الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ٣
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء الثالث من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(باب عشر الأرضين)
* (قال) * الأصل في وجوب العشر قوله تعالى أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا
لكم من الأرض قيل المراد بالمكسوب ما التجارة ففيه بيان زكاة التجارة والمراد بقوله
ومما أخرجنا لكم من الأرض العشر. وقال الله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده وقال صلى
الله عليه وسلم ما أخرجت الأرض ففيه العشر ثم الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن
كل ما يستنبت في الجنان ويقصد به استغلال الأراضي ففيه العشر الحبوب والبقول
والرطاب والرياحين والوسمة والزعفران والورد والورس في ذلك سواء وهو قول ابن
عباس رضي الله عنه وقد روى أنه حين كان واليا بالبصرة أخذ العشر من البقول من كل عشر دستجات دستجة وأخذ فيه أبو حنيفة بالحديث العام ما سقت السماء ففيه العشر وما
أخرجت الأرض ففيه العشر وكأن يقول العشر مؤنة الأرض النامية كالخراج فكما أن هذا
كله يعد من نماء الأرض في وجوب الخراج فكذلك في وجوب العشر والمستثنى عند أبي
حنيفة رحمه الله تعالى خمسة أشياء السعف فإنه من أغصان الأشجار وليس في الشجر شئ
والتبن فإنه ساق للحب كالشجر للثمار والحشيش فإنه ينقى من الأرض ولا يقصد به استغلال
الأراضي والطرفاء والقصب فإنه لا يقصد استغلال الأراضي بهما عادة والمراد القصب
الفارسي فأما قصب السكر ففيه العشر وكذلك على قولهما إذا كان يتخذ منه السكر وكذلك
في قصب الذريرة العشر. وروى أصحاب الاملاء عن أبي يوسف رحمه الله تعالى انه ليس
فيه شئ والأصل عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أن ما ليست له ثمرة باقية مقصودة
فلا شئ فيه كالبقول والخضر والرياحين إنما العشر فيما له ثمرة باقية مقصودة واحتجا فيه بحديث
موسى بن طلحة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس في الخضراوات صدقة وتأويله
عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى صدقة تؤخذ أي لا يأخذ العاشر من الخضراوات إذا مر بها
2

عليه ثم قال ما كان نافها عادة يتيسر وجوده على الغنى والفقير فلا يجب فيه حق الله تعالى كما لا
تجب الزكاة في الصيود والحطب والحشيش وإنما يجب حق الله تعالى فيما يعز وجوده فيناله
الأغنياء دون الفقراء كالسوائم ومال التجارة فكذلك هنا ماله ثمرة باقية يعز وجوده فأما
الخضراوات والرياحين فتافهة عادة ولهذا أوجبنا في الزعفران ولم نوجب في الورس والوسمة
لأنه لا ينتفع بهما انتفاعا عاما وأبو يوسف رحمه الله تعالى أوجب في الحناء لأنه ينتفع به انتفاعا عاما
ولم يوجبه فيه محمد رحمه الله تعالى لأنه من الرياحين وفي الثوم والبصل روايتان عن محمد رحمه
الله تعالى قال في احدى الروايتين هما من الخضر فلا شئ فيهما وفى الرواية الأخرى قال يقعان
في الكيل ويبقيان في أيدي الناس من حول إلى حول فيجب فيهما العشر والبطيخ والقثاء والخيار
لا شئ فيها عندهما لأنها من الرطاب وبزرها غير مقصود فلا يكون معتبرا وكذلك في الثمار
لا شئ في الكمثرى والخوخ والمشمش والإجاص وما يجفف منها لا يعتبر وأوجبنا في الجوز
واللوز العشر وفى الفستق على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يجب العشر على قول محمد
رحمه الله تعالى لا يجب ثم عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى العشر يجب في القليل من الخارج
وكثيره ولا يعتبر فيه النصاب لعموم الحديثين كما روينا ولان النصاب في أموال الزكاة
كان معتبرا لحصول صفة الغنى للمالك بها وذلك غير معتبر لايجاب العشر فيما دون خمسة
أوسق مما يدخل تحت الوسق والوسق ستون صاعا فخمسة أوسق ألف ومائتا من واحتجا فيه بقوله
صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وأبو حنيفة يقول تأويل الحديث
زكاة التجارة فإنهم كانوا يتبايعون بالأوساق كما ورد به الحديث فقيمة خمسة أوسق
مائتا درهم ثم قالا هذا حق مالي وجب بايجاب الله تعالى فيعتبر فيه النصاب كالزكاة وهذا لان
القليل تافه عادة وهو عفو شرعا ومروءة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى قال العشر مؤنة الأرض
النامية وباعتبار الخارج قل أو كثر تصير الأرض نامية فيجب العشر كما يجب الخراج ثم
المذهب عند محمد رحمه الله تعالى وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى ان ما يحرم التفاضل
فيه بالبيع يضم بعضه إلى بعض وما لا يحرم التفاضل فيه كالحنطة والشعير لا يضم بعضه إلى
بعض لأنهما مختلفان فيعتبر كمال النصاب من كل واحد منهما كالسوائم. وعن أبي يوسف
رحمه الله تعالى أن الكل إذا أدرك في وقت واحد يضم بعضه إلى بعض لان العشر وجوبه
3

باعتبار منفعة الأرض فإذا أدركت في وقت واحد فهي منفعة واحدة فيضم بعضها إلى بعض
كأموال التجارة. وإذا تفرقت الأراضي لرجل واحد فالمروي عن أبي يوسف رحمه الله
تعالى أن ما كان من عمل عامل واحد يجمع وما كان من عمل عاملين يعتبر فيه النصاب في
كل واحد منهما على حدة فإنه ليس للعامل ولاية الاخذ مما ليس في عمله وما في عمله
دون النصاب. والمروى عن محمد رحمه الله تعالى أنه يضم بعض ذلك إلى البعض لايجاب
العشر لان المالك واحد ووجوب العشر عليه فكان مراد محمد رحمه الله تعالى من هذا فيما
بينه وبين الله تعالى فأما في حق الاخذ للعامل فعلى ما قاله أبو يوسف رحمه الله تعالى وان
كانت الأرض مشتركة بين جماعة فأخرجت طعاما فعلى قول محمد رحمه الله تعالى يعشر
ان بلغ نصيب كل واحد منهم خمسة أوسق كما بينا في السوائم. وقال أبو يوسف إذا كان
الخارج كله خمسة أوسق ففيه العشر لأنه لا معتبر بالمالك في العشر وإنما المعتبر بالخارج حتى
يجب العشر في الأراضي الموقوفة التي لا مالك لها ثم العشر يجب فيما سقته السماء أو سقى سيحا
فأما ما سقي بغرب أو دالية أو سانية ففيه نصف العشر وبه ورد الأثر عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال ما سقته السماء ففيه العشر وما سقى بغرب أو دالية ففيه نصف العشر وفي
رواية ما سقى بعلا أو سيحا ففيه العشر وما سقى بالرشاء ففيه نصف العشر وعلل بعض
مشايخنا بقلة المؤنة فيما سقته السماء وكثرة المؤنة فيما سقي بغرب أو دالية وقالوا لكثرة المؤنة
تأثير في نقصان الواجب وهذا ليس بقوى فان الشرع أوجب الخمس في الغنائم والمؤنة فيها
أعظم منها في الزراعة ولكن هذا تقدير شرعي فنتبعه ونعتقد فيه المصلحة وإن لم نقف عليه
وكان ابن أبي ليلى يقول لا عشر الا في الحنطة والشعير والزبيب والتمر إذا بلغ خمسة أوسق
لظاهر الحديث الخاص فان اعتبار الوسق للنصاب دليل على أنه لا يجب الا فيما يدخل
تحت الوسق (قال) وإذا أخرجت الأرض العشرية طعاما وعلى صاحبها دين كثير لم يسقط
عنه العشر وكذلك الخراج لان الدين يعدم غنى المالك بما في يده وقد بينا أن غنى المالك
غير معتبر لايجاب العشر (قال) وان كانت الأرض لمكاتب أو صبي أو مجنون وجب العشر
في الخارج منها عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا شئ في الخارج من أرض المكاتب والعشر
عنده قياس الزكاة لا يجب الا باعتبار المالك أما عندنا فالعشر مؤنة الأرض النامية كالخراج
والمكاتب والحر فيه سواء وكذلك الخارج من الأراضي الموقوفة على الرباطات والمساجد
4

يجب فيها العشر عندنا. وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يجب الا في الموقوفة على أقوام
بأعيانهم فإنهم كالملاك أما الموقوفة على أقوام بغير أعيانهم فلا شئ فيها (قال) رجل
استأجر أرضا من أرض العشر وزرعها قال عشر ما خرج منها على رب الأرض بالغا ما بلغ
سواء كان أقل من الاجر أو أكثر في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله
تعالى العشر في الخارج على المستأجر. وجه قولهما ان الواجب جزء من الخارج والخارج
كله للمستأجر فكان العشر عليه كالخارج في يد المستعير للأرض وأبو حنيفة رحمه الله تعالى
يقول وجوب العشر باعتبار منفعة الأرض والمنفعة سلمت للآجر لأنه استحق بدل المنفعة
وهي الأجرة وحكم البدل حكم الأصل اما المستأجر فإنما سلمت له المنفعة بعوض فلا
عشر عليه كالمشترى للزرع ثم العشر مؤنة الأرض النامية كالخراج وخراج أرض
المؤاجر على المؤاجر فكذلك العشر عليه اما إذا أعار أرضه من مسلم فالعشر على المستعير في
الخارج عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى على المعير وقاسه بالخراج وقال حين سلط المستعير على
الانتفاع بالأرض فكأنه انتفع به بنفسه ولكنا نقول منفعة الأرض سلمت للمستعير بغير
عوض ووجوب العشر باعتبار حقيقة المنفعة حتى لا يجب ما لم يحصل الخارج بخلاف المستأجر
فان سلامة المنفعة له كان بعوض وبخلاف الخراج فان وجوبه باعتبار التمكن من الانتفاع
وقد تمكن المعير من ذلك ثم محل الخراج الذمة ولا يمكن ايجابه في ذمة المستعير لأنه ليس
له حق لازم في الأرض ومحل العشر الخارج وهو مستحق للمستعير فإن كان أعار الأرض
من ذمي فالعشر على المعير لان العشر صدقة لا يمكن ايجابها على الكافر والمعير صار مفوتا
حق الفقراء بالإعارة من الكافر فكان ضامنا للعشر (قال) مسلم اشترى من كافر أرض
خراج فهي خراجية عندنا. وقال مالك رحمه الله تعالى تصير عشرية لان في الخراج معنى
الصغار وهذا لا يبدأ به المسلم فكذلك لا يبقى بعد الاسلام إذا أسلم مالكه أو باعه من
مسلم وقاس خراج الأرض بخراج الرؤس ولكنا نستدل بحديث ابن مسعود رحمه الله
تعالى أنه كان له أرض خراج بالسواد فكان يؤدى فيها الخراج وكذلك روى عن الحسن بن
علي وأبي هريرة رحمهما الله تعالى ثم معنى الصغار في ابتداء وضع الخراج دون البقاء كما
أن معنى العقوبة في ابتداء الاسترقاق دون البقاء حتى إذا أسلم الرقيق يبقى رقيقا بخلاف
خراج الرؤس فإنه ذل ابتداء وبقاء فلهذا لا يبقى بعد الاسلام والمرجع في معرفة ما قلنا إلى
5

عادات الناس (قال) وان اشترى ذمي من مسلم أرض عشر فان أخذها مسلم بالشفعة أو كان
في البيع خيار للبائع أو كان البيع فاسدا فرجعت إلى المسلم فهي عشرية كما كانت لان حق
المسلم لم ينقطع عنها فان بقيت في ملك الكافر وانقطع حق المسلم عنها فهي خراجية في قول
أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى عليه عشران وقال محمد رحمه الله
تعالى يؤخذ منه عشر واحد. وقال مالك رحمه الله تعالى يجبر على بيعها من المسلمين وعلى
أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز البيع أصلا وفى القول الآخر وهو قول ابن أبي
لبلي يؤخذ منه العشر والخراج جميعا وكان شريك بن عبد الله يقول لا شئ فيها وجعل هذا قياس
السوائم إذا اشتراها الكافر من مسلم ولكن هذا ليس بصحيح فان الأراضي النامية
في دارنا لا تخلو عن وظيفة بخلاف سائر الأموال والشافعي في أحد قوليه لا يجوز البيع
أصلا كما هو مذهبه في الكافر يشترى عبدا مسلما وفى قوله الآخر يقول بان ما كان
وظيفة لهذه الأرض يبقى وباعتبار كفر المالك الحادث يجب الخراج بناء على أصله في الجمع
بينهما. ومالك يقول يجبر على بيعه من المسلمين لان حق الفقراء تعلق بها وما الكافر
لا يصلح لذلك فيجبر على بيعها لابقاء حق الفقراء فيها وأما محمد رحمه الله تعالى فقال ما صار
وظيفة للأرض لا يتبدل بتبدل المالك كالخراج في الأراضي الخراجية ثم العشر الذي يؤخذ
منه عند محمد رحمه الله تعالى يوضع موضع الصدقات كما ذكره في السير لان حق الفقراء
تعلق بها فهو كتعلق حق المقاتلة بالأراضي الخراجية وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله
تعالى أن هذا العشر يوضع في بيت مال الخراج لأنه إنما يصرف إلى الفقراء ما كان لله
تعالى بطريق العبادة ومال الكافر لا يصلح لذلك فيوضع موضع الخراج كمال يأخذه العاشر
من أهل الذمة وإنما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يؤخذ منه عشران لان ما كان مأخوذا
من المسلم إذا وجب أخذه من الكافر يضعف عليه كصدقة بنى تغلب وما يمر به الذمي على
العاشر أما أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقال الأراضي النامية لا تخلو عن وظيفة في دارنا
والوظيفة اما الخراج أو العشر ولا يمكن ايجاب العشر عليه لأنها صدقة والكافر ليس من
أهل الصدقة فتعين الخراج بخلاف الخراج في الأراضي الخراجية لان استيفاءها بعد الوجوب
كاستيفاء الأجرة باعتبار التمكن من الانتفاع ومال المسلم يصلح لذلك (قال) وان
اشترى تغلبي أرض عشر من مسلم ضوعف عليه العشر للصلح الذي جرى بيننا وبينهم
6

وذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى ان تضعيف العشر عليهم في الأراضي التي كانت
لهم في الأصل فأما من اشترى منهم أرضا عشرية من مسلم فعليه عشر واحد بناء على أصله
أن ما صار وظيفة للأرض يقرر ولا يتغير بتغير المالك فان أسلم عليها أو باعها من مسلم فعليه العشر
مضاعفا في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفى قول أبى يوسف رضى الله تعالى عنه
عشر واحد. وذكر في رواية أبي سليمان المسألة بعد هذا وذكر قول محمد رحمه الله تعالى
كقول أبي يوسف رحمه الله تعالى. وتأويله ما بينا ان عند محمد في الأراضي التي كانت لهم في
الأصل سواء أسلموا عليها أو باعوها من مسلم يجب العشر مضاعفا لأنها صارت وظيفة لهذه
الأرض أما أبو يوسف رحمه الله تعالى فقال تضعيف العشر باعتبار كفر المالك وقد زال ذلك
باسلامه أو بيعه من المسلم فهو نظير السوائم إذا أسلم عليها التغلبي أو باعها من المسلم لا يجب
فيها الا صدقة واحدة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى قال التضعيف على بنى تغلب في
العشر بمنزلة الخراج حتى يوضع موضع الخراج وبعد ما صارت خراجية لا تتبدل باسلام
المالك ولا ببيعها من المسلم فهذا كذلك بخلاف السوائم فإنه لا وظيفة فيها باعتبار الأصل
حتى إذا كانت لغير التغلبي من الكفار لا يجب فيها شئ فعرفنا ان التضعيف فيها كان باعتبار
المالك فيسقط بتبدل المالك أو بتبدل حاله بالاسلام أما بيان الأرض العشرية والخراجية
فنقول أرض العرب كلها أرض عشرية وحدها من العذيب إلى مكة ومن عدن أبين إلى
أقصى حجر باليمين بمهرة وكان ينبغي في القياس أن تكون أرض مكة أرض خراج لان رسول
الله صلى الله عليه وسلم فتحها عنوة وقهرا ولكنه لم يوظف عليها الخراج فكما لا رق على
العرب لا خراج على أرضهم وكل بلدة أسلم أهلها طوعا فهي أرض عشرية لان ابتداء الوظيفة
فيها على المسلم والمسلم لا يبدأ بالخراج صيانة له عن معنى الصغار فكان عليه الشعر وكل بلدة
افتتحها الامام عنوة وقسمها بين الغانمين فهي أرض عشرية لما بينا وكذلك المسلم إذا جعل داره
بستانا أو أحيا أرضا ميتة فهي أرض عشرية وفى النوادر ذكر اختلافا بين أبى يوسف ومحمد
رحمهما الله تعالى وقال عند أبي يوسف ان كانت هذه الأراضي تقرب من الأراضي العشرية
فهي عشرية وان كانت بالقرب من الأراضي الخراجية فهي خراجية لان للقرب عبرة ألا
ترى أن ما يقرب من القرية ليس لأحد احياؤها لحق أهل القرية والمرء أحق بالانتفاع بفناء
داره وقال محمد رحمه الله تعالى ان أحياها بماء السماء أو عين استنبطها أو نهر شقه لها من الأودية
7

العظام كالفرات ودجلة وجيحون فهي عشرية وان شق لها نهرا من بعض الأنهار الخراجية
فهي خراجية لان الخراج لا يوظف على المسلم الا بالتزامه فإذا ساق إلى أرضه ماء الخراج
فهو ملتزم للخراج فيلزمه وإلا فلا وأما أرض السواد والجبل فهي أرض خراج وحد السواد
من العذيب إلى عقبة حلوان ومن الثعلبية إلى عبادان لان عمر رضي الله عنه حين فتح السواد
وظف عليها الخراج وبعث لذلك عثمان بن حنيف وحذيفة بن اليمان (قال) وكل بلدة
فتحها الامام عنوة وقهرا ثم من بها على أهلها فهي أرض خراج لان ابتداء الوظيفة فيها على
الكافر ولا يمكن ايجاب العشر لأنها صدقة والكافر ليس من أهلها فيوظف الخراج عليها
ولان خراج الأراضي تبع لخراج الجماجم والذمي إذا جعل داره بستانا أو أحيى أرضا ميتة
باذن الامام فعليه فيها الخراج لما بينا (قال) وإذا قال صاحب الأرض قد أديت العشر إلى
المساكين لم يقبل قوله وان حلف على ذلك لان حق الاخذ فيه إلى السلطان فكان نظير
زكاة السوائم على ما بينا (قال) وان وضع العشر أو الزكاة في صنف واحد من غير أن يأتي
به السلطان وسعه ذلك فيما بينه وبين الله تعالى. واعلم أن مصارف العشر والزكاة ما يتلى في
كتاب الله عز وجل في قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية وللناس كلام
في الفرق بين الفقير والمسكين فروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أن الفقير
هو الذي لا يسأل والمسكين هو الذي يسأل قال الله تعالى في صفة الفقراء لا يسألون الناس إلحافا
قيل لا إلحافا ولا غير إلحاف وفى المسكين قال الله تعالى ويطعمون الطعام على حبه مسكينا
ويتيما وأسيرا وقد جاء يسأل وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى
ان الفقير هو الذي يسأل ويظهر افتقاره وحاجته إلى الناس قال الله تعالى وأنتم الفقراء
. والمسكين هو الذي به زمانة لا يسأل ولا يعطى له قال الله تعالى أو مسكينا ذا متربة أي لاصقا
بالتراب من الجوع والعرى. فالحاصل ان المذهب عندنا أن المسكين أسوأ حالا من الفقير وعند
الشافعي رحمه الله تعالى الفقير أسوأ حالا من المسكين وبين أهل اللغة فيه اختلاف ومن قال
بان المسكين أسوأ حالا قال الفقير الذي يملك شيئا ولكن لا يغنيه * قال الراعي
أما الفقير الذي كانت حلوبته * وفق العيال فلم يترك له سبد
والمسكين من لا يملك شيئا ومن قال الفقير أسوأ حالا من المسكين قال المسكين من يملك
مالا يغنيه قال الله تعالى أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر وقال الراجز
8

هل لك في أجر عظيم تؤجره * تغيث مسكينا كثيرا عسكره
* عشر شياه سمعه وبصره *
والفقير الذي لا يملك شيئا مشتق من انكسار فقار الظهر والحديث يشهد لهذا وهو ما روى
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة
المساكين وفائدة هذا الخلاف إنما تظهر في الوصايا والأوقاف أما الزكاة فيجوز صرفها إلى
صنف؟؟ حد عندنا فلا يظهر هذا الخلاف. والعاملين عليها وهم الذين يستعملهم الامام على
جمع الصدقات ويعطيهم مما يجمعون كفايتهم وكفاية أعوانهم ولا يقدر ذلك بالثمن عندنا
خلافا للشافعي رحمه الله تعالى لأنهم لما فرغوا أنفسهم لعمل الفقراء كانت كفايتهم في مالهم ولهذا
يأخذون مع الغنى ولو هلك ما جمعوه قبل أن يأخذوا منه شيئا سقط حقهم كالمضارب إذا هلك
مال المضاربة في يده بعد التصرف وكانت الزكاة مجزية عن المؤدين لأنهم نائبون عن الفقراء
بالقبض. وأما المؤلفة قلوبهم فكانوا قوما من رؤساء العرب كأبي سفيان بن حرب وصفوان
ابن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس وكان يعطيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرض الله
سهما من الصدقة يؤلفهم به على الاسلام فقيل كانوا قد أسلموا وقيل كانوا وعدوا أن يسلموا
* فان قيل كف يجوز أن يقال بأنه يصرف إليهم وهم كفار * قلنا الجهاد واجب على الفقراء
من المسلمين والأغنياء لدفع شر المشركين فكان يدفع إليهم جزأ من مال الفقراء لدفع
شرهم وذلك قائم مقام الجهاد في ذلك الوقت ثم سقط ذلك السهم بوفاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم هكذا قال الشعبي انقضى الرشا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى
أنهم في خلافة أبى بكر رضى الله تعالى عنه استبذلوا الخط لنصيبهم فبذل لهم وجاؤا إلى عمر
فاستبذلوا خطه فأبى ومزق خط أبى بكر رضى الله تعالى عنه وقال هذا شئ كان يعطيكم
رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليفا لكم وأما اليوم فقد أعز الله الدين فان ثبتم علي
الاسلام والا فبيننا وبينكم السيف فعادوا إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه وقالوا له أنت
الخليفة أم عمر بذلت لنا الخط ومزقه عمر فقال هو ان شاء ولم يخالفه. وأما قوله تعالى وفى
الرقاب فالمراد إعانة المكاتبين على أداء بدل الكتابة بصرف الصدقة إليهم عندنا. وقال
مالك رحمه الله تعالى المراد أن يشترى بالصدقة عبدا فيعتقه وهذا فاسد لان التمليك لابد
منه وما يأخذه بائع العبد عوض عن ملكه والعبد يعتق على ملك المولى فلا يوجد التمليك
9

والدليل عليه ما روى أن رجلا قال أي رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة فقال فك
الرقبة وأعتق النسمة قال أو ليسا سواء يا رسول الله قال لا فك الرقبة أن تعين في عتقه
. وأما قوله تعالى والغارمين فهم المديونون الذين لا يملكون نصابا فاضلا عن دينهم. وقال
الشافعي رحمه الله تعالى المراد من تحمل غرامة في اصلاح ذات البين واطفاء الثائرة بين
القبيلتين. وأما قوله تعالى وفى سبيل الله فهم فقراء الغزاة هكذا قال أبو يوسف. وقال محمد
هم فقراء الحاج المنقطع بهم. لما روى أن رجلا جعل بعيرا له في سبيل الله فأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يحمل عليه الحاج وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول الطاعات كلها في سبيل الله
تعالى ولكن عند اطلاق هذا اللفظ المقصود بهم الغزاة عند الناس. ولا يصرف إلى الأغنياء
من الغزاة عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى. واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم لا تحل
الصدقة لغنى الا لخمسة وذكر من جملتهم الغازي في سبيل الله تعالى ولكنا نقول المراد الغنى بقوة
البدن والقدرة على الكسب إنما تكون بالبدن لا بملك المال بدليل الحديث الآخر وردها في
فقرائهم. وأما ابن السبيل فهو المنقطع عن ماله لبعده منه والسبيل الطريق فكل من يكون
مسافرا على الطريق يسمى ابن السبيل كمن يكون فقيرا أو غنيا يسمى ابن الفقر وابن
الغنى وابن السبيل غنى ملكا حتى تجب الزكاة في ماله ويؤمر بالأداء إذا وصلت يده إليه
وهو فقير يدا حتى تصرف إليه الصدقة للحال لحاجته. ثم هؤلاء الأصناف مصارف
الصدقات لا مستحقون لها عندنا حتى يجوز الصرف إلى واحد منهم. وقال الشافعي رحمه
الله تعالى هم مستحقون لها حتى لا تجوز ما لم تصرف إلى الأصناف السبعة من كل صنف
ثلاثة واستدل بالآية وبحديث إن الله تعالى لم يرض في الصدقات بقسمة ملك مقرب ولا نبي
مرسل حتى تولى قسمتها من فوق سبعة أرقعة واعتبر أمر الشرع بأمر العباد فان من
أوصي بثلث ماله لهؤلاء الأصناف لم يجز حرمان بعضهم فكذلك في أمر الشرع (ولنا)
قوله تعالى وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم. وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ
رضي الله عنه وردها في فقرائهم وبعث عمر رضي الله عنه بصدقة إلى بيت أهل رجل
واحد هكذا نقل عن ابن عباس وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم وقد بينا أن المقصود
اغناء المحتاج وذلك حاصل بالصرف إلى واحد وبه فارق أوامر العباد لان المعتبر فيها اللفظ
دون المعنى فقد تقع خالية عن حكمة حميدة بخلاف أوامر الشرع أما الآية فقد قال ابن عباس
10

رضي الله عنه المراد بيان المصارف فإلى أيهم انصرفت أجزأت كما أن الله تعالى أمره باستقبال
الكعبة في الصلاة وإذا استقبل جزأ كان ممتثلا للامر. ألا ترى أن الله تعالى ذكر الأصناف
بأوصاف ننبئ عن الحاجة فعرفنا ان المقصود سد خلة المحتاج (قال) ولا يجوز تجيل عشر ما لم
يزرع وعشر ثمر لم يخرج أما تعجيل عشر الثمار قبل ظهور الطلع فلا يجوز في قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله تعالى ويجوز في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ذكره في الاملاء قال
لأنه لم يبق بينه وبين الوجوب الا مجرد مضى الزمان فهو كتعجيل الزكاة بعد كمال النصاب
وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا السبب الموجب لم يوجد لان الموجود ملك رقاب
النخيل وهو ليس بسبب للعشر حتى لو قطعها لم يلزمه شئ وتعجيل الحق قبل وجود سبب
وجوبه لا يجوز كتعجيل الزكاة قبل تمام النصاب أما تعجيل عشر الزرع قبل الزراعة فلا
يجوز بالاتفاق لان الأرض ليست بسبب لوجوب العشر وقد بقي بينه وبين الوجوب عمل
سوى مضي الزمان وهو الزراعة وبعد نبات الزرع يجوز التعجيل بالاتفاق وأما بعد ما زرع
قبل أن ينبت فيجوز في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لأنه لم يبق بينه وبين وجوب العشر
الا مضي الزمان ولا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لان السبب لم يوجد لان
الحب في الأرض كهو في الحب ليس بسبب لوجوب العشر (قال) ولا يعطى زكاته
وعشره ولده وولد ولده وأبويه وأجداده وكل من ينسب إلى المؤدى بالولادة أو ينسب
إليه بالولادة ولا يجوز صرف الزكاة إليه لان تمام الايتاء بانقطاع منفعة المؤدى عما أدى والمنافع
بين الآباء والأبناء متصلة. قال الله تعالى آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة
فلم يتم الايتاء بالصرف إليهم فاما من سواهم من القرابة فيتم الايتاء بالصرف إليه وهو أفضل
لما فيه من صلة الرحم (قال) ولا يعطى مدبره وعبده وأم ولده لأنهم مماليكه كسبهم له
وكذلك لا يعطى مكاتبه لان كسب المكاتب دائر بينه وبين المولى فلم يتم الايتاء بالصرف إليه
وهذا بخلاف ما لو دفع إلى مكاتب غنى لان هناك الايتاء تم بانقطاع منفعة المؤدى عما أدى ولم يثبت
فيه للغنى ملك ولا يد للحال وكذلك لا يصرف إلى زوجته لان الايتاء لا يتم فمال الزوجة من وجه
لزوجها قال الله تعالى ووجدك عائلا فأغنى قيل بمال خديجة. وعند الشافعي رحمه الله تعالى يجوز بناء
على أن شهادة الزوج لزوجته جائزة فأما المرأة فلا تعطى زوجها في قول أبي حنيفة وفى قول
أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعطيه (واستدلا) بحديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود رحمهما
11

الله تعالى فإنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التصدق على زوجها فقال يجوز ولك
أجران أجر الصدقة وأجر الصلة ولأنه لا حق للزوجة في مال زوجها فيتم الايتاء كما يتم بالصرف إلى
الاخوة بخلاف الزوج يصرف إلى زوجته على ما بينا. وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لزوجته
أصل الولاد ثم ما يتفرع من هذا الأصل يمنع صرف زكاة كل واحد منهما إلى صاحبه فكذلك
الأصل. ألا ترى أن كل واحد منهما متهم في حق صاحبه لا تجوز شهادته له وان كل واحد
منهما يرث صاحبه من غير حجب كما بالولاد وحديث زينب رضي الله عنها محمول على صدقة
التطوع فقد روى أنها كانت امرأة ضيقة اليد تعمل للناس وتتصدق من ذلك وبه نقول إنه
يجوز صرف صدقة التطوع لكل واحد منهما إلى صاحبه وكذلك لو أعطى غنيا أو ولدا
صغيرا لغنى مع علمه بحاله لا يجوز لان مصرف الصدقات الفقراء بالنص فان صرف إلى زوجة
غنى وهي فقيرة أو إلى بنت بالغة الغنى وهي فقيرة جاز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
تعالى لأنه صرفها إلى الفقير واستحقاقها النفقة على الغنى لا يخرجها من أن تكون مصرفا
كأخت فقيرة لغني فرض عليه نفقتها وأبو يوسف رحمه الله تعالى قال لا يجوز لأنها مكفية المؤنة
باستحقاقها النفقة على الغني بالاتفاق فهو نظير ولد صغير لغني وكذلك لو صرفها إلى هاشمي أو
مولى هاشمي وهو يعلم بحاله لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل
محمد وعن ابن عباس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل الأرقم بن أبي الأرقم على
الصدقات فاستتبع أبا رافع فجاء معه فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا رافع ان الله تعالى
كره لبني هاشم غسالة الناس وان مولى القوم من أنفسهم وهذا في الواجبات فاما في
التطوعات والأوقاف فيجوز الصرف إليهم وذلك مروى عن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله
تعالى في النوادر لان في الواجب المؤدى يطهر نفسه باسقاط الفرض فيتدنس المؤدى
بمنزلة الماء المستعمل وفى النفل يتبرع بما ليس عليه فلا يتدنس به المؤدى كمن تبرد بالماء فان
أعطاه غنيا وهو لا يعلم بحاله فإنه يجزى إن وقع عنده انه فقير أو سأله فأعطاه أو كان جالسا
مع الفقراء أو كان عليه زي الفقراء ثم تبين انه غنى جاز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
تعالى ولم يجز عند أبي يوسف رحمه الله تعالى وهو قول الشافعي رضي الله عنه لان الخطأ ظهر
له بيقين لان المصرف في الصدقات الفقراء دون الأغنياء فلا يجزئه كمن توضأ بالماء ثم تبين
أنه نجس أو قضى القاضي في حادثة باجتهاد ثم ظهر نص بخلافه ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما
12

الله تعالى ان الواجب عليه الصرف إلى من هو فقير عنده وقد فعل فيجوز كما إذا صلى الانسان
إلى جهة بالتحري ثم ظهر الامر بخلافه وهذا لان الغنى والفقر لا يوقف عليهما وقد لا يقف
الانسان على غنى نفسه فضلا عن غيره والتكيف إنما يثبت بحسب الوسع بخلاف النص فإنه
مما يوقف على حقيقته وكذلك يوقف على نجاسة الماء وطهارته وان تبين أنه دفع إلى أبيه أو ابنه
جاز في ظاهر الرواية عندهما وذكر ابن شجاع رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى
انه لا يجوز. وجه تلك الرواية ان النسب مما يحكم به ويمكن معرفته حقيقة فيتبين
الخطأ بيقين كما لو ظهر أنه عبده أو مكاتبه. وجه ظاهر الرواية حديث معن بن يزيد رضي
الله عنه قال دفع أبى صدقته إلى رجل ليصرفها ويفرقها على المساكين فأعطاني فلما رآه
أبى في يدي فقال ما إياك أردت يا بني فقلت ما أنا بالذي أرده عليك فاختصمنا إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال يا معن لك ما أخذت ويا يزيد لك ما نويت فقد جوز الصرف
إلى الولد عند الاشتباه وكان المعنى فيه وهو أن الصرف إلى الولد قربة بدليل التطوع فأقام
النبي صلى الله عليه وسلم الأكثر مما هو مستحق عن المؤدى عند الاشتباه مقام الكمال في
حكم الجواز وكذلك إذا تبين أن المدفوع إليه هاشمي فهو على هاتين الروايتين وان تبين
أن المدفوع إليه ذمي فهو على هاتين الروايتين أيضا لان الكفر يحكم به ويوقف على حقيقته
وان تبين أن المدفوع إليه حربي قال في كتاب الزكاة يجوز. وتأويله أنه إذا كان مستأمنا
في دارنا فهو كالذمي وأبو يوسف رحمه الله تعالى ذكر في جامع البرامكة عن أبي حنيفة رحمه
الله تعالى أنه لا يجزئه لان التصدق على الحربي ليس بقربة أصلا فلا يمكن أن يقام مقام
ما هو قربة عند الاشتباه * (قال) * ويكره أن يعطى رجلا من الزكاة مائتي درهم إذا لم يكن
عليه دين أو له عيال وان أعطاه جاز وعند زفر رحمه الله تعالى لا يجزئه اعطاء المائتين وعن أبي
يوسف رحمه الله تعالى رحمه الله تعالى أنه لا بأس باعطاء المائتين إليه إنما يكره أن يعطيه فوق المائتين
وزفر رحمه الله تعالى يقول غنى المدفوع إليه يقترن بقبضه وذلك مانع من جوازه ولكنا نقول
الغنى يحصل بالملك وذلك حكم يثبت بعد قبضه فلم يقترن الغنى بالدفع والقبض فلا يمنع الجواز
ولكن يعقبه متصلا به فأوجب الكراهة للقرب كمن صلى وبقربه نجاسة جازت الصلاة
للوقوف على مكان ظاهر وكان مكروها للقرب من النجاسة وأبو يوسف يقول جزء من
المائتين مستحق لحاجته للحال والباقي دون المائتين فلا تثبت به صفة الغنى إلا أن يعطيه فوق
13

المائتين * ثم الغنى الذي يثبت به حرمة أخذ الصدقة أن يملك مائتي درهم أو ما يساويها فضلا
عن حاجته عندنا. وقال سفيان الثوري أن يملك خمسين درهما وقال الشافعي رحمه الله
تعالى إذا كان صاحب عيال لا تغنيه المائتان جاز صرف الزكاة إليه وإن كان يملك المائتين
لقيام حاجته كابن السبيل تصرف إليه الزكاة وإن كان مالكا للمال. وسفيان رحمه الله تعالى
استدل بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من سأل الناس وهو غنى عن المسألة
جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو خموشا أو كدوشا في وجهه قيل وما الغنى يا رسول الله
قال أن يملك خمسين درهما. وتأويله عندهما في حرمة السؤال والطلب وبه نقول قال
صلى الله عليه وسلم لعمر رضى الله تعالى عنه ما أتاك من هذا المال من غير طلب ولا استشراف
فخذه فإنه مال الله تعالى يؤتيه من يشاء وذم السؤال لقوله صلى الله عليه وسلم السؤال
آخر كسب العبد أي يبقى في ذله إلى يوم القيامة وإن كان قادرا على الكسب وليس له عيال
ولا مال يجوز صرف الزكاة إليه عندنا ولا يجوز عند الشافعي رحمه الله تعالى لقوله صلى
الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لغنى ولا لذي مرة سوى. وتأويله عندنا حرمة الطلب
والسؤال. ألا ترى إلى ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقسم الصدقات
فقام إليه رجلان يسألانه فنظر إليهما ورآهما جلدين فقال أما انه لا حق لكما فيه وإن شئتما
أعطيتكما معناه لا حق لكما في السؤال. ألا ترى أنه جوز الاعطاء لهما وقيل كان الحكم
في الابتداء ان حرمة الاخذ كانت متعلقة بقوة البدن ثم انتسخ بملك خمسين ثم انتسخ
ذلك واستقر الامر على ملك النصاب وإنما حملناه على هذا ليكون الناسخ أخف من المنسوخ
كما قال الله تعالى نأت بخير منها أو مثلها * (قال) * رجل له على رجل دين فتصدق به على
آخر عن زكاة ماله وأمره بقبضه فقبضه أجزأه لأنه في القبض وكيله فتعين المقبوض ملكا
لصاحب المال فكأنه قبض بنفسه ثم صرف إليه بنية الزكاة فيكون مؤديا العين دون الدين
* (قال) * رجل تصدق على رجل بدراهم من ماله عن زكاة مال رجل بغير أمره ثم علم بعد
ذلك ورضي به لم يجزه من زكاته لان رضاه في الانتهاء إنما يؤثر فيما كان موقوفا عليه والصدقة
عن المتصدق كان تاما غير موقوف فلا يؤثر فيه رضا الآخر به وإن كان تصدق عليه بأمره
أجزأه لأنه يصير مستقرضا المال منه ان شرط له الرجوع عليه أو مستوهبا منه إن لم
يشترط له ذلك والفقير يكون نائبا عنه في القبض يقبض له أولا ثم لنفسه بخلاف ما إذا انعدم
14

الامر في الابتداء ثم لا يرجع المؤدى على الآمر هنا الا بالشرط بخلاف المأمور بقضاء
الدين فهناك أمره أن يملك ما ى ذمته بما يؤدى فله حق الرجوع عليه بدون الشرط وهنا
لا يصير مملكا منه شيئا في ذمته بما يؤدى. يوضح الفرق بينهما أن هناك هو مطالب بقضاء
الدين يجبر عليه في الحكم فهو بالأداء بأمره سقطت عنه هذه المطالبة فثبت له حق الرجوع
عليه وهنا من عليه الزكاة لا يطالب بأداء الزكاة ولا يجبر عليه في الحكم فلا يثبت للمؤدى
بأمره حق الرجوع عليه الا بالشرط كمن يقول لغيره عوض هبتي من مالك لفلان فعوضه لا
يرجع الا بالشرط * (قال) * رجل له مائتا قفيز حنطة للتجارة قيمتها مائتا درهم فحال الحول عليها
ثم رجعت قيمتها إلى مائه درهم فان أراد أداء الزكاة من العين تصدق بربع عشرها خمسة
أقفزة بالاتفاق وان أراد أداء الزكاة من القيمة قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يؤدى خمسة
دراهم معتبرا وقت الوجوب وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يؤدى درهمين ونصفا
معتبرا وقت الأداء فالأصل عندهما ان الواجب جزء من العين وهو ربع العشر جاء في الأثر
هاتوا ربع عشر أموالكم ولان الواجب فيما هو مملوك له وهو العين إلا أن له ولاية نقل
الحق من العين إلى القيمة باختياره فتعتبر قيمة العين وقت الاختيار زائدا كان أو ناقصا وأبو
حنيفة رحمه الله تعالى يقول الواجب عند حولان الحول اما ربع عشر العين أو ربع عشر القيمة
يتعين ذلك باختياره والمخير بين الشيئين إذا أدى أحدهما تعين ذلك من الأصل واجبا. والدليل
على هذا ان تأثير القيمة في إيجاب الزكاة هنا أكثر من تأثير العين حتى إذا كمل النصاب من
حيث القيمة تجب الزكاة سواء كان كاملا من حيث العين أو لم يكن وقد فرع على هذه المسألة
بابا في الجامع فما زاد على هذا فيما أمليناه في شرح الجامع وقررنا الفرق بين حقوق الله تعالى
وحقوق العباد على أصل الكل * (قال) * والعشر واجب في قليل العسل وكثيره عند أبي
حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان في أرض العشر كما هو مذهبه في باب العشر
وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى ليس فيما دون خمسة أوسق من العسل العشر ومراده من
هذا اللفظ أن تبلغ قيمته قيمة خمسة أوسق من أدنى ما يدخل تحت الوسق فالحاصل أن
ما لا يدخل تحت الوسق كالقطن والزعفران والسكر والعسل عند أبي يوسف رحمه الله
تعالى تعتبر القيمة فيه وعند محمد رحمه الله تعالى يعتبر فيه خمسة أمثال أعلى ما يقدر به ذلك الشئ
ففي القطن يعتبر خمسة أحمال وفي الزعفران خمسة أمنان وفي السكر كذلك وفي العسل
15

خمسة أفراق والفرق ستة وثلاثون رطلا فخمسة أفراق تكون تسعين منا هكذا ذكره
في نوادر هشام. وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في الأمالي أن في العسل المعتبر عشرة
أرطال وروى عشر قرب كما ورد به الحديث. وجه قول محمد رحمه الله تعالى أن غير المنصوص
عليه يقاس على المنصوص عليه لمعنى مؤثر يجمع بينهما والمنصوص عليه خمسة أوسق فيما
يدخل تحت الوسق لان الوسق أعلى ما يقدر به ذلك الجنس فكذلك في كل مال يعتبر
فيه خمسة أمثال أدنى ما يقدر به وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول نصب النصاب بالرأي
لا يكون ولكن فيما فيه نص يعتبر المنصوص وما لا نص فيه المعتبر هو القيمة كما في
عروض كالتجارة مع السوائم في حكم الزكاة * (قال) * رجل له أرض عشرية وفيها نحل لا يعلم
به صاحبها فجاء رجل وأخذ عسلها فهو لصاحب الأرض وفيه العشر وان كانت لم تتخذ لذلك
أما كونه لصاحب الأرض فلانه صار محرزا له بملكه فكانت يده إليه أسبق حكما فيكون هو
أولى بملكه وهذا بخلاف الطير إذا فرخ في أرض رجل فجاء رجل وأخذه فهو للآخذ لان
الطير لا يفرخ في موضع ليتركه فيه بل ليطيره إذا قوى على ذلك فلم يصر صاحب الأرض
محرزا للفرخ بملكه فكان للآخذ فأما النحل فيعسل في الموضع ليتركه فيه فصار صاحب
الأرض محرزا له بملكه كالماء إذا اجتمع في ارض فاجتمع منه الحمأ والطين فهو لصاحب الأرض
ووجوب العشر عليه باعتبار أنه نماء في أرض العشر. وقال في كتاب الزكاة إذا وجد الجوز
أو اللوز في جبل ففيه العشر وروى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا شئ فيه لأنه مباح
كالصيود والعشر فيما يكون من نماء ارض العشر. وجه ظاهر الرواية أن الموجود نماء كله
فلا فرق في وجوب حق الله تعالى بين أن يكون في ملكه أو في غير ملكه كخمس المعادن
* (قال) * ومن أحيا أرضا ميتة فهي له إذا كان باذن الامام في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هي له سواء أذن له الامام أولا لظاهر قوله صلى الله
عليه وسلم من أحيا أرضا ميتة فهي له ومثل هذا اللفظ لبيان السبب في لسان صاحب الشرع
كقوله صلى الله عليه وسلم من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر وقال صلى الله عليه وسلم ألا إن
عادى الأرض لله ورسوله ثم هي لكم منى وبعد وجود الاذن من صاحب الشرع لا حاجة
إلى اذن أحد من الأئمة وأبو حنيفة استدل بقوله صلى الله عليه وسلم ليس لأحدكم الا ما طابت
به نفس امامه فتبين بهذا الحديث شرط الملك وهو اذن الامام كما تبين بما ورد السبب وهو
16

الاحياء والحكم بعد وجوب السبب يتوقف على وجود شرطه ثم الناس في الموات من
الأراضي سواء فلو لم يشترط فيه اذن الامام أدى إلى امتداد المنازعة والخصوصة بينهم فيها
فكل واحد منهم يرغب في احياء ناحية وجعل التدبير في مثله إلى الأئمة يرجع إلى المصلحة
لما فيه من اطفاء ثائرة الفتنة وهذه المسألة تعود في كتاب الشرب مع بيان حد الموات فما
زاد على هذا نبينه هناك ان شاء لله تعالى.
(باب ما يوضع فيه الخمس)
(قال) من أصاب ركازا وسعه أن يتصدق بخمسة على المساكين وإذا اطلع الامام على ذلك
أمضى له صنع لان الخمس حق الفقراء والمساكين وقد أوصله إلى مستحقه وهو في
في إصابة الركاز غير محتاج إلى حماية الامام فكان هو في الحكم كزكاة الأموال الباطنة وإن كان
محتاجا إلى جميع ذلك وسعه أن يمسكه لنفسه لقول على رضى الله تعالى عنه وان وجدتها
في قرية خربت على عهد فارس فخمسها لنا وأربعة أخماسها لك وسنتمها لك أي نعطيك
الخمس منها أيضا ولان وجوب الخمس في المصاب باعتبار أنه مما أوجف عليه المسلمون فلا
يكون الوجوب على المصيب خاصة فهو في كونه مصرفا كغيره ولو رأى الامام في خمس
الغنائم أن يصرفها إلى الغانمين لحاجتهم وسعه ذلك فكذلك هذا المصيب في الخمس وان
تصدق بالخمس على أهل الحاجة من أولاده وآبائه جاز لأنه لما جاز له وضعه في نفسه
عند حاجته ففي آبائه وأولاده أولى وهو نظير خمس الغنائم إذا رأى الامام أن يضعه في
أولاد الغانمين وآبائهم * (قال) * وما جبي من الخراج فهو لجميع المسلمين يعطى الامام منه
أعطية المقاتلة وفي نوائب المسلمين. والحاصل أن ما يجبى إلى بيت المال أنواع أربع. أحدها
الخمس ومصرفه ما قال الله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه الآية قال عطاء بن أبي
رباح سهم الله وسهم الرسول واحد. وقال قتادة ذكر اسم الله تعالى لافتتاح الكلام
فكان الخمس يقسم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة ثم سقط سهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم بموته عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى هو مصروف إلى كل خليفة
بعده لأنهم نائبون منابه محتاجون إلى ما كان محتاجا إليه من جوائز الوفود والرسل * (ولنا) *
أن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين ما رفعوا هذا السهم لأنفسهم وكان لرسول
17

الله صلى الله عليه وسلم بسبب النبوة ولم ينتقل ذلك إلى أحد بعده فهو نظير الصفي الذي
كان يصطفيه لنفسه وكذلك سهم ذوي القربى سقط بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
عندنا. وبيانه في كتاب السير وبقي المصرف لليتامى والمساكين وابن السبيل. وجاء في
الحديث أن الخلفاء الراشدين قسموا الخمس على ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وأبناء السبيل
. والنوع الثاني الصدقات والعشور وقد بينا مصارفها. والنوع الثالث الخراج والجزية وما
يؤخذ من صدقات بنى تغلب وما يأخذ العاشر من أهل الذمة ومن أهل الحرب إذا مروا
عليه فهذا النوع مصروف إلى نوائب المسلمين ومنها اعطاء المقاتلة كفايتهم وكفاية
عيالهم لأنهم فرغوا أنفسهم للجهاد ودفع شر المشركين عن المسلمين فيعطون الكفاية من
أموالهم ومن هذا النوع ايجاد الكراع والأسلحة وسد الثغور واصلاح القناطر والجسور
وسد البثق وكرى الأنهار العظام. ومنه أرزاق القضاة والمفتين والمحتسبين والمعلمين وكل
من فرغ نفسه لعمل من أعمال المسلمين على وجه الحسبة فكفايته في هذا النوع من المال
. والنوع الرابع تركة من لا وارث له من المسلمين أو من يرثه الزوج أو الزوجة فقط فان
الباقي مصروف إلى بيت المال وما يوجد من اللقطة إذا لم يعرفها أحد فهو موضوع في هذا
النوع من بيت المال ومصروف هذا النوع نفقة اللقيط وتكفين من يموت من المسلمين
ولا مال له وهو معنى قول محمد رحمه الله تعالى فعلى الامام ان يتقى الله في صرف الأموال
إلى المصارف فلا يدع فقيرا الا أعطاه حقه من الصدقات حتى يغنيه وعياله وان احتاج بعض
المسلمين وليس في بيت المال من الصدقات شئ أعطى الامام ما يحتاجون إليه من بيت مال
الخراج ولا يكون ذلك دينا على بيت مال الصدقة لما بينا ان الخراج وما في معناه يصرف إلى
حاجة المسلمين بخلاف ما إذا احتاج الامام إلى اعطاء المقاتلة ولا مال في بيت مال الخراج
صرف ذلك من بيت مال الصدقة وكان دينا على بيت مال الخراج لان الصدقة حق الفقراء
والمساكين فإذا صرف الامام منها إلى غير ذلك للحاجة كان ذلك دينا لهم على ما هو حق
المصروف إليهم وهو مال الخراج * (قال *) وما أخذ من صدقات بنى تغلب وضع موضع الخراج
لما مرو ما أخذ من صدقات أهل بلد رد على فقرائهم كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم
معاذ بن جبل رضي الله عنه. وحكى ابن المبارك عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال لا تخرج
الزكاة من بلد إلى بلد الا لذي قرابة وقد بينا هذا * (قال) * وإذا لم يبق محتاج من أهل تلك البلدة
18

فإن كان بقرب منهم محتاج فهو أحق من فقراء غيرهم لقربهم فلو وضعها الامام في أهل الحاجة
من غيرهم وسعه ذلك فان أخرجها إلى غيرهم جاز وهو مكروه وقد تقدم بيان هذا الفصل * (قال) *
ومن كان غنيا ولم يقر وليس في الديوان اسمه ولا بلى للمسلمين شيئا لم يعط من الخراج شيئا لأنه
مشغول بالكسب لنفسه ولا يعمل للمسلمين عملا فلا يستحق شيئا من مالهم * (قال) * وتجب
للامام نفقته في بيت المال قدر ما يغنيه يفرض له ذلك لما روى أن أبا بكر رضي الله عنه لما استخلف
رآه عمر يحمل شيئا من متاع أهله فقال إلى أين يا خليفة رسول الله فقال إلى السوق أبيع متاعا
لأهلي لا نفقه في حوائجي فجمع الصحابة وفرضوا له كل يوم درهمين وثلثي درهم أو ثلاثة
دراهم وثلثا درهم على ما اختلف الروايات فيه إلا أنه روى أنه أوصى إلى عائشة عند موته أن ترد
ذلك كله حتى قال عمر رضي الله عنه رحمك الله يا أبا بكر لقد أتعبت من بعدك وعمر في خلافته
كان يأخذ الكفاية من بيت المال على ما روى عنه أنه قال إن الجزور ينحر كل يوم والعنق منه
لآل عمر أما عثمان رضي الله عنه فكأن لا يأخذ شيئا من بيت المال لثروته ويساره واما على
فكان يأخذ على ما روى أنه قال إن مالي من مالكم كل يوم قصعتا ثريد فالحاصل ان
الامام إذا كان غنيا فالأولى أن لا يأخذ وإن كان محتاجا أخذ كفايته وكفاية عياله على
ما أشار الله تعالى إليه في حق الأوصياء ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل
بالمعروف * (قال) * ولا شئ لأهل الذمة في بيت المال وان كانوا فقراء لأنه مال المسلمين فلا
يصرف إلى غيرهم وكذلك لا يرد عليهم مما أخذ منهم العاشر شيئا لان المأخوذ صار
حقا للمسلمين ومن الناس من قال إذا كان محتاجا عاجزا عن الكسب يعطى قدر حاجته
لما روى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى شيخا من أهل الذمة يسأل فقال ما أنصفناه
أخذنا منه في حال قوته ولم نرد عليه عند ضعفه وفرض له من بيت المال ولكن الحديث
شاذ فلم يأخذ به علماؤنا ورأوا أن من الترغيب له في الاسلام أن لا يعطى من مال المسلمين
شيئا ما لم يسلم * (قال) * وأمير الجيش في الغنيمة بمنزلة رجل من الجند إن كان فارسا فله سهم
الفرسان وإن كان راجلا فله سهم الرجالة لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل سهمه في
الغنيمة كسهم واحد من المسلمين وكذلك من جاهد بعده من الخلفاء الراشدين وقد كان
للنبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم ثلاث حظوظ خمس الخمس وصفى يصطفيه لنفسه من
درع أو سيف أو جارية وسهم كسهم أحدهم فخمس الخمس والصفي كان هو مختصا به أخذهما
19

بولاية النبوة فليس من ذلك شئ لأمراء الجيوش وبعده بقي السهم فهو لأمراء الجيوش كما كان
يأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم بالصواب
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(كتاب نوادر الزكاة)
* (قال) * الشيخ الامام شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي
رحمه الله تعالى اعلم أن مسائل أول الكتاب مبنية على الأصل الذي بيناه في كتاب الزكاة
وهو أن ضم النقود بعضها إلى بعض في تكميل النصاب باعتبار معنى المالية فان الذهب والفضة
وان كانا جنسين صورة ففي معنى المالية هما جنس واحد على معنى أنه تقوم الأموال بهما وأنه
لا مقصود فيهما سوى أنهما قيم الأشياء وبهما تعرف خيرة الأموال ومقاديرها ووجوب
الزكاة باعتبار المالية قال الله تعالى وفى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ثم اعتبار كمال
النصاب لأجل صفة الغنى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا صدقة إلا عن ظهر غنى والغنى
بهما يكون بصفة واحدة واعتبار كمال النصاب لمعرفة مقدار الواجب وهما في مقدار الواجب
فيهما كشئ واحد فان الواجب فيهما ربع العشر على كل حال وكذلك وجوب الزكاة باعتبار
معنى النماء فإنها لا تجب الا في المال النامي ومعنى النماء فيها بطريق التجارة وربما يحصل
بالتجارة في الذهب النماء من الفضة أو على عكس ذلك فكانا بمنزلة عروض التجارة في معنى
النماء وعروض التجارة وان كانت أجناسا مختلفة صورة يضم بعضها إلى بعض في حق حكم
الزكاة فكذلك النقود. ألا ترى أن نصاب كل واحد منهما يكمل بما يكمل به نصاب
الآخر وهو العروض فكذلك يكمل نصاب أحدهما بالآخر بخلاف السوائم ثم على أصل
أبي حنيفة رحمه الله تعالى يضم أحد النقدين إلى الآخر باعتبار القيمة وعندهما باعتبار الاجزاء
لان المقصود تكميل النصاب ولا معتبر بالقيمة فيه. ألا ترى أن من كانت له عشرة دنانير
وهي تساوى مائتي درهم لا تجب عليه الزكاة والدليل عليه أن المعتبر صفة المالية والمالية من الذهب
والفضة باعتبار الوزن إليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله جيدها ورديئها سواء
وباعتبار الوزن لا يمكن تكميل النصاب الا من حيث الاجزاء. وأبو حنيفة رحمه الله تعالى
يقول ضم الأجناس المختلفة بعضها إلى بعض في تكميل النصاب لا يكون الا باعتبار القيمة
20

كما في عروض التجارة وهذا لان المعتبر صفة المالية وصفة الغنى للمالك وذلك أنما يحصل باعتبار
القيمة وإنما لا تعتبر قيمة النقد عند الانفراد فاما عند مقابلة أحدهما بالآخر فتعتبر القيمة الا
ترى ان من كسر على انسان قلب فضة جيدة فإنه يجب عليه قيمته من الذهب فلما كان في
حقوق العباد تعتبر القيمة عند مقابلة أحدهما بالآخر فكذلك في حق الله تعالى تعتبر
القيمة عند ضم أحدهما إلى الآخر. إذا عرفنا هذا فنقول رجل له ثمانية دنانير ثمنها مائة درهم
ومائة درهم حال عليهما الحول فعليه الزكاة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان نصابه بلغ
مائتي درهم باعتبار القيمة وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا زكاة عليه لان
نصابه ناقص باعتبار الاجزاء فإنه يملك نصف نصاب من الفضة وخمسي نصاب من الذهب
فإذا جمعت بينهما كانت أربعة أخماس نصاب ونصف خمس وقد روى عن أبي حنيفة
رحمه الله تعالى أيضا انه إذا كانت له خمسة وتسعون درهما ودينار قيمته خمسة دراهم فإنه يلزمه
الزكاة باعتبار ان كل دينار ثمن خمسة دراهم فثمن خمسة وتسعين درهما تسعة عشر دينارا
فان ضمها إلى الدينار يكون عشرين دينارا وبهذه الرواية يتبين ان على أصله يقوم الذهب
تارة بالفضة والفضة تارة بالذهب وذلك لأجل الاحتياط وتوفير المنفعة على الفقراء * (قال) *
وإن كان له مائة وخمسون درهما وخمسة دنانير ثمنها خمسون درهما فعليه الزكاة بالاتفاق لان
النصاب كامل من حيث القيمة ومن حيث الاجزاء فإنه يملك ثلاثة أرباع نصاب الفضة
وربع نصاب الذهب وكذلك أن كانت له خمسة عشر دينارا وخمسون درهما ثمنها خمسة دنانير
أو كانت له عشرة دنانير ومائة درهم ثمنها عشرة دنانير فعليه الزكاة بالاتفاق لكمال النصاب
سواء اعتبرت الضم بالاجزاء أو بالقيمة ولم يبين في الكتاب انه من أي الجنسين تؤدى الزكاة
والصحيح أنه يؤدى من كل واحد منهما ربع عشره لان الواجب فيهما ربع العشر بالنص قال
صلى الله عليه وسلم في الرقة ربع العشر وقال عمر رضي الله عنه هاتوا عشور أموالكم وفى
أداء ربع العشر من كل نوع مراعاة النظر لصاحب المال والفقراء. ألا ترى ان بعد تمام الحول لو
هلك أحد النوعين لم يكن على أن يؤدى من النوع الآخر الأربع عشره فكذلك في حال
بقاء النوعين * (قال) * ولو أن رجلا له ألف درهم حال عليها الحول ثم أضاف إليها ألفا أخرى
ثم خلطهما ثم ضاعت منهما ألف درهم فعليه أن يزكي خمسمائة إذا لم يعرف الذي ضاع من
21

الذي بقي لان نصف المال كان مشغولا بحق الفقراء ونصفه كان فارغا عن حقهم وليس
صرف الهلاك إلى أحد النوعين بأولى من الآخر فيجعل الهالك منهما والباقي منهما
كما هو الأصل في المال المشترك فإنما بقي من مال الزكاة خمسمائة وهذا بخلاف ما إذا اشتمل
المال على النصاب والوقص فهلك منهما شئ يجعل الهالك من الوقص خاصة في قول أبي حنيفة
وأبى يوسف رحمهما الله تعالى نحو ما إذا كان له فوق النصاب ثمانون من الغنم فحال عليها الحول
ثم هلك أربعون فعليه في الباقي شاة لان هناك الوقص تبع للنصاب باسمه وحكمه فإنه
لا يتحقق الوقص الا بعد النصاب وهذا هو علامة الأصل مع التبع فان التبع يقوم بالأصل
والأصل يستغنى عن التبع ثم لا يتحقق المعارضة بين التبع والأصل وجعل الهالك من المالين
باعتبار المعارضة فاما هنا فأحد الألفين ليس بتبع للاخر فتتحقق المعارضة بينهما فلهذا يجعل
الهالك منهما وهو بمنزلة مال المضاربة إذا كان فيها ربح فهلك منها شئ يجعل الهالك من
الربح خاصة لأنه تبع لرأس المال والمال المشترك بين الشريكين إذا هلك منه شئ يجعل الهالك من
نصيب الشريكين والباقي من نصيبهما. فان قيل لماذا لم يجعل صاحب المال بهذا الخلط مستهلكا
لمال الزكاة حتى يكون ضامنا اعتبار لحقوق العباد فإنه لو غصب ألف درهم وخلطها بألف
من ماله كان ضامنا. قلنا لان هناك حق المغصوب منه في عين الدراهم حتى لو أراد أن يمسك
تلك الدراهم ويعطيه غيرها لم يكن له ذلك والخلط استهلاك العين على معنى أنه لا يتوصل
بعده إلى تلك العين فأما حق الفقراء هنا ففي معنى المالية بدليل أن لصاحب المال أن يؤدى
الزكاة من دراهم غير تلك الدراهم ومن جنس آخر من المال وليس في هذا الخلط تفويت
معنى المالية ولا اخراج المال من أن يكون محلا لحق الفقراء فلهذا لا يضمن بالخلط شيئا
فان عرف مائة درهم من الباقي أنها من دراهمه الأولى ولم يعرف غيرها فإنه يزكى هذه المائة
درهمين ونصفا لأنه يعرف أن ربع عشرها حق الفقراء ويزكي تسعة أجزاء من تسعة عشر
جزأ مما بقي لأنه لما عرف المائة بقي المشتبه ألف وتسعمائة فإذا جعلت كل مائة سهما كانت
عشرة أسهم من ذلك فارغة عن الزكاة وتسعة أسهم مشغولة بالزكاة فما هلك يكون منها
بالحصة وما بقي كذلك فلهذا يزكى وتسعة أجزاء من تسعة عشر جزأ مما بقي ولو عرف مائة
درهم أنها من دراهمه الأخرى ولم يعرف غير ذلك فلا شئ عليه في هذه المائة لأنه لم يحل
عليها الحول وعليه أن يزكى عشرة أجزاء من تسعة عشر جزأ مما بقي لان المشتبه تسعة عشر
22

سهما عشرة من ذلك مال الزكاة وتسعة فارغة فيكون الهلاك منهما بالحصة والباقي كذلك
* (قال) * رجل له ألف درهم سود وألف درهم بيض فلما كان قبل الحول بشهر زكى خمسة
وعشرين درهما من البيض فهذه المسألة على ثلاثة أوجه اما أن يهلك البيض قبل كمال الحول
أو تستحق أو يتم الحول على المالين فان ضاعت البيض قبل الحول وتم الحول على السود
يجزئه ما أدى عن زكاة السود لأنه إنما عجل ما يجب عليه من الزكاة عند كمال الحول وهو زكاة
السود فالمعجل يجزى من ذلك بمنزلة ما لو أدى بعد كمال الحول خمسة وعشرين درهما بيضا
بزكاة السود وهذا لان البيض والسود جنس واحد في حكم الزكاة فلهذا يضم أحدهما إلى
الآخر في تكميل النصاب والمعتبر في الجنس الواحد أصل النية فأما نية التعيين فغير معتبرة
في الجنس الواحد إذا لم يكن مفيدا كمن عليه قضاء أيام من رمضان وصام بعددها ينوى
القضاء يجزئه وإن لم يعين في نيته يوم الخميس والجمعة وهذا بخلاف ما إذا كانت له خمس من
الإبل وأربعون من الغنم فعجل زكاة الغنم شاة ثم ضاعت الغنم وتم الحول على الإبل فان
المعجل لا يجزئ عن زكاة الإبل لأنهما جنسان مختلفان في حكم الزكاة ولهذا لا يضم أحدهما
إلى الآخر وعند اختلاف الجنس تعتبر نية التمييز. ولو استحقت البيض قبل كمال الحول لم
يجز المعجل عن زكاة السود لأنه إنما عجل الزكاة من مال الغير فلا يجزئ ذلك عن زكاة ماله
وكيف يجزئ وهو ضامن لما أدى من البيض إلى الفقراء أما هنا إنما عجل الزكاة من مال نفسه
لان بالهلاك لا يتبين أنه لم يكن ملكا له فيجزئ المعجل عما يلزمه عند كمال الحول ولو
حال الحول على المالين جميعا ففي رواية هذا الكتاب قال المعجل يكون من زكاة البيض حتى إذا
هلكت البيض بعد كمال الحول فعليه زكاة السود خمسة وعشرون درهما. وقال في الجامع
الكبير المعجل يكون بينهما حتى إذا هلكت البيض فعليه نصف زكاة السود اثنا عشر
درهما ونصف درهم. وجه هذه الرواية أن بعد ما وجبت الزكاة فيهما يجعل الأداء بطريق
التعجيل كالأداء بعد كمال الحول ولو أدى بعد كمال الحول زكاة البيض كان المؤدى عما نواه
خاصة فكذلك إذا عجل لان المعارضة قد تحققت حين وجبت الزكاة فيهما فاعتبرنا نيته
في التمييز في ترجيح أحدهما عملا بقوله صلى الله عليه وسلم ولكل امرئ ما نوى بخلاف ما إذا
هلك أحدهما قبل كمال الحول لان هناك لم تتحقق المعارضة بينهما في حكم الزكاة فان الزكاة
وجبت في إحداهما دون الأخرى. وجه رواية الجامع وهي الأصح ما بينا ان السود
23

والبيض جنس واحد في حكم الزكاة فيسقط اعتبار نية التمييز فيهما فكأنه قصد عند الأداء
تعجيل الزكاة فقط فيجعل المؤدى من المالين جميعا إذا وجبت الزكاة فيهما وهذا بخلاف
الأداء بعد الوجوب فإنه تفريغ للمال عن حق الفقراء لان بوجوب الزكاة يصير المال مشغولا
بحق الفقراء فكانت نية الأداء عن زكاة البيض مفيدة من حيث إنه قصد به تفريغ البيض
دون السود بخلاف التعجيل قبل الوجوب فإنه لا فائدة في نية التمييز هناك واعتبار هذا
المعنى لو أدى زكاة البيض بعد الوجوب ثم هلكت البيض لم يكن المؤدى عن السود ولو
عجل قبل قبل الوجوب ثم هلكت البيض وتم الحول على السود كان المعجل من زكاة السود والذي
بينا في السود والبيض كذلك الجواب في الذهب والفضة إذا كانت له مائتا درهم وعشرون
مثقالا من ذهب فعجل زكاة أحد المالين أو أدى بعد الوجوب فهي في جميع الفصول مثل
ما سبق وعلى هذا لو كان له ألف درهم عينا وألف درهم دينا على انسان فعجل زكاة العين ثم
ضاعت قبل كمال الحول فالمعجل يجزى عن زكاة الدين ولو أدى زكاة العين بعد كمال الحول
ثم ضاعت قبل الحول لم يجز المؤدى عن زكاة الدين لأنه في الأداء بعد الوجوب إنما قصد
تطهير ماله العين وقد حصل مقصوده فكان بقاؤه بعد ذلك وهلاكه سوء في التعجيل
وقبل الوجوب إنما قصد اسقاط ما يلزمه من الزكاة عند كمال الحول وإنما لزمته الزكاة في الدين
وأداء العين عن زكاة الدين جائز. وعلى هذا لو كان له عبد وجارية للتجارة قيمة كل واحد منهما
ألف فعجل زكاة أحدهما قبل الحول ثم مات الذي عجل الزكاة عنه قبل كمال الحول وتم الحول
على الآخر فالمعجل يجزئ عنه بخلاف ما إذا زكى أحدهما بعد الحول ثم مات الذي زكى
عنه ولو عجل زكاة أحدهما قبل الحول ثم مات الذي زكى عنه بعد كمال الحول فعليه أن يزكى
الباقي على هذه الرواية وعلى رواية الجامع عليه نصف زكاة الباقي لان المعجل يجزئ عنهما
إذا وجبت الزكاة فيهما على تلك الرواية (قال) ولو أن رجلا له مائتا درهم فتصدق بدرهم
منها قبل الحول بيوم ثم تم الحول وفى يده مائتا درهم الا درهم فلا زكاة عليه لان المعجل
خرج عن ملكه بالوصول إلى كف الفقير فتم الحول ونصابه ناقص وكمال النصاب عند
تمام الحول معتبر لايجاب الزكاة فإذا لم يجب عليه الزكاة كان المؤدى تطوعا لا يملك استرداده
من الفقير لأنه وصل إلى كف الفقير بطريق القربة فلا يملك الرجوع فيه وهذا لأنه نوى
أصل التصدق والصفة فيسقط اعتبار الصفة حين لم يجب عليه الزكاة عند كمال الحول
24

فيبقى أصل نية الصدقة (قال) ولو أن رجلا له جارية للتجارة حال عليها الحول الا يوم ثم
اعورت فتم الحول وهي كذلك قال يزكيها عوراء ومراده إذا كانت قيمتها بعد العور
نصابا فأما إذا كانت دون النصاب فلا شئ عليه لان بالعور فات نصفها وكمال النصاب في
آخر الحول معتبر لايجاب الزكاة فإذا كانت قيمتها مع العور نصابا فعليه أن يزكيها عوراء
لان ما هلك منها قبل كمال الحول يصير في حكم الزكاة كما لم يكن فان ذهب العور بعد
كما حول فلا شئ عليه باعتبار ذهاب العور لأن هذه زيادة متصلة بعد كمال الحول وحكم
الزكاة لا يسرى إلى الزيادة الحادثة بعد كمال الحول متصلة كانت أو منفصلة. ألا ترى
أنه لو كانت قيمتها بعد العور أقل من نصاب فتم الحول وهي كذلك ثم ذهب العور لم
تلزمه الزكاة فكما لا يعتبر ذهاب العور بعد كمال الحول لايجاب أصل الزكاة فكذلك لا
يعتبر لايجاب أصل الزيادة ولو ذهب العور قبل كمال الحول فتم الحول وهي صحيحة العينين
فعليه زكاة قيمتها صحيحة لان الزيادة إنما حدثت قبل كمال الحول ومثل هذه الزيادة يضم إلى
أصل المال في حكم الزكاة متصلة كانت أو منفصلة متولدة كانت أو غير متولدة. ألا ترى أنه
لو كانت له ألفا درهم فضاع ألف منهما قبل الحول ثم حال الحول على الباقية فزكاها ثم وجد المال
الذي كان ضاع لم يكن عليه فيه زكاة بخلاف ما إذا وجد المال الذي ضاع قبل كمال الحول
وهذا لان المال الذي ضاع صار تاويا في حكم الزكاة فإذا وجده كان بمنزلة استفادة
استفادها من جنس ماله وحكم الزكاة إنما يتقرر بآخر الحول فإذا تقرر حكم الزكاة عليه
في الألف لا يلزمه بعد ذلك في الألف الأخرى شئ وان وجدها أما إذا وجدها قبل كمال
الحول فإنما يقرر حكم الزكاة عليه في الفين. ولو كانت الجارية اعورت بعد كمال الحول فعليه
أن يزكيها عوراء لأنه هلك نصفها ولو هلكت كلها بعد كمال الحول سقطت عنه الزكاة
فكذلك إذا هلك البعض فان ذهب العور فعليه أن يزكيها صحيحة لأنه تقرر عليه حكم
الزكاة في قيمتها صحيحة ثم انتقض بالخسران الذي لحقه وقد ارتفع ذلك الخسران بذهاب
العور فهو نظير ما لو ضاع أحد الألفين بعد كمال الحول فزكى ما بقي ثم وجد الذي
كان ضاع فعليه أن يزكيه وهذا الأصل الذي بيناه في كتاب الغصب أن الزيادة إذا
حدثت في محل النقصان كانت جابرة للنقصان وينعدم بها النقصان معنى. يوضحه ان وجوب
الزكاة باعتبار المالية وهي قد عادت بذهاب العور إلى المالية الأولى التي تقررت عليه الزكاة
25

فيها عند كمال الحول فعليه أن يؤدى ذلك كله (قال) رجل له ألف درهم حال عليها الحول
ثم ابتاع بها جارية للتجارة قيمتها ثمانمائة فعليه زكاة الألف فان ماتت الجارية فليس عليه الا
زكاة المائتين لأنه حابى في الشراء بقدر المائتين وذلك لا يتغابن الناس في مثله فصار مستهلكا
محل حق الفقراء في ذلك فيضمن زكاة المائتين وفى مقدار ثمانمائة حول حقهم من محل
إلى محل بعد له فان الجارية التي للتجارة بمنزلة الدراهم في كونها مال الزكاة فيكون هلاك الجارية
في يده كهلاك الدراهم وهذا بخلاف السوائم فان من وجب عليه الزكاة في خمس من
الإبل فاشترى بها أربعين من الغنم ثم هلكت الغنم فهو ضامن للزكاة لان وجوب
الزكاة في السوائم باعتبار العين فإنما النماء مطلوب من عينها والعين الثاني غير الأول
. الا ترى أن هذا التصرف لو وجد منه في خلال الحول انقطع به الحول فكذلك
إذا وجد بعد كمال الحول صار مستهلكا ضامنا للزكاة وهنا وجوب الزكاة في الدراهم
وعروض التجارة باعتبار المالية والنماء مطلوب بالتصرف ولهذا لو وجد منه هذا التصرف
في خلال الحول لم ينقطع به الحول فإذا وجد بعد كمال الحول لا يصير ضامنا للزكاة أيضا
فإن كان ابتاع بالألف جارية لغير التجارة والمسألة على حالها فعليه زكاة الألف ماتت
الجارية أو بقيت لأنه صار مستهلكا حق الفقراء بتصرفه فالجارية التي للخدمة ليست
بمال الزكاة ألا ترى ان هذا التصرف لو وجد منه في خلال الحول انقطع به الحول
فإذا وجد بعد كمال الحول صار ضامنا للزكاة (قال) رجل عنده جارية للتجارة فولدت
ولدا قبل الحول بيوم ثم حال الحول عليها فعليه زكاتهما جميعا لان الولد إنما ينفصل عن
الأم بصفتها وهي عنده للتجارة فولدها كذلك ثم المستفاد في خلال الحول يضم إلى
أصل النصاب بعلة المجانسة وإن لم يكن متولدا من الأصل فالمتولد أولى فان ولدت بعد
الحول بيوم فإنه يزكيها ولا يزكى ولدها لان الحول قد انتهي قبل انفصال الولد وإنما
يسرى من الأصل إلى الولد ما كان قائما لا ما كان منتهيا. الا ترى ان الرق ينتهي بالعتق
فالولد الذي ينفصل منها بعد العتق لا يكون رقيقا ولا لنا هذا بمنزلة مال استفاده من جنس
النصاب بعد كمال الحول فلا يجب فيه الزكاة الا باعتبار حول جديد * فان قيل لما ولدت
بعد الحول بيوم فقد علمنا أن حدوث الولد كان قبل كمال الحول فينبغي ان يثبت فيه حكم
الحول * قلنا نعم لكن وجوب الزكاة في الولد باعتبار صفة المالية لا باعتبار عينه وصفة المالية
26

تحدث بعد الانفصال فان الجنين في البطن لا يكون مالا متقوما ولهذا لا يضمن بالغصب
فما به صار الولد محل وجوب الزكاة حادث بعد كمال الحول فلا يسرى إليه حكم الزكاة (قال)
رجل له جارية قيمتها ألف درهم فباعها قبل الحول بيوم بثمانمائة درهم فعليه زكاة ثمانمائة
درهم لان وجوب الزكاة عند كمال الحول وماله عند ذلك ثمانمائة ولو استهلك الكل قبل
كمال الحول لم يضمن شيئا من الزكاة فكذلك إذا استهلك البعض بتصرفه. ولو باعها بعد
الحول فعليه زكاة الألف لأنه بقدر المحاباة صار مستهلكا ولو استهلك الكل بعد الحول
كان ضامنا للزكاة فكذلك إذا استهلك البعض (قال) وان كانت عنده لغير التجارة
فباعها قبل الحول بيوم بثمانمائة درهم فإنه يضم هذا إلى ماله فيزكيه مع ماله إذا تم الحول لان
هذا مستفاد من جنس النصاب في خلال الحول ولو باعها بعد الحول بيوم لم يكن عليه
زكاة في ثمنها حتى يحول عليه الحول لأنه مستفاد بعد تمام الحول وهذا لان الجارية لما لم
تكن للتجارة عنده فإنما حدثت المالية له في حكم الزكاة بتصرفه هذا فيكون ثمنها بمنزلة
مال وهب له في حكم الزكاة (قال) ولو كانت الجارية عنده للتجارة وقيمتها ألف درهم
فباعها بعد الحول بمائة درهم فعليه زكاة الألف قال لان هذا مما لا يتغابن الناس فيه بقدره
يشير بهذا إلى الفرق بين هذه وبين مسألة الجامع وهو ما إذا باعها بتسعمائة وخمسين فإنه
لا يكون ضامنا شيئا من الزكاة لان الخمسين ونحوها مما يتغابن الناس فيه وصاحب المال
مسلط على التصرف في ماله شرعا بمنزلة الأب والوصي في مال اليتيم وكما أن هناك يفصل
بين ما يتغابن الناس فيه وما لا يتغابن الناس فيه في تصرفهما فكذلك هنا يفصل بينهما فإذا
كانت المحاباة بقدر ما يتغابن الناس فيه لم يكن مستهلكا شيئا وان كانت بقدر مالا يتغابن
الناس فيه كان مستهلكا محل حق الفقراء في مقدار المحاباة فكان ضامنا للزكاة. ولو باعها
قبل الحول بيوم بمائة درهم ضم المائة إلى ماله ثم زكاه ولا شئ عليه في مقدار المحاباة لأنه صار
مستهلكا قبل وجوب الزكاة (قال) ولو كانت له جارية قيمتها خمسمائة فباعها بألف درهم
واشتراها المشترى للتجارة ثم حال الحول عليها ثم وجد بها عيبا فردها بقضاء أو بغير قضاء
فعلى البائع زكاة الألف لان حق المشترى عند رد الجارية بالعيب يثبت دينا في ذمة البائع
ويتخير هو بين أداء الألف وبين أداء ألف أخرى بناء على الأصل المعروف ان النقود
لا تتعين في العقود والفسوخ فهذا دين لحقه بعد الحول فلا يسقط عنه شئ من الزكاة
27

قال وعلى الراد زكاة خمسمائة درهم لأنه تم الحول وفى ملكه الجارية فقط وإنما استفادة
الزيادة بردها بعد كمال الحول فلهذا لا يلزمه الا زكاة الخمسمائة * فان قيل إنما كانت قيمة
الجارية خمسمائة حين كانت صحيحة لا عيب فيها فاما مع وجود العيب تكون قيمتها دون
الخمسمائة فينبغي أن لا تجب على المشترى زكاة خمسمائة * قلنا مراد محمد رحمه الله تعالى من
هذا الجواب ما إذا كانت قيمتها خمسمائة مع وجود هذا العيب على أن المشترى يستحق
الرجوع بحصة العيب إذا تعذر رد الجارية فبهذا الطريق يكون الجزء الفائت بسبب العيب
كالقائم حكما فلهذا يلزمه زكاة خمسمائة (قال) وان كانت قيمتها ألف درهم فباعها بخمسمائة
ثم حال الحول فوجد المشترى بها عيبا فردها فعلى المشترى زكاة ألف درهم لأنه تم الحول
والجارية في ملكه وهي تساوى ألف درهم فتلزمه زكاة الألف سواء ردها بقضاء أو بغير
قضاء لأنه مختار في الرد فيكون هذا بمنزلة بيعه إياها بخمسمائة بعد كمال الحول وعلى البائع
زكاة خمسمائة لأنه تم الحول وفى ملكه خمسمائة ثم استفاد الزيادة بعد ذلك بالرد عليه فلا
يلزمه الا زكاة خمسمائة (قال) ولو كان لرجل عبد ثمنه ألف درهم ولآخر جارية ثمنها ألف
درهم فتبايعا العبد بالجارية وتقابضا وهما للتجارة جميعا فحال الحول ثم وجد الذي قبض العبد
بالعبد عيبا فرده فإن كان رده بقضاء قاض وأخذ جاريته فعلى كل واحد منهما زكاة ألف درهم
أما الراد فلانه تم الحول وفى ملكه العبد ثم استفاد الزيادة بعد ذلك فلا يلزمه الا زكاة الألف
واما المردود عليه فلان عين الجارية استحقت من يده من غير اختياره وذلك مسقط للزكاة
عنه فلا يلزمه الا زكاة ما عاد إليه من المالية وذلك ألف درهم (قال) وان ردها بغير
قضاء قاض فعلى الراد زكاة الألف لما قلنا وعلى المردود عليه زكاة الألفين لأنه تم الحول
وفى ملكه جارية قيمتها ألفا درهم ثم أخرجها من ملكه باختياره حين أقال العقد بالعيب
بغير قضاء القاضي فيلزمه زكاة الألفين وهذا لان الرد بالعيب بغير القضاء فيلزمه زكاة الألفين
وهذا لان الرد بالعيب بغير قضاء بمنزلة الإقالة وهو في حق غيرهما كبيع مستقل وهذا
بخلاف ما سبق في الدراهم لان حق الراد هناك لا يتعين في الدراهم المدفوعة فلا يكون
ذلك بمنزلة الاستحقاق وهاهنا حق الراد يتعين في الجارية فلهذا جعل بمنزلة الاستحقاق إذا
رد العبد بقضاء القاضي ولو كان الذي قبض الجارية هو الذي وجد العيب بها فردها بقضاء
أو بغيره فعليه زكاة الألفين لأنه هو المختار للرد وقد تم الحول وماله ألفا درهم فلا يسقط عنه
28

شئ من الزكاة باخراجها من ملكه باختياره (قال) رجل له جارية للتجارة باعها بألف درهم
ثم باعها المشترى من آخر بألف درهم واشتراها كل واحد منهما للتجارة ثم استحقت بعد الحول
فعلى المشترى الآخر زكاة ألف درهم ولا زكاة على واحد من البائعين لأنها لما استحقت من
يد المشترى الآخر فقد استوجب الرجوع بثمنها على بائعها وذلك مال سالم له فعليه زكاته وأما
بائعها فقد تبين أنه كان له حق الرجوع على بائعها أيضا بألف درهم فإنما كان ماله ألفا وعليه
ألف درهم دين للمشترى الآخر فلا تلزمه الزكاة وكذلك الأول كان في يده ألف درهم
في الحول وعليه ألف درهم دين للمشترى الأول فلا تلزمه الزكاة ومال المديون لا يكون
نصاب الزكاة (قال) رجل له جارية للتجارة بثمن ألفي درهم فباعها بألف درهم بيعا فاسدا
واشتراها المشترى بنية التجارة وتقابضا فحال الحول فعلى المشترى أن يردها على البائع بفساد
العقد وعلى البائع زكاة ألفي درهم لأنها كانت مضمونة على المشترى بقيمتها وقيمتها ألفا
درهم فهي بمنزلة المغصوبة وتبين ان مال البائع عند كمال الحول ألفا درهم وعلى المشترى زكاة
الألف لان قيمتها دين في ذمته فإنما ماله الذي يسلم له ما دفع في ثمنها وهو ألف درهم فلهذا
لا يلزمه الا زكاة الألف ويستوى ان ردها بقضاء أو بغير قضاء أو لم يردها ولكن أعتقها
المشترى بعد الحول لان المعتبر هو المالية والمالية التي تسلم للبائع عند كمال الحول مقدارها
الفان فإنه اما أن يرد عليه الجارية أو قيمتها إذا تعذر رد عينها والذي يسلم للمشترى مقدار
الألف درهم فيلزمه زكاة الألف (قال) ولو أن رجلا له مائتا درهم فضاع نصفها قبل كمال
الحول بيوم ثم أفاد مائة فتم الحول وعنده مائتا درهم فعليه الزكاة لان المعتبر كمال النصاب
في آخر الحول مع بقاء شئ منه في خلال الحول وقد وجد والمستفاد لو كان قبل هلاك
بعض النصاب كان مضموما إلى النصاب لعلة المجانسة فكذلك بعد هلاك بعض النصاب
لبقاء حكم الحول في الموضعين فان تم الحول ولم يستفد هذه المائة ثم مضت السنة الثانية الا
يوما ثم استفاد مائة ثم تم الحول فلا شئ عليه في الحولين لأنه تم الحول الأول وماله دون
النصاب فلم تلزمه الزكاة ولم ينعقد الحول الثاني على ماله لنقصان النصاب في أول هذا
الحول وإنما استفاد المائة وليس على ماله حول ينعقد فلا تلزمه الزكاة ولكن ينعقد الحول
من حين استفاد المائة لأنه تم نصابه الآن فإذا تم الحول من هذا الوقت زكى المائتين
(قال) ولو أن رجلا وهب لرجل ألف درهم ثم حال عليها الحول عنده ثم وهبها الموهوب
29

له لغيره فعليه زكاتها لأنه صار مستهلكا محل حق الفقراء بما صنع حين أخرج المال من ملكه
بغير عوض ومراده ما إذا وهبها لغنى فاما إذا وهبها لفقير لم يكن ضامنا شيئا لان الهبة من
الفقير صدقة لا رجوع فيها ومن تصدق بجميع المال بعد كمال الحول لم يكن ضامنا للزكاة
وإن لم ينو الزكاة لأنه في مقدار الزكاة أوصل الحق إلى مستحقه فلو رجع فيها الواهب
الآخر فضاعت عنده لم يكن عليه فيها زكاة لان بالرجوع يعود إلى قديم ملكه ويخرج
به من أن يكون مستهلكا محل حق الفقراء فهلاكه في يده بعد الرجوع كهلاكه في يده
قبل الهبة وكذلك لو لم يضع ولكن رجع فيها الأول فلا زكاة على الواهب الثاني ولا على
الأول لأنها استحقت من يد الثاني بغير اختياره فالدراهم تتعين في الهبة والرجوع فيها ولا
زكاة على الأول لأنها لم تكن في ملكه حين تم الحول ويستوى إن كان الأول رجع
فيها بقضاء أو بغير قضاء عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى وعلى قول سفيان الثوري رحمه الله
ليس للواهب الأول أن يرجع في مقدار الزكاة إذا أدى ولكن الموهوب له يتصدق به على
الفقراء وقد بينا هذا في كتاب الهبة (قال) ولو كان له عبد للتجارة فحال عليه الحول
ثم باعه بمثل قيمته فعليه أداء الزكاة من ثمنه إذا قبضه لأنه حول حق الفقراء من محل
إلى محل يعد له فلو رده المشترى بخيار الرؤية واسترد الثمن فمات في يد البائع فلا زكاة عليه
لان الرد بخيار الرؤية فسخ من الأصل فإنما عاد العبد إلي قديم ملكه وهلاكه في يده بعد
ما عاد إليه كهلاكه قبل البيع وكذلك لو مات العبد قبل أن يقبض المشترى لان البيع ينتقض
من الأصل بفوات القبض المستحق بالعقد وكذلك لورده المشترى بخيار الشرط فمات
عند البائع فان خيار الشرط يمنع تمام الصفقة فالرد بحكمه يكون فسخا من الأصل سواء
كان بقضاء أو بغير قضاء (قال) رجل له عبد للتجارة فحال الحول وهو عنده ثم تزوج
عليه امرأة ودفعه إليها ثم فجر بها ابن زوجها قبل الدخول فعليها رد العبد لان الفرقة جاءت
من قبلها قبل الدخول في حكم الفسخ فإنما عاد العبد إلى قديم ملك الزوج فيكون
هلاكه بعد الاسترداد كهلاكه قبل النكاح وهذا لأنه لا بد للملك الجديد من سبب
جديد ولم يوجد هنا سبب جديد لملك الزوج في العبد فلا بد من القول بعوده إلى قديم
ملكه فلو مات العبد في يدها فهي ضامنه قيمته للزوج لأنه تعذر عليها رد العبد بعد تقرر
30

السبب الموجب للرد فتلزمها القيمة لأنها قبضته على وجه الملك لنفسها بعوض فيدخل
المقبوض في ضمانها فلو قبض الزوج منها القيمة فضاعت في يده فعليه الزكاة لأنه صار
مستهلكا محل حق الفقراء بتصرفه حين تزوج على رقبة العبد فإنه أخرجه من ملكه
بعوض لا يكون محلا لحق الفقراء فكان ضامنا للزكاة إلا أنه متى عاد إلى قديم ملكه يرتفع
حكم الاستهلاك به ولم يعد إلى قديم ملكه حتى هلك في يدها فبقي مستهلكا وهلاك
القيمة المقبوضة في يده كهلاك مال آخر وهو نظير ما لو اشترى جارية للخدمة ثم هلكت
الجارية قبل التسليم فاسترد القيمة لم يكن ضامنا للزكاة ولو كان العبد مات في يد بائع
الجارية فاسترد قيمته فهلكت القيمة في يده كان ضامنا للزكاة. ولو كان مكان العبد
عنده ألف درهم فحال عليها الحول ثم تزوج امرأة على ألف درهم ودفع إليها ثم قبلت ابن
زوجها بشهوة قبل الدخول فردت الألف إلى الزوج فضاعت منه فعليه فيها الزكاة بخلاف
ما سبق لان هناك لا يجب عليها رد الألف المقبوضة بعينها ولكن لها الخيار ان شاءت
ردت تلك الألف وإن شاءت ردت مثلها فلم يخرج الزوج من أن يكون مستهلكا محل
حق الفقراء وان ردت عليه تلك الألف وفى الأول عليها رد العبد بعينه فيخرج الزوج
من أن يكون مستهلكا بعود العبد إلى قديم ملكه (قال) ولو حال الحول بعد التسليم
إليها ثم قبلت ابنه بشهوة فردت عليه الألف فعليها زكاة الألف للسنة الثانية لأنه لما لم يلزمها
رد الألف بعينها كان هذا دينا لحقها بعد الحول فلا يسقط الزكاة عنها وعلى الزوج الزكاة
للسنة الأولى ولا زكاة عليه فيها للسنة الثانية لأنها في السنة الثانية كانت في ملك المرأة
ويدها وفى مسألة العبد لو نوت هي التجارة وحققت ذلك وحال الحول عندها ثم قبلت ابن
الزوج فردت العبد عليه لم يكن عليها زكاة لان عين العبد استحقت من يدها بعد وجوب
الزكاة وذلك مسقط للزكاة عنها وعلى قول زفر رحمه الله تعالى لا تسقط الزكاة عنها هنا لان
الفرقة جاءت من قبلها فهي التي اكتسبت سبب زوال ملكها عن العبد فتكون متلفة حق
الفقراء فتلزمها الزكاة ولكنا نقول لم يوجد منها صنع في ابطال ملكها في العبد لان صنعها
تقبيل ابن الزوج وذلك غير مبطل ملكها العبد ألا ترى أنه لو حصل ذلك منها بعد الدخول لم
يبطل ملكها في شئ من العبد ولكن المبطل لملكها انفساخ النكاح وذلك أمر حكمي فلهذا يجعل
هذا بمنزلة الاستحقاق من يدها (قال) رجل له ألف درهم ومائة درهم حال عليها الحول
31

الا شهرا فزكى الألف عما يستفيده فيما يستقبل ثم أفاد أربعين ألفا وحال عليها لحول فالمعجل
يجزئ من زكاة المستفاد وعليه زكاة المائة لان بما عجل لم ينقطع حكم الحول فقد بقي في ملكه
بعض النصاب وهو المائة ثم المستفاد مضموم إلى ما بقي عنده في حكم الحول بعلة المجانسة
فعند كمال الحول تلزمه الزكاة في الكل وزكاة أربعين ألف درهم ألف درهم وقد عجلها فإنما بقي عليه
زكاة المائة درهمان عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ودرهمان ونصف عندهما وعلى قول زفر رحمه الله
تعالى تعجيل الزكاة إنما يجوز عن المال القائم في ملكه ولا يجوز عما يستفيده فعليه زكاة المستفاد
عند كمال الحول ونحن نقول لما جعل المستفاد بمنزلة الموجود عنده في أول الحول في حكم
وجوب الزكاة فيه فكذلك يجعل بمنزلة الموجود عنده في حكم جواز التعجيل فان تم الحول
قبل أن يستفيد شيئا ثم أفاد أربعين ألفا فالمعجل لا يجزى من زكاتها ويجزى من زكاة المائة
خاصة وهذا غلط لأنه تم الحول وفى ملكه مائة درهم فالمعجل قد تم خروجه عن ملكه
بالوصول إلى الفقير فلا تجب عليه الزكاة في المائة أصلا إلا أن يكون المعجل يجزى من زكاة
المائة ثم حين استفاد أربعين ألفا نعقد الحول على ماله فإذا تم الحول من هذا الوقت كان
عليه أن يزكى الكل (قال) ولو كانت له مائة درهم فتصدق بها عما يفيد ثم أفاد ألف
درهم من عامه ذلك فالمعجل لا يجزى من زكاته لأنه إنما عجل قبل كمال النصاب وتعجيل
الزكاة قبل النصاب لا يجوز لمعنى وهو ان جواز التعجيل بعد تقرر السبب والسبب هو كمال
النصاب فالأداء قبله يكون تعجيلا قبل وجود السبب وذلك باطل بمنزلة أداء الصلاة قبل
دخول الوقت والصوم قبل دخول شهر رمضان (قال) فإن كانت له مائتا درهم فتصدق
بها كلها عما يفيد ثم أفاد عشرة آلاف درهم من عامه ذلك فإنه يستقبل بها حولا ولا
يجزيه المعجل عما يلزمه من زكاتها لأنه لما تصدق بجميعها فقد انقطع حكم الحول إذ لم
يبق في ملكه شئ مما انعقد عليه الحول فإذا انقطع حكم الحول كان المؤدى تطوعا ولا يجزيه
عما يلزمه من الزكاة من مال آخر باعتبار حول آخر وهذا بخلاف ما لو عجل عن المائتين عشرة
دراهم زكاة حولين ثم استفاد عشرة دراهم فمضى حولان فالمعجل يجزيه عن زكاة الحولين
جميعا لان هناك قد بقي حكم الحول ببقاء بعض النصاب وملك النصاب الواحد سبب
لوجوب الزكاة باعتبار كل حول وحولان الحول شرط لا سبب فلهذا جاز التعجيل أما هنا
لم يبق في ملكه شئ مما انعقد عليه الحول وملك ذلك النصاب ليس بسبب لوجوب الزكاة
32

في مال آخر مقصودا فلهذا لا يجزى المعجل حتى لو بقي عنده درهم من المائتين ثم استفاد
عشرة آلاف فتم الحول تلزمه الزكاة ويجزى المعجل عما يلزمه لأنه بقي الحول منعقدا ببقاء
جزء من النصاب في ملكه وقد استفاد من جنسه فتم الحول ونصابه كامل فتلزمه الزكاة
ويجزيه المعجل عما يلزمه باعتبار هذا الحول (قال) ولو كانت له مائتا درهم فضاع نصفها
يعد كمال الحول فعليه أداء درهمين ونصف اعتبارا للبعض بالكل فإنه لو ضاع الكل يسقط
عنه جميع الزكاة فان ضاع النصف سقط عنه نصف الزكاة ثم هذا على أصلهما واضح فإنما
يوجبان الكسور في زكاة الدراهم ابتداء فالبقاء أولى وأبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يوجب
الكسور في زكاة الدراهم ابتداء ولكن يقول ببقاء الكسور بعد الوجوب لان كمال
النصاب معتبر لوجوب الزكاة وهو غير معتبر لبقاء الواجب (قال) رجل له ألف درهم
حال عليها خمسة أحوال ثم ضاع نصفها فعليه نصف ما وجب عليه في هذه الخمس سنين
وهذا ظاهر لان هلاك النصف معتبر بهلاك الكل وإنما الكلام في بيان ما يلزمه فيها
في هذه الأحوال فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يلزمه في الحول الأول خمسة وعشرون
درهما وفي الحول الثاني أربعة وعشرون درهما لان مقدار خمسة وعشرين درهما صار دينا
عليه ودين الزكاة يمنع وجوب الزكاة عنده وهو لا يرى الزكاة في الكسور وإنما يلزمه في
السنة الثانية زكاة تسعمائة وستين درهما وهكذا في كل سنة لا يعتبر في ماله ما وجب عليه
من الزكاة للسنين الماضية والكسور في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعلى قول أبى يوسف
ومحمد رحمهما الله تعالى لا يعتبر من ماله ما وجب عليه من الزكاة للسنين الماضية وتعتبر
الكسور لأنهما يوجبان الزكاة في الكسور ولا يعتبر ان بعد النصاب الأول نصابا وعلى
قول زفر رحمه الله تعالى يلزمه في كل سنة خمسة وعشرون درهما لان دين الزكاة عنده لا يمنع
وجوب الزكاة في الأموال الباطنة وقد بينا هذا الأصل في كتاب الزكاة (قال) رجل له
ألف درهم حال عليها الحول ثم استفاد ألفا أخرى فحال الحول عليها ثم استفاد ألفا أخرى
فحال الحول عليها ثم ضاع نصفها فإنه يزكى في السنة الأولى نصف المال الأول وفي السنة
الثانية ما بقي من نصف المال الأول ونصف المال الآخر وفى السنة الثالثة ما بقي من المال
الأول والمال الثاني ونصف المال الآخر كله لان الألف الأولى حال عليها ثلاثة أحوال ثم
هلك نصفها فعليه فيها السنة الأولى زكاة نصف الألف وفى السنة الثانية كذلك الا مقدار
33

ما وجب فيها للسنة الأولى فان ذلك صار دينا عليه وفى السنة الثالثة كذلك الا مقدار ما وجب
عليه للحولين والألف الثانية حال عليها حولان ثم هلك نصفها فعليه أن يزكى للحول الأول
نصفها وللحول الثاني كذلك الا مقدار ما وجب عليه للحول الأول والألف الثالثة حال
عليها حول واحد ثم هلك نصفها فعليه أن يزكي نصفها لان هلاك بعض المال بعد وجوب
الزكاة معتبر بهلاك الكل (قال) ولو أن رجلا له أربعون ألف درهم حال عليها الحول
ثم أخرج ألف درهم منها يزكيها فتصدق بخمسمائة درهم ثم ضاع عشرون ألف درهم من
المال وبقي تسعة عشر ألفا وهذه الخمس مائة التي بقيت من الألف التي أخرجها للزكاة
فالخمس مائة التي زكى عن تسعة وثلاثين ألفا وخمسمائة لأنه حين أدى كان في ملكه تسعة
وثلاثين ألفا سوى الألف التي أخرجها للزكاة فإذا ضمت هذه الخمسمائة المؤداة إلى تسعة
وثلاثون ألفا كان الكل تسعة وثلاثين ألفا وخمسمائة وإنما قصد أداء الزكاة عن جميع ذلك
فلهذا تتوزع تلك الخمسمائة على هذه الجملة فما أصاب عشرين ألفا التي هلكت بطل عنه لأنه
أدى بعض زكاتها وهلك البعض وما أصاب تسعة عشر ألفا وخمسمائة يحتسب له من
زكاتها ويؤدى ما بقي من زكاتها اعتبارا لهلاك البعض بهلاك الكل (قال) ولو أن رجلا
له ثلاثمائة درهم فحال عليها ثلاثة أحوال ثم ضاع نصفها فإنه يزكي خمسين ومائة درهم
لسنة واحدة وهذا إنما يستقيم على أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان عنده النصاب الأول
يجعل أصلا ويجعل الهلاك فيما زاد على النصاب الأول كأن لم يكن فكأنه كان في ملكه
في الأحوال الثلاثة مائتا درهم فلا يجب فيها الا خمسة دراهم للحول الأول ثم هلك ربعها
فيسقط عنه ربع الواجب ويبقى ثلاثة أرباعه أما على قول محمد وهو رواية عن أبي يوسف
رحمهما الله تعالى يجمع بين ما وجب عليه في الأحوال الثلاثة ثم يسقط نصف ذلك بهلاك
نصف المال ويبقى النصف لبقاء نصف المال (قال) ولو أن رجلا تصدق بمال لا ينوى به
زكاته فإنه لا يجزيه من زكاته لقوله صلى الله عليه وسلم ولكل امرئ ما نوى ولان الزكاة
عبادة مقصودة فلا تتأدى بدون النية ومراده إذا تصدق بمال آخر سوى النصاب
فاما إذا تصدق بجميع النصاب الذي وجبت فيه الزكاة فإنه يسقط عنه الزكاة نوى أو لم
ينو استحسانا لان الواجب جزء منه وقد أوصله إلى مستحقه فان تصدق ببعض النصاب
ففيه اختلاف بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى عند أحدهما لا يسقط شئ
34

من الزكاة وعند الآخر يسقط عنه مقدار زكاة المؤدى وقد بينا هذا في كتاب الزكاة
(قال) وان تصدق رجل عنه بأمره من مال نفسه جاز لان الصدقة تجزئ فيها النيابة
فأداء الغير بأمره كأدائه بنفسه وهذا لحصول المقصود به وهو اغناء المحتاج ثم لا يكون
للمؤدى أن يرجع عليه بدون الشرط بخلاف ما لو قضى دينه بأمره فان الدين كان واجبا
في ذمته وكان هو مطلوبا به مجبرا على قضائه فإذا ملكه المؤدى ببدل أداه من عند نفسه
بأمره رجع به عليه ولا يوجد مثله في الزكاة فإنه كان مخيرا بأدائه ولا يجبر عليه في الحكم فلم
يكن المؤدى مملكا شيئا منه فلا يرجع عليه بدون شرط كما لو عوض عن هبته بأمره وإن
تصدق عنه بغير أمره لم يجزه عن الزكاة لانعدام النية منه وهذا لان معنى الابتلاء مطلوب
في العبادة وذلك لا يتحقق بأداء الغير بدون أمر من وجبت عليه الزكاة (قال) لو أن
رجلا له جارية للتجارة حال عليها الحول وهي تساوى مائتي درهم فصارت تساوى أربعمائة
درهم ثم اعورت فصارت قيمتها مائة درهم فعليه أن يؤدى الزكاة عن مائة درهم لان
الزيادة الحادثة كانت تبعا للأصل فيجعل ما هلك من الزيادة أولا ويصير ذلك كأن لم
يكن فكأنها اعورت حين كان قيمتها مائتي درهم وتراجعت قيمتها إلى مائة فيسقط عنه
نصف الزكاة باعتبار ما هلك ويبقى النصف باعتبار ما بقي. ولو كانت عنده جارية قيمتها مائتا
درهم حال عليها الحول ثم باعها بثلاثمائة درهم ثم توت منه مائتا درهم فعليه أن يزكى المائة
لان الربح كان تبعا للأصل فما توى من الربح صار كأنه لم يكن وكأنه باعها بمائتين فتوت
مائة واستوفى مائة فيلزمه زكاة المائة اعتبارا للبعض بالكل (قال) رجل له ألف درهم
على غنى أو فقير فحال عليها الحول ثم تصدق بها عليه أو أبرأه منها فلا زكاة عليه فيها ولا
تجزيه من زكاة غيرها وان نوى ذلك وقد بينا ان أداء الدين بزكاة المال العين لا يجوز
لأن العين أكمل من الدين في المالية اما زكاة هذه الألف فلا اشكال انها تسقط عنه
إذا كان المديون فقيرا لأنه أوصل الحق إلى مستحقه وإن كان المديون غنيا فكذلك
الجواب في رواية هذا الكتاب وفى رواية الجامع قال يكون ضامنا زكاتها. وجه تلك
الرواية انه لو كان المال عينا في يده فوهبه من غنى بعد وجوب الزكاة عليه صار مستهلكا
حق الفقراء ضامنا للزكاة فكذلك إذا كان دينا فأبرأه منه لأنه لا حق في الزكاة للغنى
فلا يكون في فعله ايصال الحق إلى مستحقه. وجه هذه الرواية ان أداء الزكاة عن الدين
35

لا يجب الا بعد القبض وحين أبرأه المديون منه فقد انعدم القبض فلا يلزمه أداء الزكاة عنه
والا صح ما ذكر في الجامع أنه بالابراء صار مبطلا الدين بتصرفه فيكون بمنزلة القابض
المستهلك كالمشترى إذا أعتق المبيع قبل القبض يصير قابضا حتى يتقرر عليه جميع الثمن ولو
تصدق بها على فقير آخر وأمره بقبضها منه ينوى عن زكاته فان ذلك يجزيه لان ذلك
الفقير وكيل من جهته في القبض فكأنه قبضها بنفسه ثم تصدق بها عليه ينوى من زكاته
وكذلك أن قبضها ثم تصدق بها على المديون وهو ينوى من زكاته فإنه يجزيه إذا كان فقيرا
كما لو تصدق بها على غيره وإن كان غنيا وهو يعلم بذلك لم يجزه عن الزكاة ويكون ضامنا
زكاة هذه الألف على الروايتين جميعا اما على رواية الجامع فلا يشك فيه وعلى رواية هذا الكتاب
فلانه بالقبض وجب عليه أداء الزكاة فكان هبته منه كهبته من غنى آخر وان كأن لا يعلم بغناه
ثم علم بعد الأداء إليه فذلك يجزيه من الزكاة في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى خلافا
لأبي يوسف رحمه الله تعالى ومراده إذا تحرى ودفع إليه على أنه فقير وقد بينا هذا في كتاب
التحري وكذلك لو كان المتصدق عليه ذميا فان دفع الزكاة إلى الذمي مع العلم لا يجوز كدفعه
إلى الغنى. وان تصدق بها على والده أو ولده أو زوجته أو تصدقت المرأة بذلك على زوجها وهم
لا يعلمون بذلك ثم علموا فإنه لا يجزيهم من الزكاة في رواية هذا الكتاب وفى رواية كتاب
الزكاة والتحري قال يجزى ذلك في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى واستدلا فيه
بحديث معن بن يزيد وقد بينا وجه تلك الرواية ووجه هذه الرواية ان النسب وإن كان طريق
معرفته في الأصل الاجتهاد فإنه بمنزلة المقطوع به شرعا ولهذا لو نفى نسب رجل عن أبيه
لزمه الحد فإنما تحول من اجتهاد إلى يقين ولا معتبر بالاجتهاد بعد اليقين كما لو قضى القاضي
في حادثة باجتهاده ثم ظهر نص بخلافه بخلاف مسألة الغنى لان الغنى والفقير مما لا يمكن
الوقوف على حقيقته فإنما تحول هناك من اجتهاد إلى اجتهاد وكذلك لو تصدق به على عبد
أبيه أو أمه وهو لا يعلم به ثم علم بعده لم يجزه عندهم جميعا وهذا على رواية هذا الكتاب فان
التصدق بالزكاة على عبده بمنزلة التصدق على مولاه ولهذا لو تصدق به على عبد غنى وهو
يعلم به فإنه لا يجزيه ولو تصدق به على حربي دخل الينا بأمان أو بغير أمان لم يجزه على رواية
هذا الكتاب إذا كأن لا يعلم به وفى رواية كتاب الزكاة جعله بمنزلة التصدق به على الذمي
فقال يجزيه في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ووجه هذه الرواية ان التصدق على
36

الحربي لا يكون قربة الا ترى أنه لا يتنفل به وقد نهينا عن مبرة أهل الحرب قال الله
تعالى إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين فلا يقع فعله موقع الصدقة بخلاف التصدق
به على الذمي فإنه يقع موقع الصدقة لأنا لم ننه عن المبرة مع من لا يقاتلنا ولهذا جاز التنفل
به (قال) ولو دخل مسلم دار الحرب بأمان فمكث فيها سنتين فعليه الزكاة في المال
الذي خلف وفيما أفاد في دار الحرب لأنه مخاطب بحكم الاسلام حيث ما يكون إلا أن
ماله الذي خلف في دار الاسلام إذا كان من السوائم فللسلطان حق أخذ الزكاة منه
بخلاف ما أفاد في دار الحرب لان فيما أفاد في دار الحرب قد انعدمت الحماية من
إمام المسلمين فلا يكون له أن يأخذ الزكاة منها ولكن يعنى من عليه بالأداء إلى فقراء
المسلمين الذين يسكنون في دار الاسلام بخلاف ما إذا وجبت عليه الزكاة في دار الاسلام
فإنه يؤمر بالدفع إلى أهل بلده لان فقراء أهل بلده لهم حق المجاورة مع الحاجة وقد بينا
هذا في كتاب الزكاة فأما في دار الحرب قل ما يجد فقراء المسلمين ولو وجدهم فالفقراء
الذين يسكنون في دار الاسلام أفضل من الذين يسكنون في دار الحرب وقد بينا أن من في
دار الاسلام لو نقل صدقة بلده إلى فقراء بلدة أخرى هم أفضل من فقراء أهل بلدته فذلك
أولى به ولو أن رجلا له مائة درهم وسيف فيه فضة مائة درهم ولا مال له غيره فعليه فيه
الزكاة لان وجوب الزكاة في الفضة باعتبار العين فحلية السيف وغيرها من ذلك سواء في
تكميل النصاب به (قال) ولو كانت له أو ان من الذهب والفضة للاستعمال لا للتجارة فعليه فيها
الزكاة بخلاف اللؤلؤ والياقوت والجواهر إذا لم تكن للتجارة فإنه لا زكاة فيها لان وجوب
الزكاة فيها باعتبار معنى النماء ولا يتحقق ذلك الا بنية التجارة فيها كسائر العروض فأما
وجوب الزكاة في الذهب والفضة باعتبار عينها والعين لا تتبدل بالصنعة ولا بالاستعمال ثم لم
يبين هنا ولا في كتاب الزكاة انه كيف يؤدى الزكاة من الأواني المصوغة. وقد روى
عن محمد رحمه الله تعالى قال إذا كان له اناء مصوغ من الفضة وزنه مائتا درهم فاما أن
يتصدق بربع عشره على فقير فيكون شريكا له في ذلك أو يؤدى قيمة ربع عشرة من
الذهب فان أدى خمسة دراهم لم يسقط عنه جميع الزكاة وعليه أن يؤدى فضل القيمة وهذا
صحيح على أصل محمد وزفر رحمهما الله تعالى في اعتبار القيمة فيما يؤدى مع المجانسة فإنه لا ربا
في أداء الزكاة فأما على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ان أدى خمسة دراهم تسقط عنه
37

الزكاة لأنه يعتبر الوزن دون الجودة والصنعة فان أدى قيمة خمسة دراهم من الذهب لم يسقط
عنه جميع الزكاة لان عند اختلاف الجنس تعتبر القيمة فلا بد من أداء الفضل (قال) رجل
له مائتا درهم فقال هي في المساكين صدقة ان كلمت فلانا فكلمه ثم حال عليها الحول فعليه
فيها الزكاة لأنه وان لزمه التصدق بها بحكم النذر فملكه كامل فيها فان ديون الله تعالى
لا تمكن نقصانا في الملك خصوصا ما لا تتوجه المطالبة به بحال فلا يمنع ذلك وجوب الزكاة
في ماله بخلاف دين الزكاة فان تصدق بها عما أوجب على نفسه فعليه زكاتها خمسة دراهم لأنه
صرف حق الفقراء إلى حاجته فان الوفاء بالنذر من جملة حاجته فهو بمنزلة انفاقه المال على
نفسه فيكون ضامنا للزكاة وان تصدق بخمسة دراهم منها ينوى عن زكاتها ثم تصدق بما
بقي مما أوجب على نفسه فعليه خمسة دراهم يتصدق بها لان التصدق بالخمسة الأولى
كان عن الزكاة دون النذر فإنه نواها عن الزكاة وللمرء ما نوى ثم تصدق عن نذره بمائة
وخمسة وتسعين وإنما التزم التصدق بمائتين عن نذره فعليه ان يؤدى خمسة أخرى. وان
ضاع المال بعد الحول فلا شئ عليه من الزكاة ولا مما أوجب على نفسه لان كل واحد منهما
كان غنيا في هذا المحل فلا يبقى بعد فوات المحل بخلاف ما سبق لان هناك وجد منه تصرف
وهو الأداء ولا وجه لتجويز المؤدى عنهما جميعا لان المحل الواحد لا يتسع لذلك فجعلنا
المؤدى عما نواه وصار هو في حق الآخر كالمستهلك للمحل وهنا لم يوجد منه تصرف
وإنما فات المحل لضياع المال ومعنى فوات المحل يتحقق في كل واحد من الحقين فلهذا
لا يلزمه شئ آخر (قال) ولو أن أم ولد لرجل لها حلي من ذهب أو فضة فعلى المولى
أن يزكى ذلك مع ماله إذا حال الحول لان أم الولد في حكم الملك كالأمة القنة فكسبها وما
في يدها يكون ملكا للمولى وكذلك كسب العبد الذي لا دين عليه فإن كان على العبد دين
كثير محيط بما في يده فلا زكاة على سيده فيما في يده اما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
فلان المولى لا يملك ما في يده واما عندهما فلان ما في يده مشغول بحق الغرماء والمال المشغول
بالدين لا يكون نصاب الزكاة فإن كان في يده أكثر مما عليه فالفضل مملوك للمولى
فارغ عن حق الغرماء فيضمه إلى ماله ويزكيه ولكن هذا بعد ما يقضى العبد ديونه لأنه
لا يسلم للمولى شئ من كسبه قبل قضاء ديونه فإذا قضى ديونه فالآن يسلم الفضل للمولى
فيؤدى الزكاة عنه بمنزلة مال له على رجل فقضاه فإنه يلزمه أداء الزكاة عنه بعد الاستيفاء
38

(قال) والمجنون إذا كان له مال فحال عليه الحول ثم برأ فلا زكاة عليه للحول الماضي
سواء كان مجنونا جنونا أصليا أو جنونا طارئا وان أفاق في يوم من الحول في أوله أو في
آخره فعليه الزكاة قال وهو بمنزلة رمضان يعنى إذا كان مفيقا في يوم من رمضان في
أوله أو في آخره فعليه صوم جميع الشهر ويتبين بما ذكر هنا ان في الصوم لا فرق بين الجنون
الأصلي والجنون الطارئ وقد بينا اختلاف الروايات فيه في كتاب الصوم والذي قال هنا
في كتاب الزكاة قول محمد رحمه الله تعالى وهو رواية ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله
تعالى وروى هشام عن أبي يوسف ان المعتبر أكثر الحول وقال إن كان مفيقا في أكثر
الحول تلزمه الزكاة وإن كان مجنونا في أكثر الحول لا تلزمه الزكاة وقاس الأهلية فيمن
تجب عليه بالمحلية فيما تجب فيه الزكاة وهي السائمة فان صاحب السائمة إذا كان يعلفها بعض
الحول اعتبرنا فيه أكثر الحول فإن كانت سائمة في أكثر الحول تجب فيها الزكاة وإلا فلا
وهذا لان الأقل تبع للأكثر وللأكثر حكم الكل الا ترى ان الذمي إذا كان
صحيحا في أكثر السنة تلزمه الجزية وإن كان مريضا في أكثر السنة لا تلزمه الجزية وجه
ظاهر الرواية ان الحول للزكاة كالشهر للصوم ثم لو أدرك جزء من الشهر مفيقا يلزمه صوم
جميع الشهر فكذلك إذا أدرك جزء من الحول مفيقا تلزمه الزكاة والدليل عليه المستفاد فان
وجود المستفاد في ملكه في جزء من الحول وان قل كوجوده في جميع الحول في حكم الزكاة
فكذلك حكم الإفاقة (قال) والأجير والمضارب وصاحب البضاعة والمستودع والعبد
والمكاتب لا يعتبر أحد من هؤلاء أما الأجير وصاحب البضاعة والمستودع فلأنهم أمناء لا
حق لهم في المال والعاشر إنما يأخذ الزكاة وذلك لا يكون الا بنية صاحب المال وأدائه أو
أمره بذلك ولم يوجد وأما المضارب ففي قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الأول يأخذ العاشر
منه الزكاة وفى قوله الآخر لا يأخذ نص عليه في الجامع الصغير قال يعقوب ولا أعلمه رجع
في العبد وقياس قوله الآخر يوجب أن لا يعتبر العبد أيضا وهنا نص على التسوية بين العبد
والمضارب فعرفنا ان الصحيح رجوعه في العبد أيضا وأما المكاتب فلا شك ان العاشر لا يأخذ
منه شيئا لأنه لا مالك لكسبه فالمكاتب ليس من أهل الملك والمولى لا يملك كسبه ما بقي عقد
الكتابة فلا يأخذ منه شيئا سواء كان السيد معه أو لم يكن فأما المتفاوضان والشريكان شركة
عنان فعلى كل واحد منهما أن يزكى نصف ما في أيديهما لان ملك كل واحد منهما في
39

النصف المشترك كامل وان أخذ العاشر من المضارب شيئا فكذلك لا يجزئ رب المال
من زكاته لان العاشر غاصب فيما أخذ منه بغير حق ومن عليه الزكاة إذا غصب بعض ماله
لم يجزه ذلك من الزكاة ولا ضمان على المضارب لأنه أمين أخذ منه المال بغير اختياره ولكن
لا ربح له حتى يستوفي رب المال ماله لان ما أخذه العاشر تاو فكأنه هلك بعض المال من يد
المضارب وإن كان المضارب هو الذي دفع ذلك إليه كان ضامنا لرب المال ما دفعه إليه لأنه خائن
في دفع المال إلى غير من أمر بالدفع إليه (قال) ولو أن أحد المتفاوضين أو أحد الشريكين
شركة عنان أدى الزكاة عن المال كله بغير إذن الشريك فهو ضامن لنصيب الشريك فيما أدى
لان كل واحد منهما نائب عن صاحبه في التجارة واستنماء المال لا في أداء الزكاة فكان متعديا
فيما أدى من نصيب الشريك وذلك لا يجزئ من زكاة الشريك لانعدام نيته وأمره فإن كان
كل واحد منهما فعل ذلك كان كل واحد منهما ضامنا لصاحبه نصيبه فيتعاوضان ويكون
كل واحد منهما متطوعا فيم أدى زيادة على ما عليه حتى لا يرجع واحد منهما على الفقير بشئ
وإن كان واحد منهما أمر صاحبه بأداء الزكاة عن جميع المال فان أدى أحدهما جاز المؤدى
عن زكاتهما وان أديا جميعا معا فكل واحد منهما يكون مؤديا زكاة نصيبه ولا رجوع
لواحد منهما على صاحبه بشئ سواء أديا من المال المشترك أو أدى كل واحد منهما من
خالص ماله فان أدى أحدهما أولا من خالص ملكه لم يرجع على صاحبه بشئ إلا أن
يكون كل واحد منهما شرط عند الامر أن يرجع عليه بما يؤدى عنه وقد بينا هذا في
المأمور إذا لم يكن شريكا فكذلك إذا كان شريكا في المال وان أدى أحدهما من المال
المشترك ثم أدى الآخر من المال المشترك أيضا فالثاني ضامن لنصيب صاحبه في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى سواء علم بذلك أو لم يعلم وعندهما لا يكون ضامنا سواء علم بأدائه أو لم يعلم
نص عليه في الزيادات وفى كتاب الزكاة فرق بين أن يعلم بأدائه أو لم يعلم وقد بينا
المسألة هناك (قال) ولو أن رجلين بينهما عبد قيمته ألف درهم فأعتقه أحدهما وهو معسر
فاستسعى الآخر العبد في حصته وأخذها منه بعد حول فلا زكاة عليه في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى لان من أصله أن المستسعى في بعض قيمته مكاتب وما عليه بمنزلة بدل
الكتابة ولا زكاة في بذل الكتابة حتى يحول عليه الحول بعد القبض وأما عندهما المستسعي
في بعض قيمته حر عليه دين لان العتق عندهما لا يتجزى فتجب الزكاة فيه قبل القبض
40

ويلزمه الأداء إذا قبضة بمنزلة دين له على آخر فإن كان المعتق موسرا فضمنه الشريك
نصف قيمته وقبضه بعد الحول تلزمه الزكاة عندهم جميعا لأنه صار مملكا نصيبه من شريكه
باختياره تضمينه فهو بمنزلة ما لو ملك نصيبه بالبيع بالدراهم إذا قبض الثمن بعد الحول تلزمه
الزكاة لما مضى (قال) ولو أن رجلا ورث عن أبيه ألف درهم فأخذها بعد سنين فلا
زكاة عليه لما مضى في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الآخر وفي قولهما عليه الزكاة لما مضى
ففي هذه الرواية جعل الموروث بمنزلة الدين الضعيف مثل الصداق وبدل الخلع وفى ذلك
قولان لأبي حنيفة رحمه الله تعالى فكذلك في هذا وفي كتاب الزكاة جعل الموروث كالدين
المتوسط عند أبي حنيفة رحمه الله وهو ثمن مال البذلة والمهنة فقال إذا قبض نصابا كاملا بعد
كمال الحول تلزمه الزكاة لما مضي وجه تلك الرواية ان الوارث يخلف المورث في ملكه وذلك الدين
كان مال الزكاة في ملك المورث فكذلك في ملك الوارث ووجه هذه الرواية أن الملك في الميراث
يثبت للوارث بغير عوض فيكون هذا بمنزلة ما يملك دينا عوضا عما ليس بمال وهو الصداق
فلا يكون نصاب الزكاة حتى يقبض يوضحه ان الميراث صلة شرعية والصداق للمرأة في معنى
الصلة أيضا من وجه قال الله تعالى وآتوا النساء صدقاتهن نحلة أي عطية وما يستحق
بطريق الصلة لا يتم فيه الملك قبل القبض فلا يكون نصاب الزكاة (قال) ولو باع جارية
بألف درهم لغير التجارة فأخذها بعد سنين فعليه الزكاة لما مضى عندهم جميعا وهذا ذكره
في كتاب الزكاة وذكر ابن سماعة ان على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا تلزمه الزكاة حتى
يحول عليه الحول بعد القبض قال الكرخي وهو الصحيح وقد بينا وجه الروايتين في كتاب
الزكاة ثم على هذه الرواية ما لم يقبض مائتين لا تلزمه الزكاة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
بخلاف الدين الذي هو عوض عن مال التجارة فإنه إذا قبض منه أربعين درهما تلزمه
الزكاة لان أصل ذلك المال كان نصاب الزكاة فعوضه يكون بناء في حكم الزكاة ونصاب
البناء يتقدر بأربعين درهما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهنا أصل هذا المال لم يكن مال
الزكاة فكان ثمنه في حكم الزكاة أصلا مبتدأ ونصاب الابتداء يتقدر بمائتين فلا يلزمه أداء
الزكاة ما لم يقبض مائتين وعندهما إذا قبض شيئا قليلا أو كثيرا تلزمه الزكاة بقدر ما قبض
في الديون كلها وقد بينا هذا في كتاب الزكاة (قال) ولو أن رجلا أوصى لرجل بوصية
ألف درهم فمكث سنين ثم بلغه فقبل الوصية ثم أخذها فلا زكاة عليه لما مضى لان
41

الموصى به لا يدخل في ملك الموصى له قبل قبوله فلا يكون نصاب الزكاة في حقه وعلى قياس
قول زفر رحمه الله تعالى ينبغي ان تلزمه الزكاة لما مضى لان عنده الموصي به يدخل في ملك
الموصى له قبل قبوله بمنزلة الميراث فان قبلها ثم حال الحول قبل أن يقبضها فلا زكاة عليه في قول
أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعليه الزكاة لما مضي في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
وهذا لان الموصى به إنما يملكه الموصى له بطريق الصلة فلا يتم ملكه فيه الا بالقبض في قول
أبي حنيفة رحمه الله تعالى ومن أصحابنا من قال مسألة الوصية بعد قبول الموصى له نظير
مسألة الميراث وفيها رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى كما بينا في الميراث ولا صح ان في
مسألة الوصية الرواية واحدة انه لا تجب عليه الزكاة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الآخر
بخلاف الميراث على رواية كتاب الزكاة لان ملك الموصي له بناء على ملك الموصى حتى لا يرد
بالعيب ولا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصى فاما ملك الوارث ينبني على ملك المورث فلهذا
اعتبر هناك ملك المورث وجعله نصاب الزكاة قبل القبض واعتبر هاهنا ملك الموصى له
ابتداء فلم يجعله نصاب الزكاة ما لم يتم ملكه بالقبض (قال) ولو أن رجلا له ألف درهم
وخاتم فضة في أصبعه فيه درهم فحال الحول على المال غير شهر ثم ضاع المال وبقي الخاتم
ثم استفاد ألفا وتم الحول فعليه ان يزكى المال لان فضة الخاتم كانت مضمومة إلى الألف
في حكم النصاب فيبقى الحول ببقائها وان ضاع الألف على ما بينا أن بقاء جزء من النصاب
يكفي لبقاء الحول فإنما استفاد الألف والحول باق فتلزمه الزكاة إذا تم الحول لوجود كمال
النصاب في طرفي الحول مع بقاء شئ منه في خلال الحول ولو لم يكن له خاتم والمسألة بحالها
فإنه يستقبل الحول على المستفاد منذ ملكه لأنه هلك جميع النصاب حين ضاع المال الأول
فلم يبق الحول الأول منعقدا لان البقاء يستدعي جزء من النصاب فان وجد درهما من
الدراهم الأول قبل الحول بيوم ضمه إلى ما عنده فيزكى الكل وكذلك أن وجد البقية
بعد ما زكى فعليه أن يزكى كلها وإن لم يكن له خاتم لان بالضياع لا ينعدم أصل الملك وإنما
تنعدم يده وتمكنه من التصرف فيه فإذا ارتفع ذلك قبل كمال الحول بأن وجد كله أو بعضه
صار الضياع كأن لم يكن فكأنه كان في يده حتى وجد الألف الأخرى وتم الحول فتلزمه
الزكاة عن الكل وهو نظير ما لو وجب عليه دين مستغرق في خلال الحول ثم سقط
الدين قبل تمام الحول فإنه يلزمه أداء الزكاة إذا تم الحول وإن كان إنما وجد ما ضاع بعد الحول
42

فلا زكاة عليه فيها حتى يكمل الحول فيه منذ استفاد المال لأنه لما تم الحول والمال الأول
تاو لم يجب عليه شئ باعتباره وإنما انعقد الحول على ماله من حين استفاد وان كانت ضاعت
الألف الأولى بعد الحول وبقي الخاتم فعليه الزكاة في الخاتم بقدر حصته لأنه كان مضموما
إلى ماله ووجبت الزكاة فيه ولما تم الحول ثم هلك بعض ماله بعد وجوب الزكاة وبقي
البعض فعليه أن يؤدى من الباقي حصته (قال) فان مر على العاشر بمائتي درهم غير درهم
وفي يده خاتم فضة فيه درهم فان العاشر يأخذ منه الزكاة لان المعتبر كمال النصاب فيما يمر به
على العاشر وقد وجد فان الخاتم من نصابه وإن لم يكن في يده خاتم فلا زكاة عليه ولا يأخذ
منه العاشر شيئا وان أخبره بمال آخر له في بيته لأنه إنما يعتبر كمال النصاب في المال الممرور
به عليه ولم يوجد وهذا لان ثبوت حق الاخذ للعاشر باعتبار حاجة صاحب المال إلى الحماية
وذلك في المال الممرور به عليه دون الذي خلفه في بيته فإذا كان الممرور به عليه نصابا
كاملا يأخذ منه الزكاة والا لم يأخذ منه شيئا قال ولو أن رجلا وهب لرجل ألف درهم
فحال عليها الحول ثم رجع فيها الواهب بقضاء أو بغير قضاء فلا زكاة فيها على الواهب لأنها
لم تكن في ملكه ولا على الموهوب له لان مال الزكاة استحق من يده بعد كمال الحول بعينه
ويستوى فيه الرجوع بقضاء أو بغير قضاء لان حق الواهب في الرجوع مقصور على
العين فيستوى فيه القضاء وغير القضاء بمنزلة الاخذ بالشفعة وإن لم يحل عليها الحول
عند الموهوب له حتى استفاد ألف درهم ثم رجع فيها الواهب بقضاء أو بغير قضاء فلا زكاة
عليه فيها لما قلنا ويزكي الموهوب له المال المستفاد إذا تم الحول (قال) في الكتاب إذا
مضى تمام حول منذ ملكها فمن أصحابنا من يقول إن بالرجوع في الهبة يبطل ملك الموهوب
له من الأصل فيقطع حكم ذلك الحول ويعبر مضى حول على المستفاد من حين ملكه
(قال) الشيخ الامام شمس الأئمة رحمه الله تعالى والأصح عند أنه إذا تم الحول من حين
ملك الموهوب فعليه زكاة المستفاد لان الحول كان انعقد من حين ملك الموهوب فحين
استفاد ألفا كانت هذه الألف مضمومة إلى أصل النصاب في حكم الحول ثم لما رجع
الواهب في الموهوب صار كأن ذلك القدر هلك من ماله فيبقى الحول ببقاء المستفاد
ويلزمه أداء الزكاة عند تمام الحول عما هو باق وهذا لان الرجوع في الهبة ينهي ملك
الموهوب له فالملك ثبت له في الهبة إلى أن يرجع الواهب فيه ولهذا لو كان الموهوب جارية
43

فوطئها ثم رجع فيها الواهب فليس على الموهوب له عقرها ولو ولدت ولدا ثم رجع
فيها الواهب بقي الولد سالما للموهوب له فعرفنا ان الرجوع في الهبة في حق الموهوب له
بمنزلة الهلاك (قال) رجل له أرض أجرها ثلاث سنين كل سنة بثلاثمائة درهم ولم يأخذ
الأجرة حتى مضت المدة ثم أخذها جملة واحدة فنقول إذا مضى ثمانية أشهر من وقت العقد
انعقد الحول على ماله لان الأجرة لا تملك بنفس العقد وإنما تملك بالتعجيل أو باستيفاء
المنفعة ولم يوجد التعجيل هنا فإنما يملك بحسب ما يستوفي من المنفعة شيئا فشيئا فإذا مضت
ثمانية أشهر فقد ملك مائتي درهم ولا ينعقد الحول على ماله الا بعد كمال النصاب فإذا مضى
بعد ذلك اثنى عشر شهرا وجب عليه زكاة خمسمائة درهم لأنه ملك في هذه المدة من الأجرة
ثلاثمائة أخرى وذلك مستفاد في خلال الحول فإنما تم الحول وفى ملكه خمسمائة فلهذا يلزمه
زكاة خمسمائة ثم إذا مضت سنة بعد ذلك فعليه زكاة ثمانمائة الا مقدار ما وجب عليه من زكاة
الخمسمائة لأنه قد ملك بمضي الحول الثاني ثلاثمائة أخرى فتم الحول الثاني وماله ثمانمائة
الا ان ما وجب عليه من زكاة الخمسمائة دين فلا يعتبر ذلك القدر من ماله في الحول الثاني
وذلك الكسور في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفى قولهما تعتبر الكسور وهذا على
الرواية التي يوجب فيها الزكاة في الأجرة قبل القبض وهو رواية هذا الكتاب والجامع
والأمالي وذكر أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ان الأجرة بمنزلة الصداق لا تجب
فيها الزكاة حتى بحول الحول عليها بعد القبض لان المنفعة ليست بمال ولكن الرواية الأولى
أصح لان المنفعة تأخذ حكم المالية بالعقد ولهذا لا يثبت الحيوان دينا في الذمة بمقابلتها ثم
على هذه الرواية في وجوب أداء الزكاة عند القبض روايتان عن أبي حنيفة رحمه الله
تعالى في احدى الروايتين ما لم يقبض مائتين لا يلزمه أداء الزكاة لان المنافع وان أخذت
حكم المالية بالعقد فإنها لا تكون نصاب الزكاة بحال فكانت الأجرة بمنزلة ثمن مال البذلة
والمهنة فلا يلزمه أداء الزكاة ما لم يقبض مائتين وفى الرواية الأخرى قال إذا قبض منها
أربعين درهما فعليه أداء الزكاة لان المنفعة في حكم التجارة بمنزلة العين فكانت الأجرة
بمنزلة دين هو ثمن مال التجارة فإذا قبض منها أربعين درهما يلزمه أداء درهم فإن كان
أجرها كل سنة بمائتي درهم لم ينعقد الحول ما لم يمض كمال السنة لأنه إنما ملك مائتي درهم
عند مضى سنة فإذا مضت سنة أخرى زكى أربعمائة درهم لان بمضي السنة الثانية ملك مائتي
44

درهم أخرى من الاجر فإنما تمت السنة وفي ملكه أربعمائة درهم ثم إذا مضت سنة أخرى
فعليه زكاة ستمائة لأنه تم الحول وفى ملكه ستمائة إلا أنه يطرح ما وجب عليه من الزكاة
للسنة الماضية وهو عشرة دراهم والكسور في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى أيضا فإنما
يزكى عنده للسنة الثانية خمسمائة وستين درهما (قال) رجل له على رجل ألف درهم ضمنها
رجل بغير أمره فحال الحول على ماله ثم أبرأ منه الأصيل فلا زكاة على الذي كان له المال ولا
على الضامن وإن كان له ألف درهم أما الذي له أصل المال فقد بينا أنه بعد الابراء لا يكون
ضامنا للزكاة على رواية هذا الكتاب سواء كان المديون غنيا أو فقيرا وأما على الضامن
فلان المال قد وجب دينا في ذمته بالضمان ولم يكن له حق الرجوع على الأصيل عند الأداء
لأنه ضمن بغير أمره فكان عليه الدين بقدر ماله في جميع الحول ومال المديون لا يكون
نصاب الزكاة فلهذا لا تلزمه الزكاة وان سقط عنه الدين بالابراء بعد كمال الحول والله أعلم
(باب زكاة الأرضين والغنم والإبل)
(قال) رحمه الله تعالى رجل له أرض عشرية فمنحها لمسلم فزرعها فالعشر على المستعير لان
العشر يجب في الخارج والخارج سلم للمستعير بغير عوض التزمه فيكون هذا والخارج
من ملكه في حقه سواء. وروى ابن المبارك عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ان العشر على المعير
لأنه مؤنة الأرض النامية فيجب على مالك الأرض كالخراج الا انه فرق ما بين العشر والخراج
انه يعتبر في العشر حصول النماء حقيقة وقد وجد ذلك الا ان المعير آثر المستعير على نفسه
في تحصيل النماء فيكون مستهلكا محل حق الفقراء بمنزلة ما لو زرع الأرض لنفسه ثم وهب
الخارج من غيره (قال) ولو منحها لرجل كافر فعشرها على رب الأرض وهذا يؤيد رواية
ابن المبارك والفرق بين الفصلين في ظاهر الرواية ان هنا منحها من لا عشر عليه لان في
العشر معنى الصدقة والكافر ليس من أهلها فيصير به مستهلكا محل حق الفقراء وفى الأول
إنما محنها لمسلم وهو من أهل ان يلزمه العشر فلا يصير مستهلكا بل يكون محولا
حقهم من نفسه إلى غيره (قال) ولو غصبها مسلم فزرعها فإن كان الزرع نقصها فالعشر
على ربها لان الغاصب ضامن لنقصان الأرض وذلك بمنزلة الأجرة يسلم لرب الأرض فيلزمه
العشر في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفى قولهما العشر في الخارج بمنزلة ما لو أجرها من
45

مسلم وإن لم ينقصها الزرع فلا عشر على ربها لأنه لم يكن متمكنا من الانتفاع بها ولا كان
مسلطا للزارع على زراعتها ولكن العشر في الخارج على الغاصب لان منفعة الأرض
سلمت له بغير عوض وان غصبها منه كافر فان نقصها الزراعة فالعشر على ربها لأنه قد سلم
له عوض منفعة الأرض فهو بمنزلة ما لو أجرها وإن لم ينقصها فلا عشر فيها لان من سلمت
له المنفعة ليس من أهل ان يلزمه العشر والمالك لم يكن متمكنا من الانتفاع بها وروى
جرير بن إسماعيل عن محمد رحمهما الله تعالى ان على الغاصب عشرها لان المنفعة سلمت له
على الوجه الذي يسلم ان لو كان مالكا للأرض وهذا صحيح على أصل محمد رحمه الله تعالى فان
عنده الكافر إذا اشترى أرضا عشرية من مسلم فعليه عشرها كما كان وان اختلفت الرواية
عنه في مصرف العشر المأخوذ من الكافر وقد بينا ذلك في السير والزكاة (قال) ولو
أعار المسلم أرضه الخراجية فالخراج عليه سواء كان المستعير مسلما أو كافر الآن وجوب
الخراج باعتبار التمكن من الانتفاع بالأرض وقد كان المعير متمكنا من ذلك ثم الخراج
مؤنة الأرض النامية ومؤنة الملك تجب على المالك الا ان في العشر محل هذه المؤنة الخارج
فأمكن ايجابها فيه فإن كان المستعير مسلما أو جبنا الخراج في الخارج ومحل الخراج ذمة المالك
فسواء كان المستعير مسلما أو كافرا كان الخراج على المالك في ذمته فان غصبها مسلم أو
كافر فعلى الغاصب نقصان الأرض والخراج على ربها ويستوى ان قل النقصان أو كثر في قول
أبي حنيفة بمنزلة ما لو أخرجها بعوض قليل أو كثير وعلى قول محمد رحمه الله تعالى إن كان
النقصان مثل الخراج أو أكثر فالخراج على ربها وإن كان النقصان أقل فعلى الغاصب
ان يؤدى الخراج وليس عليه ضمان النقصان استحسن ذلك لدفع الضرر عن صاحب الأرض
وإن لم تنقصها الزراعة شيئا فالخراج على الغاصب دون المالك لان الغاصب هو المتمكن من
الانتفاع بها بغير عوض دون المالك (قال) ولو أن صاحب الأرض الخراجية زرعها ولم
تخرج شيئا أو أصاب الزرع آفة فلا خراج فيها بخلاف ما إذا لم يزرعها لأنه إذا عطلها فقد
تمكن من الانتفاع بها وإذا زرعها فلم تخرج شيئا أو أصاب الزرع آفة فقد انعدم تمكنه
من الانتفاع بها وهو مصاب في هذه الحالة يعان ولا يغرم شيئا كيلا يؤدى إلى استئصالها
ومما حمد من سير الأكاسرة انه إذا أصاب زرع بعض الرعية آفة غرموا له ما أنفق في
الزراعة من بيت مالهم وقالوا التاجر شريك في الخسران كما هو شريك في الربح فإن لم يعطه
46

الامام شيئا فلا أقل من أن لا يغرمه الخراج فإن لم يزرعها ولكنها غرقت ثم نضب الماء
عنها في وقت لا يقدر على زراعتها قبل مضى السنة فلا خراج عليه لأنه لم يتمكن من الانتفاع
بها ولو نضب الماء عنها في وقت يقدر على زراعتها قبل مضى السنة فعليه الخراج زرعها أو لم
يزرعها لأنه تمكن من الانتفاع بها (قال) ولو أن رجلا اشترى أرضا عشرية
أو خراجية للتجارة فلا زكاة فيها وان حال الحول عليها ولكن فيها العشر أو الخراج
لان وجوب العشر أو الخراج باعتبار نماء الأرض وكذلك وجوب الزكاة باعتبار معنى النماء
وكل واحد من الحقين يجب لله تعالى فلا يجوز الجمع بينهما بسبب أرض واحدة ولما تعذر
الجمع بينهما رجحنا ما تقرر فيها وهو العشر أو الخراج فقد صار ذلك وظيفة لازمة لهذه
الأرض فلا يتغير ذلك بنيته ولان العشر والخراج أسرع وجوبا من الزكاة فإنه لا يعتبر فيهما
كمال النصاب ولا صفة الغنى في المالك وبه فارق ما لو اشترى دارا للتجارة فإنه ليس في
رقبة الدار وظيفة أخرى فتعمل نية التجارة فيها حتى تلزمه الزكاة وروى ابن سماعة عن محمد
رحمهما الله تعالى أن الأرض إذا كانت عشرية فاشتراها للتجارة فعليه فيها الزكاة لان العشر
إنما يجب في الخارج والزكاة إنما تجب باعتبار مالية الأرض في ذمة المالك فقد اختلف
محل الحقين فيجمع بينهما بخلاف الخراج فإنه يجب في ذمة المالك كالزكاة ولكن هذا
ضعيف وقد صح من أصل علمائنا أنه لا يجمع بين العشر والخراج والعشر يجب في الخارج
والخراج يجب في ذمة المالك ثم لم يجز الجمع بينهما (قال) ولو أن كافرا اشترى أرضا
عشرية فعليه فيها الخراج في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولكن هذا بعد ما انقطع حق
المسلم عنها من كل وجه حتى لو استحقها مسلم أو أخذها بالشفعة كانت عشرية على حالها سواء
وضع عليها الخراج أو لم يوضع لأنه لم ينقطع حق المسلم عنها فلو وجد المشترى بها عيبا لم
يستطع أن يرده بعد ما وضع عليها الخراج لان الخراج عيب وهذا عيب حدث في ملك المشتري
فيمنعه من الرد بالعيب ألا ترى أن مسلما لو اشترى أرضا خراجية بشرط أن
خراجها درهم فوجده درهمين كان له أن يردها فإن كان زيادة الخراج عيبا فكذلك أصل
الخراج فإذا تعذر ردها بالعيب رجع بحصة العيب من الثمن فإن لم يكن وضع عليها الخراج
حتى وجد بها عيبا فله أن يرد الأرض لأنها إنما بيعت بوضع الخراج عليها وإنما ذكر هذا
التفضيل هنا ومراده من وضع الخراج عليها مطالبة صاحبها بأداء الخراج (قال) ولو
47

ان تغلبيا اشترى أرضا من أرض العشر فعليه العشر مضاعفا وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله تعالى أما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فلان الصلح وقع بيننا وبينهم على أن
يضعف عليهم ما يؤخذ من المسلم والعشر يؤخذ من المسلم فيضعف عليهم وأما عند أبي يوسف
رحمه الله تعالى فلان كافرا آخر لو اشترى أرضا عشرية كان العشر عليه مضاعفا عنده
فالتغلبي أولى وأما عند محمد رحمه الله تعالى عليه عشر واحد لان تضعيف العشر في الأراضي
الأصلية لهم وهي التي وقع عليها الصلح فأما فيما سوى ذلك من الأرضين التغلبي كغيره من
الكفار وما صار وظيفة في الأرض لا يتبدل بتبدل المالك عند محمد رحمه الله تعالى قال ألا
ترى أنه لو اشترى أرضا خراجية كان عليه الخراج على حاله ولو اشترى أرضا من أرض
نجران كان عليه المال على حاله ولكنا نقول إنما وقع الصلح بيننا وبينهم على أن يضعف عليهم
ما يبذله المسلم والخراج مما لا يبذله المسلم فلا يضعف عليهم وأما العشر مما يبذله المسلم فيضعف
عليهم باعتبار الصلح كما لو اشترى سائمة من مسلم يجب عليه الصدقة فيها مضعفة ولو أن
رجلا اشترى أرضا خراجية فإن كان العقد في وقت يتمكن فيه من زراعتها قبل مضى السنة
فالخراج على المشترى لأنه تمكن من الانتفاع بها بعد ما تملكها وان كأن لا يقدر على زراعتها
حتى تمضي السنة فالخراج على البائع لأنه هو المتمكن من الانتفاع بها في السنة قبل أن يبيعها
وقد بينا ان وجوب الخراج باعتبار التمكن من الانتفاع (قال) وان باع أرضا عشرية
بما فيها من الزرع فإن كان الزرع قد بلغ فالعشر على البائع لان بادراك الزرع وجب عليه
العشر فيها ثم باخراجها من ملكه صار مستهلكا محل حق الفقراء فيكون ضامنا للعشر
وإن لم يبلغ الزرع فالعشر على المشترى في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفى قول أبى
يوسف رحمه الله تعالى عشر الزرع على البائع وفضل ما بينهما على المشترى لان من أصل
أبي حنيفة رحمه الله تعالى ان العشر يجب في القصيل إذا قصله صاحبه وإذا لم يقصله
حتى أنعقد الحب فإنما يجب العشر في الحب دون القصيل وقد انعقد الحب في ملك المشتري
فكان العشر عليه وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول هو عند اتحاد المالك كذلك فاما إذا كان
الزرع في ملك انسان وانعقاد الحب في ملك غيره فلا بد من اعتبار الحالين لان وجوب
العشر في النماء الحاصل وأصل الزرع إنما حصل للبائع بغير عوض فاما المشترى إنما حصل له
ذلك بعوض وهو الثمن فلا يمكن ايجاب العشر في ذلك القدر على المشترى فأوجبناه على البائع
48

وما حصل من الفضل بعد الشراء فهو إنما يسلم للمشترى بغير عوض فعليه عشر ذلك الفضل
فإن كان من جملة الخضراوات ولكن ليس له ثمرة باقية يجب يجب فيه العشر عندهما (قال)
ولو أن أرضا غصبها رجل فزرعها فالزرع له ويتصدق بالفضل على ما أنفق فيها في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى ولا يتصدق في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى بشئ وقد بينا هذا في كتاب
الغصب فيما إذا تصرف الغاصب في المغصوب أو تصرف المودع وربح (قال) فإن كان أجرها
بمال كثير يجب في مثله الزكاة فحال عليها الحول فعليه أن يتصدق بها ولا زكاة عليه لأنه
قد لزمه التصدق بجميعها قبل حولان الحول فلا يلزمه شئ آخر باعتبار مضى الحول وهذا
بخلاف ما تقدم وهو ما إذا نذر أن يتصدق بمائتي درهم عينها فحال عليها الحول تجب فيها
الزكاة لان المال هناك كان ملكا طيبا له وإنما التزم التصدق بها بنذره والالتزام بالنذر يكون
في الذمة ولهذا كان له أن يتصدق بغيرها ويمسكها فلهذا لزمته الزكاة فيها وأما هنا إنما لزمه
التصدق في عين هذا المال حيث تمكن منه حتى لا يكون له أن يتصدق بغيره ويمسكه فلهذا
لا يلزمه شئ آخر فان حال عليه الحول رجع أبو يوسف رحمه الله تعالى عن هذا فقال عليه
الزكاة فيها والفضل يتصدق به لان ملكه فيها كامل فتلزمه الزكاة باعتبار الحول ولكن هذا
ضعيف فان وجوب الزكاة في المال بمعنى التطهير. قال الله تعالى تطهرهم وتزكيهم بها وهذا
لا يحصل بايجاب الزكاة في هذا المال لأنه لا يزول الخبث بأداء الزكاة ولكن يلزمه التصدق
بالفضل فلا معنى لايجاب الزكاة فيها فقلنا يتصدق بجميعها بعد الحول كما كان يتصدق
قبل الحول (قال) ولو أن مسلما باع أرضه العشرية بما فيها من زرع لم يدرك من كافر فعلى
قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يوضع فيها الخراج لان الحب انعقد في ملك المشتري
فكأنه هو الذي زرعها بعد الشراء فعليه الخراج. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى على البائع
عشر الزرع ويوضع الخراج علي الكافر أما قوله على البائع عشر الزرع صحيح على قياس
مذهبه فيما إذا باعها من مسلم وأما قوله ويوضع الخراج على الكافر فهو غلط لان من أصل
أبى يوسف رحمه الله تعالى ان الكافر إذا اشترى أرضا عشرية فعليه فيها عشران ولا يوضع
الخراج عليه فهنا أيضا على قوله يجب في الفضل عشران على المشترى لان المشترى لو كان
مسلما كان عليه عشر الفضل فإذا كان كافرا كان عليه في الفضل عشران (قال) وان أجرها
مسلم من مسلم فلم يزرعها فلا عشر فيها لان محل العشر الخارج ولم يحصل ولو عطلها
49

المالك لم يجب عشرها على أحد فكذلك إذا عطلها المستأجر ولكن على المستأجر الاجر
إن كان قد قبضها لأنه كان متمكنا من الانتفاع بها في المدة وبالتمكن من الانتفاع يتقرر
الاجر عليه (قال) ولو أن أرضا من أرض الخراج مات ربها قبل أن يؤخذ منه الخراج فإنه
لا يؤخذ من ورثته لان الخراج في معنى الصلة فيسقط بالموت قبل الاستيفاء ولا يتحول إلى
التركة كالزكاة ثم خراج الأرض معتبر بخراج الرأس ففي كل واحد منهما معني الصغار وكما أن
خراج الرأس يسقط بموت من عليه قبل الاستيفاء فكذلك خراج الأرض ولا يمكن
استيفاؤه من الورثة باعتبار ملكهم لأنهم لم يتمكنوا من الانتفاع بها في السنة الماضية (قال)
ولو مات رب الأرض العشرية وفيها زرع فإنه يؤخذ منه العشر على حاله وفى رواية ابن المبارك
عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه سوى بين العشر والخراج وقال يسقط بموت رب الأرض
فاما في ظاهر الرواية الزرع كما حصل صار مشتركا بين الفقراء ورب الأرض عشره حق
الفقراء وتسعة أعشاره حق رب الأرض ولهذا لا يعتبر في ايجاب العشر المالك حتى يجب في
أرض المكاتب والعبد والمديون والصبي والمجنون فبموت أحد الشريكين لا يبطل حق الآخر
ولكن يبقى ببقاء محله فاما الخراج محله الذمة وبموته خرجت ذمته من أن تكون صالحة لالتزام
الحقوق والمال لا يقوم مقام الذمة فيما طريقه طريق الصلة وقد بينا في كتاب الزكاة وجوب
الخراج في أرض الصبي والمجنون لأنه مؤنة الأرض النامية ومال الصبي محتمل للمؤنات
بمنزلة النفقات (قال) ولو أن رجلا عجل خراج أرضه ألف درهم فذلك يجزيه لان سبب
وجوب الخراج ملك الأرض المنتفع بها وذلك موجود والتعجيل بعد تمام السبب جائز لسنة
ولسنتين الا ترى أنه لو عجل صدقة الفطر لسنتين كان جائزا فكذلك إذا عجل الزكاة عن
النصاب لسنتين كان جائزا فاما إذا عجل عشر أرضه قبل أن يزرعها لم يجزه لان العشر وإن كان
مؤنة الأرض النامية فإنه لا يجب الا باعتبار حصول الخارج فلا يتم السبب قبل الزراعة
وقبل تمام السبب لا يجوز التعجيل كما لو عجل الزكاة عن الإبل والغنم قبل أن يجعلها سائمة
وبعد ما زرعها جاز تعجيل العشر سواء استحصد أو لم يستحصد لان سبب الوجوب قد
تم ولم يبق إلى وجوب العشر الا مجرد مضى الزمان فهو كتعجيل الزكاة بعد كمال النصاب
قبل الحول. فان عجل عشر نخله قال هنا يجزيه وهو قول أبي يوسف فاما على قول
أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ان حصل الطلع جاز التعجيل والا لم يجز لان ملك النخل
50

كملك الأرض على معنى ان العشر لا يجب فيه وإنما يجب في الخارج منه فكما لا يجوز تعجيل
العشر باعتبار ملك الأرض قبل الزراعة فكذلك لا يجوز تعجيل عشر النخل قبل أن يخرج
الطلع بخلاف ما إذا عجل عشر الزرع قبل أن ينعقد الحب لان القصيل محل لوجوب العشر
فيه بدليل انه لو قصله كما هو يلزمه أداء العشر منه فلهذا جاز التعجيل باعتباره وأما النخل
ليس بمحل للعشر فإنه لو قطعه كان حطبا لا شئ فيه فلا يجوز فيه تعجيل العشر باعتباره وأبو
يوسف رحمه الله تعالى يقول لم يبق بينه وبين وجوب العشر الا مجرد مضى الزمان فيجوز
التعجيل كما يجوز التعجيل عن الزرع قبل أن ينعقد الحب وعن النصاب قبل أن يحول الحول
(قال) ولو كان في الأرض الخراجية أرض نخل أو مشجرة فلا خراج فيها لكن يوضع عليها
بقدر ما تطيق ومعنى هذا انه ليس فيها خراج الكرم ولا خراج الرطبة ولا خراج الزرع
لأنها ليست بمنزلة هذه الأراضي في الانتفاع ولكن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه
فيما وظف من الخراج اعتبر الطاقة حيث قال للذين مسحا الأراضي لعلكما حملتما الأراضي
مالا تطيق فقالا بل حملناها ما تطيق فعرفنا أن المعتبر هو الطاقة ففي المشجرة وأرض النخل
تعتبر الطاقة أيضا وذلك أن ينظر إلى غلته فإن كانت مثل غلة الرطبة فخراجها مثل خراج
ارض الرطبة وان كانت مثل غلة الكرم فخراجها كذلك (قال) فان عجل خراج أرضه
ثم غرقت تلك السنة كلها فإنه يرد عليه ما أدى من خراجها لأنه لم يكن متمكنا من الانتفاع
بها فلا يلزمه خراجها ويد الامام في الخراج المعجل نائبة عن يد صاحب الأرض وقد بينا
نظير هذا في زكاة السائمة إذا عجلها فدفعها إلى الساعي ثم هلكت السائمة والمعجل قائم في
يد الساعي فإنه يرد عليه فكذلك في الخراج (قال) فان زرعها في السنة الثانية فإنه يحسب
له ما أدى من خراجها في هذه السنة إن لم يرد عليه لان يده نائبة في ذلك المال كيده ولا
فائدة في الرد عليه ثم الاستيفاء منه. فان قيل أليس انكم قلتم في الزكاة إذا عجلها ولم تجب
عليه الزكاة في ذلك الحول فان المعجل لا يجزئ عما يلزمه في حول آخر. قلنا ذلك فيما إذا
دفعها إلى الفقير فتتم الصدقة تطوعا عند مضى الحول وهنا لا يتم المؤدى خراجا في الحول
الأول ولكن له حق الاسترداد فيحسب ذلك له من خراجه في الحول الثاني (قال)
فان أجر أرضه سنين فغرقت سنة فلم يفسخ القاضي الإجارة فلا أجر عليه حتى ينضب
الماء عنها ولا خراج على ربها في السنة التي غرقت فيها لان وجوب كل واحد منهما باعتبار
51

التمكن من الانتفاع وقد انعدم إلا أن فرق ما بينهما ان الاجر يجب للمدة التي مضت قبل أن
تغرق والخراج لا يجب لان الاجر عوض يجب شيئا فشيئا بحسب ما يستوفى من
المنفعة فاما الخراج إنما يجب جملة واحدة باعتبار التمكن من الانتفاع ولم يوجد ذلك
حين غرقت الأرض وتكون الإجارة على حالها لان تعذر الانتفاع بالأرض مع بقائها
بعارض على شرف الزوال فتبقى الإجارة ما لم يفسخ القاضي العقد فان فسخ القاضي العقد
في تلك الحالة فإنها لا تعود الإجارة مستقبلة لأنه قضى بفسخ العقد والسبب الموجب
له قائم وهو بمنزلة العبد المستأجر إذا أبق فإن لم يفسخ القاضي العقد حتى عاد كانت الإجارة
باقية وان فسخ القاضي العقد بينهما لم تعد الإجارة بعد ذلك وان عاد من إباقه (قال)
ولو أن صبيا أدى أبوه عشر أرضه أو خراجها أو أدى ذلك وصيه فهما ضامنان وإنما أراد
ما إذا أديا العشر إلى الفقراء أو الخراج إلى المقاتلة لان حق الاخذ فيهما للسلطان فلا
يسقط عن الصبي بأدائها إلى الفقراء أو المقاتلة فاما إذا أديا إلى السلطان فلا ضمان عليهما وكيف
يضمنا والسلطان يطالبهما بذلك ويجبرهما على الأداء ثم بين مصارف الصدقات والعشر
والخراج والخمس والجزية وما يؤخذ من أهل نجران ومن بنى تغلب وقد بينا جميع ذلك
في كتاب الزكاة (قال) فان اشترى بمال الخراج غنما سائمة للتجارة وحال عليها الحول
فعليه فيها الزكاة وهذا بخلاف ما إذا اجتمعت الغنم المأخوذة في الزكاة في يد الامام وهي سائمة
فحال عليها الحول لان هناك لا فائدة في ايجاب الزكاة فان مصرف الواجب والموجب فيه واحد
وهنا في ايجاب الزكاة فائدة فان مصرف الموجب فيه المقاتلة ومصرف الواجب الفقراء فكان
الايجاب مفيدا فلهذا تجب الزكاة (قال) الشيخ الامام الاجل رحمه الله تعالى وفى هذا الفصل
نظر فان الزكاة لا تجب الا باعتبار الملك والمالك ولهذا لا تجب في سوائم الوقف ولا في سوائم
المكاتب ويعتبر في ايجابها صفة الغنى للمالك وذلك لا يوجد هنا إذا اشتراها الامام بمال الخراج
للمقاتلة فلا تجب فيها الزكاة إلا أن يكون مراده أنه اشتراها لنفسه فحينئذ تجب عليه الزكاة
باعتبار وجود المالك وصفة الغنى له (قال) وإن كان للرجل خمسة وعشرون بعيرا حال عليها الحول
ثم استفاد عشرة أبعرة فضمها معها ثم ضاع منها عشر من الإبل لا يعلم من أيها هي فعليه
ثلاث من الغنم فيها والقياس في ذلك أن يكون عليه خمسة أسباع بنت مخاض وجه القياس
أن الجملة كانت خمسة وثلاثين فحين ضاع منها عشرة يجعل ما ضاع مما فيه الزكاة ومما
52

لا زكاة فيه بالحصة فيكون خمسة أسباع ما ضاع من مال الزكاة وسبعاه مما لا زكاة فيه
وخمسة أسباع العشرة سبعة وسبع وقد كان وجب عليه بنت مخاض في خمسة وعشرين ضاع
منها سبعة وسبع وبقي منها سبعة عشر وستة أسباع خمسة وعشرين فان كل سبع من خمسة
وعشرين ثلاثة وأربعة أسباع فإذا اجتمعت خمس مرات ثلاثة وأربعة أسباع يكون سبعة
عشر وستة أسباع فلهذا كان الواجب فيه خمسة أسباع بنت مخاض ولكنه استحسن فقال
الشرع أوجب الغنم عند قلة الإبل وإن لم يكن بينهما مجانسة لدفع الضرر عن صاحب المال
بايجاب الشقص عليه كما يدفع الضرر عنه في الابتداء فيجعل الهلاك من مال الزكاة كان
لم يكن فكأن في ملكه سبعة عشر بعيرا وستة أسباع فعليه فيها ثلاثة من الغنم ولكن
وجه القياس أقوى لان معنى دفع الضرر معتبر في الابتداء فأما في حالة البقاء لا يعتبر
ولكن يبقى من الواجب بقدر ما بقي من المال ألا ترى أنه لا يعتبر النصاب في البقاء بخلاف
الابتداء وقد كان الواجب عند تمام الحول بنت مخاض فلا معنى للتحويل إلى الغنم عند
هلاك بعض المال فعرفنا أن وجه القياس أقوى فلهذا فرع على وجه القياس فقال إن
عرف خمسة من الإبل فعليه فيها خمس بنت مخاض وفى الباقية أربعة أخماس ثلثي بنت
مخاض أما وجوب خمس بنت مخاض في الخمسة ظاهر لأنه قد وجب بنت المخاض في
خمسة وعشرين فيكون في خمسة خمسها ثم بقي من مال الزكاة عشرون وما لا زكاة فيه عشرة
والهالك عشرة فثلث الهالك مما لا زكاة فيه وثلثاه مما فيه الزكاة وهو ستة وثلثان فإذا نقصنا
ذلك من العشرين بقي ثلاثة عشر وثلث وقد كان عليه ثلثا بنت مخاض في ستة عشر وثلثان
لأنها ثلثي خمسة وعشرين وثلاثة عشر وثلث يكون أربعة أخماسه فان كل خمس يكون ثلاثة
وثلث فلهذا قال في الباقية أربعة أخماس ثلثي بنت مخاض ولو كان له خمسة وعشرون بعيرا
فخلطها بمثلها بعد الحول بيوم ثم ضاع نصفها فعليه في الباقي نصف بنت مخاض لان نصف
الهالك من مال الزكاة ونصفه مما لا زكاة فيه وان ما بقي نصف مال الزكاة فلهذا قال عليه
نصف بنت مخاض في القياس وينبغي على طريقة الاستحسان أن يكون عليه في الباقي
شاتان لان الهالك يجعل كأن لم يكن والباقي من مال الزكاة أثني عشر ونصف ولكن وجه
القياس أقوى كما بينا وما ذكر بعد هذا إلى آخر الكتاب من مسائل المعدن وصدقة الفطر
فقد بينا جميع ذلك في كتاب الزكاة والصوم فلا معنى لإعادة ذلك هنا والله سبحانه وتعالى
53

أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(كتاب الصوم)
(قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي
رحمه الله تعالى الصوم في اللغة هو الامساك ومنه قول النابغة
خيل صيام وخيل غير صائمة * تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
أي واقفة ومنه صام النهار إذا وقفت الشمس ساعة الزوال وفى الشريعة عبارة عن إمساك
مخصوص وهو الكف عن قضاء الشهوتين شهوة البطن شهوة الفرج من شخص مخصوص
وهو أن يكون مسلما طاهرا من الحيض والنفاس في وقت مخصوص وهو ما بعد طلوع
الفجر إلى وقت غروب الشمس بصفة مخصوصة وهو أن يكون على قصد التقرب فالاسم
شرعي فيه معنى اللغة وأصل فرضية الصوم ثبت بقوله تعالى كتب عليكم الصيام إلى قوله فمن
شهد منكم الشهر فليصمه ففيه بيان السبب الذي جعله الشرع موجبا وهو شهود الشهر
وأمر بالأداء نصا بقوله فليصمه وقال صلى الله عليه وسلم بني الاسلام على خمس وذكر من
جملتها الصوم وقد كان وقت الصوم في الابتداء من حين يصلى العشاء أو ينام وهكذا كان في
شريعة من قبلنا ثم خفف الله تعالى الامر على هذه الأمة وجعل أول الوقت من حين يطلع
الفجر بقوله تعالى وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الآية قال أبو عبيد الخيط الأبيض الصبح
الصادق والخيط اللون وفى حديث عدى ابن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الخيط
الأبيض والأسود بياض النهار وسواد الليل وسبب هذا التخفيف ما ابتلى به عمر بن الخطاب
رضي الله عنه وما ابتلى صرمة بن أنس حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم مجهودا فقال مالك
أصبحت طلحا أو قال طليحا الحديث ومعنى التخفيف ان المعتاد في الناس أكلتان الغداء
والعشاء فكان التقرب بالصوم في الابتداء بترك الغداء والاكتفاء بأكلة واحدة وهي العشاء
ثم إن الله تعالى أبقى لهذه الأمة الأكلتين جميعا وجعل معنى التقرب في تقديم الغداء عن
وقته كما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحور انه الغذاء المبارك والتقرب
بالصوم من حيث مجاهدة النفس والمجاهدة في هذا من وجهين أحدهما بمنع النفس من
54

الطعام وقت الاشتهاء والثاني بالقيام وقت حبها المنام ومن المجاهدة حفظ اللسان وتعظيم
ما عظم الله تعالى كما بدأ به الكتاب وذكر عن مجاهد رحمه الله تعالى انه كان يكره أن يقول
الرجل جاء رمضان وذهب رمضان ولكن ليقل جاء شهر رمضان وذهب شهر رمضان
قال لا أدرى لعل رمضان اسم من أسماء الله تعالى فكأنه ذهب في هذا إلى ما رواه أبو هريرة
رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقولوا جاء رمضان وذهب رمضان فان
رمضان اسم من أسماء الله تعالى وفى رواية ولكن عظموه كما عظمه الله تعالى واختار بعض
مشايخنا قول مجاهد في هذا فقال والصحيح من المذهب انه يكره ذلك لان محمدا رحمه الله
تعالى لم يبين مذهب نفسه ولا روى خبرا بخلاف قول مجاهد وقالوا في بيان المعنى انه مشتق
من الإرماض وهو الاحراق والمحرق للذنوب المذهب لها هو الله تعالى والذي عليه عامة
مشايخنا انه لا بأس بذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة في رمضان تعدل حجة وقال
من صام رمضان وقامه ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقال إن لله تعالى
تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة وليس فيها ذكر رمضان واثبات الاسم لا يكون
بالآحاد وإنما يكون بالمتواتر والمشاهير ولو كان من أسماء الله تعالى فهو اسم مشترك كالحكيم
والعالم ولا بأس بان يقال جاء الحكيم والعالم والمراد به غير الله تعالى (قال) رجل تسحر
وقد طلع الفجر وهو لا يعلم به في شهر رمضان ومراده الفجر الثاني فبطلوع الفجر الأول
الذي تسميه العرب ذنب السرحان لا يدخل وقت الصوم قال صلى الله عليه وسلم
لا يغرنكم أذان بلال ولا الفجر المستطيل وكلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير
المنتشر وإذا تبين أن تسحره كان بعد طلوع الفجر الثاني فسد صومه الا على قول ابن أبي
ليلى فإنه يقيسه على الناسي بناء على أصله أن المخصوص من القياس بالنص يقاس عليه
غيره وعندنا المخصوص من القياس بالنص لا يقاس عليه فان قياس الأصل يعارضه ولا يلحق
به الا ما كان في معناه من كل وجه وهذا ليس في معنى الناسي لان الاحتراز عن هذا الغلط
ممكن في الجملة بخلاف النسيان ثم فساد صومه لفوات ركن الصوم وهو الامساك وعليه
الامساك في بقية يومه قضاء لحق الوقت فان الامساك في نهار رمضان عند فوات الصوم
مشروع قال صلى الله عليه وسلم الا من أكل فلا يأكل بقية يومه وعليه قضاء هذا اليوم لان
فوات الأداء بعد تقرر السبب الموجب فيضمنه بالمثل بما هو مشروع له ولا كفارة عليه
55

لأنه معذور وكفارة الفطر عقوبة لا تجب الا على الجاني قال صلى الله عليه وسلم من أفطر
في نهار رمضان متعمدا فعليه ما على المظاهر والذي أفطر وهو يرى أن الشمس قد غابت
ثم تبين أنها لم تغب فعليه مثل هذا وفيه حديث عمر رضي الله عنه حين أفطر مع الصحابة
يوما فلما صعد المؤذن المأذنة قال الشمس يا أمير المؤمنين قال بعثناك داعيا ولم نبعثك راعيا
ما تجانفنا لاثم وقضاء يوم علينا يسير (قال) رجل أصبح في شهر رمضان جنبا فصومه تام الأعلى
قول بعض أصحاب الحديث يعتمدون فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه من أصبح جنبا
فلا صوم له محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ورب الكعبة (قاله) ولنا قوله تعالى فالآن
باشروهن إلى قوله حتى يتبين لكن الخيط الأبيض وإذا كانت المباشرة في آخر جزء من أجزاء
الليل مباحة فالاغتسال يكون بعد طلوع الفجر ضرورة وقد أمر الله تعالى باتمام الصوم
وفى حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني
أصبحت جنبا وأنا أريد الصوم فقال صلى الله عليه وسلم وأنا ربما أصبح جنبا وأنا أريد
الصوم فقال لست كأحدنا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إني لأرجو أن
أكون أعلمكم بما يبقى. ولما بلغ عائشة حديث أبي هريرة قالت رحم الله أبا هريرة كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من غير احتلام ثم يتم صومه وذلك في رمضان
فذكر قولها لأبي هريرة رضى الله تعالى عنه فقال هي أعلم حدثني به الفضل بن عباس
رضى الله تعالى عنه وكان يومئذ ميتا ثم تأويل الحديث من أصبح بصفة توجب الجنابة
وهو أن يكون مخالطا أهله وان احتلم نهارا لم يفطر لقوله صلى الله عليه وسلم ثلاث
لا يفطرن الصائم القئ والحجامة والاحتلام (قال) وان ذرعه القئ لم يفطر لما روينا
ولقول ابن عباس رضى الله تعالى عنه الصوم مما دخل وان تقيأ متعمدا فعليه القضاء لحديث
على رضى الله تعالى عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
من قاء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء ولان فعله يفوت ركن الصوم وهو الامساك
ففي تكلفه لابد أن يعود شئ إلى جوفه ولا كفارة عليه الا على قول مالك رحمه الله تعالى
فإنه يقول كل مفطر غير معذور فعليه الكفارة ولم يفصل في ظاهر الرواية بين ملئ الفم
وما دونه وفى رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فرق بينهما وهو الصحيح فان ما دون
ملئ الفم تبع لريقه فكان قياس ما لو تجشأ وملئ الفم لا يكون تبعا لريقه ألا ترى أنه ناقض
56

لطهارته فان عاد إلى جوفه أو أعاده فقد روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى إذا
ذرعه القئ فرده وهو يستطيع أن يرمى به فعليه القضاء وروي ابن مالك عن أبي يوسف
عن أبي حنيفة رحمهم الله تعالى أنه إذا ذرعه القئ فكان ملئ فيه أو أكثر فعاد إلى جوفه
فسد صومه تعمد ذلك أو لم يتعمد والمشهور ان فيه خلافا بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله
فمحمد اعتبر الصنع في طرف الاخراج أو الادخال لأنه يفوت به الامساك وأبو يوسف
يعتبر انتقاض الطهارة ليستدل به على أنه ليس بتبع لريقه حتى إذا ذرعه القئ دون ملئ
الفم وعاد بنفسه لم يفسد صومه بالاتفاق وان أعاده فسد صومه عند محمد ولم يفسد عند أبي
يوسف رحمه الله تعالى وإن كان ملئ الفم فعاد بنفسه فسد صومه عند أبي يوسف ولم يفسد
عند محمد وان أعاده فسد صومه بالاتفاق وان تقيأ أقل من ملئ فمه فان عاد بنفسه يفسد
صومه عند محمد ولم يفسد صومه عند أبي يوسف رحمه الله تعالى وان أعاده ففيه روايتان عن أبي
يوسف في إحداهما لا يفسد صومه لأنه ليس بناقض لطهارته وفى الأخرى يفسد صومه
لكثرة صنعه في الادخال والاخراج جميعا فكان قياس ملئ الفم (قال) وان احتجم الصائم
لم يضره الا على قول أصحاب الحديث يستدلون فيه بما روى أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم مر بمعقل بن يسار وهو يحتجم في رمضان فقال افطر الحاجم والمحجوم (ولنا) حديث
أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه قال مر بنا أبو طيبة في بعض أيام رمضان فقلنا من أين
جئت فقال حجمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال
أفطر الحاجم والمحجوم شكى الناس إليه الدم فرخص للصائم أن يحتجم وفى حديث بن
عباس رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم بالقاحة
وتأويل الحديث الذي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بها وهما يغتابان آخر فقال صلى
الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم أي أذهب ثواب صومهما الغيبة وقيل الصحيح انه
غشى على المحجوم فصب الحاجم الماء في حلقه فقال صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم
أي فطره بما صنع به فوقع عند الراوي أنه قال أفطر الحاجم والمحجوم ثم خروج الدم من
البدن لا يفوت ركن الصوم ولا يحصل به اقتضاء الشهوة وبقاء العبادة ببقاء ركنها (قال)
وإذا طهرت الحائض في بعض نهار رمضان لم يجزها صومها في ذلك اليوم لانعدام الأهلية
للأداء في أوله وعليها الامساك عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى عنه فالأصل عنده ان
57

من كان مباحا له الافطار في أول اليوم ظاهرا وباطنا لا يلزمه الامساك فيه في بقية اليوم لان
وجوب الامساك في يوم واحد لا يتجزى كوجوب الصوم وعلى هذا الصبي إذا بلغ والكافر إذا
أسلم والمريض إذا برئ والمسافر إذا قدم مصره والمجنون إذا أفاق في بعض النهار لا يلزمهم
الامساك عنده بخلاف يوم الشك إذا تبين أنه من رمضان والمتسحر بعد طلوع الفجر وهو
لا يعلم به لان الأكل كان مباحا له باطنا والأصل عندنا أن من صار في بعض النهار على صفة
لو كان عليها في أول النهار يلزمه الصوم فعليه الامساك في بقية النهار لان الامساك مشروع
خلفا عن الصوم عند فواته لقضاء حق الوقت ولأنه لو أكل ولا عذر به اتهمه الناس والتحرز
عن مواضع التهمة واجب قال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن
مواقف التهم. وقال على رضى الله تعالى عنه إياك وما يقع عند الناس انكاره وفى رواية ما
يسبق إلى القلوب انكاره وإن كان عندك اعتذاره فليس كل سامع نكرا يطيق أن يوسعه
عذرا وان أكلت لم يلزمها شئ لان الامساك لحق الوقت وقد فات على وجه لا يمكن
تداركه وعليها قضاء هذا اليوم مع سائر أيام الحيض لما روى أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها
ما بال إحدانا تقضى صيام أيام الحيض ولا تقضى الصلاة فقالت أحرورية أنت كنا
على عهد رسول صلى الله عليه وسلم نقضي صيام أيام الحيض ولا نقضي الصلاة ولان
الحرج عذر مسقط للقضاء كما أنه مسقط للأداء وفى قضاء خمسين صلاة في كل عشرين
يوما حرج بين وليس في قضاء صوم عشرة أيام في احدى عشر شهرا كبير حرج
(قال) ويقبل الصائم ويباشر إذا كان يأمن على نفسه ما سوى ذلك لحديث عائشة رضي الله عنها
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم وفي رواية كان يصيب من
وجهها وهو صائم قالت وكان أملككم لأدبه أو لإربه فالأدب العضو والإرب الحاجة
وجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أذنبت ذنبا فاستغفر لي قال
وما ذنبك قال هششت إلى امرأتي وأنا صائم فقبلتها فقال أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته
أكان يضرك فقال لا قال فقم أذن وفيه إشارة إلى معنى بقاء ركن الصوم وانعدام اقتضاء
الشهوة بنفس التقبيل فإن كأن لا يأمن على نفسه فالتحرز أولى لما روى أن شابا سأل
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم فمنعه وسأل شيخ عن ذلك فأذن له فيه
فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علمت لم نظر بعضكم
58

إلى بعض إن الشيخ يملك نفسه وهكذا روى عن ابن عباس رضي الله عنه وفي حديثه أن
الشاب قال له ان ديني ودينه واحد قال نعم ولكن الشيخ يملك نفسه وهو إشارة إلى معنى
تعريض الصوم للفساد والتجاوز عن القبلة إلى غيرها. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ان لكل ملك حمى وان حمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه وعلى هذا روى
الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه كره المباشرة الفاحشة للصائم وكذلك بأن يعانقها
وهما متجردان ويمس ظاهر فرجه ظاهر فرجها (قال) وان اشتبه شهر رمضان على الأسير
تحرى وصام شهرا بالتحري لأنه مأمور بصوم رمضان وطريق الوصول إليه التحري عند
انقطاع سائر الأدلة كأمر القبلة فان تبين أنه أصاب شهر رمضان أجزأه لأنه أدرك ما هو
المقصود بالتحري وان تبين أنه صام شهرا قبله لم يجزه لأنه أدى العبادة قبل وجود سبب
وجوبها فلم تجزه كمن صلى قبل الوقت وذكر الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب الأم أنه
ان علم به قبل مضي شهر رمضان جاز
صومه وان تبين أنه صام شهرا بعده جاز بشرطين اكمال العدة وتبييت النية لشهر رمضان
لأنه قاض لما وجب عليه بشهود الشهر وفي القضاء يعتبر هذان الشرطان. فان قيل كيف
يجوز ولم ينو القضاء. قلنا لأنه نوى ما هو واجب عليه من الصوم في هذه السنة وهذا
ونية القضاء سواء فان تبين أنه صام شوال فعليه قضاء يوم الفطر لأن الصوم فيه لا يجوز عن
القضاء وان تبين أنه صام ذي الحجة فعليه قضاء يوم النحر وأيام التشريق وان تبين أنه صام
شهرا آخر فليس عليه قضاء شئ إلا أن يكون رمضان كاملا وذلك الشهر ناقصا فحينئذ
يقضى يوما لاكمال العدة (قال) وان صام شهر رمضان تطوعا وهو يعلم به أو لا يعلم
فصومه عن شهر رمضان والكلام في هذه المسألة على فصول أحدها ان أصل النية شرط
لأداء صوم رمضان الا على قول زفر رحمه الله تعالى وحجته ان المشروع في زمان رمضان
صوم واحد لان الزمان معيار للصوم ولا يتصور في يوم واحد الا صوم واحد ومن ضرورة
استحقاق الفرض فيه انتفاء غيره فما يتصور منه من الامساك في هذا اليوم مستحق عليه
لصوم الفرض فعلى أي وجه أتى به يقع من الوجه المستحق وهو نظير من وهب النصاب
الذي وجبت فيه الزكاة من فقير جاز عن الزكاة وإن لم ينو (ولنا) حرفان أحدهما ان المستحق
عليه فعل هو عبادة والعبادة لا تكون الا بالاخلاص والعزيمة قال صلى الله عليه وسلم الاعمال
59

بالنيات ولكل امرئ ما نوى والثاني ان مع استحقاق الصوم عليه في هذا اليوم بقيت
منافعه مملوكة له فان معنى العبادة لا يحصل الا بفعل يباشره عن اختيار ويصرف إليه ما هو
مملوك له وصرف منافعه المملوكة إلى ما هو مستحق عليه على وجه يكون مختارا فيه لا يكون
إلا عن قصد وعزيمة وفى مسألة هبة النصاب معنى القصد والعزيمة حصل باختيار المحل ومعنى
العزيمة حصل لحاجة المحل الا ترى ان من وهب لفقير شيئا لا يملك الرجوع فيه لحصول
المقصود وهو الثواب وكان أبو الحسن الكرخي رحمه الله ينكر هذا المذهب لزفر رحمه
الله تعالى ويقول المذهب عنده ان صوم جميع الشهر يتأدى بنية واحدة كما هو قول مالك
رحمه الله تعالى وحجتهما ان صوم الشهر في معنى عبادة واحدة فان سببها واحد وهو شهود
جزء من الشهر والشروع فيها في وقت واحد والخروج منها كذلك فكان بمنزلة ركعات
صلاة واحدة (ولنا) أن صوم كل يوم عبادة على حدة الا ترى ان فساد البعض لا يمنع صحة
ما بقي وانه يتخلل بين الأيام زمان لا يقبل الصوم وهو الليل وان انعدمت الأهلية في بعض
الأيام لا يمنع تقرر الأهلية فيما بقي فكانت بمنزلة صلوات مختلفة فيستدعى كل واحد منهما
نية على حدة ثم إن أطلق نية الصوم أو نوى النفل فهو صائم عن الفرض عندنا. وقال
الشافعي رحمه الله تعالى إن كان يعلم أن اليوم من رمضان فنوى النفل لم يكن صائما وإن كان
لا يعلم جاز صومه عن النفل لان الخطاب بأداء الفرض لا يتوجه عليه الا بعد العلم به. وقال
ابن أبي ليلى إن كان يعلم أن اليوم من رمضان جاز صومه عن الفرض وان كأن لا يعلم لم يكن
صائما لان قصده عند عدم العلم كان إلى أداء النفل غير مشروع في هذا اليوم فهو كنية أداء
الصوم في الليل وانه لغو لكونه غير مشروع فيه. والشافعي رحمه الله تعالى يقول إن صفة
الفريضة قربة كأصل الصوم فكما لا يتأدى أصل الصوم الا بالنية فكذلك الصفة وبانعدام
الصفة ينعدم الصوم ضرورة وعلى هذا إذا أطلق النية لا يجوز والوجه الآخر ان بنية النفل
صار معرضا عن الفرض لما بينهما من المغايرة فصار كاعراضه بترك النية ولا يجوز أن يصير
ناويا للصوم المشروع في هذا الوقت بنية النفل لأنه لو اعتقد في المشروع في هذا الوقت
انه نفل يكفر وعلى هذا لو أطلق النية يجوز لأنه ما صار معرضا بهذه النية (ولنا) حديث
على وعائشة رضي الله عنهما أنهما كان يصومان يوم الشك وكانا يقولان لان نصوم
يوما من شعبان أحب الينا من أن نفطر يوما من رمضان وإنما كانا يصومان بنية النفل
60

لإجماعنا على أنه لا يباح صوم يوم الشك بنية الفرض فلولا أن عند التبين يجوز الصوم عن
الفرض لم يكن لهذا التحرز منهما معنى ثم هذا صوم عين فيتأدى بمطلق النية كالنفل ومعناه
انه هو المشروع فيه وغيره ليس بمشروع أصل والمتعين في زمان كالمتعين في مكان فيتناوله
اسم الجنس كما يتناوله اسم النوع ومعنى القربة في أصل الصوم يتحقق لبقاء الاختيار للعبد فيه
ولا يتحقق في الصفة إذ لا اختيار له فيها فلا يتصور منه ابدال هذا الوصف بوصف آخر
في هذا الزمان فيسقط اعتبار نية الصفة ونية النفل لغو بالاتفاق لان النفل غير مشروع
في هذا الوقت والاعراض عن الفرض يكون بنية النفل فإذا لغت نية النفل لم يتحقق
الاعراض وهو نظير الحج على قوله وبه يبطل قوله أنه لو اعتقد أنه نفل يكفر وعلى هذا
قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في المسافر إذا نوى واجبا آخر في رمضان وقع عن
فرض رمضان لان وجوب الأداء ثابت في حق المسافر حتى لو أدى جاز وإنما يفارق المقيم
في الترخص بالفطر فإذا لم يترخص كان هو والمقيم سواء وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول
يقع صومه عما نوى لأنه ما ترك الترخص حين قصد صرف منافعه إلى ما هو الأهم وهو
ما تقرر دينا في ذمته وهذه الرخصة لدفع الحرج والمشقة عنه فكان من مصالح بدنه وفى
هذه النية اعتبار المصلحة ان يصوم أو يفطر فصح منه ولان رمضان في حق المسافر كشعبان
في حق المقيم على معنى أنه مخير بين ان يفطر فان نوى المسافر النفل ففيه روايتان
عن أبي حنيفة في رواية ابن سماعة عنه يقع عن فرض رمضان لأنه ترك الترخص وفي رواية
الحسن يقع عن النفل لان رمضان في حقه كشعبان في حق غيره فاما المريض إذا نوى
واجبا آخر فالصحيح ان صومه يقع عن رمضان لان إباحة الفطر له عند العجز عن أداء
الصوم فاما عند القدرة هو والصحيح سواء بخلاف المسافر وذكر أبو الحسن الكرخي
ان الجواب في المريض والمسافر سواء على قول أبي حنيفة وهو سهو أو مؤول ومراده
مريض يطيق الصوم ويخاف منه زيادة المرض واما الكلام في وقت النية فلا خلاف
في أن أوله من وقت غروب الشمس لان الأصل في العبادات اقتران النية بحال الشروع
في الصوم إلا أن وقت الشروع في الصوم وقت مشتبه لا يعرفه الا من يعرف النجوم وساعات
الليل وهو مع ذلك وقت نوم وغفلة والمتهجد بالليل يستحب له أن ينام سحرا فلدفع
الحرج جوز له بنية متقدمة على حالة الشروع وإن كان غافلا عنه عند الشروع بأن تجعل
61

تلك النية كالقائمة حكما فأما النية بعد طلوع الفجر لصوم رمضان تجوز في قول علمائنا
رحمهم الله تعالى وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا تجوز وفى الكتاب لفظان أحدهما
إذا نوى قبل الزوال والثاني إذا نوى قبل انتصاف النهار وهو الأصح فالشرط عندنا وجود
النية في أكثر وقت الأداء ليقام مقام الكل وإذا نوى قبل الزوال لم يوجد هذا المعنى
لان ساعة الزوال نصف النهار من طلوع الشمس ووقت أداء الصوم من طلوع الفجر
فالشافعي رحمه الله تعالى استدل بقوله صلى الله عليه وسلم لا صيام لمن لم يعزم الصيام من
الليل والعزم عقد القلب على الشئ فإذا لم ينعقد قلبه على الصوم من الليل لا يجزئه
والمعنى فيه أن القصد والعزيمة عند أول جزء من العبادة شرط ليكون قربة كالصلاة وسائر
العبادات فإذا انعدم ذلك لم يكن ذلك الجزء قربة وما بقي لا يكفي للفريضة لان المستحق
عليه صوم يوم كامل بخلاف النفل فإنه غير مقدر شرعا فيمكن أن يجعل صائما من حين
نوى مع أن مبنى النفل على المسامحة والفرض على الضيق ألا ترى أن صلاة النفل تجوز
قاعدا مع القدرة على القيام وراكبا مع القدرة على النزول بخلاف الفرض (ولنا) حديث
عكرمة عن ابن عباس رضى عنهما أن الناس أصبحوا يوم الشك على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقدم اعرابي وشهد برؤية الهلال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشهد
أن لا إله الا الله وأنى رسول الله فقال نعم فقال صلى الله عليه وسلم الله أكبر يكفي المسلمين
أحدهم فصام وأمر الناس بالصيام وأمر مناديا فنادى ألا من كان أكل فلا يأكلن بقية
يومه ومن لم يأكل فليصم وتأويل حديثه أن المراد هو النهي عن تقديم النية على الليل ثم
هو عام دخله الخصوص بالاتفاق وهو صوم النفل فنحمله على سائر الصيامات بالقياس وهو
ان هذا يوم صوم فالامساك في أول النهار يتوقف على أن يصير صوما بالنية قبل الزوال
كالنفل وهذا لأن الصوم ركن واحد وهو الامساك من أول النهار إلى آخره فإذا اقترنت
النية بأكثره ترجح جانب الوجود على جانب العدم فيجعل كاقتران النية بجميعه ثم
اقتران النية بحالة الشروع ليس بشرط في باب الصوم بدليل جواز التقديم فصارت حالة
الشروع هنا كحالة البقاء في سائر العبادات وإذا جاز نيته متقدمة دفعات للحرج جاز نيته متأخرة
عن حالة الشروع بطريق الأولى لأنه إن لم تقترن بالشروع هنا فقد اقترنت بالأداء ومعنى
الحرج في جنس الصائمين لا يندفع بجواز التقديم ففي الصائمين صبي يبلغ نصف الليل وحائض
62

تطهر في آخر الليل فلا ينتبه الا بعد طلوع الفجر وفى أيامه يوم الشك فلا يمكنه أن ينوى
الفرض ليلا إذ لم يتبين أنه من رمضان وان نوى الصوم بعد الزوال لم يجزه لانعدام الشرط
في أكثر وقت الأداء فيترجح به جانب العدم ثم القرب بسبب الصوم وقع في ترك الغداء
كما بينا ووقت الغداء قبل الزوال لا بعده فإذا نوى قبل الزوال كان تاركا للغداء على قصد
التقرب وإذا نوى بعد الزوال لم يكن تركه الغداء على قصد التقرب فلا يكون صوما وكذلك
المسافر إذا نوى قبل الزوال وقد قدم مصره أو لم يقدم ولم يكن أكل شيئا جاز صومه عن
الفرض عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى هو يقول إمساك المسافر في أول النهار لم يكن
مستحقا لصوم الفرض فلم يتوقف على وجود النية ولم يستند إليه في حقه إلى أول النهار بخلاف
المقيم (ولنا) ان المعنى الذي لأجله جوز في حق المقيم إقامة النية في أكثر وقت الأداء
مقامها في جميع الوقت وجد في حق المسافر فالمسافر في هذا الوقت أسوة المقيم إنما يفارقه في
الترخص بالفطر ولم يترخص به ولان العبادة في وقتها مع ضرب نقصان أولى من تفويتها عن
وقتها والمسافر والمقيم في هذا سواء وبهذا فارق صوم القضاء فإنه دين في ذمته والأيام في
حقه سواء فلا يفوته شئ إذا لم نجوزه مع النقصان فلهذا اعتبرنا صفة الكمال منه (قال)
رجل أصبح صائما في رمضان قبل أن تبين انه من رمضان ثم تبين انه منه فصومه جائز وقد
أساء حين تقدم الناس ومراده في هذا يوم الشك ومعنى الشك ان يستوى طرف العلم
وطرف الجهل بالشئ وإنما يقع الشك من وجهين اما ان غم هلال شعبان فوقع الشك انه اليوم
الثلاثون منه أو الحادي والثلاثون أو غم هلال رمضان فوقع الشك في اليوم الثلاثين انه من
شعبان أو من رمضان ولا خلاف انه يكره الصوم فيه بنية الفرض لقوله صلى الله عليه وسلم
لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ولأنه حين نوى الفرض فقد اعتقد الفريضة
فيما ليس بفرض وذلك كاعتقاد النفلية فيما هو فرض ولكن مع هذا إذا تبين ان اليوم من
رمضان فصومه تام لان النهى ليس لعين الصوم فلا يؤثر فيه فاما إذا صام فيه بنية النفل فلا
بأس به عندنا وهو الأفضل وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان وافق ذلك يوما كان يصومه أو
صام قبله أياما فلا بأس به والا فهو مكروه لقوله صلى الله عليه وسلم من صام يوم الشك فقد
عصى أبا القاسم ولما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم ستة أيام يوم الفطر
ويوم النحر وأيام التشريق ويوم الشك ولنا حديث علي وعائشة رضي الله عنهما انهما كانا
63

يصومان يوم الشك كما روينا ولان هذا اليوم من شعبان لان اليقين لا يزال بالشك والصوم
من شعبان تطوعا مندوب إليه كما في سائر أيامه جاء في الحديث انه صلى الله عليه وسلم
ما كان يصوم في شهر أكثر منه في شعبان فإنه كان يصومه كله وتأويل النهى ان ينوى
الفرض فيه وبه نقول (قال) إلا أن يكون أبصر الهلال وحده ورد الامام شهادته وإنما
ترد شهادته إذا كانت السماء مصحية وهو من أهل المصر فاما إذا كانت السماء مغيمة أو جاء
من خارج المصر أو كان من موضع نشز فإنه تقبل شهادته عندنا خلافا للشافعي رحمه الله
تعالى في أحد قوليه قال لان تهمة الكذب إذا كان بالسماء غيم أظهر فان الغيم مانع من
الرؤية فإذا لم تقبل شهادته عند عدم المانع فعند قيامه أولى (ولنا) حديث عكرمة على
ما رويناه ثم هو مخبر بأمر ديني وهو وجوب أداء الصوم على الناس فوجب قبول خبره إذا لم
يكذبه الظاهر كمن روى حديثا وهذا الظاهر لا يكذبه فلعله تقشع الغيم عن موضع القمر
فاتفقت له الرؤية دون غيره بخلاف ما ذا كانت السماء مصحية لأن الظاهر يكذبه فإنه
مساو للناس في الموقف والمنظر وحدة البصر وموضع القمر فإذا رد الامام شهادته فعليه ان
يصوم ولا يفطر الا على قول الحسن بن حي يعتمد ظاهر قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم وقوله صلى الله عليه وسلم صومكم يوم تصومون وهذا ليس
بيوم الصوم في حق الجماعة فكذلك في حق الواحد (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم
صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فان غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوما ولان وجوب
الصوم برؤية الهلال أمر بينه وبين ربه فلا يؤثر فيه الحكم وقد كان لزمه الصوم قبل أن
ترد شهادته فكذلك بعده فان أفطر بالجماع لم تلزمه الكفارة عندنا خلافا للشافعي رحمه
الله تعالى هو يقول إنه متيقن ان اليوم من رمضان إذ لا طريق للتيقن أقوى من الرؤية
وتيقنه لا يتغير بشك غيره ألا ترى أنه يلزمه الصوم فيه عن الفرض ويوم الشك ينهي فيه
عن مثله وكما أن وجوب الصوم بينه وبين ربه فكذلك وجوب الكفارة عند الفطر
(ولنا) انه مفطر بالشبهة لان الامام حين رد شهادته فقد حكم بأنه كاذب بدليل شرعي
أوجب له الحكم به ولو كان حكمه هذا حقا ظاهرا وباطنا لكان يباح الفطر له فإذا كان نافذا
ظاهرا يصير شبهة وكفارة الفطر عقوبة تدرأ بالشبهات حتى لا يجب على المخطئ ثم الكفارة
إنما وجبت بالفطر في يوم رمضان مطلقا وهذا اليوم رمضان من وجه شعبان من وجه
64

ألا ترى ان سائر الناس لا يلزمهم الصوم فيه ويوم من رمضان لا ينفك عن الصوم فيه قضاء
أو أداء فلم يكن هذا اليوم في معنى المنصوص من كل وجه فلو أو جبنا الكفارة فيه كان بطريق
القياس على المنصوص ولا مدخل للقياس في اثبات الكفارة فاما وجوب الصوم فهو عبادة
يؤخذ فيه بالاحتياط فكونه من رمضان من وجه يكفي في حقه (قال) رجل قبل
امرأته في شهر رمضان فأنزل عليه القضاء ولا كفارة عليه لحديث ميمونة بنت سعد ان
النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل قبل امرأته وهما صائمان فقال قد أفطرا وتأويله
أنه قد علم من طريق الوحي حصول الانزال به ثم معنى اقتضاء الشهوة قد حصل بالانزال
فانعدم ركن الصوم ولا يتصور أداء العبادة بدون ركنها ولكن لا تلزمه الكفارة لنقصان
في الجناية من حيث أن التقبيل تبع وليس بمقصود بنفسه وفى النقصان شبهة العدم الا على
قول مالك رحمه الله تعالى فإنه يوجب الكفارة على كل مفطر غير معذور وكذلك المرأة ان
أنزلت لحديث أم سليم أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن امرأة ترى في منامها
مثل ما يرى الرجل فقال إن كان منها مثل ما يكون منه فلتغتسل أشار إلى أنها تنزل كالرجل
وإذا أنزلت فحكمها حكم الرجل (قال) ومن أكل أو شرب أو جامع ناسيا في صومه لم يفطره
ذلك والنفل والفرض فيه سواء. وقال مالك رحمه الله تعالى في الفرض يقضى وهو
القياس على ما قاله أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الجامع الصغير لولا قول الناس لقلت يقضى
أي لولا روايتهم الأثر أو لو قول الناس إن أبا حنيفة رحمه الله تعالى خالف الأثر. ووجه
القياس أن ركن الصوم ينعدم بأكله ناسيا كان أو عامدا وبدون الركن لا يتصور أداء العبادة
والنسيان عذر بمنزلة الحيض والمرض فلا يمنع وجوب القضاء عند انعدام الأداء (ولنا)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني
أكلت وشربت في رمضان ناسيا وأنا صائم فقال أن الله أطعمك وسقاك فتم على صومك
وهكذا روى عن علي رضي الله عنه. وقال سفيان الثوري رضي الله عنه ان أكل أو شرب
لم يفطر وان جامع ناسيا أفطر قال لان الحديث ورد في الأكل والشرب والجماع ليس في
معناه لان زمان الصوم زمان وقت للأكل عادة فيبتلى فيه بالنسيان وليس بوقت الجماع عادة
فلا تكثر فيه البلوى ولكنا نقول قد ثبت بالنص المساواة بين الأكل والشرب والجماع في حكم
الصوم فإذا ورد نص في أحدهما كان ورودا في الآخر باعتبارها المقدمة كمن يقول لغيره
65

اجعل زيدا وعمرا في العطية سواء ثم يقول اعط زيدا درهما كان ذلك تنصيصا على أنه يعطى
عمرا أيضا درهما فان تذكر فنزع نفسه من ساعته فصومه تام وكذا الذي طلع عليه الفجر
وهو مخالط لأهله إذا نزع نفسه من ساعته فصومه تام وعلى قول زفر رحمه الله تعالى فيهما
جميعا يقضى الصوم لوجود جزء من المواقعة وان قل بعد التذكر وطلوع الفجر (ولنا) أنه لم
يوجد بعد التذكر وطلوع الفجر الا الامتاع من قضاء الشهوة وذلك ركن الصوم فلا يفسد
الصوم وروى محمد عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى في نوادر الصوم أنه قال في الذي طلع عليه
الفجر يقضى بخلاف الناسي والفرق أن اقتران المواقعة بطلوع الفجر مانع من انعقاد الصوم
وفى الناسي صومه كان منعقدا ولم يوجد ما يرفعه وهو اقتضاء الشهوة بعد التذكر فبقي
صائما فان أتم الفعل فعليه القضاء دون الكفارة الا على قول الشافعي رحمه الله تعالى فإنه يجعل
استدامة الفعل بعد التذكر وطلوع الفجر كالانشاء (ولنا) ان الشبهة قد تمكنت في فعله
من حيث إن ابتداءه لم يكن جناية وروى هشام عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى في الذي
طلع عليه الفجر إذا أتم الفعل فعليه الكفارة بخلاف ما إذا تذكر لان آخر الفعل من
جنس أوله وفي الذي طلع عليه الفجر أول فعله عمد فكذلك آخره بخلاف الناسي فان
ذكر الناسي فلم يتذكر وأكل مع ذلك فقد ذكر في اختلاف زفر ويعقوب ان على قول زفر
لا يفسد صومه لبقاء المانع وهو النسيان وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يفسد صومه
لان الاحتياط قد لزمه حين ذكر وعدم التذكر بعد ما ذكر نادر فلا يعتبر (قال) وإذا
تمضمض الصائم فسبقه الماء فدخل حلقه فإن لم يكن ذاكرا لصومه فصومه تام كما لو شرب
وإن كان ذاكرا لصومه فعليه القضاء عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى واستدل بقوله
صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ثم عذر هذا أبين
من عذر الناسي فان الناسي قاصد إلى الشرب غير قاصد إلى الجناية على الصوم وهذا غير
قاصد إلى الشرب ولا إلى الجناية على الصوم فإذا لم يفسد الصوم ثمة فهنا أولى (ولنا) ما
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للقسط بن صبرة بالغ في المضمضة والاستنشاق الا أن تكون
صائما فالنهي عن المبالغة التي فيها كمال السنة عند الصوم دليل على أن دخول الماء
في حلقه مفسد لصومه ولان ركن الصوم قد انعدم مع عذر الخطأ وأداء العبادة بدون
ركنها لا يتصور وهكذا القياس في الناسي ولكنا تركناه بالسنة وهذا ليس في معناه لان
66

التحرز عن النسيان غير ممكن والتحرز عن مثل هذا الخطأ ممكن ثم ركن الصوم قد انعدم
معنى فان الذي حصل له وإن كان مخطئا قد انعدم صورة لا معنى بأن يتناول حصاة فسد
صومه فإذا انعدم معنى أولى لان مراعاة المعاني في باب العبادات أبين من مراعاة الصور
وكان ابن أبي ليلى يقول إن كان وضوؤه فرضا لم يفسد صومه وإن كان نفلا فسد صومه
لهذا. وقال بعض أهل الحديث إن كان في الثلاث لا يفسد صومه وان جاوز الثلاث
يفسد صومه. ومنهم من فصل بين المضمضة والاستنشاق في الوضوء والجنابة والاعتماد
على ما ذكرنا وتأويل الحديث ان المراد رفع الاثم دون الحكم وبه نقول (قال)
والاكتحال لا يضر الصائم وان وجد طعمه في حلقه وكان إبراهيم النخعي يكره للصائم أن
يكتحل وابن أبي ليلى كأن يقول إن وجد طعمه في حلقه فطره لوصول الكحل إلى باطنه (ولنا)
حديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بمكحلة إثمد في رمضان فاكتحل وهو
صائم. وعن أبي مسعود قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء من بيت
أم سلمة وعيناه مملوتان كحلا كحلته أم سلمة وصوم يوم عاشوراء في ذلك الوقت كان
فرضا ثم صار منسوخا ثم ما وجد من الطعم في حلقه أثر الكحل لا عينه كمن ذاق شيئا من
الأدوية المرة يجد طعمه في حلقه فهو قياس الغبار والدخان وان وصل عين الكحل إلى
باطنه فذلك من قبل المسام لا من قبل المسالك إذ ليس من العين إلى الحلق مسلك فهو
نظير الصائم يشرع في الماء فيجد برودة الماء في كبده وذلك لا يضره وعلى هذا إذا دهن
الصائم شاربه فأما السعوط والوجور يفطره لوصوله إلى أحد الجوفين إما الدماغ أو الجوف
والفطر مما يدخل ولا كفارة عليه لان معنى الجناية لا يتم به فان اقتضاء الشهوة لا يحصل
به الا في رواية هشام عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى أن عليه الكفارة إذا لم يكن به عذر
والحقنة تفطر الصائم لوصول المفطر إلى باطنه وهذا بخلاف الرضيع إذا احتقن بلبن امرأة
لا يثبت به حرمة لرضاع الا في رواية شاذة عن محمد رحمه الله تعالى لان ثبوت حرمة الرضاع
بما يحصل به انبات اللحم وانشاز العظم وذلك بما يحصل إلى أعالي البدن لا إلى الأسافل فأما
الفطر يحصل بوصول المفطر إلى باطنه لانعدام الامساك به والأقطار في الاذن كذلك يفسد
لأنه يصل إلى الدماغ والدماغ أحد الجوفين فاما الأقطار في الإحليل لا يفطره عند أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله تعالى ويفطره عند أبي يوسف وحكي ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى
67

أنه توقف فيه وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انه إذا صب الدهن في إحليله
فوصل إلى مثانته فسد صومه وهذا الاختلاف قريب فقد وقع عند أبي يوسف رحمه الله
تعالى أن من المثانة إلى الجوف منفذ حتى لا تقدر المرأة على استمساك البول والامر على ما قالا
فان أهل الطب يقولون البول يخرج رشحا وما يخرج رشحا لا يعود رشحا وبعضهم يقول
هناك منفذ على صورة حرف الخاء فيخرج منه البول ولا يتصور أن يعود فيه شئ مما يصب
في الإحليل فأما الجائفة والآمة إذا داواهما بدواء يابس لم يفطره وان دواهما بدواء رطب
فسد صومه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولم يفسد في قولهما والجائفة اسم لجراحة
وصلت إلى الجوف والآمة اسم لجراحة وصلت إلى الدماغ فهما يعتبران الوصول إلى الباطن
من مسلك هو خلقة في البدن لان المفسد للصوم ما ينعدم به الامساك المأمور به وإنما يؤمر
بالامساك لأجل الصوم من مسلك هو خلقة دون الجراحة العارضة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى
يقول المفسد للصوم وصول المفطر إلى باطنه فالعبرة للواصل لا للمسلك وقد تحقق الوصول
هنا وفى ظاهر الرواية فرق بين الدواء الرطب واليابس وأكثر مشايخنا رضي الله عنهم
أن العبرة بالوصول حتى إذا علم أن الدواء اليابس وصل إلى جوفه فسد صومه وان علم أن
الرطب لم يصل إلى جوفه لا يفسد صومه عنده الا انه ذكر اليابس والرطب بناء على العادة
فاليابس إنما يستعمل في الجراحة لاستمساك رأسها به فلا يتعدى إلى الباطن والرطب يصل
إلى الباطن عادة فلهذا فرق بينهما على أن العبرة لما قلنا إن اليابس يترطب برطوبة
الجراحة (قال) رجل أصبح في أهله صائما ثم سافر لم يفطر لأنه حين أصبح مقيما وجب
عليه أداء الصوم في هذا اليوم حقا لله تعالى وإنما أنشأ السفر باختياره فلا يسقط به ما تقرر وجوبه
عليه وان أفطر فلا كفارة عليه لتمكن الشبهة بسبب اقتران المبيح للفطر فان السفر مبيح
للفطر في الجملة فصورته وإن لم تبح تمكن شبهة وكفارة الفطر تسقط بالشبهة وذكر
الشافعي رحمه الله تعالى في رواية البويطي انه يلزمه الكفارة اعتبارا لآخر النهار بأوله وهذا
بعيد فان في أوله يتعرى فطره عن الشبهة وبعد السفر يقترن السبب المبيح بالفطر ولو وجد
هذا السبب في أول النهار لكان الفطر يباح له فإذا وجد في آخره يصير شبهة (قال)
رجل أصبح صائما متطوعا ثم أفطر عليه القضاء عندنا خلافا للشافعي رحمه تعالى وحجته
حديث أم هانئ ان النبي صلى الله عليه وسلم ناولها فضل سؤره فشربت ثم قالت انى كنت
68

صائمة لكن كرهت ان أرد سؤرك فقال صلى الله عليه وسلم إن كان صومك عن قضاء
فاقضي يوما وإن كان صومك تطوعا فإن شئت فاقضيه وإن شئت فلا تقضيه ولان المتنفل
متبرع بما ليس عليه فلا يلزمه ما لم يتبرع به ولكنه مخير في آخره كما كان مخيرا في أوله كمن
شرع في صلاة التطوع ينوى أربعا فصلى ركعتين كان مخيرا في الشفع الثاني وهذا بخلاف
الحج فان بتبرعه هناك لا يلزمه شئ إنما تعذر الخروج عما شرع فيه فيلزمه الاتمام حتى لو تيسر
عليه الخروج بالاحصار لم يلزمه القضاء عندي وبخلاف الناذر فإنه ملتزم ما ليس عليه فكان
نظير النذر من المعاملات الكفالة ونظير الشروع في الهبة والاقرار (ولنا) حديث
عائشة قالت أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين فأهدى لنا حيس فأكلنا فدخل رسول
الله صلى الله عليه وسلم وابتدرنا لنسأله فبدرتني حفصة وكانت بنت أبيها سباقة إلى الخيرات
فقال صلى الله عليه وسلم اقضيا يوما مكانه فإن كان هذا بعد حديث أم هانئ كان ناسخا له
وإن كان قبله فتبين به ان المراد بقوله إن شئت فاقضيه وإن شئت فلا تقضيه تأخير القضاء
وتعجيله أو تبين به ان النبي صلى الله عليه وسلم خص أم هانئ باسقاط القضاء عنها بقصدها
التبرك بسؤر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنها غفلت عن الصوم لفرط قصدها إلى
التبرك كما أن أبا طيبة لما حجم النبي صلى الله عليه وسلم شرب دمه فقال صلى الله عليه وسلم
حرم الله جسدك على النار وشرب الدم لا يوجب هذا ولكنه لفرط المحبة غفل عن الحرمة
فأكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكر ولأنه باشر فعل قربة مقصودة فيجب عليه
اتمامها ويلزمه القضاء بالافساد كمن أحرم بحج التطوع ولا نقول إن تبرعه بما ليس عليه يلزمه
ما لم يتبرع به ولكن وجب عليه حفظ المؤدى لكونه قربة فان التحرز عن ابطال العمل
واجب قال الله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم كما أن الوفاء بالعهد واجب فكما يلزمه الأداء
بعد النذر لان الوفاء به فكذلك يلزمه أداء ما بقي لان التحرز عن ابطال العمل فيه
بخلاف الصلاة فإنه ليس في الامتناع من الشفع الثاني ابطال الشفع الأول ولأنه بالشروع
تعين هذا اليوم لأداء الصوم المشروع فيه وله ولاية التعيين فيتعين بتعيينه والتحق بالزمان
المتعين للصوم شرعا والافساد في ذلك الزمان يوجب القضاء فهذا مثله وهو كالناذر لما كان
له ولاية الايجاب التحق ذلك بالواجب شرعا حتى إذا انعدم الأداء منه لزمه القضاء فهذا
مثله وهذه المسألة تبنى على أصل وهو ان بعد الشروع لا يباح له الافطار بغير عذر عندنا
69

فيصير بالافطار جانيا فيلزمه القضاء وعند الشافعي رحمه الله تعالى يباح له الافطار من غير عذر
واختلفت الروايات في الضيافة هل تكون عذرا فروى هشام عن محمد رحمهما الله تعالى انه
عذر مبيح للفطر وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انه لا يكون عذرا وروى
ابن مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه يكون عذرا وهو الأظهر
لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ضيافة رجل من الأنصار فامتنع رجل
من الأكل فقال إني صائم فقال صلى الله عليه وسلم إنما دعاك أخوك لتكرمه فأفطر واقض
يوما مكانه ووجه الرواية الأخرى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا دعى
أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل أي فليدع لهم
وقال صلى الله عليه وسلم ان أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية فقيل أو تشرك
أمتك بعدك فقال لا ولكنهم يراؤن بأعمالهم فقيل وما الشهوة الخفية فقال إن يصبح أحدهم
صائما ثم يفطر على طعام يشتهيه وسواء كان الفطر بعذر أو بغير عذر فالقضاء واجب
وكذلك سواء حصل الفطر بصنعه أو بغير صنعه حتى إذا حاضت الصائمة تطوعا فعليها القضاء
في أصح الروايتين وفى كتاب الصلاة إذا افتتح التطوع بالتيمم ثم أبصر الماء فعليه القضاء
والخروج هنا ما كان بصنعه فتبين ان الصحيح ان الشروع ملزم للاتمام كالنذر موجب للأداء
وانه متى تعذر الاتمام بعد صحة الشروع فعليه القضاء (قال) رجل أغمي عليه في شهر رمضان
حين غربت الشمس فلم يفق الا بعد الغد فليس عليه قضاء اليوم الأول لأنه لما غربت الشمس
وهو مفيق فقد صح منه نية صوم الغد وركن الصوم هو الامساك والاغماء لا ينافيه فتأدى
صومه في اليوم الأول لوجود ركنه وشرطه وعليه قضاء اليوم الثاني لأن النية في اليوم الثاني
لم توجد وقد بينا ان صوم كل يوم يستدعى نية على حدة وبمجرد الركن بدون الشرط
لا تتأدى العبادة (قال) وإذا نظر إلى فرج امرأته فأنزل فصومه تام ما لم يمسها وقال مالك
رحمه الله تعالى ان نظر مرة فكذلك وان نظر مرتين فسد صومه لما روى أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لعلي لا تتبع النظرة النظرة فإنما الأولى لك والأخرى عليك ولان النظر الأول
يقع بغتة فلا ينعدم به الامساك فإذا تعمد النظر بعد ذلك حتى أنزل فقد فوت ركن الصوم
(ولنا) ان النظر كالتفكر على معنى أنه مقصور عليه غير متصل بها ولو تفكر في جمال امرأة
فأنزل لم يفسد صومه فكذلك إذا نظر إلى فرجها ولو كان هذا مفسدا للصوم لم يشترط فيه
70

التكرار كالمس وتأويل الحديث المؤاخذة بالمأثم إذا تعمد النظر إلى ما لا يحل وان جامعها
متعمدا فعليه ان يتم صوم ذلك اليوم بالامساك تشبها بالصائمين وعليه قضاء ذلك اليوم
والكفارة اما وجوب القضاء فقول جمهور العلماء وقال الأوزاعي ليس عليه القضاء واستدل
بحديث الاعرابي فان النبي صلى الله عليه وسلم بين حكم الكفارة له ولم يبين حكم القضاء وتأخير
البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وقال صلى الله عليه وسلم من أفطر في رمضان متعمدا فعليه
ما على المظاهر وليس على المظاهر سوى الكفارة (ولنا) أنه وجب عليه الصوم بشهود الشهر
وقد انعدم الأداء منه فيلزمه القضاء كما لو كان معذورا وفوت ما لزمه من الأداء فيضمنه
بمثل من عنده كما في حقوق العباد وإنما أراد بقوله فعليه ما على المظاهر بسبب الفطر وبه نقول إن
وجوب القضاء ليس بسبب الفطر وإنما بين للأعرابي ما كان مشكلا عليه وجوب
القضاء غير مشكل. فاما وجوب الكفارة قول جمهور العلماء وكان سعيد بن جبير يقول
لا كفارة على المفطر في رمضان لان في آخر حديث الاعرابي أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال له كلها أنت وعيالك فانتسخ بهذا حكم الكفارة (ولنا) قول النبي صلى الله عليه وسلم
من أفطر في رمضان متعمدا فعليه ما على المظاهر وحديث الاعرابي حين جاء إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو ينتف شعره ويقول هلكت وأهلكت فقال ماذا صنعت فقال واقعت
أهلي في رمضان نهارا متعمدا فقال أعتق رقبة فضرب بيده على صفحة عنقه وقال لا أملك
الا رقبتي هذه فقال صلى الله عليه وسلم صم شهرين متتابعين فقال وهل أتيت ما أتيت الا
من الصوم فقال أطعم ستين مسكينا فقال لا أجد فقال إجلس فجلس فأتى بصدقات بنى
زريق فقال خذ خمسة عشر صاعا فتصدق بها على المساكين فقال على أهل بيت أحوج
إليها منى ومن عيالي والله ما بين لابتي المدينة أحوج إليها منى ومن عيالي فقال صلى الله
عليه وسلم كلها أنت وعيالك زاد في بعض الروايات تجزيك ولا تجزى أحدا بعدك فان
ثبتت هذه الزيادة ظهر أنه كان مخصوصا وإن لم تثبت هذه الزيادة لا يتبين به انتساخ
الكفارة ولكنه عذره في التأخير للعسرة ثم الكفارة مرتبة عند علمائنا والشافعي رحمهم الله
تعالى. وقال مالك رحمه الله تعالى ثبتت على سبيل التخيير لحديث سعد بن أبي وقاص
ان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أفطرت في رمضان فقال أعتق رقبة
أو صم شهرين أو أطعم ستين مسكينا (ولنا) ما روينا من قوله صلى الله عليه وسلم فعليه
71

ما على المظاهر وتبين بهذا ان المراد بالحديث الآخر بيان ما به تتأدى الكفارة في الجملة
لا بيان التخيير ثم بعد العجز عن العتق كفارته بالصوم إلا على قول الحسن البصري فإنه
يقول عليه بدنة وجعل هذا قياس المجامع في الاحرام ولكنا نقول لا مدخل للقياس في
أثبات ما به تتأدى الكفارة إنما طريق معرفته النص وليس في شئ من النصوص ذكر
البدنة في كفارة الفطر فكما لا مدخل للقياس فيما تتأدى به العبادة فكذا فيما يجب بالجناية
فيها. والصوم مقدر بالشهرين بصفة التتابع الا على قول ابن أبي ليلى فإنه يقول إن شاء تابع
وان شاء فرق بالقياس على القضاء وما روينا من الآثار حجة عليه وكان ربيعة الرازي يقول
الصوم مقدر باثني عشر يوما قال لان السنة اثنى عشر شهرا فصوم كل يوم يقوم مقام اثنى
عشر يوما وبعض الزهاد يقول الصوم مقدر بألف يوم فان في رمضان ليلة القدر وهي خير
من ألف شهر فإذ فوت صوم يوم منه فعليه ان يصوم ألف يوم ليقوم مقامه ولسنا نأخذ
بشئ من هذا فان الاعتماد على الآثار المشهورة كما روينا وهذه آثار تلقتها العلماء بالقبول
والعمل بها واثبات الكفارة بمثلها جائز وكما تجب الكفارة على الرجل تجب عليها ان
طاوعته وللشافعي رحمه الله تعالى ثلاثة أقاويل قول مثل هذا وقول آخر ان الكفارة
عليه دونها وقول آخر فصل بين البدني والمالي فقال عليها الكفارة بالصوم ويتحمل الزوج
عنها إذا كان ماليا واستدل بحديث الاعرابي فان النبي صلى الله عليه وسلم بين حكم الكفارة
في جانبه لا في جانبها فلو لزمتها الكفارة لبين ذلك كما بين الحد في جانبها في حديث
العسيف ثم سبب الكفارة المواقعة المعدمة للصوم والرجل هو المباشر لذلك دونها إذ هي
محل المواقعة وليست بمباشرة للمواقعة فكان فعلها دون فعل الرجل كالجماع فيما دون الفرج
بخلاف الحد فان سببه الزنا وهي مباشرة للزنا فان الله تعالى سماها زانية وعلى القول الآخر
يقول ما يتعلق بالمواقعة إذا كان بدنيا اشتركا فيه كالاغتسال وإذا كان ماليا تحمل الزوج عنها
كالمهر وثمن ماء الاغتسال (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم من أفطر في رمضان وكلمة من
تعم الرجال والنساء وتبين بهذا ان السبب الموجب للكفارة فطر هو جناية كاملة وهذا
السبب يتحقق في جانبها كما يتحقق في جانبه فتلزمها الكفارة كما يلزمها الحد بسبب الزنا وبه تبين
ان تمكينها فعل كامل فان مع النقصان لا يجب الحد وبيان النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة
في جانبه بيان في جانبها لان كفارتهما واحدة بخلاف حديث العسيف فان الحد في جانبه كان
72

هو الجلد وفى جانبها الرجم ولا معنى للتحمل لان الكفارة اما أن تكون عقوبة أو عبادة وبسبب
النكاح لا يجرى التحمل في العبادات والعقوبات إنما ذلك في مؤن الزوجية وان غلبها على
نفسها فعليها القضاء دون الكفارة وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا يفسد صومها والكلام
في هذا نظير الكلام في الخاطئ وقد بيناه (قال) وكذلك أن أكل أو شرب متعمدا
فعليه القضاء والكفارة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا كفارة عليه لان سبب وجوب
الكفارة بالنص المواقعة المعدمة للصوم فلو أوجب بالأكل كان بالقياس على المواقعة ولا
مدخل للقياس في الكفارة الا ترى أنه لا تقاس دواعي الجماع على الجماع فيه ولان الحرمة
تارة تكون لأجل العبادة وتارة لعدم الملك ثم ما يتعلق بالأكل لا يتعلق بالمواقعة متى كانت
الحرمة لعدم الملك فكذلك العبادة واستدل بالحج فان ما يتعلق بالمواقعة فيه وهو فساد
النسك لا يتعلق بسائر المحظورات فكذلك الصوم والجامع أن هذه عبادة للكفارة
العظمى فيها فتختص بالمواقعة (ولنا) حديث أبي هريرة ان رجلا قال يا رسول الله أفطرت
في رمضان فقال من غير مرض ولا سفر فقال نعم فقال أعتق رقبة وإنما فهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم من سؤاله الفطر بما يحوجه إليه كالمرض والسفر وذكر أبو داود ان
الرجل قال شربت في رمضان وقال علي رضي الله عنه إنما الكفارة في الأكل والشرب
والجماع ولان فطره تضمن هتك حرمة النص فكان كالفطر بالجماع وبيانه ان نص التحريم
بالشهر يتناول ما يتناوله نص الإباحة بالليالي وهتك حرمة النص جناية متكاملة ثم نحن لا نوجب
الكفارة بالقياس وإنما نوجبها استدلالا بالنص لان السائل ذكر المواقعة وعينها ليس
بجناية بل هو فعل في محل مملوك وإنما الجناية الفطرية فتبين ان الموجب للكفارة فطر هو
جناية الا ترى ان الكفارة تضاف إلى الفطر والواجبات تضاف إلى أسبابها والدليل عليه
انه لا تجب على الناسي لانعدام الفطر والفطر الذي هو جناية متكاملة يحصل بالأكل كما
يحصل بالجماع ولأنه آلة له وتعلق الحكم بالسبب لا بالآلة ثم ايجابه في الأكل أولى لان
الكفارة أوجبت زاجرة ودعاء الطبع في وقت الصوم إلى الأكل أكثر منه إلى الجماع
والصبر عنه أشد فايجاب الكفارة فيه أولى كما أن حرمة التأفيف يقتضى حرمة الشتم
بطريق الأولى ثم لأجل العبادة استوى حرمة الجماع وحرمة الأكل بخلاف حال عدم
الملك فان حرمة الجماع أغلظ حتى تزيد حرم الجماع على حرمة الأكل وبخلاف الحج
73

فان حرمة الجماع فيه أقوى حتى لا يرتفع بالحلق والدليل على المساواة هنا فصل الناسي فقد
جعلنا النص الوراد في الأكل حال النسيان كالوارد في الجماع فكذلك يجعل النص الوارد
في ايجاب الكفارة بالمواقعة كالوارد في الأكل والدواعي تبع فلا تتكامل به الجناية. ثم
حاصل المذهب عندنا ان الفطر متى حصل بما يتغذى به أو يتداوى به تتعلق الكفارة به
زجرا فان الطباع تدعو إلى الغذاء وكذلك إلى الدواء لحفظ الصحة أو اعادتها فأما إذا تناول
مالا يتغذى به كالتراب والحصاة يفسد صومه الا على بعض من لا يعتمد على قوله فإنه
يقول حصول الفطر بما يكون به اقتضاء الشهوة ولكنا نقول ركن الصوم الكف عن ايصال
الشئ إلى باطنه وقد انعدم ذلك بتناول الحصاة ثم لا كفارة عليه الا على قول مالك رحمه
الله تعالى فإنه قال هو مفطر غير معذور قال وجنايته هنا أظهر إذ لا غرض له في هذا
الفعل سوي الجناية على الصوم بخلاف ما يتغذى به ولكنا نقول عدم دعاء الطبع إليه يغنى
عن ايجاب الكفارة فيه زاجرا كما لم نوجب الحد في شرب الدم والبول بخلاف الخمر ثم تمام
الجناية بانعدام ركن الصوم صورة ومعنى فانعدام معنى ما يحصل به اقتضاء الشهوة إذا انعدم
لم تتم الجناية وفى النقصان شبهة العدم والكفارة تسقط بالشبهة (قال) وان جامعها ثانيا
في الشهر فعليه كفارة واحدة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى عليه كل يوم كفارة قال لان
السبب تقرر في اليوم الثاني وهو الجماع المعدم للصوم أو الفطر الذي هو جناية على الصوم
فوجبت الكفارة ثم الكفارات لا تتداخل كما في سائر الكفارات فان معنى العبادة فيها راجح
حتى يفتى بها وتتأدى بما هو عبادة والتداخل في العقوبات المحضة (ولنا) حرفان. أحدهما ان
كمال الجناية باعتبار حرمة الصوم والشهر جميعا حتى أن الفطر في قضاء رمضان لا يوجب الكفارة
لانعدام حرمة الشهر وباعتبار تجدد الصوم لا تتجدد حرمة الشهر ومتى صارت الحرمة معتبرة
لايجاب الكفارة مرة لا يمكن اعتبارها لايجاب كفارة أخرى لأنها تلك الحرمة بعينها
(والثاني) أن كفارة الفطر عقوبة تدرأ بالشبهات فتتداخل كالحدود وبيان الوصف أن سبب
الوجوب جناية محضة على حق الله تعالى والجنايات سبب لايجاب العقوبات والدليل عليه
سقوطها بعذر الخطأ بخلاف سائر الكفارات (قال) فان أفطر في يوم وكفر ثم أفطر في
يوم آخر فعليه كفارة أخرى الا في رواية زفر عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى فإنه يقول يكفيه
تلك الكفارة لاعتبار اتحاد حرمة الشهر وهو قياس من تلى آية السجدة في مجلس وسجد ثم
74

تلاها مرة أخرى لم تلزمه سجدة أخرى لاتحاد السبب وجه ظاهر الرواية أن التداخل
قبل أداء الأول لا بعده كما في الحدود إذا زنى بامرأة فحد ثم زنى بها يلزمه حد آخر وهذا
أصح لان السبب فطر هو جناية على الصوم وحرمة الشهر محل تغلظ به هذه الجناية والعبرة
للأسباب دون المحال فان جامع في رمضانين فقد ذكر في الكسائيات عن محمد رحمه الله
تعالى أن عليه كفارتين لاعتبار تجدد حرمة الشهر والصوم وأكثر مشايخنا يقولون
لا اعتماد على تلك الرواية والصحيح أن عليه كفارة واحدة لاعتبار معنى التداخل (قال)
وكل صوم في القرآن لم يذكره الله متتابعا فله أن يفرقه وما ذكر متتابعا فليس له أن يفرقه
أما المذكور متابعا فصوم كفارة القتل وكفارة الظهار فان النص ورد بقدر معلوم مقيد
بوصف فكما لا يجوز الاخلال بالقدر المنصوص فكذا بالوصف المنصوص فأما ما لم
يذكره متتابعا فصوم القضاء. قال الله تعالى فعدة من أيام أخر ويجوز القضاء متتابعا ومتفرقا
لأنه مطلق عن الوصف. وقال ابن عباس رضي الله عنه انهموا ما انهم الله وفى الحديث ان
رجلا سأل رسول الله عن قضاء أيام من رمضان أفيجزيني ان أصوم متفرقا فقال أرأيت
لو كان عليك دين فقضيت الدرهم والدرهمين أكان يقبل منك فقال نعم فقال الله أحق
بالتجاوز والقبول والذي في قراءة أبي بن كعب فعدة من أيام أخر متتابعة شاذ غير مشهور
وبمثله لا نثبت الزيادة على النص فأما صوم كفارة اليمين فثلاثة أيام متتابعة عندنا خلافا للشافعي
رحمه الله تعالى (قال) إنه مطلق في القرآن ونحن أثبتنا التتابع بقراءة ابن مسعود فإنها
كانت مشهورة إلى زمن أبي حنيفة رحمه الله تعالى حتى كان سليمان الأعمش يقرأ ختما على
حرف ابن مسعود وختما من مصحف عثمان رضي الله عنه والزيادة عندنا تثبت بالخبر المشهور
(قال) رجل جامع امرأته في يوم من رمضان ثم حاضت المرأة ومرض الرجل في ذلك
اليوم سقطت عنهما الكفارة عندنا وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى لا تسقط وهو قول
الشافعي رحمه الله تعالى على القول الذي يوجب الكفارة على المرأة. وقال زفر رحمه الله
تعالى تسقط عنها بعذر الحيض ولا تسقط عنه بعذر المرض وجه قول ابن أبي ليلى أن
السبب الموجب للكفارة قد تم وهو الفطر فوجبت الكفارة دينا في الذمة والحيض
والمرض لا ينافي بقاء الكفارة ثم الحيض والمرض لم يصادف الصوم هنا فاعتراضهما في
اليوم والليل سواء وهو قياس السفر بعد الفطر لا يسقط الكفارة ليلا كان أو نهارا وزفر
75

رحمه الله تعالى يفرق ويقول الحيض ينافي الصوم وصوم يوم واحد لا يتجزى فتقرر المنافى في
آخره يمكن شبهة المنافاة في أوله فاما المرض لا ينافي الصوم فلا يتمكن بالمرض في آخر النهار
شبهة المنافاة في أوله للصوم ولكنا نقول المرض ينافي استحقاق الصوم بدليل انه لو لم يفطر
حتى مرض يباح له الفطر والكفارة لا تجب الا بالفطر في صوم مستحق واستحقاق الصوم
في يوم واحد لا يتجزأ فتقرر المنافاة للاستحقاق في آخر النهار يمكن شبهة منافاة الاستحقاق
في أوله بخلاف السفر فإنه غير مناف للاستحقاق حتى لو لم يفطر حتى سافر لا يباح له الفطر
فلا يتمكن بالسفر في آخر النهار شبهة في أوله بخلاف ما إذا لم يفطر حتى سافر ثم أفطر لان
سقوط الكفارة هناك باعتبار الصورة المبيحة والصورة المبيحة إنما تعمل إذا اقترنت بالسبب
ولا اسناد في الصور إنما ذلك في المعاني ثم السفر فعله والكفارة إنما وجبت حقا لله تعالى فلا
يسقط بفعل العبد باختياره بخلاف المرض والحيض فإنه سماوي لا صنع للعباد فيه فإذا جاء
العذر ممن له الحق سقطت به الكفارة فان سوفر به مكرها فقد ذكر في اختلاف زفر
ويعقوب رحمهما الله تعالى ان على قول أبى يوسف رضي الله عنه لا تسقط به
الكفارة لان الصنع للعباد فيه فهو قياس ما لو أكره على الأكل بعد ما أفطر وعلى قول زفر
رحمه الله تعالى تسقط لأنه لا صنع له فيه ولا اعتماد على هذه الرواية عن زفر رحمه الله تعالى
فان عنده بالمرض لا تسقط الكفارة فبالسفر مكرها كيف تسقط (قال) رجل أصبح
صائما في غير رمضان يريد به قضاء رمضان ثم أكل متعمدا فقد أساء ولا كفارة عليه لان
وجوب الكفارة بالنصوص والنصوص وردت بالفطر في رمضان والفطر في غير رمضان
ليس في معنى الفطر في رمضان من كل وجه لان هذا اليوم ما كان متعينا لقضائه وهذا بخلاف
الحج فان الجماع في قضاء الحج بوجب ما يوجب في الأداء لتحقق المساواة في معنى الجناية ألا
ترى أن في حج النفل يتعلق بالجماع ما يتعلق في حج الفرض بخلاف الصوم (قال) مسافر
أصبح صائما في رمضان ثم أفطر قبل أن يقدم مصره أو بعد ما قدم فلا كفارة عليه لان أداء
الصوم في هذا اليوم ما كان مستحقا عليه حين كان مسافرا في أوله فهذا والفطر في قضاء
رمضان سواء وحكي عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه ان أفطر بعد ما صار مقيما فعليه الكفارة
وجعل وجود الإقامة في آخره كوجودها في أوله ولكنا نقول الشبهة تمكنت بالسفر الموجود
في أول النهار فإنه ينعدم به استحقاق الأداء وصوم يوم واحد لا يتجزى في الاستحقاق
76

(قال) رجل عليه قضاء أيام من شهر رمضان فلم يقضها حتى دخل رمضان من قابل
فصامها منه فان صيامه عن هذا الرمضان الداخل وقد بينا هذا الفصل في المقيم والمسافر
جميعا وعليه قضاء رمضان الماضي ولا فدية عليه عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يلزمه مع
القضاء لكل يوم إطعام مسكين ومذهبه مروى عن ابن عمر ومذهبنا مروى عن علي وابن
مسعود رحمهما الله تعالى وحاصل الكلام ان عنده القضاء مؤقت بما بين الرمضانين يستدل
فيه بما روى عن عائشة رضي الله عنها انها كانت تؤخر قضاء أيام الحيض إلى شعبان وهذا منها
بيان آخر ما يجوز التأخير إليه ثم جعل تأخير القضاء عن وقته كتأخير الأداء عن وقته فكما أن
تأخير الأداء عن وقته لا ينفك عن موجب فكذلك تأخير القضاء عن وقته ولنا ظاهر قوله
تعالى فعدة من أيام أخر وليس فيها توقيت والتوقيت بما بين الرمضانين يكون زيادة ثم هذه
عبادة مؤقتة قضاؤها لا يتوقت بما قبل مجئ وقت مثلها كسائر العبادات وإنما كانت عائشة
رضى الله تعالى عنها تختار للقضاء شعبان لان رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن لا يحتاج
إليها فيه فإنه كان يصوم شعبان كله ولان كان القضاء مؤقتا بما بين الرمضانين فالتأخر عن
وقت القضاء كالتأخر عن وقت الأداء وتأخير الأداء عن وقته لا يوجب عليه شيئا إنما وجوب
الصوم باعتبار السبب لا بتأخير الأداء فكذلك تأخير القضاء عن وقته ثم الفدية تقوم مقام
الصوم عند اليأس منه كما في الشيخ الفاني وبالتأخير لم يقع اليأس عن الصوم والقضاء واجب
عليه فلا معنى لايجاب الفدية وكما لم يتضاعف القضاء بالتأخير فكذلك لا ينضم القضاء إلى الفدية
لأنه في معنى التضعيف (قال) وان شك في الفجر فأحب إلى أن يدع الأكل وان أكل
وهو شاك فصومه تام أما التسحر فهو مندوب إليه لقوله صلى الله عليه وسلم استعينوا بقائلة
النهار على قيام الليل وبأكلة السحور على صيام النهار وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال فرق ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكل السحور والتأخير
مندوب إليه قال صلى الله عليه وسلم ثلاث من أخلاق المرسلين تعجيل الافطار وتأخير السحور
والسواك إلا أنه يؤخر على وجه لا يشك في الفجر الثاني فان شك فيه فالمستحب أن يدع الأكل
لقوله صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك والا كل يريبه فان أكل وهو شاك
فصومه تام لان الأصل بقاء الليل والتيقن لا يزال بالشك فإن كان أكبر رأيه أنه تسحر
والفجر طالع فالمستحب له أن يقضى احتياطا للعبادة ولا يلزمه القضاء في ظاهر الرواية لأنه
77

غير متيقن بالسبب والأصل بقاء الليل. وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمهما الله
الله تعالى قال إن كان في موضع يستبين له الفجر فلا يلتفت إلى الشك ولكنه يأكل إلى أن
يستيقن بطلوع الفجر وإن كان في موضع لا يستبين له الفجر أو كانت الليلة مقمرة
فالأولى ان يحتاط وان أكل لم يلزمه شئ الا انه إذا كان أكبر رأيه انه أكل بعد طلوع
الفجر فحينئذ يلزمه القضاء لان أكبر الرأي بمنزلة التيقن فيما يبنى أمره على الاحتياط (قال)
وان صام أهل المصر من غير رؤية الهلال ولم يصم رجل منهم حتى أبصر الهلال من الغد
فصام أهل المصر ثلاثين يوما والرجل تسعة وعشرين يوما فليس على الرجل قضاء شئ وقد
أخطأ أهل المصر حين صاموا بغير رؤية الهلال لقوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته
وافطروا لرؤيته فان غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوما فأهل المصر خالفوا أمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم فكانوا مخطئين ومنهم من قال يرجع إلى قول أهل الحساب عند
الاشتباه وهذا بعيد فان النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى كاهنا أو عرافا وصدقه بما يقول
فقد كفر بما أنزل على محمد والذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فان غم عليكم فأقدروا
له معناه التقدير باكمال العدة كما في الحديث المبين وإنما لا يجب على الرجل قضاء شئ لان
الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوما قال صلى الله عليه وسلم الشهر هكذا وهكذا وهكذا
وأشار بأصابعه وخنس إبهامه في الثالثة وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ما صمنا على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان تسعة وعشرين يوما أكثر مما صمنا ثلاثين يوما
وهكذا عن عائشة فلم يتبين خطأ الرجل فيما صنع فلا يلزمه قضاء شئ والذي روى
شهران لا ينقصان رمضان وذو الحجة المراد في حق الثواب دون العدد لاستحالة ان يقع
الخلف في خبر صاحب الشرع إلا أن يكون أهل المصر رأوا هلال شعبان فأحصوا ثلاثين
يوما ثم صاموا فقد أحسنوا وعلى من لم يصم معهم قضاء يوم لأنا تيقنا انه أفطر يوما من
شهر رمضان لان الشهر لا يكون أكثر من ثلاثين يوما وعلى هذا روى عن محمد رحمه
الله تعالى أنهم لو صاموا بشهادة الواحد على رؤية الهلال فصاموا ثلاثين يوما ثم لم يروا الهلال
أفطروا لان الشهر لا يكون أكثر من ثلاثين يوما وقد ألزمه ابن سماعة فقال هذا فطر
بشهادة الواحد وأنت لا ترى ذلك وهذا إلزام ظاهر والجواب عنه أن الفطر بقضاء القاضي
وذلك بمقتضى الشهادة ويثبت بمثله ما لا يثبت بنفس الشهادة كالميراث عند شهادة القابلة
78

على الولادة وقد روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى فيمن أبصر الهلال وحده
ورد الامام شهادته فصام ثلاثين يوما ولم يروا الهلال لم يفطر الا مع الامام والجماعة فلعل الغلط
وقع له كما ورد في حديث عمر رضي الله عنه أنه أمر الذي قال رأيت الهلال أن يمسح حاجبه بالماء
ثم قال أين الهلال فقال فقدته فقال شعره قامت من حاجبك فحسبتها هلالا وإنما أمرناه بالصوم
في الابتداء احتياطا من غير أن نحكم أن اليوم من رمضان والاحتياط في أن لا يفطر الا
مع الامام والجماعة (قال) وإذا جامع الرجل امرأته في الفرج فغابت الحشفة ولم ينزل
فعليهما القضاء والكفارة والغسل أما الغسل فلاستطلاق وكاء المنى بفعله وأما الكفارة
فلحصول الفطر على وجه تتم الجناية به قيل تمام الجناية في اقتضاء الشهوة وذلك لا يحصل
بدون إنزال (قلنا) اقتضاء الشهوة في المحل يتم بالايلاج فأما الانزال تبع لا يعتد به في تكميل
الجناية فلو جامعها في الموضع المكروه فعليهما الغسل لما بينا ولا شك في ايجاب الكفارة على
قولهما وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى
أنه لا كفارة عليهما وهو ظاهر على أصله لأنه لا يجعل هذا الفعل كاملا في ايجاب العقوبة
التي تندرئ بالشبهات كالحد وفى جانب المفعول ظاهر فليس لها فيه اقتضاء الشهوة. وروى
أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ان عليهما الكفارة وهو الأصح فان السبب
قد تم وهو الفطر بجناية متكاملة إنما يدعى أبو حنيفة رحمه الله تعالى النقصان في معنى الزنا
من حيث إنه لا يحصل به افساد الفراش ولا معتبر به في ايجاب الكفارة (قال) فان جامع
بهيمة أو ميتة فليس عليه الكفارة أنزل أو لم ينزل عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى فان
السبب عنده الجماع المعدم للصوم وقد وجد ولكنا نقول الجناية لا تتكامل الا باقتضاء شهوة
المحل وهذا وهذا المحل غير مشتهي عند العقلاء فان حصل به قضاء الشهوة فذلك لغلبة الشبق أو
لفرط السفه وهو كمن يتكلف لقضاء شهوته بيده لا تتم جنايته في ايجاب الكفارة فهذا مثله
(قال) فان جامع أو أكل أو شرب ناسيا فظن أن ذلك يفطره فأكل بعد ذلك متعمدا
فعليه القضاء ولا كفارة عليه لأنه اشتبه عليه ما يشتبه فان الأكل مع النسيان يفوت ركن
الصوم حقيقة ولا بقاء للعبادة مع فوات ركنها فيكون ظنه هذا في موضعه فصار شبهة في
اسقاط الكفارة قال محمد رحمه الله تعالى إلا أن يكون بلغه خبر الناسي فحينئذ عليه القضاء
والكفارة لان ظنه مدفوع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال تم على صومك فلا
79

تبقى شبهة وقد روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا كفارة عليه وان بلغه الخبر
لان خبر الواحد لا يوجب علم اليقين وإنما يوجب العمل تحسينا للظن بالراوي فلا تنتفي الشبهة
به وعلى هذا لو احتجم فظن أن ذلك فطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه القضاء والكفارة لان
ظنه في غير موضعه فان انعدام ركن الصوم بوصول الشئ إلى باطنه ولم يوجد إلا أن يكون
أفتاه مفتى العامة بان صومه قد فسد فحينئذ لا كفارة عليه لان الواجب على العامي الاخذ
بفتوى المفتى فتصير الفتوى شبهة في حقه وإن كان خطأ في نفسه وإن كان سمع الحديث أفطر
الحاجم والمحجوم فاعتمد ظاهره قال محمد رحمه الله تعالى تسقط عنه الكفارة أيضا كما لو اعتمد
الفتوى وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى انها لا تسقط لان العامي إذا سمع حديثا فليس له ان
يأخذ بظاهره لجواز أن يكون مصروفا عن ظاهره أو منسوخا وان دهن شاربه أو اغتاب
فظن أن ذلك فطره فأكل بعد ذلك متعمدا فعليه القضاء والكفارة سواء اعتمد حديثا أو فتوى
لان هذا الظن والفتوى بخلاف الاجماع غير معتبر (قال) وإذا أسلم الكافر في النصف من
شهر رمضان صام ما بقي من الشهر وليس عليه قضاء ما مضى منه وكذلك اليوم الذي أسلم فيه
لا يجزيه صومه وإن لم يأكل ونوى قبل الزوال لانعدام أهلية العبادة في أول النهار ولكنه
يمسك تشبها بالصائمين وليس عليه قضاؤه ومن العلماء من يقول عليه قضاء هذا اليوم والأيام
الماضية من الشهر وجعلوا ادراك جزء من الشهر كادراك جميع الشهر كما أن ادراك جزء من
وقت الصلاة بعد الاسلام كادراك جميع الوقت والتفريط إنما جاء من قبله بتأخير الاسلام
فلا يعذر في اسقاط القضاء وهو قريب من أصل الشافعي رحمه الله تعالى ان الكفار
مخاطبون بالشرائع (ولنا) ما روى أن وفد ثقيف حين قدموا على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم أسلموا في النصف من رمضان فأمرهم بصوم ما بقي من الشهر ولم يأمرهم
بقضاء ما مضى وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز لان وجوب القضاء ينبنى على خطاب
الشرع بالأداء وذلك لا يكون بدون الأهلية للعبادة والكافر ليس بأهل لثوابها فلا يثبت
خطاب الأداء في حقه والصوم عبادة معلومة بميعادها وهو الزمان فلا تصور للصوم منه
في الزمن الماضي بخلاف الصلاة فإنها معلومة بأوقاتها والوقت ظرف لها فجعل ادراك جزء
من الوقت سببا لوجوب الأداء ثم القضاء ينبنى عليه (قال) ولا تصلى الحائض ولا تصوم
لقوله عليه الصلاة والسلام في بيان نقصان دين المرأة تقعد إحداهن شطر عمرها لا تصوم
80

ولا تصلى يعنى زمان الحيض فإذا طهرت قضت أيام الصوم ولا تقضى الصلاة لما تقدم بيانه
(قال) وكل وقت جعلتها فيه نفساء أو حائضا فإنها تعيد صوم ذلك اليوم ولا تعيد صلاته
وكل وقت عددتها فيه مستحاضة فإنها تعيد صلاته إن لم تكن صلتها فإن كانت صلت وصامت
فقد جاز لان المستحاضة في حكم الطاهرات فيما يرجع إلى العبادات قال صلى الله عليه وسلم
للمستحاضة توضئي وصلى وان قطر الدم على الحصير قطرا وقال المستحاضة تتوضأ لكل
صلاة ثم طول محمد رحمه الله هذا الفصل في الأصل فذكر في باب المستحاضة مسائل منها
ان ينقص الدم عن أقل مدة الحيض أو يزيد على أكثر مدة الحيض أو أكثر مدة النفاس
أو يسبق رؤية الدم أو انه فالاستحاضة تكون بدم فاسد ويستدل بتقدمه على أوانه على
فساده وتمام شرح هذه المسائل في كتاب الحيض (قال) ولا يجوز شئ من الصوم
الواجب ان يصومه في يوم الفطر أو النحر أو أيام التشريق لأن الصوم في هذه الأيام منهى
عنه قال أبو رافع أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أنادى في أيام منى الا لا تصوموا
في هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال وفى رواية انها أيام أكل وشرب وذكر وعن
عقبة بن عامر الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن صوم يوم التروية ويوم عرفة
ويوم النحر وأيام التشريق وتأويل النهي في يوم التروية وعرفة في حق الحاج إذا كان
يضعف بالصوم عن الوقوف والذكر. وفى الحديث المشهور الذي روينا أن النبي صلى
الله عليه وسلم نهي عن صوم ستة أيام والمنهى عنه يكون فاسدا والواجب في ذمته مستحق
عليه أداؤه بصفة الصحة فلا يتأدى بما هو فاسد وكذلك صوم المتعة عندنا لا يتأدى في يوم
النحر وأيام التشريق وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه في القديم يتأدى صوم المتعة في أيام
التشريق وهو مروى عن عائشة وابن عمر ومعاذ ومذهبنا مروى عن علي وابن مسعود
رضى الله تعالى عنهما (قال) وإن كان على الرجل صيام شهرين متتابعين من فطر أو ظهار
أو قتل فصامها وأفطر فيها يوما لمرض فعليه استقبال الصيام لانعدام صفة التتابع بالفطر فإن كان
ت امرأة فأفطرت فيما بين ذلك للحيض لم يكن عليها استقباله. وكان إبراهيم النخعي
يسوى بين اللفظين في أنه لا يجب الاستقبال لاعتبار العذر وابن أبي ليلى رحمه الله كان يسوى
بين الفصلين في أنه يجب الاستقبال لانعدام التتابع بالفطر وكأن يقول قد تجد المرأة شهرين
خاليين من الحيض إذا حبلت أو أيست والفرق لنا بين الفصلين من وجهين. أحدهما أن
81

الرجل يجد شهرين خاليين عن المرض فلو أمرناه بالاستقبال لم يكن فيه كبير حرج والمرأة
لا تجد شهرين خاليين عن الحيض عادة فلعلها لا تحبل ولا تعيش إلى أن تيأس ففي الامر بالاستقبال
حرج بين. والثاني أن المرض لا ينافي الصوم حتى لو تكلف وصام جاز فانقطاع التتابع
كان بفعله والواجب عليه تتابع الصوم في الوقت الذي يتصور فيه الأداء منه فإذا لم يوجد
استقبل فأما الحيض ينافي أداء الصوم منها فلم ينقطع التتابع بفعلها إلا أن عليها أن تصل
قضاء أيام الحيض بصومها لان هذا القدر من التتابع في وسعها فعليها أن تأتي به. وروى
ابن رستم عن محمد رحمه الله تعالى قال إذا صامت شهرا فأفطرت فيه بعذر الحيض ثم أيست
فعليها الاستقبال لزوال العذر قبل تمام المقصود وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى انها
لو حبلت بعد ما صامت شهرا فأفطرت فيه لعذر الحيض بنت على صومها لأنها بالحبل
لا تخرج من أن تكون من ذوات الأقراء وإن لم تصل قضاء أيام الحيض بصومها استقبلت
لأنها تركت التتابع الذي في وسعها (قال) وان صام عن ظهار شهرين أحدهما رمضان لم
يكن عما نواه وكان عن رمضان لان صوم الظهار دين في ذمته فإنما يتأدى ما هو مشروع له
الوقت لا ما هو مستحق عليه بجهة مخصوصة وعليه الاستقبال لأنه يجده شهرين خاليين عن
رمضان وهذا بخلاف ما إذا نذر ان يصوم رجب فصامه عن الظهار جاز عما نوى لان صوم
رجب كان مشروعا له وكان صالحا لأداء الواجب به قبل النذر وهو بالنذر موجب على نفسه
ما ليس بواجب ولا تبقى صلاحية لغيره إذ ليس له هذه الولاية فاما الشرع لما عين صوم
رمضان للفرض نفى صلاحيته لغيره وللشرع هذه الولاية فلهذا لا يتأدى صوم الظهار من المقيم
في رمضان. وله أن يفرق بين قضاء رمضان وقد بينا هذا وفيه قول عن عائشة رضي الله عنها
أنه يجب متتابعا وكذلك صوم جزاء الصيد والمتعة لأنه مطلق في القرآن قال الله تعالى أو
عدل ذلك صياما. وقال تعالى فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم والذي روى في
قراءة أبي بن كعب فصيام ثلاثة أيام متتابعة في الحج شاذ غير مشهور والزيادة على النص
بمثله لا تثبت (قال) رجل أصبح صائما ينوى قضاء رمضان ثم علم أنه ليس عليه شئ منه
فالأحسن له أن يتم صومه تطوعا وان أفطر لم يلزمه شئ الا على قول زفر رحمه الله تعالى
فإنه يقول يلزمه القضاء وليس له أن يفطر وذكر الطحاوي رحمه الله تعالى في الصلاة عن
أبي حنيفة رحمه الله تعالى مثل قول زفر رحمه الله تعالى وكذلك المكفر بالصوم إذا
82

أيسر في خلاله فالأولى أن يتم صومه تطوعا وان أفطر لم يلزمه القضاء الا على قول زفر
رحمه الله تعالى فإنه يقول بعد التبين واليسار هو في نفل صحيح حتى لو أتمه كان نفلا فيلزمه
التحرز عن ابطاله والقضاء ان أبطله كما لو كان شروعه بنية النفل وكمن أحرم بحج مظنون
وكمن تصدق على فقير على ظن أنه عليه ثم علم أنه ليس عليه لم يكن له أن يسترد (ولنا) أن
عمله كان في أداء الفرض أما في حق المكفر فقد كان واجبا عليه حين شرع ظاهرا وباطنا
وكذلك في المظنون فان المرء يخاطب بما عنده لا بما عند الله تعالى وذلك الفرض الذي شرع
فيه قد سقط عنه شرعا فما بقي من النفل إنما بقي نظرا من الشرع له لا ايجابا عليه فالأولى له أن يتمه
ولكن لا يلزمه شئ إن لم يتمه لان الواجب عليه التحرز عن ابطال عمله وهو لم يبطل عمله بالفطر
لان عمله كان في أداء الفرض دون النفل وهو نظير النفل المشروع في كل يوم الأولى للمرء
أن يأتي به ولا شئ عليه إن امتنع منه ثم الشروع في كونه ملزما لا يكون أقوى من النذر
وإضافة النذر إلى ما هو واجب لا يفيد الايجاب فالشروع أولى بخلاف الحج فان ما أدى
من الفرض قد سقط بالتبين ولكن لم يخرج به من الاحرام فالاحرام عقد لازم لا خروج
منه الا بأداء الأفعال ألا ترى أنه لو فاته الحج لا يخرج من الاحرام الا بأعمال العمرة فان
أحصر في الحج المظنون فتحلل بالهدى فقد اختلف فيه مشايخنا منهم من يقول لا يلزمه
قضاء شئ لأنه تم خروجه من الاحرام والأصح أنه يلزمه القضاء لان الاحرام في الأصل
لازم والتحلل بالاحصار لدفع الحرج والمشقة عنه ففيما وراء ذلك تبقى صفة اللزوم معتبرة
بخلاف الصدقة لأنها تمت بالوصول إلى الفقير فوز انه ما لو أتم الصوم ثم تبين أنه ليس عليه
وفى هذا لا يمكنه أبطاله (قال) امرأة أصبحت صائمة متطوعة ثم أفطرت ثم حاضت فعليها
القضاء عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى لا قضاء عليها لان الحيض الموجود في آخر النهار
في منافاة الصوم كالموجود في أوله فتبين أن هذا اليوم لم يكن وقت أداء الصوم في حقها
والشروع في غير وقت الصوم لا يكون ملزما شيئا كالشروع ليلا (ولنا) ان شروعها في
الصوم قد صح لاستجماع شرائط الأداء عند الشروع ثم بالافساد وجب القضاء دينا في
ذمتها والحيض بعد ذلك لا ينافي بقاء الصوم دينا وإنما يكون الحيض مؤثرا إذا صادف
الصوم وهنا الحيض لم يصادف الصوم فاعتراضه ليلا أو نهارا سواء ولان الشروع كالنذر
ولو نذرت ان تصوم هذا اليوم ثم أفطرت ثم حاضت كان عليها القضاء فكذلك إذا
83

شرعت فإن لم تفطر حتى حاضت فقد ذكر ابن سماعة عن محمد رحمه الله تعالى ان عليها
القضاء أيضا وهو الصحيح على ما أشار إليه الحاكم وفي رواية ابن رستم عن محمد لا قضاء
عليها لان الحيض صادف الصوم والمنافاة لم تكن بفعلها فلا تكون جانية ملزمة للقضاء
وجه الرواية الأخرى أن شروعها قد صح فكان بمنزلة نذرها ولو نذرت ان تصوم هذا
اليوم فحاضت فيه كان عليها القضاء وإن لم يكن تعذر الاتمام مضافا إلى فعلها لا يمنع وجوب
القضاء كالمتيمم إذا شرع في النفل ثم أبصر الماء فعليه القضاء (قال) المكفر بالصوم عن
ظهار إذا جامع بالنهار عامدا وجب عليه الاستقبال سواء جامع التي ظاهر منها أو غيرها
لانقطاع التتابع بفعله فان جامع بالنهار ناسيا أو بالليل عامدا نظر فان جامع غير التي ظاهر
منها لم يكن عليه الاستقبال لان جماعه لم يؤثر في صومه فلم ينقطع التتابع وان جامع
التي ظاهر منها فعليه الاستقبال في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفى قول أبى
يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى لا يلزمه الاستقبال فان جماع الناسي والجماع بالليل
لا يؤثر في افساد الصوم فلا ينقطع به التتابع كالأكل والشرب وجماع غير التي ظاهر
منها ولأنه لو استقبل صار مؤديا صوم الشهرين بعد المسيس ولو بنى صار مؤديا أحد الشهرين
قبل المسيس والآخر بعده وهذا أقرب إلى الامتثال وهو نظير ما لو أطعم ثلاثين مسكينا
ثم جامع لم يكن عليه استقبال الاطعام وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا الواجب عليه
بالنص اخلاء الشهرين عن المسيس وهو قادر على هذا فلا يتأدى الواجب الا به وبيانه أن
الله تعالى قال فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ومن ضرورة الامر بتقديم الشهرين
على المسيس الامر باخلائهما عنه والثابت بضرورة النص كالمنصوص فكان الواجب عليه
شيئين عجز عن أحدهما وهو تقديم الشهرين على المسيس وهو قادر على الاخر وهو اخلاؤهما
عن المسيس فيأتي بما قدر عليه وذلك بالاستقبال بخلاف جماع غير التي ظاهر منها فإنه غير
مأمور بتقديم صوم شهرين على جماعها فلا يكون مأمورا باخلائها عنه وإن لم يؤثر جماعه
في الصوم لا يدل على أنه لا يبطل به معنى الكفارة إذا انعدم به الشرط المنصوص كما لو أيسر
في خلال صوم الكفارة فان يساره لا يؤثر في الصوم وتبطل به الكفارة ثم حرمة الجماع
في حق التي ظاهر منها بدوام الليل والنهار وفي مثله النسيان والعمد سواء كالجماع في الاحرام
وهذا بخلاف الاطعام فإنه ليس في التكفير بالاطعام تنصيص علي التقديم على المسيس
84

والامر باخلائه عن المسيس كان لضرورة الامر بالتقديم على المسيس. فان قيل بالاجماع
ليس له أن يجامعها قبل أن يكفر وان كانت كفارته بالاطعام وعندكم لا يجوز قياس المنصوص
على المنصوص (قلنا) ما عرفنا ذلك بالقياس بل بالنص وهو حديث أوس بن الصامت
رضى عنه حين ظاهر من امرأته رآها في ليلة قمراء وعليها خلخال فأعجبته فواقعها ثم سأل
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له استغفر الله ولا تعد حتى تكفر فبهذا النص تبين أنه
ليس له أن يغشاها قبل التكفير سواء كانت كفارته بالاطعام أو بالصيام (قال) وتجوز
نية صوم التطوع قبل انتصاف النهار. وقال مالك رحمه الله تعالى لا تجوز لأنه حين أصبح غيرنا
وللصوم فقد تعين أول النهار لفطره والصوم والفطر في يوم واحد لا يحتمل الوصف بالتجزي
فهو كما لو تعين بأكله (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم المتطوع بالخيار ما لم تزل الشمس
يعنى المريد للصوم وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح دخل
على نسائه وقال هل عندكن شئ فان قلن لا قال إني صائم وفي حديث عاشوراء أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال ومن لم يأكل فليصم فإن كان صوم عاشوراء نفلا فهو نص وإن كان فرضا
فجواز الفرض بنية من النهار يدل على جواز النفل بطريق الأولى ولسنا نقول إن جهة الفطر
قد تعينت بترك النية في أول النهار ولكن بقي الامر مراعى ما بقي وقت الغداء فان الصوم
ليس إلا ترك الغداء في وقته على قصد التقرب وفوات وقت الغداء بزوال الشمس فإذا
نوى قبل الزوال فقد ترك الغداء في وقته على قصد التقرب فكان صوما (قال) ولو نوى
التطوع بعد انتصاف النهار لم يكن صائما عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يكون صائما إذا
نوى قبل غروب الشمس ولم يكن أكل في يومه شيئا قال لان النفل غير مقدر شرعا بل
هو موكول إلى نشاطه فربما ينشط فيه بعد الزوال وهو وقت الأداء كما قبله وشبهه بالصلاة
فان التطوع بالصلاة يجوز راكبا وقاعدا مع القدرة على القيام لأنه موكول إلى نشاطه
(ولنا) ما بينا أن الصوم ترك الغداء في وقته على قصد التقرب فان العشاء باق في حق
الصائم والمفطر جميعا ووقت الغداء ما قبل الزوال دون ما بعده فإذا لم ينو قبل الزوال لم يكن
تركه الغداء على قصد التقرب فلا يكون صوما واما في قضاء رمضان وكل صوم واجب
في ذمته فسواء نوى قبل الزوال أو بعده لم يكن عنه ما لم ينو من الليل لان ما كان دينا في
ذمته لم يتعين لأدائه يوم ما لم يعينه فامساكه في أول النهار قبل النية لم يتوقف عليه فلا
85

يستند حكم النية إليه بخلاف صوم رمضان فإنه متعين في وقته فيتوقف إمساكه عليه
فيستند حكم النية ثم إقامة النية في أكثر الوقت مقام النية في جميعه لأجل الضرورة
والحاجة وذلك فيما يفوته دون مالا يفوته وصوم رمضان يفوته عن وقته والنفل لا يفوته
أصلا فاما ما كان دينا في ذمته لا يفوت فلا تقام النية في أكثر الوقت في حقه مقام النية في جميعه
(قال) ولا يكون صائما في رمضان ولا في غيره ما لم ينو الصوم وان اجتنب المفطرات إلى
آخر يومه بمرض أو غير مرض وقد بينا قول زفر رحمه الله تعالى في الصحيح المقيم انه يتأدى
منه الصوم بمجرد الامساك من غير النية فإن كان مريضا أو مسافرا فلا خلاف انه لا يكون
صائما ما لم ينو وعند زفر رحمه الله تعالى ما لم ينو من الليل قال لان الأداء غير مستحق عليه
في هذا الوقت نفسه فلا يتعين الا بنيته بخلاف الصحيح المقيم وعندنا اشتراط النية ليصير
الفعل قربة فان الاخلاص والقربة لا يحصل الا بالنية قال الله تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الله
مخلصين له الدين ففي هذا المسافر والمقيم سواء إنما فارق المسافر المقيم في الترخص بالفطر فإذا
لم يترخص صحت منه النية قبل انتصاف النهار كما تصح من المقيم (قال) فان أصبح بنية الفطر
فظن أن نيته هذه قد أفسدت عليه صومه وأفتى بذلك فأكل قبل انتصاف النهار فعليه القضاء
ولا كفارة عليه للشبهة التي دخلت وهما فصلان أحدهما إذا أصبح ناويا للصوم ثم نوى
الفطر لا يبطل به صومه عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يبطل فان الشروع في الصوم
لا يستدعى فعلا سوى نية الصوم فكذلك الخروج لا يستدعى فعلا سوى النية ولان النية
شرط أداء الصوم وقد أبدله بضده وبدون الشرط لا تتأدى العبادة (ولنا) الحديث
الذي روينا الفطر مما يدخل وبنيته ما وصل شئ إلى باطنه ثم هذا حديث النفس. وقال
النبي صلى الله عليه وسلم ان الله تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم يعملوا أو يتكلموا
وكما أن الخروج من سائر العبادات لا يكون بمجرد النية فكذلك من الصوم وبالاتفاق
اقتران النية بحالة الأداء ليس بشرط فإنه لو كان مغمى عليه في بعض اليوم يتأدى
صومه ففي هذا الفصل إذا أفتي بأن صومه لا يجوز فأفطر لم يكن عليه كفارة لشبهة
اختلاف العلماء لان على العامي أن يأخذ بقول المفتى وإن كان أصبح غيرنا وللصوم ثم أكل
فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا كفارة عليه سواء أكل قبل الزوال أو بعده وعلى قول
أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ان أكل قبل الزوال فعليه الكفارة وان أكل بعد الزوال
86

فلا كفارة عليه قال لان قبل الزوال حكم الامساك موقوف على أن يصير صائما بنيته فصار
بأكله جانيا مفوتا للصوم فأما بعد الزوال إمساكه غير موقوف على أن يصير صوما بالنية
فلم يكن في أكله جانيا على الصوم وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الكفارة تستدعى كمال
الجناية وذلك بهتك حرمة الصوم والشهر جميعا ولم يوجد منه هتك حرمة الصوم لأنه
ما كان صائما قيل أن ينوى فتجرد هتك حرمة الشهر عن حرمة الصوم وهو غير موجب
للكفارة كما لو تجرد هتك حرمة الصوم عن هتك حرمة الشهر بأن أفطر في قضاء رمضان
وعلى قول زفر رحمه الله تعالى عليه الكفارة سواء أكل قبل الزوال أو بعده لان عنده هو
صائم وإن لم ينو (قال) فان فان أصبح غيرنا وللصوم ثم نوى قبل الزوال ثم أكل فلا كفارة
عليه الا في رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه تلزمه الكفارة لان شروعه في الصوم
قد صح فتكاملت جنايته بالفطر كما لو كان نوى بالليل وجه قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى
ان ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل ينفي كونه صائما
بهذه النية والحديث وإن ترك العمل بظاهره يبقي شبهة في درء ما يندرئ بالشبهات كمن وطئ
جارية ابنه مع العلم بالحرمة لا يلزمه الحد لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك ثم
هذا على أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى ظاهر لان عنده لو أكل قبل النية لا تلزمه الكفارة
وما كان موجودا في أول النهار يصير شبهة في آخره كالسفر إنما الشبهة على قول محمد رحمه الله
تعالى وعذره ما بينا (قال) المغمى عليه في جميع الشهر إذا أفاق بعد مضيه فعليه القضاء الا على
قول الحسن البصري فإنه يقول سبب وجود الأداء وهو شهود الشهر لم يتحقق في حقه
لزوال عقله بالاغماء ووجوب القضاء ينبنى عليه (ولنا) ان الاغماء مرض وهو عذر في تأخير
الصوم إلى زواله لا في اسقاطه وهذا لان الاغماء يضعف القوى ولا يزيل الحجا ألا ترى أنه
لا يصير موليا عليه وان رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتلى بالاغماء في مرضه وكان معصوما
عما يزيل العقل قال الله تعالى ما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون فإذا كان مجنونا في
جميع الشهر فلا قضاء عليه الا على قول مالك رحمه الله تعالى فإنه يقول الجنون مرض يخل
العقل فيكون عذرا في التأخير إلى زواله لا في اسقاط الصوم كالاغماء ولنا قول النبي صلى
الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم
حتى يستيقظ ومن كان مرفوعا عنه القلم لا يتوجه عليه الخطاب بأداء الصوم والقضاء ينبنى عليه
87

ثم الجنون يزيل عقله فلا يتحقق معه شهود الشهر وهو السبب الموجب للصوم بخلاف الاغماء
فإنه يعجزه عن استعمال عقله ولا يزيله فلذلك جعل شاهدا للشهر حكما وهو كابن السبيل
تلزمه الزكاة لقيام ملكه وان عجز عن اثبات اليد عليه بخلاف من هلك ماله (قال) فان
أفاق المجنون في بعض الشهر فعليه صوم ما بقي من الشهر وليس عليه قضاء ما مضى في
القياس وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لأنه لو استوعب الشهر كله منع القضاء في
الكل فإذا وجد في بعضه يمنع القضاء بقدره اعتبارا للبعض بالكل وقياسا على الصبي وهذا لان
الصبي أحسن حالا من المجنون فإنه ناقص العقل في بعض أحواله عديم العقل في بعض أحواله
والمجنون عديم العقل بعيد عن الإصابة عادة ولهذا جاز اعتاق الصغير عن الكفارة دون المجنون
فإذا كان الصغر في بعض الشهر يمنع وجوب القضاء فالجنون أولى استحسن علماؤنا بقوله
تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه والمراد منه شهود بعض الشهر لأنه لو كان السبب شهود
جميع الشهر لوقع الصوم في شوال فصار بهذا النص شهود جزء من الشهر سببا لوجوب
صوم جميع الشهر الا في موضع قام الدليل على خلافه ثم الجنون عارض أعجزه عن صوم
بعض الشهر مع بقاء أثر الخطاب فيلزمه القضاء كالاغماء وبيان الوصف انه لو كان حج
ثم جن بقي المؤدى فرضا له وكذلك لو كان صلى الفرض ثم جن وبقاء المؤدى فرضا دليل
بقاء أثر الخطاب فأما إذا استوعب الجنون الشهر كله فإنما أسقطنا القضاء لا لانعدام
أثر الخطاب بل لدفع الحرج والمشقة والحرج عذر مسقط للقضاء كالحيض في حق الصلاة
فحاصل الكلام أن الوجوب في الذمة ولا ينعدم ذلك بسبب الصبي ولا بسبب الجنون
ولا بسبب الاغماء إلا أن الصبي يطول عادة فيكون مسقطا للقضاء دفعا للحرج والاغماء
لا يطول عادة فلا يكون مسقطا للقضاء والجنون قد يطول وقد يقصر فإذا طال التحق بما
يطول عادة وإذا قصر التحق بما يقصر عادة ثم فرق ما بين الطويل والقصير في الصوم ان
يستوعب الشهر كله لان الشهر في حكم الاجل وفى الصلاة ان يزيد على يوم وليلة لتدخل
الفوائت في حد التكرار وعلى هذا الأصل قلنا لو نوى الصوم بالليل ثم جن بالنهار جاز
صومه عن الفرض في ذلك اليوم خلافا للشافعي رحمه الله تعالى لان الجنون لا ينافي العبادة ولا
صفة الفرضية فان الأهلية للعبادة لكونه أهلا لثوابها وركن الصوم بعد النية هو الامساك
والجنون لا ينافيه (قال) وان جن في شهر رمضان ثم أفاق بعد سنين في رمضان فعليه
88

قضاء الشهر الأول لادراكه جزء منه وقضاء الشهر الآخر لادراكه جزء منه وليس عليه
قضاء الشهور التي في السنين الماضية بين ذلك لأنه لم يدرك جزء منها في حال الإفاقة فإن كان
جنونه أصليا بان بلغ مجنونا ثم أفاق في بعض الشهر فالمحفوظ عن محمد رحمه الله تعالى انه
ليس عليه قضاء ما مضى لان ابتداء الخطاب يتوجه عليه الآن فيكون بمنزلة الصبي حين
يبلغ وروى هشام عن أبي يوسف قال في القياس لا قضاء عليه ولكن أستحسن فأوجب
عليه قضاء ما مضى من الشهر لان الجنون الأصلي لا يفارق الجنون العارض في شئ من
الاحكام وليس فيه رواية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى واختلف فيه المتأخرون على قياس
مذهبه والأصح انه ليس عليه قضاء ما مضى (قال) مريض أفطر في شهر رمضان ثم مات
قبل أن يبرأ فليس عليه شئ لان وقت أداء الصوم في حقه عدة من أيام أخر بالنص ولم
يدركه ولان المرض لما كان عذرا في اسقاط أداء الصوم في وقته لدفع الحرج فلأن يكون عذرا
في اسقاط القضاء أولى وان برئ وعاش شهرا فلم يقض الصوم حتى مات فعليه قضاؤه لأنه
أدرك عدة من أيام أخر وتمكن من قضاء الصوم فصار القضاء دينا عليه. وفى حديث أبي
مالك الأشجعي رحمه الله تعالى أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن كان
مريضا في شهر رمضان ثم مات فقال عليه الصلاة والسلام إن كان مات قبل أن يطيق
الصوم فلا شئ عليه وان أطاق الصوم ولم يصم حتى مات فليقض عنه يعنى بالاطعام ثم لا يجوز
لوليه ان يصوم عنه وحكى عن الشافعي رحمه الله تعالى قال إن صح الحديث صام عنه وارثه
قال أبو حامد من أصحابهم وقد صح الحديث والمراد منه قوله صلى الله عليه وسلم من مات وعليه
صيام صام عنه وليه (ولنا) حديث ابن عمر رضي الله عنهما موقوفا عليه ومرفوعا لا يصوم
أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد ثم الصوم عبادة لا تجرى النيابة في أدائها في حالة
الحياة فكذلك بعد الموت كالصلاة وهذا لان المعنى في العبادة كونه شاقا على بدنه ولا
يحصل ذلك بأداء نائبه ولكن يطعم عنه لكل يوم مسكينا لأنه وقع اليأس عن أداء
الصوم في حقه فتقوم الفدية مقامه كما في حق الشيخ الفاني وإنما يجب عليهم الاطعام من
ثلثه إذا أوصى ولا يلزمهم ذلك إذا لم يوص عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى يلزمهم
ذلك من جميع ماله أوصى أو لم يوص وهو نظير الخلاف في دين الزكاة ثم الاطعام عندنا
يقدر بنصف صاع لكل مسكين وعنده يقدر بالمد وأصل الخلاف في طعام الكفارة ونحن
89

نفيسه على صدقة الفطر بعلة انه أوجب كفاية للمسكين في يومه وعلى هذا إذا مات وعليه
صلوات يطعم عنه لكل صلاة نصف صاع من حنطة وكان محمد بن مقاتل يقول أولا يطعم
عنه لصلوات كل يوم نصف صاع على قياس الصوم ثم رجع فقال كل صلاة فرض على حدة
بمنزلة صوم يوم وهو الصحيح والصاع قفيز بالحجاجي وهو ربع الهاشمي وهو ثمانية أرطال
في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الأول ثم
رجع فقال خمسة أرطال وثلث رطل ومن أصحابنا من وفق فقال ثمانية أرطال بالعراقي كل
رطل عشرون أستارا فذلك مائة وستون فذلك مائة وستون أستارا وخمسة أرطال وثلث رطل
بالحجاجي كل رطل ثلاثون أستارا فذلك مائة وستون وهذا ليس بقوي فقد نص في كتاب
العشر والخراج عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه خمسة أرطال وثلث رطل بالعراقي وهو قول
الشافعي رحمه الله تعالى وإنما رجع أبو يوسف حين حج مع الرشيد فدخل المدينة وسألهم عن
صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه سبعون شيخا منهم كل واحد منهم بحمل صاعا تحت
ثوبه فقال ورثت هذا عن أبي عن آبائه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان كل كذلك
خمسة أرطال وثلث رطل (ولنا) حديث أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يتوضأ بالمد رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال وتوارث أهل المدينة ليس
بقوي فقد قال مالك رحمه الله تعالى فقيههم صاع أهل المدينة تحرى عبد الملك بن مروان
على صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا آل الامر إلى التحري فتحرى عمر رضي الله عنه
أولى بالمصير إليه والقفيز الحجاجي صاع عمر رضي الله عنه حتى كان الحجاج يمن به
على أهل العراق ويقول ألم أخرج لكم صاع عمر رضي الله عنه (قال) إبراهيم النخعي
رحمه الله كان صاع عمر حجاجيا ثم قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صاعان مختلفان
منها للنفقات ومنها للصدقات فما روى أنه كان خمسة أرطال وثلث محمول على صاع
النفقات (قال) وان صح بعد رمضان عشرة أيام ثم مات فعليه قضاء العشرة الأيام التي
صح فيها لأنه بقدرها أدرك عدة من أيام أخر والبعض معتبر بالكل وذكر الطحاوي
أنه على قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يلزمه قضاء جميع الشهر وان صح يوما
واحدا وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يلزمه القضاء بقدر ما صح وهذا وهم من الطحاوي فان
هذا الخلاف في النذر إذا نذر المريض صوم شهر ثم برأ يوما ولم يصم فهو على هذا الخلاف
90

فأما رمضان فلا خلاف بينهم والفرق لأبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى
أن هناك السبب الموجب هو النذر إلا أنه ليس للمريض ذمة صحيحة في التزام أداء الصوم
حتى يبرأ فعند البرء يصير كالمجدد للنذر والصحيح إذا قال لله على أن أصوم شهرا ثم مات
بعد يوم فعليه قضاء جميع الشهر وهنا السبب الموجب للأداء ادراك عدة من أيام أخر فلا
يلزمه القضاء الا بقدر ما أدرك والمسافر في جميع هذه الوجوه بمنزلة المريض (قال) مسافر
أصبح صائما ثم قدم المصر فأفتى بأن صيامه لا يجزئه وانه عاص فأفطر فعليه القضاء ولا
كفارة عليه والكلام في هذه المسألة في فصول. أحدها ان أداء الصوم في السفر يجوز في
قول جمهور الفقهاء وهو قول أكثر الصحابة وعلى قول أصحاب الظواهر لا يجوز وهو مروى
عن ابن عمر وأبي هريرة رضى الله تعالى عنهما يستدلون بقوله تعالى فعدة من أيام أخر فصار
هذا الوقت في حقه كالشهر في حق المقيم فلا يجوز الأداء قبله وقال صلى الله عليه وسلم الصائم
في السفر كالمفطر في الحضر وقال ليس من البر الصيام في السفر وفى رواية ليس من امبرم صيام
في امسفر (ولنا) قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه وهذا يعم المسافر والمقيم ثم قوله
ومن كان مريضا أو على سفر لبيان الترخص بالفطر فينتفي به وجوب الأداء لا جوازه وفى
حديث عائشة رضي الله عنها ان حمزة بن عمرو الأسلمي قال يا رسول الله انى أسافر في رمضان
أفأصوم فقال صلى الله عليه وسلم صم إن شئت وفى حديث أنس رضي الله عنه قال سافرنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر لا يعيب البعض على البعض
وتأويل حديثهم إذا كان يجهده الصوم حتى يخاف عليه الهلاك على ما روى أنه مر برجل
مغشى عليه قد اجتمع عليه الناس وقد ظلل عليه فسأل عن حاله فقيل إنه صائم فقال صلى
الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر يعنى لمن هذا حاله والثاني ان المسافرة في رمضان
لا بأس بها وعلى قول أصحاب الظواهر يستديم السفر في رمضان ولا ينشئه والدليل على
جواز المسافرة حديث أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من
المدينة إلى مكة لليلتين خلتا من رمضان فصام حتى أتى قديدا فشكى الناس إليه فأفطر ثم لم
يزل مفطرا حتى دخل مكة فان سافرت في رمضان فقد سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وان صمت فقد صام وان أفطرت فقد أفطر وكل ذلك واسع والثالث إذا أنشأ السفر
في رمضان فله أن يترخص بالفطر وكان على وابن عباس كانا يقولان ذلك لمن أهل الهلال
91

وهو مسافر فاما من أنشأ السفر في رمضان فليس له أن يفطر والحديث الذي روينا
حجة فقد أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شكى الناس إليه ولا يقال لما أهل الهلال
وهو مقيم فقد لزمه أداء صوم الشهر فلا يسقط ذلك عنه بسفر ينشئه باختياره كاليوم الذي
يسافر فيه لأنا نقول صوم الشهر عبادات متفرقة وإنما يلزمه الأداء باعتبار اليوم الذي كان مقيما
في شئ منه دون اليوم الذي كان مسافرا في جميعه قياسا على الصلوات والرابع أن الصوم
في السفر أفضل من الفطر عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى الفطر أفضل لان ظاهر ما
روينا من الآثار يدل على أن الصوم في السفر لا يجوز فان ترك هذا الظاهر في حق الجواز بقي
معتبرا في أن الفطر أفضل وقاس بالصلاة فان الاقتصار على الركعتين في السفر أفضل من الاتمام
فكذلك الصوم لان السفر يؤثر فيهما قال صلى الله عليه وسلم ان الله وضع عن المسافر شطر
الصلاة والصوم (ولنا) ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المسافر يترخص
بالفطر وان صام فهو أفضل له وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصوم حتى شكى
الناس إليه ثم أفطر فذلك دليل على أن الصوم أفضل ثم الفطر رخصة وأداء الصوم عزيمة
والتمسك بالعزيمة أولى من الترخص بالرخصة وهذا لان الرخصة لدفع الحرج عنه وربما
يكون الحرج في حقه في الفطر أكثر فإنه يحتاج إلى القضاء وحده والصوم مع الجماعة في
السفر يكون أخف من الفطر والقضاء وحده في يوم جميع الناس فيه مفطرون بخلاف
الصلاة فان شطر الصلاة سقط عنه أصلا حتى لا يلزمه القضاء فان الظهر في حقه كالفجر
في حق المقيم إذا عرفنا هذا فنقول إذا قدم المصر فأفتى أن صومه لا يجزيه تصير هذه الفتوى
شبهة في اسقاط الكفارة وكذا كونه مسافرا في أول النهار يصير شبهة في آخره والكفارة
تسقط بالشبهة (قال) ولا بأس بقضاء رمضان في أيام العشر يريد به تسعة أيام من أول
ذي الحجة وهو قول عمر رضى الله تعالى عنه وكان علي رضي الله عنه يقول لا يجوز لحديث
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قضاء رمضان في أيام العشر ونحن
أخذنا بقول عمر رضى الله تعالى عنه لأن الصوم في هذه الأيام مندوب إليه وهو قياس
صوم عاشوراء وصوم شعبان وقضاء رمضان في هذه الأوقات يجوز. وقال صلى الله عليه وسلم
أفضل الصيام بعد رمضان عشر ذي الحجة وتأويل النهى في حق من يعتاد صوم هذه
الأيام تطوعا انه لا ينبغي له أن يترك عادته ويؤدى ما عليه من القضاء في هذه الأيام
92

(قال) وإذا بلغ الغلام في يوم من رمضان فأفطر فيه فلا شئ عليه. وعن أبي يوسف رحمه الله
تعالى أنه إذا بلغ قبل الزوال فعليه أن يصوم وان أفطر فعليه قضاء هذا اليوم لان وقت النية يمتد
إلى وقت الزوال في حق من كان أهلا للعبادة في أول النهار فصار بلوغه قبل الزوال كبلوغه
ليلا فعليه أن ينوى الصوم وجه ظاهر الرواية عن الخطاب بالصوم ما كان متوجها عليه في أول
النهار وصوم اليوم الواحد لا يتجزأ وجوبا وامساكه في أول النهار ما توقف على صوم الفرض
لأنه لم يكن أهلا له فهو نظير الكافر يسلم ولو بلغ في غير رمضان في يوم فنوى الصوم تطوعا
أجزأه بالاتفاق وفى الكافر يسلم اشتباه فقد ذكر في الجامع الصغير في صبي بلغ وكافر يسلم قال
هما سواء وهذا يدل على أن نية كل واحد منهما صوم التطوع صحيح وأكثر مشايخنا على الفرق
بين الفصلين فقالوا لا يصح من الكافر نية صوم التطوع بعد ما أسلم قبل الزوال لأنه ما كان أهلا
للعبادة في أول النهار فلا يتوقف إمساكه على أن يصير عبادة بالنية قبل الزوال (قال) وإذا
ذاق الصائم بلسانه شيئا ولم يدخل حلقه لم يفطر لان الفطر بوصول شئ إلى جوفه ولم يوجد
والفم في حكم الظاهر. ألا ترى أن الصائم يتمضمض فلا يضره ذلك ويكره له أن يعرض نفسه
لشئ من هذا لأنه لا يأمن أن يدخل حلقه بعد ما أدخله فمه فيحوم حول الحمى قال
صلى الله عليه وسلم فمن رتع حول الحمى يوشك ان يقع فيه (قال) وان دخل ذباب جوفه
لم يفطره ولم يضره وهذا استحسان وكان ينبغي في القياس ان يفسد صومه لأنه ليس فيه
أكثر من أنه غير مغذ وأنه لا صنع له فيه فكان نظير التراب يهال في حلقه وفى الاستحسان
لا يضره هذا لأنه لا يستطاع الامتناع منه فان الصائم لا يجد بدا من أن يفتح فمه فيتحدث
مع الناس ومالا يمكن التحرز عنه فهو عفو ولأنه مما لا يتغذى به فلا ينعدم به معنى الامساك
وهو نظير الدخان والغبار يدخل حلقه قال أبو يوسف رحمه الله تعالى وقد يدخل في هذا
الاستحسان بصفة القياس فإنه لو كان الذباب في حلقه ثم طار لم يضره ولو كان هذا مفسدا
للصوم لكان بوصوله إلى باطنه يفسد صومه وان خرج بعد ذلك وان نزل في حلقه ثلج
أو مطر فقد اختلف مشايخنا فيه والصحيح أنه يفطره لان هذا مما يستطاع الامتناع منه
بأن يكون تحت السقف ولان هذا مما يتغذى به (قال) وإن كان بين أسنانه شئ فدخل
جوفه لم يفطر لان هذا لا يستطاع الامتناع منه فان تسحر بالسويق فلا بد من أن يبقى بين
أسنانه شئ فإذا أصبح يدخل في حلقه مع ريقه ثم ما يبقى بين الأسنان تبع لريقه فكما أنه
93

إذا ابتلع ريقه لم يضره فكذلك ما هو تبع وهذا إذا كان صغيرا يبقى بين الأسنان عادة
وهو بخلاف ما إذا دخل ذلك القدر في فمه لان ذلك مما يستطاع الامتناع منه فإن كان
بحيث لا يبقى بين الأسنان عادة يفسد صومه لان هذا لا تكثر فيه البلوى والتحرز
عنه ممكن وقدروا ذلك بالحمصة فإن كان دونها لم يفسد به الصوم وقدر الحمصة إذا أدخله في
حلقه فسد صومه وعليه القضاء ولا كفارة عليه في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى. وقال
زفر رحمه الله تعالى عليه الكفارة لأنه ليس فيه أكثر من أنه طعام متغير فهو كالمفطر
باللحم المنتن ولأبي يوسف ان هذا من جنس مالا يتغذى به والطباع تعافه فهو نظير التراب
ثم للفم حكم الباطن من وجه وحكم الظاهر من وجه والكفارة تسقط بالشبهة فلهذا أسقطنا
عنه الكفارة (قال) رجل قال الله على صوم شهر فله ان يصومه متفرقا اما وجوب الصوم
بنذره فلانه عاهد الله عهدا والوفاء بالعهد واجب قال الله تعالى وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم
وذم من ترك الوفاء بالعهد بقوله ومنهم من عاهد الله الآية ثم ما كان من جنسه واجب شرعا
صح التزامه بالنذر وما ليس من جنسه واجب شرعا كعيادة المريض لا يصح التزامه
بالنذر الا في رواية عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وهو قول أبى يوسف
فكأنه اعتبر في تلك الرواية كون المنذور قربة ثم ما يلزمه بالنذر فرع لما هو واجب بايجاب
الله تعالى وما أوجب الله تعالى من الصوم مطلقا فتعيين وقت الأداء إلى العبد والخيار إليه
في الأداء متفرقا أو متتابعا كفضاء رمضان فكذلك ما يوجبه على نفسه ولان صوم الشهر
عبادات متفرقة لأنه يتخلل بين الأيام وقت لا يقبل الصوم فلا يلزمه التتابع فيه الا ان ينص
عليه أو ينويه فان المنوي إذا كان من محتملات لفظه جعل كالملفوظ (قال) فان سمى شهرا
بعينه كرجب فعليه ان يصومه وإن لم يصمه فعليه القضاء وكذلك أن أفطر فيه يوما فعليه
قضاء ذلك اليوم بالقياس على ما وجب بايجاب الله تعالى من الصوم في وقت بعينه وهو
صوم رمضان ويستوى إن كان قال متتابعا أو لم يقل لان الصفة في العين غير معتبرة وأيام شهر بعينه
متجاورة لا متتابعة فلا يلزمه صفة التتابع فيه وان نص عليه أو نواه بخلاف ما إذا سمى
شهرا بغير عينه لان الوصف في غير المعين معتبر ثم في المعين إذا لم يصمه حتى وجب عليه
القضاء فله أن يفرق القضاء لان القضاء معتبر بالأداء كما في صوم رمضان (قال) وإن كان
أراد يمينا فعليه كفارة اليمين سواء أفطر في جميع الشهر أو في يوم منه لان المنوي من محتملات
94

لفظه فان الحالف يعاهد الله تعالى كالناذر ثم شرط حنثه أن لا يصوم جميع الشهر فسواء أفطر
فيه يوما أو أكثر فقد وجد شرط الحنث والحاصل أنه إذا لم ينو شيئا كان كلامه نذرا
باعتبار الظاهر والعادة وان نوى اليمين كان يمينا بنيته نذرا بظاهره وان نواهما جميعا كان نذرا
ويمينا في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وروى أصحاب الاملاء عن أبي يوسف رحمه
الله تعالى أنهما لا يجتمعان في كلمة واحدة ولكنه ان نوى اليمين فهو يمين تلزمه الكفارة
بالحنث دون القضاء وان نواهما كان نذرا ولم يكن يمينا وجه قوله ان حكم النذر يخالف حكم
اليمين فلا يجتمعان في كلام واحد كقوله لامرأته أنت على حرام ان نوى به الطلاق كان
طلاقا وان نوى به اليمين كان يمينا ولا يجتمعان وان نواهما وليس هذا نظير قول أبى
يوسف رحمه الله تعالى في اجتماع معنى الحقيقة والمجاز في كلام واحد في بعض مسائل
الايمان لان حكم المجاز هناك غير مخالف لحكم الحقيقة فكان بمنزلة لفظ العموم وجه قولهما
أن في لفظه كلمتين إحداهما يمين وهو قوله لله فان معناه بالله قال ابن عباس رضي الله عنه دخل
آدم الجنة فلله ما غربت الشمس حتى خرج وهذا لان اللام والباء يتعاقبان قال الله تعالى أآمنتم
له وفى موضع آخر به وقوله على نذر إلا أن عند الاطلاق غلب عليه معنى النذر باعتبار العادة
فحمل عليه فإذا نواهما فقد نوى بكل لفظ ما هو من محتملاته فيعمل بنيته وليس هذا نظير
ما يقال إن على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا تجتمع الحقيقة والمجاز في لفظ واحد لان
الحقيقة استعمال اللفظ في موضعه والمجاز استعماله في غير موضعه وإنما ذلك في كلمة واحدة
لا في كلمتين (قال) وان نذر صوم سنة بعينها أفطر يوم النحر ويوم الفطر وأيام التشريق
لأن الصوم في هذا الأيام منهى عنه شرعا والى العبد ولاية الايجاب بنذره لا رفع المنهى ثم عليه
قضاء هذه الأيام عندنا. وقال زفر رحمه الله تعالى ليس عليه القضاء وهو قول الشافعي
رحمه الله تعالى واصل المسألة إذا قال لله على أن أصوم غدا وغدا يوم النحر أو قال لله على أن
أصوم يوم النحر صح نذره في الوجهين ويؤمر بأن يصوم يوما آخر فان صام في ذلك
اليوم خرج من موجب نذره وعند زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لا يصح نذره وهو
رواية ابن المبارك عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا قال
لله على صوم يوم النحر لم يصح نذره وان قال غدا وغدا يوم النحر صح نذره وجه قولهما
ان الصوم غير مشروع في هذه الأيام وليس إلى العبد شرع ما ليس بمشروع كالصوم ليلا
95

وبيانه أن الشرع عين هذا الزمان للأكل بقوله عليه السلام فإنها أيام أكل وشرب وتعينه لاحد
الضدين ينفى الضد الآخر فيه والدليل على. أنه لا يصلح لأداء شئ من الواجبات ان الصوم
اسم لما هو قربة والمنهي عنه يكون معصية فلا يكون صوما (ولنا) ان الصوم مشروع في
هذه الأيام فان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم هذه الأيام وموجب النهى الانتهاء والانتهاء
عما ليس بمشروع لا يتحقق ولان موجب النهي الانتهاء على وجه يكون للعبد فيه اختيار بين
أن ينتهى فيثاب عليه وبين أن يقدم على الارتكاب فيعاقب عليه وذلك لا يتحقق إذا لم يبق
الصوم مشروعا فيه وموجب النهى غير موجب النسخ فإذا كان موجب النسخ رفع المشروع
عرفنا أنه ليس موجب النهي رفع المشروع والمعنى الذي لأجله كان الصوم مشروعا في سائر
الأيام كون الامساك فيها بخلاف العادة وهذا المعنى في هذه الأيام أظهر والشرع أمر بالفطر
فيه لا انه جعله مفطرا فيه بخلاف الليل فقد جعله مفطرا بدخول الليل بقوله فقد أفطر
الصائم أكل أولم يأكل والنهى يجعل الأداء من العبد فاسدا ولهذا لا يصلح لأداء شئ من
الواجبات به ولكن صفة الفساد لا تمنع بقاء أصله شرعا كمن أفسد احرامه نفى عقد الاحرام
وعليه أداء الأفعال شرعا وإذا ثبت أن الصوم مشروع في هذا اليوم فقد حصل نذره مضافا
إلى محله فيصح وليس في النذر ارتكاب المنهى إنما ذلك في أداء الصوم ولهذا أمرناه بأن يصوم
يوما آخر كيلا يكون مرتكبا للنهي ولو صام في هذه الأيام خرج عن موجب نذره لأنه
ما التزم الا هذا القدر وقد أدى كمن قال لله علي أن أعتق هذه الرقبة وهي عمياء خرج عن
موجب نذره باعتاقها لأنه ما التزم الا هذا القدر وقد أدى باعتاقها وان كأن لا يتأدى شئ
من الواجبات بها وكمن نذر أن يصلى عند طلوع الشمس فعليه أن يصلى في وقت آخر فإذا
صلى في ذلك الوقت خرج عن موجب نذره وجه رواية الحسن أنه إذا نص على يوم النحر
فقد صرح في نذره بما هو منهى عنه فلم يصح وإذا قال غدا لم يصرح في نذره بما هو منهى
عنه فصح نذره وهو كالمرأة إذا قالت لله على أن أصوم يوم حيضي لم يصح نذرها ولو قالت غدا
وغدا يوم حيضها صح نذرها إذا عرفنا هذا فنقول إذا نذر صوم سنة بعينها فعليه قضاء خمسة
أيام إذا أفطر فيها يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق وان التزم سنة بغير عينها فعليه قضاء
خمسة وثلاثين يوما لان صوم رمضان لا يكون عن المنذور ولو قال سنة متتابعة فعليه ان
يصل هذا القضاء بالأداء وكان محمد بن سلمة رحمه الله تعالى يقول في هذا الفصل لا يفطر
96

في الأيام الخمسة لان هذا القدر من التتابع في وسعه والأول أصح وهو مروى عن أبي
يوسف رحمه الله تعالى وكذلك المرأة ان نذرت صوم سنة بعينها قضت أيام الحيض لما بينا
(قال) رجل جعل لله عليه أن يصوم كل خميس يأتي عليه فأفطر خميسا فعليه القضاء وكفارة
اليمين ان أراد يمينا فان أفطر خميسا آخر قضاه أيضا ولم يكن عليه كفارة أخرى لان اليمين
واحدة فإذا حنث فيها مرة لا يحنث مرة أخرى ويحكم النذر لزمه صوم كل خميس فكل ما
أفطر في خميس كان عليه قضاؤه وهذا لان ايجاب القضاء في كل خميس لا يقتضي تعدد النذر
بخلاف ايجاب الكفارتين (قال) وان جعل لله عليه ان يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان
أبدا فقدم فلان ليلا لم يلزمه شئ لان اليوم حقيقة لبياض النهار ولم يوجد ذلك عند قدوم فلان
ولا يقال اليوم بمعنى الوقت كما لو قال لامرأته أنت طالق في اليوم الذي يقدم فيه فلأن لان
اليوم قد يحتمل معنى الوقت ولكن إذا قرن به ما يختص بأحد الوقتين وان قدم فلان في
يوم قد أكل فيه فعليه ان يصوم ذلك اليوم فيما يستقبل ولا يقضى هذا اليوم الذي أكل فيه
وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى ان عليه قضاءه قال لان السبب هو النذر والوقت شرط فيه
فعند وجوده يستند الوجوب إلى نذره فكأنه قال لله على أن أصوم غدا فأكل الغد فعليه قضاؤه
وجه ظاهر الرواية انه أضاف النذر إلى وقت قدوم فلان فعند وجود القدوم يصير كالمجدد للنذر
كما هو الأصل ان المعلق بالشرط عند وجوده كالمنجز ومن أكل في يوم ثم قال لله على أن أصوم
هذا اليوم أبدا فعليه ان يصومه فيما يستقبل وليس عليه قضاء هذا اليوم وكذلك لو قدم
فلان بعد الزوال وجواب أبى يوسف رحمه الله تعالى في هذا غير محفوظ ويجوز ان يفرق
بينهما بعلة ان ما بعد الزوال ليس بوقت لالتزام الصوم من أحد وما قبل الزوال إن لم يكن
وقتا لالتزام الصوم في حق الأكل فهو وقت في حق غيره والا ظهر انه يسوى بينهما
وإن كان قدم قبل الزوال ولم يكن أكل فيه صامه لبقاء وقت النية عند القدوم وصار كالمنجز
للنذر في الحال (قال) رجل أصبح صائما يوم الفطر ثم أفطر فلا قضاء عليه في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى وعليه القضاء في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لان الشروع
ملزم كالنذر بدليل سائر الأيام والنهى لا يمنع صحة الشروع فيجب القضاء كمن شرع في الصلاة
في الأوقات المكروهة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لم يجب عليه الاتمام بعد الشروع
97

لان فيه معصية ووجوب القضاء ينبنى على وجوب الاتمام ولان القدر المؤدى كان فاسدا
لما فيه من ارتكاب النهى فلا يجب عليه حفظه ووجوب الاتمام والقضاء لحفظ المؤدى
بخلاف النذر فإنه بنذره صار مرتكبا للنهي وفي الشروع في الصلاة في الوقت المكروه
روايتان عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى وبعد التسليم الفرق من وجهين أحدهما ان بالشروع
هناك لا يصير مرتكبا للنهي لان بمجرد التكبير لا يصير مصليا كمن حلف أن لا يصلى
فكبر لا يحنث فلهذا صح الشروع وهنا بمجرد الشروع صار صائما مرتكبا للنهي بدليل
مسألة اليمين ولان هناك يمكنه الأداء بذلك الشروع لا بصفة الكراهة بان يصبر حتى
تبيض الشمس فلهذا لزمه وهنا بهذا الشروع لا يمكنه الأداء بدون صفة الكراهة فلم
تلزمه (قال) امرأة قالت لله على أن أصوم يوم حيضي فلا شئ عليها لان الحيض ينافي
أداء الصوم ومع التصريح بالمنافي لا يصح الالتزام كمن قال الله على أن أصوم اليوم الذي
أكلت فيه وكذلك أن حاضت ثم قالت لله على أن أصوم هذا اليوم لان المنافى متحقق
فكأنها صرحت به بخلاف ما إذا قالت لله على أن أصوم غدا فحاضت من الغد لأنه ليس
في لفظها تصريح بالمنافي فصح الالتزام ثم تعذر عليها الأداء بما اعترض من الحيض فعليها
القضاء (قال) وإذا دخل الغبار أو الدخان حلق الصائم لم يضره لان هذا لا يستطاع
الامتناع منه فالتنفس لا بد منه للصائم والتكليف بحسب الوسع ولو طعن برمح حتى وصل
إلى جوفه لم يفطره لان كون الرمح بيد الطاعن يمنع وصوله إلى باطنه حكما فان بقي الزج
في جوفه فسد صومه لأنه صار مغيبا حقيقة فكان واصلا إلى باطنه وهو قياس ما لو ابتلع
خيطا فان بقي أحد الجانبين بيده لم يفسد صومه وإن لم يبق فسد صومه (قال) ولو أكره
على أكل وشرب فعليه القضاء دون الكفارة عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان تناول
بنفسه مكرها فكذلك وان صب في حلقه لم يفسد صومه واعتبر صنعه في ذلك ونحن
نعتبر وصول المفطر إلى باطنه مع ذكره للصوم وذلك لا يختلف بفعله وبفعل غيره وكذلك
النائم ان صب في حلقه ماء فسد صومه عندنا ولم يفسد عند زفر والشافعي رحمهما الله تعالى
لأنه أعذر من الناسي إذا لا صنع له أصلا ولكنا نقول الناسي معدول به عن القياس بالنص
وهذا ليس في معناه لان النسيان لا صنع فيه للعباد فإذا كان العذر ممن له الحق منع فساد
صومه واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله أطعمك وسقاك وهنا إنما
98

جاء العذر بسبب مضاف إلى العباد وهو النوم منه والصب من غيره وهذا غير مانع من
فساد الصوم لوصول المفطر إلى باطنه (قال) وللصائم ان يستاك بالسواك أول النهار
وآخره وكره الشافعي رحمه الله تعالى للصائم السواك آخر النهار لقوله صلى الله عليه وسلم
لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك والسواك يزيل الخلوف وما هو أثر
العبادة يكره ازالته كدم الشهيد (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم خير خلال الصائم
السواك وقال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالوضوء عند كل صلاة وبالسواك عند
كل وضوء ثم هو تطهير للفم فلا يكره للصائم كالمضمضة والسواك لا يزيل الخلوف بل
يزيد فيه أنما يزيل النكهة الكريهة ومراده صلى الله عليه وسلم بيان درجة الصائم لا عين
الخلوف فان الله تعالى يتعالى هن أن تلحقه الروائح ودم الشهيد يبقى عليه ليكون شاهدا له على
خصمه يوم القيامة والصوم بين العبد وبين من يعلم السر وأخفى فلا حاجة إلى الشاهد
والسواك الرطب واليابس فيه سواء لقول ابن عباس رضي الله عنه لا بأس لصائم أن
يستاك بالسواك الأخضر وكذلك لا بأس أن يبله بالماء الا في رواية عن أبي يوسف رحمه
الله تعالى أنه كره ذلك لأنه يجد منه بدا فهو نظير الذوق وادخال الماء في فمه من غير حاجة
(ولنا) حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك
بالسواك الرطب وهو صائم (قال) وإذا خافت الحامل أو المرضع على نفسها أو ولدها
أفطرت لقوله صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم وعن
الحامل والمرضع الصوم ولأنه يلحقها الحرج في نفسها أو ولدها والحرج عذر في الفطر
كالمريض والمسافر وعليها القضاء ولا كفارة عليها لأنها ليست بجانية في الفطر ولا فدية
عليها عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان خافت على نفسها فكذلك وان خافت على
ولدها فعليها الفدية ومذهبه مروى عن ابن عمر رحمه الله تعالى ومذهبنا مروى عن علي
وابن عباس رضي الله عنهما الا ان المروى عن ابن عمر الفدية دون القضاء والجمع بينهما
لم يشتهر عن أحد من الصحابة وهو يقول الفطر منفعة حصلت بسبب نفس عاجزة عن
الصوم خلقة لا علة فيوجب الفدية كفطر الشيخ الفاني وهذا لان الفطر منفعة شخصين
منفعتها ومنفعة ولدها فباعتبار منفعتها يجب القضاء وباعتبار منفعة ولدها تجب الفدية (ولنا)
ان هذا مفطر يرجى له القضاء فلا يلزمه الفداء كالمريض والمسافر وهذا لان الفدية
99

مشروعة خلفا عن الصوم والجمع بين الخلف والأصل لا يكون وهو خلف غير معقول
بل هو ثابت بالنص في حق من لا يطيق الصوم فلا يجوز ايجابه في حق من يطيق الصوم
ولا يجوز أن يجب باعتبار الولد لأنه لا صوم على الولد فكيف يجب ما هو خلف عنه ولأنه
لا يجب في مال الولد ولو كان باعتباره لوجب في مال كنفقته ولتضاعف بتعدد الولد
واما الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم فإنه يفطر ويطعم لكل يوم نصف صاع من
حنطة. وقال مالك لا فدية عليه قال لان أصل الصوم لم يلزمه لكونه عاجزا عنه فكيف
يلزمه خلفه لان الخلف مشروع ليقوم مقام الأصل ولنا ان الصوم قد لزمه لشهود الشهر
حتى لو تحمل المشقة وصام كان مؤديا للفرض وإنما يباح له الفطر لأجل الحرج وعذره
ليس بعرض الزوال حتى يصار إلى القضاء فوجبت الفدية كمن مات وعليه الصوم يوضحه ان
الصوم لزمه لا باعتبار عينه بل باعتبار خلفه كالكفارة تجب على العبد لا باعتبار المال بل باعتبار
خلفه وهو الصوم والأصل فيه قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين جاء عن
ابن عباس رضى الله تعالى عنه وعلى الذين يطيقونه فلا يطيقونه فدية وقيل حرف لا مضمر
فيه معناه وعلى الذين لا يطيقونه قال الله تعالى يبين الله لكم ان تضلوا أي لئلا تضلوا وجعل فيها
رواسي أن تميد بكم أي لئلا تميد بكم (قال) وإذا أكل الصائم الطين أو الجص أو الحصاة
متعمدا فعليه القضاء ولا كفارة عليه وقد بينا هذا ومراده طين الأرض فأما إذا أكل الطين
الأرمني تلزمه الكفارة رواه ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى لان هذا مما يتداوى به فإنه
والغاريقون سواء (قال) ابن رستم قلت لمحمد فان أكل من هذا الطين الذي يقلى ويؤكل
قال لا أدرى ما هذا والصحيح أنه تلزمه الكفارة لأنه يؤكل تفكها ويؤكل على سبيل التداوي
فقد ينفع المرطوب (قال) ويكره للصائم مضغ العلك ولا يفطره لان مضغ العلك يدبغ المعدة
ويشتهي الطعام ولم يأن له فهو اشتغال بما لا يفيد والناظر إليه من بعد يظن أنه يتناول
شيئا فيتهمه ولا يأمن أن يدخل شيئا منه حلقه فيكون معرضا صومه للفساد ولكن
لا يفطره لان عين العلك لا تصل إلى حلقه حلقه إنما يصل إليه طعمه وهذا إذا كان العلك مصلحا
ملتئما فأما إذا لم يكن ملتئما فمضغه حتى صار ملتئما يفسد صومه لأنه تتفتت أجزاؤه فيدخل
حلقه مع ريقه (قال) ولا بأس بأن تمضغ المرأة لصبيها طعاما إذا لم تجد منه بدا لان الحال
حال الضرورة ويجوز لها الفطر لحاجة فلان يجوز مضغ الطعام كان أولى فاما إذا كانت
100

تجد من ذلك بدا يكره لها ذلك لأنها لا تأمن أن يدخل شئ منه حلقها فكانت معرضة
صومها للفساد وذلك مكروه عند عدم الحاجة قال صلى الله عليه وسلم من حام حول الحمى
يوشك أن يقع فيه والله تعالى أعلم بالصواب
{باب صدقه الفطر}
(الأصل) في وجوب صدقة الفطر حديث ابن عمران رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض
صدقة الفطر على كل حر وعبد ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا صاعا من تمرا وصاعا من
شعير وحديث عبد الله بن ثعلبة العدوي ويقال العبدري الذي بدأ به محمد رحمه الله تعالى
الباب فقال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أدوا عن كل حر وعبد صغير
أو كبير نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير وحديث ابن عباس رضى
عنه انه خطب بالبصرة فقال أدوا زكاة فطركم فنظر الناس بعضهم إلى بعض فقال من هنا
من أهل المدينة قوموا رحمكم الله فعلموا إخوانكم فإنهم لا يعلمون كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يأمرنا في هذا اليوم ان نؤدى صدقة الفطر عن كل حر وعبد نصف صاع
من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير ثم الشافعي رحمه الله تعالى أخذ بحديث ابن عمر وقال إنها
فريضة بناء على أصله أنه لا فرق بين الواجب والفريضة وعندنا هي واجبة لان ثبوتها
بدليل موجب للعمل غير موجب علم اليقين وهو خبر الواحد وما يكون بهذه الصفة
يكون واجبا في حق العمل ولا يكون فرضا حتى لا يكفر جاحده إنما الفرض ما ثبت بدليل
موجب للعلم وقيل في قوله تعالى قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى أي تطهر بأداء
زكاة الفطر وصلى صلاة العيد بعده ثم سبب وجوب صدقة الفطر رأس يمونه بولايته عليه قال
صلى الله عليه وسلم أدوا عمن تمونون وحرف عن للانتزاع من الشئ فيحتمل أحد
وجهين اما أن يكون سببا ينتزع منه الحكم أو محلا يجب عليه ثم يؤدى عنه وبطل الثاني
لاستحالة الوجوب على العبد والكافر فتعين الأول ولأنه يتضاعف بتضاعف الرؤس فعلم أن
السبب هو هو الرأس وإنما يعمل في وقت مخصوص وهو وقت الفطر ولهذا يضاف إليه فيقال
صدقة الفطر والإضافة في الأصل وإن كان إلى السبب فقد يضاف إلى الشرط مجازا فان الإضافة
تحتمل الاستعارة فاما التضاعف بتضاعف الرؤس لا يحتمل الاستعارة ثم هي عبادة فيها معنى
101

المؤنة ولهذا لا يشترط لوجوبه كمال الأهلية ومعني المؤنة يرجح الرأس في كونه سببا على
الوقت وإذا كان الوجوب في وقت الفطر من رمضان وهو عند طلوع الفجر من يوم
الفطر يستحب أداؤه كما وجب قبل الخروج إلى المصلى لحديث ابن عمر ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يأمرهم ان يؤدوا صدقة الفطر قبل أن يخرجوا إلى المصلى وقال أغنوهم
عن المسألة في مثل هذا اليوم والمعنى انه إذا أدى قبل الخروج تفرغ قلب الفقير عن حاجة العيال
فتفرغ لأداء الصلاة وقيل في يوم الفطر يستحب للمرء ستة أشياء ان يغتسل ويستاك ويتطيب
ويلبس أحسن ثيابه ويؤدى فطرته ويتناول شيئا ثم يخرج إلى المصلى (قال) وعلى المسلم
الموسر ان يؤدى زكاة الفطر عن نفسه اما اشتراط الاسلام فلان في آخر حديث ابن عمر
رضي الله عنه قال من المسلمين وقال صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر طهرة للصائمين من
اللغو والرفث. وقال عمر رضي الله عنه الصوم محبوس بين السماء والأرض حتى تؤدي زكاة
الفطر ولأنها عبادة فلا تجب الا على من هو أهل لثوابها وهو المسلم وأما اشتراط اليسار فقول
علمائنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى من ملك قوت يومه وزيادة بقدر ما يؤدى زكاة الفطر
فيؤدى زكاة الفطر لأنه ذكر في آخر حديث ابن عمر رضي الله عنه غنى أو فقير ولأنه واجد
لما يتصدق به فضلا عن حاجته فيلزمه الأداء كالموسر وهذا لان صدقة الفطر تشبه الكفارة
دون الزكاة حتى لا يعتبر فيها الحول وفي الكفارة يعتبر تيسر الأداء دون الغنى فكذلك في
زكاة الفطر (ولنا) قوله صلى الله عليه وسلم لا صدقة إلا عن ظهر غنى ولان الفقير محل
الصرف إليه فلا يجب عليه الأداء كالذي لا يملك الا قوت يومه وهذا لان الشرع لا يرد بما لا
يفيد فلو قلنا بأنه يأخذ من غيره ويؤدى عن نفسه كان اشتغالا بما لا يفيد وحديث ابن عمر
رضي الله عنه محمول على ما كان في الابتداء ثم انتسخ بقوله صلى الله عليه وسلم إنما الصدقة ما كانت
عن ظهر غنى أو ما أبقت غنى أو هو محمول على الندب فإنه قال في آخره أما غنيكم فيزكيه
الله وأما فقيركم فيعطيه الله أفضل مما أعطى ثم اليسار المعتبر لايجاب زكاة الفطر أن يملك
مائتي درهم أو ما يساوى مائتي درهم من الدراهم التي تغلب النقرة فيها على الغش فضلا عن
حاجته ويتعلق بهذا اليسار أحكام ثلاثة حرمة أخذ الصدقة ووجوب زكاة الفطر والأضحية
وكما يؤدى عن نفسه فكذلك يؤدى عن أولاده الصغار لان رأس أولاده في معنى رأسه
فإنه يمونهم بولايته وقد بينا أن سبب الوجوب هذا وكذلك يؤدى عن مماليكه للخدمة
102

لأنه يمونهم بولايته عليهم القن والمدبر وأم الولد في ذلك سواء فان ولايته عليهم لا تنعدم
بالتدبير والاستيلاد إنما تستحيل المالية بهذا السبب ولا عبرة للمالية فإنه يؤدى عن نفسه
وعن أولاده الصغار ولا مالية فيهم ما خلا مكاتبيه فإنه لا يؤدى عنهم لان ولايته عليهم
قد اختلت بسبب الكتابة فان المكاتب صار بمنزلة الحر في حق اليد والتصرف وحكي
عن عطاء أنه يؤدى عنهم لقوله صلى الله عليه وسلم أدوا عن كل حر وعبد. وقال المكاتب
عبد ما بقي عليه درهم ولكنا نستدل بقوله صلى الله عليه وسلم أدوا عمن تمونون وهو
لا يمون المكاتب وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يؤدى زكاة الفطر عن جميع مماليكه
الا المكاتبين له وليس على المكاتب أن يؤدى عن نفسه ولا عن مماليكه الا على قول مالك
رحمه الله تعالى فإنه يجعل المكاتب مالكا لكسبه بناء على أصله ان المملوك من أهل ملك المال
إذا ملكه المولى وعندنا المملوك مال ليس من أهل ملك المال للتضاد بين المالكية وبين المملوكية
والمكاتب ليس بمالك لكسبه على الحقيقة وقد بينا ان شرط الوجوب الغنى وذلك لا يثبت
بدون حقيقة الملك والدليل عليه إباحة الاخذ له وإن كان في يده كسب (قال) ويؤدى المسلم
عن مملوكه الكافر عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يؤدى عنه وهذه المسألة تنبنى على
أصل وهو أن الوجوب عندنا على المولى عن عبده فتعتبر أهلية المولى وعنده الوجوب
على العبد ثم يتحمل المولى عنه فيعتبر كون العبد أهلا للوجوب عليه وهو يستدل لاثبات
هذا الأصل بحديث ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر على كل حر
وعبد ولأنها طهرة للصائم ووجوب الصوم على العبد وقيل صدقة الفطر للصوم كسجود
السهو للصلاة والسجود يجب على المصلي لا على غيره. وقال ابن عمر في صدقة الفطر ثلاثة
أشياء قبول الصوم والفلاح والنجاة من سكرات الموت وعذاب القبر (ولنا) قوله عليه
الصلاة والسلام أدوا عمن تمونون فإنما الوجوب على من خوطب بالأداء وجعله بمنزلة
النفقة ونفقة المملوك على المولى فكذلك صدقة الفطر عنه ثم هذه صدقة واجبة باعتبار ملكه
فكانت عليه ابتداء كزكاة المال عن عبد التجارة وهذا لان حال العبد دون حال فقير
لا يملك شيئا لان ذلك الفقير من أهل الملك والعبد لا فإذا لم تجب على الفقير الذي لا يملك
شيئا فلأن لا تجب على العبد أولى والدليل عليه أنه لا يخاطب بالأداء بحال بخلاف الصغير الذي
له مال فإنه يخاطب بالأداء بعد البلوغ إذا لم يؤده عنه وليه وحرف على في حديث ابن عمر بمعنى
103

حرف عن قال الله تعالى إذا اكتالوا على الناس يستوفون أي عن الناس ولا معتبر بالصوم
فإنه يجب على الرضيع ولا صوم عليه وعلى سبيل الابتداء في المسألة لنا حديث نافع عن ابن عمر
ومقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أدوا عن كل حر وعبد
يهودي أو نصراني أو مجوسي وهو نص ولكنه شاذ وقد بينا ان السبب رأس يمونه بولايته
عليه وذلك لا يختلف بكفر المملوك واسلامه ولا يؤدى الكافر عن مملوكه المسلم اما عندنا فلان
الوجوب على المولى والمولى ليس بأهل له وعند الشافعي رحمه الله تعالى تحمل المولى عن عبده
يستدعى أهلية أداء العبادة والكافر ليس بأهل له والوجوب على العبد عنده باعتبار تحمل
المولى الأداء عنه فإذا انعدم ذلك في حق المملوك لم يجب أصلا (قال) وإذا كان للولد
الصغير مال أدي عنه أبوه من مال الصغير في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى
وكذلك يضحى عنه من ماله استحسانا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ذكره في كتاب
الحيل وقال محمد وزفر رحمهما الله تعالى يؤدى من مال نفسه ولو أدى من مال الصغير ضمن
وكذلك الخلاف في الوصي الا ان عند محمد وزفر رحمهما الله تعالى الوصي لا يؤدى عنه أصلا
والقياس ما قالا لأنها زكاة في الشريعة كزكاة المال فلا تجب على الصغير ولأنها عبادة والصبي
ليس بأهل لوجوب العبادة عليه فان الوجوب ينبنى على الخطاب استحسن أبو حنيفة وأبو
يوسف رحمهما الله تعالى فقالا فيها معنى المؤنة بدليل الوجوب على الغير بسبب الغير فهو
كالنفقة ونفقة الصغير في ماله إذا كان له مال ثم هذه طهرة شرعية فتقاس بنفقة الختان
وهذا لأنا لو لم نوجب عليه احتجنا إلى الايجاب على الأب فكان في الايجاب في ماله حفظ
حق الأب وهو اسقاط عنه ومال الصبي يحتمل حقوق العباد وبه فارق الزكاة ثم على قول
أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى كما يؤدى عن الصغير من ماله فكذلك عن مماليك
الصغير يؤدى من مال الصغير وعند محمد لا يؤدى عن مماليكه أصلا والمعتوه والمجنون في
ذلك بمنزلة الصغير وروى عن محمد رحمه الله تعالى ان الأب إنما يؤدى عن ابنه المعتوه
والمجنون إذا بلغ كذلك فأما إذا بلغ مفيقا ثم جن فليس عليه ان يؤدى عنه من مال نفسه ولا
من مال ولده لأنه إذا ولد مجنونا بقي ما كان واجبا ببقاء ولايته فاما إذا بلغ مفيقا فقد سقط عنه
لزوال ولايته فلا يعود بعد ذلك وان عادت الولاية لأجل الضرورة وعلى قول أبي حنيفة وأبى
يوسف رحمهما الله تعالى السبب رأس يمونه بولايته عليه وذلك لا يختلف بالجنون الأصلي
104

والطارئ (قال) وليس على الرجل ان يؤدى عن أولاده الكبار وقال الشافعي رحمه الله
تعالى ان كانوا زمنى معسرين فعليه الأداء عنهم وان كانوا أصحاء معسرين في عياله فله فيه
وجهان واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم أدوا عمن تمونون هو يمون ولده الزمن والمعسر
وأصحابنا قالوا بان السبب رأس يمونه بولايته عليه ليكون في معنى رأسه ولا ولاية له على أولاده
الزمنى إذا كانوا كبارا وبدون تقرر السبب لا يثبت الوجوب (قال) ولا يؤدى الجد عن
نوافله الصغار وان كانوا في عياله وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ان عليه الأداء
عنهم بعد موت الأب وهذه أربع مسائل يخالف الجد فيها الأب في ظاهر الرواية ولا يخالف
في رواية الحسن أحدها وجوب صدقة الفطر والثاني التبعية في الاسلام والثالث جر الولاء
والرابع الوصية لقرابة فلان وجه رواية الحسن ان ولاية الجد عند عدم الأب ولاية متكاملة
وهو يمونهم فيتقرر السبب في حقه ووجه ظاهر الرواية ان ولاية الجد منتقلة من الأب إليه
فهو نظير ولاية الوصي وهذا لان السبب إنما يتقرر إذا كان رأسه في معنى رأس نفسه
باعتبار الولاية وذلك لا يتقرر في حق الجد لان ثبوت ولايته بواسطة وولايته على نفسه ثابتة
بدون الواسطة (قال) ولا يؤدى الزوج زكاة الفطر عن زوجته. وقال الشافعي رحمه الله تعالى
يجب عليه الأداء عنها لقوله عليه الصلاة والسلام أدوا عمن تمونون وهو يمون زوجته وملكه عليها
نظير ملك المولى على أم ولده فإنه يثبت به الفراش وحل الوطئ فكما يجب عليه الأداء عن أم
ولده فكذلك عن زوجته (ولنا) ان عليها الأداء عن مماليكها ومن يجب عليه الأداء
من غيره لا يجب على الغير الأداء عنه وهذا لان نفسها أقرب إليها من نفس مماليكها ثم
النفقة على الزوج باعتبار العقد فلا يكون موجبا للصدقة كنفقة الأجير على المستأجر
وهذا لان في الصدقة معنى العبادة وهو ما تزوجها ليحمل عنها العبادات وقد بينا ان مجرد
المؤنة بدون الولاية المطلقة لا ينهض سببا وبعقد النكاح لا يثبت له عليها الولاية فيما سوى
حقوق النكاح بخلاف أم الولد فان للمولى عليها ولاية مطلقة بسبب ملك الرقبة فان أدى
الزوج عن زوجته بأمرها جاز وان أدى عنها بغير أمرها لم يجز في القياس كما لو أدى عن
أجنبي ويجوز استحسانا في رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى لان العادة ان الزوج هو
الذي يؤدى فكان الامر منها ثابتا باعتبار العادة فيكون كالثابت بالنص (قال) وليس
على الرجل ان يؤدى عن أبويه ولا عن أحد من قرابته وان كانوا في عياله لأنه لا ولاية له
105

عليهم ولأنه متبرع في الانفاق عليهم فهو كمن تبرع بالانفاق على الغير فلا يجب عليه الصدقة
عنهم باعتباره (قال) ويؤدي صدقة الفطر عن نفسه حيث هو ويكره له أن يبعث
بصدقته إلى موضع آخر لحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه من نقل عشرة وصدقته عن
مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فعشره وصدقته في مخلاف عشيرته واما عن رقيقه
فإنما يودي صدقة الفطر حيث هو وان كانوا في بلد آخر وحكي ابن سماعة عن محمد رحمهما
الله تعالى أنه رجع عن هذا القول فقال يؤدى عنهم حيث هم وجعله قياس زكاة المال ولا
خلاف أن المعتبر هناك موضع المال لا موضع صاحبه فهنا كذلك. ووجه ظاهر الرواية
أن الوجوب على المولى في ذمته ورأس المماليك في حقه كرأسه فكما أن في أداء الصدقة
على نفسه يعتبر موضعه فكذلك عن مماليكه بخلاف الزكاة فان الواجب جزء من المال
؟؟ يسقط بهلاك المال وهنا لا يسقط بهلاك المماليك بعد الوجوب على المولى (قال)
رجلان بينهما مملوك للخدمة لا يجب على واحد منهما صدقة الفطر عنه عندنا. وقال
الشافعي رحمه الله تعالى يجب عليهما وهو بناء على الأصل الذي تقدم بيانه فان عنده الوجوب
على العبد وهو كامل في نفسه وعندنا الوجوب على المولى عن عبده وكل واحد منهما لا يملك
ما يسمى عبدا فان نصف العبد ليس بعبد وعلى سبيل الابتداء هو يستدل بقوله صلى الله
عليه وسلم أدوا عمن تمونون وهما يمونانه فان نفقته عليهما فكذلك الصدقة عنه (ولنا) أن
السبب رأس يمونه بولايته عليه ولا ولاية لواحد منهما عليه حتى لو أراد أن يزوجه لا يملك
ذلك وبمجرد وجوب النفقة لا يكون عليه وجوب الصدقة فان النفقة تجب باعتبار ملك سائر
الحيوانات ولا تجب الصدقة ما لم يتقرر السبب وهو رأس يمونه بولايته عليه (قال) فإن كان
بينهما مماليك للخدمة فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يجب على واحد منهما
صدقة الفطر عنهم وعند محمد رحمه الله تعالى يجب على كل واحد منهما الصدقة في حصته
إذا كان كاملا في نفسه حتى إذا كان بينهما خمسه أعبد يجب على كل واحد منهما الصدقة
عن عبدين ومذهب أبي يوسف رحمه الله تعالى مضطرب ذكر في بعض روايات هذا
الكتاب كقول محمد رحمه الله تعالى والأصح أن قوله كقول أبي حنيفة وأبو حنيفة رحمه
الله تعالى مر على أصله فإنه لا يرى قسمة الرقيق جبرا فلا يملك كل واحد منهما ما يسمى
عبدا ومحمد مر على أصله فإنه يرى قسمة الرقيق جبرا وباعتبار القسمة ملك كل واحد منهما
106

في البعض متكامل وكذلك مذهب أبي يوسف إن كان قوله كقول محمد وإن كان قوله
كقول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فعذره أن القسمة تنبنى على الملك فأما وجوب الصدقة
فينبنى على الولاية لا على الملك حتى تجب الصدقة عن الولد الصغير وليس لواحد منهما
ولاية متكاملة على شئ من هذه الرؤس (قال) فإن كان بينهما جارية فجاءت بولد فادعياه
ثم مر يوم الفطر فلا صدقة على واحد منهما عن الأم لما بينا فأما على الولد يجب على كل واحد
منهما صدقة كاملة في قول أبى يوسف وعند محمد رحمهما الله تعالى تجب عليهما صدقة واحدة
عنه ولا رواية فيه عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فمحمد يقول الأب أحدهما في الحقيقة وصدقة
الفطر عليه وليس أحدهما بأولى من الآخر فجعلناها عليهما نصفين ألا ترى أنهما يرثانه
ميراث ابن واحد وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول هو ابن لكل واحد منهما بكماله لان
البنوة لا تحتمل التجزئ ألا ترى أنه يرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل فكذلك يجب
على كل واحد منهما عنه صدقة كاملة (قال) وليس على الرجل صدقة الفطر في مماليك التجارة
عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يجب وهو بناء على الأصل الذي بينا فان عنده الوجوب على
العبد وزكاة التجارة على المولى فلا يمنع ذلك وجوب زكاة الفطر على العبد وعندنا الوجوب
على المولى كزكاة التجارة فلا يجتمع زكاتان على ملك واحد على رجل واحد (قال) وله
أن يجمع صدقة نفسه ومماليكه فيعطيها مسكينا واحدا لقوله صلى الله عليه وسلم أغنوهم
عن المسألة في مثل هذا اليوم والاغناء يحصل بصرف الكل إلى واحد فوق ما يحصل
بالتفريق ولان المعتبر القدر المنصوص عليه وصفة الفقر في المصروف إليه وذلك لا يختلف
بالتفريق والجمع فجاز الكل وهذا بخلاف الكفارة فإنه لو صرف الكل إلى مسكين واحد
جملة لا يجوز لان العدد في المصروف إليه منصوص عليه فلا بد من وجوده صورة ومعنى
(قال) فان أعطى قيمة الحنطة جاز عندنا لان المعتبر حصول الغنى وذلك يحصل بالقيمة
كما يحصل بالحنطة وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز وأصل الخلاف في الزكاة وكان أبو
بكر الأعمش رحمه الله تعالى يقول أداء الحنطة أفضل من أداء القيمة لأنه أقرب إلى امتثال
الامر وأبعد عن اختلاف العلماء فكان الاحتياط فيه وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى
يقول أداء القيمة أفضل لأنه أقرب إلى منفعة الفقير فإنه يشترى به للحال ما يحتاج إليه
والتنصيص على الحنطة والشعير كأن لان البياعات في ذلك الوقت بالمدينة يكون بها فاما في
107

ديارنا البياعات تجرى بالنقود وهي أعز الأموال فالأداء منها أفضل (قال) ومن مات من
مماليكه وولده ليلة العيد فلا صدقة عليه عنهم ومن مات بعد الصبح فالصدقة واجبة عنهم
ولا خلاف ان وجوب الصدقة يتعلق بالفطر من رمضان وإنما الخلاف في وقت الفطر من
رمضان عندنا وقت الفطر عند طلوع الفجر من يوم الفطر وعنده وقت غروب الشمس من
الليلة التي يهل بها هلال شوال حجته لاثبات هذا الأصل ان حقيقة الفطر عند غروب
الشمس وكذلك انسلاخ شهر رمضان يكون عند رؤية هلال شوال وذلك عند غروب
الشمس وحجتنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أنها كم عن صوم يومين يوم
تفطرون فيه من صومكم ويوم تأكلون فيه لحم نسككم ولان حقيقة الفطر عند غروب
الشمس كما يكون في هذا اليوم كذلك فيما قبله والفطر من رمضان إنما يتحقق بما يكون
مخالفا لما تقدم وذلك عند طلوع الفجر لان فيما تقدم كان يلزمه الصوم في هذا الوقت وفى
هذا اليوم يلزمه الفطر وهذا اليوم يسمى يوم الفطر فينبغي أن يكون الفطر من رمضان فيه
ليتحقق هذا الاسم كيوم الجمعة تجب فيه الجمعة وتؤدى فيه ليتحقق هذا الاسم فيه إذا عرفنا
هذا فنقول كل من أسلم من الكفار ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر عندنا لان وقت الوجوب
جاء وهو مسلم وكل من يولد ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر عندنا لأنه جاء وقت الوجوب
وهو منفصل ومن مات من أولاده ومماليكه ليلة الفطر فليس عليه الصدقة عنه لأنه
جاء وقت الوجوب وهو ميت ومن مات بعد طلوع الفجر منهم فعليه الصدقة عنه لان
وقت الوجوب جاء وهو حي وصدقة الفطر بعد ما وجبت لا تسقط بموت المؤدى عنه بخلاف
الزكاة فان الواجب هناك جزء من المال وبهلاكه يفوت محل الواجب وهنا الصدقة تجب
في ذمة المؤدى فبموت المؤدى عنه لا يفوت محل الواجب فلهذا لا تسقط حتى روى عن أبي
يوسف رحمه الله تعالى في الأمالي ان من قال لعبده إذا جاء يوم الفطر فأنت حر فعليه
صدقة الفطر عنه لأنه إنما عتق بعد طلوع الفجر فلا تسقط به الصدقة الواجبة عنه والدليل
على أن وقت الوجوب عند طلوع الفجر حديث ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا
بأداء صدقة الفطر قبل الخروج إلى المصلى والمقصود بهذا الامر المسارعة إلى الأداء لا
التأخير عن وقت الوجوب (قال) وإذا مر يوم الفطر وفي يد الرجل مملوك قد اشتراه وفى
البيع خيار لاحد المتبايعين فإنما الصدقة على من يستقر له الملك عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى
108

على من له الخيار وعند الشافعي رحمه الله تعالى على من له ملك العبد وقت الوجوب
هو يقول هذه مؤنة بسبب الملك فتكون نظير النفقة والنفقة تجب على من له الملك وقت الوجوب
فكذلك الصدقة وزفر رحمه الله تعالى يقول الولاية لمن له الخيار على المشترى ووجوب
الصدقة باعتبار الولاية على الرأس (ولنا) ان البيع بشرط الخيار إذا تم يثبت الملك للمشترى
من وقت العقد حتى يستحق الزوائد المتصلة والمفصلة وإذا فسخ عاد إلى قديم ملك البائع
فحكم الملك والولاية موقوف فيه فكذلك ما ينبنى عليه وما يجب عليه بسبب الملك مقابل
بما يستحقه بسبب الملك وهو الزوائد فكما توقف حكم استحقاقه فكذلك حكم الاستحقاق
عليه إلا أن النفقة لا تحتمل التوقف لأنها تجب لحاجة المملوك للحال فإذا جعلناها موقوفة
مات المملوك جوعا فلأجل الضرورة اعتبرنا فيه النفقة للحال بخلاف الصدقة وكذلك
الخلاف في زكاة التجارة إن كان اشتراه للتجارة (قال) فإن لم يكن البيع خيار الا ان
المشترى لم يقبضه حتى مر يوم الفطر فان قبضه بعد ذلك فصدقته عليه لأنه كان
مالكا له وقت الوجوب وقد تقرر ملكه بقبضه وان تلف قبل أن يقبضه فلا صدقة على
واحد منهما اما البائع فلانه لم يكن مالكا وقت الوجوب لان البيع البات يزيل ملكه
واما المشترى فلان البيع انفسخ من الأصل بهلاك المعقود عليه قبل القبض فينعدم
به ملكه من الأصل ووجوب الصدقة بحكم الملك ولم يبق لملكه حكم حين انفسخ البيع من
الأصل وإن لم يمت ورده قبل القبض بعيب أو خيار رؤية فصدقته على البائع ولا شئ
على المشترى لان البيع انفسخ من الأصل بالرد قبل القبض بهذه الأسباب وعاد إلى
قديم ملك البائع فكأنه لم يخرج عن ملكه بخلاف الأول فان انفساخ البيع هناك بعد الهلاك
كفوات القبض المستحق بالعقد فلا يظهر حكم ملك البائع في حال قيامه فان رده بعد
القبض بعيث أو خيار رؤية فصدقته على المشترى لان ملكه وولايته كانت تامة وقت
الوجوب لكونه قابضا فوجبت الصدقة عليه ثم لا تسقط عنه بزوال ملكه عن العين كما
لا يسقط بهلاكه في يده (قال) فإن كان اشتراه شراء فاسدا فمر يوم الفطر قبل أن يقبضه
فصدقته على البائع سواء قبضه المشترى بعد ذلك أو لم يقبضه وفسخ البيع لان البيع الفاسد
لا يزيل الملك بنفسه فبقي ملك البائع بعده كما كان قبله وإذا قبضه المشتري بعد ذلك فزوال
ملك البائع كان مقصورا على الحال لان السبب إنما تم الآن والموهوب في هذا نظير المشترى
109

شراء فاسدا (قال) فان مر يوم الفطر وهو مقبوض فان أعتقه المشترى فصدقته عليه
لأنه كان مالكا وقت الوجوب وتقرر ملكه بتعذر فسخ البيع وان رده فصدقته على البائع
لأنه عاد إلى قديم ملكه فان المشترى وإن كان قابضا مالكا وقت الوجوب ولكن يده وملكه
مستحق الرفع عنها شرعا فإذا رفع صار كأن لم يكن بخلاف الرد بالعيب وخيار الرؤية فإنه
غير مستحق الرفع عليه ولكنه يرفعه باختياره (قال) وإذا عجز المكاتب فليس على
المولى فيه زكاة السنين الماضية لفطر ولا تجارة اما زكاة الفطر فلان السبب رأس يمونه
بولايته عليه وذلك لم يكن موجودا فيما مضى واما زكاة التجارة فلانه ما كان متمكنا من
التصرف فيه بل كان كالخارج من ملكه وكذلك إذا كان العبد آبقا فوجده لأنه كان تاويا
في السنين الماضية فليس عليه عنه زكاة الفطر ولا التجارة وكذلك أن كان مغصوبا مجحودا
أو مأسورا لان ملكه في حكم التاوي ويده مقصورة عنه (قال) وإذا عجز المكاتب وقد كان
قبل الكتابة للتجارة لم يعد إلى مال التجارة لان بعقد الكتابة صار فاسخا لنية التجارة فيه
فإنه أخرجه من أن يكون محلا لتصرفاته فلا يصير للتجارة بعد ذلك الا بفعل هو تجارة
وعليه زكاة الفطر عنه إذا مر يوم الفطر لان المملوك في الأصل للخدمة حتى يجعله للتجارة
بخلاف ماذا أذن لعبده في التجارة ثم حجر عليه وقد كان اشتراه للتجارة لأنه ما صار فاسخا
لنية التجارة فيه فإنه بالاذن لم يخرجه من أن يكون محلا لتصرفاته (قال) وإذا لم يخرج الرجل
صدقة الفطر فعليه اخراجها وان طالت المدة الا على قول الحسن بن زياد فإنه يقول يسقط
بمضي يوم الفطر لأنها قربة اختصت بأحد يومى العيد فكانت قياس الأضحية تسقط بمضي
أيام النحر (ولنا) ان هذه صدقة مالية فلا تسقط بعد الوجوب الا بالأداء كزكاة
المال ولا نقول الأضحية تسقط بل ينتقل الواجب إلى التصدق بالقيمة لان إراقة الدم لا تكون
قربة الا في وقت مخصوص أو مكان مخصوص فاما التصدق بالمال قربة في كل وقت ولم يذكر
في الكتاب جواز التعجيل في صدقة الفطر الا في بعض النسخ فإنه قال لو أدى قبل يوم الفطر
بيوم أو بيومين جاز والصحيح من المذهب عندنا أن تعجيله جائز لسنة ولسنتين لان السبب
متقرر وهو الرأس فهو نظير تعجيل الزكاة بعد كمال النصاب وعلى قول الحسن بن زياد لا يجوز
تعجيله أصلا كالأضحية وكان خلف بن أيوب يقول يجوز تعجيله بعد دخول شهر رمضان لا قبله
لأنه صدقة الفطر ولا فطر قبل الشروع في الصوم وكان نوح بن أبي مريم يقول يجوز
110

تعجيله في النصف الأخير من رمضان ومنهم من قال في العشر الأواخر منه قال ويجوز
أن يدفع صدقة الفطر إلى أهل الذمة وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز وعن أبي
يوسف رحمه الله تعالى ثلاث روايات في رواية قال كل صدقة مذكورة في القرآن لا يجوز
دفعها إلى أهل الذمة فعلى هذه الرواية يجوز دفع صدقة الفطر إليهم وفى رواية قال كل صدقة
واجبة بايجاب الشرع ابتداء من غير سبب من العبد لا يجوز دفعها إلى أهل الذمة فعلى هذا
لا يجوز دفع صدقة الفطر إليهم ويجوز دفع الكفارات والنذور إليهم وفى رواية قال كل صدقة
هي واجبة لا يجوز دفعها إليهم فعلى هذا لا يجوز دفع الكفارات وإنما يجوز دفع التطوعات
والشافعي رحمه الله تعالى يقيس هذا بزكاة المال بعلة أنها صدقة واجبة فان الصدقة المالية صلة
واجبة للمحاويج المناسبين له في الملة فلا يملك صرفها إلى غيرهم والمقصود منه أن يتقوى به على
الطاعة ويتفرغ عن السؤال لإقامة صلاة العيد ولا يحصل هذا المقصود بالصرف إلى أهل الذمة
كما لا يحصل الصرف إلى المستأمنين فكما لا يجوز صرفها إليهم فكذلك إلى أهل الذمة
(ولنا) ان المقصود سد خلة المحتاج ودفع حاجته بفعل هو قربة من المؤدى وهذا المقصود
حاصل بالصرف إلى أهل الذمة فان التصدق عليهم قربة بدليل التطوعات لأنا لم ننه عن المبرة لمن
لا يقاتلنا قال الله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين الآية بخلاف المستأمن فإنه
مقاتل وقد نهينا عن المبرة مع من يقاتلنا قال الله تعالى إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في
الدين الآية والقياس ان يجوز صرف الزكاة إليهم إنما تركنا القياس فيه بالنص وهو قوله صلى
الله عليه وسلم لمعاذ خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم والمراد به الزكاة لا صدقة الفطر
والكفارات إذ ليس للساعي فيها ولاية الاخذ فبقي على أصل القياس (قال) وفقراء
المسلمين أحب إلى لأنه أبعد عن الخلاف ولأنهم يتقون بها على الطاعة وعبادة الرحمن والذمي
يتقوى بها على عبادة الشيطان (قال) وإذا كان للرجل دار وخادم ولا مال له غير ذلك
فليس عليه صدقة الفطر لأنه يحل له أخذ الصدقة ولأنه محتاج فان الدار تسترم والخادم
يستنفق ولابد له منهما فهما يزيد ان في حاجته ولا يغنيانه وقد بينا ان الصدقة لا تجب الا
على الغنى لان وجوبها للاغناء كما قال أغنوهم ولا يخاطب بالاغناء من ليس بغنى في نفسه
(قال) وإذا أذن الرجل لعبده في التجارة فتعلقت رقبته بالدين ومولاه موسر فعليه
صدقة الفطر لأنه يمونه بولايته عليه وبسبب الدين تستحق ماليته ومالية من يؤدى عنه
111

صدقة الفطر غير معتبرة للوجوب كما في ولده وأم ولده وبسبب الاذن في التجارة لم يخرج
من أن يكون للخدمة لان شغله بنوع من خدمته وهذا بخلاف ما إذا كان الدين المستغرق
على المولى فإنه لا يلزمه صدقة الفطر لان الدين عليه ينفي غناه ولا صدقة الا على الغنى (قال)
فان اشترى العبد المأذون له عبيدا فليس على المولى عنهم صدقة الفطر لأنه إنما اشتراهم
للتجارة وفي الأمالي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى إن كان اشتراهم للخدمة فان أذن له
المولى في ذلك فإن لم يكن على المأذون دين فعلى المولى صدقة الفطر عنهم لأنه مالك لرقابهم
وإن كان على العبد دين مستغرق لكسبه ورقبته فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا تجب
على المولى صدقة الفطر عنهم بناء على أصله أنه لا يملك رقابهم وعلى قول أبى يوسف ومحمد
رحمهما الله تعالى يجب على المولى صدقة الفطر عنهم بناء على أصلهما ان دين العبد لا يمنع ملك
المولى في كسبه كما لا يمنع ملكه في رقبته (قال) وزكاة الفطر في العبد الموصى بخدمته على
مالك الرقبة وارثا كان أو موصى له لأنه تقرر السبب في حقه فاما الموصى له بالخدمة فحقه في
المنفعة لا في الرقبة وكذلك العبد المستعار والمؤاجر تجب الصدقة على المالك دون المستعير
والمستأجر وكذلك عبد الوديعة تجب الصدقة عنه على المودع فان يد المودع كيده وكذلك
إن كان في عنقه جناية عمدا أو خطأ لان ملكه وولايته لا يزول بهذا السبب وكذلك العبد
المرهون تجب الصدقة عنه على الراهن إذا كان عنده وفا بالدين وفضل مائتي درهم لان الرهن
لا يزيل ملك الرقبة ولا يوجب فيها حقا للمرتهن إنما حق المرتهن في المالية وذلك غير معتبر
لايجاب الصدقة وفى الاملاء عن أبي يوسف رحمه الله تعالى ليس على الراهن ان يؤدى
الصدقة عنه حتى يفكه فإذا فكه أعطاها لما مضى وان هلك قبل أن يفكه فلا صدقة عنه على
الراهن وجعله كالبيع بشرط الخيار بقي الكلام في بيان القدر الواجب من الصدقة وذلك من
البر نصف صاع في قول علمائنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى صاع واستدل بحديث ابن
عمر رضي الله عنه فإنه ذكر فيه صاعا من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير والتقدير
بنصف صاع شئ أحدثه معاوية برأيه على ما قاله أبو سعيد الخدري رضي الله عنه كنا نخرج
زكاة الفطر صاعا من طعام حتى قدم معاوية من الشام فقال لا أرى الا مدين من سمراء الشام
يعدل صاعا من طعامكم هذا وأكثر ما في الباب أن الآثار فيه قد اختلفت والاخذ
بالاحتياط في باب العبادات واجب والاحتياط في اتمام الصاع وقاسه بالشعير والتمر لعلة
112

أنه أحد الأنواع التي تتأدى به صدقة الفطر (ولنا) حديث عبد الله بن ثعلبة بن صعير
كما روينا في أول الباب وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم وعن كل اثنين صاعا من
بر فالذي روى الصاع كأنه سمع آخر الحديث لا أوله وهو قوله وعن كل اثنين
والتقدير من البر بنصف صاع مذهب أبي بكر وعمر وعلي وجماعة من الصحابة رضي الله عنه
م أجمعين حتى قال أبو الحسن الكرخي أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه لا يجوز أداء
نصف صاع من بر وبهذا يندفع دعواه أنه رأى معاوية ونقيسه على كفارة الأذى لعلة أنها
وظيفة المسكين ليوم وفى كفارة الأذى نص فان كعب بن عجرة سأل رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال ما الصدقة فقال ثلاثة آصع على ستة مساكين وليس البر نظير التمر
والشعير فان التمر والشعير يشتمل على ما ليس بمأكول وهو النوى والنخالة وعلى ما هو
مأكول فأما البر مأكول كله فان الفقير يمكنه أكل دقيق الحنطة بنخالته بخلاف الشعير
وقد بينا تفسير الصاع فيما تقدم وإنما يعتبر نصف صاع من بر وزنا هكذا رواه أبو يوسف
عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وقال ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى كيلا حتى قال
قلت له لو وزن الرجل منوين من الحنطة وأعطاها الفقير هل تجوز من صدقته فقال لا فقد
تكون الحنطة ثقيلة الوزن وقد تكون خفيفة فإنما يعتبر نصف الصاع كيلا وجه قوله
ان الآثار جاءت بالتقدير الصاع وهو اسم للمكيال ووجه الرواية الأخرى ان العلماء
حين اختلفوا في مقدار الصاع انه ثمانية أرطال أو خمسة أرطال وثلث فقد اتفقوا على
التقدير بما يعدل بالوزن فإنما يقع عليه كيل الرطل فهو وزنه (قال) ودقيق الحنطة
كالحنطة ودقيق الشعير كعينه عندنا وعند الشافعي لا يجوز الأداء من الدقيق بناء على
أصله ان في الصدقات يعتبر عين المنصوص عليه (ولنا) حديث أبي هريرة رضي الله عنه
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أدوا قبل خروجكم زكاة فطركم فان على كل مسلم مدين
من قمح أو دقيقه ولان المقصود سد خلة المحتاج واغناؤه عن السؤال كما قال صاحب
الشرع وحصول هذا بأداء الدقيق أظهر لأنه أعجل لوصول منفعته إليه وعلى هذا روى عن أبي
يوسف رحمه الله تعالى قال أداء الدقيق أفضل من أداء الحنطة وأداء الدرهم أفضل من
أداء الدقيق لأنه أعجل لمنفعته وأما من الزبيب يتقدر الواجب بنصف صاع عند أبي حنيفة
رحمه الله تعالى ذكره في الجامع الصغير وعلى قول أبى يوسف ومحمد يتقدر بصاع وهو
113

رواية أسد بن عمرو والحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ووجهه ان الزبيب نظير التمر
فإنهما يتقاربان في المقصود والقيمة فكما يتقدر من التمر بصاع فكذلك من الزبيب وقد
روى في بعض الآثار أو صاعا من زبيب وجه قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ان الزبيب
نظير البر فإنه مأكول فكما يتقدر من البر بنصف صاع لهذا المعنى فكذلك من الزبيب
والأثر فيه شاذ وبمثله لا يثبت التقدير فيما تعم به البلوى ويحتاج الخاص والعام إلى معرفته لأنه
لو كان صحيحا لاشتهر لعلمهم به وان أراد الأداء من سائر الحبوب أعطى باعتبار القيمة وقد
بينا جواز أداء القيمة عندنا وهذا لأنه ليس في سائر الحبوب نص على التقدير فالتقدير
بالرأي لا يكون وكذا من الأقط يؤدى باعتبار القيمة عندنا. وقال مالك رضي الله عنه
يتقدر من الأقط بصاع وقال الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه لا أحب له الأداء من الأقط
وان أدى فلم يتبين لي وجوب الإعادة عليه وهذا الحديث روى أو صاعا من أقط وبه أخذ
مالك رحمه الله تعالى وقال الا قط كان قوتا لأهل البادية في ذلك الوقت كما أن الشعير والتمر
كانا قوتا في أهل البلاد وأصحابنا قالوا الحديث شاذ لم ينقل في الآثار المشهورة وبمثله لا يجوز
أثبات التقدير فيما تعم به البلوى فيبقي بالقيمة فإن كانت قيمته قيمة نصف صاع
من بر أو صاع من شعير جاز وإلا فلا والحاصل ان فيما هو منصوص لا تعتبر القيمة حتى
لو أدى نصف صاع من تمر تبلغ قيمته قيمة نصف صاع من بر لا يجوز لان في اعتبار القيمة
هنا ابطال التقدير المنصوص في المؤدى وذلك لا يجوز فاما ما ليس بمنصوص عليه فإنه ملحق
بالمنصوص باعتبار القيمة إذ ليس فيه ابطال التقدير المنصوص وسويق الحنطة كدقيقها
لان التقدير منه نصف صاع لما بينا في الدقيق والله تعالى أعلم بالصواب
باب الاعتكاف
الاعتكاف قربة مشروعة بالكتاب والسنة اما الكتاب فقوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم
عاكفون في المساجد فالإضافة إلى المساجد المختصة بالقرب وترك الوطئ المباح لأجله
دليل على أنه قرب والسنة حديث أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه
وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله تعالى
وقال الزهري عجبا من الناس كيف تركوا الاعتكاف ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان
114

يفعل الشئ ويتركه وما ترك الاعتكاف حتى قبض وفي الاعتكاف تفريغ القلب عن أمور
الدنيا وتسليم النفس إلى بارئها والتحصن بحصن حصين وملازمة بيت الله تعالى (قال)
عطاء مثل المعتكف كمثل رجل له حاجة إلى عظيم فيجلس على بابه ويقول لا أبرح حتى
تقضي حاجتي والمعتكف يجلس في بيت الله تعالى ويقول لا أبرح حتى يغفر لي فهو
أشرف الاعمال إذا كان عن إخلاص ثم جوازه يختص بمساجد الجماعات وروى الحسن
عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال كل مسجد له امام ومؤذن معلوم وتصلى فيه الصلوات
الخمس بالجماعة فإنه يعتكف فيه وكان سعيد بن المسيب يقول لا اعتكاف الا في مسجدين
مسجد المدينة والمسجد الحرام ومن العلماء من قال لا اعتكاف الا في ثلاثة مساجد
وضموا إلى هذين المسجدين المسجد الأقصى لقوله صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال الا
إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام ومسجد إيليا يعنى مسجد بيت المقدس
والدليل على الجواز في سائر المساجد قوله تعالى وأنتم عاكفون في المساجد فعم المساجد في
الذكر واختلفت الروايات عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما فروى أن
حذيفة قال لابن مسعود عجبا من قوم عكوف بين دارك ودار أبى موسى وأنت لا تمنعهم
فقال ابن مسعود ربما حفظوا ونسيت وأصابوا وأخطأت كل مسجد جماعة يعتكف فيه وروى
أن ابن مسعود مر بقوم معتكفين فقال لحذيفة وهل يكون الاعتكاف الا في المسجد الحرام
فقال حذيفة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل مسجد له امام ومؤذن
فإنه يعتكف فيه وفي الكتاب ذكر عن حذيفة قال لا اعتكاف الا في مسجد جماعة هذا
بيان حكم الجواز فأما الأفضل فالاعتكاف في المسجد الحرام أفضل منه في سائر المساجد
وروى محمد عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه كان يكره الجوار بمكة ويقول إنها ليست
بدار هجرة فان رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر منها إلى المدينة وعلى قول أبى يوسف
ومحمد رحمهما الله لا بأس بذلك وهو أفضل وعليه عمل الناس اليوم ثم الاعتكاف غير واجب
بايجاب الشرع ابتداء الا ان يوجبه العبد بنذره فيلزمه لحديث عمر رضي الله عنه انه سأل
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني نذرت ان أعتكف يوما في الجاهلية أو قال ليلة
أو قال يومين فقال أوف بنذرك ومن شرط الاعتكاف الواجب الصوم عندنا وقال الشافعي
رحمه الله تعالى ليس بشرط ومذهبنا مروى عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما انهما
115

قالا لا اعتكاف الا بصوم ومذهبه مروى عن ابن مسعود وعن علي فيه روايتان احدى
الروايتين مثل قولنا والثاني ما روى عنه قال ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجب ذلك
على نفسه فالشافعي رحمه الله تعالى استدل بهذا وبحديث عمر رضي الله عنه في سؤاله انى
نذرت أن أعتكف ليلة في الجاهلية فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوفاء بالنذر والليل
لا يصام فيه ولان ابتداء الاعتكاف من وقت غروب الشمس في حق من نذر أن يعتكف
شهرا وما يكون شرط العبادة اقترانه بأوله كالطهارة للصلاة وكذلك الاعتكاف
بدوام الليل والنهار ولا صوم بالليل فتبين بهذا انه ليس شرط الاعتكاف ولا هو ركنه لأن الصوم
أحد أركان الدين والاعتكاف نفل زائد فلا يكون الأقوى ركنا للأضعف بل هو
زائد في معنى القربة على ما يتم به الاعتكاف فيلزمه التنصيص عليه كالتتابع في الصوم والقران
في الحج (ولنا) ان النبي صلى الله عليه وسلم ما اعتكف الا صائما والأفعال المتفقة في
الأوقات المختلفة لا تجرى على نمط واحد الا لداع إليه وليس ذلك الا بيان انه من
شرائط الاعتكاف والمعنى فيه أنه لو قال لله على أن أعتكف صائما يلزمه الجمع بينهما وبقوله
صائما ولا يصح ان يجعل نصبا على المصدر كما يقال ضربته وجيعا أي ضربا وجيعا فإنه حينئذ
يصير كأنه قال اعتكف اعتكافا صائما والصوم لا يكون صفة للاعتكاف فالاعتكاف
لبث في مقام لتعظيم ذلك المقام والصوم كف النفس عن اقتضاء الشهوات اتعابا للبدن فكيف
يكون صفة للاعتكاف فعرفنا انه نصب على الحال كما يقال دخل الدار راكبا والحال خلو
عن الايجاب لأنه صفة الموجب لا الواجب ومع ذلك يلزمه الجمع بينهما فعرفنا أنه إنما لزمه
لأنه شرط الاعتكاف كمن يقول أصلى طاهرا وشرط الشئ يتبعه فيثبت بثبوته سواء ذكر
أو لم يذكر بخلاف قوله أصوم متتابعا فإنه نصب على المصدر لان التتابع صفة الصوم وبخلاف
قوله أصلى قائما فإنه ينصب قائما على المصدر يقال صلاة قائمة وبخلاف قوله أحج قارنا فان
العمرة بالانضمام إلى الحج يزداد فيها معنى القربة ولهذا لزمه دم القران وهو دم نسك
وعن كلامه جوابان أحدهما ان الصوم شرط الاعتكاف والشرائط إنما تثبت بحسب
الامكان ولا يمكن اشتراط الصوم ليلا فسقط للتعذر وجعل الليل تبعا للأيام كما أن الشرب
والطريق يجعل تبعا في بيع الأرض والثاني ان شرط الاعتكاف أن يكون مؤدى في وقت
الصوم وبوجود الصوم في النهار يتصف جميع الشهر بأنه وقت الصوم ودليله شهر رمضان
116

فصار الشرط به موجودا كما أن من شرط الصلاة ان يقوم إليها طاهرا وذلك يحصل في
جميع البدن بغسل الأعضاء الأربعة وحديث عمر رضي الله عنه دليلنا فان النبي صلى الله عليه
وسلم قال له اعتكف وصم وبلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين ان الصحيح من
الرواية إني نذرت ان اعتكف يوما فاما التطوع من الاعتكاف في رواية الحسن عن أبي
حنيفة رحمهما الله تعالى لا يكون الا بصوم ولا يكون أقل من يوم فجعل الصوم للاعتكاف
كالطهارة للصلاة وفى ظاهر الرواية يجوز التنفل بالاعتكاف كالطهارة للصلاة وفى ظاهر
الرواية يجوز التنفل بالاعتكاف من غير صوم فإنه قال في الكتاب إذا دخل المسجد
بنية الاعتكاف فهو معتكف ما أقام تارك له إذا خرج وهذا لان مبنى النفل على المساهلة
والمسامحة حتى تجوز صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام وراكبا مع القدرة على النزول
والواجب لا يجوز تركه (قال) ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الا لجمعة أو
غائط أو بول أما الخروج للبول والغائط فلحديث عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج من معتكفه الا لحاجة الانسان ولأن هذه الحاجة
معلوم وقوعها في زمان الاعتكاف ولا يمكن قضاؤها في المسجد فالخروج لأجلها صار
مستثنى بطريق العادة وكان مالك رحمه الله تعالى يقول إذا خرج لحاجة الانسان لا ينبغي
أن يدخل تحت سقف فان آواه سقف غير سقف المسجد فسد اعتكافه وهذا ليس
بشئ فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل حجرته إذا خرج لحاجة وإذا خرج
للحاجة لم يمكث في منزله بعد الفراغ من الطهر لان الثابت للضرورة يتقدر بقدرها وأما
إذا خرج للجمعة فلا يفسد اعتكافه عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى يفسد اعتكافه
فإن كان اعتكافه دون سبعة أيام اعتكف في أي مسجد شاء وإن كان سبعة أيام أو أكثر
اعتكف في المسجد الجامع قال لان ركن الاعتكاف هو المقام والخروج ضده فيكون
مفسدا له الا بقدر ما تحققت الضرورة فيه ولا ضرورة في الخروج للجمعة لأنه يمكنه أن
يعتكف في الجامع فلا يحتاج إلى هذا الخروج فهو والخروج لعيادة المريض وتشييع الجنائز
سواء (ولنا) أن الخروج للجمعة معلوم وقوعه في زمان الاعتكاف فصار مستثنى من
نذره كالخروج للحاجة والخروج لعيادة المريض ليس بمعلوم وقوعه في زمان الاعتكاف لا
محالة وهذا لان الناذر يقصد التزام القربة لا المعصية والتخلف عن الجمعة معصية فيعلم يقينا
117

انه لم يقصده بنذره فإذا اعتكف في الجامع كان خروجه أكثر لأنه يحتاج في الخروج
لحاجة الانسان إلى الرجوع إلى بيته وإذا كان بيته بعيدا عن الجامع يزداد خروجه إذا
اعتكف في الجامع على ما إذا اعتكف في مسجد حيه فإذا أراد الخروج للجمعة قال في
الكتاب يخرج حين تزول الشمس فيصلى قبلها أربعا وبعدها أربعا أو ستا قالوا هذا إذا
كان معتكفه قريبا من الجامع بحيث لو انتظر زوال الشمس لا تفوته الخطبة ولا الجمعة فإذا
كان بحيث تفوته لم ينتظر زوال الشمس ولكنه يخرج في وقت يمكنه ان يأتي الجامع فيصلى
أربع ركعات قبل الأذان عند المنبر وفي رواية الحسن ست ركعات ركعتان تحية المسجد
وأربع سنة وكذلك بعد الجمعة يمكث مقدار ما يصلى أربع ركعات أو ستا بحسب اختلافهم
في سنة الجمعة ولا يمكث أكثر من ذلك لان الخروج للحاجة والسنن تبع للفرائض ولا
حاجة بعد الفراغ من السنة فان مكث أكثر من ذلك لم يضره ذكره ابن سماعة عن محمد
رحمهما الله تعالى قال الا ترى أنه لو بدا له أن يتم اعتكافه في الجامع جاز وهذا لان المفسد
للاعتكاف الخروج من المسجد لا المكث في المسجد الا انه لا يستحب له ذلك لأنه التزم
أداء الاعتكاف في مسجد واحد فلا ينبغي له ان يتمه في مسجدين (قال) ولا يعود
المعتكف مريضا ولا يشهد جنازة الا على قول الحسن البصري فإنه يروى حديثا ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال يعود المعتكف المريض ويشهد الجنازة (ولنا) حديث عائشة
رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في اعتكافه إذا خرج لحاجة الانسان
يمر بالمريض فيسأل عنه ولا يعرج عليه ولان هذا لم يكن معلوما وقوعه في مدة اعتكافه
فالخروج لأجله لم يكن مستثنى كالخروج لتلقى الحاج وتشييعهم وما كان من أكل أو شرب فإنه
يكون في معتكفه إذ لا ضرورة في الخروج لأجله فان هذه الحاجة يمكن قضاؤها في
معتكفه (قال) وإذا مرض المعتكف في اعتكاف واجب فان أفطر يوما استقبل الاعتكاف
لان من شرط الاعتكاف الصوم وقد فات والعبادة لا تبقى بدون شرطها كما لا تبقى بدون ركنها
(قال) وإذا خرج من المسجد يوما أو أكثر من نصف يوم فكذلك الجواب لان ركن
الاعتكاف قد فات فأما إذا خرج ساعة من المسجد فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يفسد
اعتكافه وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يفسد ما لم يخرج أكثر من نصف يوم
وقول أبي حنيفة رحمه الله تعالى أقيس وقولهما أوسع قالا اليسير من الخروج عفو لدفع الحاجة
118

فإنه إذا خرج لحاجة الانسان لا يؤمر بان يسرع المشي وله أن يمشي على التؤدة فظهر أن
القليل من الخروج عفو والكثير ليس بعفو فجعلنا الحد الفاصل أكثر من نصف يوم فان
الا قل تابع للأكثر فإذا كان في أكثر اليوم في المسجد جعل كأنه في جميع اليوم في المسجد
كما قلنا في نية الصوم في رمضان إذا وجدت في أكثر اليوم جعل كوجودها في جميع اليوم
وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ركن الاعتكاف هو المقام في المسجد والخروج ضده فيكون
مفوتا ركن العبادة والقليل والكثير في هذا سواء كالأكل في الصوم والحدث في الطهارة
(قال) ولا تعتكف المرأة الا في مسجد بيتها وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا اعتكاف الا
في مسجد جماعة الرجال والنساء فيه سواء قال لان مسجد البيت ليس له حكم المسجد بدليل
جواز بيعه والنوم فيه للجنب والحائض وهذا لان المقصود تعظيم البقعة فيختص ببقعة
معظمة شرعا وذلك لا يوجد في مساجد البيوت (ولنا) أن موضع أداء الاعتكاف في
حقها الموضع الذي تكون صلاتها فيه أفضل كما في حق الرجال وصلاتها في مسجد بيتها
أفضل فان النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أفضل صلاة المرأة فقال في أشد مكان
من بيتها ظلمة وفى الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الاعتكاف أمر بقبة
فضربت في المسجد فلما دخل المسجد رأى قبابا مضروبة فقال لمن هذه فقيل لعائشة
وحفصة فغضب وقال البر يردن بهن وفى رواية يردن بهذا وأمر بقبته فنقضت فلم يعتكف
في ذلك العشر فإذا كره لهن الاعتكاف في المسجد مع أنهن كن يخرجن إلى الجماعة في
ذلك الوقت فلان يمنعن في زماننا أولى وقد روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله
تعالى انها إذا اعتكف في مسجد الجماعة جاز ذلك واعتكافها في مسجد بيتها أفضل وهذا
هو الصحيح لان مسجد الجماعة يدخله كل أحد وهي طول النهار لا تقدر أن تكون مستترة
ويخاف عليها الفتنة من الفسقة فالمنع لهذا وهو ليس لمعنى راجع إلى عين الاعتكاف فلا
يمنع جواز الاعتكاف وإذا اعتكفت في مسجد بيتها فتلك البقعة في حقها كمسجد الجماعة
في حق الرجل لا تخرج منها الا لحاجة الانسان فإذا حاضت خرجت ولا يلزمها به الاستقبال
إذا كان اعتكافها شهرا أو أكثر ولكنها تصل قضاء أيام الحيض لحين طهرها وقد بينا هذا
في الصوم المتتابع في حقها ومسجد بيتها الموضع الذي تصلى فيه الصلوات الخمس من بيتها
(قال) وإذا قال الرجل لله على أن اعتكف شهرا فعليه اعتكاف شهر متتابع في قول علمائنا
119

وقال زفر رحمه الله تعالى هو بالخيار ان شاء تابع وان شاء فرق قال لان الاعتكاف فرع عن
الصوم فان مالا أصل له في الفرائض لا يصح التزامه بالنذر ولا أصل للاعتكاف في
الفرائض سوى الصوم ثم التتابع في الصوم لا يجب بمطلق النذر فكذلك في الاعتكاف
والدليل على التسوية ان تعيين الوقت إليه ولا يتعين لأدائه الشهر الذي يعقب نذره فيهما
بخلاف الايمان والآجال والإجارات فإنه يتعين لها الشهر الذي يعقب السبب (ولنا) ان
الاعتكاف يدوم بالليل والنهار جميعا فبمطلق ذكر الشهر فيه يكون متتابعا كاليمين إذا حلف
لا يكلم فلانا شهرا والآجال والإجارات بخلاف الصوم فإنه لا يدوم بالليل والنهار وتأثيره
ان ما كان متفرقا في نفسه لا يجب الوصل فيه الا بالتنصيص وما كان متصل الاجزاء لا يجوز
تفريقه الا بالتنصيص ثم الاعتكاف من حيث الابتداء يشبه الصوم فان أداءه يستدعى فعلا
من جهته وكل وقت لا يصلح له كاليوم الذي أكل فيه بخلاف الايمان فان موجب اليمين
لا يستدعى فعلا من جهته وكل وقت يصلح له فيتعين له الوقت الذي يعقب السبب ومن
حيث الدوام الاعتكاف يشبه الايمان والآجال دون الصوم فصار الحاصل ان الايمان والآجال
والإجارات عامة في الوقت ابتداء ودواما والصوم خاص بالوقت ابتداء ودواما والاعتكاف
خاص بالوقت ابتداء عام بالوقت دواما فمن حيث الابتداء ألحقتاه بالصوم فكان تعيين الوقت
إليه ومن حيث الدوام ألحقناه بالآجال والايمان فكان متتابعا وكذلك لو قال في نذره ثلاثين
يوما فهذا وقوله شهرا سواء لان ذكر أحد العددين من الأيام والليالي بعبارة الجمع يقتضى
دخول ما بإزائه من العدد الآخر قال الله تعالى ثلاث ليال سويا وفى تلك القصة قال
في موضع آخر ثلاثة أيام الا رمزا فقوله ثلاثين يوما أي بلياليها فكان متتابعا (قال) وإذا
قال لله على اعتكاف شهر بالنهار فهو كما قال إن شاء تابع وان شاء فرق لان وجوب التتابع
لاتصال بعض الاجزاء بالبعض وقد انقطع ذلك بتنصيصه على النهار دون الليالي وإن لم يقل
بالنهار ونواه فنيته باطلة لان الشهر اسم لقطعة من الزمان من حين يهل الهلال إلى أن يهل الهلال
فليس في لفظه الشهر ولا الليالي فإنما نوى تخصيص ما ليس في لفظه وذلك باطل كمن قال
لا آكل ونوى مأكولا دون مأكول ولان هذا استثناء لبعض الوقت الذي سماه والاستثناء
بالنية لا يحصل كما لو قال شهرا ونوى نصف شهر بخلاف ما لو قال ثلاثين يوما ونوى
النهار دون الليل لان هنا إنما نوى حقيقة كلامه فان اليوم في الحقيقة هو بياض النهار
120

فلهذا أعملنا نيته أو لأنه نوى تخصيص ما في لفظه (قال) وان قال لله على اعتكاف
شهر كذا فمضى ولم يعتكفه فعليه قضاؤه لان إضافة النذر بالاعتكاف إلى زمان بعينه
كإضافة النذر بالصوم إليه فيلزمه أداؤه وإذا فوت الأداء فعليه قضاؤه وهذا في شهر سوى
رمضان مجمع عليه فأما إذا قال لله على اعتكاف شهر رمضان فمضى ولم يعتكف فإن كان لم
يصم في الشهر لمرض أو سفر قضى اعتكافه بقضاء صوم الشهر وإن كان صام الشهر فعليه
اعتكاف شهر بصوم وعند زفر والحسن بن زياد رحمهما الله تعالى لا شئ عليه وهو احدى
الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله تعالى ووجهه أن اعتكافه تعلق بصوم رمضان فإذا صام
رمضان ولم يعتكف بقي الاعتكاف بغير صوم والاعتكاف الواجب لا يكون الا بصوم
وجه ظاهر الرواية ان نذره قد صح وتعلق بالزمان الذي عينه فإذا لم يعتكف فيه أنقطع
هذا التعيين وصار دينا في الذمة فكأنه قال لله على اعتكافه شهر والتزام الاعتكاف يكون
التزاما لشرطه وهو الصوم ولهذا قلنا لو اعتكف في رمضان القابل قضاء عما التزمه لا يجوز
وعليه كفارة اليمين إن كان أراد يمينا لوجود شرط حنثه وان اعتكف ذلك الشهر الذي سماه
إلا أنه أفطر منه يوما قضي ذلك اليوم لان الشهر المتعين متجاور الأيام لا متتابع فصفة التتابع في
الاعتكاف لا ثبت إلا إذا أضافه إلى شهر بعينه (قال) وإذا نذرت المرأة اعتكاف شهر
فحاضت فيه فعليها ان تقضى أيام حيضها وتصلها بالشهر فإن لم تصلها به فعليها ان تستقبله لان
هذا القدر من التتابع في وسعها وما سقط عنها معلوم بأنه ليس في وسعها ولهذا قلنا لو نذرت
اعتكاف عشرة أيام فحاضت فيها فعليها الاستقبال (قال) وإذا اعتكف الرجل من غير أن
يوجبه على نفسه فهو معتكف ما أقام في المسجد وان قطعه فلا شئ عليه لأنه لبث في
مكان مخصوص فلا يكون مقدرا باليوم كالوقوف بعرفة وهذا لان المقصود تعظيم البقعة
وذلك يحصل ببعض اليوم وقد بينا في هذا رواية الحسن (قال) وإذا اعتكف في
مسجد فانهدم فهذا عذر ويخرج منه إلى مسجد آخر لان المسجد المهدوم لا يمكن المقام
فيه ولأنه خرج من أن يكون معتكفا فالمعتكف مسجد تصلى فيه الصلوات الخمس بالجماعة
ولا يتأتى ذلك في المسجد المهدوم فكان عذرا في التحول إلى مسجد آخر (قال) ولا بأس
بان يشترى المعتكف ويبيع في المسجد ويتحدث بما بدا له بعد أن لا يكون مأثما فان النبي
صلى الله عليه وسلم كان يتحدث مع الناس في اعتكافه وصوم الصمت ليس بقربة في
121

شريعتنا والبيع والشراء من جنس الكلام المباح فلا بأس به للمعتكف قالوا وهذا
إذا لم يحضر السلعة إلى المسجد فاما احضار السلعة إلى المسجد للبيع والشراء في المسجد
مكروه فان النبي صلى الله عليه وسلم قال جنبوا مساجدكم إلى قوله وبيعكم وشراءكم
ولان بقعة المسجد تحررت عن حقوق العناد وصارت خالصة لله تعالى فيكره شغلها بالبيع
والتجارة بخلاف ما إذا لم يحضر السلعة فقد انعدم هناك شغل البقعة (قال) وإذا أخرجه
السلطان من المسجد مكرها في اعتكاف واجب فان دخل مسجد آخر كما تخلص استحسنا
أن يكون على اعتكافه وفي القياس عليه الاستقبال وكذلك لو أخذه غريم فحبسه وقد
خرج لغائط أو بول من أصحابنا من قال هذا القياس والاستحسان على قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى والأصح ان عند أبي حنيفة يلزمه الاستقبال وهذا الاستحسان والقياس على
قولهما فيما إذا كان خروجه أكثر من نصف يوم وجه القياس ان ركن الاعتكاف وهو اللبث
قد فات فيستوى فيه المكره والطائع كما إذا فات ركن الصوم بالاكراه على الأكل وجه
الاستحسان انه معذور فيما صنع فإنه لا يمكنه مقاومة السلطان ولا دفع الغريم عن نفسه الا
بايصال حقه إليه فلم يصر بهذا تاركا تعظيم البقعة ولم يذكر القياس والاستحسان فيما إذا انهدم
المسجد فقال بعض مشايخنا الجواب فيهما سواء والأصح ان هناك لا يفسد اعتكافه قياسا
واستحسانا لان العذر كان ممن له الحق إذ لا صنع للعباد في انهدام المسجد وهنا العذر كان
من جهة العباد فلهذا كان القياس فيه أن يستقبل (قال) وإذا أوجب على نفسه الاعتكاف يوما
دخل المسجد قبل طلوع الفجر فأقام فيه إلى أن تغرب الشمس لأنه التزم الاعتكاف في جميع
اليوم واليوم اسم للوقت من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بدليل الصوم (قال) وان
أوجب على نفسه اعتكاف شهر دخل المسجد قبل غروب الشمس لما بينا ان الشهر اسم لقطعة
من الزمان وذلك يشتمل على الأيام والليالي ومتى دخل في اعتكافه الليل مع النهار فابتداؤه
يكون من الليل لان الأصل أن كل ليلة تتبع اليوم الذي بعدها الا ترى أنه يصلى التراويح
في أول ليلة من رمضان ولا يفعل ذلك في أول ليلة من شوال واليوم الذي بعد ليلته زمان
الاعتكاف فكذلك الليلة وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى قال في شهر بعينه كذلك يدخل
في المسجد قبل غروب الشمس فأما في شهر بغير عينه فالخيار إليه ان شاء دخل المسجد قبل
طلوع الفجر وان شاء قبل غروب الشمس وهو أفضل (قال) وان أوجب اعتكاف
122

يومين دخل المسجد قبل غروب الشمس فأقام فيه ليلة ويومها والليلة الأخرى ويومها إلى
إلى أن تغرب الشمس وكذلك هذا في الأيام الكثيرة أما إذا ذكر ثلاثة أيام أو أكثر
فالجواب في قولهم جميعا ان ذكر أحد العددين بعبارة الجمع يقتضى دخول ما بإزائه من العدد
الآخر فأما إذا ذكر يومين فقد روى عن أبي يوسف أنه يلزمه اعتكاف يومين بليلة نتخللهما
فإنما يدخل المسجد قبل طلوع الفجر قال لان التثنية غير الجمع فهذا والمذكور بلفظ الفرد سواء
إلا أن الليلة المتوسطة تدخل بضرورة اتصال بعض الاجزاء بالبعض وهذه الضرورة لا
توجد في الليلة لاولى وجه ظاهر الرواية أن في المثنى معنى الجمع قال صلى الله عليه وسلم الاثنان
فما فوقهما جماعة فكان هذا والمذكور بلفظ الجمع سواء ألا ترى أنه لو قال ليلتين صح نذره
بخلاف ما إذا قال ليلة واحدة (قال) وإذا جامع المعتكف امرأته في الفرج فسد اعتكافه
سواء جامعها ليلا أو نهارا ناسيا كان أو عامدا أنزل أو لم ينزل لقوله تعالى ولا تباشروهن
وأنتم عاكفون في المساجد فصار الجماع بهذا النص محظور الاعتكاف فيكون مفسدا له بكل
حال كالجماع في الاحرام لما كان محظورا كان مفسدا للاحرام وقد ذكر ابن سماعة في
روايته عن بعض أصحابنا أنه إذا كان ناسيا لا يفسد اعتكافه قال الاعتكاف فرع عن الصوم
والفرع يلحق بالأصل في حكمه فان باشرها فيما دون الفرج فان أنزل فسد اعتكافه وإن لم
ينزل لم يفسد اعتكافه وقد أساء فيما صنع وللشافعي رحمه الله تعالى ثلاثة أقاويل قول مثل قولنا
وقوله الآخر انه لا يفسد اعتكافه وان أنزل كما لا يفسد الاحرام بالمباشرة فيما دون الفرج
وان أنزل فإنهما متقاربان على معنى ان كل واحد منهما يدوم بالليل والنهار والقول الثالث انه
يفسد اعتكافه وإن لم ينزل لظاهر الآية فان اسم المباشرة يتناول الجماع فيما دون الفرج كما
يتناول الجماع في الفرج فصار ذلك محظور الاعتكاف بالنص وجه قولنا ان المباشرة فيما دون
الفرج إذا اتصل به الانزال مفسد للصوم والاعتكاف فرع عليه وهو في معنى الجماع في
الفرج فيما هو المقصود فيفسد اعتكافه فاما إذا لم يتصل به الانزال فهو ليس في معنى الجماع
في الفرج ولا ملحق به حكما في إفساد العبادة ألا ترى أنه لا يفسد به الصوم فكذلك
الاعتكاف وهذا كله إذا لم يخرج من المسجد فان خرج لهذا الفعل فسد اعتكافه بالخروج
في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى على ما بينا (قال) فإذا أوجب على نفسه اعتكافا ثم مات
قبل أن يقضيه أطعم عنه لكل يوم نصف صاع من حنطة وهذا إذا أوصى لان الاعتكاف
123

فرع عن الصوم وقد بينا في الصوم حكم الفدية فكذلك في الاعتكاف. فان قيل الفدية عن
الصوم غير معقول ولا هو ثابت بطريق القياس فكيف قستم الاعتكاف عليه والعجب أن
في الصلاة قلتم مثل هذا ولا مدخل للقياس فيه. قلنا اما في الاعتكاف فالجواب عن هذا
السؤال سهل لان صحة النذر بالاعتكاف باعتبار الصوم فان مالا أصل له في الفرائض
لا يصح التزامه بالنذر فكان التنصيص على الفدية في الصوم تنصيصا عليه في الاعتكاف واما
في الصلاة فلم يطلق الجواب في شئ من الكتب على الفدية مكان الصلاة ولكن قال في
موضع من الزيادات يجزيه ذلك أن شاء الله تعالى فبتقييده بالاستثناء بيان انه لا يثبت
الجواب فيه إذ لا مدخل للقياس فيه (قال) وإن كان مريضا حين نذر الاعتكاف فلم
يبرأ حتى مات فلا شئ عليه لأنه ليس للمريض ذمة صحيحة في وجوب أداء الصوم
والاعتكاف بناء عليه الا ترى أنه لا يلزمه أداء صوم رمضان بشهوده الشهر فكذلك لا
يلزمه الأداء بالنذر والفدية تنبنى على وجوب الأداء وان صح يوما ثم مات أطعم عنه عن
جميع الشهر في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما لله وفي قول محمد رحمه الله تعالى يطعم عنه
بعدد ما صح من الأيام وأبو حنيفة وأبو يوسف قالا لما صح فقد صارت له ذمة صحيحة في التزام
الأداء فيجعل كالمجدد للنذر في هذا الوقت والصحيح لو نذر اعتكاف شهر ثم مات بعد
يوم أطعم عنه لجميع الشهر ان أوصى يجبر الوارث عليه من الثلث وإن لم يوص لم يجبر
الوارث عليه ولكنه ان أحب فعل فكذلك هذا (قال) وان نذر اعتكاف ليلة لم يلزمه
شئ وروى عن أبي يوسف انه ان نوى ليلة بيومها يلزمه وليس بينهما اختلاف في الحقيقة
ولكن جواب محمد رحمه الله تعالى فيما إذا لم تكن له نية فاسم الليل خاص بزمان لا يقبل
الصوم وشرط الاعتكاف الواجب الصوم فإذا نوى ليلة بيومها عملت نيته اعتبارا للفرد بالجمع
فصار شرط الاعتكاف وهو الصوم بنيته موجودا فصح نذره (قال) ولو أصبح في يوم
ثم قال لله على أن أعتكف هذا اليوم فإن كان قد أكل فيه أو كان بعد الزوال لم يلزمه شئ
لأنه أضاف النذر بالاعتكاف إلى وقت لا يقبل الصوم في حقه وإن كان قبل الزوال ولم
يكن أكل شيئا فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يصح نذره وعلى قول أبى يوسف
ومحمد رحمهما الله تعالى يصح نذره وهو بناء على ما تقدم بيانه ان القليل من الخروج يفسد
الاعتكاف عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما الخروج فيما دون نصف اليوم لا يفسد
124

الاعتكاف وما هو الشرط وهو الصوم يصح منه في هذا اليوم (قال) وان نذر اعتكاف
وقت ماض وهو يعلم أولا يعلم فلا شئ عليه لان ما يوجبه على نفسه معتبر بما أوجب الله تعالى ولم
يتعبد الله بشئ من العبادات في الزمان الماضي وصحة الأداء باعتبار امكان الأداء وذلك لا
يتحقق في الزمن الماضي (قال) وان أحرم المعتكف بحج أو عمرة لزمه الاحرام لأنه لا منافاة
بين الاعتكاف والاحرام ثم يتم اعتكافه ويشرع فيه وأداء المناسك يحتمل التأخير عن
الاحرام فإذا فرغ منه مضى في احرامه إلا أن يخاف فوت الحج فحينئذ يدع الاعتكاف
ويحج لان ما يخاف فوته يكون أهم فيبدأ به ثم يستقبل الاعتكاف لأنه قد لزمه بالنذر متتابعا
فإذا انقطع التتابع لخروجه كان عليه ان يستقبله (قال) وان أوجب على نفسه اعتكافا ثم
ارتد والعياذ بالله ثم أسلم سقط عنه الاعتكاف اعتبارا لما التزمه بما أوجب الله تعالى وشئ
من العبادات التي كانت واجبة عليه لحق لله تعالى خالصا لا يبقى بعد الردة لأنه بالردة خرج
من أن يكون أهلا للعبادة فان الأهلية للعبادة بكونه أهلا لثوابها والمرتد ليس بأهل لثواب
العبادة ولأنه بالردة التحق بكافر أصلي فان الردة تحبط عمله والكافر الأصلي إذا أسلم لم
يكن عليه اعتكاف ما لم يلتزمه بنذره بعد الاسلام فهذا مثله (قال) وإذا نذر المملوك
اعتكافا صح نذره لان له ذمة صحيحة في التزام الأداء إلا أن لمولاه ان يمنعه منه لان
منافعه مستحقة للمولى الا ما صار مستثنى شرعا وذلك مقدار ما تتأدى به الفرائض فلا
يدخل فيه ما يلتزمه من الاعتكاف باختياره فكان للمولى منعه فإذا أعتق قضاه وكذلك
الزوج له ان يمنع امرأته من الاعتكاف الذي التزمته بنذرها لان منافعها مستحقة للزوج بعقد
النكاح وأما المكاتب فليس لمولاه منعه لأنه صار أحق بنفسه ومنافعه والذي بينا في النذر
كذلك في الشروع فإن كان بإذن المولى والزوج فليس للزوج منع زوجته من الاتمام وللمولى
منع عبده وان كأن لا يستحب له ذلك لان الزوج بالاذن ملكها منافعها وهي من أهل
الملك والمولى بالاذن ما ملك العبد منافعه لأنه ليس من أهل الملك ولكنه وعد فالوفاء له
وخلف الوعد مذموم فلا يستحب له منعه فان فعل لم يكن عليه شئ غير أنه قد أساء وأثم
وهو قياس الاحرام فان المرأة إذا أحرمت باذن زوجها لم يكن للزوج أن يحللها والعبد إذا
أحرم بإذن مولاه كان للمولى أن يحلله وان كره له ذلك (قال) وإذا أكل المعتكف نهارا
ناسيا لم يضره الأكل لان حرمة الأكل لأجل الصوم لا لأجل الاعتكاف حتى اختص
125

بوقت الصوم والأكل ناسيا لا يفسد الصوم بخلاف ما إذا جامع ناسيا فحرمة الجماع لأجل
الاعتكاف حتى يعم الليل والنهار جميعا وقد بينا ان ما كانت حرمته لأجل الاعتكاف يستوى
فيه الناسي والعامد بالقياس على الاحرام ومعنى الفرق أنه متى اقترن بحاله ما يذكره لا يبتلى
فيه بالنسيان عادة فيعذر لأجله ففي الاحرام هيئة المحرمين مذكرة له وفى الاعتكاف كونه في
المسجد مذكرا له فأما في الصوم لم يقترن بحاله ما يذكره لأنه غير ممنوع عن التصرف في
الطعام في حالة الصوم ألا ترى أن في الأكل في الصلاة سوى بين النسيان والعمد لأنه ليس من
جنس أركان الصلاة (قال) وإذا أغمي على المعتكف أياما أو أصابه لمم فعليه إذا برء أن يستقبل
الاعتكاف لان ما هو شرط الأداء وهو الصوم قد انعدم بتطاول الاغماء فعليه الاستقبال فان
صار معتوها ثم أفاق بعد سنين ففي القياس ليس عليه قضاء الاعتكاف كما لا يلزمه قضاء
الفرائض لسقوط الخطاب عنه بالعته وفي الاستحسان عليه القضاء لان سبب الالتزام تقرر
قبل العته فكان بمنزلة الفرائض التي لزمته بتقرر السبب قبل العته وهذا لأنه بالعته لم يخرج
من أن يكون أهلا للعبادة فإنه أهل لثوابها فبقيت ذمته صالحة للوجوب فيها فيما تقرر سببه
(قال) ويلبس المعتكف وينام ويأكل ويدهن ويتطيب بما شاء فان النبي صلى الله عليه وسلم
كان يفعل ذلك كله في اعتكافه (قال) ولا يفسد الاعتكاف سباب ولا جدال فان حرمة
هذه الأشياء ليس لأجل الاعتكاف الا ترى أنه كان محرما قبل الاعتكاف ولا يفوت به
ركن الاعتكاف وهو اللبث ولا شرطه وهو الصوم وكذلك أن سكر ليلا لما بينا ان حرمة
السكر ليست لأجل الاعتكاف فلا يكون مؤثرا فيه (قال) وصعود المعتكف على المئذنة
لا يفسد اعتكافه اما إذا كان باب المئذنة في المسجد فهو والصعود على سطح المسجد سواء
وإن كان بابها خارج المسجد فكذلك من أصحابنا من يقول هذا قولهما فاما عند أبي حنيفة
رضي الله عنه فينبني ان يفسد اعتكافه للخروج من المسجد من غير ضرورة والأصح انه
قولهم جميعا واستحسن أبو حنيفة هذا لأنه من جملة حاجته فان مسجده إنما كان معتكفا لإقامة
الصلاة فيه بالجماعة وذلك أنما يتأتى بالأذان وهو بهذا الخروج غير معرض عن تعظيم البقعة
أصلا بل هو ساع فيما يزيد في تعظيم البقعة فلهذا لا يفسد اعتكافه (قال) ولا بأس بان يخرج رأسه
من المسجد إلى بعض أهله ليغسله لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم في اعتكافه كان يخرج رأسه
إلى عائشة فكانت تغسله وترجله ولأنه باخراج رأسه لا يصير خارجا من المسجد فان من حلف
126

لا يخرج من هذه الدار فأخرج رأسه منها لم يحنث وان غسل رأسه في المسجد في إناء فلا
بأس بذلك إذ ليس فيه تلويث المسجد. وذكر حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان إذا أدار ان يعتكف أصبح في المكان الذي يريد أن يعتكف فيه ففي هذه دليل على أن
من أراد اعتكاف يوم أو نذر ذلك ينبغي أن يدخل المسجد قبل طلوع الفجر وقد بينا
هذا (قال) وان نذر اعتكاف يوم العيد قضاه في وقت آخر وكفر عن يمينه إن كان أراد
يمينا وان اعتكف فيه أجزأه وقد أساء وهذا عندنا اعتبارا للاعتكاف بالصوم وقد بينا هذه الأحكام
في النذر بصوم يوم العيد فكذلك الاعتكاف وذكر محمد رحمه الله في الأصل حديث أبي
سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في العشر الأوسط من
رمضان فأتاه جبرائيل عليه السلام فقال إن ما تطلبت وراءك فقال عليه السلام من كان
معتكفا معنا فليعد إلى معتكفه وانى أراني أسجد في ماء وطين فقال أبو سعيد فمطرنا وكان
عريش المسجد من جريد فوكف فوالذي بعثه بالحق لقد صلى بنا المغرب ليلة الحادي
والعشرين وانى أرى جبهته وأرنبة أنفه في الماء والطين وإنما أورد هذا الحديث لبيان ليلة
القدر وفيه اختلاف بين الصحابة والعلماء بعدهم فأما أبو سعيد الخدري رضي الله عنه كان
مذهبه ان ليلة القدر الحادي والعشرون لهذا الحديث ولم يأخذ به علماؤنا لما صح في الحديث
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من فاته ثلاث ليال فقد فاته خير كثير ليلة التاسع
عشر والحادي والعشرين وآخرها ليلة فقيل سوى ليلة القدر يا رسول الله فقال سوى ليلة
القدر وليس في حديث أبي سعيد كبير حجة فإنه لم يقل أراني أسجد في ماء وطين في
ليلة القدر وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول إنها ليلة الخامس والعشرين فإنه صح
في الحديث أن نزول القرآن كأن لأربع وعشرين مضين من رمضان. وقال الله تعالى انا
أنزلناه في ليلة القدر والهاء كناية عن القرآن باتفاق المفسرين فإذا جمعت بين الآية والحديث
تبين أنها ليلة الخامس والعشرين وأكثر الصحابة على أنها ليلة السابع والعشرين فقد
ذكر عاصم عن ذر بن حبيش قال قلت لأبي بن كعب يا أبا المنذر أخبرني عن ليلة القدر
فان ابن مسعود كأن يقول من يقم الحول يدركها فقال يرحم الله أبا عبد الرحمن قد كان يعلم أنها
ليلة السابع والعشرين ولكنه أراد حث الناس على الجهد في جميع الحول قلت بم عرفت ذلك
قال بالعلامة التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتبرناها فوجدناها قلت وما تلك
127

العلامة قال تطلع الشمس من صبيحتها كأنها طست لا شعاع لها وكان ابن عباس رضي الله
عنه يقول إنها ليلة السابع والعشرين فقيل له ومن أين تقول ذلك قال لان سورة القدر
ثلاثون كلمة وقوله هي الكلمة السابعة والعشرون وفيها إشارة إلى ليلة القدر وذكر الفقيه أبو
جعفر ان المذهب عند أبي حنيفة رضي الله عنه أنها تكون في شهر رمضان ولكنها تتقدم
وتتأخر وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تكون في شهر رمضان لا تتقدم ولا
تتأخر وفائدة الاختلاف ان من قال لعبده أنت حر ليلة القدر فان قال ذلك قبل دخول شهر
رمضان عتق إذا انسلخ الشهر وان قال ذلك بعد مضى ليلة من الشهر لم يعتق حتى ينسلخ
شهر رمضان من العام القابل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لجواز أنها كانت في الشهر الماضي
في الليلة الأولى وفى الشهر الآتي في الليلة الأخيرة وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله
تعالى إذا مضت ليلة من الشهر في العام القابل فجاء مثل الوقت الذي حلف فيه عتق لان
؟؟ هما لا تتقدم ولا تتأخر بل هي في ليلة من الشهر في كل وقت فإذا جاء مثل ذلك الوقت فقد
تيقنا بمجئ الوقت المضاف إليه العتق بعد يمينه فلهذا عتق والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
(بسم الله الرحمن الرحيم)
كتاب نوادر الصوم
(قال) الشيخ الامام شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي إملاء اعلم بأن
موجب النذر الوفاء. قال الله تعالى وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم والناذر معاهد لله تعالى
بنذره فعليه الوفاء بذلك وقد ذم الله تعالى قوما تركوا الوفاء بالنذر فقال تعالى ومنهم من
عاهد الله الآية وإنما يذم المرء بترك الواجب ومدح قوما بالوفاء بالنذر فقال تعالى يوفون
بالنذر ويخافون الآية ثم النذر إنما يصح بما يكون قربة مقصودة فأما ما ليس بقربة مقصودة
فإنه لا يصح التزامه بالنذر لقوله صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر
أن يعصى الله فلا يعصه ولان الناذر لا يجعل ما ليس بعبادة عبادة وإنما يجعل العبادة
المشروعة نفلا واجبا بنذره وما فيه معنى القربة ولكن ليس بعبادة مقصودة بنفسها كتشييع
الجنازة وعيادة المريض لا يصح التزامه بالنذر الا في رواية الحسن بن أبي مالك عن أبي
يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله قال إن نذر أن يعود مريضا اليوم صح نذره وان نذر أن
128

يعود فلانا لا يلزمه شئ لان عيادة المريض قربة شرعا قال صلى الله عليه وسلم عائد المريض
يمشي على محارف الجنة حتى يرجع وعيادة فلان بعينه لا يكون معنى القربة فيها مقصودا للناذر
بل معنى مراعاة حق فلان فلا يصح التزامه بالنذر وفى ظاهر الرواية قال عيادة المريض
وتشييع الجنازة وإن كان فيه معنى حق الله تعالى فالمقصود حق المريض والميت والناذر إنما
يلتزم بنذره ما يكون مشروعا حقا لله تعالى مقصودا إذا عرفنا هذا فنقول النذر اما أن يكون
بالصدقة أو بالصوم أو الصلاة أو الاعتكاف فنبدأ بالنذر بالصدقة فنقول اما ان يعين الوقت
بنذره فيقول لله على أن أتصدق بدرهم غدا أو يعين المكان فيقول في مكان كذا أو يعين
المتصدق عليه فيقول على فلان المسكين أو يعين الدرهم فيقول لله على أن تصدق بهذا
الدرهم وفى الوجوه كلها يلزمه التصدق بالمنذور عندنا ويلغو اعتبار ذلك التقييد حتى لو
تصدق به قبل مجئ ذلك الوقت أو في غير ذلك المكان أو على غير ذلك المسكين أو بدرهم
غير الذي عينه خرج عن موجب نذره وعلى قول زفر لا يخرج عن موجب نذره الا بالا؟؟
كما التزمه قال لان في ألفاظ العباد يعتبر اللفظ ولا يعتبر المعنى الا ترى ان من قال لغيره
طلق امرأتي للسنة فطلقها لغير السنة لم يقع ولو امره ان يتصدق بدرهم على فلان الفقير
فتصدق على غيره كان مخالفا وهذا لان أوامر العباد قد تكون خالية عن فائدة حميدة فلا
يمكن اعتبار المعنى فيها وإنما يعتبر اللفظ فلا يحصل الوفاء الا بالتصدق على الوجه الذي
التزمه وعلماؤنا رحمهم الله قالوا ما يوجبه المرء على نفسه معتبر بما أوجب الله تعالى عليه الا ترى
ان مالله تعالى من جنسه واجبا على عباده صح التزامه بالنذر وما ليس لله تعالى من
جنسه واجبا على عباده لا يصح التزامه بالنذر ثم ما أوجب الله تعالى من التصدق بالمال
مضافا إلى وقت يجوز تعجيله قبل ذلك الوقت كالزكاة بعد كمال النصاب قبل حولان الحول
وصدقة الفطر قبل مجئ يوم الفطر فكذلك ما يوجبه العبد على نفسه وهذا لان صحة
النذر باعتبار معنى القربة وذلك في التزام الصدقة لا في تعيين المكان والزمان والمسكين
والدرهم وإنما يعتبر من التعيين ما يكون مفيدا فيما هو المقصود لا ما ليس بمفيد ومعنى
العبادة في التصدق باعتبار سد خلة المحتاج إذ أخرج المتصدق ما يجرى فيه الشح والضنة
عن ملكه ابتغاء مرضاة الله تعالى وهذا المعنى حاصل بدون مراعاة تعيين المكان والزمان
وبهذا يتبين الجواب عما اعتمد عليه من اعتبار اللفظ فان صحة النذر لم تكن باعتبار اللفظ
129

بل باعتبار معنى القربة كما بينا وبه فارق الوصية فان صحة الوصية لم يكن باعتبار معنى القربة
فلهذا اعتبرنا تعيين المصروف إليه فصار فلان موصى له بما سمى فإذا دفعه إلى غيره كان مخالفا
أمر الموصى وهذا بخلاف ما إذا قال قدم فلان فلله على أن أتصدق بدرهم فتصدق
به قبل قدوم فلإن لم يجزه وكذلك لو قال إذا جاء غد لان هناك علق النذر بالشرط والمعلق
بالشرط معدوم قبل وجود الشرط وإنما يجوز الأداء بعد وجود السبب والسبب هو النذر
فإذا علقه بالشرط كان معدوما قبله وهنا أضاف النذر إلى وقت والإضافة إلى وقت لا يخرجه
من أن يكون سببا في الحال فيجوز التعجيل بمنزلة أداء الزكاة قبل كمال الحول وعلى قول
الشافعي رضي الله عنه يجوز التعجيل قبل قدوم فلان بناء على مذهبه في جواز التكفير بالمال
بعد اليمين قبل الحنث وقد بينا المسألة في كتاب الايمان وأما النذر بالعبادات البدنية فاما
أن يضيفه إلى مكان أو زمان أما إذا أضافه إلى زمان بأن قال لله على أن أصوم رجب فصام
شهرا قبله أجزأه عن المنذور في قول أبى يوسف وهو رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة
رحمهما الله تعالى وفى قول محمد وزفر لا يجزئه وكذلك لو قال لله على أن أعتكف رجب
فاعتكف شهرا قبله أو قال لله على أن أصلى ركعتين غدا فصلى اليوم فهو على هذا الخلاف
وجه قول محمد وزفر رحمهما الله ان ما يوجبه العبد على نفسه معتبر بما أوجب الله تعالى عليه
وما أوجب الله تعالى عليه من الصوم في وقت بعينه لا يجوز تعجيله على ذلك الوقت كصوم
رمضان وكذلك ما أوجب الله تعالى عليه من الصلاة في وقت بعينه كصلاة الظهر لا يجوز تعجيلها قبل
الزوال فكذلك ما يوجبه على نفسه وبه فارق الصدقة ولان بالنذر بالصوم جعل ما هو المشروع
في الوقت نفلا واجبا بنذره ولهذا لا يصح إضافة النذر بالصوم إلى الليل لأن الصوم غير مشروع
فيه نفلا والمشروع من الصوم في وقت غير المشروع في وقت آخر ونذره تعلق بالصوم المشروع
في الوقت المضاف إليه حتى يتأدى فيه بمطلق النية وبالنية قبل الزوال ولو لم يتعين صوم ذلك
الوقت بنذره لما تأدى الا بالنية من الليل كما لو أطلق النذر بالصوم وجه قول أبي حنيفة وأبى
يوسف رحمهما الله تعالى ان الناذر يلتزم بنذره الصوم دون الوقت لان معنى القربة في الصوم
باعتبار انه عمل بخلاف هوى النفس وإنما يلزم بالنذر ما هو قربة وتعيين الوقت غير مفيد
في هذا المعنى فلا يكون معتبرا كما في الصدقة ولا يقال الصوم في بعض الأوقات قد
يكون أعظم في الثواب كما ورد به الأثر في صوم الأيام البيض وفى صوم بعض الشهور
130

والأيام لان بالاجماع النذر لا يتقيد بالفضيلة التي في الوقت المضاف إليه حتى لو نذر ان يصوم
يوم عرفة أو يوم عاشوراء فصام بعد مضى ذلك اليوم يوما دونه في الفضيلة فإنه يخرج عن موجب
نذره وهذا بخلاف صوم رمضان وصلاة الظهر لان الشرع جعل شهود الشهر سببا لوجوب
الصوم قال الله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومثل هذا لبيان السبب كما قال النبي صلى
الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه ومن ملك ذا رحم محرم فهو حر وكذلك الشرع جعل
زوال الشمس سببا لوجوب صلاة الظهر قال الله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس فإذا
أدى قبل ذلك الوقت كان مؤديا قبل وجود سبب الوجوب فلهذا لا يجوز اما هنا الناذر
لم يجعل الوقت بنذره سببا للوجوب لأنه ليس للعباد ولاية نصب الأسباب فيكون
السبب متقررا قبل مجئ الوقت المضاف إليه وإن كان وجوب الأداء متأخرا فلهذا
جاز التعجيل وهو نظير المسافر في شهر رمضان إذا صام كان مؤديا للفرض وإن كان وجوب
الأداء متأخرا في حقه إلى عدة من أيام أخر والحرف الثاني انه أدى العبادة بعد وجود
سبب وجوبها قبل وجوبها فيجوز كما لو كفر بعد الجرح قبل زهوق الروح في قتل المسلم
أو في قتل الصيد وبيان الوصف ان هذه عبادة تضاف إلى النذر لا إلى الوقت يقال صوم النذر
والواجبات تضاف إلى أسبابها والإضافة إلى وقت لا يمنع كونه نذرا في الحال بدليل ان
التعجيل في النذر بالصدقة يجوز بالاتفاق وما لم يوجد السبب لا يجوز الأداء هناك كما لو علق
النذر بالشرط وبعد وجود السبب يجوز التعجيل ماليا كان أو بدينا كما في كفارة القتل وكما
لو صام المسافر في شهر رمضان يجوز لوجود السبب وهو شهود الشهر فإذا ثبت هنا ان
السبب وهو النذر متقرر قلنا يجوز تعجيل الأداء وفى جواز التعجيل هنا منفعة للناذر
فربما لا يقدر على الأداء في الوقت المضاف إليه لمرض أو غيره وربما تخترمه المنية قبل مجئ
ذلك الوقت الا انه بالإضافة إلى ذلك الوقت قصد التخفيف على نفسه حتى لو مات قبل مجئ
ذلك الوقت لا يلزمه شئ فأعطيناه مقصوده واعتبرنا تعيينه في هذا الحكم وجوزنا التعجيل
لتوفير المنفعة عليه كما في الصدقة إذا عين الدراهم فهلكت تلك الدراهم لم يلزمه شئ ولو
تصدق بمثلها وأمسكها خرج عن موجب نذره وإذا ثبت اعتبار التعيين من هذا الوجه
قلنا يجوز الأداء بمطلق النية وبالنية قبل الزوال لان تعيينه معتبر فيما يرجع إلى النظر له وفى
التأدي بمطلق النية قبل الزوال معنى النظر له فاعتبرنا تعيينه في هذا الحكم وأما إذا عين
131

المكان بان قال لله علي ان أصوم شهرا بمكة أو أعتكف فصام أو اعتكف في غير ذلك
المكان خرج عن موجب نذره عندنا وقال زفر لا يخرج عن موجب نذره وكذلك لو قال
لله على أن أصلى ركعتين بمكة فصلاهما هنا أجزأه عندنا خلافا لزفر والأصل عنده انه لا يخرج
عن موجب نذره الا بالأداء في المكان الذي عينه أو في مكان هو أعلى من المكان الذي
عينه وأفضل البقاع لأداء الصلاة فيها المسجد الحرام ثم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالمدينة ثم مسجد بيت المقدس على ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة في مسجد
بيت المقدس تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجدي هذا
وصلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة في مسجد بيت المقدس وصلاة في المسجد الحرام
تعدل ألف صلاة في مسجدي هذا فإذا نذر أن يصلى في المسجد الحرام ركعتين لا يجوز أداؤهما
الا في ذلك الموضع عنده وان نذر أن يصلى ركعتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يجوز أداؤهما الا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في المسجد الحرام وإذا نذر
الصلاة في مسجد بيت المقدس لا يجوز أداؤها الا في أحد هذه المساجد الثلاثة ولا يجوز أداؤها
في غير هذه المساجد في سائر البلاد وإذا نذر الصلاة في المسجد الجامع لا يجوز أداؤها في
مسجد المحلة وإذا نذر الصلاة في مسجد المحلة يجوز أداؤها في المسجد الجامع ولا يجوز أداؤها
في بيته واعتمد في ذلك ما روى أن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت لرسول الله صلى الله
عليه وسلم انى نذرت ان فتح الله عليك مكة أن أصلى ركعتين في البيت فأخذ رسول الله صلى
الله عليه وسلم بيدها وأدخلها الحطيم وقال صلي ههنا فان الحطيم من البيت الحديث فهذا
دليل اعتبار تعيينه المكان في النذر بالصلاة وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال إني نذرت أن أصلى ركعتين في مسجد بيت المقدس فقال من صلى في مسجدي
هذا فكأنما صلى في بيت المقدس فهو دليل على جواز الأداء في مكان هو أعلى من المكان الذي
عينه ولان المذهب عند أهل السنة والجماعة ان لبعض الا مكنه فضيلة على البعض وكذلك
لبعض الأزمنة فإذا عين لنذره مكانا ثم أدى في مكان دون ذلك المكان في الفضيلة فإنما يقيم
الناقص مقام الكامل مع قدرته على الأداء بصفة الكمال كما التزمه فلا يجوز وان أدى في
مكان هو أفضل من المكان الذي عينه فقد أدى أتم مما التزمه فيجزيه ذلك الا ترى
أنه لو نذر ان يصوم يوما فصام بالنية قبل الزوال لا يخرج عن موجب نذره لان المؤدى
132

أنقص مما التزمه وهذا بخلاف ما إذا أضاف النذر إلى وقت فاضل فمضى ذلك الوقت لان
هناك قد تحقق العجز عن الأداء بالصفة التي التزمه ولهذا لم يجوز زفر التعجيل على ذلك
الوقت لان العجز لا يتحقق قبل مجئ ذلك الوقت وحجتنا في ذلك أن صحة النذر باعتبار
معنى القربة وذلك في الصلاة لا في المكان لان الصلاة تعظيم لله تعالى بجميع البدن وفي
هذا المعنى الأمكنة كلها سواء وإن كان الأداء في بعض الأمكنة أفضل فذلك لا يدل على أن
الواجب لا يتأدى بدون ذلك كما في أداء المكتوبات ولا شك ان أداء الصلاة بالجماعة في
المسجد أفضل وقد أمر شرعا بالأداء بهذه الصفة ومع ذلك إذا أداها في بيته وحده
سقط عنه الواجب ولما بين النبي صلى الله عليه وسلم ثواب المتطوع بالصلاة في هذه المساجد
قال وأفضل ذلك كله صلاة الرجل في بيته في جوف الليل الآخر ثم عنده لو التزم صلاة
في بعض هذه البقاع فصلاها في بيته لم يجز ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
أفضل صلاة المرأة فقال في أشد مكان من بيتها ظلمة فعلى هذا ينبغي أنها إذا التزمت الصلاة
في المسجد الحرام فصلت في أشد مكان من بيتها ظلمة أن تخرج عن موجب نذرها وعند
زفر رحمه الله تعالى لا تخرج والذي يوضح ما قلنا إن الناذر إنما يلتزم بنذره ما هو من فعله لا ما
ليس من فعله والمكان ليس من فعله فيكون هو بالنذر ملتزما للصلاة دون المكان وفى أي
موضع صلي فقد أدى ما التزمه فيخرج عن موجب نذره وإن كان الأداء في الموضع الذي
عينه أفضل (قال) وان قال لله على أن أصوم شهرا متتابعا فأفطر يوما في الشهر استقبل
الشهر من أوله لان ما يوجبه على نفسه معتبر بما أوجب الله تعالى عليه وما أوجب الله تعالى
عليه من الصوم متتابعا إذا أفطر فيه يوما لزمه الاستقبال كصوم الظهار والقتل فكذلك ما يوجبه
على نفسه بخلاف ما إذا أطلق النذر بالصوم فان ما أوجب الله تعالى عليه من الصوم مطلقا
وهو قضاء رمضان إذا أفطر فيه يوما لا يلزمه الاستقبال فكذلك ما يوجبه على نفسه
(قال) ولو قال لله على أن أصوم رجب متتابعا فأفطر فيه يوما فعليه قضاء ذلك اليوم وحده
لان ما يوجبه على نفسه من الصوم في وقت بعينه معتبر بما أوجب الله عليه من الصوم في
وقت بعينه وهو صوم رمضان وهذا لان ذكر التتابع في شهر بعينه غير معتبر لان المعين
لا يعرف الا بصفته وإنما ذكر الصفة لتعريف ما ليس بمعين فيعتبر ذلك عند اطلاق لفظ
الشهر ولا يعتبر عند التعيين ولان أيام الشهر المعين تكون متجاورة لا متتابعة فذكر التتابع
133

في الشهر المعين وجوده كعدمه وكذلك لو قال لله على أن أصوم شهرا وهو يعنى رجب
بعينه لان المنوي من محتملات لفظه فيجعل كالمصرح به وفى الكتاب أشار إلى فرق آخر
فقال في الشهر المعين إذا أفطر يوما فقد عجز عن أداء الصوم على الوجه الذي التزمه لأنه
لو استقبل الصوم لم يكن مؤديا في ذلك الوقت الذي أوجبه على نفسه وعند اطلاق الشهر
بعد ما أفطر يوما هو قادر على أن يصوم شهرا متتابعا كما التزمه فلهذا أوجبنا عليه الاستقبال
(قال) وان أراد بقوله لله على يمينا كفر عن يمينه مع قضاء ذلك اليوم في الشهر المعين
لان المنوي من محتملات لفظه فان في النذر معنى اليمين قال صلى الله عليه وسلم النذر يمين
وكفارته كفارة اليمين وقد حنث حين أفطر يوما فعليه الكفارة والقضاء لان ظاهر كلامه
نذر وهذا قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وأما عند أبي يوسف رحمه الله تعالى ان أراد
به اليمين فعليه الكفارة دون القضاء وان أراد النذر أو أرادهما فعليه القضاء دون الكفارة
لان لفظه للنذر حقيقة ولليمين مجازا ولا يجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد ولكنا نقول
قوله لله على يمين فان اللام والباء يتعاقبان قال الله آمنتم به وفي موضع آخر قال آمنتم له
فقوله لله بمنزلة قوله بالله وقال ابن عباس رضي الله عنه دخل آدم الجنة فلله ما غربت الشمس
حتى خرج معناه بالله وقوله على نذر فإنما أثبتنا كل واحد من الحكمين بلفظ آخر ثم الحالف
يلتزم البر حقا لله تعالى والناذر يلتزم الوفاء حقا لله تعالى فكان اللفظ محتملا لكل واحد منهما
لا أن يكون حقيقة لأحدهما مجازا للآخر فيكون بمنزلة اللفظ العام الا ان عند الاطلاق يحمل
على النذر لغلبة الاستعمال فإذا نوى اليمين مع ذلك كان اللفظ متناولا لهما بمنزلة اللفظ العام
في كونه متناولا لجميع محتملاته (قال) ولو قال لله على صوم يوم فأصبح من الغد لا ينوى
صوما فلم تزل الشمس حتى نوى ان يصومه عن نذره لم يجزه ذلك بخلاف ما إذا قال لله على
صوم غد لان ما يوجبه على نفسه في الوجهين معتبر بما أوجب الله تعالى عليه من الصوم
في وقت بعينه وهو صوم رمضان يتأدى بالنية قبل الزوال وما كان في وقت بغير عينه
لا يتأدى الا بنية من الليل نحو قضاء رمضان فكذلك ما يوجب على نفسه في الوجهين
وهذا المعنيين أحدهما ان عند تعيين اليوم إمساكه في أول النهار يتوقف على الصوم المنذور عند
وجود النية فإذا وجدت النية قبل الزوال استندت إلى أول النهار لتوقف الامساك عليه وذلك
لا يوجد فيما إذا أطلق النذر والثاني أن في النذر المعين إذا ترك النية من الليل فقد تحقق عجزه
134

عن أدائه بصفة الكمال كما التزمه فجوزناه بضرب نقصان بطريق إقامة النية في أكثر النهار
مقام النية في جميع النهار لأجل العجز وذلك لا يوجد فيما إذا لم يعين الوقت فإنه قادر على
أن يصوم يوما آخر بصفة الكمال كما التزمه ثم هنا ذكر النية قبل الزوال وفي كتاب الصوم
قبل انتصاف النهار وهو الصحيح لان الشرط وجود النية في أكثر وقت الصوم وذلك
لا يوجد إذا نوى قبل الزوال لان ساعة الزوال نصف النهار من طلوع الشمس ووقت
الصوم من طلوع الفجر فإنما يشترط وجود النية في وقت الضحوة على وجه تكون النية
موجودة في أكثر وقت الصوم فإذا نوى بالنهار في النذر المطلق لم يجزه عن المنذور وكان
صائما عن التطوع والمستحب له أن يتمه فان أفطر فلا قضاء عليه عندنا. وقال زفر رحمه الله
الله تعالى عليه القضاء وأصل المسألة فيما إذا شرع في الصوم على ظن أنه عليه ثم تبين أنه ليس
عليه وقد بينا ذلك في كتاب الصوم وإنما شبهنا هذه المسألة بتلك المسألة لان في الموضعين
جميعا إنما قصد اسقاط الواجب عن نفسه وما قصد التنفل بالصوم وإنما جعل شارعا في
النفل من غير قصده على سبيل النظر له لكيلا يضيع سعيه لا على سبيل الايجاب
عليه فإذا أفطر لم يلزمه القضاء (قال) ولو قال لله على أن أصوم غدا ثم أصبح فنوى أن
يصوم تطوعا فإنه يكون صومه مما أوجبه على نفسه بخلاف ما إذا أطلق النذر وهذا
للأصل الذي بيناه أن ما أوجب الله في وقت بعينه وهو صوم رمضان يتأدى بمطلق النية
وبنية النفل وما أوجب الله تعالى عليه من الصوم في وقت بغير عينه لا يتأدى الا بتعيين
النية فكذلك ما أوجبه على نفسه وهذا لان الناذر لا يجعل بنذره ما ليس بمشروع مشروعا
ولكن يجعل ما كان مشروعا نفلا في الوقت واجبا على نفسه ففي النذر المعين إنما التزم
الصوم المشروع في هذا الزمان وقد أصابه بمطلق النية وبنية النفل الا ترى أنه قبل
النذر كان مصيبا له بهذه النية فكذلك بعد النذر وعند اطلاق النذر الواجب في ذمته
والمشروع في هذا اليوم غير متعين لما هو الواجب في ذمته فإنما يكون بمطلق النية وبنية
النفل مصيبا للمشروع في هذا الوقت وهو التطوع فلا يكون محولا عن ذمته ما التزمه فيها
إلى المشروع في هذا الوقت بدون تعيين النية (قال) ولو قال لله على أن أصوم رجب ثم
ظاهر من امرأته فصام شهرين متتابعين أحدهما رجب أجزأه من الظهار كما نواه وعليه
قضاء المنذور بخلاف ما إذا صام عن ظهاره شهرين أحدهما رمضان وهو مقيم فان صومه
135

يكون عن فرض رمضان وأشار إلى الفرق بينهما في الكتاب فقال لان صوم الظهار مثل
صوم المنذور من حيث إن كل واحد منهما وجب بسبب من جهته فعن أيهما نواه كان
عن ذلك واما صوم رمضان أقوى من صوم الظهار لأنه واجب بايجاب الله تعالى ابتداء
وصوم الظهار إنما وجب بسبب من جهة العبد والضعيف لا يظهر في مقابلة القوى فلهذا كان
صومه عن فرض رمضان على كل حال ولكن هذا ليس بقوى فإنه لا مساواة بين صوم
الظهار وصوم المنذور لان المنذور هو المشروع في رجب نفسه وصوم الظهار واجب
في ذمته فينبغي ان يترجح المنذور باعتبار السبق لان صوم الظهار إنما يتحول من ذمته
إلى المشروع في الوقت بنيته وقد كان النذر سابقا على هذه النية ولان المشروع في الوقت
لما صار واجبا عليه بنذره لا يبقى صالحا لصوم الظهار لان ما في ذمته إنما يتأدى بما كان مشروعا
في الوقت له لا عليه فالفرق الصحيح بينهما ان قبل نذره كان الصوم المشروع في رجب
صالحا لأداء صوم الظهار فلا يتغير ذلك بنذره لأنه يوجب على نفسه بنذره ما لم يكن
واجبا عليه ولكن لا ينفى صلاحيته لغيره إذ ليس ذلك تحت ولاية العبد فإذا بقي بعد نذره
صالحا لأداء صوم الظهار به تأدى بنيته وأما صوم رمضان فقد جعله الشرع فرضا عليه ومن
ضرورته أن لا ينفي صالحا لأداء صوم الظهار به وللشرع هذه الولاية فإذا لم يبق صالحا
لأداء صوم الظهار به تلغو نيته عن الظهار به وانتفاء الصلاحية من ضرورة وجوب الأداء
عن فرض رمضان حتى أن في حق المسافر لما لم يكن الأداء في الشهر واجبا عليه فإذا نواه
عن الظهار كان عن الظهار في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ومسألة النذر بمنزلة المسافر في
صوم رمضان ثم في مسألة النذر إذا كان نوى اليمين لم تلزمه الكفارة لان شرط بره أن يكون
صائما في رجب لا أن يكون صومه عن المنذور وقد وجد ذلك وان صامه عن الظهار
(قال) والمجنونة والنائمة إذا جامعهما زوجهما وهما صائمتان في رمضان فعليهما القضاء دون
الكفارة لان وجوب الكفارة يستدعى جناية متكاملة فإنها ستارة للذنب ولم يوجد ذلك
في حقهما ووجوب القضاء لانعدام أداء الصوم في الوقت وقد وجد ذلك في حقهما فان
الصوم لا يتأدى مع فوات ركنه وقد انعدم ركن الصوم في حقهما مع قيام العذر وقد بينا
خلاف زفر رحمه الله تعالى في هذه المسألة في كتاب الصوم (قال) هنا ألا ترى أنهما
لو قتلا رجلا خطأ لم يكن عليهما في ذلك كفارة ولا تحرمان الميراث (قال) رحمه
136

الله تعالى وهذا صحيح في حق المجنونة غلط في حق النائمة فالرواية محفوظ ان النائم إذا
انقلب على مورثه فقتله تلزمه الكفارة ويحرم الميراث ثم هذا الاستشهاد ضعيف فان كفارة
القتل لا تستدعى جناية متكاملة ولهذا تجب علي الخاطئ بخلاف كفارة الفطر (قال)
وإذا خاف الرجل وهو صائم ان هو لم يفطر تزداد عينه وجعا أو تزداد حماه شدة فينبغي ان
يفطر لان الله تعالى رخص للمريض في الفطر بقوله فمن كان منكم مريضا أو على سفر
فعدة من أيام أخر وهذا مريض لان وجع العين نوع مرض والحمى كذلك ثم إن الله
تعالى بين المعنى فيه فقال يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وفى ايجاب أداء الصوم مع
هذا الخوف عسر فينبغي له ان يأخذ باليسر فيه ويترخص بالفطر قال صلى الله عليه وسلم ان
الله تعالى يحب ان تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى كل من
كان له أن يفطر في يوم فأفطر فيه بعد ما صام فلا كفارة عليه وهذا قول أصحابنا جميعا
لان صوم اليوم الواحد لا يتجزى وجوبا كما لا يتجزى أداء فإذا لم يكن الأداء واجبا في جزء
من النهار لا تتكامل الجناية بالفطر فيه ولان الكفارة في رمضان تسقط بالشبهة ولهذا
لا تجب على المتسحر الذي لا يعلم بطلوع الفجر وعلى المفطر الذي يرى أن الشمس قد غابت
ولم تغب وإباحة الفطر له في جزء من اليوم يكون شبهة قوية في المحل فإنه ينعدم بها استحقاق
الأداء ولا شبهة أقوى من ذلك والشبهة في المحل مسقطة للكفارة سواء علم بها أو لم يعلم
الا ترى ان من وطئ جارية ابنه لا يلزمه الحد سواء علم بالحرمة أو لم يعلم لشبهة في المحل
باعتبار ان مال الولد مضاف إلى والده شرعا وبيان هذا الأصل انه إذا أصبح مريضا أو مسافرا
في أول النهار ونوى الصوم ثم برئ من مرضه أو صار مقيما ثم أفطر فلا كفارة عليه لأنه
كان له أن يفطر في أول النهار وكذلك لو كان صحيحا مقيما في أول النهار ثم مرض في آخره
فأفطر لأنه لما عجز عن الصوم بسبب المرض صار الفطر مباحا له ولو سافر في آخر النهار
ثم أفطر لم يكن عليه الكفارة لا لان الفطر صار مباحا له فإنه إذا شرع في الصوم وهو مقيم
ثم سافر لا يباح له الفطر ولكن لان السفر في الأصل مبيح للفطر فإذا اقترن بالسبب الموجب
للكفارة يكون مورثا شبهة مسقطة للكفارة وإن لم يصر الفطر مباحا له بمنزلة النكاح
الفاسد يكون مسقطا للحد وإن لم يكن مبيحا للوطئ وخرج على هذا الأصل ما إذا أصبحت
المرأة صائمة ثم أفطرت ثم حاضت أو أصبح الرجل صائما ثم أفطر ثم مرض وقد بينا هذه
137

المسائل في كتاب الصوم والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
(باب ما يجب فيه القضاء والكفارة وما يجب فيه القضاء دون)
(الكفارة وما يجوز من الشهادة على رؤية الهلال وما لا يجوز)
(قال) رضي الله عنه ومن ابتلع جوزة رطبة وهو صائم فعليه القضاء ولا كفارة عليه
وان ابتلع لوزة رطبة أو بطيخة صغيرة فعليه القضاء والكفارة والأصل في هذا أنه متى
حصل الفطر بما لا يتغذى به أو يتداوى به عادة فعليه القضاء دون الكفارة لان وجوب
الكفارة يستدعى كمال الجناية والجناية تتكامل بتناول ما يتغذى به أو يتداوى به لانعدام
الامساك صورة ومعنى ولا تتكامل الجناية بتناول ما لا يتغذى به ولا يتداوى به لان الامساك
ينعدم به صورة لا معنى ولان الكفارة مشروعة للزجر والطباع السليمة تدعو إلى تناول ما
يتغذى به وما يتداوى به لما فيه من اصلاح البدن فتقع الحاجة إلى شرع الزاجر فيه ولا تدعو
الطباع السليمة إلى تناول ما لا يتغذى به ولا يتداوى به فلا حاجة لشرع الزاجر فيه إذا عرفنا
هذا فنقول الجوزة الرطبة لا تؤكل كما هي عادة واللوزة الرطبة تؤكل كما هي عادة وهذا إذا
ابتلع الجوزة فأما إذا مضغها وهي رطبة أو يابسة فعليه الكفارة ذكره الحسن عن أبي حنيفة
رحمهما الله تعالى لأنه تناول لبها ولب الجوز مما يتغذى به وأكثر ما فيه أنه جمع بين
ما يتغذى به وبين ما لا يتغذى به في التناول وذلك موجب للكفارة عليه وإذا ابتلع أهليلجة
فعليه القضاء والكفارة أراد به الدواء أو لم يرد هكذا ذكره ابن سماعة وهشام عن محمد
رحمهم الله تعالى وذكر بان رستم عن محمد رحمهما الله تعالى ان عليه القضاء دون الكفارة قال
لأنها لا تؤكل كما هي للتداوي عادة والأصح ما ذكره هنا فان الهليلجة مما يتداوى به فسواء
أكلها على الوجه المعتاد أو على غير الوجه المعتاد قلنا إنه تجب عليه الكفارة وكذلك أن
أكل مسكا أو غالية أو زعفرانا فعليه القضاء والكفارة لأن هذه الأشياء تؤكل عادة
للتغذي أو للتداوي وذكر الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انه لو أكل عجينا لا
تلزمه الكفارة لان العجين لا يؤكل عادة قبل الطبخ ولا يدعو الطبع إلى تناوله وهكذا
ذكر ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى وقال لو أكل الدقيق أيضا لا تلزمه الكفارة لأنه
يصير عجينا في فمه قبل أن يصل إلى جوفه (قال) ولو أكل حنطة يجب عليه القضاء
138

والكفارة لان الحنطة تؤكل كما هي عادة فإنها ما دامت رطبة تؤكل وبعد اليبس تغلى فتؤكل
وتقلى فتؤكل (قال) ولو أكل طينا أرمنيا فعليه الكفارة ذكره ابن رستم عن محمد رحمهما
الله تعالى قال لأنه بمنزلة الغاريقون يتداوى به قال ابن رستم فقلت له فان أكل من هذا
الطين الذي يأكله الناس قال لا أعرف أحدا يأكله. وفى رواية أخرى عن محمد رحمه الله
تعالى انه لا تلزمه الكفارة في الطين الأرمني أيضا إذا أكله كما هو إلا أن يسويه على الوجه
المعتاد الذي يتداوى به والأول أصح (قال) ومن أفطر في شهر رمضان بعذر والشهر ثلاثون
يوما فقضى شهرا بالأهلة وهو تسعة وعشرون يوما فعليه قضاء يوم آخر لقوله تعالى فعدة
من أيام أخر ففي هذا بيان أن المعتبر في القضاء اكمال العدة بالأيام (قال) ولو شهد رجل واحد
برية هلال رمضان وبالسماء علة قبلت شهادته إذا كان عدلا وقد بينا هذه المسألة في كتاب
الصوم والاستحسان وشرط في الكتاب أن يكون الشاهد عدلا والطحاوي يقول عدلا
كان أو غير عدل قيل مراده انه يكتفي بالعدالة الظاهرة ولا يشترط أن يكون الشاهد عدلا
في الباطن وقيل إنما لا تشترط العدالة في هذا الموضع لانتفاء التهمة لأنه يلزمه من الصوم
ما يلزم غيره وإنما لا يقبل خبر الفاسق لتمكن التهمة والأصح اشتراط العدالة فيه لان هذا
من أمور الدين ولهذا يكتفي فيه بخبر الواحد وخبر الفاسق في باب الدين غير مقبول بمنزلة
رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) واما على الفطر فلا تقبل الا شهادة
رجلين إذا كان بالسماء علة وأشار في بعض النوادر إلى الفرق فقال المتعلق بهلال رمضان
هو الشروع في العبادة وخبر الواحد فيه مقبول كما لو أخبر باسلام رجل والمتعلق بهلال
شوال الخروج من العبادة وذلك لا يثبت الا بشهادة رجلين كما في الشهادة على ردة المسلم
وأشار هنا إلى فرق آخر فقال المتعلق بهلال شوال فيه منفعة للناس وهو الترخص
بالفطر فيكون هذا نظير الشهادة على حقوق العباد والمتعلق بهلال رمضان محض حق
الشرع وهو الصوم الذي هو عبادة يؤخذ فيها بالاحتياط فلهذا يكتفى فيه بخبر الواحد
إذا كان بالسماء علة وهذا صحيح على ما روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى انهم
يصومون بخبر الواحد ولا يفطرون إذا لم يروا الهلال وان أكملوا العدة ثلاثين يوما بدون
التيقن بانسلاخ رمضان للاخذ بالاحتياط في الجانبين فاما ابن سماعة يروى عن محمد رحمه
الله تعالى انهم يفطرون إذا أكملوا العدة ثلاثين يوما لان صوم الفرض في رمضان لا يكون
139

أكثر من ثلاثين يوما وقال ابن سماعة فقلت لمحمد كيف يفطرون بشهادة الواحد قال لا يفطرون
بشهادة الواحد بل يحكم الحاكم لأنه لما حكم بدخول رمضان وأمر الناس بالصوم فمن
ضرورته الحكم بانسلاخ رمضان بعد مضى ثلاثين يوما. والحاصل أن الفطر هنا مما تفضى
إليه الشهادة لا أنه يكون ثابتا بشهادة الواحد وهو نظير شهادة القابلة على النسب فإنها
تكون مقبولة ثم يفضى ذلك إلى استحقاق الميراث والميراث لا يثبت بشهادة القابلة ابتداء
ويستوى ان شهد رجل أو امرأة على شهادة نفسه أو على شهادة غيره حرا كان أو عبدا
محدودا في القذف أو غير محدود بعد أن يكون عدلا في ظاهر الرواية بمنزلة رواية الاخبار
فان الصحابة كانوا يقبلون رواية أبى بكرة بعد ما أقيم عليه حد القذف. وفى رواية الحسن
عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى لا تقبل شهادة المحدود في القذف على رؤية لهلال وان
حسنت توبته لأنه محكوم بكذبه شرعا قال الله تعالى فإن لم يأتوا بالشهادة فأولئك عند الله
هم الكاذبون فإذا كان المتهم بالكذب وهو الفاسق غير مقبول الشهادة هنا فالمحكوم
بكذبه كان أولى فاما إذا لم يكن بالسماء علة فلا تقبل شهادة الواحد والمثنى حتى يكون أمر
مشهورا ظاهرا في هلال رمضان وهكذا في هلال الفطر في رواية هذا الكتاب وفى
رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال تقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين
بمنزلة حقوق العباد والأصل ما ذكر هنا فان في حقوق العباد إنما تقبل شهادة رجلين إذا
لم يكن هناك ظاهر يكذبهما وهنا الظاهر يكذبهما في هلال رمضان وفى هلال شوال جميعا
لأنهما أسوة سائر الناس في الموقف والمنظر وحدة البصر وموضع القمر فلا تقبل فيه
الشهادة إلا أن يكون أمرا مشهورا ظاهرا وقد بينا اختلاف الأقاويل في ذلك في كتاب
الصوم (قال) ولو أن رجلا جامع امرأته ناسيا في رمضان فتذكر ذلك وهو مخالطها
فقام عنها أو جامعها ليلا فانفجر الصبح وهو مخالطها فقام عنها من ساعته فلا قضاء عليه في
الوجهين جميعا وقال زفر رحمه الله تعالى عليه القضاء في الوجهين لوجود جزء من المجامعة
بعد التذكر وانفجار الصبح إلى أن نزع نفسه منها وذلك يكفي لا فساد الصوم ولكنا نقول
ذلك مما لا يستطاع الامتناع عنه ومما لا يمكن التحرز عنه فهو عفو وأصل هذه المسألة فيما
إذا حلف لا يلبس هذه الثوب وهو لابسه فنزعه من ساعته فهو حانث في القياس وهو
قول زفر رحمه الله تعالى بوجود حرمة من اللبس بعد اليمين وفى الاستحسان لا حنث لان
140

مالا يستطاع الامتناع عنه فهو عفو يوضحه ان نزع النفس كف عن المجامعة والكف عن
المجامعة ركن الصوم فلم يوجد منه بعد انفجار الصبح ولا بعد التذكر الا ما هو ركن الصوم
وذلك غير مفسد لصومه. ألا ترى أن اللقمة لو كانت في فيه فألقاها بعد التذكر
أو بعد انفجار الصبح لم يفسد صومه إلا أن زفر رحمه الله تعالى يفرق فيقول الموجود هناك
جزء من إمساك اللقمة في فيه إلى أن يلقيها وذلك غير مفسد للصوم والموجود هنا جزء من
الجماع وذلك مفسد للصوم. وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى قال في الناسي لا يفسد صومه إذا
نزع نفسه كما تذكر وإذا انفجر الصبح فعليه القضاء وان نزع نفسه لان آخر الفعل من جنس
أوله وأول الفعل من الناسي غير مفسد للصوم مع مصادفته وقت الصوم فكذلك آخره
وأول انفعل في حق الذي انفجر له الصبح عمد مفسد للصوم إذا صادف وقت الصوم
فكذلك آخره يوضحه ان الشروع في الصوم يكون عند طلوع الفجر فاقتران المجامعة بطلوع
الفجر يمنع صحة الشروع في الصوم فيلزمه القضاء وفى حق الناسي شروعه في الصوم صحيح ولم يوجد
بعده ما يفسد الصوم فلهذا لا يلزمه القضاء ولم يذكر في الكتاب أنه بعد ما نزع نفسه لو أمنى
هل يلزمه القضاء أم لا قال رضي الله عنه والصحيح انه لا يفسد صومه لان مجرد خروج
المنى لا يفسد الصوم وإن كان على وجه الشهوة كما لو احتلم ولم يوجد بعد التذكر وطلوع الفجر
الا ذلك وإذا أتم الفعل بعد التذكر وطلوع الفجر فعليه القضاء دون الكفارة عندنا وعلى
قول الشافعي رحمه الله تعالى عليه القضاء والكفارة لوجود المجامعة بعد التذكر وطلوع
الفجر والموجب للكفارة عنده الجماع المعدم للصوم وقد وجدنا فاما عندنا الموجب للكفارة
هو الفطر على وجه تتكامل به الجناية وذلك لم يوجد فيما إذا طلع الفجر وهو مخالط
لأهله فداوم على ذلك لان شروعه في الصوم لم يصح مع المجامعة والفطر إنما يكون بعد
الشروع في الصوم ولم يوجد ولئن كان الموجب للكفارة الجماع المعدم للصوم فالجماع هو
ادخال الفرج في الفرج ولم يوجد منه بعد التذكر ولا بعد طلوع الفجر ادخال الفرج في
الفرج وإنما وجد منه الاستدامة وذلك غير الادخال الا ترى ان من حلف لا يدخل دار
فلان وهو فيها لم يحنث وان مكث في الدار ساعة فهذا مثله ولو أنه نزع نفسه ثم أولج ثانيا
فعليه الكفارة بالاتفاق لأنه وجد منه ابتداء المجامعة بعد صحة الشروع في الصوم مع التذكر
فيكون عليه القضاء والكفارة وهذا على الرواية الظاهرة فيما إذا جامع ثانيا وهو يعلم أن
141

صومه لم يفسد به ثم أفطر بعد ذلك متعمدا فإنه تلزمه الكفارة فاما على الرواية التي رويت
عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى انه لا يلزمه الكفارة وإن كان عالما لشبهة القياس فهنا أيضا
يقول لا تجب الكفارة (قال) ولو أن صائما ابتلع شيئا كان بين أسنانه فلا قضاء عليه
سمسمة كانت أو أقل منها لان ذلك مغلوب لا حكم له كالذباب يطير في حلقه وان تناول
سمسمة وابتلعها ابتداء فهو مفطر لان هذا يقصد ابطال صومه ومعنى هذا انه إذا أدخل سمسمة
في فمه فابتلعها فقد وجد منه القصد إلى ايصال المفطر إلى جوفه وذلك مفسد لصومه فاما
إذا كان باقيا بين أسنانه فلم يوجد منه القصد إلى ايصال المفطر إلى جوفه والذي بقي بين أسنانه
تبع لريقه ولو ابتلع ريقه لم يفسد صومه فهذا مثله بوضح الفرق انه لا يمكنه التحرز عن اتصال
ما بقي بين أسنانه إلى جوفه خصوصا إذا تسحر بالسويق وما لا يمكنه التحرز عنه فهو عفو
الا ترى ان الصائم إذا تمضمض فإنه يبقى في فمه بلة ثم تدخل بعد ذلك حلقه مع ريقه وأحد
لا يقول بان ذلك يفطره وذكر الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى انه
لو بقي لحم بين أسنان الصائم فابتلعه فعليه القضاء قال وهذا إذا كان قدر الحمصة أو أكثر
فإن كان دون ذلك فلا قضاء عليه فبهذه الرواية يظهر الفرق بين القليل الذي لا يستطاع
الامتناع عنه وبين الكثير الذي يستطاع الامتناع عنه ثم في قدر الحمصة أو أكثر إذا ابتلعه فعليه
القضاء دون الكفارة عند أبي يوسف رحمه الله تعالى وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما
الله تعالى أيضا وعند زفر رحمه الله تعالى عليه القضاء والكفارة لان ذلك مما يتغذى به ولو
أدخله في فمه وابتلعه كان عليه القضاء والكفارة فكذلك إذا كان باقيا بين أسنانه فابتلعه
وليس فيه أكثر من أنه متغير وذلك لا يمنع وجوب الكفارة عليه كما لو أفطر بلحم منتن
ولكنا نقول ما بقي بين الأسنان مما لا يتغذى به ولا يتداوى به في العادة مقصودا فالفطر
به لا يوجب الكفارة كالفطر بتناول الحصاة يوضحه انه لم يوجد منه ابتداء الأكل في حالة
الصوم لان ابتداء الأكل بادخال الشئ في فيه واتمامه بالاتصال إلى جوفه وحين أدخل هذا
في فيه لم يكن فعله جناية على الصوم فتتمكن الشبهة في حقه في فعله والكفارة تسقط
بالشبهة ولو أن مسافرا صام في رمضان عن واجب آخر أجزأه من ذلك الواجب في قول
أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعليه قضاء رمضان وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
يقع صومه عن رمضان ولا يكون عن غيره بنيته مريضا كان أو مسافرا ولم يذكر قول أبى
142

حنيفة رحمه الله تعالى في المريض نصا ولكن أطلق الجواب في حق من كان مقيما أنه يكون
صومه عن فرض رمضان وهو الصحيح لأنه لا فرق في ذلك بين المريض والصحيح لان
المريض إنما يباح له الترخص بالفطر إذا كان عاجزا عن الصوم فاما إذا كان قادرا على
الصوم فهو والصحيح سواء فيكون صومه عن فرض رمضان واما المسافر إذا نوى التطوع
في رمضان فلا إشكال في قولهما أنه يكون صومه عن فرض رمضان وعن أبي حنيفة رحمه
الله تعالى فيه روايتان وجه قولهما ان المسافر إنما يفارق المقيم في الترخص بالفطر فإذا ترك
هذا الترخص كان هو والمقيم سواء وصوم المقيم لا يكون إلا عن رمضان لأنه لم يشرع في
هذا الزمان الا هذا الصوم فنيته جهة أخرى تكون لغوا فكذلك في حق المسافر ولأبي
حنيفة رحمه الله تعالى حرفان أحدهما ان أداء صوم رمضان غير مستحق على المسافر في هذا
الوقت ولكنه مخير بين الصوم والفطر مع قدرته على الصوم كالمقيم في شعبان ثم هناك
يتأدى صومه عما نوى فكذلك هنا وعلى هذا الطريق يقول إذا نوى التطوع يكون صومه
عن التطوع والطريق الآخر انه ما ترك الترخص حين نوى واجبا آخر كان مؤاخذ به
ولكنه صرف صومه إلى ما هو أهم عليه لان الواجب الآخر دين في ذمته لو مات قبل
ادراك عدة من أيام أخر كان مؤاخذا به فيكون هو مترخصا بصرف الصوم إلى ما هو
الأهم فإنه في رمضان لو مات قبل ادراك عدة من أيام أخر لم يكن مؤاخذا به وعلى هذا
الطريق يقول إذا نوى التطوع كان صائما عن الفرض لأنه ترك الترخص حين لم يصرف
الصوم إلى ما هو الأهم عنده وإذا ترك الترخص كان هو والمقيم سواء فيكون صومه عن
رمضان ولو قال لله على أن أصوم هذا اليوم شهرا فعليه ان يصوم ذلك اليوم كلما دار إلى تمام
ثلاثين يوما منذ قال هذا القول فيكون صومه في أربعة أيام أو خمسة أيام من الشهر لان
معنى كلامه لله على أن أصوم هذا اليوم كلما دار في شهر ويتعين له الشهر الذي يعقب
نذره بمنزلة ما لو أجر داره شهرا ولو قال لله على أن أصوم هذا الشهر يوما كان عليه ان
يصوم ذلك الشهر متى شاء وهو في سعة ما بينه وبين ان يموت لان معنى كلامه لله على أن
أصوم هذا الشهر وقتا من الأوقات فيكون موسعا عليه في مدة عمره وحقيقة الفرق ان
اليوم قد يكون بمعنى الوقت قال الله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره والمراد منه الوقت
والرجل يقول انتظر يوم فلان أي وقت اقباله أو ادباره وقد يكون عبارة عن بياض النهار
143

على ضد الليل وهذا ظاهر فإذا قرنه بذكر الصوم عرفنا ان المراد بياض النهار لأنه وقت
للصوم ومعيار له ففي المسألة الأولى قرن اليوم بالصوم فقال أصوم هذا اليوم فحملناه
على بياض النهار ثم ذكر الشهر لبيان مقدار الأيام التي تناولها نذره وفى المسألة الثانية قرن
الشهر بذكر اليوم فصار مقدار الصوم بذكر الشهر معلوما ثم ذكر اليوم بعد ذلك من
غير أن جعله معيارا للصوم فعرفنا ان المراد به الوقت فجعلنا كأنه قال أصوم هذا الشهر وقتا
(قال) ولو قال لله على صوم هذا اليوم غدا فان قال هذا قبل الزوال ولم يكن أكل فيه
شيئا فعليه صوم هذا اليوم وان قال بعد الزوال أو بعد ما أكل فلا شئ عليه ولو قال لله
على صوم غد اليوم كان عليه الصوم غدا لأنه ذكر الوقتين من غير أن ذكر بينهما حرف
العطف فيكون المعتبر من كلامه أول الوقتين ذكرا ويلغو آخر الوقتين ذكرا وقد بينا هذا
الأصل في الطلاق إذا قال لامرأته أنت طالق اليوم غدا فهي طالق اليوم ولو قال غدا اليوم
تطلق غدا ففي المسألة الأولى المعتبر من كلامه ذكر اليوم فكأنه اقتصر على قوله لله على صوم
هذا اليوم فإن كان قبل الزوال ولم يكن أكل صح نذره وإلا فلا وفي المسألة الثانية المعتبر من
كلامه قوله غدا فيكون ملتزما صوم الغد بنذره وذلك صحيح فان أفطر في الغد فعليه القضاء
(قال) ولو قال لله على صوم الأيام ولا نية له ففي قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى عليه صوم
عشرة أيام وفي قولهما عليه صوم سبعة أيام لان حرف اللام حرف العهد والمعهود هي الأيام
السبعة التي تدور عليها الشهور والسنون كلما مضت عادت فإليها ينصرف مطلق لفظه وأبو
حنيفة رحمه الله تعالى يقول ذكر الألف واللام دليل الكثرة فإنما ينصرف كلامه إلى أكثر
ما يتناوله اسم الأيام في اللغة مقرونا بالعدد وذلك عشرة أيام لأنه يقال لما بعد العشرة أحد
عشر يوما وإنما قلنا إن الألف واللام دليل الكثرة لأنهما لاستغراق الجنس وقد بينا هذا
في كتاب الايمان وعلى هذا الأصل إذا قال لله على صيام الشهور فعليه في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى عشرة أشهر لأنه أكثر ما يتناوله لفظ الجمع مقرونا بالعدد فإنه يقال عشرة
أشهر أو شهور ثم يقال لما بعده أحد عشر شهرا وعندهما يلزمه صوم اثنى عشر شهرا باعتبار
المعهود قال الله تعالى ان عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرا وهي التي تدور عليها السنون وان
قال لله على صيام شهور فعليه صيام ثلاثة أشهر لأنه أدنى ما يتناوله اسم الجمع لأنه ليس في كلامه
حرف العهد ولا ما يدل على الكثرة ولو قال لله على صوم الجمع فعند أبي حنيفة رحمه الله
144

تعالي هذا على عشر جمع وعندهما على جمع العمر ولو قال لله على صوم جمع هذا الشهر فعليه أن
يصوم كل جمعة تمر عليه في ذلك الشهر لان الجمع جمع جمعة وهو اسم لليوم الذي تقام فيه
صلاة الجمعة وقد روى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يلزمه صوم جميع ذلك الشهر لان
الجمعة تذكر بمعنى الأسبوع في العادة يقول الرجل لغيره لم ألقك منذ جمعة وإنما يريد به
الأسبوع قال رضي الله عنه والأصح ما ذكر في ظاهر الرواية لأنه لا يلزمه بالنذر الا القدر
المتيقن به وكل واحد من هذين المعنيين من محتملات كلامه فيلزمه المتيقن ولو قال لله
على صوم أيام الجمعة كان عليه صوم سبعة أيام لان الأيام اسم جمع فيه يتبين أن مراده الأسبوع
دون اليوم الذي تقام فيه الجمعة خاصة ولو قال لله على صوم جمعة فهذا على وجهين قد يقع على
أيام الجمعة السبعة وقد يقع على الجمعة بعينها فأي ذلك نوى عملت نيته وإن لم تكن له نية فهذا
على أيام الجمعة سبعة أيام وهذا يؤيد رواية أبى يوسف رحمه الله تعالى في الفصل الأول فإنه
لم يعتبر المتيقن هنا واعتبر ما تعارفه الناس ولكن الفرق بينهما في ظاهر الرواية أن هنا ذكر
الجمعة مطلقا ولو كان المراد بهذا اللفظ اليوم الذي تقام فيه الجمعة لقيد بذكر اليوم فترك
التقييد هنا دليل على أن مراده الأيام السبعة وفى الفصل الأول وإن لم يذكر اليوم ففي
لفظه ما يدل على أنه هو المراد لأنه أضاف الجمع إلى الشهر فذلك دليل على أن مراده
أيام الجمعة التي تدور في الشهر (قال) ولو قال لله على صوم كذا كذا يوما فان نوى
عددا هو من محتملات لفظه كان على ما نوى وإن لم يكن له نية فهو على أحد عشر يوما
لان كذا اسم لعدد مبهم فقد ذكر عددين مبهمين ليس بينهما حرف العطف وأقل عددين
مفسرين ليس بينهما حرف العطف أحد عشر فعلى ذلك يحمل ما ذكر من العددين المبهمين
ولو قال كذا وكذا يوما لزمه صوم أحد وعشرين يوما لأنه ذكر حرف العطف بين
العددين المبهمين وأقل عددين مفسرين بينهما حرف العطف أحد وعشرون فعلى ذلك
يحمل مبهم كلامه إذا لم ينو شيئا آخر (قال) ولو قال لله على صوم بضعة عشر يوما لزمه
صيام ثلاثة عشر يوما لان البضع أدناه الثلاثة على ما روى أنه لما نزل قوله تعالى وهم من بعد
غلبهم سيغلبون في بضع سنين خاطر أبو بكر مع قريش على أن الروم تغلب فارس في ثلاث
سنين إلى أن قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كم تعدون البضع فيكم فقال من الثلاث
إلى سبع فقال عليه الصلاة والسلام زد في الخطر وأبعد في الاجل فقد بين ان أدنى ما
145

يتناوله اسم البضع ثلاثة فإنما يلزمه القدر المتيقن فلهذا كان عليه صيام ثلاثة عشر يوما
(قال) ولو قال لله على صوم السنين فهو على عشر سنين في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
للأصل الذي بينا له وفى قولهما ان نوى شيئا فهو على ما نوى وإن لم يكن له نية فهو على جميع
العمر لأنه ليس في السنين شئ معهود فيحمل لفظه على استغراق الجنس وذلك جميع عمره
في حقه (قال) ولو قال لله على صوم زمان أو صوم الزمان فهذا على ستة أشهر لان الزمان
والحين يستعملان استعمالا واحدا فان الرجل يقول لغيره لم ألقك منذ زمان لم ألقك منذ
حين ولفظ الحين يتناول ستة أشهر سواء قرن به الألف واللام أو لم يقرن فكذلك لفظ
الزمان وإنما حملنا لفظ الحين على ستة أشهر لقوله تعالى تؤتى أكلها كل حين باذن ربها
. قال ابن عباس رضى الله تعالى عنه المراد ستة أشهر ثم لفظ الحين في كتاب الله تعالى ورد
بمعنى أشياء بمعنى الوقت قال الله تعالى حين تمسون وحين تصبحون والمراد وقت الصلاة
وبمعنى أربعين سنة. قال الله تعالى هل أتى على الانسان حين من الدهر والمراد أربعون
سنة وبمعنى قيام الساعة قال الله تعالى فذرهم في غمرتهم حتى حين يعنى قيام الساعة وقد
علمنا أنه لم يرد بنذره ساعة واحدة ولا أربعين سنة لان بقاء الآدمي إلى هذه المدة الطويلة
للصوم فيها نادر فعرفنا أن المراد ستة أشهر وهو المتوسط في هذه الاعداد وخير الأمور
أوسطها ولو قال لله على صوم أبد أو الأبد فهو على جميع العمر لان الأبد مالا غاية له ولكن
علمنا أنه لم يرد به زيادة على مدة عمره وان قال صوم الدهر فأبو حنيفة رحمه الله تعالى
لم يوقت فيه شيئا وقال لا أدري ما الدهر وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى جعلا لفظ الدهر
كلفظ الحين والزمان وقد بينا ذلك في كتاب الايمان والنذور والله سبحانه وتعالى أعلم
بالصواب واليه المرجع والمآب
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(كتاب الحيض)
(قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي
رحمه الله تعالى إملاء اعلم بأن ما اختصره الحاكم من تصنيف محمد بن الحسن في الحيض
قاصر مبهم لا يتم المقصود به فوقعت الحاجة لهذا إلى الاستعانة بما خرجه المشايخ وما
146

اختاروا من الأقاويل فيه فذكرت ذلك في شرح الكتاب فوقع في البيان بعض البسط
لهذا فنقول وبالله التوفيق الحيض في اللغة هو الدم الخارج ومنه يقال حاضت الأرنب وحاضت
الشجرة إذا خرج منها الصمغ الأحمر وفى الشريعة اسم لدم مخصوص وهو أن يكون ممتدا
خارجا من موضع مخصوص وهو القبل الذي هو موضع الولادة والمباضعة بصفة مخصوصة
فان وجد ذلك كله فهو حيض والا فهو استحاضة والاستحاضة استفعال من الحيض
قالت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم انى أستحاض فلا أطهر
فقال صلى الله عليه وسلم ليس ذلك دم حيض إنما هو عرق امتد أو داء اعترض توضئي
لكل صلاة أشار إلى أنه فاسد لا يتعلق به ما يتعلق بالصحيح والفرق بين الصحيح والفاسد
من الدماء من أهم ما يحتاج إلى معرفته في هذا الكتاب فنقول الفاسد من الدماء أنواع فمنها
ما نقص عن أقل مدة الحيض لان التقدير الشرعي يمنع أن يكون لما دون المقدر حكم المقدر
وينبنى على هذا اختلاف العلماء في أقل مدة الحيض عندنا ثلاثة أيام ولياليها وقال ابن سماعة
عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى يومان والأكثر من اليوم الثالث وروى الحسن عن أبي
حنيفة رحمهما الله تعالى ثلاثة أيام بما يتخللها من الليالي وذلك ليلتان وقال الشافعي رحمه الله تعالى
يوم وليلة وقال مالك رحمه الله تعالى بقدر ما يوجد ولو ساعة احتج بأن هذا نوع حدث فلا
يتقدر أقله بشئ كسائر الاحداث أقربها دم النفاس لكنا نقول في الفرق بينهما ان دم النفاس
يخرج عقيب خروج الولد فيستدل بما تقدمه على أنه من الرحم فلا حاجة إلى التقدير فيه بالمدة.
فاما الحيض فليس يسبقه علامة يستدل بها على أنه من الرحم فجعلنا العلامة فيه الامتداد ليستدل
به على أنه ليس بدم عرق ثم قدره الشافعي رحمه الله تعالى بيوم وليلة تحرزا عن الكبر فقال
لما استوعب السيلان جميع الساعات عرفنا انه من الرحم فلا حاجة إلى الاستظهار بشئ آخر
ونحن قدرنا بثلاثة أيام بالنص وهو ما روى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه ان النبي صلى الله
عليه وسلم قال أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام وهو مروي عن عمر وعلى وابن
مسعود وابن عباس وعثمان بن أبي العاص الثقفي وأنس بن مالك رضي الله عنهم والمقادير
لا تعرف قياسا فما نقل عنهم كالمروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي يوسف
رحمه الله تعالى أن الأكثر من اليوم الثالث يقام مقام الكمال لمعنى وهو أن الدم من المرأة لا
يسيل على الولاء لان ذلك يضنيها ويجحفها ولكنه يسيل تارة وينقطع أخرى. وجه رواية
147

الحسن رحمه الله تعالى أن في الآثار ذكر التقدير بالأيام فجعلنا الثلاثة من الأيام أصلا وما
يتخللها من الليالي يتبعها ضرورة ومن الدماء الفاسدة أن يتجاوز أكثر مدة الحيض فان
أكثره مقدر شرعا فلا يكون لما زاد عليه حكمه إذ يفوت به فائدة التقدير الشرعي واليه
أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها وعلى هذا ينبنى
اختلافهم في أكثر مدة الحيض فعندنا عشر أيام ولياليها لما روينا من الآثار. وقال الشافعي
رحمه الله تعالى خمسة عشر يوما لقوله صلى الله عليه وسلم في نقصان دين المرأة تقعد إحداهن
شطر عمرها لا تصوم ولا تصلى والمراد زمان الحيض والحيض والطهر يجتمعان في الشهر
عادة ولهذا جعل الله تعالى عدة الآيسة والصغيرة ثلاثة أشهر مكان ثلاثة قروء فيتعين شطر
كل شهر للحيض وذلك خمسة عشر يوما ولكنا نقول ليس المراد حقيقة الشطر ففي عمرها
زمان الصغر ومدة الحبل وزمان الإياس ولا تحيض في شئ من ذلك فعرفنا أن المراد ما يقارب
الشطر وإذا قدرنا بالعشرة فقد جعلنا ما يقارب الشطر حيضا فأما أقل مدة الطهر خمسة عشر
يوما عندنا والشافعي رحمه الله تعالى. وقال عطاء تسعة عشر يوما قال لان الشهر يشتمل على
الحيض والطهر عادة وقد يكون الشهر تسعة وعشرين يوما فإذا كان أكثر الحيض
عشرة بقي الطهر تسعة عشر ولكنا نقول إن مدة الطهر نظير مدة الإقامة من حيث إنها تعيد
ما كان سقط من الصوم والصلاة قد ثبت بالاخبار ان أقل مدة الإقامة خمسة عشر يوما
فكذلك أقل مدة الطهر ولهذا قدرنا أقل مدة الحيض بثلاثة أيام اعتبارا بأقل مدة السفر
فان كل واحد منهما يؤثر في الصوم والصلاة وقد ثبت لنا ان أقل مدة السفر ثلاثة أيام
ولياليها فكذلك هذا فأما أكثر مدة الطهر فلا غاية له الا إذا ابتليت بالاستمرار حتى
ضلت أيامها ووقعت الحاجة إلى نصب العادة لها فحينئذ فيه اختلاف قال أبو عصمة سعد بن
معاذ المروزي لا يتقدر أكثر طهرها بشئ ولا تنقضي عدتها أبدا لان نصب المقادير
بالتوقيف لا بالرأي وكان محمد بن إبراهيم الميداني يقول يتقدر أكثر الطهر في حقها بستة
أشهر الا ساعة قال لان الطهر المتخلل بين الدمين دون مدة الحبل عادة وأدنى مدة الحبل
ستة أشهر فقدرنا أكثر مدة الطهر بستة أشهر الا ساعة فإذا طلقها زوجها تنقضي عدتها
بتسعة عشر شهرا وعشرة أيام الا ثلاث ساعات لجواز أن يكون الطلاق في أول الحيض
وهذه الحيضة لا تحسب من العدة فتحتاج إلى عشرة أيام وثلاثة أطهار كل طهر ستة
148

أشهر الا ساعة وثلاث حيض كل حيضة عشرة أيام وكان الزعفراني يقول أكثر الطهر
يتقدر في حقها بسبعة وعشرين يوما لان الشهر يشتمل على الحيض والطهر وأقل الحيض
ثلاثة فبقي الطهر سبعة وعشرين يوما وكان أبو سهل الغزالي يقول بأنه يتقدر أكثر الطهر
في حقها بشهرين فقد لا ترى المرأة الحيض في كل شهر عادة. ومن الدماء الفاسدة ما جاوز
أكثر مدة النفاس وينبني عليه اختلاف العلماء في أكثر مدة النفاس فعندنا أربعون يوما
. وقال الشافعي رحمه الله تعالى ستون يوما. وقال مالك رحمه الله تعالى سبعون يوما وإنما
قدرنا بالأربعين لحديث عبد الله بن باباه رضي الله عنه وكان من التابعين ان النبي صلى الله عليه
وسلم قال تقعد النفساء ما بينها وبين أربعين يوما الا ان ترى طهرا قبل ذلك وفى حديث أم سلمة
رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تنتظر النفساء ما بينها وبين أربعين صباحا الا ان
ترى طهرا قبل ذلك وفي الحقيقة بيننا وبين الشافعي رحمه الله تعالى اتفاق لان أكثر النفاس
أربعة أمثال أكثر الحيض الا ان عنده أكثر الحيض خمسة عشر يوما فأربعة أمثاله ستون
يوما وعندنا أكثر الحيض عشرة فأربعة أمثاله أربعون يوما. ومن الدماء الفاسدة ما تراه الحامل
فقد ثبت لنا ان الحامل لا تحيض وذلك مروى عن عائشة رضي الله عنها وعرف انها إذا حبلت
انسد فم رحمها فالدم المرئي ليس من الرحم فيكون فاسدا. ومن الدماء الفاسدة ما تراه الصغيرة
جدا لأنه سبق أو انه فلا يعطى له حكم الصحة إذ لو جعلناه حيضا حكمنا ببلوغها به ضرورة
وذلك محال في الصغيرة جدا واختلف مشايخنا في أدنى المدة التي يجوز الحكم فيها ببلوغ
الصغيرة فكان محمد بن مقاتل الرازي رحمه الله تعالى يقدر ذلك بتسع سنين لان النبي صلى
الله عليه وسلم بني بعائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين والظاهر أنه بني بها بعد البلوغ
وكأن لأبي مطيع البلخي ابنة صارت جدة وهي بنت تسعة عشرة سنة حتى قال فضحتنا هذه
الجارية ومن مشايخنا من قدر ذلك بسبع سنين لقوله صلى الله عليه وسلم مروهم بالصلاة إذا
بلغوا سبعا والامر حقيقة للوجوب وذلك بعد البلوغ وسئل أبو نصر محمد بن سلام رحمهما
الله تعالى عن ابنة ست سنين إذا رأت الدم هل يكون حيضا فقال نعم إذا تمادى بها مدة
الحيض ولم يكن نزوله لآفة وأكثر المشايخ على ماله محمد بن مقاتل رحمه الله تعالى لان
رؤية الدم فيما دون ذلك نادر ولا حكم للنادر. ومن الدماء الفاسدة ما تراه الكبيرة جدا
الا ان محمدا رحمه الله تعالى ذكر في نوادر الصلاة ان العجوز الكبيرة إذا رأت الدم مدة
149

الحيض كان حيضا وكان محمد بن مقاتل الرازي رحمه الله تعالى يقول هذا إذا لم يحكم
بإياسها أما إذا انقطع عنها الدم زمانا حتى حكم بإياسها وكانت بنت تسعين سنة أو نحو ذلك
فرأت الدم بعد ذلك لم يكن حيضا وكان محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله تعالى يقول إن
رأت دما سائلا كما تراه في زمان حيضها فهو حيض وان رأت بلة يسيرة لم يكن ذلك
حيضا بل ذلك بلل من فم الرحم فكان فاسدا لا يتعلق به حكم الحيض فهذا بيان أنواع
الدماء الفاسدة.
(فصل ألوان ما تراه المرأة فم أيام الحيض) ستة السواد والحمرة والصفرة والكدرة
والخضرة والتربية أما السواد فغير مشكل انه حيض لقوله صلى الله عليه وسلم دم الحيض
اسود عبيط محتدم والحمرة كذلك فهو اللون الأصلي للدم الا ان عند غلبة السوداء يضرب
إلى السواد وعند غلبة الصفراء يرق فيضرب إلى الصفرة ويتبين ذلك لمن افتصد والصفرة
كذلك حيض لأنها من ألوان الدم إذا رق وقيل هو كصفرة السن أو كصفرة التبن أو
كصفرة القز واما الكدرة فلون كلون الماء الكدر وهو حيض في قول أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله تعالى سواء رأت في أول أيامها أو في آخر أيامها وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى
ان رأت الكدرة في أول أيامها لم يكن حيضا وان رأت في آخر أيامها يكون حيضا قال لان
الكدرة من كل شئ تتبع صافيه فإذا تقدمه دم أمكن جعل الكدرة حيضا تبعا فاما إذا لم
يتقدمها دم لو جعلناه حيضا كان مقصودا لا تبعا وهما يقولان ما يكون حيضا إذا رأته المرأة
في آخر أيامها يكون حيضا إذا رأته في أول أيامها كالسواد والحمرة لان جميع مدة الحيض
في حكم وقت واحد وما قاله أبو يوسف رحمه الله تعالى فيما إذا كان النقب من أعلى الظرف
فأما إذا كان النقب من أسفله فالكدرة يسبق خروجها الصافي وهنا النقب من أسفل فجعلنا
الكدرة حيضا وان رأته ابتداء وأما الخضرة فقد أنكر بعض مشايخنا وجودها حتى قال أبو
نصر بن سلام حين سئل عن الخضرة كأنها أكلت قصيلا على طريق الاستبعاد وذكر
أبو علي الدقاق ان الخضرة نوع من الكدرة والجواب فيها على الاختلاف الذي بينا وأما
التربية فهو ما يكون لونه كلون التراب وهو نوع من الكدرة. وقد روى عن أم عطية
وكانت غزت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة قالت كنا نعد التربية
حيضا والأصل فيه قوله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى وجميع هذه الألوان في حكم
150

الأذى سواء. وروى أن النساء كن يبعثن بالكرسف إلى عائشة رضي الله عنها لتنظر
فكانت إذا رأت كدرة قالت لا حتى ترين القصة البيضاء يعنى البياض الخالص والقصة
الطين الذي يغسل به الرأس وهو أبيض يضرب لونه إلى الصفرة فإنما أرادت أنها لا تخرج
من الحيض حتى ترى البياض الخالص والله سبحانه وتعالى أعلم
(فصل) اعلم بأن حكم الحيض والنفاس والاستحاضة لا يثبت الا بظهور الدم وبروزه
وقد روى عن محمد رحمه الله تعالى في غير الأصول أن حكم الحيض والنفاس يثبت إذا
أحست بالبروز وإن لم يظهر وحكم الاستحاضة لا يثبت الا بالظهور وفرق بينهما فقال للحيض
والنفاس وقت معلوم فيمكن اثبات حكمهما باعتبار وقتهما إذا أحسنت بالبروز والاستحاضة
حدث كسائر الاحداث ليس له وقت معلوم لاثبات حكمه فلا يثبت حكمه الا بالظهور والفتوى
على القول الأول لما روى أن امرأة قالت لعائشة رضى الله تعالى عنا إن فلانة تدعو بالمصباح
ليلا لتنظر إلى نفسها فقالت ما كانت إحدانا تتكلف لذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولكنها تعرف ذلك بالمس فهو إشارة منها إلى الظهور ولان ما لم يظهر فهو في معدنه
والشئ في معدنه لا يعطى له حكم الظهور ما لم يظهر إذا عرفنا هذا فنقول للمرأة فرجان داخل
وخارج فالفرج الخارج بمنزلة الأليتين من الدبر فإذا وضعت الكرسف فاما أن تضعه في
الفرج الداخل أو في الفرج الخارج فإذا وضعته في الفرج الخارج فابتل الجانب الداخل من
الكرسف كان ذلك حيضا وإن لم ينفذ إلى الجانب الخارج لأنه صار ظاهرا بهذا القدر من
الخروج وان وضعته في الفرج الداخل فابتل الجانب الداخل من الكرسف لم يكن حيضا فان نفذت
البلة إلى الجانب الخارج نظر فإن كانت القطنة عالية أو محاذية لحرف الفرج كان حيضا لظهور
البلة وان كانت متسفلة لم يكن حيضا وعلى هذا لو حشى الرجل إحليله بقطنة فابتل الجانب
الداخل من القطنة لم ينتقض وضوءه وان تعدت البلة إلى الجانب الخارج نظرنا فإن كانت
القطنة عالية أو محاذية لرأس الإحليل انتقض وضوءه وان كانت متسفلة لم ينتقض وضوءه
وهذا كله ما لم تسقط القطنة فان سقطت فهو حيض وحدث سواء ابتل الخارج أو الداخل
لظهور البلة ولو أن حائضا وضعت الكرسف في أول الليل ونامت فلما أصبحت نظرت إلى
الكرسف فوجدت البياض الخالص فعليها صلاة العشاء لأنا تيقنا بطهرها من حين وضعت
الكرسف فلو كانت طاهرة حين وضعت الكرسف ونامت ثم انتبهت بعد طلوع الفجر
151

فوجدت البلة على الكرسف فإنه يجعل حيضا من أقرب الأوقات وذلك بعد طلوع الفجر أخذا
باليقين والاحتياط حتى يلزمها قضاء العشاء إن لم تكن صلت
(فصل) وأما الاحكام التي تتعلق بالحيض عشرة أو أكثر. منها أن الحائض لا تصوم
ولا تصلى لقوله صلى الله عليه وسلم تقعد إحداهن شطر عمرها لا تصوم ولا تصلي يعنى
زمان الحيض. ومنها أنه يلزمها قضاء الصوم دون الصلاة لما روى أن امرأة قالت لعائشة
رضي الله عنها ما بال إحدانا تقضى صيام أيام الحيض ولا تقضي الصلاة فقالت أحرورية
أنت كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نقضي صيام أيام الحيض ولا نقضي الصلاة
أنكرت عليها السؤال لشهرة الحال ونسبتها إلى حرور وهي قرية كان أهلها يسألون سؤال
التعنت في الدين. ومنها أنه لا يأتيها زوجها لقوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض الآية فذلك
تنصيص على حرمة الغشيان في أول الحيض وآخره قال صلى الله عليه وسلم من أتى امرأته الحائض
أو أتاها في غير مأتاها أو أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلى الله
عليه وسلم ومراده إذا استحل ذلك الفعل. ومنها أنها لا تمس المصحف ولا اللوح المكتوب
عليه آية تامة من القرآن لقوله تعالى لا يمسه الا المطهرون وهذا وان قيل في تأويله لا ينزله
الا السفرة الكرام البررة فظاهره يفيد منع غير الطاهر من مسه وكتب رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى بعض القبائل لا يمس القرآن حائض ولا جنب. ومنها أنها لا تقرأ القرآن
إلا على قول مالك رحمه الله تعالى فإنه كان يجوز للحائض قراءة القرآن دون الجنب قال لان
الجنب قادر على تحصيل صفة الطهارة بالاغتسال فيلزمه تقديمه على القراءة والحائض عاجزة
عن ذلك فكان لها أن تقرأ (ولنا) حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى
الحائض والجنب عن قراءة القرآن ثم عجزها عن تحصيل صفة الطهارة يدل على تغلظ ما بها
من الحدث فلا يدل على اطلاق القراءة لها وذكر الطحاوي رحمه الله تعالى انها إنما تمنع عن
قراءة آية تامة ولا تمنع عن قراءة ما دون ذلك. وقال الكرخي رحمه الله تعالى تمنع عن
قراءة ما دون الآية أيضا على قصد قراءة القرآن كما تمنع عن قراءة الآية التامة لان الكل
قرآن. وجه قول الطحاوي رحمه الله أن المتعلق بالقرآن حكمان جواز الصلاة ومنع
الحائض عن قراءته ثم في حق أحد الحكمين يفصل بين الآية وما دونها وكذلك في الحكم
الآخر. ومنها أنها لا تطوف بالبيت لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين
152

حاضت بسرف اصنعي جميع ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت. ومنها أن لا تدخل
المسجد لان ما بها من الأذى أغلظ من الجنابة والجنب ممنوع من دخول المسجد
فكذلك الحائض وهذا لان المسجد مكان الصلاة فمن ليس من أهل أداء الصلاة ممنوع
من دخوله. ومنها انه يلزمها الاغتسال إذا انقطع عنها الدم لقوله تعالى ولا تقربوهن حتى
يطهرن والأطهار بالاغتسال. ومنها أنه يتقرر به الاستبراء قال صلى الله عليه وسلم في
سبايا أوطاس ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة. ومنها
أن العدة تنقضي به لقوله تعالى ثلاثة قروء والقرء الحيض بيانه قوله تعالى واللائي يئسن
من المحيض من نسائكم نقل الحكم إلى الأشهر عند عدم الحيض وذلك دليل على أن أصل
ما تنقضي به العدة الحيض والنفاس كالحيض فيما ذكرنا من الاحكام الا في حكم الاستبراء
وانقضاء العدة حتى لو اشترى جارية بعد ما ولدت فإذا طهرت من نفاسها لم يكن له أن
يطأها حتى يستبرئها بحيضة وكذلك النفاس لم يعتبر من أقراء العدة
(فصل) مراهقة رأت الدم فجاءت تستفتي قبل أن يتمادى بها الدم هل تؤمر بترك
الصوم والصلاة كان الشيخ الإمام أبو حفص ومحمد بن سلمة رحمهما الله تعالى يقولان
بأنها تؤمر بذلك. وقد روى عن محمد رحمه الله تعالى في غير رواية الأصول انها لا تؤمر
بذلك حتى يستمر بها الدم ثلاثة أيام وهو اختيار بشر بن غياث ووجهه انها على يقين من
الطهارة وفي شك من الحيض لجواز أن ينقطع فيما دون الثلاث فلا يكون حيضا واليقين
لا يزال بالشك فتؤمر بالصوم والصلاة فان استمر بها الدم ثلاثة أيام علم بأنها كانت
حائضا فعليها قضاء الصيام إذا طهرت والأصح هو الأول فان الله تعالى وصف الحيض بأنه
اذى وقد تيقنت به في وقته فيتعلق به حكمه وإنما يخرج المرئي من أن يكون حيضا إذا
انقطع لما دون الثلاث وفي هذا الانقطاع شك فحكمنا بهذا الظاهر وتركنا المشكوك
وجعلناها حائضا لا تصوم ولا تصلى فإذا انقطع دمها لتمام عشرة أيام فهو حيض كله فان
جاوز العشرة واستمر بها الدم فحيضها عشرة أيام من أول ما رأت الدم وطهرها عشرون يوما
لان أمر الحيض مبنى على الامكان لتأيده بسبب ظاهر وهو رؤية الدم والى العشرة الامكان
موجود فجعلناها حيضا وإذا انقطع لتمام العشرة كان الكل حيضا فبزيادة السيلان لا ينتقص
الحيض وإذا كانت العشرة حيضا فبقية الشهر وذلك عشرون يوما طهرها لان الشهر
153

يشتمل على الحيض والطهر عادة. وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنها تأخذ بالاحتياط
فتغتسل بعد ثلاثة أيام ثم تصوم وتصلى سبعة أيام بالشك ولا يقربها زوجها حتى تغتسل بعد
تمام العشرة وتقضى صيام الأيام السبعة لان الاحتياط في باب العبادات واجب ومن
الجائز ان حيضها أقل الحيض فتحتاط لهذا وهو ضعيف فانا قد عرفناها حائضا ودليل
بقائها حائضا ظاهر وهو سيلان الدم فلا معنى لهذا الاحتياط وكان إبراهيم النخعي رحمه الله
تعالى يقول ترد إلى عادة نسائها يعنى نساء عشيرتها وهذا ضعيف أيضا لان طباع النساء
مختلفة حتى لا تجد أختين أو أما وابنة على طبع واحد وكذلك المرأة يختلف طبعها في كل
فصل فكيف يستقيم اعتبار حال نسائها في معرفة مدة حيضها وللشافعي قولان أحدهما ان
حيضها يوم وليلة أقل مدة الحيض أخذا باليقين والثاني ان حيضها سبعة أيام بناء على العادة
الظاهرة واليه أشار رسول الله عليه صلى الله في قوله تحيضي يعلم الله ستا أو سبعا كما تحيض
النساء في كل شهر وتطهر وهذا ضعيف أيضا فان اعتبار العادة عند عدم ظهور ما يخالفها
وقد ظهر هنا ما يضاد الطهر وهو سيلان الدم فكان الحكم له الا إذا تعذر الامكان هذا
إذا كانت مبتدأة فاما صاحبة العادة إذا استمر بها الدم فحيضها أيام عادتها عندنا وقال الشافعي
رحمه الله تعالى يحكم لون الدم فما دام على لون واحد من السواد والحمرة فهو حيض واستدل
بالحديث الذي روينا دم الحيض اسود عبيط محتدم والمراد به البيان عند الاشتباه (ولنا)
قوله صلى الله عليه وسلم المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها وهذه مستحاضة فترد إلى
أيام أقرائها وبهذا اللفظ تبين ان أقل مدة الحيض ثلاثة أيام لان الأيام اسم جمع وأقله ثلاثة
ومراده صلى الله عليه وسلم من الحديث الآخر بيان لون الدم في أصل الخلقة وقد يختلف
ذلك باختلاف الأغذية والطباع كما بينا وقال مالك رحمه الله تعالى المستحاضة تستظهر بثلاثة
أيام بعد أيامها للاختبار فان طهرت والا اغتسلت وصلت وما روينا من الحديث حجة
عليه فقد اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام أقرائها من غير زيادة وقال لفاطمة بنت أبي
حبيش حين استحيضت انتظري الأيام التي كنت تحيضين فيها فإذا مضت فاغتسلي
وصلى ولم يأمرها بالاستظهار بعدها بشئ
(فصل هو دائرة الكتاب) الأصل عند أبي يوسف وهو قول أبي حنيفة رحمهما الله
تعالى الآخر ان الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان أقل من خمسة عشر يوما لا يصير
154

فاصلا بل يجعل كالدم المتوالى ومن أصله أنه يجوز بداية الحيض بالطهر ويجوز ختمه به
بشرط أن يكون قبله وبعده دم فإن كان بعده دم ولم يكن قبله دم يجوز ختم الحيض بالطهر
ولا يجوز بدايته به وإن كان قبله دم ولم يكن بعده دم يجوز بداية الحيض بالطهر ولا
يجوز ختمه به ومن أصله انه يجعل زمانا هو طهر كله حيضا بإحاطة الدمين به وحجته في
ذلك أن الطهر الذي هو دون خمسة عشر يوما لا يصلح للفصل بين الحيضتين فكذلك
للفصل بين الدمين وبيانه ان أقل مدة الطهر الصحيح خمسة عشر يوما فما دونه فاسد وبين
صفة الصحة والفساد منافاة والفاسد لا تتعلق به أحكام الصحيح شرعا فكان كالدم المتوالى
وبيانه من المسائل مبتدأة رأت يوما دما وأربعة عشر طهرا ويوما دما فالعشرة من أول
ما رأت عنده حيض يحكم ببلوغها به وكذلك إذا رأت يوما دما وتسعة طهرا ويوما دما
واحتج محمد رحمه الله تعالى في الكتاب على أبي يوسف رحمه الله تعالى فقال الدم المرئي في
اليوم الحادي عشر لما كان استحاضة كان بمنزلة الرعاف فلو جاز أن تجعل أيام الطهر حيضا بالدم
الذي ليس بحيض لجاز بالرعاف ولان ذلك الدم ليس بحيض بنفسه فكيف يجعل باعتباره زمان
الطهر حيضا والجواب لأبي يوسف رحمه الله تعالى انه خارج من الفرج فلا يكون كالرعاف
الا ترى ان المرأة إذا كانت عادتها في الحيض خمسة فرأت ستة دما ثم أربعة طهرا ثم يوما دما
فإنها تصير مستحاضة في اليوم السادس باعتبار المرئي في اليوم الحادي عشر ولو كان ذلك
كالرعاف ما صارت به مستحاضة في اليوم السادس وكذلك لو أرت بعد ستة دما أربعة عشر
طهرا ثم ثلاثة دما فهذه الثلاثة تكون استحاضة فلو كان الدم المرئي في اليوم السادس الذي
هو استحاضة بمنزلة الرعاف لكانت الثلاثة حيضا لتمام الطهر خمسة عشر قال أبو يوسف
رحمه الله تعالى وقد يجوز ان يجعل الزمان الذي هو حيض كله صورة طهرا حكما فكذلك
يجوز ان يجعل الزمان الذي هو طهر كله صورة حيضا بإحاطة الدمين به وإذا ثبت جواز
هذا في جميع المدة ثبت في أوله وآخره بطريق الأولى لكن إذا وجد شرطه وهو أن يكون
قبله دم وبعده دم ليكون الدم محيطا بالطهر وبيان هذا الأصل من المسائل على قوله في امرأة
عادتها في أول كل شهر خمسة فرأت قبل أيامها بيوم دما ثم طهرت خمستها ثم رأت يوما دما
فعنده خمستها حيض إذا جاوز المرئي عشرة لإحاطة الدمين بزمان عادتها وإن لم تر فيه شيئا
وكذلك لو رأت قبل خمستها يوما دما ثم طهرت أول يوم من خمستها ثم رأت ثلاثة دما ثم
155

طهرت آخر يوم من خمستها ثم استمر الدم فحيضها خمستها عنده وإن كان ابتداء الخمسة وختمها
بالطهر لوجود الدم قبله وبعده وروى محمد عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ان الشرط أن يكون
الدم محيطا بطرفي العشرة فإن كان كذلك لم يكن الطهر المتخلل فاصلا بين الدمين والا
كان فاصلا وعلى هذه الرواية لا يجوز بداية الحيض ولا ختمه بالطهر قال لان الطهر ضد
الحيض فلا يبدأ الشئ بما يضاده ولا يختم به ولكن المتخلل بين الطرفين يجعل تبعا لهما كما
قلنا في الزكاة ان كمال النصاب في أول الحول وآخره شرط لوجوب الزكاة ونقصانه في خلال
الحول لا يضر وبيان هذا من المسائل لو رأت يوما دما وثمانية طهرا ويوما دما أو رأت ساعة
دما وعشرة أيام غير ساعتين طهرا وساعة دما فالعشرة كلها حيض لإحاطة الدم بطرفي
العشرة ولو رأت يوما دما وسبعة طهرا ويوما دما لم يكن شئ منه حيضا على هذه الرواية
بخلاف الرواية الأولى. وروى ابن المبارك عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى مع هذا
شرطا آخر وهو أن يكون المرئي في أكثر الحيض مثل أقله فان وجد هذا الشرط
فالطهر المتخلل لا يكون فاصلا وإن لم يوجد كان فاصلا ولم يكن شئ منه حيضا وهو قول
زفر رحمه الله تعالى ووجه ان الحيض لا يكون أقل من ثلاثة أيام وهو اسم للدم فإذا بلغ
المرئي هذا المقدار كان قويا في نفسه فجعل أصلا وما يتخلله من الطهر تبعا له وإن كان الدم
دون هذا كان ضعيفا في نفسه لا حكم له إذا انفرد فلا يمكن جعل زمان الطهر حيضا تبعا
وبيان هذا من المسائل لو رأت يوما دما وثمانية طهرا ويوما دما لم يكن شئ منه حيضا على
هذه الرواية لان المرئي من الدم دون الثلاث ولو رأت يومين دما وسبعة طهرا ويوما دما
فالعشرة حيض لان المرئي بلغ أقل مدة الحيض وكذلك أن رأت يوما دما وأربعة طهرا
ويوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما فالعشرة حيض على ما بينا والأصل عند محمد رحمه الله
تعالى وهو الأصح وعليه الفتوى ان الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان دون ثلاثة أيام لا
يصير فاصلا فإذا بلغ الطهر ثلاثة أيام أو أكثر نظر فان استوى الدم بالطهر في أيام الحيض
أو كان الدم غالبا لا يصير فاصلا وإن كان الطهر غالبا يصير فاصلا فحينئذ ينظر إن لم يكن أن
يجعل واحد منهما بانفراده حيضا لا يكون شئ منه حيضا وإن أمكن أن يجعل أحدهما بانفراده
حيضا إما المتقدم أو المتأخر يجعل ذلك حيضا وإن أمكن أن يجعل كل واحد منهما بانفراده
حيضا يجعل الحيض أسرعهما امكانا ولا يكون كلاهما حيضا إذ لم يتخللهما طهر تام وهو
156

لا يجوز بداية الحيض بالطهر ولا ختمه به سواء كان قبله وبعده دم أو لم يكن ولا يجعل زمان
الطهر زمان الحيض بإحاطة الدمين به ووجهه ان الطهر معتبر بالحيض فكما أن ما دون الثلاث
من الحيض لا حكم له ويجعل كحال الطهر فكذلك ما دون الثلاث من الطهر لا حكم له فيجعل
كالدم المتوالى وإذا بلغ ثلاثة أيام فصاعدا فإن كان الدم غالبا فالمغلوب لا يظهر في مقابلة الغالب
وإن كان سواء فكذلك لوجهين أحدهما قياس وهو ان اعتبار الدم يوجب حرمة الصوم والصلاة
واعتبار الطهر يوجب حل ذلك فإذا استوى الحلال والحرام يغلب الحرام الحلال كما في التحري
في الأواني إذا كانت الغلبة للنجاسة أو كانا سواء لا يجوز التحري فهذا مثله والثاني وهو
الاستحسان ان المرأة لا ترى الدم على الولاء لان ذلك يضنيها فيقتلها فباعتبار هذه القاعدة لابد
ان يجعل بعض الزمان الذي لم يكن فيه الدم معتبرا بالحيض وعند ذلك يغلب الدم على الطهر عند
التساوي فلهذا جعلناه كالدم المتوالى فاما إذا غلب الطهر الدم يصير فاصلا لان حكم الغالب ظاهر
شرعا وإذا صار فاصلا بقي كل واحد من الدمين منفردا عن صاحبه فيعتبر فيه امكان جعله حيضا
كأنه ليس معه غيره وان وجد الامكان فيهما جعل المتقدم حيضا لأنه أسرعهما امكانا وأمر
الحيض مبنى على الامكان ثم لا يجعل المتأخر حيضا لأنه ليس بينهما طهر خمسة عشر يوما ولابد
ان يتخلل بين الحيضتين طهر تام وأقل الطهر التام خمسة عشر يوما وبيان مذهبه من المسائل مبتدأة
رأت يوما دما ويومين طهرا ويوما دما فالأربعة حيض لان الطهر المتخلل دون الثلاث ولو رأت
يوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما لم يكن شئ منه حيضا لان الطهر بلغ ثلاثة أيام وهو غالب على
الدمين فصار فاصلا وكذلك أن زادت في الطهر فان رأت يوما وثلاثة طهرا ويومين دما فالستة
كلها حيض لان الدم استوى بالطهر في طرفي الستة فصار غالبا ولو رأت يوما دما وأربعة طهرا
ويوما دما لم يكن شئ منه حيضا لان الطهر غالب وكذلك لو رأت يومين دما وخمسة طهرا
ويوما دما لم يكن شئ منه حيضا لان الطهر غالب ولو رأت ثلاثة دما وأربعة طهرا أو يوما دما فالثمانية
حيض لاستواء الدم بالطهر ولو رأت ثلاثة دما وخمسة طهرا ويوما دما فحيضا الثلاثة الأولى
لان الطهر غالب فصار فاصلا والمتقدم يمكن ان يجعل بانفراده حيضا فجعلناه حيضا ولو رأت
يوما دما وخمسة طهرا وثلاثة دما فحيضها الثلاثة الأخيرة لما بينا فان رأت ثلاثة دما وستة طهرا
وثلاثة دما فحيضها الثلاثة الأولى لأنه أسرعها امكانا فان قيل قد استوى الدم بالطهر هنا فلما إذا
لم يجعل كالدم المتوالى قلنا استواء الدم بالطهر إنما يعتبر في مدة الحيض وأكثر مدة الحيض
157

عشرة والمرئي في العشرة ثلاثة دم وستة طهر ويوم دم فكان الطهر غالبا فلهذا صار فاصلا
والأصل عند الحسن بن زياد رحمه الله تعالى ان الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان دون
ثلاثة أيام لا يصير فاصلا فإذا بلغ الطهر ثلاثة أيام كان فاصلا على كل حال ثم ينظر إن أمكن
ان يجعل أحدهما بانفراده حيضا يجعل ذلك حيضا كما بينا قبل من مذهب محمد وإنما خالفه في
حرف واحد وهو انه لم يعتبر غلبة الدم ولا مساواة الدم بالطهر وبيانه من المسائل مبتدأة
رأت يوما دما ويومين طهرا ويوما دما فالأربعة حيض وكذلك لو رأت ساعة دما وثلاثة
أيام غير ساعة طهرا وساعة دما فالكل حيض فان رأت يومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما
لم يكن شئ منه حيضا على قوله لان الطهر المتخلل بلغ ثلاثة أيام وواحد منهما بانفراده لا
يمكن ان يجعل حيضا وان رأت يوما دما وثلاثة طهرا وثلاثة دما فعنده الثلاثة الأخيرة
حيض ولو كانت رأت أولا ثلاثة دما كان الحيض هذه الثلاثة وان رأت ثلاثة دما وثلاثة
طهرا وثلاثة دما فالحيض عنده الثلاثة الأولى لأنه أسرعهما امكانا والله أعلم
(فصل) أشكل فيه مذهب محمد رحمه الله تعالى من هذه الجملة مبتدأة رأت يومين
دما وخمسة طهرا ويوما دما ويومين طهرا ويوما دما فجواب محمد رحمه الله تعالى أنه يلغي
اليومين والخمسة ويجعل الأربعة المتأخرة حيضها لأنا لو اعتبرنا حيضها من أول اليومين كان
ختم العشرة بالطهر وذلك لا يجوز عنده وطعنوا عليه في هذا الجواب فقالوا ينبغي أن يلغى
أحد اليومين الأولين ويجعل العشرة بعده حيضا لان الطهر الثاني قاصر فهو كالدم المتوالى
فإذا جعلناه كالدم استوى الدم بالطهر في العشرة فيكون الكل حيضا لان ابتداءه وختمه بالدم
قالوا وليس لاحد أن يعيب علينا في إلغاء أحد اليومين لأنكم ألغيتم اليومين والخمسة بعده
وما قلناه أولى لان أمر الحيض مبنى على الامكان فإذا أمكن جعل العشرة حيضا بهذا
الطريق ينبغي أن يجعل. والجواب عن هذا الطعن أن اليومين كشئ واحد لاتصال
بعضهما ببعض فلا يجوز إلغاء أحدهما واعتبار الآخر مع أن جهات الالغاء بهذا الطريق
تكثر فإنك إذا ألغيت ربع اليوم الأول أو ثلثه أو نصفه يحصل به هذا المقصود وعند
كثرة الجهات لا يترجح البعض على البعض من غير دليل فلم يبق الا القول بإلغاء اليومين
والخمسة وجعل الأربعة حيضا
(فصل) من هذه الجملة اختلف فيه المشايخ على قول محمد رحمه الله تعالى وهو أنه إذا
158

اجتمع طهران معتبران وصار أحدهما حيضا مغلوبا كالدم المتوالى هل يتعدى حكمه إلى
الطهر الآخر قال أبو زيد الكبير يتعدى وقال أبو سهل الغزالي لا يتعدى وبيان ذلك
مبتدأة رأت يومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما فعلى قول أبى زيد
رضي الله عنه كلها حيض عند محمد رحمه الله تعالى لان في الثلاثة الأول الدم في طرفيه
استوى بالطهر فيجعل كالدم المتوالى فكأنها رأت ستة دما وثلاثة طهرا ويوما دما وعلى
قول أبى سهل حيضها الستة لاولى لأنه تخلل العشرة طهران كل واحد منهما تمام ثلاثة
أيام فإذا لم يميز أحدهما عن الآخر كان الطهر غالبا فلم يمكن جعله حيضا فلهذا ميزنا وجعلنا
الستة الأولى حيضا لاستواء الدم بالطهر فيها وكذلك لو رأت يوما دما وثلاثة طهرا
ويومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما على قول أبى زيد العشرة حيض وعلى قول أبى سهل
حيضها الستة الأولى وكذلك لو رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ويومين
دما فعلى قول أبى زيد العشرة حيض وعلى قول أبى سهل حيضها الستة الأخيرة بعد اليوم
والثلاثة فان رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ثم استمر بها الدم فعلى قول
أبى زيد يضاف يومان من أول الاستمرار إلى ما سبق فتكون العشرة كلها حيضا وعلى
قول أبى سهل حيضها عشرة بعد اليوم والثلاثة لاولى فمن أول الاستمرار ستة حيض على
قوله ولو رأت يومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ثم استمر بها الدم فعلى قول
أبى زيد حيضها من أول ما رأت عشرة فيكون أول يوم من الاستمرار من جملة حيضها وبه
تتم العشرة وعلى قول أبى سهل حيضها ستة أيام من أول ما رأت فلا يكون شئ من أول
الاستمرار حيضا لها فيصل إلى موضع حيضها الثاني وكذلك لو رأت يوما دما وثلاثة طهرا
ويومين دما وثلاثة طهرا ثم استمر بها الدم والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه
المرجع والمآب
فصل في بيان الأوقات والساعات وأجزاء النهار
(اعلم) بأن الوقت الواحد لا يتكرر في يوم واحد وذلك كطلوع الفجر وطلوع الشمس
فإن كان ابتداء الوقت من عند طلوع الشمس فتمام اليوم والليلة قبيل طلوع الشمس من الغد
لان قبيل اسم لوقت يتصل به الوقت المذكور بخلاف قبل بيانه فيمن قال لامرأته وقت
159

الضحوة أنت طالق قبيل غروب الشمس لم تطلق حتى تغرب الشمس إذا عرفنا هذا فنقول
إذا قيل امرأة رأت الدم عند طلوع الشمس ثم انقطع قبل طلوع الشمس من اليوم الرابع
فالجواب أن الثلاثة كلها حيض لان الكل ثلاثة أيام والطهر فيه قاصر فهو كالدم المتوالى
وكذلك لو رأت في اليوم الرابع عند طلوع الشمس فالجملة ثلاثة أيام وساعة والطهر فيه قاصر
عن الثلاثة فكان الكل حيضا وان رأت من اليوم الرابع بعد طلوع الشمس لم يكن شئ منه
حيضا لان الطهر ثلاثة أيام فصار فاصلا بين الدمين فان رأت عند طلوع الشمس ثم رأت من
اليوم الرابع عند طلوع الشمس أيضا ثم رأت من اليوم السابع بعد طلوع الشمس فالكل
حيض لان الطهر الأول لما كان دون الثلاث فهو كالدم المتوالى فيصير الدم غالبا حكما فان
رأت عند طلوع الشمس ثم رأت من اليوم الرابع قبل طلوع الشمس ثم من اليوم السابع
عند طلوع الشمس ثم من العاشر بعد طلوع الشمس فعلى قول أبى زيد رحمه الله تعالى
الكل حيض لان الطهر الأول دون الثلاث فهو كالدم المتوالى فصار الطهر الثاني مغلوبا به
فيتعدى أثره إلى الطهر الثالث كما بينا وعند أبي سهل رحمه الله تعالى الستة الأولى حيض
لان الطهر الثاني كان ثلاثة أيام وان صار مغلوبا بالدم فلا يتعدى أثره إلى الطهر الثالث. وأما
الساعة ففي لسان الفقهاء اسم لجزء من الزمان بخلاف ما يقوله المنجمون انه وقت ممتد حتى
يشتمل اليوم والليلة عندهم على أربعة وعشرين ساعة فتارة ينتقص الليل حتى يكون تسع
ساعات ويزداد النهار حتى يكون خمس عشرة ساعة وتارة ينتقص النهار حتى يزداد الليل
ويثبتون ذلك بطريقهم فاما في لسان الفقهاء الساعة عبارة عن جزء من الزمان فإذا قيل
مبتدأة رأت ساعة دما وثلاثة أيام غير ساعتين طهرا وساعة دما فالكل حيض لان الكل
ثلاثة أيام والطهر قاصر وان رأت ساعة دما وثلاثة أيام غير ثلاث ساعات طهرا وساعة دما
لم يكن شئ منه حيضا لان الكل دون ثلاثة أيام الا على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى
فإنه يقول الكل حيض لان الأكثر من اليوم الثالث بمنزلة كما له عنده وان رأت ساعة دما
وثلاثة أيام غير ساعة طهرا وساعة دما فالكل حيض لان الكل ثلاثة أيام وساعة والطهر
فيه قاصر وان رأت ساعة دما وثلاثة أيام طهرا وساعة دما لم يكن شئ من ذلك حيضا عند
محمد رحمه الله تعالى لان الطهر لما بلغ ثلاثة أيام صار فاصلا فان رأت ساعة دما وثلاثة
أيام غير ساعتين طهرا وساعة دما وثلاثة أيام طهرا وساعة دما وثلاثة أيام طهرا وساعة
160

دما فعلى قول أبى زيد الكل حيض لان الطهر الأول لقصوره عن الثلاث كالدم المتوالى
فصار الطهر الثاني مغلوبا به ثم يتعدى أثره إلى الطهر الثالث وعلى قول أبى سهل حيضها ستة
أيام وساعة لان الطهر الثاني كامل وان صار مغلوبا فلا يتعدى أثره إلى الطهر الثالث كما هو
أصله. وأما أجزاء النهار فبحسب ما يذكر من ثلث أو ربع أو غيره فإذا قيل مبتدأة رأت
ربع يوما دما ثم يومين وثلث يوم طهرا ثم ربع يوم دما لم يكن شئ منه حيضا لان الكل
قاصر عن الثلاث بسدس يوم وان قيل رأت يوم ربع دما ويومين ونصف يوم طهرا وربع
يوم دما فالكل حيض لأنها بلغت ثلاثة أيام والطهر قاصر وان رأت ربع يوم دما وثلاثة
أيام طهرا وربع يوم دما لم يكن شئ منه حيضا لان الطهر كامل فصار فاصلا بين الدمين
وعلى هذا فقس ما تسأل عنه من هذا النوع فان هذا النوع لا يدخل في الواقعات إنما
وضعوه لتشحيذ الخواطر وامتحان المتبحرين في العلم والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
واليه المرجع والمآب
(باب نصب العادة للمبتدأة)
(قال) رضي الله عنه اعلم بأن بلوغ المرأة قد يكون بالسن وقد يكون بالعلامة والعلامة اما
الحيض واما الحبل فنبتدئ بالحيض فنقول إذا رأت المبتدأة دما صحيحا وطهرا صحيحا مرة
واحدة ثم ابتليت بالاستمرار يصير ذلك عادة لها في زمان الاستمرار بخلاف ما يقوله
أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى في صاحبة العادة أنها لا تنتقل عادتها برؤية المخالف مرة
واحدة لان هنا الانتقال عن حالة الصغر وذلك عادة في النساء فيحصل بالمرة فأما في صاحبه
العادة الانتقال عن العادة الثابتة إلى ما ليس بعادة فلا يحصل بالمرة حتى يتأكد بالتكرار
يوضح الفرق أن الحاجة هناك إلى نسخ العادة الأولى واثبات الثانية فلا يحصل بالمرة فأما
هنا الحاجة إلى اثبات العادة دون النسخ فيحصل بالمرة. وبيان هذا مبتدأة رأت خمسة دما
وخمسة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فإنه تترك من أول الاستمرار خمسة وتصلى خمسة
عشر يوما وذلك دأبها ثم تفسير الدم الصحيح أنه لا ينتقص عن ثلاثة أيام ولا يزاد على
عشرة أيام ولا يصير مغلوبا بالطهر وتفسير الطهر الصحيح أن لا يكون دون خمسة عشر
يوما ولا تصلى المرأة في شئ منه بدم من أوله أو وسطه أو آخره وكان بين الحيضتين
161

ثم بعد هذا أربعة فصول إما أن يفسد الدم والطهر جميعا أو يفسد الدم ويصح الطهر أو يصح
الدم ويفسد الطهر أو يكون الدم صحيحا والطهر صحيحا في الظاهر ولكنه يفسد بطريق
الضرورة فلا يصلح لنصب العادة أما بيان الفصل الأول مبتدأة رأت أربعة عشر يوما دما
وأربعة عشر يوما طهرا ثم استمر بها الدم فهنا الدم والطهر فاسدان فكأنها ابتليت بالاستمرار
ابتداء فكان حيضها من أول ما رأت عشرة وطهرها بقية الشهر عشرون ومعنا ثمانية
وعشرون فمن أول الاستمرار تصلى يومين ثم تدع عشرة وتصلى عشرين فإن كان الدم
خمسة عشر والطهر أربعة عشر فكذلك الجواب تصلى من أول الاستمرار يوما واحدا تمام
عشرين وإن كان الدم ستة عشر فأول الاستمرار يوافق ابتداء حيضها فتدع عشرة وتصلي
عشرين ثم نسوق المسألة هكذا إلى أن يكون الدم ثلاثة وعشرين والطهر أربعة عشر ثم
استمر بها الدم فالعشرة من أول ما رأت حيض وقد صلت ثلاثة عشر يوما بالدم ثم طهرت
أربعة عشر ثم من أربعة عشر طهر سبعة تمام الطهر وسبعة من موضع حيضها الثاني لم تر فيه
ثم جاء الاستمرار وقد بقي من موضع حيضها الثاني ثلاثة فالثلاثة حيض كامل فتدع من
أولا الاستمرار ثلاثة ثم تصلى عشرين ثم تدع عشرة وتصلى عشرين وذلك دأبها فإن كان
الدم أربعة وعشرين والمسألة بحالها فنقول ستة من طهر أربعة عشر بقية طهرها بقي ثمانية
أيام من موضع حيضها الثاني لم تر فيه ثم جاء الاستمرار وقد بقي من موضع حيضها يومان
ويومان لا يكون حيضا فهذه لم تر مرة فتصلى إلى موضع حيضها الثاني وذلك اثنان وعشرون
يوما من أول الاستمرار ثم تدع عشرة وتصلى عشرين وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى فأما قول أبى يوسف رحمه الله تعالى بخلاف هذا فإنه ينقل العادة بعد الرؤية مرة
وكذلك قول محمد رحمه الله تعالى بخلاف هذا فإنه يرى الابدال على ما نذكره في باب
الانتقال وبيان الفصل الثاني مبتدأة رأت أحد عشر يوما دما وخمسة عشر يوما طهرا ثم
استمر بها الدم فنقول الدم هنا فاسد لأنه زاد على العشرة وبفساده يفسد الطهر لأنها صلت
في أول يوم منه بالدم فأما على قول محمد بن إبراهيم الميداني رحمهما الله تعالى حيضها عشرة
أيام وطهرها عشرون فجاء الاستمرار وقد بقي من طهرها أربعة فتصلى أربعة أيام ثم تدع
عشرة وتصلى عشرين وعلى قول أبى على الدقاق طهرها ستة عشر فتدع من أول الاستمرار
عشرة وتصلى ستة عشر لان فساد الدم في اليوم الحادي عشر لما لم يؤثر في الدم حتى كانت
162

العشرة حيضا فلأن لا يؤثر في الطهر أولى والأصح ما قاله محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله تعالى
لان اليوم الحادي عشر من الطهر لا من الحيض فرؤية الدم الفاسد فيه تؤثر في الطهر وبيان
الفصل الثالث وهو أن يكون الدم صحيحا والطهر فاسدا بان نقول مبتدأة رأت خمسة أيام
دما وأربعة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فحيضها خمسة وطهرها بقية الشهر وذلك خمسة
وعشرون يوما فجاء الاستمرار وقد بقي من طهرها أحد عشر يوما فتصلى أحد عشر يوما ثم
تدع خمسة وتصلى خمسة وعشرين وكذلك دأبها وبيان الفصل الرابع مبتدأة رأت ثلاثة
دما وخمسة عشر طهرا ويوما دما ويومين طهرا ثم استمر بها الدم فهنا الدم في الثلاثة صحيح
والطهر خمسة عشر صحيح في الظاهر ولكنها لما رأت بعده يوما دما ويومين طهرا فهذه الثلاثة
لا يمكن ان تجعل حيضا لان ختمها بالطهر ولا وجه إلى الابدال فتصلى في هذه الأيام ضرورة
فيفسد به ذلك الطهر ويخرج من أن يكون صالحا لنصب العادة فيكون حيضها ثلاثة وطهرا
بقية الشهر سبعة وعشرون يوما وقد مضى ثمانية عشر فتصلى تسعة من أول الاستمرار ثم
تترك ثلاثة أيام وتصلى سبعة وعشرين يوما ولو رأت في الابتداء أربعة دما وخمسة عشر
طهرا ثم يوما دما ويومين ثم استمر بها الدم فهنا الطهر صحيح صالح لنصب العادة لان
بعده دم يوم وطهر يومين ثم يوم من أول الاستمرار تمام الأربعة فابتداء الحيض الثاني
وختمه بالدم فلهذا كان الطهر خمسة عشر خالصا فتدع من أول الاستمرار يوما وتصلى
خمسة عشر ثم تدع أربعة وتصلى خمسة عشر وذلك دأبها فان رأت الدم عشرة والطهر خمسة
عشر ثم الدم يوما والطهر ثلاثة أيام والدم يوما والطهر ثلاثة ثم استمر الدم فعلى قول أبي
زيد رحمه الله تعالى الطهر خالص هنا صالح لنصب العادة لأنه يجر من أول الاستمرار
يومين إلى ما رأت بعد خمسة عشر فتجعل العشرة كلها حيضا فكان الطهر خمسة عشر خالصا
فاما على قول أبى سهل رحمه الله تعالى اليوم والثلاثة بعد الخمسة عشر لا يكون حيضا وإنما
حيضها سبعة أيام بعد ذلك فيفسد طهرا خمسة عشر لأنها صلت في شئ منه بدم فكان حيضها
عشرة وطهرها عشرون وقد مضى خمسة عشر يوما ثم يوم دم وثلاثة طهر قد صلت فيه
فذلك تسعة عشر ثم يوم دم قد صلت فيه وذلك عشرون ثم ثلاثة أيام طهر ولا يبتدئ
الحيض بالطهر فقد جاء الاستمرار. والباقي من أيام حيضها سبعة فتدع سبعة وتصلى عشرين
وعلى هذا فقس ما يكون من هذا النوع من المسائل
163

(فصل) في نصب العادة أيضا وإذا ابتليت المبتدأة بالاستمرار بعد ما يكون منها الصحاح
من الدماء والأطهار فهو على خمسة أوجه. أحدها أن ترى دمين وطهرين متفقين على الولاء
ثم الاستمرار. والثاني أن يكونا مختلفين ثم الاستمرار. والثالث أن ترى ثلاثة دما وثلاثة
أطهار مختلفة ثم الاستمرار. والرابع أن ترى متفقين بعدهما مخالف لهما ثم الاستمرار
والخامس أن ترى متفقين بينهما ما يخالفهما ثم الاستمرار. فصورة الفصل الأول إذا رأت
الدم ثلاثة والطهر خمسة عشر والدم ثلاثة والطهر خمسة عشر ثم استمر بها الدم فالجواب
أنها تدع من أول الاستمرار ثلاثة وتصلى خمسة عشر لان ما رأت صار عادة قوية بالتكرار
وقد بينا أنه لو رأته مرة صار عادة لها فإذا رأته مرتين أولى. وبيان الفصل الثاني مبتدأة
رأت ثلاثة دما وخمسة عشر طهرا وأربعة دما وستة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فعلى قول
محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله تعالى تبنى ما رأت في المرة الثانية على ما رأته في المرة الأولى
وعلى قول أبى عثمان سعيد بن مزاحم السمرقندي لا تبنى ولكنها تستأنف من أول الاستمرار
وتفسير قول محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى أنها لما رأت أربعة دما فثلاثة منها مدة حيضها
واليوم الرابع من حساب طهرها ولكنها تترك الصلاة فيه لرؤية الدم فلما طهرت ستة عشر فأربعة
عشر منها تمام طهرها ويومين من مدة حيضها ولكنها لم تر فيه فلا تترك الصوم والصلاة
لان بداية الحيض لا يكون بالطهر ثم جاء الاستمرار وقد بقي من مدة حيضها يوم وذلك
لا يكون حيضا فتصلى إلى موضع حيضها الثاني وذلك ستة عشر يوما ووجهه ان ما رأت في
في المرة الأولى صار عادة لها بالمرة الواحدة لما بينا وصاحبة العادة تبنى ما ترى على عادتها ما لم
يوجد ما ينقضها ألا ترى أنها لو أرت ذلك مرتين بنت عليه ما ترى بعدهما فكذلك إذا رأته
مرة وجه قول أبى عثمان ان ما رأت ثانيا في صفة الصحة مثل ما رأته أولا وإنما تبنى الفاسد
على الصحيح فأما الصحيح لا يبنى على الصحيح لان البناء للحاجة والضرورة وإنما أثبتنا العادة
للمبتدأة بالمرة الواحدة لأجل الضرورة فأما العادة في الأصل مشتقة من العود وذلك
لا يحصل بالمرة ولا ضرورة في بناء الصحيح على الصحيح لما بينهما من المعارضة والمساواة
بخلاف إذا ما رأت أولا مرتين متفقتين لان ذلك تأكد بالتكرار وترجح به ثم على قول
أبي عثمان رحمه الله تعالى إذا استأنفت من أول الاستمرار تبنى على أقل المدتين لأنها عائدة
إليها فالأقل موجود في الأكثر فتترك من أول الاستمرار ثلاثة وتصلى خمسة عشر
164

وذلك دأبها وبيان الفصل الثالث مبتدأة رأت الدم ثلاثة والطهر خمسة عشر والدم أربعة
والطهر ستة عشر والدم خمسة والطهر سبعة عشر ثم استمر بها الدم فهنا لا خلاف بينهما
أنه لا تبنى بعض الصحاح على البعض ومحمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى يفرق بين هذا
وبين ما سبق فيقول هنا رأت مرتين خلاف ما رأت أولا والعادة تنتقل برؤية المخالف
مرتين فلهذا لا تبنى على الأول وهناك إنما رأت خلاف العادة مرة واحدة فلا تنتقل به
العادة فلهذا تبنى الثاني على الأول ثم في هذه المسألة يقول محمد بن إبراهيم تبنى على أوسط
الاعداد وهو قول أبى عبد الله بن أبي حفص رحمه الله تعالى وعبد الله بن النجم رحمه الله
تعالى فاما على قول أبى عثمان رحمه الله تعالى تبنى على أقل المرتين الأخيرتين فلا يظهر هذا
الخلاف فيما ذكرنا من الصورة فان أوسط الاعداد أربعة وستة عشر وهكذا أقل المرتين
الأخيرتين إنما يظهر الخلاف فيما إذا قلبت الصورة فقلت رأت في الابتداء خمسة وسبعة
عشر ثم أربعة وستة عشر ثم ثلاثة وخمسة عشر فعلى قول من يقول بأوسط الاعداد تدع
من أول الاستمرار أربعة وتصلى ستة عشر يوما وذلك دأبها وعلى قول من يقول بأقل
المرتين الأخيرتين تدع من أول الاستمرار ثلاثة وتصلى خمسة عشر وذلك دأبها وجه قول
محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى ان عند التعارض العدل هو الوسط قال صلى الله عليه وسلم
خير الأمور أوسطها ولهذا قلنا إذا تزوج امرأة على عبد يلزمه عبد وسط وكذلك هنا
عند التعارض تبنى في زمان الاستمرار على أوسط الأزمان وجه قول أبي عثمان ان أقل
المرتين الأخيرتين تأكد بالتكرار لان القليل موجود في الكثير فيصير ذلك عادة لها في
زمان الاستمرار والفتوى على قول أبى عثمان رحمه الله تعالى لأنه أيسر على النساء فان على
ما قاله محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى تحتاج إلى حفظ جميع ما ترى ليتبين الأوسط من ذلك
وعلى ما قاله أبو عثمان لا تحتاج الا إلى حفظ مرتين لتبني على أقلهما ولليسر أخذوا بهذا القول
في الفتوى كما أن في مسائل الانتقال أفتوا بقول أبى يوسف رحمه الله تعالى في أن العادة
تنتقل برؤية المخالف مرة لان ذلك أيسر على النساء وبيان الفصل الرابع مبتدأة رأت ثلاثة
دما وخمسة عشر طهرا وثلاثة دما وخمسة عشر طهرا وأربعة دما وستة عشر طهرا ثم استمر بها الدم
فعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى تصلى من أول الاستمرار ستة عشر لأنهما
يقولان العادة لا تنتقل برؤية المخالف مرة فكان البناء باقيا فحين رأت أربعة فثلاثة من
165

ذلك مدة حيضها ويوم من حساب طهرها ومن ستة عشر أربعة عشر تمام طهرها ويومان
من حساب حيضها لم ترفيه فتصلى إلى موضع حيضها الثاني وعلى قول أبي يوسف رحمه
الله تعالى العادة تنتقل برؤية المخالف مرة فتترك من أول الاستمرار أربعة وتصلى ستة عشر
وذلك دأبها وبيان الفصل الخامس مبتدأة رأت ثلاثة دما وخمسة عشر طهرا وأربعة دما وستة
عشر طهرا وثلاثة دما وخمسة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فالجواب أنها تدع من أول
الاستمرار ثلاثة وتصلى خمسة عشر وذلك عادة جعلية لها فإنها لو رأت متفقين على الولاء كانت
عادة أصلية لها فإذا كان بينهما مخالف صار ما رأت مرتين متفقتين عادة جعلية لها ومعنى هذه
التسمية انا جعلنا ما رأته آخرا كالمضموم إلى ما رأته أولا لما بينهما من الموافقة في العدد فتأكد
بالتكرار وصار عادة لها تبنى عليه في زمان الاستمرار
(فصل) مبتدأة بلغت بالحبل بأن حبلت من زوجها قبل أن تحيض فولدت واستمر بها
الدم فنفاسها أربعون يوما. وقال الشافعي رحمه الله تعالى نفاسها ساعة وهو بناء على ما بيناه
في الحيض أن المعتبر هناك أكثر الحيض عند الامكان فكذلك هنا المعتبر أكثر النفاس
وعنده هناك المعتبر أقل الحيض يوم وليلة فكذا نفاسها أقل النفاس وذلك ساعة ثم بعد
الأربعين يجعل طهرها عشرون لأنه كما لا يتوالى حيضتان ليس بينهما طهر لا يتوالى حيض
ونفاس ليس بينهما طهر وإنما قدرنا طهرها بعشرين يوما لان حيض المبتدأة إذا ابتليت
بالاستمرار أكثر الحيض وذلك عشرة وطهرها بقية الشهر وذلك عشرون فلا فرق بين أن تكون
البداءة من الحيض أو من الطهر في مقدار العدد فلهذا جعلنا طهرها عشرين وحيضها
بعد ذلك عشرة وذلك دأبها وكذلك لو طهرت بعد الأربعين أربعة عشر يوما فهذا طهر قاصر
لا يصلح للفصل بين الحيض والنفاس فكان كالدم المتوالى فان طهرت بعد الأربعين
خمسة عشر يوما ثم استمر بها الدم فإنها تترك من أول الاستمرار عشرة لان طهرها خمسة
عشر طهر صحيح فيصير عادة لها بالمرة الواحدة ولا عادة لها في الحيض فيكون حيضها
عشرة فلهذا تدع من أول استمرار عشرة وتصلى خمسة عشر فدورها في كل خمسة
وعشرين يوما ثم نسوق المسألة إلى أن نقول طهرت بعد الأربعين أحدا وعشرين يوما ثم
استمر بها الدم فعلى قول محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى تدع من أول الاستمرار تسعة ثم
تصلى أحدا وعشرين يوما وذلك دأبها لأنها لما طهرت في الحادي والعشرين فلا يمكن جعل
166

ذلك حيضا بل هو طهر صحيح وعادتها بالطهر والحيض يجتمع في الشهر فإذا صار أحدا
وعشرين طهرا لها لم يبق لحيضها الا تسعة فجعلنا حيضها تسعة ألا ترى أنها لو حاضت خمسة
في الابتداء ثم طهرت أربعة عشر واستمر بها الدم جعلنا حيضها خمسة وطهرها بقية الشهر وذلك
خمسة وعشرون فهذا مثله. وقال أبو عثمان رحمه الله تعالى تدع من أول الاستمرار عشرة
وتصلى أحدا وعشرين وذلك دأبها فيكون دورها في كل أحد وثلاثين يوما قال لأنا إنما قدرنا
الطهر بما بقي من الشهر لأنه ليس لأكثره غاية معلومة وذلك لا يوجد في الحيض فأكثره
معلوم وهو عشرة فكان طهرها أحدا وعشرين يوما كما رأت وحيضها عشرة ثم نسوق
هذه المسألة إلى أن نقول طهرت سبعة وعشرين ثم استمر بها الدم فعلى قول محمد بن إبراهيم
رحمه الله تعالى حيضها من أول الاستمرار ثلاثة لأنه هو الباقي من الشهر ويمكن أن يجعل
حيضها وعلى قول أبى عثمان رحمه الله تعالى حيضها من أول الاستمرار عشرة ودورها في كل
سبعة وثلاثين يوما فان طهرت ثمانية وعشرين يوما ثم استمر بها الدم فهنا حيضها من
أول الاستمرار عشرة بالاتفاق ودورها في كل ثمانية وثلاثين يوما لأنه لم يبق من الشهر
ما يمكن أن يجعل حيضا لها فلأجل التعذر رجعنا إلى اعتبار أكثر الحيض وتركنا معنى
اجتماع الحيض والطهر في شهر واحد فان رأت أحدا وأربعين يوما دما كما ولدت ثم
خمسة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فعلى قول محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى نفاسها
أربعون وطهرها عشرون لأنها صلت في اليوم الحادي والأربعين بالدم فيفسد به طهر
خمسة عشر ولا يصلح لنصب العادة فلهذا كان طهرها عشرين فمن أول الاستمرار تصلى
أربعة تمام طهرها ثم تدع عشرة وعلى قول أبى على الدقاق طهرها ستة عشر كما بينا فمن أول
الاستمرار تدع عشرة وتصلى ستة عشر يوما وذلك دأبها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
واليه المرجع والمآب
باب الاستمرار
(قال) رضي الله عنه اعلم بأن الاستمرار نوعان متصل ومنقطع فالمتصل أن يستمر الدم
بالمرأة في جميع الأوقات وحكم هذا ظاهر انها ان كانت مبتدأة فحيضها من أول ما رأت عشرة
وطهرها عشرون إلى أن تموت أو تطهر وان كانت صاحبة عادة فأيام عادتها في الحيض
167

تكون حيضا لها وأيام عادتها في الطهر تكون مستحاضة فيها فأما الاستمرار المنقطع وهو
مقصود هذا الباب ان نقول مبتدأة رأت يوما دما ويوما طهرا واستمر بها كذلك أشهرا فعلى
قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الجواب في جنس هذه المسائل ظاهر لأنه يرى ختم الحيض
بالطهر وبدايته بالطهر فحيضها عشرة من أول ما رأت وطهرها عشرون وهو والاستمرار
المتصل سواء فاما على قول محمد رحمه الله تعالى فحيضها من أول ما رأت تسعة وطهرها أحد
وعشرون لان اليوم العاشر كان طهرا وهو لا يرى ختم الحيض بالطهر ويحتاج على قوله إلى
معرفة ختم العشرة والى معرفة الشهر ليتبين به حكم بداية الحيض في الشهر الثاني وفى
معرفته طريقان أحدهما ان الأوتار من أيامها حيض والشفوع طهر واليوم العاشر من
الشفوع فعرفنا انه كان طهرا وكذلك اليوم الثلاثين ختم الشهر من الشفوع فكان طهرا
وتستقبلها في الشهر الثاني مثل ما كان في الشهر الأول والثاني طريق الحساب وعليه تخرج
المسائل لأنه أقرب إلى الفهم فنقول السبيل ان يأخذ يوما دما ويوما طهرا وذلك اثنان
فيضربه فيما يوافق العشرة وذلك خمسة واثنان في خمسة يكون عشرة وآخر المضروب طهر
ومعرفة ختم الشهر ان يأخذ دما وطهرا وذلك اثنان يضربه فيما يوافق الشهر وذلك خمسة
عشر فيكون ثلاثين وآخر المضروب طهر ويستقبلها في الشهر الثاني مثل ما كان في الشهر
الأول فكان دورها في كل شهر تسعة حيضا واحدا وعشرين طهرا فان رأت يومين دما
ويوما طهرا واستمر كذلك فالعشرة من أوله حيض لان ختم العشرة بالدم وإذا أردت
معرفة ذلك فالسبيل أن تأخذ دما وطهرا وذلك ثلاثة فتضربه فيما يقارب العشرة لأنك لا
تجد الموافق وذلك ثلاثة وثلاثة في ثلاثة تسعة وآخر المضروب طهر ثم بعده يوم دم فعرفت
ان ختم العشرة كان بالدم ومعرفة ختم الشهران تأخذ دما وطهرا وذلك ثلاثة فتضربه
فيما يوافق الشهر وذلك عشرة فيكون ثلاثين وآخر المضروب طهر ثم استقبلها في الشهر
الثاني مثل ذلك فيكون دورها في كل شهر عشرة حيضا وعشرين طهرا وكذلك أن رأت
يوما دما ويومين طهرا فهو على هذا التخريج فان رأت يومين دما ويومين طهرا واستمر
كذلك فحيضها من أول ما رأت عشرة لان ختم العشرة بالدم ومعرفة ذلك أن تأخذ دما
وطهرا وذلك أربعة فتضربه فيما يوافق العشرة وذلك اثنان فيكون ثمانية وآخر المضروب
طهر ثم بعده يومان دم تمام العشرة فعرفنا ان ختم العشرة كان بالدم إلى أن ينظر ان ختم
168

الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك أربعة فتضربه فيما يقارب الشهر وذلك سبعة
فيكون ثمانية وعشرين وآخر المضروب طهر ثم بعده يومان دم تمام الشهر واستقبلها في الشهر
الثاني يومان طهر ويومان دم فهذه الستة تكون حيضا لها في الشهر الثاني لان ختم العشرة
في الشهر الثاني بيومين طهر ولا يختم الحيض بالطهر إلى أن ينظر ان ختم الشهر الثاني بماذا
يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك أربعة فيضربه فيما يوافق الشهرين وذلك خمسة عشر فيكون
ستين وآخر المضروب طهر ثم استقبلها في الشهر الثالث يومان دم فاستقام أمرها فكان
دورها في كل شهرين في الشهر الأول عشرة حيض ثم اثنان وعشرون طهر ثم ستة حيض
ثم اثنان وعشرون طهر فان رأت ثلاثة دما ويومين طهرا واستمر كذلك فحيضها من أول
ما رأت ثمانية لان ختم العشرة بالطهر إلى أن ينظر ان ختم الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا
وذلك خمسة فيضربه فيما يوافق الشهر وذلك ستة فيكون ثلاثين وآخر المضروب طهر
فكان دورها في كل شهر ثمانية حيضا واثنين وعشرين طهرا وكذلك أن قلبت
وقلت رأت يومين دما وثلاثة طهرا فهو على هذا التخريج إلا أن حيضها هنا من أول كل
شهر سبعة فان رأت ثلاثة دما وثلاثة طهرا واستمر كذلك فحيضها من أول ما رأت تسعة
إلى أن ينظر ان ختم الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك ستة فيضربه فيما يوافق
الشهر وذلك خمسة فيكون ثلاثين وآخر المضروب طهر فاستقام أمرها وكان دورها في كل
شهر الحيض تسعة والطهر واحد وعشرون فان رأت أربعة دما وثلاثة طهرا واستمر
كذلك فحيضها من أول ما رأت عشرة لان ختم العشرة بالدم إلى أن ينظر إلى ختم الشهر
بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك سبعة فيضربه فيما يقارب الشهر وذلك أربعة فيكون
ثمانية وعشرين وآخر المضروب طهر ثم بعده دم أربعة يومان تمام الشهر الأول ويومان
من أول الشهر الثاني فيكون حيضا وفى الشهر الثاني حيضها تسعة لان اليوم العاشر كان طهرا
إلى أن ينظر ان ختم الشهرين بما ذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك سبعة فيضربه فيما يقارب
الشهرين وذلك تسعة فيكون ثلاثة وستين وآخر المضروب طهر فقد مضى من أيام حيضها
في الشهر الثالث ثلاثة كان طهرا وبداءة الحيض بالطهر لا يكون ثم بعده أربعة دم وثلاثة
طهر فما وجدت في الشهر الثالث من أيام الحيض الا أربعة فذلك حيضها إلى أن ينظر ان ختم
الشهر الثالث بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك سبعة فيضربه فيما يقارب تسعين يوما
169

وذلك ثلاثة عشر فيكون أحدا وتسعين وآخر المضروب طهر فقد مضى من الشهر الرابع
يوم لم ترى فيه ثم بعده أربعة دم وثلاثة طهر ويومان تمام العشرة دم فوجدت تسعة أيام في الشهر
الرابع فذلك حيضها إلى أن ينظر ان ختم الشهر الرابع بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك
سبعة فيضربه فيما يقارب مائة وعشرين يوما وذلك سبعة عشر فيكون مائة وتسعة عشر
وآخر المضروب طهر ثم بعده يوم دم تمام الشهر الرابع وفى الشهر الخامس ثلاثة دم وثلاثة طهر
وأربعة دم فهذه العشرة حيضها إلى أن ينظر أن ختم الشهر الخامس بماذا يكون فيأخذ دما
وطهرا وذلك سبعة فيضربه فيما يقارب مائة وخمسين يوما وذلك أحد وعشرون فيكون مائة
وسبعة وأربعين وآخر المضروب طهر ثم بعده أربعة دم ثلاثة من ذلك تمام الشهر الخامس
تصلى فيه ثم في الشهر السادس رأت يوما دما وثلاثة طهرا وأربعة دما فهذه الثمانية تكون
حيضا لها لان ختم العشرة في الشهر السادس كان بالطهر إلى أن ينظر ان ختم الشهر السادس
بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك سبعة فيضربه فيما يقارب مائة وثمانين وذلك ستة
وعشرون فيكون مائة واثنين وثمانين وآخر المضروب طهر فقد مضى من الشهر السابع يومان
من أيام حيضها لم تر فيه ثم بعده أربعة دم وثلاثة طهر وأربعة دم فختم العشرة في الشهر السابع
كان بالدم فيكون حيضها ثمانية أيام بعد يومين مضت من الشهر السابع إلى أن ينظر أن ختم
الشهر السابع بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك سبعة فيضربه فيما يوافق سبعة أشهر وذلك
ثلاثون فتكون مائتين وعشرة وآخر المضروب طهر فاستقام وكان دورها في كل سبعة
أشهر حيضها وطهرها في كل شهر ما ذكرنا لأنه استقبلها في الشهر الثامن مثل ما كان في
الشهر الأول أربعة دم وثلاثة طهر وكذلك أن قلبت فقلت رأت ثلاثة دما وأربعة طهرا
فهو في التخريج مثل ما سبق واستقام دورها في كل سبعة أشهر إلا أنه ربما يزداد وينقص
في هذه المدة بعض أيام حيضها ويتبين ذلك إذا خرجت فان رأت أربعة دما وأربعة طهرا
واستمر كذلك أشهرا فحيضها من أول ما رأت عشرة لان ختمها بالدم والدم غالب على الطهر
فيها إلى أن ينظر ان ختم الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك ثمانية ويضربه فيما يقارب الشهر
وذلك أربعة فيكون اثنين وثلاثين وآخر المضروب طهر فقد مضي من أيام حيضها في
الشهر الثاني يومان لم ترفيها ثم استقبلها أربعة دم وأربعة طهر فحيضها في هذا الشهر أربعة
لأنها لم تجد في العشرة الا هذا إلى أن ينظر ان ختم الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا
170

وذلك ثمانية فيضربه فيما يقارب الشهرين وذلك ثمانية فيكون أربعة وستين يوما وآخره طهرا
فقد مضى من الشهر الثالث أربعة أيام لم تر فيها ثم استقبلها دم أربعة فهذه الأربعة حيضها
في الشهر الثالث لان ختم العشرة بالطهر إلى أن ينظر ان ختم الشهر الثالث بماذا يكون فيأخذ دما
وطهرا وذلك ثمانية فيضربه فيما يقارب ثلاثة أشهر وذلك أحد عشر فيكون ثمانية وثمانين
وآخره طهر ثم استقبلها أربعة دم يومان تمام الشهر الثالث تصلى فيهما وفى الشهر الرابع
وجدت عشرة يومان دم وأربعة طهر وأربعة دم فهذه العشرة حيضها إلى أن ينظر ان ختم
الشهر الرابع بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك ثمانية فيضربه فيما يوافق أربعة أشهر وذلك
خمسة عشر فيكون مائة وعشرين يوما وآخره طهر فاستقام أمرها واستقبلها في الشهر
الخامس أربعة دم كما كان في الشهر الأول فيكون دورها في كل أربعة الشهر في الشهر الأول عشرة
حيض وفى الشهر الثاني أربعة بعد يومين مضيا حيض وفى الشهر الثالث أربعة حيض
بعد أربعة مضت منه وفى الشهر الرابع عشرة حيض فان رأت خمسة دما وأربعة طهرا
واستمر كذلك فحيضها في الشهر الأول عشرة لان ختم العشرة بالدم إلى أن ينظر ان ختمه
بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك تسعة فيضربه فيما يقارب الشهر وذلك ثلاثة فيكون
سبعة وعشرين وآخره طهر ثم بعده دم خمسة ثلاثة منها تمام الشهر وتصلى فيها ثم يومان من
أول الشهر الثاني رأت فيهما وبعدهما طهر أربعة ودم خمسة فالعشرة من أول الشهر الثاني
حيض إلى أن ينظر ان ختمه بماذا يكون فيضرب تسعة فيما يقارب الشهر وذلك سبعة
فيكون ثلاثة وستين وآخره طهر فقد مضى من الشهر الثالث ثلاثة لم تر فيها ثم استقبلها دم
خمسة فهذا حيضها في الشهر الثالث لان ختم العشرة بالطهر إلى أن ينظر ان ختم الشهر الثالث بماذا
يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك تسعة فيضربه فيما يوافق ثلاثة أشهر وذلك عشرة فيكون
تسعين وآخره طهر فاستقام أمرها لأنه استقبلها في الشهر الرابع مثل ما كان في الشهر الأول
فعلمنا أن دورها في كل ثلاثة أشهر كما بينا وكذلك أن قلبت فقلت رأت أربعة دم وخمسة
طهرا فهو في التخريج كما بينا فإذا رأت خمسة دما وخمسة طهرا واستمر كذلك فحيضها خمسة
من أول ما رأت لان ختم العشرة بالطهر إلى أن ينظر ان ختم الشهر بماذا يكون فيأخذ دما
وطهرا وذلك عشرة ويضربه فيما يوافق الشهر وذلك ثلاثة فيكون ثلاثين وآخره طهر فاستقام
أمرها في كل شهر الحيض خمسة والطهر خمسة وعشرون فان رأت خمسة دما وستة طهرا
171

واستمر كذلك فحيضها من أول ما رأت خمسة لان ختم العشرة بالطهر وتصير هذه الخمسة
عادة لها بالمرة الواحدة لأنها مبتدأة إلى أن ينظر ان ختم الشهر الثاني بماذا يكون فيأخذ دما
وطهرا وذلك أحد عشر ويضربه فيما يقارب الشهر وذلك ثلاثة فيكون ثلاثة وثلاثين آخر
المضروب طهر فقد مضى في الشهر الثاني من أيام عادتها ثلاثة وبقي يومان ويومان لا يكون
حيضا ومن أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى ان العادة لا تنتقل بالمرة الواحدة وتخرج هذه
المسألة على قولهما دون قول أبى يوسف رحمه الله تعالى كما بينا في أول الكتاب فأما على قول
من لا يرى البدل وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإنها لا تترك الصلاة في شئ من الشهر
الثاني إلى أن ينظر أنها هل ترى في الشهر الثالث في أيام عادتها فتأخذ دما وطهرا وذلك
أحد عشر فتضربه فيما يقارب الشهرين وذلك ستة فيكون ستة وستين وآخره طهر فقد مضى
من أيام عادتها في الشهر الثالث لم تر فيه شيئا وصاحبة العادة إن لم تر مرتين على الولاء يستأنف
لها في موضع الرؤية لان العادة كما تنتقل برؤية المخالف مرتين تنتقل بعدم الرؤية في أيامها
مرتين وإذا استأنف في موضع الرؤية كان حيضها خمسة واستقام أمرها على أن يكون دورها
في كل ستة وستين يوما الحيض خمسة والطهر أحد وستون يوما وأما على قول من يرى
البدل وهو قول محمد رحمه الله تعالى فإنه يقول يبدل لها خمسة بعد ثلاثة مضت من الشهر
الثاني لوجود شرط الابدال لأنه يبقى بعده طهر تام وهو ثمانية وعشرون على ما نثبته في بابه
فيترك هذه الخمسة إلى أن ينظر ان ختم الشهرين بماذا يكون فيأخذ أحد عشر ويضربه فيما
يقارب الشهرين وذلك ستة فيكون ستة وستين فلم تر مرتين على الولاء فيستأنف لها من موضع
الرؤية واستقام دورها في كل ستة وستين تدع خمسة وتصلى ثمانية وعشرين ثم تدع خمسة
بحساب البدل ثم تصلى ثمانية وعشرين وهذا دأبها وان استمر بها الدم بعد شهور استمرارا
متصلا فكان محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله تعالى يقول حيضها في أيام الاستمرار خمسة
وطهرها بقية الشهر خمسة وعشرون لأنها كانت تصلى في ثمانية وعشرين لأجل الضرورة
لا لأنه كان طهرا صحيحا يصلح لنصب العادة فإذا ارتفعت الضرورة باتصال الاستمرار
عادت إلى ما هو الأصل وهو أن يكون باقي الشهر بعد أيام عادتها في الحيض طهرا لها وذلك
خمسة وعشرون وكان أبو عثمان يقول حيضها عشرة في زمان الاستمرار وطهرها عشرون
لان الطهر لما فسد فسد الدم أيضا وإنما كنا لا نجعل العشرة حيضا لان ختمها بالطهر وقد
172

زال ذلك المعنى فحيضها عشرة وطهرها عشرون كما لو ابتليت بالاستمرار ابتداء وكان أبو
سهل يقول حيضها خمسة وطهرها ثمانية وعشرون لأنها قد رأت كل واحد منهما مرات
وحكمنا بأن الخمسة حيض وطهرها ثمانية وعشرون فعلى ذلك تبنى في زمان الاستمرار لان
المحكوم بصحته شرعا بمنزلة ما هو صحيح حقيقة فان رأت ستة دما وخمسة طهرا واستمر
كذلك فحيضها من أول ما رأت ستة وباقي الشهر طهر إلى أن ينظر ان ختم الشهر بماذا يكون
فيأخذ دما وطهرا وذلك أحد عشر ويضربه فيما يقارب الشهر وذلك ثلاثة فيكون ثلاثة
وثلاثين وآخر المضروب طهر فقد مضى من أيامها في الشهر الثاني ثلاثة لم تر فيها ثم رأت
سنة دما وقد بقي من أيام حيضها ثلاثة وذلك يكفيها فكان حيضها في الشهر الثاني هذه
الثلاثة إلى أن ينظر ان ختمه بما ذا يكون فيأخذ أحد عشر ويضربه فيما يقارب الشهرين وذلك
ستة فيكون ستة وستين وآخره طهر فقد مضت أيامها في الشهر الثالث لم ترفيها فتصلى
إلى موضع حيضها الآخر على قول من لا يرى البدل وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يبدل
لها ستة بعد ستة مضت من الشهر الثالث لأنه يبقى بعدها من الشهر الثالث ثمانية عشر
وذلك طهر تام إلى أن ينظر ان ختم الشهر الثالث بما ذا يكون فيضرب أحد عشر فيما يقارب
ثلاثة أشهر وذلك ثمانية فيكون ثمانية وثمانين يوما وآخره طهر ثم رأت ستة دما يومان
تمام الشهر الثالث تصلى فيهما وأربعة وجدته في أيامها فذلك حيضها في الشهر الرابع إلى أن
ينظر ان ختمه بماذا يكون فيأخذ أحد عشر ويضربه فيما يقارب أربعة أشهر وذلك أحد عشر
فيكون مائة واحدا وعشرين وآخره طهر ثم الدم بعده ستة وجدتها في أيامها فذلك حيضها في
الشهر الخامس إلى أن ينظر أن ختمه بماذا يكون فيضرب أحد عشر في أربعة عشر فيكون
مائة وأربعة وخمسين وآخره طهر فقد مضى من أيامها في الشهر السادس أربعة بقي يومان
وذلك لا يكون حيضا فتصلى إلى موضع حيضها الآخر عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
ويبدل لها عند محمد رحمه الله تعالى ستة بعد أربعة مضت من الشهر السادس إلى أن ينظر
أن ختم الشهر بماذا يكون فيضرب أحد عشر فيما يقارب ستة أشهر وذلك ستة عشر
فيكون مائة وستة وسبعين وآخر المضروب طهر ثم بعده دم ستة أربعة تمام الشهر السادس
تصلى فيه وإنما رأت في الشهر السابع يومين في أيامها وذلك لا يكون حيضا فتبين أنها لم تر
مرتين على الولاء فيستأنف لها من وقت الابدال وتجعل تلك الستة يعنى الستة التي جعلت
173

بدلا عند محمد رحمه الله تعالى حيضا لها بطريق انتقال العادة إليه حتى إذا كانت لم تصل فيها
أخذا بقول محمد رحمه الله تعالى فليس عليها قضاء تلك الصلوات أيضا عند أبي حنيفة
رحمه الله تعالى واستقام أمرها على أن يكون دورها في كل ستة أشهر على ما بينا فتنتقل
عادتها من حيث المكان والعدد على حاله فان رأت ستة دما وستة طهرا واستمر كذلك
فحيضها من أول ما رأت ستة إلى أن ينظر أن ختم الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا
وذلك اثنى عشر ويضربه فيما يقارب الشهر وذلك ثلاثة فيكون ستة وثلاثين وآخره طهر
فقد مضت أيامها في الشهر الثاني لم تر فيها فتصلى إلى موضع حيضها الثاني عند أبي حنيفة
رحمه الله تعالى ويبدل لها ستة بعد ستة مضت من الشهر الثاني عند محمد رحمه الله تعالى
تترك فيها الصلاة إلى أن ينظر أن ختم الشهر بماذا يكون فيضرب اثنى عشر فيما يوافق
الشهرين وذلك خمسة فيكون ستين وآخره طهر فاستقام أمرها واستقبلها في الشهر الثالث
مثل ما كان في الشهر الأول فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى تترك ستة من أول كل شهرين
وتصلى أربعة وخمسين وعند محمد رحمه الله تعالى تترك ستة من أول الشهر وتصلى ثلاثين
ثم تترك ستة بحساب البدل ثم تصلى ثمانية عشر وذلك دأبها وعلى هذا الطريق يخرج ستة
وسبعة وقلبها وثمانية وثمانية وثمانية وقلبها وتسعة وتسعة وتسعة وعشرة وقلبها إلى أن
يقول رأت في الابتداء عشرة دما وعشرة طهرا واستمر كذلك فحيضها من أول ما رأت عشرة
إلى أن ينظر ان ختم الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك عشرون ويضربه فيما يقارب
الشهر وذلك اثنان فيكون أربعين وآخره طهر فقد مضت أيامها في الشهر الثاني لم تر فيها شيئا
والابدال غير ممكن الا على قول من يقول بالجر أو الطرح على ما نبينه في بابه لان بعد الابدال
لا يبقى إلى موضع حيضها الثاني طهر تام فتصلى إلى موضع حيضها الثاني حتى ينظر إلى أن ختم
الشهرين بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا وذلك عشرون ويضربه فيما يوافق الشهرين وذلك
ثلاثة فيكون ستين وآخره طهر فاستقام أمرها واستقبلها في الشهر الثالث مثل ما كان في الشهر
الأول فيكون دورها في كل شهرين تترك عشرة وتصلى خمسين يوما وذلك دأبها والله أعلم
(باب الانتقال)
قال رحمه الله تعالى الانتقال على ضربين انتقال موضع وانتقال عدد ولا يحصل الانتقال
174

بالمرة الواحدة في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ما لم تر مرتين وعند أبي يوسف
رحمه الله تعالى بالمرة الواحدة يحصل انتقال العادة قال لان ابتداء العادة يحصل بالمرة فيكون
كذلك انتقالها لأن المرأة صاحبة بلوى وفي الانتقال بالمرة الواحدة تيسير عليها فكان القول
به أولى لقوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولان المرة الأخيرة متصلة بالاستمرار
والبناء على العادة في زمان الاستمرار فترجح ما كان متصلا بالاستمرار على ما كان قبله لأن هذه
المرة لصحتها صارت فاصلة بين زمان الاستمرار وما تقدم وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله
تعالى قالا العادة مشتقة من العود ولن يحصل العود بدون التكرار ولان الشئ لا ينسخه الا
ما هو مثله أو فوقه قال الله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها والأول
متأكد بالتكرار فلا ينسخه الا ما هو مثله في التأكد وقد بينا الفرق بين ابتداء العادة وانتقالها
ثم نبدأ ببيان انتقال الموضع فنقول هو نوعان تارة يكون بالرؤية في غير موضع عادتها مرتين
وتارة يكون بعدم الرؤية مرتين وبيان ذلك امرأة حيضها عشرة وطهرها خمسة عشر
طهرت مرة خمسة وعشرين يوما ثم رأت الدم عشرة فهذه العشرة حيض عند أبي يوسف
رحمه الله تعالى وتنتقل عادتها في الحيض إلى موضع الرؤية وفي الطهر إلى خمسة وعشرين
وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا تكون هذه العشرة حيضا لها ولكن يتوقف أمرها
على الرؤية في أيام عادتها في الثاني فان رأت تبين أن ما سبق لم يكن حيضا وإن لم تر بان
طهرت خمسة وعشرين بعد هذه العشرة ثم رأت الدم الدم عشرة تبين أن العشرة الأولى كانت
حيضا لأنها رأت خلاف عادتها في الموضع مرتين والعدد بحاله فانتقلت عادتها إلى موضع
الرؤية ولو كانت عادتها في الحيض ثلاثة وفي الطهر خمسة عشر فطهرت ستة عشر يوما فهذه
لم تر مرة لأنه لم يبق من أيام عادتها ما يمكن ان يجعل حيضا لها فتصلى إلى موضع حيضها
وموضع حيضها الأول من خمسة عشر إلى ثمانية عشر وموضع حيضها الثاني من ثلاثة
وثلاثين إلى ستة وثلاثين حتى إذا طهرت ثلاثة وثلاثين ثم استمر بها الدم فقد وافق الاستمرار
ابتداء حيضها الثاني فيجعل ثلاثة حيضا وخمسة عشرا طهرا وان طهرت أربعة وثلاثين
فلم تر مرتين على الولاء لان الباقي من أيامها الثاني لا يمكن ان يجعل حيضا فانتقلت عادتها
إلى أول الاستمرار لعدم الرؤية مرتين فتكون الثلاثة من أول الاستمرار حيضا لها
ألا ترى ان امرأة عادتها في الحيض في أول كل شهر عشرة وفى الطهر عشرين فحبلت ثم
175

ولدت وقد بقي من الشهر عشرة واستمر بها الدم فهذه العشرة والشهر الذي يليها نفاسها
ثم بعده عشرون طهرها ثم عشرة حيضها فقد انتقلت عادتها في الحيض من أول الشهر
إلى آخره لعدم الرؤية مرارا في زمان الحبل فعرفنا ان العادة تنتقل بعدم الرؤية مرتين
والله أعلم بالصواب
(فصل) في بيان البدل على قول محمد رحمه الله تعالى صاحبة العادة المعروفة إذا لم تر في
أيامها ما يصلح أن يكون حيضا ورأت بعد أيامها ما يصلح أن يكون حيضا فعند أبي حنيفة
رحمه الله تعالى يتوقف حكم ما رأت على ما ترى في المرة الثانية فان رأت في موضع عادتها
تبين ان ما سبق لم يكن حيضا وان رأت في الشهر الثاني مثل ما رأت في الشهر الأول
تبين ان ما سبق كان حيضا وانتقلت عادتها وكأن لا يجوز الابدال لان في الابدال ايهام
نقل العادة بالمرة الواحدة وذلك لا يجوز فاما محمد قال إذا رأت بعد أيامها ما يمكن ان يجعل
حيضا جعل حيضا بدلا عن أيامها إذا أمكن الابدال والامكان بان يبقى إلى موضع حيضها
الثاني بعد الابدال أقل مدة الطهر وذلك خمسة عشر يوما أو أكثر سواء كان الطهر خالصا
أو فيه استمرار فإن كان الباقي بعد الابدال من طهرها دون خمسة عشر نظر فإن أمكن
ان يجر من موضع حيضها الثاني ما يضم إلى ما في الطهر فيكون ذلك خمسة عشر ويبقى بعد
الجر من موضع حيضها الثاني ما يمكن ان يجعل حيضا يبدل لها أيضا وإن كان الباقي دون
ذلك فحينئذ لا يبدل لها وتصلى إلى موضع حيضها الثاني لان الحيض مبنى على الامكان
والامكان موجود إذا بقي بعد الابدال مدة طهر تام أو أمكن تتميمه بالجر لان عادة المرأة
لا تبقى على صفة واحدة ولكنها تتقدم تارة وتتأخر أخرى وكان أبو حفص الكبير ومحمد بن
مقاتل يقولان بالبدل على قول محمد رحمه الله تعالى بطريق الطرح لا بطريق الجر وبيانه
إذا كان الباقي بعد الابدال أقل من خمسة عشر يوما فإن أمكن ان يطرح من أيام البدل
ما يضم إلى باقي الطهر فيتم خمسة عشر يوما ويبقى من موضع البدل ما يمكن ان يجعل
حيضا يبدل لها وإن كان الباقي دون ذلك لا يبدل لها وقالا هذا الوجه أولى لان
التغيير فيه في موضع واحد وفي الجر التغيير في موضعين وجواز التغيير لأجل الضرورة
فإذا كان يرتفع ذلك بالمرة لا يجوز اثباته في موضعين وعدد البدل دون عدد الأصل وبيانه
في التيمم مع الوضوء وكان أبو زيد الكبير وأبو يعقوب الغزال يقولان بالبدل إذا كان
176

يبقى بعد الابدال إلى موضع حيضها الثاني خمسة عشر يوما فإن كان الباقي دون ذلك لا يبدل
لها لان اثبات البدل ليكون الدم المرئي بين طهرين تامين فإذا وجد بهذه الصفة يبدل لها
وإلا فلا وبيانه من المسائل امرأة عادتها في الحيض خمسة وطهرها عشرون طهرت مرة
اثنين وعشرين يوما ثم استمر بها الدم يجعل حيضها من أول الاستمرار ثلاثة لأنها رأت
في أيامها ما يمكن ان يجعل حيضا فان طهرت ثلاثة وعشرين ثم استمر بها الدم فعند أبي حنيفة
رحمه الله تعالى تصلى إلى موضع حيضها الثاني وذلك اثنان وعشرون يوما وعند محمد رحمه
الله تعالى يبدل لها خمسة من أول الاستمرار لان الباقي بعد الابدال إلى موضع حيضها
الثاني سبعة عشر يوما وكذلك أن طهرت أربعة وعشرين يوما أو خمسة وعشرين ثم
استمر بها الدم فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى تصلى إلى موضع حيضها الثاني وذلك اثنان
وعشرون يوما وعند محمد رحمه الله تعالى يبدل لها خمسة من أول الاستمرار لان الباقي بعد
الابدال إلى موضع حيضها الثاني سبعة عشر يوما وكذلك أن طهرت أربعة وعشرين يوما أو
خمسة وعشرين واستمر بها الدم يبدل لها خمسة لان الباقي بعد خمسة عشر يوما فتدع خمسة
وتصلي خمسة عشر ثم تدع خمسة وتصلي عشرين فان طهرت ستة وعشرين يوما ثم استمر
بها الدم فعلى قول أبى زيد وأبى يعقوب لا يبدل لها لان الباقي بعد الابدال أربعة عشر يوما
ولكنها تصلى من أول الاستمرار تسعة عشر يوما ثم تدع خمسة وتصلى عشرين وعلى قول
محمد رحمه الله تعالى يبدل لها خمسة لان الابدال بطريق الجر ممكن فيجر من موضع
حيضها الثاني يوما إلى بقية طهرها ليتم خمسة عشر فتدع من أول الاستمرار خمسة بطريق
البدل ثم تصلى خمسة عشر ثم تدع أربعة ثم تصلى عشرين ثم تدع خمسة وتصلى عشرين
وعلى قول أبى حفص ومحمد بن مقاتل رحمهما الله تعالى يبدل لها بطريق الطرح فتدع من
أول الاستمرار أربعة ثم تصلى خمسة عشر ثم تدع خمسة وتصلى عشرين وكذلك أن طهرت
سبعة وعشرين ثم استمر بها الدم فهو في التخريج كما بينا وان طهرت ثمانية وعشرين ثم
استمر بها الدم لا يبدل لها بالاتفاق لان بعد الابدال يبقى من الطهر اثنى عشر فان جررت
إليه ثلاثة لا يبقى من موضع حيضها الثاني ما يمكن ان يجعل حيضا وان ضممت من أيام
البدل ثلاثة لا يبقى ما يمكن أن يجعل حيضا فلا يبدل لها ولكنها تصلى إلى موضع حيضها
الثاني وذلك سبعة عشر يوما ثم تدع خمسة وتصلي عشرين وكما يجوز الابدال بعد أيامها عند
177

محمد رحمه الله تعالى يجوز قبل أيامها بشرط أن يكون دما عقيب طهر صحيح لا استمرار فيه
حتى إذا صلت في شئ من الطهر المتقدم بالدم لا يبدل لها قبل أيامها بيانه امرأة حيضها
خمسة وطهرها عشرون طهرت خمسة عشر ثم رأت خمسة دما ثم طهرت أيامها فعند
محمد رحمه الله تعالى تجعل الخمسة المتقدمة حيضا بدلا عن أيامها ولو طهرت أربعة عشر ثم
رأت ستة دما ثم طهرت أيامها لم يبدل لها شئ من المتقدم لأنها صلت في يوم منه بالدم وهو
اليوم الخامس عشر وعند محمد رحمه الله تعالى يبدل لها مثل أيامها أو أقل من أيامها بقدر
الممكن ولا يجوز أن يبدل لها أكثر من أيامها الا بشرط أن يكون بين طهرين صحيحين
لا استمرار فيهما لان الحاجة إلى جعل الزيادة حيضا ابتداء فما لم يكن مرئيا بين طهرين
صحيحين لا يمكن جعله حيضا ابتداء فإن أمكن الابدال قبل أيامها وبعد أيامها يبدل لها قبل
أيامها لأنه أسرعهما امكانا وبيانه إذا كانت عادتها في الحيض ثلاثة وفي الطهر سبعة وعشرون
فطهرت خمسة عشر يوما ثم رأت الدم ثلاثة ثم طهرت اثنى عشر يوما ثم رأت الدم فإنها لم تر
في أيامها شيئا فتبدل لها الثلاثة التي رأتها بعد خمسة عشر لأنها مرئية بعد طهر صحيح فكان
امكان البدل فيه قائما فلهذا يبدل لها تلك الثلاثة دون ما رأته بعد أيامها والله سبحانه وتعالى
أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
(باب الزيادة والنقصان) في أيام الحيض
(قال) رحمه الله تعالى اعلم بأن صاحبة العادة المعروفة إذا رأت الدم زيادة على عادتها
المعروفة يجعل ذلك حيضا ما لم يجاوز أكثر الحيض فان جاوز ردت إلى أيام عادتها فيجعل
ذلك حيضها وما سواه استحاضة لان طبع المرأة لا يكون على صفة واحدة في جميع الأوقات
فيزداد حيضها تارة باعتبار قوة طبعها وينقص أخري بضعف طبعها وأمر الحيض مبنى على
الامكان فإذا لم تجاوز العشرة فالامكان قائم في الكل وان جاوز العشرة فقد صارت مستحاضة
لما رأت زيادة على العشرة قال صلى الله عليه وسلم المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ولان
ما رأته بعد معروفها تبع لمعروفها إذا لم يجاوز العشرة وحكم التبع حكم المتبوع فأما بعد
المجاوزة تجاذبه جانبان فان اعتباره بأيامها يجعله حيضا واعتباره بما زاد على العشرة يجعله
استحاضة فيترجح هذا الجانب لان ما ظهر إلا عند ظهور هذه الاستحاضة فالظاهر أنه
178

كان لداء في باطنها فان جاءت المرأة تستفتى فقالت كانت عادتي في الحيض خمسة والآن
أرى الدم في اليوم السادس فقد اختلف فيه مشايخنا قال أئمة بلخ انها تؤمر بالاغتسال
والصلاة لان حال الزيادة متردد بين الحيض والاستحاضة فلا تترك الصلاة مع التردد
ولأن هذه الزيادة لا تكون حيضا الا بشرط وهو الانقطاع قبل أن يجاوز العشرة وذلك
موهوم فلا تترك الصلاة باعتبار أمر موهوم وكان محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله تعالى
يقول لا تؤمر بالاغتسال والصلاة وهو الأصح لأنها عرفناها حائضا بيقين وفى خروجها من
الحيض شك ودليل بقائها حائضا ظاهر وهو رؤية الدم وهذه الزيادة لا تكون استحاضة
الا بشرط الاستمرار حتى تجاوز العشرة وذلك الشرط غير ثابت فتيقناها حائضا لا تؤمر
بالاغتسال والصلاة حتى يتبين أمرها فان جاوز العشرة فحينئذ تؤمر بقضاء ما تركت من
الصلوات بعد أيام عادتها واعتبر هذا بالمبتدأة لا تؤمر بالاغتسال والصلاة مع رؤية الدم
ما لم تجاوز العشرة ومما ذكر محمد رحمه الله تعالى في هذا الباب من المسائل امرأة عادتها في
الحيض خمسة في أول كل شهر فرأت ثلاثة أيام دما في أيامها ثم انقطع سبعة أيام أو ستة
أيام ثم رأته يوما أو أكثر فخمستها المعروفة هي الحيض في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى
بناء على جواز ختم الحيض بالطهر وان طهر ما دون خمسة عشر كالدم المتوالى عنده وعلى
قول محمد رحمه الله تعالى الثلاثة الأولى هي الحيض لأنه لا يرى ختم الحيض بالطهر ولو أنها
رأت في أول العشرة يومين دما وفي آخرها يومين دما فذكر الشيخ الامام برهان الدين
رحمه الله تعالى ان قوله خمستها حيض إذا كان اليومان الآخران هما اليوم العاشر والحادي
عشر اما إذا كان اليومان التاسع والعاشر فالكل حيض عند أبي يوسف رحمه الله تعالى
ولم يكن شئ من ذلك حيضا في قول محمد رحمه الله تعالى لان الطهر غالب فصار فاصلا
بين الدمين وواحد منهما بانفراده لا يمكن ان يجعل حيضا فإن لم تر في أولها يومين دما لم
يكن شئ من ذلك حيضا عندهم جميعا وان رأت في أولها يومين دما ورأت اليوم العاشر والحادي
عشر والثاني عشر دما كانت خمستها هي الحيض في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لان
الطهر قاصر فهو كالدم المتوالى وعند محمد الثلاثة الأخيرة هي الحيض بطريق البدل فان
الابدال ممكن لأنه يبقى بعده إلى مدة حيضها الثاني مدة طهر كامل فان رأت في أول خمستها
يوما دما ويوما طهرا حتى جاوز العشرة كانت خمستها حيضا في قولهم جميعا لان ابتداء الخمسة
179

وختمها كان بالدم والطهر المتخلل قاصر فان طهرت أول يوم من الشهر ثم رأت يوما دما ويوما
طهرا حتى جاوز العشرة فاليوم الأول ليس بحيض عندهم جميعا لأنه لم يسبقه دم وهو في نفسه
طهر وإنما جوز أبو يوسف رحمه الله تعالى ابتداء الحيض بالطهر بشرط ان يتقدمه دم الاستحاضة
والأربعة الباقية من أيامها حيض في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لأنه لا يرى ختم الحيض
بالطهر الا إذا تعقب دما وعلى قول محمد حيضها ثلاثة وهي الثاني والثالث والرابع من أيامها فان
الخامس كان طهرا وهو لا يرى ختم الحيض بالطهر وان وقف على العشرة كان ما بعد اليوم
الأول حيضا كله وان رأت يوما دما قبل رأس الشهر ومن أول الشهر يوما طهرا ويوما دما
إلى تمام العشرة فاليوم الأول وجميع ذلك حيض إلى اليوم العاشر فإنها لم تر فيه دما ولا بعده
وما سوى ذلك وجد فيه شرط الامكان فجعل حيضا وان جاوز العشرة فخمستها المعروفة هي
الحيض في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وقال محمد حيضها ثلاثة أيام وهي الثاني والثالث
والرابع من معروفها لأنها طهرت في اليوم الأول والخامس وهو لا يرى بداية الحيض ولا
ختمه بالطهر وبعض هذه المسائل يأتي بيانه في فصل يفرض له
(باب في تقديم الحيض وتأخيره)
اعلم أن صاحبة العادة إذا رأت قبل عادتها دما فهو على ثلاثة أوجه في وجه هو حيض بالاتفاق
وفى وجه اختلفوا فيه وفي وجه روايتان عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أما الوجه الأول وهو
انها إذا رأت قبل أيامها ما لا يمكن أن يجعل حيضا بانفراده ورأت في أيامها ما يمكن أن يجعل
حيضا بانفراده ولم يجاوز الكل عشرة فالكل حيض بالاتفاق لان ما رأته قبل أيامها غير
مستقل بنفسه فيجعل تبعا لما رأته في أيامها وذكر في نوادر الصلاة عن أبي حنيفة رحمه الله
تعالى مطلقا ان المتقدم لا يكون حيضا ولكن تأويله إذا كان بحيث لا يمكن أن يجعل حيضا
بانفراده وبعض أئمة بلخ أخذوا بالظاهر فقالوا المتقدم عنده لا يكون حيضا على حال
لأنه مستنكر مرئي قبل وقته واما الوجه الذي اختلفوا فيه فثلاثة فصول. أحدها
أن ترى قبل خمستها المعروفة خمسة أو ثلاثة أو لا تري في خمستها شيئا أو رأت قبل
خمستها يوما أو يومين ومن أول خمستها يوما أو يومين بحيث لا يمكن جعل كل واحد منهما
بانفراده حيضا ما لم يجتمعا ففي كتاب الصلاة قال الكل حيض وهو قول أبى يوسف ومحمد
180

رحمهما الله تعالى ولم يذكر قول أبي حنيفة وقد نص على الخلاف في نوادر الصلاة ان عند أبي
حنيفة رحمه الله تعالى لا يكون شئ من ذلك حيضا وجه قولهما ان الحيض مبنى على الامكان
والمتقدم قياس المتأخر فكما جعل المتأخر عند الامكان حيضا فكذلك المتقدم وأبو حنيفة رحمه
الله تعالى يقول المتقدم دم مستنكر مرئي قبل وقته فلا يكون حيضا كالصغيرة جدا إذا رأت
الدم وهذا لان الحاجة إلى اثبات الحيض لها ابتداء ولا يحصل ذلك بما ليس بمعهود لها ما لم
يتأكد بالتكرار لان الدلالة قامت على أن العادة لا تنتقل بالمرة الواحدة بخلاف المتأخر
فان الحاجة هناك إلى إبقاء ما ثبت من صفة الحيض والا بقاء لا يستدعى دليلا موجبا والوجه
الثالث إذا رأت قبل أيامها ما يكون حيضا بانفراده ورأت أيامها مع ذلك فعلى قولهما لا يشكل
ان الكل حيض إذا لم يجاوز العشرة اعتبارا للمتقدم بالمتأخر وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى
روايتان فيه روى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ان الكل حيض وما
رأت في أيامها يكون أصلا لكونه مستقلا بنفسه فيستتبع ما تقدم كما لو كان المتقدم يوما أو
يومين وروي محمد عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ان أيامها حيض فأما المتقدم فحكمه
موقوف على ما ترى في الشهر الثاني فان رأت مثل ما رأته في الشهر الأول تبين انه كان
حيضا وانتقلت عادتها بالتكرار وان رأت في الشهر الثاني في أيامها ولم تر قبل أيامها تبين ان
المتقدم لم يكن حيضا لأنه مستنكر مرئي قبل وقته وهو في نفسه مستقل فلا يمكن جعله
تبعا لأيامها بخلاف اليوم واليومين فإذا جاءت المرأة تستفتى انها ترى الدم قبل أيامها فعند هما
تؤمر بترك الصلاة إذا كان الباقي من أيام طهرها ما لو ضم إلي أيامها لم يجاوز العشرة لأنها
ترى الدم عقيب طهر صحيح فكان حيضا للامكان وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إن كان
الباقي من طهرها ثلاثة أيام أو أكثر لم تؤمر بترك الصلاة لان هذا المتقدم ليس بحيض
لكونه مستقلا في نفسه فلا تستتبعه أيام حيضها وإن كان يوما أو يومين فعلى قول أئمة
بلخ تؤمر بترك الصلاة وعلى قول أئمة بخارى لا تؤمر به عند أبي حنيفة لان هذا المتقدم
عنده لا يكون حيضا الا بشرط ان ترى في أيامها ما يمكن ان يجعل حيضا بانفراده ولم يثبت
هذا الشرط بعد فلا تؤمر بترك الصلاة وهو نظير الاختلاف الذي بيناه في الباب المتقدم
فاما في المتأخر ان رأت أيامها ورأت بعد أيامها أيضا ولم يجاوز العشرة فالكل حيض بالاتفاق
لان ما بعد أيامها في حكم التبع لأيامها ويستقيم اثبات التبع بعد ثبوت الأصل بخلاف
181

المتقدم عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وإن لم تر في أيامها ورأت بعد أيامها ما يمكن ان يجعل
حيضا أو رأت في أيامها يوما أو يومين وبعد أيامها مثل ذلك بحيث لا يمكن جعل كل
واحد منهما بانفراده حيضا ويمكن جعل ذلك كله حيضا ففي ظاهر الرواية ان ذلك حيض
عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى للامكان وذكر أبو سهل الفرائضي رحمه الله تعالى رواية أخرى
عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى انه موقوف على ما ترى في الشهر الثاني فان رأت في الشهر
الثاني في أيامها تبين ان ذلك لم يكن حيضا وانتقلت به عادتها وان رأت قبل أيامها وفى أيامها
وبعد أيامها فعلى أصل أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى حكم المتقدم والمتأخر سواء لا يفصل
البعض عن البعض ولكن إن لم يجاوز الكل عشرة فالكل حيض وان جاوز كان حيضها
أيام عادتها دون ما تقدم وما تأخر روي الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ان أيامها
تصير فاصلة بين المتقدم والمتأخر ومعنى هذا انه لا يعتبر المتقدم إنما تعتبر أيامها وما تأخر
فإن لم يجاوز العشرة فالكل حيض وان جاوز فحيضها أيامها وظاهر المذهب عن أبي حنيفة
انه ينظر إلى قدر المتقدم فإن كان يوما أو يومين لا يفصل عن أيامها والجواب فيه كما قالا
إن لم يجاوز الكل العشرة فالكل حيض وإن كان المتقدم ثلاثة أيام أو أكثر يصير فاصلا فينظر
إلى أيامها وما تأخر خاصة وهذا بناء على أصله ان المتقدم إذا كأن لا يستقل بنفسه يجعل حيضا
تبعا لها بخلاف ما إذا استقل بنفسه واما إذا رأت قبل أيامها ولم تر في أيامها شيئا ورأت
بعد أيامها فعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى إذا جاوز الكل العشرة فحيضها أيامها لأنه
يجعل زمان الطهر حيضا بإحاطة الدمين به وعلى قول محمد رحمه الله تعالى حيضها ما تقدم إن أمكن
وإن لم يمكن فحيضها ما تأخر وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان في ظاهر
الرواية يجعل المتأخر حيضا وعلى ما ذكر أبو سهل الفرائضي رحمه الله تعالى يكون موقوفا
على ما ترى في الشهر الثاني وعلى هذا بنى محمد رحمه الله تعالى أول الباب فقال امرأة كان
حيضها خمسة أيام من أول كل شهر فرأت قبلها خمسة دما وطهرت أيامها ثم رأت بعد ذلك
يوما أو يومين أو ثلاثة فأيامها المعروفة هي الحيض في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وقال
محمد رحمه الله تعالى المتقدم هو الحيض وكذلك أن كانت رأت يومين دما من أول أيامها
مع ذلك أو من آخر أيامها لان ما رأته في أول أيامها لا يمكن ان يجعل حيضا بانفراده وان
رأت ثلاثة دما في أيامها مع ذلك من أولها أو من آخرها كانت هذه الثلاثة هي الحيض في
182

قول محمد رحمه الله تعالى لأنها رأت في أيامها ما يمكن ان يجعل حيضا بانفراده وإن كان
حيضها ثلاثة أيام من أول كل شهر فتقدم حيضها قبل ذلك أحد عشر يوما ثم طهرت أيامها
فلم تر فيها ولا فيما بعدها دما فعلى قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ان ذلك استحاضة إلا أن
يعاودها لدم في مثل تلك الحالة أحد عشر يوما أخر فان عاودها كانت ثلاثة أيام من
الأيام الأول من أولها حيضا وثلاثة أيام من هذه الأحد عشر يوما الأخرى حيضا
من أولها لأنه لا يرى الابدال فجعل حكم ذلك موقوفا فان تأكد بالتكرار انتقلت به العادة
لما بينا ان انتقال العادة يحصل بعدم الرؤية في أيامها مرتين فاما عند محمد رحمه الله تعالى ثلاثة
أيام من أول الأحد عشر يوما الأول حيض بطريق البدل لأنه مرئي عقيب طهر صحيح
وحكم انتقال العادة به يكون موقوفا على ما ترى في الشهر الثاني كما قال أبو حنيفة رحمه الله
تعالى فإن كان حيضها خمسة أيام من أول الشهر فحاضتها ثم استمر بها الدم إلى تمام الشهر
ثم انقطع في خمستها ثم استمر بعدها ففي قول أبى يوسف رحمه الله تعالى حيضها خمستها
لإحاطة الدم بجانبيها وقال محمد رحمه الله تعالى حيضها خمسة أيام بعد أيامها لان شرط الابدال
في المتقدم أن يكون مرئيا عقيب طهر صحيح لا استمرار فيه ولم يوجد فكان الابدال بعد
أيامها لأنه يبقي بعد الابدال إلى موضع حيضها الثاني مدة طهر تام وإن كان فيه استمرار وإن لم
تر كذلك ولكنها رأت خمسة قبل أيامها دما وطهرت أيامها فتلك الخمسة هي الحيض
في قول محمد رحمه الله تعالى لوجود شرط الابدال في المتقدم فان رأت في المرة الثانية تلك
الخمسة وأيامها المعروفة وزيادة يوم دما فحيضها الخمسة المعروفة لان انتقال العادة لا يحصل
بالمرة الواحدة فإن لم تر في المرة الثانية كذلك ولكنها رأت الخمسة التي قبل أيامها وطهرت
أيامها وطهرت بعد أيامها ثم رأت في المرة الثالثة تلك الخمسة وخمستها وزيادة يوم فحيضها هي
الخمسة الأولى لان انتقال العادة حصل بعدم الرؤية في أيامها مرتين وكذلك أن طهرت
في أيامها مرتين ولم تر في غيرها دما ثم رأت الدم خمسة قبل أيامها وفى أيامها وزيادة يوم فحيضها
خمسة من أول ما رأت لانتقال العادة في الموضع لعدم الرؤية مرتين وان كانت طهرت
في أيامها مرة واحدة فحيضها هي الخمسة المعروفة لان الانتقال لا يحصل بعدم الرؤية مرة
الا في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى فإن كانت لم تر قبل أيامها ولا في أيامها ورأت بعدها
خمسة دما ثم في المرة الثانية طهرت خمستها وهذه الخمسة ثم استمر بها الدم فأيامها خمسة
183

من حين استمر بها الدم لانتقال العادة إلى موضع الرؤية بعدم الرؤية في أيامها مرتين
(قال) في الكتاب وما بعدها طهر إلى تمام الشهر من حين استمر بها الدم ثم تكون
حائضا وأكثر مشايخنا رحمهم الله تعالى على أن هذا الجواب غلط والصحيح أن بعد
ما تترك خمسة من أول الاستمرار تصلى ثلاثين يوما لان عادتها في الطهر قد انتقلت إلى
ثلاثين يوما برؤيته مرتين على الولاء ففي الشهر الأول طهرت خمستها بعد ما مضى من
طهرها خمسة وعشرون فذلك ثلاثون يوما ثم رأت خمسة ثم طهرت بقية الشهر وذلك
عشرون يوما وطهرت خمستها وخمسة بعد خمستها في الشهر الثالث فذلك ثلاثون يوما
فعلمنا أنها طهرت مرتين على الولاء ثلاثين فانتقلت عادتها في الطهر إلى هذا فعليه تبنى
في زمان الاستمرار (قال) الحاكم رحمه الله تعالى ويحتمل أن يكون وجه جواب
محمد رحمه الله تعالى أنها لما طهرت أيامها المعروفة مرتين كان حيضها منتقلا إلى حيث
ترى الدم فلما رأته في الخمسة الثالثة من الشهر صار ذلك الموضع وقتها وكان حكمها كالتي
تدرك فحيضها من أول الادراك أو كالتي انتقلت عادتها بالحبل عن عادتها فإذا استمر
بها الدم حتى ينتهي إلى هذه الخمسة من الشهر الآخر فقد انتهت إلى معروفها وهي ترى
الدم فلا بد من أن يجعل ذلك حيضا ولم يحصل بين هذه الخمسة وبين الخمسة الأولى من
حساب الطهر الا خمسة وعشرون يوما فلذلك أجاب بما أجاب به وهذا الذي قاله ضعيف
لان في حق المبتدأة ليس لها في الطهر عادة تبنى على تلك العادة ولهذه في الطهر عادة متأكدة
بالتكرار وذلك ثلاثون يوما فلا يجوز النقصان عنه في زمان الاستمرار ومن أصحابنا من قال
مراده مما قال وما بعدها طهر إلى تمام الشهر خمسة عشر يوما لأنه إنما استمر بها الدم بعد
ما مضى عشرة أيام من الشهر فان تركت خمسة بقي إلى تمام الشهر خمسة عشر يوما فتصلى
فيها ثم تدع خمسة من أول الشهر وهذا أيضا ضعيف فقد قال في الكتاب وما بعدها طهر
إلى تمام الشهر من حين استمر بها الدم فإنما جعل أول الشهر في حقها من وقت الاستمرار
والأصح انه غلط لما بينا
(فصل في بيان أصول مسائل انتقال العدد)
اعلم بأن العادة نوعان أصلية وجعلية فصورة العادة الأصلية ان ترى المرأة دمين وطهرين
184

متفقين صحيحين على الولاء أو أكثر من ذلك وصورة العادة الجعلية ان ترى المرأة دمين
وطهرين متفقين بينهما مخالف لهما أو ترى أطهارا مختلفة أو دماء مختلفة فينصب أوسط
الاعداد لها عادة على قول من يقول بأوسط الاعداد وأقل المرتين على قول من يقول
بأقل المرتين الأخيرتين فتكون هذه عادة جعلية لها في زمان الاستمرار سميت جعلية
لأنه جعل عادة لها للضرورة ولم يوجد فيها دليل ثبوت العادة حقيقة فان رأت العادة
الجعلية بعد العادة الأصلية قال أئمة بلخ رحمهم الله تعالى لا تنتقض به العادة الأصلية لأنها
دونها والشئ لا ينقضه ما هو دونه إنما ينقضه ما هو مثله أو فوقه ولان ما ثبت بالضرورة لا يعدو
موضع الضرورة وقد تحققت الضرورة في اثبات عادة لها ولا ضرورة في نقض العادة التي
كانت لها ومشايخ بخارى رحمهم الله تعالى يقولون تنقض العادة الأصلية بالعادة الجعلية
لأنه لا بد من التكرر في العادة الجعلية بخلاف ما كان في العادة الأصلية مثاله إذا كانت
العادة الأصلية في الحيض خمسة لا تثبت الجعلية الا برؤية ستة أو سبعة أو ثمانية فالتكرار
فيها خلاف العادة الأصلية مرارا لان سبعة وثمانية يتكرر فيها ستة فبالتكرار بخلاف العادة
الأصلية تنتقض تلك العادة ولكن لكونها متفاوتة في نفسها تكون العادة الثانية جعلية
لا أصلية ثم قد بينا ان العادة الأصلية لا تنتقض برؤية المخالف مرة واحدة الا على قول أبى
يوسف رحمه الله تعالى حتى إذا كانت عادتها في الحيض خمسة وفى الطهر عشرين فطهرت
خمسة عشر ثم استمر بها الدم فعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى تصلى من أول
الاستمرار خمسة تمام عادتها في الطهر وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تدع من أول الاستمرار
خمسة وقد انتقلت عادتها في الطهر إلى خمسة عشر بالرؤية مرة واحدة فاما العادة الجعلية
تنتقض برؤية المخالف مرة واحدة بالاتفاق لأنها أضعف من العادة الأصلية وثبوتها ما كان
بسبب التكرار فكذلك انتقاضها لا يتوقف على وجود التكرار فيما يخالفها بخلاف العادة
الأصلية ثم المبتدأة إذا رأت أطهارا مختلفة ودماء مختلفة فوقعت الحاجة إلى نصب العادة لها
فالبناء على أوسط الاعداد عند محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى وعلى أقل المرتين الأخيرتين عند
أبي عثمان رحمه الله تعالى وصاحبة العادة والمبتدأة في هذا الحكم سواء وقد تكون عادة المرأة
في الحيض والطهر جميعا أصلية وقد تكون جعلية فيهما وقد تكون أصلية في أحدهما جعلية
في الآخر بحسب ما يتفق وذلك كله ينبنى على معرفة الأطهار الصحيحة والدماء الصحيحة
185

فالطهر الصحيح على الاطلاق أن لا ينتقص عن أدني مدته وأن لا تصلى المرأة في شئ منه بالدم
فان صلت في أول يوم منه بالدم ثم كان الطهر بعده خمسة عشر أو أكثر فهذا صالح لجعل ما
بعده من الدم حيضا غير صالح لنصب العادة به وان صلت في شئ منه بالدم ثم كان الطهر
بعده دون خمسة عشر فهو غير صالح لنصب العادة ولا يجعل ما بعده حيضا والدم الصحيح
أن لا ينتقص عن أدني مدته وأن يكون بين طهرين كاملين وبيان هذا انه لو كانت عادتها في
الحيض عشرة وفي الطهر عشرين فرأت الدم أحد عشر يوما ثم طهرت خمسة عشر يوما
ثم استمر بها الدم فنقول عشرة من أول ما رأت حيضها واليوم الحادي عشر أول طهرها
فتصلى فيه بالدم ثم الطهر خمسة عشر فقد جاء الاستمرار وقد بقي من زمان طهرها
أربعة فتصلى هذه الأربعة ثم تترك عشرة وتصلى عشرين وإن كان بعد طهر خمسة عشر
رأت خمسة دما ثم طهرت خمسة عشر فهذه الخمسة تكون حيضا لها لأنه مرئي عقيب
طهر خمسة عشر فيمكن جعله حيضا ولكن لا تنتقل عادتها في الطهر إلى خمسة عشر
لان الطهر الأول قد صلت في أول يوم منه بالدم فلا يصلح لنصب العادة ولو كانت
رأت الدم أحد عشر ثم الطهر أربعة عشر ثم الدم خمسة ثم الطهر خمسة عشر ثم استمر فان الخمسة
لا تجعل حيضا لها لأنها غير مرئية عقيب طهر كامل بل بتلك الخمسة يتم طهرها ثم طهرت
خمسة عشر فعشرة من ذلك مدة حيضها لم تر فيه ثم جاء الاستمرار وقد بقي من طهرها
خمسة عشر فتصلى من أو ل الاستمرار خمسة عشر ثم تدع عشرة وتصلى عشرين وأما بيان
البناء على أوسط الاعداد أو على أقل المرتين الأخيرتين ان نقول امرأة حيضها خمسة
وطهرها عشرون رأت الدم سبعة والطهر خمسة عشر والدم ستة والطهر سبعة عشر ثم استمر
بها الدم فعلى قول من يقول بأوسط الاعداد تبنى على ستة في الحيض وعلى سبعة عشر في
الطهر لان المعتبر أوسط الاعداد فيما رأت لا أوسط ما ترى وأوسط الاعداد في الحيض
ستة لان قبله كان خمسة وبعده كان سبعة وأوسط الاعداد في الحيض لان الطهر سبعة
عشر فإنه كانت عادتها في الطهر عشرين وقد رأت مرة خمسة عشر فأوسط الاعداد سبعة عشر
وعلى قول من يقول بأقل المرتين الأخيرتين إنما تبنى على ستة في الحيض وخمسة عشر في
الطهر لأنها أقل المرتين الأخيرتين فقد رأت مرة سبعة ومرة ستة وفى الطهر مرة سبعة عشر
ومرة خمسة عشر فلهذا بنت في زمان الاستمرار على أقل المرتين الأخيرتين وأصل آخر انه
186

متى كان لها عادة أصلية فوقعت الحاجة إلى نصب العادة لها برؤية أطهار مختلفة أو دماء مختلفة
فينصب لها أوسط الاعداد على قول من يقول به وأقل المرتين على قول من يقول به مما يوافق
العادة الأصلية فإنه يطرح المأخوذ ثم ينظر إلى أوسط الاعداد من الباقي أو إلى أقل المرتين
فإن كان يوافق العادة الأصلية عرفت أنها باقية فتبنى عليها الفساد وإن لم تكن موافقة للعادة
الأصلية عرفت أن العادة الأصلية قد انتقضت والمطروح يصير عادة جعلية لها فتبنى على
ذلك في زمان الاستمرار وبيانه امرأة عادتها في الحيض عشرة وفى الطهر عشرون طهرت
ثلاثين يوما ثم رأت الدم عشرة ثم الطهر أربعين ثم الدم عشرة ثم الطهر خمسة عشر ثم الدم عشرة
ثم الطهر عشرين ثم استمر فنقول أوسط الاعداد في الطهر عشرون لأنها رأت مرة
ثلاثين ومرة أربعين ومرة خمسة عشر فأوسط الاعداد عشرون وهو موافق للعادة
الأصلية فيطرح ذلك يبقى بعده خمسة عشر وثلاثون وأربعون فأوسط الاعداد ثلاثون
فلم يكن موافقا للعادة الأصلية فعرفنا ان العادة الأصلية قد انتقضت به وإنما تبنى في زمان
الاستمرار على ما هو المطروح وهو دم عشرة وطهر عشرين ولو رأت الدم عشرة والطهر
ثلاثين والدم عشرة والطهر خمسة عشر والدم عشرة والطهر عشرين ثم استمر فأوسط
الاعداد في الطهر عشرون فيطرح ذلك يبقى بعده خمسة عشر وثلاثون وما كان في الأصل
عادة لها وذلك عشرون فأوسط الاعداد من ذلك عشرون فلما وافق أوسط الاعداد من
الباقي بعد الطرح العادة الأصلية عرفنا أنها لم تنتقض فتبنى عليها ما بعدها فحين طهرت ثلاثين
فعشرون منها زمان طهرها وعشرة من حساب حيضها ثم رأت الدم عشرة وهو ابتداء طهرها
ثم الطهر خمسة عشر عشرة تمام مدة طهرها وخمسة من حساب حيضها ثم الدم عشرة خمسة
بقية مدة حيضها وخمسة من حساب طهرها ثم الطهر عشرين خمسة عشر بقية مدة طهرها
وخمسة من حساب حيضها فجاء الاستمرار وقد بقي من مدة حيضها خمسة فتدع خمسة
من أول الاستمرار ثم تصلى عشرين ثم تدع عشرة ثم تصلى عشرين وذلك دأبها والمسائل
المخرجة على هذا الأصل كثيرة في السؤالات ومن أحكم الأصول فهما ودراية تيسر
عليه تخريجها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
187

(باب في التقدم والتأخر بالافراد والشفوع)
(قال) رضي الله عنه الأصل ان التقدم متى كان بفرد فإنها لا ترى في أيامها الأول ولا
في أيامها الثواني ومتى كان التقدم بشفع فإنها ترى في أيامها الأول والثواني والتأخر متى كان
بفرد فإنها لا ترى في أيامها الأول ولا الثواني ومتى كان بشفع فإنها لا ترى في أيامها الأول
وترى في أيامها الثواني وبيان هذا امرأة حيضها ثلاثة من أول الشهر وطهرها سبعة وعشرون
فرأت من أول الشهر يوما دما ويوما طهرا واستمر كذلك فإنها من أول الشهر حيض
لان ابتداءه وختمه كان بالدم إلى أن ينظر ان ختم هذا الشهر بماذا يكون فيأخذ دما وطهرا
ذلك اثنان فيضربه فيما يوافق الشهر وذلك خمسة عشر فيكون ثلاثين وآخر المضروب طهر
فعرفنا أنها وجدت أيامها في الشهر الثاني كما وجدت في الشهر الأول وهكذا في كل مرة فان
تقدم بيوم بأن طهرت ستة وعشرين ثم رأت يوما دما ويوما طهرا فاليوم الأول تمام طهرها ثم
كان أيامها ابتداؤه وختمه بالطهر فلم تجد أيامها في هذا الشهر فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
يتوقف حكمها على ما ترى في الشهر الثاني وعند محمد رحمه الله تعالى تجعل ثلاثة من أول
ما رأت حيضا لها بدلا عن أيامها وحكم انتقال العادة موقوف علي ما ترى في المرة الثانية
فانظر ان ختم الشهر الثاني بماذا يكون فخذ دما وطهرا وذلك اثنان فاضربه فيما يقارب أحدا
وثلاثين وذلك خمسة عشر فيكون ثلاثين وآخره طهر ثم يوم دم تتم به مدة طهرها ثم استقبلها
في المرة الثانية يوم طهر ويوم دم ويوم طهر فلم تجد في هذه المرة أيضا فانتقلت عادتها إلى
موضع الابدال لعدم الرؤية في أيامها مرتين فان تقدم بشفع بأن طهرت خمسة وعشرين ثم
رأت يوما دما ويوما طهرا واستمر كذلك فقدم طهرها بيومين واستقبلها زمان الحيض يوم دم
ويوم طهر ويوم دم فقد وجدت في هذه المدة إلى أن ينظر ان ختم الشهر بماذا يكون فتأخذ
دما وطهرا وذلك اثنان فيضرب فيما يوافق اثنين وثلثين وذلك ستة عشر فيكون اثنين
وثلاثين وآخره طهر ثم استقبلها في أيامها في الشهر الثاني دم يوم وطهر يوم ودم يوم فقد
وجدت أيامها وهكذا تجد في كل مرة ثم تسير والمسألة في التقدم فردا أو شفعا إلى أن
تقول طهرت ستة عشر يوما ثم رأت يوما دما ويوما طهرا كذلك فقد بقي من زمان طهرها
أحد عشر فخذ دما وطهرا وذلك اثنان فاضربه فيما يقارب أحد عشر وذلك خمسة فتكون عشرة
188

وآخره طهر ثم دم يتم به طهرها ثم استقبلها في أيامها طهر يوم ودم يوم وطهر يوم فلم تجد في أيامها
في هذه المرة أيضا وانتقلت عادتها إلى موضع الابدال لعدم الرؤية في أيامها مرتين ثم تجد
ذلك في كل مرة فان طهرت خمسة عشر ثم رأت يوما دما ويوما طهرا فقد بقي من طهرها
اثنى عشر فخذ دما وطهرا وذلك اثنان فاضربه فيما يوافق اثنى عشر وذلك ستة فيكون اثنى
عشر وآخر المضروب طهر فاستقبلها في أيامها يوم دم ويوم طهر ويوم دم فقد وجدت في أيامها
إلى أن ينظر انها هل تجد في المرة الثانية فخذ دما وطهرا واضربه فيما يوافق اثنين وأربعين
وذلك أحد وعشرون فيكون اثنين وأربعين وآخره طهر ثم استقبلها في أيامها دم يوم وطهر
يوم ودم يوم فقد وجدت وهكذا تجد في كل مرة فان تأخر بيوم بأن طهرت ثمانية
وعشرين ثم رأت يوما دما ويوما طهرا فنقول إنها لم تجد في هذه المرة أيامها فعند أبي حنيفة
رحمه الله تعالى تصلي إلى موضع حيضها الثاني وحكمها موقوف على ما ترى في المرة الثانية
وعند محمد رحمه الله تعالى تجعل الثلاثة من أول ما رأت حيضا لها بدلا وحكم انتقال العادة
موقوف على ما ترى في الشهر الثاني فخذ دما وطهرا واضربه فيما يقارب تسعة وعشرين وذلك
أربعة عشر فيكون ثمانية وعشرين وآخره طهر ثم يوم دم به يتم طهرها فيستقبلها في الشهر
الثاني طهر يوم ودم يوم وطهر يوم فلم تجد وانتقلت عادتها لعدم الرؤية مرتين إلى موضع
الابدال فتجد بعد ذلك في كل مرة فان تأخر بيومين بأن طهرت تسعة وعشرين ثم رأت
يوما دما ويوما طهرا فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى تصلى إلى موضع حيضها الثاني وعند
محمد رحمه الله تعالى تدع من أول ما رأت ثلاثة بطريق البدل إلى أن ينظر أنها هل ترى
في الشهر الثاني فيأخذ دما وطهرا وذلك اثنان ويضربه فيما يوافق ثمانية وعشرين وذلك
أربعة عشر فيكون ثمانية وعشرين وآخره طهر ثم استقبلها في الشهر الثاني دم يوم وطهر يوم
ودم يوم فقد وجدت في هذه المرة وهكذا تجد في كل مرة فان رأت بعد طهرها سبعة
وعشرين يومين دما ويوما طهرا واستمر كذلك فعند أبي يوسف رحمه الله تعالى حيضها
من أول ما رأت ثلاثة لأنه يرى ختم الحيض بالطهر وعلى قول محمد رحمه الله تعالى حيضها
من أول ما رأت خمسة وطهرها خمسة وعشرون (قال) الحاكم رحمه الله تعالى وهذا غير
مطرد على أصل محمد رحمه الله تعالى غير أنه اضطر إلى هذا الجواب ومعنى هذا أن الابدال
زيادة على أيام عادتها لا يجوز عنده إلا أن يكون بين طهرين صحيحين لا استمرار فيهما ولم
189

يوجد ذلك الشرط هنا ولكنه قال إنها لم تجد أيامها في المرة الأولى لان ختم الثلاثة بالطهر
وهكذا لا تجد في كل مرة وإذا أردت معرفة ذلك فخذ دما وطهرا وذلك ثلاثة واضربه فيما
يوافق الشهر وذلك عشرة فيكون ثلاثين وآخره طهر ثم استقبلها في الشهر الثاني يومان
دم ويوم طهر فلم تجد وهكذا لا تجد في كل مرة فلو لم نزد في أيامها أدى ذلك لا أن لا تكون
حائضا في شئ من عمرها مع رؤيتها الدم في أكثر عمرها وذلك الا يجوز فلهذه الضرورة
زدنا في أيامها فجعلناها خمسة من أول ما رأت يومان دم ويوم طهر ويومان دم فهذه الخمسة
حيضها وباقي الشهر طهرها خمسة وعشرون فتجد بعد ذلك في كل مرة وكان أبو سهل
الفرائضي رحمه الله تعالى يقول الأصح عندي ان يجعل حيضها أربعة لان الزيادة على أيامها
لأجل الضرورة وهذه الضرورة تندفع بزيادة يوم واحد ليكون ابتداء حيضها وختمه بالدم
فلا يزاد أكثر من يوم واحد فكان حيضها أربعة وكان أبو عبد الله الزعفراني رحمه الله تعالى
يقول الأصح عندي ان يجعل حيضها ثلاثة أيام وساعة فان الزيادة للضرورة فتتقدر بقدر
الضرورة وترتفع هذه الضرورة بزيادة ساعة من أيام الدم فلا يزاد أكثر من ذلك فيكون
حيضها ثلاثة أيام وساعة ولم يعتبر محمد رحمه الله تعالى شيئا من هذا لان كل دور من الدم
وذلك يومان في حكم شئ واحد لاتصال بعضه بالبعض فإذا وجب زيادة شئ منه يزاد
كله فيجعل حيضها خمسة أيام من أول كل شهر فان رأت يومين دما ويوما طهرا واستمر بها الدم
فثلاثة أيام من حين استمر بها الدم حيض وما قبله استحاضة في قول محمد رحمه الله تعالى لأنا
لو اعتبرنا من أول الرؤية كان ختم أيامها بالطهر فلا يجد بدا من أن يزيد في أيامها حيضها
وإذا اعتبرنا من أو ل الاستمرار أمكن جعل الثلاثة حيضا لها من غير حاجة إلى الزيادة
والغاء يومي دم ويوم طهر قبل الاستمرار أهون من الزيادة في أيامها فلهذا يلغي ذلك ويجعل
حيضها من أول الاستمرار ثلاثة وكان الزعفراني رحمه الله تعالى يقول إنما يلغي من أول اليومين
ساعة فيبقى يومان الا ساعة دم ويوم طهر فيضم إليه ساعة من أول الاستمرار حتى تتم
ثلاثة أيام ويمكن جعل هذه الثلاثة حيضا لان ابتداءه وختمه بالدم والالغاء لأجل الضرورة
فإذا ارتفعت الضرورة بإلغاء ساعة لا يجوز إلغاء ثلاثة أيام فان رأت بعد طهر سبعة وعشرين
يوما دما ويومين طهرا واستمر كذلك فنقول إنها لم تجد أيامها في المرة الأولى لان ختم
الثلاثة كان بالطهر وهكذا لا تجد في كل مرة لما بينا أنه يستقبلها في الشهر الثاني مثل ما كان
190

يستقبلها في الشهر الأول يوم دم ويومان طهر فلا بد من الزيادة في مدة حيضها فيجعل
حيضها من أول ما رأت أربعة ليكون ابتداؤه وختمه بالدم والطهر في خلاله قاصر ثم طهرها
بقية الشهر وذلك ستة وعشرون وعلى قول الزعفراني رحمه الله تعالى إنما يزاد ساعة واحدة
من اليوم الرابع لان الضرورة به ترتفع كما بينا والمسائل المخرجة على هذا الأصل كثيرة
وفيما بيناه كفاية فإن كان حيضها عشرة أيام من أول الشهر وطهرها عشرين فطهرت
ثلاثين يوما ثم استمر بها الدم فعشرة من أول الدم المستمر حيض عند محمد رحمه الله تعالى
بطريق البدل لأنها لم تر في أيامها شيئا والابدال بطريق الجر ممكن فانا إذا أبدلنا هذه
العشرة يبقى من زمان طهرها عشرة فيجر خمسة من أيام الحيض إلى باقي الطهر ليتم خمسة
عشر فلهذا أبدل لها وقال تترك من أول الاستمرار عشرة ثم تصلى خمسة عشر ثم تترك
خمسة ثم تصلى عشرين ثم تترك عشرة وتصلى عشرين وكذلك أن طهرت اثنين وثلاثين
يوما لأنا إذا أبدلنا لها من أول الاستمرار عشرة يبقى من الطهر ثمانية فيجر من أيامها
الثاني سبعة إليه ليتم خمسة عشر فإنه يبقى بعده ثلاثة أيام وذلك حيض تام فأما إذا طهرت
ثلاثة وثلاثين فالآن لا يبدل لها من أول الاستمرار لأنا لو أبدلنا لها عشرة يبقى من زمان
طهرها سبعة فلا يمكن ان يجر من الحيض الثاني إليه ما يتم به الطهر خمسة عشر لان ذلك
ثمانية والباقي بعدها يومان ويومان لا يمكن ان يجعل حيضا فلهذا لم يبدل لها ولكنه قال تصلى
إلى موضع حيضها الثاني والله أعلم بالصواب
(فصل في بيان التاريخ)
امرأة كان أيام حيضها عشرة وأيام طهرها عشرين ثم استمر بها الدم يوم الأحد لأربع
عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة أربع وسبعين وأربعمائة ثم جنت وبقيت كذلك مدة
طويلة ثم أفاقت والدم مستمر كذلك فجاء اليوم وهو يوم الخميس السابع والعشرين من
ذي القعدة سنة سبع وسبعين وأربعمائة إلى فقيه تستفتيه انها حائض اليوم أم طاهر فإن كان
ت حائضا فهذا أول حيضها أو آخره وان كانت طاهرا فكذلك فالسبيل لذلك الفقيه
ان ينظر من تاريخ الاستمرار إلى يوم السؤال فيأخذ السنين الكوامل والشهور الكوامل
والأيام التي لم تبلغ شهرا فيجعل السنين شهورا والشهور أياما ثم يطرح من الجملة العدد
191

الناقص من الشهور فنقول من تاريخ الاستمرار إلى وقت السؤال ثلاث سنين وستة أشهر
وثلاثة عشر يوما فاجعل السنين شهورا بأن تضرب ثلاثة في اثنى عشر فيكون ستة
وثلاثين وتضم إليه ستة أشهر فيكون اثنين وأربعين يضرب ذلك في ثلاثين فيكون ألفا
ومائتين وستين يضم إليه ثلاثة عشر يوما فيكون ألفا ومائتين وثلاثة وسبعين إلا أن في
الأشهر كوامل ونواقص فاجعل النصف كوامل والنصف نواقص واطرح بعدد نصف
الشهور من الجملة وذلك أحد وعشرون يوما يبقي ألف ومائتان واثنان وخمسون ثم انظر
إلى ماله ثلث صحيح وعشر صحيح فاطرحه لان دورها في كل ثلاثين عشرة حيض
وعشرون طهر فألف ومأتان وثلاثون تطرح من هذه الجملة يبقى اثنان وعشرون وليس له
ثلث صحيح ولا عشر صحيح فعرفت أن عشرة من أول هذا الباقي حيضها واثنى عشر طهرها
فيقال لها قد بقي من مدة طهرك ثمانية فتصلى ثمانية إلا أنه يبقى فيه شبهة وهو أنه من الجائز
ان عدد الكوامل من الشهور كان أقل وعدد النواقص كان أكثر فان أردت إزالة هذه الشبهة
فأحسبه بالأسابيع لان كل أسبوع سبعة أيام من غير زيادة فان وافق العدد بالأسابيع ما كان
معك علمت أن النواقص والكوامل كانا سواء فان فضل يوم علمت أن النواقص كان أكثر
بشهر وان انتقص يوم علمت أن الكوامل أكثر بشهر فانظر إلى ماله سبع صحيح فاطرحه من أصل
الحساب ولألف ومائة وتسعين سبع صحيح يبقى اثنان وستون ولستة وخمسين سبع صحيح
فاطرحه من الباقي بقي معك ستة فابتداء الاستمرار كان يوم الأحد ومنه إلى وقت السؤال
خمسة أيام لأنها سألت يوم الخميس وقد فضل يوم فعلمت أن النواقص كان أكثر بشهر
فاطرح من الباقي معك وذلك اثنان وعشرون واحدا بقي أحد وعشرون حيضها من ذلك
عشرة وطهرها أحد عشر فيقال لها هذا يوم الحادي عشر من طهرك فصلى تسعة أيام تمام
طهرك ثم اتركي عشرة وصلى عشرين وما كان من هذا الجنس تخرجه على هذا الوجه
والله سبحانه وتعالى أعلم
(فصل) امرأة جاءت إلى فقيه فأخبرته عن طهر خمسة عشر يوما ولا تحفظ شيئا سوى
ذلك فهذا لا يكفيها لنصب العادة ولا الاستئناف لتوهم الاستحاضة قبلها أو بعدها فيقال
لها تذكري فإن لم تتذكر شيئا فحكمها حكم الضالة على ما يأتي بيانه في بابه فان أخبرته
عن طهر صحيح ودم صحيح ولا تحفظ شيئا آخر فهذا أيضا لا يكفيها لنصب العادة لتوهم
192

الاستحاضة قبلها أو بعدها فان قالت اعلم أنى لم أكن مستحاضة فعلى قول أبى يوسف رحمه
الله تعالى يكفيها لنصب العادة لأنه يرى انتقال العادة بالمرة الواحدة وعلى قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله تعالى لا يكفيها لنصب العادة لان عندهما لا تنتقل العادة بالمرة الواحدة
فان أخبرت عن دمين صحيحين وطهرين صحيحين متفقين وعلمت أنها لم تكن مستحاضة
قبلهما ولا بعدهما فهذا يكفيها لنصب العادة ولا يكفيها للاستئناف لان العادة تنتقل
برؤية المخالف مرتين ولكن لا يكفيها للاستئناف لتوهم الطهر الطويل قبلهما أو بعدهما فان
أخبرت عن دمين صحيحين مختلفين في العدد وعن طهرين صحيحين مختلفين في العدد
فعلى قول من يقول بأقل المرتين هذا يكفيها لنصب العادة ولكن لا يكفيها للاستئناف لتوهم
الطهر الطويل وعلى قول من يقول بأوسط الاعداد هذا لا يكفيها لنصب العادة فان أخبرت
عن ثلاثة أطهار ودماء مختلفة فإن لم تعلم أنها هل كانت مستحاضة قبلها أو بمدها فهذا لا يكفيها
لنصب العادة على قول من يقول بأوسط الاعداد لان الخالص من هذه الثلاثة دمان وطهران
وان علمت أنها لم تكن مستحاضة قبلها ولا بعدها فهذا يكفيها لنصب العادة بالبناء على
أوسط الاعداد ولا يكفيها للاستئناف لتوهم الطهر الطويل وعلى هذا القياس يخرج ما كان
من هذا الوجه والله أعلم
(باب الاضلال)
(قال) وإذا كانت امرأة تحيض في كل شهر حيضة فاستحيضت وطبقت بين الفريقين
ونسيت عدد أيامها وموضعها فإنها تبني على أكبر رأيها لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة
كاستقبال القبلة فكما أن عند اشتباه أمر القبلة عليها تتحرى فكذا اشتباه حالها في الحيض
والطهر عليها تتحرى فكل زمان يكون أكبر رأيها انها حائض فيه تترك الصلاة وكل زمان
أكثر رأيها علي انها فيه طاهرة تصلى فيه بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك وكل زمان لم يستقر
رأيها فيه على شئ بل تردد بين الحيض والطهر والدخول في الحيض فإنها تصلى فيه بالوضوء
لوقت كل صلاة بالشك وكل زمان لم يستقر رأيها على شئ بل تردد رأيها فيه بين الحيض
والطهر والخروج عن الحيض فإنها تصلى فيه بالغسل لكل صلاة بالشك والقياس فيما إذا لم
يكن لها رأى أن تغتسل في كل ساعة لأنه ما من ساعة الا ويتوهم انه وقت خروجها من
193

الحيض ولكن لو أخذنا بهذا كان فيه حرج بين فإنها لا تتفرغ عن الاغتسال لشغل آخر ديني
أو دنيوي فأمرناها بالاغتسال لكل صلاة لهذا وكان أبو علي الدقاق رحمه الله تعالى يقول
هذا قياس أيضا والاستحسان انها تغتسل لوقت كل صلاة وزعم أن هذا هو قول محمد
رحمه الله تعالى لان في أمرنا إياها بالاغتسال لكل صلاة من الحرج مالا يخفى فكما أن
في المستحاضة التي تعرف أيامها يقام الوقت مقام الصلاة حتى يكفيها في كل وقت وضوء
واحد فكذلك في الاغتسال ولكن الأصح ما ذكر في الكتاب انها تغتسل لكل صلاة
لان اعتبار الحرج فيما لا نص فيه بخلافه والأثر جاء هنا بالاغتسال لكل صلاة فان حمنة
بنت جحش رضى الله تعالى عنها لما استحيضت سبع سنين أمرها رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن تغتسل لكل صلاة فإن كانت فيه قد نسيت أيامها فهو نص وان كانت تحفظ
أيامها فلما أمرنا بالاغتسال لكل صلاة من حفظت أيامها فلمن نسيت أولى وبه أمر حمنة
بنت جحش وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه وبه أمر سلمة بنت
سهيل وكانت تحت أبى حذيفة رضى الله تعالى عنه فشق عليها ذلك فأمرها أن تؤخر
الصلاة إلى آخر الوقت ثم تصلى الظهر في آخر الوقت والعصر في أول الوقت بغسل واحد
ثم تؤخر المغرب إلى آخر الوقت فتغتسل وتصلى المغرب في آخر الوقت والعشاء في أول
الوقت بغسل واحد ثم تغتسل للفجر وبه أخذ إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى وتأويله عندنا
انها تذكرت ان خروجها من الحيض كأن يكون في آخر هذه الأوقات. وقال سعيد
ابن جبير رحمه الله تعالى رفع فتوى إلى ابن عباس رضي الله عنهما بعد ما كف بصره
فدفعه إلى فقرأته عليه فإذا فيه أنى امرأة من المسلمين ابتليت بالدم وقد سألت عليا رضى
الله تعالى عنه فأمرني أن أغتسل لكل صلاة فقال وأنا أرى لها مثل ما رأى على رضى الله
تعالى عنه فلهذه الآثار أمرناها بالاغتسال لكل صلاة وكان أبو سهل رحمه الله تعالى يقول
تغتسل في وقت وتصلى ثم تغتسل في الوقت الثاني لأداء صلاة الوقت وتعيد ما صلت
قبل هذا الوقت لتتيقن أداء أحدهما بصفة الطهارة لان الاحتياط في باب العبادات واجب
وإنما تصلى المكتوبات والسنن المشهورة لأنها تبع للمكتوبات شرعت لجبر النقصان
المتمكن فيها وكذلك تصلى الوتر لأنها واجبة أو سنة مؤكدة ولا تصلى شيئا من
التطوعات سوى هذا لان أداء التطوع في حالة الطهر مباح وفي حاله الحيض حرام
194

وما تردد بين المباح والبدعة لا يؤتى به فان التحرز عن البدعة واجب وفيما تصلى تقرأ
في كل ركعة آية واحدة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وثلاث آيات عندهما قدر ما يتم
به فرض القراءة ومن مشايخنا رحمهم الله تعالى من يقول تقرأ الفاتحة في الأوليين من
المكتوبة وفي السنن في كل ركعة لان الفاتحة تعينت واجبة في حق العمل فلا تترك قراءتها
ولا تقرأ السورة معها كما لا تقرأ خارج الصلاة آية تامة من القرآن لان ما ترد بين السنة
والبدعة لا يؤتى به وكذلك لا تمس المصحف ولا تدخل المسجد لأنها في كل وقت على
احتمال انها حائض وليس للحائض مس المصحف ولا دخول المسجد ولا قراءة آية تامة من
القرآن فان سمعت سجدة فسجدت كما سمعت سقطت عنها لأنها ان كانت طاهرة فقد
أدت ما لزمها وان كانت حائضا فلا تجب السجدة على الحائض بالسماع وان سجدت بعد
ذلك يلزمها ان تعيدها بعد عشرة أيام لجواز ان سماعها كان في حالة الطهر فلزمتها السجدة
ثم أدت في حالة الحيض فلا تسقط عنها فإذا أعادت بعد عشرة أيام تيقنت ان أحداهما كانت
في حالة الطهر وان حجت فلا تأتي بطواف التحية أصلا لأنه سنة وما تردد بين السنة
والبدعة لا يؤتي به فاما طواف الزيارة فركن الحج لابد أن تأتي به ثم تعيده بعد عشرة أيام
لتتيقن أن أحدهما حصل في حالة الطهر فتتحلل به بيقين وتأتي بطواف الصدر ثم لا تعيده
لان طواف الصدر واجب على الطاهر دون الحائض فإن كانت حائضا فليس عليها ذلك
وان كانت طاهرة فقد أتت به ولا يطؤها زوجها لان الوطئ لا تتحقق فيه الضرورة ولكنه
اقتضاء للشهوة وهو حرام في حالة الحيض. وقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى للزوج
أن يتحرى ويطأها بالتحري لأنه حقه في حالة الطهر وزمان الطهر أكثر من زمان الحيض
وعند غلبة الحلال يجوز التحري كالمساليخ إذا اختلطت والحلال غالب على الميتة ولكن
هذا غير صحيح فان التحري في باب الفروج لا يجوز نص عليه في كتاب التحري في
الجواري وإنما التحري فيما يحل تناوله بالاذن دون الملك ولا تفطر في شئ من شهر رمضان
ثم بعد مضي شهر رمضان يلزمها قضاء أيام الحيض وأكثر ما كان حيضها في الشهر عشرة
أيام سواء كان الشهر كاملا أو ناقصا لان باقي الشهر بعد أيام الحيض طهر فان انتقص الشهر
فظهور ذلك النقصان في الطهر لا في الحيض ثم المسألة على ثلاثة أوجه اما أن تعلم أن
ابتداء حيضها كأن يكون بالليل أو تعلم أن ابتداء حيضها كأن يكون بالنهار أو لا تتذكر
195

شيئا من ذلك فان علمت أن ابتداء حيضها كأن يكون بالليل فعليها قضاء عشرين يوما لان
أكثر ما فسد صومها فيه في الشهر عشرة وربما وافق ابتداء حيضها ابتداء القضاء فلا يجزيها
صومها في عشرة أيام ثم يجزيها في عشرة أخرى فإذا صامت عشرين يوما خرجت مما عليها من
القضاء بيقين وان علمت أن ابتداء حيضها كأن يكون بالنهار فعليها ان تصوم اثنين وعشرين
يوما احتياطا لان أكثر ما فسد صومها فيه في الشهر أحد عشر يوما فان ابتداء الحيض
إذا كان من عند طلوع الشمس فتمام عشرة أيام في مثل هذا الوقت من اليوم الحادي عشر
فيفسد صومها فيه ثم عليها قضاء ضعف ذلك لجواز ان ابتداء القضاء وافق أول يوم من
حيضها فلا يجزيها الصوم في أحد عشر ثم يجزيها في أحد عشر أخرى وان كانت لا تدرى ان
ابتداء حيضها كأن يكون بالليل أو بالنهار فأكثر مشايخنا رحمهم الله تعالى يقولون يلزمها قضاء
عشرين يوما لان الحيض لا يكون أكثر من عشرة وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى
يقول تقضى اثنين وعشرين يوما لتوهم أن ابتداء حيضها كأن يكون بالنهار والاحتياط في
باب العبادات واجب ويستوى ان قضت موصولا بالشهر أو مفصولا عنه وهذا كله إذا علمت أن
دورها كأن يكون في كل شهر وإن لم تعرف ذلك أيضا فعليها الاخذ بالاحتياط فلا تفطر
في شئ من الشهر وعليها ان كانت تعرف ان ابتداء حيضها كأن يكون بالليل قضاء خمسة عشر يوما
لان من الجائزان حيضها كان عشرة وطهرها خمسة عشر يوما فإنما فسد صومها في خمسة عشر
يوما إما عشرة من أول الشهر وخمسة من آخره أو خمسة من أول الشهر بقية حيضها وعشرة
من آخر الشهر فإذا عرفنا ان عليها قضاء خمسة عشر يوما فاما ان تقضى موصولا بالشهر أو
مفصولا عنه فان قضت موصولا فعليها ان تقضى خمسة وعشرين يوما لأنه إن كان فسد
صومها من أول الشهر عشرة ومن آخر الشهر خمسة فيوم الفطر هو السادس من حيضها
لا تصوم فيه ثم تصوم بعده تسعة عشر يوما فلا يجزيها في أربعة أيام بقية حيضها ثم يجزيها
في خمسة عشر وإن كان إنما فسد من آخر الشهر عشرة فيوم الفطر أول يوم من طهرها
لا تصوم فيه ثم يجزيها الصوم في أربعة عشر يوما ثم لا يجزيها في عشرة ثم يجزيها في يوم آخر فمن
هذا الوجه عليها ان تصوم خمسة وعشرين يوما ومن الوجه الأول تسعة عشر فتحتاط وتصوم
خمسة وعشرين وكذلك أن قضت مفصولا فإنما تقضى خمسة وعشرين يوما لتوهم ان ابتداء
القضاء وافق أول يوم من حيضها فلا يجزيها الصوم في عشرة أيام ثم يجزيها في خمسة عشر
196

يوما وان علمت أن ابتداء حيضها كأن يكون بالنهار فأكثر ما فسد من صومها في الشهر ستة
عشر يوما إما أحد عشر من أوله وخمسة من آخره أو خمسة من أول الشهر بقية الحيض
وأحد عشر من آخره واما أن تقضى ذلك موصولا برمضان أو مفصولا عنه فان قضت
موصولا فعليها أن تصوم اثنين وثلاثين يوما لأنه إن كان أول الشهر ابتداء حيضها فيوم
الفطر هو السادس من حيضها لا تصوم فيه ثم لا يجزئها الصوم بعده في خمسة أيام ويجزئها
في أربعة عشر يوما ثم لا يجزئها في أحد عشر يوما ثم يجزئها في يومين فتكون الجملة اثنين
وثلاثين وإن كان ابتداء شوال أول طهرها بأن كان ختم حيضها في آخر رمضان فلا تصوم
في يوم العيد ثم يجزئها الصوم بعده في ثلاثة عشر يوما ثم لا يجزئها في أحد عشر ثم يجزئها في
ثلاثة فتكون الجملة سبعة وعشرين فمن هذا الوجه عليها قضاء سبعة وعشرين يوما ومن الوجه
الأول عليها قضاء اثنين وثلاثين فتأخذ بالاحتياط وتصوم اثنين وثلاثين لتخرج مما عليها
بيقين وان قضت مفصولا فعليها قضاء ثمانية وثلاثين لأنه يتوهم أن يوافق ابتداء القضاء
أول يوم من حيضها فلا يجزئها الصوم في أحد عشر يوما ثم يجزئها في أربعة عشر ثم لا يجزئها
في أحد عشر ثم يجزئها في يومين فتكون الجملة ثمانية وثلاثين يوما فإذا صامت هذا المقدار
تيقنت بجواز صومها في ستة عشر يوما وذلك القدر كان واجبا عليها وان كانت لا تدرى
أن ابتداء حيضها كأن يكون بالنهار أو بالليل فعلى قول عامة مشايخنا رحمهم الله تعالى تصوم
خمسة وعشرين يوما وعلى قول الفقيه أبى جعفر رحمه الله تعالى تأخذ بأحوط الوجهين
فان قضت موصولا بالشهر صامت اثنين وثلاثين يوما وان قضت مفصولا عن الشهر صامت
ثمانية وثلاثين يوما وهذا كله إذا كان شهر رمضان كاملا فإن كان ناقصا فالواجب عليها قضاء
خمسة عشر يوما لأنا تيقنا بجواز صومها في أربعة عشر فيتعين للفساد خمسة عشر فإذا
أرادت القضاء صامت سبعة وثلاثين يوما لان من الجائز أن يوافق ابتداء صومها ابتداء
حيضها فلا يجزئها في أحد عشر يوما بأن كان حيضها بالنهار ويجزئها في أربعة عشر ثم لا
يجزئها في أحد عشر ثم يجزئها في يوم فجملة ذلك سبعة وثلاثون يوما فلهذا صامت هذا
القدر لتخرج مما عليها بيقين ولو وجب على هذه المرأة صوم شهرين متتابعين في كفارة
القتل أو في كفارة الفطر بأن كانت أفطرت قبل هذه الحالة إذ في هذه الحالة لا تلزمها
الكفارة لتمكن الشبهة في كل يوم بالتردد بين الحيض والطهر ثم هذا على وجهين اما ان كانت
197

تعلم أن حيضها كأن يكون في كل شهر أولا تعلم ذلك وكل وجه على وجهين أما ان كانت تعلم
أن ابتداء حيضها بالليل أو بالنهار أو لا تعلم ذلك فأما الفصل الأول وهو ما إذا كان دورها
في كل شهر فان علمت أن ابتداء حيضها كأن يكون بالليل فعليها أن تصوم تسعين يوما لان
الواجب عليها صوم ستين يوما متتابعة فمن كل ثلاثين يتيقن بجواز صومها في عشرين فإذا
صامت تسعين يوما تيقنت بجواز صومها في ستين يوما فتسقط به الكفارة عنها وان
علمت أن ابتداء حيضها كأن يكون بالنهار فعليها أن تصوم مائة يوم وأربعة أيام لجواز أن
يكون ابتداء صومها يوافق ابتداء حيضها فلا يجزئها في أحد عشر يوما ثم يجزئها في تسعة عشر
يوما ثم لا يجزئها في أحد عشر ثم يجزئها في تسعة عشر ثم في الشهر الثالث كذلك فيبلغ العدد
تسعين يوما وإنما جاز صومها منه في سبعة وخمسين ثم لا يجزئها في أحد عشر ثم يجزئها في
ثلاثة تتمة ستين فبلغ عدد الجملة مائة يوم وأربعة أيام فلهذا صامت هذا المقدار وان كانت لا
تدرى أن حيضها كأن يكون بالليل أو بالنهار فعلى قول أكثر مشايخنا رحمهم الله تعالى تصوم
تسعين يوما وعلى ما ذكره الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى تأخذ بأحوط الوجهين فتصوم
مائة وأربعة أيام وأما الفصل الثاني وهو ما إذا كانت لا تدرى ان دورها في كم يكون فان
علمت أن ابتداء حيضها كأن يكون بالليل فعليها أن تصوم مائة يوم لان من كل خمسة
وعشرين يتيقن بجواز صومها في خمسة عشر بأن كان حيضها عشرة وطهرها خمسة عشر
فإذا صامت مائة يوم جاز صومها في ستين يوما بيقين فتسقط عنها الكفارة به وان كانت
تعلم أن ابتداء حيضها كأن يكون بالنهار فعليها أن تصوم مائة وخمسة عشر يوما لان من
الجائز أن يوافق ابتداء الصوم ابتداء الحيض فلا يجزئها في أحد عشر ثم يجزئها في أربعة
عشر ثم لا يجزئها في أحد عشر ثم يجزئها في أربعة عشر فيبلغ العدد مائة وإنما جاز صومها
في ستة وخمسين يوما لا يجزئها في أحد عشر يوما ثم يجزئها في أربعة من أربعة عشر يوما تتمة
ستين فبلغ مائة وخمسة وعشرين وإنما جاز صومها فيه في ستين يوما وان كانت لا تدرى
كيف كان ابتداء حيضها فهو على الاختلاف الذي بينا ولو وجب عليها صوم ثلاثة أيام في
كفارة يمين فإن كانت تعلم أن ابتداء حيضها كأن يكون بالليل فعليها أن تصوم خمسة
عشر يوما لأنه ان وافق ابتداء صومها ابتداء الحيض لم يجزئها في عشرة ثم يجزئها في ثلاثة
بعدها وذلك ثلاثة عشر فإن كانت حين افتتحت الصوم بقي من طهرها يوم أو يومان جاز
198

صومها فيهما ثم لم يجز في عشرة وانقطع به التتابع فان صوم ثلاثة أيام في كفارة اليمين
متتابعة وعذر الحيض فيه لا يكون عفوا لأنها تجد ثلاثة أيام خالية عن الحيض بخلاف
الشهرين وقد بينا هذا في كتاب الصوم فعليها أن تحتاط بصوم خمسة عشرين يوما حتى إذا
كان الباقي من طهرها يومين حين افتتحت الصوم لم يجزها صومها فيهما عن الكفارة
لانقطاع التتابع في العشرة بعدهما لعذر الحيض وجاز صومها في ثلاثة بعدها فكانت الجملة
خمسة عشر يوما وإن شاءت صامت ثلاثة أيام ثم بعد عشرة أيام تصوم ثلاثة أيام أخرى
فتيقن ان إحدى الثلاثتين وافقت زمان طهرها وجاز صومها فيها عن الكفارة وان كانت تعلم أن
ابتداء حيضها كأن يكون بالنهار فعليها ان تصوم ستة عشر يوما لان من الجائز ان الباقي
من طهرها حين افتتحت الصوم يومان فلا يجزيها الصوم فيهما عن الكفارة لانقطاع التتابع
ثم لا يجزيها في أحد عشر يوما بسبب الحيض ثم يجزيها في ثلاثة أيام فتكون الجملة ستة عشر
يوما صامت ثلاثة أيام ثم أفطرت أحد عشر ثم صامت ثلاثة أيام فتيقن ان احدى الثلاثتين في
زمان طهرها فيجزيها وعلى هذا قال في قضاء رمضان أيضا إذا كان الواجب عليها قضاء عشرة
أيام بان كان دورها في كل شهر فإن شاءت صامت عشرين يوما كما بينا وإن شاءت صامت
عشرة أيام في شهر ثم في شهر آخر عشرة أخرى سوى العشرة الأولى لتتيقن ان احدى
العشرتين موافق زمان طهرها وكذلك أن كانت تعلم أن ابتداء حيضها كأن يكون في كل شهر
ثلاثة أو أربعة فعليها بعد مضى رمضان قضاء ضعف عدد أيامها وإن شاءت صامت عدد أيامها
في عشر من شهر ثم في الشهر آخر صامت مثل ذلك في عشر آخر لتتيقن ان إحداهما موافق
زمان طهرها فيجزيها من القضاء الا انا لم نشتغل بهذا في قضاء رمضان لأنه ليس فيه تخفيف
عليها بنقصان العدد وبيناه في صوم كفارة اليمين لان التخفيف فيه يتحقق ولو وجب عليها قضاء
صلاة تركتها في زمان طهرها صلت تلك الصلاة بعد الاغتسال ثم اعادتها بعد عشرة أيام
لتخرج مما عليها بيقين فان أحد الوقتين زمان طهرها بيقين ولو أن هذه المرأة طلقها زوجها
بعد الدخول بها فعلى قول أبى عصمة سعد بن معاذ رضي الله عنه لا تنقضي عدتها في حكم
التزوج بزوج آخر ابدا لما بينا أنه لا يقدر أكثر الطهر بشئ فان التقدير بالرأي لا يجوز وعلى
قول محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى إذا مضى من وقت الطلاق تسعة عشر شهرا وعشرة أيام غير
أربع ساعات يجوز لها ان تتزوج لأنه يقدر أكثر مدة الطهر بستة أشهر غير ساعة كما بينا
199

ومن الجائز ان الطلاق كان بعد مضى ساعة من حيضها فلا تحتسب هذه الحيضة من العدة
وذلك عشرة أيام غير ساعة ثم بعد ثلاثة أطهار كل طهر ستة أشهر غير ساعة وثلاثة حيض
كل حيضة عشرة أيام فإذا جمعت الكل بلغ تسعة عشر شهرا وعشرة أيام غير أربع ساعات
فيحكم بانقضاء عدتها بهذه المدة ولها ان تتزوج بعدها وعلى قول من يقدر مدة الطهر في
حقها بتسعة وعشرين يوما كما بينا تتزوج بعد أربعة أشهر ويوم واحد غير ساعة لان من
الجائز أن الطلاق كان بعد مضى ساعة من حيضها فلا تحسب هذه الحيضة من العدة وهو
عشرة أيام غير ساعة ثم بعد ثلاثة أطهار كل طهر سبعة وعشرين يوما وثلاث حيض كل حيضة
عشرة فيبلغ عدد الجملة مائة واحدا وعشرين يوما غير ساعة فلهذا كان لها ان تتزوج بعد
هذه المدة فاما في حكم انقطاع الرجعة فإذا مضى تسعة وثلاثون يوما من وقت الطلاق
انقطعت الرجعة لان بابها مبنى على الاحتياط ومن الجائز ان حيضها كان ثلاثة وطهرها
خمسة عشر وكان وقوع الطلاق في آخر جزء من أجزاء طهرها فتنقضي عدتها بتسع
وثلاثين يوما فلهذا حكمنا بانقطاع الرجعة بهذا القدر احتياطا وهو نظير ما قلنا في امرأة
تحفظ أيامها طهرت من الحيضة الثالثة وأيامها دون العشرة فاغتسلت بسؤر الحمار انقطعت
به الرجعة ولا تحل للأزواج ما لم تتيمم معه أو تصلى بعد التيمم ولو أن هذه المبتلاة كانت أمة
فاشتراها انسان فمدة استبرائها على قول أبي عصمة رحمه الله تعالى لا تقدر بشئ لما بينا
وعلى قول محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى تقدر بستة أشهر وعشرين يوما غير ساعتين
لجواز ان الشراء كان بعد ما مضى من حيضها ساعة فلا تحسب هذه الحيضة من الاستبراء
وهو عشرة أيام الا ساعة ثم بعده طهر ستة أشهر الا ساعة ثم بعده الحيض عشرة أيام
فتكون الجملة ستة أشهر وعشرين يوما غير ساعتين يستبرئها بها وإنما هذا كالبناء على قول
من يجوز وطأها بالتحري لان المقصود من الاستبراء استباحة الوطئ فاما على قول من
لا يبيح وطأها أصلا وهو الأصح فلا حاجة إلى هذا التكلف وما كان من أحكامها فعلى
هذا الوجه تخريجه والله أعلم
(فصل في اضلال عدد في عدد)
فان سأل سائل عن امرأة أضلت أيامها فيما هو دونها من العدد فهذا محال بان قال أيامها
200

عشرة فأضلت ذلك في أسبوع لان العشرة لا توجد في الأسبوع فكيف تضل فيه
وكذلك لو قال أضلت في مثلها من العدد فهو محال أيضا بأن قال أيامها سبعة فأضلت ذلك في
أيام الجمعة لأنها واجدة عالمة بحالها وان قال أضلت أيامها فيما هو فوقها من العدد فالسؤال
مستقيم ثم الأصل فيه أن كل زمان يتيقن فيه بالحيض تترك الصلاة والصوم ولا يأتيها
زوجها فيه بيقين وكل زمان تيقنت فيه بالطهر تصلى فيه بالوضوء لوقت كل صلاة بيقين
ولا يأتيها زوجها فيه وكل زمان تردد بين الحيض والطهر تصلى فيه بالوضوء لوقت كل
صلاة بالشك ولا يأتيها زوجها فيه وكل زمان تردد بين الحيض والطهر والخروج من
الحيض تصلى فيه بالاغتسال لكل صلاة بالشك ولا يأتيها زوجها فيه وأصل آخر انها متى
أضلت أيامها في ضعفها من العدد أو أكثر من الضعف فلا يتيقن بالحيض في شئ منه نحو
ما إذا كانت أيامها ثلاثة فضلت ذلك في ستة أو ثمانية لأنها لا تتيقن بالحيض في شئ من
أوله وآخره ومتى ضلت أيامها فيما دون ضعفه يتيقن بالحيض في بعضه نحو ما إذا كانت أيامها
ثلاث فضلت ذلك في خمسة فإنها تتيقن بالحيض في اليوم الثالث فإنه أول الحيض أو آخره
أو الثاني منه بيقين فتترك الصلاة فيه لهذا إذا عرفنا هذا جئنا إلى بيان المسائل فنقول إن
كانت تعلم أن أيامها كانت ثلاثة في العشر الآخر من الشهر ولا تدرى في أي موضع من
العشر كانت ولا رأى لها في ذلك فهذه أضلت أيامها في أكثر من ضعفها فتصلى ثلاثة أيام
من أول العشر بالوضوء لوقت كل صلاة لأنه تردد حالها في هذه المسألة بين الحيض
والطهر ثم بعد ذلك تغتسل لكل صلاة إلى آخر العشر لأنه تردد حالها فيه بين الحيض
والطهر والخروج من الحيض إلا أنها ان كانت تذكر أن خروجها من الحيض في أي وقت
من اليوم كأن يكون تغتسل في كل يوم في ذلك الوقت مرة وان كانت لا تعرف ذلك
تغتسل لكل صلاة فإن كانت أيامها أربعة فأضلت ذلك في العشرة فإنها تتوضأ أربعة أيام
من أول العشرة لوقت كل صلاة لأنه تردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم بعد ذلك
تغتسل لكل صلاة إلى آخر العشرة لأنه تردد حالها بين الحيض والطهر والخروج من
الحيض وان كانت أيامها خمسة فأضلت ذلك في عشرة فإنها تصلى خمسة أيام من أول
العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة لأنه تردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تصلى إلى آخر
العشرة بالاغتسال لكل صلاة لأنه تردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من
201

الحيض فإن كانت أيامها ستة فأضلت ذلك في عشرة فإنها تصلي من أول العشرة أربعة أيام
بالوضوء لوقت كل صلاة ثم تدع يومين ثم تصلي في أربعة أيام بالاغتسال لكل صلاة لان
الأربعة الأولى ترددت بين الحيض والطهر فأما اليوم الخامس والسادس فهو حيض بيقين
لأنه ان كانت أيامها من أول العشر فهذا آخر حيضها وان كانت من آخر العشر فهذا
أول حيضها فلهذا تركت الصلاة فيهما بيقين ثم في الأربعة الأواخر تردد حالها بين
الحيض والطهر والخروج من الحيض فتصلى فيه بالاغتسال لكل صلاة وان كانت أيامها
سبعة فأضلت ذلك في عشرة فإنها تصلى ثلاثة من أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة
لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تدع أربعة بيقين لأن هذه الأربعة فيها يقين الحيض
فإنها آخر الحيض ان كانت البداية من أول العشرة وأول الحيض ان كانت أيامها في آخر
العشرة ثم تصلى ثلاثة أيام بالاغتسال لكل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر
والخروج من الحيض وان كانت أيامها ثمانية فأضلت ذلك في عشرة فإنها تصلى في يومين من
أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تدع الصلاة
ستة لان فيها يقين الحيض ثم تصلى في اليومين الآخرين بالاغتسال لكل صلاة لتردد حالها
فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض فإن كانت أيامها تسعة فأضلتها في عشرة فإنها
تصلى في يوم من أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر
ثم تدع الصلاة ثمانية أيام لان فيها يقين الحيض ثم تصلى في اليوم الآخر بالاغتسال لكل صلاة
لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض فإن كانت أيامها عشرة فهي واجدة
لان اضلال العشرة لا يتحقق فإن كانت تذكر انها كانت تطهر في آخر الشهر ولا
تدرى كم كانت أيامها توضأت إلى تمام سبعة وعشرين يوما من الشهر ثم أمسكت عن الصلاة
ثلاثة أيام ثم اغتسلت غسلا واحدا وهذا الجواب صحيح لكن فيه بعض الابهام فإنه لم يميز وقت
التيقن بالطهر من وقت الشك وتمام الجواب في أن نبين ذلك فنقول إلى عشرين من الشهر
لها يقين الطهر فتتوضأ فيها لوقت كل صلاة ويأتيها زوجها ثم في سبعة أيام بعد ذلك تردد
حالها بين الحيض والطهر فإن كان حيضها ثلاثة فهذه السبعة من جملة الطهر وإن كان حيضها
عشرة فهذه السبعة من جملة حيضها فتصلى فيها بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك ولا يأتيها
زوجها ثم في ثلاثة أيام تتيقن بالحيض فتترك الصلاة فيها ووقت الخروج من الحيض معلوم
202

لها وهو انسلاخ الشهر فاغتسلت عند ذلك غسلا واحدا فإن كانت تذكر أنها كانت
ترى الدم إذا جاوزت عشرين يوما ولا تدرى كم كانت أيامها فإنها تدع بعد العشرين الصلاة
ثلاثة أيام بيقين لان الحيض لا يكون أقل منها ثم تغتسل لكل صلاة إلى آخر الشهر لتردد
حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج من الحيض وتعيد صوم هذا العشر في عشر آخر
من شهر آخر لان فيها يقين الطهر وهذا الجواب مستقيم إذا كانت تعلم أن ابتداء رؤية الدم
كان بعد مجاوزة العشرين فأما إذا كانت تعلم أنها كانت ترى الدم يوم الحادي والعشرين ولا
تتذكر سوى ذلك شيئا فالجواب أنها تتيقن بالطهر إلى الحادي والعشرين من الشهر فتصلى
فيها بالوضوء لوقت كل صلاة بيقين ويأتيها زوجها ثم تصلى في تسعة أيام بالوضوء لوقت
كل صلاة بالشك لأنه تردد حالها فيه بين الحيض والطهر فمن الجائز أن اليوم الحادي
والعشرين آخر حيضها وأيامها عشرة ولا يأتيها زوجها فيه لتردد حالها بين الحيض والطهر
والخروج من الحيض وان كانت تستيقن أنها كانت ترى الدم بعد ما مضى سبعة عشر من
الشهر ولا تدرى كم كانت أيامها فقد ذكر في بعض نسخ الحيض أنها تدع ثلاثة أيام بعد
ستة عشر لان فيها يقين الحيض والطهر والخروج من الحيض ثم تصلى في سبعة أيام
بالاغتسال لكل صلاة بالشك لان فيه تردد حالها بين الحيض والطهر والخروج من
الحيض ولكن تأويل هذا أنها كانت تذكر أن ابتداء حيضها كأن يكون بعد سبعة عشر
وفى عامة النسخ قال إنها تصلى بالوضوء ثلاثة أيام ثم بالاغتسال سبعة أيام وهذا الذي ذكره
الحاكم في المختصر وقال إنما خالف بين الجواب في هذه والجواب في الأولى لأنها لا تعلم أن
حيضها كان متصلا بمضي سبعة عشر من الشهر وإنما تعلم كونه في العشرة التي بعدها فإذا
كان موضوع المسألة هذا فهذه امرأة أضلت أيامها في العشرة بعد سبعة عشر من الشهر
ولا تدرى كم كانت أيامها فأقلها ثلاثة بيقين وقد بينا فيمن أضلت ثلاثة في عشرة انها تتوضأ
لوقت كل صلاة وإذا كان على المستحاضة صلوات فائتة ولا تذكر شيئا من أمرها فإنها
تقضى ما عليها في يوم ان قدرت عليه وإن لم تقدر ففي يومين بالاغتسال لكل صلاة ثم تعيدها
بعد مضى عشرة أيام في اليوم الحادي عشر والثاني عشر لتتيقن بالأداء في زمان الطهر في
احدى المرتين فإن كانت تذكر أنها ترى الدم يوم الحادي عشر في الشهر ولا تذكر أوله
وآخره فإنها تتوضأ إلى الحادي عشر بيقين الطهر ويأتيها زوجها فيه ثم تتوضأ لوقت كل
203

صلاة في تسعة أيام بالشك لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تدع اليوم الحادي
والعشرين ثم تغتسل في تسعة أيام لكل صلاة بالشك لا يأتيها زوجها فيه لتردد حالها بين
الحيض والطهر والخروج من الحيض وان كانت تعلم أنها كانت تحيض في كل شهر مرة
في أوله أو في آخره ولا تدرى كم كان حيضها ولا تدخل شهرا في شهر فإنها تتوضأ من
أول الشهر ثلاثة أيام لوقت كل صلاة لتردد حالها في هذه الثلاثة بين الحيض والطهر ولا
يأتيها زوجها ثم تغتسل سبعة أيام لكل صلاة لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر والخروج
من الحيض ولا يأتيها زوجها أيضا ثم تتوضأ إلى آخر الشهر ولم يميز في هذا الجواب الزمان
الذي فيه يقين الطهر ولا بد من ذلك فنقول في العشر الأوسط تتوضأ لوقت كل صلاة لأنها
تتيقن بالطهر فيها ويأتيها زوجها وفى العشر الأواخر تتوضأ لوقت كل صلاة بالشك ولا
يأتيها زوجها لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ولا يحتمل الخروج من الحيض في هذه
العشرة إنما تردد حالها بين الحيض والطهر والدخول في الحيض لأنه لو تصور الخروج من
الحيض في هذه العشرة كان فيه ادخال شهر في شهر وقد نصت على أنها كانت لا تدخل
شهرا في شهر فلهذا تتوضأ في العشرة لوقت كل صلاة ثم تغتسل مرة واحدة لاحتمال
خروجها من الحيض لتمام الشهر إن كان حيضها في هذه العشرة الأخيرة فإن كانت تعرف
انها كانت ترى الدم عشرة أيام من الشهر ولا تدرى أوله وآخره فإنها تتوضأ من أول
الشهر إلى تمام العشرة لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ثم تغتسل مرة ثم تتوضأ وتصلى
إلى آخر الشهر ولكن في العشر الأوسط يقين الطهر فتتوضأ لوقت كل صلاة بيقين
ويأتيها زوجها وفى العشر الآخر تتوضأ لوقت كل صلاة بالشك ولا يأتيها زوجها لتردد
حالها فيها بين الحيض والطهر ثم تغتسل مرة واحدة لاحتمال خروجها من الحيض عند تمام
الشهر إن كان حيضها العشر الآخر فإن كانت تعلم أن أيامها خمسة وانها كانت ترى الدم في
اليوم العشرين من الشهر ولا تحفظ شيئا سوى هذا فمن أول الشهر إلى تمام خمسة عشر
تصلى بالوضوء لوقت كل صلاة باليقين ويأتيها زوجها لأنها تتيقن بالطهر فيها ثم في أربعة
أيام تتوضأ لوقت كل صلاة بالشك ولا يأتيها زوجها لتردد حالها بين الحيض والطهر وفى
اليوم العشرين تترك بيقين وتغتسل بعدها أربعة أيام بالشك لان كل ساعة من هذه
الأربعة الأيام فيها توهم خروجها من الحيض (قال) وإذا كانت لها أيام معلومة من
204

كل شهر فانقطع عنها الدم أشهرا ثم عاودها واستمر بها وقد نسيت أيامها فإنها تمسك عن
صلاة ثلاثة أيام من أول الاستمرار لأنها يتيقن فيها بالحيض فان عادتها في الموضع قد انتقلت
بعدم الرؤية مرتين أو أكثر فأول عادتها من وقت الاستمرار وتتيقن بالحيض في ثلاثة
أيام فتترك الصلاة فيها ثم تغتسل لكل صلاة في سبعة أيام لتردد حالها فيها بين الحيض
والطهر والخروج من الحيض وتتوضأ عشرين يوما لوقت كل صلاة لأنها تتيقن فيها بالطهر
ويأتيها زوجها وذلك دأبها وتأويل هذه المسألة إذا كانت تعلم أن دورها في كل شهر وانها
كانت لا تدخل شهرا في شهر فإن كانت لا تعرف ذلك فلم يتعرض لهذا الفصل في الكتاب
ولا بد من بيانه فنقول هو على ثلاثة أوجه اما ان كانت لا تدرى كم كان حيضها وطهرها أو
كانت تذكر مقدار طهرها ولا تذكر مقدار حيضها أو كانت تذكر مقدار حيضها ولا
تذكر مقدار طهرها فاما الفصل الأول فنقول إنها تدع الصلاة من أول الاستمرار ثلاثة
أيام بيقين ثم تصلى سبعة أيام بالاغتسال لكل صلاة بالشك لتردد حالها فيها بين الحيض
والطهر والخروج من الحيض ولا يأتيها زوجها في هذه العشرة ثم تصلى ثمانية أيام بالوضوء
لوقت كل صلاة بيقين ويأتيها زوجها فيها لأنها بيقين الطهر في هذه الثمانية فإنه إن كان
حيضها ثلاثة أيام فهذا آخر طهرها وإن كان حيضها عشرة فهذا أول طهرها ثم تصلى ثلاثة
أيام بالوضوء بالشك لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ولا يأتيها زوجها فبلغ الحساب
أحدا وعشرين ثم تصلى بعد ذلك بالاغتسال لكل صلاة بالشك لأنه لم يبق لها يقين بالطهر
ولا بالحيض بعد هذا فما من ساعة بعد هذا الا ويتوهم أنه وقت خروجها من الحيض اما
بالزيادة في حيضها على الثلاثة أو في طهرها على خمسة عشر واما الفصل الثاني وهو إذا علمت أن
طهرها خمسة عشر ولا تدرى كم حيضها فإنها تترك الصلاة من أول الاستمرار
ثلاثة أيام ثم تغتسل سبعة أيام بالشك ثم تصلى ثمانية أيام بالوضوء بيقين ثم تصلى ثلاثة أيام
بالوضوء بالشك فبلغ الحساب أحدا وعشرين ولو كان حيضها ثلاثة فابتداء طهرها بعد أحد
وعشرين وإن كان حيضها عشرة فابتداء طهرها الثاني بعد خمسة وثلاثين ففي هذه الأربعة
عشر تصلى بالاغتسال لكل صلاة بالشك لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر والخروج
من الحيض ثم تصلى يوما واحدا بالوضوء لوقت كل صلاة بيقين وذلك بعد ما تغتسل عند
تمام خمسة وثلاثين يوما لان في هذا اليوم يقين الطهر ثم تصلى ثلاثة أيام بالوضوء بالشك
205

لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة أبدا لأنه لم يبق لها
يقين في شئ بعدها فما من ساعة الا ويتوهم أنه وقت خروجها من الحيض وأما الفصل
الثالث وهو ما إذا كانت تعلم أن حيضها ثلاثة ولا تدرى كم كان طهرها فإنها تدع ثلاثة من
أول الاستمرار بيقين ثم تصلى خمسة عشر يوما بالوضوء لوقت كل صلاة بيقين ويأتيها
زوجها تصلي ثلاثة أيام بالوضوء بالشك لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر فإذا بلغ
الحساب أحدا وعشرين فبعد ذلك تغتسل لكل صلاة أبدا لأنه لم يبق لها يقين في شئ
وما من ساعة الا ويتوهم أنه وقت خروجها من الحيض فتغتسل لكل صلاة ولا يأتيها زوجها
وان كانت تذكر ان طهرها خمسة عشر وتردد رأيها في الحيض بين الثلاثة والأربعة فإنها
تترك من أول الاستمرار ثلاثة ثم تغتسل غسلا واحدا ثم تصلى في اليوم الرابع بالوضوء
لوقت كل صلاة بالشك ثم تغتسل عند مضى اليوم الرابع مرة أخرى ثم تصلى بالوضوء
أربعة عشر يوما باليقين فبلغ الحساب ثمانية عشر ثم تصلى في اليوم التاسع عشر بالوضوء
لوقت كل صلاة بالشك لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر ثم تدع اليوم العشرين
والحادي والعشرين بيقين ثم تغتسل وتصلى اليوم الثاني والعشرين بالوضوء بالشك
ولا تغتسل في اليوم الثالث والعشرين وتغتسل عند تمام الثالث والعشرين لأنه إن كان حيضها
ثلاثة فأوان خروجها من الحيضة الثانية عند تمام الحادي والعشرين وإن كان حيضها
أربعة فأوان خروجها من الحيضة الثانية عند تمام الثالث والعشرين فلهذا تغتسل عند ذلك
ثم تصلى ثلاثة عشر يوما بالوضوء لوقت كل صلاة باليقين فبلغ الحساب ستة وثلاثين ثم
تصلى في يومين بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك ثم تدع يوما واحدا لان هذا اليوم آخر حيضها
إن كان حيضها ثلاثة وأول حيضها إن كان حيضها أربعة فتتيقن فيه بالحيض فبلغ الحساب
تسعة وثلاثين ثم تغتسل لجواز أن هذا وقت خروجها من الحيض ثم تصلى ثلاثة أيام
بالوضوء بالشك لتردد حالها بين الحيض والطهر فبلغ الحساب اثنين وأربعين ثم تغتسل
لان هذا أوان خروجها من الحيض إذا كانت أيامها أربعة ثم تصلى اثنى عشر يوما بالوضوء
لوقت كل صلاة باليقين لأنها تتيقن بالطهر فيها فبلغ الحساب أربعة وخمسين ثم
تصلى بعد ذلك ثلاثة أيام بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك ثم تغتسل مرة أخرى
ولم يبق لها يقين الترك في شئ بعد أربعة وخمسين فنسوق المسألة هكذا ونأمرها
206

بالاغتسال في كل وقت يتوهم أنه وقت خروجها من الحيض إلا أن لا يبقى لها يقين الطهر
في شئ أيضا فحينئذ تغتسل لكل صلاة أبدا وعلى هذا النحو يخرج ما إذا علمت أن حيضها
ثلاثة وتردد رأيها في الطهر بين خمسة عشر وستة عشر فمن فهم الفصل الأول تيسر عليه
تخريج الثاني (قال) وإذا كانت المستحاضة لا تذكر أيامها غير أنها تتيقن بالطهر يوم
العاشر ويوم العشرين ويوم الثلاثين فإنها تتوضأ من أول الشهر ثلاثة أيام ثم تغتسل لكل
صلاة ستة أيام لاحتمال خروجها من الحيض في كل ساعة منها ثم تصلى اليوم العاشر بالوضوء
بيقين الطهر ثم تصلى اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بالوضوء لوقت كل
صلاة بالشك ثم تغتسل ستة أيام إلى تمام تسعة عشر ثم تتوضأ وتصلى يوم العشرين بيقين
ثم ثلاثة أيام بعده تصلى فيها بالوضوء بالشك ثم تغتسل ستة أيام إلى تمام تسعة وعشرين
يوما لكل صلاة ثم تصلى اليوم الثلاثين بالوضوء بيقين الطهر ولا يجزيها صومها في تسعة
أيام من شهر رمضان فلتصم ضعفها ثمانية عشر يوما لما بينا قال الحاكم رحمه الله تعالى
فان قضت الصوم في هذه الأيام الثلاثة العاشر والعشرين والثلاثين كفاها تسعة أيام وهو
صحيح لأنها تتيقن بالطهر في هذه الأيام فيصح صومها فيها عن القضاء والتتابع في صوم
القضاء ليس بشرط وما قضت من الفوائت في غير هذه الأيام الثلاثة اعادتها في هذه الأيام
الثلاثة ولا يقربها زوجها الا في هذه الأيام لأنها تتيقن فيها بالطهر وان كانت تعلم أن أيام
حيضها كانت ثلاثة في العشر الآخر من الشهر ولا تدرى إذا مضى عشرون من الشهر أو إذا
بقي ثلاثة من الشهر فإنها إلى تمام العشرين تصلى بالوضوء بيقين ثم تصلى ثلاثة أيام بالوضوء
بالشك لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ثم تغتسل غسلا واحدا ثم تتوضأ إلى آخر الشهر
ولكن في أربعة أيام لها يقين الطهر فيأتيها زوجها فيها وفى الثلاثة تردد حالها بين الحيض
والطهر فتتوضأ فيها بالشك ولا يأتيها زوجها ثم تغتسل غسلا واحدا وان كانت أيامها ثلاثة
في وسط العشر الآخر ولا تدرى غير ذلك فإنها تصلى بالوضوء إلى تمام ثلاثة وعشرين بيقين
الطهر ثم تصلى في اليوم الرابع والعشرين بالوضوء بالشك لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر
ثم تدع الصلاة يوم الخامس والعشرين والسادس والعشرين لأنها تتيقن بالحيض وتغتسل
يوم السابع والعشرين لكل صلاة لتوهم خروجها من الحيض فيه وفي الحقيقة هذه المرأة
أضلت أيامها الثلاثة في أربعة أيام وقد بينا حكمها فيما سبق والله سبحانه وتعالى أعلم
207

باب حل الوطئ بانقطاع الدم قبل وقته
(قال) رضي الله عنه إذا انقطع دم المرأة دون عادتها المعروفة في حيض أو نفاس اغتسلت
حين تخاف فوت الصلاة وصلت وتجنبها زوجها احتياطا حتى تأتي على عادتها لان حيض
المرأة لا يبقى على صفة واحدة في جميع عمرها بل يزداد تارة وينقص أخرى فالانقطاع قبل
تمام عادتها طهر ظاهر على احتمال أن لا يكون طهرا بأن يعاودها الدم فان الدم لا يسيل في
زمان الحيض على الولاء فينبغي لها أن تأخذ بالاحتياط فتنتظر آخر الوقت لأنها لا يفوتها
بهذا القدر من التأخير شئ فإذا خافت فوت الوقت اغتسلت وصلت احتياطا لان الانقطاع
طهر ظاهرا ومضى الوقت على الطاهر يجعل الصلاة دينا في ذمتها وذلك لا يكون الا بتفويت
منها بترك الأداء في الوقت فعليها أن لا تفوت ولأنه يفحش أن يمضي عليها وقت صلاة
وليس فيها مانع من أداء الصلاة ظاهرا ولا تصلى فيه ويجتنبها زوجها احتياطا لاحتمال أنها
حائض بعد بأن يعاودها الدم وتأثير هذا الاحتمال بعادتها المعروفة ولكن لا تتزوج بزوج
آخر إن كان هذا آخر عدتها احتياطا لتوهم أنها حائض بعد وكذلك أن كانت مستبرأة
لا يطؤها المولى حتى تمضى أيام عادتها احتياطا وان كانت استكملت عادتها في الدم ثم
انقطع اغتسلت في آخر الوقت وصلت وهذا أظهر من الأول لأن الاعتبار بما سبق يدل
على أن هذا الانقطاع طهر لأنها تنتظر آخر الوقت إذا كانت أيامها دون العشرة لاحتمال
أن يعاودها الدم وليس في هذا التأخير تفويت شئ وإنما تؤخر إلى آخر الوقت المستحب
دون المكروه نص عليه محمد رحمه الله تعالى في آخر الكتاب فقال إذا انقطع الدم عنها في
وقت العشاء فإنها تؤخر الصلاة إلى وقت يمكنها أن تغتسل فيه وتصلى قبل انتصاف
الليل ووقت العشاء يبقى إلى طلوع الفجر ولكن التأخير إلى ما بعد نصف الليل مكروه
وكذلك لو انقطع عنها الدم في وقت العصر فإنها تؤخر إلى وقت يمكنها أن تغتسل فيه وتصلى
قبل تغير الشمس لان تأخير الصلاة إلى ما بعد تغير الشمس مكروه وبالتوهم لا يحل
لها ارتكاب المكروه ولا بأس لزوجها أن يطأها هنا لان انقطاع الدم طهر من حيث
الظاهر والاستدلال بما قبله واحتمال توهم العود لم يتأيد بدليل هنا فلا يمنعه من الوطئ وكذلك
لها أن تتزوج إن كان هذا آخر عدتها لأنها قد طهرت ظاهرا والمعلوم الظاهر لا يترك العمل
208

به بالمحتمل وهذا إذا كانت أيامها دون العشرة فإن كانت أيامها عشرة فكما تمت العشرة
اغتسلت وصلت ولا تؤخر سواء انقطع عنها الدم أو لم ينقطع لأنا تيقنا بخروجها من الحيض
فان الحيض لا يكون أكثر من عشرة وإن لم يكن لها قبل ذلك عادة وكانت مبتدأة
وانقطع دمها على الخمس أو في النفاس وانقطع دمها على العشرين وسعها ان تمكن زوجها
من نفسها وان تتزوج لان في حق المبتدأة العادة تحصل بالمرة الواحدة فالتحقت
بصاحبة العادة غير أن قوله وان تتزوج إن لم يكن لها زوج كلام مختل لأنها إن لم تكن
معتدة فقد كان لها ان تتزوج في حالة الحيض والنفاس وان كانت معتدة فلا يتصور انقضاء
عدتها بالحيضة الأولى لان الصغيرة إذا اعتدت شهرين ثم حاضت يلزمها استئناف العدة
لقدرتها على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل فدل انه كلام مختل ذكره بالقياس على ما
سبق من غير تأمل فيه ولو كانت نصرانية تحت مسلم فانقطع عنها الدم فيما دون العشرة
وسع الزوج ان يطأها ووسعها ان تتزوج لأنه لا اغتسال عليها فإنها لا تخاطب قبل الاسلام
بأحكام الشرع وكذلك لو كانت مطلقة رجعية فانقطع عنها الدم قبل تمام العشرة في الحيضة
الثالثة فإنه لا اغتسال عليها فان أسلمت بعد انقطاع الدم فليس للزوج ان يراجعها أيضا ولها
ان تتزوج لأنا حكمنا بطهارتها بنفس انقطاع الدم فلا تعود فيه بالاسلام بخلاف ما إذا
عاودها الدم فرؤية الدم مؤثر في إثبات الحيض به ابتداء فكذلك يكون مؤثرا في البقاء
بخلاف الاسلام وان كانت أيامها عشرة فكما أنقطع الدم عند تمام العشرة انقطعت الرجعة
ولها ان تتزوج لأنها خرجت من الحيض بيقين ولكنها لا تقرأ القرآن ما لم تغتسل وهي
بمنزلة الجنب في وجوب الاغتسال عليها وللجناية تأثير في المنع من قراءة القرآن دون بقاء
العدة (قال) عجوز كبيرة حكم بإياسها ثم رأت الدم بعد ذلك فقد ذكر الزعفراني رحمه الله
تعالى في كتاب الحيض انها لا تكون حائضا ولو كانت اعتدت بالشهور وتزوجت لم يبطل
نكاحها لأن الظاهر أن الدم في هذه الحالة من فساد الرحم أو الغذاء فلا يبطل به ما تقدم من
الحكم بإياسها وكان محمد بن إبراهيم الميداني رحمه الله تعالى يقول إن رأت حمرة وتمادى
بها إلى مدة الحيض كان حيضا استدلالا بما ذكر محمد رحمه الله تعالى في نوادر أبى سلمان
رحمه الله تعالى فإنه قال بنت ثمانين أو تسعين إذا رأت الدم فهو حيض فإن كانت كدرة لم
يكن حيضا لأن الظاهر أنه من فساد الرحم أو الغذاء ثم المعتبر في اللون في حقها عند رفع
209

الخرقة فان الرطوبة على الخرقة قد تتغير من الحمرة إلى الكدرة أو من الكدرة إلى الخضرة
قبل الرفع أو بعد الرفع ولا معتبر بواحد من الحالين إنما المعتبر عند الرفع لان الظهور عند
ذلك يحصل وكذلك في حق الحائض إذا تغير اللون من الحمرة إلى البياض أو من البياض
إلى الحمرة فالعبرة بحالة الرفع فان رأت البياض عند الرفع ثم تغير إلى الحمرة بعد ذلك أو إلى
الخضرة أو إلى الصفرة فهذا انقطاع وان كانت كدرة عند الرفع ثم تغيرت إلى البياض فهي
حائض بعد لان الخروج عند رفع الخرقة يكون فيعتبر اللون في تلك الحالة وإن كان حيضها
مرة ستا ومرة خمسا فانقطع عنها الدم لتمام الخمسة فإنها تغتسل وتصلى احتياطا ولا يأتيها
زوجها حتى يمضى اليوم السادس لتوهم معاودة الدم وقد تأيد هذا التوهم بدليل معتبر كان
قبل هذا ولو كانت معتدة انقطعت الرجعة بمضي خمسة أيام من الحيضة الثالثة وليس لها
ان تتزوج حتى يمضى اليوم السادس وعند مضيه يلزمها ان تغتسل فتأخذ بالاحتياط في كل
حكم وإنما يتصور لزوم الاغتسال عند مضى اليوم السادس فاما إذا انقطع دمها التمام الخمسة ولم
تبتل بالاستمرار فإنها تغتسل لتمام الخمسة ولا يلزمها ان تغتسل لتمام الستة إذا لم يعاودها الدم هذا
في حق من ليست لها عادة معروفة ولكنها ابتليت بالاستمرار وتردد رأيها في الحيض بين
الخمس والست وقد بينا هذا فيما سبق والله أعلم بالصواب
(باب النفاس)
(قال) رضي الله عنه النفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة قيل أنه مشتق من تنفس
الرحم به وقيل هو من النفس الذي هو عبارة عن الدم وقيل هو من النفس التي هي الولد فخروجه
لا ينفك عن دم يتعقبه وأكثر مدته أربعون يوما عندنا وقد بينا اختلاف العلماء فيه
واعتمادنا فيه على السنة فقد روى عن أم سلمة رضي الله عنها قالت كانت النفساء يقعدن
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما وكنا نطلي وجوهنا بالورس من
الكلف وفى حديث أبي الدرداء وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا وقت رسول الله صلى الله
عليه وسلم للنفساء أربعين صباحا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك ولا غاية لا قلة لعموم قوله
إلا أن ترى الطهر قبل ذلك حتى إذا رأت الدم يوما ثم طهرت فذلك اليوم نفاس لها بخلاف
الحيض فان أقله مقدر لان دم الحيض والنفاس ما يكون من الرحم ولدم النفاس دليل
210

يستدل به على أنه من الرحم وهو تقدم خروج الولد فلا حاجة إلى الاستدلال عليه بالامتداد
بخلاف دم الحيض والذي ذكره أبو موسى رحمه الله تعالى في مختصره ان أقل النفاس
عند أبي حنفية رحمه الله تعالى خمسة وعشرون يوما وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى أحد
عشر يوما ليس المراد به أنه إذا انقطع فيما دون ذلك لا يكون نفاسا ولكن المراد به إذا
وقعت الحاجة إلى نصب العادة لها في النفاس لا ينقص ذلك من خمسة وعشرين يوما عند
أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا كانت عادتها في الطهر خمسة عشر لأنه لو نصب لها دون
هذا القدر أدى إلى نقض العادة فمن أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى ان الدم إذا كان محيطا
بطرفي الأربعين فالطهر المتخلل لا يكون فاصلا طال أو قصر فلو قدر نفاسها بأقل من
خمسة وعشرين يوما فعاودها الدم قبل تمام الأربعين كان الكل نفاسا فلهذا قدر بخمسة
وعشرين في الاخبار بانقضاء العدة قدر مدة نفاسها بخمسة وعشرين على ما سنبينه وكذلك
أبو يوسف رحمه الله تعالى إنما قدر بأحد عشر يوما في الاخبار بانقضاء العدة فأما إذا انقطع
الدم دون ذلك فلا خلاف في أنه نفاس ثم أبو حنيفة رحمه الله تعالى مر على أصله فقال
الأربعون للنفاس كالعشرة للحيض ثم الطهر المتخلل في العشرة عنده لا يكون فاصلا وإذا
كان الدم محيطا بطرفي العشرة يجعل الكل كالدم المتوالى فكذلك في النفاس إذا أحاط الدم
بطرفي الأربعين وأبو يوسف رحمه الله تعالى مر على أصله ان الطهر المتخلل إذا كان أقل
من خمسة عشر لا يصير فاصلا ويجعل كالدم المتوالى فإذا بلغ خمسة عشر يوما صار فاصلا
بين الدمين فهذا مثله ومحمد رحمه الله تعالى فرق بين النفاس وبين ما تقدم في الحيض فقال
هناك إذا كانت الغلبة للطهر يصير فاصلا بين الدمين وإن كان دون الخمسة عشر وهنا لا يصير
فاصلا لأنه لا يتصور هنا في مدة الأربعين طهر ما دون خمسة عشر وهو غالب على الدم إنما
يتصور ذلك في مدة الحيض ثم هناك الدم قد يتقدم وقد يتأخر فلو لم يعتبر غلبة أحدهما على
الآخر أدي إلى القول يجعل زمان هو طهر كله حيضا وذلك لا يجوز بخلاف النفاس وإنما
قال إن الطهر خمسة عشر هنا يصير فاصلا بين الدمين لان طهر خمسة عشر صالح للفصل
بين الحيضتين فكذلك للفصل بين الحيض والنفاس فكان المتقدم نفاسا والمتأخر حيضا وبيان
هذا إذا رأت الدم يوما بعد الولادة ثم طهرت ثمانية وثلاثين يوما ثم رأت الدم يوما
فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى الأربعون كلها نفاس وعندهما النفاس هو اليوم الأول فقط ثم
211

يخرج على هذا الأصل المسائل إلى أن يقول رأت الدم خمسة بعد الولادة والطهر خمسة
عشر يوما والدم خمسة والطهر خمسة عشر ثم استمر بها الدم فعندهما نفاسها الخمسة الأولى
وعادتها في الطهر خمسة عشر لأنها رأت مرتين وحيضها الخمسة التي بعد العشرين وصار ذلك
عادة لها بالمرة الواحدة لأنها مبتدأة وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى نفاسها خمسة وعشرون
والطهر الأول غير معتبر لإحاطة الدم بطرفيه في مدة الأربعين فاما الطهر الثاني فهو صحيح
معتبر لان به تتم الأربعون فيصير ذلك عادة لها في الطهر بالمرة الواحدة ولا عادة لها في الحيض
فيجعل أول الاستمرار حيضها عشرة وطهرها خمسة وعندهما يجعل حيضها من أول الاستمرار
خمسة وطهرها خمسة عشر وعادتها في النفاس عندهما تكون خمسة وعند أبي حنيفة رحمه الله
تعالى خمسة وعشرون لان العادة في النفاس في حق المبتدأة تثبت بالمرة الواحدة كالعادة
في الحيض ويختلفون في أول وقت النفاس فقال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى وقت
الولادة أول وقت النفاس وقال محمد زفر رحمهما الله تعالى وقت فراغ رحمها أول وقت النفاس
وإنما يتبين ذلك فيما إذا ولدت ولدا وفى بطنها ولد آخر فعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما
الله تعالى تصير نفساء وعند محمد وزفر رحمهما الله تعالى لا تصير نفساء ما لم تضع الولد الثاني قالا
لأنها حامل بعد والحامل كما لا تحيض فكذلك لا تصير نفساء لان النفاس أخو الحيض
واستدلا بحكم انقضاء العدة فإنه لا يثبت الا بوضع آخر الولدين فكذلك حكم النفاس وأبو حنيفة
وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قال النفاس هو الدم الخارج عقب الولادة وقد تحقق ذلك
وإنما لا يجعل لما تراه المرأة الحامل من الدم حكم الحيض لأنه ليس من الرحم فان الله تعالى
أجرى العادة ان المرأة إذا حبلت انسد فم رحمها وهذا المعنى غير موجود هنا لان فم الرحم
قد انفتح بوضع أحد الولدين فالدم المرئي من الرحم كان نفاسا وهذا بخلاف حكم انقضاء
العدة لأنه متعلق بفراغ الرحم ولا فراغ مع بقاء شئ من الشغل وهنا حكم النفاس للدم
الخارج من الرحم بعد الولادة وقد تحقق ذلك فإن كان بعين الولدين عشرة أيام واستمر
بها الدم وهي مبتدأة في النفاس فعند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى تترك الصوم
والصلاة بعد ولادة الولد الأول ونفاسها بعد وضع الولد الثاني ثلاثون يوما وعند محمد وزفر
رحمهما الله تعالى لا تترك الصوم والصلاة ما لم تضع الولد الثاني ونفاسها بعد ذلك أربعون
يوما وحكى أن أبا يوسف قال لأبي حنيفة رحمه الله تعالى أرأيت لو كان بين الولدين
212

أربعون يوما قال هذا لا يكون قال فإن كان قال لا نفاس لها من الولد الثاني وان رغم أنف
أبى يوسف ولكنها تغتسل كما تضع الولد الثاني وهذا صحيح لأنه لا يتوالى نفاسان ليس
بينهما طهر كما لا تتوالى حيضتان ليس بينهما طهر (قال) فان خرج بعض الولد ثم رأت
الدم فروى خلف بن أيوب عن أبي يوسف وهو قول أبي حنيفة رحمهم الله تعالى أنه ان
خرج الأكثر منه فهي نفساء لان بقاء الأقل لا يمنع خروج الدم من الرحم وكذلك لو انقطع
الولد فيها فإذا خرج الأكثر كانت نفساء لان للأكثر حكم الكمال فاما إذا أسقطت
سقطا فإن كان قد استبان شئ من خلقه فهي نفساء فيما ترى من الدم بعد ذلك وإن لم يستبن
شئ من خلقه فلا نفاس لها ولكن إن أمكن جعل المرئي من الدم حيضا يجعل حيضا
وإن لم يمكن بأن لم يتقدمه طهر تام فهو استحاضة وقال الشافعي رحمه الله تعالى يمتحن السقط
بالماء الحار فان ذاب فيه فليس بولد فلا نفاس لها وإن لم يذب فهو ولد وتصير به نفساء وهذا
من باب الطب ليس من الفقه في شئ فلم نقل به لهذا ولكن حكمنا السيما والعلامة فان ظهر
فيه شئ من آثار النفوس فهو ولد والنفاس هو الدم الخارج بعقب خروج الولد وإن لم يستبن
فيه شئ من الآثار فهذه علقة أو مضغة فلم يكن للدم المرئي بعدها حكم النفاس ثم المسألة على
وجهين اما ان ترى الدم قبل اسقاط السقط أولا تراه فان رأت الدم قبل اسقاط السقط
فإن كان السقط مستبين الخلق لا تترك الصلاة والصوم بالدم المرئي قبله وان كانت تركت
الصلاة فعليها قضاؤها لأنه تبين انها كانت حاملا حين رأت الدم وليس لدم الحامل حكم
الحيض وهي نفساء فيما تراه بمد السقط وإن لم يكن السقط مستبين الخلق فما رأته قبل
السقط حيض إن أمكن ان يجعل حيضا بان وافق أيام عادتها وكان مرئيا عقيب طهر
صحيح لأنه تبين انها لم تكن حاملا ثم إن كان ما رأت قبل السقط مدة تامة فما رأت بعد
السقط استحاضة وإن لم تكن مدة تامة تكمل مدتها مما رأت بعد السقط ثم هي مستحاضة
بعد ذلك فإن كانت أيامها ثلاثة فرأت قبل السقط ثلاثة دما ثم استمر بها الدم بعد السقط
فحيضها الثلاثة التي رأتها قبل السقط وهي مستحاضة فيما رأت بعد السقط وإن كان ما رأت
قبل السقط يوما أو يومين تكمل مدتها ثلاثة أيام مما تراه بعد السقط ثم هي مستحاضة
بعد ذلك وإن لم ترد ما قبل السقط ورأته بعده فإن كان السقط مستبين الخلق فهي نفساء
وإن لم يكن مستبين الخلق فإن أمكن جعل ما تراه بعد السقط حيضا يجعل حيضا لها بعدل
213

أيام عادتها وإن لم يمكن جعله حيضا فهي مستحاضة في ذلك فان أسقطت في بئر المخرج سقطا
لا تدرى أنه كان مستبين الخلق أو لم يكن فهذا أيضا على وجهين اما أن ترى الدم قبل السقط
أولا تراه الا بعد السقط فإن لم تر الدم الا بعد السقط وأيامها في الحيض عشرة وفى الطهر
عشرون فنقول إذا كان السقط مستبين الخلق فلها نفاس أربعين لأنها مبتدأة في النفاس
وقد استمر بها الدم فيكون نفاسها أكثر النفاس كالمبتدأة بالحيض إذا استمر بها الدم وإن لم
يكن السقط مستبين الخلق فحيضها عشرة فتترك الصلاة عقيب السقط عشرة أيام بيقين
لأنها في هذه العشرة اما حائض واما نفساء ثم تغتسل وتصلى عشرين يوما بالوضوء لوقت
كل صلاة بالشك لأنه تردد حالها فيها بين الطهر والنفاس ثم تترك عشرة بيقين لأنها في
هذه العشرة اما حائض أو نفساء ثم تغتسل لتمام مدة النفاس والحيض ثم بعده طهرها
عشرون وحيضها عشرة وهكذا دأبها أن تغتسل في كل وقت تتوهم انه وقت خروجها من
الحيض والنفاس فإن كانت قد رأت قبل اسقاط السقط دما فإن كان ما رأت قبل الاسقاط
مستقلا لا تترك الصلاة بعد الاسقاط وإن لم يكن مستقلا تركت بعد الاسقاط قدر ما تتم
به مدة حيضها ولا تترك الصلاة فيما رأت قبل الاسقاط على كل حال ولو تركت فعليها
قضاؤها لأنه إن كان السقط مستبين الخلق لم يكن ما رأت قبله حيضا وإن لم يكن مستبين
الخلق كان ذلك حيضا فتردد حالها فيما رأت قبل السقط بين الحيض والطهر فلا تترك
الصلاة بالشك ثم إن كان حيضها عشرة وطهرها عشرون فان رأت قبل الاسقاط عشرة
ثم أسقطت اغتسلت وصلت عشرين يوما بعد السقط لأنه تردد حالها فيه بين الطهر
والنفاس ثم تترك عشرة بيقين لأنها فيه نفساء أو حائض ثم تغتسل وتصلى عشرين
يوما عشرة بالشك لأنه تردد حالها فيها بين النفاس والطهر ثم تغتسل عشرة
أخرى بيقين الطهر ثم تصلى عشرة بالشك لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ثم تغتسل
وهكذا دأبها وان كانت رأت قبل السقط خمسة أيام دما ثم أسقطت كما بينا فإنها تترك الصلاة
خمسة أيام بعد السقط لان السقط إن لم يكن مستبين الخلق فهذه الخمسة تتمة مدة حيضها
وإن كان مستبين الخلق فهذا أول نفاسها فتترك الصلاة في هذه الخمسة بيقين ثم تغتسل
وتصلي عشرين يوما بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك لتردد حالها فيه بين النفاس والطهر
ثم تترك عشرة بيقين لأنها في هذه العشرة إما حائض أو نفساء فبلغ الحساب خمسة
214

وثلاثين ثم تغتسل وتصلى خمسة أيام بالوضوء بالشك ثم تغتسل لتمام الأربعين لأنه وقت
خروجها من النفاس إن كان السقط مستبين الخلق ثم تصلى خمسة عشر يوما بالوضوء بيقين
لأنه طهرها فبلغ الحساب خمسة وخمسين ثم تصلى خمسة أيام بالوضوء بالشك لتردد حالها
فيها بين أول الحيض إن لم يكن السقط مستبين الخلق وبين آخر الطهر إن كان السقط
مستبين الخلق فبلغ الحساب ستين ثم تترك خمسة لأنها تتيقن بأن هذه الخمسة إما أول
حيضها أو آخر حيضها ثم تغتسل وتصلى خمسة أيام بالوضوء بالشك ثم تغتسل مرة أخرى
لان هذا آخر حيضها إن كان السقط مستبين الخلق ثم تصلى خمسة عشر يوما بالوضوء
بيقين وهكذا دأبها ان تترك في كل مرة الصلاة في كل خمسة فيها يقين الحيض وأن تغتسل
في كل وقت تتوهم أنه وقت خروجها من الحيض. وان ولدت ولدا أو أسقطت سقطا
مستبين الخلق واستمر بها الدم وشكت في حيضها أو طهرها فهذه المسألة على ثلاثة أوجه
إما ان شكت في حيضها أنه خمسة أو عشرة وتيقنت بأن طهرها عشرون أو شكت في
طهرها أنه خمسة عشر أو عشرون وعلمت أن حيضها عشرة أو شكت فيهما جميعا فان
شكت في الحيض انه خمسة أو عشرة ولم تشك في الطهر فإنها بعد الأربعين التي هي
نفاسها تغتسل وتصلي عشرين يوما باليقين لأنها عالمة بمدة طهرها ثم تدع خمسة بيقين
لأنها حائض فيها ثم تغتسل فبلغ الحساب خمسة وعشرين ولها حسابان الأقصر والأطول
ففي الحساب الأقصر استقبلها طهر عشرين وفي الحساب الأطول بقي من حيضها خمسة
فتصلى خمسة أيام بالوضوء بالشك ثم تغتسل وتصلى خمسة عشر بالوضوء بيقين الطهر فبلغ
الحساب خمسة وأربعين وفى الحساب الأقصر استقبلها الحيض خمسة وفي الأطول بقي من
طهرها خمسة فتصلى خمسة بالوضوء بالشك فبلغ الحساب خمسين ثم تغتسل وفى الحساب
الأقصر استقبلها الطهر عشرون وفي الأطول الحيض عشرة فتصلى عشرة بالوضوء بالشك
ثم تغتسل فبلغ الحساب ستين ثم في الحساب الأقصر بقي من طهرها عشرة وفي الأطول
استقبلها طهر عشرين فتصلى عشرة بيقين فبلغ الحساب سبعين ثم في الحساب الأقصر
استقبلها الحيض خمسة وفي الأطول بقي من طهرها عشرة فتصلى خمسة بالوضوء بالشك
فبلغ الحساب خمسة وسبعين فتغتسل ثم في الحساب الأقصر استقبلها طهر عشرين وفي
الأطول بقي من طهرها خمسة فتصلى خمسة بالوضوء بيقين فبلغ الحساب ثمانين ثم في
215

الحساب الأقصر بقي من طهرها خمسة عشر وفي الأطول استقبلها عشرة فتصلى عشرة
بالوضوء بالشك فبلغ الحساب تسعين فتغتسل ثم في الحساب الأقصر بقي من طهرها خمسة
وفى الأطول استقبلها طهر عشرين فتصلى بالوضوء بيقين خمسة فبلغ خمسة وتسعين ثم في
الأقصر استقبلها الحيض خمسة وفى الأطول بقي من طهرها خمسة عشر فتصلى خمسة بالوضوء
بالشك ثم تغتسل فبلغ الحساب مائة ثم في الأقصر استقبلها طهر عشرين وفى الأطول بقي
من طهرها عشرة فتصلى عشرة بيقين فبلغ الحساب مائة وعشرة ثم في الأقصر بقي من
طهرها عشرة وفي الأطول استقبلها الحيض عشرة فتصلي عشرة ثم تغتسل فبلغ
الحساب مائة وعشرين ثم في الأقصر استقبلها الحيض خمسة وفى الأطول استقبلها طهر
عشرين فتصلى خمسة بالوضوء بالشك فبلغ الحساب مائة وعشرين ثم في الأقصر
استقبلها الطهر عشرين وفى الأطول بقي من طهرها خمسة عشر فتصلى خمسة عشر بالوضوء
بيقين فبلغ الحساب مائة وأربعين ثم في الأقصر بقي من طهرها خمسة وفى الأطول استقبلها
الحيض عشرة فتصلى خمسة بالوضوء بالشك بلغ الحساب ومائة وخمسة وأربعين ثم في الأطول
بقي من حيضها خمسة وفي الأقصر استقبلها الحيض خمسة فتترك هذه الخمسة بيقين ثم تغتسل
فبلغ الحساب مائة وخمسين واستقام دورها في ذلك وعلى هذا النحو يخرج ما إذا كان
الشك في الطهر أنه خمسة عشر أو عشرون واستقام دورها فيه أيضا في مائة وخمسين ثم
تخرج على هذا النحو ما إذا شكت فيهما في الحيض أنه خمسة أو عشرة وفي الطهر أنه
خمسة عشر أو عشرون وإنما يستقيم دورها في هذا الفصل في ثلاثمائة يوم (قال) امرأة
ولدت وانقطع دمها بعد يوم أو يومين أو ثلاثة انتظرت إلى آخر الوقت ثم اغتسلت وصلت
فالانتظار لتوهم أن يعاودها الدم والاغتسال في آخر الوقت لأنها طاهرة ظاهرا وقد بينا
نظيره في الحيض فإن كانت طلقت حين ولدت صدقت على انقضاء العدة في أربعة وخمسين
يوما وزيادة ما في قول محمد رحمه الله تعالى وفى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى
لا تصدق في أقل من خمسة وستين يوما وفي قول أبي حنيفة في رواية محمد رحمهما الله تعالى
لا تصدق في أقل من خمسة وثمانين يوما وفى رواية الحسن رحمه الله تعالى لا تصدق في
أقل من مائة يوم وذكر أبو سهل الفرائضي رحمه الله تعالى في كتاب الحيض رواية عن أبي
حنيفة رحمه الله تعالى انها لا تصدق في أقل من مائة وخمسة عشر يوما وهذه المسألة تنبنى
216

على فصلين أحدهما ما بينا أن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان الدم محيطا بطرفي
الأربعين فالطهر المتخلل لا يكون فاصلا وان طال والثاني أن المطلقة إذا كانت تعتد بالأقراء
في كم تصدق إذا أخبرت بانقضاء العدة فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا تصدق في أقل من
ستين يوما. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تصدق في تسعة وثلاثين يوما وتخريج
قولهما أنه يجعل كأنه طلقها في آخر جزء من أجزاء الحيض وحيضها أقل الحيض ثلاثة وطهرها
أقل الطهر خمسة عشر فثلاث مرات ثلاثة يكون تسعة وطهران كل واحد منهما خمسة عشر
يكون ثلاثين فلهذا صدقت في تسعة وثلاثين يوما لأنها أمينة فإذا أخبرت بما هو محتمل يجب
قبول خبرها وقيل على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ينبغي أن تصدق في سبعة وثلاثين يوما
ونصف وأربع ساعات لأنا قد بينا أن أقل الحيض عنده يومان والأكثر من اليوم الثالث
فيجعل كل حيضة يومان ونصف وساعة فذلك سبعة ونصف وثلاث ساعات وساعة الاخبار
والاغتسال فتصدق في سبعة وثلاثين يوما ونصف وأربع ساعات للاحتمال فاما تخريج
قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فعلى ما ذكره محمد رحمه الله تعالى يجعل كأنه طلقها من أول
الطهر تحرزا عن ايقاع الطلاق في الطهر بعد الجماع وطهرها خمسة عشر لأنه لا غاية
لأكثر الطهر فيقدر بأقله وحيضها خمسة لان من النادر أن يكون حيضها أقل أو يمتد
إلى أكثر الحيض فيعتبر الوسط من ذلك وذلك خمسة فثلاثة أطهار كل طهر خمسة
عشر يكون خمسة وأربعين وثلاث حيض كل حيضة خمسة يكون خمسة عشر فذلك
ستون يوما وعلى ما رواه الحسن رحمه الله تعالى يجعل كأنه طلقها في آخر جزء من الطهر لان
التحرز عن تطويل العدة واجب وايقاع الطلاق في آخر الطهر أقرب إلى التحرز عن تطويل
العدة ثم الحيض لها عشرة لأنا لما قدرنا طهرها بأقل المدة نظر إليها يقدر حيضها بأكثر
الحيض نظرا للزوج فثلاث حيض كل حيضة عشرة يكون ثلاثين وطهران كل طهر خمسة
عشر يوما يكون ثلاثين فذلك ستون قال ولا معنى لما قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
لأنه لا احتمال لتصديقها في تلك المدة الا بعد أمور كلها نادرة منها أن يكون الايقاع في آخر
جزء من أجزاء الطهر ومنها أن يكون حيضها أقل مدة الحيض ومنها أن يكون طهرها أقل مدة
الطهر ومنها أن لا تؤخر الاخبار عن ساعة الانقضاء والأمين إذا أخبر بما لا يمكن تصديقه فيه
الا بأمور هي نادرة لا يصدق كالوصي إذا قال أنفقت على الصبي في يوم مائة درهم لا يصدق
217

وما قاله محتمل بأن يشترى له نفقة فتسرق ثم مثلها فتحرق ثم مثلها فتتلف فلا يصدق لكون
هذه الأمور نادرة فكذلك هنا فإن كانت المطلقة أمة فعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله
تعالى تصدق في أحد وعشرين يوما لان حيضها ثلاثة وطهرها خمسة عشر فحيضتان تكون
ستة وطهرها بينهما يكون خمسة عشرة فذلك أحد وعشرون يوما وعند أبي حنيفة في
رواية محمد رحمهما الله تعالى تصدق في أربعين يوما ويجعل كأنه طلقها في أول الطهر فطهران
كل واحد منهما خمسة عشر يكون ثلاثين وحيضتان كل واحدة منهما خمسة يكون عشرة
فذلك أربعون وعلى رواية الحسن رحمه الله تعالى تصدق في خمسة وثلاثين يوما ويجعل
كأنه طلقها في آخر الطهر فحيضتان كل واحدة منهما عشرة وطهرها خمسة عشر بينهما يكون
خمسة وثلاثين يوما إذا عرفنا هذا جئنا إلى بيان مسألة الكتاب إذا قال لامرأته الحامل
إذا ولدت فأنت طالق فاما تخريج قول أبي حنيفة على رواية محمد رحمهما الله تعالى أن يجعل
نفاسها خمسة وعشرين يوما تحرزا عن معاودة الدم بعد الطهر قبل كمال الأربعين وطهرها خمسة
عشر فذلك أربعون ثم حيضها خمسة وطهرها خمسة عشر فثلاث حيض كل حيضة خمسة
وطهران بينها كل واحد منهما خمسة عشر يكون خمسة وأربعين فإذا ضممته إلى الأربعين
يكون خمسة وثمانين فتصدق في هذا القدر وعلى رواية الحسن رحمه الله تعالى التخريج
هكذا إلا أن حيضها بعد الأربعين عشرة فثلاث حيض كل حيضة عشرة وطهران بينها
يكون ستين يوما إذا ضممتها إلى الأربعين يكون مائة يوم وعلى رواية أبى سهل الفرائضي
رحمه الله تعالى قال يجعل نفاسها أربعين يوما لان أكثر مدة النفاس معلوم كأكثر مدة
الحيض وكما قدرنا حيضها بأكثر المدة كذلك قدرنا نفاسها بأكثر المدة ثم بعد النفاس
طهر خمسة عشر فذلك خمسة وخمسون إذا ضممت إليه ستين يوما كما بينا كان مائة يوم
وخمسة عشر يوما فلهذا لا تصدق فيما دون هذا القدر فاما على قول أبى يوسف رحمه الله
تعالى يجعل نفاسها أحد عشر يوما لان أدنى مدة النفاس هذا وذلك لان العادة ان مدة
النفاس تزيد على مدة الحيض والساعات لا يمكن ضبطها وكذلك الأيام لا غاية لأكثرها
فقدرنا الزيادة بيوم واحد فكان نفاسها أحد عشر يوما وعابه محمد رحمه الله تعالى في
ذلك فقال هو يقول إذا انقطع عن النفساء دمها في أقل من أحد عشر يوما اغتسلت
وصلت فهذا ينقض قوله في المعتدة ولكن أبو يوسف رحمه الله تعالى في هذا الحرف اعتبر
218

العادة دون الاحتمال ثم طهرها خمسة عشر فذلك ستة وعشرون ثم بعده تسعة وثلاثون
يوما لثلاث حيض كما بينا فذلك خمسة وستون يوما فلهذا صدقها في هذا القدر وعلى قول
محمد رحمه الله تعالى تصدق في أربعة وخمسين يوما وزيادة لأنه لا غاية لأقل النفاس فإذا
قالت كان ساعة وجب تصديقها للاحتمال والطهر بعده خمسة عشر ثم تسعة وثلاثون يوما
لثلاث حيض فذلك أربعة وخمسون يوما وساعة فصدقت في هذا المقدار للاحتمال فإن كانت
المرأة أمة والمسألة بحالها فعلى تخريج محمد لقول أبي حنيفة رحمهما الله تعالى تصدق في خمسة
وستين يوما نفاسها خمسة وعشرون وطهرها خمسة عشر وحيضها خمسة فحيضتان بعد
الأربعين وطهر بينهما يكون خمسة وعشرين إذا ضممته إلى الأربعين يكون خمسة
وستين يوما وعلى رواية الحسن رحمه الله تعالى تصدق في خمسة وسبعين لأنه يجعل
حيضها عشرة فحيضتان بعد الأربعين وطهر بينهما يكون خمسة وثلاثين يوما إذا ضممتها
إلى الأربعين يكون خمسة وسبعين وعلى رواية أبى سهيل الفرائضي رحمه الله تعالى تصدق
في تسعين يوما نفاسها أربعون وحيضها عشرة فطهران وحيضتان يكون خمسين يوما إذا
ضممته إلى الأربعين يكون تسعين وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى تصدق في سبعة
وأربعين يوما نفاسها أحد عشر والطهر بعده خمسة عشر فذلك ستة وعشرون إذا ضممته
إلى أحد وعشرين كما بينا يكون سبعة وأربعين وعلى قول محمد رحمه الله
تعالى تصدق في ستة وثلاثين يوما وساعة لأنه يجعل نفاسها ساعة
وطهرها خمسة عشر ثم بعد ذلك أحد وعشرون كما بينا من
قوله فذلك ستة وثلاثون يوما وساعة تصدق
في هذا المقدار إذا أخبرت بانقضاء
العدة للاحتمال والله أعلم
بالصواب
تم الجزء الثالث من المبسوط ويليه الجزء الرابع
(وأوله كتاب المناسك)
219