الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ١٤
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء الرابع عشر من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب الصرف)
قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي
سهل السرخسي إملاء الصرف اسم لنوع بيع وهو مبادلة الأثمان بعضها ببعض والأموال
أنواع ثلاثة * نوع منها في العقد ثمن على كل حال وهو الدراهم والدنانير صحبها حرف الباء أولم
يصحبها سواء كان ما يقابلها من جنسها أو من غير جنسها * ونوع منها ما هو مبيع على كل حال
وهو ما ليس من ذوات الأمثال من العروض كالثياب والدواب والمماليك * ونوع هو ثمن
من وجه مبيع من وجه كالمكيل والموزون فإنها إذا كانت معينة في العقد تكون مبيعه
وإن لم تكن معينة فان صحبها حرف الباء وقابلها مبيع فهو ثمن وإن لم يصحبها حرف الباء
وقابلها ثمن فهي مبيعة وهذا لان الثمن ما يثبت دينا في الذمة قال الله تعالى وشروه بثمن بخس
دراهم معدودة قال الفراء في معناه الثمن عند العرف ما يثبت دينا في الذمة والنقود لا تستحق
بالعقد الا دينا في الذمة ولهذا قلنا إنها لا تتعين بالتعين وكان ثمنها على كل حال والعروض
لا تستحق بالعقد الا عينا فكانت مبيعة والسلم في بعضها رخصة شرعية لا تخرج به من أن
تكون مبيعة والمكيل والموزون يستحق عينا بالعقد تارة ودينا أخرى فيكون ثمنا في حال
مبيعا في حال والثمن في العرف ما هو المعقود به وهو ما يصحبه حرف الباء فإذا صحبه حرف
الباء وكان دينا في الذمة وقابله مبيع عرفنا أنه ثمن وإذا كان عينا قابله ثمن كان مبيعا لأنه
يجوز أن يكون مبيعا يحال بخلاف ما هو ثمن بكل حال ومن حكم الثمن أن وجوده في ملك
العاقد عند العقد ليس بشرط لصحة العقد وإنما يشترط ذلك في المبيع وكذلك فوات التسليم
فيما هو ثمن لا يبطل العقد بخلاف المبيع والاستبدال بالثمن قبل القبض جائز بخلاف المبيع
والأصل فيه حديث ابن عمر رضي الله عنه حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني
أبيع الإبل بالبقيع فربما أبيعه بالدنانير وآخذ مكانها الدراهم أو على عكس ذلك فقال صلى الله
2

عليه وسلم لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما عمل وإذا ثبت جواز الاستبدال بالثمن قبل القبض
ثبت أن فوات التسليم فيه لا يبطل العقد لان في الاستبدال تفويت التسليم فيما استحق
بالعقد وبهذا ثبت أن ملكه عند العقد ليس بشرط لان اشتراط الملك عند العقد إما لتمليك
العين والثمن دين في الذمة أو للقدرة على التسليم ولا أثر للعجز عن تسليم الثمن في العقد
والحكم الذي يختص به الصرف من بين سائر البيوع وجوب قبض البدلين في المجلس وانه
لا يكون فيه شرط خيار أو أجل وذلك ثابت بالحديث الذي رويناه فإنه قال النبي صلى الله
عليه وسلم لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما عمل أي مطالبة بالتسليم لوجود القبض قبل
الافتراق ولان هذا العقد اختص باسم فيختص بحكم يقتضيه ذلك الاسم وليس ذلك صرف
ما في ملك كل واحد منهما لي ملك صاحبه لان البدل من الجانبين يجب ابتداء بهذا العقد
لا أن يكون مملوكا لكل واحد منهما قبله ولان ذلك ثابت في سائر البيوع عرفنا أنه يسمى
صرفا لما فيه من صرف ما في يد كل واحد منهما إلى يد صاحبه ولم يسم به لوجوب التسليم
مطلقا لان ذلك يثبت في سائر البيوع عرفنا انه إنما سمى به لاستحقاق قبض البدلين في
المجلس ولان هذا العقد مبادلة الثمن بالثمن والثمن يثبت بالعقد دينا في الذمة والدين
بالدين حرام في الشرع لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ فما يحصل به التعيين
وهو القبض لا بد منه في هذا العقد وكان ينبغي أن يشترط مقرونا بالعقد لان حالة المجلس
تقام مقام حالة العقد شرعا للتيسير وإذا وجد التعيين بالقبض في المجلس يجعل ذلك كالموجود
عند العقد وليس أحد البدلين في ذلك بأولى من الآخر فشرطنا القبض فيهما لهذا المعنى
ولسنا نعنى بالمجلس موضع جلوسهما بل المعتبر وجود القبض قبل أن يتفرقا حتى لو قاما أو مشيا
فرسخ ثم تقابضا قبل أن يتفرقا أي يفارق أحدهما صاحبه حال العقد وكذلك لو ناما في المجلس
أو أغمي عليهما ثم تقابضا قبل الافتراق روى ذلك بشر عن أبي يوسف ولهذا لا يجوز شرط
الخيار في هذا العقد لان الخيار بعدم الملك فيكون أكثر تأثيرا من عدم القبض قبل الافتراق
وبشرط الخيار يمتنع استحقاق ما به يحصل التعيين وهو القبض ما بقي الخيار وكذلك شرط
الاجل ينعدم استحقاق القبض الذي يثبت به التعيين فلهذا كان مبطلا لهذا العقد وقد دل
ما قلنا على الاخبار التي بدئ الكتاب بها فمنها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الفضة بالعضة وزن بوزن يد بيد والفضل ربا إلى
3

آخره وقد بدأ بهذا الحديث كتاب البيوع وبينا تمام شرحه في كتاب البيوع ومن ذلك
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه باناء خسرواني
قد أحكمت صنعته فبعثني به لأبيعه فأعطيت به وزنه وزيادة فذكرت ذلك لعمر رضي الله
عنه فقال اما الزيادة فلا وهذا الاناء كان من ذهب أو فضة وفيه دليل على أنه لا قيمة للصنعة
في الذهب والفضة عند المقابلة بجنسها لأنه لم يجوز الاعتياض عنها وما كان مالا متقوما شرعا
فالاعتياض عنه جائز فعرفنا انه إنما لم يجوز لأنه لا قيمة للصنعة في هذا الحالة شرعا كما
لا قيمة للصنعة في المعارف والملاهي شرعا وفيه دليل أن الذهب والفضة بالصنعة لا تخرج
من أن تكون وزنية وان اعتاد الناس بيعها بغير وزن بخلاف سائر الموزونات لان صنعة
الوزن فيها ثابتة بالنص فلا تتغير بالعرف بخلاف سائر الأشياء والى ذلك أشار ابن سيرين
حين سئل عن بيع اناء من حديد بإنائين فقال قد كانوا يبيعون الدرع بالأدرع يعنى ان مالا
يعتاد الناس وزنه من هذا الجنس لا يكون موزونا ثم ذلك الاناء كان لبيت المال وإنما قصد
عمر رضي الله عنه ببيعه ان يصرف الثمن إلى حاجة المسلمين ثم وكل به أنس بن مالك رضي الله عنه
وفيه دليل على جواز التوكيل بالصرف وعن أبي جبلة قال سألت عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما فقلت انا نقدم أرض الشام ومعنى الورق الثقال النافقة وعندهم الورق الخفاف
الكاسدة أفنبتاع ورقهم العشرة بتسعة ونصف فقال لا نفعل ولكن بع ورقك بذهب واشتر
ورقهم بالذهب ولا تفارقه حتى تستوفى وان وثب من سطح فثب معه وفيه دليل رجوع ابن
عمر رضي الله عنهما عن قوله في جواز التفاضل كما هو مذهب ابن عباس رضي الله عنهما
وأنه لا قيمة للجودة في النقود وان المفتى إذا تبين جواب ما سئل عنه فلا بأس ان يبين للسائل
الطريق الذي يحصل به مقصوده مع التحرز عن الحرام ولا يكون هذا مما هو مذموم من
تعليم الحيل بل هو اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال لعامل خيبر هلا بعت تمرك
بسلعة ثم اشتريت بسلعتك هذا التمر وفيه دليل أن القليل من الفضل والكثير في كونه ربا
سواء لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم والفضل ربا وان التقابض قبل الافتراق في الصرف
مستحق وان القيام عن المجلس من غير افتراق لا يمنع بقاء العقد فإنه قال وان وثب من
سطح فثب معه للتحرز عن مفارقة أحدهما صاحبه قبل القبض وعليه دل حديث كليب بن وائل
قال سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن الصرف فقال من هذه إلى هذه يعنى من يدك إلى
4

يده وإن استنظرك إلى خلف هذه السارية فلا تفعل وإنما كنى بهذا اللفظ عن مفارقة
أحدهما صاحبه قبل القبض لان بالمفارقة يغيب عن بصره وبالاستتار بالسارية يغيب عن
بصره أيضا فذكر ذلك على وجه الكتابة عن المفارقة لا أن يكون حقيقة السارية بينهما
موجبا للافتراق فان ابتداء العقد بينهما صحيح في هذه الحالة وكون السارية بينهما لا يعد
افتراق عرفا وعن محمد بن سيرين انه كان يكره أن يباع السيف المحلى بالفضة بالنقرة مخافة أن
تكون الفضة التي أعطى أقل مما فيه ويكره أن يبيعه بالنسيئة ولا يرى بأسا بأن يبيعه
بالذهب وبه نأخذ فنقول بيعه بالذهب جائز بالنقد لقوله صلى الله عليه وسلم إذ اختلفت
النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد ولا يجوز بيعه بالنسيئة سواء باعه بالذهب
أو بالفضة لأن العقد في حصة الحلية صرف فاشتراط الاجل فيه مفسد ولا ينزع الحلية
من السيف إلا بضرر ففساد العقد فيها يفسد في الكل دفعا للضرر أما بيعها بالفضة فعلى
أربعة أوجه إن كان يعلم أن فضة الحلية أكثر فهو فاسد وكذلك ان كانت الحلية مثل النقد
في الوزن لان الجفن والحمائل فضل خال عن العوض فان مقابلة الفضة بالفضة في البيع
تكون بالاجزاء وإن كان يعلم أن الفضة في الحلية أقل جاز العقد على أن يجعل المثل بالمثل
والباقي بإزاء الجفن والحمائل عندنا خلافا للشافعي وان كأن لا يدرى أيهما أقل فالبيع فاسد
عندنا لعدم العلم بالمساواة عند العقد وتوهم الفضل وعند زفر هذا يجوز فان الأصل الجواز
والمفسد هو الفضل الخالي عن العوض فما لم يعلم به يكون العقد مملوكا بجوازه وقد بينا هذا
في البيوع وعن أبي بصرة قال سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن الصرف قال لا بأس به يدا
بيد وسألت ابن عباس رضي الله عنهما فقال مثل ذلك فقعدت في حلقة فيها أبو سعيد الخدري
رضي الله عنه فأمرني رجل فقال سله عن الصرف فقلت ان هذا يأمرني أن أسئلك عن
الصرف فقال لي الفضل ربا فقال سله أمن قبل رأيه يقول أو شئ سمعه من رسول الله صلى
الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال أبو سعيد رضي الله عنه بل سمعته من رسول الله صلى الله
عليه وسلم اتاه رجل يكون في نخله برطب طيب فقال صلى الله عليه وسلم من أين هذا فقال
أعطيت صاعين من تمر ردئ وأخذت هذا فقال صلى الله عليه وسلم أربيت فقال إن سعر
هذا في السوق كذا وسعر هذا كذا فقال صلى الله عليه وسلم أربيت ثم قال صلوات الله عليه
هلا بعته بسلعة ثم ابتعت بسلعتك تمرا فقال أبو سعيد رضي الله عنه الفضل في التمر ربا
5

والدراهم مثله فقال أبو بصرة فلقيت بعد ذلك ابن عمر رضي الله عنهما فقال لا خير فيه
وأمرت أبا الصهباء فسأل ابن عباس رضي الله عنهما عن الصرف فقال لا خير فيه وفى هذا
دليل رجوع ابن عمر ابن عباس رضي الله عنهما عن فقواهما بجواز التفاضل وقد روى أن
عليا رضي الله عنه لما سمع هذه الفتوى عن ابن عباس رضي الله عنهما فقال إنك رجل تائه
وعن الشعبي قال حدثني بضعة عشر نفرا من أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما الخبر فالخبر انه
رجع عن فتواه فقال الفضل حرام وقال جابر بن زيد رضي الله عنه ما خرج ابن عباس رضي
الله عنه في الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف والمتعة فعلم أن حرمة التفاضل مجمع عليه في
الصدر الأول وان قضاء القاضي بخلافه باطل وفيه دليل انهم كانوا يسمعون حكما في حادثة
فيلحقون بها ما في معناها فان أبا سعيد رضي الله عنه ذكر أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثم روى الحديث في التمر وبين ان الدراهم مثله وفيه دليل على أن النص في شئ يكون
نصا فيما هو في معناه من كل وجه لأنه لو كان هذا قياسا فالقياس استنباط بالرأي وما كان
يقول بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه دليل انه لا بأس للمستفتى أن يطالب
المفتى بالدليل إذا كان أهلا لذلك فان أبا سعيد رضي الله عنه لم ينكر عليه ذلك وانه لا بأس
للانسان أن يأمر غيره بالاستفتاء وإن كان هو المحتاج إليه كما فعله هذا الرجل وإن كان احتشم
أبا سعيد رضي الله عنه فلم يسأله بنفسه كما روى أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يجلسون
حول رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على رؤسهم الطير وكان يعجبهم ان يدخل اعرابي
ليسأله ليستفيدوا بسؤاله أو علم هذا الرجل بقول ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما ولم
يعجبه ان يظهر الانكار عليهما فامر غيره حتى سأل أبا سعيد الخدري رضي الله عنه فيطالبه
بالدليل ليتبين ما هو الصواب فيحصل المقصود من غير أن يستوحش أحد وهذا أقرب إلى
حسن العشرة وعن شريح ان رجلا باع طوق ذهب مفضض بمائة دينار فاختصما إلى شريح
رضي الله عنه فأفسد البيع وهذا عندنا لأنه لم يكن يدري مقدار الذهب الذي في الطوق
أو علم أنه مائة مثقال أو أكثر أما إذا علم أنه دون مائة مثقال فالبيع جائز على أن تكون
الزيادة بمقابلة الفضة إلا أن تكون الفضة تمويها فيه بحيث لا يستخلص فيحنئذ لا يعتبر ذلك
ولا يحصل بمقابلتها شئ فيكون بمقابلة الصنعة ولا قيمة للصنعة عند اتحاد الجنس وعن عبد الله
ابن أبي سلمة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث يوم خيبر سعد بن سعد بن مالك
6

وسعدا آخر رضي الله عنهما ليبيعا غنائم بذهب فباعاها كل أربعة مثاقيل ذهب تبرا بثلاث
مثاقيل عينا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أربيتما فردا وفيه دليل ان للامام ولاية بيع
الغنائم وقسمة الثمن بين الغانمين إذا رأى النظر فيه وان له أن يوكل غيره في ذلك وان التفاضل
حرام في بيع الغنائم ومال بيت المال كغيرها وان العقد الفاسد يستحق فسخه ورده لان
مباشرته معصية والاصرار على المعصية معصية فلهذا قال صلى الله عليه وسلم أربيتما فردا
ولم يعاتبهما على ما صنعا لان نزول تحريم الربا كان يومئذ لم يكن اشتهر بعد فعذرهما بالجهل
به وعن سليمان بن بشير قال أتاني الأسود بن يزيد فصرفت له الدراهم وافية بدنانير ثم
دخل المسجد فصلى ركعتين فيما أظن ثم جاءني فقال اشتر بها غلة فجعلت أطلب الرجل الذي
صرفت عنده فقال لا عليك أن لا تجده وان وجدته فلا أبالي وفيه دليل جواز التوكيل
بالصرف وان التفاضل حرام عند انفاق الجنس لأنه كان مقصود الأسود ان يشترى
بالدراهم الجياد الغلة وعلم أن الفضل حرام فأمره ان يشترى بها دنانير ثم أمره بأن يشترى
بالدنانير الغلة وكان هذا الوكيل اشتغل بطلب ذلك الرجل لأنه ظهر عنده أمانته
ومسامحته في المعاملة وبين له الأسود أنه كغيره فيما هو مقصودي فلا يتكلف في طلبه وعن
أبان بن عباس عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال بعت جام فضة بورق بأقل من ثمنه فبلغ
ذلك عمر رضي الله عنه فقال ما حملك على ذلك قلت الحاجة قال رد الورق إلى أهلها
وخذا اناءك وعارض به ففيه دليل حرمة الفضل وجوب الرد عن فساد العقد وان بسبب الحاجة لا يحل الربا لان الحاجة ترتفع من غير ارتكاب الحرام كما هداه عمر رضي الله عنه
بقوله وخذ اناءك وعارض به ولكنه عذره للحاجة ولم يؤد به وكان قصده بالسؤال في الابتداء
أن يعلم سبب اقدامه على هذا العقد حتى إذا باشره مع العلم به من غير حاجة أدبه عليه وقد
كان مؤدبا يؤدب على ما هو دون ذلك وعن أبي رافع قال سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عن الصوغ أصوغه فأبيعه قال وزنا يوزن فقلت انى أبيعه وزنا بوزن ولكن آخذ فيه
أجر عمل فقال إنما عملك لنفسك ولا تردد شيئا فان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نبيع
الفضة الا وزنا بوزن ثم قال يا أبا رافع ان الآخذ والمعطى والشاهد والكاتب شركاء وفيه دليل
حرمة الفضل وانه لا قيمة للصنعة فيما هو مال الربا فان عمر رضي الله عنه بين له أنه في
الابتداء عمل لنفسه فلا يستوجب الاجر به على غيره ثم ما يأخذه من الزيادة عوضا عن الصنعة
7

ولا قيمة للصنعة في البيع ثم بين شدة الحرمة في الربا بقوله الآخذ والمعطى والكاتب والشاهد
فيه سواء أي في المآثم وهو نظير ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله في الخمر عشرة
وقال صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرايش في النار ولعن الله من أعان الظلمة أو
كتب لهم والأصل في الكل قوله ولا تعاونوا على الاثم والعدوان وعن أبي الوداك عن أبي
سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب الكفة
بالكفة والفضة بالفضة الكفة بالكفة ولا خير فيما بينهما فقلت انى سمعت ابن عباس رضي الله عنه
ما يقول ليس في يد بيد ربا فمشي إليه أبو سعيد رضي الله عنه وأنا معه فقال له أسمعت
من النبي صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع فقال لا فحدثه أبو سعيد رضي الله عنه الحديث فقال
ابن عباس رضي الله عنهما لا أفتى به أبدا وفيه دليل على أن بيع الذهب والفضة بجنسهما إذا
اعتدل البدلان في كفة الميزان جاز البيع وإن لم يعلم مقدار كل واحد منهما لتيقننا بالمماثلة وزنا
والمماثلة إذ وزن أحدهما بصاحبه أظهر منه إذا وزن كل واحد منهما بالصنجات وفيه دليل
رجوع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن فتواه في إباحة التفاضل وان الحديث صحيح
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد انقاد لهم ابن عباس رضي الله عنهما وهذا لان أبا
سعيد رضي الله عنه كان من كبار الصحابة رضوان الله عليهم معروفا بينهم بالعدالة والورع
وإنما مشي إلى ابن عباس رضي الله عنهما بطريق الخشية لاظهار الشفقة وإن كان لو دعاه
إلى نفسه لاتاه وهذا هو الأحسن للكبير في معاملة من هو أصغر منه وعن عمر رضي الله عنه
قال لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين فانى أخاف عليكم الربا وقد نقل هذا اللفظ بعينه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فانى أخاف عليكم الإرباء وعن ابن مسعود رضي الله عنه انه كان
يبيع بقايا بيت المال يدا بيد بفضل فخرج خرجة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأله عن
ذلك فقال هو ربا وكان ابن مسعود رضي الله عنه استخلف على بيت المال عبد الله بن
سخبرة الأسدي فلما قدم ابن مسعود رضي الله عنه نهاه عن بيع الدراهم بالدراهم بينهما
فضل وكان ابن مسعود رضي الله عنه عامل عمر رضي الله عنه بالكوفة على بيت المال فكان
من مذهبه في الابتداء ان اختلاف الصنعة كاختلاف النوع وكان يجعل البقاية مع الجيد نوعين
فيجوز التفاضل بينهما عملا بقوله صلى الله عليه وسلم إذا اختلفا النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد
أن يكون يدا بيد ثم سأل عمر رضي الله عنه بين له أن الكل نوع واحد فان الكل فضة
8

وقال صلى الله عليه وسلم الفضة بالفضة مثل بمثل يدا بيد والفضل ربا فرجع ابن مسعود
إلى قوله لأنه بين له الحق في مقالته ومن هذا يقال عالم الكوفة كان يحتاج إلى عالم المدينة
يراد به ابن مسعود رضي الله عنهما وقد نقل نحو هذا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فان
أبا صالح السمان يقول سألت عليا رضي الله عنه عن الدراهم تكون معي لا تنفق في حاجتي
فاشترى بها دراهم تنفق في حاجتي واهضم منها قال لا ولكن بع دراهمك بدنانير ثم اشتر
بالدنانير دراهم تنفق في حاجتك وفيه دليل على أن الجياد والزيوف نوع واحد فحرم التفاضل
بينهما وهذا لأنه لا قيمة للجودة هنا مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم جيدها
ورديئها سواء فلا يجوز الاعتياض عنها وعن القاسم بن صفوان قال أكريت عبد الله بن عمر
رضي الله عنهما إبلا بدنانير فأتيته أتقاضاه وبين يديه دراهم فقال لمولى له انطلق معه إلى السوق فإذا
قامت على سعر فان أحب أن يأخذ والا فاشتر له دنانير فاعطها إياه فقلت يا أبا عبد الرحمن
أيصلح هذا قال نعم لا بأس بهذا انك ولدت وأنت صغير وفيه دليل جواز استبدال الاخر
قبل القبض والآخر كالثمن وقد بينا ان ابن عمر رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن استبدال الثمن قبل القبض فجوز له ذلك فلهذا جواز ابن عمر الاستبدال بالأجر ولكن
بشرط أن يرضى به صاحب الحق ولكن لما أشكل على صاحب الحق سأله بقوله أيصلح هذا
فقال نعم انك ولدت وأنت صغير أي جاهل لا تعلم حتى تعلم وهكذا حال كل واحد منا فإنه
لا يعلم حتى يعلم فكأنه مازحه بهذه الكلمة وكنى بالصغر عن الجهل ثم ذكر حديث عبادة بن
الصامت رضي الله عنه في الربا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأشياء الستة وقال في
آخره إذا اشتريتم بعضه ببعض فاشتروه كيف شئتم يدا بيد يعنى بذلك إذا اختلف النوعان
وقال معاوية رضي الله عنها ما بال أقوام يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث
لم نسمعها فقال عبادة رضي الله عنه أشهد انى سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم أعاد الحديث ثم قال لأحدثن به وان رغم أنف معاوية وكان معاوية رضي الله عنه ممن
يجوز التفاضل في الابتداء ثم رجع إلى الحديث فلهذا قال ما قال وقيل إنه أراد أن يستثبته
في روايته ومعاوية رضي الله عنه من رواة حديث الربا فيحتمل أن يكون مراده بقوله
أحاديث لم نسمعها ما ذكره في آخر الحديث وان اشتريتم بعضه ببعض فأكد عبادة رضي
الله عنه روايته بيمينه فان قوله أشهد بمعنى أحلف ثم قال لأحدثن به لأني أتيقن بسماعه من
9

رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتبليغ فلا أدعه
بقول معاوية رضي الله عنه بل أحدث به وان رغم أنف معاوية وعن أبي الأشعث الصنعاني
قال خطبنا عبادة بن الصامت رضي الله عنه بالشام فقال أيها الناس انكم أحدثتم بيوعا لا يدرى
ما هي ألا وان الذهب بالذهب وزنا بوزن تبره وعينه ألا وان الفضة بالفضة تبرها وعينها سواء
ولا بأس ببيع الذهب بالفضة يدا بيد والفضة أكثر ولا يصلح نسيئة ألا وان الحنطة بالحنطة
مدين بمدين ألا وان الشعير بالشعير مدين بمدين ولا بأس ببيع الشعير بالحنطة يدا بيد والشعير
أكثرهما ولا يصلح نسيئة ثم ذكر في التمر والملح مثل ذلك ثم قال من زاد أو استزاد فقد
أربى وفيه دليل ان الفاسد بيع فإنه قال إنكم أحدثتم بيوعا ومراده ما كانوا يباشرونه من
عقود الربا وفيه دليل على أن ما يجرى فيه الربا من الأشياء المكيلة نصف صاع لان قوله
مدين بمدين عبارة عن ذلك وفيه دليل أنه كما يحرم أخذ الربا يحرم اعطاؤه فالمستزيد آخذ
والزائد معطى وقد سوى بينهما في الوعيد وعن عمر رضي الله عنه أنه قال الذهب بالذهب
مثل بمثل والورق بالورق مثل بمثل لا تفضلوا بعضها على بعض لا يباع منها غائب بناجز فانى
أخاف عليكم الرما والرما هو الربا وان استنظرك إلى أن تدخل بيته فلا تنتظره ومعنى قوله
لا يباع غائب بناجز أي نسيئة بنقد وفيه دليل الربا كما يثبت بالتفاوت في البدلين في القدر
يثبت بتفاوتهما بالنقد والنسيئة وان القبض قبل الافتراق لا بد منه في عقد الصرف وكنى
عنه بقوله فان استنظرك إلى أن يدخل بيته وعن الشعبي رضي الله عنه قال لا بأس ببيع
السيف المحلى بالدراهم لان فيه حمائله وجفنه ونصله ومراده إذا كان وزن الحلية أقل من وزن
الدارهم ليكون الفضل بإزاء الجفن والحمائل وعن الحسن أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ورضي الله عنهم كانوا يتبايعون فيما بينهم السيف المحلى والمنطقة المفضضة وبه نأخذ
فنقول يجوز بيع ذلك بالعروض وبالنقد بخلاف الجنس بشرط قبض حصة الحلية في المجلس
وبالنقد من جنس الحلية بشرط أن يكون وزنه أكثر من وزن الحلية وعن إبراهيم قال
الإقالة بيع وهكذا عن شريح معناه كالبيع في الحكم وبه نأخذ فنقول الإقالة في الصرف
كالبيع يعنى يشترط التقابض من الجانبين قبل الافتراق كما في عقد الصرف وهو معنى
قول علمائنا رحمهم الله ان الإقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق غيرهما ووجوب
التقابض في المجلس من حق الشرع فالاقالة فيه كالبيع وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال
10

سمعت عمر رضي الله عنه على المنبر يقول أيها الناس لا تبيعوا الدراهم بالدرهمين فان ذلك ربا
العجلان ولكن من كان عنده سحق درهم فليخرج به إلى السوق وليقل من يبتاع سحق
هذا الدرهم فليبتع به ما شاء والمراد بقوله فان ذلك ربا العجلان أي ربا النقد وهو إشارة
إلى أن الربا نوعان في النقد والنسيئة والمراد بقوله سحق درهم البقاية التي لا تنفق في حاجة
يقال ثوب سحق أي خلق وفيه دليل أنه لا بأس بالشراء بالزيوف ولكن بعد بيان عينها
لينتفي الغرر والتدليس كما ذكره عمر رضي الله عنه وعن إبراهيم انه لم يكن يرى بأسا
باقتضاء الورق من الذهب والذهب من الورق بيعا كان أو قرضا أو كان بسعر يومه وبه نأخذ
فيجوز الاستبدال بثمن المبيع وفي بدل القرض قبل القبض وذكر الطحاوي أن الاستبدال
قبل القبض لا يجوز وكأنه ذهب بذلك إلى أنه لما كأن لا يثبت فيه الاجل فهو بمنزلة مالا
يجوز الاستبدال به قبل القبض وبمنزلة دين لا يقبل الاجل كبدل الصرف وهو وهم منه
فان القرض إنما لا يقبل الاجل لأنه بمنزلة العارية وما يسترد في حكم عين المقبوض على ما نبينه
في بابه والاستبدال بالمستعار قبل الاسترداد جائز وعن إبراهيم أنه كان يكره أن يشترى
الرجل الثوب بدينار الا درهم وبه نأخذ فان الدرهم إنما يستثنى من الدينار بالقيمة وطريق
معرفة القيمة الحزر والظن فكان المستثنى مجهولا وبجهالته يصير المستثنى منه مجهولا أيضا
والبيع بثمن مجهول لا يجوز وإذا اشترى الرجل الدراهم بدراهم أجود منها ولا يصلح له إلا وزنا
بوزن جيدها ورديئها ومصوغها وتبرها وأبيضها وأسودها في ذلك سواء للأحاديث التي
رويناها فقد ذكر فيها صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم مقابلة الفضة بالفضة واسم الفضة
يتناول كل ذلك وكذلك الذهب بالذهب جيده ورديئه وتبره ومصوغه نافقه وغير نافقه في
ذلك سواء لأنه لا قيمة للجودة والصنعة فيها عند مقابلتها بجنسها فوجود ذلك كعدمه ولا
يجوز فيه شئ من الاجل لما بينا أن التقابض واجب في مجلس العقد وترك أحد البدلين في
المجلس مبطل للعقد فالتأجيل مناف لما هو مقتضى هذا العقد واشتراط ما ينافي مقتضي
العقد مبطل له وإذا اشتري فضة بيضاء جيدة بفضة سوداء بأكثر منها ومع البيضاء ذهب
أو فلوس أو عروض فهو جائز عندنا وعند الشافعي رحمه الله لا يجوز لان الانقسام على
مذهبه باعتبار القيمة فيصيب البيضاء أكثر من وزنها من الفضة السوداء وعندنا يجعل من
السوداء بإزاء البيضاء مثل وزنها والباقي بإزاء ما زاد ترجيحا لجهة الجواز على جهة الفساد وقد
11

قررنا هذا الفصل في البيوع وعلى هذا لو اشتري منطقة أو سيفا محلى بدراهم أكثر
منها وزنا يجوز عندنا ولا يجوز عند الشافعي واستدل فيه بحديث فضالة بن عبيد قال أصبت
قلادة يوم خيبر فيها خرز وذهب فبعتها باثني عشر دينارا ثم سألت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال لا حتى يفصل وتأويل ذلك عندنا إذا كان يعلم أيهما أكثر وزنا أو يعلم أن
وزن الذهب الذي في القلادة أكثر أو مثل المنفصل وفي هذه الوجوه عندنا لا يجوز
العقد وإذا اشترى لجاما مموها بفضة بدراهم بأقل مما فيه أو أكثر فهو جائز لان التمويه
لون الفضة وليس بعين الفضة ألا ترى أنه لا يتخلص منه شئ فلا يجرى الربا باعتباره وعلى
هذا لو اشترى دارا مموهة بالذهب بثمن مؤجل فإنه يجوز وإن كان بسقوفها من التمويه
بالذهب أكثر من الفضة أو الذهب لأنه لا يتخلص منه شئ فلا يعتبر ذلك في حكم الربا
ولا في وجوب التقابض في المجلس وإذا اشترى الرجل عشرة دراهم بدينار من رجل فانتقد
أحدهما وأخذ الآخر رهنا بحقه فيه فهلك الرهن قبل الافتراق فهو جائز والرهن بما فيه لان
عقد الرهن يثبت يد الاستيفاء ويتم ذلك بهلاك الرهن من المالية دون العين حتى كانت
العين هالكة على ملك الراهن فيجعل استيفاؤه قبل الافتراق بهلاك الرهن بمنزلة الاستيفاء
حقيقة وقد بينا في السلم الاختلاف في الرهن والكفالة برأس المال فهو كذلك يبدل في
الصرف وإذا كان حلى ذهب فيه لؤلؤ وجوهر لا يستطيع أن يخلصه منه الا بضرر فاشتراه
رجل بدينار لم يجز حتى يعلم أن الدينار فيه أكثر مما فيه من الذهب وعلى قول زفر إذا لم يعلم
أيهما أكثر فالعقد جائز أيضا وقد بينا نظيره في السيف المحلى فان باعه بدينار نسيئة لم يجز فان
في حصة الحلية العقد صرف فيفسد شرط الاجل واللؤلؤ والجوهر لا يمكن تخليصه وتسليمه
الا بضرر فإذا فسد العقد في بعضه فسد في كله ولا يجوز شراء الفضة بالفضة مجازفة لا يعرف
وزنها أو وزن أحدهما لقوله صلى الله عليه وسلم الفضة بالفضة مثل بمثل والمراد المماثلة في
الوزن فاما أن يكون المراد أن يكون مثلا بمثل عند الله أو عند المتعاقدين ونحن نعلم أن
الأول ليس بمراد فالاحكام لا تبنى على مالا طريق لنا إلى معرفته عرفنا أن المراد العلم بالمماثلة
عند المتعاقدين فصار هذا شرط جواز العقد وما هو شر جواز العقد إذا لم يقترن بالعقد يفسد
العقد فان وزنا بعد العقد وكانا متساويين فإن كانا بعد في مجلس العقد فجواز العقد استحسانا
لان مجلس العقد جعل كحالة العقد ألا ترى ان انعدام الدينية في البدلين شرط جواز العقد ثم إذا
12

انعدم ذلك بالتقابض في المجلس جعل كالمقترن بالعقد فكذلك العلم بالمماثلة وان وزنا بعد
الافتراق عن المجلس جعل كالمقترن بالعقد فكذلك العلم بالمماثلة فالعقد فاسد عندنا وقال زفر
ان كانا متساويين فالعقد جائز لأنه قد تبين أن شرط الجواز وهي المماثلة كان موجودا عند
العقد فإنه لا تأثير للوزن في احداث المماثلة وإنما يظهر به مماثلة كانت موجودة وعلم المتعاقدين
بوجود الشرط جواز العقد ليس بشرط لصحة العقد كما لو تزوج امرأة بمحضر من الشاهدين
ولا يعلم بهما المتعاقدان ولكنا نقول قد بينا أن العلم بالمماثلة شرط الجواز هنا وذلك لا يحصل
الا بالوزن فيصير الوزن الذي هو فعل المتعاقدين من شرط جواز العقد كالايجاب والقبول
شرط انعقاد العقد فكما يفصل هناك بين المجلس وما بعده فكذلك يفصل هنا ثم الفصل
موهوم والموهوم فيما يبنى على الاحتياط كالمتحقق وتأثير الفضل في افساد العقد كتأثير عدم
القبض وأقوى فكما أن ترك القبض حتى افترقا مفسد لهذا العقد فكذلك توهم الفضل بترك
الوزن حتى افترقا يكون مفسدا وان اشترى سيفا محلى بفضة بدراهم بأكثر مما فيه ثم تفرقا قبل
التقابض فسد البيع كله لأنه شئ واحد لا يتبعض معناه ان العقد فسد في حصة الحلية بترك
التقابض ولا يمكن ابقاؤه صحيحا في حصة الجفن والحمائل كما لا يجوز ابتداء البيع في الجفن
والحمايل والنصل دون الفضة فان قبض السيف ونقد من الثمن حصة الحلية في المجلس جاز
لان قبض حصة الحلية في المجلس مستحق وقبض حصة الجفن والحمايل غير مستحق فيصرف
المقبوض إلى ما كان القبض فيه مستحقا لان ما ليس بمستحق لا يعارض المستحق وإذا انصرف
إليه فإنما وجد الافتراق بعد التقابض فيما هو صرف وكذلك ان أجر البقية إلى أجل معلوم
فهو جائز لأنه ثمن مبيع لا يشترط فيه القبض في المجلس فيصح التأجيل فيه وإذا اشترى
عشرة دراهم بدينار فتقابضا ثم وجد فيها درهما ستوقا أو رصاصا فإن كانا لم يتفرقا استبدله
لان المقبوض ليس من جنس حقه فكأنه لم يقبضه أصلا وتأخير القبض إلى آخر المجلس
لا يصير وان كانا قد افترقا فليس له أن يتجوز به لان الستوق والرصاص ليس من جنس
الدراهم فيكون مستبدلا به لا مستوفيا ولكن يرده وكان شريكا في الدينار بحصته لأنه تبين
أنه كان قبض في المجلس تسعة دراهم ولم يقبض درهما حتى افترقا طعن عيسى في هذا
اللفظ فقال قوله كان شريكا في الدينار بحصته غلط والصحيح انه شريك في مثل ذلك
الدينار بالعشر لان النقود عندنا لا تتعين في العقود والفسوخ ألا ترى أنهما بعد التقابض لو
13

تفاسخا العقد لم يجب على واحد منهما رد المقبوض من النقد بعينه ولكن ان شاء رده وان شاء
رد مثله فكذلك هنا لا يصير شريكا في عين ذلك الدينار وإنما له عشر الدينار دينا في ذمته
إلا أن يتراضيا على أن يرد عليه عشر ذلك الدينار ولكن ما ذكره في الكتاب أصح لان
بالافتراق قبل القبض يفسد العقد من الأصل لوجود شرط الفساد وهو الدينية لان الدين
بالدين حرام ولكن إذا وجد القبض في المجلس جعل كالموجود عند العقد فإذا لم يوجد كان
العقد فاسدا من أصله فتبين أن حصته من الدينار مقبوضة بحكم عقد فاسد فيجب رده بعينه
لان وجوب الرد من حكم القبض هنا لا من حكم العقد والنقود تتعين بالقبض كما في القبض
بحكم الهبة وإذا اشترى الرجل من الرجل ألف درهم بمائة دينار وليس عند كل واحد منهما
درهم ولا دينار ثم استقرض كل واحد منهما مثل ما سمى ودفعه إلى صاحبه قبل أن يتفرقا
جاز لان كل واحد منهما يلتزم المسمى في ذمته بالعقد وذمته صالحة للالتزام فصح العقد
ثم الشرط التقابض قبل الافتراق وقد وجد * قال ولا يشبه هذا العروض والحيوان وحقيقة
المعنى في الفرق أن السلع مستحقة بالعقد مبيعا وحكم البيع في المبيع وجوب الملك والتسليم فما لم
يكون موجودا في ملكه لا يمكن اثبات حكم البيع فيه وإضافة السبب إلى محل لا يفيد حكمه
لا يجوز وأما النقود فمستحقة بالعقد ثمنا وحكم العقد في الثمن وجوبه ووجوده به معا وذلك
متحقق بالذمة الصالحة للالتزام وإن لم يكن موجودا في ملكه عينا فلهذا كان العقد صحيحا
قال وليس هذا مثل بيع الرجل ما ليس عنده لان الدراهم والدنانير ثمن وهو إشارة إلى
ما بينا وفيه بيان أيضا أن المنهى عنه بيع ما ليس عند الانسان فالبيع محله المبيع وذلك في السلع
دون الأثمان فلذلك جوزنا الشراء بثمن ليس عنده وكل واحد من المتعاقدين بهذه الصفة
وكذلك شراء تبر الذهب بتبر الفضة أو تبر الفضة بتبر الذهب وليس ذلك عند واحد منهما
ثم استقرضه كل واحد منهما ودفعه إلى صاحبه فهو جائز لان الذهب والفضة ثمن بأصل
الخلقة فالتبر والمضروب في كونه ثمنا سواء وهذا إذا كان التبر يروج بين الناس رواج
النقود وقد بينا الكلام في الشركة بالتبر في كتاب الشركة ولو اشترى اناء مصوغا أو قلب
فضة بذهب أو بفضة تبر ثم استحق الاناء أو القلب بطل البيع وان كانا في المجلس بخلاف
الدراهم والدنانير فإنها إذا استحقت قبل الفرقة فعليه أن يعطى مشتريها مثلها ولا يبطل
الصرف لان القلب يتعين بالتعيين والدراهم والدنانير لا تتعين فباستحقاق المقبوض من
14

الدراهم والدنانير ينعدم القبض وترك القبض إلى آخر المجلس لا يضر أما استحقاق
القبض فينعدم بتسليم المعقود عليه وذلك مبطل للعقد ألا ترى أن حكم العقد في القلب وجوب
الملك ولهذا يشترط وجوده في ملك العاقد عند العقد وقدرته على التسليم فعرفنا أنه مبيع
فباستحقاقه يبطل البيع بخلاف النقود على ما نبينه وهذا إذا لم يجز المستحق العقد اما إذا
أجازه جاز العقد لان الإجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء وعن أبي يوسف قال إن قال
المستحق أثبت ملكي لأجيز العقد فله أن يجيزه وإن لم يقل ذلك فاستحقاقه ابطال منه للبيع
لأنه يطلب من القاضي أن يقضي له بملك متقرر وذلك مناف لسبب الإزالة فليس له أن يجيز
العقد بعد ذلك والنقود لا تتعين في عقود المعارضات بالتعيين عندنا ويتعين عند زفر والشافعي
حتى لو اشترى شيئا بدراهم معينة فحبسها وأعطى البائع مثلها فليس له أن يأتي ذلك عندنا
ولو هلكت تلك الدراهم أو استحقت لا يبطل البيع عندنا ويبطل عند زفر والشافعي رحمهما
الله لان هذا تصرف صدر من أهله في محله فيصح به التعين كما في السلع وهذا بدل في عقد
معاوضة فيتعين بالتعين كالمبيع وبيان الوصف ان النقود تملك أعيانها وموجب عقد المعاوضة
الملك فيما يملك عينه من المال فيكون محلا لموجب العقد وكان هذا التعيين مصادفا محله والدليل
عليه أن النقود تتعين بالقبض حتى أن الغاصب لو أراد حبس الدراهم المغصوبة ورد مثلها لم
يكن له ذلك وكذلك في الهبة تتعين حتى يكون للواهب الرجوع في عينها وفي الصدقة والوصية
كذلك وكذلك في عقود المعاوضات وهذا لان في التعيين فائدة لهما أما للبائع فلانه إذا ملك
العين كان أحق به من سائر غرماء المشترى بعد موته ولا يملك المشترى ابطال حقه بالتصرف
فيه وربما يكون ذلك من كسب حلال فيرغب فيه مالا يرغب في غيره وأما منفعة المشترى
فمن حيث إنه لا يطالب بشئ آخر إذا هلكت تلك العين في يده وأن تكون ذمته خالية عن
الدين وبهذا الطريق تتعين الدراهم في الوكالة حتى لو دفع إليه الدراهم ليشترى بها شيئا
فهلكت بطلت الوكالة ويتعين في النذر أيضا والدليل على أنها تتعين في البيع أن الغاصب إذا
اشترى بالدراهم المغصوبة بعينها طعاما ونقدها لا يباح له تناولها ولو لم تتعين لحل له ذلك كما لو
اشترى بدراهم مطلقة ثم نقد تلك الدراهم وقال في الجامع إذا قال إن بعت هذا العبد بهذا
الألف وبهذا الكر فيهما صدقة فباعه بهما يلزمه التصدق بالكر فلو لم تتعين تلك الدراهم لما
لزمه التصق كما لو باعه بألف مرسلة وبذلك الكر ولأجل هذه المسألة كان الكرخي يقول
15

النقود تتعين في العقود جوازا لا استحقاقا حتى لا يملك عينها بالعقد ولهذا لا يلزمه التصدق
بالدراهم وتعتبر بعينها حتى يتصدق بالكر وحجتنا في ذلك أن الاستبدال بالنقود قبل القبض
يجوز وان عينت ولو تعينت حتى ملك عينها لصار قبضها مستحقا وفي الاستبدال تفويت
القبض المستحق بالعقد فلا يجوز ذلك كما في السلع ولو كان العقد يبطل بهلاكها بعد التعيين لم
يجز الصرف فيها قبل القبض لبقاء الغرر في الملك المطلق للتصرف كما في السلع فان منع الشافعي
هذا الفصل يستدل بحديث ابن عمر رضي الله عنهما حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم
انا نبيع الإبل بالبقيع فربما نبيعها بالدراهم ونأخذ مكانها دنانير فقال صلى الله عليه وسلم لا بأس
إذا افترقتما وليس بينكما عمل ولم يستفسره أنهم يبيعون بالدراهم المعينة أو غير المعينة وفيه طريقان
من حيث المعنى أحدهما أن تعيين النقد غير مقيد فيما هو المقصود بالعقد فيكون لغوا كتعيين
الصنجات والمكيال وهذا لأنه إنما يراعى في العقد ما يكون مفيد ألا ترى أن أصل العقد إذا
لم يكن مقيدا لا يعتبر فكذلك الشرط في العقد وبيان الوصف ان التعيين لا يفيد جواز العقد
فان العقد جائز بتسمية الدراهم المطلقة من غير تعيين والمقصود بالعقد الربح وذلك بقدر
الدراهم لا بعينها وليس في غير الدراهم والدنانير مقصود إنما المقصود المالية وما وراء ذلك
هي والأحجار سواء والمالية باعتبار الرواج في الأسواق ومثلها وعينها لا يختلف في هذا
المعنى فعرفنا أن التعيين غير مفيد فيما هو المطلوب بالعقد وبه فارق المكيل والموزون فالتعيين
هناك مفيد لجواز العقد لان بدون التعيين لا يجوز العقد الا بذكر الوصف وربما يعجز عن
اعلام الوصف فيسقط ذلك عن نفسه بالتعيين ولان أعيانها مقصودة وهي تتفاوت في الربع
فكان تعيينها مفيدا في الجملة اما ما ذكر من الفوائد فليس من مقاصد العقد وإنما يطلب فائدة
التعيين فيما هو المقصود بالعقد وفيما هو المقصود وهو ملك المال الدين أكمل من العين لان
بدون التعيين لا ينتقد العقص وبالتعيين ينتقض فإنه إذا استحق المعنى أو هلك بطل ملكه فيه
وإذا ثبت دينا في الذمة لا يتصور هلاكه ولا بطلان الملك فيه بالاستحقاق والطريق الآخر
وهو أن التعيين لو اعتبر في النقد يبطل به العقد بالاجماع العقد صحيح فعرفنا أن التعيين لغو
وبيان هذا من وجهين أحدهما وهو أن النقود لا تستحق في عقود المعاوضات الا ثمنا
والثمن ما يكون في الذمة كما قاله الفراء فإذا اعتبر ثبوت التعيين امتنع ثبوت المسمى في الذمة
ثمنا وذلك ينافي موجب العقد فيكون مبطلا للعقد والثاني وهو أن حكم العقد في الثمن وجوبه
16

ووجوده معا بالعقد بخلاف السلع فحكم العقد فيها وجوب الملك للمشترى فيما كان مملوكا للبائع
ولهذا يشترط للعقد على السلع قيامها في ملك البائع الا في موضع الرخصة وهو السلم فلا
يشترط ذلك في السلم حتى يجوز الشراء بثمن ليس عنده من غير ضرورة ولا يتعين الا في
موضع الرخصة وهو السلم فهناك يتعين بالقبض دون التعيين حتى لو افترقا بعد تعيين رأس
المال قبل القبض لا يجوز ولا ينجبر ذلك النقص بقبض ما يقابله في المجلس وهو المسلم فيه
فعرفنا أن تعيين الدراهم هناك بالقبض باعتبار الضرورة وان ذلك لا يثبت بالتعيين فكذلك
في باب الصرف بعد التعيين من الجانبين يبطل بالافتراق قبل القبض وأظهر من هذا كله
جواز الاستبدال برأس مال السلم قبل القبض بخلاف المبيع عينا كان أو دينا فكان التعيين في
الثمن ابطالا لحكمه وجعلا لما هو الحكم شرطا وهذا تغيير محض فيكون مبطلا للعقد
وبالإجماع العقد صحيح فعرفنا أن التعيين لغو وبهذا ظهر الجواب عن قوله ان التعيين يصرف
في محله والفرق بين الثمن والسلعة واعتبار العقد بالقبض ساقط لان القبض لا يرد الا على العين
فكان التعيين ركنا فيه والعقد لا يرد على الثمن أنما يجب الثمن بالعقد ولا يتحقق ذلك الا إذا
كان دينا في الذمة وفي الوكالة عندنا لا يتعين حتى لو اشترى الوكيل بمثل تلك الدراهم في
ذمته كان مشتريا للموكل ولو هلك بعد الشراء رجع على الموكل بمثلها اما قبل الشراء إذا هلكت
فإنما بطلت الوكالة عندنا لأنها غير لازمة في نفسها والموكل لم يرض بكون الثمن في ذمته عند
الشراء فلو بقيت الوكالة لاستوجب الوكيل بالشراء الدين في ذمة الموكل وهو لم يرض به وفي
مسألة الشراء بالدراهم المغصوب لا تتعين تلك الدراهم حتى لو أخذها المغصوب منه كان
على الغاصب مثلها دينا ولكنه استعان في العقد والنقد بما هو حرام فيتمكن فيه الخبث فلهذا
لا يحل له تناوله وفي مسألة الجامع لم تتعين الدراهم أيضا بدليل انه لا يلزمه التصدق بها ولكنه
لما أضاف النذر إليهما مع أن الدراهم لا تتعين في عقود المعاوضات صار تقدير كلامه كأنه
قال إن سميت هذه الدراهم وهذا الكر في بيع هذا العبد فهما صدقة وقد وجد ذلك
وملك الكر بنفس العقد والشروط في الأثمان تعتبر بحسب الامكان * قال وإذا اشترى الرجل
ألف درهم بعينها بمائة دينار والدراهم بيض فأعطاه مكانها سوداء ورضى بها البائع جاز ذلك
لان هذا ليس باستبدال والسود والبيض من الدراهم جنس واحد وإنما أبرأه عن الصفة
حتى يجوز بالسود فكان مستوفيا بهذا الطريق لا مستبدلا ومراده من السود المضروب
17

من النقرة السوداء الا الدراهم التجارية حتى أنه لو باع دينارا بدراهم بيض وقبض مكان
الدراهم البيض التجارية فإنه لا يجوز لأنه يكون استبدالا لاختلاف الجنس وكذلك لو قبض
الدراهم فأراد أن يعطيه ضربا آخر من الدنانير سوى ما عينه لم يجز ذلك إلا برضاه فان رضى به
كان مستوفيا لا مستبدلا لكون الجنس واحدا وقد بينا ان ما عينه لم يتعين وإنما استوجب
كل واحد منهما في ذمة صاحبه مثل المسمى وقيل هذا إذا أعطاه ضربا هو دون المسمى
فان أعطاه ضربا هو فوق المسمى فلا حاجة إلى رضا مشترى الدنانير به لأنه أوفاه حقه وزيادة
الأعلى قول زفر فإنه يقول هو متبرع عليه بزيادة صفة فله أن لا يقبل تبرعه وقد بينا هذا
في السلم ولو اشترى ألف درهم بمائة دينار ولم يسم كل واحد منهما شيئا فلكل واحد منهما
نقد الناس في ذلك البلد لان المتعارف فيما بين الناس هي المعاملة بالنقد الغالب واليه ينصرف
مطلق التسمية والتعيين بالعرف كالتعيين بالنص يقول وإذا كان بالكوفة فهو على دنانير كوفية
لان الدراهم والدنانير في البلدان تختلف وتتفاوت في العيار والظاهر أن في كل بلدة إنما
يتصرف الانسان بما هو النقد المعروف فيها فإذا كان ببلد نقد مختلف متفاضل فالبيع فاسد
إلا أن يسمى ضربا من ذلك معلوما والضرب المعلوم أن يذكر من الدينار نيسابوريا أو كوفيا
ونحوه ومن الدراهم عطر بعثا أو مؤيديا ونحوه إذا كانت النقود في لرواج سواء لأنه لا يمكن
ترجيح بعضه عند اطلاق التسمية فيبقى المسمى مجهولا وهذا الجهالة تفضي إلى المنازعة فالمطالب
يطالب بأعلى النقود والمطلوب بأدنى النقود وكل واحد منهما يحتج بمطلق التسمية فلهذا فسد
العقد إذا لم يسميا ضربا معلوما وإن كان نقدا من ذلك معروفا وشرطا في العقد نقدا آخر
فالعقد ينعقد على النقد المشروط لان تعيين النقد الغالب بالعرف ويسقط اعتبار العرف عند
التنصيص بخلافه ألا ترى ان تقديم المائدة بين يدي الانسان اذن بالتناول للعرف ثم يسقط
اعتباره إذا قال لا تأكل فان اختلفا فقال أحدهما شرطت لي كذا لشئ أفضل من النقد
المعروف وقال الآخر لم اشترط لك ذلك فعليهما الثمن لان اختلافهما في صفة الثمن كاختلافهما
في مقداره لان الثمن دين والدين يعرف بصفته والجيد منه غير الردئ حتى إذا حضرا كان
أحدهما غير الاخر واختلاف المتبايعين في الثمن يوجب التحالف بالنصف فأيهما نكل لزمه
دعوى صاحبه لان نكوله كاقراره وان تحالفا ترادا وان قامت لهما البينة أخذت بينة الذي
يدعي الفضل منهما لاثبات الزيادة فيها * قال وإذا ابتاع الرجل سيفا محلى بفضة بعشرة دنانير
18

فقبض السيف ولم ينقد الدنانير لم يتفرقا حتى باع المشترى السيف من آخر وقبضه المشترى
الآخر ولم ينقد الثمن حتى افترقوا فإنه يرد السيف إلى المشترى الأول لان كل واحد من
العقدين صرف فيبطل بالافتراق قبل القبض وإذا بطل العقد الثاني رجع السيف إلى المشترى
الأول على الملك الذي كان له قبل البيع وقد فسد شراؤه بالافتراق أيضا فلزمه رد المقبوض
إلى البائع ولو لم يفارق الآخر الأوسط حتى فارق الأول ثم نقده الآخر جاز بيع الأوسط
في السيف لأنه باعه بعدم تمامه ملكه بعد القبض وقد تم العقد الثاني بالتقابض قبل الافتراق
وفسد العقد الأول فوجب على الأوسط رد السيف وقد عجز عن رده باخراجه عن ملكه
فيضمن قيمته للبائع وان فارقه الأول ثم إن الأوسط باع السيف من الآخر جاز بيعه أيضا
لأن العقد وان فسد بالافتراق فقد بقي ملكه ببقاء القبض لان فساد السبب لا يمنع ابتداء
الملك عند القبض فلا يمنع بقاؤه بطريق الأولى ثم بتقرر بيعه عجز عن رده فيكون ضامنا
قيمة السيف لصاحبه وان باع الأوسط نصف السيف ثم فارقه الأول ثم قبض من الآخر
الثمن ودفع إليه نصف السيف أو لم يدفع حتى جاء الأول وخاصمهم فإنه يدفع إلى الأول
نصفه لان ملكه باق في نصف السيف وقد فسد السبب فيه فعليه رده وقد جاز البيع في نصفه
فيضمن الأوسط نصف قيمة السيف للأول من الذهب كيلا يؤدى إلى الربا إذا ضمن
قيمته من الدراهم * قال وإذا اشترى ألف درهم بمائة دينار فنقد الدنانير وقال الآخر اجعل
الدراهم قصاصا بالدراهم التي لي عليك فهو جائز وان أبى لم يجبر على ذلك ولم يكن قصاصا
والحاصل أن المقاصة بدل الصرف بدين سبق وجوبه على عقد الصرف يجوز عندنا استحسانا
إذا اتفقا عليه وفي القياس لا تجوز وهو قول زفر لان بالعقد المطلق يصير قبض البدلين في
المجلس مستحقا وفي المقاصة تفويت القبض المستحق بالعقد فلا يجوز بتراضيهما كما لا يجوز
الابراء عن بدل الصرف والاستبدال به وهذا لان في المقاصة يكون آخر الدينين قضاء
عن أولهما ولا يكون أولهما قضاء عن آخرهما لان القضاء يتلو الوجوب ولا يسبقه فلو جوزنا
هذه المقاصة صار قاضيا ببدل الصرف الدين الذي كان واجبا وبدل الصرف يجب قبضه
ولا يجوز قضاء دين آخر به والدليل عليه رأس مال السلم فإنهما لو جعلاه قصاصا بدين سبق
وجوبه لم يجز فكذلك بدل الصرف لان كل واحد منهما دين مستحق قبضه في المجلس ووجه
الاستحسان أنهما لما اتفقا على المقاصة فقد حولا عقد الصرف إلى ذلك الدين ولو أضافا العقد
19

إليه في الابتداء جاز بأن يشترى بالعشرة التي عليه دينارا ويقبض الدينار في المجلس فكذلك
إذا حولا العقد إليه في الانتهاء لأنهما قصد تصحيح هذه المقاصة فلا طريق له سوى هذا
وما لا يتوصل إلى المقصود الا به يكون مقصودا لكل واحد ولهذا شرطنا تراضيهما على المقاصة
وإن كان في سائر الديون المقاصة تقع بدون التراضي لان هذا تحويل العقد إلى ذلك الدين
والعقد قد تم بهما فالتصرف به بالتحويل لا يكون الا بتراضيهما وعند التراضي العقد القائم بينهما
حقهما ويملكان استدامته ورفعه فيملكان التصرف فيه بالتحويل من محل إلى محل وهذا خير
مما يقوله العراقيون رحمهم الله ان عند اتفاقهما على المقاصة يجعل كأنهما فسخا العقد الأول ثم
جداده مضافا إلى ذلك الدين لأنه لو كان الطريق هذا لم يجز لأنه بالإقالة يصير رد المقبوض
مستحقا في المجلس والدليل عليه أنهما لو جعلا بدل الصرف قصاصا بدين تأخر وجوبه عن
عقد الصرف لا يجوز في ظاهر الرواية ولو كان التصحيح بطريق الفسخ للعقد الأول لجاز
والدين المتقدم والمتأخر في ذلك سواء وإنما الفرق بينهما على الطريق الأول أنهما يملكان
تحويل العقد إلى ما كان يصلح منهما إضافة العقد إليه في الابتداء وذلك في الدين الذي سبق
وجوبه على عقد الصرف دون ما تأخر وجوبه عنه وأشار في الزيادات إلى أن المقاصة أيضا
تقع بالدين المتأخر عن عقد الصرف وذكر في رواية أبى سليمان مثل ما ذكر في الزيادات
ولكن المعتمد هو الأول وبهذا فارق رأس مال السلم فإنهما لو أضافا عقد السلم إلى رأس مال
هو دين على المسلم إليه لم يجز ذلك إذا افترقا قبل قبض رأس المال فكذلك إذا حولا العقد
إليه في الانتهاء بخلاف عقد الصرف وهذا لان ما يقابل رأس المال هناك دين وبالمقاصة
لا يتعين رأس المال فيكون دينا بدين وهنا ما يقابل الدين غير مقبوض في المجلس والافتراق
عن عين بدين جائز فان أدى بعض الدراهم ثم فارقه قبل أن يؤدي البقية انتقص من
الصرف بقدر ما بقي اعتبار للبعض بالكل والفساد لمعنى طارئ في بعض العقد لا يتعدى
إلى ما بقي ولو وكل أحدهما وكيلا بالدفع والقبض جاز بعد أن يقبض الوكيل قبل أن
يفترق المتعاقدان ولا معتبر بذهاب الوكيل لان القبض من حقوق العقد فيتعلق بالمتعاقدين
وفعل وكيل أحدهما له كفعله بنفسه وليس لواحد منهما أن يشترى من صاحبه شيئا بثمن
الصرف قبل أن يقبضه لما في الاستبدال من تفويت القبض المستحق بالعقد في المجلس
ولان القبض معتبر التعيين ولا يحصل ذلك فيما يتناوله عقد الصرف بطريق الاستبدال
20

وكذلك لا يشترى به من غيره شيئا لان التصرف في الدين مع من عليه أقرب إلى النقود
منه مع غيره فإذا لم يجز الاستبدال ببدل الصرف مع من عليه الدين فمع غير من عليه الدين أولى أن
لا يجوز * وإذا اشترى إبريق فضة وزنه ألف درهم بألف درهم ونقد خمسمائة وقبض الإبريق
ثم افترقا فإنه يلزم نصف الإبريق ويبطل نصفه اعتبارا للبعض بالكل ولا يتخير في الرد
بسبب عيب التبعيض لأنه حصل بفعله حين لم ينقد بعض البدل بخلاف ما إذا استحق نصف
الإبريق فإنه يتخير فيما بقي منه لان التبعيض في الاملاك المجتمعة عيب فان تقاصا قبل الافتراق
ثم وجد بالإبريق عيب كثيرا أو هشيما غير نافذ فله أن يرده بالعيب لأنه بمطلق العقد استحق صفة
السلامة وقد فات ذلك بوجود العيب والقلب والطوق والمنطقة والسيف المحلى بمنزلة الإبريق
في جميع ما ذكرنا وإن كان حين وجد العيب بالإبريق لم يرده حتى انكسر عنده لم يستطع
رده لأنه بالرد يدفع الضرر عن نفسه وليس له أن يلحق الضرر بالبائع وفي الرد بعد حدوث
العيب الحاق الضرر به ولا يرجع بنقصان العيب أيضا لان نقصان العيب من الثمن فإذا رجع
به يصير العقد ربا لأنه يبقى بمقابلة الإبريق أقل من وزنه من الفضة إلا أن يكون الثمن دنانير
فيرجع بنقصان العيب لأنه لا ربا عند اختلاف الجنس وإن لم يجد به عيبا ولكنه استحق نصفه
ولم يرد النصف الباقي على البائع حتى انكسر الإبريق لزمه النصف الباقي بالعيب الحادث عنده
فيه ورجع بنصف الثمن لأن العقد في النصف المستحق قد بطل. وإذا اشترى الرجل عشرة
دراهم بدينار ونقده الدينار ثم اشترى منه ثوبا بعشرة دراهم فتراضيا على أن تكون العشرة
قصاصا ببدل الصرف لا يجوز لان هذا دين تأخر وجوبه عن عقد الصرف ولأنه في معنى
الاستبدال وان استقرض عشرة دراهم من بائع الدينار ثم قضاها إياه بعد ما قبضها جاز ذلك
لان المقرض صار مملوكا له بالقبض وصار كسائر أمواله فهو كما لو استقرض من غيره سواء
لان الافتراق عن مجلس عقد الصرف قد حصل بعد قبض البدلين وإنما الباقي لأحدهما على
صاحبه بدل القرض وإذا اشترى عشرة دراهم بدينار وتقابضا الا درهما واحدا بقي من
العشرة فأراد الذي اشتري منه الدراهم أن يأخذ منه عشر الدينار حين لم يكن عند الآخر
الدرهم فله ذلك لأن العقد فسد في عشر الدينار بالافتراق قبل قبض الدرهم وهذه مطعونة
عيسى وقد بيناها فان اشترى منه بعشر الدينار فلوسا أو عرضا مسمى جاز لان عقد الصرف
لما فسد فيه بقي ملكا له في يد صاحبه أو دينا له على صاحبه واجبا بسبب القبض دون عقد
21

الصرف فيجوز الاستبدال به كبدل القرض وإن كان قبل الافتراق فالدراهم مستحق
له بعقد الصرف والاستبدال ببدل الصرف قبل القبض لا يجوز. وإذا كان لرجل على
رجل ألف درهم من قرض أو غيره فباع دينه من رجل آخر بمائة دينار وقبض الدنانير لم
يجز وعليه ان يرد الدنانير لان البيع لا يرد الا على مال متقوم وما في ذمته زيد لا يكون مالا
متقوما في حق عمرو فلا يجوز بيعه منه ولان البائع لا يقدر على تسليمه حتى يستوفى ولا
يدري متى يستوفى وهذا على قول من يقول النقد المضاف إليه يتعين في العقد وكذلك بيع الدين
من غير من عليه الدين والشراء بالدين من غير من عليه الدين سواء كل ذلك باطل وعلى
قوله زفر الشراء بالدين من غير من عليه الدين صحيح كما يصح ممن عليه الدين لأن الشراء
لا يتعلق بالدين المضاف إليه ألا ترى أنه لو اشترى بالدين المظنون شيئا ثم تصادقا على أن لا
دين كان الشراء صحيحا بمثل ذلك الثمن في ذمته فكذلك هنا يصح الشراء بمثل ذلك الدين
في ذمة المشتري وهذا لأنه إذا أضاف العقد إلى عين فإنه إنما يتعين ذلك لتتميم الملك فيه ولا
يحصل هذا المقصود عند إضافة الشراء إلى الدين ولكنا نقول ملك الدين من غير من عليه
الدين بالبدل وإذا ملك بغير بدل لم يجز فإذا ملكه ببدل أولى ثم للفساد هنا طريقان أحدهما أنه
بإضافة الشراء إلى ذلك الدين يصير كأنه شرط لنفسه الاجل إلى أن يخرج ذلك الدين
فيتمكن من أداء الثمن ولا يدرى متى يخرج وشرط الاجل المجهول مفسد للبيع والثاني انه
شرط أن يكون ثمن المشترى في ذمة غير المشترى مستحقا بالشراء وذلك لا يجوز وبه فارق
ما إذا اشترى بالدين ممن عليه أو اشترى بالدين المظنون شيئا وإذا كانت الدراهم أو الدنانير
وديعة عند رجل فباع الدراهم بالدنانير أو الدنانير بالدراهم وتقابضا فجاء صاحبها فأخذها
من البائع فإن كانا لم يتفرقا كان له عليه مثلها لان المقبوض استحق فكأنهما لم يتقابضا إلى
آخر المجلس وإنما انعقد العقد بمثل ما عينه دينا في ذمته وان كانا قد افترقا يبطل الصرف
إذا أخذها المستحق لانتقاص القبض بالاستحقاق من الأصل وإن لم يقبضها المستحق ولكنه
أجاز البيع جاز ذلك عندنا وكان له مثلها على المودع وقال زفر الصرف باطل لان الافتراق
حصل قبل الملك فان المستحق لا يملك قبل الإجازة وقبل تمام القبض فان الموقوف لا يكون
تاما فلا ينفذ العقد بعد ذلك بالإجازة كما لو افترقا ولأحدهما شرط خيار ثم أسقط الخيار
ولكنا نقول افترقا بعد تمام السبب وبعد تمام القبض لأن العقد الموقوف سبب ملك تام
22

فالقبض الذي ينبنى عليه يكون تاما أيضا وإنما فيه خيار حكمي للمستحق وذلك لا يمنع تمام
العقد والقبض كخيار الرؤية والعيب فإذا أسقط هذا الخيار بالإجازة تبين أن الافتراق حصل
عن قبض تام فالإجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء بخلاف شرط الخيار فإنه يجعل العقد
في حق الحكم كالمتعلق بالشرط على ما بينه في بابه إن شاء الله وان كانت الوديعة إبريق فضة
فباعه بمائة دينار وتقابضا فأجاز صاحبه البيع كان الثمن له لان المودع هنا بائع الإبريق فإنه
بمنزلة العروض ومن باع ملك الغير بغيره أمره فأجاز صاحبه كان الثمن له وفي الأول المودع
مشترى الدنانير لنفسه بالدراهم ثم نقد دراهم الوديعة دينا عليه فكان مستقرضا فإذا أجازه
صاحبه كان له عليه مثل دراهمه وان اشترى رجل عشرة دراهم ودينارا باثني عشر درهما
فهو جائز عندنا على أن تكون العشرة بالعشرة والفضل بالدينار ولو اشترى دينارا أو درهما
بدينارين أو درهمين فهو جائز عندنا استحسانا على أن يصرف الجنس إلى خلاف الجنس
وقد بيناه في السلم والله أعلم
(باب الخيار في الصرف)
قال وإذا اشترى الرجل من الرجل ألف درهم بمائة دينار واشترط الخيار فيه يوما فان
بطل الخيار قبل أن يتفرقا جاز البيع وان تفرقا قبل أن يبطله وقد تقابضا فالبيع فاسد لأنهما
تفرقا قبل تمام القبض وهذا لان الخيار يدخل على حكم العقد فيجعله متعلقا بالشرط لان قوله
على أنى بالخيار شرط ولا يمكن ادخاله على نفس السبب فالبيع لا يحتمل التعليق بالشرط
فيجعل داخلا على الحكم ولو دخل على السبب كان داخلا على الحكم أيضا ومعنى
الغرر أن ادخاله على الحكم دون السبب أقل والقبض من حكم العقد والحكم المتعلق بالشرط
معدوم قبله فإذا سقط الخيار قبل أن يتفرقا فإنما افترقا بعد قبض تام وإذا افترقا قبل اسقاط
الخيار فإنما افترقا قبل تمام القبض وهذا بناء على أصلنا أن المفسد إذا زال قبل تقرره يصير
كأنه لم يكن خلافا لزفر وقد بيناه في البيوع وكذلك إن كان الخيار للبائع أو لهما طالت
المدة أو قصرت وكذلك الاناء بالمصوغ والسيف المحلى والطوق من الذهب فيه لؤلؤ وجوهر
لا يتخلص الا بكسر الطوق لأن العقد في حصة الطوق يفسد بشرط الخيار فيفسد في الكل
لأنه لا ينفصل البعض عن البعض في التسليم الا بضرر فاما اللجام المموه وما أشبهه فان شرط
23

الخيار في بيعه صحيح لان التمويه لا يتخلص ولا يكون العقد باعتباره صرفا واشتراط الخيار
فيما سوى الصرف والسلم من البيوع صحيح * وإذا اشترى جارية وطوق ذهب فيه خمسون
دينار بألف درهم واشترط الخيار فيهما يوما فالعقد فاسد كله عند أبي حنيفة وعندهما يجوز
في الجارية بحصتها من الثمن لان فساد العقد عندهما في بعض ما تناوله العقد لا يتعدى إلى ما
بقي بل يقتصر على ما وجد فيه العلة المفسدة وعند أبي حنيفة يتعدى إلى ما بقي لان قبول العقد
فيما فسد فيه العقد شرط لقبوله فيما بقي وهذا شرط فاسد وقد بينا هذا لأصل في البيوع وهما
يفرقان بين هذا والأول فيقولان هناك يتعذر تصحيح العقد في حصة المبيع لما في تميز البعض
من البعض من الضرر ولا يوجد ذلك هنا لأنه لا ضرر في تمييز الجارية من الطوق في التسليم
وكذلك لو اشتراهما بمائة دينار وشرط الاجل فاشتراط الاجل هنا كاشتراط الخيار وأبو
حنيفة فرق بين هذا وبين ما إذا ترك التقابض حتى افترقا فإنه يبطل العقد في حصة الطوق
دون الجارية لان المقيد هناك طارئ وقد وجد في البعض وهو حصة الصرف فلا يتعدى إلى
ما بقي وعند اشتراط الخيار أو الاجل المفسد مقارن للعقد وقد تقرر في الكل معنى من حيث إن
قبول العقد في البعض يكون شرطا لقبوله في الباقي وان اشتراهما بحنطة أو عرض
واشترط الخيار فهو جائز لأن العقد بينهما بيع وليس بصرف وكذلك لو اشترى رطلا
من نحاس بدرهم واشترط الخيار فيه فهو جائز لأنه ليس بصرف والخيار جائز في كل
ما ليس بصرف يعنى كل بيع لا يشترط فيه القبض في المجلس فالصرف مبادلة الأثمان بعضها
ببعض اتفق الجنس أو اختلف وقد بينا هذا والله أعلم
(باب البيع بالفلوس)
وإذا اشترى الرجل فلوسا بدراهم ونقد الثمن ولم تكن الفلوس عند البائع فالبيع جائز
لان الفلوس الرائجة ثمن كالنقود وقد بينا ان حكم العقد في الثمن وجوبها ووجودها معا ولا
يشترط قيامها في ملك بائعها لصحة العقد كما لا يشترط ذلك في الدراهم والدنانير وان استقرض
الفلوس من رجل ودفع إليه قبل الافتراق أو بعده فهو جائز إذا كان قد قبض الدراهم
في المجلس لأنهما قد افترقا عن عين بدين وذلك جائز في عين التصرف وإنما يجب التقابض
في الصرف بمقتضى اسم العقد وبيع الفلوس بالدراهم ليس بصرف وكذلك لو افترقا بعد قبض
24

الفلوس قبل قبض الدراهم وعلى ما ذكر ابن شجاع عن زفر رحمهما الله لا يجوز هذا العقد
أصلا لان من أصل زفر أن الفلوس الرائجة بمنزلة المكيل والموزون تتعين في العقد إذا
عينت وإذا كانت بغير عينها فإن لم يصحبها حرف الباء لا يجوز العقد لأنه بيع ما ليس عند
الانسان وان صحبها حرف الباء وبمقابلتها عوض يجوز العقد لأنها ثمن وإن كان بمقابلتها النقد
لا يجوز العقد لأنها تكون مبيعة إذا قابلها مالا يكون الا ثمنا اما عندنا فالفلوس الرائجة بمنزلة
الأثمان لاصطلاح الناس على كونها ثمنا للأشياء فإنما يتعلق العقد بالقدر المسمى منها في الذمة
ويكون ثمنا عين أو لم يعين كما في الدراهم والدنانير وإن لم يتقابضا حتى افترقا بطل العقد لأنه
دين بدين والدين بالدين لا يكون عقدا بعد الافتراق وذكر في الاملاء عن محمد لو اشترى
مائة فلس بدرهم على أنهما بالخيار وتفرقا بعد القبض فالبيع باطل لأن العقد لا يتم مع اشتراط
الخيار فكأنهما تفرقا قبل التقابض وإذا كان الخيار مشروطا لأحدهما فتفرقا بعد التقابض
فالبيع جائز لان التسليم يتم ممن لم يشترط الخيار في البدل الذي من جانبه وقبض أحد البدلين
هنا يكفي بخلاف الصرف ولكن هذا التفريع إنما يستقيم على قول من يقول المشروط له الخيار
يملك عرض صاحبه اما عند أبي حنيفة فالمشروط له الخيار كما لا يملك عليه البدل الذي من
جانبه لا يملك البدل الذي من جانب صاحبه فاشتراط الخيار لأحدهما يمنع تمام القبض فيهما
جميعا وان اشترى خاتم فضة أو خاتم ذهب فيه فص أوليس فيه فص بكذا فلوسا وليست الفلوس
عنده فهو جائز ان تقابضا قبل التفريق أو لم يتقابضا لان هذا بيع وليس بصرف فإنما افترقا عن
عين يدين لان الخاتم يتعين بالتعين بخلاف ما سبق فان الدراهم والدنانير لا تتعين بالتعيين فلهذا
شرط هناك قبض أحد البدلين في المجلس ولم يشترط هنا وكذلك ما اشترى من العروض
بالفلوس لو اشترى بها فاكهة أو لحما أو غير ذلك بعد أن يكون المبيع بعينه لان الفلوس
ثمن كالدراهم ولو اشترى عينا بدرهم جاز العقد وان تفرقا قبل القبض فهذا مثله وسواء قال
اشتريت مثل كذا فلسا بدرهم أو درهما بكذا فلسا لان الفلوس الرائجة ثمن كالنقد عندنا
صحبها حرف الباء أو لم يصحبها وقيام الملك في الثمن عند العقد ليس بشرط وان اشترى متاعا
بعشرة أفلس بعينها فله أن يعطى غيرها مما يجوز بين الناس وان أعطاها بعينها فوجد فيها
فلسا لا ينفق استبدله كما يستبدل الزيف في الدراهم لأنه ما دام ثمنا فإنما يثبت في الذمة فلا يتعين
بالتعيين ثم ذكر بيع فلس بعينه بفلسين بأعيانهما وقد تقدم بيان هذه الفصول في البيوع إلا
25

أنه هناك ذكر قول أبى يوسف رحمه الله وهنا ذكر قول أبي حنيفة رحمه الله وقول أبى يوسف وعلل
لهما فقال لا يوزن معناه انه مصنوع من النحاس لا يعتاد وزنه فيكون بمنزلة الأواني التي لاتباع وزنا
وبيع قمقمة بعينها بقمقمتين بأعيانهما يجوز فكذلك الفلوس وإذا اشترى مائة فلس بدرهم فنقد
الدرهم وقبض من الفلوس خمسين وكسدت الفلوس بطل البيع في الخمسين النافقة لأنها لو كسدت
قبل أن يقبض منها شيئا بطل العقد في الكل فكذلك إذا كسدت قبل أن يقبض بعضها اعتبارا
للبعض بالكل وعلى قول زفر إذا كانت معينة حتى جاز العقد لا يبطل العقد بالكساد لأن العقد
يتناول عينها والعين باقية بعد الكساد وهو مقدور التسليم ولكنا نقول العقد تناولها بصفة الثمينة
لما بينا انها ما دامت رائجة فهي تثبت في الذمة ثمنا وبالكساد تنعدم منها صفة الثمنية ففي حصة ما لم
يقبض انعدام أحد العوضين وذلك مفسد للعقد قبل القبض وكان صفة الثمنية في الفلوس
كصفة المالية في الأعيان ولو انعدمت المالية بهلاك المبيع قبل القبض أو بتخمر العصير فسد العقد
فهذا مثله ثم يرد البائع النصف درهم الذي قبضه لفساد العقد فيه وللمشتري أن يشترى منه بذلك
النصف الدرهم ما أحب لأنه دين له في ذمته وجب بسبب القبض فكان مثل بدل القرض ولو
لم تكسد ولكنها رخصت أو غلت لم يفسد البيع لان صفة الثمنية قائمة في الفلوس وإنما تعتبر
رغائب الناس فيها وبذلك لا يفوت البدل ولا يتعيب وللمشتري ما بقي من الفلوس ولا خيار له
في ذلك ولو اشترى مائة فليس بدرهم فلم يقبضها حتى باعها من آخر بدرهم لم يجز لأنه استحق
الفلوس دينا فإنما باع الدين من غير من عليه وقد بينا أن المبادلة بالدين من غير من عليه لا
يجوز وكذا لو باع الآخر الدرهم قبل أن يقبضه من رجل بفلوس أو غيرها لم يجز لهذا المعنى *
قال وإذا اشترى مائة فلس بدرهم فلم يقبضها حتى باع من رجل تسعين فلسا بدرهم ثم قبض
تلك الفلوس ونقد منها تسعين واستفصل عشرة فهو جائز مستقيم كما لو قبض المائة وهذا لأنه
بالعقد الثاني يلتزم الفلوس في ذمته ولا يضيف العقد إلى دين في ذمة غيره فيكون صحيحا والربح
إنما يحصل له على ملكه وضمانه فيكون طيبا له وان اشترى فاكهة أو غيرها بدانق فلوس
أو بقيراط فلوس فهو جائز لان ذلك معلوم ولو اشترى شيئا من ذلك بدرهم فلوس كان
مثل ذلك في القياس وهو في الدرهم أفحش ولم ينص على حكم الجواز والفساد هنا وروى
هشام عن محمد فيما دون الدرهم انه يجوز وان قال بدرهم فلوس أو بدرهمين لا يجوز وهو
اختيار الشيخ الامام أبى بكر محمد بن الفضل البخاري وعن أبي يوسف انه يجوز في الكل
26

وعند زفر لا يجوز ما لم يبين عدد الفلوس لأن العقد لا يتعلق بالدانق ولا بالدرهم وإنما
يتعلق بالفلوس فلا بد من أن تكون معلومة العدد ولا يحصل ذلك بتسمية الدانق والدرهم لان
الناس قد يستقصون في بيع الفلوس وقد يتسامحون ولان الدانق والدرهم ذكر للوزن
والفلوس عددي فيلغوا اعتبار ذكر الوزن فيه بنفي ذكر الفلوس فلا يجوز العقد الا ببيان
العدد ولا يحصل ذلك بتسمية الدانق والدراهم وأبو يوسف يقول بذكر الدانق والدرهم
يصير عدد الفلوس معلوما لان قدر ما يوجد بالدراهم من الفلوس معلوم في السوق فتسمية
الدرهم كتسمية ذلك العدد في الاعلام على وجه لا تمكن المنازعة فيه بينهما ومحمد يقول فيما
دون الدرهم يكثر الاستعمال بين الناس للعبارة عما يوجد به من عدد الفلوس فيقام مقام
تسمية ذلك العدد وفي الدرهم وما زاد على ذلك قلما يستعمل هذا اللفظ. يوضح الفرق أن
الدانق والدانقين لا يكون معلوم الجنس الا بالإضافة وقد يكون ذلك من الذهب والفضة
وغيرهما من الموزونات فإنما يصير معلوما بذكر الفلوس فأقمنا ذلك مقام تسمية العدد واما الدرهم
فمعلوم بنفسه غير مضاف إلى شئ فلا يجعل عبارة عن العدد من الفلوس فلهذا قال هو في
الدرهم أفحش (رجل) أعطى لرجل درهما فقال أعطني بنصفه كذا فلسا وأعطني بنصفه
درهما صغيرا وزنه نصف درهم فهو جائز لأنه جمع بين عقدين يصح كل واحد منهما بالانفراد
* قال فان افترقا قبل أن يقبض الفلوس والدرهم الصغير بطل في الدرهم الصغير لأن العقد فيه
صرف وقد افترقا قبل قبض أحد البدلين ولم يبطل العقد في الفلوس لأن العقد فيه بيع وان
افترقا قبل قبض أحد البدلين ولم ينقد الثمن حتى افترقا بطل الكل لأنهما افترقا عن دين
بدين وإن كان دفع إليه الدرهم وقال أعطني بنصفه كذا فلسا وأعطني بنصفه درهما صغيرا يكون
فيه نصف درهم الا حبة ففي قياس قول أبي حنيفة يفسد البيع كله وفي قول أبى يوسف ومحمد
رحمهما الله يجوز في الفلوس ويبطل في حصة الصرف لأن العقد في الدرهم الصغير يفسد
لمعنى الربا فان مقابلة نصف الدرهم بنصف درهم الا حبة يكون ربا وعند أبي حنيفة إذا فسد العقد
في البعض لمعنى الربا يفسد في الكل وقد بيناه في البيوع * قال رضي الله عنه الأصح عندي ان
العقد يجوز في حصة الفلوس عندهم جميعا على ما وضع عليه المسألة في الأصل فإنه قال وأعطني
بنصفه الباقي درهما وإذا تكرر الاعطاء يتفرق العقد به وفساد أحد العقدين لا يوجب فساد
الآخر ألا ترى أن على هذا الوضع لا يكون قبول العقد في أحدهما شرطا للقبول في الآخر
27

إلا أن يكون وضع المسألة على ما ذكر الحاكم في المختصر وفي النصف الباقي درهم صغير
فحينئذ يكون العقد واحدا لأنه لم يتكرر ما به ينعقد العقد وهو قوله أعطني ولو قال أعطني كذا
فلسا ودرهما صغيرا وزنه نصف درهم الا قيراطا كان جائزا كله إذا تقابضا قبل أن يتفرقا
لأنه قابل الدرهم هنا بما سمى من الفلوس ونصف درهم الا قيراط فيكون مثل وزن الدرهم
الصغير من الدرهم بمقابلته والباقي كله بإزاء الفلوس * رجل باع درهما زائفا لا ينفق من رجل
قد علم عيبه بخمسة دوانيق فلس فهو جائز لان خمسة دوانيق فلس اسم لمائة فلس إذا كان كل
عشرين بدانق وبيع الدرهم بمائة فلس صحيح وكذلك ان باعه بنصف درهم فلوس ودرهم
صغير وزنه دانقان إذا تقابضا قبل التفرق لأنه يقابل الدرهم الصغير من الدرهم الزيف
مثل وزنه والباقي كله بإزاء الفلوس وان باعه إياه بخمسة دوانيق فضة أو بدرهم غير قيراط
فضة لم يجز لأنه باع الفضة بالفضة متفاضلا في النبهرجة والزيوف من جنس الفضة بخلاف
الستوق ولو قال بعني بهذه الفضة كذا فلسا فهو جائز لأنهما نوعان مختلفان وان باعه إياه بخمسة
أسداس درهم أو بنصف درهم لم يجز لان حقيقة ما سمى يقع على الفضة دون الفلوس وإن كان
قد يراد به الفلوس مجازا ولكن ذاك لا يثبت الا بالتنصيص على الفلوس لان المجاز
لا يعارض الحقيقة وعلى هذا لو اشترى شيئا بدانق أو بدانقين أو بنصف درهم فهذا كله
يقع على الفضة إلا أن يقرن بكلامه ذكر الفلوس فحينئذ تكون عبارة عن عدد من الفلوس
مجازا وان اشترى بدرهم فلوسا وقبضها ولم ينقد الدرهم حتى كسدت الفلوس فالبيع جائز
والدرهم دين عليه لأن العقد في الفلوس قد انتهى بالقبض وصفة الدرهم لم تتغير بكساد الفلوس
فبقي دينا على حاله وان نقد الدرهم ولم يقبض الفلوس حتى كسدت في القياس هو جائز أيضا
لان بالكساد لا تتغير عينها ولا يتعذر تسليمها الا بالعقد وفي الاستحسان بطل العقد لفوات
صفة الثمنية في الفلوس قبل القبض وعليه أن يرد الدرهم لأنه مقبوض في يده بسبب فاسد
وكذلك لو اشترى فاكهة بالفلوس وقبض ما اشترى ثم كسدت الفلوس قبل أن ينقدها فالبيع
ينتقض استحسانا لأنها تبدلت معنى حين خرجت عن أن تكون ثمنا وماليتها كانت بصفة
الثمنية ما دامت رائجة فبفوتها تفوت المالية فلهذا يبطل العقد ويرد ما قبضه إن كان قائما أو قيمته
إن كان هالكا وبعض المتأخرين رحمهم الله يقول معنى قوله البيع ينتقض أنه يخرج من أن
يكون لازما ويتخير البائع في نقضه لما عليه من الضرر عند كساد الفلوس وقد حصل ذلك
28

قبل قبضه فيخير اما أصل المالية فلا ينعدم بالكساد فيبقى العقد كذلك والأول أصح لان
انعقاد هذا العقد لم يكن باعتبار مالية قائمة بعين الفلوس وإنما كان باعتبار مالية قائمة بصفة الثمنية
فيها وقد انعدم ذلك وعن أبي يوسف ان هنا البيع لا ينتقض بخلاف ما إذا اشترى بدرهم
فلوسا لان هناك بعد الكساد لا يجوز ابتداء ذلك العقد لأنها بالكساد تصير مبيعة وبيع ما
ليس عند الانسان لا يجوز وهنا ابتداء البيع بعد الكساد يجوز لان ما يقابلها من الفاكهة
مبيع فالفلوس الكاسدة بمقابلة المبيع يجوز أن تجعل ثمنا باعتبار انه عددي متقارب كالجوز
وغيره وان اشترى فاكهة بدانق فلس والدانق عشرون فلسا فلم يرد الفلوس حتى غلت أو
رخصت فعليه عشرون فلسا لان بالغلاء والرخص لا ينعدم صفة الثمنية وصار هو عند العقد
بتسمية الدوانق مسميا ما يوجد به من الفلوس وذلك عشرون ولو صرح بذلك القدر لم
يتغير العدد بعد ذلك بغلاء السعر ورخصه فهذا مثله. وان اشترى فلوسا بدرهم فوجد فيها
فلسا لا ينفق وقد نقد الدرهم فإنه يستبدله لأنه بمطلق العقد استحق فلوسا نافقة وإن لم
يستبدله حتى افترقا لم يبطل العقد فيه لان ما بإزائه من الدرهم مقبوض كما في الصرف لأنه لو
اشترى دينار بعشرة دراهم ثم وجد بعض الدراهم زيوفا قبل الافتراق كان له أن يستبدله وإن لم
يستبدله حتى تفرقا لم يبطل العقد فهذا قياسه وإن لم يكن نقد الدراهم استبدله أيضا ما لم يتفرقا لان
الدينية إلى آخر المجلس في البدلين عفو وان كانا قد تفرقا وهو فلس لا يجوز مع الفلوس رجع
بحصته من الدراهم كما في الصرف وإذا وجد بعض البدل ستوقا بعد الافتراق ينتقض القبض فيه
من الأصل وما بإزائه غير مقبوض فكان دينا بدين بعد المجلس وإن كان يجوز معها في حال ولا يجوز
في حال استبدله في المجلس قبل أن يتفرقا لأنه بمنزلة الزيوف في الدراهم وقد بينا في الصرف
والسلم انه إذا وجد القليل زيوفا فاستبدل به في مجلس الرد جاز العقد فجعل اجتماعهما في مجلس
الرد كاجتماعهما في مجلس العقد فهذا قياسه وان استحق منها شئ رجع بحصته من الدرهم يعنى
إذا كان نقد الدرهم بعد الافتراق لأنه بالاستحقاق ينتقض القبض فيه من الأصل فتبين ان
الافتراق في ذلك القدر كان عن دين بدين وان استقرض عشرة أفلس ثم كسدت تلك
الفلوس لم يكن عليه الا مثلها في قول أبي حنيفة قياسا وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله
قيمتها من الفضة استحسانا لان الواجب عليه بالاستقراض مثل المقبوض والمقبوض فلوس
هي ثمن وبعد الكساد يفوت صفة الثمنية بدليل مسألة البيع فيتحقق عجزه عن رد مثل ما التزم
29

فيلزمه قيمته كما لو استقرض شيئا من ذوات الأمثال فانقطع المثل عن أيدي الناس بخلاف
ما إذا غلت أو رخصت لان صفة الثمنية لا تنعدم بذلك ولكن تتغير بتغير رغائب الناس فيها
وذلك غير معتبر كما في البيع وأبو حنيفة يقول الواجب في ذمته مثل ما قبض من الفلوس
وهو قادر على تسليمه فلا يلزمه رد شئ كما إذا غلت أو رخصت وهذا لأن جواز الاستقراض
في الفلوس لم يكن باعتبار صفة الثمنية بل لكونها من ذوات الأمثال ألا ترى ان الاستقراض
جائز في كل مكيل أو موزون أو عددي متقارب كالجوز والبيض وبالكساد لم يخرج من أن
يكون من ذوات الأمثال بخلاف البيع فقد بينا أن دخولها في العقد هناك باعتبار صفة
الثمنية وقد فات ذلك بالكساد يوضحه أن بدل القرض في الحكم كأنه عين المقبوض إذ لو لم
يجعل كذلك كان مبادلة الشئ بجنسه نسيئة وذلك لا يجوز فيصير من هذا الوجه كأنه غصب
منه فلوسا فكسدت وهناك برأ برد عينها فهنا أيضا يبرأ برد مثلها ثم عند أبي يوسف إذا وجبت
القيمة فإنما تعتبر قيمتها من الفضة من وقت القبض وعند محمد إذا وجبت القيمة فإنما يعتبر
قيمتها بآخر يوم كانت فيه رائجة فكسدت وهذا بناء على ماذا أتلف شيئا من ذوات الأمثال
فانقطع المثل عن أيدي الناس فهناك عن أبي يوسف يعتبر قيمته وقت الاتلاف وعند محمد
بآخر يوم كان موجودا فيه فانقطع وقد بينا هذا في كتاب الغصب وان استقرض دانق فلوسا
أو نصف درهم فلوس فرخصت أو غلت لم يكن عليه الأمثل عدد الذي أخذ لأن الضمان
يلزمه بالقبض والمقبوض على وجه القرض مضمون بمثله وكذلك لو قال أقرضني دانق
حنطة فأقرضه ربع حنطة فعليه أن يرد مثله باعتبار القبض ولا معتبر بتسمية الدانق فيه وكذلك
لو قال أقرضني عشرة دراهم بدينا فأعطاه عشرة دراهم فعليه مثلها ولا ينظر إلى غلاء الدراهم
ولا إلى رخصها وكذلك كل ما يكال أو يوزن فالحاصل وهو ان المقبوض على وجه القرض
مضمون بالمثل وكل ما كان من ذوات الأمثال يجوز فيه الاستقراض والقرض لا يتعلق بالجائز
من الشروط فالفاسد من الشروط لا يبطله ولكن يلغو شرط رد شئ آخر فعليه أن يرد مثل
المقبوض وكذلك ما يعد من الجوز والبيض وان اقترض الجوز بالكيل فهو جائز لأنه يكال
تارة ويعد أخرى وقد بينا جواز السلم في الجوز كيلا وعددا وما فيه من خلاف زفر فكذلك
حكم القرض فيه والاقراض جائز مندوب إليه لقوله صلى الله عليه وسلم القرض مرتين والصدقة
مرة وقال صلى الله عليه وسلم الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر وقيل معناه انه لا
30

يستقرض إلا المحتاج وقد يتصدق على غير المحتاج ثم الأصل فيه أن ما يكون مضمونا
بالمثل على الغاصب والمستهلك له يجوز استقراضه لان المقبوض بحكم القرض مضمون بالمثل
من غير احتمال الزيادة والنقصان وما يكون مضمونا بالقيمة لا يجوز الاستقراض فيه
لان طريق معرفة القيمة الحزر والظن فلا تثبت به المماثلة المعتبرة في القرض كما لا تثبت به
المماثلة المشروطة في مال الربا وأصل آخر وهو أن القرض في معنى العارية لان ما يسترده
المقرض في الحكم كأنه عين ما دفع إذ لو لم يجعل كذلك كان مبادلة الشئ بجنسه نسيئة
وذلك حرام فكل ما يحتمل حقيقة الإعارة مما ينتفع به مع بقاء عينه لا يجوز اقراضه لان
اعارته لا تؤثر في عينه حتى لا تملك به العين ولا يستحق استدامة اليد فيه فكذلك
اقراضه لا يثبت ملكا صحيحا في عينه وكل ما يتأتى فيه الإعارة حقيقة مما لا ينتفع به الا مع
بقاء عينه فاقراضه واعارته سواء لان منافعه لا تنفصل عن عينه فاقراضه واعارته تمليك
لعينه وإذا ثبت هذا فنقول الاقراض جائز في كل مكيل أو موزون وكذلك في
العدديات المتقاربة كالجوز والبيض لأنها مضمونة بالمثل وإنما يختلفون في اقراض الخبز فالمروي
عن أبي حنيفة أن ذلك لا يجوز وزنا ولا عددا وعن أبي يوسف يجوز وزنا ولا يجوز عددا
وعند محمد انه يجوز عددا قال هشام فقلت له وزنا فرأيته نفر من ذلك واستعظمه وقال من
يفعل ذلك وأما السلم في الخبز فلا يجوز عند أبي حنيفة ولا يحفظ عنهما خلاف ذلك ومن
أصحابنا رحمهم الله من يقول يجوز عندهما على قياس السلم في اللحم ومنهم من يقول لا يجوز
لما علل به في النوادر عند أبي حنيفة قال لأنه لا يوقف على حده معناه انه يتفاوت بالعجن
والنضج عند الخبز ويكون منه الخفيف والثقيل وفي كل نوع عرف لا يحصل ذلك بالاخر
وما لا يوقف على حده لا يجوز السلم فيه ثم لهذه العلة أفسد أبو حنيفة الاستقراض فيه لان
السلم أوسع من القرض حتى يجوز السلم في الثياب ولا يجوز الاستقراض فإذا لم يجز السلم
في الخبز لهذا المعنى فلأن لا يجوز الاستقراض أولى وأبو يوسف يقول الخبز موزون عادة
والاستقراض في الموزونات وزنا يجوز وقد بينا في البيوع أن استقراض اللحم وزنا يجوز
فكذلك الخبز ولا يجوز عددا لأنه متفاوت فيه الكبير والصغير ومحمد جوز استقراضه عددا
لأنه صنع الناس وقد اعتادوه وقد نقل ذلك عن إبراهيم انه سئل عمن استقرض رغيفا فرد
أصغر منه أو أكبر قال لا بأس به وهو عمل الناس قال الكرخي وإنما استعظم محمد قول
31

من يقول لا يجوز استقراضه الا وزنا لأنه لا يجوز الاستقراض فيه وزنا وهذا لان إعلامه
بالوزن أبلغ من إعلامه بذكر العدد فإذا جاز عنده الاستقراض فيه عددا فلان يجوز وزنا
أولى ومن أصحابنا رحمهم الله من قال بل استعظم جواز استقراضه وزنا لان القياس فيه ما قاله
أبو حنيفة أنه لا يوقف على حده وإنما ترك هذا القياس محمد لتعارف الناس وذلك في
استقراضه عددا فبقي استقراضه وزنا على أصل القياس وأما الحيوان فلا يجوز استقراض
شئ منه عندنا وقال الشافعي يجوز ذلك الا في الجواري لما روى النبي صلى الله عليه وسلم انه
استقرض بكرا ورد رباعيا وقال خيركم أحسنكم قضاء ولان الحيوان مما يثبت دينا في الذمة
اما عندي في السلم وعند الكل في النكاح والخلع والصلح في دم العمد فيجوز استقراضه
كالمكيل والموزون وهذا لان القرض موجبه ملك المقبوض بعينه وثبوت مثله في الذمة
والحيوان محتمل فلما كان ذلك محلا لموجب القرض كان الاستقراض جائزا إلا أن في الجواري
لا أجوز الاستقراض كما لا أجوز السلم على أحد القولين وعل القول الذي يجوز السلم فيه
الفرق أن المقصود في الجواري ملك المتعة وعقد المعاوضة مشروع لاثبات ملك المتعة وأما
القرض فبذل بطريق التبرع وملك المتعة لا يثبت بطريق التبرع ولا مدخل للتبرع فيه
فلهذا لا يجوز فيه الاستقراض بخلاف سائر الحيوانات فإنما هو المقصود لما يعمل فيه البدل ويثبت
بطريق التبرع فيجوز استقراضه. وحجتنا في ذلك أن هذا غير مضمون بالقيمة على مستهلكه
فلا يجوز استقراضه كالجواري ولهذا تبين انه لا يمكن اثبات الحيوان دينا في الذمة بمقابلة ما
هو مال مع اعتبار المعادلة في المالية لأنه لا يصار في المستهلكات إلى القيمة الا عند تعذر ايجاب
الثمل وموجب القرض ثبوت المثل في الذمة بشرط المعادلة في المماثلة فإذا تعذر ذلك في الحيوان لم
يجز استقراضه وبه فارق ثبوت الحيوان في الذمة بدلا عما ليس بمال لان ذلك ليس شرط
المعادلة في المماثلة مع أنه لا يثبت في الذمة ثبوتا صحيحا حتى لو أتاها بالقيمة أجبرت على قبوله
ولا مدخل لذلك في القرض ابتداء وعذره في الجواري فاسد لان المقصود ملك العين والمالية
وذلك يعمل فيه البدل ويثبت بطريق التبرع ألا ترى أن ملك العين والمالية يثبت فيها بدون
ملك المنفعة وهو ما إذا كانت أخته من الرضاعة أو منكوحة الغير ولان الحيوان تنفصل
منفعته عن عينه والاستقراض لا يجوز في مثله كالحر وتحقيقه ما قلنا إن الاقراض بمنزلة
الإعارة ففيما تنفصل المنفعة فيه عن العين تتأتى حقيقة الإعارة فلا حاجة إلى تصحيح
32

الاقراض فيه وأما الحديث فإنما استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيت المال حتى
روى أنه قضاه من إبل الصدقة وما كان يقضى ما استقرضه لنفسه من إبل الصدقة وبيت
المال يثبت له وعليه حقوق مجهولة وقيل كان استسلف في الصدقة بكرا فان الاستسلاف
والاستقراض يتفاوت ثم لم تجب الزكاة على صاحبه المال فرده بعد ما صار رباعيا وقيل هذا
كان في وقت كان الحيوان مضمونا بالمثل ثم انتسخ ذلك كما بيناه في أول الغصب فان قبض
الحيوان بحكم القرض وجب عليه رده ولو باعه نفذ بيعه وعليه ضمان قيمته لان المقبوض
بحكم قرض فاسد بمنزلة المقبوض بحكم بيع فاسد إذ الفاسد معتبر بالجائز لأنه لا يمكنه أن
يجعل الفاسد أصلا في معرفة حله لان الشرع لا يرد به فلا بد من اعتباره بالجائز وكذلك العقار
والثياب الاستقراض فيها كالاستقراض في الحيوان وفرق علماؤنا رحمهم الله بين السلم
والقرض في الثياب فقالوا الثياب لا تثبت في الذمة ثبوتا صحيحا إلا مؤجلا والقرض لا يكون
الا حالا وحقيقة المعنى فيه أن المعتبر في المسلم فيه اعلام المالية على وجه لا يبقي فيه تفاوت إلا
يسيرا ليكون المقصود بالعقد معلوما للعاقد وذلك في الثياب بذكر الوصف ممكن اما في باب
القرض فالشرط اعتبار المماثلة في العين المقبوضة وصفة المالية وذلك لا يوجد في الثياب بدليل
أنها لا تضمن بالمثل عند الاستهلاك فلهذا لا يجوز الاستقراض فيها وكذلك لا يجوز اقراض
الخشب والحطب والقصب والرياحين الرطبة والبقول لأنها مضمونة بالقيمة عند الاستهلاك
فاما الحناء والوسمة والرياحين اليابسة التي تكال لا بأس باستقراضها لأنها مضمونة بالمثل
عند الاستهلاك * ولا يجوز الاجل في القرض معناه أنه لو أجله عند الاقراض مدة معلومة
أو بعد الاقراض لا يثبت الاجل وله أن يطالبه به في الحال وعند مالك يثبت الاجل في
القرض لأنه دين لا يستحق قبضه في المجلس فيجوز التأجيل فيه كالثمن والأجرة يدل عليه
ان التأجيل اسقاط المطالبة إلى مدة واسقاط المطالبة ببدل القرض لا إلى غاية بالابراء صحيح
فالتأجيل فيه أولى أن يصح ولنا فيه طريقان أحدهما أن المقرض متبرع ولهذا لا يصح
الاقراض ممن لا يملك التبرع كالعبد والمكاتب فلو لزم الاجل فيه لصار التبرع ملزما المتبرع
شيئا وهو الكف عن المطالبة إلى مضى الاجل وذلك يناقض موضوع التبرع وشرط ما
يناقض موضوع العقد به لا يصح وكذلك الحاقه به لا يصح فلهذا لا يلزم الاجل فيه وان ذكر
بعد العقد والثاني أن القرض بمنزلة العارية على ما قررنا والتوقيت في العارية لا يلزم حتى أن
33

المعير وان وقته سنة فله أن يسترده من ساعته فكذلك الاجل في القرض وبه يتبين الجواب
عن قوله هو دين لان بدل القرض في الحكم عين المقبوض إذ لو جعل دينا على الحقيقة كان
بدلا عن المقبوض في الحكم فيكون مبادلة الشئ بجنسه نسيئة وهذا بخلاف الابراء لأنه
بالابراء يزيل ملكه وإزالة الملك بالتبرع صحيح فاما بالقرض فلا يزيل ملكه فلو لزم الاجل
فيه لكان يلزمه الكف عن المطالبة بملكه إلى مضى الاجل وهو مخالف لموضوع التبرع فاما
التأجيل في بدل الغصب والمستهلك فيجوز عندنا ولا يجوز عند زفر والشافعي رحمهما الله أما مع
الشافعي فالكلام ينبنى على أصل وهو ان عنده الاجل لا يثبت في شئ من الديون إلا
بالشرط في عقد المعاوضة حتى قال لو أجله في الثمن بعد البيع لا يثبت الاجل لان الشرط
إنما يعتبر في ضمن العقد اللازم إما منفردا عن العقد فلا يتعلق به اللزوم ولكنا نقول ما كان
دينا على الحقيقة إذا لم يكن مستحق القبض في المجلس فاسقاط القبض فيه بالابراء صحيح
فكذلك بالتأجيل اما زفر فهو يقول المستهلك مضمون بالمثل كالمستقرض فكما لا يلزم الاجل
في القرض فكذلك في بدل الغصب وهذا لان المعتبر فيهما المعادلة في صفة المالية وبين الحال
والمؤجل تفاوت في المالية معنى فالتأجيل فيه بمنزلة التزام رد أجود مما قبض أو أزيف أو أردأ
منه وذلك لا يكون ملزما * وجه قولنا ان بدل المستهلك دين في الذمة على الحقيقة فاشتراط
الاجل فيه يلزم كسائر الديون بخلاف المستقرض فإنه في حكم العين والقرض بمنزلة العارية
كما بينا ولهذا قال أبو يوسف ان الملك لا يثبت للمستقرض في العين بنفس القبض والمقرض
أحق باسترداده ما لم يخرج المستقرض عن ملكه ولكنا نقول المستقرض يملك العين
بالقبض لأنه يملك المنفعة ومنفعة المكيل والموزون لا تنفصل عن العين فإذا يملك العين التحق
بسائر أملاكه وكان الخيار في تعيين ما يرده إلى المستقرض وهذا لأنه دين في ذمته صورة
وقد جعل كالعين حكما فلاعتبار انه دين صورة جعلنا اختيار محل القضاء إلى من في ذمته
ولاعتبار أنه عين حكما قلنا لا يلزم فيه الاجل وعارية الدراهم والدنانير قرض للأصل الذي
قلنا إن القرض بمنزلة العارية والعارية في كل مالا يمكن الانتفاع به الا باستهلاك لعينه يكون
قرضا وهذا لان المعير مسلط المستعير على الانتفاع بالمستعار على أن يرده عليه وفيما يجوز فيه
القرض المنفعة لا تنفصل عن العين فيكون بالإعارة مسلطا له على استهلاك العين في حاجته على
أن يرد عليه مثله وذلك اقراض * قال ألا ترى أن المستعير للدراهم لو اشترى جارية كانت له
34

وعليه مثلها وهو إشارة لما بينا فإنه إذا اشترى جارية وجب ثمنها في ذمته وقد جوز له المعير
الانتفاع بتلك الدراهم في حاجته وقضاء الدين من حاجته فكان له أن يقضي الدين بها على
أن يضمن مثلها فاما الأواني من الذهب والفضة والجواهر وغيرها فليست بقرض ولكنها
عوار لان منافعها تنفصل عن عينها ولا يتعذر حكم الإعارة فيها حتى لو باعها المستعير لم
يجز بيعه فيها وكذلك اللآلئ ولا كارع والرؤس لا يجوز اقراضها والله أعلم
(باب القرض والصرف فيه)
قال رحمه الله روي عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالت أعطاني
رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا وخمسين وسقا من تمر خيبر وعشرين وسقا من شعير فقال
لي عاصم بن عدي أعطيك تمرا هنا وآخذ تمرك بخيبر فقالت لا حتى أسأل عن ذلك فسألت
عمر بن الخطاب رضي الله عنه فنهاني عنه وقال كيف بالضمان فيما بين ذلك وبه نأخذ فان هذا
إن كان بطريق البيع فاشتراط ايفاء بدل له حمل ومؤنة في مكان آخر مبطل للبيع وهو مبادلة
التمر بالتمر نسيئة وذلك لا يجوز وإن كان بطريق الاستعراض فهذا قرض جر منفعة وهو
اسقاط خطر الطريق عن نفسه ومؤنة الحمل ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قرض
جر منفعة وسماه ربا وعن محمد بن سيرين قال أقرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب
رضي الله عنه عشرة آلاف درهم وكانت لأبي رضي الله عنه نخل بعجل فأهدى أبي بن كعب
رضي الله عنه رطبا لعمر رضي الله عنه فرده عليه فلقيه أبى فقال أظننت اني أهديت إليك
لأجل مالك ابعث إلى مالك فخذه فقال عمر لأبي رضي الله عنهما رد علينا هديتنا وبه نأخذ
فان عمر رضي الله عنه إنما رد الهدية مع أنه كان يقبل الهدايا لأنه ظن أنه أهدى إليه لأجل
ماله فكان ذلك منفعة القرض فلما أعلمه أبى رضي الله عنه انه ما أهدى إليه لأجل ماله
قبل الهدية منه وهذا هو الأصل ولهذا قلنا إن المنفعة إذا كانت مشروطة في الاقراض فهو
قرض جر منفعة وإن لم تكن مشروطة فلا بأس به حتى لورد المستقرض أجود مما قبضه فإن كان
ذلك عن شرط لم يحل لأنه منفعة القرض وإن لم يكن ذلك عن شرط فلا بأس به لأنه
أحسن في قضاء الدين وهو مندوب إليه. بيانه في حديث عطاء قال استقرض رسول الله
صلى الله عليه وسلم من رجل دراهم فقضاه وأرجح له فقالوا أرجحت فقال صلى الله عليه وسلم
35

انا كذلك نزن فإذا جاز الرجحان له من غير شرط فكذلك صفة الجودة قالوا وإنما يحل ذلك
عند عدم الشرط إذا لم يكن فيه عرف ظاهر أما إذا كان يعرف أنه فعل ذلك لأجل القرض
فالتحرز عنه أولى لان المعروف كالمشروط والذي يحكى انه كأن لأبي حنيفة على رجل مال
فاتاه ليطالبه فلم يقف في ظل جداره ووقف في الشمس لا أصل له لان أبا حنيفة كان أفقه من
ذلك فان الوقوف في ظل جدار الغير لا يكون انتفاعا بملكه كيف ولم يكن مشروطا ولا
مطلوبا وذكر عن الشعبي انه كان يكره أن يقول الرجل للرجل أقرضني فيقول لا حتى
أبيعك وإنما أراد بهذا اثبات كراهة العينة وهو ان يبيعه ما يساوى عشرة بخمسة عشر ليبيعه
المستقرض بعشرة فيحصل للمقرض زيادة وهذا في معنى قرض جر منفعة والاقراض مندوب
إليه في الشرع والغرر حرام الا ان البخلاء من الناس تطرقوا بهذا إلى الامتناع مما يدنو إليه
والاقدام على ما نهوا عنه من الغرور وبنحوه ورد الأثر إذا تبايعتم بالعين واتبعتم أذناب البقر
ذللتم حتى يطمع فيكم وعن ابن عمرو الحسن رضي الله عنهما قال في الرجل يكون له على الرجل
دراهم فيعطيه دنانير يأخذها بقيمتها في السوق وهذا لان عند اختلاف الجنس لا يظهر الربا
بخلاف ما إذا كان الجنس واحدا كما ذكر ذلك عن الشعبي وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عتاب بن أسيد رضي الله عنه إلى مكة وقال إنهم عن
شرطين في بيع وعن بيع وسلف وعن بيع ما لم يقبض وعن ربح ما لم يضمن وبه نأخذ وصفة
الشرطين في البيع أن يقول بالنقد بكذا وبالنسيئة بكذا وذلك غير جائز والبيع مع السلف أن
يبيع منه شيئا ليقرضه أو يؤجله في الثمن ليعطيه على ذلك ربحا وبيع مال يقبض عام دخله
الخصوص في غير المبيع من الصداق وغيره وظهر أن المراد النهى عن البيع مع بقاء الغرور في
الملك المطلق للتصرف وذلك في المنقول دون العقار وقد بيناه في البيع وعن ربح ما لم يضمن
هو في معنى هذا فان المبيع قبل القبض ليس في ضمان المشترى فما يحصل فيه من الربح
لا يطيب له * وزاد في بعض الروايات عن بيع ما ليس عنده يعنى ما ليس في ملكه بيانه في
حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه قال لرسول الله اني ربما أدخل السوق فاستجيد السلعة ثم أذهب فأبيعها ثم ابتاعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبع ما ليس عندك
وعن الشعبي قال أقرض عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رجلا دراهم فقضاه الرجل من جيد
عطائه فكره ذلك ابن مسعود رضي الله عنه فقال لا الا من عرضه مثل دراهمي وعن عامر
36

رحمه الله لا بأس بأن يقضي أجود من دراهمه إذا لم يشترط ذلك عليه وقد روى أن ابن عمر
رضي الله عنهما كان يفعله وبه نأخذ وتأويل كراهة ابن مسعود رضي الله عنه ان الرجل
إنما فعل ذلك لأجل القرض فلهذا كره وقد رد عمر رضي الله عنه الهدية بمثل هذا وعن
صلة بن زفر قال جاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه على فرس بلقاء فقال إنه أوصي إلى
في يتيم فقال عبد الله رضي الله عنه لا تشتر من ماله شيئا ولا تستقر من منه شيئا وبه نأخذ
فنقول ليس للوصي أن يستقرض من مال اليتيم لأنه لا يقرض غيره فكيف يستقرضه لنفسه
وهذا لان الاقراض تبرع فلا يحتمله مال اليتيم وبظاهر الحديث يأخذ محمد رحمه الله فيقول
إذا اشترى الوصي من مال اليتيم لنفسه شيئا لا يجوز ولكن أبا حنيفة يقول مراده إذا
اشترى بمثل القيمة أو بأقل على وجه لا يكون فيه منفعة ظاهرة لليتيم لان مقصوده من
هذا الامر له أن ينفى التهمة على نفسه وعن عطاء رحمه الله أن ابن الزبير رضي الله عنه كان
يأخذ بمكة الورق من التجار فيكتب لهم إلى البصرة والى الكوفة فيأخذون أجود من ورقهم
قال عطاء فسألت ابن عباس رضي الله عنه عن أخذهم أجود من ورقهم فقال لا بأس بذلك
ما لم يكن شرطا وبه نأخذ فنقول المنهى عنه هي المنفعة المشروطة اما إذا لم تكن مشروطة
فذلك جائز لأنه مقابلة الاحسان بالاحسان وإنما جزاء الاحسان الاحسان وكذلك قبول
هديته وإجابة دعوته لا بأس به إذا لم يكن مشروطا وعن ابن عباس رضي الله عنهما انه كان
يأخذ الورق بمكة على أن يكتب لهم إلى الكوفة بها وتأويل هذا عندنا انه كان عن غير الشرط
فاما إذا كان مشروطا فذلك مكروه والسفاتج التي تتعامله الناس على هذا ان أقرضه بغير شرط
وكتب له سفتجة بذلك فلا بأس به وان شرط في القرض ذلك فهو مكروه لأنه
يسقط بذلك خطر الطريق عن نفسه فهو قرض جر منفعة * رجل باع من رجل عبدا
بثمن مسمى إلى شهر على أن يوفيه إياه بمصر آخر عينه فالبيع جائز لان الثمن معلوم والأجل
معلوم بالمدة الا ان فيما لاحمل له ولا مؤنة يطالبه بالتسليم حيث يجده بعد مضى الاجل وفيما
له حمل ومؤنة لا يطالبه به الا في الموضع المشروط لان الشرط معتبر إذا كان مقيدا غير معتبر
إذا لم يكن مقيدا وهذا بخلاف القرض فان المستقرض مضمون بالمثل فلا يجوز فيه شرط
الايفاء في مكان آخر ولان اشتراط مكان التسليم كاشتراط زمان التسليم لان التسليم
لا يتأتى الا بمكان وزمان وشرط الزمان في القرض للتسليم لا يلزم وهو الاجل فكذلك
37

شرط المكان بخلاف البيع فإن لم يبين في البيع مدة الاجل والمسألة بحالها ففيما له حمل ومؤنة
العقد فاسد وصورته ان يبيعه العبد بحنطة موصوفة بالكوفة على أن يسلمها بالبصرة
فهذا شرط أجل مجهول لان تعيين مكان التسليم فيما له حمل ومؤنة معتبر ولا يلزمه التسليم
ما لم يأتيا ذلك المكان واما مالا حمله له ولا مؤنة فكذلك الجواب في ظاهر الرواية لاشتراطه
الاجل المجهول لنفسه إلا أن يأتي ذلك المكان وعن أبي يوسف انه يجوز العقد ويطالبه
بالتسليم في الحال لان التسليم فيما لاحمل له ولا مؤنة لا يتقيد بالمكان المذكور ومعنى الاجل
في ضمنه فإذا لم يثبت كان الثمن حالا وإذا أقرض الرجل الرجل الدراهم ثم صالحه منها على
أقل من وزنها فهو جائز لأنه قبض البعض وأبرأه عن البعض وكل واحد منهما صحيح في
الكل فكذلك في البعض فان فارقه قبل أن يعطيها لم يبطل الصلح لأنه لا يتمكن في هذا
التصرف معنى المبادلة وصحة الابراء لا تستدعى القبض وهذا بخلاف ما لو صالحه على أن أجله
فيها شهرا لان التأجيل بعد الاقراض كالمقرون بالاقراض والمعنى الذي لأجله لا يلزم الاجل
إذا اقترن بالاقراض انه بمنزلة العارية فهو موجود في التأجيل بعد الاقراض وان صالحه
على عشرة دنانير فهو جائز إذا كان يدا بيد لتمكن معنى المبادلة في هذا الصلح بسبب اختلاف
الجنس فان افترقا قبل قبض الدنانير بطل الصلح وان افترقا بعد ما قبض بعضها يبرأ من حصة
المقبوض وعليه رد ما بقي من الدراهم اعتبارا للبعض بالكل وان صالحه منها على ذهب تبر
أو مصوغ لا يعلم وزنه جاز ان قبضه قبل الافتراق لان ربا الفضل ينعدم عند اختلاف الجنس
بخلاف ما إذا صالحه على فضة لا يعلم وزنها فهناك لاتحاد الجنس ربا الفضل يجرى وتوهم
الفضل كتحققه فيما ينبنى أمره على الاحتياط ووقع في بعض نسخ الأصل لو صالحه على ذهب
تبر جزافا بعينه أو ورق قيل قوله أو ورق زيادة من الكاتب وقيل بل هو صحيح لان في
لفظ الصلح ما يدل على أن ما وقع عليه الصلح من الورق أقل من الدين لان مبنى الصلح على
التجوز بدون الحق فيجوز إلا أن يعلم أنه أكثر من حقه وزنا وان أقرضه درهما ثم اشترى
به فلوسا بعينها أو بغير عينها فهو جائز ان قبضها قبل أن يتفرقا لان الفلوس الرائجة لا تتعين عند
المقابلة بخلاف جنسها فان فارقه قبل القبض بطل لأنه دين بدين فان قيل ليس كذلك لأنه
قابض للدرهم بذمته ولهذا يسقط عنه فكان هذا عينا بدين وقد بينا في بيع الفلوس
بالدراهم أن قبض أحد البدلين قبل الافتراق يكفي قلنا نعم صار قابضا له بذمته ولكن دينا لا عينا
38

لان الدين لا يتعين إلا بقبض مال عين وذلك لا يحصل بالقبض بالذمة فلا يخرج به من أن
يكون دينا بدين فيكون هذا افتراقا عن دين بدين وان أقرضه ألف درهم فأخذ بها كفيلا
ثم صالح الكفيل الطالب على عشرة دنانير وقبضها جاز لان الكفيل قائم مقام الأصل ويثبت
في ذمته ما هو في ذمته الأصيل وصلحه مع الأصيل جائز على الدنانير بشرط القبض في المجلس
فكذلك مع الكفيل ثم الكفيل يرجع على الأصيل بالدراهم لأنه بالصلح ملك ما في ذمته
ولو ملكه بالأداء أو بالهبة رجع به على الأصل فكذلك إذا ملكه بالصلح ولو صالحه على
مائة درهم لم يرجع على المكفول عنه إلا مائة درهم لان الطالب هنا يتبرأ عما زاد على
مائة والكفيل لا يتملك المكفول به بالابراء فلا يرجع الا بقدر ما أدى والطالب له أن
يرجع بتسعمائة على المكفول عنه (قال الشيخ الامام الاجل أبو بكر محمد بن الفضل) لم
يذكر فضل رجوع الطالب على المطلوب هنا وإنما ذكره في موضع آخر. ووجه ذلك أن
الصلح مع الكفيل على مائة درهم بمنزلة ابراء الطالب عن الباقي وبراءة الكفيل لا توجب
براءة الأصيل فكان للطالب أن يرجع بالتسعمائة الباقية لهذا بخلاف الأول ففي الصلح هناك
معنى المبادلة لاختلاف الجنس فيصير به متملكا جميع الألف ولا مبادلة هنا فان مبادلة المائة
بالألف ربا * قال ولو أن المكفول عنه صالح الكفيل قبل أن يؤدي الكفيل المال إلى الطالب
على عشرة دنانير ودفعها إليه كان جائزا لان بالكفالة كما وجب المال للطالب على الكفيل
وجب للكفيل على الأصيل ولكنه مؤجل إلى أن يؤدى والصلح عن الدراهم المؤجلة على
دنانير صحيح بشرط القبض في المجلس فان أدى المكفول عنه الدراهم بعد ذلك رجع به
على الكفيل الا ان يشاء الكفيل أن يرد الدنانير التي أخذ لأنه إنما أعطاه ليسقط مطالبة
الطالب عنه ولم تسقط فله أن يرجع به عليه كما لو أعطاه جنس المال ثم الكفيل صار مستوفيا
منه الدراهم بطريق الصلح ومبنى الصلح على الاغماض والتجوز بدون الحق فإذا من لزمه
الرد تخير بين أن يرد المقبوض بعينه وبين أن يرد ما صار مستوفيا بالمقاصة من الدراهم ولو
كان صالحه على مائة درهم لم يرجع عليه الا بها لان ما زاد على المائة الكفيل مبرئ للأصيل
وفي المائة مستوف فلا يلزمه إلا رد ما استوفى وإذا أقرض الرجل الرجل ألف درهم وقبضها
منه وأمره أن يصرفها له فصرفها له بالدنانير فلا يجوز على الطالب لأنه لا دين عليه فان رضى
الطالب أن يأخذ الدنانير ففعل ذلك فهو جائز كما لو استبدل معه دراهم القرض بالدنانير هكذا
39

في رواية أبى سليمان من غير تنصيص على الخلاف فيه وفي رواية أبى حفص قال هذا قول أبي حنيفة
أما على قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فهو جائز على الطالب سواء صرف الدراهم
بالدنانير أو الدنانير بالدراهم وسواء قبضه الطالب في المجلس أو بعده وهو الصحيح والمسألة
تنبنى على ما بينا في كتاب البيوع وإذا قال الطالب للمطلوب أسلم مالي عليك في كر حنطة
وقد قررنا الخلاف في تلك المسألة فكذلك في هذه إذ لا فرق بين أن يأمره بالصرف مع غير
المعين أو السلم عندهما يصح في الوجهين جميعا باعتبار انه أضاف الوكالة إلى ملكه فالدين في
ذمة المديون ملك الطالب وعند أبي حنيفة لا يجوز في الوجهين لأنه أمره بدفع الدين إلى من
يختاره لنفسه وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فدفع المطلوب إلى الطالب دنانير
وقال اصرفها وخذ منها فقبضها فهلكت قبل أن يصرفها هلكت من مال الدافع والمدفوع إليه
مؤتمن لأنه قبض الدنانير بحكم الوكالة والوكيل أمين فيما دفعه الموكل إليه من ماله فان صرفها
وقبض الدراهم فهلكت قبل أن يأخذ منها حقه هلكت من مال الدافع أيضا لأنه في القبض
بحكم العقد عامل للامر فهلاكه في يده كهلاكه في يد الآمر حتى يأخذ منها حقه فإذا أخذ
حقه وضاع ما أخذه فهو من ماله لأنه في هذا الاخذ عامل لنفسه وإنما يصير آخذا حقه
باحداث القبض فيه لأجل نفسه ولو دفعه إليه المطلوب قضاء لحقه كان داخلا في ضمانه
فكذلك إذا قبضه بأمره وان قال بعها بحقك فباعها بدراهم مثل حقه وأخذها فهو من ماله
لأنه بالبيع ممتثل أمره وإنما يكون ذلك إذا كان في القبض عاملا لنفسه حتى يتحقق كونه
تابعا بحقه بخلاف الأول فان هناك أمره بالبيع للامر فكان في القبض عاملا للآمر ما لم
يستوف حقه من المقبوض وإذا اشترى بيعا على أن يقرضه فهذا فاسد لنهى النبي صلى الله
عليه وسلم عن بيع وسلف ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط والمراد شرط فيه منفعة
لاحد المتعاقدين لا يقتضيه العقد وقد وجد ذلك وإذا أقرض المرتد أو استقرض فقتل على
ردته فقرضه الذي عليه دين في ماله اما لان تصرفه قد بطل فبقي هو قابضا مال الغير على
وجه التملك وذلك موجب الضمان عليه أو لان تصرفه من حيث الاستقراض صحيح فان
توقف تصرفه لحق الورثة واستقراضه لا يلاقى محلا فيه حق الورثة فان قيل أليس العبد
المحجور إذا استقرض واستهلك لم يلزمه ضمانه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ما لم يعتق فكذلك
المحجور بسبب الردة ينبغي أن لا يكون ضامنا ما استقرض في ماله الذي هو حق الورثة
40

قلنا العبد يصح منه التزام الضمان بالاستقراض في حق نفسه حتى يؤاخذ به بعد العتق
فكذلك من المرتد يصح الالتزام في حق نفسه ثم حقه في المال يقدم على حق الورثة ولهذا
يقضى سائر الديون من ماله فكذلك هذا الدين وما أقرضه المرتد فهو دين على صاحبه لأنه
قبضه بشرط الضمان وذلك موجب عليه في حق المرتد وفي حق ورثته واقراض المرتدة
واستقراضها جائز كما يجوز سائر تصرفاتها ولا يجوز اقراض العبد التاجر والمكاتب والصبي
والمعتوه لأنه تبرع وهؤلاء لا يملكون التبرع * وإذا أقرض الرجل صبيا أو معتوها فاستهلكه
لا ضمان عليه هكذا أطلق في نسخ أبى حفص وفي نسخ أبى سليمان قال وهذا قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله أما في قول أبى يوسف فهو ضامن لما استهلك وهو الصحيح لأنه بمنزلة الوديعة
لأنه سلطه على الاستهلاك بشرط الضمان وتسليط الصبي على الاستهلاك صحيح وشرط
الضمان عليه باطل وقد قررنا هذه الطريقة في كتاب الوديعة فهي في القرض أظهر. وان
أقرض عبدا محجورا عليه فاستهلكه لم يأخذه به حتى يعتق وهو على الخلاف الذي بينا وإن لم
ينص عليه وعند أبي يوسف يؤاخذ به في الحال كما في الوديعة. وان وجد المقرض ماله بعينه
عند واحد من هؤلاء فهو أحق به لأنه عين ملكه. وإذا باع الرجل دراهم بدراهم إلى أجل
وقبض فهو فاسد لوجود المجانسة والقدر والنساء حر أم عند وجود أحد الوصفين فعند وجودهما
أولى. والمقبوض بمنزلة القرض حال عليه فان وجد دراهمه بعينها فللآخر ان يعطيه غيرها
لأنه قرض عليه واختيار محل قضاء بدل القرض إلى من عليه وقد بينا فيه خلاف أبى يوسف
وفي نسخة أبى سليمان ليس للآخر ان يعطيه غيرها وهذا هو الأصح لأنها مقبوضة بحكم
عقد فاسد فيجب ردها بعينها على ما بينا أن الدراهم تتعين بالقبض وان كانت لا تتعين بالعقد
والله أعلم بالصواب
(باب الرهن في الصرف)
قال رحمه الله وإذا اشترى عشرة دراهم بدنانير ونقده الدنانير وأخذ بالعشرة رهنا
يساويها فهلك الرهن في يده قبل أن يتفرقا فهو بما فيه وقد بينا في البيوع حكم الرهن برأس
مال السلم فبدل الصرف فيه مثله ثم بقبض الرهن تثبت له يد الاستيفاء ويتم ذلك بهلاك
الرهن ويصير بهلاك الرهن مستوفيا عين حقه من مالية الرهن لا مستبدلا فلهذا بقي عقد
41

الصرف وكذلك لو اشترى سيفا محلى بدنانير أو بمائة درهم وقبض السيف وأخذ ثمنه رهنا
فيه وفاء فهلك قبل أن يتفرقا ولو نقده الثمن وأخذ رهنا بالسيف وفيه وفاء فهلك الرهن عنده
قبل أن يتفرقا فإنه يقضى له بالسيف لان أخذ الرهن بالأعيان لا يجوز لان موجب عقد
الرهن ثبوت يد الاستيفاء واستيفاء العين من العين غير ممكن فيبقى السيف على ملكه بعد
هلاك الرهن ويقضى عليه بالأقل من قيمة السيف ومن قيمة الرهن لأنه قبض الرهن على جهة
الاستيفاء والمقبوض على جهة الشئ كالمقبوض على حقيقته في حكم الضمان. وكذلك لو كان
مكان السيف منطقة أو سرج مفضض أو اناء مصوغ أو فضة تبر وهذا دليل على أن التبر
يتعين بالتعيين في العقد في أنه جعله كالسيف في أنه لا يجوز أخذ الرهن بعينه فان هلك الرهن بعد
ما تفرقا قبل القبض فقد بطل عقد الصرف بالافتراق لان تمام الاستيفاء بهلاك الرهن
فالافتراق قبله مبطل لعقد الصرف ولكن المرتهن ضامن الأقل من قيمة الرهن ومما رهن
به سواء كان رهنا بالثمن أو بالمثمن لأن الضمان حكم يثبت بالقبض والقبض باق بعد ما بطل
عقد الصرف بالافتراق فعند هلاك الرهن يتم الاستيفاء فيما انعقد ضمانه بالقبض وقد بطل
العقد الموجب للاستيفاء فيلزمه رد المستوفى كما لو استوفاه حقيقة والله أعلم
(باب الصرف في المعادن وتراب الصواغين)
قال رحمه الله ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال كان أهل الجاهلية إذا هلك
الرجل في البئر جعلوها عقله وإذا جرحته دبة جعلوها عقله وإذا وقع عليه معدن جعلوه عقله
فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن
جبار وفي الركاز الخمس قالوا وما الركاز قال لذهب الذي حقله الله تعالى في الأرض يوم خلقها
والمراد بالعجماء الدابة لأنها بهيمة لا تنطق ألا ترى أن الذي لا يفصح يسمى أعجميا والجبار
الهدر وفيه دليل أن فعل الدابة هدر لأنه غير صالح بأن يكون موجبا على صاحبها ولا ذمة لها
في نفسها وفي بعض الروايات قال والرجل جبار والمراد أن الدابة إذا رمحت برجلها فلا ضمان فيه
على السائق والقائد لان ذلك لا يستطاع الامتناع منه بخلاف ما لو كدمت الدابة أو ضربت
باليد حيث يضمن لان في وسع الراكب أن يمنعه بأن يرد لجامه وأما البئر والمعدن فجبار لان
سقوطه بعمل من يعالجه فيكون كالجاني على نفسه وفيه دليل لنا على وجوب الخمس في المعدن
42

فقد أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس في الركاز ثم فسر الركاز بالمعدن وهو الذهب
المخلوق في الأرض حين خلقت فان الكنز موضوع العباد واسم الركاز يتناولهما لان الركز
هو الاثبات يقال ركز رمحه في الأرض وكل واحد منهما مثبت في الأرض خلقة أو وضعا
وعن عامر رحمه الله قال وجد رجل ألف درهم وخمسمائة درهم في قرية خربة فقال علي رضي
الله عنه سأقضى فيها قضاء بينا ان كنت وجدتها في قرية يؤدى خراجها قوم فهم أحق
بها منك وإن كنت وجدتها في قرية ليس يؤدى خراجها أحد فخمسها لبيت المال وبقيتها لك
وسنتمها لك فجعل الكل له وفيه دليل لأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله على أن واجد الكنز في
ملك الغير لا يملكه ولكن يردها على صاحب الخطة وهو أول مالك كان لهذه الأرض بعد
ما افتتحت وفيه دليل وجوب الخمس في الكنز وان للامام أن يضع ذلك في الواحد إذا رآه
محتاجا إليه وله أن يضع ذلك في بيت المال كما رواه عن علي رضي الله عنه في الحديث الآخر
قال إن كانت قرية خربت على عهد فارس فهم أحق به وان كانت عادية خربت قبل ذلك
فهو للذي وجده فوجدوها كذلك فأدخل خمسه بيت المال وأعطى الرجل بقيته وعن مسروق
ان رجلا وجد كنزا بالمدائن فدفعه إلى عامله فأخذه كله فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت
بفيه الكثكث يعنى التراب فهل لا أخذ أربعة أخماس المال ودفع إليه خمسه وهذا مثل في العرب
معروف للجانب المخطئ في عمله وهو مراد عائشة رضي الله عنها بما قالت يعنى انه خاب
وخسر لخطئه فيما صنع في دفعه الكل إلى العامل فقد كان له أن يخفى مقدار حقه في ذلك ولا
يدفع إلى العامل الا قدر الخمس وعن جبلة بن حميد عن رجل منهم خرج في يوم مطير إلى
دير خربة فوقعت فيه ثلمة فإذا أستوقة أو جرة فيها أربعة آلاف مثقال ذهب قال فأتيت بها
عليا رضي الله عنه فقال أربعة أخماسها لك والخمس الباقي منه اقسمه في فقراء أهلك وهذا
دليل على جواز وضع الخمس في قرابة الواحد وان للامام أن يفوض ذلك إليه كما له أن
يفعله بنفسه لان خمس الركاز في معنى خمس الغنيمة ووضع ذلك في قرابة الغانمين جائز إذا
كانوا محتاجين إليه وعن الحارث الأزدي قال وجد رجل ركازا فاشتراه منه أبى بمائة شاة
تبيع فلامته أمي وقالت اشتريته بثلاثمائة أنفسها مائة وأولادها مائة وكفايتها مائة فندم
الرجل فاستقى له فأبى أن يقيله فقال لك عشر شياه فأبى فقال لك عشرة أخرى فأبى فعالج
الركاز فخرج منه قيمة ألف شاة فأتاه الاخر فقال خذ غنمك وأعطني مالي فأبى عليه فقال
43

لأضربنك فأتى عليا رضي الله عنه فذكر ذلك له فقال علي رضي الله عنه إذ خمس ما وجدت
للذي وجد الركاز قاما هذا فإنما أخذ ثمن غنمه وفيه دليل على أن بيع المعدن بالعروض جائز
وقوله بمائة شاة تبيع أي كل شاة يتبعها ولدها وهي حامل بأخرى وهذا معنى ملامها إياه
حيث قالت اشتريتها بثلاثمائة والمراد بقولها وكفايتها حملها وقيل المراد لبنها وفيه دليل على أن
المتصرف لا ينبغي له أن يبنى تصرفه على رأى زوجته فإنه ندم بناء على رأيها ثم خرج له
منه قيمة ألف شاة وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم شاوروهن وخالفوهن وفيه دليل
على أن خمس الركاز على الواجد دون المشترى وان بيع الواجد قبل أداء الخمس جائز في
الكل فيكون دليلا لنا على جواز بيع مال الزكاة بعد وجوب الزكاة فيه وفيه دليل على أنه
لا ينبغي للمرء أن يقصد الاضرار بالغير فيكون ذلك سببا للحوق الضرر به كما ابتلى به
هذا الرجل وهذا معنى ما يقال من حفر مهواة وقع فيها ويقال المحسن يجزى باحسانه والمسئ
ستلقيه مساويه وعن الشعبي قال لا خير في بيع تراب الصواغين وهو غرر مثل السمك في
الماء وبه نأخذ فالمقصود ما في التراب من الذهب والفضة لا عين التراب فإنه ليس بمتقوم وما
فيه ليس بمعلوم الوجود والصفة والقدر فكان هذا بيع الغرر ونهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن بيع فيه غرر ولكن هذا إذا لم يعلم هل فيه شئ من الذهب والفضة أم لا
فان علم وجود ذلك فبيع شئ منه معين بالعروض جائز على ما بينه إن شاء الله وعن عبد الله
ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رجلا من مزينة يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما
يوجد في الطريق العام فقال صلوات الله عليه عرفها حولا فان جاء صاحبها والا فهي لك
وفيه دليل على أن الملتقط عليه التعريف في اللقطة وبظاهره يستدل الشافعي ويقوله له ان
يتملكها بعد التعريف وإن كان غنيا ولكنا نقول مراده فاصرفها إلى حاجتك لأنه صلى الله
عليه وسلم علمه محتاجا وعندنا للفقير أن ينتفع باللقطة بعد التعريف قال فان وجدها في الخرب
العادي ففيها وفي الركاز الخمس والمراد بالركاز المعدن لأنه عطفه على الكنز وإنما يعطف الشئ
على غيره لا على نفسه وكل من احتفر من المعدن فعليه خمس ما وجد وله أربعة أخماسه لما روينا
من الأثر قال وأكره أن تتقاسموا التراب ولا أجيزه وان فعلوا حتى تخلص تقاسمونه على ما
يخلص من ذلك لما بينا ان المقصود ما في التراب وحقهم في ذلك سواء وعند قسمة التراب
لا يعلم مقدار ما يصل من المقصود إلى كل واحد منهم فهم في معنى قسمة الذهب والفضة مجازفة
44

وذلك لا يجوز كما لا يجوز البيع فيه مجازفة بجنسه. ولو اشترى معدن فضة بفضة لم يجز لأنه
لا يدرى أن ما في تراب المعدن من الفضة مثل الفضة الأخرى أو أقل أو أكثر والاخذ
بالاحتياط في باب الربا واجب قال ابن مسعود رضي الله عنه كنا ندع تسعة أعشار الحلال
مخافة الحرام وقال صلى الله عليه وسلم ما اجتمع الحلال والحرام في شئ الا وقد غلب الحرام
الحلال وقال في الربا من لم يأكله أصابه من غباره وكذلك ان اشتراه بذهب أو فضة فلعل ما
في التراب من الفضة مثل المنفصل فيكون الذهب ربا لأنه فضل خال عن العوض فالتراب
ليس بمتقوم. وان اشتراه بذهب جاز لان ربا الفضل لا يجوز عند اختلاف الجنس وكان
بالخيار إذا خلص ذلك منه ورأي ما فيه لأنه إنما كشف له الحال الآن ولا يتم رضاه الا بذلك
فكان الخيار إليه كمن اشترى شيئا لم يره. وكذلك لو اشتراه بعرض وكذلك تراب معدن
من الذهب إذا اشتراه بذهب لم يجز وان اشتراه بفضة أو عرض جاز لانعدام الربا بسبب
اختلاف الجنس وإذا احتفر موضعا من المعدن ثم باع تلك الحفرة فان بيعه باطل لأنه باع ما
لا يملك فان تلك الحفرة لم يملكها بمجرد الحفر لان الملك إنما يثبت بالاحراز وهو لم يحرزه
فان احرازه فيما رفع من التراب دون الباقي في مكانه فهو كبيع صخرة من الجبل قبل أن
يحرزها ويخرجها وتأويل حديث علي رضي الله عنه أن الرجل كان أحرز بعضها فباع ذلك المحرز
بمائة شاة وباع له الباقي ولهذا قال علي رضي الله عنه أد خمس ما وجدت من الركاز يعنى ما
أحرزته وكذلك ان أعطاها رجلا على أن يعوضه منها عوضا فهو باطل لأنه ملك مالا يملك
واشتراط العوض عليه في اخراج المباح وذلك باطل فرجع في عوضه وما احتفر الرجل من
الحفرة فأحرزه فهو له بالاحراز وعليه الخمس في ذلك * وان استأجر الرجل الأجير يعمل معه
بتراب معدن معروف فهو جائز إذا كان يعلم أن فيه شيئا من الذهب أو الفضة لان جهالة
مقداره لا تفضي إلى المنازعة لما كان التراب معينا معروفا وله الخيار إذا رأى ما فيه كمن أجر
نفسه بعوض لم يره فهو بالخيار إذا رآه. وان استأجره بوزن من التراب مسمى بغير عينه لم يجز
لان المقصود ما في التراب وذلك لا يصير معلوما بذكر وزن التراب فقد يكثر ذلك في
البعض ويقل في البعض الآخر وينعدم في البعض وهذا الجهالة تفضي إلى المنازعة. وكذلك
لو اشترى عرضا بوزن من التراب بغير عينه فهو باطل لما قلنا وإن كان لرجل على رجل دين
فأعطاه به ترابا بعينه يدا بيد فإن كان الدين فضة فأعطاه تراب فضة لم يجز لتوهم الفضل فيما أعطاه وان
45

أعطاه تراب ذهب أو تراب جاز لاختلاف الجنس وهو بالخيار إذا رأى ما فيه. وإذا استقرض
الرجل من الرجل تراب ذهب أو تراب فضة فإنما عليه مثل ما يخرج من ذلك التراب من
الذهب والفضة بوزنه لان المقصود ما فيه واستقراضه جائز فيكون مضمونا بالمثل والقول فيه
قول المستقرض لأنه منكر للزيادة التي يدعيها المقرض وإن كان استقراض التراب على أن
يعطيه ترابا مثله لم يجز معناه أن الشرط لا يجوز لان في هذا الشرط زيادة أو نقصانا فيما
استقرضه مما هو المقصود ومثل هذا الشرط في القرض باطل وكذلك لو اشتراه شراء فاسدا
واستهلك التراب فعليه مثل ما فيه من ذهب أو فضة والقول في مقداره قول الضامن لأن العقد
لا يتناول عين التراب لأنه ليس بمتقوم وإنما يتناول ما فيه وان اشترى تراب فضة
بتراب فضة أو تراب ذهب بتراب ذهب لم يجز تساويا أو تفاضلا لان المعقود عليه ما في
التراب وبالمساواة في وزن التراب لا تحصل المماثلة فيما هو المقصود وهو شرط جواز العقد
وان اشترى تراب ذهب بتراب فضة جاز كما يجوز بيع الذهب بالفضة مجازفة وكل واحد
منهما بالخيار إذا رأى ما فيه لان المقصود صار معلوما له الآن والله أعلم
(باب صرف القاضي)
قال رحمه الله وحكم القاضي في الصرف وحكم وكيله وأمينه كحكم سائر الناس لأنه فيما
يباشر من العقود ليس بقارض وإن كان قاضيا فمباشرة العقد على وجه القضاء تستدعى من
الشرائط ما تستدعيه مباشرته لا على وجه القضاء وإن كان لليتيم دراهم فصرفها الوصي بدنانير
من نفسه بسعر السوق لم يجز لأنه ليس في هذا الصرف منفعة ظاهرة لليتيم وهو شرط
نفوذ تصرف الوصي فيما يعامل نفسه وكذلك لو كان في حجره يتيمان لأحدهما دراهم
وللآخر دنانير فصرفها الوصي بينهما لم يجز لأنه ان نفع أحدهما فقد أضر بالآخر وهو لا
ينفرد بالتصرف الا بشرط منفعة ظاهرة وإذا اشترى من مال اليتيم شيئا لنفسه نظرت فيه
فإذا كان خيرا لليتيم أمضيت البيع فيه والا فهو باطل وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف
الآخر رحمهما الله وفي قوله الأول وهو قول محمد لا يجوز أصلا للأثر الذي روينا عن ابن
مسعود رضي الله عنه والمسألة مذكورة في كتاب الوصايا أما أبو الصبي أو جده أبو أبيه
بعد موت الأب فلا يملك التصرف مع نفسه بمثل القيمة لان شفقته تحمله على أن لا يترك
46

النظر له فلا حاجة فيه إلى المنفعة الظاهرة لليتيم بخلاف الوصي وان اشترى تراب الصواغين
بذهب أو فضة أو بذهب وفضة فلا خير فيه لأنه لا يدري لعل فيه من أحد النقدين خاصة
مثل الذي بمقابلته من ذلك النوع فيكون النوع الآخر ربا وان اشتراه بغير الفضة والذهب
جاز وله الخيار إذا رآه وعلم ما فيه لان المقصود الآن صار معلوما له وكذلك إذا كان يعلم أن
فيه ذهبا وفضة فاشتراه بذهب وفضة يجوز على أن يصرف الجنس إلى خلاف الجنس وقد بينا
نظيره في بيع الجنسين بجنسين وان اشتراه بسيف محلى أو منطقة مفضضة أو قلادة فيها ذهب
ولؤلؤ وجوهر فلا خير فيه لان من الجائز أن ما في التراب مثله الحلية فيبقى السيف ربا وان علم
أن فيه ذهبا وفضة فلا بأس بأن يشتريه بفضة وجوهرا وبذهب وعرض من العروض على
ما بينا أن تصحيح العقد هنا ممكن بأن يصرف المثل إلى المثل والباقي بإزاء العروض والحكم
في تراب معدن فضة ومعدن ذهب يشتريهما رجل جميعا على ما بينا في تراب الصواغين
لاشتمال التراب على الذهب والفضة جميعا وشرط الخيار في ذلك كله مفسد للبيع وكذلك
التفرق قبل القبض لأن العقد صرف باعتبار المقصود وهو ما في التراب. ولو اشتري ذهبا
وفضة لا يعلم وزنهما بفضة وذهب لا يعلم وزنهما جاز بطريق صرف الجنس إلى خلاف
الجنس ولا يجوز بيع العطاء والرزق فالرزق اسم لما يخرج للجند من بيت المال عند رأس كل
شهر والعطاء اسم لما يخرج له في السنة مرة أو مرتين وكل ذلك صلة يخرج له فلا يملكها قبل
الوصول إليه وبيع مالا يملك المرء لا يجوز وكذلك ان زيد في عطائه فباع تلك الزيادة بالعروض
أو غيرها فهو باطل وهو قول الشعبي وبه نأخذ وكان شريح يجوز بيع زيادة العطاء بالعروض
ولسنا نأخذ بهذا الآن زيادة العطاء كأصله في أنه لا يملكه قبل القبض ولو كان مملوكا له كان
دينا وبيع الدين من غير من عليه الدين لا يجوز فإذا لم يجز هذا فيما هو دين حقيقة فكيف
يجوز في العطاء ولكن ذكر عن إبراهيم وشريح رحمهما الله أنهما كانا يجوزان الشراء بالدين
من غير من عليه لدين وقد بينا أن زفر أخذ بقولهما في ذلك والله أعلم
(باب الإجارة في الصياغة)
قال رحمه الله وان استأجر أجيرا بذهب أو فضة يعمل له في فضة معلومة يصوغها صياغة
معلومة فهو جائز وكذلك الحلي والآنية وحلية السيف والمناطق وغيرها لأنه استأجره لعمل
47

معلوم ببدل معلوم فلا تشترط المساواة بين الأجرة وبين ما يعمل فيه من الفضة في الوزن لان
ما يشترط له من الأجرة بمقابلة العمل لا بمقابلة محل العمل وكذلك إذا استأجره ليخلص له
ذهبا أو فضة من تراب الصواغين أو تراب المعادن إذا اشترط من ذلك شيئا معلوما لان مقدار
عمله بعد تعيين المحل معلوم عند أهل الصنعة على وجه لا تمكن فيه منازعة وكذلك ان استأجره
ليفضض له حليا أو بنقش بنقش معروف فذلك جائز لان العمل معلوم والبدل بمقابلته معلوم
وكذلك ان استأجره ليموه له لجاما فان اشترط ذهب التمويه على الذي يأخذ الاجر فلا خير فيه
لان مقدار ما يحتاج إليه من الذهب للتمويه غير معلوم ولان العقد في ذلك صرف فلا بد من
التقابض في المجلس ولم يوجد وان استأجره بدراهم ليموه له حرزا بقيراط ذهب فهذا
باطل إلا أن يقبض الدرهم ويقبض ذلك القيراط ثم يرده إليه ويقول موه به وكذلك ان
استأجره بذهب أكثر من ذلك فإنه لا يجوز إلا أن يتقابضا لأن العقد في الذهب صرف ولو
استأجره بعرض أو بشئ من المكيل أو الموزون بعينه على أن يموه له ذلك بذهب أو فضة
مسمى فهو جائز لان بعض العرض بمقابلة الذهب المسمى يكون تبعا والقبض في المجلس
ليس بشرط في بيع العين بالدين وبعضه بمقابلة العمل وهي إجارة صحيحة فان عمله فقال
المستأجر لم يدخل فيه ما شرطت لي وقال الآخر قد فعلت فالقول قول المستأجر مع يمينه
لانكاره القبض في بعض ما استحقه بالبيع ثم يعطى المموه قيمة ما زاد التمويه في متاعه إلا أن
يرضى أن يأخذ بقوله لأنه أقام أصل العمل ولكنه غيره عن الصفة المشروطة عليه فان
رضى بأن يأخذ بقوله فقد وجد ابقاء المشروط والا فعليه قيمة ما زاد التمويه في متاعه وقد
بينا نظائره في باب الاستصناع من كتاب الإجارات في مسألة الصياغ وان استأجره يحمل
له مالا من أرض إلى أرض أو ذهبا أو فضة مسماة فهو جائز وكذلك تراب المعادن أو تراب
الصياغة لأنه عمل معلوم ببيان المسافة والمحمول وكذلك لو استأجره يبيع له ذلك شهرا
فالمعقود عليه منافعه وهي معلومة ببيان المدة بخلاف ما لو استأجره ليبيع هذا العبد بعينه
حيث لا يجوز لان الإجارة وردت على البيع والبيع ليس في وسعه فهو بمنزلة ما لو استأجر
إنسانا للتذرية ولم يبين المدة حيث لا يجوز ولو استأجره يحفر له في هذا المعدن عشرة أذرع
بكذا فهو جائز ولو استأجره لينقى تراب المعدن أو تراب الصياغة بنصف ما يخرج منه كان
فاسدا لان الاجر مجهول ووجوده على خطر وهو استئجار ببعض ما يخرج من عمله فيكون
48

بمعنى قفيز الطحان فله أجر مثله لأنه أو في المنفعة بعقد فاسد وان استأجر اناء فضة أو حلى
ذهب يوما بذهب أو فضة جاز لان المستأجر منتفع به لبسا أو استعمالا والبدل بمقابلة المنفعة
دون العين فلا يتحقق الربا فيه ولو استأجر منه ألف درهم أو مائة دينار بدرهم أو ثوب
لم يجز قال لأنه ليس باناء يريد أنه لا ينتفع به مع بقاء عينه ومثله لا يكون محلا للإجارة وإنما
يرد عقد الإجارة على ما ينتفع به مع بقاء عينه وقد بينا أن الإعارة في الدراهم والدنانير لا تحقق
ويكون ذلك قرضا فكذلك الإجارة ولو استأجر سيفا محلى أو منطقة أو سرجا مدة
معلومة بدراهم أكثر مما فيه أو أقل فهو جائز لان الانتفاع بهذه الأعيان مع بقاء العين
ممكن والبدل بمقابلة المنفعة دون الحلية ولو استأجر صائغا يصوغ له طوق ذهب بقدر معلوم
وقال زد في هذا الذهب عشرة مثاقيل فهو جائز لأنه استقرض منه تلك الزيادة وأمره أن
يخلطه يملكه فيصير قابضا كذلك ثم استأجره في إقامة عمل معلوم في ذهب له ولان هذا معتاد
فقد يقول الصائغ لمن يستعمله أن ذهبك لا يكفي لمن تطلبه فيأمره أن يزيد من عنده وإذا كان
أصل الاستصناع يجوز فيما فيه التعامل فكذلك الزيادة فان قال قد زدت فيه عشرة مثاقيل
وقال رب الطوق إنما زدت فيه خمسة فإن لم يكن محشوا بوزن الطوق ليظهر به الصادق منهما
فإن كان محشوا فالقول قول رب الطوق مع يمينه لانكاره القبض في الزيادة على خمس مثاقيل
الا ان يشأ الصائغ أن يرده عليه مثل ذهبه ويكون الطوق للصائغ لان الطوق في يده وهو
غير راض بإزالة يده عنه ما لم يعطه عشرة مثاقيل وقد تعذر ذلك بيمين رب الطوق فكان للصائغ
أن يمسك الطوق ويرد عليه مثل ذهبه قال وهذا لا يشبه الأول يريد به مسألة الحرز فقد بينا
هناك ان الخيار لصاحب الحرز لان ذهب التمويه صار مستهلكا لا يتخلص من الحرز بمنزلة الصبغ
في الثوب فكان الخيار لصاحب الحرز وهنا عين ما زاد من الذهب قائم في الطوق فالصائغ فيه
كالبائع فيكون له أن يمتنع من تسليمه ما لم يصل إليه كمال العوض وان أمر الصائغ أن يصوغ
له خاتم فضة فيه درهم بنصف درهم وأراه القدر وقال لتكون الفضة على قرضا من عندك
لم يجز لان الفضة للصائغ كلها والمستقرض لا يصير قابضا لها فيبقى الصائغ عاملا في ملك نفسه
ثم بائعا منه الفضة بأكثر من وزنها وذلك لا يجوز بخلاف الأول فهناك المستقرض يصير
قابضا للذهب يخلطه بملكه فإنما يكون الصائغ عاملا له في ملكه فلهذا يستوجب الاجر عليه
وفي مسألة الخاتم يفسد أيضا لعلة أخرى وهو انه صرف بالنسيئة وذلك لا يجوز سواء كان
49

بمثل وزنه أو أكثر والله أعلم.
(باب الغصب في ذلك)
قال رحمه الله رجل غصب رجلا قلب فضة أو ذهب فاستهلكه فعليه قيمته مصوغا من
خلاف جنسه عندنا وعند الشافعي عليه قيمته من جنسه بالغة ما بلغت لان من أصله أن للجودة
والصنعة في الذهب والفضة قيمة وان قوبلت بجنسها وعندنا لا قيمة للجودة والصنعة عند
مقابلتها بجنسها فلو ضمن قيمتها من جنسها بالغة ما بلغت أدى إلى الربا وان ضمن مثل وزنها
ففيه ابطال حقه في الصنعة فلمراعاة الجانبين قلنا يعتبر قيمتها من خلاف جنسها وعند الشافعي
رحمه الله يضمن قيمتها من جنسها بالغة ما بلغت لان للصنعة عنده قيمة وان قوبلت بجنسها
والربا إنما يكون شرطا في العقد فاما في ضمان المغصوب والمستهلكات فلا يتمكن الربا بناء
على أصله ان ضمان الغصب لا يوجب الملك في المضمون وعندنا يوجب الملك وقد تقدم بيان
الأصلين في كتاب البيوع والغصب والقول في الوزن والقيمة قول الغاصب مع يمينه لأنه
منكر للزيادة والطالب مدع لذلك فعليه البينة وكذلك الرجل يكسر اناء فضة أو ذهب لرجل فعليه
قيمة من خلاف جنسه سواء قل النقصان بالكسر أو كثر لان ايجاب ضمان النقصان عليه
متعذر فان الوزن باق بعد الكسر ولا قيمة للصنعة بانفرادها ولو رجع بضمان النقصان كان آخذا
عين ماله وزنا مع زيادة وتلك الزيادة ربا فلمراعاة حقه في الصنعة قلنا يضمنه القيمة من
خلاف جنسه ويدفع المكسور إليه بالضمان وان شاء أمسك المكسور ولم يرجع بشئ لان
شرط التضمين تضمين المكسور إليه فإذا أتى ذلك كان مبرئا له بخلاف الثوب إذا أحرقه
فهناك بالحرق اليسير يضمنه النقصان فقط وفي الحرق الفاحش له ان يمسك الثوب ويضمنه
النقصان لان الثوب ليس بمال الربا فكانت الصنعة فيه متقومة فايجاب ضمان النقصان فيه
لا يؤدي إلى الربا فان قضي القاضي عليه بالقيمة وافترقا قبل أن يقبضها فذلك لا يضر عندنا
وعلى قول زفر رحمه الله يبطل قضاء القاضي بافتراقهما قبل القبض لان ما جرى بينهما صرف
فان تمليك الفضة المكسوة بالذهب والتقابض في المجلس شرط في الصرف ولأجله يثبت
حكم لربا فيه حتى لا يقوم بجنسه فكذلك يثبت حكم التقابض وبان كان يجبر عليه في الحكم
لا ينعدم معنى الصرف فيه في حكم التقابض في المجلس كمن اشترى دارا بعبد وفي الدار
50

صفائح من ذهب ثم حضر الشفيع وقضى القاضي له بالشفعة بقيمة العبد يشترط قبض حصة
الصفائح في المجلس لأن العقد فيه صرف. وحجتنا في ذلك أن استرداد القيمة عند تعذر رد
العين كاسترداد العين فان القيمة سميت قيمة لقيامها مقام العين ولو قضى القاضي على الغاصب
برد عين القلب لا يشترط القبض في المجلس فكذلك إذا قضى برد القيمة عند تعذر رد العين
وهذا لأن الغصب ليس بسب موجب للملك وإنما هو موجب للضمان ثم ثبوت الملك في
المضمون شرطا لتقرر حقه في القيمة وشرط الشئ يتبعه وإذا كان باعتبار ما هو الأصل لا
يجب التقابض فكذلك باعتبار البيع بخلاف البيع فإنه سبب الملك في البدلين وهو نظير ما
لو قال لغيره أعتق عبدك عنى على ألف درهم فقال أعتقت لا يشترط القبول فيه وإن كان
ذلك شرطا في البيع إن كان مقصودا لان اندراج البيع هنا بطريق انه شرط للعتق وبه
فارق الشفعة فالشفيع يتملك الدار ابتداء بما يعطى من قيمة العبد بدل الدار في حقه فلوجود المبادلة
مقصودا شرطنا قبض حصة الصفائح في المجلس يوضح ما قلنا إن اشتراط القبض في
الصرف للتعيين من حيث إن كل واحد من العوضين فيه يجوز أن يكون غير معين في الابتداء
وهذا لا يوجد في الغصب فالغصب والاستهلاك لا يردان الا على معين فلا معنى لاشتراط
القبض هنا للتعيين ومعنى المبادلة فيه غير مقصودة. يوضحه انه لو انتقض القضاء بالافتراق
عن المجلس احتاج القاضي إلي اعادته بعينه من ساعته فيكون اشتغالا بما لا يفيد وكذلك ان
اصطلحا على القيمة فهو على الخلاف لأنهما فعلا بدون القاضي عين ما يأمر به القاضي أو رفعا
الامر إليه ولو أجل القيمة عنه شهر أجاز ذلك أيضا عندنا خلافا لزفر وقد بينا هذا الخلاف
في التأجيل في الغصوب والمستهلكات انه يلزمه عندنا خلافا لزفر فعنده هذا التأجيل باطل
لمعنيين أحدهما ان قبض القيمة في المجلس عنده واجب والثاني ان بدل المغصوب والمستهلك
عنده كبدل القرض فلا يثبت فيه الاجل وعندنا قبض القيمة في المجلس ليس بواجب والقيمة
دين حقيقة وحكما فبالتأجيل يلزم كالثمن في البيع وإذا استهلك إناء من نحاس أو حديد أو
رصاص كان ضامنا لقيمته دراهم أو دنانير لان الاناء ليس من ذوات الأمثال بخلاف تبر
الحديد والنحاس فهو موزون من ذوات الأمثال فيكون مضمونا بالمثل على المستهلك وفي
الآنية يقضى القاضي بالقيمة ان شاء من الدراهم وان شاء من الدنانير لان الأشياء بهما تقوم
وبأيهما قوم هنا لا يؤدي إلى الربا ولكنه ينظر إن كان يباع ذلك بالدراهم يقضى بقيمته
51

دراهم وإن كان بالدنانير فبالدنانير وكذلك السيف والسلاح وكذلك لو كسره أو هشمه هشما
يفسده فإن كان هشما لا يفسده ضمنه النقصان ان كأن لا يباع وزنا لأنه ليس بمال الربا حتى
يجوز بيع الواحد منه بالاثنين يدا بيد مكان كالثوب وقد بينا الفرق بين هذا أو الأواني
المتخذة من الذهب والفضة ان بالصنعة هناك لا تخرج من أن تكون موزونة باعتبار النص
فيهما والمعتبر فيما سواهما العرف وإذا كسر اناء فضة لرجل واستهلكه صاحبه قبل أن يعطيه
إياه فلا شئ لصاحبه على الذي كسره لان شرط التضمين تسليم المكسور إليه وقد فوته
بالاستهلاك ولو غصب اناء فضة فكسره وصاغه شيئا آخر فللمغصوب منه أن يأخذه عند
أبي حنيفة وعندهما لا يأخذه ولكن يضمنه قيمة الأول مصوغا وقد بينا المسألة في كتاب
الغصب وان غصبه دراهم أو دنانير فإذا بها كان لصاحبها أن يأخذها ان شاء وان شاء ضمن
الغاصب مثل ما غصبه لأنه بالإذابة ما أحدث فيها صنعة وإنما فوت الصنعة وبه لا يملك
المغصوب كما لو قطع الثوب ولم يخطه وإذا غصب درهما فألقاه في دراهم له فعليه مثله لأنه خلط
المغصوب بماله خلطا يتعذر على صاحبه الوصول إلى عينه فيكون مستهلكا ضامنا لمثله والمخلوط
يصير مملوكا له عند أبي حنيفة وعندهما لصاحبه الخيار بين التضمين والشركة وكذلك الخلاف
في كل ما يخلط وقد بيناه في الغصب وان غصب فضة وسبكها في فضة له حتى اختلطا فعليه مثل
ما غصب وكذلك لو غصب دراهم لرجل ودراهم لآخر فخلطهما خلطا لا يمكن تمييزه أو سبك
ذلك كله فهو ضامن لمال كل واحد منهما والمخلوط له بالضمان وعندهما لكل واحد منهما
الخيار بين التضمين والشركة ولو غصب دراهم أو دنانير فجعلها عروة في قلادة فهذا استهلاك
وعلى الغاصب مثلها لأنه صيرها وصفا من أوصاف ملكه حتى يدخل في بيع ملكه من غير
ذكر وقد غصبها مقصودا بنفسه فإذا صار ذلك مستهلكا بفعله وجب عليه ضمان المثل فهو نظير
الساحة إذا أدخلها الغاصب في بنائه وإذا رد الغاصب أجود مما غصب أو أردأ منه ورضى به
المغصوب منه جاز لأنه أبراه من صفة الجودة حين رضي بالأردأ ولو أبرأه عن بعض القدر
جاز فكذلك عن الصفة وفي الأجود أحسن الغاصب في قضاء ما عليه وذلك مندوب إليه
كما لو أرجح ولا يشترط رضا المغصوب منه بالأجود إلا على قول زفر وقد بيناه في البيوع
وان غصبه ألف درهم ثم اشتراها منه بمائة دينار ونقده الدنانير والدراهم قائمه في منزل
الغاصب أو مستهلكة فهو سواء وهو جائز أما بعد الاستهلاك فلانه قابض لبدل الدنانير
52

بذمته وفي حال قيام العين هو قابض لها بيده لأنها مضمونة في يده بنفسها وهذا القبض
ينوب عن قبض الشراء وكذلك لو كان الذي غصبه اناء فضة وكذلك لو صالحه عنه على مثل
وزنه من جنسه وأعطاه جاز وكذلك لو كان الاناء مستهلكا لان ما أشرنا إليه من المعنى يعم
المفصول فان صالحه من الفضة على ذهب بتأخير أو على فضة مثلها بتأخير كان جائزا عندنا
خلافا لزفر وقد بينا أنه لا فرق بين قضاء القاضي بالقيمة عليه وبين تراضيهما عليه بالصلح
وهذا لان المغصوب في حكم المستهلك إذا كأن لا يتوصل إلى عينه فما يقع الصلح عليه يكون
بدل المغصوب المستهلك وليس هذا كالشئ القائم بعينه يبيعه إياه يعنى لو كان قائما بعينه قد
أظهره فباعه منه كان هذا صرفا ولا يجوز الا يدا بيد لان حقه في استرداد العين إذا كان
قائما بعينه فيبيعه منه بخلاف الجنس يكون معاوضة مبتدأة وإن كان الاناء غائبا عنه فقال
اشتريته منك بنسيئة فانى أكره ذلك إذا وقع عليه اسم البيع كرهت منه ما أكره من
الصرف لان البيع مبادلة مال بمال قائم فلفظهما دليل على كون الاناء قائما فلا يختلف الجواب
بكونه حاضرا أو غائبا والقياس في الصلح هكذا الا انى استحسن في الصلح إذا كان الاناء مغيبا
عنه لأنه ليس في نفس الصلح ما يدل على قيامه وما لا يتوصل إلى عينه فهو مستهلك حكما
أما إذا كان ظاهرا أو هو مقر به فانى أكره الصلح والبيع في ذلك الا على ما يجوز في الصرف
فان ما يجرى بينهما صرف بزعمهما فيؤاخذان بأحكام الصرف فيه والله أعلم
(باب الصرف في الوديعة)
قال رحمه الله وإذا استودع رجل رجلا ألف درهم فوضعها في بيته ثم التقيا في السوق
فاشتراها منه بمائة دينار ونقد الدنانير لم يجز ان فارقه قبل أن يقبض الوديعة من بيته لان
الوديعة أمانة في بيته والقبض المستحق بالعقد قبض ضمان فقبض الأمانة لا ينوب عنه لأنه
دونه بخلاف قبض الغصب ولان يد المودع كيد المودع ألا ترى أن هلاكها في يد المودع
كهلاكها في يد المودع فإذا لم يحدد القبض فيها لنفسه حتى افترقا فإنما افترقا قبل قبض البدلين *
وان أودعه سيفا محلى فوضعه في بيته ثم التقيا في السوق فاشتراه منه بثوب وعشرة دراهم
ودفع إليه العشرة والثوب ثم افترقا انتقض البيع كله لان السيف في حكم شئ واحد وقد
انتقض العقد في حصة الحلية بترك القبض في المجلس لأنه صرف فينتقض في الكل لما في
53

تمييز البعض من البعض في التسليم من الضرر. وكذلك لو اشتراه بسيف محلى فدفعه إليه ولم
يقبض الوديعة من بيته حتى افترقا فان حلية السيف بحلية السيف لا يجوز لأنه صرف وقد
انتقض ذلك كله لأنه شئ واحد * قال وكان ينبغي أن يكون نصل السيف وحمائله وجفنه
بنصل الآخر وحمائله وجفنه فإن كان في حلية أحدهما فضل أضيف ذلك إلى النصل والحمائل
وكان ذلك كله بحمائل هذا ونصله ولكن دع هذا وأفسد البيع كله * وحاصل هذا الكلام
ان الحلية بمثل وزنها من الحلية ولا تجعل الحلية بمقابلة النصل في العقد لأن العقد في الوجهين
صحيح وصرف الجنس إلى خلاف الجنس لترجيح جهة الجواز على جهة الفساد وإذا جاز العقد
في الوجهين فإنما يقابل الفضة مثل وزنها وهنا العقد جائز ولكن بالافتراق قبل القبض يفسد
وإنما يحتال لتصحيح العقود لا لإلغائها بعد صحتها وإذا فسد العقد في حصة الصرف يفسد فيما
بقي أيضا لما يكون على كل واحد منهما من الضرر في تمييز البعض من البعض في التسليم ولو
قبض كل واحد منهما قبل أن يفترقا كان جائزا وتكون فضة كل واحد منهما بفضة الآخر
وحمائل كل واحد منهما ونصله بحمائل الآخر ونصله فإن كان في الحلية فضل أضيف الفضل
إلى الحمائل من الجانب الآخر والنصل وهذا مثل رجل باع لرجل ثوبا ونقرة فضة بثوب
ونقرة فضة فالثوب بالثوب والفضة بالفضة لان الفضة يقابلها في العقد مثل وزنها من الفضة
وذلك حكم ثابت بالنص فيكون أقوى من شرط المتعاقدين فإن كان فيه فضل من أحد
الجانبين فهو مع الثوب بالثوب الآخر كرجل اشتري نقرة وزن عشرة دراهم وثوبا بشاة
وأحد عشر درهما فعشرة بعشرة ودرهم ومساواة بالثوب فان تفرقا قبل القبض انتقض من
ذلك عشرة بعشرة وجاز في الشاة والدرهم والثوب لأن العقد في ذلك ليس بصرف وتمييز
البعض عن البعض ممكن من غير ضرر فالفساد لمعنى طارئ في البعض لا يتعدى إلى ما بقي
ولو باع ثوبا ودينار بثوب ودرهم فالثوب بحصة من الثوب والدرهم والثوب الآخر بحصة
من الثوب والدينار لأنهما جنسان قوبلا بجنسين فليس صرف البعض إلى البعض بأولى من
البعض فللمعاوضة يثبت الانقسام باعتبار القيمة فإذا افترقا قبل التقابض بطلت حصة الذهب
من الفضة وحصة الفضة من الذهب لأن العقد في ذلك الجزء صرف وجاز البيع في كل
واحد من الثوبين بصاحبه بالحصة التي سميت له ولا خيار له في ذلك لان عيب التبعيض
بفعل كل واحد منهما وهو ترك القبض والتسليم في بدل الصرف فيكون كل واحد منهما
54

راضيا بعيب التبعيض فلهذا لا خيار لهما في ذلك والله أعلم بالصواب
(باب الصرف في الوزنيات)
قال رحمه الله رجل اشتري من رجل درهما معه لا يعلم وزنه بدرهم مثل وزنه أجود منه
أو أردأ منه فهو جائز لان شرط الجواز المساواة في الوزن دون العلم بمقدار الوزن ولا معتبر
بالجودة والرداءة في المساواة المشروطة في العقد وكذلك لو قال بعني بهذا الدرهم فضة مثل
وزنه لان الفضة تثبت دينا في الذمة وشرط جواز العقد وهو المساواة وزنا موجود. ولو
اشترى مثقالي فضة ومثقالي نحاس بمثقال فضة وثلاثة مثاقيل حديد كان جائزا بطريق أن
الفضة بمثلها وزنا وما بقي من الفضة والنحاس بالحديد فلا يمكن فيه الربا وكذلك مثقال صفر
ومثقال حديد بمثقال صفر ومثقال رصاص فالصفر بمثله والرصاص بما بقي لان الصفر موزون
وقد بينا أن الحكم في مال الربا انه يقابل الشئ مثله من جنسه فالحاصل أن حكم الربا في
الفروع يثبت على الوجه الذي يثبت في الأصل لأنه إنما يتعدى إلى الفرع حكم الأصل
فكما أن في الذهب والفضة تثبت المقابلة بهذه الصفة عند اطلاق العقد فكذلك في الفروع
وعلى هذا نقول الحديد كله نوع واحد ما يصلح أن يصنع منه السيف وما لا يصلح كذلك
ولا يجوز الا وزنا بوزن لان الحكم في الفرع يثبت على الوجه الذي يثبت في الأصل وفي
الذهب والفضة تجعل أنواع النقرة جنسا واحد البيضاء والسوداء في ذلك سواء وأنواع
الذهب كذلك فكذلك الحديد وان افترقا قبل التقابض لم يبطل البيع لان الحديد يتعين
بالتعيين بخلاف الذهب والفضة وقد بينا في البيوع الفرق بين الصرف وغيره من البيوع في
الأموال الربوية في اشتراط القبض وكذلك الرصاص القلعي بالأسرب فهذا رصاص كله
يوزن ولكن بعضه أجود من بعض وبالجودة والرداءة لا يختلف الجنس ولا بأس بالنحاس
الأحمر بالشبه والشبه واحد والنحاس اثنان يدا بيد من قبيل ان الشبه قد زاد فيه الصبغ
فيجعل زيادة النحاس من أحد الجانبين بزيادة الصبغ الذي في الشبه * قال ولا خير فيه نسيئة
لأنه نوع واحد وبزيادة الصبغ في الشبه لا يتبدل الجنس ولأنه موزون منفق في المعنى
والوزن بهذه الصفة يحرم النساء ولا بأس بالشبه بالصفر الأبيض يدا بيد الشبه واحد والصفر
اثنان لما في الشبه من الصبغ ولا خير فيه نسيئة لأنه موزون متفق في المعنى وكذلك
55

الصفر الأبيض لا بأس به واحدا منه باثنين من النحاس الأحمر لان الصفر الأبيض فيه
رصاص قد اختلط به فباعتباره يجوز العقد ولا خير فيه نسيئة لأنه موزون كله. وان افترقا
في جميع ذلك وهو قائم بعينه ولم يتقابضا لم يفسد البيع لأنهما افترقا عن عين بعين وكل ما لم
يخرج بالصنعة من الوزن في المعاملات لم يبع بجنسه الا وزنا بوزن سواء لان المصوغ الذي
يباع وزنا بمنزلة التبر. وان اشترى اناء من نحاس برطل من حديد بغير عينه ولم يضرب له
أجلا وقبض الاناء فهو جائز ان دفع إليه الحديد قبل أن يتفرقا لان الحديد موزون فإذا
صحبه حرف الباء وبمقابلته عين كان ثمنا وترك التعيين في الثمن عند العقد لا يضر وان تفرقا
قبل أن يدفع إليه الحديد فإن كان ذلك الاناء لا يباع في العادة وزنا فلا بأس به لأنهما افترقا
عن عين بدين وإن كان الاناء بوزن فلا خير فيه لأنه بيع موزون بموزون والدينية فيه عفو
في المجلس لا بعده وإذا افترقا وأحد العوضين دين فسد العقد كما لو كان أحدهما مؤجلا فلو
قبض الحديد في المجلس ولم يقبض الاناء حتى افترقا لم يفسد العقد لان ما كان دينا قد
تعين بالقبض قبل الافتراق والاناء عين فترك القبض في المجلس فيه لا يضر وكذلك ان
اشترى رطلا من حديد بعينه برطلين من رصاص جيد بغير عينه فالعقد فاسد تقابضا في
المجلس أو لم يتقابضا لان أحد العوضين مبيع وهو ما لم يصحبه حرف الباء فيكون بائعا ما ليس
عنده لا على وجه السلم ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الانسان
ومطلق النهى يوجب الفساد والله أعلم
(باب الصرف في دار الحرب)
قال رحمه الله ذكر عن مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ربا بين المسلمين
وبين أهل دار الحرب في دار الحرب وهذا الحديث وإن كان مرسلا فمكحول فقيه ثقة
والمرسل من مثله مقبول وهو دليل لأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله في جواز بيع المسلم
الدرهم بالدرهمين من الحربي في دار الحرب وعند أبي يوسف والشافعي رحمهما الله لا
يجوز وكذلك لو باعهم ميتة أو قامرهم وأخذ منهم مالا بالقمار فذلك المال طيب له عند أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله خلافا لأبي يوسف والشافعي رحمهما الله. وحجتهما حديث ابن عباس رضي الله عنه
ما أنه وقعت للمشركين جيفة في الخندق فأعطوا بذلك للمسلمين مالا فنهى رسول الله
56

صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولا معنى لقول من يقول كان موضع الخندق من دار الاسلام
لأنا نقول عندكم هذا يجوز بين المسلم والحربي الذي لا أمان له سواء كان في دار الاسلام أو
في دار الحرب والمعنى فيه أن المسلم من أهل دار الاسلام فهو ممنوع من الربا بحكم الاسلام
حيث كان ولا يجوز أن يحمل فعله على أخذ مال الكافر بطيبة نفسه لأنه قد أخذه بحكم العقد
ولان الكافر غير راض بأخذ هذا المال منه الا بطريق العقد منه ولو جاز هذا في دار الحرب
لجاز مثله في دار الاسلام بين المسلمين على أن يجعل الدرهم بالدرهم والدرهم الآخر هبة * وحجتنا
في ذلك ما روينا وما ذكر عن ابن عباس رضي الله عنه وغيره ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال في خطبته كل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع وأول ربا يوضع ربا العباس بن
عبد المطلب وهذا لان العباس رضي الله عنه بعد ما أسلم رجع إلى مكة وكان يربى وكان يخفى
فعله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما لم ينهه عنه دل أن ذلك جائز وإنما جعل الموضوع
من ذلك ما لم يقبض حتى جاء الفتح وبه نقول وفيه نزل قوله تعالى وذروا ما بقي من الربا قال
محمد وبلغنا ان أبا بكر الصديق رضي الله عنه قبل الهجرة حين أنزل الله تعالى ألم غلبت الروم
قال له مشركو قريش يرون أن الروم تغلب فارس فقال نعم فقالوا هل لك أن تخاطرنا على
أن نضع بيننا وبينك خطرا فان غلبت الروم أخذت خطرنا وان غلبت فارس أخذنا خطرك
فخاطرهم أبو بكر رضي الله عنه على ذلك ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال اذهب
إليهم فزد في الخطر وأبعد في الاجل ففعل أبو بكر رضي الله عنه وظهرت الروم على فارس
فبعث إلى أبي بكر رضي الله عنه أن تعال فخذ خطرك فذهب واخذه فأتى النبي صلى الله عليه
وسلم به فأمره بأكله وهذا القمار لا يحل بين أهل الاسلام وقد أجازه رسول الله صلى الله عليه
وسلم بين أبى بكر رضي الله عنه وهو مسلم وبين مشركي قريش لأنه كان بمكة في دار الشرك
حيث لا يجرى أحكام المسلمين * ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ركانة بأعلى مكة فقال
له ركانة هل لك أن تصارعني على ثلث غنمي فقال صلوات الله عليه نعم وصارعه فصرعه
الحديث إلى أن أخذ منه جميع غنمه ثم ردها عليه تكرما وهذا دليل على جواز مثله في دار
الحرب بين المسلم والحربي وهذا لان مال الحربي مباح ولكن المسلم بالاستئمان ضمن لهم أن
لا يخونهم وأن لا يأخذ منهم شيئا الا بطيبة أنفسهم فهو يتحرز عن الغدر بهذه الأسباب ثم
يتملك المال عليهم بالأخذ لا بهذه الأسباب وهذا لان فعل المسلم يجب حمله على أحسن
57

الوجوه ما أمكن وأحسن الوجوه ما قلنا والعراقيون يعبرون عن هذا الكلام ويقولون حل لنا
دماؤهم طلق لنا أموالهم فما عدا عذر الأمان يضرب سبعا في ثمان وتأويل حديث ابن عباس
أنه نهاهم عن ذلك لما رأى فيه من الكبت والغيظ للمشركين ولئلا يظنوا بنا انا نقاتلهم لطمع
المال وأما التاجران من المسلمين في دار الحرب فلا يجوز بينهما إلا ما يجوز في دار الاسلام
لان مال كل واحد منهما معصوم متقوم وان ذلك يثبت بالاحراز بدار الاسلام ولا ينعدم
معنى الاحراز بالاستئمان إليهم ولهذا يضمن كل واحد منهما مال صاحبه إذا أتلفه وإنما يتملك
كل واحد منهما على صاحبه بالعقد الذي باشره ولا يجوز اثبات عقد لم يباشراه بينهما من هبة
أو غيرها وإن كان أسلما ولم يخرجا حتى تبايعا بالربا كرهته لهما ولم أرده له وهو قول أبي حنيفة
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يرده والحكم فيها كالحكم في التاجرين أما على أصل أبى
يوسف فقط فظاهر لأنه لا يجوز هذا العقد بين المسلم والحربي فكيف يجوز بين المسلمين
ومحمد يقول مال كل واحد منهما معصوم عن التملك بالأخذ ألا ترى أن المسلمين لو ظهروا
على الدار لا يملكون مالهما بطريق الغنيمة وإنما يتملك أحدهما مال صاحبه بالعقد بخلاف مال
الحربي وأبو حنيفة يقول بالاسلام قبل الاحراز تثبت العصمة في حق الامام دون الاحكام
ألا ترى ان أحدهما لو أتلف مال صاحبه أو نفسه لم يضمن وهو آثم في ذلك وإنما تثبت
العصمة في حق الاحكام بالاحراز والاحراز بالدار لا بالدين لان الدين مانع لمن يعتقده
حقا للشرع دون من لا يعتقده وبقوة الدار يمنع عن ماله من يعتقد حرمته ومن لم يعتقده
فلثبوت العصمة في حق الاثم قلنا يكره لهما هذا الصنيع ولعدم العصمة في حق الحكم قلنا لا
يؤمر أن يرد ما أخذه لان كل واحد منهما إنما يملك مال صاحبه بالأخذ فاما إذا ظهر
المسلمون على الدار فإنما لا يملكون مال الذي أسلم لأنه صار محرزا ماله بيده ويده أسبق إليه
من يد الغانمين فان دخل تجار أهل الحرب دار الاسلام بأمان فاشترى أحدهما من صاحبه
درهما بدرهمين لم أجز ذلك الا ما أجيزه بين أهل الاسلام وكذلك أهل الذمة إذا فعلوا
ذلك لان مال كل واحد منهم معصوم متقوم ولا يتملكه صاحبه الا بجهة العقد وحرمة الربا
ثابتة في حقهم وهو مستثنى من العهد فان النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى نصارى نجران
من أربى فليس بيننا وبينه عهد وكتب إلى مجوس هجر اما أن تدعوا الربا أو تأذنوا بحرب
من الله ورسوله فالتعرض لهم في ذلك بالمنع لا يكون غدرا بالأمان وهذا لأنه يثبت
58

عندنا انهم نهوا عن الربا قال الله تعالى وأخذهم الربا وقد نهوا عنه فمباشرتهم ذلك لا تكون
عن تدين بل لفسق في الاعتقاد والتعاطي فيمنعون من ذلك كما يمنع المسلم. وإذا تبايع أهل
الحرب بالربا في دار الحرب ثم خرجوا فأسلموا أو صاروا ذمة قبل أن يتقابضوا أو يقبض
أحدهما ثم اختصموا في ذلك أبطلته لان العصمة الثابتة بالاحراز كما تمنع ابتداء العقد تمنع
القبض بحكم العقد وفوات القبض المستحق بالعقد مبطل للعقد والأصل فيه قوله تعالى وذروا
ما بقي من الربا وسببه مروى عن مكحول قال أسلم ثقيف بشرط أن لا يدعوا الربا وكان بنو
عمرو بن عوف يأخذون الربا من بنى المغيرة وبنو المغيرة يربون ذلك فلما كان بعد الفتح
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد رضي الله عنه إلى مكة أميرا فطلب بنو
عمرو بن عوف ما بقي لهم من الربا وأبى ذلك بنو المغيرة فاختصموا إلى عتاب رضي الله عنه
فكتب فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله الآية وكتب بها رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى عتاب رضي الله عنه وأمره أن يأمرهم بان يدعوا لهم ما بقي من الربا أو
يستعدوا للحرب فعرفنا ان الاسلام يمنع القبض كما يمنع ابتداء العقد وكذلك لو اختصموا
بعد التقابض في دار الاسلام فإنهم يؤمرون برد ذلك لان التقابض بعد العصمة بالاحراز
كان باطلا شرعا وكذلك المسلم يبايع الحربي بذلك في دار الحرب ثم أسلم الحربي وخرج
إلى دارنا قبل التقابض فان خاصمه في ذلك إلى القاضي أبطله وإن كان تقابضا في دار الحرب
ثم اختصما لم أنظر فيه ويستوى إن كان المسلم أخذ الدرهمين بالدرهم أو الدرهم بالدرهمين لأنه
طيب نفس الكافر بما أعطاه قل ذلك أو كثر واخذ ماله بطريق الإباحة كما قررنا والله أعلم
(باب الصرف بين المولى وعبده)
قال رحمه الله وليس بين المولي وعبده ربا لقوله صلى الله عليه وسلم لا ربا بين العبد
وسيده ولان هذا ليس ببيع لان كسب العبد لمولاه والبيع مبادلة ملك بملك غيره فأما
جعل بعض ماله في بعض فلا يكون بيعا فإن كان على العبد دين فليس بينهما ربا أيضا ولكن
على المولى أن يرد ما أخذه على العبد لان كسبه مشغول بحق غرمائه ولا يسلم له ما لم يفرغ
من دينه كما لو أخذه لا بجهة العقد وساء كان اشترى منه درهما بدرهمين أو درهمين
بدرهم لان ما أعطى ليس بعوض سواء كان أقل أو أكثر فعليه رد ما قبض لحق
59

الغرماء وكذلك أم الولد والمدبر لان كسبهما للمولى ولا يجوز أن يشترى من مكاتبه الا مثل ما
يجوز له مع مكاتب غيره لان المكاتب أحق بمكاسبه وقد صار بعقد الكتابة كالحر يدا وتصرفا في
كسبه فيجرى الربا بينه وبين مولاه كما يجرى بينه وبين غيره الوالدان والولد والزوجان والقرابة
وشريك العنان فيما ليس من تجارتهما والوصي في الربا بمنزلة الأجانب لان المبايعة تتحقق بين
هؤلاء والمماليك بمنزلة الأحرار في ذلك لأنهم يخاطبون بذلك كما يخاطب الأحرار فاما
المتفاوضان إذا اشتري أحدهما درهما بدرهمين من صاحبه فليس ذلك منهما بيعا وهو مالهما كما
كان قبل هذا البيع لأنهما كشخص واحد في التجارة كما يجرى بينهما لا يكون بيعا والله أعلم
(باب الوكالة في الصرف)
قال رحمه الله وإذا تصارف الوكيلان لم ينبغ لهما أن يفترقا حتى يتقابضا كما لو باشرا العقد
لأنفسهما لان حقوق العقد تتعلق بالعاقد ولا يختلف في ذلك مباشرته لغيره ومباشرته لنفسه
ألا ترى أنه يستغنى عن إضافة العقد إلى غيره ولا يضرهما غيبة الموكلين لأنهما من حقوق
العقد كسائر الأجانب وان وكل رجل رجلين بالصرف لم يكن لأحدهما أن ينفرد به لأنه
فوض إليهما ما يحتاج فيه إلى الرأي ورأي الواحد لا يكون كرأي المثنى فان عقدا جميعا ثم
ذهب أحدهما قبل القبض بطلت حصته وحصة الباقي جائزة كما لو باشرا العقد لأنفسهما
وان وكلا جميعا رب المال بالقبض أو الأداء وذهبا بطل الصرف لوجود الافتراق من
العاقدين قبل التقابض ورب المال في حقوق العقد كأجنبي اخر وان وكله في أن يصرف له دراهم
بدنانير فصرفها وتقابضا وأقر الذي قبض الدراهم بالاستيفاء ثم وجد فيها درهما زائفا فقبله
الوكيل وأقرانه من دراهمه وجحده الموكل فهو لازم للموكل لأنه لا قول للقابض فيما يدعى
من الزيافة بعد ما أقر باستيفاء حقه وإنما يرده على الوكيل باقراره واقراره لا يكون حجة
على الموكل فلهذا كأن لازما للوكيل * قال وان رده القاضي على الوكيل ببينة أو بأداء يمين
ولم يكن القابض أقر بالاستيفاء لزم الآمر وفي هذا نظر فان القابض إذا لم يقر باستيفاء
حقه ولا باستيفاء الجياد فالقول قوله فيما يدعى أنه زيوف لأنه ينكر قبض حقه ولا حاجة
له إلى إقامة البينة ولا يمين على الوكيل الذي عاقده إنما اليمين عليه فان من جعل القول قوله
شرعا يتوجه عليه اليمين وإنما يرد إذا حلف لا إذا أتى اليمين فعرفنا أن هذا الجواب مختل
60

والصحيح أنه إذا حلف ورده على الوكيل فهو لازم للآمر لأنه رده عليه بغير اختياره فيما
هو حجة في حق الآمر. وإذا وكله بان يصرف له هذه الدراهم بدنانير فصرفها فليس
للوكيل أن يتصرف في الدنانير لان الوكالة قد انتهت والدنانير المقبوضة أمانة في يده للموكل
فلا يتصرف فيها بغير أمر. وان وكله أن يشترى له إبريق فضة بعينه من رجل فاشتراه
بدراهم أو دنانير جاز على الآمر وجاز ان نواه لنفسه لان مطلق التوكيل بالشراء ينصرف إلى
الشراء بالنقد فهو بنيته قصد عزل نفسه في موافقة أمر الآمر وليس له أن يخرج نفسه من
الوكالة الا بمحضر من الآمر وان اشتراه بشئ مما يكال أو يوزن بعينه أو بغير عينه لم يجز على
الآمر لان مطلق التوكيل بالشراء يتقيد بالشراء بالنقد وقد بينا ذلك في البيوع فإذا اشتراه
بشئ آخر كان مخالفا وكان مشتريا لنفسه فان وكله بفضة له بيعها ولم يسم له الثمن فباعها
بفضة أكثر منها لم يجز كما لو باعها الموكل بنفسه ولا يضمن الوكيل لأنه لم يخالف والوكيل
إنما يضمن بالخلاف لا بفساد العقد والموكل أحق بهذه الفضة من الوكيل يقبض منها وزن
فضته لأنه فضته صارت دينا على القابض وقد ظفر بجنس حقه من مال المديون فكان له أن
يأخذ من ذلك مقدرا حقه والباقي في يد الوكيل حتى يرده إلى صاحبه. وإذا وكل الرجل
رجلا ببيع تراب فضة فباعه بفضة لم يجز لأنه يقوم مقام الموكل في ذلك فبيعه كبيع الموكل
فان علم المشتري ان الفضة في التراب مثل الثمن وزنا فرضيه قبل أن يفترقا جاز ذلك لأنه
لا قيمة للتراب والعلم بالمساواة وزنا في المجلس كالعلم به عند العقد وله الخيار في ذلك
لينكشف الحال له كمن اشترى شيئا لم يره ثم رآه فان رده بغير حكم جاز على الآمر بمنزلة الرد
بخيار الشرط والرؤية وان تفرقا قبل أن يعلم ذلك فالبيع فاسد لان العلم بالمساواة شرط
هذا العقد كالقبض وكما أن القبض بعد الافتراق لا يصلح العقد فكذلك العلم بالمساواة ولو
وكله أن يزوجه امرأة على هذا التراب وهو تراب معدن فزوجه به كان جائزا إن كان فيه
عشرة دراهم فضة أو أكثر وكذلك إن كان تراب ذهب وفيه قيمة عشرة دراهم أو أكثر
وإن لم يكن فيه عشرة يكمل لها عشرة كما لو فعل الموكل ذلك بنفسه وهذا لان أدنى الصداق
عندنا عشرة دراهم وان وكله بأن يبيع له سيفا محلى فباعه بنسيئة فالبيع فاسد للأجل
المشروط في الصرف ولا ضمان على الوكيل لأنه لم يخالف فالبيع عادة يكون بالنقد والنسيئة
وإنما يضمن الوكيل بالخلاف لا بالفساد وكذلك ان شرط فيه الخيار وباعه بأقل مما فيه نقدا
61

فهو فاسد كما لو باعه الموكل بنفسه ولا ضمان على الوكيل لأنه لم يخالفه ولو وكله بحلي ذهب
فيه لؤلؤ وياقوت يبيعه له فباعه بدراهم ثم تفرقا قبل قبض الثمن فإن كان اللؤلؤ والياقوت
ينزغ منه بغير ضرر يبطل البيع في حصة الصرف لعدم القبض في المجلس وجاز في حصة
اللؤلؤ لتمكن التسليم فيه من غير ضرر والبيع في حقه بيع عين بدين ولا يشترط فيه القبض
في المجلس وان كأن لا ينزع إلا بضرر لم يجز شئ منه لتعذر تسليم المبيع بغير ضرر ألا ترى ان
بيعه ابتداء في هذا الفصل لا يجوز فكذلك لا يبقى بخلاف الأول وان وكله أن يشترى له
فلوسا بدرهم فاشتراها وقبضها فكسدت قبل أن يسلمها إلى الآمر فهي للآمر لأنه بقبض
الوكيل صار قابضا فان الوكيل في القبض عامل له وبالقبض ينتهى حكم العقد فيه فالكساد
بعده لا يؤثر فيه ولو كسدت قبل أن يقبضها الوكيل كان الوكيل بالخيار ان شاء أخذها
وان شاء ردها وقد ذكر قبل هذا أن العقد يفسد بكساد الفلوس قبل القبض استحسانا
فقبل التفريع المذكور هنا على جواب القياس وقيل مراده من قوله هناك أن العقد يفسد
أنه لا يجبر على قبض الفلوس الكاسدة فاما إذا اختار الاخذ فله ذلك كما فسره هنا فقال
الوكيل بالخيار فإذا أخذها فهي لازمة له دون الآمر الا ان يشاء الآمر من قبل أنها ليست
بفلوس حتى كسدت إنما هي الآن صفر معناه ليست بفلوس رائجة هي ثمن وذلك مقصود
الآمر. وان وكله أن يشترى له عبدا بعينه فاشتراه ثم وجد به عيبا قبل أن يقبضه الوكيل
فللوكيل أن يرده لان الرد بالعيب من حقوق العقد والوكيل فيه كالعاقد لنفسه فما دامت العين
في يده فهو متمكن من ردها بدون استطلاع رأى الموكل فان أخذه ورضيه وكان العيب غير
مستهلك له فهو لازم للآمر وإن كان العيب فاحشا يستهلك العبد فيه لزم الوكيل دون الآمر
استحسن ذلك إلا أن يشاء الآمر وذكر في السير الكبير أن على قول أبي حنيفة رضي الله
عنه العيب اليسير والفاحش فيه سواء وهو لازم للآمر ان اشتراه بمثل قيمته لان أخذه مع
العلم بالعيب كشرائه ابتداء مع العلم بالعيب ومن أصل أبي حنيفة رضي الله عنه أن العيب
المستهلك لا يمنع الوكيل من الشراء للآمر بمثل قيمة فكذلك لا يمنعه من القبض والرضا
به عند الاخذ ومن أصلهما أن ذلك يمنع شراءه للآمر ابتداء لان الموكل لم يقصد ذلك
وهو معلوم عرفا فكذلك رضاه عند الاخذ وهذه مسألة كتاب الوكالة وقد بينا هناك
ولئن كانت المسألة في قولهم كما أطلق في الكتاب فوجه ان الرضا بالعيب اليسير
62

من الوكيل بالشراء ملزم للآمر بخلاف العيب الفاحش فكذلك الرضا بالعيب اليسير
يكون ملزما للآمر بخلاف الرضا بالعيب الفاحش إلا أن يشاء الآمر وإن لم يجد بالعبد عيبا
ولكنه قتل عند البائع فالوكيل بالخيار ان شاء فسخ البيع وان شاء أجازه كما لو
اشتراه لنفسه وهذا لأن المبيع تحول من جنس إلى حبس وتأثير ذلك في اثبات الخيار
فوق تأثير العيب فان أجازه كانت القيمة له دون الآمر لان مقصودا لآمر تحصيل
العبد له ولا يحصل ذلك بالقيمة فرضا الوكيل بها لا يلزم الآمر إلا أن يشاء أخذ ذلك
فيكون أحق به من المشترى لأنها بدل ملكه فالملك في العبد بالشراء وقع له إذا رضى أن
يأخذه فهو أحق به وإذا وكله بطوق ذهب يبيعه فباعه ونقد الثمن وقبض الطوق ثم قال
المشتري وجدته صغيرا مموها بالذهب فأقر به الوكيل لزم الوكيل لان المشترى غير مقبول
القول فيما يدعى من غير حجة فإنه قبض عين ما يتناوله العقد ثم ادعي بعد ذلك فساد العقد
لسبب لا يعرف في مثله لا يقبل قوله الا بحجة واقرار الوكيل حجة في حقه دون الآمر
غير أن له أن يستحف الآمر لان الآمر لو أقر بذلك لزمه فإذا أنكر كان له أن يحلفه عليه
وان أنكر الوكيل فرده عليه القاضي بالبينة لزم الآمر لان البينة حجة في حق الآمر وكذلك
ان رد عليه باباء اليمين عندنا خلافا لزفر فإنه يجعل اباء الوكيل اليمين كاقراره بذلك ولكنا
نقول الوكيل مضطر في هذا لأنه لا يمكنه أن يحلف كاذبا وهذه الضرورة له يعمل بها
للموكل وكان له أن يرجع به عليه فان وكله أن يشترى له به طوق ذهب بعينه فيه مائة
دينار فاشتراه بألف درهم ونقد الثمن ولم يقبض الطوق حتى كسره رجل قبل أن يتفرقا
فاجبار الوكيل تضمين الكاسر قيمته مصوغا من الفضة جاز ذلك على الوكيل لان المعقود
عليه فات واختلف بدلا والوكيل في اختيار قبض البدل كالعاقد لنفسه في حقه ولا يجوز
ذلك على الآمر لان المقصود للآمر تحصيل الطوق له ولا يحصل ذلك بالقيمة وتصرف
الوكيل على الامر إنما ينفذ فيما يرجع إلى تحصيل مقصوده. قال ويبرأ منه بائع الطوق لأنه
حقه تعين في ضمان القيمة في ذمة الكاسر فإذا أخذ الوكيل الضمان من الكاسر يصدق
بالفضل إن كان فيه لأنه غرم في الثمن حسن ما عاد إليه فيظهر الربح وهو ربح حصل لا على
ضمانه فيلزمه التصدق به وأكره للمسلم توكيل الذمي أو الحربي بان يصرف له دراهم أو دنانير
وأجيزه ان فعل لان مباشرة هذا العقد منه تصح لنفسه فكذلك لغيره بأمره ولكنه لا يتحرز
63

عن الحرام اما لاستحلاله ذلك أو لجهله به أو قصده إلى توكيل المسلم حراما فلهذا أكره له
ذلك وإذا وكله أن يصرف له الدراهم فصرفها مع عبد الموكل والوكيل يعلم أو لا يعلم فلا ضمان
على الوكيل سواء كان على العبد دين أو لم يكن لأنه مال الموكل صرف بعضه في بعض ولا
يكون الوكيل بتصرفه مفوتا على الموكل شيئا وإذا وكله بألف درهم يصرفها له فباعها بدنانير
وحط عنه مالا يتغابن في مثله لم يجز على الآمر لأنه في معنى الوكيل بالشراء وكل واحد من
المتصارفين في العوض الذي من جهد صاحبه مشتر ولان تصرف الوكيل بالشراء بالمعين إنما
لا ينفذ على الموكل للتهمة فإنه من الجائز انه عقد لنفسه فلما علم بالعين أراد أن يلزم ذلك الموكل
وهذا المعنى موجود هنا فان الوكيل يملك عقد الصرف لنفسه وان صرفها بسعرها عند
مفاوض للوكيل أو شريك له في الصرف أو مضارب له من المضاربة لم يجز لكونه متهما
في ذلك كما لو صرفها مع نفسه فان من يحصل بتصرف من عامله يكون مشتركا بينهما وان
صرفها عند تفاوض الآمر لم يجز كما لو صرفها الآمر بنفسه وهذا لأنه لا فائدة في هذا
العقد فما يقبض ويعطى يكون مشتركا بينهما وان صرفها عند شريك الآمر في الصرف غير
مفاوض فهو جائز وكذلك مضاربه لان الآمر لو فعل ذلك بنفسه جاز لكونه مفيدا وهو
أنه يدخل به في الشركة والمضاربة ما لم يكن فيه ويخرج به منه ما كان فيه فكذلك الوكيل إذا
فعل ذلك وإذا وكله بألف درهم يصرفها له وهما في الكوفة ولم يسم له مكانا ففي أي ناحية من
الكوفة صرفها فهو جائز لان نواحي المصر في حكم مكان واحد ومقصوده أن التوكيل لا
يتقيد بالسوق لان المقصود سعر الكوفة لا سوق الكوفة وكذلك لو خرج بها إلى الحيرة
أو إلى البصرة أو إلى الشام فصرفها هناك جاز ولا ضمان عليه لان الآمر مطلق ولا يتقيد
بمكان الا بدليل يفيده به وفيما لاحمل له ولا مؤنة لا يوجد دليل المقيد لان ماليته لا تختلف
باختلاف الأمكنة ففي أي مكان صرفها له كان ممتثلا أمره ولو وكله ببيع عبد له أو عرض
له حمل ومؤنة فاستأجر وخرج بها من الكوفة إلى مكة فباعها هناك أجزت البيع لان الامر
بالبيع مطلق ففي أي موضع باعه فهو ممتثل ولا ألزم الآمر من الآخر شيئا لأنه لم يأمر
بالاستئجار فهو متبرع فيما التزم من ذلك وقال في رواية أبى حفص أجزت البيع إذا باعه بمثل
ثمنه في الموضع الذي أمره ببيعه فيه وهذا مستقيم على أصل أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لان
عندهما التوكيل بالبيع مطلقا يتقيد بالبيع بمثل القيمة لو باعه في ذلك الموضع فكذلك في موضع
64

آخر وعند أبي حنيفة لا يتقيد بذلك إذا باعه في ذلك الموضع فكذلك في موضع آخر وأعاد هذه
المسألة في كتاب الوكالة وقال في جوابها لم أجز البيع لأنه لم يأمره بالخروج به أتفق على ذلك
رواية أبى سليمان ورواية أبى حفص وهو الأصح لأنه لو اعتبر مطلق الامر حتى يجوز بيعه
في مكان آخر لكانت مؤنة النقل إلى ذلك المكان على الموكل كما لو أمره بالبيع في ذلك
المكان وهذا لان احضار السلعة على البائع ليستوفى الثمن ويسلم المبيع ولا يمكن ايجاب هذه
المؤنة عليه وربما يبلغ ذلك ثمن السلعة أو يزيد عليه فهذا دليل مقيد لمطلق الامر بالمصر الذي
يباع فيه المتاع فلهذا لا يجوز بيعه في مكان آخر بخلاف مالا حمل له ولا مؤنة وبمثل هذا قال
في الكتابين لو ضاع أو سرق قبل أن يبيعه فهو ضامن له وبهذا تبين أنه لا يكون مأذونا من
جهته في الاخراج إلى ذلك الموضع وكذلك لو خرج به ولم يتفق له بيعه كانت مؤنة الرد عليه
دون الآمر فعرفنا انه كالغاصب في غير ذلك الموضع وان دفع إليه دراهم يشتري بها ثوبا سماه
ولم يسم له المكان فاشتراه بغير الكوفة كان جائزا إذا لم يكن له حمل ولا مؤنة لان الامر بالشراء
وجد مطلقا فان وكله بألف درهم يصرفها له ثم إن الموكل صرف تلك الألف فجاء الوكيل إلى
بيت الموكل فأخذ ألفا غيرها فصرفها فهو جائز لان التوكيل إنما حصل بالصرف بدراهم في
الذمة إذ النقود لا تتعين في العقود ألا ترى أنه لو صرف تلك الدراهم كان للموكل أن يمنعها
ويعطى غيرها فصرف الموكل تلك الألف بنفسه لا يكون تصرفا منه فيما تتناوله الوكالة
فلا يوجب عزل الوكيل وكذلك لو كانت الأولى باقية وأخذ الوكيل غيرها فصرفها لان
الصرف انعقد بدراهم في ذمته سواء اضافه إلى تلك الألف أو غيرها فيكون ممتثلا أمره في
ذلك وكذلك الدنانير والفلوس * فان قيل أليس أن تلك الألف لو هلكت بعد التسليم إلى
الوكيل قبل أن يصرفها بطلت الوكالة ولو لم تتعلق الوكالة بها لما بطلت الوكالة بهلاكها * قلنا
الوكالة لا تتعلق بعينها حتى لو صرفها ثم هلكت قبل التسليم كان له أن يطالب الموكل بألف أخرى
فأما إذا هلكت قبل أن يصرفها إنما بطلت الوكالة لمعنى دفع الضرر عن الموكل فربما يشق
عليه أداء ألف أخرى بعد هلاك تلك الألف ولا ضرر على الوكيل في ابطال الوكالة إذا
هلكت قبل أن يصرفها وهذا لا يوجد إذا كانت قائمة في يد الموكل أو صارف بها لأنه لا ضرر
عليه في ابقاء الوكالة على الوجه الذي انعقدت في الابتداء وهو الصرف بدراهم في الذمة
ولو أمره ببيع فضة بعينها أو ذهب بعينه أو عرض من العروض فباع غيره لم يجز له لان
65

الوكالة تعلقت بتلك العين فإنها أضيفت إليه بعينه وهو مما يتعين بالتعيين في العقد وإذا وكله
بألف درهم يصرفها له بدنانير فصرفها الوكيل بدنانير كوفية فهو جائز في قول أبي حنيفة
لان وزن الكوفية كوفية وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله أما اليوم فان صرفها بكوفية
مقطعة لم يجز لان وزن الكوفية اليوم على الشامية الثقال وإنما جاز قبل اليوم فان صرفها
بكوفية مقطعة لم يجز لان وزن الكوفية كان على الكوفية المقطعة النقص وهذا اختلاف عصرنا
فأبو حنيفة أفتى بما كانت عليه المعاملة في عصره وهما كذلك. والحاصل أنه يعتبر في كل مكان
وزمان ما هو المتعارف لأنه يعلم أن مقصود الموكل ذلك بغالب الرأي ولو قال اشتر لي بهذه
الدنانير غلة ولم يسم له غلة الكوفة أو بغداد فاشترى له غلة الكوفة جاز وان اشترى له غير ذلك
من غلة البصرة أو بغداد أو دراهم غير الغلة لا يجوز إلا أن يكون مثل غلة الكوفة لان
الوكيل إنما يصير ممتثلا إذا حصل مقصود الموكل ومقصوده غلة الكوفة فإن كان ما اشتري
مثل غلة الكوفة فقد حصل مقصوده وان قال له بع هذه الألف درهم بدنانير شامية فباعها
بالكوفية فإن كانت الكوفية غير مقطعة وكان وزنها شامية فهو جائز على الامر لحصول
مقصوده قال وليس الدنانير في هذا كالدراهم فان مقصوده من شراء الغلة الانفاق في حوائجه
وإنما يحصل ذلك بغلة الكوفة أو مثلها ومقصوده من الدنانير الربح وذلك يختلف باختلاف
الوزن فإن كان وزن الكوفية مثل وزن الشامية فقد حصل مقصوده ولو قال بعها بدنانير عتق
فباعها بالشامية لا يجوز على الآمر لان المقصود لا يحصل بهذا لما للعتق من الصرف على الشامية
والله تعالى أعلم
(باب العيب في الصرف)
قال رحمه الله وإذا اشترى سيفا محلى بدراهم أكثر مما فيه وتقابضا وتفرقا ثم وجد
بالسيف عيبا في نصله أو جفنه أو حمائله أو حليته فله أن يرده لفوات وصف السلامة المستحقة
له بمطلق العقد فان رده وقبله منه صاحبه بغير قضاء قاض فلا ينبغي له أن يفارقه حتى يقبض
الثمن لان الرد بعد القبض بغير قضاء قاض كالإقالة من حيث إنه يعتمد التراضي والإقالة في
الصرف بمنزلة البيع الجديد في وجوب التقابض به في المجلس لان الإقالة فسخ في حق
المتعاقدين بيع جديد في حق غيرهما فكان بمنزلة البيع الجديد في حق الشرع واستحقاق
66

القبض في الصرف من حق الشرع فإذا فارقه قبل التقابض انتقض الرد في حصة الحلية لأنه
صرف وفيما وراء ذلك لان في تمييز البعض من البعض ضررا وله أن يرده عليه بالعيب كما له
ذلك قبل الرد لان ما كان منه ليس بدليل الرضا بالعيب ولو رده بقضاء قاض لم يضره أن
يفارقه قبل قبض الثمن لان الرد بالقضاء فسخ من الأصل فان للقاضي ولاية الفسخ بسبب
العيب وليس له ولاية العقد المبتدأ فهو بمنزلة الرد بخيار الرؤية ولا يضره أن يفارقه قبل
قبض الثمن. ألا ترى أن البائع لو كان اشتراه من غيره كان له أن يرده على بائعه في هذا الفصل
دون الأول * قال وله أن يؤاجره بالثمن لأنه دين له في ذمته بسبب القبض فان عقد الصرف
قد انفسخ والتأجيل صحيح في مثله كبدل الغصب والمستهلك بخلاف بدل القرض فإنه في حكم
العين فإن كان حلى ذهب فيه جوهر مفضض فوجد بالجوهر عيبا فان أراد أن يرده دون الحلي
لم يكن له ذلك إلا أن يرده كله أو يأخذه كله لان الكل كشئ واحد لما في تمييز البعض
من البعض من الضرر ولان الانتفاع بالبعض متصل بالبعض فهو نظير ما لو اشترى زوج
خف فوجد بإحداهما عيبا وهناك ليس إلا له أن يردهما أو يمسكهما وكذلك لو اشترى خاتم
فضة فيه فص ياقوت فوجد بالفص أو الفضة عيبا ولو اشترى إبريق فضة فيه ألف درهم
بألف درهم أو بمائة دينار وتقابضا وتفرقا ثم وجدت الدراهم رصاصا أو ستوقة فردها عليه
كان له أن يفارقه قبل قبض الثمن وقبل استرداد الإبريق لأن العقد قد انتقض من الأصل
حين تبين افتراقهما قبل قبض أحد البدلين فان الستوقة والرصاص ليس من جنس الدراهم
وكذلك الزيوف في قول أبي حنيفة لان عنده إذا رد الكبير بعيب الزيافة ينتقض القبض
فيه من الأصل وقد بينا ذلك في السلم وعندهما في الزيوف يستبدله قبل أن يتفرقا من مجلس
الرد وذكر عن المسور بن مخرمة قال وجدت في المغنم يوم القادسية طشتا لا أدري أشبه هي
أو ذهب فابتعتها بألف درهم فأعطاني بها تجار الحيرة ألفي درهم فدعاني سعد بن أبي وقاص
رضي الله عنه فقال لا تلمني ورد الطشت فقلت لو كان سهاما قبلتها منى فقال إني أخاف أن
يسمع عمر رضي الله عنه انى بعتك طشتا بألف درهم فأعطيت بها ألفي درهم فيرى أنى قد
صانعتك فيها قال فأخذها منى فاتيت عمر رضي الله عنه فذكرت له ذلك فرفع يديه وقال
الحمد لله الذي جعل رعيتي تخافني في آفاق الأرض وما زادني على هذا وفيه دليل أن
لصاحب الجيش ولاية بيع المغانم وانه ليس له أن يبيع بغبن فاحش وان تصرفه فيه
67

كتصرف الأب والوصي في مال الصغير ولهذا استرده سعد رضي الله عنه لما ظهر أنه
باع بغبن فاحش وفيه دليل على أن الامام إذا بلغه عن عامله ما رضى به من عدل أو هيبة
فعله فإنه ينبغي له أن يشكر الله تعالى على ذلك فان ذلك نعمة له من الله تعالى وكان عمر
رضي الله عنه بهذه الصفة تهابه عما له في آفاق الأرض وذلك لحسن سريرته على ما جاء
في الحديث من خاف الله خاف منه كل شئ * وإذا اشترى الرجل طشتا أو اناء لا يدري ما هو
ولم يشترط له صاحبه شيئا فهو جائز لأن العقد تناول العين والمشار إليه معلوم العين مقدور
التسليم فيجوز بيعه ودل على صحة هذا حديث المسور بن مخرمة * وإذا اشتري اناء فضة فإذا
هو غير فضة فلا بيع بينهما لان المشار إليه ليس من جنس المسمى والعقد إنما يتعلق بالمسمى
لان انعقاده بالتسمية والمسمى معدوم فلا بيع بينهما ولو كانت فضة سوداء أو حمراء فيها
رصاص أو صفر وهو الذي أفسدها فهو بالخيار ان شاء أخذها وان شاء ردها لان المشار
إليه ليس من جنس المسمى فان مثله يسمى اناء فضة في الناس إلا أنه معيب لما فيه من الغش
فيجوز العقد على المشار إليه بالتسمية ويتخير المشترى للعيب وان كانت رديئة من غير غش
فيها لم يكن له أن يردها لان الرداءة ليست بعيب فالعيب ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة
وصفة الرداءة بأصل الخلقة ألا ترى ان بالرداءة تنعدم صفة الجودة وبمطلق العقد لا يستحق
صفة الجودة وإنما تستحق السلامة * ولو اشترى سيفا محلى على أن فيه مائة درهم بمائة درهم
وتقابضا وتفرقا فإذا في السيف مائتا درهم فإنه يرد السيف لفساد العقد بالفضل الخالي عن
المقابلة وهو الجفن والحمائل وان اشترى إبريق فضة بألف درهم على أن فيه ألف درهم
وتقابضا وتفرقا فإذا فيه ألفا درهم كان الخيار للمشترى ان شاء قبض نصفه بألف درهم لأنه
إنما يكون مشتريا مقدار ما سمى منه وقد تبين أن ذلك نصف الإبريق ولا يمكن أن يجعل
مشتريا للكل بألف درهم لأنه ربا ولا بألفين لأنه ما التزم الا ألف درهم فجعلناه مشتريا
نصفه بالألف وأثبتنا له الخيار لتبعيض الملك عليه فيما يضره التبعيض بخلاف السيف فهناك
لا يمكن تصحيح العقد في نصف الحلية مع السيف لأنه لو صرح بذلك لم يجز العقد لان الحلية
صفة لا يجوز بيع بعضها دون البعض بخلاف الإبريق ولو كان اشترى الإبريق بمائة دينار
كان جائزا له كله بالدنانير لان الربا ينعدم عند اختلاف الجنس والإبريق مما يضره التبعيض
فيكون الوزن فيه صفة فإنما يتعلق العقد بعينه إذا أمكن دون الوزن المذكور * وان اشترى
68

نقرة فضة بمائة درهم على أن فيها مائة درهم وتقابضا فإذا فيها مائتا درهم كان للمشترى نصفها لا
خيار له فيها وكذلك لو اشتراها بعشرة دنانير لان النقرة لا يضرها التبعيض فالوزن فيها يكون
قدرا لا صفة فإنما ينعقد العقد على القدر المسمى من وزنها بخلاف الإبريق فإنه يضر التبعيض
فالوزن يكون صفة فيه ألا ترى أن باختلاف الوزن تختلف صفته فيكون أثقل تارة وأخف تارة
ولا يتبدل اسم العين وهو الإبريق فكان ذلك كالذرع في الثوب يكون صفة والبيع يتعلق
بالعين دون الذرعان المذكورة وعن أبي رافع قال خرجت بخلخال فضة لامرأتي أبيعه فلقيني
أبو بكر رضي الله عنه فاشتراه منى فوضعته في كفة الميزان ووضع أبو بكر رضي الله عنه
دراهمه في كفة الميزان وكان الخلخال أثقل منها قليلا فدعا بمقراض ليقطعه فقلت يا خليفة
رسول الله هو لك فقال يا أبا رافع انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذهب
بالذهب وزنا بوزن والزائد والمستزيد في النار وفيه دليل تحريم الفضل عند اتحاد الجنس وان
القليل من الفضل والكثير فيما يضره التبعيض أولا يضره سواء وفيه دليل ان مبادلة الفضة
بالفضة الكفة بالكفة تجوز وإن لم يعلم مقدارهما لوجود المساواة في الوزن وإذا اشترى الرجل
عشرة دراهم فضة بعشرة دراهم فضة فزادت عليها دانقا فوهبه له هبة ولم يدخله في البيع فهو
جائز لان المحرم الفضل الخالي عن المقابلة إذا كان مستحقا بالبيع وهذا مستحق بعقد التبرع
وهو غير مشروط في البيع ولا يؤثر في البيع فان قيل فلماذا لم يقبله أبو بكر رضي الله عنه قلنا كأنه
احتاط في ذلك أو علم أن أبا رافع رضي الله عنه كان وكيلا في بيع الخلخال والوكيل بالبيع لا
يملك الهبة وإن كان السيف المحلى بين رجلين فباع أحدهما نصيبه وهو النصف بدينار من
شريكه أو من غيره وتقابضا فهو جائز لان عقد البيع على خالص ملكه وإن كان باعه من
شريكه ونقده الدينار والسيف في البيت ثم افترقا قبل أن يقبض السيف انتقض البيع لان
البيع في حصة الحلية صرف وقد افترقا قبل التقابض لان حصة البائع ما كان في يد المشترى
فلا يصير قابضا له بالشراء ما لم يسلمها إليه ولا بأس ببيع الفضة جزافا بالذهب أو بالفلوس أو
بالعروض لانعدام الربا بسبب اختلاف الجنس * وإذا اشترى سيفا محلى فضته خمسون درهما
بمائة درهم وقبض السيف ونقده من الثمن خمسين درهما ثم افترقا فالبيع جائز لان المنقود ثمن
الفضة خاصة فان قبض حصة الحلية في المجلس مستحق وقبض حصة الجفن غير مستحق
والمعاوضة لا تقع بين المستحق وغير المستحق بل يجعل النقود ثمن المستحق خاصة فالافتراق
69

وجد بعد التقابض في المجلس في حصة الصرف وكذلك لو أجله في الخمسين الباقية إلى شهر لأنه
ثمن مبيع لو أبرأه عنه جاز فكذلك إذا أجله فيه وكذلك لو كان الثمن عشرة دنانير فنقد منها
حصة الحلية وصالحه من الباقي على دراهم أو على ثوب وتقابضا فهو جائز لان الباقي ثمن المبيع
والاستبدال بالثمن قبل القبض جائز والله أعلم
(باب الصلح في الصرف)
قال رحمه الله رجل اشترى عبدا بمائة دينار وتقابضا وتفرقا ثم وجد بالعبد عيبا فأقر
البائع به أو أنكره ثم صالحه على دينار وتفرقا قبل القبض فالصلح جائز لان ما وقع عليه
الصلح حصة الجزء الفائت بالعيب وإنما استرده لفساد العقد فيه بفوات ما يقابله والقبض
في المجلس ليس بشرط في مثله وإن كان الدينار أكثر من قيمة العيب أو أقل فهو فاسد
لأنهما قدرا حصة العيب به واليهما ذلك التقدير كما كان التقدير في أصل بدل العبد إليهما
ولأنه لما صالحه على دينار فكان بائع العبد حط من الثمن العبد الدينار فان الفائت بالعيب
وصف والثمن لا يقابل الوصف والحط تارة يكون بسبب العيب وتارة يكون لا بسبب العيب
يثبت على سبيل الالتحاق بأصل العقد يلزمه رد قدر المحطوط دينا في ذمته ولا يضرهما
ترك القبض فيه في المجلس ويصح التأجيل فيه أن أجله. ولو صالحه على دراهم مسماة وقبضها
قبل أن يتفرقا جاز وان افترقا قبل القبض انتقض الصلح أما على الطريق الأول فما وقع
عليه الصلح من الدراهم يكون بدلا عن حصة العيب وذلك من الدنانير ومبادلة الدراهم
بالدنانير يكون صرفا وعلى الطريق الثاني إنما يصح بطريق الحط والحط من الثمن وهو
الدنانير فالدراهم بدل عنه ثم ما وقع عنه الصلح كان دينا فإذا لم يقبض بدله حتى افترقا كان دينا
بدين فإذا بطل الصلح استقبل الخصومة في العيب كما كان عليه قبل الصلح لان الصلح مع
الانكار لا يتضمن الاقرار بالعيب وكذلك ان ضرب للدراهم أجلا ثم فارقه قبل أن يقبضها
أو اشترطا في الصلح خيارا ثم افترقا قبل أن يبطل صاحب الخيار خياره وإذا ادعى على رجل
مائة درهم فأنكره أو أقر به ثم صالحه منها على عشرة دراهم حاله أو إلى أجل أو بشرط خيار ثم
افترقا فالصلح جائز لان صحة هذا العقد بطريق الابراء دون المبادلة فيكون في الابراء محسنا من
وجهين بترك ما زاد على العشرة وبالتأجيل في العشرة وان صالحه على خمسة دنانير ثم افترقا قبل أن
70

يقبضها انتقض الصلح لان صحة هذا الصلح باعتبار المبادلة لان ما وقع عليه الصلح ليس من جنس
الدين ومبادلة الدراهم بالدنانير صحيحة بشرط القبض في المجلس فيبطل بالافتراق قبل القبض
وكذلك ان كانت إلى أجل أو فيها شرط خيار وافترقا على ذلك فهو فاسد لأن العقد صرف
أما عند اقرار المدعى عليه فلا اشكال وكذلك عند جحوده لان صحة الصلح مع الانكار بناء على
زعم المدعى وإذا ماتت المرأة وتركت ميراثا من رقيق وعروض وحلى وذهب وتركت أباها
وزوجها وميراثها عند أبيها فصالح زوجها من ذلك على مائة دينار ولا يعلم مقدار نصيبه من
الذهب فالصلح باطل لجواز أن يكون نصيبه من الذهب هذا المقدار أو أكثر فيبقى نصيبه
من سائر الأشياء خاليا عن المقابلة وكذلك لو صالح على خمسمائة درهم ولا يعلم أن نصيبه من
الفضة أكثر منها أو أقل وان صالحه على خمسمائة درهم وخمسين دينارا وتقابضا قبل أن
يفترقا جاز ذلك لأنه وإن كان نصيبه في كل واحد من النقدين فوق هذا المقدار فتصحيح العقد
ممكن بان يجعل ما أخذ من الذهب بالفضة وحصته من العروض وما أخذ من الفضة بالذهب
وحصته من العروض وان تفرقا قبل أن يقبض شيئا انتقض الصلح لوجود الافتراق والميراث
قبل القبض في عقد الصرف فان قبض الزوج الدراهم والدنانير ثم افترقا والميراث في منزل
الأب انتقض من الصلح حصة الذهب والفضة لان الأب بيده السابقة لا يصير قابضا
ما كان حصة الزوج من الذهب والفضة لان يده كانت يد أمانة والعقد فيها صرف فيبطل
بالافتراق قبل القبض وفيما سوى ذلك العقد بيع فلا يبطل بترك قبض المعقود عليه في
المجلس وان قبض الأب ذلك وقبض الزوج بعض الدراهم والدنانير فإن كان ما قبض بقدر
حصة الذهب والفضة فالصلح ماض لما بينا أن المقبوض مما كان قبضه مستحقا في المجلس
وهو حصة الذهب والفضة وإن كان النقد أقل من ذلك بطل من الذهب والفضة حصة
ما لم ينقد وجاز في حصة ما انتقض اعتبارا للبعض بالكل وجاز ما سوى ذلك من غير الحلي
لأن العقد فيه بيع لا صرف وإذا ادعى الرجل سيفا محلى بفضة في يد رجل فصالحه منه على
عشرة دنانير وقبض منها خمسة دنانير ثم افترقا أو اشترى بالباقي منه ثوبا قبل أن يتفرقا
وقبضه فإن كان نقد من الدنانير بقدر الحلية وحصتها فالصلح ماض لان النقود حصة الحلية
فان قبضه مستحق في المجلس والباقي حصة السيف وترك القبض فيه لا يضر والاستبدال
به قبل القبض صحيح وإن كان نقد أقل من حصة الحلية فالصلح فاسد لان بقدر ما لم ينقد من
71

ثمن الحلية يبطل الصلح فيه والكل في حكم شئ واحد فإذا بطل العقد في بعضه بطل في كله
وشراء الثوب فاسد أيضا لأنه دخل بعض ثمن الحلية فيه والاستبدال ببدل الصرف قبل
القبض لا يجوز فإذا بطل في ذلك الجزء بطل في الكل وهذا على الأصل الذي قلنا إن الصلح
على الانكار مبنى على زعم المدعى. وإذا اشتري لرجل إبريق فضة فيه ألف درهم بمائة دينار وتقابضا
ثم وجد بالإبريق عيبا فله أن يرده لفوات ما صار له مستحقا بعقد المعاوضة وهو السلامة
عن العيب فان صالحه البائع على دينار وقبض فهو جائز وإن كان الدينار أقل أو أكثر من
قيمة العيب في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إذا كان الفضل مما لا يتغابن
الناس في مثله فهو غير جائز وهذا بناء على مسألة كتاب الصلح عن المغصوب المستهلك على
أكثر من قيمته يجوز عند أبي حنيفة رضي الله عنه ولا يجوز عندهما لان عندهما الحق في
القيمة وهي مقدرة شرعا فالفضل على ذلك يكون ربا الا انه لا يتيقن بالفضل فيما يتغابن
الناس في مثله لان ذلك يدخل من تقويم المقومين فهنا أيضا حقه في بدل الجزء الفائت
فإذا صالحه على أكثر من ذلك القدر بما لا يتغابن الناس في مثله كان الفضل ربا وعند
أبي حنيفة رضي الله عنه يصح الصلح على أن يكون المقبوض عوضا عن أصل ملكه
وإن كان مستهلكا فكذلك هنا يصح الصلح على أن يكون المقبوض عوضا عن الجزء
الفائت الذي استحقه بالعقد ولا ربا بين الدراهم والدنانير ولأنه يصح الصلح بطريق
الحط وهو أن يجعل كأنه حط من ثمن الإبريق هذا المقدار ولكن الأول أصح لان القبض
في المجلس شرط وإنما يشترط ذلك إذا جعلنا بدل الصلح عوضا عن الجزء الفائت حتى
لا يكون دينا بدين وان صالحه على عشرة دراهم فهو جائز. وان كانت الدراهم أكثر من
قيمة العيب عندهم جميعا لان حصة العيب من الذهب ولا ربا بين الدراهم والدنانير وهذا
على قولهما ظاهر وكذلك عند أبي حنيفة رضي الله عنه لأنه في الفصل الأول إنما يجعل بدل
الصلح عوضا عن الجزء الفائت لتصحيح العقد وتصحيح العقد هنا في أن يجعل عوضا
عما يخص الجزء الفائت من الذهب والفضة ويشترط القبض فيه قبل الافتراق فان افترقا قبل
القبض أو على شرط أجل أو خيار بطل الصلح لكون العقد صرفا بينهما وان ادعى على رجل
عشرة دراهم وعشرة دنانير فأنكر ذلك المدعى عليه أو أقر ثم صالحه على خمسة دراهم نقدا
أو نسيئة فهو جائز لان صحة هذا العقد بطريق الابراء وهو أنه أبرأه عن جميع الدنانير
72

ونصف الدارهم ثم أجله في الباقي من الدراهم فيكون الاحسان كله من جانبه وذلك جائز
* قال وان اشترى قلب ذهب فيه عشرة دنانير بمائة درهم وتقابضا واستهلك القلب أو لم يستهلكه
ووجد به عيبا قد كان دلسه له فصالحه على عشرة دراهم نسيئة فهو جائز لان صحة هذا الصلح
بطريق الحط أو بطريق أن ما وقع عليه الصلح حصة العيب فيكون ذلك دينا على البائع واجبا
بالقبض دون عقد الصرف والتأجيل صحيح في مثله * ولو صالحه على دينار لم يجز إلا أن
يقبضه قبل التفرق لان الدينار عوض عن حصة العيب وذلك من الدراهم فيكون صرفا
فيشترط القبض فيه قبل التفرق وان اشترى قلب فضة فيه عشرة دراهم بدينار وتقابضا
ثم وجد في القلب هشما ينقصه فصالحه من ذلك على قيراطي ذهب من الدينار على أن زاده
مشترى القلب ربع حنطة وتقابضا فهو جائز لان ما زاد مشترى القلب يلتحق بأصل العقد
وما زاد الآخر من القيراطين يكون حط بعض البدل وذلك جائز من كل واحد منهما ويجعل
بعض القيراطين ثمن الحنطة وبعضه بحصة العيب وذلك جائز وان كانت الحنطة بعيبها وتفرقا
قبل التقابض فهو جائز أيضا لان في حصة الحنطة افترقا عن عين بدين وفي حصة العيب
وجوب الرد بحكم القبض دون العقد فلا يضرهما ترك القبض في المجلس وان تقابضا ثم وجد
في الحنطة عيبا ردها ورجع بثمنها ومعرفة ذلك أن يقسم القيراطان على قيمة الحنطة وقيمة
العيب فما يخص قيمة الحنطة فهو ثمن الحنطة يرجع به والله أعلم
(باب الصرف في المرض)
قال رحمه الله مريض باع من أبيه دينارا بألف درهم وتقابضا قال لا يجوز ذلك عند
أبي حنيفة رضي الله عنه لان نفس البيع من وارثه وصية له عند أبي حنيفة رحمه الله ولا
وصية للوارث وعندهما مضى الوصية في الحط لا في نفس البيع كما في حق الأجنبي فإذا
كان البيع بمثل القيمة أو أكثر فلا وصية فيه ولا تهمة وبيان هذا يأتي في كتاب الشفعة
إن شاء الله تعالى * ولو اشترى من أبيه ألف درهم بمائتي دينار فان أجاز ذلك بقية الورثة
فهو جائز لان المانع من الوصية للوارث حق الورثة فان أجازوا ذلك جاز وان ردوا فهو
مردود كله في قول أبي حنيفة رضي الله عنه وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله ان شاء الابن
أخذ مثل قيمة الدراهم من الدنانير وان شاء نقض البيع لان الوصية عندهما بالمحاباة فيبطل
73

ذلك بالرد من جهة الورثة ويتخير الابن لأنه ما رضي بزوال ملكه في الدراهم حتى يسلم له
الدنانير كلها فإذا لم يسلم تغير عليه عقده فإن شاء رضى به وان شاء نقض البيع وسوى هذا
رواية أخرى عنهما أن أصل العقد يبطل إذا حابى المريض وارثه بشئ ويأتي بيان ذلك في الشفعة
ان شاء * الله تعالى * وإذا باع المريض ألف درهم بدينار وتقابضا ثم مات المريض والدينار عنده
ولا مال له غير ذلك فللورثة أن يردوا ما زاد على الثلث لان المحاباة في المرض تبرع بماله بمنزلة
الوصية فإنما يجوز من ثلثه ولا يزيد على الثلث فيبطل ذلك إذا لم تجز الورثة ثم يتخير المشترى
فإن شاء أخذ ثلث الألف كاملا بطريق الوصية وما بقي قيمة الدينار بطريق المعاوضة لان
الدينار في يد الورثة ويرد عليهم ما بقي من الألف وان شاء أخذ ديناره ويرد ألفا لأنه ما رضي
ان يتملك عليه ديناره حتى يسلم له جميع الألف ولم يسلم وإذا اختار أخذ ديناره فلا شئ له من
الألف بطرق الوصية لان الوصية بالمحاباة كانت في ضمن عقدا لصرف وقد بطل العقد
فيبطل به ما في قيمته أيضا. وإن كان المريض قد استهلك الدينار كان للمشترى أن يأخذ قيمة
الدينار من الألف بجهة المعاوضة وثلث ما بقي من الألف بطريق الوصية ولم يجزه هنا لان
الدينار مستهلك فلا فائدة في اثبات الخيار له لأنه لا يعود إليه ما خرج من ملكه بعينه
وكذلك لم يعطه بالوصية ثلث الألف كاملا هنا بخلاف الأول لان هناك الدينار مستهلك
فلو أعطيناه بالوصية ثلث الألف كاملا لا يسلم للورثة ضعف ذلك فلهذا قال يأخذ قيمة
الدينار من الألف أولا ثم له بالوصية ثلث ما بقي وكذلك إذا باع المريض سيفا قيمته مائة
درهم وفيه من الفضة مائة درهم وقيمة ذلك كله عشرون دينارا بدينار وتقابضا فأبت الورثة
أن يجيزوا كان للمشتري الخيار ان شاء أخذ قدر قيمة الدينار من السيف وحليته وثلث
السيف تاما بعد ذلك وان شاء رد كله وأخذ ديناره لان المريض حاباه بأكثر من ثلث ماله
وهذا وما سبق في التخريج سواء وما تختص به هذه المسألة قيمة الدينار له من السيف
والحلية جميعا لان الكل كشئ واحد لا يتأتى اثبات المعاوضة في أحدهما دون الآخر وإن كان
المريض قد استهلك الدينار كان المشترى بالخيار هنا ان شاء أخذ دينارا مثل ديناره
ورد البيع فيكون ذلك دينا في تركة الميت ويباع السيف حتى ينقد الدينار وان شاء كان له
من السيف وحليته قيمة الدينار وثلث ما بقي لان السيف مما يضره التبعيض فيثبت الخيار
لما لحقه من عيب التبعيض وإن كان الدينار مستهلكا لان المعقود عليه وهو السيف قائم يمكن
74

فسخ العقد فيه بخلاف الأول فالتبعيض في الألف الأول ليس بعيب فلهذا لم يجعل له الخيار
بعد ما استهلك الدينار وإن كان المشترى أيضا قد استهلك ما قبضه جاز له منه قيمة الدينار
وثلث الباقي وغرم ثلثي الباقي للورثة لان فسخ العقد تعذر باستهلاك المعقود عليه فعليه ضمان
حصة الورثة من ذلك وهو قيمة ثلثي الباقي وغرم ثلثي الباقي بعد قيمة الدينار لأنه لو كان
قائما كان لهم حق استرداد ذلك منه فإذا كان مستهلكا فهو غارم قيمة ذلك لهم * مريض له
تسعمائة درهم ولا مال له غيرها فباعها بدينار وقبضه وقبض الآخر مائة درهم وتسعمائة
ثم افترقا ومات المريض والمال قائم والدينار قيمته تسعه فإجازة الورثة وردهم هنا سواء
وله المائة الدرهم بتسع الدينار ويرد عليه ثمانية اتساع الدينار لان عقد الصرف قد بطل في
ثمانية اتساع الدينار بترك قبض ما يقابله في المجلس وإنما بقي العقد في مقدار المائة والوصية
بالمحاباة كانت في ضمن العقد فإنما يبقى فيما بقي فيه العقد وهو المائة وذلك دون ثلث مال
الميت فلا حاجة فيه إلى إجازة الورثة فإن لم يكن قبض شيئا رد عليه ديناره بعينه لأن العقد
قد بطل بالافتراق قبل التقابض فيرد عليه ديناره ولا شئ له من الوصية لأنها بطلت ببطلان
العقد وإن لم يتفرقا حتى زاد المشترى تسعة وخمسين دينارا وتقابضا فهو جائز كله لان ما زاد
يلتحق بأصل العقد فيصير كأنه في الابتداء إنما باعه بستين دينارا فتكون المحاباة بقدر الثلث
من ماله وذلك جائز. قال الحاكم رحمه الله وإنما صح جواب هذه المسألة إذا زيد في سؤالها
ان قيمة الدينار عشرة دراهم وهو كما قال فان حق الورثة في ستمائة درهم لان جملة مال
المريض تسعمائة وإنما تكون المحاباة بقدر الثلث إذا كانت قيمة كل دينار عشرة وإن كان
المريض وكل وكيلا فباعها من هذا الرجل بدينار ثم مات المريض قبل أن يتقابضا فقال
المشترى أنا آخذ تسعمائة بتسعين دينارا قبل أن يتفرقا فله ذلك لان البيع قد وجب له قبل
موت الميت ولم يتفرقا فلم يبطل بموت الموكل بعد ذلك والمعتبر بقاء المتعاقدين في المجلس
فإذا أراد المشتري إلى تمام تسعين دينارا للحق ذلك بأصل العقد وانعدمت المحاباة وكان ذلك
سالما له وإذا اشتري من المريض ألف درهم بمائة درهم وتقابضا ثم مات المريض من مرضه
فهذا ربا وهو باطل من الصحيح والمريض جميعا وللذي أعطى المائة أن يمسك المائة من
الألف بمائة ويرد الفضل لان حقه في المائة التي أعطى وقد صار دينا والذي في يده مال
الميت فيكون له أن يمسك من ذلك مقدار حقه ويرد الفضل ولا وصية له هنا لان الوصية
75

في ضمن العقد والعقد باطل وإن كان أعطى من المائة ثوبا أو دينارا كان ذلك بيعا صحيحا
على أن تكون المائة بمائة والباقي بإزاء الثوب والدينار وان مات المريض وأبت الورثة أن
يجيزوا يخير صاحب الدينار والثوب فإن شاء نقض البيع لتغير شرط عليه وان شاء كان له
من الألف مائة مكان مائة وقيمة الدينار أو العرض بطريق المعاوضة وثلث الألف بطريق
الوصية إذا كان الدينار والألف قائمة في يد الورثة كما بينا وإذا كان للمريض إبريق فضة فيه
مائة درهم وقيمته عشرون دينارا فباعه بمائة درهم وقيمتها عشرة دنانير ثم مات وأبت الورثة
أن يجيزوا فالمشتري بالخيار ان شاء رده لتغير شرط عقده عليه وان شاء أخذ ثلثي الإبريق
بثلثي المائة وثلثه للورثة لان الوصية بالمحاباة إنما تنفذ في مقدار الثلث ويتعذر هنا جعل شئ
من الإبريق له بطريق الوصية واعتبار المفاوضة فيما بقي لان ذلك يؤدي إلى الربا لان مبادلة
الدراهم بجنسها لا يجوز الا وزنا بوزن ولا قيمة للصنعة والجودة في هذه المبادلة إلا أنها
متقومة في حق الورثة لان لها قيمة تبعا للأصل ولا يملك المريض اسقاط حق الورثة عنها
مجانا فإذا تعذر الوجهان كان الطريق ما قال لان حق الورثة في ثلثي مال المريض وماله
عشرون دينارا وثلثاه ثلاثة عشر وثلث فإذا أخذ الورثة ثلث الإبريق وقيمة ذلك ستة دنانير
وثلثا دينار وأخذوا ثلثي المائة وقيمة ذلك ستة دنانير وثلثا دينار حصل لهم ثلاثة عشر دينارا
وثلث كمال حقهم وسلم للمشترى ثلثا الإبريق وقيمته ثلاثة عشر دينارا وثلث بثلثي المائة
وقيمته ستة وثلثان فيسلم له بطريق الوصية ثلث مال المريض ستة دنانير وثلثا دينار وقد سلم
للورثة ضعف ذلك فيستقيم الثلث والثلثان والله أعلم
(باب الإجارة في عمل التمويه)
قال رحمه الله وإذا دفع لجاما أو حرزا إلى رجل ليموهه له بفضة وزنا معلوما يكون
قرضا على الدافع ويعطيه أجرا معلوما فهو جائز ويلزمه الاجر والقرض لأنه استقرض منه
الفضة وأمره بان يصرفها إلى ملكه فيصير قابضا لها بابطاله تملكه وعليه مثلها ثم استأجره
لعمل معلوم ببدل معلوم وقد أوفى العمل فله الاجر وان اختلفا في مقدار ما صنع من الفضة
فالقول قول رب اللجام مع يمينه لان الصانع يدعى زيادة فيما أقرضه وهو ينكر ذلك ويحلف
على عمله لأنه استحلاف على فعل الغير فان قال موه بمائة درهم فضة على أن أعطيك منها
76

أجر عملك ذهبا عشرة دنانير بذلك كله وتفرقا على ذلك كله فهو فاسد لأن العقد في حصة
الفضة صرف ولم يوجد القبض في المجلس فكان فاسدا فان عمله كان له فضة مثل وزنها لأنه
صار قابضا الفضة حين اتصلت بملكه باذنه بسبب عقد فاسد وقد تعذر رد عينها فعليه رد
مثلها وكان له أجر مثل عمله من الدنانير لا يجاوز به ما سمى أي تقسم الدنانير على أجر مثله وعلى
المائة الدرهم فتعتبر حصة أجر مثله من الدنانير لأن العقد واحد ولما فسد في حصة الصرف فسد
في الإجارة أيضا ويلزمه أجر مثله وعلى المائة الدرهم فيعتبر حصة أجر مثله هكذا ذكر الحاكم
رحمه الله وهو مشكل لان فساد العقد في حصة الصرف طارئ بالافتراق قبل القبض وذلك
لا يوجب فساد الإجارة * قال رضي الله عنه وقد تأملت في الأصل فوجدته يعتبر أجر المثل
لبيان الحصة فإنه يقول وكان له مقدار أجره من الدنانير لأنه إذا قسمت الدنانير على أجر
مثله وعلى المائة درهم فعلمت أنه حكم بصحة العقد في حصة الإجارة واعتبر أجر المثل للانقسام
ثم جعل له بمقابلة العمل المسمى لصحة العقد في حصة الإجارة واعتبر أجر المثل للانقسام ثم
جعل له بمقابلة العمل المسمى لصحة العقد وان دفع إليه ثوبا يكتب عليه كتاب بذهب معلوم
باجر معلوم من الفضة في ذلك فهو فاسد لأن العقد في حصة الذهب صرف وكذلك لو
شرط عليه أجرة وثمنه ذهبا فان ذهب الكتابة يكون مبيعا لا مستقرضا لأنه سمى ما يقابله
ثمنا فيكون العقد فيه صرفا أيضا فان قال أقرضني مثقال ذهب واكتب به على هذا الثوب
كذا وكذا على أن أعطيك أجرك نصف درهم أو قيراط ذهب فهو جائز لأنه مستقرض
للدينار وهو قابض له لاتصاله بملكه فكأنه قبضه بيده ثم استأجره لعمل معلوم ببدل معلوم *
وإذا دفع إليه عشرة دراهم فضة وقال أخلط فيها خمسة دراهم فضة تم صغها قلبا ولك كذا ففعل فهو
جائز لأنه استقرض منه قدر خمسة دراهم فضة وقد صار قابضا لها بالاختلاط بملكه ألا ترى
أنها لو هلكت بعد الخلط هلكت من مال الآمر ثم استأجره للعمل في ملكه ببدل معلوم
وهذا بخلاف ما إذا لم يدفع إليه فضة وقال صغ لي من عندك عشرة دراهم فضة قلبا على أن
أعطيك أجر كذا فهو باطل لان فضة العامل في يده ألا ترى أنها لو هلكت تكون من ماله فيكون
فيه عاملا لنفسه ولو اختلفا فقال الدافع كانت فضتي اثنى عشر درهما وأمرتك أن تزيد فيها ثلاثة
فقال المدفوع إليه بل كانت عشرة وأمرتني فزدت خمسة وفي القلب خمسة عشر فالقول قول
المدفوع إليه أنه زاد خمسة لان الخلاف في مقدار ما دفع إليه من الفضة فالدافع يدعى عليه الزيادة
77

والمدفوع إليه ينكر فأقول قوله مع يمينه ثم المدفوع إليه يدعى أنه أمره أن يزيد فيها خمسة
والدافع ينكر الامر فيما زاد على الثلاثة فالقول قوله فيها مع يمينه فتبين انه زاد درهمين فوق
ما أمره به فكان مخالفا لامره ضامنا للدافع مثل فضته فيكون له ذلك لأنه أقام العمل المشروط
عليه وزاد فإذا رضى بالزيادة استوجب العامل كمال اجره ولو كان القلب محشوا لا يعلم وزنه
ولا يعرف واتفقا انه أعطاه عشرة وأمره أن يزيد فيه خمسة فقال الدافع لم تزد فيه شيئا وقال
العامل قد زدت فيه خمسة فالقول قول الدافع لأنه ينكر القبض بحكم القرض فإن شاء العامل
سلم القلب له وأعطاه الآمر من الاجر بحساب ذلك وان شاء أعطاه فضة مثل فضته لان
اليد له فيه فله أن لا يخرج القلب من يده إذا كان ما زاد فيه وهو الخمسة بزعمه لا تصل إليه
فإذا احتبس عنده ضمن للدافع فضة مثل فضته بعد أن يحلف الآخر ما يعلم أنه زاد فيه
خمسة لأنه لو أقر بذلك لزمه فإذا أنكر فيستحلف عليه ولو اتفقا على أنه زاد فيه خمسة فقال
الآمر كانت فضتي بيضاء وأمرتك أن تزيد فيها فضة بيضاء وقال العامل كانت سوداء
وأمرتني أن أزيد فيها فضة سوداء فالقول قول العامل لان الاختلاف في صفة المدفوع إليه
ولو اختلفا في مقداره فالقول قوله فكذلك في صفته وان اختلفا في الاجر في المقدار
بان قال الدافع عملته بغير أجر فالقول قول الدافع لانكاره وجوب الاجر في ذمته أو الزيادة
على ما أقر به * رجل اشترى من رجل عشرة دراهم بدينار وتقابضا ثم وجدها زيوفا بعد
ما تفرقا فاستبدلها منه ثم استحق تلك الدراهم الزيوف لم يبطل العقد لأنه حين استبدلها
بالجياد قبل أن يستحق فإنما استقر حكم العقد على الجياد دون الزيوف المردودة واستحقاق
ما ليس فيه حكم العقد لا يؤثر في العقد وهذا إنما يتأتى على قولهما وكذلك عند أبي حنيفة إن كان
الرد بعيب الزيافة والاستبدال به قبل افتراقهما عن مجلس العقد أو بعد الافتراق
والمردود قليل * رجل استقرض من رجل كر حنطة وقال اطحنها لي بدرهم فطحنها قبل أن
يقبضها كان هذا باطلا ولا أجر له لان المستقرض لم يصر قابضا وإنما طحن صاحب الحنطة
حنطة نفسه فلا يستوجب الاجر على غيره ولكن ان أعطاه الدقيق فعليه دقيق مثله لأنه إنما
أقرضه الدقيق * ولو دفع إليه كر حنطة وقال أقرضني نصف كر واخلطه به ثم اطحنها لي
بنصف درهم كان هذا جائزا لأنه صار قابضا لما استقرضه بالاختلاط يملكه بأمره فيكون
الطحان عاملا له في حنطته فيستوجب الاجر * ولو دفع إليه لجاما وذهبا فقال موهه به وما
78

فضل فهو لك أجر لم يجز لجهالة مقدار الاجر فان عمله كان له أجر مثله لاستيفاء المنفعة بعقد
فاسد وما بقي من الذهب فهو مردود على صاحبه * ولو اشترى قلب فضة بدينار ودفع الدينار
ثم إن رجلا أحرق القلب في المجلس فللمشتري الخيار لتغير المعقود عليه فان اختار امضاء
العقد واتباع المحرق بقيمة القلب من الذهب فان قبضه منه قبل أن يفارق المشترى البائع
فهو جائز لان قبض بدل القلب في المجلس كقبض عينه ويتصدق بالفضل على الدينار وإن كان
فيه لأنه ربح حصل لا على ضمانه وان تفرقا قبل أن يقبض القيمة بطل الصرف وعلى
البائع رد الدينار واتباع المحرق بقيمة القلب في قول محمد وهو قول أبى يوسف الأول ثم رجع
وقال لا يبطل الصرف بافتراقهما بعد اختيار المشترى تضمين المحرق قبل القبض منه وهو
وقول أبي حنيفة كقول أبى يوسف الآخر رحمهما الله وإن لم يذكره هنا فقد نص عليه في
نظيره في الجامع إذا قتل المبيع قبل القبض فان اختار المشترى تضمين القاتل في قول أبي حنيفة
وأبى يوسف الآخر رحمهما الله يصير قابضا بنفس الاختيار حتى لو نوى ذلك على
القاتل يكون من مال المشترى وفي قول أبى يوسف الأول هو قول محمد رحمهما الله لا يصير
قابضا بنفس الاختيار ووجه هذا القول أن قبض بدل الصرف لا يكون الا بعين تصل إلى
يده وكذلك قبض المبيع إذا كان عينا وباختياره تضمين المحرق والقاتل لا تصل يده إلى شئ
فلا يصير قابضا لان عين القلب لم تقبض وقيمته دين في ذمة المحرق ولا يتصور أن يكون
قابضا لما في ذمة غيره وليس في اختياره أكثر من أن تتوجه له المطالبة على المحرق ببدل
الصرف وهذه المطالبة نظير المطالبة التي تتوجه بالعقد على من عامله فكما لا يصير قابضا هناك
بتوجه المطالبة له فكذلك هنا وصار هذا كما لو أحاله ببدل الصرف على انسان في المجلس
فقبل الحوالة لا يصير قابضا وان توجهت له المطالبة على المحتال عليه وتحول بدل الصرف إلى
ذمته وجه قوله الآخر أن المحرق قابض متلف والمشترى حين اختار تضمينه قد صار راضيا
بقبضه ملزما إياه الضمان باتلافه ولو كان أمره بالقبض في الابتداء كان يتم عقد الصرف
بقبضه فكذلك إذا رضى بقبضه في الانتهاء بخلاف الحوالة فالمحتال عليه هناك لم يقبض شيئا
حتى يجعل قبضه كقبض الطالب والاشكال على هذا الحرف أن على المشترى أن يتصدق
بالفضل ولو كانت طريق هذا لم يلزمه التصدق بالفضل لان وجوب الضمان بالاتلاف بعد
القبض فيكون ربحا على ضمانه ولكن أبو يوسف يقول إنما يصير قبضه له باختياره تضمينه
79

وذلك بعد الاتلاف وبعد ما وجب التصدق بالفضل فلا يظهر في ابطال حق الفقراء مع أن
باب التصدق مبنى على الاحتياط وهذا شئ يقدر اعتبار الاتمام قبضه فيظهر في حقه لا في
حق الفقراء ولان قيمة المبيع صارت دينا على المتلف ولا يتصور أن تكون قيمة المبيع دينا
للمشترى على الأجنبي الا بعد القبض فلا بد من ادراج القبض في هذا الاختيار يقرره أنه
لا يمكن أن يجعل ذمة المتلف قائمة مقام ذمة البائع في ايجاب ضمان المبيع فيها فان قيمة المبيع
لا تجب على البائع قبل القبض بحال ألا ترى أنه لو أتلف المبيع قبل القبض لا يلزمه قيمته فعرفنا
أنه واجب للمشترى ابتداء في ذمة المتلف ولا يكون ذلك الا بعد القبض بخلاف الحوالة فذمة
المحتال عليه هناك تقوم مقام ذمة المحيل فيما كان ثابتا فيه من بدل الصرف وان اشترى سيفا
محلى فيه خمسون دينارا بمائة درهم أو بعشرة دنانير فنقد الثمن ولم يقبض السيف حتى أفسد
رجل شيئا من حمائله أو جفنه فاختار المشترى أخذ السيف وتضمين المفسد قيمة ما أفسده فله
ذلك لأنه جنى على ملكه فان قبض السيف ثم فارق البائع قبل أن يقبض من المفسد ضمان
ما أفسده لم يضره ذلك في البيع لان الواجب على المفسد بدل المبيع والقبض فيه ليس
بشرط في المجلس إنما ذلك في الصرف خاصة وهذا بمنزلة ثوب اشتراه فأحرقه انسان قبل
القبض فاختار المشترى امضاء العقد واتباع المحرق لا يشترط قبض ذلك في المجلس وإن كان
المفسد أفسد السيف كله واختار المشترى امضاء العقد وتضمين المفسد ونقد البائع الثمن ثم
فارقهم المفسد قبل أن يؤدى القيمة لم يفسد البيع لان المفسد ليس من العقد في شئ لا يضرهما
ذهابه كالمحتال عليه وان فارق البائع المشترى قبل قبض القيمة فهو على الخلاف عند أبي يوسف
آخرا لا يبطل الصرف وهو قول أبي حنيفة وعند محمد ينتقض البيع كله في حصة الحلية
للافتراق قبل القبض وفي حصة السيف لان الكل شئ واحد * ولو أسلم ثوبا في كر حنطة
أو باع قلبا بدينار فهشم رجل القلب وشق الثوب باثنين فاختار مشترى القلب والمسلم إليه
أخذ الثوب والقلب وقال يتبع المفسد بضمان ذلك وتقابضا قبل أن يفترقا فذلك جائز وإن لم
يقبض القيمة حتى تفرقا فإنه قبض القلب بعينه وقبض رأس المال بعينه فلا يضرهما عدم
قبض النقصان من الهاشم في المجلس لان ذلك مقابلة الوصف والمعقود عليه العين وإنما يشترط
قبض المعقود عليه في المجلس * رجل اشترى سيفا محلي فيه خمسون درهما فضة بمائة درهم
فأحرق رجل بكرة من حليته فاختار المشترى إمضاء البيع وتضمين المحرق فنقد الثمن وقبض
80

السيف ثم فارق البائع قبل أن يقبض قيمة البكرة فالبيع ينتقض في البكرة خاصة دون السيف
عند محمد لأنه باختيار تضمين المحرق لا يصير قابضا فالبكرة قد زايلت السيف فانتقاض العقد
فيها بالافتراق قبل القبض لا يوجب الانتقاض فيما بقي وفي قول أبى يوسف الآخر لا
ينتقض البيع في البكرة أيضا لأنه صار قابضا باختياره تضمين المحرق وكذلك القول في السلم
إذا استهلك الرجل رأس المال قبل التسليم فاختار المسلم إليه تضمين المستهلك ثم فارق رب السلم
قبل القبض بطل البيع في قول محمد ولم يبطل في قول أبى يوسف وهو بناء على الأصل الذي بينا
* وان اشترى سيفا محلى بمائة درهم وحليته خمسون درهما وتقابضا ثم باعه المشتري مرابحة
بربح عشرين درهما أو بربح ده يازدة أو بربح ثوب بعينه أو بوصفه نحو ذلك لم يجز لان للحلية
في السيف حصة من الربح والخسران فيكون بمقابلتها أكثر من وزنها من الفضة أو أقل
وذلك ربا وبفساد العقد في الحلية يفسد في جميع السيف فان قيل كان ينبغي أن يجعل مثل
وزن الحلية من الثمن بمقابلتها والباقي كله بمقابلة السيف كما لو لم يذكر المرابحة * قلنا لا يجوز أن
يصح العقد على غير الوجه الذي صرح به المتعاقدان وقد صرحا بأن العقد في حصة الحلية
مرابحة أو وضيعة وذلك ينعدم إذا جعل بمقابلتها مثل وزنها ولأنهما جعلا الربح في ثمن السيف
ده دوازده فإذا جعلنا جميع الربح بإزاء السيف يكون الربح في ده دوازده ولا يمكن أن يقال
تثبت حصة السيف من الربح وتبطل حصة الحلية لان البائع لم يرض أن يملك عليه السيف
حتى يسلم له جميع ما سمى من الربح وان البيع حينئذ يكون تولية في الحلية ولم يقصدا ذلك
وان رابحه فيما سوى الفضة جاز لأنهما صرحا بكون العقد تولية في حصة الحلية مرابحة في
حصة السيف وذلك مستقيم فاما اللجام المموه فلا بأس بالمرابحة فيه لان التمويه لا يتخلص
فلا يتمكن فيه الربا باعتباره وان اشترى قلب فضة فيه عشرة دراهم بدينار وتقابضا ثم باعه
مرابحة بربح نصف دينار أو بربح درهم فلا بأس بذلك أما إذا باعه بربح نصف دينار فان
الجنس مختلف فيه والفضل لا يظهر عند اختلاف الجنس فيكون تابع القلب بدينار ونصف
درهم وذلك جائز وان باعه بربح درهم فكذلك الجواب في ظاهر الرواية لأنه يصير تابع
القلب بدينار ودرهم وذلك جائز وعن أبي يوسف لا يجوز لان الدرهم يقابله مثل وزنه من
القلب على ما عليه الأصل فان الفضة بمثل وزنها مقابلة ثابتة شرعا ولو جوزنا هذا كان الدينار
بمقابلة تسعة أعشار القلب والدرهم بمقابلة عشر القلب فيكون بعض ما سمياه رأس المال ربحا
81

فيه تسعة أعشار القلب وبعض ما سمياه ربحا رأس المال في عشر القلب وذلك تصحيح على غير
الوجه الذي صرح به المتعاقدان ولو كان قام عليه بعشرة دراهم فباعه بربح درهم لم يجز لأنه
بيع العشرة بأحد عشر ولو ضم معه ثوبا قد قام معه بعشرة دراهم وقال قد قام على هذا بعشرين
درهما فباعهما بربح درهم أو بربح ده يازده فعلى قول أبي حنيفة العقد يفسد كله لأنه فسد في
حصة القلب لأجل الربا أو العقد صفقة واحدة وعندهما يجوز في حصة الثوب لان أحدهما
منفصل عن الاخر وبفساد العقد في أحدهما لا يتمكن المفسد في لآخر وكذلك لو اشترى
جارية وطوق فضة عليها فيه مائة درهم بألف درهم وتقابضا ثم باعها مرابحة بربح مائة درهم
أو بربح ده يازده فالعقد فاسد في قول أبي حنيفة وعندهما يجوز في الجارية دون الطوق لان
أحدهما يتميز عن الآخر بغير ضرر وقد ذكر الكرخي رحمه الله رجوع أبى يوسف رحمه الله
إلى قول أبي حنيفة رضي الله عنه في مسألة الطوق فاستدلوا به على رجوعه في نظائره
وقد ذكرنا هذا في كتاب البيوع * ولو اشترى سيفا محلى بمائة درهم وحليته خمسون
درهما وتقابضا ثم حط عنه درهما فهو جائز لان الحط ليس من ثمن الفضة فإنه يثبت على
سبيل الالتحاق بأصل العقد ويخرج قد المحطوط من أن يكون ثمنا فكأنه في الابتداء اشترى
السيف بتسعة وتسعين درهما فيكون بمقابلة الحلية مثل وزنها والباقي بمقابلة السيف ولو ابتاع
قلب فضة وزنه عشرة بعشرة دراهم وتقابضا ثم حط عنه درهما وقبل الحط وقبضه بعد ما
افترقا من مقام البيع أو قبل أن يفترقا فسد البيع كله في قول أبي حنيفة وفي قول أبى يوسف
الحط باطل ويرد الدرهم عليه والعقد الأول صحيح وفي قول محمد رحمه الله العقد الأول
صحيح والحط بمنزلة الهبة المبتدأة له أن يمتنع منه ما لم يسلمه ولو زاده في الثمن درهما وسلمه
إليه فسد العقد في قول أبي حنيفة وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله الزيادة باطلة والعقد
الأول صحيح وكذلك لو شرطا بعد العقد لأحدهما خيارا أو أجلا يفسد به العقد في قول أبي حنيفة
وعندهما يبطل هذا الشرط والعقد الأول صحيح وكذلك في البيع إذا ذكر فيه شرطا
فاسدا بعد العقد وعند أبي حنيفة يلتحق ذلك بأصل العقد حتى يفسد العقد وعندهما يبطل
هذا الشرط وحجتهما في ذلك أن الشرط والزيادة بيع في العقد ولا يجوز أن يكون البيع
في الشئ مبطلا لأصله ولان في اثبات الزيادة والشرط المذكور ابطاله لان صحة ذلك بصحة
العقد فإذا أثبتنا ذلك على سبيل الالتحاق بأصل العقد يبطل العقد به وببطلان العقد تبطل
82

الزيادة فيكون هذا اشتغالا بما لا يفيد وأبو حنيفة يقول المعنى الذي لأجله يلتحق الشرط
الصحيح والزيادة بأصل العقد موجود هنا وذلك المعنى هو أنهما قصدا تغيير وصف العقد
بجعل الخاسر رابحا واللازم غير لازم والتصرف في العقد إليهما ألا ترى أنهما يملكان فسخه
وابقاءه فكذلك يملكان تغيير وصفه لان صفة الشئ تملك بملك أصله وهذا المعنى موجود
هنا فإنهما غيرا وصف العقد من الجواز إلى الفساد واليهما ذلك فما وقع عليه الاتفاق بعد العقد
يجعل كالمذكور في أصل العقد ولو ذكر في أصل العقد ثبت وان فسد به العقد فكذلك إذا
ذكر بعد العقد ألا ترى ان أحد المتصارفين إذا وهب بدل الصرف قبل القبض من صاحبه
وقبل فإنه يفسد به العقد بالطريق الذي قلنا فكذلك إذا رده في بدل الصرف ومحمد فرق
بين الحط والزيادة فقال في الحط ايفاء العقد الأول مع أن تصحيح الحط ممكن بأن يجعل
ذلك هبة مبتدأة فيصار إليه كما لو اشترى ثوبا بعشرة فحط البائع عنه الثمن كله بعد القبض
وقبله فإنه يصح الحط بطريق الهبة المبتدأة ويجعل البيع صحيحا بخلاف الزيادة لأنه لا وجه
إلى ذلك فصرف إلى إلغاء الزيادة وتصحيح العقد الأول ولكن هذا ليس بصحيح فان حط
جميع الثمن يتعذر الحاقه بأصل العقد لأنه يخرج به العقد من أن يكون بيعا ويصير هبة ولم
يقصد المتعاقد ان ذلك بأصل السبب فلهذا جعلناه هبة وهنا لو ثبت حط البعض على وجه
الالتحاق بأصل العقد لم يخرج العقد به من أن يكون صرفا كما باشراه وإنما يفسد به العقد
والفاسد من جنس الزائد ألا ترى أن الوكيل لا يضمن بالفساد والوكيل بالبيع إذا وهب
كان ضامنا يوضح الفرق ان الحط لاخراج العين من العقد أو لادخال الرخص فيه والانسان
لا يصير مغبونا بجميع الثمن فعرفنا أنه بحط الجميع قصد البر المبتدأ فجعلناه هبة كذلك وهو
يصير مغبونا ببعض الثمن في عقد الصرف كما يصير مغبونا في عقد البيع فيكون الحط
لادخال الرخص فيه ولا يحصل ذلك بجعله هبة مبتدأة فلهذا التحق بأصل العقد إلا أنه
يشترط قبول الآخر هنا بخلاف الحط في سائر البيوع لان في صحة هذا الحط افساد هذا
العقد ولا ينفرد أحد المتعاقدين بافساد العقد وهناك في تصحيح الحط اسقاط ذلك القدر
من الثمن والاسقاط يتم بالمسقط وحده * ولو اشترى قلب فضة وثوبا بعشرين درهما وفي
القلب عشرة دراهم وتقابضا ثم حط عنه درهما من ثمنهما جميعا فان نصف الحط في الثوب
وينتقض البيع في القلب في قول أبي حنيفة لأنه يثبت الحط فيهما جميعا فإنه نص على ذلك
83

بقوله حططت عنك درهما من ثمنهما جميعا فيفسد العقد في حصة القلب لأنه يكون بمقابلته
أقل من وزنه ولكن هذا فساد طارئ فلا يفسد به العقد في حصة الثوب بخلاف المقترن
بالعقد وهذا بخلاف الأول عند أبي حنيفة فان الحط هناك لما ثبت على سبيل الالتحاق
بأصل العقد يظهر الفضل الخالي عن المقابلة في الكل وهنا إنما يظهر الفضل الخالي عن المقابلة
في القلب دون الثوب فلهذا جاز البيع في الثوب مع نصف الحط ولو كان المبيع سيفا محلى
بمائة درهم وحليته خمسون درهما فحط عنه من ثمنه درهما أجزت ذلك وجعلت الحط على
غير الفضة لان الحط يلتحق بأصل العقد ويخرج القدر المحطوط من أن يكون ثمنا فيكون
البيع كان في الابتداء بتسعة وتسعين درهما وهذا بخلاف الأول فان القلب مع الثوب
شيئان مختلفان وقد جعل الحط من ثمنهما والسيف مع الحلية كشئ واحد وقد جعل الحط
من ثمنه فلو جعلنا ذلك في حصة السيف خاصة لا يكون في هذا تغيير ما نص عليه المتصرف
* ولو باع قلب فضة بعشرين دينارا وتقابضا ثم حط عنه بعد ما افترقا عشرة دنانير فهو جائز
سواء قبضها أو فارقه قبل الحط لأنه بالتحاق القبض بأصل العقد لا يظهر الربا هنا لاختلاف
الجنس والقدر المحطوط يخرج من أن يكون ثمنا فيجب رده باعتبار انه قبض فوق حقه
وترك القبض في المجلس في مثله لا يضر وعلى هذا لو زاد أحدهما صاحبه في البدل الذي من
قبله فعند اتحاد الجنس يبطل العقد عند أبي حنيفة إذا قبل الآخر الزيادة وعندهما الزيادة
تبطل وعند اختلاف الجنس الزيادة تثبت على سبيل الالتحاق بأصل العقد لأنه ليس في
اثبات الزيادة في هذا الموضع افساد أصل العقد لان الزيادة ان كانت ثوبا فتفرقا قبل قبضه
لم يضرهما شيئا كما لو كان مذكورا في أصل العقد لأن العقد فيه بيع وان كانت الزيادة
من النقود يشترط قبضها في المجلس لأنه وجب في هذا المجلس والتحق بأصل العقد
فكان بدل الصرف فشرط قبضه في المجلس الا ان اجتماعهما في مجلس العقد في أصل بدل
الصرف وان افترقا قبل قبض الزيادة بطل العقد في حصة الزيادة خاصة كما لو كان مذكورا
في أصل العقد ولم يقبض حتى افترقا * ولو اشترى سيفا محلى بمائة درهم وحليته خمسون
درهما وتقابضا ثم زاد مشترى السيف درهما أو دينارا فهو جائز وان تفرقا قبل القبض لان
الزيادة ليست في الحلية إنما هي في ثمن السيف فان الزيادة تلتحق بأصل العقد ولو كانت
مذكورة في العقد كانت بمقابلة السيف دون الحلية ولو كان بائع السيف زاده دينارا
84

أو قبضه قبل الافتراق جاز وان فارقه قبل أن يقبض انتقض من الثمن بحصة الدينار لان
الزيادة تلتحق بأصل العقد فيصير كأنه صارف سيفا محلى ودينارا بمائة درهم فخمسون درهما من
الثمن بمقابلة الحلية وتقسم الخمسون الباقية على قيمة الدينار وقيمة السيف بغير حلية فما يخص
الدينار يجب رده لأن العقد قد يبطل فيه بترك قبض الدينار في المجلس * ولو اشترى قلب
فضة فيه عشرة دراهم بعشرة واشترى هو أو غيره ثوبا بعشرة ثم باعهما بربح ده يازده أو
بوضيعة عشر أحد عشر جازت حصة الثوب ولا تجوز حصة القلب لمعنى الربا وهذا قولهما
أما عند أبي حنيفة رضي الله عنه فيفسد العقد كله لاتحاد الصفقة ولو قال أبيعكهما بوضيعة
درهم من عشرين أو بزيادة درهم على عشرين درهما كان جائزا وكانت الفضة بمثلها والثوب
بما بقي لأنه لم ينسب العشرين إلى رأس المال ولا إلى ما قام عليه به فكان هذا بيع مساومة
وفي بيع المساومة يقابل الفضة مثل وزنها والباقي بمقابل الثوب بخلاف الأول فهناك نص
على بيع المرابحة فيهما وفي بيع المرابحة لا بد من اعتبار الثمن الأول وذلك يمنع من أن يجعل
جميع الربح بمقابلة الثوب * ولو اشترى فضة بخمسين درهما وزنها كذلك واشترى شيئا بخمسين
درهما وزنها كذلك واشترى سيفا بخمسين درهما بجفنه وحمائله ثم أنفق عليه خمسة دراهم وعلى
الصياغة خمسة دراهم ثم قال يقوم على بمائة وعشرة فباعه مرابحة على ذلك بربح عشرة أحد عشر
أو بربح عشرين درهما كان ذلك كله فاسدا لأنه صرح بجعل بعض الربح بمقابلة الفضة والكل في
حكم شئ واحد فإذا فسد العقد في بعضه فسد في كله ولو كان الثمن والنفقة دنانير جاز لان عند
اختلاف الجنس لا يظهر الفضل الخالي عن المقابلة ولو اشترى فلسا بعشرة دراهم وفيه عشرة
دراهم وقبض القلب وغصبه الآخر عشرة دراهم أو استقرض منه ذلك ثم افترقا فهو ضامن
بمن القلب لان شرط بقاء العقد قبض البدل في المجلس وقد وجد فإنه مستوف لحقه وان أخذ
على سبيل الغصب والقرض لأنه ظفر من جنس حقه من مال غريمه فيكون بالقبض مستوفيا
لحقه لا مستقرضا ولا قابضا ولا يشترط اتفاقهما على المقاصة هنا بخلاف الدين الواجب قبل
عقد الصرف إذا جعلا بدل الصرف قصاصا به وقد بيناه * ولو اشترى القلب مع ثوب بعشرين
درهما وقبض القلب ونقد عشرة دراهم ثم افترقا كان المنقود من القلب خاصة استحسانا لان
قبضه مستحق في المجلس وقبض ثمن الثوب ليس بمستحق وفي سائر البيوع إنما يجعل المنقود
من ثمنهما لأجل المعاوضة والمساواة ولا معاوضة بين المستحق وبين ما ليس بمستحق ولان في
85

جعل ذلك من ثمنهما هنا نقض البيع في نصف القلب ولما كان يستحسن لتصحيح العقد فيه في
الابتداء فالاستحسان للتحرز عن فساده بعد الصحة أولى ولو نقده العشرة وقال هي من ثمنهما
جميعا فهو مثل الأول لان الشئ يضاف إلى الشيئين والمراد أحدهما قال الله تعالى يخرج منهما
اللؤلؤ والمرجان والمراد أحدهما وهو المالح وقال تعالى يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل
منكم فالمراد به الانس خاصة فهنا وان قال هو من ثمنهما فقد قصد إيفاء الحق المستحق عليه
وايفاء ثمن القلب في مجلس العقد مستحق بخلاف ثمن الثوب فيصرف ذلك إلى ثمن القلب
وان قال هي من ثمن الثوب خاصة وقال الآخر نعم أو قال لا وتفرقا على ذلك انتقض البيع
في القلب لان الترجيح بالاستحقاق عند المساواة في العقد أو الإضافة ولا مساواة بعد
تصريح الدافع بكون المدفوع من ثمن الثوب خاصة والقول في ذلك قوله لأنه هو الملك
فالقول في بيان جهته قوله * ولو كان اشترى سيفا محلى بمائه درهم وحليته خمسون درهما وقبض
السيف ونقده خمسين وقال هي من ثمن السيف دون الحلية ورضى بذلك القابض أو لم يرض
فهو سواء وفي القياس هو لما صرح به يبطل العقد بافتراقهما كما في الفصل الأول ولكنه
استحسن فجعل المنقود من الجاهلية هنا لأنا لو جعلنا المنقود ثمن الحلية يصح القبض والدفع
ولو جعلناه ثمن السيف يبطل ذلك كله لأن العقد في حصة الحلية يبطل بالافتراق قبل القبض
ويبطل العقد ببطلانه في حصة السيف فيجب رد المقبوض فكان هذا تصريحا بما لا يفيد
فيسقط اعتباره بخلاف الثوب فان هناك لو جعلنا المنقود من ثمن الثوب سلم للقابض بذلك
الطريق. يوضحه ان الحلية والسيف شئ واحد وفي الشئ الواحد لا يعتبر تعيينه في المنقود
أنه ثمن هذا الجانب دون الجانب الآخر بخلاف القلب والثوب وكذلك لو كان الثمن دنانير
ولو اشترى فضة بخمسة دنانير واشترى سيفا وجفنا وحمائل بخمسة دنانير وأنفق على صناعته
وتركيبه دينارا ثم باعه مرابحة على ذلك بربح ده يازده وتقابضا كان ذلك جائزا لان الجنس
مختلف لا يظهر الفضل الخالي عن المقابلة وكذلك لو كان قلب فضة يقوم عليه بدينار وثوب
لآخر يقوم بدينارين فباعاهما مرابحة بربح دينار أو بربح ده يازده فان الربح بينهما على
قدر رأس كل واحد منهما لان الثمن الباقي في بيع المرابحة مقسوم على الثمن الأول وقد
كان الثمن الأول بينهما أثلاثا وإن كان قلب فضة لرجل وعشرة دراهم وثوب لاخر قيمته
عشرة دراهم فباعاه من رجل بعشرين درهما باع كل واحد منهما الذي له إلا أن
86

البيع صفقة واحدة ثم نقد المشترى صاحب القلب عشرة فهي له خاصة لان كل واحد
منهما تولى بيع ملكه بنفسه فإليه قبض ثمنه ولا شركة بينهما في المقبوض لأنه لم يكن بينهما
شركة في المبيع ولا ينتقض البيع ان تفرقا قبل أن ينقد الباقي لان الباقي ثمن الثوب ولو
باعا جميعا الثوب وباعا جميعا القلب فنقد صاحب القلب عشرة ثم تفرقا انتقض البيع في نصف
القلب بخلاف ما تقدم إذا كان بائعهما واحدا لان هناك جعلنا المنقود استحسانا لعدم التسوية
بين المستحق وغير المستحق وهذا لا يوجد هنا لان كل واحد منهما استحق قبض نصف ثمن
القلب فان استحقاق القبض للعاقد سواء باشره لنفسه أو لغيره وقد باعا جميعا القلب والقابض
أحدهما فلا يمكن جعل نصف المنقود عوض ما باعه الآخر من القلب فان قالا كذلك
فان قبض الموكل من ثمن القلب كقبض الوكيل فصاحب القلب إذا قبض ثمن القلب وهو
في النصف عاقد وفي النصف موكل أمكن جعل المنقود كله ثمن القلب قلنا نعم ولكن
الترجيح باعتبار الاستحقاق وقبض الموكل غير مستحق له بالعقد فانعدم المعنى الذي لأجله
رجحنا ثمن القلب ولو باع لؤلؤة بمائة دينار على أن فيها مثقالا فإذا فيها مثقالان كان البيع
جائزا لان الوزن في اللؤلؤ صفة والعقد إنما ينعقد على عينه لا على صفته وكذلك لو باع دارا
بألف درهم على أنها ألف ذراع فإذا هي الف وخمسمائة ذراع كان البيع جائزا على جميعها لان
الذراعان في الدار صفة ألا ترى أن باختلافها تختلف صفة العين في الضيق والسعة ولا يتبدل
الاسم ولو كان باعها على أنها ألف ذراع كل ذراع بدرهم كان بالخيار ان شاء أخذها بألف
وخمسمائة وان شاء ترك لأنه صرح بجعل كل درهم بمقابلة كل ذراع وقد تغير على
المشترى شرط عقده فإنه اشتراها على أن تسلم له بألف درهم والآن لا تسلم له الا بألف
وخمسمائة فلزمه زيادة في الثمن ولم يرض بالتزامه فيثبت له الخيار * وكذلك قلب فضة اشتراه
بعشرة دراهم على أن فيه عشرة فإذا فيه عشرون درهما فهذا كله درهم بدرهم سواء قال درهم
بدرهم أو لم يقل فلم يأخذه بعشرين درهما إن لم يكن تفرقا عن المجلس وان شاء تركه عندنا
وقال الحسن بن زياد وزفر رحمهما الله البيع باطل لأنهما نصا على عقد الربا بتسمية العشرة
بمقابلة قلب وزنه عشرون درهما ولكنا نقول مثل وزنها في البيع وذلك حكم ثابت بالشرع
فيكون بمقابلة كل درهم درهما صرحا بذلك أو لم يصرحا وعند التصريح بذلك جاز البيع
في جميع القلب بمثل وزنه فكذلك عند الاطلاق لان المستحق شرعا يكون أقوي من
87

تنصيص المتعاقدين عليه بخلاف الذرعان في الدار ثم إن لم يتفرقا يخير لأنه لزمه زيادة في
ثمن القلب لم يرض بها فإن كان تفرقا جاز له نصف القلب لأنه ما قبض الا ثمن نصف القلب
فكأنه باعه القلب بعشرين درهما ونقد في المجلس عشرة ولهذا لا يتخير لان العيب بفعله وهي
المفارقة قبل أن يقبض بعض الثمن فإن كان اشتراه بدينار فهو كله بدينار لان المسمى هنا
بمقابلة عين القلب ولو وزن في القلب صفة فان القلب مما يضره التبعيض وفيما يضره التبعيض
الوزن صفة فان باختلاف الوزن تختلف صفته فيكون أثقل أو أخف ولكن لا يتبدل اسم
العين ولو كان قال كل درهم بعشر دينار أخذه بدينارين ان شاء لأنه أعقب منه كلامه
تفسيرا فيكون الحكم لذلك التفسير ويصير بائعا كل درهم من القلب بعشر دينار فيتخير
المشتري لما يلزمه من الزيادة وعلى هذا لو كان القلب أنقص وزنا في الفصلين جميعا وثبوت
الجواز هنا وان انتقص عنه الثمن لتغير شرط عقده وقد يرغب الانسان في قلب وزنه عشرة
مثاقيل ولا يرغب فيما إذا كان وزنه خمسة مثاقيل * ولو باع قلب فضة فيه عشرة وثوبا بعشرين
درهما فنقده منها عشرة وقال نصفها من ثمن القلب ونصفها من ثمن الثوب وتفرقا انتقض البيع
في نصف القلب لأنه نص على أن نصف المنقود من ثمن الثوب ولو نص على أن جميع المنقود
من ثمن الثوب جعل من ثمنه خاصة فكذلك نصفه وهذا بخلاف ما لو قال المنقود من ثمنهما
جميعا فإنه يجعل كله من ثمن القلب لان هناك ما صرح به بقي فيه بعض الاحتمال فقد يضاف
الشئ إلى شيئين والمراد أحدهما كما في قوله تعالى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وقوله تعالى
ألم يأتكم رسل منكم أما هنا بعد التصريح على التنصيف لا يبقى احتمال جعل الكل بمقابلة
القلب وأما في السيف إذا سمى فقال نصفها من ثمن الحلية ونصفها من ثمن السيف ثم تفرقا
لم يفسد البيع لأنه لو صرح بان الكل بمقابلة السيف لم يعتبر تصريحه اما لان السيف مع الحلية
شئ واحد وتصريحه على أن المنقود عوض جانب منه دون جانب غير معتبر أو لان المقبوض
لا يسلم له بالطريق الذي نص عليه لأن العقد يبطل في السيف ببطلانه في الحلية أو في بعضها
ونحن نعلم أن قصدهما أن يسلم المقبوض للقابض ولا وجه لذلك إلا أن يجعل بمقابلة الحلية
* ولو قال أبيعك السيف بمائة درهم وخمسين نقدا من ثمن السيف والحلية وخمسين نسيئة
من ثمن السيف والحلية ثم تفرقا كان البيع فاسدا لأنه شرط الاجل في بعض ثمن الحلية وذلك
مفسد للعقد والسيف شئ واحد فإذا فسد العقد في بعضه فسد في كله ولو كان هذا في القلب
88

والثوب فسد البيع أيضا في قول أبي حنيفة رضي الله عنه وعندهما يجوز في الثوب وقد
تقدم نظائره * ولو اشترى سيفا بمائة درهم على أن حليته خمسون درهما وتقابضا فإذا حليته
ستون درهما ولم يتفرقا فالمشتري بالخيار ان شاء زاده عشرة دراهم وأخذ السيف وان شاء
نقض البيع لأنه لما سمى وزن الحلية خمسين درهما فقد صرح بتسمية الخمسين بمقابلة
السيف فإذا ظهر أن الحلية ستون درهما وبمقابلة كل درهم درهم شرعا ظهر أن ثمن الحلية
ستون درهما ويكون ثمنها مائة وعشرة ويتخير المشترى لأنه لزمه زيادة في الثمن وان كانا
تفرقا فالبيع منتقض لان ثمن سدس الحلية لم يقبض في المجلس وبانتقاض العقد في الحلية
ينتقض في جميع السيف وكذلك لو كان في حلية السيف مائة درهم فإن لم يتفرقا فإن شاء
زاده خمسين ردهما وأخذ السيف وان شاء ترك لان بمقابلة السيف خمسين وبمقابلة الحلية
مثل وزنها وهذا بخلاف الإبريق لان بيع نصف الإبريق جائز فيمكن ايفاء العقد في نصف
الإبريق بعد الافتراق وبيع نصف الحلية لا يجوز وكذلك بيع السيف مع نصف الحلية
لا يجوز لان فيه ضررا في التسليم فإذا بطل العقد في البعض بطل في الكل * ولو اشترى
سيفا محلى وزن حليته خمسون درهما بعشرة دنانير وتقابضا وافترقا فإذا في السيف مائة درهم
فالبيع جائز لأنه يصير بتسمية وزن الحلية مسميا بمقابلة السيف خمسة دنانير وبمقابلة الحلية
خمسة دنانير فلا يضره زيادة وزن الحلية بعد ذلك وقد بينا في القلب نظيره * ولو اشترى قلب
فضة بدينار على أن فيه عشرة دراهم فإذا فيه عشرون درهما كان البيع جائزا في الكل ولو
كان مكان القلب نقرة رد نصفها لان النقرة لا يضرها التبعيض والعقد إنما يتعلق بالمسمى
من الوزن إلا ترى إنه لو قال بعت منك وزن عشرة دراهم من هذه النقرة يجوز ولو قال
من هذا القلب لا يجوز ولو باع قلب فضة لرجل وكله ببيعه ووكله آخر ببيع الثوب فباعهما
جميعا صفقة واحدة بدينار أو عشرة دراهم على أن ثمن الثوب الدينار وثمن القلب الدراهم
كان جائزا وان دفع القلب وقبض ثمنه فهو جائز ولا يشركه صاحب الثوب في ثمن القلب
لان كل واحد منهما مسمى على حدة وبيع الوكيل بثمن منفصل كبيع الموكل بنفسه
وكذلك لو كان الثمن عشرين درهما عشرة بيض ثمن القلب وعشرة سود ثمن الثوب فهذا
التفصيل وتفصيل العشرة والدينار سواء. ولو باعهما بعشرين درهما صفقة واحدة ولم يبين
أحدهما من صاحبه ثم نقده عشرة دراهم كان المنقود ثمن القلب لان البائع واحد وهو
89

المستحق بقبض جميع الثمن فهذا وما لو باعهما لنفسه سواء وإذا كان المنقود من ثمن القلب
شرعا كان ذلك لصاحب القلب لان اليد تملك الأصل ولا يشركه صاحب الثوب فيها
لانعدام الشركة بينهما في أصل القلب ألا ترى أنه لو كان البيع بعشرين درهما عشرة نقد
وعشرة نسيئة فقبض النقد وقبض الثوب والقلب كان جائزا وكان المنقود من القلب خاصة
والنسيئة في ثمن الثوب فكذلك إذا قبض البعض في المجلس دون البعض والله أعلم بالصواب
(كتاب الشفعة)
قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل
السرخسي رحمه الله إملاء الشفعة مأخوذة من الشفع الذي هو ضد الوتر لما فيه من ضم
عدد إلى عدد أو شئ إلى شئ ومه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للمذنبين فإنه يضمهم بها إلى
العابدين وكذلك الشفيع بأخذه يضم المأخوذ إلى ملكه فيسمى لذلك شفعة وزعم بعض أصحابنا
رحمهم الله ان القياس يأبى ثبوت حق الشفعة لأنه يتملك على المشترى ملكا صحيحا له بغير رضاه
وذلك لا يجوز فإنه من نوع الأكل بالباطل وتأيد هذا بقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل مال
امرئ مسلم الا بطيب نفس منه ولأنه بالأخذ يدفع الضرر عن نفسه على وجه يلحق الضرر
بالمشتري في ابطال ملكه عليه وليس لاحد أن يدفع الضرر عن نفسه بالاضرار بغيره ولكنا
نقول تركنا هذا القياس بالاخبار المشهورة في الباب * والأصح أن نقول الشفعة أصل في
الشرع فلا يجوز أن يقال إنه مستحسن من القياس بل هو ثابت وقد دلت على ثبوته الأحاديث
المشهورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم. من ذلك ما روى
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشفعة في كل شئ عقارا وربع ومن ذلك ما بدأ محمد
ابن الحسن الكتاب به ورواه عن المسور بن مخرمة عن رافع بن خديج أن سعد بن مالك
رضي الله عنه عرض بيتا له على جار له فقال خذه بأربعمائة أما انى قد أعطيت به ثمانمائة ولكني
أعطيكه بأربعمائة لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الجار أحق بصقبه وفيه
دليل على أن من أراد بيع ملكه فإنه ينبغي له أن يعرضه على جاره لمراعاة حق المجاورة قال
صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ولأنه أقرب
إلي حسن العشرة والتحرز عن الخصومة والمنازعة فلهذا فعله سعد رضي الله عنه وحط
90

عنه نصف الثمن لتحقيق هذا المعنى وقيل لاتمام الاحسان وان تمام الاحسان أن يحط الشطر لما
روى أن الحسن بن علي رضي الله عنه كان له دين على انسان فطالب غريمه فقال أحسن إلى
يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال وهبت لك النصف فقيل له النصف كثير فقال وأين
ذهب قوله تعالى وأحسنوا ان الله يحب المحسنين سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول من تمام الاحسان أن يحط الشطر فاما قوله صلى الله عليه وسلم الجار أحق بسقبه فقد
روي هذا الحديث بالسين والمراد القرب وبالصاد والمراد الاخذ والانتزاع يعنى لما جعله الشرع
أحق بالأخذ بعد البيع فهو أحق بالعرض عليه قبل البيع أيضا وهو دليل لنا على أن الشفعة
تستحق بالجوار فإنه ذكر اسما مشتقا من معنى والحكم متى علق باسم مشتق فذلك المعنى هو
الموجب للحكم خصوصا إذا كان مؤثرا فيه كما في قوله تعالى الزانية والزاني وقوله تعالى
والسارق والسارقة وهذا المعنى مؤثر لان الاخذ بالشفعة لدفع الضرر فان الضرر مدفوع
لقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار في الاسلام وذلك يتحقق بالمجاورة يعنى الضرر
البادئ إلى سوء المجاورة على الدوام من حيث ابعاد النار واعلاء الجدار وإثارة الغبار ومنع
ضوء النهار والشافعي يقول المراد بالجار الشريك فقد يطلق اسم الجار على الشريك قال الأعشى
أيا جارتي بيني فإنك طالق * كذاك أمور الناس عاد وطارقه
والمراد زوجته وهي شريكته في الفراش ولكنا نقول في هذا ترك الحقيقة إلى المجاز من
غير دليل ثم الزوجة تسمى جارة لأنها مجاورة في الفراش تتصرف عنه لا لأنها تشاركه وفي
الحديث ما يدل على بطلان هذا التأويل وأن سعدا رضي الله عنه عرض بيتا له على جار له
وروى الحديث فذلك دليل على أن جميع البيت كان له وانه فهم من الحديث الجاز دون
الشريك حين استعمل الحديث فيه * وعن الحسن في الشفعة لليتيم قال وصيه بمنزلة أبيه ان شاء
أخذ والغائب على شفعته وفيه دليل ان الشفعة تثبت للصغير وأن وليه يقوم مقامه في الاخذ
له لأنه أخذ بطريق التجارة وفيه دفع الضرر عن اليتامى وتوفير المنفعة عليهم ولهذا المقصود
أقام الشرع وليه مقامه وفيه دليل ان الشفعة تثبت للغائب لان السبب المثبت لحقه قائم مع
غيبته ولا تأثير للغيبة في ابطال حق تقرر سببه فإذا حضر وعلم به كان على شفعته لان الحق
بعد ما يثبت لا يسقط الا باسقاطه والرضا بسقوطه صريحا أو دلالة وبترك الطلب عند الجهل
به والغيبة لا يتحقق هذا المعنى لانعدام تمكنه عن الطلب وعن أبي سعيد الخدري أن النبي
91

صلى الله عليه وسلم قال الخليط أحق من الشفيع والشفيع أحق من غيره والخليط هو الشريك
في نفس المبيع والشفيع هو الشريك في حقوق المبيع كالشرب والطريق وقيل على عكس
ذلك فقد روى بعض الرواة أن الشريك أحق من الخليط والخليط أحق من الشفيع
فالشريك يكون في نفس المبيع والخليط يكون في حقوق المبيع سمى خليطا لاختلاط
بينهما فيما يتأتى به الانتفاع مع تميز الملك * والشفيع هو الجار وفيه دليل أن حق الشفعة
على مراتب وان البعض مقدم على البعض بقوة سببه وهذا إنما يتأتي على مذهبنا فاما الشافعي
فلا يوجب الشفعة الا للشريك فلا يتأتى هذا الترتيب على مذهبه والحديث يدل عليه وعن
عبد الملك بن مروان عن عطاء عن جابر رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
الجار أحق بصقبه ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا وهذا من أقوى
ما يستدل به فإنه لا شبهة في صحة هذا الحديث لان عبد الملك بن مروان كان من أهل
الحديث وعطاء بن أبي رباح اما مطلق في الحديث وجابر رضي الله عنه من كبار الصحابة
رضوان الله عليهم فلا طعن في اسناد هذا الحديث ولا وجه بحمل الحديث على الشريك
فإنه إذا حمل على الشريك كان هذا لغوا وإنما يكون مفيدا إذا كان المراد جارا هو شريك في
الطريق * قال كان شيخنا الامام يقول العجب منهم يزعمون أنهم من أصحاب الحديث ثم يتركون
العمل بمثل هذا الحديث مع شهرته فلا يبقى بعد هذا الحديث لهذا اللقب معنى سوى أنهم
يتركون العمل بمثل هذا الحديث فلأجله سموا أصحاب الحديث لا لعلمهم بالحديث وعن
الشعبي قال من بيعت شفعته وهو حاضر فلم يطلب فلا شفعة له وبه نأخذ لان سكوته عن
الطلب بعد علمه وتمكنه من الطلب دليل الرضا منه بمجاورة الجار الحادث فيلتحق بالجار
القديم باعتبار رضاه وذلك يبطل شفعته ضرورة وعليه دل قول رسول الله صلى الله عليه
وسلم الشفعة لمن واثبها أي لم يقعد عن طلبها وقال صلى الله عليه وسلم الشفعة كحل العقال
فكنى بهذا عن سرعة سقوطها وعن شريح قال الشريك أحق من الخليط والخليط أحق من
الجار والجار أحق من غيره وهو الصحيح على التفسير الذي قلنا إن الشريك في نفس المبيع
والخليط في حقوق المبيع وعن عمرو بن الشريد عن أبيه لشريد بن سويد رضي الله عنهما قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجار أحق بشفعته ما كان والشريد هذا ممن صحب
رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ثم روى عنه أنه قال أتيت رسول الله صلى
92

الله عليه وسلم فاستنشدني من أشعار الجاهلية فكلما أنشدت شيئا قال صلى الله عليه وسلم
ايه حتى أنشدت مائة بيت وأهل الحديث يرون حديثه هذا في الشفعة أن النبي صلى
الله عليه وسلم سئل عن أرض بيعت ليس لأحد فيها شركة ولا قسم الا الجوار فقال صلى الله
عليه وسلم الجار أحق بشفعته ما كان فهذا يدل على أن المراد حقيقته لأنه نفى الشركة في السؤال
وأثبت الجوار فقال صلى الله عليه وسلم ما كان وله معنيان أحدهما أن المراد من كان فان ما تذكر
بمعنى من قال الله تعالى والسماء وما بناها فهو دليل على أن الشفعة للذكر والأنثى والحر
والمملوك والصغير والكبير والمسلم والذمي والثاني أن المراد بقوله ما كان أي ما كان أي
يحتمل القسمة أو لا يحتمل القسمة فيكون دليلا لنا على الشافعي حيث يقول لا تثبت الشفعة
الا فيما يحتمل القسمة وبظاهره يستدل من أوجب الشفعة في بعض المنقولات كالسفن
ونحوها وهو قول أصحاب الظواهر ولكن ما روينا من قوله صلى الله عليه وسلم الشفعة في
كل ربع أو عقار تبين أن المراد بقوله ما كان العقار دون المنقول وعن شريح انه قضى للنصراني
بالشفعة وكتب في ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجازها وبهذا نأخذ دون ما رواه
بعد هذا عن شريح أنه قال لا شفعة ليهودي ولا لنصراني ولا لمجوسي وبقوله الثاني كان يأخذ
ابن أبي ليلى فيقول الاخذ بالشفعة رفق شرعي فلا يثبت لمن هو منكر لهذه الشريعة ولكنا
نأخذ بما قضي به شريح فقد تأيد ذلك بإمضاء عمر رضي الله عنه ثم أهل الذمة التزموا أحكام
الاسلام فيما يرجع إلى المعاملات والاخذ بالشفعة من المعاملات وهو مشروع لدفع الضرر
والضرر مدفوع عنهم كما هو مدفوع عن المسلمين وعن الحسن رضي الله عنه قال قضى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة والجوار وفي بعض الروايات بالجوار وهو دليل لنا على
استحقاق الشفعة بسبب الجوار فأما معنى اللفظ الاخر أن الجار كان منازعا قضى رسول
الله صلى الله عليه وسلم له بالجوار وبالشفعة فهو دليل على أن الجوار يستحق به الشفعة حتى سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الخصومة فقضي به وبالشفعة وعن الحسن قال إذا اقتسم
القوم الأرضين ورفعوا سربا بينهم فهم شفعاء وبه نأخذ فنقول الشركة في السرب تستحق
به الشفعة لأنها شركة في حقوق المبيع فيثبت باعتباره حق الشفعة كالشركة في نفس المبيع
لان الحاجة إلى دفع الضرر البادي لسوء المجاورة يتحقق في الموضعين جميعا وعن شريح قال
الشفعة بالأبواب فأقرب الأبواب إلى الدار أحق بالشفعة ولسنا نأخذ بهذا وإنما الشفعة عندنا
93

للجار الملاصق فاما الجار المحاذي فلا شفعة له بالمجاورة سواء كان أقرب بابا أو أبعد وإنما
يعتبر قرب الباب في التقديم في الشفعة على ما روى أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال إن لي جارين فإلى أيهما أبر قال صلى الله عليه وسلم إلى أقربهما منك بابا وهذا
لان اطلاعه واطلاع أولاده على ما يدخل منزله من النعمة أكثر فهو بالهدية أحق وهذا
تأويل ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الهدايا ابدأوا بجارنا اليهودي فاما في
الشفعة فالمعتبر هو القرب واتصال أحد الملكين بالآخر وذلك في الجار الملاصق دون الجار
المحاذي فان بين الملكين طريقا نافذا وذكر عن علي وابن عباس رضي الله عنهما قال لا شفعة
إلا لشريك لم يقاسم وهذا قول أهل المدينة وليس يأخذ به أهل الكوفة إلا أنه قد رجع إليه
ابن أبي ليلى فإنه كان في الابتداء يقضى بالشفعة للجار حتى كتب إليه أبو العباس المهدى
يأمره بأن لا يقضى بالشفعة الا لشريك لم يقاسم فأخذ بذلك لأنه كان عاملا له ونحن أخذنا
يقول عمر رضي الله عنه فقد أثبت الشفعة للجار حين قال لبنى عذرة أنتم شفعاؤنا في أموال
اليهود في حديث طويل وأخذنا بالآثار المشهورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فان الحديث
متى صح عنه كان حجة على كل صاحبي رضوان الله عليهم (والحاصل) أن الشفعة عندنا على
مراتب يقدم الشريك فيها في نفس المبيع ثم الشريك في حقوق المبيع بعده ثم الجار الملاصق
بعدهما وعن ابن أبي ليلى والشافعي لا تجب الشفعة الا للشريك في نفس المبيع لحديث أبي
هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود
وصرفت الطرق فلا شفعة وحديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
الشفعة فيما لم يقسم وادخال الألف واللام في الكلام للمعهود فإن لم يكن فللجنس وليس هنا
معهود ينصرف إليه فكان للجنس فيقتضى أن جنس الشفعة فيما لم يقسم وفي رواية إنما الشفعة
فيما لم يقسم وإنما لتقرير المذكور ونفيه عما عداه قال الله تعالى إنما الله إله واحد فهو تنصيص على
نفى الشفعة بعد القسمة والمعنى فيه أن هذا تملك المال بغير رضا المتملك عليه فيختص به الشريك
دون الجار كالمتملك بالاستيلاد وملك أحد الجارين متميز عن ملك الآخر فلا يستحق
أحدهما ملك الآخر بالشفعة كالجار المقابل وهذا لان حق الاخذ بالشفعة لدفع ضرر مؤنة
القسمة لأنه لو لم يأخذ طالبه المشترى بالقسمة فيلحقه بسببه مؤنة القسمة فالشرع مكنه من
الاخذ بالشفعة ليدفع به ضرر مؤنة القسمة فيما لا طريق له لدفع ذلك الا بان يخرج عن ملكه
94

بالأخذ بالاستيفاء والملك فيه وهذا لا يوجد في حق الجار ولهذا لا يوجب الشفعة فيما لا
يحتمل القسمة لأنه لا يدفع بالأخذ مؤنة القسمة عن نفسه ولهذا لا يوجب الشفعة في
المنقولات أيضا لأنه متمكن من دفع مؤنة القسمة هناك ببيع نصيبه والبيع والشراء في المنقول
معتاد في كل وقت فاما العقار فيتخذ لاستيفاء الملك فيه وليبقى ميراثا بالعاقبة فهو يحتاج إلى الاخذ
بالشفعة لدفع ضرر مؤنة المقاسمة عن نفسه * وحجتنا في ذلك ما روينا من الاخبار ولا يعارضها
ما رووا فيها بيان ان للشريك شفعة ونحن نقول به وتخصيص الشئ بالذكر عندنا لا يدل
على أن الحكم فيما عداه بخلافه ثم المراد بالشفعة بسبب الشركة فيما لم يقسم والمراد بيان أن مع
الشريك الذي لم يقاسم لا مزاحمة لاحد في الشفعة الشفعة بل هو مقدم وبه نقول واللفظ المذكور
في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق دليلنا أنه علق نفى الشفعة
بالامرين جميعا فذلك دليل على أنه إذا وقعت الحدود ولم تصرف الطرق بأن كان الطريق واحدا
أن تجب الشفعة وعندكم لا تجب ثم معنى هذا اللفظ فلا شفعة بوقوع الحدود وصرف الطرق
وكان الموضع موضع اشكال لان في القسمة معنى المبادلة فربما يشكل انه هل يستحق بها
الشفعة فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يستحق الشفعة بالقسمة والمعنى فيه أنه متصل
بالملك اتصال تأبيد وقرار فيثبت له حق الاخذ بالشفعة كالشريك * وتحقيق هذا الكلام أن
استحقاق الشفعة بالمجاورة دون الشركة فان الشركة تتحقق في المنقولات ثم لا تجب الشفعة
الا في العقار فلا بد من معنى يظهر به الفرق بينهما وليس ذلك إلا أن الشركة في العقار
تفضي إلى المجاورة لأنهما إذا اقتسما كانا جارين والشركة في المنقولات لا تفضي إلى المجاورة
لأنهما إذا اقتسما لا يبقى بينهما مجاورة في الملك فإذا كان باعتبار الشركة التي تفضى إلى المجاورة
يستحق الشفعة فتحقيقه المجاورة أولى وهذا لان المقصود دفع الضرر المتأذى بسوء المجاورة
على الدوام ولهذا لا يثبت لجار السكنى كالمستأجر أو المستعير لان جواره ليس بمستدام
ولهذا لا يثبت في المنقول وضرر التأذي بسوء المجاورة على الدوام باتصال أحد الملكين بالآخر
على وجه لا يتأتى الفصل به والناس يتفاوتون في المجاورة حتى يرغب في مجاورة بعض الناس
لحسن خلقه وعن جوار البعض لسوء خلقه فلمكان انه يتأذى بالجار الحادث يثبت له حق
الاخذ بالشفعة لا لدفع ضرر مؤنة المقاسمة فان ذلك لا يحتاج إليه في المنقولات ولا شفعة
فيما إذا باع أحد الشركاء نصيبه وهنا بالأخذ تزداد مؤنة المقاسمة على الباقين وإنما يندفع عنهم
95

سوء مجاورة المشترى ولهذا لا تثبت للجار المقابل لان سوء المجاورة لا يتحقق إذا لم يكن
ملك أحدهما متصلا بملك الآخر ولا شركة بينهما في حقوق الملك على أنا نقول حق الاخذ
بالشفعة له ليترفق به من حيث توسع الملك والمرافق وهذا في الجار الملاصق يتحقق لامكان
جعل احدى الدارين من مرافق الدار الأخرى أولا يتحقق ذلك في الجار المقابل لعدم إمكان
جعل احدى الدارين من مرافق الدار الأخرى بطريق نافذ بينهما حتى إذا كانتا في سكة
غير نافذة تثبت الشفعة للكل لامكان جعل بعضها من مرافق البعض بأن تجعل الدور كلها
دارا واحدة ولكن مع هذا الشريك مقدم عندنا لان سبب الاستحقاق القرب والاتصال
وذلك في حقه أقوى لوجود الاتصال بكل جزء من المبيع بجزء من ملكه ثم بعده للشريك
في الطريق لزيادة الاتصال في حقه على الجار وقوة السبب توجب الترجيح ولان الشريك
يدفع بالأخذ ضرر سوء المجاورة ومؤنة المقاسمة عن نفسه وقد بيننا أن الحاجة إلى دفع ضرر
مؤنة المقاسمة لا يصلح علة للاستحقاق فتكون علة للترجيح لان الترجيح أبدا بما لا يكون
علة الاستحقاق ألا ترى أن الأخ لأب وأم مع الأخ لأب إذا اجتمعا يترجح الأخ لأب وأم
في العصوبة بسبب قرابة الأم والعصوبة لا تستحق بقرابة الأم ثم الترجيح يقع بها فهذا مثله
وتفسير ما قلنا في منزل مشترك بين اثنين في دار هي في سكة غير نافذة إذا باع أحد الشريكين
نصيبه من المنزل فالشريك في المنزل أحق بالشفعة فإذا سلم فالشركاء في الدار أحق بالشفعة
من الشركاء في السكة لأنه أميز قربا للشركة بينهم في صحن الدار فان سلموا فأهل السكة
أحق بالشفعة في الشركة في الطريق فان سلموا فالجار الملاصق وهذا الذي على ظهر هذا
المنزل وباب دراه في سكة أخرى وقد روى عن أبي يوسف أن مع وجود الشريك لا شفعة
لاحد سواء سلم أو استوفي لأنهم محجوبون لحق الشريك وقد ثبت حقه سواء استوفي أو
سلم ولكن في ظاهر الرواية الشريك مقدم وقد ثبت حق الجار مع الشريك لتقرر السبب
في حقه إلا أن حق الشريك كان مقدما فإذا سلم كان للجار أن يستوفى كحق غرماء
الصحة مع غرماء المرض في التركة فإنه إذا استحق أسقط حقهم بالابراء كانت التركة لغرماء
المرض بديونهم لان سبب استحقاقهم ثابت ولهذا قلنا ينبغي للجار أن يطلب الشفعة إذا علم
بالبيع مع الشريك تمكن من أخذه فإن لم يطلب بعد علمه حتى يسلم الشريك فلا حق له بعد
ذلك وإن كان فناء منفرج من الطريق الأعظم راجعا عن الطريق أو زقاق أو درب غير نافذ
96

فيه دور فبيعت دار منها فأصحاب الدور شفعاء جميعا لأنهم شركاء في الفناء والطريق فان سلم
هؤلاء الشفعة فالجار الملاصق أحق منهم بالشفعة وقد قال بعض أصحابنا فناء الدار مملوك
لصاحب الدار والأصح أنه حقه وليس بمملوك له لان ملكه في الدار والدار ما أدير عليه
الحائط والفناء اسم لصحن وراء ذلك يكون معد الايقاف الدواب وكسر الحطب وغير ذلك
فإن كان ذلك في سكة غير نافذة فهو حق أصحاب السكة بمنزلة الطريق الخاصة لهم أو ملك
مشترك بينهم وفي هذا الشركة الجار الملاصق والمقابل سواء ولهذا كانت الشفعة عندنا على
عدد الرؤس دون مقادير الأنصباء والدور. وقال الشافعي على مقدار النصب وبيانه في دار
بين ثلاثة نفر لأحدهم نصفها ولآخر ثلثها ولآخر سدسها باع صاحب النصف نصيبه وطلب
الآخران الشفعة قضى بالشفعة في المبيع بينهما نصفين عندنا وعند الشافعي رحمه الله أثلاثا بقدر
ملكيهما وان باع صاحب السدس ملكه وطلب الآخر ان الشفعة قضى بينهما أخماسا عنده وان
باع صاحب الثلث نصيبه قضي به بين الآخرين أرباعا عنده بقدر ملكيهما وعندنا يقضى به
نصفين فكذلك على أصلنا إذا بيعت دار ولها جاران أحدهما جار من ثلاث جوانب والآخر
من جانب آخر واحد وطلبا الشفعة فهي بينهما نصفين فالشافعي رحمه الله استدل بحديث عمر
رضي الله عنه لما أجلى يهود من وادى القرى قال لبنى عذرة أنتم شفعاؤنا في أموال اليهود
الحديث إلى أن جعل الوادي بين بنى عذرة وبين الامارة نصفين فقد اعتبر مقدار النصيب
ولم يقسم بين المسلمين وبين بنى عذرة وان هذا رفق من مرافق الملك فيكون على قدر الملك
كالربح أو ثمرة تستحق بالملك فيكون على قدر الملك كالأولاد والألبان والأثمار في الأشجار
المشتركة يوضحه المنفعة أن التي تستحق بسبب الملك يعتبر بالغرم الذي يلحق المالك بسبب
الملك وذلك بقدر الملك فإذا كان الحائط مشتركا بين اثنين أو ثلاثا وأشهد عليهما فيه فسقط
وأصاب مالا أو نفسا كان الضمان عليهما أثلاثا بقدر الملك فهذا مثله وهذا على أصله مستقيم
فان حق الشفعة عنده لدفع ضرر مؤنة المقاسمة وحاجة صاحب الكثير إلى ذلك أكثر من
حاجة صاحب القليل لان مؤنة القسمة عنده على الشركاء بقدر الملك فكذلك ما شرع لدفع
هذه المؤنة * وجه قولنا انهما استويا في سبب الاستحقاق فيستويان في الاستحقاق * وبيان
ذلك أن سبب استحقاق الشفعة اما الجواز أو الشركة وقد استويا في أصل ذلك فان صاحب
القليل شريك كصاحب الكثير وجار الاتصال ملكه بالمبيع كصاحب الكثير (ثم تحقيق
97

هذا الكلام) أن علة الاستحقاق أصل الملك لا قدر الملك. ألا ترى أن صاحب الكثير لو باع
نصيبه كان لصاحب القليل أن يأخذ الكل بالشفعة كما لو باع صاحب القليل نصيبه كان
لصاحب الكثير أن يأخذ جميع المبيع فملك كل جزء علة تامة لاستحقاق المبيع بالشفعة فإذا
اجتمع في حق صاحب الكثير علل وفي حق صاحب القليل علة واحدة والمساواة لا تتحقق
بين العلة الواحدة والعلل ألا ترى ان أحد المدعيين لو أقام شاهدين وأقام الآخر عشرة من
الشهداء تثبت المعارضة والمشاركة بينهما. وكذلك لو أن رجلا جرح رجلا جراحة واحدة
وجرحه آخر جراحات فمات من ذلك استويا في حكم ذلك القتل وهذا لان الترجيح بقوة
العلة لا بكثرة العلة وعند ظهور العلة الترجيح المرجوع مدفوع بالراجح وهنا لا يبطل حق
صاحب القليل أصلا فعرفنا أنه لا ترجيح في جانبه من حيث قوة العلة وكثرة العلة لا توجب
الترجيح لان ما يصلح بانفراده علة لا يصلح مرجحا وملك كل جزء بانفراده علة فمن هذا
الطريق تتحقق المساواة بينهما بخلاف الغرماء في التركة فان حق كل واحد منهم في دينه في
ذمة المديون ألا ترى أن عند الانفراد لا يستحق من التركة الا قدر دينه فإذا ظهر التفاوت
بينهما في مقدار الدين وعليه يترتب استحقاق التركة قلنا كل واحد منهم يستحق بقدر دينه
وكذلك الربح فإنه إنما يحصل بقدر المال ألا ترى ان عند الانفراد يحصل الربح لكل واحد
منهما بقدر ماله وكذلك الولد واللبن والثمار فإنهما متولدة من العين فإنما تتولد بقدر الملك
والشافعي رحمه الله غلط في اعتبار حكم العلة بالمتولد من العلة وقسمة الحكم على اجزاء العلة فاما
الحائط المائل إذا مات من وقع عليه الحائط فان جرحه الحائط فالضمان عليهما نصفين لاستوائهما
في العلة وان مات بنقل الحائط فالضمان عليهما أثلاثا لان التساوي بينهما في العلة لم يوجد فان
نقل نصيب صاحب القليل لا يكون كنقل نصيب صاحب الكثير ولا يدخل على شئ مما
ذكرنا الفارس مع الراجل في الغنيمة لان تفصيل الفارس بفرسه حكم عرف شرعا بخلاف
القياس مع أن الفرس بانفراده لا يكون علة للاستحقاق فيصلح مرجحا في استحقاق بعض
الغنيمة وهنا ملك كل جزء علة كاملة لاستحقاق الجميع فلا تصلح مرجحة * ولا شفعة الا في
الأرضين والدور لأنها عرفت شرعا وقد نص الشرع على الشفعة في العقار خاصة لقوله صلى
الله عليه وسلم الشفعة في كل عقار أو ربع والصغير كالكبير في استحقاق الشفعة الا على قول
ابن أبي ليلى فإنه كان يقول لا شفعة للصغير لان وجوبها لدفع التأذي بسوء المجاورة
98

وذلك من الكبير دون الصغير ولان الصغير في الجوار تبع فهو في معنى المعير والمستأجر
ولكنا نقول سبب الاستحقاق متحقق في حق الصغير وهو الشركة أو الجوار من حيث
اتصال حق ملكه بالمبيع على وجه التأبيد فيكون مساويا للكبير في الاستحقاق به أيضا ثم هو
محتاج إلى الاخذ لدفع الضرر في الآتي عن نفسه وإن لم يكن محتاجا إلى ذلك في الحال وبمثل
هذا الحاجة جاز للمولى تزويج الصغير والصغيرة فكذلك يثبت له حق الشفعة ثم يقوم
بالطلب من يقوم مقامه شرعا في استيفاء حقوقه وهو أبوه ثم وصى أبيه ثم جده أبو أبيه ثم
وصى الجد ثم وصي نصبه القاضي فإن لم يكن له أحد من هؤلاء فهو على شفعته إذا أدرك
لان الحق قد ثبت له ولا يتمكن من استيفائه قبل الادراك لان الاستيفاء يبنى على طلب
ملزم ولا يكون طلبه ملزما قبل الادراك فتركه الطلب قبل الادراك لعدم تمكنه من ذلك
لا يكون مسقطا حقه كالبائع إذا ترك الطلب لأنه لم يعلم به والغائب على شفعته إذا علم لهذا
المعنى فإنه لا يتمكن من الطلب ما لم يعلم به وترك الطلب إنما يكون دليلا على الرضا أو التسليم
بعد التمكن منه لا قبله والذكر والأنثى والحر والمملوك والمسلم والكافر في حق الشفعة سواء
لأنه من المعاملات وإنما ينبنى الاستحقاق على سبب متصور في حق هؤلاء وثبوت الحكم
بثبوت سببه * وإذا اشترى الرجل دارا وقبضها ونقد الثمن واختلف الشفيع والمشترى في
الثمن فالقول قول المشترى مع يمينه لان الشفيع يتملك الدار على المشترى كما أن المشترى
يتملكها على البائع. ولو كان الاختلاف بين البائع والمشترى في الثمن كان القول قول البائع كما
قال صلى الله عليه وسلم إذا اختلف المتبايعان فالقول ما يقوله البائع فكذلك المشترى مع الشفيع
ولان الشفيع يدعى على المشترى وجوب تسليم الدار إليه عند احضار الألف والمشترى منكر
لذلك فالقول قوله مع يمينه وأيهما أقام البينة قبلت بينته لأنه يؤيد دعواه بالحجة وليس في
معارضة حجته سوى مجرد الدعوى من الآخر والدعوى لا تعارض الحجة ثم الشفيع ان
أقام البينة فقد أثبت ما ادعى من وجوب تسليم الدار إليه عند أداء الألف والمشترى ان أقام
البينة فقد أثبت زيادة في الثمن ببينته وان أقاما جميعا البينة فالبينة بينة الشفيع في قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف البينة بينة المشتري لأنه يثبت زيادة في الثمن ببينته
والشفيع ينفى تلك الزيادة والمثبت للزيادة من البينتين أولى بالعمل بها كما لو اختلف البائع
والمشترى في مقدار الثمن وأقاما البينة كانت بينة البائع أولى بالقبول لما فيها من اثبات الزيادة
99

وكذلك لو اختلف البائع والمشترى والشفيع فقال البائع ثلاثة آلاف وقال المشترى ألفان
وقال الشفيع ألف وأقاموا البينة كانت بينة البائع أولى بالقبول وكذلك الوكيل بالشراء مع
الموكل إذا اختلفا في مقدار الثمن وأقاما البينة كانت البينة بينة الوكيل لأنها تثبت الزيادة
وأظهر من هذا كله المشترى من العدو مع المولى القديم إذا اختلفا في ثمن العبد المأسور وأقاما
البينة كانت البينة بينة المشترى من العدو لما فيها من اثبات الزيادة ولأبي حنيفة طريقتان
إحداهما حكاها محمد عنه والأخرى حكاها أبو يوسف فالتي حكاها محمد أن المشترى صدر
منه اقرار أن أحدهما له والآخر عليه فكان للشفيع أن يأخذ بما عليه كما لو أقر عند القاضي
بالامرين جميعا. وبيان ذلك أن الشفيع أثبت ببينته اقرار المشترى بالشراء بألف وهذا عليه
والمشترى أثبت ببينته اقراره بالشراء بالغين وهذا له وبه فارق البائع مع المشترى لان هناك
كل واحد منهما صدر منه اقرار أن إحداهما ما أثبته ببينة وهو له والآخر ما أثبته صاحبه
وهو عليه فاستويا من هذا الوجه فلهذا صرنا إلى الترجيح بالزيادة والأولي أن نقرر هذا
الكلام من وجه آخر فنقول لا تنافي بين البينتين في حق الشفيع ألا تري أنه لو اشتري
مرتين مرة بألف ومرة بألفين كان للشفيع أن يأخذ بأيهما شاء فعرفنا أنه لا تنافي بينهما في
حقه والاشتغال بالترجيح عند تعذر العمل بهما أولى فاما مع امكان العمل بالبينتين فلا معنى
للمصير إلى الترجيح فيجعل في حق الشفيع كان الشرائين جميعا ثابتان فله أن يأخذ بأيهما
شاء وهو نظير المولى مع العبد إذا اختلفا فقال المولى قلت لك إذا أديت إلى الفين فأنت
حر وقال العبد قلت لي إذا أديت إلى ألفا فأنت حر وأقاما البينة فان البينة بينة العبد بهذا
الطريق وهو أنه لا منافاة بينهما في حقه فيجعل كان الكلامين صدرا من المولى ويعتق العبد
بأداء أي المالين شاء بخلاف البائع مع المشتري إذا اختلفا لان هناك العمل بالبينتين غير ممكن
فالعقد الثاني في حقهما ناسخ للأول فلهذا صرنا إلى الترجيح بالزيادة وكذلك ان اختلفوا جميعا
لأنه ما دام الاختلاف قائما بين البائع والمشترى فلا معتبر باختلاف الشفيع وأما الوكيل مع
الموكل إذا اختلفا فقد روي ابن سماعة عن محمد أن البينة بينة الموكل لان الوكيل صدر منه
اقرار ان كما بينا في ظاهر الرواية فالوكيل مع الموكل كالبائع مع المشترى ولهذا
يجري التحالف بينهما عند الاختلاف في الثمن وقد بينا العذر فيما إذا كان الاختلاف بين
البائع والمشترى فاما المولى القديم مع المشترى من العدو إذا اختلفا فقد نص في السير الكبير
100

على أن البينة بينة المولى القديم ولم يذكر فيه قول أبى يوسف لما بينهما من الوحشة حين
نص السير ولئن سلمنا فهناك العمل بالبينتين غير ممكن في حق المولى القديم لأن الشراء
الثاني ناسخ للأول فصرنا إلى الترجيح بالزيادة لهذا والطريقة التي حكاها أبو يوسف ان
بينة الشفيع ملزمة وبينة المشتري غير ملزمة والبينتان للالزام فالملزم من البينتين يترجح
كما في بينة العبد مع بينة المولى في مسألة التعليق * وبيان هذا انه إذا قبلت بينة الشفيع وجب
على المشتري تسليم الدار إليه بألف شاء أو أبى وإذا قبلت بينة المشتري لا يجب على الشفيع شئ
ولكنه يتخير بين أن يأخذ أو يترك وبه فارق بينة البائع والمشترى لان كل واحدة من البينتين
هناك ملزمة وكذلك بينة الوكيل مع الموكل كل واحدة منهما ملزمة فلهذا صرنا إلى الترجيح
بالزيادة وفي مسألة المشترى مع العبد من العدو ويقول على هذه الطريقة البينة بينة المولى
القديم لأنها ملزمة وبينة المشترى غير ملزمة وإذا أخذ الشفيع الدار من المشترى فعهدته
وضمان ماله على المشتري لأنه يتملك الدار عليه ويدفع الثمن إليه فهو في حقه بمنزلة البائع مع
المشترى * فان قيل حق الشفيع مقدم على حق المشتري شرعا فينبغي أن يجعل أخذ الشفيع
من يده بمنزلة الاستحقاق عليه لأنه يأخذ بحق مقدم على حقه * قلنا نعم حقه مقدم ولكن
ثبوت حقه بالسبب الذي يثبت به حق المشتري وهو الشراء إذ بأخذه لا يبطل ذلك السبب
بخلاف الاستحقاق بدعوى الملك فإذا بقي السبب وتأكد بقبض المشترى لم يمكن أن يجعل
الشفيع متملكا على البائع لأنه لا ملك له ولا يد حتى قضي له بالشفعة فلا بد أن يجعل متملكا
علي المشترى مستحقا عليه يده فلهذا كانت عهدته على المشترى كما لو اشتراها ابتداء منه وان
أخذها من البائع ودفع الثمن إليه فعهدته وضمان ماله على البائع عندنا. وقال ابن أبي ليلى عهدته
على البائع في الوجهين جميعا لان الشفيع لما تقدم على المشترى قام مقامه ثم عهدة المشترى على
البائع فكذلك عهدة الشفيع وللشافعي قولان في أحد القولين ليس للشفيع أن يأخذ من
البائع ولكن البائع يسلمه إلى المشترى وعهدته عليه لأنه يتملك على المشتري بعوض والمبيع
قبل القبض عنده لا يحتمل التملك على المشترى بعوض عقارا كان أو منقولا وعلى القول
الآخر يأخذ من يد البائع وعهدته على المشترى واليه يدفع الثمن وهو رواية عن أبي يوسف
لان حق الشفعة يثبت بالشراء فكان من حقوق الشراء وما يكون من حقوق الشئ لا
يكون ناسخا له وكيف يكون أخذ الشفيع ناسخا للبيع وهو مبطل حقه كما لو ظهر
101

بطلان البيع من الأصل وإذا نفى الشراء كان الشفيع متملكا على المشترى فعهدته عليه كما
لو أخذ من يده وعن أبي يوسف قال إن كان المشترى نقد البائع الثمن فالشفيع يدفع الثمن إلى
المشترى وعهدته عليه لان البائع لا يتمكن من استيفاء الثمن مرتين وإن لم يكن المشترى نقد
البائع الثمن فالشفيع يدفع الثمن إلى البائع ويسقط حق البائع من الثمن قبل المشتري وعهدة
الشفيع على البائع فاما وجه ظاهر الرواية فهو أن حق الشفيع ثبت بالبيع قبل ملك المشتري
ويده ألا ترى أنه لو قال كنت بعت هذه الدار من فلان وقال فلان ما اشتريت كان للشفيع
أن يأخذ بالشفعة لثبوت البيع باقرار البائع وإن لم يثبت ملك المشتري لانكاره فإذا ثبت
تمكنه من الاخذ قبل ملك المشتري فقبل قبضه أولى وإذا أخذ بالشفعة فات بأخذه الشفعة
القبض المستحق بالعقد في حق المشترى وذلك يوجب انفساخ البيع كما لو هلك المبيع قبل
القبض وهذا لان يد الشفيع لا يمكن جعلها نائبة عن يد المشترى لتقدم حقه على حق
المشتري بخلاف ما إذا باعها المشترى من غيره لان يد الثاني هناك يمكن جعلها نائبة عن يد
الأول فلا يفوت قبض المشترى الأول معنى ثم إن حضر الشفيع والدار في يد المشترى فهو
الخصم للشفيع يأخذه من يده ولا يشترط حضرة البائع لان حكم العقد في حق البائع قد
انتهى بالتسليم إلى المشترى وصار هو كأجنبي آخر فالشفيع بعد ذلك يستحق على المشترى
ملكه ويده وكان هو الخصم وان كانت الدار في يد البائع فلا بد من حضرة البائع والمشترى
جميعا لخصومة الشفيع في الاخذ لان الملك للمشترى واليد للبائع والشفيع يريد استحقاقهما
جميعا فيشترط حضورهما لذلك ولأنه لا بد من حضور البائع لان الدار في يده والشفيع لا يأخذ
بالشفعة من غير من في يده واحدة من يد البائع موجب انفساخ العقد بين البائع والمشترى
وذلك لا يتم الا بمحضر من المشترى فيشترط حضورهما لذلك وإذا أخذ الشفيع من المشترى
الدار بالشفعة وأراد أن يكتب عليه كتب عليه نحو ما ذكره في الكتاب والمقصود من الكتاب
التوثق والاحتياط فالسبيل أن يكتب على أحوط الوجوه ولهذا قال يكتب على اقراره كتابا
أنه كان اشتراها وان هذا كان شفيعها فطلب أخذها بالشفعة فسلمها إليه لشفعته فيها وقبض منه
الثمن ودفع إليه الدار وضمن له الدرك وأشهد عليه الشهود ويأخذ أيضا من المشترى كتاب
الشراء الذي عنده فذلك أحوط له فان أبى أن يعطيه فله ذلك لان القابض ملكه ثم الاحتياط
للشفيع أن يشهد على شهادة الشهود فيه حتى إذا جحد البائع البيع يتمكن هو من اثبات حقه
102

بالحجة وان أخذ الدار من البائع كتب أيضا عليه نحو ذلك وزاد فيه وقد سلم فلان بن فلان
المشترى جميع ما في هذا الكتاب وأجازه وأقر أنه لاحق له في هذه الدار ولا في ثمنها وان شاء
كتب الكتاب عليهما بتسليم الدار بالشفعة إليه وقبض البائع الثمن برضاهما وضمان البائع الدرك
لأنه في الاخذ من يد البائع يحتاج إلى حضرتهما وكل واحد منهما يصير مقضيا عليه من وجه
فاما ان يكتب الكتاب عليهما أو على البائع ويذكر فيه تسليم المشترى أيضا ليكون ذلك أحوط
للشفيع * وإذا اشترى دارا بألف درهم إلى سنة وطلبها الشفيع إلى ذلك الاجل لم يكن له ذلك
عندنا. وقال زفر والشافعي له ذلك لان الاجل صفة الدين يقال دين مؤجل ودين حال
وللشفيع حق الاخذ بالثمن الذي يملك به المشتري بصفته كما لو اشتراه بألف زيوف ولكنا
نقول الاجل مدة يلحقه بالشرط بالعقد شرطا فلا يثبت في حق الشفيع كالخيار وهذا لان تأثير
الاجل في تأخير المطالبة وبه تبين أنه ليس بصفة للمال لان الثمن للبائع والأجل حق للمشتري
على البائع فكيف يكون صفة للثمن ثم الناس يتفاوتون في ملاة الذمة فبرضا البائع يكون ماله
في ذمة المشتري لا يكون رضا منه بكونه في ذمة الشفيع ولان الشفيع يتملك بمثل ما يتملك
به المشترى من المال فلا يثبت الاجل في حقه من غير ذكر كالمولى فان من اشترى شيئا
بثمن مؤجل ثم ولاه غيره لا يثبت الاجل في حق المولى بدون الذكر إذا ثبت هذا فنقول
الشفيع بالخيار ان شاء أخذها بالثمن حالا وان شاء انتظر حلول الأجل فإذا حل أخذها بالثمن
حالا وإذا اختار الانتظار فعليه أن يطلب الشفعة في الحال حتى إذا لم يطلب لم يكن له أن
يأخذها بعد حلول الأجل في قول أبي حنيفة ومحمد وذكر ابن أبي مالك ان أبا يوسف كان
يقول هكذا أولا ثم رجع فقال له أن يأخذها. وجه ظاهر الرواية ان حقه في الشفعة قد ثبت
بدليل انه لو أخذه بثمن حال كان له ذلك والسكوت عن الطلب بعد ثبوت حقه يبطل شفعته
* ووجه قول أبى يوسف الآخر أن الطلب غير مقصود لعينه بل للآخذ وهو في الحال لا يتمكن
من الاخذ على الوجه الذي يطلبه لأنه إنما يريد الاخذ بعد حلول الأجل أو بثمن مؤجل في
الحال ولا يتمكن من ذلك فلا فائدة في طلبه في الحال وسكوته لأنه لم ير فيه فائدة لا لاعراضه
عن الاخذ وان اختار أخذها من يد المشتري ودفع إليه الثمن في الحال كان الثمن للبائع على
المشترى إلى أجله لتقرر العقد بينهما وإذا كان للدار شفيعان فسلم أحدهما لم يكن للآخر إلا أن
يأخذها كلها أو يدعها لان مزاحمة المسلم قد زالت فكأنه لم يكن الشفيع في حقه الا واحدا
103

وليس للشفيع أن يأخذ البعض دون البعض لما في الاخذ من تفريق الصفقة والاضرار
بالمشترى في تبعيض الملك عليه والشفيع بالأخذ يدفع الضرر عن نفسه فلا يتمكن من الاخذ
على وجه يكون فيه الحاق الضر بغيره ثم حق كل واحد من الشفيعين ثابت في جميع المبيع
لتكامل العلة في حق كل واحد منهما الا انهما إذا طلبا قضى القاضي لكل واحد منهما
بالنصف للمزاحمة ونفى الضيق في المحل فإذا سلم أحدهما قبل القضاء بقي حق الآخر في
الكل كما لو قتل رجلين عمدا فعفا عنه ولى أحدهما كان للآخر أن يقتص منه لهذا المعنى. وإذا
كان البائع اثنين في صفقة واحدة والمشترى واحدا لم يكن للشفيع أن يأخذ بعضها دون
بعض وإن كان البائع واحدا والمشترى اثنين فله أن يأخذ حصة أحدهما دون الاخر لأنه
يأخذ ملك المشتري بالشفعة فإن كان المشترى واحدا لو تمكن من أخذ البعض تضرر به
المشترى من حيث إنه يتبعض عليه الملك وإذا كان المشترى اثنين فإنما ملك كل واحد منهما
النصف وليس في أخذ الشفيع نصيب إحداهما اضرارا بالآخر * يوضحه ان أخذه لدفع ضرر
الجار الحادث وبأخذ البعض عند اتحاد المشترى لا يندفع ضرر مجاورته فعرفنا انه لم يقصد الا
الاضرار به. وإن كان المشترى اثنين فقد يكون أحدهما ممن ينتفع بجواره والآخر ممن
يتضرر بجواره فهو يقصد دفع ضرر جار السوء بأخذ نصيب أحدهما وروى الحسن عن أبي
حنيفة قال إذا كان البائع اثنين فأراد الشفيع الاخذ قبل قبض المشترى فله ان يأخذ نصيب
أحد البائعين لأنه بالأخذ يتملك على البائع ولهذا كانت عهدته على البائع والملك في حق البائعين
متفرق وبعد القبض إنما يتملك على المشترى والملك في حقه مجتمع وإن كان البائع واحدا
والمشترى اثنين فقبل القبض ليس له أن يأخذ نصيب أحد المشتريين لاجتماع الملك في حق البائع
وبعد القبض له ذلك ولكن هذا قوله الأول فاما قوله الآخر كما ذكر في الكتاب فان المعتبر
جانب المشترى قبل القبض وبعد القبض ويستوى إن كان اشتراه لنفسه أو لغيره فسره
هشام عن محمد ان الواحد إذا اشترى دار الرجلين فليس للشفيع أن يأخذ نصيب أحد الامرين
ولو اشترى رجلان لواحد كان للشفيع أن يأخذ بالشفعة النصف لان المشتري اثنان والعاقد لغيره
في باب الشراء بمنزلة العاقد لنفسه في أحكام العقد وإن كان البائع اثنين والمشترى واحدا
فطلب نصيب أحد البائعين لم تبطل بذلك شفعته وله أن يأخذها كله مقسومة كانت أو
غير مقسومة لأنه ما أعرض عن الطلب ولكنه أظهر الطلب والرغبة ثم اشتغل بتقسيم لم
104

يجعل الشرع له ذلك فيبطل تقسيمه ويبقي حقه في جميع الدار يأخذه ان شاء ولو أخبر الشفيع
أن المشترى فلان فقال قد سلمت له فإذا المشترى غيره فهو علي شفعته لما بينا أن الناس
يتفاوتون في المجاورة فرضاه بمجاورة انسان لا يكون رضا منه بمجاورة غيره وهذا التقيد منه
مفيد كأنه قال إن كان المشترى فلانا فقد سلمت الشفعة فإذا تبين أن المشترى غيره فهو على
حقه وان تبين انه اشتراه فلان وآخر معه صح تسليمه في نصيب فلان وهو على شفعته في
نصيب الآخر لأنه رضي بمجاورة أحدهما فلا يكون ذلك منه رضا بمجاورة الاخر والبعض
معتبر بالكل ولو أخبر أن الثمن بألف درهم فسلم الشفعة فإن كان أكثر من الف فتسليمه
صحيح وإن كان أقل فله الشفعة عندنا وقال ابن أبي ليلى لا شفعة له في الوجهين لأنه أسقط
حقه بعد ما وجبت له الشفعة ورضي بمجاورة هذا المشترى فلا يكون له أن يأتي ذلك بعد
الرضا به ولكنا نقول إنما أسقط حقه بشرط أن يكون الثمن ألف درهم لأنه بنى تسليمه
على ما أخبر به والخطاب السابق كالمعاد فيما بنى عليه من الجواب فكأنه قال سلمت إن كان
الثمن ألفا وإنما أقدم على هذا التسليم لغلاء الثمن أو لأنه لم يكن متمكنا من تحصيل الألف
ولا يزول هذا المعنى إذا كان الثمن أكثر من ألف بل يزداد فاما إذا كان الثمن أقل من
الألف فقد انعدم المعنى الذي كأن لأجله رضى بالتسليم فيكون على حقه وهذا لان الاخذ
بالشفعة شراء وقد يرغب المرء في شراء شئ عند قلة الثمن ولا يرغب فيه عند كثرة الثمن
ولو سلم الشفعة قبل الشراء كان ذلك باطلا لان وجوب حقه بالشراء والاسقاط قبل وجود
سبب الوجود يكون لغوا كالابراء عن الثمن قبل البيع ولو أخبر أن الثمن شئ مما يكال
أو يوزن فسلم الشفعة فإذا الثمن من صنف آخر أقل مما يسمى له أو أكثر فهو على شفعته
لان الانسان قد يتيسر عليه جنس دون جنس وكان هذا التقييد مفيدا في حقه فكأنه قال
سلمت إن كان الثمن كرا من شعيرا فإذا ظهر أن الثمن كر من حنطة فهو على حقه لو أخبر
أن الثمن عبد أو ثوب أو دابة ثم ظهر أنه كان مكيلا أو موزونا فهو شفعته لان ماله
مثل من جنسه الشفيع يأخذ بمثل ما اشتراه المشترى وفيما لا مثل له يأخذ بقيمته دراهم
وقد يتيسر عليه تحصيل جنس من المكيل والموزون ويتعذر عليه تحصيل الدراهم فكان هذا
التقييد مفيدا في حقه ولو أخبر أن الثمن ألف درهم فسلم ثم تبين له أن الثمن مائة دينار قيمتها
ألف درهم أو أقل أو أكثر فعندنا هو على شفعته إن كان قيمتها أقل من الألف والا فتسليمه
105

صحيح وعلى قول زفر هو على شفعته على كل حال لان الدراهم والدنانير جنسان ولهذا حل
التفاضل بينهما فكأنه قال سلمت إن كان الثمن ألف درهم فإذا تبين أن الثمن دنانير فهو على
شفعته كما في المكيلات والموزونات ولكنا نقول الدراهم والدنانير جنسان صورة ولكنهما
جنس واحد في المعنى والمقصود هو المالية والثمنية ومبادلة أحد النقدين بالآخر يتيسر في
العادة فلا يتقيد رضاه بالصورة وإنما يتقيد بالمعنى وهو مقدار المالية فيكون تسليمه صحيحا
إذا كانت مالية الثمن أقل مما أخبر به وهذا لان من لا يرغب في شراء الشئ بألف درهم
لا يرغب في شرائه أيضا بمائة دينار قيمتها ألف درهم ومالا يكون مقيدا من التقييد لا يعتبر
ولو قيل له اشتراها بعبد أو ثياب قيمة ألف درهم فسلم فإذا الثمن دراهم أو دنانير فهو على
شفعته لان هذا التقييد مفيد في حقه لأنه وإن كان يأخذها بالقيمة فقد يصير مغبونا في ذلك
لان تقويم الشئ بالظن يكون قائما أقدم على التسليم لهذا وينعدم هذا المعنى إذا كان الثمن
دراهم ولو قيل له انه اشتراها بعبد قيمته ألف درهم فسلم الشفعة فإذا قيمة العبد أكثر من
ذلك فلا شفعة له وان كانت قيمته أقل من ألف درهم فله الشفعة لان الثمن إذا كان مما
لا مثل له من جنسه فإنما يأخذ الشفيع بقيمته فكان هذا في حقه بمنزلة البيع بتلك القيمة
فإذا كان لثمن أقل مما أخبر به لم يكن هو راضيا بسقوط حقه وإذا كانت الدار بين ثلاثة
رجال الا موضع بئر أو طريق فيها فباع الشريك في الجميع نصيبه من جميع الدار فالشريك
الذي له في جميع الدار نصيب أحق من الآخر الذي له في بعض الدار نصيب لان شركته
أعم وقد بينا أن من يكون أقوى سببا فهو مقدم في الاستحقاق ولان الموضع الذي هو
مشترك بين البائع وبينه لاحق للثالث فيه وهو موضع البئر أو الطريق لابد أن يكون هو
أحق في ذلك الموضع بالأخذ بالشفعة وذلك في حكم شئ واحد فإذا صار أحدهم أحق
بالتبعيض كان أحق بالجميع وان اختلفا البائع والمشتري والشفيع في الثمن قبل نقد الثمن والدار
مقبوضة أو غير مقبوضة فالقول قول البائع في الثمن ويثبت حكم التحالف بين البائع والمشترى
بالنص وللشفيع أن يأخذ بما قال البائع ان شاء لان الشرع لما جعل القول قول البائع ظهر
مقدار الثمن في حقه بخبره وإنما لم يظهر في إلزام المشترى وليس في جانب الشفيع إلزام بل
هو مخير فيأخذه بما قال البائع ان شاء وان كانت الدار في يد المشترى فقال البائع بعتها بألف
درهم واستوفيت الثمن وقال المشترى اشتريتها بألفين فللشفيع أن يأخذ بألف درهم ولو قال
106

البائع بعتها إياه واستوفيت الثمن وهو ألف درهم وقال المشترى اشتريتها بألفين ونقدته الثمن
لم يأخذها الشفيع الا بألفين لان حكم البيع في حق البائع ينتهى بوصول الثمن إليه فإذا بدا
فأقر بجميع قبض الثمن قبل أن يبين مقداره فقد انتهى حكم العقد في حقه وصار هو كأجنبي
آخر فلا قول له بعد ذلك في بيان مقدار الثمن وبقي الاختلاف بين الشفيع والمشترى فيكون
القول قول المشترى فاما إذا بدا ببيان مقدار الثمن قبل أن يقر بقبضه فقد ظهر أن الثمن
ذلك القدر بخبره لان الشرع جعل القول قوله ما لم يصل إليه الثمن وثبت للشفيع حق الاخذ
بذلك الثمن فلا يبطل ذلك عليه باقرار البائع بقبض الثمن بعد ذلك وهو نظير ما لو قال الوصي
استوفيت جميع ما للميت على غريمه فلان وهو ألف درهم وقال الغريم بل كان على ألف
درهم وقد أوفيتك جميع ذلك فالوصي ضامن للألفين ولا شئ له على الغريم ولو قال استوفيت
من الغريم ألف درهم وهو جميع مال الميت عليه فقال فلان كان على ألفا درهم وقد أوفيتك
الكل فللوصي أن يرجع عليه بألف أخرى والفرق ما بينا وفرع أبو يوسف رحمه الله في
الأمالي على هذا فقال لو كانت الدار في يد البائع فقال بعتها إياه بألف درهم واستوفيت الثمن
وأخذها الشفيع من يده بألف فالمشتري على حجته فيما بينه وبين البائع يرجع عليه بألفين ان
أثبت ان الثمن ألفا درهم وهو صحيح لان البيع انفسخ فيما بين البائع والمشترى فيرجع
بما أوفاه من الثمن ولو قال البائع بعتها بألفين ولم انقد الا ألف درهم ولم يأخذها المشترى
ولا الشفيع الا بألفين لان القول في اثبات مقدار الثمن قول البائع ما لم يصل إليه كمال
الثمن وإذا كان البيع بألف درهم فحط البائع عن المشترى تسعمائة فللشفيع أن يأخذها بمائة
درهم عندنا وعند الشافعي لا يأخذها إلا بالألف وأصل المسألة في كتاب البيوع ان الزيادة
والحط في بعض الثمن يثبت على سبيل الالتحاق بأصل العقد عندنا وعند الشافعي هو بمنزلة
الهبة المبتدأة فإذا كان عندنا الحط يلتحق بأصل العقد فالمحطوط خرج من أن يكون ثمنا وإنما
ثمن الدار ما بقي فيأخذه الشفيع بذلك ولو كان الشفيع أخذها بألف ثم حط البائع عن
المشترى تسعمائة فإنه ينحط ذلك القدر عن الشفيع أيضا حتى يرجع بذلك القدر على المشترى
لأنه ظهر منه انه أخذ منه فوق حقه وعلى هذا قالوا لو أخبر أن الثمن ألف درهم فسلم
الشفعة ثم حط البائع عن المشترى مائة فهو على شفعته لان المحطوط خرج من أن يكون
ثمنا فهو بمنزلة ما لو تبين ان الثمن كان أقل من ألف ولو وهب البائع الثمن كله للمشتري قبل
107

قبضه أو بعده لم يحط المشتري عن الشفيع شيئا لان هبة جميع الثمن لا تلتحق بأصل العقد
فإن التحاق الحط بأصل العقد ليدفع العين ويعتبر صفة العقد فيه ليصير عدلا بعد أن كان
رابحا أو خاسرا وهذا لا يتحقق في هبة جميع الثمن لان الانسان لا يصير مغبونا بجميع
الثمن فعرفنا أنه مبتدأ توضيحه ان حط جميع الثمن لو التحق بأصل العقد فاما أن يصير
العقد هبة ولا شفعة للشفيع في الهبة أو يصير بيعا بغير ثمن فيكون فاسدا ولا شفعة في البيع
الفاسد فعرفنا أنه لا يمكن الحاق الجميع بأصل العقد في حق الشفيع بخلاف حط البعض فان
زاد البائع المشتري في الثمن زيادة بعد العقد أخذ الشفيع الدار بالثمن الأول لأنه قد استحق
أخذها بالثمن الأول قبل الزيادة والمشترى لا يملك ابطال الحق الثابت له فلا يملك غيره أيضا
يوضحه أن بهذه الزيادة يلزم نفسه شيئا للبائع ويلزم الشفيع مثل ذلك وله الولاية على نفسه
دون الشفيع فيعمل التزامه في حقه ولا يعمل في حق الشفيع ألا ترى أنه لوجد بيعا مع
البائع بأكثر من الثمن الأول صح ذلك في حقه وكان للشفيع أن يأخذ بالثمن الأول فقد
فرق بين الزيادة والحط في حق الشفيع وسوى بينهما في بيع المرابحة غير مستحق على
المشتري فليس في التزامه الزيادة في حكم بيع المرابحة ابطال حق مستحق عليه بخلاف الشفعة
ولو باعها المشتري من آخر بثمن أكثر من الثمن الأول كان للشفيع الخيار لان كل واحد
من العقدين سبب تام لثبوت حق الآخذ له بالشفعة فان اختار الاخذ بالشراء الثاني
يأخذها من يد المشترى الثاني ولا يشترط حضرة المشترى الأول وان اختار الاخذ بالثمن
الأول بحكم الشراء الأول كان ذلك له لان المشترى الأول لا يتمكن من ابطال حق الشفيع
بتصرفه وإذا أخذها بالشراء الأول دفع الثمن إلى المشترى الأول وعهدته عليه ويرجع
المشتري الثاني على المشتري الأول وإنما أوفاه من الثمن لان البيع الثاني قد انفسخ
فان الشفيع أخذها بحق مقدم على البيع الثاني ولم يشترط حضرة المشتري الأول إذا أراد
أخذها بالثمن الأول في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا يشترط وكذلك لو كان
المشتري وهبها من انسان ثم حضر الشفيع فلا خصومة بينه وبين الموهوب له في قول أبي حنيفة
ومحمد حتى يحضر المشترى وعند أبي يوسف هو خصم لأنه يدعى حقه في العين الذي
يزعم ذو اليد أنه ملكه فيكون هو خصما له في ذلك كما إذا ادعى ملك العين لنفسه وهما يقولان
الشفيع لا يدعي حقا على الموهوب له ولا في ملكه وإنما يدعى حقه على المشترى الأول
108

في ملكه فما لم يعد ملكه لا يتبين محل حقه وإنما يعود ملكه إذا انفسخ العقد الثاني وفسخ
العقد عليه لا يجوز الا بحضرته وتمام بيان هذه المسألة في المأذون وكذلك لو تصرف المشتري
في الدار تصرفا آخر بان رهنا أو تزوج عليها فللشفيع أن يبطل ذلك كله ويأخذها بالشفعة
الأولى وليس لاحد من هؤلاء على الشفيع شئ من الثمن أنما الثمن للمشترى الأول
ولا يأخذ الشفيع الدار حتى ينقد الثمن كما لا يأخذ المشترى الدار من البائع حتى ينقده
ثمنها ثم قد يبطل الرهن والهبة بالاستحقاق وترجع المرأة على الزوج بقيمة الدار لان المسمى
من الصداق قد استحق فإذا اشترى الرجل شقصا من دار فقاسم شريكه بحكم أو بغير حكم ثم
حضر الشفيع كان له أن يأخذ ما أصاب المشترى بالقسمة أو يتركه وليس له فسخ القسمة
لان القسمة من تتمة القبض فالمقصود من القبض الحياز وتمام الحيازة تكون بالقسمة وليس
للشفيع أن ينقض قبل المشتري فكذلك لا يكون له أن ينقض قسمته ولأنه لو نقض القسمة
احتاج إلى اعادتها في الحال لان البائع مطالب بالقسمة ولا يشتغل بنقض شئ يحتاج إلى
اعادته في الحال وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنه قال هذا إذا قسم بأمر القاضي
فإن كانت القسمة بينهما بالتراضي فللشفيع أن ينقض تلك القسمة لان في القسمة بالتراضي
معنى المبادلة فهي كتصرف آخر من المشترى فللشفيع أن ينقضه وقد يفيده هذا النقض فربما
يقع نصيبه في القسمة الثانية فيما يجاوز ملكه فاما إذا كان القاضي هو الذي قسم فليس في هذه
القسمة معنى المبادلة ولكنه تعين المبيع بقضاء القاضي وهو ما سلمه إلى المشترى فيأخذ الشفيع
ذلك من يده ان شاء وان شاء ترك وإذا قضي القاضي للشفيع بالشفعة بثمن مسمى فهي لازمة
لا يتخلص منها الا برضا المشتري أو يحدث في الدار عيب لان بقضاء القاضي ثبت الملك للشفيع
بالثمن المسمى ويؤكد فيكون حال مع المشترى بمنزلة حال المشترى مع البائع وبعد البيع ليس
للمشترى أن يتخلص منها الا بالإقالة برضاء البائع أو بعيب يجده في الدار فكذلك حال الشفيع
فإن كانت في يد البائع فقضي القاضي بها على ثم سأل البائع أن يقيله فأقاله جازت الإقالة وهي
للبائع وقد برى منها الشفيع والمشترى أما المشترى فلان البيع انفسخ بينه وبين البائع حين قضى
القاضي بها للشفيع على البائع وأما الشفيع فلانه قام مقام المشترى بعد ما قضى القاضي له بها
بذلك البيع وإقالة المشترى مع البائع كانت تصح قبل أخذ الشفيع فكذلك إقالة الشفيع مع
البائع توضيحه أن الشفيع لما تقدم على المشترى في ثبوت الملك له بالعقد الذي باشره المشترى
109

صار المشترى في معنى الوكيل له وإقالة الموكل مع البائع صحيحة فكذلك إقالة الشفيع مع البائع
وكذلك لو كانت في يدي المشترى فقضى بها عليه ثم ردها الشفيع على البائع فهو جائز والشفيع
والمشترى بريان منه في قول أبي حنيفة اما على الطريق الثاني قد بينا ان الشفيع كالموكل وإقالة
الموكل مع البائع صحيحة في حق براءة المشترى فكذلك إقالة الشفيع مع البائع وإن كان أخذها
من يد المشترى وأما على الطريق الأول ففيه بعض الاشكال لان أخذ الشفيع من يد المشترى
بمنزلة عقد مبتدأ فيما بينهما ولهذا كانت عهدته على المشترى فينبغي أن لا تجوز إقالة الشفيع
مع البائع في حق براءة المشترى حتى قال بعض مشايخنا هذه الإقالة بينهما في حكم البيع المبتدأ
فيجوز في قول أبي حنيفة رضي الله عنه هذه الإقالة بينهما في حكم البيع المبتدأ فيجوز في قول
أبي حنيفة وأبى يوسف الآخر وفي قول محمد وأبى يوسف الأول لا يجوز بناء على اختلافهم
في بيع العقار قبل القبض وبتلك المسألة استشهد في الكتاب وقد بيناها في كتاب البيوع
ومنهم من يقول بل إقالة الشفيع مع البائع صحيحة في حق الكل لان عند اتفاقهم على هذه
الإقالة يتبعض حق المشترى ويصير كان الشفيع أخذها من يد البائع ولان حق الشفيع يثبت
سابقا على ملك المشتري عنده فإذا قضي القاضي بحقه فملكه لا ينبنى على ملك المشتري بل
هو يقوم مقام المشترى في الإقالة مع البائع وملك الإقالة بملك المبيع لا بالعقد ألا ترى أن
الوارث يملك الإقالة بعد موت المورث لأنه يخلفه في ملكه فإذا قام الشفيع مقام المشترى
في الملك بقضاء القاضي ملك الإقالة مع البائع غير أن للمشترى لا يخرجها من يده حتى يرد
عليه البائع الثمن كما لو كان هو الذي اقاله بنفسه وهذا لأنه بعد ما انفسخ عقده يكون حاله في
الحبس كحال البائع عند العقد وقد كان للبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفي الثمن فكذلك
المشترى بعد الفسخ حتى يرد عليه الثمن وإذا اشترى دارا لرجل غائب فللشفيع أن يأخذها
منه بالشفعة لأنها في يده وهو نائب عن الموكل فيها ثم العاقد لغيره فيما هو من حقوق العقد
بمنزلة العاقد لنفسه وكذلك إن كان البائع وكيلا لغائب فهو بمنزلة العاقد لنفسه فللشفيع أن
يأخذ الدار منه بالشفعة إذا كانت في يده وكذلك إن كان البائع وصيا للميت لان الورثة إذا
كانوا كبارا كلهم وليس على الميت دين ولم يوص بشئ تباع فيه الدار حتى ينقد ذلك لم يجز بيع
الوصي لان الملك للورثة وهم متمكنون من النظر بأنفسهم وإن كان فيهم صبي صغير جاز بيع
الوصي في جميع الدار وكذلك إن كان عليه دين أو أوصى بوصية من ثمن الدار وهو
110

استحسان ذهب إليه أبو حنيفة (وفى القياس) لا يجوز بيعه الا في نصيب الصغير خاصة أو
بقدر الدين والوصية اعتبارا للبعض بالكل (ولكن استحسن) أبو حنيفة فقال الولاية بالوصاية
لا تتجزى فإذا ثبت في بعض الدار ثبت في كلها وفي بيع الكل منفعة لجميع الورثة فالجمل
يشترى بما لا يشتري به الأشقاص وإذا بلغ الشفيع شراء نصف الدار فسلم الشفعة ثم علم أنه
اشتري جميعها كان له الشفعة لان سلم النصف وكان حقه في أخذ الكل والكل غير النصف
فلا يكون اسقاط النصف اسقاطا للكل ولو أخبر بيع الكل فسلم ثم علم أنه إنما اشترى
النصف فلا شفعة له لان من ضرورة تسليم الكل تسليم النصف الذي هو حقه يوضح الفرق
ان الأشقاص لا يرغب فيها كما يرغب في الجمل وإنما سلم حين أخبر بشراء النصف لأنه لم
يرغب فيه مع عيب الشركة فهو على حقه إذا تبين له انه لم يكن معيبا فاما إذا سلم ولم يرغب
في الاخذ بدون عيب الشركة فأولى أن لا يكون راغبا فيه مع عيب الشركة وذكر عن أبي
يوسف على ضد هذا فقال إذا أجبر بشراء النصف فسلم ثم علم أنه اشتري الجميع فلا شفعة له
وإذا أخبر بشراء الجميع ثم علم أنه اشترى النصف فله الشفعة لأنه قد يتمكن من تحصيل ثمن
النصف ولا يتمكن من تحصيل ثمن الجميع وقد يكون له حاجة إلى النصف ليتم به مرافق ملكه
ولا يحتاج إلى الجميع وإذا اشترى الرجل دارا فعلم الشفيع وقال قد سلمتها أو سلمت نصف
الشفعة كان مسلما لجميعها أما إذا سلم الكل فلانه أسقط الحق بعد الوجوب وأما إذا سلم
النصف فلان حق الشفعة لا يتجزأ ثبوتا واستيفاء فلا يتجزأ اسقاطا أيضا ومالا يتجزى
فذكر بعضه كذكر كله كما لو طلق نصف امرأته وعن أبي يوسف أن تسليم النصف لا يصح
لأنه لاحق له في أخذ النصف وإنما يعتبر اسقاطه فيما له حق الاستيفاء فيه ولان هذا منه
إظهار الرغبة فيما يحتاج إليه من الدار وهو النصف وإنما يسقط شفعته باعراضه عن الطلب
لا باظهار الرغبة فيه ولكن هذه الرواية فيما إذا كان طلب أولا ثم سلم النصف أما إذا قال كما
سمع سلمت نصف الشفعة فلا شك أنه تسقط شفعته كما لو سكت عن الطلب وإذا اشترى
الرجل دارا فغرق بناؤها أو احترق وبقيت الأرض لم يكن للشفيع أن يأخذها الا بجميع
الثمن ولو أحرق البناء بيده فللشفيع أن يأخذ الأرض بحصتها من الثمن إذا قسم الثمن على
قيمة الأرض وقيمة البناء وقت العقد وللشافعي في الفصلين جميعا قولان في أحد القولين لا
يأخذ الا بجميع الثمن وفي القول الآخر يأخذ الأرض بحصتها في الوجهين وأصل المسألة
111

في البيوع فان المذهب عندنا أن الثمن بمقابلة الأصل دون الأوصاف حتى أن فوات الوصف
في يد البائع من غير صنع أحد لا يسقط شيئا من الثمن وعند الشافعي يسقط في أحد القولين
فكذلك فوات الوصف في يد المشترى من غير صنع أحد لا يمنعه من البيع مرابحة على جميع
الثمن عندنا وعند الشافعي يمنعه من ذلك ثم البناء وصف وبيع ولهذا دخل في بيع الأرض من غير
ذكر وهذا لان قوام البناء بالأرض كقيام الوصف بالموصوف فإذا فات البناء من غير صنع
أحد فقد فاته ما هو بيع فلا يسقط شئ من الثمن فإذا فوته المشتري فقد صار مقصودا يتناوله
فلا بد من أن يكون بعض الثمن بمقابلته كما لو فوت البائع طرف المبيع قبل التسليم فيسقط
حقه من الثمن عن الشفيع قال ألا ترى أنه لو احترق منها جذع أو باب أو وهي منها حائط
كان له أن يبيعها مرابحة فكذلك للشفيع أن يأخذها بجميع الثمن أن شاء وان هدم البناء
بيده ثم جاء الشفيع قسم الثمن على قيمة الأرض وقيمة البناء يوم وقع الشراء فيأخذ الأرض
بحصتها من الثمن ولاحق له في البناء لأنه قد زايل الأرض وهو في نفسه منقول لا يستحق
بالشفعة وإنما كان ثبوت حقه فيه لاتصاله بالأرض فإذا زال ذلك لم يكن له في البناء حق ولو
انهدم البناء بنفسه فإنه يقسم الثمن على قيمة الأرض يوم وقع العقد وقيمة النقص لان الانهدام
لم يكن بصنع المشتري فالمعتبر هو الاحتباس عنده والمحتبس هو النقص لأنه زايل البناء
بخلاف الأول فهناك المشترى هو الذي قسم البناء فلهذا قسمنا الثمن على قيمة الأرض وقيمة البناء
يوم وقع الشراء حتى لو كانت الدار تساوى ألفا والثمن ألف وقيمة النقص مائة وقيمة الأرض
خمسمائة وقيمة التأليف أربعمائة ففي الانهدام يسقط عنه قيمة النقص وفي الهدم يأخذ بحصة
الأرض لا غير وذلك خمسمائة وكذلك إن كان المشتري قد استهلك البناء وكذلك لو استهلكه
أجنبي فاخذ المشترى قيمته فان سلامة بدل البناء للمشتري بمنزلة سلامه البناء له أن لو هدم
بيده ولم يذكر ما إذا نوى القيمة على الذي هدم البناء وروى الحسن عن أبي حنيفة أن
الشفيع يأخذ الدار بجميع الثمن أن شاء كما لو احترق البناء من غير صنع أحد فان خرج
بعد ذلك ما على الذي هدم البناء من القيمة رجع الشفيع على المشترى بحصة البناء من الثمن
فان اختلفا في قيمته فالقول قول المشتري لان الشفيع يدعي عليه حقا بملك الأرض بثلث
الثمن والمشترى ينكر ذلك ويزعم أن له حق التملك بنصف الثمن والقول في مثل هذا
قول المشتري مع يمينه كما لو اختلفا في مقدار الثمن فان أقاما البينة فعلى قول أبى يوسف البينة
112

بينة المشترى لاثبات الزيادة في قيمة البناء كما هو مذهبه فيما إذا اختلفا في مقدار الثمن وعلى
الطريقة التي حكاها أبو يوسف عن أبي حنيفة هناك البينة بينة الشفيع هنا لأنها ملزمة دون
بينة المشتري وعلى الطريقة التي حكاها محمد هناك البينة بينة المشترى وهو قول محمد لان
هناك إنما جعلنا البينة بينة الشفيع باعتبار أن المشتري صدر منه اقرار ان ولا يوجد ذلك المعنى
هنا فبقي الاختلاف بينهما في قيمة البناء وفي بينة المشترى اثبات الزيادة فكانت أولى كذلك
وان اختلفا في قيمة الأرض يوم وقع الشراء نظر إلى قيمته اليوم فيقسم الثمن عليهما لأن الظاهر
شاهد لمن يوافق قوله القيمة في الحال ولان تمييز الصادق من الكاذب بالرجوع إلى قيمته في
الحال ممكن فيستدل بقيمتها في الحال على قيمتها فيما مضي وإذا اشترى دارا فوهب بناءها
لرجل أو باعها منه أو تزوج عليها وهدم لم يكن للشفيع على البناء سبيل لأنه زايل الأرض وهو
في نفسه منقول فلا يستحق بالشفعة ولكن يأخذ الأرض بحصتها من الثمن لان هدم البناء
كان بتسليط من المشترى فهو كما لو هدم بنفسه وان كأن لم يهدم فله أن يبطل تصرف المشترى
ويأخذ الدار كلها بجميع الثمن لان حقه في البناء ما دام متصلا بالأرض ثابت وللشفيع حق
نقض تصرفات المشترى ألا ترى أنه لو تصرف في الأصل والهبة كان للشفيع أن ينقض ذلك
ويأخذ بالشفعة فكذلك إذا تصرف في البناء ولأنه يأخذ الكل بالشفعة بحق تقدم ثبوت
تصرف المشترى فهو بمنزلة الاستحقاق في ابطال تصرف المشترى فيه وإذا سلم الشفيع الشفعة
للمشترى وهو لا يعلم بالشراء فهو تسليم وان صدقه المشترى أنه لم يعلم لأنه صرح باسقاط
حقه بعد الوجوب وعلمه بحقه ليس بشرط في صحة الاسقاط باللفظ الموضوع له كالابراء عن
الدين وايقاع الطلاق والعتاق والعفو عن القصاص وهذا بخلاف ما إذا ساومه وهو لا يعلم أنه
اشتراه (لان المساومة) غير موضوعة لاسقاط الشفعة وإنما تسقط الشفعة بها لما فيها من
دليل الرضا من الشفيع ولا يتحقق ذلك إذا لم يعلم الشفيع به وإذا اتخذ المشترى الدار مسجدا
ثم حضر الشفيع كان له أن ينقض المسجد ويأخذ الدار بالشفعة (وروى الحسن) عن أبي حنيفة
انه ليس له ذلك وهو مذهب الحسن ووجهه أن المسجد يتحرر عن حقوق العباد فيكون
بمنزلة اعتاق العبد وحق الشفيع لا يكون أقوى من حق المرتهن في المرهون ثم حق المرتهن
لا يمنع حق الراهن فكذلك حق الشفيع لا يمنع صحة جعل الدار مسجدا ووجه ظاهر الرواية
ان للشفيع في هذه البقعة حقا مقدما على حق المشترى وذلك يمنع صحة جعله مسجدا لان
113

المسجد يكون لله تعالى خالصا ألا ترى أنه لو جعل جزأ شائعا من داره مسجدا أو جعل
وسط داره مسجدا لم يجز ذلك لأنه لم يصر خالصا لله تعالى فكذلك ما فيه حق الشفعة إذا
جعله مسجدا وهذا لأنه في معنى مسجد الضرار لأنه قصد الاضرار بالشفيع من حيث ابطال
حقه فإذا لم يصح ذلك كان للشفيع أن يأخذ الدار بالشفعة ويرفع المشترى بناءه المحدث ولو
اشتري دارا فهدم بناءها ثم بنى فأعظم المنفعة فان الشفيع يأخذها بالشفعة ويقسم الثمن على
قيمة الأرض والبناء الذي كان فيها يوم اشترى وتسقط حصة البناء لان المشتري هو الذي
هدم البناء وينقض المشترى بناءه المحدث عندنا وروى أصحاب الاملاء عن أبي يوسف أن
الشفيع لا ينقض بناء المشترى ولكنه يأخذ بالثمن وقيمة البناء مبنيا ان شاء وهو قول الشافعي
وجه قولهما ان المشترى بنى في ملك صحيح له فلا ينقض بناؤه لحق الغير كالموهوب له إذا
بنى في الأرض الموهوبة وتأثير هذا الكلام أنه محق في أصل البناء فيستحق قرار البناء
إذ ليس في ابقاء بنائه ابطال حق الشفيع فإنه يتمكن من أخذه مبنيا بالشفعة ولو نقضنا بناءه
تضرر المشترى بابطال ملكه ولو لم ينقض لا يتضرر الشفيع بابطال حقه وان لزم الشفيع
زيادة ثمن قيمة فبمقابلته يدخل في ملكه ما يعد له والضرر ببدل أهون من الضرر الذي
يلحقه بغير بدل فكان مراعاة جانب المشتري أولى ألا ترى أنه لو زرع الأرض لم يكن للشفيع
أن يقلع زرعه لهذا والبناء تبع للأرض بمنزلة الصبغ في الثوب ومن صبغ ثوب انسان فأراد
صاحب الثوب أن يأخذ ثوبه كان عليه أن يعطى الصباغ ما زاد الصبغ فيه وهذا بخلاف
سائر تصرفات المشترى لان في ابقائها ابطال حق الشفيع فلذلك يمكن من نقضها وحجتنا
في ذلك أنه بنى في بقعة غيره أحق بها منه من غير تسليط من له الحق فينتقض عليه بناؤه
كالراهن إذا بنى في المرهون وبيان الوصف أن حق الشفيع في هذه البقعة حق قوى متأكد
وهو متقدم على حق المشتري وتصرف المشتري فيما يرجع إلى الاضرار بالشفيع يكون باطلا
لمراعات حق الشفيع ويجعل ذلك لتصرفه في غير ملكه ألا ترى أن تصرفه بالبيع والهبة
ينقض هذا المعنى فكذلك بناؤه وفي البناء هو مضر بالشفيع من حيث أنه يلزمه زيادة في
الثمن لم يرض هو بالتزامها وهو مبطل للحق الثابت له يعنى حق الاخذ بأصل الثمن فلا ينفذ
ذلك منه كما لا ينفذ سائر التصرفات وهذا بخلاف المشتري شراء فاسدا إذا بنى لأنه بنى
هناك بتسليط من له الحق ثم حق البائع في الاسترداد ضعيف لا يبقي بعد البناء ألا تري أنه
114

لا يبقى بعد تصرف آخر من المشترى بخلاف حق الشفيع وكذلك حق الواهب ضعيف
لا يبقى بعد تصرف الموهوب له بخلاف حق الشفيع والاشتغال بالترجيح لدفع أعظم الضررين
بالأهون إنما يكون بعد المساواة في أصل الحق ولا مساواة فحق الشفيع مقدم على حق
المشترى ثم البناء الذي يدخل في ملك الشفيع ربما لا يكون موافقا له فيحتاج إلى مؤنة ذلك
لرفع البناء ثم يبنى على الوجه الذي يوافقه وفي الزرع قياس واستحسان في القياس بقلع زرعه
وفي الاستحسان لا يقلع لأن لادراكه نهاية معلومة وليس في الانتظار كثير ضرر على
المشترى بخلاف الغراس والبناء وأصله في المستعير يقلع بناؤه وغرسه لحق المعير ولا يقلع
زرعه استحسانا وإذا اشترى دار فغرق نصفها فصار مثل الفرات يجرى فيه الماء ولا
يستطاع رد ذلك عنها فللشفيع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن أن شاء لان حقه ثابت
في الكل وقد تمكن من أخذ البعض فيأخذه بحصته من الثمن اعتبارا للبعض بالكل
والشافعي في كتابه يدعى المناقضة علينا في هذا الفصل ويقول إنهم زعموا أنه إذا احترق البناء
لم يسقط شئ من الثمن عن الشفيع وإذا غرق بعض الأرض سقط حصته من الثمن فكأنهم
اعتبروا فعل الماء دون النار وإنما قال ذلك لقلة الفقه والتأمل فان البناء وصف وتبع وليس
بمقابلة الوصف شئ من الثمن إذا فات من غير صنع أحد فاما بعض الأرض ليس يتبع للأرض
فلا بد من اسقاط حصة ما غرق من الثمن عن الشفيع أو تأخر ذلك إلى أن يتمكن من
أخذه والانتفاع به فان قال المشترى ذهب منها الثلث وقال الشفيع ذهب النصف فالقول
قول المشتري ويأخذها الشفيع بثلثي الثمن أن شاء فان أقاما البينة فهذا ومسألة قيمة البناء سواء
في التخريج على ما بينا وكذلك لو استحق رجل بعضها وسلم الشفعة وطلبها الجار بالشفعة أخذ
ما بقي بحصته من الثمن والقول قول المشترى في مقدار المستحق من الباقي لان الشفيع يدعى
حق التملك عليه في الباقي بثمن ينكره المشترى ولا شفعة في الشراء الفاسد لان وجوب
الشفعة تعتمد انقطاع حق البائع وعند فاسد البيع حق البائع لم ينقطع ولان في اثبات حق
الاخذ للشفيع تقرير للبيع الفاسد وهو معصية والتقرير على المعصية معصية فان سلمها المشترى
للشفيع بالثمن الذي أخذها به وسماه له جاز ذلك لان التسليم بالشفعة سمى بغير قضاء في حكم
البيع المبتدأ ولو باعه المشترى ابتداء جاز بيعه وكان عليه قيمة الدار فكذلك إذا سلمها للشفيع
ألا ترى أنه لو ورث دارا فسلمها للشفيع بألف درهم كان ذلك بيعا منه ولو اشترى بيعا منقولا
115

فطلب الشفيع بالشفعة فسلم كان ذلك بيعا مبتدأ فهذا مثله وإذا مات الشفيع بعد البيع قبل
أن يأخذ بالشفعة لم يكن لوارثه حق الاخذ بالشفعة عندنا وعند الشافعي له ذلك والكلام
في هذه المسألة نظير الكلام في خيار الشرط وقد بيناه في البيوع فان عنده كما تورث
الاملاك فكذلك تورث الحقوق اللازمة ما يعتاض عنها بالمال وما لا يعتاض في ذلك سواء
بطريق أن الوارث يقوم مقام المورث وان حاجة الوارث كحاجة المورث ونحن نقول مجرد
الرأي والمشيئة لا يتصور فيه الإرث لأنه لا يبقى بعد موته ليخلفه الوارث فيه والثابت له
بالشفعة مجرد المشيئة بين أن يأخذ أو يترك ثم السبب الذي به كان يأخذ بالشفعة تزول
بموته وهو ملكه وقيام السبب إلى وقت الاخذ شرط لثبوت حق الاخذ له ألا ترى أنه لو
أزاله باختياره بان باع ملكه قبل أن يأخذ البعض المشفوع لم يكن له أن يأخذ بالشفعة
فكذلك إذا زال بموته والثابت للوارث جوازا أو شركة حادثة بعد البيع فلا يستحق به الشفعة
وهذا لان استحقاق الشفعة بسبب ينبنى على صفة المالكية ولهذا لا يثبت حق الاخذ بالشفعة
لجار السكنى وصفة المالكية تتجدد للوارث بانتقال ملك المورث إليه فلا يجوز أن يستحق
الشفعة بهذا السبب ولو كان بيع الدار بعد موته كان له فيها الشفعة لان الملك انتقل بالموت
إلى الوارث بسبب الاستحقاق وهو الجوار عند بيع الدار كان للوارث والمعتبر قيام السبب
عند البيع لا قبله وإذا مات المشترى والشفيع حي فله الشفعة لان المستحق باق وبموت المستحق
عليه لم يتغير سبب الاستحقاق ولم يبع في دينه ووصيته لان حق الشفيع مقدم على حقه
فيكون مقدما على حق من ثبت حقه من جهته أيضا وهو الغريم والموصى له فان باعها القاضي أو
الوصي في دين الميت فللشفيع أن يبطل البيع ويأخذها بالشفعة كما لو باعها المشترى في حياته
ولا يقال بيع القاضي حكم منه فكيف ينقضه الشفيع لان القاضي إنما باعها اما لجهله بحق الشفيع
أو بناء على أنه ربما لا يطلب الشفعة فإذا طلبها كان بيعه باطلا ولان هذا منه قضاء بخلاف الاجماع
فقد أجمعوا على أن للشفيع حق نقض تصرف المشترى وإنما يبيعه القاضي في دين المشتري
ووصيته بطريق النيابة عنه وكذلك لو أوصى فيه بوصية أخذها الشفيع وبطلت الوصية لأنه
لو تبرع بها في حياته بالهبة كان للشفيع أن يبطل ذلك كله فكذلك إذا تبرع بها بعد موته
بالوصية وإذا علم الشفيع بالبيع فلم يطلب مكانه فلا شفعة له وفي هذا اللفظ إشارة إلى أن طلب
الشفعة يتوقف بمجلس علم الشفيع به وهو اختيار الكرخي وذكر ابن رستم في نوادره عن
116

محمد انه إذا سكت عن الطلب بعد ما علم بالبيع يبطل شفعته وعلى هذا عامة مشايخنا إلا أن
هشاما ذكر في نوادره انه إذا سكت هنيهة ثم طلب فهو على شفعته ما لم يتطاول سكوته
وكذلك قال كما إن سمع سبحان الله أو قال الله أكبر أو قال خلصني الله من فلان ثم طلب
الشفعة فهو على شفعته وكذلك إذا قال بكم باعها ومتى باعها أو متى اشتراها بهذا القدر من الكلام
لا تبطل شفعته وهو على حقه إذا طلب وقال ابن أبي ليلى ان طالت إلى ثلاثة أيام فله الشفعة
وقال سفيان له مهلة يوم من حين سمع وقال شريك هو على شفعته ما لم يبطلها صريحا أو دلالة
بمنزلة سائر الحقوق المستحقة له وابن أبي ليلى كان يقول يحتاج الشفيع إلى النظر والتأمل
حتى يعلم أنه ينتفع بجواز هذا الجار فلا يطلب الشفعة أو يتضرر به بطلت الشفعة ومثل هذا
لا يوقف عليه الا بالتأمل فيه مدة فيجعل له من المدة ثلاثة أيام بمنزلة خيار الشرط فلهذا
قدرها سفيان بيوم واستدل علماؤنا في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم الشفعة لم وثبها وفي
رواية الشفعة كنشطة العقال إن أخذ بها ثبتت والا ذهبت ولأنه إذا سكت عن الطلب
فذلك منه دليل الرضا بمجاورة الجار الحادث ودليل الرضا كصريح الرضا ولو لم يجعل هذا منه
دليل الرضا تضرر به المشترى فإنه يسكت حتى يتصرف المشترى فيه ثم يبطل تصرفه عليه
وفيه من الضرر مالا يخفى إلا أن الكرخي جعل له المجلس في ذلك لحاجته إلى الرأي والتأمل
فهو كالمحيرة لها الخيار ما دامت في مجلسها ولان الشرع أوجب له حق التملك ببدل ولو
أوجب البائع له ذلك بايجاب البيع كان له خيار القبول ما دام في مجلسه فهذا مثله ولفظة
الطلب لم يذكرها في الكتب والظاهر أنه بأي لفظ طلب فهو صحيح منه كسائر الحقوق إلا أن
ه روى عن أبي يوسف أنه يذكر في طلبه البيع والسبب الذي يطلب به الشفعة من جوار
أو شركة فان طلبها فأبى المشترى أن يدفعها إليه وخاصمه وأشهد الشفيع شهودا على طلبه الشفعة
كان على شفعته لأنه أظهر بطلبه رغبته في الاخذ لدفع الضرر عن نفسه فإذا علم بالبيع وهو
بمحضر من المشترى فالجواب واضح وكذلك إن كان بمحضر من الشهود ينبغي له أن يشهدهم
على طلبه تم يتوجه إلى من في يده الدار أو إلى موضع الدار فيشهد على الطلب أيضا على ماليته
إن شاء الله تعالى وكذلك لو لم يكن بحضرته أحد حين سمع ينبغي له أن يطلب الشفعة فالطلب
صحيح من غير اشهاد والاشهاد لمخافة الجحود فينبغي له أن يطلب حتى إذا حلفه المشترى
أمكنه أن يحلف أنه طلبها كما سمع ثم يأتي إلى موضع الشهود فيشهدهم على الطلب ويسمى
117

هذا طلب المواثبة ثم يأتي إلى من في يده الدار فيشهد على الطلب عنده أيضا ويسمى هذا
طلب التقرير وهو على حقه بعد هذا وان طالت الخصومة بينهما وان أثبت ذلك في ديوان
القاضي فهو أبلغ في العذر فان شغله شئ أو عرض له سفر بعد اشهاده على طلب التقرير فهو
على شفعته وهذا قول أبي حنيفة وهو القياس. لان حقه قد تقرر بالطلب فلا يسقط بعد
ذلك الا باسقاطه صريحا أو دلالة وعن محمد أنه إذا ترك ذلك شهرا بطلت شفعته استحسانا
لأنه لو لم يسقط حقه تضر به المشترى فإنه يتعذر عليه التصرف مخافة أن ينقض الشفيع تصرفه
والضرر مدفوع وإنما قدر ذلك بالشهر لان الشهر في حكم الاجل وما دونه عاجل بدليل مسألة
اليمين لتقصير حقه عاجلا فقضاؤه فيما دون الشهر بر في يمينه وعن أبي يوسف إذا ترك الخصومة
في مجلس من مجالس القاضي تبطل شفعته حتى أن كان القاضي يجلس في كل ثلاثة أيام فإذا مضى
مجلس من مجالسه ولم يخاصم الشفيع فيه اختيارا بطلت شفعته وان سلم الشفعة على مال فالتسليم
جائز ويرد المال على صاحبه لأنه أسقط حقه مختارا ورضي بجواره ولكنه طمع في غيره مطمع
وهو المال فإنه لا يستحق المال الا بمقابلة ملك له وحق الشفعة ليس بملك له فلا يستوجب
بمقابلة اسقاطه المال وتسليم الشفعة لا تتعلق بالشرط فالشرط الفاسد وهو المال فيه لا يمنع صحة
التسليم أيضا وكذلك لو باع شفعته بمال لان البيع تمليك مال بمال وحق الشفعة لا يحتمل
التمليك فيصير كلامه عبارة عن الاسقاط مجازا كبيع الزوج زوجته من نفسها وفي الكتاب لا
بل لا قيمة للشفعة على كل حال ولا يجوز أن يؤخذ عنها مال بمنزلة الكفالة بالنفس وقد بيناه في
شرح كتاب الكفالة انه لو أبرأ الكفيل بالنفس على مال لا يجب المال وفي براءة الكفيل هناك
روايتان وإنما استشهد بالكفالة لبيان أنه لا يستحق العوض عن الحق الذي ليس بملك متقوم
(وهذا بخلاف) الاعتياض عن ملك النكاح في زوجته بالخلع وعن القصاص بالصلح وعن
اسقاط الرق بالعتق (فذلك كله ملك) متقرر له في المحل شرعا وكما يجوز أن يلتزم العوض
ليثبت الملك له يجوز أن يأخذ العوض ليبطل ملكه فاما الشفيع ليس يتملك على المشترى
شيئا قبل الاخذ فتسلمه الشفعة ترك التعرض منه للمالك في ملكه وليس فيه ابطال ملك
ثابت فلا يستحق بمقابلته عوضا عليه ثم هذا على ثلاثة أوجه أحدهما أن يسلم على مال سمى
والثاني أن يصالح المشترى على أن يأخذ منه نصف الدار بنصف الثمن فهذا صحيح ويكون
مسقطا لحقه فيما زاد على النصف لأنه أخذ بعض حقه بما يخصه من البدل وذلك جائز اعتبارا
118

للبعض بالكل والثالث لو صالحه على بيت بعينه من الدار بحصته من الثمن فهذا الصلح باطل
لان حصة البيت من الثمن غير معلومة وهو على شفعته لأنه ما رضى باسقاط حقه وإنما أظهر
الرغبة في أخذ مقدار ما يحتاج إليه من الدار فكان على شفعته في جميع الدار ولو قضى القاضي
للشفيع بالدار لشفعته ثم مات قبل نقد الثمن وقبض الدار فالبيع لازم لورثته لان الشفيع
يملكها ببدل بقضاء القاضي فكان حكمه كحكم ما لو اشترى بنفسه وفي هذا إشارة إلى أن
القاضي يقضي له بشفعة قبل أن يحضر الثمن وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف فاما محمد لا
يقضي له بالشفعة حتى يحضر الثمن لان تمكنه من الاخذ إذا أدى الثمن فلا يقضى القاضي له
بالملك قبل ذلك دفعا للضرر عن المشترى ولكنا نقول ما لم يجب الثمن عاجلا لا يطالب
باحضاره ووجوب الثمن عليه بقضاء القاضي له بالدار فالقاضي يقضي له بحقه قبل احضار الثمن
ويجعل المشترى أحق بامساكها إلى أن يستوفى الثمن فيدفع الدار إليه كما هو الحكم فيما بين
البائع والمشترى وإذا اشترى دارا والشفيع غائب فعلم بالشراء فله من الاجل بعد العلم على قدر
المسير ومعنى هذا أنه كما علم بالبيع ينبغي له أن يطلب الشفعة ويشهد على الطلب والغيبة لا تمنع
صحة لاشهاد على الطلب كما لا يمنع ثبوت حقه ثم بعد الاشهاد حاله كحال الحاضر فكما أن
هناك عليه أن يتوجه إلى من في يده الدار من غير تأخير ليطلب عنده فهنا عليه أن يتوجه أو
يبعث نائبا عنه من غير تأخير ولكن لبعد المسافة يحتاج إلى مهلة هنا فلهذا جعل له الاخذ
بقدر المشتر وكما يتمكن من استيفاء حقه بنفسه يتمكن من ذلك بنائبه وربما لا يتمكن من
أن يتوجه بنفسه لعذر له في ذلك فيكون له أن يبعث من يطلب فإذا مضى ذلك الاجل قبل
أن يطلب أو يبعث من يطلب فلا شفعة له فان قدم فطلب فتغيب المشترى عنه أو خرج من البلد
فاشهد على طلب الشفعة فهو على شفعته وان طالت مدة ذلك لأنه أتى بما كان مستحقا عليه في
طلب التقرير إذ ليس في وسعه أن يتبع المشترى فربما لا يظفر به أو يلحقه ضرر عظيم فيه
فإذا ظهر المشترى ببلد ليس فيه الدار فليس على الشفيع أن يطلبه في غير البلد الذي فيه الدار
لأنه لا فائدة في اتباعه فإنه لا يتمكن من الاخذ الا في البلد الذي فيه الدار فإذا حضر هذا
البلد فقد أتى بما كان يحق عليه ثم المشترى قصد أن يلحقه زيادة ضرر حين هرب منه فرد عليه
قصده ويكون الشفيع على حقه إذا رجع المشتري وإذا اشترى من امرأة فأراد أن يشهد عليها
فلم يجد من يعرفها الا من لهم الشفعة فان شهادتهم لا تجوز عليها ان أنكرت ذلك بعد أن
119

يطلبوا الشفعة وان سلموا الشفعة جازت شهادتهم عليها لان في اثبات البيع عليها اثبات حقهم
ما لم يسلموا الشفعة وكانوا خصما في ذلك والخصم في الحادثة لا يكون شاهدا فيها وإذا اشترى
دارا والقاضي شفيعها أو ابنه أو أبوه أو زوجته فان قضاءه لا يجوز لاحد من هؤلاء لأن ولاية
القضاء فوق ولاية الشهادة فإذا لم تجز شهادته لنفسه أو لاحد من هؤلاء فكذلك قضاؤه وإذا
قضي القاضي للشفيع بالشفعة فسأله المشترى أن يردها عليه على أن يزيده في الثمن كذا ففعل
ذلك فردها عليه فان ذلك رد لا يكون له الزيادة لان هذا بمنزلة الإقالة ومن أصل أبي حنيفة
أن الإقالة فسخ بالثمن الأول وما سمى فيها من زيادة أو جنس آخر من الثمن فهو باطل لان
الإقالة لا تتعلق بالجائز من الشروط وهو تسمية الثمن فالفاسد من الشرط في الثمن لا
يبطله وعلى قول محمد الإقالة فسخ إذا كان بالثمن الأول أو أقل منه فإن كان بأكثر من
الثمن الأول أو بجنس آخر سوى الثمن الأول فهو بيع مبتدأ إذا أمكن وإذا تعذر الامكان
كان فسخا بالثمن الأول ولا امكان ههنا بجعل الإقالة بيعا مبتد مع تسميتها زيادة في الثمن لان
الشفيع لم يقبض الدار بعد ومن أصل محمد أن بيع المبيع قبل القبض لا يجوز من البائع ولا من
غيره العقار والمنقول في ذلك سواء وكذلك في قول أبى يوسف الأول فاما على قول الآخر
بيع العقار قبل القبض جائز ومن أصله أن الإقالة بمنزلة البيع المبتدأ إذا أمكن وهنا يمكن
جعله بيعا مبتدأ وإن لم يكن قبض فلهذا كان له الزيادة عند أبي يوسف والذي يقول في الكتاب
إذا كان قد قبض قبل المناقضة بناء على قوله الأول فاما على قوله الآخر لا يعتبر بهذا الشرط
وكذلك لو طلب إليه المشترى أن يسلمه للبائع على أن يرد عليه من الثمن شيئا مسمى لأنه
إقالة وقد بينا أن إقالة الشفيع كما تجوز مع المشترى تجوز مع البائع لأنه قام مقام المشترى بعد
ما قضي القاضي له بالشفعة والله تعالى أعلم بالصواب
(باب الشهادة في الشفعة)
قال رحمه الله ولا تجوز شهادة الشفيعين بالبيع على البائع الجاحد ان طلبا الشفعة لأنهما
يشهدان لأنفسهما فبثبوت البيع ثبت حقهما في الشفعة وان سلماها جازت شهادتهما للمشتري
لانتفاء التهمة عن شهادتهما بعد تسليم الشفيع فإنهما يثبتان سبب الملك للمشترى ولا شفعة
لهما في ذلك بعد ما سلما الشفعة وان جحد المشترى الشراء وادعاه البائع لم تجز شهادتهما أيضا
120

ان طلبا الشفعة لأنهما يثبتان لأنفسهما حق الاخذ على المشترى والزام العهدة إياه إذا أخذا
من يده فلا تقبل شهادتهما غير أنهما يأخذ انها باقرار البائع لان اقراره بالبيع موجب حق الشفعة
للشفيع وان جحده المشترى كما لو قال كنت بعت هذه الدار من فلان وجحد المشترى وحلف
كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة ولو شهد ابنا الشفيع أو أبوه أو امرأته بذلك كانت الشهادة
باطلة لأنه يثبت بشهادته الحق للشفيع وهو متهم في حقه بالولادة أو الزوجية فيكون كالمتهم
في حق نفسه وان شهد ولد الشفيع ووالده على الشفيع بالتسليم جازت شهادتهما لانتفاء التهمة
فإنهما أسقطا حق الشفيع بهذه الشهادة ولايتهم الانسان بالاضرار بولده أو والده والقصد
اسقاط حقه وكذلك شهادة المولى على مكاتبه وعبده المأذون بالتسليم جائزة لانتفاء التهمة
من وجه كشهادته على نفسه وشهادة المرء على نفسه من أصدق الشهادات وان شهد المولى على
البيع والعبد والمكاتب يطلبان الشفعة لم تجز شهادته لان كسب العبد لمولاه وله في كسب
مكاتبه حق الملك فشهادته بما يوجب الشفعة لعبده أو مكاتبه بمنزلة شهادته لنفسه فكذلك
شهادة ولد المولى ووالده لما فيها من الحق للولي وإذا كانت الدار لثلاثة نفر فشهد اثنان منهم
أنهم جميعا باعوها من فلان وادعي ذلك فلان وجحد الشريك لم تجز شهادتهم على الشريك
لأنهما بهذه الشهادة يثبتان صفة اللزوم في بيعهما فان للمشترى حق الفسخ إذا لم يثبت البيع
في نصيب الثالث لأنهما يشهدان على فعل باشراه فإنهم باشروا البيع صفقة واحدة وهم في ذلك
كشخص واحد والانسان فيما يباشر يكون خصما لا شاهدا وللشفيع أن يأخذ ثلثي الدار
بالشفعة لان البيع في نصيبهما ثبت باقرارهما وان أنكر المشترى الشراء وأقر به الشركاء جميعا
فشهادتهم أيضا باطلة لأنهم يشهدون على فعل أنفسهم ويثبتون الثمن لهم في ذمة المشتري
وللشفيع أن يأخذ الدار كلها بالشفعة لثبوت البيع في جميعها عند اقرارهم بذلك ولا شفعة
للوكيل فيما باع لان البائع لغيره في حكم العقد كالبائع لنفسه ولا شفعة للبائع فان أخذه
بالشفعة يكون سعيا في نقض ما قد تم به وهو الملك واليد للمشتري ومن سعى في نقض ما قد
تم به يبطل سعيه ولأنه لو ثبت له حق الشفعة امتنع من تسليمها إلى المشتري بعد ما التزم
ذلك بالعقد يكون حق الشفيع مقدما وكذلك لا شفعة لمن بيع له وهو الموكل لان تمام
البيع به فإنه لولا توكيله ما جاز البيع فان شهد الآمر بالبيع مع أجنبي أن المشتري ردها
على البائع بالشفعة لم تجز شهادة الآمر في ذلك لكونه متهما في شهادته فالمشترى قبل هذا
121

إذا وجد بها عيبا ردها على الوكيل وكان ذلك ردا على الموكل ويمتنع ذلك إذا قبلت شهادته
على أنه ردها على البائع بالشفعة فيكون في هذا تبعيد الخصومة عنه لان البائع لما لم يكن له
الشفعة فيردها عليه كابتداء البيع منه وشهادة الآمر بالبيع على المشترى أنه باعها من غيره لا
تقبل فاما الوكيل بالشراء له أن يأخذ ما اشترى بالشفعة لان شراءه لغيره كشرائه لنفسه
وشراؤه لنفسه لا يكون ابطالا للشفعة حتى أن أحد الشفعاء إذا اشترى الدار فهو على شفعته
فيها يظهر ذلك عند مزاحمة الآخرين فكذلك شراؤه لغيره وهذا لان الشفعة إنما تبطل
باظهار الشفيع الرغبة عن الدار لا باظهار الرغبة فيها والشراء إظهار الرغبة في المشترى فلا يكون
ابطالا للشفعة ولان البائع يلتزم العهدة بالبيع فلو أخذ بالشفعة كان مبطلا ما التزم به من العهدة
والمشترى يلتزم الثمن بالشراء وهو بالأخذ بالشفعة يقرر ما التزم بالشراء ولو شهد ابنا الشفيع
انه قد سلم الشفعة لم تجز شهادتهما لأنهما يشهدان لأبيهما بتقرر الملك واليد فيها وإذا باع
الرجل دارا وله عبد تاجر هو شفيعها فإن كان عليه دين فله الشفعة وإن لم يكن عليه دين
فلا شفعة له لان ماله لمولاه إذا لم يكن عليه دين وكما أن البائع لا يأخذ ما باع بالشفعة فكذلك
عبده لا يأخذ وإذا كان عليه دين فالغرماء أحق بكسبه وللغرماء حق الاخذ بالشفعة في هذه
الدار فكذلك للعبد أن يأخذ بالشفعة يوضحه أن الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء وشراء العبد من
مولاه إذا لم يكن عليه دين باطل بخلاف ما إذا كان عليه دين فكذلك حكم الاخذ بالشفعة
وعلى هذا لو باع العبد ومولاه شفيعها فإن لم يكن عليه دين فلا شفعة للمولى لان بيع العبد
وقع له وإن كان عليه دين فله الشفعة لان بيعه كان لغرمائه والمولى من كسب عبده المديون
كسائر الأجانب فان شهد ابنا المولى على العبد أنه سلم الدار للمولى بالشفعة فشهادتهما باطلة
لأنهما يشهدان لأبيهما بالملك واليد في الدار (قال وكذلك لو شهدا عليه بتسليم الشفعة في
الوجه الأول والدار في يد المولى البائع) لان للعبد حق الاخذ بالشفعة من يده فهما يشهدان
بما يسقط حقه عن أبيهما فكانا متهمين في ذلك وإذا باع المولى داره ومكاتبه شفيعها فله الشفعة
لأنه لاحق للمكاتب في ملك مولاه وهو في البيع الذي باشره مولاه كأجنبي آخر وان شهد
أبنا المولى أن المكاتب سلم الشفعة للمشتري فشهادتهما باطلة لأنهما لو شهدا عليه بتسليم
الشفعة حين كانت الدار في يد المولى لم تكن شهادتهما مقبولة فكذلك إذا شهدا به بعد ما سلمها
إلى المشترى وقيل تأيل هذه المسألة ان الدار في يد البائع بعد فشهدا على المكاتب بأنه سلم
122

الشفعة للمشترى ليسقط حقه به في الاخذ من أبيهما فاما إذا كانت الدار في يد المشتري
فالشهادة تقبل لخلوها عن التهمة فقد خرج أبوهما من خصومة الشفيع بتسليمها إلى المشترى
وإن كان البائع المكاتب ومولاه شفيعها والدار في يد البائع كان له الشفعة لأنه من كسب
مكاتبه أبعد منه من كسب العبد المديون وقد بينا هناك أنه يستحقها بالشفعة فهنا أولى فان شهد
ابنا المولى انه سلم الشفعة للمشترى جازت شهادتهما لأنهما يشهدان على أبيهما باسقاط حقه
فان قيل الدار في يد المكاتب فهما يشهدان في المعنى لمكاتب أبيهما وشهادتهما لمكاتب أبيهما
وعبد أبيهما لا تقبل قلنا نعم ولكن هذا إذا لم يكن المشهود عليه الأب فاما إذا كان المشهود
عليه الأب فلا تتمكن التهمة في شهادتهما ألا ترى ان شهادتهما لمكاتب أبيهما بدين على أبيهما
تقبل وعلى الأجنبي لا تقبل وهذا لأنهما يؤثران مكاتب أبيهما على الأجنبي لا على أبيهما وإذا
باع الرجل دارا فشهد ابنا البائع أن الشفيع سلم الشفعة للمشترى فشهادتهما باطلة لان أباهما
خصم فيه ما دامت الدار في يده وللشفيع أن يأخذها منه ويلزمه العهدة فهما يشهدان لأبيهما
وإن كان المشتري قد قبض الدار فخاصمه الشفيع ثم شهد الابنان بذلك جازت شهادتهما لان
الأب خرج من هذه الخصومة بتسليمها إلى المشترى فهما يشهدان للمولى على الشفيع فان
قيل أليس أن البائع لو يشهد على الشفيع بذلك بعد ما سلمها إلى المشترى لم تقبل شهادته كما
قبل التسليم فكذلك ابنا البائع قلنا امتناع قبول شهادته يكون خصما فيه ومن كان خصما
في حادثة مرة لا تقبل شهادته فيها وان خرج من الخصومة فاما امتناع قبول شهادة الابنين
لمنفعة أبيهما في المشهود به وذلك قبل أن يسلمها إلى المشترى فاما بعد التسليم فلا منفعة لأبيهما
فقبلت شهادتهما بذلك وكذلك العبد والمكاتب إذا باعا دارا وقبضها المشترى ثم شهد ابنا
المولى على الشفيع بالتسليم فهو جائز لان الأب لو كان هو البائع كانت شهادتهما مقبولة فإذا كان
العبد والمكاتب هو البائع أولى أن تقبل الشهادة وبهذه المسألة يتضح ما بينا من التأويل في
المسألة الأولى وإذا شهد رجلان للبائع والمشترى على الشفيع انه قد سلم الشفعة وشهد رجلان
للشفيع ان البائع والمشترى سلما الدار قضيت بها للذي هي في يده وهذا بمنزلة رجلين اختصما
في دار كل واحد منهما يدعى أنه اشتراها من صاحبه بألف درهم ونقد الثمن فانى أقضي بها
للذي هي في يده وهذه مسألة التهاتر وقد بينا في كتاب الدعوى أن عند أبي حنيفة وأبى يوسف
تتهاتر البينتان وعند محمد يقضى بالبينتين بحسب الامكان فمن أصحابنا من يقول مسألة الشفعة
123

على الخلاف أيضا وإن لم ينص عليه لان كل واحد منهما يثبت بينة الملك لنفسه على صاحبه
بسبب يصرح به شهوده قال الشيخ الامام والأصح عند ان جواب مسألة الشفعة قولهم
جميعا وان هذا ليس نظير مسألة التهاتر فان هناك محمد يقضى بالبينتين بتاريخ بينة بين الشرائين
واليد دليل ذلك التاريخ ولا يتأتى مثل ذلك هنا وأبو حنيفة وأبو يوسف يقولان بالتهاتر لان
كل واحد منهما يثبت اقرار صاحبه بالملك له وكل بائع مقر بوقوع الملك للمشترى وذلك
لا يوجد هنا فالشفيع بتسليم الشفعة لا يصير مقرا بالملك للبائع ولا للمشترى ولكن وجه هذه
المسألة أن تسليم المشترى الدار بالشفعة للشفيع يحتمل الفسخ وتسليم الشفيع الشفعة لا يحتمل
الفسخ بحال فإنه بعد ما سلم الشفعة لا يعود حقه وان اتفقا عليه والبينتان متى تعارضتا وإحداهما
تحتمل الفسخ والأخرى لا تحتمل الفسخ كما لا يحتمل الفسخ يترجح كما لو أقام البينة على أنه
اشتري هذا العبد من مولاه وأقام العبد البينة ان مولاه أعتقه يوضحه إنما يجعل كأن الامرين
كانا فإن كان الشفيع سلم الشفعة أولا ثم سلمها المشترى له فما لم يخرجه من يده لا يتم التسليم وبعد
الاخراج يكون هذا بمنزلة البيع المبتدأ فيقضى بها للشفيع إذا كانت في يديه وإن كان المشترى
سلمها إلى الشفيع أولا وقبضها الشفيع ثم سلم شفعته فتسليمه باطل لان استيفاء حقه قد تم فلهذا
قضى بالدار لذي اليد وإن كان المشتري قد قبض الدار فشهد ابنا البائع أن المشترى قد سلمها
للشفيع وهي في يدي المشترى وشهدا أجنبيان ان الشفيع قد سلمها للمشترى فانى أسلمها
للمشترى واختيار شهادة الشهود على تسليم الشفعة لوجهين أحدهما ما بينا ان تسليم الشفعة
لا يحتمل الفسخ بخلاف تسليم الدار إلى الشفيع والثاني ان بنى البائع يتهمان في شهادتهما بتبعيد
الخصومة والعهدة عن أبيهما لان المشترى يخاصم أباهما في عيب يجده بالدار قبل أن يسلمها
إلى الشفيع ولا يخاصمه في ذلك بعد ما سلمها بالشفعة إلى الشفيع فلهذا لا تقبل شهادة ابني
البائع هنا وإذا سلم الشفيع الشفعة ثم وجد المشترى بالدار عيبا بعد ما قبضها فردها بغير
قضاء قاض أو قال البائع البيع في الدار بغير عيب كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة قبل القبض
وبعده عندنا (وقال) زفر ليس له ان يأخذها لأنه سلمها ولم يتجدد حقه بما أخذنا من السبب
لان وجوب الشفعة يختص بمعاوضة مال بمال ابتداءا والرد بالعيب والإقالة فسخ العقد وليس
بمعاوضة مبتدأة ولا يجوز أن يقال يجعل ذلك كبيع مبتدأ لان التصرف إنما يصحح على قصد
المتصرف وهما قصدا الفسخ لا العقد ولكنا نقول الإقالة والرد بالعيب بغير قضاء القاضي
124

بمنزلة البيع المبتدأ في حق غيرهما لأنه تم بتراضيهما في محلين كل واحد منهما مال متقوم ولا
صورة للمعاوضة الا هذا غير أنهما سمياه فسخا ولهما الولاية على أنفسهما فكان فسخا في حقهما
ولا ولاية لهما على غيرهما فكان بمنزلة ابتداء المعاوضة في حق غيرهما فيتجدد به حق الشفيع
وإن كان ردها بالعيب بقضاء قاض لم يكن للشفيع فيها شفعة لان قضاء القاضي بالرد فسخ
وليس بعقد فان للقاضي ولاية فسخ العقد الذي جرى بينهما لا انشاء العقد وكذلك إن لم يكن
قبضها المشترى حتى ردها بالعيب بقضاء أو بغير قضاء فلا شفعة فيها لان الرد قبل القبض فسخ
من كل وجه ألا ترى أن الراد ينفرد به من غير أن يحتاج إلى رضاء أو قضاء القاضي فهو نظير
الرد بخيار الرؤية أو خيار الشرط والحرف الذي تدور عليه هذه المسائل انه متى عاد بالرد إلى
قديم ملك البائع لا يتجدد للشفيع الشفعة لان حقه لم يكن ثابتا في قديم ملكه وإذا لم يعد
إلى قديم ملكه كان هذا في معنى ملك حدث له بسبب مبتدأ فيتجدد به حق الشفيع والرد
بعد القبض بالعيب أو بالإقالة بهذه الصفة حتى لو كان موهوبا لا يرجع فيه الواهب ولو كان
مشترى شراء فاسدا لا يسترده البائع بخلاف الرد بخيار الشرط والرؤية قبل القبض أو بعده
بقضاء القاضي وإذا كان لرجل على رجل دين يقربه أو يجحده فصالحه من ذلك على دار أو
اشترى منه دارا وقبضها فللشفيع فيها الشفعة أما في الشراء فلانه صار مقرا بالدين حين أقدم
على الشراء به وفي الصلح المذهب عندنا أن الصلح على الانكار مبنى على زعم المدعى في حقه
وفي زعمه أنه ملك الدار بعوض هو مال فللشفيع أن يأخذها بالشفعة بناء على زعم المدعى فان
اختلف هو والشفيع في مبلغ ذلك الدين وحبسه فهو بمنزلة اختلاف المشترى والشفيع في
الثمن وقد بينا ذلك ولا يلتفت إلى قول الذي كان عليه الحق لأنه صار قابضا لما عليه بدينه وقد
بينا أن البائع بعد ما قبض الثمن لا قول له في بيان المقدار وإذا أقر الرجل أنه اشترى دارا
بألف درهم فاخذها الشفيع بذلك ثم ادعي البائع أن الثمن الفان وأقام البينة فإنه يؤخذ بينته
لأنه يثبت بها حقه ويرجع الشفيع على المشترى بألف أخرى لان الشفيع إنما يأخذها بالألف
الذي سلمت به للمشتري وقد تبين انها سلمت له بألفين ولا معتبر باقرار المشتري أن الثمن
كان ألف درهم لأنه صار مكذبا في اقراره بقضاء القاضي فيسقط اعتبار اقراره كمن أقر بعين
لإنسان واشتراه منه ثم استحق من يده ما أثبته يرجع على البائع بالثمن وكذلك لو ادعى البائع انه
باعها إياه بمائتي دينار أو عرض بعينه قيمته أكثر من ألف درهم وأقام البينة فإنه يقضي له بذلك
125

على المشتري ويسلم الدار للشفيع بذلك فيحسب له المشترى بقدر ما قبض منه ويرجع بالفضل
عليه وإن كان قيمته أقل من الف رجع الشفيع على المشترى بالفضل على قيمة العرض لان
الواجب للمشترى على الشفيع قيمة العرض الذي وقع الشراء به وقد تبين أنه أخذ منه أكثر
من ذلك فيلزمه رد الفضل وإذا اختلف البائع والمشتري في ثمن الدار تحالفا ويبدأ باليمين على
المشترى وقد بينا هذا في البيوع فأيهما نكل عن اليمين وجب البيع بذلك الثمن ويأخذها الشفيع
به وان اختلفا تراد البيع وأخذها الشفيع بما قال البائع ان شاء لأنهما اتفقا على صحة البيع بينهما
وثبوت حق الاخذ للشفيع فلا يبطل ذلك بفسخ البيع بينهما بالتحالف ألا ترى أن المشترى
بعد التحالف لو صدق البائع كان أحق بالدار بما ادعاه البائع من الثمن فكذلك الشفيع إذا
صدق البائع وان أقاما جميعا البينة كانت البينة بينة البائع ويأخذها الشفيع به وقد بينا فرق أبي حنيفة
ومحمد بين هذا وبين ما إذا كان الاختلاف بين المشترى والشفيع وكذلك لو ما ادعى البائع
أن الثمن كانت هذه الدار فقال المشترى بل اشتريتها بهذا العرض وأقاما البينة فبينة البائع
أولى بالقبول لأنه يثبت به حق نفسه فإن كان الشفيع شفيعا للدارين جميعا أخذ كل واحدة
منهما بقيمة الأخرى لان المعاوضة في الدارين تثبت بقضاء القاضي فهو كالثابت بالمعاينة ولو
كان لكل واحد منهما شفع أخذها بقيمة الأخرى فكذلك إذا اتخذ شفيعهما وإن كان للدار
شفيعان فشهد شاهدان أن إحداهما قد سلم الشفعة ولا يدريان أيهما هو فشهادتهما باطلة
لان المشهود عليه مجهول ولا يتمكن القاضي من القضاء على المجهول ولأنهما ضيعا شهادتهما فإنهما
عند التحمل إنما تحملا الشهادة على معلوم فإذا لم يعرفاه كان ذلك منهما تضييعا للشهادة وإن كان
أحد الشفيعين غائبا كان للحاضر أن يأخذ جميع الدار لان حق كل واحد منهما ثابت في جميع
الدار ولان حق الحاضر قد تأكد بالطلب ولا ندري أن الغائب يطلب حقه أو لا يطلب فلا
يجوز أن يتأخر حق الحاضر بغيبة الآخر ولا يتمكن من أخذ البعض لما فيه من الاضرار
بالمشترى من حيث تبعيض الملك عليه فقلنا بأنه يأخذ أو يدع وإذا أراد أن يأخذ النصف
ورضي المشترى بذلك فله ذلك لان المانع حق المشترى وان قال المشترى لا أعطيك الا
النصف كان له أن يأخذ الكل لما بينا ان حقه ثابت في جميع الدار وأكثر ما في الباب ان
الغائب قد سلم له شفعته فللحاضر أن يأخذ الكل وإذا كفل للمشتري كفيل بالدرك فأخذ
الشفيع الدار منه بالشفعة ونوى الثمن عليه لم يكن للمشترى على كفيل الدرك سبيل لان
126

المشتري ما لحقه فيها درك فالدرك هو الاستحقاق بحق متقدم على البيع وذلك لا يوجد عند
أخذ الشفيع بالشفعة وان لحق الشفيع درك لم يكن له على الذي كفل للمشتري بالدرك
سبيل لأنه ضمن للمشتري الدرك والشفيع غير المشترى والضامن لإنسان شيئا لا يكون
ضامنا لغيره والدليل على أن الاخذ بالشفعة ليس بدرك ان المشترى لو كان بنى فيها فنقض
الشفيع بناءه لم يكن له أن يرجع على البائع بقيمة البناء بخلاف ما إذا استحقها مستحق وإذا
كفل رجلان للمشتري بالدرك ثم شهدا عليه بتسليم الدار إلى الشفيع بالشفعة فشهادتهما باطلة
لان الكفيل بالدرك بمنزلة البائع وقد بينا ان شهادة البائع بذلك غير مقبولة ولا شهادة ابنيه
فكذلك شهادة الكفيلين بالدرك وشهادة ابنيهما وهذا لأنهما ينقلان العهدة عن أنفسهما بهذه
الشهادة وكذلك ان شهدا أن الشفيع سلم الشفعة فهما بمنزلة البائعين في ذلك لا تقبل شهادتهما
لان صحة الشراء وتمام الملك للمشترى كان بقبولهما ضمان الدرك فهما بهذه الشهادة يقران
ما يصح بهما وإذا أشهد الشفيع شهودا انه يأخذها بالشفعة ولم يجئ إلى المشترى ولا البائع
ولا إلى الدار ولم يطلبها فلا شفعة له لأنه ترك الطلب المقرر لحقه بعد ما تمكن منه ولو ترك
طلب المواثبة بعد ما تمكن منه سقط حقه فهنا أولى فان شهد على الطلب قبلهما ولم يسم له
الثمن فهو بالخيار إذا علم للثمن ليكشف الحال له عند ذلك ولان بمجرد الطلب لا يتم
الاخذ وهو على خياره ما لم يتم أخذه بالشفعة وإذا شهد البائعان على المشترى ان الشفيع قد
طلب الشفعة حين علم بالشراء والشفيع مقر أنه علم به منذ أيام وقال المشترى ما طلب الشفعة
فشهادة البائعين باطلة وكذلك شهادة أولادهما كما لو شهدا على المشترى بتسليم الدار إلى الشفيع
وهذا لأنهما يقرران حق الشفيع في الاخذ وفيه تنفيذ العهدة والخصومة عنهما وان قال
الشفيع لم أعلم بالشراء الا الساعة فالقول قوله مع يمينه لان علمه بالشراء حادث فعلى من
ادعى تاريخا سابقا فيه أن يثبته بالبينة وهو منكر للتاريخ فالقول قوله مع يمينه فان شهد
البائعان انه علم منذ أيام فشهادتهما باطلة ان كانت الدار في أيديهما أو في يد المشترى لان هذا
في المعنى شهادة على الشفيع بتسليم الشفعة وقد بينا أن البائع لا يكون شاهدا في هذا اما لأنه
خصم فيه أو لأنه كان خصما فيه في وقت وإذا كان الشفعاء ثلاثة فشهد اثنان منهم على أحدهم
انه قد سلم الشفعة فان قال قد سلمناها معه فشهادتهما جائزة لخلوها عن التهمة فيها وان قال
نحن نطلب فشهادتهما باطلة لأنهما متهمان فيها وإنما يدفعان بشهادتهما مزاحمة الثالث معهما
127

وان قالا قد سلمناها معه ولابن أحدهما شفعة أو لابنه أو لمكاتبه أو لزوجته فشهادتهما باطلة
لأنه متهم في حق هؤلاء كما في حق نفسه وكما لا تقبل شهادته إذا زال بها المزاحمة عن نفسه
فكذلك لا تقبل إذا زال المزاحمة عن مكاتبه أو ابنه لأنه يجر إليهما بشهادته منفعة والله أعلم
(باب الشفعة بالعروض)
قال رحمه الله (وإذا اشترى دارا بعبد بعينه فللشفيع أن يأخذها بالشفعة بقيمة العبد
عندنا وقال أهل المدينة يأخذها بقيمة الدار) لأن المبيع مضمون بنفسه أو بما يقابله من المسمى
وقد تعذر هنا ايجاب المسمى في حق الشفيع لأنه لا مثل له من جنسه فوجب المصير إلى
الضمان الأصلي وهو قيمة نفسه ولان دفع الضرر من الجانبين واجب وإنما يندفع الضرر
عن المشترى بوصول قيمة ملكه إليه وملكه عند الاخذ رقبة الدار وحجتنا في ذلك أن
الشفيع يتملك بمثل ما يملك به المشترى والمثل اما أن يكون من حيث الصورة أو في معنى المالية
فإذا كان الثمن مما له مثل من جنسه يأخذه بمثله صورة وإن كان مما لا مثل له من جنسه يأخذه
بمثله في صفة المالية وهو القيمة كالغاصب عند تعذر رد العين برد المثل فيما له مثل والقيمة فيما
لا مثل له توضيحه انه ان أخذها من المشترى فقد صار متقدما عليه في تملكها بهذا السبب
وفي معنى التلف على المشترى ما غرم فإنما يأخذها بما غرم من الثمن وان أخذها من البائع فقد
صار متلفا حقه فيما استوجب قبل المشترى من الثمن ولو أتلف ذلك حقيقة ضمن المثل فيما له
مثل والقيمة فيما لا مثل له فكذلك هنا فان مات العبد قبل أن يقبضه البائع انتقض الشراء
لفوات القبض المستحق بالعقد فان العبد معقود عليه وقد هلك قبل التسليم وللشفيع أن يأخذها
بقيمة العبد عندنا و (قال) زفر ليس له أن يأخذها بالشفعة لأن العقد انتقض من الأصل بهلاك
العبد قبل التسليم فيكون بمنزلة ما لو انتقض من استحقاقه وهذا لأنه لو كان العقد فاسدا في
الابتداء لم يجب فيها للشفيع الشفعة فكذلك إذا فسد بهلاك المعقود عليه قبل التسليم ولان المقصود
بالأخذ دفع ضرر الجار الحادث وقد اندفع ضرره حين بطل البيع وحجتنا في ذلك أن بدل الدار
في حق الشفيع قيمة العبد وهو قادر على أخذها به بعد هلاك العبد كما قبله وليس في هلاك
العبد الا انفساخ البيع بين البائع والمشترى وذلك لا يمنع بقاء حق الشفيع على ما بينا أنه يتمكن
من أخذها من البائع وأن يضمن ذلك فسخ البيع بينه وبين المشترى وهذا لان البيع مثبت
128

حق الشفيع وبقاؤه ليس بشرط لبقاء حق الشفيع ألا ترى أنهما لو تقابلا لا يبطل به حق الشفيع
وهذا بخلاف الاستحقاق فإنه يتبين به ان أصل البيع لم يكن صحيحا وان حقه لم يثبت وكذلك
إذا تبين فساد البيع من أصله فاما ههنا بهلاك العبد لا يتبين ان حق الشفيع لم يكن ثابتا ولا
يتعذر عليه الاخذ بما هو البدل في حقه وكذلك ان أبطل البائع البيع بعيب وجده بالعبد وإن لم
يكن شئ من ذلك وأخذ الشفيع الدار من البائع أخذها بقيمة العبد والعبد لصاحبه لا سبيل
للبائع عليه لأن العقد قد انفسخ بين البائع والمشترى بأخذ الشفيع من يد البائع فيبقى العبد على
ملكه لان خروجه عن ملكه كان بحكم البيع ولان بدل لدار وهو قيمة العبد قد سلم للبائع
من جهة الشفيع فلا يبطل حقه في بدل آخر فإنه لا يستوجب بدلين عن ملك واحد وان
أخذها من المشترى بقيمة العبد بقضاء أو بغير قضاء ثم مات العبد قبل القبض أو دخله عيب
فان القيمة للبائع وعلى قول زفر إن كان أخذها بقضاء القاضي فالدار ترد على البائع وقيمة العبد
على الشفيع وإن كان أخذها بغير قضاء فعلى المشترى قيمة الدار للبائع لان بموت العبد قبل
القبض انفسخ العقد بين البائع والمشترى فبقيت الدار في يد المشترى بحكم عقد فاسد وقد
تعذر عليه رد عينها حين أخرجها من ملكه باختياره فيلزمه قيمتها كالمشتراة شراء فاسدا ولكنا
نقول لما مات العبد قبل القبض وجب على المشترى رد الدار على البائع وقد تعذر ردها فيجب
رد مثلها ومثلها بحكم العقد قيمة العبد يوضحه ان حق البائع بالعقد كان في العبد أو في قيمته
بدليل أن الشفيع يأخذها من البائع بقيمته وقد قدر المشترى على تسليم القيمة التي هي حقه
عند أخذ الشفيع فلا يلزمه شئ آخر وهذا لان دفع الضرر عن المشترى واجب وربما تكون
الدار قيمتها عشرة الألف وقيمة العبد الف فإنما سلم للمشترى مقدار الألف درهم فإذا لزمه
للبائع عشرة ألف كان عليه في ذلك من الضرر مالا يخفى وتسليمها بالشفعة إلى الشفيع لا
يكون بمنزلة البيع منه ألا ترى أنه فعل بدون القاضي غير ما يأمر به القاضي لو رفع الامر
إليه فكما لا يجعل بيعا مبتدأ إذا أخذ ما كان واجبا له من الشفعة بقضاء القاضي فكذلك إذا
أخذ بغير قضاء ولو استحق العبد بطلت الشفعة لان بالاستحقاق يتبين بطلان البيع من
الأصل ويأخذ البائع الدار من الشفيع إن كان المشترى دفعها إليه بقضاء قاض وإن كان
دفعها بغير قضاء قاض فقضاء قاض بقيمة العبد وسماها وقبضها الشفيع فهذا بمنزلة البيع فيما
بينهما وهي جائزة للشفيع بتلك القيمة لان بدل المستحق يملك بالقبض وتصرف المشتري
129

فيه باعتبار ملكه نافذ وقد بينا أن في الموضع الذي لا تكون الشفعة واجبة يجعل التسليم
بغير قضاء بمنزلة المبيع المبتدأ بخلاف ما تقدم فقد كانت الشفعة هناك واجبة حين أخذها
الشفيع فلهذا جعلنا القضاء وغير القضاء هناك سواء وفرقنا بينهما هنا ثم على المشترى للبائع
قيمة الدار لأنه لما استحق العبد وجب عليه رد ما قبض من الدار وقد تعذر ردها باخراجه
إياها عن ملكه باختياره فيلزمه قيمتها وكذلك لو كان المشترى باع الدار ووهبها وقبضها الموهوب
له أو تزوج عليها ثم استحق العبد ضمن قيمة الدار لان كان مالكا للدار حين التصرف فنفذ
تصرفه ثم لزمه رد عينها حين استحق العبد وقد تعذر عليه ذلك فيلزمه رد قيمتها وإذا اشترى
دارا بعرض بعينه وتقابضا فاختلف الشفيع والمشترى في قيمة العرض فإن كان قائما بعينه يقوم
في الحال فيتبين بقيمته في الحال قيمته عند العقد وإن كان هالكا فالقول فيها قول المشترى
لأنهما اختلفا في مقدار ما يلزم الشفيع من الثمن وان أقاما البينة فعلي طريقة أبى يوسف عن أبي
حنيفة البينة بينة الشفيع لأنها ملزمة وبينة المشتري غير ملزمة وعلى قياس طريقة محمد عن
أبي حنيفة البينة بينة المشترى في هذه المسألة وهو قول أبى يوسف ومحمد لان ما صدر من
المشترى ههنا اقرار ان وهذا نظير ما إذا اختلفا في قيمة البناء الذي أحرقه المشترى وان
اشتراها بشئ مما يكال أو يوزن أخذها الشفيع بمثله من جنسه لان الشفيع يأخذ بمثل الثمن
الأول وللمكيل والموزون مثل من جنسه كما في ضمان الاتلاف وان اشترى دارا بعبد ثم
وجد بالعبد عيبا فرده أخذها الشفيع بقيمة العبد صحيحا لان العبد دخل في العقد بصفة السلامة
وإنما يقوم في حق الشفيع على الوجه الذي صار مستحقا بالعقد ولو اشترى عبدا بدار فهذا
وشراء الدار بالعبد سواء لان كل واحد منهما معقود عليه فلا فرق بين أن يضيف العقد
إلى العبد أو إلى الدار وإذا اشترى بناء دار على أن يعلقه فلا شفعة فيه من قبل أنه يشتر معه
الأرض والبناء بدون الأرض منقولا ولا يستحق المنقول بالشفعة وهذا لان حق الشفيع
يثبت لدفع الضرر البادي بسوء المجاورة على الدوام وذلك لا يتحقق في شراء البناء بدون
الأرض فان اتصال أحد الملكين بالآخر لا يكون اتصال تأييد وقرار والدليل عليه انه إنما
يستحق بالشفعة ما يستحق به الشفعة وبملك البناء بدون الأرض لا يستحق بالشفعة فاما من له
بناء على أرض موقوفة إذا بيعت دار بحسبه لا يستحق الشفعة فكذلك لا يستحق البناء بالشفعة
الا تبعا للأرض وكذلك لو اشترى نصيب البائع من البناء وهو النصف فلا شفعة في هذا
130

والبيع فيه فاسد لأنه يريد أن ينقضه والشريك يتضرر به فان قسمته لا تتأتى ما لم ينقض
الكل وفى من الضرر على الشريك مالا يخفى وكذلك لو كان البناء كله لإنسان فباع نصفه
لأنه لا يقدر على التسليم الا بضرر يلحقه فيما ليس بمبيع وذلك مفسد للبيع كما لو باعه جذعا
في سقف وإذا أراد أن يشترى دارا بخادم فخاف عليها الشفيع وقيمة الخادم ألف درهم فباع
الخادم بألفين من رب الدار ثم اشترى الدار بالألفين لم يأخذها الشفيع إلا بالألفين لان
المشترى يملك الدار بألفين فبذلك يأخذها الشفيع ان شاء (وهذا نوع حيلة) لتقليل رغبة
الشفيع في الاخذ لسبب كثرة الثمن ومن ذلك أن يشترى الدار بألفين ثم يعطيه بها خمسين
دينارا أو يعطيه ألف درهم وثوبا لا يساوي الألف فلا يتمكن الشفيع من أخذها الا بألفين
وقل ما يرغب في ذلك إذا كان ثمنها ألف درهم ومن هذا النوع يحتال لتقليل رغبة الجار
بان تباع عشر الدار أولا بتسعة أعشار الثمن ثم تسعة أعشارها بعشر الثمن فلا يرغب الجار
في أخذ العشر لكثرة الثمن ولاحق له فيما بقي لان المشترى صار شريكا والشريك مقدم على
الجار ومن الحيلة لابطال حقه أن يتصدق البائع بقطعة من الدار صغيرة وطريقها إلى
باب الدار عليه فيسلمها إليه ثم يشترى منه بقية الدار فلا شفعة للجار لان المشترى شريك
في الطريق وهو مقدم على الجار أو يهب منه قدر ذراع من الجانب الذي هو متصل بملك
الجار ثم يبيع ما بقي منه فلا يجب للجار شفعة لان ملكه لا يلازق المبيع أو يوكل الشفيع ببيعها
فإذا باعها لم يكن له فيها شفعة أو يبيعها بشرط الخيار ثلاثة أيام للشفيع فلا شفعة له قبل اسقاط
الخيار وإذا سقط الخيار بطلت شفعته أو يبيعها بشرط أن يضمن الشفيع الدرك فإذا ضمن
بطلت شفعته أو يقول المشترى للشفيع أنا أبيعها منك بأقل من هذا الثمن فإذا رضى بذلك
وساومه بطلت شفعته والاشتغال بهذه الحيل لابطال حق الشفيع لا بأس به أما قبل وجوب
الشفعة فلا اشكال فيه وكذلك بعد الوجوب إذا لم يكون قصد المشتري الاضرار به وإنما
كان قصده الدفع عن ملك نفسه وقيل هذا قول أبى يوسف فاما عند محمد يكره ذلك على
قياس اختلافهم في الاحتيال لاسقاط الابراء وللمنع من وجوب الزكاة وقد بينا ذلك في
البيوع والزكاة وان اشترى دارا بعبد فاستحقه مستحق وأجاز الشراء كان للشفيع الشفعة
لان الإجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء ولو وجد العبد حرا فلا شفعة فيها لان البيع
كان باطلا والحر ليس بمال متقوم والبيع مبادلة مال بمال فانعدام المالية في أحد البدلين يمنع
131

انعقاد العقد وإذا اشتري دارا بدار ولكل واحدة منهما شفيع فلكل شفيع أن يأخذ الدار
بقيمة الأخرى لأنه لا مثل للدار من جنسها فيكون الواجب على كل شفيع بمقابلة ما يأخذ
قيمة الدار الأخرى فإن كان أحد الرجلين شفيعا أيضا يعنى أحد المشتريين أخذ الشفيع نصف
الدار بنصف القيمة لان اقدامه على الشراء لا يسقط شفعته بل ذلك منه بمنزلة الاخذ بالشفعة
فلا يكون للشفيع الآخر أن يأخذ منه إلا مقدار حصته وإذا اشتري بيتا من دار علوه لآخر
وطريق البيت الذي اشترى في دار أخرى فإنما الشفعة للذي في داره الطريق لأنه شريك
في البقعة بالطريق والشريك مقدم على الجار وصاحب العلو إنما له الشفعة بالجوار فان سلم
صاحب الدار فحينئذ لصاحب العلو الشفعة بالجوار وعن أبي يوسف في الأمالي ان هذا استحسان
وفي القياس لا شفعة لصاحب العلو وكذلك إذا بيع العلو فلا شفعة لصاحب السفل في القياس
ولا لصاحب علو آخر بجنبه لان العلو بناء وقد بينا ان بالبناء لا يستحق بالشفعة إذا لم يكن
معه أرض والأرض وسقف السفل كله لصاحب السفل ووجه الاستحسان ان لصاحب
العلو حق قرار البناء وبه يستحق اتصال أحد الملكين بالاخر على وجه التأييد والقرار فكانا
بمنزلة جارين بخلاف ملك البناء على الأرض الموقوفة فان الاتصال هناك غير متأيد الا ترى
ان عند انقضاء مدة الإجارة يؤمر برفع البناء وهنا ليس لصاحب السفل أن يكلف صاحب
العلو رفع البناء بحال واتصال أحد الملكين بالآخر بهذه الصفة يثبت للشفيع الشفعة والله أعلم
(باب الشفعة في الأرضين والأنهار)
(قال رحمه الله والشريك في الأرض أحق بالشفعة من الشريك في الشرب كما أن
الشريك في نفس المنزل أحق بالشفعة من الشريك في الطريق) لقول على وابن عباس رضي
الله عنهما لا شفعة الا لشريك لم يقاسم يعنى عند وجوده لا شفعة إلا له ثم الشرب من حقوق
المبيع كالطريق وقد جاء الحديث في استحقاق الشفعة بالشريك في الطريق قال صلى الله عليه
وسلم إذا كان طريقهما واحدا فكذلك يستحق بالشركة في الشرب والشريك في الشرب
أحق بالشفعة من الجار كالشريك في الطريق قال والشركاء في النهر الصغير كل من له شرب
أحق من الجار الملاصق وإن كان نهرا كبيرا تجرى فيه السفن فالجار أحق لان هؤلاء ليسوا
شركاء في الشرب معنى هذا القول أن الشركة في الشرب بمنزلة الشركة في الطريق ففي
132

النهر الصغير الشركة خاصة بمنزلة سكة غير نافذة وفي النهر الكبير الشركة عامة بمنزلة
الطريق النافذ لا يستحق الشفعة باعتباره والمروي عن أبي يوسف في حد النهر الصغير أن
يستقى منه قراحين أو ثلاثة فان جاوز ذلك فهو النهر الكبير والمذهب عند أبي حنيفة ومحمد
أن النهر الكبير بمنزلة الدجلة والفرات تجرى فيه السفن وكل ماء يجرى فيه السفن من الأنهار
في معنى ذلك وما لا يجرى فيه السفن فهو في حكم النهر الصغير حتى روى ابن سماعة عن محمد
أن الشركاء في النهر وان كانوا مائة أو أكثر فإن كان بحيث لا تجرى فيه السفن يستحق
الشفعة باعتباره ومنهم من يقدر بعدد الأربعين أو بعدد الخمسين ولا معنى للمصير فيه إلى
التقدير من حيث العدد لان المقادير بالرأي لا تستدرك وليس في ذلك نص فالمعتبر ما قلنا أن
يكون بحيث تجرى فيه السفن وإذا زرع المشترى الأرض ثم جاء الشفيع فله أن يأخذها
بالشفعة ويقلع الزرع في القياس لأنه زرع في أرض غيره فهو أحق بها منه فهو كالغاصب إذا
زرع الأرض المغصوبة ولان المشترى كما لا يتمكن من ابطال حق الشفيع لا يتمكن من تأخير
حقه لان التأخير من وجه ابطال وفي الاستحسان لا يأخذها بالشفعة حتى يحصد الزرع ثم
يأخذها لان المشترى زرع في ملك نفسه وما كان يتيقن بان الشفيع يطلب الشفعة قبل ادراك
زرعه فلا يكون متعديا فيما صنع بخلاف الغاصب ولأن لادراك الزرع نهاية معلومة فلو انتظر
ذلك لم يبطل حق الشفيع وان تأخر قليلا وإذا قلع زرع المشترى تضرر بابطال ملكه وماليته
وضرر التأخير دون ضرر الابطال فإن كان غرس فيها كرما أو شجرا أو رطبة فله أن يقلع
ذلك ويأخذ الأرض لأنه ليس لفراغ الأرض منها نهاية معلومة وقد بينا في البناء نظيره
يوضحه أنه قد يتأخر حق الشفيع لدفع الضرر عن المشتري حتى إذا طلب الشفعة تأخر التسليم
إليه إلى احضار الثمن فيجوز أن يتأخر أيضا للدفع عن المشترى في زرعه ولكن لا يجوز ابطال
حق الشفيع لدفع الضرر عن المشترى وفي التأخير لا إلى غاية معلومة ابطال وإذا اشترى نخلا
ليقطعه فلا شفعة فيه وكذلك إذا اشتراه مطلقا لان الأرض لا تدخل في هذا الشراء والنخل
بدون الأرض كالبناء لا يستحق بالشفعة فان اشتراها بأصولها ومواضعها من الأرض ففيها
الشفعة لأنها تابعة للأرض في هذا الحال وكذلك ان اشترى زرعا أو رطبة ليجزها لم يكن في
ذلك الشفعة وان اشتراها مع الأرض وجبت الشفعة في الكل استحسانا وفي القياس لا شفعة
في الزرع لأنه ليس من حقوق الأرض وتوابعها ولهذا لا يدخل في البيع الا بالذكر فهو كالمتاع
133

الموضوع في الأرض لا يستحق بالشفعة وان اشترى مع الأرض ووجه الاستحسان أن الزرع
متصل بالأرض ما لم يحصد وما كان من المنقول متصلا بالعقار يستحق بالشفعة تبعا كالأبواب
والشرب المركبة يوضحه أن الشفيع يقدم على المشتري شرعا وقبل الحصاد يمكنه أخذ الكل
من الوجه الذي أوجبه العقد للمشترى بخلاف ما إذا لم يحصد حتى حصد الزرع لأنه لا يمكنه
أخذ الزرع بعد الحصاد على الوجه الذي أوجبه العقد للمشتري فلو أخذه كان أخذا للمنقول
بالشفعة مقصودا وذلك ممتنع وإذا اشترى أرضا فيها نخل ليس فيها ثمر فأثمرت في يده فاكلها
سنين ثم جاء الشفيع فله أن يأخذها بالشفعة بجميع الثمن أن شاء وكان أبو يوسف يقول أولا
يحط من الثمن حصة ما أكل المشترى من الثمن لان حال المشترى مع الشفيع كحال البائع مع
المشترى قبل التسليم إليه ولو أكل البائع الثمار الحادثة بعد العقد يحط عن المشترى حصتها من
الثمن كما يحط حصة الثمرة الموجودة عند العقد فكذلك في حق الشفيع يوضحه أن تناول
الثمار الحادثة تمنع المشترى من بيعها مرابحة حتى يبين وهي في ذلك كالثمار الموجودة فكذلك
في حق الشفيع فاما وجه ظاهر الرواية وهو الذي رجع إليه أبو يوسف أن المشترى يملك الأرض
والنخل بجميع الثمن والشفيع إنما يأخذها بمثل ما يملك به المشترى وهذا لان الحادث من الثمار
بعد القبض لا حصة له من الثمن فإنه لم يكن موجودا عند العقد ولا عند القبض وانقسام الثمن
يكون باعتبارها ولو كانت قائمة في يد المشترى بعد الجذاذ لا يثبت حق الشفيع فيها فتناوله
إياها لا يجل لها حصة من الثمن أيضا بخلاف بيع المرابحة فالمتولد من العين هناك لو كان قائما
في يد المشترى كان يضمه إلى الأصل ويبيع الكل مرابحة فإذا تناول ذلك لم يكن له أن
يبيعه مرابحة من غير بيان إلا أن يكون أنفق عليه مثل ما أكل وقد بينا هذا في البيوع وهذا
بخلاف الثمار الموجودة عند العقد إذا أخذها المشترى فللثمار الموجودة حصة من الثمن ولاحق
للشفيع فيها بعد الجذاذ فيطرح عن الشفيع حصتها من الثمن ألا ترى أن الثمار الموجودة عند
العقد لو بلغت عنده من غير صنع أحد سقط عن المشترى حصتها من الثمن بخلاف الثمار
الحادثة فكذلك في حق الشفيع وان حضر الشفيع قبل أن يجذها المشترى أخذها مع
الأشجار بجميع الثمن استحسانا وهذا والزرع سواء وبعد الجذاذ هنا والحصاد في الزرع عند أبي
يوسف يقسم الثمن على قيمة الأرض وعلى قيمة الثمار والزرع وقت العقد لان انقسام
الثمن عليهما بالعقد فتعتبر القيمة عند ذلك وعند محمد تقوم الأرض مزروعة وغير مزروعة
134

والأشجار مثمرة وغير مثمرة فربما لا يكون للزرع والثمر في ذلك الوقت قيمة الا شيئا يسيرا
فلو اعتبرنا قيمته محصودا تضرر به الشفيع فلدفع الضرر قال اقسم الثمن على قيمة الأرض
مزروعة وغير مزروعة فما يخص قيمتها غير مزروعة فهو حصة الأرض يأخذها الشفيع بذلك
وإذا اشترى أرضا فيها شجر صغار فكبرت فأثمرت أو كان فيها زرع فأدرك فللشفيع أن يأخذ
جميع ذلك بالثمن لان حقه ثبت فيها بطريق الاتصال بالأرض والشجر بيع ما بقي الاتصال وإذا
اشترى بيتا ورحى ماء فيه ونهرها ومتاعها فللشفيع الشفعة في ذلك كله الا ما كان من متاعها ليس
بمركب في البناء لان ما كان مركبا متصل بالأرض فهو بمنزلة البناء فيستحق بالشفعة تبعا ألا
ترى أن الحمام يباع ويأخذه الشفيع بقدر الحمام لأنه في البناء فكذلك الرحا واستحقاق الشفعة في
الحمام والرحا قولنا فاما عند الشافعي مالا يحتمل القسمة لا يستحق الشفعة لان من أصله أن
الاخذ بالشفعة لدفع ضرر مؤنة المقاسمة وذلك لا يتحقق فيما لا يحتمل القسمة وعندنا لدفع
ضرر البادئ بسوء المجاورة على الدوام وذلك فيما لا يحتمل القسمة موجود لاتصال أحد
الملكين بالآخر على وجه التأييد والقرار وحجتنا في ذلك ما روينا من حديث جابر رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشفعة في كل شئ ربع أو حائط ولان الحمام لو كان مهدوما
فباع أحد الشريكين نصيبه كان للشريك الشفعة وما يستحق بالشفعة مهدوما يستحق بالشفعة
مثبتا كالشقص من الدار وبهذا يتبين أن مؤنة المقاسمة ان كانت لا تلحقه في الحال فقد تلحقه
في الثاني وهو ما بعد الانهدام إذا طلب أحدهما قسمة الأرض بينهما ولو اشترى أجمة فيها
قصب وسمك يؤخذ بغير صيد أخذ الأجمة والقصب بالشفعة ولم يأخذ السمك لان القصب
متصل بالأرض فاما السمك فلا اتصال له بالأرض بل هو كالمتاع الموضوع في الدار والأرض
فلا يستحق بالشفعة وإذا اشترى عينا أو نهرا أو بئرا بأصلها فللشفيع فيها الشفعة لاتصال
ملكه بالمبيع على وجه التأييد وكذلك ان كانت عين قير أو نفط أو موضع ملح أخذ جميع
ذلك بالشفعة لوجود الاتصال معنى فإنه يبيع من ذلك الموضع بمنزلة ما يتولد منه بخلاف
السمك إلا أن يكون المشترى قد حمل ذلك من موضعه فلا يأخذ ما حمل منه بمنزلة الزرع
والتمر بعد الحصاد والجذاذ وان اشترى شربا من نهر بغير أرض ولا أصل من نهر فلا شفعة
فيه لان بيع الشرب فاسد فإنه من حقوق المبيع بمنزلة الأوصاف فلا يفرد بالبيع ثم هو مجهول
في نفسه غير مقدور التسليم لان البائع لا يدرى أيجرى الماء أم لا وليس في وسعه اجراؤه
135

(قال وكان شيخنا الامام يحكى عن أستاذه انه كان يفتى بجواز بيع الشرب بدون الأرض
ويقول فيه عرف ظاهر في ديارنا بنسف فإنهم يبيعون الماء) فللعرف الظاهر كان يفتى بجوازه
ولكن العرف إنما يعتبر فيما لا نص بخلافه والنهى عن بيع الغرر نص بخلاف هذا العرف فلا
يعتبر وإذا اشترى الرجل أرضا فله ما فيها من نخل أو شجر لأنها بمنزلة البناء متصلة بالأرض
للقرار وليس له ما فيها من زرع أو ثمر لان الاتصال فيها ليس للتأييد والقرار بل للادراك فهو
اتصال يعرض الفصل فيكون بمعنى المتاع الموضوع فيها لا تدخل في البيع الا بالذكر والأصل فيه
قوله صلى الله عليه وسلم من اشترى أرضا فيها نخل فالثمر للبائع إلا أن يشترط المتاع ولو اشترى
الأرض بكل قليل أو كثير هو فيها أو منها فله الثمر والزرع وفي غير هذا الموضع يقول لا يدخل
الثمر والزرع بهذا اللفظ وتأويل ما قال هناك إذا اشتراها بكل قليل أو كثير هو فيها أو منها بحقوقها
فعند هذا التقييد لا تدخل الثمرة والزرع لأنهما ليسا من حقوقها وتأويل ما ذكرها أنه لم يقيد
بقوله من حقوقها وعند الاطلاق يتناول لفظ الثمر والزرع لأنهما من القليل والكثير الذي هو
فيها أو منها لاتصاله في الحال والأمتعة الموضوعة تدخل بهذا اللفظ أيضا إن كان قال أو منها
لأنها من القليل أو الكثير الذي فيها وإن كان قال ومنها لم تدخل لأنها ليست من الأرض
وأما مالا يدخل في البيع كالزوجة والولد للبائع إذا كان فيها في القياس يدخل ويفسد البيع وفي
الاستحسان لا يدخل لعلمنا أنهما لم يقصدا ذلك وإذا اشتراها بكل حق هو لها بمرافقها
لم يدخل فيها الثمر الزرع لأنهما ليسا من حقوق الأرض ومرافقها فإنما يطلق هذا اللفظ
على ما به يتأتى الانتفاع بالأرض كالشرب والطريق الخاص في ملك انسان فذلك الذي يدخل
في الشراء عند ذكر هذا اللفظ والثمر والزرع ليسا من هذا في شئ فلا يدخل بذكر الحقوق
والمرافق وإذا اشترى دارا فله البناء سواء اشترط كل حق هو لها أو لم يشترط وهذه ثلاثة
فصول الدار والمنزل والبيت فإذا عقد العقد باسم الدار يدخل فيه العلو والسفل والكنيف
والشاع وإن لم يقل بكل حق هو له لان الدار هو اسم لما أدير عليه الحائط والعلو والسفل مما
أدير عليه الحائط ولا يدخل الطريق الخاص في ملك انسان إلا أن يقول بكل حق هو لها لان
الطريق خارج مما أدير عليه الحائط ويكون من حقوق الدار فالانتفاع بالدار يتأتى به فإنما
يدخل عند ذكر الحقوق والمرافق فأما الظلة التي على ظهر الطريق عليها منزل إلى الدار لا يدخل
عند أبي حنيفة إلا أن يشترط الحقوق والمرافق فحينئذ تدخل إذا كان مفتحها إلى الدار وعند
136

أبى يوسف ومحمد تدخل إذا كان مفتحها إلى الدار وإن لم يشترط الحقوق والمرافق لأنها من
بناء الدار بمنزلة العلو والكنيف والشارع وأبو حنيفة يقول هي خارجة مما أدير عليه الحائط
ولكنها من مرافق الدار إذا كان مفتحها إلى الدار فإنما تدخل بذكر الحقوق والمرافق والطريق
الخاص وهذا لان أحد جانبي الظلة على حائط الجار المحاذي والجانب الآخر على بناء
الدار وكانت من جملة الدار من وجه دون وجه فلا تدخل عند اطلاق اسم الدار بخلاف
كنيف الشارع فإنه متصل ببناء الدار لا اتصال له بشئ آخر فيكون داخلا فيما أدير عليه
الحائط من البناء وإن كان اشترى بيتا وعليه علو لم يدخل العلو في البيت سواء ذكر الحقوق
والمرافق أو لم يذكر ما لم ينص على العلو لان البيت اسم لما يبات فيه والعلو في هذا كالسفل وكان
نظير بيتين أحدهما بجنب الاخر وهذا لان الشئ لا يكون من حقوق مثله فاما إذا اشترى
منزلا لم يكن له علوه إلا أن يقول بكل حق هو له أو بمرافقه فيدخل العلو فيه لان العلو من
حقوق المنزل فيدخل عند ذكر الحقوق والبيت اسم لمسقف واحد له دهليز والمنزل اسم لما
يشتمل على بيوت وصحن مسقف ومطبخ ليسكنها الرجل بعياله والدار اسم لما يشتمل على
بيوت ومنازل وصحن غير مسقف فكان المنزل فوق البيت ودون الدار فلكونه فوق البيت قلنا
يدخل العلو عند ذكر الحقوق والمرافق ولكونه دون الدار قلنا لا يدخل العلو فيه إذا لم
يذكر الحقوق والمرافق ومشترى المنزل من الدار وان ذكر الحقوق والمرافق لاحق له في
الدار إلا الطريق ومسيل الماء فان ذلك من حقوق المنزل فاما المخرج والمربط والمطبخ وبئر
الماء فلا حق له فيها إلا أن يسمى شيئا من ذلك لان ذلك من حقوق الدار ومرافقها ليس من
حقوق المنزل فالانتفاع بالمنزل يتأتى بدونه بخلاف الطريق والمسيل وفي شراء الدار إذا كان
لها طريقان أحدهما في السكة والآخر في دار فان اشترط الحقوق والمرافق استحق ذلك
كله وإن لم يشترط لم يستحق الطريق الذي في الدار الأخرى لان ذلك خارج مما أدير
عليه الحائط والقرية مثل الدار وإن كان في الدار أو في القرية باب موضوع أو خشب أو آجر
أو جص لم يدخل ذلك في البيع بذكر الحقوق والمرافق وان اشترط كل قليل وكثير هو فيها
أو منها أو اشترط كل حق هو لها لان الانتفاع يتأتى بدون هذه الأشياء وهي بمنزلة متاع
موضوع فيها وإذا اشترى الرجل أرضا فاستأجرها الشفيع منه أو أخذها مزارعة أو كان
فيها نخيل فأخذها معاملة بعد علمه بالشراء أو ساوم بها فقد بطلت شفعته لان إقدامه على
137

هذه التصرفات دليل الرضا بتقرر ملك المشتري فيها ودليل الرضا كصريح الرضا والاستيام
دليل ابطال حق الشفعة لأنه طلب التملك منه بسبب يباشره باختياره ابتداء وذلك يتضمن
تقرره على مباشرة هذا السبب فيكون اسقاطا للشفعة دلالة وإذا اشترى نخلا ليقطعه ثم اشترى
بعد ذلك الأرض وترك النخيل فيها فلا شفعة للشفيع في النخيل لأنها كانت مقصودة بالعقد
وهي من النقليات لا تستحق بالشفعة وكذلك لو اشترى الثمرة ليجذها والبناء ليهدمه ثم
اشترى الأرض لم يكن للشفيع الشفعة الا في الأرض خاصة لان استحقاق البناء بالشفعة
لمعنى التبعية للأرض وذلك لا يتحقق إذا ملكه بسبب غير السبب الذي ملك الأرض به
وإذا اشترى قرية فيها بيوت ونخيل وأشجار ثم باع المشترى شجرها ونخلها ليقطع ثم جاء
الشفيع وقد قطع بعضها فله أن يأخذ الأرض وما لم يقطع من الشجر بحصته من الثمن وليس
له أن يأخذ ما قطع من ذلك وللشافعي قول أن حق الشفيع متى كان ثابتا في البناء والشجر
فله أن يأخذ ذلك بعد القطع والهدم اعتبارا للحق بالملك فكما لا يبطل ملك المالك بالقطع فكذلك
حق الشفيع ولكنا نقول ثبوت حقه في الاخذ كأن لمعنى الاتصال بالأرض فإذا زال ذلك
قبل الاخذ لا يكون له فيه حق الاخذ كما لو زال جوازه ولكن يطرح حصته من الثمن عن
الشفيع لأنه صار مقصودا بالحبس والتناول فيكون له حصته من الثمن يطرح عن الشفيع وإذا
اشترى الرجل نهرا بأصله ولرجل أرض في أعلاه إلى جنبه ولآخر أرض في أسفله إلى جنبه
فلهما جميعا الشفعة في جميع النهر من أعلاه إلى أسفله لان ملك كل واحد منهما متصل بالمبيع
اتصال تأييد وقرار فلكل واحد منهما الشفعة بالجواز وكذلك القناة والعين والبئر فهي من
العقارات يستحق فيها الشفعة بالجوار وكذلك القناة يكون مفتحها في أرض ويظهر ماؤها في
أرض أخرى فجيرانها من مفتحها إلى مصبها شركاء في الشفعة لاتصال ملك كل واحد منهما
بالمبيع وبالاتصال في جانب واحد يتحقق الجوار وصاحب النصيب في النهر أولى بالشفعة
ممن يجرى النهر في أرضه لأنه جار باتصال أرضه بالنهر والشريك في المبيع مقدم على الجار
وإذا كان نهر أعلاه لرجل وأسفله لآخر ومجراه في أرض رجل آخر فاشترى رجل نصيب
صاحب أعلا النهر فطلب صاحب النهر وصاحب الأرض وصاحب أسفل النهر الشفعة فالشفعة
لهم جميعا بالجوار لأنهم استووا في سبب الاستحقاق فملك كل واحد منهم متصل بالمبيع إلا أن
اتصال صاحب الأسفل بمقدار عرض النهر واتصال صاحب الأرض بمقدار طول النهر من
138

أرضه ولو عبرة بزيادة الجوار كما لا عبرة بزيادة الشركة وليس لصاحب مسيل الماء حق لمسيل
الماء يعنى أن صاحب أسفل النهر له في المبيع حق سيل الماء فما لم يسل الماء في أعلا النهر
لا ينتهى إليه ولكن لا يصير به شريكا لرقبة النهر ولا في حقوقه وإنما يترجح على الجار
الشريك في نفس المبيع أو في حقوقه وكذلك لو اشترى رجل نصيب صاحب أسفل النهر
فالشفعة لصاحب الأعلى بالجوار لاتصال ملكه بالمبيع وكذلك لو كانت قناة مفتحها بين
رجلين إلى ما كان معلوم وأسفل من ذلك لأحدهما فباع صاحب الأسفل ذلك الأسفل
فالشريك والجيران فيه سواء لان بالشركة في أعلا القناة لا يكون شريكا في المبيع فان
المبيع أسفل القناة وذلك كان ملكا خالصا للبائع فلهذا كان شريكه في أعلى القناة والجيران
في الشفعة سواء وإذا كان نهر لرجل فطلب إليه رجل ليكرى منه النهر إلى أرضه ثم بيع
النهر الأول ومجراه في أرض رجل آخر فصاحب الأرض أولى بالشفعة لان الآخر مستعير
ولاحق للمستعير في الشفعة إذ لا ملك له متصل بالمبيع على وجه التأييد والقرار وإذا كان
نهر لرجل في أرض لرجل عليه رحا ماء في بيت فباع صاحب النهر النهر أو الرحاء والبيت
فطلب صاحب الأرض الشفعة في ذلك كله فله الشفعة لاتصال ملكه بالمبيع وإن كان بين
أرضه وبين موضع الرحاء أرض لرجل آخر وكان جانب الآخر لرجل آخر فطلبا الشفعة
فلهما أن يأخذ ذلك بالشفعة لأنهما سواء في الجوار من النهر وإن كان بعضهم أقرب
إلى الرحاء لان الرحاء لا تستقيم الا بالنهر فهو الآن شئ واحد ألا ترى أن موضع الرحاء لو
كان أرضا لها في ذلك النهر شرب فبيعت كان الشركاء في الشرب سواء في الشفعة ولا يكون
أقربهم إليها أولى بالشفعة وهذا إشارة إلى أن باعتبار ملك الرحاء تثبت الشركة في الشرب لان
الانتفاع بالرحاء لا يتأتى الا بالماء كما لا يتأتى في الانتفاع بالأرض الا بالماء وإذا كان نهر لرجل
خالصا له عليه أرض ولآخر عليه أراضي ولا شرب لهم فيه فباع رب الأرض النهر خاصة
فهم شركاء في الشفعة فيه لايصال ملكهم بالمبيع وان باع الأرض خاصة دون النهر فالملازق
للأرض أولاهم بالشفعة لأنه لا شركة بينهم في النهر والمبيع الأرض وهم جيران المبيع يعنى
من يلازق أرضه الأرض المبيعة فالشفعة للجار الملازق خاصة وان باع النهر والأرض جميعا
كانوا شفعاء في النهر لاتصال ملك كل واحد منهم بالنهر وكان الذي هو ملازق الأرض
أولاهم بالشفعة في الأرض لاتصال ملكه بالأرض بمنزلة طريق في دار لرجل فباع الطريق
139

والطريق خالص له فجار الطريق أولى به من جار الأرض دون الطريق وهذان بمنزلة دارين
ليميز أحدهما عن الآخر لان جوار هذا غير جوار هذا ولو كان شريكا في الطريق أخذ
شفعته من الدار لان الشريك مقدم على الجار فكذلك إن كان شريكا في النهر أخذ بحصته
من الأرض وكان أحق بهما جميعا من جيران الأرض والطريق والنهر سواء في كل شئ
وقد بينا ذلك في أول الباب والله أعلم
(باب الشفعة في الهبة)
(قال رحمه الله اعلم بان الموهوب لا يستحق الشفعة الا على قول ابن أبي ليلى) فإنه يقول
يستحق بالشفعة إذا كان مما لا يقسم ويأخذه الشفيع بقيمة نفسه إن لم يعوض الموهوب له
الواهب وان عوضه فبقيمة العوض وكذلك إذا عوض الغير من هبته شقصا من غير شرط
وفي استحقاقه بالشفعة خلاف على ما بينا هو يقول ثبوت حق الشفعة لحاجته إلى دفع ضرر
البادي بسوء مجاورة الجار الحادث وذلك لا يختلف باختلاف سبب الملك فتجب له الشفعة
متى تجدد الملك للجار الحادث بأي سبب كان من هبة أو صدقة أو وصية الا الميراث فالملك
لا يتجدد به وإنما يبقي الوارث ما كان ثابتا للمورث ثم يدفع الضرر عن نفسه بالأخذ على وجه
لا يلحق الضرر بالمتملك فإن كان المتملك دفع بمقابلته عوضا فعليه قيمة ذلك العوض وإن لم يدفع
بمقابلته عوضا فعليه قيمة ما يأخذ لان الضرر بذلك يندفع عنه ولكنا نقول حق الشفعة إنما
يثبت له إذا تمكن من الاخذ بمثل السبب الذي به يملك المتملك فاما إذا عجز عن ذلك لا
يثبت له حق الشفعة كالميراث وفي الهبة لا يقدر على أن يأخذ بمثل ذلك السبب لان الموهوب
له يملكه بطريق التبرع وإنما يأخذها الشفيع بطريق المعاوضة فيكون هذا ان شاء سبب
آخر وبحق الشفعة لا تثبت هذه الولاية يوضحه أن الشرع قدم الشفيع على المشترى في حكم
السبب الذي باشره وذلك يتأتى في المعاوضات ولا يتأتى في التبرع لان الملك الذي يثبت
للشفيع لا يكون حكم التبرع ولان الشفيع في المعاوضة كان أحق بالعرض عليه قبل البيع فإذا
لم يفعل ذلك البائع جعله الشرع أحق بالأخذ ليندفع الضرر عنه وهذا لا يوجد في التبرع
فان من أراد أن يهب ملكه من انسان فليس عليه أن يعرض بيعه أولا على جاره ولا أن
يهبه من جاره فلهذا لا يستحق الشفعة بهذا السبب فان وهب لرجل دارا على أن يهبه الآخر
140

ألف درهم شرطا فلا شفعة للشفيع فيه ما لم يتقابضا وبعض التقابض يجب للشفيع فيه الشفعة
وعلى قول زفر تجب الشفعة قبل التقابض وهو بناء على ما بينا في كتاب الهبة إن الهبة بشرط
العوض عنده بيع ابتداء وانتهاء وعندنا ابتداء وهو بمنزلة البيع إذ اتصل به القبض من الجانبين
فاما الوصية على هذا الشرط إذا قبل الموصى له ثم مات الموصى فهو بيع لازم له وإن لم يقبض
لان الملك في الوصية بعد القبول يحصل بالموت ألا ترى أنه لو كان بغير شرط العوض يملك
قبل القبض فكذلك إذا كان بشرط العوض فهو على وجهين ان قال قد أوصيت بداري
بيعا لفلان بألف درهم ومات الموصي فقال الموصي له قد قبلت فللشفيع الشفعة وان قال
أوصيت له بان يوهب له على عوض ألف درهم فهذا وما لو باشر الهبة بنفسه بشرط
العوض سواء في الحكم وان وهب نصيبا من دار مسمى بشرط العوض وتقابضا لم يجز
ولم يكن فيه الشفعة عندنا لأنه بر ابتداء والشيوع فيما يحتمل القسمة يمنع صحته وتأثير الشيوع
كتأثير عدم القبض فيه وكذلك إن كان الشيوع في العوض فيما يقسم وان وهب دار الرجل
على أن ابراءه من دين له عليه ولم يسمه وقبض كان للشفيع فيها الشفعة لان المديون قابض
للدين بدينه فبقبض الدار تتم المعاوضة بينهما فيجب للشفيع فيها الشفعة والقول في مقدار
العوض قول الذي عوض لان الشفيع يملك الدار عليه وقد بينا أن القول في مقدار الثمن
قوله وكذلك ولو وهبها بشرط الابراء مما يدعي في هذه الدار الأخرى وقبضها فهو مثل ذلك
في الاستحقاق بالشفعة لان التملك فيها تم بجهة المعاوضة وإذا وهب الرجل دار ابنه الصغير
لرجل على عوض مثل قيمتها وتقابضا فهو جائز وللشفيع فيها الشفعة في قول أبى يوسف
الأول وهو قول محمد وفي قول أبى يوسف الآخر لا يجوز ولا شفعة فيها وكذلك الوصي
والعبد والمأذون والمكاتب والمضارب في قول أبى يوسف الأول كل من يملك البيع يملك
الهبة بشرط العوض إذا لم يكن فيه محاباة وهو قول محمد وفي قوله الآخر كل من لا تجوز هبته
بغير عوض لا تجوز هبته بشرط العوض وجه قوله الأول ان هذا تمليك مال بمال يعادله شرطا
فيصح من الأب والوصي كما لو كان بلفظ البيع أو بلفظ التمليك وتحقيقه أن حق الصبي في
المال لا في اللفظ وتصرف الأب والوصي مقيد شرعا بالأحسن والأصلح لليتيم وذلك في
أن يتوفر عليه المالية لا في لفظ المعاوضة ألا ترى أن البيع منهما لما لم يجز بالتعاطي من غير
لفظ فإذا أسقط اعتبار اللفظ قلنا توفير المالية عليه في الهبة بشرط العوض كما في البيع بل
141

أظهر لان في الهبة بشرط العوض لا يزول المال عن ملكه ما لم يصل العوض إلى يد ثانية
وبالبيع تزول العين عن ملكه قبل وصول العوض إليه وبهذا التحقيق يظهر أن الهبة بشرط
العوض من الأب والوصي بمنزلة الكتابة وهما يملكان الكتابة في غير الصبي بخلاف العتق على
مال فالملك هنا يزول بنفس القبول والبدل في ذمة مفلسه لا يدري أيصل إليه أم لا بمنزلة التأدي
وجه قوله الآخر أن الهبة عقد تبرع وليس للأب ولوصي ولاية التبرع في مال اليتيم فباشتراط
العوض لا تثبت له هذه الولاية كالعتق فإنه لو أعتق عبده بمال هو أضعاف قيمته وتبرع انسان
بأدائه لم يجز وبه يبطل ما اعتبر محمد من توفير المالية عليه وتحقيق هذا الكلأ أنه لما لم يكن من
أهل التبرع وهذا العقد عقد تبرع باعتبار أصله فهو عقد صدر من غير أهله وكما يلغوا السبب
إذا حصل في غير محله فكذلك إذا صدر من غير أهله وحكم المعاوضة ينبنى على صحة السبب
عند اتصال القبض به من الجانبين فإذا لم يصح أصل السبب لما قلنا لا ينقلب بالتقابض بيعا
صحيحا ألا ترى أنه لو حصل ذلك في مشاع يحتمل القسمة لا يصير بيعا صحيحا بالتقابض فكذلك
إذا حصل ممن لا يمكن الهبة بغير عوض لا يصير بيعا صحيحا بالتقابض فلا تجب فيه الشفعة والله أعلم
(باب الخيار في الشفعة)
(قال رحمه الله وإذا كان المشترى شرط الخيار لنفسه ثلاثا في الشراء فللشفيع الشفعة) أما
عند أبي يوسف ومحمد لأنه صار مالكا للدار وعندهما خيار الشرط كخيار الرؤية والعيب
للمشترى فلا يمنع وجوب الشفعة وعند أبي حنيفة المشترى إن لم يملك الدار بشرط الخيار فقد
خرجت الدار من ملك البائع وانقطع حقه عنها لكون البيع باقي في جانبه ووجوب الشفعة
تعتمد انقطاع حق البائع لا ثبوت الملك للمشترى حتى إذا أقر بالبيع وأنكر المشترى
يجب للشفيع فيه الشفعة ولان المشترى صار أحق بالتصرف فيها فباعتباره يتحقق الضرر
المحوج للشفيع إلى الدفع عن نفسه وإذا اشترى المرتد دارا فللشفيع فيها الشفعة ان قبل
على الردة أو أسلم في قول أبى يوسف ومحمد لأن الشراء من المرتد صحيح عندهما وعند
أبي حنيفة لان البيع قد تم في جانب البائع وصار المشترى أحق بها لو أسلم فكان للشفيع
حق الشفعة وهو بمنزلة خيار ثابت للمشترى ولو كان المشترى بالخيار أبدا لم يكن للشفيع
فيها الشفعة لان البيع فاسد وفي البيع الفاسد حق البائع في الاسترداد ثابت وما لم ينقطع حق
142

البائع في الاسترداد لا يجب للشفيع الشفعة فان أبطل المشترى خياره وأوجب البيع قبل
مضي الأيام الثلاثة وجبت الشفعة لزوال المفسد قبل تقرره وكذلك عندهما بعد مضي الأيام
الثلاثة لأن العقد عندهما ينقلب صحيحا متى أسقط خياره وهذا إذا شرط الخيار أبدا فإن كان
شرط الخيار شهرا فعندهما هذا البيع صحيح لازم وللشفيع حق الاخذ بالشفعة وقد
بينا المسألة في البيوع وإن كان الخيار ثلاثة فأخذها الشفيع من البائع في الثلاثة فقد
وجب البيع وليس للشفيع من الخيار ما كان للمشترى لان خيار الشرط كاسمه لا يثبت إلا
لمن شرط له والشرط كان للمشتري دون الشفيع وإذا كان الخيار للبائع فلا شفعة فيها حتى
يوجب البيع لان خيار البائع يمنع خروج المبيع من ملكه وبقاء حق البائع يمنع ثبوت حق
الشفيع فبقاء ملكه أولى فان بيعت دار إلى جنبها فللبائع فيها الشفعة دون المشترى لان
الملك في الدار المبيعة عندهما في هذا البيع للبائع وإذا أخذها بالشفعة فهذا نقض منه للبيع لأنه
قرر ملكه وجواره حين أخذ المبيعة بالشفعة باعتباره فاقدام البائع على ما يقرر ملكه في
مدة الخيار يكون نقضا للبيع وهذا لأنه لو لم يجعل ناقضا لكان إذا أجاز البيع فيها ملكها
المشترى من وقت العقد حتى يستحق بزوائدها المتصلة والمنفصلة فتبين أنه أخذها بالشفعة من
غير حق له وإن كان الخيار للمشتري فبيعت دار بجنب هذه الدار كان له فيها الشفعة لأنه
صار أحق بها مع خياره وذلك يكفي لثبوت حق الشفعة له كالمأذون والمكاتب إذا بيعت
دار بجنب داره وكان البلخي يدعي بهذا الفصل المناقضة على أبي حنيفة فيقول انه إذا كان من أصله
أنه لا يملك المبيع في مدة خياره واستحقاق الشفعة باعتبار الملك ولهذا لا يستحق المستأجر
والمستعير فكيف تثبت للمشترى الشفعة في هذه الدار ولكن عذره ما بينا فإذا أخذها
بالشفعة كان هذا منه إجازة للبيع بوجود دليل الرضا لتقرر ملكه فيها وهذا يؤيد كلام البلخي
فإنه لو لم يكن الملك معتبرا في استحقاق الشفعة لما صار مخيرا للبيع بأخذها بالشفعة ولكنا نقول
لو لم يسقط خياره بذلك لما كان إذا فسخ البيع انعدم السبب في حقه من الأصل فتبين أنه
أخذها بالشفعة من غير حق له فللتحرز عن ذلك جعلناه مخيرا للبيع فإذا جاء الشفيع وأخذ
منه الدار الأولى بالشفعة لم يكن له على الثانية سبيل لأنه إنما يتملكها الآن فلا يصير بها
جارا للدار الأخرى من وقت العقد إلا أن يكون له دار إلى جنبها والدار الثانية سالمة للمشترى
لان أخذ الشفيع من يده لا ينفى ملكه من الأصل ولهذا كانت عهدة الشفيع عليه فلا يتبين
143

به انعدام السبب في حقه من الأصل حين أخذ بالشفعة وإذا اشترى دارا بعبد واشترط
الخيار ثلاثا لمشتري الدار فللشفيع فيها الشفعة فان أخذها من يد مشتريها فقد وجب البيع
له لأنه عجز عن ردها وذلك موجب له البيع فيها فان سلم المشترى البيع وأبطل خياره سلم
العبد للبائع فان أبى أن يسلم البيع أخذ عبده ودفع قيمة العبد الذي أخذها من الشفيع إلى
البائع ولا يكون أخذ الشفيع الدار بالشفعة اختيارا من المشترى للبيع واسقاطا لخياره في العبد
بخلاف ما إذا باعها المشترى فذلك اختيار منه لان البيع تصرف ببينته واختياره فيكون دليل
الرضا به واسقاط خياره فاما أخذ الشفيع من يده يكون بغير رضاه واختياره وإنما يأخذها
الشفيع بحق يثبت له قبل قبض المشترى ألا ترى أنه كان له حق الاخذ من البائع فلا
يكون ذلك اختيارا من المشتري وهذا بخلاف ما لو حدث بها عيب عنده أو عرفت لان
تعذر الرد عليه في هذه المواضع بسبب حادث بعد قبضه فيجعل ذلك بمنزلة اختياره فاما عند
أخذ الشفيع تعذر الرد عليه بحق كان سابقا على قبضه فلهذا لا يجعل ذلك اختيارا منه ويبقي هو
في العبد على خياه فإذا فسخ العقد في العبد يجعل هذا بمنزلة ما لو انفسخ العقد فيه بالهلاك في
يده قبل القبض فعليه أن يدفع إلى البائع القيمة المقبوضة من الشفيع لأنها هي التي سلمت له
بسبب يده على الدار فيردها على البائع كما يرد الدار لو كانت في يده ولو كانت الدار في يد
البائع كان للشفيع أن يأخذها منه بقيمة العبد ويسلم العبد للمشترى لانتقاض البيع بينهما حين
أخذها الشفيع من يد البائع ولو كانت الدار في يد المشترى فهلك العبد في يد البائع انتقض
البيع ورد المشترى الدار وللشفيع أن يأخذها بقيمة العوض لما بينا ان حق الشفعة ثبت له
بقيمة العوض وهو قادر على أداء ذلك بعد هلاك العوض في يد مشترى الدار ولو كان
الخيار لبائع الدار فيها أو في العبد لم يكن للشفيع فيها شفعة حتى يوجب البيع لان أحد المتعاقدين
إذا شرط الخيار لنفسه في أحد العوضين فذلك منه شرط للخيار في العوض الآخر وإن كان
الخيار أربعة أيام فالبيع فاسد في قول أبي حنيفة ولا شفعة في ذلك إلا أن يسقط خياره
قبل مضى ثلاثة أيام وعند أبي يوسف ومحمد البيع جائز ولكن بخيار البائع لا تجب الشفعة
حتى يسقط خياره أو يسقط ذلك بمضي المدة فحينئذ يجب للشفيع فيه الشفعة والله أعلم بالصواب
(باب مالا تجب فيه الشفعة من النكاح وغيره)
(قال رحمه الله قال قد بينا في النكاح ان المهور لا تستحق بالشفعة عندنا وتستحق عند
144

الشافعي والحاصل عندنا أن الشفعة تختص بمقابلة مال بمال مطلقا لان الشفيع لا يتمكن من
الاخذ إلا بمثل السبب الذي يملك به الجار الحادث وأخذه لا يكون الا مبادلة مال بمال
مطلقا وعلى هذا الأصل لا شفعة في المجعول بدلا في الخلع والصلح في القصاص في نفس أو
عضو لان الشفيع لا يتمكن من الاخذ بمثل ذلك السبب ولا يمكن اقامته مقام المتملك في
حكم ذلك السبب فهو نظير الموهوب لا يستحق بالشفعة وكذلك لو استأجر إبلا بدار لان
الأجرة غير مملوكة بإزاء مال مطلقا لان الشفعة ليست بمال في الحقيقة وإنما يجعل لها حكم المالية
في جواز العقد عليها للحاجة ثم قد بينا في كتاب النكاح ما إذا تزوج امرأة على دار على أن
ردت عليها ألفا وذكرنا ان عند أبي يوسف ومحمد تجب الشفعة في حصة الألف بمنزلة ما لو أفرد كل
واحد من العقدين وعند أبي حنيفة لا تجب الشفعة في شئ لان البيع هنا بيع للنكاح (وإذا
تعذر ايجاب) الشفعة فيما هو الأصل لا يوجب فيما هو بيع ولو تزوج امرأة بغير مهر ثم فرض
لها داره مهرا أو صالحها على أن يجعلها مهرا لها أو أعطاها إياها مهرا لم يكن فيها شفعة لان هذا
منه تعيين لمهر المثل ومهر المثل مملوك لها بمقابلة ما ليس بمال فلا يستحق بالشفعة ولان أكثر ما فيه
أن يجعل المفروض بعد العقد كالمسمى في العقد وهذا بخلاف ما لو باعها بمهر مثلها دارا لان البيع
اسم خاص لمبادلة مال بمال ففي لفظ البيع دليل على أنه ملكها الدار عوضا عن مهر المثل وكذلك
ان صالحها من مهرها على الدار أو مما وجب لها من المهر على الدار فللشفيع فيها الشفعة لان
في لفظهما ما يدل على أنهما لم يقصدا تعيين مهر المثل بالدار فإنه ملكها ذلك عوضا عن المهر
الذي استوجب عليه والذي استوجب عليه من المهر مال فكان مبادلة مال بمال وكذلك لو
تزوجها على مهر مسمى فباعها به هذه الدار أخذها الشفيع بالشفعة وكذلك لو فرض القاضي
لها مهرا ثم اشترى به الدار أخذها الشفيع بالشفعة بخلاف ما لو أعطاها الدار مهرا فان هناك
لو طلقها قبل الدخول وجب عليها أن ترد الدار وتطالبه بالمتعة وهنا لو طلقها قبل الدخول
لم يلزمها رد شئ من الدار على الزوج وإنما يلزمها من الدار ما فرض القاضي مهرا لها يحسب
من ذلك مقدار المتعة ويعطيه الفضل على ذلك وفي المسمى في العقد يعطيه نصف المسمى وإذا
صالح من دم عمد على دار على أن يرد عليه صاحب الدم ألف درهم فلا شفعة في الدار في قول
أبي حنيفة لان الأصل فيه الصلح وما يقابل من دم العمد بالدار لا يستحق بالشفعة فكذلك
ما يتبعه وعند أبي يوسف ومحمد يأخذ منها جزءا من احدى عشر جزء بألف درهم لان الدار
145

تقسم على الألف وعلى دم العمد وقيمة الدية ألا ترى أنه إذا تعذر استيفاء القود يجب المصير
إلى الدية والدية عشرة آلاف فإذا جعلت كل ألف جزءا كانت حصة الدم من الدار عشرة
أجزاء من احدى عشر جزءا وحصة الألف جزء من احدى عشر جزءا فيأخذ الشفيع ذلك
بالشفعة وكذلك الصلح من شجاج العمد التي فيها القود وان صالحه من موضحتين إحداهما
عمد والأخرى خطأ على دار فلا شفعة فيها في قول أبي حنيفة وفي قول أبى يوسف ومحمد
يأخذ الشفيع نصفها بخمسمائة لان موجب موضحة الخطأ خمسمائة درهم وموجب العمد
القود فإذا صالح عنهما على دار كان نصفها بدلا عن القود ونصفها بدلا عن الخمسمائة وأبو
حنيفة يقول المقصود بهذا الصلح القود لان المال لا يعارض النفس ألا ترى أن موجب
موضحة العمد وهو القود على صاحب الدار خاصة وان موجب الخطأ عليه وعلى عواقله
وإذا لم تجب الشفعة فيما هو الأصل لا تجب في البيع أيضا اما لأنه صار شريكا بما هو الأصل
أو قياسا على المضارب إذا باع دارا من مال المضاربة ورب المال شفيعها بدار له وفي المال ربح
فإنه لا يأخذ بالشفعة نصيب المضارب من الربح لان الشفعة لم تجب له فيما هو الأصل باعتبار
أن البيع كان له فلا تجب الشفعة في البيع أيضا وان صالح من كفالة بنفس رجل على دار فلا
شفعة فيها لان هذا الصلح باطل فإنه باسقاط حقه عن الكفالة بالنفس لا يملك الكفيل شيئا
فلا يستحق عليه عوضا وإن كان هذا الصلح صحيحا لم يجب فيها الشفعة لان الدار ملكت بإزاء
ما ليس بمال فالكفالة بالنفس ليست بمال وسواء كانت الكفالة بنفس رجل في قصاص واحد
أو مال ففي حكم الشفعة وبطلان الصلح في الكل سواء ولو صالحه من المال الذي يطلب به
فان قال على أن يبرأ فلان من المال كله فهو جائز وللشفيع فيها الشفعة لان صلح الأجنبي
عن الدين على ملكه صحيح كصلح المديون ولو كان المديون هو الذي صالح على ذلك جاز
الصلح ووجب للشفيع فيها الشفعة فكذلك إذا فعله أجنبي هو كفيل بالنفس وان قال أقبضتكها
عنه فالصلح باطل لأنه ملكه الدار بمقدار قيمتها من الدين فقضاء الدين بالدار يكون بهذه
الصفة وذلك مجهول لأنه يعلم أنه جميع الدين أو بعضه فكان الصلح فاسدا ولا شفعة في العوض
في الصلح الفاسد كما لا شفعة في البيع الفاسد وإذا زوج الرجل ابنته وهي صغيرة على دار فطلبها
الشفيع بالشفعة فسلمها الأب له بثمن مسمى معلوم بمهر مثلها أو بقيمة الدار فهذا بيع وللشفيع فيها
الشفعة لان الصداق لا يستحق بالشفعة والتسليم فيه إلى الشفيع سمحا بغير قضاء بمنزلة الشفيع
146

المبتدأ وللأب ولاية البيع في دار ابنته الصغيرة وهو بيع صحيح لان الثمن فيه مسمى معلوم
وكذلك لو كانت الابنة كبيرة فسلمت فهو بيع وللشفيع فيها الشفعة ولا شفعة في البيع الفاسد
ان قبضها المشترى أو لم يقبضها اما قبل القبض فلبقاء ملك البائع فيها وأما بعد القبض فلبقاء حقه
في استردادها ووجوب الشفعة بغير انقطاع حق البائع عن الدار فإن كان قد قبضها فبيعت دار
إلى جنبها فللمشتري أن يأخذها بالشفعة لأنه ملكها بالقبض فهو جار للدار المبيعة حين
بيعت بملك هذه الدار وقيام حق البائع في الاسترداد لا يمنع وجوب هذه الشفعة لها كقيام
حق المرتهن في الدار المرهونة لا يمنع وجوب الشفعة للراهن إذا بيعت دار بجنبها فإن لم يأخذها
حتى رد هذه الدار بطلت شفعته في تلك الدار لأنه زال جواره قبل أن يأخذها بالشفعة
وقيام السبب له إلى وقت الاخذ بالشفعة شرط للقضاء له بالأخذ ولا شفعة للبائع فيها لأنه
لم يكن جارا حين بيعت هذه الدار وهو بمنزلة ما لو باع الشفيع داره التي يطلب بها الشفعة قبل
أن يخاصم بالشفعة فإنه لا يستحق المبيعة بالشفعة لأنه زال جواره ولا المشتري منه لان
جواره حادث بعد ملكه الدار وإذا اشترى دارا شراءا فاسدا وقبضها وبناها فللبائع قيمتها
وينقطع حقه في الاسترداد عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا ينقطع حقه في الاسترداد
ولكن يهدم بناء المشترى فيرد الدار على البائع لأنه بنى في بقعة غيره أحق بتملكها منه فينقض
بناءه للرد على صاحب الحق كالمشترى إذا بنى في الشقص المشفوع وهذا لان البناء بيع لحق
الثابت في الأصل بصفة التأكيد لا يبطل بمعنى في البيع ثم حق البائع في الاسترداد أقوى من
حق الشفيع ألا ترى أنه لا يبطل بالسكوت ولا يسقط باسقاط البائع وان ذلك مستحق له
وعليه شرعا ثم بناء المشترى في ملكه ينقض لحق الشفيع مع ضعفه فلان ينقض بحق البائع في
الاسترداد كان أولى أرأيت لو هدم المشترى بناءه ألم يكن للبائع أن يسترده وهذا لا وجه
لمنعه فالمشترى إذا وجد بها عيبا بعد ما رفع بناءه كان له أن يردها بالعيب فلان يردها بفساد
البيع كان أولى وهذا بخلاف حق الواهب في الرجوع فهو حق ضعيف فيسقط بمعنى في
البيع كما يسقط بحدوث الزيادة المتصلة وبموت أحدهما وأبو حنيفة يقول بنى في ملك نفسه
بتسليط من له الحق فلا ينقض بناؤه لحقه كالموهوب له يبنى في الدار الموهوبة وبيان الوصف
أن الحق في الاسترداد للبائع فهو الذي سلط المشترى على هذا البناء بايجاب الملك له فيها
والبيع وان فسد شرعا فالتسليط من البائع بقي معتبرا في حقه والدليل عليه ان سائر تصرفات
147

المشترى من البيع والهبة والصدقة لا تنقض لحق البائع في الاسترداد وما كان ذلك الا
باعتبار تسليطه إياه على ذلك وبه فارق الشفيع فإنه لم يوجد منه تسليط المشترى على التصرف
ولهذا ينقض سائر تصرفات المشترى لحق الشفيع فكذلك ينقض بناؤه وإذا عرفنا هذا فنقول
عندهما لا يجب للشفيع فيها الشفعة لبقاء حق البائع في الاسترداد وعند أبي حنيفة يجب للشفيع
فيها الشفعة لان حق البائع في الاسترداد قد انقطع فيأخذها الشفيع بقيمتها وينقض بناء
المشترى لحق الشفيع وهما بهذا الحرف يستدلان على أبي حنيفة فيقولان لاقرار لهذا البناء
بالاتفاق بل رفعه مستحق اما لحق البائع أو لحق الشفيع وأبو حنيفة يقول لهذا البناء قرار في
حق البائع فإنه حصل بتسليطه فينقطع به حق البائع في الاسترداد ولكن لاقرار له في حق
الشفيع فيكون له أن ينقضه للاخذ بالشفعة وهو بمنزلة تصرف آخر من المشترى فيها كالبيع
والهبة والصدقة فإنه يقطع حق البائع في الاسترداد ثم ينقض ذلك التصرف لحق الشفيع يقول
فان باعها المشترى بيعا صحيحا فللشفيع الخيار ان شاء أخذها بالبيع الثاني بالثمن المسمى وان
شاء أبطل البيع الثاني وأخذها بالبيع الأول بالقيمة لاجتماع سببين فيها لثبوت حق الاخذ له
فيأخذ بأي السببين شاء وهما يفرقان بين هذا وبين البناء ويقولان تصرف المشترى هنا حصل
في غير ما هو مملوك له بالعقد الفاسد وفي البناء حقه في البيع لان البناء بيع للأصل وفي
هذا القول اشكال فالشفيع إذا نقض البيع الثاني فقد صار ذلك كأن لم يكن وقيل البيع الثاني
يرد على البائع الأول ولا شفعة فيها فكذا بعد ما انتقض البيع الثاني من الأصل ولكنا
الجواب عنه أن البيع الثاني من الأصل الثاني صحيح مزيل لملك المشترى وإنما ينقض لحق
الشفيع فما يكون من مقتضيات حق الشفيع لا يصلح أن يكون مبطلا حقه في الاخذ
بالشفعة وان اشتراها شراءا فاسدا ولم يقبضها حتى بيعت دار إلى جنبها فللبائع أن يأخذ هذه
الدار بالشفعة لان الأول في ملكه بعد فيكون جارا بملكه الدار الأخرى فان سلمها إلى
المشترى بطلت شفعته لأنه أزال جواره باختياره قبل الاخذ بالشفعة ولا شفعة فيها
للمشترى لان جواره محدث بعد بيع تلك الدار وان اشتراهما بخمر أو خنزير والمتعاقدان
مسلمان أو أحدهما وشفيعها نصراني فلا شفعة فيه لان البيع فاسد والخمر والخنزير ليس بمال
متقوم في حق المسلم منهما وفي البيع الفاسد لا تجب الشفعة لمسلم ولا كافر وان اشتراها
كافر من كافر وشفيعها مسلم فالبيع صحيح لان الخمر والخنزير في حقهم مال متقوم كالبعير
148

والشاة في حق المسلمين فإن كان شفيعها نصراني أخذها بمثل الخمر المشترى بها أو بقيمة
الخنزير لان الخمر من ذوات الأمثال فيأخذها الشفيع بمثل ما يملك به المشترى صورة
ومعنى وفي الخنزير يأخذها بقيمته ولو كان الشفيع مسلما أخذها بقيمة الخمر والخنزير لان
المسلم عاجز عن تمليك الخمر قصدا فعليه قيمتها وهو معتبر بالاستهلاك فان خمر النصراني
عند الاستهلاك مضمون على النصراني بالمثل وعلى المسلم بالقيمة فكذلك في حق الشفيع
وطريق معرفة القيمة والرجوع فيها إلى من أسلم من أهل الذمة أو من تاب من فسقة المسلمين
فان وقع الاختلاف في ذلك فالقول قول المشترى بمنزلة ما إذا اختلف الشفيع والمشترى في
مقدار الثمن وإذا اشترى أرضا شراءا فاسدا فزرعها وغرس فيها الشجر فنقضها ذلك ثم جاء
الشفيع والبائع فللشفيع أن يأخذها بقيمتها في قياس قول أبي حنيفة لان الغرس كالبناء فكما
لا ينقض بناء المشترى لحق البائع عنده فكذلك لا تقلع أشجاره وإذا انقطع حق البائع في
الاسترداد وجب للشفيع فيها الشفعة بقيمتها إلا أنه يطرح عنه من ذلك بقدر ما نقض الأرض
من عمل المشترى لأنه في معنى المتلف لجزء منها وقد بينا أن لما يتلفه المشترى حصة من الثمن في
حق الشفيع يطرح عنه بقدره كالبناء إذا أحرقه وعند أبي يوسف ومحمد يقلع الشجر كما يهدم
البناء ويرد على البائع ولا شفعة فيها وكذلك ان اتخذها مسجدا ثم خاصمه البائع فيها فله
القيمة في قياس قول أبي حنيفة لان تصرف المشتري بتسليط البائع فلا ينقض لحقه وعندهما
يرد على البائع كما لو بنى فيها المشترى بناء آخر وذكر هلال في كتاب الوقف أن حق البائع
في القيمة عندهم جميعا لان المسجد يتحرر عن حق العباد ويصير خالصا لله تعالى فهو نظير
العتق في العبد الذي اشتراه شراءا فاسدا ثم هذا تصرف من المشتري في عين ما يملكه بالعقد الفاسد
ولو تصرف فيه بنقل الملك إلى غيره لم ينقض تصرفه لحق البائع في الاسترداد فإذا تصرف
فيه بابطال الملك أولى فان باع نصفها بيعا صحيحا يرد النصف الثاني على البائع اعتبارا للبعض
بالكل ويأخذ الشفيع النصف الآخر بالثمن الآخر هكذا قال والصحيح أنه يتخير بين أن
يأخذ النصف بنصف القيمة بحكم البيع الأول لما انقطع حق البائع في الاسترداد فيه وبين أن
يأخذه بالبيع الثاني بالثمن المسمى اعتبارا للبعض بالكل وإذا أخذه بالثمن الآخر يصدق المشتري
بفضل نصف الثمن على نصف القيمة فإنه إنما يغرم للبائع نصف القيمة فالفضل حصل له بكسب
خبيث فيؤمر بالتصدق به والله أعلم
149

(باب الشفعة في المريض)
(قال رحمه الله مريض باع دارا بألفي درهم وقيمتها ثلاثة آلف درهم ولا مال له غيرها
ثم مات وابنه شفيع الدار فلا شفعة للابن فيها) لأنه لو باعها من أبيه بهذا الثمن لم يجز وقد بينا
أن الشفيع يتقدم على المشترى شرعا في ثبوت الملك له بالسبب الذي يملك به المشترى وقد تعذر
ذلك في هذا الموضع يوضحه اما أن يأخذها بألفين كما أخذها المشتري فيكون ذلك وصية
من المريض لوارثه خصوصا إذا أخذها من يد البائع ولا وصية لوارث أو يأخذها بثلاثة آلاف
وذلك لا يستقيم لما فيه من اثبات ثمن في حق الشفيع ليس ذلك بثابت في حق المشترى فإذا
تعذر الوجهان قلنا لا شفعة له أصلا وذكر في كتاب الوصايا أن على قولهما له أن يأخذها
بقيمتها ان شاء والأصح ما ذكرنا هنا فإنه نص في الجامع على أنه قولهم جميعا ولو كان الابن
هو المشترى للدار من أبيه وأجنبي شفيعها فإن كان اشتراها بمثل القيمة فلا شفعة للشفيع
فيها في قول أبي حنيفة وفي قولهما للشفيع فيها الشفعة وهذا بناء على أن بيع المريض من
وارثه بمثل قيمته لا يجوز في قول أبي حنيفة ويجوز في قولهما لأنه ليس في تصرفه ابطال
حق الورثة عن شئ مما تعلق حقهم به وهو المالية والوارث والأجنبي في مثل هذا التصرف
سواء كما لو أعانه ببدنه يوضحه أنه ممنوع من الوصية للوارث كما أنه ممنوع من الوصية بما زاد
على الثلث للأجنبي ثم البيع بمثل القيمة من المريض صحيح في حق الأجنبي في جميع ماله ولا
يكون ذلك وصية بشئ فكذلك مع الوارث يوضحه أنه إذا كان عليه دين مستغرق فباع
بعض ماله من آخر بمثل قيمته يجوز وهو ممنوع في هذه الحال من الوصية بشئ من ماله ثم لم
يجعل بيعه بمثل قيمته وصية منه فكذلك في حق الوارث وأبو حنيفة يقول آثر بعض ورثته
بعين من أعيان ماله بقوله وهو محجور عن ذلك لحق سائر الورثة كما لو أوصى بأن يعطى أحد
ورثته هذه الدار بنصيبه من الميراث وهذا لان حق الورثة يتعلق بالعين فيما بينهم كما يتعلق بالمالية
وعلى هذا لو أراد بعضهم أن يجعل شيئا لنفسه بنصيبه من الميراث لا يملك ذلك الا برضا سائر
الورثة فكما أنه لو قصد إيثار البعض بشئ من ماله رد عليه قصده فكذلك إذا قصد ايثاره بالعين
وهذا لان للناس في الأعيان أغراضا فقد يفتخر الانسان بخطه إياه فوق ما يفتخر بكثرة
ماله وإنما نفى الشرع وصية المريض لبعض الورثة دفعا للغضاضة عن سائر الورثة وذلك المعنى
150

يتحقق هنا فلهذا يمتنع بيعه منه بمثل قيمته وبأكثر بخلاف الأجنبي فإنه غير ممنوع من التصرف
مع الأجنبي فيما يرجع إلى العين وإنما يمنع من ابطال حق الورثة عن ثلثي ماله وليس في
البيع بمثل القيمة من الأجنبي ابطال حق الورثة عن شئ من ماله والدليل على الفرق ان اقرار
المريض للأجنبي بالدين أو بالعين واقراره باستيفاء الدين منه صحيح في حق الورثة وشئ من
ذلك لا يصح مع الوارث ويجعل وصية منه فكذلك البيع بمثل القيمة وهذا بخلاف بيعه من
الأجنبي إذا كان عليه دين مستغرق لان المنع لحق الغرماء وحقهم في ديونهم لا في عين مال
المريض ألا ترى أن للوارث أن يستخلص العين لنفسه بقضاء الدين من مال آخر فإذا لم
يكن في البيع بمثل القيمة ابطال حقهم عن شئ مما تعلق به حقهم كان صحيحا بخلاف ما نحن
فيه والدليل على الفرق أنه لو كان باع عينا في صحته من أجنبي ثم أقر باستيفاء الثمن منه في
مرضه صح اقراره في حق الغرماء وبمثله لو باعه من دار به لم يصح اقراره باستيفاء الثمن منه
في مرضه في حق سائر الورثة والفرق ما ذكرنا إذا عرفنا هذا فنقول عند أبي حنيفة لا شفعة
للشفيع لان البيع فاسد وعند أبي يوسف ومحمد لما صح البيع كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة
ولو كان باعها من ابنه بألفي درهم وقيمتها ثلاثة آلاف فلا اشكال عند أبي حنيفة أن البيع
فاسد ولا شفعة للشفيع وعندهما للشفيع أن يأخذها بثلاثة آلاف درهم ان شاء في رواية كتاب
الشفعة لان الشفيع قائم مقام المشتري وقد كان للابن أن يزيل المحاباة ويأخذها بثلاثة آلاف
ان شاء فكذلك للشفيع أن يأخذها بذلك وذكر في موضع آخر أن الشفيع لا يأخذها بالشفعة
هنا لان عندهما بيع المريض من وارثه إنما يجوز باعتبار أنه لا وصية في تصرفه وفي البيع
بالمحاباة وصية ألا ترى أنه لو حصل مع أجنبي آخر كان معتبرا من الثلث ولا وصية لوارث
فكان البيع فاسدا ولا شفعة في البيع الفاسد وبان كان المشتري يتمكن من إزالة المفسد فذلك
لا يوجب الشفعة للشفيع كما لو اشتراها بشرط أجل فاسد أو خيار فاسد وقد روي عن أبي
يوسف أن للشفيع أن يأخذها بالقيمة لأنه يتقدم على المشتري شرعا فيجعل كأن البيع من
المريض كان منه بهذا الثمن والأصح ما ذهب إليه أبو حنيفة فان نفس البيع وصية ألا ترى أنه
لو أوصى بان تباع داره من فلان بمثل قيمتها يجب تنفيذ الوصية بعد موته إذا طلب الموصي
له وان الموصي له بالبيع يزاحم سائر أصحاب الوصايا فإذا ثبت ان نفس البيع وصية وقد نفى
رسول الله صلى الله عليه وسلم الوصية للوارث قلنا لا يجوز منه البيع أصلا وإذا اشترى
151

المريض دارا بألفي درهم وقيمتها ألف درهم وله سوى ذلك ألف درهم ثم مات فالبيع جائز
وللشفيع فيها الشفعة لأنه إنما حاباه بقدر الثلث وذلك صحيح منه في حق الأجنبي فيجب
للشفيع فيها الشفعة ولو كان باع دارا بقيمتها أو أكثر ووارثه شفيعها فلا شفعة له في قول أبي حنيفة
لان بيعه من الوارث لا يجوز عند أبي حنيفة وكذلك بيعه من الأجنبي لا يكون مثبتا
حق الاخذ بالشفعة للوارث وعند أبي يوسف ومحمد للوارث أن يأخذها بالشفعة لأنه لو
باعها منه بذلك الثمن جاز البيع فكذلك إذا باعها من أجنبي آخر والوارث شفيعها لان الشفيع
يتقدم على المشترى في تملكها بالسبب الذي باشره المشترى إذا أخذها بالشفعة وان باعها
بألفين وقيمتها ثلاثة آلاف درهم وشفيعها أجنبي فله أن يأخذها بألفين لان المحاباة بقدر
الثلث وذلك صحيح منه في حق الأجنبي فان قيل كيف يأخذها الشفيع بألفين والوصية كانت
منه للمشتري دون الشفيع ومن أوصى لإنسان بشئ من ماله لا يجوز تنفيذ الوصية لغير من
أوصى له به قلنا هو كذلك في وصية مقصودة فالوصية هنا لم تكن مقصودة وإنما كانت
في ضمن البيع ألا ترى أنها لا تبقى بعد ما بطل البيع وفي حق البيع الشفيع صار مقدما على
المشترى شرعا فكذلك فيما هو من متضمنات البيع ولما أوجب البيع له بما سمى من الثمن مع
علمه أن الشفيع يتمكن من الاخذ بمثل ما اشترى به المشترى فكأنه أوجب الوصية بالمحاباة
للمشترى ان سلم الشفيع له وللشفيع أن يأخذها بالشفعة وإن كان للدار شفيعان أحدهما
وارث فلا شفعة للوارث لأنه لو لم يكن لها شفيع سواه لم يستحقها بالشفعة في هذا البيع فإذا
كان معه شفيع آخر أولي أن لا يستحقها وإذا انعدمت مزاحمته كان للأجنبي أن يأخذ الكل
بالشفعة بمنزلة ما لو سلم أحد الشفيعين شفعته وان باعها بألف درهم وهي تساوى ألفين وليس
له مال غيرها قيل للمشترى إن شئت فخذها بثلثي الألفين وإن شئت فدع لأنه حاباه بنصف
ماله ولا يمكن تنفيذ المحاباة الا في مقدار الثلث والمشتري يتمكن من إزالة المانع بان يلتزم إلى
تمام ثلثي الألفين إلا أنه يتخير في ذلك لأنه يلزمه زيادة في الثمن لم يرض بالتزامها فإن شاء
فسخ البيع لأجله ولا شئ له لان الوصية كانت في ضمن البيع وقد بطل البيع وان شاء التزم
ذلك فيسلم له الوصية بقدر الثلث كما لو كان اشتراها في الابتداء بثلثي الألفين وأي ذلك فعل
كان للشفيع فيها الشفعة اما عند إمضاء البيع فلا اشكال وأما عند الرد فلان البيع كان
صحيحا موجبا للشفعة حتى إذا ظهر للميت مال آخر فالبيع سالم للمشتري وباعتبار صحة البيع
152

وجبت الشفعة للشفيع ثم الرد من المشترى يعمل في ابطال حقه لا في ابطال حق الشفيع
كما لو تفاسخا البيع ولكن الشفيع يأخذها بثلثي الألفين لأنها ما كانت تسلم للمشتري الا
بهذا القدر من الثمن فكذلك الشفيع وان باعها بألفين إلى أجل وقيمتها ثلاثة آلاف فالاجل
باطل لان المحاباة بالقدر استغرقت ثلث المال فلا يمكن تنفيذ الوصية بالأجل في شئ ولكن
يتخير المشترى بين أن يفسخ البيع أو يؤدى الألفين حالة ليصل إلى الورثة كمال حقهم وأي
ذلك فعل فللشفيع أن يأخذها بالشفعة لأنه قائم مقام المشتري في حكم هذا البيع كما في
الفصل الأول وهذا أظهر من ذلك فالاجل في الثمن لا يثبت في حق الشفيع وقد بينا
أن خيار المشترى لا يمنع وجوب الشفعة للشفيع وان باعها بثلاثة آلاف إلى سنة وقيمتها ألفان
قيل للمشتري إن شئت فعجل ألفين وإن شئت فدع في قول أبى يوسف وهو قياس قول
أبي حنيفة وقال محمد ان شاء عجل ثلثي قيمتها ويكون الباقي عليه إلى أجل وان شاء تركه وقد
تقدم بيان نظير هذه المسألة في كتاب العتاق وذكرنا أن من أصل محمد أن تأجيل المريض صحيح
مطلقا فيما له أن لا يتملكه أصلا كما في الصداق وبدل الصلح عن القصاص وعند أبي يوسف
جميع المسمى مملوك بإزاء مال تعلق به حق الورثة فلا يصح تأجيله فيه إلا بقدر الثلث لان
التأجيل بمنزلة الاسقاط من حيث أن الحيلولة تقع بين الورثة وبين المال في الحال بسبب
الاجل ولهذا لو رجع شهود التأجيل ضمنوا كما تضمن شهود الابراء فعلى ذلك الأصل
تنبنى هذه المسألة وقد قررنا هذا الكلام فيما أمليناه من شرح الجامع في هذه المسألة بعينها
وأما الشفيع فالاجل لا يثبت في حقه ولكنه بالخيار ان شاء عجل المال كله وأخذ الدار كله وان
شاء كف حتى يحل المال وقد بينا هذا في الصحيح ببيع داره بثمن مؤجل أن الاجل لا يثبت
في حق الشفيع فهو مثله في حق المريض وإذا باع المريض دارا أو حابى فيها ثم برأ من مرضه
والشفيع وارثه فإن لم يكن علم بالبيع حتى الآن فله أن يأخذها بالشفعة لان المرض إذا تعقبه
برأ فهو بمنزلة حال الصحة وإن كان قد علم بالبيع وقد بطلت الشفعة حتى برأ من مرضه فلا
شفعة له لان السبب الموجب للشفعة له البيع وقد سكت عن الطلب بعد ما علم بالسبب
فتبطل شفعته به وإن لم يكن متمكنا من الاخذ عند ذلك كالجار إذا سكت عن الطلب بعد
علمه بالبيع لمكان الشريك ثم سلم الشريك لم يكن له أن يأخذ بالشفعة فهذا مثله والله أعلم
بالصواب
153

(باب تسليم الشفعة)
(قال رحمه الله وإذا سلم الشفيع الشفعة بعد وقوع البيع والمشترى حاضر أو غائب
فتسليمه جائز) لأنه أسقط الحق الواجب له والاسقاط يتم بالمسقط وأنه تصرف منه على
نفسه ولا يتعدى تصرفه إلى محل وهو حق غيره ولهذا لا يشترط القبول فيه من غيره وكذلك
ان ساوم الشفيع المشترى بالدار لأنه ساومه بها ليشتريها منه ابتداءا وذلك دليل الرضا بتقرر
ملكه فيها وكذلك لو سأله أن يوليها إياه لان حاجته إلى ذلك بعد سقوط حقه في الاخذ
بالشفعة فالتماسه دليل اسقاط شفعته ودليل الاسقاط كصريحه وكذلك ان قال المشترى
للشفيع أنفقت عليها كذا في بنائها وإني أوليكها بذلك وبالثمن فقال نعم فهو تسليم منه لان
قوله نعم في موضع الجواب فيصير ما تقدم من الخطاب كالمعاد فيه ومعناه ولني بذلك وإذا
وكل وكيلا بطلب الشفعة فسلم الوكيل الشفعة أو أقر بأن موكله قد سلم الشفعة فنقول أما
عند أبي حنيفة يصح ذلك منه في مجلس القضاء ولا يصح في غير مجلس القضاء وكان أبو يوسف
يقول أولا لا يصح ذلك منه في مجلس القضاء وفي غير مجلس القضاء وهو قول زفر ثم رجع
فقال اقراره على الموكل بالتسليم صحيح في مجلس القضاء ومحمد يقول في اقراره على الموكل بالتسليم
بقول أبي حنيفة وقال يجوز تسليم الشفعة في مجلس القضاء ولا يجوز في غير مجلس القضاء
ذكر قوله هذا في كتاب الوكالة ولا يحفظ جواب أبى يوسف الآخر فيما إذا أسلم الوكيل
الشفعة وقيل ذلك صحيح منه كما يصح اقراره على الموكل بالتسليم وأصل المسألة في كتاب
الوكالة فان الوكيل بالخصومة إذا أقر على موكله في القياس لا يجوز اقراره وهو قول زفر
وأبى يوسف وفي الاستحسان يجوز اقراره في مجلس القاضي وهو قول أبي حنيفة ومحمد
وفي قول أبى يوسف الآخر اقراره صحيح في غير مجلس القاضي وفي مجلس القاضي
كاقرار الموكل فالوكيل بطلب الشفعة وكيل الخصومة فإذا أقر على موكله بالتسليم كان على
هذا الخلاف فاما إذا سلم بنفسه فمن أصل أبي حنيفة وأبى يوسف أن من ملك طلب الشفعة
والخصومة فيها يصح تسليمة إلا أن الوكيل قائم مقام الموكل في الخصومة ومجلس الخصومة
مجلس القاضي فيصح تسليمه في مجلس القاضي عند أبي حنيفة وفي قول أبى يوسف الوكيل
قائم مقام الموكل فيصح منه التسليم في مجلس القاضي وغير مجلس القاضي وعند محمد وزفر لا
يصح منه التسليم أصلا لان ذلك ضد ما فوض إليه فإنه أمر باستيفاء الحق لا باسقاطه الحق
154

وأصل هذه المسألة في الأب والوصي إذا سلما شفعة الصبي جاز ذلك عند أبي حنيفة وأبى
يوسف وليس للصبي أن يطالب بحقه بعد البلوغ لأنهما قاما مقامه في استيفاء حقه والاسقاط
ضد الاستيفاء فلا يثبت لهما الولاية في الاسقاط كالابراء عن الدين والعفو عن القصاص
الواجب له وهذا لان تصرفهما مقيد بالنظر وليس في اسقاط حق الصبي معنى النظر له ولان
حق الاخذ بالشفعة يثبت شرعا لدفع الضر فيهما بالاسقاط كأنهما يلزمانه الضرر وأبو حنيفة
وأبو يوسف قالا تسليم الشفعة ترك الشراء والأب والوصي كما يجوز منهما الشراء على الصبي
يجوز ترك الشراء ألا ترى أنه لو أوجب صاحب الدار البيع فيها من الصغير فرده الأب
والوصي صح ذلك منهما وبيان الوصف أن الشفيع بالأخذ يتملك العين بالثمن وهذا هو
الشراء وتأثيره أن في تسليم الشفعة يبقى أحد العوضين على ملك الصبي وهو الثمن فإن كان فيه
اسقاط حقه فهو اسقاط بعوض يعد له فلا يعد ذلك ضررا كبيع ماله بخلاف الابراء عن الدين
واسقاط القود يوضحه أنه لو أخذها بالشفعة ثم باعها من هذا الرجل بعينه جاز ذلك فكذلك
إذا سلمها إليه بل أولى لأنه إذا أخذها ثم باعها منه تتوجه العهدة فيها على الصغير وفي التسليم
لا تتوجه عليه العهدة وإذا ثبت هذا قلنا سكوت من يملك التسليم عن الطلب بمنزلة التسليم
فإذا سكت الأب والوصي عن طلب الشفعة من الأجنبي فذلك مبطل لحق الصبي في قول
أبي حنيفة وأبى يوسف بمنزلة تسليمها وفي قول محمد وزفر لا يبطل حق الصبي ولو اشترى
الأب للصبي دارا وهو شفيعها فله أن يأخذها بالشفعة عندنا وقال زفر ليس له ذلك وهو بناء
على شراء الأب مال الصبي لنفسه وإن كان مكان الأب وصيا لم يملك أخذها لنفسه بالشفعة
لان ذلك بمنزلة الشراء منه والوصي لا يشترى مال اليتيم لنفسه بمثل القيمة ولو اشترى الأب
لنفسه دارا والصبي شفيعها فليس للصبي إذا بلغ أن يأخذها بالشفعة لان الأب متمكن من
الاخذ فسكوته يكون مبطلا شفعة الصبي بخلاف ما إذا باع الأب دارا والصبي شفيعها
لان البائع لا يملك الاخذ بالشفعة والسكوت عن الطلب ممن يملك الاخذ يكون مبطلا
للشفعة فاما ممن لا يملك الاخذ لا يكون مبطلا ولو كان المشترى اشترى الدار بأكثر من
قيمتها بما لا يتغابن الناس في مثله والصبي شفيعها فسلم الأب ذلك من أصحابنا من قال يصح
التسليم هنا عند محمد وزفر لما فيه من النظر للصبي والأصح أنه لا يصح التسليم عندهم جميعا
لأنه لا يملك الاخذ لكثرة الثمن وسكوته عن الطلب وتسليمه إنما يصح إذا كان مالكا للاخذ
155

فيبقى الصبي على حقه إذا بلغ وتسليم أحد المتعاوضين شفعة صاحبه في دار له خاصة من
ميراث جائز لان الاخذ بالشفعة شراء والمتعاوضان في ذلك كشخص واحد لان كل واحد
منهما في ذلك قائم مقام صاحبه فيصح تسليمه ألا ترى أنه لو أخذ بالشفعة كانت الدار بينهما
وكان الثمن عليهما فكما يجعل أخذ أحدهما في الحكم كأحدهما فكذلك التسليم ولو كان
المضارب هو الشفيع بدار من المضاربة فيها ربح وليس في يده من مال المضاربة غيرها
فسلم المضارب الشفعة كان لرب المال أن يأخذها لنفسه وان سلم رب المال كان للمضارب
أن يأخذها لنفسه لان المضارب لا يأخذها بالشفعة للمضاربة فإنه يكون ذلك استدانة على
المضاربة والمضارب لا يملك ذلك فيبقى حق كل واحد منهما في الاخذ لنفسه بحكم الجوار
لان المضارب شريك في دار المضاربة إذا كان فيها ربح وإذا بيعت دار بجنب الدار المشتركة
فلكل واحد من الشريكين فيها الشفعة وتسليم أحدهما يصح في حق نفسه دون حق شريكه
ولو باع المضارب دارا من المضاربة ورب المال شفيعها فلا شفعة له لان المضارب في بيعها
عامل لرب المال ألا ترى أنه لو لحقه في ذلك عهدة رجع على رب المال ولا شفعة لمن وقع
البيع له وكذلك لو باعها رب المال وهي من المضاربة وفي يد المضارب دار أخرى من المضاربة
وهو شفيعها لم يكن له فيها شفعة لأنه لو أخذها أخذها لرب المال فان الأصل في مال
المضاربة حق رب المال ورب المال بائع لا يملك الاخذ بالشفعة فكذلك لا يأخذ غيره له
بالشفعة ولو باع المضارب دارا من غير المضاربة كان لرب المال أن يأخذها بالشفعة بدار من
المضاربة وتكون له خاصة دون المضارب لان المضارب في بيع داره من غير المضاربة عامل
لنفسه لا لرب المال فهو في ذلك كأجنبي آخر وباعتبار دار المضاربة رب المال جار للدار فله أن
يأخذها بالشفعة والاخذ بمنزلة الشراء ولو اشتراها كانت له خاصة دون المضاربة ولو باع
رب المال دارا له خاصة والمضارب شفيعها بدار من المضاربة فإن كان فيها ربح فله أن يأخذها
لنفسه لأنه جار باعتبار شركته في الربح وهو في الاخذ لنفسه غير عامل لرب المال فيكون
في ذلك كأجنبي آخر وإن لم يكن فيها ربح لم يأخذها لأنه لو أخذها أخذها للمضاربة ففي مال
المضاربة حق رب المال هو الأصل ورب المال هو البائع فكما لا يثبت للبائع حق الاخذ
بالشفعة فكذلك لا يأخذ الغير له وإذا باع المفاوض دارا له خاصة من ميراث وشريكه شفيعها
بدار له خاص من ميراث فلا شفعة له فيها لأنه لو أخذها كانت بينهما بمنزلة ما لو اشتراها
156

وإذا كان بائعها شريكه لو ثبت لواحد منهما فيها شفعة كانت ثابتة للبائع لأنهما فيما يأخذان
بالشفعة كشخص واحد وإذا وجبت الشفعة للعبد المأذون فسلمها فهو جائز إن كان عليه دين
أولم يكن عليه دين لان هذا بدل الشراء وهو من صنيع التجار ثم هو اسقاط حق بعوض
يعد له فان الثمن يبقى كسبا له وان سلمها مولاه جاز إن لم يكن عليه دين لان العبد لو أخذها
تصير مملوكة للمولى وهو من هذا الوجه كالنائب عنه فيصح التسليم من المولى كما يصح من
الموكل وإن كان عليه دين لم يجز تسليم المولى عليه لان العبد في الاخذ عامل لغرمائه للمولى
والمولى من كسب عبده المديون كسائر الأجانب ألا تري أنه بعد الاخذ لو باعها المولى جاز
بيعه إذا لم يكن عليه دين ولم يجز بيعه إذا كان على العبد دين فكذلك تسليمه وتسليم المكاتب
شفعته جائز لأنه منفك الحجر عنه فيما هو من صنيع التجار وقد بينا أن تسليم الشفعة من
صنيع التجار كالأخذ بالشفعة وتسليم المرتد شفعته جائز أيضا وذكر في بعض نسخ الأصل إذا
مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب فهو باطل في قياس قول أبي حنيفة وهذا لا معنى
له لان الشفعة لا تورث فلا يقوم وارثه مقامه في الاخذ بالشفعة وبهذا الطريق يقول لا
يتوقف فيه تسليم الشفعة بخلاف سائر التصرفات لأنه لا فائدة في هذا التوقف ان أسلم
فتسليمه صحيح وان مات فالشفعة لا تورث إلا أن يكون موضوع هذا فيما إذا كان
اشترى المرتد دارا فطلبها الشفيع بالشفعة فسلمها إليه فهذا يتوقف منه عند أبي حنيفة بمنزلة
بيعه وإذا اشتري دارا بعبد وسلم الشفيع الشفعة ثم رأى صاحب الدار العبد فلم يرضه ورده
وأخذ داره وقد كان دفعها أو لم يدفعها فلا شفعة للشفيع في ذلك لان الرد بخيار الرؤية
فسخ من الأصل ولهذا ينفرد به الراد من غير قضاء ولا رضاء والشفعة تجب بالعقود
لا بالفسوخ وما كان وجب له بالعقد فقد أسقطه ولو اشترى دارا لم يرها ثم بيعت دار
بجنبها فاخذها بالشفعة لم يسقط به خيار رؤيته في الدار المشتراة بخلاف خيار الشرط لأنه
أخذه إياها بالشفعة بمنزلة التصريح باسقاط خياره والتصريح باسقاط خيار الشرط صحيح من
المشترى وباسقاط خيار الرؤية باطل قبل أن يراها فكذلك إذا أخذ دار بالشفعة بيعت بجنبها
وإذا اشترى المضارب دارين بمال المضاربة وهو ألف درهم تساوى كل واحد منهما ألف
درهم فبيعت دار إلى جنب أحدهما فلا شفعة للضارب فيها فالشفعة لرب المال لان كل واحدة
منهما مشغولة برأس المال والمضارب شريك في الربح ولا ربح في واحدة منهما فلا يأخذها
157

المضارب بالشفعة وهذا لان الدور لا تقسم قسمة واحدة لما فيها من التفاوت في المنفعة فتعتبر
كل واحدة منهما على الانفراد ألا ترى أنه لو كان مكان الدارين عبدين لم ينفذ عتق المضارب
في واحد منهما ولو كان في إحديهما ربح كان له الشفعة مع رب المال لأنه شريك فيها بحصته
من الربح وإذا سلم الشفيع الشفعة على أن يعطى نصف الدار بنصف الثمن فهو جائز على
ما اشترط لأنه أسقط بعض حقه واستوفى البعض وذلك صحيح عند تراضيهما اعتبارا للبعض
بالكل وان اشترى بيتا بعينه لنفسه فهذا باطل لجهالة حصة البيت من الثمن ويأخذ لدار
كلها أو يدع لأنه بما صنع غير مسلم شفعته بل هو مظهر رغبته فيما يحتاج إليه منها فيكون
على شفعته فيها وإذا شهد شاهدان على تسليم الشفعة واختلفا في الوقت والمكان فالشهادة
جائزة لان تسليم الشفعة قول يعاد ويكرر فاختلاف الشاهدين في المكان والزمان لا يوجب
اختلافا بينهما في المشهود به وإذا سلم الشفعة في منزل وهو شريك في الطريق على أن يأخذ
نصف المنزل بنصف الثمن فذلك جائز لما بينا أنه أسقط بعض حقه واستوفى البعض وذلك
جائز بتراضيهما وللجار أن يأخذ النصف الآخر بالشفعة لان حق الجار كان ثابتا في جميع
المنزل إلا أن الشريك في الطريق كان مقدما عليه ففيما أسقط الشريك حقه زال المانع
فللجار أن يأخذه كما لو سلم في جميع المنزل وإذا اشترى الرجل دارا فسلم الشفيع الشفعة ثم أقر
المشترى أن البيع كان يلجئه لم يكن للشفيع في ذلك شفعة لان هذا اقرار منه بفساد البيع
الأول من الأصل بخلاف الإقالة فإنه يتضمن معنى المبادلة ابتداء وباعتباره تجب الشفعة
ألا ترى أنه لو فسخ البيع من الأصل بخيار الرؤية أو الشرط لم يتجدد به حق الشفيع بعد
ما سلم الشفعة فإذا أقر بفساد البيع من الأصل أولى وإذا سلم الشفيع الشفعة في هبة بعوض
بعد التقابض ثم أقر البائع والمشترى أنها كانت بيعا بذلك العوض لم يكن للشفيع فيها الشفعة
لان الهبة بشرط العوض بعد التقابض بمنزلة البيع في حق الشفعة فكان التسليم صحيحا
من الشفيع سواء أقر في البيع انه كان هبة بعوض أو في الهبة بشرط العوض انه كان بيعا
وان سلمها في هبة بغير عوض ثم تصادقا انها كانت بشرط عوض أو كانت بيعا فللشفيع أن
يأخذها بالشفعة لأنه لم يوجد منه الرضا بسقوط حقه ولكنه ترك الطلب أو سلم بناء على أن
الشفعة لم تجب له فإذا ظهر أنها كانت واجبة له فهو على حقه في الشفعة وإذا وهب الرجل
دارا على عوض بألف درهم فقبض أحد العوضين دون الآخر ثم سلم الشفيع الشفعة فهو
158

باطل حتى إذا قبض العوض الآخر كان له أن يأخذ الدار بالشفعة لأنه أسقط حقه قبل
الوجوب فالهبة بشرط العوض إنما تصير كالبيع بعد التقابض وتسليم الشفعة قبل تقرر سبب
الوجوب باطل كما لو سلمها قبل البيع وإذا وهب الرجل لرجلين دارا على عوض ألف درهم
وتقابضوا فذلك باطل في قول أبي حنيفة جائز في قولهما لان الشيوع في الهبة بشرط العوض
كهو في الهبة بغير عوض وقد بينا هذا الخلاف في الهبة من رجلين بغير عوض في كتاب
الهبة (فكذلك في) الهبة بشرط العوض ولو وهب رجلان من رجل دارا على ألف درهم
وقبضا منه الألف مقسومة بينهما وسلما إليه الدار جاز ذلك وللشفيع فيها الشفعة لانعدام
الشيوع في الدار فالملك فيها واحد وانعدام الشيوع في الألف حين قبض كل واحد منهما
نصيبه مقسوما ولو كانت الألف غير مقسومة لم يجز في قول أبي حنيفة لان الشيوع فيما
يحتمل القسمة يمنع صحة التعويض كما يمنع صحة الهبة والألف محتمل للقسمة وإذا اشترى
الرجل دارين صفقة واحدة وشفيعهما واحد فأراد أخذ إحديهما دون الأخرى فليس له
ذلك وكذلك لو كانت أرضين أو قرية وأرضها أو قريتين وأرضيهما وهو شفيع ذلك كله
بأرض واحدة أو بأرضين أو بدار واحدة أو بدور فإنما له أن يأخذ ذلك كله أو يدع وقال
زفر له أن يأخذ أحديهما دون الأخرى والدور المتلازقة وغير المتلازقة في مصر واحد أو
مصرين في ذلك سواء بعد أن يكون ذلك صفقة واحدة فزفر يقول يثبت له حق الاخذ
في كل واحدة منهما وليس في أخذ إحديهما ضرر على المشتري لان إحديهما تنفصل عن
الأخرى فهو كما لو كان العقد في كل واحدة منهما صفقة على حدة ولكنا نقول المشترى
ملكهما صفقة واحدة وفي أخذ إحديهما تفريق الصفقة عليه وكما لا يملك المشترى في حق
البائع تفريق الصفقة بقبول العقد في إحديهما دون الأخرى فكذلك لا يملك الشفيع ذلك
في حق المشترى بخلاف ما إذا كان العقد في صفقتين وهذا لان الانسان قد يشترى دارين
ورغبته ومنفعته في إحديهما فإذا أخذ الشفيع تلك دون الأخرى تضرر المشتري باختيار
الشفيع والشفيع لا يملك الحاق الضرر بالمشترى فيما يأخذ بالشفعة ولم يذكر في الكتاب أنه
إذا كان شفيعا لاحديهما دون الأخرى فكان أبو حنيفة أولا يقول في هذه المسألة له ان
يأخذهما جميعا أو يدع لان الشفعة تثبت له في إحديهما ولو أخذها وحدها تفرقت الصفقة
على المشترى فيثبت حقه في الأخرى حكما لدفع الضرر عن المشترى ثم رجع فقال لا يأخذ
159

واحدة منهما لأنه لا يمكن اثبات الشفعة له في إحديهما بدون السبب وفي الأخرى لما فيه
من تفريق الصفقة على المشترى ثم رجع فقال يأخذ الذي هو شفيعها خاصة وهو قول أبى
يوسف ومحمد بمنزلة ما لو اشتري عبدا ودارا صفقة واحدة كان للشفيع أن يأخذ الدار بالشفعة
دون العبد وهذا لان تفرق الصفقة هنا لم يكن باختيار الشفيع بل هو بمعنى حكمي وهو
أنه لم يتمكن من إحديهما لانعدام السبب في إحديهما بخلاف ما إذا كان شفيعا لهما جميعا
والله أعلم بالصواب
(باب شفعة أهل البغي)
(قال رحمه الله الباغي والعادل في استحقاق الشفعة وتسليمها سواء) لان أهل البغي
مسلمون وهم من جملة أهل دار الاسلام وقد بينا أن لأهل الذمة الشفعة في دار الاسلام
وأنهم في ذلك كالمسلمين فأهل البغي في ذلك أولى إلا أن العادل في عسكر أهل العدل
والباغي في عسكر أهل البغي فكان بمنزلة الغائب ان علم فلم يبعث وكيلا بطلت شفعة وإن لم
يعلم حتى اصطلحوا فهو على شفعته إذا علم وإذا كان الشفيع في غير المصر الذي فيه الدار
المبيعة فجاء إلى هذا المصر فطلب الشفعة وأشهد عليها ولم يقصد البلد الذي فيه البائع
والمشتري فهو على شفعته لأنه أتى بما يحق عليه وهو عاجز عن اتباعهما مع أنه لا فائدة له
في ذلك لأنه إنما يتمكن من الاخذ في الموضع الذي فيه المبيع وكذلك ان قصد المصر الذي
فيه البائع والمشترى فطلب الشفعة وأشهد ولم يقصد المصر الذي فيه الدار فهو على شفعته وحاصل
الكلام أنه بعد طلب المواثبة عليه أن يأتي بطلب التقرير وذلك بالاشهاد عند الدار وعند
المشترى أو البائع ان كانت الدار في يده وإن كان قد سلمها فقد خرج البائع من الوسط
ثم عند اختلاف الأمصار والقرى عليه أن يأتي أقرب الثلاثة منهم فيشهد فان ترك الأقرب
وجاء إلى الأبعد بطلت شفعته كما لو ترك الطلب بعد العلم بالبيع حتى قام عن مجلسه وإذا كانوا
في مصر واحدة فان ترك الأقرب وأتى الا بعد فاشهد عنده ففي القياس كذلك تبطل شفعته
لان القليل من الاعراض والكثير في الحكم سواء وفي الاستحسان لا تبطل شفعته لان
المصر في حكم مكان واحد ولهذا لو شرط في السلم التسليم في المصر يكفي وإذا اتخذ المكان
حكما فلا معتبر بالأقرب والأبعد في ذلك وإذا اشترى رجل من أهل البغي دارا من
160

رجل في عسكره والشفيع في عسكر أهل العدل لا يستطيع أن يدخل في عسكر البغي فلم يطلب
بعد العلم بالشراء أو لم يبعث وكيلا فلا شفعة له لأنه كان متمكنا من أن يبعث وكيلا فإن كان
لا يقدر على أن يبعث الوكيل أو على أن يدخل فله الشفعة لأنه ما ترك الطلب بعد التمكن منه
فهو بمنزلة ترك الطلب قبل أن يعلم بالبيع ألا ترى أنهم لو كانوا في غير عسكر ولا حزب
غير أن الشفيع في بلد آخر وبينهما قوم محاربون فلم يقدم وهو يقدر على أن يبعث وكيلا
يأخذ الشفعة أبطلت شفعته أرأيت لو كان بينهما نهر مخوف أو أرض مسبعة كنت أجعله
على شفعته وقد ترك الطلب بعد ما تمكن من ذلك بنفسه أو بوكيل يبعثه في هذا كله تبطل
شفعته بالاعراض عن الطلب والله أعلم بالصواب
(باب الوكالة في الشفعة)
(قال رحمه الله ويجوز للشفيع أن يوكل بطلب الشفعة والخصومة فيها وكيلا كما يجوز أن
يوكل بطلب سائر حقوقه فقد يحتاج إلى التوكيل في ذلك لقلة هدايته في الخصومات أو لكثرة
اشتغاله ولا يقبل من وكيله البينة على الوكالة الا وخصمه معه) لأنه يقيم البينة ليقضى له بالوكالة
ولا يقضي ببينة قامت لا على خصم حاضر وإذا أقر المشتري بشراء الدار وهي في يده
وجبت الشفعة للشفيع فيها وخصمه الوكيل ولا أقبل من المشترى بينة انه اشتراها من
صاحبها إذا كان صاحبها غائبا لان القضاء عليه بالشفعة باقراره لا يكون قضاء على الغائب بالبيع
فان من في يده عين إذا أقر بحق فيه لغيره قضى عليه باقراره والوكيل الذي حضر ليس بخصم
عن صاحب الدار فالقضاء على الغائب بالبينة لا يجوز الا بمحضر من الخصم حتى إذا أجرت
الدار فأنكر ذلك أبطلت البيع والشفعة وردت الدار عليه لتصادقهم على أن أصل الملك كان
له بعد أن يحلف بالله ما باعه إلا أن تقوم عليه بينة بمحضر منه وهذه البينة مقبولة من الشفيع
والمشترى جميعا لان المشتري يثبت عقده بالبينة والشفيع يثبت حقه في الشفعة وإذا طلب
وكيل الشفيع له الشفعة فقال المشتري أريد يمين الشفيع ما سلم لي فإنه يقضى عليه بالدار
بهذا ويقال له انطلق فاطلب يمين الامر وعن أبي يوسف قال لا يقضي بها حتى يحضر الشفيع
ويحلف وهذه ثلاثة فصول (أحدهما) ما بينا (والثاني) وكيل صاحب الدين إذا طالب المديون
بإيفاء الدين وقال المديون أريد يمين الموكل ما أبرأني فإنه يقضى عليه بالمال ويقال له انطلق
161

فاطلب يمين الطالب (والثالث) وكيل المشترى إذا أراد الرد بالعيب فقال البائع أريد يمين الموكل
ما رضى بالعيب فله ذلك ولا يرد حتى يحضر المشترى فيحلف فأبو يوسف يجعل مسألة الشفعة
نظير مسألة العيب لان في فصل الشفعة قضاء بالملك والعقد فان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء
كما أن الرد بالعيب قضاء بفسخ العقد وإعادة المبيع إلى ملك البائع وفي ظاهر الرواية سوى
بين الشفعة وقضاء الدين لان بالتسليم سقط الحق بعد الوجوب ولا ينعدم السبب كما في
الابراء عن الدين بخلاف الرد بالعيب فهناك ينعدم السبب المثبت لحق الرد وهو حق المشترى
في المطالبة بتسليم الجزء الفائت يوضح الفرق أن هناك لو فسخ العقد نفذ قضاؤه بالفسخ لقيام
السبب وهو العيب فيتضرر به البائع ضرر لا يمكنه دفعه عن نفسه لأنه لا يطالب المشترى
باليمين بعد ذلك لخلوه عن الفائدة فإنه وان نكل لا يعود العقد وفي مسألة قضاء الدين لو أمر
المديون بقضاء الدين لا يتضرر بذلك ضررا ابطال حقه في اليمين بل هو على حقه من استحلاف
الطالب ومتى نكل رد عليه المال وكذلك في مسألة الشفعة فالمشترى لا يتضرر بالقضاء بالشفعة
من حيث ابطال حقه في اليمين بل هو على حقه في استحلاف الشفيع وإذا نكل رد عليه الدار
فلهذا لا يتأخر القضاء بالشفعة لأجل يمين الموكل وإذا قضي القاضي للوكيل بالشفعة فأبى المشترى
أن يكتب له كتاب كتب القاضي بقضائه كتابا وأشهد عليه الشهود كما أنه يقضي له بالشفعة وإن كان
المشترى ممتنعا من التسليم والانقياد له فكذلك يكتب له حجة بقضائه ويشهد على ذلك
نظرا له وإذا كان في سائر الخصومات يعطى القاضي المقضى له سجلا إذا التمس ذلك ليكون
حجة له فكذلك في القضاء بالشفعة يعطيه ذلك وإذا أقر المشترى بالشراء وقال ليس لفلان
فيها شفعة سألت الوكيل البينة عن الحق الذي وجبت له بالشفعة من شركة أو جوار لأنه
لا يتوصل إلى اثبات حق الموكل الا باثبات سببه فإذا أقامها قضيت له بالشفعة وذلك بان
يقيم البينة على أن الدار التي إلى جنب الدار المبيعة ملك لموكله فلان فإذا أقام البينة أن الدار التي
إلى جنب الدار المبيعة في يد موكله لم أقبل ذلك منه لان الملك لا يثبت له فيها بهذه البينة
فالأيدي تتنوع ولو علم القاضي انها في يده لم يقض له بالشفعة بذلك فكذلك إذا أثبت اليد بالبينة
وأصل هذه المسألة ان المشترى أنكر كون الدار التي في يد الشفيع ملكا له ففي ظاهر الرواية
لا يقضي القاضي للشفيع بالشفعة حتى يثبت ملكه بالبينة وعن أبي يوسف أن القول قول
الشفيع في ذلك فيقضي له بالشفعة وهو قول زفر لان طريق معرفة الملك اليد ولهذا تجوز
162

الشهادة بالملك لذي اليد باعتبار يده وكما أن القاضي لا يقضي الا بعلم فالشاهد لا يجوز أن يشهد
إلا بعلم ثم باعتبار ظاهر اليد يجوز للشاهد أن يشهد بالملك فكذلك يجوز للقاضي أن يقضي
بالملك لذي اليد وبقضائه بهذا يظهر استحقاق الشفعة وإذا كان يقضي لذي اليد بالملك إذا حلف
مع وجود خضم ينازعه فيها ويدعيها لنفسه فلان يجوز له القضاء بذلك في موضع ليس هناك
خصم يدعيها لنفسه أولى وجه ظاهر الرواية أن الملك باعتبار اليد يثبت من حيث الظاهر
والظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق على الغير ولهذا جعلنا اليد حجة للمدعى عليه
ليدفع بها استحقاق المدعى وحجة في حق الشاهد ليدفع بها استحقاق من ينازعه وحاجة ذي
اليد هنا إلى اثبات الاستحقاق فيما في يد الغير والظاهر لا يكفي لذلك فلا بد من أن يثبت
الملك بالبينة وهو نظير ما لو طعن المشهود عليه في الشاهد أنه عبد يحتاج إلى إقامة البينة على
الحرية لان ثبوت حريته باعتبار الظاهر فلا يصلح للالزام وإذا وجد قتيل في دار انسان فأنكر
على عاقلته كون الدار له يحتاج إلى اثبات الملك بالبينة ليقضي بالدية على عاقلته فهذا نظيره (قال
ولا أقبل في ذلك شهادة ابني الوكيل وأبويه وزوجته ولا شهادة ابني الموكل وأبويه وزوجته
ولا شهادة المولى إذا كان الوكيل والموكل عبدا له أو مكاتبا) لأنهم متهمون في ذلك فإنهم
يشهدون لحق الموكل ويثبتون حق الاخذ للوكيل فلهذا الا تقبل في ذلك شهادة الفريقين وان
أقام البينة أن لفلان نصيبا من الدار ولم يبين كم هو لم أقض له بالشفعة لان القاضي لا يتمكن
من القضاء بالمجهول فالنصيب المشهود به مجهول وما لم يقض له بالملك في الدار أو في بعضها لا
يتمكن من القضاء بالشفعة فان قال المشترى حلف الوكيل ما يعلم أن صاحبه سلم الشفعة فلا يمين
عليه لان التسليم مدعى على الموكل ولو استحلف الوكيل في ذلك كان بطريق النيابة ولا نيابة
في الايمان وكذلك لو قال حلفه ما سلم هو لان تسليمه عند غير القاضي باطل فلا معنى
للاستحلاف في دعوى تسليم باطل ولو شهد رجلان على الوكيل أنه سلم عند غير القاضي ثم
عزل قبل أن يقضي عليه لم يجز ذلك لأنهم شهدوا بتسليم باطل فان تسليم الوكيل الشفعة عند
محمد باطل وعند أبي حنيفة لا في مجلس القضاء باطل وما يختص بمجلس القضاء إذا عزل
القاضي قبل أن يقضي به فهو باطل وهو ما لو وجد في غير مجلس القاضي في الحكم سواء
كرجوع الشاهد عن الشهادة فإنه كما لا يصح في غير مجلس القاضي فكذلك لا يصح إذا وجد
في مجلس القاضي وعزل قبل أن يقضي به ولو أقر هذا الوكيل في مجلس هذا القاضي أنه سلم
163

عند فلان القاضي ثم عزل أو انه سلم عند غير القاضي جاز ذلك عليه بمنزلة الرجوع عن الشهادة
في قول أبي حنيفة ومحمد لان هذا يجعل بمنزلة ابتداء التسليم منه فإن كان من أقر بشئ يملك
إنشاءه يجعل كالمنشئ لذلك ومراده من ذكر قول محمد مسألة الرجوع لا مسألة تسليم الشفعة فقد
بينا ان عند محمد تسليم الوكيل باطل وإذا شهد ابنا الوكيل أو ابنا الموكل أن الوكيل قد سلم الشفعة
أجزت شهادتهما لأنهما يشهدان على أبيهما ولا يجوز شهادته ابني الموكل على الوكالة ولا شهادة
ابني الوكيل لان ابني الوكيل يثبتان صدق أبيهما في دعوى الوكالة ويثبتان له حق الاخذ بالشفعة
وابني الموكل ينصبان نائبا عن أبيهما ليأخذ الدار بالشفعة وليس للوكيل بطلب شفعة في دار
أن يخاصم في غيرها لان الوكالة تنفذ بالتقييد وقد بينا قيد الوكالة بالدار التي عينها وهو يثبت
الوكيل فيه مناب نفسه وقد يرضي الانسان بكون الغير نائبا عنه في بعض الخصومات دون
البعض ولو وكله بالخصومة في كل شفعة تكون له كان ذلك جائزا لأنه عمم التوكيل والوكالة
تقبل التعميم وله أن يخاصم في كل شفعة تحدث له كما يخاصم في كل شفعة واجبة له لعموم
الوكالة بمنزلة التوكيل بقبض علاته ولا يخاصم بدين ولاحق سوى الشفعة لتقييد الوكالة
بالشفعة الا في تثبيت الوكيل الحق الذي يطلب به الشفعة لأنه لا يتوكل إلى الخصومة بالشفعة
الا بذلك فتتعدى الوكالة إليه ضرورة وإذا وكل رجل رجلا يأخذ له دارا بالشفعة ولم يعلم
الثمن فأخذها الوكيل بثمن كثير لا يتغابن الناس فيه بقضاء قاض أو بغير قضاء قاض فهو
للموكل أما اعلام الثمن ليس بشرط في صحة التوكيل بالشراء مع أن ذلك لا بد منه في
الشراء فلأن لا يشترط ذلك في التوكيل بالأخذ بالشفعة وهو ليس بالشرط في الاخذ
بالشفعة أولى ثم الشفيع إنما يأخذ الثمن الذي يملك المشترى الدار فيه فالتوكيل بالأخذ بمنزلة
التنصيص على ذلك والوكيل ممتثل سواء كان بقضاء أو بغير قضاء قل الثمن أو كثر يوضحه
أن الوكيل بالشراء إذا اشترى بأكثر من قيمته إنما لا ينفذ شراؤه على الموكل لتمكن
التهمة فمن الجائز أنه اشترى لنفسه فلما علم بغلاء الثمن أراد أن يلزم الامر وهذا المعنى
لا يوجد في حق الوكيل بالأخذ بالشفعة لأنه لا يملك أن يأخذها لنفسه وإذا وكل رجل غير
الشفيع أن يأخذ الدار له بالشفعة فأظهر الشفيع ذلك فليس له أن يأخذها لنفسه وإذا وكل
رجل غير الشفيع طلبه لغيره تسليم منه للشفعة كأنما يطلب البيع من الموكل ولو طلب البيع
لنفسه كان به مسلما لشفعته فإذا طلبها لغيره أولى ولما كان إظهاره بذلك بمنزلة التسليم للشفعة
164

استوى فيه أن يكون المشترى حاضرا أو غير حاضر فان أسر ذلك حتى أخذها ثم علم بذلك
فإن كان المشترى سلمها إليه بغير حكم فهو جائز وهي للامر لأنه ظهر أنه كان مسلما شفعته ولكن
تسليم المشترى إليه سمحا بغير قضاء بمنزلة البيع المبتدأ فكأنه اشتراها للامر بعد ما سلم الشفعة
وإن كان القاضي قضى بها فإنها ترد على المشترى الأول لأنه لما ظهر أنه كان مسلما شفعته تبين
أن القاضي قضي على المشترى الأول بغير سبب فيكون قضاؤه باطلا فيرد الدار عليه وإذا كان
للدار شفيعان فوكل رجلا واحدا يأخذها لهما فسلم شفعة أحدهما عند القاضي وأخذها كلها
للآخر فهو جائز لان كل واحد منهما إقامة مقام نفسه فتسلمه شفعة أحدهما عند القاضي
كتسليم الموكل وبعد ما سقط حق أحدهما يبقى حق الآخر في جميع الدار فإذا أخذها الوكيل له
جاز وان قال عند القاضي قد سلمت شفعة أحدهما ولم يبين أيهما هو أو قال إنما أطلب شفعة
الآخر لم يكن له ذلك حتى يبين أيهما سلم نصيبه ولأيهما يأخذ أما تسليمه شفعة أحدهما له
صحيح لان تسليم الشفعة اسقاط مبنى على التوسع فالجهالة المحصورة في مثله لا تمنع الصحة
ولكنه لا يتمكن من أخذها للمجهول منهما لان بالأخذ ثبت الملك للموكل والقضاء بالملك
للمجهول لا يجوز فلهذا لابد للوكيل من أن يبين لأيهما يأخذ وإذا وكل الشفيع المشترى
بالأخذ بالشفعة لم يكن له وكيلا في ذلك لان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء والانسان لا يكون
وكيلا عن غيره في الشراء من نفسه لما فيه من تضاد أحكام الاحكام ولو وكل البائع بالأخذ
بالشفعة جاز ذلك في القياس لان البائع بتسليم الدار إلى المشترى قد خرج من هذه الخصومة
والتحق بأجنبي آخر وفي الاستحسان لا يجوز ذلك لان البائع لا يأخذ الشفعة لنفسه ومن
لا يملك شراء شئ لنفسه لا يملك ذلك لغيره وهذا لأنه توكيل في بعض ما قد تم به وهو البيع
وإذا وكل الذمي المسلم بطلب الشفعة لم تقبل شهادة أهل الذمة على الوكيل المسلم بتسليم الشفعة
لأنهم يشهدون على المسلم بقول منه وهو منكر لذلك وشهادة أهل الذمة لا تكون حجة
على المسلم وإن كان الذمي هو الوكيل وقد أجاز الشفيع ما صنع الوكيل قبلت شهادتهما وأبطلت
الشفعة لان الوكيل لو أقر بذلك جاز اقراره فان الموكل أجاز صنعه على العموم مطلقا فكذلك
إذا شهد عليه بذلك أهل الذمة لان شهادتهم على الذمي في اثبات كلامه حجة وإذا وكل رجل
رجلا بطلب شفعة له فاخذها ثم جاء مدعى يدعي في الدار شيئا فالوكيل ليس بخصم له لان
الوكالة قد انتهت بالأخذ بالشفعة فبقيت الدار في يده أمانة والأمين لا يكون خصما للمدعي
165

ولو وجد بالدار عيبا كان له أن يردها به ولا ينظر في ذلك إلى غيبة الذي وكله لان الاخذ
بالشفعة بمنزلة الشراء وما دام المبيع في يد الوكيل بالشراء فهو في حكم الرد بالعيب كالمشتري
لنفسه وإذا قال قد وكلتك بطلب الشفعة بكذا درهما وأخذه فإن كان الشراء وقع بذلك أو بأقل
فهو وكيل وإن كان بأكثر فليس بوكيل لان الاخذ بالشفعة يكون بالثمن الذي وقع الشراء به
والوكيل بشراء عين بعشرة يملك الشراء بأقل من عشرة ولا يملك الشراء بأكثر بعشرة
للموكل فإذا كان الثمن أكثر مما سمى فقد وكله بما لا يقدر عليه وعلى الوكيل القيام به فيصح
التوكيل وكذلك ان قال وكلتك بطلبها إن كان فلان اشتراها لان هذا مقيد فالانسان
قد يتمكن من الخصومة مع شخص ولا يتمكن من الخصومة مع غيره وقد يرغب الشفيع في
الاخذ إذا كان المشترى إنسانا بعينه ولا يرغب إذا كان المشترى غيره فلهذا اعتبرنا تقييده
وإذا كانت الشفعة لورثة منهم الصغير والكبير والحمل الذي لم يولد بعد فهم في الشفعة سواء
لان الجنين من أهل الملك بالإرث فباعتبار الملك يتحقق سبب استحقاق الشفعة من جوار
أو شركة وإذا وضعت الحبلى حملها وقد ثبت نسبه من الميت شاركتهم في الشفعة وإن كان
الوضع بعد البيع لأكثر من ستة أشهر لأنا لما حكمنا بثبوت نسبه من الميت فقد حكمنا
بالإرث له وبكونه موجودا عند البيع فهو بمنزلة ما لو كان بعض الشركاء في الدار غائبا أخذ
الحاضر الدار المبيعة ثم حضر الغائب فله أن يأخذ حصته في ذلك وان اشترى دارا بجارية
وتقابضا ثم ولدت الجارية لأقل من ستة أشهر بعد الشراء وادعاه البائع أبطلت البيع والشفعة
وان كتب قد وصيت بها قبل ذلك لان حصول العلوق من ملك بائعها يثبت له حق استحقاق
النسب وذلك ينزل منزلة البينة في ابطال ما يحتمل النقض والقضاء بالشفعة يحتمل النقض
كنفس البيع ثم بدعوى النسب يتبين ان البيع كان فاسدا من الأصل لأنه باعها بأم الولد وبالبيع
الفاسد لا يستحق الشفعة وقد بينا في الاستحقاق نظيره فكذلك إذا أثبت الولد لامته وإذا
وكل الرجل رجلا بطلب كل دين له بالخصومة فيه فله أن يتقاضى ما كان له من دين وما
حدث له بعد ذلك لان مطلق التوكيل ينصرف إلى المتعارف وفي العرف يراد جميع ذلك
ألا ترى أنه لو وكله بتقاضي كل علة له أو يبتعها دخل فيه ما يحدث وكذلك لو وكله بالخصومة
في كل ميراث له وإذا وكله بماله ولم يرد على هذا ففي القياس التوكيل باطل لان ما وكله به
مجهول جهالة مستديمة له والوكيل يعجز عن تحصيل مقصود الموكل في ذلك وفي الاستحسان
166

هذا توكيل بالحفظ لان هذا القدر متيقن به لان المال محفوظ عند كل مالك فإذا أطلق المال
عند ذكر التوكيل علمنا أن مراده الحفظ فيما وراء ذلك من الخصومة والبيع وتقاضي الدين
شك بلا بينة وان قال تقاضى ديني أو أرسله يتقاضاه أو وكله فهو سواء لان التوكيل بالتقاضي
معبر عن موكله ولا يلحقه في ذلك عهدة كالرسول وله أن يتقاضاه ولا يشتري به شيئا ولا
يوكل بقبضه أحدا من غير عياله لأنه تصرف فيه سواء أمره به وله أن يوكل به عبده أو ابنه
أو أجيره الذي هو في عياله بمنزلة ما لو قبض بنفسه ثم دفع إلى أحد من هؤلاء وهذا لأنه
أمين فيما يقبض كالمودع في الوديعة وإذا وكله بتقاضي دين له على رجل بعينه وسمي له ما عليه
لم يكن له أن يطالبه بما يحدث له عليه لأنه قيد التوكيل بما سمى له وهو تقييد مقيد فقد يأتمن
الانسان غيره على القليل من ماله دون الكثير وإذا وكله بتسليم شفعة له فجاء الوكيل وقد
عرف بناء الدار أو احترق نخل الأرض فاخذ بجميع الثمن فلم يرض به الموكل فهو جائز على
الموكل لا يستطيع رده لأنه ممتثل أمره فإنه لا يتمكن من الاخذ بعد ما احترق البناء الا بجميع
الثمن فيكون فعله في الاخذ كفعل الموكل ولأنه غير متهم في هذا إذ لا يتمكن من أخذها لنفسه
بالشفعة وبه يستدل أبو حنيفة في الوكيل بشراء شئ بعينه إذا اشتراه بأكثر من قيمته وكذلك
لو جعله حرا أو وصيا في الخصومة في حياته وطلب الشفعة فهذه عبارات عن الوكالة والمعتبر
المعنى دون العبارة فله أن يقبضها وينفذ الثمن ويرجع به على الموكل وإذا وكل رجلين بالشفعة
فلأحدهما أن يخاصم بمنزلة الوكيلين بالخصومة لأنهما لو حضرا مجلس القاضي لم يتكلم الا
أحدهما فإنهما لو تكلما جميعا لم يفهم القاضي كلامهما ولا يأخذ أحدهما دون الآخر بمنزلة الوكيلين
بالشراء وإذا سلم أحدهما الشفعة عند القاضي جاز على الموكل لان صحة التسليم من الوكيلين
بطريق انه من الخصومة معنى ولهذا اختص بمجلس القاضي وكل واحد منهما وكيل تام في
الخصومة كأنه ليس معه غيره وإذا وكله بغيره بطلب الشفعة لم يكن له ان يوكل غيره إلا أن
يكون الامر أجاز له ما صنع بمنزلة ما لو وكله بالشراء وإن كان قال له ذلك فالتوكيل من صنعه
فان وكل وكيلا وقال له مثل ذلك لم يكن للوكيل الثاني أن يوكل غيره لان الموكل أجاز صنع
الوكيل الأول ولم يجز صنع الوكيل الثاني وهذا اللفظ يعتبر في تصحيح التوكيل من الوكيل
الأول لان ذلك من صنعه ولا يعتبر في تنفيذ إجازة الأول ما صنع الوكيل الثاني على الامر لان
ذلك وراء إجازة ما صنع الوكيل الأول والحاصل أن الانسان في حق الغير لا يسوى غيره
167

بنفسه ولهذا لا يوكل عند اطلاق التوكيل فلو جوزنا من الأول اجازته ما صنع الثاني كان
مسويا له بنفسه في حق الغير وذلك لا يجوز وإذا طلب المشترى من الوكيل أن يكف عنه
شهرا أو سنة على أنه على خصومته وعلى شفعته ففعل الوكيل ذلك لم تبطل به شفعة صاحبه
لأنه لو طلب هذا من الموكل فأجابه إليه لم تبطل به شفعته وهذا لان التأخير إنما جعله محمد
مبطلا للشفعة لدفع الضرر عن المشترى وينعدم ذلك عند التماس المشترى بطلبه وان مات
الوكيل قبل الاجل ولم يعلم صاحبه بموته فهو على شفعته فإذا مضى الاجل وعلم بموته فلم
يطلب أو يبعث وكيلا آخر يطلب له فلا شفعة له كما كان الحكم في الابتداء قبل أن يبعث
هذا الوكيل ومقدار المدة له في ذلك مقدار المشترى من حيث هو على سير الناس لأنه
لا يتمكن من الطلب الا بذلك وإنما يلزمه الطلب بحسب الامكان والله أعلم
(باب شفعة أهل الكفر)
(قال رحمه الله وإذا اشترى الكافر دارا بخمر أو خنزير وشفيعها كافر أخذها بخمر
بمثل تلك الخمر وبقيمة الخنزير) لان الخمر والخنزير مال متقوم في حقهم فالبيع بهما صحيح
بينهم ثم الشفيع يأخذ بمثل ما يملك به المشترى صورة ومعنى فيما له مثل فالخمر بهذه الصفة فهي
مكيلة أو موزونة وبالمثل معنى فيما لا مثل له من جنسه والخنزير من هذه الصفة فإنه حيوان
ليس من ذوات الأمثال فيأخذها بقيمته وان اشتراها بميتة أو دم فلا شفعة فيها لأنها ليست
بمال متقوم في حقهم فالشراء بها يكون باطلا وبالعقد الباطل لا تجب الشفعة وان اشتراها
بخمر وشفيعها مسلم وكافر فهما سواء في الشفعة لان الاخذ بالشفعة من المعاملات وهم في
ذلك يستوون بالمسلمين والمقصود دفع ضرر سوء المجاورة وحاجة الذمي إلى ذلك كحاجة
المسلم فيأخذ الذمي نصفها بمثل نصف الخمر والمسلم نصفها بنصف قيمة الخمر اعتبارا للبعض
بالكل وهذا لأنه يعجز المسلم عين تمليك عن الخمر وقدر الكافر على ذلك فان أسلم الشفيع
الكافر قبل أن يأخذها لم تبطل شفعته لان الاسلام سبب لتأكد حقه لا لابطاله ولكن
يأخذ بقيمة الخمر لأنه قد عجز عن تمليك عين الخمر بعد اسلامه فيأخذ بالقيمة كما لو كان مسلما
عند العقد ألا ترى أن المسلم لو اشترى دارا بكر من رطب فجاء الشفيع بعد ما انقطع الرطب
من أيدي الناس فإنه يأخذها بقيمة الرطب بهذا المعنى وإذا أسلم أحد المتبايعين والخمر غير
168

مقبوضة والدار مقبوضة أو غير مقبوضة انتقض البيع لفوات القبض المستحق بالعقد
فالاسلام يمنع قبض الخمر بحكم البيع كما يمنع العقد على الخمر ولكن لا يبطل حق الشفيع في
الشفعة لان وجوب الشفعة بأصل البيع وقد كان صحيحا وبقاؤه ليس بشرط لبقاء حق الشفيع
في الشفعة كما لو اشترى دارا بعبد فمات العبد قبل التسليم في الخمر بينه وبين الآخر بسبب اسلامه
وذلك انتقض البيع ولم يبطل به حق الشفيع فيأخذها الشفيع بقيمة الخمر إن كان هو مسلما
أو كان المأخوذ منه مسلما لتعذر تمليك عين الخمر بينهما وان كانا كافرين أخذهما بمثل تلك الخمر
لان من أسلم من المتعاقدين قد تعذر القبض والتسليم في الخمر بينه وبين الآخر بسبب اسلامه
وذلك غير موجود بين الشفيع والمأخوذ منه ولو كانا كافرين وإذا كان اسلام أحد المتعاقدين
بعد قبض الخمر قبل قبض الدار فالبيع بينهما يبقى صحيحا لان حكم العقد في الخمر ينتهى بالقبض
والإسلام لا يمنع قبض الدار فإذا اشترى الدار بيعة أو كنيسة أو ثبت بان ثم حضر الشفيع فله
أن يأخذها بالشفعة لان حقه مقدم على حق المشترى وهو متمكن من بعض ما المشترى
وتصرفه ألا ترى ان المسلم لو كان جعل الدار مسجدا ثم حضر الشفيع كان له أن يأخذها
بالشفعة فهذا أولى لان اتخاذ البيعة معصية ليس فيها معنى الطاعة ولو مات المشترى فبيعت
الدار في دينه ثم حضر الشفيع كان له أن يأخذها بالبيع الأول ويبطل البيع الثاني كما لو كان
المشتري هو الذي باعها بنفسه ولو كان المشترى للدار بالخمر ذميا فأسلم وارثه بعد موته كان
للشفيع أن يأخذها بقيمة الخمر كما لو كان المشتري هو الذي أسلم بنفسه وإذا اشترى الذمي من
الذمي دارا بخمر وتقابضا ثم صارت خلا وأسلم البائع والمشترى ثم استحق نصف الدار فنقول
إن كان المشترى هو الذي أسلم ولم يسلم البائع أو أسلم البائع بعد اسلام المشترى أو أسلما معا
بقي النصف المستحق ويأخذ المشترى نصف الخل فقط لان بالاستحقاق ينتقض العقد من
الأصل وخمر المسلم لا يكون مضمونا على الكافر فهو كما لو غصب من مسلم خمرا فتخللت
فإنه يأخذ الخل ولا شئ له غيره فاما في المنصف الذي لم يستحق المشتري بالخيار لبعض الملك
عليه فان اختار فسخ العقد رجع بنصف الخل لما بينا ان الخمر لا تكون مضمونة له على أحد
وهذا إذا كانت الخمر بعينها فإن كانت بغير عينها فلا خيار له في النصف الباقي لأنه لو ردها
ردها بغير شئ ولا سبيل له على الخل لأن العقد ما يتناول هذا بعينه وإنما تناول خمرا في
الذمة فعند الفسخ يعود حقه في ذلك والخمر لا يجوز أن يكون دينا للسلم على آخر فاما
169

إذا كان البائع هو الذي أسلم دون المشترى أو أسلم البائع أولا ثم المشترى فكذلك الجواب
عند أبي يوسف فاما على ما رواه زفر وعاقبه عن أبي حنيفة من الفرق بين اسلام الطالب
والمطلوب فنقول في النصف المستحق بالخيار ان شاء أخذ نصف الخل وان شاء ضمن البائع نصف
الخمر لأنه يتبين أن البيع في هذا النصف كان باطلا والخمر تكون مضمونة للكافر على المسلم
وقد تغير المقبوض في يده حين تخللت فإن شاء رضي بالتغير ويأخذ نصف الخل وان شاء
ضمنه نصف قيمة الخمر وفي النصف الذي لم يستحق يتخير لبعض الملك فان فسخ العقد وكانت
الخمر بعينها تخير بين أن يأخذ بنصف الخل وبين أن يرجع بنصف قيمة الخمر للتغير في ضمان
البائع وإن كان الخمر بغير عينها فإذا فسخ العقد رجع بنصف قيمة الخمر لا غير لأن العقد ما
يتناول هذا العين وعند الفسخ إنما يرجع بما يتناوله العقد فلهذا يرجع بنصف قيمة الخمر فإن كان
البائع قد استهلك الخل ففي المعين له أن يرجع عليه بمثله لان الخل من ذوات الأمثال
وإن لم يقدر على مثله فالرجوع بقيمته وهو على التخريج الذي بينا وإذا باع الذمي كنيسة أو بيعة
أو بيت نار فالبيع جائز وللشفيع فيها الشفعة لأنهم أعدوا هذه البقعة للمعصية فلا تزول عن
ملكهم بذلك وجواز البيع فيها كجوازه في دراهم بخلاف المساجد في حق المسلمين فالمسجد
يتجرد عن حقوق العباد ويصير لله تعالى خالصا وهذا لان صيرورة البقعة لله تعالى يجعلها
معدة لطاعة الله تعالى فيها لا للشرك والمعصية (قال وصاحب الطريق أولى بالشفعة من صاحب
مسيل الماء) لان عين الطريق مملوك لصاحبه وصاحب الطريق شريك في حقوق المبيع فاما
صاحب المسيل له حق سيل الماء في ملك الغير ولا شئ له من ملك ذلك الموضع والشفعة
لا تستحق بمثله كجار السكنى وصاحب المسيل باعتبار ملكه جار لاتصال ملكه بالدار المبيعة
والشريك في حقوق المبيع مقدم على الجار وكذلك صاحب العلو والسفل إذا لم يكن طريقه
في الدار فكل واحد منهما جار لصاحبه بمنزلة بيتين متجاورين على الأرض وقد تقدم بيان
الكلام في استحقاق العلو بالشفعة وصاحب الجذع في حائط من حيطان الدار أو الهوادي
بمنزلة الدار لأنه في معنى المستعير بوضع الهوادي على ملك الغير فلا تستحق الشفعة باعتباره
وقد بينا الفرق بينه وبين الشريك في أصل الحائط فان الشريك في أصل الحائط شركته
في نفس المبيع فهو أولى من الشريك في الطريق لان شركته في حقوق المبيع وإذا اشترى
مسلم من مسلم أرض عشر ولها شفعاء ثلاثة مسلم وذمي وثعلبي فاخذوها جميعا بالشفعة فعلى
170

المسلم العشر في حصته ويضاعف على الثعلبي العشر ويؤخذ من الذمي الخراج في حصته عند أبي
حنيفة بمنزلة ما لو اشترى كل واحد منهم مقدار نصيبه ابتداء وهذا على ما بينا على ما تقدم
بيانه في كتاب الزكاة أن الذمي إذا اشترى أرض عشر فإنها تصير خراجية عند أبي حنيفة
ولكن هذا إذا انقطع حق المسلمين عنها حتى لو كان البيع فاسدا أو كان شفيعها سلما فاخذها
بالشفعة فهي عشرية كما كانت فاما إذا انقطع حق المسلم عنها فإنها تكون خراجية وفي الكتاب
يقول سواء وضع عليها الخراج أو لم يوضع حتى إذا وجد بها عيبا ليس له أن يردها وفي غير
هذا الموضع ذكر أنه ان وضع عليها الخراج فليس له أن يردها بالعيب لان الخراج في الأرض
عيب وإنما يتقرر فيها بالوضع فإذا وضع فهذا عيب حدث فيها في يد كما أنقطع المشترى إذا لم
يوضع عليها الخراج فله أن يردها بالعيب وتكون عشرية كما كانت فاما في هذه الرواية كما أنقطع
حق المسلم عنها صارت خراجية لان الأراضي في دار الاسلام اما أن تكون عشرية أو خراجية
وهي في ملك الكافر لا تكون عشرية فتكون خراجية سواء وضع عليها الخراج أو لم يوضع
فليس له أن يردها ولكن يرجع بنقصان العيب بخلاف ما إذا كان البيع فاسدا أو كأن لمسلم
فيها شفعة لأنها بقيت عشرية لبقاء حق المسلم فيها والحق كالملك في بعض الفصول وإذا اشترى
الرجل أرضا أو دارا فوجد فيها حائطا واهيا أو جذعا منكسرا أو نخلة منكسرة أو عيبا
ينقص الثمن فردها كان الشفيع على شفعته لان أصل البيع كان صحيحا واستحقاق الشفعة به
وقد بينا أن بقاء المبيع ليس بشرط لبقاء حق الشفيع ألا ترى أن البيع قد ينفسخ بأخذ الشفيع
وهو ما إذا أخذوها من يد البائع وقال أبو يوسف إذا اشترى الذمي أرض عشر فعليه العشر
مضاعفا وان وجد بها عيبا ردها لان التضعيف فيها ليس بلازم ألا ترى أنه لو باعها من مسلم عادت
إلى عشر واحد بمنزلة الثعلبي يشترى سائمة فالتضعيف لا يكون لازما فيها وإذا كان بالرد
يعود إلى عشر واحد كما كأن لا يمتنع الرد بالعيب ولهذا قال لو باعها من مسلم عادت إلى عشر
واحد بخلاف قول أبي حنيفة في الخراج فان صفة الخراج في الأرض تلزم على وجه لا يتبدل
بتبدل المالك بعد ذلك فإذا باع المرتد دارا فقتل أو مات أو لحق بدار الحرب بطل البيع ولم يلزمه
فيه الشفعة في قول أبي حنيفة بخلاف ما إذا اشترى المرتد دار لان توقف العقد عنده لحق
المرتد فإذا كان المرتد هو البائع فهذا في معنى بيع بشرط الخيار للبائع فلا تجب به الشفعة
وإذا كان المرتد هو المشتري فهذا في معنى بيع بشرط الخيار للمشتري فتجب الشفعة فيه
171

للشفيع سواء نقض البيع أو تم وان أسلم المرتد البائع قبل أن يلحق بدار الحرب جاز بيعه
وللشفيع فيها الشفعة لان البيع تم وخياره سقط باسلامه ولو كان اسلامه بعد ما لحق بدار
الحرب وبعد قسمة ماله لم يكن للشفيع فيها شفعة لان انتقاض البيع تأكد بقضاء القاضي
وعند أبي يوسف ومحمد بيعه جائز وللشفيع فيها الشفعة أسلم أو لحق بدار الحرب وإذا اشترى
المسلم دارا والمرتد شفيعها وقتل في ردته أو مات أو لحق بدار الحرب فلا شفعة فيها له ولا
لورثته لان لحاقه كموته والشفعة لا تورث ولو كانت امرأة مرتدة وجبت لها الشفعة فلحقت
بدار الحرب بطلت شفعتها لان لحاقها كموتها من حيث أنه لا تستحق نفسها بالحاق حتى يسترق
وان كانت لا تقبل وان كانت المرتدة بائعة للدار فللشفيع الشفعة لان بيعها صحيح لازم
أسلمت أو ماتت وإن كان الشفيع مرتدا أو مرتدة فسلم الشفعة جاز أما في المرتدة فظاهر ولا
المرتد لا فائدة في توقف تسليم الشفعة لأنه ان أسلم فتسليمه صحيح وان مات فالشفعة في
تورث وإنما يوقف من تصرفاته ما يكون في توقفه فائدة ولو لم يسلم وطلب أخذ الدار بالشفعة
لم يقض له القاضي بذلك إلا أن يسلم لان هذا منه اصرار على الردة إلا أن يقضى له
بالشفعة وليس للامام أن يقره على الردة في شئ من الأوقات ثم القضاء بالشفعة لدفع الضرر
عن الشفيع والمرتد يلحق به كل ضرر فلا يشتغل القاضي بدفع الضرر عنه ما لم يسلم فان
أبطل القاضي شفعته ثم أسلم فلا شفعة له لان الابطال من القاضي صحيح على وجه الاضرار
به وحرمانه الرفق الشرعي فيكون ذلك لتسليمه بنفسه أو أقوى منه وان وقفه القاضي حتى
ينظر ثم أسلم فهو على شفعته لان القاضي لم يبطل حقه وإنما امتنع من القضاء له بها فإذا أسلم
فهو على حقه وهذا إذا كان طلب الشفعة حين علم بالشراء فإن لم يكن طلب إلى أن أسلم فلا
شفعة له لتركه طلب المواثبة بعد علمه بالشراء ولو لحق المرتد بدار الحرب ثم بيعت الدار
قبل قسمة الميراث ثم قسم ميراثه كان لورثته الشفعة لان الملك لهم في الميراث من حين لحق
المرتد ولهذا يعتبر قيام الوارث في ذلك الوقت حتى أن من مات من ورثته بعد لحاقه يكون
نصيبه ميراثا عنه ومن أسلم من أولاه بعد لحاقه لم يكن له ميراث فعرفنا أن الميراث له من
حين لحق المرتد والبيع وجد بعد ذلك فالشفعة فيها للوارث بمنزلة التركة المستغرقة بالدين
إذا بيعت دار بجنب دار منها ثم سقط الدين كان للوارث فيها الشفعة وإذا اشترى المرتد دارا
من مسلم أو ذمي بخمر فالبيع باطل ولا شفعة فيها لان المرتد مجبر على العود إلى الاسلام
172

فهو في التصرف في الخمر كالمسلم فان نفوذ تصرف الكافر في الخمر باعتبار البناء على اعتقاده
والمرتد غير مقر على ما اعتقده فلا ينفذ تصرفه فيها والحربي المستأمن في وجوب الشفعة له
وعليه في دار الاسلام سواء بمنزلة الذمي لأنه من جملة المعاملات وهو قد التزم حكم
المعاملات مدة مقامه في دارنا فيكون بمنزلة الذمي في ذلك فان اشترى المستأمن من دار
الحرب أو لحق بدار الحرب فالشفيع على شفعته متى لحقه بدار الحرب لان لحاقه بدار الحرب
كموته وموت المشترى لا يبطل شفعة الشفيع فإن كان وكل بالدار من يحفظها ويقوم
عليها فلا خصومة بينه وبين الشفيع لأنه أمين فيها والأمين لا يكون خصما لمن يدعى حقا
في الأمانة كما لا يكون خصما لمن يدعى رقبتها وإذا اشترى المسلم في دار الحرب دارا وشفيعها
مسلم بدار له ثم أسلم أهل الدار فلا شفعة للشفيع لان حق الشفعة من أحكام الاسلام
وحكم الاسلام لا يجرى في دار الحرب ولان المشترى مستول عليها واستيلاؤه على ملك المسلم
في دار الحرب يزيل ملك المسلم فعلى حقه أولى أن يكون مبطلا حق المسلم وإذا اشترى المسلم
في دار الاسلام دارا وشفيعها حربي مستأمن فلحق بدار الحرب بطلت شفعته لان لحوقه
بدار الحرب كموته كمن هو من أهل دار الحرب في حق من هو في دار الاسلام كالميت
وبموته تبطل شفعته علم بالشراء أو لم يعلم ولان تباين الدارين يقطع العصمة ويبطل من الحقوق
المتأكدة ما هو أقوي من الشفعة كالنكاح ثم المسلم المشترى مستول على الدار ولو استولى على
ملك الحربي بطل به ملكه فلان يبطل به حقه أولى وإذا اشترى الحربي المستأمن دارا
وشفيعها حربي مستأمن فلحقا جميعا بدار الحرب فلا شفعة للشفيع فيها لان لحاق الشفيع
بدار الحرب كموته فيما هو في دار الاسلام وإن كان المشترى مع الشفيع في دار الحرب فإن كان
الشفيع مسلما أو ذميا فدخل دار الحرب فهو على شفعته إذا علم لان المسلم والذمي من
أهل دار الاسلام فدخوله دار الحرب غيبة منه وغيبة الشفيع لا تبطل شفعته إذا لم يكن عالما
بها فان دخل وهو يعلم فلم يطلب حتى غاب بطلت شفعته لتركه الطلب بعد ما تمكن منه لا
لدخوله دار الحرب وإذا بطلت الشفعة ثم عرض له سفر إلى دار الحرب أو إلى غيرها فهو على
شفعته إذا كان على طلبه لان حقه قد تقرر بالطلب وقد بينا اختلاف الرواية في هذا الفصل
فإن كان المشترى أخره مدة معلومة فهو على شفعته عندهم جميعا لان عند محمد بمضي شهر
إنما تبطل شفعته لدفع الضرر عن المشترى فإذا كان هو الذي أخره فقد رضى بهذا الضرر
173

وإن كان الشفيع حربيا مستأمنا فوكل بطلب الشفعة ولحق بدار الحرب فلا شفعة له كما لو مات
بعد التوكيل بطلب الشفعة وإن كان الشفيع مسلما أو ذميا فوكل مستأمنا من أهل الحرب
ثم دخل الوكيل دار الحرب بطلت وكالته والشفيع على شفعته لان لحاق الوكيل بدار الحرب
كموته وموت الوكيل يبطل الوكالة ولا يبطل شفعة الموكل فكذلك لحاقه والله أعلم
(باب الشفعة في الصلح)
(قال رحمه الله وإذا ادعى الرجل في دار دعوى من ميراث أو غيره فصالحه بعض أهل
الدار على صلح على أن جعل ذلك له خاصة فطلب بقية أهل الدار بالشفعة فإن كان الصلح على
اقرار فلهم الشفعة في ذلك لان المعطى في المال متملك في نصيب المدعى بما أعطى من العوضين
فهو كما لو تملكه بالشراء فتجب عليه الشفعة فيه للشركاء وإن كان الصلح على الانكار فلا شفعة
فيه لان في زعم المعطى للمال أنه رشاه ليدفع عنه أذاه ولم يتملك عليه شيئا من الدار بهذا الصلح
وفيما في يده ينبنى الحكم على زعمه وهو بالاقدام على الصلح لا يصير مقرا بثبوت الملك
للمدعى في المدعى ولو صالحه بغير اقرار سئل المصالح بينة على دعوى الذي صالحه فان أقامها
فالثابت بالبينة كالثابت بالاقرار فيأخذ المعطى للمال نصيب المدعى ويكون للشركاء أن
يطلبوا بحصتهم من الشفعة وهذا لان المعطى للمال يقوم مقام المدعي وقد كان المدعى متمكنا
من اثبات نصيبه بالبينة فالمعطى للمال يتمكن من ذلك أيضا ولو صالحه على سكنى دار له أخرى
سنين مسماة لم يكن للشفيع في ذلك شفعة لان المصالح عليه منفعة والدار المملوكة عوضا عن
المنفعة بلفظ الشراء لا تستحق بالشفعة فبلفظ الصلح أولى وهذا لما بينا أن الشفعة لا تجب
إلا بمعاوضة مال بمال مطلقا والمنفعة ليست بمال مطلقا وإذا ادعى حقا في دار فصالحه منه
على دار فللشفيع فيها الشفعة لان في زعم المدعي أنه يملك هذه الدار عوضا عن ملكه في الدار
الأخرى بالصلح والصلح على الانكار مبنى على زعم المدعى في حقه فللشفيع فيها الشفعة
بقيمة حقه في الدار الأخرى والقول فيه قول المصالح الذي أخذ الدار بمنزلة ما إذا اختلف
الشفيع والمشترى في مقدار الثمن فان القول في ذلك قول المشترى ولو كان ادعي دينا أو
وديعة أو خراجة خطأ فصالحه على دار أو حائط من دار فللشفيع فيها الشفعة باعتبار البناء على
زعم المدعى وإذا صالح من سكنى دار أوصى له بها أو من خدمة عبد على بيت فلا شفعة
174

فيه لان أصل المدعى لم يكن مالا فهو كما لو صالح عن القصاص على البيت وإذا ادعى على
رجل مالا فصالحه على أن يضع جذوعه على حائطه أو يكون له موضعها أبدا وسنين معلومة
ففي القياس هذا جائز لان ما وقع عليه الصلح معلوم عينا كان أو منفعة ولكن ترك هذا
القياس فقال الصلح باطل ولا شفعة للشفيع فيها لان المصالح عليه ليس برقبة الحائط ولا منفعة
معلومة فالضرر على الحائط يختلف باختلاف الجذوع في الغلظ والدقة في مدة المنفعة لا تستحق
بالإجارة فان استئجار الحائط مدة معلومة أو أبدا لوضع الجذوع عليه لا يجوز فكذلك إذا وقع
الصلح عليه أرأيت لو صالحه على أن يضع عليها هوادى أو على أن يضع جذعا له في حائط أكان
يكون فيه الشفعة لا شفعة في شئ ء من ذلك وكذلك لو صالحه على أن يصرف مسيل
مائه إلى دار لم يكن الجار أن يأخذ مسيل مائه بالشفعة لأنه ما ملكه بالصلح شيئا
من العين وإنما أثبت له حق مسيل الماء في ملكه وذلك لا يستحق بعقد مقصود ولهذا لا
يجوز استئجاره فلا يكون للشفيع فيها الشفعة وفي الكتاب أشار إلى حرف آخر قال ألا
تري أن المسيل لا يحول عن حاله ولو أخذها الشفيع بالشفعة لم يستفد به شيئا لأنه لا يستطيع
أن يسيل فيه ما أراده فإنه لا يسيل فيه الا من حيث وجب أول مرة وقد كان ينبغي في
القياس أن يأخذه بالشفعة ولكنا نقول تركنا القياس وأبطلنا الصلح والشفعة لما قلنا ولو
صالحه على طريق محدود معروف في دار كان للجار الملاصق أن يأخذ ذلك بالشفعة وليس
الطريق فيها كمسيل الماء لان عين الطريق تملك فيكون شريكا بالطريق ولا يكون شريكا
بوضع الجذع في الحائط والهوادي ومسيل الماء والقياس في الكل سواء وعلى معنى
الاستحسان قد أوضحنا الفرق بينهما وإذا ادعى الرجل على الرجل ألف درهم فصالحه
منها على دار بعد الاقرار أو الانكار فسلم الشفيع الشفعة ثم تصادقا على أنه لم يكن عليه شئ
فرد الدار عليه بحكم أو بغير حكم فلا شفعة فيها لان ما وجب له من الشفعة بالصلح قد أبطله
بالتسليم والرد بهذا التصادق ليس بعقد فلا تتجدد به الشفعة كما لو تصادقا على أن البيع كان
تلجئة بينهما أو رهنا بمال وقد سلم الشفيع الشفعة وإن لم يكن الشفيع سلم الشفعة فله أن يأخذها
ولا يصدقان على ابطال حقه إلا على قول زفر وهو رواية عن أبي يوسف وأصله فيما لو تصادقا
فان البيع كان تلجئة أو بخيار البائع ففسخ البيع وجه قول زفر أنهما ينكران وجب الشفعة للشفيع
وإنما يستحق الشفيع الشفعة عليهما فإذا أنكراه كان القول في ذلك قولهما كما لو أنكر البيع
175

ووجه ظاهر الرواية ان السبب الموجب للشفعة قد ظهر وثبت حق الشفيع باعتبار الظاهر
على وجه لا يملكان ابطاله فتصادقا عما يكون معتبرا في حقهما ولا يكون معتبرا في ابطال حق
الشفيع ولو كان باعه بالمال المدعي دارا ثم تصادقا على أنه لم يكن له عليه شئ لم يرد الدار على
البائع ولكن المشتري يضمن له الثمن لان البيع لا يتعلق بالدين المضاف إليه بل بمثله دينا في
الذمة بخلاف الصلح الا انه كان بيع المقاصة به فإذا تصادقا على أن لا دين لم تقع المقاصة فبقي
الثمن للبائع على المشترى والشفيع على شفعته إن لم يكن سلمها وهذا ظاهر لان البيع لم يبطل
بهذا التصادق هنا وفي الأول بطل الصلح في حقهما ثم كان الشفيع هناك على شفعته فهنا أولى
والله أعلم
(باب الشفعة اللقيط)
(قال رحمه الله وليس للملتقط أن يطالب بشفعة واجبة للقيط) لان الاخذ بالشفعة بمنزلة
الشراء وليس له عليه ولاية الشراء إلا أن يكون القاضي جعله قيما له في البيع والشراء فيكون
بمنزلة الوصي حينئذ في طلب الشفعة لوكيل اليتيم وتسليمه وان اشترى الملتقط للقيط دارا بماله
فللشفيع فيها الشفعة لان شراء الملتقط صحيح لنفسه وهو ضامن لما أدى فيه من مال الملتقط
فان أدرك اللقيط فلا سبيل له على الدار إلا أن يكون شفيعها بدار أخرى له فيأخذها بالشفعة
حينئذ فإن كان الملتقط اشترى الدار بعين من أعيان مال اللقيط فلا شفعة للشفيع فيها لفساد
شرائه والاشهاد على الملتقط في الحائط المائل للقيط باطل لأنه غير متمكن من الهدم وان أشهد
على اللقيط بعد ما أدرك فلم يهدمه حتى سقط وأصاب إنسانا فان ذلك على بيت المال لان
عاقلته بيت المال كما في جنايته بيده وإن لم يسقط حتى أخذ الشفيع منه الدار بالشفعة ثم سقط
فلا ضمان على أحد لان تمكنه من الهدم قد زال ولم يوجد الاشهاد على الشفيع وان أخذ
الشفيع نصف الدار بان كان اللقيط معه شفيعا في هذه الدار فحكم الاشهاد يبطل في النصف
دون النصف اعتبارا للجزء بالكل والله أعلم
(باب الشفعة في البناء وغيره)
قال (رحمه الله وإذا اشترى الرجل دارا بألف درهم ثم اختلف الشفيع والمشترى فقال
المشترى أحدثت فيها هذا البناء وكذبه الشفيع فالقول قول المشترى) لانكاره الشراء في البناء
176

ولو أنكر الشراء في أصل الدار كان القول قوله فكذلك في البناء وان أقاما البينة فالبينة بينة
الشفيع لأنه ثبت حقه في البناء بسبب ثبوت حقه فيها وهو الشراء ولان الشفيع يثبت
اقرار المشترى بأنه اشترى البناء وذلك إكذاب منه لشهوده وعلى هذا اختلافهما في شجر
الأرض ولكن إنما يقبل قول المشترى إذا كان محتملا حتى إذا قال أحدثت فيها هذه الأشجار
أمس لم يصدق على ذلك لان كل أحد يعلم أنه كاذب فيما يقول وكذلك فيما أشبهه من البناء
وغيره وان قال اشتريتها منذ عشر سنين وأحدثت فيها هذا فالقول قوله لان خبره محتمل
وهو منكر لثبوت حق الشفيع فيما زعم أنه أحدثه ولا قول للبائع في شئ من ذلك لأنه بالتسليم
خرج من الوسط والتحق بأجنبي آخر وان قال المشترى اشتريت البناء بخمسمائة ثم اشتريت
الأرض بعد ذلك بخمسمائة أو قال الشفيع اشتريتها معا ففي القياس القول للمشترى اشتريت
البناء بخمسمائة ثم اشتريت الأرض بعد ذلك بخمسمائة أو قال اشتريت الأرض بغير بناء بخمسمائة
ثم اشتريت البناء بعد ذلك فلا شفعة لك في البناء وقال الشفيع اشتريتهما معا ففي القياس القول
قول المشترى لأنه ينكر ثبوت حق الشفيع في البناء ألا ترى أنه لو قال وهب لي البناء
واشتريت الأرض كان القول في ذلك قوله فكذلك هنا ولكنه استحسن فقال القول قول
الشفيع هنا لان المشترى أقربا لسبب المثبت لحق الشفيع في الأرض والبناء وهو الشراء ثم
ادعى تفريق الصفقة ليسقط به حقه في البناء وذلك حادث يدعيه فلا يقبل قوله في ذلك
ولكن القول قول الشفيع لانكاره ولا قول للبائع في شئ من ذلك فاما في الهبة هو لم يقر
بالسبب المثبت لحق الشفيع في السائل الشفيع يدعى ذلك وهو منكر فالقول قوله ويأخذ الشفيع
الأرض بغير بناء وان قال البائع لم أهب لك البناء فالقول قوله مع يمينه ويأخذ بناءه وان قال
قد وهبته لك كانت الهبة جائزة وكذلك لو قال اشتريت النصف ثم النصف وقال الجار
اشتريت الكل بعقد واحد فالقول قول الشفيع استحسانا لما قلنا فان أقاما جميعا البينة فعلى
قول أبى يوسف البينة بينة المشتري لأنه هو المحتاج إليها لاثبات تفريق الصفقة واثبات شئ
بخلاف الظاهر وعند محمد البينة بينة الشفيع لأنه يثبت استحقاق جميع الدار ولأنا نجعل كأن
الامرين كانا إذ لا تنافي بينهما ولو اشترى النصف ثم النصف ثم اشترى الكل أو على عكس
ذلك كان للشفيع أن يأخذ الكل بالشفعة فكذلك هنا وان ادعى المشترى أنه اشترى جميع ذلك
معا وادعى الشفيع أنه اشتراه متفرقا فالقول قول المشتري لانكاره تفريق الصفقة وانكاره
177

ما دعى الشفيع من ثبوت حق الاخذ له في النصف دون النصف فان قال المشترى وهب لي
هذا البيت بطريقه إلى باب لدار وباعني ما بقي من الدار بألف درهم وقال الشفيع بل اشتريت
الدار كلها بألف درهم فالقول قول المشتري في البيت لانكاره سبب ثبوت حق الشفيع فيه
ويأخذ الشفيع الدار كلها غير البيت وطريقها ان شاء لان المشترى أقر بوجود السبب الموجب
لحق الشفيع فيما سوى البيت وادعى لنفسه حق التقدم عليه بالشركة في الطريق فلا يثبت ما
ادعاه بغير حجة فلهذا كان للشفيع أن يأخذ ما سوى البيت وان جحد البائع هبة البيت فالقول
قوله مع يمينه وان أقربها فالبيت للموهوب له ولكن لا يصدقان على ابطال شفعة الشفيع في سائر
الدار لان شركته في الطريق سابقا على الشراء لا يظهر بقولهما حق الشفيع إلا أن تقوم البينة
على الهبة قبل الشراء فحينئذ الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم فيصير هو أولى بالدار من
الجار ولو ادعى الشفيع أن المشترى هدم طائفة من بناء الدار وكذبه المشترى فالقول قول
المشترى لان الشفيع يدعي سببا مسقطا لبعض الثمن عنه بعد أخذه الدار والمشترى منكر
لذلك والبينة بينة الشفيع لأنه يثبت ببينته سقوط بعض الثمن عنه * رجل أقام البينة أنه اشترى
هذه الدار من فلان بألف درهم وأقام آخر البينة أنه اشترى منه هذا البيت بطريقه بمائة درهم
منذ شهر قضيت بالبيت لصاحب الشهر لأن الشراء حادث وإنما يحال بشرائه بحدوثه على
أقرب الأوقات ما لم يصرح الشهود بسبق التاريخ وقد صرح به شهود صاحب البيت فيقضى
له بالبيت لتقدم عقده فيه ثم له الشفعة فيما بقي من الدار لان شركته في الطريق تثبت قبل ثبوت
شراء الآخر فيما بقي من الدار فهو مقدم على الجار ولو لم يوقت شهود صاحب البيت قضيت
بالبيت بينهما نصفين لاستواء الدعوى والحجة منهما في البيت وقضيت ببقية الدار للذي أقام
البينة على أنه اشترى كلها لأنه أثبت شراءه بالبينة ولا مزاحم له في بقية الدار ولا شفعة
لواحد منهما قبل صاحبه لأنه لم يثبت سبق شراء أحدهما وكلا الامرين ظهرا ولا يعرف تاريخ
بينهما فيجعل كأنهما وقعا معا ولو كانت الداران متلازقتين فأقام رجل البينة أنه اشترى أحدهما
منذ شهر بألف درهم وأقام آخر البينة انه اشترى الآخر منذ شهرين قضيت له بشراء هذه
الدار منذ شهرين فمن وقت شهوده جعلت له الشفعة في الدار الأخرى لأنه يثبت جواره سابقا
على بيع الدار الأخرى ولو لم يوقتا قضيت لكل واحد منهما بداره ولم أقض بالشفعة له لأنه لما
لم يثبت تاريخ في الشرائين يجعل كأنهما وقعا معا وكذلك لو كان أحدهما قبض الدار ولم يقبض
178

الا آخر لان القبض يصلح حجة لدفع الاستحقاق إذا زاحمه غيره فيما هو في يده ولا يكون
حجة لاثبات الاستحقاق في الدار الأخرى ولو وقت أحدهما ولم يوقت الآخر قضيت
لصاحب الوقت بالشفعة لان شراء الآخر حادث فإنما يحال بحدوثه إلى أقرب الأوقات
وكذلك لو ادعى هبة مقبوضة موقتة فالهبة مع القبض في إفادة الملك كالشراء وإذا كان
درب غير نافذ وفيه دور لقوم فباع رجل من أرباب تلك الدور بيتا شارعا في السكة العظمى
ولا طريق له في الدار فلأصحاب الدرب أن يأخذوا البيت بالشفعة لشركتهم في الطريق فان
سلموها ثم باع المشتري البيت بعد ذلك فلا شفعة لأهل الدرب فيه لأنه لا طريق للبيت
في الدرب فبالبيع الأول قد انقطعت شركة الطريق لصاحب البيت مع أصحاب الدرب وإنما
الشفعة في البيت للجار الملاصق وكذلك لو باع قعطة من الدار بغير طريق لها فلهم الشفعة لقيام
شركتهم في الطريق وقت البيع فان سلموها ثم باع المشترى فلا شفعة فيها الا لمن يجاورها
لانقطاع الشركة في الطريق عند البيع الثاني وإذا كان الدرب غير نافذ وفي أقصاه مسجد
خطبة وباب المسجد في الدرب وظهر المسجد وجانبه الآخر إلى الطريق الأعظم فباع رجل
من أهل الدرب داره فلا شفعة لأهل الدرب فيها الا لمن يجاورها بالجوار لان المسجد بمنزلة
الطريق النافذ ألا تري ان موضع المسجد ليس بمملوك لأهل الدرب وان أهل الطريق الأعظم
لو أرادوا أن يكون لهذا المسجد باب إلى الطريق الأعظم ليدخلوه للصلاة كان لهم ذلك إذا لم
يضر ذلك بأهل الدرب ولهم أن يدخلوا في ذلك الدرب ليصلوا في المسجد ثم يخرجوا من
جانب الطريق الأعظم فعرفنا أنه بمنزلة الطريق الأعظم النافذ فلا تستحق الشفعة إلا بالجوار
وعلى هذا حكم السكك التي في أقصاها الوادي المجتاز ولو كان حول المسجد دور يحول بينه وبين
الطريق الأعظم كأن لأهل الدرب الشفعة بالشركة لان المسجد الآن ليس بطريق نافذ ألا
ترى أنه لو رفع بناء المسجد لم يصر الطريق نافذا بخلاف الأول فإنه لو رفع بناء المسجد صار
الدرب طريقا نافذا إلى الطريق الأعظم وفي الموضعين جميعا يجعل المسجد بمنزلة فناء ولو كان
في أقصى الدرب باب نافذ إلى السكة العظمى كان ذلك طريقا نافذا وإن كان الفناء إلى دور
قوم لم تكن سكة نافذة ولو كان موضع المسجد دارا فيها طريق إلى الدرب يخرج من باب
آخر منها إلى الطريق الأعظم فإن كان طريقا للناس ليس لأهل الدرب أن يمنعوه فلا شفعة
لأهل الدرب الا بالجواز وإن كان طريقا لأهل الدار خاصة فأهل الدار شفعاء بالشركة
179

في الطريق لان الطريق الذي لهم خاصة ملك لهم وان أرادوا سده لم يكن لاحد أن يمنعهم من
ذلك وفي الأول الطريق للعامة ولو أراد أهل الدرب سده منعوا من ذلك فلهذا لا يستحقون
الشفعة بالشركة في الطريق وإن كان درب غير نافذ ليس فيه مسجد فاشترى أهل الدرب
من رجل من أهله دارا وظهرها إلى الطريق الأعظم فاتخذوها مسجدا وجعلوا بابه في الدرب
ولم يجعلوا له إلى الطريق الأعظم بابا أو جعلوا ثم باع رجل من أهل الدرب داره فلأهل الدرب
الشفعة بالشركة في الطريق لان قبل بناء المسجد كان الطريق مملوكا لهم وكانت شركتهم
فيها شركة خاصة فباتخاذ المسجد لا ينتقض حقهم وشركتهم في الطريق بخلاف مسجد الخطبة
فذلك الموضع لم يكن مملوكا لهم قط بل كان ذلك مصلى لجماعة المسلمين فيمنع ذلك ثبوت
الشركة الخاصة لهم في الدرب وهذا لان صاحب هذا الموضع قبل بناء المسجد كان شريكا في
الطريق شركة خاصة فبناء المسجد لا يغير ما كان من الحق في الطريق لهذا الموضع بخلاف
مسجد الخطبة وإذا اشترى دارا هو شفيعها ولها شفيع آخر غائب ثم إن المشترى تصدق
ببيت منها وطريقه على رجل وسلمه إليه ثم باعه ما بقي ثم قدم الشفيع الغائب فطلب الشفعة
فإنه تنتقض الصدقة والبيع الاخر ويأخذ نصف جميع الدار بالبيع الأول لان حق الشفيع
مقدم على حق المشترى فباعتبار حقه يتمكن من نقض تصرف المشترى وحقه في النصف
لان المشترى شفيع معه فإذا أخذ نصف جميع الدار بالشفعة كان النصف الباقي للمشتري
الأول بمنزلة دار بين رجلين باع أحدهما منها موضعا مقسوما أو وهب لم يجز ذلك لما في تصرفه
من الضرر على الشريك فإنه يحتاج إلى قسمتين وربما يتفرق نصيبه في موضعين وإن لم يخاصم
حين باع ما بقي من الدار من المشترى الأول جاز بيعه في نصيبه كما لو باعها صفقة واحدة يجوز
البيع في نصيبه وان باع من غيره فالبيع الأول والثاني باطل لدفع الضرر عن الشريك على ما
بينا وشبه هذا بما لو باع جذعا في حائط على أن يقلعه ويسلمه فالبيع باطل لما على البائع من
الضرر في التسليم فان سلمه للمشترى جاز البيع لزوال المانع فكذلك البيع الأول في المشترك لم
يجز لدفع الضرر عن الشريك فإذا باع ما بقي من المشترى الأول فقد زال ذلك المعنى وإذا كانت
دارا لرجل إلى جنبها دار فتصدق بالحائط الذي يلي دار جاره على رجل وسلمه إليه ثم باعه ما بقي
من الدار فلا شفعة فيها للجار لان ملكه غير متصل بالمبيع فالحائط الموهوب حائل بين المبيع
وبين ملك الجار ولو اشترى رجل حائطا بأصله كان للشفيع فيه الشفعة لان ملكه متصل
180

بالمبيع اتصال تأييد فموضع الحائط من الأرض داخل في البيع وإذا كان منزل لرجل في دار إلى
جنبه في تلك الدار منزل آخر لرجل آخر وحائط المنزلين بين الرجلين نصفان وفي الدار
منازل سوى هذين المنزلين وللمنازل كلها طريق في الدار إلى باب الدار الأعظم والدار في
درب غير نافذ وفي الدرب دور آخر غير هذه الدار فباع رب أحد المنزلين منزلة فالشريك
في الحائط أحق بالشفعة في جميع المنزل لان شركته أعم فهو شريك في نفس المبيع لان
حصة البائع من الحائط دخل في البيع وعن زفر أنه قال هو أحق بالشفعة في الحائط سوى
ذلك من المنزل هو وأهل الدار سواء وكذلك روى عن أبي يوسف لان شركته في
موضع معين وليس بشريك في جميع المبيع فإنما يترجح هو بالشركة في ذلك الموضع خاصة
ألا ترى أنه لو جمع في البيع بين نصيبه من دار ودار أخرى كان شريكه في تلك الدار أحق
بالشفعة في تلك الدار خاصة دون الأخرى وجه ظاهر الروية أن الشركة في الحائط أظهر
من الشركة في الطريق وإذا كان بالشركة في الطريق يتقدم الشريك على الجار فبالشركة في
الحائط أولى وهذا لان الحائط من مرافق جميع المنزل بخلاف الدارين المتفرقتين فان سلم
هو الشفعة فالشركاء في الطريق الذي في الدار أحق لشركة بينهم في الدار لان نصيب البائع
من الصحن صار مبيعا ولا شركة لأهل الدرب في صحن الدار فان سلموا فالشركاء الملاصقون
في الطريق الذي قلنا أحق لوجود الشركة بينهم في طريق خاص في درب غير نافذ فان
أسلموا فالجيران الملازقون للدار إلى هذا المنزل فيه شركاء في شفعة هذا المنزل والملاصق
منهم لهذا المنزل والملاصق لأقصى الدار سواء لان ملك كل واحد منهم متصل بالمبيع
فحصة البائع من صحن الدار داخل في البيع فقيام الاتصال في طريق واحد يكفي للجوار فلهذا
استووا في استحقاق الشفعة وقال أبو حنيفة في السكة التي ليس لها منفذ * باع رجل منهم
دارا فهم جميعا شفعاء فيها للشركة بينهم في طريق خاص في الطريق فإن كان زقاقا فيه
عطف بدور فكذلك أيضا وإن كان العطف مربعا فباع رجل فيه دارا فالشفعة لأصحاب
العطف دون أصحاب السكة لان موضع العطف المربع لأصحاب العطف خاصة دون
أصحاب السكة وفي العطف المدور حقهم جميعا في ذلك الصحن ثابت ولان المربع من العطف
بمنزلة سكة في سكة ولو كانت سكة في سكة فبيعت دار في السكة الأقصى فأصحاب تلك
السكة أحق بالشفعة من أصحاب السكة الأولى وان بيعت دار في السكة الأولى كانت
181

الشفعة لأصحاب السكتين جميعا للشركة الخاصة بينهم في طريق السكة الأولى واختصاص
أصحاب السكة الأولى بالطريق في السكة الأقصى وإذا أقر البائع ببيع داره من هذا
الرجل وأنه قد قبض منه ثمنها أو لم يقبض الثمن فللشفيع أن يأخذها بالشفعة من البائع
لإقراره بثبوت حق الشفيع وان قال بعتها منه وسلمتها إليه ثم أودعتها فللشفيع أن يأخذها
بالشفعة لأنه أقر بثبوت حق الشفيع فإن كان خصما له ثم ادعى بعد ذلك ما يخرجه من
الخصومة وهو التسليم ثم الايداع فلا يقبل قوله فيما ادعى وللشفيع أن يأخذها وان جحد
المشترى الشراء وإن كان أقر أنه باعها من رجل غائب بألف درهم فلا خصومة بين الشفيع
وبينه حتى يحضر المشتري لان الشفيع مصدق فيما أقر له به والدار وان كانت في يد البائع
فهي مملوكة للمشترى فلا يأخذها الشفيع الا بمحضر منها * رجل ادعي أنه باع من هذه
الأرض خمسين جرينا من رجل فلم يدع الشفيع الشفعة ثم خاصم فيها إلى القاضي فأبطل شفعته
لتركه الطلب ثم اختصم البائع والمشترى في مقدار المبيع وقضى القاضي بينهما بالبينة ثم ادعى
الشفيع شفعته قال إن وقع القضاء على ما كان بلغ الشفيع أو أقل منه فلا شفعة له وان وقع
على أكثر منه فله الشفعة لان تسليمه الشفعة خمسين جرينا بالثمن الذي بلغه تسليم فيما دون
ذلك بطريق الأولى ولا يكون تسليما في أكثر من ذلك فقد يرغب الانسان في الاخذ عند
الكثرة بما لا يرغب فيه عند القلة وإذا اشترى قوم أرضا فاقتسموها دورا وتركوا منها سكة
ممشى لهم وهي سكة ممدودة غير نافذة فبيعت دار من أقصاها فهم جميعا شركاء في شفعتها
للشركة الخاصة بينهم في الطريق الذي رفعوه بينهم ومن كانت داره أسفل من الدار المبيعة
أو أعلى في الشفعة هنا سواء لان شركتهم في الطريق من أول السكة إلى آخرها وليس
لبعضهم أن يمنع البعض من الانتفاع بشئ من السكة فلهذا كانوا في الشفعة سواء وكذلك ان
كانوا ورثوا الدور عن آبائهم ولا يعرفون كيف كان أصلها فهذا والأول سواء لأنهم شركاء
في الفناء وهو الطريق الذي في السكة فيستوون في استحقاق الشفعة قال في الكتاب
والشريك في الفناء أحق من الجار فإن كان مراده فناء مملوكا لهم ملكا خاصا فهو ظاهر
وإن كان المراد فناء غير مملوك فمع ذلك هم أخص بالانتفاع الفناء ولهم أن يمنعوا
غيرهم من الانتفاع به فهو بمنزلة الطريق الخاص بينهم في استحقاق الشفعة * رجل باع
دارا فرضي الشفيع ثم جاء يدعى أنه لم يعلم أن حدها إلى موضع كذا أو ظن أنها أبعد أو أقرب
182

ويدعى شفعته حين علم فلا شفعة له علم أو لم يعلم لأنه أسقط حقه بعد الوجوب وجهله بوجوب
حقه لا يمنع صحة تسليمه فجهله بمقدار حقه أولى * رجل أقام البينة أنه اشتري من رجل كل
حق هو له في هذه الدار فإن كان المشتري يعلم كم نصيب البائع من الدار جاز البيع علم البائع
أو لم يعلم الا في رواية عن أبي حنيفة قال ما لم يعلما جميعا كم نصيب البائع لا يجوز البيع لان
البيع مشروع للاسترباح وجهل البائع بمقدار نصيبه ربما يفوت مقصوده من البيع كجهل
المشترى وفي ظاهر الرواية قال المشترى يتملك بالشراء فلا بد من أن يعلم بمقدار ما يتملكه
لأنه يحتاج إلى القبض فإذا لم يكن معلوما له لا يتمكن من القبض وأما البائع إنما يتملك الثمن
ويقبض بحكم العقد الثمن ومقداره معلوم له فلا يضر جهله بمقدار نصيبه ألا ترى ان عدم
الرؤية من المشترى يثبت الخيار له ومن البائع لا يثبت الخيار له وإن لم يعلم المشترى كم نصيب
البائع وعلم البائع ذلك أو لم يعلم فالبيع فاسد في قول أبي حنيفة جائز في قول أبى يوسف والمشترى
بالخيار إذا علم وقول محمد مضطرب فيه ذكره في بعض النسخ مع أبي يوسف وفي البعض
مع أبي حنيفة * وجه قوله قول أبى يوسف ان انعقاد البيع يكون المبيع مالا متقوما وهما يعلمان
أن نصيب البائع من الدار مال متقوم قل ذلك أو كثر فيجوز البيع يوضحه أن قلة نصيبه وكثرته
يؤثر في الشفعة من حيث الشفعة والجهل بأوصاف المبيع لا يمنع صحة البيع ولكن يثبت
الخيار للمشترى إذا علم به ويجب للشفيع فيه الشفعة وجه قول أبي حنيفة أن هذه جهالة تفضى
إلى تمكن المنازعة بينهما أما في الحال ان احتاج المشترى إلى قبض المبيع أو في ثاني الحال
ان تقايلا البيع أو رده بالعيب أو أخذه الشفيع والجهالة في المعقود عليه إذا كانت تفضى إلى
المنازعة تمنع صحة العقد كبيع شاة من القطيع وإذا أخذ الشفيع الدار بالشفعة فله أن يردها
بخيار الرؤية وبخيار العيب على من أخذها منه وإن كان المشترى قد رآها ويبرأ من عيوبها
عند الشراء لان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء والمشترى لم يكن نائبا عن الشفيع فرؤيته
ورضاه بالعيب لا تعتبر في حق الشفيع وإذا بنى الشفيع في الدار ثم استحقت من مدة رجع
الشفيع بالثمن على من كانت عهدته عليه ولم يرجع بقيمة البناء بخلاف المشترى إذا بنى ثم
استحقت الدار ونقض بناؤه فإنه يرجع بقيمة البناء على البائع لان المشترى مغرور فالبائع
أوجب له العقد باختياره وضمن له السلامة من عيب الاستحقاق فإذا ظهر الاستحقاق كان
له أن يرجع على البائع بحكم الغرور فاما الشفيع لم يصر مغرورا من جهة أحد لأنه أجبر
183

المأخوذ منه على تسليم الدار إليه فلا يصير مغرورا يوضح الفرق أن البائع بايجاب البيع مسلط
للمشترى على البناء والمأخوذ منه بالشفعة غير مسلط للشفيع على شئ بل هو مجبر على تسليمها
إليه فلا يرجع بقيمة البناء عليه ولكنه يهدم بناءه وينقله إلى حيث أحب ونظير هذا الفرق
من اشترى جارية واستولدها ثم استحقت فالمشتري يرجع بالثمن وبقيمة الولد على البائع للغرور
وبمثله الجارية المأسورة إذا وقعت في سهم رجل فاخذها مولاها بالقيمة واستولدها ثم أقام
رجل البينة أنها جاريته دبرها قبل أن تؤسر ردت عليه لان المدبرة لا تملك بالاحراز فيضمن
الواطئ عقرها وقيمة الولد لأنه وطئها بشبهة ثم يرجع على الذي وقع في سهمه بالقيمة التي
أعطاها إياها ولا يرجع بالعقر ولا بقيمة الولد لأنه لم يصر مغرورا من جهته فقد كان من
وقعت في سهمه مجبرا على تسليمها إليه بالقيمة والغرور ينعدم بهذا ويعوض الذي كانت
وقعت في سهمه قيمتها من بيت المال لان نصيبه من القسمة استحق فيثبت له حق الرجوع
على شركائه ويتعذر ذلك عليها لتصرفهم فيعوض له من بيت المال لأنه لو تعذر قسمة شئ
بين الغانمين كالدرة النفيسة يجعل ذلك في بيت المال فكذلك إذا لحقه غرم يجعل ذلك على بيت
المال لان الغنم بمقابلة الغرم وإن لم يشهد شهود المدعى بالتدبير لم يكن له على الجارية سبيل
لان المشركين ملكوها بالاحراز وقد ملكها من وقعت في سهمه ثم تسليمها بالقيمة إلى المدعى
بمنزلة البيع المبتدأ فكأنه اشتراها واستولدها ثم حضر المأسور منه وفي هذا لا سبيل له عليها
بخلاف المدبرة فإنها لا تملك بالاحراز لثبوت حق العتق لها بالتدبير والله أعلم بالصواب واليه
المرجع والمآب
(تم الجزء الرابع عشر من كتاب المبسوط)
(ويليه الجزء الخامس عشر وأوله كتاب القسمة)
184