الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ١٩
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٦ - ١٩٨٦ م
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء التاسع عشر من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب الوكالة)
(قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي
سهل السرخسي رحمه الله إملاء * اعلم أن الوكالة في اللغة عبارة عن الحفظ ومنه الوكيل
في أسماء الله تعالى بمعنى الحفيظ كما قال الله تعالى وحسبنا الله ونعم الوكيل ولهذا قال علماؤنا
رحمهم الله فيمن قال لآخر وكلتك بمالي انه يملك بهذا اللفظ الحفظ فقط وقيل معنى الوكالة
التفويض والتسليم ومنه التوكل قال الله تعالى وعلى الله توكلنا يعنى فوضنا إليه أمورنا وسلمنا
فالتوكيل تفويض التصرف إلى الغير وتسليم المال إليه ليتصرف فيه ثم للناس إلى هذا العقد
حاجة ماسة فقد يعجز الانسان عن حفظ ماله عند خروجه للسفر وقد يعجز عن التصرف في
ماله لقلة هدايته وكثره اشتغاله أو لكثرة ماله فيحتاج إلى تفويض التصرف إلى الغير بطريق
الوكالة. وقد عرف جواز هذا العقد بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى فابعثوا أحدكم
بورقكم هذه إلى المدينة وهذا كان توكيلا. وأما السنة فما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
انه وكل حكيم ابن حزام رضي الله عنه بشراء الأضحية وبه وكل عروة البارقي فلما سأل رسول
الله صلى الله عليه وسلم شيئا أعطاه علامة وقال أئت وكيلي بخيبر ليعطيك ما سألتني بهذه العلامة
والدليل عليه الحديث الذي بدأ به محمد رحمه الله الكتاب ورواه أبو يوسف ومحمد
رحمهما الله عن سالم عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت طلقني زوجي ثلاثا
ثم خرج إلى اليمن فوكل أخاه بنفقتي فخاصمته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجعل
لي نفقة ولا سكنى ففي هذا جواز التوكيل بالاتفاق وبظاهر الحديث يستدل ابن أبي ليلى
رحمه الله فيقول ليس للمبتوتة نفقة ولا سكنى ولكنا نقول إن صح الحديث فله تأويلان
أحدهما انها كانت بذيئة اللسان بذية على أحماء زوجها فأخرجوها فامر رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن تعتد في بيت أم مكتوم رضي الله عنها تسكينا للفتنة فظنت انه لم يجعل لها نفقة ولا
2

سكنى الثاني انه وكل أخاه بان ينفق عليها خبز الشعير ولم يكن الزوج حاضرا ليقضى عليه بشئ
آخر فلهذا قالت ولم يجعل لي نفقة ولا سكنى وذكر عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال
كان علي كرم الله وجهه لا يحضر خصومة أبدا وكأن يقول إن الشيطان ليحضرها وان لها
قحما الحديث وفيه دليل على أن التحرز عن الخصومة واجب ما أمكن لما أشار إليه رضي الله عنه
انه موضع لحضرة الشيطان وان للخصومة قحما أي مهالك وقال صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء
اثما أن لا يزال مخاصما قال وكان إذا خوصم في شئ من أمواله وكل عقيلا رضي الله عنه وفيه
جواز التوكيل بالخصومة وبظاهره يستدل أبو يوسف ومحمد رحمهما الله في جواز التوكيل
بغير رضا الخصم لان عليا رضي الله عنه لم يطلب رضا خصومه ولكن الظاهر أن خصومه
كانوا يرضون بتوكيله لأنه كان أهدى إلى طرق الخصومة من غيره لوفور علمه وإنما كان
يختار عقيلا رضي الله عنه لأنه كان ذكيا حاضر الجواب حتى حكى أن عليا رضي الله عنه استقبله
يوما ومعه عنز له فقال له علي رضي الله عنه على سبيل الدعابة أحد الثلاثة أحمق فقال عقيل
رضي الله عنه أما أنا وعنزي فعاقلان قال فلما كبر سن عقيل وكل عبد الله بن جعفر رضي الله عنه
اما أنه وقره لكبره أو لأنه انتقص ذهنه فكان يوكل عبد الله بن جعفر رضي الله عنه
وكان ذكيا شابا وقال هو وكيلي فما قضى عليه فهو علي وما قضى له فهو لي وفى هذا دليل
على أن الوكيل يقوم مقام الموكل وان القضاء عليه بمنزلة القضاء على الموكل قال فخاصمني طلحة
ابن عبد الله رضي الله عنه في ضفير أحدثه علي رضي الله عنه بين أرض طلحة وأرض نفسه
والضفير المسناة وفيه دليل على أنهم كانوا يختصمون فيما بينهم ولا نظن بواحد منهم سوى
الجميل لكن كان يستبهم عليهم الحكم فيختصمون إلى الحاكم ليبينه لهم ولهذا كانوا يسمون
الحاكم فيهم المفتى فوقع عند طلحة رضي الله عنه أن عليا كرم الله وجهه أضربه وحمل عليه
السيل ولم ير علي رضي الله عنه في ذلك ضررا حين أحدثه قال فوعدنا عثمان رضي الله عنه
أن يركب معنا فينظر إليه وفيه دليل علي أن فيما تفاقم من الامر ينبغي للامام أن يباشره
بنفسه وان يركب ان احتاج إلى ذلك فقال والله انى وطلحة نختصم في المواكب وان معاوية
رضي الله عنه على بغلة شهباء أمام الموكب قد قدم قبل ذلك وافدا فألقى كلمة عرفت أنه أعانني
بها قال أرأيت هذا الضفير كان على عهد عمر رضي الله عنه قال قلت نعم قال لو كان جورا
ما تركه عمر رضي الله عنه وفى هذا بيان انه لم يكن بين على ومعاوية رضي الله عنهما في أول
3

الامر سوى الجميل إلى أن نزغ الشيطان بينهما فوقع ما وقع قال فسار عثمان رضي الله عنه
حتى رأى الضفير فقال ما أرى ضررا وقد كان على عهد عمر رضي الله عنه ولو كان جورا
لم يدعه وإنما قال ذلك لان عمر رضى الله كان معروفا بالعدل ودفع الظلم على ما قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم أيما دار عمر فالحق معه وفيه دليل على أن ما وجد قديما يترك كذلك
ولا يغير الا بحجة فان عثمان رضي الله عنه ترك الضفير على حاله بسبب أنه كان قديما وذكر
عن شريح رحمه الله انه يجيز بيع كل مجيز الوصي والوكيل والمجيز ما يتم العقد بإجازته وفيه بيان
أن العقود تتوقف على الإجازة وان من يملك انشاء العقد يملك اجازته وصيا كان أو وكيلا أو
مالكا لان المعتبر أن يكون تمام العقد برأيه وذلك ما حصل بإجازته وذكر عن شريح رحمه الله
أنه قال من اشترط الخلاص فهو أحمق سلم ما بعت أو ذر ما أخذت ولا خلاص وبه أخذ
علماؤنا رحمهم الله بخلاف ما يقوله إبراهيم النخعي رحمه الله ان من باع عبدا يؤاخذ بخلاصه يعنى
إذا شرط (وهذه ثلاثة فصول * الأول) اشتراط الدرك وتفسيره رد اليمين لاستحقاق المبيع وهو
شرط صحيح لأنه يلائم موجب العقد وهو ثابت بدون الشرط فلا يزيده الشرط الا وكادة
(والثاني) شرط العهدة وهو جائز عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله فإنه عبارة عن ضمان
الدرك عندهما وعند أبي حنيفة رحمه الله هو باطل (وتفسيره) الصك الأصلي الذي كان عند
البائع يشترط المشترى عليه أن يسلمه إليه وهذا شرط فيه منفعة لاحد المتعاقدين ولا
يقتضيه العقد فكان باطلا (والثالث) شرط الخلاص (وتفسيره) أن يشترط على البائع أن
المبيع إذا استحق من يده يخلصه حتى يسلمه إليه بأي طريق يقدر عليه وهذا باطل لأنه شرط
لا يقدر على الوفاء به فالمستحق ربما لا يساعده عليه ولهذا ينسبه شريح رحمه الله إلى الحماقة
حيث التزم ما ليس في وسعه الوفاء به وإذا وكل الرجل بالخصومة في شئ فهو جائز لأنه
يملك المباشرة بنفسه فيملك هو صكه إلى غيره ليقوم فيه مقامه وقد يحتاج لذلك أما لقلة
هدايته أو لصيانة نفسه عن الابتذال في مجلس الخصومة وقد جرى الرسم على التوكيل على أبواب
القضاة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير منكر ولا زجر
زاجر فان أقر الوكيل على الذي وكله بالخصومة مطلقا في القياس لا يجوز اقراره سواء كان
في مجلس القاضي أو في غير مجلس القاضي وهو قول أبى يوسف الأول وقول زفر والشافعي
رحمهم الله ثم رجع أبو يوسف رحمه الله فقال يصح اقراره في مجلس القاضي وفى غير مجلس
4

القاضي اقراره باطل وجه القياس انه وكله بالخصومة والخصومة اسم لكلام يجري بين اثنين
على سبيل المنازعة والمشاحة والاقرار اسم لكلام يجرى على سبيل المسالمة والموافقة وكان ضد
ما أمر به والتوكيل بالشئ لا يتضمن ضده ولهذا لا يملك الوكيل بالخصومة الهبة والبيع أو
الصلح والدليل عليه بطلان اقرار الأب والوصي على الصبي مع أن ولايتهما أعم من ولاية
الوكيل وأبو يوسف رحمه الله يقول الموكل أقام الوكيل مقام نفسه مطلقا فيقتضى أن يملك
ما كان الموكل مالكا له والموكل مالك للاقرار بنفسه في مجلس القضاء وفي غير مجلس القضاء
فكذلك الوكيل وهذا لأنه إنما يختص بمجلس القضاء ما لا يكون موجبا الا بانضمام القضاء إليه
كالبينة واليمين فاما الاقرار فهو موجب للحق بنفسه سواء حصل من الوكيل أو من الموكل
فمجلس القضاء فيه وغير مجلس القضاء سواء وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا حقيقة الخصومة
ما قال زفر رحمه الله ولكنا تركنا هذه الحقيقة وجعلنا هذا توكيلا مجازا بالجواب والاقرار
جواب تام وإنما حملناه علي هذا المجاز لان توكيله إنما يصح شرعا بما يملكه الموكل بنفسه والذي
يتيقن به أنه مملك للموكل الجواب لا الانكار فإنه إذا عرف المدعى محقا لا يملك الانكار
شرعا وتوكيله فيما لا يملك لا يجوز شرعا والديانة تمنعه من قصد ذلك فلهذا حملناه على هذا النوع
من المجاز كالعبد المشترك بين اثنين يبيع أحدهما نصيبه فينصرف بيعه إلى نصيبه مطلقا
ليصحح عقدة هذا الطريق غير أنه إنما سمى الجواب خصومة مجازا إذا حصل في مجلس
القضاء لأنه لما ترتب على خصومة الآخر إياه سمى باسمه كما قال الله تعالى وجزاء سيئة سيئة
مثلها والمجازاة لا تكون سيئة حقيقة ولان مجلس الحكم الخصومة فما يجرى فيه يسمى
خصومة مجازا وهذا لا يوجد في غير مجلس القضاء ولأنه إنما استعان بالوكيل فيما يعجز عن
مباشرته بنفسه وذلك فيما يستحق عليه والمستحق عليه إنما هو الجواب في مجلس الحكم بخلاف
الأب والوصي فان تصرفهما مقيد بشرط الا نظر والأصلح قال الله تعالى قل اصلاح لهم
خير وقال عز وجل ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن وذلك لا يظهر بالاقرار فلهذا
لا يملكه وان وكله بالخصومة غير جائز الاقرار عليه صح الاستثناء في ظاهر الرواية وعن أبي
يوسف رحمه الله انه لا يصح لان من أصله ان صحة الاقرار باعتبار قيام الوكيل مقام
الموكل وهذا حكم الوكالة فلا يصح استثناؤه كما لو وكل بالبيع على أن لا يقبض الوكيل الثمن
أولا يسلم المبيع كان الاستثناء باطلا فاما في ظاهر الرواية فالاستثناء صحيح لان صحة إقرار
5

الوكيل باعتبار ترك حقيقة اللفظ إلى نوع من المجاز فهو بهذا الاستثناء يبين أن مراده حقيقة
الخصومة لا الجواب الذي هو مجاز بمنزلة بيع أحد الشريكين نصف العبد شائعا من النصيبين
انه لا ينصرف إلى نصيبه خاصة عند التنصيص عليه بخلاف ما إذا أطلق والثاني أن صحة اقراره
وانكاره عند الاطلاق لعموم المجاز لان ذلك جواب ولاعتبار المناظرة في المعاملات بالمناظرة
في الديانات منع موضعه فإذا استثني الاقرار كان هذا استثناء لبعض ما تناوله مطلق الكلام
أو هو بيان مغاير لمقتضى مطلق الكلام فيكون صحيحا كمن حلف لا يضع قدمه في دار فلان
فدخلها ماشيا أو راكبا حنث لعموم المجاز فان قال في يمينه ماشيا فدخلها راكبا لم يحنث لما قلنا
وعلى هذا الطريق إنما يصح استثناؤه الاقرار موصولا لا مفصولا عن الوكالة وعلى الطريق
الأول يصح استثناؤه موصولا ومفصولا قالوا وكذلك لو استثنى الانكار صح ذلك عند
محمد رحمه الله خلافا لأبي يوسف رحمه الله وهذا لان انكار الوكيل قد يضر الموكل بان كان
المدعى وديعة أو بضاعة فأنكر الوكيل لم يسمع منه دعوى الرد والهلاك بعد صحة الانكار
ويسمع منه ذلك قبل الانكار فإذا كان انكاره قد يضر الموكل صح استثناؤه الاقرار ثم
إذا أقر الوكيل في غير مجلس القاضي فلم يصح اقراره عندهما كان خارجا من الوكالة وليس له
أن يخاصم بعد ذلك لأنه يكون مناقضا في كلامه والمناقض لا دعوى له فيستبدل به كالأب
والوصي إذا لم يصح اقرارهما على الصبي لا يملكان الخصومة في تلك الحادثة بعد ذلك وإذا
وكله بالخصومة في دار يدعى فيها دعوى ثم عزله عنها ثم شهد له الوكيل بها فإن كان الوكيل
قد خاصم إلى القاضي جازت شهادته عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ولم تجز عند أبي يوسف
رحمه الله وهو بناء على ما ذكرنا أن عند أبي يوسف رحمه الله بتعيينه للتوكيل صار خصما
قائما مقام الموكل ولهذا جاز اقراره فيخرج من أن يكون شاهدا بنفس التوكيل وعندهما إنما
يصير خصما في مجلس القاضي فكذلك أنما يخرج من أن يكون شاهدا إذا خاصم في مجلس
القاضي لا قبل ذلك وإذا وكله بالخصومة فله أن يعزله متى شاء لان صحة الوكالة لحاجة الموكل
إليه ولماله فيها من المنفعة وذلك في جوازها دون لزومها ولان الوكيل معيره منافعه والإعارة
لا يتعلق بها اللزوم الا في خصلة واحدة وهي أن يكون الخصم قد أخذه حتى جعله وكيلا
في الخصومة فلا يكون له أن يخرجه منها الا بمحضر من الخصم لأنه تعلق بهذه الوكالة حق
الخصم فإنه إنما خلي سبيله اعتمادا على أنه يتمكن من اثبات حقه على الوكيل متى شاء فلو جوزنا
6

عزله بدون محضر من الخصم بأن يعزل الموكل وكيله ويخفى شخصه فلا يتوصل الخصم إلى
اثبات حقه فلمراعاة حق الخصم قلنا لا يتمكن من عزل الوكيل كالعزل في باب الرهن إذا كان
مسلطا على بيعه لا يملك الراهن عزله لحق المرتهن وعلى هذا قال بعض مشايخنا رحمهم الله إذا
وكل الزوج وكيلا بطلاق امرأته بالتماسها ثم سافر لا يملك عزل الوكيل الا بمحضر منها والأصح
أنه لا يملكه هناك لأنه لا حق للمرأة في سؤال الطلاق والتوكيل عند سفر الزوج وهنا للخصم
حق أن يمنع خصمه من أن يسافر وان يلازمه ليثبت حقه عليه وهو إنما ترك ذلك بتوكيله
وعلى هذا قال بعض مشايخنا رحمهم الله إذا قال الزوج للوكيل بالطلاق كلما عزلتك فأنت
وكيل لا يملك عزله لأنه كلما عزله تجددت وكالته فان تعليق الوكالة بالشرط صحيح والأصح
عندي انه يملك عزله بأن يقول عزلتك عن جميع الوكالات فينصرف ذلك إلى المعلق والمنفذ
لأنا لو لم نجز ذلك أدى إلى تغيير حكم الشرع بجعل الوكالة من اللوازم وذلك باطل. وإذا
وكله بالخصومة وهو مقيم بالبلد لم يقبل ذلك منه الا برضا من خصمه أو يكون مريضا أو
غائبا مسيرة ثلاثة أيام والرجال والنساء والثيب والبكر في ذلك سواء في قول أبي حنيفة رحمه
الله وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول للبكر أن توكل بغير رضا الخصم وكان أبو يوسف
رحمه الله يقول أولا للمرأة ان توكل بذلك بكرا كانت أو ثيبا إذا لم يكن مروءة وفى قوله
الآخر وهو قول محمد والشافعي رحمهم الله الرجل والمرأة سواء في ذلك لهم التوكيل بغير رضا
الخصم ووجه هذا القول أن التوكيل حصل بما هو من خالص حق الموكل فيكون
صحيحا بغير رضا الخصم كالتوكيل بالقبض والايفاء والتقاضي وبيان ذلك أنه وكله بالجواب
الذي هو انكار ومن أفسد هذا التوكيل إنما يفسده من هذا الوجه فان التوكيل بالاقرار
صحيح والانكار خالص حق الموكل لأنه يدفع به الخصم عن نفسه فعرفنا أنه وكله بما هو
من خالص حقه وأبو حنيفة رحمه الله يقول هو بهذا التوكيل قصد الاضرار بخصمه فيما هو
مستحق عليه فلا يملكه الا برضاه كالحوالة بالدين ومعنى هذا الكلام أن الحضور والجواب
مستحق عليه بدليل أن القاضي يقطعه عن اشغاله ويحضره ليجيب خصمه وإنما يحضره لايفاء
حق مستحق عليه والناس يتفاوتون في هذا الجواب فرب انكار يكون أشد دفعا للمدعى من أن
كار والظاهر أن الموكل إنما يطلب من الوكيل وذلك الأشد الذي لا يتأتى منه لو أجاب
الخصم بنفسه وفيه اضرار بالخصم إلا أن أبا يوسف ومحمدا رحمهما الله قالا ذلك حق الموكل
7

لو أتى به بنفسه كان مقبولا منه وصحة التوكيل باعتبار ما هو حق للموكل دون ما ليس
الأشد لحق له كما بيناه في المسألة الأولى أبو حنيفة رحمه الله بنى على العرف الظاهر هنا وقال
الناس إنما يقصدون بهذا التوكيل أن يشتغل الوكيل بالحيل الأباطيل ليدفع حق الخصم عن
الموكل وأكثر ما في الباب أن يكون توكيله بما هو من خالص حقه ولكن لما كان يتصل به
ضرر بالغير من الوجه الذي قلنا لا يملك بدون رضاه كمن استأجر دابة لركوبه أو ثوبا للبسه
لا يملك ان يؤاجره من غيره وإن كان يتصرف في ملكه وهي المنفعة ولكن يتصل به ضرر
بملك الغير وهو العين لان الناس يتفاوتون في اللبس والركوب فكذلك أحد الشريكين
في العبد إذا كاتبه كان للآخر أن يفسخ وان حصل تصرف المكاتب في ملكه لا ضرار
يتصل بالشريك وهذا بخلاف التوكيل بالقبض والايفاء فان الحق معلوم بصفته فلا يتصل
بهذا التوكيل ضرر بالآخر وكذلك التقاضي له حد معلوم منع الوكيل من مجاوزة ذلك الحد
لئلا يتضرر به الخصم فاما الخصومة فليس لها حد معلوم يعرف حتى إذا جاوزه منع منه فلهذا
شرطنا رضا الخصم وهذا الشرط ليس مؤثرا في صحة الوكالة فالتوكيل صحيح ولكن الكلام
في اسقاط حق المطالبة بجواب الموكل ولهذا لا يشترط رضا الخصم في التوكيل عند غيبة
الموكل أو مرضه لأنه ليس للخصم حق المطالبة باحضار الموكل فلا يكون في التوكيل اسقاط
حق مستحق عليه وهو نظير شهادة الفروع على شهادة الأصول فإنها تصح عند مرض الأصول
وغيبتهم مدة السفر ولا تصح عند حضورهم لاستحقاق الحضور بأنفسهم للأداء في هذه الحال
وابن أبي ليلى رحمه الله كأن يقول المقصود باحضار البكر لا يحصل لأنها تستحيي فتسكت
والشرع مكنها من ذلك فجاز لها ان توكل بغير رضا الخصم وهكذا يقول أبو يوسف رحمه الله
في المرأة التي ليست معتادة مخالطة الرجال فإنها لا تتمكن من هذا الجواب إذا حضرت مجلس
الحكم فان حشمة القضاء تمنعها من ذلك وإذا كان المقصود لا يحصل بحضورها جاز لها أن
توكل والذي نختاره في هذه المسألة من الجواب أن القاضي إذا علم من المدعى التعنت في
اباء الوكيل لا يمكنه من ذلك ويقبل التوكيل من الخصم وإذا علم من الموكل القصد إلى
الاضرار بالمدعى في التوكيل لا يقبل ذلك منه الا برضا الخصم فيصير إلى دفع الضرر من
الجانبين. وإذا وكلت امرأة رجلا أو رجل امرأة أو مسلم ذميا أو ذمي مسلما أو حر عبدا أو
مكاتبا له أو لغيره بإذن مولاه فذلك كله جائز لعموم الحاجة إلى الوكالة في حق هؤلاء قال
8

والوكالة في كل خصومة جائزة ما خلا الحدود والقصاص أو سلعة ترد من عيب والمراد التوكيل
باستيفاء الحدود والقصاص فان التوكيل باستيفاء الحدود باطل بالاتفاق لان الوكيل قائم مقام
الموكل والحدود تندرئ بالشبهات فلا تستوفى بما يقوم مقام الغير في ذلك من ضرب وشبهه
(ألا ترى) انها لا تستوفى في كتاب القاضي إلى القاضي والشهادة على شهادة النساء مع الرجال
وكذلك التوكيل باستيفاء القصاص لا يجوز ولا يستوفي في حال غيبة الموكل عندنا وعند الشافعي
رحمه الله يستوفيه الوكيل لأنه محض حق العباد ومبنى حقوق العباد على الحفظ والصيانة عليهم
فكان لصاحب القصاص أن لا يحضر بنفسه ويوكل باستيفائه دفعا للضرر عن نفسه كسائر
حقوقه ولكنا نقول هذه عقوبة تندرئ بالشبهات فلا تستوفي بمن يقوم مقام الغير كالحدود
ولهذا لا تستوفى في كتاب القاضي إلى القاضي ولا بشهادة النساء مع الرجال وتوضيحه انه لو
استوفى في حال غيبة الموكل كان استيفاء مع تمكن شهادة العفو لجواز أن يكون الموكل عفى
بنفسه والوكيل لا يشعر به ولهذا إذا كان الموكل حاضرا يجوز للوكيل أن تستوفي لأنه
لا تتمكن فيه شبهة العفو وقد يحتاج الموكل إلى ذلك اما لعلة هدايته في الاستيفاء أو لان قلبه
لا يحتمل ذلك فيجوز التوكيل في الاستيفاء عند حضرته استحسانا فاما قوله أو سلعة ترد
بالعيب فليس المراد به ان التوكيل بالخصومة في هذا غير صحيح بل المراد ان الوكيل إذا أثبت
العيب فادعى البائع رضا المشترى بالعيب فليس للوكيل أن يرده بالعيب حتى يحضر المشترى
فيحلف بالله ما رضى بالعيب وهذا بخلاف الوكيل يقبض الدين إذا ادعى المطلوب أن الطالب
قد استوفى دينه أو أبرأ المطلوب منه فإنه يقال له ادفع المال إلى الوكيل وأنت على خصومتك
في استحلاف الموكل إذا حضر والفرق من وجهين أحدهما ان الدين حق ثابت بنفسه إذ ليس
في دعوى الاستيفاء والابراء ما ينافي أصل حقه لكنه يدعى اسقاطه بعد تقرير السبب
الموجب فلا يمتنع على الوكيل الاستيفاء ما لم يثبت المسقط فاما في العيب ان علم المشترى
بالعيب وقت البيع يمنع ثبوت حقه في الرد أصلا فالبائع ليس يدعى مسقطا بل زعم أن حقه في
الرد لم يثبت أصلا فلا بد من أن يحضر الموكل ويحلف ليتمكن من الرد عليه والثاني ان الرد
بالعيب بقضاء القاضي فسخ للعقد والعقد إذا انفسخ فلا يعود فلو أثبتنا حق الرد عليه تضرر
الخصم بانفساخ عقده عليه فاما قضاء الدين فليس فيه فسخ عقد وإذا حضر الموكل فأبى أن يحلف
توصل المطلوب إلى حقه فلهذا أمر بقضاء الدين وفى الوكيل يأخذ الدار بالشفعة إذا ادعى الخصم
9

أن الموكل قد سلم وطلب يمينه على ذلك ففي ظاهر الرواية هذا ومسألة الدين سواء وللوكيل
أن يأخذ بالشفعة لان المشترى يدعى مسقطا بعد تقرر السبب وعن أبي يوسف رحمه الله ان
هذا ومسألة العيب سواء لان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء فكما لا يقضى القاضي بفسخ العقد
ما لم يحضر الموكل ويحلف فكذلك لا يقضي بالشفعة ما لم يحضر الموكل ويحلف ما سلم بالشفعة
فان أراد المطلوب يمين الوكيل فليس له عليه يمين في الاستيفاء لان الاستيفاء مدعى على الطالب
ولو استحلف الوكيل على ذلك كان على سبيل النيابة عنه ولا نيابة في اليمين وقال زفر رحمه الله
له أن يحلف الوكيل بالله ما يعلم أن الطالب استوفى الدين لان الوكيل لو أقر باستيفاء الطالب لم
يكن له أن يخاصم المطلوب فإذا أنكر استحلفه عليه كما يستحلف وارث الطالب على هذا بعد
الطالب ولكنا نقول الوكيل نائب ولا نيابة في اليمين بخلاف الوارث فإنه قائم مقام المورث
في الحق فتصير اليمين مستحقة على الطالب إلا أن الاستحلاف على فعل الغير يكون علما فإذا
حضر الطالب فات المطلوب إلا أن يحلف بالله لقد شهدت شهوده بحق لم يكن له على ذلك
سبيل لان صدق الشهود شرعا بظهور عدالتهم كما أن صدق المدعى بإقامة البينة فكما لا يحلف
المدعى مع البينة فكذلك لا يحلف بعد ظهور عدالة الشهود الذين شهدوا بحق ولكنه يحلف
بالله ما استوفيت ديني فان حلف ثم قبض الوكيل وان نكل عن اليمين لزمه المال دون الوكيل
لان نكوله كاقراره أو بدله فينفذ عليه دون الوكيل ولكن إن كان المال المقبوض عند الوكيل
فهو حق الطالب يقبضه من الوكيل ثم يدفعه إلى المطلوب بحكم نكوله وليس للمطلوب أن
يرجع به على الوكيل بخلاف ما إذا أقام المطلوب البينة على القضاء فان البينة حجة في حقهما فإن شاء
رجع بالمقبوض على الوكيل إذا كان قائما في يده لأنه تبين انه قبض بغير حق وان شاء أخذ
الموكل به لان الوكيل عامل له فعهدة عمله عليه وان قال الوكيل قد دفعته إلى الموكل أو
هلك منى فالقول قوله مع يمينه لأنه كان أمينا مسلطا على ما أخبر به من جهة الموكل فالقول
فيه قوله وان قال أمرني فدفعته إلى وكيل له أو غريم أو وهبه لي أو قضاني من حق كان لي
عليه لم يصدق وضمن المال لأنه يدعى تملك المقبوض لنفسه بسبب لم يعرف ذلك السبب
أو يقر بالسبب الموجب للضمان على نفسه بدفعه إلى غيره وادعى الامر من جهة صاحب
المال ولا يثبت ذلك بقوله إذا أنكره صاحب المال فلهذا ضمن المال قال ولا يقبل من
الوكيل شهادة على الوكالة في شئ مما ذكرنا الا ومعه خصم حاضر لان شرط قبول البينة
10

الدعوى والانكار فكما أن انعدام الدعوى يمنع قبول البينة فكذلك انعدام الانكار ولا
يتحقق الانكار الا من خصم حاضر وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقبل البينة على هذا من
غير خصم ويقول الوكيل بهذه البينة لا يلزم أحدا شيئا وإنما يثبت كونه نائبا عن موكله
وليس فيه إلزام شئ على موكله فلا معنى لاشتراط حضور الخصم ولكنا نقول إنما سميت
البينة لكونها مبينة في حق المنكر وذلك لا يتحقق الا بمحضر من الخصم فان أقام البينة
على الوكالة بغير محضر من الخصم واليمين من القاضي ان يكتب شهادة شهوده إلى قاضي بلد
آخر ليقضى به في ذلك لأن هذه الشهادة ليست للقضاء بل للنقل فان قاضي بلد ينقل شهادتهم
في كتابه إلى مجلس القاضي الذي فيه الخصم كما أن شهود الفرع ينقلون شهادة الأصول بعبارتهم
فكما لا يشترط في اشهاد الفروع حضرة الخصم فكذلك هنا وان قبل القاضي البينة بغير
خصم وقضى بها جاز قضاؤه لأنه قضي في فصل مختلف فيه فان العلماء رحمهم الله مختلفون في
سبب القضاء هنا ان البينة هل هي حجة بغير محضر خصم أم لا فإذا قضى بها القاضي فقد أمضى
فصلا مجتهدا فيه باجتهاده فلهذا لا يفسد قضاؤه قال ولأحد الوكيلين بالخصومة أن يخاصم
وليس له أن يقبض أولا بقول الوكيل بالخصومة له أن يقبض المال عندنا وليس له أن يقبض
عند زفر رحمه الله لأنه أمر بالخصومة فقط والخصومة لاظهار الحق والاستيفاء ليس من
الخصومة ويختار في الخصومة ألح الناس وللقبض آمن الناس فمن يصلح للخصومة لا يرضي
بأمانته عادة ولكنا نقول الوكيل بالشئ مأمور باتمام ذلك الشئ واتمام الخصومة يكون بالقبض
لان الخصومة قائمة ما لم يقبض ولان المقصود بالخصومة الوصول إلى الحق وذلك بالقبض
يكون والوكيل بالشئ يحصل ما هو المقصود به قال فان وكل رجلين بالخصومة فلأحدهما أن
يخاصم عندنا بدون محضر من الآخر خلافا لزفر رحمه الله لان الخصومة يحتاج فيها إلى الرأي
ورأي المثنى لا يكون كرأي الواحد فرضاه برأيهما لا يكون رضا برأي أحدهما كالوكيلين
بالبيع ولكنا نقول لو حضر لم يخاصم الا أحدهما لأنهما لو تكلما معا لم يتمكن القاضي من أن
يفهم كلامهما فلما وكلهما بالخصومة مع علمه ان اجتماعهما عليها متعذر فقد صار راضيا بخصومة
أحدهما بخلاف الوكيلين بالبيع ولكن إذا آل الامر إلى القبض فليس لأحدهما أن يقبض
لأنه رضى بأمانتهما أو اجتماعهما في القبض والحفظ متأت فلا يكون راضيا بقبض أحدهما
وليس للوكيل أن يوكل غيره لان الناس يتفاوتون في الخصومة قال صلى الله عليه وسلم ولعل
11

بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض والموكل إنما رضي برأيه فلا يكون له أن يوكل غيره
بدون رضاه وان قال ما صنعته في شئ ذلك جائز كان له أن يوكل غيره لأنه أجاز صنعه على
العموم فالتوكيل من صنعه فيجوز لوجود الرضا من الموكل به وليس للوكيل بالخصومة أن
يصالح ولا أن يبيع ولا أن يهب لأن هذه التصرفات ليست من الخصومة بل هي ضد الخصومة
قاطعة لها والامر بالشئ لا يتضمن ضده وإذا وكل رجل رجلا بقبض حق له في دار أو بقسمة
أو بخصومة فجحده ذو اليد فله أن يخاصم ويقيم البينة على حقه لأنه وكله بالخصومة نصا
ولأنه لا يتوصل إلى تمييز نصيب الموكل ولا إلى قبض حقه الا ببينة فكان خصما في اثباته
ليحصل مقصود الموكل وإذا وكل المسلم الذمي في خصومة فشهد شهود من أهل الذمة على
ابطال حق المسلم لم يجز ذلك على المسلم لان الوكيل نائب عن الموكل وهذه البينة في الحقيقة
إنما تقوم عن الموكل فلا تكون شهادة أهل الذمة حجة عليه ولو كان المسلم هو الوكيل والذمي
صاحب الحق فشهد عليه قوم من أهل الذمة جاز ذلك لان الالزام في هذه البينة على صاحب
الحق دون الوكيل فان الوكيل كالنائب إذا استشهدنا الذمي انه أوصى إلى مسلم فشهد قوم من
أهل الذمة عليه لحق قبلت الشهادة لان الالزام على الميت أو على ورثته دون الوصي وهم من
أهل الذمة فكانت شهادة أهل الذمة في ذلك مقبولة فكذلك هنا وتوكيل الرجل الصبي
بالخصومة إذا كان يعقل صحيح لأنه إذا كان يعقل فله عبارة معتبرة شرعا حتى تنفذ تصرفاته
بإذن الولي ويجوز أن يكون وكيلا في البيع والشراء فكذلك في الخصومة إلا أن الصبي إذا لم
يكن ابن الموكل فلا ينبغي أن يوكله الا باذن أبيه لان في هذا التوكيل استعمال الصبي في
حاجة نفسه وليس لاحد أن يفعل ذلك في ولد غيره الا باذن أبيه وإذا وكل وكيلا في بيع أو
شراء أو خصومة فذهب عقل الموكل زمانا فقد خرج الوكيل من الوكالة لأنه نائب عن
الموكل وهو إنما انتصب نائبا عن الموكل باعتبار رأى الموكل وقد خرج الموكل بالجنون
المطبق من أن يكون أهلا للرأي وصار مولى عليه فبطلت وكالة الوكيل كما تبطل بموته وهذا
في موضع كان للموكل آن يخرجه من الوكالة فاما في كل موضع فلم يكن له أن يخرجه منها
فلا تبطل بجنونه مثل الأمين باليد والعدل إذا كان مسلطا على البيع فجن الراهن لان حق الغير
هناك ثبت في العين وصار ذلك لازما على الموكل فلا يبطل بجنونه ولا بموته إذا نفي المحل فأما
الوكيل بالخصومة إذا كان بالتماس الخصم فجن الموكل أو مات بطلت الوكالة لأن هذه الوكالة
12

لم تكن لازمة على الموكل (ألا ترى) أن له أن يعزل الوكيل بمحضر من الخصم وإنما لا يعزله
بغير محضر منه لدفع الغرور لا لحق ثابت للخصم في محل ولو كان ذهب عقله ساعة أو جن ساعة
فالوكيل على وكالته لان هذا بمنزلة النوم لا ينقطع به رأى الموكل فلا يصير مولى عليه ثم
أشار إلى القياس والاستحسان فيه واختلفت فيه ألفاظ الكتاب فذكر في باب وكالة المكاتب
القياس والاستحسان في جنون ساعة واحدة أن في القياس تبطل الوكالة وفي الاستحسان لا
تبطل وفي باب الوكالة في الطلاق ذكر القياس في المتطاول وقال لا تبطل الوكالة بجنون
الموكل وان تطاول لبقاء المحل الذي تعلقت الوكالة به على حق الموكل وفي الاستحسان
تبطل الوكالة ثم لم يذكر في الكتاب الحد الفاصل بين القليل والكثير وذكر في النوادر ان
محمدا رحمه الله كأن يقول أولا إذا جن شهرا فهو متطاول ثم رجع وقدر المتطاول بجنون
سنة وعن أبي يوسف رحمه الله انه قدر المتطاول بأكثر السنة وقد روى عنه انه قدر ذلك
بأكثر من يوم وليلة ووجه هذا أن الجنون إذا زاد على يوم وليلة كان مسقطا لقضاء الصلاة
بخلاف النوم والقليل منه كالدوام فإذا ظهرت المخالفة بين هذا القدر من الجنون وبين النوم
عرفنا انه متطاول ووجه قول محمد رحمه الله أولا أن الشهر في حكم المتطاول وما دونه في حكم
القريب بدليل أن من حلف ليقضين حق فلان عاجلا أو عن قريب فقضاه فيما دون الشهر
بر في يمينه ولو لم يقضه حتى مضى الشهر كان حانثا ولان الجنون إذا استوعب الشهر كله اسقط
قضاء الصوم بخلاف دونه ثم رجع فقدره بالسنة لأنه لا تسقط العبادات الا باستغراق الجنون
سنة كاملة فان من العبادات ما يكون التقرير فيها بحول كالزكاة على قول محمد رحمه الله ولكن
أبو يوسف رحمه الله يجعل أكثر الحول كجميعه في حكم الزكاة حتى قال إذا جن في أكثر
الحول لا تلزمه الزكاة فلهذا قال المتطاول ما يكون في أكثر السنة ولكن محمدا رحمه الله يقول
يعتبر كمال السنة لأنه إذا لم يوافقه فصل من فصول السنة ولم يفق عرفنا أن هذه آفة في أصل
العقل بخلاف ما إذا كان في بعض السنة وهو قياس أجل العنين أي ان التقدير فيه بالسنة الكاملة
وتوكيل الصبي رجلا باطل إلا أن يكون الصبي مأذونا له لأنه إنما ينيب نفسه مناب غيره فيما
يملكه بنفسه والصبي المحجور لا يملك التصرف بنفسه فلا يوكل غيره فاما المأذون بملك التصرف
بنفسه فله أن يوكل غيره وإذا وكل الرجل عبده أو امرأته بالخصومة ثم أعتق عبده
أو طلق امرأته ثلاثا فهما على وكالتهما لان ما عرض لا ينافي ابتداء الوكالة فلا ينافي بقاءها
13

بطريق الأولى وان باع العبد فان رضى المشترى أن يكون العبد على وكالته فهو وكيل وإن لم
يرض بذلك فله ذلك كما لو وكله بعد البيع وهذا لان منافع العبد صارت للمشترى فلا
يكون له ان يصرفها إلى حاجة الموكل الا برضا المشترى قال ولو وكل المسلم الحربي في دار
الحرب والمسلم في دار الاسلام أو وكله الحربي فالوكالة باطلة لأنه لا عصمة بين من هو من
أهل دار الحرب وبين من هو من أهل دار الاسلام (ألا ترى) أن عصمة النكاح مع قوتها
لا تبقى بين من هو في دار الحرب وبين من هو في دار الاسلام فلأن لا تثبت الوكالة أولى
وهذا لان تصرف الوكيل برأي الموكل ومن هو في دار الحرب في حق من هو في أهل
دار الاسلام كالميت والوكيل يرجع بما يلحقه من العهدة على الموكل وتباين الدارين يمنع من
هذا الرجوع قال وان وكل الحربي الحربي في دار الحرب ثم أسلما أو أسلم أحدهما فالوكالة
باطلة لان النيابة بالوكالة تثبت حكما ودار الحرب ليست بدار أحكام بخلاف البيع والشراء
فان ثبوت الحكم هناك بالاستيلاء حسا على ما يقتضيه (ألا ترى) ان بعد ما أسلما لم يكن لأحدهما
أن يخاصم صاحبه بشئ من بقايا معاملاتهم في دار الحرب فكذلك لا تعتبر تلك الوكالة وان
أسلما جميعا ثم وكل أحدهما صاحبه أجزت ذلك بمنزلة المسلمين من الأصل وإذا خرج الحربي
الينا بأمان وقد وكله حربي آخر في دار الحرب ببيع شئ أجزت ذلك لان ذلك الشئ معه
يتمكن من التصرف فيه وقد ثبت حكم الأمان فيه فكأنه وكله ببيعه وهما مستأمنان في
دارنا بخلاف ما إذا لم يكن ذلك الشئ معه فان حكم الأمان لم يثبت فيه ولا يقدر الوكيل على
تسليمه بحكم البيع وإن كان وكله بخصومة لم يجز ذلك على الحربي لان الالزام بخصومة
الوكيل إنما تكون على الموكل وليس للقاضي ولاية الالزام على من هو في دار الحرب قال
وتوكيل المرتد المسلم ببيع أو قبض أو خصومة أو غير ذلك موقوف في قول أبي حنيفة رحمه
الله بمنزلة سائر تصرفاته عنده انها توقف بين أن تبطل بقتله أو موته أو لحوقه بدار الحرب
وبين ان تنفذ باسلامه فكذلك وكالته وعندهما تصرفات المرتد نافذة فكذلك وكالته ولو ارتد
الوكيل ولحق بدار الحرب انتقضت الوكالة لانقطاع العصمة بين من هو في دار الحرب وبين
من هو في دار الاسلام وإذا قضي القاضي بلحاقه بعد موته أو جعله من أهل دار الحرب فتبطل
الوكالة (ألا ترى) ان ابتداء الوكيل لا يصح في هذه الحال فان عاد مسلما لم تعد الوكالة في قول
أبى يوسف رحمه الله وعادت في قول محمد رحمه الله. وجه قول أبى يوسف رحمه الله ان قضاء
14

القاضي بلحوقه بمنزلة القضاء بموته وذلك ابطال للوكالة وبعدما تأكد بطلان الوكالة بقضاء
القاضي لا تعود الا بالتجديد ولأنه لما عاد مسلما كان بمنزلة الحربي إذا أسلم الآن (ألا ترى) ان
الفرقة الواقعة بينه وبين زوجته لا ترتفع بذلك فكذلك الوكالة التي بطلت لا تعود ومحمد
رحمه الله يقول صحة الوكالة لحق الموكل وحقه بعد الحاقه بدار الحرب قائم ولكنه عجز عن
التصرف لعارض والعارض على شرف الزوال فإذا زال صار كأن لم يكن فيبقى الوكيل على
وكالته بعد ردة الموكل على حاله ولكن تعذر على الوكيل بمنزلة ما لو أغمي على الوكيل زمانا
ثم أفاق فهو على وكالته فاما إذا ارتد الموكل ولحق بدار الحرب بطلت الوكالة لقضاء القاضي
بلحاقه بدار الحرب فان عاد مسلما لم يعد الوكيل على وكالته في رواية الكتاب فأبو يوسف
رحمه الله سوى بين الفصلين ومحمد رحمه الله يفرق فيقول الوكالة تعلقت بملك الموكل وقد
زال ملكه بردته ولحاقه فبطلت الوكالة على البتات واما بردة الوكيل فلم يزل ملك الموكل قائما
فكان محل تصرف الوكيل باقيا ولكنه عجز عن التصرف لعارض فإذا زال العارض صار كان
لم يكن وجعل على هذه الرواية ردة الموكل بمنزلة عزله الوكيل لأنه فوت محل وكالته بمنزلة ما لو
وكله ببيع عبد ثم أعتقه وفى السير الكبير يقول محمد رحمه الله يعود الوكيل على وكالته في
هذا الفصل أيضا لان الموكل إذا عاد مسلما يعاد عليه ماله عل قديم ملكه وقد تعلقت الوكالة
بقديم ملكه فيعود الوكيل على وكالته كما لو وكل ببيع عبد له ثم باعه الموكل بنفسه ويرد عليه
بالعيب بقضاء القاضي عاد الوكل على وكالته فهذا مثله قال وإذا وكل رجلان رجلا وأحدهما
يخاصم صاحبه لم يجز أن يكون وكيلهما في الخصومة لأنه يؤدى إلى فساد الاحكام فإنه يكون
مدعيا من جانب جاحدا من الجانب الآخر والتضاد منهى عنه في البيع والشراء فإذا كان في
البيع لا يصلح الواحد أن يكون وكيلا من الجانبين ففي الخصومة أولى وان كانت الخصومة
لهما مع ثالث فوكل واحدا جاز لان الوكيل معبر عن الموكل والواحد يصلح أن يكون معبرا
عن اثنين كما يصلح أن يكون معبرا عن واحد وإذا وكل رجلا بالخصومة ثم عزله بغير علم
منه لم ينعزل عندنا وقال الشافعي رحمه الله ينعزل لان نفوذ الوكالة لحق الموكل فهو بالعزل
يسقط حق نفسه وينفرد المرء باسقاط حق نفسه (ألا ترى) انه يطلق زوجته ويعتق عبده
بغير علم منهما ويكون ذلك صحيحا والثاني الوكالة للموكل لا عليه ولهذا لا يكون ملزما إياه
فلو لم ينفرد بالعزل قبل علم الوكيل به كان ذلك عليه من وجه وذلك لا يجوز ولكنا نقول
15

العزل خطاب ملزم للوكيل بان يمتنع من التصرف وحكم الخطاب لا يثبت في حق المخاطب
ما لم يعلم به كخطاب الشرع فان أهل قباء كانوا يصلون إلى بيت المقدس بعد الامر بالتوجه
إلى الكعبة وجوز لهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لم يعلموا به وكذلك كثير
من الصحابة رضوان الله عليهم شربوا الخمر بعد نزول تحريمها قبل علمهم بذلك وفيه نزل
قوله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ولان هذا الخطاب
مقصود للعمل ولا يتمكن من العمل ما لم يعلم ولو أثبتنا العزل في حق الوكيل قبل علمه
أدى إلى الاضرار به والغرر ولم يثبت للوكيل عليه ولاية الاضرار به وهذا بخلاف ما إذا
أعتق العبد الذي وكله ببيعه لان العزل هناك حكمي لضرورة فوات المحل فلا يتوقف
على العلم وهنا إنما يثبت العزل قصدا فلا يثبت حكمه في حق الوكيل ما لم يعلم به دفعا للضرر
عنه حتى إذا نفذ القاضي القضاء على الوكيل قبل علمه بالعزل كان نافذا وللوصي أن يوكل
بالخصومة لليتامى لأنه قائم مقام الأب ولأنه يملك مباشرة الخصومة بنفسه فله أن يستعين
بغيره بخلاف الوكيل فان هناك رأى الموكل قائم وإذا عجز الوكيل عن المباشرة بنفسه فلا
حاجة له إلى الاستعانة بغيره بل يرجع إلى الموكل ليخاصم بنفسه أو يوكل غيره وهنا رأى
الموصى ثابت والصبي عاجز عن الخصومة بنفسه وإنما يصير الأب وصيا له لدفع الضرر عن
الصبي وذلك أنما يحصل بمباشرة الوصي بنفسه تارة والاستعانة بغيره أخرى فلهذا ملك التوكيل
قال وإذا وكل الرجل بالخصومة عند القاضي والقاضي يعرف الموكل فهو جائز لان علم القاضي
بالوكالة يتم إذا عرف الموكل وعلمه أقوى من شهادة الشهود عنده وإن لم يعرفه لم يقبل
ذلك منه حتى يشهد للوكيل على الوكالة شاهدان يريد به أن الوكيل إذا حضر خصم يدعى
لموكله قبله مالا وذلك الخصم يجحد وكالته فالقاضي يقول للوكيل قد عرفت أن رجلا من
الناس قد وكلك ولكني لا أدرى من يدعى له الحق الآن هو ذلك الرجل أم لا لأني ما كنت
أعرف ذلك الرجل فلهذا لا يجد الوكيل بدا من إقامة البينة على الوكالة من جهة ذلك الرجل
الذي يدعى الحق له وإذا وكل الرجل بقبض عبد له أو اجارته فادعى العبد العتق من مولاه
وأقام البينة ففي القياس لا تقبل هذه البينة لأنها قامت على من ليس بخصم فان الوكيل بقبض
العين لا يكون خصما والعبد إنما يدعى العتق على مولاه والمولى غائب ولكنه استحسن
16

فقال تقبل هذه البينة في قصر يد الوكيل عن العبد دون القضاء بالعتق لأنها تتضمن
العتق ومن صيرورته قصر يد الوكيل عن قبضه واجازته والوكيل ليس بخصم في أحدهما
وهو اثبات العتق على الموكل ولكنه خصم في اثبات قصر يده وليس من ضرورة قصر
يده القضاء بالعتق على الغائب فلهذا قلنا البينة في قصر يد الوكيل عنه وإن لم يقم العبد البينة
وادعى أن له بينة حاضرة أجله القاضي ثلاثا فان أحضر بينة والا دفعه إلى الوكيل لأنه
لا يتمكن من احضار الشهود الا بمهلة فلو لم يمهله القاضي أدى إلى الاضرار بالعبد ومدة الثلاث
حسن لدفع الضرر وابلاغا للعذر كما اشترطت في الخيار وكذلك لو وكله بنقل امرأته إليه
فأقامت البينة أن زوجها طلقها ثلاثا أو وكله بقبض دار فأقام ذو اليد البينة انه اشتراها من الموكل
لأنه وكيل بقبض العين والوكيل بقبض العين لا يكون خصما فيما يدعى على الموكل من شراء
أو غير ذلك لكنه خصم في قصر يده عنه فتقبل البينة عليه في هذا الحكم ولو وكله بقبض
دين له فأقام الغريم البينة انه قد أوفاه الطالب قبل ذلك منه في قول أبي حنيفة رحمه الله
لان الوكيل بقبض الدين عنده يملك خصومته فيكون خصما عن الوكيل فيما يدعى عليه
من وصول الحق إليه وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله الوكيل بقبض الدين كالوكيل
بقبض العين في أنه نائب محض فتقصر وكالته على ما أمر به فلا يملك الخصومة ولا يكون
خصما فيما يدعى على الموكل وقاساه بالرسول فان الرسول بقبض الدين لا يملك فكذلك
الوكيل لان كل واحد منهما لا يلحقه شئ من العهدة وأبو حنيفة رحمه الله يقول الوكيل
بقبض الدين وكيل بالمبادلة فيكون خصما كالوكيل بالبيع وبيان ذلك أن الديون تقضي بأمثالها
فكان الموكل وكله بان يملك المطلوب ما في ذمته بما يستوفى منه بخلاف الوكيل بقبض الدين
فليس فيه من معنى التمليك شئ ثم قبض الدين من وجه مبادلة من وجه كأنه غير حق الموكل
لان من الديون ما لا يجوز الاستبدال به فلاعتبار شبهه بقبض العين قلنا لا تلحقه العهدة في
المقبوض ولاعتبار شبهه بالمبادلة قلنا يملك الخصومة وليس هذا كالرسول فان الرسول في
البيع لا يخاصم بخلاف الوكيل فكذلك في قبض الدين وهذا لان الرسالة غير الوكالة (ألا ترى)
أن الله تعالى سمى محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا إلى الخلق بقوله تعالى يا أيها الرسول ونفى عنه
الوكالة بقوله قل لست عليكم بوكيل وقال الله تعالى وما أنت عليهم بوكيل فظهرت المغايرة
بينهما والله أعلم
17

(باب الشهادة في الوكالة)
(قال رحمه الله) ويجوز من الشهادة في الوكالة ما يجوز في غيرها من حقوق الناس لان
الوكالة لا تندرئ بالشبهات إذا وقع فيها الغلط أمكن التدارك والتلافي فتكون بمنزلة سائر
الحقوق في الحجة والاثبات أو دونه ولا تفسد باختلاف الشاهدين في الوقت والمكان لأنها
كلام يعاد ويكرر ويكون الثاني عين الأول فاختلاف الشاهدين فيه في المكان والزمان لا يكون
في المشهود به وان شهدا على الوكالة وزادا انه كان عزله عنها جازت شهادتهما على الوكالة ولم
تجز شهادة أحدهما على العزل عندنا وقال زفر رحمه الله لا يقضى بهذه الشهادة بالوكالة في الحال
لان أحد الشاهدين يزعم أنه ليس بوكيل في الحال فكيف يقضى بالوكالة بهذه الحجة ولكنا نقول
العزل يكون اخراجا للوكيل من الوكالة ولا يتبين به أنه لم يكن وكيلا فقد اتفق الشاهدان على
الوكالة وبعد ثبوتها تكون باقية إلى أن يظهر العزل فإنما يقضى القاضي ببقاء الوكالة لان دليل
العزل لم يظهر بشهادة الواحد وان شهد أحدهما انه وكله بخصومة فلان في دار سماها وشهد
الآخر انه وكله بالخصومة فيها وفى شئ آخر جازت الشهادة في الدار التي اجتمعا عليها لان
الوكالة تقبل التخصيص فإنه أنابه وقد ينيب الغير مناب نفسه في شئ دون شئ ففيما اتفق
عليه الشاهدان تثبت الوكالة وفيما تفرد به أحدهما لم تثبت وهو قياس ما لو شهد أحد شاهدي
الطلاق أنه طلق زينب وشهد الآخر انه طلقها وعمرة فتطلق زينب خاصة لاتفاق الشاهدين
عليها فكذلك هنا وان شهد له شاهدان بالوكالة والوكيل لا يدرى انه وكله أو لم يوكله غير
أنه قال أخبرني الشهود أنه وكلني بذلك فأنا اطلبها فهو جائز لان بخبر الشاهدين يثبت العلم
للقاضي بالوكالة حتى يقضي بها فكذلك يثبت العلم للوكيل حتى يطلبها بل أولى لان دعوى
الوكيل غير ملزمة وقضاء القاضي ملزم وهو نظير الوارث إذا أخبره الشاهدان بحق لمورثه
على فلان جاز له أن يدعى ذلك ليشهدا له وان شهدا على وكالته في شئ معروف والوكيل
يجحد الوكالة ويقول لم يوكلني فإن كان الوكيل هو الطالب فليس له ان يأخذ بتلك الوكالة
لأنه أكذب شهوده حين جحد الوكالة واكذاب المدعى شهوده يبطل شهادتهم له بخلاف
الأول فإنه هناك ما أكذب شهوده بقوله لا أدرى أو وكلي أم لا ولكنه احتاط لنفسه وبين انه
ليس عنده علم اليقين بوكالته وإنما يعتمد خبر الشاهدين إياه بذلك وذلك يوجب العلم من
حيث الظاهر فإن كان الوكيل هو المطلوب فان شهدا انه قبل الوكالة لزمته الوكالة لان
18

توكيل المطلوب بعد قبول الوكالة مجبر على جواب الخصم دفعا للضرر عن الطالب فانا لو لم
نجبره على ذلك وقد غاب المطلوب تضرر المدعى بتعذر اثبات حقه عليه فإنما شهدا عليه بما
هو ملزم إياه فقبلت الشهادة وان يشهد على قبوله وله ان يقبل وله ان يرد لان الثابت من
التوكيل بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو عاين توكيل المطلوب إياه كان هو بالخيار ان شاء رد لان
أحدا لا يقدر على أن يلزم غيره شيئا بدون رضاه فكذلك هنا ولو لم نجبره على الجواب هنا
لا يلحق المدعي ضرر من جهة الوكيل وإنما يلحقه الضرر بترك النظر لنفسه فاما بعد القبول
فلو لم يجبره على الجواب تضرر الطالب بمعنى من جهة الوكيل لأنه إنما ترك المطلوب اعتمادا
على قبول الوكيل الوكالة وتجوز شهادة الذميين على توكيل المسلم مسلما أو ذميا بقبض دينه
من مسلم أو ذمي لان في هذه البينة معنى الالزام على المسلم فان الوكالة متى ثبتت استفاد المطلوب
البراءة من حقه بدفع الدين إلى الوكيل وكان المقبوض أمانة في يد الوكيل إذا هلك ضاع حق
المسلم وشهادة أهل الذمة لا تكون حجة في إلزام شئ على المسلم وإن كان الطالب ذميا والوكيل
مسلما والمطلوب ذميا جازت شهادتهما لان الالزام في هذه الشهادة على الذمي فإنها تلزم
المطلوب دفع المال وهو ذمي ويبرأ بهذا الدفع عن حق الطالب وهو ذمي وشهادة أهل الذمة
حجة على الذمي وإن كان المطلوب مسلما فإن كان منكرا للوكالة لم يجز شهادتهما لان فيها
إلزام قضاء الدين على المسلم المطلوب فيجبر على دفع المال إلى الوكيل متى ثبتت الوكالة وشهادة
أهل الذمة لا تصلح للالزام على المسلم فإن كان المطلوب مقرا بالدين والوكالة جازت شهادتهم
لان معنى الالزام فيها على الطالب فاما الالزام على الطالب فقد ثبت باقراره بالدين والوكالة
(ألا ترى) أن هذه البينة وإن لم تقم كان هو مجبرا على دفع المال إلى الوكيل وإنما تثبت بهذه
البينة براءته عن حق الطالب بالدفع إلى الوكيل والطالب ذمي وإذا كان المطلوب غائبا فادعى
الطالب في داره دعوى ونفاها المطلوب فشهدا بنا المطلوب أنه قد وكل هذا الوكيل بخصومته
في هذه الدار والوكيل يجحد ذلك فهو باطل لأنهما يشهدان لأبيهما فإنهما يثبتان بشهادتهما
نائبا عن أبيهما ليخاصم الطالب ويقيم البينة حجة للدفع فيقرر به ملك أبيهما وشهادة الولد
لا تقبل لأبيه قال وكذلك لو كان الطالب يجحد الوكالة لان الوكيل إن كان جاحدا للوكالة
فليس هنا من يدعيها وبدون الدعوى لا تقبل الشهادة على الوكالة وإن كان الوكيل مدعيا
للوكالة فالطالب لا يكون مجبرا على الدعوى وإن كان هذا الرجل وكيلا كما لا يجبر على الدعوى
19

عند حضرة المطلوب مع أن الابنين نصبا نائبا عن أبيهما ليثبتا حجة الدفع لأبيهما على
الطالب ولو أن رجلا كان له على رجل مال فغاب الطالب ودفع المطلوب المال إلى رجل
ادعي انه وكيل الطالب في قبضه فقبضه ثم قدم الطالب فجحد ذلك فشهد للمطلوب ابنا
الطالب بالوكالة جازت الشهادة لأنهما يشهدان على أبيهما فان هذه الشهادة لو انعدمت كان
للطالب أن يرجع في حقه على المطلوب إذا حلف انه لم يوكل الوكيل وعند قبول هذه الشهادة
يبطل حقه في الرجوع على المطلوب ويستفيد المطلوب البراءة بما دفع إلى الوكيل فظهر أنهما
يشهدان على أبيهما وشهادة الواحد على والده مقبولة ولو وكل رجل رجلا بقبض دين له
على رجل وغاب فشهد على ذلك ابنا الطالب والمطلوب يجحد الوكالة لم تجز الشهادة لأنهما
ينصبان نائبا عن أبيهما ليطالب المطلوب بالدين ويستوفيه فيتعين به حق أبيهما فكانا شاهدين
له وان أقر بها المطلوب وادعاها أحدهما جازت لان المطلوب باقراره بالوكالة صار مجبرا
على دفع المال إلى الوكيل بدون هذه الشهادة فهذه الشهادة تقوم على الطالب في اثبات البراءة
للمطلوب عن حقه بالدفع إلى الوكيل وشهادة الابنين على أبيهما مقبولة وإن كان في يديه
فشهد ابنا الطالب أن أباهما وكل هذا بالخصومة فيها وجحد ذلك المطلوب أو أقر لم تجز
الشهادة أما إذا جحد فلما بيناه في الفصل الأول وأما إذا أقر به فلانه بهذا الاقرار لم يصر
مجبرا على الدفع إلى الوكيل ولا على جوابه ان خاصمه (ألا ترى) أن البينة لو لم تقم هنا لم
يكن الوكيل مجبرا بشهادتهما على شئ وان أقر بوكالته فإنما يصير مجبرا بشهادتهما وهو بذلك
يصير نائبا لأبيهما ملزما على الغير فلا تقبل شهادتهما فيه (وأصل هذه المسألة) أن من جاء
إلى المديون وقال أنا وكيل صاحب الدين في قبض الدين منك فصدقه فإنه يجبر على دفع
المال إليه ولو جاء إلى المودع وقال إنا وكيل صاحب الوديعة في قبض الوديعة منك فصدقه
فإنه لا يجبر على الدفع إليه لان المديون إنما يقضى الدين بملك نفسه فهو بالتصديق يثبت له حق
القبض في ملكه واقراره في ملك نفسه ملزم فاما في الوديعة فهو بالتصديق يقر بحق القبض
له في ملك الغير وقوله ليس بملزم في حق الغير وقد روي عن أبي يوسف رحمه الله أن المودع
إذا صدق مدعى الوكالة فيها يجبر على دفعها إلى الوكيل لان باقرار الوكيل يكون أولى
بامساكها منه واليد حقه فاقراره بها لغيره يكون ملزما ولأنه يقر أنه يصير ضامنا بالامتناع من
الدفع إلى الوكيل بعد طلبه واقراره بسبب الضمان على نفسه مثبت إياه ولا يثبت ذلك الضمان
20

الا بثبوت الوكالة فاجبر على الدفع إليه ولو كان مسلم في يده دار ادعى ذمي فيها دعوى ووكل
وكيلا بشهادة أهل الذمة لم تجز شهادتهم على الوكالة سواء أقر المسلم بالوكالة أو أنكرها أما إذا
أنكرها فلان في هذه الشهادة إلزام الجواب على المسلم عند دعوى الوكيل وأما إذا أقر بها
فلان اقراره بالوكالة لا يلزمه الجواب هنا لما بينا أن اقراره لحق الغير فإنه يلزمه ذلك بشهادة
الشهود وشهادة أهل الذمة لا تكون حجة على المسلم وإن كان ذلك في دين وهو مقر به
وبالوكالة أجبرته على دفعه إلى الوكيل لأنه ليس في هذه الشهادة إلزام شئ على المسلم وصار
مجبرا باقراره على دفع الدين إلى الوكيل قال وليس هذا كالوكالة بالخصومة يريد به ان باقرار
المطلوب يكون هذا وكيل الطالب بالخصومة ولا يلزمه الجواب لان اقراره يتناول حق الغير
فهو بمنزلة اقراره بالوكالة بقبض العين بخلاف اقراره بالوكالة بقبض الدين وإذا شهد الشاهدان
فشهد أحدهما أن فلانا وكل فلانا بقبض الدين الذي على فلان وشهد الآخر أنه أمره بأخذه
منه أو أرسله ليأخذه فإن كان المطلوب مقرا بالدين فله أن يأخذه لان الشاهدين اتفقا على ثبوت
حق القبض له فان الرسول والمأمور به له حق القبض عند اقرار المطلوب بالدين كالوكيل
وان جحد المطلوب الدين لم يكن هذا خصما له أما عندهما فظاهر فان الوكيل بقبض الدين
لا يملك الخصومة عندهما وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أيضا وأما على ظاهر
الرواية فالوكيل يملك الخصومة دون الرسول والمأمور بالقبض كالرسول فإنما الشاهد له لحق
الخصومة واحد وبشهادة الواحد لا يثبت شئ وان شهدا جميعا انه وكله بقبضه فحينئذ يكون
خصما في اثبات الدين إذا جحد المطلوب ذلك باتفاق الشاهدين على ما يثبت له حق الخصومة
عند أبي حنفية رحمه الله ولو وكله بتقاضي دين له بشهود ثم غاب فشهد ابنان للطالب ان أباهما
قد عزله عن الوكالة وادعى المطلوب شهادتهما جازت شهادتهما لأنهما يشهدان على أبيهما
للمطلوب فان العزل إذا ثبت لم يكن المطلوب مجبرا على الدفع إلى الوكيل وشهادتهما على أبيهما
مقبولة وإن لم ندع شهادتهما أجبر على دفع المال إلى الوكيل لان الوكالة ظاهرة فجحوده
العزل اقرار بثبوت حق القبض له في ماله وذلك صحيح (وبهذه المسألة) يتبين أن الوكيل
بالتقاضي له أن يقبض كالوكيل بالخصومة بخلاف ما ظنه بعض أصحابنا رحمهم الله حيث
جعلوا الوكيل بالتقاضي حجة لزفر رحمه الله في الخلافية وتكلفوا للفرق بينهما وكذلك
شهادة الأجنبيين في هذا فان جاء الطالب بعد دفع المال فقال قد كنت أخرجته من الوكالة
21

فأنا أضمن المطلوب لان دفعه إليه باقراره فإن كان الشاهد على العزل أمين الطالب لم يكن
له أن يضمن المطلوب شيئا لان شهادتهما الآن لأبيهما على المطلوب فان أصل الوكالة ثابت
وذلك يوجب براءة المطلوب بالدفع إلى الوكيل ما لم يثبت العزل فلهذا لا تقبل الشهادة وإن كان
الشاهدان على العزل أجنبيين فقد ثبت العزل بشهادتهما وكان للطالب أن يرجع بماله
على المطلوب إذا شهدا أن الوكيل علم بالعزل وان شهد الابنان قبل قدوم أبيهما ان أباهما قد
أخرج هذا من الوكالة ووكل هذا الآخر بقبض المال وان أقر المطلوب بذلك دفعه إلى
الآخر لإقراره بثبوت حق القبض له في ملكه لا بشهادة الابنين بالوكالة له وان جحد دفعه
إلى الأول لان وكالته ثابتة ولم يثبت العزل بشهادتهما حين أنكره المطلوب فكان مجبرا
على دفع المال إليه فإن كان الطالب ذميا فشهد مسلمان انه وكل هذا المسلم بقبض دينه على
هذا والمطلوب مقر وشهد الذميان أنه عزله عن الوكالة ووكل هذا الآخر لم يجز على الوكيل
الأول لان حق القبض ثابت له بظهور وكالته وهو مسلم فشهادة الذميين عليه بابطال حقه
لا تكون مقبولة ولو كان الوكيل الأول ذميا جازت عليه لان شهادة أهل الذمة في ابطال حقه
حجة عليه وإذا شهد ابنا الوكيل أن الطالب أخرج أباهما عن الوكالة ووكل هذا الآخر بقبض
المال فهو جائز لأنهما يشهدان على أبيهما في ابطال حق القبض الثابت له ويشهدان للآخر
بثبوت حق القبض له وليس بينه وبينهما سبب التهمة ولو كان الشاهدان أميني الوكيل لم تجز
شهادتهما على الوكالة لأبيهما لأنهما يشهدان بثبوت حق القبض له ويجوز على اخراج الأول
لأنهما يشهدان عليه بالعزل وبطلان حقه في القبض وإذا شهد أنه جعله وكيلا في الخصومة في
الدين الذي على فلان وشهد الآخر انه وكله بقبضه قبلت شهادتهما في قول أبي حنيفة رحمه الله
في الخصومة والقبض جميعا وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تقبل في القبض إذا أقر المطلوب
بالدين ولا تقبل في الخصومة إذا جحد المطلوب الدين وفى قول زفر رحمه الله لا تقبل في
واحد منهما وهذا بناء على ما سبق أن الوكيل بالخصومة يملك القبض عندنا والوكيل بالقبض
يملك الخصومة عند أبي حنيفة رحمه الله فقد اتفق الشاهدان على الحكمين معنى وإنما اختلفا
في العبارة وذلك لا يمنع قبول الشهادة كما لو شهد أحدهما بالتخلي ولآخر بالهبة وعندهما الوكيل
بالقبض لا يملك الخصومة فقد اتفق الشاهدان على ثبوت حق القبض له فاما الشاهد بحق
الخصومة لأحدهما فيثبت فيما اتفقا عليه دون ما انفرد به أحدهما وعند زفر رحمه الله الوكيل
22

بالخصومة لا يملك القبض والوكيل بالقبض لا يملك الخصومة والشاهد أثبت أحد الامرين
ولا تتم الحجة بشهادة الواحد وان شهد أحدهما انه وكله ببيع هذا العبد وشهد الآخر انه
وكله بالبيع وقال لا تبع حتى تستأمرني فباع الوكيل العبد فهو جائز في القياس وقول الآخر
حتى تستأمرني باطل لأنهما اتفقا على الوكالة بالبيع وانفرد أحدهما بزيادة لفظ وهو قوله
لا تبع حتى تستأمرني فكان قياس ما لو شهد أحدهما بالعزل وقد بينا هناك انه يثبت ما اتفقا
عليه من الوكالة ولا يثبت ما انفرد به أحدهما وهو العزل فهذا مثله فقد أشار إلى القياس
ولم يذكر الاستحسان وقيل جواب الاستحسان انه لا يقضى بشئ لأنه في قوله لا تبع حتى
تستأمرني يفسد الوكالة فإنما شهد أحدهما بوكالة مطلقة والآخر بوكالة مقيدة والمقيد غير المطلق
فلم يثبت واحد منهما بخلاف العزل فإنه رفع للوكالة لا يفسد لها ولو قال أحد الشاهدين وكل
هذا بالبيع وقال الآخر وكل هذا وهذا لم يكن لهما ولا لأحدهما ان يبيع لان الشاهد
بوكالة الثاني واحد ولا تثبت وكالته بشهادة الواحد والشاهد بثبوت حق التفرد للأول
بالبيع واحد وهو الذي شهد بوكالته خاصة فان الاخر شهد بوكالة الاثنين وليس لاحد
الوكيلين ان ينفرد بالبيع فلهذا لم يكن لأحدهما ان يبيع فان قيل إذا اجتمعا على البيع كان
ينبغي أن ينفذ لاتفاق الشاهدين على نفوذه عند مباشرتهما ولا اعتبار بمباشرة الثاني لأنه ليس
بوكيل من جهة صاحب العبد فان الشاهد بوكالته واحد وليس بوكيل من جهة الوكيل الأول
فسقط اعتبار مباشرته لنفوذ هذا البيع وكذلك هذا في قبض الدين ولو كان هذا في الوكالة
بالخصومة كان الذي اجتمعا عليه هو الخصم لأنهما اتفقا على ثبوت حق التفرد له في الخصومة
فان أحد الوكيلين في الخصومة ينفرد بها ولكن إذا قضى له لا يملك القبض لان أحد الوكيلين
لا ينفرد بالقبض فليس على ثبوت حق التفرد له بالقبض الا شاهد واحد فلهذا لا يقبضه وان
شهد أحدهما أنه قال أنت وكيلي في قبض هذا الدين وشهد الآخر أنه قال أنت حسيبي في
قبضه كان جائزا لان كل واحد من اللفظين عبارة عن الوكالة فان الحسيب نافذ الامر وذلك
يكون بالوكالة وإنما اختلفا في العبارة وذلك لا يمنع قبول الشهادة وكذلك لو شهدا هكذا في
الخصومة أو قبض العين وان قال أحدهما أنه قال أنت وكيلي وقال الآخر أنه قال أنت وصيي
لا تقبل هذه الشهادة لان الوصية تكون بعد الموت وحكمها مخالف لحكم الوكالة فلم تبق
شهادة الشاهدين على شئ واحدا لا ان يشهد أنه قال أنت وصيي في حياتي فالوصية في الحياة
23

تكون وكالة لأنه أنابه في التصرف حال قيام ولايته وذلك أنما يكون بالوكالة وإنما الاختلاف
بين الشاهدين هنا في العبارة وذلك لا يمنع قبول الشهادة وان شهد أحدهما أنه وكله بالخصومة
في هذه الدار إلى قاضي الكوفة وشهد الآخر انه وكله بالخصومة في هذه الدار إلى قاضي البصرة
فهو جائز وهو وكيل بالخصومة لان المطلوب قضاء القاضي لا عين القاضي وأقضية القضاة
لا تختلف بل تكون بصفة واحدة في أي مكان كان قاضيا فقد اتفق الشاهدان على ما هو
المقصود وهو الوكالة (ألا ترى) انه لو وكله بالخصومة عند القاضي فعزل أو مات فاستقضي
غيره كان له أن يخاصم عنده وكذلك لو تحول الخصم إلى بلدة أخرى كان للوكيل أن يخاصم
عند قاضيها وهذا بخلاف ما لو شهد أحدهما انه جعله وكيلا بالخصومة إلى فلان الفقيه وقال
الآخر إلى فلان الآخر فهذا باطل لان الفقيه إنما يصير حاكما بتراضيهما وكل واحد منهما
يشهد برضا الموكل بحكومة انسان على حدة فلم يثبت واحد من الامرين وهذا لان حكم الحكم
بمنزلة الصلح لأنه يعتمد تراضى الخصمين وذلك ليس بمعلوم في نفسه بل يتفاوت بتفاوت عدل
الحكم وميله إلى أحدهما ورضاه بالتحكيم إلى انسان لا يكون رضا بالحكم إلى غيره وكذلك أن
سمى أحدهما القاضي والآخر الفقيه لان الشاهد على التوكيل بالخصومة إلى فلان الفقيه لا يملك
التحكيم فعرفنا اختلاف المشهود به وان شهد أحدهما انه وكله بطلاق فلانة وفلانة وقال
الآخر فلانة وحدها فهو وكيل في طلاق التي اجتمعا عليها لاتفاق الشاهدين على ذلك فاما في
طلاق الأخرى فالشاهد بالوكالة واحد ولو شهد أحدهما انه وكله بقبض هذا الدين وشهد
الآخر انه سلطه على قبضه فالتسليط على القبض توكيل وإنما الاختلاف بين الشاهدين في
العبارة وذلك لا يمنع قبول الشهادة وكذلك هذا في كل عقد ولو شهد رجلان على وكالة رجل
بالخصومة في دار فأثبته القاضي وكيلا فيها ثم رجعا لم أضمنهما لأنهما بالشهادة على الوكالة لم
يتلفا على أحد شيئا وإنما نصبا عن الموكل نائبا ليطالب بحقه والشاهد عند الرجوع إنما يضمن
ما أتلف بشهادته ثم رجوعهما غير مقبول في حق الوكيل فيضمن القاضي وكالته على حالها وإذا
ادعى الوكيل دعوى في دار في يدي رجل لموكله فأنكر ذو اليد الوكالة والدعوى فشهد ابنا
ذي اليد علي الوكالة بالخصومة فهو جائز لأنهما يشهدان على أبيهما فإنهما يلزمانه الجواب عند
دعوى الوكيل وإذا أشهدا رجلين على شهادتهما ثم ارتد الأصليان ثم أسلما لم تجز شهادة
الآخرين على شهادتهما لان شهادتهما عند الآخرين تبطل بارتدادهما بمنزلة شهادتهما عند القاضي
24

فإنهما لو شهدا عند القاضي ثم ارتدا قبل القضاء بطلت شهادتهما فكذلك إذا شهدا عند الفرعيين
والحاصل ان بردتهما لا يبطل أصل شهادتهما إنما يبطل أداؤهما لان سبب أصل الشهادة معا
بينهما وذلك لا ينعدم بالردة ولان اقتران الردة بالتحمل لا يمنع صحة تحمل الشهادة فاعتراضهما
لا يمنع البقاء بطريق الأولى فاما اقتران الردة بالأداء فيمنع صحة الأداء فاعتراضهما بعد الأداء
قبل حصول المقصود به يكون مبطلا للأداء وإنما يجوز للفرعيين ان يشهد بأداء الأصليين
عندهما وقد بطل ذلك بردتهما وان شهد الأصليان بأنفسهما بعد ما أسلما جازت شهادتهما لبقاء
أصل الشهادة لهما بعد الردة وكذلك لو شهد على شهادتهما رجلان ثم فسقا لم يجز أداؤهما لان
أداءهما عند الفرعيين بمنزلة أدائهما عند القاضي وفسق الشاهدين عند الأداء يمنع القاضي من
العمل بشهادتهما فكذلك فسقهما هنا يمنع الفرعيين من أن يشهدا على شهادتهما ولكن إنما
يبطل بفسقهما أداؤهما لا أصل شهادتهما حتى إذا تابا وأصلحا ثم شهدا بذلك جاز وكذلك لو
شهدا على شهادتهما بعد التوبة ذلك الشاهدان أو غيرهما جاز فان شهد الفرعيان على شهادة
الفاسقين عند القاضي فردهما لتهمة الأولين لم يقبلها أبدا من الأولين ولا ممن يشهد على
شهادتهما لان الفرعيين نقلا شهادة الأصليين إلى القاضي فكأنهما حضرا بأنفسهما وشهدا
والفاسق إذا شهد فرد القاضي شهادته تأبد ذلك الرد ولان الفسق لا يعدم الأهلية للشهادة
فالمردود كان شهادة وقد حكم القاضي ببطلانها فلا يصححها بعد ذلك أبدا وإن كان الأصليان
عدلين فرد القاضي الشهادة لفسق الفرعيين ثم حضر الأصليان وشهدا قبل القاضي شهادتهما لان
القاضي إنما أبطل هنا نقل الفرعيين لفسق فيهما وما أبطل المنقول وهو شهادة الأصليين لان
ابطال الفسق المنقول لا يكون الا بعد ثبوته في مجلسه ولم يثبت ذلك الا بنقل الفاسق بخلاف
الأول فان النقل هناك قد ثبت بعدالة الفرعيين وإنما أبطل القاضي المنقول وهو شهادة الأصليين
فلا يقبلها بعد ذلك وكذلك أن شهد شاهدان على شهادة عبدين أو كافرين على مسلم فرد
القاضي ذلك ثم عتق العبدان أو أسلم الكافران فشهدا بذلك جاز لأنهما لو شهدا عند القاضي
بأنفسهما فرد القاضي شهادتهما ثم أعادا بعد العتق والإسلام قبل ذلك منهما لما ان المردود لم يكن
شهادة فان العبد ليس من أهل الشهادة وكذلك الكافر ليس من أهل الشهادة على المسلم فلم
يحكم القاضي ببطلان ما هو شهادة هنا فله أن يقبلها بعد ذلك بخلاف الفاسقين فإذا ثبت هذا
الحكم عند أدائهما فكذلك عند أداء الفرعيين ولا تجوز شهادة أهل الحرب بعضهم على
25

بعض في دار الحرب لان حال الحربي في دار الحرب كحال الأرقاء أو دون ذلك لأنه لا يملك
دفع ملك الغير عن نفسه بالاستيلاء فلا شهادة لهم ولا يجوز لقاضي المسلمين أن يعمل بذلك
ان كتب به إليه ملكهم اما لأنه ليس بحجة أو لان ملكهم بمنزلة الواحد منهم فلا يكون كتابه
حجة عند القاضي إنما الحجة كتاب القاضي إلى القاضي وملكهم ليس بقاض في حق قاضي
المسلمين ولا في دار الاسلام فلهذا لا يلتفت إلى كتابه والله أعلم
(باب كتاب القاضي إلى القاضي في الوكالة)
(قال رحمه الله) وإذا وكل الرجل بالخصومة في دار له يقبضها والدار في مصر سوى
المصر الذي هو فيه فأراد أن يأخذ كتاب القاضي بالوكالة فذلك جائز لان الوكالة تثبت
مع الشهادة فيجوز فيها كتاب القاضي إلى القاضي والقياس يأبى كون كتاب القاضي إلى
القاضي حجة لان القاضي الكاتب لا ولاية له على الخصم الذي هو في غير بلده وكتابه
لا يكون حجة عليه ولان الخط يشبه الخط والخاتم يشبه الخاتم والكتاب قد يفتعل ولكنا
تركنا القياس لحديث علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه فان فيه كتاب القاضي إلى
القاضي ولان بالناس حاجة ماسة إلى ذلك لأنه قد يتعذر عليه الجمع بين الخصم وبين شهوده
في مجلس القضاء وربما لا يعرف عدالة شهوده في المصر الذي فيه الخصم لو شهد على شهادتهم
قبيل كتاب القاضي إلى القاضي لينقل شهوده كتابه إلى مجلس قاضي البلد الذي فيه الخصم ويثبت
عدالتهم في كتابه فلأجل الحاجة جوزنا ذلك بشرط ان يحتاط فيه ثم بين صفة الكتاب فقال
ينبغي للقاضي ان يسأله البينة انه فلان بن فلان الفلاني بعينه وهذا إذا لم يعرفه القاضي باسمه
ونسبه فإن كان ذلك معلوما له فعلم القاضي فيه أبلغ من البينة فلا يسأله البينة على ذلك ولكن
يذكر في كتابه وقد أثبته معرفة وإذا كأن لا يعرف اسمه ويشتبه فلا بد من أن يسأله البينة
على ذلك لأنه يحتاج في كتابه إلى أن يعرفه عند القاضي المكتوب إليه وتعريف الغائب إنما يكون
بالاسم والنسب فما لم يثبت ذلك عنده لا يمكنه ان يعرفه في كتابه وإذا أثبت ذلك الشهود
عنده وزكوا كتب له وسماه وينسبه إلى أبيه وقبيلته قالوا وتمام التعريف ان يذكر اسم أبيه
واسم جده وان ذكر قبيلته مع ذلك فهو أبلغ وان ترك ذلك لم يضره ويذكر في كتابه انه
قد أقام عنده البينة بذلك وزكوا شهوده في السر والعلانية وان شاء سمى الشهود وان شاء
26

ترك ذكرهم وقال اعرف وجهه واسمه ونسبه لان تعريفه عند القاضي المكتوب إليه
كتاب القاضي لا شهوده عند القاضي الكاتب فيجوز ان يترك ذكرهم ثم يكتب وذكر
ان دارا في البصرة في بنى فلان ويذكر حدودها له وانه قد وكل في الخصومة فيها وقبضها
فلانا بن فلان فإن كان الوكيل حاضرا عند الكاتب جلاه مع ذلك في الكتاب ليكون أبلغ
وان ترك ذلك لم يضره ثم يختم الكتاب ليؤمن بالختم من التغيير والزيادة والنقصان فيه ويشهد
على ختمه شاهدين وإذا قدم الوكيل كتابه سأله القاضي البينة على الكتاب والخاتم وما فيه
لأنه يوهم ان هذا كتاب القاضي إليه وهو لا يعرف حقيقة ذلك وما غاب عن القاضي علمه
فطريق اثباته عنده شهادة شاهدين وعلم الشاهدين بما في الكتاب شرط عند أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله خلافا لأبي يوسف رحمه الله (وهي مسألة أدب القاضي) فان شهدوا بذلك
فزكوا سأل الوكيل البينة أنه فلان بن فلان بعينه وهذا إذا كان المكتوب إليه لا يعرف
الوكيل باسمه ونسبه فإذا كان يعرفه فلا حاجة إلى إقامة البينة عليه وان كأن لا يعرفه يقول
للوكيل قد علمت بهذا الكتاب ان الوكيل فلان بن فلان ولكن لا أدرى انك ذلك الرجل
أم لا فيحتاج إلى إقامة البينة على اسمه ونسبه لهذا فإذا أقام البينة وزكوا ادعى بحجة صاحبه
في الدار لأنه قائم مقام الموكل ولو حضر الموكل بنفسه طالبه بالحجة على ما يدعى من الحق
في الدار فكذلك إذا حضر وكيله وان سأل القاضي الوكيل البينة ان فلان بن فلان بعينه قبل أن
يسأله البينة على الكتاب فذلك صواب وأحسن لأنه لابد في إقامة البينة على الكتاب
والخاتم من مدعيه والمدعى من ذكر له انه وكيل وأنا عرفت عنده بالاسم والنسب فيقيم البينة
أولا على اسمه ونسبه حتى إذا ثبت انه فلان بن فلان سمع دعواه في كتاب القاضي وختمه
فهذا الترتيب أحسن والأول جائز أيضا لأنه ليس في أحدهما بدون صاحبه إلزام شئ على
الخصم فبأيهما كانت البداءة جاز ولا ينبغي للقاضي أن يفتح كتاب القاضي الا والخصم معه
لأنه مندوب إلى أن يصون نفسه عن أسباب التهمة ولو فتح الكتاب بدون حضور الخصم
ربما يتهمه الخصم بتغيير شئ منه وإذا قبض الوكيل الدار لم يكن له أن يؤاجرها ولا يرهنها ولا
يسكنها أحدا لأنه إنما وكل بالخصومة فيها وبقبضها وهذه التصرفات وراء ذلك فهو فيها كأجنبي
آخر وان ادعى رجل فيها دعوى فهو خصم فيها لأنه وكله بالخصومة فيها ولم يسم في الوكالة
أحدا بعينه فإن كان سمى في الوكالة انسانا لم يكن له أن يخصم غيره لان التخصيص في الوكالة
27

صحيح إذا كان مقيدا وهذا مقيد اما لان الموكل رضي بكونه نائبا عنه في الاثبات له على
فلان دون الاثبات عليه لغيره أو لان الناس يتفاوتون في الخصومة فقد يقدر الوكيل على
دفع خصومة انسان ولا يقدر على دفع خصومة غيره لكثرة هدايته في وجوه الحيل والقاضي
في التوكيل لنفسه بمنزلة غيره من الرعايا لأنه مالك للتصرف في حقوق نفسه فله أن يوكل
غيره بذلك ولا يجوز قضاؤه بين وكيله وبين خصمه لان قضاءه لوكيله بمنزلة قضائه لنفسه وهو
في حق نفسه لا يكون قاضيا لان القضاء فوق ولاية الشهادة وإذا كان المرء في حق نفسه لا
يكون شاهدا فكذلك لا يكون قاضيا وكذلك كل من لا تجوز شهادته له من أبيه أو أمه أو
زوجته أو ابنه لا يجوز قضاؤه له ولا لوكيله وكل من جازت شهادته له جاز قضاؤه له لان أقرب
الأسباب إلى القضاء الشهادة فان القضاء يكون بالشهادة والشهادة تصح بالقضاء فإذا جعل في
حكم الشهادة من سميا بمنزلة نفسه فكذلك في حكم القضاء ولو أن رجلا وصى بثلث ماله للقاضي
وأوصى إلى رجل آخر لم يجز قضاء القاضي لذلك الميت بشئ من الأشياء لان له نصيبا فيما
يقضى به للميت من المال فكان قاضيا لنفسه من وجه فكما لا يقضى عنده دعوى الوصي فكذلك
عند دعوى الوكيل للوصي وكذلك أن كان القاضي أحد ورثة الميت ولم يوص له بشئ لأنه
قاض لنفسه من وجه وكذلك أن كان الموصى له أو الوارث ابن القاضي أو امرأته لأنه بمنزلة
نفسه (ألا ترى) أنه لا يصلح للشهادة فيما يدعى للميت من المال فكذلك لا يصلح للقضاء
وكذلك أن كان للقاضي على الميت دين لأنه بهذا القضاء يمهد محل حقه فإنه إذا أثبت بقضائه
تركة الميت استبد باستيفائه بدينه فكان قاضيا لنفسه من هذا الوجه ولو اختصم رجلان في شئ
فوكل أحدهما ابن القاضي أو عبده أو مكاتبه لم يجز قضاء القاضي للوكيل على خصمه لان
حق القبض بقضائه يثبت للوكيل فإذا كان عبده أو ابنه كان بمنزلة القضاء له ولو قضى للخصم
على الوكيل جاز بمنزلة قضائه على ابنه أو عبده إذ لا تهمة في قضائه على ابنه وإنما التهمة في قضائه
له (ألا ترى) ان شهادته على ابنه مقبولة بخلاف شهادته له وإذا وكل رجلا بالخصومة ثم ولى
الوكيل القضاء لم يجز قضاؤه في ذلك لأنه فيما يدعيه لنفسه لا يكون قاضيا فكذلك فيما هو
وكيل فيه لان حق القبض يثبت له فلو أراد أن يجعل مكانه وكيلا آخر لم يجز أيضا لان
الموكل ما رضي بتوكيل غيره ولكنه لو عزل عن القضاء كانت وكالته على حالها لان نفاذ القضاء
لا ينافي الوكالة وإن كان يمنعه من القضاء بها كما لا ينافي أصل حقوقه وإن كان هو ممنوعا من
28

القضاء بها (ألا ترى) انه لو وكل وهو قاض كان التوكيل صحيحا وكان وكيلا حتى إذا عزل كان
وكيلا فإذا كان اقتران القضاء بالوكالة لا يمنع ثبوتها فطريانه لا يرفعها وكان بطريق الأولى
وكذلك لو وكل رجل القاضي ببيع أو شراء أو قبض جاز ذلك لأنه يملك البيع والشراء
لنفسه فكذلك للغير وكذلك لو وكل القاضي بالخصومة فهو على وكالته إذا عزل عن القضاء
وان قال له الموكل ما صنعت من شئ فهو جائز فوكل القاضي وكيلا يخاصم إليه بذلك فالتوكل
صحيح لان الموكل أجاز صنعه على العموم والتوكيل من صنعه ولكن لا يجوز قضاؤه للوكيل
لأنه إذا كان هو الذي وكله فقضاؤه له كقضائه لنفسه من وجه (ألا ترى) انه لا يصح أن يكون
شاهدا فيما يدعيه وكيله وكذلك لو كان هذا وكيل ابنه أو بعض من هو ممن لا يجوز
شهادته له قال وإذا وكل القاضي ببيع عبده وكيلا فباعه فخاصم المشترى الوكيل في عيب لم
يجز قضاء القاضي فيه لموكله لأنه بمنزلة قضائه لنفسه فان ما يلحق الوكيل من العهدة يرجع به
على الموكل فيندفع عنه أيضا ففي الحقيقة إنما يندفع عن الموكل وان قضى به على الوكيل جاز
لان أكثر ما فيه أنه بمنزلة القضاء على نفسه ولا تهمة في ذلك فكذلك على ابنه ومن لا يجوز
شهادته له ولو وكل القاضي وكيلا يبيع لليتامى شيئا ثم خاصم المشترى في عينه جاز قضاء
القاضي للوكيل في ذلك لان الوكيل هنا نائب عن اليتيم لا عن القاضي حتى إذا لحقته عهدة
رجع بها في مال اليتيم فلا يكون القاضي في هذا القضاء دافعا عن نفسه وإذا وكل ابن
القاضي وكيلا في خصومة فخاصم إلى القاضي ثم مات الموكل لم يجز له أن يقضى للوكيل به
لأنه فيما يقضى به له نصيب فيه وان قضي به قبل موت الموكل جاز لأنه لا حق للوارث قبل
موت المورث في ماله ولكن هذا إذا كان الوارث ممن تجوز شهادة القاضي له ولو وكلت امرأة
القاضي وكيلا بالخصومة ثم بانت منه وانقضت عدتها فقضى لوكيلها جاز وكذلك وكيل
مكاتبه إذا عتق المكاتب قبل القضاء والحاصل ان المعتبر وقت القضاء لا وقت التوكيل لان
الالزام إنما يكون بالقضاء فإذا لم يكن عند ذلك سبب ممكن للتهمة كان القضاء نافذا وإلا فلا
وإذا كان ابن القاضي وصيا ليتيم لم يجز قضاؤه في أمر اليتيم لان فيما يقضى به لليتيم حق
القبض يثبت للوصي فإذا كان الوصي ابن القاضي كان هذا بمنزلة قضائه لابنه من وجه
فلهذا لا يجوز والله أعلم
29

(باب وكالة وصى اليتيم)
(قال رحمه الله) ويجوز لوصي اليتيم أن يوكل في كل ما يجوز له أن يعلمه بنفسه من أمور
اليتيم وقد بينا الفرق بين الوصي والوكيل مع أنه لا فرق في الحقيقة لان الوصي مفوض إليه
الامر على العموم ولو فوض إلى الوكيل بهذه الصيغة بان قال ما صنعت من شئ فهو جائز كان
له أن يوكل غيره فكذلك الوصي فان بلغ اليتيم قبل أن يصنع الوكيل ذلك لم يجز له أن يفعله
لان حق التصرف للوكيل باعتبار حق التصرف للوصي وببلوغ اليتيم عن عقل انعزل الوصي
حتى لا يملك التصرف فكذلك وكيله ولان استدامة الوكالة بعد بلوغ اليتيم كانشائها ولو
وكله الوصي بعد بلوغ اليتيم لم يجز فكذلك لا تبقى وكالته وإذا وكل اليتيم بشئ من أموره
وكيلا لم يجز الا بإجازة وصيه كما لو باشر ذلك التصرف بنفسه لا يجوز الا بإجازة وصيه فإن كان
لليتيم وصيان فوكل كل واحد منهما رجلا على حدة بشئ مما ذكرنا قام وكيل كل
واحد منهما مقامه وجاز له ما يجوز له لان بالتوكيل أقامه مقام نفسه وهو في حق نفسه
مستبد بالتصرف فيقوم كل واحد من الوكيلين مقام موكله ثم إن الخلاف معروف في أن
أحد الوصيين لا ينفرد بالتصرف عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله الا في أشياء معدودة خلافا
لأبي يوسف رحمه الله فكذلك وكيل كل واحد منهما قال وإذا كان الصبي في حجر ذي رحم
محرم يعوله وليس بوصي له لم يجز عليه بيع ولا شراء ولا خصومة ولا غير ذلك لان نفوذ
هذه التصرفات يعتمد الولاية ولا ولاية له على اليتيم فلا ينفد تصرفه فيما سوى اجارته
وقبض الصدقة والهبة له استحسانا اما إجارة نفسه ففي القياس لا يجوز لأنها تعقد على منافع
نفسه ويلزمه بحكم ذلك العقد تسلم نفسه ولا ولاية له عليه في ذلك ولكنه استحسن فقال
المقصود من هذه الإجارة أن يتعلم الصبي ما يكتسب به إذا احتاج إليه وهو منفعة محضة له
لو أراد من يعوله أن يعلمه ذلك بنفسه ويستخدمه في ذلك ليتعلم جاز ذلك فكذلك له أن
يسلمه إلى غيره ليعلمه ذلك من غير عوض يحصل له فإذا أجره لذلك لحصل له عوض بإزاء
منافعه فكان إلى الجواز أقرب والزام التسليم بحكم هذا العقد فيه منفعة لليتيم لأنه يبقى محفوظا
بيد من يحفظه وهو محتاج إلى الحافظ فاذن قبض الهبة والصدقة لا يستدعى الولاية (ألا ترى)
ان القبض للصبي وله أن يقبض بنفسه إذا كان يعقل ذلك هو لأنه محض منفعة لا يشوبها
30

ضرر ولا معتبر بالولاية فيه (ألا ترى) ان من يعوله يحفظه ويحفظ ما معه من ماله فكذلك
يحفظ ما يوهب له ولا يتأتى ذلك الا ببينة وان أجر عبده أو دابته لم يجز لان الإجارة نوع
بيع يعتمد الولاية ولا مقصود فيه سوى أسباب المال فيكون بمنزلة بيع الرقبة قال وإذا
وكل وصى الميت وكيلا في خصومة اليتيم أو بيع أو شراء ثم مات الوصي بطلت الوكالة لان
نفوذ تصرف الوكيل باعتبار ولاية الوصي ورأيه وقد انقطع ذلك بموته فتبطل الوكالة
أيضا والله أعلم
(باب الوكالة بالقيام على الدار وقبض الغلة والبيع)
(قال رحمه الله) وإذا وكل وكيلا بالقيام على داره واجارتها وقبض غلتها لم يكن له ان
يبنى ولا يرم شيئا منها لأنه تصرف وراء ما أمر به وانه إنما أمر بحفظ عينها والاعتياض عن
منافعها والبناء والترميم ليسا من هذا في شئ بل هو احداث شئ آخر فيها فلا يمكنه بدون
أمر صاحبها وكذلك لا يكون وكيلا في خصومتها لأنه مأمور بحفظها كالمودع ولا يكون المودع
وكيلا بالخصومة لمن يدعى في الوديعة حقا فكذلك هذا ولو هدم رجل منها بيتا كان وكيلا
بالخصومة في ذلك بمنزلة المودع وهذا لان الهادم استهلك شيئا مما في يده وقد أمر بحفظه
وحفظ الشئ بإمساك عينه حال بقائه ولا بدل له عند استهلاك العين ولا يتوصل إلى ذلك
الا بان يخاصم المستهلك ليسترد فكان خصما في ذلك كما يكون خصما للغاصب في استرداد
العين وكذلك لو أجرها من رجل فجحد ذلك الرجل الإجارة كان خصما له حتى يثبتها عليه
لأنه هو الذي باشر العقد والإجارة أحد البيعين والمباشر للبيع هو الخصم في اثباته عند الحاجة
وكذلك المباشر للإجارة وان وقعت الحاجة إلى اثبات تسليم العين إليه كان الخصم له في ذلك
أيضا لأنه هو الذي يسلمها وكذلك أن سكنها المستأجر وجحد الاجر فإنما كان وجوب الاجر
بعقد الوكيل وقبض الحق إليه فكان خصما في اثباته لان الإجارة من العقود التي تتعلق
الحقوق فيها بالعاقد وليس للوكيل أن يدعى شيئا من هذه الدار لنفسه لأنه أقر أنه وكيل
فيها وذلك يهدم دعواه فان بين كونه مالكا للعين وبين كونه وكيلا فيها منافاة فاقراره بالوكالة
يجعله مناقضا في دعواه الملك لنفسه وليس لهذا الوكيل أن يوكل بها غيره وكذلك الوكيل
بالبيع ليس له أن يوكل غيره به الا على قول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى فإنه يقول لما ملك
31

الوكيل التصرف بنفسه بعد الموكل ملك التفويض إلى غيره بالوكالة كما في حقوق نفسه ولكنا
نقول الموكل وصى برأي الوكيل الأول والناس يتفاوتون في الرأي فلا يكون رضاه برأيه فيما
يحتاج فيه إلى الرأي رضا برأي غيره وكان هو في توكيل الغير به مباشره غير ما أمره به
الموكل ومتصرفا على خلاف ما رضى به فلا يجوز إلا أن يبيع الوكيل الثاني بمحضر من الوكيل
الأول فحينئذ يجوز عندنا استحسانا وعند زفر رحمه الله لا يجوز كما لو باعه في حال غيبته وهذا
لان حقوق العقد إنما تتعلق بالعاقد والموكل إنما رضى بان تتعلق الحقوق بالوكيل الأول دون
الثاني ولو جاز بيع الثاني بمحضر من الأول تعلقت الحقوق به دون الأول ولكنا نقول
مقصود الموكل من هذا أن يكون تمام العقد برأي الوكيل الأول وإن كان هو حاضرا فاتمام
العقد برأيه فكان مقصوده حاصلا بخلاف ما إذا كان عاما والدليل عليه أنه إذا كان حاضرا يصير
كأنه هو المباشر للعقد (ألا ترى) ان الأب إذا زوج ابنته البالغة بشهادة رجل واحد بحضرتها
يجعل كأنها هي التي باشرت العقد حتى يصلح الأب أن يكون شاهدا ولا معتبر بالعقد فإنه لو باعه
غيره فأجاز الوكيل جاز لان تمام العقد برأيه وان كانت حقوق العقد تتعلق بالمباشر عند الإجازة
فكذلك إذا باع بمحضر منه ولو كانا وكيلين في إجارة أو بيع ففعل ذلك أحدهما دون الآخر لم
يجز لان الموكل رضى برأيهما ورأي أحدهما لا يكون برأيهما وهذا بخلاف الوكيلين بالخصومة
لان هناك يتعذر اجتماعهما على الخصومة فيكون الموكل راضيا بخصومة كل واحد منهما على
الانفراد وهنا اجتماعهما في العقد يتيسر وهذا عقد يحتاج فيه إلى الرأي والتدبير فلا ينفرد
به أحدهما إذا رضى الموكل برأيهما وكذلك المرمة والبناء في هذا ولو باعه الوكيل بالبيع من
نفسه أو من ابن له صغير لم يجز وان صرح الموكل بذلك لان الواحد في باب البيع إذا باشر
العقد من الجانبين يؤدى إلى تضاد الاحكام فإنه يكون مستردا مستقضيا قابضا مسلما
مخاصما في العيب ومخاصما وفيه من التضاد ما لا يخفى ولو باعه له من ابن له كبير أو امرأته
أو واحد ممن لا تجوز شهادته له لم يجز ذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله بمطلق الوكالة أيضا
ويجوز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله الا من عبده ومكاتبه هكذا أطلق الجواب في
كتاب البيوع والوكالة وفى المضاربة يقول بيعه من هؤلاء بمثل القيمة يجوز وإنما الخلاف
في البيوع بالغبن البين فمن أصحابنا رحمهم الله من يقول من يقيس هناك يقيس في الوكالة أيضا
ومنهم من فرق بين الوكيلين والمضارب ثم وجه قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله
32

انه ليس للوكيل فيما يشترى هؤلاء ملك ولا حق ملك فبيعه منهم كبيعه من أجنى آخر
بخلاف العبد والمكاتب فان كسب عبده له وفى كسب مكاتبه له حق الملك فتلحقه التهمة
بالبيع منهما فلا يملك ذلك كما لا يملك البيع من نفسه وأبو حنيفة رحمه الله يقول الوكيل بالبيع
يوجب الحق للمشترى في ملك الغير والانسان متهم في حق ابنه وامرأته فيما يوجبه لهما في
ملك الغير (ألا ترى) انه لو شهد له لا تقبل شهادته وجعل بمنزلة الشاهد لنفسه أو لعبده أو
مكاتبه فكذلك إذا باعه منه ثم إن كان الخلاف في البيع بالغبن اليسير فكلام أبي حنيفة رحمه الله
واضح فيه لأنه في حق الأجنبي إنما جعل الغبن اليسير عفوا لأنه ليس بينه وبين الوكيل
سبب يجر إليه تهمة الميل فالظاهر أنه خفي عليه ذلك فاما ما بينه وبين ابنه أو أبيه فسبب يجر
تهمة الميل لنفوذ الوكالة وان أجريت على اطلاقها فتخصيصها بالتهمة (ألا ترى) أنه لا يملك البيع
من هؤلاء بالغبن الفاحش بالاتفاق وإذا دخله الخصوص حمل على أخص الخصوص وهو
جعل الخلاف على البيع بمثل القيمة والفرق بين المضارب والوكيل ان المضارب كالمتصرف
لنفسه من وجه (ألا ترى) أنه لا يجوز نهيه عن التصرف بعد ما صار المال عروضا وانه شريكه
في الربح فلا تلحقه التهمة في البيع بمثل القيمة من هؤلاء لأنه إنفاذ في العين دون المالية وفى
الغبن هو كالمتصرف لنفسه بخلاف البيع بالغبن فإنه ايثار له في شئ من المالية وهو في ذلك
نائب محض فاما الوكيل ففي العين والمالية جميعا نائب فلهذا لا يجوز بيعه من هؤلاء بمثل القيمة
إلا أن يكون الموكل قد أجاز له في الوكالة بان قال له بع ممن شئت العموم فحينئذ
يجوز بيعه من هؤلاء وهذه الزيادة لم يذكرها هنا لأنه لما فوض الامر إليه على العموم كان
ذلك بمنزلة التنصيص على البيع من هؤلاء فان اللفظ العام يكون نصا في كل ما يتناوله فلهذا
جاز بيعه من هؤلاء بعد هذه الزيادة الا من عبده الذي لا دين عليه لأنه لا نص على بيعه
منه فلم يجز فان كسبه ملك مولاه فبيعه منه كبيعه من نفسه فاما عند اطلاق الوكالة فلا يملك
البيع من هؤلاء لان الامر مطلق والمطلق غير العام فلم يكن اطلاقه بمنزلة التنصيص على
كل بيع يباشره فلهذا لا يملك البيع من هؤلاء لتمكن سبب التهمة بينه وبينهم كما لا يبيعه من
مكاتبه قال وإذا باع الوكيل الدار والخادم فطعن المشتري بعيب فخصومته في العيب مع
الوكيل حتى يرد وكذلك الخصومة في العين إلى الوكيل حتى يقبضه عندنا وهو بناء على
أن حقوق العقد عندنا تتعلق بالوكيل في البيع والشراء وعلى قول الشافعي رحمه الله حقوق
33

العقد تتعلق بالموكل وليس للوكيل من ذلك شئ لأنه نائب في التصرف عن الموكل
معبر عنه فلا تتعلق حقوق العقد به كالوكيل بالنكاح ودليل الوصف أن حكم العقد وهو
الملك يثبت للموكل دون الوكيل ولنا ان العاقد لغيره في البيع والشراء كالعاقد لنفسه لان
مباشرته العقد بالولاية الأصلية الثابتة له إلا أنه كأن لا ينفذ تصرفه بهذه الولاية في محل هو
مملوك للغير الا برضا المالك به فالتوكيل لتنفيذ حكم التصرف في محل الاثبات والولاية له
وإذا كان تصرفه بالولاية الأصلية كان عقده لنفسه ولغيره سواء فيما هو من حقوقه والدليل
عليه أنه مستغن عن إضافة العقد إلى الموكل فان الوكيل بشراء شئ بعينه لو لم يضف العقد
إلى الموكل يقع للموكل بخلاف النكاح حتى إذا أضافه إلى نفسه كان العقد له دون الموكل
فعرفنا أنه معبر عنه (توضيحه) أن الوكيل بالنكاح ليس له قبض المعقود عليه والوكيل بالشراء
له قبض السلعة وحقيقة الفرق أن كل عقد يجوز أن ينتقل موجبه من شخص إلى شخص
فالوكيل فيه كالعاقد لنفسه وكل عقد لا يجوز أن ينتقل موجبه من شخص إلى شخص
فالوكيل فيه يكون مغايرا فموجب النكاح ملك البضع وهو لا يحتمل النقل وموجب الشراء
ملك الرقبة وهو يحتمل النقل فيجعل كان الوكيل يملكه بالشراء تم ملكه من الموكل هذا
على طريقه الكرخي رحمه الله حيث يقول الملك أولا فاما على طريقة أبى طاهر الدباس
رحمه الله الملك يقع للموكل ولكن يعقده الوكيل على سبيل الخلافة عنه وملك النكاح لا يحتمل
مثل هذه الخلافة فاما ملك المال فيحتمل (ألا ترى) أن بعقد العبد الملك يقع لمولاه وبعقد
المورث يقع لوارثه بعد موته فلهذا كان الوكيل فيه بمنزلة العاقد لنفسه فيما هو من حقوق
العقد وإذا رد عليه بالعيب بغير قضاء قاض بعيب يحدث مثله أو لا يحدث لزمه دون الآمر
وقد بينا اختلاف الروايات في هذا في الاقرار أما وكيل الإجارة فله أن يقبل بدون القاضي
وإذا قبله لم يلزمه ومن أصحابنا رحمهم الله من قال لا فرق بينهما لان المعقود عليه في الإجارة
لا يصير مقبوضا بقبض الدار ولهذا لو تلف بانهدام الدار كان في ضمان الأجير فيكون هذا
من البيع بمنزلة ما لو قبله الوكيل بالعيب بغير قضاء القاضي قبل القبض وهناك يلزم الآمر
فكذلك في الإجارة فاما في الكتاب فعلل للفرق بين الفصلين وقال لان فسخ الإجارة ليس
بإجارة ومعنى هذا أن القول بالعيب بغير قضاء القاضي في البيع يجعل بمنزلة عقد مبتدأ في
حق غير المتعاقدين والموكل غيرهما فصار في حقه كان الوكيل اشتراه ابتداء فيلزمه دون
34

الآمر وفى الإجارة لا يجعل هكذا لان على أحد الطرفين الإجارة في معنى عقود متفرقة يتجدد
انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة فبعد الرد بالعيب يمتنع الانعقاد لا ان يجعل ذلك عقدا
مبتدأ بين المستأجر والوكيل وعلى الطريقة الأخرى العقد منعقد باعتبار إقامة المعقود عليه
وهو المنفعة وهذا حكم ثبت للضرورة ولا ضرورة إلى أن يجعل الرد بالعيب عقدا مبتدأ ليقام
رقبة الدار فيه مقام المنفعة قال وللوكيل بالبيع أن يبيع بالنسيئة لأنه أمر بالبيع مطلقا ومن
اعتبر أمره في شئ بغير اطلاق جعل أمره كأوامر الشرع فالامتثال إنما يحصل بأصل البيع
لا بصفة النقد والنسيئة لان ذلك قيد والمطلق غير المقيد (ألا ترى) ان التكفير لما كان بتحرير
رقبة مطلقة استوى فيه الذكر والأنثى والصغير والكبير وللوكيل بالبيع أن يأخذ بالثمن رهنا
أو كفيلا لان الرهن وثيقة لجانب الاستيفاء فان موجبه ثبوت يد الاستيفاء وللوكيل ان
يستوفى الثمن والكفالة وثيقة لجانب اللزوم لأنه يزداد به لمطلق المطالبة فإنه يطالب الكفيل
بعد الكفالة مع بقاء الكفالة والمطالبة على الأصيل كما كانت والمطالبة من حقوق الوكيل وله
ان يحتال بالثمن أن كان قال له ما صنعت من شئ فهو جائز لان موجب الحوالة يحول الثمن
من ذمة المحيل إلى ذمة المحتال عليه فان جوز بصيغة العموم نفذ هذا التصرف منه على الموكل
لأنه من صنعه وإن لم يكن قال له هذا فعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يجوز قبول الحوالة
في حق براءة المشترى ويكون الوكيل ضامنا الثمن للموكل وعند أبي يوسف رحمه الله لا يجوز
(واصل المسألة في الابراء) ان الوكيل بالبيع إذا أبرأ المشترى من الثمن جاز في قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله وصار ضامنا للموكل قياسا وفى قول أبى يوسف رحمه الله لا يجوز ابراؤه
استحسانا لان الثمن في ذمة المشتري ملك للموكل فإنه بدل ملكه لأنه إنما يملك البدل بملك
الأصل فابراء الوكيل تصرف في ملك الغير على خلاف ما أمره به فلا ينفذ كما لو قبض الثمن ثم
وهبه من المشترى ودليل الخلاف أنه يصير ضامنا عندهما * وحجة أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
ان الابراء اسقاط لحق القبض والقبض خالص حق الوكيل (ألا ترى) ان الموكل لا يمنعه
من ذلك ولو أراد أن يقبض بنفسه لم يكن له ذلك فكان هو في الابراء عن القبض مسقطا حق
نفسه فيصح منه إلا أن بقبضه يتعين ملك الآمر في المقبوض فإذا انسد عليه هذا الباب
فبابرائه صار ضامنا بمنزلة الراهن يعتق المرهون ينفذ اعتاقه لمصادفته مالكه ولكنه يضمن
للمرتهن لانسداد باب الاستيفاء من مالية العبد عليه بهذا الاعتاق إذا عرفنا هذا في الابراء
35

قلنا الحوالة ابراء المشترى بتحويل الحق إلى ذمة المحال عليه فلا يجوز عند أبي يوسف رحمه
الله لأنه تصرف في حق الموكل بخلاف ما أمره به ويجوز عندهما ويكون الوكيل ضامنا كما لو
أبرأه بغير حوالة وعلى هذا لو حط البائع عن المشترى بعض الثمن بعيب أو بغير عيب فإن كان
قال له ما صنعت من شئ فهو جائز فهذا من صنعه فيجوز في حق الآمر وإن لم يقل له فهو
جائز في حق المشتري ويكون الوكيل ضامنا في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ولا يجوز في
قول أبى يوسف رحمه الله اعتبارا للبعض بالكل وكذلك لو اشترى الوكيل من المشترى بالثمن
متاعا أو كان الثمن دنانير فاخذ منه بها دراهم أو صالح من الثمن على متاع فذلك كله جائز في قول
أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله في حق الوكيل ويكون ضامنا الثمن للموكل وعند أبي يوسف رحمه
الله لا يجوز شئ مما صنع في براءة المشترى والثمن على المشترى على حاله ولو قبض من الثمن
بعضه واشترى ببعضه متاعا كان مؤتمنا فيما يقبض من الثمن بعينه كما لو قبض الكل ويكون
ضامنا حصة ما اشترى به الآمر كما لو اشترى الكل وهذا لان ثمن المشترى وجب عليه ثم
صار قاضيا بالثمن دين نفسه بطريق المقاصة وان هلك المشترى قبل أن يقبضه لم يضمن المشترى
ثمنه للامر لان بهلاك المبيع قبل القبض انفسخ البيع من الأصل وكان سقوط الثمن عن
المشترى بانفساخ السبب لا للمقاصة بالثمن الذي هو للآمر قال وللوكيل بالبيع أن يبيع بقليل
الثمن وكثيره وبأي جنس شاء من الأجناس للأموال في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو
يوسف ومحمد رحمهما الله لا يجوز بيعه الا بالنقد بما يتغابن الناس في مثله وحجتهما في ذلك
أن مطلق الوكالة يتقيد بالمعتاد والبيع بالغبن الفاحش ليس بمعتاد فلا ينصرف التوكيل إليه بمنزلة
التوكيل بالشراء ثم البيع بالمحاباة الفاحشة بيع فيه هبة ولهذا لو حصل من المريض كان معتبرا
من ثلثه وهو وكيل بالبيع دون الهبة (ألا ترى) أن الأب والوصي لا يملكان البيع بالمحاباة
الفاحشة لهذا وأما البيع بالعروض فبيع من وجه شراه من وجه وهو وكيل بمطلق البيع
ومطلق البيع يكون بالنقد دون العروض (ألا ترى) ان الوكيل بالشراء لا يشتري للآمر
الا بالنقد وأبو حنيفة رحمه الله يقول هو مأمور بمطلق البيع وقد أتى ببيع مطلق لان البيع
اسم لمبادلة مال بمال وذلك يوجد في البيع بالعروض كما يوجد في البيع بالنقود ولكن من البيع
ليتضمن الشراء ولا يخرج به من أن يكون بيعا مطلقا لا يضمن الشراء في جانب العروض لا في
جانب المبيع وأمره كان باعتبار المبيع والعقد فيه بيع مطلق وكذلك البيع بالمحاباة فما من جزء
36

من البيع الا ويقابله جزء من الثمن (ألا ترى) أنه يستحق الكل بالشفعة والشفعة في الهبات
لا تثبت والدليل عليه أن من حلف أن لا يبيع فباع بالمحاباة يحنث وكما يراعى العرف في
الوكالات يراعي في الأثمان ثم جعل هذا بيعا مطلقا في اليمين وكذلك في الوكالة وهذا لان
العرف مشترك فقد يبيع المرء الشئ للبر فيه وفى هذا لا ينافي قلة الثمن وكثرته وقد يبيعه
للاسترباح فعند اطلاق الامر لا يترجح أحد المقصودين من غير دليل وهذا بخلاف
الوكيل بالشراء لان الامر المطلق تخصصه التهمة وفى الوكيل بالشراء التهمة ممكنة لجواز
أن يكون اشترى لنفسه فلما لم يعجبه أخذه في يمينه أراد أن يحوله إلى الآمر ولا تمكن مثل
هذه التهمة في الامر بالبيع لان أمره بالتوكيل بالشراء يلاقى ملك الغير وليس له ولاية
مطلقة في ملك الغير لينظر إلى اطلاق أمره وأمره في البيع يلاقى ملك نفسه وله ولاية مطلقة
في ملك نفسه ولو اعتبرنا العموم في جانب الوكيل اشترى ذلك المتاع بجميع ملك الموكل
ونحن نعلم أن الموكل لم يقصد ذلك فإذا تعذر العموم حمل على أخص الخصوص وفى التوكيل
بالبيع لا يعد وتصرفه ما أمر ببيعه فأمكن اعتبار اطلاق الامر فيه وروى الحسن عن أبي
حنيفة رحمهما الله في الوكيل في البيع إذا باع بعرض فإن كان يساويه جاز وإلا فلا ووجه
هذه الرواية أنه في جانب العرض مشتر فالوكيل بالشراء لا يشترى للآمر بالمحاباة الفاحشة
ولم يذكر الخلاف في البيع بالنسيئة فهو دليل لأبي حنيفة رحمه الله ولكن قبل هذا على
قولهما إذا باعه بأجل متعارف فاما بأجل غير متعارف كعشرين سنة ونحو ذلك فإنه لا يجوز
وان الاجل المعارف كالغبن اليسير وما ليس بمتعارف كالغبن الفاحش ولو وكله بان يعاوض
عبده هذا فلانا بأمته هذه فباع فلان أمته تلك من رجل جاز للوكيل أن يعاوض بها لان
مقصود الموكل تحصيل الأمة لنفسه بمقابلة العبد وقد حصل مقصوده بتصرفه مع الثاني وهذا
بخلاف الوكيل بالبيع من فلان فإنه لا يبيع من غيره لان مقصوده هناك الثمن وإنما رضى أن
يكون الثمن له في ذمة من سماه ويتفاوت الناس في ملاءة الذمة فلهذا لا يجوز بيعه من غيره
قال وللوكيل بالإجارة أن يؤاجر بالنقد والمكيل والموزون إذا كان معلوما موصوفا وبالمعين
من الحيوانات وبالموصوف المؤجل من الثياب أما على قول أبي حنيفة رحمه الله فهو ظاهر فإنه
بمنزلة الوكيل وهما يفرقان ويقولان بتخصيص الوكيل بالبيع بالنقد بدليل العرف ولا عرف
هنا فان الأرض تؤاجر بغير النقد (ألا ترى) انها تدفع مزارعة وهي إجارة بجزء من الخارج
37

ثم التخصيص في البيع لدفع الضرر عن الآمر ودفع الضرر هنا باعتبار الاطلاق لأنا إذا جعلنا
الوكيل مخالفا كان بمنزلة الغاصب فيكون الاجر له ولا شئ للآمر عليه فلهذا اعتبرنا الامر
هنا وان وكل الوكيل بقبض الاجر أو الثمن رجلا ليس في عياله فهو جائز والمستأجر والمشترى
بريئان لان حق القبض للوكيل يملك مباشرته بنفسه فيملك تفويضه إلى غيره ولكن الوكيل
ضامن للآخر ان هلك المقبوض في يد وكيله قبل أن يصل إلى الوكيل الأول بمنزلة ما لو قبض
الثمن بنفسه ثم دفعه إلى رجل ليس في عياله لان قبض وكيله كقبضه بنفسه وهو في المقبوض
أمين فإذا دفعه إلى من ليس في عياله صار ضامنا للآمر وكذلك لو وهبها الوكيل للمستأجر
أو أبرأه منها أو أخرها عنه في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وصار ضامنا للآمر وفى قول
أبى يوسف رحمه الله لا يجوز هبته ولا ابراؤه ولم يذكر التأجيل فقيل بأن أبا يوسف رحمه الله
يجوز تأجيله كما لو باع بثمن مؤجل ابتداء وهذا لأنه ليس في التأجيل اسقاط الثمن بخلاف
الابراء وقيل بل لا يجوز ذلك فقد ذكر في الجامع أن كل تصرف يصير الوكيل به ضامنا
في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ولا ينفذ ذلك التصرف عند أبي يوسف رحمه الله والله أعلم
(باب من الوكالة بالبيع والشراء)
(قال رضي الله عنه) الأصل في هذا الباب ان الوكيل متى قدر على تحصيل مقصود
الموكل بما سمى له جاز التوكيل وإلا فلا لان الوكالة غير مقصودة لعينها بل المقصود شئ
آخر يحصل للموكل فإذا قدر على تحصيل مقصوده بما سمى له كان هذا عقدا مفيد للمقصود
فصح وإلا فلا وأصل آخر ان ما سماه في الوكالة إذا كان يتناول أجناسا مختلفة لا يصح التوكيل
به سواء سمى الثمن أو لم يسم لان جهالة الجنس جهالة متفاحشة وتسمية الجنس والثمن لا يصير
الجنس معلوما بها فان كل جنس فيه ما يوجد بذلك الثمن فلا يقدر الوكيل على تحصيل
مقصود الموكل وإذا سمى الجنس اشتمل على أنواع مختلفة فان بين الثمن أو النوع جاز التوكيل
وإلا فلا لان بيان مقدار الثمن يصير النوع معلوما وان سمى الجنس والنوع ولم يبين الصفة
جازت الوكالة سواء سمى الثمن أو لم يسم وهذا استحسان وفى القياس لا يجوز ما لم يبين
الصفة وجه القياس ان التوكيل بالبيع والشراء معتبر بنفس البيع والشراء فلا يجوز الا
ببيان وصفه المعقود عليه (ألا ترى) أنا نجعل الوكيل كالمشترى لنفسه ثم البائع من الموكل وكان
38

بشر المريقسي رحمه الله يأخذ بالقياس إلى أن نزل به ضيف فدفع الدراهم إلى انسان ليأتي له
برؤس مشوية فجعل يصفها له فعجز عن علمه بالصفة فقال له اصنع ما بدا لك فذهب الرجل
واشترى الرؤس وحملها إلى عياله وعاد إلى بشر بعد ما أكلها مع عياله فقال له أين ما قلت
لك عنه فقال قلت لي اصنع ما بدا لك وقد بدا لي ما فعلت فرجع عن قوله وأخذ بالاستحسان
ووجه الاستحسان ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه دفع دينارا إلى حكيم بن حزام
رضي الله عنه وأمره بأن يشترى له شاة للأضحية ولم يبين صفتها ثم الوكالة عقد مبنى على التوسع
والجهالة في الصفة جهالة مستدركة وذلك عفو في العقود المبنية على التوسع وهذا لان الوكالة
لا يتعلق بها اللزوم والمقصود بها الرفق بالناس وفى اشتراط بيان الوصف بعض الحرج فسقط
اعتباره لهذا إذا عرفنا هذا فنقول رجل وكل رجلا أن يشترى له جارية أو عبدا لم يكن لان
الذكور من بني آدم جنس والإناث كذلك ولكن يشتمل على أنواع كالحبشي والسندي
والهندي والتركي وغير ذلك فإذا لم يبين النوع ولم يسم مقدار الثمن كانت الجهالة متفاحشة
فلا يتمكن الوكيل من تحصيله فينفرد الآمر بما سمى له وان أمره بان يشترى له عبدا مولدا
أو حبشيا أو سنديا جاز لان النوع صار معلوما بالتسمية وإنما بقيت الجهالة في الوصف
وهي جهالة مستدركة فان الأوصاف ثلاثة الجودة والوسط والرداءة وهي تتفاوت في نوع
واحد فكان الوكيل قادرا على تحصيل مقصود الآمر وكذلك إن لم يسم النوع وسمى الثمن
لان بتسمية الثمن صار النوع معلوما فان مقدار ثمن كل نوع معلوم عند الناس فيتمكن به من
تحصيل مقصوده ولو وكله بان يشتري له رقبة أو مملوكا لا تجوز له الوكالة وان بين الثمن لتمكن
الجهالة في الجنس وهذا لان الذكور مع الإناث من بني آدم جنسان مختلفان لاختلافهما في
المنافع فلا يصح التوكيل الا ببيان الجنس وإذا وكله بشراء جارية وسمى جنسها وثمنها
فاشتراها له عوراء أو عمياء أو مقطوعة اليدين والرجلين أو إحداهما أو مقعدة فهو جائز
على الآمر في قول أبي حنيفة رحمه الله إذا اشتراها بمثل القيمة أو بما يتغابن الناس فيه
وعندهما كذلك في قطعاء اليد والعوراء فاما العمياء والمقطوعة اليدين والرجلين والمقعدة
فلا يجوز على الآمر ويكون مشتريا لنفسه وهذا بناء على ما سبق فإنهما يعتبران العرف والشراء
والعمياء والمقعدة غير متعارف بين الناس فأما العوراء فمعيبة وشراء المعيب متعارف * توضيحه
39

ان العمى وقطع اليدين يفوت منفعة الجنس وذلك استهلاك حكم ولهذا لا يجوز التكفير بالرقبة
العمياء فاما العور وقطع احدى اليدين فليس باستهلاك (ألا ترى) ان التكفير به يصح وأبو حنيفة
رحمه الله بنى على أصله ان المطلق يجرى على اطلاقه ما لم يقم دليل التقييد وقد سمى له الجارية
مطلقا واسم الجارية حقيقة في العمياء ومقطوعة اليدين ولا يثبت التقييد بالعرف لان العرف
مشترك فقد يشترى المرء رقبة عمياء ترحما عليها لابتغاء مرضات الله عز وجل أو قصدا إلى
ولائها أو إلى ولاء أولادها بخلاف الرقبة في كفارة اليمين فان دليل التقييد هناك قد قام وهو
ان الكفارات أجزية الأفعال وهي مشروعة للزجر عن ارتكاب أسبابها ولا يحصل الزجر
بالعمياء ومقطوعة اليدين وان وكله ان يشترى له جارية للخدمة أو عبدا ليسلمه إلى خباز
أو عمل من الاعمال فاشترى أعمى أو مقطوع اليدين لم يجز على الآمر لقيام دليل التقييد في
لفظه وهو تنصيصه على عمل لا يحصل ذلك من الأعمى ومقطوع اليدين وكذلك لو قال اشتر
لي جارية أطؤها فاشترى محرما من الآمر لم يجز على الآمر لان دليل التقييد في لفظه مختص
أمره بجارية يحل له وطؤها قال وإذا وكله بان يشترى له دابة لم يجز وان سمى الثمن له لان الدابة
اسم لما دب على وجه الأرض في الحقيقة وهي أجناس مختلفه كالخيل والبغال والحمير وقد بينا أن
الجهالة للجنس تمنع صحة الوكالة وأنها لا ترتفع بتسمية الثمن لان كل جنس يؤخذ بما سمى من
الثمن وان قال اشتر لي حمارا ولم يسم الثمن فهو جائز لان الجنس صار معلوما بالتسمية وان
بقيت الجهالة في الوصف فسخ الوكالة بدون تسميه الثمن فان قيل لا كذلك فان الحمير
أنواع منها ما يصلح لركوب العظماء ومنها ما لا يصلح الا للحمل عليها قلنا هذا اختلاف الوصف
مع أن ذلك يصير معلوما بمعرفة حال الموكل حتى قالوا بان القاضي إذا أمر انسانا بان يشتري
له حمارا فإنه ينصرف إلى ما يركبه مثله حتى لو اشتراه مقطوع الذنب أو الاذنين فإنه لا يجوز
عليه بخلاف ما إذا أمره ألفا ليرى بذلك وإذا أمره أن يشتري له ثوبا لم يجز وان سمى الثمن
لان الثوب يشتمل على أجناس مختلفة فبالتسمية لا يصير الجنس معلوما وان قال اشتر لي
ثوبا هرويا جاز على الآمر ما اشترى من ذلك الجنس وإن لم يسم الثمن لان الجهالة إنما بقيت
في الصفة ولكن إنما ينفذ على الآمر إذا اشتراه بما يتغابن الناس في مثله فان اشتراه بما لا يتغابن
الناس في مثله كان مشتريا لنفسه لأنه تعذر تنفيذ شرائه على الآمر لما بيننا وأمكن تنفيذه
على العاقد فصار مشتريا لنفسه وان سمى ثمنا فزاد عليه شيئا لم يلزم الآمر لأنه خالف ما سمى
40

له إلى ما هو أضر عليه وكذلك أن نقص من ذلك الثمن لأنه لم يحصل مقصود الآمر فان
مقصوده ثوب يهودي يشترى له بالثمن لا بما دونه والجيد يشترى بعشرة فإذا اشترى
بثمانية كان رديئا إلا أن يكون وصف له صفة وسمى له ثمنا فاشترى بتلك الصفة بأقل من
ذلك الثمن فحينئذ يجوز على الآمر لأنه حصل مقصوده حين اشتراه بتلك الصفة وخالفه
إلى ما هو خير له حين اشتراه بأقل من ذلك الثمن وهذا لا يعد في العرف خلافا وان دفع إليه
دراهم وأمره بأن يشترى له بها طعاما فاشترى بها لحما وفاكهة لم يجز على الآمر استحسانا
وفي القياس يجوز لان الطعام اسم لما يطعم والفاكهة واللحم مطعوم الا ان جوازه على طريقة
الناس إنما يكون إذا فوض الامر لرأيه على العموم في شراء الطعام فاما إذا لم يفعل ذلك فلا يصح
التوكيل لان المطعوم أجناس مختلفة وبتسمية الثمن لا يصير الجنس معلوما فينبغي أن لا
يصح التوكيل ولكنه استحسن فقال التوكيل صحيح وإنما ينصرف إلى الحنطة ودقيقها
لأنه ذكر الطعام عند ذكر الشراء وذلك لا يتناول الا الحنطة ودقيقها (ألا ترى) ان سوق
الطعام ما يباع فيه الحنطة ودقيقها وبائع الطعام في الناس من يبيع الحنطة ودقيقها دون من
يبيع الفواكه فصار التقييد الثابت بالعرف كالثابت بالنص ثم إن قلت الدراهم فله أن يشترى
بها خبزا وان كثرت فليس له أن يشترى بها الخبز لان ادخاره غير ممكن إنما يمكن الادخار
في الحنطة فعند كثرة الدراهم يعلم أنه لم يرد الخبز إلا أن يكون الرجل قد اتخذ وليمة فحينئذ
يعلم أن مراده الخبز وان كثرت الدراهم وجعل الدقيق في احدى الروايتين بمنزلة الخبز وقال
إنما ينصرف القليل من الدراهم إليه لأنه قل ما يدخر عادة وفى الرواية الأخرى جعل الدقيق
كالحنطة لان الكثير من الدراهم ينصرف إليه لأنه قد يدخر الدقيق كما تدخر الحنطة وإذا
لم يدفع إليه شيئا وقال اشتر لي حنطة فاشتراها لم يجز على الآمر لأنه لم يبين له القدر وجهالة
القدر في المكيلات والموزونات كجهالة الجنس من حيث إن الوكيل لا يقدر على تحصيل مقصود
الآمر بما سمى له وان وكله بأن يشترى له دارا أو لؤلؤة ولم يسم الثمن لم يجز ذلك على
الآمر لان اللآلئ أنواع مختلفة فلا يقدر الوكيل على تحصيل اللآلئ بمطلق التسمية وكذلك
الدور في معنى الأنواع المختلفة وانها تختلف باختلاف البلدان وباختلاف المحال في البلدة وبقلة
المرافق وكثرتها وبصلاح الجيران وفسادهم وبالسعة والضيق فلا يقدر الوكيل على تحصيل
مقصود الآمر الموكل بما سمى له قال وان سمى الثمن جاز وبتسمية الثمن يصير معلوما عادة
41

وان بقيت جهالة فهي يسيرة مستدركة والمتأخرون من مشايخنا رحمهم الله يقولون في ديارنا
لا يجوز الا ببيان المحلة لان الدور في كل محلة تتفاوت في القيمة وتوجد بما سمى له من الثمن
الدار في كل محلة ومقصود الآمر يختلف باختلاف المحال فلهذا لا يجوز الا بتسمية المحلة قال
وإذا كان الصبي حرا مسلما وأبوه ذميا أو حربيا ارتد عن الذمة ولحق بدار الحرب أو مستأمنا
أو مكاتبا أو عبدا لم يجز توكيل أحدهم عليه ببيع ولا شراء ولا تزويج ولا خصومة لان
التوكيل بالتصرف إنما يصح ممن يباشر التصرف بنفسه وملك الأب مباشرة التصرف
في حق ولده بولايته عليه والرق واختلاف الدين وتباين الدارين حقيقة وحكما مانع من ثبوت
ولايته عليه فان أسلم أو عتق بعد ذلك أجيز ما منع منه لان ولايته بعد الاسلام والعتق تثبت
مقصورة على الحال فلا يؤثر في تنفيذ تصرفه سبق ثبوت ولايته وإن كان الأب مرتدا عن
الاسلام لم يجز توكيله عليه أيضا الا ان يسلم فان أسلم جاز لان تصرفه في حق نفسه يتوقف
بين أن ينفذ بالاسلام أو يبطل إذا قتل على ردته فكذلك في حق عليه والولد الكبير إذا
كان ذاهب العقل بمنزلة الصبي فيما ذكرنا لأنه عاجز عن التصرف لانعدام عقله فكان مولى
عليه كالصبي قال وإذا وكل أب الصبي وكيلا ببيع متاع الصبي ووارثه الأب بطلت الوكالة الا
عند زفر رحمه الله فإنه يقول ثبوت الوكالة باعتبار ملك الموكل لذلك التصرف وقد بقي ذلك
بعد موت الصبي وازداد بتقرر ملك الأب في المحل لكنا نقول الأب في هذا التوكيل كان
نائبا عن الصبي وقد انتهت هذه النيابة بموت الصبي * وتوضيحه أن الأب بهذه الوكالة إنما رضى
بزوال ملك الصبي ورضاه بزوال ملك لا يكون رضا بزوال ملك نفسه فإذا صار الملك
له بالإرث بطلت الوكالة وكذلك أن مات الأب ولم يمت الصبي لان رأى الأب قد انقطع
بموته وتصرف الوكيل كان باعتبار رأى الموكل ونفاذ ولايته وكذلك لو زال عقل الأب أو ارتد
ولحق بدار الحرب وقضى القاضي بلحاقه لان ولايته قد زالت بهذه الأسباب حتى لا يملك ابتداء
التوكيل فان أسلم لم يعد الوكالة بمنزلة وكالته بالتصرف في حق نفسه وقد بينا أن بردة الموكل
تبطل الوكالة على وجه لا يعود باسلامه في رواية هذا الكتاب وكذلك في توكيله بالتصرف
لولده قال وإذا وكل رجل رجلين ببيع شئ أو شرائه أو تزويج امرأة بعينها أو بغير عينها أو
بخلع أو بمكاتبة أو عتق على مال ففعله أحدهما لم يجز لأن هذه التصرفات يحتاج فيها إلى الرأي
والتدبير ورضاه برأي المسمى لا يكون الا برأي الواحد ويستوي فيه أن يكون الموكل
42

سمى البدل أو لم يسم لان بتسمية البدل يمنع النقصان ولا تمنع الزيادة ولو حضر وليهما جميعا
ربما يزيدان في البدل فينتفع الموكل بذلك فلهذا لا ينفذ التصرف برأي أحدهما وإن كان
لم يسم لهما مالا فزوجاه بأكثر من مهر مثلها أو طلقا امرأته على درهم أو أعتقا العبد أو
كاتباه على درهم جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله للأصل الذي قلنا إنه يعمل باطلاق الامر
ما لم يقم دليل على التقييد وهو التهمة وعندهما لا يجوز لاعتبار العرف والعادة قال ولو وكل
رجل رجلا ببيع عبدين له بألف درهم فباع أحدهما بأربعمائة فإن كان ذلك القدر حصته من
الألف جاز لأنه ليس في التفريق بين العبدين في البيع اضرار بالموكل فربما لا يجد مشتريا
يرغب في شرائهما جملة فلما وكله بذلك مع علمه بما قلنا كان راضيا ببيعه أحدهما دون الآخر
دلالة وكذلك أن باعه بأكثر من حصته وفيه زيادة منفعة للموكل وان باع أحدهما بأقل من
حصته لم يجز وسوى في الكتاب بين النقصان الكثير واليسير وهو قول أبي حنيفة رحمه
الله فاما عندهما فإن كان النقصان يسيرا جاز وإن كان فاحشا لم يجز لان الموكل إنما
سمى الثمن بمقابلتهما جملة ولم ينص على حصة كل واحد منهما وإنما طريق معرفة حصة كل
واحد منهما الحزر والظن دون اليقين وفى مثله لا يمكن التجوز عن النقصان اليسير فجعل
عفوا كما لو لم يسم الثمن للوكيل فباع بغبن يسير جاز بيعه وأبو حنيفة رحمه الله يقول تنصيصه
على ثمنها في الوكالة يكون تنصيصا على حصة كل واحد منهم بحصته حتى أنه لو وجد بأحدهما
عيبا رده بحصته وعند التنصيص على الثمن إذا نقص الوكيل عن ذلك القدر يصير مخالفا
سواء قل النقصان أو كثر كما لو قال بع هذا العبد بألف درهم فباعه بألف إلا درهما فإنه
لا يجوز وان وكله بان يشتري له عبدين بألف درهم فاشترى أحدهما بستمائة فإن كان ذلك
حصته من الألف أو أقل جاز وان كانت حصته أكثر من ذلك لم يجز على الآمر وصار مشتريا
لنفسه وهذا والوكيل بالبيع سواء لأنه قد لا يتمكن من شرائهما جملة واحدة فيكون له أن
يشترى كل واحد منهما بحصته وان وكله ببيع عبد له فباع نصفه من رجل ثم باع النصف
الآخر منه أو من غيره جاز لأنه حصل مقصود الموكل بما صنع فان مقصوده أن يزول
ملكه بعوض هو مال وذلك يحصل بالعقدين كما يحصل بالعقد الواحد فربما لا يجد مشتريا
يشتريه جملة فيحتاج إلى تفريق العقد ليحصل مقصوده فان باع نصفه ولم يبع ما بقي لم يجز
في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وجاز في قول أبي حنيفة رحمه الله فهما يقولان بيع
43

النصف يضر بالموكل فيما بقي لأنه يتبعض عليه الملك والشركة في الاملاك المجتمعة عيب
وأمره إياه بالبيع لا يتضمن الرضا بتعيب ملكه فلهذا لا يجوز إلا أن يبيع ما بقي قبل الخصومة
فحينئذ قد زال الضرر عنه وحصل مقصوده فيجوز وأبو حنيفة رحمه الله يقول الوكيل قائم
مقام الموكل في بيع العبد والموكل مالك لبيع البعض كما هو مالك لبيع الكل فكذلك الوكيل
لان اعتبار الجزء باطل واعتبار الكل صحيح ثم في تصرفه في هذا منفعة للموكل لأنه لو باع
الكل بالثمن الذي باع به النصف جاز عند أبي حنيفة رحمه الله كما بينا فإذا باع البعض به كان
أقرب إلى الجواز لأنه حصل له ذلك القدر من الثمن وبقي بعض العبد على ملكه ولو وكله بأن
يشترى له عبدا فاشترى بعضه لم يجز على الامر إلا أن يشترى ما بقي قبل الخصومة فحينئذ يجوز
كله على الامر وهذا على أصلهما ظاهر للتسوية بين جانب البيع والشراء وأبو حنيفة رحمه
الله يفرق فيقول الوكيل بالشراء لو اشترى بالزيادة الكثيرة لا يجوز بخلاف الوكيل بالبيع
والتهمة تتمكن في جانب الوكيل بالشراء فلعله اشترى النصف لنفسه فلما علم أن الشركة عيب
أراد أن يحوله على الآمر * توضيح الفرق أن صحة التوكيل بالشراء بتسمية العبد ونصف العبد
ليس بعبد فلا يصير به ممتثلا أمر الآمر إلا أن يشترى ما بقي قبل الخصومة فاما في جانب البيع
فصحة التوكيل باعتبار ملك الموكل للغير وذلك موجود في البعض والكل ثم ذكر في النوادر
أن الوكيل إذا اشترى النصف توقف شراؤه على رضا الآمر عند أبي يوسف رحمه الله حتى
لو أعتقه الوكيل عن نفسه لا يجوز ولو أعتقه الموكل عن نفسه يجوز وعند محمد رحمه الله يصير
الموكل مشتريا لنفسه حق لو أعتقه جاز عتقه إلا أن يشترى ما بقي فحينئذ يتحول إلى الآمر فأبو
يوسف رحمه الله يقول مقصود الموكل حصول ملك الغير له والقدر الذي حصل من جملة
مقصوده ولكنه معيب بعيب الشركة فينفذ تصرف الوكيل له ويثبت له الخيار للعيب فإذا
قدم على العتق صار مسقطا لخياره فينفذ العتق من جهته فإذا رده يصير الملك للوكيل حينئذ كما
لو وجد به عيبا فرده بشراء العبد والنصف ليس بعبد ولكنه يفرض ان يصير موافقا بشراء
ما بقي فقبل وجود هذا لموافقته كان خلافه ظاهرا وكان مشتريا لنفسه فنفذ عتقه من جهته
وفرق محمد رحمه الله بين هذا وبين الوكيل بالشراء بألف إذا اشتراه بألفين يتقرر شراؤه لنفسه
حتى أنه وان حط البائع أحد الألفين لا يصير الشراء للموكل وهنا لو اشترى ما بقي قبل
الخصومة كان الشراء للموكل ووجه الفرق ان غرضه الموافقة هناك باعتبار ما لم يتناوله عقد الوكالة
44

وهو حط الألف الزائد فلم يكن معتبرا وهنا غرضه الموافقة باعتبار ما تناولته الوكالة وهو
شراء النصف الباقي فلهذا كان معتبرا قال ولو وكل رجلين ببيع شئ وأحدهما عبد محجور
عليه أو صبي لم يجز للآخر أن ينفرد ببيعه لأنه ما رضى برأيه وحده حتى ضم إليه رأى الآخر
ولو كانا حرين فباع أحدهما والاخر حاضر فأجاز البيع كان جائزا لان تمام العقد برأيهما
(ألا ترى) أنه لو باع فضولي فأجازه جاز وكذلك إذا باع أ حدهما وأجازه الآخر ولو
مات أحدهما أو ذهب عقله لم يكن للآخر أن يبيعه لأنه ما رضى برأيه وحده قال ولو وكل
رجلا ببيع خادمة له فباعها ثم أقال البيع البائع فيها لزمه المال والخادم له لان الإقالة بيع مبتدأ
في حق غيرهما فهو شراء مبتدأ وللموكل غيرهما فيجعل في حقهما حقه كان الوكيل اشتراه
ابتداء ويستوى ان كانت الوكالة قبل القبض أو بعده من عيب أو من غير عيب ولو وكل
الصبي ببيع خادم فباعها جاز لان الصبي العاقل له عبارة معتبرة شرعا حتى ينفذ تصرفه بإذن الولي
في ملك نفسه فكذلك ينفذ تصرفه في ملك الغير بتوكيل المالك إياه بذلك وهذا لان
اعتبار عبارته بتمحض منفعة له فيه يمتاز الآدمي من البهائم ويحصل له بهذا التصرف معنى
التجربة فيصير مهتديا إلى التصرفات عالما بطرق التحرز عن أسباب الغبن وذلك محض
منفعة له ثم العهدة على الآمر إذا لم يكن الصبي مأذونا لان في إلزام العهدة إياه ضررا والصبي
يبعد عن المضار فإذا تعذر ايجاب العهدة عليه تعلق بأقرب الناس إليه وهو من أنتفع بهذا
التصرف وهو الآمر فكانت العهدة عليه إلا أن يكون الصبي مأذونا له فحينئذ تلحقه العهدة
لأنه بالاذن صار بمنزلة البالغ في التزام العهدة بالتصرف (ألا ترى) أنه فيما يتصرف لنفسه
تلحقه العهدة فكذلك فيما يتصرف لغيره والعبد بمنزلة الصبي إلا أنه إذا كان محجورا عليه
يلزمه العهدة بعد العتق لان قول العبد ملزم في حق نفسه لكونه مخاطبا وإنما لا يكون ملزما
في حق المولى وقد سقط حقه بالعتق فاما قوله الصبي المحجور ليس بملزم في حق نفسه فلهذا
لا تلزمه العهدة بعد البلوغ وإن كان الوكيل مجنونا لا يعقل فبيعه باطل لأنه ليس له قول
معتبر فركن التصرف القول المعتبر شرعا وإن كان يعقل البيع والشراء فهو بمنزلة الصبي
على ما بيناه وإن كان المأمور مرتدا جاز بيعه لأنه من أهل العبارة المعتبرة ولكن يوقف حكم
العهدة عند أبي حنيفة رحمه الله فان أسلم كانت العهدة عليه والا فالعهدة على الآمر وعندهما
العهدة عليه على كل حال وهو يظهر اختلافهم في تصرفات المرتد لنفسه بيعا أو شراء ولو وكل
45

الصبي أو العبد المحجور عليه بشراء عبد بعينه بثمن مسمى فاشتراه فالثمن لازم على
الآمر دون الصبي والعبد ما لم يعتق لا الصبي المحجور لا يملك التزام الثمن في ذمته
والعبد لا يملك ذلك في حق المولى فإذا تعذر ايجاب الثمن عليهما وجب على من وقع له الملك
وهو الآمر وصار في حقه بمنزلة الرسول بالشراء فيجب الثمن على المرسل ولو كان مأذونا
لهما في التجارة لزمهما الثمن ورجع به على الآمر لأنهما يملكان التزام الثمن في ذمتهما بتصرفهما
لأنفسهما فكذلك للغير بحكم الوكالة (وأورد المسألة في كتاب الحوالة والكفالة) وقال هذا
استحسان وفى القياس لا يلزمهما الثمن لأنهما ملتزمان الثمن لمنفعة لغيرهما فكان هذا منهما
بمنزلة الكفالة وكفالة الصبي المأذون والعبد المأذون لا تصح وان كانت بأمر المكفول عنه
ولكن استحسن فقال هذا من صنع التجار لان التعارف بين التجار في التصرفات ظاهر
فإذا لم يتوكل هو عن الغير لا يتوكل الغير عنه في ذلك وفيما هو من صنع التجار المأذون
منفك الحجر عنه بخلاف الكفالة فإنها ليست من صنع التجار * توضيحه أن المشترى
يكون في يده فيحبسه حتى يستوفى الثمن من الآمر فلا يتضرر به بخلاف الكفالة حتى لو
وكل بالشراء لنفسه يقول لا يلزمه الثمن لأنه ليس له ان يحبس المبيع بالثمن فيكون ذلك
بمنزلة الكفالة منه. قال وإذا أذن لعبده أو لابنه في التجارة ثم ذهب عقله وأطبق عليه
انقطع اذنه لان صحة تصرف المأذون برأي الآذن والجنون المطبق قد قطع رأيه فيكون
ذلك بمنزلة موته. ولو حلف بطلاق أو عتاق أو جعل أمر امرأته بيدها ثم أصابه الجنون بعد
ذلك لم يبطل ما فعل من ذلك لان حكم ذلك التصرف قد لزمه في حال عقله وكماله فلا يبطل
بجنونه وهنا بالاذن في التجارة لم يلزمه شئ حتى لو كان مالكا للحجر على المأذون لبطل اذنه
بجنونه لان صحة تصرف المأذون باعتبار انه يتقوى رأيه برأي وليه فيكون ذلك كالبلوغ في
حقه ولهذا قال أبو حنيفة رحمه الله يملك التصرف بالغبن الفاحش وقد انعدم ذلك المعنى
بجنون الولي فلا ينفذ تصرفه بعد ذلك ولو وكل وكيلا ببيع أو شراء ثم ذهب عقل الوكيل
واختلط ثم اشترى وباع لم يلزم الوكيل الثمن ولزم الآمر أما في نفوذ تصرفه على الآمر
فروايتان في هذه الرواية قال ينفذ لان جنونه بهذه الصفة لو اقترن بالوكالة لمنع صحتها وإذا
طرأ عليها فلان يمنع بقاءها كان ذلك بطريق الأولى وفى غير هذا الموضع يقول لا ينفذ
تصرفه على الآمر لان الآمر إنما رضى بتصرفه في حال كمال عقله فلا يكون ذلك منه رضا
46

بتصرفه بعد اختلاط عقله بخلاف ما إذا وكله ابتداء في هذه الحال لأنه رضى بتصرفه مع
اختلاط عقله فإذا ثبت نفوذ التصرف على هذه الرواية قلنا العهدة تكون على الآمر لان
أوان لزوم العهدة وقت مباشرة التصرف لا وقت التوكيل وهو ذاهب العقل فكان التوكيل
وجد في هذه الحال وإن كان العبد المحجور عليه وكل رجلا ليشترى له شيئا فاشترى له لزم
الوكيل لان العبد لا يملك الشراء لنفسه بنفسه فلا يصح توكيله به وإذا لم يصح التوكيل به
صار الوكيل مشتريا لنفسه كما لو لم تسبق الوكالة. وإذا وكل الرجلان رجلا ببيع عبد لهما
فباع نصفه وقال هذا نصف فلان فهو جائز لأنه صار وكيلا من جهة كل واحد منهما ببيع
النصفين والوكيل معير منافعه للموكل فيملك تعيين من يعبر عنه وإن لم يبين عند البيع أي
النصفين يبيع جاز بيعه من نصيب كل واحد منهما نصفه في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله
ولا يجوز في قولهما لأنه سمى النصف مطلقا عند البيع فليس صرفه إلى نصيب أحدهما بأولى
من صرفه إلى الآخر فيشيع في النصفين جميعا وإذا شاع فيهما بحكم المعارضة لم يجز في شئ
عندهما لان الوكيل ببيع النصف لا يملك بيع نصف النصف عندهما كما أن الوكيل ببيع
الكل من واحد لا يملك بيع النصف وفى قول أبي حنيفة رحمه الله الوكيل ببيع العبد يملك
بيع نصفه فيمكن تنفيذ بيعه هنا في نصف نصيب كل واحد منهما وإن لم يختصموا في ذلك
حتى باع النصف الآخر جاز كله لأنه قد حصل مقصود كل واحد منهما فلا ينظر إلى تفريق
الصفقة مع ذلك وإذا باع الوكيل العبد بخمسمائة درهم فقال الآمر أمرتك بألف درهم أو قال
أمرتك بدنانير أو بحنطة أو بشعير أو باعه بنسيئة فقال الآمر أمرتك بالحال فالقول قول
الآمر لان الامر مستفاد من جهته ولو أنكر الاذن كان القول قوله مع يمينه فكذلك إذا
أقر بصفته وكذلك الخلع والنكاح والمكاتبة كله على هذا وإذا قال الآمر للوكيل قد أخرجتك
عن الوكالة فقال الوكيل لقد بعته أمس لم يصدق الوكيل لان الموكل أقر بعزل الوكيل
بمحضر منه وإنما أقر بالبيع بعد ما صار معزولا وهو لا يملك انشاء البيع في هذه الحال فلا
يصح اقراره أيضا ولو أقر الوكيل بالبيع لإنسان بعينه فقال الامر قد أخرجتك من الوكالة
جاز البيع إذا ادعى ذلك المشترى لان الوكيل أقر به في حال بقاء الوكالة لانشاء العقد في
هذه الحال فصح اقراره ولا يبطل ذلك بالعزل بعده وإذا اتصل التصديق بالاقرار كان
كالموجود يومئذ ولو وكله ببيع عبد له فباعه من نفسه لم يجز لان بيع العبد من نفسه اعتاق
47

والاعتاق غير البيع فإنه ابطال للملك والبيع ناقل أو موجب الملك للغير أو لان العتق
يوجب الوكالة للموكل وهو لم يرض بذلك وليس للوكيل ان يلزمه الولاء بغير رضاه ولو
باعه من قريب العبد جاز لان هذا بيع مطلق ثم العتق ينبنى عليه ثبوت الملك للقريب بالشراء
فلا يخرج به البيع من أن يكون مطلقا في حق البائع (ألا ترى) انه لا يملك الرجوع عن
الايجاب هنا قبل قبول المشترى بخلاف بيع العبد من نفسه ولأنه لا يلزم الموكل هنا ولاء
وإنما يلزم ولاؤه للمشترى وان وكله ان يبيعه وأمره أن يشهد على بيعه فباعه ولم يشهد فهو
جائز لأنه أمره بالبيع مطلقا وأمره بالاشهاد كان معطوفا على الامر بالبيع فلا يخرج به الامر
بالبيع من أن يكن مطلقا (ألا ترى) أن الله عز وجل أمر بالاشهاد على البيع فقال تعالى
(وأشهدوا إذا تبايعتم) ثم من باع ولم يشهد كان بيعه جائزا ولو وكله أن يبيعه برهن ثقة
بنسيئة فباعه بغير رهن لم يجز لان حرف الباء للالصاق والصاق البيع بالرهن لا يكون الا
بالشرط فإنما أمره ببيع مقيد بشرط فإذا لم يأت بذلك الشرط كان مخالفا وكذلك لو أمره
بأن يبيعه من فلان بكفيل ثقة فباعه من غير كفيل لم يجز لأنه أمره ببيع مقيد والذي
أتى به بيع مطلق والمطلق غير المقيد وفى شراء الكفيل والرهن منفعة معتبرة للموكل وهو
التوثق بحقه فليس للوكيل ان يفوت عليه هذه المنفعة (ألا ترى) ان التوكيل بالبيع ومن أوجب
لغيره بيعا بشرط رهن أو كفيل لم يكن له ان يقبل بدون ذلك الشرط فهذا مثله فان قال
الوكيل لم يأمرني بذلك فالقول قول الآمر لما بينا ان الأدب مستفاد من جهته ولو وكله ان
يبيعه من رجل سماه فباعه منه ومن آخر جاز في النصف الذي باع لذلك الرجل في قول أبي حنيفة
رحمه الله ولم يجز عندهما لأنه في الذي باعه للآخر مخالف (ألا ترى) أنه لو باع
الكل من الآخر لم يجز بيعه فإذا باع من الذي سمى له الموكل والوكيل ببيع النصف عند
أبي حنيفة رحمه الله فلهذا جاز في ذلك النصف قال وإذا وكله ببيع عبد فباعه واشترط الخيار
لنفسه أو للامر فهو جائز لأنه قائم مقام الموكل وكل يملك البيع بشرط الخيار واشتراط
الخيار للموكل كاشتراطه للأجنبي وذلك يجوز عندنا خلافا لزفر رحمه الله وهي مسألة
معروفة ثم لا ضرر على الآمر في هذا الشرط بل فيه نفع له والوكيل لا يصير مخالفا بما يراد
فيه منفعة الآمر وإذا قبل الوكيل العبد بغير قضاء قاض بخيار شرط أو رؤية فهو جائز على
الامر لان الرد بهذا فسخ من الأصل (ألا ترى) ان المشترى ينفرد به وكذلك لو رده
48

المشترى عليه بعيب قبل القبض بغير قضاء قاض فهو جائز على الآمر لان الرد هنا فسخ
من الأصل حتى ينفرد به المشترى وهذا بخلاف الإقالة قبل القبض على ما سبق بيانه لان
المشترى لا ينفرد بالإقالة فكان ذلك التصرف معتمده التراضي فينفذ على الوكيل دون
الآمر وإذا باع الوكيل العبد من أب الآمر أو ابنه أو مكاتبه أو عبده التاجر المديون جاز
لأنه لا تهمة بين الوكيل وبين هؤلاء إذ ليس بينهما وصلة وكان بيع الوكيل من هؤلاء كبيع
الموكل بنفسه ولو باعه من عبده المأذون الذي لا دين عليه لم يجز كما لو باعه الموكل بنفسه
وكذلك لو كان العبد مأذونا فباعه الوكيل من هؤلاء فهو جائز إن كان على العبد دين وإن لم
يكن دين فالبيع مردود اعتبار البيع الوكيل ببيع الموكل بنفسه وهذا لان البيع عقد
شرعي فيعتبر إذا كان مفيدا ولا يعتبر إذا لم يكن مفيدا وإذا كان على العبد دين فبيعه الكسب
من هؤلاء مفيد وإذا لم يكن عليه دين فلا فائدة في هذا البيع لان المولى يتمكن من أخذ
كسبه من غير بيع قال وإذا أمر الرجل رجلا ببيع عبد له ودفعه إليه فقال الوكيل قد بعته من هذا
وقبضت الثمن وهلك عندي وادعى المشترى ذلك فهو جائز والوكيل مصدق فيه مع يمينه لأنه
مسلط على البيع وقبض الثمن وقد أجبر بما جعل مسلطا عليه في حال قيام التسليط ولا تتمكن
التهمة في جبره وهو أمين بما دفع إليه فإذا أخبر بأداء الأمانة فيه كان القول قوله مع يمينه وإن كان
الآمر قد مات وقال ورثته لم نسمع وقال الوكيل قد بعته من فلان بألف درهم وقبضته
وهلك عندي وصدقه المشترى فإن كان العبد قائما بعينه لم يصدق الوكيل بالبيع لأنه أخبر به
في حال لا يملك انشاءه فإنه قد يعزل بموت الآمر ولان العبد صار ملك الوارث في الظاهر
ولم يسلطه الوارث على إزالة ملكه فلا قول له في ذلك بخلافه حال حياة الآمر ولكن ان
أقام المشتري البينة على الشراء في حياة لآمر كان العبد له والا فهو للورثة مع يمينهم على العلم
فإذا أخذت الورثة العبد ضمن الوكيل المال للمشترى باقراره بقبضه منه عوضا عن اليمين
وقد استحق العبد من يد المشترى فكان ضامنا له ما قبض من الثمن وإن كان العبد مستهلكا
فالوكيل يصدق بعد أن يحلف استحسانا وفى القياس لا يصدق لما بينا من المعنيين انه قد
انعزل بموت الآمر وان بدله وهو القيمة صار ملكا للوارث على المشترى بقبضه العبد أو
باستهلاكه فلا يقبل قول الوكيل في ابطال ملكهم ووجه الاستحسان أن الوكيل بما يخبر
هنا ينفى الضمان عن نفسه وهو كان أمينا في هذا العبد فيكون قوله مقبولا مع يمينه فيما ينفى
49

الضمان به عن نفسه بخلاف قيام العبد فإنه يزيل ملكا ظاهرا للوارث في العبد وهو ليس
بأمين في ذلك فلا يقبل قوله لهذا ولو وكله ببيع أمة له فباعها الموكل أو كاتبها أو وهبها
وسلمها فذلك نقض للوكالة لان الوكالة تعلقت بملك الموكل وقد زال ملكه بالبيع والهبة والتسليم
فلا تبقى الوكالة بدون المحل وكذلك بالكتابة خرجت عن أن تكون محلا للبيع فلا تبقى الوكالة
بعد خروج المحل من أن يكون محلا للتصرف كما لا يثبت ابتداء ولو استخدمها الموكل أو
وطئها ولم تلد ولدا منه فالوكيل على وكالته لأنها باقية على ملكه محل للتصرف الذي وكل
الوكيل به وكذلك لو أجرها أو رهنها الموكل فان الوكيل على وكالته لأنها باقية على ملكه
محل للبيع وإن كان يحتاج إلى رضا المرتهن والمستأجر للزوم البيع فيهما (ألا ترى) أن ابتداء
التوكيل من الآمر صحيح بعد الرهن والإجارة وهذا لأنه يملك بيعها بنفسه فإنه لو باعها نفذ
في حقه وإنما توقف لحق الغير حتى إذا سقط حق المستأجر والمرتهن كان بيعه جائزا نافذا
فكذلك توكيله ببيعها يصح في هذه الحال ويبقى صحيحا ولو باعها الوكيل أو الآمر ثم ردت
بعيب بقضاء قاض فللوكيل أن يبيعها لان الرد بالعيب بقضاء القاضي فسخ من الأصل
فعادت إلى قديم ملك الموكل وانتقاض الوكالة كان حكما لزوال ملك الموكل فإذا عاد ملكه
عادت الوكالة وكذلك لو كان الرد بخيار الشرط كان للبائع أو للمشترى أو بفساد البيع أو بخيار
الرؤية لأن هذه الأسباب تفسخ العقد من الأصل وان قبلها الموكل بعيب بغير قضاء
القاضي بعد قبض المشترى لم يكن للوكيل بيعها وكذلك لو تقايلا البيع فيها لان هذا السبب
كالعقد المبتدأ في حق غير المتعاقدين والوكيل غيرهما فكان في حق الوكيل كان الموكل
اشتراها ابتداء وكذلك أن رجعت إلى الموكل بميراث أو هبة أو غيرهما بملك جديد لم يكن
للوكيل بيعها لان الوكالة تعلقت بالملك الأول وهذا ملك جديد سوى الأول فلا يثبت
فيه حكم الوكالة الا بتجديد توكيل من المالك. ولو وكله ببيع عبد ثم أذن له في التجارة أو
جنى عليه جناية كان على وكالته لان المحل لم يخرج من أن يكون محلا صالحا لهذا التصرف
بما أحدثه الموكل ولم يخرجه الموكل بهذا الفعل عن صحة تصرف الوكيل فبقاء الوكالة أولى وإذا
باع الوكيل العبد ثم قطع يده قبل أن يقبضه المشترى فللمشتري ان يؤدى جميع الثمن
ويأخذ العبد ويتبع الوكيل بنصف القيمة ويتصدق بالفضل لان قطع اليد ليس مما اقتضته
الوكالة فكان الوكيل فيه كأجنبي آخر فان قيل أليس أن الوكيل بالبيع نزل منزلة العاقد لنفسه
50

ولو كان باعه لم يجب عليه القيمة بقطع يده قلنا هو في حقوق العقد ينزل منزلة العاقد لنفسه
وقطع اليد ليس من حقوق العقد في شئ فكان هو فيها كأجنبي آخر وكذلك لو كبله أو
استخدمه فمات من ذلك فللمشتري ان يضمن الوكيل القيمة ويعطيه الثمن لان هذا الفعل
ليس مما تضمنته الوكالة وهو من حقوق عقد الوكيل فيكون الوكيل فيه كأجنبي آخر وإذا
وكل رجلا ببيع عبده هذا ووكل آخر به أيضا فأيهما باعه جاز لأنه رضى برأي كل واحد
منهما على الانفراد حين وكله ببيعه وحده وهذا بخلاف الوصيين إذا أوصى كل واحد منهما
في عقد على حدة حيث لا ينفرد واحد منهما بالتصرف في أصح القولين لان وجوب الوصية
بالموت وعند الموت صارا وصيين جملة واحدة وهنا حكم الوكالة يثبت بنفس التوكيل فإذا
أفرد كل واحد منهما بالعقد استبد كل منهما بالتصرف فان باعه كل واحد منهما من رجل فان
علم الأول منهما كان العبد له لان بيع الأول منهما حصل في حال قيام الوكالة فنفذ وصار بيعه
كبيع الموكل بنفسه فانعزل به الوكيل الثاني وإنما باعه بعد ما انعزل فلم يصح بيعه وإن لم يعلم
الأول منهما فلكل واحد منهما نصفه بنصف الثمن لأنه ليس أحدهما بنفوذ تصرفه بأولى من
الاخر ولان المشتريين قد استويا في استحقاق العبد للمساواة بينهما في السبب فكان العبد
بينهما نصفين ويجبر كل واحد منهما لتفرق الصفقة عليه حيث لم يسلم له الا نصف العبد
وقد اشتراه كله وإن كان العبد في يد أحد الوكيلين أو في يد الموكل أو في يد المشتريين فهو
سواء لان يد الوكيل فيه كيد الموكل فلا يظهر اعتبار ترجيح لاحد المشتريين فاما إذا كان في
يد أحد المشتريين فهو له لترجيح جانبه بتأكد شرائه وتمكنه من القبض دليل سبق شرائه ولان
بالآخر حاجة إلى استحقاق يده عليه وبشرائه من الوكيل الآخر لا يظهر عند الاستحقاق
وإنما يظهر بإقامة البينة بسبق عقده فان أوهم لبسة على ذلك أخذه وإلا فلا سبيل له على العبد
وإذا وكل رجل رجلا ببيع عبده فباعه مع عبد آخر بثمن واحد فهو جائز وللآمر حصة
عبده لأنه حصل مقصود الآمر إذ لا فرق في حقه بين ان يبيعه وحده وبين ان ببيعه
مضموما إليه عبد آخر إلا أن عند أبي حنيفة رحمه الله يجوز بيعه سواء قلت حصة عبد الموكل
من الثمن المسمى أو كثرت وعندهما إنما يجوز إذا كان بحصة من الثمن قدر قيمته أو أقل بما
يتغابن الناس في مثله بمنزلة ما لو باعه وحده ولو كان قال له بع عبدي هذا بخمسمائة فباعه مع
عبد آخر بألف درهم لا يجوز بيعه في عبد الموكل عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يجوز إذا
51

كانت حصة عبد الموكل من المسمى خمسمائة أو أكثر لأنه حصل مقصود الآمر بتصرفه
ولكن أبو حنيفة رحمه الله يقول أمره بالبيع بثمن مقطوع على مقداره بيقين ولم يأت بذلك
لان انقسام الثمن على العبدين باعتبار القيمة وطريق معرفة ذلك الحزر والظن فكان هذا غير
التصرف المأمور به فلهذا لا ينفذ ولو وكله بشراء عبد بعينه فإن لم يسم له المثن فاشتراه مع
عبد آخر جاز إذا كان حصة المشترى للآمر مثل قيمته أو أكثر بما يتغابن الناس فيه وإن كان
سمى له خمسمائة فاشتراه مع عبد آخر بألف لم يجز في قول أبي حنيفة رحمه الله على الآمر
ويجوز في قولهما إذا كان حصة المشترى للآمر من الثمن خمسمائة أو أقل ولو كان الآمر
الموكل حين أمره ببيع عبده قال له هو يقوم على بمائتي درهم فضم الوكيل عبدا آخر معه
يقوم عليه بمائتي درهم فباعهما مرابحة على ثلاثمائة درهم فهو جائز والثمن بينهما على رأس المال لان
بيع المرابحة بيع بالثمن الأول وزيادة مضمومة إليه ربحا فكان هو مسميا بمقابلة عبد الآمر
ما نص عليه وزيادة فلهذا نفذ بيعه وكان الثمن بينهما أثلاثا وإذا باع الوكيل العبد بيعا فاسدا
فهلك عند المشترى فعليه قيمته كما لو باعه الموكل بنفسه بيعا فاسدا وهذا لأن الضمان الأصلي
في المبيع هو ضمان القيمة وإنما يتحول إلى المسمى عند صحة التسمية ولم تصح التسمية للفساد
فيبقى مضمونا بالقيمة والوكيل لا يصير ضامنا شيئا لأنه لم يخالف وإنما يضمن هو بالخلاف
بالفساد وهذا لان أسباب الفساد قلما يمكن التحرز عنها عادة والناس كلهم لا يكونون
كأبي حنيفة رحمه الله في معرفة الأسباب المفسدة للبيع فلو قلنا يضمن الوكيل بالفساد لتحرز
الناس عن قبول الوكالة وفيه قطع هذا الرفق عن الناس فلا يجوز القول به والوكيل هو الذي
يقبض القيمة من المشترى لأنه وجب بعقده والفاسد من العقد معتبر بالصحيح فإذا كان
عقد القبض للوكيل فيما يجب بالعقد الصحيح فكذلك فيما يجب بالعقد الفاسد فيقبض القيمة
ويدفعها إلى الموكل وليس للموكل ان يطالب المشترى بها إلا أن يوكله الوكيل بذلك في
البيع الفاسد والصحيح جميعا وان دفعه المشترى إلى الآمر برئ استحسانا وفى القياس لا يبرأ
لان الآمر في حقوق العقد كأجنبي آخر فقبضه لا يوجب براءة المشترى ولكنه استحسن
فقال الوكيل يعمل به في القبض فليس في قبضه بنفسه تفويت شئ على الوكيل بل فيه اسقاط
فوته بالقبض والدفع عنه * توضيحه انه لو لم يبرئ المشترى كان له ان يسترده من الموكل
ولا فائدة في نقض قبضه لحاجتنا إلى اعادته في الحال فإنه لو نقض قبض الوكيل ودفعه إلى
52

الآمر لكان هذا اشتغالا بما لا يفيد وان كتب الوكيل الصك باسم رب العبد فليس له ان يطالب
المشترى الا ان يوكله الوكيل بذلك لان كتبه الصك باسمه اقرار بأن الثمن ملك له واقراره
بذلك نصا لا ينافي كون القبض حقا للوكيل ولا يتضمن توكيل الوكيل إياه بالقبض فلهذا
لا يكون له ان يقبضه وإذا قال الرجل للرجل بع عبدي هذا وهذا أو بع أحدهما فأيهما باع
جاز وهذا استحسان وفى القياس التوكيل بالبيع معتبر فايجاب البيع في أحدهما بغير عينه
لا يصلح فكذلك التوكيل به ولكنه استحسن فقال مبنى الوكالة على التوسع لأنه لا يتعلق
اللزوم بنفسها لأن هذه جهالة مستدركة لا تفضى إلى المنازعة فلا يمنع صحة التوكيل *
توضيحه ان الموكل قد يحتاج إلى هذا لأنه لا يدرى أي العبدين يروج فيوكله ببيع أحدهما
توسعة للآمر عليه وتحصيلا لمقصود نفسه في الثمن وإذا باع الوكيل العبد ثم قتله المولى بطل
البيع لان الوكيل نائب عنه في البيع فكأنه بنفسه باعه ثم بقتله بطل البيع لفوات القبض
المستحق بالعقد وهذا لان القيمة لم تجب عليه لأنه مضمون عليه بالثمن للمشترى أن يأخذه
بنصف الثمن أن شاء كما لو باعه بنفسه قال ولو وكله ببيع عدل زطي فباعه وقبضه المشترى
ثم رده على البائع بخيار الرؤية فقال الآمر ليس هذا عدلي فالقول قول الوكيل مع يمينه لأنه
كان أمينا فيه وبعد ما رد عليه بخيار الرؤية عاد أمينا كما كان فالقول في تعيين الأمانة قوله ولو
باع الوكيل منه ثوبا ولم يبع ما سواه جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله ولم يجز عندهما إن كان
يضر ذلك بالعدل بمنزلة الوكيل ببيع العبد إذا باع نصفه وقد بيناه فيما سبق ولو وكله ببيع
شئ مما يكال أو يوزن فباع بعضه دون بعض جاز لان هذا مما لا يضره التبعيض فلا ضرر
على الموكل في بيع بعضه بخلاف الدار والعبد عندهما وضمان الوكيل ثمن ما باعه للآمر باطل
لان حق القبض في الثمن للوكيل فلو صح ضمانه عن المشترى كان ضامنا لنفسه إذ لا حق
للموكل علي المشترى وضمان المرء لنفسه باطل ولأنه أمين فيما يقبض من الثمن فيما بينه وبين
الآمر فلو صحت كفالته للآمر صار ضامنا وبين كونه أمينا وبين كونه ضامنا في الشئ الواحد
منافاة وكذلك المضارب وكل مال أصله الأمانة وإذا أقام المشترى البينة على الوكيل انه
قد أوفاه الثمن والوكيل يجحد ذلك فقد برئ المشترى من الثمن والوكيل ضامن له لان
الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو عايناه قد قبض الثمن ثم جحده كان ضامنا له وإذا وكله ببيع
عدل زطي له فعمد الوكيل إلى العدل وقصره فهو ضامن لما هلك عند القصار لأنه غير مأمور
53

بالدفع إليه للقصارة فيكون بهذا الدفع مخالفا ضامنا ما هلك عند القصار فان رجع إلى يد الوكيل
برئ من ضمانه لأنه أمين خالف ثم عاد إلى الوفاق فلا يكون ضامنا لما هلك واجرة القصار
تكون على الوكيل لأنه هو الذي استأجره وان باعه بعد القصارة فالثمن كله للموكل ولا
شئ منه للوكيل باعتبار الأجرة للقصارة لان القصارة ليست بعين مال قائم في الثوب وإنما
هي إزالة الدرن والوسخ عن الثوب فان اللون الأصلي للقطن إنما هو البياض ويتغير ذلك
بالوسخ فإذا أزيلت عند القصارة عاد اللون الأصلي فإذا لم يكن للوكيل عين مال قائم باعتبار
القصارة لا يكون له من الثمن حصة وكذلك أن فتل الثياب فاما إذا صبغها بعصفر أو زعفران
فهو مخالف بما صبغ لان صاحب الثوب لم يأمره به فهو كمودع أو غاصب صبغ الثوب فلصاحب
الثوب ان يضمنه قيمة ثوبه أبيض وان شاء أخذ الثوب منه ورد عليه ما زاد العصفر والزعفران
فيه وان شاء باعه الوكيل وضارب الآمر في الثمن بقيمة الثوب أبيض وضارب الوكيل بما زاد
الصبغ فيه لان الصبغ عين مال قائم في الثوب فيسلم للوكيل ما يخصه من الثمن وكان الخيار للمالك
لأنه صاحب الأصل فان الصبغ تبع لان قيامه بالثوب وقيام البيع يكون بالأصل ولان
الثوب قائم من كل وجه والصبغ مستهلك من وجه دون وجه فلهذا كان الخيار لصاحب الثوب
ولو صبغه اسود فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله السواد نقصان في الثوب لا زيادة فللموكل
أن يأخذه ولا يعطى الوكيل شيئا وان باعه الوكيل فالثمن كله للآمر وعندهما السواد بمنزلة العصفر
والزعفران وقيل هذا اختلاف عصر وزمان فان لبس السواد لم يكن ظاهرا في زمن أبي حنيفة
رحمه الله فعده نقصانا في الثوب وقد ظهر في عهدهما فقالا زيادة وقيل بل هذا يختلف باختلاف
الثياب فمن الثياب ما ينقص السواد من قيمته كالقصب ونحوه فيكون ذلك نقصانا فيه كما
قال أبو حنيفة رحمه الله ومن الثياب ما يزيد السواد في قيمته فيكون الجواب فيه كما قالا
وكان أبو يوسف رحمه الله يقول بقول أبي حنيفة فلما قلد القضاء وكلف السواد احتاج فيه
إلى مؤنة فرجع وقال السواد زيادة ثم الوكيل في هذا كله على وكالته في بيعه لان ما عرض
لا ينافي ابتداء التوكيل ولا يخرج المحل من أن يكون صالحا للتصرف وإذا دفع إليه جراب
هروي يبيعه وهو بالكوفة فبأي أسواق الكوفة باعه جاز وان خرج إلى البصرة فباعه
هناك ضمنه استحسانا ولم يجز بيعه على الآمر وفي القياس يجوز لأنه أمره بالبيع مطلقا فلا
يتقيد بمكان من غير تقييد في كلامه وأكثر ما فيه أن مقصوده البيع بالكوفة والتقييد
54

بالمقصود لا يحصل خصوصا عند أبي حنيفة رحمه الله ولكنه استحسن فقال لو لم تتقيد الوكالة
بالكوفة كانت مؤنة النقل إلى موضع آخر على الموكل لان الوكيل في النقل ممتثل أمره
فيرجع عليه بما يلحقه من المؤنة فربما تبلغ المؤنة قيمة المتاع أو تزيد فيكون في ذلك تفويت
مقصود الموكل وهذا دليل صالح لتقييد مطلق الوكالة فإذا تقيدت بالمصر كان هو بالاخراج
مخالفا فلا ينفذ بيعه ويكون ضامنا ولم يذكر في الكتاب ما إذا لم يخرج المتاع مع نفسه ولكن
باعه بالبصرة ومشايخنا رحمهم الله يقولون بيعه يجوز هنا لان التسليم في بيع العين إنما يجب في
موضع المبيع فلا يلحقه مؤنة النقل والأصح انه لا يجوز لان التقييد ثبت بالدلالة كما ذكرنا
فكان كالثابت بالنص والوكالة تقبل التقييد بالمكان والزمان ولو قال بعه بالكوفة ففي أي
أسواق الكوفة باعه جاز لان مقصوده بهذا التقييد سعر الكوفة وفي أي أسواق الكوفة
باع فإنه إنما باع بسعر الكوفة وان حمله إلى مصر آخر فباعه لم يجز بيعه فكان ضامنا له قياسا
واستحسانا لتقييد الامر بالكوفة نصا وإذا كان للرجل عدل زطي فقال لرجلين أيكما باعه
فهو جائز وان باعه أحد هذين فهو جائز أو وكلت هذا أو هذا ببيعه فباعه أحدهما ففي القياس
لا يجوز لجهالة من وكل بالبيع وفي الاستحسان يجوز لأن هذه جهالة مستدركة فيحمل
فيما هو مبنى على التوسع ثم قد نص على القياس والاستحسان هنا ولم ينص فيما سبق من توكيل
الواحد ببيع أحد العبدين حتى تكلف بعضهم كما بينا في الاقرار أن جهالة المقر به لا تمنع
صحة الاقرار وجهالة المقر له تمنع من ذلك ولكن الأصح أن القياس والاستحسان في
الفصلين فإنه قال هنا وكذلك لو قال لواحد بع أحد هذين العبدين أو بع ذا وذا فهذا بيان
أن القياس والاستحسان سواء وإذا أمره أن يبيعه ويشترط الخيار للآمر ثلاثة أيام فباعه بغير
خيار أو بخيار دون الثلاثة فدفعه فبيعه باطل وهو له ضامن لأنه أتى بعقد هو أضر على الآمر
فإنه أمره بالبيع على وجه يكون الرأي في هذه الثلاثة إلى الموكل بين أن يفسخ العقد أو يمضيه
وقد أتى بعقد لا يثبت فيه هذا القدر من الرأي للآمر فكان مخالفا كالغاصب ولو قال بعه
واشترط الخيار لي شهرا فباعه وشرط الخيار له ثلاثة أيام جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله
استحسانا ولم يجز في قولهما لان من أصلهما ان الخيار يثبت في مدة الشهر ويصح البيع معه
فإنما أمره بعقد يكون فيه الرأي إلى الآمر في هذه المدة وهو لم يأت بذلك فكان ضامنا وان
من أصل أبي حنيفة رحمه الله أن اشتراط الخيار في البيع لا يجوز أكثر من ثلاثة أيام فإنما هذا
55

وكيل بالبيع الفاسد عنده والوكيل بالبيع الفاسد إذا باع بيعا جائزا نفذ على الامر استحسانا
فهذا مثله ولو قال بعه بيعا فاسدا فباعه بيعا جائزا كان هذا استحسانا في قول أبي حنيفة وأبى
يوسف رحمهما الله وفى القياس وهو قول محمد وزفر رحمهما الله لا يجوز لان أمره بالعقد لا يزيل
ملكه بنفس العقد فكان كالمأمور بالهبة إذا باع أو لأنه أمره ببيع لا ينقطع به حق الموكل في
الاسترداد أو أمره ببيع يكون المبيع مضمونا بالقيمة على المشترى إذا قبضه فكان كالمأمور
بشرط الخيار للآمر إذا باعه بغير خيار ووجه الاستحسان أنه من جنس التصرف الذي أمره به
وهو خير للآمر مما أمره به فلا يكون مخالفا كالوكيل بالبيع بألف إذا باع بألفين وبيانه انه
أمره بان يطعمه الحرام بالتجارة وهو أطعمه الحلال والتجارة مشروعة لاكتساب الحلال
بها دون الحرام بخلاف المضمون المأمور بالهبة إذا باع لان ما أتى به ليس من جنس ما أمره
به وبخلاف بيع المأمور بشرط الخيار إذا لم يذكر الخيار لان ما أتى به ليس بأنفع للآمر
به بل هو أضر عليه * يوضحه انه لو أمره بالبيع الجائز فباع بيعا فاسدا لم يكن مخالفا فعرفنا
أن الامتثال بأصل العقد لا بصفة الجواز والفساد وفى الأمالي عن أبي يوسف رحمه الله
انه لو أمره بأن يزوجه امرأة بغير شهود فزوجها إياه بشهود لم يجز عند أبي يوسف رحمه الله
وهذا لان التوكيل بالنكاح لا يتناول النكاح الفاسد عنده بخلاف البيع ولان النكاح
الفاسد لا يوجب الكل أصلا وهو غير مأمور من جهته باثبات الحل له فلهذا لا يصح
مباشرته العقد الصحيح بخلاف البيع ولا اشكال على قول محمد رحمه الله انه لا يجوز فاما
عند أبي يوسف رحمه الله فقال ينبغي ان يجوز لان الاذن في النكاح عنده يتناول الجائز
والفاسد وما أتى به أنفع للموكل مما أمره به ولو قال بعه بعبد إلى أجل فباعه بدراهم حالة
في القياس لا يجوز وهو قول محمد رحمه الله ولم يذكر قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما لله وقيل على قولهما ينبغي ان يجوز لأنه مأمور بالعقد الفاسد وقد أتى بالعقد
الصحيح والأصح انه لا يجوز هنا لأنه سمى جنسا خلاف ما آمره به الآمر وعند اختلاف
الجنس في المسمى يكون مخالفا وإن كان ذلك أنفع للآمر كالتوكيل بالبيع بألف درهم إذا
باعه بألف دينار لا ينفذ على الآمر ولو قال بعه بألف نسيئة فباعه بألف أو أكثر من الف بالنقد
فهو جائز لأنه حصل مقصود الامر وزاده خيرا بزيادته في قدر المسمى أو في صفة الحلول وان
باعه بأقل من الف بالنقد لم يجز لأنه خالف مقصوده وما سمى له فإنه أمره بأن يدخل في
56

ملكه بمقابلة العبد ألفا وقد أدخل في ملكه دون ذلك وان باعه بألفين نسيئة جاز لأنه
خالف إلى خير بزيادة الثمن وان باعه بألفين نسيئة شهرين والموكل إنما أمره بألف نسيئة شهرا
لم يجز أيضا لأنه خالف ما سمى له في مدة الاجل إلى ما هو أضر عليه والحاصل أن مقابلة
زيادة القدر بالنقصان المتمكن بزيادة الاجل إنما يكون بطريق المقايسة وليس للوكيل ذلك
بل عليه مراعاة ما سمى له الآمر فإذا خالف إلى ما هو أضر عليه لم ينفذ تصرفه عليه ولو دفع
إليه منطقة فيها مائة درهم فضة فقال بعها بخمسين فباعها بمائة درهم وعشرة دراهم نقدا فهو
جائز في قول أبي حنيفة رحمه الله وأبى يوسف رحمه الله لأنه زاده خيرا من كل وجه وفى
قول محمد رحمه الله لا يجوز لأنه أمره بالعقد الفاسد وقد أتى بالعقد الصحيح وكذلك لو قال
بعها بخمسين درهما نسيئة فباعها بخمسين نقدا فهو على الخلاف الذي ذكرنا وان دفع إليه جراب
هروي فقال بعه نسيئة أو نقدا فما باعه من شئ من دراهم أو دنانير أو شئ مما يكال أو يوزن
فهو جائز أما عند أبي حنيفة رحمه الله فلا يشكل وأما عندهما فلانه وسع الآمر عليه بقوله بعه
نسيئة أو نقدا فينصرف إلى كل ما يثبت دينا في الذمة ثبوتا صحيحا وان باعه بيعا فاسدا ودفعه
إليه لم يكن مخالفا لما بينا ولو قال بعه نسيئة فباعه إلى الحصاد والدياس أو إلى العطاء أو إلى
النيروز فالبيع فاسد بجهالة هذه الآجال عند المتعاقدين كما لو باعه الموكل بنفسه إلا أن يقول
المشترى أنا أعجل المال وأدع الاجل فحينئذ يجوز حذف الشرط المفسد قبل تقرره وهي
زفرية معروفة في البيوع ولو وكله بطعام فقال بعه كل كر بخمسين فباعه كله فهو جائز لان
حرف كل جامع لكل ما يضاف إليه وقد أضافه إلى الطعام فيجمع كل كر منه وان قال بعه
بمثل ما باع به فلان الكر فقال فلان بعت الكر بأربعين فباع الوكيل بأربعين ثم وجد فلانا
باعه بخمسين فالبيع مردود لأنه تبين أنه باعه بأقل مما سمى له وان فلانا أخبر بالباطل والمخبر
به إذا كان كذبا فبالاخبار به لا يصير صدقا وجهل الوكيل لا يبطل حق الموكل ولا يجعل
الوكيل موافقا وإن كان فلان باع كرا بخمسين فباع هذا كراره بخمسين خمسين ثم باع فلان
بعد ذلك بستين فهو جائز ولا ضمان على الوكيل لأنه أمره بالبيع بمثل ما باع به فلان في
الماضي لا بمثل ما يبيع به في المستقبل وقد امتثل أمره في ذلك وإن كان فلان باع كرا بأربعين
وكرا بخمسين فباع الوكيل طعامه كل كر بأربع وأربعين ففي القياس لا يجوز بيع الوكيل لان
جوازه يعتمد رضا الموكل وفى رضاه بأربعين شك لما كان فلان باع تارة بخمسين وتارة
57

بأربعين فالظاهر أن مراد الآمر بهذا بع على ما باع به فلأن لا أدناه ولكنه ترك القياس
واستحسن فقال يجوز لأنه امتثل ما سمى له فإنه سمى له البيع بمثل ما باع به فلان وإذا كان قد
باعه بأربعين فهذا قد باع بمثل ما باع به فلان وهذا لان في المنصوصات يعتبر أدنى ما يتناوله
الا اسم لا نهايته (ألا ترى) أنه إذا شرط صفة الجودة في المبيع يعتبر أدنى الجودة لا أعلاها ولأنا
لو لم ننفذ بيعه لم نجد بدا من أن نجعل الوكيل ضامنا وبالشك لا يجب عليه الضمان ولو وكله
بشراء عبد بعينه فقبل الوكالة وخرج من عنده فاشهد انه يشتريه لنفسه ثم اشتراه فهو للموكل
لأنه قصد عزل نفسه فيما يوافق أمر الامر وعزله يكون بالخلاف لا بالموافقة فلا يعمل
قصده هذا وكذلك لو وكله آخر بعد ذلك بشرائه فاشتراه فهو للأول لأنه بعد قبول
الوكالة منه صار بحيث لا يملك شراءه لنفسه فكذلك لا يملك شراءه لغيره وإذا وجد الوكيل
بالعبد عيبا فله أن يرده ولا يستأمر فيه لان الرد بالعيب من حقوق العقد وهو مستبد بما
هو من حقوق العقد لان العبد ما دام في يده فالوكالة قائمة غير منتهية فهو متمكن من رده
بيده فلا حاجة إلى استئمار الآمر وإن كان دفعه إلى الآمر فليس له أن يخاصم في عيبه الا
بأمر الامر لان الوكالة قد انتهت بالتسليم إلى الآمر ولأنه لا يتمكن من رده الا بابطال يده
واليد حقيقة فيه للآمر ولا سبيل له إلى ابطال يده الا برضاه والدليل على الفرق أن الوكيل
لا يكون خصما لمن يدعى في هذا العبد شيئا بعد ما سلمه إلى الامر بخلاف ما قبل التسليم فإنه
خصم باعتبار يده ما لم يثبت أنها لغيره وإذا أمره أن يشترى له هذا العبد بصنف المكيل
أو الموزون فاشتراه بغير ذلك الصنف لم يلزم الآمر لأنه لم يحصل مقصود الآمر فان مقصوده
تحصيل العبد له بهذا الصنف الذي سماه فإذا لم يحصل مقصوده كان مشتريا لنفسه ولو لم
يسم له الثمن لم يجز له أن يشتريه للآمر الا بدراهم أو بدنانير لما بينا أنه يتعذر اعتبار اطلاق
الوكالة في العوض فيحمل على أخص الخصوص وهذا الشراء بالنقد فان اشتراه بعضه
بعينها تبرا واناء مصوغ أو ذهب أو تبر أو بمكيل أو بموزون أو عرض لزم المشترى دون
الأحمر لان أمره لما قيد بالشراء بالنقد صار كأنه نص عليه والتبر والمصوغ ليسا بنقد فكان
فيما صنع مخالفا أمره فلهذا صار مشتريا لنفسه دون الآمر ولو وكله بشراء عبد بعينه بثمن
مسمى فوكل الوكيل وكيلا آخر فاشتراه لزم الآمر الثاني دون الأول لان الأول إنما
رضى برأي وكيله بالشراء وما رضى بتوكيله فهو في التوكيل مخالف وإن كان قد سمى
58

الثمن له لان تسمية الثمن تمنع الزيادة دون النقصان وإذا صار مخالفا نفذ شراء وكيله عليه كما
لو اشتراه بنفسه على وجه يكون مخالفا فيه يصير مشتريا لنفسه ولو اشتراه الوكيل الثاني
بمحضر الوكيل الأول لزم الآمر الأول لان تمام العقد برأي الوكيل الأول فكأنه هو الذي
باشر العقد وفى هذا خلاف زفر رحمه الله وقد بيناه وان قال الوكيل أمرتني أن اشتريه لك
بألف درهم وقال الآمر أمرتك بخمسمائة فالقول قول الامر لان الاذن مستفاد من جهته ولو
أنكر أصل الاذن كان القول قوله فكذلك إذا أنكر الزيادة ولان تصرف كل انسان يكون
لنفسه باعتبار الأصل إلى أن يظهر كونه نائبا عن غيره فكان الآمر متمسكا بالأصل ولو
أقام البينة فالبينة بينة الوكيل لأنه يثبت لنفسه دينا في ذمة الآمر ويثبت خلاف ما يشهد به
الظاهر وهو وقوع الملك بشرائه للآمر وكذلك لو قال الامر للوكيل أمرتك بغير هذا العبد
وقال اشتر لي عبد فلان بعبدك هذا فاشتراه جاز للآمر وعليه قيمة عبد الوكيل لأنه صار
كالمستقرض لعبد الوكيل حين أمره ان يشترى به له عبدا واستقراض الحيوان وإن كان
فاسدا فإذا تم كان مضمونا بالقيمة ولان الشراء يوجب الثمن للبائع على الوكيل والوكيل على
الموكل فإذا صح التوكيل هنا واشترى بعبده وجب للبائع على الوكيل تسليم العبد إليه وللوكيل
على الموكل مثله ومثل العبد قيمته وإنما صح التوكيل لأنه أقر بالشراء له بعوض يلتزمه في ذمة
نفسه كان صحيحا وكذلك إذا أمره بالشراء له بعوض يلتزمه في مال نفسه وان اختلفا في مقدار
القيمة فالقول قول الوكيل مع يمينه أو يترادان لان الوكيل مع الموكل بمنزلة البائع مع المشترى
على معنى ان الموكل يملك السلعة بعقد الوكيل بعوض يستوجبه الوكيل عليه والبائع مع
المشترى إذا اختلفا في الثمن فالحكم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اختلف المتبايعان
فالقول ما يقوله البائع أو يترادان ثم حاصل الجواب في هذه المسألة ان يقال هنا معنيان أحدهما
ما بينا وذلك موجب للتخالف والثاني ان الوكيل أمين مخبر بما يجعل مسلطا عليه وفي مثله القول
قوله مع يمينه فيكون للموكل الخيار ان شاء مال إلى هذا الجانب ورضى أن يأخذ بما قال
الوكيل فحينئذ يحلف الوكيل على ما يدعى من مقدار الثمن كما هو الحكم في يمين الأمين فإذا
حلف أخذه بذلك وان شاء مال إلى الآخر ولم يرض ان يأخذه بما قال الوكيل فحينئذ يتحالفان
والذي يبتدأ به في اليمين الآمر لأنه بمنزلة المشترى فكما أن البائع والمشترى إذا اختلفا في
الثمن يبدأ بيمين المشترى لان أول التسليمين عليه فكذلك هنا يبدأ بيمين الامر ويحلف
59

على علمه لأنه استحلاف على فعل الغير وبعد ما تحالفا فالعبد المشترى يلزم الوكيل لانفساخ
السبب بين الوكيل والموكل قال وإذا وكل رجل رجلا ان يشترى له أمة يتخذها أم ولد
ويطؤها بألف درهم فاشترى له أمة رتقاء لا توطأ أو مجوسية أو أمة لها زوج لم يلزم الآمر
لأنه صرح بمقصوده عند التوكيل بمحل صالح لما صرح به وهذا المحل غير صالح لذلك وكان
الوكيل مشتريا لنفسه وكذلك كل ما وصفه بصفة فاشتراه بصفة تخالف تلك الصفة كان مشتريا
لنفسه لما قلنا بخلاف ما إذا أطلق فان ما ليس بمعين يختلف باختلاف الصفة قال وإذا وكله أن
يشترى له عبدا بعينه بألف درهم فاشتراه الوكيل وقبضه وطلب الآمر أخذه فأبى الوكيل
أن يعطيه حتى يستوفى الثمن فله أن يمنعه عندنا سواء نقد الوكيل الثمن أو لم ينقد وليس له
حق المنع عند زفر رحمه الله وهذه معروفة في البيوع بفروعها إلا أن هناك لم ينص على
الخلاف إذا هلك بعد المنع وإنما نص عليه هنا فقال عند أبي يوسف رحمه الله يكون مضمونا
بالأقل من قيمته ومن الثمن كالمرهون وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يكون مضمونا بالثمن
قلت قيمته أو كثرت كالمبيع إذا هلك في يد البائع فان الوكيل مع الموكل لبائع مع المشترى
فان مات في يد الوكيل قبل أن يمنعه مات من مال الآمر لان الوكيل في القبض عامل للآمر فيصير
الآمر بقبض الوكيل قابضا حكما ما لم يمنعه منه فإذا هلك هلك من مال الآمر وللوكيل أن
يرجع عليه بالثمن بخلاف ما إذا منعه لأنه صار مستردا ليده أو لان بالمنع تبين انه كان في القبض
عاملا لنفسه لا للآمر وإن كان البائع أخر المال عن المشترى لم يكن للمشترى أن يأخذه من
الآمر بمنزلة ما لو اشترى بثمن مؤجل فإنه لم يرجع على الآمر قبل حلول الأجل وهذا لان
الوكيل إنما يستوجب على الآمر مثل ما وجب للبائع عليه بصفته وهذا بخلاف الشفيع مع
المشترى فان الاجل الثابت في حق المشترى لا يثبت في حق الشفيع لان الشفيع إنما يتملك
المبيع بعقد جديد سوى عقد المشترى والأجل المذكور في عقد لا يثبت في عقد آخر وهنا
الموكل إنما يتملك بذلك العقد الذي باشره الوكيل والأجل ثابت في حق الوكيل بحكم ذلك
العقد فيثبت في حق الموكل أيضا ولو حط البائع شيئا من الثمن عن الوكيل ثبت ذلك
للآمر لان حط بعض الثمن يلتحق بأصل العقد ويخرج قدر المحطوط من أن يكون ثمنا
بخلاف ما لو وهب البائع الثمن كله للوكيل كان له أن يرجع على الموكل بالثمن لان حط
الكل لا يلتحق بأصل العقد إذ لو التحق بأصل العقد فسد البيع لأنه يبقى بيعا يغير ثمن وهو
60

فاسد فكان ذلك مقصورا عل الحال وابراء الوكيل لا يمنع من الرجوع على الآمر لان ثبوت
حق الرجوع له بالشراء لا بالولاء بخلاف الكفيل إذا برئ حيث لا يرجع على الأصيل لان
ثبوت حق الرجوع له بالأداء أو بملكه ما في ذمته وذلك لا يحصل بالأداء ولو أمره أن
يشتري له عبدا بعينه بألف درهم ومائة ثم حط البائع المائة عن المشترى كان العبد للمشترى
دون الآمر لأنه في أصل العقد مخالف فوقع الشراء له ثم لا يتحول إلى الامر بعد ذلك الا
بتجديد سبب ولم يوجد وبهذا يحتج زفر رحمه الله في الوكيل بشراء العبد إذا اشترى نصفه
فان عند زفر رحمه الله هناك وان اشترى الباقي قبل الخصومة كان العبد للوكيل دون الامر
لأنه في أصل الشراء مخالف ولكنا نقول هناك عرضت الموافقة بفعل يكون من الوكيل فيما
تناولته الوكالة قائم فمنع تحقق الخلاف وهنا عرضت الموافقة بفعل يحدثه الوكيل فيما تناولته
الوكالة غير موجود فتحقق الخلاف بنفسه. ولو أن رجلا اشترى عبدا واشهد انه يشتريه
لفلان فقال فلان قد رضيت كان للمشترى أن يمنعه منه لأن الشراء نفذ على العاقد حين لم
يكن مأمورا من جهة غيره ورضا الغير أنما يعتبر في عقد موقوف على اجازته وهذا العقد
غير موقوف على اجازته فرضاه فيه وجوده كعدمه وان سلمه له وأخذ الثمن كان ذلك بمنزلة
بيع مستقبل منهما فان البيع بالتعاطي ينعقد عندنا لان المقصود تمام الرضا قال الله تعالى إلا أن
تكون تجارة عن تراض منكم وذلك يحصل بالفعل كما يحصل بالقول وإذا وكله بأن يشترى
له أمة بألف درهم فاشتراها بألفين فبعث بها للآمر فاستولدها ثم قال الوكيل اشتريتها بألفين
فإن كان حين بعث بها إليه قال هذه الجارية التي أمرتني فاشتريتها لك لم يصدق في أن ثمنها ألفان
ولم تقبل بينته على ذلك لأنه بالكلام الأول صار مقرا انه اشتراها للامر وإنما يكون مشتريا
للامر إذا اشتراها بالثمن الذي سمى الآمر له فكان هو في قوله بعد ذلك اشتريتها بألفين
مناقضا والمناقض لا دعوى له ولا تقبل بينته وإن لم يكن قال ذلك حين بعث بها إليه فالقول
قوله لأنه يقول اشتريتها لنفسي وإنما بعثتها إليه وديعة أو لينظر انها تعجبه بالثمن الذي اشتريتها
له به أولا فلم يسبق منه ما يناقض قوله فلهذا جعلنا القول قوله ثم يأخذ القيمة وعقرها
وقيمة ولدها لان الامر مغرور فيها فإنه استولدها باعتبار سبب ظاهر لو كان حقيقة كانت
الجارية له وهو ان الوكيل اشتراها له بما أمره به فإذا تبين الامر بخلافه كان مغرورا ولو
وكله ان يشترى له كر حنطة من الفرات فاشتراها واستأجر بعيرا لحمله عليه لم يكن الكراء
61

على الآمر في القياس لان وجوب الكراء بعقد آخر سوى العقد الذي أمره به فكان متبرعا
في حمله بمنزلة أجنبي آخر (ألا ترى) انه لو أمره بالشراء من السوق فاشتراه ثم حمله إلى منزله
بكراء كان متبرعا فيه فكذلك هذا وفى الاستحسان يرجع على الآمر بالكراء لأنه مأمور
بحمله دلالة فإنه أمره بالشراء من الفرات ولا يمكنه ان يتركه هناك بعد الشراء فان الحنطة
تحمل في السفن إلى بغداد فتشتري ثمة وتنقل إلى المنازل إذ لا يبقى هناك بالليل أحد يحفظها
وليس هناك حانوت تحفظ فيه فلما أمره بالشراء مع علمه بهذا صار الامر آمرا له بالنقل دلالة
والنقل لا يتأتى الا بالكراء وكأنه أمره بهذا الاستئجار بخلاف ما لو أمره بالشراء من السوق
* توضيحه ان الوكيل مضطر في هذا النقل فإنه لو تركه هناك يكون مضيعا له فلم يكن متبرعا
في هذا النقل بخلاف ما إذا اشتراه من السوق فإنه غير مضطر إلى نقله لتمكنه من الترك في حانوت
البائع وإن كان الآمر أمره ان يستأجر الكر بدرهم فاستأجر له بدرهم ونصف لم يكن على
الامر من الكراء شئ لان الوكيل صار مخالفا له فكان مستأجرا لنفسه فحمله على من
استأجره لنفسه كحمله على دابة نفسه ولو استأجره بدرهم جاز على الآمر ولم يكن للوكيل
حبس الطعام حتى يستوفى الكراء لان الكراء ليس بعوض عن الطعام وإنما يحبس الطعام
ببدله وبدل الكراء هنا منفعة الدابة في الحمل وقد تلاشت وليس للحمل أثر قائم في المحمول
فلا يحبس المحمول به بخلاف الخياطة والقصارة فان أثر فعل الخياط والقصار قائم في الثوب
فله أن يمنعه حتى يستوفى الأجرة ولو وكله ان يشتري له طعاما بعشرة دراهم ولم يدفعها إليه
فاشتراه الوكيل نسيئة فهو جائز لأنه مأمور بالشراء مطلقا وقد بينا نظيره في الوكيل بالبيع
وعن أبي يوسف رحمه الله في الفصلين جميعا انه إنما يبيع ويشترى للآمر بالنسيئة إذا أمره
بالتصرف على وجه التجارة لان كل واحد من النوعين من صنع التجار فإذا أمره بالبيع
لا على وجه التجارة لا يملك البيع بالنسيئة وبيان هذا في كتاب الرهن ثم للآمر ان يأخذ الطعام
قبل أن ينقد الثمن لان حاله مع الوكيل كحال الوكيل مع البائع وللوكيل ان يقبض المبيع
قبل أن ينقد الثمن إذا كان مؤجلا فلآمر ذلك أيضا فان مات الوكيل فحل عليه الثمن لم
يحل على الآمر لان حلول الثمن على الوكيل لوقوع الاستغناء عن الاجل وعدم انتفاعه ببقائه
أو لان ما عليه من الدين صار كالمستحق في تركته وهو ميت وهذا لا يوجد في حق الآمر
ما بقي حيا وكذلك لو أمره بأن يشتري له إلى أجل وهذا أظهر من الأول ولو كان أعطاه
62

دنانير وأمره أن يشترى بها ثم لم ينقدها حتى دفع الطعام إلى الآمر وأنفق الدنانير في
حاجته ونقد الثمن غيرها فهو جائز لأنه امتثل الامر في الشراء بتلك الدنانير وهي لا تتعين في
الشراء بالتعيين فكانت باقية على ملك الآمر وقد وجب الثمن للبائع دينا في ذمة الوكيل وللوكيل
في ذمة الآمر فالوكيل حين أنفق دنانير الآمر في حاجته صار مستوفيا دين نفسه فبقي دين
الآمر عليه يغرمه في ماله وان اشترى بدنانير غيرها ثم نقدها فالطعام للوكيل لأنه كان مأمورا
بالشراء بتلك الدنانير فإذا اشترى بغيرها صار مخالفا فكان مشتريا لنفسه ثم نقد دنانير الآمر
في قضاء دين نفسه فصار ضامنا له فان قيل الشراء لا يتعلق بتلك الدنانير فشراء الوكيل بها
وبغيرها سواء قلنا لا نقول يتعلق الشراء بتلك الدنانير وإنما تتقيد الوكالة بما يتقيد به المال
المضاف إليها (ألا ترى) انه لو هلك المال قبل الشراء به بطلت الوكالة وإذا تعلقت الوكالة
بتلك الدنانير لم يكن الشراء بغيرها من موجبات الوكالة على أن الشراء قد بطل يتعلق
الدنانير المضافة إليها نوع تعلق (ألا ترى) أن من اشترى بالدنانير المغصوبة ونقدها لم يطلب له
الفضل بخلاف ما إذا اشترى بغيرها ونقدها وان اشترى الوكيل طعاما إلى أجل وهو ينوى
الشراء بها لم يصدق على ذلك ولم يلزم الآمر لان تلك الدنانير عين وصفة العينية تنافى الاجل
فبين شرائه بالثمن المؤجل وبين شرائه بتلك الدنانير منافاة بينة فبينه مخالفة لما صرح به ودعواه
غير مطابقة لما ظهر منه فلا يصدق على ذلك وكان هذا وما لو اشتراه بدنانير غير تلك الدنانير
سواء وإن كان اشترى طعاما بمال فنوى الشراء بتلك فهو جائز على الآمر لأنه ما صرح
بخلاف ما أمره به نصا فان إضافة الثمن إلى ذمته والى ما في يده من الدنانير سواء وكان تعيين
تلك الدنانير في قلبه كتعينها بإشارته في العقد إليها وهذا لان الوكيل قد يبتلى بهذا بأن يجد
ما يوافق الآمر في السوق ولا تكون تلك الدنانير معه فلو رجع إلى بيته ليحضرها فاته فلهذا
جوزنا شراءه للآمر بمطلق الدنانير وان نقد بعد ذلك تلك الدنانير نصا وكذلك لو أمره أن
يشترى له عبدا وسمى جنسه وثمنه ووكله آخر بمثل ذلك ودفع إليه الثمن فاشتراه على تلك
الصفة وقال نويته لفلان فالقول قوله لان ما في ضميره لا يعرفه غيره فيوجب قبول قوله في
ذلك وهو أمين مسلط على ما أخبر به من جهة كل واحد منهما وان مات في يديه مات من
ماله الذي سمى له لأنه بقبضه له يصير من وقع له الشراء قابضا ولو وكله أحدهما أن يشترى له
نصف عبد معروف بثمن مسمى ووكله آخر بأن يشترى له نصف عبد بمثل ذلك الثمن
63

فاشترى الوكيل نصفه وقال نويت أن يكون للآخر فالقول قوله لان وكالة الثاني صحيحة
وصار هو مالكا شراء النصف لكل واحد منهما فكان قوله مقبولا في تعيين من المشترى له
وإن كان كل واحد منهما سمى له ثمنا مخالفا لما سمى الآخر فاشترى أحد النصفين بذلك
الثمن وقال نويته لفلان الآخر فالقول قوله لما بينا ان ما في ضميره لا يعرفه غيره فإذا قبلنا
قوله في ذلك صار مخالفا مشتريا لنفسه لأنه اشترى بثمن غير الثمن الذي نواه له بالشراء ولا
يكون هذا النصف للذي أمره بالشراء بهذا الثمن لأنه لم ينوه له وفيما ليس بعين لا يصير
مشتريا للامر إلا أن ينوى ان ينقد دراهمه قال وإذا وكله ان يشترى له جارية بعينها فقال
الوكيل نعم ثم اشتراها لنفسه ووطئها فحبلت منه فإنه يدرأ عنه الحد وتكون الأمة وولدها
للآمر ولا يثبت النسب لأنه صار مشتريا للآمر فان نيته لنفسه لغو في الجارية المعينة الا انها
في يده بمنزلة الجارية المبيعة في يد البائع على ما بينا ان الوكيل مع الموكل كالبائع مع المشترى
ووطئ البائع للأمة المبيعة لا يوجب عليه الحد لتمكن الشبهة ولكن لا يتمكن الغرور بهذا لأنه
استولدها مع العلم بأنها لغيره ولهذا كانت مع ولدها للآمر ولا يثبت النسب قال ولو وكله
بأن يشترى له أمة وسمى جنسها فاشترى أمة وأرسل إليه بها فاستولدها الآمر ثم قال
الوكيل ما اشتريتها لك فإن كان حين بعث بها إليه قال اشتريتها لك أو قال هي الجارية التي
أمرتني بأن اشتريها لك لم يسمع دعواه بعد ذلك ولا تقبل بينته على الاشهاد عند الشراء انه
اشتراها لنفسه لكونه مناقضا في هذه الدعوى وإن لم يذكر شيئا من ذلك فالقول قوله مع
يمينه ويأخذها وعقرها وقيمة ولدها لما بيناه فيما سبق قال ولو وكله بأن يشترى له دار فلان
بألف درهم فاشترى صحراء ليس فيها بناء فهو جائز لان الدار اسم لما يدار عليه الحائط مبنيا كان
أو غير مبنى والعرب يطلقون اسم الدار على الصحراء التي لم يبق فيها الا أثر قال القائل
يا دار مية فالعلياء فالسند (وقال الآخر) عفت الديار ومحلها فمقامها
وهذا بخلاف ما لو أمره بأن يشترى له بيتا فاشترى أرضا لم يكن فيه بناء لم يجز على
الامر لان البيت اسم لما يبات فيه وذلك في المبنى خاصة ثم الانسان قد يشترى الدار
غير مبنية ليبنيها على مراده فلم يكن فيما اشتراه الوكيل معنى المخالفة لمقصود الآمر بخلاف
البيت فإنه يشتريه لينتفع به ولا يحتاج إلى تخلق بنائه وهذا المعنى لا يحصل في غير المبنى فإذا
64

صح شراء الدار للآمر وهلك المال عند الوكيل فقال الآمر هلك قبل أن تشترى وقال الوكيل
هلك بعد ما اشتريتها فالقول قول الآمر لانكاره بقاء الوكالة عند الشراء بمنزلة ما لو أنكر
التوكيل أصلا ولان الوكيل يدعى لنفسه الثمن في ذمة الموكل وهو منكر لذلك فالقول قوله
مع يمينه ويحلف على العلم لأنه استحلاف على فعل الغير وهو الشراء به قبل الهلاك أو بعده
ولو لم يهلك ونقده البائع فاستحقه رجل فضمن الوكيل رجع به على الامر لأنه كان عاملا له
فيما قبض من الثمن ونقد وان ضمن البائع رجع به علي الوكيل لان المقبوض من الثمن لم
يسلم له رجع الوكيل على الآمر لكونه عاملا له ولو لم يستحق ولكن جحد البائع أن
يكون القبض قبض الثمن فالقول قوله مع يمينه فإذا حلف رجع به على الوكيل ولم يرجع به
الوكيل على الآمر لأنه مقر انه استوفى الثمن من الآمر ونقده البائع ثم ظلمه البائع بتغريمه
الثمن مرة أخرى فليس له أن يظلم الآمر ان ظلمه غيره ولو لم ينقده البائع حتى هلك عند
الوكيل فاخذه من الآمر ثانية فهلك عنده لم يرجع به على الامر ويضمن الثمن من عنده للبائع
لان بالشراء وجب الثمن للبائع على الوكيل وللوكيل على الآمر فإذا قبضه الوكيل بعد الشراء
صار به مستوفيا دين نفسه فدخل المقبوض في ضمانه وكان هلاكه عليه بخلاف ما لو قبضه
قبل الشراء فإنه ما استوجب على الآمر شيئا بعد وكان في ذلك القبض عاملا للامر لا لنفسه
والفرق بين هذا وبين المضاربة قد بيناه فيما أمليناه من شرحه قال ولو وكله أن يشترى له
سيفا بثمن مسمى فاشترى نصلا أو سيفا محلى كان جائزا لان اسم السيف للنصل حقيقة
وشراؤه معتاد فقد يشترى المرء نصلا ليركب عليه الحمايل على مراده قال ولو وكله بأن
يشترى له ثوبا يهوديا ليقطعه قميصا فاشترى له ثوبا لا يكفيه لم يلزم الآمر لأنه بين له
مقصوده فتقيدت الوكالة بثوب يصلح لمقصوده وكذلك لو وكله أن يشترى له دابة يسافر
عليها ويركبها فاشتراها مقطوعة اليد أو عمياء أو مهرا لا يركب عليه لأنه غير صالح لما قيد الآمر
التوكيل به قال ولو وكله ان يشترى له عشرة أرطال لحم بدرهم فاشترى أكثر به لزم الآمر عشرة
منها بنصف درهم والباقي للمأمور لأنه أمره بشراء قدر مسمى فما زاد على ذلك لم يتناوله أمره
فكان مشتريا لنفسه وفى القدر الذي تناوله أمره قد حصل مقصوده وزاده منفعة بالشراء
بأقل مما سمى له فكان مشتريا للآمر ولكن هذا الجواب إنما يستقيم فيما إذا اشترى ما يساوى
عشرة أرطال بدرهم اما إذا اشترى ما يساوى عشرين رطلا بدرهم فيصير مشتريا الكل
65

لنفسه لان الامر تناول اللحم السمين الذي يشترى منه عشرة أرطال بدرهم وقد اشترى
المهزول فلم يكن محصلا مقصود الآمر فكان مشتريا لنفسه والله أعلم بالصواب
(باب الوكالة في الصرف والسلم)
(قال رحمه الله) رجل وكل رجلا بان يشترى له إبريق فضة بعينه ولم يسم الثمن فاشتراه
بقيمته دنانير أو بمثل وزنه دراهم فهو جائز لأنه مطلق للتوكيل بالشراء بالنقود وكل واحد
من الجنسين من النقود وشراء الإبريق بكل واحد منهما معتاد لو اشتراه الموكل بنفسه يجوز
فكذلك إذا اشتراه الوكيل له وفى حكم التقابض المعتبر بقاء المتعاقدين في المجلس وغيبة الموكل
لا تضر هذا غير مشكل فيما إذا كان الوكيل ممن تتعلق به حقوق العقد لأنه بمنزلة العاقد لنفسه
وكذلك أن كان ممن لا تتعلق به حقوق العقد لان قبضه وتسليمه صحيح وان كأن لا تتوجه
عليه المطالبة ففي حكم صحة التقابض هو بمنزلة وكيل يتعلق به حقوق العقد فان قال الموكل لم
تشتره وقال الوكيل اشتريته بكذا وكذا فصدقه البائع فإنه يلزم الموكل بذلك الثمن لان الوكيل
أقر بالشراء في حال تملك الانشاء فيكون اقراره صحيحا وكذلك لو قال الموكل أخذته بثمن دون
الذي قلت لان تصادق البائع مع الوكيل على الشراء بذلك الثمن بمنزلة مباشرتهما العقد فيكون
لازما للموكل فالموكل يدعى عقدا سوي الذي ظهر بتصادقهما فلا يقبل قوله ذلك الا بحجة
وكذلك هذا في الوكالة بشراء دار بعينها أو عبد بعينه لان في المعين الوكيل يملك الشراء
للموكل ولا يملك الشراء لنفسه إذا كان بمثل قيمته فمطلق شرائه محمول على ما يملكه دون
ما لا يملكه فلهذا كأن لازما للموكل قال ولو وكله بخاتم ذهب فصه ياقوتة يبيعه فباعه بفضة أو
ذهب أكثر مما فيه أو بخاتم من ذهب أكثر وزنا منه وليس فيه فص فهو جائز كما لو باعه
الموكل بنفسه وهذا لان المثل من الذهب يصير بإزاء المثل والباقي بإزاء الفص وان تفرقا قبل
قبض أحدهما فسد البيع لأن العقد في حصة الذهب صرف وان باعه بخاتم ذهب أكثر مما
فيه من الذهب أو أقل وفيه فص وتقابضا جاز كما لو باعه الموكل بنفسه وهذا لان الجنس
يصرف إلى خلاف الجنس أحيانا لا لتصحيح العقد وعلى هذا قول أبي حنيفة رحمه الله ظاهر
لان عنده الوكيل بالبيع يملك البيع بالغبن اليسير والفاحش وعندهما إنما لا يملك البيع بالغبن
الفاحش لأنه خلاف المعتاد ولما فيه من الضرر على الموكل وهذا غير موجود هنا وان صرفنا
66

الجنس لتصحيح العقد وإذا وكله بدراهم صرفها له وصرفها الوكيل عند أبيه أو عند ابنه
أو عبده أو مكاتبه كان باطلا في قول أبي حنيفة رحمه الله وهو جائز عندهما الا في عبده أو
مكاتبه وقد بينا هذا ثم زاد فقال فان باعه بالقيمة دنانير جاز ذلك كله ما خلا عبده إذا لم يكن
عليه دين وهذا إشارة إلى أن الخلاف في البيع بالغبن اليسير دون البيع بمثل القيمة وقد بينا
اختلاف المشايخ رحمهم الله فيما سبق قال ولو دفع إليه عبدا فقال بعه بألف درهم وزن سبعة
فباعه بألفي درهم وزن خمسة فهذا جائز لأنه باعه بأكثر مما سمى له من جنسه فان ألف درهم
وزن سبعة تكون سبعمائة مثقال وألفي درهم وزن خمسة يكونان ألف مثقال فلم يكن هذا
مخالفا لما سمى له الآمر قال وان دفع إليه عشرة دراهم يسلمها في ثوب ولم يسم جنسه لم يجز
لان اسم الثوب يتناول أجناسا مختلفة فلم يصر مقصود الموكل بتسمية الثمن معلوما فان أسلمها
الوكيل في ثوب موصوف فالسلم للوكيل لان الوكالة لما بطلت تعذر تنفيذ العقد على الموكل
فنفذ على الوكيل ثم للموكل أن يضمن دراهمه أيهما شاء لأنه قضى دين نفسه بدراهم الموكل
فكان هو ضامنا بالدفع والمسلم إليه بالقبض فان ضمنها الوكيل فقد ملكها بالضمان وتبين انه نقد
دراهمه بعينها فكان السلم له وان ضمنها المسلم إليه بعد ما افترقا بطل السلم لاستحقاق رأس
المال من يد المسلم إليه فان ذلك يقتضى القبض من الأصل وان سمى ثوبا يهوديا جاز التوكيل
لبيان الجنس والسلم نوع شراء فالتوكيل بشرائه سلما معتبر بتوكيله بشرائه والله أعلم بالصواب
(باب الوكالة في الدين)
(قال رحمه الله) رجل وكل رجلا بتقاضي دينه وبقبضه لم يكن للوكيل ان يوكل غيره
بذلك لان الناس يتفاوتون في التقاضي فقد يمل الغريم من تقاضى بعض الناس والموكل إنما
رضى بتقاضيه بنفسه لا بتوكيله والقبض باعتبار الائتمان والناس يتفاوتون فيه فلا يكون رضا
الموكل بقبض الوكيل رضا منه بقبض غيره فان قبضها الوكيل الثاني لم يبرأ المطلوب لأنه في
حق الطالب كأجنبي آخر فلا يبرأ المطلوب بقبضه الا ان يصل المال إلى الوكيل الأول لان
يد الوكيل كيد الموكل فوصوله إلى يده كوصوله إلى يد الموكل ولان وصوله إلى يده من جهة
وكيله كوصوله إلى يده أن لو قبض بنفسه وكذلك أن كان الآخر مما في عيال الأول فحينئذ
يكون قبضه مبرئا للمطلوب لان يد من في عيال الوكيل كيد الوكيل (ألا ترى) انه ان قبضه
67

بنفسه ثم دفعه إلى من في عياله لم يصر ضامنا وهذا لان الوكيل أمين في المقبوض والأمين يحفظ
الأمانة تارة بيده وتارة بيد من في عياله قال وان وكله بتقاضي كل دين له ثم حدث له بعد ذلك
دين فهو وكيل في قبضه استحسانا وفى القياس لا يكون وكيلا في قبضه لأنه سمى في الوكالة
كل دين له والدين اسم لما هو واجب فإنما يتناول ما كان واجبا عند الموكل دون ما يحدث
ولكنه استحسن للعادة فان الناس بهذا التوكيل لا يقصدون تخصيص الواجب على ما يحدث
وجوبه (ألا ترى) أنه يوكل الغير بقبض غلاته ومراده في ذلك ما هو واجب وما يحدث
وجوبه بعد ذلك وهذا لان مقصوده في هذا التوكيل صيانة هذا النوع من ماله بقبض الوكيل
فإنه لا يتفرغ لذلك بنفسه لكثرة اشتغاله وفى هذا المعنى لا فرق بين ما هو واجب وبين ما
يحدث وجوبه فإنه جحد الغريم الدين فقد بينا أن عن أبي حنيفة رحمه الله الوكيل بالتقاضي
والقبض وكيل بالخصومة فيثبت الدين بالبينة وعندهما لا يكون وكيلا بالخصومة فيتوقف
الامر حتى يحضر الطالب قال ولو وكل رجلين بالقبض فقبض أحدهما لم يبرأ الغريم حتى
يصل ذلك إلى الآخر ويقع في أيديهما جميعا لأنه رضى بأمانتهما جميعا فلا يكون راضيا بأمانة
أحدهما ولكن إذا وقع في أيديهما تم مقصود الموكل الآن فكأنهما باشرا العقد بالقبض من
الغريم وإذا قال لغيره وكلتك بديني فهو وكيل بقبضه استحسانا وفى القياس لا يكون وكيلا
لجهالة ما وكله به من استبدال أو صلح أو قبض أو ابراء وهذه جهالة غير مستدركة ولكنه
استحسن للعادة فالمراد بهذا اللفظ في العادة التوكيل بالقبض ومعنى كلامه وكلتك بديني لتعينه
وتعينه بالقبض يكون ولان القبض متيقن به إذ ليس فيه تغيير شئ من حق الموكل وهو
موجب الدين باعتبار الأصل فينصرف التوكيل إليه وهذا نظير الاستحسان الذي قال فيما إذا
وكله بماله يكون وكيلا بالحفظ لأنه هو المتيقن به قال وإذا وكله بقبضه فأبى أن يقبل الوكالة
ثم ذهب فقبض لم يكن وكيلا ولم يبرأ الغريم من الدين لان الوكالة قد ارتدت برده فكان هو
في القبض كأجنبي آخر فلهذا لا يبرأ الغريم ويرجع الطالب بماله على الغريم ثم إن كان المقبوض
قائما في يد الوكيل استرده الغريم منه لأنه عين ماله سلمه إليه ليستفيد منه البراءة من الدين
وهو لم يستفد وان هلك المال في يد الوكيل رجع عليه الغريم فضمنه إن كان كذبه في الوكالة
لأنه قبض منه المال بشرط أن يستفيد البراءة عما في ذمته أو يملك ما في ذمته فإذا لم يستفد
هذا لم يكن راضيا بقبضه بل هو في حقه كالغاصب وكان له أن يضمنه وكذلك إن لم يصدقه
68

ولم يكذبه أو صدقه وضمنه لأنه إذا كان ساكتا فإنما دفع المال بزعمه وزعمه أن يستفيد الغريم
البراءة بما يدفعه إليه فيفيد رضاه به وان صدقه وضمنه فقد قال أنت وكيلي لا آمن أن يجحد
الطالب إذا تصرف ضمن له ما يقبضه الطالب منى وهذا ضمان صحيح لأنه مضاف إلى سبب
الوجوب لان الطالب في حقهما غاصب فيما يقبضه ثانيا فكأنه قال أنا ضامن لك ما يغصبه فلان
منك وهذا إضافة إلى سبب الوجوب فكان صحيحا فان صدقه في الوكالة ولم يضمنه لم يرجع به
عليه لأنهما تصادقا على أنه في المقبوض أمين وان الطالب في قبضه من الغريم ثانيا غاصب
ظالم ومن ظلم ليس له أن يظلم غيره قال ولو قبل الوكالة ثم أخرجه الموكل من الوكالة ولم يعلمه
ذلك فهو على وكالته لما بينا أن العزل حجر عليه في القبض فلا يثبت حكمه في حقه ما لم يعلم
به وان أخبره بذلك حر أو كافر أو مسلم صغيرا أو كبيرا برسالة من الآمر لم يكن له أن
يقبض شيئا ولم يبرأ الغريم منه ان أعطاه لأنه كعبارة المرسل وارسال الصبي والعبد في مثل
هذا معتاد بين الناس فان كل واحد لا يجد عدلا ليرسله في حوائجه قال وإن كان رب
الدين وكله بمحضر من المطلوب يبرأ بالدفع حتى يأتيه الخبر انه قد أخرجه من الوكالة لان
توكيله إياه بمحضر من المطلوب أمر للمطلوب بالدفع إليه ثم الاخراج نهى له عن ذلك فبعد
ما علم بالأمر لا يثبت حكم النهى في حقه ما لم يعلم به قال وإذا ارتد الوكيل ولحق بدار الحرب
أو ذهب عقله ثم أسلم أو رجع إليه عقله فهو على وكالته أما عند ذهاب عقله فلانه لم يوجد
ما ينافي الوكالة ولكنه في حال الجنون عاجز عن القبض وأداء الأمانة في المقبوض فإذا زال
ذلك صار كأن لم يكن فهو على وكالته أما في الردة فإن لم يكن القاضي قضى بالحاقه فهو بمنزلة
الغيبة وإن كان القاضي قضى بلحاقه فهذا الجواب قول محمد رحمه الله وقد بينا الخلاف فيما
سبق قال والوكيل بقبض الدين إذا وهبه الغريم أو أبرأه منه أو أخره أو أخذ به رهنا
لم يجز لان هذا تصرف غير ما أمر به (ألا تري) أن الموكل غير مجبر على شئ من هذا
وهو مجبر على القبض إذا أتاه المطلوب بالمال وهذا قول هو الأصل في هذا الجنس أن
الوكيل بالقبض إنما يملك القبض على وجه لا يكون للموكل أن يمتنع منه إذا عرضه عليه
المطلوب فليس للوكيل بالقبض ذلك كالشراء بالدين والاستبدال وان قال الوكيل قد برأ إلى
منه أو قامت عليه بينة بهذا القول برئ الغريم لان هذا اللفظ اقرار بالقبض والوكيل
بالقبض يصح اقراره في براءة الغريم قال وان أخذ منه كفيلا بالمال جاز وله أن يأخذ به
69

أيهما شاء لان الكفالة بالمال توثق به وأمره إياه بالقبض لتحقيق معنى الصيانة وذلك يزاد
بالتوثق به ولا ضرر فيه على الموكل إلا أن يكون أخذ كفيلا على أن أبرأه فحينئذ لا تجوز
البراءة عليه لما فيه من الضرر على الآمر وهذا بخلاف الرهن لأنه وإن كان توثقا لجانب
الاستيفاء لكن فيه نوع ضرر على الآمر على معنى أنه لا يتصرف في المرهون فبهلاكه
يصير مستوفيا ويسقط حقه فلهذا لم يصح في حق الآمر قال وإذا وكله في كل قليل وكثير
هو له فهو وكيل بالحفظ وليس بوكيل في تقاض ولا شراء ولا بيع الا في قول ابن أبي
ليلى رحمه الله فإنه يقول ظاهر لفظه يتضمن ذلك كله فإنه من القليل والكثير الذي له أن
يباشره بولايته في ماله ولكنا نقول قد عرفنا يقينا انه لم يرد بهذا اللفظ جميع ماله أن يفعله
وإنما يثبت بهذا اللفظ القدر المتيقن والمتيقن به هو الحفظ فلا يملك الا ذلك بمنزلة قوله
وكلتك بمالي قال وإذا وكله بتقاضي دينه بالشام فليس له أن يتقاضى دينه بالعراق لان الوكالة
تتقيد بتقييد الموكل وتقييده بموضع كتقييده بشخص بأن يوكله بتقاضي دينه على فلان فكما
أن هناك الوكالة لا تعدو إلى غيره فكذلك هنا وهذا لأنه إنما يستعين بغيره فيما يعجز عن
مباشرته بنفسه وقد يعجز عن مباشرة القبض لديونه في موضع دون موضع قال وإذا وكل
ذمي مسلما بتقاضي خمر له على ذمي كرهت للمسلم أن يقبض ذلك لان المسلم مأمور بالاجتناب
عن الخمر ممنوع من الاقتراب منها وفى القبض اقتراب منها ولان التوكيل بقبض الدين
من وجه توكيل بتمليك الدين لان الديون تقضي بأمثالها فالوكيل يملك المطلوب ما في ذمته بما
يقبضه وتوكيل الذمي المسلم بتملك الخمر لا يجوز إلا أن هنا يجوز ان قبض في حق براءة الغريم
لأنه من وجه تعيين لما كان مملوكا للطالب دينا فكان كالوكيل بقبض العين ومن وجه يتضمن
التمليك ولكن لا يتوقف هذا على فعل الوكيل (ألا ترى) أن المطلوب إذا أتى بالدين فوضعه
بين يدي الطالب أو وكيله برئ فلما كان اتيانه لا يستدعى فعلا من الوكيل قلنا يجوز ولمكان
أن فيه تمليك الخمر من وجه قلنا يكره توكيل المسلم به قال وإذا قال الرجل للرجل اقض عنى
فلانا من مالك ألف درهم ثم أقضيكها فقال المأمور قد دفعتها إلى فلان وصدقه الامر فان
الطالب يأخذ الآمر بماله لان دعوى المأمور للقضاء كدعوى الآمر بماله بنفسه وهو غير
مصدق فيما يدعى من قضاء الدين الا بحجة فكذا المأمور لا يصدق ولكن إذا حلف
الطالب أخذ ماله من الغريم ولا شئ للمأمور على الآمر لأنه أمره بدفع يكون مبرئا له عن
70

حق الطالب ولم يوجد ذلك حين لم يستفد البراءة ولأنه وكله بان يملكه ما في ذمته ببدل
يعطيه من مال نفسه ولم يكن ذلك حين رجع على الطالب بدينه فهو نظير ما لو وكله بان
يملكه عينا في يده بغيره بشرائه له وهناك لو قال اشتريته ونقدت الثمن من مالي وجحد
ذلك صاحب العين وأخذه متاعه لم يكن للمأمور أن يرجع على الآمر بشئ فكذلك هنا قال
وإذا وكل الوصي وكيلا بدفع دين على الميت أو وصية إلى صاحبها فهو جائز لأنه يملك
مباشرة الدفع بنفسه فيستعين فيه بغيره أيضا ولو وكل وكيلا وسماه في هذا الكتاب فدفع بغير
بينة ولم يكتب براءة فلا ضمان عليه لأنه أمين في المال المدفوع والقول قول الأمين في براءة
ذمته مع اليمين إلا أن يكون مما لا يدفع الا بشهود فحينئذ يضمن إذا دفع بغير شهود لأنه
نهاه عن الدفع واستثنى دفعا بصفة وهو أن يكون بشهود فإذا دفع بغير شهود فهذا الدفع
لم يكن مأمورا به فصار غاصبا ضامنا وان قال الوكيل قد أشهدت وجحد الطالب أن يكون
قبض ولم يكن للوكيل شهود الا قوله أشهدت كان الوكيل بريئا من الضمان بعد أن يحلف
على ذلك لأنه أخبر بأداء الأمانة فالقول قوله مع يمينه (ألا ترى) أن فيما تقدم جعل اخباره
بأصل الدفع مقبولا براءته لأنه مسلط على ذلك فكذلك خبره بالدفع بالصفة التي أمر بها
يكون مقبولا لكنه محتمل فقد يشهد على الدفع ثم يغيب الشهود أو يموتون فلا يقدر علي
احضارهم وعلى هذا لو قال لا تدفع الا بمحضر من فلان فدفع بغير محضر منه كان ضامنا لما
قلنا قال ولو وكله بدفع مال لفلان عليه له فارتد الوكيل ثم دفعه إليه جاز لان المدفوع مال
الموكل والدفع تصرف من الوكيل من متاع نفسه لا في ماله ولا حق لورثته في ذلك فكان
دفعه بعد الردة كدفعه قبلها فان ارتد الموكل قبل ردته أو لحق بدار الحرب فقال الوكيل دفعت
المال قبل أن يرتد فالقول قوله لأنه أخبر بما كان مسلطا عليه وكان خبره مقبولا في براءته عن
الضمان وان دفع الموكل المال إلى صاحبه ثم دفع الوكيل المال الذي أمر بدفعه إليه وهو لا يعلم
بدفع الموكل فلا ضمان عليه قال وهذا مثل اخراجه من الوكالة وقد بينا أن اخراجه من الوكالة
لا يصح في حقه ما لم يعلم به دفعا للضرر عنه فهذا مثله فان قيل هذا اخراج حكما لان الدين
لا يبقى بعد قضاء الموكل فيكون قضاؤه تفويتا للمحل وذلك عزل حكمي فلا يتوقف على العلم قلنا
لا كذلك فان دفع الموكل بنفسه ليس موجب العزل حكما ولكن يتضمن منع الوكيل عن
الدفع لأنه لا يحصل المقصود بدفعه بعد ذلك (ألا ترى) أن الطالب لو وجد المقبوض زيوفا
71

فرده على المطلوب كان الوكيل على وكالته فتبين أن هذا بمنزلة عزله قصدا لا حكما فيتوقف على
علمه به وكذلك ولو وهب الطالب المال للمطلوب أو أبرأه منه فهذا بمنزلة العزل قصدا فلا
يثبت في حق الوكيل إذا لم يعلم به ولا يصير ضامنا للمال بدفعه بل يرجع المطلوب بالمال على
الطالب ان بين هو لكونه مالكا وانشاء الوكيل لكونه دافعا وقد تبين انه لم يكن للقابض
حق القبض منه ولو دفعه إليه الوكيل وهو يعلم بذلك فهو ضامن له لأنه انعزل عن الدفع حين
علم بسقوط الدين عن المطلوب فإذا دفعه كان ضامنا ويرجع به على الذي قبضه منه لأنه ملك
المقبوض بالضمان وقد قبضه منه بغير حق وكان له ان يرجع به عليه وقد فرق أبو حنيفة رحمه
الله بين هذا وبين الوكيل بأداء الزكاة وهذا فرق قد بيناه على أصل الكل في كتاب الزكاة
فلو لم يكن شئ من ذلك ولكن الطالب ارتد ثم دفع الوكيل إليه بالمال فان قتل على ردته أو
لحق بدار الحرب فدفع الوكيل إليه باطل في قول أبي حنيفة رحمه الله لأنه تصرف منه في
كسب اسلامه وقد تعلق به حق ورثته فكان تصرفه فيه موقوفا عند أبي حنيفة رحمه الله
ولكن الوكيل لا يصير ضامنا الا ان يعلم أن قبضه لا يجوز بعد ردته فإذا علم ذلك فحينئذ
يضمن لان دفع الضرر عن الوكيل واجب وإذا علم اندفع الضرر عنه ودفع المال على وجه
لم يحصل مقصود الآمر فصار ضامنا وإذا لم يعلم فهو محتاج إلى دفع الضرر عنه وقد امتثل
أمره في الدفع ظاهرا فلا يصير ضامنا كما بينا * وهذه المسائل المعدودة التي يضر العلم فبها وهي
خمس جمعناها في غير هذا الموضع قال وإذا ضمن الوكيل لعلمه رجع في مال المرتد الذي
اكتسبه في الردة لأنه قبضه منه بغير حق حين لم يحصل للمطلوب البراءة بهذا القبض فكان
دينا عليه في كسب ردته ولا يجوز أن يكون الواحد وكيلا للمطلوب في قضائه ووكيلا للطالب
في الاقتضاء كما لا يجوز أن يكون المطلوب وكيلا للطالب في قبض الدين من نفسه وهذا
لان في القبض معنى المبادلة من وجه فلا يتولاه الواحد من الجانبين كالبيع والشراء قال
والتوكيل بالتقاضي والقبض جائز إن كان الموكل حاضرا أو غائبا صحيحا أو مريضا لأنه
تفويض إلى غيره ما هو من خالص حقه ولا ضرر في علي الغير فان القبض معلوم بجنس حقه
لا يتفاوت فيه الناس وعلى المطلوب أن يقضى الدين ولا يخرج الوكيل ولا الطالب إلى التقاضي
مع أن للتقاضي حقا معلوما إذا جاوزه منع منه بخلاف الوكيل بالخصومة عند أبي حنيفة رحمه
الله فان مات المطلوب فالوكيل على وكالته في تقاضى ذلك من مال الميت فان الدين لم يسقط
72

بموت المطلوب بل قضاؤه من تركته مستحق وابتداء التوكيل بالتقاضي بعد موته صحيح
فبقاؤه أولى ولو كان الموكل هو الميت بطلت الوكالة لان المال صار ميراثا لورثته ولم يوجد
التوكيل منهم بقبضه فان قال قد كنت قبضته في حياة الموكل ودفعته إليه لم يصدق في ذلك
لأنه أخبر بما لا يملك انشاءه فكان متهما في الاخبار وقد انعزل بموت الموكل والدين قائم
ظاهرا فلا يقبل قوله في ابطال ملك قائم للوارث وإن لم يمت الطالب ولكنه احتال بالمال على
آخر وأبرأ المطلوب منه لم يكن للوكيل ان يقبضه من المحتال عليه ولا من الأول لأنه لم يبق
في ذمة الأول شئ والتوكيل كان مقيدا بالتقاضي والقبض منه فلا يملك به القبض من غيره
وهو المحتال على فان نوى ما على المحتال عليه ورجع على الأول فالوكيل على وكالته لان الحوالة
لم تبطل الوكالة ولكن تعذر على الوكيل مطالبة المحيل كما كان فبقي الوكيل على وكالته وكذلك
لو اشترى الموكل بالمال عبدا من المطلوب فاستحق العبد من يده أو رده بسبب هو فسخ من
الأصل فقد عاد دينه كما كان فبقيت الوكالة وكذلك لو كان قبض الدراهم فوجدها زيوفا لان
بالرد بعيب الزيافة انتقض القبض من الأصل فبقي الوكيل على وكالته ولو أخذ الطالب منه
كفيلا لم يكن للوكيل ان يتقاضى من الكفيل لان التوكيل مقيد بالتقاضي من الأصيل فلا
يملك به التقاضي من غيره فلو قال الطالب لرجل إذا حل مالي على فلان فتقاض أو قال إذا قدم
فتقاضاه أو اقبض ما عليه كان جائزا لان التوكيل اطلاق وهو يحتمل التعليق بالشرط والإضافة
إلى وقت وكذلك لو قال إذا أديته شيئا فأنت وكيلي في قبض ما عليه فقد أضاف التوكيل بالقبض
إلى حال وجوب الدين كالمستثنى للوكيل في ذلك الوقت ولو قال أنت وكيلي في قبض كل
دين لي وليس له دين يومئذ ثم حدث له دين كان وكيلا في قبضه أما على طريقة الاستحسان
فغير مشكل لما بينا وعلى طريقة القياس فكذلك لان الدين اسم للواجب في الحال حقيقة ولما
استجيب مجاز ولم تكن الحقيقة مرادة هنا فتعين المجاز وفيما تقدم كانت الحقيقة مرادة فانتفى
المجاز ولو قال اذهب فتقاض ديني على فلان فله أن يقبضه لان المقصود من التقاضي القبض
والمأمور بالشئ يكون مأمورا بتحصيل المقصود به ولا يكون وكيلا في الخصومة لان قوله
اذهب فتقاض ديني بمنزلة قوله اذهب واقبضه وهذا اللفظ بمنزلة الرسالة بالقبض فلا يصير
به وكيلا بالخصومة الا ان يصرح بلفظة التوكيل قال ولو كتب في ذكر الحق ومن قام بهذا
الذكر فهو ولى ما فيه أو وكيل بقبضه لم تكن هذه الوكالة شيئا لأنه توكيل لمجهول
73

بالقبض وهو باطل قال ولو كتب فيه أن فلانا وكلني وكيلا في قبض هذا الحق كان جائزا
لأنه توكيل المعلوم وذلك صحيح يتم للموكل في حقه ولا يتوقف على حضرة الوكيل قال ولو
وكله بقبض دينه على رجل فقبضه كان بمنزلة الوديعة عند الوكيل لأنه في القبض عامل للموكل
فكان الموكل قبضه بنفسه ثم دفعه إليه ليحفظه فان وجده الوكيل زيوفا أو ستوقا فرده فإنه
ينبغي في القياس ان يضمن ولكن استحسن أن لا أضمنه فقد جمع في السؤال بين الفصلين
والمراد بالجواب أحدهما وهو الزيوف فاما في الستوق فلا يضمن بالرد قياسا واستحسانا لأنه
وكيل بقبض دينه والستوق ليست من جنس دينه فلا يصير به قابضا دينه حتى لو تجوز به
في الصرف والسلم لا يجوز فرد المقبوض لأنه باق على ملك من قبضه منه وهو على وكالته
في قبض دينه وجه القياس في الزيوف انه من جنس دينه فصار به قابضا ويجعل في الحكم كان
الموكل قبضه بنفسه ثم دفعه إليه ليحفظه فإذا رده على غيره صار ضامنا وهذا لان الوكالة
انتهت بالقبض فهو في الرد كأجنبي آخر ووجه الاستحسان أنه مأمور بقبض أصل حقه بصفته
وقد تبين انه لم يقبض الصفة ولا يتوصل إلى قبض الصفة الا برد الزيوف فصار مأمورا به
من جهة الموكل دلالة * توضيحه ان قبض الدين فيه معنى التمليك من وجه والزيافة عيب في
الدراهم والوكيل بالتمليك بعوض يملك الرد بالعيب كالوكيل بالبيع والشراء قال وان وكله
بتقاضي حنطة له على رجل فقبضها ووجد بها عيبا فردها فهو جائز لأنه تبين انه مما قبض
حقه فيرد المقبوض ليقبض الحق بصفته وفيه منفعة للآمر لأنه لو هلك المقبوض قبل الرد
بطل حقه من الصفة فكان في الرد احياء حقه وإن لم يكن بها عيب فاستأجر لها من يحملها
لم يجب الاجر على الآمر لأنه متبرع بالحمل فأداء الكراء عليه فان الآمر لم يأمره بذلك
قال إلا أن يكون في المصر فاستحسن أن أجعله عليه وفى القياس هو متبرع هنا كما في الأول
وفى الاستحسان قال الظاهر هنا انه يأمره بالقبض في المصر ليحمله إلى منزله لأنه ان أراد
الأكل جملة إلى منزله وان أراد البيع فكذلك لان قيمة الحنطة في المصر لا تختلف بالسوق
وغيره فاما خارج المصر فإن كان مراده البيع فربما يبيعه هناك ولا يحمله إلى المصر إذا كان
أنفع له من التزام الكراء فلا يكون أمره بالقبض أمر بالحمل إلى منزله ولان المؤنة في الحمل
إلى المصر تقل فلا يكون على الآمر فيه كثير ضرر لو عدينا حكم الآمر إلى الحمل فاما خارج
المصر فالمؤنة تكثر فربما يتضرر به الآمر فلهذا لا يتعدى حكم الوكالة إلى الحمل وعلى هذا لو
74

وكله بقبض رقيق أو غنم فقبضها وأنفق عليها في رعيها أو في كسوة الرقيق وطعامهم فهو متطوع
في ذلك لان الامر بالقبض لا يتعدى إلى هذه الأشياء فهو متبرع فيها كسائر الأشياء قال
ولو وكله بقبض دين له على أبي الوكيل أو ولده أو مكاتبه أو عبده فقال الوكيل قد قبضته
وهلك في يدي وكذبه الآمر فالقول قول الوكيل لان الوكالة لما صحت بالقبض من هؤلاء
صار هو مسلطا من جهة الآمر على الاقرار بالقبض لان من ملك مباشرة الشئ يملك الاقرار
به وتأويله في حق العبد إذا كان مديونا أما إذا لم يمكن مديونا فتوكيله بالقبض يصح كتوكيله
بالقبض من نفسه ولا يصح اقراره بالقبض لان وجوب الدين فيما هو ملك المولى وفى بعض
النسخ قال أو مكاتب ولده أو عبده يعنى عبد الولد وهذا الجواب واضح وإن كان الوكيل
عبدا فقال قد قبضت من مولاي أو من عبد مولاي وهلك منى فهو مصدق أيضا لأنه صح
التوكيل وملك ابراء الغريم بمباشرة القبض منه فكذلك باقراره بالقبض منه قال وإن كان
الوكيل أبا الطالب أو المطلوب فكذلك لأنه لا تهمة في اقرار الوكيل بالقبض منه وقد صح
توكيله إياه بالقبض ولو وكل غيره أن يلزم رجلا بمال له عليه لم يكن وكيلا بالقبض بخلاف
الوكيل بالتقاضي فان هناك التوكيل مضاف إلى المطلوب دون الدين لأنه يقول وكلتك بان
تلازم فلانا فلا يتعدى ذلك إلى قبض الدين ولهذا يختار للملازمة أسفه الناس ومن يتأذى
المطلوب بملازمته ومصاحبته ويختار للقبض الامناء فلهذا لا يتعدى التوكيل بالملازمة إلى
القبض قال ولو وكل المسلم مرتدا بقبض دينه فقبضه أو أقر بقبضه وهلاكه منه ثم قتل على ردته
جاز قبضه لان قبول الوكالة صحيح فإنه يتصرف به في منافعه لا فيما يتعلق به حق ورثته وكذلك
إن كان الوكيل حربيا فقبضه ثم لحق بدار الحرب لأنه قبض بحكم وكالة صحيحة فبرئ الغريم
وصار كان الموكل قبضه بنفسه ثم دفعه إليه ليحفظه قال ولو وكل رجل رجلا بقبض دينه
من فلان وأمره أن لا يقبضه الا جميعا فقبضه كله الا درهما لم يجز قبضه على الآمر لأنه قيد
الامر بوصف مرغوب فيه فان التجار يرغبون في قبض الحق جملة واحدة ويمتنعون من القبض
متفرقا فإذا لم يقبض الكل جملة لم يكن هذا القبض هو المأمور به فلا يستفيد الغريم به البراءة
وللطالب أن يرجع عليه بجميع حقه وكذلك لو قال له لا تقبض درهما دون درهم فان معنى
هذا لا تقبضه متفرقا فإذا قبض شيئا دون شئ لم يبرأ الغريم من شئ قال وإذا ادعى الرجل
أن فلانا وكله بقبض دين له على هذا فلم يقر الغريم به ودفع المال إليه على الانكار ثم أراد أن
75

يسترده منه لم يكن له ذلك لأنه دفع إليه على وجه القضاء فما لم يتبين الامر بخلافه لا يكون
له حق الاسترداد فان قاضي الدين ينقطع حقه عن المقضى به من كل وجه (ألا ترى) انه
لو قضي الطالب دينا على دعواه لم يسترده ما لم يتبين انه لا دين له عليه فكذلك إذا قضاه
الوكيل بدعواه الوكالة وان أقر بالوكالة ثم أراد أن لا يدفع المال إليه فان القاضي يقضي عليه
بالمال للوكيل على ما بينا ان المديون يقضى الدين بملك نفسه وهو إنما أقر بثبوت حق القبض له
في ملكه وذلك جحد عليه إلا على قول ابن أبي ليلي رحمه الله فإنه يقول لا يجبره القاضي على
الدفع إليه ولكن يقول له أنت أعلم إن شئت فاعطه وإن شئت فاتركه لأنه لم يثبت كونه نائبا
عن الطالب في حق القاضي وولاية الاجبار بعد ثبوت كونه ثابتا عنده ولكنا نقول قد ثبت
ذلك بجبر الوكيل وتصديق المطلوب إذ ليس هنا مكذب لهما وكل خبر عند القاضي محمول
على الصدق ما لم يأت له معارض ولكن إذا حضر الطالب وأنكر الوكالة رجع على الغريم بماله
لان الوكالة لا تثبت في حق الطالب لانكاره ولم يحكم ببراءة الغريم في حق الطالب أيضا لان
حجة الاجبار قاصرة على المطلوب والوكيل وثبوت الحكم بحسب الحجة قال وان أنكر
المطلوب الوكالة فقال الوكيل استحلفه انه ما وكلني ليستحلفه على ذلك فان حلف برئ وان
نكل عن اليمين قضيت عليه بالمال للوكيل لان نكوله كاقراره ولم يصدق على الطالب حتى
إذا أنكر الطالب ونكل عن اليمين وحلف ذلك كان له أن يأخذ ماله من الغريم وذكر الخصاف
رحمه الله هذا الفصل في كتابه وقال لا يحلف المطلوب على الوكالة في قول أبي حنيفة رحمه الله
وفى قولهما يحلف على العلم وجه قولهما ظاهر وذلك لأنه ادعى عليه ما لو أقر به لزمه فإذا أنكر
حلفه ولكنه استحلاف على فعل الغير فيكون على العلم وأبو حنيفة رحمه الله يقول الاستحلاف
يبنى على صحة الدعوى وما لم يثبت كونه نائيا عن الآمر لا تصح دعواه على المطلوب فلا يكون
له ان يحلفه وهذا نظير الاختلاف فيما إذا ادعى المشترى عيب الإباق في العبد للحال وجحده
البائع ان عندهما يحلف البائع على العلم وعند أبي حنيفة رحمه الله لان الخصومة في العيب لا تكون
إلا بعد ثبوته في الحال وبدون سبب الخصومة لا يستحلف وان أقر المطلوب بالوكالة وأنكر
الدين فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله يستحلف المطلوب وعندهما لا يستحلف لان الوكيل
بقبض الدين عنده يملك الخصومة وقد تثبت الوكالة في حقه باقراره قال وإذا دفع لرجل ألف درهم
وقال ادفعها إلى فلان قضاء عنى فدفع الوكيل غيرها واحتبسها عنده كان القياس ان
76

يدفع الألف التي احتبست عنده إلى الموكل ويكون متطوعا فيما أمره لان أمره بالدفع كان
مقيدا بالمال المدفوع ففي دفع مال الآمر هو كأجنبي آخر فيكون متبرعا في القضاء بمال
نفسه لدين الغير ويرد على المطلوب ماله لأنه ملكه دفعه إليه لمقصوده وقد استغنى عنه وجه
الاستحسان أن مقصود الآمر أن يحصل البراءة لنفسه ولا فرق في هذا المقصود بين الألف
المدفوعة إلى الوكيل وبين مثلها من مال الوكيل والتقييد إذا لم يكن مقيدا لا يعتبر ثم الوكيل
قد يبتلى بهذا بأن يجد الطالب في موضع وليس معه مال المطلوب فيحتاج إلى أن يدفع
مثله من مال نفسه ليرجع به في المدفوع إليه وقد بينا أن هذا توكيل بالمبادلة من وجه وهذا
القدر يصح من الوكيل بالمبادلة ولا يكون هو متبرعا فيما يدفع على ما سبق بيانه. قال وإذا دفع
رجل إلى رجلين ألف درهم يدفعانها إلى رجل فدفعها أحدهما فهو ضامن للنصف في القياس
لان كل واحد أمين في النصف مأمور بدفعه إلى الطالب فإذا دفع أحدهما الكل كان متعديا
في نصيب صاحبه فيكون ضامنا ولكنه استحسن فقال لا ضمان عليه لان دفع المال إلى الغير
لا يحتاج فيه إلى الرأي فينفرد كل واحد من الوكيلين ولان صاحب الحق إذا ظفر به كان له
أن يأخذه من غير دفع أحدهما والذي دفع كأنه يعينه على حقه وصاحب الحق هو القابض
في الحقيقة وهو قبض في الحقيقة لحق فلا يوجب الضمان على أحد فان قال خذ أنت يا فلان هذا
الألف فاقضها فلانا أو أنت يا فلان فادفعها إلى فلان فأيهما قضى جاز لأنه رضى بدفع كل
واحد منهما على الانفراد حين خيرهما ولو قال لرجل اقض عنى هذه الألف درهم فلانا أو
فلانا فأيهما قضى جاز لأنه رضى بدفعه إلى أيهما شاء والحاصل أن الوكالة حكمها إباحة التصرف
للوكيل وفى المباحات حرف أو يتناول كل واحد من المذكورين على سبيل التخيير بينهما
كقول الرجل لغيره كل هذا الطعام أو هذا والله أعلم بالصواب
(باب الوكالة في الرهن)
(قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى رجل متاعا فقال بعه أو ارهن به لي ففعل فهو
جائز في قول أبي حنيفة رحمه الله سواء كان الرهن مثل الثمن أو أقل بما لا يتغابن الناس
فيه لان الامر بالارتهان مطلق فيجرى على اطلاقه ما لم يقم دليل التقييد وعندهما لا يجوز
إلا أن يرتهن رهنا هو مثل الثمن أو أقل بما يتغابن الناس فيه بناء على أصلهما أن التقييد
77

يحصل بدلالة العرف ولو باعه ولم يرتهن به رهنا لم يجز البيع لان الآمر قيد التوكيل بما
فيه منفعة له وهو الارتهان بالثمن ليكون حقه مضمونا وليندفع عنه ضرر الثواء عند موت
المشترى مفلسا فإذا باعه ولم يرتهن به لم يحصل مقصوده الذي صرح به فلا ينفذ تصرفه فيه كما
لو قال بعه واشترط الخيار ثلاثة أيام فان قيل قوله وارتهن أمر مبتدأ معطوف على الأول
فلا يتقيد به الأمر الأول كما لو قال بع واشهد قلنا لا كذلك فان هذه الواو بمعنى الحال
أي بعه في حال ما ترتهن بالثمن مع أنا نقول قوله وارتهن يقتضى الامر بما يستبد به وذلك
برهن مشروط في البيع ليصير ذلك حقا له فكأنه قال بعه بشرط أن ترتهن بالثمن رهنا وما
قلنا في قوله واشترط الخيار بخلاف الاشهاد فان ذلك لا يكون شرطا لازما في البيع وان
ذكر فلا يتقيد به الامر بالبيع ولو قال بعه برهن ثقة فارتهن رهنا أقل منه بما يتغابن الناس
فيه جاز وإن كان أقل منه بما لا يتغابن الناس فيه لم يجز لأنه قيد الارتهان هنا بأن يكون
ثقة وهو عبارة عما يكون في ماليته وفاء بالدين فيتقيد به إلا أن قدر ما يتغابن الناس فيه لا
يمكن التحرز عنه فكان عفوا قال وان ارتهن رهنا ثقة وقبضه ثم رده على صاحبه جاز رده في
حق نفسه لأنه بمنزلة العاقد لنفسه والارتهان لاستيفاء الثمن وحق القبض إلى الوكيل حتى
لو أبرأ المشترى منه كان صحيحا فإذا رده عليه الراهن بسبب كان صحيحا أيضا ولكنه يصير
ضامنا له ولم يذكر خلاف أبى يوسف رحمه الله هنا قيل على قوله لا يصح رد الرهن بناء على
الأصل الذي ذكرنا وقيل لا يصح هنا لأنه ليس فيه ابطال شئ من الثمن وهو من صنع
التجار فيملكه قال وان وضعه على يدي عدل فهو جائز لان كون الرهن على يدي عدل
أو على يدي الوكيل سواء في حق الموكل وهو اختصاصه الرهن عند تعذر استيفاء دينه من
محل آخر ولم يقيد الامر بيد الوكيل فلا يتقيد به وليس للموكل قبض الرهن لان المشترى
ما رضى بقبضه إنما رضى بقبض العدل أو قبض الوكيل ورضاه معتبر في ملكه وكذلك
الجواب في القرض برهن في جميع ما ذكرنا قال وإذا دفع إلى رجل مائة درهم فقال له ائت بها
فلانا وقل له ان فلانا أقرضك هذه على أن تعطيه بها رهنا وأمرني أن اقبض الرهن منك
فآتيه به ففعل وقبض الرهن فهو جائز والرهن مقبوض وللآمر أن يقبضه من الوكيل لأنه
جعله رسولا حين أمره أن يضيف ما يقول إلى الآمر وقد بلغ الرسالة وليس على الرسول
الا تبليغ الرسالة فأما شئ من الحقوق لا يتعلق بالرسول فكان للآمر أن يقبض الرهن من
78

الوكيل وان يطالب المستقرض بدينه إلا أن الرهن يتم بقبض الرسول لأنه نائب عن
المرسل في قبضه لنائبه فتم الرهن بقبضه وإذا هلك في يده هلك من مال الآمر وان قال اقرض
أنت وخذ بها رهنا لم يكن للآمر أن يأخذ الرهن من الوكيل لأنه بمباشرة العقد كان وكيلا
لا رسولا فقد أضاف العقد إلى نفسه فتتعلق حقوقه به وإنما رضى المستقرض بكون الرهن
في يده دون غيره فلهذا لا يكون للآمر ان يأخذه بخلاف ما سبق وان هلك في يد الوكيل هلك
من مال نفس الآمر أيضا لأنه عامل له فيما صنع فقبضه كقبض الآمر قال وان دفع إليه
ثوبا يساوى عشرة دراهم ووكله ان يرهنه بعشرة ففعل وقبض العشرة فإن كان قال للذي
أعطاه المال ان فلانا أرسلني إليك بهذا الرهن لتقرضه عشرة دراهم وترتهن هذا الثوب منه
بدراهم فالدراهم للآمر والوكيل فيها أمين لأنه أخرج الكلام مخرج الرسالة حين أضافه إلى
الآمر فانعقد العقد للمرتهن مع الآمر حتى لا يكون للرسول ان يسترد هذا الثوب ولا
يكون هذا مطالبا بالعشرة وإن كان قال للمقرض أقرضني عشرة دراهم وارتهن هذا الثوب
منى فالعشرة للوكيل لأنه أضاف العقد إلى نفسه فلم يكن رسولا ولا يمكن ان يجعل وكيلا
لان التوكيل بالاستقراض لا يجوز فان المستقرض يلتزم بدل القرض في ذمته ولو قال بع
شيئا من مالك عل أن يكون ثمنه لي لا يصح فكذلك إذا قال التزم العشرة في ذمتك على
أن يكون عوضه لي وكان التوكيل بالاستقراض قياس التوكيل فكان باطلا والعشرة للوكيل
وله أن يمنعها من الآمر وان هلكت من ماله وليس هذا الخلاف منه للآمر وإن كان قال
استقرض لي ما بينا ان التوكيل لما لم يصلح فاستقراضه لنفسه ولغيره في الحكم سواء وهذا
تقييد غير مفيد فلا يكون معتبرا قال وإن كان قال له صاحب الثوب قل لفلان يقرضني
واعطه هذا الثوب برسالتي رهنا عنى فأضاف الوكيل العقد إلى نفسه كان مخالفا ضامنا للثوب
ولا يجوز رهنه لان صاحب الثوب جعله رسولا وكيلا هنا فيكون ذلك اذنا منه له في إضافة
العقد إلى نفسه قال ولو دفع إليه عبدا فقال له إئت فلانا وقل له ان فلانا يستقرضك ألف درهم
ويرهنك هذا العبد ففعل ذلك وأخذ الألف وأعطاها الامر ثم جاءه بالمال فأمر
الراهن فقضاه لم يكن له ان يقبض العبد إلا أن يوكله رب العبد بقبضه لأنه فيما صنع كان
رسولا وقد انتهت الرسالة بالتبليغ فيكون هو في استرداد العبد كأجنبي آخر فلا يملكه إلا
بأمر جديد وارساله بالمال على يده لا يتضمن الامر له بقبض العبد فان قبض العبد فعطب
79

عنده فهو ضامن كما لو قبضه أجنبي آخر قال فإن كان المرتهن هو الذي دفعه إليه فللمالك الخيار
يضمن أيهما شاء قيمته بالغة ما بلغت لان كل واحد منهما غاصب في حقه وان أخذه بغير أمره
فالمرتهن لا يصير ضامنا بهذا شيئا ولكن صاحبه بالخيار ان شاء ضمن القيمة القابض وان شاء
رجع على المرتهن بما قضاه وجعل الرهن تأديا فيسقط الدين به ويسترد منه ما قضاه وهذا
بمنزلة ما لو غصب المرهون من المرتهن غاصب فللراهن الخيار ان شاء ضمن الغاصب قيمته
وان شاء جعله تأديا فلا يرجع المرتهن عليه بشئ إذا كان في قيمته وفاء بالدين وان قضاه دينه
استرده منه فهذا مثله قال ولو وكله ان يرتهن ثوبا له بدراهم قرضا فذهب الوكيل فقال إن
فلانا يقول لك اقبض هذا الثوب رهنا واعطه كذا وكذا درهما فزاد على ما سمى له أو نقص
ففعل ذلك المقرض لم يكن الثوب رهنا في الوجهين لان الوكيل خالف أمره على وجه هو أضر
على الموكل لأنه ان نقص عما سمى له فمقصود الموكل لم يحصل ولم يرض هو أن يكون ثوبه
مضمونا بأقل مما سمى له وان زاد على ما سمى له فالموكل لم يرض بأن يكون ثوبه محبوسا
عنده بأكثر مما سمى فعرفنا انه مخالف في الوجهين قال فان جاء الوكيل إلى الموكل بدراهم
مثل ما سمى له فأعطاها إياه فهو دين له عليه لأنه لما خالف صار مستقرضا لنفسه وان أضاف
العقد إلى غيره ثم أعطاه الموكل على سبيل القرض فيكون ذلك دينا للوكيل على الموكل ولا
يكون الثوب رهنا بها وإنما يصير رهنا عند الوكيل والموكل لم يرض بذلك والوكيل في أصل
العقد كان مخالفا فلهذا لم يكن الثوب رهنا وللمرتهن ان يرجع علي الوكيل بما قبض منه
والوكيل ضامن له لما بينا أنه صار كالمستقرض لنفسه أو كالقابض لماله بغير حق فإن كان
المرتهن صدقه في الرسالة فالوكيل مؤتمن أن هلكت الدراهم في يده لم يضمن للمرتهن شيئا
لأنهما تصادقا على أنه غير مخالف بل هو مؤد للرسالة على وجهها أمين في المقبوض وان قال
دفعتها إلى رب الثوب فالقول قوله في براءة نفسه عن الضمان ولا يصدق في ايجاب الضمان
على رب الثوب لأنهما لا يصدقان في حق رب الثوب بزعم أن الرسول خالف ما أمره به
وإن لم يدفع إليه شيئا فلهذا لا ضمان عليه وان قال الوكيل إنما أمرتني ان أرهنه بخمسة عشر
وقال رب الثوب أمرتك بعشرة أو بعشرين ففي الوجهين القول قول رب الثوب لأنه لو
أنكر الارسال كان القول قوله فكذلك إذا أقر به مقيدا بصفة فالقول قوله مع يمينه فإذا
حلف كان هذا والفصل الأول سواء قال وإذا وكله أن يرهن له ثوبا بشئ ولم يسم ما يرهنه فما
80

رهنه به من شئ فهو جائز لان التوكيل مطلق فيجرى على اطلاقه إذا لم يقم دليل التقييد فيه
ودليله عندهما في غير هذا الموضع العرف ولا عرف هنا فالرهن قد يكون بالقليل والكثير
عادة قال وليس للوكيل بالرهن ان يوكل غيره به لان هذا عقد يحتاج فيه إلى الرأي والموكل
رضى برأيه دون غيره وليس للوكيل المرتهن بيعه لان ذلك ليس من موجبات عقد الرهن
(ألا تري) أنه لا يملكه بمطلق عقد الرهن والتوكيل بالرهن لا يعدو ما هو من موجبات
العقد ففيما وراء موجب العقد الوكيل كأجنبي آخر قال ولو وضعه على يدي عدل جاز لان
يد العدل كيد المرتهن في اتمام الراهن به والتوكيل بالعقد يتضمن التوكيل بما هو من اتمامه
وربما يكون كونه في يد العدل أنفع للراهن من كونه في يد المرتهن فلهذا يملكه بمطلق
التوكيل فإن كان قال له الموكل ما صنعت من شئ فهو جائز فان للوكيل أن يوكل غيره بأن
يرهنه وان يرهنه بنفسه وان يسلط المرتهن على بيعه عند حلول المال لأنه أجاز بيعه على العموم
وهذا مما يقصد بعقد الرهن لاتمام المقصود فان المقصود استيفاء الدين منه وإذا تعذر
استيفاؤه من محل جاز استيفاؤه من محل آخر وذلك يكون بالبيع عند قيام العين قال وان وكل
الوكيل وكيلا فرهنه فليس للثاني أن يسلط المرتهن على البيع لان الثاني وكيل بالرهن مطلقا
وتوكيل الأول إياه بذلك عند تفويض الامر إليه على العموم بمنزلة توكيل المالك إياه بذلك
قال إلا أن يفوض رب الثوب ذلك إليه ومراده ان تفويض الوكيل الأول الامر إلى الثاني
عاملا لا يطلق له لان هذا يسوى غيره بنفسه في حق الغير وذلك لا يجوز فيحتاج إلى تفويض
الموكل ذلك إليه قال وإذا وكل الرجل رجلا أن يتعين له دراهم في شراء شئ معلوم وأعطاه
رهنا يرهنه وقال له ما صنعت من شئ فهو جائز فتعين لرجل ورهن لرجل فان العينة
للموكل وبيع العينة ما ورد الأثر بالذم فيه إذا اتبعتم أذناب البقر وقعدتم عن الجهاد ذللتم حتى
يطمع فيكم وتفسير ما ذكر في الجامع الصغير أن الرجل إذا استقرض من آخر شيئا فأبى أن
يقرضه الا بربح وعلم أن ذلك ربا فيبيع المقرض من المستقرض شيئا يساوى عشرة بخمسة عشر
فيبيعه المقترض بعشرة فسلم له مقصوده وهو عشرة ويكون للمقرض عليه خمسة عشر فإنما أراد
بما ذكر في الكتاب التوكيل بهذا النوع من الشراء والرهن وفعل الوكيل كفعل الموكل
بنفسه فلهذا العينة للموكل فإن كان قال للوكيل ما صنعت من شئ فهو جائز كان له أن يبيع
ما اشترى ليحصل الدراهم التي هي مقصود الموكل لأنه أجاز صنعه على العموم والبيع من صنعه
81

وإن لم يكن قال ذلك فليس له أن يبيع ما اشترى لأنه وكيل بالشراء فلا يملك بعد الشراء
البيع بمطلق التوكيل وهو نظير المستصنع ذلك وان حل الثمن فالمأخوذ به هو الوكيل لأنه
مباشر لعقد الشراء قابض للمشترى فيكون مطالبا بثمنه فإذا قضي الثمن من مال نفسه كان
له أن يقبض الرهن ويكون أمينا فيه أن هلك قبل رده على الآمر ويرجع بما قضى به على
الآمر لان شراءه أوجب الثمن للبائع على الوكيل وللوكيل على الآمر وقد قضى ما وجب
للبائع عليه فيرجع على الآمر بما استوجبه عليه ولو قال ائت فلانا وقل له ان فلانا يقول لك
بعني خادمك فلانا إلى سنة بألف درهم فأبلغه الوكيل ذلك فقال قد فعلت فرجع الوكيل
إلى الآمر فأبلغه ذلك فقال قد قبلت فرجع الوكيل إلى البائع فأخبره بذلك فقال قد أجزت
فقد وقع البيع بينهما لان عبارة الرسول كعبارة المرسل وأكثر مشايخنا رحمهم الله على أن
قوله فرجع الوكيل إلى البائع فأخبره فقال قد أجزت فصل غير محتاج إليه بل يتم البيع بقول
البائع بعد تبلغ الرسالة فعلت وقول المرسل قبلت لان انعقاد البيع بلفظين هما عبارة عن
الماضي وقد وجد ذلك كما لو كانا حاضرين فلا حاجة إلى اجازته بعد ذلك قال رضي الله عنه
والصحيح عندي أن الصواب ما ذكره محمد رحمه الله لان البائع وان * قال قد فعلت ما لم يجعل
هذا المبلغ رسولا يقبضه والمرسل الأول ليبلغه فإذا بلغه فقال قد قبلت يوقف هذا التبليغ
على إجارة البائع وما لم يتم ذلك التبليغ بإجازته لم يتم البيع بقول المشترى قبلت فلهذا ذكر
هذه الزيادة قال فان قبض الآمر الخادم فالمال عليه إلى سنة ولا شئ على الوكيل من ذلك
وليس للوكيل أن يقبض الخادم لأنه كان رسولا فبتبليغ الرسالة يخرج من الوسط فصار
كان المرسل عبر بنفسه أو كتب قال وإذا وكل رجلين ان يرهنا له شيئا بكذا فرهنه أحدهما
بذلك لم يجز لأنه عقد يحتاج فيه إلى الرأي في تعيين من يرهن عنده والوضع على يدي مرتهن
أو على يدي عدل وقد رضى الآمر أيهما فلا ينفرد به أحدهما وان رهناه جميعا وشرط له
أحدهما بيع الرهن جاز الرهن لاجتماع رأيهما فيه ولم يجز ما ينفرد به أحدهما وهو التسليط
على البيع حتى إذا باعه المرتهن لا يجوز قال وإن كان الموكل قد أمرهما بذلك فإن كانا قالا إن
فلانا يستقرضك كذا فأقرضه وقال أحدهما انه قد أمرنا أن يجعلك مسلطا على بيعه إذا
بدا لك وسكت الآخر فللمقرض أن يبيعه لأنهما كانا رسولين والرسول معبر عن المرسل
وينفرد كل واحد منهما بتبليغ الرسالة فلهذا صح ما بلغه أحدهما من التسليط على البيع وان
82

كانا استقرضا له المال وقال أحدهما هذه المقالة لم يجز للمرتهن ان يبيعه لما بينا أنهما يكونان
مستقرضين لأنفسهما فان التوكيل بالاستقراض لا يجوز وإذا عملا لأنفسهما لم يصح تسليط
أحدهما المرتهن على البيع من جهة نفسه لان صاحبه لم يساعده على ذلك وعندهما مباشرتهما
العقد لا ينفرد أحدهما بالتسليط على البيع ولا يصح ذلك من جهة الآمر لان الرهن لم يثبت
من جهة الآمر وهو ما رضى بالتسليط على البيع إذا لم يكن الرهن من جهته قال فان وكله
أن يرهن له ثوبا بدراهم مسماة فرهنه عند نفسه ودفع الدراهم إلى الآمر ولم يبين له الآمر
لم يكن الثوب رهنا لأنه أمره بأن يرهنه لا بأن يرتهنه وإذا رهنه عند نفسه كان مرتهنا لا راهنا
وهو أمين في هذا الثوب والقبض بحكم الرهن قبض ضمان فلا يصلح ان يجعل يده التي هي
أمانة يد ضمان بحكم العقد ولكنه يبقى أمينا في الثوب وان هلك لم يضمنه لأنه لم يصنع في الثوب
شيئا هو مخالف لما أمره به بل هو حافظ للثوب وبذلك أمر والدراهم قرض له على الآمر
وكذلك أن رهنه عند ابن له صغير لأنه هو القابض لهذا الرهن فهو وما لو رهنه عند نفسه
سواء وكذلك أن رهنه عند عبده ولا دين عليه لان كسب العبد مملوك للمولى فهذا وما
لو رهنه عند نفسه سواء قال ولو كان رهنه عند ابنه وهو كبير أو عند مكاتبه أو عند عبد له
تاجر وعليه دين كان جائزا لأنه لا ضرر فيه على رب الثوب معناه ان حكم الرهن واحد
وهو انه مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين سواء رهنه من أجنبي أو من هؤلاء ولا تتمكن
تهمة الاضرار بالآمر في تصرفه مع هؤلاء فلهذا صح فإن كان الوكيل في ذلك عبدا تاجرا
أو غير تاجر أو مكاتبا أو صبيا فإن كان قال إن فلانا يقول لك أقرضني كذا وامسك هذا رهنا
فهو جائز لأنه أخرج الكلام مخرج الرسالة وهو أهل للعبادة فيكون صالحا لتبليغ الرسالة
وإن كان قال أقرضني وامسك هذا رهنا لم يجز في حق الصبي والعبد المحجور لأنهما يكونان
مستقرضين لأنفسهما والاقراض من الصبي والعبد المحجور لا يصح لأنه التزم الضمان بالعقد
وليس من أهله وجاز في حق غيرهما لان المكاتب والعبد التاجر يملكان الاستقراض وان
كانا لا يملكان الاقراض قال ولو كان تاجرا وعليه دين فرهنه فان قال له اقرض فلانا فهو
جائز لان العبد يصلح أن يكون معبرا بين مولاه وبين الآمر وقد أخرج الكلام مخرج
الرسالة وان قال أقرضني وامسك هذا رهنا لم يكن رهنا لان المولى لا يستوجب على
عبده شيئا إذا لم يكن العبد مديونا فإذا لم يجب الدين لم يثبت حكم الرهن في الثوب قال وإذا
83

وكل الذمي المسلم ان يرهن له عبدا ذميا بخمر أو يرهن له خمرا بدراهم فان أضافه الوكيل إلى
الآمر وأخبر به على وجه الرسالة صح لان صحة تبليغ الرسالة ينبنى على صحة العبادة ولا
يصير الرسول عاقدا وكان هذا وما لو بلغه كتابا كتب به الآمر سواء وان قال أقرضني
لم يكن رهنا لأنه عاقد لنفسه والمسلم لا يعقد علي الآمر بالخمر استقراضا ولا رهنا بها بالدين
لان الرهن يكون مضمونا للراهن على المرتهن ولا يجوز أن تكون الخمر مضمونة للمسلم
على الذمي وإذا قال لرجل ائت فلانا وقل له أقرضني ألف درهم وامسك هذا العبد عندك
رهنا بها فلما خرج من عنده أشهد أنه قد أخرجه من الوكالة فلم يبلغ ذلك الوكيل حتى رهن
العبد فان الرهن جائز لما بينا ان حكم الخطاب لا يثبت في حق المخاطب حتى يبلغه وهو
خاطبه بالعزل والنهى عن تبليغ الرسالة فلما لم يبلغه لم يثبت ذلك في حقه فلهذا جاز رهنه وان
أرسل إليه بذلك رسولا أو كتب إليه كتابا فرهنه بذلك لم يجز يعنى إذا وصل إليه لان
حكمه يثبت في حقه بالوصول إليه فإن لم يصدقهما المرتهن بذلك فالقول قوله لأنه متمسك بما
هو الأصل وهو ثبوت الوكالة حتى يظهر العزل إلا أن يقيم البينة على أن الرسول قد أبلغه
اخراجه من الوكالة قبل أن يرهنه فحينئذ يجعل الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة قال وإن كان
رب العبد باعه أو أعتقه أو دبره أو كاتبه أو رهنه أو سلمه ولم يعلم به الوكيل حتى رهنه فالرهن
باطل لأنه بما أحدث من التصرف خرج المحل من أن يكون محلا للرهن أو أخرج نفسه
من أن يكون مالكا فيه التصرف الذي فوضه إلى الوكيل فيتضمن عزل الوكيل حكما والعزل
الحكمي لا يتوقف على العلم بل ثبوته لضرورة ثبوت ذلك الحكم قال وإن كان الموكل رهنه
ثم افتكه ولم يعلم به الوكيل حتى رهنه لم يجز رهنه لان مقصود الموكل قد تم بما باشره بنفسه
وبالانفكاك لا ينفسخ رهنه من الأصل بل يتقرر حكمه لان الرهن إنما يعقد إلى وقت
الفكاك فكان الفكاك تقديرا لا فسخا فلهذا لا يملك ان يرهنه بعد ذلك بخلاف ما إذا وكل
ببيعه ثم باعه بنفسه ثم انفسخ بيعه من الأصل بسبب فالوكيل على وكالته لان مقصود الآمر
لم يتم بما صنع ولان بانفساخه من الأصل صار ذلك العقد كأن لم يكن وكذلك إذا وكل الآمر
آخر برهنه فرهنه فقد خرج الأول من الوكالة لان فعل وكيله له كفعله بنفسه وإن كان
الأول رهنه ثم وكل المولى برهنه رجلا ثم افتكه المولى ثم رهنه الثاني فهو جائز لان التوكيل
لما حصل في حال لا يملك مباشرة الرهن بنفسه عرفنا ان مقصوده إضافة التوكيل إلى حال
84

الفكاك من الرهن الأول بخلاف الفصل الأول فان هناك حضر الوكيل في وقت هو متمكن
من أن يرهنه فإذا زال تمكنه من ذلك تضمن عزل الوكيل وهو بمنزلة من وكل وكيلا ان
يزوجه امرأة وتحته أربع نسوة صارت هذه الوكالة مضافة إلى ما بعد مفارقة إحداهن إذا
فارق إحداهن ثم زوجها الوكيل صح ومثله لو تزوج بنفسه بعد التوكيل أربع نسوة انعزل
الوكيل والذي يوضح الفرق ما بينا انه إذا كان التوكيل بعد ما رهنه فقد علمنا أن مقصود
الآمر بما صنعه بعد التوكيل عزل الوكيل به قال وإذا رهن الوكيل عبدا للموكل ثم إنه
ناقض المرتهن أو أجره إياه أو باعه فالإجارة والبيع باطل لأنه أنشأ تصرفا سوى المأمور به
أما مناقضة الرهن فإن كان قال إن فلانا يستقرضك وقد رهنك هذا فمناقضته باطلة لأنه بتبليغ
الرسالة خرج من الوسط وليس هو من العقد في شئ فمناقضته كمناقضة أجنبي آخر
فيكون باطلا ويكون ضامنا للعبد ان قبضه على هذا وإن كان المستقرض هو أو الراهن
فالمناقضة جائزة لأنه هو المباشر للعقد والحاجة في المناقضة إلى رضا المرتهن وقد رضى به
(ألا ترى) انه لو أراد رد الرهن لم يكن للراهن ان يأتي ذلك فإذا صحت مناقضته كان هو
مؤتمنا في العقد لأنه قبضه بحق وعادت يده فيه كما كانت وليس له أن يرهنه ثانية لان
المأمور بالشئ لا يملك أن يكرره فان الامر المطلق لا يقتضى التكرار ومناقضة الرهن مقصورة
على الحال فلا يتبين أن الرهن الأول لم يكن حكما قال وان وكله ان يرهنه فرهنه ثم كتب
عليه الشراء فأقر الوكيل والمشترى انه رهنه وانه إنما كتب الشراء سمعة ففي القياس هذا
لا يكون رهنا وهو ضامن لأنه خالف أمره فيما أظهر وجعل ملكه في العين بعرض الهلاك
بما كتب به من حجة الشراء أو لأنه مأمور بتصرف باطنه كظاهره وقد أبى بتصرف باطنه
بخلاف ظاهره فصار ضامنا ولكنه استحسن فقال هذا ظاهرا فيما بين الناس انهم يعقدون
الرهن بهذه الصفة وقد أمره بالرهن مطلقا فيملك به ما هو متعارف بين الناس والضرر
الموهوم الذي قلنا في وجه القياس فقد اندفع بالاشهاد على اقرار المشترى انه رهن وليس
بشراء قال وان وكله بأن يرهن عبدا له بألف درهم فقال رهنته عند فلان وقبضت منه المال
وهلك ودفعت إليه العبد وإنما قلت له أقرض فلانا فإنه أرسلني إليك بذلك وبذلك أمره
الموكل وصدقه المرتهن وقال الموكل لم يقبض هذا القرض ولم يرهن العبد فالقول قول الموكل
مع يمينه لان المال بهذه الطريق يجب للمقرض على الآمر لا على الوكيل كما لو عاينا هذا
85

التصرف فإنما حصل اقرار الوكيل بوجوب المال للمقرض على الآمر واقراره ليس بحجة
عليه في إلزام المال في ذمته لأنه إنما سلطه على مال عين بقبضه له ولم يحصل ذلك بخبره فلهذا كان
القول قوله لانكاره مع يمينه قالوا ولو كان الوكيل الذي استقرض المال هو الذي أقرض العبد
وبذلك أمره رب العبد كان المال دينا عليه دون الموكل لما بينا أن التوكيل بالاستقراض باطل
وكان العبد رهنا بالمال لان صاحب العبد قد رضى بأن يرهنه بما يستقرضه فصار في معنى المعير للعبد
منه ليرهنه بدينه وإعارة العبد من غيره ليرهنه بدينه صحيحة قال وإذا أذن الوكيل للمرتهن
في ركوب الرهن واستخدامه ففعل فهو ضامن له لان الوكيل لا يملك ذلك بالتوكيل بالرهن
فاذنه فيه واذن أجنبي آخر سواء ويكون المرتهن مستعملا ملك غيره بغير إذن صحيح فلهذا
كان ضامنا قال وطعام الرهن وعلفه على الموكل وإن كان الوكيل استقرض المال لنفسه لان النفقة
على المالك وهو الموكل ولان المنفعة له فإنه لو هلك في يد المرتهن حتى صار قاضيا لدينه رجع
عليه الموكل بمثله فلهذا كانت النفقة عليه بخلاف المستعار للانتفاع فان المنفعة هناك للمستعير
دون المعير فيقال اما ان تنفق لينتفع به واما ان ترده على صاحبه لينفق على ملكه وكذلك
المكان وأجر رعى الغنم على الموكل لما بينا انه هو المالك المنتفع به بخلاف أجر الحافظ فان
الحفظ علي المرتهن فكان أجر الحافظ عليه والمكان الذي يحفظ فيه عليه أيضا فاما الرعي
فليس على المرتهن فلا يكون أجر الراعي عليه أيضا فيكون ذلك على المالك والله أعلم بالصواب
(باب الوكالة في قبض الوديعة والعارية)
(قال رحمه الله) رجل وكل رجلا بقبض أمانة له في يدي رجل فقال ذو اليد قد
دفعتها إلى الموكل فالقول قوله مع يمينه لان مطالبة الوكيل إياه بالرد كمطالبة الموكل
ودعوى الأمين الرد على الموكل أو على الوكيل مقبولة لأنه سلط على ذلك ولأنه مجبر بأداء
الأمانة إلا أنه يقبل قوله في ابرائه عن الضمان الا في ايجاب الضمان عن الغير حتى إذا
ادعى الرد على الوكيل وحلف لم يضمن شيئا وكذلك لا يضمن إذا جحد وحلف وان
وكل رجلين بقبض عبد له وديعة فقبضه أحدهما بغير أمر الآخر لم يجز وهو ضامن لأنه
رضى برأيهما وأمانتهما فلا يكون راضيا بأمانة أحدهما ولو قبضه ثم أودعه أحدهما من
86

الآخر جاز لأنهما امتثلا أمره في القبض ثم لا يقدران على الاجتماع على حفظه آناء الليل
والنهار وهو لا يحتمل التبعيض ليحفظ كل واحد منهما نصفه ولما استحفظهما على علمه
بذلك فقد صار راضيا بترك أحدهما عند صاحبه ولكن إنما يعتبر هذا فيما يطول وهو
استدامة الحفظ فأما في ابتداء القبض فيتحقق اجتماعهما عليه من غير ضرر فلهذا لا ينفرد
به أحدهما وكما يجوز لأحدهما أو يودعه من الآخر يجوز لهما أن يودعاه عيال أحدهما لان
يد عيال المودع في الحفظ كيد المودع كما إذا كان المودع واحدا وهذا لان المرء إنما
يحفظ المال بيد عياله عادة وان وكل بقبضه رجلا أجنبيا فالذي كان عنده الوديعة ضامن
إلا أن يصل إلى الوكيلين لان الحفظ يتفاوت فيه الناس لتفاوتهم في أداء الأمانة فلا يملك
الوكيل بوكيل الأجنبي وصار تسليم المودع إلى الأجنبي بعد هذا التوكيل كتسليمه قبله
فكان المودع ضامنا إلى أن يصل إلى الوكيلين فحينئذ وصوله إلى يدهما كوصوله إلى يد
الوكيل في براءة الدافع له عن الضمان ولو وكل رجلا بقبض وديعته فقبض بعضها جاز لان
الوديعة قد تكون بحيث لا يمكن حمل كلها جملة واحدة فيحتاج إلى أن يحملها شيئا فشيئا ولا
ضرر على الموكل في قبض الوكيل بعضها إلا أن يكون أمره أن لا يقبضها الا جميعا فحينئذ
لا يجوز له أن يقبض بعضها أو يصير ضامنا له لان الموكل قيد أمره ونهاه عن القبض الا
بصفة فكل قبض لا يكون بتلك الصفة فهو قبض بغير إذن المالك فكان موجبا للضمان وان
قبض ما بقي قبل أن يهلك الأول جاز القبض عن الموكل لأنه قد اجتمع الكل عند الوكيل
واندفع ضرر التفريق عن الموكل فكأنه قبض الكل دفعة واحدة ولو وكله بعبد له يدفعه إلى
فلان وديعة فاتاه فقال إن فلانا أستودعك هذا فقبله ثم رده على الوكيل فهلك فلرب العبد أن
يضمن أيهما شاء لان الوكيل حين أضاف الايداع إلى الآمر فقد جعل نفسه رسولا وتبليغ
الرسالة يخرج فكان هو في الاسترداد كأجنبي آخر فيصير المودع بالدفع إليه غاصبا وهو
بالقبض كذلك فله أن يضمن أيهما شاء ولو قال له الوكيل قد أمرك فلان أن تستخدمه أو
تدفعه إلى فلان ففعل فهلك العبد فالمستودع ضامن أن كان كذب الوكيل لأنه باستعمال ملك
الغير بغير إذن المالك أو بدفعه إلى غيره يصير غاصبا ولا يضمن الوكيل شيئا لأنه لم يوجد منه
فعل متصل بالعين إنما غره بخبره أو أخبره زورا وذلك غير موجب الضمان عليه كمن قال لغيره
هذا الطريق آمن فسلكه فأخذ متاعه لم يضمن المخبر شيئا ولو وكله بقبض وديعة له عند فلان
87

أو عارية ثم مات الموكل فقد خرج الوكيل من الوكالة لانتقال الملك إلى الوارث ولم يوجد
من الوارث الرضا بقبضه وان قال الوكيل قد كنت قبضتها في حياته وهلكت عندي أو
دفعتها إلى الميت فالقول قوله بخلاف الدين لان المودع لو ادعى هنا الرد على الوكيل كان
القول قوله وإن لم يصدقه الوكيل فإذا صدقه أولى وفى الدين لو ادعى المديون قضاء الدين
وجحد الوكيل لم يقبل قوله فكذلك إذا صدقه الوكيل لان قول الوكيل ليس بحجة في حق
الوارث فتصديقه كتكذيبه في الفصلين قال ولو وكل رجل عبد رجل بقبض وديعة له عند
مولاه أو عبد غيره فباع المولى العبد أو أعتقه أو كاتب أمة فاستولدها فالوكيل على وكالته
لان ما اعترض لا ينافي ابتداء التوكيل فلا ينافي بقاءه بطريق الأولى قال وإذا وكل رجلا
قبض عبد له عند رجل فقتل العبد خطأ كان للمستودع ان يأخذ قيمة العبد من عاقلة القاتل
لأنه مأمور بالحفظ وحفظ الشئ بإمساك عينه في حال قيامه وبدله بعد هلاكه ولان يد المودع
كانت ثابتة على العبد والقاتل جان على حقه بتفويت يده فكان له أن يأخذ القيمة من عاقلته
وهو مذهبنا فاما عند الشافعي رحمه الله فليس للمودع أخذ القيمة لأنه مودع في العين فتتعذر
ولايته على العين ولا تتعدى إلى محل آخر فما دامت العين باقية بملك أحد يجوز له استردادها
فاما بعد هلاك العين فلا يكون له ان يخاصم في القيمة ثم فرق علماؤنا رحمهم الله بين المودع
والوكيل قالوا ليس للوكيل بالقبض ان يقبض القيمة لأنه نائب في القبض وإنما أنابه الموكل
في قبض العبد دون القيمة وقد يختار المرء بقبض شئ دون شئ لأدائه في الأعيان دون النقود
فاما المودع فقد كانت له يد ثابتة على العين فأزالها القاتل بجنايته فله ان يسترد القيمة من عاقلته
بحكم يده المعتبرة شرعا حتى لو كان الوكيل قبض العبد ثم قتل عنده كان له ان يأخذ القيمة
أيضا لأنه بعد القبض صار مودعا فيه ولو جنى على العبد قبل أن يقبضه الوكيل فأخذ المستودع
الأرش فللوكيل ان يقبض العبد ولا سبيل له على الأرش لأنه أمين من جهة المالك في قبض
العبد وذلك لا يتعدى إلى قبض الأرش اعتبارا للجزء بالكل وكذلك لو كان المستودع أجره
بإذن مولاه لم يكن للوكيل ان يقبض الاجر ولو كانت أمة فوطئت بالشبهة لم يكن للوكيل
ان يقبض المهر لما بينا ان المالك إنما أنابه مناب نفسه في قبض العبد فلا يصير به نائبا في قبض
ما انقلب من العين دراهم قال ولو وكله بقبض أمة أو شاة فولدت كان للوكيل ان يقبض الولد
مع الأم لان الولد جزء من عينها وقد ثبت له حق القبض في جميع اجزائها بالوكالة فلا يسقط
88

عن هذا الجزء بالانفصال بخلاف ما إذا ولدت قبل الوكالة لان حق القبض يثبت له بالتوكيل
وعنده ذلك الولد شخص وليس بجزء ثم نقول الولد من جنس الأصل ولا يبقى محفوظا الا مع
الأم ومقصود الموكل من هذا التوكيل صيانة ماله فلهذا يتعدى أمره إلى ما يلد بعد ذلك ولا
يتعدى إلى الأرش والعقد لأنه ليس من جنس الأصل ويبقى محفوظا منفصلا من الأصل فان
قيل فعلى هذا ينبغي ان يقبض المنفصل قبل الوكالة قلنا نعم ولكن هناك لو كان مقصوده قبض
الولد مع الأصل أمكنه ان ينص في التوكيل عليها لكون الولد موجودا عند التوكيل فاما ما
ينفصل بعد ذلك فما كان الموكل يعلم به لينص في التوكيل على قبضه فلهذا يتعدى حكم الآمر
إليه وثمرة البستان بمنزلة الولد لأنه متولد من الأصل ولو كان المستودع باع الثمرة في رؤس
النخيل بأمر رب الأرض لم يكن له أن يقبض الثمن لان ائتمانه إياه في قبض البستان لا يكون
ائتمانا في قبض الدراهم بخلاف الثمار فان ائتمانه إياه في قبض البستان يكون ائتمانا في قبض الثمار
التي تتولد من الأشجار عادة (ألا ترى) أن ما يحدث بعد قبضه من الثمار يكون أمانة عنده
باعتبار رضا المالك به وكما لا يقبض ثمن الثمار لا يقبض ثمن ولد الجارية ولا قيمته إذا أتلفه متلف
قال وإذا كانت الوديعة مما يكال أو يوزن فوكله بقبضه فاستهلكها رجل وقبض المستودع
مثلها من المستهلك ففي القياس ليس للوكيل ان يقبض المثل لان المثل في ذوات الأمثال كالقيمة
فيما لا مثل له وهذا لأنه أذن له في قبض العين فلا يتعدى اذنه إلى عين أخرى ومثل الشئ غيره
ولكنه استحسن فقال له أن يقبض المثل لان رضاه بأمانته لا يختلف باختلاف العين وإنما
يختلف باختلاف الجنس فقد يؤدى الانسان الأمانة من الجنس والقيمة ليست من جنس
العين فائتمانه إياه في العين لا يتعدى إلى ما ليس من جنسه فأما المثل من جنس المتلف فائتمانه
إياه في تلك العين يقتضى الائتمان في المثل الذي هو من جنسه وهذا لان التعيين معتبر فيما
يفيد دون مالا يفيد (ألا ترى) أن تعيين النقود في العقود معتبر في تعيين جنس النقد ولا
يعتبر في استحقاق تلك العين حتى كان للمشترى ان ينقد مثله ولم يكن له ان ينقده من جنس
آخر فهذا مثله قال أرأيت لو أكلها المستودع أما للوكيل ان يأخذ منه مثلها والجواب فيما
استشهد به وفيما استشهد له سواء قال وإذا وكله بقبض وديعة له عند رجل ثم قبضها الموكل
ثم استودعها إياه ثانية لم يكن وكيلا بقبضها علم بذلك أو لم يعلم لان بقبض الموكل تم مقصوده
فانعزل الوكيل ولان ايداعه ثانيا عقد جديد والتوكيل باسترداد وديعة بحكم عقد لا يتعدى
89

إلى استرداد وديعة بعقد آخر كما لا يتعدى من عين إلى عين أخرى وكذلك لو قبضها الوكيل
أولا ودفعها إلى الموكل ثم استودعها الأول لم يكن للوكيل ان يقبضها منه لان الوكالة قد
انتهت باسترداد الوكيل إياها فكان هو في استردادها في المرة الثانية كأجنبي آخر فلرب الوديعة
أن يضمن أيهما شاء فان ضمن الوكيل لم يرجع على المستودع لأنه في قبضها ما كان عاملا
للمستودع وان ضمن المستودع رجع على الوكيل لأنه مكنها بالضمان وما رضى بقبض الوكيل
له وحالهما كحال غاصب الغاصب مع الأول وهذا إذا لم يصدقه على أنه وكيل في المرة الثانية
وقد بينا وجوه هذه المسألة فيما سبق ولو وكله بقبض الوديعة وقال اقبضها اليوم ففي القياس
ليس له ان يقبضها غدا لان الوكالة تتوقت بالتوقيت فإذا وقتها باليوم انتهت الوكالة بمضي
اليوم كما لو جعل أمر امرأته بيدها اليوم لم يكن لها أن تختار نفسها غدا ولكنه استحسن فقال
ذكر اليوم ليس لتوقيت الوكالة بل للتعجيل في قبضه بمنزلة قوله اقبضها الساعة ولو قال ذلك
كان له أن يقبضها بعد تلك الساعة فكذلك هنا * توضيحه انه لو قال اقبضها كان له ان يقبضها
متى شاء فقوله اليوم سكوت عما بعده وذلك لا يكون عزلا عما كان ثابتا له بمطلق الامر
بخلاف قوله لامرأته أمرك اليوم بيدك لأنه لو قال أمرك بيدك اليوم كان مقصورا علي
المجلس فقوله اليوم لمد حكم الامر إلى آخر اليوم فإذا مضى اليوم خرج الامر من يدها
لأنه ليس في الغد أمر ثابت لها ولو قال اقبضها بمحضر من فلان فقبضها وهو غير حاضر جاز
لما قلنا إنه لو قال اقبضها كان له أن يقبضها سواء كان فلان حاضرا أو لم يكن فقوله بمحضر
من فلان سكوت في غير هذه الحال فيبقى ما كان على ما كان (ألا ترى) انه لو قال اقبضها
بشهود كان له ان يقبضها بغير شهود بخلاف ما لو قال لا تقبضها الا بمحضر من فلان فإنه
هناك نهاه عن القبض واستثنى قبضا بمحضر من فلان وكل قبض لا يكون بمحضر من فلان
فهو مما يتناوله النهى لعمومه دون الاذن قال وإذا قبض رجل وديعة رجل فقال رب الوديعة
ما وكلتك وحلف على ذلك وضمن المستودع رجع بالمال على القابض إن كان عنده بعينه لأنه
ملكه بأداء الضمان وان قال هلك منى أو دفعته إلى الموكل فهو على التقسيم الذي قلنا إن
صدقه المستودع بالوكالة لم يرجع عليه بشئ وان كذبه أو لم يصدقه ولم يكذبه أو صدقه وضمنه
كان له أن يضمنه لما قلنا ولو وكل رجلا بقبض دابة استعارها من رجل فقبضها الوكيل
وركبها فهو ضامن لها لان المالك إنما رضى بركوب المستعير دون الوكيل والركوب يتفاوت
90

فيه الناس فرب راكب يروض الدابة ركوبه والآخر يتلف الدابة ركوبه فلهذا كان الوكيل
ضامنا ولا يرجع به على الموكل لأنه في الركوب ما كان عاملا له ولا كان مأمورا به من
جهته قالوا وهذا إذا كانت الدابة بحيث تنقاد للسوق من غير ركوب فإن كانت لا تنقاد
فلا ضمان على الوكيل لان صاحب الدابة لما دفعها إلى الوكيل ليأتي بها المستعير مع علمه انها
لا تنقاد الا بالركوب فقد صار راضيا بركوبه قال وإذا وكل المكاتب وكيلا بقبض وديعة
أو دين له على رجل ثم رد المكاتب في الرق فقبضها الوكيل جاز وكذلك لو كان الموكل
عبدا تاجرا فحجر عليه مولاه لأنه فيما باشر الايداع بنفسه أو المعاملة حق القبض إليه بعد
الحجر حتى لو قبضه بنفسه جاز فكذلك يبقى الوكيل على وكالته ولو أن رجلا وكل رجلا
بقبض وديعة له وجعل له أجرا مسمى على أن يقبضها فيأتيه بها فهو جائز لأنه استأجره لعمل
غير مستحق عليه وهو حمل الوديعة إليه وذلك عمل معلوم في نفسه فيجوز الاستئجار عليه
فإن كان دينا يتقاضاه لم يجز إلا أن يوقت له أياما لان عمل التقاضي ليس بمعلوم المقدار في نفسه
فلا يجوز الاستئجار عليه إلا ببيان المدة كالبيع والشراء ولو وكله بالخصومة وجعل له أجرا
كان فاسدا إلا أن يوقت أياما لأنه استأجره لعمل غير معلوم في نفسه فلا يصح الا ببيان المدة
وان وكل الوصي وكيلا بدفع وديعة أو دين أو بقبضهما كان جائزا لان الوصي في التوكيل
قائم مقام الموصي والله أعلم
(باب الوكالة في الهبة)
(قال رحمه الله) ويجوز للواهب أن يوكل وكيلا بالتسليم لأنه عمل تجزي فيه النيابة وإذا
وقع فيه الغلط يمكن تداركه فيقوم فعل الوكيل فيه مقام فعل الموكل وكذلك يجوز للموهوب
له أن يوكل بالقبض والصدقة نظير الهبة في ذلك فان التسليم والقبض في ذلك بمنزلة الايجاب
والقبول في البيع والشراء والتوكيل به يصح وادا وكل الواهب بالتسليم والموهوب بالقبض
وقاما جميعا فامتنع وكيل الواهب من التسليم فخاصمه وكيل الموهوب له وأقام البينة أن صاحب
العين وكله بدفعها إليه قبلت البينة وأجبر الوكيل على دفعه لان الثابت بالبينة كالثابت باقرار
الخصم فمراده من هذا الاخبار انه لا يمكنه أن يمنع العين لا أن يجبره على مباشرة فعل فان وكيل
الموهوب له أن يقبضه بأمر الواهب إذا لم يمنعه أحد من ذلك فهو بهذه البينة يثبت عليه
91

انه ليس له حق المنع فإذا ثبت ذلك قبضه وكيل الموهوب له بنفسه وإذا ادعي مدع في ذلك
دعوى لم يكن واحد من هذين الوكيلين خصما في خصومته لان كل واحد منهما أمين في
هذه العين والأمين لا يكون خصما لمدعى الأمانة ما لم يحضر صاحبها وليس لوكيل الواهب
أن يرجع في الهبة سواء كان وكيلا بالتسليم أو بعقد الهبة لأنه سفير ومعبر فإنه لا يستغنى
عن إضافة العقد إلى الموكل وتكون هذه الهبة تبرعا من جهة الموكل دون الوكيل فكما
باشر عقد الهبة وسلمت انتهت الوكالة والتحق بأجنبي آخر فلا يملك الرجوع لان ثبوت
حق الرجوع في الهبة لفوات ما هو المقصود وهو العوض وهذا هو المقصود للموكل دون
الوكيل قال ولو أراد الواهب أن يرجع في الهبة وهي في يد وكيل الموهوب له لم يكن له أن
يرجع ولم يكن الوكيل خصما له فيه لان يد الوكيل كيد الموكل والعوض مقصود من جانب
الموكل دون الوكيل فالقبض ثابت محض فانتهت الوكالة بقبضه (ألا ترى) أنه لا يستغنى
عن الإضافة إلى الموكل فيقول سلم إلى ما وهبت لفلان ولا يقول ما وهبته لي وكذلك الوكيل
بقبول الهبة لا يستغنى عن إضافة العقد إلى الموكل بأن يقول هب لفلان كذا حتى لو قال
هب لي كان العقد للوكيل دون الموكل بخلاف الوكيل بالشراء إذا قال بع منى لان الانتقال
إلى الموكل هناك بوجب ضمان اليمين على الموكل للوكيل وليس في عقد الهبة ضمان الثمن فلهذا
جعل ملتمسا العقد لنفسه إذا لم يضفه إلى الآمر قال ولو وهب رجلان لرجل شيئا ثم وكلا
رجلا بان يدفعه إليه جاز وكذلك لو وكلا رجلين أو وكل كل واحد منهما رجلا على حدة لان
كل واحد من الوكيلين نائب عن موكله ويجوز نيابة الواحد عن الواحد وعن الاثنين فان دفعه
أحدهما إليه أو قبضها من غير دفع جاز لأنهما حين وكلا هذين بدفعها فقد سلطا الموهوب
له على قبضها وقد بينا أنه ينفرد بالقبض عند وجود التسليط من الواهب تصريحا أو دلالة
قال وإذا وهب الذمي للذمي خمرا أو خنزيرا فوكل الموهوب له بقبضها مسلما أو وكل الواهب
بدفعها إلى الموهوب له مسلما فهو جائز لان الوكيل غير مملك ولا يتملك بل هو نائب في
القبض أمين في المقبوض والمسلم يجوز أن يكون نائبا عن الذمي أمينا له في قبض الخمر والخنزير
قال ولو وكل الموهوب له رجلين بقبض الهبة فقبضها أحدهما لم يجز لأنه رضى بأمانتهما فلا
يكون راضيا بأمانة أحدهما لان الموهوب له يملك القبض بنفسه من غير دفعها وكذلك
عند دفع أحدهما وعلى هذا لو وكل الوكيل غيره بدفعها جاز ولو وكل وكيل الموهوب له
92

يقبضها لم يجز إلا أن يكون الموكل قال له ما صنعت من شئ فهو جائز فحينئذ له ان يوكل غيره
بذلك لأنه أجاز صفة على العموم والتوكيل من صفته قال وإذا وكل رجل رجلا ان يهب
الثوب لفلان على عوض يقبضه منه ففعل ذلك غير أن العوض أقل من قيمة الهبة فهو جائز
في قول أبي حنيفة رحمه الله بناء على أصله في اعتبار اطلاق اللفظ فان اسم العوض يتناول
القليل والكثير ولا يجوز في قولهما إلا أن يكون العوض مثل الموهوب أو دونه بما يتغابن
الناس في مثله بناء على أصلهما في تقييد مطلق اللفظ باعتبار العادة قال وإذا وكل الموهوب له
وكيلا بأن يعوض ولم يسمه فدفع عوضه من عروض الموهوب له لم يجز لان ما أمره بدفعه
مجهول جهالة مستدركة لا يقدر الوكيل على تحصيل مقصود الموكل فكان التوكيل باطلا بمنزلة
قوله بع شيئا من مالي واستبدل شيئا إلا أن يكون قال له عوض له من مال ما شئت فحينئذ
يكون له أن يعوض ما شاء لأنه فوض الامر إلى رأيه على العموم وان قال له عوض عنى
من مالك على أنى ضامن له فعوضه عوضا جاز ورجع بمثله على الآمر إن كان له مثل وبقيمته
إن لم يكن له مثل لأنه باشتراط الضمان على نفسه يصير مستقرضا منه بعوض له من ملك
نفسه والمستقرض مضمون بالمثل إن كان من ذوات الأمثال أو بالقيمة إن لم يكن من ذوات
الأمثال وجهالة ما يعوضه هنا لا تمنع صحة الامر لأنه في أصل التعويض متصرف في ملك
نفسه وتعيينه في ملك نفسه صحيح وإنما يرجع عليه بحكم الضمان والجهالة لا تمنع صحة الضمان
إذا كان المضمون له والمضمون عنه معلومين والعوض وإن كان مجهولا إلا أن ذلك لا يمنع
صحة الاستقراض إذا كان عند الاقراض معينا معلوما فان هناك هو في أصل التعويض نائب
فلا يملك التعيين الا على وجه أن يكون موافقا لمقصود الموكل وذلك لا يحصل مع جهالة الجنس
قال ولو أمره ان يعوضه من ملك نفسه ولم يشترط الضمان على نفسه فعوضه لم يرجع على
الآمر بشئ لان التعويض غير مستحق عليه فلا يكون هو مسقطا عنه بهذا التعويض ما
هو لازم عليه بخلاف المأمور بقضاء الدين من ملك نفسه فان الدين مستحق على الامر هناك
فإذا أمره ان يسقط عن ذمته ما هو مستحق عليه ثبت له حق الرجوع عليه بما يؤدى من ملك
نفسه ولان المديون يملك ما في ذمته بقضاء الدين والمعوض عن الهبة لا يملك بالتعويض شيئا
فلهذا فرقنا بين الفصلين قال وللواهب أن يوكل وكيلا في الرجوع بالهبة لأنه يملك المطالبة به
بنفسه ويحكم به الحاكم عند طلبه فكذلك عند طلب وكيله له قال ولو وكل رجلين بذلك لم
93

يكن لأحدهما أن ينفرد به دون صاحبه لأنهما وكيلان بالقبض فان الرجوع في الهبة لا يتم
الا باثبات اليد على الموهوب وقد بينا أن الوكيلين بالقبض لا ينفرد أحدهما به دون صاحبه قال
ولو وكل رجلا أن يقبض له دينا من فلان فيدفعه إلى فلان هبة منه له فهو جائز لأنه وكله
بشيئين بقبض الدين ثم بعقد الهبة في المقبوض ويجوز التوكيل بكل واحد منهما على الانفراد
فكذلك يجوز التوكيل بهما وتوكيله بهبة دين يقبضه من مديونه كتوكيله بهبة عين يدفعها
إليه فيصح كل واحد منهما لأنه يضيفه إلى ملك نفسه وكذلك لو أمر المديون أن يدفع إليه فدفعه
فهو جائز لان أمره إياه بالدفع يكون تسليطا للآخر على القبض فان قال الغريم قد دفعت إليه
فصدقه الموهوب له فهو جائز وان كذبه لم يصدق الغريم لان دعواه الدفع إلى الموهوب
بمنزلة دعواه الدفع إلى الواهب فان صدقه ثبت الدفع وان كذبه لم يثبت لان الدين مضمون
في الذمة لا يستفيد البراءة عنه بمجرد قوله قال ولو وكل وكيلا بقبضه منه ودفعه إلى الموهوب
له فقال الغريم قد دفعه إلى الوكيل وقال الوكيل قد دفعته إلى الموهوب له فالغريم والوكيل
بريئان فتصديق الوكيل لاختياره بأداء الأمانة ولكن لا يصدق الوكيل على الموهوب له لان
قول الأمين إنما يقبل في براءته عن الضمان لأنه ادعى ثبوت وصول شئ إلى غيره فلا يثبت
بقوله وصول الهبة إلى الموهوب له حتى لا يرجع الواهب عليه وكذلك الرجل يهب ما على
مكاتبه لرجل ويأمر آخر بقبضه ودفعه إلى الموهوب له فان دين الكتابة في هذا بمنزلة غيره
من الديون في الحكم والله أعلم بالصواب
(باب الوكالة في العتق والكتابة)
(قال رحمه الله) رجل وكل رجلا بعتق عبده على مال أو غير مال فله أن يعتقه في
ذلك المجلس أو بعده لان التوكيل مطلق وهذا بخلاف ما لو قال لعبده أعتق نفسك لان
ذلك تمليك وليس بتوكيل لان العبد في العتق عامل لنفسه فلا يكون نائبا عن غيره وجوب
التمليك يقتصر على المجلس (ألا ترى) أن هناك لا يملك الرجوع عنه قبل أن يعتق العبد
نفسه وهنا يملك اخراج الوكيل مثل الوكالة قبل أن يعتقه ثم ليس للوكيل أن يقبض المال
هنا لان العتق تبرع وإن كان بمال (ألا ترى) أن الأب والوصي لا يملكانه في عبد اليتيم
وقد بينا أن الوكيل بالتبرع نائب محض وان المعتق هو المولى دون الوكيل (ألا ترى)
94

أن الولاء يثبت للمولى والشرع إنما أثبت الولاء لمن أعتق ولأنه إنما يطالب بقبض البدل
من تتوجه عليه المطالبة بتسليم المبدل والوكيل بالعتق لا يكون مطالبا بشئ من جهة العبد
ولا يكون إليه قبض البدل بل المولى هو الذي يقبض لان مباشرة نائبه كمباشرته بنفسه
قال ولو وكله أن يعتقه فدبره لم يصح لأنه تصرف سوى ما أمره به فان التدبير إضافة العتق
إلى ما بعد الموت أو تعليق العتق بالموت والمأمور بالتنجيز لا يملك التعليق ولا الإضافة وعلى
هذا لو قال أنت حر غدا أو ان دخلت الدار أو أعتقه على مال لأنه تعليق بشرط قبوله
فيكون بمنزلة تعليقه بشرط آخر ولأنه مأمور بالتبرع المحض وربما يكون له فيه مقصود يفوت
ذلك باشتراط العوض وهو الجواز عن كفارته وكذلك لو كاتبه فان الكتابة عقد آخر
سوى ما أمره به فلهذا لم يصح منه وكذلك لو وكل آخر باعتاقه لان مطلق التوكيل لا يثبت
للوكيل ولاية توكيل الغير به فإنه يساوي تأثيره بنفسه في حق الغير وذلك لا يصح ولان
التوكيل بالعتق ليس باعتاق وهو إنما أنابه مناب نفسه في الاعتاق خاصه قال ولو وكله أن
يعتقه غدا فأعتقه اليوم كان مخالفا لأنه أضاف وكالته إلى وقت في المستقبل فلا يصير وكيلا
قبل مجئ ذلك الوقت قال ولو وكله أن يعتقه اليوم فأعتقه غدا جاز استحسانا وقد تقدم
نظيره وقد بينا أن المقصود بذكر اليوم التعجيل وهو لا يفسد الوكالة بالوقت بمنزلة قوله أعتقه
الساعة فإنه يصير وكيلا بعتقه ما لم يعزله عنه قال ولو وكل صبيا أو عبدا أن يعتق عبده على
مال أو غير مال أو كاتبه فهو جائز لأنه من أهل العبادة ومباشرة هذا العقد إنما تكون بالعبادة
قال ولو وكله أن يعتقه البتة على مال أو غير مال ثم دبره المولى فالوكيل على وكالته وكذلك
لو كانت أمة فاستولدها المولى لان التدبير والاستيلاد لا يمنعان صحة الاعتاق بجعل أو غير
جعل فلم يخرج المحل بتصرف المولى من أن يكون محلا لما فوضه إلى الوكيل قال ولو وكله
أن يعتق أمته فولدت قبل أن يعتقها لم يكن له أن يعتق ولدها لأنه أمره بعتق شخص واحد
فلا يملك عتق شخصين ولان الوكالة بالعتق ليس بحق مستحق في الأم وإنما يسرى على الولد
ما كان مستحقا في الأم قبل الانفصال للولد عنها (ألا ترى) أن الوصية لا تسرى إلى الولد
المنفصل قبل لموت الموصى لهذا المعنى والكتابة والبيع على هذا فان التوكيل بهما ليس بحق
مستحق في الأم فلا يسرى إلى الولد المنفصل قبل ثبوت الاستحقاق في الأم قال ولو وكله
أن يعتق عبده أو مكاتبه أو يبيعه ثم باعه المولى فقد خرج الوكيل من الوكالة لان الموكل بعد
95

البيع لا يملك فيه مباشرة التصرف الذي وكل الوكيل به فاقدامه على البيع يتضمن خروج
الوكيل من الوكالة حكما فان رجع إلى ملك المولى فإن كان رجوعه بسبب هو فسخ للبيع من
الأصل فقد عاد إليه قديم ملكه وكان الوكيل على وكالته لان رجوعه من الوكالة كان حكما
لزوال ملكه فلا يظهر بعد عود ذلك الملك إليه وإن كان بسبب هو تمليك فسد من وجه
كالرد بالعيب بعد القبض بغير قضاء قاض أو بالإقالة أو الميراث لم تعد الوكالة لان تعلقها كان
بذلك الملك والعائد ملك غير ذلك الملك قال ولو باشره أهل الحرب فأدخلوه دارهم ثم رجع
إلى الموكل بملك جديد بأن اشتراه منهم لم تعد الوكالة ولو اخذه المشترى منهم بالثمن أو ممن
وقع في سهمه من الغانمين بالقيمة فهو على وكالته لأنه بالأخذ بهذا الطريق يعيده إلى قديم
ملكه وقد كانت الوكالة متعلقة بذلك الملك فإذا عاد عادت الوكالة قال ولو وكله ان يعتق أمته
ثم أعتقها المولى فارتدت ولحقت بدار الحرب فأسرت وملكها المولى لم يجز عتق الوكيل فيها
لأنه كان مأمورا بإزالة رق كان فيها وقد زال ذلك باعتاق المولى وهذا الحادث رق متجدد
السبب فلا يكون هو وكيلا بإزالته الا بتوكيل مستأنف قال ولو أمره أن يعتق عبده فقال
الوكيل أعتقته أمس وجحد ذلك رب العبد لم يصدق الوكيل على ذلك لان الوكالة بالعتق
تنتهي بالفراغ منه فكيف يقبل اقراره وليس هو بوكيل في الحال بخلاف البيع والشراء فان
الوكالة تبقى بعد المباشرة لتعلق حق العقد بالوكيل * توضيحه ان الوكيل بالعتق معبر عن الموكل
وإنما أمره بأن يعبر عنه انشاء العتق دون الاقرار وكان هو في الاقرار كأجنبي آخر سوى
المأمور به فلا يصير به ممتثلا للآمر ويبقى المأمور على وكالته قال ولو وكله أن يعتقه فقبل ذلك
ثم أبى أن يعتقه لم يجبر عليه لان الوكيل معير لمنافعه والمعير غير مجبر على تسليم ما أعاره ولو
قال له الوكيل أنت حر إن شئت فقال قد شئت لم يعتق لأنه مأمور بالتنجيز وقد أتى بالتعليق
بمشيئة أو بتمليك الآمر من العبد وكل واحد منهما غير مأمور به ولكنه يبقى على وكالته فإذا
أعتقه بعد ذلك كان صحيحا منه قال وان أعتقه بغير لسان العربية جاز لان المقصود ايصال
العبد إلى شرف الحرية وذلك يحصل بأي لسان كان وبأي لفظ من العربية يكون كقوله
أنت عتيق أو معتق وحررتك وكما يحصل ذلك باللسان يحصل بالكتاب أيضا حتى إذا كتب
بعتقه جاز (ألا ترى) انه يشتريه مكفرا فكذلك الوكيل يصير به ممتثلا قال وان قال له أعتق
96

نفسك بما شئت فأعتق نفسه على درهم فهو جائز ان رضى المولى بذلك لان تفويضه في حق
البدل غير معتبر لأنه مجهول الجنس والقدر فلا يقدر العبد على تحصيل المقصود للمولى يبقى
قول العبد أعتقت نفسي بدرهم فيوقف ذلك على رضا المولى به كما لو ابتدأ العبد بهذا الكلام
وكذلك لو قال بع نفسك من نفسك بما شئت فباع نفسه من نفسه جاز ذلك إذا رضى
المولى به والطلاق في هذين الوجهين قياس العتق ولا يقال إنه فوض الامر في البدل إلى
رأيه وهو لا يصلح نائبا عن المولى في قبول البدل على نفسه فكيف يصلح نائبا في تعيين جنس
البدل ومقداره قال وان وكله ان يعتق عبده على مال فأعتقه على درهم جاز في قياس قول
أبي حنيفة رحمه الله بناء على أصله في اعتبار اطلاق اللفظ ما لم يقم دليل التقييد ولا يجوز
عندهما الا بمثل القيمة أو بنقصان يسير بناء على أصلهما في ثبوت التقييد بدليل العرف قال
وان وكله أن يعتقه على شئ فما أعتقه عليه من أصناف المال فهو جائز اما عند أبي حنيفة رحمه
الله فظاهر كما هو أصله في الوكيل بالبيع وعندهما هناك يتقيد مطلق اللفظ بالبيع لاعتبار
العرف ولا عرف هناك فان الاعتاق بغير النقود من الأموال متعارف كالاعتاق بالنقود
فلهذا جاز له أن يعتقه على أي صنف من المال يسميه وان اختلف المولى والوكيل في جنس
ما أمره به من البدل أو في مقداره فالقول قول المولى لان الاذن يستفاد من جهته فلا يثبت
في حقه الا ما يقر به قال وان وكله ان يعتقه على جعل فأعتقه على خمر أو خنزير فالعتق جائز
وعلى العبد قيمة نفسه لأنه امتثل أمره بما صنع فان العتق بالخمر لو باشره المالك كان عتقا
بعوض لقيام شبهة المالية في الخمر وعلى العبد قيمة نفسه لفساد التسمية فكذلك إذا باشره
الوكيل ولو أعتقه على ميتة أو دم لم يجز لان هذا العتق لو باشره المالك كان عتقا بغير عوض
إذ ليس في الميتة والدم شبهة المالية فبتسميته لا يصير ممتثلا لانعدام الرضا بالعتق مجانا والموكل
إنما أمره بعتق بعوض فليس له أن يعتق بغير عوض قال ولو أعتقه على حكم العبد أو على
حكم الوكيل جاز العتق وعليه قيمته لان هذا العتق لو باشره الموكل كان عتقا بعوض فكذلك
إذا باشره الوكيل غير أن ما يحكم به العبد أو الوكيل مجهول الجنس والقدر فلا تصح التسمية
وعند فساد التسمية يجب على العبد قيمة نفسه ولكن لاشتراط أصل المال بهذا اللفظ ينعدم
الرضا بالعتق مجانا قال ولو قال أعتقه على هذا العبد فأعتقه عليه فإذا هو حر جاز العتق وعليه
قيمة نفسه لان فعل الوكيل كفعل الموكل بنفسه حين امتثل أمره فيما صنع وقد سمى ما هو
97

مال وهو العبد فإذا ظهرت حريته تبين به فساد التسمية فعليه قيمة نفسه ولو أعتقه على عبد
واستحق جاز العتق وعليه قيمة نفسه في قول أبي حنيفة رحمه الله وهو قول أبى يوسف
رحمه الله وفى قوله الأول وهو قول محمد رحمه الله قيمة العبد المستحق وهي معروفة في
كتاب البيوع ان في قوله الآخر بيع العبد من نفسه بمال عند الاستحقاق ثم حكم مبادلة
المال بالمال وفى قوله الأول وهو قول محمد رحمه الله في حكم مبادلة المال بما ليس بمال عند
الاستحقاق أو الرد بالعيب قال وان وكله أن يعتقه على جعل فأعتقه على شاة مذبوحة بعينها
أو على دن خل بعينه فإذا الشاة ميتة والخل خمر فالعتق جائز في الخمر وعلى العبد قيمة نفسه
والعتق باطل في الشاة لأنه ليس في الميتة شبهة المالية فلا يصير بها العتق بعوض بخلاف
الخمر ففيها شبهة المالية فيكون العتق بعوض عند ذكر الخمر فليس في تسمية الشاة ما يوجب
اشتراط العوض لان اسم الشاة يتناول الميتة كما يتناول المذبوحة بخلاف تسمية العبد فان اسم
العبد لا يتناول الا ما هو مال فبذكره يثبت اشتراط العوض ويصير الوكيل ممتثلا أمره قال
وإذا وكل الكافر المسلم بعتق عبده على جعل فأعتقه على خمر أو خنزير جاز لان الوكيل
بالعتق بمال نائب محض لا يتعلق به شئ من الحقوق ولا يثبت له حق المطالبة بالبدل فيكون
المعتبر فيه دين من وقع له العقد وهو المولى كما في النكاح والخلع والخمر والخنزير مال متقوم
في حق الكافر فلهذا صحت التسمية والكتابة في هذا قياس العتق بالجعل لان الوكيل بالكتابة
سفير ومعبر أيضا قال وإذا وكل العبد رجلا ان يشترى له نفسه من مولاه ويسأله له
العتق على مال ففعل ذلك الوكيل والمولى فالعتق جائز والمال على العبد وليس على الوكيل
شئ هكذا ذكر هنا وذكر في موضع آخر من هذا الكتاب ان المال على الوكيل وهكذا
أجاب في الجامع إلا أن هنا في بعض النسخ قال ويسأله العتق وفى بعض النسخ قال يسأله
له العتق فقال بعض مشايخنا رحمهم الله إنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فقوله يسأله
العتق تفسير لأول كلامه وبيان أنه جعل رسولا إلى المولى والمطالبة بالبدل لا تتوجه على
الرسول في شئ من العقود فأما إذا وكله العبد فالجواب على ما قال في الجامع أن الوكيل
هو المطالب بتسليم البدل وفى المسألة روايتان وعيسى بن ابان رحمه الله قال في الصحيح
ما ذكر هنا دون ما قاله في الجامع لان الوكيل من جانب العبد في العتق بجعل يكون سفيرا
ومعبرا بمنزلة الوكيل من جانب المولى (ألا ترى) انه لا يستغنى عن إضافة العقد إلى الآمر
98

وانه ليس إليه من قبض المعقود عليه شئ فلا تتوجه المطالبة بتسليم البدل كالوكيل من جانب
المولى وجه رواية الجامع أن توكيله بشراء العبد لنفسه بمنزلة توكيله بشراء العبد لغيره فكما
أنه هناك يصير المطلوب بتسليم البدل فكذلك هنا بخلاف الوكيل من جانب المولى فان الذي
في جانب المولى اعتاق بمال يشترطه والذي في جانب العبد التزام المال فالوكيل في جانب
المولى يكون وكيلا بالاعتاق فكان معبرا لا تتعلق به حقوق العقد والوكيل في جانب العبد
وكيل بالتزام المال فيكون بمنزلة الوكيل في البيع والشراء فما زاد على هذا من البيان فقد أمليناه
في شرح الجامع قال ولو وكله (2) وهذا بناء على أصلين أحدهما أن العتق يتجزأ عند أبي حنيفة
رحمه الله وعندهما لا يتجزأ والثاني أن عند أبي حنيفة رحمه الله تسمية النصف غير تسمية الكل
والوكيل متى زاد على ما أمر به وأتى بغيره كان مخالفا فهنا الموكل أمره باعتاق النصف وهو
قد سمى الكل فصار مخالفا فلهذا لا يعتق منه شئ وعلى قولهما العتق لا يحتمل التجزء فالتوكيل
باعتاق النصف واعتاق الكل سواء ويكون هو ممتثلا أمر الموكل في اعتاق الكل فلهذا عتق
كله قال ولو وكله أن يعتق العبد كله فأعتق نصفه عتق النصف في قول أبي حنيفة رحمه الله
كما لو أعتق الموكل بنفسه نصفه وهذا لان الوكيل أتى ببعض ما أمره به فلم يكن مخالفا فيعتق
نصفه وعلى العبد أن يسعى في نصف قيمته وعندهما يعتق كله ولا يسعى في شئ لان العتق
عندهما لا يتجزأ قال وإذا وكله أن يعتقه على جعل ولم يسم شيئا فأعتقه على ألف جاز ذلك
استحسانا وعليه ألف درهم إن كان مثله يعتق على مثل ذلك وفى القياس لا يصح اعتاقه لان
البدل المسمى مجهول جهالة متفاحشة فان اسم الألف يتناول كل معدود مالا كان أو غير مال
فلم تصح التسمية وإن لم تصح كان هذا بمنزلة عتق بغير جعل فيكون باطلا من الوكيل ولكنا
استحسنا فقلنا الوكيل ممتثل أمره فان الموكل بنفسه لو أعتقه على هذا كان عتقا بعوض وكان
صحيحا فكذلك الوكيل إذا فعله وهذا لان مطلق التسمية محمول على المتعارف فيما بين الناس
كما أن مطلق تسمية النقد معروف فكذلك مطلق تسمية الألف فإذا كان قيمة العبد ألف درهم
أو مثلها فالظاهر أن المراد بذكر الألف هو الألف درهم لان المعتاد هو الاعتاق بمثل
القيمة أو أقل فصار الثابت بالعادة كالثابت بالنص قال ولو وكله أن يكاتب عبده فكاتبه لم يكن
للوكيل أن يقبض المكاتب لأنه في العقد سفير ومعبر وهو لا يستغنى عن الإضافة إلى
الموكل ولا تتوجه عليه المطالبة بتسليم العوض فلا يكون إليه من قبض البدل شئ وان دفعها
99

إليه المكاتب لم يبرأ لان وكالته قد انتهت بمباشرة العقد فكان هو في قبض البدل كأجنبي
آخر فلهذا لا يستفيد المكاتب البراءة بالدفع إليه قال ولو وكله ان يكاتب عبده فكاتبه على شئ
لا يتغابن الناس في مثله جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله بناء على أصله في اعتبار الاطلاق
ما لم يقم الدليل المقيد كما لو وكله ببيعه ولم يجز عندهما لان التقييد عندهما يثبت بدلالة العرف
وان كاتبه على غنم أو صنف من الثياب أو الموزون أو من المكيل جاز ذلك في قول أبي حنيفة
رحمه الله ولا يشكل بناء على مذهبه في التوكيل بالبيع وعندهما الاختصاص بالنقد هناك
بدليل العرف ولا يوجد ذلك هنا فالاعتاق بغير النقود من الأموال متعارف وكذلك الخلع
والكتابة قال ولو وكله ان يكاتب عبدين له فكاتب أحدهما جاز لأنه أتى ببعض ما أمر به ولا
ضرر فيه على الموكل فيكون هذا بمنزلة الوكيل ببيع العبدين ببيع أحدهما فإنه يجوز على الآمر
فكذلك هنا قال ولو وكله أن يكاتبهما مكاتبة واحدة ويجعل كل واحد منهما كفيلا عن
صاحبه فكاتب أحدهما لم يجز لأنه ترك شرطا فيه منفعة للموكل وهو أن يصير كل واحد
منهما مطالبا بجميع البدل ولان العقد بهذه الصفة لا يصح الا ان كاتبهما معا فكان الموكل
بالتنصيص على هذا الوصف كالشارط عليه أن لا يفرق العقد فإذا فرق كان مخالفا (ألا ترى)
انه لو قال بعه من فلان برهن فباعه بغير رهن لم يجز وكذلك لو قال بعه من فلان بكفالة فباعه
من غير كفالة لم يجز بخلاف ما لو قال بعه بشهود فباع بغير شهود حيث يجوز لان الرهن
والكفالة إنما يشترطان في العقد ويصير مستحقا بالشرط وحرف الباء للوصل فإنما أقر أن يصل
شرط الكفالة والرهن بالبيع فإذا لم يفعل كان مخالفا لامره فأما الشهود فلا يتحقق اشتراطهم
في البيع فلا يخرج هو بهذا اللفظ من أن يكون مأمورا بمطلق البيع قال ولو وكله ان يكاتب
عبده ثم كاتبه المولى فعجز فليس للوكيل ان يكاتبه لان ما قصده الموكل بتصرف الوكيل
قد حصل له بمباشرته فتكون مباشرته عزلا للوكيل ثم بعجز المكاتب لا تنفسخ الكتابة من
الأصل ولكن ترتفع في الحال لان السبب مقصور على الحال وهو العجز عن تسليم البدل بعد
توجه المطالبة به فلهذا لا تعود وكالة الوكيل قال ولو وكله ان يكاتبه أو يبيعه ثم قتل العبد رجلا
خطأ ثم فعل الوكيل ذلك وهو يعلم أو لم يعلم جاز ما صنعه الوكيل لان استحاق العبد بجنايته
لا يمنع الموكل من التصرف فيه بالبيع والكتابة فلا يوجب عزل الوكيل أيضا وابتداء التوكيل
صحيح بعد جناية العبد فلان يبقى أولى ثم على المولى قيمته ولا يصير مختارا للدية وان علم بذلك
100

لان التوكيل قبل الجناية وهو لا يصير مختار بفعل منه سبق جناية العبد ولم يوجد بعد الجناية
من المولى فعل يصير به مختارا ولكنه صار مستهلكا للعبد فعليه قيمته كما لو دبره قبل جنايته
وأشار في موضع من الزيادات إلى أن استمرار الوكالة بعد العلم بالجناية بمنزلة انشاء التوكيل
لكونه متمكنا من العزل فيصير به مختارا للفداء وقد بينا هذا فيما أمليناه من شرح الزيادات
ولو قال بع عبدي هذا أو كاتبه أو أعتقه على مال فأي ذلك فعل الوكيل جاز لأنه خيره بين
التصرفات الثلاثة وان قال كاتب عبدي هذا أو هذا فله ان يكاتب أيهما شاء لان المولى خيره
بينهما بحرف أو فان كاتب كل واحد منهما على حدة جازت مكاتبة الأول لأنه وكيل بكتابة
أحدهما فإذا كاتب الأول انتهت وكالته وليس له أن يكاتب الآخر بعد ذلك وان كاتبهما معا
فكتابتهما باطلة إذا جعل النجوم واحدة لان هذا بمنزلة عقد واحد (ألا ترى) انه لا يقبل
أحدهما دون لآخر وهو غير مأمور بمكاتبتهما جميعا فإذا تعذر تنفيذ العقد فيهما ولا وجه
لتصحيح واحد منهما لأنهما في حكم هذا العقد كشخص واحد تعينت جهة البطلان في هذا
العقد وإن لم يجعل النجوم واحدة فالخيار إلى المولى يختار أيهما شاء بحصته من ذلك ويحبس
الاخر لان تصحيح العقد في أحدهما ممكن فان العقد متفرق فهو في كتابة أحدهما ممتثل أمر
المولى وفسخ العقد في أحدهما ويكون الخيار إلى المولى لان الوكيل معبر عنه فلا يكون إليه
من خيار البيان شئ كالطلاق والعتاق وهذا لان الكتابة في حكم الاسقاط دون التمليك لأنه
فك الحجر واسقاط حقه من ملك اليد حتى يصير للمكاتب كما أن في الاعتاق اسقاط الحق عن
أصل ملكه لأن يكون تمليكا من العبد والجهالة إنما تمنع الصحة في التمليكات لا في الاسقاطات
فاما في النكاح لو وكله أن يزوجه أي هاتين فزوجهما منه لم يصح نكاح واحدة منهما لان
النكاح من عقود التمليكات فلا يمكن تصحيحه فيهما لأنه مأمور بتزويج إحداهما ولا يمكن
تصحيحه في إحداهما بعينها لأنه ليست إحداهما بأولى من الأخرى ولا في إحداهما بغير عينها
لان النكاح لا يثبت في المجهول وعن أبي يوسف رحمه الله انه جعل النكاح كالكتابة فقال يجوز
في إحداهما بغير عينها والبيان إلى الزوج وهو قوله الأول وقد رجع عنه فأما في البيع إذا باعها
جميعا فلا يجوز البيع في واحد منهما لان البيع تمليك لا يثبت في المجهول ولا يمكن تصحيحه
فيها لأنه لم يكن مأمورا ببيعها قال ولو وكله ان يكاتب عبده يوم الجمعة فقال الوكيل يوم
السبت قد كاتبته أمس بعد الوكالة على كذا وكذبه المولى فالقول قوله في القياس لأنه أقر
101

بالعقد في حال لا يملك استئنافه فان بمضي يوم الجمعة قد انتهت وكالته ولكن استحسن فجوز
اقراره فكان مسلطا على مباشرة العقد في وقت معلوم وقد أخبر بما سلطه عليه وأدى الأمانة
على وجهها وهذا لان التوقيت من المولى كان في مباشرة العقد لا في الاقرار به فجعل في
حق الاقرار كان التوكيل كان مطلقا فإذا أقر به كان اقراره صحيحا وعلى هذا البيع والإجارة
والخلع والعتق على مال قال ولو وكله أن يكاتبه فقال الوكيل وكلني أمس وكاتبته آخر النهار
بعد الوكالة وقال رب العبد إنما وكلتك اليوم فالقول قول رب العبد لأنه لو أنكر التوكيل
أصلا كان القول قوله فكذلك إذا أنكر التوكيل أمس وإذا لم يثبت التوكيل في الوقت الذي
أضاف الوكيل مباشرة العقد إليه كان العقد باطلا ولو قال أي هذين الرجلين كاتبه فهو جائز
فأيهما كاتبه جاز وهذا استحسان وقد تقدم بيانه ان الوكالة مبنية على التوسع والجهالة المستدركة
فيها تمنع الجواز وكذلك لو قال وكلت أحد هذين الرجلين أن يكاتبه فهذا والأول سواء
وأيهما كاتبه جاز قال ولو وكل رجلا بأن يكاتب عبده فأبى العبد أن يقبل ثم بدا له في قبول
ذلك فكاتبه الوكيل جاز لان باباء العبد في الابتداء لا ينعزل الوكيل فان العبد لا يملك عزل
الوكيل عن كتابته وإذا بقيت الوكالة نفذت الكتابة بقبول العبد كما لو قبل في الابتداء
والله أعلم بالصواب
(باب وكالة المضارب والشريك فيه)
(قال رحمه الله) وتوكيل المضارب بالبيع والشراء والقبض والخصومة وغير ذلك من
أسباب المضاربة جائز لان للمضارب إقامة الاعمال كلها بنفسه فيحتاج إلى الاستعانة بغيره
في بعض الاعمال ولما دفع رب المال إليه المال مضاربة على علمه بذلك فقد صار آذنا له في
الاستعانة بالغير فيما يعجز عن مباشرته بنفسه قال ولو وكل المضارب رجلا أن يشترى له
عبدا بالمضاربة فاشترى له أخا رب المال فالشراء جائز على المضارب دون رب المال لان شراء
وكيل المضارب بمنزلة شراء المضارب بنفسه وهو لو اشترى أخا رب المال كان مشتريا لنفسه
لان رب المال إنما أمره أن يشترى بمال المضاربة ما يمكنه ان يبيعه ليحصل الربح بتصرفه وهو
لا يحصل بشراء أخي رب المال لأنه لو جاز شراؤه على رب المال عتق عليه فلهذا جعلناه مشتريا
لنفسه ويضمن مال المضاربة إذ هو في يمينه قال وان اشترى أخا المضارب فإن لم يكن فيه فضل
102

فهو جائز على المضاربة لان شراء الوكيل كشراء المضارب بنفسه ولو اشترى أخا نفسه
بمال المضاربة جاز على المضاربة إن لم يكن فيه فضل لأنه شريك في الربح فإذا لم يحصل الربح
لا يملك المضارب شيئا منه فيتمكن من بيعه بعد الشراء وإن كان فيه فضل كان الشراء على
المضارب خاصة لأنه لو جاز على المضاربة عتق عليه حصته من الربح فلا يملك بيعه فلهذا كان
مشتريا لنفسه قال وإذا وكل المضارب وكيلا في الخصومة في دين المضاربة فأقر الوكيل عند
القاضي أو المضارب قد قبض ذلك الدين فهو جائز الا على قول زفر رحمه الله لان الوكيل
بالخصومة مطلقا يملك الاقرار ويكون اقراره كاقرار الموكل بنفسه ولو أقر المضارب بين
يدي القاضي بقبض الدين الواجب بإدانته صح اقراره فكذلك اقرار وكيله وان قال المضارب
لم أقبضه منه برئ الغريم ولا ضمان على المضارب لان اقراره الوكيل إنما يصح باعتبار أنه
وكيل بجواب الخصم وذلك فيما بين الوكيل والخصم وليس من ضرورة براءة الغريم وصول
المال إلى المضارب فلهذا لا يقبل اقرار الوكيل في ايجاب الضمان على المضارب لأنه ما وكل
بذلك قال وهذا بمنزلة قول الوكيل قد أخذته فدفعته إليك وقال المضارب لم تدفعه إلى
وكذا اقرار الوكيل بالقبض صحيح في براءة الغريم غير مقبول في ايجاب الضمان على المضارب
فكذلك هنا قال ولو وكل المضارب رجلا بقبض مال المضاربة من رب المال أو بدفع شئ من
المال إلى رب المال كان جائزا لأنه وكله بما يملك مباشرته بنفسه فيصير الوكيل قائما مقامه
في مباشرته قال وإذا أمر رب المال المضارب ان ينفق على أهله فوكل المضارب وكيلا بالنفقة
عليهم فهو جائز لأنه مأمور بايصال مقدار حاجتهم من المال الذي في يده إليهم فلا فرق بين
ان يوصل ذلك بنفسه أو بنائبه وهذا لان من له النفقة له ان بمد يده إلى هذا المال ويأخذ
منه مقدار حاجته إذا ظهر به ولان أمر رب المال بالدفع إلى أهله بمنزلة أمره بالدفع إليه ولا
فرق بين ان يدفع بنفسه أو بوكيله فان قال الوكيل أنفقت مائة درهم عليهم وقال المضارب
أنفقت مائتي درهم في مدة ينفق مثلها على مثلهم وقال رب المال ما أنفقت عليهم شيئا فالقول
قول المضارب وقد ذهب من المال مائة درهم كما لو ادعى انه أنفق بنفسه وهذا لان المال
في يده وهو أمين فيما في يده من المال فلو ادعى الرجل على رب المال كان القول قوله
فكذلك إذا ادعى الانفاق على أهله بأمر ولا يضمن الوكيل شيئا لأنه كان أمينا فيما أمره
به ولم يوجد منه سبب يوجب الضمان عليه فلهذا لا يصير ضامنا شيئا وكذلك كل وكيل يدفع
103

إليه المال ويؤمر بالنفقة على شئ من الأشياء فهو جائز وهو مصدق في النفقة على ذلك
بالمعروف لأنه أمين أخبر بأداء الأمانة بطريق محتمل قال وان وكل المضارب وكيلا ينفق
على رقيق من المضاربة ولم يدفع إليه مالا فقال الوكيل أنفقت عليه كذا وكذا وكذبه المضارب
فان الوكيل لا يصدق لأنه يدعي لنفسه دينا في ذمة المضارب فان المال لم يكن في يده ليكون
أمينا فيما يخبر به من الانفاق ولكنه يزعم أنه أنفق من مال نفسه ليكون ذلك دينا في ذمة
من أمره وهو غير مصدق في مثله ألا ببينة وكذلك لو وكله في مال نفسه ينفق على رقيقه
فهذا والأول سواء قال وان وكل المضارب رجلا يشترى له متاعا بعينه من المضاربة ولم يدفع
المال إليه فجاء رب المال واخذ المال وناقض المضاربة لا يمنع ابتداء التوكيل فلا يمنع بقاء التوكيل
أيضا بالطريق الأولى وإذا بقيت الوكالة كان شراء وكيل المضارب كشراء الضارب بنفسه
فإنما ينفذ العقد على المضارب خاصة لان عقد المضاربة قد انفسخ باسترداد رب المال ماله
قال ولو وكل المضارب عبدا من رقيق المضاربة ثم إن رب المال نهى المضارب عن البيع
ونقض المضاربة ثم باعه الوكيل وهو لا يعلم أو يعلم فبيعه جائز لان المال بعد ما صار عروضا
بملك رب المال فيه نهى المضارب عن التصرف فكان وجود النهى كعدمه وكذلك لو مات
رب المال ثم باعه الوكيل أو وكله المضارب بعد موته فباعه لأنه يملك مباشرة البيع بنفسه
بعد موت رب المال فإنه شريك في الربح والربح إنما يظهر ببيع المشترى فكان تصرفه من وجه
بنفسه فلهذا لا يمتنع بموت رب المال ولا ببيعه قال ولو وكله بشراء عبد بألف درهم من
المضاربة ثم مات رب المال ثم اشترى العبد لزم المضارب خاصة لان عقد المضاربة انفسخ
بموت رب المال حين كان المال نقدا حتى لا يملك المضارب بعد ذلك التصرف فيه فيكون
هذا بمنزلة استرداد رب المال ماله وقد بينا أن هناك الوكالة تبقى ولكن الوكيل يصير
مشتريا للمضارب خاصة فكذلك هنا قال وإذا اشترى أحد المتفاوضين عبدا فوجد به عيبا
فوكل وكيلا في رده أو كان شريكه هو الذي يخاصم فيه لم يكن بد من أن يحضر الذي
اشترى حتى يحلف ما رضى بالعيب وقد بينا فيما سبق أن القاضي لا يقضى بالرد الا بعد هذه
اليمين ولا يمكن استحلاف الوكيل ولا الشريك إذا كان يخاصم بنفسه لان النيابة لا تجرى
في اليمين وإن كان الذي اشترى حاضرا يخاصم فطلب البائع يمين شريكه ما رضى بالعيب لم
يكن له عليه يمين لان الاستحلاف ينبنى على توجه الخصومة ولا خصومة للبائع مع الشريك
104

لأنه لم يعامله بشئ وكذا ان وكل أحدهما وكيلا بالخصومة في عبد باعه وطعن المشترى
فيه بعيب ورده لم يكن عل الوكيل فيه يمين لان الوكيل فيه نائب ولا نيابة في اليمين وان
أراد المشترى ان يخاصم الشريك الآخر ويحلفه على علمه لان كل واحد من الشريكين في
المفاوضة قائم مقام صاحبه فيما يدعى عليه فإنهما في الحكم كشخص واحد ولكن الاستحلاف
على فعل الغير يكون على العلم ولا يكون على البتات قال وإذا وكل أحد المتفاوضين وكيلا
بشئ هو بينهما ثم نقضاها واقتسما وأشهدا انه لا شركة بينهما ثم أمضى الوكيل ما وكل به وهو
يعلم أو لا يعلم جاز ذلك عليهما لان توكيل أحدهما في حال بقاء عقد المفاوضة كتوكيلهما
فصار وكيلا من جهتهما جميعا فلا ينعزل بنقضهما الشركة بينهما قال وإذا وكل أحد شريكي
العنان وكيلا ببيع شئ من شركتهما جاز عليه وعلى صاحبه استحسانا وكان ينبغي في القياس
أن لا يجوز لان كل واحد من الشريكين وكيل من جهة صاحبه بالتصرف وليس للوكيل
ان يوكل غيره إذا لم يأمره الموكل بذلك ولكنه استحسن فقال كل واحد من الشريكين في
حق صاحبه بمنزلة وكيل فوض إليه الامر على العموم لان مقصودهما تحصيل الربح وذلك
لا يحصل بتصرف واحد فصار مأذونا من جهة صاحبه بالتوكيل فيما يعجز عن مباشرته بنفسه
كما بيناه في المضارب وهذا لان كل واحد منهما رضى بتصرف صاحبه فيما هو بصدده من
التجارة والتوكيل من التجارة فلهذا نفذ من كل واحد منهما على صاحبه قال وان وكله ببيع
أو شراء أو إجارة أو تقاضى دين ثم أخرجه الشريك الآخر من الوكالة فكان له أن يخرجه من
الوكالة في جميع ذلك الا في تقاضى الدين خاصة لأنه كما جعل توكيل أحدهما في التصرف
بمنزلة توكيلهما فكذلك عزل أحدهما عن التصرف بمنزلة عزلهما إلا في تقاضى الدين فان سبب
وجوب الدين هو الذي يختص بقبضه على وجه لا يملك شريكه نهيه عن ذلك فكذلك نهى
وكيله * توضيحه أن الشريك الآخر لما جعل في هذا الدين بالقبض بمنزلة سائر الأجانب
فكذلك في عزل الوكيل يجعل بمنزلة سائر الأجانب فلهذا لا يصح منه النهى قال وإن كان
الموكل هو الذي أدانه لم يصح اخراج هذا الآخر الوكيل من التقاضي لما بينا وإن كان الذي
أدانه هو الشريك الآخر فتوكيل الشريك بقبضه لا يصح لأنه لا يملك مباشرة القبض بنفسه
فكذلك لا يوكل به غيره والله أعلم بالصواب
105

(باب مالا تجوز فيه الوكالة)
(قال رحمه الله) وإذا وكل الرجل وكيلا بطلب قصاص في نفس أو في فيما دون النفس
لا يجوز فان وكله بإقامة البينة على ذلك جاز التوكيل في قول أبي حنيفة رحمه الله عنه رضا
الخصم أو مرضه أو غيبته وعند محمد رحمه الله على كل حال وعلى قول أبى يوسف رحمه الله لا
يجوز التوكيل بذلك وجه قوله أن الوكيل يقوم مقام الموكل في دعوى القصاص والقصاص
لا يثبت بما يقوم مقام الغير كما لا يثبت بالشهادة على الشهادة وشهادة النساء مع الرجال وهذا
لأن هذه عقوبة تندرئ بالشبهات وفيما يقوم مقام الغير ضرب شبهة في العادة وهو إنما يوكل
ليحتال الوكيل لاثباته وفى القصاص إنما يحتال لاسقاطه لا لاثباته (ألا ترى) ان التوكيل
باستيفاء القصاص لا يجوز باعتبار انه يندرئ بالشبهات فكذلك باثباته وقد ذكر في بعض
المواضع قول محمد رحمه الله كقول أبى يوسف رحمه الله وجه قول أبي حنيفة رحمه الله انه
وكل بما يملك مباشرته بنفسه وإذا وقع الغلط أمكن التدارك والتلافي فصح التوكيل كما في
الأموال بخلاف استيفاء القصاص فإنه إذا وقع فيه الغلط لا يمكن التدارك والتلافي فاما
اثبات القصاص فكاثبات سائر الحقوق من حيث إنه إذا وقع فيه الغلط أمكن التدارك
والتلافي وعلى هذا الخلاف إذا وكل المطلوب بالقصاص وكيلا بالخصومة في دفع ما
يطالب به وكلام أبي حنيفة رحمه الله في هذا الفصل أظهر لان دفع القصاص جائز بمن
يقوم مقام الغير (ألا ترى) ان الشهادة على الشهادة وشهادة النساء مع الرجال في العفو
صحيحة ولكن هذا الوكيل لو أقر في مجلس القضاء بوجوب القصاص على موكله لم يصح
اقراره استحسانا وفى القياس يصح لأنه قام مقام الموكل بعد صحة التوكيل (ألا ترى)
أن في سائر الحقوق جعل اقراره كاقرار الموكل وكذلك في القصاص وفى الاستحسان
يقول اقرار الوكيل قائم مقام اقرار الموكل والقصاص لا يستوفى بحجة قائمة مقام غيرها
* توضيحه انا حملنا التوكيل على الجواب لان جواب الخصم من الخصومة ولكن هذا
نوع من المجاز فاما في الحقيقة فالاقرار ضد الخصومة فيصير ذلك شبهة فيما يندرئ
بالشبهات دون ما يثبت مع الشبهات وكذلك في التوكيل باثبات حد القذف أو دفعه من
جهة القاذف فأما التوكيل باثبات المال في السرقة فقد طلب بالاتفاق لان المقصود اثبات
106

المال والمال يثبت مع الشبهات (ألا ترى) أن بالشهادة على الشهادة وشهادة النساء مع الرجال
تثبت فأما التوكيل باثبات الحد فهو على الخلاف الذي بينا قال وإذا قتل العبد عند المستودع
أو عند المستعير فليس لهما أن يستوفيا القصاص وان وكلهما بذلك صاحبه لان من الجائز أن
صاحب العبد عفى فلو استوفينا القصاص كان استيفاء مع تمكن الشبهة وذلك لا يجوز يدل
عليه أن وجوب القصاص باعتبار الدم والمستودع والمستعير ليسا بخصمين في الدم وإنما
خصومتهما فيما يتناوله الايداع والإعارة وكذلك عبد من المضاربة أو عبدان شريكان
شركة عنان أو مفاوضة قتل عمدا وأحدهما غائب فليس للحاضر أن يقتل قاتله وان وكله
الغائب بذلك لتمكن شبهة العفو من رب المال أو من الشريك الغائب قال وإذا كان للرجل
عبد في يدي رجل فقال الرجل انطلق فاشتر عبدي من فلان لنفسك فذهب فاشتراه
ولم يكن رب العبد وكل البائع بالبيع فان هذا البيع يجوز ويكون أمره للمشترى بالشراء
وكالة للبائع بالبيع وذكر بعد هذا انه لا يجوز وقيل إنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع
فالمراد هنا انه لما أتاه أخبره بما قال له المالك فيصير ذو اليد وكيلا لعلمه بوكالة المالك إياه ومراده
بما ذكر بعد هذا أنه لم يخبره بذلك ولكنه قال له بع هذا العبد منى فلا يصير ذو اليد وكيلا
ما لم يعلم بتوكيل المالك إياه وان حملنا المسألة على الروايتين فيما إذا لم يخبره فوجه الرواية التي
قال لا يجوز البيع أن البائع لم يرض بالتزام العهدة حين لم يعلم بالوكالة (ألا ترى) انه لو وكله
بالبيع مقصودا لا بحضرته لا يصير وكيلا ما لم يعلم به فكذلك إذا كان التوكيل ضمنا لامر
المشترى بشرائه ووجه هذه الرواية أن رضا المالك قد تم بهذا العقد والمشترى إنما أقدم على
الشراء باعتبار تمام الرضا من المالك فلو لم ينفذ البيع صار مغرورا من جهة المالك ويلحقه
الضرر فيه والضرر مدفوع في الشرع وما زاد على هذا البيان قد بيناه فيما أمليناه من شرح
الزيادات قال وكذلك إذا قال اقبض ديني من فلان كان جائزا وليس للذي عليه الدين ان
يمتنع من دفعه وهذا ظاهر فإنه وكل القابض بالقبض هنا وقد علم القابض بوكالته ولا
معتبر بعلم المديون بعد أن يثبت وكالته وكذلك لو وكله بقبض الوديعة والعارية وما أشبههما
قال أرأيت لو قال للعبد انطلق إلى فلان حتى يكاتبك فكاتبه فلان أما كان يجوز أو قال
انطلق إليه حتى يعتقك فأعتقه أما كان يعتق أو قال لامرأته انطلقي إليه حتى يطلقك وطلقها
فلان أما يقع الطلاق عليها والفرق بين هذه الفصول وبين البيع على الرواية الأخرى ظاهر
107

لان حقوق العقد لا تتعلق بالعاقد في هذا الموضع بخلاف البيع قال ولو أمر رجلا أن يطلق
امرأته أو بعتق عبده ثم قال للمرأة والعبد قد نهيت فلانا عن ذلك فلم يعلم الوكيل بالنهي حتى
طلق أو أعتق وقع وان علم بالنهي لم يقع وكذلك في الفصل الأول ان نهاهما بعد ذلك
لا يعمل النهى في حق فلان ما لم يعلم به ولا فرق بين أن يثبت التوكيل بخطاب خاطب به
الوكيل وبين أن يثبت ضمنا بخطاب خاطب به المرأة والعبد فإنه بعد ما صار وكيلا لا ينعزل
ما لم يعلم بالعزل قال وإذا قال الرجل لرجل اذهب بثوبي هذا إلى فلان حتى يبيعه أو اذهب
إلى فلان حتى يبيعك ثوبي الذي عنده فهو جائز في الوجهين وهو اذن منه لفلان في بيع
ذلك الثوب ان أعلمه المخاطب بما قاله المالك جاز بيعه رواية واحدة وإن لم يعلمه ففيه روايتان
وكذلك لو قال اذهب بهذا الثوب إلى القصار حتى يقصره أو إلى الخياط حتى يخيطه قميصا
فهذا اذن منه للقصار والخياط في ذلك العمل حتى لا يصير ضامنا بعلمه بعد ذلك والله
أعلم بالصواب
(باب وكالة العبد المأذون والمكاتب)
(قال رحمه الله) وكل ما جاز لهما ان يفعلاه جاز لهما أن يوكلا به من يفعله لان
الحجر قد انفك عنهما فيما هو من عمل التجارة أو سبب اكتساب المال والتوكيل من هذه
الجملة فيصح منهما وبعد صحة الوكالة فعل الوكيل كفعل الموكل بنفسه وكل ما يجوز للموكل
أن يفعله جاز لوكيله أن يفعله قال وليس للعبد المأذون أن يتزوج ولا يكاتب عبده لان هذا
من عقود التجارة وانفكاك الحجر في حقه مقصور على التجارة فإذا أذن له المولى في ذلك
فوكل به وكيلا لم يجز لأنه نائب عن المولى في هذا العقد بمنزلة الوكيل (ألا ترى) أنه يعمل بهبة
عنه مع بقاء الاذن له في التجارة والوكيل لا يملك أن يوكل غيره بمباشرة ما وكل به فإذا حجره
مولاه أو عجز المكاتب عن كتابته انقطعت وكالة وكيله في البيع والشراء ونحوهما لأنه
عجز عن مباشرة التصرف في نفسه وصحة التوكيل كانت باعتباره ولو وكله ابتداء بعد الحجر
لم يجز فكذلك إذا طرأ الحجر على الوكالة لان المقصود بنفس التوكيل لا يحصل والطارئ
قبل حصول المقصود بالسبب كالمقترن بأصل السبب فاما إذا كان التوكيل بقضاء الدين أو
التقاضي لم يبطل ذلك التوكيل بالعجز ولا بالحجر على المأذون لأنه في كل شئ ولاه العبد
108

لا يسقط المطالبة عنه بالحجر عليه بل يبقى هو مطالبا بايفائه وله ولاية المطالبة باستيفاء
ما وجب له لان وجوبه كان بعقده فإذا بقي حقه بقي وكيله على الوكالة فيه قال ولو وكله
ابتداء بعد الحجر صح أيضا فان باعه باذن الغرماء أو مات بطلت وكالة الوكيل في جميع ذلك
لأنه حين خرج عن ملكه لم يبق له حق المطالبة بالاستيفاء ولا يبقى هو مطالبا بإيفاء شئ
في حالة الرق فتبطل وكالة الوكيل حكما بخروج الموكل من أن يكون مالكا لذلك التصرف
قال وليس لمولى العبد أن يتقاضى دينه كان عليه دين أو لم يكن لأنه إن كان عليه دين فكسبه
حق غرمائه والمولى منه كسائر الأجانب ما لم يفرغ من الدين وإن لم يكن عليه دين فوجوب
المال بعقد العبد ولا يكون هو في هذا دون الوكيل وما وجب من الثمن بعقد الوكيل لا يملك
الموكل المطالبة به فهنا أولى وكذلك ليس للمولى أن يوكل بذلك وكيلا لأنه لا يملك المباشرة
بنفسه فلا يوكل به غيره أيضا فان اقتضى هو شيئا أو وكيله جاز إن لم يكن على العبد دين لأنه
خالص حق المولى لو قبضه العبد سلمه إلى المولى فإذا قبضه المولى أو من وكله جاز كما في
الموكل إذا قبض الثمن بتسليم المشترى إليه وإذا كان على العبد دين لم يجز لان حق الغرماء
متعلق بكسبه فالمولى كأجنبي آخر (ألا ترى) أنه لو قبض شيئا من أعيان كسبه كان
ضامنا بمنزلة أجنبي آخر فلهذا لا يبرأ الغريم بالدفع إليه والوديعة والبضاعة في هذا قياس الدين
قال ولو أذن له المولى في التزويج فوكل العبد وكيلا بذلك فرجع المولى عن الاذن في التزويج
فان علم به الوكيل خرج عن الوكالة وإذا لم يعلم به فهو على وكالته لان العبد في هذا التوكيل
نائب عن المولى حتى لا يملك التوكيل الا بإذن المولى فهذا الوكيل بمنزلة الوكيل من جهة
المولى ثم نهيه العبد عن أن يتزوج عزل لوكيله لأنه يظهر بهذا انه غير راض بعيب العبد
بالنكاح وتعلق المهر والنفقة بماليته وفى هذا لا يفترق الحال بين عقد العبد وعقد الوكيل
فعرفنا أنه بمنزلة العزل للوكيل قصدا فان علم به صار معزولا وإن لم يعلم به لا يصير معزولا
قال ولو وكل العبد بتقاضي دينه وكيلا ثم باعه المولى باذن الغرماء أو مات العبد خرج وكيله
من الوكالة سواء علم به أو لم يعلم كان على العبد دين أو لم يكن لان العزل هنا ثبت حكما
لخروج موكله من أن يكون مالكا لذلك التصرف وفى مثله لا يشترط علم الوكيل ولو لم
يكن على العبد دين فالمولى يتقاضاه لان الحق تخلص له وإن كان عليه دين نصب القاضي
وكيلا بتقاضي الدين ليقضى به حق الغرماء لان الحق للغرماء ولكنهم عاجزون عن التقاضي
109

بأنفسهم فينصب القاضي عنهم وكيلا بمنزلة التركة إذا كان على الميت دين وله دين على انسان
فاما إذا أعتق المولى العبد فالوكيل على وكالته لان حق العبد في المطالبة والقبض لا يبطل بعتقه
بل يتقوى وكذلك لو كاتبه باذن الغرماء لان حق القبض إليه بعد الكتابة كما كان قبلها وإذا
قال الوكيل قبضته قبل الحجر أو قبل موته لا يصدق لأنه أخبر بما يملك استئنافه وقد صار
الحق للمولى بعد الحجر إذا تحقق ذلك ببيعه فهو بهذه الدعوى يريد ابطال حق المولى فلم
يكن مصدقا في ذلك قال ولو أن عبدا تاجرا له دين على رجل وله به كفيل فوكل رجلا
بتقاضي دينه ليتقاضى دينه على فلان كان له أن يتقاضاه من الكفيل أيضا لأنه أقامه مقام نفسه
في المطالبة بذلك الدين وله أن يطالب الكفيل والأصل جميعا وكذلك لمن قام مقامه وهذا
الأصل معروف في كتاب الكفالة ان أصل الدين في ذمة الأصيل وإنما يطالب الكفيل بما على
الأصيل والوكيل صار مالكا المطالبة بالدين على الأصيل سواء طالب الكفيل أو الأصيل
فإنما طالب بذلك الدين قال ولو ادعى دارا في يدي رجل فوكل رجلا بالخصومة فيها وبقبضها
فباعها ذو اليد وقبضها المشترى كان للوكيل أن يخاصم المشترى لان وكالته بالخصومة
كانت مقيدة بالدار لا بالبائع ففي يد من وجدت الدار يكون له أن يخاصمه لأنه إنما يخاصم في
العين التي وكله بالخصومة فيها قال ولو وكله بخصومة فلان في هذه الدار لم يكن له أن يخاصم
المشترى لأنه قيد الوكالة بخصومة البائع وهذا تقييد مفيد فقد يقاوم الانسان انسانا في
الخصومة ولا يقاوم غيره وهو نظير ما لو وكله بأن يبيع عبده هذا كان له ان يبيعه ممن بينا
وان قال له بعه من فلإن لم يكن له أن يبيعه من غيره وهذا بخلاف ما إذا وكل ذو اليد
وكيلا بالخصومة معروفا بين الناس فلما وكله بالخصومة مع ذي اليد مع علمه ان ذا اليد قد
يوكل غيره بالخصومة فيه كان هذا رضا منه بالخصومة مع وكيله وهذا لان القضاء إذا توجه
على الوكيل يكون على الموكل خاصة والوكيل نائب عنه فلهذا ملك ان يخاصم وكيله وهذا
لا يوجد في حق المشترى لأنه بالشراء يصير مالك فإنما يخاصم عن نفسه ولا يكون نائبا عن
البائع فلهذا فرقنا بينهما قال ولو وكله أن يخاصم فلانا في هذه الدار فإذا الدار في يدي غير
فلإن لم يكن له أن يخاصم غير فلان ولا فلانا لان الدار ليست في يديه والخصومة في دعوى
الملك المطلق إنما تكون مع ذي اليد والوكالة كانت مقيدة بالخصومة مع فلان فلا يملك ان
يخاصم في هذه الوكالة غير فلان وإن لم يسم له أحدا كان له أن يخاصم من وجد الدار في يده
110

لان الوكالة هنا مقيدة بالخصومة في العين فإذا خاصم فيه ذا اليد فإنما يخاصم في تلك العين
فلهذا سمعت خصومته قال ولو كانت الدار في يدي العبد فوكل وكيلا بالخصومة فيها لفلان
المدعى فادعاها آخر لم يكن الوكيل وكيلا في خصومة هذا الثاني وهو وكيل في خصومة
الأول وخصومة وكيله لأنه قيد الوكالة بالخصومة مع فلان فلهذا يملك ذلك قال وإذا وكل
العبد التاجر وكيلا ببيع أو شراء أو رهن وغير ذلك فأخرج المولى الوكيل من الوكالة فليس
ذلك بشئ وهو على وكالته إن كان على العبد دين أو لم يكن لأنه حجر خاص في اذن عام
وذلك باطل (ألا ترى) ان المولى بنفسه لو نهى العبد عن ذلك التصرف ولم يحجر عليه
لا يعمل نهيه فكذلك إذا منع وكيله منه أو هذا بمنزلة النهى عن التوكيل وكما لا يملك نهيه
عن تصرف آخر مع بقاء اذنه فكذلك لا يملك نهيه عن التوكيل لان ذلك من
صنع التجار لا يملك اخراج وكيله قال ولو أن العبد وكل مولاه بشئ من ذلك كان جائزا كما
لو وكل غير المولى به وليس للمولى بمطلق التوكيل ان يوكل به غيره ولكن لو وكل به غيره
فباشره الوكيل فإن لم يكن على العبد دين جاز لا بالتوكيل السابق من العبد ولكن ما تصرف
فيه خالص ملك المولى لان المولى لو باشره بنفسه صح وإن لم يسبق التوكيل من العبد
فكذلك إذا وكل به غيره وإن كان عليه دين لم يجز لأنه لا يملك مباشرة هذا التصرف بنفسه
إذا لم يسبق التوكيل من العبد فان كسبه حق غرمائه والوكيل لا يملك ان يوكل غيره قال
وإذا وكل العبد وكيلا بخصومة في شئ له ثم حجره مولاه بطلت وكالة الوكيل لما بينا فان أذن
له في التجارة لم يكن الوكيل وكيلا في ذلك وكذلك البيع والشراء وما أشبههما لان هذا اذن
حادث غير الأول ووكالته كانت بحكم الاذن الأول فإن لم يعد ذلك لم يعد هذا (ألا ترى) انه
لو كان تصرف بنفسه قبل الاذن لا ينفذ بالاذن الحادث فكذلك إذا كان الوكيل في الأول
لا يملك التصرف به في الاذن الثاني قال ولو كان العبد التاجر بين رجلين وكل وكيلا بشئ
من ذلك ثم حجر عليه أحدهما وعلم به الوكيل كان على وكالته ويجوز ما صنع في حصة الذي لم
يحجر عليه لأنهما لو حجرا عليه لم يجز تصرف الوكيل في حقهما بعد ذلك فكذلك إذا حجر
عليه أحدهما جعلا في حقه كأنهما حجرا عليه وفى حق الآخر كأنه لم يحجر عليه واحد منهما
ولان في الابتداء لو كان اذن له أحدهما جاز توكيله بالتصرف في حصة الذي اذن له فكذلك
يبقى الوكيل باعتبار بقائه مأذونا له في نفسه فاما في تقاضى الدين فيجوز قبضه في نصيبهما جميعا
111

لأنهما لو حجرا عليه لم يؤثر الحجر في منع الوكيل من قبض الدين بالتقاضي وكذلك إذا حجر
عليه أحدهما قال وإذا وكل العبد مولييه ببيع شئ أو شرائه ثم حجرا عليه ثم اذنا له في التجارة
وعليه دين ثم باعا ما كان وكلهما ببيعه لم يجز ذلك إلا بوكالة مستقلة لان الموليين في هذه
لوكالة كغيرهما من الأجانب فان كسب العبد إذا كان مشغولا بالدين لا يملك المولى التصرف
فيه إلا بتوكيل وقد بينا أن الوكالة في الاذن الأول لا تكون سببا لنفوذ تصرفه في الاذن
الثاني في حق الأجانب فكذلك في حق المولى قال وليس للعبد ان يوكل وكيلا بخصومة
أحد يدعى رقبته أو يدعى جراحة جرحها إياه العبد أو جرح هو العبد ولا بالصلح في ذلك
لأنه ليس بخصم في هذه الأشياء بنفسه بل الخصم فيها مولاه وإنما يملك التوكيل بالخصومة
فيما يملك مباشرة الخصومة فيه بنفسه فاما فيما لا يملكه بنفسه فلا يملك إنابة الوكيل فيه مناب
نفسه وله أن يوكل بذلك في خصومة آخر جنى على عبده من كسبه أو جنى عبده عليه
أو يدعى رقبته لأنه في كسبه خصم يملك مباشرة الخصومة بنفسه فيملك ان يوكل غيره به
قال وإذا أذن الموليان للعبد في التجارة فوكل وكيلا بشراء أو غيره فباعه أحدهما من آخر
فأذن له المشترى في التجارة فإنه ينبغي في القياس أن تكون الوكالة جائزة في النصف الذي
لم يبع لان الحجر قد ثبت منه في نصيب من باع نصيبه وإنما صار مأذونا باذن حادث بعد
ذلك ولو ثبت الحجر في الكل بطلت الوكالة ثم لا يعود بعد ذلك بسبب الاذن الحادث
فكذلك إذا ثبت الحجر في النصف اعتبارا للبعض بالكل ولكن في الاستحسان الوكالة
جائزة في جميع ذلك لان بيع النصف لم يصر العبد محجورا عليه (ألا ترى) أن ابتداء
التوكيل يصح منه بعد بيع البعض فلان يبقى أولى وهذا لان الحق بهذا الشراء إنما خلص
لمن هو راض بتصرف العبد أو خلص الحق لمن هو وكيل وخلوص الحق له لا يجوز أن
يكون مبطلا لحقه فلهذا بقي الوكيل على وكالته في الكل قال وإذا كانت الأمة مؤجرة
وعليها دين فاذن لها مولاها بالتزويج فهو جائز لان المولى لو زوجها بغير إذن الغرماء جاز
فان فيه منفعة للغرماء لأنها تتمكن من قضاء ديونها من مهرها والزوج يعينها على الاكتساب
لتقضي به ديونهم فكذلك إذا زوجت نفسها بإذن المولى ولو وكلت وكيلا بذلك فان زوجها
وكيلها وهي حاضرة جاز وان زوجها وهي غائبة لم يجز إلا أن يخبره بعد ذلك لأنها بمنزلة
الوكيل للمولى والوكيل ليس له أن يوكل غيره بما وكل به ليعقد الا بحضرته فإذا كانت
112

حاضرة كانت مباشرة وكيلها كمباشرتها وان كانت غائبة لم يتم عقد الوكيل الا برأيهما وإنما
يحصل رأيها بالإجازة قال وإذا وكل العبد المحجور عليه وكيلا بشراء شئ ثم أعتق أو كوتب
أو أذن له المولى في التجارة فاشترى ذلك ففي القياس لا يصير مشتريا للعبد لان سبق ثبوت
حق التصرف للعبد فكان باطلا بمنزلة سائر تصرفاته والعتق والكتابة والاذن بعد ذلك
مقصور على الحال ولا يستند إلى وقت التوكيل باطلا فكان الوكيل مشتريا لنفسه ولكن في
لاستحسان تجوز هذه التصرفات على العبد لان التوكيل غير مقصود لعينه لما نفذه من
التصرفات ووقت التصرف الآمر أهل أن يباشره بنفسه فيجوز مباشرة وكيله له إما لأنه
لا ضرر على المولى في مباشرة تصحيح الوكالة أو لان الاستدامة بعد العتق والكتابة والاذن
بمنزلة إنشاء التوكيل وفرق بين هذا وبين الصبي يوكل بالبيع أو بالشراء ثم يدرك أو يأذن له
أبوه فيه فيمضيه الوكيل عليه فإنه لا يجوز إلا أن يجيزه الصبي فيما يحتمل التوقيت لان توكيله
قبل الاذن غير معتبر في حق نفسه فإنه محجور عن التصرف لحق لنفسه والاذن والادراك
لا يستند حكمه إلي وقت التوكيل فاما توكيل العبد في نفسه فصحيح لكونه أهلا لذلك والحجر
عليه عن التصرف لحق المولي فإذا سقط حق المولى بالكتابة والعتق والاذن نفذ تصرف
الوكيل عليه * توضيحه ان امتناع توكيل الصبي كان لمعنى لا يزول ذلك المعنى بالاذن ولا
بالادراك لان التوكيل نفع له في الحالين فإذا كان قبل الاذن والادراك لم يجز تصرفه له بحكم
الوكالة فكذلك بعده وأما امتناع نفوذ تصرف وكيل العبد في حق العتق والكتابة والاذن
كان لمعنى يزول ذلك بهذه الأسباب وذلك المعنى هو أن حكم تصرف الوكيل يلاقى حق المولى
وذلك يزول بهذه الأسباب فيجعل استدامة الوكالة كانشائها بعد هذه الأسباب قال ولو
وكل العبد وكيلا أن يكاتب مولاه عليه في عمل لم يكن على الوكيل من المال شئ وان ضمنه
ولو وكله أن يشترى له نفسه من مولاه فاشتراه وبينه لمولاه عتق والمال على الوكيل وهذا
موافق لرواية الجامع وقد ذكر هذا الفصل فيما سبق وأجاب بخلاف هذا وقد بينا وجه
الروايتين ثم على ما ذكر هنا وفى الجامع الفرق بين الكتابة والعتق أن يقول هو لا يوجب للعبد
مالا بعقد الكتابة وإنما يوجب له ملك اليد والمكاسب فلم يكن هذا التصرف في حق وكيل
العبد بمنزلة مبادلة مال بمال فلهذا لا يجب على الوكيل شئ من ذلك المال فاما في العتق فلان
المولى يزيل عن ملكه ما هو مال بإزاء مال يستوجبه على العبد فكان هذا في حق وكيل العبد
113

بمنزلة مبادلة مال بمال ثم في باب الكتابة وان ضمن الوكيل البدل لا يكون مطالبا به لأنه
بمباشرة العقد لا تتوجه عليه المطالبة ببدل الكتابة فلو لزمه إنما يلزمه بحكم الكفالة ببدل الكتابة
وهو لا يصح كما لو كفل به غيره وفى العتق بمال إذا أداه وكيل العبد غرمه نائبه إذا كان المال
في يده قبل العتق لان ذلك المال ملك المولي فلا يسقط به ما وجب له على الوكيل بالعقد ولكنه
يطالب الوكيل ليؤديه من مال نفسه ثم رجع به على العبد لأنه التزمه بأمره فحصل مقصوده
له وإن كان الوكيل وكيل المولى لم يكن له أن يقبض المال من العبد وقد بينا الفرق بين
وكيل المولى ووكيل العبد أن الذي من جانب المولى اعتاق والمعتق هو المولى دون الوكيل
حتى كان الولاء له فلا يكون الوكيل في حكم المستحق للبدل فأما في جانب العبد فهو التزام
المال ويمكن أن يجعل الوكيل ملتزما المال قال وإذا وكل العبد وكيلا في خصومة أو بيع أو شراء
ثم أبق العبد خرج الوكيل من الوكالة لان الإباق من المأذون حجر عليه وبالحجر يخرج
العبد من أن يكون مالكا لما وكل الوكيل به فيكون ذلك موجبا عزل الوكيل كما لو حجر
عليه المولى وإن كان الوكيل عبدا فابق فهو على الوكالة غير أنه لا يلزمه عهدة في شئ لان
صيرورته محجورا عليه لا تبقى صحة التوكيل في الابتداء وإنما تبقى لزوم العهدة فكذلك إذا
صار محجورا عليه بعد التوكيل وعزل المطالب يبطل وكالة وكيله في العقود والخصومات الا
في تقاضى الدين الذي ولاه المكاتب أو قضائه لان عجزه يوجب الحجر عليه عن أسباب
التصرفات فيخرج وكيله من الوكالة ولا يوجب الحجر عليه عن قضاء الدين واقتضائه فكذلك
لا يوجب عزل وكيله عن ذلك فان كوتب بعد ذلك لم تعد الوكالة التي بطلت لان صحتها
كانت باعتبار ملك المولى التصرف عند التوكيل وقد زال ذلك بعد العجز ولم يعد بالكتابة
الثانية وقد بينا نظيره في الاذن بالتجارة فكذلك في الكتابة وهذا بخلاف المحجور عليه يوكل
وكيلا ثم يكاتب أو يأذن له على طريقة الاستحسان لان صحة التوكيل هناك لم تكن باعتبار
ملك التصرف الذي هو نائب للآمر وقت الوكالة وإنما ذلك باعتبار ما يحدث له عند التصرف
باعتبار الكتابة أو الاذن وقد وجد ذلك وهذا نظير رجل تحته أربع نسوة فوكل رجلا بأن
يزوجه امرأة فزوجه بعد ما فارق إحداهن جاز ذلك ولو كان تزوج أربعا بعد الوكالة ثم
فارق إحداهن لم يكن للوكيل ان يزوجه بحكم تلك الوكالة والفرق ما ذكرنا قال وتوكيل
المكاتب وكيلا بالخصومة في جناية خطأ أو عمدا لا قصاص فيما يدعي قبله أو قبل عبده جائز
114

لأنه هو الخصم في ذلك كله وان موجب جنايته في كسبه فيلزمه الأقل من قيمته ومن أرش
الجناية فلهذا صح توكيله به بخلاف المأذون فإنه ليس بخصم في جناية نفسه لان موجبه على
مولاه لا في كسبه فلا يصح توكيله بالخصومة في الخصومة وتوكيل المكاتب بمخاصمة المولى
في الكتابة أو غيرها جائزة لأنه مالك للخصومة بنفسه معه فيجوز توكيله به كما في الخصومة
مع غيره قال عبد بين رجلين كاتبه أحدهما في نصيبه بغير إذن شريكه فوكل المكاتب ببيع أو
شراء أو خصومة فهو جائز في نصيب الذي كاتبه لان كتابته في نفسه صحيحة ما لم يفسخ
شريكه ذلك ولو كان مكان الكتابة اذنا منه للعبد في نصيبه جاز توكيله باعتبار ذلك في نصيب
الآذن فلان يجوز بعد الكتابة كان ذلك بطريق الأولى فان كاتبه الآخر بعد ذلك جاز فعل
الوكيل في نصيبهما استحسانا أما في نصيب المكاتب الأول فلا اشكال فيه وأما في نصيب
المكاتب الثاني فلانه لو كان محجورا عليه حين وكل ثم كاتبه مولاه جاز تصرف المولى استحسانا
فكذلك هنا لان أكثر ما في الباب أن يكون نصيبه كعبد على حدة ولو كان مكاتبا لهما فوكل
وكيلا بشئ من ذلك ثم عجز عن نصيب أحدهما ففعل ذلك الوكيل فعلا جاز في نصيبهما جميعا
وكان ينبغي أن لا يجوز في نصيب الذي عجز بمنزلة ما لو عجز في نصيبهما ولكنه قال مساعدة
كل واحد منهما صاحبه على الكتابة تكون اذنا منه له في كتابة نصيبه ولهذا لا يملك فسخه
في نصيب شريكه بعد ذلك فلما عجز عن نصيب أحدهما بقيت الكتابة في نصيب الآخر باذن
الشريك فهو بمنزلة عبد بين رجلين كاتب أحدهما نصيبه باذن صاحبه ثم وكل العبد بشئ من
أنواع التجارات فيكون ذلك صحيحا من الوكيل في جميع ذلك كما يصح في المكاتب نفسه فان
قيل هذا لا يشبه ذلك لان هناك اذنه لشريكه من الوكيل في أن يكاتب نصيبه يتضمن الاذن
للعبد في التجارة في نصيب نفسه وهنا بعد العجز لا يبقى نصيبه مأذونا فينبغي أن لا ينفذ
تصرف الوكيل ولا تصرف العبد في نصيبه قلنا ليس كذلك بل من ضرورة بقاء الكتابة
لازمة في نصيب الشريك كون نصيبه مأذونا وليس من ضرورة فسخ الكتابة في نصيبه
الحجر عليه عن التصرفات لا محالة فيبقي نصيبه مأذونا كما كان في الابتداء لو أذن له ان يكاتب
نصيبه قال وإذا وكل المكاتب وكيلا بقبض هبة له فقبضها الوكيل بعد عجز المكاتب أو بعد
عتقه جاز لان عجز الموكل لا يمنع صحة التوكيل بقبض الهبة كما لا يمنع صحة مباشرته بنفسه
فكذلك لا يمنع بقاء الوكالة فان قبضها بعد موته لم يجز لان موته يخرجه من أن يكون أهلا
115

للقبض بحكم الهبة ويكون مبطلا لعقد الهبة فيوجب اخراج الوكيل من الوكالة أيضا قال ولو
كان المكاتب بين رجلين فوكله أحدهما بقبض دين له على آخر أو على غيره أو ببيع أو شراء
من الآخر أو من غيره فهو جائز لأنه ما بقي عقد الكتابة فكل واحد من الموليين ينزل منزلة
أجنبي آخر وكذلك أن وكله أحدهما ببيع عبد من الآخر أو من غيره أو بالخصومة مع الآخر
أو غيره فهو جائز للمعنى الذي قلنا وكذلك لو كانت الخصومة بينه وبين مولييه جميعا فوكل
ابن أحدهما بذلك أو عبده أو مكاتبه أو وكله بالبيع أو الشراء فهو جائز كما يجوز مع سائر
الأجانب لأنه ملك الخصومة معه بنفسه فيجوز ان يستعين في ذلك بابن الخصم أو بعبده أو
مكاتبه ليكون نائبا عنه في هذه الخصومة قال ولو وكل هذا المكاتب وكيلا بدفع نصيب
أحدهما إليه وغاب لم يكن للآخر ان يأخذ من الوكيل شيئا لأنه في نصيبه ليس بوكيل من
جهته في الدفع فلا يكون له أن يطالبه بشئ كما لا يطالبه به قبل التوكيل وكذلك لو كان وكل
وكيلا بقضاء دين عليه ودفع المال إليه فأراد مولياه أو غيرهما ان يقبضوا ذلك من الوكيل لم
يكن لهم ذلك لان التوكيل كان مقيدا بالدفع إلى صاحب ذلك الدين ففي الموليين أو غريم آخر
يكون الحال بعد التوكيل كالحال قبله (ألا ترى) ان مطالب المكاتب بنفسه لو قضى دين هذا
الرجل لم يكن للموليين على ما قبضه سبيل فكذلك إذا دفعه إلى رجل ليقضي به دينه قال وإذا
أمر المكاتب رجلا أن يشترى له عبد فلان من فلان فاشتراه الوكيل من فلان أو من وكيله
أو من رجل اشتراه منه فهو جائز لان مقصوده سلامة العبد له وقد قيد الوكالة بذلك العبد
وهو مشتر لذلك العبد ممن اشتراه فحصل مقصوده فنفذ تصرفه عليه قال ولو أمر رجلا ان
يبيع عبدا له من فلان فباعه من غيره وليس بوكيله لم يجز لأنه قيد الوكالة بالبيع من فلان
وله في ذلك غرض لا يحصل ذلك الغرض بالبيع من غيره اما لان الناس يتفاوتون في الملاءة
والمماطلة في قضاء الدين أو لأنه أراد أن يؤثره على نفسه بذلك العبد لعلمه انه يتمكن من
الاسترداد منه بالإقالة أو الشراء المبتدأ الذي أراد ذلك ولا يتمكن منه إذا باعه من غيره ولم
يبين أنه إذا باع من وكيل فلان يجوز أم لا وعلى قضية الطريقة الأولى لا يجوز لان المطالبة
بالثمن تكون على الوكيل دون الموكل وعلى الطريقة الثانية يجوز لان الملك في العبد إنما يحصل
بشراء الوكيل للموكل وهذا هو الأصح قال وإذا وكل المكاتب وكيلا بتقاضي دين له على
رجل ثم عجز المكاتب ورد في الرق فقال قد قبضت ما عليك غيرها فهو مصدق في ذلك أيضا
116

لأنه في الدين الواجب بعقده بمنزلة الحر فكما أن اقرار الحر ببيان مقدار الدين صحيح فكذلك
اقرار المكاتب به بعد عجزه عن أداء الكتابة أو قبله واقرار وكيله إنما يصح بما فوضه الموكل
إليه وهو القبض والله أعلم بالصواب
(باب الوكالة في النكاح)
(قال رحمه الله) رجل وكل رجلا بان يزوجه امرأة بعينها فزوجها إياه بأكثر من مهر
مثلها جاز في قول أبي حنيفة رحمه الله بناء على أصله أن المطلق يجرى على اطلاقه حتى يقوم
دليل التقييد وعندهما لا يلزمه النكاح إذا زاد أكثر مما يتغابن الناس فيه لان التقييد
عندهما يثبت بدليل العرف وفرق أبو حنيفة رحمه الله بين هذا وبين الوكيل بالشراء فان هناك
إذا زاد يصير مشتريا لنفسه لأنه لم يضف أصل العقد إلى الموكل وإنما أضافه إلى نفسه فتتمكن
التهمة في تصرفه من حيث إنه قصد الشراء لنفسه ولما علم بغلاء الثمن حوله إلى الآمر وفى
النكاح يضيف العقد إلى الموكل فلا تتمكن فيه التهمة ولو أضاف العقد إلى نفسه بأن تزوجها
كانت امرأته دون الموكل بخلاف الشراء فان هناك يجوز أن يثبت حكم العقد لغير من يضاف
إليه العقد ولا يجوز مثله في النكاح بل يثبت الملك لمن يضاف إليه العقد (ألا ترى) أن
ملك اليمين يثبت للمولى بسبب مضاف إلى عبده ولا يثبت ملك النكاح بمثله قال ولو وكله
أن يزوجه امرأة ولم يسمها فزوجها إياه وليست بكفؤ له فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله هو
جائز لاطلاق التوكيل وعندهما في القياس يجوز أيضا لان التقييد بدليل العرف والعرف
مشترك هنا فقد يتزوج الرجل من ليست بكفؤ له لان الكفاءة غير مطلوبة من جانب النساء
فان نسب الأولاد إلى الآباء فيبقى مطلق التوكيل عند تعارض دليل العرف ولكنهما استحسنا
فقالا لا يجوز لان المرء مندوب شرعا أن يتزوج من يكافئه دون من لا يكافئه قال صلى الله
عليه وسلم تخيروا لنطفكم الأكفاء والغالب أن مراده بهذا التوكيل نكاح من يكافئه لأنه
غير عاجز بنفسه عن التزوج إذا كان يرضى بمن لا يكافئه قال أرأيت لو كان الموكل من
قريش فزوجه الوكيل أمة أو نصرانية أو حبشية أو كتابية أنجيزه عليه أم لا قال وبهذا الاستشهاد
أشار إلى الخليفة قال ولو وكله أن يزوجه امرأة بعينها فزوجها إياها على عبد للزوج فإنه
لا يجوز أن يمهرها العبد إلا أن يسلمه الزوج لأنه ما سلطه على إزالة الملك عن عين العبد إذ
117

ليس من ضرورة ما أمره به زوال ملكه عن شئ من أعيان ماله ثم في القياس لا يجوز
النكاح لأنه خالف حين سمى ما لم يأمره بتسمية فكأنه أمره بالتزويج فعقد بألفين ولكنه
استحسن فقال يجوز النكاح لأنه لم يخالف ما أمره به نصا فإنه كما لم يؤمر بتسمية العبد صداقا
لم ينه عن ذلك ولكن امتنعت صحة التسمية في حق العبد لما قلنا وذلك لا يمنع جواز أصل
النكاح كمن تزوج امرأة على عبد للغير يصح النكاح ولها قيمة العبد إن لم يرض صاحب
العبد وهذا مثله بخلاف الألفين حيث خالف هناك ما أمره به نصا قال وان زوجه على وصف
بغير عينه جاز لأن هذه التسمية باعتبار مالية الوصف ولهذا لو أتاها بالقيمة أجبرت على القبول
ووجوب المال على الزوج من ضرورة ما أمر به الوكيل وهو النكاح قال الله تعالى أن تبتغوا
بأموالكم ولان فيه تحصيل ملك النكاح للزوج من غير زوال شئ من أعيان ماله من ملكه
ثم هذا عند أبي حنيفة رحمه الله لا يشكل وعندهما كذلك فان التوكيل عندهما يتقيد بالنقد
بدليل العرف والعرف في الصداق مشترك فيصح تسمية النقد وغير النقد حتى إذا زوجه
على بيت وخادم أو على عشرة أكرار حنطة موصوفة أو غير موصوفة فذلك جائز كما لو
باشره الموكل بنفسه وكذلك لو زوجه على جراحة جرحها الزوج ولها أرش جاز لان الواجب
من الأرش دراهم أو دنانير فتسمية ذلك كتسمية الدراهم ثم يصير قصاصا بأرش الجراحة قال
ولو وكله ببيع عبده فزوجه امرأة على رقبته لم يجز لأنه باشر عقدا غير ما أمر به بعقد يكون
العبد معتوقا عليه مقصودا حتى لا ينقضى العبد بهلاكه وقد أتى بعقد يكون المقصود فيه ملك
البضع دون العبد حتى لا ينقضى العقد بهلاكه قبل التسليم ولان البيع اسم خاص لمبادلة مال
بمال ولان تقابل العبد في النكاح ليس بمال وعلى هذا لو صالح به عن جراحة فيها قصاص أو
استأجر به له دارا لم يجز لما قلنا قال وان وكله أن يزوجه امرأة لم يسمها فزوجه ابنته لم يجز
في قول أبي حنيفة رحمه الله إلا أن يرضى الزوج وعندهما يجوز إذا كانت كبيرة ورضيت بذلك
للأصل الذي قلنا إن بمطلق التوكيل عند أبي حنيفة رحمه الله لا يملك التصرف مع ولده للتهمة
فالتهمة دليل تقييد المطلق وعندهما يملك ذلك ولو كان الولد صغيرا لم يجز ذلك بالاتفاق لأنه
هو الموجب والقابل فكان ذلك بمنزلة عقده مع نفسه وبمطلق التوكيل لا يملك العقد مع نفسه
وان زوجه أخته جاز لأنه غير متهم في حقها قال ولو زوجه امرأة عمياء أو معتوهة أو رتقاء
أو ذمية أو مفلوجة جاز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وهذا على أصل أبي حنيفة رحمه
118

الله غير مشكل لأنه في التوكيل سمى المرأة مطلقا وإنما الاشكال على قولهما وقد بينا مثله في
الشراء أنه لا يجوز عندهما وكذلك في النكاح ولكنهما قالا النكاح لا يختل بهذه العيوب وإنما
تختل صفة المالية ولهذا يثبت له بالشراء حق الرد بهذه العيوب ولا يثبت في النكاح فلهذا صح
من الوكالة ولان هناك لو لم نجوز العقد على الآمر جعلنا الوكيل مشتريا لنفسه شراء صحيحا وهنا
لو لم نجز على الآمر بطل أصل العقد فلا يمكن اثبات هذا الحكم بالقياس على ذلك قال ولو
أمر رجلا أن يزوجه امرأة من قبيلة أو من بلدة فزوجه امرأة من قبيلة أخرى أو من
بلدة أخرى لم يجز لتقييد الوكالة بما سمى ومباشرة الوكيل بخلاف ما سمى قال ولو وكله أن
يزوجه امرأة وجعلها الوكيل طالقا ان أخرجها الزوج من الكوفة فالنكاح جائز والشرط
باطل لأنه امتثل أمره ثم تصرف تصرفا لم يأمره به وهو تعليق طلاقها بالاخراج ولئن جعل
هذا شرط في النكاح فهو شرط باطل من الوكيل والشرط لا يهدم النكاح كما لو تزوج بنفسه
وشرط شرطا باطلا وكذلك لو شرط لها الوكيل أن لا يخرجها من الكوفة جاز النكاح وبطل
الشرط كما لو تزوجها الموكل بنفسه بهذا الشرط الا ان حطت من مهر مثلها لان رضاها
بالنقصان لمنفعة مشروطة فإذا لم يقبل كان لها مهر مثلها ولو قال زوجني فلانة على مائة درهم فان
أبت فاعطها ما بين مائة ومائتين فأبت المائة فزوجها إياه على مائتين فذلك لازم للزوج لان
الوكالة لا يتعلق بها اللزوم والغاية تدخل في مثله بالاتفاق كما في الإباحات إذا قال خذ من
مالي من درهم إلى مائة فله ان يأخذ المائة قال وان وكله أن يزوجه امرأة على بيت وخادم
ففعل وقال الزوج عنيت أرضا ميتة لم يصدق لان مطلق التسمية في عقود المعاوضات ينصرف
إلى المتعارف والمتعارف من تسمية البيت في الصداق متاع البيت وان زوجها الوكيل على
بيت من داره فقال الزوج عنيت أثاث البيت فالقول قوله لأنه هو المتعارف وقد سمى الوكيل
غير ما أمر به نصا فلا يجوز النكاح بينهما أصلا قال وان أرسل رجل رجلا يخطب عليه امرأة
بعينها فذهب الرسول وزوجها إياه فهو جائز لأنه أمر الرسول بالخطبة وتمام الخطبة بالعقد وقد
بينا أن المأمور بالشئ مأمور باتمام ذلك الشئ والعاقد في باب النكاح سفير ومعبر كالرسول ولو
وكله أن يزوجه امرأة فزوجها إياه على خمر أو خنزير أو على غير مهر أو على حكمها فالنكاح
جائز لأنه لم يخالف ما أمره به نصا وإنما فسدت التسمية شرعا وذلك لا يمنع صحة النكاح كما لو
تزوجها الموكل بنفسه وان زوجها إياه على دار رجل أو على عبده جاز النكاح ولها قيمة ذلك
119

لأنه غير مخالف لما أمره به نصا ولكن صاحبه استحق عين ملكه فيكون لها قيمته صداقا
على الزوج كما لو زوجها بنفسه قال وان زوجه امرأة معتدة أو لها زوج قد دخل بها الزوج ولم
يعلم بذلك فرق بينهما وعليه الأول من مهر المثل ومما سمى لها لان الدخول حصل باعتبار صورة
العقد فسقط به الحد ويجب الأقل من المسمى ومن مهر المثل وهو الحكم في النكاح الفاسد
ولا ضمان على الوكيل في ذلك لان ما لزم الزوج إنما لزمه بفعله وهو الدخول لا بعقد الوكيل فان
العقد الباطل لا يوجب شيئا ولا كذلك أن كاتب أم امرأة الزوج والوكيل يعلم بذلك أو لا يعلم
لما بينا ان ما يلحق الزوج من الأقل من مهر المثل ومما سمى للموطوءة من فساد نكاح امرأته
وغير ذلك وكان كل ذلك باعتبار فعل الزوج لا بعقد الوكيل فلا يرجع على الوكيل بشئ قال
وإذا وكله أن يزوجه امرأة بعينها على ألف درهم فزوجها إياه بألف درهم وكرامتها فإن كان
مهر مثلها أكثر من الألف لم نر النكاح لأنه لو جاز النكاح كان لها تمام مهر مثلها كما لو باشره
الموكل بنفسه فهذا في معنى تسمية الزيادة على الألف لها فيكون مخالفا لما سمى له نصا ويستوى
ان ضمن الوكيل الكرامة أو لم يضمن لها لأنه لو سمى لها الزيادة قدرا معلوما ضمنها من مال
نفسه لم يجز النكاح فهنا أولى وكذلك أن شرط مع ذلك طلاق امرأة أخري ففي هذا
الشرط منفعة لها فهو قياس ما لو شرط كرامتها قال ولو وكله أن يزوجه أمرة فزوجه حرة لم
يجز لأنه خالف المأمور نصا وفى هذا التقييد منفعة للزوج وهو أن لا يؤوي الحرة التي تحته
في القسم وكذلك مؤنة الأمة دون مؤنة الحرة وان زوجه مكاتبة أو مدبرة أو أم ولد جاز
لان هؤلاء في حكم النكاح كالأمة إلا أنه يصير محصنا بالدخول بهن بالنكاح كما في الأمة
قال وان وكله أن يزوجه امرأة فزوجه صغيرة لا يجامع مثلها فهو جائز لان اسم المرأة اسم
جنس يتناول الصغير والكبير وملك النكاح يثبت على الصغيرة حسبما يثبت على الكبيرة وإنما
كان مقصود المجامعة متأخرا لصغرها ولو كان فائتا بأن كانت رتقاء أو قرناء لم يكن الوكيل
به مخالفا فهنا أولي قال وان وكله أن يزوجه امرأة بعينها على ألف درهم ومهر مثلها الفان
فزوجها الوكيل بألف وشرط أن لا يتزوج عليها أو لا يخرجها من الكوفة لم يجز النكاح لأنه
لو جاز كان لها كمال مهر مثلها باعتبار ما سمى لها إذا لم يف الزوج بالشرط والوفاء بهذا الشرط
لا يلزمه كما لو التزمه بنفسه وكان هذا في معنى تزويجه إياه بأكثر مما سمى له قال ولو وكله
أن يزوجه امرأة فزوجه امرأة قد حلف الزوج بطلاقها أو لا يتزوجها أو كان آلى منها أو
120

ظاهرها أو كانت في عدة منه والنكاح جائز لأنه أطلق اسم المرأة في التوكيل وذلك يتناولها
كما يتناول غيرها قال ولو وكله أن يزوجه امرأة فزوجه امرأتين في عقد لم يلزم الزوج
واحدة منهما وكان أبو يوسف رحمه الله يقول أو لا يلزمه واحدة منهما يختار أيتهما شاء ثم رجع
إلى قولهما * وجه قوله الأول انه في العقد على إحداهما ممتثل أمر الزوج فينفذ عليه ذلك إذ
لا يبعد أن يكون ملك النكاح له في امرأة يعبر عنها ويتعين باختياره كما لو طلق احدى
امرأتيه بغير عينها ثلاثا * وجه قوله الاخر أن عقد النكاح عقد تمليك فلا يملك اثباته في
المجهول ابتداء لأنه إنما يثبت في المجهول ما يحتمل التعليق بالخطر فان الثابت في غير المعنى في
الحكم كالمتعلق به لخطر البيان ولا يمكن اثباته في إحداهما بعينها لأنه ليست إحداهما بأولى من
الأخرى ولا فيهما لان الموكل لم يرض بنكاح امرأتين ولو وكله أن يزوجه امرأة بعينها
فزوجه تلك وأخرى معها لزمته تلك دون الأخرى لأنه في ملك المرأة ممتثل أمره فحصل
مقصوده فان حكم النكاح لا يختلف بضم الأخرى إليها قال ولو وكله ان يزوجه امرأة
فاختلف الزوج والوكيل فقال الزوج زوجتني هذه وقال الوكيل لا بل زوجتك هذه فالقول
قول الزوج إذا صدقته المرأة لان الوكيل في النكاح معبر والزوج إنما يتملك عليها لا على
الوكيل وقد تصادقا على النكاح فيثبت بتصادقهما ولا قول للوكيل في ذلك قال ولو وكله أن
يزوجه فلانة أو فلانة فأيتهما زوجه جاز لان التوكيل مبنى على التوسع فهذا القيد من الجهالة
لا يمنع صحته وان زوجهما جميعا منه لم يجز نكاح واحدة منهما لأنه مأمور بنكاح إحداهما
بغير عينها فلا يمكن تصحيح نكاحهما للزوج ولا نكاح إحداهما بعينها إذ ليست إحداهما
بأولى من الأخرى ولا إحداهما بغير عينها لان النكاح في المجهول لا يثبت ابتداء قال ولو وكل
رجلا أن يزوجه امرأة ووكل آخر بمثل ذلك فزوجه كل واحد منهما امرأة وإذا هما أختان
جاز نكاح الأولى منهما لأنه ممتثل أمره ولم يجز نكاح الثانية لا لأنه مخالف ولكن لان الموكل
لو فعله بنفسه لا يجوز لأنه يصير به جامعا بين الأختين وان وقع النكاحان معا فالنكاح باطل
لان الجمع بين الأختين حرام وقد حصل بهما معا وليس تصحيح نكاح إحداهما بأولى من
الأخرى كما لو تزوجهما الموكل بنفسه في عقدة واحدة وكذلك لو وكل خمسة رهط أن يزوجه
كل واحد منهم امرأة فالجمع بين ما زاد على الأربع بالنكاح حرام كالجمع بين الأختين فكان
هذا مثل الأول قال ولو زوج رجل رجلا من غير وكالة أختين في عقدتين أو خمس نسوة في
121

عقد متفرقة كان له أن يختار احدى الأختين أو أي أربع شاء من الخمس لأن العقود كلها تتوقف
على اجازته فان الجمع بين نكاح الأختين لا يكون نافذا بل موقوفا والعقد الموقوف لا يوجب
الحل ولا يثبت الفراش فلا يكون من ضرورة توقف العقد الأول امتناع توقف الثاني ولا من
ضرورة توقف العقد الثاني بطلان الأول فإذا توقف الكل كان له أن يختار ما شاء من ذلك
على وجه لا يحصل به الجمع بين الأختين ولا بين خمس نسوة وإن كان ذلك في عقد واحد
لم يكن له أن يختار نكاح شئ منهن لأنه إنما يتوقف علي اجازته ما يتصور نفوذه بالاذن السابق
وهو لا يجوز لو باشره بنفسه وهذا العقد لا ينفذ بمباشرته ولا باذنه سابقا فلا يتوقف على اجازته
بخلاف العقود المتفرقة فان كل عقد من ذلك معتبر على حدته وهو مما ينفذ بمباشرته وباذنه
السابق فيتوقف على اجازته أيضا قال وان وكله أن يزوجه من النساء ما شاء وكيف شاء فزوجه
أمة مسلمة أو كتابية أو أربع إماء جاز لأنه فوض الامر إلى رأيه على العموم فمباشرته فيما
يكون من جنس التزويج كمباشرة الموكل بنفسه قال وان وكله أن يزوجه امرأتين في عقدة
فزوجه واحدة جاز لأنه امتثل أمره في بعض ما أمر به وحكم نكاح هذه لا يختلف بضم
نكاح الأخرى إليها فلا يكون هذا التفريق من الوكيل خلافا للأصل الذي بينا أن التقييد
إنما يعتبر إذا كان مفيدا وهذا التقييد غير مفيد ولو كان قال لا يزوجني الا اثنين في عقدة
واحدة لم يلزمه نكاح امرأة واحدة لأنه نهاه عن العقد هنا واستثنى عقدا واحدا فما
لا يكون بصفة المستثنى فهو داخل في عموم النهى بخلاف الأولى فإنه ما نهاه عن شئ نصا
بل أمره وقيد الامر بما ليس بمقيد وهو نظير ما سبق إذا قال لا تبع الا بشهود فباع بغير شهود
لا يجوز بخلاف ما لو باع وقد قال له بع بشهود قال ولو وكله أن يزوجه امرأة بعينها فإذا لها زوج
فمات عنها أو طلقها وانقضت عدتها ثم زوجها إياه الوكيل جاز لأنها لما لم تكن محلا عند التوكيل
لما أمر به الموكل صار التوكيل كالمضاف إلى ما بعد صيرورتها محلا فان التوكيل يحتمل الإضافة
ويحصل مقصود الموكل في ذلك ولو تزوجها الموكل ثم أبانها لم يكن للوكيل أن يزوجها إياه
لان ما قصد تحصيله بتصرف الوكيل قد حصل له بمباشرته فأوجب ذلك عزل الوكيل ثم
لا يعود التوكيل بالإبانة لأنه ليس بفسخ لذلك العقد من الأصل قال ولو تزوجها الوكيل ودخل
بها ثم أبانها وانقضت عدتها ثم زوجها إياه جاز لان مقصود الموكل لم يحصل بمباشرة الوكيل
العقد الأول مع نفسه ولا منافاة بين ذلك العقد وبين الوكالة (ألا ترى) أن ابتداء التوكيل
122

بعده صحيح حتى إذا فارقها زوجها منه فبقاؤها أولى ولو ارتدت المرأة ولحقت بدار الحرب
ثم سبيت وأسلمت فزوجها إياه الوكيل جاز في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله ولم يجز
عندهما لان من أصلهما أن تسمية المرأة مطلقا في التوكيل ينصرف إلى الحرة دون الأمة
ومن أصل أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يتقيد بالحرة فكذلك التوكيل في المرأة المعينة وعندهما
يتقيد بحال حريتها فبعد ما صارت أمة لا يجوز تزويجها منه وعند أبي حنيفة رحمه الله لا يتقيد
فمتى زوجها منه كان ممتثلا أمره قال ولو كان الموكل تزوج أمها أو ذات رحم محرم منها
أو أربعا سواها خرج الوكيل من الوكالة لأنه صار بحال لا يملك مباشرة العقد عليها بنفسه
بما أحدث من التصرف وذلك عزل منه للوكيل وقد سبق نظائره قال ولو كان الموكل
قال إن تزوجتها فهي طالق فليس هذا باخراج له من الوكالة لأنه ما صار بحال لا يملك مباشرة
العقد عليها بما أحدث فإنه إن تزوجها بعد يمينه صح النكاح فيبقي الوكيل على وكالته أيضا قال
وإذا وكلت المرأة رجلا أن يزوجها فزوجها من غير كفؤ لها لم يجز قيل هذا قولهما وهو
قياس رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى في أن المرأة لا تملك ان تزوج نفسها
من غير كفؤ وأما على ظاهر الرواية فينبغي أن يجوز نكاح الوكيل عنده لأنها لو زوجت
نفسها من غير كفؤ كان جائزا وإن كان للأولياء حق الاعتراض عليها والأصح قولهم
جميعا لأنها ممنوعة من أن تزوج نفسها من غير كفؤ ومطلق التوكيل ينصرف إلى ما يجوز
للموكل أن يفعله بنفسه شرعا دون ما يكون ممنوعا عنده فيقيد مطلق التوكيل بهذا الدليل
ولان مقصودها لم يتم بالتزويج من غير كفؤ لان للأولياء حق الاعتراض عليها وإنما ينصرف
مطلق التوكيل إلى عقد يتم لها به مقصود النكاح وإن كان كفوءا لها غير أنه أعمى أو مقعد
أو صبي فهو جائز لان مقصود النكاح يتم لها بما صنعه الوكيل وكذلك أن كان عنينا أو خصيا
فالنكاح جائز ويؤجل كما لو زوجت هي نفسها ثم علمت بهذا العيب من الزوج قال وان
زوجها الوكيل من نفسه لم يجز لأنها أمرته أن يكون مزوجا لا متزوجا ولأنه في حق نفسه
متهم والتهمة دليل التقييد ولو زوجها ابنه أو أباه لم يجز عند أبي حنيفة رحمه الله وجاز عندهما
إلا أن يكون الابن صغيرا فحينئذ لا يجوز لأنه لا يباشر العقد مع نفسه وقد بينا هذا في
جانبه قال وإذا وكلته أن يزوجها فزوجها على مهر صحيح أو فاسد أو وهبها لرجل بشهود
أو تصدق بها على رجل وقبل ذلك الرجل فهو جائز لأنه مأمور بالتزويج وقد أتى به فان
123

لفظ الهبة والصدقة عبارة التزويج مجازا وترك تسمية الصداق لا يمنع حصول المقصود
بالنكاح ولا وجوب الصداق وكذلك فساد التسمية كما لو باشرته هي بنفسها قال وان
زوجها إياه على ألف درهم على أن زاد عبدا لها فالنكاح جائز ولها أن تمنع العبد لأنها ما رضيت
بزوال العبد عن ملكها ولكن الزوج سمى الألف بمقابلة نكاحها والعبد فإذا لم تسلم له العبد
فبمنعها بطلت حصته من الألف وجاز النكاح بحصتها من الألف قال ولو تزوجت هي قبل
أن يزوجها الوكيل فقد أخرجته من الوكالة لأنها حصلت ما هو مقصودها بالتوكيل وكذلك لو
ارتدت لأنها خرجت من أن تكون محلا بما أحدثت فيكون ذلك منها عزلا لوكيلها سواء
لحقت بدار الحرب أو لم تلحق قال ولو كانت امرأة لها زوج فقالت لرجل انى اختلع من
زوجي فإذا فعلت ذلك وانقضت عدتي فزوجني فلانا جاز ذلك على ما قالت لأنها أضافت
الوكالة إلى ما بعد انقضاء العدة فيجعل كمباشرتها التوكيل بعد انقضاء عدتها قال ولو وكلته بأن
يزوجها وقالت ما صنعت من أمرى في شئ فهو جائز فحضر الوكيل الموت فأوصى بوكالتها
إلى رجل فزوجها الوكيل الثاني بعد موت الأول كان جائزا لأنها فوضت الامر إلى رأيه
على العموم وهذا من جملة رأيه فهو بمنزلة التوكيل في حياته والبيع والشراء في هذا قياس
النكاح قال ولو وكلته بأن يزوجها رجلا فزوجها منه واشترط عليه انه إذا تزوجها كان أمرها
بيدها فالنكاح جائز وأمرها بيدها حين تزوجها لان هذا شئ يستبد به الزوج ولا ضرر
عليها فيه ولا هو حاصل بقبول الوكيل ولو كان هذا وكيل الرجل كان النكاح جائزا والشرط
باطلا لان الزوج لم يأمره بذلك وهو يتضرر به ولو قال الزوج زوجني امرأة وأمرها بيدها
فزوجه الوكيل ولم يشترط لها فأمرها بيدها حين يقع النكاح لان الزوج يستبد بذلك مضافا إلى
النكاح كما يستبد به منجزا بعد النكاح ولو قال زوجني امرأة واشترط لها على أنى إذا تزوجتها
فأمرها بيدها لم يكن الامر بيدها إلا أن يشترطه الوكيل لان الزوج ما باشر ذلك بنفسه
بل فوضه إلى الوكيل فما لم يباشره الوكيل لا يصير الامر في يدها وليس في ترك الوكيل هذا
الشرط ضرر على الموكل بل فيه منفعة قال ولو وكلته أن يزوجها فزوجها على عبد على أن زادته
مائة درهم فالنكاح جائز فان أبت أن تعطى الدراهم بطلت حصتها من العبد لأنه امتثل أمرها
في النكاح وزاد تصرفا آخر وهو الشراء فان ما يخص المائة من العبد يكون مبيعا وما يخص
البضع يكون صداقا فلا تنفذ حصة الشراء الا برضاها إذ الوكيل لا يقدر على أن يلزمها
124

المائة بغير رضاها فان قيل كان ينبغي أن يكون مشتريا لنفسه ما يخص المائة من العبد لأن الشراء
لا يتوقف بل ينفذ على العاقد إذا تعذر بتقييد غيره ويكون المباشر معبرا لا يلزم شيئا
بنفسه فكذلك فيما يثبت تبعا (ألا ترى) ان هذا الشراء يحصل بغير القبول إذا قالت تزوجني
على هذا العبد على أن أزيدك مائة درهم فقال فعلت يتم من غير قبولها والشراء مقصورا
لا يتم بهذا اللفظ بدون القبول فعرفنا ان ما هو بيع ليس نظير ما هو مقصود قال ولو وكلته
على أن يزوجها على دم عمد في عتقها فزوجها بعض أولياء ذلك الدم بطلت حصة الزوج من
الدم كما لو باشرت هي العقد وهذا لان تزوج الزوج إياها على القصاص يكون عفوا منه عنها
وذلك صحيح في نصيبه وانقلب نصيب الآخرين مالا فعليها حصة الورثة من الدية ولها مهر
مثلها لان القصاص ليس بمال فلا يصلح أن يكون صداقا فهذا والنكاح بغير تسمية المهر سواء
قال ولو وكلت المرأة أو الرجل وكيلين بالتزويج أو الخلع ففعل ذلك أحدهما لم يجز لأنه فوض
إليها عقدا يحتاج فيه إلى الرأي ورأي الواحد لا يكون كرأي المثنى قال ولو وكل رجلين
بطلاق أو عتاق بغير مال ففعل ذلك أحدهما جاز لان هذا لا يحتاج فيه إلى الرأي والتدبير
بل الحاجة فيه إلى العبارة وعبارة الواحد والمثنى سواء والله أعلم بالصواب
(باب توكيل الزوج بالطلاق والخلع)
(قال رحمه الله) رجل وكل رجلا ان يطلق امرأته ثلاثا فطلقها واحدة وقعت واحدة
لأنه أتى ببعض ما فوض إليه ولا ضرر علي الموكل في هذا التبعيض بل فيه منفعة له ولأنه
مكنه من ايقاع الثلاث ومن ضرورته تمكنه من ايقاع الواحدة كما أن الشرع لما مكن الزوج
من ايقاع الثلاث فلان يمكنه من ايقاع الواحدة أولى وان وكله ان يطلقها واحدة فطلقها ثلاثا أو
اثنين لم يقع شئ في قول أبي حنيفة لان الثلاث غير الواحدة ولم يصر متمكنا من ايقاع الثلاث
بتفويض الواحدة إليه فلا يقع الثلاث لعدم تمكنه من ايقاعها ولا الواحدة لأنه ما أوقعها
وعند أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يقع واحدة لأنه أوقع ما فوض إليه وزيادة
فيعمل ايقاعه بقدر ما فوض إليه وهي خلافية معروفة قال وان وكله ان يطلقها واحدة بائنة
فطلقها واحدة رجعية طلقت واحدة بائنة لأنه لاغ في قوله رجعية فان ذلك غير مفوض إليه
يبقى قوله طلقتك فيقع على الوجه الذي فوض إليه لان ثبوت الصفة بثبوت الأصل وهو
125

نظير ما لو قال لامرأته قبل الدخول بها أنت طالق تطليقة رجعية لانعدام محلها يبقى قوله أنت
طالق فيقع الطلاق به بائنا كما هو مملوك له شرعا قال وان وكله ان يطلقها واحدة رجعية
فطلقها واحدة بائنة طلقت واحدة رجعية لأنه لاغ في قوله بائنة لأنه لم يفوض إليه تلك الصفة
يبقى قوله أنت طالق فيقع به تطليقة رجعية وهذا على أصلهما ظاهر وعلى أصل أبي حنيفة
رحمه الله كذلك لأنه بما ألحق كلامه من الصفة لا يخرج من أن يكون ممتثلا في ايقاع أصل
الطلاق فان الأصل لا يتغير بالصفة بخلاف ما إذا أوقع ثلاثا فإنه يصير مخالفا في أصل الايقاع
لان الثلاث اسم لعدد مركب مؤلف والواحدة في ذوي الاعداد أصل العدد وليس فيه
تأليف وتركيب وبينهما مغايرة على سبيل المضادة قال وان وكله ان يطلق امرأتين له فطلق
إحداهما طلقت لان بضم الثانية إلى الأولى لا يتغير حكم الطلاق في حق الأولى فلا يخرج به
من أن يكون ممتثلا في حقها بخلاف الطلقات الثلاث مع الواحدة فإنه يتغير حكم الطلاق من
حيث إنه يثبت الحرمة الغليظة وزوال الملك به لوجود المنافى في المحل وهو الحرمة الغليظة
قال وان وكله أن يطلق امرأته للسنة فطلقها في غير وقت السنة لم يقع لأنه أضاف الوكالة إلى
وقت السنة فان اللام للوقت قال الله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس أي لوقت دلوك الشمس
فلا يكون وكيلا في غير وقت السنة ومباشرته ما لم يفوض إليه لا يبطل الوكالة حتى إذا طلقها
في وقت السنة بعد ذلك وقع الطلاق قال وان وكله أن يطلقها ثم طلقها الزوج أو خالعها فان
طلاق الوكيل يقع عليها ما دامت في العدة لان المملوك للزوج من الطلاق محصور بالعدد
فلا يتغير ما أوقعه الزوج بما فوضه إلى الوكيل ولكن ما بقي الزوج مالكا لايقاع الطلاق
عليها يبقي الوكيل على وكالته أيضا وإذا انقضت عدتها لم يقع طلاق الوكيل عليها بعد ذلك لان
الزوج خرج من أن يكون مالكا للايقاع بعد انقضاء العدة فتبطل الوكالة وكذلك أن تزوجها
بعد ذلك لان تمكن الزوج من الايقاع بالسبب المتجدد والوكالة لم تتناوله فلا تعود الوكالة
باعتباره وعلى هذا لو ارتدت أو ارتد الزوج فان طلاق الوكيل يقع عليها في العدة لبقاء تمكن
الزوج من الايقاع بالسبب المتجدد ولو قال لرجل إذا تزوجت فلانة فطلقها فتزوجها الموكل
فطلقها الوكيل جاز لان الوكالة تحتمل الإضافة كالطلاق وقد وقعت الإضافة إلى ما بعد الزواج
فعند ذلك يصير كالمستثنى للتوكيل ولو وكل عبدا بطلاق امرأته فباعه مولاه فهو على وكالته
لان تمكنه من الايقاع لا يزول ببيعه وابتداء التوكيل يصح بعد بيعه وكذلك لو وكل مجنونا
126

فقبل الوكالة في حال جنونه ثم أفاق فهو على وكالته لان بالإفاقة يزداد التمكن من التصرف
ولا يزول ما كان ثابتا قال ولو وكل مسلم مسلما بالطلاق فارتد الوكيل ولحق بدار الحرب ثم جاء
مسلما كان على وكالته إذا لم يقض القاضي بلحاقه وهو بمنزلة الغيبة فاما بعد قضاء القاضي بلحاقه
فهو قول محمد رحمه الله وقد بينا الخلاف فيه قال ولو وكل رجلا بطلاق امرأته والوكيل غائب
لا يعلم فطلقها فالطلاق باطل وكذلك سائر العقود لان الوكالة لا تثبت قبل علم الوكيل بها كما في
العزل لا يثبت قبل علمه وهذا للأصل الذي قلنا إن حكم الخطاب في حق المخاطب لا يثبت
ما لم يعلم به وهذا لان الوكيل نائب عن الموكل معبر عن منافعه في التصرف له ولا يتحقق ذلك
إلا بعلمه بخلاف الوصي إذا تصرف بعد موت الموصى قبل علمه بالوصية ينفذ تصرفه استحسانا
لان الوصاية خلافة وهو النائب فيها ولان أوانها بعد انقطاع ولاية الموصى وقد تحقق ذلك
بموته وإنما جوز ذلك للحاجة فالحاجة بعد موت الموصي تصرف إلى من يتصرف قياسية فاما
هنا فالوكالة إنابة والموكل قادر على التصرف بنفسه فلا حاجة إلى اثبات حكم الوكالة قبل علم
الوكيل بها قال ولو وكله بطلاقها فأبى ان يقبل ثم طلقها لم يقع لان الوكالة ارتدت برده
فكأنها ارتدت برجوع الموكل عنها وإن لم يقل الوكيل قبلت وان قال رددت حين طلقها
وقع استحسانا وفى القياس لا يقع لما بينا انه معير لمنافعه والإعارة لا تثبت بمجرد السكوت فما
لم يصر وكيلا لا يعمل ايقاعه ووجه الاستحسان ان دليل القبول واقدامه على ما فوض إليه
بعد علمه به من أدل الدلائل على قبوله الوكالة فقد يباشر بعد القبول وقد لا يباشر قال وإذا
وكل الصحيح وكيلا بطلاق امرأته ثلاثا ثم طلقها الوكيل في مرض الموكل ثم مات الزوج
وهي في العدة ورثت لان ايقاع الوكيل كايقاع الموكل بنفسه فان قيل بعد وقوع الثلاث
بقاء ميراثها باعتبار الفرار من الزوج ولم يوجد ذلك هنا فان التوكيل كان في الصحة ولم يكن
لها في ماله حق يومئذ ولم يوجد من الزوج صنع بعده قلنا لا معتبر لقصد الفرار لان ذلك
لا يوقف عليه ولكن متى كان وقوع الثلاث عليها في مرضه باعتبار معنى مضاف إليه يجعل فارا
وإن لم يقصد وقد وجد ذلك هنا مع أنه قادر متمكن من عزل الوكيل بعد مرضه فاستدامة
الوكالة بعد تمكنه من العزل بمنزلة انشاء التوكيل في أنه يثبت به حكم الفرار وعلى هذا لو
كان الموكل عبدا فأعتق بعد التوكيل ثم مرض فطلقها الوكيل أو وكل الذمي بعد اسلام المرأة
ثم أسلم الزوج ومرض فطلقها الوكيل كان له أن يستديم الوكالة بعد تعلق حقها بماله وكذلك
127

تعليق المسلم الوكالة بمرضه لان المتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز فكأنه أنشأ التوكيل
بعد مرضه قال وإذا شهد الموليان على وكالة زوج أمتهما بالطلاق وان الوكيل قد طلق أو شهدا
على ذلك وأن الزوج طلقها بنفسه فإن كانت الأمة تدعى ذلك فهو باطل لأنهما يشهدان لها
وان كانت تجحد فكذلك الجواب في قول محمد رحمه الله وعلى قول أبى يوسف رحمه الله
الشهادة جائزة وهذا بناء على ما قدمنا في كتاب النكاح أن أبا يوسف رحمه الله يعتبر الدعوى
والانكار في شهادة الابنين لأبيهما فكذلك في شهادة الموليين لأمتهما ومحمد رحمه الله يعتبر
المنفعة وعلى سبيل الابتداء في هذه المسألة فمحمد رحمه الله يقول هما في معنى الشاهدين لأنفسهما
لان ملك البضع يعود إليهما بعد طلاق الزوج وشهادته لنفسه أو فيما فيه منفعة له لا تكون
مقبولة وأبو يوسف رحمه الله يقول هذه الشهادة تقوم بطريق الحسبة وهذا لان كون
الانسان خصما في منافاة الشهادة أبلغ من منفعته له في ذلك وكل أحد خصم فيما هو حق
الشرع ومع ذلك كانت شهادته في ذلك مقبولة كالزنا ونحو ذلك فكذلك فيما له فيه منفعة
مع أنه لا منفعة لهما في المشهود به لان موجب الطلاق سقوط ملك الزوج عنها أو حرمة
المحل عليه لا انتقال ذلك الملك إلي الموليين وكذلك إذا سقط ملك الزوج ظهر ملك الموليين
لفراغ المحل عن حق الغير وبهذا لا يمنع قبول الشهادة كصاحبي الدين إذا شهدا للمديون
بمال من جنس حقهما على انسان قبلت الشهادة وان كانا يتمكنان من استيفاء حقهما إذا قبض
المشهود له المال وإذا قال الرجل للرجل طلق امرأتي إن شئت أو ان هويت أو أردت
فقام من المجلس بطل لأنه تمليك للمشيئة منه وذلك يقتصر على المجلس كتمليك المشيئة في
القبول بايجاب البيع له والوكيل هنا في معنى المخير وقد اتفقت الصحابة رضي الله عنهم على أن
المخيرة لها الخيار ما دامت في مجلسها لأنها مالكة للرأي والمشيئة متمكنة من ذلك في المجلس
فقيامها منه دليل الاعراض فكذلك بهذا اللفظ يصير متمكنا من الرأي والمشيئة وهذا بخلاف
قوله للأجنبي طلقها فان ذلك إنابة واستعارة لمنافعه فيقوم هو في الايقاع مقام الموكل وهذا
تفويض للمشيئة إليه لا استعارة شئ منه ولو قال أنت وكيلي في طلاقها ان شاءت أو هويت
أو أرادت لم يكن وكيلا حتى تشاء هي ذلك في مجلسها لأنه علق التوكيل بمشيئتها ولو علق
الوقوع بمشيئتها اقتصر ذلك على المجلس وتأخر الوقوع إلى حين وجود مشيئتها فكذلك إذا
علق التوكيل وإذا صار وكيلا فان قام الوكيل من المجلس قبل أن يطلق بطلت الوكالة قال
128

عيسى رحمه الله وهذا غلط لان عند مشيئتها إنما تثبت الوكالة بقول الزوج أنت وكيلي في
طلاقها وذلك لا يقتصر على المجلس كما لو نجز هذا اللفظ ولكن ما ذكر في الكتاب أصح
لان معنى قوله ان شاءت الطلاق وكان هذا بمنزلة قوله ولئن كان المراد ان شاءت هذه
الوكالة فثبوت الوكالة بالايقاع بناء على ما فوض إليها من المشيئة ومشيئتها تقتصر على المجلس
وهو لا يتأبد فكذلك ما ينبنى عليه من تمكن الوكيل من الايقاع واليه أشار في الكتاب
فقال لأنها وكالة بالمشيئة وقعت بحيث لا يملك الزوج فسخها ولو جعل قوله أنت وكيل في
طلاقها منفصلا عن المشيئة يملك الزوج فسخها وان قال أنت وكيلي في طلاقها إن شئت
فإن شاء في ذلك المجلس فهو جائز وان قام قبل أن يشاء فلا وكالة لان تعليق الوكالة بمشيئته
يكون ملكا للرأي والمشيئة منه كتعليق الايقاع بمشيئته على ما بينا وان قال أنت وكيلي في
طلاقها على أنى بالخيار ثلاثة أيام فالوكالة جائزة والخيار باطل وكذلك لو قال على أن فلانة
بالخيار ثلاثة أيام وكذلك هذا في كل تصرف لان اشتراط الخيار باشره في منع صفة اللزوم
والوكالة لا يتعلق بها اللزوم بحال فاشتراط الخيار فيما لا يكون مفيدا يكون باطلا ولان اشتراط
الخيار ليتمكن به من له الخيار من التفرد بالفسخ بغير رضا صاحبه وهذا في الوكالة ثابت
بدون اشتراط صاحب الخيار وكما لا يصح اشتراط الخيار لنفسه في الوكالة لا يصح اشتراطه
لغيره قال ولو وكله بطلاق امرأته فقال الوكيل أنت طالق غدا لم يقع وان جاء الغد لأنه
مفوض إليه التخيير والإضافة إلى وقت والتعليق بالشرط غير التخيير قال وان وكله أن
يطلقها ثلاثا بألف درهم أو على الف فطلقها واحدة أو اثنتين لم يقع لأنها لو وقعت وقعت بحصتها
من الألف والزوج لم يرض بزوال ملكه عنها الا بعد أن يجب له عليها جميع الألف فكان بما
صنع مخالفا وفيه ضرر على الموكل بخلاف التوكيل بالايقاع بغير عوض وان بألف درهم أو
أكثر جاز لأنه حصل ما هو مقصود الزوج من المال ونفعه لبقاء صفة الحل في المحل حين
اقتصر على ايقاع الواحدة وليس للوكيل بالخلع قبض المال لان الذي من جانب الزوج في باب
الخلع ايقاع الطلاق والوكيل معبر عنه اما حقيقة بالإضافة إليه أو حكما لأنه غير مالك للايقاع
بنفسه فهو نظير وكيل المولى في العتق بجعل أو لأنه لا يتوجه عليه المطالبة بتسليم المعقود عليه
فلا يكون له قبض البدل قال وان وكله أن يطلق امرأته وله أربع نسوة ولم يسم له امرأة
بعينها فان أوقع الطلاق على احدى نسائه جاز لأنه ممتثل أمره فإنه أمره بايقاع الطلاق على
129

امرأة غير معينة وقد فعل فان طلقهن جميعا وقع الطلاق على واحدة منهن لأنه في حق الواحدة
ممتثل أمره وفيما زاد عليه مبتدى فيقع على الواحدة بغير عينها والبيان إلى الزوج كما لو أوقع
بنفسه على إحداهن بغير عينها وليس إلى الوكيل من البيان شئ لأنه معبر عن الزوج وقد
انتهى حكم وكالته بايقاعه قال ولو وكله أن يطلق امرأته فطلقها الوكيل ثلاثا فإن كان نوى
الزوج ثلاثا فهو جائز لان قوله طلقها تفويض وهو يحتمل معنى العموم والخصوص فإذا نوى
الثلاث فقد نوي العموم في التفويض وذلك صحيح منه ثم الوكيل ممتثل أمره في ايقاع الثلاث
وإن لم يكن نوى ثلاثا لم يقع شئ في قول أبي حنيفة رحمه الله وفى قولهما تقع واحدة بمنزلة
ما لو قال طلقها واحدة وطلقها ثلاثا وكذلك لو قال اخلعها فطلقها ثلاثا فهو على ما بينا لان نية
الثلاث تقع في الخلع ولو قال طلق إحداهن بعينها أو اخلعها كان ذلك جائزا بمنزلة ما لو قال
طلق أيتهن شئت وهناك يملك الايقاع على واحدة بعينها وكذلك إذا طلق إحداهن (ألا ترى)
أنه لو قال بع عبدا من عبيدي فباع واحدا منهم بعينه جاز ولو قال الموكل لم أعن هذا لم
يصدق فكذلك في الطلاق فان قيل التعيين من ضرورة ما فوض إليه فان بدون التعيين
لا ينفذ بيعه وهنا التعيين ليس من ضرورة ما فوض إليه فان بدون التعيين يقع الطلاق على
إحداهن فينبغي أن لا يملك الوكيل الايقاع على المعينة لما فيه من قطع خيار الزوج قلنا هذا
أن لو شرط الزوج لنفسه خيارا وهنا لم يشترط ولكن ثبوت الخيار له عند انعدام تعين محل
الطلاق وذلك لا يوجد إذا وقع على إحداهن بعينها وهذا لان المعتبر ما نص عليه في التوكيل
وهو إنما نص على الايقاع على واحدة وهذه واحدة منهن قد أوقع عليها فكان ممتثلا لما نص
عليه الموكل وكذلك لو طلق واحدة منهن بغير عينها وقع لأنه ممتثل أمره بالايقاع على واحدة
منهن ثم الخيار إلى الزوج لانعدام تعين محل الطلاق ولا يملك الوكيل التعيين لان وكالته قد
انتهت بالايقاع فاما قبل الايقاع فوكالته قائمة فلهذا ملك الايقاع على واحدة بعينها قال وإذا
وكلت المرأة رجلا أن يخلعها من زوجها على مال أو علي ما بدا له فخلعها على المهر الذي أخذت
منه فهو جائز عليها وهو دين على المرأة ولا يؤخذ به الوكيل لأنه معبر عنها فإنه لا يستغنى
عن إضافة العقد إليها فيقول اخلع امرأتك ولا يقول اخلعني ولأنه ليس علي الوكيل من تسليم
المعقود عليه شئ فلا تتوجه عليه المطالبة بالبدل أيضا قال وإذا وكلته بالخلع فله أن يخلعها في
ذلك المجلس وغيره ما لم تعزله لان التوكيل مطلق فهو بمنزلة الوكيل في سائر التصرفات أو
130

التوكيل بالخلع من جانب الزوج قال ولو وكل الرجل رجلا ان يخلع امرأته ووكلت المرأة
ذلك الرجل ان يخلعها من زوجها فخلعها الوكيل من نفسه ولم يلق الزوج ولا المرأة فالخلع
باطل وهو في هذا بمنزلة البيع لأن الخلع من جانبها التزام للمال بعوض فيكون في حكم البيع
وهذا لان المال في الخلع لا يجب الا بتسمية البدل فالواحد إذا تولاه من الجانبين يكون
مستزيدا أو مستنقصا وذلك لا يجوز وكذلك أن كان البدل مسمى لان تسمية البدل من جانب
الزوج يمنع الوكيل من النقصان دون الزيادة ومن جانب المرأة يمنع من الزيادة دون النقصان
قال ولو وكلت المرأة زوجها أن يخلعها من نفسه بما شاء فخلعها من نفسه بخادمها فهو باطل
إلا أن تجيز المرأة ذلك وكذلك لو وكل الزوج المرأة ان تخلع نفسها منه فخلعت نفسها منه بمال
أو عرض فان ذلك لا يجوز إلا أن يرضى الزوج به وهذا بمنزلة البيع من الوجه الذي قلنا
وهذا لأن المرأة رضيت بالخلع لا بزوال ملكها عن الخادم والزوج رضى بالخلع لا بدخول
ذلك العرض بعينه في ملكها فلهذا لا يجوز الا برضا من الجانبين ولو قال الرجل لامرأته
اشترى طلاقك منى بما شئت فقد وكلتك بذلك فقالت قد اشتريته بكذا وكذا كان باطلا
لما بينا أنها لا تصلح نائبة عن الزوج في تعيين جنس البدل وتسمية مقداره فيما يجب عليها
لأنها بحكم النيابة تكون مستزيدة في ذلك وباعتبار جانبها تكون مستنقصة ولو قال لها طلقي
نفسك منى بكذا وكذا ففعلت كان ذلك جائزا لان الزوج هنا قدر البدل بنفسه ثم جعلها
نائبة عنه في الايقاع وهي تصلح معبرة عن الزوج في ايقاع الطلاق قال ولا تنشئ الطلاق بالمال
كالخلع بغير مال وقيل هذا غير صحيح فإنه ذكر في الخلع بمال انه جائز فما معنى هذا الفرق
الذي أشار إليه قيل معناه إذا قال لها طلقي نفسك أو اختلعي منى بغير مال فأوقعته كان صحيحا
ولو قال بما شئت لم يكن صحيحا إلا أن يرضى به الزوج قال وإذا وكل الرجل رجلا أن يخلع
امرأته فخلعها الزوج أو بانت منه بوجه ثم تزوجها في العدة أو بعدها لم يكن للوكيل أن يخلعها
لان بوقوع البينونة خرج الموكل من أن يكون مالكا للخلع فيتضمن ذلك عزل الوكيل ثم
لو تزوجها بعد ذلك بسبب مستأنف لا يوجب إعادة الوكالة وكذلك لو وكلته هي سقطت برده
أو بطلاق الزوج قال ولو وكله ان يخلعها على عبد لها على أن زادها مائة درهم فأبى الزوج
ان يلتزم المائة بطلت حصتها من العبد لأن العقد في حصة المائة شراء ولم يفوض الزوج إليه
ذلك وجاز له حصة المهر وقد بينا في النكاح نظيره قال ولو كان الوكيل ضمن المائة لها لزمته
131

بالضمان ولا يرجع بها على الزوج لأنه ضمن بغير أمره وهذا لان ضمان البدل في باب
الخلع من الوكيل صحيح فكذلك ضمان ما كان ثبوته تبعا للخلع والشراء في حصة المائة يثبت
تبعا على ما قدرنا فيصح التزام الوكيل ذلك بالضمان ولا يملك الوكيل بمقابلته شيئا من العبد
بل يكون العبد كله للزوج بدلا في الخلع قال ولو خلعها الوكيل على حر أو خمر أو دم أو خنزير
فالخلع باطل لأنه لو وقع الطلاق هنا وقع بغير جعل فصار كما لو أوقعه الزوج بنفسه والموكل
بهذا لم يرض بخلاف النكاح فإنه لو صح النكاح عند تسمية الخمر والخنزير كان بعوض كما
لو ترك تسمية العوض أصلا قال ولو خلعها على درهم جاز عند أبي حنيفة رحمه الله بناء على
أصلهما فيما يفسد الوكالة بالعرف وان خلعها على حكمها أو على حكم الوكيل جاز لان الطلاق
بهذا الخلع يقع بعوض كما لو باشره الزوج بنفسه ثم الواجب عليها رد المقبوض من الصداق
فان حكمت بذلك أو أكثر جاز حكمها وان حكمت أو حكم الوكيل بأقل من ذلك لم يجز حكمه
لان فيه اسقاط حق الزوج عن بعض ما صار مستحقا له فهما لا يملكان ذلك قال وإذا وكلت
المرأة الذمية مسلما بخلعها من ذمي على خمر أو خنزير جاز وكذلك النكاح لان الخمر والخنزير
مال متقوم في حقهم ولو كان أحد الزوجين مسلما والوكيل كافرا جاز الخلع وبطل الجعل لان
الوكيل ممتثل أمره حين سمى ما هو مال متقوم في حقه ولكن المسلم ممنوع من تملك الخمر
وتملكها بالعقد فلهذا بطل الجعل وهذا على أصلهما ظاهر لأنهما يعتبران حال الموكل كما في
التوكيل ببيع الخمر وشرائها وعلى أصل أبي حنيفة رحمه الله هناك كذلك لان الوكيل سفير
ومعبر لا يتعلق به شئ من حقوق العقد هنا بخلاف الوكيل بالبيع والشراء قال ولو وكل
رجلا بأن يخلع امرأته وقال له ان أبت الخلع فطلقها فأبت الخلع فطلقها وقع بايقاعه ثم هذا
كايقاع الموكل بنفسه وايقاع الموكل بصريح الطلاق لا يمنع بقاء الوكالة بالخلع فكذلك ايقاع
الوكيل حتى لو قالت انا أخالع فخلعها وهي في العدة جاز لان الأول كان رجعيا والطلاق الرجعى
لا يمنع الخلع وقد بينا الوكالة بالخلع بعد ما أبانها فلهذا صح الخلع والله أعلم
(باب الوكالة في الإجارة والمزارعة والمعاملة)
(قال رحمه الله) وإذا كانت الأرض بين رهط فوكل أحدهم وكيلا بإجارة نصيبه
فأجره من جميعهم جاز وان أجره من أحدهم لم يجز في قول أبي حنيفة رحمه الله وجاز عندهما
132

بمنزلة ما لو باشره الموكل بنفسه واصل المسألة أرض بين رجلين اجر أحدهما نصيبه من صاحبه
يجوز بالاتفاق لتمكن المستأجر من استيفاء المعقود عليه كما تناوله العقد ولو أجره من أجنبي
لم يجز في قول أبي حنيفة رحمه الله وجاز عندهما لان بيع المنفعة معتبر ببيع العين فالشيوع
لا يمنع صحته وأبو حنيفة رحمه الله يقول المستأجر لا يقدر على استيفاء المعقود عليه كما تناوله
العقد لان المعقود عليه منفعة نصيب من العين شائع والاستيفاء جزء معين إذا عرفنا هذا فنقول
هنا إذا أجر نصيبه من جميع شركائه فهم يقدرون على الاستيفاء كما هو قضية العقد وان أجره
من أحدهم لم يقدر على استيفاء المعقود عليه كما تناوله العقد فلهذا لم يجز العقد عنده والوكيل
بالإجارة إذا أجره بعرض أو خادم بعينها فهو جائز وعند أبي حنيفة رحمه الله ظاهر وعندهما
تقييد التوكيل بالبيع بالنقد لدليل العرف ولا عرف في الإجارة بل العرف فيه مشترك ولان
البيع بعرض بعينه شراء من وجه وهنا تعيين الأجرة لا يخرج العقد من أن يكون إجارة
من كل وجه ولأنا لو جعلناه مخالفا تضرر به الموكل لان الاجر يكون للعاقد ولا ضمان عليه
فان المنافع لا تتقوم بخلاف بيع العين والوكيل بالإجارة خصم في اثبات الإجارة وفى قبض
الاجر وجنس المستأجر به لان الإجارة بيع المنفعة قياس بيع العين والوكيل وكيل في إضافة العقد
إليه وكان في حقوق العقد كالعاقد لنفسه فان وهب الاجر للمستأجر أو أبرأه منه جاز إن لم يكن
شيئا بعينه ويضمنه للآمر وإن كان شيئا بعينه لم يجز ابراؤه ولا هبته لان الغير صار مملوكا له
باستيفاء المنفعة واشتراط التعجيل فتصرف الوكيل بالهبة يلاقى عينا هي ملك الغير بغير أمره فكان
باطلا في غير المعين وإنما وجب الاجر بعقد الوكيل عند استيفاء المنفعة دينا في ذمة المستأجر
فيكون بمنزلة الثمن في البيع وقد بينا أن الوكيل بالبيع إذا أبرأ المشترى عن الثمن صح ابراؤه وصار
ضامنا للآمر في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله خلافا لأبي يوسف رحمه الله فهذا مثله وأما
إذا أبراه عن جميع الاجر قبل استيفاء المنفعة فهو على الخلاف الذي عرف في المؤاجر إذا
كان مالكا فابرأ عن جميع الاجر قبل استيفاء المنفعة وفيه خلاف بين أبى يوسف ومحمد
رحمهما الله مذكور في الإجارات وموت الوكيل لا ينقض الإجارة وموت رب الأرض أو
المستأجر ينقضها لان الانتقاض بموت رب الأرض باعتبار أن العين قد انقلبت إلى ملك
الوارث فالمنافع بعد الموت تحدث على ملك الوارث وفى هذا لا يفترق الحال بين أن يكون
هو المؤجر بنفسه أو وكيله وبموت المستأجر إنما تنتقض لان الإرث لا يجرى في المنافع المجردة
133

وعند موت الوكيل لا يتحقق واحد من هذين المعنيين فلا تنتقض الإجارة وكذلك الجواب
في وصى اليتيم وقيم الوقف بعد ما أجر العين قال ولو أن الوكيل ناقض المستأجر الإجارة قبل
استيفاء المنفعة جازت مناقضته إن كان الاجر دينا أو عينا بخلاف الإقالة في بيع العين وقد
قررنا هذا الفرق فيما سبق (ثم زاد فقال) إلا أن الوكيل قد قبض الاجر فحينئذ لا يجوز
مناقضته لان المقبوض صار مملوكا للآمر بعينه فان الاجر يملك بالتعجيل وفى هذه المناقضة
ابطال ملك الآمر عن العين وابطال يده لان مقبوض الوكيل صار كالمقبوض للآمر فاما قبل
القبض وإن كان الاجر عينا فلم يصر مملوكا فلا تثبت اليد أيضا للآمر فلهذا ملك الوكيل
نقض العقد فيه وأما بعد استيفاء المنفعة فلا يتصور مناقضة الإجارة قال وإذا وكله أن يؤاجره
أرضا له وفيها بيوت ولم يسم البيوت فله أن يؤاجر البيوت والأرض وكذلك لو كان فيها
رحى لان ما في الأرض من البناء وصف وتبع له حتى يدخل في البيع من غير ذكر فكذلك
في الإجارة لأنه صالح لما يصلح له الأصل بطريق الإجارة فكذلك إذا وكل الوكيل بأن يؤاجره
وإذا أجر الأرض صاحبها ثم وكل وكيلا بقبض الاجر فهو جائز كالتوكيل بقبض سائر
الديون فان أخر الوكيل الاجر عن المطلوب أو حطه عنه أو صالحه على نقض دينه لم يجز
لأنه غير ما فوض إليه وهو نائب محض فلا يصح منه الا ما فوض إليه وان وكله أن يؤاجرها
بدراهم فأجرها بدنانير لم يجز لأنه خالف ما أمره به نصا ولو أجرها بأكثر مما سمى له من
الدراهم جاز الا على قول زفر رحمه الله وهو نظير الوكيل بالبيع بألف إذا باع بألفين فعند
زفر رحمه الله ظاهر لأنه خالف اللفظ في الفصلين ونحن نقول إذا حصل مقصود الآمر
وزاد خيرا لم يكن تصرفه خلافا وكذلك الوكيل بالاستئجار مدة معلومة بدراهم مسماة إذا
استأجرها بأقل من ذلك والوكيل بالإجارة والاستئجار بالدراهم ليس له أن يزارع لأنه
مخالف لما أمره به نصا وكذلك الوكيل بالمزارعة ليس له أن يؤاجر بدراهم ولا حنطة لأنه
مخالف لما أمره به نصا أما في الاستئجار بدراهم فغير مشكل وكذلك بالحنطة لان الآمر
إنما رضى بأن يكون حق صاحب الأرض في جزء من الخارج لا في ذمته والاستئجار بالحنطة
يوجب الاجر في ذمته وله في هذا منفعة فربما يصيب الخارج آفة فإذا كان أجرها مزارعة
لم يضمن شيئا وإذا استأجره بحنطة في ذمته كان ضامنا للأجر قال وإذا وكله أن يستأجرها
له فأخذها له مزارعة لم يجز في قول أبي حنيفة رحمه الله لأنه لا يرى جواز المزارعة أصلا
134

وتجوز عندهما لان المزارعة عقد وهي من صاحب اليد استئجار الأرض بجزه من الخارج
فإذا لم يسم له الآمر بأي شئ يستأجرها له أن يستأجرها ببعض الخارج لان فيه منفعة
للآمر فإنه إن حصل الخارج يجب الاجر وإن لم يحصل لا يجب شئ ولو استأجرها بأجرة
مسماة يجب الاجر سواء حصل الخارج أو لم يحصل قال وإذا وكله أن يستأجر له أرضا فما
استأجرها به من مكيل أو موزون بغير عينه فهو جائز على الآمر في قول أبي حنيفة رحمه الله
وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله هو على الدراهم والدنانير وما يستأجر به الأرض مما يخرج
منها من المكيل والموزون ونحوه أما عند أبي حنيفة رحمه الله فلان التوكيل بالاستئجار مطلق
فما استأجر به من مكيل أو موزون بغير عينه فهو جائز لأنه استئجار مطلق وقيل هذا بناء
على قوله الأول في الوكيل بالشراء انه يملك الشراء بمكيل أو موزون بغير عينه فاما على قوله
الآخر كما لا يملك الوكيل بالشراء أن يشترى الا بالنقد فكذلك الوكيل بالاستئجار وقيل بل
بينهما فرق لان في الشراء بالنقد عرفا ظاهرا فإذا تعذر حمل التوكيل على العموم حمل على
المتعارف وليس في الاستئجار مثل ذلك الفرق فقد يكون بمكيل أو موزون بالنسيئة كما
يكون بالنقد فاما عندهما فالوكيل بالاستئجار يملك أخذ الأرض مزارعة وذلك استئجار
ببعض ما تخرج الأرض فإذا استأجرها بالدراهم أو بشئ مما تخرجه تلك الأرض كان
ممتثلا أمر الامر فيجوز وان استأجرها بشئ من الجراب أو المكيل أو الموزون بعينه كان
مخالفا لأنه لو نفذ هذا التصرف منه خرج ملك العين عن ملك الآمر وهو مأمور من جهته
بادخال المنفعة في ملكه لا بنقل الملك بشئ من أعيان ماله إلي غيره قال وللوكيل بالمزارعة
والمعاملة أن يقبض نصيب رب الأرض من الخارج لأنه وجب بعقده فان وهبه للعامل أو
أبرأه منه لم يجز في قول من يجوز المزارعة والمعاملة لان لرب الأرض في نصيبه من الخارج
عينا وقد بينا أن الاجر إذا كان شيئا بعينه فليس للوكيل فيه ولاية الابراء والهبة قال وإذا وكله
أن يدفع أرضه مزارعة فأجرها بحيوان أو بدراهم لم يجز لأنه مأمور بأن يؤاجرها يجزء مما
تخرجه الأرض وقد خالف ما أمر به نصا وان أجرها بحنطة كيلا أو بشئ مما يزرع يجوز ذلك
في قول من يجيز المزارعة لأنه حصل مقصود الامر بطريق هو أنفع له مما سمى له فإنه لو دفعها
مزارعة ثم اصطلم الزرع آفة لم يستوجب الآمر شيئا وإذا أجرها بحنطة كيلا كان الآمر مستحقا
للأجر وان اصطلم الزرع آفة وفيه يحصل مقصوده لان الاجر المسمى من جنس ما تخرجه
135

الأرض فلهذا كان صحيحا قال وإذا وكله أن يدفعها مزارعة فدفعها إلي رجل وزرعها رطبة
أو شيئا من الحبوب كان هذا جائزا لان هذا كله من عمل المزارعة والضرر على الأرض
فيه غير متفاوت فان دفعها إلى رجل يغرس فيها شجرا لم يجز لان الغراسة ليست من
المزارعة في شئ والضرر على الأرض في عمل الغراسة ليس من جنس ضرر عمل المزارعة
فلهذا كان مخالفا ثم فرق بين هذا وبين ما إذا أخذ الأرض مزارعة ولم يبين الآمر ما يزرع
فيها لم يجز والتوكيل بدفعها مزارعة يجوز في هذا لان الوكالة مبنية على التوسع وتسمية
البدل في الوكالة ليس بشرط والجهالة المستدركة لا تمنع صحتها بخلاف المزارعة فإنها تتعلق بها
صفة اللزوم على قول من يجيزها فلا بد أن يكون البدل معلوما فيها وإنما يصير الجنس معلوما
ببيان ما يزرع فيها قال ولو وكله بدفعها لمن يغرس فيها النخل بالنصف فدفعها له لم يجز قال
ولو وكله في أرض له ليدفعها إلى رجل يبني فيها بيوتا ويؤاجرها بالنصف ويكون الاجر
بينهما نصفين فهو جائز في قول من يجيز المعاملة وليس هذا مذهب علمائنا رحمهم الله بل هو
قول أهل المدينة رحمهم الله (بيانه في مسألة الدسكرة في كتاب المضاربة) قال ولو وكل
رجل رجلا بأن يستأجر له أرضا فاستأجرها فالاجر إنما يجب لرب الأرض على الوكيل
وللوكيل على الامر بمنزلة التوكيل بالشراء حتى لو وهب رب الأرض الاجر من المستأجر
أو أبرأه منه كان للمستأجر أن يأخذ ممن وهبها له ولو أراد المستأجر أن يأخذ من الامر الاجر
قبل أن يؤديه كان له ذلك كما في الوكيل بالشراء وكذلك لا سبيل لرب الأرض على الآمر
له في المطالبة بالأجر لأنه لم يعامله بشئ قال ولو مات المستأجر كان ينبغي في القياس ان الإجارة
له لأنه في حكم العقد بمنزلة العاقد لنفسه ولكنه استحسن فقال موت العاقد ليس بمبطل للإجارة
بعينه بل لما في ابقائه من توريث المنفعة وذلك غير موجود هنا لان المنفعة كانت مملوكة
للآمر يستوفيها قبل موت الوكيل وبعده بصفة واحدة قال ولو أن المستأجر ناقض رب
الأرض الإجارة فإن كانت الأرض في يد المؤاجر جازت المناقضة لان الآمر لم يتملك بنفس
العقد شيئا من المعقود عليه ولا ثبتت يده على شئ فصحت المناقضة من الوكيل كما في جانب
الوكيل بالإجارة وإن كان قد دفعها إلى الآمر أو المستأجر ثم ناقض ففي القياس يجوز أيضا
لان الآمر لم يملك شيئا من المعقود عليه لكونها معدومة وكذلك لم تثبت يده على المعقود عليه
حتى لو تلفت لخراب الدار كان في ضمان الاجر كذلك ولكنه استحسن فقال قبض محل المعقود عليه
136

وهو الأرض أو الدار جعل بمنزلة قبض المعقود عليه كما أن عين الدار والأرض جعل قائما مقام المعقود
عليه في جواز العقد (ألا ترى) أنه لا يملك التصرف قبل قبض الدار ويملك بعد ذلك وقد ثبتت
يد الآمر على الأرض حقيقة بقبضه وحكما بقبض المستأجر وصار استدامة اليد إلى انتهاء المدة
مستحقا له فلا يملك الوكيل ابطال ذلك الحق عليه للمناقضة استحسانا قال وإذا وكله أن
يستأجرها له سنة فاستأجرها سنتين فالسنة الأولى للآمر والسنة الثانية للوكيل لان عقد الإجارة
في حكم عقود متفرقة يتجدد انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة ففي المدة التي سمى له الآمر
امتثل أمره بالاستئجار له وحصل مقصوده وفيما زاد على ذلك أنشأ التصرف بغير أمره فيكون
عاقدا لنفسه ويكون كالمضيف العقد الذي باشره لنفسه إلى وقت في المستقبل ولان التوكيل
بالاستئجار كالتوكيل بالشراء والوكيل بشراء شئ بعينه إذا اشترى ذلك الشئ مع غيره كان
مشتريا ذلك الشئ للآمر وما سواه يصير مشتريا لنفسه قالوا وإذا وكله أن يستأجر له دارا
فسقط بعض الدار قبل أن يقبضها أو بعد ما قبضها فقال المستأجر أنا أرضي بها فإنها تلزم المستأجر
دون الآمر بمنزل الوكيل بالشراء يعلم بالعيب فيرضى به وذلك يلزمه دون الآمر فهذا مثله إلا أن
هنا يستوى إن كان الانهدام قبل قبض الدار أو بعده لان بقبض الدار المعقود عليه لا يدخل
في ضمان المستأجر وانهدام بعض البيوت يمكن نقصانا في المعقود عليه فيكون منشئا الخيار
للمشترى والمستأجر والآمر قال ولو وكل رجلين أن يستأجرا له أرضا فاستاجرها أحدهما
لزم الوكيل لان هذا عقد يحتاج فيه إلى الرأي وقد فوضه إليهما فلا ينفرد به أحدهما وإذا
تعذر تنفيذه على الامر نفذ العقد على المباشر بمنزلة الوكيلين بالشراء فان قال الآمر أنا أرضى
بذلك فللمستأجر أن يمنعه منه لأنه صار عاقدا لنفسه فلا يملك استحقاقه عليه بغير رضاه
فان دفعها إليه فهو للآمر بإجارة مستقبلة ويجعل الوكيل عند التسليم إليه كأن يقول أجرتك
هذه إلى كذا كذا فهو بالقبض يصير كأنه قال استأجرته منك والله أعلم بالصواب
(باب الوكالة من أهل الكفر)
(قال رحمه الله) وإذا وكل الذمي الذمي بقبض خمر له بعينها فصارت خلا فله أن يقبضها
لأن العين باقية بعد التخلل والهيئة باقية وإنما اختلف الطعم والوكالة إنما صحت لبقاء العين فيما بقيت
العين صحت الوكالة وبقيت وكذلك المسلم يوكل المسلم بقبض عصير له بعينه فيصير العصير
137

خلا فله أن يقبضه ولم يذكر ما إذا صار خمرا والصحيح ان له أن يقبضه أيضا لان الموكل يملك
قبضه بعد التخمر فيملك وكيله قبضه أيضا قال ولو وكل ذمي ذميا بقبض جلود ميتة ودباغها
ففعل ذلك فهو جائز وهذا لا يختص بالذمي والجواب في المسلم هكذا لان القبض اثبات اليد
على العين مالا كان أو غير مال والموكل يملك ذلك بنفسه وهو أحق به لان ملكه لم يبطل
ببطلان المالية الا انه وضع هذه المسائل في أهل الذمة صيانة للمسلمين عن التداول لأعيان
نجسة قال وإذا وكل الحربي مسلما أو ذميا أو حربيا بتقاضي دين له في دار الاسلام وأشهد على
ذلك شهودا من أهل الاسلام فخرج وكيله من دار الحرب وطلب ذلك فهو جائز لأنه
خرج بنفسه مسلما أو ذميا أو مستأمنا فطلب ذلك الحق جاز فكذلك إذا بعث وكيلا لأنه
ربما يعجز عن الخروج بنفسه والتوكيل استعانة بالغير فيما يعجز فيه عن مباشرته بنفسه وعلى
هذا لو وكل بقبض وديعة له أو بيع شئ أو شرائه في دار الاسلام وعلى هذا توكيل المسلم
أو الذمي أو الحربي المستأمن في دار الاسلام بخصومة أو بيع أو غير ذلك لان المسلم والذمي
من أهل دار الاسلام وهو يملك الخصومة بنفسه فيملك أن يوكل الحربي المستأمن بها قال
فإن كان الحربي مستأمنا فلحق بدار الحرب فإن كان الذي وكله مسلما أو ذميا انتقلت الوكالة
لتباين الدارين حقيقة وحكما وذلك قاطع لأقوى أنواع العصمة وهو النكاح فلان يقطع
الوكالة بالخصومة أولى (ألا ترى) ان ابتداء التوكيل بهذه الصفة لا يجوز فكذلك
لا يبقى قال وإذا كان الذي وكله حربيا من أهل داره ففي القياس تبطل الوكالة أيضا لما قلنا
ولكنه استحسن فقال إنفاق الدارين حكما قد نعدم هنا لان المستأمن وإن كان في دارنا صورة
فهو من أهل الحرب حكما (ألا ترى) انه ممكن من الرجوع والظاهر أن يرضي بتصرفه بعد
رجوعه إلى دار الحرب لأنه على عدم اللحوق بدار الحرب بخلاف المسلم والذمي قال وإذا
كل المستأمن مستأمنا بخصومة ثم لحق الموكل بالدار وبقي الوكيل يخاصم فإن كان الوكيل
هو الذي يدعي للحربي الحق قبلت الخصومة فيه لما بينا وإن كان الحربي هو المدعى عليه ففي
الاستحسان كذلك اعتبار لاحد الجانبين بالآخر وتحقيقا للتسوية بين الخصمين وفى القياس
تنقطع الوكالة حين يلحق بالدار وبالقياس نأخذ لان المقصود من الخصومة القضاء وإنما توجه
القاضي للقضاء على الموكل دون الوكيل (ألا ترى) ان فيما يقيم من الحجة عليه يراعى دين الموكل
دون الوكيل وبعد ما رجع الموكل إلى دار الحرب حربيا لا يبقى لقاضي المسلمين عليه ولاية
138

إلزام القضاء فلهذا تبطل الوكالة فاما إذا كان الموكل هو المدعى فإنما يوجه القاضي القضاء على
الخصم الذي هو في دار الاسلام لخصومة وكيل الحربي وله هذه الولاية فلهذا بقيت الوكالة
قال ولو وكل المستأمن ذميا ببيع متاع أو بتقاضي دين سوى الخصومة ثم لحق بدار الحرب
فهو جائز لان ابتداء التوكيل وهو في دار الحرب صحيح فبقاؤه أولى قال وإن كان الموكل
ذميا والوكيل مستأمنا فلحق بالدار بطلت الوكالة لان الذمي من أهل دارنا كالمسلم ومن هو
في دار الحرب حقيقة وحكما في حق من هو في دار الاسلام كالميت فكما لا يبقى بعد موت
الوكيل فكذلك بعد لحاقه بخلاف ما إذا كان الموكل حربيا لأنه من أهل تلك الدار حكما فلا
يصير الوكيل باللحوق بالدار في حقه كالميت قال وان وكل المرتد وهو في دار الحرب وكيلا
ببيع شئ من ماله في دار الاسلام لم يجز لان بلحوقه بالدار زال ماله عن ملكه وصار في حكم
الميت ولهذا يقضي بالمال لوارثه لأنه إنما وكل ببيع ما لا يملك بيعه بنفسه فان أسلم بعد ذلك
لم تجز الوكالة لأنه لما لم يكن مالكا عند التوكيل تعينت جهة البطلان في وكالته فلا ينقلب
صحيحا بعد ذلك بعود الملك إليه (ألا ترى) انه لو باع بنفسه ثم أسلم لم ينفذ ذلك البيع قال ولو
وكله وهو مسلم ثم ارتد ثم أسلم قبل لحاقه بدار الحرب فهو على وكالته في جميع ذلك لان ملكه
لم يزل قبل لحاقه بل توقف وباسلامه قبل لحاقه يعود (ألا ترى) انه لو باع بنفسه ثم أسلم نفذ
البيع فكذلك تبقى وكالة الوكيل في جميع ذلك ما خلا النكاح لأنه بالردة خرج من أن يكون
مالكا للنكاح بنفسه فتبطل الوكالة به أيضا ثم لا يعود الا بالتجديد قال ولو لحق بدار الحرب
مرتدا ثم جاء مسلما فالوكيل على وكالته إلا أن يكون القاضي قضى بلحاقه وقسم ماله بين ورثته
فحينئذ ينعزل الوكيل ثم لا يعود وكيلا وان جاء مسلما لان اللحوق بدار الحرب إذا لم يتصل
به قضاء القاضي فهو غيبة وإذا اتصل به قضاء القاضي فهو كالموت ولم يذكر هذا التقسيم فيما
إذا كان ابتداء التوكيل بعد ما لحق بدار الحرب فمن أصحابنا رحمهم الله من قسمه على أحد
الفصلين والأصح هو الأول والفرق بينهما أن تعيين اللحوق بدار الحرب لا يمنع ابتداء
التصرف من المرتد فلا يمنع بقاءه ما لم يقض القاضي بلحاقه (ألا ترى) أنه لو باع بنفسه
بعد ما التحق بدار الحرب شيئا من ماله في دار الاسلام ثم جاء مسلما لم ينفذ ذلك البيع
فكذلك الوكالة بلا فرق بينهما قال وإذا وكل الرجلان رجلا ان يشترى لهما جارية بعينها ثم
ارتد أحدهما ولحق بالدار ثم اشتراها الوكيل لزم الوكيل نصفها والموكل الثاني نصفها لان
139

كل واحد منهما وكله بشراء النصف له ففي نصف الذي لحق بالدار جعل كأنهما لحقا فيكون
الوكيل مشتريا لنفسه وفى نصيب الذي بقي يجعل كأنهما بقيا في دارنا فيكون مشتريا له وهذا
قياس موت أحد الموكلين فان قال ورثة المرتد اشتريتها قبل أن يرتد صاحبها وكذبهم الوكيل
فالقول قوله مع يمنيه لان الورثة يدعون الإرث فيما لم يثبت الملك لمورثهم فيه ولان الشراء
حادث فيحال بالحدوث إلي أقرب الأوقات وهم يدعون فيه تاريخا سابقا ولان الظاهر أن
المرء يكون متصرفا لنفسه حتى يقوم الدليل على أنه يتصرف لغيره ولو كان الوكيل نقد مال
المرتد فالقول قول الورثة لأن الظاهر شاهد لهم فان الانسان في تصرفه لنفسه لا ينقد مال
غيره فان أقاما البينة فالبينة بينة الورثة أيضا لأنهم يثبتون الملك لمورثهم وسبق التاريخ في
العقد الذي باشره الوكيل وعلى هذا لو كان المرتد هو الموكل وحده فالجواب لا يختلف ولو
قال الوكيل اشتريتها قبل لحاقه بدار الحرب وكذبه الورثة فالقول قول الوكيل إذا كان المال
مدفوعا إليه وهو ليس تعيين مال قائم في يده أو يد غيره وإن لم يكن المال مدفوعا إليه فالقول
قول الورثة لأنه يدعى عليهم وجوب ثمن المشترى وهم ينكرون ذلك وكذلك أن كان المال
المدفوع إليه بعينه في يده أو في يد البائع لان عينه صارت ملكا لهم فهو بقوله يبطل ملكهم
وقد بينا نظير ذلك في موت الموكل قال وإذا وكل الرجل رجلا ان يخلع امرأته على مال أو
يطلقها بتا بغير مال ثم ارتد الزوج ولحق بالدار أو مات وخلعها الوكيل أو طلقها فقالت المرأة
فعل ذلك بعد موت زوجي أو بعد لحاقه وقال الوكيل والورثة كان ذلك في حياته واسلامه
فالقول قول المرأة والطلاق باطل ومالها مردود عليها ولها الميراث لأن الخلع والايقاع من
الوكيل حادث والورثة يدعون فيه سبق التاريخ وهو ينكر فالقول قولها الا ان تقوم البينة
فحينئذ يثبت التاريخ ببينة الورثة قال ولو وكل وكيلا بعتق عبد له على مال أو غير مال أو
مكاتبته ثم ارتد الموكل ولحق بدار الحرب أو مات فقال الوكيل فعلت ذلك في اسلامه
وكذبه الورثة فالقول قول الورثة لان سبب ملكهم في العبد ظاهر فالوكيل مخبر بما يبطل
ملكهم عن العين وهو لا يملك انشاءه في الحال فلا يقبل قوله بخلاف ما تقدم فان الورثة
لا يخلفونه في ملك المرأة نكاحا فلهذا جعلنا القول قولها هناك وفى الحقيقة لا فرق وفى
الموضعين جميعا يجعل تصرفه محالا به على أقرب الأوقات لأنه لم يثبت فيه سبق التاريخ
ولهذا لو قامت لهم جميعا البينة أخذ ببينة الوكيل والعبد لان فيها اثبات سبق التاريخ ولو
140

دفع إلى رجل ألف درهم فقال تصدق بها أو اقضها فلانا عنى ثم ارتد الآمر ولحق بالدار فقال
الوكيل فعلت ذلك في اسلامه فالقول قوله لأنه أمين مسلط أخبر بما سلط عليه فيوجب
قبول قوله إذا لم يكن كذبه ظاهرا وان أقاموا البينة فالبينة بينته أيضا لأنه يثبت سبق
التاريخ في تصرفه ببينته وكذلك لو وكله ببيع عبد بعينه فقال قد بعته في اسلامه ودفعت
إليه الثمن فإن كان مستهلكا فالقول قوله والبينة ببينته لما بينا وإن كان العبد قائما بعينه لم يصدق
الوكيل لأنه يخبر بزوال ملك الورثة عنه بتصرف لا يملك انشاءه في الحال وكذلك هذا كله في
المرتدة اللاحقة بالدار لان بعد اللحوق حال الرجل والمرأة فيه سواء قال وإن كان الموكل
قد عاد مسلما من دار الحرب ثم اختلف هو والوكيل فالقول فيه مثل الأول كاختلاف الوكيل
مع الورثة لما قلنا قال ولو وكله أن يزوجه امرأة بعينها ثم ارتد الآمر ولحق بالدار فقال
الوكيل زوجته في اسلامه وكذبه الورثة والموكل بعد جاء مسلما فإنه لا يقبل قول الوكيل
أو المرأة لان الوكيل يخبر بما لا يملك استئنافه فقد انعزل بردة الآمر ولم يعد وكيلا بعد
ما جاء مسلما وليس في كلامه نفى ضمان عن نفسه بل فيه ايجاب الحق لها في تركته أو في ذمته
إذا جاء مسلما وان أقاموا البينة فالبينة بينة المرأة لأنها تثبت الحق لنفسها ببينتها ونثبت سبق
التاريخ والورثة ينفون ذلك وإن لم يكن بينهما بينة يستحلف الورثة على علمهم لأنهم لو أقروا
بما ادعت لزمهم فان قضى القاضي لهم بالميراث بعد ما حلفوا ثم رجع المرتد مسلما فأرادت
المرأة أن تستحلفه أيضا فلها ذلك لأنها تدعى الصداق دينا في ذمته واستحلاف الورثة
لا يسقط اليمين عنه لأنهم ما كانوا نائبين عنه فالنيابة في الايمان لا تجرى قال وتوكيل المرتدة
بالتصرفات التي تملك مباشرتها بنفسها صحيحة سواء وكلت بذلك مرتدة مثلها أو مسلما
وكذلك أن كان التوكيل قبل ردتها يبقى بعد الردة لأنها تبقى مالكة للتصرف بنفسها الا ان
توكل بتزويجها وهي مرتدة فان ذلك باطل لأنها لا تملك ان تتزوج بنفسها فلا يصح توكيلها
بذلك حتى لو زوجها الوكيل في حال ردتها لم يجز وإن لم يزوجها حتى أسلمت ثم زوجها جاز
لان التوكيل كالمضاف إلى ما بعد اسلامها بمنزلة المعتدة أو المنكوحة إذا وكلت انسانا بأن
يزوجها وهذا بخلاف ما إذا كان التوكيل في اسلامها ثم ارتدت ثم أسلمت فزوجها لم يجز لان
ارتدادها اخراج من الوكالة فإنها حين كانت مالكة للعقد وقت التوكيل نثبت الوكالة في
الحال ثم بردتها تخرج من أن تكون مالكة للعقد فيكون ذلك عزلا منها لوكيلها فبعد ما انعزل
141

لا يعود وكيلها إلا بتجديد قال ولو وكلت المرتدة وكيلا بخصومة أو قضاء دين أو تقاضيه ثم
لحقت بالدار انتقضت الوكالة لان لحاقها بمنزلة ردتها حكما كلحاق الرجل لأنها باللحوق
صارت مستحقة لان تسترق ففيه اتلاف حكما فلهذا تبطل الوكالة فان قال الوكيل فعلت في
حياتها أو قبل لحاقها فهو مصدق في المستهلك غير مصدق في القائم بعينه لأنه صار مملوكا لورثتها
ولو قال قد قبضت دينا لها من فلإن لم يصدق على ذلك إلا ببينة وإن كان قائما بعينه لان
الورثة؟ قاموا مقامها في الدين في ذمة الغريم والوكيل يخبر بتحول حقهم إلى العين في حال
ملك؟ انشائها فلا يصدق في ذلك إلا ببينة ان قال قد قبضت المال الذي أعطتني فلانة وقد
كانت أمرته بذلك فهو مصدق إذا كان المال عينا قائما بعينه لأنه يخبر بما كان مسلطا عليه ويقصد
بذلك نفى الضمان عن نفسه فكان القول قوله قال وإذا وكلت المرتدة وكيلا بقبض وديعة
لها ثم ماتت فقال الوكيل قد قبضتها ودفعتها إليها وقالت الورثة قبضتها بعد موتها فالقول
قول الوكيل لأنه أخبر بما كان مسلطا عليه والوديعة ما كانت مضمونة وهذا بخلاف الدين
فإنه كان مضمونا في ذمة الغريم فلا يقبل قول الوكيل في قبضه إذا كأن لا يملك انشاء القبض
في الحال لان فيه اسقاط الضمان عن الغريم ولو وهب لها هبة أو تصدق عليها بصدقة فوكلت
وكيلا بقبضها ثم ماتت فقال الوكيل قد قبضتها ودفعتها إليها فالقول قول الوكيل لأنه يخبر
بما جعل مسلطا عليه أمينا فيه وان قال الواهب قبضتها وبعد موتها فالقول قول الوكيل أيضا
لان الواهب يدعى الضمان لنفسه عليه فلا يصدق الا بحجة فان كون القبض حادثا يحال بحدوثه
على أقرب الأوقات نوع من الظاهر ولا يكفي الظاهر لاثبات الضمان على الوكيل إلا أن
تكون قائمة بعينها فيكون للواهب أن يرجع فيها لأنه يبقى استحقاق المرأة عنها والظاهر شاهد
له والظاهر يكفي لدفع الاستحقاق وكذلك لو وهبت هبة فوكلت بدفعها وكيلا ثم ماتت
ودفعها الوكيل فقال دفعتها في حياتها فصدقه الموهوب له فلا ضمان على الوكيل لأنه كان أمينا
في الدفع ولكن ان كانت قائمة في يد الموهوب له فللورثة أن يأخذوها لأن الظاهر يشهد لهم
فإنه إنما يحال بالدفع على أقرب الأوقات وهو ما بعد موتها والوكيل يبطل ملك الورثة
باختياره بتصرف لا يملك انشاءه فان أقاموا البينة أخذت ببينة الموهوب له لأنه يثبت الملك
لنفسه في الموهوب وسبق التاريخ في دفع الوكيل إليه قال وإذا رهنت المرتدة رهنا أو ارتهنته
مع التسليط على البيع عند حل الاجل فهو جائز وللوكيل أن يبيعه وان مات أو لحقت
142

بالدار ان كانت رهنت فلقيام حق المرتهن وان كانت ارتهنت فلقيام حق ورثتها وبقاء الوكيل
والموكل جميعا قال وإذا وكل المكاتب المرتد وكيلا ببيع أو شراء فهو جائز بخلاف الحر على
قول أبي حنيفة رحمه الله لان المكاتب بعد الردة يملك التصرف بنفسه لقيام الكتابة فيوكل
به غيره بخلاف الحر وهذا لان كسب المكاتب دائر بينه وبين مولاه والمولى راض بتصرفه
بخلاف مال الحر فإنه يوقف على حق ورثته وهم لا يرضون بتصرفه والمستسعى كالمكاتب
في قوله قال فان لحق المكاتب بالدار مرتدا كان الوكيل على وكالته وكذلك لو أسر أو سبي
لان عقد الكتابة بان بعد لحاقه (ألا ترى) أن لحاقه لا يكون أعلى من موته وموته عن وفاء
لا يبطل الكتابة فكذلك لحاقه فلهذا بقي الوكيل على وكالته والله أعلم بالصواب
(باب الوكالة في الدم والصلح)
(قال رحمه الله) قد بينا فيما سبق ان وكيل من عليه القصاص إذا أقر بوجوب القصاص
على موكله لم يجز استحسانا الا ان يشهد هو وآخر معه ان ادعى المدعى عليه لان قبوله الوكالة
لا يخرجه من أن يكون شاهدا على موكله اما عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله فلا يشكل لأنه
عزل قبل الخصومة فشهادته لموكله تجوز فعلى موكله أولى وعند أبي يوسف رحمه الله فقد صار
قائما مقام موكله فلم تجز شهادته له ولا يوجد هذا المعنى في شهادته عليه وهذا إذا لم يسبق من
الوكيل انكار فان سبق منه انكار في مجلس القضاء ثم جاء بعد ذلك يشهد بحضرة المدعى
عليه فهو مناقض والشهادة مع التناقض لا تقبل قال والتوكيل بطلب دم جراحة خطأ أو عمدا
ليس فيها قود جائز مثل التوكيل في المال لان العمد الذي لا قود فيه موجبه موجب الخطأ
وهو المال وهذا التوكيل لاثبات موجب الفعل والاستيفاء وذلك مال قال ولو وكل رجل
رجلا ان يصالح عنه رجلا ادعى عليه دعوى من دين أو عين وان يعمل في ذلك برأيه فصالحه
الوكيل على مائة فهو جائز لأنه فوض الامر إلى رأيه على العموم والمال على الآمر دون
الوكيل لان الوكيل يضيف العقد إلى الموكل فيقول صالح فلانا من دعواك على كذا وفى
مثله العاقد يكون سفيرا ويكون المال على من وقع له دون الوكيل قال والوكيل بالصلح ليس
بوكيل في الخصومة لان الصلح عقد ينبنى على الموافقة والمسالمة وهو ضد الخصومة
(ألا ترى) أن الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح ولو أقر ان ذلك باطل لم يجز اقراره على صاحبه
143

لان صحة اقرار الوكيل بالخصومة باعتبار أنه وكيل بجواب الخصم والوكيل بالصلح ليس
بوكيل بالجواب وإنما هو وكيل بعقد يباشره والاقرار ليس من ذلك العقد في شئ قال ولو
وكل المدعى عليه وكيلا بالصلح فوكل الوكيل وكيلا بالصلح وفعل لم يجز لأنه عقد يحتاج فيه
إلى الرأي وإنما رضى الموكل برأيه دون رأى غيره فإن كانت الدراهم من مال الآمر رجع
بها لان الصلح لا ينفذ في حقه حين لم يباشره من رضي برأيه وإن لم يكن الآمر دفع المال
فصالح الوكيل الآخر ودفع المال من عند نفسه لم يلزم الأول شئ وجاز الصلح عن الموكل
الآخر وهو الوكيل الأول لان الوكيل باشره بأمر الأول فجاز في حق الأول ولكنه
حصل على وجه لم تتضمنه وكالة الموكل الأول فكان توكيل الأول لم يوجد ولكن أمر
أجنبي أجنبيا بأن يصالح على مال ويدفع من عند الموكل أو من عنده فهذا الصلح يجوز
ويكون الموكل متطوعا فيه فكذلك هنا الموكل الثاني يكون متطوعا وكذلك لو وكل اثنين
فصالح أحدهما دون الآخر بماله دون مال الموكل جاز ذلك عليه وهو متطوع فيه ولا يجوز
على الموكل لان الموكل رضى برأيهما فلا يكون راضيا برأي أحدهما وهذا الواحد إذا تفرد
بالصلح كان كالفضولي وصلح الفضولي صحيح إذا أضافه إلى نفسه أو أدى المال أو ضمن المال
ويكون متطوعا فيه لمعين وهو ان موجب الصلح في حق المصالح المديون البراءة عن الدين
والمشتري ينفرد بذلك وإنما يحتاج إلى رضاه لوجوب العوض عليه فإذا لم يكن عليه شئ من
العوض سقط اعتبار رضاه وكذلك لو وكله ان يصالح عنه بألف وضمن المال فصالح بألفين
أو بمائة دينار ونقده من ماله أو شئ من العروض أو المكيل أو الموزون من عند الوكيل
فالصلح جائز ولا يرجع على الموكل بشئ لأنه خالف أمره حين صالح على غير ما سمى له
كالفضولي في هذا الصلح ولو صالحه على أقل من ألف درهم وضمنه جاز على الموكل لأنه
امتثل أمره فان صالحه بأقل مما سمى من الدراهم يكون خيرا للموكل فهذا لا يعد خلافا
وقد وقع ضمن بدل الصلح بأمره فيكون له أن يرجع به عليه قال ولو وكله أن يصالح على
كر حنطة فصالح على كر شعير أو دراهم جاز على الوكيل دون الآمر لأنه خالف ما
أمره به نصا قال ولو وكله أن يصالح على عبد بعينه فصالح على أمة للوكيل جاز عليه ان
ضمن أو دفع ولا يجوز على الموكل لمخالفته أمره نصا قال ولو وكله أن يصالح على كر حنطة
لعينها فصالحه علي غيرها من حنطة أجود منها وضمنها جاز على الوكيل دون الموكل لأنه
144

خالف ما أمره به نصا حين أضاف الصلح إلى غير المحل الذي أمره به الموكل وهو أضر على
الموكل مما أمره به قال ولو صالح على كر حنطة وسط بغير عينه والكر الذي دفع إليه وسط
ففي القياس لا يجوز على الموكل لأنه لو جاز كان بدل الصلح دينا في ذمته وهو إنما وكله بان
يصالح على كر حنطة بعينه وكان بهذا مغيرا العقد إلى غير المحل الذي أمر به ولكنه استحسن
وقال يجوز صلحه على الموكل لأنه ما خالف أمره به بتسمية شئ آخر سوى المأمور به إنما
ترك التعيين ولا ضرر على الموكل في ذلك وقد بينا انه إنما يعتبر من التقييد ما يكون مفيدا
في حق الموكل دون ما لا يكون مفيدا ولان الوكيل قد يبتلى بهذا فقد يتفق الصلح في غير
الموضع الذي فيه الحنطة ولو أضاف العقد إلى عينه وهو غير مرئى دخل فيه شبهة الاختلاف
بين العلماء رحمهم الله في جواز شراء ما لم يره فتجوز عن ذلك بتسمية كر وسط مطلقا على
أن يدفع إليه ذلك الكر ولما وكله الموكل مع علمه انه قد يبتلى بهذا فقد صار راضيا بترك
التعيين قال ولو وكله المدعى أن يصالح على بيت من هذه الدار بعينه فصالح عليه وهو بيت
وآخر فهو جائز لأنه زاد خيرا بما صنع وحصل مقصوده قال ولو وكله أن يصالح عن هذا
البيت بمائة درهم فصالح عنه وعن بيت آخر بمائة درهم والوكيل من جانب المدعى عليه جاز
في حصة ذلك البيت لأنه امتثل أمره حين صالحه عن ذلك البيت على أقل مما سمى له قال
ولو وكله رب الدار أن يصالح عنه ولم يسم له شيئا فصالح على مال كثير وضمن فهو لازم
للوكيل بحكم ضمانه ثم إن كان مما يتغابن الناس فيه جاز على الموكل وإن كان أكثر من ذلك
لم يجز على الموكل لأنه بمنزلة الوكيل بالشراء وقد بينا أن تصرفه هناك يتقيد بما يتغابن الناس
في مثله فإذا زاد على ذلك لم يجز على الموكل فإن كان الوكيل وكيلا للمدعى فصالح على
شئ يسير فهو جائز على المدعى في قول أبي حنيفة رحمه الله لأنه بمنزلة الوكيل بالبيع والتوكيل
مطلق فلا يتقيد بشئ من البدل كما هو مذهبه في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لا يجوز
إلا أن يحط عنه فيما يتغابن الناس في مثله بمنزلة الوكيل بالبيع والشراء عندهما وإن لم يعرف
الدعوى فالصلح جائز على كل حال يريد به إذا كان الخصم منكرا ولا حجة للمدعى أو لا يعرف
مقدار ما يدعيه من الدار فالصلح على البدل اليسير في مثل هذا الموضع متعارف والحط على
وجه يكون فيه اسقاط شئ من حق الموكل غير معلوم هنا فلهذا جاز الصلح على كل حال
قال وإذا وكل المشترى الطاعن بالعيب وكيلا بالصلح فأقر أن صاحبه قد رضى بالعيب فاقراره
145

باطل لان الوكيل بالصلح لا يملك الخصومة وصحة اقرار الوكيل باعتبار مباشرته أو كونه
وكيلا بالخصومة ولم يوجد ذلك قال ولو كان البائع عبدا فوكل مولاه وكيلا بالصلح لم يجز
إن كان على العبد دين وجاز إن لم يكن عليه دين كما لو باشر المولى الصلح بنفسه وهذا لان
كسب العبد خالص ملك مولاه إن لم يكن عليه دين وحق غرمائه إن كان عليه دين فيكون
المولى منه كالأجنبي وكذلك لو كان العبد هو المشترى قال ولا يجوز توكيل المولى على المكاتب
بذلك لأنه من كسبه كالأجنبي لا يملك مباشرة الصلح بنفسه فلا يملك أن يوكل به غيره
ولو كان ابن المكاتب ولدا من أمة له فباع أو اشترى فطعن بعيب أو طعن عليه فوكل المكاتب
بالصلح في ذلك جاز إن لم يكن على الأب دين وإن كان دخل عليه دين لم يجز لان كل من
في كتابته فكسبه يكون له بشرط الفراغ من دينه يأخذه فيستعين به في قضاء بدل الكتابة
فإذا لم يكن على العبد دين فالمكاتب يملك هذا الصلح بنفسه فكذلك يوكل غيره به بخلاف
ما إذا كان عليه دين قال ولو وكل المكاتب وكيلا بالخصومة في ذلك لم يجز على أبيه إن كان عليه
دين أو لم يكن لان الخصومة في العيب من حقوق العقد والعقد إنما باشره الابن والمكاتب
لا يملك الخصومة فيه بنفسه على كل حال فكذلك لا يملك أن يوكل به غيره بخلاف الصلح
فإنه أنشأ عقدا في كسبه وهو يملكه إذا كان الكسب حقه وكذلك لو وكل المكاتب وكيلا
بتقاضي دين لابنه وبالخصومة في ذلك لم يجز إن كان على العبد دين أو لم يكن لان الابن هو
الذي باشر المداينة فحق القبض والتقاضي إليه دون المكاتب والذي بينا في المكاتب مع ابنه
فكذلك الجواب في المولى مع عبده قال وإذا كان دين بين رجلين فوكل أحدهما وكيلا
فاقتضى منه شيئا كان نصف ما أخذ لشريكه لان أصل الدين مشترك بينهما وقبض وكيل
أحدهما كقبض الموكل بنفسه وللشريك أن يأخذ منه نصفه وان ضاع المقبوض من
الوكيل فللشريك أن يضمن صاحبه نصف ما أخذ الوكيل لان الموكل صار قابضا بقبض
وكيله فكان هلاكه في يد الوكيل كهلاكه في يد الموكل فلهذا يرجع الشريك عليه بنصفه قال
وإن كان وكله بقبض ماله كله فقبضه فهلك منه فللشريك أن يضمن شريكه نصف ذلك كما
لو قبضه بنفسه وان شاء ضمن الوكيل لأنه في قبض نصيب الشريك متعد في حق الشريك
فكان له أن يضمنه نصيبه بتعديه ثم يرجع الوكيل بما ضمن لأنه قائم مقام من ضمنه ولأنه
لحقه غرم فيما باشره بأمر الموكل فيرجع به عليه وذكر في نسخ أبى حفص رحمه لله أن
146

للشريك أن يضمن شريكه نصف ذلك أن شاء وان شاء ضمن الغريم ثم يرجع الغريم بما؟
ضمن من ذلك على الشريك وهذا هو الأصح لأنه إذا لم يجز قبض الوكيل بقي حقه في
ذمة الغريم على حاله وإنما يكون له أن يضمن الغريم دون الوكيل لان قبض الوكيل لم يصادف
ماله ثم قبض الوكيل في حق الموكل كقبضه بنفسه ولو قبض أحد الشريكين بنفسه جميع
الدين ثم إن الآخر رجع لحقه على الغريم كان للغريم أن يرجع بذلك على القابض لأنه إنما
دفع إليه المال على أنه يستفيد البراءة من جميع الدين ولم يستفد ذلك فلهذا رجع عليه ويستوى
ان أقر الوكيل بالقبض أو قامت به بينة عليه لأنه يملك مباشرة القبض بنفسه فيصح اقراره
به في حق الموكل قال وإن كان الوكيل وكيلا بالخصومة فأقر عند القاضي ان صاحبه الذي
وكله به قد قبض حصته جاز ذلك على صاحبه ولم يضمن لشريكه شيئا لان صحة اقرار
الوكيل بقبض موكله كان باعتبار انه جواب الخصم وهو وكيل بالخصومة بينه وبين الغريم
لا بينه وبين الشريك فلا يثبت قبضه في حق الشريك بهذا الاقرار فلهذا لا يرجع عليه بشئ
بخلاف الوكيل بالقبض إذا أقر انه قبض لأنه أقر بما سلطه عليه فيكون اقراره بذلك كاقرار
الموكل فلهذا كان للشريك ان يرجع عليه بنصف المقبوض قال ولو كان دين بين اثنين وكل
أحدهما وكيلا يتقاضاه فاشترى بحصته ثوبا جاز على الوكيل دون الموكل لأنه أتى بتصرف آخر
سوى ما أمره به فلا ينفذ على الموكل وقد بينا ان الشراء ينفذ على العاقد إذا تعذر بتقيده على
الموكل فيصير مشتريا الثوب لنفسه بما سمى من الثمن دينا في ذمته ثم جعله قصاصا بدين الموكل
ولم يصح ذلك فبقي هو مطالبا بالثمن وبقي المطلوب مطالبا بحصة الموكل من الدين وكذلك
ان رضى الموكل بذلك لان رضاه إنما يعتبر فيما توقف على اجازته وهذا التصرف لم يكن موقوفا
فلا يعتبر رضاه فيه قال وإذا كان الدين طعاما قرضا بينهما فوكل أحدهما وكيلا بقبض
حصته فباعها بدراهم لم يجز على الموكل لأنه تصرف بغير ما أمره به وان رضي به الموكل جاز
لان بيع نصيبه من الدين كبيع نصيبه من العين بغير أمره فيتوقف على اجازته فإذا أجاز كانت
الدراهم له ويرجع شريكه عليه بربع الطعام ان قبض الدراهم أو لم يقبضها بمنزلة ما لو باع
نصيبه بدراهم وهذا لأنه صار متملكا عوض نصيبه من الدراهم فيجعل نصيبه كالسالم له حكما
حين يملك بدله فللشريك ان يرجع عليه بنصفه فقال ولو كان باعها بثوب وقبض لم يجز على
الوكيل ولا على الموكل إلا أن يجيزه الموكل بمنزلة ما لو باع نصيبه بالدراهم فان قيل ينبغي ان
147

ينفذ الشراء للثوب على الوكيل لأنه في جانب الثوب مشتر والشراء ينفذ على العاقد إذا
تعذر بتقيده على غيره قلنا ولكنه في جانب الطعام بائع وإضافة العقد إلى الطعام هو دين
للموكل في ذمة المطلوب بمنزلة اضافته إلى طعام هو عين له ومن باع طعام غيره بثوب لا ينفذ
عقده ما لم يجز صاحبه فإذا أجاز يكون الثوب للعاقد دون صاحب الطعام وهذا لأنه مشتر
للثوب ومستقرض الطعام من صاحبه في جعله عوضا عن الثوب فيتوقف جانب الاستقراض
على إجازة صاحبه ولو جعلنا العقد نافذا قبل اجازته لم يكن بالمسمى من الطعام لأنه لا يجوز
اخراجه من ملك صاحبه بغير رضاه فإذا أجازه تم رضاه الآن فينفذ العقد في الثوب للوكيل
ويكون على الوكيل حصة الموكل من الطعام بسبب استقراضه لأنه صار قاضيا به عوض ما
اشتراه به لنفسه فإذا قبضه الموكل أخذ منه شريكه نصف ذلك لأنه وصل إليه الطعام الأول
فاما قبل القبض فلم يتملك هو بدلا بمقابلته وإنما تحول حقه من نصيبه في ذمة الغريم إلى مثله
في ذمة الوكيل فكان بمنزلة قبوله الحوالة في نصيبه فلهذا لا يرجع عليه الشريك بشئ حتى
يقبضه بخلاف ما تقدم لان هناك يملك الدراهم بمقابلة نصيبه من الطعام * توضيح الفرق ان
رجوع الشريك عليه بالطعام هناك لا يجوز أن يكون موقوفا على قبضه الدراهم وهنا هو
يقبض من الوكيل الطعام دون الدراهم فيكون رجوع الشريك عليه بالطعام موقوفا على قبضه
الطعام قال ولو وكله ان يصالح عنه في دم عمد ادعى عليه فصالح الوكيل على عشرة آلاف
درهم وضمنها فهو جائز لان التوكيل بالصلح عن الدم ينصرف إلى بدل الدم وبدل الدم
مقدار الدية عشرة آلاف درهم أو ألف دينار أو مائة من الإبل أو ألف شاة على قولهما أو
مائتا ثوب فإذا صالح الوكيل على شئ من ذلك بعد صلحه على الموكل بعد أن يكون ما سمي
معلوما بان قال مائتي ثوب يهودي فيكون هو في هذا الصلح والضمان ممتثلا لامره فيرجع
بذلك ويستوى إن كان أمره بالضمان أو لم يأمره بمنزلة الوكيل بالخلع وهذا لأنه إذا ضمن
البدل فلا حاجة إلى اعتبار أمره في جواز أصل الصلح لان ذلك جائز بدون أمره وإنما الحاجة
إلى ذلك في الرجوع بالضمان على الآمر فيجعل أمره معتبرا في ذلك جائزا فلهذا رجع عليه وإن لم
يأمره بالضمان ولان المباشر لهذا العقد قد يكون ملتزما إذا ضمن للبدل وقد لا يكون
ملتزما إذا لم يضمن فينصرف مطلق التوكيل إليهما بخلاف الوكيل بالنكاح إذا ضمن المهر ولم
يأمره الزوج بذلك لم يرجع عليه بشئ وقد قررنا هذا الفرق فيما أمليناه من شرح الجامع
148

وكذلك لو صالحه على عشر وصفاء بغير أعيانهن كان جائزا لان الدم ليس بمال والحيوان
يثبت دينا في الذمة بدلا عما ليس بمال فإن كان قيمة الوصفاء أكثر من الدية تقيد بما لا يتغابن
الناس في مثله فلو ضمن ذلك جاز عليه دون الموكل لأنه في معنى الوكيل بالشراء فإنه يلتزم
بالصلح البدل عما هو مستحق على موكله من القصاص وتصرفه في ذلك يتقيد بما يتغابن
الناس في مثله فإذا زاد على ذلك كان بمنزلة الفضولي فينفذ عليه إذا ضمن البدل ولا يرجع
على الموكل لأنه التزمه بغير أمره قال ولو وكله فإن كان طالب الدم هو الذي وكل بالصلح
في ذلك فصالح على بعض ما سميا كان جائزا وان صالحا على مائة درهم جاز على الطالب في
قول أبي حنيفة رحمه الله ولا يجوز عندهما إلا أن ينقص من الدية ما يتغابن الناس في مثله لأنه
الآن بمنزلة الوكيل بالبيع وان صالح وكيل المطلوب على عبد المطلوب فالصلح جائز فإن شاء
المطلوب أعطى العبد وان شاء أعطى قيمته لأنه أمره بالصلح وما أمره بإزالة ملكه عن
عين العبد وكان له حق إمساك العبد فإذا امسكه كان هذا بمنزلة ما لو صالح من الدم على عبد
فاستحق والصلح بهذا لا يبطل ولكن يجب قيمة المستحق بمنزلة الخلع فكذلك هنا وكذلك
كل شئ يعينه من العروض والحيوان والعقار وإن كان مكيلا أو موزونا بعينه فإن شاء
الموكل أعطاه وان شاء مثله لأنه من ذوات الأمثال فإذا حبس العين باعتبار انه لم يرض
بزواله عن ملكه كان ذلك كالمستحق من يده فيلزمه مثله وإن كان بغير عينه وضمن ذلك جاز
على الوكيل والموكل لأنه امتثل أمره فيما صنع فينفذ تصرفه على الموكل قال وإذا وكل المطلوب
وكيلا يصالح عنه ويضمن فصالح عنه على مال وسمى ذلك إلى أجل وضمن فهو للوكيل على
الموكل إلى ذلك الاجل لان بالصلح يجب على الضامن المال إلى ذلك الاجل فيجب له على
الموكل أيضا إلى ذلك الاجل بمنزلة الوكيل بالشراء إذا اشترى بثمن مؤجل وإن كان بدل
الصلح حالا كان للوكيل ان يأخذه من الموكل قبل أن يؤديه بمنزلة الوكيل بالشراء إذا اشترى
بثمن غير مؤجل لان الوكيل حين ضمن البدل فالمطالبة للطالب إنما تتوجه على الوكيل لا على
الموكل وكما تتوجه مطالبة الوكيل على الموكل بخلاف الكفالة فان الكفالة لم تسقط مطالبة
الطالب عن الأصيل فلا تتوجه مطالبة الكفيل على الأصيل ما لم يؤد عنه وان أعطاه الوكيل به
كفيلا لم يكن للكفيل إذا أدى ان يرجع على الموكل بشئ لان الموكل ما أمره بأداء شئ
عنه ولا بالكفالة ولكن الوكيل هو الذي كفل به فيكون رجوع الكفيل على الوكيل ورجوع
149

الوكيل على الموكل قال ولو أن الموكل أعطى الوكيل رهنا بالمال قيمته والمال سواء فهلك الرهن
عند الوكيل صار مستوفيا بهلاك الرهن ما استوجبه على الموكل فكأنه استوفاه حقيقة وعليه أن
يؤدى المال للطالب من عند نفسه كما التزمه ولا يرجع به على الموكل لأنه قد استوفاه منه
مرة قال ولو أن الوكيل صالح للطالب على ألف درهم على أن يكون ذلك على المطلوب دون
الوكيل كان ذلك جائزا على ما قاله لأنه أخرج كلامه مخرج الرسالة وأضاف العقد إلى الموكل
وهو المطلوب بالدم فكان على المطلوب وكذلك لو قال الوكيل أعف عنه على ألف درهم فعفا
عنه على ذلك كان المال على المطلوب وفى غير الدم الحكم هكذا متى أضاف الوكيل العقد إلى المطلوب
لا يكون عليه من البدل شئ إذا لم يضمن قال ولو أن طالب الدم وكل وكيلا بالصلح والقبض
فصالح كان له أن يقبض المال لأنه مأمور بذلك ولأنه بمنزلة البائع ولو وكله أن يقول قد عفى
فلان عن فلان بألف درهم وقبل ذلك المطلوب لم يكن للوكيل أن يأخذ ذلك المال لأنه أضاف
العفو إلى الموكل وجعل نفسه سفيرا ومعبرا عنه فكان حق قبض المال إلى الطالب ولان الوكيل
لا تتوجه عليه المطالبة بتسليم المبدل فلا يكون له قبض البدل قال ولو أن المطلوب بالدم وكل
وكيلا بما يطالب به أو وكله بالدم لم يكن له أن يصالح لان ما وكل به مجهول فإنه لم يبين انه أراد
الصلح أو الخصومة فهو عاجز عن تحصيل مقصود الموكل فلهذا لا يجوز صلحه حتى يتبين
مراده قال وإذا وكل المطلوب بالدم وكيلا يصالح عنه الطالب فالتقى الوكيلان واصطلحا فهو
جائز لان مقصود كل واحد من الموكلين يحصل بالصلح مع وكيل صاحبه مثل ما يحصل
بالصلح مع صاحبه فلا يكون هذا خلاف من الوكيلين وعلى هذا لو أمر رجلا أن يشترى له
خادما بعينه فاشتراه من وكيله أو من رجل اشتراه منه فهو جائز لان المقصود قد حصل
للمولى فان مقصوده ملك ذلك الخادم بالشراء بخلاف ما لو وكله ببيع عبده من فلان فباعه
من غيره لم يجز إلا أن يكون ذلك الغير وكيل فلان بشرائه له وقد سبق بيان هذا الفرق
قال وإذا كان دم خطأ بين الورثة فوكل أحدهم بالصلح في حصته عن عشرة دراهم وقبضها
فلبقية الورثة أن يشاركوا الموكل ويخاصموه فيما أخذ كما لو أخذ بنفسه وهذا لان ما وقع
عليه الصلح بدل دين مشترك بينهم وهو الدية ولا سبيل لهم على الوكيل لان ما في يده من
المال أمانة لمن وكله ويده فيه كيد من وكله فلا يكون لهم معه في ذلك خصومة كصاحب
الدين فإنه لا خصومة له مع مودع المديون وان كانت الوديعة من جنس حقه وان هلك المال
150

عند الوكيل فلا ضمان عليه لاحد ولكن سائر الورثة يأخذون الموكل فيضمنونه بقدر حصتهم
مما أخذ وكيله لان هلاك المقبوض في يد الوكيل كهلاكه في يد الموكل قال وإذا قضي بالدية
مائة من الإبل على القاتل وعواقله فوكل الطالب وكيلا بقبضها فقبضها وأنفق عليها في علفها
وسقيها ورعيها حتى يبلغها الموكل فهو متطوع في ذلك لأنه لم يؤمر بذلك فهو أمين أنفق
على الأمانة بغير أمر صاحبها ولا أمر القاضي قال ولو أمره الموكل ببيعها فوكل الوكيل عبدا
له فباعها لم يجز لان الموكل رضى برأيه دون رأى عبده وهذا بخلاف الحفظ فان الانسان
يحفظ المال بيد عبده فلا يصير ضامنا بالدفع إلى عبده ليحفظه ولكنه يباشر البيع بنفسه فإذا
أمر به عبده لم يجز كما لو أمر به أجنبيا آخر قال وان تعذر استرداد عينها فلرب الإبل أن يضمن
الوكيل لأنه متعد بتسليطه عبده على البيع والتسليم وان شاء ضمن عبده قيمة الإبل في رقبته
لأنه متعد بالبيع والتسليم في حقه قال وإذا قضى بالدية من جنس فوكله بقبضه فقبض به جنسا
آخر لم يجز على الموكل لان حقه تعين في ذلك الجنس بقضاء القاضي فبقبض جنس آخر مكانه
يكون استبدل والوكيل بالقبض لا يملك الاستبدال قال وان وكل المطلوب وكيلا يؤدى
عنه وقد قضى عليه بالدية بالدراهم فباع بها وكيل الطالب دنانير أو عروضا فهو جائز لأنه باع
ملك نفسه ثم قضى بالثمن دين المطلوب فان أخر الدينين يكون قضاء عن أولهما ولا فرق في
حق المطلوب بين ان يقضى بهذه الطريق وبين ان يقضي بأداء الدراهم فلهذا جاز ويرجع
الوكيل بالدراهم على المطلوب قال وإذا وكل المطلوب رجلا بالخصومة فأدى الوكيل من عند
نفسه لم يرجع به على الموكل لأنه مأمور بالخصومة لا بأداء المال فان الخصومة تكون في دفع
دعوى المدعى فاما دفع المال فليس من الخصومة في شئ فكان متبرعا كأجنبي آخر قال وإذا
دفع الدية دراهم إلى رجلين وقال أدياها عنى فصالحا الطالب من المال على دنانير أو عروض
جاز ذلك لأنهما عقدا على ملكهما فكانا متطوعين في ذلك لأنهما باشرا عقدا غير ما امرا به
فإنهما أمرا بحمل المال للمطلوب والتسليم إليه ولم يفعلا ذلك بل تبرعا بأداء المال من عندهما
فيردان على الموكل دراهمه ولو قضى الطالب الدراهم لهما لأنهما في حق المطلوب لا فرق بين
أن يدفعا تلك الدراهم أو مثلها وقد يبتلى الوكيلان بذلك بان يتفق رؤيتهما الطالب في موضع
لا تكون دراهم المطلوب معهما لأنه يشق عليهما استصحاب تلك الدراهم في كل وقت فلدفع
الحرج عليه استحسنا لهما أداء مثل الدراهم ليرجعا فيها قال ولو وكل وكيلا بأن يؤدى عنه دية
151

ودفع إليه المال فادى نصفه وحط الطالب نصفه فهذا الحط عن الأصيل وليس للوكيل منه
شئ لان الحط اسقاط والاسقاط إنما يكون عمن عليه المال فان وهبه للوكيل وأمره بقبضه
من الأصيل فهو جائز وهي مسألة الهبة إذا وهب الدين من غير من عليه الدين وسلطه
على القبض ثم للوكيل أن يقاصصه بما في يده حتى يستوفى منه ما في يده إذا حضر من عليه
الدين لأنه لو رده عليه كان له أن يستوفيه منه لتسليط صاحب الدين إياه على قبضه فكذلك
إذا كان في يده فله أن يمسكه ولكن بمحضر من عليه الدين لأنه مأمور بقبضه منه والله
أعلم بالصواب
(باب الوكالة بالصلح في الشجاج)
(قال رحمه الله) رجل وكل رجلا بالصلح في شجة ادعيت قبله وأمره أن يضمن
ما صالح عليه فصالح على أكثر من خمسمائة فإن كانت الشجة خطأ جاز من ذلك خمسمائة وبطل
الفضل لان بدل الشجة مقدر بالخمسمائة شرعا فالصلح على أكثر منه يكون ربا ولو باشره
الموكل بنفسه بطل الفضل لهذا فكذلك إذا باشره الوكيل وان كانت عمدا جاز ذلك كله على
الموكل إذا كان زاد ما يتغابن الناس في مثله لان الواجب في العمد القود وما يقع عليه الصلح
يكون بدلا عن القود فلا يتمكن فيه الربا ولكن الوكيل بمنزلة الوكيل بالشراء وتصرف
الوكيل بالشراء إنما ينفذ على الموكل في الزيادة بقدر ما يتغابن الناس في مثله وان مات المشجوج
انتقض الصلح في الوجهين جميعا (وفى مسألة كتاب الديات) أن العفو عن الشجة لا يكون
عفوا عن السراية عند أبي حنيفة رحمه الله فكذلك الصلح عن الشجة لا يكون صلحا عن
السراية فإذا مات المشجوج بطل الصلح لأنه يتبين أن الحق كان في الدم دون الشجة فكان
أولياؤه على دعواهم قال وإن كان الوكيل صالح عن الجناية فان برئ من الشجة فالجواب كما
بينا لأنه حصل مقصود الموكل في اسقاط الموجب للشجة عنه بلفظ الجناية وان مات فيها
فالصلح جائز على الوكيل إن كان ضمن البدل ولا يجوز على الموكل لأنه تبين أنه صالح
عن الدم فان اسم الجناية يتناول النفس وما دونها وإنما كان هذا مأمورا بالصلح عن الشجة
فيكون هو في الصلح عن الدم متبرعا بمنزلة أجنبي آخر فيلزمه المال بالضمان ولا يرجع به على
الموكل قال فإن كان الوكيل صالح عن الشجة وهي خطأ وما يحدث منها على خمسمائة فان
152

المشجوج يجوز له من ذلك نصف العشر ويرد تسعة أعشار ونصف العشر إن كان قبض لان
ما يحدث منها النفس وهو إنما جعل الخمسمائة بالصلح عوضا عن جميع الدية وقد تبين أن الواجب
كان بعد نصف عشر الدية فيمسك من بدل الصلح حصة حقه ويرد ما بقي منه ولو مات عن
مال الشجة وله مال كثير يخرج ما حطه من ثلثه جاز ذلك علي الوكيل إن كان ضمنه ولا
يجوز على الموكل لما بينا انه أمره بالصلح عن الشجة وهو إنما صالح عن النفس والمشجوج
أسقط من حقه ما زاد عن الخمسمائة وذلك بمنزلة الوصية منه فإذا كان يخرج من ثلثه كان
جائزا وإن لم يكن للمشجوج مال الا الدية جازت وصيته بقدر الثلث ثم يخاصم أولياء
المشجوج المدعى عليه الشجة في مقدار الثلثين فان ثبت لهم عليه أخذ واتمام ذلك منه لبطلان وصية
المشجوج فيما زاد على الثلث ولو أن المشجوج حط ما يتغابن الناس فيه جاز على الموكل وإن كان
أكثر من ذلك لم يجز قيل هذا قولهما فاما عند أبي حنيفة رحمه الله فينبغي أن يجوز لان
وكيل المشجوج بمنزلة الوكيل بالبيع وقيل بل هذا قولهم جميعا لان بدل الشجة معلوم شرعا
فالتوكيل بالصلح ينصرف مطلقه إلى ذلك ولكن قدر ما يتغابن الناس فيه يكون عفوا لان
مبنى الصلح على الاغماض والتجوز بدون الحق قال ولو وكل وكيلا بالصلح في الشجة خاصة
فصالح عليها وعلى ما يحدث منها على عشرة آلاف وضمن الوكيل ثم مات المشجوج فالصلح
يلزم الوكيل دون الآمر في قول أبي حنيفة رحمه الله بناء على أصله أن اسم الشجة لا يتناول
النفس فالآمر إنما أمره بالصلح عن الشجة وهو قد صالح عن النفس وعند أبي يوسف ومحمد
رحمهما الله اسم الشجة يتناول الشجة وما يحدث منها فإذا وكله بالصلح عما يحدث منها كان
هو ممتثلا أمره فيما صنع لا مبتدئا شيئا آخر قال ولو وكله بالصلح في شجة فصالحه عن الشجة
وعن جرح آخر مثلها جاز على الموكل النصف لأنه في حصة ذلك ممتثل أمره وفى الجراحة
هو مبتدئ فهو كأجنبي آخر وان كانت الجراحة الأخرى أكبر أو أصغر جاز علي الموكل
بحساب تلك الشجة وما زاد على ذلك فهو على الوكيل إذا ضمنه لأنه متبرع بالتزام ذلك قال
وإذا وكله بالصلح في موضحة وما يحدث منها فصالح عن موضحتين وما يحدث منهما وضمن
جاز علي الموكل النصف ولزم الوكيل النصف سواء مات أو عاش لأنه في أحد الموضحتين
ممتثل أمره وفى الأخرى متبرع بالصلح كأجنبي آخر فان وكله بالصلح في موضحة ادعاها
قبل فلان فصالح الوكيل عليها وعلى غيرها جاز عليها ولم يجز على غيرها لان وكيل الطالب
153

مسقط الحق بالصلح وإنما يصح اسقاطه بقدر ما أمره صاحب الحق وفيما زاد على ذلك هو
كأجنبي آخر فلا يصح اسقاطه أصلا قال وإذا وكل الرجل رجلا بالصلح في شجة تدعى قبله
وان يضمن البدل فصالح على صنف بغير عينه أو على عشرة من الغنم أو على خمس من الإبل
فهو جائز وعلى الوكيل من ذلك الوسط كما لو كان الموكل صالح بنفسه وهذا لأنه مال يلتزمه
عوضا عما ليس بمال وجهالة الوصف في المسمى لا تمنع صحة التسمية في مثله كما في النكاح
والخلع ثم يرجع الوكيل به على الموكل لأنه التزمه بأمره حين أمره ان يضمن قال ولو وكل
المطلوب وكيلا بالصلح في موضحة عمدا فصالح الوكيل على خدمة عبد الموكل سنين فالصلح
جائز لان تسمية خدمة عبده كتسمية رقبة عبده وذلك لا يمنع جواز الصلح إلا أن يكون
الموكل لم يرض بزوال ملكه عن منفعة عبده فيخير في ذلك أن شاء رضى به وان شاء لم
يرض وعليه قيمة الخدمة وقد بينا نظيره فيما إذا سمى في الصلح عينا من أعيان ماله وان
استحقاقه ذلك المسمى كاستحقاق غيره فلا تبطل به التسمية ولكن يجب قيمة المسمى قال
ولو صالحه على خمر أو خنزير أو حر فهو عفو ولا شئ على الآمر ولا على الوكيل لان
القصاص ليس بمال وإنما يجب المال فيه بالتسمية وإذا كان المسمى ليس بمال لا يجب شئ
كالطلاق فان من طلق امرأته على خمر أو خنزير أو حر لا يجب عليها شئ وهذا بخلاف
البضع لان البضع عند دخوله في ملك الزوج متقوم (ألا ترى) انه لو سكت هناك عن ذكر
البدل يجب مهر المثل ولو سكت عن ذكر البدل هنا لا يجب شئ ولو قال الوكيل أصالحك
على هذا العبد أو على هذا الخل فضمنه له فإذا العبد حر والخل خمر فعلى الوكيل أرش الشجة
لأنه سمي متقوما فإذا ظهر أن المشار إليه ليس بمال تمكن الغرر من جهته فيرجع بأصل حقه
وهو أرش الشجة وهو بمنزلة الخلع في هذا ثم الوكيل قد ضمنه فيكون مطالبا بحكم الضمان
ويرجع به على الموكل لأنه غير مخالف أمره فيما التزم ولو صالحه على عبدين فإذا أحدهما حر
فليس للمصالح غير العبد الباقي في قول أبي حنيفة رحمه الله وفى قول أبى يوسف رحمه الله
الآخر له العبد الباقي وقيمة الحر لو كان عبدا وفى قوله الأول وهو قول محمد رحمه الله مع
العبد الباقي تمام أرش الشجة وهذا الخلاف في الخلع هكذا فمحمد رحمه الله يقول المصالح
سمي عبدين فإذا كان أحدهما حرا تحقق الغرر من جهته فيكون حق الطالب في تمام أرش
الشجة هنا وحق الرجوع للزوج فيما ساق إليها من الصداق في الخلع هكذا فيأخذ العبد الباقي
154

وما زاد على قيمته إلى تمام الشجة باعتبار الغرر كما إذا كان الصلح على عبد واحد فظهر انه حر
وأبو حنيفة رحمه الله يقول الخلع والصلح باعتبار تسمية الباقي صحيح وتسمية الحر معه لغو فصار
ذكره والسكوت عنه سواء بخلاف ما إذا كان المسمى عبدا واحدا لأنه لا يمكن تصحيح
العقد هناك معاوضة باعتبار ما وقعت الإشارة إليه من العبد الباقي فلهذا جعلنا التسمية في العبد
الأخير لغوا (واصل مذهب أبي حنيفة رحمه الله في مسألة الجامع الصغير) إذا تزوجها على
عبدين فإذا أحدهما حر فليس لها الا العبد الباقي في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قول أبى
يوسف رحمه الله الآخر لها العبد الباقي وقيمة الحر لو كان عبدا وفي قول محمد رحمه الله لها
العبد الباقي والزيادة على ذلك إلى تمام مهر مثلها قال ولو صالحه على عبد فإذا هو مدبر أو
مكاتب أو على أمة فإذا هي أم ولد وضمن الوكيل تسليمه فعليه قيمته في ماله ويرجع بها على
الموكل لان المسمى مملوك متقوم ولكنه استحق نفسه بالحرية الثابتة له فكأنه استحقه غيره
ولو وقع الصلح على عبد فاستحق وجبت قيمته فهذا مثله قال وإذا شج رجلان رجلا موضحة
فوكل وكيلا يصالح مع أحدهما بعينه على مائة درهم جاز كما لو باشر الصلح بنفسه وعلى
الآخر نصف الأرش لان الواجب بالجناية علي كل واحد منهما نصف الأرش دون القود
فان الاشتراك في الفعل يمنع وجوب القود فيما دون النفس قال وان وكله ان يصالح مع
أحدهما ولم يبين أيهما هو فهو جائز لأن هذه جهالة مستدركة ومثلها لا يمنع صحة الوكالة ثم
الرأي إلى الوكيل يصالح أيهما شاء وكذلك لو كان الشاج واحدا والمشجوج اثنين فوكل
وكيلا بالصلح عنهما فصالح عن أحدهما ولم يسمه ثم قال الوكيل هو فلان فالقول قوله لأنه
ممتثل أمره في حق من صالح معه وهو المباشر للعقد واليه تعيين ما باشر من العقد لأنه كان
مالكا للتعيين في الابتداء فكذلك في الانتهاء يصح تعيينه ويكون هو بمنزلة الموكل فيه قال
وإذا اشترك حر وعبد في موضحة شجاها رجلا فوكل الحر ومولى العبد وكيلا فصالح
عنهما على خمسمائة فعلى مولى العبد نصف ذلك قلت قيمة العبد أو كثرت وعلى الحر نصفه
لان كل واحد منهما كان مطالبا بنصف الجناية وإنما وكلا الوكيل بالصلح عن الجناية فإذا كان
كل واحد منهما مطالبا بالنصف كان الوكيل نائبا عن كل واحد منهما في النصف فعلى كل
واحد منهما نصف البدل كما لو كانا حرين أو كان المولي والأجنبي صالحا بأنفسهما مع المشجوج
وهذا لان المولى بهذا الصلح صار مانعا دفع العبد فيكون مختارا للفداء وعند اختيار الفداء
155

فموجب جناية العبد والحر سواء وكذلك لو كان ذلك في دم خطأ لما ذكرنا قال ولو أن رجلا
فتل عبدا وحرا عمدا أو خطأ فوكل مولى العبد وأولياء الحر وكيلا فصالح القاتل على عشرة
آلاف كانت بينهم يضرب فيها أولياء العبد بقيمته وأولياء الحر بالدية كما لو صالحا بأنفسهما
وهذا لان كل واحد منهم يضرب في بدل الصلح بجميع حقه وحق مولى العبد في قيمة
العبد وحق أولياء الحر في الدية وكذلك لو صالح على أحد عشر ألفا وقيمة العبد خمسمائة
والقتل عمد لان الواجب هو القصاص دون المال والمال في الصلح من دم العمد لا يتقدر بشئ
شرعا فأما إذا كان القتل خطأ فلورثة الحر من ذلك عشرة آلاف والباقي لمولى العبد لان
دية الحر في الخطأ مقدرة شرعا بعشرة آلاف لا تجوز الزيادة عليها فلهذا كان لورثة الحر عشرة
آلاف قال ولو كان العبد قتل عمدا والحر خطأ فصالح على أحد عشر ألفا كأن لأولياء الحر
عشرة آلاف لما بينا وما بقي فلمولى العبد لأنه في حقه هذا صلح عن القود فيجوز على قدر
من البدل قال ولو كان الحر قتل عمدا والعبد خطأ كان الصلح جائزا وهو مثل الباب الأول
لما قلنا قال ولو أن نصرانيا شج موضحة فوكل المطلوب وكيلا مسلما فصالح عنه بخمر وضمن
له لم يجز وكان الذمي على حقه لأنه ملتزم بدله حين ضمنه بعقد الصلح والتزام المسلم الخمر لا يكون
صحيحا ولما وكله بأن يصلح ويضمن كان التوكيل باطلا فيبطل الصلح أيضا والنصراني على
حقه قال ولو كان الطالب وكل مسلما فصالح عنه على خمر جاز لان وكيل الطالب سفير عنه
لا يتعلق به شئ من الحقوق ولا إليه شئ من قبض البدل وهو قياس نصرانية وكلت مسلما أن
يزوجها من نصراني على خمر وذلك جائزا فهذا مثله قال ولو كان الطالب والمطلوب مسلمين
وقد وكل كل واحد منهما ذميا فصالح على خمر لم يجز لان الوكيلين سفيران عن المسلمين
فلا يكون إليهما من حقوق العقد شئ فيكون صلحهما كصلح الموكلين قال ولو أن عبدا قتل
خطأ فوكل مولاه وكيلا بالصلح فصالح على عشرة آلاف درهم جاز ذلك ويرد المولى من
ذلك عشرة دراهم لان بدل نفس العبد في الخطأ لا يزاد على عشرة آلاف الا عشرة فالزيادة
على ذلك أخذ بغير حق فيلزمه رده وعلى قياس ما روى عن أبي يوسف رحمه الله انه لا تتقدر
نفس العبد بشئ ولكن تجب القيمة بالغة ما بلغت لا يلزمه به شئ ولو كانت شجة فصالح
على ألف درهم جاز لان بدل الطرف من العبد في الجناية لا يتقدر بشئ بل تجب القيمة بالغة
ما بلغت بمنزلة الجناية على الأموال وقد ذكر هنا على قول محمد رحمه الله أنه يسلم له من ذلك
156

خمسمائة درهم ويبطل ما بقي وهذا إشارة إلى أن الجناية على العبد فيما دون النفس فعلى هذه
الرواية يسلم له باعتبار الموضحة نصف عشر بدل نفسه وذلك خمسمائة الا نصف درهم ويلزمه
رد ما بقي قال ولو كانت الجناية فق ء عين فصالحه على ستة آلاف جاز في ظاهر الرواية لما قلنا
وعلى قول محمد رحمه الله يسلم له من ذلك خمسة آلاف الا خمسة ويبطل ما بقي وذكر في هذا
الكتاب رواية أخرى عن أبي يوسف رحمه الله أنه إذا صالحه من هذه العين على عشرة آلاف
نقصت منها أحد عشر درهما ووجه هذا ان بدل الطرف وان كأن لا يتقدر بشئ فعلم أنه لا
يكون مساويا لبدل النفس وإذا كان بدل نفسه يتقدر بعشرة آلاف الا عشرة ينقص من
ذلك في بدل العين درهم فلهذا يسلم له عشرة آلاف الا أحد عشر درهما قال ولو كان وكيل
هذا الصلح وكيل المطلوب فضمن ذلك جاز عليه ولكن إن كان زاد بقدر ما يتغابن الناس فيه
لزم ذلك المطلوب حتى يرجع الوكيل عليه لأنه ممتثل أمره في الالتزام وان زاد ما لا يتغابن
الناس فيه كان مخالفا لأنه بمنزلة الوكيل بالشراء فيلزمه المال بالضمان ولا يرجع علي المطلوب
بشئ منه قال وإذا وكل رجلا بشجة موضحة شجها إياه رجل فليس له أن يصالح ولا يعفو
ولا يخاصم لأنه لم يبين عند التوكيل انه بماذا أمره فكان عاجزا عن تحصيل مقصود
الموكل بما سمى له ولو أخذ أرشها تاما كان باطلا في القياس أيضا لما قلنا إن التوكيل باطل
حين لم يعرف الوكيل مقصود الموكل وفى الاستحسان إن كان عمدا فكذلك لان الواجب
هو القصاص فأخذ الأرش يكون صلحا وقد بينا ان الوكيل بالشجة لا يملك الصلح وإن كان
خطأ جاز أخذه الأرش لا بانتفاء أنه استوفي كمال حقه وذلك كان مقصود الموكل وهو
نظير ما تقدم فيما إذا وكل وكيلا بدينة كان له أن يقبضه استحسانا فكذلك إذا وكل وكيلا
بشجة لان المراد موجب الشجة وهو الدية قال ولو وكله في كل شئ له لم يكن له أن يتقاضى
دينه ولا يخاصم وإنما هو وكيل بالحفظ لان في قوله وكلتك بأعيان مالي فإنه نص على ما هو
له على الاطلاق وذلك في العين دون الدين ويعلم ان الحفظ مراده وليس في شئ آخر سوي
الحفظ بيقين فلهذا لا يملك إلا المتيقن به قال ولو قال المشجوج ما صنعت في شجتي من شئ فهو
في حل فصالح عليها أجزت ذلك استحسانا لان هذا وقوله وكلته بالصلح عن شجتي سواء
فان قوله فهو في حل أي هو من النقصان في حل وذلك أنما يكون بالصلح لان مبنى الصلح
على الاغماض والتجوز بدون الحق ولو أبرأه منهما لم يجز لأنه بهذا اللفظ صار وكيلا بالصلح
157

ولفظ الصلح يحتمل اسقاط بعض البدل لا كله وفي الابراء اسقاط الكل ولو قال ما صنعت
فيها من شئ فهو جائز أجزأت البراءة والصلح وغيره لأنه أجاز صنعه مطلقا واسقاط
البعض بالصلح أو الكل بالابراء من صنعه فلهذا يجوز ولو قال قد جعلته وكيلا في الصلح
وأمرته بالقبض فصالح عنه فله أن يقبض لأنه أمره بالقبض نصا ولو صالح بنفسه ثم أمره
بقبض بدل الصلح جاز فكذلك إذا أمره بالصلح والقبض قال وإذا وكل الشاج وكيلا بما
يدعى قبله فليس له أن يصالح ولا يخاصم ولا يصنع شيئا لان الموكل لم يعين مراده عند
التوكيل فكان عاجزا عن تحصيل مقصوده قال وإذا وكل المكاتب بالصلح عن جناية ادعيت
عليه أو على عبده ثم رد في الرق ثم صالح الوكيل وهو لا يعلم بعجزه وضمن بدل الصلح فإنه
لا يجوز على المكاتب في رقبته كما لو صالح بنفسه بعد العجز وعجزه يتضمن عزل الوكيل في
حق المولى لا في حق المكاتب لان ابتداء التوكيل بعد عجزه لا يصح في حق المولى ولكنه
يصح في حق المكاتب وكذلك العجز بعد التوكيل فيكون الوكيل مطالبا بالمال لأنه قد
ضمنه ويرجع به على المكاتب إذا عتق لان التوكيل في حقه صحيح وعلى هذا توكيل العبد
المأذون بالصلح عن جناية عبده إذا حجر عليه مولاه قال ولو وكل رجل رجلا بالصلح
في شجة ادعيت قبله ثم مات الموكل بطلت الوكالة لان تصرف الوكيل كان على وجه
النيابة عن الموكل وقد انقطع رأى الموكل بموته فان صالح الوكيل وضمن جاز عليه في ماله
خاصة لأنه متبرع في الصلح كأجنبي آخر وإن لم يمت ومات الطالب فصالح الوكيل ورثته
جاز على الموكل لان ورثة الطالب بعد موته يقومون مقامه في المطالبة بموجب الشجة قال
وإذا وكله بالصلح في موضحة شجها إياه رجل فصالح على الموضحة التي شجها فلان ولم يقل
هي في موضع كذا فهو جائز لأنه عرفها بالإضافة إلى فلان ومحل فعل فلان معلوم معاين
فيغنى ذلك عن الإشارة إليه وكذلك اليد والعين والسن فان قال علي اليد اليسرى والمقطوعة
هي اليمنى فالصلح باطل لأنه أضاف الصلح إلى ما ليس بحق له ولو صالح الموكل بنفسه
عما ليس بحق له كان الصلح باطلا فكذلك الوكيل إذا صالح عن مثل ذلك والله أعلم
(باب وكالة الوكيل)
(قال رحمه الله) وإذا وكل الرجل الصبي الذي لا يعقل أو المجنون الذي لا يعقل ولا
158

يتكلم فهو باطل لان التوكيل إنابة للوكيل مناب نفسه في العبارة فإذا لم يكن الوكيل من
أهل العبارة كان التوكيل باطلا وإن كان صبيا يعقل ويتكلم أو مجنونا يعقل فهو جائز لأنه من
أهل العبارة (ألا ترى) ان تصرفه في حق الموكل بأمره ينفذ ولكنه ليس من أهل التزام
العهدة فعهدة التصرف تكون على الموكل قال ولو وكل وكيلا بشئ من التصرفات وقال ما
صنعت فيه من شئ فهو جائز فوكل الوكيل بذلك غيره فهو جائز لأنه اخبار منه على العموم
والتوكيل من صنعه قال وان مات الوكيل أو جن أو ارتد ولحق بدار الحرب فالوكيل الثاني
على وكالته لان الوكيل الثاني وكيل الآمر لا وكيل الوكيل فان فعل الوكيل الأول في
توكيله كفعل الموكل بنفسه فصار هو بعبارة الوكيل الأول وكيلا للموكل ورأي الموكل باق
فلهذا بقي على وكالته ولم يذكر في الكتاب ان الموكل إذا عزل وكيله وجاء فضولي وأخبره
بذلك هل ينعزل أو لا والجواب فيه على قول أبي حنيفة رحمه الله ان المخبر إن كان عدلا انعزل
بخبره وإلا فلا وفى الفضولي اختلاف الروايات على قول أبي حنيفة رحمه الله في اشتراط
العدالة وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ينعزل بخبر الواحد عدلا كان أو فاسقا وسنقرر
هذا الفصل في المأذون إن شاء الله تعالى فان الحجر على العبد المأذون وعزل الوكيل في هذا
سواء فمن أصلهما أن ما يكون من المعاملات لا يشترط العدالة في الاخبار به لأجل الضرورة
فان العدل في الخبر لا يوجد في كل معاملة (ألا ترى) ان في التوكيل والاذن إذا أخبره به مخبر
فوقع في قلبه انه صادق كان له ان يتصرف وإن كان المخبر فاسقا فكذلك العزل على أصل
أبي حنيفة رحمه الله إذ كل خبر يتعلق به اللزوم فقول الفاسق لا يكون حجة فيه لان الشرع
نص على التوقف في خبر الفاسق بقوله تعالى فتثبتوا وذلك يمنع ثبوت اللزوم بخبره والاخبار
بالعزل والحجر يلزمه الكف عن التصرف فلهذا يشترط فيه أن كان فضوليا أن يخبر عن نفسه
إلا أن يكون رسولا للموكل فحينئذ هو معبر عنه فيكون الملزم قول الموكل لا قوله بخلاف
التوكيل والاذن فإنه غير ملزم شيئا بل هو بالخيار ان شاء تصرف وان شاء لم يتصرف فلهذا
لا تشترط العدالة فيه وذكر في نوادر هشام رحمه الله انه إذا وكل وكيلا ببيع عبده وقيمة
العبد ألف فباعه بأقل من ألف على أن الوكيل بالخيار ثلاثة أيام فصار يساوى الفين في مدة
الخيار ثم اختار الوكيل البيع ومضت الأيام الثلاثة فعند أبي حنيفة رحمه الله يجوز في الوجهين
لأنه يملك ابتداء البيع بأقل من قيمته فكذلك يملك الإجازة وعلى قول محمد لا يجوز في
159

الوجهين لان عنده لا يملك ابتداء البيع بأقل من قيمته بما لا يتغابن الناس فيه فكذلك لا ينفذ
بالإجازة سواء كانت الإجازة بفعله أو بمضي المدة قبل الفسخ لان سكوته عن الفسخ حتى
مضت المدة بمنزلة الإجازة منه وعلى قول أبى يوسف رحمه الله ان أجاز الوكيل في الثلاثة
فهو باطل كما قال محمد رحمه الله وان سكت حتى مضت المدة تم البيع بمضي المدة ويجعل كان
حصول الزيادة بعد مضى المدة قال ولو وكله أن يشترى له فعلى قول زفر رحمه الله يجوز
شراؤه على الموكل لان المكيل والموزون يثبت في الذمة ثمنا فالشراء به كالشراء بالدراهم
وفى قول أبي حنيفة الآخر رحمه الله وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يكون الوكيل
مشتريا لنفسه لأنه لما لم يحمل التوكيل في الثمن على العموم لما بيناه حمل على أخص
الخصوص وهو الشراء بالنقد فإذا اشترى لغيره كان مشتريا لنفسه وذكر في اختلاف زفر
ويعقوب رحمهما الله انه إذا وكله ببيع متاعه في سوق الكوفة فباعه في بيت في غير سوق
الكوفة لا ينفذ بيعه عند زفر رحمه الله لأنه خالف ما أمره به نصا وجاز عند أبي يوسف رحمه
الله لان مقصود الموكل إنما هو سعر الكوفة لا عين السوق وقد حصل مقصوده وإنما
يراعي من الشروط ما يكون مفيدا على ما بينا قال ولو كان عبد بين رجلين فباع فضولي
نصفه من رجل فان أجاز الموليان جاز في النصيبين جميعا بالاتفاق وان أجازه أحدهما فعلى
قول زفر رحمه الله يجوز في النصف نصيبه ويبقى النصف نصيب الآخر موقوفا على اجازته لأنه
هكذا يتوقف وعند الإجازة إنما ينفذ على الوجه الذي يتوقف وعند أبي يوسف رحمه الله
يجوز في جميع نصيب المجيز ويصير عند الإجازة كأنه باشر بيع النصف بنفسه فينصرف إلى
نصيبه خاصة ولو أراد صاحبه أن يجيز بعد ذلك لا تصح إجازته في شئ والله أعلم بالصواب
(كتاب الكفالة)
(قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي
سهل السرخسي رحمه الله إملاء الكفالة مشتقة من الكفل وهو الضم ومنه قوله تعالى
وكفلها زكريا أي ضمها إلى نفسه وقال صلى الله عليه وسلم أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين أي
ضام اليتيم إلى نفسه ومنه سميت الخشبة التي تجعل دعامة الحائط كفيلا لضمها إليه فمعنى تسمية
العقد بالكفالة انه يوجب ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل على وجه التوثيق (أحدهما)
160

الضم في المطالبة دون أصل الدين بل أصل الدين في ذمة الأصيل على حاله والكفيل يصير
مطالبا كالأصيل وكما يجوز أن تنفصل المطالبة عن أصل الدين في حق من له ابتداء حتى
تكون المطالبة بالثمن للوكيل بالبيع وأصل الثمن للموكل فكذلك يجوز أن تنفصل المطالبة
عن أصل الدين في حق من عليه فتتوجه المطالبة على الكفيل بعد الكفالة وأصل الدين في
ذمة الأصيل وكذلك تنفصل المطالبة عن أصل الدين سقوطا بالتأجيل فكذلك التزاما
بالكفالة والمطالبة مع أصل الدين بمنزلة ملك التصرف مع ملك الغير فكما يجوز أن ينفصل
ملك التصرف عن ملك العين في حق المطالبة وملك اليد عن ملك العين في حق المرتهن
فكذلك يجوز أن ينفصل التزام المطالبة بالكفالة عن التزام أصل الدين (والطريق الآخر)
أن تنضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في ثبوت أصل الدين لان الكفالة اقراض للذمة
والتزام المطالبة ينبنى على التزام أصل الدين وليس ضرورة ثبوت المال في ذمة الكفيل مع
بقائه في ذمة الأصيل ما يوجب زيادة حق الطالب لأنه وان ثبت الدين في ذمتهما فلأن لا يكون
إلا من أحدهما كالغاصب مع غاصب الغاصب فان كل واحد منهما ضامن للقيمة ولا يكون
حق المغصوب منه الا في ذمة واحد لأنه لا يستوفى الا من أحدهما غير أن هناك اختيار
تضمين أحدهما يوجب براءة الآخر لما فيه من التمليك منه وهنا لا يوجب مالا توجد حقيقة
الاستيفاء فلهذا ملك مطالبة كل واحد منهما به (والحوالة مشتقة من التحول) ومنه الحوالة في
الغرس بالنقل من موضع إلى موضع وموجبه تحول الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه على
سبيل التوثق به والعقد ان في الشرع (وأما الكفالة) فلقوله تعالى ولمن جاء به حمل بعير وأنا
به زعيم وما ثبت في شريعة من قبلنا فهو ثابت في شريعتنا ما لم يظهر نسخه والظاهر هنا التقرير
فان النبي صلى الله عليه وسلم بعث والناس يكفلون فأقرهم على ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم
الزعيم غارم * والدليل على جواز الحوالة قوله صلى الله عليه وسلم من أحيل على ملئ فليتبع أي
فليتبع من أحيل عليه والكفالة مع جوازها وحصول التوثق بها فالامتناع من مباشرتها أقرب
إلى الاحتياط على ما قيل إنه مكتوب في التوراة الزعامة أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها
غرامة واختلف العلماء رحمهم الله في موجب العقدين فعندنا الكفالة لا توجب براءة الأصيل
والحوالة توجب وعند ابن أبي ليلى رحمه الله الكفالة توجب براءة الأصيل كالحوالة لأنه
لا بد من وجوب الدين في ذمة الكفيل ومن ضرورته فراغ ذمة الأصيل منه لان ما ثبت في
161

محل فما دام باقيا في ذلك المحل فرغ منه سائر المحال ضرورة وإذا ثبت في محل اخر فرغ منه
المحل الأول ضرورة لاستحالة أن يكون الشئ الواحد شاغلا لمجلس وقد ثبت الدين في ذمة
الكفيل فمن ضرورته براءة ذمة الأصيل وعلى قول زفر رحمه الله الحوالة لا توجب براءة
الأصيل كالكفالة لان المقصود بها التوثق لحق الطالب وذلك في أن تزاد له المطالبة لا ان
يسقط ما كان له من المطالبة ولكنا نقول كل واحد من العقدين اختص باسم واختصاص العقد
بموجب هو معنى ذلك الاسم كاختصاص الصرف باسم كان كاختصاصه بموجب هو معنى
ذلك الاسم وهو صرف ما في يد كل واحد منهما إلى يد صاحبه بالقبض في المجلس (والسلم)
اختص باسم لاختصاصه بموجب هو معنى ذلك الاسم وهو تعجيل أحد البدلين في القبض
في المجلس وتأخير البدل الآخر بالتأجيل فكذلك هنا معنى الكفالة الضم فيقتضى أن يكون
موجب هذا العقد ضم أحد الذمتين إلى الأخرى وذلك لا يكون مع براءة ذمة الأصيل
(ومعنى الحوالة) التحويل وذلك لا يتحقق الا بفراغ ذمة الأصيل (ثم الكفالة نوعان)
كفالة بالنفس وكفالة بالمال وقد بدأ ببيان الكفالة بالنفس لان ذلك يكون قبل ثبوت المال
عادة ومباشرته بين الناس أظهر من مباشرة الكفالة بالمال وافتتح بحديث حبيب الذي كان
يقوم على رأس شريح رحمه الله ان شريحا حبس ابنه بكفالة بنفس رجل قال حتى طلبنا الرجل
فوجدناه فدفعناه إلى صاحبه وفى الحديث دليل عدل شريح رحمه الله فإنه لم يمل إلى ابنه بل
حبسه ولهذا بقي على القضاء نيفا وأربعين سنة وفيه دليل على أن الكفالة بالنفس تصح وأن
الكفيل يحبس إذا لم يسلم نفس المطلوب إلى خصمه وان تسليم الغير بأمر الكفيل كتسليم
الكفيل لأنه قال طلبنا الرجل فأخذناه فدفعناه إلى صاحبه وجواز الكفالة بالنفس مذهب
علمائنا رحمهم الله وعليه عمل القضاة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وهو
أحد أقاويل الشافعي رحمه الله وفى القول الآخر يقول هي ضعيفة وفى القول الثالث يقول
لا تكون صحيحة لأنه يلتزم ما لا يقدر على تسليمه فيكون كبيع الطير في الهواء وبيانه ان
المكفول بنفسه رقباني مثله لا ينقاد له لتسليمه خصوصا إذا كفل بغير أمره وكذلك إذا
كفل بأمره لان أمره بالكفالة لا يثبت له عليه ولاية في نفسه لتسليمه كما أن أمره بالكفالة
بالمال لا يثبت له عليه ولأنه يؤدى المال من مال المكفول عنه وهو الحرف الثاني له ان
هذه الكفالة بشرط أداء المكفول به من ملك المكفول عنه ولو كفل بشرط أن يؤديه من
162

مال المكفول عنه لم يصح فكذلك إذا كفل بالنفس وحجتنا في ذلك ما روى عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه كفل رجلا في تهمة والتكفيل أخذ الكفيل بالنفس وكان بين علي وابن عمرو
رضي الله عنهما خصومة فكفلت أم كلثوم رضي الله عنها بنفس علي رضي الله عنه وكفل
حمزة ابن عمر والأسلمي في تهمة رجل فاستصوبه عمر رضي الله عنه وان ابن مسعود رضي الله عنه
لما استناب أصحاب ابن النواحة كفلهم عشائرهم ونفاهم إلى الشام والمعنى فيه أنه التزم
تسليم ما هو مستحق على الأصل فتصح كالكفالة بالمال ومعنى هذا ان تسليم النفس مستحق
على الأصيل حقا للمدعى حتى يستوفى عند طلبه فان القاضي يقطعه عن أشغاله وبحضره مجلسه
عند طلب خصمه وقد ذم الله تعالى قوما على الامتناع عن الحضور بقوله وإذا دعوا إلى الله
ورسوله ليحكم بينهم الآية وإنما يذم الامتناع بما هو مستحق عليه فإذا ثبت ان التسليم مستحق
وهو مما تجرى فيه النيابة صح التزامه بالكفالة والظاهر أن الانسان لا يكفل الا بنفس من
يقدر على تسليمه ممن هو تحت يده أو ينقاد له في التسليم خصوصا إذا كفل بأمره فإنه هو
الذي أدخله في هذه الورطة فعليه اخراجه بالانقياد له لتسليمه إلى خصمه الا انه إذا كان
كفل بالمال والديون تقضى بأمثالها وهو موجود في يد الكفيل فلا حاجة إلى اثبات الولاية له في
مال الأصيل فيؤمر بالأداء من مال نفسه ثم يؤمر بالرجوع عليه وفى النفس لا يتأتى التسليم
الا باحضار الأصل فيثبت له عليه ولاية الاحضار للتسليم وكذلك أن كان كفل بغير أمره
لأنه يتمكن من أن يدعى عليه مالا ليحضره القاضي فيسلمه إلى خصمه ويكون هذا كذبا
ولا رخصة في الكذب والأصح أن يقول ليس التسليم كله في احضار الأصل إذا أتى بالطالب
إلى الموضع الذي فيه المطلوب فبدفعه يتحقق التسليم مع أن شرط صحة الالتزام كون الملتزم
ملتزما ما لا قدرة له على أدائه كالتزام حقوق الله تعالى بالنذر حتى أن من نذر أن يحج ألف
حجة يلزمه وان كأن لا يعيش هو ألف سنة ليؤدي فهنا أيضا التسليم يتأتى فيصح التزامه
وإن كان الكفيل ربما يعجز عنه وعن الشعبي رحمه الله في رجل كفل بنفس رجل فمات المكفول
برئ الكفيل وبه نأخذ لمعنيين أحدهما أن الخصومة وتسليم النفس إلى الخصم الذي سقط عن
الأصل بموته وبراءة الأصيل بأي طريق يكون موجب براءة الكفيل والثاني أن محل
التسليم فات بموته ولا يتأتى التسليم بدون المحل فكما أن عدم تأتي التسليم يمنع ابتداء الكفالة
فكذلك يمنع بقاءها ثم ذكر عن أبي حنيفة رحمه الله في الرجل يكفل بنفس الرجل ثم لم يأت
163

به أن يحبس ولا يكون ذلك في أول مرة يتقدم إليه وهذا لان الحبس نوع عقوبة وإنما
تتوجه على الظالم ولا يظهر ظلمه في أول مرة لأنه لم يسرقه انه لماذا يدعى حتى يأتي بالخصم
معه فلهذا لا يحبسه القاضي ولكنه يأمره أن يأتي بالخصم فيسلمه فإذا امتنع حين ذلك مع
تمكنه منه حبسه وإذا ارتد المكفول ولحق بدار الحرب لم يبرأ الكفيل لان لحاقه بدار الحرب
كموته حكما في قسمة ماله بين ورثته فاما في حق نفسه فهو مطالب بالتوبة والرجوع وتسليم
النفس إلى الخصم فيبقى الكفيل على كفالته وكذلك الاحضار والتسليم يتأتى بعد ردته وعليه
تنبني الكفالة إذا علم ذلك لا يحبس الكفيل ولكنه إن كان يتمكن من الدخول في دار الحرب
واحضاره أمهله في ذلك مقدار ما يذهب فيأتي به فإن لم يفعل حبسه حينئذ بمنزلة ما لو كان
غائبا في بلدة أخرى وإن كان يعلم أن الكفيل لا يتمكن من ذلك أمهله إلى أن يتمكن منه
ويحبسه ما لم يمتنع منه بعد تمكنه وهو نظير الكفيل بالمال فإنه إذا كان معسرا عاجزا عن الأداء
أمهله القاضي إلى وقت يساره عملا بقوله تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وطريق
ثبوت هذا العجز علم القاضي به بإقامة البينة عليه ولم يذكر في الكتاب ان في مدة عجزه عن
الطالب أن يلزم الكفيل فهو على الاختلاف عندنا له ذلك ولكن لا يمنعه من كسبه وحوائجه
وعند إسماعيل بن حماد رحمهما الله ليس له ذلك وهو نظير الاختلاف في المديون إذا ثبت
عند القاضي عسرته فأخرجه من السجن وسنقرره في موضعه إن شاء الله تعالى وإذا حبس
المكفول به بدين أو غيره فللطالب أن يأخذ الكفيل بتسليمه لأنه قادر على تسليمه بان يعتقه مما
حبس فيه أن كان دينا قضاه عنه أو حقا آخر أوفاه إياه وهذا النوع من التسليم وإن كان يلحقه
الضرر فيه فقد رضى بالتزامه حتى قدم على الكفالة ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول هذا إذا
كان محبوسا عند غير هذا القاضي فاما إذا كان محبوسا عند هذا القاضي فالسبيل للكفيل أن
يقول للقاضي هو في يديك فأخرجه من السجن لأسلمه إلى خصمه حتى يثبت عليه حقه ثم
يحبسه بحقهما فالقاضي يحبسه إلى ذلك لأنه طلب منه أن ينظر له وليس فيه ضرر على أحد
فيحبسه القاضي إلى ذلك وان مات الكفيل بطلت الكفالة لان تسليم الكفيل المطلوب بعد
موت الكفيل لا يتحقق منه ولا تتوجه المطالبة بالتسليم على ورثته لأنهم لم يكفلوا له بشئ
وإنما يخلفونه فيما له لا فيما عليه (ألا ترى) أن من عليه القصاص إذا مات لا يخلفه وارثه فيما عليه
وكذلك لا يبقى باعتبار تركته بعد موته لأنه إنما يبقى باعتبار التركة بعد الموت ما يمكن استيفاؤه
164

من التركة والكفالة بالنفس لا يمكن استيفاؤها من المال فلهذا لا يبقى باعتبار التركة وإذا أقر
الطالب انه لا حق له قبل المكفول ثم أراد أخذ الكفيل بتسليم نفسه فله ذلك واقراره بهذا
لا يمنع ابتداء الكفالة فلا يمنع بقاءها بطريق الأولى وهذا لأنه ربما يكون وصيا لميت له عليه
حق أو وكيلا في خصومة له قبل ذلك الرجل حق فانتفاء حق نفسه عنه لا يمنع استحقاق
التسليم له بهذا الطريق فلهذا كان الكفيل مطالبا بتسليم نفسه وإن لم يقر الطالب بذلك ولكن
بقي المكفول به فأخذ منه كفيلا آخر لا يبرأ الكفيل الأول لأنه لا منافاة بين الكفالة الثانية
والأولى ومقصود الطالب من هذه الزيادة التوثق بحقه فلا يتضمن براءة الكفيل الأول
وكذلك ملاقاة الطالب مع المكفول لا يمنع بقاء الكفالة لان ذلك كان موجودا عند ابتداء
الكفالة ولم يمنع صحة كفالته فلأن لا يمنع بقاءها أولى وإذا سلم الكفيل المكفول إلى الطالب
برئ منه لأنه أوفاه ما التزمه له فإنه ما التزم التسليم الا مرة واحدة وقد أتى به وهو كالمطلوب
إذا أوفى الطالب ما عليه من الدين ويستوى ان قبله الطالب أو لم يقبله لان الكفيل يبرأ بإيفاء
عين ما التزم فلا يتوقف ذلك على قبول صاحب الحق كالمديون إذا جاء بالدين فوضعه بين يدي
الطالب وتضرر من عليه فإنه يمتنع من ذلك ابقاء لحق نفسه والضرر مدفوع بحسب الامكان
وإذا كفل بنفس رجل على أن يوافي به في المسجد الأعظم فدفعه إليه بالكناسة أو في السوق
أو في غير ذلك الموضع من المصر برئ لان التقييد إنما يعتبر إذا كان مفيدا فاما إذا لم يكن
مفيدا فلا وتقييد التسليم بالمصر مفيد لأنه إذا سلمه خارج المصر ربما يهرب منه أو لا يتمكن من
احضاره بل يمتنع منه أما في المصر فالتقييد بموضع منه غير مفيد لأنه يتمكن من احضاره مجلس
الحكم في أي موضع من المصر سلمه إليه اما بقوة نفسه واما بمعاونة الناس إياه فلهذا لا يعتبر
تقييده بالمسجد الأعظم والمتأخرون من مشايخنا رحمهم الله يقولون هذا الجوب بناء على عادتهم
في ذلك الوقت فاما في زماننا إذا شرط التسليم في مجلس القاضي فإنه لا يبرأ بالتسليم إليه في
غير ذلك الموضع لان في زماننا أكثر الناس يعينون المطلوب على الامتناع من الحضور لغلبة
أهل الفسق والفساد فتقييد التسليم بمجلس القاضي مفيد وفيه طريقة أخرى ان نواحي المصر
كلها كمكان واحد (ألا ترى) ان في عقد السلم إذا شرط التسليم في مصر كذا جاز وإن لم يبين
في أي موضع من المصر يسلمه إليه فإذا جعل الكل كمكان واحد قلنا في أي موضع من
المصر سلمه إليه فقد أتى بها التزمه فيبرأ وإذا كفل بنفس رجل وهو غائب أو محبوس جاز
165

وهو حائز ضامن لان تسليمه يتأتى باحضاره أو اخراجه من السجن وشرط صحة الكفالة
يأبى التسليم وإذا طلب رجل إلى رجل ان يكفل بنفس آخر ففعل فان الكفيل يؤخذ به ولا
يرجع على الآمر ولا على المكفول به أما الكفيل فلانه التزم تسليم ما يتأتى تسليمه فيؤخذ به ولا
يرجع عليه فكذلك إذا كفل بنفسه وهو يرجع على الآمر لأنه ما ضمن له شيئا وإنما أشار
عليه بمشورة ولم تكن تلك المشورة ملزمة إياه شيئا وإنما اللزوم بالتزامه باختياره فلهذا
لا يرجع عليه وإذا كفل بنفسه إلى شهر ثم دفعه إليه قبل الشهر برئ لان التأجيل إنما كان
لحق الكفيل حتى لا يضيق عليه الامر في المطالبة قبل الشهر فإذا سلمه قبل مضى الشهر فقد
أوفى ما عليه وأسقط حق نفسه فهو بمنزلة من عليه دين مؤجل إذا قضاه قبل مضى الاجل
برئ ولم يكن للطالب أن يأبى القبول فكذلك هنا لا يكون للمكفول أن يأبى القبول وإذا
دفع المكفول به إلى الطالب في السجن وقد حبسه غيره فان الكفيل لا يبرأ منه لان المقصود
من التسليم أن يتمكن من احضاره مجلس الحكم ليثبت حقه عليه وذلك لا يتأتى إذا كان محبوسا
فهو بمنزلة تسليم الطير في الهواء أو السمك في الماء وكذلك لو دفعه إليه في مفازة أو موضع
يستطيع المكفول أن يمتنع من الطالب فان المقصود بهذا التسليم لا يحصل للطالب فهو
نظير المؤجر إذا سلم الدار إلى المستأجر وهناك غاصب يحول بينه وبين السكنى لا يكون
هذا التسليم معتبرا وإذا دفع إليه في مصر غير المصر الذي كفل به وفيه سلطان أو قاض
برئ في قول أبي حنيفة رحمه الله ولا يبرأ في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله حتى يدفعه
إليه في المصر الذي كفل به فيه قيل هذا اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حكم فأبو حنيفة
رحمه الله كان في القرن الثالث وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهله بالصدق فكانت
الغلبة لأهل الصلاح والقضاة لا يرغبون في الميل بالرشوة وعامل كل مصر ينقاد لامر
الخليفة فلا يقع التفارق بالتسليم إليه في ذلك المصر أو في مصر آخر ثم تغير الحال بعد ذلك في
زمن أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فظهر أهل الفساد والميل من القضاء إلى أخذ الرشوة فقالا
يتقيد التسليم بالمصر الذي كفل له فيه دفعا للضرر عن الطالب ثم وجه قول أبى يوسف
ومحمد رحمهما الله ان مقصود الطالب التسليم في موضع؟ يمكن فيه إثبات حقه عليه بالحجة
وربما يكون شهوده على الحق في ذلك المصر الذي كانت فيه الكفالة فإذا سلمه إليه في مصر
آخر لا يتمكن من اثبات الحق عليه كما لو سلمه إليه في المفازة وأبو حنيفة رحمه الله يقول
166

سلمه إليه في موضع آمن وغاب فيبرأ مما سلمه إليه في ذلك المصر وهذا لان المعتبر تمكنه من أن
يحضره مجلس القاضي اما ليثبت الحق عليه أو ليأخذ منه كفيلا وهذا قد حصل ثم كما يتوهم
أن يكون شهوده في ذلك المصر يتوهم أن يكون شهوده في ذلك المصر فيتقابل الموهومات
ويبقي التسليم متحققا من الكفيل على وجه الالتزام فيبرأ به وإذا كفل بنفس رجل ثم دفعه إليه
وبرئ منه فلزمه الطالب فقال الكفيل دعه وإنما على كفالتي أو علي مثل كفالتي أو انا كفيل
به فهو لازم له أتى بلفظ صالح لانشاء الكفالة به أما قوله انا على كفالتي أي بعقد انشائه
سوى الأولى لأنه لا وجه لتصحيحه الا هذا ووجه الصحة مقصود كل متكلم عاقل أو معناه
فسخنا ذلك الابراء الحاصل لي بالرد عليك فانا كفيل به كما قلت وإذا كفل بنفس رجل
والطالب يدعى قبله مالا عينا أو دينا أو كفالة بنفس أو مال أو وكالة أو وصية فالكفالة صحيحة
لان تسليم النفس بهذه الدعاوى للجواب مستحق على المطلوب وكذلك لو كان الطالب يدعى
قبل المطلوب قصاصا في النفس أو فيما دونها أو حدا في قذف أو سرقة لان تسليم النفس
للجواب يستحق على المطلوب في هذه الدعاوى فيصح التزامه بعقد الكفالة ومراده من هذا
إذا أعطى الكفيل بنفسه طوعا فاما القاضي فلا يأخذه باعطاء الكفيل بنفس في دعوى القصاص
والحد ولكن ان أقام المدعى شاهدين مستورين أو شاهدا عدلا وقال لي شاهد آخر حاضر
حبسه القاضي على قدر ما يرى استحسانا ولا يجبره على اعطاء الكفيل بالنفس وإن لم يقم شاهدا
لم يحسبه ولكنه يمكنه من ملازمته اعطاء الكفيل بالنفس وإن لم يقم شاهدا لم يحبسه ولكنه
يمكنه من ملازمته إذا ادعى شهودا حضورا إلى آخر المجلس ليأتي بهم لأنه ينظر لاحد الخصمين
على وجه لا يضر بالآخر والمقصود من الكفالة بالنفس التوثق والاحتياط ومبنى الحدود
والقصاص الدرء والاسقاط فلهذا لا يجبر على اعطاء الكفيل فيه فان قيل فقد قلتم بحبسه بعد
إقامة شاهد عدل ومعنى الاحتياط في الحبس أكثر منه في أخذ الكفيل قلنا الحبس ليس
للاحتياط ولكن لتهمة الدعاوى والفساد فبشهادة الواحد العدل أو شهادة المستورين يصير متهما
بذلك فيحبس تعزيرا له وهذا لان الحبس نوع عقوبة وفى دعوى القصاص والحد عقوبة هي
أقوى من الحبس إذا صار متهما به يعاقب بالحبس فاما في المال فأقصى العقوبات إذا ثبت الحبس
لا يجوز أن يعاقب به قبل ثبوته وإذا لم يجز حبسه وجب الاحتياط بأخذ الكفيل بنفسه
ولكن هذا في دعوى الحد والقصاص بنفسه لو كفل صح بخلاف ما إذا كفل بنفس الحد
167

والقصاص لان ذلك لا تجرى النيابة في ايفائه والكفالة التزام التسليم فإذا حصل بما يمكن
استيفاؤه من الكفيل كان باطلا فاما تسليم النفس فتجرى فيه النيابة فلهذا صحت الكفالة ولو
لم يدع شيئا من ذلك قبله غير أنه كفل له بنفسه فالكفالة جائزة لان الحضور عند دعواه
مستحق عليه (ألا ترى) انه لو حضر مجلس القاضي وادعى قبله شيئا أحضره مجلسه للجواب
والدعوى ليست بسبب الاستحقاق فعرفنا ان الحضور مستحق إذا لم يسبق ما ينفيه فلهذا
جازت الكفالة وكان التسليم مستحقا بما التزمه بعقد الكفالة (ألا ترى) انه لو كفل عنه بمال
صحت الكفالة وإن كان الأصيل منكرا للمال وجعل كالثابت في حق الكفيل فان خاصم
الكفيل بالنفس الطالب إلى القاضي وقال إنه لا حق لهذا قبل الذي كفلت به فان القاضي
ينبغي له أن يسأله عن ذلك ولكنه يأخذه بالكفالة لأنه التزم تسليم نفسه فيكون مطالبا به ما
لم يظهر ما ينفيه وما ادعاه قبل الطالب من اسقاط حقه عن المطلوب فإنه هو ليس بخصم فيه
فلهذا لا يسأل الخصم عنه ولكن ان أقر الطالب انه لا حق له قبل المكفول وانه ليس بوصي
لميت قبله خصومة ولا حق له قبله بوجه من الوجوه فان الكفيل يبرأ لان الاقرار بهذه
الصفة ينفى استحقاق تسليم النفس للمقر على المطلوب وبراءة الأصيل توجب براءة الكفيل
وقد ذكر قبل هذا أنه لا يبرأ واختلف الجواب لاختلاف الموضوع فإنه وضع المسألة هناك
فيما إذا أقر مطلقا أنه لا حق له قبله وهذا لا يوجب براءة الكفيل لجواز أن يكون الطالب
صبيا أو وكيلا وهنا وضع المسألة فيما إذا فسر اقراره بما يبقى استحقاقه لتسليم النفس عنه من
كل وجه وكذلك لو جحد الطالب هذه المقالة وشهد عليه بها شاهد ان برئ لظهور ما ينفى
استحقاق تسليم النفس عن المطلوب والثابت بشهادة العدالة كالثابت باقرار الخصم أو أقوى منه
وقوله ضمنت وكفلت وهو على أو إلى سراء يصير به كفيلا بالنفس أما الضمان فهو موجب
عقد الكفالة لأنه يصير به ضامنا للتسليم والعقد ينعقد بالتصريح بموجبه كعقد البيع ينعقد بلفظ
التمليك وكذلك كفلت فان اسم هذا العقد هو الكفالة والعقد ينعقد بالتصريح باسمه ولفظ
القبالة كلفظ الكفالة فان الكفيل يسمى قبيلا وهو عبارة عن الالتزام ومنه يسمي الصك
الذي هو وثيقة قبالة ولفظ الزعامة كذلك قال الله تعالى وانا به زعيم وقوله وهو على أي أنا
ملتزم بتسليمه لان مبلغ كلمات اللزوم على والى والى هنا بمعنى على قال صلى الله عليه وسلم من ترك
مالا فلورثته ومن ترك كلا أو عيالا فإلى أو قال على معناه انا ملتزم له وإذا أبرأ الطالب الكفيل
168

من الكفالة برئ منها لأنه أسقط خالص حقه وهو من أهله وألحق بمحل السقوط وكذلك
قد برئ إلى صاحبي فهذا اقرار بالتسليم إليه لان أقر ببراءته مفتتح بالكفيل مختتم بالطالب
وذلك بالتسليم يكون (ألا ترى) ان هذا اللفظ في المال يكون اقرارا بالاستيفاء وذلك
لو قال قد دفعه إلى أو قال لا حق لي قبل الكفيل من هذه الكفالة فهو برئ منها لأن النفي
على سبيل الاطلاق أبلغ وجوه البراءة وإذا دفع المكفول به نفسه إلى الطالب وقال
دفعت نفسي إليك من كفالة فلان برئ الكفيل وهذا وما لو سلمه الكفيل سواء لان
للكفيل ان يطالبه بالحضور ليسلمه إذا طولب به فهو إنما يبرئ نفسه عن ذلك بهذا التسليم
فلا يكون منتزعا فيه كالمحيل إذا قضى الدين بنفسه وكذلك لو دفعه إليه انسان من قبل
الكفيل من رسول أو وكيل أو كفيل لأنهم قائمون مقامه في التسليم أو لم يقبل والمرأة
والرجل والذمي والمستأمن في ذلك سواء وإذا كفل ثلاثة رهط بنفس رجل على أن بعضهم
كفيل عن بعض كان للطالب أن يأخذ أيهم شاء بنفس الأول وبنفس صاحبه لان كل
واحد منهم التزم تسليم نفس المطلوب يملكه إليه بنفسه وتسليم نفس صاحبه باشتراط كفالة
بعضهم عن بعض وكما تصح الكفالة بنفس المطلوب فكذلك تصح الكفالة بتسليم النفس
لابقاء ما التزمه مستحقا عليه فأيهم دفع الأول إلى الطالب برئ لان تسليم النفس لابقاء ما
التزمه مستحق عليه فأيهم دفع الأول إلى الطالب وأشهد بالبراءة فهو برئ وصاحباه بريئان لأنه
في حق صاحبيه هو كفيل بنفسيهما وقد بينا أن تسليم كفيل الكفيل كتسليم الكفيل
بنفسه فلهذا يبرؤون جميعا عن تسليم نفس المطلوب كما لو سلموه جميعا وبراءة الأصيل توجب
براءة الكفيل فيبرأ كل واحد منهم عن كفالة صاحبه ولو لم يكن بعضهم كفيلا عن بعض
كان للطالب ان يأخذ أيهم شاء بنفس الأول وليس له ان يأخذه بصاحبه لأنه ما التزم تسليمهما
بنفسهما وأيهم دفع الأول برئوا جميعا لأنهم التزموا تسليم نفس المطلوب بعقد واحد فكانوا فيه
كشخص واحد ولان المستحق عليهم احضار واحد فبالعقد الواحد لا يستحق إلا احضار
واحد وقد أتى به أحدهم وهو غير متبرع في ذلك فكأنهم أتوا جميعا به وهذا بخلاف ما إذا
كفل كل واحد منهم بنفسه بعقد على حدة ثم سلمه أحدهم برئ هو دون صاحبه لان هناك
كل واحد منهم التزم الاحضار بعقد على حدة فالاحضار المستحق على كل واحد منهم غير ما
على صاحبيه وفى الأول التزموا الاحضار بعقد واحد فيكون المستحق عليهم احضار واحد
169

وقد قال ابن أبي ليلى رحمه الله إذا كفل به الثاني برى الأول لان الطالب يصير معرضا عن
كفالته حين اشتغل بأخذ كفيل آخر وهذا فاسد فإنه يأخذ الكفيل الثاني بقصد زيادة التوثق
فلا يصير مبرئا للكفيل الأول ولا منافاة بين الكفالتين فالمستحق على كل واحد منهم الاحضار
ولا يبعد أن يكون احضار شئ واحد مستحقا على شخصين وإذا كفل رجل بنفس رجل
وكفل آخر بنفس الكفيل ثم مات الأول برئ الكفيل لان الأصل برئ من الحضور
فيبرأ الكفيل الأول ببراءة الأصيل والكفيل الأول أصل في حق الكفيل الثاني فيبرأ ببراءته
أيضا وان مات الأوسط برئ الأخير لان الوسط أصل في حق الآخر وقد برئ بموته
وان مات الأخير فالأوسط على كفالته لان براءة الكفيل على ما هو سقوط محض لا يوجب
براءة الأصيل كما لو برئ الكفيل بالابراء ولو دفع الأول نفسه إلى الطالب برئ الكفيلان
لما بينا ولو كفل بنفس رجل والطالب غير حاضر فهو باطل في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما
الله وهو قول أبى يوسف الأول ثم رجع وقال هو جائز وكذلك الكفالة بالمال إذا لم يكن
الطالب حاضرا وفى موضع آخر من هذا الكتاب يقول هو موقوف عند أبي يوسف رحمه
الله حتى إذا بلغ الطالب فعله جاز وذكر الطحاوي رحمه الله قول محمد مع قول أبى يوسف
رحمهما الله وهو غلط فإن كان الصلح الصحيح من مذهب أبي يوسف رحمه الله التوقف فهو
مبنى على بيانه في كتاب النكاح وهو ما إذا قال اشهدوا انى تزوجت فلانة وهي غائبة فكما أن
هناك عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله كلام الواحد شطر العقد فلا يتوقف على ما وراء
المجلس وعند أبي يوسف رحمه الله جعل كلام الواحد كالعقد التام حتى يتوقف على ما وراء
المجلس فكذلك هنا لأنه لا ضرر على أحد من هذا التوقف وإن كان الصحيح من قول
أبى يوسف رحمه الله انه جائز في مسألة مبتدأة وجه قوله ان الكفالة التزام من الكفيل من غير
أن يكون بمقابلته إلزام على غيره والالتزام يتم بالملتزم وحده كالاقرار وهذا لأنه تصرف منه
في ذمته وله ولاية على ذمته ولا يتعدى ضرره إلى الطالب لأنه لا يزداد بالكفالة حق الطالب
وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا الكفالة تبرع وهو تبرع على الطالب بالالتزام له وانشاء
سبب التبرع لا يتم بالتبرع ما لم يقبله المتبرع عليه كالهبة والصدقة وهذا لان التزام الحق بانشاء
العقد والعقد لا يتم بالايجاب بدون القبول ولا يمكن جعل ايجابه قائما مقام قبول الآخر لأنه
لا ولاية له عليه فبقي ايجابه شطر العقد وذلك يبطل بالقيام عن المجلس بخلاف الاقرار فإنه
170

اخبار عن واجب سابق والاخبار يتم بالمخبر ثم قد يتعدى ضرر هذا الالتزام إلى الطالب فان
على قول بعض العلماء رحمهم الله الكفالة إذا صحت برئ الأصيل فبقي الامر إلى الطالب
ولعل قاضيا يرى ذلك فيحكم ببراءة الأصيل عن حق الطالب وفيه ضرر عليه فلهذا لا تصح
الكفالة الا بقبوله وعلى هذا لو خاطب فضولي عن الطالب على قولهما يتوقف على إجازة
الطالب وعلى قول أبى يوسف رحمه الله هو جائز قبله الفضولي أو لم يقبله إلا في خصلة واحدة
وهي ما إذا قال المريض لورثته أو لبعضهم اضمنوا علي ديني فضمنوا فهذا لا يجوز في القياس
على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لان الطالب غير حاضر فلا يتم الضمان الا بقبوله ولأن الصحيح
لو قال هذا لورثته أو لغيرهم لم يصح إذا ضمنوه فكذلك المريض وفى الاستحسان
يصح لان حق الغرماء والورثة يتعلق بتركته بمرضه على أن يتم ذلك بموته وتتوجه المطالبة
على الورثة بقضاء ديونهم من التركة فقام المطلوب في هذا الخطاب لورثته مقام الطالب أو
نائبه لأنه يقصد به النظر لنفسه حتى يفرغ ذمته بقضاء الدين من تركته فلهذا جوزناه استحسانا
بخلاف ما إذا كان صحيحا فإنه لا حق لاحد في ماله ولا مطالبة في شئ من دينه قبل ورثته فلا
يقوم هو مقام الطالب في الخطاب لهم بهذا الضمان واختلف مشايخنا رحمهم الله فيما إذا قال
المريض ذلك لأجنبي فضمن الأجنبي دينه بالتماسه فمنهم من يقول لا يجوز لان الأجنبي غير
مطالب بقضاء دينه بدون الالتزام فكان المريض في حقه والصحيح سواء ومنهم من يقول
يصح هذا الضمان لان المريض قصد به النظر لنفسه والأجنبي إذا قضى دينه بأمره يرجع به
في تركته فيصح هذا من المريض على أن يجعله قائما مقام الطالب لضيق الحال عليه بمرض
الموت ومثل ذلك لا يوجد في الصحيح فأخذنا فيه بالقياس ثم هذا من المريض صحيح وإن لم
يسم الدين ولا صاحب الدين لأنه إنما يصح بطريق الوصية منه لورثته بأن يقضوا دينه
ووجوب تنفيذ الوصية على الورثة لحق الموصي والجهالة لا تمنع صحة الوصية وإذا كفل رجل
برأس رجل أو برقبته أو بوجهه أو بجسده أو ببدنه جاز لان هذا كله يعبر به عن جميع البدن
ولهذا صح ايقاع الطلاق والعتاق به فهذا وكفالته بنفسه سواء وكذلك لو كفل بروحه
وهكذا ذكره في الكتاب خاصة فإنه يعبر بالروح عن النفس وكذلك لو كفل بنصفه أو بجزئه
لان النفس واحدة في الكفالة لا تتجزأ فان المستحق احضارها واحضار بعض النفس لا
يتحقق وذكره جزء ما لا يتجزأ كذكر كله ولو كفل بيده أو رجله فهذا باطل لان هذا
171

اللفظ لا يعبر به عن جميع البدن ولهذا لا يصح ايقاع الطلاق والعتاق به فكذلك الكفالة ولو
قال علي أن أوفيك به أو إلي أن أوفيك به فهو كفيل لان الموافات به احضاره للتسليم
وذلك موجب الكفالة وقد التزمه بقوله علي أو إلي وكذلك لو قال على أن أكفلك به يعنى
على أن أحضره وأسلمه إليك إذا التقينا وذلك موجب الكفالة وكذلك لو قال هو على حتى
تجتمعا أو تلتقيا لأنه التزام إلى غاية وهو اجتماعهما وذلك موجب الكفالة والتصريح بموجب
العقد ينعقد به العقد وان قال أنا ضامن لمعرفته فهو باطل لان موجب الكفالة التزام التسليم
وهو إنما ضمن المعرفة فهذا بمعنى قوله أنا ضامن لان أدخلك عليه أو أوقفك عليه بخلاف
ما لو قال أنا ضامن بوجهه لان الوجه إنما يعبر به عن النفس فكأنه قال أنا ضامن بنفسه ولو
قال أنا ضامن لك أن تجتمعا أو تلتقيا فهو باطل لان اجتماعهما أو ملاقاتهما فعلهما ولا يكون
الانسان ضامنا لفعل الغير بخلاف قوله هو على حتى تجتمعا أو تلتقيا لان قوله هو علي إشارة
إلى نفسه فان التزم تسليم نفسه إلى هذه الغاية وذلك التزام منه لفعله دون فعل الغير وإذا
كفل وصى الميت غريما للميت بنفسه من رجل فدفعه الكفيل إلى ورثة الميت أو غريم من
غرمائه لم يجز لأنه التزم تسليم النفس إلى الوصي وبالتسليم إلى غيره لا يكون موفيا ما التزمه
والمقصود لا يحصل بالتسليم إلى الغرماء وهم لا يتمكنون من اثبات الدين للميت عليه وكذلك
الورثة لان أيديهم لا تنبسط في التركة عند قيام الدين على الميت وإنما الوصي هو الذي يتمكن
من اثبات الدين عليه واستيفائه فلهذا لا يبرأ بالتسليم إلى غيره والكفالة جائزة بالنفس فيما بين
الأولاد والأزواج والزوجات وفيما بين الأقارب كجوازها بين الأختين بمنزلة سائر العقود من
التبرعات والمعاوضات والكفالة بالنفس أو المال إلى الحصاد والدياس أو إلى الجذاذ أو إلى
المهرجان أو إلى النيروز جائزة إلى الاجل الذي سمى لان ما ذكر من الاجل وإن كان فيه
نوع جهالة فهي جهالة مستدركة متقاربة فان الدياس والحصاد يتقدمان الحر وتأخرهما بامتداد
البرد فتكون متقاربة ومثل هذه الجهالة لا تمنع صحة الكفالة لأنها مبنية على التوسع (ألا ترى)
ان الجهالة في المكفول به لا تمنع صحة الكفالة مع أنه هو المقصود بها المعقود عليه ففيما ليس
بمعقود عليه وهو الاجل أولى وبه فارق البيع فان الجهالة في المعقود عليه هناك تمنع صحة العقد
فكذلك في الاجل المشروط فيه لأنه إذن شرط في نفس العقد ولهذا روى ابن سماعة عن
محمد رحمهما الله انه إذا أجله في الثمن بعد البيع إلى الحصاد أو إلى الدياس يجوز لأنه إذا لم يكن
172

الاجل مشروطا في العقد لا يصير من العقد ولكن تأثيره في تأخير المطالبة ويجوز تأخير
المطالبة إلى هذه كما في الكفالة فان قيل ما يقولون فيما إذا تزوج امرأة بصداق مؤجل إلى هذا
الاجل فان الصداق يحتمل الجهالة المتقاربة ثم لا يصح اشتراط هذه الآجال فيه قلنا جواب
هذا الفصل غير مذكور في الكتب وبين مشايخنا رحمهم الله فيه خلاف والأصح عندي أنه
تثبت هذه الآجال في الصداق لأنه لا شك ان اشتراط هذه الآجال لا يؤثر في أصل النكاح
بخلاف البيع فيبقى هذا أجلا في الدين المستحق بالعقد لان في العقد والمهر تحتمل جهاله الصفة
فجهالة الاجل أولى ومن يقول لا يثبت تحول ما هو المعقود عليه في النكاح وهو المرأة لا يحتمل
الجهالة فكذلك الاجل المشروط فيه بخلاف الكفالة وكذلك لو قال الكفالة إلى العطاء أو
إلى الرزق أو إلى صوم النصارى أو فطرهم فهذا كله جائز بأجل وان كانت فيه جهالة
مستدركة ولو قال إلى أن يقدم المكفول به من سفره لان قدوم المكفول به من سفره منتشر
لتسليم نفسه إلى خصمه والتأجيل إلى أن ينتشر التسليم صحيح بخلاف ما لو قال إلى قدوم فلان
غير المكفول به لان ذلك غير منتشر لتسليم ما التزمه فيكون تعليقا للكفالة بالشرط المحض
وذلك باطل كما لو علقه بدخول الدار أو كلام زيد وهذا لأنه إنما يحتمل التعليق ما يجوز ان يحلف
به كالطلاق والعتاق ويعنى بقولنا باطل ان الشرط باطل فاما الكفالة فصحيحة لان الكفالة
لا تبطل بالشروط الفاسدة كالنكاح ونحوه وعلى هذا لو كفل به إلى أن تمطر السماء أو إلى أن
يمس السماء فالكفالة جائزة والأجل باطل لان ما ذكره ليس من الآجال المعروفة بين التجار
ولان الاجل بذكر الزمان في المستقبل ولا يحصل ذلك بهذا اللفظ لجواز ان يتصل هبوب
الريح وأمطار السماء بالكفالة فيبقى شرطا فسادا فلا تبطل به الكفالة فاما ما ذكر من الحصاد
والدياس فذكر زمان في المستقبل لا بالعلم إذ زمان الدياس ليس زمان الحصاد فيصح ذلك
على وجه التأجيل ولو قال إنا كفيل بنفس هذا إلى قدوم فلان وذلك معه في الدين عليهما جازت
الكفالة إلى هذا الاجل لان اشتراط قدومه لينتشر الامر عليه يتمكن الطالب من استيفاء
الدين منه فكان هذا وما لو شرط قدوم المكفول بنفسه سواء ولو قال رجل لقوم اشهدوا
انى كفيل لفلان بنفس فلان والطالب غائب فقد بينا ان انشاء الكفالة بهذه الصفة لا يجوز
عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وسواء أجازه الطالب أو لم يجزه فان قال الطالب حين حضر
قد كنت كفلت لي به قبل ذلك وأنا حاضر وإنما كان هذا اللفظ اقرارا منك بالكفالة وقال
173

الكفيل بل أنشأت الكفالة بهذا اللفظ فلم يصح فالقول قول الطالب لان صيغة كلامه اقرار
ولأنا لو حملنا كلامه على الاقرار كان صحيحا ولو حملناه على الانشاء لم يصح وكلام العاقل
مهما أمكن حمله على وجه صحيح يحمل عليه وكان الظاهر شاهدا للطالب من هذا الوجه وإذا
كفل رجل بنفس رجل على أنه إن لم يوثق به غدا فهو كفيل بنفس فلان لرجل آخر وللطالب
قبله حق فذلك جائز إن لم يواف بالأول كان عليه الثاني وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله الآخر فاما على قول أبى يوسف الأول وهو قول محمد رحمهما الله فالكفالة بنفس
الأول صحيحة وبنفس الثاني باطلة نص على الخلاف بعد هذا في الكفالة بالمال والكفالة بالنفس
والكفالة بالمال في هذا سواء وجه قول محمد رحمه الله ان هذه مخاطرة لأنه علق الكفالة
بالشرط وتعليقها لا يجوز كما لو قال إن دخلت الدار فانا كفيل لك بنفس فلان وهذا بخلاف
ما لو كفل بنفسه على أنه إن لم يواف به فعليه المال الذي له عليه لان القياس هناك أن لا تصح
الكفالة الثانية لكونها مخاطرة وكنا استحسنا للتعامل الجاري بين التجار وهذا ليس في معنى
ذلك لان ذلك المال كان سببا للكفالة بالنفس فكال بينهما اتصالا من هذا الوجه فاما الكفالة
بنفس عمرو فليست بسبب للكفالة بنفس زيد فلا اتصال بين الكفالتين هنا فوجب اعتبار كل
واحدة منهما على حدة والثانية منهما متعلقة بالخطر وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله قالا
تعليق الكفالة بخطر عدم الموافاة صحيح كما لو قال إن لم أوافك به غدا فعلى مالك عليه وهذا
لان الكفالتين حصلتا لشخص واحد فكان في تصحيح الثانية تأكيد يوجب الأولى لان
موجبها الموافاة فإذا علم أنه إن لم يواف به لزمته الكفالة الثانية جد في طلبه ليوافى به حتى يدفع
عن نفسه ضرر التزام الكفالة الثانية ولو قال أنا كفيل لفلان أو لفلان كان جائزا بدفع أيهما
شاء الكفيل إلى المكفول له فيبرأ من الكفالة لان جهالة المكفول به لا تمنع صحة الكفالة على
ما بينه في قوله ما ثبت لك على فلان فهو على أن شاء الله ثم الكفيل بهذا اللفظ يكون
ملتزما تسليم أحدهما إلى الطالب لاقحامه حرف أو بينهما فيكون الخيار في بيان ما التزمه إليه
وأيهما سلم فقد وفى بما شرط وإذا قال رجل لرجل لفلان على فلان مال فأكفل له بنفسه
فقال قد فعلت ثم بلغ الطالب فقال أجزت فإنه يجوز لأنه عقد جرى بين اثنين ولو كان الملتزم
وكيل الطالب كانت الكفالة صحيحة فإذا كان فضوليا توقفت على اجازته فإذا أجاز صار ملتزما
وللكفيل أن يخرج من الكفالة قبل قدوم الطالب لأنه يدفع اللزوم عن نفسه عند إجازة
174

الطالب وللعاقد هذه الولاية في العقد الموقوف إذا فسخه المشترى قبل إجازة المالك وليس
للمخاطب أن يبطل هذه الكفالة قبل إجازة الطالب لأنه لا يدفع به عن نفسه شيئا فان عند
الإجازة لا يجب على المخاطب شئ بخلاف البائع في البيع الموقوف فإنه يجوز فسخه قبل أن
يجيزه المالك لأنه يدفع به عن نفسه ضرر لزوم العهدة إذا أجازه المالك وإذا وكل رجل رجلا
أن يأخذ له من فلان كفيلا بنفسه فأخذه منه كفيلا بنفسه فإن كان الكفيل كفل للوكيل فان
الوكيل يأخذه بذلك دون الموكل لأنه أضاف العقد إلى نفسه بقوله أكفل لي والتزام
الكفيل تسليم نفس المطلوب إليه فعليه الوفاء بما التزم وان كفل به للموكل أخذه الموكل
دون الوكيل لان الوكيل أضاف الكفالة إلى الموكل وجعل نفسه رسولا من جهته والكفيل
التزم تسليم نفسه إلى الموكل فان دفعه في الوجهين جميعا إلى الموكل فهو برئ من الكفالة
أما في الفصل الثاني فلا يشكل وأما في الفصل الأول فالوكيل وإن كان هو الذي يطالب للموكل
فإذا سلمه إلى الموكل فقد وفي الحق المستحق عليه إلى مستحقه وهو كالمشترى من الوكيل
إذا دفع الثمن إلى الموكل وإذا ادعى رجل من رجل كفالة بنفس وأراد يمينه فإنه يستحلفه
له لأنه يدعى عليه حقا مستحقا لو أقر به لزمه فإذا أنكره يستحلف عليه حتى إذا نكل عن
اليمين يقام نكوله مقام اقراره فيؤخذ بذلك فان أخذ به فاستعدى على المكفول به أن
يحضر فيبرئه عن الكفالة فإن كان المكفول به مقرا بأنه أمره بالكفالة أمر بان يحضر
معه لأنه هو الذي أدخله في هذه الورطة فعليه اخراجه منها ولا طريق للاخراج سوى أن
يحضر معه ليسلمه فان تسليم نفسه لا يتصور بدون نفسه وان قال كفل لي ولم آمره وحلف
على ذلك لم يجبر على الحضور معه لأنه تبرع بهذا الالتزام ولم يكن مأمورا به من جهة أحد
فيقتصر وبال ما التزمه عليه إلا أن يقيم البينة انه كفل له بأمره فحينئذ الثابت بالبينة كالثابت
باقرار الخصم فيؤمر بالحضور معه وإذا كفل رجل بنفس رجل فمات الطالب فلوصيه أن يأخذه
بها لان الوصي قائم مقام الموصى في حقوقه وكما يطالب الوصي المطلوب بالحق الذي كان
عليه للموصى فكذلك يطالب الكفيل وإن لم يكن له وصى أخذه الورثة لأنهم خلفاؤه يقومون
مقامه في حقوقه وأي الورثة أخذه به فله ذلك ولكن يبرأ الكفيل بدفعه إليه من جهته لا من
جهة سائر الورثة حتى أن لهم أن يطالبوه بالتسليم لان كل واحد منهم يقوم مقام الميت فيما هو
من حقه ولا يقوم مقام شركائه في حقوقهم (ألا ترى) أنه لا يقبض من المطلوب الا مقدار
175

حصته من المال ولو دفع إليه جميع المال لم يبرأ من نصيب سائر الورثة ولو كان على الميت دين
يحيط بماله ولم يوص إلى أحد فدفعه الوكيل إلى غرمائه أو إلى الورثة لا يبرأ لان المقصود لا
يحصل بالدفع إليهم فان الغرماء لا يتمكنون من الخصومة معه والورثة كالأجانب إذا كانت التركة
مستغرقة بالدين ولو كان في ماله فضل على الدين وقد أوصى الميت بالثلث فدفع الكفيل المكفول
به إلى الغرماء أو إلى الموصى له لم يبرأ إلا أن يدفعه إلى الوصي لأنه هو القائم مقام الميت للمطالبة
بحقوقه حتى يوصل إلى كل مستحق حقه فأما الموصى له والورثة فحقهم مؤخر عن حق الغرماء
والخلافة لكل واحد منهم بقدر حقه فلهذا لا يبرأ الا بدفعه إلى الوصي ولم يذكر في الكتاب
ما إذا دفعه إلى الثلاثة جميعا قيل يبرأ بالدفع إليهم لان الحق لهم لا يعدوهم والأصح انه لا يبرأ
لان الغرماء لا يتمكنون من الخصومة معه فلا يعتبر دفعه إليهم ولا حق للورثة والموصى له ما لم
يصل إلى الغرماء حقهم فإذا أدى الورثة الدين والوصية جاز الدفع إلى الورثة وبرئ الكفيل
من كفالته لان المانع من صحة الدفع إليهم قيام حق الموصى له والغريم وقد زال ذلك بوصول
حقهم إليهم فبقي الحق للورثة فلهذا جاز دفعه إليهم وإذا كفل رجل لرجلين بنفس رجل ثم دفعه
إلى أحدهما برئ من كفالة هذا وكان للآخر ان يأخذه لأنه التزم تسليمه إليهما وواحد منهما
ليس بنائب عن الآخر في استيفاء حقه فلا يبرأ عن حقه بالتسليم إلى الآخر ولكن في حق
من سلم إليه المقصود لم يحصل بهذا التسليم لأنه يتمكن من خصومته واثبات حقه عليه وكذلك
وصيان لميت كفلا رجلا بنفسه للميت عليه دين فدفعه الكفيل إلى أحد الوصيين برئ منه
وكان للآخر ان يأخذه به سواء كانت الكفالة في صفقة واحدة أو في صفقتين لان كل
واحد منهما ينفرد بالخصومة فيحصل المقصود بالتسليم إليه فلهذا برئ من حقه والله أعلم
(باب الكفالة بالنفس فإن لم يواف به فعليه المال)
(قال رحمه الله) وإذا كان لرجل على رجل مال فكفل رجل بنفس المطلوب فإن لم
يواف به إلى وقت كذا فعليه ماله عليه وهو كذا فمضي الاجل قبل أن يوافيه به فالمال لازم
له عندنا استحسانا وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول لا يلزمه المال وهو القياس لأنه علق
التزام المال بالخطر وتعلق التزام المال بالخطر باطل كالاقرار لأنه إنما يعلق بالاخطار ما يجوز ان
يحلف به ولهذا لا يجوز تعليق الكفالة بسائر الشروط فكذلك بخطر عدم الموافاة وللاستحسان
176

وجهان أحدهما انه يحمل على التقديم والتأخير فيجعل كأنه كفل بالمال في الحال ثم علق البراءة
على الكفالة بالموافاة بنفسه والموافاة تصلح سببا للبراءة عما التزمه بالكفالة والتقديم والتأخير
في الكلام صحيح فإذا أمكن في هذا الوجه تصحيح كلامه حمل عليه وللتحرز عن الغاية والثاني
ان هذا متعارف فيما بين الناس فان رغبة الناس في الكفالة بالنفس أكثر منه بالكفالة بالمال
فللطالب ان يرضى بأن يكفل بنفسه على أنه إن لم يواف به يكون كفيلا بالمال حينئذ وفيه
يحصل مقصوده فإنه يجد في طلبه ليسلمه إلى خصمه فيتمكن من استيفاء الحق منه وإن لم يفعل
يصير كفيلا بالمال فقد بينا ان سبب كفالته بالنفس هو المال الذي ادعاه قبله ويكون للحقين
اتصال من هذا الوجه فإذا عين الكفالة بأحدهما وأخر الكفالة الثانية إلى وقت عدم الموافاة
كان صحيحا وإذا لم يواف بنفسه حتى لزمه المال لا يبرأ من الكفالة بالنفس لأنه لا منافاة بين
الكفالتين (ألا ترى) انه لو كفل بهما معا كان صحيحا وبعدما صحت الكفالة بالنفس لا
يستفيد البراءة عنها إلا بالموافاة بالنفس ولم يوجد ذلك وكذلك أن كان قال فعلي مالك عليه ولم
يسم كم هو جاز لان جهالة المكفول به لا تمنع صحة الكفالة فإنها مبنية على التوسع مع أن عين
الجهالة لا تؤثر في العقد وإنما المؤثر جهالة تفضي إلى المنازعة (ألا ترى) ان بيع القفيز من
الصبرة جائز فان جهالة القفيز لا تقتضي المنازعة وهنا الجهالة لا تفضي إلى المنازعة لان الحق
الذي له عليه معلوم في نفسه وإن لم يكن معلوما فاعلامه بطريق ممكن فلهذا صحت الكفالة
(ألا ترى) أنه لو قال كفلت لك ما أدركك في هذه الجارية التي اشتريت من درك كان جائزا
وأصل لحوق الدرك وقدر ما يلحقه فيه من الدرك مجهول وقد اعتاد الناس الكفالة بهذه
الصفة وكذلك لو قال كفلت لك بما أصابك من هذه الشجة التي شجك فلان وهي خطأ
كان جائزا بلغت النفس أو لم تبلغ ومقدار ما التزمه بهذه الكفالة مجهول لأنه لا يدرى قدر
ما يبقى من الشجة وانه هل يسرى إلى النفس أو لا يسرى فدل ان مثل هذه الجهالة لا تمنع
الكفالة وكذلك لو قال كفلت بالمال الذي لك عليه ان وافيتك به غدا فان برئ منه كان
جائزا عن المال إذا أسلم نفسه إليه في الغد لان ابراء الكفيل اسقاط محض والاسقاط بالتعليق
بالشرط كالطلاق والعتاق ولان الموافاة بنفسه ممكنة للطالب من الوصول إلى حقه فيجعل ذلك
قائما مقام وصول حق الطالب إليه في ابراء الكفيل ولكن هذه الإقامة تكون عند الشرط
فلا تثبت بدون الشرط وإذا كفل رجل رجلا وقال إن لم أوافك به غدا فعلى ألف درهم ولم يقل
177

التي لك فمضى الغد ولم يواف به وفلان ينكر أن يكون عليه شئ والطالب يدعى عليه ألف درهم
والكفيل ينكر أن يكون له عليه شئ فالمال لازم على الكفيل في قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله وفى قوله الأول وهو قول محمد رحمه الله لا شئ عليه لان بمجرد دعوى الطالب
لا يثبت المال على واحد منهما فكانت هذه رشوة التزمها الكفيل له عند عدم الموافاة والرشوة
حرام ولو جعلناه كأنه قال فعلى الألف التي لك عليه لزمه المال ولو جعلناه كأنه قال فلك على
ألف درهم ابتداء من جهتي لم يلزمه شئ والمال لا يجب بالشك لعلمنا ببراءة ذمته في الأصل
ووقوع الشك في اشتغالها وحجتهما ما بينا ان الصحة مقصود كل متكلم فمهما أمكن حمل
كلامه على وجه صحيح يجب حمله عليه ولو حملناه على الالتزام بطريق الرشوة لم يصح ولو
حملناه على الالتزام بطريق الكفالة عن فلان كان صحيحا فعلي مالك عليه وهو ألف درهم
موجب حمله على هذا الوجه (ألا ترى) أن من قال لغيره لك علي ألف درهم حمل كلامه على
الاقرار فيصح ولا يحمل على الالتزام ابتداء لأنه إذا حمل عليه لم يصح * توضيحه ان أول
كلامه كفالة صحيحة عن فلان والأصل أن ما مبناه على كلام صحيح يكون صحيحا على ما بينا
هذا في الفرق بين الوجه واليد إن شاء الله تعالى وإذا حملنا آخر كلامه على الكفالة كان ذلك
اقرارا منه بوجوب المال على فلان واقراره صحيح في حق نفسه فلا ينفعه الانكار بعد ذلك
ولو ادعي الطالب المال وجحد المطلوب وكفل رجل بنفسه فإن لم يواف به غدا فعليه الذي
ادعى على المطلوب فلو مضى الغد ولم يواف به لزم الكفيل المال عندهم جميعا لأنه صرح بالالتزام
بطريق الكفالة عن فلان وذلك اقرار بوجوب المال على فلأن لان الكفالة لا تصح الا به
واقراره حجة على نفسه فإذا أداه رجع به على المطلوب إن كان أمره أن يكفل عنه بالمال
وإن لم يأمره بذلك وأمره أن يكفل بالنفس لم يرجع عليه بالمال لأنه متبرع بالكفالة بالمال
وهذا عندنا وقال مالك رحمه الله الكفيل بالمال إذا أدى يرجع على الأصيل سواء أمره
بالكفالة عنه أو لم يأمره لان الطالب بالاستيفاء منه يصير كالمملك لذلك المال من الكفيل
أو كالمقيم له مقام نفسه في استيفاء المال من الأصيل ولكنا نقول تمليك الدين من غير من
عليه الدين لا يجوز وإذا كفل بأمره فبنفس الكفالة يجب المال للطالب على الكفيل كما يجب
للكفيل على الأصيل ولكن يؤخر إلى أدائه وهذا لا يكون عند كفالته بغير أمره والثاني أن
عند الكفالة بالأمر يجعل أصل المال كالثابت في ذمة الكفيل عند الأداء يتملكه بالأداء وذلك يصح
178

عند وجود الرضا من الطالب والمطلوب وإذا كانت الكفالة بغير أمره لا يمكن اثبات أصل
المال في ذمته حتى يتملكه بالأداء لانعدام الرضا من المطلوب بذلك فلهذا لا يرجع عليه قال
وكذلك لو كان المطلوب عبدا تاجرا لأنه تبرع عليه والعبد في التبرع عليه كالحر ولو كفل بنفس
المطلوب على أن يوافيه به إذا ادعى به فإن لم يفعل فعليه الألف التي له عليه فلو سأله الرجل أن
يدفعه إليه فدفعه إليه مكانه فهو برئ من المال لان شرط التزام المال عدم الموافاة حين يطلبه
منه فإذا وافاه به في المجلس الذي طلب منه فقد انعدم شرط وجوب المال وإن لم يدفعه إليه فقد
تقرر شرط وجوب المال فيلزمه وكذلك أن قال ائتني به العشاء أو الغداء فلم يوافه به على
ما قال فالمال لازم عليه لوجود شرطه وان قال الطالب ائتني به غدوة وقال الكفيل آتيك
به بعد غدوة فأبى الطالب أن يفعل فلم يواف به الكفيل غدوة فالمال عليه لان الكفيل
استمهله وله أن يأبى الامهال فإذا أباه بطل ذلك الاستمهال فيبقى عدم الوفاء إلى الوقت الذي
طلب منه فيلزمه المال وان أخره الطالب إلى بعد غد كما قال فقد أجابه إلى ما التمس من
الامهال وصار في التقدير كأنه أمره بالموافاة بعد غد فإذا أوفاه به فقد برئ عن المال وان
مضى بعد غد ولم يوافه به فعليه المال وإن كان شرط أن يوافيه به عند مكان القاضي فدفعه
إليه في السوق أو الكناسة فهو برئ من المال لأنه أتاه بالموافاة المستحقة عليه فان التقييد
بمكان القاضي غير معتبر لان المقصود أن يتوصل إلى الخصومة معه وذلك حاصل بالتسليم في
المصر وقد بينا هذه الفصول في الباب المتقدم وان شرط عليه أن يدفعه إليه عند الأمير فدفعه
إليه عند القاضي أو شرط عليه عند القاضي فدفعه إليه عند الأمير أو شرط له عند القاضي
فاستعمل قاض غيره فدفعه إليه عنده فهو برئ لأنه ليس المقصود بهذا التقييد عين القاضي
والأمير وإنما المقصود تمكنه من اثبات الحق عليه بالحجة والاستيفاء منه بقوة الوالي وفى
هذا المقصود الأمير والقاضي الأول والثاني سواء وقد بينا أن ما لا يكون مفيدا من التقييد
لا يعتبر ولو كفل بوجهه على أنه إن لم يواف به غدا فعليه ما عليه وهو الألف درهم فهو جائز
على ما شرط ولو كفل بيده أو برجله على هذا الشرط كان باطلا لا يلزمه المال فيه والفرق
بينهما أن الكفالة الثابتة بالمال مبنية على الكفالة الأولى بالنفس والكفالة بالنفس بالإضافة
إلى الوجه تصح فإذا صح ما هو الأصل صح ما جعل بناء عليه لمعنى وهو ان الكفالة بالمال
لا يمكن اثباتها بهذه الصفة مقصودا لأنه علقها بالشرط وتعليق الكفالة بالشرط لا يصح وإنما
179

يصححها اعتبار التبعية للكفالة الأولى وثبوت التبع بثبوت المتبوع ففي الفصل الأول لما صح
المتبوع صح التبع وفى الفصل الثاني لم يصح المتبوع فلا يمكن تصحيحه التبع ولا يمكن تصحيح
الكفالة بالمال مقصودا بهذه الصفة فتعينت جهة البطلان فيه وإذا كفل رجل بنفس رجل
فإن لم يوافه به غدا فالمال الذي للطالب على فلان رجل آخر وهو ألف درهم على الكفيل
فهو جائز في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله الآخر وفى قول محمد وأبى يوسف
رحمهما الله الأول الكفالة بالمال باطلة (وهذه الفصول أحدها) أن يكون الطالب والمطلوب
واحدا في الكفالتين فتجوز الكفالتان استحسانا كما بينا (والثاني) أن يكون الطالب مختلفا
فتبطل الكفالة بالمال سواء كان المطلوب واحدا أو اثنين نحو ان يكفل بنفس رجل على أنه
إن لم يواف به غدا فالمال الذي لرجل آخر على هذا المطلوب على الكفيل أو المال الذي لرجل
آخر سوى الطالب على رجل آخر سوى المطلوب على الكفيل فهذا باطل بالاتفاق لان عند
اختلاف الطالب الكفالة الثانية لا تكون تابعة للكفالة الأولى ولا يكون تصحيحها مقصودا
لأنه تعليق للالتزام بالشرط ولأنا عند اتحاد الطالب والمطلوب صححنا الكفالة الثانية حملا
لكلامه على معنى التقديم والتأخير ولا يتأتى ذلك عند اختلاف الطالب فاما إذا كان الطالب
واحدا والمطلوب اثنين فهو على الخلاف كما بينا فمحمد رحمه الله يقول الكفالة الثانية هنا لا يمكن
تصحيحها تبعا للكفالة الأولى لان الكفالة الأولى بنفس غير نفس المطلوب بالمال ولا يمكن
أن تجعل الموافاة بنفسه مبرئة له عما التزمه عن آخر فبقيت هذه كفالة مقصودة متعلقة بالشرط
وهي مخاطرة فلا يصح كما قال في الفصل الثاني وكذلك لا يمكن تصحيح الكفالة هنا بحمل
كلامه على التقديم والتأخير بخلاف ما إذا اتحد المطلوب فاما أبو يوسف رحمه الله فإنه يقول
الكفالة الثانية هنا توقن بحق من وقعت الكفالة الأولى له فيصح كما إذا اتحد المطلوب وهذا
لان الكفالة إنما تقع للطالب حتى يحتاج إليه قبول الطالب وإذا كان الطالب واحدا أمكن
جعل الكفالتين في المعنى ككفالة واحدة واتباع الثانية للأولى فيحكم بصحتها بخلاف ما إذا
اختلف الطالب ولو قال فإن لم أوافك به فالمال الذي لك عليه وهو مائة درهم والمال الذي
لك على فلان وهو عشرة دنانير علي فان ذلك كله عليه عند عدم الموافاة عند أبي حنيفة وأبى
يوسف رحمهما الله وعند محمد رحمة الله عليه المال الذي كان على المطلوب دون الذي علي غيره
اعتبار الحالة الجمع بينهما بحال افراد كل واحد منهما واستشهد لهما بما لو كان عليهما مال واحد
180

وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فكفل بنفس أحدهما على أنه إن لم يواف به غدا فالمال
الذي على فلان وهو كذا على أن لم أواف به ان ذلك عليه وعذر محمد رحمه الله واضح لان
المال هنا واحد سواء اضافه إلى المكفول بنفسه أو إلى صاحبه ولو كفل بنفس رجل للطالب
على مال فلزم الطالب الكفيل فأخذ منه كفيلا بنفسه على أنه إن لم يواف به فالمال الذي له
على فلان المكفول به الأول عليه فهو جائز وهذا عندهم جميعا وعذر محمد رحمه الله ان الكفالة
بالنفس هنا باعتبار ذلك المال (ألا ترى) ان المطلوب إذا برئ من ذلك المال برئ الكفيل
الأول والثاني فأمكن تصحيح الكفالة بالمال تبعا للكفالة بالنفس وإذا كفل رجل بنفس رجل
أو بما عليه وهو مائة درهم كان جائزا لأنه ردد الالتزام بين شيئين وقد ذكرنا أن مثل هذه
الجهالة لا تمنع صحة الالتزام بحكم الكفالة والخيار إلى الكفيل وأيهما سلم المال أو النفس برئ
لان حرف أو للتخيير وعزيمة الكلام في أحدهما وإذا كفل بنفس فلان أو بما عليه أو بنفس
فلان آخر أو بما عليه فهو جائز وأي ذلك دفع الكفيل فهو برئ لان الجهالة في المكفول به
لا تمنع صحة الكفالة عند عدم التنصيص فعند التنصيص عليه أولى وأي ذلك دفع فقد وفى بما
لزمه ولو ادعى رجل قبل رجل ألف درهم فأنكرها ثم قال إن لم أوافك به غدا فهو على فإن لم
يوافه به غدا لا يلزمه شئ لأنه تعليق للالتزام بالخطر بمنزلة قوله ان دخلت دارك فهو على
وهذا بخلاف ما لو كفل رجل بنفس جاحد وقال إن لم أوافك به غدا فالذي تدعى عليه لك
علي لان الكفالة بالنفس والمال جائزة ويلزم الكفيل المال إن لم يواف لأنه جعل التزام المال تبعا
للكفالة بالنفس وقد صحت الكفالة بالنفس فكذلك بالمال وحقيقة المعنى في الفرق انه ليس
من شرط توجه المطالبة على الكفيل وجوب أصل المال في ذمته على ما بينا أن موجب الكفالة
المطالبة بما هو في ذمة غيره وهو لما قدم على الكفالة صار كالمقر بوجوب المال في ذمة المطلوب
واقراره بذلك ملزم إياه وإن لم يثبت المال له في ذمة المطلوب بخلاف المطلوب إذا علق الالتزام
بعدم موافاته لأنه لا يمكن توجه المطالبة عليه الا بعد وجوب المال في ذمته ولم يوجد منه
الاقرار بوجوب المال عليه صريحا ولا دلالة فكانت هذه مخاطرة حتى لو كان المطلوب أمر
الكفيل بالكفالة بهذا الشرط يجب المال به على المطلوب كما يجب على الكفيل ولو كفل
رجلا بنفسه فإن لم يواف به غدا فالألف درهم التي لك عليه على فلان آخر سوى الكفيل
بالنفس واقرار الكفيل بالمال بذلك فهو جائز على هذا الشرط لان معنى الاستحسان الذي
181

ذكرنا في الفصل الأول إذا أضاف الكفالة بالمال إلى نفسه يأتي هنا أيضا وهو أن يحمل كلامه
على التقديم والتأخير ويجعل كان أحدهما كفيل بنفس المطلوب والآخر بالمال بشرط أن
الكفيل بنفسه ان وفى بالنفس برئ الكفيلان جميعا فأيهما صرح بهذا كان جائزا مستقيما لان
عند الموافاة بالنفس الطالب يستغنى عن الكفالتين فلذا تعينت البراءة عن الكفالتين بسبب
بعينه عنهما ولا فرق في ذلك بين أن يكون الكفيل رجلا أو رجلين وإذا كفل رجل بنفس
رجل فإن لم يواف به غدا فعليه المال الذي عليه وهو الألف فلم يواف به الكفيل ولكن
الرجل لقي الطالب وخاصمه ولازمه في المسجد حتى الليل فالمال لازم للكفيل لوجود شرطه
وهو عدم موافاة الكفيل به وقد بينا أنهما وان تلاقيا لا يبرأ الكفيل به عن الكفالة بالنفس
بخلاف ما إذا وافاه به فكذلك في وجوب المال وهذا لان تسليم المطلوب نفسه إلى الطالب
أنواع قد يكون عما هو مستحق عليه وقد يكون من جهة الكفالة فلا تتعين جهة الكفالة في
تسليمه الا بالتنصيص لان الأصل في تسليمه انه عما هو مستحق عليه فان الكفالة بناء على ذلك
الاستحقاق إلا أن يكون المطلوب قال قد دفعت نفسي إليك عن كفالة فلان فحينئذ يصح
ذلك منه لأنه مطلوب بذلك من جهة الكفيل فيصح تعيينه لتلك الجهة ليسقط به مطالبة الكفيل عن
نفسه وإذا صح ذلك كان هذا وموافاة الكفيل به سواء فيبرأ من المال (ألا ترى) أنه لو بعث به
مع رسوله إلى الطالب كان ذلك موافاة منه حتى يبرئه من المال ولو كفل رجل بنفس الكفيل على أنه
إن لم يواف به غدا فالمال الذي كفل عن فلان وهو ألف عليه فوافى الكفيل الأول بالمطلوب
ودفعه إليه في الغد فالكفيلان بريئان من الكفالة بالمال أما الكفيل الأول فلوجود الموافاة منه
وأما الكفيل الثاني فلان الكفيل الأول في حقه أصيل وبراءة الأصيل توجب براءة الكفيل
وإن لم يواف به الأول ولا الثاني ووافى الكفيل الأول في الغد فان الكفيل الثاني يبرأ
لوجود شرط البراءة في حقه وهو الموافاة بنفس الكفيل الأول في الوقت الذي اشترطه
والتزم المال الكفيل الأول لوجود شرطه وهو عدم الموافاة بنفس المطلوب ولو كفل
بنفس رجل فإن لم يواف به إلى شهر فالمال الذي عليه وهو مائة عليه ثم لقي الطالب به
المكفول قبل الاجل فأخذ منه كفيلا آخر بنفسه وبالمال بهذا الشرط أيضا فوافي به أحدهما
في الاجل فان الذي وافى به برئ من المال والنفس ولا يبرأ الآخر لان كل واحد منهما
التزم تسليم النفس بعقد على حدة فموافاته به تكون تسليما عن نفسه لا عن غيره فيجب المال على
182

الآخر لوجود شرطه وهو انعدام الموافاة بالنفس منه وان قال الكفيل الذي وافى به قد
دفعته عن نفسي وعن فلان فإنه يكون عن نفسه ولا يكون عن فلأن لان التسليم الواحد
لا يكون عن جهتين ولأنه متبرع في التسليم عن فلأن لان ذلك الالتزام غير متعلق به أصلا
فهو في ذلك كأجنبي آخر فلا يصح تسليمه عن فلان إلا أن يقبله الطالب فإذا قبله على ذلك
برئا جميعا ويصير كأنه سلم مرة عن نفسه ومرة عن فلان فان الاستدامة على ما يستدام بمنزلة
الانشاء وعلى هذا لو جاء رجل ليس بكفيل فقال قد دفعته إليك عن فلإن لم يبرأ واحد
منهما إلا أن يقبله الطالب عنهما ولو قال المكفول به قد دفعت نفسي إليك عن فلان وفلان
برئا جميعا من الكفالتين ولا يشترط قبول الطالب هنا لان الطالب مطالب من جهة كل
واحد من الكفيلين بتسليم النفس إليه لتسليمه إلى الطالب فلا يكون هو متبرعا في هذا التسليم
فلا يشترط فيه قبول الطالب بخلاف الأجنبي * وتوضيح هذا الكلام لو كان المكفول
به قاعدا مع الطالب يحدثه فقال رجل للطالب قد دفعت إليك هذا عن فلان فسكت الطالب
أو قال لا لم يبرأ الكفيل وان قال الطالب نعم قد قبلت فالكفيل برئ لان المسلم ليس بخصم
عنه فكان متبرعا فلا تقع البراءة للكفيل الا بقبول الطالب ولو كان المتكلم بذلك وكيل
الكفيل برئ الكفيل لان وكيله قائم مقامه فصار تسليم النفس كتسليم المال في حكم البراءة
ولو أن أجنبيا أدى المال عن المطلوب لم يبرأ المطلوب الا بقبول الطالب بخلاف ما إذا كان
المؤدى وكيل المطلوب أو المطلوب نفسه فكذلك البراءة عن الكفالة بالنفس ولو كفل ثلاثة
رهط بنفس رجل فإن لم يوافوا به يوم كذا فعليهم المال الذي عليه وهو ألف درهم فلم يوافوا
به فعلى كل واحد منهم ثلث الألف كما لو أرسلوا الكفالة بالمال والمعنى فيه أنه التزام للمال أو
للمطالبة فإذا أضيف إلى جماعة يتوزع على عددهم كالاقرار ولو قال ثلاثة نفر لرجل لك علينا
ألف درهم يجب على كل واحد منهم ثلث الألف فان وافى به أحدهم في ذلك اليوم فهم
جميعا برآء من المال والنفس لأنهم التزموا تسليم النفس بعقد واحد فموافاة أحدهم به
كموافاتهم جميعا وكذلك أن كان قال فعليهم الألف التي عليه وبعضهم كفيل عن بعض بها فوافي
به أحدهم برئوا جميعا وهذا أظهر وإن لم يوافوا به لزمهم المال وللطالب أن يأخذا أيهم شاء
بجميع المال لان كل واحد منهم التزم عن الأصيل ثلث المال وكل واحد عن صاحبه كفيل
بالثلث الذي التزمه أيضا فان أدى أحدهم جميع المال رجع كل واحد على صاحبه بثلثه ان شاء
183

لأنه كفل عن كل واحد منهم بثلث المال وأدى ثلثه ويرجعون جميعا علي صاحب الأصل
بالمال وان شاء المؤدى رجع علي أحد صاحبيه بالنصف لأنه يقول أنت مساو لي في هذه
الكفالة وقد أديت المال فارجع عليك بنصفه لنستوي في القيام بالكفالة كما استوينا في
الكفالة فان قيل كيف يرجع عليه بالنصف وهو إنما كفل عنه الثلث قلنا نعم ولكن الثلث
الذي علي الثالث المؤدى وهذا الآخر يستويان في الكفالة عنه بذلك فكان له أن يقول
نصف ذلك الثلث أديته بحكم الكفالة عنك لأنك كفيل معي عنه بذلك وبعضنا كفيل
عن بعض فلهذا رجع عليه بنصفه فإذا فعل ذلك ثم لقيا الثالث رجعا عليه بثلث المال ليستووا
في عدد الكفالة ثم إذا لقوا المطلوب رجعوا عليه بجميع المال ولو كفل بنفسه رجل على أنه
إن لم يواف به غدا فعليه ألف درهم التي له عليه فلم يواف به في الغد وقال الطالب وصلني
الألف وأديته ألفا أخرى أو قال لم يكن لي عليه يومئذ شئ ولكن أديته ألفا قبل حلول الأجل
لم يلزم الكفيل من ذلك شئ لأنه إنما كفل المال الواجب عليه عند الكفالة بالنفس لا عند
عدم الموافاة وذلك المال قد سقط أو تبين انه لم يكن واجبا باقرار الطالب وما وجب بعد
ذلك لم يتناوله عقد الكفالة فلا يطالب الكفيل بشئ منه ولو قال إن لم يواف به فعليه المائة
درهم التي له عليه وما باعه من شئ ما بينه وبين ان يمضى هذا الاجل لزمه على ما قال
لان الكفالة هنا كما تناولت الواجب عند الكفالة بالنفس تتناول ما يجب بعدها قبل الاجل
وكل واحد منهما صحيح لأنه أضاف الالتزام بالكفالة إلى سبب وجوب المال وهو المبايعة
فما كان قائما من المال عند عدم الموافاة يصير الكفيل به كفيلا به ولو كفل بنفس رجل وإن لم
يواف به إلى كذا من الاجل فعليه المال الذي عليه وهو مائة درهم فمات المكفول به قبل
الاجل ثم مضى الاجل فالمال على الكفيل لان شرط الوجوب عدم الموافاة وذلك يتحقق
بعد موت المكفول به وان قيل شرط وجوب المال عدم موافاة مستحقه وذلك لا يكون
بعد موت المكفول به لان الكفالة بالنفس تبطل بالموت فينبغي أن لا يلزمه المال وهو كما
قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله إذا قال إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز اليوم فامرأته
كذا فأهريق الماء قبل الليل لا يقع الطلاق لان الشرط عدم شرب يتأتى أو يكون مستحقا
باليمين في آخر النهار ولا يتحقق ذلك إذا هريق والجواب عنه ان نقول هما جعلا عدم الموافاة
شرط وجوب المال فالتقييد بموافاة مستحقة يكون زيادة ثم حقيقة المعنى وبه يتضح الفرق
184

ان تصحيح الكفالة بالمال هنا بطريق التقديم والتأخير وهو انه يجعل كأنه كفل بالمال للحال
ثم علق التركة عنه بالموافاة بالنفس والموافاة بالنفس لا توجد بالموت فيبقى المال واجبا
بالكفالة ولا حاجة إلى هذا التقديم والتأخير في اليمين بالطلاق لان الطلاق يحتمل التعليق
بالشرط وبعد الوقوع لا يحتمل الرفع فلهذا افترقا وان مات الكفيل قبل حلول الأجل فان
مضى الاجل قبل أن يوافي ورثة الكفيل الطالب بالرجل فالمال دين في مال الكفيل لان
شرط البراءة الموافاة بالنفس ولم توجد ثم يضرب الطالب مع سائر غرمائه في تركته لان
حق الطالب قبله في حكم دين الصحة في الوجه قلنا إنه يجعل كأنه كفل بالمال في الحال وعند
الكفالة كان صحيحا فلهذا كان حق الطالب بمنزلة غرماء الصحة يضرب معهم في تركته
وان دفعوه إليه في الاجل أو دفع المكفول به نفسه برئ الكفيل من المال والكفالة لان
موافاة الوارث بنفسه كموافاة المورث في حياته وكذلك دفع المكفول به نفسه من جهة
الكفالة بمنزلة دفع الكفيل فقد وجد شرط البراءة عن المال وهو الموافاة بالنفس وان لحق
الكفيل بدار الحرب مرتدا فهو بمنزلة موته في أن تسليم الورثة يقوم مقام تسليمه في براءة
الكفيل لأنهم يخلفونه في أمواله بهذا السبب كما يخلفونه بعد موته وان لحق المكفول به بدار
الحرب فان مضى الاجل قبل أن يوافي به فالمال لازم للكفيل لان شرط البراءة عن المال
الموافاة بالنفس ولم توجد وأكثر ما فيه أن يكون لحوقه كموته وقد بينا أن المال بعد موته
يجب على الكفيل عند عدم الموافاة فهذا مثله ولو كان المكفول به امرأة فارتدت ولحقت
بالدار وسبيت فوافى بها وهي أمة في الاجل برئ الكفيل من الكفالة والمال لان شرط البراءة
وهو الموافاة في الاجل قد وجد والموافاة تتحقق بعدما صارت أمة ولأنها حين سبيت
سقط الدين عنها وبراءة الأصيل توجب براءة الكفيل وكذلك لو كان المكفول به رجلا
فوافى به وهو حلال الدم بردة أو قتل عمدا لان الموافاة بعد حل دمه تتحقق كما تتحقق
قبله ولو مات الطالب فوافى به الكفيل وصيه برئ من المال والكفالة لان وصيه قائم مقامه
بعد موته فتسليم النفس إليه كالتسليم إلى الموصى فلهذا يستفيد به البراءة وإن لم يكن له وصى
فوافى به ورثته فإن كان عليه دين يستغرق ماله لم يبرأ بتسليمه إلى الورثة لأنهم لا يملكون
شيئا من تركته مع الدين المستغرق فالتسليم إليهم في هذه الحال بمنزلة التسليم إليهم قبل موته
وهذا لان المقصود لا يحصل بالتسليم إليهم فإنهم لا يتمكنون من مطالبته بالمال فأما إذا لم يكن
185

عليه دين فيبرأ بتسليمه إلى جميع الورثة لأنهم خلفاؤه في التركة فيتمكنون من مطالبته بالمال
فتسليمه إليهم بمنزلة تسليمه إلى الطالب في حياته ولو وافى به أحدهم برئ من الكفالة لهذا
الواحد ولم يبرأ من غيره لما بينا أن حق المطالبة والاستيفاء إليه في نصيبه دون نصيب سائر
الورثة فقد برئ بالتسليم إليه في نصيبه دون نصيب غيره ولو كفل بنفس رجل لرجلين
فان وافاهما به فكذا والا فعليه مالهما عليه فلو وافى به أحدهما والآخر غائب برئ من كفالة
الشاهد لوجود شرط البراءة في حقه وهو الموافاة بالنفس ولزمه نصيب الغائب من المال لانعدام
شرط البراءة في حقه فان شريكه لم يكن نائبا عنه في المطالبة بحقه ثم ما أخذه الغائب من
الكفيل يكون بينه وبين شريكه لان أصل المال كان مشتركا بينهما فاستيفاء أحدهما نصيبه
من الكفيل بمنزلة استيفائه من الأصيل فكان له أن يشاركه في المقبوض ولو ماتا جميعا كان
ورثتهما على ما كانا عليه حتى إذا سلمه إلى ورثة أحدهما برئ في نصيبه دون نصيب الآخر
إقامة لكل وارث مقام مورثه ولو كان الطالب واحدا فتغيب عند حل الاجل فطلبه الكفيل
وأشهد على طلبه ولم يدفع إليه الرجل فالمال لازم للكفيل لان شرط البراءة عن المال تسليم
النفس إلى الطالب ولم يوجد ذلك وان طلبه ليسلمه فيبقى المال عليه فان قيل إنما تغيب قصدا
منه إلى الاضرار بالكفيل فيبقى إلى أن يرد عليه قصده ويقام هذا مقام تسليمه لان الكفيل
أتى بما في وسعه قلنا الكفيل هو الذي أضر بنفسه بكفالته بالمال وقد بينا أن وجوب المال
عليه بالكفالة لانعدام الموافاة ولكن الموافاة بنفسه مبرئة له عن المال فإذا انعدم ذلك بقي المال
عليه بكفالته لا بتغيب الطالب وكذلك لو كان اشترط عليه مكانا فوافى به ذلك المكان
وتغيب الطالب لان المبرئ له تسليم نفسه إلى الطالب دون احضاره ذلك ولا يتصور تسليمه
إلى الطالب وهو غائب فوجود احضاره ذلك المكان كعدمه وإن كان الكفيل اشترط
في الكفالة انه برئ منه ان وافى به المسجد الأعظم وأشهد عليه يوم كذا فوافى به المسجد
يومئذ وأشهد وغاب الطالب فقد برئ الكفيل من الكفالة بالنفس والمال لأنه جعل شرط
براءته احضاره للمسجد في ذلك الوقت وقد وجد ذلك فيبرأ من الكفالة بالنفس والمال جميعا
وكذا في الكفالة بالنفس وحدها وهذا لان ابراء الكفيل اسقاط محض ولهذا لا يرتد
بردته فيصح تعليقه بحضور المكان في وقت معلوم كالطلاق والعتاق وإذا صح التعليق فالمتعلق
بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ولو كفل بنفسه إلى غد في المسجد فعليه المائة الدرهم التي
186

له عليه ولو اشترط الكفيل على الطالب إن لم يوافني غدا عند المسجد ليقبضه منى فانا برئ منه فالتقيا
بعد الغد فقال الكفيل قد وافيت به وقال الطالب قد وافيت ولم تواف لم يصدق كل واحد
منهما على الموافاة لان كل واحد منهما يدع موافاته وخصمه يكذبه في ذلك فلا نثبت موافاة
بدعوى كل في حق صاحبه وكان الكفيل على كفالته والمال لازم لما بينا انه ملتزم للمال بنفس
الكفالة وجعل شرط براءته موافاته ولم يثبت ذلك بقوله فلا يبرأ منه ولو جعل شرط البراءة
عدم موافاة الطالب ليقبضه منه ولم يثبت هذا الشرط بقوله لم تواف أنت بل يجعل القول
قول الطالب مع يمينه على ما عرف أن الشرط سواء كان نفيا أو اثباتا لا يثبت الا بحجة والقول
قول من ينكر وجود الشرط فان أقام كل واحد منهما البينة على الموافاة إلى المسجد ولم تشهد
على دفع الكفيل إليه فان المال لا يلزم الكفيل لأنه قد أثبت بالبينة شرط براءته عن المال وهو
عدم موافاة الطالب ليقبضه منه فيبرأ من المال ولكن الكفالة بالنفس على حالها لان براءته
عن الكفالة بالنفس بتسليمه إلى الطالب ولم يوجد ولان البينتين قد تحققت المعارضة بينهما
فامتنع القضاء بما كان متقررا وهو وجوب تسليم النفس بحكم الكفالة والعمل بهما ممكن في
البراءة على المال لان الكفيل يثبت شرط البراءة ببينة والآخر ينفى فيترجح الاثبات وان
أقام المطلوب البينة على موافاة المسجد ولم يقم الطالب البينة برئ الكفيل من كفالة النفس
والمال جميعا لان الطالب غير مصدق على الموافاة والكفيل أثبت ببينته موافاته المسجد
فوجب قبول بينته على ذلك وإذا قبلنا ببينته صار الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم فيثبت
شرط البراءة عن المال والنفس جميعا ولو كفل بنفسه على أن يدفعه إليه غدا فإن لم يفعل فالمال
عليه ولو اشترط الكفيل عليه إن لم توافني فتقبضه منى فانا برئ من الكفالة والمال فلم يلتقيا
من الغد فالكفيل برئ والقول قول الكفيل ان الطالب لم يواف مع يمينه وعلى الطالب
البينة بخلاف ما تقدم لان هناك موافاة المكان مشروطة على الطالب والكفيل جميعا وموافاة
الكفيل لا تثبت بقوله لأنه يدعى وجود فعل كان مشروطا فلا يصدق عليه الا بحجة ولهذا
لو أقام البينة على الموافاة بنفسه برئ لان موافاته المكان مشروطة عليه فتثبت ببينته فاما في
الفصل الأول فالموافاة غير مشروطة على الكفيل وإنما هي مشروطة على الطالب وان يأتي
ليقبضه منه ولم يأت فقد وجد شرط براءة الكفيل عن المال فلهذا كان بريئا وحاصل الفرق
بين هذه الفصول بحرف وهو ان من ينكر فعل غيره فالقول قوله في ذلك لأنه متمسك
187

بالأصل ومن يدعي فعل نفسه لا يقبل قوله الا بحجة لأنه يدعى أمرا عارضا ولو كفل بنفس
رجل على أنه إن لم يواف به غدا فعليه ما للطالب عليه من شئ فلم يواف به الغد وقال الكفيل
لا شئ لك عليه فالقول قوله مع يمينه على علمه لأنه التزم مالا موصوفا وهو أن يكون واجبا
على الأصيل فلما لم يثبت الوجوب على الأصيل لا يصير هو ملتزما كما لو قال ما قضى به لك
عليه فهو على فما لم يصر المال مقضيا به على الأصيل لا يجب على الكفيل وبقول الطالب لم يصر
المال واجبا على الأصيل والكفيل في انكاره تمسك بالأصل وهو عدم الطالب فالقول قوله
مع يمينه على علمه لأنه استحلاف على ما هو فعل غيره وهذا بخلاف ما تقدم وهو ما إذا قال إن
لم أوافك به غدا فالمال الذي تدعى عليه على لأنه كفل هناك بما يدعيه الطالب والدعوى متحققة
منه فلما وجدت الصفة التي قيدت الكفالة بما يصحح التزامه للمال كان مؤاخذا به وكذلك
ان قر الكفيل بمائة درهم وأقر المكفول عنه بمائة درهم صدق المكفول عنه ولم يصدق
الكفيل لما بينا أنه التزم بالكفالة ما كان واجبا على الأصيل وقت كفالته واقرار الأصيل ليس
بحجة على الكفيل فإنما يثبت الوجوب وقت الكفالة فما أقر به الكفيل وهو المائة فلا يلزمه
أكثر من ذلك ولو كفل بنفسه على أنه إن لم يواف به غدا فعليه من المال قدر ما أقر به
المطلوب فلم يواف به الغد وأقر المطلوب أن عليه ألف درهم فالكفيل ضامن لها لأنه قيد
الكفالة هنا بصفة ثبتت تلك الصفة باقرار المطلوب فيتم به شرط الالتزام بالكفالة بخلاف
الأول فان باقراره هناك ثبت الوجوب عليه وقت الاقرار وإنما التزم هو بالكفالة ما كان
واجبا عليه وقت الكفالة ولا يثبت ذلك الا فيما أقر به الكفيل لو نكل عن اليمين فيه بعد
الاستحلاف ولو كفل بنفسه على أنه إن لم يواف به غدا فعليه ما ادعى الطالب فلم يواف به
الغد وادعى الطالب ألف درهم وأقر بها المطلوب وجحدها الكفيل فالقول قول الكفيل مع
يمينه على علمه وهو مشكل لأنه إنما كفل هنا بما ادعاه الطالب وقد تحققت الدعوى منه والاقرار
من المطلوب ولكن مراده من هذه المسألة انه كفل بما ادعاه الطالب قبل الكفالة ولم تظهر
تلك الدعوى منه ولكنه لما لم يواف به غدا ادعى الآن أنه كان ادعى عليه ألف درهم قبل
الكفالة وهو غير مصدق في هذا فالقول للكفيل في انكاره انك لم تدع مع يمينه على علمه
بخلاف ما تقدم فان هناك إنما كفل بما يدعى الطالب عليه وقد وجد ذلك منه بالمعاينة بعد الكفالة
ولو كفل بنفسه على أن يوافي به إذا جلس القاضي فإن لم يواف به فعليه الألف التي للطالب
188

عليه فلم يقعد القاضي أياما ولم يواف به وطلبه صاحبه فلم يأت به فلا شئ عليه أي على الكفيل
من المال لأنه جعل شرط وجوب المال عدم الموافاة إذا جلس القاضي وإن لم يجلس القاضي
لم يوجد ذلك ولأنه أجل في الموافاة إلى جلوس القاضي وما لم يمض الاجل لا تتوجه عليه
المطالبة بالموافاة ووجوب المال عليه عند عدم موافاة مستحقة فإذا لم يوجد ذلك قبل جلوس
القاضي لا يلزمه المال ولو كفل بنفسه على أنه إن لم يواف به غدا فقد احتال الطالب عليه
بالألف درهم التي له على المطلوب ولم يواف به الغد فالمال عليه والحوالة في هذا والكفالة سواء
على ما بينا من طريق الاستحسان انه يلزم المال وتتعلق براءته عنه بشرط الموافاة بالنفس وذلك
صحيح في الكفالة والحوالة جميعا وكذلك لو قال فإلى المال أو فعلي المال لان هذا من ألفاظ
الكفالة وكذلك لو قال فعندي له هذا المال لان كلمة عند عبارة عن القرب وقرب الدين منه
اما بالتزام أصله في ذمته أو بالتزام المطالبة به فكان هذا والكفالة سواء ولو كفل بنفسه على أن
يوافي به غدا فإن لم يواف به غدا فعليه المال الذي عليه وهو ألف درهم فلم يواف به الغد ولزمه
المال ثم أخذه الطالب بكفالة النفس وقال لي عليه مال آخر أو لي معه خصومة فان الكفيل
يؤخذ بنفسه ولا يبرأ منه حتى يدفعه إليه لأنه بأصل الكفالة التزم تسليم نفسه وبأداء المال لم
يصر مسلما نفسه وأداؤه ذلك المال لا يمنع ابتداء الكفالة بنفسه فلأن لا يمنع بقاءها كان أولى
وان كفل بنفسه على أنه متى ما طالبه الطالب فلم يواف به فعليه المال الذي عليه وهو ألف
درهم فطلبه منه فلم يدفعه إليه فعليه المال لوجود شرطه وهو عدم الموافاة في الوقت الذي
طلبه الطالب منه وكذلك لو طلبه غدوة فلم يدفعه إليه حتى العشى قال ولا يبرئه من المال إلا أن
يدفعه إليه ساعة طلبه منه وهذا اللفظ إشارة إلى ما بينا أن المال واجب عليه بالكفالة
وشرط براءته ان يوافيه به حين يطلبه الطالب فإذا لم يفعل انعدم شرط البراءة فبقي المال عليه
كما التزمه بأصل الكفالة ولا ينفعه دفع النفس إليه بعد ذلك لان ذلك لم يكن شرطا عن
المال والله أعلم بالصواب
(تم الجزء التاسع عشر * ويليه الجزء العشرون وأوله)
(باب الكفالة والوكالة بالخصومة)
189