الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ٧
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٦ - ١٩٨٦ م
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء السابع من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(باب العتق في الظهار)
(قال) رضي الله عنه ويجوز في كفارة الظهار عتق الرقبة العوراء عندنا ولا يجوز عند
الشافعي رحمه الله تعالى لأنها ناقصة بنقصان لا يرجى زواله فكانت كالعمياء وهو الأصل
عنده أن كل عيب لا يرجى زواله يكون فاحشا يمنع جواز التكفير به وكل عيب يرجى
زواله يكون يسيرا لا يمع جواز التكفير به كالحمى والشجة ونحوها والأصل عندنا قوله
تعالى فتحرير رقبة فهو دليل على أن الواجب رقبة مطلقة والتقييد بصفة السلامة يكون
زيادة والزيادة على النص نسخ ولكن مطلق الرقبة يقتضى قيامها من كل وجه والقائم
من وجه دون وجه لا يكون مطلقا والعمياء مستهلكة من وجه لفوات منفعة الحس
وهو البصر فان بقاء الآدمي بمنافعه معني ففوات منفعة الحس يكون استهلاكا من وجه
وليس في العور فوات منفعة الحس وكذلك في قطع اليدين تفوت منفعة البطش وبقطع
احدى اليدين لا تفوت وكذلك أشل اليدين لا يجزى لفوت منفعة الحس ومقطوع الرجلين
أو أشلهما لا يجزى لفوات منفعة المشي ومقطوع أحد الرجلين يجزى لان منفعة المشي
لا تفوت به وكذلك مقطوع اليد والرجل من خلاف لأنه يتمكن من المشي بالعصا ومنفعة
البطش باقية أيضا فلم تكن مستهلكة والمجنون والمعتوه لا يجزى لفوات العقل به وهو منفعة
مقصودة والذي يجن ويفيق يجزى لان منفعة العقل غير فائتة بل هي قائمة تستتر تارة
وتظهر أخرى والخرساء لا تجزى لان منفعة الكلام مقصودة والآدمي إنما باين سائر
الحيوانات بالبيان ففواتها يكون استهلاكا من وجه وتجزى الرقبة الصغيرة لأنها قائمة من
كل وجه ولا يقال إنها فائتة المنافع من البطش والمشي والعقل والكلام لأنها عديمة المنافع إلى
الإصابة عادة فلا يعد ذلك عيبا ولان مالا يخلو عنه أصل الفطرة السليمة لا يعد نقصانا فضلا
عن الاستهلاك (قال) وتجزى الرقبة الكافرة في كفارة الظهار واليمين والافطار عندنا
2

ولا تجزى عند الشافعي رضي الله عنه الا الرقبة المؤمنة لقوله تعالى ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون
ولا خبث أشد من الكفر وفى حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم برقبة سوداء وقال على عتق رقبة أفتجزيني هذه فامتحنها بالايمان
فوجدها مؤمنة فقال صلى الله عليه وسلم أعتقها فإنها مؤمنة فامتحانه إياها بالايمان دليل على أن
الواجب لا يتأدى الا بالمؤمنة ولان هذا تحرير في تكفير فلا يجزى فيه غير المؤمنة
ككفارة القتل وهذا لان الرقبة مطلقة هنا مقيدة بالايمان في القتل والمطلق محمول على
المقيد لان القيد مسكوت عنه في المطلق وقياس المسكوت عنه على المنصوص صحيح ولان
التعليق بالشرط يقتضى نفى الحكم عند عدمه في عين ما تعلق بالشرط وكذلك في نظائره
استدلالا به والكفارات جنس واحد فالتقييد بشرط الايمان في بعضها يوجب نفى الجواز
عند عدم الايمان في جميعها كالتقييد بشرط العدالة في بعض الشهادات أوجب نفى الجواز
عند عدمها في الكل وكذلك التقييد بالتبليغ إلى الكعبة في هدي جزاء الصيد أوجب
ذلك في جميع الهدايا (وحجتنا) في ذلك ظاهر الآية فالمنصوص اسم الرقبة وليس فيه
ما ينبئ عن صفة الايمان والكفر فالتقييد بصفة الايمان يكون زيادة والزيادة على النص نسخ
فلا يثبت بخبر الواحد ولا بالقياس ثم قياس المنصوص على المنصوص عندنا باطل لأنه اعتقاد
النقص فيما تولى الله بيانه وذلك لا يجوز وكذلك شروط الكفارات لا تثبت بالقياس
كأصلها ولا يجوز دعوى التخصيص هنا لان التخصيص فيما له عموم والمطلق غير العام
وامتناع جواز العمياء ونظائرها ليس بطريق التخصيص بل لكونها مستهلكة من وجه
كما بينا منع ان التخصيص فيما له لفظ والصفة في الرقبة غير مذكورة ولا يقال بين صفة
الكفر والايمان تضاد فإذا جوزنا المؤمنة انتفى جواز الكافرة لأن جواز المؤمنة عندنا لأنها
رقبة لا بصفة الايمان ألا ترى أنا نجوز الصغيرة والكبيرة وبين الصفتين تضاد وكذلك
نجوز الذكر والأنثى وبين الصفتين تضاد ولكن الجواز باسم الرقبة فكان الوصف فيه غير
معتبر فأما حمل المطلق على المقيد فالعراقيون من مشايخنا رحمهم الله يجوزون ذلك في حادثة
واحدة كما في قوله صلى الله عليه وسلم في خمس من الإبل شاة مع قوله في خمس من الإبل
السائمة شاة ولكن الأصح أنه لا يجوز حمل المطلق على المقيد عندنا في حادثة ولا في حادثتين
حتى جوز أبو حنيفة رحمه الله تعالى التيمم بجميع أجزاء الأرض لقوله صلى الله عليه وسلم
3

جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ولم يحمل هذا المطلق على المقيد وهو قوله صلى الله
عليه وسلم التراب طهور المسلم وهذا لان للمطلق حكما وهو الاطلاق وفى حمله على المقيد
ابطال حكمه واليه أشار ابن عباس رضى الله تعالى عنه في قوله أبهموا ما أبهم الله وامتناع
وجوب الزكاة في غير السائمة ليس لحمل المطلق على المقيد بل للنص الوارد بأن
لا زكاة في العوامل واشتراط العدالة في الشهادات ليس لحمل المطلق على المقيد بل للنص
الوارد بالتثبت في خبر الفاسق وكذلك وجوب التبليغ إلى الكعبة في جميع الهدايا للنص
وهو قوله تعالى ثم محلها إلى البيت العتيق ولو جاز ذلك أنما يجوز بعد ثبوت المساواة بين
الحادثتين ولا مساواة بين كفارة القتل وبين سائر الكفارات فان القتل من أعظم
الكبائر وفيه تفويت رقبة مؤمنة مخاطبة بالايمان بخلاف أسباب سائر الكفارات ففيها من
التغليظ ما ليس في غيرها ولهذا لا يكون الاطعام بدلا عن الصيام في كفارة القتل بخلاف
كفارة الظهار واشتراط صفة التتابع عندنا في الصوم في كفارة اليمين ليس بطريق حمل
المطلق على المقيد بل بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه وهي مشهورة وهي لازمة عليهم فإنهم
لا يشترطون صفة التتابع فيها لحمل المطلق على المفيد ولا معنى لقول من يقول لذلك المطلق
أصلان أحدهما مقيد بالتفرق وهو صوم المتعة لان ذلك غير مقيد بالتفرق ولكن لا يجوز قبل
يوم النحر لأنه مضاف إلى وقت الرجوع بحرف إذا وهو قوله تعالى وسبعة إذا رجعتم فأما
الحديث فقد ذكر في بعض الروايات أن الرجل قال علي عتق رقبة مؤمنة أو عرف رسول الله
صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي أن عليه رقبة مؤمنة فلهذا امتحنها بالايمان مع أن في صحة ذلك
الحديث كلاما فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أين الله فأشارت إلى السماء ولا نظن
برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يطلب من أحد أن يثبت لله تعالى جهة ولا مكانا ولا حجة
لهم في الآية لان الكفر خبث من حيث الاعتقاد والمصروف إلى الكفارة ليس هو الاعتقاد
إنما المصروف إلى الكفارة المالية ومن حيث المالية هو عيب يسير على شرف الزوال (قال)
ويجزئ الأصم في جميع الكفارات استحسانا وفى القياس لا يجزئ وهو رواية في النوادر لان
منفعة السمع مقصودة وبالصمم يفوت ذلك وجه الاستحسان أن بالصمم لا تفوت منفعة السمع
اصلاحتي أنه يسمع إذا صاح انسان في اذنه وقبل الرواية التي قال لا يجوز محمول على صمم أصلى
4

ولابد وأن يكون معه الخرس فإنه لم يسمع الكلام ليتكلم وهذا لا يجزى ومراده من الرواية
التي قال يجزى إذا كان الصمم عارضا فلا يكون معه الخرس ويسمع عند المبالغة في رفع الصوت
(قال) ويجزى الخصي ومقطوع الاذنين ومقطوع المذاكير عندنا ولا يجزئ عند زفر رحمه
الله تعالى لأنها مستهلكة من وجه بفوات منفعة مقصودة من الآدمي ولكنا نقول بعد قطع
الاذنين الشاخصتين السمع باق وإنما يفوت ما هو زينة وجمال فلا تصير الرقبة به مستهلكة
كفوات شعر الحاجبين واللحية وفى الخصي ومقطوع المذاكير إنما تفوت منفعة النسل
وهو زائد على ما هو المطلوب من المماليك فاما إذا كان مقطوع اليد والرجل من جانب
واحد لا يجزئ لان منفعة المشي فائتة فإنه لا يتمكن من المشي بعصا وكذلك أن كان من
كل يد ثلاثة أصابع مقطوعة لم يجز لفوات منفعة البطش وقطع أكثر الأصابع في هذا
كقطع جميعها وإن كان المقطوع من كل يدا صبعا أو إصبعين سوى الابهام يجزئ لان منفعة
البطش باقية وإن كان مقطوع الابهام كل يد فمنفعة البطش فائتة فلهذا لا يجزى وكذلك
لا يجوز المفلوج اليابس الشق لفوات جنس المنفعة منه ولا يجوز عتق أم الولد في الكفارة لان
المنصوص عليه الرقبة وذلك اسم للذات حقيقة وللذات المرقوق عرفا وقد دل على الرق قوله
تعالى فتحرير رقبة فيقتضى قيام الرق مطلقا وبالاستيلاد يتمكن النقصان في الرق حتى لا يعود
إلى الحالة الأولى حال ولان قوله تعالى فتحرير رقبة يقتضي انشاء العتق من كل وجه واعتاق أم
الولد تعجيل لما صار مستحقا لها مؤجلا فلا يكون انشاء من كل وجه وولد أم الولد بمنزلة أمه
والمدبر كذلك لان بالتدبير صار مستحقا له ولهذا لا يحتمل التدبير الفسخ ويثبت به استحقاق
الولاء (قال) ولا يجزى اعتاق المكاتب إذا كان أدى شيئا من بدل الكتابة لأنه عتق
بعوض والكفارة به لا تتأدى قال صلى الله عليه وسلم بشر أمتي بالسناء والتمكين ما لم
يبتغوا بعمل الآخرة الدنيا ودليل ان المقبوض عوض أنه لو وجده زيوفا رده واستبدل
بالجياد ولان الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا في رقه بعد أدائه بعض البدل فكان علي رضي الله عنه
يقول يعتق بقدر ما أدى وابن مسعود رضي الله عنه يقول إذا أدى قيمة نفسه
يعتق واختلاف الصحابة رضي الله عنهم في رقه شبهة مانعة من جواز التكفير به وقد روى
الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه يجوز لان رقه لم ينتقص بما أدى من البدل ولهذا
احتمل عقد الكتابة الفسخ بعد استيفاء بعض البدل كما احتمل قبله فاما إذا أعتقه قبل أن
5

يؤدى شيئا جاز عن الكفارة عندنا استحسانا وفى القياس لا يجوز وهو قول زفر والشافعي
رحمهما الله تعالى لان استحقاق العتق والولاء يثبت بعقد الكتابة فوق ما يثبت بالتدبير والاستيلاد
ولهذا يصير أحق بمكاسبه ويعتبر الثلث والثلثان من مال الكتابة دون مالية الرقبة ويمتنع على
المولى التصرفات فيه فاما أن يقول يتمكن بهذا السبب نقصان في رقه أو يكون كالزائل عن
ملك المولى من وجه حتى لو أتلفه يضمن قيمته ولو وطئ مكاتبته يغرم العقر وثبوت حكم
الزوال عن ملكه من وجه يكفي للمنع من التكفير ولأنه في حق المولى كفائت المنفعة لأنه
صار أحق بمنافعه ومكاسبه أو لان العتق لما صار مستحقا بالكتابة فإذا أوقعه وقع من الوجه
المستحق ولهذا يسلم له الأولاد والا كساب والعتق عند الكتابة لا تتأدى به الكفارة مع أن
هذا من المولى اعتاق صورة فأما في المعنى هو ابراء عن بدل الكتابة ولهذا يسقط مال الكتابة
ويسلم له الأولاد والا كساب وهو كما لو أعتقه الوارث بعد موته لا يجزى عن كفارته بالاتفاق
(وحجتنا) في ذلك ظاهر الآية ففيها أمر بتحرير الرقبة والتحرير تصيير شخص مرقوق
حرا وقد حصل والرقبة اسم لذات مرقوق عرفا والمكاتب كذلك قال صلى الله عليه وسلم المكاتب
عبد ما بقي عليه درهم ولا يتمكن النقصان في رقه ولا يصير العتق مستحقا له بسبب الكتابة
لان حكم العتق في الكتابة متعلق بشرط الأداء ولو علق عتقه بشرط آخر لم بثبت به الاستحقاق
فكذلك بهذا الشرط بل أولى لان التعليق بسائر الشروط يمنع الفسخ وبهذا الشرط لا يمنع
ولو تمكن نقصان في رقه لما تصور فسخه واعادته إلى الحالة الأولى لان نقصان الرق بثبوت
الحرية من وجه وكما أن ثبوت الحرية من جميع الوجوه لا يحتمل الفسخ فكذلك ثبوته من
وجه ولان الثابت بالكتابة انفكاك الحجر عنه في حق المكاتب وبذلك لا يتمكن النقصان
في رقه كالاذن في التجارة إلا أن ذلك فك بغير عوض فلا يكون لازما في حق المولى وهذا
فك بعوض فيكون لازما ولكن مع هذا المنافع والمكاسب غير الرقبة فبالتصرف فيها لازما كان
أو غير لازم لا يتمكن النقصان في الرق والملك كالإعارة مع الإجارة وبسبب اللزوم يمتنع على
المولى التصرف فيه ويلزمه ضمن العقر والأرش لان ذلك في حكم المكاسب والمنافع والمكاسب
صارت مستحقة له ولكن بهذا الاستحقاق لا تصير الرقبة في حكم المستهلك وإذا ثبت أن العتق
لا يصير مستحقا بهذا السبب ظهر أن اعتاق المولى إياه يكون تحريرا مبتدأ من كل وجه فيصير
به ممتثلا للامر والدليل عليه انه يسقط به بدل الكتابة ولو كان هذا اعتاقا بجهة الكتابة
6

لتقرر به البدل فان تسليم المعوض يوجب تقرير البدل ولا يجوز أن يكون اعتاقه ابراء
لأنه يحتمل التعليق بالشرط وإذا أعتق نصفه يعتق ذلك القدر والابراء عن نصف البدل
لا يوجب عتق شئ منه فاما سلامة الاكساب والأولاد فلانه عتق وهو مكاتب لا لأنه
عتق بجهة الكتابة كما لو كاتب أم ولده ثم مات المولى عتقت بجهة الاستيلاد وسلم لها
الأولاد والاكساب وهذا لان العتق في حق المكاتب واحد والاعتاق من المولى تختلف
جهاته ففيما يرجع إلى حق المكاتب جعل هذا ذلك العتق لكونه متحدا وفى حق المولى
يجعل اعتاقا بجهة الكفارة لأنه قصد ذلك وهو كالمرأة إذا وهبت الصداق من الزوج ثم
طلقها قبل الدخول لا يرجع عليها بشئ وتجعل هبتها في حق الزوج تحصيلا لمقصود الزوج
عند الطلاق وفى حقها تجعل تمليكا بهبة مبتدأة (قال) فان أعتق عن ظهاره نصيبه من عبد
بينه وبين غيره لم يجزه عن كفارته في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وان ضمن نصيب
شريكه فاعتق ما بقي منه لان العتق عبده يتجزى فإنما عتق نصيبه في الابتداء ونصف الرقبة ليس
برقبة ثم يتمكن النقصان في حق النصف الآخر لأنه يتعذر عليه استدامة الرق فيه وهذا
النقصان في ملك الشريك غير مجز عن الكفارة وبالضمان إنما يملك ما بقي منه فإذا أعتقه
كان هذا في المعنى اعتاق عبد الا شيئا وعند الضمان إنما يستحق عليه السعاية فيما ضمن
لشريكه فاعتاقه يكون ابراء عن تلك السعاية فلا تتأدى به الكفارة فاما على قول أبى يوسف
ومحمد رحمهما الله تعالى العتق لا يتجزأ فان أعتق نصيبه عتق كله الا ان المعتق إن كان
مؤسرا فهو ضامن لنصيب شريكه ولا سعاية على العبد فكان هذا اعتاقا بغير عوض فيجزى
عن الكفارة وإن كان معسرا فعلى العبد السعاية في نصيب شريكه فيكون هذا عتقا بعوض فلا
تتأدى به الكفارة فأما إذا كان العبد كله له فاعتق نصفه عن كفارته عندهما يعتق كله بغير
سعاية ويجوز عن الكفارة وعند أبي حنيفة رحمه الله يعتق نصفه ولا يجوز عن كفارته فان
أعتق النصف الباقي بعد ذلك بنية الكفارة في القياس لا يجزيه لما بينا ان باعتاق النصف
يتمكن النقصان في النصف الآخر كما في الفصل الأول وفى الاستحسان يجزى لان
هذا النقصان بسبب العتق عن الكفارة فلا يمنع الجواز ومعنى هذا ان الرقبة كلها مملوكة له
هنا فالنقصان في النصف الآخر إنما يحصل في ملكه فيمكن تحريره عن الكفارة إذا أكمله
ويجعل كأنه في المرة الأولى أعتق النصف وزيادة ثم أعتق ما بقي بخلاف المشترك وهذا
7

نظير الاستحسان فيمن أضجع أضحيته ليذبحها فأصابت السكين عين الشاة لا يمنع جواز التضحية
بها استحسانا لان حصول هذا العيب بسبب فعل التضحية (قال) ولا يجزيه العتق بما في البطن
عن الكفارة وان ولدته لا قل من ستة أشهر لان الجنين بمنزلة جزء من الأم في بعض الأحكام
فلا يكون رقبة مطلقة لان الرقبة المطلقة ما يكون نفسا على حدة من كل وجه خصوصا في
حكم العتق والجنين بمنزلة الجزء حتى يعتق بعتقها على وجه لا يجوز استثنائه كيدها ورجلها
(قال) وان اشترى أباه ينوى به العتق عن ظهاره أجزأه استحسانا في قول علمائنا الثلاثة
رضي الله عنهم وفى القياس لا يجزئ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الأول وزفر
والشافعي رحمهما الله تعالى وجه القياس أن الواجب عليه التحرير والشراء غير التحرير لأن الشراء
استجلاب للملك والعتق ابطال له فكانت المغايرة بينهما على سبيل المضادة ولان
العتق بسبب القرابة صار مستحقا له عند دخوله في ملكه فلا تتأدى به الكفارة كما لو قال
لعبد الغير أن اشتريتك فأنت حر ثم اشتراه ينوى به الكفارة وهذا لان عند وجود
الشرط إنما يعتق بالسبب الذي حصل الاستحقاق به وهو القرابة ولا يتصور اقتران نية
الكفارة بذلك السبب والدليل على أن الاستحقاق بالقرابة أن أحد الشريكين في العبد إذا
ادعى سببه يضمن لشريكه قيمة نصيبه كما لو أعتقه توضيحه أن أم هذا الولد استحقت حق
العتق عند دخولها في ملكه وذلك مانع اعتاقها عن الكفارة حتى لو قال لها إذا اشتريتك
فأنت حرة عن ظهاري لا يجزئه عن الظهار فالابن الذي استحق حقيقة العتق عند دخوله
في ملكه أو الأب أولى أن لا يجوز اعتاقه عن الكفارة وهذا لان العتق مجازاة للأبوة
ومجازاة الأبوة فرض فلا يتأدى به واجب آخر وصرف منفعة الكفارة إلى أبيه لا يجوز
كالطعام والكسوة (وحجتنا) في ذلك ظاهر الآية ففيها أمر بالتحرير وهو تصيير شخص
مرقوق حرا كالتسويد تصيير المحل أسود وقد وجد ذلك وهذا لان شراء القريب اعتاق قال
صلى الله عليه وسلم ان يجزى ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه أي بالشراء كما
يقال أطعمه فأشبعه وسماه بالشراء مجازيا وإنما يكون مجازيا بالاعتاق والدليل عليه أنه لو اشترى
نصف قريبه يضمن لشريكه إن كان موسرا والضمان الذي يختلف باليسار والاعسار لا يكون
إلا عن اعتاق وهذا لأنه بالشراء يصير متملكا والملك في القريب اكمال لعلة العتق فإذا صار
مضافا إلى الشراء يكون به معتقا لان السبب الموجب للحكم بواسطة كالموجب بغير واسطة
8

في كون الحكم مضافا إليه والدليل على اثبات هذه القاعدة ان عتق القريب يثبت بالقرابة
والملك جميعا قال صلى الله عليه وسلم من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر وهذا لان العتق
صلة وللملك تأثير في استحقاق الصلة شرعا حتى تجب الزكاة باعتبار الملك صلة للفقراء كما
أن للقرابة تأثيرا في استحقاق الصلة وكل واحد من الوصفين لكونه مؤثرا علة ومتى تعلق
الحكم بعلة ذات وصفين فالحكم لآخرهما وجودا لان تمام العلة به وآخر الوصفين هنا
الملك فيكون به معتقا ولهذا لو ادعي أحد الشريكين نسب نصيبه يضمن لشريكه لان آخر
الوصفين وجود القرابة هنا فيصير به معتقا وهو كالشهادة على النسب بعد الموت يوجب
ضمان الميراث عند الرجوع لان آخر الوصفين ما أثبته الشهود ولا يدخل على هذا شهادة
الشاهد الثاني فإنه لا يحال بالاتلاف عليها وان تمت الحجة بها لان الشهادة لا توجب شيئا
بدون القضاء والقضاء يكون بهما معا وبهذا تبين فساد قولهم أن العتق مستحق بالقرابة لان
الاستحقاق لا يثبت قبل كمال العلة ولأنه لا يجبر على الشراء وهذا بخلاف المحلوف
بعتقه لان الملك هناك شرط لا أثر له في استحقاق ذلك العتق فيكون معتقا بيمينه ولم تقترن
نية الكفارة بها حتى لو اقترنت جاز وقولهم ان العتق بسبب القرابة فرض قلنا إنما يقع
العتق بسبب القرابة ويكون مجازاة له إذا قصد ذلك فاما إذا قصد به الكفارة كان هذا في
حقه اعتاقا عن الكفارة فهو بمنزلة من فرض عليه نفقة أخيه فصرف إليه زكاة ماله جاز ثم
تسقط به النفقة حكما لحصول المقصود وهذا الفقه الذي أشرنا إليه في مسألة الكتابة ان
في حق المعتق العتق واحد فيحصل مقصوده من أي وجه نواه المعتق ولكن في حق
المعتق تكثر جهاته فيكون عما نوى ليصح قصده وليس هذا نظير أم الولد لان استحقاق
العتق لها بالاستيلاد كما قال صلى الله عليه وسلم أعتقها ولدها فيكون الملك فيها شرطا للعتق
لا إكمالا للعلة ولا معنى لقولهم إن هذا صرف منفعة الكفارة إلى أبيه لأنه لما جاز صرف
هذه المنفعة إلى عبده جاز صرفها إلى أبيه بخلاف الاطعام والكسوة فصرفه إلى عبده
لا يجوز فإلى أبيه أولى وكذلك وان وهب له أبوه أو تصدق به عليه أو أوصى له به وهو
ينوى عن كفارته فهو على الخلاف الذي بينا لان الملك بهذه الأسباب يحصل بصنعه وهو
القبول فاما إذا ورث أباه ينوى به الكفارة لا يجزئه لان الميراث يدخل في ملكه من غير
صنعه وبدون الصنع لا يكون محررا والتكفير إنما يتأدى بالتحرير ولهذا لا يضمن لشريكه
9

إذا ورث نصف قريبه وإذا قال فلان حر يوم اشتريه ثم اشتراه ونوى عن ظهاره لا يجزئه
لأنه إنما يعتق عند الشراء بقوله حر ولم يقترن به نية الكفارة وإن كان عنى بقوله هو حر
يوم اشتريه عن ظهاري أجزأه لاقتران نية الكفارة بالاعتاق (قال) وان قال إذا اشتريته
فهو حر ثم قال إذا اشتريته فهو حر من ظهاري فاشتراه لا يجزى عن الظهار لان التعليق الأول
قد صح على وجه لا يملك ابطاله ولا تغييره فإنما يحال بالعتق عند الشراء عليه لأنه ترجح
بالسبق ولم تقترن به نية الكفارة (قال) ولا يجزى ان يعتق عن ظهار واحد نصف رقبة
ويصوم شهرا أو يطعم ثلاثين مسكينا لان نصف الرقبة ليس برقبة واكمال الأصل بالبدل
غير ممكن فإنهما لا يجتمعان فكيف يتحقق إكمال أحدهما بالآخر (قال قيل) ان أعتق
نصف رقبتين بان كان بينه وبين شريكه عبدان (قلنا) لا يجوز أيضا لان نصف الرقبتين
ليس برقبة والشركة في كل رقبة تمنع التكفير بها بخلاف الأضحية فان رجلين لو ذبحا
شاتين بينهما عن أضحيتهما جاز لان الشركة لا تمنع التضحية كما في البدنة (قال) ولو
أعتق عبدا عن ظهارين فله أن يجعله عن أيهما شاء ويجامع تلك المرأة وكذلك الصوم
والاطعام وفى القياس لا يجوز وهو قول زفر لانعدام نية التعيين ولأنه يصير معتقا عن كل
ظهار نصف رقبة إذ ليس إحداهما بأولى من الأخرى فهو كما لو أعتق رقبة عن كفارة
القتل والظهار ووجه الاستحسان ان نية التعيين في الجنس الواحد لغو غير مفيد فلا تعتبر
بخلاف الجنسين ألا تري ان من كان عليه قضاء أيام من رمضان فنوى صوم القضاء جاز
وإن لم يعين صوم يوم الخميس أو الجمعة لان الجنس واحد بخلاف ما لو كان عليه صوم القضاء
والنذر فإنه لابد فيه من التعيين لاختلاف الجنس (قال) ولو أعتق رجلا عنه بغير أمره لم
يجزه عن ظهاره لان المعتق عن المعتق ونيته من غيره لغو لأنه يعقب الولاء وليس لاحد ان
يلزم غيره ولاء بغير أمره فإن كان بأمره فهو على وجهين إما أن يكون بجعل أو بغير جعل فإن كان
بجعل بان قال أعتق عبدك عن ظهاري على ألف درهم فاعتقه جاز عن ظهاره استحسانا
عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى ووجب المال عليه وفى القياس وهو قول زفر رحمه الله
تعالى يعتق عن المعتق والولاء له ولا يجزئ عن ظهار الآمر ولا مال عليه لأنه التمس منه
محالا وهو أن يعتق ملك نفسه من غيره ولا عتق فيما لا يملكه ابن آدم فكان اعتاق زيد ملكه
عن عمرو محالا ولا يجوز اضمار التمليك هنا لان الاضمار لتصحيح المصرح به لا لابطاله
10

وإذا أضمرنا التمليك صار معتقا عن الآمر ملكه لا ملك نفسه وهو خلاف ما صرح به
ولكنا نقول معنى كلامه ملكني عبدك هذا بألف درهم ثم كن وكيلي في اعتاقه عن ظهاري
لأنه التمس منه اعتاقه عن ظهاره ولا وجه لتصحيح التماسه الا بهذا الاضمار وتصحيح كلام
العاقل واجب بحسب الامكان فإذا أمكن تصحيحه بهذا الطريق يصحح لمعنى وهو أن
الملك في المحل شرط العتق وشرط الشئ تبعه فيصير كالمذكور بذكر أصله كمن نذر صلاة
تلزمه الطهارة ومن نذر اعتكافا يلزمه الصوم ويصير ذلك المذكور وعلى هذا لو قال بعت
منك هذا العبد بكذا فقال المشترى هو حر يعتق من جهته ويصير القبول والتمليك ثابتا
بمقتضى كلامه ومعنى قوله عبدك يعني العبد الذي هو ملك لك للحال لا عند مصادفة العتق
إياه فمقصوده من هذا تعريف العبد لا اضافته إليه والخلاف ثابت فيما لو قال أعتق هذا العبد
عني وأما إذا كان بغير جعل بأن قال أعتق عبدك عن ظهاري بغير شئ فأعتقه المأمور على
قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى الولاء للمأمور ولا يجزئ عن ظهار الآمر وهو
القياس وعلى قول أبى يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى الولاء للآمر ويجزئ عن ظهاره
باعتبار اضمار التمليك كما في الأول وهذا لان الملك سواء حصل له بعوض أو بغير
عوض يجوز عن كفارته إذا أعتقه ولا يجوز أن يقال الملك بطريق الهبة لا يحصل
الا بالقبض لان القبض في باب الهبة كالقبول في البيع فكما سقط اعتبار القبول هناك
لكون البيع في ضمن العتق فكذلك يسقط اعتبار القبض هنا أو يجعل القبض مدرجا في
كلامه حكما كما يندرج القبول في كلامه أو يجعل العبد قابضا نفسه من المولى له كما لو قال
أطعم عن ظهاري ستين مسكينا يجوز بغير بدل علي أن يقبض الفقير له ثم لنفسه والدليل
عليه أنه لو قال أعتقه عني بألف ورطل من خمر فأعتقه جاز عن الآمر ويندرج البيع الفاسد
هنا والملك بالبيع الفاسد لا يحصل الا بالقبض كما في الهبة وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله
تعالى يقولان مستوهب أمر بالعتق قبل القبض فلا يجزى عنه كما لو استوهبه العبد نصا ثم
قال قبل قبضه أعتقه وهذا لان القبض في باب الهبة شرط لوقوع الملك على وجه لا يجوز
اسقاطه بحال فلا يسقط بالاندراج في العتق لان المسقط إنما يعمل في محله لا في غير محله
بخلاف القبول في البيع فإنه يحتمل السقوط حتى لو قال بعت منك هذا الثوب بعشرة فاقطعه
فقطعه صار متملكا وإن لم يقبل وهذا لان الايجاب مع القبول قد يحتمل السقوط في البيع
11

وهو عند التعاطي فمجرد القبول أولى أن يحتمل السقوط وبه فارق البيع الفاسد لان الفاسد
في الحكم ملحق بالجائز والقبض هناك نظير القبول هنا في أنه يحتمل الاسقاط ولا يجوز
أن يجعل القبض مدرجا في كلامه هنا لان القبض فعل والقول لا يتضمن الفعل إنما يتضمن
قولا مثله والقبول قول فيجوز أن يندرج في كلامه ولا يجوز أن يجعل العبد قابضا نفسه هنا
لان الاعتاق ابطال للملك والمالية والعبد إنما يقبض ما يسلم له دون مالا يسلم له وبه فارق
الطعام فان المسكين يقبض عين الطعام فيمكن أن يجعل قابضا للآمر أولا ثم لنفسه ولكن
العبد ينتفع بهذا الاعتاق فمن هذا الوجه يندرج فيه أدنى القبض ولكن أدنى القبض
يكفي في البيع الفاسد ولا يكفي في الهبة كالقبض مع الشيوع فيما يحتمل القسمة ومع
الاتصال في الثمار على رؤس الأشجار يكفي لوقوع الملك في البيع الفاسد دون الهبة وبهذا
يتضح الفرق بين هذه الفصول (قال) ولو أعتق المظاهر عبده على جعل لم يجز قل
الجعل أو كثر لان التكفير بما يخلص لله تعالى وعمله في العتق بجعل لا يكون خالصا لله
تعالى لأنه قصد به العوض ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فيما يؤثر عن ربه عز وجل يقول
الله تعالى انا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل لي عملا وأشرك فيه غيري فهو كله لذلك
الشريك وأنا منه برئ وان وهب له الجعل بعد ذلك لم يجزه عن الكفارة لان هذا إبراء عن
الدين ولا مدخل للإبراء عن الدين في الكفارات والله أعلم بالصواب
(باب الصيام في الظهار)
(قال) وإذا لم يجد المظاهر ما يعتق عن ظهاره فعليه صيام شهرين متتابعين بالنص فان
أفطر فيهما يوما لمرض أو لغيره فعليه استقبال الصيام لفوات صفة التتابع بفطره والواجب
المقيد بوصف شرعا لا يتأدى بدونه وكذلك أن أيسر قبل أن يفرغ من الصوم انتقض
صيامه وعليه العتق لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل فان المقصود اسقاط
الكفارة عنه وذلك لا يحصل قبل تمام الشهرين وهو كالمتيمم إذا وجد الماء قبل الفراغ من
الصلاة والطارئ من اليسار قبل حصول المقصود كالمقترن بحالة الشروع في الصوم ومعنى
قوله انتقض صومه في حكم جوازه عن الكفارة فاما أصل الصوم باق فيستحب اتمامه
نفلا لان اليسار لا يمنع ابتداء الصوم إنما يمنع التكفير به (قال) ولو صام شهرين أحدهما شهر
12

رمضان لم يجزه عن الظهار لأنه لم يشرع في شهر رمضان الا صوم واحد وهو الفرض فلا
يصح التكفير به لان وجوب الكفارة في ذمته وما في الذمة إنما يتأدى بما للمرء لا بما عليه
وقد قررنا هذا في كتاب الصوم وبينا اختلاف أبي حنيفة رحمه الله تعالى مع صاحبيه
رحمهما الله في المسافر وإذا لم يجز صومه في شهر رمضان عن الظهار فعليه أن يستقبل بعد
يوم الفطر شهرين لانقطاع التتابع في حق صوم الكفارة وكذلك لو دخل صومه يوم
النحر أو أيام التشريق فعليه استقبال الصوم صام في هذه الأيام أولا لأن الصوم في هذه
الأيام منهى عنه فلا يتأدى به الواجب في ذمته وينقطع التتابع بتخلل هذه الأيام لأنه يجد
شهرين خاليين عن هذه الأيام (قال) ولا يجزى الصوم لمن له خادم لأنه واجد لما يتأدى
به الأصل فلا يتأدى الواجب بالبدل بخلاف من له مسكن فقط لأنه غير واجد لما هو
الأصل وهو محتاج إلى المسكن فجعل ملكه فيه كالمعدوم لكونه مشغولا بحاجته وقد بينا في
كتاب الزكاة ان ملك المسكن يزيد في حاجته والخادم كذلك الا انه عين المنصوص عليه
فلا معتبر بالمعنى فيه وإن كان له دراهم أو دنانير يجد بها رقبة لم يجز الصوم لقوله تعالى فمن
لم يجد والواجد لثمن الرقبة كالواجد لعينها ألا تري ان في حكم التيمم الواجد لثمن الماء
كالواجد لعينه وهذا لان الوجود عبارة عن التيسر دون الغنى وبملك الدراهم والدنانير
يتيسر عليه تحصيل ما يعتق ويسار التيسر ينفي الشرط المنصوص وهو عدم الوجود (قال)
وإذا ظاهر من أربع نسوة له فاعتق رقبة ليس له غيرها ثم صام أربعة أشهر متتابعة ثم
مرض فأطعم ستين مسكينا ولم ينو في ذلك واحدة بعينها أجزأه عنهن استحسانا لما بينا
ان نية التمييز غير معتبرة في الجنس الواحد وقد أعتق حين وجد ثم صام حين لم يجد ما يعتق
وذلك كفارته ثم أطعم حين لم يستطع الصوم وذلك كفارته لان المعتبر عدم الاستطاعة عند
التكفير بالاطعام وذلك يتحقق بمرضه ولا يشترط استدامة العذر بعد التكفير ثم فيما أدى وفاء
بالواجب عليه فيجزيه (قال) وإذا بانت من المظاهر امرأته ثم كفر عنها وهي تحت
زوج أو مرتدة لاحقة بدار الحرب جازت الكفارة عنه لان الحرمة الثابتة بالظهار باقية بعد
البينونة والكفارة واجبة بدليل أنه لو تزوجها لم يكن له أن يقربها حتى يكفر ولو سقطت
لم يعد بالتزوج وإذا ثبت بقاء الواجب صح إسقاطه بأدائه وان كانت لا تحل له للحال
لكونها مرتدة أو ذات زوج وهذا لان أداء الكفارة يرفع الحرمة الثابتة بالظهار
13

ولا يوجب حل المحل (قال) وإذا ارتد الزوج والعياذ بالله ثم أعتق عبدا له عن ظهاره ثم
أسلم أجزى عنه وهذا بناء على أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان الظهار يبقى بعد ردته عنده
وطعن عيسى رحمه الله تعالى فقال هذا الجواب غلط لان الكفارة إنما تتأدى بعتق هو
قربة خالصة ولهذا لا يتأدى بالعتق بجعل والمرتد ليس من أهل القربة ولا تتأدى الكفارة
الأبنية العبادة والمرتد ليس من أهلها وما ذكره في الكتاب أصح لان تصرفات المرتد
موقوفة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإنما ينفذ عتقه بعد اسلامه وكما توقف أصل عتقه توقف
نيته فيصير بعد الاسلام كالمجدد لذلك كله ولا يبعدان يتوقف حكم النية كمن أبهم النية عند
الاحرام تتوقف على أن يكون حجا أو عمرة لتعيينه في الثاني ويجعل عند التعيين كأنه جدده
وهذا لأنه بعدما أسلم يبطل حكم ردته ولهذا يعاد إليه من أملاكه ما كان قائما بعينه في يد وارثه
فكذلك يبطل ما ينبني على ردته وهو فساد نيته (قال) وان أكل في صوم الظهار ناسيا لصومه
لم يضره وكذلك أن جامع غير التي ظاهر منها لان حرمة هذا الفعل عليه لأجل الصوم فيختلف
بالنسيان والعمد بخلاف ما لو جامع التي ظاهر منها عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى فان
حرمة ذلك الفعل ليس لأجل الصوم ألا ترى أنه كان محرما قبل الشروع في الصوم فيستوى
فيه النسيان والعمد ثم إن صام المظاهر شهرين بالأهلة أجزأه وإن كان كل شهر تسعة وعشرين
يوما وان صام لغير الأهلة ثم أفطر لتمام تسعة وخمسين يوما فعليه الاستقبال لان الأهلة أصل
والأيام بدل كما قال صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته فان غم عليكم الهلال فأكملوا شعبان
ثلاثين يوما فعند وجود الأصل وهي الأهلة لا معتبر بالأيام وعند عدم الأصل الاعتبار
بالأيام فلا يتم الشهران الا بستين يوما فان صام خمسة عشر ويوما ثم صام شهرا بالأهلة تسعة
وعشرين ثم خمسة عشر يوما أجزأه وهذا بناء على قولهما فاما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
لا يجزيه وقد بينا هذا في حكم العدة ان عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا كان ابتداء الشهر
بالأيام يعتبر كله بالأيام لأنه ما لم يتم الشهر الأول لا يدخل الشهر الثاني وعندهما الاعتبار
بالأيام فيما تعذر عليه الاعتبار بالأهلة وهو الشهر الواحد فقط والله أعلم
باب الاطعام في الظهار
(قال) رضي الله عنه ويجزيه ان يدعو ستين مسكينا فيغديهم ويعشيهم وهو قول علمائنا ان
14

الاطعام في الكفارات يتأدى بالتمكين من الطعام وعند الشافعي لا يتأدى الا بالتمليك من
الفقير وكان أحمد بن سهل رضى الله تعالى عنه يقول لا يتأدى بالتمليك وإنما يتأدى بالتمكين
فقط لظاهر قوله تعالى فإطعام ستين مسكينا والاطعام فعل متعد ولازمه طعم يطعم وذلك
الأكل دون الملك ففي التمليك لا يوجد الاطعام وإنما يوجد ذلك في التمكين لأنه لا يتم ذلك
الا بان يطعم المسكين والكلام محمول على حقيقته والشافعي رحمه الله يقول الاطعام يذكر للتمليك
عرفا يقول الرجل لغيره أطعمنك هذا الطعام أي ملكتك والمقصود سد خلة المسكين واغناؤه
وذلك يحصل بالتمليك دون التمكين فإذا لم يتم المقصود بالتمكين لا يتأدى الواجب كما في
الزكاة وصدقة الفطر وقاس بالكسوة فإنه لو أعار المساكين ثيابا فلبسوا بنية الكفارة لا يجوز
فكذلك الاطعام والجامع أنه أحد أنواع التكفير (وحجتنا) في ذلك أن المنصوص عليه
الاطعام وحقيقة ذلك في التمكين والمقصود به سد الخلة وفى التمليك تمام ذلك فيتأدى
الواجب بكل واحد منهما أما بالتمليك فلان الأكل الذي هو المنصوص جزء مما هو المقصود
بالتمليك لأنه إذا ملك فاما ان يأكل أو يصرف إلى حاجة أخرى فيقام هذا التمليك مقام ما هو
المنصوص عليه لهذا المعنى ويتأدى بالتمكين لمراعاة عين النص والدليل عليه انه يشبهه
بطعام الأهل فقال من أوسط ما تطعمون أهليكم وذلك يتأدى بالتمليك تارة وبالتمكين
أخرى فكذا هذا لان حكم المشبه حكم المشبه به وليس بهذا كالكسوة لان
الكسوة بكسر الكاف عين الثوب فأما الفعل بفتح الكاف كسوة وهو الالباس فثبت
بالنص أن التكفير بعين الثوب لا بمنافعه والإعارة والالباس تصرف في المنفعة فلا يتأدى
به الواجب فأما في التمكين من الطعام المسكين طاعم للعين وبالتمكين يحصل الاطعام
حقيقة وهذا بخلاف الزكاة فالواجب هناك فعل الايتاء بالنص وفى صدقة الفطر الواجب
فعل الأداء وذلك لا يحصل بالتمكين بدون التمليك وبمعرفة حدود كلام صاحب الشرع
يحسن فقه الرجل ثم المعتبر في التمكين أكلتان مشبعتان اما الغداء والعشاء واما غداءان أو
عشاءان لكل مسكين فان المعتبر حاجة اليوم وذلك بالغداء والعشاء عادة ويستوى في خبز
البر أن يكون مأدوما أو غير مأدوم وفي الكتاب أطلق الخبز ومراده خبز البر وقد فسره
في الزيادات وهذا لان المسكين يستوفى منه حاجته وإن لم يكن مأدوما بخلاف خبز الشعير
فإنه لا يستوفي منه تمام حاجته الا إذا كان مأدوما وكذلك لو غداهم وعشاهم بسويق وتمر
15

قالوا وهذا في ديارهم فإنهم يكتفون بذلك عادة ويستوفون منه حاجتهم فأما في ديارنا لا بد من
الخبز وهذا كله بمنزلة طعام الأهل ويعتبر فيه الأكلتان المشبعتان مما يكون معتادا في
كل موضع فقد قالت الصحابة رضوان الله عليهم أعلى ما يطعم الرجل أهله الخبز واللحم
وأوسط ما يطعم الرجل أهله الخبز واللبن وأدنى ما يطعم الرجل أهله الخبز والملح (قال)
وان اختار التمليك أعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو صاعا من تمر
أو صاعا من شعير لا يجزئه دون ذلك عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لكل مسكين
مد من بر لحديث الاعرابي في كفارة الفطر فان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه خمسة عشر
صاعا وقال فرقها على ستين مسكينا ولكنا نستدل بحديث أوس بن الصامت وسلمة بن
صخر البياضي رضي الله عنهما فقد ذكر في الحديثين اطعام ستين مسكينا لكل مسكين
نصف صاع من بر وحديث علي وعائشة رضي الله عنهما قالا لكل مسكين مدان من بر
وعن عمر وابن عباس رضي الله عنهما لكل مسكين نصف صاع من حنطة ولان المعتبر حاجة
اليوم لكل مسكين فيكون نظير صدقة الفطر ولا يتأدى ذلك بالمد بل بما قلنا فكذلك
هذا وذكر في بعض الروايات في حديث الاعرابي فرقها ومثلها معها ثم هذا الاستدلال
من الشافعي رحمه الله تعالى لا يستقيم لان الصاع لا يتقدر بأربعة امناء عنده وان أعطى قيمة
الطعام كل مسكين أجزأه لحصول المقصود وهو سد الخلة وهو عندنا وقد بيناه في الزكاة
(قال) وان أعطى من صنف من ذلك أقل مما سميناه وهو يساوى كمال الواجب من
جنس آخر لم يجزه إلا عن مقداره معناه إذا أعطى كل مسكين مدا من بر يساوى صاعا
من شعير أو نصف صاع من تمر يساوى نصف صاع من حنطة وعلى قول زفر رحمه الله
تعالى يجزئه لان المقصود يحصل بالمؤدى وهو كاعطاء القيمة ألا ترى أنه لو كسا عشرة
مساكين ثوبا واحد في كفارة جاز عن الطعام إذا كانت قيمة نصيب كل واحد منهم مثل
قيمة الطعام ولكنا نقول المؤدى عين المنصوص ولا معتبر بالمعنى في المنصوص بل يعتبر عين
النص بخلاف الكسوة فالمنصوص عليه ما يحصل به الاكتساء وبعشر الثوب لا يحصل ذلك
لكل مسكين فلم يكن المؤدى منصوصا عليه فيعتبر المعنى فيه توضيحه ان في إقامة صنف مقام
صنف ابطال التقدير المنصوص عليه في كل صنف وكل تعليل يتضمن ابطال النص فهو باطل
وليس في الكسوة تقدير منصوص عليه فاقامته مقام الطعام لا يؤدى إلى ابطال التقدير المنصوص
16

عليه ولان المقصود بالكسوة غير المقصود بالطعام فللمغايرة يجوز إقامة أحدهما مقام الآخر
والمقصود بأصناف الطعام واحد فاعتبار عين المؤدى فيه أولى فإذا كان المؤدى لكل
مسكين مدا من بركه عليه ان يعيد على كل واحد منهم بمد آخر ليصل إلى كل واحد منهم
ما قدر نصا (قال) وإن لم يجدهم استقبل الطعام ولا يجزئه أن يطعم ستين مسكينا آخرين
مدا مدا لان الواجب عليه ايصال نصف صاع إلى كل مسكين ليحصل به سد الخلة وزوال
الحاجة في يومه وذلك لا يحصل بصرف نصف الوظيفة إلى كل مسكين (قال) ولو
أعطى كل مسكين مدار من بر ومدين من شعير أو تمر أجزأه لان كل واحد منهما أصل
والمقصود يحصل بأداء نصف الواجب من كل صنف وهو زوال حاجته في يومه ولو أطعم
الطعام كله مسكينا واحدا لم يجزه في دفعة واحدة لان الواجب تفريق الفعل بالنص فإذا
جمع لا يجزيه إلا عن واحد كالحاج إذا رمى الحصيات السبع دفعة واحدة ولو أعطاه في
ستين يوما أجزأه عندنا ولا يجزئه عند الشافعي رحمه الله تعالى لان الواجب عليه بالنص
اطعام ستين مسكينا والمسكين الواحد بتكرر الأيام لا يصير ستين مسكينا فلا يتأدى الواجب
بالصرف إليه وشبه هذا بالشهادة فان الشاهد الواحد وان كرر شاهدته في مجلسين لا يصير في
معني شاهدين ولكنا نقول فيما هو المقصود المسكين الواحد بتجدد الأيام في معنى المساكين
لان المقصود سد الخلة وذلك يتجدد له بتجدد الأيام فكان هو في اليوم الثاني في المعني مسكينا
آخر لتجدد سبب الاستحقاق له ولان الاطعام يقتضى طعاما لا محالة فمعنى الآية فإطعام طعام
ستين مسكينا وقد أدى ذلك وبه فارق الشهادة لان المقصود طمأنينة القلب هناك وبتكرار
الواحد شهادته لا يحصل هذا المقصود ولم يذكر ما لو فرق الفعل في يوم واحد ولا اشكال
في طعام الإباحة أنه لا يجوز الا بتجدد الأيام لان الواحد لا يستوفى في يوم واحد طعام ستين
مسكينا فأما في التمليك فقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى يجوز لان التمليك أقيم مقام
حقيقة الاطعام والحاجة بطريق التمليك ليس لها نهاية فإذا فرق الدفعات جاز ذلك في يوم
واحد كما في الأيام واستدلوا على هذا بما ذكر في كتاب الايمان أنه لو كسا مسكينا واحدا
في عشرة أيام كسوة عشرة مساكين أجزأه لتفرق الفعل وان انعدام تجدد الحاجة في كل يوم
والدليل عليه أنه بعد ما أخذ وظيفته في ذلك اليوم لو صرف إليه رجل آخر طعام مسكين
عن كفارته يجوز ذلك فكذلك إذا صرف إليه ذلك الرجل طعام مسكين آخر وبعضهم
17

قالوا لا يجوز لان المعتبر سد الخلة ولهذا لا يجوز صرفه إلى الغنى لأنه طاعم بملكه واطعام
الطاعم لا يتحقق كما أن التمليك من المالك لا يتحقق وبعدما استوفي وظيفته في هذا اليوم لا يحصل
سد خلته بصرف وظيفة أخرى في هذا اليوم إليه بخلاف كفارة أخرى لان المستوفى في حكم
تلك الكفارة كالمعدوم ولا يتمكن أن يجعل مثله في حق هذه الكفارة وبخلاف الثوب لان
تجدد الحاجة إليه يختلف باختلاف أحوال الناس فيه فلا يمكن تعليق الحكم بعينه لتعذر الوقوف
عليه فيقام تجدد الأيام فيه مقام تجدد الحاجة تيسيرا (قال) ولو أطعم سنين مسكينا كل
مسكين صاعا من حنطة من ظهارين في امرأة واحدة أو امرأتين لم يجز الا من أحدهما في
قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى ويجزئه في قول محمد رحمه الله تعالى لان في المؤدى
وفاء بوظيفة الكفارتين والمصروف إليه محل الكفارتين فيجزئه كما لو أعطى عن كفارة
نصف صاع على حدة لكل مسكين والدليل عليه لو كانت الكفارتان من جنسين إحداهما
كفارة الظهار والأخرى كفارة الفطر أجزأ عنهما بالنية بالاجماع فكذلك إذا كانتا من
جنس واحد وهما يقولان زاد في الوظيفة ونقص عن المحل فلا يجزئه الا بقدر المحل كما لو
أعطى ثلاثين مسكينا في كفارة واحدة كل مسكين صاعا وبيان ذلك أن الواجب عليه في
كل كفارة طعام ستين مسكينا فمحل اطعام الظهارين مائة وعشرون مسكينا وقد نقص
عن المحل وزاد في الواجب لان الواجب لكل مسكين نصف صاع وقد أدى صاعا وحقيقة
المعنى فيه أن في الجنس الواحد كما لا تعتبر نيته في التمييز لا تعتبر نيته في العدد فنيته عن ظهارين
وعن ظهار واحد سواء بخلاف ما إذا كانتا من جنسين لان نية التعيين معتبرة عند اختلاف
الجنس فكذلك تعتبر نيته عن الكفارتين ليكون عن كل واحدة منهما نصف المؤدى (قال)
ولا يجزئه أن يعطى من هذه الكفارة من لا يجزئه أن يعطيه من زكاة المال وقد بينا ذلك
في كتاب الزكاة الا فقراء أهل الذمة فإنه يعطيهم من هذه الكفارة في قول أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله تعالى وفقراء الاسلام أحب الينا ولا يجزيه أن يعطى فقراء أهل الحرب وان كانوا
مستأمنين في دارنا وقد بينا هذا الفصل بتمامه في صدقه الفطر وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة
رحمهما الله تعالى ان ما أوجبه على نفسه بنذره يجوز صرفه إلى فقراء أهل الذمة فاما ما أوجبه
لله تعالى عليه لا يصرفه الا إلى فقراء المسلمين كالزكاة وهذه الرواية مخالفة للرواية المشهورة
عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى (قال) فان أعتق عبدا حربيا في دار الحرب لم يجزه عن
18

الظهار لأنه معتق بلسانه مسترق بيده وهو محل للاسترقاق فلا ينفذ عتقه فان أعتقه في
دار الاسلام أجزأه لان عتقه ينفذ في دار الاسلام وهو ذمي تبع لمولاه ألا ترى أنه
لا يمكن من الرجوع إلى دار الحرب فهو كاعتاق الذمي وقد بيناه ولم يذكر أعناق العبد
المرتد عن ظهاره وقد روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ان المرتدة تجزى بخلاف
المرتد لان المرتد مشرف على الهلاك فإنه يقتل بخلاف المرتدة وذكر الكرخي في المختصر أنه
لو أعتق عبدا حلال الدم عن الظهار أجزأه لان العتق يتحقق فيه وما عليه حق مستحق فلا
يمنع جواز التكفير به كما لو كان مديونا أو مرهونا (قال) ولو أعتق المديون جاز عن الكفارة
وإن كان عليه السعاية في الدين وكذلك لو أعتق المرهون جاز عن الكفارة وإن كان الراهن
معسرا وسعى العبد في الدين لان تلك السعاية ليست في بدل رقبته حتى يرجع به على
الراهن إذا أيسر فلا يكون هذا عتقا بجعل بخلاف المريض مرض الموت إذا أعتق عبدا
عن ظهاره ولا مال له سواه لأنه يسعى في ثلثي قيمته للورثة وتلك السعاية بدل رقبته
فيكون ذلك في معنى عتق بجعل (قال) ولو تصدق عنه رجل بغير أمره لم يجزه لان
أحدا لا يملك أن يدخل الشئ في ملك غيره بغير رضاه وبدون ملكه لا تتأدى كفارته ولو
تصدق عنه بأمره أجزأه وقد بينا الفرق بينه وبين العتق وقررنا طريق الحق أنه يجعل
المسكين نائبا في القبض له أولا ثم لنفسه وان صام عنه بأمره أو بغير أمره لا يجزئه لحديث
ابن عمر رضى الله تعالى عنه لا يصوم أحد عن أحد وقد بينا هذا في كتاب الصوم والله
سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
(باب الايلاء)
(قال) رضى الله تعالى عنه الايلاء في اللغة هو اليمين قال القائل
قليل الألايا حافظ ليمينه وان بدرت منه الألية برت
وفى الشريعة عبارة عن يمين يمنع جماع المنكوحة هكذا نقل عن إبراهيم رحمه الله وقد كان
الايلاء طلاقا في الجاهلية فجعله الشرع طلاقا مؤجلا بقوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص
أربعة أشهر وإذا حلف الرجل لا يجامع امرأته أبدا أولم يقل أبدا فهو مول لان مطلق
اللفظ فيما يتأبد يقتضى التأبيد وبعد ما صار موليا ان جامعها قبل تمام أربعة أشهر فعليه كفارة
19

اليمين لوجود شرط الحنث وقد سقط الايلاء لان ثبوت حكم الايلاء بقصده الاضرار
والتعنت بمنع حقها بالجماع وقد زال ذلك حين أوفاها حقها وهو الفئ المذكور في قوله تعالى
فان فاؤا فان الله غفور رحيم لان الفئ عبارة عن الرجوع يقال فاء الظل إذا رجع وقد رجع عما
قصد من الاضرار حين جامعها ولهذا قال بعض الناس ليس عليه كفارة لان الله تعالى
وعده بالرحمة والمغفرة بقوله تعالى فان فاؤا فان الله غفور رحيم ولكنا نقول حكم الكفارة
عند الحنث ثابت بقوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم
الايمان فكفارته الآية وان مضت المدة قبل أن يفئ إليها طلقت تطليقة بائنة عندنا وكان
معنى الايلاء ان مضت أربعة أشهر ولم أجامعك فيها فأنت طالق تطليقة بائنة هكذا نقل
عن علي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وعائشة رضوان الله عليهم أجمعين قالوا عزيمة الطلاق
مضى المدة وعند الشافعي لا يقع الطلاق بمضي المدة ولكنه يوقف بعد المدة حتى يفئ
إليها أو يفارقها فان أبى ان يفعل فرق القاضي بينهما وكان تفريقه تطليقة بائنة والكلام
في فصلين (أحدهما) ان عنده الفئ بعد مضي المدة لان الله تعالى قال للذين يؤلون من
نسائهم تربص أربعة أشهر فبين ان هذه المدة للزوج لا عليه وإنما تكون المدة له إذا كان
الامر موسعا عليه والتضييق بعده فاما إذا كان مطالبا بالجماع في المدة فلا تكون المدة له ثم
قال الله تعالى فان فاؤوا وحرف الفاء للتعقيب عرفنا ان الفئ الذي يؤمر به الزوج بعد مضى
المدة وعندنا الفئ في المدة بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه فان فاؤا فيهن وقراءته لا تتخلف
عن سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم والتقسيم في قوله تعالى وان عزموا الطلاق دليل
على أن الفئ في المدة وعزيمة الطلاق بعده كما في قوله تعالى فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن
بمعروف والامساك بالمعروف بالمجامعة في المدة والتسريح بالاحسان بتركها حتى تبين بمضي المدة
وهذا التربص مشروع للزوج لان الايلاء كان طلاقا معجلا فجعل الشرع للزوج فيه مدة أربعة
أشهر حتى مكنه من التدارك في المدة وجعل الطلاق مؤخرا إلى ما بعد المدة (والفصل
الثاني) أن الفرقة عنده لا تقع الا بتفريق القاضي بينهما أو بايقاع الزوج الطلاق لان الله تعالى
قال فان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم وهو إشارة إلى أن عزيمة الطلاق بما هو مسموع
وذلك بايقاع الطلاق أو تفريق القاضي والمعنى فيه أن التفريق بينهما لدفع الضرر عنها عند
فوت الامساك بالمعروف فلا يقع الا بتفريق القاضي كفرقة العنين فان بعد مضى المدة
20

هناك لا تقع الفرقة الا بتفريق القاضي بل أولى لان الزوج هناك معذور وهنا هو ظالم
متعنت والقاضي منصوب لإزالة الظلم فيأمره أن يوفيها حقها أو يفارقها فان أبى ناب عنه
في ايقاع الطلاق وهو نظير التفريق بسبب العجز عن النفقة على قوله (وحجتنا) في ذلك قوله
تعالى وان عزموا الطلاق فذكر عزيمة الطلاق بعد ذكر المدة فهو إشارة إلى أن ترك الفئ
في المدة عزيمة الطلاق عند مضي المدة وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
عزيمة الطلاق مضى أربعة أشهر وقد أضاف إلى الزوج فدل أن الطلاق يتم به من غير
حاجة إلى قضاء القاضي ومعنى قوله تعالى فان الله سميع عليم سميع لايلائه عليم بقصده
الاضرار ولأن هذه المدة مدة تربص بعد ما أظهر الزوج من نفسه انه غير مريد لها فتبين
بمضيها كمدة العدة بعد الطلاق الرجعي ولا فرق لان هناك الزوج بالطلاق يظهر كراهية
صحبتها فيصير في المعنى كأنه علق البينونة بمضي المدة قبل أن يراجعها وهنا هو بيمينه يظهر
كراهيتها فيصير كأنه علق البينونة بمضي الوقت قبل أن يفئ إليها ولهذا جعلنا الواقعة تطليقة
بائنة لان المقصود دفع ضرر التعليق عنها وذلك لا يحصل بالتطليقة الرجعية ولكن العدة
هنا تجب هنا بعد وقوع الطلاق بمضي المدة لان وقوع الطلاق بعده وهناك الطلاق كان
واقعا فجعلنا الأقراء محسوبة من العدة وكذلك لو حلف لا يقربها أبدا لان القربان متى
ذكر مضافا إلى النساء فالمراد به الجماع وان قال الزوج لم أعن الجماع لم يصدق في
القضاء لأنه قصد تغيير اللفظ عن الظاهر المتعارف فلا يصدق في القضاء هنا ولا في الفصل
الأول ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لان حقيقة معنى الجماع هو الاجتماع ففيما نوى
به مما سوى الجماع هو محتمل فيدين فيما بينه وبين الله تعالى وان حلف لا يدخل عليها وقال
لم أعن الجماع فهو مصدق في القضاء لان الدخول عليها لفظ مشترك يستعمل في الجماع
ولزيارة وغير ذلك فالمنوي غير مخالف للظاهر وحرف الصلة يدل عليه وهو على فإنه إذا
كان المراد الجماع يقال دخل بها وكذلك لو حلف ليغيظنها أو ليسوءنها أو لا يجمع رأسه
ورأسها شئ أو لا يمسها وفي نسخ أبى سليمان أو لا يلامسها فهذه الألفاظ تطلق في الجماع
وغير الجماع فان نوى بها الجماع كان موليا وان نوى غير الجماع لم يكن موليا لان المولى
من لا يتمكن من الجماع في المدة الا بشئ يلزمه حتى يتحقق اضراره بمنع حقها في الجماع
وان حلف لا يمس جلده جلدها وعنى به حقيقة المس فالحنث هنا يحصل بدون الجماع
21

فلا يكون إيلاء ويمكنه أن يجامعها من غير أن يلزمه شئ بان يلف آلته في حريره ثم يدسه
فيها وقال في رواية أبى حفص رحمه الله تعالى إذا حلف لا يأتيها وعنى الجماع فهو مول وان
قال لم أعن الجماع صدق في القضاء مع يمينه لان الاتيان قد يراد به الجماع ويراد به
الزيارة أو الضرب فكان اللفظ محتملا والمحتمل لا يوجب شيئا بدون النية وكذلك لو
حلف لا يغشاها فهو مدين في القضاء لان الغشيان يراد به الجماع قال الله تعالى فلما تغشاها
ويراد به غير الجماع قال الله تعالى وإذا غشيهم موج وكذلك لو حلف لا يقرب فراشها فلفظ
القرب أضافه إلى فراشها لا إليها ولذلك يحتمل الجماع وغيره فان عني الجماع فهو مول والا
فليس بمول لأنه يتمكن من أن يجامعها من غير حنث إما على الأرض أن بان تدخل هي
فراشه من غير أن يقرب هو فراشها وان حلف لا يباضعها فهو مول ولا يصدق في
القضاء لان ظاهر اللفظ للجماع فان المباضعة ادخال البضع في البضع فلا يصدق في صرف
اللفظ عن ظاهره وكذلك لو حلف لا يغتسل منها من جنابة لان الاغتسال منها إنما
يكون بالجماع في الفرج خاصة فأما بالجماع فيما دون الفرج يكون اغتسالا من الانزال
لا منها وإذا كان ظاهر لفظه للجماع في الفرج لم يصدق في صرف اللفظ عن ظاهره وكان
موليا بمنعه حقها بيمينه فان حقها في الجماع في الفرج لا فيها دونه (قال) وإذا حلف لا يقربها
أقل من أربعة أشهر لم يكن موليا عندنا وقال ابن أبي ليلى هو مول ان تركها أربعة أشهر
بانت بالتطليقة وهكذا كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول في الابتداء فلما بلغه فتوى ابن
عباس رضى الله تعالى عنهما لا إيلاء فيما دون أربعة أشهر رجع عن قوله وابن أبي ليلى استدل
بظاهر الآية قال الله تعالى للذين يؤلون من نسائهم والايلاء هو اليمين فتقييد اليمين بمدة
أربعة أشهر يكون زيادة ولكنا نقول المولى من لا يملك قربان امرأته في المدة الا بشئ
يلزمه وإذا عقد يمينه على شهر فهو يتمكن من قربانها بعد مضى الشهر من غير أن يلزمه
شئ فلم يكن موليا كما في ترك مجامعتها مدة بغير يمين (قال) وكل ما حلف به على أربعة
أشهر أو أكثر أن لا يقربها مما يكون به حالفا فهو مول عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى إذا
عقد يمينه على أربعة أشهر لم يكن موليا بناء على الأصل الذي بينا أن تضييق الامر عنده
بعد مضي المدة فإذا كانت المدة أربعة أشهر ينتهى اليمين بمضيها فلا يمكن تضييق
الامر عليه بعد ذلك لأنه يتمكن من قربانها من غير أن يلزمه شئ وإذا كانت المدة أ كثر
22

من أربعة أشهر فتضييق الامر عليه بعد مضى المدة ممكن وعندنا مجرد مضى المدة عزيمة
الطلاق فإذا كانت المدة أربعة أشهر يتم معني الايلاء به وتقع الفرقة بمضيه ثم اليمين نوعان
أحدهما ما يقصد به تعظيم المقسم به والثاني الشرط والجزاء والأول يعرفه أهل اللغة فاما الشرط
والجزاء يمين عند الفقهاء ولا يعرفه أهل اللغة وبكل واحد من النوعين يثبت حكم الايلاء
فإذا قال أحلف أو أحلف بالله لا أقربك فهو مول عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى في قوله
أحلف بالله كذلك فاما في قوله أحلف عنده لا يكون يمينا ولكنه وعد أن يحلف بهذا اللفظ
(ولكنا) نستدل بقوله تعالى يحلفون لكم لترضوا عنهم وقال الله تعالى يحلفون بالله
لكم ليرضوكم فدل ان كل واحد منهما يمين سواء ذكر قوله بالله أو أطلق لان الحلف في
الظاهر يكون بالله وكذلك لو قال أشهد أو أشهد بالله فعند زفر رحمه الله تعالى قوله أشهد
لا يكون يمينا بل يكون هذا اللفظ للشهادة فإذا قال بالله كان يمينا ولكنا نقول كل واحد
من اللفظين يمين سواء ذكر قوله بالله أو أطلق قال الله تعالى قالوا نشهد انك لرسول الله
إلى قوله اتخذوا ايمانهم جنة فقد سمى شهادتهم يمينا وقال الله تعالى أربع شهادات بالله انه
لمن الصادقين واللعان يمين قال صلى الله عليه وسلم لولا الايمان التي سبقت لكان لي ولها
شأن ولان قوله الشاهد بين يدي القاضي أشهد في معنى اليمين ولهذا عظم الوزر في شهادة
الزور لأنه بمعنى اليمين الغموس وكذلك قوله أقسم أو أقسم بالله فعند زفر رحمه الله تعالى قوله
أقسم لا يكون يمينا كقوله أحلف ولكنا نستدل بقوله تعالى إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين
ولا يستثنون والاستثناء في اليمين وقال الله تعالى وأقسموا بالله جهد ايمانهم وكذلك لو قال
اعزم أو اعزم بالله فان العزم آكد ما يكون من العهد وذلك يكون باليمين وكذلك لو قال
على نذر أو نذر لله قال صلى الله عليه وسلم النذر يمين وكفارته كفارة اليمين وكذلك
لو قال عهد الله على فالعهد يمين قال الله تعالى وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم معناه إذا حلفتم
بدليل قوله تعالى ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وكذلك قوله على ذمة الله لان الذمة
عبارة عن العهد قال الله تعالى لا يرقبون في مؤمن الا ولا ذمة وقال صلى الله عليه وسلم إذا
أرادوكم أن تعطوهم ذمة الله فلا تعطوهم وأهل الذمة هم أهل العهد وكذلك لو قال هو
يهودي أو نصراني أو مجوسي أو برئ من الاسلام ان قربتك فهو مول وعند الشافعي رضي الله عنه
لا يكون موليا بهذه الألفاظ لأنه لا يلزمه عين ما التزم عند القربان فلا يلزمه غيره كما
23

لو قال هو مستحل الميتة ان قربتك ومذهبنا مروى عن ابن عباس رضي الله عنه وهو بناء
على مسألة تحريم الحلال فان تحريم الحلال عندنا يمين فتحليل الحرام كذلك وتحريم الكفر
بأنه مصمتة فاستحلالها يمين لما علقه بالقربان بخلاف استحلال الميتة فان حرمتها ليست بباتة
ولكنها تنكشف عند الضرورة وسنقرر هذا الفصل في كتاب الايمان إن شاء الله تعالى وكذلك
وقوله وعظمة الله أو وعزة الله أو وقدرة الله فهذا وقوله والله سواء لان معني كلامه والله
العظيم والله العزيز والله القادر وسنقرر حكم اليمين بصفات الله تعالى وكذلك أن حلف على
ذلك بعتق أو طلاق فهو مول لأنه لا يتمكن من قربانها في المدة لا بشئ يلزمه ولان الشرط
والجزاء يمين قال صلى الله عليه وسلم من حلف بطلاق أو عتاق فقد سماه حالفا وكذلك
ان حلف على ذلك بحج أو هدى أو عمرة أو صوم جعل لله عليه ان قربها لأنه يتحقق بهذا
منع القربان حين علق بالقربان ما يكون ممتنعا من التزامه عادة وتلحقه مشقة في أدائه وإذا قال
والقرآن لا أقربك لا يكون موليا لان الناس لم يتعارفوا الحلف بالقرآن والمعتبر في الايمان
العرف فكل لفظ لم يكن الحلف به متعارفا لا يكون يمينا وهذا اللفظ إنما يذكر في الكتاب
خاصة وقد طعن عليه بعض الناس فقالوا القرآن كلام الله تعالى والكلام صفة المتكلم فلماذا
لم يجعل الحلف بهذه الصفة يمينا ولكنا نقول كلام الله تعالى صفته ولكن الحلف به غير
متعارف فكان هذا بمنزلة قوله وعلم الله على ما نبينه في الايمان وعلى هذا لخلاف ما لو قال
هو برئ من القرآن ان قربتك فهو مول لان البراءة من القرآن كفر فهو بمنزلة قوله هو
برئ من الاسلام ان قربتك وان قال والكعبة أو الصلاة أو الزكاة لا أقربك أو حلف على
ذلك بشئ من طاعة الله أو بشئ من الحدود لا يكون موليا لأنه حلف بغير الله وهو منهي
عنه ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع عمر رضى الله تعالى عنه يقول
وأبى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت فمن كان حالفا
فليحلف بالله أو فليذر فدل أن الحلف بغير الله لا يكون يمينا شرعا وان قال بالله لا أقربك
فهو مول وحروف اليمين ثلاثة الباء والواو والتاء فأعمها الباء حتى تدخل في اسم الله وفى
غير اسم الله تعالى وفي المضمر والمظهر والواو أخص منها فإنها تدخل في المظهر دون المضمر
ولكنها تدخل في اسم الله وفي غير اسم الله تعالى والتاء أخص منها فإنها لا تدخل الا في
اسم الله تعالى مظهرا قال الله تعالى وتالله لأكيدن أصنامكم وكذلك لو قال وأيم الله أو
24

لعمرو الله لان الناس تعارفوا الخلف بهذه الألفاظ وقيل معنى قوله وأيم الله أي وأيمن الله
فيكون جمع اليمين ولعمرو الله أي والله الباقي وفى قوله لعمرك دليل على أن هذا اللفظ
يمين وان قال الله لا أقربك فهو مول أيضا والكسرة في الهاء دليل على محذوف وهو
القسم ولا يصدق في الحكم أنه لم يرد به الايلاء لأنه خلاف الظاهر وان قال قولا لا يقربها
ولم يحلف لا يلزمه شئ هكذا نقل عن عائشة رضى الله تعالى عنها ولان الله تعالى قال للذين
يؤلون من نسائهم والايلاء يمين فبدون يمينه كان كلامه وعدا والمواعيد لا يتعلق بها اللزوم
فهو يتمكن من قربانها من غير أن يلزمه شئ وان حلف لا يقربها في مكان كذا أو في مصر
كذا أو قال في أرض العراق لم يكن موليا عندنا وقال ابن أبي ليلى هو مول لأنه قصد
الاضرار والتعنت بيمينه فلزمه حكم الايلاء ولكنا نقول اليمين إذا وقتت بمكان توقتت به
فهو يتمكن من قربانها في غير ذلك المكان في المدة من غير أن يلزمه شئ فلا يتحقق به
منع حقها في الجماع (قال) ولو حلف لا يقربها وهي حائض لم يكن موليا لأنه حلف على
أقل من أربعة أشهر فان الحيض لا يمتد إلى أربعة أشهر ولأنه لاحظ لها في الجماع في حالة
الحيض فلا يكون مانعا حقها بهذه اليمين فان قيل فعلى هذا لو حلف على أربعة أشهر ينبغي
أن لا تعتبر مدة الحيض فيبقى يمينه على أقل من أربعة أشهر قلنا هذا ان لو كانت هذه المدة
ثابتة بالمعنى وثبوتها بالنص فلا يجوز الزيادة عليها بالرأي وان حلف لا يقربها حتى يقدم
فلان أو حتى يفعل هو شيئا يقدر على فعله قبل مضى أربعة أشهر فليس بمول لأنه يقدر
على أن يجامعها بعد وجود ما جعله غاية قبل مضى أربعة أشهر وان تأخر ذلك أربعة أشهر
لم يضره لأنه بأصل اليمين لم يكن موليا فلا يصير موليا بترك المجامعة بعد ذلك كما لو ترك
المجامعة بغير يمين وان حلف لا يقربها حتى يفعل شيئا يعلم أنه لا يقدر عليه فهو مول معناه
حتى يمس السماء أو يحول هذا الحجر ذهبا لأنه إذا لم يكن في مقدوره ذلك الفعل كان
مقصوده من جعله غاية تحقيق معنى التأبيد وعلى هذا لو قال والله لا أقربك حتى تخرج الدابة
أو الدجال أو حتى تطلع الشمس من مغربها فهو مول استحسانا وفي القياس ليس بمول
لأنه ما جعله غاية يتوهم وجوده قبل مضى أربعة أشهر ولكنا نقول مقصود الزوج بهذا
المبالغة في النفي لا التوقيت فيتحقق به معنى الايلاء (قال) وإذا حلف لا يقربها سنة
الا يوما لم يكن موليا عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى هو مول لان اليوم المستثني من آخر
25

السنة كما في الإجارة والآجال وهو لا يملك قربانها في المدة الا بكفارة تلزمه والدليل عليه
أنه لو قال سنة بنقصان يوم كان موليا فكذلك إذا قال الا يوما ولكنا نقول استثني يوما
منكرا فما من يوم بعد يمينه الا ويمكنه أن يجعله اليوم المستثنى فيقربها من غير أن يلزمه
شئ والذي قال إن اليوم من آخر السنة غير صحيح لان المستثنى منكر فلو جعلناه من
آخر السنة لم يكن منكرا وتغيير كلامه من غير حاجة لا يجوز وفى الآجال والإجارة دعت
الحاجة إلى ذلك لأنا لو جعلنا اليوم منكرا فيهما لم يصح العقد للجهالة ولا يحصل المقصود
وهو تأخر المطالبة والتمكن من استيفاء المنفعة وهنا لا حاجة لان الجهالة لا تمنع انعقاد
اليمين فلهذا جعلنا اليوم المستثنى منكرا كما نكره بخلاف قوله بنقصان يوم لان النقصان
لا يكون الا من آخر المدة وذلك تنصيص على أن يكون المستثني آخر يوم من السنة فإذا
ثبت انه ليس بمول عندنا قلنا إذا قربها في يوم فهذا اليوم هو اليوم المستثنى فلا يكون
موليا حتى يمضى ذلك اليوم ثم ينظر بعد مضيه فإن كان الباقي من السنة أربعة أشهر أو أكثر
فهو مول وإن كان الباقي دون أربعة أشهر فليس بمول لان الاستثناء قد ارتفع وصارت اليمين
مطلقة في بقية المدة وكذلك لو قال والله لا أقربك سنة الا مرة لم يكن موليا لأنه متمكن
من قربانها بسبب الاستثناء من غير أن يلزمه شئ فإذا قربها مرة ارتفع استثناء وصارت
اليمين مطلقة فان بقي بعد فراغه من الجماع من السنة أربعة أشهر أو أكثر فهو مول وإن كان
الباقي دون ذلك لم يكن موليا فان وصل قوله إن شاء الله بيمينه لم يكن موليا لان الاستثناء
يخرج الكلام من أن يكون عزيمة وهو مروى عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم
وأن اشترط مشيئتها ومشيئة فلان فهو على المجلس وقد بينا نظيره في الظهار (قال) وإذا
قال لامرأته أنا منك مول وعني الايجاب فهو مول كما في قوله أنا منك مظاهر لأنه أضاف
لفظه إلى محله فان الرجل يكون موليا من امرأته وان قال عنيت الخبر بالكذب لم يدين في
في القضاء لان ظاهر كلامه ايجاب وهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى لان صيغة الايجاب
والاخبار في الايلاء واحد والمخبر عنه إذا كان كذبا فبالاخبار لا يصير صدقا (قال) وإذا حلف
على أربع نسوة لا يقربهن فهو مول منهن ان تركهن أربعة أشهر بن بالايلاء عندنا وقال زفر رحمه
الله تعالى لا يكون موليا حتى يقرب ثلاثا منهم فحينئذ يكون موليا من الرابعة لأنه يملك قربان
كل واحدة منهن من غير أن يلزمه شئ فلم يكن موليا حتى يقرب ثلاثا منهن فحينئذ لا يملك
26

قربان الرابعة الا بكفارة تلزمه لأنه يتم شرط الحنث بقربانها فيكون موليا منها ويكون معني كلامه
ان قربت ثلاثا منكن فوالله لا أقرب الرابعة (وجه قولنا) أنه مضار متعنت في حق كل واحد
منهن بمنع حقها من الجماع فيكون موليا من كل واحدة منهن كما لو عقد يمينه على كل واحدة منهن
على الانفراد إلا أنه لا يلزمه الكفارة بقربان بعضهن لان الكفارة موجب الحنث فلا تجب ما لم بتم
شرط الحنث ولكن عند تمام الشرط لا يكون وجوب الكفارة بقربان الآخرة فقط بل بقربانهن
جميعا فأما وقوع الطلاق باعتبار البر وذلك يتحقق في كل واحدة منهن فهذا بن بمضي المدة
بخلاف ما لو قال إن قربت ثلاثا منكن فوالله لا أقرب الرابعة لان هناك ما عقد اليمين في
الحال بل علفه بشرط فلا ينعقد يمينه قبل وجود الشرط فان جامع بعضهن في الأربعة
الأشهر سقط عمن جامع منهن لأنه قد فاء إليها في المدة ولا كفارة عليه لعدم تمام شرط
الحنث فإذا تمت أربعة أشهر بانت التي لم يجامعها لان الفئ في حقها لم يوجد فبقي حكم الايلاء
في حقها فتبين بمضي المدة ولو لم يجامع شيئا منهن ولكن طلق إحداهن ثلاثا كان موليا
على حاله لان شرط حنثه منتظر ان جامعهن حنث إذ ليس في يمينه تقييد الجماع بما قبل
الطلاق وإن لم يطلق ولكن ماتت إحداهن بطل الايلاء عنهن لان شرط حنثه قد فات
لأنه لا يحنث بجماع من بقي بعد هذا ولا بجماع الميتة واليمين لا يبقى بعد فوات شرط الحنث
فلهذا لا يبطل الايلاء عنهن (قال) وان حلف لا يقرب واحدة منهن فهو مول منهن
فان مضت الأربعة الأشهر بن جميعا وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى
وعند محمد رضى الله تعالى عنه يكون موليا من واحدة منهن حتى إذا مضت المدة طلقت
واحدة منهن بغير عينها لأنه منع نفسه عن قربان واحدة منهن ألا ترى أنه لو قرب
واحدة منهن يلزمه الكفارة وحكم الطلاق ينبني على المنع من القربان فعند مضى المدة
يقع الطلاق على إحداهن بغير عينها كما لو قال والله لا أقرب إحداكن ووجه ظاهر
الرواية أنه ذكر الواحدة منكرا في موضع النفي لان القربان منفى والنكرة في موضع
النفي تعم بخلاف النكرة في موضع الاثبات فان الرجل إذا قال رأيت اليوم رجلا يقتضى
رؤية رجل واحد ولو قال ما رأيت اليوم رجلا يقتضى نفى رؤية جميع الرجال وهذا لان
معنى التنكير في محل النفي لا يتحقق الا بالتعميم ففيما ينبنى على نفى القربان وهو وقوع
الطلاق عند مضي المدة يتناولهن كلامه جميعا وفيما ينبنى على وجود القربان وهي الكفارة
27

يتناول كلامه إحداهن فلهذا إذا قرب واحدة منهن لزمته الكفارة وسقط الايلاء
عنهن لان اليمين لم يبق بعد تمام الشرط وهذا بخلاف قوله إحداكن فان معنى التعميم هناك
لا يتحقق ألا ترى أنه لو قرن بكلامه حرف كل بان قال كل إحداكن لا يتناولهن جميعا وهنا
لو قرن بكلامه حرف كل فقال كل واحدة منكن تناولهن جميعا فكذلك بسبب التنكير
وإن كان نوى واحدة بعينها دون غيرها فهو مول منها خاصة فيما بينه وبين الله تعالى لان
ما نواه محتمل ألا ترى أنه لو طلق واحدة منهن ونوى واحدة بعينها صحت نيته فكذلك في
الايلاء ولكن لا يصدق في القضاء لأنه خلاف الظاهر (قال) وإذا آلى من واحدة لم يسمها
ولم ينوها فهو بالخيار يوقع الطلاق على أيتهن شاء فتبين به وحدها ولو أراد التعيين قبل مضى
المدة لم يملك لان فيه تغيير حكم اليمين فإنه قبل التعيين يحنث بقربان واحدة أيتهن قرب وبعد
التعيين لا يحنث بقربان البواقي وكما لا يملك ابطال حكم اليمين لا يملك تغييره فاما بعد وقوع
الطلاق بمضي المدة ملك تعيين الطلاق لأنه ليس في هذا تغيير حكم اليمين ولكنه تعيين
الطلاق المبهم وذلك إلى الزوج ثم إذا عين الطلاق في إحداهن لا يتعين يمينه فيها الا في رواية
عن أبي يوسف وقد بينا هذا فيما أمليناه في شرح الجامع (قال) وإذا آلى الرجل من امرأته وبينه
وبينها مسيرة أربعة أشهر أو أكثر أجزأه ان فاء بقلبه ولسانه والحاصل أن العاجز عن الجماع
في المدة يكون فيئه باللسان عندنا وذلك مروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما وعند
الشافعي رحمه الله تعالى الفئ باللسان ليس بشئ لان المتعلق بالفئ حكمان وجوب الكفارة
وامتناع حكم الفرقة ثم الفئ باللسان لا يعتبر في حق أحد الحكمين وهو الكفارة فكذلك
في الحكم الآخر ولكنا نقول الكفارة تجب بالحنث والحنث لا يتحقق في الفئ باللسان
فأما وقوع الطلاق عند مضي المدة باعتبار معنى الاضرار والتعنت وذلك ينعدم في الفئ
باللسان عند العجز عن الفئ بالجماع فكان الفئ بالجماع أصلا وباللسان بدلا عنه لان الفئ
عبارة عن الرجوع وإذا كان قادرا على الجماع فإنما قصد الاضرار والتعنت بمنع
ففيئه بالرجوع عن ذلك بأن يجامعها وإذا كان عاجزا عن الجماع لم يكن قصده الاضرار بايحاشها
بلسانه ففيئه بالرجوع عن ذلك بأن يرضيها بلسانه لان التوبة بحسب الجناية ثم العجز عن
الجماع تارة يكون ببعد المسافة وتارة بالمرض فإذا كان بينه وبينها أربعة أشهر أو أكثر
28

فهو عاجز عن جماعها في المدة فيكون فيئه بقلبه ولسانه وإن كان بينهما أقل من أربعة أشهر فهو
قادر على الجماع فلا يكون فيئه الا بالجماع لان حكم البدل إنما يعتبر عند العجز عن الأصل
وكذلك أن كان مريضا حين آلى ففيئه الرضا بالقلب واللسان ان تمت أربعة أشهر وهو
مريض لأنه عاجز عن الجماع لمرضه وكذلك أن اتصل مرضه بالايلاء فإن كان صحيحا حين
آلى وبقي صحيحا بعد إيلائه مقدار ما يستطيع فيه أن يجامعها ثم مرض بعد ذلك لم يكن فيئه
الا بالجماع وقال زفر فيئه باللسان لتحقق عجزه عن الجماع والمعتبر عنده آخر المدة كما لو كان واجدا
للماء في أول الوقت فلم يتوضأ حتى عدم الماء جاز له التيمم ولكنا نقول لما تمكن من جماعها
فقد تحقق منه الاضرار والتعنت بمنع حقها في الجماع فلا يكون رجوعه الا بإيفاء حقها في
الجماع فاما إذا كان مريضا حين آلى ثم صح قبل تمام أربعة أشهر لم يكن فيئه الا بالجماع
ويستوى إن كان فاء إليها في مرضه أولم يفئ لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود
بالبدل فان تمام المقصود بمضي المدة وسقط اعتبار حكم البدل بهذه القدرة كالمتيمم إذا وجد
الماء قبل الفراغ من الصلاة وكذلك أن كانت المرأة مريضة أو صغيرة لا تجامع ففيئه الرضا
باللسان وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى ان الزوج إذا كان مريضا حين
آلى ثم مرضت المرأة ثم صح الزوج قبل مضى أربعة أشهر ففيئه الرضا باللسان عند زفر رحمه
الله تعالى لان تأثير مرضها في المنع من الجماع كتأثير مرضه وعلى قول أبى يوسف لا يكون
فيئه الا بالجماع لان العجز الذي كأن لأجله فيئه الرضا باللسان قد زال قبل تمام المدة فكان
ذلك كالمعدوم أصلا ولو كانا محرمين بالحج أو أحدهما فآلى وقت أداء الحج أربعة أشهر أو
أكثر لم يكن فيئه الا بالجماع في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لأنه متمكن من ذلك
وإن كان حراما وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى فيئه الرضا باللسان لأنه ممنوع من جماعها في
المدة شرعا فهو كما لو كان ممنوعا منها حسا ببعد المسافة ألا ترى أنه لو خلى بامرأته وأحدهما محرم بالحج
لم تصح الخلوة كما لو كان بينهما ثالث ومتي وطئها بعد الفئ باللسان فعليه كفارة اليمين لان الفئ
باللسان يمنع وقع الطلاق ولا يرتفع اليمين فيتحقق شرط الحنث متى جامعها (قال) وايلاء
النائم والصبي والمجنون والمعتوه الذي يهذى باطل بمنزلة طلاق هؤلاء وهذا لان اليمين من
هؤلاء لا ينعقد فان قولهم غير معتبر في اللزوم (قال) وإذا آلى الرجل من امرأته أنه لا يقربها
أبدا ثم طلقها ثلاثا بطل الايلاء عندنا خلافا لزفر لان الايلاء طلاق مؤجل فإنما ينعقد على
29

التطليقات المملوكة ولم يبق شئ منها بعد وقوع الثلاث عليها وكذلك لو بانت بالايلاء
ثلاث مرات ثم تزوجها بعد زوج لم يكن موليا الا على قول زفر وان قربها كفر يمينه لان
الايلاء وإن لم يبق في حكم الطلاق لنفاذ ملك الطلاق فقد بقيت اليمين فإذا قربها تم شرط الحنث وليس من ضرورة بقاء اليمين حكم الايلاء كما لو قال لأجنبية والله لا أقربك ثم
تزوجها لم يكن موليا وان قربها كفر يمينه وإن كان طلقها تطليقة بائنة فان تمت الأربعة الأشهر
وهي في العدة وقعت عليها تطليقة بالايلاء وإن لم تكن في العدة لم يقع عليها شئ لان المولى
في المعنى كالمعلق تطليقة بائنة بمضي الأربعة الأشهر قبل أن يفئ إليها وقد صح ذلك في الملك
فلا يبطل بالبينونة ولكن الطلاق لا يقع عليها الا في العدة فإذا تمت العدة وهي محل لوقوع
الطلاق عليها طلقت وإن لم تكن محلا بان كانت منقضية العدة لم تطلق فان تزوجها بعد انقضاء
عدتها فهو مول منها وتستأنف شهور الايلاء من حين تزوجها ولا يحتسب بما مضى منها قبل
ذلك لان ابتداء مدة الايلاء لا تنعقد بعد انقضاء العدة إذا ليس له على المحل ملك ولا يد فإنما
يكون ابتداء المدة من حين تزوجها ولو كان تزوجها في العدة يحتسب بما مضى منها لأنها ما بقيت
في العدة فهي محل لوقوع الطلاق عليها فيبقى حكم المدة أرأيت لو تزوجت بزوج آخر أكان
يبقى حكم مدة الايلاء وكذلك بعد ما حلت للأزواج بانقضاء مدة العدة (قال) ولو طلق
امرأته تطليقة بائنة ثم آلى منها لم يكن موليا وان انعقدت يمينه لان معنى الايلاء بمنع حقها في
الجماع ولا حق لها في الجماع بعد ما بانت ولان المقصود بالايلاء إزالة ظلم التعليق عنها وذلك
لا يتحقق بعد البينونة وإذا لم يكن كلامه في الأصل إيلاء لا يصير إيلاء وان تزوجها كما في
الأجنبية بخلاف ما سبق لان أصل كلامه هناك كان إيلاء صحيحا فلا يبطل بالبينونة
وانقضاء العدة وان بطلت المدة لخروجها من أن تكون محلا لطلاقه فإذا تزوجها لم يكن موليا
منها ولم يذكر في الكتاب فصلا آخر وهو انه إذا آلى من امرأته فبانت بمضي أربعة
أشهر هل تنعقد مدة أخرى قبل أن يتزوجها أم لا وكان أبو سهل رحمه الله يقول تنعقد
حتى إذا تمت أربعة أشهر قبل انقضاء عدتها وقعت تطليقة أخرى وكذلك الثالثة قال لان
معنى الايلاء كلما مضت أربعة أشهر ولم أقربك فيهن فأنت طالق تطليقة بائن ولو صرح
بهذا كان الحكم ما بينا وفقهه أن انعقاد المدة من حكم بقاء اليمين هنا وابتداء اليمين لا ينعقد
إيلاء بعد البينونة ولكنها تبقى بعد البينونة ألا ترى أنه لو تمت أربعة أشهر وهو مجنون
30

ثم زوجها وليه منه انعقدت مدة الايلاء وإن كان ابتداء اليمين من المجنون لا يصح
وكان الكرخي رضي الله عنه يقول لا تنعقد المدة الثانية ما لم يتزوجها وهذا هو الأصح
لان في انعقاد المدة ابتداء لا بد من اعتبار معنى الاضرار وذلك لا يتقرر بعد البينونة ما لم
يتزوجها لأنه لاحق لها في الجماع فلهذا لم تنعقد المدة ما لم يتزوجها (قال) ولو آلى من أمته
أو أم ولده لا يكون موليا لقوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر وهذه
ليست من نسائه ولان الايلاء طلاق مؤجل والمملوكة ليست بمحل للطلاق ولان حكم
الايلاء منع القربان المستحق والأمة لا تستحق ذلك على المولى وكذلك لو آلى من أجنبية
فهو باطل لهذه المعاني بخلاف ما لو قال إن تزوجتك فوالله لا أقربك فتزوجها كان موليا
لأنه علق الايلاء بالتزوج والمعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز وان حلف لا يقرب
امرأته الا في أرض كذا وبينه وبين تلك الأرض أربعة أشهر فهو مول لأنه لا يملك قربانها
في المدة الا بحنث يلزمه فان المستثنى مكان لا يصل إليه في المدة فلهذا كان موليا (قال)
ولو آلى من امرأته وهو في سجن أو حبس لم يكن له فئ الا الجماع لأنه ان كأن لا يقدر
ان يخرج إلهيا فهي تقدر على أن تدخل إليه ليجامعها فان السجن موضع للجماعة ومع القدرة
على الأصل لا عبرة للبدل (قال) وان أصاب المولى من امرأته ما دون الجماع في الفرج
لم يكن ذلك فيئا لان حقها في الجماع في الفرج فلا يتأدى بما دونه والفئ ما فيه ايفاء حقها
وان ادعى أنه قد جامعها فان ادعى في الأربعة الأشهر فالقول قوله وان ادعى ذلك بعد
مضى المدة لم يقبل قوله بناء على الأصل المعروف أنه متى أقر بما يملك انشاءه لا يكون متهما
فلو أقام شاهدين على مقالته في الأربعة الأشهر أنه قد جامعها فهي امرأته لان الثابت من
اقراره بالبينة كالثابت بالمعاينة وهي من أعجب المسائل أن لا يقبل اقراره بعد مضى المدة
ثم يتمكن من اثباته بالبينة وكذلك أن صدقته المرأة فالحق لهما لا يعدوهما غير أنه لا يسعها ان
تقيم معه إذا كانت تعلم كذبه لان القاضي لو علم بذلك فرق بينهما فإذا علمت هي عليها أن
تمنع نفسها منه بأن تهرب أو تفتدي بمالها إلا أن يتزوجها نكاحا جديدا (قال) ولو آلى
منها بعد ما طلقها تطليقة رجعية فهو مول لان جماعها له حلال فان انقضت العدة سقط حكم
الايلاء لخروجها من أن تكون محلا لطلاقه فإذا تزوجها يستقبل مدة الايلاء من حين تزوجها
وقد بيناه (قال) وإذ آلى الرجل ثلاث مرات في مجلس واحد فإن كان مراده تكرار
31

يمين واحدة فعليه كفارة واحدة إذا قربها ولا يقع بمضي المدة الا تطليقة واحدة إن لم يقربها
لان الكلام لو أحد قد يكرر ولا يراد حكمه بالتكرار وإن كان مراده التغليظ والتجديد فان
قربها فعليه ثلاث كفارات لان معني التغليظ تجدد عقد اليمين فكان حالفا بثلاثة أيمان وبالقربان
مرة يتم شرط الحنث في الايمان كلها وإن لم يقربها حتى مضت المدة ففي القياس تطلق ثلاثا
يتبع بعضها بعضها وهو قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى حتى إذا لم يدخل بها لا يقع الا واحدة
وفى الاستحسان وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى تبين بتطليقة واحدة
سواء دخل بها أولم يدخل بها وجه القياس ان ابتداء مدة الايلاء من الوقت المتصل بعقد
اليمين وفى الايلاء المعتبر أول المدة فقد انعقدت باعتبار كل يمين مدة فيقع عند
تمام كل مدة تطليقة حتى تبين بثلاث تطليقات كما لو كانت الايمان في مجالس مختلفة وهذا
لأنه يتأخر انعقاد المدة بعد اليمين إلى حال افتراقهما بدليل أنه لو حلف بيمين واحدة ثم
بقيا في المجلس يوما أو أكثر فتمت المدة من حين حلف بانت بتطليقة فعرفنا أن المجلس
والمجالس في هذا الحكم سواء كما في حكم الحنث وهو الكفارة ووجه الاستحسان أن
المجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة ويجعلها كالموجود جملة بدليل القبول مع الايجاب إذا
وجدا في المجلس يجعل كأنهما وجدا معا وكذلك المرأة لو قالت لزوجها طلقني ثلاثا
بألف فطلقها واحدة وواحدة وواحدة في مجلس واحد جعل كأنه أوقع الثلاث جملة
حتى يستحق جميع الألف فإذا ثبت هذا قلنا حالة المجلس كحالة واحدة ولا ينعقد في
حالة واحدة الا مدة واحدة في حكم الطلاق وان تعددت الايمان كما لو قال إذا جاء غد
فوالله لا أقربك ثم قال ذلك ثانيا وثالثا ثم جاء الغد تنعقد ثلاثة ايمان في حكم الكفارة ومدة
واحدة في حكم الطلاق وبهذا تبين ان أحد الحكمين غير معتبر بالآخر وعلى عكس هذا
لو قال كلما دخلت الدار فوالله لا أقربك فدخل الدار ثلاث مرات في ثلاثة أيام تنعقد
ثلاث ايلاءات في حكم الطلاق ولو قربها لم يلزمه إلا كفارة واحدة وهذا بخلاف ما إذا
كانت الايمان في مجالس متفرقة لأنه لم يوجد هناك ما يجمع الأحوال فاعتبرنا كل حالة على
حدة فانعقدت مدة جديدة لتجدد اليمين في كل حالة (قال) ولو قال لها ان قربتك فعلى
يمين أو على كفارة يمين فهو مول لان معنى قوله فعلى يمين كفارة يمين فان موجب اليمين الكفارة
عند الحنث فقد صارت بحيث لا يملك قربانها في المدة الا بكفارة تلزمه (قال) وايلاء الحرة
32

أربعة أشهر تحت حر كانت أو تحت عبد لقوله تعالى تربص أربعة أشهر والذين يتناول
الأحرار والعبيد وايلاء الأمة شهران عندنا وعلى قول الشافعي أربعة أشهر لظاهر الآية
وهو بناء على أصله ان المدة فسحة للزوج لا عليه فلا يتغير ذلك برقها ولا بحربتها ولكنا
نقول مدة الايلاء مذكورة في القرآن بلفظ التربص وهو مختص بالنكاح فيتنصف بالرق
كمدة العدة وفي العدة معنى الفسحة للزوج خصوصا من عدة في طلاق رجعي ثم تنصف
برقها (قال) والمريض الذي يهذى في الايلاء كالنائم لأنه بمنزلة المغمى عليه في هذه الحالة
(قال) وايلاء الأخرس جائز لما بينا ان الكنية والإشارة منه إذا كانت تعرف بمنزلة عبارة
الناطق (قال) وان قال إن قربتك فأنت على كظهر أمي فهو مول لأنه لا يملك قربانها
في المدة الا بظهار يلزمه وكذلك أن قال إن قربتك فأنت على حرام وهو ينوى الطلاق
بذلك فهو مول لأنه لا يملك قربانها في المدة الا بطلاق يلزمه وإن كان ينوى اليمين فهو مول
أيضا في قول أبي حنيفة رحمه الله ولا يكون موليا في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
ما لم يقربها لان قوله أنت على حرام عند إرادة اليمين بمنزلة قوله والله لا أقربك حتى لو
أرسله كان به موليا في الحال فإذا علقه بالقربان لا يصير به موليا الا بعد القربان كما لو قال إن
قربتك فوالله لا أقربك وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول صار ممنوعا عن قربانها في
المدة حين علق بالقربان حرمتها عليه فيكون موليا في الحال كما لو قال إن قربتك فأنت على
كظهر أمي لان الظهار موجبه التحريم إلى وقت الكفارة ولو قال لها أنت على كالميتة أو كالدم
يعنى التحريم فهو مول لأنه شبهها بمحرمة العين فهو بمنزلة قوله أنت على حرام (قال)
ولو قال أنت على كامرأة فلان وقد كان فلان آلى من امرأته ينوى الايلاء كان موليا لأنه
شبهها بامرأة فلان وقد يكون التشبيه في وصف خاص فإذا نوى التحريم أو الايلاء
فقد نوى ما يحتمله كلامه فيكون موليا وإن لم ينو ذلك فليس بشئ (قال) وان آلى من
امرأته ثم قال لامرأة له أخرى قد أشركتك في إيلاء هذه كان باطلا لان الاشراك يغير
حكم يمينه فان قبل الاشراك كان يحنث بقربان الأولى وبعد الاشراك لا يحنث بقربان الأولى
ما لم يقربهما كما لو قال والله لا أقربكما وهو لا يملك تغيير حكم اليمين مع بقائه ولو صح منه
هذا الاشراك لكان يشرك أجنبية مع امرأته ثم يقرب امرأته بعد ذلك فلا يلزمه شئ
وبهذا فارق الظهار لان اشراك الثانية لا يغير حكم الظهار في الأولى وكذلك لو قال في
33

الايلاء للمرأة الثانية أنت على مثل هذه ينوى الايلاء فيها فبهذا لا يتغير حكم الايلاء في
حق الأولى ويصح منه عقد الايلاء في حق الثانية بهذا اللفظ (قال) وإذا آلى من امرأته
وهي أمة ثم أعتقت قبل انقضاء شهرين لم تطلق حتى تستكمل أربعة أشهر من حين آلى
لان مدة الايلاء نظير مدة العدة من طلاق رجعي من حيث أن ملك النكاح لا يرتفع مع
بقائها والمعتقة بعد الطلاق هناك قبل انقضاء العدة بمنزلة الحرة عند الطلاق وكذلك هنا وهذا
لان ملك النكاح ثم عليها لما تم حلها بالعتق ولا يزول الملك التام الا بمدة تامة (قال) ولو طلقها
زوجها في الشهرين تطليقة بائنة ثم أعتقت فيهما كانت عدتها للطلاق عدة الأمة لأنها إنما
أعتقت بعد البينونة ومدة ايلائها مدة الحرة لأنها أعتقت قبل تمام مدة الايلاء فكان في حكم
الايلاء هذا وما لو كانت حرة حين آلى منها سواء وقد طعن بعضهم في الجواب فقالوا لم يتم
ملكه عليها بهذا العتق لأنها عتقت بعدن البينونة فينبغي أن تكون مدة ايلائها شهرين كما في حكم
العدة ولكنا نقول الطلاق الواقع ليس من حكم الايلاء في شئ فالبائن والرجعي فيه سواء ولو
كان رجعيا صارت مدة ايلائها بالعتق أربعة أشهر بالنص فكذلك إذا كانت بائنة بخلاف العدة
لأنها تعقب الطلاق فيعتبر فيها صفة الطلاق ولان في زيادة مدة العدة بالعتق اضرارا بها لأنها
تمنع من الأزواج في العدة وليس في زيادة مدة الايلاء بالعتق اضرار بها فلهذا كان المعتبر حصول
العتق مع بقاء المدة (قال) وان حلف لا يقرب امرأته وامرأة أجنبية معها حرة أو أمة لم يكن
موليا من امرأته لأنه يملك قربانها من غير أن يلزمه شئ وهو ليس بمول في حق الأجنبية فلا
يعتبر قربان الأجنبية في حكم الايلاء من امرأته وان اعتبر حال امرأته وحدها وهو يملك قربانها
من غير أن يلزمه شئ لم يكن موليا منها بخلاف ما لو قال لامرأتين له لا أقربكما لأنهما
مستويتان في حكم الايلاء هناك فيجعلان كشخص واحد لا يملك قربانهما الا بكفارة تلزمه
فكان موليا منهما بقول فان جامع الأجنبية صار موليا من امرأته من الساعة التي جامع
فيها تلك لأنه صار بحال لا يملك قربانها الا بكفارة تلزمه فيتحقق معنى الاضرار والتعنت
في حقها الآن فيكون موليا منها وهو بمنزلة ما لو قال والله لا أقربك إذا أتيت مكان كذا
لا يكون موليا ما لم يأت ذلك المكان أو هو بمنزلة ما لو قال لامرأته والله لا أقربك إذا جاءت
هذه الأجنبية فإذا جامعها كان موليا من امرأته (قال) وان آلى من امرأته ثم ارتدت
ولحقت بدار الحرب ثم سبيت فأسلمت ثم تزوجها فهو مول منها ان مضي شهران من يوم
34

تزوجها بانت بالايلاء لان اليمين لا يبطل بلحاقها فان شرط الحنث منتظر بعد وأصل
كلامه كان إيلاء صحيحا فإذا تزوجها مع بقاء تلك اليمين كان موليا منها حين تزوجها وإنما
انعقدت المدة الثانية وهي أمة ومدة إيلاء الأمة شهران (قال) وان آلى من امرأته وهي
أمة ثم اشتراها سقط الايلاء لأنها صارت بحيث لا يقع طلاقه عليها وموجب المدة المنعقدة
وقوع الطلاق عند مضيها فإذا خرجت من أن تكون محلا لذلك سقط حكم تلك المدة كما
لو أبانها وانقضت عدتها فان باعها أو أعتقها ثم تزوجها فهو مول منها لأنها صارت بحال لا يقع
طلاقه عليها واليمين باقية فتنعقد المدة من حين تزوجها وكذلك الحرة إذا اشترت
زوجها فهذا والأول سواء لان عصمة النكاح تنقطع بالملك من الجانبين على وجه لا يقع
طلاقه عليها فإنها إنما تكون محلا لطلاقه باعتبار ملك اليد له عليها وملك اليمين كما ينافي
أصل ملك النكاح ينافي ملك اليد الثابت بالنكاح ولهذا لا تستوجب عليه النفقة والسكنى
في عدتها (قال) وإذا حلف العبد بالعتق أو الصدقة أن لا يقرب امرأته لا يكون موليا
لأنه يملك قربانها من غير أن يلزمه شئ فإنه لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم ومراده من
الصدقة أن يلتزم الصدقة بمال بعينه وهو لا يملك ذلك المال فيكون التزامه التصدق به لغوا
(قال) وان حلف بحج أو صوم أو طلاق أو ما أشبه ذلك كان موليا لان التزام هذه الأشياء
صحيح منه كما يصح من الحر فإذا علفها بالقربان فهو لا يملك قربانها في المدة الا بشئ يلزمه
وعلى هذا لو علق بالقربان التزام الصدقة في ذمته (قال) وإذا حلف الذمي أن لا يقرب امرأته
فهو على ثلاثة أوجه في وجه يكون موليا بالاتفاق وهو ما إذا حلف بطلاق أو عتاق لان
العتق والطلاق يصح منه كما يصح من المسلم وفي وجه لا يكون موليا بالاتفاق وهو ماذا
حلف بحج أو صوم أو صدقة لان التزام هذه الأشياء منه لا يصح لأنها قربة وطاعة وما
فيه من الشرك يخرجه من أن يكون أهلا لذلك وقع في بعض الكتب عن الحسن عن أبي
حنيفة رحمهما الله تعالى أن الايلاء منه بالحج صحيح في حكم الطلاق وإن لم يصح في حكم التزام
الحج لان أحد الحكمين ينفصل عن الآخر عنده كما في اليمين بالله تعالى ولا يعتمد على
هذه الرواية فأما ايلاؤه في اليمين بالله تعالى ينعقد في حكم الطلاق عند أبي حنيفة رحمه الله
تعالى حتى لو تركها أربعة أشهر بانت بالايلاء ولو قربها لم تلزمه الكفارة وعند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله تعالى هذا بمنزلة القسم الثاني لأنه يملك قربانها في المدة من غير أن يلزمه
35

شئ فلا يتحقق معنى الايلاء وهو قصد الاضرار بمنع حقها في الجماع وهذا لان حرمة
اليمين بالله تعالى لوجوب تعظيم المقسم به ومع الشرك لا يتحقق منه هذا التعظيم كما لا يتحقق
منه هذا الالتزام التزام الحج والصوم وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول إنه من أهل اليمين
بالله تعالى فان فيها ذكر اسم الله تعالى على سبيل التعظيم وذلك صحيح معتبر من الذمي
حتى تحل ذبيحة الكتابي إذا ذكر اسم الله تعالى وكذلك يستحلف في المظالم والخصومات
بالله تعالى وقد جعل الله تعالى للكفار ايمانا بقوله تعالى لا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وقوله
تعالى وان نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وإذا ثبت أنه من أهل اليمين صار هو بحيث
لا يملك قربانها الا بحنث يلزمه فيكون موليا ثم يترتب على هذا الحنث وجوب الكفارة
وهو ليس من أهلها ولكن حكم الطلاق ينفصل عن حكم الكفارة في الايلاء كما لو قال
لأربع نسوة له لا أقربكن يكون موليا من كل واحدة منهن وإن كان لو قرب ثلاثا منهن
لا يلزمه شئ ولان لهذا اليمين حكمين. أحدهما الطلاق وهو من أهله والآخر الكفارة
وهو ليس من أهلها وكل واحد من الحكمين مقصود بهذه اليمين فامتناع ثبوت أحد
الحكمين لانعدام الأهلية لا يمنع ثبوت الحكم الثاني مع وجود الأهلية (قال) وإذا حلف
الرجل بعتق عبده لا يقرب امرأته فهو مول الا في رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى
فإنه يقول يملك قربانها في المدة من غير أن يلزمه شئ بأن يبيع عبده وفي ظاهر الرواية هو
لا يملك قربانها الا بعتق يلزمه فيكون موليا ولا يعتبر تمكنه من البيع لان البيع لا يتم به
وحده وربما لا يجد مشتريا يشتريه منه فان باع العبد سقط عنه الايلاء لأنه صار بحال يملك
قربانها من غير أن يلزمه شئ فان اشتراه لزمه الايلاء من وقت الشراء لان المدة الأولى
قد بطلت فيستأنف المدة من وقت الشراء لأنه صار بحال لا يملك قربانها الا بعتق يلزمه
ولو كان جامعها بعد ما باعه ثم اشتراه لم يكن موليا لان اليمين قد سقطت بوجود شرط
الحنث بعد بيع العبد فهو يملك قربانها بعد ذلك من غير أن يلزمه شئ وإذا مات العبد قبض ان
يبيعه سقط الايلاء لأنه يتمكن من قربانها بعد موت العبد من غير أن يلزمه شئ وكذلك
لو حلف على إيلاء هذه بطلاق أخرى ثم ماتت تلك أو طلقها ثلاثا لم يكن موليا بعد هذا
لأنه يمكنه ان يقربها من غير أن يلزمه شئ وان تزوجها بعد زوج لم يكن موليا من هذه
أيضا الا على قول زفر لان يمينه على تطليقات ذلك الملك ولم يبق شئ منها بعد ايقاع الثلاث
36

وكذلك لو طلق هذه التي آلى منها ثلاثا سقط الايلاء لان ايلاءه في حكم الطلاق باعتبار
التطليقات المملوكة ولم يبق منها شئ بعد ايقاع الثلاث ولو لم يطلقها ولكنه جامعها طلقت
الأخرى لوجود شرط الوقوع عليها وارتفعت اليمين فان تزوجها بعد ذلك لم يعد الايلاء
وإن لم يجامعها ولكنه طلق الأخرى وانقضت عدتها سقط الايلاء عن هذه لأنه صار
بحيث يتمكن من قربانها من غير أن يلزمه شئ وهذا وبيعه العبد سواء على ما بينا (قال) وإذا
حلف لا يقرب امرأته حتى يموت هو أو تموت هو فهو مول لأنه لا يملك قربانها في المدة
الا بحنث يلزمه وبعد موت أحدهما لا يبقي النكاح فهذا بمنزلة قوله لا أقربك ما دمت في
نكاحي ويتم بهذا منع حقها في القربان بخلاف ما لو قال لا أقربك حتى يموت فلأن لان
موت فلأن لا يمنع بقاء النكاح بينهما وهو موهوم في المدة فيتوهم أن يقربها في المدة من
غير أن يلزمه شئ بعد موت فلان فلهذا لا يكون موليا وقد بينا القياس والاستحسان في
قوله حتى يخرج الدجال أو حتى تطلع الشمس من مغربها وان قال حتى القيامة فهو مول
قياسا واستحسانا وهذا وقول أبدا سواء لأنه لا تصور لبقاء النكاح بينهما بعد وجود ما جعله
غاية بخلاف خرج الدجال على طريقة القياس (قال) ولو حلف لا يقربها حتى تفطم صبيا لها
وبينه وبين الفطام أقل من أربعة أشهر لم يكن موليا لأنه يتحقق منه أن يقربها بعد الفطام
في المدة من غير أن يلزمه شئ ولما كان ما جعله غاية ليمينه يوجد قبل تمام أربعة أشهر كانت
هذه اليمين بمنزلة اليمين على القربان في أقل من الأربعة الأشهر لان بعد وجود الغاية
لا يبقى اليمين وإن كان بينه وبين الفطام أربعة أشهر أو أكثر وهو ينوى ذلك الفطام
لا ينوى دونه فهو مول لأنه يمينه انعقدت موجبة للمنع من القربان في المدة ولو مات الصبي
قبل أن يمضى أربعة أشهر سقط الايلاء لفوات ما جعله غاية ليمينه لان اليمين لا يبقى بعد فوات
الغاية الا في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وهي مسألة كتاب الايمان وكذلك لو حلف
لا يقربها حتى يأذن له فلان فمات فلان في الأربعة الأشهر بطلت اليمين لفوات الغاية ولو
بقي فلان أربعة أشهر ولم يكن قربها لم يكن موليا أيضا لأنه كان يتمكن من قربانها إذا أذن
له فلان من غير أن يلزمه شئ وفى الكتاب قال ينبغي في القياس أن لا يكون موليا ولم
يذكر شيئا سوى هذا فليس مراده أن هذا استحسان بخلاف القياس وإنما مراده قياس
ما تقدم من الفصول (قال) ولو قال إن قربتك فكل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر فهو
37

مول قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يكون
موليا لأنه لا يلزمه بالقربان شئ وهو يتمكن من أن لا يتملك مملوكا بعده وأبو حنيفة ومحمد
رحمهما الله تعالى قالا لا يتمكن من قربانها الا بيمين بالعتق يلزمه فيكون موليا كما لو قال إن
قربتك فهذا المدبر حران دخل الدار يكون موليا منها وهذا لان الانسان يكون ممتنعا من
اليمين بالعتق كما يكون ممتنعا من موجب اليمين فيصير بهذا اللفظ مانعا حقها يوضحه ان
الملك في المستقبل قد يحصل له من غير صنعه كالميراث ولا يتمكن من رده ولو قال إن
قربتك فعلى حجة بعدما أقربك بسنة أو قبل أن أقربك بيوم فهو مول لأنه لا يتمكن من
قربانها الا بحجة تلزمه في الوجهين جميعا (قال) وإذا قال إن قربتك فعلى صوم هذا الشهر
لم يكن موليا لان يمينه لا يتناول جميع المدة فان بمضي المدة يسقط اليمين ويصير بحيث يملك
قربانها من غير أن يلزمه شئ لان التزام الصوم مضافا إلى الزمان الماضي لا يصح فيصير عند
القربان كأنه قال على صوم أمس وذلك لغو ولو قال إن قربتك فعلى طعام مسكين أو صوم
يوم أو صدقة أو حج أو هدى فهو مول بالاتفاق وان قال فعلي صلاة ركعتين فهو مول
في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الأول وهو قول محمد وفي قول أبى يوسف الآخر وهو
قول أبي حنيفة لا يكون موليا وجه قول محمد أنه علق بالقربان التزام ما هو قربة فيكون موليا
كما في الحج قال محمد في الأمالي ولا معنى لقول من يقول لا يتوصل إلى الحج الا بمال ويتوصل
إلى الصلاة بدون المال لأنه لو قال إن قربتك فلله على صلاة ركعتين في بيت المقدس لم يكن
موليا عندهما وهو لا يتوصل إلى ما التزام الا بالمال ووجه قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما
الله تعالى ان بهذا اللفظ لا يتحقق منع القربان المستحق لان الانسان لا يكون ممتنعا من
التزام صلاة ركعتين إذ لا يلحقه في أدائها مشقة ولا خسران في ماله بخلاف سائر القرب
توضيحه أنه ان علق بالقربان اطعام مسكين فهو موجب اليمين وكذلك الصدقة والصوم
وكذلك الهدى والحج فإنه لا يتوصل إلى أدائهما الا بمال والتكفير بالمال موجب ليمين عند
الحنث فهو كما لو علق اليمين وكذلك لو قال في بيت
المقدس لان المكان لا يتعين لأداء المنذور من الصلاة وان قال إن قربتك فعبدي فلان حر
عن ظهاري وقد ظاهر أو لم يظاهر فهو مول لأنه لا يملك قربانها الا بعتق بتنجز في العبد وتنجز
العتق ليس بموجب للظهار بخلاف ما لو قال إن قربتك فلله على أن أعتق فلانا عن ظهاري
38

وهو مظاهر فليس بمول لأنه علق بالقربان وجوب العتق عليه عن الظاهر وهو واجب
عليه قبل القربان فلا يكون ملتزما بالقربان شيئا والله أعلم (باب اللعان)
اعلم بأن موجب قذف الزوج زوجته كان هو الحد في الابتداء كما في الأجنبية ثبت
بقوله تعالى والذين يرمون المحصنات الآية والدليل عليه ما روى أن ابن مسعود رضي الله عنه
قال كنا جلوسا في المسجد ليلة الجمعة إذا دخل رجل أنصاري فقال يا رسول الله أرأيت
الرجل يجد مع امرأته رجلا فان قتل قتلتموه وان تكلم جلدتموه وان سكت سكت على
غيظ ثم قال اللهم افتح فنزلت آية اللعان وقال صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية رضي الله عنه
حين قذف امرأته بشريك بن سمحاء إيت بأربعة يشهدون على صدق مقالتك والا فحد
على ظهرك وقالت الصحابة رضوان الله عليهم الآن يجلد هلال بن أمية رضي الله عنه فتبطل
شهادته في المسلمين فثبت ان موجب القذف كان هو الحد ثم انتسخ ذلك باللعان في حق
الزوجين واستقر الامر على أن موجب قذف الزوج الزوجة اللعان بشرائط نذكرها
وعلى قول الشافعي موجبه الحد ولكنه يتمكن من اسقاط ذلك عن نفسه باللعان حتى لو امتنع
الزوج من اللعان يقام عليه حد القذف وعندنا يحبس حتى يلاعن واستدل بقوله تعالى والذين
يرمون المحصنات ثم في آية اللعان بيان المخرج للزوج بان تقام كلمات اللعان مقام أربعة من
الشهداء لان في كلمات اللعان لفظة الشهادة وهي شهادات مؤكدة بالايمان مزكاة باللعن
مؤكدة بالظاهر وهو ان الزوج لا يلوث الفراش على نفسه كاذبا ولهذا قلت بلعانه يجب
حد الزنا عليها ثم تتمكن هي من اسقاط الحد عن نفسها بلعانها على أن يكون لعانها معارضا
لحجة الزوج لأنها شهادات مؤكدة بالايمان مزكاة بالتزام الغضب مؤيدة بالظاهر وهو ان
المسلمة تمتنع من ارتكاب الحرام وفي كتاب الله تعالى إشارة إلى هذا فإنه قال ويدرأ
عنها العذاب أي يسقط الحد الواجب بلعان الزوج (وحجتنا) في ذلك قوله تعالى والذين
يرمون أزواجهم فهذا يقتضى أن يكون المذكور في الآية جميع موجب قذف الزوجة
وذلك ينفي أن يكون الحد موجب هذا القذف مع اللعان ولو وجب الحد عليه لم يسقط
الا بحجة وكلمات اللعان قذف أيضا فكيف يصح أن يكون القذف مسقطا لموجب القذف
39

فعرفنا انه هو الموجب لما فيه من التزام اللعن وإذا امتنع منه يحبس حتى يلاعن لان من امتنع
من ايفاء حق مستحق عليه لا تجرى النيابة في ايفائه يحبس حتى يأتي به ولا يجب عليها حد
بلعانه لان شهادة المرء لسنه لا تكون حجة في استحقاق ما يثبت مع الشبهات على الغير ابتداء
فكيف تكون حجة في استحقاق ما يندرئ بالشبهات وهذا لان الشهادات وان تكررت
من واحد ليس بخصم لا تتم الحجة بها فمن الخصم أولى والعجب من الشافعي رحمه الله تعالى
أنه يقول لو شهد الزوج مع ثلاثة نفر على زوجته بالزنا لا يجب الحد عليها فكيف يجب الحد
بشهادته وحده ولكن اللعان مستحق عليها كما هو علي الزوج فإذا امتنعت حبست والمراد
من قوله تعالى ويدرأ عنها العذاب الحبس لا الحد إذا عرفنا هذا فنقول من شرائط اللعان
عندنا كون الزوجين من أهل الشهادة على الاطلاق وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه هذا
ليس بشرط ولكن كل من كان من أهل الطلاق عنده فهو من أهل اللعان وهذا منه
تناقض لأنه يجعل كلمات اللعان شهادات في وجوب الحد بها ثم لا يشترط الأهلية للشهادة
ولكن بقول اللعان من كلام الزوج موجب للفرقة فيكون بمنزلة الطلاق (وحجتنا) في ذلك
ما بدأ به الباب فقال بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا لعان بين أهل الكفر
وأهل الاسلام ولا بين العبد وامرأته وأهل الحديث يروون هذا بلفظ آخر وقد ذكره
صاحب المشافهات في تفسيره أربعة لا لعان بينهم وبين نسائهم المسلم إذا كان تحته كافرة
والكافر إذا كان تحته مسلمة والحر إذا كان تحته أمة والعبد إذا كان تحته حرة فذلك تنصيص
على اشتراط أهلية الشهادة فيهما وفى الآية إشارة إلى هذا فإنه قال ولم يكن لهم شهداء إلا أن
فسهم والمراد بالشهداء من يكون أهلا للشهادة مطلقا والمستثني من جنس المستثنى
منه وقال الله تعالى فشهادة أحدهم وهذا شأن شهادة شرعية ولا يتحقق ذلك ممن
ليس بأهل للشهادة ثم المسلم إذا كان تحته كافرة فهي ليست بمحصنة وكما أن قذف
الأجنبية إذا لم تكن محصنة لا يوجب الحد فكذلك قذف الزوج زوجته إذا لم تكن محصنة
لا يوجب اللعان وكذلك الحر إذا كان تحته أمة فاما الكافر إذا كان تحته مسلمة بأن أسلمت
امرأته فقذفها قبل أن يعرض عليه الاسلام فهو ليس من أهل الشهادة عليها وكذلك العبد
إذا كان تحته حرة فلا يكون قذفه إياها موجبا للعان ولكنه يكون موجبا حد القذف لان
القذف بالزنا لا ينفك عن موجب فإذا خرج من أن يكون موجبا للعان لمعني في القاذف
40

كان موجبا للحد وكذلك المحدود في القذف إذا قذف امرأته لان الدلالة قامت لنا على أن
إقامة حد القذف عليه مبطل لشهادته ومخرج له من أن يكون أهلا لأداء الشهادة
وكذلك أن كانت المرأة محدودة في قذف فلا لعان بينهما لانعدام أهلية أداء الشادة في
جانبها إلا أنه إذا كانت هي المحدودة في القذف فلا حد على الزوج ولا لعان لان قذفه
باعتبار حاله موجب للعان فلا يكون موجبا للحد إذ لا يجمع بين الموجبين ولكن امتنع
جريان اللعان لمعنى من جهتها فهو كما لو صدقت الزوج بخلاف ما إذا كان الزوج هو المحدود
لان قذفه باعتبار حاله لم يكن موجبا للعان فكان موجبا للحد إذ هي محصنة ولو كانا محدودين
في قذف فعليه الحد أيضا لان قذفه باعتبار حاله غير موجب للعان فيكون موجبا للحد
ولا يجوز ان يقال امتناع جريان اللعان هنا لكونها محدودة لان أصل القذف يكون من الرجل
وإنما يظهر حكم المانع في جانبها بعد قيام الأهلية في جانب الرجل فأما بدون الأهلية في جانبه
لا معتبر بحالها وكذلك العبد يقذف الحرة المحدودة تحته لأنها محصنة وان قذف العبد امرأته
وهي مملوكة أو مكاتبة فلا حد عليه ولا لعان لأنها ليست بمحصنة وكذلك الحر يقذف امرأته
وهي أمة أو مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة أو مستسعاة في قول أبي حنيفة رحمه الله لأنها بمنزلة
المكاتبة فلا تكون محصنة مع قيام الرق ولكنه يعذر لذلك أسواطا لان قذف المملوك يوجب
التعزير لمعنى هتك الستر وإشاعة الفاحشة والعبد إذا قذف امرأته الحرة المسلمة فعليه الحد لان
قذفه باعتبار حاله غير موجب للعان فيلزمه الحد لكونها محصنة (قال) وإذا قذف الأعمى
امرأته وهي عمياء والفاسق قذف امرأته فعليهما اللعان لان الفاسق من أهل الشهادة ولكن لا
تقبل شهادته لعدم ظهور رجحان جانب الصدق ولهذا أمر الله تعالى بالتثبت في خبره والتثبت
غير الرد بخلاف المحدود في القذف فإنه محكوم ببطلان شهادته كما قالت الصحابة رضوان الله
عليهم فتبطل شهادته في المسلمين والدليل عليه أن الفاسق إذا شهد في حادثة فرد القاضي
شهادته ثم أعادها بعد التوبة لم تقبل ولو لم يكن المردود شهادة لكانت مقبولة بعد التوبة
وكذلك الأعمى من أهل الشهادة إلا أنه لا تقبل شهادته لنقصان في ذاته وهو أنه لا يميز
بين المشهود له والمشهود عليه الا بالصوت والنغمة ولان شهادته جائزة في قول بعض الفقهاء
يعني إذا تحمل وهو بصير ثم أدى بعد العمي تقبل شهادته عند أبي يوسف رحمه الله تعالى
فإذا كان من أهل الشهادة كان من أهل اللعان أيضا (قال) وإذا قذف امرأته وقد زنت
41

فلا حد عليه ولا لعان لأنها ليست بمحصنة وهو صادق فيما رماها به من الزنا وكذلك أن
وطئت وطئا حراما يريد به الوطئ بشبهة وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى قال يلاعنها وهو قول
ابن أبي ليلى لان هذا الوطئ مثبت للنسب موجب للعدة والمهر فلا يسقط به الاحصان
كوطئ المنكوحة في حالة الحيض ولكنا نقول وطئ غير مملوك فيكون في معنى الزنا فيسقط
به الاحصان ولكن لا يجب به الحد للشبهة والشبهة تصلح لاسقاط الحد لا لايجابه فلو أوجبنا
على قاذفها الحد واللعان كان فيه ايجاب الحد بالشبهة وبهذا فارق حكم النسب والعدة لأنه
يثبت مع الشبهة (قال) وإذا قذفها وهي صغيرة أو هو صغير فلا حد ولا لعان اما الصبي
فقوله هدر فيما يتعلق به اللزوم والصغيرة ليست بمحصنة وكذلك أن كان أحدهما مجنونا أو
معتوها وكذلك أن كان أحدهما أخرس اما إذا كان الزوج هو الأخرس فقذفه لا يوجب
الحد ولا اللعان عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يوجب لان إشارة الأخرس كعبارة الناطق
ولكنا نقول لا بد من التصريح بلفظ الزنا ليكون قذفا موجبا للحد أو اللعان ولا يتأتى هذا
التصريح في إشارة الأخرس فان إشارته دون عبارة الناطق بالكتابة ولأنه لا بد من لفظ
الشهادة في اللعان حتى أن الناطق لو قال أحلف مكان قوله أشهد لا يكون صحيحا وبعض
أصحاب الشافعي رحمه الله تعالى يرتكبون هذا ولكنه مخالف للنص فإذا ثبت أنه لا بد من
لفظ الشهادة وذلك لا يتحقق بإشارة الأخرس وكذلك أن كانت هي خرساء لان قذف
الخرساء لا يوجب الحد على الأجنبي لجواز ان تصدقه لو كانت تنطق ولا تقدر على إظهار
هذا التصديق بإشارتها وإقامة الحد مع الشبهة لا يجوز (قال) وإذا قذف الحر المسلم امرأته
الحرة المسلمة بالزنا فان كفت عن مرافعته فهي امرأته لان حقيقة زناها لا ينافي بقاء النكاح
بينهما فالنسب إلى الزنا أولى واللعان هنا كالحد في قذف الأجانب وذلك لا يستوفى الا بطلب
المقذوف فهذا مثله وان دفعته بدأ الامام بالرجل فأمره ان يلاعن كما قال الله تعالى في
كتابه يقوم فيشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا والخامسة أن
لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا ثم تقوم المرأة فتشهد أربع شهادات
بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به من الزنا والخامسة ان غضب الله عليها إن كان من
الصادقين فيما رماها به من الزنا اما قيامهما ليس بشرط فسره الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله
تعالى قال لا يضره اللعان قائما أو قاعدا لان اللعان شهادة أو يمين فالقائم والقاعد فيه سواء
42

وذكر في النوادر عن الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لابد أن يقول إني لمن
الصادقين فيما رميتك به من الزنا وهي تقول أنت من الكاذبين فيما رميتني به من الزنا لأنه
إذا ذكر بلفظة الغائبة يتمكن فيه شبهة واحتمال فلا بد من لفظ الخطاب وفى ظاهر الرواية
لم يعتبر هذا لان كل واحد منهما يشير إلى صاحبه والإشارة أبلغ أسباب التعريف فإذا
فرغا من اللعان فرق الامام بينهما لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم لما لاعن بين العجلاني وامرأته فقال العجلاني كذبت عليها يا رسول الله ان
أمسكتها فهي طالق ثلاثا ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن
يفارقها فكانت سنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم الفرقة لا تقع عندنا الا بتفريق القاضي
وعند الشافعي رضى الله تعالى عنه تقع بنفس لعان الزوج وعلى قول زفر رحمه الله تعالى
يقع الفرقة بلعانهما فالشافعي رحمه الله تعالى يقول سبب هذه الفرقة قول من الزوج مختص
بالنكاح الصحيح فيتم به كالطلاق وزفر رحمه الله تعالى يستدل قوله صلى الله عليه وسلم
المتلاعنان لا يجتمعان أبدا فنفي الاجتماع بعد التلاعن تنصيص على وقوع الفرقة بينهما
ولكنا نستدل بالحديث الذي روينا فان العجلاني رضى الله تعالى عنه أوقع الثلاث عليها بعد
التلاعن ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو وقعت الفرقة بينهما لأنكر عليه
فان قيل قد أنكر عليه بقوله اذهب فلا سبيل لك عليها (قلنا) ذاك منصرف إلى طلبه
رد المهر فإنه روى أنه قال إن كنت صادقا فهو لها بما استحللت من فرجها وإن كنت كاذبا
فابعد اذهب فلا سبيل لك عليها ولان الراوي قال فذلك السنة في المتلاعنين أن
بينهما فدل أنه لا تقع الفرقة الا بالتفريق وكان التفريق هنا بمنزلة فسخ البيع بسبب التحالف
عند الاختلاف في الثمن ثم هناك لا ينفسخ البيع ما لم يفسخ القاضي فكذلك هنا وهذا لان
مجرد اللعان غير موضوع للفرقة ولا هو مناف للنكاح إلا أن الفرقة بينهما لقطع المنازعة
والخصومة وفوات المقصود بالنكاح مع اصرارهما على كلامهما فلا يتم الا بقضاء القاضي
فأما قوله صلى الله عليه وسلم المتلاعنان لا يجتمعان أبدا حقيقة هذا اللفظ حال تشاغلهما
باللعان كالمتقاتلين والمتضاربين فزفر رحمه الله تعالى يوافقنا أن في حال تشاغلهما باللعان
لا تقع الفرقة بينهما ثم ذكر عن إبراهيم رضى الله تعالى عنه قال اللعان تطليقة بائنة وإذا
أكذب الملاعن نفسه جلد الحد وكان خاطبا من الخطاب وبه أخذ أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى
43

فقالا الفرقة باللعان تكون فرقة بالطلاق وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تكون فرقة بغير
طلاق بناء على أن عند أبي يوسف يثبت باللعان الحرمة المؤبدة بينهما وهو قول الشافعي
رضي الله عنه وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا تتأبد الحرمة بسبب اللعان حجتهما
في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم المتلاعنان لا يجتمعان أبدا وهكذا نقل عن عمر وعلى وابن
مسعود رضي الله عنهم والمعنى فيه أن سبب هذه الفرقة يشترك فيه الزوجان والطلاق
يختص به الزوج فما يشترك الزوجان فيه لا يكون طلاقا ومثل هذا السبب متى كان موجبا
للحرمة كانت مؤبدة كالحرمة بالرضاع توضيحه ان ثبوت الحرمة هنا باللعان نظير حرمة
قبول الشهادة بعد الحد في قذف الأجنبي وذلك يتأبد فكذلك هنا وحجة أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله تعالى ان الثابت بالنص اللعان بين الزوجين فلو أثبتنا به الحرمة المؤبدة
كان زيادة على النص وذلك لا يجوز خصوصا فيما كان طريقه طريق العقوبات ثم هذه
فرقة تختص بمجلس الحكم ولا يتقرر سببه الا في نكاح صحيح فيكون فرقة بطلاق كالفرقة
بسبب الجب والعنة وهذا لان باللعان يفوت الامساك بالمعروف فيتعين التسريح بالاحسان
فإذا امتنع منه ناب القاضي منابه فيكون فعل القاضي كفعل الزوج وإذا ثبت انه طلاق
والحرمة بسبب الطلاق لا تتأبد فاما الحديث فقد بينا ان حقيقة المتلاعنين حال تشاغلهما باللعان
ومن حيث المجاز إنما يسميان متلاعنين ما بقي اللعان بينهما حكما وعندنا لا يجتمعان ما بقي اللعان
بينهما حكما وإنما تجوز المناكحة بينهما إذا لم يبق اللعان بينهما حكما لأنه إذا أكذب نفسه يقام
عليه الحد لا قراره على نفسه بالتزام الحد ومن ضرورة إقامة الحد عليه بطلان اللعان ولا يبقي أهلا
للعان بعد إقامة الحد وكذلك أن أقرت المرأة بالزنا فقد خرجت من أن تكون أهلا للعان
وكذلك أن قذفت رجلا فأقيم عليها الحد فعرفنا ان حل المناكحة بينهما بعد ما بطل حكم
للعان فلا يكون في هذا اثبات الاجتماع بين المتلاعنين (قال) وإذا أنكر الزوج القذف
فأقامت المرأة به البينة عليه وجب اللعان بينهما وعلى قول ابن أبي ليلى يلاعن ويحد اما اللعان
فلان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم ثم قال ابن أبي ليلى انكاره بمنزلة إكذابه نفسه
فيقام عليه الحد ولكنا نقول انكاره نفى القذف واكذابه نفسه تقرير القذف فكيف يستقيم
إقامة انكاره مقام اكذابه نفسه فلهذا لا يحد (قال) وإذا نفى الرجل حبل امرأته فقال
هو من زنا فلا لعان بينهما ولا حد قبل الوضع في قول علمائنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى
44

يلاعنها لحديث هلال بن أمية رضي الله عنه فإنه قذف امرأته بنفي الحمل وقد لاعن رسول
الله صلى الله عليه وسلم بينهما ولان الحبل يعرف وجوده بالظاهر ويتعلق به أحكام شرعا نحو
الرد بالعيب والميراث والوصية به وله فكذلك يثبت حكم اللعان بنفيه (وحجتنا) ما قال في
الكتاب ان نفى الحبل ليس بشئ لأنه لا يدرى لعله ريح واللعان في قذف الزوج زوجته
بمنزلة الحد في قذف الأجنبية فلا يجوز اقامته مع الشبهة بخلاف حكم الرد بالعيب فإنه يثبت
مع الشبهات والإرث والوصية تتوقف على انفصال الولد ولا تتقرر في الحال فاما الحديث
من أصحابنا من قال أنه قذفها بالزنا نصا فإنه قال وجدت شريك بن سمحاء على بطنها يزنى بها
ثم نفي الحبل بعد ذلك وعندنا إذا قذفها بالزنا نصا يلاعنها علي ان النبي صلى الله عليه وسلم
عرف من طريق الوحي انها حبلى حتى قال إن جاءت به أحيمر على نعت كذا فهو لهلال
ابن أمية رضي الله عنه وان جاءت به أسود جعدا حماليا فهو لشريك فجاءت به على النعت
المكروه فقال صلى الله عليه وسلم لولا الايمان التي سبقت لكان لي ولها شأن ومثل هذا
لا يعرف الا بطريق الوحي ولا يتحقق مثله في زماننا ثم عند أبي حنيفة إذا جاءت بالولد
يثبت نسبه من الزوج ولا يجرى اللعان بينهما بذلك النفي وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما
الله تعالى إذا جاءت بالولد لأكثر من ستة أشهر منذ نفي فكذلك وان جاءت به لأقل من ستة
أشهر لاعن ولزم الولد أمه لأنا تيقنا ان الحبل كان موجودا حين نفاه عن نفسه فكان هذا
ونفيه بعد الولادة سواء والدليل عليه حكم الوصية والميراث فإنه يثبت إذا جاءت به لأقل من
ستة أشهر لتيقننا انه كان موجودا وقت السبب وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أصل هذا
القذف لم يكن موجبا للعان فلا يصير موجبا بعد ذلك لأنه حينئذ يكون هذا في معنى قذف
مضاف والقذف لا يحتمل الإضافة ولا التعليق بالشرط وبه فارق الوصية والميراث لأنه
يمكن اثباته على سبيل التوقف والإضافة إلى ما بعد الانفصال يقرره انه لو لاعنها قبل الوضع
كما قال الشافعي يحكم على الحبل بقطع نسبه من الزوج إذ النسب من حق الولد والزام الحكم
على الحمل لا يجوز فإذا تعذر نفي النسب عند النفي لا يصير محتملا للنفي بعد ذلك ولولا عنها
بعد الوضع لنفي النسب عنه وذلك لا يجوز وإذا تعذر نفى النسب يتعذر اللعان كما لو ولدت
ولدا ميتا وإذا لاعنها بغير ولد فلها النفقة والسكنى في العدة لان وقوع الفرقة بسبب من جهة
الزوج ولهذا كان طلاقا فإذا جاءت بولد ما بينها وبين سنتين لزمه الولد لأنها جاءت به لمدة يتوهم
45

أن العلوق في حال قيام النكاح وإن لم يكن عليها عدة لزمه الولد ما بينه وبين ستة أشهر كما لو
وقعت الفرقة بينهما بسبب آخر ولو نفي هذا الولد لم يجز اللعان بينهما عندنا وعلى قول الشافعي
رحمه الله تعالى يجرى اللعان بينهما لان الأصل عنده أن اللعان يجرى لنفى الولد مقصودا
ولهذا قال في النكاح الفاسد إذا دخل بها الزوج ثم جاءت بولد فنفاه يجرى اللعان بينهما
لنفى الولد مقصودا وهذا لأنه محتاج إلى أن ينفى عن نفسه نسبا ليس منه واللعان مشروع
لحاجته فأما عندنا حكم اللعان ثبت بالنص في الزوجات قال الله تعالى والذين يرمون أزواجهم
ولا زوجية في النكاح الفاسد ولا بعد البينونة ولأنه لو جرى اللعان بينهما إنما يجرى لنفى
الولد وقد حكم الشرع بثبوت نسب الولد منه حين أوجب المهر والعدة بالنكاح الفاسد وبعد
الحكم بثبوت النسب لا يتصور نفيه توضيحه أن نفي النسب تبع لقطع الزوجية والتفريق بينهما
وقيام التبع بالمتبوع فإذا تعذر الحكم عليه بقطع الزوجية يمتنع جريان اللعان بينهما (قال)
وإذا لاعنها بولد ثم جاءت بولد بعد ذلك لستة أشهر أو أكثر ما بينها وبين السنتين لزمه
هذا الولد لان العلوق به موهوم أنه كان في حال قيام النكاح (قال) وإذا ولدت المرأة
ولدين في بطن واحد فأقر بالأول ونفي الثاني لزمه الولدان ويلاعنها فان نفي الأول وأقر
بالثاني لزماه ويحد لان اقراره بنسب أحدهما اقرار بنسبهما فإنهما توأم لا ينفصل أحدهما عن
الآخر في حكم النسب لعلمنا انهما خلقا من ماء واحد فإذا أقر بالأول كان هذا كاقراره بهما
ثم في نفي الثاني هو قاذف لها بالزنا فيلاعنها وان نفي الأول فقد صار قاذفا لها بالزنا وحين
أقر بالثاني فقد أكذب نفسه فيلزمه الحد ونسب الولدين ثابت منه لان اقراره بأحدهما
كاقراره بهما وان نفاهما ثم مات أحدهما قبل اللعان فإنه يلاعن علي الحي منهما وهما ولداه
لان الذي مات قد لزمه نسبه ألا ترى أنه يرثه لو كان له مال وانه لو قتل كان له الميراث من
ديته والحكم بثبوت نسب أحدهما منه حكم بثبوت نسبهما فلا يحتمل النفي بعد ذلك ولأنه
لو قطع نسب هذا الحي منه قطع نسب الميت أيضا والنسب كما لا يمكن اثباته بعد الموت بالدعوة
لا يمكن قطعه بالنفي لان فيه إلزام الحكم على الميت من غير خصم عنه فان الأخ لا ينتصب
خصما عن أخيه ولكن لا يمتنع جريان اللعان بينهما لأنه قذفها بالزنا وليس من ضرورة اللعان
قطع النسب والنسب إنما لزمه حكما فلا يكون ذلك بمنزلة اكذابه نفسه في منع جريان
اللعان بينهما وكذلك لو كانت ولدت أحدهما ميتا فنفاهما لان المولود ميتا ثابت النسب منه
46

حتى لو ضرب انسان بطنها فلزمته الغرة كان للوالد منه الميراث وإذا لزمه نسب أحدهما
لزمه نسبهما (قال) وان ولدت ولدا فنفاه ولاعن به ثم ولدت من الغد ولدا آخر لزمه
الولدان جميعا واللعان ماض لان نسب الذي كان في البطن لم يثبت فيه حكم الحاكم لما فيه من
إلزام الحكم على الحمل وذلك ممتنع ولا يجوز أن يتوقف على الانفصال فإذا انفصل كان ثابت
النسب منه وهما توأم إذ ليس بينهما مدة حبل تام ومن ضرورة ثبوت نسب أحدهما
ثبوت نسب الآخر ولان اعتبار جانب الذي كان منفصلا وقت اللعان يوجبه نفى النسب
واعتبار جانب الآخر يثبت النسب وإنما يحتاط لاثبات النسب لا لنفيه فان قال هما ابناي كان
صادقا ولا حد عليه لان نسبهما منه يثبت شرعا فهو بهذا اللفظ يخبر عما يلزمه شرعا فلا
يكون اكذابا منه نفسه توضيحه أن كلامه محتمل يجوز أن يكون مراده الا كذاب
بدعوى النسب ويجوز أن يكون مراده الاخبار بما لزمه شرعا والحد لا يجب مع الاحتمال
وان قال ليسا بابني كانا ابنيه لان نسبهما لزمه حكما فلا يملك نفيه ولا حد عليه لأنه بهذا
اللفظ كرر القذف الذي لاعنها به فلا يلزمه بالتكرار حد ولو قال كذبت في اللعان وفيما
قذفها به كان عليه الحد لأنه صرح به كذابه نفسه وذلك يوجب الحد عليه (قال) ولو نفى ولد
زوجة محدودة أو كتابية أو مملوكة والزوج حر أو عبد كان نفيه باطلا ويلزم الولد إياه لان
النسب قد ثبت منه بالفراش فلا ينقطع الا باللعان وقد تعذر اثبات بينهما لانعدام أهلية الشهادة
فيهما أوفى أحدهما فيبقي النسب ثابتا منه ولا حد على الزوج ولا لعان وقد أجمل هذا الجواب
لأنه في السؤال ذكر الزوج العبد والمرأة المحدودة وقد بينا فيما سبق ان العبد إذا قذف امرأته
المحدودة فعليه الحد فيحمل هذا الجواب على ما إذا كان الزوج حرا مسلما حتى يمتنع
جريان اللعان من قبلها فحينئذ لا يجب الحد ولا اللعان (قال) وإذا التعن الرجل ثلاث
مرات والتعنت المرأة ثلاث مرات ثم فرق القاضي بينهما فقد أخطأ السنة والفرقة جائزة
عندنا وعلى قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى حكمه بخلاف السنة باطل فلا تقع الفرقة بينهما
لأنه حكم بخلاف النص فان اللعان بالكتاب والسنة خمس مرات والحكم بخلاف النص
باطل كما لو حكم بشهادة ثلاثة نفر في حد الزنا أو بشهادة رجل وامرأة بالمال (وحجتنا)
في ذلك أن هذا حكم في موضع الاجتهاد فيجوز وينفذ كالحكم بشهادة المحدود في القذف
ونحوها وبيانه من وجهين أحدهما ان ما شرع مكررا من واحد فقد يقام الأكثر منه مقام
47

الكل والثاني ان تكرار اللعان للتغليظ ومعنى التغليظ يحصل بأكثر كلمات اللعان لأنه
جمع متفق عليه وأدنى الجمع كأعلاه في بعض المواضع فإذا اجتهد القاضي وأدي
اجتهاده إلى هذا الحكم نفذ حكمه ألا ترى أنه لو فرق بينهما بعد لعان الزوج قبل لعان
المرأة ينفذ حكمه لكونه مجتهدا فيه فبعد ما أتى كل واحد منهما بأكثر كلمات اللعان أولى ولا
نسلم ان قضاءه مخالف للنص لان أصل الفرقة ومحلها غير مذكور في النص وهذا الاجتهاد
في محل الفرقة فان من أبطل هذا القضاء يقول لا تقع الفرقة وان أتمت المرأة اللعان بعد
ذلك ولا ينفذ حكمه وان أتم الزوج اللعان وإنما تقع الفرقة عنده بلعان الزوج ولو فرق
بينهما بعد ما التعن كل واحد منهما مرتين لم ينفذ حكمه لان بقاء أكثر اللعان كبقاء جميعه
فهذا حكم في غير موضع الاجتهاد فان أقل الشئ لا يقوم مقام كماله (قال) ولو فرغا من اللعان
فلم يفرق بينهما حتى مات أحدهما توارثا لان الفرقة عندنا لا تقع الا بقضاء القاضي فإنما انتهى
النكاح بينهما بالموت (قال) ولو أخطأ القاضي فأمر المرأة فبدأت باللعان ثم التعن الرجل
كان عليه ان يأمر المرأة بإعادة اللعان لأنها التعنت قبل أو انه فان اللعان مشروع في جانبها
لمعارضة لعان الزوج لأنها لا يثبت بلعانها شئ على الزوج وما حصل قبل أوانه لا يعتد به
فيأمرها باستقبال اللعان فإن لم يأمرها بذلك وفرق بينهما وقعت الفرقة كما أو التعن الزوج ولم
تلتعن المرأة حتى فرق بينهما لأنه حكم في موضع الاجتهاد لان فيما طريقه على طريق المعارضة
لا فرق بين ان يسبق هذا أو ذاك وفي باب التحالف له ان يبدأ بيمين أيهما شاء ولأنهما
متلاعنان سواء بدأت هي أو هو وحكمه في موضع الاجتهاد نافذ (قال) وإذا قذف أجنبية
ثم تزوجها فقذفها فرافعته فيهما جلد الحد ودرئ اللعان لان موجب قذفه قبل التزوج الحد
وموجب قذفه بعد التزوج اللعان ولكن متى اجتمع الحدان عند الامام وفى البداية بأحدهما
اسقاط الآخر بدئ بما فيه اسقاط الآخر احتيالا للدرء ولو بدأ باللعان هنا لم يسقط الحد ولو
بدأ بالحد يسقط اللعان لان المحدود في القذف لا يلاعن امرأته فلهذا يبدأ بالحد ولو أخذته
بالآخر وتركت الأول لاعنها لان حد القذف لا يقام الا بطلب المقذوف فإذا لم يطلب صار
القذف الأول كالمعدوم في حق الثاني وقد وجد منها الخصومة في الثاني فيلاعنها فان أخذته
بعد ذلك بالأول ضرب الحد لان بترك الطلب زمانا لا يسقط حقها في المطالبة بحد القذف بعد
تقرر الموجب لحد القذف وان بدأت بالأول حد لها فان أخذته بعد ذلك بالآخر لم يلزمه حد
48

ولا لعان لان القذف الثاني كان موجبا للعان وقد تعذر اقامته حين صار محدودا في قذف ولو
كان موجبا للحد لا يقام الأحد واحد وقد أقيم ذلك بعد القذفين (قال) وإذا قذف امرأته مرات
فعليه لعان واحد لان اللعان في كونه موجب قذف الزوجات كالحد في حق الأجنبيات والحد
لا يتكرر بتكرر القذف لشخص واحد (قال) وإذا قذف أربع نسوة في كلمة واحدة أوفى كلمات
متفرقة فعليه أن يلاعن كل واحدة منهن على حدة بخلاف ما لو قذف أجنبيات فإنه يقام عليه
حد واحد لهن لان المقصود يحصل بإقامة حد واحد وهو دفع عار الزنا عنهن وهنا لا يحصل
المقصود بلعان واحد لأنه يتعذر الجمع بينهن في كلمات اللعان فقد يكون صادقا في بعضهن
دون البعض والمقصود التفريق بينه وبينهن ولا يحصل ذلك باللعان مع بعضهن فلهذا يلاعن
كل واحدة منهن على حدة حتى لو كان محدودا في قذف كان عليه حد واحد لهن لان موجب
قذفه لهن الحد هنا والمقصود يحصل بحد واحد كما في الأجنبيات (قال) ولو قذف رجلا
فضرب بعض الحد ثم قذف امرأة نفسه لم يكن عليه لعان وعليه تمام الحد لذلك الرجل لان
قذفه إياها موجب للعان فان بإقامة بعض الحد عليه لا تبطل شهادته ولكن لا بد من اكمال الحد
لذلك الرجل أولا لان في البداية به لسقاط اللعان فإنه يصير محدودا في قذف فيبدأ باكمال الحد
الأول لهذا ولو كان قذفه إياها في هذه الحالة موجبا للحد لم يجب الاكمال الحد الأول كما لو قذف
أجنبيا آخر (قال) وإذا قذف امرأته ثم بانت منه بطلاق أو غيره فلا حد عليه ولا لعان
لان المقصود باللعان التفريق بينهما ولا يتأتى ذلك بعد البينونة فلا معنى للعان بعد فوات
المقصود به ولا حد عليه لان قذفه كان موجبا للعان والقذف الواحد لا يوجب الحدين ولو
أكذب نفسه لم يضرب الحد أيضا لهذا المعنى بخلاف ما لو أكذب نفسه بعد ما لاعنها لان
وجوب اللعان هناك بأصل القذف والحد بكلمات اللعان فقد نسبها فيها إلى الزنا وانتزع
معنى الشهادة باكذابه نفسه فيكون هذا نظير الشهود بالزنا فاما هنا لم توجد كلمات
اللعان فلهذا لا يحد وان أكذب نفسه (قال) ولو قال أنت طالق ثلاثا يا زانية كان عليه
الحد لأنها بانت بالتطليقات الثلاث فإنما قذفها بالزنا بعد البينونة فعليه الحد ولو قال يا زانية أنت
طالق ثلاثا لم يلزمه حد ولا لعان لأنه قذفها وهي منكوحة ثم أبانها بالتطليقات وقد بينا
انه بعد ما قذفها إذا أبانها لم يلزمه حد ولا لعان وهذا لأنه وان ذكر كلامه على سبيل النداء
فقد نسبها به إلى الزنا لان النداء للتعريف وتعريفها بهذا الوصف نسبتها إليه بأبلغ الجهات
49

(قال) وإذا علق القذف بشرط لم يجب حد ولا لعان لان القذف مما لا يحلف به فلا يتعلق
بالشرط ولان التعلق بالشرط يمنع تحقق نسبتها إلى الزنا في الحال ولان من لا تكون زانية
قبل دخول الدار لا تكون زانية بدخول الدار وكذلك لو قال إذا تزوجتك فأنت زانية أو
أنت زانية ان شاء فلان فهو باطل لما قلنا (قال) ولو قال لامرأته قد زنيت قبل أن أتزوجك
أو رأيتك تزنين قبل أن أتزوجك فهو قاذف اليوم وعليه اللعان لان القذف نسبتها إلى الزنا
وقد تحقق ذلك في الحال بخلاف ما لو قال قذفتك بالزنا قبل أن أتزوجك فإنه يجب عليه
الحد لأنه ظهر باقراره قذف قبل التزوج فهو كما لو ثبت ذلك بالبينة بخلاف ما لو قال لها زنيت
وأنت صغيرة فإنه لاحد عليه ولا لعان فان فعل الصغيرة لا يكون زنا شرعا فقد نسبها إلى
مالا يتحقق شرعا فيكون هذا بمنزلة ما لو نسبها إلى مالا يتحقق أصلا بأن قال زنيت قبل أن تخلقي
فاما ما قبل التزوج يتحقق منها فعل الزنا شرعا ولان الصغيرة لا يلحقها العار ولا الاثم شرعا
والقذف بالزنا يتعير به المقذوف وقد يكون فيه آثما شرعا وان قال لها فرجك زان أو
جسدك زان أو بدنك زان فهو قذف لأنه ذكر ما يعبر به عن جميع البدن بخلاف الرجل
واليد وبأي لغة رماها بالزنا فهو قاذف لان ما يلحقها من العار والشنار بالنسبة إلى الزنا
لا يختلف بين العربية والفارسية وإذا قال وجدت رجلا معها يجامعها لم يكن قاذفا لان الجماع
قد يكون حلالا وشبهة وبدون التصريح بالزنا لا يكون القذف موجبا كما في حق الأجانب
ما لم يصرح بالزنا لا يكون موجبا للحد (قال) رجل قال لامرأته يا زانية فقالت بل أنت فإنها
تحد له ويدرأ اللعان لان معنى كلامها لا بل أنت الزاني وقذفها إياه موجب للحد وفى البداية
به اسقاط اللعان لأنها تصير محدودة في قذف وقد بينا أنه متى كان في البداية بأحد الحدين
اسقاط الاخر يبدأ به وذكر في الأصل أنه لو قال لامرأته يا زاني فعليه اللعان لأنه قاذف
لها وان أسقط الماء من كلامه لان الاسقاط للترخيم عادة العرب بخلاف ما لو قال لرجل
يا زانية لم يكن عليه حد في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهي مسألة الحدود وقذف الأصم امرأته يوجب اللعان لان التصريح بالنسبة إلى الزنا يتحقق من الأصم بخلاف الأخرس
ولو قذف رجل امرأة رجل فقال الزوج صدقت لم يكن عليه حد ولا لعان لأنه ليس
بتصريح بالنسبة لها إلى الزنا فمن الجائزان مراده صدقت هي امرأته وهذا اللفظ لا يكون
قذفا في حق الأجانب فكذلك في حق الزوجة (قال) وان قال يا زانية فقالت زنيت
50

بك في القياس يلاعنها لان كلامها ليس باقرار بالزنا منها فان فعل المرأة بزوجها لا يكون زنا
ولكن في الاستحسان ليس بينهما حد ولا لعان لأنها بأول كلامها صارت مصدقة له حين قالت
زنيت ولان كلامها محتمل لعلها أرادت زنيت بك قبل النكاح ولعلها أرادت بعد النكاح
فلاحتمال الوجه الأول يسقط اللعان ولاحتمال الوجه الثاني لا تكون هي قاذفة له فلا يلزمها الحد
وان قال يا زانية فقالت أنت أزنى منى فعليه اللعان لان كلامها ليس بقذف له فان معناه أنت
أقدر على الزنا مني ولهذا لو قذف الأجنبي بهذا اللفظ لا يلزمه الحد وكذلك لو قال الزوج
أنت أزنى من فلانة أو أنت أزنى الناس فلا حد ولا لعان لان معنى كلامه أنت أقدر على الزنا
أو أكثر شبقا فلا يتحقق نسبتها إلى الزنا بهذا اللفظ وإذا قذفها أو نفى نسب ولدها فصدقته لم
يكن بينهما حد ولا لعان لأنها بتصديق الزوج فيما نسبها إليه من الزنا تخرج من أن تكون محصنة
والولد ولده لان النسب يثبت منه بالفراش فلا ينتفى الا باللعان وقد تعذر اللعان بينهما فان
قذف امرأة رجل فقال الرجل صدقت هي كما قلت كان قاذفا لها لأنه صرح بآخر كلامه
أن مراده من التصديق أو الكلام ومعناه هي زانية كما قلت بخلاف ما لو قال مطلقا صدقت
ولو قال لامرأته يا زانية بنت الزانية فقد صار قاذفا لها ولأمها وقذفه أمها موجب للحد وقذفه
إياها موجب للعان فإذا رفعته هي وأمها بدئ بالحد لما في البداية به من اسقاط اللعان
وكذلك أن كانت الأم ميتة فللبنت أن تخاصم في إقامة الحد لان العار يلحقها بزنا أمها
فإذا خاصمت في ذلك حد لها ودرئ اللعان وان قال زنيت مستكرهة أو زني بك صبي لم
يكن قاذفا لها لان المستكرهة لا تكون زانية شرعا فان الفعل ينعدم منها وهو التمكين
في الاكراه ولهذا لا يلزمها الحد وكذلك فعل الصبي لا يكون زنا شرعا وهي بالتمكين من
غير الزنا لا تكون زانية فلا يكون قاذفا لها ولو قذفها ثم وطئت وطئا حراما سقط اللعان
لأنها خرجت من أن تكون محصنة والعارض في الحدود قبل الإقامة كالمقترن بأصل السبب
(قال) وإذ ولدت المرأة ولدا ثم نفى الولد بعد سنة لاعنها ولم ينتف الولد إنما استحسن إذا
نفاه حين يولد أو بعد ذلك بيوم أو يومين أو نحو ذلك أن ينتفي باللعان فهذا قول أبي حنيفة
رضي الله ولم يكن وقت فيه وقتا وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى الوقت فيه أيام
النفاس أربعون يوما وجه قولهما ان مدة النفاس كحالة الولادة بدليل انها بدليل انها لا تصوم فيه ولا
تصلى وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول إذا لم يكن الولد منه لا يحل له ان يسكت عن نفيه بعد
51

الولادة فيكون سكوته عن النفي دليل القبول وكذلك يهنأ بالولد عند الولادة فقبوله بالتهنئة
اقرار منه الولد منه وكذلك يشترى ما يحتاج إليه لاصلاح الولد عادة وبعد وجود دليل
القبول ليس له ان ينفيه وكان القياس أن لا يصح نفيه الأعلى فور الولادة وبه أخذ الشافعي
ولكنه استحسن أبو حنيفة رحمه الله فقال له ان ينفيه بعدن ذلك بيوم أو يومين لأنه يحتاج
إلى أن يروى النظر لئلا يكون مجازفا في النفي قال صلى الله عليه وسلم من نفي نسب ولده
وهو ينظر إليه فهو ملعون ولا يمكنه ان يروى النظر الا بمدة فجعلنا له من المدة يوما أو
يومين وفى رواية الحسن عن أبي حنيفة سبعة أيام في هذه المدة يستعد للعقيقة وإنما تكون
العقيقة بعد سبعة أيام ولكن هذا ضعيف فان نصب المقدار بالرأي لا يكون (قال)
ولو كان الزوج غائبا حين ولدته فحضر بعد مدة يجعل في حقه في حكم النفي كأنها ولدته
الآن إلا أنه روى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى قال إن حضر قبل الفصال فله أن
ينفيه إلى أربعين ليلة ولو حضر بعد الفصال فليس له أن ينفيه لأنه يقضى بنفقته
عليه في ماله الذي خلفه ولو كان له أن ينفيه بعد الفصال لكان له ان ينفيه بعدما صار
شيخا وهذا قبيح هذا كله إن لم يقبل التهنئة فاما إذا هنئ فسكت فليس له أن ينفيه بعد
ذلك لان سكوته عند التهنئة بمنزلة قبوله التهنئة وذلك بمنزلة الاقرار بنسبه إلا أنه روى
عن محمد رحمه الله تعالى انه إذا هنئ بولد الأمة فسكت لم يكن قبولا بخلاف ولد المنكوحة
لان ولد الأمة غير ثابت النسب منه فالحاجة إلى الدعوة والسكوت ليس بدعوة فاما نسب ولد
المنكوحة ثابت منه فسكوته يكون مسقطا حقه في النفي (قال) وإذا لاعن بولد ولزم أمه
ثم مات الولد عن مال فادعاه الأب لم يصدق على النسب والميراث لان الولد بالموت قد
استغنى عن النسب فكان هذا منه دعوى الميراث وهو مناقض في دعواه لكن يضرب
الحد لأنه أكذب نفسه وأقر أنه كان قاذفا لها في كلمات اللعان فإن كان الولد ابنا له فمات
وترك ولدا ذكرا أو أنثى ثبت نسبه من المدعى وورث الأب منه لان الولد الباقي محتاج
إلي النسب فبقاؤه كبقاء الولد الأول فأما إذا كان ولد الملاعنة بنتا فماتت عن ولد ثم
أكذب الملاعن نفسه فكذا الجواب عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى (1) وعندهما لا يثبت
النسب هنا لان نسب الولد القائم من جانب أبيه لامن جانب أمه قال القائل

(1) وجد في احدى النسخ بين هذه الجملة وما بعدها ما نصه (والجواب على العكس عند أبي
52

وإنما أمهات الناس أوعية * مستودعات وللأنساب آباء
ألا ترى ان أولاد الخلفاء من الإماء يصلحون للخلافة وهذا وما لو ماتت لاعن ولد سواء
ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الولد يتعير بانتفاء نسب أمه كما يتعير بانتفاء نسب أبيه
فكان هذا الولد محتاجا إلى اثبات نسب أمه ليصير كريم الطرفين فيكون بقاؤه كبقائها كما
لو كان ولد الملاعنة ذكرا وإذا ثبت النسب فالميراث ينبنى عليه حكما (قال) ولو ولدت
امرأة الرجل فقال الزوج لم تلده فلا حد عليه ولا لعان لأنه أنكر ولادتها وذلك
لا يتضمن نسبتها إلى الزنا ولو شهدت امرأة على الولادة ثبت نسبه منها لقيام الفراش
بينهما فإذا نفاه بعد ذلك لاعنها وان قال ليس هذا منى ولا منك لم يكن بهذا قاذفا لها لأنه
ينكر ولادتها هذا الولد بهذا اللفظ (قال) وإذا قذف امرأته ثم ارتدت ثم أسلمت ثم
تزوجها لم يكن لها أن تأخذه بذلك القذف لأنها بالردة خرجت من أن تكون محصنة
ولأنها بانت منه بالردة ولو بانت بسبب آخر لم يكن عليه حد ولا لعان فإذا بانت بالردة
أولى (قال) وإذا لاعن الرجل امرأته بغير ولد ثم قذفها هو أو غيره فعليه الحد لأنها
بقيت محصنة بعد اللعان والتفريق فان اللعان بينهما باعتبار كونها محصنة فلا تخرج به من
أن تكون محصنة (قال) وأن لاعنها بولد ثم قذفها هو أو غيره فلا حد عليه ولا لعان لأنها
في صورة الزانيات فان في حجرها ولدا لا يعرف له والد فلا تكون محصنة فان ادعى الزوج
الولد فجلد الحد وألزم الولد ثم قذفها قاذف فعليه الحد لأنها خرجت من أن تكون في صورة
الزانيات حين ثبت نسب ولدها من الزوج ولا حد على من كان قذفها قبل ذلك لان حال وجود
السبب في الحدود معتبر لا محالة وقد كانت عند القذف في صورة الزانيات (قال) ولو ادعي
الولد ثم مات قبل أن يحد ثبت نسب الولد منه بالدعوة وضرب من قذف المرأة بعده الحد
وكذلك لو أقامت البينة على الزوج أنه ادعاه وهو ينكر ثبت نسبه منه وضرب الحد لان
الثابت بالبينة على الزوج أنه ادعاه كالثابت بالاقرار ومن قذفها بعد ذلك ضرب الحد لأنها
خرجت من أن تكون في صورة الزانيات (قال) وإذا قذف الرجل امرأته فرافعته فأقامت

حنيفة رحمه الله تعالى لا يثبت وعندهما يثبت هكذا ذكر في عامة كتب الأصل وكذا ذكر شمس
الأئمة في آخر كتاب الولاء) وهذه ليست من الأصل وإنما هي حاشية كتبت على الهامش فأدخلها الناسخ
في الأصل ظنا انها منه اه‍ مصححه
53

شاهدين انه أكذب نفسه حد لان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم أو بالمعاينة (قال)
وإذا رجع الملاعنان إلى حال لا يتلاعنان فيه ابدا فإن كان بعد التفريق حل له أن يتزوجها في
قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وإن كان قبل التفريق لم يفرق بينهما وعند أبي يوسف
رحمه الله تعالى لا يجتمعان أبدا وقد بينا هذه المسألة وحاصل مذهب أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
تعالى أن التفريق بينهما والحرمة للتحرز عن تكرار اللعان وقد زال ذلك المعنى حين صارا إلى
حال لا يتلاعنان فيه أبدا (قال) وإذا أسلمت امرأة الذمي فقذفها ثم أسلم فعليه الحد لأنها كانت
محصنة حين قذفها فكان اللعان ممتنعا باعتبار حال الزوج فإنه كافر فلزمه الحد ثم لا يسقط ذلك
بعد اسلامه وكذلك العبد يعتق بعد ما قذف امرأته (قال) ولو قذف الحر امرأته الذمية
أو الأمة ثم أسلمت أو أعتقت لم يكن عليه حد ولا لعان لان امتناع جريان اللعان بمعنى
من جهتها عند القذف فلا يجرى اللعان وان ارتفع المعنى بعد ذلك وإذا أعتقت المرأة الأمة
ثم قذفها الزوج فعليه اللعان لبقاء النكاح بينهما عندنا بعد ما عتقت فان اختارت نفسها بطل
اللعان لوقوع الفرقة بينهما باختيارها نفسها ولا مهر عليه إن لم يكن دخل بها لان الفرقة
جاءت من قبلها قبل الدخول وإن لم تكن اختارت حتى يلاعنها ويفرق بينهما فعليه
نصف المهر لان الفرقة محال بها على جانب الزوج هنا ولهذا قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله
تعالى اللعان تطليقة بائنة وكذلك لو كان دخل بها ثم فرق بينهما باللعان فلها النفقة والسكنى
في العدة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
(باب الشهادة في اللعان)
(قال) رضي الله عنه وإذا شهد الزوج وثلاثة نفر على المرأة بالزنا جازت شهادتهم وأمضى
عليها الحد عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا تقبل شهادة الزوج على زوجته بالزنا لأنه خصم
في ذلك فإنه يصير قاذفا لها مستوجبا للعان ولا شهادة للخصم ولأنه شاهد طعن لان الزوج
يغيظه زناها فيحمله ذلك على أن يشهد عليها لا بطريق الحسبة ولأنه يدعى عليها الجناية في
أمانته فالفراش أمانة الزوج عندها ولا شهادة للمدعى ولكنا نقول لو شهد عليها بحق آخر
قبلت الشهادة لظهور العدالة وانتفاء التهمة فكذلك بالزنا بل أولى لان انتفاء التهمة هنا أظهر
والظاهر أن الزوج يستر الزنا على امرأته لان ذلك يشينه ومعنى الغيظ الذي قال يبطل
54

بالأب إذا شهد على ابنته بالزنا تقبل وإن كان يغيظه زناها ولا معني لقوله أنه خصم لان اخراجه
الكلام مخرج الشهادة في الابتداء يمنع كون خصما مستوجبا للعان كالأجنبي فان قذف الأجنبي
موجب للحد ثم إذا أخرج الكلام مخرج الشهادة في الابتداء لم يكن مستوجبا للحد وكان
محتسبا في الشهادة بخلاف ما لو قذفها أولا لأنه صار مستوجبا للعان فإنما يقصد بالشهادة بعد
ذلك اسقاط اللعان عن نفسه والحد الواجب بزناها يخلص حقا لله تعالى وإنما يكون الزوج
مدعيا إذا قصد بشهادته اثبات حق لنفسه وليس في هذه الشهادة اثبات حق له ولو ردت
شهادتهم بأن لم يعدلوا لم يجب اللعان على الزوج كما لا يجب الحد على الأجانب لتكامل عدد
الشهود وذكر ابن سماعة عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى قال لو قذفها الزوج ثم جاء بأربعة
يشهدون عليها بالزنا فلم يعدلوا لاعنها الزوج لأنه قد استوجب اللعان بقذفه فلا يسقط عنه
الا بثبوت الزنا عليها والأصح أنه لا يلاعنها لان القاذف لو كان أجنبيا فأقام أربعة من الشهداء
بهذه الصفة لم يحد وكذلك لا يلاعنها الزوج ولو شهد مع الزوج ثلاثة من العميان بالزنا عليها
يحد العميان ويلاعنها الزوج لأنه يتيقن بكذب العميان في الشهادة بالزنا فان تحمل هذه الشهادة
لا يكون إلا عن معاينة وليس للعميان تلك الآلة فلا تعتبر شهادتهم ويلزمهم الحد بالقذف ويلاعنها
الزوج بقذفه أيضا بخلاف الفساق قان لهم في الزنا شهادة لأنا لا نتيقن بكذبهم فيه (قال)
وإذا شهد للمرأة ابناها على زوجها أنه قذفها لم تجز شهادتهما لأنهما يشهدان لأمهما وكذلك لو
شهد أب المرأة وابن لها وكذلك لو شهد لها رجل وامرأتان بالقذف لم يجز لان هذا حد فلا
تجوز شهادة النساء في الحدود هكذا نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر
رضى الله تعالى عنهم وكذلك لا تجوز الشهادة على الشهادة في هذا لان في كلا النوعين ضرب
شبهة والحد لا يثبت مع الشبهة ولكن في هذا التعليل كلام فان عند أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله تعالى اللعان شهادة فيه معنى اليمين وعند محمد رحمه الله تعالى يمين فيه معنى الحد
وفائدة هذا الاختلاف فيما إذا عزل القاضي أو مات بعد اللعان قبل التفريق عندهما القاضي
الثاني يستقبل اللعان لأنها شهادة لم يتصل بها الحكم وعند محمد رحمه الله تعالى لا يستقبله
لأنها يمين في معنى الحد واليمين والحد إذا أمضاهما القاضي لا يستقبلهما قاض آخر واستدل محمد
رحمه الله تعالى بقوله صلى الله عليه وسلم لولا الايمان التي سبقت لكان لي ولها شأن ولان
في كلمات اللعان قوله بالله وهذا يمين ويستوى في اللعان الرجال والنساء ولا مساواة
55

بينهما في الشهادة وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى استدلا بقوله تعالى فشهادة
أحدهم ولأنه يختص بمجلس القضاء ولفظ الشهادة فيكون شهادة فيها معنى اليمين لقوله
بالله ولهذا سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينا وفى بعض الروايات لولا الشهادات
التي سبقت وفى الشهادة على الولادة يستوى فيه الرجال والنساء حتى تقبل شهادة امرأة
واحدة لا جل الحاجة فهنا كذلك ثم على قول محمد رحمه الله تعالى هذا التعليل واضح لان
في اللعان معنى الحد فأما على قولهما معنى هذا التعليل ان قذف زوجته قد يكون موجبا للحد
إذا تعذر اللعان بسبب من جهته فلهذا لا يثبت بالحجة التي فيها شبهة (قال) وان شهد أحدهما
أنه قذفها بالزنا وشهد الآخر أنه قال لولدها هذا من الزنا لم يجز لأنهما اختلفا في المشهود به
لفظا ومعني فان نسبة الولد إلى أنه مخلوق بالزنا غير قذفها بالزنا والموافقة بين الشاهدين لفظا
في هذا الموضع معتبرة ولهذا لو شهد أحدهما انه قذفها بالعربية والآخر انه قذفها بالفارسية لا تقبل
ولو شهد أحدهما أنه قال لها زنى بك فلا وشهد الآخر أنه قال لها زنا بك فلان لرجل آخر فعليه
اللعان لان فعلها بالزنا هو التمكين من فعل الزنا وذلك لا يختلف باختلاف الفاعل إذا كان فعل
كل واحد من الفاعلين زنا فقد اتفق الشاهدان على أنه قذفها بالزنا لفظا ومعنى وإنما اختلفا
فيما لا حاجة بهما إلى ذكره ولو كان قذفها برجل واحد وجاء ذلك الرجل يطلب حده جلد
الحد ودرئ اللعان لأنه اجتمع عند الامام حدان فان قذفه في حق الرجل موجب للحد
وفي حقها موجب للعان ومتى اجتمع حدان وفى البداية بأحدهما اسقاط الآخر يبدأ بذلك
(قال) وإذا شهد الشاهدان على الزوج بالقذف حبسه حتى يسأل عن الشاهدين ولم يكفله
لأنه لا كفالة في الحدود وهذا في معني الحد فان قالا نشهد انه قذف امرأته وأمنا في كلمة
واحدة لم تجز الشهادة لأنها بطلت في حق أمهما فإنهما يشهدان لها ومتى بطلت الشهادة في
بعض الكلمة الواحدة بطل في كلها وان شهد ابناه من غيرها على قذفه إياها وأمهما عنده
لم تجز شهادتهم لما فيها من نفع أمهما فإنها لو قبلت فرق بينهما باللعان فيخلص الفراش
لأمهما وهو كما لو شهدا عليه بطلاق ضرة أمهما قال الا ان الأب إذا كان عبدا أو محدودا في
قذف فتجوز شهادتهما عليه ولا يضرب الحد لأنهما يشهدان على أبيهما بالحد وليس فيه
منفعة لأمهما (قال) ولو شهد عليه شاهدان بقذف امرأته فعدم لاثم غابا أو ماتا قبل أن
يقضى القاضي بشهادتهما فإنه يحكم باللعان فان الموت والغيبة لا تقدح في عدالتهما بخلاف ما لو
56

عميا أو ارتدا أو فسقا وهكذا الجواب في كل حد ما خلا الرجم فإنه لا يقام بعد موت الشهود
أو فسقهم لان الشرط فيه أن يبدأ الشهود وذلك يفوت (قال) ويقبل توكيل المرأة في اثبات
القذف عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى كما يقبل توكيل المقذوف إذا كان أجنبيا في اثبات
القذف فإذا جاء موضع الإقامة فلا بد من أن يحضر لان اللعان لا تجرى فيه النيابة فان
المقصود لا يحصل بالنائب (قال) وإذا أقام الزوج القاذف شاهدين على اقرار المرأة بالزنا
يسقط اللعان عن الزوج لان الثابت باقرارها وبالبينة كالثابت بالمعاينة ولا يلزمها حد الزنا كما لو
أقرت مرة واحدة فان الأقارير الأربعة في مجالس متفرقة لا بد منها لإقامة حد الزنا وتمتنع
الإقامة بإنكارها بعد الأقارير الأربعة ولو شهد عليها رجل وامرأتان بذلك درأت اللعان أيضا
استحسانا وفى القياس يلاعنها لأنه لا شهادة للنساء في باب الزنا فلا يكون لهن شهادة أيضا
في اثبات الاقرار بالزنا ولكنه استحسن فقال المقصود هنا درء الحد لا اثباته ودرء
الحد يثبت مع الشبهات فتقبل فيه شهادة الرجال مع النساء ولو عفت المرأة عن القذف
كان لها ان تخاصم بعد ذلك وتطالب باللعان كما في الحدود في قذف الأجانب عندنا (قال)
وان شهد للزوج ابناه منها انها أقرت بالزنا لم تجز شهادتهما لأنهما يشهدان لأبيهما باسقاط
اللعان عنه وان شهد شاهدان على رجل انه قذفها وقذف امرأته بعد ذلك أو قبله في كلام
متفرق جازت شهادتهما للمرأة لأنهما في حق أنفسهما مدعيان وفى حق المرأة شاهدان فإذا
كان الكلام متفرقا فبطلان شهادتهما في أحد الكلامين لا يبطل شهادتهما في الكلام
الآخر بخلاف ما إذا كان الكل في كلام واحد (قال) وإذا صدقت المرأة زوجها عند الامام
فقالت صدق ولم تقل زنيت فأعادت ذلك أربع مرات في مجالس متفرقة لم يلزمها حد الزنا
لان قولها صدق كلام محتمل وما لم تفصح بالاقرار بالزنا لا يلزمها الحد ولكن يبطل اللعان
ولا يحد من قذفها بعد هذا لأن الظاهر أنها صدقته في نسبتها إلى الزنا والظاهر يكفي
لاسقاط احصانها (قال) وإذا شهد شاهد ان بالقذف فقال الزوج يومئذ كانت أمة أو
كافرة فالقول قوله في ذلك لأنه ينكر وجوب اللعان عليه وهي تدعى ولا يمين عليه لان
اللعان بمنزلة الحد ولا يمين في الحدود فإنه لو استحلف إنما يستحلف ليتوصل إلى اللعان
بنكوله وذلك لا يجوز وان كانت معروفة الأصل في الاسلام والحرية فعرف ذلك القاضي
لم يلتفت إلى قول الزوج لأنه يعلم أنه كاذب فيما يدعى وان أقاما البينة المرأة على حريتها
57

واسلامها والزوج على كفرها ورقها وقت القذف فالبينة بينة المرأة لأنها هي المدعية لأنها
تثبت اللعان بينتها والزوج ينفي ذلك فكانت بينتها أولى إلا أن يثبت شهود الزوج ردتها
بعد الاسلام الذي شهد به شهودها فحينئذ بينته أولى لان معنى الاثبات في بينته أظهر
(قال) وان ادعى الزوج أنها زانية أو قد وطئت وطئا حراما فعليه اللعان لان احصانها
معلوم للقاضي باعتبار الأصل والزوج يدعى ما يسقط احصانها فلا يقبل قوله الا ببينة
كما لو علم القاضي حريتها واسلامها فان ادعى الزوج بينة على أنها كما قال أجل إلى قيام
القاضي فان أخضر بينته والا لاعن لان سبب وجوب اللعان قد ظهر ولكن يمكن الزوج
من إقامة البينة على الدفع بقدر مالا بدله منه وذلك إلى قيام القاضي ولا يؤجله
أكثر من ذلك لما فيه من الاضرار بها (قال) وان قال الزوج قذفتها وهي صغيرة
وادعت أنه قذفها بعد ما أدركت فالقول قوله وان أقاما البينة فالبينة بينة المرأة لأنها هي المدعية ولأنه لا تنافي بين البينتين فيجعل كأنه قذفها مرتين (قال) وإذا ادعت على الزوج
القذف ولم يكن لها بينة فلا يمين على الزوج لأنه حد ولا يمين في الحدود وكذلك أن ادعى
الزوج أنها صدقته وأراد يمينها لم يكن عليها يمين لان تصديقها اقرارا منها بالزنا ولا يمين في
الاقرار بالزنا (قال) فان ادعت قذفا متقادما وأقامت عليه شهودا جاز لان موجب القذف
لا يبطل بالتقادم كالحد في قذف الأجانب فان أقام الزوج البينة انه طلقها بعد ذلك طلاقا
رجعيا فلا لعان بينهما ولا حد لان ما يثبته الزوج بالبينة كالمعاين والفرقة بعد القذف مسقطة
للعان فيتمكن الزوج من اثباته البينة كما لو أقام البينة على فرقة بردتها بعد القذف أو بسبب
آخر وإذا أقامت المرأة البينة على اقرار الزوج بالولد وهو ينكر وقد نفاه لزمه الولد ولا
يستطيع ان ينفيه بعد اقراره هكذا نقل عن عمر وعلى الشعبي رضي الله عنهم قالوا إذا
أقر الرجل بولده فليس له ان ينفيه وما لم يقربه فله ان ينفيه وإذا نفاه قبل الاقرار لاعنها لأنه
بعد ما أثبت ولادتها يكون هو بنفي لولد قاذفا لها بالزنا فان قيل لا كذلك فقد يكون ولدها من
وطئ بشبهة قلنا الولد من وطئ بشبهة يكون ثابت النسب من انسان والذي لا يكون ثابت النسب
من أحد لا يكون من زنا ولا نسب لهذا الولد منه فإذا نفاه فقد زعم أنه لا نسب لولدها هذا فيكون
قاذفا لها بالزنا ثم كيفية اللعان بنفي الولد على ما روى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أن يقول الزوج
اشهد انى لمن الصادقين فيما رميتها به من ولدها وهي تقول اشهد أنه لمن الكاذبين فيما
58

رماني به من نفي ولدى وروى هشام عن محمد رحمهما الله تعالى قال يقول الزوج أشهد بالله
انى لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا ونفي ولدها وتقول المرأة أشهد بالله انه لمن الكاذبين
فيما رماني به من الزنا ونفى ولدى وليس هذا باختلاف في الحقيقة وإنما اختلف الجواب
لاختلاف الأحوال فجواب محمد رحمه الله تعالى فيما إذا قذفها بالزنا ونفى ولدها وجواب أبى
يوسف رحمه الله تعالى فيما إذا نفى ولدها فقط (قال) وإذا فرق القاضي بينهما بعد اللعان
يلزم الولد أمه وروى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى انه لابد أن يقول القاضي
فرقت بينكما وقطعت نسب هذا الولد منه حتى لو لم يقل ذلك لا ينتفي النسب عنه وهذا
صحيح لأنه ليس من ضرورة التفريق باللعان نفى النسب كما بعد موت الولد يفرق القاضي
بينهما باللعان ولا ينتفى نسبه عنه فلا بد من أن يصرح القاضي بنفي النسب لهذا والله سبحانه
وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب (قال) رضى الله تعالى عنه هذا آخر شرح
كتاب الطلاق بالمؤثرة من المعاني الدقاق أملاه المحصور عن الانطلاق المبتلى بوحشة الفراق
مصليا على صاحب البراق وآله وصحبه أهل الخير والسباق صلاة تتضاعف وتدوم إلى يوم
التلاق كتبه العبد البرئ والنفاق
59

بسم الله الرحمن الرحيم
(وبه نستعين وعليه نتوكل ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم)
(كتاب العتاق)
(قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل
السرخسي رحمه الله تعالى إعلم بان الاعتاق لغة هو إحداث القوة يقال عتق الفرخ إذا قوى
فطار عن وكره وفى الشريعة عبارة عن احداث المالكية والاستبداد للآدمي ومن ضروته
انتفاء صفة المملوكية والرق ولهذا يتعقبه الولاء الذي هو كالنسب لان الأب سبب لايجاد
ولده فيكون الولد منسوبا إليه والعتق مسبب لاحداث صفة المالكية التي اختص الآدمي
بها فصار المعتق منسوبا إليه بالولاء ولهذا ندب الشرع إليه بيانه في حديث ابن عباس
رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أيما مسلم أعتق مؤمنا أعتق الله بكل
عضو منه عضوا من النار ولهذا استحبوا للرجل أن يعتق العبد وللمرأة ان تعتق الأمة
ليتحقق مقابلة الأعضاء بالأعضاء والتحرير لغة التخليص يقال طين حر أي خالص عما
يشوبه وأرض حرة أي خالصة لا خراج عليها ولا عشر وفى الشريعة عبارة عن جعل الرقبة
خالصة لله تعالى قال الله تعالى اني نذرت لك ما في بطني محررا ولهذا شرع التحرير في
التكفير لأجل التطهير قال الله تعالى فتحرير رقبة ولهذا ندب الشرع إلى فك الرقبة بقوله
وما ادراك ما العقبة فك رقبة وفي حديث البراء بن عازب ان رجلا سأل رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال دلني على عمل يدخلني الجنة فقال عليه السلام لئن أوجزت الخطبة
فقد أعرضت المسألة فك الرقبة وعتق النسمة قال أو ليسا واحدا يا رسول الله قال لا عتق
النسمة ان تنفرد بعتقها وفك الرقبة ان تعين في ثمنها وسأل أبو ذر رضى الله تعالى عنه
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الرقاب فقال أغلاها ثمنا وأنفسها عنده لها فهذه
الآثار تبين ان الاعتاق من باب البر والارفاق وان أفضل الرقاب أعزها عند صاحبها ثم
60

بدأ الكتاب بحديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لعب
بطلاق أو عتاق فهو جائز عليه ونزلت هذه الآية في ذلك ولا تتخذوا آيات الله هزوا وقال
عمر رضى عنه من تكلم بطلاق أو عتاق أو نكاح فهو جائز عليه أي نافذ لازم وفيه دليل
على أن الهزل بهذه التصرفات جد كما قال صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد
النكاح والطلاق والعتاق والهزل واللعب سواء فإنه اسم لكلام يكون على نهج كلام الصبيان
لا يراد به ما وضع له ونفوذ هذه التصرفات بوجود التكلم بها ممن هو من أهلها ولا معتبر
بقصده إلى حكمها لان بانعدام القصد إلى الحكم ينعدم الرضا بالحكم وذلك لا يمنع لزوم
هذه التصرفات لو قرن بها شرط الخيار والمراد بالآيات في قوله تعالى ولا تتخذوا آيات
الله هزوا الاحكام والهزء اللعب ففيه بيان أنه لا لعب في أحكام الشرع وذكر في الأصل
عن الحسن رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعبد فساوم به ولم يشتره فجاء
رجل فاشتراه فأعتقه ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال صلى الله عليه وسلم
هو أخوك ومولاك فان شكرك فهو خير له وشر لك وان كفرك فهو شر له وخير لك
وان مات ولم يترك وارثا كنت أنت عصبته وفيه دليل أنه لا بأس بالمساومة لمن لا يريد الشراء
بخلاف ما يقوله بعض الناس ان هذا اشتغال بما لا يفيد فان فيه فائدة وهو ترغيب الغير في
شرائه والرجل تفرس فيه خيرا حين رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ساوم به فلهذا
اشتراه وأعتقه وقوله صلى الله عليه وسلم هو أخوك أي في الدين قال الله تعالى فإن لم
تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم وفيه دليل على أن الولاء يثبت بالعتق وإن لم
يشترط المعتق بخلاف ما يقوله بعض الناس وقوله فان شكرك أي بالمجازاة على ما صنعت
إليه فهو خير له لأنه انتدب إلى ما ندب إليه في الشرع قال صلى الله عليه وسلم من أزلت إليه
نعمة فليشكرها وشر لك لأنه يصل إليك بعض الجزاء في الدنيا فينتقص بقدره من
ثوابك في الآخرة وان كفرك فهو خير لك لأنه يبقى ثواب العمل كله لك في الآخرة
وشر له لان كفران النعمة مذموم قال صلى الله عليه وسلم من لم يشكر الناس لم يشكر الله
وفيه دليل على أن المعتق يكون عصبة للمعتق لأنه قال كنت أنت عصبته ويستدل بالظاهر
من يؤخر مولى العتاقة عن ذوي الأرحام لأنه قال ولم يترك وارثا وذوو الأرحام من
جملة الورثة ولكن عندنا مولى العتاقة آخر العصبات مقدم على ذوي الأرحام ومعنى
61

الحديث لم يترك وارثا هو عصبة بدليل قوله كنت أنت عصبته ثم بين أن من عتق عبدا
ينبغي أن يكتب له بذلك كتابا والمقصود بالكتاب التوثيق فليكتب على أحوط الوجوه
ويتحرز فيه عن طعن كل طاعن ولهذا ذكر فيه أنى أعتقك لوجه الله فان من الناس من
يقول لا ينفذ العتق إذا لم يقصد المعتق وجه الله تعالى ونحن لا نقول بهذا حتى لو قال
أعتقك لوجه الله تعالى أو الشيطان نفذ العتق والحديث الذي بدأ به الكتاب يدل عليه
ولكن يذكر هذا للتحرز عن جهل بعض القضاة وكذلك يكتب ولى ولاؤك وولاء
عتقك من بعدك لان من الناس من يقول لا يثبت الولاء الا بالشرط فيذكره في الكتاب
للتحرز عن هذا ثم الألفاظ التي يحصل بها العتق نوعان صريح وكناية فالصريح لفظ العتق
والحرية والولاء ويستوى إن ذكر هذه الألفاظ بصيغة الخبر أو الوصف أو النداء أما
بصيغة الخبر أن يقول قد أعتقتك أو حررتك لان كلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن
ووجه الصحة هنا متعين وهو الانشاء وصيغة الاخبار والانشاء في العتق واحد واما على
سبيل الوصف أن يقول أنت حر أنت عتيق لأنه لما وصفه بما يملك ايجابه فيه جعل ذلك
بمنزلة الايجاب منه لتحقيق وصفه فان قال أردت الكذب والخبر بالباطل دين فيما بينه وبين
الله تعالى للاحتمال ولكنه لا يدين في القضاء لان هذا اللفظ في الظاهر موضوع لايجاب
العتق والقاضي يتبع الظاهر لان ما وراء ذلك غيب عنه وكذلك لو قال يا حر يا عتيق لان
النداء لاستحضار المنادى وذلك بذكر ما هو وصف له حتى يعلم أنه هو المقصود بالنداء
فهذا ووصفه إياه بالعتق سواء وكذلك لو قال لعبده هذا مولاي أو لامته هذه مولاتي
لان المولى بذكر بمعنى الناصر قال الله تعالى ذلك بان الله مولى الذين آمنوا وان الكافرين لا مولى
لهم ولكن المالك لا يستنصر بمملوكه عادة ويذكر بمعنى ابن العم قال الله تعالى وان خفت الموالي
من ورائي ولكن نسب العبد معروف فلا احتمال لهذا المعنى هنا ويذكر بمعنى الموالاة في الدين
ولكنه نوع مجاز والمجاز لا يعارض الحقيقة ويذكر بمعنى المولى الا على وذلك غير محتمل عند
الإضافة إلى العبد فيتعين المولى الأسفل ولا يتحقق ذلك الا بعد العتق فلهذا عتق به في
القضاء وان قال أردت به الولاية في الدين أو الكذب دين فيما بينه وبين الله تعالى للاحتمال
ولم يدين في القضاء لأنه خلاف الظاهر فان قال يا مولاي فكذلك الجواب عندنا وقال زفر
رحمه الله تعالى لا يعتق بهذا اللفظ الا بالنية لان هذا اللفظ في موضع النداء يقصد به
62

الاكرام دون التحقيق يقال يا سيدي ويا مولاي ولو قال له يا سيدي ويا مالكي لا يعتق
به بدون النية فكذلك إذا قال يا مولاي ولكنا نقول الكلام محمول على حقيقته ما أمكن
وحقيقة قوله يا مولاي لا يكون الا بولاء له عليه والعتق متعين لذلك فهذا وقوله يا حر يا عتيق
سواء بخلاف قوله يا سيدي ويا مالكي لأنه ليس فيه ذكر ما يختص باعتاقه إياه ومما يلحق
بالصريح هنا قوله لمملوكه وهبت نفسك منك أو بعت نفسك منك فإنه يعتق به وإن لم
ينو لان موجب هذا اللفظ إزالة ملكه إلا أنه إذا أوجبه لإنسان آخر يكون مزيلا لملكه
إليه فيتوقف على قبوله وإذا أوجبه للعبد يكون مزيلا بطريق الاسقاط لا إليه فلا يحتاج
إلى قبوله ولا يرتد برده فأما بيان ألفاظ الكناية قوله لا سبيل لي عليك فإنه محتمل يجوز أن
يكون المراد لا سبيل لي عليك في اللوم والعقوبة لأنك وفيت بما أمرتك به ولا سبيل لي
عليك لأني كاتبتك ولا سبيل لي عليك لان أعتقتك والمحتمل لا تتعين جهة فيه بدون النية
فلا يعتق به إلا أن ينوى العتق وكذلك قوله لا ملك لي عليك يحتمل لا ملك لي عليك
لأني بعتك وكذلك قوله قد خرجت من ملكي يحتمل هذا المعنى فلا يعتق به ما لم ينو ويدين
في القضاء وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى لو قال له أطلقتك ينوى به العتق أيضا لان الاطلاق
يذكر بمعنى التحرير يقال أطلقته من السجن وحررته إذا خلى سبيله ولأنه يحتمل أن يكون
مراده الاطلاق من الرق الذي عليه فهو كقوله لا رق لي عليك فأما إذا قال لامته أنت
طالق أو قد طلقتك ونوى به العتق لم تعتق عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى تعتق وكذلك
سائر كنايات الطلاق كقوله قد بنت منى أو حرمت على أو أنت خلية أو برية أو بائن أو
بتة أو أخرجي أو اغربي أو استبرئي أو تقنعي أو اذهبي أو قومي أو اختاري فاختارت نفسها
أو قال ذلك لعبده فهو كله على الخلاف وجه قول الشافعي أن صريح ما يسرى كناية فيما يسرى
كلفظ التحرير في الطلاق معنى صريح ما يسرى ما وضع لما يسرى بطريق المطابقة كناية لما
هو وصف وهو كونه حرا لمعنى آخر هو مسمى للفظ آخر وتقرير هذا الكلام ان الاستعارة
للاتصال بين الشيئين معنى طريق صحيح في اللغة يقال للبليد حمار وللشجاع أسد للاتصال
معنى وهو الشجاعة والبلادة وبين الملكين اتصال من حيث المشابهة معنى لان النكاح فيه
معنى الرق قال عليه الصلاة والسلام النكاح رق ولأنه يستباح بكل واحد منهما الوطئ في
محله وبين الإزالتين الاتصال في المعني لان كل واحد منهما ابطال للملك ويحتمل التعليق
63

بالشرط وهو ينبئ عن السراية ويلزم على وجه لا يحتمل الفسخ فإذا ثبتت المشابهة معني قلنا
ما كان صريحا في إزالة ملك اليمين وهو لفظ التحرير كان كناية في ملك النكاح فكذلك
ما هو صريح في ملك النكاح يجعل كناية صحيحة في إزالة ملك اليمين ولان التحريم من موجبات
التحرير فان الأمة إذا أعتقت حرمت على مولاها وذكر الموجب على سبيل الكناية عن
الموجب صحيح كقوله لامرأته اعتدى بنية الطلاق (وحجتنا) في ذلك أنه نوى مالا
يحتمله لفظه فهو كما لو قال لها كلى واشربي ونوى العتق وهذا لان المنوي إذا لم يكن
من محتملات اللفظ فقد تجردت النية عن لفظ يدل عليه وبيان ذلك أنه لا مشابهة بين العتق
والطلاق صورة ولا معنى لان الطلاق إزالة المانع من الانطلاق فان المرأة بعد عقد
النكاح حرة محبوسة عند الزوج فبالفرقة يزول المانع من الانطلاق والاعتاق إحداث
قوة الانطلاق لأنه لم يبق في الرقيق صفة المالكية وبالعتق يحدث له صفة المالكية ولا
مشابهة بين احداث القوة وبين إزالة المانع كما لا مشابهة بين احياء الميت وبين رفع القيد
عن المقيد ونحن نسلم أن المشابهة في المعنى طريق الاستعارة ولكن لا في كل وصف بل في
الوصف الخاص لكل واحد منهما والوصف الخاص لكل واحد منهما ما بينا دون ما ذكره
الخصم ألا ترى أنه لا يستعار الأسد للجبان والحمار للذكي وبينهما مشابهة في أوصاف وكل
واحد منهما حيوان موجود ولكن لما انعدمت المشابهة في الوصف الخاص لم تجز الاستعارة
فهذا مثله فأما إذا استعمل لفظ التحرير في الطلاق فليس ذلك عندنا للمشابهة معنى بل
لان موجب النكاح ملك المتعة وملك الرقبة في محل ملك المتعة يوجب ملك المتعة فما يزيل
ملك الرقبة يكون سببا لإزالة ملك المتعة فيصلح أن يكون كناية عنه فأما ما يزيل ملك
المتعة لا يكون سببا لإزالة ملك الرقبة فلا يصلح كناية عنه ولهذا قلنا في طرف الاستجلاب
أن ما وضع لاستجلاب ملك المتعة وهو لفظ النكاح والتزويج لا يثبت به ملك الرقبة
وما وضع لاستجلاب ملك الرقبة وهو لفظ الهبة والبيع يصلح لايجاب ملك المتعة وهو
النكاح ولا يدخل على هذا اللفظ البيع فإنه لا تنعقد به الإجارة على ما قال في كتاب الصلح
إذا باع سكنى داره من انسان لا يجوز وإن كان بهذا اللفظ ثبت ملك الرقبة وهو سبب
لملك المتعة لان عندنا الإجارة تنعقد بلفظ البيع فان الحر إذا قال لغيره بعت نفسي منك
شهرا بدرهم لعمل كذا يكون إجارة صحيحة فأما بيع السكني إنما لا يجوز لانعدام المحل
64

لان لفظ البيع موضع للتمليك والمنافع معدومة لا تقبل التمليك ولهذا لو أضاف لفظة
الإجارة إلى المنفعة وقال أجرتك منفعة هذه الدار لا يجوز وإذا أضاف لفظ البيع إلى عين
لدار فهو عامل بحقيقته لأن العين قابل للبيع فلا تجعل كناية عن الإجارة لهذا ولا معنى لما
قاله أنه ذكر الموجب وعني به الموجب لان الموجب حكم والحكم لا يصلح كناية عن
السبب لأنه لا حكم بدون السبب والسبب يتحقق بدون الحكم فكان الحكم كالتبع والأصل
يستعار للتبع ولا يستعار التبع للأصل لافتقار التبع إلى الأصل واستغناء الأصل عن التبع
وفي قوله اعتدى وقوع الطلاق ليس بهذا الطريق بل بطريق الاضمار حتى يقع الطلاق به
على غير المدخول بها وإن لم يكن عليها عدة وكذلك إذا قال لامرأته أنت على حرام فذلك
اللفظ عامل بحقيقته عندنا لا أن يكون كناية بطريق أنه ذكر الموجب وعنى به الموجب
وهذا لان التحريم ينافي النكاح ابتداء وبقاء وذلك لا يوجد هنا فان حرمة الأمة عليه
لا ينافي الملك ابتداء وبقاء كما في المجوسية والأخت من الرضاعة ولو قال لعبده لا سلطان لي
عليك ونوى العتق لم يعتق لأنه ليس من ضرورة انتفاء سلطانه عنه انتفاء الملك كالمكاتب
فإنه لا سلطان للمولى عليه وهو مملوك بخلاف قوله لا سبيل لي عليك فان من ضرورة
انتفاء السبيل عنه من كل وجه العتق لأنه له على المكاتب سبيلا من حيث المطالبة
ببدل الكتابة حتى إذا انتفي ذلك بالبراءة عتق ولو قال لعبده أنت لله لم يعتق وان نوى في
قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لأنه صادق في مقالته فالمخلوقات كلها لله تعالى فهو
كما لو قال أنت عبد الله وعند أبي يوسف يعتق به إذا نوى لان معنى كلامه أنت خالص لله
بانتفاء ملكه عنه فهو كقوله لا ملك لي عليك بخلاف قوله أنت عبد الله ولو قال لعبده يا بنى
أو لامته يا بنية لم تعتق لان هذا دعاء ولطف منه معناه ان هذا اللفظ في موضع النداء يقصد
به استحضار المنادى واكرامه مع أن قوله يا نبي تصغير الابن ولو قال يا ابن لا يعتق لأنه
صادق في مقالته فإنه ابن لأبيه وإنما الاشكال في قوله يا ابني ولا يعتق بهذا اللفظ الا في
رواية شاذة عن أبي حنيفة رحمه الله انه جعل كقوله يا حر ولكن لا يعتمد على تلك الرواية
والصحيح ان هذا اللفظ في موضع النداء لاستحضار المنادي وتفهيمه ليحضر وذلك
بصورة اللفظ لا بمعناه ووقوع العتق بهذا اللفظ لاعتبار معنى البنوة فلهذا لا يعتق به عند
النداء حتى لو جعل اسم عبده حرا وكان ذلك معروفا عند الناس ثم ناداه به فقال يا حر لم
65

يعتق أيضا وإذا لم يكن هذا الاسم معروفا له يعتق به في القضاء لأنه ناداه بوصف يملك
ايجابه بخلاف قوله يا ابني فإنه ناداه بوصف لا يملك ايجابه فينظر إلى مقصوده فيه وهو
الاكرام دون التحقيق وان قال هذا ابني ومثله يولد لمثله عتق ويثبت نسبه منه إن لم يكن
له نسب معروف لان كلامه دعوة النسب وهو تصرف يملكه المولى في مملوكه فإذا كان
المحل محلا قابلا للنسب وهو محتاج إلى النسب ثبت نسبه منه والنسب لا يثبت مقصورا على
الحال بل يثبت من وقت العلوق فتبين انه ملك ولده فيعتق عليه ويستوى إن كان أعجميا
جليبا أو مولدا لان صحة دعوة المولى شرعا بوصلة الملك وحاجة المملوك إلى النسب وكذلك
لو قال هذا أبى أو كانت أمة فقال هذه أمي ومثلهما يلد مثله عتقا وإن لم يكن له أبوان
معروفان وصدقاه في ذلك ثبت نسبه منهما فقد اعتبر تصديقهما في دعوى الأبوة والأمومة
عليهما ولم يعتبر في دعوى النبوة لان النسب من حق الولد فإنه يشرف به فمدعى البنوة
يقر على نفسه بالمحمولية فلا حاجة إلى تصديقه لان الاقرار يلزم المقر بنفسه فأما مدعى الأبوة
والأمومة يحتاج إلى تصديقهما لأنه يحمل نسبه على غيره فيكون مدعيا ومجرد الدعوى لا يلزم شيئا بدون الحجة فلهذا يحتاج إلى تصديقهما ولان مدعى الأبوة والأمومة يخبر أنه
علق من مائهما وهو غيب عنه فلا بد من تصديقهما ومدعى البنوة يخبر أنه علق من مائه
وقد يعرف ذلك لكونه عاقلا عند علوقه وإن كان للغلام نسب معروف فقال هذا ابني
يعتق عليه ولا يثبت نسبه لأنه مكذب فيما قال شرعا حين ثبت نسبه من الغير ولكن هذا
التكذيب في حكم النسب دون العتق فهو في حكم العتق بمنزلة من لا نسب له ولهذا قلنا
في الفصل الأول إذا قال هذا أبى أو أمي وكذباه يعتق لان اعتبار تكذيبهما في حكم
النسب دون العتق توضيحه أن المملوك مستغن عن النسب إذا كان معروف النسب من
الغير ولكنه غير مستغن عن الحرية فيثبت بكلامه ما يحتاج إليه المملوك دون مالا يحتاج إليه
وهذا بخلاف ما لو قال لامرأته هذه ابنتي وهي معروفة النسب من الغير فإنه لا تقع الفرقة
بينهما لان هناك صار مكذبا في حكم النسب شرعا ولو أكذب نفسه بأن قال غلطت
لا تقع الفرقة وإن لم يكن لها نسب معروف فكذلك إذا صار مكذبا شرعا وهنا لو أكذب
المولى نفسه في حق من لا نسب له كان العتق ثابتا فكذلك إذا صار مكذبا في النسب شرعا
وحقيقة المعني فيه أنه في قوله لا مرأته هذا ابنتي غير مقر على نفسه بشئ ولكنه مقر على
66

المحل بصفة الحرمة لأنه لا موجب للنسب في ملكه من حيث الإزالة وإنما موجبه حرمة المحل
ثم ينتفي به الملك ابتداء وبقاء ولم يعتبر اقراره في حرمة المحل هنا لما كانت معروفة النسب وأما
قوله لعبده هذا ابني اقرار على نفسه لان للبنوة موجبا في ملكه وهو زوال الملك به فإنه يملك
ابنه بالشراء ثم يعتق عليه فيعتبر اقراره فيما يقربه على نفسه وهو عتقه عليه من حين دخل
في ملكه فأما إذا كان ممن لا يولد مثله لمثل المولى فقال هذا ابني لم يعتق في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى الأول وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وعتق في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى الآخر وجه قوله الأول أن كلامه محال فيلغو كما لو قال أعتقتك قبل أن
أخلق وبيان الاستحالة أن قوله هذا ابني أي مخلوق من مائي وابن خمسين سنة يستحيل أن
يكون مخلوقا من ماء ابن عشرين سنة وبه فارق معروف النسب فان كلامه محتمل هناك
لجواز أن يكون مخلوقا من مائه بالزنا أو يكون مخلوقا من مائه بالشبهة وقد اشتهر نسبه من
الغير ألا ترى أن أم الغلام لو كانت في ملكه هناك تصير أم ولد له وهنا لا تصير أم ولد له
ولان الحقيقة تكذبه في هذا الخبر فبلغوا خبره كما لو قال لصبي صفر في يده هذا جدي أو قال
لعبده هذا ابنتي أو لامته هذا غلامي وفي غير هذا الباب لو قال قطعت يد فلان وله على
الأرش فأخرج فلان يده صحيحة لم يستوجب شيئا بخلاف معروف النسب فان الحقيقة لا
تكذبه هناك ووجه قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الآخر انه أقر بنسب مملوكه طائعا فيعتق
عليه كما لو قال لمعروف النسب هذا ابني وتأثيره أن صريح كلامه مجال كما قال ولكن له مجاز
صحيح ومعناه عتق على من حين ملكته لان البنوة سبب لهذا فإنه إذا ملك ابنه يعتق عليه
فيجعل هذا السبب كناية عن موجبه مجازا وتصحيح كلام العاقل واجب وللعرف لسانان
حقيقة ومجاز فإذا تعذر تصحيحه باعتبار الحقيقة يصحح باعتبار المجاز ألا ترى أن الوارث إذا
أعتق المكاتب يجعل ابراء منه عن بدل الكتابة بهذا النوع من المجاز الا انهما يقولان المجاز
خلف عن الحقيقة ففي كل موضع يكون الأصل متصورا يمكن أن يجعل المجاز خلفا عنه كما في
مسألة المكاتب وفى كل موضع لا يكون الأصل متصورا لا يمكن جعل المجاز خلفا عنه وهنا
لا تصور للأصل بخلاف معروف النسب فان هناك الأصل متصور فيجوز اثبات المجاز خلفا
عنه ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول المجاز خلف عن الحقيقة في التكلم لا في الحكم لأنه
تصرف من المتكلم في إقامة كلام مقام كلام والمقصود تصحيح الكلام فلا يعتبر في تصحيح
67

المجاز تصور الحكم لا ثبات الخلافة ألا ترى أنه لو قال لحرة اشتريتك بكذا كان نكاحا صحيحا
والحرة ليست بمحل لا صل حكم البيع وهو ملك الرقبة ولهذا المعنى قلنا إن أم الغلام
لو كانت في ملكه لا تعتق لان اللفظ إذا صار مجاز لغيره سقط اعتبار حقيقته وهذا مجاز
عن الاقرار بحريته فكأنه قال عتق على من حين ملكه وليس لهذا اللفظ موجب في
الأم فاما إذا قال لعبده هذه ابنتي فقد ذكره محمد على سبيل الاستشهاد في كتاب الدعوى
ومن عادته الاستشهاد بالمختلف على المختلف فلا نسلمه على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وبعد
التسليم نقول الأصل أن المشار إليه إذا لم يكن من جنس المسمى فالعبرة للمسمى كما لو باع فصا
على أنه ياقوت فإذا هو زجاج فالبيع باطل والذكور والإناث من بني آدم جنسان فإذا لم
يكن المشار إليه من جنس المسمى تعلق الحكم بالمسمي وهو معدوم ولا يتصور تصحيح الكلام
ايجابا ولا اقرار في المعدوم وكذا قوله لصبي صغير هذا جدي فإنه ذكره على سبيل
الاستشهاد هنا وقد منعوه على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وبعد التسليم نقول لا موجب
لذلك الكلام في ملكه الا بواسطة الأب وتلك الواسطة غير ثابتة وبدونها لا موجب
لكلامه حتى يجعل كناية عن موجبه مجازا فأما للبنوة والأبوة موجب في ملكه بغير
واسطة فيجعل كلامه كناية عن موجبه وبخلاف قوله أعتقتك قبل أن أخلق لأنه
لا موجب فيما صرح به كذلك قوله قطعت يدك لأنه لا موجب للجرح بعد البرء إذا لم
يبق له أثر فلا يمكن تصحيح كلامه على أن يجعل كناية عن موجبه فلهذا كان لغوا وان
قال لعبده هذا أخي لم يعتق وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يعتق لان
للاخوة في ملكه موجبا وهو العتق فيجعل هذا اللفظ كناية عن موجبه وجه ظاهر
الرواية أن الاخوة اسم مشترك قد يراد به الاخوة في الدين قال الله تعالى إنما المؤمنون
اخوة وقد يراد به الاتحاد في القبيلة قال الله تعالى والى عاد أخاهم هودا وقد يراد به الاخوة
في النسب والمشترك لا يكون حجة بدون البيان حتى لو قال هذا أخي لأبي أو لأمي نقول
يعتق على هذا الطريق فان قيل فالبنوة والأبوة قد تكون بالرضاعة ثم أثبتم العتق بهذين
اللفظين عند الاطلاق قلنا لان البنوة من الرضاع مجاز والمجاز لا يعارض الحقيقة فأما
الاخوة مشتركة في الاستعمال كما بينا ولان الاخوة لا تكون الا بواسطة الأب أو الأم
لأنه عبارة عن مجاورة في صلب أو رحم وهذه الواسطة غير مذكورة ولا موجب لهذه
68

الكلمة بدون هذه الواسطة فان قال لامته فرجك حر أو قال لعبده رأسك حر يعتق
وقد بينا هذا في الطلاق ان ذكر ما يعبر به عن جميع البدن كذكر البدن بخلاف اليد أو
الرجل فهو في العتاق كذلك وان قال نويت الكذب لم يصدق في القضاء كما في قوله أنت
حر وان قال لعبده أو لامته ما أنت الا حر أو ما أنت الا حرة فإنهما يعتقان لان كلامه
اشتمل على النفي والاثبات وهذا آكد ما يكون من الاثبات دليله كلمة الشهادة فكان هذا
كقوله أنت حر وهذا بخلاف ما لو قال أنت مثل الحر لان هذا اللفظ للمشابهة والمشابهة
بين الشيئين قد يكون خاصا وقد يكون عاما فلا يثبت العتق به بدون النية وكذلك لو قال
بدنك حر لان معناه بدنك بدن حر وفى النوادر قال لو نوى فقال بدنك بدون حر يعتق
لان هذا اللفظ للإيجاب لا للتشبيه ولو قال لعبده أنت حر اليوم من هذا العمل فإنه يعتق
في القضاء لأنه وصفه بالحرية وتخصيصه وقتا أو عملا لا يغير حكم ما وصفه به وأما فيما بينه
وبين لله تعالى فإن كأن لا يريد العتق فهو عبده لأنه يحتمل أن يكون مراده لا أكلفك اليوم
هذا العمل والله تعالى مطلع على ضميره ولكنه خلاف الظاهر فإنه جعل الحرية صفة له في
الظاهر فلهذا لا يدين في القضاء والله أعلم بالصدق والصواب
(باب عتق ذوي الأرحام)
ذكر عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ملك ذا رحم
محرم منه فهو حر وكذلك روى عن عمر وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما وفي هذا دليل
على من ملك قريبه يعتق عليه لان قوله فهو حر جزاء لقوله من ملك مع القرابة فإنما يتناول
حرية المملوك دون الملاك وفى بعض الروايات قال عتق عليه وفيه دليل ان سبب العتق
الملك مع القرابة فان مثل هذا في لسان صاحب الشرع بمعنى بيان السبب كما قال من بدل
دينه فاقتلوه وقال تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه ولهذا قال عامة العلماء إذا ملك أباه
أو أمه أو ابنه يعتق عليه وقال أصحاب الظواهر يلزمه ان يعتقه ولكن لا يعتق قبل اعتاقه
لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام لن يجزى ولد عن والده إلا أن يجده ملوكا فيشتريه
فيعتقه ففيه تنصيص على أنه مستحق عليه اعتاقه ولو عتق بنفس الشراء لم يكن لقوله
فيعتقه معنى ولان القرابة لا تمنع ثبوت الملك ابتداء فلا تمنع البقاء بطريق الأولى ألا ترى
69

أنها لما منعت بقاء ملك النكاح منعت ثبوته ابتداء (وحجتنا) في ذلك قوله تعالى وما ينبغي
للرحمن أن يتخذ ولدا ان كل من في السماوات والأرض الا آتى الرحمن عبدا فقد نفي البنوة
بينه وبين الخلق باثبات العبودية فذلك تنصيص على المنافاة بينهما والمتنافيان لا يجتمعان
فإذا كانت البنوة متقررة انتفت العبودية ومراده عليه الصلاة والسلام من قوله فيعتقه
بذلك الشراء لا بسبب آخر كما يقال أطعمه فأشبعه وسقاه فأرواه وضرب فأوجع وكتبه
فقرمط وإنما أثبتنا له الملك ابتداء لان انتفاء العبودية لا يتحقق الا به فإذا لم يملكه لا يعتق
بخلاف ملك النكاح لأنه لا فائدة في اثبات ملك النكاح له على ابنته ثم إزالته لأنها تعود إلى
ما كانت عليه ولان هذا العتق صلة ومجازاة فلا يتحقق الا بعد الملك فأما انتفاء النكاح
بحرمة المحل وهو موجود قبل العقد ولان ملك النكاح ليس إلا بملك الحل فيختص بمحل
الحل والأم والابنة محرمة عليه بالنص ولا تصور للملك بدون المحل فأما هذا ملك مال
وذلك ثابت في المحل فيثبت له نسبه أيضا إذ ليس من ضرورة اثباته الاستدامة وبهذا
الحديث أيضا قال علماؤنا رحمهم الله تعالى إذا ملك أخاه أو أخته أو أحدا من ذوي الرحم
المحرم منه أنه يعتق عليه وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يعتق الا الوالدين والمولودين لأنه
ليس بينهما بعضية فلا يعتق أحدهما على صاحبه كبني الأعمام بخلاف الآباء والأولاد فالعتق
هناك للبعضية والجزئية ولان القرابة التي بينهما في الاحكام كقرابة بنى الأعمام حتى تقبل
شهادة كل واحد منهما لصاحبه ويجوز لكل واحد منهما وضع زكاة ماله في صاحبه ويجرى
القصاص بينهما في الطرفين ويحل لكل واحد منهما حليلة صاحبه ولا يستوجب كل
واحد منهما النفقة على صاحبه مع اختلاف الدين ولا يتكاتب أحدهما علي صاحبه بخلاف
الوالدين والمولودين وهذا بخلاف المناكحة لان ثبوتها باسم الأختية والبنتية لا بمعنى
القرابة ألا ترى أنها تثبت بالرضاع ولا تثبت بالقرابة بها ولهذا لا يعتبر في الحرمة معنى
قرب القرابة وبعدها (وحجتنا) في ذلك ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا
جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال إني وجدت أخي يباع في السوق فاشتريته وأنا أريد
أن أعتقه فقال عليه الصلاة والسلام قد أعتقه الله والمعنى فيه أن القرابة المتأيدة بالمحرمية علة
العتق مع الملك كما في الآباء والأولاد وهذا لان لهذا العتق بطريق الصلة والقرابة المتأيدة
بالمحرمية تأثيرا في استحقاق الصلة لأنه يفترض وصلها ويحرم قطعها ألا ترى أن الله تعالى
70

جعل قطيعة الرحم من الملاعن لقوله تعالى وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله وقال عليه
الصلاة والسلام ثلاث معلقات بالعرش منها الرحم يقول قطعت ولم أوصل والدليل عليه أن
حرمة المناكحة تثبت بهذه القرابة بمعنى الصيانة عن ذل الاستفراش والاستخدام قهرا فملك
اليمين أبلغ في الاستذلال من الاستفراش وكذلك يحرم الجمع بين الأختين نكاحا صيانة
للقرابة عن القطيعة بسبب المنافرة التي تكون بين الضرائر ومعنى قطيعة الرحم في استدامة
ملك اليمين أكثر ولا شك أن للملك تأثيرا في استحقاق الصلة فيثبت بهذا التقريران
علة العتق هذان الوصفان وبعد هذا لا يضر انتفاء الجزئية بينهما لما ثبت أن علة العتق هذا
دون الجزئية لان التعدية بمعنى واحد قد ظهر أثره مستقيم ولأن هذه القرابة في معني
القرابة بين الجد والنافلة أيضا لان اتصال أحد الأخوين بالآخر بواسطة الأب كما أن
اتصال النافلة بالجد بواسطة الأب ولهذا ظهر الاختلاف بين الصحابة رضي الله عنهم
في الجد مع الاخوة في الميراث وشبه بعضهم الجد مع النافلة بشجرة انشعب منها غصن
ومن ذلك الغصن غصن والأخوين بغصنين من شجرة واحدة وشبه بعضهم الجد مع
النافلة بواد تشعب منه نهر ومن النهر جدول والأخوين بنهرين تشعبا من واد فيكون
معنى القرب بينهما أظهر لان تفرقهما بشعب واحد والأول بشعبين فعرفنا أن القرابة
التي بينهما بمنزلة قرابة الجد مع النافلة وذلك موجب للعتق مع الملك إلا أن في حكم الولاية
لم يجعل الأخ كالجد لان المعتبر فيه الشفقة مع القرابة وشفقة الأخ ليست كشفقة الجد
وفي حكم الإرث كذلك عند أبي حنيفة رضي الله عنه لان ذلك نوع ولاية فإنه خلافة
في الملك والتصرف وبه فارق بني الأعمام فالواسطات هناك قد كثرت من كل جانب
فكانت القرابة بعيدة بينهما ولهذا لا يثبت بها حرمة النكاح ولا حرمة الجمع بينهما في
النكاح فأما المكاتب فلا ملك له على الحقيقة وهذه القرابة مع الملك علة والحكم الثابت بعلة
ذات وصفين ينعدم بانعدام أحد الوصفين إلا أن المكاتب إذا ملك أباه يمتنع عليه بيعه
وإذا ملك أخا لا يمتنع عليه بيعه عند أبي حنيفة رضي الله عنه لان المكاتب له كسب
وليس له ملك حقيقة وحق الآباء والأولاد يثبت في الكسب حتى يجب عليه نفقة أبيه
إذا كان مكتسبا وإن لم يكن موسرا فأما حق الأخ لا يثبت في الكسب حتى لا يجب عليه
نفقة أخيه الزمن إذا كان هو معسرا وإن كان مكتسبا وكذلك أن المالك صغيرا فإنه
71

يعتق عليه لتمام علة العتق وهو الملك مع القرابة فان الصغير يملك حقيقة ألا ترى أنه يثبت
له صفة الغناء بملكه حتى يحرم عليه أخذ الصدقة بخلاف المكاتب وكذلك أن كان
المالك كافرا والمملوك مسلما أو على عكس ذلك لان الملك مع القرابة يتحقق مع اختلاف
الدين وبهما تمام علة العتق بخلاف استحقاق النفقة فان الشرع أوجب ذلك بصفة الوراثة
فقال تعالى وعلى الوارث مثل ذلك معناه وعلى الوارث ذي الرحم المحرم وبسبب اختلاف
الدين ينعدم صفة الوراثة فلهذا لا يستحق النفقة بخلاف الآباء والأولاد فالاستحقاق هناك
بالولاد قال تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف وبسبب اختلاف الدين
لا ينعدم الولاد فهذا بيان معنى الفرق بين هذه الفصول فان ملكه الرجل مع آخر عتق
نصيبه منه وسعى العبد للشريك في نصيبه ولا ضمان على الذي عتق من قبله في قول أبي
حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يضمن لشريكه قيمة نصيبه
إن كان موسرا ويسعي العبد لشريكه إن كان معسرا وكذلك لو ملكاه بهبة أو صدقة أو
وصية فهو على هذا الخلاف وجه قولهما ان القريب بالشراء صار معتقا لنصيبه لان شراء
القريب اعتاق ولهذا تتأدى به الكفارة والمعتق ضامن لنصيب شريكه إذا كان موسرا
كما لو كان العبد بين شريكين فاشترى قريب العبد نصيب أحد الشريكين منه يضمن
لشريكه الذي لم يبع إن كان موسرا وجه قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ما قال في الكتاب
لان شراء الشريك معه رضا منه بالذي يكون به العتق ومعنى هذا الكلام ان ضمان العتق
يجب بالاتلاف والافساد والرضا بالسبب يمنع وجوب مثل هذا الضمان كما لو أتلف مال
الغير بإذنه وفى اثبات الرضا هنا نوعان من الكلام أحدهما انه لما ساعد شريكه على القبول
مع علمه أن قبول شريكه موجب للعتق فقد صار راضيا بعتقه علي شريكه فهو كما لو استأذن
أحد الشريكين من صاحبه في أن يعتق نصيبه فأذن له في ذلك والثاني ان المشتريين صارا
كشخص واحد لاتحاد الايجاب من البائع ولهذا لو قبل أحدهما دون الآخر لم يصح
قبوله ولم يملك نصيبه به ولا شك ان كل واحد منهما راض بالتمليك في نصيبه فيكون
راضيا بالتمليك في نصيب صاحبه أيضا لما ساعده على القبول بل يصير مشاركا له في السبب
بهذا الطريق والمشاركة في السبب فوق الرضا به الا ان بهذا السبب تتم علة العتق في حق
القريب وهو الملك ولا تتم علة العتق في حق الأجنبي فكان القريب معتقا دون الأجنبي
72

ولكن بمعاونة الأجنبي يسقط حقه في تضمينه لما عاونه على السبب وفى هذا يتضح الكلام
لأبي حنيفة في الشراء فيما إذا كان العبد كله لرجل فباع نصفه من قريبه فان الخلاف ثابت
فيه ولا شك ان ايجاب البائع رضا منه بقبول المشترى وما ينبنى على قبول المشترى يحال
به على ايجاب البائع كما لو باع الأمة المنكوحة من زوجها قبل الدخول سقط جميع المهر لان
الفرقة جاءت من قبل من له المهر وهو البائع فاما في الهبة والصدقة والوصية كلاهما أوضح
لان قبول أحدهما في نصيبه صحيح بدون قبول الآخر ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى
يقول هما كشخص واحد أيضا إلا أن في الهبة والصدقة والوصية قبول الشخص الواحد
في النصف دون النصف صحيح وهذا بخلاف ما إذا باع أحد الشريكين نصيبه من قريبه لان
هناك لم يوجد من الشريك الآخر ما يكون رضا منه أو معاونة على السبب وبخلاف ما لو قال
أحد الشريكين لشريكه ان ضربته اليوم سوطا فهو حر فضربه سوطا فان الحالف يضمن
للضارب إن كان موسرا ومن أصحابنا من قال موضوع تلك المسألة ان الشريك قال أيضا إن لم
أضربه اليوم سوطا فهو حر فاقدامه على الضرب بعد هذا يكون لدفع العتق عن نصيبه فلا
يصير به راضيا بعتق نصيب الشريك على أن هناك إنما يعتق نصيب الشريك بقوله هو حر
وذلك تم بالحالف من غير رضا كان من الضارب فاما الضرب شرط للعتق والرضا بالشرط لا
يكون رضا بأصل السبب بخلاف ما نحن فيه فإنه إنما رضى بالسبب حين شاركه فيه وهذا بخلاف
حكم الفرار فان الرضا بالشرط من المرأة كالرضا بالسبب في اسقاط حقها عن الميراث لأنه
لا ملك لها قبل موت الزوج في ماله وإنما يثبت حكم الفرار دفعا لقصد الزوج الاضرار بها
وذلك ينعدم بالرضا بالشرط كما ينعدم بالرضا من السبب بخلاف ما نحن فيه ولم يفصل في
ظاهر الرواية بين أن يكون الشريك عالما بان المشترى معه قريب العبد أو لا يكون عالما
وهكذا روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله لان سبب الرضا يتحقق وإن لم يكن عالما به
فهو كمن قال لغيره كل هذا الطعام وهو لا يعلم أنه طعامه فأكله المخاطب فليس للآذن أن
يضمنه شيئا وكذلك لو قال لشريكه أعتق هذا العبد وهو لا يعلم أنه مشترك بينهما وقد روي أبو
يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أن رضاه إنما يتحقق إذا كان عالما فاما إذا كأن لا يعلم
بذلك فله أن يرد نصيبه بالعيب لأنه لا يتم رضاه وقبوله حين لم يكن عالما بان شريكه معتق وبدون
تمام القبول لا يعتق نصيب الشريك فكان هذا بمنزلة العيب في نصيبه فإن لم يكن عالما به
73

كان له أن يرده واستشهد في الكتاب بقول أبي حنيفة رحمه الله بما لو أعتق أحد الشريكين
باذن شريكه وقد روي عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال في هذا الفصل لا يسقط حق
الشريك في التضمين بالاذن وهذا صحيح على أصله لان ضمان العتق عنده ضمان التملك فان
العتق لا يتجزأ على قوله وضمان التملك لا يسقط بالاذن كما لو استولد أحد الشريكين الجارية
باذن شريكه وجه ظاهر الرواية أن هذا الضمان سببه الافساد والاتلاف فسقط بالاذن
كضمان الاتلاف الحقيقي بل أولى لان هذا الضمان يسقط بالاعسار وبخلاف ضمان الاتلاف
الحقيقي فأما إذا ورث مع قريبه غيره عتق نصيبه ولا ضمان عليه لشريكه لان الميراث يدخل
في ملكه بغير قبوله والضمان لا يجب الا باعتبار الصنع من جهته ولهذا لو ورث قريبه لم يجز
عن كفارته وهذا بخلاف ما إذا استولد جارية بالنكاح ثم ورثها مع غيره لان هناك المستولد
يصير متملكا نصيب شريكه وضمان التملك لا يعتمد الصنع ولهذا لا يختلف باليسار والاعسار
هناك ولو ملك محرما له برضاع أو مصاهرة لم يعتق عليه لأنه لا قرابة بينهما والعتق صلة تستحق
بالقرابة والرضاع إنما جعل كالنسب في الحرمة خاصة ولهذا لا يتعلق به استحقاق الميراث
والنفقة وليس من ضرورة ثبوت الحرمة العتق عليه إذا ملكه كالوثنية والمجوسية وكذلك
ان ملك ذا رحم ليس بمحرم لان مثل هذه القرابة لا يفترض وصلها ولهذا لا يتعلق بها
حرمة المناكحة وحرمة الجمع في النكاح ولو ملك أحد الزوجين صاحبه لم يعتق عليه لأنه ليس بينهما
قرابة ولان ما بينهما من الزوجية يرتفع بالملك وإذا اشترى أمة وهي حبلي من أبيه عتق
ما في بطنها لأنه ملك أخاه وليس له أن يبيع الأمة حتى تضع لأنه في بطنها ولدا حرا كما لو
أعتق ما في بطن أمته وهذا لان الولد يصير مستثنى بالعتق ولو استثناه شرطا في البيع بطل
البيع فكذلك إذا صار مستثنى بالعتق وله أن يبيعها بعد الوضع لان الأمة ما صارت أم ولد
للابن فان المستولد أبوه ولا يصير الأب متملكا لها على الابن لأنها ما كانت مملوكة للابن
حين علقت من الأب فلهذا كان له أن يبيعها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه
المرجع والمآب
(باب لوجوه من العتق)
(قال) رضي الله تعالى عنه ذكر عن أبي قلابة أن رجلا أعتق عبدا له عند موته ولا مال
74

له غيره فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثه واستسعاه في ثلثي قيمته وفى هذا دليل
أن العتق في المرض يكون وصية وأنه ينفذ من ثلثه وأن معتق البعض يستسعى فيما بقي من
قيمته فيكون دليلا لنا على الشافعي رضي الله عنه لأنه لا يرى السعاية على العبد بحال ولكنه
يقول يستدام الرق فيما بقي على ما نبينه في مسألة تجزى العتق وذكر عن الحسن البصري أن
رجلا أعتق ستة أعبد له عند موته فأفرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين
ورد أربعة في الرق وبظاهر هذا الحديث يحتج الشافعي رحمه الله تعالى علينا فان المذهب عندنا
أن من أعتق ستة أعبد له في مرضه ولا مال له غيرهم وقيمتهم سواء يعتق من كل واحد منهم
ثلثه ويسعى في ثلثي قيمته وعند الشافعي رحمه الله تعالى يجزئهم القاضي ثلاثة اجزاء ثم يقرع بينهم
فيعتق اثنين بالقرعة ويرد أربعة في الرق واستدل بهذا الحديث ورجح مذهبه بان فيه
اعتبار النظر من الجانبين لأنه لو أعتق من كل واحد منهم ثلثه تعجل تنفيذ الوصية وتأخر
اتصال حق الورثة إليهم بل في هذا ابطال حق الورثة معنى لان السعاية في معنى الناوي
فان المال في ذمة المفلس يكون تاويا فإذا تعذر تنفيذ الوصية بهذا الطريق وجب جميع
العتق في شخصين وتعيين المستحق بالقرعة لان ذلك أصل في الشرع وكان في شريعة
من قبلنا قال الله تعالى إذا يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وقال فساهم فكان من المدحضين
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا اقرع بين نسائه والقاضي إذا قسم المال
بين الشركاء اقرع بينهم وبهذا تبين ان هذا ليس في معنى القمار لان في القمار تعليق أصل
الاستحقاق بخروج القدح وفى هذا تعيين المستحق فأما أصل الاستحقاق ثابت بايجاب المعتق
(وحجتنا) في ذلك أن العبيد استووا في سبب الاستحقاق وذلك موجب للمساواة في
الاستحقاق فلا يجوز اعطاء البعض وحرمان البعض كما لو أوصي برقابهم لغيرهم لكل رجل
برقبة بل أولى لان ملك الوصية يحتمل الرجوع من الموصى والرد من الموصي له وهذه الوصية
لا تحتمل ذلك فإذا لم يجز حرمان البعض هناك فهنا أولى ثم فيما قاله الخصم ضرر الابطال
في حق بعض الموصى لهم وفيما قلنا ضرر التأخير في حق الورثة وضرر التأخير متى
قوبل بضرر الابطال كان ضرر التأخير أهون وإذا لم نجد بدا من نوع ضرر رجحنا أهون
الضررين على أعظمهما مع أنه ليس في هذا تعجيل حق الموصى له لان عند أبي حنيفة رحمه
الله تعالى المستسعى مكاتب فلا يعتق شئ منهم ما لم يصل إلى الورثة السعاية وعلى قولهما وان
75

تعجل العتق للعبيد وذلك ليس بصنع منا بل باعتاق الموصى ولزوم تصرفه شرعا ولو أبطلنا
حق بعض العبيد كان ذلك بايجاب منا ثم كلامه يشكل بما لو كان ماله دينا على مفلس فأوصي
به له فإنه يسقط نصيبه والباقي دين عليه إلى أن يقدر على أدائه ولا وجه لتعيين المستحق
بالقرعة لان تعيين المستحق بمنزلة ابتداء الاستحقاق فان الاستحقاق في المجهول في حكم العين
كان غير ثابت فكما أن تعليق ابتداء الاستحقاق بخروج القرعة يكون قمارا فكذلك تعيين
المستحق وإنما يجوز استعمال القرعة عندنا فيما يجوز الفعل فيه بغير قرعة كما في القسمة فان
للقاضي ان يعين نصيب كل واحد منهم بغير قرعة فإنما يقرع تطييبا لقلوبهم ونفيا لتهمة الميل
عن نفسه وبهذا الطريق كان يقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين نسائه إذا أراد سفرا
لان له أن يسافر بمن شاء منهن بغير قرعة إذ لا حق للمرأة في القسم في حال سفر الزوج وكذلك
يونس صلوات الله عليه عرف أنه هو المقصود وكان له أن يلقى نفسه في الماء من غير اقراع ولكنه
أقرع كيلا ينسب إلى مالا يليق بالأنبياء وكذلك زكريا عليه السلام كان أحق بضم مريم إلى
نفسه لان خالتها كانت تحته ولكنه أقرع تطييبا لقلوب الأحبار مع أن تلك كانت معجزة له
فقد روى أن أقلامهم كانت من الحديد وكان الشرط أن من طفى قلمه على وجه الماء فهو أحق
بها وروى أنه كان من القصب وكان الشرط أن من استقبل قلمه جرى الماء ولم يجر مع الماء
فهو أحق بها بقي اعتمادهم على الحديث ومن أصحابنا من قال هذا الحديث غير صحيح لان فيه
أن الرجل كان له ستة أعبد قيمتهم سواء ولم يكن له معهم شئ آخر وهذا من أندر ما يكون
ولو ثبت فيحتمل أن الرجل أوصى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتقهم وفي الحديث
دليل عليه لأنه قال فاعتق اثنين منهم وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتق أي الاثنين
شاء منهم فأقرع تطييبا لقلوبهم وذكر الجصاص أن معنى قوله فاعتق اثنين أي قدر اثنين
منهم وبه نقول فانا إذا أعتقنا من كل واحد منهم ثلثه فقد أعتقنا قدر اثنين منهم ومعنى
قوله فاقرع أي دقق النظر يقال فلان قريع دهره أي دقيق النظر في الأمور ودقق
الحساب بأن جعل قدر الرقبتين بينهم أسداسا هذا تأويل الحديث ان صح وعن
إسماعيل بن خالد عن الشعبي رضي الله تعالى عنهم في رجل أعتق عبدا له عند الموت ولا
مال له غيره قال عامر قال مسروق هو حر كله جعله لله لا أرده وقال شريح يعتق
ثلثه ويسعى في الثلثين فقلت لعامر أي القولين أحب إليك قال فتيا مسروق وقضاء شريح
76

رضى الله تعالى عنهما وفى هذا إشارة أن العتق يتجزى في الحكم كما هو مذهب أبي حنيفة
رحمه الله تعالى وأنه يجب اتمامه ولا يجوز استدامة الرق فيما بقي منه كما هو فتوى مسروق
رحمه الله تعالى وعن علي رضي الله عنه أن رجلا أعتق عبدا له عند الموت وعليه دين قال
يسعي العبد في قيمته وعن أبي يحيى الأعرج رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه
وسلم يسعي العبد في الدين والمراد إذا كان الدين بقدر قيمته وعن ابن مسعود رضي الله عنه
نحوه فإنه قال تسعى الأمة في ثمنها يعنى في قيمتها وهذا لان الدين مقدم على الوصية
والميراث والعتق في المرض وصية فوجب رده لقيام الدين ولكن العتق لا يحتمل الفسخ
والرق بعد سقوطه لا يحتمل العود فكان الرد بايجاب السعاية عليه وعن إبراهيم رحمه
الله تعالى قال إذا كان وصية وعتق بدئ بالعتق وهكذا عن شريح وهو قول ابن عمر رضي الله عنه
لان العتق أقوى سببا فإنه يلزم بنفسه على وجه لا يحتمل الرد والرجوع عنه
والترجيح بقوة السبب أصل وعن عمر رضي الله عنه أنه أعتق عبدا له نصرانيا يدعي بجيس
وقال لو كنت على ديننا لاستعنا بك على بعض أعمالنا وفيه دليل على أن اعتاق النصراني
قربة وانهم لا يؤتمنون على شئ من أمور المسلمين فإنهم لا يؤدون الأمانة في ذلك وقد أنكر
عمر رضي الله عنه ذلك على أبي موسى الأشعري فإنه قال له مر كاتبك ليكتب لنا كذا
قال إن كاتبي لا يدخل المسجد قال أجنب هو قال لا ولكنه نصراني فقال سبحان الله أما
سمعت الله يقول لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا وعن عمر بن عبد العزيز أنه
أعتق عبدا له نصرانيا فمات العبد فجعل ميراثه لبيت المال وفيه دليل على أن المسلم لا يرث
الكفار وان مات ولا وارث له فحصة ماله لبيت المال وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان
أمة فجرت فولدت من الزنا فأعتقها ابن عمر رضي الله عنه وأعتق ولدها وفيه دليل على
جواز التقرب إلى الله تعالى بعتق ولد الزنا وعن عمر رضي الله عنه أنه أوصى بولد الزنا خيرا
وأوصى بهم أن يعتقوا وهذا لان له من الحرمة ما لسائر بني آدم ولا ذنب لهم وإنما الذنب
لآبائهم كما ذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تتأول في أولاد الزنا ولا تزر وازرة
وزر أخرى وذكر عن إبراهيم وعامر رضي الله عنهما قالا لا يجزى ولد الزنا في النسمة
الواجبة وكأنهما تأولا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ولد الزنا شر الثلاثة ولسنا نأخذ بقولهما
فان الله تعالى أمر بتحرير الرقبة وأكثر المماليك لا تعرف آباؤهم عادة وتأويل الحديث شر
77

الثلاثة نسبا فإنه لا نسب له أو قال ذلك في ولد زنا بعينه نشأ مريدا فكان أخبث من أبويه
وإذا قال الرجل لامته أمرك بيدك يعني في العتق فان أعتقت نفسها في مجلسها عتقت وان
قامت منه قبل أن تعتق نفسها فهي أمة لأنه ملكها أمرها وأهم أمورها العتق فتعمل نيته في
العتق وجواب التمليك يقتصر على المجلس وقد بيناه في الطلاق وذكرنا هناك أنه إذا لم ينو
الطلاق فالقول قوله فكذلك هنا إذا لم ينو العتق وكذلك أن جعل أمرها في يد
غيرها وان قال لها اعتقي نفسك فقالت قد اخترت نفسي كان باطلا لان كلامها يصلح جوابا
للتخيير والمولى ما خيرها إنما ملكها أمرها وقولها اخترت نفسي لا يصلح للتصرف بحكم
الملك ألا تري ان المولى يملك اعتاقها ولو قال لها اخترتك من نفسي أو اخترت نفسي منك
لا تعتق فكذلك قولها اخترت نفسي ولان قوله اعتقى نفسك إقامة منه إياها مقام نفسه في
ايقاع العتق فإنما يملك الايقاع باللفظ الذي كان المولى مالكا للايقاع به ولو قال لها أنت
حرة إن شئت فان قالت في مجلسها قد شئت كانت حرة ولو قامت قبل أن تقول شيئا فهي
أمة والتفويض إلى مشيئتها بمنزلة التمليك منها فتقتصر على الجواب في المجلس وكذلك أن
قال إن أردت أو هويت أو أحببت أو قال أنت حرة ان كنت تحبينني أو تبغضينني فالقول
في ذلك قولها ما دامت في مجلسها كما في الطلاق لأنه لا يوقف على ما في قلبها الا باخبارها
فكان هذا بمنزلة التعليق بالاخبار بذلك وان قالت في ذلك لست أحبك ثم قالت أنا أحبك
لم تصدق للتناقض ولان شرط البر قد تم بقولها الأول فلم يبق لها قول مقبول بعد
ذلك في حق المولى وكذلك لو قال إن كنت تحبين العتق فأنت حرة ولو قال أنت حرة
إذا حضت كان القول في ذلك قولها استحسانا لأنه لا يوقف عليه الا من جهتها ولكن هذا
لا يقتصر على مجلسها لأنها لا تقدر على الاخبار بالحيض على وجه تكون صادقة فيه الا بعد رؤية
الدم وربما لا يتحقق في ذلك المجلس فمتى قالت حضت عتقت ولو قال أنت حرة وفلانة إن شئت
فقالت قد شئت نفسي لم تعتق لان قوله إن شئت ليس بكلام مستقل بنفسه فلا بد من
جعله بناء على ما سبق فيكون معناه إن شئت عتقكما فلا يتم الشرط بمشيئتها عتق نفسها
وكذلك لو قال لأمتيه أنتما حرتان إن شئتما فشاءت إحداهما فهو باطل لان معنى كلامه
إن شئتما عتقكما فلا يتم الشرط بمشيئة إحداهما ولا بمشيئتهما عتق إحداهما ولو قال أيتكما
شاءت العتق فهي حرة فشاءتا جميعا عتقتا لان كلمة أي تتناول كل واحدة منهما على
78

الانفراد فإن شاءت إحداهما عتقت التي شاءت لان مشيئة كل واحدة منهما بهذا اللفظ شرط
عقهما ألا ترى أنه قال أيتكما شاءت ولم يقل شاءتا وإن شاءتا جميعا عتقتا فان قال أردت
إحداهما لم يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى التخصيص في اللفظ
العام فإن كان نوى إحداهما بعينها عتقت هي وان نوى إحداهما لا بعينها كان له ان يختار
إحداهما فيعتقها ويمسك الأخرى بمنزلة ما لو أعتق إحداهما لا بعينها ولو قال كل مملوك لي
فهو حر وله عبيد وأمهات أولاد ومدبرون ومكاتبون عتقوا جميعا الا المكاتبين فإنهم
لا يعتقون إلا أن ينويهم لان كلمة كل توجب التعميم وقد أوجب العتق لكل مملوك مضاف
إليه بالملكية مطلقا بقوله لي وهذا يتحقق في العبيد وأمهات الأولاد والمدبرين لأنه يملكهم
رقا ويدا حتى يملك استغلالهم واستكسابهم وهذا غير موجود في المكاتبين فإنه يملكهم
رقا لا يدا بل المكاتب كالحر يدا حتى كان أحق بمكاسبه ولا يملك المولى اكسابه والثابت من وجه
دون وجه لا يكون ثابتا مطلقا فلهذا لا يدخلون الا ان ينويهم فان نواهم فنقول المنوي من
محتملات كلامه لأنه قد يضيف إلى نفسه ما يكون مضافا إليه من وجه دون وجه وان قال
أردت الرجال دون النساء دين فيما بينه وبين الله تعالى ولم يدين في القضاء لأنه نوى
التخصيص في اللفظ العام هذا بخلاف ما لو قال نويت السود منهم دون البيض فإنه
لا يصدق في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى لان هناك نوى التخصيص بوصف ليس
في لفظه ولا عموم لما لا لفظ له فلا تعمل فيه نية التخصيص وهنا نوى التخصيص فيما
في لفظه لان المملوك حقيقة للذكور دون الإناث فان الأنثى يقال لها مملوكة ولكن عند
الاختلاط يستعمل عليهم لفظ التذكير عادة فإذا نوى الذكر فقد نوى حقيقة كلامه
ولكنه خلاف المستعمل فيدين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في القضاء ولهذا قيل لو
قال نويت النساء دون الرجال كانت نيته لغوا (قال) وكذلك لو قال لم أنو المدبرين لم
يصدق في القضاء وفى كتاب الايمان يقول إذا قال لم أنو المدبرين لم يدين فيما بينه وبين الله
تعالى ولا في القضاء ففيه روايتان وجه تلك الرواية أنه نوى التخصيص بما ليس في لفظه
لان التدبير وإن كان يوجب استحقاق العتق فلا يوجب نقصانا في اضافته إليه بالملكية واليد
وجه هذه الرواية ان اضافته إلى المولى برقه والتدبير يمكن نقصانا في الرق لان استحقاق
العتق على وجه لا يحتمل الفسخ لا يكون الا بعد نقصان في رقه ولهذا قيل المدبر من وجه
79

كالحر حتى لا يحتمل البيع فكان هو كالمكاتب من هذا الوجه غير مضاف إلى المولى بمطلق
الملك والرق إلا أن النقصان هنا في الإضافة بمعنى خفى فيدين فيما بينه وبين الله تعالى
دون القضاء ولا يخرج من الكلام بدون النية وفى المكاتب النقصان بسبب ظاهر وهو
ملك اليد له في مكاسبه فلا يدخل إلا أن ينويه ولان قوله كل مملوك لي حر انشاء العتق وقد
بينا أن عتق المدبر من وجه تعجيل لما استحقه مؤجلا فلا يكون انشاء من كل وجه فإذا
قال لم أنو المدبرين فقد بين أنه نوي ما يكون انشاء من كل وجه خاصة وذلك أمر في
ضميره خاصة فيدين فيما بينه وبين الله تعالى ولو قال لعبيده أنتم أحرار الا فلانا كان كما قال
لان الكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء الاستثناء وكذلك لو قال لعبدين أنتما حران
الا سالما وهو اسم أحدهما كان سالم عبدا لان كلامه عبارة عما وراء المستثنى وقد بقي سوى
المستثنى عبد يمكن أن يجعل كلامه عبارة عنه ولو قال سالم حر ومرزوق حر الا سالما
عتقا جميعا لأنه تكلم بكلامين كل واحد منهما مستقل بنفسه بما ذكر له من الخبر فكان
قوله الا سالما استثناء لجميع ما تناوله أحد كلاميه وذلك باطل لأنه تعطيل والاستثناء للتحصيل
والبيان وإنما يتحقق ذلك إذا كان يبقى سوى المستثنى شئ يتناوله ذلك الكلام وهذا
بخلاف ما لو قال سالم ومرزوق حران الا سالما فان الاستثناء صحيح هنا لان كلامه واحد
هنا معني حين أخر ذكر الخبر حتى عطف إحداهما على الأخرى وذكر ما يصلح خبرا
للمستثنى فعرفنا به أن كلامه واحد معنى فكأنه قال هما حران الا سالما فان قال كل مملوك
أملكه أبدا فهو حر فهذا اللفظ إنما يتناول ما يملكه في المستقبل لأنه قال أبدا وليس للأبد
نهاية في الحقيقة وفى العرف هو عبارة عن وقت في المستقبل إلى موته ومن أصلنا
أن العتق يحتمل الإضافة إلى الملك كالطلاق فبأي سبب يملك المملوك من شراء أو غيره
فإنه يعتق لان المضاف إلى وقت أو المعلق بشرط عند وجوده كالمنجز وكذلك لو قال كل
مملوك أملكه إلي ثلاثين سنة وكذلك إذا قال كل مملوك اشتريه فهو حر لأن الشراء
سبب للملك وإقامة السبب مقام الحكم صحيح فان أمر غيره فاشترى مملوكا لم يعتق لأنه
جعل الشرط شراء بنفسه ولم يوجد فان حقوق العقد في البيع والشراء إنما تتعلق بالعاقد
والعاقد يستغنى عن إضافة العقد إلى الآمر بخلاف النكاح وإن كان نوى أن لا يشترى
هو ولا غيره عتق لأنه شدد لامر على نفسه بلفظ يحتمله فإنه نوي الحكم وهو الملك بما ذكر
80

من سببه وهو الشراء قالوا وهذا كله إذا كان الرجل ممن يباشر العقد بنفسه فأما إذا كان
الحالف ممن لا يباشر الشراء بنفسه عادة فأمر غيره بان يشترى له عتق لأنه باليمين منع نفسه
عما يباشره عادة فإذا كان عادته الشراء بهذا الطريق ينصرف يمينه إليه عند الاطلاق وان
قال كل مملوك لي حر يوم أكلم فلانا وليس له مملوك ثم اشترى مملوكا ثم كلمه لم يعتق
لان قوله أملكه وإن كان ظاهرا في الاستقبال فالمراد به الحال في الاستعمال يقال فلان يملك
كذا وأنا أملك كذا يعنى في الحال فما ليس بمملوك له في الحال لا يتناوله كلامه لان المضاف
إلى وقت والمعلق بالشرط إنما يتناول ما يتناوله المنجز فإذا كان العتق المنجز بهذا اللفظ لا يتناول
الا ما يملكه في الحال فكذا المضاف إلى وقت بخلاف ما سبق لان الإضافة هنا في الملك لا في
الحرية فلهذا يتناول ما يملكه في المستقبل وإن كان قال يوم أكلم فلانا فكل مملوك لي يومئذ حر
عتقوا لأنه أوجب العتق لما يكون في ملكه وقت الكلام وما كان موجودا في ملكه وقت
اليمين وما استحدث الملك فيه موصوف بأنه مملوك له وقت الكلام فيعتقون جميعا وان قال
يوم أكلمه فكل مملوك أملكه أبدا فهو حر ثم اشترى مملوكا ثم كلمه لم يعتق لان المتعلق بالشرط
عند وجود الشرط كالمنجز وقوله يوم أكلم فلانا شرط وقوله كل مملوك أملكه أبدا حر
فيصير عند وجود الكلام كأنه قال كل مملوك أملكه أبدا وهذا اللفظ إنما يتناول ما يملكه
بعد الكلام دون ما كان مملوكا له قبل الكلام والمشترى قبل الكلام مملوك له وقت الكلام
فلا يتناوله ايجابه وان قال كل مملوك أملكه حر يوم أكلم فلانا وهو يريد ما يملكه فيما يستقبل
فاشترى مملوكا ثم كلمه عتق لأنه نوى حقيقة كلامه فان حقيقة قوله أملكه للاستقبال
ولكن يعتق في القضاء من كان في ملكه يوم حلف لان ظاهر لفظه يتناول المملوك له في
الحال لغلبة الاستعمال فلا يصدق في صرف اللفظ عن ظاهره وذكر في النوادر أنه
يصدق لان ما نوى من حقيقة كلامه مستعمل أيضا وإنما لا يصدق في صرف الكلام عن
ظاهره إذا كان المنوي خلاف المستعمل وان قال كل مملوك لي حر وله عبد بينه وبين آخر
لم يعتق لأنه أوجب العتق لمملوك مضاف إليه بالملك مطلقا والمملوك اسم للعبد وهو المضاف
إليه من وجه والى شريكه من وجه فلا يتناوله مطلق كلامه فان نواه عتق استحسانا وفى
القياس لا يعتق لان نصيبه من العبد المشترك لا يسمى عبدا ولا مملوكا فقد نوى خلاف
الملفوظ ولكن في استحسان يقول جزء من العبد موصوف بأنه مملوك كالكل ولهذا
81

صح إضافة التصرفات المختصة بالملك إلى الجزء الشائع فإذا نواه فقد شدد على نفسه بلفظ
يحتمله وبدون نيته إنما لم ندخله للعرف فان المملوك اسم للعبد الكامل عرفا وقد سقط
اعتبار هذا العرف حين نوى بخلافه توضيحه ان العبد المشترك مضاف إليه من وجه دون
وجه فيكون كالمكاتب يدخل بنيته وإن كان له عبد تاجر له مماليك وعليه دين أولا دين
عليه عتق العبد التاجر لأنه مملوك رقبة ويدا فيتناوله مطلق الإضافة فأما مماليكه فعلى
قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إن كان عليه دين يحيط برقبته وكسبه لم يعتق مماليكه نواهم
أو لم ينوهم وإن لم يكن عليه دين لم يعنق مماليكه إلا أن ينويهم وعند أبي يوسف رحمه الله
تعالى سواء كان عليه دين أولم يكن فان نواهم عتقوا وإن لم ينوهم لا يعتقون وعند محمد رحمه
الله تعالى سواء كان عليه دين أولم يكن يعتقون إلا أن يستثنيهم بنيته وهذا ينبنى على أصلين
أحدهما في المأذون أن المولى لا يملك كسب العبد المأذون إذا كان مستغرقا بالدين عند
أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يملكه والثاني في الايمان ان كسب العبد لا يكون مضافا
إلى المولى في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وعند محمد رضى الله تعالى
عنه يكون حتى لو حلف لا يدخل دار فلان فدخل دار عبده عند محمد رحمه الله تعالى
يحنث لان حقيقة هذه الإضافة للملك وكسب العبد مملوك لمولاه وعندهما الإضافة إلى
المولى مجاز والى العبد حقيقة لأنه كسبه قال صلى الله عليه وسلم من باع عبدا وله مال والدليل
عليه أنه يستقيم أن تنفى عن المولى فيقال هذه ليست بداره بل هي دار عبده والعبرة
للإضافة لا للملك ألا ترى أنه لو دخل دارا يسكنها فلان عارية أو إجارة كان جانيا إذا
عرفنا هذا فنقول أما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فالمولى لا يملك كسب العبد إذا كان عليه
دين حتى لو أعتقه بعينه لم يعتق فكذلك بمطلق كلامه وان نواه فإن لم يكن عليه دين فهو غير
مضاف إليه مطلقا فلا يعتق بمطلق كلامه إلا أن ينويه فان نواه عتق لان المنوي من محتملات
كلامه وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى هو مالك له سواء كان عليه دين أولم يكن إلا أنه
غير مضاف إليه مطلقا فلا يدخل في كلامه إلا أن ينويه وعند محمد رحمه الله تعالى الإضافة
باعتبار الملك وهو مملوك له سواء كان عليه دين أولم يكن فيعتق بايجابه إلا أن يستثنيه بنية
فيعمل استثناؤه لأنه نوى المضاف إليه من كل وجه وهذا مضاف إليه ملكا ولكنه مضاف إلى
عبده كسبا أو نوى تخصيص لفظه العام فتعمل نيته فيما بينه وبين الله تعالى ولهذا لا يصدق
82

في القضاء وإذا دعا عبده سالما فأجابه مرزوق فقال أنت حر ولا نية له عتق الذي أجابه
لأنه اتبع الايقاع الجواب فيصير مخاطبا للمجيب وان قال عنيت سالما عتق سالم بنيته لكون
المنوي من محتملات كلامه ولكنه لا يصدق في القضاء في صرف العتق عن مرزوق لان
الايقاع تناوله في الظاهر فلا يدين في صرفه عنه في القضاء وهو مدين فيما بينه وبين الله
تعالى وان قال يا سالم أنت حر وأشار إلى شخص ظنه سالما فإذا هو عبد آخر له أو لغيره
عتق عبده سالم لأنه اتبع الايقاع النداء فتناول المنادى خاصة ولا معتبر لظنه فان الظن لا
يغني من الحق شيئا وإذا أعتق الرجل عبده أو أمته ثم جحد العتق حتى أصاب من الخدمة
والغلة ما أصاب ثم أقربه أو قامت عليه البينة فليس عليه في الخدمة شئ لأنه مجرد استيفاء
المنفعة ولا تتقوم المنفعة الا بعقد الا ترى أنه لو غصب حرا فاستخدمه لم يكن عليه شئ
سوى المأثم عندنا فهذا مثله بل عينه لأنها تبين أنها كانت حرة حين استخدمها ويرد عليها
ما أصاب من غلتها ومراده إذا كانت هي التي أجرت نفسها أو اكتسبت لأنه تبين أنها
كانت حرة مالكة لكسبها فعلى المولى أن يرد عليها ما أخذ منها وإن كان هو الذي أجرها
فما أخذ من الغلة يكون مملوكا له لأنه وجب بعقده ولكن لا يطيب له لأنه حصل له بكسب
خبيث وعليه في الوطئ لها مهر المثل لأنه تبين أنه وطئها وهي حرة والوطئ في غير الملك
لا ينفك عن حد أو مهر وقد سقط الحد بالشبهة لأنها كانت مملوكة له يومئذ في الظاهر
فوجب المهر وهذا لان المستوفى بالوطئ في حكم العين دون المنفعة ولهذا يختص إباحة
تناوله بالملك ولا يملك بالعقد إلا مؤبدا وإن كان أجنبي جنى عليه ثم أقر المولى انه كان أعتقه
قبل ذلك لم يصدق على إلزام الجاني حكم أرش الحر لان اقراره ليس بحجة في حق الجاني وثبوت
الحكم بحسب الحجة واقراره حجة عليه خاصة فما وجب من أرش المماليك يكون لها لان
المولى حول ذلك باقراره إليها وذلك صحيح منه لكونه مقرا به على نفسه وان قامت به بينة
لزم الجاني حكم الجناية على الحر لان البينة حجة في حق الكل والثابت من الحرية بها قبل
الجناية كالثابت معاينة على الحر ولا يجوز عتق الصبي والمجنون في حال جنونه لان قولهما هدر
شرعا خصوصا فيما يضرهما ولان العتق لا ينفذ الا بقول ملزم لا أنه ملزم في نفسه وقولهما غير
ملزم شرعا وان أعتق في حال إفاقته جاز لأنه مخاطب له قول ملزم وهو يملك العبد حقيقة
فينفذ عتقه وان قال أعتقت عبدي وأنا صبي أو أنا نائم فالقول قوله لأنه أضاف اقراره إلى
83

حالة معهودة تنافى اعتاقه فكان انكارا للعتق معنى واقرارا صورة والعبرة للمعنى دون
الصورة وكذلك لو قال أعتقته قبل أن يخلق أو قبل أن أخلق لأنه أضاف إلى حالة معهودة
تنافي تصور الاعتاق فيكون هذا أبلغ في النفي من الإضافة إلى حالة تنافى الاعتاق شرعا وإذا
وجب تصديقه هناك فهنا أولى وإذا قال لعبده أنت حرمتي شئت أو كلمات شئت أو إذا ما شئت
فقال العبد لا أشاء ثم باعه ثم اشتراه ثم شاء العتق فهو حر لأنه علق عتقه بوجود مشيئته
في عمره ولم يفت ذلك بقوله لا أشاء لأنه يتحقق منه المشيئة بعده وقوله لا أشاء كسكوته
أو قيامه عن المجلس ولا يجعل قوله لا أشاء رد الأصل كلام المولى لان تعليق العتق بالشرط
يتم بالمولى فلا يرتد برد العبد وإذا بقي التعليق نزل العتق لوجود الشرط بمشيئته (قال) ألا ترى
أنه لو قال أنت حر ان دخلت الدار ثم باعه ثم اشتراه فدخل الدار يعتق وهذا مذهبنا
فاما عند الشافعي لا يعتق لان الملك عنده كما يشترط لانعقاد اليمين يشترط لبقائها وبالبيع
زال ملكه ولكنا نقول الملك ليس بشرط لانعقاد اليمين وإنما الشرط وجود المحلوف به فلهذا
صححنا إضافة العتق إلى الملك والمحلوف به هو العتق ومحلية العبد للعتق بصفة الرق وذلك
لا ينعدم بالبيع إلا أنه يشترط الملك عند وجود الشرط لنزول العتق لان تصرفه يتصل
بالمحل عند وجود الشرط فاما قبل ذلك بقاء اليمين ببقاء ذمته وبقاء المحلوف به لكونه
محلا للعتق فلا معنى لاشتراط الملك فيه وان قال أنت حر حيث شئت فقام من
مجلسه بطل ذلك لان حيث عبارة عن المكان أي أنت حرفي أي مكان شئت فليس في
لفظه ما يوجب تعميما في الوقت فيتوقت بالمجلس كقوله إن شئت وان قال أنت حر كيف
شئت عتق في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولم يعتق في قولهما ما لم يشأ قبل أن يقوم من
مجلسه وقد بينا هذا في الطلاق والعتق قياسه وقوله كيف شئت في العتق ليس بشئ
عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان بعد نزول العتق لا مشيئة لاحد في تغييره من وصف
إلى وصف ولهذا لو شاء العبد عتقا على مال أو إلى أجل أو بشرط أو شاء التدبير فذلك
باطل كله وهو حر وان قال عبدي حر وليس له الا عبد واحد عتق لأنه عرف محل العتق
بإضافته إلى نفسه فكأنه عرفه بالإشارة إليه ولأنه أوجب مالا يتم ايجابه الا في ملكه
فتعين ملكه له فان قال لي عبد آخر وإياه عنيت لم يصدق الا ببينة لان كلامه تناول ذلك
العبد الذي ظهر ملكه فيه باعتبار الظاهر فيكون هو متهما في صرفه عنه الامن لا يعلم
84

فلا يصدقه القاضي الا بحجة ولو قال أبيعك عبدا بكذا ولم يسمه ولم يره المشترى فالبيع باطل
لأنه أوجبه في مجهول وايجاب البيع في المجهول باطل وهذه جهالة تفضى إلى المنازعة بينهما فان
اتفقا أنه هذا فالبيع جائز لان الجهالة والمنازعة قد ارتفعت باتفاقهما وكان بيانهما في الانتهاء بمنزلة
التعيين في الابتداء وان قال أبيعك عبدي بكذا ولم يسم كان المشترى بالخيار إذا رآه لأنه عرفه
بالإضافة إلى نفسه فكان بمنزلة التعريف بالإشارة إلى مكانه وليس في ذلك المكان مسمى بذلك
الاسم الا واحد وثبوت الخيار للمشترى لعدم الرؤية (قال) وليس هذا كالعتق وظن
بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى أن مراده الفرق بينهما في اثبات خيار الرؤية وليس كذلك
بل المراد هو الفرق لان ايجاب العتق في المجهول صحيح بخلاف ايجاب البيع حتى لو قال أعتقت
عبدا وليس له الا عبد واحد يعتق ذلك العبد بخلاف ما لو قال بعتك عبدا لان
المنازعة تتمكن بسبب الجهالة في البيع دون العتق والبيان من المولى مقبول في العتق لأنه
ايجاب لا يقابله استيجاب بخلاف البيع ولو قال أحد عبدي حر أو أحد عبيدي حر وليس
له الا عبد واحد عتق ذلك العبد لأنه عرف محل العتق بإضافته إلى نفسه بالملكية وإذا كان
المضاف إليه بالملكية واحدا كان متعينا لايجابه ولو قال لعبديه أحدكما حر عتق أحدهما
لا بعينه لان العتق يحتمل التعليق بالشرط فيصح ايجابه في المجهول كالطلاق وهذا لان
المتعلق بالشرط إنما ينزل عند وجود الشرط والايجاب في المجهول في حق العين كالمتعلق
بشرط البيان فيما يحتمل التعليق بالشرط فيصح ايجابه في المجهول فان مات أحدهما أو قتل
تعين العتق في الآخر لان الذي مات خرج من أن يكون محلا لايقاع العتق عليه والعتق
المبهم في حق المعين كالنازل عند البيان فلا بد من بقاء لمحل ليبقى خياره في البيان وعدم
التعين في الباقي منهما كان لمزاحمة الآخر إياه وقد زالت هذه المزاحمة بخروج أحدهما من
أن يكون محلا للعتق فلهذا يتعين في الآخر وهذا بخلاف البيع فإنه لو اشترى أحد العبدين
وسمى لكل واحد منهما ثمنا وشرط الخيار لنفسه ثم مات أحدهما تعين البيع في الهالك وهنا
يتعين العتق في القائم قال على القمي وفى الحقيقة لا فرق بينهما لان الهالك يهلك على ملكه
في الفصلين والأصح أن يقول هناك حين أشرف أحدهما على الهلاك تعين البيع فيه لأنه
تعذر عليه رده كما قبض فإنما يتعين للبيع وهو حي لا ميت وهنا لو تعين العتق فيه تعين بعد
الموت لأنه بالاشراف على الهلاك لا يخرج من أن يكون محلا للعتق وبعد الموت هو ليس
85

بمحل للعتق فيتعين في القائم ضرورة وكذلك لو باع أحدهما أو وهبه لأنه اكتسب فيه سبب
التمليك والمعتق لا يكون محلا للتمليك فمن ضرورة اكتساب سبب التمليك فيه نفى العتق عنه
وذلك يخرجه من مزاحمة الآخر في ذلك العتق وهذا لان تصرف العاقل محمول على الصحة
ما أمكن ومن ضرورة صحة هذا التصرف انتفاء ذلك العتق عن هذا المحل وكذلك لو دبر أحدهما
صح تدبيره لأنهما مملوكاه في الظاهر ومن ضرورة صحة التدبير انتفاء ذلك العتق عنه لان
المعتق لا يدبر وهذا لان التدبير تعليق للعتق بالشرط والعتق في محل واحد غير متعدد فمن
ضرورة تنجزه بطلان التعلق بالموت ومن ضرورة صحة تعليقه بالموت انتفاء تنجز العتق فيه قبله
وكذلك لو كانا أمتين فوطئ إحداهما فعلقت منه لأنها صارت أم ولد له فمن ضرورة صحة أمية
الولد استحقاق العتق بها انتفاء العتق المنجز عنها وإذا انتفي عن إحداهما تعين في الأخرى لزوال
المزاحمة ولو وطئ إحداهما ولم تعلق منه فكذلك الجواب في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما
الله تعالى وفى قول أبي حنيفة لا يتعين العتق في الأخرى بل يبقى خياره في البيان وجه قولهما ان
الوطئ تصرف لا يحل الا بالملك فاقدامه عليه في إحداهما دليل تعيين الملك فيها ومن ضرورته
انتفاء ذلك العتق عنها فتعين في الأخرى وقاسا بما بينا من التصرفات وبما لو قال لامرأتين
له إحداكما طالق ثلاثا ثم وطئ إحداهما تعين الطلاق في الأخرى وهذا لان فعل المسلم
محمول على الحل ما أمكن لان عقله ودينه يمنعه من الحرام ووطؤهما جميعا ليس بحلال له حتى
لا يفتي له بذلك فكان من ضرورة حل الوطئ في إحداهما انتفاء العتق عنها ألا ترى أنه لو
باع جارية على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم وطئها في مدة الخيار يصير فاسخا للبيع وهناك
الجارية باقية على ملكه ووطؤها حلال له ثم كان من ضرورة الاقدام على الوطئ انتفاء سبب
المزيل عنها فهنا أولى وكذلك لو باع احدى الأمتين وسمي لكل واحدة منهما ثمنا وشرط
الخيار لنفسه ثم وطئ إحداهما فليس له أن يعين البيع فيها بعد ذلك وكذلك أن كان
المشترى بالخيار فوطئ إحداهما تعين البيع فيها لاثبات صفة الحل لفعله فهذا قياسه وأبو
حنيفة رحمه الله تعالى يقول وطؤهما جميعا مملوك له والوطئ في الملك بمنزلة الاستخدام لأنه
من حيث الحقيقة ليس في الوطئ الا استيفاء المنفعة وإنما تظهر المفارقة بينهما من طريق
الحكم وذلك في غير الملك فبقي في الملك الوطئ نظير الاستخدام وبيان ان وطأهما مملوك
له أما من حيث الحكم فلأنهما لو وطئهما بالشبهة كان الواجب عقر المملوكتين وكان ذلك كله
86

للمولى وإنما يملك البدل بملك الأصل ومن حيث الحقيقة فلأنهما كانتا مملوكتين له قبل ايجاب
العتق وإنما أوجب العتق في نكرة وكل واحدة منهما بعينها معرفة والمنكر غير المعرف فلا يجوز
ايجاب العتق في المعين قبل بيانه لأنه ايجاب في غير المحل الذي أوجبه ولا يقول هو في الذمة كما
توهمه بعض أصحابنا رضي الله عنهم لأنه ما أوجبه في الذمة ولكن قول هو في المنكر كما أوجبه
وعدم التعين لا يمنع صحة الايجاب فيما هو أضيق من هذا معنى حتى لو باع قفيزا من صبرة
جاز فلأن لا يمنع صحة الايجاب هنا أولى ولكن الايجاب في المنكر كالمتعلق بشرط البيان
في حكم العين والتعليق بالشرط يمنع الوصول إلى المحل وفيما لا يحتمل التعليق بالشرط كالبيع
المعتبر انتفاء معني المنازعة لصحة الايجاب فإذا بقيت كل واحدة منهما مملوكة له عينا بقي
وطئ كل واحدة منهما مملوكا له ولكن لا يفتى بالحل لان المنكر الذي وجب فيه العتق
فيهما والحل والحرمة مبنى على الاحتياط فلهذا لا يفتى بحل وطئهما له وإن كان وطؤهما مملوكا
له وهذا بخلاف النكاح فان ملك النكاح ليس إلا ملك الحل والطلاق موجبه الأصلي
حرمة المحل ولا يجتمع الوصفان في محل واحد فمن ضرورة كون ملك المتعة باقيا له في
الموطوءة انتفاء التطليقات عنها فيتعين في الأخرى واما العتق يزيل ملك الرقبة وحل الوطئ
باعتبار ملك المتعة لا باعتبار ملك الرقبة وليس من ضرورة ملك المتعة في محل انتفاء
العتق عن ذلك المحل ولا يقال هنا لا سبب لملك المتعة الا ملك الرقبة ومن ضرورة انتفاء
ملك الرقبة انتفاء ملك المتعة الثابت بسببه لان ما كان طريقه طريق الضرورة تعتبر فيه
الجملة لا الأحوال ألا ترى أن الجارية المبيعة إذا جاءت بولد لأقل من ستة أشهر فقطعت
يد الولد أخذ المشترى الأرش ثم ادعى البائع نسب الولد بطل البيع وحكم بحرمة الأصل
للولد وبقي الأرش سالما للمشترى ولا سبب في هذا الموضع لملكه الأرش سوى ملك
الرقبة ثم نظر إلى الجملة دون الأحوال وكذلك لو اشترى لحما فأخبره عدل أنه ذبيحة
مجوسي يحرم عليه تناوله وسبب الملك هنا ملك العين ولما كان حل التناول يثبت في
الطعام في الجملة من غير ملك نظر إلى الجملة دون الأحوال بخلاف حل الوطئ إذا تقرر
هذا فنقول لا منافاة بين ملك المتعة والحرية في محل واحد ابتداء وبقاء في الجملة وأكثر
ما في الباب أن يكون إقدامه على الوطئ دليل بقاء ملك المتعة له في هذا المحل وذلك لا يوجب
منافاة الحرية عنه ضرورة توضيحه ان وطئ إحداهما دليل الحرمة في الأخرى والتصريح
87

بالحرمة يجوز أن يقع به الطلاق بأن يقول لامرأته أنت على حرام بنية الطلاق فكذلك
ما يدل على الحرمة في الأخرى يحصل به البيان فأما التصريح بالحرمة لا ينزل به العتق
فكذلك البيان لا يحصل بما يكون دليل الحرمة في إحداهما لا البيان في حق المحل
كالايجاب ابتداء ولهذا لا يصح بعد الموت فاما في البيع بشرط الخيار لو لم يجعله فاسخا
للبيع بالوطئ لكان إذا جاز البيع يملكه المشترى من وقت العقد حتى لو وطئت بالشبهة
كان الأرش للمشترى فتبين به ان البائع وطئها في غير ملكه فلهذا جعلناه بيانا وهنا لو عين
العتق في الموطوءة لا يتبين انعدام ملكه فيها سابقا على الوطئ بدليل انها لو وطئت بشبهة
يكون الأرش سالما للمولى وان عين العتق فيها مع أن فسخ البيع هناك يحصل بالجناية
وهنا لا يحصل بجنايته علي إحداهما بالبيان فكذلك بالوطئ وكذلك في بيع احدى الأمتين
أما إذا كان الخيار للمشترى فلانه لا يملك إحداهما الا بعد تعيين البيع فيها وإذا كان الخيار
للبائع فلانه لو عين البيع فيها بعد الوطئ يثبت الملك للمشترى من وقت البيع ويتبين أنه
وطئها في غير ملكه فللتحرز عن هذا تعين البيع في الأخرى ضرورة وذكر ابن سماعة
عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى أنه لو قبل إحداهما أو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها
فكذلك أيضا لأن هذه الأفعال لا تحل الا في الملك كالوطئ ولو أعتق إحداهما بعينها ثم قال
إياها كنت عنيت بذلك العتق الأول كان مصدقا أما عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما
الله تعالى فلان العتق الأول في حق العين لم يكن نازلا حتى يقال له أوقع فكان هذا ايقاعا
لذلك العتق في العين وعند محمد رحمه الله تعالى هو نازل في إحداهما حتى يقال له بين على
ما ذكره في الزيادات ولكن لفظه في الايقاع والبيان يتقارب والبيان مستحق عليه فيحمل
فعله على الوجه المستحق وان قال أردت به الايقاع ابتداء صح ايقاعه لأنها بقيت على ملكه
بعد العتق المبهم محلا قابلا لتصرفه وبتقرر ايقاعه يخرج عن أن تكون محلا لذلك العتق المبهم
فيتعين في الأخرى كما لو دبر إحداهما ولو فقأ رجل عين إحداهما فالمولى على خياره لان
المفقوء عينها محل للعتق كالأخرى وسواء أوقع العتق عليها أو على الأخرى فالواجب على
الفاقئ أرش عين الأمة للمولى أما إذا أوقع على الأخرى فلا اشكال فيه وكذلك إذا أوقع
على المفقوء عينها لأنها كانت مملوكة حين فقئت عينها فصار أرش عين المملوكة مستحقا
للمولى ثم ايقاع العتق عليها يعمل فيما بقي منها دون ما فات ونظيره أرش اليد في ولد
88

الجارية المبيعة إذا ادعي البائع نسبه انه يبقي سالما للمشترى وان قال كنت عنيتها حين أوقعت العتق
أو قال كنت أوقعت العتق عليها قبل فق ء العين لم يصدق في حق الجاني لان الواجب
عليه أرش مملوكة فهو بهذا الكلام يريد أن يلزمه أرش عين حرة ولكنه يصدق على نفسه
حتى يكون ذلك الأرش لها لأنه هو المستحق للأرش ظاهرا وقد أقر به لها فاقراره صحيح
في حق نفسه ولو قتلهما رجل واحد فان قتل إحداهما قبل الأخرى فعليه قيمة الأولى
للمولى ودية أخرى لورثتها لان بقتل إحداهما يتعين العتق في الأخرى ضرورة
فتبين أنه قتلها وهي حرة وان قتلهما معا كان عليه قيمة أمة ودية حرة ان استوت القيمتان وان
اختلفت فعليه نصف قيمة كل واحدة منهما ونصف دية حرة لأنا نتيقن أنه قتل حرة وأمة
وقتل الحر يوجب الدية وليست إحداهما بأولى من الأخرى فيلزمه نصف قيمة كل واحدة
منهما ونصف ديتها لان البيان فات حين قتلتا وعند فوت البيان يشيع العتق فيهما (فان قيل)
إذا لم يكن العتق نازلا في إحداهما كيف يجب عليه دية حرة (قلنا) هذا إنما يلزم من يقول
أن العتق نازل في الذمة ونحن قلنا أن العتق نازل في المنكر وذلك المنكر فيهما لا يعدوهما
فعند اتحاد القاتل يعلم أنه قاتل للمنكر الذي نزل فيه العتق وهو بمنزلة ما قال في الجامع لو
أوصى لرجل بأحد عبديه ثم مات فأعتقهما الموصى له ثم عين الوارث وصيته في أحدهما
تعين ذلك المعين من قبله ثم نصف ما وجب في بدل نفس كل واحدة منهما يكون لمولاها
والنصف لورثتها لان كل واحدة منهما ان كانت حرة فبدل نفسها لوارثها وان كانت أمة
فبدل نفسها لمولاها فيتوزع نصفين للمساواة ولو قتلهما رجلان كل واحد منهما قتل
إحداهما فإن كان على التعاقب فعلى القاتل الأول قيمة الأولى لمولاها وعلى القاتل الثاني ديتها
لورثتها لان العتق تعين فيها وإن كان معا فعلى كل واحد منهما قيمة أمة لان كل واحد من
القاتلين إنما قتل إحداهما بعينها والعتق في حق العين كأنه غير نازل فكانت كل واحدة منها
مملوكة عينا وإنما نزول العتق في المنكر ولا يتيقن أن كل واحد منهما قاتل لذلك المنكر
فإنما وجب على كل واحد منهما القدر المتيقن به وهو القيمة ولم يبين في الكتاب أن ذلك
للمولى أو لورثتها وقيل هذا والأول سواء النصف للمولى من كل واحدة منهما والنصف
للورثة لان في حق المولى الحرية ثابتة في إحداهما فلا يستحق بدل نفسها فيتوزع ذلك
نصفين لهذا ولو قطع أيديهما رجل واحد جميعا معا أو إحداهما قبل الأخرى أو فعل
89

ذلك رجلان كان الواجب أرش يدي مملوكتين ويسلم ذلك كله للمولى لان بعد قطع اليد
يبقى خيار المولى لبقاء كل واحدة منهما محلا للعتق وما بقي خيار المولى لا يكون العتق نازلا في
عين إحداهما فإنما أبينت يد كل واحدة منهما على حكم الرق بخلاف الرق فإنه لا يبقى خيار المولى
في البيان بعد ما قتلت أو إحداهما وإذا لم يبق خياره لم يكن بد من الحكم بشيوع العتق فيهما
وإذا كان قاتلهما واحد نتيقن أنه قتل حرة وأمة وإن لم يجن عليهما أحد ولكن المولى مات قبل أن
يبين عتق من كل واحدة منهم نصفها وسعت في نصف قيمتها لان البيان فات بموت
المولى فان وارثه لا يخلفه في ذلك فإنه لا يقف على مراده ولان مجرد الخيار لا يورث ولما
فات البيان شاع العتق فيهما إذا ليست إحداهما بأولى من الأخرى وبعد ما عتق نصف
كل واحدة منهما يجب اخراج النصف الباقي إلى الحرية بالسعاية وان اختار المولى عند
الموت إحداهما عتقت كلها ولا يعتبر من ثلث ماله لان الايقاع كان منه في الصحة وقد تم
الاستحقاق به في حقه معتبرا من جميع ماله لأنه لا تنكير في جانبه فلا يتغير ذلك ببيانه عند
الموت وهو نظير ما لو طلق احدى نسائه الأربع قبل الدخول من غير عينها كان له أن
يتزوج أخرى لان إحداهن قد بانت في حقه فإنه لا تنكير في جانبه ولو جنت إحداهما
جناية قبل أن يختار المولى ثم اختار ايقاع العتق عليها بعد علمه بالجناية كان مختارا للجناية لأنه
كان متمكنا من أن يوقع العتق على الأخرى فايقاعه على هذه في حق أولياء الجناية بمنزلة اعتاق
مبتدأ لأنه يمتنع به دفعها فيصير مختارا للدية ولا يصدق في حقهم انه كان أرادها بذلك العتق
السابق وان مات المولى قبل البيان عتق من كل واحدة منهما نصفها وسعت كل واحدة
منهما في نصف قيمتها لورثة المولى وكان على المولى قيمة التي جنت في ماله لأنه تعذر
دفعها حين عنق نصفها على وجه لم يصر المولى مختارا بل صار مستهلكا بترك البيان في
الأخرى حتى مات فيلزمه قيمتها كما لو أعتق الجانية قبل أن يعلم بالجناية ولو باع إحداهما
على أنه بالخيار وقع العتق على الأخرى لان تصرفه بالبيع في إحداهما نافذ ومن ضرورة
نفوذه خروجها من أن تكون محلا لذلك العتق فيتعين في الأخرى وكذلك لو باع
إحداهما بيعا فاسدا وقبضها المشترى وهذا أظهر لان المشترى بالقبض قد ملكها فمن ضرورته
تعين العتق في الأخرى ولكن قيل لا معتبر بهذه الزيادة فسواء قبضها المشترى أولم يقبضها
تعين العتق في الأخرى لان البيع اسم خاص لتمليك مال بمال ففي قوله بعت هذا بكذا
90

اقرار بأنه لاحظ لها في ذلك العتق فيتعين في الأخرى ألا ترى أنه لو عرض إحداهما
على البيع تعين الأخرى للعتق محفوظ عن أبي يوسف رحمه الله تعالى فإذا باع إحداهما بيعا
فاسدا أولى وهذا لان دليل البيان ممن له الخيار كصريح البيان كما روى أن النبي صلى
الله عليه وسلم لما خير بريرة قال لها ان وطئك زوجك فلا خيار لك وكذلك لو باع إحداهما
بعينها على أن المشترى بالخيار عتقت الباقية وهذا أظهر لان المشترى لو أعتقها عتقت من
قبله فمن ضرورة هذا التصرف خروجها من أن تكون مزاحمة في ذلك العتق وكذلك لو
كاتب إحداهما لأنه بالكتابة يوجب لها ملك اليد في نفسها ومكاسبها بعوض وهذا
لا يتحقق في العتق فكان انتفاء العتق عنها من ضرورة تصرفه وكذلك لو رهن إحداهما
لأنه أثبت للمرتهن يد الاستيفاء في ماليتها بتصرفه ومن ضرورته انتفاء العتق عنها وكذلك لو
أجر إحداهما لأنه التزم تسليمها إلى المستأجر بولاية الملك ومن ضرورته انتفاء العتق عنها وان
استخدمها لم تعتق الباقية لأنه ليس من ضرورة استخدامه إياها انتفاء العتق عنها فالانسان قد
يستخدم الحرة خصوصا إذا كانت مولاة له ويحل له ذلك شرعا برضاها فلا يكون ذلك دليل
البيان وقد بينا ان الاعتاق من الصبي لا يجوز وهو مروى عن ابن عباس رضي الله عنه
ما وكذلك لو قال كل مملوك أملكه إذا احتملت فهو حر لان اليمين لا تنعقد الا بقول ملزم
وليس للصبي قول ملزم شرعا خصوصا فيما لا منفعة له فيه والمجنون كالصبي وإذا قال
الصحيح عبدي حر يوم أفعل كذا ففعل ذلك وهو معتوه عتق عبده الأعلى قول ابن أبي
ليلى رضى الله تعالى عنه فإنه يقول المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز والمعتوه
ليس من أهل تنجيز العتق ولكنا نقول العته لا يعدم ملكه ولا يمنع تحقق الفعل منه إنما
يهدر قوله ولا حاجة إلى قوله عند وجود الشرط والمعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز
بذلك التعليق السابق وقد صح منه وإذا أعتق الرجل عبده وهو من أهل الحرب في دار
الحرب ثم صار ذميا أو أسلم وعبده معه في يده فهو عبده وعتقه وتدبيره في دار الحرب
باطل عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى عتقه نافذ لأنه إزالة الملك
بطريق الابطال فيصح في دار الحرب كالطلاق ثم ملك الحربي أضعف من ملك المسلم
فإذا كان ملك المسلم يزول بالعتق مع تأكده بالاحراز فملك الحربي أولى وهما يقولان
لا فائدة في هذا العتق لأنه معتق بلسانه مسترق بيده وهو محل للاسترقاق والدار دار
91

القهر فعرفنا أنه غير مفيد شيئا ولان الاعتاق احداث قوة وإذا كان العبد حربيا لا يتحقق
فيه معنى احداث القوة لأنه عرضة للتملك ولهذا قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى أهل
الحرب بمنزلة الأرقاء حتى لو كان العبد مسلما كان العتق نافذا وبعض أصحابنا يقولون لا خلاف
في نفوذ العتق على ما فسره محمد رحمه الله تعالى في السير الكبير أنه إذا كان من حكم ملكهم
أنه يمنع المعتق من استرقاق المعتق فإنه ينفذ العتق وإنما الكلام في اثبات الولا على ما ذكره
الطحاوي ان عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا ولاء عليه للمعتق وله ان يوالي من
شاء وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى استحسن أن يكون ولاؤه للذي أعتقه لان الولاء
كالنسب ولا خلاف ان النسب يثبت في دار الحرب حتى لو قال المستأمن لغلمان في يده
هؤلاء أولادي أو لجوار في يده هن أمهات أولادي قبل ذلك منه فكذلك الولاء يثبت
في دار الحرب ثم يتأكد بالخروج إلى دار الاسلام ولا يبطل وهما يقولان ثبوت الولاء
للمعتق على المعتق حكم شرعي ودار الحرب ليس بدار الاحكام وهو أثر ملك محترم
ولا حرمة لملك الكافر ثم لو أحرز المملوك نفسه بدارنا لم يكن لاحد عليه ولاء فكذلك
المعتق والأصل فيه ما روى أن ستة من أهل الطائف خرجوا حين كان رسول الله صلى
عليه وسلم محاصرا لهم ثم خرج مواليهم يطلبون ولاءهم فقال صلى الله عليه وسلم أولئك عتقاء
الله إلا أن أبا يوسف رحمه الله تعالى يقول هناك لم يوجد من الموالي اكتساب سبب
الولاء وإنما زال ملكهم بتباين الدارين وهنا من المولى قد وجد اكتساب سبب الولاء بالعتق
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
(باب الشهادة في العتق)
(قال) رضي الله عنه وشهادة الشهود على عتق الأمة جائزة وان كانت هي منكرة لان
هذا فرج معناه أن عتق الأمة يتضمن تحريم فرجها على المولى وذلك من حق الشرع وفيما هو
حق الله تعالى الشهادة تقبل حسبة من غير الدعوى (فان قيل) فعلى هذا ينبغي أن يكتفي بشهادة
الواحد لأنه أمر ديني وخبر الواحد فيه حجة تامة (قلنا) خبر الواحد إنما يكون حجة في
الامر الديني إذا لم تقع الحاجة إلى التزام المنكر وهنا الحاجة ماسة إلى ذلك ولان في هذا إزالة
الملك والمالية عن المولى وخبر الواحد لا يكفي لذلك فلهذا لا بد من أن يشهد به رجلان
92

(فان قيل) فإذا كانت هي أخته من الرضاعة قبلت الشهادة على عتقها مع جحودها وليس
فيه تحريم الفرج هنا (قلنا) بل فيه معنى الزنا لان فعل المولى بها قبل العتق لا يلزمه الحد
وبعد العتق يلزمه الحد وبضعها مملوك للمولى وإن كان هو ممنوعا عن وطئها للمحرمية ألا ترى
أنه يزوجها وان بدل بضعها يكون له فيزول ذلك الملك باعتاقها ولان الأمة في انكار العتق
متهمة لما لها من الحظ في الصحبة مع مولاها ولا معتبر لانكار من هو متهم في انكاره
فجعلناها كالمدعية لهذا فأما الشهادة على عتق العبد لا تقبل مع جحود العبد في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى وتقبل في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وجه قولهما أن
المشهود به حق الشرع وعدم الدعوى لا يمنع قبول الشهادة عليه كعتق الأمة وطلاق
الزوجة وبيان ذلك أن المشهود به العتق وهو حق الشرع ألا ترى أنه لا يحتاج فيه إلى
قبول العبد ولا يرتد برده وانه مما يجوز أن يحلف به وإنما يحلف بما هو حق الشرع وان
ايجابه في المجهول صحيح ولا يصح ايجاب الحق للمجهول ويتعلق به حرمة استرقاقه وذلك حق
الشرع قال النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة وذكر في جملتهم من استرق
الحر ويتعلق به حكم تكميل الحدود ووجوب الجمعة والأهلية للولايات ثم الاسترقاق على
أهل الحرب عقوبة بطريق المجازاة لهم حين أنكروا وحدانية الله فجازاهم على ذلك بان
جعلهم عبيد عبيده فازالته بعد الاسلام يكون حقا للشرع ولهذا كانت قربة تتأدى بعض
الواجبات بها والدليل عليه ان التناقض في الدعوى لا يمنع قبول البينة حتى لو أقر بالرق ثم
ادعي حرية الأصل وأقام البينة قبلت بينته والتناقض يعدم الدعوى وحجة أبي حنيفة
رحمه الله قول عليه الصلاة والسلام ثم يفشوا لكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد
فقد جعل أداء الشهادة قبل الاستشهاد من امارات الكذب فظاهره يقتضي أن لا يكون
مقبولا منه الا حيث خص بدليل الاجماع والمعنى فيه أن إزالة ملك اليمين بالقول ولا
يتضمن معنى تحريم الفرج فلا تقبل الشهادة فيه الا بالدعوى كالبيع وتأثيره ان المشهود
به حق العبد لان الاعتاق احداث قوة المالكية والاستبداد فيتضمن انتفاء ذل المالكية
والرق وذلك كله حق العبد فأما ما وراء ذلك من ثمرات العتق فلا يعتبر ذلك وإنما يعتبر
المشهودية فإذا كان حقا للعبد يتوقف قبول البينة على دعواه ونحن نسلم أن في السبب معني
حق الشرع ولهذا لا يتوقف على قبوله ولا يرتد برده ولكن هذا لا يدل على قبول البينة
93

فيه من غير الدعوى كالعفو عن القصاص ثم العبد غير متهم في هذا الانكار لان العاقل
لا يجحد الحرية ليستكسبه غيره فينفق عليه بعض كسبه ويجعل الباقي لنفسه فصح انكاره
وصار به مكذبا لشهوده بخلاف الأمة لأنها متهمة في الانكار على ما قلنا حتى لو كان العبد
متهما بأن كان لزمه حد قذف أو قصاص في طرف فأنكر العتق تقبل الشهادة ومن
أصحابنا من قال التناقض إنما يعدم الدعوى فيما يحتمل الفسخ بعد ثبوته لان أول كلامه
ينقض آخره وآخره ينقض أوله فاما فيما لا يحتمل النقض بعد ثبوته فلا معتبر بالتناقص كما
في دعوى النسب فان الملاعن إذا أكذب نفسه ثبت النسب منه ولا ينظر إلى تناقضه في
الدعوى ولا ناقض لحرية الأصل في دارنا فالتناقض فيه لا يكون معدما للدعوى وهذا
ضعيف فان من أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه بعدما أقر بنسب ولد أمته لغيره لو ادعاه
لنفسه لا يصح للتناقض والنسب لا يحتمل القض والوجه ان يسلك فيه طريقة الشبهين
فنقول من حيث السبب المشهود به من حق الشرع بمنزلة طلاق الزوجة وعتاق الأمة ومن
حيث الحكم المطلوب بالسبب هو حق العبد كما بينا وما تردد بين الشبهين يوفر حظه
عليهما فلشبهه بحقوق العباد قلنا الشهادة لا تقبل بدون الدعوى ولشبهه بحق الشرع قلنا التناقض
في الدعوى لا يمنع قبول البينة عليه وإذا شهدوا انه أعتق عبده سالما ولا يعرفون سالما وله عبد
واحد اسمه سالم فإنه يعتق لما بينا ان ايجاب العتق في المجهول صحيح ولان ملكه متعين لما أوجبه
فبأن لا يعرف الشهود العبد لا يمنع قبول شهادتهم كما أن القاضي يفضى بالعتق إذا سمع هذه المقالة
من المولى وإن كان هو لا يعرف العبد ولو شهدوا به في البيع أبطلته لما بينا ان الجهالة التي تفضى
إلى المنازعة تمنع صحة البيع وإذا لم يعرف الشهود العبد فهذه جهالة تفضي إلى المنازعة ويتعذر على
القاضي القضاء لأجله بالشهادة وإذا شهدوا عليه بعتق عبد بعينه واختلفا في الوقت أو المكان أو
اللفظ أو اللغة أو شهد أحدهما أنه أعتقه وشهد الآخر أنه أقر انه أعتقه فالشهادة جائزة لان
العتق قول يعاد ويكرر فلا يختلف المشهود به باختلافها في الزمان والمكان ولا باختلافهما في
اللغة وصيغة الاقرار والانشاء في العتق واحد وان اختلفا في الشرط الذي علق به العتق لم يجز
لان أحدهما يشهد بعتق يتنجز عند دخول الدار والآخر بعتق يتنجز عند كلام فلان
والكلام غير الدخول فلا يتمكن القاضي من القضاء بواحد من الشرطين وان اتفقا على
أنه قال له ان دخلت الدار فأنت حر وقال المولى إنما قلت له ان كلمت فلانا فأنت حر فأيهما
94

فعل فهو حر لان التعليق بشرط الدخول ثبت بشهادة شاهدين وبكلام فلان باقرار المولى
ولا منافاة بينهما ولو شهد أحدهما أنه أعتقه بجعل والآخر أنه كان بغير جعل لم تقبل الشهادة
لان أحدهما يشهد بعتق متعلق بقبول البدل والآخر بعتق بات ولان العتق بجعل يخالف العتق
بغير جعل في الاحكام وكذلك لو اختلفا في مقدار الجعل والمولى ينكر ذلك فالشهادة
لا تقبل سواء أدعى العبد أقل المالين أو أكثرهما لان أحدهما يشهد بعتق متعلق بقبول
الف والآخر بقبول الف وخمسمائة وإن كان المولى هو المدعى والعبد منكر فإن كان يدعى
أقل المالين عتق العبد لا قرار المولى بحريته ولا شئ عليه لأنه أكذب أحد شاهديه وهو
الذي شهد له بألف وخمسمائة وان ادعى العتق بألف وخمسمائة قضى عليه بألف لان الشهادة هنا لا تقوم
على العتق فالعبد قد عتق باقرار المولى وإنما تقوم على المال ومن ادعى ألفا وخمسمائة وشهد له
شاهد بألف وآخر بألف وخمسمائة يقضى بالألف لاتفاق الشاهدين لفظا ومعني وإذا شهد
شاهدان انه أعتقه ان دخل الدار وآخران ان كلم فلانا فأيهما وجد عتق العبد لان كل واحد
من التعليقين ثبت بحجة كاملة ولا تنافى بينهما وان ادعى الغلام انه أعتقه بألف وأقام شاهدين
وادعاه المولى بألفين وأقام شاهدين فالبينة بينة المولى لأنه يثبت الزيادة في حقه ببينته وان أقام
العبد بينة أنه قال إذا أديت إلى ألفا فأنت حر وأنه قد أداها وأقام المولى بينته أنه إنما قال له إذا
أديت إلى ألفين فأنت حر فالعبد حر ولا شئ عليه غير الألف الذي أداه لان العبد يثبت ببينته
تنجز الحرية فيه وهو حقه ولأنه يجعل كان الامرين كانا إذا لا منافاة بينهما ولو عاينا وجود
الكلامين من المولى تخير العبد وعتق بأداء أي المالين اختاره ولو أقام العبد البينة أنه باعه
نفسه بألف فأقام المولى البينة انه باعه نفسه بألفين كانت البينة بينة المولى لان العتق يتنجز
بالقبول هنا فكان اثبات الزيادة في بينة المولى بخلاف الأول (قال) في الأصل ولو باعه
نفسه بألف درهم فأداها من مال المولى كان حرا وللمولى أن يرجع عليه بمثلها والعتق هنا
حصل بالقبول لا بأداء المال وإنما يتحقق هذا الفصل فيما إذا علقه بالأداء والوجه فيه أن
نزول العتق بوجود الشرط وقد وجد وإن كان المؤدى مسروقا أو مغصوبا من المولى ثم رد
هذا المال على المولى كان مستحقا عليه فيقع من الوجه المستحق في الحكم ويكون له أن
يرجع عليه بمثله وان شهد للعبد ابناه أو أبوه وأمه أن مولاه أعتقه فشهادتهما باطلة
لأنها تقوم لمنفعة العبد وهؤلاء متهمون في حقه ولا شهادة لمتهم والعتق يثبت مع الشبهات
95

فيثبت بالشهادة على الشهادة وشهادة النساء مع الرجال وإذا رجع شهود العتق بعد القضاء
لم يبطل العتق لأنهما لا يصدقان في ابطال الحكم ولا في ابطال حق العبد ولكنهما يضمنان
قيمته لأنهما أتلفا ماليته على المولى وقد أقر بالرجوع أنهما أتلفاه عليه بغير حق والمعتبر في الضمان عند الرجوع بقاء من بقي على الشهادة لا رجوع من رجع وقد بينا هذا في الطلاق وان
شهد شاهدان بعتقه فلم يحكم بشهادتهما للتهمة ثم ملكه أحدهما عتق عليه لأنه قد أقر بحريته
وذلك الاقرار صحيح لازم في حقه إلا أنه لم يكن عاملا لانعدام الملك له في المحل فإذا وجد
الملك عمل وكان كالمجدد للاقرار بعد ما ملكه فيكون حرا من ماله وإذا شهدا بعتقه فحكم
بشهادتهما ثم رجعا عنه فضمنا قيمته ثم قامت بينة غيرهم بأن المولى قد كان أعتقه فان شهدوا
أنه أعتقه بعد شهادة هؤلاء لم يسقط عنهم الضمان بالاتفاق لأنهم شهدوا بما هو لغو فإنه
عتق بقضاء القاضي والمعتق لا يعتق وان شهدوا أنه أعتقه قبل شهادة هؤلاء لم يرجعوا بما
ضمنوا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
يرجعون على المولى بما ضمنوا وهذا بناء على ما بينا أن عندهما الشهادة على عتق العبد تقبل
من غير دعوى فثبت بشهادة الفريق الثاني حرية العبد من الوقت الذي شهدوا به وإن لم
يكن هناك مدعيا لذلك ثم تبين به أن الفريق الأول لم يتلفوا على المولى شيئا بشهادتهم وانه أخذ
ما أخذ منهم بغير حق وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا تقبل الشهادة على عتق العبد من غير
الدعوى ولا مدعى لما يشهد به الفريق الثاني فان العبد قد حكم بحريته فلا يمكنه أن يدعى
العتق والفريق الأول لما شهدوا بأنه أعتقه في وقت لا يمكنهم أن يدعوا عتقا في وقت
سابقا عليه للتناقض فلانعدام الدعوى لا تقبل شهادة الفريق الثاني ولا يجب على المولى
رد شئ مما أخذه من الفريق الأول ولو قيد رجل عبده ثم قال إن لم يكن في قيده عشرة
أرطال حديد فهو حر وان حل قيده فهو حر فشهد شاهدان أن في قيده خمسة أرطال حديد
فقضى القاضي بعتقه ثم حل القيد فإذا فيه عشرة أرطال فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الشهود
يضمنون قيمته للمولى وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الأول وفي قول الآخر وهو قول
محمد رحمه الله تعالى لا يضمنون له شيئا وهذا بناء على أن قضاء القاضي بالعتق بشهادة الزور عند
أبي حنيفة رحمه الله ينفذ ظاهر وباطنا وفي قول أبى يوسف رحمه الله الآخر وهو قول محمد
رحمه الله تعالى ينفذ ظاهرا لا باطنا فتبين ان قضاء القاضي بشهادتهما لم يكن نافذا في الباطن وان
96

العبد إنما عتق بحل القيد لا بشهادتهما فلا يضمنان عندهما شيئا وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
إنما عتق العبد بقضاء القاضي لنفوذ قضائه ظاهرا وباطنا وقضاء القاضي كان بشهادتهما فلهذا
ضمنا قيمته لأنا علمنا أنهما شهدا بالباطل (فان قيل) هما إنما شهدا بشرط العتق لأنهما شهدا
بوزن القيد انه دون عشرة أرطال وذلك شرط العتق ولا ضمان على شهود الشرط (قلنا) لا
كذلك بل شهدا بتنجيز العتق لأنهما زعما ان المولى علق عتقه بشرط موجود والتعليق
بشرط موجود يكون تنجيزا حتى يملكه الوكيل بالتنجيز وشهود تنجيز العتق يضمنون عند
الرجوع (فان قيل) قضاء القاضي إنما ينفذ عند أبي حنيفة رحمه الله إذا لم يتيقن ببطلانه
فاما بعد التيقن ببطلانه لا ينفذ كما لو ظهر أن الشهود عبيد أو كفار وهنا قد تيقنا ببطلان
الحجة حين كان وزن القيد خمسة أرطال وبعد ما علم كذبهم بيقين لا ينفذ القضاء باطنا فإنما
عتق بحل القيد (فلنا) لا كذلك بل نفوذ القضاء عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى باعتبار انه
يسقط عن القاضي تعرف ما لا طريق له إلى معرفته وهو حقيقة صدق الشهود ولا يسقط
عنه الوقوف على ما يتوصل إليه من كفرهم ورقهم لان التكليف يثبت بحسب الوسع
وقد تعذر على القاضي هنا الوقوف علي حقيقة وزن القيد لأنه لا يعرف ذلك الا بعد أن
يحله وإذا حله عتق العبد فيسقط عنه حقيقة معرفة وزن القيد ونفذ قضاؤه بالعتق بشهادتهما
ظاهرا وباطنا (فان قيل) كذلك فقد يمكنه معرفة وزن القيد قبل أن يحله بأن يضع
رجلي العبد مع القيد في طست ويصب فيه الماء حتى يعلو القيد ثم يجعل على مبلغ الماء علامة
ثم يرفع القيد إلى ساقه ويضع حديدا في الطست إلى أن يصل الماء إلى تلك العلامة ثم يزن
ذلك الحديد فيعرف به وزن القيد (قلنا) هذا من أعمال المهندسين ولا تنبنى أحكام الشرع
على مثله مع أنه إنما يعرف وزن القيد بهذا الطريق إذا استوى الحديدان في الثقل ولا يعرف
ذلك ولو شهدا أنه أعتق عبده سالما وله عبدان اسم كل واحد منهما سالم والمولى يجحد
ذلك لم يعتق واحد منهما في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأنه لا بد من الدعوى
لقبول الشهادة عنده والدعوى لا تتحقق من المشهود له لأنه غير معين منهما ولا يتمكن
الشهود من تعيينه فبطلت شهادتهما لهذا وان قالا قد سماه لنا فنسينا اسمه فشهادتهما باطلة
لا قرارهما على أنفسهما بالغفلة وبانهما ضيعا شهادتهما وحكي عن زفر رحمه الله تعالى ان
الشهادة تقبل ويقال للمولى بين لأنهما ثبتان كلام المولى فثبت بشهادتها ان المولى أعتق عبدا
97

له والجهالة لا تمنع صحة العتق فكان المولى مجبرا على البيان ولو شهدا أنه أعتق أحد عبديه
بغير عينه والمولى يجحد ذلك فشهادتهما باطلة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان الدعوى
شرط لقبول البينة على العتق عنده والدعوى من المجهول لا تتحقق إنما تتحقق الدعوى من
كل واحد منهما بعينه والمشهود به عتق في منكر لا في معين فلا تقبل وعند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله تعالى في هذه المسألة وفى مسألة الشهادة تقبل ويؤمر المولى بالبيان لان
الشهادة على العتق عندهما تقبل من غير دعوى فيثبت به أن المولى أعتق أحدهما بعير عينه
فيؤمر بالبيان لهذا وكذلك لو شهدا بأنه أعتق احدى أمتيه (فان قيل) في هذا الفصل
ينبغي أن تقبل الشهادة عندهم جميعا لان أبا حنيفة رحمه الله تعالى لا يشترط الدعوى في
الشهادة على عتق الأمة (قلنا نعم إنما لا يشترط الدعوى في الشهادة على عتق
أمة بعينها لما فيها من تحريم الفرج فأما العتق المبهم لا يوجب تحريم الفرج عنده ولهذا قال
لا يكون الوطئ بيانا فلهذا كان الجواب في العبد والأمة سواء هنا الا ان شهدا أن هذا
كان عند الموت منه فحينئذ تقبل شهادتهما عنده استحسانا وفى القياس لا تقبل لانعدام
شرط القبول وهو الدعوى كما لو كان ذلك في حال حياته وصحته والاستحسان وجهان.
أحدهما أن العتق المبهم يشيع فيهما بالموت حتى يعتق من كل واحد منهما نصفه فتتحقق
الدعوى من كل واحد منهما والثاني أن العتق في مرض الموت بمنزلة الوصية حتى يعتبر من
الثلث ووجوب تنفيذ الوصية لحق الموصى فتتحقق الدعوى من وصيه أو وارثه هنا فلهذا
قبلت البينة ولو شهدا أن أحد هذين الرجلين أعتق عبده لم تجز شهادتهما لان المشهود عليه
مجهول وذلك يمنع قبول الشهادة فان الانكار شرط لقبول البينة والانكار من المجهول لا يتحقق
ولان القاضي لا يتمكن من القضاء على واحد منهما بهذه الشهادة وان أدعي العبد أو الأمة العتق
ولم يكن له بينة حاضرة لم يحل بين المولى وبين العبد لان بمجرد الدعوى لا يثبت استحقاق العبد
العتق فإنه خبر متمثل بين الصدق وبين الكذب والمخبر غير موثوق فيه لما له في ذلك من
الحظ والى هذا أشار عليه الصلاة والسلام في قوله لو أعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء
قوم وأموالهم واليد حق للمولى في مملوكه فكما لا يحوز ابطال الملك بمجرد الدعوى فكذلك
لا يجوز ابطال اليد بالحيلولة وكذلك أن أقام شاهدا واحدا لان الحجة لا تتم بشهادة
الواحد وهذا الجواب في العبد فاما في الأمة الحيلولة تثبت إذا ادعت ان شاهدها الآخر
98

حاضر احتياطا لامر الفرج وقد بينا هذا فيما أمليناه من شرح الجامع وان أقام شاهدين
حيل بينه وبين مولاه حتى ينظر في أمر الشاهدين وهذا إذا كان مولاه فاسقا أو مخوفا
عليه على ما فسرناه في الجامع والمعنى فيه أن الحجة هنا تمت من حيث الظاهر حتى لو قضى
القاضي بشهادتهما قبل أن تظهر عدالتهما نفذ قضاؤه فتثبت به الحيلولة احتياطا بخلاف ما إذا
أقام شاهدا واحدا فإذا شهد شاهد أنه أعتق عبدا له وشهد آخر انه وهبه لنفسه فهذا باطل
لأنهما اختلفا في المشهود به لفظا فان الهبة غير العتق وضعا لان الهبة تمليك والاعتاق
احداث القوة أو ابطال الملك واختلافهما في المشهود به لفظا يمنع قبول الشهادة وان شهدا
جميعا انه وهب عبده لنفسه فالعبد حر لأنه ملكه نفسه ومن ملك نفسه يعتق كالمراغم وقد
يجوز أن تكون الهبة اعتاقا كما لو شهدوا انه وهبه من قريبه وسلمه إليه فإنه يقضى بعتقه وقد
بينا فيما سبق أنه إذا قال لم أنو به العتق لا يصدق في القضاء وإذا قال له أنت حران فعلت
كذا وذلك من الأمور الظاهرة كالصوم والصلاة ودخول الدار ونحوه فقال العبد قد
فعلت لا يصدق إلا أن يقيم البينة أو يقر المولى لان العتق المعلق بالشرط إنما يتنجز عند
وجود الشرط فالعبد بدعواه وجود الشرط يدعى تنجيز العتق فيه وهو غير مصدق في
ذلك الا بحجة بخلاف قوله أنت كنت تحبني أو تبغضني لان ذلك لا يوقف عليه الا من
جهته فوجب قبول قوله في ذلك ما دام في مجلسه (فان قيل) فالصوم كذلك لأنه بينه وبين
ربه لا يقف عليه غير (قلنا) لا كذلك فان ركن الصوم هو الكف وذلك أمر ظاهر
يقف عليه الناس بوقوفهم علي ضده وهو الأكل ولو قال لرجل أعتق أي عبيدي شئت
فأعتقهم جميعا لم يعتق منهم الا واحد والامر في بيانه إلى المولى بخلاف ما لو قال أيكم شاء
العتق فهو حر فشاؤوا جميعا عتقوا لان كلمة أي فيها معنى العموم والخصوص من حيث إنها
تتناول كل واحد من المخاطبين على الانفراد فإذا أضاف المشيئة بها إلى خاص ترجح جانب
الخصوص فلا يتناول الا واحدا منهم وإذا أضاف المشيئة بها إلى عام يترجح جانب العموم
ولأن هذه الكلمة إنما توجب التعميم فيمن دخل تحتها دون من لم يدخل والداخل تحت
هذه الكلمة العبيد دون المخاطب بالمشيئة وإذا قال شئت فلا يكون شرط العتق الا مشيئة
واحدة وبالمشيئة الواحدة منه لا يعتق الا عبد واحد فاما في قوله شاء إنما أضاف المشيئة إلى العبيد
وكلمة أي اقتضت التعميم في العبيد فصارت مشيئة كل واحد منهم شرطا لعتقه فلهذا عتقوا
99

ثم البيان إلى المولى دون المخاطب بالمشيئة لان ما فوض إليه قد انتهي بوجود المشيئة منه بقي
العتق واقعا على أحدهم بغير عينه بايقاع المولى فالبيان إليه ولو قال أيكم دخل الدار فهو حر
فدخلوا عتقوا لان الشرط دخول من دخل تحت كلمة أي وكذلك لو قال أيكم بشرني
بكذا فهو حر فبشروه معا عتقوا لان الشرط وجود البشارة ممن دخل تحت كلمة أي فيتعمم
بتعميمه وان قال عنيت واحدا منهم لم يدين في القضاء وهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى
لأنه نوى التخصيص في اللفظ العام وان بشره واحد بعد واحد فالأول هو البشير ولا
يعتق غيره وقد بينا هذا في كتاب الطلاق أن البشارة اسم لخبر سار صدق غاب عن
المخبر علمه وإذا قال لآخر أخبر عبدي بعتقه أو انه جر أو بشره بعتقه فهو حر ساعة تكلم
به المولى أخبر العبد به أولم يخبر لان الباء للالصاق وإنما يتحقق الصاق الاخبار بعتق موجود
منه لا معدوم ولأنه لو أخبره بنفسه بأن قال أنت حر تضمن ذلك تنجيز العتق من جهته
حتى يكون خبره حقا فكذلك أن أمر غيره حتى يخبره به ويصير كأنه قال أعتقته فبشره
بذلك أو أخبره فيعتق سواء أخبره أولم يخبره وإذا قال لعبد له يا سالم أنت حر وهو يعني
انسانا بين يديه غير سالم فان سالم حر لأنه اتبع الايقاع النداء فإنما يتناول المنادى وإذا
قال أول عبد يدخل علي من عبيدي فهو حر فأدخل عليه عبد ميت ثم أدخل عليه عبد حي
فإنه يعتق الحي قال لأنه هو الأول ولا يحتسب بالميت ولا يكون الميت أولا وآخرا ومعني
هذا أن الادخال عليه للاكرام أو الإهانة ولا يتحقق ذلك في الميت فيصير الحياة ثابتا بمقتضى
كلامه وكأنه قال أول عبد حي من عبيدي ولأنه جازاه بالحرية وإنما يجازي به الحي دون
الميت لان الميت ليس بمحل لايجاب العتق فيه والثابت بمقتضى الكلام كالثابت بالنص وان
أدخل عليه عبدان حيان جميعا معالم يعتق واحد منهما لان الأول اسم لفرد سابق لا يشاركه
فيه غيره ولم يتصف واحد منهما بالفردية عند الادخال عليه فان أدخل بعدهما عبد آخر لم
يعتق لأنه وان اتصف بالفردية فلم يتصف بالسبق فقد تقدمه عبدان ولو قال أول عبد
أملكه فهو حر فملك عبدين معا لم يعتق واحد منهما لأنه لم يتصف واحد منهما بالفردية عند
دخوله في ملكه وان ملك بعدهما آخر لم يعتق أيضا لأنه لم يتصف بالسبق ولو قال آخر عبد
أملكه فهو حر فملك عبدين ثم عبدا ثم مات المولى عتق الثالث لان الآخر اسم لفرد متأخر
وقد اتصف به الثالث حين لم يملك غيره حتى مات ثم عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يعتق
100

من جميع المال إذا كان تملكه في الصحة لان صفة الآخرية ثابت له من حين تملكه فيتبين
أنه عتق من ذلك الوقت وعندهما يعتق من الثلث لان نزول العتق عندهما وقت الموت
لتحقق الشرط فيه في هذه الحالة وقد بينا هذا في الطلاق ولو قال آخر عبد أملكه فهو
حر فاشترى عبدا ثم لم يملك غيره حتى مات لم يعتق لان هذا أول وصفة الأولية والآخرية
لا يجتمع في شخص واحد من المخلوقين وان اشترى عبدين بعده ثم مات لم يعتق واحد منهم
لان الأول ما اتصف بالآخرية ليكون آخرا والعبد إن لم يتصف واحد منهما بالفردية فلا
يكون واحد منهما آخرا ولو قال لامة لم يملكها أنت حرة من مالي فهذا باطل لان تنجيز
العتق لا يصح الا بعد وجود الملك في المحل ولم يوجد بخلاف قوله إذا ملكتك لان بذلك
اللفظ لا يصير مضيفا للعتق إلى الملك ولا إلى سببه وهو فضل من الكلام لان العتق من
جهته لا يكون الا من ماله فلا يخرج به كلامه من أن يكون تنجيزا ولو قال إذا اشتريتك
فأنت حرة أو ان جامعتك فأنت حرة فاشتراها وتسراها أو جامعها لم تعتق الأعلى قول
زفر فإنه يقول التسري والجماع لا يحل الا في الملك فكان هذا في معنى إضافة العتق إلى
الملك بمنزلة قوله ان اشتريتك ولكنا نقول الجماع يتحقق في غير الملك فكذلك التسري فإنه
عبارة عن التحصين والمنع من الخروج وهو ليس بسبب للملك فلا يتحقق به إضافة العتق
إلى الملك صورة ولا معني فهو بمنزلة قوله إذا كلمتك فأنت حرة بخلاف الشراء فإنه سبب
للملك وكذلك لو قال كل جارية أتسرى بها فهي حرة فاشترى جارية بعد يمينه وتسراها لم
تعتق ولو تسرى جارية كانت مملوكة له وقت يمينه عتقت لان الايجاب في حقها يصح لوجود
الملك في المحل وقت الايجاب بمنزلة قوله كل جارية أملكها فهي حرة ثم تسرى فالشرط عند أبي
حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ان يبوأها بيتا ويحصنها ويجامعها وطلب الولد ليس بشرط وعلى قول
أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يكون تسريا الا بطلب الولد مع هذا للعادة الظاهرة ان الناس
يطلبون الأولاد من السراري وفى الايمان يعتبر العرف وهما يقولان ليس في لفظه ما يدل
على طلب الولد لان التسري اما أن يكون مأخوذا من التسرر كالتقضي وذلك الاخفاء
أو يكون مأخوذا من السرار ومعناه التحصين والمنع من الخروج أو يكون مأخوذا
من السر الذي هو الجماع كما قال تعالى ولكن لا تواعدوهن سرا فإذا لم يكن فيها ما ينبئ عن
طلب الولد لا يشترط فيه ذلك من غير لفظ وكيف يشترط ذلك وبحصول الولد تخرج
101

من أن تكون سرية لأنها تصير أم ولد له فطلبه يخرجه حقيقة من أن تكون سرية
فلا يمكن أن يجعل شرطا لتحقيق التسري ولو وطئ جارية فعلقت منه لم تعتق لان التسري
بالتحصين والمنع من الخروج ولم يوجد وان قال لعبديه أيكما أكل هذا الرغيف فهو حر
فأكلاه جميعا لم يعتق واحد منهما لان الشرط أكل الواحد لجميع الرغيف ولم يوجد وان
أقام أحدهما البينة أنه أكله فأعتقه القاضي ثم أقام الآخر البينة أنه هو الذي أكله لم
يعتقه القاضي لأنه جعل الأول آكلا فلا يتصور بعده كون الثاني آكلا له إذا الرغيف
الواحد لا يتكرر فيه فعل الأكل وهذه البينة إنما تقوم لابطال القضاء الأول والبينة
لابطال القضاء لا تقبل توضيحه إنا نتيقن بكذب أحد الفريقين وقد ترجح معنى
الصدق في شهادة الفريق الأول بالقضاء فتعين معنى الكذب في شهادة الفريق الثاني وان جاءت البينتان معا لم يعتق واحد منهما لان القاضي يتيقن بكذب أحد الفريقين ولا يعرف
الصادق من الكاذب وإذا كانت تهمة الكذب تمنع القضاء بالشهادة فالتيقن بالكذب
أولى وعلى هذا لو شهد شاهدان أنه أعتق عبده سالما يوم النحر بمكة فأعتقه القاضي ثم
شهد آخران أنه أعتق سريعا يوم النحر بالكوفة لم تجز شهادتهما وان جاءت البينتان معا لم
تقبل واحدة منهما وهذا والأول سواء وان ردهما ثم ماتت احدى البينتين فأعاد الآخر
بينته تلك لم يقبل القاضي شهادتهم لأنه قد ردها للتهمة فلا يقبلها أبدا كما لو رد شهادة
الفاسق ثم تاب فأعادها وإن لم تمت واحدة من البينتين حتى جاء أحد الغلامين بشاهدين
آخرين يشهدان على ما شهدت به البينة الأولى وجاء الآخر بشهوده الذين كانوا شهدوا فان
القاضي يجيز شهادة الآخرين اللذين لم يكونا شهدا عنده لان شهادة الفريقين الأولين قد
بطلت للتعارض وصارت كالمعدومة وإنما بقي شهادة الفريق الثاني لأحدهما ولا معارض له
فثبت المشهود به بشهادتهما ولا يعتبر بما اعاده العبد الثاني لان تلك شهادة حكم ببطلانها وكما
لا تقوم حجة القضاء بمثل هذه الشهادة فكذلك المعارضة لا تثبت بها والله سبحانه وتعالى
أعلم بالصواب واليه المرجع المآب
(باب عتق العبد بين الشركاء)
أكثر مسائل هذا الباب تنبنى على أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى فان العتق عنده
102

يتجزى حتى أن من أعتق نصف عبده فهو بالخيار في النصف الباقي ان شاء أعتقه وان شاء
استسعاه في النصف الباقي في نصف قيمته وما لم يؤد السعاية فهو كالمكاتب وعند أبي يوسف
ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى يعتق كله ولا سعاية عليه لقوله عليه الصلاة والسلام من
أعتق شقصا من عبده فهو حر كله ليس لله فيه شريك وفى الكتاب ذكر هذا اللفظ عن عمر
أيضا رضي الله عنه والمعنى فيه أن العتق اسقاط للرق والرق لا يتجزى ابتداء وبقاء فاسقاطه
بالعتق لا يتجزى أيضا كما أن الحل لما كأن لا يتجزى ابتداء وبقاء فابطاله بالطلاق لا يتجزى
وبيانه ان فعله اعتاق فلا يتحقق الا بانفعال العتق في المحل وبعد انفعال العتق في بعض الشخص
لو بقي الرق في شئ منه كان في ذلك تجزى الرق في محل واحد وذلك لا يجوز فان الذي ينبنى
على العتق من الاحكام يضاد أحكام الرق من تكميل الحدود والأهلية للشهادات والإرث
والولايات ولا يتصور اجتماع الضدين في محل واحد ولان اتصال أحد النصفين بالآخر أقوى
من اتصال الجنين بالأم لان ذلك بعرض الفصل ثم اعتاق الأم يوجب عتق الجنين لا محالة فاعتاق
أحد النصفين لان يوجب عتق النصف الآخر أولى ولان الاستيلاد يوجب حق العتق
وهو لا يحتمل الوصف بالتجزئ في محل واحد فحقيقة العتق أولى واستدل أبو حنيفة رحمه
الله تعالى بحديث سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
من أعتق شقصا له في عبد فإن كان موسرا فعليه خلاصه والا فقد عتق ما عتق ورق ما
رق وقال علي رضي الله عنه يعتق الرجل من عبده ما شاء وتأويل قوله صلى الله عليه وسلم
فهو حر كله سيصير حرا كله باخراج الباقي إلى الحرية بالسعاية فيكون فيه بيانا أنه لا يستدام
الرق فيما بقي منه وهو مذهبنا ولان هذا إزالة ملك اليمين فيتجزأ في المحل كالبيع
وتأثيره أن نفوذ تصرف المالك باعتبار ملكه وهو مالك للمالية دون الرق فالرق اسم لضعف
ثابت في أهل الحرب مجازاة وعقوبة على كفرهم وهو لا يحتمل التملك كالحياة إلا أن بقاء
ملكه لا يكون الا ببقاء صفة الرق في المحل كما لا يكون حيا إلا باعتبار صفة الحياة في المحل
فذلك لا يدل على أن الحياة مملوكة له فإذا ثبت أنه يملك المالية وملك المالية يحتمل التجزء
فإنما يزول بقدر ما يزيله ولهذا لا يعتق شئ منه باعتاق البعض عند أبي حنيفة رحمه الله
تعالى حتى كان معتق البعض كالمكاتب الا في حكم واحد وهو أن المكاتب إذا عجز يرد
في الرق لان السبب هناك عقد محتمل للفسخ وهذا إذا عجز عن السعاية لا يرد في الرق لان
103

سببه إزالة ملك لا إلى أحد وهو لا يحتمل الفسخ وإنما يسمى فعله اعتاقا مجازا على معنى أنه إذا
تم إزالة الملك بطريق الاسقاط يعقبه العتق الذي هو عبارة عن القوة لا أن يكون الفعل المزيل
ملاقيا للرق كالقاتل فعله لا يحل الروح وإنما يحل البينة ثم بنقض البنية تزهق الروح فيكون
فعله قتلا من هذا الوجه ولئن كان فعله اعتاقا فالعتق الذي ينبني على الاعتاق لا يتجزى
والاعتاق في نفسه متجز حتى يتصور من جماعة في محل واحد فالعتق للبعض إنما يوجد
شطر العلة فيتوقف عتق المحل إلى تكميله وهو نظير إباحة أداء الصلاة تنبني على غسل
أعضاء هي متجزئة في نفسها حتى يكون غسل بعض الأعضاء مطهرا ثم يتوقف إباحة أداء
الصلاة على اكمال العدد وحرمة المحل لا تتجزى وإن كان ينبني على طلقات هي متجزئة حتى
كان الموقع للتطليقة والتطليقتين مطلقا ويتوقف ثبوت الحرمة على كمال العدد فهنا أيضا
نزول العتق في المحل يتوقف على تمام العلة باعتاق ما بقي وإن كان معتق البعض معتقا لان
الاعتاق يقتضي انفعال العتق كما قال ولكن لا يقتضى الاتصال بالاعتاق بل يثبت استحقاق
الاعتاق ويتأخر ثبوته في المحل إلى اكمال العلة فأما الاسترقاق فقد قيل يحتمل الوصف
بالتجزئ حتى لو فتح الامام بلدة ورأي الصواب في أن يسترق أنصافهم صح ذلك منه
والأصح أنه لا يتجزى لان سببه وهو القهر لا يتجزى إذ لا يتصور قهر نصف الشخص دون
النصف والحكم ينبنى على السبب وكذلك الاستيلاد سببه لا يتجزأ وهو نسب الولد فأما
عتق الجنين عند اعتاق الأم ليس لأجل الاتصال ألا ترى أن اعتاق الجنين لا يوجب اعتاق
الأم والاتصال موجود ولكن الجنين في حكم جزء من أجزائها كيدها ورجلها وثبوت
الحكم في التبع ثبوته في المتبوع وأحد النصفين ليس بتبع للنصف الباقي فلهذا لم يكن
إعتاق أحد النصفين موجبا للعتق في النصف الباقي فإن كان العبد بين رجلين فاعتق
أحدهما نصيبه جاز ثم إن كان المعتق موسرا فللساكت ثلاث خيارات في قول
أبي حنيفة رحمه الله تعالى ان شاء أعتق نصيبه وان شاء استسعي العبد في قيمة نصيبه فإذا
أدى السعاية إليه عتق والولاء بينهما وان شاء ضمن المعتق نصف قيمته ثم يرجع المعتق
على العبد والولاء كله له وإن كان المعتق معسرا فللساكت خياران ان شاء أعتق وان شاء
استسعى وليس له حق تضمين الشريك الأعلى قول بشر المريسي والقياس فيه أحد الشيئين
اما وجوب الضمان على المعتق موسرا كان أو معسرا لأنه باعتاق نصيبه يفسد على الشريك
104

نصيبه فإنه يتعذر عليه استدامة ملكه والتصرف في نصيبه وضمان الافساد لا يختلف باليسار
والعسرة أو القياس أن لا يجب على المعتق ضمان بحال لأنه متصرف في نصيب نفسه
والمتصرف في ملكه لا يكون متعديا ولا يلزمه الضمان وان تعدى ضرر تصرفه إلى ملك غيره
كمن سقى أرضه فنزت أرض جاره أو أحرق الحصائد في أرضه فاحترق شئ من ملك
جاره ولكنا تركنا القياسين للآثار فمنه ما روى عن نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يعتق نصيبه في المملوك إن كان غنيا
ضمن وإن كان فقيرا يسعى في حصة الآخر وهكذا روى عروة عن عائشة وعمر بن شهيب
عن أبيه عن ابن مسعود رضوان الله عليهم ان رجلين من جهينة كان بينهما عبد فأعتقه أحدهما
فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمنه نصيب صاحبه وحبسه حتى باع غنيمة
له في ذلك وذكر الحسن عن عمر رضي الله عنه في العبد بين اثنين يعتقه أحدهما انه
يضمن نصيب صاحبه إن كان غنيا وإن كان فقيرا يسعي العبد في النصف لصاحبه وعن
إبراهيم عن الأسود بن يزيد أنه أعتق عبدا له ولاخوة له صغار فذكر ذلك لعمر رضي الله
عنه فقال يستأنى بالصغار حتى يدركوا فان شاؤوا أعتقوا وان شاؤوا أخذوا القيمة فلهذه
الآثار قلنا بوجوب الضمان في حالة اليسار دون العسرة ولكن المعتبر يسار اليسر لا يسار
الغنى حتى إذا كان له من المال قدر قيمة المملوك فهو ضامن وان كانت تحل له الصدقة
هكذا ذكره في حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال قوم عليه نصيب شريكه إن كان له من المال ما يبلغ ذلك ولأنه قصد التقرب والصلة
باعتاق نصيبه وتمام ذلك بعتق ما بقي فإذا كان متمكنا من اتمامه بملكه مقدار ما يؤديه إلى
شريكه كان عليه ذلك ولان اختلاف هذا الضمان باليسار والاعسار لتحقيق معنى النظر
للشريك فإنه إذا استسعى العبد يتأخر وصول حقه إليه وإذا ضمن شريكه يتوصل
إلى مالية نصيبه في الحال وإنما يكون هذا إذا كان موسرا له من المال ما يبلغ قيمة نصيب
شريكه ثم على قول أبى يوسف ومحمد لا خيار للساكت وإنما له تضمين الشريك إن كان
موسرا واستسعاء العبد إن كان معسرا أخذا بظاهر الحديث وبناء على أصلهما ان العتق
لا يتجزى ولهذا كان الولاء عندهما كله للمعتق في الوجهين جميعا وهو قول ابن أبي ليلى الا
في حرف واحد يقول إذا سعى العبد رجع به على المعتق إذا أيسر لأنه هو الذي ألزمه ذلك
105

بفعله وقاس بالعبد المرهون إذا أعتقه الراهن وهو معسر فسعى العبد في الدين رجع به على الراهن
إذا أيسر ولكنا نقول إذا كانت عسرة المعتق تمنع وجوب الضمان عليه للساكت فكذلك يمنع
وجوب الضمان عليه للعبد وإنما يسعى العبد في بدل رقبته وماليته وقد سلم له ذلك فلا يرجع به
على أحد بخلاف المرهون فإنه ليس في بدل رقبته بل في الدين الذي هو ثابت في ذمة الراهن
ومن كان مجبرا على قضاء دين في ذمة الغير من غير التزام من جهته يثبت له حق الرجوع به
عليه فأما عند الشافعي رحمه الله تعالى إن كان المعتق موسرا يعتق كله وهو ضامن لنصيب
شريكه وإن كان معسرا فللشريك أن يستديم الرق في نصيبه ويتصرف فيه بما شاء وقال
لا أعرف السعاية على العبد ووجه قوله ان عسرة العبد أظهر من عسرة المعتق لأنه ليس
من أهل ملك المال فإذا لم يجب الضمان على المعتق لعسرته فكذلك لا يجب على العبد بل أولى
لان المعتق معسر جان والعبد معسر غير جان وهذا لو لزمه السعاية إنما تلزمه في بدل رقبته وليس
للمولى ولاية إلزامه المال بدلا عن رقبته في ذمته كما لو كاتبه بغير رضاه فلأن لا يكون ذلك لغير
المالك أولى (وحجتنا) في ذلك حديث بشر بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعتق شقصا من عبد بينه وبين غيره قوم عليه نصيب
شريكه إن كان موسرا قيمة عدل والا يستسعى العبد في نصيبه غير مستغرق عليه والمعنى
فيه أن نصيب الشريك مال متقوم وقد احتبس عند العبد لما قلنا أن بعد اعتاق البعض
يمتنع استدامة الملك فيما بقي لوجوب تكميل العتق والدليل عليه حالة اليسار فان حكم المحل
لا يختلف بيسار المعتق وعسرته ومن احتبس ملك الغير عنده يكون ضامنا له موسرا كان
أو معسرا وجد منه الصنع أو لم يوجد كما لو هبت الريح بثوب انسان وألقته في صبغ
انسان فانصبغ كان لصاحب الصبغ أن يرجع عليه بقيمة صبغه إذا اختار صاحب الثوب
إمساك الثوب وكذلك إذا استولد أحد الشريكين الجارية المشتركة يضمن نصيب شريكه
موسرا كان أو معسرا لاحتباس نصيب الشريك عنده فكذلك هنا يجب على العبد
السعاية في نصيب الشريك وإن كان معسرا لاحتباس نصيب الشريك عنده وهذا بخلاف
بدل الكتابة لان وجوبه بعقد التراضي ووجوب السعاية من طريق الحكم للاحتباس وذلك
متقرر وإن لم يرض به العبد فأما بيان مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى فنقول عنده العتق
يتجزى فإنما عتق نصيب المعتق فقط وبقي نصيب الآخر على ملكه فله أن يعتقه كما كان له أن
106

يعتقه قبل ذلك فإذا أعتقه كان الولاء بينهما كما لو أعتقاه معا وله أن يستسعى العبد في
نصيبه لان نصيبه احتبس عند العبد حين تعذر استدامة الملك فيه وإذا استسعاه فأدى
السعاية عتق والولاء بينهما لان نصيبه عتق من جهته وله ان يضمن شريكه إن كان موسرا
لأنه مفسد عليه نصيبه لما تعذر عليه استدامة الملك باعتاق نصيبه ثم بالتضمين يصير مملكا
نصيبه من شريكه فيلتحق بما لو كان العبد كله له فأعتق نصفه حتى يتخير في النصف الباقي
بين أن يعتقه وأن يستسعيه ولأنه بالتضمين يقيم المعتق في نصيبه مقام نفسه وقد كان
له الخيار بنى ان يعتقه أن يستسعيه فيثبت ذلك للمعتق بعد أداء الضمان فلهذا قال يرجع
على العبد بما ضمن والولاء كله له لأنه عتق من جهته وان أعتق أحدهما نصيب شريكه منه
لم يعتق لان ملك الغير ليس بمحل للعتق في حقه والسراية عندهما إنما تكون بعد مصادفة
العتق محله وإذا لم يصادف محله كان لغوا ولو دبر أحدهما نصيبه وهو موسر فعلى قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى التدبير يتجزى لان موجبه حق الحرية فيكون معتبرا بحقيقة الحرية
فيبقى بعد تدبير المدبر نصيب الآخر على ملكه فينفذ عتقه فيه وللمدبر الخيار ان شاء أعتق
نصيبه وان شاء ضمن المعتق قيمة نصيبه مدبرا وان شاء استسعى العبد في ذلك لأنه تمكن
نقصان في نصيبه بالتدبير لأنه وأن امتنع البيع ولكنه كان متمكنا من استدامة الملك إلى
موته وإنما تعذر عليه ذلك باعتاق الشريك فيضمنه إن كان موسرا وإنما يضمنه مدبرا لأنه
أفسده وهو منقوص بنقصان التدبير ولم يرجع المعتق على العبد بما ضمن باعتبار أنه يقوم
مقام من ضمنه وقد كان للمدبر ان يستسعى العبد في قيمة نصيبه مدبرا وأي ذلك فعل
فالولاء بينهما هنا لأنه بالتدبير استحق ولاء نصيبه فلا يبطل ذلك وان ضمن شريكه بخلاف
القن وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى حين دبره الأول صار الكل مدبرا له لان
التدبير عندهما لا يتجزأ كالعتق ويضمن قيمة نصيب شريكه موسرا كان أو معسرا
لأنه صار متملكا على شريكه نصيبه وضمان التملك لا يختلف باليسار والاعسار ثم إعتاق
الثاني باطل لأنه أعتق مالا يملكه وإن كان العبد بين ثلاثة نفر فدبره أحدهم ثم أعتقه الثاني
وهما موسران فجواب أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في هذا والأول سواء لأنه حين
دبره أحدهم صار الكل مدبرا له وهو ضامن ثلثي قيمته لشريكيه موسرا كان أو معسرا وإن كان
العبد بين ثلاثة دبره أحدهم وأعتقه الآخر فالاعتاق من الثاني بعد ذلك لغو وأما عند
107

أبي حنيفة رحمه الله تعالى تدبير المدبر يقتصر على نصيبه والاعتاق من الثاني صحيح لمصادفته
المحل ثم للساكت أن يضمن المدبر ثلث قيمته إن كان موسرا وليس له ان يضمن المعتق لان
بالتدبير السابق صار نصيبه بحيث لا يحتمل النقل الا إلى المدبر بالضمان فلو أثبت له حق
تضمين المعتق انتقل نصيبه إلى المعتق بالضمان وذلك ممتنع بالتدبير السابق فلهذا يضمن
المدبر دون المعتق وان شاء استسعى العبد في ثلث قيمته وان شاء أعتقه وإذا ضمن المدبر
فللمدبر ان يرجع بذلك على العبد فيسعى له فيه وللمدبر أيضا ان يضمن الذي أعتق ثلث قيمته
مدبرا لأنه تعذر عليه استدامة الملك في نصيبه باعتاق المعتق فكان له ان يضمنه ثلث قيمته
مدبرا وليس له أن يضمن المعتق ما أدى إلى الساكت من قيمة نصيبه لان الساكت لم
يكن متمكنا من تضمين المعتق فكذلك من يقوم مقامه ولان صنعه وهو الاعتاق وجد
قبل أن يتملك المدبر نصيب الساكت فلهذا لا يضمنه قيمة هذا الثلث ويكون الولاء بين
المدبر والمعتق أثلاثا ثلثاه للمدبر وثلثه للمعتق وإذا كان العبد بين اثنين فشهد كل واحد منهما
على صاحبه انه أعتقه وصاحبه منكر ذلك فالعبد يسعى في جميع قيمته بينهما نصفين
موسرين أو معسرين أو كان أحدهما موسرا والآخر معسرا في قول أبي حنيفة والولاء
بينهما نصفان فأما فساد رق العبد فلاتفاقهما على ذلك وهما يملكانه بطريق الانشاء ثم يسار
المعتق عنده لا يمنع وجوب السعاية على العبد فكل واحد منهما بشهادته على شريكه يدعى
السعاية لنفسه في قيمة نصيبه على العبد ويدعى الضمان على شريكه إلا أن الضمان لم يثبت
لانكار الشريك فتبقى السعاية لكل واحد منهما على العبد وعند الأداء يعتق نصيب كل
واحد منهما من جهته فكان الولاء بينهما وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمه الله ان كانا موسرين
فهو حر ولا سعاية عليه لأنهما تصادقا على حريته وكل واحد منهما يتبرأ من جهة السعاية
ويدعى الضمان على شريكه لان يسار المعتق عندهما يمنع وجوب السعاية عليه وما ادعى كل
واحد منهما من الضمان على شريكه لم يثبت لانكار شريكه وان كانا معسرين يسعى العبد
في قيمته بينهما لان كل واحد منهما يدعى السعاية هنا فإنه يقول شريكي معتق وهو معسر
وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا يسعى للموسر منهما في نصف قيمته ولم يسع
للمعسر في شئ لان الموسر يدعى السعاية فإنه يقول شريكي معتق وهو معسر فلي استسعاء
العبد في قيمة نصيبي وأما المعسر يتبري من السعاية ويقول شريكي معتق وهو موسر فحقي
108

في الضمان قبله فلا يكون له أن يستسعى العبد بالتبري منه ولا يجب الضمان له على شريكه
بجحوده والولاء في جميع ذلك موقوف عندهما لان كل واحد منهما ينفى الولاء عن نفسه
فان الولاء للمعتق وكل واحد منهما يزعم أن صاحبه هو المعتق فلهذا توقف الولاء وإذا
أعتق أحد الشريكين العبد واختار الآخر تضمينه فاختلفا في قيمته يوم أعتقه فإن كان العبد
قائما نظر إلى قيمته يوم ظهر العتق حتى إذا لم يتصادقا على العتق فيما مضي يقوم للحال لان
العتق حادث فيحال بحدوثه على أقرب أوقات ظهوره ووجوب الضمان بالافساد أو الاتلاف
فيكون المعتبر قيمته وقت تقرر السبب وذلك عند ظهور العتق فلهذا يقوم في
الحال وكذلك أن أراد أن يستسعى العبد ألا ترى أن له أن يعتق نصيبه الساعة فكذلك
له أن يستسعى العبد في قيمة نصيبه الساعة ولو تصادقا انه أعتقه قبل هذا كان عليه نصف
القيمة يوم أعتقه حتى إذا انتقصت قيمته بزيادة السن فإنه لا تعتبر الزيادة والنقصان لان
السبب الموجب للضمان على الشريك هو العتق فينظر إلى قيمته عند ذلك كما في المغصوب
تعتبر قيمته يوم الغصب وان اختلفا في قيمته في ذلك الوقت فالقول قول المعتق لان القيمة
عليه فكان القول قوله في مقداره كما في المغصوب وهذا لان الشريك يدعى عليه الزيادة
وهو منكر وهذا بخلاف الشفعة فان المشترى لو أحرق البناء كان للشفيع أن يأخذ العرصة
بحصتها من الثمن في قسمة الثمن وينظر إلى قيمة الأرض في الحال ويكون القول في قيمة البناء
قول المشتري لان الشفيع هناك يتملك على المشتري العرصة فهو يدعى لنفسه على المشترى حق
التملك بأقل المالين والمشترى ينكر ذلك وهنا الساكت يملك المعتق نصيبه بالضمان
فهو يدعى عليه حق التمليك فيه بأكثر المالين والمعتق منكر لذلك فان مات الذي لم
يعتق قبل أن يختار شيئا كان لورثته من الخيار ما كان له لأنهم قائمون مقامه بعد موته وليس في
هذا توريث الخيار بل المعني الذي لأجله كان الخيار ثابتا للمورث موجود في حق الورثة فان
شأوا أعتقوا وان شاؤوا استسعوا العبد وان شاؤوا ضمنوا المعتق فان ضمنوه فالولاء كله للمعتق
لأنه بأداء الضمان إليهم يتملك نصيبهم كما كان يتملك بالأداء إلى المورث وان اختاروا الاعتاق أو
الاستسعاء فالولاء في هذا النصيب للذكور من أولاد الميت دون الإناث لان معتق البعض
صار بمنزلة المكاتب والمكاتب لا تورث عينه وإن كان يورث ما عليه من المال فإنما عتق نصيب
الساكت على ملكه والولاء يكون له فيخلفه في ذلك الذكور من أولاده دون الإناث إذا الولاء
109

لا يورث وان اختار بعضهم السعاية وبعضهم الضمان فلكل واحد منهم ما اختار من ذلك
لان كل واحد منهم فيما ناله قام الميت وهذا لان الملك بالإرث يثبت حكما فيكون
بمنزلة الملك بالضمان فكان أن نصيب الساكت يحتمل التمليك بالضمان من المعتق فكذلك
يحتمل الانتقال إلى الورثة وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه ليس لهم ذلك
إلا أن يجتمعوا على التضمين أو الاستسعاء وهذا هو الأصح لأنه صار بمنزلة المكاتب
والمكاتب لا يملك بالإرث فكذلك هم لا يملكون نصيب الساكت بعد موته والدليل عليه
فصل الولاء الذي تقدم أنه لا يثبت لهم بالاعتاق ابتداء ولكنهم خلف المورث يقومون مقامه
وليس للمورث أن يختار التضمين في البعض والسعاية في البعض فكذلك لا يكون للورثة
ذلك وفرع على تلك الرواية وقال لو أعتق أحد الورثة نصيبه لا يعتق ما لم يجتمعوا على
اعتاقه بمنزلة المكاتب يعتقه أحد الورثة بعد موت المورث لا يعتق ولا يسقط به شئ من
بدل الكتابة فهذا كذلك ولو لم يمت الساكت ولكن العبد مات قبل أن يختار الشريك
شيئا فله أن يضمن المعتق قيمة نصيبه إن كان موسرا وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة
رحمهما الله تعالى أنه ليس له أن يضمنه قيمة نصيبه بعد موت العبد ووجهه أن نصيبه باق على
ملكه والضمان غير متقرر على الشريك ما لم يختر ضمانه فإذا هلك على ملكه فليس له أن يقرر الضمان
على شريكه باختياره بعد ذلك وهذا لان صحة اختيار التضمين متعلق بشرط وهو أن يملك
نصيبه منه بالضمان وقد فات هذا الشرط بموته لان الميت لا يحتمل التمليك وجه ظاهر
الرواية أن وجوب الضمان عليه بالاعتاق لان السبب وهو الافساد قد تحقق به فكان ذلك
بمنزلة الغصب وموت العبد بعد الغصب لا يمنع المغصوب منه من تضمين الغاصب وإن كان
التمليك منه من حكم ذلك الزمان فكذلك هنا وهذا لأنه لما كان يضمنه من وقت العتق
وكان محلا للتمليك عند ذلك فذلك الحكم لا يبطل بموته وان خرج به من أن يكون محتملا
للتمليك في الحال فإذا ضمن المعتق رجع بما ضمن في تركة الغلام لان في حال حياته كان له أن
يستسعيه فيما ضمن فإذا مات كان له أن يرجع به في تركته وإن كان معسرا رجع الشريك بقيمة
نصيبه في تركة الغلام لان السعاية له عليه مستحقة كبدل الكتابة فيستوفيه من تركته بعد موته
وإن كان العبد ترك مالا قد اكتسب بعضه قبل العتق وبعضه بعد العتق فما اكتسب قبل
العتق بين الموليين نصفان لأنه كان على ملكهما حين اكتسب هذا المال والكسب لمالك
110

الأصل وما اكتسب بعد العتق فهو تركة العبد لأنه اكتسبه فيكون ذلك له يرجع فيه
الساكت أو المعتق إذا ضمن وما بقي فهو ميراث للمعتق لأنه بالضمان ملك نصيب صاحبه فكان
الولاء في الكل له وان اختلفا فيه فقال أحدهما هذا مما اكتسبه قبل العتق وهو بيننا وقال الآخر
اكتسب بعده فهو بمنزلة ما اكتسب بعده لان الكسب حادث فيحال بحدوثه إلى أقرب
الأوقات ومن ادعى فيه تاريخا سابقا لا يصدق الا بحجة وان اختلفا في قيمته والمعتق موسر فالقول
قول المعتق لان العبد ميت لا يمكن تقويمه في الحال ليستدل بذلك على قيمته فيما مضي فيتعين
ظاهر الدعوى والانكار والساكت يدعى لنفسه زيادة والمعتق منكر لذلك فإن كان المعتق معسرا
ولا كسب للعبد فنصف القيمة دين للساكت على العبد ان ظهر له مال يستوفى منه وإن لم
يظهر فليس هذا بأول مدين هلك مفلسا وإن كان العبد حيا فصالحه الساكت على أقل
من نصف قيمته فهو جائز لأنه استوجب عليه نصف قيمته فهو بالصلح أسقط بعض حقه
واستوفى البعض وذلك يستقيم كما في الكتابة وان صالحه على أكثر من نصف قيمته بذهب أو
ورق فالفضل باطل أما عندهما فلان الواجب له نصف القيمة شرعا فالصلح على أكثر من جنسه
يكون ربا وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وان بقي له الملك في نصيبه ولكن العبد استحق العتق
عند أداء نصف القيمة شرعا فلا يملك ابطال ذلك الاستحقاق بالصلح على أكثر منه وكذلك أن
صالح المعتق على أكثر من نصف القيمة فالفضل مردود لان حقه قبل العتق يتقدر بنصف القيمة
فالصلح على أكثر منه يكون ربا ثم هذا على أصلهما ظاهر فان الصلح على المغصوب الهالك
على أكثر من قيمته لا يجوز عندهما فكذلك هنا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يفرق ويقول
هناك المغصوب باق على ملك المغصوب منه ولم يستحق عليه تمليكه من الغاصب حتى أن
له أن يبرئه من الضمان ليبقى هالكا على ملكه فإذا صالحه على أكثر من قيمته كان بدل
الصلح بمقابلة ملكه وليس فيه ابطال حق مستحق شرعا فلا يتمكن فيه الربا وهنا الساكت
غير متمكن من استبقاء نصيبه على ملكه ولكن يستحق عليه ازالته عن ملكه بنصف
القيمة اما سعاية على العبد أو ضمانا يستوفيه من الشريك فإذا صالح على أكثر منه كان في
هذا الصلح ابطال حق مستحق شرعا توضيحه ان المعتق يرجع على العبد بما يضمن فلو
صححنا هذا الصلح رجع على العبد بالزيادة وكما ليس للساكت أن يلزم العبد أكثر من
نصف القيمة بالصلح فكذلك لا يكون له ان يلزم من يرجع على العبد وان صالحه على
111

عروض أكثر من نصف قيمته فهو جائز لأنه لا يتمكن فيه الربا لاختلاف الجنس بخلاف
ما إذا صالح على الذهب أو الورق وإنما لا يجوز هناك أيضا إذا كانت الزيادة بقدر ما لا يتغابن
الناس فيه فأما مقدار ما يتغابن الناس فيه عفو لان ذلك يدخل تحت تقويم المقومين فلا يتيقن
بالزيادة (قال) وان صالح العبد على شئ من الحيوان إلى أجل فهو جائز بمنزلة الكتابة
قال عيسى هذا غلط فإنه استحق السعاية على العبد وهو نصف القيمة فإذا صالح على حيوان
كان ذلك بدلا عن نصف القيمة المستحق له ولا يئبت الحيوان دينا في الذمة بدلا عن
ما هو مال ألا ترى أنه لو صالح المعتق على حيوان في الذمة لا يجوز فكذلك إذا صالح العبد
وما ذكره في الكتاب أصح لان نصيب الساكت باق على ملكه فإذا صالح على حيوان
إلى أجل فكأنه كاتبه عليه وهذا لأنه ليس في هذا الصلح ابطال حق مستحق للعبد بخلاف
ما إذا صالحه على أكثر من نصف قيمته وبخلاف ما إذا صالح المعتق على الحيوان لان هناك
يملك نصيبه بما يصح العتق عليه والحيوان يثبت دينا في الذمة بدلا عن العتق وإذا أعتقه
أحدهما وهو معسر ثم أيسر فلا ضمان عليه لان صفة اليسار في العتق تعتبر لايجاب الضمان
فإذا انعدم وقت الاعتاق تقرر العتق غير موجب للضمان فلا يصير موجبا بعد ذلك كمن
قطع يد مرتد ثم أسلم ثم مات وان قال المعتق أعتقت وأنا معسر وقال الشريك بل أعتقت
وأنت موسر نظر إلى حاله يوم ظهر العتق اما لأنه كالمنشئ للعتق في الحال أو لأنه لما وقع
الاختلاف فيما مضى يحكم الحال فإذا كان في الحال موسرا فالظاهر شاهد لمن يدعى
اليسار فيما مضى وإن كان معسرا في الحال فالظاهر شاهد لمن يدعى العسرة فيما مضى وهو
كشرب الرحا مع المستأجر إذا اختلفا في جريان الماء في المدة يحكم الحال فان تصادقا على
أن العتق كان سابقا منه في مدة قد يختلف حاله فيه فالقول قول المعتق في انكار يساره
ولأنه ينكر المعنى الموجب للضمان فهو كانكاره أصل الاعتاق (قال) وإن كان موسرا
يوم أعتقه فاختار الشريك ضمانه ثم بدا له أن يبرئه ويستسعى الغلام لم يكن له ذلك وروى
ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى انه لو قضي القاضي له بالضمان أو رضى به المعتق فليس
له ان يستسعى الغلام بعد ذلك والا فله ذلك قيل ما ذكره في الكتاب مطلقا محمولا على
ذلك التفصيل وقيل بل المسألة على روايتين وجه ظاهر الرواية ان المخير بين الشيئين إذا
اختار أحدهما تعين ذلك عليه كالغاصب مع غاصب الغاصب إذا اختار المغصوب منه تضمين
112

أحدهما وهذا لأنه باختياره التضمين يصير مملكا نصيبه من المعتق حتى يكون ولاؤه له
والولاء لا يحتمل الفسخ فلا يمكنه الرجوع عنه بعد ذلك ومن ضرورة تمليكه منه اسقاط
حقه في السعاية قبل العبد ووجه رواية محمد رحمهما الله تعالى ان التمليك منه لا يتم الا بالقضاء
أو الرضا وإن كان ذلك مستحقا شرعا كالتمليك بالأخذ بالشفعة وحقه في الضمان
لا يتقرر ما لم يتم التمليك وسقوط حقه في الاستسعاء بناء على تقرر حقه في الضمان
وكان أبو بكر الرازي رحمه الله تعالى يقول هكذا ينبغي في الغاصب وغاصب الغاصب أنه إذا
اختار تضمين أحدهما فقبل القضاء أو الرضا ممن اختار ضمانه يكون له أن يرجع فيضمنه
الآخر فاما إذا اختار استسعاء العبد فليس له أن يضمن الشريك بعد ذلك لأنه ليس فيه
تمليك من أحد بل فيه تقرير لملكه وابراء للمعتق عن الضمان وذلك يتم به كما لو أذن له في
أن يعتق نصيبه ولو أن المعتق رجع على العبد بما لزمه من الضمان ثم أحل الساكت عليه
ووكله بقبض السعاية منه اقتضاء من حقه كان جائزا والولاية للمعتق لأنه بمنزلة المكاتب
للمعتق والمولى إذا أحال غريما له بدينه على مكاتبه ليقبضه من بدل الكتابة كان صحيحا وكان
صاحب الدين بمنزلة الوكيل يقبض له أولا ثم لنفسه وإن لم يختر شيئا حتى جرحه انسان
كان الأرش عليه للعبد لأنه بمنزلة المكاتب لما عليه من السعاية اما للساكت أو للمعتق ومن
جنى على مكاتبه أو على مكاتب غيره فعليه الأرش يقبضه فيستعين به في سعايته ولا تكون
جنايته اختيارا منه للسعاية لان موجب جنايته لا يختلف بالاستسعاء أو تضمين الشريك
فليس فيه ما يدل علي اختيار السعاية وكذلك لو اغتصب منه مالا فيه وفاء بنصف قيمته أو
أقرض العبد أو بايعه كان ذلك عليه للعبد لأنه بمنزلة المكاتب له أو لغيره وهو على خياره
لان موجب هذه المعاملة لا يختلف بالاستسعاء والتضمين ولو أعتق جزءا من عبده أو
شقصا منه أو بعضه فعندهما يعتق كله وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى البيان إليه لان ما سمى
يطلق على القليل والكثير منه فأي مقدار عنى منه يعتق ذلك القدر ويستسعيه فيما بقي وان
أعتق سهما منه فالسهم في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى السدس كما قال في الوصية
بسهم من ماله وقد بينا هذا في الاقرار فيستسعيه في خمسة أسداس وإذا أعتق أمة بينه
وبين آخر ثم ولدت فللشريك أن يضمن المعتق قيمة نصيبه يوم أعتق ولا يضمنه شيئا من
قيمة الولد لأنه ما صنع في الولد شيئا ولأنه لم يثبت حق الشريك في الولد لأنها كانت مكاتبة
113

حين ولدت والمكاتبة أحق بولدها كما أنها أحق بكسبها وإذا كان العبد بين ثلاثة رهط
فاعتق أحدهم نصيبه ودبر الآخر وكاتب الآخر ولا يعلم أيهم أول فنقول اما على قول أبي حنيفة
عتق المعتق في نصيبه نافذ ولا ضمان له علي أحد تقدم تصرفه أو تأخر وتدبير المدبر في
نصيبه أيضا نافذ وهو مخير ان شاء استسعى العبد في ثلث قيمته مدبرا وان شاء ضمن
المعتق فإذا اختار التضمين ضمنه سدس قيمته مدبرا ورجع على العبد بسدس قيمته استحسانا
وفى القياس ليس له حق التضمين لان التدبير منه ان سبق فله حق تضمين المعتق وان
تأخر فليس له حق تضمينه والضمان لا يجب بالشك ولان تدبيره مانع من تمليك نصيبه
من المعتق بالضمان وهو شرط التضمين إذا سبق العتق وفى الاستحسان اعتبر الأحوال
فقال من وجه هو قياس له ثلث قيمته وهو أن يكون التدبير سابقا ومن وجه لا يكون
ضامنا شيئا فيضمنه سدس القيمة باعتبار الأحوال ومن وجه يستسعى العبد فيما بقي
وهو سدس القيمة لأنه يستوجب السعاية عليه على كل حال فأما المكاتب فان مضى العبد
على كتابته يؤدى إليه مال الكتابة والولاء بينهم أثلاثا وان عجز كان للمكاتب أن
يضمن المعتق والمدبر قيمة نصيبه نصفين إذا كانا موسرين لأنه ليس أحدهما بوجوب
الضمان عليه بأولى من الآخر ويرجعان على العبد بما ضمنا ويكون ولاؤه بينهما نصفين
ولم يذكر قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في الكتاب وذكر في الزيادات إذا كان
العبد بين اثنين أعتقه أحدهما ودبره الآخر ولا يعلم أيهما أول فعلى قول أبى يوسف
يترجح العتق على التدبير فيكون ولاؤه للذي أعتقه وللمدبر أن يضمن شريكه نصف
قيمته فيما إذا كان موسرا وعند محمد رحمه الله تعالى يجعل كأنهما وقعا معا ثم يغلب العتق
فيعتق كله والولاء بينهما وللمدبر أن يعتق نصف قيمته مدبرا إذا عرفنا هذا فنقول الكتابة
من الثالث أول عندهما وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى يسبق العتق فيكون للمكاتب
والمدبر ضمان قيمة الثلثين على المعتق والولاء كله للمعتق وعند محمد رحمه اله تعالى المكاتب
يضمن المدبر والمعتق قيمة نصيبه بينهما نصفين كأنهما وقعا معا وقيل بل ذلك في نصيبه
خاصة فأما في نصيب المكاتب العتق أقوى من التدبير فإنما يضمن المعتق قيمة نصيبه إذا
كان موسرا وإن كان العبد بين خمسة رهط فأعتق أحدهم ودبر الآخر وكاتب الثالث
نصيبه وباع الرابع نصيبه وقبض الثمن وتزوج الخامس على نصيبه ولم يعلم أيهم أول فنقول
114

أما على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فحكم العتق والتدبير على ما بينا في الفصل الأول
إلا أن التضمين والاستسعاء هناك في الثلث وهنا في الخمس لان نصيب المدبر الخمس هنا
فأما في البيع فان تصادقا أنه كان بعد العتق والتدبير أو قال البائع كان قبل العتق والعبد في
يده وقال المشترى كان بعده فالبيع باطل لان معتق البعض لا يباع فالمبطل للبيع ظاهر في
الحال أو يجعل كأنهما وقعا معا فكان البيع باطلا وان تصادقا أنه كان قبل العتق والتدبير
فالمشترى بالخيار ان شاء نقض البيع لتغير المبيع في ضمان البائع وان شاء أمضاه وأعتق
نصيبه واستسعاه فيكون ولاؤه له وان شاء ضمن المعتق والمدبر قيمة نصيبه ان كانا
موسرين إذ ليس أحدهما بوجب الضمان عليه بأولى من الآخر ويرجعان به على العبد وأما
المرأة فان تصادقا أن التزويج كان بعد العتق أو التدبير فالنكاح صحيح ولها خمس قيمته على
الزوج لأنه تبين أنه تزوجها على من هو كالمكاتب وان تصادقا على أن التزويج كان قبل
العتق والتدبير فلها الخيار للتغير ان شاءت تركت المسمى وضمنت الزوج خمس قيمته وإن شاءت
أجازت وأعتقت واستسعت العبد في خمس قيمته وولاء خمسه لها وإن شاءت
ضمنت المعتق والمدبر خمس قيمته نصفين ثم لا تتصدق هي بالزيادة ان كانت بخلاف المشتري
لان المشترى إنما حصل له ذلك بمال فيتصدق بربح حصل لا على ضمانه والمرأة تملكت ذلك
لا بأداء مال فلا يظهر الربح في حقها فأما نصيب المكاتب فهو على ما ذكرنا أن أدى البدل
إليه عتق من قبله وان عجز كان له أن يضمن المدبر والمعتق قيمة نصيبه نصفين ان كانا موسرين
وأما عند أبي يوسف ومحمد رحمهما لله تعالى فالجواب في العتق والتدبير على ما قلنا فأما البيع
فان تصادقا أنه كان البيع أولا ثم العتق ثم التدبير فللمشتري الخيار وإذا اختار امضاء البيع
ضمن المعتق خمس قيمته إذا كان موسرا ليس له الا ذلك وان تصادقا أنه كان البيع ثم
التدبير ثم العتق واختار المشترى الامضاء للتدبير ضمن المدبر خمس قيمته موسرا كان
أو معسرا ليس له الا ذلك وأما التزويج فان تصادقا أنه كان التزويج ثم العتق ثم التدبير
فاختارت الإجازة ضمنت المعتق خمس القيمة ليس لها الا ذلك إذا كان موسرا وإن كان
معسرا استسعت الغلام في خمس القيمة وإن كان التزويج ثم التدبير ثم العتق ضمنت
المدبر خمس قيمته موسرا كان أو معسرا ليس لها الا ذلك وان تصادقا ان التزويج
كان بعد العتق فعند أبي يوسف رحمه الله تعالى ترجع على الزوج بخمس القيمة وعند محمد
115

رحمه الله تعالى لها مهر مثلها لأنه ظهر أنه تزوجها على حر وقد بينا في كتاب النكاح
اختلافهما فيما إذا تزوجها علي عبد فإذا هو حر فأما الكتابة فهو باطل عندهما كما بينا وعند أبي
يوسف رحمه الله تعالى للمكاتب أن يضمن المعتق قيمة نصيبه إذا كان معسرا وعند محمد
رحمه الله تعالى يضمنه الأقل من قيمة نصيبه ومن بدل الكتابة على قياس ما يأتي بعد هذا من
اختلافهم في المكاتب بين اثنين يعتقه أحدهما ولو كان في العبد شريك سادس وهب
نصيبه لابن له صغير لا يعلم قبل العتق كان أو بعده فالقول فيه قول الأب لأنه هو المملك
فان قال الهبة بعد العتق فهو باطل وان قال الهبة قبل العتق فالهبة جائزة ثم يقوم الأب في
نصيب الابن مقام الابن ان لو كان بالغا في التضمين أو الاستسعاء وليس له حق الاعتاق
فإن كان المعتق والمدبر موسرين ضمنهما سدس قيمته للابن لان الاستسعاء بمنزلة الكتابة
وللأب ولاية الكتابة في مال ولده وإذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد لم يكن
للآخر أن يبيع نصيبه ولا يهبه ولا يمهره لأنه صار بمنزلة المكاتب والمكاتب لا يحتمل التمليك
بشئ من الأسباب فان كاتبه على أكثر من نصف قيمته طرح الفضل عنه لان هذا بمنزلة
الاستسعاء منه وقد بينا أنه لو استسعاه وصالحه على أكثر من نصف قيمته دراهم أو دنانير
فالفضل مردود وان كاتبه على عروض أكثر من نصف قيمته جاز كما لو صالحه من السعاية
على عروض لان الفضل لا يتحقق هنا فان عجز عن الكتابة سقط عنه ما التزم من العروض
ويجبر على السعاية في نصف القيمة كما كان قبل الكتابة ولا يكون له ان يضمن الشريك
شيئا لان مكاتبته بمنزلة الاستسعاء منه واختياره السعاية يسقط حقه في تضمين الشريك
فليس له أن يرجع فيه فيضمنه شيئا وكذلك لو كان قال قد اخترت السعاية فليس له ان
يضمن الشريك بعد ذلك والخيار في هذا عند السلطان وعند غيره سواء لان الخيار ثابت
للساكت شرعا فمن يختار بنفسه يكون ملتزما إياه ولو لم يختر واحدا منهما حتى يموت المعتق
كان للساكت ان يرجع بالضمان في ماله لان حق التضمين قد ثبت له بالعتق في الصحة
فلا يسقط ذلك بموته كسائر ديونه وإذا باع الذي لم يعتق نصيبه من المعتق أو وهبه على
عوض أخذه منه فان هذا واختيار الضمان سواء في القياس لأنه تمليك لنصيبه منه بعوض
يستوفيه منه والتضمين ليس إلا هذا غير أن هذا فحشهما لان في التضمين تمليكا حكما بسبب
ذلك العتق وفى البيع والهبة بعوض تمليك مبتدأ بسبب ينشآنه في الحال ومعتق البعض لا يحتمل
116

ذلك فباعتبار السبب كان هذا أفحش وباعتبار حكم السبب كان هذا والتضمين سواء
والمقصود الحكم دون السبب إلا أنه إن كان العوض أكثر من نصف القيمة من الدراهم
أو الدنانير فالفضل باطل كما بيناه في الصلح وان دبر الساكت نصيبه فتدبيره اختيار للسعاية
لان موجب التضمين تمليك نصيبه من صاحبه بالضمان وقد فوت ذلك بالتدبير لأنه استحق
ولاء نصيبه فكان ذلك ابراء للمعتق عن الضمان واختيارا للسعاية وإن كان العتق بعد التدبير
ضمن المعتق نصف قيمته مدبرا إن كان موسرا لأنه إنما تعذر عليه استدامة الملك في نصيبه
باعتاق المعتق وكان نصيبه عند الاعتاق مدبرا فلهذا ضمنه نصف قيمته مدبرا وإن لم يعلم أيهما
أول فهو على القياس والاستحسان الذي بينا في القياس لا ضمان على المعتق وفى الاستحسان
يضمن ربع قيمته مدبرا ويرجع به المعتق على العبد وعلى العبد مثل ذلك للمدبر والولاء بينهما ولو كان
العبد بين صغير وكبير فأعتقه الكبير وهو غنى وللصغير أب أو وصى فهو قائم مقامه في
اختيار التضمين أو الاستسعاء وليس له أن يعتق لأنه تبرع وذلك لا يثبت للأب والوصي
في مال الولد فإن لم يكن له أب ولا وصى استؤني به بلوغه ليختار اما الضمان أو الاعتاق
أو الاستسعاء وقيل هذا إذا كان في موضع لا قاضي فيه فإن كان في موضع فيه قاض
نصب القاضي له قيما يختار التضمين أو الاستسعاء فان ذلك أنفع للصبي لأنه يتعذر
التصرف في نصيب الصبي من العبد بعد العتق وكذلك أن كان مكان الصبي مكاتب أو
عبد مأذون عليه دين فهو مخير بين الضمان والسعاية وليس له أن يعتق لأنه تبرع لا يحتمله
كسب المكاتب والمأذون فأما التضمين والاستسعاء فله ذلك في المكاتب لان المكاتب
يملك أن يكاتب والاستسعاء بمنزلة الكتابة فأما في العبد المديون فينبغي أن يكون له حق
التضمين فقط لان الاستسعاء بمنزلة الكتابة وليس للمأذون أن يكاتب ولكن قال سبب
الاستسعاء قد تقرر وهو عتق الشريك على وجه لا يمكن ابطاله وربما يكون الاستسعاء
أنفع من التضمين فلهذا ملك المأذون ذلك وان كأن لا يملك الكتابة ابتداء وإذا اختار
المكاتب أو المأذون التضمين أو الاستسعاء فولاء نصيبهما للمولى لأنه ليس من أهل الولاء
فثبت الولاء لأقرب الناس إليهما وهو المولى وإن لم يكن على العبد دين فالخيار للمولى كما يكون
بين حرين لان كسب العبد مملوك للمولى في هذه الحالة وإذا قال أحد الشريكين للعبد ان
دخلت المسجد اليوم فأنت حر وقال له الآخر إن لم تدخل المسجد اليوم فأنت حر فمضى
117

اليوم وقال كل واحد منهما حنث صاحبي فعلى قل أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله
تعالى يسقط نصف السعاية عن العبد وعند محمد رحمه الله تعالى لا يسقط عنه شئ من
السعاية إذا كانا معسرين لان كل واحد من الشريكين شاهد على صاحبه بالعتق فلا يسقط
شئ من السعاية عن العبد إذا كانا معسرين وهذا لان المقضي عليه بسقوط حقه في السعاية
مجهول والقضاء بالمجهول لا يجوز ألا ترى أنه لو كان بينهما عبدان سالم وبزيع فقال
أحدهما ان دخلت المسجد اليوم فسالم حر وقال الآخران لم تدخل اليوم فبزيع حر فمضى
اليوم ولا بدري أدخل أولم يدخل لا يسقط شئ من السعاية وعن العبد لجهالة المقضى
عليه منهما فهذا مثله وهما يقولان تيقن القاضي بحنث أحدهما وسقوط نصف السعاية
عن العبد ولا يجوز له أن يقضى بوجوب ما تيقن سقوطه كمن طلق احدى نسائه
الأربع قبل الدخول ثم مات قبل أن يبين سقط نصف الصداق للتيقن به وإن كان المقضى
عليها منهن مجهولا ولكن لما كان المقضى له معلوما جاز القضاء به فهنا أيضا المقضى له بسقوط
نصف السعاية عنه معلوم وهو العبد فيجوز القضاء به وإن كان المقضى عليه مجهولا بخلاف
العبدين فان الجهالة هناك في المقضى له والمقضى عليه جميعا فيمتنع القضاء لتفاحش الجهالة
وبخلاف ما لو شهد كل واحد منهما على صاحبه بالعتق لان هناك لم يتيقن بسقوط شئ من
السعاية عن العبد لجواز أن يكونا كاذبين في شهادتهما وهنا تيقنا بسقوط نصف السعاية
لان أحد الموليين حانث لا محالة ثم تخريج المسألة على قول أبي حنيفة أن العبد يسعى في
نصف قيمته بينهما نصفين موسرين كانا أو معسرين أو كان أحدهما موسرا والآخر معسرا
لأنه ليس أحدهما باسقاط حقه في السعاية بأولى من الآخر ويسار المعتق عنده لا يمنع
وجوب السعاية على العبد فيتوزع الساقط عليهما نصفين ويكون الباقي وهو نصف القيمة
بينهما نصفان وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى ان كانا معسرين فكذلك الجواب وان كانا
موسرين لم يسع لواحد منهما في شئ لان كل واحد منهما يدعى الضمان على شريكه ويتبرى
من السعاية فان يسار المعتق عنده يمنع وجوب السعاية وإن كان أحدهما موسرا والآخر
معسرا يسعى في ربع قيمته للموسر منهما لان المعسر يتبرأ من السعاية والموسر يقول شريكي
معتق وهو معسر فلي حق استسعاء العبد فلهذا يسعى له في ربع قيمته وعند محمد رحمه الله تعالى ان
كانا معسرين يسعى في جميع قيمته بينهما نصفان وان كانا موسرين لا يسعى لواحد منهما لان كل
118

واحد منهما تبرأ من السعاية فان يسار المعتق عنده يمنع وجوب السعاية وإن كان أحدهما موسرا
والآخر معسرا يسعى في نصف قيمته للموسر منهما لان يدعى السعاية عليه ولا يسعي للمعسر
في شئ لأنه يتبرأ من السعاية ويدعى الضمان على شريكه فعليه اثباته بالحجة رجل أعتق عبده
عند الموت ولا مال له غيره فأمر العبد موقوف في جنايته وشهادته ونكاحه بغير إذن
المولى وهذا بخلاف ما لو وهبه من انسان في مرضه فان الهبة تكون صحيحة حتى لو كانت
جارية حل للموهوب له وطؤها بعد الاستبراء والأصل أن كل تصرف يحتمل النقض بعد
نفوذه فهو نافذ من المريض لقيام ملكه في الحال والهبة من هذا النوع وكل تصرف
لا يحتمل النقض بعد نفوذه يتوقف من المريض لان حاله متردد بين أن يبرأ فيكون متصرفا
في حق نفسه أو يموت فيكون متصرفا في حق ورثته ولا يمكن دفع الضرر عن الورثة بالابطال
بعد النفوذ لان هذا النوع من التصرف لا يحتمل ذلك فيدفع الضرر عنهم يتوقف حكم
التصرف على ما يتبين في الثاني والعتق من هذا النوع فيوقف منه حتى إذا برئ من مرضه
تبين أنه كان نافذا وان حاله في الجناية والشهادة كحال الحر وان مات من مرضه وهو يخرج
من ثلثه وكذلك أن لم يكن له مال سواه فعليه السعاية في ثلثي قيمته لان العتق في المرض
وصية لا تنفذ الا من الثلث وما دام يسعى فهو كالمكاتب لان سعايته في بدل رقبته فهو
بمنزلة معتق البعض يكون كالمكاتب ما دام يسعى بخلاف المرهون يعتقه الراهن وهو معسر
فهو وإن كان يسعى في الدين إلا أن السعاية هناك ليس في بدل الرقبة بل في الدين الذي هو
على الراهن ولهذا يرجع عليه إذا أيسر فلا يمنع سلامة الرقبة له وهنا السعاية في بدل الرقبة
فلا تسلم له رقبته ما لم يؤدها وإذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد في مرضه ثم مات
وهو موسر لم يضمن حصة شريكه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال هو ضامن
لشريكه قيمة نصيبه تستوفى من تركته لان هذا ضمان الاتلاف والافساد فإذا تقرر سببه من
المريض كان هو والصحيح سواء كضمان المغصوب والمتلفات وهذا ضمان التملك فيستوى
فيه الصحيح والمريض كالضمان بالاستيلاد والحجر بسبب المرض لا يكون أعلى من الحجر
بسبب الرق ثم المكاتب لو كاتب نصيبه كان ضامنا لنصيب شريكه فالمريض أولى وحجة أبي حنيفة
رحمه الله ما قال في الكتاب من قبل أن الضمان لو وجب لوجب أن يكون من مال الورثة
يعنى ان تركته تنتقل إلى ورثته بالموت فلو استوفى ضمان العتق إنما يستوفى من مال الوارث
119

ولا سبب لوجوب هذا الضمان على الوارث (فان قيل) لا كذلك بل هذا دين لزمه فيمنع
انتقال المال إلى وارثه (قلنا) ما لزمه شئ قبل أن يختار الشريك ضمانه ولو لزمه فهذا
ليس بدين صحيح يتقرر ألا ترى ان العسرة تمنع وجوبه ومثل هذا الدين لا يمنع ملك الوارث
ثم تقريره من وجهين أحدهما ان هذا في الصورة دين وفى المعنى صلة لان وجوبها لا كمال
الصلة وهو العتق والصلة وان تقرر سببها في حياته يجعل كالمضاف إلى ما بعد الموت حتى يتعين
من الثلث ولهذا الحرف قال ابن أبي ليلى رضى الله تعالى عنه إن كان الضمان يخرج من
ثلث ماله يجب وإلا فلا ولكنا نقول لكونه في حكم الصلات لا يمنع نقل الملك إلى الوارث
ولا يجوز استيفاؤه من مال الوارث لما قلنا ولان المرض أنفى للضمان من الفقر حتى أن الفقر
لا يمنع ضمان الكفالة والمرض يمنع منه فيما زاد على الثلث فإذا كان الفقر ينفى وجوب الضمان
للعتق أصلا فلان ينفيه من مرض الموت أصلا أولى وهذا بخلاف المكاتب لأن الضمان هناك
يجب في كسبه وهو أحق بكسبه يدا وتصرفا إنما ينعدم بسبب الرق حقيقة الملك والغنا
وقد بينا انه لا معتبر بالغنا في وجوب ضمان العتق إنما المعتبر هو اليسر والأداء على المكاتب
متيسر هناك من كسبه والمكاتب فيما يتقرر منه من أسباب الصلة كالحر ألا ترى أن المحاباة
اليسيرة تصح منه بالاتفاق ومن المريض تعتبر من ثلثه وهذا بخلاف ما لو كان العتق
في الصحة فان الضمان يستوفى من تركته بعد موته لان السبب هناك تقرر في حال كونه
مطلق التصرف في الصلات فيتقرر وجوبه عليه ألا ترى أنه لو كفل بمال في صحته فهو معتبر
من جميع ماله بخلاف ما إذا كفل في مرضه فهذا مثله وإذا أعتق أحد الشريكين العبد ثم
اختلفا فقال المعتق أعتقته وأنا معسر عام أول ثم أصبت مالا بعد ذلك وقال الآخر بل
أعتقته عام أول وأنت موسر فأقول قول المعتق لان حاله يتبدل في مثل هذه المدة
وان أقاما البينة فالبينة بينة الساكت لأنه يثبت اليسار والضمان لنفسه بسببه وإذا كان العبد بين
رجلين فقال أحدهما إن لم أضربه اليوم فهو حر وقال الآخر ان ضربته سوطا فهو حر
فضربه سوطين ثم مات منهما ففي المسألة حكمان حكم العتق وحكم الجناية أما حكم العتق
أنه يعتق نصيب الذي لم يضربه لوجود شرط حنثه حين ضربه سوطا وإن كان موسرا
فللضارب الخيار بين أن يضمنه نصف قيمته مضروبا سوطا وبين أن يستسعى العبد في
ذلك لأنه إنما صار معتقا له وهو منقوص بضرب السوط الأول وقد بينا أن ايجاد الشرط
120

من الضارب لا يسقط حقه في الضمان فلهذا كان له أن يضمنه نصف قيمته مضروبا سوطا وأما
حكم الجناية فان الضارب يضمن نصف ما نقصه السوط لأول لشريكه في ماله لان جنايته بضرب
السوط الأول لا في ملكا مشتركا بينهما ثم قد انقطعت سراية هذه الجناية بالعتق بعدها والجناية
على المماليك فيما دون النفس لا تعقله العاقلة فلهذا يضمن له نصف النقصان بالسوط الأول في ماله
ثم يضمن ما نقصه السوط الآخر كله لأنه صار بمنزلة المكاتب حين أعتق نصيبه وجنايته
على مكاتبه وعلى مكاتب غيره موجبة للضمان عليه ويضمن نصف قيمته بعد السوطين لأنه
مات من السوطين جميعا وأحدهما صار هدرا والاخر معتبر فيضمن نصف قيمته مضروبا
سوطين ويجمع ذلك مع نقصان السوط الثاني فيكون على العاقلة لان الجناية الثانية صارت
نفسا فما يجب باعتبارها يكون على العاقلة وهذا تركة العبد يستوفي منه الشريك ما ضمن لأنه
كان له حق الرجوع على العبد بما ضمن لشريكه فيرجع في تركته بعد موته وما بقي بعده
فهو ميراث للمعتق لان الولاء قد صار له في الكل وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
لا يغرم نقصان السوط الثاني لأنه بعتق البعض عتق كله والنقصان غير معتبر في الجناية على
الأحرار ولكن يجب نصف ديته على عاقلته فإن كان له وارث فهو لوارثه والا فهو للمعتق
ولا يرجع فيه بشئ مما ضمن لشريكه وإن كان المعتق معسرا فان الشريك الذي لم يعتق لم يرجع
بما غرمه من نقصان السوط الآخر ومن نصف قيمته مضروبا سوطين بل بنصف قيمة العبد
لأنه كان حق استسعاء العبد في ذلك فيستوفيه من تركته وما بقي فهو بين الشريك
والمعتق وبين أقرب الناس إلى الضارب من العصبة لان الولاء بينهما ولكن الضارب قاتل
فيكون محروما عن الميراث ويجعل كالميت فيقوم أقرب عصبة مقامه في ذلك وعندهما
الواجب نصف الدية يستوفى منه الضارب نصف القيمة وهو السعاية وما بقي فهو كله للمعتق
لان الولاء في الكل له عندهما وإذا قال كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر فملك مملوكا
مع غيره لا يعتق لان شرط عتقه أن يملك مملوكا مطلقا ونصف الملك لا يتناوله هذا
الاسم فان اشترى نصيب شريكه عتق لان الشرط قد تم حين صار الملك في الكل له ولا
فرق بين أن يملك المملوك جملة أو متفرقا وان باع نصيبه أولا ثم اشترى نصيب شريكه
لم يعتق لأنه لم يحصل في ملكه مملوك تام في شئ من أحواله والعرف الظاهر بين الناس
أنهم يريدون بهذا اللفظ الملك التام ولو قال لمملوك بعينه إذا ملكتك فأنت حر فاشترى
121

نصفه ثم باع ثم اشترى النصف الباقي عتق لان الشرط قد تم حين اشترى النصف الباقي
والموجود في ملكه هذا النصف يعتق والقياس في المعين وغير المعين سواء غير أنه استحسن
وفرق بينهما بحرفين (أحدهما) أن الوصف في المعين غير معتبر والاجتماع في الملك وصف
فيعتبر ذلك في غير المعين ولا يعتبر في المعين (والثاني) العادة فان الانسان يقول ما ملكت
قط مائة درهم ولا يريد بذلك مجتمعا لا متفرقا وفى المعين لا يقول ما ملكت هذه المائة درهم
إذا كان ملكها متفرقا وان قال إن اشتريته فهو حر فاشتراه شراء فاسدا لم يعتق لان شرط
حنثه تم قبل أن يقبضه ولا ملك له في القبض ألا ترى أنه لو أعتقه لا ينفذ عتقه فإن كان في
يده حين اشتراه عتق ومراده إذا كان مضمونا بنفسه في يده حتى ينوب قبضه عن قبض
الشراء فيصير متملكا بنفس الشراء فيعتق لوجود الشرط وإذا جنى المستسعى فهو بمنزلة
المكاتب يحكم عليه بالأقل من أرش الجناية ومن قيمته لان الرق فيه باق وهو أحق بمكاسبه
فيكون كالمكاتب في جنايته ألا تري أنه كالمكاتب في الجناية عليه فان جنى جناية أخري
بعد الحكم بالأولى حكم في الثانية بمثل ذلك لان الأولى بالقضاء تحولت إلى كسبه فتتعلق
الثانية برقبته وإن لم يكن حكم بالأولى تحاصا في القيمة لأنهما تعلقا برقبته فلا يلزمه باعتبارهما
الا قيمة واحدة وبيان هذه الفصول في كتاب الديات وان حفر بئرا في غير ملكه فوقع فيه
انسان فعليه أن يسعى في قيمته لأنه متعد فيه فهو في حكم الضمان كجنايته بيده وان وقع فيه
آخر اشتركوا في تلك القيمة لاستناد الجنايتين إلى سبب واحد وهو الحفر ولا يجب
بالسبب الواحد الا قيمة واحدة وان وجد في داره قتيل سعى في قيمته لان التدبير في
حفظ داره إليه فكان حكم القتيل الموجود فيها كحكم الذي جنى عليه بيده وما أفسد من
الأموال فهو عليه بالغا ما بلغ لأنه بمنزلة المكاتب في ذلك كله عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
وعندهما هو حرفي جميع أحكامه وإذا أعتق أحد الشريكين الجارية وهي حامل ثم أعتق
الآخر ما في بطنها ثم أراد أن يضمن شريكه نصف قيمة الأم لم يكن له ذلك وهذا اختيار
منه للسعاية لأنه باعتاق الجنين استحق ولاءه وهو في حكم جزء من اجزاء الأم ولو اكتسب
سبب الولاء في جزء منها سقط حقه في تضمين الشريك ولأنه منع تمليك ما في بطنها من
الشريك بالضمان فلهذا صار به مختار للسعاية ولو أعتقا جميعا ما في بطنها ثم أعتق أحدهما الأم
وهو موسر كان لصحابه أن يضمنه نصف قيمتها ان شاء لان بعد اعتاق الجنين كانا يتمكنان
122

من استدامة الملك فيها والتصرف بعد الوضع وقد امتنع على الساكت ذلك باعتاق الشريك
وهو موسر فكان له أن يضمنه نصف قيمتها ان شاء والحبل نقصان في بنات آدم لا زيادة
فإنما يضمنه نصف قيمتها حاملا لأنه أعتقها وهي على هذا الصفة والله أعلم بالصواب
(باب الشهادة في عتق الشركاء)
(قال) وإذا شهد الشاهدان ان أحد الشريكين أعتق العبد ولا يدرون أيهما هو وجحد
الموليان لم تجز شهادتهما لأنهما لم يبينا المعتق منهما والحجة هي البينة فما لا تكون مبينة
لا تكون حجة ولان الشهادة لا توجب شيئا بدون القضاء ولا يتمكن القاضي من الايجاب
على المجهول فان شهد أحد الشريكين على صاحبه بالعتق لم تجز شهادته لأنه في الحقيقة يدعى
اما الضمان على شريكه أو السعاية على العبد في نصيبه ولكن الرق يفسد باقراره لأنه متمكن
من افساد الرق باعتاقه فإذا أقر بفساد الرق باعتاق الشريك يعتبر اقراره في ذلك ثم يسعى
العبد في قيمته بينهما في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى موسرين كانا أو معسرين أو كان
أحدهما موسرا والآخر معسرا لان يسار المعتق عنده لا يمنع وجوب السعاية فالشاهد منهما
يقول شريكي معتق ولى حق استسعاء العبد مع يساره والمشهود عليه يقول الشاهد كاذب
ولا ضمان لي عليه ولكن لي حق استسعاء العبد لاحتباس نصيبي عنده وعند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله تعالى إن كان المشهود عليه معسرا فكذلك الجواب وإن كان موسرا يسعى
للمشهود عليه في نصف قيمته ولا يسعى للشاهد في شئ لان المشهود عليه يدعى السعاية
مع يسار الشاهد فإنه يزعم أنه كاذب وليس بمعتق فلا يضمن شيئا مع يساره فان الشاهد
تبرأ من السعاية عند يسار المشهود عليه لأنه يقول هو معتق ضامن لنصيبي ويدعي السعاية
عند عسرة المشهود عليه فيسعى له في هذه الحالة ولو شهد أحد الشريكين مع آخر على
شريكه باستيفاء السعاية لم تجز شهادته عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأنه شهد لعبد فإنه بمنزلة
المكاتب لهما ما دام يسعى والمكاتب عبد لمولاه ولأنه متهم فلعله قصد استخلاص كسبه
لنفسه بشهادته على صاحبه بالاستيفاء وكذلك لو شهد عليه بغصب أو جراحة أو شئ يجب
به عليه مال فشهادته مردودة لأنه شاهد لعبده عبد بين ثلاثة شهد اثنان منهم على
صاحبهما أنه أعتقه فحكم على العبد أن يسعى لهم في قيمته فأدى إلى واحد منهم شيئا كان
123

ذلك بينهم أثلاثا لان السعاية وجبت لهم عليه بسبب واحد فيكون المستوفى مشتركا بينهم
ولأنه بمنزلة العبد لهم فلا يكون لأحدهم حق الاختصاص بشئ من كسبه فان شهد اثنان
منهم على الآخر أنه استوفى منه حصته لم يجز شهادتهما من قبل أنهما يجران إلى أنفسهما
منفعة حتى يأخذ منه ثلثي ما استوفاه وكذلك أن شهدا أنه استوفي المال كله بوكالة
منهما لم تجز شهادتهما عليه لما قلنا ويبرأ العبد من حصتهما لاقرارهما فيه بقبض مبرئ فان
قبض وكليهما في براءة المديون كقبضهما ويستوفى المشهود عليه حصته من العبد ولا يشاركه
في ذلك الشاهدان لأنهما أسقطا حقهما بالشهادة السابقة ولأنهما يزعمان أنه ظالم في هذا
الاستيفاء لا حق له فيه ولا لهما وان شهدا بدين لهذا العبد على أجنبي لم تقبل لأنه بمنزلة
عبدهما ما دام يسعى وإذا شهد شاهدان عل أحد الشريكين أن شريكه الغائب أعتق حصته
من هذا العبد فعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تقبل هذه الشهادة ويقضي بعتقه
لان العتق عندهما لا يتجزأ فينتصب الحاضر خصما عن الغائب وهما في الحقيقة يشهدان على
الحاضر بعتق نصيبه وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا تقبل هذه الشهادة لان العتق عنده يتجزأ
فإنما يشهدان بعتق نصيب الغائب خاصة وليس عنه خصم حاضر والقضاء على الغائب بالشهادة
لا يجوز ولكن يحال بينه وبين هذا الحاضر أن يسترقه ويوقف حتى يقدم الغائب استحسانا وفي
القياس لا يحال لأن هذه الحيلولة تنبني على ثبوت العتق في نصيب الغائب ولا يثبت ذلك
بالشهادة بدون القضاء ولكن في الاستحسان قال هما يشهدان على الغائب بالعتق وعلى الحاضر
بقصر يده عنه لان معتق البعض بمنزلة المكاتب لا يد عليه لمولاه والحاضر خصم في اثبات قصر
يده عنده فتقبل هذه الشهادة في هذا الحكم إذ ليس من ضرورة القضاء بها القضاء على
الغائب بالعتق فهو نظير من وكل بعتق عبده فأقام العبد البينة على الوكيل أن مولاه أعتقه
لا يحكم بعتقه ولكن يحكم بقصر يد الوكيل عنه حتى يحضر المولى فتعاد عليه البينة فكذلك
هنا إذا حضر الغائب فلا بد من إعادة البينة عليه للحكم بعتقه لان الأولى قامت على غير
خصم فإن كانا غائبين فقامت البينة على أحدهما بعينه أنه أعتق العبد لم تقبل هذه الشهادة
الا بخصومة تقع من قبل قذف أو جناية أو وجه من الوجوه فحينئذ تقبل البينة إذا قامت على أن
الموليين اعتقاه أوان أحدهما أعتقه واستوفى الآخر السعاية منه لان الخصم الحاضر لا يتمكن
من اثبات ما يدعيه على العبد الا باثبات حريته والعبد لا يتمكن من دفعه الا بإنكار حريته
124

فينتصب خصما على الغائبين في ذلك وإذا شهد شاهد على أحد الشريكين أنه أعتقه وشهد
آخر على الشريك الآخر أنه أعتقه لم يحكم بشهادتهما اما على مذهب أبي حنيفة رحمه
الله تعالى لا يشكل لان المشهود به مختلف والمشهود عليه كذلك واما عند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله تعالى فلان أحدهما شهد بعتق يبرأ فيه من نصيب زيد إلى نصيب عمرو
والآخر شهد بعتق يبرأ فيه من نصيب عمرو إلى نصيب زيد ولم يتفق الشاهدان علي
واحد من الامرين فلا يحكم بشهادتهما وإن كان العبد لمسلم ونصراني شهد نصرانيان
عليهما بالعتق جازت شهادتهما على النصراني لان شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض مقبولة
وشهادتهم على المسلمين مردودة فإنما يثبت العتق في نصيب النصراني خاصة فهذا وما لو
شهدا عليه أنه أعتق نصيبه سواء حتى يخير المسلم بين الاعتاق والتضمين والاستسعاء
فان شهدا علي المسلم منهما بأنه أعتق نصيبه فالشهادة باطلة والعبد مملوك لهما على حاله
بخلاف ما إذا شهد النصراني على شريكه بالعتق فان ذلك اقرار منه في نصيبه بفساد الرق
والاقرار يلزم بنفسه قبل القضاء وهذه شهادة لا توجب شيئا الا بالقضاء وليس للقاضي
أن يقضى على المسلم بشهادة النصراني ولو شهد نصرانيان على شهادة مسلمين ان النصراني
أعتقه فهذا باطل لأنهما يثبتان شهادة المسلمين عند القاضي وكمالا يثبت قضاء القاضي على
المسلمين بشهادة النصراني وإن كان الخصم نصرانيا فكذلك لا تثبت شهادة المسلمين
بشهادة النصراني وإذا كان العبد بين ثلاثة نفر ادعى أحدهم أنه أعتق نصيبه على ألف
وشهد له شريكاه على العبد فالشهادة جائزة لان نصيبه من العبد قد عتق باقراره وإنما
بقي دعواه المال عليه فالآخران يشهدان بالمال على أحدهما ولا تهمة في هذه الشهادة
ولو شهد ابنا أحد الشركاء ان أباهما قد أعتق العبد بغير جعل جازت شهادتهما لأنهما
يشهدان على أبيهما وشهادة ابن العبد بالعتق تقبل أن كان العبد ينكر ذلك والمولى يدعيه
وإن كان العبد يدعى ذلك لا تقبل لأنهما يشهدان لأبيهما وكذلك أن شهدا بوجود شرط
العتق بعد ظهور التعليق فإنما يشهدان لأبيهما فلا تقبل شهادتهما ولو ادعى المولى أنه أعتقه
بألف درهم وقال العبد اعتقني بغير شئ فشهد ابنا المولى للعبد بما ادعى وأقام الأب شاهدين
على أنه أعتقه بألف درهم فإنه يؤخذ له بالألف لأنه يثبت المال بينة والعبد ينفى المال بما
يقيم من البينة وعند التعارض يرجح بين البينتين وإذا كانت بين رجلين فشهد ابنا
125

أحدهما على الشريك انه أعتقها فشهادتهما باطلة لأنهما شهدا لامة أبيهما ولأنهما يشهدان
لأبيهما بثبوت حق التضمين له قبل الشريك إن كان موسرا ولو شهدا على أبيهما انه
أعتقها جاز ذلك لأنه لا تهمة في شهادتهما على أبيهما فإن كان الأب موسرا ثم ماتت
الخادم وتركت مالا وقد ولدت بعد العتق ولدا فأراد الشريك أن يستسعى الولد فليس
له ذلك كما في حياة الأم لم يكن له سبيل على استسعاء الولد فكذلك بعد موتها إذا خلفت
مالا ولكنه يضمن الشريك كما كان يضمنه في حياتها ثم يرجع الشريك بما يضمن في تركتها
كما كان يرجع عليها لو كانت حية وما بقي فهو ميراث للابن لان بأداء ما عليها من السعاية يحكم
بعتقها وعتق ولدها مستندا إلى حال حياتها على ما نبينه في المكاتبة وإن لم تدع مالا رجع بذلك
على الابن لان الابن مولود في الكتابة والمولود في الكتابة يسعي فيما على أمه بعد موتها
لأنه جزء من أجزائها فبقاؤه كبقائها ولأنه محتاج إلى تحصيل العتق لنفسه ولا يتوصل إلى
ذلك الا بأداء ما على أمه وإن لم تمت فاختار الشريك أن يستسعيها فهي بمنزلة المكاتبة في تلك
السعاية والحاصل أن بعد موتها ليس للشريك أن يستسعيها باعتبار بقاء الولد وفى حال حياتها
له أن يستسعيها لان حق الاستسعاء باعتبار احتباس نصيب الشريك عندها وذلك لا يتحقق
بعد موتها ولا حق للشريك في ولدها فلهذا لا يستسعيها باعتبار بقاء الولد ولا باعتبار بقاء
المال ولكنه يضمن الشريك وأما في حال حياتها فقد تقرر احتباس نصيب الشريك عندها
فكان له ان يستسعيها وهي بمنزلة المكاتبة ما دامت تسعى حتى ليس لها أن تتزوج بدون اذن
مولاها وان ولدت فولدها بمنزلتها وان اشترت أباها أو أمها أو ولدها فليس لها أن تبيعهم
ولو اشترت أخاها أو ذا رحم محرم منها فلها أن تبيعهم في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
استحسانا وليس لها ذلك في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وهو القياس أصل المسألة
في المكاتب وجه قولهما أن الحر لو اشترى أخاه يصير في مثل حاله فكذلك المكاتب إذا
اشترى أخاه يصير في مثل حاله ألا ترى أن في الآباء والأولاد لا يفصل بين المكاتب
وبين الحر حتى يصير في مثل حاله في الوجهين فكذلك في كل ذي رحم محرم لان القرابة
المتأيدة بالمحرمية بمنزلة الولاد في استحقاق الحرية كما في استحقاق العتق بها وهذا لان
ما للمكاتب من الحق في كسبه يحتمل الكتابة حتى لو كاتب عبده صح كما أن ما للحر من
الملك يحتمل العتق فإذا سوى هناك بين الاخوة والآباء في اثبات ما يحتمله ملك الحر
126

فكذلك يسوى بينهما هنا في اثبات ما يحتمله كسب المكاتب وجه الاستحسان لأبي حنيفة
ان من تكاتب عليه يكون تبعا له ان الكتابة لا تكون الا ببدل وليس عليه شئ من البدل
فعرفنا أنه تبع ومعنى الأصالة والتبعية يتحقق فيما بين الآباء والأولاد لأجل الجزئية فيستقيم
أن يتكاتب عليه بسبب الجزئية فأما معنى الأصالة والتبعية لا يتحقق بين الاخوة وسائر
القرابات فلا يتكاتب أحدهما على الآخر والثاني أن المكاتب كسائر الاباء والأولاد يثبت
باعتبار الكسب على أن يوفى بعد ظهور الملك فان الابن إذا كان مكتسبا يقضى عليه بنفقة
أبيه على أن يملك بالاكتساب فيؤدى فكذلك هنا ثبت حق الآباء والأولاد في الكسب
على أنه متي ثبت الملك بالعتق عتق عليه فيمتنع بيعهم لهذا ولا يثبت حق الاخوة في
الكسب على أن يوفي من الملك إذا ظهر فكذلك لا يثبت حق الاخوة في كسب المكاتب
ولا يمتنع عليه بيعهم ولا يدخل على هذا الكلام أنه لا يقضى على المكاتب بالنفقة لآبائه
وأولاده الأحرار لان الاستحقاق بالكسب على أن يقضى من الملك وهنا لو قضى عليه
بالنفقة لزمه ذلك قبل تمام الملك له بالعتق وذلك لا يجوز لان ماله من الحق قبل العتق
لا يحتمل الصلة التامة توضيحه أن الأقارب يكثرون فلو تعذر عليه بيعهم إذا دخلوا في ملكه
أدى إلى تفويت المقصود بالكتابة وهو تحصيل المال ليؤدي فيعتق ولا يوجد مثل ذلك
في الآباء فلهذا استحسن أبو حنيفة رحمه الله تعالى وان اشترت زوجها لم يفسد النكاح ولها
أن تبيعه كالمكاتب لأنه إنما يثبت لها حق الملك في رقبة الزوج وحق الملك لا يرفع النكاح
لأنه أضعف منه والضعيف لا يرفع القوى إذا طرأ عليه وإن كان عبد على هذه الصفة
فاشترى امرأته كان له أن يبيعها إن لم تكن ولدت منه وان كانت ولدت منه فاشترى ولدها
معها فهي بمنزلته لان حق الأم تبع لحق الولد وثبوت التبع بثبوت المتبوع وقد امتنع عليه
بيع الولد فيمتنع عليه بيع الأم أيضا وان كفل عن المستسعى رجل بسعايته لمولاه فهو
باطل لان السعاية كبدل الكتابة والكفالة ببدل الكتابة باطلة لأنه عبده فلا يتقرر عليه
دينه فهذا مثله وان مات ولم يترك مالا حاضرا وترك دينا على الناس فلم يختصموا في أمره
حتى خرج الدين فهو بمنزلة المال الحاضر يؤدى منه سعايته ويكون ما بقي ميراثا والولد
الحر والمولود في السعاية والمشترى في ذلك سواء لان الكل يعتقون بعتقه ثم يجر ولاء
ولده الحر لان الأب في الولاء أصل كما في النسب وإنما كان ولاؤه لموالي الأم لعدم الولاء
127

في جانب الأب فإذا ظهر الولاء في جانبه انجر إليه ولاء أولاده وسنقرر هذا في موضعه
وإن لم يخرج الدين حتى جني ولده الحر كانت الجناية على عاقلة أمه لأنه مولى لموالي الأم
ما لم يظهر له ولاء في جانب الأب فان اختصم موالي الأم وموالي الأب في ولايته قبل
خروج الدين فقضي به الموالي الأم ثم خرج الدين بعد ذلك كان الدين لموالي الأب كله
لا يكون للابن فيه شئ في القياس ولكنا ندع العتاقين ونجعل السعاية للمولى وما بقي ميراثا
للابن وجه القياس ان القاضي لما حكم بولائه لموالي الأم فقد حكم برق الأب إلى هذا
الوقت وهو ميت والرقيق لا يرثه الحر توضيحه انه قطعه عن جانب الأب حين قضى
بولائه لموالي الأم وقضي بجنايته عليهم ووجه الاستحسان ان حكم الكتابة فيه لكونه معتق
البعض وذلك لا يحتمل الفسخ فيبقى بعد قضاء القاضي حكم الكتابة فيه على حاله فإذا خرج
ماله يؤدى كتابته ويحكم بحريته مستندا إلى حال حياته لأنه لا يمكن الحكم بحريته مقصورا
على الحال فتبين أنه مات حرا والحر يرثه ابنه الحر والقاضي ما قضى بقطع نسبه عن أبيه
ولو كان العبد في سعاية وله ولد من أمة له ثم مات العبد كان للابن ان يسعي فيما على أبيه
بمنزلة المولود في الكتابة ولو كان عبد وأمة زوجين لرجل واعتق نصف كل واحد منهما
وقضى عليهما بالسعاية في نصف قيمتهما ثم ولدت ولدا فقتل الولد وترك مالا فديته وماله لامه
لان الولد جزء من أمه يتبعها في الملك والرق ولم يعتق فكان تابعا لامه داخلا في سعايتها
فلهذا كان بدل نفسه وماله لها ولو جنى الولد جناية سعي في الأقل من قيمته ومن الجناية
لأنه بمنزلة المكاتب وهذا هو الحكم في جناية المكاتب ولو مات أبواه سعى فيما بقي على
أمه دون أبيه يتبعها في حكم الكتابة دون الأب فيقوم مقامها في السعاية فيما عليها ولو
ماتت أمه عن مال أدي منه سعايتها وما بقي فهو ميراث للابن لأنه يعتق بعتقها ولا ميراث
للزوج منها لان الزوج مكاتب ما لم يؤد السعاية وان مات الزوج عن مال يؤدى ما عليه
من سعايته وما بقي ميراث لمعتقه لا يرث ابنه ولا امرأته من ذلك شيئا لأنهما بمنزلة المكاتبين
ما لم تؤد الأم سعايتها وهذا وما لو كوتب الزوجان كل واحد منهما بعقد على حدة سواء في
جميع ما ذكرنا وذكر في الأصل عن إبراهيم ان معتق النصف إذا جني فنصف جنايته على
العاقلة والنصف عليه وإذا جنى عليه فأرش نصف الجناية عليه أرش العبيد وأرش النصف
الآخر أرش الأحرار وكأنه اعتبار البعض بالكل ولسنا نأخذ بهذا بل هو بمنزلة العبد في الجناية
128

والجناية عليه لان بين الحرية والرق في محل واحد منافاة وقد قررناه فيما سبق وإذا شهد
الشاهدان على أحد الشريكين أنه أقر بعتق المملوك وهو موسر جاز ذلك وثبوت اقراره
بالبينة كثبوته بسماع القاضي منه ويضمن لشريكه إن كان موسر نصف قيمته ويرجع به
على الغلام والولاء له وإن كان جاحدا للعتق لان القاضي حكم عليه بخلاف زعمه وبقضاء
القاضي سقط اعتبار زعمه بخلافه ألا ترى أن العبد لو كان كله له فشهدا عليه بعتقه كان
الولاء له وإن كان منكرا وان شهدا أنه أقر أنه حر الأصل عتق ولا ولاء له لان الثابت من
اقراره بالبينة كالثابت بالمعاينة وإنما يقضي القاضي على المقر بما يقربه ويجعله في حقه كأنه حق
وحرية الأصل لا تعقب الولاء وان شهدوا على اقراره أن الذي باعه كان أعتقه عتق كما
لو سمع القاضي اقراره بذلك وهذا لأنه أقر بنفوذ العتق فيه ممن كان مالكا له وولاؤه
موقوف لان كل واحد منهما ينفيه عن نفسه فان البائع يقول أنا ما أعتقته وإنما عتق باقرار
المشترى فله ولاؤه المشترى يقول بل أعتقه البائع فالولاء له فلهذا توقف ولاؤه على أن
يرجع أحدهما إلى تصديق صاحبه فيكون الولاء له لان الولاء لا يحتمل النقض بعد ثبوته
فلا يبطل بالتكذيب أصلا ولكن يبقى موقوفا فإذا صدقه ثبت منه وان شهدا على اقراره
أن البائع كان دبره أو كاتب أمه أو أن البائع كان استولدها قبل البيع فإنه يخرج كل واحد
منهما من ملكه لإقراره انه لم يملكهما بالشراء وأنهما باقيان على ملك البائع ولا يرجع على
البائع بالثمن لان اقراره ليس بحجة على البائع في ابطال البيع وقد استحق البائع الثمن به
ولا يعتقان حتى يموت البائع فإذا مات عتقا لان المشترى أقر بتعلق عتقهما بموت البائع
والبائع كان مقرا بأن اقرار المشترى فيهما نافذ لان يملكهما فعند موت البائع يحصل التصادق
منهما على الحرية إذا كان المدبر يخرج من ثلث مال البائع فلهذا يحكم بعتقهما والجناية عليهما
كالجناية على مملوكين قبل موت البائع لأنهما لا يعتقان الا بموته وتوقف جنايتهما في قول أبي حنيفة
وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى عليهم السعاية في الأقل من قيمتهما
وأرش جنايتهما والقياس ما قاله أبو حنيفة رحمه الله تعالى لان المشترى إن كان صادقا
فموجب جنايتهما على البائع ابتداء لان موجب جناية المدبر وأم الولد القيمة على المولى ابتداء
وإن كان كاذبا فجنايتهما تتعلق برقبتهما ويخاطب المشترى بذلك ومع جهالة المستحق عليه
لا يتمكن القاضي من القضاء بشئ فلهذا تتوقف جنايتهما ولكنهما استحسنا فقالا هما بمنزلة
129

المكاتبين في الحال حتى يكتسبان وينفقان على أنفسهما من كسبهما ولا سبيل لاحد على
أخذ الكسب منهما وإنما كان موجب جناية المكاتب على نفسه لكونه أحق بكسبه فإذا
وجد ذلك المعنى هنا قلنا عليهما السعاية في الأقل من قيمتهما ومن أرش الجناية
وكذلك أمة بين رجلين أقر أحدهما أنها ولدت من الآخر وأنكر الاخر ذلك فهي
موقوفة تخدم المنكر يوما ويرفع عنها يوم ولا سبيل للمقر عليها في قول أبي حنيفة وأبى
يوسف رحمهما الله تعالى الآخر وفى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الأول وهو قول محمد
رحمه الله تعالى تسعى في نصف قيمتها للمنكر لان اقرار أحدهما على شريكه بأمية الولد
كشهادته عليه بعتق نصيبه وقد بينا أن هناك يسعى للمنكر في نصيبه فكذلك هنا ولكن
أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول هناك تعذر استدامة الملك لان ما أقربه لو كان حقا كان
استدامة الملك فيها ممتنعا فلهذا تخرج إلى الحرية بالسعاية وهنا ما أقربه من أمية الولد لو كان
حقا لم يكن استدامة الملك فيها ممتنعا فلا معنى لايجاب السعاية عليها للمنكر ولكن في زعم
المنكر أنها مشتركة بينهما كما كانت وان شريكه كاذب فكان له أن يستخدمها يوما من كل
يومين كما قبل هذا الأوان وليس للمقر أن يستخدمها في اليوم الآخر لأنه يزعم أنها
صارت أم ولد لشريكه وان حقه في الضمان قبل شريكه ولا حق له في الاستخدام فلهذا
لم يكن للمقر عليها سبيل وجنايتها والجناية عليها تكون موقوفة في قول أبي حنيفة وأبى
يوسف رحمهما الله تعالى وفي قول أبى يوسف الأول وهو قول محمد رحمه الله تعالى هي بمنزلة
المكاتبة تسعى في الجناية عليها بأخذ الأرش فتستعين بها هكذا ذكر في الكتاب وهو
ظاهر لان عندهما لما قضى عليها بالسعاية في نصيب الجاحد كانت كالمكاتب وعند أبي حنيفة
رحمه الله تعالى لما كانت موقوفة الحال لا يقضى فيها بشئ فكذلك حكم جنايتها والجناية عليها
وقيل الصحيح ان عند أبي حنيفة نصف جنايتها على الجاحد لان نصفها مملوك له مطلقا
حتى يستخدمها بقدره والنصف الآخر يتوقف وعلى قول أبى يوسف الأول وهو قول محمد
جنايتها عليها تسعى في الأقل من قيمتها ومن أرش الجناية لأنها أحق بكسبها ألا ترى أنها
تنفق على نفسها من كسبها ولو جعلناها موقوفة فمن ينفق عليها وإذا لم يكن بد من أن تجعل
أحق بكسبها كان موجب جنايتها في كسبها كالمكاتبة والله تعالى أعلم بالصواب
130

باب عتق ما في البطن)
(قال) رجل قال لجاريته كل ولد تلدينه فهو حر فما ولدته في ملكه فهو حر لان ملك الأم
سبب لملك الولد فان الجنين يتبع الأم في الملك وقيام سبب الملك عند التعليق كقيام الملك
في صحة التعليق ألا ترى ان في اليمين المضاف جعل التعليق بسبب الملك وهو الشراء كالتعليق
بالملك ولو كان الملك موجودا في المحل الذي يلاقيه وقت التعليق كان التعليق صحيحا فكذلك
إذا كان سبب الملك موجودا ولا يعتق ما لم تلد لأنه جعل شرط العتق الولادة وان مات
المولى وهي حبلى ثم ولدته لم تعتق لأنها صارت ملكا للوارث بالموت فإنما وجد الشرط بعد
زوال ملك المعتق وكذلك لو باعها المولى وهي حبلى جاز بيعه لقيام ملكه وقدرته على تسليمها
وإذا ولدت بعد ذلك لم تعتق لان الشرط وجد في غير ملك الحالف وان ضرب ضارب
بطنها فألقته ميتا كان فيه ما في جنين الأمة لأنه ما دام في البطن فهو رقيق ولو كان قال كل
ولد تحبلين به فهو حر كان فيه ما في جنين الحر لان شرط العتق هنا وجود الحبل وقد علم
أنه كان موجودا قبل الضرب فإنما وجدت جناية الضارب على جنين هو حر وان ولدته بعد
البيع لأقل من ستة أشهر فهو حر والبيع باطل لأنا تيقنا بوجود الولد قبل البيع وحريته
فإنما باعها وفى بطنها ولد حر فيكون البيع باطلا ولو قال لها إن كان أول ولد تلدينه غلاما فهو
حر وان كانت جارية فأنت حرة فولدت غلامين وجاريتين فان علم أن الغلام أول ما ولدت
فهو حر والباقون أرقاء وان علم أن الجارية أو ما ولدت فهي مملوكة والباقون مع الأم أحرار
لان بولادة الجارية الأولى عتقت الأمة وإنما عتقت بعد انفصال هذه الجارية عنها فكانت
هي مملوكة والباقون أحرار لأنهم انفصلوا منها بعد حريتها والولد لا ينفصل من الحرة
الا حرا وإن لم يعلم أيهم أول يعتق من الأم نصفها لأنها تعتق في حال وترق في حال ويعتق
ثلاثة أرباع كل واحد من الغلامين لان أحدهما حر بيقين فإنها ان ولدت الغلام أو لا فهذا
الغلام حر وان ولدت الجارية أولا فالغلامان يعتقان بعتق الأم فأحدهما حر بيقين والآخر
يعتق في حال دون حال فيعتق نصفه ثم حرية ونصف بينهما نصفان إذ ليس أحدهما بأولى
من الآخر فيعتق من كل واحد منهما ثلاثة أرباعه ويسعى في ربع قيمته ويعتق من كل
واحدة من الجاريتين ربعها لان إحداهما أمة بيقين والأخرى تعتق في حال دون حال فإنها ان
131

ولدت الغلام أولا فالجاريتان مملوكتان وان ولدت احدى الجاريتين أولا فهذه مملوكة
والأخرى حرة فإذا كانت إحداهما تعتق في حال دون حال يعتق نصفها وليست إحداهما
بأولى من الأخرى فكان نصف الحرية بينهما لكل واحدة منهما ربع حرية وتسعى كل
واحدة في ثلاثة أرباع القيمة وان تصادق الأم والمولى علي أن هذا الغلام أول عتق ما تصادقا
عليه والباقون أرقاء لان اليد لهما والقول قول ذي اليد فمن لا يعبر عن نفسه في رقه
وحريته فان تصادقا على شئ وجب الاخذ بما تصادقا عليه وان اختلفا فيه فالقول قول المولى
مع يمينه لان المعتق هو المولى فكان قوله في بيان من عتق مقبولا مع يمينه ان ادعت الأم
خلاف ذلك لأنها تدعى عليه ما لو أقر به لزمه وإنما يستحلف على العلم بالله ما يعلم أنها ولدت
الجارية أو لا لأنه يستحلف على فعلها والاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم وإذا قال
لها إن كان حملك غلاما فأنت حرة وان كانت جارية فهي حرة فكان حملها غلاما وجارية
لم يعتق أحد منهم لان الحمل اسم لجميع ما في البطن قال تعالى أن يضمن حملهن والعدة
لا تنقضي الا بوضع جميع ما في البطن فإنما جعل شرط عتقها كون جميع ما في البطن غلاما
وشرط عتق الجارية كونها جميع ما في البطن ولم يوجد ذلك وكذلك قوله إن كان ما في
بطنك لان ما هو من ألفاظ العموم فهو يقتضى أن يكون جميع ما في بطنها بتلك الصفة
ولو كان قال في الكلامين إن كان في بطنك عتقت الجارية والغلام لأنه جعل شرط عتقها
وجود الغلام في بطنها وقد تبين أنه كان موجودا والتعليق بشرط موجود يكون تنجيزا
فعلمنا أنها عتقت قبل انفصال الولدين عنها فيعتق الولدان جميعا وإذا قال إذا كان أول ولد
تلدينه غلاما فأنت حرة وان كانت جارية فهي حرة فولدتهما جميعا فان علم أن الغلام أول
عتقت هي مع ابنتها والغلام رقيق وان علم أنها ولدت الجارية أولا عتقت الجارية والأم مع
الغلام رقيقان وإن لم يعلم واتفق الأم والمولى على شئ فكذلك لان اليد لهما وان قالا لا ندري
فالغلام رقيق والابنة حرة ويعتق نصف الأم لأنها ان ولدت الغلام أولا فهي حرة والغلام
رقيق وان ولدت الجارية أولا فالجارية حرة والغلام والأم رقيقان فالأم تعتق في حال دون
حال فيعتق نصفها والغلام عبد بيقين والجارية حرة بيقين اما ان تعتق بنفسها أو بعتق
الأم ولو كأن قال إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة فولدت غلاما وجارية فان ولدت
الغلام أولا فالغلام رقيق والأم والجارية حرتان وان ولدت الجارية أولا فهم أرقاء فالأم
132

تعتق في حال دون حال فيعتق نصفها وكذلك الجارية والغلام رقيق بيقين وذكر في
الكيسانيات عن محمد رحمه الله تعالى في هذا الفصل أنه لا يحكم بعتق واحد منهم
ولكن يحلف المولى بالله ما يعلم أنها ولدت الغلام أولا فان نكل عن اليمين فنكوله كاقراره
وان حلف فهم أرقاء بخلاف الفصل الأول لأنا تيقنا بحرية بعضهم واعتبار الأحوال بعد
التيقن بالحرية صحيح وهنا لم يتيقن بشئ من الحرية لجواز أنها ولدت الجارية أولا فلا معنى
لاعتبار الأحوال ولكنها تدعى عليه شرط العتق وهو منكر فالقول قوله مع يمينه ولو قال
ما في بطنك حر فولدت بعد ذلك لستة أشهر لا يعتق وان ولدت لأقل من ستة أشهر
عتق لأنه أوجب العتق لما هو موجود في بطنها وإذا ولدت لأقل من ستة أشهر فقد تيقنا
أنه كان موجودا فأما إذا ولدت لستة أشهر فصاعدا لم نتيقن انه كان موجودا والعلوق
يضاف إلى أدنى مدة الحمل الا في حالة الضرورة وان ولدت واحدا لأقل منها بيوم والآخر
لأكثر منها بيوم عتقا لأنا تيقنا بوجود الأول في بطنها وقت اليمين حين ولدته لا قل من ستة
أشهر وهما توأم واحد خلقا من ماء واحد فالحكم بوجود أحدهما في البطن في وقت حكم
بوجودهما وإذا أعتق أمته ولها زوج حر فولدت ولدا لستة أشهر فصاعدا بعد العتق فنفاه
الزوج لاعن ولزم الولد أمه لان الحل قائم بين الزوجين فإنما يستند العلوق إلى أقرب الأوقات
هو ستة أشهر وتبين أنها علقت به في حال هما أهل اللعان فيقطع النسب عنه باللعان ويكون
ولاؤه لموالي الأم لأنه لا نسب له من جهة الأب وان وضعته لأقل من ستة أشهر لزم أباه
ولاعن أما اللعان فلانه قذفها في الحال وهي محصنة وأما لزوم الولد أباه فلانا تيقنا أن
العلوق كان قبل العتق وهي لم تكن من أهل اللعان فلزمه نسب الولد على وجه لا يملك نفيه
فلا يتغير ذلك بالعتق بعده وولاء الولد لموالي الأم لأنه كان موجودا في البطن حين
أعتق الأم فصار الولد مقصودا بالعتق وله ولاء نفسه ولو قال لامته ان كنت حبلى فأنت
حرة فان ولدت لأقل من ستة أشهر فهي حرة وولدها لأنه تبين أنه كان منجزا عتقها
بالتعليق بشرط موجود وان ولدت لستة أشهر أو أكثر لم تعتق لأنا لم نتيقن بوجود الشرط
لجواز أن يكون هذا الولد من علوق حادث وما لم نتيقن بوجود الشرط لا ينزل الجزاء ولو
قال لها ما في بطنك حر فضرب رجل بطنها بعد هذا القول لأقل من ستة أشهر فألقت جنينا
ميتا ففيه ما في جنين الحرة لأنا علمنا أنه كان موجودا في بطنها حين قال ذلك وانه حكم بعتقه
133

(فان قيل) فلعله كان ميتا واعتاق الميت باطل (قلنا) قد ظهر لموته سبب وهو الضرب
فيحال بالحكم عليه ولما حكمنا بوجوب الضمان على الضارب فقد حكمنا بحياته إلى هذا الوقت
فعلي الجاني ما في جنين الحرة ولو قال لها إن كان أول ما تلدينه غلاما ثم جارية فأنت حرة
وان كانت جارية ثم غلاما فالغلام حر فولدت غلامين وجاريتين لا يعلم أيهما أول عتق
نصف الأم وربع الأولاد لأنها ان ولدت الغلام أو لاثم الجارية فالأم حرة وان ولدت
الجارية أولا ثم الغلام فالأم رقيقة فهي تعتق في حال دون حال فيعتق نصفها وأحد الغلامين
رقيق بيقين والآخر يعتق في حال دون حال فيعتق ربع كل واحد منهم ولا يقال من
الجائز انها ولدت الغلامين أولا ثم الجاريتين لان هذا بمنزلة ولادة الغلام أولا ثم الجارية
وإذا ولدت الجاريتين أولا ثم الغلامين فهذا بمنزلة ولادة الجارية أولا ثم الغلام لان الشرط
ولادة الغلام بعد ولادة الجارية وقد وجد سواء تخلل بينهما ولادة جارية أخرى أولم
يتخلل وان ولدت غلاما وجارية في بطن لا يعلم أيهما أول عتق نصف الأم ونصف الغلام
لان الأم تعتق في حال دون حال وكذلك الغلام فيعتق نصف كل واحد منهما والابنة أمة
لأنها ان ولدت الغلام أولا ثم الجارية فإنما عتقت الأم بعد انفصال الجارية فهي أمة وان
ولدت الجارية أو لا فهي أمة فعرفنا ان رقها متعين وان قال أول ولد تلدينه فأنت
حرة فولدت ولدا ميتا عتقت لان الميت ولد كالحي ألا ترى ان الجارية تصير به أم ولد
والمرأة تصير به نفساء فيتم شرط عتقها بولادته ولو كان قال هو حر لا ينحل يمينه بولادة الميت
حتى إذا ولدت ولدا حيا بعد ذلك عتق الولد الحي في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولم يعتق
في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وجه قولهما ان انحلال شرط اليمين تحقق بولادة
الولد الميت وليس من ضرورة انحلال اليمين نزول الجزاء ألا تري أنه لو قال أول عبد
اشتريه فهو حر فاشترى عبدا لغيره انحلت اليمين حتى لو اشترى بعد ذلك عبدا لنفسه
لم يعتق والدليل عليه أنه لو قال أول ولد تلدينه فهو حر وامرأته طالق فولدت ولدا ميتا
وقع الطلاق ثم عندكم لو ولدت ولدا حيا بعد ذلك يعتق الحي وهذا لا وجه له لان الشرط
ان صار موجودا بولادة الميت انحلت اليمين وإن لم يصر موجودا فينبغي أن لا يقع
الطلاق والدليل عليه ان هذا الحي ثاني ولد حتى لو قال ثاني ولد تلدينه فهو حر يعتق
هذا ولا يكون الشخص الواحد أولا وثانيا وجه قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ما حكى
134

عن أبي سعيد البردعي رحمه الله تعالى أنه كأن يقول الولد الميت ولد في حق الغير حتى أن
العدة تنقضي به والجارية تصير أم ولد وليس بولد في حق نفسه حتى لا يسمى ولا
يصلى عليه فإذا كان الجزاء عتق الأم أو طلاق المرأة كان الميت ولدا فيه وإذا كان الجزاء
عتق الولد لم يكن الميت ولدا فيه ولكن هذا تشه ومع أنه تشه لا معني له فإنه يقال
ينبغي أن يجعل ولدا في حق المولى حتى ينحل يمينه به وينبغي أن يجعل ولدا في حق الولد
الثاني حتى لا يعتق فالوجه الصحيح أن يقول جازى بكلامه مالا يجازى به الا الحي فتصير
الحياة مدرجة في كلامه ويكون المضمر كالمصرح به فكأنه قال أول ولد تلدينه حيا فهو حر
وإنما قلنا ذلك لان كلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن ولا يصح هذا الكلام الا
باضمار الحياة في الولد لان الاعتاق احداث القوة وذلك يتحقق في الحي دون الميت فتبين
بقوله فهو حران حياة الولد مضمر في كلامه ألا ترى أنه لو قال إذا ولدت ولدا ميتا فهو
حر كان كلامه لغوا وبه فارق الطلاق وعتق الأم لأنه لا حاجة في تصحيح ذلك الكلام
إلى اضمار الحياة في الولد ألا ترى أنه لو صرح بموت الولد كان التعليق صحيحا ثم ما نبت
بطريق الاقتضاء يجعل ثابتا للحاجة والضرورة ففيما تتحقق فيه الحاجة يجعل مدرجا في
كلامه فيما لا تتحقق فيه الحاجة لا يجعل مدرجا ولا يبعد أن يكون الشرط واحدا ثم يحكم
بوجوده في بعض الجزاء دون البعض كما لو قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق وفلانة
معك فقالت حضت تصدق في وقوع الطلاق عليها دون ضرتها ولما ثبت أن الحياة
مدرجة في كلامه فالذي ولدته بعد الميت أول ولد حي وإن كان في الصورة ثاني ولد وليس
هذا كقوله أول عبد اشتريه فهو حر لان المشترى لغيره محل للعتق ألا ترى أن العتق
ينفذ فيه من مالكه ومن المشترى موقوفا على إجازة مالكه فلا حاجة إلى اضمار الشراء لنفسه
لتصحيح الكلام وههنا الميت ليس بمحل للعتق أصلا فلهذا جعلنا الحياة مدرجة في كلامه
وان قال أول ولد تلدينه فهو حر فولدت ولدا وشهدت امرأة على الولادة وكذبها المولى
وقال هذا عبدي من غيرها لم يعتق بشهادة امرأة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعلى
قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يعتق وقد تقدم نظيره في الطلاق وقد بينا أن عند أبي
حنيفة رحمه الله تعالى بشهادة القابلة إنما يثبت ما هو من أحكام الولادة على الخصوص والعتق
ليس من أحكام الولادة على الخصوص وعندهما لما قبلت شهادة القابلة في حق نسب الولد
135

فكذلك تقبل فيما جعل بناء على الولادة ألا ترى أنه لو قال إن كان بها حبل فهو مني ثم جاءت
امرأة تشهد على الولادة بعد هذا القول بيوم صارت أم ولد له وبالاستيلاد يثبت حق الحرية
ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يفرق فيقول الاستيلاد من أحكام نسب الولد فأما هذا
العتق ليس من حكم الولادة وشهادة القابلة حجة ضرورية فلا تكون حجة الا فيما هو في
حكم الولادة وان قال لها أنت حبلى فإذا ولدت فأنت حرة فشهدت امرأة على الولادة عتقت
لا بشهادة القابلة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى بل بمجرد قول الأمة لأنه لما أقر بأنها حبلى فقد
جعل شرط وقوع العتق عليها ظهور ما هو موجود في بطنها وقد ظهر بقولها كما إذا قال لها
إذا حضت فأنت حرة وقد تقدم نظير هذا في الطلاق وإذا قال لها إذا حبلت فأنت حرة ثم
وطئها فينبغي له في الورع والتنزه ان يعتزلها حتى يعلم أحامل هي أم لا لان سبب الحبل هو
الوطئ فبعد ما وطئها يحتمل انها قد حبلت وقد عتقت فلو وطئها كان حراما عليه والتحرز عن
الحرام واجب فلهذا نأمره على طريق التنزه ان يعتزلها فإذا حاضت علمنا أنها ليست بحامل
فيطأها مرة أخرى بعد ما تطهر وهكذا دأبه ودأبها وان ولدت بعد هذه المقالة لا كثر من
سنتين وقد وطئها قبل الولادة لأقل من ستة أشهر فعليه العقر لأنا تيقنا بوجود شرط العتق
بعد اليمين وتيقنا بأنه وطئها بعد ما علقت فإنما وطئها وهي حرة بالشبهة فعليه العقر وان ولدته
لأقل من سنتين لم يعتق لأنا لم نتيقن بوجود الشرط وهو الحبل بعد اليمين لجواز أن يكون هذا
الولد من علوق كان قبل اليمين (فان قيل) فأين ذهب قولكم ان يستند العلوق إلى أقرب
الأوقات (قلنا) نعم يستند العلوق إلى أقرب الأوقات إذا لم يكن فيه اثبات العتق بالشك
لان العتق بالشك لا ينزل وقد تقدم نظيره في الرجعة في الطلاق وإذا قال لأمتيه ما في بطن
أحدا كما حر فله ان يوقع على أيهما شاء لان ما في البطن في حكم العتق كالمنفصل وقد بينا في
المنفصل أنه لو أوجب العتق في غير المعين كان البيان إليه فكذلك فيما في البطن فان ضرب
انسان بطن إحداهما فألقت جنينا ميتا وقع العتق على ما في بطن الأخرى لان الذي انفصل
ميتا خرج من أن يكون محلا للعتق ومزاحما للآخر فيما أوجب فيتعين العتق في الآخر
ضرورة ولو ضرب بطن كل واحدة منهما رجل معا فألقتا جنينين ميتين لأقل من ستة أشهر
منذ تكلم بالعتق كان على كل واحد منهما ما في جنين الأمة لان كل واحد من الجنينين
كان مملوكا يقينا وبعد ايجاب العتق في المجهول بقيا كذلك وقد بينا في المنفصلين أنه لو قتل
136

كل واحد منهما رجل كان على كل واحد من القاتلين قيمة مملوك فهذا مثله وان قال ما في
بطن هذه حر وما في بطن هذه حر أو سالم عتق ما في البطن الأولى والخيار بين سالم وما
في بطن الثانية إليه لأنه أوجب العتق لما في بطن الأولى بعينها وخير نفسه بين عتق ما في
بطن الثانية وسالم لأنه ادخل بينهما حرف أو وذلك للتخيير فكأنه قال ما في بطن هذه
حر واحد الآخرين فيعتق الأول بعينه والخيار إليه في الآخرين يوقع العتق على أيهما
شاء وإذا قال لأمتيه ما في بطن إحداكما حر ثم خرجت إحداهما وجاءت أخرى فقال
ما في بطن إحداكما حر ثم ولدن كلهن لأقل من ستة أشهر فالقول فيه قول المولى
وأصل هذه المسألة في العبيد ذكرها في مواضع من الكتب والتخريج في الكل واحد
فنقول رجل له ثلاثة أعبد دخل عليه اثنان فقال أحدكما حر ثم خرج أحدهما
ودخل الثالث فقال أحدكما حر فالبيان إلى المولى لان الايهام كان منه ولان حكم الكلامين
يختلف ببيانه فان قال عنيت بالكلام الأول الثابت أو أعنيه الآن واختاره عتق الثابت
بالكلام الأول وتبين أنه في الكلام الثاني جمع بين حر وعبد وقال أحدكما حر فلا يجب
به شئ إذا لم ينو العبد وان قال عنيت بالكلام الأول الخارج عتق الخارج بالكلام الأول
وصح الكلام الثاني لأنه جمع فيه بين عبدين فقال أحدكما حر فالبيان إليه فان بين أولا
أنه عنى بالكلام الثاني الثابت تعين الخارج بالكلام الأول لان الثابت خرج من مزاحمة
الخارج في موجب الكلام الأول حين أنشأ عتقه بعده وان قال عنيت بالكلام الثاني
الداخل عتق الداخل ولا بد من أن يبين مراده بالكلام الأول وان مات قبل أن يبين عتق من
الخارج نصفه ومن الثابت ثلاثة أرباعه ومن الداخل نصفه في قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله تعالى وربعه في قول محمد رحمه الله تعالى لأنه وجب بالكلام الأول حرية تتردد
بين الخارج والثابت وقد فات البيان بموت المولى فيشيع فيهما فلهذا يعتق من الخارج نصفه
ومن الثابت نصفه بالكلام الأول والكلام الثاني لا يجب به شئ إن كان المراد بالكلام الأول
الثابت ويجب به حرية إن كان المراد بالكلام الأول الخارج فأوجبنا به نصف حرية باعتبار
التردد ثم هذا النصف يتردد بين الثابت والداخل فيكون نصفه وهو الربع للثابت فاجتمع
له ثلاثة أرباع حرية وحصل للداخل ربع حرية بالكلام الثاني فلهذا قال محمد رحمه الله
تعالى يعتق منه ربعه ولأنه شريك الثابت في الكلام الثاني فلا يصيب الا قدر ما يصيب
137

الثابت بهذا الكلام وشبه هذا بمن له ثلاث نسوة لم يدخل بشئ منهن قال لاثنتين منهن
إحداكما طالق فخرجت إحداهما ودخلت الثالثة فقال أحدا كما طالق ثم مات قبل أن يبين
يسقط من مهر الخارجة ربعه ومن مهر الثانية ثلاثة أثمانه ومن مهر الداخلة ثمنه للطريق الذي
قلنا وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا الكلام الثاني صحيح على كل حال فإن كان
مراده الثابت عتق به ما بقي وهو النصف وإن كان مراده الداخل عتق به كله فالداخل يعتق
في حال ولا يعتق في حال فيعتق نصفه وبيان هذا الكلام اما على أصل أبي حنيفة رحمه الله
فظاهر لان الحرية الأولى لما شاعت فيهما كان الثابت معتق البعض ومعتق البعض عنده
بمنزلة المكاتب أهل لانشاء العتق فيه فيصح الكلام الثاني علي كل حال وعلى قول أبى يوسف
رحمه الله العتق لا يتجزأ بعد وقوعه على محل بعينه بعد وقوعه ولم يكن واقعا على الثابت حين تكلم
بالكلام الثاني فصح الكلام الثاني وأما مسألة الطلاق فقد قيل هو مذكور في الزيادات وهو قول
محمد رحمه الله فأما عندهما يسقط من مهر الداخلة ربعه وبعد التسليم الفرق واضح على أصل أبي حنيفة
رحمه الله لان الطلاق عنده لا يتجزأ بخلاف العتق فالكلام الثاني ليس بصحيح على كل حال
وإنما الاشكال على قول أبى يوسف رحمه الله والفرق أنه يوجد شخص متردد الحال بين
الرق والحرية ويكون محلا لانشاء العتق وهو المكاتب والثابت بهذه الصفة حين تكلم
بالكلام الثاني فأمكن تصحيح الكلام الثاني من هذا الوجه على كل حال فأما الطلاق
لا يوجد شخص متردد الحال بين أن تكون مطلقة ومنكوحة ثم يصح وقوع الطلاق
عليها فلا وجه لتصحيح الكلام الثاني من كل وجه (نسا) إن كان صحيحا يسقط به نصف
مهر وإن لم يصح لم يسقط به شئ فسقط به ربع مهر ثم يتردد هذا الربع بين الثابتة
والداخلة فيصيب الداخلة نصف الربع وهو الثمن فلهذا سقط ثمن مهرها وإن كان المولى
قال ذلك في مرضه ومات قبل البيان ولا مال له سواهم فإنهم يقتسمون الثلث على قدر
حقهم فيضرب الخارج في الثلث بسهمين والثابت بثلاثة أسهم والداخل بسهمين في قولهما
فيكون الثلث بينهم على سبعة والقسمة من أحد وعشرين كل رقبة سبعة فيستسعى الخارج
في خمسة أسباعه وكذلك الداخل والمقيم في أربعة أسباعه وعلى قول محمد رحمه الله تعالى
الداخل إنما يضرب بسهم واحد فيكون الثلث بينهم على ستة والقسمة من ثمانية عشر يسعى
الخارج في ثلثي قيمته والثابت في نصف قيمته والداخل في خمسة أسداس قيمته إذا عرفت
138

هذا التخريج في العبيد فكذلك فيما في بطن الجواري لان الجنين في حكم العتق كالمنفصل
وان قال لامته قد أعتقت ما في بطنك على ألف درهم عليك فقبلت ثم وضعت غلاما لأقل
من ستة أشهر فهو حر لأنا تيقنا أنه كان موجودا في البطن حين علق العتق بقبولها المال
وقد وجد منها القبول والمال باطل لأنه لا يمكن ايجابه على الجنين لان المولى شرطه على
الأم دون الجنين ولأنه لا ولاية للأم على الجنين في إلزام المال إياه لا يمكن ايجابه على الأم
لان الجنين في حكم العتق كشخص واحد على حدة واعتاق شخص ببدل على شخص آخر
لا يجوز وهذا بخلاف الطلاق فإنه لو طلق امرأته بمال على أجنبي وقبل الأجنبي ذلك
وجب المال عليه ولو أعتق عبده بمال على أجنبي وقبل الأجنبي ذلك لا يلزمه المال لان المولى
منتفع بالعتق من حيث تحصيل الثواب لنفسه في العقبي والولاء في الدنيا ومن أنتفع بملك
نفسه لا يستوجب بدله على غيره بالشرط كمن أكل طعام نفسه ببدل على غيره فأما الزوج
غير منتفع بالطلاق ولكنه مبطل لملكه فإذا شرط بدلا على غيره والتزمه ذلك الغير كان
صحيحا كالعفو عن القصاص والابراء عن الدين ولو ولدت الأمة غلاما ثم كاتبت على نفسها
وعليه ألف درهم أجزت ذلك والتزمه ان كبر أو عقل فرضي وفرض الجواب على هذا
الموضع إنما يستقيم على طريقة القياس فاما على طريقة الاستحسان على ما ذكره في الجامع
وغيره من المواضع غير مستقيم بل الصحيح من الجواب ما ذكره في رواية أبى حفص
رحمه الله تعالى أن المكاتبة تجوز وتلزم الأم ولا يلزم الغلام من المال شئ ولكن يعتق
بأدائها وهذا لأنه لا ولاية للأم على الولد في إلزام بدل الكتابة إياه فيكون هذا بمنزلة ما لو كاتب
له عبدا حاضرا وعبدا له غائبا على ألف درهم في القياس يتوقف العقد في حق الغائب على
اجازته لأنه ليس للحاضر عليه ولاية وفى الاستحسان ينفذ العقد وتكون الألف كلها على
الحاضر بقبوله فكان المولى شرط البدل كله عليه وجعل عتق الآخر معلقا بأدائه وذلك
صحيح بدون القبول من الآخر فكذلك في هذه المسألة (قال) ورأيت في بعض النسخ
زيادة ألف في وضع هذه المسألة قال فكاتبها على نفسها أو عليه على ألف درهم وهكذا عن أبي
يوسف رحمه الله تعالى في الأمالي في وضع هذه المسألة انها كاتبت عليه فعلى هذا الجواب مستقيم لان المقصود بالكتابة الولد دون الأم فإن لم تكن الأم داخلة في العقد
يعتبر وجود القبول من الابن إذا كبر أو عقل ومقصوده الفرق بين حالة الاجتنان في
139

البطن وما بعد الانفصال فان في حالة الاجتنان في البطن لا يتوقف لأنه لا ولاية لاحد عليه
في حالة الاجتنان وإنما يتوقف ماله مجيز حال وقوعه فاما بعد الانفصال قد تولى عليه في هذا
العقد لماله فيه من المنفعة له فيتوقف على اجازته وإذا كبر أو عقل فرضي لزمه المال ولو قال
لامته ما في بطنك حرمتي ما أدى إلى ألفا فوضعته لأقل من ستة أشهر فمتى ما أدى فهو
حر لان ما في البطن في تنجيز العتق كالمنفصل فكذلك في تعليق عتقه بأدائه المال بخلاف
الكتابة لان فيها إلزام المال إياه ولا ولاية لاحد عليه في ذلك وليس في التعليق إلزام المال
إياه بل التعليق يتم بالمعلق وحده وكلامه قبل الانفصال وبعده سواء ولو قال بعد الانفصال
متى أدى إلى هذا المولود ألفا فهو حر صح وعتق إذا أدي فكذلك إذا قال قبل الانفصال
ولو قال لثلاث إماء له ما في بطن هذه حر وما في بطن هذه أو في بطن هذه عتق ما في بطن
الأولى وهو مخير في الباقيتين لادخاله حرف التخيير بين الثانية والثالثة ولو قال إن كان ما في بطن
جاريتي غلام فاعتقوه وان كانت جارية فأعتقوها ثم مات فكان في بطنها غلام وجارية فعلى
الوصي أن يعتقهما من ثلثه وكان ينبغي على قياس ما سبق أن لا يعتق واحدا منهما لأنه شرط
أن يكون جميع ما في بطنها غلاما أو جميع ما في بطنها جارية وقد تقدم نظيره في التخيير ولكنه
في هذا الموضع اعتبر مقصود المولى وهو الوصية باعتاق الغلام عنه وباعتاق الجارية وكلامه هذا
ليس بتعليق فكأنه قال أعتقوا ما في بطنها غلاما كان أو جارية أو كلاهما فيجب على الوصي
أو الورثة تنفيذ الوصية فيهما من ثلاثة وان قال إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة وان كانت
جارية ثم غلاما فهما حران فولدت غلاما وجاريتين لا يعلم أيهما أول عتق نصف الأم لأنها تعتق
في حال وهو أن تكون ولادة الغلام أولا ولا تعتق في حال وهو أن تكون ولادة الجارية
أولا فيعتق نصفها ونصف الغلام أيضا لأنها ان ولدت الجارية ثم الغلام فالغلام حر وان ولدت
الغلام أولا فالغلام رقيق فيعتق نصفه قال ويعتق من كل واحدة من الجاريتين ربعها وتسعى
في ثلاثة أرباع قيمتها (قال) أبو عصمة رحمه الله وهذا غلط بل الصحيح أنه يعتق من كل
واحدة منهما ثلاثة أرباعها وتسعى في الربع لان إحداهما حرة بيقين فإنها ان ولدت الغلام
أولا عتقت الأم والجاريتان تعتقان بعتقها وان ولدت الجارية أولا ثم الغلام عتقت احدى
الجاريتين فإحداهما حرة بيقين والأخرى تعتق في حال دون حال فيعتق نصفها فيكون
السالم لهما حرية ونصف بينهما لكل واحدة ثلاثة أرباع الحرية ومن أصحابنا رحمهم الله تعالى
140

من تكلف لتصحيح جواب الكتاب فقال احدى الجاريتين مقصودة بالعتق في حال
فلا يعتبر مع هذا جانب التبعية بينهما وإذا سقط اعتبار جانب التبعية فإحداهما تعتق
في حال دون حال فيعتق نصفها ثم هذا النصف بينهما لاستواء حالهما فإنما يعتق من كل
واحدة ربعها ولكن هذا يكون مخالفا في التخريج للمسائل المتقدمة إذا فالأصح ما قاله
أبو عصمة رضي الله عنه وإذا كانت الأمة بين رجلين فأعتق أحدهما ما في بطنها وهو
غني ثم ولدت بعد ذلك بيوم غلاما ميتا فلا ضمان على المعتق لان نفوذ عتقه لا يكون الا
باعتبار حياة الجنين ولم يعلم ذلك حقيقة ولا حكما حين انفصل ميتا والضمان بالشك لا
يجب وإن كان رجل ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا فعلى الضارب ما في جنين الأمة نصف
عشر قيمته إن كان غلاما وعشر قيمتها ان كانت جارية وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى أن العتق عنده يقتصر على نصيب المعتق من الجنين ويبقى الرق فيه باعتبار نصيب
الشريك فلهذا يجب على الضارب ما في جنين الأمة ثم يكون على المعتق نصف ذلك
لشريكه لان جنايته إنما تثبت بما وجب من الضمان على الضارب فيتقدر حكم الضمان بقدر
ذلك فلهذا كان على المعتق نصف ذلك لشريكه ثم يرجع به فيما أدى الضارب لأنه بدل
نفسه فيكون تركة له وقد بينا أن المعتق إذا ضمن يرجع بما ضمن فيما تركه معتق البعض بعد
موته ثم الباقي ميراث عنه للذي أعتقه إن لم يكن له وارث أقرب منه من أخ أو نحوه لان
الولاء في جميعه للمعتق حين ضمن نصيب شريكه وأما على قول أبى يوسف ومحمد رحمه
الله تعالى يجب على الضارب ما يجب في جنين الحرة لان العتق عندهما لا يتجزأ ويكون ذلك
كله للمعتق ميراث بولائه ويكون على المعتق نصف قيمته لشريكه معبرا بوقت الانفصال
لان ضمان العتق إنما يعتبر بوقت الاعتاق ولكن يتعذر الوقوف على ذلك لكونه مجتنا في
البطن فيعتبر قيمته بأقرب أوقات الامكان وذلك بعد الانفصال وإن لم يضرب بطنها أحد
ولكن ولدت بعد العتق بيوم ولدا حيا ثم مات فعلى المعتق نصف قيمته معتبرا بوقت
الانفصال لما بينا فإن لم تلد حتى أعتق الآخر الأم وهو موسر ثم ولدت فاختار شريكه أن
يضمنه نصف قيمة الأم فله ذلك لأنه بعد اعتاق الجنين كان متمكنا من استدامة الملك في
الأم وقد أفسد شريكه ذلك حين أعتقها فله أن يضمنه نصف قيمتها ويرجع بذلك الضمان
على الأمة وولاء الأمة للذي أعتقها وولاء الولد بينهما في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
141

لأنهما أعتقاه وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ولاء الولد كله لمعتق الولد وان
دبر أحدهما ما في البطن ثم أعتق الآخر الأم البتة وهو غنى ثم ولدت بعده بيوم فان الذي
أعتق الأم يضمن نصف قيمة الأم ويرجع بذلك عليها ويكون ولاء الأم للذي أعتقها
لما بينا وولاء الولد لهما جميعا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان تدبير المدبر اقتصر على
نصيبه فاستحق نصف ولاء الولد والنصف الآخر من الولد إنما عتق باعتاق الشريك
الذي أعتق الأم فلهذا كان ولاء الولد بينهما واما عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
التدبير لا يتجزأ فصار كله مدبرا للذي دبره واستحق ولاء جميعه ويكون هو ضامنا نصف
قيمة الولد لشريكه موسرا كان أو معسرا ثم الشريك باعتاق الأم يصير ضامنا له نصف
قيمتها وولاء الأم لمن أعتقها وولاء الولد للمدبر لأنه استحق ولاءه وان عتق بعد ذلك
تبعا للأم فلهذا كان له ولاء الولد والله أعلم بالصواب
(باب العتق على المال)
(قال) رجل أعتق عبده على مال من عروض أو حيوان أو غير ذلك أو باعه نفسه أو
وهب له نفسه على أن يعوضه كذا فهو جائز وإذا قبله العبد فهو حرفي جميع أحكامه لأنه
علق عتقه بقبول المال ولأنه جعل التزام المال من العبد بمقابلة العتق وقد وجد ذلك بقبوله
والولاء للمولى لأنه عتق على ملكه فان العبد ليس من أهل أن يملك مالية نفسه فيبطل ملك
المالية باعتاق المولى وتحدث القوة للعبد بايجاب المولى وهو موجب للولاء بعوض كان أو
بغير عوض والمال دين على العبد لأنه التزمه بقبوله وقد كانت له ذمة صالحة للالتزام فيها
وتأيدت بالعتق ويجوز وجوب المال عليه وإن لم يملك ما يقابله من ملك المولى ما يجب المال
على المرأة بقبول الطلاق وعلي القاتل بقبول الصلح وان كأن لا يملك شيئا مقابلته ولهذا كل
ما يصلح التزامه عوضا في الطلاق يصلح التزامه عوضا هنا وان اختلفا في المال في جنسه
أو مقداره فالقول قول العبد لأنه عتق باتفاقهما والمال عليه للمولى فالقول في بيانه قوله
والبينة بينة المولى اما لاثباته الزيادة أو لأنه يثبت حق نفسه ببينة ولو قال المولى أعتقتك
أمس على ألف درهم فلم تقبل وقال العبد قبلت فالقول قول المولى مع يمينه لأنه أقر
بتعليق العتق بقبوله المال وهو يتم المولى ولهذا يتوقف بعد المجلس إذا كان العبد
142

غائبا ثم العبد يدعى وجود الشرط بقبوله والمولى منكر لذلك فالقول قوله كما لو قال له
قلت لك أمس أنت حر إن شئت فلم تشأ وقال العبد بل قد شئت فالقول قول المولى
بخلاف ما لو قال لغيره بعتك هذا الثوب أمس بألف درهم فلم تقبل وقال المشتري
قبلت فالقول قول المشترى لان البائع أقر بالبيع ولا يكون البيع الا بقبول المشترى فهو
في قوله لم يقبل راجع عما أقربه وإذا أعتقه على مال حال أو مؤجل فله أن يشترى بذلك
المال منه ما بدا له يدا بيد لأنه دين يجوز الابراء عنه ولا يستحق قبضه في المجلس فيجوز
الاستبدال به كالأثمان ولا خير فيه نسيئة لان الدين بالدين حرام في الشرع ولو أعتق أمته
على مال فولدت ثم ماتت ولم تدع شيئا فليس على الولد من ذلك المال شئ لأنه انفصل
عنها بعد حريتها فكان حرا وليس على الحر شئ من دين مورثه إذا مات ولو أعطته في
حياتها كفيلا بالمال الذي أعتقها عليه جاز لأنها حرة فثبت المال دينا عليها بصفة القوة
والكفالة بمثله من الديون صحيحة بخلاف بدل الكنابة وان قال لعبده إذا أديت إلى فأنت
حر لم يكن مكاتبا ولم يعتق حتى يودي لان الكتابة توجب المال على المكاتب بالقبول
فيثبت له بمقابلته ملك اليد والمكاسب وهنا المال لا يجب على العبد فلا يثبت له ملك اليد
والمكاسب ولكن هذا اللفظ من المولى تعليق لعتقه بأداء المال فيكون كالتعليق بسائر
الشروط ولهذا لا يحتاج فيه إلى قبول العبد ولا يبطل بالرد ولا يمتنع على المولى بيعه ولكن
متى جاء بالمال عتق وليس للمولى أن يمتنع من قبوله عندنا استحسانا وفى القياس له ذلك
وهو قول زفر رحمه الله تعالى لأنه تعليق العتق بالشرط فلا يجبر المولى على ايجاد الشرط
كما لو علقه بسائر الشروط وإذا لم يكن مجبرا على ايجاد الشرط لا يتم الشرط بفعل العبد
لان الشرط ان يتصل بالمولى نص على ذلك بقوله ولا يتصل به الا بقبوله ودليل
الوصف أنه لا يسرى إلى الولد ولا يمتنع عليه بيعه ولا يصير العبد أحق بمكاسبه ولا
يحتمل الفسخ والدليل عليه أنه لو باعه ثم اشتراه ثم جاء بالمال لم يجبر على قبوله فكذلك
قبل البيع لان حكم التعليق بالشرط لا يختلف بما قبل البيع وبعده وجه الاستحسان أنه مملوك
تعلق عتقه بأداء مال معلوم إلى المولى فإذا خلى بين المال والمولي يعتق كالمكاتب وتأثيره أن
هذا اللفظ باعتبار الصورة تعليق وباعتبار المعنى والمقصود كتابة لأنه حثه على اكتساب
المال ورغبه في الأداء بما جعل له من العتق وليست الكتابة الا هذا وهذا المال عوض من
143

وجه ألا ترى أن في زوجته الطلاق بهذه الصفة يكون بائنا وان المولى لو جد المال زيوفا
فرده كان له أن يستبدله بالجياد وما تردد بين أصلين يوفر حظه عليهما فوفرنا عليه التعليق
في الابتداء لمراعاة لفظ المولى ودفع الضرر عنه ووفرنا عليه معنى الكتابة في الانتهاء
دفعا للضرر والغرور عن العبد فقلنا كما وضع المال بين يدي المولي يعتق يدل عليه انه
علق العتق بفعل يباشره العبد وهو الأداء وفى مثله لا يكون للمولى أن يمتنع منه ولا أن
يمنع عبده من ذلك الفعل كما لو قال له أنت حر إن شئت فشاء العبد في المجلس يعتق
وليس للمولى أن يمتنع من ذلك الفعل فأما إذا باعه ثم اشتراه قد روى عن أبي يوسف رحمه
الله تعالى انه إذا جاء المال يعتق هذا وما قبل البيع سواء لان التعليق لا يبطل بالبيع وعلى
ما ذكره في الزيادات أنه لا يجبر المولى على القبول والعذر واضح فان معنى التعليق لا يبطل
بالبيع ولكن معنى الكتابة يبطل بنفوذ البيع فيه واجبار المولى على القبول كان من حكم
الكتابة وقد بطل ذلك بنفوذ البيع فيه فلهذا لا يجبر على القبول بعده فأما قبل البيع معنى الكتابة
باق كما بينا ولسنا نعني بقولنا يجبر المولى على القبول الاجبار حسا وإنما نعني أن بمجرد
التخلية بينه وبين المال يعتق وليس للمولى أن يمتنع عنه وإذا أحضر العبد المال لا يمكن
المولى من أن يهرب منه ثم لا يعتق العبد الا بأداء جميع المال لان الشرط لا يتم الا به حتى
لو بقي من المال درهم فهو عبد على حاله ولمولاه أن يبيعه وكذلك لو كان قال له ان أديت
إلى ألفا إلا أن هذا على المجلس في ظاهر الرواية وروى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله
تعالى أنه لا يتوقت بالمجلس كالتعليق بسائر الشروط وجه ظاهر الرواية أنه بمنزلة التعليق
بمشيئة العبد لأنه يتخير بين الأداء والامتناع منه فكما يتوقت بالمجلس إذا قال له أنت
حر إن شئت فكذلك هذا توضيحه أنه في الكتابة يحتاج إلى القبول في المجلس والأداء
هنا بمنزلة القبول هناك من حيث أن حكم الكتابة يثبت به فيعتبر وجود الأداء في المجلس
هنا إذا لم يكن في لفظه ما يدل على الوقت كما يعتبر القبول في المجلس في الكتابة وإن
اختلفا في مقدار المال فالقول قول المولى مع يمينه لان التعليق بالشرط ثم به فالقول
قوله في بيانه بخلاف مسألة أو الباب فان العبد هناك عتق بالقبول فيكون الاختلاف
بينهما في الدين الواجب عليه وهنا لا يعتق الا بالأداء فإنما وقع الاختلاف بينهما فيما يقع به
العتق فلهذا كان القول قول المولى فيه وان أقاما البينة فالبينة بينة العبد لأنه لا منافاة بين
144

البينتين فيجعل كان الامرين كانا فأي الشرطين أتي به العبد يعتق ولان البينات للالزام
وفى بينة العبد معني الالزام فإنها إذا قبلت عتق العبد بأداء الخمسمائة وليس في بينة المولى إلزام
فإنها وان قبلت لا يجبر العبد على أداء المال وإذا قال لامته إذا أديت إلى ألفا فأنت حرة
فولدت ولدا ثم أدت لم يعتق ولدها معها لأنها إنما عتقت عند الأداء وقد انفصل الولد
عنها قبل هذا فلا يسرى إليه ذلك العتق وقد بينا أن حكم الكتابة لا يثبت بهذا اللفظ
قبل الأداء فبقي ولدها مملوكا للمولى مطلقا وان أدت الألف من مال مولاها عتقت
لوجود الشرط وللمولى أن يرجع عليها بمثله لان مقصود المولى لم يحصل بها فان مقصوده
ان يحثها على الاكتساب لتؤدى من كسبها فيملك المولى ما لم يكن له ملكا قبل هذا
وبأداء مال المولى إليه لا يحصل هذا المقصود فيرجع عليها بمثله دفعا للضرر عنه وكذلك
ان أدت من كسب اكتسبه قبل هذا القول لان ذلك الكسب من ملك المولى قبل
التعليق ولو أدته من كسب اكتسبته بعد هذا القول لم يرجع المولى عليها بشئ آخر
لان مقصوده قد تم فان استحق المقبوض من يد المولى لم يبطل العتق لان الشرط
تم بأداء المستحق والعتق بعد وقوعه لا يحتمل الفسخ وللمولى ان يرجع عليها بمثله لان
مقصوده لم يحصل بهذا الأداء ولو كان المولى مريضا حين قال لها ان أديت إلى ألفا
فأنت حرة فاكتسبت وأدت ثم مات المولى من مرضه فإنها تعتق من ثلثه في القياس
وهو قول زفر رحمه الله تعالى لان كسبها ملك المولى فلا يكون ملكه عوضا عن ملكه
والعتق في المرض بغير عوض يكون معتبرا من الثلث وفي الاستحسان تعتق من جميع
ماله لان المؤدى في حكم العوض حتى إذا وجده زيوفا استبدله بالجياد ولان الضرر مندفع
عن الورثة حين استوفى المولى منها مقدار ماليتها وهذا بناء على اعتبار معنى الكتابة
فيه عند الأداء استحسانا ولو قال لها إذا أديت إلى ألفا كل شهر مائة فأنت حرة وقبلت
فهذه مكاتبة وليس له ان يبيعها وان أدت عتقت وان كسرت شهرا واحدا ثم أدت إليه
ذلك الشهر كان جائزا هكذا في نسخ أبى سليمان وفى نسخ أبى حفص رضي الله عنه قال
لا تكون مكاتبة وله ان يبيعها قبل الأداء ولو كسرت شهرا ثم أدت في الشهر الثاني لم تعتق
وجه رواية أبى حفص رضي الله عنه أن تعليق العتق بشرط واحد وبشروط كثيرة سواء
كما في سائر الشروط وليس في هذا أكثر من أنه علق عتقه بوجود أداء المائة عشر مرات
145

في عشرة أشهر ولو علقه بأداء الألف جملة واحدة لم تكن مكاتبة ولا تعتق الا بوجود صورة
الشرط فكذلك إذا علقه بالأداء عشر مرات ووجه رواية أبى سليمان رضي الله عنه انه أتي بمعنى
الكتابة حين جعل المال مؤجلا منجما عليه والتأجيل والتنجيم من حكم الكتابة والعبرة في
العقود للمعاني دون الألفاظ ألا ترى أنه لو قال ملكتك هذا العبد بكذا كان بيعا وإن لم
يصرح بلفظ البيع ولان التأجيل والتنجيم للتيسير وذلك في المال الواجب فعرفنا أنه قصد
ايجاب المال عليه ولا يجب عليه المال الا بالكتابة ولو قال لها إذا أديت إلى ألفا في هذا
الشهر فأنت حرة فلم تؤدها في ذلك الشهر وأدتها في غيره لم تعتق على الروايتين جميعا وبهذا
استشهد في نسخ أبى حفص ووجه الفرق على رواية أبى سليمان أنه ليس في هذا اللفظ ما يدل
على معنى الكتابة من التنجيم والتيسير على العبد بل فيه اشتراط تعجيل أداء المال فلم يكن
كتابة وقد فات الشرط بمضي الشهر قبل أدائه فلهذا لا يعتق بخلاف ما إذا صرح بالتنجيم
وإذا قال متى أديت إلى ألفا فأنت حرة فمات المولى قبل الأداء بطل هذا القول كما يبطل التعليق
بسائر الشروط إذ لا فائدة في بقائه بعد موت المولى لأنها صارت مملوكة للوارث فلا يتوهم
وجود الشرط بعد هذا على ملك المولى لتعتق به بخلاف الكتابة فان المكاتب ثبت له حكم
المالكية يدا بعقد الكتابة فلا يصير ملكا للوارث ولكن يبقى على حكم ملك المولى حتى
يعتق بأدائه وإن كان قال إن أديت ألفا بعد موتى فأنت حرة فهذه وصية لان العتق بمال
والعتق بغير مال في صحة ايجابه من المولى سواء ولو قال أنت حرة بعد موتى كان صحيحا
فكذلك إذا قال إذا أديت ألفا بعد موتى فأنت حرة إذا جاءت بالمال فعلى الوصي أن يقبله
منها ويعتقها ثم إن كانت قيمتها ألف درهم أو أقل فليس عليها شئ آخر استحسانا وان
كانت قيمتها أكثر من ذلك فالفضل يعتبر من الثلث وهذا ومسألة المريض سواء ولو
قال لعبدين له إذا أديتما إلى ألفا فأنتما حران فادي أحدهما حصته لم يعتق لان شرط العتق
أداؤهما جميعا المال والشرط يقابل المشروط جملة ولا يقابله جزءا فجزءا وإنما ذلك من أحكام
المعاوضات وكذلك لو أدى أحدهما جميع الألف من عنده لم يعتق لان الشرط أداؤهما فلا يتم
بأداء أحدهما فان قال المؤدي خمسمائة من عندي وخمسمائة بعث بها صاحبي لأؤديها إليك
عتقا لان أداء الرسول كأداء المرسل فيتم الشرط بهذا وهو أداؤهما جميعا المال فان أداها
عنهما رجل آخر لم يعتقا لان الشرط أداؤهما بخلاف الكتابة فان شرط العتق هناك براءته
146

عن المال وذلك يحصل بأداء الأجنبي إذا قبله المولى ثم للمؤدى أن يرجع فيها لأنه أداها
ليعتقا به ولم يحصل مقصوده فان قال أؤديها إليك على أنهما حران أو على أن تعتقهما فقبل على
ذلك عتقا ويرجع المال إلى المؤدى أما العتق فلان قبول المولى على هذا الشرط بمنزلة
الاعتاق من المولى إياهما وأما ثبوت حق الرجوع فلان عوض العتق لا يجب على الأجنبي
وقد بينا هذا في الباب المتقدم وإذا أداها وقال هما أمراني أن أؤديها إليك عنهما فقبلها عتقا
لأنه رسول عنهما في الأداء وأداء الرسول كأداء المرسل وقوله لعبده متى أديت إلى ألفا فأنت
حر أو ان أديت أو إذا أديت اذن منه له في التجارة استحسانا لوجود دليل الاذن فإنه حثه
على أداء المال ولا يتمكن من الأداء الا بالاكتساب فيكون هذا ترغيبا له في الاكتساب
ليؤدي المال ولم يرد الاكتساب بالتكدي لأنه يدنى المرء ويخسسه وإنما مراده الاكتساب
بالتجارة ودلالة الاذن كصريح الاذن ألا ترى أنه لو قال أد إلى ألفا كل شهر كذا كان ذلك
منه اذنا له في التجارة فان اكتسب ألفي درهم فأدى إليه ألفا عتق لوجود الشرط وللمولى ان
يأخذ منه الألف الباقية لأنه كسب عبده بخلاف المكاتب فقد ثبت له المالكية يدا في مكاسبه
بعقد الكتابة فلهذا سلم الفضل له وهنا ما ثبت للعبد حكم المالكية في مكاسبه وإنما اعتبرنا معني
الكتابة عند الأداء ليندفع الضرر والغرور عن العبد وذلك في قدر ما شرط عليه أداؤه فأثبتنا
حقه بذلك القدر وما زاد عليه فهو للمولى لان الثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة وان
قال إذا أديت إلى ألفا فأنت حر فقال العبد للمولى حط عنى منها شيئا أو اقبل منى مكانها
مائة دينار فحط عنه المولى مائة درهم وأدى تسعمائة لم يعتق ألا ترى أنه لو أبرأه عن جميع المال
لم يعتق وهذا لان الشرط وجود أداء الألف فلا يتم بأداء تسعمائة بخلاف الكتابة فان المال
هناك واجب على المكاتب فيتحقق ابراؤه عنه سواء أبرأه عن الكل أو حط بعضه وهنا
لا مال على العبد فالحط والابراء باطل ولا يعتق ما لم يتم الشرط وليس للعبد ان يسترد من
المولى ما أخذ منه لان كسبه مملوك لمولاه وهو نظير ما لو قال له إذا خدمتني سنة فأنت حر
فخدمه أقل من سنة وتجاوز المولى عما بقي لم يعتق لان الشرط لم يتم وكذلك لو صالحه من الخدمة
على مال كان باطلا ولا يعتق بها لان العتق المتعلق بالشرط لا ينزل ما لم يوجد الشرط
بعينه ولا تتحقق الخدمة بهذا الصلح فلا يعتق به إلا أن يقول المولى له عند الصلح أنت حر
ان أديت هذا ولو قال لعبده ان أديت إلى كذا من العروض فأنت حر فأداها إليه عتق
147

لوجود الشرط إلا أنه إن كان ذلك شيئا يصلح أن يكون عوضا في الكتابة يجبر المولى
على قبوله بمنزلة الألف وان كأن لا يصلح عوضا في الكتابة لا يجبر على قبوله ولكن ان قبله
يعتق لان الاجبار على القبول باعتبار معنى الكتابة ولو قال أخدمني وولدي سنة ثم أنت
حر أو إذا خدمتني وإياه سنة فأنت حر فمات المولى قبل مضى السنة لم يعتق به لان الشرط
لم يتم وقد بينا أن التعليق يبطل بموت المولى وكذلك أن مات الولد فقد فات شرط العتق
بموته فلا يعتق بعد ذلك ولو قال أنت حر على أن تخدمني سنة فقبل فهو حر والخدمة عليه
يؤخذ بها لأنه أوجب له العتق هنا بقبول الخدمة وفي الأول أوجب له العتق بوجود
الخدمة ثم الخدمة في مدة معلومة تصلح أن تكون عوضا فيصح التزامه دينا بمقابلة العتق
فان مات المولى فللورثة ان يأخذوه بما بقي من خدمة السنة من قيمته في قياس قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى الآخر وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وفى قول الأول وهو
قول محمد رحمه الله تعالى إنما يأخذونه بما بقي من الخدمة قال عيسى وهذا غلط بل على قولهم
جميعا هنا يأخذونه بما بقي من خدمة السنة لان الخدمة دين عليه فيخلفه وارثه بعد موته كما
لو كان أعتقه على ألف درهم واستوفي بعضها ثم مات كان للورثة أن يأخذوه بما بقي من
الألف ولكن في ظاهر الرواية يقول الناس يتفاوتون في الخدمة وإنما كان الشرط أن
يخدم المولى فيفوت ذلك بموت المولى كما يفوت بموت العبد ولو مات العبد قبل تمام السنة
فللمولى أن يأخذ من تركته بقدر ما بقي عليه من خدمة السنة من قيمته في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى الآخر وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وفى قوله الأول وهو قول
محمد رحمه الله تعالى من قيمة الخدمة وأصل المسألة في كتاب البيوع إذا باع نفس العبد
منه بجارية فاستحقت أو هلكت قبل القبض في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى الآخر
وهو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يرجع على العبد بقيمة نفسه وفي قوله الأول وهو
قول محمد رحمه الله تعالى يرجع بقيمة الجارية إلا أن هذا القدر ليس بقوى فان الخدمة عبارة
عن خدمة البيت وهو معروف بين الناس لا يتفاوتون فيه فلا يفوت بموت المولى ولكن
الأصح أن يقول الخدمة عبارة عن المنفعة والمنفعة لا تورث فلا يمكن ابقاء عين الخدمة بعد
موت المولى فلهذا كان المعتبر قيمته أو قيمة الخدمة على حسب ما اختلفوا فيه والله سبحانه
وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
148

(باب بيع أمهات الأولاد)
(قال) رضي الله عنه بيع أم الولد باطل في قول جمهور الفقهاء وكان بشر المريسي وداود
ومن تبعه من أصحاب الظواهر رضوان الله عليهم أجمعين يجوزون بيعها لان المالية والمحلية
للبيع قبل الولادة معلوم فيها بيقين فلا يرتفع الا بيقين مثله وخبر الواحد لا يوجب علم اليقين
ولكنا نقول في معارضة هذا الكلام لما حبلت من المولى امتنع بيعها بيقين فلا يرتفع ذلك الا
بيقين مثله ولا يقين بعد انفصال الولد (فان قال) إنما امتنع بيعها لان في بطنها ولدا حرا
وقد علمنا انفصاله عنها (قلنا) لا كذلك بل إنما امتنع بيعها لثبوت الحرية في جزء منها
فان الولد يعلق من الماءين حر الأصل وماؤها جزء منها وثبوت الحرية لجزء منها مانع من
بيعها وهذا المعنى لا ترتفع بالانفصال واليه أشار عمر رضي الله عنه فقال أبعد ما اختلطت
لحومكم بلحومهن ودماؤكم بدمائهن أو إنما امتنع بيعها لأنها صارت منسوبة إليه بواسطة
الولد يقال أم ولده وهذه النسبة توجب العتق فيمتنع البيع ضرورة وبالانفصال يتقرر هذا
المعنى ولا يرتفع ثم الآثار المشهورة تدل على ذلك فمنه حديث عكرمة عن ابن عباس
رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيما أمة ولدت من سيدها فهي معتقة
عن دبر منه ولما ولدت مارية إبراهيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه
ما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم الا تعتقها قال قد أعتقها ولدها ففي هذين الحديثين
دليل استحقاق العتق لها وذلك يمنع البيع وفى حديث سعيد بين المسيب رضي الله عنه
قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتق أمهات الأولاد من غير الثلث وأن لا يبعن
في دين ففيه دليل استحقاق العتق وانعدام المالية والتقوم فيها حين لم يجعل عتقها من الثلث
ولم يثبت حق الغرماء فيها وفيه دليل أنه لا يجوز بيعها لحاجة المولى في حياته ولا بعد موته
وحديث سلامة بنت معقل قالت اشتراني الحباب بن عمرو فولدت منه ثم مات فجئت إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته اني ولدت من الحباب فقال من وارث الحباب فقال أبو
بشر بن عمرو فقال أعتقوا هذه فإذا أتانا سبى فأتونا حتى نعوضكم وتأويله ان وارث
الحباب كان ينكر ولادتها منه ومع ذلك أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتقها احتياطا
ووعده العوض من عنده فهو دليل على أن الاستيلاد إذا كان ظاهرا ثبت به استحقاق العتق
149

ولا يجوز بيعها وحديث عبيدة السلماني عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال استشارني
عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه في عتق أمهات الأولاد فاجتمعت انا وهو على عتقهن ثم
رأيت بعد ذلك أن أرقهن فقال أبو عبيدة رأى ذوي عدل أحب إلى من رأى ذي عدل وحده
فدل انهم كانوا مجمعين على استحقاق العتق لها في الابتداء (فان قيل) فكيف جوز على رضى
الله تعالى عنه مخالفة الاجماع بعد ذلك (قلنا) يحتمل أنه كان من مذهبه ان الاجماع لا يتم
الا بانقراض ذلك العصر ويحتمل ان معنى قوله ثم رأيت أن أرقهن إلى أداء السعاية فلا يكون
هذا منه خلافا في أصل استحقاق العتق بل في صفته أنه من الثلث أو من جميع المال وعن
إبراهيم ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينادى على منبر رسول الله صلى الله عليه
وسلم الا ان بيع أمهات الأولاد حرام ولا رق عليها بعد موت مولاها وعن إبراهيم في أم
الولد إذا أسقطت سقطا قد استبان خلقه كانت به أم ولد هكذا روى عنه حماد وروى
عنه الحكم إذا أسقطت مضغة أو علقة كانت به أم ولد وكأنه على هذه الرواية اعتبر نفس
اختلاط الماءين كما في حديث عمر رضي الله عنه ولسنا نأخذ بهذا وإنما نأخذ بحديث حماد
عنه لان السقط الذي لم يستبن شئ من خلقه ليس بولد فلا تصير به أم ولد بخلاف السقط
الذي استبان بعض خلقه فإنه ولد في الاحكام فيتحقق نسبتها إليه بواسطة وإذا أقر الرجل
ان حمل أمته منه صارت أم ولد له وله خدمتها ووطؤها ولا يجوز له ان ينقل ملكها إلى غيره
اما إذا ظهر ولادتها بعد هذا الاقرار فلا اشكال فيه لان نسب الولد ثبت منه باقراره فان
ثبوت النسب من وقت العلوق باقراره واقراره مصادف محله وأما إذا لم تظهر ولادتها وزعم
المولى أنه كان ريحا في بطنها وصدقته في ذلك فهي بمنزلة أم الولد أيضا لان الحمل اسم للولد
وقد ثبت لها حق العتق باقراره المتقدم فلا يصدقان على ابطاله كما لا يصدقان على ابطال
حقيقة العتق وكذلك لو كان قال ما في بطنك من ولد فهو منى ولو كان قال ما في بطنك
منى ثم تصادقا أنه كان ريحا في بطنها فله أن يبيعها لأنه ليس في لفظه تصريح بوجود الولد
في بطنها فلا يكون مقرا لها بحق العتق بهذا اللفظ بخلاف ما سبق وان قال إن كانت حبلى
فهو منى فولدت ولدا أو أسقطت سقطا قد استبان خلقه أقرا المولى به فهي أم ولده إذا
جاءت بالولد لا قل من ستة أشهر لان ولادتها هذا الود ثبت باقراره ووجوده في البطن
عند دعواه معلوم وان أنكر المولى الولادة فشهدت عليه امرأة جاز ذلك وثبت النسب
150

لان الولادة تثبت بشهادة المرأة الواحدة كما تثبت باقراره ثم النسب وأمية الولد إنما تثبت
باقرار المولى لا بشهادة القابلة وإذا ولدت المدبرة من السيد صارت أم ولد له وبطل التدبير
معناه أنه لا يظهر حكم التدبير بعد ثبوت أمية الولد لان كل واحد منهما يوجب استحقاق
العتق لها في الحال وتعلق التنجز بموت المولى والاستحقاق بالاستيلاد أقوى حتى يكون
من جميع المال والتدبير من الثلث والضعيف لا يظهر في مقابلة القوى فلهذا قال وقد بطل
التدبير وإذا أقر في صحته ان أمته هذه قد ولدت منه صارت أم ولده لأنه أقر باستحقاق
العتق لها في حال يملك انشاء عتقها مطلقا والمقر يعامل في حق نفسه كأنما أقربه حق إذا لم يكن في المحل حق لاحد سواه كان الثابت باقراره كالثابت بالمعاينة وان
أقر بذلك في مرضه فإن كان معها ولد فكذلك الجواب لان نسب الولد ثبت منه فان
المريض غير محجور على الاقرار بالنسب وثبوت نسب الولد شاهد لها بمنزلة ما لو
أقامت البينة على أنها أم ولده وإن لم يكن معها ولد عتقت من الثلث لان اقراره لها
باستحقاق العتق بمنزلة تنجيز العتق ولو نجز عتقها كان من الثلث لان حق الورثة قد
تعلق بها بمرضه توضيحه أنه إذا كان معها ولد فهو محتاج إلى إثبات نسب ولده منه كيلا
يضيع نسله وحاجته مقدم على حق الورثة فإنما صرفها مع ولدها إلى حاجته فكانت من جميع
ماله وإذا لم يكن معها ولد فهو بكلامه ما صرفها إلى حاجته بل أقر بعتقها بعد موته فيكون
معتبرا من ثلثه وإذا زوج أم ولده من رجل جاز النكاح لان الفراش الثابت له عليها سببه
ملك اليمين وذلك غير ملزم للمولى فلا يمنع صحة تزوجيه إياها فإذا ولدت من الزوج فولدها
بمنزلتها أما ثبوت النسب من الزوج فلأنها ولدته على فراشه وأما ثبوت حق أمية الولد
لهذا الولد فلانه جزء منها فإنما ينفصل عنها بصفتها وكما أنها تعتق بالموت ولا تسعى لاحد
فكذلك ولدها من غير المولى ألا ترى أن الولد لا ينفصل من الحر الا حرا وعلى المولى
في جناية أم الولد قيمتها لا يلزمه أكثر من ذلك وان كثرت الجناية منها لأنه بالاستيلاد
السابق منع دفعها بالجناية على وجه لم يصر مختارا لأنه ما كان يعلم أنها تجنى ولو كانت محل
الدفع لم يكن عليه الا دفعها بالجناية وان كثرت الجناية منها فكذلك لا يلزمه الا قيمة واحدة
لأنه ما منع الا رقبة واحدة واما الدين الذي يلحقها بغصب أو استهلاك فإنها تسعى فيه بالغا
ما بلغ لان الدين ثابت في ذمتها ولو كانت محل البيع لكانت تباع فيه ويصرف كسبها ورقبتها
151

إلى ديونها فإذا تعذر بيعها بالاستيلاد وجوب قضاء ديونها من كسبها بخلاف الجناية فإنها تتباعد
عن الجاني وتتعلق بأقرب الناس إليه ألا ترى أن دين المملوك يبقى في ذمته بعد بيعه ولا تبقى
الجناية في رقبته بعد بيعه أو عتقه وولد أم الولد ثابت النسب من المولى ما لم ينفه لأنها فراش
له وقال عليه الصلاة والسلام الولد للفراش ولكن ينتفى عنه بمجرد النفي عندنا وعلى قول
الشافعي رحمه الله تعالى إن لم يكن استبرأها بحيضة يلزمه نسب ولدها وليس له ان ينفيه
وإن كان قد استبرأها بحيضة بعد ما وطئها لا يلزمه نسب ولدها الا بالدعوة وحكمها وحكم
الأمة التي ليست بأم ولد سواء عنده بناء على أصلين له أحدهما انه لا عدة على أم الولد بعد
العتق كالأمة القنة وإنما يلزمها الاستبراء بحيضة وقد بينا هذا في كتاب النكاح والثاني ان عنده
الأمة تصير فراشا بنفس الوطئ وقد بينا هذا أيضا فيما أمليناه من شرح الدعوى فإذا صارت
عنده فراشا بالوطئ لا يرتفع حكم هذا الفراش الا بالاستبراء فان جاءت بالولد قبل أن يستبرأها يلزمه النسب لوجود دليله شرعا فلا يملك نفيه كما لو قامت البينة به وان استبرأها بحيضة فقد
انعدم حكم ذلك الفراش لان بسببها كان اشتغال رحمها بمائه بالوطئ وقد انعدم ذلك
بالاستبراء فلا يلزمه النسب إلا بالدعوة وعندنا له على أم الولد فراش معتبر ولهذا لزمها ان تعتد
بثلاث حيض بعد العتق فثبت النسب باعتبار الفراش ولكن هذا الفراش غير ملزم في
حقه ولهذا يملك تزويجها من غيره فكما ينفرد بنقل الفراش إلى غيره ينفرد بنفي نسب الولد
وإنما يملك نفيه ما لم يقض به القاضي أو يتطاول ذلك فاما بعد قضاء القاضي فقد لزمه بالقضاء
على وجه لا يملك ابطاله كذلك بعد التطاول لأنه يوجد منه دليل الاقرار في هذه المدة
من قبول التهنئة ونحوه فيكون كالتصريح بالاقرار واختلافهم في مدة التطاول قد سبق بيانه
في باب اللعان من كتاب الطلاق فاما الأمة والمدبرة فلا يلزمه ولدهما وان حصنهما وطلب
ولدهما ما لم يقربه لان الفراش على المملوكة لا يثبت بالوطئ عندنا والنسب لا يثبت بدون
الفراش إلا أنه روى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه إذا وطئها ولم يعزل عنها وحصنها
فله أن يدعي نسب ولدها وليس له أن ينفيه فيما بينه وبين ربه لأن الظاهر أنه منه
والبناء علي الظاهر واجب فيما لا تعلم حقيقته فأما إذا عزل عنها أو لم يحصنها فله أن
ينفيه لان هذا الظاهر يقابله ظاهر آخر وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه إذا وطئها
ولم يستبرئها بعد ذلك حتى جاءت بالولد فعليه أن يدعيه سواء عزل عنها أولم يعزل
152

حصنها أو لم يحصن تحسينا للظن بها وحملا لأمرها على الصلاح ما لم يتبين خلافه ولان
ما يظهر عقيب سببه يكون محالا به عليه حتى يتبين خلافه وعند محمد رحمه الله تعالى
لا ينبغي له أن يدعى النسب إذا لم يعلم أنه منه ولكن ينبغي له أن يعتق الولد ويستمتع بها
ويعتقها بعد موته لان استلحاق نسب ليس منه لا يحل شرعا فيحتاط من الجانبين وذلك في
أن لا يدعى النسب ولكن يعتق الولد ويعتق الأم بعد موته لاحتمال أن يكون منه ولا
ينبغي له أن يزوج أم ولده حتى يستبرئها بحيضة لجواز أن تكون حاملا من المولى فلا
يكون تزويجها صحيحا ولكن هذا التوهم يوجب الاحتياط ولا يبطل النكاح فإذا اشتراها
فقد علم أنها ليست بحامل فيتزوجها بعد ذلك وان زوجها قبل الاستبراء فولدت لا قل من
ستة أشهر فهو من المولى والنكاح فاسد لأنا تيقنا أن العلوق سبق النكاح على فراش
المولى وان زوجها وهي حامل ومن كان في بطنها ولد ثابت النسب من أحد لا يجوز
تزويجها وان ولدته لأكثر من ستة أشهر فالنسب ثابت من الزوج لأنها علقت
على فراشه فان ادعاه المولى عتق باقراره ونسبه ثابت من الزوج وقد تقدم بيان هذا
الفصل وإذا حرمت أم الولد على مولاها بوطئ ابنه إياها فان جاءت بولد بعد ذلك لأكثر
من ستة أشهر لم يلزمه إلا أن يدعيه وعند زفر رحمه الله تعالى ثبت النسب منه وله أن ينفيه
لأنه ما اعترض على فراش آخر فيكون النسب ثابتا منه بالفراش وثبوت الحرمة بهذا
السبب كثبوتها بالحيض وذلك لا يقطع الفراش ولكنا نقول تحسين الظن بالمسلم واجب
فلو أثبتنا النسب منه من غير دعوة لكان فيه حمل أمره على الفساد والحكم عليه بمباشرة
الوطئ الحرام وذلك لا يجوز إلا أن توجد الدعوى منه فحينئذ يحكم بذلك باقراره وان
جاءت به لأكثر من سنتين وان جاءت به لأقل من سنتين وزعم أنه كان من علوق قبل
الحرمة وجب قبول قوله في ذلك للاحتمال وإذا مات عن أم ولده أو أعتقها فعليها أن تعتد
بثلاث حيض هكذا نقل عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما وقد بينا هذا في كتاب
النكاح وكذلك أن كانت حرمت عليه قبل ذلك لأنها بالحرمة ما صارت فراشا لغيره إلا أن
يثبت نسب الولد منه لتحسين الظن به لا لانعدام الفراش حتى إذا ادعى يثبت النسب منه
فإذا أعتقها فقد زال الفراش إليها بالعتق في هذه الحالة فتلزمها العدة لهذا وإذا أعتق أم
ولده فجاءت بولد ما بينها وبين سنتين من يوم أعتقها فنفاه فنفيه باطل لان فراشها قد
153

تأكد بحريتها ألا ترى أنه لا يملك تزويجها من غيره ما لم تنقض عدتها فكانت كالمنكوحة
في هذه الحالة والمعتدة من نكاح متى جاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الفرقة ثبت
النسب من الزوج على وجه لا يملك النفي فكذلك هنا وان أقرت بانقضاء عدتها بثلاث
حيض ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر ثبت النسب منه وان جاءت به لأكثر من ستة
أشهر لا يثبت نسبه منه كما في المعتدة من نكاح وإذا تزوج أمة رجل فولدت ثم اشتراها
أو ملكها بسبب آخر صارت أم ولد له عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا تصير
أم ولد له وفي المغرور إذا ملك الجارية له وجهان احتج بقوله صلى الله عليه وسلم أيما أمة
ولدت من سيدها فشرط لثبوت حق العتق لها أن تلد من سيدها وهذه ولدت من زوجها
لامن سيدها والمعني فيه أنها علقت برقيق فلا تكون أم ولد بذلك كما لو استولدها بالزنا ثم
ملكها وتأثيره أن ثبوت حق أمية الولد إذا علقت من سيدها باعتبار أن الولد يعلق حر الأصل
من الماءين وماؤها جزء منها فثبوت الحرية لذلك الجزء يوجب ثبوت الحرية لجميعها إلا أن
اتصال الولد بها بعرض الانفصال وجعل الولد كشخص على حدة في بعض الأحكام
فلوجود حقيقة الاتصال أثبتنا حق العتق لما بقي منها ولكونه بعرض الانفصال وبمنزلة
شخص على حدة في بعض الأحكام لا تثبت حقيقة الحرية لما بقي منها في الحال وهذا المعنى
لا يوجد إذا علقت برقيق وحقها في أمية الولد ليس في معنى حق الولد في الحرية لان
الولد إنما يعتق عليه باعتبار الجزئية ولهذا لو كان الاستيلاد بالزنا فملكه يعتق عليه ولا يوجد
ذلك المعني في حق الأم وعلى هذا الطريق يقولون في المغرور أن الجارية تصير أم ولد له
إذا ملكها لأنها علقت بحر والطريق الآخر أن موجب الاستيلاد ثبوت حق العتق لها
فإذا حصل قبل الملك لا يكون موجبا في الملك الذي يحدث بعده كالتدبير وحقيقة العتق
وعلى هذا الطريق في المغرور يقولون لا تصير أم ولد له (وحجتنا) في ذلك أنه ملكها وله
منها ولد ثابت النسب فتكون أم ولده كما لو استولدها في ملكه وتأثيره أن حق العتق ثبت
لها بالاستيلاد كما قال صلى الله عليه وسلم أعتقها ولدها والملك في المحل شرط فإذا تقرر
السبب قبل الملك توقف على وجود شرطه وهو الملك ألا ترى ان في حرية الولد لما
تقرر السبب قبل الملك وهو النسب توقف على وجود شرطه وهو الملك حتى إذا ملكه
يعتق فكذلك في الأم لان حقها تابع لحق الولد بخلاف التدبير والعتق قبل الملك فان ذلك
154

لغو شرعا فلا يظهر حكمه بعد الملك وهذا السبب متقرر شرعا توضيحه ان حق العتق لام
الولد باعتبار انها منسوبة إليه بواسطة الولد فان للجزئية تأثيرا في النسبة والولد جزء منها
فتصير هي منسوبة له باعتبار هذه الواسطة حتى يقال أم ولده وهذا متقرر حتى يثبت نسب
الولد بنكاح كان أو بملك ولا معتبر بما قاله الخصم من حرية الماء الذي هو في حكم الجزء
ولأنه لو أعتق ما في بطن جاريته لم يثبت لها حق العتق ولا حقيقة العتق فلو كان ثبوت حق
العتق لها باعتبار الاتصال والجزئية لثبت هنا لان الثابت لها باعتبار الجزئية من جنس
ما هو ثابت للجزء والثابت للولد حرية الأصل على وجه لا يعقب الولاء والثابت لها حق
العتق على وجه يثبت به الولاء ولا مشابهة بينهما فعرفنا ان الطريق فيه ما قلنا وهو ثبوت
نسب الولد ويستوى إن كان النكاح بينهما ظاهرا أو أقر بذلك وأنكر مولاها ثم ملك
لان المقر يعامل في حق نفسه كان ما أقر به حق فأما إذا استولدها بالزنا وأقر بذلك ثم ملكها
في القياس تصير أم ولد له وهو قول زفر رحمه الله تعالى لأنه أقر لها بحق العتق وللولد
بحقيقة العتق ثم في حقيقة العتق للولد لا فرق بين ما إذا أقربه بالنكاح أو الزنا فكذلك في
حق العتق لها ولكن استحسن علماؤنا رحمهم الله تعالى فقالوا انها لا تصير أم ولد له لان
الموجب لحق العتق لها صيرورتها منسوبة إليه بواسطة الولد وهذا المعنى لا يوجد هنا لان
نسب الولد بالزنا لا يثبت وهي لا تصير منسوبة إليه بدون هذه الواسطة فلهذا لا تكون
أم ولد له فاما الولد يعتق عليه إذا ملكه لأنه وان انعدم هذا المعنى في حق الولد فقد وجد
معني آخر وهو الجزئية لان الجزئية لا تنعدم حقيقة بسبب ان الولد بالزنا والانسان كما لا يستديم
الملك على نفسه لا يستديم الملك على جزئه فلهذا يعتق الولد إذا ملكه يقرره ان حال الأم في
حق أمية الولد كحال الأخ فإنه ينسبه إلى أخيه بواسطة الأب ثم من ملك أخاه من الزنا لا يعتق
الأخ لان الواسطة قد انعدمت حين لم يثبت النسب بالزنا فكذلك الواسطة هنا قد انعدمت حين
لم يثبت نسب ولدها بالزنا فلهذا لا تصير أم ولد له ولو زوج أمته عبده فولدت فادعاه المولى
بعتق الولد وتكون أمه بمنزلة أم الولد له وهنا نسب الولد غير ثابت من المولى ومع ذلك
الجارية تكون أم ولد له وإنما كان كذلك لاحتمال أن يكون الولد ثابت النسب من المولى
بعلوق سبق النكاح والشبهة بعد النكاح إلا أن هذا الاحتمال غير معتبر في حق النسب
لثبوت نسبه من الزوج واستغنائه به عن النسب فبقي معتبرا في حق الأم لأنها محتاجة إلى
155

حق أمية الولد بخلاف ما إذا أقر بالاستيلاد بالزنا لأنه لا احتمال النسب هناك مع تصريحه بالزنا
وإذا اشترى أمة لها ثلاثة أولاد فادعى أحدهم فإن كانوا ولدوا في بطن واحد ثبت نسبهم
جميعا منه لأنهم في حكم النسب كشخص واحد فإنهم خلقوا من ماء واحد وان كانوا في بطون
مختلفة لم يثبت الأنسب الذي ادعاه والباقيان رقيقان ويبيعهما ان شاء لأنهم ولدوا في
غير ملكه فتكون دعوته فيهم دعوة تحرير ودعوة التحرير بمنزلة الاعتاق ولو أعتق أحدهم
لم يعتق الا ذاك فكذلك إذا ادعى نسب أحدهم ولو ولدوا في ملكه بأن ولدت أمة رجل
ثلاثة أولاد في بطون مختلفة فان ادعى الأصغر فإنه يثبت نسب الأصغر منه وله أن يبيع
الآخرين بالاتفاق وان ادعي الأكبر ثبت نسب الأكبر منه والأوسط والأصغر بمنزلة
الأم ليس له أن يبيعهما ولا يثبت نسبهما منه الا على قول زفر رحمه الله تعالى فإنه يقول
ثبت نسبهما منه لأنه ثبت لها حق أمية الولد من حين علقت بالأكبر ونسب ولد أم الولد
ثابت من المولى ما لم ينفه ولا يجوز أن يقال تخصيص الأكبر بالدعوة دليل النفي في حق
الآخرين لان هذا مفهوم والمفهوم ليس بحجة عندنا ولكنا نقول يحق عليه شرعا الاقرار
بنسب ولد هو منه ولما خص الأكبر بالدعوة بعد ما لزمه هذا شرعا كان هذا منه نفيا
للآخرين وهذا نظير ما قيل السكوت لا يكون حجة ولكن السكوت بعد لزوم البيان
يجعل دليل النفي فهذا مثله وكما أن دليل الدعوة كالتصريح فدليل النفي كالتصريح به ولو
نفى الآخرين لم يثبت نسبهما وكانا عنده بمنزلة أمهما وكذلك لو اشترى ابن أم ولد له من
غيره بأن استولد جارية بالنكاح ثم فارقها فزوجها المولى من غيره فولدت ثم اشترى الجارية
مع الولدين فالجارية تكون أم ولد له وولده حر فأما ولدها من غيره فله أن يبيعه في
قول علمائنا رحمهم الله تعالى ولا تصير بمنزلة الأم وعلى قول زفر رحمه الله تعالى تصير
بمنزلة الأم ليس له أن يبيعه ويعتق بموته لأنها ولدته بعد تمام سبب أمية الولد وهو نسب
الولد فيكون حاله كحال أمه ألا تري أنها لو ولدته بعد ما ملكها من غيره كان الولد بمنزلة
أمه فكذلك هنا (وحجتنا) أن السبب لا يوجب الحكم الا في محله والمحل ملكه فما لم
يثبت الملك فيها لا يثبت لها حق أمية الولد بذلك النسب وكل ولد انفصل قبل ثبوت حق
أمية الولد فيها لا يسرى حق أمية الولد إلى ذلك الولد لان السراية باعتبار الاتصال ألا ترى
أنه لو أعتق أمته وقد ولدت قبل ذلك لم يعتق الولد فكذلك لا يسرى حق أمية الولد إلى
156

الولد المنفصل قبل ثبوت الحق فيها بخلاف ما تلد بعد ثبوت الحق فيها وإذا ولدت أمة
بين رجلين فادعاه أحدهما في صحته أو في مرضه فهو ابنه لأنه يملك جزءا منها وقيام ملكه
في جزء منها كقيام الملك في جميعها في صحة الدعوة فان اعتبار جانب ملكه يثبت النسب منه
بالدعوة واعتبار جانب ملك شريكه يمنع من ذلك فيغلب المثبت للنسب احتياطا ألا ترى أنه
يسقط الحد عنه بهذا الطريق ويجب العقر فكذلك يثبت النسب منه بالدعوة لان الولد
محتاج إلى النسب وبعضه ملكه فلا بد من اثبات نسب ذلك البعض منه بدعوته والنسب
لا يتجزى في محل واحد والجارية أم ولد له لان نصيبه منها صار أم ولد والاستيلاد
لا يحتمل التجزء في محل واحد لأنه فرع النسب فيصير متملكا نصيب شريكه لضرورة
عدم احتمال الاستيلاد للتجزء ويضمن نصف قيمتها لشريكه يوم وطئها فعلقت لان أمية
الولد ثبت لها من وقت العلوق فيصير متملكا نصيب شريكه عليه من ذلك الوقت ولا
يتملكها الا بعوض فلهذا يضمن قيمتها من ذلك الوقت وعلى نصف عقرها لان أصل الوطئ
حصل منه ونصفها ملك لشريكه وقد سقط الحد بشبهة فيجب العقر وإنما قلنا ذلك لان
تملك نصيب الشريك هنا حكم الاستيلاد لا شرطه فان قيام ملكه في نصفها يكفي لصحة
الاستيلاد وحكم الشئ يعقبه وليس عليه من قيمة الولد شئ لان الولد علق حر الأصل
باعتبار قيام الملك له في نصفها وقت العلوق ولأنه حين علق كان ماء مهينا لا قيمة له فلهذا
لا يغرم من قيمة الولد للشريك شيئا وضمان نصف قيمتها عليه في حالتي اليسار والعسرة لأنه
ضمان التملك إلا أنه روى المعلى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه إذا كان المستولد معسرا
تؤمر هي بالسعاية في نصف قيمتها للشريك لان حق العتق قد ثبت لها فنصيب الشريك
من وجه كأنه احتبس عندها وكذلك أن ادعى أحدهما نسب الولد وأعتق الآخر الولد
وخرج القول منهما معا فعتق الآخر باطل وكذلك أن ادعي أحدهما نسب الولد
وأعتقها الآخر لان دعوى النسب تستند إلى وقت العلوق فيكون سابقا معني وان اقترن
بالعتق صورة ولما ثبت به للولد حرية الأصل فاعتاق الآخر إياه باطل وكذلك الأم لما
صارت أم ولد لمدعى النسب من حين علقت فقد أعتقها الآخر وهو لا يملكها فلهذا كان
العتق باطلا ودعوة الآخر أولى كافرا كان أو مسلما لان صحة دعوة النسب باعتبار ملكه
وقت العلوق والمسلم والكافر في ذلك سواء فإن كانت الجارية بين مسلم وذمي ومكاتب
157

وعبد فولدت فادعوا جميعا فدعوة المسلم أولى عندنا وعلى قول زفر رحمه الله تعالى وهو
رواية عن أبي يوسف دعوة المسلم والذمي سواء اما المكاتب والعبد فليس لهما حقيقة الملك
ولا تعارض دعوتهما دعوة من له حقيقة الملك واما المسلم والذمي فزفر يقول لكل واحد
منهما ملك في نصيبه على الحقيقة وصحة الدعوى باعتبار الملك فلا يترجح المسلم باسلامه بعد
ما تساويا في السبب كما في سائر الدعاوى ولكنا نقول دعوة المسلم توجب الاسلام للولد
ودعوة الكافر توجب الكفر له فيترجح الموجب للاسلام لأنه أنفع للولد توضيحه أنه لا بد من
اعتبار دعوة المسلم والحكم باسلام الولد به وبعد ما حكم بذلك فقول الكافر على المسلم
ليس بحجة فلهذا كانت دعوة المسلم أولى وإن كان نصيبه أقل الأنصباء لان صحة دعوته
باعتبار أصل ملكه في جزء منها إذا لا معتبر بقدر الملك في تصحيح الدعوى وعليه ضمان
حصة شركائه من قيمة الأمة والعقر لما بينا وعلى كل واحد من الآخرين حصة شركائه من
العقر لا قراره بالوطئ حين ادعى النسب إلا أن العبد يؤخذ به بعد العتق لان وجوب
هذا الدين لا بسبب التجارة فاقراره به صحيح في حقه فيؤاخذ به بعد العتق ولو كان مكان
الحر المسلم مدبرا مسلما كان الولد ولد الذمي الحر لان الملك على الحقيقة له وليس لاحد
من شركائه حقيقة الملك وقد بينا ان الدعوة بحقيقة الملك لا تعارضه الدعوة بحق الملك
ثم في تصحيح دعوة الكافر هنا اثبات الحرية للولد وفيه منفعة ظاهرة له ولا يقال في
تصحيح دعوة المملوك اثبات الاسلام للولد لان في الحال منفعته في الحرية فيما يرجع إلى
أمور الدنيا أظهر وباعتبار المال إذا بلغ لا يمكنه أن يحصل الحرية لنفسه ويمكنه أن
يكتسب سبب الاسلام لنفسه بأن يهديه الله تعالى فيسلم فلهذا رجحنا جانب الحرية
وجعلنا الولد ولد الذمي الحر ولو لم يكن فيهم ذمي كان ابن المكاتب لان للمكاتب
حق الملك في كسبه وليس للعبد والمدبر ذلك فلا تعارض دعوتهما دعوة المكاتب
يقرره أن المكاتب له نوع مالكية فإنه مالك يدا ولو رجحنا دعوته ثبت للولد مثل ذلك
أيضا لأنه يتكاتب عليه فلهذا رجحنا دعوته على دعوة المدبر والعبد ولو لم يكن فيهم
مكاتب لم تجز دعوى المدبر والعبد لان كسبهما ملك المولى ودعوى النسب في ملك
الغير لا يصح من الحر فكيف يصح من العبد وبنحوه علل فقال من قبل أن المولى لم يزوجهم
ولو صدقهما المولى بالولد وقالا كنا وطأناها بغير نكاح لم يثبت النسب أيضا لما قلنا وذكر
158

في كتاب الدعوى أن دعوة العبد المأذون نسب ولد جارية من كسبه تكون صحيحة
كدعوة المكاتب لما للمأذون من اليد في كسبه فقالوا تأويل ما ذكر هنا أن العبد إذا كان
محجورا عليه فوهب له جارية وهو فارغ عن الدين حتى يكون كسبه خالص حق المولى
وليس له فيه يد ولا ملك فحينئذ لا يثبت النسب منه إذا لم يدع شبهة وإذا ولدت الأمة من
الرجل ثم اشتراها هو وآخر فهي أم ولد له لان نصيبه منها صار أم ولد له والاستيلاد
لا يحتمل التجزء فيثبت في نصيب شريكه أيضا ويضمن لصاحبه نصف قيمتها موسرا
كان أو معسرا لان هذا ضمان التملك فالرضا لا يمنع وجوبه وكذلك أن ورثاها لان ضمان
التملك لا يعتمد الصنع وبالإرث إنما ينعدم الصنع وهذا لان وجوب هذا الضمان باحتباس نصيب
الشريك عند المستولد ملكا وهذا المعنى يتقرر في الميراث فان ورثا معها الولد وكان الشريك ذا رحم
محرم من الولد عتق عليهما جميعا لأن علة العتق وهو الملك والقرابة تم لكل واحد منهما في نصيبه
وإن كان الشريك أجنبيا عتق نصيب الأب وسعى للشريك في نصيبه لان وجوب ضمان
العتق يعتمد الصنع والميراث يدخل في ملكه من غير صنع وكذلك أن اشتريا أو وهب لهما
عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ان عرف الأجنبي أن شريكه أبوه أو لم يعرف وعندهما
يضمن الأب نصيب الشريك إن كان موسرا وقد بينا هذا فيما سبق أمة بين رجلين قد
ولدت من زوج حر فاشترى الزوج حصة أحدهم من الأم والولد وهو موسر فهو ضامن
لنصيب شريكه من الأم لأنه يملك نصيبه حين صارت أم ولد له وشريكه في الولد بالخيار
ان شاء ضمنه وان شاء استسعاه وان شاء أعتقه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان
بالشراء صار معتقا لنصيبه من الولد ولم يساعده الشريك على ذلك ولا رضى به ولو أن أمة
غرت رجلا من نفسها فادعت أنها حرة فتزوجها وولدت له ولدا ثم استحقها رجل فإنه
يقضى له بها وبقيمة الولد والعقر على الواطئ هكذا روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما
وقد بينا أحكام ولد المغرور في كتاب النكاح والدعوى ثم إذا عتقت رجع عليها الأب
بقيمة الولد لان ضمان الغرور كضمان الكفالة والمملوك إنما يؤاخذ بضمان الكفالة بعد العتق فان
اشترى أب الولد نصفها من مولاها صارت أم ولد له لان نسب ولدها ثبت منه ويضمن
نصف قيمتها لمولاها لأنه يملك النصف الباقي عليه بالاستيلاد وإذا ادعى رجلان ولد جارية
بينهما فهو ابنهما يرثهما ويرثاه وحكم ثبوت النسب من رجلين قد بيناه بتمامه فيما أمليناه من
159

شرح الدعوى ومقصوده هنا بيان حكم أمية الولد فنقول الجارية أم ولد لهما لثبوت سبب
ولدها منهما والاستيلاد لا يحتمل الوصف بالتجزئ في المحل ولكن إذا ثبت لا ثنين
لا يظهر به حكم التجزي في المحل كملك القصاص لا يحتمل الوصف بالتجزئ في المحل ثم
يجوز أن يجب القصاص لاثنين على شخص واحد والعتق على قولهما لا يتجزى في المحل ثم إذا
باشره رجلان كان كل واحد منهما معتقا للنصف فإذا ثبت أنها أم ولد لهما قلنا تخدم كل
واحد منهما يوما كما كانت تفعله قبل هذا لأنه لا تأثير للاستيلاد في ابطال ملك الخدمة
وإذا مات أحدهما عتقت ولا ضمان للشريك في تركة الميت بالاتفاق لوجود الرضا منهما
بعتقها عند الموت ولا سعاية عليها في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعلى قول أبى يوسف
ومحمد رضى الله تعالى عنهما تسعى في نصف قيمتها للشريك الحي فلو أعتقها أحدهما في
حياته عتقت ولا ضمان على المعتق للشريك ولا سعاية عليها في قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى وعندهما يضمن المعتق نصف قيمتها أم ولد لشريكه إن كان موسرا وتسعى في نصف
قيمتها إن كان معسرا وأصل هذه المسألة أن رق أم الولد ليس بمال متقوم في قول أبي حنيفة
رحمه الله وعلى قولهما هو مال متقوم وجه قولهما أنها مملوكة لمالك محترم فتكون مالا متقوما
كالأمة القنة ودليل الوصف أنه يملك استخدامها واستكسابها ووطأها بملك اليمين ولو قال كل
مملوك حر تدخل أم الولد في ذلك وإذا ثبت بقاء ملك اليمين فصفة المالية والتقوم لا تنفصل
عنه لان المملوكية في الآدمي ليس إلا عبارة عن المالية والتقوم بكون المالك محترما ولان بالاستيلاد
تعلق عتقها بموته فتكون مالا متقوما كالمدبرة إلا أن المدبرة تسعى للغرماء والورثة وأم
الولد لا تسعى لأنها مصروفة إلى حاجته فان الاستيلاد من حوائجه كيلا يضيع ماؤه وحاجته
مقدمة على حق الغرماء والورثة كحاجته إلى الجهاز والكفن بخلاف المدبرة فان التدبير
ليس من أصول حوائجه وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول المالية والتقوم إنما يثبت بالاحراز
ألا ترى أن الصيد قبل الاحراز لا يكون مالا متقوما بعد الاحراز يصير مالا متقوما
والآدمي باعتبار الأصل ليس بمال لأنه مخلوق ليكون مالكا للمال لا ليصير مالا ولكن
متى صح احرازه على قصد التمول صار مالا متقوما ويثبت به ملك المتعة تبعا فإذا حصنها
واستولدها فقد ظهر أن احرازه لها كان لملك المتعة لا لقصد التمول فصار في صفة المالية
كأن الاحراز لم يوجد أصلا فلا يكون مالا متقوما وهذا لان ملك المتعة ينفصل عن ملك
160

المالية الا ترى أن للزوج على المنكوحة ملك المتعة دون ملك المالية والدليل عليه من جهة
الحكم أنا لا تسعى للغرماء والورثة وما كان مالا متقوما في حياته يتعلق به حق غرمائه
وورثته وحاجته إلى النسب فنقول ليس من ضرورة ثبوت نسب الولد ثبوت حق أمية
الولد لها حتى تجعل حاجته مسقطا حق الغرماء والورثة عنها فعرفنا أنها إنما لا تسعى للغرماء
والورثة لأنه لم يبق فيها صفة المالية والتقوم بخلاف المدبرة فان احرازها للمالية حين لم يظهر
منه قصد إلى احرازها لملك المتعة ولهذا تقومت في حق الغرماء والورثة إذا عرفنا هذا الأصل
فنخرج المسائل عليه منها أنه لو مات أحدهما فلا سعاية عليها في قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى لان نصيب الشريك منها ليس بمال متقوم فلا يلزمها بدله وإذا أبرئت عن السعاية عتقت لبراءتها عن السعاية وعندهما لما كان نصيب الشريك منها مالا متقوما وقد سلم لها
بالعتق فعليها السعاية كما في الأمة إذا أعتقها أحد الشريكين وهو معسر وكذلك لو أعتقها
أحدهما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأنها ليست بمال متقوم فلا يكون مضمونا على
الشريك بالافساد ولا بالاتلاف وعندهما يضمن للشريك إن كان موسرا بمنزلة القنة ومنها
أم الولد بين الشريكين جاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت النسب منه بالدعوة وعتق ولم يضمن
لشريكه شيئا من قيمته ولا سعاية عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان ولد أم الولد
بمنزلة أمة فلا يكون مالا متقوما عنده وعندهما يضمن نصيب شريكه إن كان موسرا
ويسعى له الولدان كان معسرا ومنها ان أم الولد لا تضمن بالغصب عند أبي حنيفة رحمه
الله تعالى حتى لو غصبها غاصب فماتت عنده لم يضمن شيئا لان ضمان الغصب يختص بما
هو مال متقوم بخلاف ضمان القتل فان الحر يضمن بالقتل دون الغصب وعندهما أم الولد
تضمن بالغصب لأنها مال متقوم وذكر محمد في الرقبات ان عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
أم الولد تضمن بالغصب على نحو ما يضمن به الصبي الحر حتى لو ماتت حتف أنفسها لم يضمن
الغاصب شيئا ولو قربها إلى مسبعة فافترسها السبع يضمن لان هذا ضمان الجناية لا ضمان
الغصب ألا ترى أنه يضمن الصبي الحر بمثله والذي يوضح كلام أبي حنيفة أن الباقي للمولى
على أم ولده ملك الخدمة والمنفعة والمتعة وملك المتعة لا يضمن بالاتلاف ولا بالغصب
بخلاف المدبرة فالباقي عليها ملك المالية حتى يقضى دينه من ماليتها بعد موته والمال يضمن
بالاتلاف ويدخل على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فصل أم ولد النصراني إذا أسلمت وفصل
161

المغرور بأم الولد وسنبين عذر كل فصل في موضعه فإن كانت أم ولد لرجل خالصة فاعتق
نصفها عق جميعها ولا سعاية عليها اما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فلا سعاية عليها بحال
وبراءتها عن السعاية توجب عتقها وعندهما هي كالأمة القنة في هذا الحكم (قال) أمة بين
رجلين ولدت ولدين في بطن واحد أو بطنين مختلفين فادعى أحدهما الولد الأكبر والآخر
الأصغر معا فانا كان في بطن واحد فهما ابناهما جميعا لأنهما خلقا من ماء واحد فدعوة كل
واحد منهما لأحدهما تكون دعوة لهما وان كانا في بطنين فالأكبر ولد الذي ادعاه لأنه
ادعى نسب ولد جارية مشتركة بينهما وقد حصل العلوق في ملكهما فتستند دعوته إلى
حالة العلوق وتصير الجارية أم ولد له ويضمن نصف عقرها ونصف قيمتها لمدعى الأصغر
فأما الأصغر في القياس عبد لمدعى الأكبر بمنزلة أمه لا يثبت نسبه لمدعيه لان الجارية صارت
أم ولد لمدعى الأكبر من حين علقت به فمدعى الأصغر ادعى نسب ولد أم ولد الغير فلا
تصح دعوته ويضمن جميع العقر لا قراره بوطئ أم ولد الغير وقد سقط الحد عنه للشبهة وفي
الاستحسان يثبت نسب الأصغر من مدعى الأصغر لأنها حين علقت بالأصغر كانت مشتركة
بينهما في الظاهر فيصير ذلك شبهة معتبرة في اثبات نسب الأصغر من مدعيه بالدعوة وقيام
الملك له في نصفها ظاهرا عند ذلك بمنزلة المغرور ونسب ولد المغرور يكون ثابتا باعتبار
الظاهر وان تبين الامر بخلافه ويضمن قيمته كاملة لشريكه اما على أصلهما فلا يشكل لان
ولد أم الولد عندهما مال متقوم وقد تبين أن مدعى الأصغر أتلفه بالدعوة على مدعى الأكبر
وإنما الاشكال على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى والعذر أن يقول سقوط المالية والتقوم
باعتبار ثبوت حق أمية الولد ولم يثبت في هذا الولد لأنه انفصال من أمه قبل ثبوت حق
أمية الولد فيها بدعوة مدعى الأكبر وما لم يثبت الحق في الأم لا يسرى إلى الولد فلهذا
ضمن قيمتها لشريكه أو عذره هنا نظير عذره في المغرور بأم ولد الغيران الولد يكون حرا
بالقيمة لأنه تعلق حر الأصل وثبوت أمية الولد فيه مبنى على ثبوت الرق فإذا لم يثبت الرق فيه
أصلا لا يثبت حكم أمية الولد فيه وإنما يضمن قيمته لأنه منع حدوث الرق فيه بسبب الغرور
فهذا مثله (قال) ويضمن العقر لشريكه وقال في موضع من كتاب الدعوى يضمن
نصف العقر لشريكه وليس هذا باختلاف الرواية لكن مراده هنا بيان جميع ما يجب عليه
ومراده ثم بيان حاصل ما يبقى عليه لأنه قد وجب له على مدعى الأكبر نصف العقر فنصف
162

العقر نصف العقر قصاص يبقى لمدعى الأكبر على مدعى الأصغر نصف العقر قال وكذلك
لو كان مدعى الأكبر ذميا ومدعى الأصغر مسلما لان كل واحد منهما منفرد فيما ادعى
والترجيح بالاسلام عند المزاحمة فأما عند عدم المزاحمة تصح دعوة الذمي كما تصح دعوة المسلم
(قال) أمة بين رجلين فجاءت بولدين في بطن واحد أحدهما حي والاخر ميت فادعى
أحدهما الميت ونفى الحي لزمه الحي لأنهما خلقا من ماء واحد ودعوته أحدهما بمنزلة دعوتهما
فيثبت نسب الحي منه ولا يملك نفيه بعد ذلك (فان قيل) الميت ليس بمحل للدعوة بدليل
أنه لو لم يكن معه ولد حي لا يثبت نسبه منه فإذا لم تصادف دعوته محله كان لغوا (قلنا) إنما
لا تصح دعوته نسب الميت لأنه غير مفيد وهذا المعنى ينعدم إذا كان معه في ذلك البطن
ولد حي ولان معنى قوله هو ابني أي مخلوق من مائي حتى تصير الجارية أم ولد له فإذا كان
هناك ولد حي فاقراره بأن الميت مخلوق من مائه اقرار بأن الحي مخلوق من مائه لأنهما خلقا
من ماء واحد فلهذا أثبتنا نسب الحي منه وكذلك لو ادعى كل واحد منهما الميت أو ادعى كل
واحد منهما أحد الولدين ثبت نسب الحي منهما جميعا لما بيناه (قال) وإذا قال أحد الموليين
إذا كان في بطنها غلام فهو مني وان كانت جارية فليست منى وقال الآخر ان كانت جارية
فهي مني وإن كان غلاما فليس مني والقول منهما معا فما ولدت من ولد في ذلك البطن فهو لهما
جميعا لان أصل الدعوة من كل واحد منهما صحيح لما في بطنها والتقسيم الذي ذكراه باطل فإنه
رجم بالغيب وتقسيم فيما هو في الرحم ولا يعلم ما في الرحم الا الله تعالى فإذا لغى هذا
التقسيم ثبت النسب منهما بالدعوة إذا كان القول منهما ما وإن كان أحدهما سابقا فالولد
ولده غلاما كان أو جارية لان أصل الدعوة منه قد صح والتقسيم بطل وقد صارت
الجارية أم ولد له فالدعوة من الآخر حصل في غير الملك وفى ولد ثابت النسب من غيره
فكان باطلا (قال) وان قال أحدهما إن كان في بطنها غلام فهو مني إلى سنتين وقال
الآخر بعد ذلك بيوم إن كان في بطنها جارية فهي منى إلى سنتين فولدت غلامين بعد قولهما
لتمام ستة أشهر منذ قالا ذلك لا يثبت النسب بتلك الدعوة فهما رقيقان لهما لأنا لم نتيقن
بوجودهما في البطن وقت الدعوة وقول المدعيين إلى سنتين لغو لأنه رجم بالغيب منهما
فلا طريق لهما إلى معرفة مدة بقاء الولد في البطن وان جاءت بآخرهما لأقل من ستة أشهر
من القول الأول وجاءت بالأول قبل ذلك بثلاثة أيام فهما ولدا الأول لأنا تيقنا بوجودهما في
163

البطن حين ادعى الأول فيثبت نسبهما منه وهذا لأنهما خلقا من ماء واحد فمن
ضرورة وجود أحدهما وقت دعوته وجود الآخر كذلك وان جاءت بالولد الأول
لأقل من ستة أشهر من اقرار الثاني ولا كثر من ستة أشهر من اقرار الأول فهما
ولدا الآخر لأنا لم نتيقن بوجودهما في البطن وقت دعوة الأول منهما فبطلت دعوته
وتيقنا بوجودهما في البطن وقت دعوة الآخر فلهذا ثبت نسبهما من الآخر
وصارت الجارية أم ولد له وما ولدت بعد هذا من ولد فهو يلزم الآخر إلا أن ينفيه (قال)
أمة بين رجلين ولدت من رجل قال زوجتمانيها فصدقه أحدهما فيه وقال الآخر بل
بعناكها فان نصفها بمنزلة أم الولد لان مدعى البيع قد أقر بأن المستولد استولد ملك نفسه
وانها صارت أم ولد له واقراره في نصيبه منها صحيح لأنه مملوك له في الظاهر قال ونصفها
رقيق للذي قال زوجناك لأنه ينكر أمية الولد في نصيبه وقد بينا ان أحد الشريكين في
الجارية إذا أقر انها أم ولد لشريكه لا يثبت حكم الاستيلاد بهذا الاقرار في نصيب شريكه
إذا كذبه فكذلك إذا أقر أنها أم ولد لغيره (قال) ويعتق نصف الولد حصة الذي أقر البيع لأنه
أقر بحرية الولد واقراره في نصيب نفسه صحيح ويسعى الولد في نصف قيمته للذي أنكر البيع
بمنزلة ما لو شهد أحد الشريكين على صاحبه بالعتق إلا أن هناك يسعى للشاهد عند أبي
حنيفة رحمه الله تعالى لأنه يدعى السعاية وهنا لا يسعي الولد للمقر بالبيع لأنه يتبرأ من
السعاية ويزعم أن الولد حر الأصل ثم يكون على الواطئ العقر لهما نصفه للمقر بالنكاح
يأخذه بحساب المهر لتصادقهما عليه ونصفه لمدعى البيع يأخذه من الوجه الذي ادعى
لأنهما يتصادقان على وجوب هذا المقدار له وان اختلفا في جهته فان الزوج يقول هو مهر
ومدعى البيع يقول هو ثمن والاختلاف في السبب بعد الاتفاق على وجوب أصل المال
لا يمنع من الاستيفاء فلهذا يستوفيه من الوجه الذي يدعيه فأما إذا مات أب الولد سعت الجارية
في نصف قيمتها للمقر بالنكاح لان مدعي البيع يزعم أنها أم ولد لأب الولد وانها عتقت
بموته ولا سعاية عليها فيعتبر زعمه في نصيبه ولا يعتبر في نصيب شريكه فتسعى في نصف
قيمتها لمدعى النكاح وهذا عندهم جميعا لان أمية الولد لم تثبت في هذا النصف على ما بينا
(قال) ولو كان الأب ادعى الشراء كانت أم ولد له ويضمن نصف الثمن للذي صدقه
بالبيع لان نصيبه منها صار ملكا لأب الولد لتصادقهما على البيع والشراء فيصير الكل أم
164

ولد له ويضمن نصف قيمتها ونصف عقرها للذي كذبه لان البيع في نصيبه لم يثبت فهي
كأمة مشتركة بين اثنين يستولدها أحدهما (قال) ولو كانت الجارية مجهولة لا تعرف
لمن كانت فقال أب الولد زوجتماني وقالا بعناكها فهي أم ولد له وابنها حر لأنها في الظاهر
مملوكته فصارت أم ولد وكان ولدها حرا باعتبار الظاهر ولا يصدق هو في الاقرار أنها
لغيره فيما يرجع إلى ابطال حقها ويكون على الواطئ القيمة لهما لان اقراره صحيح في حق
نفسه وقد زعم أنها مملوكة لهما في يده وقد تعذر عليه ردها عليهما فيغرم قيمتها لهذا ولا
يسقط حقهما عن هذه القيمة اقرارهما بالبيع لان البيع لم يثبت حين كذبهما ولان تعذر
الاسترداد لم يكن باقرارهما بالبيع ألا ترى أنهما وان جحدا البيع والنكاح جميعا لم يكن
لهما حق الاسترداد ثم قال في نسخ أبى سليمان رحمه الله وكذلك لو كانت معروفة بأنها لهما
وهذا غلط والصواب ما ذكر في نسخ أبى حفص رضي الله عنه ونوادر هشام قال ولو
كانت معروفة بأنها لهما كان عليه العقر وهذا لان تعذر الاسترداد هنا باقرارهما بالبيع
ألا ترى أنهما لو أنكر البيع والتزويج كانت أمة قنة لهما فيكون اقرارهما بالبيع مانعا لهما من
الاسترداد فلهذا لم يكن لهما أن يضمناه قيمتها وإنما وجب عليه العقر لإقراره بالوطئ في ملك
الغير وقد سقط الحد عنه بدعوى النكاح فيلزمه العقر (قال) وإذا ادعى الواطئ الهبة وادعيا
هما بالبيع والجارية مجهولة لا يدرى لمن كانت فهي أم ولد له باعتبار الظاهر لما بينا وعليه
قيمتها لهما لان الهبة لم تثبت لانكارهما والبيع لم يثبت بإنكاره الا ان تعذر الاسترداد
ما كان باقرارهما بالبيع على ما بينا بل باستهلاكه جارية زعم أنها لهما فيضمن قيمتها لهما (قال)
وان قالا غصبتها وقال صدقتما وهي مجهولة لم يصدق عليها بعد الذي دخلها من العتق باعتبار
الظاهر وعليه قيمتها لأنه أقر بغصبها منهما وقد تعذر ردها عليهما بما ثبت فيها من أمية الولد
(قال) وان صدقتهم بذلك صدقت وكانت أمة لهما لان الحق لها فان تصادقوا على شئ ثبت
ذلك تصادقهم وفي رواية أبى حفص وهشام رضي الله عنهما قال لا تصدق بعد العتق
لأنها صارت أم ولد لمن هي في يديه باعتبار الظاهر وكما لا يقبل قولها في ابطال حقيقة العتق
بعد ما حكم بثبوته فكذلك لا يقبل قولها في ابطال حق العتق لما في ذلك من حق الشرع
(قال) ولو كانت لهما بينة عليها اخذاها وولدها رقيق لهما لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة
فظهر أنه غاصب زني بجارية مغصوبة فعليه الحد إن لم يدع الشبهة وان ادعى بيعا أو هبة أو
165

نكاحا سقط الحد عنه لتمكن الشبهة فقد آل الامر إلى الخصومة والاستحلاف والحد
بمثله يسقط ولكن لا يثبت النسب لان بمجرد دعواه لم يثبت له في هذا المحل ملك ولا
حق ملك وثبوت النسب ينبني على ذلك (قال) وان ملكها يوما مع ولدها كانت أم ولد
له وكان الولد ولده لان اقراره صحيح في حق نفسه وإنما لم يصح لقيام حق الغير في المحل
فإذا زال بملكه إياها كان كالمجدد للاقرار في هذه الحالة فيثبت نسب الولد منه لأنه ادعاه
بسبب صحيح محتمل فيكون الولد حرا والجارية أم ولده والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
واليه المرجع والمآب
(باب مكاتبة أم الولد)
(قال) رضي الله عنه وإذا كاتب الرجل أم ولده على خدمتها أو على رقبتها فذلك جائز
لأنها مملوكة له وعقد الكتابة يرد على المملوك ليتوصل به إلى ملك اليد والمكاسب في الحال
والحرية في ثاني الحال وحاجة أم الولد إلى هذا كحاجة غيرها توضيحه أن موجب الكتابة
مالكية اليد في المنافع والمكاسب للمكاتب وأم الولد مملوكة للمولى يدا وكسبا فيصح منه
اثبات هذه المالكية لها بالبدل ثم كل ما يصلح عوض في كتابة القن يصلح عوضا في كتابة
أم الولد فإذا أدت المكاتبة عتقت لفراغ ذمتها عن بدل الكتابة وان مات المولي قبل أن
تؤدى عتقت لان حكم الاستيلاد باق بعد الكتابة ومن حكم الاستيلاد عتقها بعد موته
(قال) ولا شئ عليها من البدل لأنها كانت تؤدي لتعتق وقد عتقت فصارت مستغنية
عن أداء البدل كما لو أعتقها في حال حياته ويسلم الكسب لها لأنها عتقت وهي مكاتبة
وبالعتق تتأكد المالكية الثابتة لها بالكتابة (قال) وان باعها نفسها أو أعتقها على مال فقبلت
فهي حرة والمال دين عليها لان أقل درجاتها أن يكون للمولى عليها ملك المتعة واسقاطه الملك
ببدل عليها صحيح كالطلاق بجعل والمال دين عليها لأنها التزمته بقبولها فان مات المولى
لم يسقط ذلك الدين عنها لان حكم الاستيلاد بطل بعتقها في حياته وإنما المال دين عليها
وليس للاستيلاد تأثير في الابراء عن الدين (قال) وان كاتب أم ولده فجاءت بولد بعد
الكتابة لأكثر من ستة أشهر ثم مات المولى قبل أن يقربه لا يلزمه النسب لأنها بالكتابة
حرمت عليه حتى يمنع من وطئها ولو وطئها يغرم عقرا خارجا من ملكه والفراش ينعدم
166

بمثل هذه الحرمة فإذا جاءت بالولد لمدة يتوهم أن تكون من علوق حادث بعد الكتابة
لم يثبت النسب وان جاءت به لأقل من ستة أشهر فهو ثابت النسب من المولى لتيقننا انها
علقت به قبل الكتابة وهو حر وقد عتقت هي أيضا بموت المولى (قال) وإن كان حيا
فادعاه فهو ابنه وان جاءت به لأكثر من سنتين لأنها ما صارت فراشا لغيره وحرمتها
على المولى إذا كانت بسبب لا تزيل ملكه عنها ولا تجعلها فراشا لغيره يمنع ثبوت النسب منه
قبل الدعوة ولا يمنع ثبوت النسب منه بعد الدعوة كما لو حرمت بجماع ابن المولى إياها
ولا ناقبل الدعوة إنما لا تثبت النسب منه تحرزا عن الحكم عليه بارتكاب الحرام ووجوب
العقر ويسقط اعتبار هذا التحرز إذا أقر هو بالولد فان جنت في كتابتها جناية سعت
فيها لان موجب جنايتها كان على المولى قبل الكتابة لان كسبها للمولى وقد زال ذلك
بالكتابة فإنها صارت أحق بكسبها أو كان موجب جنايتها على المولى لأنه بالاستيلاد كان مانعا
دفعها بالجناية وقد انعدم هذا المعني بالكتابة لان المكاتبة ليست بمحل للدفع فهي والقنة
إذا كوتبت سواء (قال) وان جنى عليها كان الأرش لها لان أرش الجناية بمنزلة الكسب
وهي أحق بمكاسبها (قال) وان ماتت وتركت ولدا ولدته في المكاتبة من غير المولى سعى
فيما على أمه لأنه انفصل عنها وهي مكاتبة فيكون حكمه حكمها باعتبار أنه جزء من اجزائها
وقد كانت في حياتها تسعى على النجوم لحاجتها إلى تحصيل العتق لنفسها بالأداء وحاجة
هذا الجزء إلى ذلك كحاجتها فتبقى الكتابة ببقاء هذا الجزء (قال) ولو اشترت ابنا لها
عبدا لم يكن لها أن تبيعه لأنه صار داخلا في كتابتها فان بالكتابة ثبت لها نوع مالكية فإذا
كان لها نوع مالكية ثبت مثل ذلك لولدها وقد بينا أن من يكاتب عليها يكون مملوكا
للمولى حتى إذا أعتقه نفذ عتقه فيه وابنها وأبواها في ذلك سواء إلا أنها إذا ماتت عن هذا
لابن المشترى فعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يسعى على هذه النجوم كالابن المولود
في الكتابة وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى في القياسن يباع هذا الولد في الكتابة لأنه انفصل
عنها قبل ثبوت أمية الولد فيها فلم يثبت حق أمية الولد لهذا الولد وان ملكته فيباع بعد
موتها في المكاتبة كسائر أكسابها بخلاف المولود في الكتابة فإنه بمنزلتها لأنه انفصل منها
وهي أم ولد مكاتبة وفى الاستحسان ان جاء بالمكاتبة حالا قبل منه ولم يبع فيها لأنه في
الحقيقة جزء منها فيقوم مقامها في أداء الكتابة إلا أنه ليس بجزء من مكاتبة فلا يبقى الاجل
167

ببقائه ولكن يأتي بالمال حالا فيكون مقبولا منه لما فيه من حصول مقصود المولى بخلاف
المولود في الكتابة لأنه جزء من المكاتبة يقرره أن السراية من الأصل إلى الجزء المتصل دون
المنفصل فيثبت حقيقة سراية العقد إلى الولد المولود في الكتابة فيسعي على النجوم ولا يثبت
حقيقة سراية العقد إلى الولد المشترى فلا يثبت النجوم في حقه ولكن فيما هو المقصود وهو
تحصيل العتق بالأداء حكم هذا الجزء وحكم الأصل سواء فإذا جاء بالمال حالا يقبل منه
(قال) ولو كانت اشترت أباها أو أمها فإنه يؤخذ فيهما بالقياس بعد موتها فيباعان في
المكاتبة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان الأب والأم ليسا بجزء من الولد وامتناع بيعهما
عليها في حياتها كإن لما لهما من الحق في كسبها وقد انعدم هذا المعنى بموتها لان حاجتها
مقدمة على حاجة أبويها فلهذا يباعان في مكاتبتها بخلاف الولد فإنه جزء منها فيجعل بقاء هذا
الجزء كبقائها فيما هو المقصود وقد بينا اختلافهم في غير الوالدين والمولودين من القرابات أنه
هل يمتنع عليها بيعهم إلا أن الحاكم الجليل رضي الله عنه ذكر فيما سبق أن القياس والاستحسان
عند أبي حنيفة رحمه الله في الاخوة وغيرهم وقد نص هنا في الأصل أن القياس والاستسحان
في الأب والأم في القياس لها أن تبيعهما لأنهما لا يتبعانها فلا يمكن اثبات حكم الكتابة فيهما
بطريق التبعية ولهذا يمتنع بيعهما بعد موتها وفى الاستحسان يمتنع عليها بيعهما لان حق الوالدين
يثبت في الكسب ولها كسب على ما قررنا وهذا هو الأصح (قال) وإذا أسلمت أم ولد
النصراني قومت قيمة عدل فبيعت بقيمتها لأنه تعذر ابقاؤها في ملك المولى ويده بعد
اسلامها واصراره على الكفر فتخرج إلى الحرية بالسعاية كما بينا في معتق البعض وهذا لان
ملك الذمي محترم فلا يمكن ازالته مجانا وهو اشكال لهما على أبي حنيفة رحمه الله تعالى في
أن رق أم الولد مال متقوم وان وراء ملك المتعة عليها شئ آخرفان ملكه المتعة في هذه
الحالة يزال من غير بدل كما لو أسلمت امرأته وأبى أن يسلم والعذر لأبي حنيفة رحمه الله تعالى
من وجهين (أحدهما) أن الذمي يعتقد فيها المالية والتقوم ويحرزها لذلك لأنه معتقد جواز
بيعها وإنما يبني في حقهم الحكم على اعتقادهم كما في مالية الخمر (والثاني) أن ملكه فيها محترم
وإن لم يكن مالا متقوما وقد احتبس عندها لمعني من جهتها فيكون مضمونا عليها عند
الاحتباس وإن لم يكن مالا متلوما كالقصاص فإنه ليس بمال متقوم ثم إذا احتبس نصيب
أحد الشريكين عند القاتل بعفو الآخر يلزمه بدله ولم يبين مقدار قيمتها وهي أم ولد
168

وهذا مشكل فإنها لو كانت بحيث تباع فلا نقصان في قيمتها ولكن قيل قيمة المدبرة قدر
ثلثي قيمتها قنة وقيمة أم الولد قدر ثلث قيمتها قنة لان للمالك في مملوكه ثلاث منافع
الاستخدام والاسترباح بالبيع وقضاء ديونه من ماليته بعده فبالتدبير ينعدم أحد هذه المعاني
وهو الاسترباح ويبقى منفعتان وبالاستيلاد ينعدم اثنان ويبقى واحد فتتوزع القيمة على ذلك
ثم لا تعتق ما لم تؤد السعاية عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى تعتق في الحال والسعاية دين
عليها لان إزالة ذل الكافر عن المسلم واجب وفى استدامة الملك عليها ذل ولكنا نقول الذل
في الاستخدام قهرا بملك اليمين وذلك يزول بالاستسعاء لأنها تصير بمنزلة المكاتبة أحق
بنفسها ومكاسبها فالمقصود يحصل بهذا ودفع الضرر عن الذمي واجب ولو قلنا يزول ملكه عنها
في الحال ببدل في ذمة مفلسة والمال في ذمة المفلس تاو لأدى إلى الاضرار به وكان هذا في
الحكم بمنزلة ازالتها عن ملكه بغير بدل ولهذا لا تعتق ما لم تؤد السعاية وليس لها ان تعجز
نفسها إلا أن يسلم المولى وان مات المولى أعتقت وسقط عنها السعاية وعلى قول الشافعي
رحمه الله تعالى تخارج معني هذا انها تخرج من يد المولى وتؤمر بأن تكتسب وتنفق على
نفسها إلى أن يموت المولى فحينئذ تعتق فإنه لا يرى السعاية على المملوك بحال فجعل طريق
إزالة الذل اخراجها من يد المولى كما قلنا ولو ولدت لأكثر من ستة أشهر منذ صارت
مستسعاة لم يثبت نسبه من المولى لأنها في حكم المكاتبة ولو ماتت كان على هذا الولدان
يسعى فيما على أمه بمنزلة المولود في الكتابة (قال) وإذا اختلف المولى وأم الولد في المكاتبة
فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يتخالفان وتنفسخ المكاتبة بعد التحالف وهو قول أبى
يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لان الكتابة في معني البيع من حيث أنه لا يصح الا بتسمية
البدل وأنه يحتمل الفسخ بعد تمامه ثم رجع فقال يكون القول قولها ولا يتحالفأن لان
حكم التحالف في البيع ثابت أيضا بخلاف القياس فلا يلحق به ما ليس في معناه من كل
وجه والكتابة ليس في معنى البيع اما من حيث الصورة فالبيع مشروع للاسترباح مبنى
على الضيق والمماكسة والكتابة للأرقاء مبنى على التوسع ومن حيث المعنى الكتابة بعد
تمامها بأداء البدل لا تحتمل الفسخ بخلاف البيع وفي الحال موجب العقد اثبات صفة
المالكية يدا في المنافع والمكاسب فما مضى منه فائت لا يتحقق رده فعرفنا أنه ليس في معنى
المنصوص من كل وجه فلو ألحق به بالمشاركة في بعض الأوصاف كان قياسا والثابت
169

بخلاف القياس لا يمكن اثباته بطريق المقايسة توضيحه أن البيع لازم من الجانبين فكان
المصير إلى التحالف فيه مفيدا حتى إذا نكل أحدهما لزمه ما قال صاحبه وفى الكتابة هذا
لا يتحقق فإنها لو نكلت لا يلزمها شئ وكان لها أن تعجز نفسها فإذا انعدم التحالف وجب
اعتبار الدعوى والانكار فيكون القول قولها مع يمينها لإنكارها الزيادة وان أقاما البينة
فالبينة بينة المولى لأنه يثبت الزيادة ببينته إلا أنها ان ادعت مقدار ما أقامت البينة عليه تعتق
لأنها أثبتت الحرية لنفسها عند أداء هذا المقدار فوجب قبول بينتها على ذلك بمنزلة ما لو
كاتبها على ألف درهم على أنها متى أدت خمسمائة عتقت وهذا لأنه لا يبعد أن يكون عليها
بدل الكتابة بعد عتقها كما لو أدت الكتابة بمال مستحق تعتق وبدل الكتابة عليها بحاله (قال)
وإذا كاتب أم ولده على ألف درهم أو أمته على ألف درهم على أن يرد عليها وصيفا وسطا
فالكتابة باطلة في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفى قول أبى يوسف رحمه الله
تعالى تجوز الكتابة وتقسم الألف على قيمتها وعلى قيمة وصيف وسط فتكون مكاتبة بما
يخصها ولا خلاف أن العقد في الوصيف باطل لأنها تكون مشترية للوصيف من مولاها
وشراء الحيوان بغير عينه باطل ثم وجه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى أن الألف مذكور
بمقابلة شيئين فيقسم عليهما بالقيمة وامتناع ثبوت حكم العقد في أحدهما لا يمنع ثبوته في
الآخر كما لو كان الوصيف بعينه فاستحقه انسأن يكون العقد صحيحا في حقها بما يخصها من
البدل ولا يجوز ابطال هذا العقد لمعنى الجهالة في بدل الكتابة لأن هذه الجهالة باعتبار ذكر
الوصيف وهو يمنع صحة الكتابة كما لو كاتبها على وصيف وسط لأن هذه الجهالة لا تفضي
إلى المنازعة لان قيمة الوصيف الوسط معلوم فإذا قسم الألف على قيمتها وقيمة وصيف
وسط تتبين حصتها على وجه لا يبقى بينهما منازعة وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى يقولان
الحيوان بغير عينه ليس بمحل للبيع أصلا وانقسام البدل من حكم الدخول في العقد فإذا لم
يدخل الوصيف في العقد كان هذا كتابة بالحصة ابتداء والكتابة بالحصة لا تصح كما لو
كاتبها على ما يخصها من الألف إذا قسم على قيمتها وقيمة عبد آخر والدليل عليه أنه لو
خاطب عبدين بالكتابة بألف فقبل أحدهما دون الآخر لم يكن صحيحا لأنه لو صح كان
بحصته من الألف حتى لو كان سمي بمقابلة كل واحد منهما شيئا معلوما صح القبول من
أحدهما وهذا لان الكتابة في الحاجة إلي تسمية البدل وفسادها بالشروط التي نتمكن في
170

صلب العقد بمنزلة البيع والبيع بمثل هذه الجهالة يبطل فكذا الكتابة وليس هذا بمنزلة
الكتابة على وصيف فان بالاجماع لو تزوج امرأة على وصيف صحت التسمية ولو تزوجها
على ما يخصها من الألف إذا قسم على مهر فلانة لا تصح التسمية وكان لها مهر مثلها ثم المعنى
أن تعين صفة النبطية في الوصيف باعتبار استحقاقه بعقد المعاوضة وذلك يتحقق إذا سمي
الوصيف بدلا في الكتابة ولا يتحقق هنا لما لم يصر الوصيف مستحقا بالعقد (قال) ولو ضمن
رجل لرجل عن أم ولده المكاتبة فهو باطل كما في القنة فإنه ليس لها ذمة صحيحة في حق
المولى ما لم تعتق فلا يكون مال الكتابة دينا متقررا عليه (قال) وإذ أسلمت أم ولد النصراني
فكاتبها بأكثر من قيمتها جازت الكتابة لان المقصود يحصل بهذا العقد وهو اخراجها من
يد الكافر (فان قيل) البدل المستحق عليها يقدر بالقيمة شرعا فينبغي أن لا تجوز الزيادة على
ذلك كما بينا في معتق البعض (قلنا) هنا ما تعذر على المولى استدامة الملك فيها فإنه لو أسلم
كان له أن يستديم ملكه فيها فعرفنا ان استحقاق الإزالة ببدل مقدر لم يتقرر هنا بخلاف
معتق البعض فان عجزت هنا ردت في الرق وتسعى في قيمتها لان إظهار العجز هنا مفيد
بخلاف ما إذا كانت مستسعاة في قيمتها (قال) مسلم تزوج أم ولد ذمي فولدت له سعى
الولد في قيمة نفسه لأنه مسلم باسلام أبيه وهو بمنزلة الأم مملوك للمولى الذمي فيجب ازالته
عن ملكه بالاستسعاء وكذلك لو كان الزوج كافرا فأسلم لان الولد ما دام صغيرا فإنه يصير
مسلما باسلام أبيه (قال) مكاتب ذمي اشترى أمة مسلمة فأولدها كانت على حالها لأنه
يتعذر عليه بيعها وثبت لها نوع حق تبعا لما ثبت من حق الولد فان عتق المكاتب بالأداء تم
ملكه فيها وصارت أم ولد للذمي فتسعى في قيمتها فان عجز فرد رقيقا أجبر المولى على بيعها
لان الملك تقرر فيها للمولى فلم تصر أم ولد ولكن المولى كافر وهي مسلمة فيجبر على بيعها (قال) حربي خرج إلى دارنا مستأمنا ومعه أم ولده لم يكن له أن يبيعها لان حق أمية الولد
تبع لحق الولد في النسب والنسب يثبت في دار الحرب كما يثبت في دارنا فكذلك ما ينبنى
عليه من أمية الولد لها وكما لا يمكن من بيع ابنه في دار الاسلام فكذلك لا يمكن من بيع
أم ولده ولو أسلمت سعت في قيمتها لان ملك المستأمن محترم كملك الذمي فيتعذر إزالة
ملكه عنها مجانا فلهذا سعت في قيمتها والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
171

(باب دعوى الرجل رق الغلام في يده)
(قال) رضي الله عنه غلام صغير لا ينطق في يد رجل فقال هذا عبدي فهو كما قال إذا
لم يعرف خلافه لأنه لا يد له في نفسه ولا قول فيتقرر قول ذي اليد عليه وما في يده مملوك
له باعتبار الظاهر فإذا ادعي ما يشهد له الظاهر به كان القول فيه قوله كما لو كان في يده دابة
أو ثوب فقال هذا لي (قال) وان أدرك الصغير فقال أنا حر الأصل فعليه البينة لأنه يدعي
ابطال ملك ثبت عليه لذي اليد بدليل شرعي فلا يقبل ذلك منه الا بحجة (قال) وإن كان
حين ادعاه الذي في يده يعبر عن نفسه فقال أنا حر فالقول قول لأنه في يد نفسه وله قول
معتبر شرعا فلا تتقرر عليه يد ذي اليد مع ذلك بل يد نفسه تكون دافعة ليد ذي اليد
لأنها أقرب إليه فكان القول قوله في حريته لتمسكه بما هو الأصل وكذلك لو قال الغلام أنا
لقيط لان اللقيط حر باعتبار الأصل والدار فهو كقوله أنا حر فان أقام الذي في يده البينة أنه
عبده وأقام الغلام البينة أنه حر أخذت بينة الغلام لأنه يثبت حرية الأصل ببينته وبينة الملك
لا تعارض بينة الحرية من وجهين (أحدهما) أن الحرية لا تحتمل النقض والفسخ والملك
يحتمل الابطال (والثاني) أن الاثبات في بينة الحرية أكثر لأنه يتعلق بالحرية أحكام متعدية
إلى الناس كافة ولان في بينته ما يدفع بينة ذي اليد وليس في بينته ذي اليد ما يدفع بينته
فان الحرية تتحقق بعد الملك وان قال الذي في يده هذا عبدي وقال الغلام أنا عبد فلان
فهو عبد الذي في يديه لأنه لما أقر بالرق على نفسه لم يبق له يد ولا قول معتبر في نفسه بل
تتقرر يد ذي اليد عليه فالقول قوله انه ملكه بخلاف الأول فان هناك هو ينكر رقه
أصلا وقوله في دفع الرق عن نفسه مقبول وفي تعيين مالكه غير مقبول لأنه يحول به ملكا
ثابتا لذي اليد إلى غيره وكذلك لو كان في يدي رجلين يدعى كل واحد منهما انه له فقال
هو أنا عبد أحدهما لأنه لما أقر بالرق على نفسه تقررت يدهما عليه وان كأن لا ينطق فأقام
أحدهما البينة انه عبده وأقام الآخر البينة انه ابنه من أم ولده قضى به للذي ادعاه لان في
بينته زيادة اثبات النسب والحرية للولد فتترجح بذلك فان أقام كل واحد منهما البينة أنه
عبده ولد عبده ووقتت احدى البينتين وقتا قبل وقت الأخرى قضى به للأول إذا كان بذلك
الميلاد معناه إذا كان سن الغلام موافقا للوقت الأول فقد ظهر علامة الصدق في شهادة
172

شهوده وعلامة الكذب في شهادة شهود الآخر وان علم أنه على غير ذلك الميلاد
قضى به للآخر لان علامة الكذب ظهرت في شهادة أسبق التاريخين وذلك مانع من
العمل بها فإن كان يشك فيه قضى به بينهما لاستواء الحجتين فإن كان كل واحد منهما
أثبت الملك لنفسه من حين ولد لان الملك لا يسبق الولادة ولا يعتبر سبق التاريخ مع
ذلك ولكن لما كان كل واحد من الامرين محتملا قضى به بينهما وقيل هذا قولهما فأما عند
أبي حنيفة رحمه الله تعالى ينبغي أن يقضى به لصاحب الوقت الأول لأنهما استويا في معني
الاحتمال وصاحب أسبق التاريخين أثبت الملك لنفسه في وقت لا ينازعه فيه أحد فيجب
القضاء بالملك له ثم لا يستحق عليه بعد ذلك الا بسبب من جهته وإن لم توقت واحدة منهما
وقتا غير أن احدى البينتين شهدت أن هذا المولى أعتق أمه قبل أن تلده أو دبرها أو أعتق
الغلام وأمه حامل به أو دبره قضى به لصاحب العتق لأنه في بينته زيادة اثبات الحرية للغلام
اما مقصودا أو تبعا لامه ولان العتق قبض من المعتق فباثباته العتق أو التدبير يثبت أن اليد
له وبينة ذي اليد تترجح في اثبات الملك من وقت الولادة ألا ترى أنه لو كان في يد
غيرهما فأقام كل واحد منهما البينة أنه عبده غيره أن احدى البينتين شهدوا أنه دبره أو أعتقه
البتة يقضى به له لأنه بالتدبير والعتق يستحق الولاء والولاء كالنسب ولو كان في احدى
البينتين زيادة اثبات النسب ترجحت بذلك فكذلك الولاء (قال) صبي في يدي رجلين ادعى
أحدهما أنه ابنه والآخر أنه عبده فهو حر وابن الذي ادعاه لأنه يقر له بالنسب والحرية واقراره
فيما في يده صحيح وثبوت النسب والحرية في البعض ينفى الرق فيما بقي منه وإن كان في
في أيديهما يتجاذبانه فمات من عملهما بعد هذه المقالة فالدية على عاقلتهما لأنهما قتلاه خطأ بعد
ما حكم بحريته ونسبه لمدعى البنوة ويكون ذلك لأقرب الناس منه بعد الذي ادعي أنه ابنه لأنه
قاتل فيكون محروما عن الميراث وإذا صار محروما كان كالميت وإذا ادعى كل واحد منهما
أنه عبده ولد عنده من هذه الأمة لامة واحدة والأمة في يد أحدهما وهي مقرة بالملك له فالأمة
لمن هي في يده والولد بينهما لان الاستحقاق باعتبار اليد وقد اختص أحدهما باليد في
الأمة واستويا في اليد في الولد (فان قيل) لما ثبت الملك في الأمة لأحدهما والولد يتبع الأم في
الملك فينبغي ان يقضى بالولد له (قلنا) ثبوت الملك له في الأمة باعتبار يده واليد حجة
دافعة للاستحقاق لا موجبة له فلا يستحق به ما في يد الآخر من الولد وعلى هذا لو كان
173

الصبي في يد أحدهما والأم في يد الآخر فلكل واحد منهما ما في يده على ما بينا قال أرأيت
لو كانت جدته في يد الآخر أكان يدفع إلى الصبي من كانت جدته في يده هذا بعيد (قال)
وإذا كان الصبي في يد رجل فاعتقه ثم جاء آخر يدعى أنه عبده ويقيم البينة على ذلك فإنه يقضى
به لان اليد لا تعارض البينة بل تبين بهذه البينة ان ذا اليدأعتق ملك غيره إلا أن يقيم
المعتق البينة انه كان له ولد عنده أو أعتقه فحينئذ تترجح بينته لما قلنا (قال) وإذا كان
العبد في يد رجل فدبره أو أعتقه ثم أقام الآخر البينة أنه له وأقام ذو اليد البينة أنه له أعتقه
أو دبره فهو أولى لأنه يثبت زيادة العتق واستحقاق الولاء ولان حجة ذي اليد في الحقيقة
للعبد فإنه يثبت به حريته وولاءه والولاء كالنسب فكأنه هو الذي يقيم البينة على ذلك
(قال) وإذا كان الصبي في يد رجل فباعه من رجل ثم ادعى أنه كان دبره أو أعتقه قبل
البيع لم يصدق على ذلك لأنه متناقض في دعواه ولأنه يسعى في نقض ماقدتم به وهو البيع
كذلك لو ادعى أنه ابنه ولم يكن العلوق به في ملكه لان هذا دعوة التحرير ودعوة
التحرير لا تصح كالاعتاق من غير الملك إلا أن يكون العلوق به في ملكه فيصدق على
النسب حينئذ فيفسخ البيع فيه لان حق استحقاق النسب يثبت له بالعلوق في ملكه ولم يبطل
ذلك بالبيع لان البيع دونه في احتمال النقض وهذه زفرية موضعها كتاب البيوع والدعوى
وإن لم يكن شئ من ذلك ولكن الصبي أدرك فأقام البينة أنه حر عتق ولا شئ عليه لأنه أثبت
حريته بالحجة وإنما يرجع المشترى بالثمن على البائع فإن كان كبيرا مقرا بالملك وأمر المشترى
أن يشتريه وأخبره أنه عبد للبائع فاشتراه ثم أقام البينة انه حر عتق لأنا قد بينا أن
التناقض لا يمنعه من اثبات حرية الأصل بالبينة كما لا يمنعه من اثبات النسب لان حرية
الأصل لاناقض لها فإن لم يقدر المشترى على الذي باعه كان له أن يرجع على العبد
بالثمن الذي أداه إلى البائع لأنه مغرور من جهته حين أقر بالملك وأمره أن يشتريه وصحة
البيع كان بقوله فإنه لو قال أنا حرما كان يشتريه أحد ولا يصح البيع فيه والغرور متى
تمكن في عقد المعاوضة فهو مثبت حق الرجوع للمغرور على الغار وصار كأنه التزام للمشترى
سلامة نفسه أو رد الثمن عليه إلا أن البائع إذا كان حاضرا فرجوعه على البائع لأنه هو
الذي قبض الثمن حقيقة والمشترى سلمه إليه مختارا فإذا تعذر الرجوع عليه بعينه كان له أن
يرجع على البعد ليندفع الضرر عنه ثم يرجع العبد بذلك على البائع لأنه يقوم مقام المشترى
174

في الرجوع عليه حين ضمن له بالثمن وإن كان المشترى أقر بحريته عتق باقراره وولاؤه
موقوف ولا يرجع بالثمن على البائع ولا على العبد لان اقراره ليس بحجة عليهما والله سبحانه
وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
(باب مالا يثبت النسب فيه من أم الولد)
(قال) رضي الله عنه وإذا زوج الرجل أمته من عبده فولدت ولدا فادعاه المولى لم يثبت
نسبه منه لان نسبه ثابت من العبد بالفراش فلا يثبت من غيره ولكنه يعتق عليه وتصير
الجارية أم ولد له لما ذكرنا قبل هذا وإذا استولد الرجل جارية غيره وادعي شبهة
بشراء أو غيره وكذبه مولاها لم يثبت نسبه لان بمجرد دعواه لم يثبت له شبهة في المحل في
حق مولاها حين عارضه بالتكذيب وثبوت النسب ينبني على وجود الشبهة في المحل فان
ملكه يوما ثبت نسبه منه لان الشبهة في المحل في حقه تثبت بقوله فان خبره محمول على
الصدق في حقه إلا أنه امتنع العمل به للمعارضة من مولاها وحق المعارضة كان له باعتبار
ملكه فإذا زال ذلك سقطت معارضته وخلص الحق للمدعى حين ملكه فيثبت النسب منه كما
لو وجد الاقرار في الحال وان أعتقه مالكه فهو مولاه ولا يثبت نسبه من المدعى إلا أن يصدقه
الغلام فحينئذ يثبت النسب منه لان الحق في نسبه خلص له وقد تقرر بالتصديق منه وليس
في ثبوت نسبه تعرض للولاء الثابت للمولى إذ لا منافاة بينهما (فان قيل) قبل العتق ليس
في اثبات النسب أيضا تعرض للملك الثابت للمولى (قلنا) نعم ولكن النسب لا يثبت الا بحجة
ومجرد الدعوى مع قيام المعارضة لا يكون حجة فأما دعواه عند تصديق الغلام بنفوذ العتق
يكون حجة (قال) وإذا استولد الأب جارية ولده غصبا والولد صغير أو كبير مسلم أو ذمي
أو مستأمن أو مرتد وقد علم الأب أنها عليه حرام وادعاه بعد الولادة ثبت نسبه منه كذبه
الولد في ذلك أو صدقه وهو ضامن لقيمتها وهي أم ولد له ولا عقر عليه أما سقوط الحد
عنه مع العلم بالحرمة فللتأويل الثابت له في مال الولد بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم أنت
ومالك لأبيك وأما ثبوت النسب منه فلان حق التملك له في مال ولده عند حاجته ثابت إلا أن
ما كان من أصول الحوائج كالنفقة يتملك بغير عوض وفيما دون ذلك يتملك بعوض وهو
محتاج هنا إلى صيانة مائه عن الضياع فيتملكها بضمان القيمة سابقا على الاستيلاد وقد بينا
175

فروع هذه المسألة فيما أمليناه من شرح الدعوى والفرق بينهما إذا كان الولد كافرا والوالد
مسلما أو على عكس ذلك وما استقر عليه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ان حكمه كحكم
المغرور وبينا في كتاب النكاح أيضا ان الأب لو كان تزوجها باذنه أو بغير إذنه بنكاح
صحيح أو فاسد والأب حر أو عبد لم تصر أم ولد له لأنه مستغن عن تملكها في ثبوت
نسب ولده فان شبهة النكاح تكفي لذلك وفي الكتاب قال هذا والأول سواء في القياس
يعنى لا يتملكها ولكن يثبت النسب باعتبار الغرور كما استقر عليه قول أبي يوسف غير أنى
أخذت في الأول بالاستحسان يعنى أن تملكها عليه بضمان القيمة بهذا السبب نوع
استحسان لتحقق صيانة مائه ولا ثبات حرية الأصل للولد وحق أمية الولد لها (قال)
ولو ولدت أمة الرجل ولدا وأدعاه المولى وأبوه معا فالمولى أحق به لان صحة دعوته باعتبار
حقيقة الملك وصحة دعوة الأب باعتبار تأويل الملك وتأويل الملك لا يعارض حقيقة الملك ثم
دعوة الولد تمنع الأب من أن يتملك الجارية بدعوته وبدون هذا الشرط لا يصح استيلاده
ولا يثبت النسب منه (قال) وإذا وطئ الرجل أمة لمكاتبه فولدت ولدا فادعاه وصدقه
المكاتب فهو ولده بالقيمة وعليه العقر لان له حق التملك في كسب العبد المكاتب وذلك بمنزلة
المغرور أو أقوى منه فكما يثبت النسب هناك ويكون الولد حرا بالقيمة وعليه العقر فكذلك
هنا إلا أنه اعتبر تصديق المكاتب لان المولى حجر على نفسه التصرف في كسب المكاتب والدعوة
تصرف فلا ينفذ الا بتصديق المكاتب بخلاف الأب فإنه ما حجر على نفسه التصرف في
مال الولد عند الحاجة فلا يحتاج إلى تصديق الولد ثم عند التصديق في المكاتب لا تصير
الجارية أم ولد له لان حق الملك ثابت له في كسبه وذلك كاف لاثبات نسب الولد ألا ترى أن
بعجزه ينقلب حقيقة ملك فلا حاجة به إلى التملك وليس للأب في مال الولد ملك ولا حق
ملك ولا يمكن اثبات النسب منه الا باعتبار تملك الجارية يوضحه أنه ليس للمولى حق
التملك في كسب المكاتب عند الحاجة وللأب ذلك في ملك الولد فإذا ملك المولى الجارية
يوما من الدهر صارت أم ولد له لأنه ملكها وله منها ولد ثابت النسب وان كذبه المكاتب
ثم ملكه يوما ثبت نسبه منه لان حق الملك له في المحل كان مثبتا للنسب منه عند صحة
دعوته إلا أن بمعارضة المكاتب إياه بالتكذيب امتنع صحة دعوته وقد زالت هذه المعارضة
حين ملكه (قال) وان وطئ مكاتبة مكاتبة فولدت ولدا فادعاه وصدقته المكاتبة
176

الأخيرة فهو ابنه لأنها بعقد الكتابة صارت أحق بنفسها وولدها فتصديقها في هذه الحالة
كتصديق المكاتب حين كانت أمة له فيثبت النسب وعليه العقر لها لأنه وطئها بعد ما صارت
أحق بنفسها والغلام بمنزلة أمه داخل في كتابتها بخلاف الأول فالغلام هناك حر بالقيمة
لان سبب بعدها من المولى هناك واحد وقد تعدد هنا سبب بعدها من المولى فان الكتابة
الثانية توجب بعدها من المولى كالأولى فيمنع تعدد أسباب البعد ثبوت الحرية للولد
توضيحه أنه لو جعل الولد هنا حرا كان حرا بغير قيمة لأنه لا يمكن ايجاب القيمة للأم
فإنها تسعى لتحصيل الحرية لنفسها وولدها ولا يمكن ايجاب القيمة هنا للمكاتب
لأنه لاحق له في نفسها ولا في ولدها بعد ما كاتبها ولا يمكن اثبات الحرية بغير
قيمة لأنها ربما تعجز فتخلص للمكاتب وحقه فيها وفي ولدها مرعى فلهذا لا يحكم
بحرية الولد هنا وفى الأول اثبات الحرية بالقيمة ممكن فلهذا أثبتناه فان عجزت هي أخذ
المولى الولد بالقيمة لان الكتابة الثانية انفسخت فكأنها لم تكن وان كانت كذبته لم
يثبت النسب منه وان عجزت لانعدام الدليل الموجب لصحة الدعوى وهو التصديق
ممن الحق له إلا أن يملكه فحينئذ يثبت النسب منه لان الحق خلص له فكأنه جدد الدعوة
الآن (قال) وان ادعى ولد جارية امرأته أو أحد أبويه لم يثبت النسب منه بحال لان
ثبوت النسب باعتبار الشبهة في المحل وقد انعدم إلا أنه إذا قال ظنت أنها تحل لي يدرأ
عنه الحد وان قال علمت بالحرمة يلزمه الحد لان الشبهة من حيث الاشتباه وهو انه ظن
بعض ما يظن مثله فإنه قال لما كانت المرأة حلالا لي فكذلك جاريتها ولما كانت جارية
الأب حلالا له فكذلك لي لأني جزء منه وشبهة الاشتباه معتبرة في اسقاط العقوبة في حق
من تشتبه عليه ولكن لا يعتبر في اثبات النسب فإذا ملكه يوما عتق ولم يثبت نسبه منه
وان ملك أمه لم تصر أم ولد له لمنزلة ما لو استولد جارية الغير بالزنا إلا أن يدعى شبهة نكاح
فحينئذ إذا ملكها مع الولد يثبت النسب منه وتصير أم ولد له (قال) وإذا وطئ الرجل
جارية رجل فقال أحلها لي والولد ولدى وصدقه المولى في الاحلال وكذبه في الولد
لا يثبت النسب منه لان الاحلال ليس بنكاح ولا ملك يمين فلا يثبت به شبهة في حق
المحل في حق مولاها ويكون تكذيبه إياه في الدعوة معارضا مانعا من صحة دعوته فلا يثبت
نسبه منه وان ملكه يوما ثبت نسبه منه بسقوط المعارضة بالدعوة وهو بناء على
177

الاستحسان الذي بيناه في كتاب الدعوى أن المولى إذا صدقه في الاحلال والدعوة
جميعا يثبت النسب منه استحسانا لان التزويج ليس بموجب للزوج الا ملك الحل والتمكن
من الوطئ شرعا والاحلال تمكين من ذلك حسا وفى غير هذا المحل من الطعام غيره
الاحلال يكون مثبتا حل التناول فيصير ذلك شبهة في اثبات النسب ولكنها شبهة ضعيفة جدا
فلا بد من أن ينضم إليه التصديق من المولى بأن الولد ولده أو خلوص الملك في الولد للمدعى
فان ذلك أقوى من تصديق المولى فلهذا ثبت نسبه منه وان ملك أمه كانت أم ولد له
وكذلك عند تصديق المولى يثبت النسب منه وهو عبد لمولاه وكذلك الجواب في جارية
الزوجة والأبوين إذا ادعى أن مولاها أحلها لي إلا أن هناك متى ثبت النسب بالتصديق
عتق لقرابته من المولى أبا كان أو أما (قال) وإذا كانت الأمة وولدها في يد رجل
فادعاها رجلان كل واحد منهما يقيم البينة أنه اشتراها منه ونقد الثمن وقبضها فولدت له
هذا الولد فان علم الأول منهما فالجارية وولدها له لأنه أثبت الحق لنفسه في وقت لا ينازعه
أحد فيه وإن لم يعلم فالجارية أم ولد لهما والولد ولدهما لتحقق المساواة بينهما في سبب الملك
وفي نسب الولد وفى حق أمية الولد للأم وان كانت في يدي أحدهما فهو أحق بها لان
شراءه متأيد بالقبض وشراء الآخر متجرد عن القبض وعند تعارض البينتين يترجح
القابض منهما إلا أن يقيم الآخر البينة انه الأول فحينئذ يكون أسبق التاريخين أولى والله
سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
(باب المدبر)
(قال) رضي الله عنه اعلم بأن التدبير عبارة عن العتق الموقع في المملوك بعد موت المالك
عن دبر منه مأخوذ من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أم الولد فهي معتقة عن
دبر منه وصورة المدبر أن يتعلق عتقه بمطلق موت المولى كما يتعلق عتق أم الولد به ولهذا
قال ابن مسعود رضي الله عنه إن المدبر يعتق من جميع المال كأم الولد وهو قول حماد
رضى الله تعالى عنه واحدي الروايتين عن إبراهيم رحمه الله تعالى ولكنا لا نأخذ بهذا وإنما نأخذ بقول على وسعيد بن المسيب والحسن وشريح وابن سيرين رضوان الله
عليهم أجمعين
أنه يعتق من الثلث لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المدبر
178

من الثلث ولان التدبير خلافة بعد الموت فيتقدر بقدر حقه بعد الموت وحق المولى بعد
الموت في ثلث ماله فيعتبر خلافته في هذا المقدار فيكون من ثلثه كسائر الوصايا وفى أم الولد
إنما يعتق من جميع المال لسقوط قيمة ماليتها على ما قررنا أن الاحراز بعد الاستيلاد لقصد
ملك المتعة لا لقصد المالية وبدون الاحراز لا تثبت المالية والتقوم وهذا المعنى لا يتقرر
بالتدبير فان التدبير ليس بقصد إلى الاحراز لملك المتعة فيبقى الاحراز بعده للتمول وإذ بقي
مالا متقوما كان معتبرا من ثلثه وعلى هذا قال علماؤنا رحمهم الله تعالى انه لا يجوز بيع المدبر
وقال الشافعي رحمه الله تعالى يجوز بيعه لحديث عطاء أن رجلا دبر عبدا له ثم احتاج إلى
ثمنه فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل يقال له نعيم بن النحام بثلاثمائة درهم وعن
عائشة رضى الله تعالى عنها أنها دبرت أمة لها فسحرتها وعلمت بذلك فقالت ما حملك على
ما صنعت فقالت حبي العتاق فباعتها من أسوأ الناس ملكة والمعنى فيه أن التدبير تعليق
العتق بالشرط وذلك لا يمنع جواز البيع كما لو علقه بشرط آخر من دخول الدار أو مجئ
رأس الشهر والتدبير وصية حتى يعتبر من ثلث المال بعد الموت والوصية لا تمنع الموصى
من التصرف بالبيع وغيره كما لو أوصى برقبته لإنسان وهذا لان الوصية ايجاب بعد الموت
فتمنع الإضافة بثبوت حكم الوجوب في الحال (وحجتنا) حديث نافع عن ابن عمر رحمه
الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يباع المدبر ولا يوهب وهو حر من الثلث
وتأويل حديث عطاء ما نقل عن أبي جعفر محمد بن علي رحمه الله تعالى أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال إنما باع خدمة المدبر لا رقبته يعني به أنه أجره والإجارة تسمى بيعا بلغة أهل
المدينة أو يحتمل أنه كان مدبرا مقيدا أو كان في وقت كان بيع الحر جائزا على ما روي عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه باع رجلا يقال له سرق في دينه ثم انتسخ ذلك الحكم وعن زيد بن
ثابت وابن عمر رضي الله تعالى عنهما قالا لا يباع المدبر وما نقل عن عائشة رضى الله تعالى عنها
محمول على المدبر المقيد ليكون جمعا بينهما والمعني فيه أنه مملوك تعلق عتقه بمطلق موت سيده
فلا يجوز بيعه كأم الولد ودليل الوصف ان التعلق حكم التعليق وإنما يتعلق بمابه علق السيد وهو
إنما علقه بمطلق الموت وتأثيره ان الموت كائن لا محالة وهو سبب للخلافة ألا ترى أن الوارث
يخلف المورث في تركته بعد موته فهو بهذا التعليق يكون مثبتا للمملوك في الحال الخلافة
في رقبته بعد موته فيكون ايجابا في ثاني الحال باعتبار وجود سببه على وجه يصير محجورا
179

عن ابطاله كما أن الموت لما كان موجبا الخلافة للوارث في تركته وسببه المرض ثبت نوع
حق لهم بهذا السبب على وجه يصير المريض محجورا عن التبرع وهذه الخلافة في العتق
الذي لا يحتمل الابطال بعد ثبوته فيتقوى هذا السبب من وجهين أحدهما أن المتعلق به
مما لا يحتمل الابطال والثاني ان التعليق بما هو كائن لا محالة وهو موجب للخلافة ولهذه القوة
قلنا لا يحتمل الابطال والفسخ بالرجوع عنه بخلاف ما يقوله الشافعي رحمه الله تعالى
في بعض أقاويله وهو ضعيف جدا بأن تعليق العتق بسائر الشروط يحتمل الفسخ فهذا
الشرط أولى ولهذه القوة يجب حق الحرية له في الحال على وجه يمنع بيعه ويثبت استحقاق
الولاء للمولى على وجه لا يجوز ابطاله بخلاف التعليق بسائر الشروط فان دخول الدار ونحو
ذلك ليس بكائن لا محالة والتدبير المقيد وهو قوله ان مت من مرضى هذا ليس بكائن
لا محالة أيضا والتعليق بمجئ رأس الشهر فان ذلك ليس بسبب موجب للخلافة وكذلك
الوصية برقبته لغيره فان ذلك تمليك يحتمل الابطال بعد ثبوته فلا يجب به الحق بنفسه
وتقرر بهذا التحقيق ان المدبر في معني أم الولد الا ان هناك معنيين تعلق بأحدهما وجوب
حق الحرية في الحال وبالآخر سقوط المالية والتقوم ثم وجد أحد المعنيين ههنا دون
الآخر فيتعدى بذلك المعنى حكم ثبوت حق الحرية إلى المدبر ولا يتعدى حكم سقوط
المالية والتقوم لانعدام معناه هنا فلهذا كان معتبرا من الثلث على هذا نقول ولد المدبرة يكون
مدبرا لأنه وجب حق الحرية لها في الحال فيسرى إلى الولد كالاستيلاد وهو دليلنا على
الشافعي وبعض أصحابه يمنعون سرايته إلى الولد وهو ضعيف جدا لأنه مخالف لقول الصحابة
والتابعين وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه ولد المدبرة مثل أمه وخوصم إلى عثمان
رضي الله عنه في أولاد مدبرة فقضى بأن ما ولدته قبل التدبير عبد يباع وما ولدته بعد
التدبير فهو مثلها لا يباع وعن شريح وسعيد بن المسيب وقتادة وجماعة منهم رضوان الله عليهم
أجمعين انهم قالوا ولد المدبرة مدبر إذا عرفنا هذا فنقول رجل قال لمملوكه أنت حر بعد
موتي أو إذا مت أو ان مت أو متى مت أو إذا حدث بي حدث فهذا كله واحد وهو
مدبر لأنه علق عتقه بمطلق موته فإنه وان أطلق الحدث فالمراد به الموت عادة وكذلك
لو قال أنت حر يوم أموت لأنه قرن باليوم مالا يمتد ولا يختص بأحد الوقتين فيكون
عبارة عن الوقت فكأنه قال أنت حر وقت موتى فان نوى باليوم النهار دون الليل صحت
180

نيته لأنه نوى حقيقة كلامه ثم لا يكون مدبرا لأنه علق عتقه بما ليس بكائن لا محالة وهو
موته بالنهار وربما يموت بالليل فلهذا لا يكون مدبرا ولو قال إن حدث بي حدث في
مرضى هذا أو سفري هذا فأنت حرلم يكن مدبرا وله أن يبيعه لأنه علق عتقه بما ليس
بكائن لا محالة فربما يرجع من ذلك السفر ويبرأ من ذلك المرض وفقه هذا الكلام اتا إنما
نوجب حق الحرية بالتدبير في الحال بناء على قصده القربة بطريق الخلافة وهذا القصد منه
ينعدم إذا علقه بموت بصفة لان القصد إلى القربة لا يختلف بالموت من ذلك المرض أو من
غيره فلا نعدام هذا القصد لم يكن مدبرا بخلاف ما إذا علقه بمطلق الموت فان القصد إلى
ايجاب القربة هنا متحقق حين علقه بما هو كائن لا محالة ولكن ان مات كما قال عتق من
ثلثه لان التعليق بالشرط صحيح مع انعدام القصد إلى ايجاب القربة وإذا وجد الشرط عتق
من ثلثه وان برئ من مرضه أو رجع من سفره ثم مات لم يعتق لان الشرط الذي علق عتقه
به قد انعدم وإذا قال أنت حر بعد موت فلإن لم يكن مدبرا لان موت فلان ليس بسبب
للخلافة في حق هذا المولى ووجوب حق العتق باعتبار معنى الخلافة فإذا لم يوجد ذلك لم
يكن مدبرا والى هذا أشار فقال ألا ترى أن فلانا لو مات والمولى حي عتق العبد ولا خلافة
قبل موته ولو مات المولى وذلك الرجل حي صار العبد ميراثا للورثة فكيف يكون مدبرا
وتجرى فيه سهام الورثة وكذلك أن قال أنت حر بعد موتي وموت فلان أو بعد موت فلان
وموتى فهذا لا يكون مدبرا لأنه ما تعلق عتقه بمطلق موت المولى فحسب وإنما تعلق بموتين
فان مات المولى قبل فلإن لم يعتق لان الشرط لم يتم وصار ميراثا للورثة فكان لهم أن يبيعوه
وان مات فلان قبل المولى فحينئذ يصير مدبرا عندنا وليس له أن يبيعه وعلى قول زفر رحمه
الله تعالى لا يكون مدبرا لأنه ما تعلق عتقه بموت المولى فحسب إنما تعلق بموتين كما علقه
المولى فكان موت المولى بعد موت فلان متمما للشرط لا انه كمال الشرط وهذا على أصل زفر
رحمه الله تعالى مستقيم فإنه جعل كل جزء من الشرط معتبرا حتى اعتبر وجود الملك عند
وجود بعض الشرط على ما بينا في الطلاق ولكنا نقول بعد موت فلان تعلق عتقه بمطلق
موت المولى حتى أنه متى مات عتق وصورة المدبر هذا فكان مدبرا كما لو قال له إذا كلمت
فلانا فأنت حر بعد موتى فكلمه أو قال أنت حر بعد كلامك فلانا وبعد موتى فإذا
كلم فلانا كان مدبرا فكذلك هنا قال وان قال أنت حر بعد موتى إن شئت لم يصر مدبرا
181

لأنه ما تعلق عتقه بمطلق موت المولى بل به ومشيئته ثم قول المولى إن شئت محتمل يجوز أن يكون
مراده المشيئة في الحال ويجوز أن يكون مراده المشيئة بعد الموت فينوي في ذلك
فان نوى بالمشيئة الساعة فشاء العبد فهو حر بعد موته من الثلث لان شرط المشيئة لما وجد
من العبد في المجلس يصير عتقه متعلقا بمطلق موت المولى بعده فيكون مدبرا وإن كان نوى
بالمشيئة بعد الموت فإذا مات المولى فشاء العبد عند موته فهو حر من ثلثه لوجود الشرط لا
باعتبار التدبير وكان أبو بكر الرازي رحمه الله يقول الصحيح أن لا يعتق هنا ما لم يعتقه الوارث
أو الوصي لأنه لما لم يعتق بنفس الموت صار ميراثا فلا يعتق بعد ذلك الاباعتاق منهم ويكون
هذا وصية يحتاج إلى تنفيذها كما لو قال أعتقوه بعد موتى ان شاء وجعل هذا نظير ما لو قال له
أنت حر بعد موتى بشهر فإنه لا يعتق الاباعتاق من الوارث أو الوصي بعد شهر هكذا ذكره
ابن سماعة في نوادره ثم في ظاهر الجواب يعتبر وجود المشيئة من العبد في المجلس بعد موت
المولى كما يتقيد بهذا للفظ مشيئته بالمجلس في حال حياته وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يتوقت
بالمجلس لان هذا في معني الوصية ولا يشترط في لزوم الوصية القبول في المجلس بعد الموت
ولو قال أنت حر بعد موتى بيوم لم يكن مدبرا وله أن يبيعه لان عتقه ما تعلق بمطلق الموت بل
يمضى يوم بعده فان مات لم يعتق في الوقت الذي سمى حتى يعتقه الورثة وهذا يؤيد ما ذكره
أبو بكر الرازي وقد بينا المعنى فيه ومن أصحابنا من فرق بين هذا وبين الأول فقال لما أخر
العتق عن موته بزمان ممتد في يوم أو شهر وملك الوارث يتقرر في ذلك الزمان عرفنا ان مراده
الامر باعتاقه فلا يعتق ما لم يعتقه واما في مسألة المشيئة تتصل مشيئة العبد بموت المولى قبل
تقرر الملك للوارث فيعتق باعتاق المولى ولا تقع الحاجة إلى اعتاق الوارث إياه وكذلك
لو قال كل مملوك لي فهو حر بعد موتي بيوم فهذا وما أوجب للمملوك بعينه سواء لما بينا ولو قال
كل مملوك لي فهو حربعد موتى فما كان في ملكه حين قال هذه المقالة فهو مدبر لأنه تعلق عتقه
بموت المولى وما دخل في ملكه بعد ذلك لم يصر مدبرا ولكن ان مات وهو في ملكه عتق من
ثلثه مع المدبرين وهذا قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وعند أبي يوسف رحمه الله لا يتناول هذا
اللفظ ما يستحدث الملك فيه وكذلك لو قال كل مملوك أملكه فهو حربعد موتى أو كل
مملوك أملكه إذا مت فهو حر فأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول التعليق معتبر بالتنجيز ولو
نجز العتق بهذا اللفظ لم يتناول العتق الاما هو مملوك له في الحال فكذلك إذا علق بالموت
182

وهذا في قوله كل مملوك لي ظاهر لأنه سمى ما هو مضاف إليه في الحال وكذلك في
قوله كل مملوك أملكه فان أهل اللغة يقولون المراد بهذا اللفظ الحال وإذا أريد به
الاستقبال يقيد بالسين أو سوف فيقال سأملكه أو سوف أملكه والدليل عليه أن ما
يستحدث الملك فيه لا يصير مدبرا بالاتفاق ولو تناوله هذا اللفظ لصار مدبرا كالموجود
في ملكه وهما يقولان علق عتق ما يمكنه فيتناول ما مملوك له عند الموت والذي استحدث
الملك فيه مملوك له عند الموت كالموجود في ملكه وهذا لان الإضافة إلى ما بعد الموت
وصية وفى الوصية إذا لم يوجد التعيين من الموصى عند الايصاء يعتبر وجوده عند الموت كما
لو أوصى بثلث ماله لإنسان يتناول هذا ما يكون ماله عند الموت فهذا مثله إلا أن التدبير ايجاب
العتق كما قررنا فلا يصح الا بالملك أو مضافا إلى الملك ففي حق الموجودين في ملكه وجد
الملك فيصح ايجاب حق العتق لهم وفى حق الذين يستحدث الملك فيهم لم يوجد الايجاب
في الملك ولا الإضافة إلى الملك إنما وجدت الإضافة إلى الموت فلم يوجد لهم حق العتق
بنفس الملك لأنه لا يدرى بقاؤهم في ملكه إلى وقت الموت وباعتبار ذلك يتناولهم كلامه
فلهذا كان له أن يبيعهم وإذا لم يبعهم حتى مات فقد تناولهم وصيته فيعتقون من الثلث لهذا
(قال) وللمولى أن يؤاجر المدبرة ويستغلها ويطأها ويزوجها ومهرها له كأم الولد لأنهما
باقيتان على ملكه بعد ما ثبت لهما حق العتق وإنما يمنع من التصرف المبطل لحقهما دون
التصرف الذي لا يبطل حقهما كمن زوج أمته من رجل له أن يبيعها لأنه غير مبطل لحق
الزوج وليس له أن يطأها ولا يزوجها من غيره فهنا الهبة والبيع مبطل لحقهما فيمنع المولى
من ذلك وسائر التصرفات ليس بمبطل لحقهما فلا يمنع منه وليس له أن يرهنهما لان موجب
الرهن ثبوت يد الاستيفاء من المالية ولا مالية في أم الولد واستيفاء الدين من مالية المدبر
غير ممكن لان استيفاء الدين من المالية يكون بطريق البيع وهي ليست بمحل للبيع
(قال) وجناية المدبر علي مولاه فيما بينه وبين قيمته لان بالتدبير السابق منع الدفع على
وجه لم يصر مختارا للفداء وليس عليه في جنايته الاقيمة واحدة وإن كان بعضها بمباشرة
وبعضها يتسبب لأنه ما منع الارقبة واحدة وأما غرم المستهلكات فدين في رقبته ويسعى فيه وقد
بينا نظيره في أم الولد وفى الجناية على المدبر ما في الجناية على المماليك لأنه مملوك بعد التدبير
(قال) وإذا قال لعبده أنت مدبر أو قال قددبرتك فهو كما قال لان هذا اللفظ صريح فلا فرق
183

بين أن يذكره بصيغة الانشاء أو بصيغة الوصف (قال) أرأيت لو كان أعجميا لا يفصح
بالتدبير فقال هذه المقالة أما يكون مدبرا فهذه إشارة إلى أن هذا اللفظ لكثرة الاستعمال في
حكم المعلوم لكل واحد وروى هشام عن محمد رحمهما الله تعالى أنه إذا قال أنت مدبر بعد
موتى فهو مدبر في الحال وجعل هذا وقوله أنت حربعد موتى سواء لكثرة استعمال هذا
اللفظ لهذا المقصود (قال) وتدبير الصبي والمجنون باطل أطلقا أو أضافا إلى ما بعد البلوغ
والا فاقة لان حقيقة الاعتاق منهما باطلة فايجاب حق الحرية بالقول كذلك وللشافعي رضي الله عنه
قول أن تدبير الصبي صحيح لان التدبير عنده وصية وهو يجوز وصية الصبي بما هو
قربة لان نفوذه يكون بعد وقوع الاستغناء له فيه وفي حديث شريح رضي الله عنه أنه
جوز وصية غلام يفع وهذا ضعيف لان الوصية تبرع وقول الصبي في الصبي في التبرعات هدر وقد
تناقض مذهب الشافعي رضي الله عنه في هذا فإنه لا يصحح اسلامه وقبوله الهبة والصدقة
مع أن ذلك محض منفعة له فأما السكران والمكره فتدبيرهما جائز عندنا كاعتافهما وأما
المكاتب فاعتاقه وتدبيره باطل لان نفوذهما يستدعي حقيقة الملك في المحل وليس للمكاتب
حقيقة الملك في كسبه (قال) وإذا قال العبد أو المكاتب إذا عتقت فكل مملوك أملكه بعد
ما أعتق فهو حرثم عتق فملك مملوكا فهو حرلانه مخاطب له قول ملزم في حق نفسه وقد
صرح بإضافة العتق إلى ما بعد حقيقة الملك له فتصح اضافته ويكون عند وجود الملك كالمنجز
له (قال) ولو قال كل مملوك أملكه فيما أستقبل أو إلى خمسين سنة فهو حر فعتق ثم ملك
مملوكا لم يعتق في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يعتق
لان له في المستقبل نوعي ملك ملك لا يقبل العتق وهو حال قيام الكتابة وملك يقبل العتق
وهو ما بعد عتقه فينصرف مطلق لفظه إليهما ويصير كالمنجز عند وجود حقيقة الملك كما
في المسألة الأولى وقاسا هذا بالحر إذا قال كل مملوك اشتريه فهو حرفانه يتناول ما يشتريه
لنفسه لاما يشتريه لغيره حتى يعتق ما يشتريه لنفسه وأبو حنيفة رحمه الله يقول ملكه في حال قيام
الكتابة ملك مجاز وبعد العتق حقيقة ولا يراد باللفظ الواحد الحقيقة والمجاز جميعا لان المجاز
مستعار والحقيقة غير مستعارة وكما لا يتصور أن يكون الثوب الواحد على انسان ملكا وعارية
في حالة واحدة فكذلك لا يتصور الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد والمجاز هنا مراد
بالاتفاق حتى لو قال إذا ملكت مملوكا فيما استقبل فملك في حال قيام الكتابة ينحل يمينه به
184

فإذا صار المجاز من مرادا تنحى الحقيقة وهذا المجاز مستعمل ورد الشرع به في قوله من باع
عبدا وله مال وهذا بخلاف الشراء فان الشراء للغير ليس بمجاز بل هو حقيقة كالشراء لنفسه
فيما يرجع إلى أحكام العقد ولان الاعتاق يستدعى أهلية المعتق والمحلية في المعتق ثم لو انعدمت
المحلية لم يصح الايجاب الا مضافا إلى الملك أو سببه فكذلك إذا انعدمت الأهلية في الحال
لا يصح الايجاب الا مضافا إلى حالة الأهلية صريحا وهو ما بعد العتق فإذا لم يوجد ذلك
في الفصل الثاني لم يكن كلامه ايجابا للعتق (قال) وإذا قال لامة الغير إذا ملكتك فأنت
مدبرة فولدت له ولدا ثم اشتراها فالأم مدبرة دون الولد وكذلك العتق المنجز لان العتق
والتدبير إنما يصل إليهما بعد الملك وقد انفصل الولد قبل ذلك ولا سراية إلى المنفصل (قال)
ولو قال لرجل دبر عبدي فأعتقه فهو باطل لأنه خالف ما أمره به فكان مبتدئا لا ممتثلا
(قال) ولو قال لصبي أو مجنون دبر عبدي إن شئت فدبره جاز وهذا على المجلس لتصريحه
بالمشيئة وقد تقدم نظيره في العتق والطلاق (قال) وان جعل أمر عبده في التدبير
إلى رجلين فدبره أحدهما لا يجوز لأنه ملكهما هذا التصرف فلا ينفرد به أحدهما بخلاف
ما لو قال دبرا عبدي هذا فدبره أحدهما جاز لأنه جعلهما معبرين عنه وعبارة الواحد وعبارة
المثنى سواء ألا ترى أن له أن ينهاهما قبل أن يدبراه في هذا الفصل وليس له ذلك في
الفصل الأول (قال) وإذا اختلف المولى والمدبرة في ولدها فقال المولى ولدتيه قبل التدبير
وقالت هي ولدته بعد التدبير فالقول قول المولي لأنها تدعى حق العتق لولدها ولو
ادعت ذلك لنفسها كان القول قول المولى إذا أنكر فكذلك إذا ادعت لولدها فالقول قول
المولى مع يمينه والبينة بينة المدبرة لما فيها من زيادة اثبات حق العتق لها (قال) وعتق
المدبر محسوب من ثلث المال بعد الدين حتى إذا كان عليه دين يحيط بماله فعلي المدبر السعاية
في قيمته لأنه وجب عليه رد رقبته والعتق لا يمكن رده فكان الرد بايجاب السعاية وإن لم يكن
عليه دين فهو حر من ثلث ماله يوم يموت المولى ويستوى إن كان دبره في صحته أو في
مرضه لان زوال المالية بالعتق بعد الموت بالتدبير السابق فلهذا اعتبر من ثلث ماله يوم يموت (قال) ولو دبر عبده ثم جن ثم مات فهو حر من ثلثه لان التدبير قد صح في حال قيام
عقله فلا يبطل بجنونه وكذلك لو قال يوم أدخل الدار فعبدي هذا مدبر ثم جن فدخل الدار
فهو مدبر بالكلام السابق لان ذلك قد صح منه في حال إفاقته وذكر في اختلاف زفر
185

ويعقوب رحمهما الله تعالى إذا قال لعبده إذا مت أو قتلت فأنت حر على قول زفر رحمه الله
تعالى يكون مدبرا لان عتقه تعلق بمطلق موت المولى حتى يعتق إذا مات على أي وجه
مات وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لا يكون مدبرا لأنه علق بأحد الشيئين الموت
أو القتل فإن كان موتا فالموت ليس بقتل وتعليقه بأحد شيئين يمنع أن يكون عزيمة في أحدهما
خاصة فلا يصير مدبرا حتى يجوز بيعه وروي الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه إذا
قال لعبده إذا مت وغسلت فأنت حر لا يكون مدبرا لأنه علقه بالموت وبشئ آخر بعده ثم
إذا مات ففي القياس لا يعتق وان غسل لأنه لما لم يعتق بنفس الموت انتقل إلى الوارث فهو كقوله
ان مت ودخلت الدار فأنت حر وفى الاستحسان يعتق لأنه يغسل عقيب موته قبل أن
يتقرر ملك الوارث فيه فهو نظير تعليقه بموت بصفة فإذا وجد ذلك يعتق من ثلثه بخلاف
دخول الدار فذلك لا يتصل بالموت فيتقرر ملك الوارث فيه والله سبحانه وتعالى أعلم
بالصواب واليه المرجع والمآب
(باب تدبير العبد بين اثنين)
(قال) رضي الله عنه عبد بين اثنين دبره أحدهما فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى
يتدبر نصيبه خاصة لان التدبير يحتمل التجزى عنده ثم إن كان المدبر موسرا فللآخر
خمس خيارات ان شاء دبر نصيبه لقيام ملكه في نصيبه وإذا فعل ذلك صار مدبرا بينهما وان
شاء أعتق نصيبه لقيام ملكه في نصيبه أيضا وان شاء استسعى لان نصيبه صار كالمحتبس
عند المدبر حيث تعذر عليه التصرف في نصيبه بالبيع وغيره وان شاء ضمن صاحبه لأنه
أفسد عليه نصيبه وهو موسر كما لو أعتقه وان شاء تركه على حاله لان الملك للمدبر باق
في نصيبه فيتمكن الشريك من استدامة الملك في نصيبه أيضا بخلاف ما بعد عتق أحد
الشريكين وإن كان المدبر معسرا فليس للساكت حق التضمين وله الخيار بين الأشياء
الأربعة كما قلنا فان أعتق الساكت نصبه وهو موسر فللمدبر الخيار ان شاء ضمنه نصف
قيمته مدبرا وان شاء استسعى الغلام في ذلك وان شاء أعتق لأنه بعد التدبير كان متمكنا
من استدامة الملك في نصيبه وقد أفسد عليه صاحبه ذلك باعتاق نصيبه فله أن يضمنه إن كان
موسرا ويرجع هو بما ضمن على الغلام وأي ذلك اختار فالولاء بينهما لأنه بالتدبير
186

السابق استحق ولاء نصيبه على وجه لا يحتمل الابطال فهو وان ضمن شريكه بعد ذلك لم يتحول
الملك في نصيبه إلى الشريك لان المدبر لا يحتمل النقل من ملك إلى ملك ورجوع الضامن على
الغلام باعتبار انه يقوم مقام من ضمنه لا باعتبار أنه يصير مالكا ولهذا كان الولاء بينهما وإن لم يعتقه
الثاني ولكن ضمن المدبر قيمة نصيبه صار الغلام كله للمدبر لان نصيب الشريك غير مدبر قيملكه
بالضمان ويكون حاله كحال من دبر نصف عبده فهو مملوك له نصفه مدبر ونصفه غير
مدبر وإن لم يضمنه ولكن استسعاه فادى إليه السعاية عتق نصيبه حكما بأداء السعاية
فيكون المدبر بالخيار ان شاء أعتق نصيبه وان شاء استسعى في قيمة نصيبه وليس له أن
يضمن شريكه بخلاف ما لو أعتقه لا الاستسعاء كان بسبب التدبير الموجود منه فهذا
عتق حصل بسبب رضى المدبر به فلهذا لا يضمنه بهذا السبب وإذا أعتقه ابتداء فلم يكن
ذلك العتق بسبب التدبير الموجود في المدبر فله أن يضمنه ان شاء وهذا قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى وأما عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا دبره أحدهما كان مدبرا كله
ويضمن نصف قيمته لشريكه موسرا كان أو معسرا لان التدبير عندهما لا يتجزى فيصير
المدبر متملكا نصيب شريكه وروى المعلى عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى أن المدبر إذا
كان معسرا فالمدبر يسعى في نصف قيمته سعاية ملك لا سعاية ضمان وفى هذا أشار إلى
الفرق بين التدبير والاستيلاد كما روينا في نظير هذا عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أن
السعاية على أم الولد سعاية ضمأن لأنه لا يلزمها السعاية في ديون مولاها وأما السعاية على المدبر
سعاية ملك على معنى أن كسبه مملوك للمولى فيكون مصروفا إلى دينه ألا ترى ان
عليه السعاية في دين مولاه بعد الموت وليس ذلك على أم الولد قال ابن أبي ليلى إذا دبر
أحد ما كان للآخر بيع حصته منه لأنه لما ملك الآخر استدامة الملك في نصيبه غير مدبر
عرفنا أن التدبير لم يؤثر في نصيبه فكان له أن يبيعه ولكنا نقول بالتدبير يجب حق العتق
في بعضه في الحال وذلك مانع من بيعه كحقيقة العتق وقال ابن أبي ليلى أيضا إذا دبر أحدهما
ثم أعتق الآخر فالتدبير باطل والعتق جائز وهو بناء على أصله أن العتق لا يتجزأ فيبطل به
تدبير المدبر فيضمن المعق للمدبر إن كان موسرا ولكنا نقول المدبر استحق ولاء نصيبه على
وجه لا يحتمل الابطال فلا يبطل ذلك باعتاق الآخر (قال) أمة بين رجلين قالا جميعا
لها أنت حرة بعد موتنا لم تصر مدبرة لان عتق نصيب كل واحد منهما ما تعلق بمطلق موته
187

بل تعلق بموتهما فكان هذا بمنزلة ما لو قال كل واحد منهما أنت حربعد موتى وموت
فلان فلا يكون مدبرا ولكن إذا مات أحدهما صار نصيب الآخر مدبرا لأنه يتعلق عتق
نصيبه بمطلق موته الآن ونصيب الذي مات صار ميراثا لورثته لان شرط عتقه لم يتم بموته
ثم الورثة بالخيار إن كان الشريك موسرا بين الأشياء الخمسة على قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى بمنزلة ما لو أنشأ تدبير نصيبه في الحال (فان قيل) كيف يكون ضامنا وإنما تدبر
نصيبه بسبب كان ساعده عليه الميت وورثته في ذلك خلفاؤه (قلنا) نعم الورثة خلفاؤه فيما كان
ثابتا في حقه والتدبير لم يكن ثابتا في نصيب واحد منهما قبل الموت وإنما يثبت في نصيب
الحي يعد ما انتقل الملك في نصيب الميت إلى ورثته فلهذا كان لهم أن يضمنوه (قال)
مدبرة بين رجلين مات أحدهما عتق نصيبه منها وسعت للآخر في قيمة نصيبه ولا ضمان
له في تركة الميت لان المعتق حصل بسبب التدبير الذي رضيا به إلا أن نصيبه بعد التدبير
بقي مالا متقوما وقد احتبس عندها فتسعى له (قال) فان مات الآخر قبل أن تسعى له
عتق نصيبه أيضا ان خرج من ثلثه وسقط عنه السعاية عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان
نصيبه كان ثابتا على ملكه ما لم تؤد السعاية فتعتق بموته من ثلثه وعندهما لا يسقط عنها السعاية
لان عندهما العتق لا يتجزى فقد عتق كلها بموت الأول والسعاية دين عليها فلا يسقط ذلك
بموت المولى (قال) مدبرة بين رجلين ولدت ولدا فادعى أحدهما الولد ففي القياس لا يثبت
نسبه منه لان نصيب الشريك من الولد مدبر وبالتدبير يجب حق العتق فلا يملك الآخر
ابطاله بالدعوة ولأنه تعذر اثبات الاستيلاد في نصيب الشريك لان نصيبه مدبر لا يحتمل
النقل من ملك إلى ملك ولكنه استحسن فقال يثبت نسبه منه لان قيام ملكه في النصف
كاف لصحة دعوته والولد محتاج إلى النسب ويكون عليه نصف العقر ونصف قيمته مدبرا
بخلاف الأمة القنة فان هناك المستولد يصير متملكا نصيب شريكه منها من وقت العلوق
فيعلق الولد حر الأصل فلهذا لا يضمن قيمة الولد وهنا لا يصير متملكا نصيب شريكه
منها لأنها مدبرة فيصير الولد مقصودا بالاتلاف فيضمن قيمة نصيب شريكه منه مدبرا
وكذلك لو ادعاه وهي حبلى فولدت كان القول فيه كذلك لان الجنين في البطن محل
للعتق واستحقاق النسب بالدعوة فهو كالمنفصل فان ولدته بعد ذلك ميتا فلا ضمان عليه فيه
لأنه لم تعرف حياته واتلاف صاحب الدعوة نصيب شريكه فلا يكون ضامنا وان ضرب
188

انسان بطنها فألقت جنينا ميتا بعد الدعوة لأقل من ستة أشهر فعلى الجاني نصف عشر
قيمته في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى إن كان غلاما وعشر قيمتها ان كانت جارية لأبي الولد
لان النسب يثبت منه بالدعوة فلم يعتق نصيب الشريك منه وأرش الجنين المملوك هذا
المقدار وعلى أب الولد نصف عشر قيمتها ان كانت جارية لشريكه وإن كان غلاما فربع
عشر قيمته لان حصة نصيبه من الأرش هذا وباعتبار سلامة الأرش لأب الولد
يجب عليه الضمان إذا لا دليل على حياته الا ذلك فيتقدر الضمان بقدره لهذا وعليه نصف
العقر لا قراره بوطئها والمدبرة على حالها في خدمتها لهما فان ولدت ولدا آخر فادعاه أب
الولد أيضا فهو ابنه لما قلنا وعليه نصف قيمته مدبرا لاتلافه نصيب الشريك فيه مقصودا
بالدعوة وعليه نصف العقر أيضا من قبل الوطئ الثاني لان نصيب الشريك منها باق على
ملكه فوطؤه في ذلك القدر حصل في غير ملكه وولاء الولد بينهما لان الولد انفصل مدبرا
بينهما فاستحق كل واحد منهما ولاء نصيبه حتى أنه ان جنى جناية كانت على عاقلتهما باعتبار
الولاء الثابت لهما إذا لا منافاة بين النسب والولاء ولو ولدت آخر بعد ذلك فادعاه الشريك
الآخر كان ابنه لقيام الملك له في نصفه وحاجته إلى النسب فان نسب الولد الثاني لا يثبت
من المدعى الأول قبل الدعوة لأنها ما صارت فراشا له ووطؤها حرام عليه لأجل الشركة فلهذا
يثبت نسبه من الآخر وكان ضامنا لنصف العقر ونصف قيمته مدبرا وجوابه في ضمان
نصف العقر قولهم جميعا فاما في ضمان نصف القيمة فهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله
تعالى لان نصيب المدعى الأول من الولد بمنزلة نصيبه من الأم أم الولد ولا قيمة لرق أم
الولد عند أبي حنيفة رحمه الله فلهذا لا يضمن الشريك بالدعوة له شيئا من قيمة الولد عنده ثم
الجارية صارت أم ولد بينهما لان كل واحد منهما استولدها فصح استيلادها في نصيبه منها
فإذا مات أحدهما عتقت ولا سعاية عليها للحي في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفى قولهما
تسعى له في نصف قيمتها وقد تقدم بيان هذا (قال) مدبرة بين اثنين ولدت ولدا فادعاه
أحدهما ثم مات الآخر عتق نصيبه منها من ثلثه بالتدبير وعتق نصيب أب الولد من غير
سعاية في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان نصيبه صار أم ولد ولا سعاية على أم الولد عنده
وان مات أب الولد عتق نصيبه من جميع المال بالاستيلاد وسعت للآخر في نصف قيمتها
مدبرة لان نصيب الآخر مدبر وليس بأم الولد والمدبر يلزمه السعاية وبهذه المسألة يتبين
189

ان الاستيلاد يحتمل التجزء عند أبي حنيفة رحمه الله (قال) مدبرة بين رجلين جاءت بولد
فشهد كل واحد منهما على صاحبه أنه ادعاه وأنكراه فالغلام حر لأنهما تصادقا على أنه حر
والحق لهما لا يعدوهما ولا سعاية عليه لان كل واحد منهما يتبرأ من سعايته ويزعم أنه حر
الأصل والجارية بينهما تخدمهما على حالها لأنها كانت مدبرة بينهما وبقيت كذلك بعد اقرارهما
فان مات أحدهما عتق نصيبه من ثلث ماله بالتدبير وسعت في نصيب الآخر لان الاستيلاد
لم يثبت بشهادة الذي مات في نصيب الحي فإنه كان منكرا لذلك وهذا بخلاف ما إذا كانت
أمه غير مدبرة فان بعد موت أحدهما لا تسعى للآخر لان الآخر يتبرأ من سعايتها ويزعم أنها أم
ولد للشريك الميت قد عتقت بموته وحقه في الضمان قبله فلهذا لا يستسعيها هناك (قال)
جارية بين رجلين شهد أحدهما على صاحبه أنه دبرها وأنكر الآخر ذلك فقد دخلها بشهادته
شئ حتى لا تباع ولا توهب ولا تمهر لان شهادة الشاهد في حقه يجعل كأنه حق ولو كان
التدبير من أحدهما معلوما لم يمكن بيعها بعد ذلك فكذلك إذا شهد به أحدهما وهو وشهادته
عليه بالعتق سواء في هذا الحكم فان مات الشاهد فهي بين ورثته وبين المشهود عليه كما
كانت لان نصيب الشاهد ليس بمدبر على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى باتفاقهما فيخلفه
ورثته فيه بعد موته فان مات المشهود عليه عتقت وسعت في جميع قيمتها لان الشاهد مقر
بعتق نصيب المشهود عليه عند موته فيفسد رقها بزعمه ثم ورثة المشهود عليه يقولون
الشاهد كاذب وقد تعذر استدامة الملك فيها عليه (قلنا) له أن يستسعيها في قيمة نصيبها
والشاهد يقول عتق نصيب شريكي بموته ولى حق استسعائها في نصيبي فلهذا سعت في
جميع قيمتها بينهما وان شهد كل واحد منهما على صاحبه بالتدبير فهي بينهما كالمدبرة لاعتبار
زعم كل واحد منهما في حقه وأيهما مات سعت في جميع قيمتها لورثته وللحي لما بينا
ان كل واحد منهما يدعى السعاية ويزعم أن نصيب شريكه عتق بموته أو باقرار شريكه
(قال) وإذا عتق أحد الشريكين العبد ثم دبره الآخر فتدبيره صحيح في قول أبي حنيفة
رحمه الله تعالى لان نصيبه باق على ملكه وتدبيره يكون ابراء للمعتق عن الضمان واختيارا
للسعاية فيسعى له الغلام في نصف قيمته مدبرا لان قدر نقصان التدبير حصل بمباشرته
واكتسابه سبب استحقاق الولاء فلهذا يسعى له في نصف قيمته مدبرا (قال) عبد بين ثلاثة
نفر دبر أحدهم نصيبه ثم أعتق الآخر نصف نصيبه وهو غنى فقد أبرأ المدبر عن الضمان لأنه
190

لو أعتق جميع نصيبه كان مبريا له عن الضمان فكذلك إذا أعتق البعض إذ ليس له حق التضمين
في بعض نصيبه دون البعض ثم يسعي له العبد فيما بقي من نصيبه لان نصيبه بمنزلة عبد كامل
ومن أعتق بعض عبده فله أن يستسعيه فيما بقي عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى قال فيضمنه
المدبر ان شاء ثلث قيمته مدبرا وان شاء استسعى الغلام فيه لأنه تعذر عليه استدامة الملك في
نصيبه باعتاق المعتق بعض نصيبه فهو كما لو تعذر عليه استدامة الملك فيه باعتاق المعتق جميع
نصيبه واما الثالث فله ان يضمن المدبر إن كان موسرا وليس له أن يضمن الثاني لان المدبر
بالتدبير السابق قد اكتسب سبب الضمان للثالث على نفسه وصار نصيبه بحيث لا يحتمل الانتقال
الا إليه بالضمان والسبب الموجود منه لا يحتمل الابطال لأنه يثبت به استحقاق العتق والولاء
فلا يبطل ذلك الحكم باعتاق الثاني فلهذا لا يكون له أن يضمن الثاني ولكن يضمن المدبر
ويرجع به المدبر على العبد فيستسعيه في ذلك كان يستسعيه في نصيب نفسه لأنه تملك على الثالث
نصيبه بالضمان (قال) ولو لم يعتق الثاني حتى ضمن الثالث المدبر نصيبه ثم أعتقه الثاني
وهو موسر كان للمدبر أن يضمنه ثلثي قيمته ثلث مدبر وثلث غير مدبر لأنه بالضمان يملك
نصيب الثالث غير مدبر ثم صنع المعتق في الاعتاق وجد بعد ذلك فله أن يضمنه باعتبار
هذا الصنع قيمه جميع نصيبه كل ثلث بصفته بخلاف ما سبق فان صنع المعتق هناك وجد
قبل أن يتملك المدبر نصيب شريكه بالضمان فلهذا لا يكون له أن يضمنه قيمة نصيب الثالث
باعتبار ذلك الصنع ثم يرجع المعتق على العبد بما ضمنه للمدبر وذلك ثلثا قيمته وثلث الولاء
للمعتق بقدر نصيبه الذي أعتق وثلثا الولاء للمدبر أما مقدار نصيبه وهو الثلث فلا اشكال
فيه لأنه استحق ولاءه بالتدبير وأما نصيب الثالث فلانه كأن لا يحتمل الانتقال الا إليه
وبعد النقل إليه لم ينتقل إلى المعتق وان ضمنه ألا ترى أنه لم يكن للثالث حق تضمين المعتق
ولو كان يجوز نقل هذا النصيب إليه بحال لكان له أن يضمنه وإذا ظهر أنه غير محتمل للانتقال
إليه فإنما عتق على ملك المدبر فلهذا كان له ولا الثلثين ألا ترى أنه لو كان بين اثنين
فدبر أحدهما ثلث نصيبه وأعتق الآخر نصيبه كله وهو موسر كان للمدبر أن يضمن
المعتق قيمته نصيبه وهو نصف قيمة العبد ثلثه مدبر وثلثاه غير مدبر ويرجع به المعتق
على العبد والولاء بينهما نصفان لان حصة المدبر قد دخلها عتق حين دبر بعضه فلا ينتقل
شئ من نصيبه إلى المعتق بالضمان فكذلك ما سبق وإذا قال إن ملكت شيئا من هذا العبد
191

فهو حر بعد موتي ثم ملكه مع آخر صار نصيبه منه مدبرا لان المتعلق بالشرط عند وجود
الشرط كالمنجز ولم يكن لشريكه أن يضمنه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى والتدبير في
هذا وتنجيز العتق سواء وهذا فرع ما تقدم من اختلافهم في رجلين اشتريا عبدا وهو قريب
أحدهما كان أبو بكر الرازي يقول هذا غلط فان الملك هنا شرط العتق لا علته ومباشرة
أحد الشريكين للشرط لا يسقط حقه في الضمان كما في مسألة ضرب السوط فمعاونته على
تحصيل الشرط أو رضاه به كيف يكون مسقطا ولكنا نقول ما ذكره في الكتاب صحيح
وهذا شرط في معني السبب لأنه مصحح للتعليق فان التعليق في غيره الملك لا يصح الا
مضافا إلى الملك ألا ترى أنه لو علق عتق هذا المملوك أو تدبيره بشرط آخر كان باطلا وإذا
كان مصححا لما هو السبب كان في معنى المتمم للسبب فمعاونته إياه عليه يكون مسقطا
حقه في الضمان بخلاف ضرب السوط (فان قيل) كان ينبغي أن يقال إذا قال لعبد الغير إذا
ملكتك فأنت حر ثم اشتراه بنية الكفارة أن يجوز عن الكفارة كما لو اشترى قريبه وبالاتفاق
لا يجوز (قلنا) هذا الشرط مصحح لليمين ولكنه غير موجب للعتق بل الموجب للعتق هو
اليمين ولا بد من أن تقترن نية الكفارة بالسبب الموجب للعتق فأما الرضا بما يصحح ليمين
كالرضا باليمين في اسقاط حقه في التضمين وأشار في الكتاب إلى علة أخرى فقال لأنهما
يملكاه جميعا معناه أن وجوب الضمان يعتمد الصنع وصنعه اتصل بالمملوك قبل ملك الشريك
لان صنعه الشراء والملك حكم الشراء والحكم يعقب السبب فلا يكون له أن يضمنه بصنع
سبق ملكه كمن قطع يد عبد انسان ثم باعه مولاه فسرى إلى النفس عند المشترى ليس
للمشترى أن يضمن القاطع شيئا لهذا المعنى وهذا الطريق يستقيم هنا وفى مسألة شراء
القريب أيضا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
(باب تدبير ما في البطن
(قال) رضي الله عنه أمة بين رجلين دبر أحدهما ما في بطنها جاز كما لو أعتق ما في
بطنها فان ولدت لأقل من ستة أشهر بعد هذا القول فهو مدبر والشريك فيه بالخيار بين
التدبير والتضمين والاستسعاء لأنا تيقنا أنه كان موجودا في البطن وقت التدبير فهو
كالمنفصل وان ولدته لا كثر من ستة أشهر لم يعمل فيه التدبير لأنا لم نتيقن بوجوده
192

حين دبر لعلها حبلت به بعد ذلك ومع الشك لا يثبت التدبير ولو قال أحدهما ما في بطنك
حر بعد موتى وقال الآخر أنت حرة بعد موتى فولدت لأقل من ستة أشهر بعد النطق
الأول فالولد مدبر بينهما لأنا علمنا أنه كان موجودا حين دبره الأول فتدبر نصيبه بتدبيره
ونصيب الشريك بتدبيره حصته من الأم فلهذا كان الولد مدبرا بينما وحصة الذي
دبر الأم مدبر مع الأم وشريكه فيها بالخيار وان ولدته لأكثر من ستة أشهر فالولد
مدبر للذي دبر الأم لأنا لم نتيقن بوجوده عند تدبير الأول فإنما يثبت فيه حكم التدبير
بطريق التبعية للأم من جهة الذي دبر الأم وثبوت حكم التبعية باعتبار أنه كالجزء من وجه
وفى هذا لا ينفصل بعضه عن بعض فلهذا كان الولد كله مدبرا للذي دبر الأم بخلاف
الأول فان نصيب الشريك من الولد هناك صار مقصودا ينفرد التدبير من جهته فيه ثم
نصف الأم مدبر للذي دبرها والآخر بالخيار ان شاء ضمن شريكه نصف قيمة الأم
إن كان موسرا والولد للمدبر بغير ضمان لأن الضمان إنما لزمه من حين دبر وعلوق الولد
بعد ذلك فلا يثبت فيه حق الشريك ألا ترى أنها لو ازدادت في بدنها لم يكن للشريك
الآخر تضمين نصف القيمة الا وقت التدبير فكذلك إذا كانت الزيادة منفصلة لأنها
صارت في حكم المستسعاة حتى ثبت له حق ان يستسعيها في نصف قيمتها بذلك التدبير
والمستسعاة كالمكاتبة تكون أحق بولدها فلهذا لم يجب على المدبر شئ من ضمان قيمة
الولد وان شاء الشريك استسعاها في نصف قيمتها ولا يسعى الابن في شئ لما بينا ان
المستسعاة كالمكاتبة فلا يثبت لمولاها فيما يحدث لها من الولاء بعد ذلك حق يمكنه من
استسعائه الولد فان دبر أحدهما ما في بطنها ثم أعتق الآخر نصيبه البتة ثم ولدت بعد ذلك
بشهر فالمدبر بالخيار ان شاء أعتق حصته من الولد وان شاء استسعى وان شاء ضمن المعتق
إن كان موسرا ويرجع الذي ضمن به على الولد لأنا تيقنا أنه كان موجودا في البطن عند
تصرفهما فيكون حكم هذا وحكم ما لو كان تصرفهما في الولد بعد الانفصال سواء (قال)
وإذا دبر الرجل ما في بطن جاريته لم يكن له أن يبيعها ولا يهبها ولا يمهرها وقد ذكر في
كتاب الهبة إذا أعتق ما في بطن أمته ثم وهبها جازت الهبة بخلاف ما لو باعها وقيل في المسألة
روايتان وجه هذه الرواية ان ما في البطن صار بحيث لا يحتمل التمليك فتمليكها دون ما في
بطنها بالهبة لا يتحقق فلهذا لا يجوز هبتها ووجه تلك الرواية ان ما في البطن يصير مستثني
193

ويجعل كأنه استثناه نصا والهبة لا تبطل في الجارية باستثناء ما في البطن نصا بخلاف البيع
والأصح هو الفرق بين التدبير والعتق فنقول بعد ما أعتق ما في بطنها لو وهب الأم جاز
كما ذكر هناك وبعد ما دبر ما في البطن لو وهب الأم لا يجوز كما ذكر هنا والفرق أن
بالتدبير لا يزول ملكه عما في البطن فإذا وهب الأم بعد التدبير فالموهوب متصل بما ليس
بموهوب من ملك الواهب فيكون في معنى هبة المشاع فيما يحتمل القسمة وأما بعد العتق
ما في البطن غير مملوك فالموهوب غير متصل بما ليس بموهوب من ملك الواهب فهو كما لو
وهب دارا فيها ابن الواهب وسلمها إلى الموهوب له تتم الهبة فان ولدته لأقل من ستة أشهر
فالولد مدبر وان ولدته لأكثر من ستة أشهر كان رقيقا لأنا لم نتيقن بوجوده في البطن
وقت التدبير وان ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر بيوم والآخر لأكثر من ستة
أشهر بيوم فهما مدبران لأنا تيقنا بوجود الأول منهما وقت التدبير وهما توأم خلقا من ماء
واحد فمن ضرورة وجود أحدهما من ذلك الوقت وجود الآخر (قال) ولو دبر ما في
بطن أمته ثم كاتبها جازت الكتابة لان الكتابة تعقد للعتق وثبوت حق العتق في الولد
لا يمنع عقد العتق في الأم وان وضعت بعد هذا القول لأقل من ستة أشهر كان التدبير
في الولد صحيحا ولكن يثبت أيضا الولد حكم الكتابة تبعا للأم فإذا أدت عتقا جميعا وان
مات المولى قبل أن تؤدى عتق الولد بالتدبير من الثلث وعلى الأم السعاية في المكاتبة على
حالها وإن لم يمت المولى حتى ماتت الأم فعلى الولد أن يسعى فيما على أمه لأنه ولد مولود في
الكتابة فان مات المولى فالولد بالخيار لأنه تلقاه جهتا حرية أحدهما بالتدبير والآخر بأداء
كتابة الأم فيختار أنفع الوجهين له وإن كان يخرج من ثلث مال الميت عتق ولا شئ
عليه لان مقصوده قد حصل (قال) ولو قال لامته ولدك الذي في بطنك ولد مدبرة
أو ولد حرة وهو لا يريد بهذا عتقا لم تعتق لان هذا تشبيه وليس بتحقيق فكأنه قال لها أنت
مثل الحرة أو المدبرة وقد بينا هذا فيما سبق والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه
المرجع والمآب
باب مكاتبة المدبر
(قال) رضي الله عنه وإذا كاتب الرجل مدبره ثم مات وهو يخرج من ثلثه عتق بالتدبير
194

وسقطت عنه المكاتبة لوقوع الاستغناء له عن أداء المال وهو بمنزلة ما لو أعتق المولى مكاتبه
وإن لم يكن له مال غيره فإنما يعتق ثلثه بالتدبير ثم لا يسقط عنه شئ من بدل الكتابة في
قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله يسقط عنه ثلث الكتابة
لأنه عتق ثلثه بالتدبير ولو عتق كله سقط عنه جميع بدل الكتابة فكذلك إذا عتق ثلثه يسقط
عنه ثلث بدل الكتابة اعتبارا للجزء بالكل قياسا على ما إذا كاتبه أو لاثم دبره ثم مات ولا
مال له سواه فإنه يسقط عنه ثلث بدل الكتابة لما عتق عليه ثلثه بالتدبير فكذلك إذا
سبق التدبير الكتابة ولا معني لقول من يقول إن المستحق بالتدبير لا يرد عليه عقد
الكتابة لأنه لو أدى جميع بدل الكتابة في حياته يعتق كله ولو كان المستحق بالتدبير لم
يرد عليه الكتابة لما عتق بالأداء ولان استحقاق المدبر ثلثه بالتدبير كاستحقاق أم الولد
جميعها بالاستيلاد ثم لو كاتب أم ولده صحت الكتابة ووجب المال فعرفنا أن هذا الاستحقاق
لا يمنع ورود عقد الكتابة عليه ولأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى طريقان
أحدهما أن بدل الكتابة بمقابلة ما وراء المستحق بالتدبير لان موجب الكتابة ثبوت ما لم يكن
ثابتا في المكاتب والبدل بمقابلة ذلك لا بمقابلة ما هو ثابت وقد بينا ان التدبير يوجب
استحقاق شئ له فلا يتصور استحقاق ذلك بالكتابة ليكون البدل بمقابلته بل بمقابلة ما وراء
ذلك بمنزلة ما لو طلق امرأته اثنين ثم طلقها ثلاثا بألف كان الألف كلها بإزاء التطليقة الثالثة
ألا ترى أنه لو استحق جميع نفسه بالتدبير بأن خرج من الثلث بطلت الكتابة وكذلك
في أم الولد إذا مات المولى حتى تقرر استحقاقها في جميع نفسها بطلت الكتابة فاما قبل الموت
الكتابة صحيحة لان الاستحقاق غير متقرر لجواز أن يموتا قبل المولى وإذا ثبت أن بدل
الكتابة بمقابلة ما وراء المستحق بالتدبير وشئ من ذلك لم يسلم للعبد بموت المولى فلا يسقط
شئ عنه من بدل الكتابة وهذا بخلاف ما لو كاتبه أو لا ثم دبره لان بدل الكتابة هناك
بمقابلة جميع الرقبة فإنه لم يكن مستحقا لشئ من رقبته عند الكتابة فإذا عتق بعض الرقبة
بعد ذلك بالتدبير سقط حصته من بدل الكتابة والطريق الآخر ان التدبير الآخر وصية
بالرقبة له والوصية بالعين لا تنفذ من مال آخر بحال كما لو أوصى بعبده لإنسان ثم باعه أو قتل
لا تنفذ الوصية من قيمته ولا من ثمنه فلو أسقطنا شيئا من بدل الكتابة كان فيه تنفيذ وصيته
من غير ما أوصى له به وذلك لا يجوز بخلاف ما لو كاتبه أولا ثم دبره لان عند التدبير هناك
195

حقه أحد الشيئين اما بدل الكتابة ان أدى أو مالية الرقبة ان عجز فيكون موصيا له بما هو
حقه فلهذا ينفذ من بدل الكتابة إذا عرفنا هذا فتخريج المسألة على قول أبي حنيفة رحمه الله
تعالى فيما إذا دبره أو لاثم كاتبه أنه يتخير بعد موت المولى ان شاء سعى في جميع بدل الكتابة
وان شاء سعى في ثلثي قيمته بالتدبير أو بالكتابة لان عنده العتق يتجزى وقد تلقاه جهنا
حرية اما السعاية في ثلثي قيمته بالتدبير أو في بدل الكتابة بجهة العقد فيختار أي الوجهين شاء
وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى يسعي في الأقل منهما بغير خيار لان العتق عنده لا يتجزأ
فقد عتق كله والمال عليه فلا يلزمه الا أقل المالين وعند محمد رحمه الله تعالى يسعى في الأقل
من ثلثي قيمته ومن ثلثي بدل الكتابة لان ثلث بدل الكتابة قد سقط ولا يتجدد لان العتق
عنده لا يتجرأ ولو كان كاتبه أو لا ثم دبره ثم مات المولى فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يتخير
بين أن يسعى في ثلثي قيمته أو ثلثي بدل الكتابة لما بينا أنه تلقاه جهتا حرية وربما يكون التخيير
مفيدا لمنفعة له في أحدهما دون الاخر وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يسعى في
أقل المالين بلا خيار لان العتق عندهما لا يتجزأ (قال) وإذا كاتب مدبرته فولدت ولدا ثم
ماتت يسعي الولد فيما عليها لأنه مولود في كتابتها فيبقى عقد الكتابة ببقائه لأنه جزء منها
فإن كانا ولدين فأدى أحدهما المال كله من سعايته لم يرجع على صاحبه بشئ لأنه ما أدى عن
صاحبه شيئا وإنما أدى عن الأم فان بدل الكتابة عليها ولان كسب كل واحد منهما للأم ألا
ترى أنها في حياتها كانت أحق بكسب كل واحد منهما لتستعين به في أداء الكتابة فكان أداء
أحدهما من كسبه بمنزلة الأداء من مال الأم وكذلك أن كاتب مدبرين له جميعا وكل واحد
منهما كفيل عن الآخر ثم مات وترك أحدهما ولدا ولد له في مكاتبته من أمته فعليه أن
يسعى في جميع الكتابة لأنه قائم مقام أبيه وإنما يسعى لتحصيل العتق لأبيه ولنفسه ولا يحصل
العتق لا بيه الا بأداء جميع بدل الكتابة فلهذا كان عليه السعاية في جميع بدل الكتابة والله
سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
(باب الشهادة على التدبير)
(قال) رضي الله عنه إذا شهد شاهد أنه دبر عبده وشهد آخر أنه أعتق فالشهادة باطلة
لأنهما اختلفا في المشهود به لفظا ولا يتمكن القاضي من القضاء بشئ إذ ليس على واحد
196

من الامرين شهادة شاهدين وكذلك أن شهدا بالتدبير واختلفا في شرطه قال أحدهما أعتقه
بعد موته وموت فلان وقال الآخر بعد موته خاصة لان اختلافهما في الشرط اختلاف في
المشهود به على وجه يتعذر على القاضي القضاء بشئ وكذلك لو شهد أحدهما أنه دبر أحد عبديه
والآخر أنه دبر هذا بعينه وان شهدا أنه دبر أحد عبديه بغير عينه فالشهادة باطلة في قول
أبي حنيفة رحمه الله تعالى كما بيناه في العتق البات فان مات المولى قبل أن يترافعوا إلى القاضي ثم
شهدا بعد موته استحب أن أجيز شهادتهما لان العتق يتنجز فيهما بالموت ولان في الوصية
معنى حق الموصى وذكر بعد هذا الموضع في نظير هذه المسألة أن الشهود قالوا كان ذلك
في المرض وفى حكم قبول الشهادة سواء قالوا ذلك أولم يقولوا فالشهادة مقبولة وإنما ذكر هذا
القيد لمقصود آخر وان كانا شهدا بذلك في حياته فأبطلها القاضي لم يقبلها بعد ذلك لأنه
اتصل الحكم برد هذه الشهادة وكل شهادة حكم القاضي بردها لا يقبلها بعد ذلك (قال)
وان شهدا أنه قال هذا حر بعد موتى لا بل هذا عتقا جميعا من ثلثه لان كلمة لا بل
لاستدراك الغلط بالرجوع عن الأول وإقامة الثاني مقامه ولا يصح رجوعه عن تدبير
الأول ويصح تدبيره في الثاني فكانا شاهدين لكل واحد منهما بالتدبير بعينه وكذلك
ان شهدا أنه قال هذا حر البتة لا بل هذا مدبر لأنهما شهدا للأول بعينه بالحرية وللثاني بعينه
بالتدبير ولو شهدا أنه قال هذا حر أو هذا مدبر لم تجز شهادتهما في قول أبي حنيفة رحمه
الله تعالى لأنهما ما شهدا للمعين بشئ فان حرف أو بين الكلامين يخرج كلامه من أن
يكون عزيمة في واحد منهما والشهادة لغير المعين بالعتق أو التدبير غير مقبولة عند أبي
حنيفة رحمه الله تعالى ولو شهدا أنه قال هذا مدبر أو هذا جازت الشهادة للأول وحده عند
أبي حنيفة رحمه الله تعالى لان هذا اللفظ لو سمعناه من المولى ثبت به التدبير للأول ويخير المولى
في الباقين فكانا شاهدين للأول بعينه وهو مدع لذلك فيجوز شهادتهما له ولا يجوز لاحد
الآخرين بغير عينه وهما كلامان ينفصل أحدهما عن الآخر فبطلان أحدهما لا يبطل
العمل بالآخر ولو شهدا أنه قال أحد هذين العبدين مدبر لا بل هذا لأحدهما بعينه صار
الذي عينه مدبرا لأنهما شهدا له بعينه بالتدبير ويحلف للآخر بالله ما عناه بأول كلامه فإذا
حلف كان عبدا له على حاله ولو اختلف المولى والمدبرة في ولدها أنها ولدته قبل التدبير أو
بعده قد بينا أن القول في ذلك قول المولى مع يمينه ويحلف على العلم لأنه استحلاف على
197

فعلها وهو ما ادعت من ولادتها بعد التدبير وإذا شهدا انه دبر أحد عبديه ثم شهدا أنه أعتق
أحدهما في صحته ولا مال له غيرهما فشهادتهما باطلة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى في
العتق والتدبير جميعا في القياس لأنهما لم يعينا المشهود له ولكني أستحسن أن أجيزها في
التدبير لأنها وصية فيعتق من كل واحد منهما ثلثه ويسعى في ثلثي قيمته وفى هذا بيان أن
طريق الاستحسان لأبي حنيفة رحمه الله تعالى ما بينا أن في الوصية حق الموصى دون تنجيز
العتق فيهما بالموت فان العتق في الصحة والتدبير في ذلك سواء وان شهدا أنه دبر هذا بعينه
وأعتق أحدهما البتة في صحته كانت شهادتهما في العتق البات باطلة في قول أبي حنيفة رحمه
الله تعالى لأنهما شهدا به لغير المدعى المعين إذا المدبر والقن في المحلية للعتق البات سواء حتى
لو أقر الورثة بذلك ولا مال للميت غيرهما عتق من كل واحد منهما نصفه من جميع المال
لان الحرية في الصحة تثبت لأحدهما فيشيع العتق فيهما بموت المولى قبل البيان فيعتق
من كل واحد منهما نصفه ويعتق من المدبر ثلث ما بقي منه وهو ثلث رقبته فكان السالم له
خمسة أسداس رقبته ويسعى في سدس قيمته والآخر يسعى في نصف قيمته وان أقروا أن
العتق البات كان في المرض يعتبر من الثلث وإنما سلم للآخر نصف رقبته فيضرب هو في
الثلث بنصف رقبته والمدبر بجميع رقبته فيصير الثلث بينهما أثلاثا والمال على تسعة
إلا أن المال رقبتهما ولو جعلنا كل رقبة أربعة ونصفا لانكسر بالانصاف فيضعف ونجعله من
ثمانية عشر كل رقبة على تسعة وقد كان للمدبر سهمان فبالتضعيف صار أربعة فلهذا سلم
له أربعة اتساعه ويسعى في خمسة اتساعه وللقن نصف ذلك سهمان ويسعى في سبعة اتساعه
فيستقيم الثلث والثلثان ان كانت قيمتهما سواء (فان قيل) لماذا لم يجعل العتق في المرض للقن كله ليكون كلامه محمولا على الصحة فان المدبر موصى له بجميع رقبته والعتق في المرض
وصية فما يصرف إليه من ذلك يكون لغوا (قلنا) إنما لم يجعل هكذا لان المدبر محل للعتق في
المرض والصحة جميعا وبقاء المحلية فيه يمنع تعين الآخر للعتق البات فلا بد من اعتبار الأحوال
فيه فيعتق في حال دون حال فيعتق نصفه فلهذا ضرب في الثلث بنصف رقبته والله سبحانه
وتعالى أعلم بالصدق والصواب واليه المرجع والمآب
198

(باب المكاتب إذا دبره مولاه)
(قال) رضى الله تعالى عنه رجل دبره مكاتبا له فهو بالخيار ان شاء نقض الكتابة
وكان مدبرا له وان شاء مضى على المكاتبة لأنه تلقاه جهتا حرية أحدهما عاجل ببدل والآخر
آجل بغير بدل فله أن يميل إلى أي الجانبين شاء وعقد الكتابة غير لازم في حق العبد لتمكنه
من أن يعجز نفسه فلهذا كان له الخيار وان مات المولى ولا مال له غيره يسعى في الأقل من ثلثي
قيمته ومن ثلثي المكاتبة وقد بينا أن قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى تخييره
في ذلك ولو لم يعلم المكاتب بالتدبير حتى أدى المكاتبة كلها فقد عتق بالأداء والمال سالم
للمولى ولا خيار له بعد ذلك لان التدبير قد بطل بعتقه ولو أدى البعض ثم علم كان له
الخيار لبقاء الرق فيه وإذا اختار التدبير فما أخذه المولى حلال له لأنه كسب عبده (قال)
ولو كاتب عبدين مكاتبة واحدة على ألف درهم وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه ثم دبر
أحدهما ثم مات المولى وله مال كثير عتق المدبر من ثلثه وسقطت حصته من المكاتبة لوقوع
الاستغناء له عن أدائها كما لو أعتقه المولى في حياته وأخذ الورثة بحصة الآخر أيهما شاؤوا
لان المكاتب الثاني أصيل في حصته والمدبر كان كفيلا مطالبا فلا تسقط عنه تلك المطالبة
بعتقه فان أداها المدبر رجع بها عليه كما لو أداها قبل عتقه بل أولى لان هناك هو منتفع
بالأداء لأنه يعتق بذلك والآن لا منفعة له في الأداء بل إنما أداها بحكم الكفالة المحضة
وإن لم يكن له مال غيرهما عتق المدبر بالتدبير من الثلث وسعى فيما يجب عليه فإن كانت
قيمة كل واحد منهما ثلاثمائة ومكاتبتهما ألف بطل حصة المدبر من المكاتبة واعتبر قيمته
ثلاثمائة لأنه أقل والمتيقن من حق المولى هو الأقل فعرفنا أن المال ثلاثمائة قيمة المدبر وخمسمائة
حصة الآخر من المكاتبة وذلك ثمانمائة ثلثه وذلك مائتان وستة وستون وثلثا درهم يسلم
للمدبر من قيمته ويسعى فيما بقي وهو أربعمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ثم يؤخذ المدبر بما بقي
على المكاتب لأنه كفيل به ولا يؤخذ المكاتب بما على المدبر لأنه قد خرج من المكاتبة
ولزمته السعاية من قبل التدبير والمكاتب لم يكن كفيلا عنه بذلك فإن كانت قيمة كل
واحد منهما ألف درهم ومكاتبتهما على ألف درهم فاختار المدبر أن يسعى في الكتابة فله ذلك
لان ذلك ربما ينفعه عسى يكون بدل الكتابة منجما مؤجلا وإذا اختار ذلك يسقط ثلث المكاتبة
199

لأنه عتق ثلثا رقبته بالتدبير والوصية كانت له بما هو حق المولى فلهذا يسقط ثلث المكاتبة
ويبقى للورثة ثلثا المكاتبة عليهما يأخذون بذلك أيهما شاؤوا فان أدى المدبر رجع على الآخر بثلاثة أرباع ذلك مقدار حصته وهو خمسمائة وان أدى المكاتب رجع على المدبر بربع ذلك
وهو مقدار ما بقي من حصته وإذا كان المكاتب بين اثنين فدبره أحدهما فاختار المكاتب
أن يسعى فهو على حاله وسعايته لان التدبير لا ينافي الكتابة ابتداء وبقاء والمدبر غير مفسد
على شريكه شيئا ما بقيت الكتابة فان عجز فالذي لم يدبر بالخيار لان عمل تدبيره في
الافساد قد ظهر بعد العجز فكان حكم هذا كحكم عبد بين اثنين دبره أحدهما وقد بيناه
رجل قال لأمتين إذا ملكتكما فأنتما حرتان بعد موتى فاشترى إحداهما فولدت عنده ثم
اشترى الأخرى فقد صارتا مدبرتين لان الشرط ملكهما فإنما تم عند شراء الثانية وولد
الأولى رقيق يباع لأنه انفصل عنها قبل ثبوت حكم التدبير فيها فان المتعلق بالشرط لا يصل
إلى المحل الا بعد وجود كمال الشرط (قال) وإذا أسلم مدبر ذمي قضى عليه بالسعاية في قيمته
وعند الشافعي رحمه الله تعالى يجبر على بيعه لان المدبر عنده محل للبيع وعندنا هو كأم الولد
وقد بينا هذا الحكم في أم الولد فان أدى السعاية عتق وان مات المولى قبل أن يؤدي وهو
يخرج من ثلثه عتق بالتدبير وسقطت عنه السعاية لحصول المقصود بدونه وكذلك أن
صالحه المولى على قيمته من غير محاكمة فهذا واستسعاء القاضي سواء لان السبب الموجب
للاستسعاء قائم بعد عجزه إلا أنه إن كان في مال الصلح فضل على قيمته يبطل القاضي ذلك
الفضل عنه إذا عجز ويجبره على أن يسعى في قيمته (قال) وإذا دبر الحربي عبده في دار
الحرب فهو باطل كما لو أعتقه في دار الحرب لان ثبوت حق العتق بالتدبير من أحكام
الاسلام وأحكام الاسلام لا تجرى عليهم في دار الحرب فان خرجا بأمان فأسلم العبد أجبر
على بيعه لان تدبيره في دار الحرب كان لغوا وان دبره بعد ما خرجا بأمان فتدبيره جائز
لان حكم الاسلام يجرى عليهما في دارنا فيما يرجع إلى المعاملات فان أسلم هذا المدبر قضى
عليه بالسعاية في قيمته لان ملك المستأمن محترم بالأمان وبيعه بسبب التدبير متعذر فان لحق
المولى بدار الحرب وهو يسعى ثم قتل المولى أو ظهر على الدار أو أسر عتق العبد وبطلت
عنه السعاية اما إذا قتل المولى فلوجود شرط العتق بالتدبير وان أسر فلان ملكه عنه قد بطل
لان الرقيق ليس من أهل ملك المال والمدبر ليس يحتمل النقل من ملك إلي ملك والمملوك
200

متى زال عن ملك المولى لا إلى أحد كان حرا وان ظهر على الدار لم يبق لملكه حرمة والسعاية
كانت لحرمة ملكه فإذا لم يبق ذلك عتق وبطلت عنه السعاية (قال) ولو كان خرج بأم
ولد له ثم أسلمت قضى عليها بالسعاية لان الاستيلاد في دار الحرب صحيح تبعا للنسب فان قضى
عليها بالسعاية ثم أسلم المولى فان أدت السعاية عتقت وان عجزت ردت أم ولد له لان المانع من
استدامة ملكه فيها قد ارتفع باسلامه فلو أسلمت وباعها من نفسها بمال قليل أو كثير جاز
وكانت حرة بالقبول والمال دين عليها وان مات المولى قبل أن يسلم أو بعد ما أسلم فالمال دين
عليها على حاله لأنها عتقت بالقبول فموت المولى وحياته بعد ذلك سواء (قال) وإذا دبر
المرتد عبده فهو موقوف في قول أبي حنيفة رحمه الله كسائر تصرفاته فان مات أو قتل أو لحق
بدار الحرب فتدبيره باطل والعبد رقيق للورثة وان أسلم ورجع إلى دارنا ووجد العبد في يد
الورثة فأخذ فهو مدبر على حاله لأنه يعود إلى قديم ملكه بالأخذ فينفذ ذلك التدبير منه بمنزلة
ما لو أسلم قبل اللحاق بالدار لان التدبير في حقه كان صحيحا لأنه بالردة لم يخرج من أن يكون
مخاطبا وأصل ملكه باق بعد الردة وإنما كان التوقف لحق الورثة وقد سقط حقهم حين
عاد مسلما وكذلك أن كان القاضي قضى به للورثة وباعوه فبيعهم جائز لان التدبير كان
صحيحا في حقه فإنه كان مالكا له يومئذ فمتى حصل الملك له بأي وجه حصل كان مدبرا وان
استولد في ردته فهي أم ولد له وان أسلم أو قتل أو لحق بدار الحرب لان ثبوت أمية الولد
لها باعتبار نسب الولد ولا حجر على المرتد عن ذلك لأنه لاحق للورثة فيه ولان ملكه في
كسبه أظهر من ملك الأب في مال ولده فإذا كان يصح الاستيلاد من الأب فمن المرتد
لان يصح أولى وعلي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى التدبير منه صحيح كالاستيلاد
فإذا لحق بدار الحرب أعتقه القاضي من ثلثه كما يعتق المدبر الذي دبره في حال اسلامه بناء
على مذهبهما في نفوذ تصرفات المرتد وتمام بيانه في السير (قال) وإذا دبر المسلم عبده ثم
ارتد العبد ولحق بدار الحرب أو اشتراه أهل الحرب فأصابه المسلمون فأسلم رد إلى مولاه
مدبرا على حاله لأنه ثبت فيه حق الحرية بالتدبير فلا يبطل بردته ولحاقه كما لا تبطل حقيقة
العتق والمدبر ليس بمحل للتملك بالاستيلاد فلم يملكه أهل الحرب ولا المسلمون للولاء
المستحق عليه لمولاه ولهذا رد إلى مولاه مدبرا على حاله والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
واليه المرجع والمآب
201

(باب الأمة الحامل إذا بيعت)
(قال) رضي الله عنه رجل باع أمة وسلمها أولم يسلمها حتى ولدت ولدا فادعياه جميعا
فنقول إذا كان البائع سبق بالدعوة فان جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت البيع ثبت
النسب منه استحسانا وفى القياس لا يثبت وهو قول زفر رحمه الله تعالى لأنه مناقض في
كلامه ساع في نقض ما قد تم به ولكنا نقول تيقنا أن العلوق كان في ملكه وبحصول
العلوق في ملكه ثبت له حق استلحاق النسب فلا يبطل ذلك ببيعه لان حق استلحاق
النسب لا يحتمل الابطال كالنسب ولان البيع دونه في احتمال النقض والابطال والضعيف
لا يبطل القوى وان جاءت به لا كثر من ستة أشهر لم يصدق البائع لأنا لم نتيقن بحصول
العلوق في ملكه وإن كان المشترى سبق بالدعوة ثبت النسب منه سواء جاءت به لأقل من
ستة أشهر أو لأكثر من ستة أشهر لان دعوته حصلت في ملكه ثم لا تصح دعوة البائع
بعد ذلك لاستغناء الولد عنه لثبوت نسبه من المشترى ولان ثبوت النسب أقوى
من حق الاستلحاق والضعيف لا يبقى بطريان القوى وإذا ادعياه معا فإن كانت ولدت
لأقل من ستة أشهر فهو ابن البائع عندنا وعند إبراهيم النخعي هو ابن المشترى لان له
حقيقة الملك وقت الدعوة فيترجح بذلك ولكنا نقول دعوة البائع أسبق معنى لأنه يستند
إلى حالة العلوق فان أصل العلوق كان في ملكه فكانت الجارية أم ولد له والبيع باطل فان
جاءت به لستة أشهر فدعوة المشترى أولى لأنا لم نتيقن بحصول العلوق في ملكه وقد بينا
هذه الفصول فيما أمليناه من شرح الدعوى وان ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر
والآخر لستة أشهر فالدعوة دعوة البائع لأنهما توأم وقد تيقنا بحصول الأول منهما في ملكه
فيتبع الشك اليقين ويجعل كأنها ولدتهما لأقل من ستة أشهر وإن كان المشترى أعتق الأم
قبل الدعوة لم ترد رقيقة لان العتق نفذ فيها لقيام ملك المشتري فيها وقت الاعتاق فخرجت
من أن تكون محلا لنقض البيع فيها ولأنا لو نقضنا البيع والعتق كانت أم ولد للبائع فيطأها
بالملك بعد ما حكمنا بحريتها وذلك لا يجوز إلا أن الولد محتاج إلى النسب بعد عتقها وحق
الاستلحاق الذي كان للبائع في الولد باق فلهذا يثبت النسب منه وينقض البيع فيه بحصته
من الثمن لان الولد صار مقصودا بالاسترداد فيكون له حصة من الثمن يرده البائع على
202

المشترى وليس من ضرورة ثبوت نسب الولد ثبوت أمية الولد في الأم كما في ولد المغرور
وإن كان أعتق المشترى الولد قبل الدعوة فدعوة البائع باطل لان الولاء قد ثبت للمشترى
وهو أقوى من حق الاستلحاق الذي كان للبائع فلا يبقى الضعيف بعد طريان القوى ولا تصير
الأم أم ولد للبائع لان حقها تبع لحق الولد في النسب ولم يصدق البائع فيما هو الأصل
فكذلك في التبع وكذلك أن لم يعتقه ولكنه مات ثم ادعاه البائع لأنه بالموت قد استغنى
عن النسب وخرج من أن يكون محلا لثبوت نسبه ابتداء وإذا كان للولد ولد حي لم تجز
دعوة البائع أيضا بخلاف ولد الملاعنة فان هناك النسب كان ثابتا استتر باللعان فيبقى بعد
موته ببقاء ولد يخلفه حتى يظهر بدعوته وهنا النسب لم يكن ثابتا أصلا ولا يمكن اثباته بعد
موته ابتداء فلهذا لا يعتبر بقاء ولد الولد في تصحيح دعوته وقد قررنا هذا الفرق في الدعوى
(قال) وإذا باع أمته فولدت بعد البيع لا كثر من ستة أشهر فادعاه البائع وصدقه
المشترى ثبت النسب منه وفسخ البيع لان المانع من صحة دعوته حق المشترى ولأنهما
تصادقا على أن العلوق كان قبل البيع والحق لا يعدوهما فإذا تصادقا على شئ ثبت ما تصادقا
عليه وإن لم تلد حتى باعها المشترى وتناسخها رجال ثم ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت
البيع الأول فادعوه جميعا فهو ابن البائع الأول لان أصل العلوق كان في ملكه فتكون
دعوته في المعني أسبق وتفسخ البيوع كلها لان البيوع في احتمال الفسخ كبيع واحد فلا يبطل
بذلك حق الاستلحاق الذي كان للبائع الأول وكذلك لو باع ولدا ولد عنده ثم ادعاه لان
أصل العلوق والولادة كان في ملكه فحق استلحاق النسب له في هذا الفصل أظهر
والتناقض لا يمنعه من الدعوى لخفاء أمر العلوق فقد يشتبه عليه في الابتداء فيظن أن الولد
ليس منه ثم يعلم أنه منه فيتدارك ذلك بالدعوة (قال) وإذا كان في يدي رجل صبي
لا ينطق ولد عنده أولم يولد عنده فزعم أنه عبده وأعتقه ثم زعم أنه ابنه لم يصدق في
القياس للتناقض وصدق في الاستحسان لخفاء أمر العلوق على ما بينا ولأنه يقر له بالنسب
في حال حاجته إلى النسب وهو في يده بعد العتق ولو كان لقيطا في يده فادعى نسبه ثبت
نسبه منه فهنا أولى ولو كان عبدا كبيرا فاعتقه ثم ادعاه ومثله يولد لمثله ثم صدقه الغلام ثبت
نسبه منه وان كذبه لم يثبت لأنه في يد نفسه وهو معبر عن نفسه فتتوقف صحة دعوة نسبه
على تصديقه بخلاف ما قبل العتق فإنه في يد مولاه باعتبار ملكه ولا قول له في نفسه فكان
203

مصدقا في دعوة نسبه من غير تصديقه (قال) وإنما استحسن في الصغير كما استحسن في المدبرة
بين اثنين جاءت بولد فادعاه أحدهما أن نسبه يثبت منه وهو ضامن لنصف قيمته مدبرا
ونصف عقر أمه فكأنه أشار إلى أن بالعتق يثبت الولاء له والولاء لا يحتمل النقض فيبطل
حق استلحاق النسب في القياس كما في ولد المدبرة بينهما لما ثبت نصف الولاء لشريكه لم
تصدق في الدعوة في القياس ولكنه استحسن فقال لا منافاة بين ثبوت النسب منه وبين
الولاء للشريك وفى اثبات النسب منفعة للصغير فلهذا ثبت النسب منه في الفصلين جميعا
ثم قال هنا وولاء الولد بينه وبين شريكه وبنحوه أجاب في كتاب الدعوى وقال في كتاب
الولاء نصف ولاء الولد للشريك والنصف الآخر بمنزلة الأب ومعنى هذا أيضا أن الولاء
في النصف الآخر للأب ولكن لا يظهر في حقه بعد ثبوت النسب إلا عند جناية الولد
وقد بينا هذا فيما سبق وأما الأم فتصيب الأب منها أم ولد ونصيب الشريك منها مدبر
لأنه غير محتمل للانتقال إليه بعد التدبير وإنما يصير الكل أم ولد له إذا لم يملك نصيب شريكه
بالضمان فأما إذا تعذر تملكه عليه اقتصر الاستيلاد على نصيبه ولو كان عبدا كبيرا بينهما
ثم دبراه ثم ادعاه أحدهما ثبت النسب منه لان بالتدبير لم يزل ملكهما ولم يظهر للعبد يد
في نفسه ولا حاجة إلى تصديقه ولكن يثبت النسب من أحدهما بالدعوة استحسانا كما
قبل التدبير والولا بينهما كأنهما بالتدبير استحقا ولاءه ولا منافاة بين الولاء والنسب
(قال) وإذا ولدت ولدين في بطن واحد فباع المولى أحدهما مع الأم فادعاه المشترى
ثبت نسبهما منه لأنهما توأم والذي في يد البائع عبد له لان دعوة المشترى دعوة التحرير
فان أصل العلوق لم يكن في ملكه فهو بمنزلة الاعتاق والتوأم ينفصل أحدهما عن الآخر
في الاعتاق فإن لم يدع المشترى ولكنه أعتقه مع الأم ثم ادعى البائع الذي عنده ثبت
نسبهما جميعا منه لما قلنا وثبت حرية الأصل للولد الذي عند البائع لان أصل العلوق كان
في ملكه والتوأم لا ينفصل أحدهما عن الآخر في حرية الأصل فمن ضرورة ثبوته لأحدهما
ثبوته للآخر ومن ضرورة الحكم بحرية الأصل للولد الذي عند المشترى الحكم ببطلان
عتقه لان حر الأصل لا يعتق ولكن ليس من ضرورة ذلك بطلان عتق الأم إذ الاستيلاد
ليس من ضرورة نسب الولد فلهذا رد البائع حصة الابن علي المشترى من الثمن ولا يرد
حصة الأم ولأنا لو نقضنا عتقه في الولد إنما تنقضه لاثبات ما هو أقوى منه وهو حرية
204

الأصل ولو نقضنا عتقه في الأم نقضه لما هو أضعف وهو حق أمية الولد ويؤدي إلى أن
توطأ بملك اليمين بعد الحكم بحريتها وذلك لا يجوز (قال) وإذا باع أمه حاملا فخاف
المشترى أن يدعى البائع ولدها فأراد أن يتحرز منه فإنه يشهد عليه أن هذا الحبل من عبد
كان له قد زوجها منه فإذا أقر البائع بهذا لم يستطع أن يدعيه أبدا في قول أبي حنيفة رحمه
الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يستطيع أن يدعيه ان أنكر العبد الولد
لان اقراره بنسب الولد للعبد يبطل بتكذيب العبد وإذا بطل الاقرار صار كالمعدوم من
الأصل وشبها هذا بالولاء فان الولاء بمنزلة النسب ثم لو ادعى المشترى للعبد أن البائع
أعتقه فكذبه البائع كان له أن يدعى ولاءه لنفسه بعد ذلك لبطلان اقراره بتكذيب البائع
وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول اقراره تضمن حكمين انتفاء النسب عنه وثبوته من العبد
فبانكار العبد يبطل اقراره بالحكم الذي يتصل به وهو ثبوت نسبه منه ولا يبطل في الحكم
الآخر وهو انتفاؤه من المقر لان أحد الحكمين ينفصل عن الآخر ألا ترى أن ولد
الملاعنة يقطع نسبه عن الملاعن ولا يكون لاحد فيه حق دعوة النسب لان في اثبات
النسب منه بالفراش حكم بنفيه عن غيره فبعد ذلك وان أبطلنا باللعان حكم اثبات النسب
من الملاعن يبقى معتبرا في الحكم الآخر وليس النسب كالولاء لأنه أثر من آثار الملك
فيتصور فيه الانتقال من شخص إلى شخص بخلاف النسب وتمام بيان هذا الفرق في البيوع
(قال) أمة بين رجلين باعها أحدهما من صاحبه فولدت لأقل من ستة أشهر فادعياه معا
فهو ولدهما ويبطل البيع لان العلوق أصله كان في ملكهما فاستويا في استلحاق النسب وإذا
جاز ابطال البيع في جميعها بدعوة الولد ففي نصفها أولى وان ادعاه البائع وأعتقه المشترى
معا كانت الدعوة أحق لأنه يستند إلى حالة العلوق فقيام ملكه في نصفها وقت العلوق كقيام
ملكه في جميعها في ثبوت حرية الأصل وإذا كانت الدعوة أسبق وثبت بها حرية الأصل
للولد كان اعتاق المشترى فيه باطلا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصدق والصواب واليه
المرجع والمآب
(باب المكاتب)
(قال) رضي الله عنه اختلف الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في وقت عتق المكاتب
205

فكان ابن عباس رضي الله عنه يقول كما أخذ الصحيفة من مولاه يعتق يعنى بنفس العقد
لان الصحيفة عند ذلك تكتب وكأنه جعل الكتابة واردا على الرقبة كالعتق بجعل يعتق
بالقبول وهو غريم للمولى فيما عليه من بدل الكتابة وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول
إذا أدى قيمة نفسه عتق وهو غريم للمولى في الفضل فكأنه اعتبر وصول قدر مالية الرقبة
إلى المولى ليندفع به الضرر عنه وكان علي رضي الله عنه يقول يعتق بقدر ما أدى فكأنه يعتبر
البعض بالكل وهو بناء على قوله يعتق الرجل من عبده ما شاء وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه
يقول هو عبد ما بقي عليه درهم وبه أخذ جمهور الفقهاء وقالوا لا يعتق ما لم يؤد جميع
البدل والدليل عليه الحديث الذي بدأ به الكتاب ورواه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كاتب عبده على مائة أوقية فأداها الا عشر أواقي
فهو رقيق والأوقية أربعون درهما وفى هذا دليل على أنه لم يعتق شئ منه الا بأداء جميع
البدل وهذا لان موجب العقد مالكية اليد في حق المكاسب والمنافع للمكاتب فإنه كان
مملوكا يدا ورقبة فهو بعقد الكتابة يثبت له مالكية اليد لان مالكية اليد من كرامات بني آدم
وهو مع الرق أهل لبعض الكرامات ألا ترى أنه أهل لمالكية النكاح ومالكية اليد
تنفصل عن مالكية الرقبة الا ترى ان الراهن يثبت للمرتهن ملك اليد وان الغاصب
يضمن بتفويت اليد فكذلك بالكتابة يثبت له مالكية اليد فاما العتق متعلق بشرط الأداء
والشرط يقابل المشروط جملة ولا يقابله جزءا فجزءا لان ثبوت الحكم عند وجود الشرط
نظير ثبوت الحكم بالعلة فلهذا لا يعتق شئ منه ما لم يؤد جميع البدل وفى هذا الحديث دليل
أيضا على أنه لا يستحق على المولى حط شئ من بدل الكتابة عنه وإن كان يستحب له
ذلك ما رواه عن علي رضي الله عنه في قوله وأتوهم من مال الله الذي آتاكم قال ربع
المكاتبة وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه حط عن مكاتب له أول نجم حل عليه وقرأ هذه
الآية ولكن الامر قد يكون بمعنى الندب فبالحديث المرفوع تبين أن المراد الندب دون
الحتم وهو مذهبنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى يستحق عليه حط ربع البدل وهو قول
عثمان رضي الله عنه الظاهر الآية فان مطلق الامر للوجوب لان هذا عقد ارفاق يجرى
بين المولى وعبده ولا يقصد المولى به التجارة وإنما يقصد ايصاله به إلى العتق فيكون ارفاقا
ويستحق بكل عقد ما كان العقد مشروعا لا جله فإذا كان هذا العقد مشروعا
206

للارفاق ينبغي أن يستحق ما هو محض الارفاق وهو حط بعض البدل (وحجتنا) فيه أن العقد
يوجب البدل فلا يجوز أن يكون موجبا لاسقاط البدل إذا الشئ لا يتضمن ضده والقياس لنا
فإنه عقد معاوضة فلا يستحق به حط شئ من البدل كسائر المعاوضات إذ يعتبر أحد
العوضين بالآخر فالمراد بالآية الندب دون الحتم فإنه معطوف على الامر المذكور في قوله
فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا فذلك ندب وليس بحتم إذا لا يجب عليه ان يكاتب عبده
وان علم أن فيه خيرا فكذلك قوله وأتوهم لان حكم المعطوف حكم المعطوف عليه وذكر الكلبي
ان المراد به دفع الصدقة إلى المكاتبين فيكون هذا خطابا للناس بصرف الصدقة إلى المكاتبين
ليستعينوا بذلك على أداء المكاتبة كما قال في بيان مصارف الصدقات وفي الرقاب والمراد
المكاتبون والدليل عليه أنه قال من مال الله والمال المضاف إلى الله تعالى مطلقا هو الصدقة
ثم ذكر عن ابن عمر رضي الله عنه ان مكاتبا له عجز فكسر مكاتبته فرده في الرق ففي هذا دليل
على أن الكتابة تحتمل الفسخ وفيه دليل على أن المكاتب إذا كسر نجما فللمولى ان يفسخ الكتابة
ويرده في الرق وهو قول أبي حنيفة ومحمد لأنه قد تغير عليه شرط عقده وذلك يثبت للعاقد
حق الفسخ في العقود المحتملة للفسخ وقال أبو يوسف رحمه الله لا يرد في الرق ما لم يكسر
نجمين وهو قول علي رضي الله عنه قال إذا اجتمع على المكاتب نجمان فدخلا رد في الرق
وكان هذا استحسان من أبى يوسف رحمه الله تعالى لأن العقد مبني على الارفاق وفى رده
في الرق عند كسره نجما واحدا تضييق عليه فلمعنى التوسع والارفاق شرط أن يتوالى عليه
نجمان وقد روى عن أبي يوسف رحمه الله قال هذا إذا كانت النجوم مستوية فإن كانت متفاوتة
فكسر نجما واحدا يرد في الرق لأنه لما عجز عن أداء الأقل فالظاهر أنه عن أداء عن الأكثر أعجز
وفي حديث على وابن عمر رضي الله عنهم دليل على أن للمولى أن يفسخ الكتابة عند عجز المكاتب
من غير أن يحتاج فيه إلى المرافعة إلى القاضي فيكون حجة على ابن أبي ليلى لأنه يقول لا يرد
في الرق الا بقضاء القاضي فان العجز لا يتحقق بدون القضاء فان المال غاد ورائح وجعل هذا
العجز نظير عجز العنين عن الوصول إلى امرأته ثم الفرقة هناك لا تكون الا بقضاء
القاضي ولكنا نقول العقد تم بتراضيهما والمولى ما رضى بلزوم هذا العقد الا بشرط
فإذا فات عليه ذلك الشرط يتمكن من فسخه لانعدام رضاه به بخلاف النكاح فإنه لا يعتمد
تمام الرضا وبخلاف الرد بالعيب قبل القبض لان المشترى ينفرد بالرد بالعيب قبل القبض
207

لفوات شرطه وهو أصل لنا فأما بعد القبض فقد قامت الدلالة لنا على تمام الصفقة بالقبض
وبعد تمام الصفقة لا ينفرد بالفسخ لحاجته إلى نقض القبض التام ونقل الضمان إلى البائع
ثم اختلف الصحابة رضوان الله عليهم في المكاتب إذا مات وترك وفاء بمكاتبته قال على وابن
مسعود رضي الله عنهما يؤدى كتابته ويحكم بحريته حتى يكون ما بقي ميراثا لورثته وبه أخذ
علماؤنا رحمهم الله تعالى وقال زيد بن ثابت رضي الله عنه تنفسخ الكتابة بموته والمال كله
للمولى وبه أخذ الشافعي رحمه الله تعالى واحتج فيه وقال المعقود عليه فات بموته قبل سلامته
وذلك موجب انفساخ العقد كهلاك البيع قبل القبض وهذا لان المعقود عليه هو الرقبة
فان العقد يضاف إليه والدليل عليه أن عند فساد العقد يرجع إلى قيمة الرقبة والرجوع
عند فساد العقد إلى قيمة المعقود عليه ولأنه لو بقي لبقي ليعتق بوصول بدل الكتابة إلى المولى
والميت ليس بمحل للعتق ابتداء لما في العتق من احداث قوة المالكية وذلك لا يتصور في
الميت ولا يجوز أن يستند العتق إلى حال حياته لان المتعلق بالشرط لا يسبق الشرط وفي
اسناده إلى حال حياته اثبات العتق قبل وجود الشرط وهو الأداء وهذا بخلاف ما إذا
مات المولى لان المولى ليس بمعقود عليه بل هو عاقد والعقد يبطل بهلاك المعقود عليه لا
بموت العاقد ولأنه لو بقي العقد بعد موت المولى يعتق بالأداء إلى الورثة وصار المولى معتقا
له ويجوز أن يكون الميت معتقا ولا يجوز أن يكون معتقا ألا ترى أنه لو قال لعبده أنت
حر بعد موتي كان صحيحا ولو قال بعد موتك كان لغوا وكذلك لو أوصى بأن يعتق عبده
بعد موته كان صحيحا فإذا أعتق كان المولى هو المعتق حتى يكون الولاء له والفقه في الكل
أنه يبقى ملكه بعد موته حكما لحاجته كما في القدر المشغول بالدين فإذا بقي ملكه صار معتقا
ولكن لا يجوز أن يبقى مملوكا بعد موته حكما لان ابقاء المالكية لمعنى الكرامة وليس في
ابقاء المملوكية بعد الموت معنى الكرامة له وإذا لم تبق المملوكية لا يتصور أن يكون معتقا
بعد موته (وحجتنا) فيه أنه عقد معاوضة لا ينفسخ بموت أحد المتعاقدين فلا ينفسخ
بموت الآخر كعقد البيع وهذا لان قضية مطلق المعاوضة التسوية بين المتعاقدين والخصم لا ينازع في هذا ولكنه يدعى أن في موت المكاتب فوات المعقود عليه وليس كذلك فان
المعقود عليه ما يسلم للعاقد بمطلق العقد والرقبة لا تسلم له بمطلق العقد إنما السالم له مالكية
اليد وهو المعقود عليه وقد سلم بنفس العقد وإضافة العقد إلى الرقبة لا يدل على أن المعقود
208

عليه هو الرقبة كما تضاف الإجارة إلى الدار والمعقود عليه المنفعة والرجوع عند الفساد بقيمة
الرقبة ليس لان المعقود عليه هو الرقبة ولكن لان ما هو المعقود عليه لا يتقوم بنفسه وهو
مالكية اليد فيصار إلى قيمة أقرب الأشياء إليه كما في الخلع يصار إلى رد المقبوض عند فساد
التسمية لان ما هو المعقود عليه غير متقوم ثم إذا جاز ان بجعل المولى بعد الموت كالحي
حكما حتى يصير معتقا فكذلك يجوز ان يبقى المكاتب حيا حكما حق يؤدى كتابته فيصير
حرا وهذا لان المملوكية أليق بحال الميت من المالكية لان المملوكية عبارة عن الضعف
والمالكية ضرب قوة والضعف بحال الميت أليق من القوة والدليل على جواز ابقاء المملوكية بعد
موته لحاجته ان كفن العبد بعد موته على مولاه ولا سبب لاستحقاقه عليه سوى المملوكية
والأصح ان نقول نحن إنما تبقي المالكية بعد موت المكاتب لما بينا ان بعقد الكتابة يثبت
له مالكية اليد في مكاسبه وبه يتمكن من أداء الكتابة فتبقى تلك المالكية بعد موته لان حاجته
إلى تحصيل الحرية لنفسه فوق حاجة مولاه إلى الولاء فإذا جاز بقاء المالكية بعد موت
المولى لحاجته إلى الولاء يبقى بعد موت العبد صفة المملوكية لحاجته إلى الحرية ثم بقاء صفة
المملوكية يكون تبعا لا مقصودا ومن أصحابنا من يقول لا نجعله حرا بعد الموت ولكنا
نسند حريته إلى حال حياته لان بدل الكتابة كان في ذمته والدين بالموت يتحول من الذمة
إلى التركة لان الذمة لا تبقى محلا صالحا للدين بعد الموت ولهذا حل الاجل بالموت فإذا تحول
بدل الكتابة إلى التركة فرغت الذمة منه وفراغ ذمة المكاتب موجب حريته إلا أنه لا يجوز
الحكم بحريته ما لم يصل المال إلى المولى فإذا وصل المال إليه حكم بحريته في آخر جزء من
اجزاء حياته (فان قيل) لو قذفه قاذف بعد أداء بدل الكتابة فإنه لا يحد قاذفه عندكم ولو حكم
بحريته في حال حياته لحد قاذفه (قلنا) هذا شئ نثبته حكما للاستحقاق الثابت بالكتابة
ولتحقق الضرورة فيه والثابت بالضرورة لا يعلم موضعها فلا يظهر به حريته مطلقا في
حالة الحياة ولا يصير محصنا باعتبار حرية ثبتت بطريق الضرورة والحد لا يجب بقذف غير
المحصن مع أن الحدود تندرئ بالشبهات والحرية تثبت مع الشبهة وكذلك الميراث فإنه
يثبت مع الشبهات ومن ضرورة الحكم بموته حرا أن يكون ما بقي من كسبه ميراثا لورثته
(قال) وإذا اشترط الرجل على مكاتبه أن لا يخرج من الكوفة الا باذنه كان هذا الشرط
باطلا لأنه خلاف موجب العقد فان مالكية اليد تثبت له حق الاستبداد بالخروج إلى حيث
209

شاء والمقصود بالعقد تمكنه من ابتغاء المال وذلك بالضرب في الأرض قال الله تعالى وآخرون
يضربون في الأرض الآية فكل شرط يمنعه من ذلك فهو خلاف موجب العقد والمقصود
به فكان باطلا وعند سفيان الثوري رضي الله عنه يصح هذا الشرط لأنه مفيد كالمودع إذا
قال للمودع أحفظها في بيتك دون بيت غيرك صح كذا هذا وإن لم يصح هذا الشرط
عندنا لا يبطل العقد بهذا الشرط لان هذا الشرط وراء ما يتم به العقد والشرط الفاسد في
الكتابة لا يفسد العقد إذا لم يكن متمكنا في صلبه وإنما يفسد إذا تمكن في صلبه لمعنى وهو
ان الكتابة تشبه البيع من وجه وهو أنها تحتمل الفسخ في الابتداء وتشبه النكاح من وجه
وهو انها لا تحتمل الفسخ بعد تمام المقصود بالأداء فيوفر حظها عليهما فلشبهها بالبيع تبطل
بالشرط الفاسد إذا تمكن في صلبها ولشبهها بالنكاح لا تبطل بالشرط الفاسد إذا لم يتمكن في
صلبها ولان هذا العقد مع احتماله الفسخ مبني على التوسع فلتحقق معنى التوسع قلنا الشرط
إذا لم يتمكن في صلبه يكون لغوا بخلاف البيع فإنه مبنى على الضيق ولمعنى التوسع قلنا يثبت
الحيوان دينا في الذمة في هذا العقد وكل ما يصلح مسمى في النكاح يصلح مسمى في الكتابة
وقد قررنا هذا في النكاح (قال) وان أخذ كفيلا بالمكاتبة عن المكاتب لم يجز عندنا وقال
ابن أبي ليلى يجوز لأنه دين مطلوب في نفسه وهو كالدين الثابت في ذمة حر من صداق
أو غيره ولكنا نقول المكاتب عبد له وليس للعبد ذمة قوية في وجوب الدين عليها للمولى
ولأنه يملك أن يعجز نفسه فتبرأ ذمته بذلك ولا يمكن اثباته بهذه الصفة في ذمة الكفيل
ولا يجوز أن يثبت في ذمة الكفيل أقوى مما هو ثابت في ذمة الأصيل (قال) وان كاتب
عبدين له وجعل نجومهما واحدة وكل واحد منهما كفيلا عن صاحبه فهذا في القياس لا يجوز
لأنه كفالة ببدل الكتابة من كل واحد منهما ولأنه كفالة من المكاتب والمكاتب ليس بأهل
للكفالة ولكنا نجوز هذا العقد استحسانا لكونه متعارفا فيما بين الناس محتاجا إليه في
تحصيل هذا الارفاق وقد يكون اعتماد المولى على أحدهما دون الآخر ولأنه بهذا العقد
يجعلهما كشخص واحد ولهذا إذا قبل أحدهما دون الآخر لم يجز فكأنه شرط جميع المال على
كل واحد وعلق به عتق صاحبه ولهذا قال علماؤنا رحمهم الله تعالى لا يعتق واحد منهما
الا بأداء جميع المال وعلى قول زفر رحمه الله تعالى إذا أدى أحدهما حصته من المال يعتق
لأن العقد لما صح ثبت موجبه وهو انقسام البدل عليهما باعتبار قيمتهما فإذا أدى أحدهما
210

حصته من المال فقد برئت ذمته عما عليه وإنما يبقى مطلوبا بما على صاحبه بطريق الكفالة
وهذا لا يمنع ثبوت الحرية فيه ولكنا نقول شرط المولى ومقصوده معتبر وقد شرط أن
أن لا يعتق واحد منهما ما لم يصل إليه جميع المال فلمراعاة شرطه قلنا له أن يطالب أيهما شاء بجميع
المال ولا يعتق واحد منهما ما لم يصل إليه جميع المال ثم ذكر في الكتاب الذي يكتبه المولى
لهما وليس لهما ان يتزوجا الا بأذن فلان مولاهما وإنما يكتب هذا للتوثق فان من العلماء من
يقول للمكاتب أن يتزوج بغير إذن مولاه لتحقيق ثبوت مالكية اليد له وعندنا لا يملك لأنه
عبد ما بقي عليه شئ من البدل فللتحرز عن قول هذا القائل يشترط ذلك في الكتاب
(قال) وإذا كاتب عبده على ألف درهم وعلى وصيف فهو جائز لان جهالة الصفة بعد
اعلام الجنس لا يمنع صحة التسمية في عقد الكتابة كما لا يمنع ذلك في النكاح (قال) وان
كاتبه على ألف درهم واشترط خدمته مدة معلومة فهو جائز لان المسمى من الخدمة يصير
معلوما بيان المدة حتى يصح استحقاقه بعقد الإجارة فكذلك يصح تسميته في الكتابة
وهذا لان المكاتب يكون أحق بكسبه ومنافعه فكما يجوز أن يشترط عليه مالا معلوما
يوفيه من كسبه فكذلك يجوز أن يشترط عليه خدمة معلومة يوفيها من منافعه وان اشترط
عليه خدمة مجهولة بغير ذكر الوقت أو شرط على المكاتبة أن تخدمه أبدا أو يجامعها أبدا
فالكتابة فاسدة لان ما شرط مع الألف مجهول جهالة متفاحشة والمجهول إذا ضم إلى المعلوم
يصير الكل مجهولا وهذا المفسد يتمكن فيما هو من صلب العقد وهو البدل فيفسد به العقد
ولأنه في معنى استثناء موجب العقد لأنه موجب العقد اثبات مالكية اليد له حتى يصير أحق
بمنافعه ومكاسبه واشترط الخدمة عليه أبدا يمنع من ذلك وكذلك اشتراط الوطئ عليه بنفسه
واستثناء موجب العقد يكون مفسدا للعقد يقول فان أدى الألف عتق قال بشر المريسي
هذا غلط لان العتق لا ينزل الا بعد أداء جميع المشروط عليه وقد شرط المولى عليه مع
الألف شيئا آخر فكيف يعتق بأداء الألف ولكنا نقول ما ذكر في الكتاب صحيح واشتراط
الخدمة والوطئ عليها ليس بطريق البدل لما أوجبه له بل باعتبار ابقاء ملك نفسه في الخدمة
والوطئ كما كان من قبل فلا يكون استثناء لموجب العقد فأما البدل المشروط عليه هو الألف
فإذا أداه يعتق ويستوى في ظاهر الرواية إن كان قال له إذا أديتها إلى فأنت حر أولم يقل وروى
أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه لا يعتق إلا أن يكون قال له ان أديتها إلى فأنت
211

حر لان العتق عند فساد العقد باعتبار الشرط فما لم ينص على الشرط لا يعتق ووجه ظاهر
الرواية أن العقد منعقد مع الفساد لان تأثير الفساد في تغيير وصف العقد فلا يعدم أصله وإذا بقي
العقد كان العتق عند الأداء بحكم العقد فلا يعتبر فيه التصريح بالتعليق بالشرط كما في البيع الفاسد
يثبت الملك عند القبض بحكم العقد ثم كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أولا عليه أن
يؤدى الفضل على الألف إلى مكاتبة مثله لأنه شرط مع الألف لنفسه منفعة فإذا لم ينل
ذلك كان عليه مكاتبة مثله كما لو تزوج على ألف وكرامتها ودخل بها كان لها تمام مهر مثلها
ثم رجع فقال عليه فضل قيمة نفسه وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لما بينا
أن الرقبة هنا أقرب الأشياء إلى المعقود عليه في الاعتبار عند فساد العقد فيلزمه تمام قيمة
نفسه كما في البيع إذا تعذر على المشترى الرد بسبب الفساد يلزمه قيمة المبيع ولهذا قال زفر
رحمه الله تعالى إذا كانت قيمته دون الألف له أن يسترد من المولى ما زاد على قيمته من
الألف كما في البيع ولكنا نقول ليس له أن يسترد شيئا من الألف لان المولى ما رضى بعتقه
بحكم العقد الا بعد سلامة جميع الألف له واعتبار القيمة لدفع الضرر عن المولى فإذا كان
يؤل إلى الاضرار به سقط اعتباره (قال) وشراء المكاتب من مولاه وبيعه جائز وما استهلك
كل واحد منهما لصاحبه فهو دين عليه لأنه صار بمنزلة الحر يدا فيما يرجع إلى المكاسب فاختص
بملك التصرف في مكاسبه فكان حال المولي في كسبه كحال أجنبي آخر ثم قد بينا أن الولد
المولود في الكتابة يسعى على النجوم بعد الموت عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى بخلاف
المشترى وعندهما كل من تكاتب عليه يقوم مقامه بعد الموت في السعاية على النجوم ثم كل
من دخل في كتابته إذا أعتقه مولاه ينفذ عتقه فيه عندنا كما في رقبة المكاتب لان من تكاتب
عليه كان تبعا له في العقد ولهذا لا يكون عليه شئ من البدل والأصل مملوك له فكذا ما يتبعه
وزفر يقول لا ينفذ عتقه فيهم لان المكاتب أحق بكسبهم ليستعين به على أداء المكاتبة وفي
تنفيذ عتق المولى فيهم ابطال حقه عن كسبهم وليس للمولى على المكاتب هذه الولاية
ولكنا نقول ينفذ عتقه لمصادفته ملكه ثم يبطل حق المكاتب من كسبه حكما لثبوت
حريته لا أن يكون بتصرف المولى وقصده (قال) وإذا اشترى المكاتب امرأته فهما
على النكاح لان حقيقة الملك في رقبتها لا يثبت للمكاتب لقيام الرق المنافى فيه أنما يثبت
له حكم اليد وبملك اليد لا يبطل النكاح وله أن يبيعها ما لم تلد منه لان النكاح ليس بسبب
212

لاستحقاق الصلة فلا يمتنع عليه البيع بسببه فان ولدت منه فقد امتنع بيعها تبعا لثبوت حق الولد
وكذلك المكاتبة تشترى زوجها فله أن يطأها بالنكاح لأنها لم تملك رقبته حقيقة (قال) ولا تجوز
شهادته ولا هبته ولا صدقته له ولا عتقه لبقاء الرق فيه وهو مناف لولاية الشهادة والتمليك
حقيقة وباعتباره يصح التبرعات وكذلك لو باع عبدا له من نفسه أو أعتقه على مال فهو
والعتق بغير جعل سواء في أنه لا ينفذ الا من المالك حقيقة وليس للمكاتب ملك على الحقيقة
(قال) وان كاتب عبدا له ففي القياس لا يجوز أيضا وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله لان
مآل هذا العقد عتق والمكاتب ليس من أهله ولأنه منفك الحجر عنه في التجارات ليكتسب
المال بها فيؤدى الكتابة والكتابة ليست من عقود التجارة ولأنه يثبت بهذا العقد استحقاق
الولاء عند تمامه بالأداء والمكاتب ليس من أهل ولكنا نقول الكتابة من عقود اكتساب
المال وقد ثبت له مالكية اليد فيما يرجع إلى اكتساب المال ألا ترى أنه يزوج أمته وإن لم
يكن ذلك تجارة فكذلك يكاتب وربما تكون الكتابة أنفع له من البيع لان البيع يزيل ملكه
بنفسه والكتابة لا تزيل ملكه عن المملوك الا بعد وصول المال إليه فكان فهذا أنفع له
ولأنه يسوى غيره بنفسه في حق نفسه فإنه يوجب لمملوكه مثل ما هو ثابت له وذلك
صحيح منه كما يصح من الحر اعتاق مملوكه بخلاف العتق بمال فان هناك يوجب لغيره فوق ماله
وهو حقيقة العتق بنفس القبول فلهذا لا يصح منه (قال) ولا يجوز كفالة المكاتب
لأنه تبرع وليس من عقود اكتساب المال في شئ وليس له أن يشارك مفاوضة لان
المفاوضة تتضمن الكفالة العامة ولا يجوز نكاحه ولا وصيته لان الوصية تبرع بعد الموت
فيعتبر تبرعه في حياته والاستبداد بالنكاح في حق نفسه يعتمد الولاية والرق ينفى الولاية
ولان التزوج ليس من عقود اكتساب المال في حقه (قال) وإذا سرق المكاتب أو سرق منه
يجب القطع لأنه مخاطب تتم منه جناية السرقة وحقه في كسبه كملك الحر في ماله فيقطع السارق
منه وكذلك هو في حق الشفعة فيما يستحقه أو يستحق عليه كالحر (قال) وليس له أن يبيع
ما اشتراه من مولاه مرابحة إلا أن يبين وكذلك مولاه فيما اشتري منه لان كل واحد
منهما يسامح صاحبه في المعاملة لعلمه أن ذلك لا يبعد منه ولان للمولى حق الملك في كسب
المكاتب فما يغرمه للمكاتب بالشراء لا يتم خروج ولا يبيعه مرابحة الا على أقل الشيئين لان
ذلك القدر يتيقن بخروجه عن ملكه وبعد البيان تنتفى التهمة والغرور ولو اشترى من
213

مكاتبه درهما بدرهمين لم يجز لان هذا صريح الربا والمكاتب في كسبه بمنزلة الحر يدا كما
قررنا فصريح الربا يجرى بينه وبين المولى باعتبار هذا المعني احتياطا (قال) وإذا أخذ
بالمكاتبة رهنا فيه وفاء بها فهلك الرهن عتق العبد لان عقد الرهن يثبت يد الاستيفاء
على أن يتم ذلك الاستيفاء بهلاك الرهن ودين الكتابة في حكم الاستيفاء كسائر الديون
وإذا صار مستوفى بهلاك الرهن عتق المكاتب كما لو استوفاه حقيقة (قال) ولو كاتبه على
وصيف فأتاه المكاتب بأربعين دينارا ثمن الوصيف أجبر المولى على قبولها لما بينا في كتاب
النكاح أن الحيوان في العقود المبنية على التوسع يثبت دينا في الذمة على أن يكون الحق
مترددا بينه وبين قيمة الوصيف وان قيمة الوصيف عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أربعون
دينارا (قال) وإذا كاتب على خمر أو خنزير أن ما أشبه ذلك مما لا يحل فالكتابة فاسدة لان
المسمى ليس بمال متقوم في حق المسلمين فلا يصير مستحقا للمولى بالتسمية فان أداه قبل
أن يترافعا إلى القاضي وقد قال له أنت حر إذا أديته أو لم يقل فإنه يعتق وقد بينا هذا فيما سبق
أن مع فساد العقد العقد منعقد فيعتق بالأداء وعليه قيمة نفسه لأن العقد فاسد فيلزمه رد رقبته
لأجل الفساد وقد تعذر رده بنفوذ العتق فيه فيلزمه قيمته كالمشترى شراء فاسدا إذا أعتق
المبيع بعد القبض وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى أن عند زفر رحمه الله
تعالى لا يعتق الا بأداء قيمة نفسه لان البدل في الكتابة الفاسدة هو القيمة وإنما يعتق بأداء
البدل وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى أيهما أدى المشروط أو قيمة نفسه فإنه يعتق لان
البدل صورة هو المشروط والعتق معلق بأدائه ومن حيث المعني البدل القيمة فأيهما أدى
يعتق وبدل الكتابة في جواز الاستبدال به بمنزلة المهر والثمن (قال) وان جاء المكاتب بالمال
قبل محل الاجل فأبي المولى أن يقبله أجبر على أخذه لان الاجل حق المكاتب فإذا أسقطه
يسقط وان صالحه المولى على أن يعجل بعض المكاتبة قبل محلها ليحط ما بقي فهذا جائز
بينهما وان كأن لا يجوز مثله بين الحرين لان الصحابة رضوان الله عليهم مختلفون في جواز
هذا التصرف بين الحرين على ما نبينه في كتاب الصلح فعرفنا أنه ليس بصريح الربا فلا
يجرى بين المكاتب ومولاه لأنه عبده بخلاف بيع الدرهم بالدرهمين على ما بينا وإذا كاتبه
على ألف درهم وعلى عبد مثله يعمل عمله وهو خياط أو شبه ذلك فهو جائز لان المسمى
معلوم الجنس وإن كان مجهول الوصف ألا ترى أنه لو كاتبه على عبد خياط أجرت ذلك
214

استحسانا ومراده القياس والاستحسان عند ترك بيان الوصف في بدل الكتابة بعد اعلام
الجنس فان في القياس الكتابة كالبيع حتى لا تصح الا بتسمية البدل وفي الاستحسان هي
كالنكاح من حيث أنه مبني على التوسع بالبدل فان المقصود به الارفاق دون المال وعلى
هذا يثبت فيه الآجال المجهولة المستدركة كالحصاد والدياس والعطاء كما يثبت في الصداق ويحل
عليه المال في ذلك الوقت حتى إذا تأخر العطاء حل عليه إذا دخل أجل العطاء في مثل
الوقت الذي كان يخرج فيه لان المقصود بيان الوصف لا حقيقة فعل العطاء وان كاتب
عبده على قيمته فهو فاسد لان المسمى مجهول الجنس والوصف ولان هذا تفسير الكتابة
الفاسدة ولو كاتبه على عبد فلان هذا أو دابة فلان هذه لا يجوز لان القدرة على تسليم
المسمى معتبر لصحة الكتابة فإنه لا يصح منه التزام التسليم فيما لا يقدر على تسليمه وهذا
بخلاف النكاح فان تسمية ملك الغير صحيح هناك لان الشرط كون المسمى مالا متقوما
والقدرة على تسليمه ليس بشرط لصحة التسمية كما أنه ليس بشرط فيما يقابله ثم في الكتابة على
الأعيان روايتان على ما نذكره في كتاب المكاتب (قال) وان كاتبه على وصيف أبيض
فصالحه من ذلك على وصيفين أبيضين أو حبشيين يدا بيد فهو جائز لان الحيوان ليس بمال
الربا فمبادلة الواحد منه بالمثنى يدا بيد صحيح ولا يجوز نسيئة لان الحيوان لا يثبت في الذمة
بدلا عما هو مال والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم لا بأس ببيع النجيبة بالإبل والفرس
بالأفراس بعد أن يكون يدا بيد ولا خير فيه نسيئة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصدق
والصواب واليه المرجع والمآب.
(باب موت المكاتب)
(قال) رضي الله عنه وإذا مات المكاتب عن مال وعليه دين وجناية وله أولاد أحرار من
امرأة حرة وأولاد ولدوا في المكاتبة من أمته وأولاد اشتراهم بدئ بالدين ثم بالجناية ثم
بالكتابة لان الحقوق متى اجتمعت في المعين وتفاوتت في القوة يبدأ بالأقوى فالأقوى كما
يبدأ في التركة بالجهاز ثم بالدين ثم بالوصية وأصله قوله تعالى ويؤت كل ذي فضل فضله
والدين أقوى من الجناية لأنه كان مالا متقررا في ذمته في حياته والجناية لا تتعلق بذمته
الا بقضاء القاضي أو بفوت الدفع بموته والمال خلف عن ذمته في ثبوت الحق فيه فما كان
215

أسبق تعلقا بذمته وكان متقررا في نفسه فهو أقوى ثم الجناية أقوى من الكتابة لان
الكتابة ليست بدين متقرر فإنه يتمكن من اسقاطها عن نفسه بان يعجز نفسه والضعيف
لا يزاحم القوى فلهذا قدمت الجناية ثم بعدها الكتابة وإذا أديت الكتابة حكم بحريته
في حال حياته وحرية كل من كان تبعا له في الكتابة فلهذا كان الباقي ميراثا لجميع
أولاده وكذلك أن كان له ابن مكاتب لأنه إذا ضم إليه في عقد الكتابة فهما كشخص
واحد لا يعتق أحدهما بحكم الكتابة قبل صاحبه فتسند حرية هذا الابن إلى الوقت الذي
أستند حرية أبيه وإن كان مكاتبا على حدة لم يرث منه شيئا إذا أدى مكاتبته بعد موت أبيه
وإن كان قبل أداء مكاتبة أبيه لان اسناد الحرية في الأب لأجل الضرورة ولا يوجد
ذلك في حق الابن إذا كان مكاتبا على حدة بل تقتصر حريته على وقت الأداء فيكون هو
رقيقا عند موت أبيه فلا يرث منه شيئا وإن كان عليه مهر لا مرأة حرة تزوجها بغير إذن
مولاه كان دينها بعد قضاء بدل الكتابة لان مهرها متأخر إلى ما بعد العتق فان سببه لم يظهر
في حق المولى لأنه ممنوع من النكاح بغير إذن المولى والمرأة راضية بتأخير حقها حين
زوجته نفسها بغير إذن المولى فما لم يسقط حق المولى عن كسبه لا يظهر المهر فلهذا كان
بعد دين الكتابة بخلاف الجناية فهي ظاهرة في حق المولى ولم يوجد من المجني عليه الرضا
بتأخير حقه وإن لم يترك شيئا يسعى ولده الذين ولدوا في المكاتبة فيها حتى يؤدوها لأنه
مات عمن يؤدى بدل الكتابة فيجعل كموته عما يؤدى به بدل الكتابة وهو المال فإذا أدوا
عتق كل من كان تبعا له في المكاتبة وقد بينا ان النجوم عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يبقى
إلا باعتبار الأولاد الذين ولدوا في المكاتبة وعندهما يبقى ببقاء كل من كان داخلا في كتابته
حتى إذا لم يكن له الا الأولاد الذين اشتراهم فإنهم يباعون عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
إذا لم يؤدوا المال حالا ويكون ثمنهم تركة له تؤدى منه كتابته وإن كان معهم ولد مولود في
الكتابة لم يبع هؤلاء لقاء النجوم باعتباره يسعون به فان حل على الولد المولود في الكتابة أول
نجم ولم يكن له مال حاضر ولا غائب ينتظر ردوا جميعا في الرق لأنه قائم مقام أبيه ولو كسر أبوه
نجما رد في الرق فكذلك هو ان كانوا جماعة بعضهم غائب وعجز الشاهد لم يرد في الرق حتى
يحضر الغائب لان الذي عجز جعل كالمعدوم فيبقى النجوم ببقاء الغائب ولا يظهر عجزه عن الأداء
ما لم يحضر ولان كل ولد مولود في الكتابة قائم مقام أبيه ألا تري أنهم يعتقون بأداء أحدهم
216

سواء أدى الغائب أو الشاهد فما لم يتحقق عجز هم لا تنفسخ الكتابة وإذا مات المكاتب وله
ديون على الناس وترك ولدا حرا فهو مولى لموالي الأم ما لم يخرج الدين فيؤدى الكتابة
أما بقاء الكتابة فلماله المنتظر لان الدين مال باعتبار ماله ولكن لا يحكم بعتقه ما لم يؤد
الكتابة وما لم يحكم بعتقه لا يظهر لولده ولاء في جانب أبيه فيكون مولى لموالي الأم
فإذا أديت ظهر له ولاء في جانب أبيه فينجر ولاؤه إلى موالي الأب لان الولاء
كالنسب ولا يرجع موالي الأم بما عقلوا من جنايته في حياة المكاتب على موالي
الأب لأنه إنما يحكم بعتق الأب في آخر جزء من أجزاء حياته ولا يستند عتقه إلى
أول عقد الكتابة فكان موالي الأم عند جنايته مواليه على الحقيقة فلهذا لا يرجعون بما
عقلوا على موالي الأب ويرجعون بما عقلوا من جنايته بعد موت الأب قبل أداء كتابته
لما بينا أن عتق الأب يستند إلى حال حياته فتبين أن ولاءه كان لموالي الأب من ذلك
الوقت وموالي الأم كانوا مجبرين على الأداء فيرجعون بما أدوا كالملاعن
إذا كذب نفسه بعد ما جنى الولد وعقل جنايته قوم أمه رجعوا به على قوم الأب لأنه تبين
ثبوت نسبه من ذلك الوقت وإذا مات الولد بعد موت المكاتب قبل خروج الدين فاختصم
موالي الأب وموالي الأم في ميراثه قضى به لموالي الأم لأنه لم يظهر ولاء في جانب الأب
بعد وإذا قضى بذلك بطلت المكاتبة لان ولاءه لموالي الأم وقد تقرر عند موته بحكم الحاكم
ومن ضرورة بطلان الكتابة إذ لو لم تبطل لكان يؤدى كتابته وتبين به ان ولاءه لقوم
الأب فيبطل به حكم الحاكم وذلك ممتنع ولأنه لما لم يكن بد من ابطال أحدهما بالآخر فابطال
الكتابة التي اختلفت الصحابة رضوان الله عليهم في بقائها أولى من ابطال حكم الحاكم
ولان السبب المبطل للكتابة هو عجزه عن الأداء بعد حل المال عليه ظاهر والمنفى وهو
قدرته بخروج الدين موهوم والظاهر إذا تأيد بحكم الحاكم لا يعتبر الموهوم في مقابلته فان
خرج الدين بعد ذلك كان للمولى لأنه كسب عبده وإن كان للمكاتب ولد ولدوا في الكتابة
فقد بقي النجوم ببقائهم فمتى ما خرج دين المكاتب أديت المكاتبة وجر ولاء الولد وولد الولد
لأنه حكم بحريته مستندا إلى حال حياته وكان ما بقي ميراثا وإذا مات المكاتب عن ولد حر
فجاء رجل بوديعة فقال هذه للمكاتب فإنه يؤدى منه المكاتبة وتبين بهذه المسألة أن بموته
عاجزا لا تنفسخ الكتابة ما لم يقض القاضي بفسخه لجواز أن يظهر له مال أو يتبرع انسان
217

بأداء بدل الكتابة عنه وهكذا فسره ابن سماعة رضى الله تعالى عنه في نوادره ثم اقرار
الرجل بالوديعة للمكاتب صحيح في حقه فيؤدي منه الكتابة ولكن لا يصدق على جر
الولاء لان اقراره ليس بحجة في حق موالي الأم ولأنه متهم بالقصد إلى ابطال حقهم
في جر ولاء الولد (قال) أرأيت لو قال المولى نفسه هذه وديعة عندي للمكاتب أو أقر له
بدين مثل الكتابة أو قال قد كنت استوفيت الكتابة قبل موته أكان يصدق في جر ولاء
الولد إليه فكذلك غيره وبهذا تبين انه ان تبرع انسان عنه بقضاء الدين بعد موته لا يحكم
بحريته بخلاف ما ذكره ان سماعة في نوادره وهذا لان ذمته بالموت تخرج من أن تكون
محلا صالحا لبدل الكتابة فلا بد من خلف يبقى باعتباره والخلف ماله دون أموال الناس عادة
فإذا ظهر له مال فقد علمنا بوجود الخلف وإذا تبرع انسان بالأداء فلا يتبين به وجود الخلف
وقت موته فلهذا لا يحكم بعتقه في حق موالي الأم ويجعل المقر بالوديعة كالمتبرع بالأداء في
حقهم وإذا ترك المكاتب أم ولد ليس معها ولد بيعت في المكاتبة وإن كان معها ولد سعت فيها
على الاجل الذي كان للمكاتب صغيرا كان ولدها أو كبيرا وإن كان ترك مالا لم يؤخر إلى
أجله وصار حالا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
حال أم الولد بغير الولد كحالها مع الولد في جميع ذلك حتى يسعى فيها على الاجل وهذا بناء
على أن عندهما يمتنع على المكاتب بيع أم ولده إذا ملكها سواء كان معها ولد أو لم يكن
لان ثبوت حقها باعتبار نسب الولد ونسب الولد ثابت منه سواء ملك الولد معها أولم يملك
ألا ترى ان الحر إذا ملك جارية قد ولدت منه تصير أم ولد له سواء ملك الولد معها أو
لم يملك فكذلك المكاتب ولما كان في حال حياته لا يختلف حالها بين أن يكون معها ولد
أولا يكون فكذلك بعد موته واما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا ملكها في حال حياته
مع الولد يمتنع بيعها وإذا ملكها بدون الولد لا يمتنع عليه بيعها لان حقها تابع لحق الولد
وثبوت التبع بثبوت الأصل فإذا لم يثبت الأصل لا يثبت التبع وهذا لان حقيقة أمية الولد
لا يثبت لها في حال الكتابة ألا ترى أنه لو عجز المكاتب كانت هي أمة قنة للمولى بخلاف
الحر فان حقيقة أمية الولد يثبت لها وبدخولها في ملك المكاتب لا تصير داخلة في كتابته
تبعا بدليل أنها لا تعتق بعتقه فعرفنا ان امتناع البيع إنما يثبت فيها تبعا لثبوته في الولد فإذا
لم يثبت في الولد بأن لم يملك الولد معها لا يثبت فيها وإذا ثبت هذا في حياته فكذلك بعد
218

الموت والولد المولود في الكتابة هو الأصل في بقاء الاجل بوجوده فإذا كان معها الولد
يثبت الاجل في حقها تبعا ويسعى على النجوم وإذا لم يكن معها الولد لا يثبت الاجل في
حقها فتباع في المكاتبة ثم الولد خلف عن المال لان المال كسب المكاتب حقيقة فأما كسب
الولد فهو قائم مقام كسب المكاتب في أداء البدل منه فلهذا كان المعتبر هو المال إذا خلف
مالا وباعتبار المال لا يبقى الاجل فيصير حالا وجد الولد أولم يوجد وهذا لأنه لا منفعة للميت
ولا لولده في ابقاء الاجل إذا ترك وفاء وينتفعون ببقاء الاجل إذا لم يترك وفاء ليكتسب
ولده فيؤدى وإذا ترك المكاتب ولدين ولدا له في المكاتبة وعليه دين ومكاتبة سعيا في جميع
ذلك لقيامهما مقام الأب وأيهما أداه لم يرجع على صاحبه بشئ لان كسبه لأبيه ما لم يحكم بعتقه
فيجعل أداؤه من كسبه كأدائه من مال أبيه وأيهما أعتقه المولى عتق كما لو أعتقه في حياة أبيه
وعلى الآخر أن يسعى في جميع المكاتبة التي بقيت على الأب لان الولد الذي عتق قد استغنى
عن أداء بدل الكتابة فيجعل كالمعدوم والآخر محتاج إلى بدل الكتابة فكان المكاتب لم
يخلف الا إياه فيسعى في جميع المكاتبة وللغرماء أن يأخذوا أيهما شاؤوا بجميع الدين لأنهما
جميعا مال الميت وقد تعلق حق الغرماء بكل واحد منهما ألا ترى أنهما لو عجزا جميعا بدئ بقضاء
الدين منهما واعتاق المولى أحدهما معتبر في اسقاط حقه عنه غير معتبر في اسقاط حق الغرماء
عن كسبه فلهذا كان لهم أن يأخذوا أيهما شاؤوا بجميع الدين ولا يرجع الذي يؤدى منهما
على صاحبه لان أداءه من مال الميت حكما فكأنه أدى من مال الميت حقيقة والله سبحانه
وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
(باب جناية رقيق المكاتب وولده)
(قال) رضي الله عنه وإذا قتل عبد المكاتب رجلا خطأ قيل للمكاتب ادفعه أو افده
بالدية لأنه أحق بكسبه مستبد بالتصرف فيه كالحر ألا ترى أنه ملك بيعه فكذلك يخاطب
بدفعه بالجناية بخلاف نفسه وولده الذين لا يستطيع بيعهم فإنهم داخلون في كتابته فلا
يمكنه دفعهم بالجناية كما لا يمكنه بيعهم ولان من دخل في كتابته فهو ملك لمولاه كنفسه
وإذا قتل عبده رجلا عمدا فله ان يصالح عنه لأنه مستبد بالتصرف فيه فله ان يصالح عن
جنايته على مال يؤديه لتسلم له نفسه كما للحر ذلك في ملكه ثم يؤخذ به وان عجز لأنه مال
219

التزمه بتصرف مملوك به بسبب عقد الكتابة فيؤخذ له بعد العجز بمنزلة ما يلتزمه بالشراء
وان جنت أمته جناية خطأ فباعها أو وطئها فولدت منه وهو يعلم بالجناية فهذا منه اختيار
وعليه الأرش لأنه منع الدفع بالبيع والاستيلاد ومن خوطب بالدفع أو الفداء إذا امتنع من
الدفع بعد العلم كان مختارا للفداء بعد العلم كالحر وان قتله عبد له عمدا فالعبد في قتل مولاه عمدا
كأجنبي آخر في وجوب القصاص عليه كالحر إذا قتله عبده فالمكاتب مثله ثم المكاتب إذا قتل
عمدا فهو على ثلاثة أوجه إن لم يترك وفاء فالقصاص واجب للمولى لأنه عبده حين مات
عاجزا فله ان يستوفى القصاص من قاتله وان ترك وفاء وله وارث سوى المولى فلا قصاص
على القاتل لاشتباه من يستوفيه فان على قول على وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما يموت
حرا فيكون استيفاء القصاص لوارثه وعلى قول زيد رضي الله عنه يموت عبدا فيكون حق
استيفاء القصاص للمولى واختلاف الصحابة رضي الله عنهم يمكن شبهة معتبرة ومع انعدام
المستوفى لا يجب القصاص لان الوجوب في القصاص غير مقصود بنفسه بل المقصود
الاستيفاء لان الزجر يحصل به وكذلك لو اجتمعا لم يكن لهما استيفاء القصاص لان بأصل
الفعل لم يجب القصاص لاشتباه المستوفى فلا يجب بعد ذلك بتراضيهما وان قتل ولا وارث
له سوى المولى فعلى قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يجب القصاص لمولاه وعند
محمد رحمه الله تعالى لا يجب لان سبب ثبوت حق الاستيفاء له مشتبه فان الكتابة ان
انفسخت كما قال زيد رضي الله عنه فإنما يستوفيه بالملك وان بقيت كما قال على وعبد الله
رضي الله عنهما فإنما يستوفيه بالإرث بالولاء واشتباه السبب معتبر فيما يندرئ بالشبهات
كاشتباه المستوفى ألا ترى أن أمة انسان إذا كانت في يد غيره فقال ذو اليد زوجتنيها بكذا
وقال المولى بل بعتها منك بكذا لم يحل له له أن يطأها لاختلافهما في سبب ثبوت حل الوطئ
له وان اتفقا على أن الوطئ له حلال ولكن من قبل أن حل الوطئ لا يثبت مع الشبهات
فاشتباه السبب يكون مانعا من ثبوته وهما يقولان تيقنا بثبوت حق استيفاء القصاص
للمولى فيجب القصاص ويتمكن من استيفائه كما لو قتل عاجزا وهذا لان الأسباب غير
مطلوبة لا عيانها بل لاحكامها ألا ترى أن من قال لغيره لي عليك ألف درهم غصبا وقال
الآخر بل قرضا وجب المال ولا ينظر لاختلافهما في السبب لما اتفقا على وجوب المال
فكذا هنا لا يعتبر الاشتباه في السبب بعد ما تعين المولى مستوفيا بأي السببين كان بخلاف
220

ما إذا ترك وارثا لان المولى هناك لم يتعين مستوفيا مع اشتباه المستوفى لتعذر الاستيفاء
وبخلاف مسألة الوطئ لأنا لم نتيقن هناك بثبوت الحل له لجواز أن يكون كل واحد
منهما كاذبا فيما يدعى من السبب ولان السبب هناك حكمي ولا يثبت واحد من السببين
بقول أحد الخصمين مع تكذيب صاحبه وبدون ثبوت سبب الحل لا يثبت الحل وهنا
السبب الموجب للقود وهو العمد المحض متيقن به وثبوت حق استيفاء المولى متيقن به أيضا
اما باعتبار الملك أو الولاء فلهذا يمكن من الاستيفاء وإذا استهلك عبد المكاتب مالا فهو دين
في عنقه يباع فيه لظهور سببه في حق المكاتب وان جنى عبده ثم عتق المكاتب فهو على
خياره لأنه إنما كان مخيرا بين الدفع والفداء باعتبار ملكه وقد تقرر ملكه بالعتق وان
عجز فالخيار إلى المولى لان الملك بعجزه تقرر للمولى فيتخير بين الدفع والفداء كما يخير
الوارث بعد موت المورث في جناية عبد الحر وإن كان العبد وامرأته مكاتبين مكاتبة واحدة
فولدت ولدا فقتله المولى وقيمته أكثر من الكتابة فقيمته على مولاه في ثلاث سنين لان
ولدهما مملوك للمولى فلا يجب عليه القصاص بقتله ولكنه داخل في الكتابة فعلى المولى قيمته
بقتله كما يلزمه الدية لو قتل المكاتب فالمال بنفس القتل يجب مؤجلا في ثلاث سنين وان كانت
الكتابة قد حلت قاصهم بها لان القيمة واجبة للأم فان الولد داخل في كتابتها حتى يكون
كسبه لها فكذلك بدل نفسه وقد بينا أن الولد جزء من أجزاء الأم يتبعها في الرق والحرية
فكذلك في الكتابة وقد كان للمولى أن يطالب الأم بجميع الكتابة ومتى التقى الدينان تقاصا
إذا استويا لأنه لا فائدة في الاستيفاء ثم على المولى أداء فضل القيمة إلى الأم لان المقاصة إنما
وقعت بقدر بدل الكتابة ورجعت الأم على الأب بما أدت عنه من ذلك لأنها صارت قاضية
بدل الكتابة بالمقاصة فكأنها أدت بنفسها فترجع على الأب بحصته وان كانت المكاتبة لم تحل
أدى المولى القيمة إلى الأم لان المقاصة لا تقع بين الحال والمؤجل فيستوفى منه ماحل وهو
القيمة لتستعين به في مكاتبتها إذا حلت وإن كان الابن مكاتبا معها فقتله المولى ثم حلت
القيمة أقتص منها بقدر الكتابة ان كانت المكاتبة حلت أو لم تحل لان الولد المقتول هنا
مقصود بالكتابة وقد كان مطالبا بجميع البدل عند حله والأجل لا يبقى في حقه بعد موته
إذا ترك وفاء فإذا حلت القيمة قد تحقق الوفاء فصار قصاصا ببدل الكتابة حلت أو لم
تحل ويؤدى المولى إلى الورثة فضل القيمة والأب والأم حصتهما من المكاتبة لان الابن
221

لو أدى جميع البدل في حياته رجع عليها بحصتها منها فكذلك إذا صار مؤديا ببدل نفسه
بعد موته ثم يقسم ذلك كله بين ورثة الابن علي فرائض الله تعالى ويرث أبواه معهم لان
عتقه أستند إلى حال حياته وكذلك عتقهما لاتحاد العقد في حقهم (فان قيل) فلماذا لا يجب
على المولى الدية (قلنا) لما بينا أن استناد الحرية إلى حال الحياة لأجل الضرورة وليس
من ضرورته وجوب الدية فكم من قتيل حر لا تجب ديته ولان الاستناد فيما هو من
حكم عقد الكتابة ووجوب الدية ليس من حكم عقد الكتابة في شئ ولان المولى إنما يضمن
جنايته ولا يستند العتق إلى وقت جنايته إنما يستند إلى آخر جزء من أجزاء حياته بعد الجناية
ولو أعتق المولى أم ولد لمكاتبه لم يجز عتقه بخلاف ما إذا أعتق ولدها لان الولد داخل
في كتابته حتى يعتق بعتقه فيكون مملوكا للمولى فأما أم الولد غير داخلة في كتابته حتى
لا تعتق بعتقه فلا نكون مملوكة للمولى توضيحه أن في اعتاق الولد تحصيل مقصود المكاتب
فأما في اعتاق أم الولد تفويت مقصود المكاتب لان المكاتب لو عتق كانت أم ولد له
يطأها ويستمتع بها وفى العتق تفويت هذا المقصود عليه فلا يملكه المولى ولو ملك المكاتب
أب مولاه أو ابنه لم يعتق لان المولى لو أعتق رقيق المكاتب لا ينفذ عتقه فعرفنا أنه لا
يملكهم فلا يعتقون عليه ولا يمتنع بيعهم أيضا بخلاف ما إذا ملك أب نفسه أو ابن نفسه
وكان ينبغي أن يمتنع بيعهم لان للمولى في كسب المكاتب حق الملك كما للمكاتب ولكن قال
البيع من التصرف وفى حكم التصرف المولى من كسب المكاتب أجنبي والمكاتب بمنزلة
الحر توضيحه أن عتق أب المكاتب وابنه من مقصود المكاتب وكسبه محل لما هو من
مقاصده فكان في ادخالهم في كتابته ليعتقوا بعتقه معني تحصيل مقصوده وعتق أب المولى
وابن المولى ليس بمقصود للمكاتب فلم يكن في ادخالهم في كتابته تحصيل مقصوده فلهذا
لا يتكاتبون عليه وإذا جنى المكاتب جناية خطأ فإنه يسعى في الأقل من قيمته ومن أرش
الجناية لان دفعه متعذر بسبب الكتابة وهو أحق بكسبه وموجب الجناية عند تعذر الدفع
على من يكون الكسب له فالواجب هو الأقل من القيمة ومن أرش الجناية ألا ترى أن
في جناية المدبر وأم الولد يجب على المولى الأقل من قيمتها ومن أرش الجناية لأنه أحق
بكسبهما فان جنى جناية أخرى بعد ما حكم عليه بالأقل في الجناية الأولى يلزمه بالجناية
الثانية أيضا الأقل من قيمته ومن أرش الجناية لان موجب الجناية الأولى صار دينا في ذمته
222

فتتعلق الجناية الثانية برقبته ويلزمه الأقل كالجناية الأولى وان كانت الجناية الثانية قبل أن
يحكم عليه بموجب الجناية الأولى فليس عليه الا قيمة واحدة عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى
عليه لولى كل جناية قيمة على حدة لان من أصله أن جنايته لا تتعلق برقبته بل موجبه
القيمة ابتداء لان الدفع متعذر فكان القضاء وغير القضاء فيه سواء يجب عليه قيمة باعتبار
كل جناية لكونه أحق بكسبه عند كل جناية وعندنا تتعلق جناية المكاتب برقبته لان الدفع
موهوم فإنه إن عجز انفسخت الكتابة ودفع بالجناية فإنما يتحول إلى القيمة بقضاء القاضي فإذا
اجتمعت الجنايات في رقبته قبل قضاء القاضي لم يلزمه الا قيمة واحدة لأنه لو أمكن دفعه لم يكن
حقهم الا في رقبة واحدة بخلاف ما إذا قضى القاضي بالأولى لأنه تحول إلى القيمة دينا في ذمته
بقضاء القاضي ثم تعلقت الجناية الثانية برقبته حتى يدفع بها إذا عجز فلهذا يقضى له بقيمة أخرى
ولو قتل رجلا عمدا هو أو ابن له في ملكه ثم صالح في ذمته على مال جاز الصلح لان من
دخل في كتابته تبع له وله أن يصالح عن جناية نفسه فكذلك عن جناية من دخل في
كتابته لأنه أحق بكسبه فان عجز فرد في الرق فإن كان أعطى المال لم يكن له حق
الاسترداد وإن لم يكن أدى المال لم يؤخذ بالمال حتى يعتق في قول أبي حنيفة رحمه الله وعند أبي
يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يؤخذ بالمال في الحال فيباع فيه وأصل المسألة في المكاتب
إذا أقر بجناية الخطأ فقضى عليه بالقيمة ثم عجز لم يؤخذ به الا بعد العتق في قول أبي حنيفة
لان وجوب هذا المال بقوله واقراره فيما ليس من التجارة يكون ملزما إياه بعد العتق لا بعد
العجز قبل العتق لان بعد العجز الحق في ماليته لمولاه واقراره ليس بصحيح في حق المولى
كما لو أقر بالجناية بعد العجز فكذلك في الصلح لان دم العمد ليس بمال فهو بهذا الصلح يلتزم
مالا لا بإزاء ما فهو وما يقربه سواء وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى كل واحد
من المالين ثابت في ذمته وهو مطالب بهما في حال قيام الكتابة فيبقى في ذمته بعد العجز فيباع
فيه كسائر الديون وتمام بيان هذه المسائل في الديات وإذا حفر المكاتب بئرا في الطريق
فوقع فيها انسان فعليه أن يسعى في قيمته يوم حفر لأنه جان بطريق التسبب بالحفر في
الطريق فيجعل كجنايته مباشرة وإذا وقع فيها آخر بعد ما قضى للأول شركه في تلك القيمة
لان الموجود من المكاتب جناية واحدة وهو الحفر فلا يلزمه به أكثر من قيمة واحدة
ولكن الثاني يشارك الأول في تلك القيمة بخلاف جنايته بالمباشرة فان الثانية غير الأولى
223

ولو سقط حائط له مائل قد شهد فيه على انسان فقتله فعليه أن يسعى في قيمته لأنه متمكن
من هدم الحائط المائل فإذا تركه بعد ما أشهد عليه جعل كالدافع له على من سقط الحائط
عليه فلزمه قيمته وان وجد في داره قتيل أخذ بقيمته يوم وجد القتيل فيها لان التدبير في
داره إليه فيكون كالحر في ذلك ولو وجد القتيل في دار الحر جعل كالقاتل له في وجوب البدل
فكذلك المكاتب إلا أن تكون قيمة المكاتب أكثر من الدية فينقص حينئذ عشرة دراهم من
الدية لان وجوب القيمة عليه إذا كانت الجناية منه معتبر بوجوب القيمة إذا كانت الجناية عليه
والجناية على المكاتب لا توجب من قيمته إلا عن الف الا عشرة دراهم لأنه عبد ما بقي
عليه درهم فكذلك القيمة الواجبة بالجناية منه فان جنى جناية ثم عجز فإن كان قد قضي عليه
بالسعاية فهو دين عليه يباع بها لان سببه ظاهر في حق المولى وقد صار دينا في ذمته بالقضاء
وإن لم يقض بها عليه خير المولى بين الدفع والفداء الا على قول زفر رحمه الله فإنه يقول
الوجب قيمته يباع فيه بناء على أصله الذي قلنا أن موجب جنايته القيمة ابتداء وقد ذكر في
كتاب الجنايات أن أبا يوسف رحمه الله كأن يقول بهذا مرة ثم رجع عنه فقال يخير المولى كما
هو مذهبهما لان موجب جنايته في رقبته لتوهم امكان الدفع بعد العجز وإنما يتحول إلى
الذمة بقضاء القاضي فإذا عجز قبل القضاء بقيت الجناية في رقبته فكأنه جني ابتداء بعد العجز
فيخاطب المولى بالدفع أو الفداء وان جنى عليه فالواجب أرش المماليك لأنه عبد وذلك للمكاتب
بمنزلة كسبه لأنه صار أحق بنفسه وان قتل رجلا عمدا فعليه القود لقوله صلى الله عليه
وسلم العمد قود والرقيق في حكم القود والحر سواء وان قتل ابن المكاتب أو عبده فلا قود على
القاتل أما الابن فلانه من وجه مملوك للمولى حتى لو أعتقه ينفذ عتقه ومن وجه هو مملوك
للمكاتب حتى يكون أحق بكسبه فاشتبه من يجب القصاص له وذلك مانع من وجوب
القصاص وأما عبده فلان للمولى فيه حتى الملك ألا ترى ان بعجزه يتم فيه ملك المولى ومن
وجه هو ملك المكاتب حتى يتم ملكه فيه إذا أعتق فيشتبه من له القصاص ولان المكاتب
إنما صار أحق بكسبه ليؤدي بدل الكتابة والقصاص ليس من ذلك في شئ والمولى ممنوع
من كسبه فلا يمكن ايجاب القصاص له أيضا ومع الاشتباه لم يجب القصاص وان اجتمعا
على ذلك لم يقتص أيضا لأنه لم يجب بأصل الفعل فلا يجب باتفاقهما بعد ذلك ولكن على
القاتل القيمة لما تعذر ايجاب القصاص وهو المكاتب بمنزلة سائر اكسابه وان عفوا
224

فعفوهما باطل أنما المولى فلانه لم يجب له شئ وأما المكاتب فلان العفو تبرع منه فلا يصح
كالابراء عن الديون وان قتل المولى مكاتبه خطأ أو عمدا وقد نرك وفاء فعليه قيمته
تقضى به كتابته وكذلك لو قتل ابنه لان المكاتب كان أحق بكسبه وبنفسه فلما جعل
المولى كالأجنبي فيما يجب باتلاف كسبه فكذلك فيما يجب باتلاف نفسه وان أقر المكاتب
بجناية خطأ أو عمدا لا قصاص فيه فاقراره جائز ما دام مكاتبا لان موجب جنايته في
كسبه واقراره في كسبه صحيح وان عجز ورد في الرق بطلت عنه قضى به عليه أولم يقض
وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وذكر في كتاب الجنايات ان أبا يوسف ومحمدا رحمهما
الله تعالى قالا يؤخذ بما قضى عليه منها خاصة وما أداه قبل العجز لم يسترده عندهم جميعا
وقد بينا هذا ولا يلزم المكاتب مهر من نكاح بغير إذن مولاه حتى يعتق ويلزمه ذلك في
في الشراء عند الاستحقاق يعنى إذا اشترى جارية فوطئها ثم استحقت يغرم عقرها في
الحال لان سقوط الحد هناك كان بسبب الشراء وهو عقد تجارة فما يجب باعتباره من
الضمان يكون ضمان التجارة فيؤاخذ به في الحال وفى النكاح سقوط الحد عنه ووجوب المهر
كان بسبب النكاح وهو ليس بتجارة فما يجب بسببه لا يكون من جنس ضمان التجارة فلا
يؤاخذ به حتى يعتق توضيح الفرق أنه صار منفك الحجر عنه في الشراء ففي الضمان
الواجب بسببه يلتحق بالحر ولم يصر منفك الحجر عنه من نكاح نفسه ففيما يجب بسببه
هو كالعبد المحجور ولا يتزوج المكاتب بغير إذن مولاه لان انفكاك الحجر عنه في عقود
الاكتساب وليس في التزوج اكتساب المال بل فيه التزام المهر والنفقة ولان حكم
المالكية إنما يثبت له يدا ليتمكن من أداء بدل الكتابة فكل عقد لا يوصله إلى ذلك لا يثبت
له حكم المالكية في ذلك بل يكون هو كالعبد لا يتزوج الا بإذن مولاه وكذلك لا يزوج
عبده لأنه تعيب للعبد وليس باكتساب للمال وكذلك لا يزوج ابنه لان الرق الباقي فيه مخرج
له من أهلية الولاية بالقرابة وسبب الملك في ابنه أبعد عنه من عبده لما بينا ان من دخل في
كتابته فهو مملوك لمولاه ولهذا لا يزوج ابنته أيضا لأنها لما دخلت في كتابته صارت
مملوكة لمولاه بمنزلة نفسه ولا يزوجها بدون اذن مولاها وله ان يزوج أمته لان تزويج الأمة
اكتساب في حقه فإنه يكتسب به المهر ويسقط عن نفسه نفقتها وهو منفك الحجر عنه في
عقود الاكتساب (فان قيل) هذا موجود في حق ابنته قلنا نعم ولكن ابنته مملوكة للمولى
225

وأمته ليست بمملوكة للمولى حتى ينفذ عتق المولى في ابنته دون أمته ولو عجز وقد حاضت
ابنته حيضة لا يجب علي المولى فيها استبراء جديد ويلزمه ذلك في أمته ومكاتبته
كأنه تزوجها برضاها بدون اذن المولى لان بكتابتها ثبت لها الحق في نفسها دون
اذن المولى وإنما يعتبر رضاها في تزويجها ولا يعتبر رضا المولى ولا تتزوج المكاتبة بغير إذن
مولاها وكان ينبغي أن يملك ذلك لأنه اكتساب للمهر في حقها ولكن رقبتها باقية
على ملك المولى فيمنع ذلك ثبوت ولاية الاستبداد لها بالتزوج لان فيه تعييب رقبتها
فان النكاح عيب فيها وربما تعجز فيبقى هذا العيب في ملك المولى توضيحه أن النكاح غير
مشروع في الأصل لاكتساب المال بل للتحصين والنفقة وانفكاك الحجر بسبب الكتابة
في عقود اكتساب المال فإذا كان مقصودها من تزويج نفسها شيئا آخر سوى المال لم
يكن هذا العقد مما يتناوله الفك الثابت بالكتابة فان تزوجت بغير إذن مولاها فلم يفرق
بينهما حتى عتقت جاز النكاح ولا خيار لها لان المانع حق المولى وقد سقط بالعتق ونفوذ
العقد كان بعد العتق وفي مثله لا يثبت الخيار لها وإذا وقع المكاتب على بكر فاقتضها كان
عليه الحد لوجود الزنا المحض منه وهو مخاطب فان دخل في ذلك وجه شبهة ولم تطاوعه
المرأة كان عليه المهر لان هذا الفعل لا ينفك عن عقوبة أو غرامة إذا حصل في غير الملك وقد
سقطت العقوبة فوجب المهر إلا أنها إذا طاوعته فقد رضيت بتأخير حقها فيتأخر إلى ما بعد
العتق وإذا تطاوعه فمل ترض بتأخير حقها فيلزمه ذلك في الحال كما لو جنى عليها كان
مؤاخذا بالأرش في الحال فان قال تزوجتها فصدقته فإنما عليه المهر إذا عتق لوجود الرضا
منها بتأخير حقها وان قال اشتريتها أو وهبت لي أخذ بالمهر في المكاتبة لما بينا أن في الشراء
الواجب من جنس ضمان التجارة وكذلك في الهبة لأنه إنما سقط الحد عنه بسبب موجب
للمال فهو نظير الشراء وهذا لان بعد الملك لاحق لاحد سواه فلا يعتبر فعل الغير في
الرضا بالتأخير بخلاف التزويج فإنه لا يسقط به حقها من نفسها فيعتبر رضاها وتمكينها
من تأخير حقها ولا يجوز هبة المكاتب ولا صدقته وقال ابن أبي ليلى يتوقف عتقه وهبته
وصدقته على سقوط حق المولى بعتق المكاتب فإذا عتق نفذ ذلك كله لأنه أحق بكسبه
في الحال ولكن فيه حق المولى على أن يصير مملوكا إذا عجز فيمتنع نفوذ هذه التصرفات
226

منه في الحال لمراعاة حق المولى فإذا سقط حق المولي بالعتق فقد زال المانع فينفذ تصرفه
كالوارث إذا أعتق عبدا من التركة المستغرقة بالدين ثم سقط الدين ولكنا نقول هو ليس
بأهل للتبرعات لكونه عبدا ولان صحة التبرعات باعتبار حقيقة الملك وهو ليس من أهله
ولا يتوقف التصرف إذا صدر من غير أهل فهو كالصبي إذا أعتق أو وهب ثم بلغ لم ينفد
ذلك منه ولان بالعتق يتم ملكه في الكسب مقصورا على الحال فلا ينفد التبرع السابق
عليه منه ألا ترى أن المولى لو كان هو الذي أعتق عبده أو وهب كسبه ثم عجز المكاتب
حتى ملك المولى لم ينفذ ذلك التصرف منه فهذا مثله ولا يجوز وصية المكاتب وان ترك وفاء
لأنه تبرع بعد الموت فيكون كتبرعه في حياته (فان قيل) أليس أنه إذا أديت كتابته يحكم
بموته حرا ولو عتق في حال حياته وجب تنفيذ وصيته بمال مرسل بعد موته من ثلثه
فكذلك إذا أديت كتابته (قلنا) قد بينا أن استناد حريته في حكم الكتابة للضرورة
ووصيته ليست من ذلك في شئ ولان حريته إنما تستند إلى آخر جزء من أجزاء حياته
وتلك الحالة للطافتها لا تتسع للوصية ولا يجوز اقراضه ولا كفالته لأنه تبرع إلا أن كفالته
ككفالة العبد المحجور عليه تظهر في حقه بعد العتق واستقراضه جائز لأنه تبرع عليه وهو
من أهله بمنزلة قبول الهبة والصدقة ويجوز بيعه وشراؤه بالمحاباة لأنه من التجارة وقد يفعله
التاجر لاظهار المسامحة حتى يميل الناس إليه أو يحابى في تصرف ليتوصل به إلى تصرف
آخر هو أنفع له وكذلك أن حط شيئا بعد البيع بعيب ادعى عليه أو زاد في ثمنه شيئا اشتراه
فهذا من صنع التجارة والمكاتب فيما هو من التجارة بمنزلة الحر وان أعار دابة أو أهدى هدية
أو دعا إلى طعام فلا بأس بذلك وهذا استحسان فأما في القياس هذا كله تبرع والمكاتب
ليس من أهل التبرع ولكنه استحسن فقال هذا من صنع التجارة فإنه لا يجد بدا من ايجاد
الدعوة للمهاجرين أو الاهداء إليهم أو إعارة مسكن أو غير ذلك منهم إذا أتوه من بلدة
أخرى وإذا لم يفعل ذلك تفرقوا عنه فلكونه من توابع التجارة قلنا يملكه استحسانا وليس
له أن يكسو الثوب لان ذلك تمليك لعين الثوب بطريق التبرع والتاجر لا يحتاج إلى ذلك عادة
وكذلك لا يعطى درهما فصاعدا لأنه تبرع بتمليك العين بخلاف المنفعة فالتجار يتوسعون
في المنافع مالا يتوسعون في الأعيان ففي هذا إشارة إلى أن له أن يعطى دون الدرهم لأنه
227

قد يحتاج إلى ذلك عادة فان مجاهره إذا شرب الماء من سقاء على باب حانوته لا يجد بدا من
اعطاء فلس لأجله وما دون الدرهم قليل يتوسع فيه الناس فلهذا يملكه استحسانا والله
سبحان وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
(باب مكاتبة المكاتب)
(قال) رضي الله عنه وقد بينا أن للمكاتب أن يكاتب استحسانا فان أدى الثاني قبل الأول
كان ولاؤه لمولى الأول لان الأول صار معتقا فيخلفه مولاه لان الاعتاق يعقب الولاء
وهو ليس بأهل للولاء لأنه رقيق بعد فيخلفه فيه أقرب الناس إليه وهو مولاه كالعبد
المأذون إذا اشترى شيئا يملكه مولاه بهذا الطريق وهو أن الشراء موجب للملك
فإذا لم يكن المشتري من أهل الملك خلفه في الملك أقرب الناس إليه وهو المولى فان
عتق الأول بعد ذلك لم يرجع إليه كما لا يرجع الملك في كسب العبد إليه بعد ما يعتقه
مولاه وان سبق الأول بالأداء ثم أدى الثاني فولاؤه للأول لان الولاء يعقب العتق وإنما
عتق الثاني بعد ما تم الملك للأول في رقبته وهو من أهل الولاء لحريته فان قتل المولى مكاتب
مكاتبه وقيمته ألف ومكاتبه خمسمائة وقد بقي على الأول من مكاتبته مائة فعلى المولى قيمته
ألف درهم في ثلاث سنين يقتص من ذلك المائة التي بقيت من مكاتبة الأول إذا كانت قد
حلت وحل ما على المولى من القيمة فيعتق المكاتب الأول وقد صار مستوفيا من الثاني لأنه
من مكاتبته ثم يعطيه المولى أربعمائة تمام مكاتبة الثاني والخمسمائة الباقية ميراث للمولى فإن لم يكن
للثاني وارث فهو لأقرب الناس من المولى من العصبة لان عتقه يستند إلى حال حياته والأول
في ذلك الوقت كان مكاتبا فيكون ولاء الثاني للمولى الا ان المولى قاتل ولا ميراث للقاتل
فكان ذلك لا قرب عصبة له وان كانت مكاتبته ألفا ولم يحل على المكاتب الأول شئ من
نجومه فان المولى يؤدى جميع القيمة إلى المكاتب الأول في ثلاث سنين لان الثاني مات عن
وفاء فان في قيمته وفاء بمكاتبته فيستوفى الأول مكاتبته من قيمته ويحكم بحريته ولو لم يقتله المولى
ولكن قتله المكاتب الأول وقيمة القاتل أكثر فعليه قيمة المقتول يستوفى من ذلك كتابته
وان فضل من قيمته شئ أداه إلى المولى لان ولاءه للمولى حين عتق قبل الأول فيكون
228

ما فضل ميراثا مكاتب كاتب عبدا ثم مات الأول عن ابن حر ولم يترك الا ما على الآخر
ثم مات الآخر عن ابن ولد له في المكاتبة فعليه أن يسعى فيما على ابنه فيؤدى ذلك إلى
المولى من مكاتبة الأول لان عقد كتابة الأول باق ببقاء دينه على المكاتب الثاني فيؤدى
منه مكاتبته وما فضل عنها فهو ميراث لابن الأول عن أبيه لأنه حكم بحريته قبل موته وولاء
الابن الآخر لابن الأول لان عتقن كل واحد من المكاتبين يستند إلى آخر جزء من
أجزاء حياته فإنما حكم بحرية الثاني بعد الحكم بحرية الأول فيكون ولاؤه وولاء ولده
للمكاتب الأول يخلفه فيه ابنه مكاتب اشترى امرأته ولم تكن ولدت منه ثم كاتبها فذلك
جائز وما ولدت بعد الكتابة فهو معها في الكتابة لأنه جزء منها وقد صارت هي أحق
بنفسها وولدها بعقد الكتابة فان مات المكاتب عن وفاء عتقت هي وأولادها لان كتابة
الأول لما أديت فقد حكم بعتقه وصارت المكاتبة أم ولد له فتعتق بالاستيلاد هي وأولادها
وأخذ أولادها ما بقي من ميراثه بعد أداء كتابته لأنهم عتقوا في حال حياته حين تم ملكه
فيهم وهم أولاده فإن لم يترك وفاء فالمرأة وولدها بالخيار ان شاؤوا سعوا فيما بقي على الأول ليعتقوا
بعتق الأول وان شاؤوا سعوا فيما بقي على الأم لأنهم يستفيدون العتق بأداء ذلك كما لو أدوا
إلى المكاتب في حياته ويسعون في الأقل من ذلك لان العبد إنما يتخير بين شيئين لرفق له
في أحدهما والرفق في اختيار الأقل دون الأكثر وليس للمكاتب أن يكاتب ولده ولا
والديه لأنهم دخلوا في كتابته تبعا والمكاتب لا يكاتب ولأنهم بمنزلة مملوكين للمولى حتى
لا يبيعهم وكما لا يكاتب نفسه فكذلك لا يكاتبهم ولا يجوز له أن يكاتب من لا يجوز له بيعه
الا أم ولده لان أم الولد وان امتنع بيعها تبعا لولدها فلم تدخل في مكاتبته حتى لا تعتق بعتقه
قبل موته ولأنها لم تصر مملوكة للمولى حتى لا ينفذ عتقه فيها والمكاتبة أحق بكسبها فإذا
كاتبها يحصل له ما هو المقصود بعقد الكتابة لأنها تصير أحق بمكاسبها وإذا كاتب المكاتب
امرأته ولم تلد منه ثم ولدت بعد الكتابة ثم ماتت المرأة ولم تترك وفاء فالابن بالخيار ان
شاء سعى فيما بقي على أمه ليعتق بأدائه وان شاء عجز نفسه فيكون بمنزلة أبيه لأنه تلقاه جهتا
حرية أحدهما ببدل يؤديه والآخر بغير بدل عليه وهو التبعية لا بيه فيميل إلى أيهما شاء
وإذا كاتب المكاتب عبدا له ولد عنده في مكاتبته ثم ادعاه يثبت النسب منه لان أصل العلوق
كان في حكم ملكه ثم الأين بالخيار بين المضي على الكتابة وبين العجز لما بينا (فان قيل)
229

لما كأن لا يكاتبه ابتداء بعد ثبوت نسبه منه فينبغي أن لا تبقى مكاتبته أيضا (قلنا) مثله
لا يمتنع ألا ترى أنه لا يتزوج المكاتب أمته ثم يشتري امرأته فيبقى النكاح وهذا لأنه يصدق
في دعوى النسب لما فيه من المنفعة للولد ولا يصدق في ابطال ما ثبت له من الحق في كسبه
بعقد الكتابة ولهذا يخير الولد وإذا كاتب المكاتب عبدا له على نفسه وماله أو على نفسه وابنه
فهو جائز لان المكاتب مالك لعقد الكتابة في مكاسبه بمنزلة الحر والكتابة من الحر صحيحة
بهذه الصفة فكذلك من المكاتب وإذا مات المولى عن ابن وابنة وله مكاتب فاعتقه
أحدهما فعتقه باطل لان المكاتب لا يورث كما لا يملك بسائر أسباب الملك مع قيام الكتابة
ولان المولى استحق ولاءه بعقد الكتابة ففي جعل رقبته ميراثا ابطال هذا الاستحقاق على
المولى فالمعتق منهما أضاف التصرف إلى مالا يملكه فلا ينفد منه ولا يسقط به حصته من البدل
أيضا لأنه أضاف التصرف إلى مالا يملكه فلا يظهر حكمه فيما يملكه كأحد الشريكين في
العبد إذا أعتق نصيب شريكه يكون لغوا منه ولا يفسد الرق في نصيبه وإذا أعتق المكاتب
جميع الورثة في القياس لا ينفذ أيضا ولا يسقط حقهم في بدل الكتابة لاضافتهم التصرف إلى
ما ليس بملك لهم وفى الاستحسان يعتق ويجعل هذا بمنزلة الاقرار منهم باستيفاء بدل الكتابة
ومعنى هذا ان المكاتب إنما يعتق بعد موت المولى بإيفاء جميع بدل الكتابة فقولهم هو حر
يكون اقرارا منهم بما تحصل به الحرية له وهو إيفاء بدل الكتابة بخلاف ما إذا قال ذلك بعضهم
لأنه لا يعتق شئ منه بإيفاء نصيب أحدهم من بدل الكتابة فلا يتضمن كلامه الاقرار
باستيفاء نصيبه توضيحه ان عتق جميع المكاتب مسقط لبدل الكتابة عنه فيمكن أعمال
كلامهم بطريق المجاز وهو أن يكون اسقاطا منهم لبدل الكتابة ومتي تعذر العمل بحقيقة
الكلام يعمل بمجازه إذا أمكن بخلاف ما إذا أعتق أحدهم لان عتق البعض ليس بمسقط
عنه شيئا من بدل الكتابة على ما بينا إذا أعتق نصفه بالتدبير بموت المولى لا يسقط عنه شئ
من بدل الكتابة بخلاف ما إذا أعتقه كله فقد تعذر العمل بحقيقة كلامه ومجازه في ملكه فلهذا
كان لغوا ثم ولاؤه للابن دون الابنة لما بينا ان المولى استحق ولاءه وإنما عتق على ملكه
فيخلفه ابنه في ولائه لأنه عصبته وان وهب له أحدهما نصيبه من المال فذلك جائز لان
المال صار ميراثا لهما فإنما أضاف الواهب تصرفه إلى ملكه ولا يعتق شئ منه لأنه سقط
عنه بعض البدل ولا موجب لذلك في العتق كما لو أوفى بعض البدل فان عجز فرد
230

في الرق فنصيب الواهب من الرقبة ملك له لان الكتابة انفسخت بالعجز وصارت الرقبة ميراثا لهما وليس لهبة بدل الكتابة تأثير في انتقال ملكه عن الرقبة ولأنه تبين أن ميراثهم كان هو
الرقبة دون المال فكان هبته لنصيبه من المال لغوا وهذا بخلاف ما إذا كاتب رجلان عبدا
لهما ثم وهب أحدهما نصيبه من البدل فان هناك يعتق نصيبه لأنه ملك لنصيبه حتى يملك
اعتاقه فيجعل هبته لنصيبه من البدل كاعتاقه وهنا أحد الوارثين لا يملك اعتاقه فلهذا لا يعتق
شئ منه بهبة نصيبه من المال منه وان وهب منه جميع الورثة المال عتق استحسانا كما لو
أعتقه جميع الورثة وهذا أظهر لان ذمته برئت عن جميع المال حين وهبوه له وبراءة ذمة
المكاتب توجب حريته وإذا أدى المكاتب مكاتبته إلى الورثة دون الوصي وعلى الميت دين
يحيط بذلك أولا يحيط لم يعتق لأنه لاحق للورثة في قبض بدل الكتابة منه ما دام على
الميت دين فأداؤه إليهم في هذه الحالة كأدائه إليهم قبل موت المولى وان أداها إلى الوصي عتق
كان عليه دين أولم يكن وصل ذلك إلى الغريم والوارث أو لم يصل لان الوصي قائم مقام
الموصى والأداء إليه كأداء إلى الموصى وكذلك أن كانت الورثة حين قبضوا منه دفعوه إلى
الوصي فهو كدفع المكاتب بنفسه إلى الوصي وإذا أداها إلي بعض الورثة ولا دين على الميت لم
يعتق إلا أن يوصل الوارث إلى الآخرين أنصباءهم ان كانوا كبارا أو إلى الوصي نصيب الصغير
فحينئذ يعتق لان حق القبض لكل واحد منهم في نصيبه ولا ولاية للقابض على الآخرين
فلا يعتق بقبضه ما لم يوصل إليهم أنصباءهم ولهم الخياران شاؤوا اتبعوا المكاتب بحصصهم وان
وان شاؤوا اتبعوا الوارث القابض بمنزلة سائر الديون إذا قضاها الغريم بعض الورثة ولا
يعتق المكاتب حتى يقع في يد كل انسان نصيبه لأنه لا يستفيد البراءة الا بذلك ولو أدى
المكاتبة إلى الورثة وهم صغار فذلك باطل لأنه لا يستفيد البراءة بقبضهم فان قبض الصبي
دينه من غريمه باطل فما لم يصل إلى وصيه لا يعتق وإن كان على الميت دين يحيط بالمكاتبة
فأعطاها المكاتب إلى الغرماء فذلك جائز إذا أخذ كل ذي حق حقه منها لأنه أوصل الحق إلى
مستحقه ألا ترى أنه لو لم يكن عليه دين فأعطاها الورثة وهم كبار فاقتسموها بينهم بالحصص
كان ذلك جائزا فكذلك الغرماء وإذا أوصى بما على مكاتبه لرجل وهو يخرج من الثلث
فأداها إلى الموصي له جاز لأنه تعين مستحقا لما عليه بايجاب الموصى له وكذلك إذا أداها
إلى الوصي لأنه قائم مقام الموصى فيما هو من حقه وتنفيذ الوصية من حقه فكان للوصي
231

أن يقبض لينفذ الوصية فيه فلهذا عتق المكاتب بالدفع إليه وصل إلى الموصى له أو لم يصل
وان أداها إلى الوارث لم يعتق حتى يصل إلى الموصى له لأنه لا حق للوارث في هذا المال
وكذلك لو كان أوصى بثلث ماله لم يعتق المكاتب بالأداء إلى الوارث حتى يصل الثلث إلى
الموصى له والله أعلم بالصواب
(باب المكاتبة من المريض والمرتد)
(قال) وإذا كاتب الرجل عبده في مرضه على مكاتبة مثله ولا مال له غيره ثم مات المولى
فإنه يقال للمكاتب عجل الثلثين من المكاتبة والثلث عليك إلى الاجل فإن لم يعجل رد رقيقا
لان التأجيل تبرع منه والتبرع في مرضه بالتأخير كتبرعه بالاسقاط فلا يصح الا في ثلثه
بخلاف ماذا كاتبه في صحته لان تأجيله هناك صحيح مطلقا لكونه مالكا للتبرع بالاسقاط
في صحته ولا يبطل الاجل بموت المولى لأنه حق المكاتب وإن كان كاتبه على أكثر من
قيمته أضعافا فكذلك الجواب في قول أبى يوسف وهو قول أبي حنيفة وفى قول محمد
رضوان الله عليهم أجمعين تأجيله فيما زاد على مقدار قيمته صحيح وكذلك في قدر ثلث قيمته
وإنما يلزمه أن يجعل قدر ثلثي قيمته لان ما زاد على قدر قيمته فقد كان للمريض أن لا
يتملكه أصلا ولا يثبت حق ورثته فيه بأن يكاتبه على قيمته فإذا تملكه مؤجلا صح تأجيله
مطلقا كالمريضة إذا زوجت نفسها بمهر مؤجل صح تأجيلها في ذلك لان لها أن لا تتملك
ذلك أصلا بأن لا تزوج نفسها أصلا وهما يقولان جميع البدل مسمى في الكتابة بمقابلة ما هو
حق للمولى في رقبته فلا يصح التأخير الا في ثلثه كما لو كاتبه على قيمته وهذا لان حق
المولى في مالية الرقبة وقد تعلق به حق الورثة في ذلك فكان جميع البدل بمقابلة ما تعلق به
حق الورثة فلهذا لا يصح التأجيل الا في ثلثه بخلاف المهر فإنه بدل عمالا حق للوارث
فيه وإنما يثبت حق الوارث فيه ابتداء فإذا كان مؤجلا لم يثبت حقهم الا بتلك الصفة
ولو كاتبه في مرضه على مكاتبة مثله ثم أقر باستيفائها لم يصدق الا من الثلث لان ما باشره
في المرض من المكاتبة والاقرار بالاستيفاء بمنزلة الاعتاق ولأنه يتمكن تهمة المواضعة
من حيث أنه لما علم أنه لو أعتقه كان من ثلثه واضعه على هذا ليحصل مقصوده بهذا الطريق
فلا يصدق في حق الورثة ولكن إن كان عليه دين يحيط بما له لا يصدق في شئ إلا أن
232

العبد يعتق ويؤخذ بالكتابة كما لو أعتقه وإن لم يكن عليه دين وهو يخرج من ثلث ماله فهو
حر ولا شئ عليه وإن لم يكن له مال سواه فعليه السعاية في الثلثين في المكاتبة للورثة إلا أن
تكون قيمته أقل فحينئذ يسعى في ثلثي قيمته لان تهمة المواضعة إنما تمكنت في مقدار القيمة
ولا تتمكن في الزيادة على ذلك فيصح اقراره باستيفائه ويجعل هذا واعتاقه في مرضه ابتداء
سواء وكذلك لو أقر انه كان كاتبه في صحته واستوفى لان اقراره لا يصح في المرض الا بما
يملك انشاءه وتتمكن فيه تهمة المواضعة كما بينا وان كاتبه في صحته ثم أقر في مرضه بالاستيفاء
صدق في ذلك لان تهمة المواضعة هنا منتفية حين باشر العقد في صحته لتمكنه من اعتاقه
يومئذ ثم المكاتب يستحق براءة ذمته عند اقراره بالاستيفاء فلا يبطل ذلك الاستحقاق
بمرضه بخلاف ما إذا كاتبه في مرضه ألا ترى أنه لو باعه في صحته من انسان ثم أقر في
مرضه باستيفاء الثمن كان مصدقا في حق غرماء الصحة بخلاف ما لو كان باعه في مرضه
ولو أن مكاتبا أقر عند موته أنه كاتب عبده فلانا واستوفى مكاتبته لم يجز قوله لان هذا
بمنزلة الاعتاق والمكاتب لا يملك ذلك أصلا ولان هذا من الحر صحيح من ثلثه وليس
للمكاتب ثلث فلهذا كان على الآخر أن يسعى في جميع المكاتبة وكذلك لو كاتبه في مرضه
بأقل من قيمته لم يجز لان محاباته وصية والوصية من المكاتب باطلة ولو كاتبه على مكاتبة مثله
أمر الآخر أن يعجل مكاتبته كلها والا رد في الرق لان تأجيله تبرع منه والمكاتب المريض
ليس من أهله فان برأ من مرضه صح ذلك منه لان المرض إذا تعقبه برء فهو كحالة الصحة
ولو أوصى رجل فقال كاتبوا عبدي على كذا إلى أجل كذا ان حدث بي الموت وذلك كتابة
مثله أجزت ذلك أن كان يخرج من الثلث كما لو باشره بنفسه لأنه أوصى بما هو من
حاجته وقصد به استحقاق ولاية فهو كما لو أوصى بعتقه وإن لم يكن له مال غيره عرضت
عليه أن يعجل الثلثين ويؤخر الثلث ان قبل الكتابة كما لو باشره في حياته فان أبى لم يكاتب
لان عقد الكتابة لم يتم بدون رضاه وكذلك أن حط عنه منها شيئا يكون أكثر من الثلث
ولو كان مكاتب أوصى بهذا في عبده لم يجز لأنه وصية ولا يجوز للمكاتب ان يوصي بشئ
وان ترك وفاء ولو كاتب رجل عبده في مرضه ولا مال له غيره فأجاز الورثة في حياته فلهم
أن يمتنعوا من الإجازة بعد موته كما في سائر الوصايا وهذا لأنهم أجازوا قبل تقرر حقهم لان
حقهم إنما يثبت في الحقيقة بعد موت المولى ولان اجازتهم في الحياة للاستحياء منه فلا
233

يكون ذلك دليل الرضا منهم وإنما دليل الرضا الإجازة بعد الموت (قال) وان كاتب المرتد
عبده فكتابته موقوفة ان أسلم جاز وان قتل على ردته أو مات أو لحق بدار الحرب بطلت
في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى كتابته جائزة
الا ان عند أبي يوسف رحمه الله تعالى تجوز جوازها من الأصحاء وعند محمد رحمه الله تعالى
من المريض حتى تعتبر من ثلثه وهو بمنزلة اختلافهم في سائر تصرفات المرتد وإذا قسم
القاضي مال المرتد بين ورثته ثم كاتب الوارث عبدا من تركته ثم تاب المرتد ورجع فوجد
المكاتب فهو مكاتب له يؤدى إليه ويعتق وولاؤه له كأنه هو الذي كاتبه وعلى قول زفر
رحمه الله تعالى لا سبيل له عليه لان الوراث بتصرفه استحق ولاءه فكأنه أعتقه ولان
المكاتب غير محتمل للنقل من ملك إلى ملك فلا يعود إليه من ملك الوارث كالمدبر
وأم الولد ولكنا نقول استحقاق العتق لا يثبت بنفس الكتابة ولهذا كان محتملا للفسخ
والمرتد إذا تاب لا يتملك ماله على الوارث ولكنه يعود إلى قديم ملكه كما كان وعقد الكتابة
لا يمنع ذلك الا ترى ان المكاتب إذا كاتب عبدا له ثم عجز الأول كان الثاني مكاتبا للمولى
ويجعل كان الأول كان نائبا عن المولى في مكاتبته فكذلك هنا يجعل الوارث كالنائب عنه في
مكاتبته وكتابة المرتدة وعتقها وبيعها جائز كما يكون في الاسلام لان نفسها تتوقف بالردة حتى
لا تقتل فكذلك ملكها بخلاف المرتد عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وان كاتبت على خمر أو
خنزير فانى أبطل ذلك ولا أجيز عليها الا ما يجوز منها قبل الردة لأنها مجبرة على الاسلام فكان
حكم الاسلام باقيا في حقها وإذا ارتد العبد والمولى مسلم فكاتبه جاز لان المانع من نفوذ
تصرف المرتد توقف ملكه على حق ورثته وذلك لا يوجد في العبد ولأنه محض منفعة في
حقه بمنزلة قبول الهبة فان قتل وترك مالا أخذت الكتابة من ماله والباقي ميراث لورثته لأنه
حكم بحريته مستندا إلى حال حياته والمرتد الحر يرثه الورثة المسلمون وكذلك لو ترك ولدا ولد
له في المكاتبة يسعى فيما عليه لان موته عمن يؤدى بدل الكتابة كموته عما يؤدى به بدل
الكتابة وإذا ارتد المكاتب ولحق بدار الحرب واكتسب مالا فأخذ أسيرا فأبي أن يسلم فإنه
يقتل ويستوفى مولاه من كسبه مكاتبته والباقي ميراث استحسانا وكان القياس أن يكون
كله لمولاه إن كان عبدا وإن كان حرا فهو فئ لأنه كسب ردته وأبو حنيفة رحمه الله
لا يقول بتوريث كسب الردة عن المرتد إذا كان حرا ولكن يجعل ذلك فيئا للمسلمين
234

فكذلك في المكاتب ولكنه استحسن هنا فقال في كسب المكاتب حق لمولاه على معنى أنه
متى عجز كان كسبه لمولاه والمولى مسلم فقيام حقه يمنع من أن يكون كسبه فيئا فلهذا يجعل
هذا وما اكتسبه في حالة الاسلام سواء يؤدى منه بدل كتابته ويكون الباقي ميراثا لورثته
وإذا لحق المكاتب بدار الحرب مرتدا وخلف في دار الاسلام ابنا له ولد في كتابته فلا
سبيل على ابنه حتى ينظر ما يصنع المكاتب فان مات أو قتل عن وفاء أديت كتابته والباقي
ميراث لابنه وإن لم يترك وفاء سعى الابن فيما على أبيه وكذلك لو لم يترك في دار الاسلام
ولدا ولكنه خلف مالا لم اقسم ماله حتى أنظر ما يصنع وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يؤدى
مكاتبته من ماله ويجعل الباقي ميراثا لورثته لان لحوقه بدار الحرب كموته ألا ترى أن في
حق الحر يجعل هذا كالموت في قسمة ماله بين ورثته فكذلك في حق المكاتب ولكنا نقول
لحوقه بدار الحرب ليس بموت بعينه ولكن باعتبار أنه يصير حريبا وأهل الحرب في حق
المسلمين كالموتى يجعل ميتا حكما وهذا لا يوجد في حق المكاتب لان ملك المولى في رقبته باق
وقيام ملك المسلم في رقبة العبد يمنعه من أن يصير حربيا فإذا لم يصر حربيا كان هو بمنزلة
المتردد في دار الاسلام والحكم فيه إذا كان مترددا في دار الاسلام ما بينا فكذلك بعد لحاقه
ولو لم يلتحق بدار الحرب ولكن أهل الحرب أسروه فباعوه من رجل فاعتقه فذلك
باطل لأنهم بالأسر ما ملكوه فان المكاتب لا يحتمل النقل من ملك إلى ملك واما يملك
بالاستيلاء ما يحتمل النقل من ملك إلى ملك وإذا لم يملكوه بالأسر لا يملكه المشترى منهم
فكان اعتاقه إياه باطلا وإن كان المشترى اشتراه بأمره رجع عليه بالثمن لأنه مكاتب على حاله
فيصح أمره المشترى بشرائه في كسبه كما يصح أمر الحر الأسير بذلك فيرجع عليه بما
أدى لأنه أدى مال نفسه في تخليصه بأمره وإن كان أصابه المسلمون في غنيمة أخذه مولاه
بغير شئ قبل القسمة وبعدها وهو مكاتب على حاله لان الكفار لم يملكوه بالأسر فلا يملكه
المسلمون أيضا وكذلك الجواب في أم الولد والمدبر وان كاتب الحربي المستأمن عبدا في دار
الاسلام فهو جائز كم لو أعتقه بمال أو بغير مال فان مات عن مال أديت كتابته والباقي
ميراث للحربي ان جاء بالعبد من دار الحرب لأنه مولاه وهو حربي مثله ألا ترى أنه كان
متمكنا من الرجوع إلى دار الحرب والحربي يرث الحربي وإن كان اشتراه في دار
الاسلام وهو مسلم أو كافر كان الباقي لبيت المال لان الحربي لا يرث المسلم ولا المعاهد
235

والعبد الكافر الذي اشتراه في دار الاسلام بمنزلة المعاهد حتى لو عتق كان معاهدا لا يترك
ليرجع إلى دار الحرب ولا يرثه الحربي بخلاف العبد الحربي فإنه لو عتق فهو حربي على حاله
فيرثه الحربي فان لحق الحربي بدار الحرب فالمكاتب مكاتب على حاله لان حكم الأمان باق
فيما خلفه في دار الاسلام فان بعث بما عليه إليه عتق لبراءة ذمته وان ظهر المسلمون على الدار
فقتل الحربي أو أسر عتق المكاتب لبراءة ذمته عن بدل الكتابة فإنه لم يبق للمولى ولا لورثته
حق مرعى بعد ما قتل أو أسر ولم يخلفه السابي في ملك بدل الكتابة لان الدين في الذمة
لا يتصور ورود القهر عليه والملك للسابي بطريق القهر ولان يد المكاتب فيما في ذمته أسبق
فيملك ما في ذمته وتسقط عنه المكاتبة فلذا عتق وكذلك أن أسر من غير أن يظهروا
على الدار لان نفسه بالأسر قد تبدل وخرج من أن يكون أهلا لملك المال ولم يخلفه وارثه
في ذلك لبقائه حيا في حق ورثته فاما إذا قتل ولم يظهر المسلمون على الدار فالكتابة دين
عليه يؤديه إلى ورثة مولاه لأنهم يخلفونه فيما كان لمولاه حين لم يقع الظهور عليهم وكما
وجب عليه مراعاة الأمان فيما خلفه في دار الاسلام لحقه فكذلك يجب مراعاته لحق
ورثته حربي كاتب عبده في دار الحرب ثم أسلما جميعا أو صارا ذمة أجزت ذلك لان
الكتابة تعتمد التراضي كالبيع والشراء فكما يبقى بيعهم وشراؤهم بعد اسلامهم فكذلك
الكتابة فان خرجا مستأمنين والعبد في يديه على حاله فخاصمه في المكاتبة أبطلتها كما أبطل
العتق والتدبير في دار الحرب منهم إذا خرجوا بأمان ألا ترى أن رجلا منهم لو قهر رجلا
فأسره ثم خرج الينا وهو في يديه كان له أن يبيعه فكذلك المكاتب لأنه في حكم القاهر
لمولاه فيما في ذمته فلهذا بطلت المكاتبة وإن كان المولى قاهرا حين أخرجه إلى دار الاسلام
فهو عبده كما لو كان أعتقه ثم قهره هو أو غيره وأخرجه إلى دار الاسلام كان عبدا له ولو
كاتبه ثم خرج العبد مسلما عتق وبطلت عنه الكتابة لأنه قهر لمولاه حين أحرز نفسه بدار
الاسلام مسلما أو ذميا ولو فعل ذلك وهو بعد ملك نفسه حتى يعتق فكذلك إذا فعله وهو
مكاتب يملك ما في ذمته فيسقط عنه ويكون حرا مسلم تاجر في دار الحرب كاتب عبده أو أعتقه
أو دبره كان جائزا استحسانا وفى القياس لا يجوز شئ من ذلك منه لأنه فعله حيث لا يجرى
حكم المسلمين وتنفيذ هذه التصرفات من أحكام المسلمين ووجه الاستحسان انه مسلم ملتزم
لاحكام الاسلام وإن كان في دار الحرب وكذلك العبد مسلم ليس بمحل الاسترقاق بعد
236

حق العتق أو حقيقته فوجود هذا التصرف منهما في دار الحرب كوجوده في دار الاسلام
وكذلك لو كان العبد كافرا قد اشتراه في دار الاسلام لان الذمي في أنه ليس بمحل الاسترقاق
كالمسلم فإن كان العبد كافرا قد اشتراه في دار الحرب وكاتبه فأدى وعتق ثم أسلم أجزته
على المسلم استحسانا وفى القياس هو عبد له لأنه معتق له بالكتابة واستيفاء البدل فكأنه أعتقه
قصدا وقد بينا ان اعتاق المسلم العبد الحربي في دار الحرب لا يجوز لان غرضه الاسترقاق
فلا ينفذ العتق فيه من المسلم كما لا ينفذ من الحربي وللاستحسان فيه وجهان أحدهما أن
المسلم ضمن له ترك التعرض له بعد ما يؤدى بدل الكتابة إليه فعليه الوفاء بما ضمن لان
التحرز عن الغدر واجب على المسلم في دار الحرب ألا ترى أنه لا يحل له أن يأخذ شيئا من أموالهم
سرا فللوفاء بما ضمن جعلناه حرا والثاني أن المسلم إنما يتملك بالقهر إذا أحرزه بدار الاسلام
وذلك لا يوجد منه هنا لان دار الحرب ليس بدار له فلا يتملكه قبل الاسلام وبعد الاسلام
يستحيل أن يتملك الحر المسلم بالقهر وعلى هذا الطريق الاستحسان في الكتابة والعتق جميعا
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب
(باب المكاتبة تلد من مولاها)
(قال) رضي الله تعالى عنه وإذا ولدت المكاتبة من مولاها خيرت فإن شاءت أبطلت
الكتابة وكانت أم ولد له وإن شاءت مضت وأخذت العقر لأنه تلقاها جهتا حرية أحدهما
عاجل ببدل والآخر آجل بغير بدل فتختار أيهما شاءت ونسب ولدها ثابت من المولى
بالدعوة وهو حر لان المولى مالك للاعتاق في ولدها وان اختارت المضي على الكتابة أخذت
العقر من مولاها لإقراره بوطئها ثم إن مات المولى عتقت بالاستيلاد وسقط عنها بدل
الكتابة وان ماتت هي وتركت مالا يؤدى مكاتبتها منه وما بقي ميراث لابنها وإن لم تترك
مالا فلا سعاية على هذا الولد لأنه حر وإنما السعاية على ولد هو تبع لها في الكتابة حتى إذا
كانت ولدت ولدا آخر فنفاه المولى أولم يدعه فان نسبه لا يثبت منه لأنها مكاتبة لا يحل للمولى
وطؤها فلا يثبت النسب منه الا بالدعوة وإذا ماتت سعى هذا الولد فيما بقي عليها فان مات
المولى بعد ذلك عتق الولد وبطلت عنه السعاية لأنه بمنزلة أم الولد كأمه فيعتق بموت المولى
فان ادعى المولى حبل مكاتبته فضرب انسان بطنها بعد ذلك بيوم فألقت جنينا ميتا فان في
237

الولد غرة لأبيه لأنه عتق بدعوته كما لو ادعاه بعد الانفصال وبدل الجنين الحر الغرة وكان
ميراثا لأبيه لان الأم مكاتبة بعد فلا ترث شيئا ولكنها تأخذ العقر من المولى إذا اختارت
المضي على المكاتبة وإذا ولدت المكاتبة من المولى ومضت على الكتابة ثم ولدت ولدا آخر لم
يلزم المولى إلا أن يدعى لأنها محرمة عليه باعتبار بقاء الكتابة فلا يلزمه نسب ولدها الا بالدعوة
فإن كان الولد بنتا فولدت هذه الابنة بنتا ثم أعتق المولى الابنة السفلى عتقت هي وحدها لأنها
داخلة في كتابة الجدة ومملوكة للمولى فتعتق باعتاقه إياها وان أعتق الابنة الأولى عتقت
هي والابنة السفلى في قول أبي حنيفة وعلى قول أبى يوسف ومحمد رضوان الله عليهم أجمعين
لا تعتق السفلى ولكنها تكون مع الجدة على حالها لان السفلي تبع للجدة في الكتابة بمنزلة
ولد آخر لها ولو كان لها ولدان فاعتق المولى أحدهما لم يعتق الآخر والدليل على هذا ان
الجدة لو ماتت كان على العليا والسفلى السعاية فيما عليها من بدل الكتابة وإذا أدت السعاية
إحداهما لم ترجع على الأخرى بشئ وان الجدة في حال حياتها أحق بكسبها لتستعين به على
مكاتبتها وهذا لان العليا تبع ولا تبع للتبع فعرفنا انهما في الحكم بمنزلة الولدين من الجدة وأبو
حنيفة رحمه الله تعالى يقول مع هذا السفلى جزء من العليا كما أن العليا جزء من الجدة ثم لو
أعتق المولى الجدة عتقت العليا فكذلك إذا أعتق العليا عتقت السفلى والسفلى تبع للجدة كما
قالا ولكن بواسطة العليا ولا تتحقق هذه الواسطة الا بعد جعل السفلى تبعا للعليا ولو أعتق
العليا قبل انفصال السفلى منها عتقت السفلى بلا شك فكذلك بعد الانفصال لان معني
التبعية بالانفصال لا ينقطع لبقاء عقد الكتابة وإذا ولدت المكاتبة من مولاها ثم أقر المولى
أنها أمة لفلان لم يصدق وان صدقته في ذلك لان حق أمية الولد قد ثبت لها واستحق
المولى ولاءها فلا يصدقان على إبطاله فان قال المدعى بعتك بألف درهم ولم تنقد الثمن
وقال المولى زوجتني والأمة معروفة للمدعى فعلى المولى المهر يستوفيه المدعي قصاصا من الثمن
لأنهما يتصادقان على وجوبه عليه وان اختلفا في سببه وليس عليه قيمة في الأم ولا في الولد
لان تعذر استردادها كان باقرار المدعى ببيعها منه الا تري أنه لو أنكر ذلك تمكن من
استردادها لكونها معروفة انها له وإن لم تكن معروفة انها للمدعى ضمن له القيمة لان
تعذر استردادها لم يكن باقراره بالبيع ولكن كان بالاستيلاد الموجود من المستولد ألا
ترى أنه وان أنكر البيع لم يتمكن من استردادها وقد أقر المستولد انها ملك المقر له
238

احتبست عنده فيضمن قيمتها له بعد أن يحلف بالله ما اشتريتها منه بما يدعى من الثمن لأنه لو
أقر بالشراء لزمه الثمن فإذا أنكر يحلف على ذلك والله أعلم
(باب الايمان في العتق)
(قال) وإذا قال الرجل لعبده ان بعتك فأنت حر فباعه لم يعتق لان أوان نزول العتق
المتعلق بالشرط بعد وجود الشرط وبعد البيع هو ليس بمملوك له فلا يعتق إلا أن يكون
البيع فاسدا فيعتق لان بعد وجود الشرط هو باق على ملكه فان البيع الفاسد لا يزيل
الملك بنفسه إلا أن يكون سلمه إلى المشترى قبل البيع فحينئذ يزول ملكه بنفس البيع فلا
يعتق ولو قال إذا دخلت الدار فأنت حر فباعه فدخل الدار لم يعتق الا على قول ابن أبي
ليلى رحمه الله فإنه يقول يعتق ويبطل البيع وكذلك مذهبه في الفصل الأول لان التعليق
قد صح في الملك فينزل العتق من جهته عند وجود الشرط ولا يعتبر قيام ملكه في المحل عند
ذلك كما لا يعتبر قيام الأهلية في المولى حتى لو جن ثم دخل الدار عتق ولكنا نقول المتعلق
بالشرط إنما يصل إلى المحل عند وجود الشرط فلا بد من قيام ملكه في ذلك الوقت ليعتق
من جهته والأهلية إنما يحتاج إليها لصحة التكلم وتكلمه عند التعليق لا عند وجود الشرط
فيستقيم أن يجعل عند وجود الشرط كالمنجز للعتق بذلك الكلام الذي صح منه فان اشتراه
بعد هذا فدخل الدار لم يعتق أيضا لان يمينه انحلت بوجود الشرط في غير الملك إذ ليس
من ضرورة انحلال اليمين نزول الجزاء وإن لم يدخل الدار بعد البيع حتى اشتراه فدخل عتق
عندنا لبقاء اليمين إلى وقت وجود الشرط في ملكه ولا يعتق عند الشافعي رحمه الله لبطلان
اليمين بزوال الملك فان اليمين كما لا ينعقد عنده الا في الملك لا يبقى بعد زوال الملك فان قال
إذا دخلت هاتين الدارين فأنت حر فباعه فدخل إحداهما ثم اشتراه فدخل الأخرى عتق
لوجود الملك عند تمام الشرط وعند زفر رحمه الله لا يعتق لأنه يعتبر قيام الملك عند وجود
نفس الشرط كما يعتبره عند تمام الشرط وقد بينا هذا في الطلاق فان دخل إحداهما قبل البيع ثم
باعه فدخل الأخرى لم يعتق لان الشرط قد تم في غير ملكه وأوان نزول الجزاء ما بعد تمام
الشرط ولو قال له إذا دخلت هذه الدار فأنت حر إذا كلمت فلانا فباعه ثم دخل الدار ثم اشتراه
فكلم فلانا لم يعتق لأنه جعل شرط العتق الكلام وعلق ذلك اليمين بدخول الدار
239

والمتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز فيصير عند دخول الدار كأنه قال له أنت حر
إذا كلمت فلانا ولو قال ذلك لم يصح لأنه ليس في ملكه عند دخول الدار فلهذا لا يعتق وان
كلم فلانا في ملكه بخلاف الأول فان هناك عقد اليمين في الحال وجعل دخول الدارين
شرطا للعتق وقد وجد الملك عند التعليق وعند تمام الشرط فلهذا يعتق ولو قال إذا دخلت
الدار فأنت حر بعد موتى فباعه فدخل الدار ثم اشتراه لم يعتق ان مات لأنه علق التدبير
بدخول الدار فيصير كالمنجز له عند الدخول والتدبير لا يصح الا في الملك أو مضافا إلى الملك
فإذا لم يكن في ملكه عند دخول الدار لم يصر مدبرا فلا يعتق بموته ولو قال إن دخلت
دار فلان فأنت حر فشهد فلان وآخر أنه قد دخل الدار فهو حر لان الدخول فعل العبد
وصاحب الدار في شهادته على فعل العبد كغيره فيثبت الشرط بشهادتهما ولو قال إن كلمت
فلانا فأنت حر فشهد فلان وآخر أنه قد كلمه لم يعتق لان كلام فلان قوله باللسان والانسان
لا يصلح أن يكون شاهدا على فعل نفسه فلم يبق على الشرط الا شاهد واحد وبالشاهد
الواحد لا يثبت الشرط فان شهدا بنا فلان أنه قد كلم أباهما فان جحد الأب ذلك جازت
شهادتهما لأنهما يشهدان على أبيهما بالكلام وعلى المولى بوجود الشرط وإن كان أبوهما
يدعى ذلك فشهادتهما باطلة في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى جائزه في قول محمد رحمه
الله تعالى لأنه لا منفعة في المشهود به لأبيهما ومحمد رحمه الله تعالى يعتبر المنفعة للتهمة
وأبو يوسف رحمه الله تعالى يعتبر الدعوة والانكار لأنهما يشهدان لأبيهما ويظهران
صدقه فيما يدعى وقد تقدم بيان هذه المسألة في كتاب النكاح وإذا خلف الرجل بعتق
عبد بينه وبين آخر لا يدخل دارا ثم اشترى نصيب الآخر فدخل الدار عتق النصف
الأول خاصة لان تعليقه في ذلك النصف صحيح لوجود الملك وقت التعليق فيصير كالمنجز
للعتق في ذلك النصف عند وجود الشرط ومن أصل أبي حنيفة أن من أعتق نصف عبده
يسعى العبد في النصف الآخر وعندهما يعتق كله فهذا مثله (قال) ولو كان باع النصف
الأول ثم اشترى نصف شريكه ثم دخل الدار لم يعتق لان الشرط وجد بعد زوال ملكه
يما صح فيه التعليق وهو النصف الأول ولم يكن التعليق صحيحا في النصف الذي استحدث
الملك فيه بعد التعليق فلهذا لا يعتق ولو جمع بين عبده وبين ما لا يقع عليه العتق من ميت أو
أسطوانة أو حمار فقال أحدكما حر أو قال هذا حر أو هذا عتق عبده في قول أبي حنيفة
240

رضي الله عنه وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يعتق إلا أن يعنيه لان ما عين
عبده في كلامه بل ردد الكلام بينه وبين غيره فلا يتعين عبده الأبنية كما لو جمع بين عبده
وعبد غيره فقال أحدكما حر ولأنه لما ضم إليه مالا يتحقق فيه العتق صار تقدير الكلام
كأنه قال لعبده أنت حر أو لا ولو قال ذلك لم يعتق بدون النية وأبو حنيفة رحمه الله تعالى
يقول وصف أحدهما بالحرية والعبد محل لهذا الوصف دون الأسطوانة والحمار فيتعين لذلك
ويلغو ضم الأسطوانة إليه كما لو أوصى بثلث ماله لحى وميت كانت الوصية كلها للحي
ولان كلامه ايجاب للعتق فيتعين له المحل الذي يصلح لايجاب العتق فيه وهو الحي دون
الميت والأسطوانة وهذا لان كلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن بخلاف عبد الغير
فإنه محل بأن يوصف بالعتق ومحل الايجاب العتق أيضا ولكن يصير موقوفا على إجازة
المالك فلهذا لا يتعين عبده هناك وروي ابن سماعة عن محمد رحمه الله تعالى أنه إذا جمع بين
عبده واسطوانة وقال أحدهما حر عتق عبده لان كلامه ايجاب للحرية ولو قال هذا حر
أو هذا لم يعتق عبده لان هذا اللفظ ليس بايجاب للحرية بمنزلة ما لو قال هذا حرا ولا
ثم ذكر في بعض النسخ من الأصل بابا من كتاب الولاء وشرح ذلك يأتي بتمامه في
كتاب الولاء انتهى شرح كتاب العتاق من مسائل الخلاف والوفاق
أملاه المستقبل للمحن بالاعتاق المحصور في طرف من
الآفاق حامدا للمهيمن الرزاق ومرتجيا إلى لقائه
العزيز بالأشواق ومصليا على حبيب
الخلاق وعلى آله وأصحابه
خير الصحب
والرفاق
(تم الجزء السابع ويليه الجزء الثامن
وأوله كتاب المكاتب)
241