد الآخر واشترطا
على كل واحد منهما طعام خادمه ففي القياس هذا لا يجوز لان مقدار ما يتناول من الطعام
في نوبة كل واحد منهما غير معلوم والآدمي قد ينشط للأكل في وقت ولا ينشط في وقت
آخر والطعام عليهما سواء لاستواء ملكيهما فيه فلا تمكن في هذا الشرط معاوضة بينهما فيما
هو مجهول وفي العبد والأمة هذا القياس أوضح ولكن استحسن جواز ذلك لقلة التفاوت
واعتبار ما عليه عادة الناس من المساهلة في أمر الطعام وان اشترطا الكسوة بهذه الصفة لم
يجز لكثرة التفاوت في الكسوة ولأنه لا يجرى في الكسوة من المساهلة ما يجرى في
175

الطعام ثم كل واحد منهما بما يتناول يتقوى على الخدمة فالظاهر أن كل واحد منهما لا يمنعه
من التناول بقدر الكفاية لماله فهي من المنفعة والجهالة إذا كانت لا تفضى إلى المنازعة لا تفسد
العقد ولا يوجد ذلك في الكسوة إذ ليس للكسوة تأثير في احداث القوة على زيادة الخدمة
فان أقتا من الكسوة شيئا معروفا لم يجز ذلك لان التفاوت يقل وينعدم بعدم بيان الوصف
والمنازعة تنقطع به ولان معنى المعاوضة هنا فيما لا يتم معنى اللزوم فيه فإنه بناء على المهايأة وقد
بينا أن حكم اللزوم لا يتم بالمهايأة وفى مثله البيان الموصوف يثبت بالقسمة كما في الصداق
ونحوه ولو كانت غنم بين رجلين فتهايئا على أن يرعاها كل واحد منهما شهرا أو على أن
يستأجر لها أجيرا جاز لان الرعي في الدواب بمنزلة الطعام في بني آدم أو أظهر منه فالتفاوت
ينعدم هنا والحر والعبد في ذلك سواء وولي الصغير بمنزلة الصغير في ذلك لأنه من جملة
حوائجه يرجع إلى اصلاح ملكه وهو من صنع التجار ولو تهايئا على الخدمة في الأمتين ثم
وطئ أحدهما الأمة التي عنده فعلقت فسدت المهايأة لأنه تملك نصيب شريكه حين استولدها
بضمان نصف القيمة وكما لا يصح ابتداء المهايأة الا بعمل مشترك فكذلك ما لا يبقى ولا
شركة بينهما فيها بعدما استولدها أحدهما وكذلك لو ماتت أو أبقت انتقضت المهايأة لأنه إنما
رضى بسلامة خدمة الأخرى لشريكه بشرط أن يسلم له خدمة التي هي في يده وقد فات
ذلك بموتها أو باباقها ولو استخدمها الشهر كله الا ثلاثة أيام في أول الشهر ثم مرضت أو
أبقت نقصت الآخر من شهره ثلاثة أيام باعتبار المعادلة فيما يستوفيه كل واحد منهما من
منفعة الملك المشترك ثم يستقبلان المهايأة ولو لم ينقص الثلاثة أيام حتى تم الشهر في خدمته لم
يكن له عليه في ذلك شئ لأنه إنما فضل صاحبه في استيفاء بعض الخدمة والخدمة لا تتقوم
الا بالعقد بالتسمية وكذلك لو أبقت إحداهما الشهر كله واستخدم الاخر الأخرى الشهر
كله لم يكن عليه في تلك الخدمة ضمان ولا أجر لان المنفعة لا تتقوم بالاتلاف (ألا ترى) أنه
لو استخدم الأمة المشتركة أحدهما من غير رضا الشريك لا على وجه المهايأة لم يلزمه في
ذلك ضمان لصاحبه بمنزل الغاصب ولو عطبت إحداهما في الخدمة لم يضمنها صاحبها لان كل
واحد منهما أمين في نصيب صاحبه مما في يده وإنما يستخدمها باذن صاحبه فيكون هو في
ذلك كالمستعير أو المستأجر ولو زوجها من هي في يده لم يجز ذلك لان التزويج تصرف يعتمد
الولاية وثبوت الولاية بملك الرقبة وملك الرقبة لكل واحد منهما غير تام فما في يده بعد
176

المهايأة كما قبلها فان وطئها الزوج فالمهر بينهما لان المهر بدل المستوفى بالوطئ وذلك في حكم
جزء من العين كالأرش فأما الذي زوج فله الأقل من نصف المسمى ومن نصف مهر مثلها
لأنه رضى بسقوط حقه في ما زاد على المسمى ورضاه معتبر في حقه وأما الذي لم يزوج فله
نصف مهر مثلها لأنه لم يرض بسقوط حقه عن شئ منه بالقسمة وعلى هذا السكنى في المنزل
فإنه لو انهدم من سكنى أحدهما أو احترق من نار أوقدها فيه لم يضمن لأنه بمنزلة المستعير
أو المستأجر ولو توضأ فيها فزلق رجل بوضوئه أو وضع شيئا فيها أو جلس فيها أو ربط
فيها دابة فعبر به انسان من أهل الدار أو غيرهم لم يضمن لان هذا كله من توابع السكنى
(ألا ترى) أن للمستعير والمستأجر أن يفعل ذلك ففعل كل واحد منهما بتسليط شريكه
كفعلهما جميعا ولو بنى فيها بناء أو احتفر فيها بئرا فهو ضامن ويرجع عليه بقدر حصته لان
هذا التصرف ليس من توابع السكنى فلا يستحقه بالمهايأة فكان هو متعديا في نصيب شريكه
والسبب متى كان بطريق التعدي فهو كالمباشرة في ايجاب الضمان وإنما يتحقق ذلك في نصيب
شريكه دون تضييع فلهذا يرجع بقدر حصته وإذا تهايأ الرجلان في خادمين على أن يخدم
أحدهما هذا سنة لفضل خدمتها والأخرى هذا الآخر سنتين فهو جائز لوجود التراضي
منهما وحصول المقصود وهو المعادلة في الخدمة فان ولدت إحداهما ولدا ومدة المهايأة طويلة
فشب الولد فيها كانت خدمته بينهما لان استحقاق الخدمة بالمهايأة لا يسرى إلى الولد بمنزلة
استحقاق ذلك بالوصية أو الإجارة فالولد تولد من العين فيكون مشتركا بينهما كالأصل ولم
تتناوله المهايأة مقصودا ولا تبعا فكانت خدمته بينهما كخدمة الأصيل قيل وإذا مات أحد
الشريكين وعليه دين لم يكن لورثته أن ينفذوا المهايأة ولكن نصيبه يباع في دينه لان حق
الغرماء يتعلق بمالية نصيبه بموته وهو مقدم على حق ورثته فكما لا يجوز للورثة مباشرة
ابتداء المهايأة مع قيام الدين على الميت فكذلك لا يكون لهم استدامة المهايأة ولو باع أحدهما
نصيبه من احدى الخادمين أو أعتقه نفذ تصرفه وبطلت المهايأة لان شركته لم تبق بعد
ما نفذ بيعه فيه وعتقه وإذا كاتب أحدهما نصيبه فلشريكه أن يبطل المكاتبة لدفع الضرر عن
نفسه فإن لم يعلم بها حتى أدت بطلت المهايأة ولو باع أحدهما نصيبه بيعا فاسدا ولم يسلم لم
تبطل المهايأة وهو الشركة في الأصل وان سلم بطلت المهايأة لزوال ملكه عن نصيبه وفى
البيع الجائز بنفس العقد يزول ملكه فتبطل المهايأة سلم أو لم يسلم وكذلك لو كان المشترى
177

بالخيار لان ملك البائع يزول مع خيار المشترى وإن كان البائع بالخيار لم تبطل المهايأة إلا أن
يمضى البيع لان خيار البائع يمنع زوال ملكه عن البيع في المدة ما لم يسقط الخيار والله تعالى
أعلم بالصواب
(باب صلح الأب والوصي والوارث)
(قال رحمه الله) وإذا كان للصغير دار أو عبد فادعى رجل فيه دعوى فصالحه أبوه
على شئ من مال الصبي ينظر في ذلك فإن كان للمدعي بينة وكان ما أعطى الأب من مال
الصبي مثل حق المدعى أو أكثر مما يتغابن الناس فيه جاز لان سبب الاستحقاق للمدعى
ظاهر شرعا فالأب بهذا الصلح يصير كالمشترى لتلك العين لولده بماله والأب غير متهم في
حق ولده فعند ظهور الحق للمدعى بالبينة إنما يقصد الأب النظر للصبي وربما يكون له في العين
منفعة لا يحصل ذلك بقيمته وإن لم يكن له بينة لم يجز الصلح من الصبي لان المدعى ما استحق
شيئا على الصبي بمجرد دعواه سوى الاستحلاف ولا يستحلف الأب ولا الصبي في حال
الصغر وإنما يستحلف إذا بلغ فالأب يفدى هذه اليمين بمال الصغير والا فاليمين ليست بمتقومة
وليس للأب ولاية دفع مال الصبي بإزاء ما ليس بمتقوم فان صالح من مال نفسه فهو جائز
بمنزلة أجنبي آخر صالح على مال نفسه وضمن ولو ادعى الأب حقا للصبي في مثل ذلك ثم
صالحه منه على شئ وقبضه وهو مثله أو أقل مما يتغابن الناس فيه جاز كما لو باعه ممن هو في
يده وإن كان أقل منه بشئ كثير لم يجز ان كانت له بينة لان سبب استحقاق الصبي ظاهر
شرعا بالحجة فهو بهذا الصلح كأنه يبيع ماله بغبن فاحش وإن لم تكن له بينة على حقه فالصلح
جائز لان الصبي ما استحق قبل ذي اليد شيئا سوى اليمين ولا منفعة للصبي فالأب جعل
مالا بمقابلة ما ليس بمال وهو غير متهم في هذا بل هو ناظر للصبي بتصيير ما ليس بمال في حقه
مالا ووصى الأب في هذا بعد موت الأب كالأب وكذلك الجد ووصى الجد ولا يجوز صلح
غير هؤلاء كالأم والأخ على الصبي ولا عنه لأنه لا ولاية له عليه فهو في الصلح في حقه
كالأجنبي والمعتوه بمنزلة الصبي لأنه مولى عليه. ولو كان للصبي دين على رجل فصالحه أبوه
على بعض وحط عنه بعضا فإن كان الأب هو الذي ولي مبايعته جاز الحط في قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله وهو ضامن لما حطه ولا يجوز في قول أبى يوسف رحمه الله وهو نظير
178

اختلافهم في الوكيل بالبيع وإن لم يكن ولى مبايعته لم يجر حطه وكذلك الوصي لان ثبوت
الولاية لهما مقيد بشرط النظر للصبي وليس من النظر اسقاط شئ من حقه بالحط فهما في
ذلك كأجنبي آخر ولو ادعى الوصي شقصا في دار فجحده رب الدار فصالحه في دراهم قبضها
جاز ذلك إن لم يكن لهم بينة على الأصل وكانوا صغارا وكبارا لان الوصي قائم مقام الموصى
وفى هذا الصلح نظر للموصى عليه فهو بالدعوى ما استوجب على الخصم لا اليمين ولان منفعته في
مال يقضي به دينه ويستغنى به ورثته وان كانت لهم بينة عليه وكان ما قبض مثل قيمة ذلك
أو أقل مما يتغابن الناس فيه جاز عليهم جميعا في قول أبي حنيفة رحمه الله ولا يجوز في قولهما
على الكبار في حصتهم الا برضاهم وهو نظير اختلافهم في بيع الوصي شيئا من التركة وفى
الورثة صغار وكبار وقد بينا ذلك في الشفعة ويستوى عندهما ان كانت لهم بينة أو لم تكن
لأنه لا ولاية للوصي على الكبار من الورثة فهو في حقهم كأجنبي آخر وصلح وصي الأم
والأخ على الصبي مثل صلح وصى الأب في غير العقار لان فيما سوى العقار للوصي ولاية
البيع في تركة الموصى فكذلك له ولاية الصلح فأما في العقار فليس له ولاية البيع فيما صار
للصغير من هذه التركة كما لم يكن للموصى ذلك في ملك الصبي ولا يحوز صلحه فيه أيضا
وكذلك لو كانت الورثة كبارا وصغارا فصلح الوصي فيما سوى العقار جائز عليهم بشرط
النظر كما لا يجوز بيعه فيه للحفظ عليه وإذا كان على الميت دين أو أوصى بوصية فصالح الوصي
من دعوى له في دار فهو على ما ذكرنا في الورثة إذا كانوا صغارا لان باعتبار الدين والوصية
يثبت للوصي في الولاية للميت حتى يجوز بيعه في جميع التركة عند أبي حنيفة رحمه الله
فكذلك الصلح وإذا ادعى الوارث الكبير على الوصي ميراثا من صامت أو رقيق أو أمتعة
فجحده ثم صالح من جميع ذلك على عبد أو ثوب معلوم جاز لوجود التراضي منهما على ما
اصطلحا عليه وكذلك لو قال افتدى منك يميني بذلك لان الصلح على الانكار فداء لليمين
بالمال ولا فرق بين لفظ الفداء وبين لفظ الصلح فيه وإن كان وارثين ادعيا ذلك قبله فصالح
أحدهما على عرض من غير اقرار لم يكن للآخر أن يرجع على الوصي بشئ لأنه بالصلح على
الانكار لم يصر مقرا له بشئ وإنما فدى يمينه وللآخر أن يستحلفه ان شاء لان حق
الاستحلاف كان ثابتا لهما فأسقط ذلك أحدهما بالمال فصح ذلك في حقه وفى حق الآخر
لا يصح الا برضاه فان أبى فهو على حقه في الاستحلاف وان أراد أن يشارك أخاه فيما
179

قبض فله ذلك باعتبار انه صار راضيا بالصلح فكأنهما صالحاه وهذا إذا كان ما ادعياه مستهلكا
لان الصلح مبنى على زعمهما في حقهما وفى زعمهما أن قيمة ذلك دين على الوصي مشترك بينهما
وأحد الشريكين في الدين إذا صالح على شئ كان للآخر أن يشاركه في المقبوض إلا أن يعطيه
نصف ما ادعى من ذلك فإن كانت الورثة صغارا وكبارا وصالح الوصي الكبار من دعواهم
ودعوى الصغار على دراهم وقبضها الكبار وأنفقوا على الصغار حصتهم من ذلك فان ذلك
لا يجرى على الصغار لأنه لا ولاية للكبار على الصغار وللصغار أن يرجعوا بحصتهم على الوصي إذا
أدركوا ويرجع الوصي على الكبار بحصة الصغار مما أخذوا لأنهم يزعمون أنهم أخذوا المال
عوضا عن الكل وقد استحق الصغار نصيبهم على الوصي فكان لهم أن يرجعوا بحصة ذلك من
المأخوذ من الكبار وإذ أقر الوصي أن لاحد الورثة عنده من ميراثه كذا وكذا درهما فأراد
بقية الورثة أن يرجعوا على الوصي بحصتهم كما أقر لهذا لم يكن لهم ذلك ولكن ما أقر به لهذا فهو
بينهم على المواريث لان الوصي أمين فيما في يده من التركة والقول قول الأمين في براءة
نفسه ولكن لا يقبل قوله فيما يدعي من وصول المال إلى غيره كالمودع إذا ادعى الرد على
الوصي فهنا أيضا قول الوصي فيما يرجع إلى براءته مقبول سواء ذكر أنه سلم نصيب الكبار
إليهم أو ان ذلك لم يصل إلى يده ولكن لا يقبل قوله في اسقاط حق الكبار عما أقر به للصغير
لان ذلك جزء من التركة وهو مشترك بينهم باعتبار الأصل فلا يقبل قول الوصي في تخصيص
أحدهم به ولكن يجعل ما سوى هذا من التركة كالناوي فتبقى الشركة بينهم في هذا وإذا
أقر الوصي أن عنده للميت ألف درهم وللميت ابنان ثم صالح أحدهما من حصته على أربعمائة
درهم من مال الوصي لم يجز لأنه أعطاه أقل من حصته وقد بينا في الدين ان مثل هذا
الصلح يجوز بطريق الاسقاط وهنا لا يمكن تصحيحه بطريق الاسقاط لأنه عين في يد الوصي
أمانة فلا بد من حمله على معنى المعاوضة ومبادلة الخمسمائة بأربعمائة لا يجوز وكذلك لو كان
مع الألف متاع فالعلة المفسدة هنا أظهر ولو أن الوصي استهلك ذلك جاز الصلح في أربعمائة
لان ما استهلك صار دينا في ذمته فهذا حط عنه بعض حقه واستوفى البعض فيصح الصلح
بطريق الاسقاط وإذا مات الرجل وترك ابنا وامرأة وترك رقيقا وعقارا وأمتعة فقبضها
الابن واستهلكها أو لم يستهلكها ثم صالحته المرأة بعد اقرار أو انكار على دراهم مؤجلة أو
حالة جاز ذلك وصلحها معه مثل صلح الأجنبي مع الأجنبي في الدعاوى لأنها تدعى ميراثا
180

قبله فإن كان مقرا بذلك فالصلح على الاقرار جائز وما يعطيها عوض نصيبها إن كان قائما في
يد الابن وإن كان مستهلكا فهي قد استوفت بعض حقها وأبرأته عما بقي وإن كان منكرا
لحقها فالصلح مع الانكار صحيح بطريق الفداء لليمين وقد بينا وجوه صلح بعض الورثة مع
البعض واستوفينا جميع ذلك وقال فإن كان في الميراث عين ودين فصالح الابن المرأة من
ذلك كله ما خلا المال العين والدين فهو جائز لان ما جعل مستثنى لم يتناوله عقد الصلح فكان
ذلك غير موجود في التركة أصلا فكما يجوز الصلح من جميع المدعى يجوز من بعضه فيصح
وهي إنما صالحته عن نصيبها من العروض والعقار خاصة وذلك جائز وان كتب في كتاب
البراءة انى دفعت إليك جميع حصتك من المال العين فهو جائز إذا أقرت بالقبض وان كتب
انى عجلت لك ميراثك من كل مال دينا على الناس من غير أن شرطتيه علي فهو جائز لان
اقرارها على نفسها حجة شرعا وما أقرت به كالمعاين في حقها فيبرأ الغريم من حصتها من
الدين لان تبرع أحد الورثة بقضاء ذلك الوارث الآخر كتبرع أجنبي آخر ومطلق هذا التبرع
يوجب براءة الغريم عنه وإذا مات الرجل فأوصى بثلثه لرجل وترك ورثة وفيهم الصغير والكبير
فطلب الموصي له موصيه فصالحه بعض الورثة على دراهم مسماة على أن يسلم له ذلك خاصة
دون بقية الورثة فإن كان الميراث ليس فيه مال غائب ولا عين حاضرة يكون ثلثه مثل ذلك
فانى أجيز الصلح إذا كان المال المعين في يد المصالح أو كان الميراث رقيقا أو عقارا لان الموصى
له شريك الوارث في التركة فصلح الوارث معه كصلح أحد الوارثين مع الآخر وفى نظير
هذا صلح أحد الوارثين مع الآخر على أن يكون نصيبه له صحيحا فكذلك صلح الوارث مع
الموصى له فإن كان في الميراث دين لم يجز ذلك لان ثلث ذلك الدين صار للموصى له بالثلث
فهو يملك ذلك من الوارث يأخذ منه عوضه وتمليك الدين من غير من عليه الدين بعوض
لا يجوز وإن كان عين ثلثه مثل ما أعطى أو أكثر لم يجز الصلح مراده بالعين النقد من
الذهب والفضة وإذا وقع الصلح على جنس ذلك ومقدار حقه من ذلك الجنس مثل ما استوفى
أو أكثر فهذا الصلح يكون ربا وقد بينا فساد ذلك فيما بين الورثة فكذلك فيما بين الوارث
والموصى له وإذا كان المال المعين في يد الوصي وكان ما أعطى الوارث الموصى له أكثر من
ثلثه جاز ذلك إذا قبض الوارث ذلك من الوصي قبل أن يتفرقا وان تفرقوا قبل أن يقبض
الوارث المال المعين من يد الوصي ينقص من الصلح حصة المال المعين لأن العقد في تلك
181

الحصة قد صرف ويد الوصي يد أمانة فلا يصير الوارث قابضا بحكم الصرف بيد الوصي وإذا
افترقا قبل أن يقبض ذلك منه فقد افترقا من المجلس قبل قبض بدل الصرف فيبطل الصلح
في حصة ذلك ويجوز فيما سواه وكذلك أن صالحه على دنانير لان في حكم الصرف ووجوب
القبض في المجلس لا فرق بين أن يكون العقد متناولا لحبس واحد من النقود أو جنسين
وان صالحه على مكيل أو موزون بعينه جاز لأنه مشتر لما وقع عليه الصلح بنصيبه من التركة
والمشترى معلوم معين وإن كان بغير عينه لم يجز لأنها صفقة واحدة وفى حصة العين من
التركة يبطل هذا الصلح لأنه بيع ما ليس عند الانسان فالمكيل والموزون بالدراهم يكون
مبيعا وإذا فسد في البعض فسد في الكل وإذا صالحه على ثياب موصوفة أو مؤجلة ثم تفرقا
قبل أن يقبض الوارث حصة الموصى له من المال المعين بطل من الثياب حصة المال المعين
لان صفة العقد في معنى السلم فيشترط قبض رأس المال في المجلس والا يكون دينا بدين
وان تفرقا قبل القبض بطل العقد في ملك الحصة ولكن هذا فساد طارئ فطريان المفسد
في البعض لا يفسد العقد في الباقي بخلاف المقارن وقد بينا نظيره في كتاب الصرف ولو كان
هذا الصلح في مال الوارث على أن يسلم الموصى له جميع موصيه من الورثة على سهامهم كان
القول فيه مثل ذلك في جميع ما بينا لأنه في الصلح في نصيب سائر الورثة هو متبرع عنهم
بأداء المال وذلك يصح منهم كما يصح من الفضولي فكأنهم صالحوه جميعا على ذلك وصلح
الوارث الموصى له وصلح الوارث سواء في جميع ما ذكرنا لأنهم في التركة شركاء وكذلك
لو كان الميراث في يد الموصي له فصالح الوارث على أن أعطاه دراهم على أن يسلم الوارث
ميراثه لان الوارث يملك نصيبه من الموصى له بما يقبض منه من العوض فكما يجوز فيه صلح
الوارث مع الموصى له إذا كانت التركة في يده يجوز فيه صلح الموصى له مع الوارث أيضا ولو
كان الميراث مالا معينا ومتاعا وحليا وفيه جوهر لا يخلص الا بضرر والوارث رجلان
كبيران وصغير له وصى ورجل موصى له فاصطلحوا على أن قوموا ذلك قيمة عدل وسموا
لاحد الكبيرين حليا بعينه ومتاعا ومالا وكذلك للآخر وللصغير والموصي له وأنفدوا ذلك فيما بينهم
وجعلوه لمصالحهم بتلك القيمة ولم يتقابضوا لم يجز لأن العقد فيما يخص الحلي صرف وترك
القبض في المجلس يفسد فيه وذلك مفسد للعقد في حصة الجوهر أيضا لأنه لا يمكن تخليصه
الا بضرر ومثل هذا كما لا يجوز البيع فيه ابتداء فكذلك لا يبقى العقد فيه بعدما فسد في
182

حصة الحلي وقد بينا نظيره في الصرف في السيف المحلى ولو كان وارث منهم اشترى رقيقا
ومتاعا بألف درهم ثم إن الوارث الآخر اشترى منهم حليا فيه جوهر بألف درهم على أن
يحسب له من نصيبه لم يجز ذلك من قبل أن العقد فيه صرف ولم يوجد التقابض في المجلس
ولان حصته مما على أخيه داخلة في ذلك وهو دين ولو كان بعض التركة دينا على أجنبي لم
يجز مثل هذا الصلح بين الورثة فيه فكذلك إذا كان دينا على بعض الورثة قال غيره انه
يجوز من ذلك الجوهر بحصته إذا كان مميزا وإن كان غير مميز لم يجز شئ منه أما إذا كان غير مميز
فالجواب ظاهر لان فساد العقد من حصة الحلي فالافتراق مفسد في حصة الجوهر أيضا
وإن كان مميزا فإن كان صلحه مع جميع الورثة والموصي له فإنه يجوز من حصة الجوهر لان
فساد العقد هنا بترك القبض في المجلس في حصة الحلي وذلك فساد طارئ لا باعتبار ان نصيبه
دين فإنه ما صالح عن نصيبه على هذا الحلي وإنما اشترى هذا الحلي منهم بألف درهم على أن
يحسب لهم من نصيبه فكان فساد العقد باعتبار ان الحلي غير مقبوض في المجلس وان
الوارث الصغير والموصى له يقبضان حصتهما مما هو دين على الأخ الآخر في المجلس وكل
ذلك يفسد العقد لترك القبض في المجلس من غير أن يتبين فيه فساد العقد من الأصل فلهذا
يبقى الصلح في حصة الجوهر إذا كان مميزا والله تعالى أعلم بالصواب
(تم الجزء العشرون من مبسوط الامام السرخسي رحمه الله)
(ويليه الجزء الحادي والعشرون وأوله باب الصلح في الوصايا)
183