الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ١٣
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء الثالث عشر من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(باب البيوع الفاسدة)
قال (وإذا اشترى الرجل عدل زطي أو جراب هروي على أن فيه خمسين ثوبا بألف
درهم فوجد فيه تسعة وأربعين ثوبا أو أحدا وخمسين ثوبا فالبيع فاسد) لأنه ان وجده أكثر
فإنما يدخل في البيع العددي المسمى من الثياب وذلك خمسون وهو مجهول لأنه وجب على
المشترى رد هذه الزيادة وهذه الزيادة مجهولة فيصير الباقي مجهولا وفي مثله لا يجوز البيع
مع الجهالة ألا ترى أنه لو اشترى مما في العدل خمسين ثوبا لا يجوز لأنها تتفاوت في المالية
فالمشترى يطالب بخيار العدل والبائع يعطيه شرار العدل وكل جهالة تفضي إلى المنازعة فهي
مفسدة للعقد فان وجده أقل يفسد العقد لجهالة الثمن لان المسمى من الثمن بمقابلة خمسين
ثوبا فيقسم ذلك على قيمة الموجود والمعدوم ولا يدري صفة المعدوم أنه كيف كان جيدا
أو وسطا أو رديئا وباختلافه تختلف حصة الموجود فيفسد العقد في الموجود لجهالة الثمن فالبيع
بالحصة لا ينعقد صحيحا ابتداء فإن كان سمى لكل ثوب عشرة دراهم فوجده أحدا وخمسين
ثوبا كان فاسدا أيضا لان العاقد يتناول خمسين ثوبا فعليه رد الثوب الزائد وهو مجهول وبجهالته
يصير المبيع مجهولا أيضا وان وجده تسعة وأربعين ثوبا وقد قبض أو لم يقبض كان البيع
جائزا لان الموجود معلوم والمسمى بمقابلة الموجود من الثمن معلوم فيجوز البيع ويتخير المشترى
لتفرق الصفقة عليه بنقصان ثوب مما سمى وله في عدد الخمسين مقصود لا يحصل ذلك بما
دونه فيتخير ان شاء أخذ كل ثوب بما سمى وان شاء ترك وأكثر مشائخنا رحمهم يقولون بان
هذا الجواب قولهما اما عند أبي حنيفة العقد فاسد كله لأنه فسد بعضه بفساد قوى إذ لا سبب
لبطلان البيع أقوى من عدم المعقود عليه واستدلوا عليه بما ذكر في الزيادات ولو اشترى
ثوبين على أنهما هرويان كل واحد منهما بثمن مسمى فوجد أحدهما مرويا فالعقد كله فاسد
في قول أبي حنيفة رحمه الله فإذا كان في الموضع الذي كان أحد الثوبين بخلاف جنس ما سمى
2

يفسد العقد كله ففي الموضع الذي لم يجد أحد ما سمى أصلا أولى أن يفسد العقد كله وهما
في المعنى سواء لان بطلان العقد عند اختلاف الجنس لأنه عدم الجنس الذي سمى وقد تعلق
العقد به كذا هنا (قال) رضي الله عنه والأصح عندي أن هذا قولهم جميعا لان أبا حنيفة رحمه الله
في نظائره هذه المسألة إنما يفسد العقد في الكل لوجود العلة المفسدة وهو أنه جعل قبول
العقد فيما يفسد فيه العقد شرطا لقبوله في الآخر وهذا لا يوجد هنا فإنه ما شرط قبول العقد
في المعدوم ولا قصد إيراد العقد على المعدم وإنما قصد ايراده على الموجود فقط ولكنه غلط
في العدد بخلاف مسألة الزيادات فان هناك جعل قبول العقد في كل واحد من الثوبين شرطا
في قبوله في الآخر وهو شرط فاسد وهكذا الجواب في كل عددي يتفاوت نحو ما إذا اشترى
قطيعا من الغنم على أنها خمسون فوجده أزيد فالجواب علي التقسيم الذي ذكرنا وفي المكيلات
إذا اشترى صبرة من حنطة علي أنها خمسون فإنه يجوز العقد سواء سمى ثمن كل واحد من
القفزان أولم يسم لان القفزان مما لا تتفاوت في نفسها فكانت حصة كل قفيز من الثمن
معلومة * وكذلك * الوزنيات * وكذلك * في العدديات المتقاربة نحو ما إذا اشترى عدل
جوز على أنه خمسة آلاف فإذا هي أنقص أو أزيد فإنه يجوز العقد لما ذكرنا وإذا اشترى
الرجل من الرجل عبدين صفقة واحدة بألف درهم فإذا أحدهما حر فالبيع فاسد فيهما
فكذا إذا لم يسم لكل واحد منهما ثمنا فظاهر لان الحر لا يدخل في العقد لان دخول الشئ
في العقد بصفة المالية والتقوم وذلك لا يوجد في الحر فلو جاز العقد في العبد إنما يجوز
بالحصة والبيع بالحصة لا ينعقد ابتداء على الصحة لمعنى الجهالة كما لو قال اشتريت منك هذا
العبد بما يخصه من الألف إذا قسم على قيمته وقيمة هذا العبد الآخر لجهالة الثمن كذلك هنا
فإن كان سمى لكل واحد منهما ثمنا بان قال اشتريتهما بألف كل واحد منهما بخمسمائة
فكذلك الجواب عند أبي حنيفة (وقال) أبو يوسف ومحمد رحمهما الله العقد جائز في العبد
بما سمى بمقابلته من الثمن * وكذلك * لو اشترى شاتين مسلوختين فإذا أحدهما ميتة أو ذبيحة
مجوسي أو ذبيحة مسلم ترك التسمية عليها عمدا فان ذلك والميتة سواء عندنا (والجواب) على
التفصيل الذي قلنا * وكذلك * إذا اشترى دنين من خل فإذا أحدهما خمر وهذا الجنس نظير
ما سبق إذا أسلم كر حنطة في شعير وزيت فطريقهما أن الفساد يقتصر على ما وجدت فيه العلة
المفسدة وعند تسمية الثمن لكل واحد منهما قد انعدمت العلة المفسدة فيما هو مال متقوم منهما
3

وهذا لان أحدهما ينفصل عن الآخر في البيع ابتداء وبقاء فوجود المفسد في أحدهما لا يؤثر
في العقد على الآخر لان تأثيره في العقد على الآخر إما باعتبار التبعية وأحدهما ليس بتبع للآخر
أو باعتبار أنهما كشئ واحد وليس كذلك فكل واحد منهما ينفصل عن الآخر في العقد
ألا ترى أنه لو هلك أحدهما قبل القبض بقي العقد في الآخر وذلك فيما إذا كان كل واحد
منها عبدا وإنما يشترط قبول العقد في أحدهما لقبول العقد في الاخر إذا صح الايجاب
فيهما حتى لا يكون المشترى ملحقا الضرر بالبائع في قبول العقد في أحدهما دون الآخر
وذلك ينعدم إذا لم يصح الايجاب في أحدهما وصار هذا كما لو اشترى عبدا أو مكاتبا أو مدبرا
فالبيع يفسد في المدبر ويبقى العقد على العبد صحيحا * كذلك * هنا وأبو حنيفة يقول البائع لما
جمع بينهما في الايجاب فقد شرط في قبول العقد في كل واحد منهما قبول العقد في الاخر
بدليل أن المشترى لا يملك قبول العقد في أحدهما دون الآخر واشتراط قبول العقد في
الحر في بيع العبد شرط فاسد والبيع يبطل بالشرط الفاسد (وقولهما) أن هذا عند صحة الايجاب
(قلنا) عند صحة الايجاب فيما يكون هذا شرطا صحيحا ونحن إنما ندعى الشرط الفاسد وذلك عند
فساد الايجاب لان هذا الشرط باعتبار جمع البائع بينهما في كلامه لاعتبار وجود المحلية فيهما
وقد ذكر الكرخي رجوع أبى يوسف في فصل من هذا الجنس إلى قول أبي حنيفة وهو
مسألة الطوق والجارية إذا باعهما بثمن مؤجل كما بينا في الصرف فاستدلوا برجوعه
في تلك المسألة على رجوعه في جميع هذه المسائل لان الفرق بينهما لا يتضح فإذا اشترى
عبدين فإذا أحدهما مدبر أو مكاتب أو اشتري جاريتين فإذا أحدهما أم ولد جاز البيع في
الآخر سواء سمى لكل واحد منهما ثمنا أو لم يسم وعند زفر لا يجوز لان الايجاب في
المدبر والمكاتب وأم الولد فاسد لما ثبت لهم من حق العتق وقد جعل ذلك شرطا لقبول العقد
في الفرق بينهما فيفسد العقد كما في مسألة الحر وجه قولهما ان كل واحد منهما دخل في العقد
لان دخول الآدمي في العقد باعتبار الرق والتقوم وذلك موجود فيهما ثم استحق أحدهما نفسه
فكان بمنزلة ما لو استحقه غيره بان باع عبدين فاستحق أحدهما فهناك البيع جائز في الآخر
سواء سمى لكل واحد منهما ثمنا أو لم يسم يوضحه أن البيع في المدبر ليس بفاسد على الاطلاق
بدليل جواز بيع المدبر من نفسه فإنه إذا باع نفس المدبر من نفسه يجوز وبدليل أن القاضي
إذا قضى بجواز بيع المدبر ينفذ قضاؤه وكذلك المكاتب فان بيعه من نفسه جائز ولو باعه
4

من غيره برضاه جاز في أصح الروايتين والذي روى في النوادر عن أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله بخلاف هذا غير معتمد عليه وكذلك بيع أم الولد من نفسها جائز ولو قضي القاضي
بجواز بيعها نفذ قضاؤه عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ولم ينفذ عند محمد لان عنده
اجماع التابعين رحمهما الله على فساد بيعها يرفع الخلاف الذي كان في عهد الصحابة رضوان الله
عليهم فان هذه المسألة كان مختلفا فيها في الصدر الأول فكان عمر رضي الله عنه يقول بأن بيع أم
الولد لا يجوز وعلي رضي الله عنه كأن يقول بأنه يجوز ثم من بعدهم من السلف رحمهم الله
اتفقوا علي أن بيع أم الولد لا يجوز والحاصل أن الاجماع المتأخر هل يرفع الاختلاف المتقدم
عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله لا يرفع وعند محمد يرفع وقضاء القاضي بخلاف الاجماع
لا ينفذ وعندهما ليس لاجماع التابعين رحمهم الله من القوة ما يرفع الخلاف الذي كان بين
الصحابة رضوان الله عليهم فكان هذا قضاء في فصل مجتهد فيه فإذا ثبت أن المحل قابل للبيع
حتى نفذ قضاء القاضي فيه وقضاء القاضي لا ينفذ في غير محله عرفنا انه دخل في العقد ثم
خرج فصار كما لو خرج بالهلاك قبل القبض فيبقى العقد صحيحا في الآخر حتى إذا كان قبضهما
لزم البيع في القن بحصة من الثمن وكذلك أن كان عالما بذلك وقت البيع وإن لم يكن عالما
به وقت البيع ولكن علم بذلك بعد القبض كان له أن يرد القن منهما لتفرق الصفقة قبل
التمام فان خيار تفرق الصفقة بمنزلة خيار العيب فإنما يثبت إذا لم يكن معلوما له وإذا
نظر إلى إبل أو غنم أو إلى رقيق أو إلى عدل زطي أو جراب هروي فقال قد أخذت
كل واحد من هذا بكذا ولم يسم جماعتها فالعقد فاسد عند أبي حنيفة في الكل وعندهما جائز
في الكل وهذا لان الأصل عند أبي حنيفة أنه متى أضاف كلمة كل إلى مالا يعلم منتهاه فإنما
يتناول أدناه وهو الواحد كما لو قال لفلان على كل درهم يلزمه درهم واحد. قال (وإذا أجر
داره كل شهر لزم العقد في شهر واحد) عند أبي حنيفة فإذا اشترى صبرة من حنطة كل
قفيز بدرهم عند أبي حنيفة يجوز العقد في قفيز واحد وعندهما يجوز في الكل وإذا كفل
بنفقة امرأة عن زوجها كل شهر فإنما يلزمه ذلك في شهر واحد عند أبي حنيفة وعندهما هو
كذلك فيما لا يكون منتهاه معلوما بالإشارة إليه فأما فيما يعلم جملته بالإشارة فالعقد يتناول الكل
كما لو كان معلوم الجملة بالتسمية لان الإشارة أبلغ في التعريف من التسمية إذا عرفنا هذا
فنقول هنا الجملة معلومة بالإشارة فيجوز العقد في الكل عندهما ولا جهالة في ثمن كل واحد
5

منهما والجهالة التي في جملة الثمن لا تفضي إلى المنازعة فإنها ترفع بعد المشار إليه وعند أبي حنيفة
لما لم يكن العدد معلوما عند العقد فإنما يتناول العقد واحدا من الجملة وبيع شاة من القطيع
لا يجوز لأنها متفاوتة وإذا كانت العبرة للإشارة فثمن جميع ما أشار إليه مجهول عند العقد
وجهالة مقدار الثمن تمنع صحة العقد وما هو شرط العقد إذا انعدم عند العقد يفسد العقد ولا
يمكن اعتبار ايجابه في الثاني كشرط الشهود في النكاح وعلى هذا لو باع صبرة حنطة كل قفيز
منها بدرهم ولم يسم عدد الجملة الا ان أبا حنيفة (قال) هناك العقد جائز في قفيز واحد فإنه إذا
اشتري قفيزا من الصبرة جاز بالاجماع فان القفزان لا تتفاوت بخلاف الغنم فان علم مبلغ
الجملة بعد الافتراق لا ينقلب العقد جائزا لان المفسد قد تقرر بالافتراق عن المجس قبل ازالته
وإن كان ذلك قبل أن يفترقا كان العقد استحسانا لان حالة المجلس جعلت كحالة العقد ولكن
يتخير المشترى لتنكشف الحالة له الآن فإن شاء أخذ الكل بجميع الثمن وان شاء تركه لان
مقدار ما يلزمه من الثمن أنما يصير معلوما له الآن فيتخير لأجله وكذلك لو اشترى دارا كل
ذراع بدرهم ولم يسم جملة الذرعان فهو علي هذا الخلاف فعند أبي حنيفة العقد يفسد في الكل
لان قيمة الذرعان تتفاوت في مقدم الدار ومؤخرها فلا يمكن تصحيح العقد في ذراع
منها وكذلك الثوب والخشب ولو اشترى ذراعا من عشرة أذرع من هذه الدار عند أبي
يوسف ومحمد رحمهما الله يجوز العقد لان ما سمى عبارة عن عشر الدار بمنزلة قوله سهم من
عشرة أسهم أو جزء من عشرة أجزاء وعند أبي حنيفة لا يجوز لان الذراع اسم لموضع
معلوم يقع عليه الذراع وذلك يتفاوت موضعه من الدار بخلاف السهم والجزء وقد روى
عن أبي يوسف رحمه الله أنه إذا اشترى ذراعا من هذه الدار بكذا يجوز العقد وإن لم يقل
من كذا ذراعا ثم يذرع الدار فإن كانت عشرة أذرع فله العشر بخلاف ما لو اشترى سهما
من الدار ولم يقل من كذا سهما لان تلك الجهالة لا يمكن ازالتها فسهم من سهمين النصف
وسهم من عشرة أسهم العشر وفي الذراع يمكن إزالة الجهالة بأن يذرع جميع الدار فيصير
الجزء المسمى في العقد معلوما به وإذا اشترى غنما أو بقرا أو عدل زطي كل اثنين منها بعشرة
فهو باطل لان ثمن كل واحد غير معلوم فإنه يضم إلى كل واحد آخر فيقسم العشر على
قيمتهما ولا يعرف كيفية الضم أنه يضم الجيد إلى الجيد أو الردئ إلى الردئ أو إلى الوسط
فيبقى ثمن كل واحد مجهولا وهذه الجهالة تفضى إلى المنازعة فإنه إذا وجد بثوب عيبا بعد القبض
6

يرد المعيب خاصة وتتمكن المنازعة بينهما في ثمنه وكذلك إذا هلك أحدهما قبل القبض
واستحق أو تقايلا العقد في ثوب واحد فعرفنا أن هذه الجهالة تفضي إلى المنازعة فيفسد العقد
بها وإذا اشترى عدل زطي بقيمته فالبيع فاسد لجهالة الثمن عند العقد والقيمة ما تظهر عند تقويم
المقومين وذلك مجهول عند العقد ويختلف المقومون في التقويم أيضا ثم ما سميا تفسير العقد الفاسد
لان المقبوض بحكم الشراء الفاسد مضمون بالقيمة فقد نصا على ما هو حكم العقد الفاسد
وكذلك أن قال بحكمه لان ما يحكم به مجهول الجنس والقدر والصفة ويتمكن بسببه منازعة وله
أن يرجع عن تفويض الحكم إليه وإن لم يرجع حتى مات أحدهما بطل ماله من الحكم
وبقي الثمن مجهولا * وكذلك * لو قال بألف درهم ويحلف يمينه فالبيع فاسد (قيل) معنى هذا ان
المشترى كان ساومه بألف فحلف البائع أن لا يبيعه بألف فاشتراه بألف وزيادة بقدر ما يبر
به البائع في يمينه وتلك الزيادة مجهولة الجنس والقدر والصفة وقيل بل معناه أن البائع كان
حنث في يمينه وكان تهمة تكفره فاشتراه منه بألف وما يكفر به البائع يمينه وهذا أيضا
مجهول لان التكفير يكون بالاعتاق تارة وبالكسوة أخرى وبالاطعام تارة وضم المجهول
إلى المعلوم يوجب جهالة الكل وجهالة الثمن مفسدة للبيع وإذا اشتراه بألف درهم الا دينارا
أو بمائة دينار الا درهما أو بألف درهم الا قفيز حنطة أو الا شاة فالبيع فاسد لان المستثنى إذا
كان من غير جنس المستثنى منه فإنما يستثنى من المستثنى بالقيمة وطريق معرفة القيمة الحرز
والظن فلا يتيقن به وجهالة المستثنى توجب جهالة المستثنى منه يوضحه أن الكلام المقيد
بالاستثناء يكون عبارة عما وراء الاستثناء وما وراء المستثنى من الألف مجهول فالبيع بالثمن
المجهول فاسد وان (قال) قد أخذته منك بمثل ما يبيعه الناس كان فاسدا أيضا لان المستثنى
مجهول الجنس والقدر والصفة والناس في المبايعة يتفاوتون فمن بين مسامح ومستعصى
وإذا فسد البيع فان قبضه وهلك عنده فعليه مثله إن كان من ذوات الأمثال وقيمته إن لم يكن
من ذوات الأمثال لان المقبوض بحكم الشراء الفاسد بمنزلة المغصوب أو المقبوض على سوم
الشراء في حكم الضمان ولو قال أخذته منك بمثل ما أخذ به فلان من الثمن فإن كان ذلك معلوما
عندهما وقت العقد فهو جائز والا كان العقد فاسدا فان علم ذلك قبل أن يتفرقا جاز العقد
ويتخير المشترى لان حالة المجلس كحالة العقد ولكن إنما يكشف الحال للمشترى إذا علم مقداد
ما أخذ به فلان رضاه به قبل ذلك لا يكون تاما فلهذا يتخير بين الاخذ والترك وإذا عقد
7

العقد على أنه إلى أجل كذا بكذا وبالنقد بكذا أو (قال) إلى شهر بكذا أو إلي شهرين بكذا
فهو فاسد لأنه لم يعاطه على ثمن معلوم ولنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شرطين في بيع وهذا
هو تفسير الشرطين في بيع ومطلق النهى يوجب الفساد في القعود الشرعية وهذا إذا
افترقا على هذا فإن كان يتراضيان بينهما ولم يتفرقا حتى قاطعه على ثمن معلوم وأتما العقد عليه
فهو جائز لأنهما ما افترقا الا بعد تمام شرط صحة العقد. قال (ومن اشترى شيئا فلا يجوز له أن يبيعه
قبل أن يقبضه ولا يوليه أحدا ولا يشرك فيه) لان التولية تمليك ما ملك بمثل ما ملك والاشراك
تمليك نصفه بمثل ما ملك به والكلام في بيع المبيع قبل القبض في فصول أحدها في الطعام فإنه
ليس لمشتري الطعام أن يبيعه قبل أن يقبضه لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
بيع الطعام قبل أن يقبض وكذلك ما سوى الطعام من المنقولات لا يجوز بيعه قبل القبض عندنا
(وقال) مالك رضي الله عنه يجوز لان النبي صلى الله عليه وسلم خص الطعام بالذكر عند النهى
فذلك دليل علي أن الحكم فيما عداه بخلافه والا فليس لهذا التخصيص فائدة وحجتنا ما
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع ما لم يقبض (وقال) صلى الله عليه وسلم
لغياث بن أسد حين وجهه إلى مكة قاضيا وأميرا سر إلى أهل بيت الله وانههم عن
بيع ما لم يقبضوا وكلمة ما للتعميم فيما لا يعقل ثم تخصيص الشئ بالذكر عندنا لا يدل على أن
الحكم فيما عداه بخلافه قال الله تعالى (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) وذلك لا يدل علي أنه يجوز
ذلك في غير الأشهر الحرم كيف وراوي هذا الحديث ابن عباس رضي الله عنهما (وقال) بعد
روايته وأحسب كل شئ مثله والكلام في هذه المسألة ينبنى على أصل وهو أن عند مالك
فيما سوى الطعام البيع لا يبطل بهلاك المعقود عليه قبل القبض وعندنا يبطل لفوات
القبض المستحق بالعقد كما في الطعام فلتوهم الغرر في الملك المطلق للتصرف (قلنا) لا يجوز
تصرفه قبل القبض أو لعجزه عن التسليم بحبس البائع إياه لحقه والإجارة في ذلك كله كالبيع
وأما الهبة والصدقة في المبيع قبل القبض لا يجوز عند أبي يوسف (وقال) محمد رحمه الله كل
تصرف لا يتم الا بالقبض فذلك جائز في المبيع قبل القبض إذا سلطه على قبضه فيقبضه
لان تمام العقد لا يكون الا بالقبض والمانع زائد عند ذلك بخلاف البيع والإجارة
فإنه ملزم بنفسه وقاس بهبة الدين من غير من عليه الدين فإنه يجوز إذا سلطه علي قبضه
بخلاف البيع وأبو يوسف يقول البيع أسرع نفاذا من الهبة بدليل أن الشيوع فيما يقسم
8

يمنع تمام الهبة دون البيع ثم بيع المبيع قبل القبض لا يجوز لأنه تمليك لعين مالكه في حال
قيام الغرر في ملكه فالهبة أولى لان الهبة في استدعاء الملك أقوى من البيع حتى يجوز البيع
من المأذون والمكاتب دون الهبة ثم المبيع قبل القبض ليس محل التمليك من غيره ألا ترى
أنه لا ينفذ البيع فيه وان أجازه البائع فكان هذا بمنزلة عين مملوكه أيضا كالصيد في الهواء
وذلك لا يجوز ايجاب البيع والهبة فيه فهذا مثله وأما بيع العقار قبل القبض يجوز في (قول)
أبي حنيفة وأبى يوسف الآخر رحمهما الله ولا يجوز في قوله الأول وهو قول محمد والشافعي
رحمهما الله لعموم النهى عن بيع ما لم يقبض ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن
وبيع العقار قبل القبض بأكثر مما اشترى فيه ربح ما لم يضمن والمعنى فيه أنه باع المبيع قبل القبض
فلا يجوز كما في المنقول وتأثيره أن ملك التصرف يستفاد بالقبض كما أن ملك العين يستفاد
بالعقد ثم العقار والمنقول سواء فيما يملك به العين وهو العقد فكذلك فيما يملك به التصرف
أو لان السبب وهو البيع لا يتم الا بالقبض ولهذا جعل الحادث بعد العقد قبل القبض
كالموجود وقت العقد والملك إنما يتأكد بتأكد السبب وفي هذا العقد العقار والمنقول
سواء يوضحه أن قبل القبض المبيع مضمون بغيره وهو الثمن والعقار في هذا كالمنقول حتى
إذا استحق أو تصور هلاكه فهلك سقط الثمن ولان القدرة على التسليم شرط لجواز البيع
في العقار والمنقول جميعا وذلك بيده أو بيد نائبه ويد البائع الأول ليست بنائبة عن يده فلا
تثبت قدرته على التسليم باعتبارها وأبو حنيفة وأبو يوسف يقولان بيع العقار قبل القبض
في معنى بيع المنقول بعد القبض فيجوز كما يجوز بيع المنقول بعد القبض وإنما (قلنا) ذلك لأن المطلق
للتصرف الملك دون اليد ألا ترى أنه لو باع ملكه وهو في يد مودع أو غاصب
وهو مقر له بالملك كان البيع جائزا إلا أنه إذا بقي في الملك المطلق للتصرف غرر يمكن الاحتراز
عنه فذلك يمنع جواز التصرف لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وفي المنقول قبل
القبض في الملك غرر لان بهلاكه ينتقض البيع ويبطل ملك المشتري فإذا قبضه انتفى هذا
الغرر ولا يبقى الا معنى الغرر بظهور الاستحقاق وذلك لا يمكن الاحتراز عنه وفي العقار
قبل القبض ليس في ملكه الا غرر الاستحقاق لأنه لا يتصور هلاكه وانفساخ البيع به وانتفاء
الغرر لعدم تصور سببه أصلا يكون أبلغ من انتفاء الغرر إذا تصور سببه ولم يعمل وإنما
يتصور الغرر فيه من حيث الاستحقاق وذلك لا يمكن الاحتراز عنه والدليل عليه ان
9

التصرف في الثمن قبل القبض جائز لأنه لا غرر في الملك وكذلك التصرف في المهر قبل
القبض يجوز عندنا لانعدام الغرر في الملك فان بالهلاك لا يبطل ملكها ولكن على الزوج
قيمته لها وأصحاب الشافعي يختلفون في ذلك فمنهم من يقول التسمية تبطل بهلاك الصداق
قبل القبض فعلى هذا يقولون لا يجوز التصرف لبقاء الغرر في الملك ومنهم من يقول
لا تبطل التسمية وعلى الزوج القيمة وعلى هذا يقولون يجوز التصرف في الصداق
قبل القبض فعرفنا ان الأصل ما قلنا والدليل عليه ان التصرف الذي لا يمتنع بالغرر نافذ في
المبيع قبل القبض وهو العتق والتزويج وبه يتبين فساد قولهم ان تأكد المالك بتأكد السبب
وذلك بالقبض لان العتق في استدعاء ذلك تام في المحل فوق البيع ثم يجوز في المبيع قبل
القبض وما يقولون من أنه يدخل في ضمان المشترى بالقبض قلنا شرط ثبوت الملك بالتصرف
في المحل أصل الملك دون الضمان بدليل جواز التصرف في الموهوب بعد القبض وكذلك
القدرة على التسليم كما يثبت بيد غيره إذا لم يمنعه والحديث عام دخله الخصوص لإجماعنا
على جواز التصرف في الثمن والصداق قبل القبض ومثل هذا العام يجوز تخصيصه بالقياس
فنحمله علي المنقول بدليل ما قلنا والدليل عليه ان حق الشفعة يثبت للشفيع قبل القبض والشفيع
يتملك ببدل فلو كان العقار قبل القبض لا يحتمل التملك ببدل لما ثبت للشفيع حق الاخذ
قبل القبض الا ان حق الشفيع مقدم على حق المشترى فلا يمكن أن يجعل قائما مقامه فلهذا
يبطل بأخذه ملك المشتري ويكون عهدته على البائع بخلاف المشترى الثاني يوضحه ان المبيع
في مكانه الذي يقبضه فيه يتعين فيجوز تصرفه فيه كما بعد قبضه بالتخلية وبخلاف المنقول
فإنه لا يدري في أي مكان يقبضه ما لم يقبضه ولا يدخل على شئ لما ذكرنا أن التصرف في المسلم
فيه قبل القبض لأنا بما قررنا أثبتنا الملك المطلق للتصرف دون سائر الشروط فمن الشرائط
في المبيع العينية وجواز السلم رخصة بخلاف القياس ومن الشرائط الكيل فيما اشتراه مكايلة
فلا يجوز التصرف فيه قبل أن يكيله وإن كان قبضه. قال (رجل باع عبدا آبقا فهو باطل) لنهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وعن بيع العبد الآبق ولأنه عاجز عن تسليمه والمالية في
الآبق ثاوية فهو كالمعدوم حقيقة في المنع من البيع حتى أنه وان عاد من إباقه لا يتم ذلك العقد
لأنه لم يصادف محله بمنزلة ما لو باع الطير في الهواء ثم أخذه الا رواية عن محمد فإنه يقول الملك
والمالية بعد الإباق باق حقيقة والمانع كان هو العجز عن التسليم فإذا زال صار كأن لم يكن
10

كالراهن يبيع المرهون ثم يفتكه قبل الخصومة. قال (ولو باع جارية كان قد أعتق ما في بطنها
أو باعها واستثنى ما في بطنها فهذا فاسد لا يجوز) وقد بينا هذا الفصل في كتاب الهبة. قال
(ولو باع عبدا مغصوبا فالبيع موقوف فان جحده الغاصب ولم يكن للمغصوب منه بينة
لم يجز البيع) لأنه عقد غير مقدور التسليم للعاقد ولان الملك تأوى في حقه وجواز بيعه باعتبار
الملك. قال (وان أقر به فان سلمه إليه تم البيع) لان ملكه قائم في المحل باقرار الغاصب والقدرة
على التسليم ثابتة حين سلمه الغاصب فإن لم يسلمه الغاصب حتى تلف انتقض البيع لفوات
القبض المستحق بالعقد بمنزلة ما لو كان في يد البائع فهلك قبل أن يقبضه المشتري فان (قيل)
قد وجبت القيمة على الغاصب والمبيع إذا فات وأخلف بدلا يبقى البيع كما لو قبله أجنبي قبل
القبض (قلنا) هذا إذا وجب البدل بسبب بعد البيع حتى يجعل قيام البدل كقيام الأصل
في ابقاء حكم البيع فيه وهنا القيمة تجب في الغصب السابق على البيع بدليل أنه يعتبر قيمته
وقت الغصب ولو تعينا البيع باعتباره كان هذا اثبات حكم البيع في القيمة ابتداء * وكذلك *
لو كان العبد رهنا فباعه الراهن وأبا المرتهن أن يجبره لم يجز البيع وهو موقوف لان الراهن
عاجز عن التسليم فان حق المرتهن في الحبس لازم ثم في موضع يقول بيع المرهون فاسد
وفي موضع يقول جائز والصحيح ما ذكره هنا أنه موقوف وتأويل قوله فاسد يفسده القاضي
إذا خوصم فيه وطلب المشترى التسليم إليه ومنع المرتهن ذلك فتأويل قوله جائز إذا اجتازه
المرتهن وسلمه إليه وإذا لم يجز المرتهن وفسخه ففيه روايتان ففي احدى الروايتين ينفسخ البيع
حتى لو افتكه الراهن فلا سبيل للمشتري عليه لان حق المرتهن بمنزلة الملك ومن باع ملك
الغير فان أجازه المالك تم البيع وان فسخ انفسخ فهذا مثله وفي أصح الروايتين لا ينفسخ
بفسخه حتى لو صبر المشترى حتى افتكه الراهن كان له أن يأخذه ولفظ الكتاب يدل عليه فإنه
(قال) بعد إباء المرتهن وهو موقوف وهذا لان المرتهن لاحق له في هذا العقد حتى إذا أجازه
كان المشترى متملكا على الراهن لا على المرتهن بخلاف المالك فان هناك إذا أجاز العقد كان
المشترى متملكا عليه فكانت له ولاية الفسخ وهنا للمرتهن حق دفع الضرر عن نفسه
بالحبس إلى أن يصل إليه دينه وليست له ولاية فسخ العقد إنما كان ذلك إلى القاضي إذا خوصم
وعجز البائع عن التسليم فإنه يفسخ البيع لقطع المنازعة فما لم يوجد ذلك كان البيع موقوفا. قال
(رجل باع سمكا محصورا في أجمة فالبيع باطل) وقال ابن أبي ليلى هو جائز إذا كان قد أخذه
11

ثم أرسله في الأجمة لان بارساله لا يزول ملكه وان كأن لا يتمكن من أخذه الا بالصيد
ولكنا نستدل بما روى عن ابن عمر وابن مسعود رضى الله تعالى عنهما أنهما قالا لا تبيعوا
السمك في الماء فإنه غرر ثم إن كان لم يأخذه فقد باع ما ليس بمملوك له والتمليك لا يسبق
الملك فهو كبيع الطير في الهواء وإن كان قد أخذه ثم أرسله فهو آبق في الماء فبيعه كبيع
الآبق وأنه لا يقدر على تسليمه الا باكتساب سبب يثبت ابتداء الملك به وهو الاصطياد
فكان هذا في معنى الأول. قال (وإن كان في وعاء أوجب يقدر عليه بغير صيد فبيعه جائز)
عندنا لبقاء ملكه وقدرته على التسليم من غير صيد والمشترى بالخيار إذا رآه وعند الشافعي
لا يجوز بيعه وأصله شراء ما لم يره وبيانه يأتي إن شاء الله تعالى. قال (وإن كان في بركة
يمكن أخذه من غير صيد) فإن كان أخذه ثم أرسله فيها فهو كالجب وإن لم يأخذه
ولكنه دخل مع الماء فان سد موضع دخول الماء حتى صار بحيث لا يقدر على الخروج فقد
صار آخذا له بمنزلة ما لو وقع في شبكة فيجوز بيعه وإن لم يفعل ذلك لم يجز بيعه لأنه لا يملك
السمك بدخوله في البركة ما لم يأخذه ولم يوجد منه الاخذ لا حقيقة ولا حكما. قال (وإذا
اشترى فصا على أنه ياقوت فإذا هو غير ذلك فالبيع فاسد) والأصل في هذا الجنس ان من
جمع في كلامه بين الإشارة والتسمية فإن كان المشار إليه من خلاف جنس المسمى فالبيع باطل
لان انعقاد العقد بالتسمية فان ما ينعقد على المسمى وهو معدوم وإن كان المشار إليه من جنس
المسمى فالبيع جائز لان التسمية تتناول ما وقعت الإشارة إليه فكانت الإشارة من يده مؤيدة
للتسمية فينعقد العقد بالمشار إليه وهو مال إلا أنه إن كان المشار إليه دون المسمي فللمشتري
الخيار لفوات شرطه كما لو اشترط في العبد على أنه كاتب فوجده غير كاتب إذا ثبت هذا
فنقول إن كان المشار إليه زجاجا فالبيع فاسد لانعدام المجانسة وان استهلكه المشترى فعليه
قيمته لأنه استهلك ملك الغير بغير إذنه وان سمى ياقوتا أحمر والمشار إليه أصفر فالبيع جائز
وللمشتري الخيار لفوات صفة مشروطة وكذلك لو اشترى ثوبا على أنه هروي فإذا هو
من صنف آخر فهو فاسد لان الثياب أجناس مختلفة ولو اشترى شخصا على أنه عبد فإذا هو
جارية فالبيع فاسد عندنا و (قال) زفر جائز وللمشتري الخيار لان بني آدم جنس واحد ذكورهم
وإناثهم كسائر الحيوان ولو اشترى بقرة علي أنها أنثى فإذا هي ثور كان البيع جائزا وكذلك
الإبل والبقر والغنم فكما يتفاوت المقصود هنا في بني آدم بين الذكور والإناث يتفاوت هناك يوضحه
12

انه لو اشترى عبدا على أنه تركي فإذا هو رومى أو سندي جاز البيع وبينهما تفاوت فيما هو
المقصود وهو المالية وحجتنا في ذلك أن الذكور والإناث من بني آدم في حكم جنسين لان ما هو
المقصود بأحدهما لا يحصل بالآخر فالمقصود بالجارية الاستفراش والاستيلاد وشئ من
ذلك لا يحصل بالغلام فكان التفاوت بينهما في المقصود أبلغ من التفاوت بين الحنطة
والشعير وبين الهروي والمروى من الثياب وبه فارق سائر الحيوانات لان ما هو المقصود
بالعين فيهما لا يتفاوت في الذكور والإناث وذلك اللحم أو الانتفاع من حيث الركوب أو الحمل
عليه وإنما التفاوت في صفة المقصود لا في أصله فكان جنسا واحدا كذلك ذكر
في الأصل والله أعلم
(باب البيوع إذا كان فيها شرط)
قال (إذا اشترى عبدا على أنه لا يبيعه ولا يهبه ولا يتصدق به فالبيع فاسد عندنا)
وقال ابن أبي ليلى البيع جائز والشرط باطل و (قال) ابن سيرين البيع جائز والشرط صحيح
وحكى عن عبد الوارث بن سعيد قال حججت فدخلت بمكة على أبي حنيفة وسألته عن
البيع بالشرط (فقال) باطل فخرجت من عنده ودخلت على ابن أبي ليلى وسألته عن ذلك
(فقال) البيع جائز والشرط باطل فدخلت على ابن سيرين وسألته عن ذلك (فقال) البيع جائز
والشرط جائز فقلت هؤلاء من فقهاء الكوفة وقد اختلفوا على في هذه المسألة كل الاختلاف
فعجزني أن أسأل كل واحدا منهم عن حجته فدخلت على أبي حنيفة فأعدت السؤال عليه فأعاد
جوابه فقلت ان صاحبيك يخالفانك فقال لا أدرى ما قالا حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده رضى الله تعالى عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط فدخلت على ابن أبي
ليلى فقلت له مثل ذلك فقال لا أدرى ما قال (حدثني) هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
رضى الله تعالى عنها أنها لما أرادت أن تشتري بريرة رضي الله عنها أبى مواليها الا بشرط
أن يكون الولاء لهم فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلوات الله عليه
سلامه اشترى واشترطي لهم الولاء فان الولاء لمن أعتق ثم خطب رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله كل شرط ليس في كتاب
الله فهو باطل كتاب الله أحق وشرط الله أوثق والولاء لمن أعتق فدخلت علي ابن شبرمة
13

وقلت له مثل ذلك فقال لا أدرى ما قالا (حدثني) محارب بن دثار عن أبي الزبير عن جابر بن
عبد الله الأنصاري رضى الله تعالى عنهم ان النبي صلى الله عليه وسلم اشترى منه ناقة في بعض
الغزوات وشرط له ظهرها إلى المدينة والصحيح ما استدل به أبو حنيفة فإنه حديث مشهور
ومطلق النهي يوجب فساد المنهى عنه فأما حديث هشام بن عروة فقد (قال) أبو يوسف أوهم
هشام بن عروة ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترطي لهم الولاء لان هذا أمر بالغرور
ولا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ولو صح فتأويله اشترطي الولاء عليهم واللام
تذكر بمعنى على قال الله تعالى (أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) أو معناه أعلميهم معنى الولاء
فالاشتراط في اللغة الاعلام ومنه أشراط الساعة قال القائل
فاشترط فيها نفسه وهو معصم * وألقى بأسباب له وتوكلا
أي جعل نفسه علما لذلك الامر وتأويل (حديث) جابر رضي الله تعالى عنه ان ذلك لم
يكن شرطا في البيع على أن ما جرى بينهما لم يكن بيعا حقيقة وإنما كان ذلك من حسن العشرة
والصحبة في السفر والدليل عليه قصة الحديث فان جابرا رضى الله تعالى عنه (قال) كانت لي
ناقة ثغال فقامت علي في بعض الطريق فأدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) ما بالك
يا جابر فقلت جرى أن لا يكون لي الا ناقة ثغال فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
راحلته فدعا بماء ورشه في وجه ناقتي ثم قال اركبها فركبتها فجعلت تسبق كل راحلة (الحديث)
إلا أن قال أتبيعني ناقتك بأربعمائة درهم فقلت هي لك يا رسول الله ولكن من لي بالحمل إلى
المدينة (فقال) صلى الله عليه وسلم لك ظهرها إلى المدينة فاشتراها رسول الله صلى الله عليه
وسلم بأربعمائة درهم فلما قدمت المدينة جئت بالناقة إلى باب المسجد ودخلت المسجد (فقال)
رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الناقة قلت بالباب (فقال) صلوات الله عليه جئت لطلب الثمن
فسكت فأمر بلالا رضى الله تعالى عنه فأعطاني أربع مائة درهم (فقال) صلى الله عليه وسلم
خذها مع الناقة فيما لك بارك الله لك فيهما وبهذا يتبين انه لم يكن بينهما بيع ثم الشرط في
البيع على أوجه اما أن يشترط شرطا يقتضه العقد كشرط الملك للمشترى في المبيع أو شرط
تسليم الثمن أو تسليم المبيع فالبيع جائز لان هذا بمطلق العقد يثبت فالشرط لا يزيده الا
وكادة وإن كان شرطا لا يقتضيه العقد وليس فيه عرف ظاهر فذلك جائز أيضا كما لو اشترى نعلا
وشراكا بشرط أن يحذوه البائع لان الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي ولان في النزوع عن
14

العادة الظاهرة جرحا بينا وإن كان شرطا لا يقتضيه العقد وليس فيه عرف ظاهر. قال (فإن كان
فيه منفعة لاحد المتعاقدين فالبيع فاسد) لان الشرط باطل في نفسه والمنتفع به غير راض بدونه
فتتمكن المطالبة بينهما بهذا الشرط فلهذا فسد به البيع وكذلك أن كان فيه منفعة للمعقود
عليه وذلك نحو ما بينا انه إذا اشترى عبدا علي أنه لا يبيعه فان العقد يعجبه أن لا تتناوله
الأيدي وتمام العقد بالمعقود عليه حتى لو زعم أنه حر كان البيع باطل فاشتراط منفعته كاشتراط
منفعة أحد المتعاقدين. قال (وإن لم يكن فيه منفعة لاحد فالشرط باطل والبيع صحيح) نحو ما
إذا اشترى دابة أو ثوبا بشرط أن لا يبيع لأنه لا مطالب بهذا الشرط فإنه لا منفعة فيه
لاحد وكان لغوا والبيع صحيح الا في رواية عن أبي يوسف (قال) يبطل به البيع نص عليه في
في آخر المزارعة لان في هذا الشرط ضررا على المشتري من حيث أنه يتعذر عليه التصرف
في ملكه والشرط الذي فيه ضرر كالشرط الذي فيه منفعة لاحد المتعاقدين ولكنا نقول
لا معتبر بعين الشرط بل بالمطالبة به والمطالبة تتوجه بالمنفعة في الشرط دون الضرر. قال
(وإذا اشترى عبدا على أنه يعتقه فالبيع فاسد) وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أن
البيع جائز بهذا الشرط وهو قول الشافعي لحديث بريرة رضي الله عنها فإنها جاءت إلي
عائشة رضي الله عنها تستعينها في المكاتبة (قالت) إن شئت عددتها لأهلك وأعتقك فرضيت
بذلك فاشترتها وأعتقتها وإنما اشترتها بشرط العتق وقد أجاز ذلك رسول الله صلى الله
عليه وسلم لها ولان الشراء بشرط الاعتاق متعارف بين الناس لان بيع العبد سمة متعارف
في الوصايا وغيره وتفسيره البيع بشرط العتق ولان العتق في المبيع قبض حتى إذا أعتق
المشترى المبيع قبل القبض صار قابضا والقبض من أحكام العقد فاشتراطه في العقد يلائم
العقد ولا يفسده وحجتنا في ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط ولان في
هذا الشرط منفعة للمعقود عليه والعقد لا يقتضيه فيفسد به في العقد كما لو شرط أن لا يبيع
يوضحه انه لو شرط في الجارية ان يستولدها أو في العبد ان يدبره كان العقد فاسدا فإذا كان
اشتراط حق العتق لها يفسد البيع فاشتراط حقيقة العتق أولى ودعواه أن هذا الشرط يلائم
العقد لا معنى له فان البيع موجب للملك والعتق مبطل له فكيف يكون بينهما ملائمة
ثم هذا الشرط يمنع استدامة الملك فيكون ضد ما هو المقصود بالعقد وبيع العبد لسمة
15

لا يكون بشرط العتق بل يكون ذلك وعدا من المشتري ثم البيع بعقد مطلقا وهو تأويل
حديث عائشة رضي الله عنها فإنها اشترت بريرة رضي الله عنها مطلقا ووعدت لها ان تعتقها
لترضى هي بذلك فان بيع المكاتبة لا يجوز بغير رضاها فان استهلكه المشتري فعليه قيمته لأنه
قبضه بعقد فاسد فيكون مضمونا بالقيمة عند تعذر رد العين وان أعتقه فعليه الثمن المسمى في
قول أبي حنيفة استحسانا * وفي قولهما عليه قيمته وهو القياس لأنه قبضه بعقد فاسد وقد تعذر
رده باعتاقه فيلزمه قيمته كما لو تعذر بيعه أو استهلاكه بوجه آخر يوضحه انه لو اشتراها
بشرط التدبير أو الاستيلاد كانت مضمونة عليه بالقيمة إذا تعذر ردها ثان وفي بذلك الشرط
فكذا إذا اشترى بشرط العتق اعتبار الحقيقة الحرمة بحقيقة العتق وأبو حنيفة استحسن فقال زال
المفسد قبل تقرره فيجب الثمن كما لو اشتراه بأجل مجهول ثم أسقطه قبل مضيه وبيان ذلك أن
الحكم بفساد هذا العقد كان لمخافة أن لا يفي المشترى بالعتق وليكون في الاقدام على التصرف
في ملكه مختارا غير مجبر عليه وقد زال هذا المعنى حين أقدم على اعتاقه مختارا وحقيقة
المعنى فيه أن هذا الشرط لا يلائم العقد بنفسه ولكن يلائم العقد بحكمه لان العتق ينهى
الملك فان الملك في بني آدم ثابت إلي العتق فيكون العتق مهينا له وانهاء الشئ يقرره
ولهذا لو اشترى عبدا فأعتقه ثم اطلع على عيب به رجع بنقصان العيب بخلاف ما إذا باعه
والدليل عليه ان شراء القريب اعتاق على معنى انه متمم عليه العتق وهي الملك فكان هذا
الشرط ملائما بحكمه للعقد وبصورته غير ملائم لان الانسان لا يجبر علي انهاء ملكه بالعتق
وبالشرط يجبر عليه فلا يحكم بفساد العقد علي الثبات ولكنه موقوف فان استهلكه بوجه
آخر يتقرر الفساد لوجود صورة الشرط دون الحكم وان أعقته تتقرر صفة الجواز باعتبار
الملائمة بحكم العقد وهو انهاء الملك به فيلزمه الثمن المسمى وإنما سماه استحسانا لمعنى التوقف
فيه في الابتداء ومخالفة صورته معنى بخلاف شرط الاستيلاد والتدبير فالملك به لا ينتهى
ومعنى الملائمة باعتبار انهاء الملك به فلهذا تتعين صفة الفساد هناك وفي بالشرط أو لم يف. قال
(وإذا اشتراه على أن يقرض له قرضا أو يهب له هبة أو يتصدق عليه بصدقة أو علي ان يبيعه بكذا
وكذا من الثمن فالبيع في جميع ذلك فاسد) لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف وعن
بيعتين في بيعة وكل شئ فسد فيه البيع فالمشتري إذا استهلكه فهو ضامن لقيمته بالغة ما بلغت
لأن الضمان الأصلي في البيع ضمان القيمة ولهذا كان المقبوض على سوم المبيع مضمونا بالقيمة
16

وقبض الغصب ينوب عن قبض الشراء وإنما يتحول من القيمة إلى المسمى عند صحة السبب
وتمامه فإذا فسد السبب بقي الضمان الأصلي كما إذا كان البيع بالخيار فان البيع يكون مضمونا
على المشترى بالقيمة لعدم تمام السبب. قال (ولو اشترى ثوبا على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام
فلا بيع بينهما فالبيع فاسد) في القياس وهو قول زفر * وفي الاستحسان يجوز وهو قول علماؤنا
الثلاثة رحمهم الله تعالى وجه القياس أنه شرط في البيع إقالة معلقة لخطر عدم النقد ولو شرط
إقالة مطلقة فسد به العقد فإذا شرط إقالة معلقة أولى أن يفسد به العقد وهذا الشرط ليس في
معنى شرط الخيار لان هناك لو سكت حتى مضت المدة تم البيع وهنا لو سكت حتى مضت
المدة بطل البيع وجواز البيع مع شرط الخيار ثابت بالنص بخلاف القياس فلا يلحق
به ما ليس في معناه ولكن تركنا هذا القياس لحديث بن عمر رضي الله تعالى عنهما فإنه باشر
البيع بهذا الشرط وقول الواحد من فقهاء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم مقدم على القياس
عندنا لان قوله بخلاف القياس كروايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يظن به
أنه قال جزافا والقياس لا يوافق قوله فعرفنا أنه قال سماعا ثم هذا الشرط من حيث المقصود
كشرط الخيار لأنه إنما يشترط الخيار ليتروى النظر فيه ويكون مخيرا في الأيام الثلاثة بين
فسخ العقد وتمامه بهذا الشرط لا يحصل الا هذا المقصود والشرع إنما جوز شرط الخيار
لهذا المقصود حتى قال (لحيان بن منقد إذا بايعت فقل لا خلابة ولى الخيار ثلاثة أيام. قال (فان
اشتراه علي انه لم ينقده إلى أربعة أيام فلا بيع بينهما) فهذا العقد فاسد عند أبي حنيفة كقوله
في شرط الخيار فان عنده شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام يفسد العقد وعند محمد العقد
جائز بمنزلة شرط الخيار عنده فإنه يجوز شرط الخيار مدة معلومة طالت المدة أو قصرت
ولم يذكر في الكتاب قول أبى يوسف وفي بعض نسخ المأذون ذكر قول أبي يوسف كقول
أبي حنيفة رحمهما الله تعالى وذكر ابن سماعة في نوادره أن هذا قوله الأول فأما قوله الأخير
كقول محمد لان هذا في معنى شرط الخيار وقوله كقول محمد في جواز اشتراط الخيار أربعة
أيام فكذلك في هذا الشرط وجه قوله الذي ذكره في المأذون أن القياس ما قاله زفر فان
هذا الشرط من حيث الحكم ليس نظير شرط الخيار ولكن تركنا القياس في ثلاثة أيام
لقول ابن عمر رضى الله تعالى عنهما ففيما زاد علي ذلك نأخذ بالقياس وهذا لان الغرر يزداد
بطول المدة وقد يجوز أن يحمل العقد لليسير من الغرر دون الكثير منه ألا ترى أنا نجوز
17

شراء أحد الثياب الثلاثة على أنه بالخيار فيها ثم لا يجوز ذلك في الأربعة لما ذكرنا. قال (وكل
فاسد رده المشتري على البائع بهبة أو صدقة أو بيع فهو متاركة للبيع ويبرأ المشتري من ضمانه)
لان الرد بسبب فساد البيع مستحق في هذا المحل بعينه شرعا فعلى أي وجه أتى به يقع من
الوجه المستحق كرد المغصوب والودائع وهذا لأنه ممنوع من تمليكه من البائع بسبب مبتدأ مأمور
برده لفساد البيع ولا معاوضة بين المنهى عنه ويكره المأمور به فيترك جانب المأمور به في
رده عليه. قال (وان اشترى شيئا وشرط على البائع أن يحمله إلى منزله أو يطحن الحنطة أو
يخيط الثوب فهو فاسد) لان فيه منفعة لاحد المتعاقدين والعقد لا يقتضيه لأنه إن كان بعض
البدل بمقابلة العمل المشروط عليه فهو إجارة مشروطة في العقد وإن لم يكن بمقابلته شئ من
البدل فهو إعارة مشروطة في البيع وهو مفسد للعقد وكذلك لو اشترى دارا علي أن يسكنها
البائع شهرا فهذا إعارة مشروطة في البيع وهو مفسد للعقد أو هذا شرط أجل في العين
والعين لا تقبل الاجل. قال (ولو اشترى شيئا على أن يرهنه بالثمن رهنا أو على أن يعطيه كفيلا
بنفسه أو بالثمن فهذا العقد فاسد) والكلام في هذين الفصلين ينقسم على أربعة أقسام أما في شرط
الكفيل سواء سمى الكفيل أو لم يسميه فالعقد فاسد إذا كان الكفيل غائبا عن مجلس العقد
لأنه لا يدري أيكفل أم لا فيفسد العقد لمعنى الغرر ولأن جواز هذا العقد يتعلق بقبول
الكفيل الكفالة فمتى شرط قبوله إذا كان غائبا عن مجلس العقد لم يجز العقد وان قبله بعد
المجلس كالمشتري فإن كان الكفيل حاضرا أو حضر وقبل قبل أن يتفرقا جاز البيع استحسانا
وفي القياس لا يجوز وهو قول زفر لان الكفالة عقد آخر ليس من حقوق العقد في شئ
واشتراط هذا عقد آخر في عقد البيع مفسد للعقد إذا كان فيه منفعة لاحد المتعاقدين وجه
الاستحسان أن المقصود بالكفالة التوثق بالثمن في معنى اشتراط زيادة وصف الجودة في الثمن
ولو اشترط في البيع ثمنا جيدا كان البيع جائزا ثم تمام هذا العقد بقبول الكفيل فإنه بقبوله
ينتفى معنى الغرر فإذا وجد ذلك في المجلس كان هذا بمنزلة انتفاء الغرر عند العقد وشرط الحوالة
في هذا كشرط الكفالة لأنه لا ينافي وجود أصل الثمن في ذمة المشتري فان الحوالة تحويل
ولا يكون ذلك الا بعد وجود الثمن في ذمة المشتري بخلاف ما لو شرط وجوب الثمن ابتداء
على غير المشتري بالعقد فان ذلك ينافي وجوب العقد فكان مفسدا للعقد. قال (وان شرط
أن يرهنه بالثمن رهنا فإن كان الرهن مجهولا فالعقد فاسد) لان قبول العقد في الرهن لابد
18

منه عند هذا الشرط وما يشترط قبول العقد فيه لابد أن يكون معلوما ولكن لو أوفاه
الثمن صح العقد لان المفسد قد زال قبل تقريره لان شرط الرهن للاستيفاء وقد استوفاه
حقيقة وان شرط أن يرهنه هذا المبتاع بعينه ففي القياس العقد فاسد لما بينا انه شرط عقد في
عقد وفي الاستحسان يجوز هذا العقد لان المقصود بالرهن الاستيفاء، فان موجبه ثبوت يد
الاستيفاء وشرط استيفاء الثمن ملائم للعقد ثم الرهن بالثمن للتوثق بالثمن فاشتراط ما يتوثق به
كالاشتراط صفة الجودة في الثمن وكذلك أن سمى مكيلا أو موزونا موصوفا بغير عينه
وجعله رهنا بالثمن لان قبول ذلك في البيع قبول صحيح ألا ترى أنه يصلح أن يكون ثمنا
فكذلك يصلح اشتراطه رهنا بالثمن فان أبى المشترى أن يرهنه ما سمى لم يجبر عليه لان تمام الرهن
بالقبض ولم يوجد القبض وعلى قول ابن أبي ليلى يجبر عليه لأنه ثبت في ضمن عقد لازم فيصير
الوفاء به مستحقا كالعدل في الرهن إذا سلطه على البيع كان مجبرا عليه ولا يملك الراهن
عزله بخلاف التوكيل بالبيع مقصودا ولكنا نقول عقد الرهن ليس من حقوق البيع فلا بد في
اتمامه من اتحاد شرط العقد واتمامه بالقبض فما لم يوجد لا يلزم حكم الرهن ألا ترى أن يد
الاستيفاء لا تثبت له الا بالقبض فكذا اشتراطه في العقد لا يلزم الا بالقبض ولكن ان أبا
المشترى أن يرهنه فللبائع أن يفسخ العقد لان رضاه بالبيع كان بهذا الشرط فبدونه لا يكون
راضيا وإذا لم يتم رضاه كان له أن يفسخ. قال (وان باع شيئا من الحيوان واستثنى ما في بطنه
فالبيع فاسد) لان ما في البطن لا يجوز ايجاب البيع فيه مقصودا فلا يجوز استثناؤه مقصودا كاليد
والرجل وهذا لان الجنين ما دام متصلا بالأم فهو في حكم الاجزاء ألا تري أنها تقطع بالمقراض
عنها واجزاء الحيوان لا تقبل العقد مقصودا ولا يكون مقصودا بالاستثناء وهذا لان الجنين
في البطن مجهول ولا يدري أذكر هو أم أنثى واحدا أو مثنى فإذا كان المستثنى مجهولا فالمستثنى
منه يصير مجهولا أيضا وجهالة المعقود عليه تمنع جواز العقد وكذلك أن وقع العقد على عدل
بر أو أغنام أو نخيل واشترط أن يرد المشتري أحد العينين أو يأخذ البائع إحداهن بغير عينها
فالبيع فاسد لان المستثنى مجهول وبه يصير المستثنى منه مجهولا أيضا وهذه جهالة تفضى إلى المنازعة
لأنها متفاوتة في المالية فيفسد البيع. قال وان اشترى شاة على أنها حامل فالعقد فاسد) لان
الحبل في البهائم وهي زيادة مجهولة. فإنه لا يدري ان انتفاخ بطنها من ريح أو ولد وان الولد
حي أو ميت ذكرا أم أثنى واحدا أو مثنى والمجهول إذا ضم إلى معلوم يصير الكل مجهولا
19

وكذلك أن شرط أنها تحلب كذا فالبيع فاسد لأنه لا يدري لعل الشرط باطل يعنى ان
اشتراط مقدار من البيع ليس في وسع البائع ايجاده ولا طريق إلى معرفته فكان شرطا
باطلا فيفسد به العقد. قال (وان شرط أنها حلوب أو لبون لم يذكر هذا الفصل في الأصل)
وقد ذكر الكرخي أن هذا ما لو شرط أنها تحلب كذا وكذا سواء لان اللبن زيادة مال
منفصل ولا يكون لبونا حلوبا الا به وتلك الزيادة مجهولة على ما مر فصار كما لو اشترى
على أنها حامل وذكر الطحاوي أن هذا شرط وصف مرغوب فيه فلا يفسد العقد به كما لو
شرط في العبد أنه كاتب أو خبار ولان هذا يذكر علي سبيل بيان الوصف لا على سبيل
الشرط لان هذا وصف مرغوب فيه كما إذا اشترى فرسا على أنها هملاج أو اشترى كلبا على أنه
صائد فإنه يجوز كذا هنا وهكذا روي الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى في
الحلوب بخلاف ما إذا اشترط أنها تحلب كذا لان الفساد باشتراط مقدار لبن في الضرع
لا طريق إلى معرفته. قال (وكذلك أن اشترى سمسما أو زيتونا على أن فيهما من الدهن كذا
أو اشترى حنطة بشرط أن يطحن منها كذا مختوم دقيق فهذا شرط باطل) لا طريق للبائع
إلى معرفته ولا يقدر على الوفاء به فيكون مفسدا للعقد. قال (ولو باع جارية وتبرأ من الحبل
وكان بها حبل أو لم يكن فالبيع جائز) لان الحبل في بنات آدم ألا ترى أن للمشترى حق الرد
به فإنما تبرأ البائع من العيب وذلك غير مفسد للعقد. قال وليست البراءة في هذا كالبهائم
قيل معناه كالشرط في البهائم فان الحبل في البهائم زيادة فذكره في العقد شرط زيادة مجهولة)
وفي الآدمية عيب فذكره يكون تبريا من العيب ولا يكون شرط زيادة مجهولة وقيل معناه
إذا ذكر الحبل في الجارية على وجه التبري عرفنا ان مراده العيب فلا يفسد به العقد وإذا ذكره
علي وجه الشرط عرفنا ان مراده شرط زيادة مجهولة فيفسد به العقد وقد ذكر هشام عن
محمد رحمهما الله أنه إذا اشترى جارية على أنها حامل فالبيع جائز إلا أن يظهر المشترى أنه
يريدها للطؤرة فيحنئذ يفسد به العقد لعلمنا أنه قصد الحبل بالشرط وهو مجهول وعلى هذا
يحكى عن الهندواني أنه كأن يقول أن شرط الحبل إذ وجد من البائع لم يفسد به العقد وأن
شرطه المشتري يفسد لان البائع إنما يذكر الحبل على وجه بيان العيب عادة والمشترى يذكر
علي وجه اشتراط الزيادة. قال (رجل اشتري جارية بجاريتين إلى أجل فالعقد فاسد) لان
الحيوان لا يثبت دينا في الذمة بدلا عما هو مال ولان الجنس بانفراده يحرم النساء فان قبض
20

الجارية فذهبت عينها عنده من عمله أو من غير عمله فللبائع أن يأخذها ويضمنه نصف قيمتها
لأن العين من الآدمي نصفه وفوات النصف في ضمان المشتري كفوات الكل ولو هلكت
كان عليه ضمان قيمتها سواء هلكت بفعله أو بغير فعله فكذلك إذا ذهب نصفها وهذا لأنها
صارت مضمونة بالقبض والأوصاف تضمن بالقبض ألا ترى أنها تضمن بالغصب فان الجارية
المغصوبة إذا ذهبت عينها عند الغاصب أخذها المغصوب منه مع نصف قيمتها ولو فقأ عينها غيره
فان البائع يأخذها لان فسخ العقد فيها مستحق شرعا فما دامت قائمة كان على البائع أن يأخذها
ثم يتخير في نصف قيمتها فإن شاء ضمن ذلك الفاقئ وان شاء ضمن المشتري لان بالأخذ ينفسخ
العقد فيها ويعود إلى قديم ملك البائع فجناية الفاقئ كانت على ملكه فله أن يضمنه نصف قيمتها
وان شاء ضمن المشتري ذلك لأنها كانت مضمونة عليه بالقبض بجميع أجزائها فكانت كالمغصوبة
في هذا الحكم فان ضمن المشتري يرجع المشتري بذلك على الفاقئ لان ملكه تقرر في
ذلك الجزء حين ضمن بدله وهو كالغاصب في ذلك وان ضمن الفاقئ لم يرجع على المشترى
بشئ لأنه ضمن بجنايته فأما إذا قتلها في يد المشتري قاتل فللبائع أن يضمن المشتري قيمتها
ولا سبيل له على القاتل بخلاف المغصوبة فان المغصوبة إذا قتلها انسان في يد الغاصب يتخير
المغصوب منه ان شاء ضمن الغاصب قيمتها وان شاء ضمن القاتل بخلاف المشتراة شراء فاسدا
في يد المشترى لان المغصوبة على ملك المغصوب منه فالقاتل من القاتل جناية على ملكه فيتخير
في التضمين ان شاء ضمن الغاصب بالغصب أو القاتل بالقتل وهنا قد صارت الجارية مملوكة
للمشتري بالقبض وبالقتل يتعذر فسخ البيع فيها ولا يعود إلى ملك البائع فلهذا تعين حق
البائع في تضمين المشترى وليس له أن يضمن القاتل وفي فقئ العين ما تعذر فسخ العقد فيها
وإذا انفسخ العقد فيها بالرد كانت جناية الفاقئ علي ملك البائع فلذلك يتخير البائع ان شاء
ضمن القاتل بالقتل وان شاء ضمن المشتري بالقبض كما في الغصب ثم إذا ضمن البائع
المشترى قيمتها في القتل كان للمشترى أن يضمن القاتل قيمتها لأنه أتلف ملكه فيها بالجناية
فكان له أن يضمنه قيمتها. قال (فلو كانت الجارية كما هي غير أنها ولدت ولدين فمات أحدهما
أخذ البائع الجارية والولد الباقي) لأنها في يده كالمغصوبة مستحقة الرد بزوائدها المتصلة
والمنفصلة وهذا لان الولد متولد من العين ووجوب لرد كان حكما متقررا فيها فيسرى إلى
الولد ولان ملك الأصل يسرى إلى الولد والثابت للمشتري في الأصل كان ملكا مستحق
21

الإزالة بالرد على البائع فثبت مثله في الولد وليس له أن يضمنه قيمة الميت بمنزلة ولد المغصوب
إذا مات في يد الغاصب من غير صنعه لم يضمن لانعدام الصنع منه فهذا مثله قال (فإن كانت
الولادة قد نقصتها وفي الولد الثاني وفاء بجميع ذلك النقصان فلا شئ على المشترى) لرده ما ينجبر
به النقصان فان نقصان الولادة ينجبر بالولد عندنا وقد بينا ذلك في المغصوبة وكذلك في المشتراة
شراء فاسدا والولد الميت صار كأن لم يكن فكأنها ولدت ولدا واحدا. قال (وإن لم يكن في الولد
الباقي وفاء النقصان فعلي المشتري تمام ذلك) لان انجبار النقصان بالولد لصفة المالية وإنما ينجبر
بقدر مالية الولد وما زاد على ذلك ليس بإزائه ما يجبره فعلى المشترى ضمان ذلك. قال (وإن كان
الميت مات من فعل المشترى أو منعه بعد طلب البائع حتى مات صار المشتري ضامنا بقيمته
يردها مع الأم) لان الولد إنما لم يكن مضمونا عليه لانعدام الصنع الموجب للضمان فيه وقد
وجد ذلك بالاتلاف أو المنع بعد الطلب ثم رد قيمة الولد كرد عينه حتى إذا كان فيها وفي مالية
الحي وفاء بالنقصان فلا شئ على المشترى وإن لم يكن فيها وفاء بنقصان الولادة فعلى المشترى
تمام ذلك لان الانجبار بقدر المالية على ما مر. قال (ولو كانت الأم هي الميتة والولدان حيان
أخذ البائع الولدين وقيمة الأم يوم قبضه المشترى) وهكذا القول في كل بيع فاسد لان حق
الاسترداد ثابت للبائع في الولدين فلا يسقط ذلك بهلاك الأم كالمغصوبة إذا ولدت ثم ماتت
كذلك هنا وإن كان ضامنا قيمتها للبائع حين قبضها لأنها دخلت في ضمانه بالقبض وتعذر ردها
فيجب ضمان قيمتها والولد تبع فلا يقوم مقام الأصل في حق الرد حتى لا يسقط برد الولدين
ضمان قيمة الأم وإن كان في ماليتهما وفاء بذلك بخلاف نقصان الولادة فالفائت هناك وصف
هو بيع ثم الخلافة هناك باتحاد السبب فان سبب النقصان والزيادة واحدة وهذا لا يوجد
هنا فان موت الأم لم يكن بالولادة ولو كان بالولادة فالولادة من حيث أنها موت لا توجب
الزيادة ولدا ولذا لا ينجبر قدر النقصان بالولدين بعد موت الأم حتى يضمن كمال قيمتها لان هنا
لا يحتاج إلى جبر النقصان بعد موت الأم لان الملك يثبت للمشترى بعد القبض على ما ذكرنا
وتقرر القيمة عليه من حين قبضها فإذا مات تبين أن ذلك النقصان حاصل في ملك المشتري
فلا تقع الحاجة إلى جبر هذا النقصان بالولد بخلاف ما إذا بقيت الأم لأنه أمكن فسخ العقد فيها
بالرد فان ردها عادت إلى قديم ملك البائع فتبين أن النقصان حصل فوقعت الحاجة إلى انجبار
النقصان بخلف قائم مقامه وهو الولد فلهذا افترقا. قال (والبيع الفاسد ينعقد موجبا للملك إذا
22

اتصل به القبض عندنا وعند الشافعي لا ينعقد للملك وفي الحقيقة هذه المسألة تنبنى على
مسألة من أصول الفقه وهو أن النهى عن العقود الشرعية لا يخرجها من أن تكون
مشروعة عندنا فان ذلك موجب النسخ والنهى عن النسخ وعندنا يخرجها من أن تكون
مشروعة بمقتضى النهى فان صفة القبح من ضرورة النهى كما أن صفة الجنس من ضرورة
الامر والمشروع ما يكون مرضيا والقبيح مالا يكون مرضيا فينعدم أصل العقد لضرورة
النهى ومقتضاه ولكنا نقول موجب النهى الانتهاء على وجه يكون المنتهى مختارا فيه كما
أن موجب الامر الائتمار على وجه يكون المؤتمر مختارا فيه فان استحقاق الثواب والعقاب
ينبنى على ذلك وذلك لا يكون الا بعد تقرر المشروع مشروعا باعتبار هذا الأصل ثم يخرج
المقتضى عليه بحسب الامكان أولى من اعلام المقضي بالمقتضى وهذه في أصول الفقه فأما
التخريج هنا على الأصل المتفق عليه وهو أن النهى متى كان لمعنى في غير المنهى عنه فإنه لا
يعدم المشروع كالنهي عن البيع وقت النداء وإن كان المنهى عنه بعدمه كالنهي عن بيع المضانين
والملاقيح والشافعي يقول في البيوع الفاسدة النهى لمعنى في غير المنهى عنه ولهذا أفسد
البيع ويتضح هذا في البيع بالخمر فالبيع مبادلة مال متقوم بمال متقوم والخمر ليس بمال متقوم
حتى لا يملك بالعقد وان قبض فلا ينعقد موجبا حكمه فعرفنا انه غير منعقد في حق حكمه وهو
الملك والدليل عليه ان البيع موجب للملك بنفسه ثم الفاسد منه لا يكون موجبا الملك بنفسه
فعرفنا انه ليس ينعقد في حكم الملك وثبوت الضمان بالقبض ليس من حكم انعقاد العقد
بالمقبوض على سوم الشراء مضمون بالقيمة ولا عقد وإن كان منعقدا بصفة الفساد لما منعت
ثبت الملك بالبيع قبل القبض فكذلك بعده لان الفساد قائم بعده ولان بالقبض يزداد
الفساد والحرمة وكل ما يمنع ثبوت الملك بالبيع قبل القبض يمنع بعد القبض كخيار الشرط
وهذا في معناه لان مع خيار الشرط لا يتم الرضا من البائع ومع الفساد كذلك فإنه لو صار
مملوكا إنما يصير مملوكا بالقيمة والبائع لم يرض بهذا ولهذا ثبت خيار الفسخ لكل واحد منهما ولان
هذا عقد معاوضة فالفاسد منه لا ينعقد موجبا للملك كالنكاح وهذا لان الملك مشروع
محبوب فيستدعى سببا مرضيا شرعيا بخلاف الكتابة الفاسدة حيث انعقد العقد مع صفة
الفساد ففيها معنى المعاوضة واليمين لأنه تعليق العتق بشرط الأداء والحرمة لا تمنع صحة
التعليق لو كما (قال) ان زنيت فأنت حرة فإنما ينزل العتق هناك لمعنى التعليق دون المعاوضة
23

وحجتنا في ذلك من حيث التخريج على الأصل المجمع عليه أن يقول هذا النهى لمعنى في غير
المنهي عنه لان البيع ينعقد بالايجاب والقبول في محل قابل له ولا يختل شئ من ذلك بالشرط
الفاسد وانعقاد العقد يوجب ركنه من أهله والنهى كان للشرط وهو وراء ما يتم العقد به
وكذلك النهى عن الربا للفضل الخالي عن المقابلة وهو وراء ما يتم به العقد فلا ينعقد فيه أصل
العقد والعقد لا ينعقد شرعا الا موجبا حكمه لان الأسباب الشرعية تطلب لاحكامها فإذ
كانت خالية عن الحكم تكون لغوا ولكن الحكم متصل بها تارة ويتأخر أخرى كالهبة فإنها
عقد تمليك ثم الملك بها يتأخر إلى القبض (قوله) بان البيع يفسد به (قلنا) لان النهى اتصل
بوصفه لان الخيار والأجل لو كان جائزا كان عمله في تغيير وصف العقد لا في تغيير أصله
فكذلك إذا كان فاسدا يكون عمله في تغيير وصف العقد حتى يصير العقد فاسدا وليس
من ضرورة انعدام الوصف انعدام الأصل بل من ضرورته انعقاد الأصل فالصفة لا تكون
بدون الموصوف وهكذا نقول في النكاح فإنه ينعقد مع الفساد ولهذا يتعلق به وجوب المهر
والعدة والنسب عند الدخول الا انه لا يثبت الملك به لان الحكم يثبت بحسب النسب فالعقد
الفاسد إنما يثبت ملكا حراما وليس في النكاح الا ملك الحل وبين الحل والحرمة منافاة
فكان من ضرورة الفساد هناك انتفاء الملك وهنا بالبيع الفاسد إنما يثبت ملك حرام ولهذا
لو كانت جارية لا يحل له وطؤها وليس من ضرورة ثبوت الحرمة انتفاء ملك اليمين كالعصير
يتخمر يبقي مملوكا وإن كان حراما وكشراء الرجل أخته من الرضاع فيملكها وان كانت حراما
عليه فأثبتنا الملك لهذا ولكن العقد بصفة الفساد يضعف فيتأخر الحكم إلى انضمام ما يقوم إليه
وهو القبض كعقد التبرع ولأنه لو ثبت الملك قبل القبض يثبت بغير عوض فان المسمى لا يجب
للفساد والضمان لا يجب الا بالقبض فلهذا تأخر الملك إلى ما بعد القبض وهكذا نقول في البيع
بشرط الخيار فإنه انعقد مفيدا لحكمه ولكنه تأخر ثبوت الحكم إلى سقوط الخيار على أن
ذلك في معنى المعلق بالشرط لأنه يقول علي أنى بالخيار والمتعلق بالشرط مقدم قبل الشرط
ألا ترى أنه تعذر أعمال التعليق في أصل السبب فيجعل عاملا في الحكم وليس من ضرورة
الفساد انعدام العقد شرعا كالاحرام يفسد بالجماع ويبقى أصله والطلاق في حالة الحيض حرام
شرعا ويكون مفيدا بحكمه والظهار حرام شرعا ثم ينعقد موجبا حكمه والدليل عليه أن المقبوض
يصير مضمونا والضمان إنما يجب بطريق الجبران أو بالعقد وهنا وجوب الضمان ليس بطريق
24

الجبر لأنه يقبضه بإذن المالك فعرفنا أن وجوب الضمان بالعقد وهكذا نقول في المقبوض على
سوم البيع انه مضمون بالعقد ولكن على وجه وهو أن يجعل الموعود من العقد كالمتحقق
وليس بينهما عقد موجود هنا فعرفنا أن الضمان باعتبار العقد المتحقق وإذا ثبت هذا في البيع
مع الشرط الفاسد فكذلك في الربى لان الفساد يكون لمعنى في وصف العقد فان بالفضل يصير
البيع رابحا وكذلك في البيع بالخمر فان ركن العقد المالية في البدلين وبتخمر العصير لا تنعدم
المالية وإنما ينعدم التقوم شرعا فان المالية تكون بكون العين منتفعا بها وقد أثبت الله تعالى
ذلك في الخمر بقوله تعالى (ومنافع للناس) ولأنه كان مالا متقوما قبل التحريم وإنما ثبت
بالنص حرمة التناول ونجاسة العين وليس من ضرورته انعدام المالية كالسرقين إلا أنه
فسد تقدمه شرعا لضرورة وجوب الاجتناب عنه بالنص ولهذا يكون مالا في حق أهل
الذمة فانعقد العقد بوجود ركنه في محله بصفة الفساد ولكن الخمر لا يملك بالقبض لأنه غير
متقوم شرعا فيملك بأدائه لانعقاد العقد موجبا الملك فيه بخلاف البيع بالميتة والدم فذلك ليس
بمال في حق أحد فلانعدام ركن العقد في محله لا ينعقد العقد. قال (ولو كان المشترى أعتق
الجارية التي اشتراها بعقد فاسد بعد قبضه إياها أو باعها أو أمهرها أو وهبها وسلمها أو دبرها
أو كاتبها أو استولدها جاز جميع ذلك) لأنه تصرف في ملكه وهذا التعليل نص عليه محمد في
كتاب الشهادات في نظير هذا قال) لأنه مالك رقبتها وهنا (قال) لان البائع سلطه عليها
وهو إشارة إلى ما قلنا لان التمليك تسليط على التصرف فصار كما لو سلطه على الاعتاق نصا
بأن (قال) أعتقتها ألا ترى أنه ذكر في كتاب الاستحسان إذا اشترى طعاما حل له أن
يتناول من ذلك الطعام لان البائع سلطه على ذلك فلما كان في العقد الجائز يعتبر التسليط في
حق تناول الطعام فكذا في حق الفاسد ولهذا قلنا أنه لا يحل له أن يطأها لان الوطئ مما
لا يستباح بصريح التسليط فكذلك لا يستباح به دلالة ويعود التصرف باعتبار أصل الملك
دون صفة الحل وقد ثبت أصل الملك فيثبت التسليط على التصرف ثم قد تعذر رد عينها فيلزمه
رد قيمتها وإنما تعذر الرد باعتبار هذه التصرفات نحو البيع والهبة وما أشبه ذلك لان المشترى
شرا فاسدا لما باع من غيره وسلمه إليه تعلق بهذا العين حق المشترى الثاني وحق الله تعالى
من حيث فسخ العقد بالرد على البائع الأول وحق الله تعالى مع حق العبد إذا اجتمعا تقدم
حق العبد لا تهاونا بحق الله تعالى ولكن الله تعالى أغنى والعفو منه أرجى بخلاف المشترى من
25

الغاصب لأنه تعلق به حق المشترى وحق المغصوب منه وكل واحد من الحقين حق العبد
فترجح حق المغصوب منه لأنه أسبق. قال (وليس عليه في الوطئ مهر وفي كتاب السرب
يقول وعليه العقر قبل تأويل المسألة إذا لم يستولدها بالوطئ حتى ردها على البائع فان بردها
ينفسخ الملك من الأصل فتبين أن الوطئ صادق ملك الغير فيلزمه العقر بالوطئ وهنا قال
استولدها وبالاستيلاد يتقرر ملكه فإنما وطئها وهي مملوكة له فلا يلزمه العقد بذلك وقيل ما
ذكر هنا قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وما ذكر هناك قول محمد وأصله فيما ذكر
هشام أنها لو زادت في يد المشترى في بدنها ثم أعتقها فعليه ضمان قيمتها وقت القبض عند أبي
حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وعند محمد وقت العتق فلما كان محمد ثبت حق البائع في
الزيادة ويجعلها مضمونة على المشترى بالاتلاف فكذلك المستوفى بالزيادة في حكم زيادة هي
ثمرة ومن أصلها أن الزيادة تكون في يد مضمونة على المشترى بالاتلاف فكذلك المستوفى
بالوطئ فلهذا لا مهر عليه. (قال) وان رهنها فعليه قيمتها لان عقد الرهن إذا اتصل به القبض
يكون لازما في حق الراهن فيثبت به عجزه عن رد العين فلهذا لزمته قيمتها وان افتكها قبل أن
يضمنه القاضي قيمتها ردها عليه لان المانع قد زال قبل تحول حق البائع إلى القيمة وكذلك
ان عجزت عن الكتابة لان المانع حق المكاتب وقد سقط قبل أن يتحول الحق إلى القيمة
فان التحول إنما يكون بقضاء القاضي فكذلك أن رجع في الهبة بقضاء أو بغير قضاء ردها
على البائع لأنه يعود إليه قديم ملكه في الوجهين فكذلك أن رد عليه بعيب قبل أن يقضى القاضي
عليه بالقيمة فان ذلك كله يمنع قضاء القاضي بالقيمة فإن كان ذلك كله بعد قضاء القاضي بالقيمة
فقد تم تحول الحق إلى القيمة فلا يعود في العين بعد ذلك كما لو أبق المغصوب فقضى القاضي
بقيمته على الغاصب ثم عاد. قال (ولو كان أجرها فله أن ينقص الإجارة ويردها) لان
الإجارة تنفسخ بالأعذار وقيام حق الشرع في الرد لفساد السبب منه أقوى الاعذار فتنفسخ
الإجارة ألا نرى أن المشترى لو أجر المبيع ثم وجد به عيبا كان له أن ينقص الإجارة ليرده
فهذا أولى. قال (وان اشترى الرجل شيئا إلى الحصاد أو إلى الدياس أو إلى العطاء أو إلى
جذاذ النخل أو رجوع الحاج فهذا كله باطل) بلغنا نحو ذلك عن ابن عباس رضى الله تعالى
عنهما وقول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما في البيع إلى العطاء فان عائشة رضى الله تعالى
عنها كانت تجيز البيع إلى العطاء وابن عباس رضى الله تعالى عنهما كان يفسد ذلك وابن
26

أبى ليلى رحمه الله أخذ بقول عائشة رضي الله تعالى عنها (وقال) البيع جائز والمال حال لأن العقد
لما لم يكن صالحا للأجل الذي ذكره لغي ذكره فأما عائشة كانت تقول وقت خروج
العطاء معلوم بالعرف لا يتأخر الخروج عنه الا نادرا فكان هذا بيعا بأجل معلوم ولكنا
أخذنا بقول ابن عباس رضي الله عنهما لان العطاء فعل العباد قد يتقدم وقد يتأخر بحسب
ما يبدوا لهم والآجال بالأوقات دون الأفعال قال الله تعالى (قل هي مواقيت للناس والحج)
ثم الشرط في البيوع ببدل مؤجل اعلام الاجل كما قال صلى الله عليه وسلم في السلم إلى أجل
معلوم واعلام الاجل يكون بما لا يتقدم ولا يتأخر من الأيام والشهود فأما ما يتقدم ويتأخر
من أفعال العباد يكون مجهولا وكذلك الحصاد فإنه من أفعالنا وقد يتقدم أو أنه قد يتعجل
الحر وقد يتأخر إذا أبطأ البرد والدياس وجذاذ النخل كذلك ورجوع الحاج فعله قد يتقدم
وقد يتأخر. قال (فان أبطل المشترى الاجل الفاسد ونقد الثمن في المجلس أو بعد الافتراق
عن المجلس جاز البيع) عندنا استحسانا و. قال (زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لا يجوز البيع لأنه
انعقد فاسدا وتصحيح العقد الفاسد في استقباله كالنكاح بغير شهود لا ينقلب صحيحا بالاشهاد
والنكاح إلى أجل لا ينقلب صحيحا باسقاط الاجل ودليل فساد العقد أن المبيع مضمون على
المشترى بالقيمة لو هلك في يده وأن كل واحد منهما يتمكن من فسخ العقد بغير رضاء صاحبه
وان للبائع أن يسترده بزوائده المتصلة والمنفصلة ولكنا نقول المانع من صحة البيع زال قبل
تقرره فيصح البيع كما لو باع فصا في خاتم أو جذعا في سقف ثم نزعه وسلمه إلى المشترى
البيع كان صحيحا وتحقيق هذا الكلام ان نفس الاجل غير مفسد للبيع وإنما المفسد جهالة وقت
الحصاد وذلك غير موجود في الحال فالشتاء ليس زمان الحصاد بيقين ولكنه وصل ذلك الزمان
بما قبله في الذكر ولأجله فسد العقد وهذا اتصال يعرض للفصل فإذا أسقطه مجئ أوان الحصاد
فقد تحقق الانفصال فبقي العقد صحيحا كما في الجذع فإنه عين مال متقوم ولكن لاتصاله بالسقف
وللضرر في نزعه كأن لا يصح البيع فإذا نزعه زال ذلك المعنى كذا هذا حتى لو جاءه زمان
الحصاد وتحقق الاتصال على وجه لا يمكن فصله بتقرر الفساد وهذا بخلاف النكاح بغير
شهود لان المفسد هناك انعدام شرط الجواز ولا يزول ذلك بالاشهاد بعد العقد والنكاح إلى
أجل متعة والمتعة عقد آخر سوي النكاح وهذا بخلاف البيع إلى هبوب الريح وأمطار السماء لان
ذلك ليس بأجل فالاجل ما يكون منتظر الوجود وهبوب الريح وأمطار السماء قد يتصل بكلامه
27

فعرفنا انه ليس بأجل بل هو شرط فاسد ولأجله فسد العقد وهذا بخلاف ما إذا باع بألف
ورطل من خمر فان ذلك العقد ينقلب صحيحا عندنا إذا اتفقا على اسقاط الخمر نص عليه في
آخر الصرف إلا أن هناك لا ينفرد به البائع لأنه تصرف في البدل فلا يتم الا بهما وهنا ينفرد
به من له الاجل لأنه خالص حقه فيسقط باسقاطه. قال (وان اشترى إلى النيروز أو إلى
المهرجان فهو فاسد) أيضا لأنه ليس من آجال المسلمين ولأنهم لا يعرفون وقت ذلك عادة وإن كان
معلوما عند المتعاقدين فهو جائز بمنزلة الأهلة لان الشرط اعلام المتعاقدين الاجل بينهما وكذلك
إلى الميلاد قبل المراد وقت نتاج البهائم وذلك قد يتقدم وقد يتأخر بمنزلة الحصاد وقبل ولادة
امرأة بعينها هي حبلى وقد يتقدم وقد يتأخر وقبل وقت ولادة عيسى عليه السلام وذلك غير
معلوم عند المسلمين وكذا إلى صوم النصارى لان المسلمين لا يعرفون وقت ذلك وقد يتقدم
وقد يتأخر وكذا إلى فطر النصارى قبل أن يشرعوا في صومهم لان ذلك قد يتقدم وقد
يتأخر بحسب شروعهم في الصوم إلا أن يكون ذلك معلوما عند المتعاقدين على وجه لا يتقدم
ولا يتأخر وان اشتراه إلى فطر النصارى بعد ما شرعوا في الصوم جاز لان مدة صومهم
معلومة بالأيام فإذا شرعوا في الصوم صار وقت فطرهم معلوما. قال (وإذا اشتري شيئا إلى
أجلين وتفرقا عن ذلك لم يجز) لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرطين في بيع وان ساومه
على ذلك ثم قاطعه على أحدهما وأمضي البيع عليه جاز ولا بأس بطيلسان كردي بطليسانين
حواريين إلى أجل لأنهما جنسان باختلاف الصنعة والمقصود وكذا لا بأس بمسح موصلي
بمسحين ساريين إلى أجل وكذلك لا بأس بقطيفة يمانية بقطيفتين كرديتين إلى أجل وهذا
مبنى على الأصل الذي بينا ان اختلاف الصنعة والمقصود تختلف باختلاف الجنس وإن كان
الأصل واحدا وحرمة النساء لا تثبت الا باعتبار أحد الوصفين والله أعلم.
(باب الاختلاف في البيوع)
(قال) رحمه الله إذا اشترى سمنا أو غيره في زق فايزنه ثم جاء بالزق ليرده فقال
البائع ليس هذا بزقي وقال المشترى بل هو زقك فالقول قول المشترى مع يمينه) لان الزق أمانة
في يد المشترى والقول في تعيين الأمانة قول الأمين وإن كان مضمونا في يده كان القول
في تعيينه أيضا قوله كالمغصوب ولان حقيقة الاختلاف بينهما في مقدار ما قبض من المعقود
28

عليه فان ذلك يختلف باختلاف وزن الزق فالبائع يدعى الزيادة فعليه البينة والمشترى منكر
للزيادة فالقول قوله مع يمينه. قال (وان اشترى عبدين فقبض أحدهما ومات عنده ومات
الآخر عند البائع ثم اختلافا في قيمة المقبوض وفي قيمة الآخر فالقول قول المشترى مع يمينه)
لان حاصل اختلافهما في مقدار ما قبضه المشترى فالبائع يقول قبضت ثلثي المعقود عليه فان
قيمة المقبوض ألف وقيمة الآخر خمس مائة والمشترى ينكر ذلك ويقول ما قبضت الا ثلث
المعقود عليه فان قيمة المقبوض خمسمائة وقيمة الآخر ألف فالقول قول المشترى مع يمينه
لانكاره القبض فيما زاد على الثلث ألا ترى أنه لو اشترى كر حنطة فقبض بعضه وهلك الباقي
عند البائع (فقال) المشترى قبضت منك ثلثه و (قال) البائع نصفه كان القول قول المشترى مع
يمينه ولو كان المشترى قبض العبدين فمات أحدهما عنده وجاء بالآخر يرده بالعيب فاختلفا
في قيمة الميت كان القول قول البائع مع يمينه لان المشترى هنا قبض جميع المعقود عليه ثم
وقع الاختلاف بينهما في مقدار ما رده بالعيب فالمشترى يدعى الزيادة فيه والبائع ينكره
فكان القول قول المنكر مع يمينه يوضح الفرق نحن نعلم أن الثمن كله لم يتقرر على المشترى
وإنما الاختلاف بينهما في مقدار ما تقرر من الثمن على المشترى فالبائع يدعى في ذلك زيادة
والمشترى منكر ردهما اتفقا ان جميع الثمن متقرر على المشترى بالقبض ثم الاختلاف
بينهما في مقدار ما سقط عنه بالرد فالمشترى يدعى زيادة في ذلك والبائع منكر فكان القول.
قوله مع يمينه ويقسم الثمن على قيمة الذي يريد رده غير معيب وعلى قيمة الميت كما أقر به البائع
لان الانقسام على قيمة المبيع كما دخل في العقد وقد دخل في العقد غير معيب ولو أقاما جميعا
البينة على قيمة الميت أخذت بينة البائع أيضا لأنها مثبتة الزيادة في المشهود به وهو قيمة الميت
والمثبت للزيادة من البينتين يترجح. قال (وإذا اختلف البائع والمشترى في الثمن والسلعة
قائمة في يد البائع أو المشترى فإنهما يتحالفان ويتردان) استحسانا وفي القياس القول قول
المشترى لأنهما اتفقا على أصل البيع وادعى البائع زيادة في حقه وهو الثمن والمشترى منكر لذلك
فالقول قوله معي يمينه لقوله صلى الله عليه وسلم واليمين على من أنكر ولكن تركنا القياس
بالسنة والمروى في الباب حديثان أحدهما حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم (قال) إذا اختلفا المتبايعان والسلعة قائمة بعينها فالقول ما يقوله البائع ويترادان
(والثاني) حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا اختلف المتبايعان
29

تحالفا وترادا فالحديث صحيح مشهور فيترك كل قياس بمقابلته وكان أبو حازم القاضي يقول إن
كانت السلعة في يد البائع فالتحالف بطريق القياس لان كل واحد منهما يدعى حقا لنفسه على
صاحبه فان البائع يدعى زيادة الثمن والمشترى يدعى وجوب تسليم السلعة إليه عند أداء ما أقر به
من الثمن فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه قياسا وان كانت في يد المشترى فالتحالف
بخلاف القياس لان المشترى لا يدعى لنفسه على البائع شيئا فان المبيع مسلم إليه باتفاقهما وكان
أبو يوسف يقول أولا يبدأ بيمين البائع وهو قول زفر واحدى الروايتين عن أبي حنيفة لان
الشرع جعل القول قول البائع وهو يقتضى الاكتفاء بيمينه وان كأن لا يكتفي بيمينه فلا
أقل من أن يبدأ بيمينه ولان المقصود من الاستحلاف النكول وبنكوله تنقطع المنازعة
بنفسه وبنكول المشترى لا تنقطع المنازعة ولكن يجبر على أداء ما ادعى من الثمن واليمين
تقطع المنازعة فيبدأ بيمين من يكون نكوله أقرب إلى قطع المنازعة ثم رجع فقال يبدأ بيمين
المشترى وهو قول محمد وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة لأنه أظهرهما انكارا واليمين
على المنكر ولان أول التسليمين على المشترى وهو تسليم الثمن فأول اليمينين عليه ولهذا قلنا في
بيع المقابضة القاضي يبدأ بيمين أيهما شاء لأنه لا يجب على أحدهما التسليم قبل صاحبه وأيهما
نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه لان نكوله بدل أو هو قائم مقام الاقرار وان حلفا جميعا
معا ذكر في كتاب الدعوى ان قي القياس يكون البيع بينهما بألف درهم لان الزيادة التي
ادعاها البائع انتفت بيمين المشترى وقد تصادقا على صحة البيع بينهما فيقضي بالبيع بما وقع
عليه الاتفاق من الثمن ولكنا تركنا القياس وقلنا يفسخ البيع بينهما بالسنة وهو قوله صلى
الله عليه وسلم ويترادان والمراد رد العقد لا رد المقبوض لان ما يكون على ميزان التفاعل
يقتضى وجوده من الجانبين وأحد البدلين غير مقبوض وقد بينا في السلم انه إنما يفسخ العقد إذا
طلب ذلك أحدهما وأيهما أقام البينة أوجب قبول بينته أما البائع فلانه مدعي حقيقة وقد أثبت
الزيادة بالبينة وأما المشترى فلانه مدعي صورة لأنه يدعى العقد بألف درهم والدعوى صورة
تكفى لقبول البينة كالمودع إذا ادعى رد الوديعة وأقام البينة وان أقاما جميعا البينة فالبينة بينة البائع
لما فيها من اثبات الزيادة. قال (وان كانت السلعة قد هلكت في يد المشترى ثم اختلفا في الثمن)
فعلى قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى القول قول المشترى مع يمينه وعند محمد
والشافعي رحمهما الله تعالى يتحالفان ويترادان العقد لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم إذا اختلفا
30

المتبايعان وترادا ولا يمنعا من الاستدلال لظاهر هذا الحديث الآخر من ظاهر قوله والسلعة
قائمة بعينها لان ذلك مذكور على سبيل التثنية أي تحالفا وان كانت السلعة قائمة لان عند ذلك
يتأتى تميز الصادق من الكاذب بتحكيم قيمة السلعة في الحال ولا يتأتى ذلك بعد هلاك السلعة
فإذا كان تحري التحالف مع امكان تميز الصادق من الكاذب فعند عدم الامكان أولى ولان
التحالف عند قيام السلعة إنما يصار إليه لان كل واحد منهما يدعى عقدا ينكره صاحبه
فالبيع بألف غير البيع بألفين ألا ترى أن شاهدي البيع إذا اختلفا في مقدار الثمن لا تقبل
الشهادة والدليل عليه أنه لو أنفرد كل واحد منهما بإقامة البينة وجب قبول بينته فعرفنا أن كل
واحد منهما يدعى عقدا ينكره صاحبه فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وهذا
المعنى عند هلاك السلعة متحقق فصار كما لو ادعى أحدهما البيع والآخر الهبة أو كان البيع
مقابضة وهلك أحد البدلين ثم اختلفا أو قبل المبيع قبل القبض ثم اختلفا في الثمن فإنهما يتحالفان
ثم إذا حلفا فقد انتفى كل واحد من الثمنين بيمين المنكر منهما فيبقى البيع بلا ثمن والبيع بغير
ثمن يكون فاسدا والمقبوض بحكم عقد فاسد يجب رد عينه في حال قيامه ورد قيمته بعد
هلاكه وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى استدلا بقوله صلى الله عليه وسلم البينة على
من ادعى واليمين على من أنكر والبائع هو المدعى والمشترى منكر فكان القول قوله مع اليمين
فاما المشترى لا يدعي لنفسه شيئا على البائع لأن المبيع مملوك له مسلم إليه باتفاقهما وهذا هو
القياس حال قيام السلعة أيضا ولكنا تركناه بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم إذا اختلف
المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا وقوله والسلعة قائمة مذكور على وجه الشرط لا على
وجه البينة لان قوله إذا اختلفا المتبايعان شرط وقوله والسلعة قائمة بعينها معطوف على الشرط
فكان شرطا لان موجب الاشتراط والمخصوص من القياس بالسنة لا يلحق به الا ما كان في
معناه وحال هلاك السلعة ليس في معنى حال قيام السلعة لان عند قيام السلعة يندفع الضرر عن
كل واحد منهما بالتحالف فإنه ينفسخ العقد فيعود إلى كل واحد منهما رأس ماله بعينه وبعد هلاك
السلعة لا يحصل ذلك فالعقد بعد هلاك السلعة لا يحتمل الفسخ الا ترى أنه لا ينفسخ بالإقالة
والرد بالعيب فكذلك بالتحالف وهذا لان الفسخ لايراد الا على ما ورد عليه العقد والمعقود
عليه فات لا إلى بدل فان القيمة قبل الفسخ لا تكون واجبة على المشترى والفسخ على غير
محله لا يتأتى بخلاف بيع المقابضة فان أحد العوضين هناك قائم وهو معقود عليه ولهذا جاز
31

الفسخ بالإقالة والرد بالعيب فكذلك بالتحالف وكذلك إذا قبل المبيع قبل القبض فالقيمة هناك
واجبة على القاتل وهي قائمة مقام العين في امكان فسخ العقد عليها لان القيمة الواجبة قبل
القبض لما ورد عليها القبض المستحق بالعقد كانت في حكم المعقود عليه ولا معنى لقوله ان
كل واحد منهما يدعى عقدا آخر فان العقد لا يختلف باختلاف الثمن ألا تر ان الوكيل بالبيع
بألف يبيع بألفين وان البيع بألف قد يصير بألفين بالزيادة في الثمن والبيع بألفين يصير بألف
عند خط بعض الثمن واختلاف الشاهدين في مقدار الثمن أنما يمنع قبول الشاهدة لا لاختلاف
العقد بل لان المدعي يكذب أحدهما وقبوله بينة المشترى عند الانفراد لأنه مدعي صورة
لا معنى وذلك يكفي لقبول بينته ولكن لا يتوجه به اليمين على خصمه كالمودعي يدعى رد
الوديعة فلا يتوجه اليمين على خصمه وان كانت بينته تقبل عليه والدليل عليه ان المشترى
لو كان جارية حل للمشترى وطؤها ولو كان الاختلاف في الثمن موجبا اختلاف العقد لما حل
له وطؤها كما لو ادعي أحدهما البيع والآخر الهبة ولهذا تبطل دعوى الفساد وهو قوله انهما
إذا حلفا يبقى العقد بلا ثمن لأنه لو كان هكذا لما حل له وطؤها ولان القاضي إنما يفسخ البيع
عند طلب أحدهما وما لم يفسخ حل للمشترى وطؤها ولو فسد البيع بالتحالف لما حل له وطؤها
ولما تأخر حكم الفسخ إلى طلب أحدهما والحديث المطلق فيه ما يدل على قيام السلعة وهو لفظ
التراد لأنه إن كان المراد رد المأخوذ حسا وحقيقة فذلك يتأتى عند قيام السلعة وإن كان المراد
العقد فقد بينا أن الفسخ إنما يتأتى عند قيام السلعة مع أن المطلق والمقيد في حادثة واحدة
في حكم واحد إذا ورد فالمطلق محمول على المقيد. قال (وإن كان البائع قد مات واختلفت
ورثة مع المشترى في الثمن فالقول قوله ورثة البائع) إن كان المبيع في أيديهم ويجرى التحالف
بالاتفاق استحسانا لأنهم قائمون مقام البائع حتى يطالبون بالثمن ويطالبون بتسليم المبيع وذلك
بحكم العقد فإذا ثبت في حقهم عرفنا أنهم صاروا كالبائع وإن كان المشترى قد قبض المبيع فالقول
قوله مع يمينه في قول أبي حنيفة وأبى يوسف وعند محمد يتحالفان ويتردان وكذلك أن مات
المشترى وبقي البائع فإن كانت السلعة لم تقبض جرى التحالف استحسانا لان ورثة المشترى
قاموا مقامه في وثوق العقد فإنه يثبت لهم حق المطالبة بتسليم المبيع وان كانت السلعة مقبوضة
فعند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله القول قول ورثة المشترى وعند محمد يتحالفان
ويترادان وكذلك إذا ماتا جميعا ثم وقع الاختلاف بين الورثة في الثمن فإن كانت السلعة
32

مقبوضة فعند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله لا يتحالفان وعند محمد يتحالفان وإن لم تكن
مقبوضة يتحالفان بالاجماع وهذا بناء على الفصل الأول فان الوارث يخلف الميت كما أن القيمة
تخلف العين فكما أثبت محمد رحمه الله حكم التحالف والفسخ عند هلاك السلعة باعتبار ما يخلفها
وهي القيمة فكذلك أثبت حكم التحالف عند موت العاقد باعتبار من يخلفه وهو الوارث إذا
كانت السلعة قائمة وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله فرقا في الأصل بين هلاك السلعة
قبل القبض إلى ما يخلفها وهو القيمة بان قتل قبل القبض ثم اختلفا في الثمن وبين هلاكها بعد
القبض في حكم التحالف فكذلك في موت العاقد فرقا بين ما قبل القبض وبين ما بعده لان
هذا حكم ثبت بخلاف القياس بالنص وصاحب الشرع اعتبر اختلاف المتبايعين وقيام
السلعة فقبل القبض وارث البائع في معنى البائع حكما لأنه مطالب بتسليم السلعة فيمكن اثبات
حكم التحالف فيه بالنص فاما بعد القبض وارث البائع ليس ببائع حقيقة ولا حكما فلم
يكن هذا في معنى المنصوص عليه فيؤخذ فيه بالقياس وكذلك وارث المشترى على هذا ولا
يقال الوارث يقوم مقام المورث في الإقالة والرد بالعيب فكذلك في الفسخ بالتحالف لان
صحة ذلك منه باعتبار الخلافة في الملك لا في العقد ألا ترى ان الموكل يملك الإقالة والرد
بالعيب باعتبار الملك وإن لم يكن هو عاقدا حقيقة ولا حكما. قال (وان كانت السلعة في يد
المشترى وقد ازدادت خيرا ثم اختلفا في الثمن فالقول قول المشترى) في قول أبي حنيفة وأبى
يوسف وعند محمد رحمهما الله تعالى يتحالفا فيفسخ العقد على العين لان الزيادة المتصلة لا
عبرة بها في عقود المعاوضات عند محمد ولهذا قال لا يمنع بنصف الصداق في الطلاق وعند
أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى الزيادة المتصلة تمنع الفسخ كما تمنع بنصف الصداق
عندهما وإذا تعذر الفسخ امتنع التحالف لأنه لا يفسخ العقد الا فيما ورد عليه العقد والزيادة
الحادثة بعد القبض لم يرد عليها العقد ولا القبض المستحق بالعقد فلا يمكن فسخ العقد فيها فيمتنع
الفسخ في الأصل لأجلها كالموهوبة إذا زادت في يديها خير لا يملك الواهب الرجوع فيها بعد ذلك
لهذا المعنى انه تعذر فسخ العقد عليه بهلاكه العبد في الزيادة فيتعذر في الأصل لان الزيادة
لا تنفصل عن الأصل وعند محمد تعذر الفسخ في جميع المعقود عليه بهلاكه لا يمنع التحالف ففي
البعض أولي وقد ذكر في المأذون أنهما لو تبايعا عند الجارية وقبض الجارية وازدادت
في بدنها ثم هلك العبد قبل القبض أو وجد به المشترى عيبا فرده فإنه يسترد الجارية بزيادتها فهو
33

دليل محمد في أن الزيادة المتصلة لا تمنع الفسخ عن العين وقيل هو قول محمد خاصة وبعد التسليم
الفرق بينهما ان هناك سبب الفسخ قد تقرر وهو هلاك العين قبل القبض أو رده بالعيب وبتقرر
السبب يثبت الحكم ضرورة في محله وهو أصل الجارية ومن ضرورة ثبوت حكم الفسخ فيها
ثبوته في الزيادة لان الزيادة المتصلة بيع محض وثبوت الحكم في البيع بثبوته في الأصل وهنا سبب
الفسخ التحالف ولم يتقرر لما بينا أن هذا ليس في معنى المنصوص من كل وجه فيمتنع التحالف
بطريق القياس فيه ومن ضرورته أن يجعل القول قول المشترى مع يمينه. قال (وان كانت
الزيادة المتصلة غير متولدة في الأصل كالصبغ في الثوب والسمن في السويق) فكذلك الجواب
في حكم التحالف إنه على الاختلاف إلا أن عند محمد يفسخ العقد على القيمة هنا أو المثل لأن هذه
الزيادة ليست من عين المعقود عليه فلا يثبت فيها حكم العقد. قال (وان كانت الزيادة
منفصلة فإن كانت متولدة من العين كالجارية إذا ولدت أو جنى عليها فأخذ المشترى
أرشها فحكم التحالف على الاختلاف الذي قلنا) إلا أن عند محمد يفسخ العقد على القيمة
لان الزيادة المنفصلة المتولدة من العين تمنع الفسخ بالرد في العيب عنده فكذلك بالتحالف
فتكون الجارية كالهالكة وعند الشافعي رضي الله عنه الزيادة المنفصلة لا تمنع الرد بالعيب
فلا تمنع فسخ العقد على العين بالتحالف ولكنها ترد ويسلم الولد للمشترى وان كانت الزيادة
المنفصلة غير متولدة كالكسب والعلة فإنها لا تمنع التحالف وفسخ العقد على العين بالاتفاق
كما لا يمنع الفسخ بالإقالة والرد بالعيب وان انتقصت السلعة عند المشترى بعيب دخلها فالقول
قول المشترى أيضا لا أن يرضي البائع أن يأخذها ناقصة في قول أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله تعالى لان حدوث العيب في يد المشترى يمنع الرد بالعيب والإقالة إلا أن يرضى
به البائع فكذلك البيع انفسخ بالتحالف وعند محمد يتحالفان ثم يفسخ العقد على الغير ان رضي
به البائع وان أبى فعلى المشترى رد القيمة كما لو كانت هالكة. قال (وان اختلفا في الثمن وقد
خرجت السلعة من ملك المشتري فهو على الخلاف) الذي بينا فيما إذا هلكت السلعة وكذلك
ان كانت قد رجعت إليه لوجه غير الذي خرجت به من يده لان هذا ملك حادث فاختلاف
أسباب الملك كاختلاف الأعيان فكما لا يجرى التحالف باعتبار رجوع عين آخر إليه فكذلك
باعتبار رجوع هذه العين بسبب مستقل. قال (وإن كان البائع باعها من رجلين فباع أحدهما
نصيبه من شريكه ثم اختلفا في الثمن فالقول قول المشترى) الذي باع نصيبه لزوال ملكه
34

المستفاد من جهة البائع ويجعل في حقه كأنهما باعا ويتحالفان على حصة الآخر لقيام ملكه في
النصف الذي استفاده من جهة البائع وقيل هذا قول أبى يوسف فاما عند أبي حنيفة لا يجرى
التحالف إلا أن يرضى البائع لان أصله ان تعذر الرد في نصيب أحدهما يمنع الفسخ في نصيب
الآخر بسبب العيب أو الخيار على ما نبينه في بابه إن شاء الله تعالى فيكون القول قولهما
في الكل إلا أن يرضى البائع به فحينئذ يتحالفان على حصة الآخر وعند محمد التحالف يجرى
في الكل ثم في حصة الذي باع يفسخ العقد على القيمة وفي حصة الذي لم يبع يفسخ العقد على
العين. قال (وإذا اختلفا البائع والمشترى في الاجل فالقول قول البائع ولا يتحالفان) عندنا
و (قال) زفر والشافعي رحمهما الله تعالى يتحالفان لان هذا في معنى الاختلاف في مقدار مالية
الثمن فان المؤجل أنقص من الحال في المالية ولكنا نقول اختلفا في مدة ملحقه بالعقد شرطا
فيكون القول قول من ينكرها ولا يجرى التحالف كما لو اختلفا في خيار الشرط وهذا
لان حكم التحالف عرف بالنص وإنما ورد النص عند الاختلاف فيما يتم به العقد والأجل
وراء ما يتم به العقد فلم يكن في معنى المنصوص فأخذنا فيه بالقياس وجعلنا القول قول البائع
سواء أنكر زيادة الاجل أو أنكر أصل الاجل وفرق بين هذا وبين الاجل في باب السلم
فان هناك القول قول من يدعى الاجل عند أبي حنيفة وهنا القول قول من ينكر الاجل من
قبل أن هناك الاجل من شرائط صحة العقد فاقراره بالعقد اقرار به وبما هو من شرائط العقد
فإذا أنكر الاجل بعد ذلك فقد رجع عن الاقرار بعد ما أقر به فلا يصدق فأما هنا الاجل
ليس من شرائط العقد ولا من مقتضياته لأن العقد يقتضى أيضا الثمن والمعقود عليه في
المجلس فالمشترى يدعى عليه التأخير وهو منكر فكان القول قول المنكر. قال (وان اتفقا على
الاجل واختلفا في نصيبه فالقول قول المشترى) لان الاجل حقه وهو منكر استيفاء حقه. قال
(وان قال البائع بعتك هذه الجارية بمائة دينار وقال المشترى بعتنيها مع هذا الوصيف بخمسين
دينارا وأقاما البينة فهما جميعا للمشترى) بمائة دينار وتقبل البينتان جميعا ويقضى بالعقدين لان
كل واحد منهما يثبت زيادة في حقه فبينة كل واحد منهما على ما أثبت من الزيادة في حقه
مقبولة وقيل هذا قول أبي حنيفة الآخر فأما في قوله الأول وهو قول زفر يقضي بهما
للمشترى بمائة وخمسة وعشرين دينارا إذا استوت قيمتهما وقد قررنا هذا في نظير هذه المسألة
في شرح الإجارات. قال (ولو قال البائع بعتك هذه الجارية لعبدك هذا وقال المشترى اشتريتها
35

منك بمائة دينار وأقاما البينة لزمه البيع بالعبد وتقبل بينة البائع دون المشترى) لان حق المشترى
في الجارية ثابت باتفاقهما وإنما الاختلاف في حق البائع فبينته على حقه أولي بالقبول ولأنه
يثبت بينته الحق لنفسه في العبد والمشترى ينفى ذلك والبينات للاثبات لا للنفي. قال (وإذا
اشترى عبدا بثوبين وتقابضا ثم استحق العبد أو وجد به عيبا فرده وقد هلك أحد الثوبين فإنه
يأخذ الباقي وقيمة الهالك) لأن العقد انفسخ باستحقاق العبد أو رده بالعيب فعلى قابض الثوبين
ردهما لأنه قبضهما بحكم العقد وهو في القائم فيهما القادر على رد العين وفي الهالك عاجز عن
رد العين فيلزمه رد قيمته وكذلك لو هلكا فعليه رد قيمتهما لأنه تعذر رد العين مع تقرر السبب
الموجب للرد فتجب القيمة كالمغصوب والقول في القيمة قول الذي كانا في يديه لان القيمة
دين في ذمته فالقول في بيان مقداره قوله. قال (ولو كان الثمن جارية فولدت من غير السيد ثم
استحق العبد كان لصاحب الجارية أن يأخذها وولدها) لان باستحقاق العبد يبطل العقد
من الأصل فتكون الجارية في يد القابض بمنزلة المقبوضة بحكم عقد فاسد فيجب ردها
بزوائدها وإن كان قد دخلها عيب ينقصها أخذ معا النقصان أيضا كما في المشتراة شراء فاسدا
وهذا لأنها مضمونة بالقبض والأوصاف تضمن بالتناول. قال (ولو كان الذي الجارية في
يده أعتقها نفذ عتقه فيها) لأنها مملوكة له فان بدل المستحق مملوك عند القبض بمنزلة المشتراة
شراء فاسدا وعليه رد قيمتها مع الولد ان كانت ولدته قبل العتق لتعذر رد عينها بنفوذ العتق
فيها. قال (ولو وجد العبد حرا كان عتق البائع في الجارية باطلا لان بدل الحر لا يملك
بالعقد) فان الحر ليس بمال والبيع مبادلة مال بمال فعند انعدام المالية في أحد البدلين لا ينعقد
البيع أصلا وبدون انعقاد البيع لا يثبت الملك بالقبض كما في المشتراة بميتة أو دم. قال (ولو
اشترى العبد بثوبين وقبض العبد ثم هلك الثوبان قبل أن يقبضهما فعليه رد العبد) لفساد
العقد بفوات القبض المستحق بالعقد فان أعتقه أو باعه قبل هلاك الثوبين أو بعده قبل أن
يقضي القاضي بينهما بشئ فهو جائز لأنه أعتق ملكه أما قبل هلاك الثوبين فلا اشكال وبعد
هلاكهما وان فسد العقد فقد بقي الملك ببقاء القبض لان فساد العقد لا يمنع ثبوت الملك بالقبض
ابتداء فلا يمنع بقاؤه بطريق الأولى ثم عليه قيمته لتعذر رد العين بعدما فسد السبب فيه
ولو تقابضا ثم استحق أحد الثوبين فقال الذي كان عنده الثوبان استحق أعلاهما ثمنا وقال
الذي باعهما بل أستحق أرخصهما ثمنا فالقول قول المشترى في الثوبين مع يمينه لأنهما تصادقا
36

على أنه لم يسلم لبائع الثوبين جميع العبد حين استحق أحد الثوبين وإنما الاختلاف بينهما في
مقدار ما يثبت لبائع الثوبين من العبد وهو يدعى زيادة في ذلك فعليه أن يثبتها بالبينة وإن لم
يكن لهما بينة فالقول قول المنكر مع يمينه. قال (وان قال البائع بعت منك هذا العبد الذي
في يدي بألف درهم وقال المشترى بل هذه الجارية بخمسين دينارا فهنا كل واحد منهما
مدعى ومنكر حقيقة) لأنه يدعي كل واحد منهما العقد في عين آخر فيحلف كل واحد منهما
على دعوى صاحبه وان أقاما البينة قضى بالبيع فيهما جميعا بألف وخمسين دينارا وقد بينا هذا
في باب السلم وان قال المشترى ابتعت منك هذا العبد الذي في يدي بألف درهم ونفدت
الثمن وقال البائع ما بعتك هذا العبد إنما بعتك جارية بهذه الألف وقبضت الثمن ودفعتها إليك
فكل واحد منهما يحلف على دعوى صاحبه فان حلف البائع رد عليه العبد لأن العقد قد انتفى
بيمينه فيه وقد أقر ذو اليد انه كان مملوكا له في الأصل وإذا حلف الذي كان في يديه العبد ما
اشترى الجارية فعلى بائعها رد الألف عليه وان قامت لهما بينة قضى بالبينتين وعلى المشترى أداء
ألف أخرى. قال (رجل اشترى عدل زطي وأقر أنه زطي ولم يره وقبضه ثم جاء بعد ذلك
يرده فقال وجدته كرابيس لم يصدق والثمن له لازم) لأنه مناقض في دعواه والمناقض لا قول
له ولان بسبب خيار الرؤية إنما يتمكن من الفسخ إذا أحضر المعقود عليه والذي أحضره
كرابيس والمعقود عليه زطي يزعمه فلا يتمكن من فسخ العقد على غير المعقود عليه بخيار
الرؤية وان قال لا أدري أزطي هو أم لا ولكني أخذته على قولك فانظر ثم جاء يرده فقال
وجدته كرابيس كان مصدقا في ذلك مع يمينه لان المشترى ينفرد بفسخ العقد بخيار الرؤية
وخيار الشرط وإذا انفسخ العقد بخيار الرؤية وخيار الشرط بقي المقبوض في يده ملك البائع
فالقول قوله في تعيينه ضامنا كان أو أمينا وهذا لأنه غير مناقض في كلامه هنا بل منكر لقبض
الزطي فالقول قوله مع يمينه وفي الأول هو مناقض في كلامه لأنه أقر بقبض المعقود عليه وهو
الزطي فلا يقبل منه قوله بخلاف قوله ذلك. قال (ولو اشترى ثوبا فقال البائع هو هروي وقال
المشترى لا أدري وقد رآه ولكني أخذته على ما يقول ثم جاء يرده وقال وجدته يهوديا لم يصدق)
لأنه كان قد رأى المعقود عليه فليس له فيه خيار الرؤية بعد ذلك بقي دعواه حق الرد لنفسه على
البائع في هذه العين والبائع منكر لذلك فلا يقبل قوله كما ادعى المشترى العيب بالمعقود عليه
الا بحجة. قال (وإذا نظر إلى العدل مطويا ولم ينشره ثم اشتراه فليس له أن يرده الا بعيب) لأنه
37

قد رأى طرفا من كل ثوب ورؤية جزء من المعقود عليه كرؤية الكل في اسقاط خيار الرؤية
إلا أن يكون في طي الثوب ما هو مقصود كالطراز والعلم فحينئذ لا يسقط خياره ما لم ير ذلك
الموضع لان مالية المعقود عليه تختلف باختلاف المقصود والمقصود بالرؤية العلم بمقدار المالية
. قال (وإذا اشترى خادمة على أنها خراسانية فوجدها سندية كان له أن يردها فهذا بمنزلة هذا
العيب فيها) لان العبيد جنس واحد لاتحاد الأصل وتقارب المقصود إلا أن الخراسانيات
أكثر مالية من السنديات فإنما فات زيادة صفة مشروطة وذلك بمنزلة العيب في اثبات حق
الرد كما لو اشترى عبدا على أنه كاتب أو خباز فوجده لا يحسن ذلك العمل والله أعلم بالصواب.
(باب الخيار في البيع)
(قال) رحمه الله بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من اشترى شاة محفلة فهو
يؤخر النظرين ثلاثة أيام) وفي رواية يخير النظرين ففيه دليل جواز اشتراط الخيار في البيع
والمراد خيار الشرط ولهذا قدره بثلاثة أيام وذكر التحفيل لبيان السبب الداعي إلى شرط الخيار
والمحفلة التي اجتمع اللبن في ضرعها والمحفل هو المجمع واجتماع اللبنين في ضرعها قد يكون
لغزارة اللبن وقد يكون بتحصيل البائع بان يسد ضرعها حتى يجتمع اللبن في ضرعها فلا يتبين
أحدهما عن الآخر للمشترى الا بالنظر مدة وذلك ثلاثة أيام لأنه إذا حلبها في اليوم الأول
لا يتبين له شئ وكذلك في اليوم الثاني فلعل النقصان تعارض فإذا حلبها في اليوم الثالث وكان
مثل اليوم الثاني علم أن لبنها هذا القدر وأن الزيادة في اليوم الأول كان للتحفيل فيحتاج إلى أن
يشترط الخيار لنفسه ثلاثة أيام حتى يدفع الغرور به عن نفسه فجوز له الشرع ذلك وجعله
يؤخر النظرين ثلاثة أيام وأما إذا اشتراها بغير شرط خيار فليس له أن يردها بسبب التحفيل
عندنا و (قال) الشافعي رحمه الله له أن يردها ويرد معها صاعا من تمر لأجل اللبن وكذلك لو
اشترى ناقة فوجدها مصراة وهي التي سد البائع ضرعها حتى اجتمع اللبن فيه فصار ضرعها
كالمصراة وهي (الحوض) فليس له أن يردها والتصرية ليست بعيب عندنا و (قال) الشافعي رحمه
الله له أن يردها بسبب التصرية والتحفيل وكذلك لو سود أنامل العبد حتى ظنه المشترى
كاتبا أو ألبسه ثياب الخبازين حتى ظنه خبازا وعن أبي يوسف في الشاة المحفلة أخذ
بالحديث وأقول يردها وفيما سوى ذلك أخذنا بالقياس واستدل الشافعي بالحديث وهو
38

حديث صحيح مشهور وعن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
(قال) من اشترى شاة محفلة فهو يؤخر النظرين إلى ثلاثة أيام ان رضيها أمسكها وان
سخطها ردها ورد معها صاعا من تمر وبعد ما صح الحديث فكل قياس متروك بمقابلته مع
أن الحديث موافق للأصول لأنه أثبت الخيار لغرور كان من البائع والتدليس والغرور
يثبت للمشترى حق الرجوع كما لو اشترى صبرة حنطة فوجد في وسطها دكانا أو اشترى
قفة من الثمار فوجد في أسفلها حشيشا ثم ذكر الأيام الثالثة ليس للتوقيت في خيار العيب بل
لبيان المدة التي يظهر فيها العيب وأما رد التمر لمكان اللبن فلان ما كان موجودا عند العقد
من اللبن قد أتلفه المشترى أو فسد في يده ولا يعلم مقداره ليرد مثله فأمره برد التمر مكانه
للتحرز عن الربا فالقوت فيهم كان هو التمر واللبن فهذا أقام أحدهما مقام الآخر وأكثر
ما فيه أن هذا مخالف للقياس فيجعل كالمسكوت عنه فيبقى أول الحديث معمولا به واختلف
أصحاب الشافعي فيما إذا سقى الدابة وعلفها حتى ظنها المشترى حاملا فمنهم من يقول له حق
الرد إذا تبين أنها ليست بحامل للتدليس والغرور ومنهم من يقول ليس له حق الرد هنا
لان اكتساب سبب هذا الغرور يجعل كالشرط فيما يجوز اشتراطه وشرط الحبل في بيع
الدابة لا يجوز فلا يجعل ذلك كالمشروط وأما شرط كون الناقة لبونا والعبد كاتبا أو خبازا
يجوز فيجعل البائع إنما اكتسب من السبب كالشارط ذلك للمشترى وحجتنا في ذلك أن
مطلق البيع يقتضي سلامة المبيع وبقلة اللبن لا تنعدم صفة السلامة لان اللبن ثمرة وبعدمها لا
تنعدم صفة السلامة فبقلتها أولي وإذا ثبت صفة السلامة انتفى العيب ضرورة ولا يجوز أن
يثبت الخيار للغرور لان المشترى مغتر لا مغرور فان ظنها عزيزة اللبن بالبناء على شئ
مثبتة فان انتفاخ الضرع قد يكون بكثرة اللبن في الضرع وقد يكون بالتحفيل وعلى ما ظهر
من عادات الناس احتمال التحفيل فيه أظهر فيكون هو مغترا في تباطنه على المحتمل والمحتمل
لا يكون حجة وقد كان متمكنا من أن يسأل البائع ليبنى على النص الذي سمع منه فحين
لم يفعل كان مغترا ولئن كان مغرورا فلا يمكن أن يجعل هذا الشرط غزارة اللبن عندنا لان
اشتراط ذلك مفسد للبيع كشرط الحمل فأكثر ما في الباب أن يجعل ذلك بمنزلة جبر يجبره
البائع أنها عزيزة اللبن من غير أن يجعل ذلك مشروطا في العقد والغرور بالخبر لا يثبت
حق الرجوع على الغار كمن أخبر انسانا بأمن الطريق فسلكها فأخذ اللصوص متاعه وإنما
39

يثبت للمغرور حق الرجوع إذا كان مشروطا في عقد الضمان ولم يوجد ذلك بخلاف الصبرة
فقد شرط له أن جميع الصبرة حنطة وان جميع ما في القفة عنب فإذا وجده بخلاف ما شرط
كان له حق الرد لذلك فأما الحديث (قلنا) من مذهبنا انه إنما يقبل من أحاديث أبي هريرة
رضى الله تعالى عنه مالا يخالف القياس فأما ما خالف القياس الصحيح فالقياس مقدم عليه
لأنه ظهر تساهله في باب الرواية وقد رد ابن عباس رضى الله تعالى عنهما بعض رواياته
بالقياس نحو حديث الوضوء من حمل الجنازة فقال أيلزمنا الوضوء عن حمل عيدان يابسة
ونحو الوضوء مما مسته النار حيث (قال) لو توضأت بما سخن كنت أتوضأ منه وهذا
الحديث مخالف للكتاب والسنة والأصول من وجوه (أحدهما) ان ضمان المتلفات يتقدر بالمثل
بالكتاب والسنة وفيما لا مثل له بالقيمة فإن كان اللبن من ذوات الأمثال فالواجب المثل
والقول قول من عليه في بيان المقدار وإن لم يكن من ذوات الأمثال فالواجب هو القيمة
فاما ايجاب التمر مكان اللبن مخالف لما ثبت بالكتاب والسنة وفيه تسوية بين قليل اللبن
وكثيره فيما يجب مكانه وهذا مخالف للأصول لان الأصل انه إذا قل المتلف قل الضمان
وإذا كثر المتلف كثر الضمان وهنا الواجب صاع من التمر قل اللبن أو كثر وهو مخالف
للأصول من وجه آخر من حيث إن فيه توقيت خيار العيب فوجب رده لذلك ثم يحمله
عن تأويل وان بعد للتحرز عن الرد فنقول يحتمل انه اشتراها على أنها عزيزة اللبن فكان
العقد فاسدا بالشرط فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بردها مع ما حلب من لبنها لان
المشتراة شراء فاسدا ترد بزوائدها وقد كان المشترى أكل اللبن فدعاهما إلى الصلح ورد
مكان اللبن صاعا من تمر بطريق الصلح فظن الراوي أنه ألزمه ذلك وقد يقع مثل هذا لمن
قل فهمه من الرواة ولهذا لم يرو الحديث أحد من كبار الصحابة المشهورين بالفقه رضوان
الله تعالى عليهم. قال (وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جعل رجلا من الأنصار
بالخيار في كل بيع يشتريه بثلاثة أيام) واسم هذا الرجل حبان ابن منقد وأبوه منقد بن عمر
فالاختلاف في اسمه روى الحديث باللفظ الذي ذكرنا وقد كان يعين في البياعات لمأمومة
أصابت رأسه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بايعت فقل لا خلابة ولى الخيار
ثلاثة أيام وكان ألثغ باللام فكأن يقول لا حزابة ففي الحديث دليل جواز البيع مع شرط
الخيار والقياس يأبى ذلك لان شرط الخيار تعلق العقد وعقود المعاوضات لا تحتمل التعليق
40

ويبقى مقتضى العقد وهو اللزوم وموجبه وهو الملك ولكنا نقول تركنا هذا القياس للحديث
ولحاجة الناس إلى ذلك * فالبيع عقد معاينة والمقصود به الاسترباح ولا يمكنه تحصيل ذلك
إلا أن يرى النظر فيه ويريه بعض أصدقائه ليحتاج لأجل ذلك إلى شرط الخيار فإذا كان
يجوز بعض العقود لحاجة الناس كالإجارة ونحوها فشرط الخيار في العقد أولى ثم أصل
العقد لا يتعلق بالشرط لان الخيار صفة في العقد يقال بيع بات وبيع بخيار وبالصفة لا يتعلق
أصل الموصوف وإنما يدخل الخيار في الحكم فيجعله في معنى المعلق بالشرط لان الشرط
لا يخلو السبب عن الحكم الا ان يتصل الحكم به فقد يجوز أن يتأخر الحكم عنه
لمؤخر كما يتأخر وجوب تسليم الثمن بشرط الاجل ثم خيار الشرط يتقدر بثلاثة أيام وما
دونها ولا يجوز أكثر من ذلك في قول أبي حنيفة وزفر رحمهما الله تعالى وقد (قال) أبو
يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وابن أبي ليلا يجوز إذا كانت المدة معلومة طالت
أو قصرت لقوله صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم فإذا شرط الخيار شهرا وجب
الوفاء به لظاهر الحديث وعن عمر رضى الله تعالى عنه انه أجاز الخيار لرجل في ناقة شهرين
والمعنى فيه أن هذا مدة ملحقه بالعقد شرطا فلا تتقدر بالثلث كالأجل وهذا لان ما زاد على
الثلث كالثلث في المعنى الذي لأجله جوزنا شرط الخيار ثم يعتبر هذا الخيار بخيار العيب
والرؤية أو بنفس هذا العقد على عقد الكفالة فكما يجوز اشتراط الخيار هناك أكثر من
ثلاثة أيام فكذلك يجوز هنا وأبو حنيفة استدل بالحديث فان النبي صلى الله عليه وسلم قدر
الخيار بثلاثة أيام والتقدير الشرعي إما أن يكون لمنع الزيادة والنقصان أو لمنع أحدهما وهذا
التقدير ليس لمنع النقصان فاشتراط الخيار دون ثلاثة أيام يجوز فعرفنا أنه لمنع الزيادة إذ لو تمنع
الزيادة لم يبق لهذا التقدير فائدة وما نص عليه صاحب الشرع من التقدير لا يجوز اخلاؤه عن
الفائدة لأنه ما كان بحارق في بيان الاحكام ثم بسبب اشتراط الخيار يتمكن معنى الغرر وبزيادة
المدة يزداد الغرر وقد كان القياس أن لا يجوز اشتراط الخيار في البيع أصلا وهو قياس
يسده الأثر لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر إلا أنا تركنا القياس في مدة الثلاثة
لورود الأثر فيه وجواز العقد مع القليل من الغرر لا يدل على الجواز عند كثرة الغرر وبه
فارق الطفالة لأنها تحتمل الغرر والخطر ألا ترى أنه يجوز تعليق أصل الطفالة بأن يقول ما لك
على فلان فهو علي وبه فارق خيار العيب والرؤية لأنه لا يتمكن الغرر بسببه وفي حديث عمر
41

رضى الله تعالى عنه أنه أجاز الخيار وليس فيه بيان خيار الشرط ولعل المراد خيار الرؤية والعيب
وأنه أجاز الرؤية بعد الشهرين وكما أن النبي صلى الله عليه وسلم (قال) المسلمون عند شروطهم
فقد (قال) أيضا كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ثم جواز شرط الخيار لحاجة وهذه
الحاجة ترفع بثلاثة أيام ففيما رآه لحاجة وان شرط الخيار أربعة أيام فسد البيع في قول أبي حنيفة
وزفر رحمهما الله تعالى فان أسقط من له الخيار خياره قبل مجئ اليوم الرابع صح العقد.
عند أبي حنيفة ولم يصح عند زفر وهو بناء على ما بينا من الشراء بثمن إلى الحصاد وهذا لان
شرط الخيار غير مفسد للعقد وإنما المفسد وصل الخيار في اليوم الرابع بالأيام الثلاثة وهو
يعرض الفصل الخيار في اليوم الرابع بالأيام الثلاثة وهو يعرض الفصل قبل مجئ اليوم
الرابع فإذا فصل بالاسقاط صار كأن لم يكن فأما إذا جاء اليوم الرابع قبل اسقاط الخيار فقد
تقرر المفسد باتصال جزء من اليوم الرابع بالأيام الثلاثة على وجه لا يقبل الفصل لان عمل
الاسقاط فيما بقي لا فيما مضى فلهذا يتقرر الفساد به. قال (وإن كان الخيار للمشترى ثلاثة
أيام فمات قبل أن يختار فقد انقطع خياره ولزم البيع) وكذلك أن كان الخيار للبائع فمات البائع
أو كان الخيار لهما جميعا فماتا فقد لزم البيع وأجمعوا انه إذا مات من عليه الخيار فان الخيار باق
ولا يورث خيار الشرط عندنا و (قال) الشافعي يورث ويقوم وارث من له الخيار مقامه في
التصرف بحكم الخيار لان هذا حق لازم ثبت في عقد بيع فيخلف الوارث فيه المورث كما
في ملك المبيع والثمن وحق الكفالة والرهن بخلاف خيار القبول فإنه غير لازم ولا ثابت في
بيع منعقد وبخلاف الاجل فإنه ليس بثابت في البيع ولكنه صفة الدين ثم الإرث فيما ينتفع
به الوارث أو المورث ولا منفعة لواحد منهما في ابقاء الاجل فان ذمة الميت مرتهنة بالدين ما
لم يقض عنه فلا تبسط يد الوارث في التركة لقيام الدين على المورث فأما في توريث الخيار فيه
منفعة للوارث وللمورث جميعا فان الضرر والعين يدفع به وربما يقولون هذا خيار ثابت
في عين مبيعة فيخلف الوارث المورث فيه كخيار العيب ولان البدل الذي من جانب من له
الخيار يبقى على ملكه ما بقي خياره والوارث يخالف المورث فيما كان مملوكا له فإذا كان الملك
باقيا للبائع في المبيع إلى وقت موته انتقل إلى وارثه ولا يبطل العقد بهذا الانتقال فمن ضرورة
انتقال الملك إلى الوارث مع بقاء العقد انتقال الخيار إليه ليقوم الوارث مقام المورث في
التصرف بحكمه وحجتنا ما (قال) في الكتاب أن البيع منعقد مع الخيار وقد كان الخيار مشيئته
42

في رده ولا يتحول بالموت مشيئته إلى غيره لان ارادته ومشيئته صفة فلا يحتمل الانتقال
منه إلى غيره وإنما يورث ما يحتمل الانتقال إلى الوارث فأما مالا يحتمل الانتقال إلى الوارث
لا يورث كملكه في منكوحته وأم ولده وكذلك العقد لا ينتقل إلى الوارث لأنه إنما يورث
ما كان قائما والعقد قول قد مضى ولا يتصور انتقاله إلى الوارث وإنما يملك الوارث الإقالة لقيامه
مقام المورث في الملك لا في العقد فان الملك يثبت ولاية الإقالة * ألا ترى أن إقالة الموكل مع
البائع صحيحة والعاقد هو الوكيل دون الموكل وإنما يخلفه في الملك الباقي بعد موته ولما انقطع
خياره بالموت صارت العين مملوكة للمشترى ووارث البائع لا يخلفه في ملك العين وهذا
لان البيع سبب موجب للملك والخيار مانع فإذا سقط صار كأن لم يكن ولهذا ملك المشتري
المعقود عليه بزوائده المتصلة والمنفصلة فأما خيار العيب لا يقول بأنه يورث ولكن سبب
لخيار يتقرر في حق الوارث وهو استحقاق المطالبة بتسليم الجزء الفائت لان ذلك جزء من
المال مستحق للمشترى بالعقد فإذا طالب البائع بتسليمه وعجز عن التسليم فسخ العقد لأجله
وقد وجد هذا المعنى في حق الوارث لأنه يخلف المشترى في ملك ذلك الجزء * ألا ترى أن
الخيار قد يثبت ابتداء للوارث وإن لم يكن ثابتا للمورث بأن يتغيب المبيع في يد البائع بعد
موت المشترى قبل أن يقبضه الوارث بخلاف خيار الشرط فان السبب وهو الشرط لا يوجد
في حق الوارث ولا يمكن التوريث له فيه ولان المشروط له الخيار مسلط على الفسخ من
جهة صاحبه لان الخيار يشترط للفسخ لا للإجازة وهو مالك للفسخ في حق نفسه بدون
شرط الخيار فإنما يشترط الخيار ليفسخ العقد في حق صاحبه والمسلط على التصرف في حق الغير
لا يقوم وارثه مقامه بعد موته كالوكيل بالبيع إذا مات بخلاف خيار العيب فالمقصود هناك
ليس هو الفسخ ولكن المطالبة بتسليم ما هو المستحق بالعقد حتى إذا تعذر الرد بالعيب رجع
بحصة البيع من الثمن والوارث يخلف المورث فيما هو مال ولأن هذه مدة ملحقة بالعقد
شرطا فلا تبقى بعد موت من هي له كالأجل فإنه حق لمن عليه الدين قبل من له الدين
فيبطل لموته ولا معنى لقوله بأن الاجل صفة الدين لان الدين حق المطالب والأجل حق
المطلوب فكيف يكون صفة للدين وفي ابقاء الاجل فائدة فربما لا يكون في تركته ما بيده
ثم يصير عند حلول الأجل فيها وفاء بالدين يتم بغير السعر أو يتصرف الوارث في التركة لأنه
إنما لا يبسط في التركة يده إذا حل الاجل فاما إذا بقي الاجل قام الوارث مقام المورث في
43

التصرف في التركة ومع هذا لم يبق الاجل فكذلك الخيار وكذلك إذا سكت من له الخيار
حتى مضت الثلاثة أو ذهب عقله أو أغمي عليه أو ارتد فقتل أو مات لأنه عجز عن التصرف
بحكم الخيار وقد تقرر ذلك بمضي المدة فلزم البيع وهذا لان الخيار المؤقت لا يبقى بعد مضى
الوقت والبيع في الأصل لازم وإنما الخيار كان مانعا من اللزوم فبأي وجه سقط صار كأن لم يكن
. قال (وإن كان الخيار للمشترى فهلكت السلعة في يده لزمه الثمن وانقطع الخيار) لأنه عجز
عن التصرف بحكم الخيار حين أشرفت السلعة على الهلاك فإنها قد تعينت بذلك وليس له
أن يردها بحكم الخيار الا كما قبضها فإذا عجز عن ذلك سقط خياره وتم البيع وتقرر عليه الثمن
لكونه قابضا للمبيع وكذلك أن أصاب السلعة عيب عنده بفعله أو بفعل أجنبي أو بآفة سماوية
أو بفعل المبيع بنفسه لأنه عجز عن رده كما قبض بأي وجه تغيب عنده يسقط خياره وكذلك
ان كانت جارية فوطئها لان الوطئ لا يحل الا في ملك مستقر فاقدامه على وطئها من أدل
الدلائل على الرضا باستقرار ملكه فيها وذلك لا يكون الا بعد سقوط الخيار وكذلك أن
عرضها البيع لأنه إنما يعرضها على للبيع ليبيعها والبيع تصرف منه بحكم الملك ولا يكون
ذلك الا بعد اسقاط الخيار ورضاه يقرر ملكه فيها وكذلك لو قال * قد رضيتها لأنه بالرضى
يسقط حقه في الرد ولا يلزم البائع شئ فالمبيع لازم في جانب البائع وهو راض بتمامه ولو
لم يكن شئ من ذلك ولكنه اختار ردها على البائع بغير محضر منه فليس ذلك بشئ وله أن
يرضى بعد ذلك ما لم يعلم البائع بفسخه في الأيام الثلاثة فان علم بعد ذلك تم الفسخ وليس للمشترى
أن يرضى به بعد ذلك وإن لم يعلم بفسخه حتى مضت الأيام الثلاثة بطل ذلك الفسخ وتم
البيع في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو قول أبى يوسف الأول ثم رجع فقال
رده جائز بغير محضر من البائع وبغير علمه لان تصرفه يلاقى خالص حقه فيكون نافذا كالزوج
إذا طلق امرأته ثم راجعها بغير علمها والمعتقة إذا اختارت نفسها بغير علم الزوج كان اختيارها
صحيحا وبيان الوصف ان الخيار خالص حق من له الخيار ولهذا لا يشترط رضا الآخر في
تصرف من له الخيار بحكم الخيار فكذلك لا يشترط حضوره واعتبر الفسخ بالإجازة وتقرير
كلامه من وجهين (أحدهما) أن المشروط له الخيار مسلط على الفسخ من جهة صاحبه والمسلط
على التصرف ينفذ تصرفه بغير محضر من المسلط كما ينفذ تصرف الوكيل بغير محضر من
الموكل (والثاني) أن الخيار شرط ليدفع به الضرر عن نفسه فلو لم يكن متمكنا من الفسخ بغير
44

محضر من صاحبه يفوت مقصوده لان الآخر يخفى شخصه حتى تمضى مدة الخيار فيلزمه العقد
شاء أو أبى ولهذا سقط اعتبار رضاه فكذلك يسقط اعتبار حضوره وهذا بخلاف خيار العيب
فإنه غير موقت فلو شرطنا حضور البائع فيه للفسخ لا يتضرر به المشترى من حيث سقوط
خياره بمضي المدة ثم هناك المشتري غير مسلط على الفسخ وإنما له حق المطالبة بتسليم الجزء
الفائت فإذا تحقق عجز البائع عنه تمكن من الفسخ فلا يتحقق عجزه الا بمحضر منه وأبو
حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى (قالا) انه بالفسخ يلزم غيره حقا فلا يبطل تصرفه في حق
ذلك الغير ما لم يعلم به كالموكل إذا عزل الوكيل حال غيبة لا يثبت حكم العزل في حقه ما لم
يعلم به وبيان الوصف أن العقد منعقد مع الخيار وبالفسخ ارتفع الانعقاد في حق الآخر
وحكم الفسخ ضد حكم العقد فعرفنا ان بتصرفه يلزمه غيره حقا وتأثيره أنه لا يتمكن صاحبه
من العمل بموجب الفسخ إذا لم يعلم به ولا يثبت حكم الخطاب في حق المخاطب ما لم يعلم به
كما في خطاب الشرع * يقرره أن البائع لا يطلب لسلعته مشتريا آخر بناء على أن البيع قد تم
بمضي المدة فإذا جاء المشترى بعد ذلك فأخبره انه كان فسخ القعد فلو ثبت حكم الفسخ في
حقه لتضرر البائع به وهذا ضرر يلحقه بتصرف المشترى وإذا لم يثبت حكم الفسخ قبل
علمه في حقه فالمشترى وان تضرر ولكن هذا ضرر يحلقه لامن جهة البائع بل لعجز
المشترى عن اتحاد شرط صحة الفسخ وهو بمنزلة خيار لرد بالعيب قبل القبض وهذا بخلاف
الإجارة فإنه لا يلزم البائع بإجارته شئ وهو نظير الرضي بالعيب من المشتري فإنه يصح
بغير علم البائع لأنه لا يلزمه شئ ولان العقد بشرط الخيار يصير غير لازم في حق من
له الخيار فيلتحق بالعقود التي هي غير لازمة كالوكالات والشركات والمضاربات وهو
لا يملك فسخ هذه العقود بغير علم من صاحبه وإن كان يملك فسخها بغير رضا صاحبه
* وتقرير هذا الكلام من وجهين (أحدهما) أن تصرف المشروط له الخيار لا ينعقد في
حق صاحبه بتسليطه إياه على ذلك وكيف يقال هو مسلط على الفسخ من جهة صاحبه
وصاحبه لا يملك الفسخ ولكن إنما يتمكن من الفسخ لأن العقد غير لازم في حقه
وبانعدام صفة اللزوم يتمكن من الفسخ بغير رضا صاحبه ولكن إنما يتمكن من الفسخ
بغير علمه كما في الوكالات والشركات والمضاربات وهذا بخلاف الوكيل حيث يتصرف
بغير علم الموكل لان الوكيل مسلط على التصرف من جهة الموكل بتسليطه إياه على التصرف
45

فوق علمه به * يوضحه ان اشتراط الخيار في العقود التي هي غير لازمة كالوكالة والشركة
والمضاربة لا يجوز ولو كان اشتراط الخيار ليتمكن به من الفسخ بغير علم صاحبه يصح في
هذه العقود لكونه محتاجا إليه فحيث لم يصح عرفنا أن موجب الخيار دفع صفة اللزوم
فيسقط وليس هذا كالطلاق فان الزوج بايقاع الطلاق لا يلزمها شئ إنما يرفع الحل الثابت له
وكذلك في الرجعة لا يلزمها شئ لان النكاح باق بعد الطلاق الرجعي على حاله وقيل في
خيار المعتقة ان فسخها لا ينفذ الا بمحضر من الزوج فلا يسلم على هذا وبعد التسليم هناك
ثبوت الخيار لدفع زيادة الملك لان ملك الزوج يزداد بحرمتها ودفعها زيادة الملك يكون
امتناعا من الالتزام لا إلزام الغير شيئا ولا يتمكن من الامتناع من هذا الالتزام الا برفع
أصل النكاح فثبت لها ولاية رفع النكاح لضرورة حاجتها إلى دفع الزيادة عن نفسها
ويوضحه انها مسلطة بتخير الشرع إياها بقوله صلى الله عليه وسلم ملكت بضعك فاختاري
فيجعل كأن الزوج خيرها فلهذا صح اختيارها بغير محضر منه وهنا من له الخيار غير مسلط
على الفسخ من جهة صاحبه كما قررنا. قال (وان اختارت ردها عليه فعليه أو الإجارة بقلبه
كان باطلا أيهما كان صاحب الخيار) لان ما يكون بالقلب فهو نية والنية بدون العمل
لا تثبت الفسخ ولا الإجارة كما لا ينعقد أصل العقد منها والأصل فيه قوله صلى الله عليه
وسلم ان الله تعالى تجاوز لامتي عن ما حدثت به أنفسهم ما لم يعلموا أو يتكلموا. قال (ولو كان
الخيار للبائع فما ثبت في يد المشترى فعليه قيمتها) وقال ابن أبي ليلى هو أمين فيها لأنه
قبضها باذن صاحبها ووجوب ضمان القيمة باعتبار تفويت شئ على صاحبها وذلك غير
موجود وإن كان القبض برضاه ولا كنا نقول البائع ما رضى بقبضه الا بجهة العقد
والمقبوض بجهة العقد يكون مضمونا بالقيمة كالمقبوض على سوم البيع وهذا لأن الضمان
الأصلي الثابت بالعقد هو القيمة وإنما يتحول منه إلى الثمن عند تمام الرضا ولم يوجد ذلك
حين شرط البائع الخيار لنفسه فيبقى الضمان الأصلي وهذا بخلاف ما إذا كان الخيار للمشترى
لان هناك لما أشرف على الهلاك سقط خياره بعجزه عن الرد كما قبضه فيتم البيع وهو
قائم فلزمه الثمن المسمى وهنا وان أشرف على الهلاك فخيار البائع لم يسقط لأنه لم يعجز عن
التصرف بحكم الخيار فلو لزم البيع فيه أنما يلزم بعد موته وذلك لا يجوز فكان مضمونا
بالقيمة كذلك. قال (ولو كانت جارية فأعتقها البائع أو دبرها أو وطأها أو قبلها من شهوة أو
46

كاتبها أو رهنها وسلمها أو وهبها وسلمها أو أجرها وسلم أو لم يسلم فهذا كله نقض للبيع * فأما
العتق والتدبير والكتابة فلانه خرج المحل بتصرفه عن أن يكون محلا لابتداء البيع ولاثبات
حكم البيع فيه ومن ضرورته انفساخ العقد وأما الوطئ والتقبيل فدليل الرضا بتقرر ملكه
ولا يكون ذلك الا بعد انفساخ البيع لان هذا تصرف لا يحل الا في الملك فلو لم ينفسخ
البيع به لكان إذا جاز البيع بعد هذا ملك المشتري المبيع من وقت العقد بزوائده فتبين ان
وطأه في غير الملك وذلك لا يحل فاما بالهبة والتسليم فلانه أزال ملكه عن العين وبالرهن
والتسليم أوجب للغير فيه حقا وبالإجارة يوجب للغير فيه حقا وذلك يمنعه من إلزام البيع
ولهذا شرط التسليم في الرهن لان حق المرتهن لا يثبت بدون القبض ولم يشترط ذلك في
الإجارة لأنه يلزم بنفسه ثم ففسخ العقد بهذا الأسباب صحيح بغير محضر من المشترى
لان ثبوت الفسخ بطريق الحكم لا بقصد التصرف إلى ذلك فلا يتوقف على العلم
كالموكل إذا أعتق العبد الذي وكل ببيعه ينعزل الوكيل وإن لم يعلمه بخلاف ما إذا عزله
قصدا ولو اختار البائع رد المبيع بغير محضر من المشترى فلا يتوقف على العلم كالموكل فهو
على الخلاف الذي بينا وان اختار لزوم البيع والمشترى غائب فهو جائز لأنه لا يلزم المشترى
بتصرفه ما لم يلتزم فالبيع لازم في جانب المشترى وإنما يسقط البائع حق نفسه في الفسخ
بالإجارة وذلك صحيح منه بعد غيبة المشترى فليس له بعد ذلك أن ينقضه كما لو لم يكن في البيع
خيار لواحد منهما. قال (وإذا اشترط أحد المتبائعين الخيار لإنسان من أهله أو من غيرهم
فهو جائز عندنا بمنزلة اشتراطه لنفسه و (قال) زفر لا يجوز البيع بهذا لشرط لان خلاف
ما يقتضيه العقد فان خيار الشرط من حقوق العقد وحقوق العقد تثبت للعاقد فاشتراطه
لغير العاقد خلاف مقتضي العقد فيكون مفسدا للعقد ولان هذا يتعلق بانفساخ العقد
وإبرامه بفعل الغير والبيع لا يحتمل ذلك واعتبر خيار الشرط بخيار العيب والرؤية فان
ذلك لا يثبت لغير العاقد فكذلك هذا وحجتنا في ذلك أن هذا في معنى اشتراط الخيار
لنفسه منه لأنه يجعل الغير نائبا عنه في التصرف بحكم الخيار ولا يكون ذلك الا بعد
ثبوت الخيار له ولهذا أثبتنا الخيار للشارط بهذا اللفظ ولو شرط الخيار لنفسه ثم وكل
الغير بالتصرف بحكمه استقام ذلك وهذا لأن جواز اشتراط الخيار للحاجة إلى دفع العين
وقد يشترى الانسان شيئا وهو غير مهتد فيه فيحتاج إلى شرط الخيار لمن يكون مهتديا
47

فيه من صديق أو قريب حتى ينظر إليه فللحاجة إلى ذلك جعلناه كاشتراط الخيار لنفسه. قال
(وإذا هلكت السلعة في يد البائع وله الخيار أو للمشترى فلا ضمان على المشترى فقد بطل البيع)
لفوات القبض المستحق بالعقد كما لو كان البيع باتا وإن كان في البيع خيار للبائع أو للمشتري
فجاء به المشترى ليرده فقال البائع ليس هو الذي بعتك فالقول قول المشترى فيه لأنه ينفرد
بالفسخ بخياره فيبقى ملك البائع في يده والقول في تعينه قوله أمينا كان أو ضامنا لان
المشتري قابض والأصل أن القول قول القابض في المقبوض أمينا كان أو ضمينا كما في
الغاصب وكذلك أن كان غير مقبوض وأراد البائع أن يلزمه فقال المشترى ليس هذا الذي
بعتني فالقول قول المشترى مع يمينه ولا يلزمه البيع إلا أن تقوم عليه بينة أنه هو المبيع فيلزمه
إن لم يكن له خيار وإن كان له خيار رده ان شاء لان البيع إذا كان فيه شرط الخيار للبائع
فهو في حكم الملك كالمعلق بالشرط والمعلق بالشرط معدوم قبل الشرط وكان إلزام المبيع إياه
بمنزلة ابتداء التمليك من هذا الوجه والبائع يدعى ثبوت حق التمليك له في هذه العين
والمشترى منكر دعواه ولو أنكر العقد أصلا كان القول قوله فكذلك هنا * يوضحه ان البائع
لا يملك بحكم خياره إلزام البيع الا إذا كان المبيع قائما في يده وقوله في تعيين المبيع ليس
بحجة على المشترى في ايجاد الشرط وبدون التعيين لا يملك ايجاب البيع فيه فحال البائع الآن
كحال المشترى إذا ادعى الرد بالعيب بعد القبض في أنه لا يقبل قوله في تعيين المبيع وبدون
التعيين لا يتمكن من رده بالعيب بعد القبض. قال (وان شرط المشتري الخيار لغيره ثم آن زمن
الخيار رد المبيع بمحضر من البائع جاز البيع) لأنه قائم مقام المشتري في التصرف بحكم
الخيار وكذلك لو كان المشترى هو الذي رده لما بينا أن شرط الخيار لغيره اشتراط منه
لنفسه * وان قال المشترى قد أجرته * وقال الذي له الخيار قد رددته فان سبق أحدهما فان
تصرف السابق منهما أولى إذا كان ردا كان أو إجازة لان برد السابق منهما انفسخ العقد
والمنفسخ لا تلحقه الإجازة وبإجازة السابق منهما انبرم العقد وبعد انبرامه لا ينفرد أحد المتعاقدين
بفسخه ولو وجد الامر ان معا فالفسخ أولي لان الفسخ يرد على الإجازة والإجازة لا ترد
على الفسخ فيترجح الفسخ باعتبار أنه عامل لاحقا كان أو سابقا كنكاح الحرة والأمة إذا
اجتمعا يقدم نكاح الحرة * وكذلك لو كان البائع شرط الخيار لبعض أهله * فقال قد أوجبت
البيع * وقال الذي له الخيار لا أرضى فهو جائز وقد أشار في بعض نسخ البيوع إلى أنه إذا أجاز
48

أحدهما وفسخ الآخر فما فعله العاقد أولى فمسخا كان أو إجازة لان العاقد يتصرف بحكم
ملكه والآخر بحكم النيابة عنه * وفقه هذا الكلام ان الحاجة إلى الثابت للتصرف عند امتناع
المنوب عنه عن التصرف بنفسه وذلك ينعدم إذا اقترن تصرفه بتصرف النائب ولكن الأول
أصح وقد فسره في المأذون أن الفسخ أولى لما بينا ولان الخيار مشروط بالفسخ لا للإجازة
والفاسخ منهما يتصرف بحكم الخيار تصرفا شرع الخيار لأجله فكان تصرفه أولى. قال (وإذا
كان الخيار للبائع أو للمشترى فالتقيا فتناقضا البيع ثم هلك عند المشترى قبل أن يقبضه البائع
فعلى المشترى الثمن أن كان له الخيار والقيمة إن كان الخيار للبائع) لان تمام الفسخ بالرد
على البائع كما أن استحكام البيع بالقبض ثم هلاك المعقود عليه بعد العقد قبل القبض يبطل
العقد فكذلك هلاكه بعد الفسخ قبل الرد وإذا بطل الفسخ عاد إلى ملك المشتري وهو
في يده هلك فيهلك مضمونا عليه بالثمن إذا كان الخيار للمشترى وإذا كان الخيار للبائع يكون
مضمونا عليه بالقيمة لان خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه وبالفسخ يرتفع العقد
وبالهلاك في يد المشترى يرتفع الفسخ فيبقى الحال بعد الفسخ كالحال قبله وقبل الفسخ لو
هلك في يد المشترى لا يكون مضمونا عليه بالقيمة لأنه مقبوض بجهة العقد فصار كالمقبوض
على سوم الشراء وهذا لان الفسخ بحكم الخيار يحتمل الفسخ في نفسه حتى لو تفاسخا ثم تراضيا
على فسخ الفسخ وعلى إعادة العقد بينهما جاز فينفسخ الفسخ بهلاك محله قبل حصول المقصود
به وبعد الفسخ لا يجوز فيه عقد عتق المشترى ولا شئ من عقوده * أما إذا كان الخيار للبائع
فظاهر لأن العقد على ملكه نفذ فكيف يجوز فيه عتق المشترى وكذلك إذا كان الخيار
للمشترى لأنه بفسخ المشترى يعود العبد إلى ملك البائع ولكن يجوز فيه عتق البائع لأنه
عاد إلى ملك البائع بمنزلة البيع بعد العقد قبل التسليم لما ذكرنا قال (وإذا اشترى الرجل
عدل زطي برأس ماله ولم يعلم ما هو فالبيع فاسد) لجهالة الثمن عند العقد فان أخبره بذلك
فهو بالخيار ان شاء أخذه وان شاء تركه وقد بينا أن مراده إذا أخبر بذلك في المجلس فان
حال المجلس كحال العقد * وكذلك أن اشترى برقمه فهو فاسد فان أخبره برقمه فهو بالخيار
ليكشف الحال له لان البيع إنما يظهر كونه رابحا أو خاسرا في حقه إذا علم بالثمن فصار كما لو
اشترى شيئا لم يره ثم رآه كذلك ههنا. قال (وان استهلكه المشترى قبل أن يجيزه فعليه القيمة)
لأنه في يده بحكم عقد فاسد فيكون مضمونا بالقيمة عند تعذر الرد وبعد الاستهلاك لا يمكن
49

تصحيح العقد فيه باعدام رأس ماله لانعدام المحل فان تصحيح العقد بإزالة المفسد نظير الإجازة
في البيع الموقوف فكما لا ينفذ البيع بالإجازة الا عند قيام المحل فكذلك لا يصح بإقامة
المفسد بعد هلاك المحل. قال (وإذا كان البائع والمشترى جميعا بالخيار لم يتم البيع بإجازة أحدهما
حتى يجتمعا عليه) لان الذي أجاز منهما اسقط الخيار فصار كما لو لم يشترط الخيار لنفسه في
الابتداء فيبقى خيار الآخر وبقاء خيار الآخر يكفي للمنع من انبرام العقد. قال (وقد بينا أنه
إذا اشترى عبدا على أنه إن لم ينفد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما انه جائز) استحسانا فرع
عليه * وقال فان أعتقه ثم لم ينقد الثمن حتى مضت ثلاثة أيام فالعتق جائز وعليه الثمن لان
هذا في معنى اشتراط خيار المشترى لنفسه وخيار المشترى لا يمنع نفوذ عتقه عندهما لأنه
مالك وعند أبي حنيفة رضي الله عنه خيار المشترى يمنع دخوله في ملكه ولا يمنع نفوذ
العتق لأنه متمكن من اسقاط خياره بتصرفه فإذا سقط خياره تقرر عليه الثمن المسمى
نقده في الأيام الثلاثة أو لم ينقده ولان امتناعه من أداء الثمن في آخر جزء من الأيام الثلاثة
بمنزلة فسخ البيع لأنه نفى البيع عن ذلك بقوله فلا بيع بينا وبعد الاعتاق هو لا يملك الفسخ
فنقده الثمن وعدم نقده في الحكم سواء. قال (وإن كان المشترى اثنين وهما بالخيار
فاختار أحدهما رده والآخر إمساكه فليس لواحد منهما أن يرد حصته دون الآخر)
في قول أبي حنيفة رضي الله عنه (وقال) أبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى له
ذلك * وكذلك الخلاف في الرد بخيار الرؤية وخيار العيب بأن اشتريا شيئا لم يرياه ثم
رأياه فأراد أحدهما أن يرده فليس له ذلك عنده * وعندهما له ذلك وكذلك إذا اشتريا شيئا
فوجد أحدهما به عيبا فأراد أن يرده فهو على الاختلاف وهما يقولان الراد منهما يرد
ما اشترى كما اشترى فيتمكن من ذلك وإن لم يساعد، الآخر عليه كما لو كان العقد في
صفقتين * وتحقيقه ان الرد يلاقي ملك المشتري والمبيع في ملك المشتريين متفرق فصار
نصيب كل واحد منهما كعقد على حدة وبه فارق القبول لان القبول يلاقى ملك البائع
والقبض يلاقى يد البائع وهو مجتمع في ملكه ويده فلا يكون لأحدهما أن يفرقه عليه وهو
نظير الشفعة فان للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين لان أخذه يلاقى ملك المشتري
ولو كان البائع اثنين والمشترى واحدا لم يكن للشفيع أن يأخذ نصيب أحد البائعين لهذا
المعنى لان أخذه يلاقى ملك المشتري وملك المشترى مجتمع لأنه واحد وإن كان البائع اثنين
50

وكل واحد منهما شرط الخيار لنفسه ليكون متخيرا مستبدا بالتصرف فيما يرجع إلى دفع
الضرر عنه ولو لم يكن له حق الفسخ إذا لم يساعده الآخر على ذلك فات عليه مقصوده
وربما يكون في الإجازة لأحدهما ضرر وللآخر نظر فكما لا يكون للفاسخ أن يلزم شريكه
ضرر تصرفه بالفسخ فكذلك لا يكون للمجيز أن يلزم شريكه ضرر تصرفه للإجازة * يوضحه
أن الراد منهما ما ثبت له الخيار الا في نصفه ولو اشترى العبد كله على أنه بالخيار في نصفه
كان له أن يرد النصف بحكم الخيار * فإذا اشترى النصف وما ثبت له الخيار الا في نصفه
فهو أولى * وأبو حنيفة يقول إن الراد منهما يرد نصيبه بعيب لم يكن ذلك عند البائع
وليس له حق الرد بعيب حادث بسبب الخيار كما لو تعيب في يده وهذا لأنه بالرد يدفع
الضرر عن نفسه ولكن يلحق الضرر بغيره وليس أن يلحق الضرر بغيره * وبيان
الوصف أن المبيع خرج من ملك البائع جملة فإذا رد أحدهما النصف فإنما يرد النصف
معيبا بعيب الشركة فان الشركة فيما يضره التبعيض عيب فاحش ولهذا يرد الصداق به
والرجوع في معرفة العيب إلى العرف فالاشقاص في العادة لا يشترى بمثل ما يشترى به
في الاشخاص * فعرفنا انه يتضرر البائع بالرد عليه والبائع أوجب العقد لهما جملة وذلك لم يكن منه
رضا بعيب التبعيض بدليل انه لا يملك أحدهما القبول دون الآخر ولو قبلا ثم نقد أحدهما
حصته من الثمن لا يملك قبض حصته من المبيع ولو كان البائع راضيا بعيب التبعيض لملك
ذلك أحدهما وإن كان الملك واليد في جانب البائع مجتمعا لوجود الرضا منه بذلك ولكن
كان راضيا بعيب التبعيض فإنما يرضى به في ملك الغير وذلك لا يدل على أنه رضى به في ملك
نفسه * الا ترى ان المشترى لو زوج المبيعة ثم وجد بها عيبا لا يردها لأنها تعيبت بعيب
النكاح وقد سلطه البائع على تزويجها وذلك أقوى من الرضي بتصرفه ولكن إنما يرضى به
في ملك الغير لا في ملك نفسه ولا يقال بأن هذا العيب حدث في يد البائع لان تصرف
الملك ثبت بالعقد قبل القبض لأنه وان حدث في يد البائع فإنما حدث بفعل المشترى
والمشترى إذا عيب المعقود عليه في يد البائع لم يكن له أن يرده بحكم خياره إلا أن هذا العيب
يعرض الزوال بأن يساعده في الرد على الرد وإذا انعدم ذلك ظهر عمله في المنع من الرد ولا
معنى لما قالا إن في امتناع الرد ضررا على الراد لان هذا ضرر يلحقه بعجزه عن ايجاد شرط
الرد لا يتصرف من الغير ولان مراعاة جانب البائع أولى لان البائع يتضرر بتصرف الراد
51

والراد لا يتضرر بتصرف باشره البائع ثم هذا في الرد بالعيب يتضح فان في مراعاة جانب المشترى
ابطال حق البائع وليس في مراعاة جانب البائع ابطال حق المشترى لأنه يرجع بحصة
العيب من الثمن فلهذا كان اعتبار جانب البائع أولى وليس هذا كما لو شرط الخيار في نصفه
فالبائع هناك رضى بعيب التبعيض حين شرط الخيار في النصف مع علمه أن الخيار يشترط للفسخ
وهنا ما رضى بذلك لأنه شرط الخيار في الكل وإنما ثبوت الخيار لكل واحد منهما في
النصف بمقتضى قوله وملكه لا ينتقص من البائع على ذلك وهو نظير ما لو أوجب البيع في
النصف صح قبول المشترى في ذلك النصف وإذا أوجب البيع لهما في الكل لا يصح قبول أحدهما
في النصف. قال (وان اشترى شيئا على أنه بالخيار إلى الغد أو إلى الليل أو إلى الظهر فله الغد
كله والليل كله ووقت الظهر كله) في قول أبي حنيفة (وقال) أبو يوسف ومحمد رحمهما الله
تعالى له الخيار إلى طلوع الفجر أو إلى أن تغيب الشمس أو إلى أن تزول الشمس ولا تدخل
الغاية في الخيار عندهما لان الغاية حد والحد لا يدخل في المحدود كما لو * قال بعت منك من
هذا الحائط إلى هذا الحائط لا يدخل الحائطان في البيع وهذا لان الحد غاية ومن حكم
الغاية أن يكون ما بعده بخلاف ما قبله لكن هذا إنما يتحقق فيما يكون بعضه متصلا بالبعض
كما في المساحات والأوقات وهي مسئلتنا فاما في الاعداد لا يتحقق هذا لأنه ليس بينهما اتصال
ليكون حدا فلهذا جعلنا المعتبر هناك أكثر الاعداد ذكرا حتى إذا قال لامرأته أنت طالق من
واحدة إلى ثلاث تطلق ثلاثا وإذا قال لفلان على من درهم إلى عشرة يلزمه عشرة فاما
الأوقات يتصل بعضها ببعض فيتحقق فيها معنى الغاية بيان ذلك في قوله تعالى (ثم أتموا الصيام
إلى الليل) ومن حيث الاحكام إذا باع بثمن مؤجل إلى رمضان أو أجر داره إلى رمضان أو
حلف لا يكلم فلانا إلى رمضان لا يدخل الحد فاما الموافق في قوله تعالى (وأيديكم إلى المرافق)
فإنما عرفنا دخولها بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حين توضأ فأدار الماء على مرافقه وبه يتبين
ان إلى بمعنى مع ولكنه نوع من المجاز لا يحمل الكلام عيه إلا عند قيام الدليل عليه ولأبي
حنيفة في المسألة حرفان (أحدهما) ان البدل الذي في جانب من له الخيار باق على ملكه سواء
كان الخيار للبائع أو للمشترى والملك الثابت له بيقين لا يزال بالشك وإذا كانت الغاية تدخل
في الكلام وفي بعض المواضع ولا تدخل في بعض المواضع فلو لم تدخل الغاية كان فيه إزالة
ملكه بالشك * يوضحه أن البيع بشرط الخيار في حق الحكم كالمتعلق بالشرط وهو سقوط
52

الخيار فما لم يتيقن بوجود الشرط لا يثبت ما علق به وفي موضع الغاية شك وعليه تخريج
المسائل لأبي حنيفة فان في وقوع التطليقة الثالثة شك وفي وجوب الدرهم العاشر في ذمته
شك وفي مسألة الاجل البيع موجب ملك اليمين والأجل مانع من توجه المطالبة والمانع
بالشك لا يثبت وفي الإجارة ملك الرقبة سبب لحدوث المنفعة على ملكه الا إذا ثبت الحق
فيه لغيره وبالشك لا يثبت الحق للغير فتحدث المنفعة على ملك المؤاجر فسبب ملك الرقبة
وفي اليمين إباحة الكلام أصل فلا تثبت الحرمة والمنع بالشك والأصل فراغ ذمته عن الكفارة
فلا يشغلها بالشك في موضع الغاية والحرف (الآخر) أن في كل موضع تكون الغاية لمد الحكم
إلى موضع الغاية لا تدخل الغاية كما في الصوم لو * قال ثم أتموا الصيام إلى الليل اقتضى صوم
ساعة فقوله إلى الليل لمد الحكم إلى موضع الغاية وفي كل موضع ذكر الغاية لاخراج
ما وراءها يبقى موضع الغاية داخلا كما في قوله تعالى (وأيديكم إلى المرافق) لان مطلق الأيدي
في الطهارة يتناول الخارجة إلى الآباط ولهذا فهمت الصحابة رضوان الله تعالى عليهم باطلاق
الأيدي في التيمم الأيدي إلى الآباط فكان ذكر الغاية لاخراج ما وراءها فيبقي موضع الغاية
داخلا هنا ولو شرط الخيار مطلقا يثبت الخيار مؤبدا ولهذا فسد العقد فكان ذكر الغاية
لاخراج ما وراءها فيبقى موضع الغاية داخلا وفي مسألة الاجل ذكر الغاية لمد الحكم إلى
موضع الغاية لان الاجل للترقية فمطلق الاسم يتناول أدنى ما يحصل به الترقية * وكذلك في
الإجارة فإنها عقد تمليك المنفعة بعوض فمطلقها لا يوجب الا أدنى ما يتناوله الاسم وذلك
مجهول ولأجل الجهالة يفسد العقد فكان ذكر الغاية لبيان مقدار المعقود عليه وذلك لمد الحكم
إلى موضع الغاية ولكن يدخل فصل اليمين على هذه الطريقة * وقد روى الحسن عن أبي حنيفة
ان في اليمين تدخل الغاية فيأخذ في اليمين على هذه الطريقة بتلك الرواية. قال (وإذا اشترى
شيئا لغيره بأمره واشترط الخيار له فقال البائع رضى الآمر وهو غائب لم يصدق على ذلك)
لان البيع غير لازم للخيار المشروط للآمر والبائع يدعى لزومه ولو ادعي أصل البيع لم يصدق
على ذلك الا بحجة * فكذلك إذا ادعى صفة اللزوم ولا يمين على المشترى في ذلك لأنه لا يدعي
عليه الرضا وإنما يدعيه على الآمر فلو استحلف المشترى على ذلك كان بطريق النيابة عن الآمر
ولا نيابة في اليمين ولأنه لا يمين له في هذه الدعوى على الآمر لو كان حاضرا فإذا لم يتوجه اليمين
على من يدعى عليه الرضا فعلى وكيله أولى وإنما لم يتوجه اليمين على الآمر لأنه لا خصومة بين
53

البائع والآمر فان العقد لم يجر بينهما والاستحلاف ينبنى على الدعوى والخصومة ولأنه لو
كان على الامر يمين لم يكن للوكيل أن يرده حتى يحضر الآمر فيحلف كما في الوكيل بالرد
بالعيب إذا ادعى البائع الرضا على الموكل لم يكن للوكيل أن يرده حتى يحضر الموكل فيحلف
وهنا للوكيل أن يرده بغير يمين لان اشتراط الخيار للامر اشتراط منه لنفسه وما لم يظهر
المسقط لنفسه بخياره فهو متمكن من الرد فعرفنا ان بهذه الدعوى لا يتوجه اليمين على أحد
وإذا أقام البائع البينة ان الآمر قد رضى فالبيع لازم للآمر لأنه أثبت ما ادعى من صفة
اللزوم بالبينة والثابت بالبينة كالثابت معاينة والوكيل خصم في اثبات ذلك عليه لأنه نائب
عن الموكل والاثبات بالبينة على الثابت صحيح ولان العقد جرى بينهما فيكون هو خصما
في اثبات صفته عليه * ألا ترى أنه لو كان شرط الخيار لنفسه كان خصما في اثبات الرضي
عليه فكذلك إذا شرطه للآمر وإن لم يقم البينة وصدقه المشترى فيه * وقال الآمر في الثلث
بحضرة البائع قد أبطلت لزم البيع المشترى لان اقرار المشترى حجة عليه دون الآمر
وقد أقر بلزوم العقد برضا الآمر فيجعل ما أقر به في حقه كالثابت بالبينة فلا يتمكن من الرد
على البائع بعد ذلك وهو في حق الآمر كالمعدوم فإذا (قال) في الأيام الثلاثة بمحضر من البائع
قد أبطلت البيع فقد أقر بما يملك انشاءه فلا تمكن التهمة في اقراره بخلاف ما إذا قال ذلك بعد
مضي المدة لأنه أقر بما لا يملك انشاءه وما يلزم البيع وهو مضى الأيام قبل ظهور الفسخ معلوم
فلا يصدق فيما يدعى من الفسخ في المدة * يوضحه ان اقرار الوكيل برضا الآمر بمنزلة مباشرته
للعقد في الابتداء بغير خيار ولو أمره بأن يشترى بشرط الخيار له فاشترى ولم يشترط الخيار
لزمه دون الآمر فكذلك إذا أقر برضا الآمر بعد ما شرط الخيار. قال (وإذا اشترى عدلا
على أنه زطي فيه خمسون ثوبا كل ثوب بكذا أو جماعته بكذا أو شرط الخيار لنفسه ثلاثة
أيام فأن أراد أن يرد بعضه دون بعض لم يكن له ذلك) لان خيار الشرط يمنع تمام الصفقة
ألا ترى ان البدل الذي من جانب من له الخيار لا يخرج عن ملكه فهو برد البعض يفرق
صفة مجتمعة على البائع قبل التمام فليس له ذلك كما لو قبل العقد في الابتداء في البعض دون
البعض فكذلك ما اشتراه صفقة واحدة من المكيل والموزون والعروض والحيوان وما
يضره التبعيض وما لا يضره في ذلك سواء لان في تفريق الصفقة قبل التمام ضررا
فان من عادة الناس ضم الجيد إلى الردئ لترويج الردئ بثمن الجيد والمشروط له الخيار
54

يدفع الضرر عن نفسه ولا يملك الحاق الضرر بصاحبه. قال (ولو اشترى ثوبين كل واحد
منهما بعشرة دراهم على أنه بالخيار ثلاثة أيام يمسك أيهما شاء ويرد الآخر جاز العقد) عندنا
استحسانا وكذلك هذا في ثلاثة أثواب وفيما زاد على الثلاثة العقد فاسد و (قال) زفر رحمه الله
ما زاد على الثلاث وما دون الثلاث فيه سواء فالعقد فاسد وهو القياس في الثلاثة والاثنين لأن المبيع
مجهول فان المبيع أحد الثياب وهي متفاوتة في نفسها وجهالة المبيع فيما يتفاوت يمنع صحة
العقد * ألا ترى أنه لو لم يسم لكل ثوب ثمنا كان العقد فاسدا لجهالة المبيع وكذلك لو لم يشترط
الخيار لنفسه كان العقد فاسدا فكذلك إذا اشترط الخيار لان شرط الخيار يزيد في
معنى الغرور ولا يزيله * وجه الاستحسان ان هذا الجهالة لا تفضي إلى المنازعة لأنه شرط
الخيار لنفسه وبحكم خياره يستند بالتعيين والجهالة التي لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع صحة
العقد كما إذا اشترى قفيزا من الصبرة بخلاف ما إذا لم يشترط الخيار لنفسه فالجهالة هناك
تفضي إلى المنازعة وبخلاف ما إذا لم يسم لكل ثوب ثمنا لان هناك ثمن ما يتناوله العقد مجهول
فإنما فسد العقد لجهالة الثمن ثم الجهالة التي تتمكن بسبب عدم تعيين الثمن معتبر بالقدر
الذي يتمكن بسبب شرط الخيار وذلك يتحمل في الثلث وما دونه ولا يتحمل في الزيادة
على ذلك فكذا هذا اعتبارا للمحل بالزمان وهذا لان احتمال هذه الجهالة لأجل الحاجة
* فقد يتشرى الانسان لعياله ثوبا ولا يعجبه أن يحمل عياله إلى السوق ولا يرضي البائع
بالتسليم إليه ليحمله إلى عياله بغير عقد فيحتاج إلى مباشرة العقد بهذه الصفة وهذه الحاجة
مقصورة على الثلاث لان كل نوع يشتمل على أوصاف ثلاثة جيد ووسط وردئ فإذا
حمل الثلاثة إلى أهله ثم المقصود فأخذنا فيما زاد على ذلك بالقياس لعدم الحاجة فيه كما
فعلنا ذلك في شرط الخيار تم نص في هذا الموضع على تقدير الخيار بثلاثة أيام وهو
الصحيح لان هذا خيار ثبت بالشرط فلا بد فيه من اعلام المدة وان أطلق ذلك في غير
هذا الموضع من الكتب. قال (فان هلك أحدهما أو دخله عيب لزمه ثلثه ويرد الباقي
وهو فيه أمين لأنه عجز عن رد الهالك منهما بحكم الخيار فيتعين البيع فيه) وهذا لأنه
حين أشرف على الهلاك فقد ثبت في يده وعجز عن رده كما قبضه فيلزمه البيع فيه
ثم يكون هالكا على ملكه فإذا تعين البيع في الهالك كان هو أمينا في الآخر لأنه قبضهما
باذن البائع على أن يكون المبيع أحدهما دون الآخر فكان أحدهما بغير عينه مبيعا والآخر
55

أمانة لأنه ما قبض الآخر للشراء فإذا تعيين البيع في أحدهما تعيين البيع في الهالك كان
أمينا في الآخر لأنه قبضهما باذن البائع على أن يكون تعين الآخر للأمانة وفرق بين هذا
وبين ما إذا طلق احدى امرأتيه أو أعتق أحد عبديه ثم مات أحدهما تتعين الباقية للطلاق دون
الهالكة وهنا تتعين الهالكة للبيع (قال) على القمي لا فرق بين المسألتين في الحاصل لان
في الفصلين ما يهلك على ملكه أما الثوب فلانه يهلك على ملكه حيث يتعين الباقي
للرد وفي الطلاق كذلك يهلك الهالكة على ملكه حتى تتعين الباقية للطلاق الا ان الصحيح
ما ذكرنا ووجه الفرق أن الثوب لما أشرف على الهلاك خرج من أن يكون محلا للرد
لأنه عجز عن رد ما اشترى كما اشترى فبتعين العقد فيه وتعين الباقي للرد ضرورة فأما في
الطلاق والعتاق حين أشرفت على الهلاك لم يتعين محلا لوقوع الطلاق عليها فلو وقع الطلاق
عليها إنما يقع بعد الموت والطلاق لا يقع بعد الموت فتتعين الباقية للطلاق وهذا بخلاف ما إذا
اشترى كل واحد منهما بعشرة على أنه بالخيار ثلاثة أيام فهلك أحدهما عنده فإنه لا يرد الباقي
لأن العقد يتناولهما جميعا * ألا ترى أنه يملك * العقد فيهما فبعد ما تعذر عليه رد أحدهما
لا يتمكن من رد الآخر لما فيه من تفريق الصفقة على البائع قبل التمام وهنا العقد يتناول
أحدهما * ألا ترى أنه لا يملك اتمام العقد فيهما فعد ما هلك أحدهما وتعيب كان له رد الباقي
. قال (وان هلكا معا فعليه نصف ثمن كل واحد منهما إن كان الثمن متفقا أو مختلفا) لان
أحدهما بغير عينه مبيع لزمه ثمنه بالهلاك في يده والآخر أمانة وليس أحدهما لتعينه مبيعا
بأولى من الاخر لان حالهما قبل الهلاك سواء فبعد الهلاك لا يتحقق تعيين البيع في أحدهما
فللمعارضة قلنا فيستتبع حكم الأمانة وحكم البيع فيهما فيكون هو أمينا في نصف كل واحد منهما
مشتريا نصف كل واحد منهما ولان كل واحد من الثمنين يلزمه من وجه دون وجه فلهذا يلزمه نصف ثمن كل واحد منهما. قال (وان كانا قائمين بأعيانهما وأراد ردهما فله ذلك لأنه أمين في
أحدهما فرده بحكم الأمانة وفي الآخر مشترى قد شرط الخيار لنفسه فيتمكن من رده فان
اختار أحدهما لزمه ثمنه) لأنه عين البيع فيه والتزمه باختياره فيلزمه ثمنه وكان في الآخر أمينا
فان ضاع عنده بعد ذلك لم يكن عليه فيه ضمان لما ذكرنا. قال (وإذا اشترى جاريتين إحداهما
بألف والأخرى بخمسمائة على أن يأخذ أيهما شاء ويرد الأخرى فأعتقهما في كلمة واحدة
فإنه يخير فأيتهما اختار وقع العتق عليها ويرد الأخرى) لان عتقه نفذ في إحديهما وهي المشتراة
56

منهما فان اعتاق المشترى في المشتراة بشرط الخيار له صحيح فيسقط الخيار فيها والأخرى كانت
أمانة عنده فاعتاقه إياها باطل فإذا عرفنا نفوذ العتق منه في إحديهما بغير عينها كان البيان في ذلك إليه
لان الابهام كان منه فإذا عين إحديهما تعينت هي للعتق ورد الأخرى كما لو كانتا مملوكتين
له فاعتق إحديهما بغير عينها. قال (ولو لم يعتقها ولكن حدث بهما عيب ولا يدري أيهما أول
فقال المشترى حدث العيب بالتي قيمتها خمسمائة أولا فالقول قوله) لأنه كان الخيار له وكان
متمكنا من تعيين البيع فيها فإذا زعم أن البيع تعين فيها بأن تعينت في يده أولا وجب قبوله
في ذلك ويرد الأخرى ونصف قيمة عينها في القياس لأنهما لو هلكتا معا لزمه نصف بدل
كل واحدة منهما فإذا تعينتا فقد فات جزء من كل واحدة منهما في الجملة والجزء معتبر بالجملة ثم كل
واحد منهما يتردد بين الضمان والأمانة فللتردد كان نصف ما فات من كل واحد منهما في
ضمان المشترى وقوله في تعين المبيع مقبول ولكن في اسقاط ما لزمه من ضمان العيب في
الأخرى غير مقبول فلهذا يرد نصف قيمة عينها وفي الاستحسان لا يرد شيئا من حصة عينها
لان من ضرورة تعيين إحديهما للبيع تعيين الأخرى للأمانة وتعيين الأمانة في يد الأمين
لا يوجب عليه شيئا من الضمان وهذا لان بالقبض ما لزمه الا ضمان ثمن واحدة منهما * ألا
ترى أنهما لو هلكتا لم يلزمه الا نصف ثمن كل واحدة منهما وقد وجب عليه كمال ثمن
إحديهما وهي التي عينها للمبيع فلا يلزمه مع ذلك شئ من قيمة الأخرى. قال (وان حدث
العيب بهما معا رد أيتهما شاء وأمسك الأخرى بخلاف ما إذا هلكتا) لان الهالك ليس بمحل
لابتداء البيع فيه فلا يكون محلا لتعيين البيع فيه والمعيب محل لابتداء البيع فيه فيكون محلا
لتعيين البيع فيه أيضا فلهذا يبقى خياره بعد ما تعينتا معا إذ ليست إحداهما بتعيين البيع
فيها بالأولى من الأخرى ولكن ليس له أن يردهما بخلاف ما قبل التعييب لأن العقد
قد لزمه في المبيعة منهما بالتعيب وسقط خيار الشرط فيها فلهذا لا يتمكن من
ردهما وإذا رد إحديهما في القياس يرد معها نصف قيمة العيب وفي الاستحسان ليس
عليه ذلك كما في الفصل الأول. قال (وان حدث بإحديهما عيب آخر بعد ذلك
لزمه البيع) لان العيب الأول لما لم يؤثر في التعيين لاستوائهما فيه كان كالمعدوم فكأنه
ما تعيب الا إحداهما الآن وذلك موجب تعيين البيع لعجزه عن ردها كما قبضها * وكذلك
لو ماتت إحداهما أو جنى عليها المشترى لزمته ورد الأخرى لان العيب الأول
57

صار كالمعدوم ولو ماتت إحداهما في يده أو جنى عليها قبل التعيب لزمه البيع فيها
ويرد الأخرى فهذا مثله وان أعتق البائع التي اختار المشترى لم يعتق لان باختيار المشترى
تعين البيع فيها فإنما أعتق البائع مالا يملكه وان أعتقهما جميعا عتقت التي ترد عليه منهما
لان عتقه نفذ في إحديهما فان إحديهما مبيعة خارجة عن ملكه وإن كان للمشتري فيها خيار
فلا ينفذ عتقه فيها والأخرى أمانة وهي باقية على ملكه فينفذ عتقه فيها إلا أن باعتاقه
لا يسقط الخيار الثابت للمشترى لان البائع غير متمكن من اسقاط خياره فيقال للمشتري
اختر أيتهما شئت فإذا اختار إحديهما تعينت الأخرى للرد فينفذ عتق البائع فيها. قال (وان
اختار ردهما جميعا فعتق البائع إنما ينفذ في إحديهما) لان إحديهما ما كانت مملوكة له حين
أعتق فلا ينفذ عتقه فيها وان عادت إليه بعد ذلك وإذا نفذ عتقه في إحديهما بغير عينها كان
البيان فيه إلى البائع. قال (ولو لم يعتق واحد من الموليين شيئا منهما ولكن المشترى وطأهما
فحبلتا ثم مات قبل أن يبين أيتهما اختار فان عرفت الموطوءة أولا فهي أم ولده) لان إقدامه
على وطئها تعيين للبيع فيها واسقاط للخيار فان الوطئ لا يحل الا في الملك فاقدامه عليه دليل
تقريره الملك فيها * ألا ترى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه لما خير بريرة رضى الله
تعالى عنها (قال) لها ان وطئك زوجك فلا خيار لك فقد جعل تمكينها نفسها من الزوج مسقطا
لخيارها وإذا تعين بيعه فيها وقد استولدها كان عليه ثمنها وهي أم ولد له ويرد الأخرى
وولدها على البائع ولا يثبت نسبه من المشترى لأنه ليس له في الأخرى ملك ولا شبهة
ملك وعليه عقرها * وهذا لان الحد قد سقط بالشبهة صورة العقد والوطئ في غير الملك
لا ينفك عن حد أو عقر فإذا سقط الحد لزمه عقرها وإن لم يعلم أيتهما وطئت أولا فالقول
قول ورثته لأنهم قائمون مقامه وهو لو بين الموطوءة أولا منهما وجب قبول بيانه * فكذلك
بيان ورثته بعده وهذا. لان ثمن الموطوءة أولا وجب على الوارث قضاؤه من التركة والقول
قوله في بيان ما لزمه ثمنه فإنهم ان قالوا لا نعلم لزم المشترى نصف ثمن كل واحدة منهما ونصف
عقرها لأنه ليست إحداهما بتعيين البيع فيها بأولى من الأخرى فيتبع البيع فيهما ويلزمه
نصف ثمن كل واحدة منهما وقد لزمه عقر إحديهما بالوطئ وليست إحداهما بذلك بأولي من
الأخرى فلزمه نصف عقد كل واحدة منهما وتسعى كل واحدة منهما في نصف قيمتها
للبائع لان المبيعة منهما أم ولده وقد عتقت بموته وليست إحداهما بذلك بأولى من الأخرى
58

فلهذا يعتق نصف كل واحدة منهما وتسعى كل واحدة منهما في نصف قيمتها للبائع لان حكم أمية
الولد لا يثبت فيما هو ملك البائع منهما * وكذلك يعتق أحد الولدين على المشترى وليس إحداهما
بذلك بأولى من الآخر فيعتق نصف كل واحد منهما ويسعى كل واحد منهما في نصف
قيمته للبائع ولا يثبت نسب كل واحد منهما لان من ثبت نسبه من المشترى منهما مجهول
وإنما يثبت في المجهول ما يحتمل التعليق بالشرط والنسب لا يحتمل التعليق بالشرط فلا يثبت
في المجهول. قال (وإذا وطئها المشترى والبائع جميعا فادعى هو والمشترى ولديهما جميعا
فالقول قول المشترى في التي وطئها أولا وهي أم ولده والولد ولده) لان خيار البيان كان
للمشترى دون البائع فالمصير إلى قوله بالتعيين أولى من المصير إلى قول البائع ثم عليه عقر
الأخرى لأنه وطئها وهي مملوكة للبائع والأخرى وولدها للبائع ويثبت نسب ولدها من
البائع لأنه ظهر أنه استولدها في ملكه وعلى البائع عقر أم ولد المشترى لإقراره بأنه وطئها
وقد سقط الحد عنه بالشبهة فلزمه العقر فيجعل العقر بالعقر قصاصا ويترادان الفضل إن كان
فيه فضل وان مات البائع والمشترى قبل البيان فالقول قول ورثة المشترى لأنهم قائمون مقامه
ولان الثمن يلزمهم فإن لم يعلموا لم يثبت نسب واحد من الولدين لا من البائع ولا من
المشترى لان الثابت نسبه من كل واحد منهما مجهول والأمتان وولدهما أحرار لان كل
واحدة منهما أم ولد لأحدهما وقد عتقت بموت مولاها والولدان كذلك وعلى المشترى نصف
ثمن كل واحد منهما لأجل التعارض والتساوي فان كل واحد من الثمنين يلزمه في حال دون
حال وعليه نصف عقر كل واحد منهما وعلى البائع كذلك نصف عقر كل واحد منهما وهذا
قصاص لأنه لا فائدة في القبض والرد ولا الجاريتين والولدين بين البائع والمشترى لان كل
واحدة عتقت منهما جميعا. قال (وإذا اختلف البائع والمشترى في اشتراط الخيار فالقول
قول الذي ينفيه منهما) لأنه متمسك بمقتضى العقد وهو اللزوم ولان الخيار مانع لا يثبت الا
بالشرط فالمدعى منهما يدعى شرطا زائدا والآخر ينكر. فالقول قول المنكر كما في دعوى
الاجل وان اختلفا في مقداره فالقول قول المقر بأقصر الوقتين لان الثابت من الخيار ما وقع
الاتفاق عليه واختلافهما في الزيادة على ذلك في هذا الفصل كاختلافهما في أصل الخيار في
59

الفصل الأول وان اختلفا في مضيه. فالقول قول الذي ينكر مضيه لأنهما تصادقا على ثبوت
الخيار ثم ادعى أحدهما سقوطه بمضي المدة فلا يقبل قوله الا بحجة كما في الاجل ولان البيع
حادث فإنما يحال بحدوثه إلى أقرب الأوقات والذي يدعى مضى الخيار يسند البيع إلى ما قبل
هذه الساعة بثلاثة أيام فلا يصدق في ذلك الا بحجة وإذا لم يصدق فإنما يظهر البيع بينهما في
الحال فلا يكون مضى مدة الخيار الا بمضي أيامها. قال (ولو كان المبيع دارا وكان للبائع فيها
خيار لم يكن فيها شفعة) لان خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه فإنه لا يتم رضاه بالسبب
مع شرط الخيار وخروج المبيع عن ملكه يعتمد تمام الرضا به ووجوب الشفعة يعتمد انقطاع
حق البائع لان الشفعة لدفع ضرر سوء مجاورة الجار الحادث وذلك لا يكون الا بعد انقطاع حق
البائع. قال (وإذا كان الخيار للمشترى فللشفيع فيها الشفعة) لان حق البائع قد انقطع فقد
تم البيع من جهته ووجوب الشفعة تعتمد لثبوت الملك للمشترى * ألا ترى أنه لو قال كنت
بعت هذه الدار من فلان. وقال المشترى ما اشتريتها كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة ولان
المشترى قد صار أحق بها ملكا أو تصرفا فيتحقق ضرر سوء مجاورة الجار الحادث فكان
للشفيع أن يدفع ذلك بالآخر. قال (وإذا قال الرجل للرجل اذهب بهذه السلعة فانظر
إليها اليوم فان رضتها فهي لك بألف درهم. أو قال إن رضيتها اليوم فهي لك بألف درهم فهو
جائز) على ما اشترطا استحسانا وفي القياس هو باطل وهو قول زفر رحمه الله * وجه القياس
انه صرح بتعليق الايجاب بشرط الرضا وايجاب البيع لا يحتمل التعليق بالشرط كما لو. قال إن
تكلمت فهي لك بكذا * ووجه الاستحسان انهما أتيا بمعنى شرط الخيار يوما والمعتبر
والمقصود هو المعنى فكأنه قال بعت منك على أنك بالخيار إلى الليل وهذا لان حمل كلامه
على الصحة واجب ما أمكن والتقديم والتأخير في الكلام محتمل وتصحيح الكلام بالتقديم
والتأخير طريق في الشرع فكأنه قال هي لك بألف فان رضيتها اليوم والا فردها
على. قال (وإذا كان المشترى بالخيار فاستخدم الجارية فهو على خياره ثلاثة أيام) لأنه إنما
يشترط الخيار في شراء الرقيق لهذا حتى يستخدمه في المدة فينظر أيوافقه أولا. وكذلك أن
ركب الدابة ينظر إلى سيرها أو لبس القميص ينظر إلى قده عليه فهو على خياره لأنه
لا يعرف مقصوده الا بالامتحان ولأجله يشتط الخيار والامتحان في الدابة بالركوب
والسير وفي الثوب باللبس فان لبس بعد ذلك ثانيا فهذا منه رضا لان معنى الاختيار قد تم
60

باللبس الأول فالثاني يكون اختيارا. وكذلك أن سافر على الدابة فقد رضيها لان الاختيار
لا يكون بالسفر على الدابة ولا يفعل ذلك الا في الملك عادة فان الانسان لا يسافر بدابة
الغير عادة من غير كراء. وكذلك إذا سكن الدار فهو على خياره وإنما اختلف الجواب لاختلاف
الموضوع فإذا كان ساكنا في الدار قبل الشراء فاستدام السكنى بعد الشراء لا يسقط خياره
فان انتقل إليها وسكنها بعد الشراء سقط خياره لأنه لا يكون ذلك اختيارا عادة بل
يكون رضا بتقرر الملك. قال (وإذا قبل جارية بشهوة ونظر إلى فرجها بشهوة فهو رضا) لان
هذا الفعل لا يحل الا في الملك فاقدامه عليه دليل الرضي فتقرر ملكه فيها بمنزلة
الغشيان. قال (وان كانت الجارية هي التي نظرت إلى فرجه أو قبلته أو مسته بشهوة فأقر
المشترى أنها فعلت ذلك بشهوة لزمته الجارية أيضا وحرمت عليه أمها وابنتها) وكذلك هذا
في الرجعة وهذا قول أبى يوسف وقاسه على قول أبي حنيفة رحمهما الله يعنى في الرجعة وأما
في قول محمد فلا يكون ما صنعت الجارية بالمشترى رضى منه لأنه لم يصنع شيئا والخيار من
المشترى إنما يسقط باعتبار صنع أو يوجد دليل الرضا منه وصنعها به لا يكون دليل الرضا من
المشترى بها وإنما هو دليل رضا بكون المشترى مولى لها ولو صرحت بذلك أو أسقطت
الخيار كان ذلك لغوا منها وليس هذا نظير ما لو جنت على نفسها لان سقوط خيار المشترى
هناك بعجزه عن ردها كما قبضها لا لفعلها * ألا ترى أنها وان تعيبت من غير فعل أحد سقط
خياره أيضا * وجه قول أبى يوسف رحمه الله أن فعلها به في الحكم كفعله بها بدليل الوطئ فإنه
لو كان نائما فاستدخلت فرجه فرجها سقط خياره كما لو فعل بها. فكذلك دواعي الوطئ * ألا ترى
ان في حرمة المصاهرة يسوى بين الوطئ ودواعيه وبين فعلها به وفعله بها وهذا لان الفعل
غير مسقط الخيار بنفسه بل بحكمه وهو أنه لا يحل الا في الملك والحل باعتبار الملك يثبت
من الجانبين فكما يسقط الخيار باعتبار هذا المعنى عند فعله بها * فكذلك عند فعلها به وبعد
قيام الدليل الحكمي لا يبقى خياره وان انعدم رضاه كما لو تعيبت في يده بفعله أو بغير فعله وكما
عجز هناك عن ردها كما قبض فقد عجز هنا عن ذلك لأنه إذا كان اشتراها من أبيه
فقد اشتراها وهي حلال للأب وبعد هذا الفعل يردها وهي حرام عليه فيمتنع الرد كذلك
والدليل عليه الرجعة فان المرأة إذا صرحت بالرجعة لم يصح ذلك منها ثم جعل فعلها به في
حكم ثبوت الرجعة كفعله بها فهذا مثله (قال) أبو يوسف رحمه الله وهذا في الخيار أقبح
61

ولكن الكل قياس واحد يريد أن ملك الحل بسبب النكاح مشترك بين الزوجين ولا
شركة بين المشترى والجارية في حقوق عقد الشراء والملك الثابت ولكن الكل قياس واحد
من الوجه الذي قررنا وإنما يسقط اقرار المشترى أنها فعلت ذلك من شهوة لان قول الأمة غير
مقبول في اسقاط خياره واقرار المشترى بذلك حجة عليه * ألا ترى أن في حرمة أمها وابنتها
عليه يعتبر اقرار المشترى بذلك * فكذلك في سقوط خياره وروى بشر عن أبي يوسف
رحمهما الله تعالى أنها ان اختلست ذلك منه وهو كاره لم يسقط خياره وان مكنها من ذلك
حينئذ يسقط خياره لوجود دليل الرضا منه لتمكنها من تقبيله أو مسه بشهوة. قال (وإذا باع
الوكيل خادما واشترط الخيار للآمر بأمره. فقال البائع يعنى الوكيل قد رضى الآمر. وقال
الا آمر ما رضيت فالقول قول الآمر مع يمينه أنه ما رضى لأنه في أصل التوكيل استثنى الرضا
حيث أمره باشتراط الخيار له ولهذا لو باعه ولم يشترط الخيار له لم ينفذ بيعه فعند ذلك الوكيل
يدعى عليه أنه ما عرف أنه استثناه لنفسه والآمر ينكر. فالقول قوله مع يمينه بمنزلة ما لو أنكر
أصل الامر بالبيع. قال (وان اختلف الآمر والمشترى في الخادم وقد فسخ الآمر العقد
بخياره فقال الآمر ليست هذه بخادمي. وقال المشترى هي الخادم التي اشتريت منك. فالقول
قول المشترى) لان الآمر لما فسخ العقد بخياره فالخادم ملكه في يد المشترى والقول في تعيين
الملك قول ذي اليد أمينا كان أو ضامنا كالغاصب. قال (وإذا لم يكن للخيار وقت فلصاحب
الخيار أن يختار في الثلاث فان مضت الثلاث قبل أن يختار البيع فالبيع فاسد) في قول أبي حنيفة
و (قال) أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يجوز ان اختار بعد الثلاث و (قال) زفر
لا يجوز وان اختاره في الأيام الثلاث وهو بناء على ما تقدم ان عند أبي حنيفة اشتراط
الخيار لا يجوز أكثر من ثلاثة أيام ومطلق اشتراط الخيار يقتضى التأبيد * ألا ترى أن
ما لا يتوقت من الخيار كخيار العيب فإنه يثبت على التأبيد ثم الاسقاط إنما يعمل
في المستقبل دون الماضي فإذا سقط قبل مضى الأيام الثلاثة عمل اسقاطه في المستقبل وما
مضى غير مناف لصحة العقد فكان العقد صحيحا عنده. وإذا سقط بعد مجئ اليوم الرابع
فما مضي كاف لافساد العقد واسقاطه غير ممكن. وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
ما مضي غير معلوم في نفسه وهو غير مناف لصحة العقد وعلى قول زفر العقد متى فسد لا طريق
لتصحيحه الا الاستقبال ومشايخنا رحمهم الله تعالى مختلفون في الحكم في هذا العقد في
62

الابتداء. فمنهم من يقول هو فاسد ثم ينقلب صحيحا باسقاط الخيار * والا وجه أن يقول
الحال فيه مراعى وهو عقد غير منبرم في الحال لان تأثير الخيار في المنع من انبرام العقد
لا في افساد العقد وإنما المفسد هو الخيار في اليوم الرابع وذلك لا يتصور الا بعد مضي الأيام
الثلاثة ما لم يتقرر عليه الفساد لا يتعين عليه صفة الفساد للعقد ويستوى ان أسقط المشترى
خياره في الأيام الثلاثة أو أعتقه أو مات في يده أو تعيب في أنه يسقط خياره في المستقبل
باعتراض هذه المعاني ويجب عليه الثمن المسمى. ذكره الكرخي في جامعه الصغير وبهذا يتبين
أن العقد غير محكوم بفساده قبل مجئ اليوم الرابع. قال (وإذا اشترى عبدين أحدهما بألف
والآخر بخمسمائة على أن يأخذ أيهما شاء ويرد الآخر فمات فقال البائع مات الذي بألف
درهم قبل. وقال المشترى لا بل مات الذي بخمسمائة قبل) وكان أبو يوسف يقول أولا لم يصدق
واحد منهما على ما قال ويحلف المشترى ما يعلم أنه مات الذي بألف أول مرة ويحلف البائع
ما يعلم أنه مات الذي بخمسمائة أولا فأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه فان حلفا
لزمهما نصف ثمن كل واحد منهما ثم رجع أبو يوسف بعد ذلك. فقال القول قول المشترى إلا أن
يقيم البائع البينة وهو قول محمد * وجه قوله الأول ان كل واحد منهما يدعى على صاحبه
العقد في مجلس آخر فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه كما لو. قال بعت منك هذا
العبد بألف. وقال المشترى إنما اشتريت منك هذا العبد الآخر بخمسمائة وقد بينا فيما سبق
ان كل واحد منهما في هذا الفصل مدع ومنكر حقيقة فالهلاك لا يمنع جريان التحالف
وإنما يحلف كل واحد منهما على العلم لأنه استحلاف على ما ليس من صنعه وهو الموت أولا
فإذا حلفا فقد انتفا دعوى كل واحد منهما بيمين صاحبه وقد علمنا يقينا بلزوم البيع في أحدهما
ووجوب ثمنه عليه وليس أحدهما بأولى من الآخر فيلزمه نصف ثمن كل واحد منهما أو
لم يعلم التاريخ بين موتيهما يجعل كأنهما ماتا معا فيتسع حكم البيع والأمانة فيهما * ووجه
قوله الآخر ان حاصل الاختلاف في مقدار ما وجب للبائع على المشترى من الثمن فالبائع
يدعى الزيادة فعليه أن يقيم البينة على ذلك والمشترى منكر لتلك الزيادة فالقول قوله مع
يمينه وليس هذا على أصل محمد نظير اختلاف المتبايعين في الثمن بعد هلاك السلعة لان هناك
كل واحد منهما يدعى عقدا آخر فالبيع بألف غير البيع بألفين على ما بينا وهنا هما صادقان
على العقد بالثمن المسمى في كل واحد منهما وإنما يختلفان في مقدار ما لزم المشترى من
63

الثمن المسمى فالقول قوله لانكاره الزيادة وان قامت لهما بينة لزمه ألف درهم لان
بينة البائع تثبت الزيادة. وكذلك لو حدث بهما جميعا عيب فاختلفا في الذي أصابه العيب
أولا وأقاما البينة فالبينة بينة البائع لاثبات الزيادة في حقه قبل المشترى. قال (وإذا اشترى
عبدا على أن البائع بالخيار ثلاثة أيام فقطعت يده عند المشترى فالبائع بالخيار ان شاء ألزمه
البيع وأخذ منه الثمن وان شاء أخذ منه عبده) لان التعيب حصل في ضمان المشترى
وذلك لا ينافي خيار البائع ومحل الإجازة بعد القطع قائم فيبقى على خياره فان اختار أخذ
العبد يخير في نصف القيمة بين أن يرجع به على الجاني أو على المشترى لان خيار البائع يمنع
خروج المبيع عن ملكه فالجناية من القاطع حصلت على ملكه ولكن في ضمان المشترى
بالقبض فيكون له الخيار في التضمين كالعبد المغصوب إذا قطعت يده عند الغاصب فإذا اختار
اتباع القاطع لم يرجع القاطع على المشترى لان القاطع ضمن بجنايته وان اختار اتباع المشترى
فللمشتري أن يرجع به على القاطع لان ذلك الضمان تقرر عليه بجناية القاطع فيرجع به عليه
كالغاصب وإن كان البائع هو الذي قطع يده فهذا منه رد للبيع وليس له أن يلزمه البيع
بعد ذلك لان اليد من الآدمي نصفه فهو قد استرد نصفه بقوله وفي الاسترداد بحكم الخيار
العقد لا يتجزى وفسخه البيع في النصف بالاسترداد يكون فسخا في الكل فلهذا
لم يكن له أن يلزمه البيع بعد ذلك. قال (وان اشترى جارية على أنه بالخيار فيها ثلاثة أيام
فولدت عنده فقد انقطع خياره) لأنها تعينت بالولادة وكذلك لو وطئها هو أو غيره بفجور
أو غير ذلك لان وطأه إياها دليل الرضا ووطئ الغير إياها بالفجور تعييب لها * وقد بينا ان
حدوث العيب في ضمان المشترى مسقط لخياره المستوفي بالحكم في حكم جزء من آخر
العين لان المستوفى بالوطئ ما يملك بالنكاح والمملوك بالنكاح في حكم العين ولهذا يثبت
مؤيدا واستيفاء جزء من العين مسقط لخياره سواء كان المستوفى هو أو غيره. قال (مسلم
اشترى من مسلم عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم ارتد المشترى في الثلاثة والعياذ بالله فله
أن يرد العبد ولا يوجب عليه الاسلام ولا الكفر شيئا) لان مشيئته لا تنقطع بردته ثم
عندهما خياره لا يمنع دخول العبد في ملكه فرده بالخيار بمنزلة الاخراج عن ملكه
وذلك صحيح من المرتد عندهما. وعند أبي حنيفة خياره يمنع دخول العبد في ملكه فهو
بالرد يمتنع من التملك إلا أن يملك غيره شيئا وردته لا تمنعه من ذلك ثم لا خلاف بين
64

أصحابنا رحمهم الله ان البدل الذي من جانب المشروط له الخيار لا يخرج عن ملكه * وللشافعي فيه
ثلاثة أقوال في قول مثل هذا وفي قول يخرج ويدخل في ملك الآخر لأن العقد منعقد
مع شرط الخيار فيثبت حكمه وهو الملك إذا الخيار لا ينافي ذلك كخيار العيب. وفي قول
آخر يقول إنه إذا أسقط الخيار تبين انه كان خارجا من ملكه إلى ملك صاحبه من وقت العقد
بناء على أصله أن الخيار ما يقع بعدما انعقد السبب موجبا للملك فإذا زال بسقوط الخيار
تبين ان الملك كان ثابتا من وقت السبب * ووجه قولنا ان العين لا نخرج من ملكه بطريق
التجارة الا بعد تمام رضاه وباشتراط الخيار ينعدم رضاه به والسبب بدون الشرط لا يكون
عاملا في الحكم كاليمين بالطلاق فإنه سبب لوقوع الطلاق عند وجود الشرط فما لم يوجد
الشرط لا يثبت الحكم به وعند وجود الشرط لا يتبين أن الحكم كان ثابتا قبله كما في حكم
الطلاق وهذا معنى ما يقول أن البيع بشرط الخيار في حق الحكم كالمتعلق بسقوط الخيار
وإنما تثبت حقيقة الملك عند سقوط الخيار ولهذا لو كان المشترى أعتقه قبل ذلك لم ينفذ عتقه
إلا أن السبب المنعقد في الأصل يسرى إلى الزوائد المتصلة والمنفصلة لكونها محلا له فعند وجود
الشرط كما يثبت الحكم في الأصل يثبت في الزوائد وأما البدل الذي من جانب الآخر
على قول أبي حنيفة رضي الله عنه يخرج في ملكه ولا يدخل في ملك المشروط له الخيار
وعندهما يدخل في ملك المشروط له الخيار لان البيع لازم في جانب من لا خيار له فيتوفر
على البدل الذي في جانبه حكم البيع اللازم وهو الانتقال من ملك أحدهما إلى ملك الآخر
ولهذا خرج من ملكه ولو لم يدخل في ملك صاحبه بقي مملوكا بلا مالك وذلك لا يجوز
وليس من حكم العقد الخروج عن الملك من غير دخول في ملك الغير * والدليل عليه ان
المبيع إذا كان دارا والخيار للمشترى فبيعت دار بجنب هذه الدار كان له حق الشفعة ولو لم
يصير مالكا لها لما استحق بها الشفعة كخيار السكنى وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول من
شرط الخيار لنفسه فقد استثنى الرضا فيما هو حكم العقد ودخول بدل صاحبه في مكة من
حكم العقد كما أن خروج البدل الذي من جانبه عن ملكه من حكم العقد فإذا لم يثبت
أحدهما لانعدام الشرط. فكذلك الآخر لمعنيين (أحدهما انه لو دخل العوض في ملكه
بحكم العقد ولم يخرج المعوض عن ملكه اجتمع البدلان في ملك رجل واحد بحكم
المعاوضة مع كونها بمحل النقل وذلك لا يجوز و (الثاني) انه لو دخل في ملكه من غير أن يخرج
65

البدل الآخر عن ملكه كان مالكا بغير عوض وليس هذا بموجب البيع ان ثبت الملك به
بغير عوض وإذا ثبت الملك له بغير عوض فلا يجوز أن يجب عليه العوض بعد ذلك
اذن يكون ذلك عوضا يلزمه عن ملك نفسه * فالحاصل انهما بينا مذهبهما على اعتبار حال
البدل وأبو حنيفة رضي الله عنه بنى مذهبه على اعتبار حال العاقد وأن الذي شرط الخيار لما
استثنى الرضا لم يثبت حكم العقد أصلا في حقه لا في البدل الذي من جانبه ولا في البدل
الذي من جانب صاحبه واعتبار هذا الجانب أولي لما قررنا ووجوب الشفعة للمشترى بها
لأنه صار أحق بها تصرفا لأنه ملكها بمنزلة العبد المأذون إذا بيعت دار بجنب داره يجب
له الشفعة لهذا المعنى ولهذا لو أعتقه المشترى نفذ عتقه لأنه صار أحق بالتصرف فيه واقدامه
على الاعتاق اسقاط منه لخياره * ويتفرع على الأصل الذي بينا مسائل. منها أن من اشترى قريبه
على أنه بالخيار ثبت خياره عند أبي حنيفة رضي الله عنه ولم يعتق عليه لأنه لم يملكه وعندهما
عتق عليه لأنه قد ملكه ولا خيار له فيه وكذلك لو قال إن ملكت هذا العبد فهو حر
فاشتراه على أنه بالخيار بخلاف ما إذا قال إن اشتريته فهو حر لان عند وجود الشرط يصير
كالمنشئ للعتق فإذا كان الشرط هو الشراء يجعل بعد الشراء كأنه أعتقه فلهذا يعتق عندهم
جميعا وعلى هذا لو اشترى زوجته على أنه بالخيار ثلاثة أيام لا يفسد النكاح عند أبي حنيفة
ولو وطئها في المدة كان الوطئ بحكم النكاح ولا يمنعه من ردها بخياره. وعندهما يفسد
النكاح ولو وطئها في المدة لم يكن له أن يردها بحكم خياره. ومنها أن المسلم إذا اشترى
عصيرا على أنه بالخيار ثلاثة أيام فقبضه فتخمر في يده فعلى قولهما يسقط خياره لأنه قد صار
مالكا فلا يتمكن من رده بعد التخمر وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لم يكن مالكا فيفسد
البيع بالتخمر لأنه لو لم يفسد البيع لكان متملكا باسقاط الخيار بعد ما تخمر. وذلك لا يجوز
وقيل في هذا الموضع تتغير العين من صفة إلى صفة في ضمان المشترى فينبغي أن يسقط
الخيار عندهم جميعا وإنما هذا للاختلاف في ذمي اشترى من ذمي خمرا على أن المشترى
بالخيار وقبضها ثم أسلم. فعندهما يسقط خياره لأنه كان مالكا فلا يردها بعد اسلامه. وعند
أبي حنيفة يبطل البيع لأنه لم يكن مالكا ولو لم يبطل البيع يتملكها عند اسقاط الخيار بحكم
العقد بعد اسلامه وذلك لا يجوز. ومنها ان من اشترى جارية على أنه بالخيار وقبضها ثم
ردها بحكم الخيار فعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يجب على البائع استبراء جديد لأنه لم
66

يدخل في ملك غيره عنده وعندهما يجب ولو حاضت عند المشترى في مدة الخيار ثم أسقط
خياره عند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يجتزى بتلك الحيضة من الاستبراء وعندهما يجتزى بها
ومنها العبد المأذون إذا اشترى عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام فأبرأه البائع من الثمن ثم أراد
رده بخياره فله ذلك عند أبي حنيفة لأنه لم يكن مالكا له فهو بالرد يمتنع من تملكه. وعندهما
كان مالكا فلو رده بعد ما أبرأه عن الثمن يخرج العبد عن ملكه بغير عوض والعبد المأذون
لا يملك ذلك. قال (نصراني اشترى من نصراني خمرا فلم يقبضها حتى أسلم أحدهما إما البائع
أو المشترى فلا بيع بينهما) استحسانا وفي القياس يبقى البيع بينهما صحيحا لان المشترى ملك
الخمر بنفس العقد والإسلام لا يمنعه من قبضها * ألا ترى أنه لو كانت خمرا مغصوبة له في يد
غيره كان له أن يقبضها بعد الاسلام فكذلك في البيع * وجه الاستحسان ان الاسلام يمنع
القبض هنا لان هذا القبض مشابه بالعقد من حيث أنه يتأكد به ملك العين ويستفاد به ملك
التصرف فكما أن الاسلام من أحدهما يمنع ابتداء العقد على الخمر فكذلك يمنع القبض
بحكم العقد وفوات القبض المستحق بالعقد مبطل للعقد يوضحه ان الطارئ بعد العقد قبل
القبض من الزوائد يجعل كالموجود عند العقد حكما. فكذلك الطارئ من اسلام أحدهما يجعل
كالموجود عند العقد. وكذلك السلم في الخمر يعين إذا أسلم نصراني إلى نصراني في خمر يجوز
فان أسلم أحدهما قبل قبض الخمر فهو على هذا القياس والاستحسان وعن أبي يوسف انه
(قال) في السلم أخذ بالاستحسان وفي مبيع العين أخذنا بالقياس لان القبض بحكم السلم يوجب
الملك في غير المقبوض وهو نظير العقد في أن اسلام أحد المتعاقدين يمنع العقد على الخمر فأما
في بيع العين القبض ناقل للضمان وليس بموجب ملك العين فهو بمنزلة استرداد المغصوب
. قال (وإن كان المشترى قبض الخمر ولم يرد الثمن حتى أسلما أو أسلم أحدهما فالبيع ماض
والثمن عليه) لان حكم العقد ينتهى في الحرام بالقبض والإسلام الطارئ لا يؤثر في المنع من
قبض الثمن * يقرره أن الاسلام إذا طرأ فإنه يلاقى الحرمة القائمة بالرد والماضية بالعفو كنزول
آية الربا على ما نص الله تعالى عليه بقوله (وذروا ما بقي من الربا) أي ما بقي غير مقبوض فعرفنا
أن الاسلام المحرم إذا طرأ لا يتعرض للمقبوض. قال (وإذا اشترى الرجل عبدين بألف
درهم على أن أحدهما له لازم وهو في الآخر بالخيار فهو فاسد) لان الذي لزمه العقد فيه
منهما مجهول والزام العقد في المجهول لا يجوز. وكذلك أن سمى لكل واحد منهما ثمنا فإن لم
67

يبين الذي لزمه العقد فيه منهما فهذا فاسد أيضا لما قلنا وان بين ذلك فحينئذ يجوز لان الذي
لزمه العقد فيه معلوم وثمنه مسمى معلوم والذي له الخيار فيه معلوم فكأن العقد كان في
صفقتين متفرقتين فان اشترى أحدهما بعينه في صفقة واحدة على أنه بالخيار فيه والاخر في
صفقة من غير خيار ولو لم يكن الذي لزمه العقد فيه معيبا وقبضهما وماتا في يده فهو ضامن
لقيمتهما لأنه قبضهما بحكم الشراء الفاسد فكل واحد منهما يكون مضمونا عليه بالقيمة والله
أعلم بالصواب.
(باب الخيار بغير الشرط)
(قال) رحمه الله وإذا اشترى الرجل جراب هروي أو زيتا في زق أو حنطة في جوالق
فلم ير شيئا من ذلك فهو بالخيار إذا رآه عندنا و (قال) الشافعي رحمه الله إن لم يكن جنس المبيع
معلوما للمشترى فالعقد باطل قولا واحدا وإن كان جنس المبيع معلوما فله فيه قولان احتج
في ذلك بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر والغرر ما يكون مستورا لعاقبة وذلك
وجود فيما لم يره وبنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الانسان والمراد ما ليس
بحاضر مرئيا للمشترى لإجماعنا على أن المشترى إذا كان رآه فالعقد جائز وإن لم يكن حاضرا
عند العقد لأنه لم يعرف من المعقود عليه الا الاسم فلا يجوز البيع كما لو قال بعت منك
عبدا ولم يشر إليه ولا إلى مكانه ومعنى هذا الكلام ان جميع أوصاف المعقود عليه مجهولة
وطريق معرفتها الرؤية دون الخبر * ألا ترى أن العقد لا يلزم قبل الرؤية مع سلامة
المعقود عليه والرضا بلزومه ولو كان الوصف طريقا للاعلام هنا لكان العقد يلزم باعتباره
* يوضحه ان المقصود هو المالية ومقدار المالية لا يصير معلوما الا بالرؤية فالجهل بمقدار
المالية قبل الرؤية بمنزلة انعدام المالية في افساد العقد كبيع الآبق فان المالية في الآبق
قائمة حقيقة ولكن لا يتوصل إليه للبعد عن اليد فيجعل ذلك كفوات المالية في
المنع من جواز البيع ولهذا لا يجوز بيع الجنين في بطن وبيع اللبن في الضرع ولان البيع
نوعان بيع عين وبيع دين وطريق معرفة المبيع فيما هو دين الوصف يعنى المسلم فيه وفي
ما هو عين المشاهدة ثم ما هو الطريقة لمعرفة المعقود عليه في بيع الدين وهو الوصف إذا
تراخى عن حالة العقد لم يجز العقد فكذلك ما هو الطريق للمعرفة في بيع العين وهو الرؤية
68

إذا تأخر عن حالة العقد لا يجوز العقد. وحجتنا في ذلك ما روى في المشاهير أن النبي صلى الله
عليه وسلم (قال) من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه والهاء في قوله لم يره كناية
فينصرف إلى المكنى السابق وهو الشئ المشترى والمراد خيار لا يثبت الا بعد تقدم الشراء
وذلك الخيار بين فسخ العقد والزامه دون خيار الشراء ابتداء وتصريحه باثبات هذا
الخيار له تنصيص على جواز شرائه وهذا الحديث رواه عبد الله بن عباس رضى الله تعالى
عنهما وعطاء والحسن البصري وسلمة بن المجير رحمهم الله تعالى مرسلا عن النبي صلى الله
عليه وسلم لشهرته والمعنى فيه أن المبيع معلوم العين مقدور التسليم فيجوز بيعه كالمرئي وبيان
الوصف انه مشار إلى عينه فان الخلاف في جارية قائمة بين يديه مبيعة فلا شك ان عينها معلومة
بالإشارة إليها. وكذلك أن أشار إلى مكانها وليس في ذلك المكان مسمى بذلك الاسم غيرها
فاما كونها جارية وكونها مملوكة فلا طريق إلى معرفة ذلك الأخير التابع له فإنها وان
رفعت النقاب لا يعلم ذلك الا بقول البائع وقد أخبرته وهذا لان خبر الواحد في المعاملات
يوجب العلم من حيث الظاهر ولهذا من علم شيئا مملوكا لإنسان ثم رآه في يد غيره يبعه ويزعم أنه
اشتراه من الأول أو انه وكله ببيعه جاز له ان يشترى منه بناء على خبره فإنما نفى تقدم رؤية
وجهها الجهل بصفات الوجه وجواز العقد وفساده لا ينبنى على ذلك لان الجهل ببعض
أوصافها لا يكون أكثر تأثيرا من فوات بعض الأوصاف بان كانت محترقة الوجه أو
معيبة بعيب آخر وذلك لا يمنع جواز العقد وإن كان يمنع لزوم العقد فكذلك الجهل
لبعض الأوصاف * ألا ترى ان عدم المعقود عليه يمنع العقد والجهل بالمعقود عليه في بعض
المواضع لا يمنع العقد وهو انه إذا باع قفيزا من الصبرة فان عين المعقود عليه مجهول وجاز
العقد فدل ان تأثير العدم فوق تأثير الجهل * يوضحه ان الجهالة إنما تفسد العقد إذا كانت
تفضى إلى المنازعة كما في شاة من القطيع فاما إذا لم تفض إلى المنازعة لا تفسد البيع كبيع
القفيز من الصبرة وجهالة الأوصاف بسبب عدم الرؤية لا تفضي إلى المنازعة بعدما صار
معلوم العين وإنما تأثير هذه الجهالة في انعدام تمام الرضا به وذلك شرط انبرام العقد لا شرط
جوازه * ألا ترى أن البيع يجوز مع خيار الشرط ولا يلزم لانعدام تمام الرضا. وكذلك
في العيب الا ان هناك السبب المانع من تمام الرضا شرط الخيار منه وهو محتمل للاسقاط فإذ
أسقطه تم الرضا في العيب والسبب بثبوت الحق المطالبة بالجزء الفائت وهو محتمل
69

للاسقاط فإذا أسقطه تم الرضاء به وهنا السبب هو الجهل بأوصاف المعقود عليه وذلك
لا ينعدم الا بالرؤية فلهذا لا يسقط خياره وان أسقطه قبل الرؤية * والدليل عليه ان جهالة
العين كما تمنع جواز البيع تمنع جواز النكاح حتى لو. قال زوجتك احدى ابنتي أو زوجتك
احدى أمتي لم يصح النكاح ثم عدم الرؤية لا تمنع صحة النكاح فعرفنا أنه لا يوجب جهالة
العين الا ان في النكاح العقد يلزم لان لزومه لا يعتمد تمام الرضا ولهذا لزم مع اشتراط
الخيار والعيب بخلاف البيع وعليه نقيس لعلة ان هذا عقد معاوضة فعدم رؤية المعقود
عليه لا تمنع جوازه كالنكاح ولأنه ليس في هذا أكثر من أن ما هو المقصود بالعقد
مسترر بغيره وهذا لا يمنع جواز الشراء كما إذا اشترى جوزا أو بيضا أو اشترى فقاعا في
كوز يجوز فالمقصود بالعقد مسترر بغيره * يوضحه أن الشافعي رحمه الله لا يجوز بيع اللوز
الرطب والجوز الرطب في قشرين ويجوز بيع اليابس منهما لأنه في قشر واحد وفي الوجهين
المقصود وهو اللب دون القشر وهو مسترر بما ليس بمقصود وهذا بخلاف السلم لان
جهالة الوصف هناك تفضي إلى المنازعة المانعة من التسليم ولان العقد يرد على الأوصاف في
باب السلم فان الدين وصف في الذمة والبدل بمقابلتها فإذا لم يذكر عند العقد لم يجز العقد
لانعدام المعقود عليه وبيع الآبق إنما لا يجوز للعجز عن التسليم لا لعدم المالية ولهذا
جوزنا هبته من ابنه الصغير. وبيعه ممن في يده. وبيع الجنين في البطن إنما لا يجوز لانعدام
المالية فيه مقصودا فإنه في البطن جزء من أجزاء الأم * ألا ترى أنه لا يحتمل التزويج
مقصودا. فكذلك البيع بخلاف ما نحن فيه وتأويل النهى عن بيع ما ليس عند الانسان بيع
ما ليس في ملكه بدليل قصة الحديث فان حكيم بن حزام رضي الله عنه (قال) يا رسول
الله ان الرجل يطلب منى سلعة ليست عندي فأبيعها منه ثم أدخل السوق فاستحدثها
فاستجيدها فاشتريها فأسلمها إليه (فقال) صلى الله عليه وسلم لا تبع ما ليس عندك والنهى عن
بيع الغرر ينصرف إلى مالا يكون معلوم العين إذا عرفنا هذا فنقول هنا فصلان. (أحدهما)
البائع إذا لم ير المبيع قط بأن ورث شيئا فباعه قبل الرؤية فالبيع جائز عندنا. وكان أبو حنيفة
رضي الله عنه أولا يقول له الخيار ثم رجع و (قال) لا خيار له و (قال) الشافعي لا يجوز بيعه
قولا واحدا والدليل على جوازه ما روى أن عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه باع أرضا
كانت له بالبصرة من طلحة رضى الله تعالى عنه فقيل لطلحة انك قد عينت (فقال)
70

الخيار لي لأني اشتريت ما لم أره فذكر ذلك لعثمان رضى الله تعالى عنه فقال لي الخيار
لأني بعت ما لم أره فحكما جبير بن مطعم رضى الله تعالى عنه في ذلك فقضي بالخيار لطلحة
رضى الله تعالى عنه فقد اتفقوا على جواز الشرط ولهذا رجع أبو حنيفة حين بلغه الحديث
و (قال) لا خيار للبائع وهذا لان تمام رضاه باعتبار علمه بما يدخل في ملكه لا بما يخرج
عن ملكه والمبيع يخرج عن ملك البائع وإنما يدخل في ملكه الثمن وهو طريق اعلامه
التسمية دون الرؤية. فاما إذا كان البائع قد رأى المعقود عليه ولم يره المشترى فهو على
الخلاف الذي قلنا وبعد العقد قبل الرؤية للمشترى أن يفسخ العقد لان تمكنه من الفسخ
باعتبار أن العقد غير لازم وما لم يتم الرضا به لا يكون العقد لازما فكان له أن يفسخ
العقد قبل الرؤية وليس له أن يلزم العقد قبل الرؤية لان اللزوم يعتمد تمام الرضا وإنما يتم
رضاه إذا علم بالأوصاف التي هي مقصوده وإنما يصير ذلك معلوما بالرؤية وهذا بخلاف خيار
العيب فان العلم بالأوصاف قبل رؤية موضع العيب يثبت على الوجه الذي اقتضاه العقد وهو
صفة السلامة فإنما يثبت خيار العيب لثبوت حق المطالبة له بتسليم الجزء الفائت وذلك يحتمل
الاسقاط فلهذا صح الابراء قبل رؤية العيب * يوضحه أن في الرضا قبل الرؤية هنا ابطال
حكم ثبت بالنص وهو الخيار للمشترى عند رؤية المعقود عليه لأنه يراه بعد ذلك ولا خيار
له وليس له في الفسخ ابطال حكم ثابت بالنص لأنه يوجد رؤية المعقود عليه خاليا عن الخيار
وقد أثبت الشرع الخيار عند رؤية المعقود عليه بخلاف الفسخ قبل الرؤية لان بالفسخ
خرج من أن يكون معقودا عليه فلا يوجد بعد ذلك رؤية المعقود عليه خاليا عن الخيار ثم
يشترط لاسقاط الخيار هنا الرؤية التي توجب اعلام ما هو المقصود وذلك في بني آدم برؤية
الوجه وفي الدواب برؤية وجهها وكفلها ومؤخرها فيما يروى عن أبي يوسف وفى الغنم يحتاج
مع ذلك إلى الجنس وفيما يكون المقصود منه اللبن يحتاج إلى رؤية الضرع وفيما يعلم بالذوق
والشم يحتاج إلى ذلك أيضا لان العلم بما هو المقصود إنما يحصل به فلا يسقط خياره ما لم
يرض بعد العلم بما هو المقصود صريحا أو دلالة وليس للخيار في هذا وقت. لان الحديث ورد
بخيار مطلق للمشترى فالتوقيت فيه زيادة على النص ولان هذا في معنى خيار العيب وذلك
لا يتوقت إلا أن خيار العيب يجوز الصلح عنه على مال. بخلاف خيار الرؤية لان الحق هناك
في الجزء الفائت والاصطلاح يكون على رد حصة الجزء الفائت من الثمن ولهذا لو تعذر
71

الرد رجع بحصة العيب من الثمن وهنا الخيار للجهل بأوصاف المعقود عليه وذلك ليس بمال
فلا يجوز الصلح عنه على مال كخيار الشرط. ولهذا قلنا إن خيار العيب يورث. لان الوارث
يقوم مقام المورث فيما هو مال وخيار الرؤية لا يورث كخيار الشرط. قال (فان رأى بعض
الثياب فهو فيما بقي منها بالخيار) لان الثياب تتفاوت فلا يستدل برؤية بعضها على رؤية البعض
وإذا أراد الرد فليس له أن يرد ما لم يره خاصة ولكن يرد الكل أو يمسك الكل لان خيار
الرؤية يمنع تمام الصفقة كخيار الشرط فان كل واحد منهما يمنع اللزوم لعدم تمام الرضا فكما أن
من له خيار الشرط لا يتمكن من تفريق الصفقة قبل التمام بلزوم العقد. فكذلك من له خيار
الرؤية ويستوى في ذلك ما قبل القبض وما بعد القبض لان الصفقة إنما تتم بالقبض باعتبار
تمام الرضا ولا يكون ذلك قبل الرؤية بخلاف خيار العيب فهناك الصفقة تتم بالقبض لتمام الرضا به
على ما هو مقتضى العقد وهو صفة السلامة. قال (ولو تعذر رد البعض الهالك في يد المشترى
قبل الرؤية فليس له أن يرد ما بقي) لأنه تعذر عليه رد الهالك وليس له أن يفرق الصفقة في
الرد قبل التمام فمن ضرورة تعذر الرد في الهالك تعذر الرد فيما بقي الا في رواية عن أبي يوسف
(قال) له أن يرد ما بقي لأنه لو صرح بالزام العقد قبل الرؤية لم يسقط خياره فبهلاك البعض
أولى أن لا يسقط خياره فيما بقي ولكنه قبل الهلاك باختياره رد البعض هو فاسد للاضرار
بالبائع فيرد عليه قصده. وذلك لا يوجد بعد الهلاك فيتمكن من رد ما بقي وكذلك كل حيوان
أو عرض. فأما السمن والزيت والحنطة فلا خيار له إذا اشتراها بعد رؤية بعضها لان المكيل
أو الموزون من جنس واحد لا يتفاوت فبرؤية البعض تصير صفة ما بقي منه معلوما والأصل
ان كل ما يعرض بالنموذج فرؤية جزء منه يكفي لاسقاط الخيار فيه ومالا يعرض بالنموذج
فلا بد من رؤية كل واحد منهما لاسقاط الخيار وفيما يعرض بالنموذج إنما يلزم العقد إذا كان
ما لم يره مثل ما رآه أو أجود مما رآى. فإن كان أدنى مما رأى فله الخيار لأنه إنما رضى
بالصفة التي رآى فإذا تغير لم يتم الرضا به وان اختلفا. فقال المشترى قد تغير و. قال البائع لم يتغير
فالقول قول البائع مع يمينه وعلى المشترى البينة لان دعواه التغير بعد ظهور سبب لزوم العقد
وهو رؤية جزء من المعقود عليه بمنزلة دعوى العيب في المشترى ولو ادعى عيبا بالمبيع فعليه
أن يثبت ذلك بالبينة والقول قول البائع مع يمينه إن لم يكن له بينة فهذا مثله. قال (وإذا رأى
متاعا مطويا ولم يقسه ولم ينشره فاشتراه على ذلك فلا خيار له) لان في الثوب الواحد يستدل
72

برؤية طرف منه على ما بقي فلا تتفاوت أطراف الثوب الواحد الا يسيرا وذلك غير معتبر
ولان رؤية كل جزء منه يتعذر. قالوا وهذا إذا لم يكن في طي الثوب ما هو المقصود فإن كان
في طي الثوب ما هو مقصود كالعلم لم يسقط خياره ما لم ير ذلك الموضع يعنى موضع العلم
لان المالية تتفاوت بجنسه وهو نظير النظر إلى وجه الآدمي فإنه وان رأى سائر المواضع من
جسده لا يسقط خياره ما لم ير وجهه. قال (ولو كان رآه قبل الشراء ثم اشتراه فلا خيار له
إلا أن يكون قد تغير عن الحال الذي رآه عليه وان ادعى المشترى التغير فالقول قول البائع مع
يمينه) لانكاره وعلى المشترى البينة وهذا إذا كانت المدة قريبة يعلم أنه لا يتغير في مثل تلك
المدة فاما إذا تطاولت المدة فالقول قول المشترى. أرأيت لو كانت جارية شابة ثم اشتراها بعد
عشرين سنة فزعم البائع انها لم تتغير أكان يصدق على ذلك فهذا مما يعرفه كل عاقل فالظاهر
يشهد فيه للمشترى فالقول قوله. قال (وإذا اشترى شيئا ثم أرسل رسولا يقبضه فهو بالخيار
إذا رآه ورؤية الرسول وقبضه لا يلزمه المتاع) لان المقصود علم العاقد بأوصاف المعقود عليه
ليتم رضاه وذلك لا يحصل برؤية الرسول فأثر ما فيه أن قبض رسوله كقبضه بنفسه ولو قبض
بنفسه قبل الرؤية كان بالخيار إذا رآه فكذلك إذا أرسل رسولا فقبضه له فاما ذا وكل وكيلا بقبضه
فرآه الوكيل وقبضه لم يكن للموكل فيه خيار بعد ذلك في قول أبي حنيفة رضي الله عنه و (قال)
أبو يوسف ومحمد رحمهما الله له لخيار إذا رآه لان القبض فعل والرسول والوكيل فيه سواء
وكل واحد منهما مأمور باحراز العين والحمل إليه والنقل إلى ضمانه بفعله ثم خياره لا يسقط برؤية
الرسول. فكذلك برؤية الوكيل وكيف يسقط خياره برؤيته وهو لو أسقط الخيار نصا لم يصح
ذلك منه لأنه لم يوكله به. فكذلك إذا قبض بعد الرؤية وقاسا بخيار الشرط والعيب فإنه لا يسقط
بقبض الوكيل ورضاه به. فكذلك خيار الرؤية وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول التوكيل بمطلق
القبض يثبت للوكيل ولأنه إتمام القبض كالتوكيل بمطلق العقد يثبت للوكيل ولان اتمامه
وتمام القبض لا يكون الا بعد تمام الصفقة والصفقة لا تتم مع بقاء خيار الرؤية فيضمن التوكيل
بالقبض إنابة الوكيل مناب نفسه في الرؤية المسقطة لخياره بخلاف الرسول فان الرسول ليس
إليه الا تبليغ الرسالة فأما اتمام ما أرسل به ليس إليه كالرسول بالعقد ليس إليه من القبض
والتسليم شئ والدليل على الفرق بين الوكالة والرسالة ان الله تعالى أثبت صفة الرسالة لنبيه صلى
الله عليه وسلم وبقي الوكالة بقوله تعالى (قل لست عليكم بوكيل) وهذا بخلاف خيار العيب
73

فان بقاءه لا يمنع تمام الصفقة والقبض ولهذا ملك بعد القبض رد المعيب خاصة * يوضحه ان
خيار العيب لثبوت حق المطالبة بتسليم الجزء الفائت وذلك للموكل والوكيل لا يملك
اسقاطه لأنه فوض إليه الاستيفاء دون الاسقاط فأما خيار الشرط فقد منعه بعض أصحابنا
رحمهم الله والأصح هو التسليم والفرق بينهما أنا نجعل في الموضعين فعل الوكيل كفعل
الموكل والموكل لو قبض بنفسه بعد الرؤية سقط به خياره. فكذلك قبض الوكيل ولم يسقط
خيار الشرط بقبض الوكيل بحال وهذا لان من شرط الخيار استثنى رضاه نصا فلا بد
لسقوط خياره من اسقاطه أو اسقاط نائبه والوكيل ليس بنائب عنه في اسقاط حصة الذي
استثناه لنفسه أو يقول سقوط خيار الرؤية من حقوق العقد لان الرؤية تكون عند
القبض عادة والوكيل بالشئ فيما هو من حقوقه كالمباشر لنفسه بمنزلة الوكيل بالعقد بخلاف
خيار الشرط فاسقاطه لا يكون عند القبض والرؤية بل بالتأمل فيه بعد مدة بعيدة ولان الوكيل
بقبض المبيع بمنزلة الوكيل بالعقد لان القبض مشابه بالعقد من حيث إنه يستفاد به ملك
التصرف ثم رؤية الوكيل بالعقد تجعل كرؤية الموكل. فكذلك رؤية الوكيل بالقبض بخلاف
خيار العيب فرضاء الوكيل بالعيب لا يكون ملزما الموكل. ألا ترى أنه بعد الشراء لو وجد
بالمبيع عيبا فرضي به الوكيل وأبى الموكل أن يرضى به فله أن لا يرضى بخلاف خيار الشرط
فالوكيل بالعقد لا يملك اسقاط خيار الشرط الذي استثناه الامر لنفسه نحو ما إذا أمره بأن
يشترط له الخيار. فكذلك الوكيل بالقبض لا يملك اسقاطه. قال (وإذا اشترى عدل رضي
لم يره ثم باع منه ثوبا ثم نظر إلى ما بقي فلم يرض به لم يكن له أن يرده الا من عيب يجده فيه)
لأنه تعذر الرد فيما باع وليس له أن يفرق الصفقة في الرد بخيار الرؤية فإذا عاد إلى ملك البائع
ما باع بسبب فهو فسخ من كل وجه فله أن يرد الكل بخيار الرؤية لزوال المانع الا في رواية
علي بن الجعد رحمه الله عن أبي يوسف أنه يقول خيار الرؤية كخيار الشرط فلا يعود بعد
ما سقط وان عاد إلى قديم ملكه وإن كان باعه على أنه بالخيار فإن كان بعد الرؤية فهو دليل
الرضا منه فيسقط خياره وإن كان قبل الرؤية فهو على خياره لأنه لم يتعذر عليه رد الكل
بما أحدث من التصرف فلو أسقطنا خياره لأسقطنا بايجابه البيع في الثوب وذلك لا يكون
أقوى من تصريحه باسقاط خيار الرؤية ولو صرح بذلك لم يسقط خياره قبل الرؤية. فكذلك
إذا باعه على أنه بالخيار فإن كان بعد الرؤية فهو دليل الرضى منه فسقط خياره وإن كان قبل الرؤية
74

فهو على خياره لأن لم يتعذر عليه رد الكل بما أحدث من التصرف فلو أسقطنا خياره لأسطقنا
بايجابه البيع في الثوب وذلك لا يكون أقوى من تصريحه باسقاط خيار الرؤية. ولو صرح بذلك
لم يسقط خياره قبل الرؤية. فكذلك إذا باعه على أنه بالخيار. وكذلك لو قطع ثوبا منه وألبسه
حتى تغير فقد تعذر عليه رد هذا الثوب كما قبضه وليس له أن يرد ما بقي لما فيه من تفريق الصفقة
قبل التمام. قال (وإذا اشترى عدل رضى بثمن واحد أو كل ثوب بعشرة أو كر حنطة أو
خادمين فحدث في شئ من ذلك عيب قبل أن يقبضه أو كان العيب فيه فعلم به فليس له إلا أن
يرده كله أو يأخذه كله) لما في رد البعض من تفريق الصفقة قبل التمام ولان الرد بالعيب قبل
القبض بمنزلة الرد بخيار الشرط وخيار الرؤية ولهذا ينفرد الراد به من غير قضاء ولا رضاء
وهذا لأنه لا حصة من الثمن قبل القبض فهو مجرد خيار يثبت له ليدفع به الضرر عن نفسه
لا حصة للجزء الفائت من المثمن قبل القبض لأنه وصف فلا يمكن من الحاق الضرر بالبائع
في تفريق الصفقة عليه ولكن يرد الكل أو يمسك الكل والحادث من العيب قبل القبض
كالموجود عند العقد لأن المبيع في ضمان البائع ولو هلك كان هلاكه على البائع. فكذلك إذا
فات جزء منه ولان الزيادة التي تحدث في العين قبل القبض لما جعلت في حكم الموجود
عند العقد. فكذلك النقصان الحادث في العين قبل القبض. وكذلك لو قبض أحدهما دون
الآخر لان تمام الصفقة تعلق بالقبض فلا يثبت الا بعد قبض لجميع كسقوط حق البائع في
الجنس لما تعلق بوصول الثمن إليه فما لم يقبض جميع الثمن بقي حقه في الجنس فيستوى في ظاهر الرواية
ان وجد العيب بالمقبوض فله أن يرده خاصة وان وجد بالذي لم يقبض فليس له إلا أن يردهما
لأنه يجعل في حكم ما وجد به العيب كان الآخر بصفته وأما إذا علم بالعيب بعد ما قبضهما فله أن
يرد المعيب خاصة وقد لزمه البيع في الآخر بحصته من الثمن الا على قول زفر فإنه يقول يردهما
ان شاء لان ضم الجيد إلى الردئ عادة ظاهرة في البيع فلو رد الردئ بالعيب خاصة
تضرر به البائع فلدفع الضرر عنه اما أن يردهما أو يمسكهما كما في الرد بخيار الشرط والرؤية
ولكنا نقول حق المشترى بعد القبض في المطالبة بتسليم الجزء الفائت ولأجله يتمكن من الرد
ولهذا إذا تعذر الرد رجع بحصة العيب من الثمن وهذا المعنى تقتصر على العيب فلا يتعدى
حكم الرد إلى محل آخر وهذا لان الصفقة تتم بالقبض لوجود تمام الرضا من المشترى عند
صفة السلامة كما أوجبه العقد وبه فارق خيار الشرط والرؤية فالمانع من تمام الصفقة هناك
75

عدم الرضا للجهل بأوصاف المعقود عليه أو بشرط الخيار وهذا باق وفي رد أحدهما تفريق
الصفقة قبل التمام فلهذا لا يتمكن منه. وأما ما كان من مكيل أو موزون من ضرب واحد
فليس له إلا أن يرد كله أو يمسك كله لان الكل في الحكم واحد * ألا ترى أن الكل تسمى
باسم واحد وهو الكر فالشئ الواحد لا يرد بعضه بالعيب دون البعض * يوضحه انه إذا ميز
المعيب ازداد عيبه فالمعيب من الحنطة عند الاختلاط بما ليس بمعيب لا يتبين فيه من العيب
ما يتبين إذا ميز عما ليس بمعيب والمشترى لا يتمكن من الرد بعيب أكثر مما خرج من
ضمان البائع وبعض المتأخرين رحمهم الله تعالى يقولون هذا إذا كان الكل في وعاء واحد فاما
إذا كان في وعائين فوجد ما في أحد الوعائين معيبا فله أن يرد ذلك بالعيب ان شاء بمنزلة
الثوبين والجنسين كالحنطة والشعير لأنه يرده على الوجه الذي خرج من ضمان البائع والا ظهر
في الجنس الواحد بصفة واحدة انه كشئ واحد سواء كان في وعاء واحد أو في وعائين
فاما أن يرد الكل أو يمسك الكل. قال (وإذا اشترى ثوبين أو عبدين بثمن واحد وقبضهما ثم
استحق أحدهما فالآخر له لازم لان الاستحقاق لا يمنع تمام الصفقة بالقبض فان العقد
حق العاقد فتمامه يستدعى تمام الرضا من العاقد به وبالاستحقاق ينعدم رضا المالك لا رضا
العاقد ولهذا قلنا في الصرف ورأس مال السلم لو أجاز المستحق بعد ما افترقا يبقي العقد صحيحا
فإذا عرفنا تمام الصفقة بالقبض قلنا يرجع بثمن المستحق لان ذلك لم يسلم له والبيع لازم له في
الآخر لأنه سالم واستحقاق أحدهما لا يمكن نقصانا في الآخر وان استحق أحدهما قبل
القبض فله الخيار في الآخر ليفرق الصفقة عليه قبل التمام وكذلك لو قبض أحدهما ولم يقبض
الآخر حتى استحق المقبوض أو لذي لم يقبض فله الخيار في الباقي لما بينا أن تمام الصفقة يقبض
جميع ما يتناوله العقد فما بقي شئ منه غير مقبوض لا تكون الصفقة تامة ولو كان ثوب واحد
أو عبد أو شئ مما لا يتبعض فاستحق بعضه قبل القبض أو بعده فله أن يرد ما بقي بعيب
الشركة فالتجار يعدون الشركة فيما يضره التبعيض عيبا فاحشا. قال (وإذا اشترى شيئا مما يكال
أو يوزن فاستحق بعضه قبل القبض أو وجده ناقصا فله أن يترك ما بقي) لتفرق الصفقة عليه
قبل التمام وان استحق البعض بعد القبض فلا خيار له فيما بقي لان هذا لا يضره التبعيض
وباستحقاق البعض لا يتعيب ما بقي وقد تمت الصفقة بالقبض. قال (ولو اشترى دارا فنظر إلى
ظاهرها خارجا منها ولم يدخلها فليس له أن يردها الا بعيب) عندنا و (قال) زفر له أن يردها
76

وقيل هذا الجواب بناء على دورهم بالكوفة فإنها تختلف بالسعة والضيق وفيما وراء ذلك يكون
بصفة واحدة وهذا يصير معلوما بالنظر إلى جدرانها من خارج. فاما في ديارنا مالية الدور
تختلف بقلة المرافق وكثرتها وذلك لا يصير معلوما الا بالنظر إليها من داخل فالجواب على
ما (قال) زفر ومن حقق الخلاف في المسألة فحجة زفر هنا الذي ذكرنا الجواب. وحجتنا ان
النظر إلى كل جزء من أجزائها متعذر فإنه يتعذر عليه أو ينظر إلى ما تحت السور والى ما بين
الحيطان من الجذوع والأسطوانات وإذا سقط شرط رؤية الكل للتعذر أقمنا رؤية جزء
منها مقام رؤية الجميع تيسيرا. قال (والأعمى في كل ما اشترى إذا لم يقلب ولم يجس بالخيار) فإذا
قلب أوجس فهو بمنزلة النظر من الصحيح ولا خيار له إلا أن يجد به عيبا والكلام في فصول
(أحدها) جواز العقد عندنا من الأعمى بيعا كان أو شراء و (قال) الشافعي رحمه الله إن كان
بصيرا فعمى. فكذلك الجواب وإن كان أكمه فلا يجوز بيعه وشراؤه أصلا لأنه لا يعرف
لون الأشياء وصفتها وهذا غلط منه فالناس تعارفوا معاملة العميان من غير نكير منكر
وتعامل الناس من غير نكير منكر أصل في الشرع ثم من أصله ان من لا يملك أن يشترى بنفسه
لا يملك أن يأمر غيره به فإذا احتاج الأعمى إلى مأكول ولا يتمكن من أن يشتري أو يوكل
به مات جوعا وفيه من القبح ما لا يخفى فإذا ثبت جواز شرائه (قلنا) إن كان المشترى مما يعرف
بالجس أو الذوق فهو كالبصير في ذلك وإن كان مما تعرف صفته بالجس كما تعرف بالرؤية
فالمس فيه كالرؤية من البصير حتى لو لمسه. وقال رضيت به يسقط خياره ومالا يمكن معرفته
كالعقارات فإنه يوصف له بأبلغ ما يمكن فإذا. قال قد رضيت سقط خياره لان ذكر الوصف
يقام مقام الرؤية في موضع من المواضع كما في عقد السلم والمقصود رفع العين عنه وذلك
يحصل بذكر الوصف وإن كان بالرؤية أتم وعن أبي يوسف رحمه الله (قال) تعاد إلى ذلك الموضع
فإذا كان بحيث لو كان بصيرا رأى. فقال قد رضيت سقط خياره وجعل هذا كتحريك الشفتين
من الأخرس فإنه يقام مقام عبارة الناطق في التكبير والقراءة لان الممكن ذلك القدر و (قال)
الحسن ابن زياد يوكل بصيرا بالقبض حتى يرى البصير له فيقبض وهذا أشبه بقول أبي حنيفة
فالوكيل بالقبض عنده يجعل في الرؤية كالموكل وقال بعض أئمة بلخ رحمهم الله يمس الحيطان
والأشجار فإذا قال قد رضيت يسقط خياره لان الأعمى إذا كان زكيا يقف على مقصوده في
ذلك بالمس و (حكى) ان أعمى اشترى أرضا. فقال قيدوني إليها ففادوه فجعل يمس الأرض حتى
77

انتهي إلى موضع منها فقال أموضع كدس هذا فقالوا لا فقال هذا الأرض لا تصلح لأنها لا
تكسوا نفسها فكيف تكسوني فكان كما قال فإذا كان الأعمى بهذه الصفة فرضى بها بعد
ما مسها سقط خياره والله أعلم بالصواب
(باب المرابحة)
(قال) رحمه الله وإذا اشترى شيئا بنسيئة فليس له أن يبيعه مرابحة حتى يتبين انه اشتراه
بنسيئة) لان بيع المرابحة بيع أمانة تنفى عنه كل تهمة وجناية ويتحرز فيه من كل كذب وفي
معاريض الكلام شبهة فلا يجوز استعمالها في بيع المرابحة ثم الانسان في العادة يشترى الشئ
بالنسيئة بأكثر مما يشترى بالنقد فإذا أطلق الاخبار بالشراء فإنما يفهم السامع من الشراء بالنقد
فكان من هذا الوجه كالمخبر بأكثر مما اشترى به وذلك جناية في بيع المرابحة * يوضحه أن المؤجل
نقص في المالية من الحال ولهذا حرم الشرع النساء عند وجود أحد الوصفين للفضل الخالي
عن المقابلة حكما فإذا باعه وكتم ذلك فالمشترى بالخيار إذا علم للتدليس الموجود من البائع وهذا
لان المشترى إنما التزم ربحا بناء على خبره انه اشتراه لنفسه بكذا من الثمن فلو علم أنه اشتراه
بالنسيئة لم يرغب في شرائه بالنقد بذلك القدر من الثمن فضلا من أن يعطيه على ذلك ربحا
فلحاجته إلى دفع الضرر أثبتنا له الخيار كما إذا وجد المعقود عليه دون ما شرط البائع فإن كان
هذا قد استهلك المبيع فالمبيع له لازم وليس له أن يرد الباقي منه ولا يرجع في شئ من الثمن
لأنه تعذر رده ومجرد الخيار إذا سقط لتعذر الرد بسببه لا يرجع بشئ بمنزلة خيار الرؤية
والشرط و (روى) عن محمد انه يرد قيمة المبيع ويرجع بالثمن أن شاء وهو صحيح على أصله فإنه
جوز فسخ العقد بسبب التحالف على القيمة بعد هلاك السلعة وجعل رد القيمة عند تعذر
رد العين كرد العين فكان ذلك باعتبار معنى في الثمن فهذا مثله والمعنى في الكل تحقق الحاجة
إلى دفع الضرر عن المشترى وهذا بخلاف خيار العيب على ظاهر الرواية فالمستحق للمشترى
هناك المطالبة بتسليم الجزء الفائت ولهذا يرجع بحصة العيب من الثمن إذا تعذر الرد وهنا
الثابت له مجرد الخيار والخيار ليس بمال. وكذلك أن استهلك بعضه فليس له أن يرد الباقي
منه لما فيه من تفريق الصفقة على البائع ولا يرجع في شئ من الثمن لما قلنا إن المبيع سلم له كما
استحقه بالعقد وإن لم يكن الاجل مشروطا وإنما كان متعادا كما هو الرسم بين الباعة أن
78

يودي المشترى الثمن منجما في كل أسبوع نجما فقد اختلف مشائخنا رحمهم الله تعالى في هذا
الفصل (قال) بعضهم له أن يبيعه مرابحة من غير بيان لان الثمن حال وبأن سامحه البائع
واستوفي الثمن منه منجما لا يخرج من أن يكون حالا. ومنهم من يقول المعروف كالمشروط
بالنص ولو كان الاجل مشروطا لم يكن له أن يبيعه مرابحة من غير بيان. فكذلك إذا كان متعارفا
ألا ترى ان الورثة في بعض الأشياء تستحق بالعرف وتجعل كالمشروط فهذا قياسه. قال (وإذا
اشترى خادما فاعورت أو ثوبا أو طعاما فأصابه عيب عند المشترى بغير فعل أحد فله أن يبيعه
مرابحة على جميع الثمن من غير بيان) و. قال زفر ليس له ذلك ما لم يبين لان المشترى لو علم أنه
اشتراه غير معيب بما سمى من البدل لم يلتزم له على ذلك ربحا ما لم يبين بعد ما تعيب وهذا
مذهب الشافعي أيضا بناء على مذهبه ان للأوصاف من الثمن حصة وان التعيب بآفة سماوية
وبصنع العباد فيه سواء ولكنا نقول بأن المشترى غير حابس شيئا من المعقود عليه فيكون
له ان ببيعه مرابحة كما لو تغير السعر وهذا لان الفائت وصف فيكون تبعا لا يقابله شئ من
البدل إذا فات بغير صنع أحد وإنما البدل بمقابلة الأصل وهو باق على حاله فيبيعه مرابحة
أرأيت لو اصفر الثوب أو توسخ أو نكس كان له أن يمنعه من المرابحة وفي نوادر هشام ذكر
عن محمد رحمه الله (قال) هذا إذا نقصه العيب شيئا يسيرا فان نقصه العيب قدر مالا يتغابن الناس
فيه لم يبعه مرابحة. قال (وكذلك أن تعيب بفعل المبيع بنفسه) لان ذلك هدرا وان تعيب بفعل
المشترى فليس له أن يبيعه مرابحة حتى يتبين لأنه حابس لجزء من المبيع بما أحدث فيه من
العيب وما يكون بيعا إذا صار مقصودا بالتناول كان له من الثمن حصة كالبائع إذا أتلف
شيئا من أوصاف المعقود عليه يسقط حصته من الثمن بخلاف ما إذا تعيب بغير فعل. وكذلك
ان عيبه أجنبي بأمر المشترى أو بغير أمره فان فعله بأمر المشترى كفعل المشترى بنفسه
وبغير أمره جناة موجبة ضمان النقصان عليه فيكون المشترى حابسا بدل جزء من المعقود
عليه. وذلك يمنعه من أن يبيعه مرابحة حتى يبين فان باعه ولم يبين كان للمشترى رده إذا علم
به وإن كان قد استهلك شيئا منه لم يكن له رد الباقي ولا الرجوع بشئ من الثمن فإن لم يصبه
عيب ولكنه أصاب من علة الدابة أو الدار أو الخادم شيئا فله أن يبيع المشترى مرابحة على
ثمنه لان العلة ليست بمتولدة من العين فلا يكون حابسا شيئا من المعقود عليه باعتبارها ولان
العلة بدل المنفعة واستيفاء المنفعة لا تمنعه من بيعها مرابحة وهذا لأنه أنفق عليها بإزاء ما نال
79

من المنفعة. قال (وإذا ولدت الجارية أو السائبة أو أثمر النخيل فلا بأس ببيع الأصل مع الزيادة
مرابحة) لأنه لم يحبس شيئا من المعقود عليه وان نقصتها الولادة فهو نقصان بغير فعل أحد
وبإزائه ما يجبره وهو الولد وفي مثل هذا النقصان كان له أن يبيعه مرابحة وإن لم يكن بإزاء
النقصان ما يجبره فإذا كان بإزائه ما يجبره أولى فان استهلك المشترى الزيادة لم يبع الأصل
مرابحة حتى يبين ما أصاب من ذلك لان ما استهلك متولد من العين ولو استهلك جزء من عينها
لم يبعها مرابحة بغير بيان. فكذا إذا استهلك ما تولد من العين. قال (وكذلك البان الغنم وأصوافها
وسمونها إذا أصاب من ذلك شيئا فلا يبيع الأصل مرابحة حتى يبين ما أصاب منها) لان ما
أصاب في حكم جزء من عينها. وعند الشافعي رحمه الله له أن يبيعها مرابحة بناء على مذهبه
ان الزيادة المنفصلة وان كانت متولدة من العين فهي بمنزلة الغلة حتى لا يمنع رد الأصل
بالعيب وسيأتي بيانه في باب العيوب إن شاء الله تعالى. قال (فإن كان أنفق عليها ما يساوى
ذلك في علفها وما يصلحها فلا بأس بأن يبيعها مرابحة من غير بيان لان حصول الزيادة
باعتبار ما أنفق عليها من ماله والغنم مقابل بالغرم ولان في بيع المرابحة يعتبر عرف التجار
ومن عاداتهم إذا اتفقوا بقدر ما أصابوا من الزيادة لا يعدون ذلك خيانة في بيع المرابحة
وان هلكت هذه الزيادة من غير أن ينتفع بها المشترى فله أن يبيعها مرابحة ولا يبين وإن كان
قد نقصت الأصول لان النقصان حصل بغير صنع أحد. قال (وإذا اشترى متاعا فله أن
يحمل عليه ما أنفق في القصارة والخياطة والكراء ويقول قام علي بكذا ولا يقول اشتريته بكذا
فإنه كذب) وهذا لان عرف التجار معتبر في بيع المرابحة فما جرى العرف بالحاقه برأس المال
يكون له أن يلحقه به ومالا فلا أو يقول ما أثر في المبيع فتزداد به ماليته صورة أو معنى
فله أن يلحق ما أتفق فيه برأس المال والقصارة والخياطة وصف في العين تزداد به المالية
والكراء. كذلك معنا لان مالية ماله حمل ومؤنة تختلف باختلاف الأمكنة فنقله من مكان إلى
مكان لا يكون الا بكرى ولكنه بعد الحاق ذلك برأس المال لو قال اشتريته بكذا يكون
كذبا فإنه ما اشتراه بذلك فإذا قال قام على بكذا فهو صادق في ذلك لان الشئ إنما يقوم
عليه بما يغرم فيه وقد غرم فيه القدر المسمى وإن كان في عقود متفرقة ولم يحمل عليه
ما أنفق على نفسه في سفره من طعام ولا كراء ولا مؤنة لانعدام العرف فيه ظاهرا ولان
80

بما أنفق على نفسه لا تزداد مالية البيع صورة ولا معنى وأما الرقيق فله أن يلحق بهم طعامهم
وكسوتهم بالمعروف ثم يقول قاموا على بكذا للعرف الظاهر في ذلك ولان في هذه النفقة
اصلاح مالية الرقيق فان بقاءهم على هيئتهم لا يكون بدون الانفاق بالمعروف. قال (وإذا اشترى
طعاما فأكل نصفه فله أن يبيع النصف الباقي مرابحة على نصف الثمن. وكذلك كل مكيل أو
موزون إذا كان صنفا واحدا) لأنه مما لا يتفاوت بحصة كل جزء منه من الثمن يكون معلوما
وبيع المرابحة على ذلك يبنى وإن كان مختلفا لا بيع الباقي منه مرابحة لان انقسام الثمن على
الأجناس المختلفة باعتبار القيمة وطريق معرفتها الحرز والظن فلم يكن حصة كل جنس من
الثمن معلوم يقينا ليبيعه مرابحة عليه. وكذلك الثوب الواحد إذا ذهب نصفه أو احترق
أو أحرقه انسان أو باعه أو وهبه فلا يبيع النصف الباقي مرابحة على الثمن الأول لان المسمى لا
ينقسم على ذرعان الثوب باعتبار الاجزاء والذرع صفة في الثوب وانقسام الثمن لا يكون على
الأوصاف فقد تتفاوت أطراف الثوب الواحد إذا ذهب نصفه * ألا ترى أنه يشترى ذراع
من أحد جانبيه بثمن لا يشترى بمثله من جانب آخر بخلاف القفزان من الصبرة الواحدة
وهكذا الثوبان إذا اشتراهما صفقة واحدة فلا يبيع أحدهما مرابحة دون الآخر فان انقسام الثمن
عليهما باعتبار القيمة. وكذلك أن اشترى عدل زطي بألف درهم وإن كان أخذ كل ثوب بعشرة
دراهم فله أن يبيع كل ثوب منها مرابحة على عشرة في (قول) أبي حنيفة وأبى يوسف و (قال) محمد
رحمه الله تعالى لا يبيع شيئا من ذلك مرابحة حتى يبين أنه اشتراه مع غيره لان من عادات
التجار ضم الجيد إلى الردئ وبيعهما بثمن واحد مع التفضل فيرغب المشترى في شراء الردئ
لماله من المقصود في الجيد ويرغب البائع في بيع الجيد لماله من المقصود في ترويج الردئ فلو
جوزنا له أن يبيع أحدهما مرابحة من غير بيان لأمسك الجيد وباع الردئ مرابحة وإذا علم منه
المشترى أنه كان معه في العقد أجود منه لم يعطه ربحا على ما سمى فيه من الثمن فلأجل هذا
العرف استحسن محمد و (قال) لا يبيعه مرابحة حتى يبين والقياس ما قال. فان حصة كل واحد
منهما من الثمن مسمى معلوم فله أن يبيعه مرابحة كما لو كان في عقدين ومثل هذا العرف
الذي اعتبره محمد يوجد في العقدين أيضا فقد يسامح الانسان لمن يعامله في ثمن جيد من
الترويج عليه رديئا بعده بثمن مثل ذلك الثمن ثم لم يعتبر ذلك لان اعتبار العادة عند عدم النص
فأما عند وجود النص فلا يعتبر بالعادة. فكذلك هنا بعد التنصيص على ثمن كل واحد منهما
81

لا يعتبر بالعادة. قال (وإذا اشترى متاعا بحنطة أو شعير أو شئ مما يكال أو يوزن فلا بأس بأن
يبيعه مرابحة على ذلك) لان بيع المرابحة تمليك بثمن ما ملك به من ربح ضمه إليه في بيعه فإذا كان
الثمن مما له مثل في جنسه تتحقق هذا المعنى فيه فله أن يبيعه مرابحة عليه. قال (وإذا اشترى
ثوبا بعشرة دراهم فباعه بخمسة عشر درهما ثم اشتراه بعشرة فلا يبيعه مرابحة حتى يطرح
ربحه الأول من رأس المال) في قول أبي حنيفة و (قال) أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
ببيعه مرابحة على عشرة دراهم لأنه شراء مستقل فلا يدخل فيه ما قبله من ربح أو وصية * ألا
ترى أنه لو كان أصله هبة أو ميراثا أو وصية فباعه ثم اشتراه كان له ان ببيعه مرابحة على
الثمن الآخر ولا يعتبر بما كان قبله كذا هذا وهذا لان بالشراء الثاني يتجدد له ملك غير
الأول لان ثبوت الحكم بثبوت سببه فإذا كان السبب متجددا فالملك الثابت به كذلك
واختلاف أسباب الملك بمنزلة اختلاف العين ولو كان للمشترى في المرة الثانية عين آخر باعه
مرابحة على ما اشتراه به وقاس بما لو استفاد في المرة الثانية زيادة من العين فان ذلك لا يمنعه من
بيع المرابحة في الشراء الثاني. فكذلك إذا استفاد ربحا قبل الشراء الثاني وأبو حنيفة رحمه الله تعالى
يقول ما استفاد من الربح إنما يؤكد حقه فيه بالشراء الثاني لان قبل شرائه كان حقه فيه يعرض
السقوط بان يرد عليه بعيب والمؤكد في بعض المواضع كالموجب فكأنه استفاد ذلك بالعقد
الثاني وبه فارق الزيادة المتولدة من العين فتأكد حقه فيها لم يكن بالعقد الثاني ولان مبنى بيع
المرابحة على ضم المعقود بعضها إلى بعض * ألا ترى إنما أنفق في القصارة والقتل والخياطة
يلحق برأس المال فإذا كان يضم بعض العقود إلى بعض فيما يوجب زيادة في الثمن فلان يضم
المعقود إلى بعض فينظر إلى حاصل ما غرم فيه فيطرح من ذلك بقدر ما رجع إليه ويبيع
مرابحة فيما يوجب النقصان من الثمن أولى فان هذا إلى الاحتياط أقرب ولكن ضم العقود
عند اتحاد جنسها فاما عند الاختلاف فلا * ألا ترى أنه لو استعان بخياط حتى خاطه لم يلحق
بسببه شيئا من رأس المال. وكذلك إذا كان العقد الأول هبة أو صدقة لا يضم أحدهما
إلى الآخر لان أحد العقدين تبرع والاخر تجارة فاما إذا اتحد جنس العقود يضم بعضها
إلى بعض فينظر إلى حاصل ما عزم فيه فيطرح من ذلك بقدر ما رجع إليه ويبيع مرابحة
على ما بقي ان شاء وفي هذه المسألة قد غرم عشرين درهما في دفعتين وعاد إليه خمسة عشر
درهما فيبيعه مرابحته على خمسة. قال (ولو كان اشتراه بعشرة ثم باعه بعشرين ثم اشتراه بعشرة
82

لم يبيعه مرابحة عند أبي حنيفة أصلا) لأنه رجع إليه مثل ما غرم فيه فلم يبق له فيه رأس المال
ليبيعه مرابحة عليه ولو كان اشتراه بعشرة ثم باعه بوصيف أو بدابة ثم اشتراه بعشرة كان له
ان يبيعه مرابحة على عشرة لان ما عاد إليه ليس من جنس ما غرم فيه فلا يمكن طرحه الا
باعتبار القيمة ولا مدخل لذلك في بيع المرابحة ولان الربح لا يظهر ما لم يعد إليه رأس ماله وإذا
كان ما عاد إليه من عين جنس ما غرم فيه لا يظهر ربحه فيه فلهذا كان له أن يبيعه مرابحة على
الثمن الثاني. وإذا اشترى نصف عبد بمائة درهم واشترى آخر نصفه بمائتي درهم ثم باعاه
مرابحة أو وضيعة أو تولية فالثمن بينهما أثلاثا بخلاف ما لو باعه مساومة فان في بيع المساومة
المسمى بمقابلة الملك ولهذا يستوي فيه المشترى والموهوب وملكهما في العبد سواء بخلاف
المرابحة والوضيعة والتولية فان الثمن الثاني مبنى على الأول في هذه العقود لان التولية تمليك
لما ملك والوصيفة بنقصان شئ يسمى عما ملكت به والمرابحة بزيادة معدومة على ما ملكت
به ولهذا اختصت هذه العقود بالمشترى دون الموهوب فإذا أثبت أن الثمن الثاني مبنى على
الثمن الأول وقد كان الثمن الأول أثلاثا فيقسم الثمن الثاني بينهما كذلك والأصل في جواز
هذه العقود ما روى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه اشترى بعيرين عند قصد الهجرة
(فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولني أحدهما (فقال) هو لك بغير شئ (فقال) صلوات
الله عليه أما بغير شئ فلا. قال (وإذا أنفق على عبده في تعليم عمل من الاعمال دراهم لم يلحقه
برأس المال) لأنه ليس فيه عرف ظاهر. وكذلك الشعر والغناء العربية وأجر تعليم القرآن
والحساب حتى لو كان في شئ من ذلك عرف ظاهر في موضع بالحاقه برأس المال كان له أن
يلحقه به لان زيادة المالية باعتبار معنى من المتعلم وهو الذهن والزكاء بما أنفق على المعلم فلم
يكن ما أنفق موجبا زيادة في مالية العين وعلى هذا أجر الطيب والرابص والبيطار والراعي
وجعل الآبق والحجام والخباز لا يلحق شئ من ذلك برأس المال لما قلنا وأما أجر سائق الغنم
الذي يسوقها من بلد إلى بلد يلحق برأس المال للعرف الظاهر فيه ولان هذا بمنزلة الكراء فيما
له حمل ومؤنة. وكذلك أجرة السمسار فقد جرى العرف بالحاقه برأس المال فهو كأجرة القصار
وأجرة الراعي ليس نظير أجرة سائق الغنم لان الراعي لا يستحق الاجر بالنقل ولا يعمل
الراعي بل يحفظ الغنم فهو كأجرة البيت الذي تحفظ فيه الغنم. وكذلك جعل الآبق ليس
نظير أجر سائق الغنم لان الإباق نادر وفي الحاق شئ برأس المال العرف الظاهر
83

وذلك لا يوجد في النادر. قال (وإذا باع المتاع مرابحة ثم حط البائع الأول منه شيأ من
الثمن فإنه يحط ذلك من المشترى الآخر وحصة من الربح ولو كان ولاية حط ذلك) عندنا
وعند زفر والشافعي رحمهما الله لا يحط عن الثاني شئ بهذا السبب وأصل المسألة ان الزيادة
في الثمن والمثمن ثبتت على سبيل الالتحاق بالأصل عندنا وعند زفر والشافعي رحمهما الله
هو هبة مبتدأة لا تتم الا بالتسليم ويستوى ان كانت الزيادة من العاقد أو من أجنبي آخر.
وكذلك حط بعض الثمن عندنا يلتحق بأصل العقد ويصير كأن العقد بقي عقد على ما في حق
الشفيع والمولى. وعند زفر والشافعي رحمهما الله هو بر مبتدأ في حق من حط عنه خاصة.
وحجتهما في ذلك أن الثمن لا يستحق بالعقد الا عوضا والمبيع كله صار مملوكا للمشترى
بالعقد الأول فيبقى ملكه ما بقي ذلك العقد ومع بقاء ملكه في المبيع لا يمكن ايجاب الزيادة عليه
عوضا إذ يلتزم العوض عن ملك نفسه. وذلك لا يجوز كالمودع يشترى الوديعة من المودع
وهذا في حق الأجنبي أظهر فإنه لا يملك شيأ من المبيع فكيف يلتزم الثمن بمقابلة مالا
يملكه ولا يمكنه اثبات الزيادة في وقت العقد فان المبيع لو كان هالكا في الحال أو كانت
جارية فأعتقها المشترى أو دبرها لم تثبت الزيادة في الثمن. وكذلك في الصداق الزيادة لا تتنصف
بالطلاق قبل الدخول فلو ثبتت من وقت العقد لكان حكمها حكم المسمى فإذا ثبت هذا
في الزيادة فكذلك في الحط لان الثمن كله إذا صار مستحقا بالعقد فلا يخرج البعض من أن
يكون ثمنا الا بفسخ العقد في ذلك القدر والفسخ لا يكون في أحد العوضين دون الآخر
مع أن الثمن معقود به وفسخ العقد في المعقود عليه دون المعقود به وقاسا حط البعض بحط
الجميع فكما أن ذلك لا يثبت في حق المولى والشفيع فكذلك حط البعض وحجتنا في
ذلك قوله تعالى (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) أي من فريضة بعد
الفريضة فذلك تنصيص على أن حكم الزيادة المفروضة بعد العقد كحكم المفروض في العقد
الا فيما قام الدليل عليه وقد قام الدليل على أنه لا ينتصف الطلاق قبل الدخول الا ما تأكد
بالتسمية في أصل العقد بالنص ففيما سوى ذلك حكم الزيادة حكم الأصل والمعنى فيه أنهما غيرا العقد
بتراضيهما من وصف إلى وصف مشروع له فيصح ذلك ويجعل ذلك كالمذكور في أصل
العقد كما لو كان البيع لخيار لهما فأسقط الخيار أو بغير الخيار فشرطا الخيار لهما أولا حدهما وبيان
الوصف انهما يجعلان الخاسر عدلا بالزيادة في الثمن أو العدل رابحا والرابح عدلا أو خاسرا
84

بالحط وهذا وصف مشروع في البيوع والبيوع أنواع منه خاسر ورابح وعدل فعرفنا
انهما قصدا تعبيره إلى وصف مشروع وتأثيره ان العقد قائم بينهما بملكان التصرف فيه رفعا
وابقاء فيملكان التصرف فيه بالتغيير من وصف إلى وصف لان التصرف في صفة الشئ
أهون من التصرف في أصله فإذا كان باتفاقهما يملكان التصرف في أصل العقد ففي صفته
أولى فاما قوله أنه يلتزم العوض عن ملكه (قلنا) قيام العقد بقيام المعقود عليه والمعقود عليه قائم
في يد المشترى على وجه يجوز الاعتياض عنه فيصح منه التزام العوض بمقابلته أيضا لان
الانسان إنما لا يلتزم العوض عما هو ملوك له أصلا ومقصودا فأما ربحا فقد يلتزم العوض
وهذا لان الأرباح في حكم الصلاة ولهذا لو حصل من المريض كان معتبرا من الثلث
ولأنه بيع والعوض بمقابلة الأصل دون البيع * ألا ترى أن أطراف المبيع يستحق
بالمعاوضة تبعا ولا يقابلها شئ من الثمن بل العوض بمقابلة الأصل يعنى عن اعتبار العوض
بمقابلة البيع. فكذلك الزيادة بعد هلاك المعقود عليه وقد روى في غير الأصول عن أبي
حنيفة ان الزيادة تصح كما يصح الحط بطريق التغيير لأصل العقد. وفي ظاهر الرواية لا تثبت
الزيادة لان المعقود عليه لم يبق على وجه يجوز الاعتياض عنه ولا يمكن اثبات الزيادة
عوضا وكذلك بعد العتاق والتدبير لم يبق على وجه يجوز الاعتياض عنه وهذا لأنه لابد
لاثبات الزيادة عوضا من اعتبار الحال ثم الاستناد إلى وقت العقد وقد تعذر اثباتها في
الحال فلا يظهر فيها حكم الاستناد كما قلنا في البيع الموقوف انه لا بد من قيام المعقود عليه
عند الإجارة ليثبت الملك مستندا إلى وقت العقد وبالاتفاق في البيع يشترط الخيار على البائع
وعلى هذا إن كانت الزيادة من الأجنبي وضمنها لأنه التزمها عوضا وهذا الالتزام صحيح منه
فإن لم يملك بمقابلته شيئا كما لو خالع امرأته مع أجنبي على مال وضمنه الأجنبي أو تصالح مع أجنبي
من الدين على مال وضمنه صح الصلح وإن لم يملك الملتزم بمقابلته شيئا وعلى هذا الحط إلا أن
عمل الحط في اخراج قدر المحطوط من أن يكون ثمنا فالشرط فيه قيام الثمن لا قيام المعقود
عليه والثمن باق فثبت الحط على سبيل الالتحاق بأصل العقد وقد بينا أنه مغير لوصف العقد
وليس بفاسخ للعقد حتى يقال الفسخ في الثمن لا يكون والدليل عليه الحط بسبب العيب
والحط في مجلس العقد على أحد قولي الشافعي فإنه يثبت ملتحقا بأصل العقد لما قلنا بخلاف حط
الجميع فإنه مغير لوصف العقد لان الانسان لا يكون مغبونا بجميع الثمن ولو التحق بأصل العقد
85

فاما أن يفسد به العقد لأنه يبقى بيعا بلا ثمن وقد علمنا أنهما لم يقصدا ذلك أو يصير ذلك العقد
هبة وقد كان قصدهما التجارة في البيع دون الهبة فاما حط البعض لو التحق بأصل العقد تحقق به
مقصودهما وهو التغير. قال (وإذا باع المتاع مرابحة فخانه فيه فالمشترى بالخيار إذا اطلع عليه
ان شاء أخذه بجميع الثمن وان شاء ترك وان استهلك المتاع أو بعضه فالثمن كله لازم له)
في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله و (قال) أبو يوسف وابن أبي ليلى رحمهما الله يحط عنه
الخيانة وحصتها من الربح على كل حال ولا خيار له في ذلك وان خان في التولية فعند أبي
حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله يحط عنه مقدار الخيانة وعند محمد هو بالخيار ان شاء أخذه
بجميع الثمن وان شاء ترك فأبو يوسف يقول في المرابحة والتولية جميعا يحط عنه مقدار الخيانة
وحصتها من الربح لأن العقد الثاني في حق الثمن بناء على الأول وقدر الخيانة لم يكن ثمنا
في العقد الأول فلا يمكن اثباته في العقد الثاني كما في الشفيع فان المشترى إذا خان الشفيع
لا يثبت مقدار الخيانة في حقه فإنه يأخذ بمثل الثمن الأول فلا يمكن اثباته في العقد الثاني كما
في الشفيع وهذا لان السبب الثاني لما أضافه إلى السبب الأول فإنما يؤثر في ايجاب مثل ما
وجب بالسبب الأول الا مقدار ما زاد فيه من الربح ففيما وراء ذلك لا يثبت وبدون السبب
لا يثبت الحكم والدليل عليه أنه لو خرج البعض من أن يكون ثمنا في العقد الأول بالحط
يخرج ذلك من أن يكون ثمنا في العقد الثاني فإذا ثبت انه لم يكن ثمنا فيه أولى ومحمد يقول
فيهما جميعا لا يحط الثمن عن المشترى الثاني لأنهما باشرا عقدا باختيارهما بثمن سمياه فينعقد
بجميع ذلك الثمن كما لو باعاه مساومة وهذا لان انعقاد سبب الثاني يعتمد التراضي منهما ولا
يتم رضا المشترى الأول إذا لم يجب له جميع الثمن المسمى بخلاف الاخذ بالشفعة فلا معتبر
برضا المشترى هناك ثم حق الاخذ للشفيع بالثمن الأول مستحق على المشترى على وجه
لا يمكن ابطاله ولا نعتبره وبالخيانة قصد تغيره فيرد عليه قصده وهنا البيع مرابحة أو تولية لم
يكن مستحقا على المشترى الأول فهو في تسمية ما سمى غير قاصد ابطال ما هو مستحق عليه
ولكنه يدلس والتدليس يثبت للمشترى الخيار كتدليس العيوب وهذا بخلاف الحط بعد
العقد لان الاستحقاق يثبت للمشترى الثاني بمثل الثمن الأول وثم رضى المشترى الأول به فما
خرج من أن يكون ثمنا في العقد الأول يخرج من أن يكون ثمنا في العقد الثاني فكان المشترى
الثاني بعد ما تم استحقاقه بمنزلة الشفيع وأبو حنيفة يفرق بين التولية والمرابحة من وجهين (أحدهما)
86

أن التولية بناء على السبب الأول من كل وجه فلا يثبت فيه ما لم يكن ثابتا في العقد الأول
كالإقالة لما كانت فسخا عند الأول فما لم يكن ثابتا في العقد لا يمكن اثباته في الإقالة فاما
المرابحة فليست تبنى على العقد الأول من كل وجه وان ثبتت عليه من وجه وهو العيار في
الثمن * ألا ترى أنهما سميا فيه ما لم يكن مسمى في العقد الأول فيه يتبين انه سبب مبتدأ باشراه
باختيارهما فينعقد بالثمن المسمى * فيه يقرره انه لا حاجة في التولية إلى ذكر الثمن وتسمية مقدار
خيانة فيه فيكون لغوا أيضا وفي المرابحة لا بد من تسمية الثمن وتعيين قدر الربح فكان انعقادها
بالتسمية الثانية فينفقد بجميع ما سميا فيها وفرق آخران في اثبات الخيانة في التولية تغير العقد
عن موضوع ما صرحا به لان به يصير البيع مرابحة لا تولية وقد صرحا بالتولية وكان ذلك منهما
نفيا لمقدار الخيانة. فاما في المرابحة لو أثبتنا جميع المسمى لا يتغير به العقد عن موضوع ما صرحا
به فاما صرحا ببيع المرابحة وهو مرابحة الا ان الربح فيه أكثر مما ظنه المشترى والبائع
دلس بتسمية بعض ربحه رأس المال فكان ذلك مثبتا الخيار للمشترى وإذا سقط خياره
بهلاك المبيع في يده لزمه جميع الثمن المسمى. قال (وإذا اشترى ثوبا بعشرة دراهم فليس له ان
يبيع منه ذراعا مرابحة لما بينا أن الثمن ينقسم على ذراعان الثوب باعتبار الاجزاء وله ان
يبيع نصفه أو ثلثه مرابحة) لان ثمن النصف معلوم يقينا وهذا لان النصف جزء شائع فلا
يتفاوت والذراع اسم لموضع معين يقع عليه الذراع وذلك مختلف في الثوب. قال (ولو اشترى
نصف عبد بمائة درهم ثم اشترى النصف الآخر بمائتي درهم فله أن يبيع أي النصفين شاء
مرابحة على ما اشتراه) لأنه يملك كل نصف بعقد على حدة فيجعل كل نصف بمنزلة عبد على
حدة وان شاء باع كله على ثلاثمائة درهم مرابحة لان العبد قام عليه في العقدين جميعا بثلاثمائة
وبيع المرابحة بيع بما قام عليه. قال (ولو اشترى عبدا بألف درهم فوهب له البائع الثمن كله
فله ان يبيعه مرابحة على الألف ولو وهب له بعض الثمن أو حط عنه بعضه باعه مرابحة على
ما بقي) للفرق الذي بينا بينهما في حكم الالتحاق بأصل العقد وان باعه بالثمن عرضا أو أعطاه
به رهنا فهلك الرهن كان له ان يبيع العبد مرابحة على ألف درهم لأنه صار قابضا لهذا الثمن
بهذا الطريق فكأنه قضاه مشاهدة ولأنه يبيعه مرابحة على ما يملك وإنما يملك المسمى عند
الشراء * ألا ترى أنه قبل أن ينقد الثن له ان يبيعه مرابحة. قال (ولو اشترى ثوبا بعشرة
دراهم جياد فنقدها زيوفا وتجوز البائع عنه فله أن يبيعه مرابحة على عشرة جياد) لأنه يتملكه
87

بالجياد وبما نقد من الزيوف صار قاضيا لما عليه بدليل جواز ذلك في السلم والصرف. وكذلك أن
اشتراه بعشرة نقد فلم ينقده الثمن شهرا فله ان يبيعه مرابحة على العشرة النقد لأنه يملك بالنقد
وبان لم يطالبه البائع بالثمن شهرا لا يخرج الثمن من أن يكون نقدا فلم يجعل تجوز البائع بالزيوف
وتركه المطالبة بالثمن مدة بمنزلة الحط لان هناك القدر المحطوط يلتحق بأصل العقد فيكون
مغيرا الوصف وهنا يترك المطالبة بالثمن زمانا لا يلتحق شئ بأصل العقد. وكذلك بالتجوز
بالزيوف لان الوصف تبع للأصل فإذا لم يخرج شئ من أصل العشرة من أن يكون ثمنا
لا يمكن اخراج الوصف من ذلك لئلا يصير البيع مقصودا فيما هو بيع فيه وذلك ممتنع.
قال (فان وهب الثوب المشترى بعشرة لإنسان ثم رجع فيه فله ان يبيعه مرابحة على عشرة).
لان بالرجوع يعود العين إلى قديم ملكه سواء رجع بقضاء أو بغير قضاء وقد بينا هذا في الهبة.
وكذلك أن باعه فرد عليه بعيب أو فساد بيع أو خيار أو إقالة فله أن يبيعه مرابحة على عشرة
لأنه ان عاد إليه بسبب هو فسخ من كل وجه فقد عاد إليه قديم ملكه وان عاد إليه بسبب هو
متردد كالإقالة فأكثر ما فيه أنه بمنزلة عقد جديد وقد تملك فيه الثوب بعشرة فيبيعه مرابحة
عليه ولو تم البيع فيه رجع إليه بميراث أو هبة لم يكن له ان يبيعه مرابحة لأنه ما عاد إليه الملك
المستفاد بالشراء الأول فان ملك الوارث ينبنى على ملك المورث فإنما يبقى له ما كان لمورثه فيبيعه
مرابحة على ما اشتراه مورثه به لو باعه مرابحة وليس له ذلك لان المالكية قد تحددت له
وإن كان الملك هو الذي كان لمورثه واما في الهبة فقد يثبت له ملك جديد بسبب التبرع فلا
يكون له ان يبيعه مرابحة. قال (وإذا اشترى شيئا من أبيه أو أمه أو ولده أو مكاتبه أو عبده
أو اشترى العبد أو المكاتب من مولاه بثمن قد قام على البائع بأقل منه لم يكن له ان يبيعه
مرابحة الا بالذي قام على البائع في العبد والمكاتب بالاتفاق) لان بيع المرابحة على ما يتيقن
بخروجه في ملكه بمقابلة هذا العين وهو المدفوع إلى البائع الأول فاما الربح الذي حصل
لعبده لم يخرج من ملكه لان كسب العبد لمولاه وما حصل لمكاتبه من وجه كان له
أيضا فللمولى حق الملك في كسب المكاتب وينقلب ذلك حقيقة الملك لعجزه ولان تهمة
المسامحة تتمكن فالانسان يسامح في المعاملة مع عبده ومكاتبه لعلمه انه لا يتعذر عنه ما
يحصل لهما وبيع المرابحة بيع أمانة ينفى عنه كل تهمة وخيانة فاما في غير المماليك من الآباء
والأولاد والأزواج والزوجات. فكذلك الجواب عند أبي حنيفة و (قال) أبو يوسف
88

ومحمد رحمهما الله له ان يبيعه مرابحة على ما اشتراه به من هؤلاء لتباين الاملاك بينهما إذ ليس
لكل واحد منهما في ملك صاحبه ملك ولا حق ملك فهما في ذلك كالأخوين وأبو حنيفة
رضي الله عنه يقول ما يحصله المرء لهؤلاء بمنزلة ما يحصل لنفسه من وجه ولهذا لا تقبل
شهادته لهؤلاء فباعتبار هذا الوجه صاروا في حقه كالعبد والمكاتب ولان مسامحة بعض هؤلاء
مع البعض في المعاملة أمر ظاهر وبيع المرابحة يؤخذ فيه بالاحتياط فلا يبيعه مرابحة الا على
القدر الذي يتيقن بالالتزام فيه لا على وجه المسامحة. وذلك أقل الثمنين كما في العبد
والمكاتب. قال (وإذا اشترى ثوبا بثوب قد قام عليه الأول بعشرة دراهم فليس له ان يبيعه
مرابحة على العشرة) لأنه ملك هذا الثوب بالعقد الثاني فالعوض ما كان مذكورا فيه ولا مثل
للثوب من جنسه فلهذا لا يبيعه مرابحة على ما اشترى به ولا على الثمن الأول لأنه ما التزم
ذلك عوضا عن هذا الثوب قال (وإذا اشترى الرجلان عدل زطي بألف درهم فاقتسماه
فليس لواحد منهما ان يبيع نصيبه مرابحة) لان القسمة فيما تتفاوت يتمكن فيها معنى المعاوضة
من حيث إن كل واحد منهما يأخذ نصف ما يصيبه بقديم ملكه ونصفه عوضا عما ترك
لصاحبه فيمنعه ذلك من البيع مرابحة * يوضحه انا لا نتيقن بان ما يصيبه بالقسمة هو
النصف وإنما يعرف ذلك بطريق الحزر وقبل القسمة لو ميزا بعض الثياب وأرادا بيع ذلك
مرابحة على ما يخصها من الثمن لم يملكا ذلك. فكذلك بعد القسمة وبه فارق المكيل والموزون
. قال (وإذا اشترى عبدا به عيب قد دلس عليه فلما علم به رضى فله ان يبيعه مرابحة) لأنه
اشتراه بالثمن الذي يبعه مرابحة عليه وسبب العين يثبت له الخيار فاسقاطه لا يمنعه من البيع
مرابحة كما لو كان فيه خيار الشرط أو رؤية فأسقط. وكذلك لو اشتراه مرابحة فخانه صاحبه فيه
كان له ان يبيعه مرابحة على ما أخذه به لما بينا ان الثابت له بسبب هذه الخيانة الخيار فقط
قال (وإذا ولى رحل رجلا بيعا بما قام عليه ثم اطلع على أنه أخذه بأقل من ذلك بشهادة
شهود أو باقرار البائع الأوسط أو بنكوله عن اليمين فيه وقد ادعاه المشترى الآخر) فإنه
يرجع عليه بالفضل وتم له البيع وقد بينا الخلاف في هذه المسألة وإنما الشبهة في حرف
وهو انه سمع دعوى المشترى الاخر أن الثمن الأول كان أقل مما سمى في التولية منه حتى سمع بينته
على ذلك واستحلفه على ذلك خصمه يقضى عليه بنكوله من أصحابنا رحمهم الله من يقول هو مناقض
في هذه الدعوى والمناقض لا قول له ولا طريق لظهور ذلك إلا اقرار البائع الا وسط به ومنهم
89

من يقول بل دعوى الخيانة من المشترى الآخر بمنزلة دعوى العيب أو بمنزلة دعوى الحط
ولو ادعى شيئا من ذلك فأقام البينة قبلت بينته وإذا لم يكن له بينة يستحلف خصمه. فكذلك
هنا وإن كان المولي قد باعه مرابحة قبل أن يرجع على البائع الأول بشئ ثم رجع عليه بقدر
الخيانة يرد ذلك القدر وربحه على المشترى منه بمنزلة ما لو حط بائعه عنه بعض الثمن. قال (وإذا
اشترى شيئا من شريك له شركة عنان فلا بأس بأن يبيعه مرابحة) لأنهما فيما ليس من شركتهما
كسائر الأجانب ولهذا قبلت شهادة كل واحد منهما لصاحبه فإن كان للأول فيه حصة فليس
له أن يبيعه حصة نفسه مرابحة إلا على ما اشتراه به لأنه يملك حصته بالعقد الأول وإنما يملك
على شريكه بالعقد الثاني حصته فبيع كل حصته مرابحة على ما اشتراه به. قال (وان كانت خادم
لشريك مفاوض للخدمة فاشتراها شريكه منه للخدمة ثم بدأ له أن يبيعها مرابحة فله ذلك)
لان هذا ليس من شركتهما وكل واحد منهما من صاحبه فيه كأجنبي آخر وكل شئ كان
لأحدهما خاصة فالحكم فيه كذلك وكل شئ كان بينهما فلا يبيعه واحد منهما مرابحة إذا
اشتراه من صاحبه الا على الأصل الأول لأن العقد الثاني غير معتبر فان قبله كانت العين
مشتركة بينهما شركة مفاوضة. فكذلك بعده بخلاف ما يشترى أحد شريكي العنان من صاحبه
للشركة لان ذلك شراء معتبر فإنه يدخل في شركتهما ما لم يكن داخلا الا ان البائع في
حصة نفسه إنما يبيعه مرابحة على أقل الثمنين وهو ما اشتراه به لأنه متيقن بخروج ذلك القدر
عن ملكه قال (عبد بين اثنين قام عليهما بمائة دينار فربح أحدهما صاحبه في حصته دينارا
فلا بأس بأن يبيعه مرابحة على مائة دينار ودينار) لأنه يملك جميع العبد بهذا القدر وفي شركة
الملك شراء أحدهما من صاحبه كشرائه من أجنبي آخر. قال (وإذا اشترى الرجل متاعا ثم
رقمه بأكثر من ثمنه ثم باعه مرابحة على رقمه فهو جائز) ولكن لا ينبغي أن يقول قام على بكذا
ولا أخذته بكذا فان ذلك كذب والكذب لا رخصة فيه ولكن يقول رقمه بكذا وأنا أبيعه
مرابحة على ذلك وعن أبي يوسف (قال) هذا إذا كان المشترى ممن يعلم عادة التجار انهم يرقمون
السلع بأكثر مما يشترون به فإن كأن لا يعلم ذلك فهذه خيانة وللمشتري حق الرد به إذا علم
وهذا منه احتياط وقد كان يبالغ في الاحتياط في باب المرابحة حتى (قال) إذا اشترى شيئا
بأكثر من ثمنه مما لا يتغابن الناس في مثله وهو يعلم ذلك فليس له أن يبيعه مرابحة من غير
بيان وكذلك لو اشترى بالدين ممن عليه الدين شيئا وهو لا يشترى ذلك الشئ بمثل ذلك
90

الثمن من غيره فليس له أن يبيعه مرابحة وإن كان يشترى بمثل ذلك الثمن من غير غريمه فله
أن يبيعه مرابحة سواء أخذه بلفظة الشراء أو بلفظة الصلح وفى ظاهر الرواية يفرق بين
الصلح والشراء فنقول مبنى الصلح على الحط والتجوز بدون الحق ومبنى الشراء على الاستقصاء
والمماكسة ولو كان أصل الثوب له بميراث أو هبة أو وصية فقومه قيمة ثم باعه مرابحة على
تلك القيمة كان جائزا أيضا لأنه ما أخبر المشترى بشئ هو كذب وإنما (قال) قيمته كذا أو
رقمه كذا وهو صادق في ذلك فان صار المشترى مغبونا فيه فذلك من قبل جهله. قال (وإذا
باع الرجل المتاع بربح ده يازده أو بربح أحد عشر) فكذلك سواء إن كان المشترى قد علم
بالثمن قبل عقده البيع وليس أن يرده لان مقدار الثمن وربحه معلوم له عند العقد وإن لم يكن
عالما بالثمن فهو بالخيار ان شاء أخذه وان شاء تركه ليكشف الحال له حين يعلم بمقدار الثمن
وكذلك أن باعه له برقمه فللمشتري الخيار إذا علم بالرقم لما بينا قال وإذا اشترى ثوبا بعشرة
دراهم ثم باعه بوضيعة ده يازده عن الثمن فان الثمن يكون تسعة دراهم وجزء من احدى
عشر جزءا من درهم ولو باعه بربح ده يازدة كان الربح درهما ثم إذا باعه بوضيعة ده يازدة لم
يجعل الوضيعة درهما ففي الحقيقة لا فرق بينهما فإنه إذا باعه بربح ده يازدة كان الثمن أحد عشر
درهما فالربح جزأ من احدى عشر جزءا من الثمن وذلك بأن تضرب العشرة في احدى عشر
فتكون مائة وعشرة فمقدار الوضيعة جزءا من احدى عشر جزء وذلك عشرة أجزاء يبقى مائة
جزء وكل احدى عشر جزءا درهم وذلك تسعة دراهم وجزءا من احدى عشر جزءا من
درهم. قال (وإذا اشترى ثوبا بخمسة دراهم واشترى آخر ثوبا بستة دراهم ثم باعاهما
بصفقة واحدة مرابحة ومواضعة فالثمن بينهما على قدر رأس ماليهما) لان الثمن الثاني في هذا
النوع من البيع مبنى على الثمن الأول. قال (ولو ولى المشترى رجلا ثم حط البائع الأول عنه
جميع الثمن فإنه لا يحط عن الآخر شئ) لان حط الكل مبتدأ غيره ملتحق بأصل العقد
فلا يثبت في حق المولى والله أعلم.
(باب العيوب في البيوع)
(قال) رحمه الله وإذا برئ البائع إلى المشترى عند عقده البيع من كل عيب فهو جائز وإن لم
يسم العيوب عندنا) و (قال) الشافعي شرط البراءة عن العيوب المجهولة باطل إلا أن يكون
91

عيبا في باطن الحيوان فله في ذلك قولان وفي البيع بشرط البراءة من كل عيب له قولان في
أحد القولين البيع. فاسد وفي القول الآخر البيع صحيح والشرط باطل واحتج بنهي النبي
صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وهذا بيع غرر لأنه لا يدرى ان المعقود عليه على أي صفة هو
ولان هذا شرط يمنع موجب العقد لان موجب المعاوضة استحقاق صفة السلامة وهذا الشرط
يمنع من ذلك فهو نظير شرط يمنع الملك ولان البائع يلتزم تسليم المجهول لأنه يلتزم تسليمه
على الصفة التي عليها البيع. وذلك غير معلوم عند المتعاقدين والتزام تسليم المجهول بالبيع لا يصح
كبيع ثوب من العدل أو شاة من القطيع بخلاف ما إذا سمى العيب أو أبرأه المشترى فان ما يلتزم
تسليمه بالعقد بعد تسمية العيب معلوم ومالا يمكن اعلامه نحو عود الجراحة أو يلحق
الجرح باعلامه نحو ما يكون في باطن الحيوان يسقط اعتباره للتعذر * والدليل على الفرق بين
المسمى وغير المسمى ان المشترى لو عرض على انسان و (قال) اشتره فإنه لا عيب به ثم وجد به
عيبا كان له ان يخاصم فيه بائعه وبمثله لو قال اشتره فإنه ليس بآبق ثم وجد به عيب الإباق
لم يكن له أن يخاصم فيه بائعه وحجتنا في ذلك ما روى أن زيد بن ثابت رضي الله عنه ابتاع مملوكا
من عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بشرط البراءة من كل عيب ثم طعن فيه بعيب فاختصما إلى
عثمان بن عفان رضي الله عنه فحلفه بالله لقد بعته وما به عيب يعلمه وكتمته فنكل عن
اليمين فرده عليه فقد اتفقوا على جواز البيع بهذا الشرط وإنما اختلفوا في صحة الشرط
فيستدل باتفاقهم على جواز البيع وبقول النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم
على صحة الشرط والكلام في شرط صحة البراءة من كل عيب ينبنى على صحة الابراء عن
الحقوق المجهولة فالشافعي لا يجوز ذلك وقد قام الدليل على جوازه لنا في ذلك حديث علي رضي الله عنه
حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصالح بنى جذيمة فواداهم حتى ميلغة
الكلب وبقي في يديه مال فقال هذا لكم مالا تعلمونه ولا يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر فهذا دليل جواز الصلح عن الحقوق المجهولة والمعنى فيه أن
هذا اسقاط حق لا يحتاج فيه إلى التسليم فيصح في المجهول كالطلاق والعتاق وتأثيره ان
نفس الجهالة لا تمنع صحة لالتزام ولكن جهالة تفضى إلى تمكن المنازعة ألا ترى ان التمليكين
يصح في هذا وهذا أضيق من الاسقطات ثم الجهالة التي لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع صحة
التمليك كجهالة القفيز من الصبرة فلأن لا يمنع صحة الاسقاط أولى فالسقوط يكون متلاشيا
92

لا يحتاج فيه إلى التسليم والجهالة التي لا تفضي إلى المنازعة أولى ولا معنى لقول من يقول إن
الايجاب في المجهول في معنى التعليق بشرط البيان فما لا يحتمل التعليق بالشرط لا يصح ايجابه
في المجهول لان الشرط داخل على نفس السبب حتى يجعله في حكم تصرف آخر هو يمين
والجهالة تدخل على حكم السبب فإذا كانت تفضى إلى المنازعة يتعذر اثبات الحكم مع الجهالة
وإذا كانت لا تفضي إلى المنازعة لا تتعذر فلا يمنع صحته إذا ثبت صحة هذا الشرط ثبت جواز
العقد معه لان هذا الشرط يقرر مقتضى العقد ومقتضى العقد اللزوم والعقد بهذا الشرط يلزم
سليما كان المبيع أو معيبا ثم البائع بهذا الشرط يمتنع من التزام ما لا يقدر على تسليمه لان عند
اطلاق العقد يلتزم تسليم المبيع بصفة السلامة وإذا كان معيبا فهو عاجز عن تسليمه سليما
وعند هذا الشرط يلتزم التسليم على الصفة التي عليها المبيع وهو قادر على تسليمه بتلك الصفة
والقدرة على التسليم شرط جواز العقد لا أن يكون موجبا فساد العقد ثم لا يتمكن جهالة في
المبيع بهذا الشرط لأنه مشار إليه معلوم بالإشارة إلى عينه والى مكانه وليس مقصوده من
هذا الشرط الاقرار بالعيوب به فلا يجتمع كل عيب في عيب واحد وإنما يقصد بذكر هذا
الشرط التزام البيع والتزام التسليم على وجه يقدر عليه وهذا من الحكمة. ولهذا قلنا إن
المشترى بقوله لا عيب به لا يصير مقرا باسقاط العيوب عنه بل قصده من ذلك ترويج السلعة
بخلاف قوله ليس بآبق ففي تخصيصه هذا العيب بالذكر ما يدل على أن مراده نفى هذا العيب
عنه ولئن تمكنت جهالة في وصف المعقود عليه بهذا الشرط فهي جهالة لا تفضي إلى المنازعة
فلا يؤثر في العقد كجهالة مقدار العيب المسمى. وكان ابن أبي ليلى رحمه الله يقول لا تصح
البراءة من العيب مع التسمية ما لم يره المشترى وقد جرت المسألة بينه وبين أبي حنيفة في
مجلس الدوانيقي فقال له أبو حنيفة أرأيت لو أن بعض حرم أمير المؤمنين باع عبدا برأس
ذكره برص أكان يلزمها ان يرد ذلك المشترى وما زال به حتى أفحمه وضحك الخليفة
مما صنع به فإذا عرفنا جواز العقد لهذا الشرط (قلنا) تدخل فيه البراءة من كل عيب موجود
به وقت العقد فان حدث به عيب آخر بعد البيع قبل التسليم فهو داخل في هذه البراءة أيضا
في قول أبي حنيفة رضي الله عنه وهو الظاهر من قول أبى يوسف رحمه الله و (قال) محمد وزفر
والحسن رحمهم الله لا تدخل البراءة عن العيب الحادث في هذا الشرط وهو رواية عن أبي
يوسف لان ذلك مجهول لا يدرى أيحدث أم لا وأي مقدار يحدث ولو صرح بالتبري من
93

العيب الذي يحدث قبل القبض فسد به العقد ولو دخل في هذا الشرط لفسد العقد به أيضا
فأبو يوسف رحمه الله يقول العيب الحادث قبل القبض لما جعل كالموجود عند العقد في ثبوت
حق الرد فكذلك يجعل كالموجود عند العقد في دخوله في شرط البراءة من كل عيب وهذا
لان مقصود البائع اثبات صفة اللزوم للعقد والامتناع من التزام ما لا يقدر على تسليمه وفي هذا
لا فرق بين العيب الموجود والحادث قبل القبض ولا رواية عن أبي يوسف فيما إذا نص على
البراءة عن العيب الحادث وقيل ذلك صحيح عندنا باعتبار انه يقيم السبب وهو العقد مقام
نفس العقد الموجب للرد في صحة الاسقاط ولئن سلمنا فنقول هنا ظاهر لفظه يتناول
العيوب الموجودة ثم يدخل فيه ما يحدث قبل القبض تبعا لان ذلك يرجع إلى تقرير مقصودهما
وقد يدخل في التصرف تبعا ما لا يجوز أن يكون مقصودا بذلك التصرف كالشرب
في بيع الأرض والمنقولات في وقف القربة ولو كان شرط البراءة من كل عيب به فهذا يفسد
العيب الموجود فلا يتناول الحادث بالاتفاق وان اختلفا في عيب (فقال) المشترى أنه
حدث بعد العقد وقال) البائع بل كان موجودا عند العقد فإن كان شرط البراءة من كل عيب
فالقول قول المشترى وإن كان شرط البراءة من كل عيب فعلى قول محمد القول في ذلك قول
البائع وعند زفر القول قول المشترى لأنه هو المسقط لحقه فالقول في بيان ما أسقط قوله كما
في الفصل الأول ومحمد يقول قد ظهر المسقط مطلقا فالمشترى إذا ادعى خروج شئ بعينه من
ذلك المطلق لا يقبل قوله في ذلك الا بحجة كما لو أبرأه عن كل حق له عليه ثم اختلفا في دين
انه كان موجودا وقت الابراء أو حدث بعده فإنه يجعل القول قول من يدعى دخوله في
البراءة المطلقة لهذا المعنى بخلاف ما إذا شرط البراءة من كل عيب به لان المسقط هنا ما ظهر
إلا مقيدا بوصف فإذا أنكر المشترى في عيب عينه انه ما دخل في ذلك الايجاب المقيد
وجب المصير إلى قوله كما في البراءة المقيدة بمكان أو زمان. قال (وإذا شهد شاهدان على البراءة
من كل عيب في خادم ثم اشتراها أحد الشاهدين بغير براءة فوجد بها عيبا كان له أن يردها)
لان البراءة من كل عيب لا تتضمن الاقرار بوجود كل عيب فيها فلا يكون الشاهد راضيا
بعيب فيها بعد تلك الشهادة وكذا لو شهدا على البراءة من الإباق ثم اشتراها أحدهما فوجدها
آبق فله أن يردها لان الإباق مذكور في البراءة مطلقا غير مضاف إليها فلا يكون ذلك اقرارا
من الشاهد ولا من المشترى بوجود ذلك فيها بمنزلة البراءة من كل عيب ولو شهدا انه تبرأ
94

من إباقها ثم اشتراها أحد الشاهدين فوجدها آبقة فليس له أن يردها لان الإباق هنا مضاف
إليها بحرف الكتابة وتخصيصه من بين سائر العيوب بالإضافة إليها يكون اخبار بوجوده
فيها فالشاهد أقدم على شراءها وهو عالم بعيبها فلا يكون له أن يردها بالعيب. قال (وإذا اشترى
جارية ولم يتبرأ البائع من عيوبها فوطئها المشترى ثم وجد بها عيبا فليس له أن يردها بالعيب
عندنا بكرا كانت أو ثيبا عندما اشتراها) و (قال) الشافعي رحمه الله ان كانت بكرا فكذلك
الجواب وان كانت ثيبا فله أن يردها بالعيب ولا يغرم للوطئ شيئا و (قال) ابن أبي ليلى يردها
بكرا كانت أو ثيبا ويرد معها عقرها وعقرها عشر قيمتها ان كانت بكرا أو نصف عشر قيمتها
ان كانت ثيبا وجه قول الشافعي انه قادر على ردها كما قبضها فله أن يردها كما قبل الوطئ
وهذا لان الوطئ في الثيب لا يوجب نقصانا في عينها حقيقة ولا حكما وإنما استوفى منها محض
منفعة فهو كما لو استخدمها ثم اطلع على عيب بها بل أولى فان الاستخدام يعيبها والوطئ يمنعها
بخلاف ما إذا كانت بكرا فالوطئ هناك يفوت جزء منها فان صفة البكارة في الجارية بمنزلة
جزء من عين هو مال متقوم ولهذا استحق بالبيع شرطا * والدليل على الفرق ان المشترى بعد
ما وطئ البكر ليس له أن يبيعها مرابحة من غير بيان وفي الثيب له أن يبيعها مرابحة بعد
الوطئ من غير بيان. وكذلك لو كانت ذات زوج فوطئها الزوج عند المشترى فإن كانت بكرا
ليس للمشترى أن يردها بعيب النكاح بعد ذلك وان كانت ثيبا فله ذلك. وكذلك البائع إذا
وطئ المبيعة قبل القبض فإن كانت ثيبا لم يسقط شيئا من الثمن ولا يتخير المشترى به في
قول أبي حنيفة بخلاف ما إذا كانت بكرا وبهذه الفصول يتبين ان الوطئ في الثيب بمنزلة
الاستخدام وكما أن الوطئ لا يحل الا في الملك فالاجبار على الخدمة لا تحل الا في الملك ثم لا
يمنع نسبة الرد بالعيب * وحجتنا في ذلك اجماع الصحابة رضوان الله عليهم فقد قال على وابن
مسعود رضي الله عنهما لا يردها بعد الوطئ و (قال) عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهما يردها
ويرد معها عشر قيمتها ان كانت بكرا ونصف عشر قيمتها ان كانت ثيبا فقد اتفقوا على أن
الوطئ لا يسلم للمشترى مجانا فمن قال يردها ولا يرد معها شيئا فقد خالف أقاويل الصحابة
رضوان الله عليهم أجمعين وكفى باجماعهم حجة عليه ثم إنهم كانوا مجمعين على أن الوطئ بمنزلة
الجناية الا انه كان من مذهب عمر وزيد رضوان الله عليهما ان المشترى إذا جنى عليها ثم علم
بعيب يردها ويرد معها الأرش ففي الوطئ أجابا نحو ذلك وعلي وابن مسعود رضى الله
95

عنهما كأن يقولان لا يردها بعد الجناية فكذلك بعد الوطئ وبالإجماع بيننا وبين الشافعي
الجناية تمنع الرد. فكذلك الوطئ وهو المعنى الفقهي في المسألة ان الوطئ يسلك فيه مسلك الجناية
فيمنع الرد بمنزلة الجناية عليها بنفسها * والدليل على اثبات هذا الوصف اتفاق الصحابة رضوان
الله عليهم أجمعين كما بينا * والدليل على أن المستوفى بالوطئ في حكم جزء من العين فان المستوفي
بالوطئ ما يملك بالنكاح والمملوك بالنكاح في حكم العين ولهذا لا يملك العقد إلا مؤبدا والدليل
عليه ان استيفاءه في غير الملك لا يخلو عن عقوبة أو غرامة واستيفاء المنفعة تنفك عن ذلك
وان المستوفى بالوطئ مصون عن الابتدال حتى لا يجوز استيفاؤه بالبدل بدون الملك والمصون
من الآدمي نفسه واجزاؤه لا منافعه والمنفعة تتبدل من الآدمي كما تتبدل من غيره فإذا
ثبت انه في حكم جزء من العين فاستيفاؤه كاستيفاء جزءه بالجناية. وذلك يمنعه من الرد بالعيب
والدليل عليه ما إذا كانت بكرا تقرر ما قلنا إن الرد بالعيب فسخ للعقد من الأصل ولهذا لو كان
موهوبا كان للواهب أن يرجع فيه ولو كان مبيعا كان للبائع أن يرده على بائعه ولو لم يتعذر
ردها بالعيب لأجل الوطئ لكان إذا ردها ويفسخ العقد من الأصل تبين أن وطأه إياها كان
في غير الملك والوطئ لا يحل الا في الملك فللتحرز عن الوطئ الحرام قلنا لا يردها والوطئ
في غير الملك بمنزلة تناول جزء من العين حتى لا ينفك عن عقوبة أو غرامة وبهذا فارق حكم
بيع المرابحة لأنه لا يتبين بالبيع مرابحة ان وطأه إياها كان في غير الملك ولان ذلك في حكم
جزء من العين أيضا ولكن هو جزء وهو ثمرة لما لم يتمكن به نقصان في العين وذلك لا يمنع
بيع المرابحة عندنا فإنه لو تناول لبن الشاة واعلفها بقدره كان له أن يبيعا مرابحة وهذا بخلاف
وطئ الزوج إياها عند المشترى لان ذلك حصل بتسليط البائع وايجابه له بالنكاح فيجعل
كفعل البائع بنفسه بخلاف ما إذا كانت بكرا فإنه بالنكاح يوجب الوطئ للزوج لا صفة
البكارة فيصير أصل الوقت مضافا إلى البائع ولكن بزوال صفة البكارة لا يصير مضافا إلى
البائع فكأنها ذهبت إلى المشترى من غير صنع أحد أو بصنع انسان بأصبع أو خشبة. وذلك
يمنع المشترى من ردها وكذلك وطئ البائع قبل التسليم فثبوت الخيار للمشترى وسقوط
شئ من الثمن إذا كانت بكرا باعتبار صفة البكارة دون الوطئ وهذا لان المستوفى بالوطئ
في حكم جزء هو ثمرة كما بينا. وذلك لا يوجب الخيار للمشترى كتناول الثمار واللبن الا ان
ذلك مال متقوم فيقابله جزء من الثمن إذا صار مقصودا يتناول البيع وهذا الجزء ليس بمال
96

متقوم ألا ترى أنه يملك بالنكاح والمملوك بالنكاح ليس بمال فلا يقابله شئ من الثمن ثم
المبيعة قبل التسليم في ضمان البائع وفي حكم الوطئ إنما تصير مملوكة للمشترى بالقبض فان
الوطئ تصرف وملك التصرف يثبت للمشترى بالقبض ولهذا لا يجتزأ بالحيضة التي
توجد قبل القبض من استبراء المشترى فلهذا لم يوجب العقد على البائع إذا وطئها وسنقرر
لأبي حنيفة الكلام في موضعه إن شاء الله تعالى وهذا بخلاف الاستخدام فالمنفعة ليست
في حكم جزء من العين ولكنها أعراض تحدث شيئا فشيئا وهو يتبدل ويجوز استيفاؤها
في عين الملك واستيفاؤها بخلو عن عقوبة أو غرامة فأكثر ما فيه أنه يتبين بالرد انه
استخدمها في غير ملكه وذلك لا يوجب عليه شيئا فلهذا لا يمنع الرد بسبب الاستخدام
بخلاف الوطئ إذا ثبت انه لا يمكنه ردها بالعيب قلنا يرجع بحصة العيب من الثمن لان
الجزء الفائت صار مستحقا بالعقد للمشترى وقد تعذر تسليمه إليه فيرد حصة من الثمن لأنه
صار مقصودا بالمنع فيكون له حصة من الثمن فطريق معرفة ذلك أن يقومها وبها العيب
ويقومها ولا عيب بها فإن كان تفاوت ما بين القيمتين العشر رجع بعشر الثمن وإن كان
نصف
العشر رجع بنصف عشر الثمن إلا أن يقول البائع ردها على فأنا أرضى بذلك فحينئذ يردها
لان المانع من الرد حقه وقد زال حين رضى به * ولو لم يطأها ولكن حدث بها عيب
عند المشترى ووجد بها عيب لم يردها عندنا وقال ابن أبي ليلى يردها ويرد معها نقصان العيب
الحادث عنده لان رد البدل عند تعذر رد العين بمنزلة رد العين ولكنا نقول حق الرد
للمشترى إنما ثبت لدفع الضرر عن نفسه وإنما يدفع الضرر عن نفسه بطريق لا يلحق الضرر
فيه بالبائع وبعد ما تعيب عنده لوردها كان في ذلك الحاق الضرر بالبائع ولا يقال لا بد من
الحاق الضرر بأحدهما فيترجح جانب المشترى في دفع الضرر عنه لان البائع دلس
له العيب والمشترى صار مغرورا من جهته وهذا لان الشرع ينظر لهما جميعا والضرر عن
المشترى يندفع إذا أثبتنا له حق الرجوع بحصة العيب من الثمن فإن لم يندفع فذلك لعجزه
عن الرد كما قبض لا لتصرف يباشره البائع ولو رده تضرر البائع بتصرف يباشره المشترى
وهو ردها عليه فكان مراعاة جانب البائع أولى من هذا الوجه وإذا لم يردها رجع
بنقصان العيب من الثمن كما بينا إلا أن يرضى البائع بان يردها عليه لان المانع من الرد حق
البائع وقد رضي بالتزام هذا الضرر * قال (فان باعها المشترى بعد ما رأى العيب بها وقد وطئها
97

أو تعيبت عنده لم يكن له ان يرجع على البائع) بنقصان عيبها لان البائع يقول أنا أقبلها فإنما
تعذر الرد ببيع المشترى إياها بعد العلم بالعيب وذلك يمنعه من الرجوع بحصة العيب
والأصل في جنس هذا أن في كل موضع يجوز ردها برضا البائع فإذا باعها المشترى لم يكن
له أن يرجع بنقصان عيبها وفي كل موضع لم يكن له ان يردها وان رضي البائع فبيعه إياها
لا يمنعه من الرجوع بنقصان العيب لان تعذر الرد هنا بمعنى حكمي دون بيع المشترى إياها وفي
الأول إنما تعذر الرد ببيع المشترى إياها فكأنه حبسها عنده وأراد الرجوع بنقصان العيب
وعلى هذا لو اشترى ثوبا فقطعه ولم يخطه حتى رأى به العيب ثم باعه لم يكن له أن يرجع
بنقصان العيب لان بعد القطع يجوز رده إذا رضى به البائع وإنما تعذر الرد ببيع المشترى
إياه ولو قطعه وخاطه ثم رأى به العيب فباعه كان له ان يرجع بنقصان العيب لان الرد كان
متعذرا قبل البيع وان رضى به البائع بصفة الخياطة التي أحدث المشترى فيه وكذلك لو اشترى
ثوبا فصبغه بعصفر أو زعفران ثم وجد به عيبا فباعه رجع بنقصان العيب لان الرد كان متعذرا
قبل البيع للزيادة الحادثة في الثوب من ملك المشتري ولو صبغه اسود فكذلك الجواب عند أبي
يوسف ومحمد رحمهما الله لان السواد عندهما زيادة وعند أبي حنيفة السواد نقصان
كالقطع فإنما تعذر الرد ببيعه إياه فلا يرجع بنقصان العيب وقد ذكرنا هذا في كتاب الغصب
* قال (ولو وطئها غير المشترى بزنا لم يردها المشترى بالعيب لحدوث العيب بها عنده بالزنا
فالزنا عيب في الجارية ولكنه يرجع بنقصان العيب إلا أن يقول البائع ردها على وهذا بخلاف
ما إذا جنى عليها أجنبي فالجناية توجب الأرش والأرش زيادة منفصلة متولدة من العين
حكما وذلك يمنع ردها بالعيب عندنا وان رضى البائع بذلك على ما يذكره وأما الزنا فلا
يوجب إلا الحد ووازن الأرش النكاح فان المشترى لو زوجها فوطئها الزوج أو لم يطأها
ثم وجد بها عيبا لم يكن له أن يردها به لمكان المهر الذي وجب بالنكاح للمشترى وكذلك
لو وطئت بالشبهة وأخذ المشترى العقد لم يردها بالعيب بعد ذلك وان رضى البائع به ولكن
يرجع بنقصان العيب لان الرد قد تعذر فيدفع الضرر عن المشترى برد حصة العيب من الثمن
عليه وكل عيب وجده المشترى في السلعة فعرضها بعد ما رآه على بيع أواطئها أو قبلها أو لمسها
بشهوة أو أجرها أو رهنها أو كاتبها فذلك رضا منه بالعيب وليس له ان يردها ولا يرجع
بنقصان عيبها لأنه يعرضها على البيع لحاجته إلى ثمنها وذلك دليل الرضا منه بسقوط حقه من
98

الثمن المدفوع إلى البائع ودليل الرضا كصريح الرضا وأما الوطئ ودواعيه فلا يحل الا في
الملك المتقرر فاقدامه عليه دليل الرضا بتقرر ملكه فيها ولو وجد ذلك قبل العلم بالعيب امتنع
ردها بالعيب كان هذا في القياس رضا فبعد العلم بالعيب أولى إلا أن قبل العلم بالعيب لم يصر هو
راضيا بالعيب فيرجع بالنقصان وبعد العلم بالعيب يصير هو بالاقدام على هذا الفعل راضيا
بالعيب ولا يرجع بالنقصان وأما الإجارة والرهن فلانه أوجب هذا التصرف للغير فيها حقا
لازما وذلك يعجزه عن ردها فالاقدام عليه دليل الرضا بالعيب والكتابة توجب لها حقا
لازما في نفسها وذلك يعجزه عن ردها فالاقدام عليه دليل الرضا بالعيب ودليل الرضا
فيما يسقط الخيار كصريح الرضا * قال (ولو استخدمها بعد العلم بالعيب كان هذا في القياس
رضا) لأنه يستخدمها لملكه فيها فالاقدام عليه دليل الرضا ويتقرر ملكه وفي الاستحسان
هذا لا يكون رضا بالعيب لان الناس قد يتوسعون في الاستخدام فقد يستخدم الانسان
ملك غيره بأمره وبغير أمره وإنما يستخدمها للاختبار انها مع هذا العيب هل تصلح
لخدمته أم لا فكان ذلك اختبارا لا اختيارا ولو كان ثوبا فلبسه فهو رضا منه لأنه تصرف
بحكم الملك وقلما يفعله الانسان في ملك غيره فيكون ذلك منه دليل الرضا فيتقرر ملكه
وكذلك أن كانت دابة فركبها غير أنى استحسن إذا ركب الدابة ليعلفها أو ليسقيها أو
ليردها أن لا يكون هذا رضا منه لأنه يحتاج في ردها إلى سوقها وربما لا تنقاد له ما لم يركبها
وكذلك في سقيها وعلفها فالركوب لأجله لا يكون دليل الرضا منه وإنما دليل الرضا أن
يركبها في حاجة نفسه أو يسافر عليها * قال (وإذا ولدت الجارية عند الرجل أو وطئها ثم باعها
وكتم ذلك فليس للمشترى أن يردها) لان هذا ليس بعيب لازم لان العيب ما يعده التجار عيبا
أو يؤثر نقصانا في المالية وصفة الثيوبة لا يعدها التجار عيبا فالجواري عليها في أغلب
أحوالهن والبكارة صفة زائدة لا تستحق الا بالشرط والولادة كذلك فالنقصان الممكن
فيها بسببها يزول بمضي المدة وبعد زواله لا أثر له في مالية العين فلا يعده التجار عيبا وفي
كتاب المضاربة يقول الجارية إذا ولدت فهذا فيها عيب لازم أبدا فللمشتري ان يردها إذا
علم بذلك لأنه يدخل عليها بالولادة كسر لا يرتفع ويظهر ذلك في عكن بطنها ولا بأس
بأن يبيعها مرابحة بعدما وطئها إن لم يكن الوطئ نقصها لان المعتبر في بيع المرابحة عرف
التجار وهم لا يعدون هذا من الخيانة ولان المستوفي بالوطئ ليس بمال وبيع المرابحة يلاقي
99

ماليتها فاستيفاء ما ليس بمال منها إذا كأن لا يوجب النقصان في ماليتها لا يعتبر في بيع المرابحة
بخلاف ما إذا كانت بكرا فان الوطئ في هذه الحالة يؤثر نقصانا في ماليتها والنقصان فيها
إذا كان بفعل المشترى فذلك يمنعه من أن يبيعها مرابحة * قال (وإذا اشترى جارية فأعتقها
أو دبرها أو ولدت له ثم وجد بها عيبا فليس له ان يردها) لبطلان ملكه فيها وخروجها من
أن يكون محلا للنقل من ملك إلى ملك وفي القياس ليس له أن يرجع بنقصان العيب لان
تعذر الرد كان بفعل المشترى فهو كما لو قبلها وهذا لأنه لما اكتسب سببا يتعذر الرد فيه كان
حابسا لها حكما فكأنها في يده يحبسها ويريد الرجوع بنقصان العيب وفي الاستحسان
يرجع بنقصان عيبها لان ملكه تقرر فيها بما صنع أما التدبير والاستيلاد فلا يزيل الملك
ولكنها تخرج من أن تكون محل النقل من ملك إلى ملك وأما العتق فهو منه للملك لان
الملك في الآدمي إلى وقت العتق والشئ ينتهى بمضي مدته والمنتهى متقرر في نفسه ولهذا
قلنا يثبت الولاء بالعتق والولاء أثر من آثار الملك فبقاؤه كبقاء أصل الملك فمتى تعذر
الرد مع بقاء الملك المستفاد بالشراء حقيقة أو حكما يرجع بنقصان العيب لأنه استحق ذلك
الملك بصفة السلامة كما لو تعيب في يده * يوضحه أنها لو ماتت عنده رجع بنقصان العيب
لأنه بالموت تنتهي مدة حياته والملك فيها باعتبارها فكذلك بالعتق ينتهى الرق والمالية فيها
باعتبارها * وأما إذا قتلها فقد روي عن أبي يوسف انه يرجع بنقصان العيب أيضا لان القتل
موت بأجل فكأنها ماتت حتف أنفها وفي ظاهر الرواية قال لا يرجع بعد القتل بنقصان
العيب لان القتل فعل مضمون لو باشره في ملك الغير كان موجبا للضمان عليه وإنما
استفاد البراءة عن الضمان هنا لملكه فيها وذلك في معنى عوض سلم له فكأنه باعها بخلاف
العتق فإنه ليس بفعل موجب للضمان على الانسان في ملك الغير على الاطلاق لان
عتقه في ملك الغير لا ينفذ ومن أحد الشريكين وان نفذ فلا يتعلق به الضمان مطلقا
حتى إذا كان معسرا لم يضمن شيأ فهو لم يستفد عوضا عن ملكه حقيقة وحكما وكذلك أن
ماتت لأنه لم يوجد منه فعل مضمون فيها أما إذا باعها ثم علم بالعيب فيها لم يرجع بنقصان
العيب لأنه لو خاصم إنما يخاصم في عيب ملك الغير ولأنه نال العوض حيث باعها بصفة
السلامة ولان البيع والتسليم فعل مضمن في ملك الغير فهو بمنزلة القتل والهبة والصدقة في
هذا كالبيع لأنه أوجب الملك فيها باختياره فيكون قاطعا ملكه الذي استفاده من جهة
100

البايع فكان كالبيع ثم هذا فعل مضمون في ملك الغير فإنما استفاد البراءة عن الضمان
باعتبار ملكه فيها * قال (ولو باع منها بعضا لم يكن له ان يرد ما بقي عندنا وقال ابن أبي ليلى
له ذلك إلا أن يشاء البائع أن يرد عليه نقصان العيب) لأنه يتمكن من رد ما بقي ولكنه
معيب بعيب الشركة ولو تعيب في يده بعيب آخر كان له ان يرجع بنقصان العيب الا ان
يشاء البائع ان يقبلها معيبة فهذا مثله ولكنا نقول عجز عن رد الباقي على الوجه الذي قبض
لأنه قبض غير معيب وإنما حدث عيب الشركة عنده وذلك يمنعه من الرد وسبب هذا كان
بيع النصف ومتى كان تعذر الرد بسبب البيع فليس له ان يرجع بشئ من نقصان العيب
كما لو باع الكل وعند زفر له أن يرجع بنقصان العيب في النصف الذي لم يبع اعتبارا
للبعض بالكل إذا لم يبع ولو كاتبها فالكتابة نظير البيع من حيث إنه يوجب لها حقا بعوض
يستوجبه المولي عليها فلا يرجع بنقصان العيب بعد ذلك وكذلك لو أعتقها بمال فيما رواه
أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله لأنه أزال ملكه عنها بعوض فهو كما لو باعها وفي رواية
أخرى يرجع بنقصان العيب لان العتق منه للرق سواء كان بعوض أو بغير عوض ألا ترى أنه
يثبت به الولاء في الموضعين جميعا ولو قتلها أجنبي لم يرجع بنقصان العيب على البائع
لأنه أخذ العوض من القاتل فكان ذلك بمنزلة عوض سلم له بالبيع وكذلك لو كان ثوبا
فأحرقه أجنبي أو طعاما فأكله لأنه قد سلم للمشترى العوض من جهته وكذلك أن كان
المشترى هو الذي أحرقه لأنه قد استفاد البراءة عن الضمان بسبب ملكه * قال (ولو لبس
الثوب حتى تخرق أو أكل الطعام ثم علم بالعيب لم يرجع بشئ في قول أبي حنيفة وقال
أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يرجع بنقصان العيب من الثمن استحسانا) لأنه صنع بالمبيع
ما يشترى لأجله ويعتاد فعله به فلا يمنعه من الرجوع بنقصان العيب كما لو أعتق العبد
وأبو حنيفة يقول تعذر الرد بفعل مضمون منه في المبيع فلا يرجع بنقصان العيب
كالاحراق والقتل وهذا لان اللبس والأكل موجب للضمان عليه في ملك الغير وإنما
استفاد البراءة باعتبار ملكه في المحل فذلك بمنزلة عوض سلم إليه وكما أن الأكل واللبس
مقصودان بالشراء فالمبيع مقصود بالشراء ثم لا يعتبر ذلك المعنى في اثبات حق الرجوع له
بنقصان العيب لسلامة العوض له فكذلك الأكل وان أكل بعض الطعام ثم علم بالعيب
فكذلك الجواب عند أبي حنيفة بمنزلة ما لو باع البعض لان الطعام في الحكم كشئ واحد
101

فلا يرد بعضه بالعيب دون البعض وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله روايتان فيما إذا
أكل البعض في احدى الروايتين يرجع بنقصان العيب في الكل لان الطعام في
حكم شئ واحد يرد بعضه بالعيب وأكل الكل عندهما لا يمنعه من الرجوع بنقصان
العيب فأكل البعض أولى وفي الرواية الأخرى يرد ما بقي لان هذا مما لا يضره
التبعيض وهو قادر على الرد كما قبضه ويرجع بنقصان العيب فيما أكله وبعد بيع
البعض عنهما روايتان أيضا ففي احدى الروايتين لا يرجع بشئ كما هو قول أبي حنيفة
لان الطعام في حكم شئ واحد فبيع البعض فيه كبيع الكل وفي الرواية الأخرى
يرد ما بقي لأنه لا يضره التبعيض ولكنه لا يرجع بنقصان العيب فيما إذا باع اعتبارا
للبعض بالكل * قال (وإذا طحن الحنطة أو لت السويق ثم علم بعيب به كان له ان يرجع
بنقصان العيب) لان الملك المستفاد له بالشراء باق وإنما تعذر الرد لمكان الزيادة التي
هي غير متولدة من العين بمنزلة الثوب إذا قطعه وخاطه أو صبغه فله أن يرجع بنقصان
العيب * قال (وإذا اشترى خفين أو نعلين أو مصراعي باب فوجد في إحداهما عيبا
فله ان يردهما جميعا) لأنهما في الصورة شيئان وفي المنفعة والمعنى كشئ واحد فإنه لا يتأتى
الانتفاع المقصود بإحداهما دون الأخرى والمعتبر هو المعنى وفي الشئ الواحد وجود
العيب بجزء منه ممكن من رد الكل لأنه لو رد المعيب خاصة لعاد إلى البائع بعيب حادث
إذ التفريق بينهما يمنع الانتفاع وذلك عيب في كل واحد منهما فإن كان قد باع الذي
ليس به عيب لم يكن له ان يرد ما بقي ولا يرجع بشئ كما في الشئ الواحد حقيقة
إذا باع بعضه أما إذا اشترى ثوبين أو عبدين وقبضهما ثم وجد بأحدهما عيبا رد المعيب
خاصة عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله وقال زفر له ان يردهما جميعا وليس له أن يرد أحدهما
لان الصفقة واحدة وضم الجيد إلى الردئ عادة معروفة ولو رد المعيب تضرر البائع بذلك
فليس له ذلك إلا أن يردهما جميعا كما في الفصل الأول ألا ترى أنه في الرد بخيار الشرط
والرؤية ليس له ان يفرق بينهما وكذلك في الرد بالعيب قبل القبض فكذلك بعد
القبض ولكنا نقول الصفقة قد تمت بالقبض لان العيب لا يمنع تمام الصفقة ثم علة الرد
العيب وذلك وجد في أحدهما والحكم إنما يثبت بحسب العلة ألا ترى أنه لو استحق
أحدهما بعد القبض لم يتخير في الآخر فكذلك إذا وجد العيب في أحدهما بخلاف
102

النعلين فهناك لو استحق أحدهما كان له ان يرد الآخر لاتصال أحدهما بالآخر انتفاعا
وبخلاف خيار الشرط والرؤية لان ذلك يمنع تمام الصفقة بالقبض وكذلك خيار العيب قبل
القبض لان الصفقة لا تتم قبل القبض وتفريق الصفقة قبل التمام لا يجوز ثم إن تضرر
البائع هنا من الوجه الذي ذكره زفر فكذلك من قبل تدليسه فلا يعتبر في حق المشترى
وليس من ضرورة ثبوت الخيار له في أحدهما ثبوته في الآخر كما لو سمى لكل واحد
منهما ثمنا وشرط الخيار لنفسه في أحدهما بعينه * قال (وإذا اشترى عبدا ثم باعه فرد
عليه بعيب بغير قضاء قاض فليس له ان يرده على بائعه بالعيب) لان هذا بمنزلة الإقالة فإنه
حصل بتراضيهما والإقالة في حق البائع الأول بمنزلة بيع مبتدأ فلم يعد إليه الملك المستفاد
من جهة البائع الأول في حقه فلهذا لا يخاصمه في عينه * قال (ولو قبله بقضاء قاض ببينة
قامت عليه أو باباء اليمين أو باقرار عند القاضي انه باعه والعيب به وهو لا يعلم به كان له
ان يرده على الأول إن كان له على العيب بينة والا استحلفه) لان الرد عليه بقضاء القاضي
فسخ فان للقاضي ولاية الفسخ بسبب العيب دون ابتداء البيع فيعود إليه الملك المستفاد
من جهة البائع فهو على خصومته في العيب معه بمنزلة ما لو وهبه ثم رجع في الهبة إلا أن
في الرجوع في الهبة القضاء وغير القضاء سواء بخلاف الرد بالعيب وقد قررنا هذا الفرق في
كتاب الهبة * قال (ولو اشترى جارية ولها زوج أو عبدا وله امرأة فله أن يردهما
بالعيب) لان النكاح مما يعده التجار عيبا في الغلام والجارية جميعا ولان المقصود بملك
الجارية الاستفراش وهذا المقصود يختل إذا ظهر أنها منكوحة الغير وفي العبد بسبب
النكاح يلزمه نفقة امرأته وذلك ينقص من ماليته فلهذا كان النكاح عيبا فيهما جميعا وإذا
اشترى شاة أو بقرة فحلبها وشرب اللبن ثم علم بعيبها لم يكن له أن يردها بالعيب ولكنه
يرجع بنقصان العيب عندنا وقال الشافعي يردها بالعيب بجميع الثمن والأصل أن الزيادة
نوعان متصلة ومنفصلة والمتصلة نوعان زيادة غير متولدة من العين كالصبغ في الثوب
والسمن والعسل في السويق وهي تمنع الرد بالعيب بالاتفاق لمراعاة حق المشترى في
مالية الزيادة والزيادة المتصلة التي هي متولدة من الأصل كالسمن وانجلاء البياض من
العين وثياب اللبس لا يمنع الرد بالعيب في ظاهر الرواية لأنه لا معتبر بها في عقود
المعاوضات ألا ترى أنها إذا حدثت قبل القبض لا يتغير حكم انقسام الثمن بسببها وقيل
103

على قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله هذه الزيادة تمنع الرد بالعيب وعند محمد
لا تمنع على قياس مسألة التحالف وقد تقدم بيانها وأما الزيادة المنفصلة فهي نوعان عين
متولدة من الأصل كالكسب والغلة فلا تمنع الرد بالعيب ولكن الزيادة تسلم للمشترى
به ورد الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الخراج بالضمان ثم الكسب
والغلة بدل المنفعة وسلامة المنفعة للمشترى لا تمنع رد الأصل بالعيب بجميع الثمن
فكذلك سلامة بدل المنفعة * وأما الزيادة المنفصلة التي هي متولدة من الأصل كاللبن
والثمار والولد والعقد إذا وطئت الجارية بالشبهة والأرش إذا جنى عليها بعد ما قبضها
المشترى فهو يمنع رد الأصل بالعيب عندنا وعند الشافعي لا يمنع ولكن يرد الأصل
بجميع الثمن والزيادة تسلم للمشترى لأن هذه زيادة تملك بسبب ملك الأصل فلا يمنع
رد الأصل بالعيب كالكسب والغلة وتأثيره انه لا يقابل هذه الزيادة شئ من الثمن لأنها لم تكن
موجودة لا عند العقد ولا عند القبض فكان جميع الثمن بمقابلة الأصل ألا ترى ان هذه
الزيادة إذا هلكت من غير صنع أحد كان له أن يرد الأصل بالعيب بجميع الثمن فكذلك
إذا كانت قائمة في يد المشترى أو استهلكها أو غيره وبهذا يتبين ان هذه الزيادة ليست
بمبيعة لأن المبيع ما يقابله الثمن فلو صارت هذه الزيادة مبيعة لقابلها شئ من الثمن كما قلتم
في الزيادة الحادثة قبل القبض إذا قبضها المشترى مع الأصل والدليل عليه أنه لا يرد
هذه الزيادة بعيب إذا وجد بها فلو صارت مبيعة لثبت فيها حكم الرد بالعيب ويجوز
فسخ سبب الملك في الأصل مع بقاء الزيادة سالمة للمتملك كالموهوبة إذا زادت زيادة
منفصلة ثم رجع الواهب فيها تبقى الزيادة سالمة للموهوب له (وحجتنا) في ذلك أن تملك
المشترى في هذه الزيادة تملك مبيع فلو رد الأصل بجميع الثمن لبقيت الزيادة له مبيعا بلا ثمن
وذلك ربا وبيان هذا انه لا سبيل لملك الزيادة سوى التولد من الأصل وإنما يسرى
إليها الملك الثابت في الأصل وملكه في الأصل ملك مبيع لان هذا الملك يثبت له
بالشراء وما ثبت فهو باق من غير دليل منفى حتى يقوم الدليل والدليل عليه ان
باعتبار قيام ذلك الملك التصرف في العقد بالإقالة وإذا ثبت ان ملكه في الأصل ملك
مبيع فذلك الملك يسرى إلى الزيادة لان المتولد من عين الشئ يكون بصفته ألا ترى ان
ولد المكاتبة وولد أم الولد من غير السيد يكون الملك فيه بصفة الملك في الأصل وبه
104

فارق الكسب والعلة لأنه ملكه بسبب مبتدأ وما سرى إليه ملك الأصل ألا ترى ان
كسب المكاتب لا يثبت فيه حكم الكتابة فإذا ثبت أن هذه الزيادة في حكم المبيع قلنا
ليس بمقابلتها شئ من الثمن لأنها بيع محض والثمن بمقابلة الأصل دون البيع كأطراف
المبيع لا يقابلها شئ من الثمن الا ان يصير مقصودا بالتناول فكذلك الزيادة ان حدثت قبل
القبض ثم قبضها المشترى مع الأصل صارت مقصودة بالتناول فيقابلها جزء من الثمن ومن
ضرورة ذلك استحقاق صفة السلامة فيها فإذا وجد بها عيبا كان له أن يردها بذلك وقبل
القبض لما كأن لا يقابلها شئ من الثمن كان ردها مقصودا ولكن يردها مع الأصل تبعا
واما الزيادة الحادثة بعد القبض فلم تصر مقصودة بالتناول والقبض بحكم العقد فلا يقابلها
ثمن فلهذا لا يكون له أن يردها ولا يرد الأصل دونها بجميع الثمن لأنها تبقى مبيعة سالمة
للمشترى بغير عوض والربا ليس إلا هذا ولهذا لا يملك ردها وان رضي البائع لان
تعذر الرد لحق الشرع ولهذا رجع بالنقصان وان باعها بعد العلم بالعيب لان الرد
ممتنع لمكان الزيادة سواء رضي البائع بذلك أم لم يرض ولا يقال قبل رد الأصل الزيادة
تسلم للمشترى مبيعا بلا ثمن فكذلك بعد رد الأصل لان قبل رد الأصل الزيادة تبع
فتكون الزيادة بمقابلة الأصل يعنى عن اعتبار الثمن بمقابلة المبيع فإذا تعذر رد الأصل بالعيب
فقد انفسخ العقد فيه فالزيادة بعد ذلك لا تكون تبعا للأصل وإذا صارت مقصودة ولا يقابلها
ثمن كانت ربا ولهذا يرد الأصل بالعيب بعد هلاك الزيادة لان المانع زيادة كانت تبقي
للمشترى مبيعا بلا ثمن وقد انعدم ذلك إذا هلك من غير صنع أحد وان استهلكها أجنبي
غرم بدلها فسلامة البدل للمشترى كسلامة الأصل وإن كان المشترى هو الذي استهلكها
فلانه حابس لها باستهلاكه أو لأنه استفاد البراءة عن الضمان بملكه فيها وذلك بمعنى عوض
سلم إليه منها فمنفعة ذلك من ردها بالعيب بخلاف الموهوبة لان بعد الرجوع في الأصل
هناك الزيادة تبقى للموهوب له بغير عوض والأصل كان سالما له موهوبا بغير عوض
ولم يكن له ذلك ربا فكذلك الزيادة وهذا لان حكم الربا إنما يثبت في المعاوضات دون
التبرعات * قال (وإذا اشترى عبدا فوجده مخنثا أو سارقا أو كافرا له ان يرده) والأصل
ان مطلق العقد يقتضي سلامة المعقود عليه عن العيب لما روى أن النبي صلى الله عليه
وسلم اشترى من العداء بن خالد عبدا وكتب في عهدته هذا ما اشترى محمد رسول الله من
105

العداء بن خالد بن هودة عبدا لا داء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم من المسلم ففي هذا تنصيص
على أن البيع يقتضى سلامة المبيع عن العيب وتفسير الداء فيما رواه الحسن عن أبي حنيفة
رحمهما الله المرض في الجوف والكبد قال المرض ما يكون في سائر البدن والداء ما يكون في
الجوف والكبد والرئة وفيما روى عن أبي يوسف قال الداء المرض والغائلة لا تكون
من قبل الأفعال كالإباق والسرقة والخبثة هو الاستحقاق وقيل الجنون ثم المرجع
في معرفة العيوب إلى عرف التجار وفي كل شئ إنما يرجع إلى أهل تلك الصنعة
فما يعدونه عيبا فهو عيب يرد به أو ما ينقص المالية فهو عيب لان المقصود بالبيع
الاسترباح وذلك بالمالية فما ينقص المالية فهو يمكن خللا في المقصود وذلك عيب يرد به
وإذا وجد العبد مخنثا فهذا مما يعده التجار عيبا فيمكن نقصانا في ماليته وفيما هو المقصود
بملك العبد وهو الاستعمال في الاعمال الشاقة وكذلك أن وجده سارقا فان ذلك يخل
بمقصوده لأنه لا يمكنه استخدامه إذ لا يأتمنه على ماله ويشق عليه حفظ ماله عليه آناء الليل
والنهار وان سرق مال الغير يقطع بسببه وكذلك أن وجده كافرا كان له أن يرده إذ لا عيب
تبلغ درجته درجة الكفر وهذا لأنه ربما يحتاج إلى استخدامه في الأمور الدينية نحو
اتخاذ الماء لطهوره وحمل المصحف إليه والكافر نجس لا يؤدي الأمانة في الأمور الدينية
ولو اشتراه بشرط انه كافر فوجده مسلما لم يكن له ان يرده عندنا وقال الشافعي له أن
يرده لأنه وجده بخلاف شرطه وله في هذا الشرط غرض فربما قصده ان يستخدمه في
المحقرات من الأمور ولا يستخير من نفسه أن يستخدم المسلم في مثله فإذا فات عليه
مقصوده يمكن من رده وأصحابنا رحمهم الله قالوا الكفر عيب فذكره في العقد لا يكون
على وجه الشرط بل على وجه التبري من العيب فكأنه اشتراه على أنه معيب فإذا هو
سليم وهذا لأنه وجد أزيد مما شرط وثبوت حق الرد لدفع الضرر عن نفسه فإذا وجده
أزيد مما شرط فلا حاجة إلى دفع الضرر عن نفسه باثبات حق الرد له * قال (وان وجد
الغلام زانيا لم يكن له أن يرده بالعيب عندنا وقال الشافعي له ان يرده) لان عيب الزنا كعيب
السرقة أو فوقه ألا ترى ان في الجارية كل واحد منهما عيب فكذلك في الغلام ولكنا نقول
اشتراه على أنه فحل فوجده أفحل ثم الذي به ليس إلا تمنى الزنا فان تمنى الزنا معدوم في حقه
فان فعل الزنا لا يتهيأ للعبد الا بمال ولا مال له بخلاف الجارية ثم المقصود من العبد
106

الاستخدام في أمور خارج البيت وزناه لا يخل بمقصود المولي وأما في الجارية فالمقصود
هو الاستفراش وزناها يخل بهذا المقصود فإنها تلوث عليه فراشه وقيل في الغلام إذا
صار ذلك عادة له بحيث لا يصبر عنه فله ان يرده لأنه يتمكن الخلل في مقصوده فكلما
يوجهه في حاجته ذهب في متابعة هواه فهو كالسرقة فإنها تخل بالاستخدام من الوجه
الذي قلنا وكذلك أن وجد العبد ولد زنا لم يكن له أن يرده لان هذا لا يخل بمقصوده
من الاستخدام ولان أكثر المماليك بهذه الصفة لا تعرف أنسابهم فاما الجارية إذا كانت
ولد زنا فله أن يردها لان ذلك يخل بمقصوده منها وهو الاستيلاد فان ولده يعير بأمه
إذا كانت ولد زنا وعلى هذا الغلام إذا لم يكن مختونا أو الجارية إذا لم تكن مخفوضة ففي
الحلية من دار الحرب هذا لا يكون عيبا لأنا لا نعلم أنهم لا يفعلون ذلك وفي المولد لا يكون عيبا
في الصغير أيضا ويكون عيبا بعد البلوغ لان المولد في دار الاسلام لا يترك كذلك حتى
يبلغ والتجار يعدون ذلك عيبا في المولد * قال (والثؤلول عيب إذا كان ينقص الثمن وإن كان
لا ينقصه فليس بعيب) لأنه لا يخل بالمقصود فيعتبر نقصان المالية بسببه والخال كذلك فقد
يكون الخال رتبة لا تنقص من المالية وهو ما إذا كان على الخد وقد يشينه إذا كان على رأس
الأرنبة وذلك ينقص من المالية فلهذا يعتبر فيه أن ينقصه من الثمن * قال (والصهوبة في الشعر
عيب) لان التجار يعدونه عيبا وكذلك الشمط فان الشمط في أوانه من الهرم والهرم عيب
وفي غير أوانه ومن داء في الباطن وهو عيب ثم اللون المستوى للشعر السواد فما سوى
ذلك إذا كان ينقص من الثمن ويعده التجار عيبا ثبت به حق الرد قال والبخر عيب في
الجارية وليس بعيب في الغلام إلا أن يكون من داء وهو نتن الفم وهذا يخل بما هو
المقصود من الجارية وهو الاستفراش ولا يخل بما هو المقصود من الغلام لأنه يستخدمه
بالبعد من نفسه إلا أن يكون من داء فالداء نفسه عيب * (قال) والذفر كذلك وهو نتن الإبط
وهو يخل بالمقصود من الجارية دون الغلام إلا أن يكون فاحشا لا يكون في الناس مثله
فهذا يكون لداء في البدن وهو ينقص الثمن قال والبجر عيب وهو انتفاخ تحت السرة وبه
سمى بعض الناس أبجر وهو يكون لداء في البدن ويعده التجار عيبا والأدرة عيب وهي عظم
الخصيتين وإنما يكون ذلك لداء في البدن وفي بعض النسخ الآذن عيب وهو الذي
يسيل من منخره الماء ومنه قول القائل.
107

وترى الذين على مناخر * هم يوم الهياج كمارن النمل
وذلك يستقذر منه ولا يكون الا لداء في الدماغ واليسر عيب وهو الذي يعمل بيساره
ولا يستطيع ان يعمل بيمينه إلا أن يكون أعسر يسر وهو الأضبط الذي يعمل باليدين
وقد كان عمر رضي الله عنه بهذه الصفة فحينئذ يكون زيادة وليس بعيب * قال (والعشي
عيب) وهو ضعف في البصر حتى لا يبصر من شدة الظلمة أو شدة الضوء ومنه يسمى
الأعشى * والعسم عيب وهو يبوسة وتشنج في الأعصاب منه أصل العرج والسن السوداء
عيب لأنه لا ينتفع به وهو يشين صاحبه والسواد في السن دليل موت السن عند من
يقول في السن حياة وكذلك السن الساقطة عيب ضرسا كان أو غيره لأنه ينقص من الثمن
ويعده التجار عيبا ثم سقوط السن فيما لا يبدو منها كالطواحين ينقص من المنفعة وفيما يبدو
منها كالضواحك وفي الأصل كالنواجذ ينقص من الجمال ولهذا وجب الأرش إذا قلع
من الغير وأفسد المنبت * قال (والظفر الأسود عيب إذا كان ينقص الثمن) لأنه ينقص من
الجمال والسواد في الظفر دليل موته كما في السن وإنما يشترط هذه الزيادة لان ذلك
قد لا ينقص من الثمن فيمن هو اسود اللون كالحبشي وإنما ينقص فيمن هو أبيض اللون
كالأتراك وإذا كان بحيث لا ينقص الثمن لا يثبت حق الرد به * والإباق مرة واحدة عيب
من الصغير ما دام صغيرا فإذا بلغ فليس ذلك بعيب إلا أن يأبق بعد الكبر وهذا إذا كان
بحيث يميز أما في الصغير جدا فهذا لا يكون عيبا لأنه يضل ولا يأبق والإباق يكون عن
قصد منه وهو ليس من أهله ولكنه لا يهتدى إلى بيت مولاه فيضل كالدابة فاما إذا كان
مميزا فالإباق والقصد إلى ذلك يتحقق منه وهو عيب فيه ما لم يبلغ فإذا بلغ زال ذلك
وان أبق بعد البلوغ مرة فهو عيب لازم أبدا والسرقة كذلك * قال (والبول في الفراش
كذلك في حق الصغير جدا لا يكون عيبا) لأنه يكون من أمثاله عادة * وأما الجنون إذا وجد
مرة فهو عيب لازم أبدا سواء وجد في حالة الصغر أو بعد البلوغ والفرق أن سبب
الجنون واحد لا يختلف بالصغر والكبر وهو آفة في العقل فإذا وجد مرة فأثره يبقي فيه
ما عاش وذلك يظهر في حماليق عينيه بمعرفة أهل البصر فيه وأما سبب الإباق والسرقة
والبول في الفرش في حالة الصغر فمخالف لسبب هذه العيوب بعد البلوغ لان الإباق في
الصغر سببه سوء الأدب وحب اللعب وسببه بعد البلوغ التمرد وقلة المبالاة بالمولى وكذلك السرقة
108

سببها قبل البلوغ قلة التأمل في عواقب الأمور بسبب الصغر وبعد البلوغ سببها التمرد
ولهذا لا يجب بها على الصبي ما يجب على البالغ وسبب البول في الفراش قبل البلوغ
استرخاء في المثانة بسبب الصغر وسببه بعد البلوغ آفة في الآلة الماسكة فإذا وجد في
حالة الصغر فهو عيب ما دام صغيرا فإذا بلغ زال ذلك السبب فزال الحكم أيضا فإذا وجد
بعد البلوغ فهو عيب لازم أبدا لان التجار يعدونه عيبا فهو ينقص من المالية والإباق
سوى المالية فيه حكما فكان من أفحش العيوب * (قال والحبل في بنات آدم عيب) لأنه ينقص
المالية ويخل بالمقصود وليس بعيب في البهائم لأنه يزيد في المالية * قال (والقرن عيب) وهو
عظم في المأتي يمنع الوصول إليها وبه قضى شريح رحمه الله قال أقعدوها فان أصاب الأرض
فهو عيب * والرتق عيب وهو لحم في المأتي يمنع وصول الواطئ إليها * والعفل عيب وهو أن يكون
في المأتي شبه الكيس لا يتلذذ الواطئ بوطئها وهذا كله يخل بالمقصود * قال (والبرص
عيب) وهو معلوم يعده التجار عيبا فينقص من المالية * قال (والجذام عيب) وهو قبيح تحت
الجلد يوجد نتنه من بعد وربما تنقطع الأعضاء به وهو أفحش العيوب قال صلى الله عليه
وسلم فر من المجذوم فرارك من الأسد * قال (والفتق عيب) وهو ريح في المثانة ربما يهيج بالمرء
فيقتله ولا يكون ذلك الا لداء في البدن * قال (والسلعة عيب) وهو القروح التي تكون في
العتق ويسمى بالفارسية خوك وذلك لا يكون الا لداء في بدنه وربما يتلف بسببه وكل
شئ ينقص الثمن في الرقيق والدواب فهو عيب لان المقصود في البيع الاسترباح فما ينقص
من الثمن يكون خللا في المقصود * قال (والكي عيب) لأنه إنما يعقل ذلك لداء في البدن
إلا أن يكون سمة في بعض الدواب فإن كان من ذلك شئ لا يعده التجار عيبا لا يرد به
قال (والفدع عيب) وهو في الكف زيغ في الرسغ بينه وبين الساعد وفي القدم كذلك زيغ
بينه وبين عظم الساق وفي الفرس هو التواء الرسغ عن عرضه الوحشي وهو الجانب الأيمن
* قال (والفحج عيب) وهو في الفرس تباعد ما بين الكعبين والا فحج من الآدمي الذي تتدانى
صدور قدميه وتتباعد عقباه وتنفحج ساقاه * والدحس عيب وهو ورم يكون في أطراف حافر
الفرس * قال (والصكك عيب) وهو ان يصطك ركبتاه قال أبو عمر وأبو عبيد رحمهم الله الصكك
في الرجلين في الكعبين * قال (والحنف عيب) وهو اقبال كل واحد من الإبهامين إلى صاحبه
وذلك ينقص من قوة المشي وقال ابن الاعرابي الأحنف الذي يمشي على ظهر قدميه * قال
109

والصدف عيب وهو التواء في أصل العنق * قال (والشدق عيب) وهو وسع مفرط في الفم
وفيه الحديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التشدق في الكلام وهو مما يعده
التجار عيبا ثم العيوب التي يطعن المشترى بها أنواع أربعة نوع منها يكون ظاهرا في موضع
يراه القاضي وغيره ولا تسمع الخصومة في ذلك ما لم يره العيب لان قيام العيب عند
الخصومة شرط لتوجه الخصومة وحقيقة معرفة ذلك بالمعرفة ممكن فإذا رآه القاضي فإن كان
عيبا لا يحدث مثله في مثل تلك المدة وقد علم القاضي وجوده عند البائع فيقضى
بالرد إلا أن يدعى البائع أن المشترى علم به عند العقد ورضى به فحينئذ يحلف المشترى على
ذلك ثم يرده وإن كان شيئا مما يحدث مثله في مثل تلك المدة فالقول قول البائع ان العيب
لم يكن عنده لان الحوادث إنما يحال بحدوثها على أقرب الأوقات ومن ادعى تاريخا
سابقا فعليه ان يثبته بالبينة فان أقام المشترى البينة على أن العيب كان عند البائع قضي
بالرد وإن لم يكن له بينة يحلف البائع البتة بالله لقد باعه وسلمه وما به هذا العيب وإنما يذكر
التسليم لجواز أن يكون العيب حدث بعد العقد قبل التسليم إلا أنهم قالوا النظر للمشترى
ينعدم إذا استحلفه بهذه الصفة فان العيب لو كان حادثا بعد العقد وقبل التسليم كان للمشترى
حق الرد والبائع بار في يمينه بان العيب لم يكن موجودا عند العقد فالأحوط ان يحلفه
بالله لقد سلمه بحكم هذا العقد إليه ولم يكن به هذا العيب قال الشيخ الامام عندي الأول
أصح لان البائع ينفى العيب عند البيع وعند التسليم ولا يكون بارا في يمينه إذا لم يكن العيب
منتفيا في الحالين جميعا وإنما يستحلف على الثبات لان استحلافه على فعل نفسه وهو
التسليم كما لو التزمه بالعقد فان نكل عن اليمين فنكوله كاقراره وان حلف انقطعت المنازعة
بينهما * ونوع من ذلك عيب لا يعرفه الا الأطباء فعلى القاضي ان يريه مسلمين عدلين
من الأطباء لان علم ذلك عندهم وإنما يرجع إلى معرفة كل شئ إلى من له بصر في ذلك
الباب كما في معرفة القيمة والأصل فيه قوله تعالى فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون
ولا بد من العدد في ذلك لأنه قول ملزم كالشهادة فإذا قالا العيب موجود فيه وقالا هو
ممالا يحدث في مثل هذه المدة حكم بالرد بقولهما وان قالا قد يحدث ذلك حينئذ يحلف
البائع كما بينا في الفصل الأول الا ان يقيم المشترى البينة على اقرار البائع أن العيب كان
عنده * ونوع منه لا يعرفه الا النساء بأن يكون في موضع لا يطلع عليه الرجال فالقاضي
110

يريها النساء لان النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال
والمرأة الواحدة تكفى لذلك بعد أن تكون حرة مسلمة فإن كانتا اثنتين فهو أحوط
وهذه المسألة معروفة في الطلاق والشهادات فان أخبرت بوجود العيب توجهت الخصومة
لظهور السبب في الحال بقولها ولكن لا يثبت الرد بقول النساء وإن كان ذلك مما لا يحدث في
مثل تلك المدة لأن هذه الزيادة يمكن الوقوف عليها لامن جهة النساء فلا يعتبر قول النساء فيها ولان
شهادة النساء حجة ضعيفة لا يفصل الحكم بها ما لم تتأيد بمؤيد وذلك بنكول البائع فيستحلف
حتى إذا انضم نكول البائع إلى شهادة النساء فسخ البيع وعن أبي يوسف انه يقضى بالرد بقول
النساء لان شهادتهن فيما لا يطلع عليه الرجال كشهادة الرجال فيما يطلعون عليه وقاس بالعنين
إذا ثبتت البكارة بقول النساء بعد مضي السنة فإنه يفرق بينهما وقد بينا الفرق بين الفصلين
في كتاب النكاح وعن محمد قال إن كانت الخصومة قبل القبض يفسخ العقد بقول النساء
وإن كان بعد القبض لا يفسخ لان الحاجة إلى نقل الضمان من المشترى إلى البائع وشهادة
النساء في ذلك ليست بحجة تامة * ونوع من ذلك ما هو حكمي كالإباق والسرقة والبول
في الفراش فان القاضي لا يسمع خصومة المشترى في ذلك ما لم تقم البينة على وجود العيب
عنده لان قيام العيب في الحال شرط لتوجه الخصومة ولا طريق لمعرفة ذلك الا بالبينة فان
طلب المشترى يمين البائع على وجود ذلك العيب عنده فقد ذكر في الجامع أن على قول
أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يستحلف البائع بالله ما يعلم أنه أبق عند المشترى أو سرق
أو بال في الفراش وقد بينا هذا الفصل فيما أمليناه من شرح الجامع الكبير وان يثبت
وجود العيب عند المشترى فإن كان اشتراه وقبضه وهو صغير والخصومة بعد البلوغ لم
تسمع الخصومة في ذلك لان العيب الذي كان عند البائع قد زال وهذا عيب حادث عند
المشترى قال (وإن كان الخصومة في الصغر أو كان الشراء بعد البلوغ فالآن تسمع
خصومة المشترى ويحتاج إلى إقامة البينة على الذي كان أبق عنده بعد ما بلغ قبل شرائه
فإن لم يكن له بينة يستحلف البائع بالله لقد باعه وقبضه المشترى وما أبق ولا سرق ولا بال
في الفراش منذ بلغ مبلغ الرجال وهذا استحلاف على الثبات لأنه على التسليم الذي التزمه
واليمين الأولى على العلم لأنها على فعل الغير وفي ظاهر الرواية الجنون كذلك الا ان في
الجنون يستحلف بالله لقد باعه وسلمه وما جن قط لما بينا ان الجنون إذا وجد مرة في
111

الصغر أو الكبر فهو عيب لازم أبدا وبعض المتأخرين من مشايخنا رحمهم الله قالوا في
الجنون لا يشترط عوده عند المشترى لتوجه الخصومة لان أثر ذلك الذي كان قائم فيه
على ما بينا فالجنون بعد انقلاعه يعقب أثرا يظهر ذلك في حماليق عينيه وذلك يكفي لتوجه
الخصومة بخلاف الإباق والسرقة والبول في الفراش فإنه ليس لما قد كان أثر في العين
فلا بد من عوده عند المشترى لتوجه الخصومة * قال (وان طلب البائع يمين المشترى بالله
ما رضى بالعيب منذ علم به ولا عرضه على بيع حلفه على ذلك) لأنه ادعى عليه ما لو أقر به
لزمه فإذا أنكر يستحلف عليه لرجاء نكوله * (قال والعزل عيب) وهو أن يعزل ذنبه في أحد
الجانبين وذلك يكون عادة لا خلقة وإنما يفعل ذلك إذا راث وربما يحول الذنب من جانب
إلى جانب حتى يلطخ وركيه بالروث وذلك ليتقذر ويعد عيبا يرد به * قال (والمشش عيب) وهو
شئ يشخص في وظيفة حتى يكون له حجم ليس له صلابة العظم قال الوظيف مستدق الساق
قال (والحرد عيب) وهو كل ما حدث في عرقوبه من تزيد أو انتفاخ عصب قال (والزوائد
عيب) وهو أطراف عصب يتفرق عند العجانة وينقطع عندها ويلصق بها * والحزن عيب
فمنهم من يقول الخزر وهو ضيق مفرط في العين والأظهر هو الحرن فإنه ذكر في جملة
عيوب الفرس وهو أن لا تنقاد للراكب عند العطف والسير وهو نوع من الجمح والجمح عيب
يخل بالمقصود وخلع الرأس عيب * وهو أن يكون به حيلة يخلع رأسه من العذار وان شد عليه
وهو مما يعد عيبا وربما بطل سببه وبل المخلاة عيب إذا كان ينقص الثمن وهو ان يسيل
لعاب الفرس على وجه تبتل المحلاة به إذا جعلت على رأسه وفيها علفه وقيل إن يأخذ المخلاة
بشفتيه فيرمى بها وهذا نوع من الجمح فهو عيب إذا كان ينقص الثمن والمهقوع عيب والهقعة
دائرة في عرض زوره يعد عيبا ويتشاءم به ومنه يقال اتق الخيل الهقوع * والانتشار عيب
وهو انتفاخ العصب عند الأتعاب والعصب الذي ينشر هي العجانة وتحرك السطا كانتشار
العصب غير أن الفرس لانتشار العصب أشد احتمالا منه لتحرك السطا * والغرب عيب وهو
ورم في الماق وربما يسيل منه شئ حتى قال محمد إذا كان ذلك سائلا فصاحبه في حكم الطهارة
كصاحب الجرح السائل * والشتر عيب وهو انقلاب في الأجفان وبه كان يسمى الأشتر
وهذا يمكن ضعفا في البصر * والحول عيب فإنه يمكن ضعفا في البصر حتى يرى الأحول
الشئ الواحد شيئين والحوص والفتل عيب وهو نوع من الحول إلا أنه إذا كان يمل انسان
112

العين إلى الجانب المقدم يسمى فتلا وإذا كان إلى الجانب المؤخر فهو الحوص * والطفر عيب
وهو بياض يبدو في انسان العين يسمى بالفارسية باحسه وذلك يمكن ضعفا في البصر وربما
يمنع البصر أصلا * والشعر في جوف العين يكون عيبا لأنه يضعف البصر * والجرب عيب
سواء كان في العين أو في غير العين لان الجرب في العين يمكن ضعفا في البصر وفي غير
العين يكون لداء في البدن * وكذلك الماء في العين عيب لأنه يضعف البصر * وريح السبل
عيب فإنه يضعف البصر وربما يذهب به * والسعال القديم عيب إذا كان من داء اما القدر
المعتاد منه فلا يعد عيبا فإذا كان قديما فذلك من داء في البدن والداء نفسه عيب *
والاستحاضة عيب لان الاستحاضة لداء في البدن ثم سيلان الدم إذا كان مستداما
فربما يصيبها ويقتلها * والتي يرتفع حيضها زمانا عيب لان ذلك لا يكون الا من داء في
البدن ومنه يكون مواد المرض للمرأة فان الرطوبة إذا كانت تسيل منها في وقتها تكون
صحيحة البدن وإذا لم تسل اصفر لونها ولأنها إذا كانت لا تحيض فإنها لا تحبل أيضا
فعرفنا انه يخل بما هو المقصود منها * وإذا اشترى عبدا عليه دين لم يعلم به ثم علم بذلك فله
ان يرده لان قيام الدين عليه مما يعده التجار عيبا وتكون ماليته مشغولة بحق الغرماء فهو
عيب حكمي كعيب النكاح إلا أن يقضى عنه البائع دينه أو يبرئه الغرماء منه فبذلك
يزول العيب وزوال العيب قبل الخصومة يسقط حق المشترى في الرد اما إذا علم بالدين
ثم اشتراه هل له أن يرده عند محمد لا استدلالا بسائر العيوب وعند أبي يوسف له أن
يرده كما إذا كان مستحقا وهو عالم به له أن يرده كذلك هنا * وإذا اشترى جارية فوجدها
محرمة فليس ذلك بعيب لان له أن يحللها عندنا وقال زفر ليس له أن يحللها ولكنه يردها
بالعيب لأنها دخلت في ملكه وهي بهذه الصفة فلا يكون له أن يحللها كما لو اشتراها
وهي منكوحة لا يكون له أن يفسخ النكاح ولكنه يردها بالعيب ولكنا نقول المشترى
قائم فيها مقام البائع وقد كان للبائع أن يحللها فإذا كانت أحرمت بغير إذنه حللها من غير
كراهة وإذا كانت أحرمت باذنه فله أن يحللها وإن كان ذلك مكروها لما فيه من
خلف الوعد فكذلك المشترى ولا يكره ذلك للمشترى لان خلف الوعد لا يوجد منه
بهذا وبه فارق النكاح فهناك لم يكن للبائع أن يفرق بينهما بعد صحة النكاح فكذلك
للمشترى وهذا لان لزوم النكاح لحق الزوج وقد كان مقدما على حق المشترى فاما
113

لزوم الاحرام فلحق الشرع وحق الآدمي في المحل مقدم فلهذا كان للمشترى ان يحللها وإذا
تمكن من إزالة العيب فليس له أن يردها به * وان كانت في عدة من زوج فإن كان الطلاق
رجعيا وله أن يردها كان النكاح قائما والزوج يستند بالرجعة الا إذا انقضت العدة قبل
الخصومة فحينئذ لا يردها لزوال العيب * وان كانت العدة من طلاق بائن أو موت فليس
هذا بعيب لان هذا مما لا يعده التجار عيبا فالعيب هو النكاح وقد انقطع والحرمة بهذا
السبب نظير الحرمة بسبب الحيض كما أن ذلك لا يكون عيبا فهذا مثله * وإذا وجد بالجارية
عيبا فأراد أن يردها فقال البائع ما هذه بجاريتي فالقول قوله مع يمينه لان العيب لا يمنع
تمام القبض والرد بحكمه لا ينفرد المشترى به من غير قضاء ولا رضا فالمشترى يدعى
ثبوت حق الرد له في هذا المحل والبائع ينكر والقول قوله مع يمينه بخلاف ما سبق من
خيار الشرط والرؤية * وان اشتراها على أنها بكر فقال وجدتها ثيبا لا يصدق على ذلك
الا ببينة لان البكارة في النساء أصل فالمشترى يدعى عارضا ليثبت لنفسه حق الرد به
فهو بمنزلة دعوى العيب فلا يصدق عليه الا ببينة * قال وإذا اشترى جوزا أو بيضا
فوجده فاسدا كله وقد كسره فله أن يرده ويأخذ الثمن كله أما البيض فالفاسد منه
ليس بمال متقوم إذ هو غير منتفع به ولا قيمة لقشره فتبين ان أصل البيع كان باطلا
وأما الجوز فالمقصود منه اللب دون القشر ولا قيمة لقشره في المواضع التي يكثر فيها
الحطب وفي المواضع التي يندر فيه الحطب فإن كان لقشرة قيمة لكن مالية الجوز قبل
الكسر باعتبار اللب دون القشر فإذا كان حادثا أو منتن اللب لا يصلح للانتفاع به
فكان البيع باطلا فأما إذا كان قليل اللب أو اسود اللب فهذا بمنزلة العيب فإذا وجده كذلك
بعد الكسر رجع بنقصان العيب من الثمن عندنا وقال الشافعي يرده وكذلك البطيخ والقرع
والفاكهة إذا وجدها فاسدة كلها بعد ما يكسرها فإن كانت لا تساوى شيئا رجع
بجميع الثمن لأنه تبين بطلان البيع وان كانت بحيث يأكلها بعض الناس أو تصلح لعلف الدواب
يرجع بحصة العيب من الثمن عندنا وقال الشافعي له ان يرده لأنه لا يتمكن من الرد الا بعد
العلم بالعيب ولا طريق له إلى معرفة العيب سوى الكسر ولا يصير ذلك مانعا حقه
في الرد وهذا لان دفع الضرر عن المشترى واجب بحسب الامكان والبائع هو الذي
سلطه على الكسر فكأنه فعل ذلك بنفسه ولكنا نقول الكسر عيب حادث بفعل المشترى
114

وذلك يمنعه من الرد كما لو تعيب المبيع بعيب آخر وهذا لان الرد لدفع الضرر عن
المشترى وإنما يتمكن منه على وجه لا يلحق الضرر بالبائع ثم مراعاة جانب البائع أولى فان
حق المشترى لا يبطل أصلا ولكن يرجع بنقصان العيب من الثمن والضرر الذي يلحق
البائع بالرد لا يمكن دفعه بعوض فلهذا رجحنا جانبه وهذا إذا وجد الكل فاسدا فان
وجد البعض بهذه الصفة فالكلام في حصة ذلك كالكل إذا وجده فاسدا الا ان
في الجوز إذا كان الفاسد منه مقدارا مالا يخلو الجوز منه عادة كالواحدة والاثنتين في
كل مائة فليس له ان يخاصم البائع لأجله لأنه عند الاقدام على الشراء راض به على الوجه
المعتاد والجوز في العادة لا يخلو عن هذا فلا يخاصم فيه لأجل ذلك * قال وإذا اشترى
عبدا قد حل دمه بقصاص أو ردة فقتل عند المشترى رجع على البائع بالثمن كله في قول
أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يقوم حلال الدم وحرام الدم فيرجع بتفاوت ما بين
القيمتين من الثمن لان العبد بعدما حل دمه مال متقوم وحل الدم عيب فيه * ومن اشترى
شيئا معيبا وتعذر عليه رده بعد ما قبضه رجع بحصة العيب من الثمن كما لو كان زانيا فجلد
عند المشترى ومات وبيان الوصف أن بيع حلال الدم صحيح وبالقبض ينتقل إلى ضمان
المشترى بدليل أنه لو مات كان الثمن متقررا على المشترى ولو تصرف فيه المشترى نفذ
تصرفه فيه ولو كان عالما حين اشتراه أنه حلال الدم لم يرجع بشئ فعرفنا أن حل الدم
عيب فيه (يوضحه) ان البيع يرد على محل غير مستحق بسبب حل الدم فالمستحق به النفس
وإنما يملك بالبيع المالية ومحل الدم لا يعدم المالية ولا يصير يستحقه وإنما تلفت المالية
باستيفاء القتل وذلك فعل أنشأه المستوفى باختياره بعد ما دخل المبيع في ضمان المشترى
بخلاف ما إذا استحق المبيع بملك أو حق رهن أو دين لان المستحق هناك ما تناوله البيع
فينقص به قبض المشترى من الأصل وفي الكتاب استدل بما لو اشترى حاملا وقبضها
فولدت وماتت في نفاسها لم يرجع بجميع الثمن وإن كان أصل السبب في يد البائع وعذركم
أن الغالب في الولادة السلامة يشكل على أصل أبي حنيفة بالجارية المغصوبة إذا حبلت
ثم ردها الغاصب فماتت في نفاسها يرجع المغصوب منه على الغاصب بقيمتها وفي هذا الفرق
نوع تناقض وأبو حنيفة يقول زالت يد المشترى عن المبيع لسبب كانت الإزالة مستحقة
في يد البائع فيرجع بالثمن كما لو استحقه مالك أو مرتهن أو صاحب دين وهذا لان الإزالة
115

لما كانت مستحقة قبل قبض المشترى ينتقض بها قبض المشتري من الأصل فكأنه لم
يقبضه وإنما قلنا ذلك لان القتل بسبب الردة مستحق لا يجوز تركه وبسبب القصاص
مستحق في حق من عليه الا ان ينشئ من هو له عفوا باختياره والبيع وإن كان يرد على
المالية ولكن استحقاق النفس بسبب القتل والقتل متلف للمالية في هذا المحل فكان في
معنى علة العلة وعلة العلة تقام مقام العلة في الحكم فمن هذا الوجه المستحق كأنه المالية
ولا تصور لبقاء المالية في هذا المحل بدون النفسية والنفسية مستحقة بالسبب الذي كان
عند البائع فيجعل ذلك بمنزلة استحقاق المالية لان ما لا ينفصل عن الشئ بحال فكأنه هو
ولا تصور لبقاء المالية في هذا المحل بدون النفسية الا ان استحقاق النفسية في حكم الاستيفاء
فقط وانعقاد البيع صحيحا وراء ذلك وإذا مات في يد المشترى فلم يتم الاستحقاق في حكم
الاستيفاء فلهذا هلك في ضمان المشترى وإذا قبل فقد تم ذلك الاستحقاق ولا يبعد أن
يظهر الاستحقاق في حكم الاستيفاء دون غيره كملك الزوج في زوجته وملك من له
القصاص في نفس من عليه القصاص لا يظهر الا في الاستيفاء حتى إذا وطئت المنكوحة
بالشبهة كان المهر لها وإذا قتل من عليه القصاص انسان فالدية تكون لورثته دون من له
القصاص وهذا بخلاف الزنا وزنا العبد لا يصير نفسه مستحقة وإنما المستحق عليه ضرب
مؤلم واستيفاء ذلك لا ينافي المالية في المحل وإذا اشتراه وهو يعلم محل دمه ففي أصح الروايتين
عن أبي حنيفة يرجع بالثمن أيضا إذا قتل عنده لان هذا بمنزلة الاستحقاق وفي الرواية
الأخرى لا يرجع لان حل الدم من وجه كالاستحقاق ومن وجه كالعيب حتى لا يمنع
صحة المبيع فلشبهه بالاستحقاق قلنا عند الجهل به يرجع بجميع الثمن ولشبهه بالعيب قلنا
لا يرجع عند العلم بشئ لأنه إنما جعل هذا كالاستحقاق لدفع الضرر عن المشترى وقد
اندفع حين علم به وأما الحامل فهناك السبب الذي كان عند البائع يوجب انفصال الولد
لا موت الأم بل الغالب عند الولادة السلامة فهو نظير الزاني إذا جلد وليس هذا
كالغصب لان الواجب على الغاصب فسخ فعله وهو ان يرد المغصوب كما غصب ولم يوجد
ذلك حين ردها حاملا وهنا الواجب على البائع تسليم المبيع كما أوجبه العقد وقد وجد ذلك ثم إن
تلف بسبب كان الهلاك مستحقا به عند البائع ينتقض قبض المشترى فيه وإن لم يكن
مستحقا لا ينتقض قبضه فيه وعلى هذا الأصل لو كان العبد سارقا فقطعت يده عند
116

المشترى رجع بحصة العيب من الثمن عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله بان يقوم سارقا
وغير سارق وعند أبي حنيفة يرجع بنصف الثمن لان قطع اليد كان مستحقا عليه بسبب
كان عند البائع واليد من الآدمي نصفه فينتقض قبض المشترى في النصف فيكون المشترى
بالخيار ان شاء رجع بنصف الثمن وان شاء رد ما بقي ويرجع بجميع الثمن على البائع كما
لو قطعت يده عند البائع * وان مات العبد من ذلك قبل أن يرده لم يرجع الا في نصف
الثمن لان النفس ما كانت مستحقة في يد البائع ألا ترى ان على الامام أن يتحرز عن
السراية بأن لا يقطع في البرد الشديد ولا في الحر الشديد وأن يحسم بعد القطع فقبض
المشترى لا ينتقض في النصف الباقي وان سرى * قال وان اشترى جارية وعبدا فزوجهما
ثم وجد بهما عيبا لم يكن له أن يردهما لان النكاح فيهما عيب حادث عنده فان أبانها ولم
يكن دخل بها كان له ان يردهما لزوال العيب الحادث عنده ولم يجب المهر بهذا النكاح فان
المولى لا يستوجب على عبده دينا * قال وإذا شهد شاهد أنه اشترى هذا العبد وهذا العيب
به وشهد آخر على اقرار البائع به لم تجز الشهادة لاختلاف الشاهدين في المشهود به
فأحدهما يشهد بقول والآخر بعيب معاين وليس على واحد من الامرين شهادة شاهدين
* ولو باع عبده من نفسه بجارية ثم وجد بها عيبا كان له أن يردها ويأخذ منه قيمة نفسه في
قول أبي حنيفة الآخر وهو قول أبى يوسف رحمهما الله وكأن يقول أو لا يرجع بقيمة
الجارية وهو قول محمد وكذلك لو ماتت قبل أن يقبضها المولى واستحقت وكذلك
لو حدث بها عيب عند المولى حتى تعذر ردها بالعيب ففي قوله الآخر يرجع بحصة العيب
من قيمة العبد وفي قوله الأول من قيمة الجارية * وجه قوله الأول ان هذا مبادلة مال بما
ليس بمال فعند الاستحقاق والرد بالعيب يكون رجوعه بقيمة ما هو بدل له كما في
النكاح والخلع والصلح من دم العمد إذا استحق البدل وكان بعينه رجع بقيمته وبيان
الوصف أن الذي من جهة المولى في هذا العقد الاعتاق فان بيع العبد من نفسه اعتاق
وذلك ليس بمال والدليل عليه أن الحيوان يثبت دينا في الذمة بمقابلته فان العبد يعتق
على ملك المولى حتى يكون الولاء له وان الوكيل من جانب المولى في هذا العقد لا يكون
له قبض البدل ولا يبطل بقيامه عن المجلس قبل قبول العبد انه لا يملك الرجوع عنه
* والأجل إلى الحصاد ونحوه يثبت في بدله وان البدل لا يرد الا بالعيب الفاحش عرفنا
117

أنه في حكم مبادلة مال بما ليس بمال وتأثيره وهو أن استحقاق الجارية لوردها بالعيب
لا ينفسخ العقد فكيف ينفسخ وقد عتق العبد فإذا لم ينفسخ فقد تعذر تسليم الجارية مع
قيام السبب الموجب للتسليم فتجب قيمتها واستدل بالكتابة فإنه لو كاتبه على جارية بغير
عينها فاداها وعتق ثم وجد المولى بها عيبا ردها وأخذ مثلها صحيحة فان حدث بها عيب
عند المولى رجع بنقصان العيب من قيمة الجارية وكذلك في بيع العبد من نفسه بجارية
* ووجه قوله الآخر أن المولى أزال عن ملكه ما لا بإزاء مال فإذا لم يسلم ما بذل له رجع
بقيمة ما بذل كما لو باعه من فرسه بجارية فعتق على القريب ثم استحقت الجارية رجع
المولى بقيمة العبد * وبيان الوصف أن يقول تصرف المولى باعتبار ملكه وليس له في العبد
الا ملك المالية إلا أن إزالة ملك المالية إذا لم تكن إلى مالك يكون موجبا عتق العبد فاما
تصرف المولى من حيث الإزالة فتلاقى ملكه وملكه ملك المالية * وتحقيق هذا الكلام ان
في حق ما يسلم للعبد في هذا في معنى مبادلة المال بما ليس بمال لان الذي سلم للعبد العتق
وهو ليس بمال وفيما يزيله المولى عن ملكه هذا مبادلة المال بالمال فعند الاستحقاق والرد
بالعيب مراعاة جانب المولى أولى لان الحاجة في دفع الضرر عن المولى فاما العتق فسالم
للعبد بكل حال ولان العتق للعبد يبنى على إزالة المولى ملكه فيعتبر ما هو الأصل
وباعتباره هذا مبادلة مال بمال ألا ترى أنه إذا أعتق عبدا على خمر يجب على العبد قيمة
نفسه وما كان ذلك الا بالطريق الذي قلنا فكذلك إذا استحق البدل أو هلك قبل
التسليم وقوله ان السبب لم ينفسخ على احدى الطريقتين يقول في حق المولى قد انفسخ
السبب ولان في حقه مبادلة المال بالمال ولكن يتعذر عليه استرداد العبد لنفوذ العتق
فيجب رد قيمته كالمدبر إذا مات المولى وعليه دين مستغرق أو قتله مولاه تبطل وصيته
ولكن يتعذر رده إلى الرق فيجب عليه السعاية في قيمته وعلى الطريق الآخر يقول
لا ينفسخ السبب ولكن لم يسلم للمولى العوض فيرجع بمثله ومثل الجارية بحكم هذا العقد
ما هو عوضها وهو مالية العبد فإنما يرجع بقيمة العبد بهذا بخلاف النكاح فان عوض
الصداق هناك ليس بمال متقوم ليكون الرجوع بماليته فلهذا صرنا إلى قيمة الصداق هناك
وفى الكتاب قيل الجواب قول محمد فان من عادته الاستشهاد بالمختلف لايضاح الكلام
ولئن سلمنا فنقول بدل الكتابة ليس بمقابلة رقبة المكاتب بل بمقابلة ما يسلم للمكاتب
118

لعقد الكتابة وهو كونه أحق بنفسه ومكاسبه وذلك ليس بمال فلهذا كان الحكم فيه بمنزلة
الحكم في النكاح وهنا بدل الجارية مالية العبد في حق المولى فإذا لم يسلم له الجارية كان
رجوعه بمالية العبد وهو قيمته وإذا باع رجل جارية رجل بأمره ثم خوصم في عيب
فقتلها بغير قضاء قاض فإنها تلزم البائع دون الآمر لان هذا بمنزلة الإقالة في أنه يعتمد
تراضيهما فالاقالة في حق الموكل كالبيع الجديد فكان الوكيل اشتراها ابتداء قال إلا أن
يعلم أن مثله لا يحدث فيلزم الآمر لأنا تيقنا بوجود العيب عند الآمر وإنما لم يشتغل
الوكيل بالخصومة لأنه لم ير فيها فائدة وفي كتاب الوكالة والمأذون قال لا يلزم الآمر
على كل حال وهو الأصح لما قلنا إن هذا بمنزلة الإقالة وفي هذا المعنى لا فرق بين العيب
الذي يحدث مثله أو لا يحدث وان أبى البائع أن يقبلها فخاصمه المشترى إلى القاضي فأقر
عنده بالعيب كان اقراره عند القاضي وعند غيره سواء لا يلزم الامر الا في عيب
لا يحدث مثله * ومعنى هذا الكلام أن في العيب الذي لا يحدث مثله رد القاضي باقرار
الوكيل وبالبينة سواء في أنه يلزم الآمر لان الرد بقضاء القاضي فسخ وقد تيقنا بوجود
سببه عند الآمر وإن كان العيب يحدث مثله فاقرار الوكيل لا يكون حجة على الآمر
ولكن يحتاج إلى أن يثبت على الآمر بالبينة أن العيب كان عنده ليردها عليه وإن لم يكن
له بينة فعلى الآمر اليمين على ذلك وان ردها القاضي على الوكيل ببينة أقامها المشتري فالبينة
حجة على الآمر فيلزم الآمر فان ردها باباء اليمين من الوكيل فإنها تلزم الآمر عندنا * وقال
زفر هذا والاقرار سواء لان النكول بدل عن الاقرار وهو بمنزلة البدل فلا يكون حجة
على الآمر ولكن الوكيل على خصومته مع الآمر كما في الاقرار. ألا ترى أن المشترى
لو باع الجارية من غيره ثم ردت عليه بعيب بنكوله جعل هذا وما لو ردت عليه باقراره
سواء في حق البائع الأول فكذلك في حق الوكيل ولكنا نقول الوكيل مضطر في هذا
النكول لأنه لا يمكن ان يحلف كاذبا إذا كان عالما بالعيب وإنما اضطر إلى ذلك في عمل
باشره للآمر فيرجع عليه بما يلحقه من العهدة بخلاف ما إذا أقر فإنه غير مضطر إلى الاقرار
لأنه يمكنه ان يسكت حتى يعرض عليه الثمن ويقضي عليه بالنكول فيكون هو في الاقرار
مختارا لا مضطرا وبخلاف المشترى الأول فإنه مضطر في النكول ولكن في عمل باشره
لنفسه فلا يرجع بعهدة عمله على غيره فان أنكر الآمر أن تكون الجارية التي باعها فالقول
119

قوله مع يمينه لان الوكيل يدعى لنفسه حق الرجوع على الآمر بما يلحق من العهدة في
هذا المحل والموكل منكر فالقول قوله مع يمينه إلا أن يقيم البائع البينة انها هي الجارية التي
باعها فحينئذ الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم وإذا اشترى الرجل جارية لرجل بأمره ثم وجد
بها عيبا فله أن يردها بالعيب قبل أن يدفعها إلى الآمر من غير أمر الآمر عندنا * وقال ابن أبي
ليلى ليس له ذلك لأنها مملوكة للآمر فلا يملك اخراجها عن ملكه بغير أمره ولأنها
أمانة في يد الوكيل ويد الأمين كيد صاحبها ولو كان سلمها إلى الآمر لم يردها بالعيب
الا بأمره * وجه قولنا ان الرد بالعيب من حقوق العقد ولهذا اختص به الوكيل والعاقد في
حقوق العقد مستبد به وإن كان قد عقده لغيره ولأنه في الحقوق كالعاقد لنفسه ألا ترى أن
في الرد بخيار الشرط والرؤية لا تحتاج إلى استطلاع رأى الآمر فكذلك في الرد بخيار
العيب بخلاف ما بعد التسليم إلى الآمر لأنه لا يتمكن من ردها الا بإعادتها إلى يده وليس
له ولاية اثبات اليد عليها بغير رضا الآمر بعد ما سلمها إليه فاما قبل التسليم فهو لا يحتاج
إلى ذلك ألا ترى ان المضارب يرد ما اشترى بالعيب وإن كان رب المال غائبا والعبد
المأذون يرد ما اشترى بالعيب وإن كان مولاه غائبا فان ادعى البائع ان الآمر قد رضي
بالعيب فطلب يمين الآمر أو يمين المأمور ما رضي بذلك الآمر لم يكن على واحد منهما
في ذلك يمين عندنا * وقال ابن أبي ليلي لا يردها الوكيل ولا المضارب حتى يحضر الآمر
أو رب المال فيحلف ما رضي بالعيب لان رضا الآمر ورب المال يسقط حق الوكيل في
الرد بدليل أن البائع لو أقام البينة على ذلك وأقر به الوكيل لم يكن له أن يردها فإذا ادعى
البائع سببا مسقطا لحقه في الرد استحق اليمين على من يدعي ذلك عليه كما لو ادعى الوكيل أنه
قد رضى به * وجه قولنا أنه لا يمين على الوكيل في هذه الدعوى لأنه لا يدعى البائع عليه
الرضا فلو استحلف كان بطريق النيابة ولا نيابة في اليمين ولا يمين على الآمر لان
الاستحلاف يترتب على دعوى وخصومة ولم يجر بين البائع والآمر معاملة فلا يكون هو
خصما له في دعوى الرضا بخلاف ما إذا أقام البينة فان الوكيل خصم للبائع وإن كان نائبا عن الآمر
واثبات الحق بالبينة على خصم هو ثابت صحيح وإذا أقر الوكيل فرضا الآمر باقراره لا يثبت
ولكن اقراره حجة عليه وقد زعم أنه لا خصومة له مع البائع في هذا العيب فباعتبار زعمه
تنقطع الخصومة * ولو أقر الوكيل على نفسه انه رضى بهذا العيب فذلك منه صحيح في حق
120

نفسه دون الآمر كما لو أقر أن الآمر رضى بالعيب فالجارية تلزمه إلا أن يقر الآمر بذلك
أو تقوم بينة على ذلك أو يرضى بما رضى به الوكيل * قال وإذا اشترى الرجلان جارية فوجدا
بها عيبا فرضى أحدهما فهو على الخلاف الذي ذكرنا في خيار الرؤية والشرط وقول ابن أبي
ليلى كقول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله في أن له ذلك * قال وإذا اشترى عبدا
بجارية وتقابضا ثم وجد بالعبد عيبا ومات عنده فإنه يرجع بحصة العيب من الجارية فيقوم
العبد صحيحا ويقوم وبه العيب فإن كان ذلك ينقصه العشر رجع بعشر الجارية لان بدل
العبد الجارية ألا ترى أنه لو كان قائما بعينه رده وأخذ الجارية والرجوع بحصة العيب من
البدل يكون وكذلك الحيوان والعروض كلها إذا استحق أحد العوضين أو رد بالعيب
فقد انفسخ العقد فيرجع بالبدل إن كان قائما وبقيمته إن كان هالكا لأنه تعذر استرداده
مع قيام السبب الموجب للرد وكذلك ما يكال أو يوزن إن كان بعينه فان فوات القبض فيه
مبطل للعقد كما في العروض * ولو أقر المشترى به لإنسان ولم يقم عليه بينة لم يرجع على البائع
بشئ لان اقراره حجة في حقه دون البائع فهو في حق البائع متلف للسلعة باقراره وان
استحق ببينة فقال البائع ليس هو عبدي الذي بعتك فالقول قوله مع يمينه لأنه ينكر
البيع في هذا العبد ولو أنكر جريان البيع بينهما أصلا كان القول قوله مع يمينه وكان على
المشترى اثبات العقد بالبينة فكذلك إذا أنكر العقد في هذا المحل * قال وإذا اشترى خادما
بكر حنطة وليس الكر عنده لم يجز لأنه ان عين الكر وهو ملك غيره فهذا بيع ما ليس
عند الانسان وإن لم يعين فهو مجهول الصفة وهذه جهالة تفضى إلى المنازعة فان قال بكر
حنطة جيدة أو وسط ففي القياس لا يجوز هذا أيضا لأنه في جانب الكر بائع وبيع
ما ليس عند الانسان لا يجوز الا بشرائط السلم لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
نهى عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص في السلم وفي الاستحسان يجوز هذا العقد لما
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه اشترى جزورا بكري تمر ثم استقرضه فأعطاه إياه ولان
المكيل أو الموزون إذا لم يكن بعينه فهو يثبت في الذمة ثمنا فكان شراء بثمن ليس عنده وذلك
صحيح كالشراء بالدراهم والدليل على أنه ثمن جواز الاستبدال به قبل القبض والاستبدال بالمبيع
قبل القبض لا يجوز عينا كان أو دينا فان وجد بالجارية عيبا وقد استهلك البائع الكر ردها
وأخذ كرا مثل كره * وكذلك لو كان ذلك الكر عند البائع بعينه كان له أن يرد كرا مثله لان
121

ألا ترى أن البيع يستدعى محلا هو مال متقوم كالشراء فنفوذ بيعه دليل على أنه مال
متقوم في حقه * وفي تصحيح البيع إظهار سلطان مالكيته ولم يكن في عينه من معنى
الاستذلال شئ حتى يؤمر به شرعا فكذلك في تصحيح الشراء اثبات سلطان الملكية
ولا يكون في عينه من معنى الاذلال شئ وبهذا يتبين أن النهى ليس لمعنى في عين الشراء
بل لمعنى في قصده وهو الاستخدام قهرا بملك اليمين ولا يمنع صحة الشراء كالنهي عن
الشراء وقت النداء ولهذا ندب الولد إلى شراء أبيه مع أنه ممنوع من اذلاله لأنه
لا يقصد بشرائه الاستخدام ولو كان اثبات الملك بطريق الشراء عينه اذلالا لكان
القريب ممنوعا عنه في قريبه لان كل طاعة لا تصل إليها الا بمعصية لا يجوز الاقدام عليها
ثم تحقيق هذا الكلام أن بالشراء لا تتبدل صفة المحل لأنه كان مملوكا قبل شرائه وبقي
مملوكا بعد شرائه وإنما تتحول الإضافة من المسلم إلى الكافر وهي إضافة مشروعة
ألا ترى أنه يرث الكافر العبد المسلم وبالإرث تتجدد الإضافة في حق الوارث ولكن
لا يتبدل وصف المحل فلا يكون عينه اذلالا بخلاف الاسترقاق فبه تتبدل صفة المحل
فيصير مملوكا بعد أن كان مالكا والمملوكية إذا قوبلت بالمالكية كانت المملوكية في غاية
الذل والهوان وهذا غير مشروع للكافر على المسلم وكذلك النكاح لان بعقد النكاح
يتجدد ثبوت المملوكية في المحل وكان ينبغي أن لا يثبت للمسلم على المسلمة إلا أن لضرورة
الحاجة إلى قضاء الشهوة وإقامة النسل أثبت الشرع ذلك للمسلم على المسلمة فيبقى في
حق الكافر اذلالا فلا يكون مشروعا للكافر على المسلمة ألا ترى أن ملك النكاح يبقى
للكافر على المسلمة لأنه ليس في ابقاء الملك تبديل صفة المحل فصار الشراء هنا في
معنى الاذلال بمنزلة البقاء في ملك النكاح. يوضحه ان المحلية للنكاح باعتبار صفة المحل ولهذا
لا يجوز للمسلم نكاح المجوسية والمرتدة والأخت من الرضاعة والمسلمة ليست بمتحللة
في حق الكافر فلانعدام المحل لا ينعقد النكاح ولكن يبقي لان فوات المحل عارض
على شرف الزوال فيمنع ابتداء النكاح ولا يمنع البقاء كالفوات بسبب العدة وكذلك
القبض الذي يتم به العقد ليس فيه معنى الاذلال لان ذلك يحصل بالتخلية وليس هذا
نظير المحرم يشتري صيدا لان الصيد في حق المحرم محرم العين قال الله تعالى وحرم عليكم
صيد البر ما دمتم حرما فلم يكن مالا متقوما كالخمر في حق المسلم * ولهذا لا يجوز بيعه
122

انه اشترى على ما ليس في ضمانه ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن
وبيان ذلك أن الثمن لا يدخل في ضمانه قبل القبض فإذا عاد إليه الملك الذي زل عنه بعينه وقى
له بعض الثمن فهذا ربح حصل لا على ضمانه ولا يوجد هذا المعنى فيما إذا اشتراه بمثل الثمن
الأول أو أكثر فالربح هناك يحصل للمشترى والمبيع قد دخل في ضمانه ولا كذلك فيما إذا
باعه من غيره لأنه لا يحصل للمشترى هناك ربح الا على ضمانه وكذلك إذا اشتراه البائع الأول
من المشترى الثاني لأنه لم يعد إليه الملك المستفاد من جهته لان اختلاف أسباب الملك بمنزلة
اختلاف أسباب الأعيان وقد قررنا هذا * وكذلك لو دخل في المبيع عيب ثم اشتراه البائع
بأقل من الثمن الأول لان الملك لم يعد إليه على الهيئة التي خرج عن ملكه فلا يتحقق فيه
ربح ما لم يضمن ولكن يجعل النقصان بمقابلة الجزء والذي احتبس عند المشترى سواء كان
النقصان بقدر ذلك أو دونه حتى إذا كان النقصان نقصان السعر فهو غير معتبر في العقود
لأنه فتور في رغبات الناس فيه وليس فيه فوات جزء من العين فباعتباره لا يجوز شراؤه بأقل
من الثمن الأول * وكذلك لو اشتراه بجنس آخر غير جنس الثمن الأول فذلك جائز لان
الربح لا يظهر عند اختلاف الجنس فالفضل إنما يظهر في التقويم والبيع لا يوجب ذلك بخلاف
ما إذا اشتراه بجنس الثمن الأول والفضل يظهر هناك من غير تقويم * ولو كان العقد
الأول بالدراهم فاشتراه بالدنانير وقيمتها أقل من الثمن الأول فهو جائز في القياس وهو قول
زفر لان الدراهم والدنانير جنسان بدليل انه لا يجرى الربا بينهما وفي الاستحسان هذا
لا يجوز وهو مذهبنا لأنهما جنسان صورة وجنس واحد معنى فالمقصود منهما واحد وهو
الثمنية ولهذا جعلا في أغلب الاحكام كجنس واحد فباعتبار انهما جنسان صورة يصح
هذا العقد وباعتبار انهما جنس واحد معنى لا يجوز هذا العقد وعند اجتماع المعنى الموجب
للحل والموجب للحرمة يغلب الموجب للحرمة بقوله صلى الله عليه وسلم ما اجتمع الحرام
والحلال في شئ الا وقد غلب الحرام الحلال ولان ثبوت هذه الحرمة لا حل الربا وباب الربا
مبنى على الاحتياط * وكذلك لو اشتراه مملوك البائع الأول عبده أو مكاتبه بأقل من الثمن
الأول لان تصرف المملوك لمالكه من وجه فكسب العبد لمولاه وللمولى في كسب
مكاتبه حق الملك فهو كشراء البائع بنفسه لمكان حقه في المقصود بالعقدين وان اشتراه
ولده أو والده أو زوجته فكذلك في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله
123

يجوز لان الاملاك بينهما متباينة فليس للولد في مال الوالد ملك ولاحق ملك فهو قياس
ما لو اشترى أخوه وأبو حنيفة يقول إن كل واحد منهما يجعل بمنزلة صاحبه فيما يرجع
إلى ملك العين ألا ترى ان شهادة أحدهما لصاحبه تجعل كشهادته لنفسه فكذلك شراء ابن
البائع وأبيه كشراء البائع بنفسه وهو نظير الخلاف الذي سبق أن الوكيل بالبيع عند
أبي حنيفة لا يبيع ممن لا تجوز شهادته له كما لا يبيع من نفسه ومملوكه وعند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله يجوز بيعه منه كما يجوز من أخيه وغيره من القرابات * قال وان اشترى
وكيل البائع بأقل من الثمن الأول جاز في قول أبي حنيفة ولا يجوز في قول أبى يوسف
ومحمد رحمهما الله وهو بناء على ما تقدم ان المسلم إذا وكل ذميا بشراء خمر له أو بيعها
عند أبي حنيفة يجوز وينزل الوكيل في ذلك منزلة العاقد لنفسه فكذلك هنا الوكيل
عنده كالعاقد لنفسه ثم الملك ينتقل إلى الموكل حكما فهو كما لو اشتراه لنفسه ثم مات
فورثه البائع منه وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله هناك يعتبر حال الموكل ويجعل
عقد الوكيل له كعقده لنفسه فهنا أيضا يجعل كذلك والموكل هنا بائع لا يجوز شراؤه
بأقل من الثمن الأول فكذلك شراء الوكيل له إلا أن أبا يوسف يسوى بين الفصلين
ويقول هناك التوكيل باطل والوكيل يصير في الشراء عاقدا لنفسه فهنا أيضا يصير
الوكيل مشتريا لنفسه شراء صحيحا ومحمد يفرق بينهما فيقول هناك الوكيل يصير
مشتريا لنفسه وهنا يصير مشتريا للموكل شراء فاسدا حتى يصير بقبض الوكيل مضمونا
بالقيمة على الموكل لان المسلم ليس من أهل العقد على الخمر حتى لو اشترى الخمر لنفسه
لا يملك وان قبض فكذلك توكيله بالشراء باطل اما البائع هنا فمن أهل مباشرة هذا
العقد حتى لو اشتراه بنفسه انعقد شراؤه فاسدا فكذلك إذا وكل غيره فيه لان
التوكيل بالشراء الفاسد صحيح كالتوكيل بالشراء إلى الحصاد والدياس وبعد صحة
الوكالة شراء الوكيل كشراء الموكل وقبض الوكيل للموكل فيصير مضمونا عليه
بالقيمة ولكن أبو يوسف يقول متى أمكن تصحيح العقد لا يجوز إفساده إذ لا معارضة
بين الفاسد والصحيح وهنا لو جعلناه مشتريا لنفسه كان الشراء صحيحا ولو جعلناه
مشتريا للآمر كان الشراء فاسدا فينبغي أن يجعل مشتريا لنفسه شراء صحيحا وفيه شبهة على
مذهب أبي حنيفة فإنه قال إن البائع أو ابنه لا يشتريه لنفسه وما تحصل للبائع من الملك بشراء
124

الوكيل فوق ما تحصل بشراء ابنه لنفسه وان جعل هذا نظير مسألة الخمر في الوكالة فكذلك ينبغي
أن يجعل في شراء ابن البائع ومملوك البائع فان المسلم إذا كان له عبد مكاتب أو عبد مأذون
كافر فاشترى خمرا جاز شراؤه * وذلك لو كان له أب كافر فاشترى خمرا يجوز شراؤه
فمن هذا لوجه يشكل مذهب أبي حنيفة * قال الشيخ الامام الأصح عندي في إزالة هذا
الاشكال أن المنع هنا لأجل العقد لا لأجل المعقود عليه بدليل ان أحد العقدين لو كان هبة كان
كل واحد من العقدين صحيحا وكل من له الحق في العقدين جميعا لا يجوز منه الشراء
كالبائع وليس للوكيل حق في العقد الأول فلهذا صح منه العقد الثاني وإن كان حكمه
يثبت للبائع فاما الأب والابن فلهما حق في العقدين فنزلا منزلة البائع في ذلك بخلاف
مسألة الخمر فهناك المنع لانعدام صفة المالية والتقوم في الخمر وإنما يعتبر ذلك في حق العاقد
خاصة فإذا كان العاقد كافرا صح العقد سواء ثبت به حق الملك أو حقيقة الملك أو شبهة
الملك لمسلم لان ذلك يثبت بطريق الحكم * قال ولو كان البائع والمشترى وكيلين في البيع
الأول لم يجز للبائع أن يشترى بأقل من الثمن الأول قبل النقد لا من المشترى ولا من موكله
لان هذا المنع باعتبار العقد والعاقد لغيره في حقوق العقد بمنزلة العاقد لنفسه وكذلك ليس
لموكل البائع ان يشتريه من المشترى ولا من موكله لان وكيله إنما باع له فهو بمنزلة بيعه
بنفسه في المنع من الشراء ألا ترى أن من باع أو بيع له لا يثبت له حق الاخذ بالشفعة
فكذلك لا يجوز شراؤه بأقل من الثمن الأول قبل النقد وهذا لان الربح لا على ضمانه
الذي يحصل له * قال وإذا باع بألف درهم نسيئة سنة ثم اشتراه بألف درهم بنسيئة سنتين
قبل قبض الثمن لم يجز لان هذا في معنى شراء ما باع بأقل مما باع فان الزيادة في الاجل
تمكن نقصانا في مالية الثمن ألا ترى أن أصل الاجل يمكن نقصانا في المالية حتى يكون
المؤجل أنقص من الحال ولهذا يثبت ربا النساء شرعا فكذلك بزيادة الاجل يزداد النقصان
في المالية فان زاد على الثمن درهما أو أكثر جاز لان الزائد في الثمن الثاني بمقابلة النقصان
المتمكن بزيادة الاجل فينعدم النقصان به معنى والممتنع شراء ما باع بأقل مما باع فإذا لم
يعلم أن الثمن الثاني أقل من الثمن الأول كان الشراء جائزا * قال وإذا باع الرجل طعاما
بدراهم فلا بأس بأن يشتري بالثمن قبل أن يقبضه من المشترى ما بدا له من العروض
أو الطعام يدا بيد سواء كان أكثر من طعامه أو أقل إذا لم يكن طعامه بعينه لان
125

الثمن دين لا يستحق قبضه في المجلس ويجوز الابراء عنه فيجوز الاستبدال به أيضا
كبدل العروض والأصل في جواز الاستبدال بالثمن حديث عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أبيع الإبل بالنقيع وربما أبيعه
بالدراهم وآخذ مكانها دنانير فقال صلى الله عليه وسلم لا بأس ان افترقتما وليس بينكما عمل
* قال وإذا كان لرجل على رجل دين إلى أجل وهو من ثمن مبيع فحط عنه شيئا على أن يعجل
له ما بقي فلا خير فيه ولكن يرد ما أخذ والمال كله إلى أجله وهو مذهب عبد الله بن
عمر رضي الله عنهما وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه يجوز ذلك ولسنا نأخذ بقوله لان
هذا مقابلة الاجل بالدراهم ومقابلة الاجل بالدراهم ربا ألا ترى ان في الدين الحال
لو زاده في المال ليؤجله لم يجز فكذلك في المؤجل إذا حط عنه البعض ليعجل له ما بقي
والذي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجلى بنى النضير فقالوا ان لنا ديونا على الناس
فقال صلى الله عليه وسلم ضعوا وتعجلوا فتأويل ذلك ضعوا وتعجلوا من غير شرط أو كان ذلك
قبل نزول حرمة الربا وهذا بخلاف المولى إذا صالح مع مكاتبه من الألف المؤجلة على
خمسمائة على أن يعجلها له فذلك يجوز لان المكاتب ملكه ولا ربا بين المملوك وسيده
فما فيه شبهة الربا لا يعتبر بين المملوك والسيد وإن كان يعتبر حقيقة الربا بينهما حتى
لا يجوز بيع الدرهم بالدرهمين بينهما * يوضحه أن المولى يقصد بالكتابة الرفق بالمكاتب
فكذلك في حط بعض البدل مقصوده الرفق به لا مبادلة الاجل بالدراهم وكذا لو زاده
في بدل الكتابة ليزيده في الاجل جاز وينعدم هذا المعنى فيما بين الحرين * قال وإذا باع عبدا
بنسيئة فباعه المشترى من رجل أو رهنه أو أوصى له به ثم اشتراه البائع من ذلك الرجل
بأقل من الثمن الأول جاز لان هذا ملك متجدد ثبت للثاني بسبب جديد فهو كعين آخر
يشتريه بأقل من الثمن الأول منه وفرق بين الموصى له وبين الوارث فان البائع لو اشتراه من
وارث المشترى بأقل من الثمن الأول لا يجوز ذلك لان الوراثة خلافة وإنما ينتقل إلى
الوارث الملك الذي كان للمورث ولهذا يرده بالعيب ويصير مغرورا فيما اشتراه مورثه
ويجوز إقالة الوارث مع البائع * أما الموصى له فثبت له ملك بسبب متجدد ولهذا لا يرده
بالعيب ولا يقبل العقد مع بائع الموصي ولا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصي فلهذا جاز شراؤه
منه بأقل من الثمن الأول وفرق بين ما إذا اشتراه له وارث البائع من المشترى بعد
126

موت البائع وبين ما إذا اشتراه البائع من وارث المشترى وأبو يوسف يسوى بين
الفصلين ويقول لا يجوز فيهما لان وارث البائع يقوم مقامه بعده كوارث المشترى
ووجه الفرق على ظاهر الرواية ان الوارث يقوم مقام المورث فيما كان للمورث * وقد
كان الملك في المبيع للمشترى فيخلفه وارثه فيه وما كان ملكه للوارث فيخلفه وارثه في
ذلك ولكن هذا ملك يحصل لوارث البائع باكتسابه وهو ليس بخلف عن البائع في ذلك
فيجعل شراؤه بعد موت البائع كشرائه في حياة البائع * قال وان اشتراه البائع من
المشترى مع عبد آخر بثمن حصته منه أقل من الثمن الذي باعه لم يجز الشراء فيه كما لو
اشتراه وحده بأقل من الثمن الأول ويجوز في العبد الاخر بحصته لأنه لا مفسد للعقد
في حصة العبد الآخر * وقد بينا عذر أبي حنيفة في الخلافيات أن هذا فساد ضعيف
خفى ولهذا خفى على زيد بن أرقم رضي الله عنه فلا يعدو حكمه محله بخلاف ما إذا كان
الفساد ظاهرا بسبب الربا أو غيره ولا يقال ينبغي ان يجعل بمقابلة ما باع مثل الثمن الأول
احتيالا لتصحيح العقد لان هذا الوجه غير متعين للتصحيح فإنه وان جعل بمقابلة أكثر
من الأول يجوز العقد أيضا ولا يقال قد جعل قبول العقد في ذلك شرطا لقبول
العقد في الآخر وهو شرط فاسد فينبغي أن يفسد به العقد في الثاني كما هو مذهب
أبي حنيفة في نظائر هذا لان قبول العقد في ذلك العبد ليس بشرط فاسد. ألا ترى
أن ثمنه لو كان مثل الثمن الأول أو خلاف جنس الثمن الأول كان صحيحا وإنما الفساد
لأجل الربح الحاصل لا على ضمانه وهذا المعنى يقتصر على العبد الذي باعه ولا يتعدى
إلى العقد في العبد الثاني * وان اشتراه البائع مع رجل آخر جاز شراء الأجنبي
في نصفه كما يجوز شراؤه في الكل إذا اشتراه لنفسه واعتبار البعض بالكل اعتبار صحيح
* وان كانت جارية فولدت عند المشترى ثم اشتراها منه بأقل من الثمن الأول جاز ان
كانت الولادة نقصتها كما لو دخلها عيب آخر عند المشترى بسبب آخر ولا يجوز إن لم ينقصها
لان ما دخل في ملك المشتري على هيئته كما كان فإذا اشتراها البائع بأقل من الثمن الأول
يحصل له ربح لا على ضمانه * قال وإذ اشترى الرجل جارية فولدت عنده لأقل من ستة
أشهر من يوم اشتراها فادعى البائع الولد وكذبه المشتري في ذلك لم تصح دعواه في
القياس وهو قول زفر وصحت دعوته في الاستحسان وهو قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله
127

وجه القياس فيه أن البائع بهذه الدعوى يسعى في نقص ما تم به فلا يقبل ذلك منه كما
لو زعم أنه كان أعتقها قبل البيع وكما لو جاءت بالولد لستة أشهر فصاعدا وكما لو مات الولد
أو أعتق المشترى الولد ثم ادعى نسبه وهذا لأنه مناقض في كلامه فاقدامه على بيعها اقرار
منه أنها ليست بأم ولد له فإذا زعم بعد ذلك أن الولد ولده وانها أم ولد له كان مناقضا في
ذلك والدليل عليه أن البائع لو ادعى نسب هذا الولد لم تصح دعواه باتفاق فلو جعل
الحال بعد بيعها كالحال قبله في دعوى البائع فكذلك ينبغي ان يجعل في دعوى أبيه. وجه
الاستحسان أنا تيقنا أن العلوق حصل في ملكه لان أدنى مدة الحبل ستة أشهر فلما وضعته
لأقل من ستة أشهر عرفنا أن العلوق كان حاصلا قبل البيع وحصول العلوق في ملكه
يثبت له حق استحقاق النسب بالدعوى وحق استلحاق النسب لا يحتمل الفسخ بحقيقة
النسب فلا يبطل ذلك بالبيع وإذا لم يبطل كانت دعواه بعد البيع كدعواه قبله وهذا
لان الشئ لا ينقضه ما هو دونه ونما ينقضه ما هو مثله أو فوقه والملك الثابت للمشتري
دون حق استلحاق النسب للبائع فهذا يحتمل لرفع وذلك لا يحتمل فلا ينتقض به بخلاف
ما إذا وضعته لستة أشهر فصاعدا فانا لا نتيقن هناك بحصول العلوق في ملك البائع وثبوت
حق استلحاق النسب له والملك للمشترى متيقن به ولمتيقن به أقوى مما لا يتيقن فيه
وبخلاف ما إذا أعتق المشترى الولد لان ولاءه يثبت للمشترى بالعتق والولاء لا يحتمل
النقض لحق استلحاق النسب فينتقض به ما كان من حق استلحاق النسب لان هذا مثله أو
فوقه بخلاف ما إذا مات الولد لان حق استلحاق النسب لمنفعة الولد وحاجته إلى النسب
وهو بالموت قد استغنى عن ذلك وهو بخلاف ما لو ادعاه أبو البائع لأنه بمجرد حصول العلوق
في ملك البائع لا يثبت لابنه حق استلحاق النسب الا بشرط وهو ولاية نقلها إلى نفسه
ألا ترى أن حق الدعوى لا يثبت للجد حال حياة الأب ويثبت له بعد موت الأب لان ولايته
بعد موت الأب وهذا الشرط لا يوجد فيه بعد البيع لأنها صارت مملوكة للمشترى
فليس للأب ولاية نقلها إلى نفسه بالدعوى فلهذا تصح دعواه ثم التناقض لا يمنع صحة
استلحاق النسب ألا ترى أن الملا عن إذا أكذب نفسه يثبت النسب منه وهو مناقض في
ذلك وهو لخفاء اثر العلوق قد يظن في الابتداء أنها لم تعلق منه فيبيعها ثم يتبين أنها علقت منه
فيستدرك ذلك بدعوى النسب وحكم الحاكم باللعان وقطع النسب أقوى منه في بيعه إياها فإذا
128

جاز ابطال حكم الحاكم بدعوى النسب وإن كان هو ساعيا في نقض ما تم به فلان يجوز ابطال
البيع أولى * وان ادعاه المشترى أولا ثم ادعاه البائع لم تصح دعوى البائع لان نسبه قد ثبت
من المشتري فاستغنى به الولد عن النسب ولان النسب الذي يثبت من المشترى لا يحمل
النقض فهو أقوى من الولاء الثابت له بالعتق * وقد بينا أن اعتبار الولاء يبطل حق
الاستلحاق الثابت للبائع فاعتبار النسب أولى وان ادعياه معا فإنه يثبت نسبه من البائع
وتصير أم ولد للبائع وينتقض البيع فيها عندنا * وقال إبراهيم النخعي يثبت نسبه من
المشترى لان للمشترى فيها حقية الملك وللبائع حق الملك وصاحب حقية الملك يترجح
في الدعوى كما لو ولدت جارية رجل فادعى الولد هو وأبوه صحة دعوى المولى دون أبيه
لهذا المعنى ولكنا نقول دعوى البائع سابقة معنى لأنها تستند إلى وقت العلوق فان العلوق
حصل في ملكه ودعوى المشترى لا تستند إلى تلك الحالة لأنه يملكها بعد ذلك ولو سبق
البائع بالدعوى كان النسب ثابتا منه فكذلك إذا سبقت معنى بخلاف مسألة الأب لان
دعوى كل واحد منهما هناك تستند إلى ما تستند إليه دعوى الآخر إلا أن شرط دعوى
الأب نقلها إليه ولا يمكن اتحاد هذا الشرط إذا اقترنت دعوى المولى بدعواه * يوضح
ما قلنا إن دعوى المشترى دعوى التحرير لان العلوق لم يكن حاصلا في ملكه ودعوى
التحرير كالاعتاق اما دعوى البائع فدعوى استيلاء ولان العلوق كان في ملكه فيجعل هذا
بمنزلة ما لو ادعاه البائع وأعتقه المشترى معا فتكون دعوى البائع أولى * وأما إذا ولدته
لأكثر من ستة أشهر فادعياه معا فدعوى المشترى أولى لأنا لم نتيقن بحصول العلوق في
ملك البائع هنا ولو أنفرد بالدعوى لم يصح إذا لم يصدقه المشتري فإذا اقترنت دعوى
المشترى بدعوى البائع فأولى أن لا تصح دعوى البائع * قال ولو أعتق المشترى الأم ثم ادعى
البائع الولد وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر فنسبه يثبت من البائع لأنه يحتاج إلى
النسب فحل له بعد عتق الأم ولكن لا ينقض عتق المشترى في الأم للولاء الذي لم يثبت
له عليها وهو مما لا يحتمل النقض وقد يجوز ان يثبت نسب الولد * وان كانت لا تثبت
حق أمية الولد للأم كما في ولد المغرور * وهذا بخلاف ما لو أعتق الولد فان هناك دعوى
البائع لا تصح في حق الأم لان الولد هو المقصود والأم تبع فإذا لم يمكن تصحيح
دعواه فيما هو الأصل لا يشتغل بتصحيحه في البيع * فأما حق الأم في الاستيلاد فبيع
129

وتعذر ثبوت الحكم في البيع لا يمنع ثبوت الحكم في الأصل فلهذا يثبت نسب الولد منه
ويقسم الثمن على قيمتها وقيمة ولدها فيرد البائع حصة الابن من الثمن وإنما كان لهذا الولد
حصة من الثمن وان انفصل بعد القبض لأنه صار مقصودا بنقض العقد فيه فيكون
بمنزلة الولد المقصود بالقبض فيكون له حصة من الثمن ولذلك لو كانت ولدت قبل أن
يبيعها ثم ادعى النسب بعد ما باعها فهذا وما سبق سواء * ولو اشتراها ثم باعها ثم ادعى
المشترى الأول نسب الولد لم تصح دعواه لان أصل العلوق لم يكن في ملكه فدعواه
فيه كدعوى التحرير ولا يعمل بعد زوال الملك ولو ادعاه البائع الأول صحت دعواه لان
العلوق كان في ملكه والبيع الثاني في احتمال النقض كالأول فباعتبار الدعوى ينقض العقدان
جميعا * ولو ولدت عنده ولدين في بطن واحد ثم باع أحدهما وأعتقه المشترى ثم ادعى
البائع الولد الذي عنده ثبت نسبهما منه لحاجتهما إلى النسب وبقي أحد الولدين في ملكه
على حاله ثم ينتقض عتق المشترى في الولد الآخر حكما لأنهما توأم خلقا من ماء واحد
فمن ضرورة حرية الأصل لأحدهما حرية الأصل للآخر ومن ضرورة ثبوت حرية
الأصل فيه انتقاض العتق والولاء الثابت للمشترى بخلاف ما سبق فيما إذا أعتق
المشترى الأم لأنه ليس من ضرورة ثبوت النسب وحرية الأصل للولد انتقاض عتق
المشترى في الأم * يوضحه ان هناك لو نقض عتق المشترى عادت أم ولد للبائع فيطؤها
بالملك بعد ما حكم بحريتها وذلك لا يجوز اما هنا لو نقضنا عتق المشترى في الولد أثبتنا فيه
ما هو أقوى وهو حرية الأصل فهذا هو الفرق بينهما والله أعلم.
(باب بيوع أهل الذمة)
قال وإذا اشترى الذمي مملوكا مسلما صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى من مسلم أو ذمي
جاز شراؤه في قول علمائنا الثلاثة رحمهم الله * وقال الشافعي لا يجوز شراؤه لقول الله تعالى ولن
يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا وفي اثبات الملك للكافر على المسلم سبب يكسبه
اثبات أقوى السبيل له عليه. والمعنى فيه أن الكافر لا يقر على تحصيل مقصود هذا العقد
لحرمة الاسلام فلا يصح استدامته كنكاح المسلمة وبيان الوصف أن المقصود استدامة
الملك ولهذا لا يصح البيع الا مؤبدا وهو ممنوع من استدامة الملك على المسلم لأنه يجبر
130

على بيعه فإذا لم يصح منه استدامة الملك على المسلم لا يصح مباشرة سبب الملك الدليل عليه
أن اسلام المملوك مع كفر المالك يمنع استدامة الملك إذا طرأ فيمتنع ثبوت الملك إذا اقترن
بالسبب كما في النكاح * وهذا لان الكافر ممنوع من استذلال المسلم وفي اثبات الملك
له عليه استذلال المسلم ولهذا لا يسترق الكافر المسلم فكذلك لا يشتريه لان الثابت
بالشراء له ملك متجدد بتجدد سببه * ولهذا لا يرد بالعيب على بائعه فيكون هذا في
المعنى كالاسترقاق * بخلاف الإرث فإنه يبقى للوارث الملك الذي كان للمورث * ولهذا
يرث المسلم الخمر ولا يملك الخمر بالشراء * وبخلاف البيع لأنه بالبيع يزول ملكه وذله على المسلم
واكتساب سبب إزالة الذل غير ممنوع منه نما الممنوع منه اكتساب سبب الذل * وهذا النهى
لمعنى في المنهى عنه فيكون مفسدا للعقد ألا ترى أن الكافر يطلق امرأته المسلمة ولا يصح
عقد النكاح من الكافر على المسلمة * وهذا بخلاف الولد يشترى والده يجوز وإن كان
الولد ممنوعا عن اذلال والده لان بالشراء هناك تتم علة العتق فيتخلص به عن ذل الرق
والأمور بعواقبها فباعتبار المآل يصير هذا الشراء اكراما لا اذلالا ولهذا قلنا الابن
الكافر إذا اشترى أباه المسلم يجوز وكذلك إذا قال الكافر لمسلم أعتق عبدك هذا على ألف
درهم يجوز ويتملكه الكافر ثم يعتق عليه وهو نظير الفصد فهو جرح لا يجوز الاقدام
عليه من غير حاجة وعند الحاجة يكون دواء والذي يحقق ما قلنا إنه بالشراء يتمكن من
قبضه وفي اثبات اليد للكافر على المسلم على وجه يستفيد به ملك التصرف معنى الذل
ولا يوجد ذلك في حق من يعتق عليه وان قلتم انه يمتنع من قبضه فيقول ما لا يتأتى فيه
القبض بحكم الشراء لا يجوز شراؤه كالعبد الآبق وهذا لان فوات القبض إذا طرأ
بهلاك المعقود عليه قبل التسليم كان مبطلا للعقد فإذا اقترن بالعقد منع انعقاد العقد والدليل
عليه المحرم إذا اشترى طيبا لا يملكه لأنه ممنوع من اثبات اليد عليه وكذا على الصيد لاحرامه
فلا يملكه بالشراء كما لا يملكه بالاصطياد فكذلك الكافر في العبد المسلم. وحجتنا في ذلك
العمومات المجوزة للبيع من الكتاب والسنة. والمعنى فيه أن الكافر يملك بيع عبده المسلم
فيملك شراءه كالمسلم * وهذا لان صحة التصرف باعتبار أهلية التصرف وكون المحل
قابلا للتصرف وما يصير به أهلا للتصرف يستوى فيه الكافر والمسلم * وإنما يكون المحل
محلا للتصرف لكونه مالا متقوما والعبد المسلم مال متقوم في حق المسلم والكافر جميعا
131

حال المشتري مع البائع عند الفسخ كحال البائع معه عند العقد وقد كان للبائع على المشتري
كر في ذمته يعطيه المشتري من أي موضع شاء فكذلك البائع يفعله عند الفسخ * وكل
ما يكال أو يوزن أو يعد في هذا الحكم سواء لما قلنا * قال ولو اشترى جارية بثوب ليس عنده لم
يجز لان الثياب لا تثبت دينا في الذمة الا موصوفة ومؤجلة ولم يوجد ذلك وإن كان
الثوب بعينه فوجد بالجارية عيبا وقد استهلك البائع الثوب ردها وأخذ قيمة الثوب لان
الثوب ليس من ذوات الأمثال وقد لزمه رد عينه حين رد عليه الجارية فإذا تعذر رده
بالاستهلاك يلزمه قيمته كما في المغصوب * وإذا باع رجل شيئا بنقد أو بنسيئة فلم يستوف
ثمنه حتى اشتراه بمثل ذلك الثمن أو أكثر منه جاز وان اشتراه بأقل من ذلك الثمن لم يجز
ذلك في قول علمائنا رحمهم الله استحسانا وفي القياس يجوز ذلك وهو قول الشافعي لان
ملك المشتري قد تأكد في المبيع بالقبض فيصح بيعه بعد ذلك بأي مقدار من الثمن باعه كما
لو باعه من غير البائع ألا ترى أنه لو وهبه من البائع جاز ذلك فكذلك إذا باعه منه بثمن
يسير ولأنه لو باعه من انسان آخر ثم باعه ذلك الرجل من البائع الأول بأقل من الثمن
الأول جاز فكذلك إذا باعه المشترى منه الا انا استحسنا لحديث عائشة رضي الله عنها
فان امرأة دخلت عليها وقالت انى بعت من زيد بن أرقم جارية لي بثمانمائة درهم إلى العطاء
ثم اشتريتها منه بستمائة درهم قبل محل الاجل فقالت عائشة رضي الله عنها بئسما
ما شريت وبئسما اشتريت الغى زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل حجه وجهاده مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب فأتاها زيد بن أرقم معتذرا فتلت قوله تعالى فمن
جاءه. موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف فهذا دليل على أن فساد هذا العقد كان معروفا بينهم
وانها سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لان أجزية الجرائم لا تعرف بالرأي
وقد جعلت جزاءه على مباشرة هذا العقد بطلان الحج والجهاد فعرفنا أن ذلك كالمسموع
من رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتذار زيد رضي الله عنه إليها دليل على ذلك لان
في المجتهدات كان يخالف بعضهم بعضا وما كان يعتذر أحدهم إلى صاحبه فيها ولا يجوز
أن يقال إنما ألحقت الوعيد به للأجل إلى العطاء فان مذهب عائشة رضي الله عنها جواز
البيع إلى العطاء وقد كرهت العقد الثاني بقولها بئسما اشتريت وليس فيه هذا المعنى
عرفنا أنها إنما كرهت لما قلنا وإنما كرهت العقد الأول لأنهما يطرقان به إلى الثاني والمعنى فيه
132

عندنا فكذلك شراؤه فإنما بطل ذلك التصرف لانعدام المحل بخلاف ما نحن فيه ولسنا
نقول بأنه لا يقر على مقصود هذا العقد بل يقر على مقصوده إذا أسلم ثم موجب
الشراء اثبات الملك * فاما استدامة الملك فليس من موجبات العقد ولا يمنع صحة الشراء
لكونه ممنوعا من استدامة الملك فيه كالمسلم يشترى عبدا مرتدا فيصح شراؤه وإن كان
ممنوعا من استدامة الملك فيه وعند التأمل في تصحيح هذا الشراء إظهار ذل الكافر دون
المسلم لان العبد المسلم يتسلط به على الكافر فيخاصمه ويجره إلى باب القاضي ويجبره
على بيعه شاء أو أبى ولهذا يتبين ان هذا النوع من التصرف لم يدخل تحت قوله ولن
يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا مع أن المراد بالآية أحكام الآخرة بدليل قوله
تعالى فالله يحكم بينكم يوم القيامة وعلى هذا الخلاف الكافر إذا اشترى مصحفا لا يصح
الشراء عند الشافعي لأنه يستخف به فيرجع ذلك إلى اذلال المسلمين وعندنا يصح شراؤه
لأنه ليس في عين الشراء من اذلال المسلمين شئ وكلامنا في هذا الفصل أظهر فالكافر
لا يستخف بالمصحف لأنه يعتقد انه كلام فصيح وحكمه بالغة وان كأن لا يعتقد انه كلام
الله عز وجل فلا يستخف به ثم يجبر على بيع العبد من المسلمين لأنه لو ترك في ملكه
استخدمه قهرا بملك اليمين وفيه ذل فيجبر على إزالة هذا الذل وذلك ببيعه من المسلمين
ولا يترك ليبيعه من كافر آخر وإن كان لو باعه جاز ولكن المقصود لا يحصل به
فلا يمكن منه وكذلك يجبر على بيع المصحف لأنه لا يعظمه كما يجب تعظيمه * وإذا ترك
في ملكه يمسه وهو نجس وقال الله تعالى إنما المشركون نجس وقال الله تعالى في القرآن
لا يمسه الا المطهرون * فلهذا يجبر على بيعه من المسلمين وكذلك أن أسلم مملوك الذمي
فإنه يجبر على بيعه من المسلمين وذلك بعد أن يعرض عليه الاسلام فلعله يسلم فيترك العبد
في ملكه فان أبى ذلك أجبر على بيعه كالكافر إذا أسلمت امرأته يعرض عليه الاسلام
فان أبى فرق بينهما إلا أن ملك النكاح ليس بمال متقوم فيجوز ازالته مجانا عند إباية
الاسلام وملك اليمين مال متقوم محترم بعقد الذمة فلا يجوز ابطاله عليه بالعتق مجانا ولا بد من
إزالة ملكه عن المسلم فيجبر على بيعه بقيمته ليستوفى المالية ويحصل المقصود وإن كان
للذمي عبد وامرأة له أمة قد ولدت منه فأسلم العبد وولده منها صغير فإنه يجبر على بيع
العبد وولده لان الولد الصغير يصير مسلما باسلام أبيه فيجبر على بيعه * وإن كان ذلك
133

تفريقا بينه وبين أمه لان هذا تفريق بحق وجب فيه فهو كما لو جنى الابن الصغير جناية
فدفع بها أو لزمه دين فبيع فيه يجوز ذلك * وإن كان فيه تفريق بين الولد والأم ولكن
لما كان بحق لزم ذلك في الولد خاصة واستقام ذلك فهذا مثله * وعن أبي يوسف أن في
كل موضع يجب بيع الولد تباع الأم معه لأنه لا ضرورة في التفريق بينهما إذا كان
كل واحد منهما محلا للبيع * قال وإذا أسلم العبد وهو بين مسلم وكافر أجبر الكافر
على بيع حصته منه اعتبارا للبعض بالكل وان أسلم عبد الذمي فكاتبه جازت الكتابة لان
ملكه فيه باق بعد اسلامه ونفوذ عقد الكتابة منه باعتبار ملكه ثم ما هو المقصود يحصل
بالكتابة في الحال وهو إزالة ذله منه لأنه يصير بمنزلة الحر في حق اليد والمكاسب
ولا يبقى له ولاية الاستخدام عليه قهرا بملك اليمين وربما يؤدي بدل الكتابة فيعتق
ويتم المقصود به فان عجز أجبر على بيعه لان الكتابة انفسخت حين تحقق عجزه فظهر
الحكم الذي كان قبل الكتابة وهو الاجبار على البيع * وإن لم يكاتبه ولكنه رهنه عند مسلم
أو كافر أجبر المولى على بيعه لان المقصود بعقد الرهن لم يحصل فالراهن يستخدم
المرهون بإذن المرتهن والمرتهن باذن الراهن ثم بعد الرهن هو محل للبيع فيبقى فيه حكمه
وهو الاجبار على البيع * فاما بعد الكتابة فلا يكون محلا للبيع ما بقيت الكتابة وإذا بيع المرهون
فيكون ثمنه رهنا مكانه لان عقد الرهن قد صح باعتبار ملكه في المحل فيتحول حكمه إلى
بدله كما إذا قبل المرهون وأخذ المرتهن قيمته وكذلك لو آجره من مسلم أو كافر فالمقصود
وهو إزالة اليد عن المسلم لا يحصل بالإجارة بل يتحقق فيه معنى الاذلال ويبقى هو
محلا للبيع بعد الإجارة فيجبر على بيعه ثم تبطل به الإجارة بخلاف الرهن * ألا ترى ان
المؤجر إذا باع المؤاجر برضا المستأجر بطلت الإجارة والراهن إذا باع المرهون برضا المرتهن
كان الثمن رهنا * ولو كان رهنه أو أجره وهو كافر ثم أسلم في يد المرتهن أو لمستأجر
أجبرته على بيعه ولم أتركه يكون في ملك الكافر وهو مسلم كما بينا أن الاذلال
هنا يتقرر إذا ترك في ملكه فيجب ازالته بالاجبار على بيعه * وان كانت جارية فدبرها
أو استولدها قبل الاسلام أو بعده جعلت عليها ان تسعى في قيمتها لان بيعها متعذر
لما يقر فيها من حق العتق فيجب اخراجها عن ملك الكافر بالاستسعاء في قيمتها وهي
بمنزلة المكاتبة ما دامت تسعى وعند زفر هي حرة والسعاية دين عليها وعند الشافعي يجبر
134

على بيع المدبرة وأم الولد بخارج وقد تقدم بيان هذا في كتاب العتاق * وإذا باع الكافر عبدا على
أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم أسلم العبد فهو على خياره لان اسلامه لا يمنع ابتداء البيع ولا يمنع بقاءه
بطريق الأولى * فان نقض البيع أجبر على بيعه لان الأول صار كأن لم يكن * وان أمضاه
لكافر مثله أجزأه وأجبر ذلك الكافر على بيعه كما لو باعه منه ابتداء بعد ما أسلم العبد
وكذلك أن كان الخيار للمشترى فان فسخ العقد أجبر على بيعه إذا كان كافرا وان أمضى
العقد والمشترى مسلم فهو سالم له * قال وإذا اشترى الكافر عبدا مسلما شراء فاسدا وقبضه
فإنه يجبر على رده على البائع سواء كان البائع مسلما أو كافرا ثم يجبر البائع على بيعه إن كان
كافرا لان فسخ البيع الفاسد مستحق شرعا ولا يفوت به ما يثبت من الحق للعبد
باسلامه فان البائع يجبر على بيعه إذا كان كافرا ومع امكان استيفاء الحقين لا يجوز ترك
أحدهما فإن كان البائع غائبا فرفع العبد المشترى إلى القاضي أجبره على البيع إن كان شراء
يجوز في مثله البيع منه لأنه مالك له وقد تعذر فسخ العقد الفاسد لغيبة البائع ولا يجوز
أن يترك المسلم في ملك الكافر فيجبر على بيعه * وهذا لان في التأخير إلى أن يحضر
البائع اضرارا بالعبد وابقاء له في ذل الكافر وذلك ممتنع في الشرع. وإن كان شراء لا يجوز
في مثله البيع فهو غير مالك له ولا يمكن اجباره على بيعه ولكنه ملك الغير. مضمون في
يده أو أمانة بمنزلة المغصوب أو الوديعة * مسلم اشترى عبدا مسلما من كافر شراء فاسدا
أجبرته على رده على الكافر لفساد العقد ثم يجبر الكافر على بيعه لان استيفاء الحقين ممكن
وإن كان الكافر غائبا فهو على حاله عند المسلم لأنه ليس في ابقاء المسلم في ملك المسلم معنى
الاذلال ولو أن مسلما وهب عبدا مسلما لكافر أو تصدق به عليه جاز وأجبر الكافر على
بيعه كما لو ملكه بسبب آخر. ولو أراد المسلم أن يرجع في هبته كان له ذلك ما لم يبعه الكافر
أو بعوض المسلم منه والكافر في حكم الهبة بمنزلة المسلم وكذلك لو كان الكافر هو الواهب
للعبد المسلم من المسلم ثم رجع في هبته كان له ذلك لان حقه في الرجوع كان ثابتا ما لم
يصل إليه العوض فلا يبطل باسلام العبد ولكن إذا رجع فيه أجبر على بيعه * وإذا أسلم
عبد النصراني فأجبره القاضي على بيعه فباعه ثم استحقه نصراني آخر ببينة مسلمين وقد
أعتقه المشترى فان عتقه باطل لان بالاستحقاق قد ظهر أن المشترى لم يملك وان عتقه
لم ينفذ لان بائعه لم يكن مالكا فيأخذه المستحق ويجبر على بيعه ولا يقال ينبغي أن ينفذ
135

البيع باجبار القاضي عليه في حق المستحق إذا كان نصرانيا لان القاضي إنما أجبر عليه
المالك الظاهر له حين أبى أن يسلم فلا يتعدى ذلك إلى المستحق لأنه لم يكن ظاهرا
يومئذ ولعله يسلم لو عرض عليه الاسلام * ولو أن نصرانية تحت مسلم لها مملوك مسلم
فأجبرت على بيعه فباعته من زوجها واشتراه زوجها لولد له صغير فذلك جائز لان المقصود
قد حصل وهو إزالة ذل الكافر عن المسلم بخروجه من ملكها * قال ولو أن يتامى من
النصارى أسلم عبد لهم أجبروا على بيعه لتقرر السبب وهو ملك الكافر في العبد المسلم
فإن كان لهم وصي باعه الوصي لأنه قائم مقامهم في البيع الذي ليس بمستحق ففي البيع
المستحق أولى * وإن لم يكن لهم وصي جعل القاضي لهم وصيا فباعه لهم لأنه إذا جاز للقاضي
نصب الوصي نظرا منه لليتامى فلان يجوز ذلك منه نظرا لليتامى ومراعاة لحرمة الاسلام
أولى * قال وإذا كان للمسلم عبد نصراني تاجر فاشترى عبدا نصرانيا فأسلم ولا دين على
العبد التاجر لم أجبره على بيعه لان كسب العبد الذي لا دين عليه مملوك لمولاه وهو
مسلم وإن كان عليه دين أجبرته على بيعه لان المولى لا يملك من كسبه ما لم يقض عنه
الدين كالأجنبي والعبد هو المستبد بالتصرف وهو نصراني فيجبر على بيعه كمكاتب
نصراني لمسلم أسلم عبده * قال وإذا اشترى النصراني عبدا مسلما فوجد به عيبا فقال أرده
تركته حتى يرده لأنه يستوفى بالرد حقه ويدفع به الضرر عن نفسه وأكثر ما فيه أن
يكون رده إياه بمنزلة البيع منه وذلك صحيح * وان وكل وكيلا يخاصم عنه في العيب جاز
حتى يبلغ اليمين بالله ما رأي ولا رضى فإذا بلغ ذلك لم يستطع رده حتى يحضر الموكل
فيحلف وفي هذا الحكم يستوى الكافر والمسلم ثم في ظاهر الرواية القاضي يحلف المشترى
بهذه الصفة ما رأى ولا رضى طلب البائع ذلك أو لم يطلب * ومن أصحابنا رحمهم الله من
يقول لا يحلف الا بطلب البائع لأنه نصب لفصل الخصومة لا لانشائها ولكنا نقول
هو مأمور بان يصون قضاءه عن أسباب الخطأ وليس كل خصم يهتدى إلى ذلك ليسأل
أو يتجاسر على ذلك مع حشمة القاضي فيحتاط القاضي بذلك ويحلفه بالله ما رأى العيب
ولا رضى به * وفي موضع آخر قال ولا عرضه على بيع ثم يقضى بالرد فان أقر الوكيل
عند القاضي أن المشترى قد رضى بالعيب جاز ذلك على المشترى وان وكل البائع وكيلا
بالخصومة فاقرار وكيله عليه جائز في مجلس القاضي لأنه قائم مقام الموكل في جواب الخصم
136

ولا يحلف لوكيل لان النيابة في اليمين لا تجزئ ولكن يحضر الموكل فيحلف بالله لقد
باعه وما هذا به وقد قررنا هذا في كتاب العيوب * قال ولا يجوز بين أهل الذمة شئ من
بيوع الصرف والسلم وغيرهما الا ما يجوز بين أهل الاسلام ما خلا الخمر والخنزير
فانى أجيز ذلك بينهم وأستحسن ذلك لأنهما أموال متقومة في حقهم والأثر الذي جاء
فيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال ولو هم بيعها وخذوا العشر من أثمانها وقد
تقدم بيان هذا الفصل في كتاب الغصب وأوضحنا الفرق بين الربا والتصرف في الخمر
والخنزير باعتبار أن ذلك مستثنى من عقد الذمة ونذكر هنا حرفا آخر للفرق بينهما فنقول
لما بقي الخمر والخنزير مالا متقوما في حقهم فلو لم نجز تصرفهم فيهما بالبيع والشراء لم تظهر
فائدة المالية والتقوم فيكون اضرارا بهم ولو منعناهم عن عقود الربا لأدى ذلك إلى
ابطال فائدة المالية والتقوم لأنهم قد لا يتمكنون من التصرف في ذلك المحل الا بطريق الربا
* قال ولا يحل للمسلم بيع الخمر ولا أكل ثمنها بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفيه حديثان * أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله في الخمر عشرة وذكر في الجملة
بائعها * والثاني قوله صلى الله عليه وسلم ان الذي حرم شربها حرم بيعها وأكل ثمنها * وفي
حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها
وباعوها وأكلوا ثمنها وان الله تعالى إذا حرم شيئا حرم بيعه وأكل ثمنه وبهذه الآثار تبين
ان الخمر ليست بمال متقوم في حق المسلم فلا يجوز بيعه إياها * قال وإذا اشترى المسلم عصيرا
فلم يقبضه حتى صار خمرا فالبيع فاسد لأنه تعذر قبضه بعد التخمر وبالقبض يتأكد الملك
المستفاد بالعقد ويستفاد بملك التصرف وكما لا يجوز ابتداء العقد على الخمر من المسلم فكذلك
لا يجوز قبض الخمر بحكم العقد فان صارت خلا قبل أن يترافعا إلى السلطان فالمشتري بالخيار
ان شاء أخذه وان شاء تركه وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله أما عند محمد
فالبيع باطل هكذا ذكر الكرخي لأن العقد فسد بالتخمر فلا يمكن تصحيحه على الخل الا
بالاستقبال وهذا لان التخمر قبل القبض كالموجود عند العقد * ولو اشترى المسلم خمرا فتخللت
لا يصح العقد * وجه قولهما ان أصل العقد كان صحيحا ثم بالتخمر فات القبض المستحق بالعقد
العارض على شرف الزوال وهو انعدام المالية والتقوم فإذا زال صار كأن لم يكن كما لو أبق المبيع
قبل القبض ثم عاد من إباقه إلا أن المشترى هنا مخير لتغيير صفة المبيع وهو في ضمان البائع ولهذا لو
137

خاصمه فيها قبل أن يصير خلا فأبطل القاضي البيع ثم صارت خلا بعد ذلك لم يكن له عليها
سبيل لأن العقد انفسخ بقضاء القاضي كما في الإباق إذا عاد بعد ما فسخ القاضي البيع بينهما
. وبه فارق ما لو كانت خمرا في الابتداء فان هناك البيع ما انعقد صحيحا * ألا ترى أنه لو باع
العبد وهو آبق ثم رجع من إباقه لم يصح البيع * وعلى هذا النصراني لو اشترى من نصراني خمرا
ثم صارت خلا ثم أسلما فالمشتري بالخيار ان شاء أخذ وان شاء ترك لتغير صفة المبيع وان أسلما
ثم صارت خلا فهو على هذا الخلاف الذي ذكرنا ثم ذكر مسألة اقراض النصراني نصرانيا
خمرا وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الغصب * قال وإذا اشترى النصراني من النصراني خمرا أو
خنزيرا على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم أسلم المشترى قبل أن يختار وقد قبض كان البيع باطلا في
قول أبي حنيفة ويتم البيع في قول صاحبيه بناء على اختلافهما في وقوع الملك للمشترى مع اشتراط
الخيار وقد تقدم بيانه بفصوله. ولو كان الخيار للبائع فأسلما أو أسلم البائع بطل البيع لان خيار
البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه فلا يمكن من اخراجه عن ملكه بالإجازة بعد اسلامه وان
أسلم المشترى وقد قبض ما اشترى لم يفسد البيع لان البيع قد تم من قبله والبائع على خياره
فان أجاز البيع ملك المشتري الخمر حكما من غير عقد باشره بعد اسلامه واسلامه لا يمنعه
من ذلك * وإذا ارتهن نصراني من نصراني خمرا بدين له عليه فأسلم المرتهن بطل الرهن لان
المقصود بالرهن الاستيفاء ولا يتم ذلك الا بهلاك الرهن فالاسلام الطارئ بعد العقد قبل
حصول المقصود يجعل بمنزلة المقترن بالعقد فإن كان المرتهن هو الذي أسلم بقي مضمونا عليه
حتى إذا هلك هلك على الراهن لان خمر الكافر يجوز أن تكون مضمونة على المسلم بالغصب
فكذلك بالقبض بحكم الرهن فإن كان الراهن هو الذي أسلم ثم هلك الرهن لم ينتقص من
حق المرتهن شئ لان خمر المسلم لا تكون مضمونة على الذمي بالغصب فكذلك بالقبض بحكم
الرهن وهذا لانعدام المالية والتقوم في حق المالك هنا بخلاف الأول * قال وإذا وكل المسلم
نصرانيا ببيع الخمر فباعها جاز في قول أبي حنيفة لان العاقد نصراني ولم يجز في قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله لان من وقع له العقد مسلم وقد تقدم بيان هذا الفصل * وإذا كان للذمي
عبدان أخوان لم أكره له أن يفرق بينهما في البيع لان ما فيه من الشرك أعظم من التفريق
يعنى أن المنع من التفريق لحق الشرع والكفار لا يخاطبون من حقوق الشرع بما هو
أعظم من كراهة التفريق نحو العبادات فكذلك لا يظهر في حقهم حكم كراهة التفريق
138

في البيع والله أعلم.
(باب بيوع ذوي الأرحام)
قال ليس ينبغي للرجل أن يفرق بين الجارية وولدها في البيع ولا في الهبة ولا في
الصدقة ولا في الوصية إذا كان صغيرا لما روي أن زيد بن حارثة رضي الله عنه قدم بسبايا فخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتصفحهم فرأى جارية والهة فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن شأنها فقال زيد رضي الله عنه احتجنا إلى نفقة فبعنا ولدها فقال صلى الله عليه وسلم
أدرك أدرك لا توله والدة بولدها * وقال النبي صلى الله عليه وسلم من فرق بين والدة وولدها
فرق الله تعالى بينه وبين الجنة وفي رواية فرق الله تعالى بينه وبين أحبته يوم القيامة وكذلك
كل ذي رحم محرم * والحاصل انه إذا اجتمع في ملكه شخصان بينهما قرابة محرمة للنكاح
وهما صغيران أو أحدهما صغير فليس له ان يفرق بينهما في الاخراج عن ملكه بالبيع عندنا
وقال الشافعي في الوالدين والمولودين كذلك وفيما سوى ذلك لا بأس بالتفريق بناء على مذهبه
في عتق أحدهما على الآخر عند دخوله في ملكه. وحجتنا في ذلك ما روي أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهب لعلى كرم الله وجه أخوين صغيرين ثم لقيه بعد ذلك فقال ما فعل
الغلامان فقال بعت أحدهما فقال أدرك أدرك. والمعنى فيه أن الصغير يستأنس بالكبير والكبير
يشفق على الصغير ويقوم بحوائجه ففي التفريق بينهما ايحاشهما وترك الترحم عليهما وقد قال
النبي صلى الله عليه وسلم من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا فليس منا والكافر والمسلم في ذلك
سواء لاستوائهما في الشفقة التي تنبنى على القرابة ثم تمتد هذه الكراهة إلى البلوغ عندنا
وقال الشافعي إلى أن يستغنى الصغير عن الكبير في التربية. واعتمادنا في ذلك ما ذكره الدارقطني
في مسنده بالاسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تجمعوا عليهم بين السبي والتفريق
ما لم يبلغ الغلام وتحض الجارية وقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله إذا راهق الصغير ورضيا
ان يفرق بينهما فلا بأس بالتفريق بينهما لان كل واحد منهما من أهل النظر لنفسه وربما
يريان مصلحة في ذلك فلا بأس بالتفريق عند ذلك برضاهما فأما بعد البلوغ فلا بأس بالتفريق
بينهما لان كل واحد منهما يقوم بحوائجه وربما لا يستأنس بعضهم ببعض بل يستوحش بعضهم
من بعض إذا اجتمعوا في ملك رجل واحد حتى يؤدي إلى قطيعة الرحم ولهذا حرم
139

الجمع بين الأختين نكاحا ولو كان مملوك لرجل وولده الصغير مملوك لابن الرجل
وهو صغير في حجره كان له ان يفرق بينهما بالبيع لأنهما ما اجتمعا في ملك رجل
واحد والأب في التصرف في ملك ولده قائم مقام الولد لو كان بالغا وكذلك أن كان كل
واحد منهما لولد من أولاده * ولو اشتراهما جميعا لنفسه فوجد بأحدهما عيبا كان له ان
يرده ويمسك الباقي وعن أبي يوسف قال يردهما أو يمسكهما لان في معنى كراهة التفريق
بينهما أنها كشخص واحد وقاس بما لو اشترى مصراعي باب فوجد بأحدهما عيب كان له
أن يردهما أو يمسكهما. وجه ظاهر الرواية ان المثبت لحق الرد له هو العيب وهو مقصور
على المعيب حقيقة وحكما ولا يتمكن من رد الآخر بعد تمام الصفقة ثم هذا تفريق بحق
مستحق في أحدهما فيجوز كالدفع بالجناية والبيع بالدين ولو كان له من كل واحد منهما
شقص لم أكره له ان يبيع شقصه من أحدهما دون الآخر لأنهما ما اجتمعا في ملكه
وكراهة التفريق بناء على اجتماعهما في ملكه * ولو كانا مملوكين له فباع أحدهما دون الآخر
كان مسيئا والبيع جائز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وقال أبو يوسف أستحسن
ابطال البيع في الوالدين والمولودين ولا أبطله في الأخوين وهو قول الشافعي * وروي
الحسن عن أبي يوسف رحمهما الله ان البيع في جميع ذلك باطل لما روينا أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه أدرك أدرك وقال صلى الله عليه وسلم ذلك لزيد بن حارثة
رضي الله عنه وإنما يتمكن من الادراك بالاسترداد لفساد البيع ففي احدى الروايتين فيهما
جميعا قال البيع فاسد * وفي الرواية الأخرى فرق لقوة الولادة وضعف القرابة المتجردة عن
الولادة * وحمل قوله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أدرك أدرك علي طلب
الإقالة أو بيع الاخر ممن باع منه أحدهما وهو تأويل الحديثين عند أبي حنيفة ومحمد
رحمهما الله والقياس لهما فان النهى عن بيع أحدهما لمعنى في غير البيع غير متصل بالبيع
وهو الوحشة وذلك ليس من البيع في شئ والنهى متى كان لمعنى في غير المنهى عنه
لا يفسد البيع كالنهي عن البيع وقت النداء * قال ولا بأس بأن يكاتب أحدهما دون
الآخر لان عقد الكتابة مآله العتق فهو كالاعتاق ولا بأس بأن يعتق أحدهما فكذلك
يكاتبه لأنه لا تفريق بينهما في هذا التصرف بل يزداد الاستئناس ويمكن الكبير من
القيام بحوائج الصغير إذا كوتب أو أعتق وربما يتمكن من شرائه بعد ذلك فيعتق عليه
140

وكذلك لا بأس بأن يبيع أحدهما نسمة للعتق ويمسك الآخر وعن محمد انه يكره له ذلك
وهذا لان بيع نسمة ليس ببيع بشرط العتق فان البيع بهذا الشرط لا يجوز ولكنه ميعاد
بينهما فربما يفي به المشترى وربما لا يفي فيبقى التفريق بينهما متحققا في الحال * وجه
ظاهر الرواية ان الظاهر من حال من يشتري النسمة للعتق الوفاء بما يعد وإنما ينبنى الحكم
على الظاهر ما لم يتبين خلافه فبيع أحدهما نسمة كبيعه من قريبه ليعتق عليه وذلك غير
مكروه * قال وإذا اجتمع في ملكه أختان فدبر إحداهما أو استولدها والأخرى صغيرة
لم أكره له بيع الصغيرة وكذلك أن كاتب إحداهما لان كراهة التفريق عند تمكنه
من بيعها فان عند ذلك يكون التفريق محالا على اختياره وهنا هو غير متمكن من
بيع إحداهما فيجوز له بيع الأخرى. وعن أبي يوسف ان في التدبير والاستيلاد ليس له
أن يبيع الأخرى لان ملكه في المدبرة وأم الولد مطلق فيتحقق اجتماعهما في ملكه فيكره
التفريق وفي الكتابة لا يكره لان ملكه في المكاتب ثابت من وجه دون وجه فلم يجتمعا
في ملك مطلق له فلا بأس بأن يبيع إحداهما * قال وإذا كان أحد المملوكين له والآخر
لزوجته أو لمكاتبه فلا بأس بالتفريق بينهما لأنهما ما اجتمعا في ملك رجل واحد ولأنه
غير متمكن من بيعهما من واحد إذ ليس له حق التصرف في كسب مكاتبه وملك زوجته
وكذلك أن كانت إحداهما لعبد له تاجر وعليه دين لأنه غير متمكن من بيعها فان تصرفه
في كسب العبد المديون لا ينفذ * وعن أبي حنيفة هو لا يملك كسبه فلم يجتمعا في ملكه
وإن لم يكن على العبد دين فليس له أن يفرق بينهما لأنهما اجتمعا في ملكه وهو متمكن
من بيعهما * وان كانت إحداهما لمضاربه فلا بأس بأن يبيع المضارب ما عنده منهما لان
المضارب غير مالك لهما ولا هو متمكن من بيعهما فله ان يبيع ما كان عنده منهما * قال وإذا
كان للرجل أمة فباعها على أن له الخيار ثلاثة أيام ثم اشترى ابنها كرهت له ان يوجب
البيع في الأمة لان خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه فقد اجتمعا في ملكه وهو
متمكن من أن لا يفرق بينهما بان يفسخ البيع فيها ثم يبيعهما معا فإذا أوجب البيع في
الأمة كان مفرقا بينهما باختياره وذلك مكروه وكذلك أن سكت حتى مضت المدة لان
سكوته عن الفسخ إلى مضى المدة كاختياره امضاء البيع * وإن كان الخيار للمشترى
فلا بأس بأن يستوجبها لان الأمة خرجت من ملك البائع مع خيار المشترى فلم يجتمعا في
141

ملك رجل واحد * ولو كان عنده ابن لها فاختار ردها لم يكن بذلك بأس * أما عند
أبي حنيفة فلأنهما لم يجتمعا في ملكه فان خيار المشتري يمنع وقوع الملك له وعندهما لان
هذا التفريق لحق له في إحداهما فكان بمنزلة الرد بخيار العيب * قال ويكره للمكاتب
والعبد التاجر من التفريق ما يكره للحر لأنهما مخاطبان * وفي التمكن من بيعهما معا بمنزلة
الحرين وكراهة التفريق لحق الشرع فيستوى فيه المملوك والحر ولا يكره التفريق من
ذي محرم من غير النسب كالرضاع والمصاهرة لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما
أن رجلا سأله فقال أبيع جارية لي قد أرضعت ولدى فقال قل من يشترى أم ولدى
وهذا لان الرضاع والمصاهرة بمنزلة النسب في حرمة النكاح خاصة * وأما الاحكام
المتعلقة بالقرابة سوى الحرمة لا يثبت شئ منها بالرضاع والمصاهرة * قال ولا بأس بالتفريق
بين المملوكين الزوجين لأنه لا قرابة بينهما وعلى ذلك تنبنى كراهية التفريق * قال وإذا
اجتمع أخوان في ملك رجل لا ينبغي له ان يبيع أحدهما من ابن صغير له في عياله لان
هذا تفريق بينهما في البيع والملك ولو جاز هذا لجاز الذي باعه من ابنه الصغير بعد ذلك
فيتحقق التفريق بهذا الطريق فإذا دخل الحربي دار الاسلام بغلامين أخوين صغيرين
بأمان فأراد أن يبيع أحدهما فلا بأس بشرائه منه * وإن كان فيه تفريق لأني إن لم أشتره
منه لأعاده إلى دار الحرب ويتمكن من ذلك فشراؤه منه أقرب إلى النظر من مراعاة
التفريق ولو كان قد اشتراهما في دار الاسلام كرهت للمسلم ان يشتري منه أحدهما
لأنه يجبر على بيعهما ولا يمكن ان يدخل بهما في دار الحرب لأنه اشتراهما من أهل
الاسلام أو من أهل الذمة وهو إن لم يكن مخاطبا بحرمة التفريق فالمسلم المشتري مخاطب
بالتحرز عن اكتساب سبب التفريق إلا أن يكون اشتراهما في دار الاسلام من حربي
مستأمن فلا بأس حينئذ بشراء أحدهما منه لأنه غير مجبر على بيعهما بل هو ممكن من أن
يدخلهما دار الحرب كما كان البائع متمكنا من ذلك ولم يذكر في الكتاب ما إذا اجتمع في
ملكه مع الصغير كبيران * والجواب في ذلك أن الكبيرين إذا استويا في القرابة من
الصغير وكان ذلك من جهة واحدة كالأخوين والخالين والعمين فلا بأس بان يبيع أحد
الكبيرين استحسانا * وفي القياس يكره ذلك وهو رواية عن أبي يوسف لان الصغير
يستأنس بكل واحد منهما وكل واحد منهما في حقه كالمنفرد به * وفي الاستحسان قال هذا
142

يمنع لحق الصغير وحقه مراعى إذا ترك معه أحد الكبيرين فإنه يستأنس به ويقوم
الكبير بحوائجه فلا بأس ببيع الآخر وان كانت قرابتهما إليه من جهتين كالأب والأم
فليس له ان يفرق بينهما وبينه ولا يبيع واحدا منهما لان كل واحد منهما له نوع شفقة
ليس للآخر وله بكل واحد منهما نوع استئناس لا يحصل ذلك بالآخر فإن كان أحدهما
أبعد والآخر أقرب إليه في القرابة كالأم مع الجد في ظاهر الرواية لا بأس ببيع الأبعد
ويمسك الأقرب مع الصغير لان مقصود الصغير يحصل إذا أمسك الأقرب معه وشفقة
الأقرب عليه أظهر والقرابة البعيدة عند المقابلة بالقريبة تكون البعيدة كالمعدومة * وروى
بشر عن أبي يوسف رحمهما الله انه يكره له ان يبيع واحدا منهما لأنه يستأنس بكل
واحد منهما نوع استئناس كما إذا استويا في الدرجة
(باب بيع الأمة الحامل)
قال رضي الله عنه اعلم أنه أورد هذا الباب في كتاب الدعوى وقد بينا شرح مسائله
هناك وهو بكتاب الدعوى أشبه وقد بينا بعض المسائل فيما تقدم هنا أيضا فمما زاد على
ما تقدم بيانه ان الجارية المبيعة إذا ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر
من ستة أشهر فادعاهما البائع فإنه يرد البيع لأنا تيقنا حصول العلوق بالتي ولدت لأقل من
ستة أشهر في ملكه وهما توأم فمن ضرورة التيقن بعلوق أحدهما في ملكه التيقن بعلوق
الآخر فهو كما لو ولدتهما لأقل من ستة أشهر وقد بينا ان بعد موت الولد لا تصح دعوى
البائع وإن كان الولد خلف ولدا بخلاف ولد الملاعنة فإنه إذا مات عن ولد ثم أكذب الملاعن
نفسه فإنه يثبت النسب منه وهذا لان نسب ولد الملاعنة كان ثابتا من الزوج بالفراش وبقي
بعد اللعان موقوفا على حقه حتى لا تنفذ دعوة الغير فيه فيظهر ذلك بالاكذاب إذا كان مقيدا
وتقام حاجة ولده إلى ذلك مقام حاجته فاما نسب ولد الجارية المبيعة فلم يكن ثابتا منه قبل
الدعوى وإنما تصح دعواه لحاجة الولد إلى النسب وقد استغنى عن ذلك بالموت فلا يمكن
إقامة ولده مقامه في اثبات نسبه ابتداء فلهذا لا تصح دعواه وإن كان في يده صبي لا ينطق
فزعم أنه عبده ثم أعتقه ثم زعم أنه ابنه فهو غير مصدق في ذلك في القياس لأنه مناقض
في كلامه ويصدق في الاستحسان ويثبت نسبه منه لان الانسان قد يشتبه عليه هذا
143

في الابتداء ثم يتبين له في الانتهاء فيريد أن يتدارك وقد بينا ان لخفاء امر العلوق يعذر في
التناقض فيه ثم لا منافاة بين الولاء الثابت له عليه وبين النسب الا ترى أنه يشتري ابنه
فيعتق عليه ويجتمع له ولاؤه ونسبه ولو كان عبدا كبيرا أعتقه ثم ادعاه ومثله يولد لمثله لم
تجز دعوته الا ان يصدقه لأنه بالعتق صار في يد نفسه فالتحق بسائر الأحرار فالدعوى من المولى
بعد ذلك ومن غيره سواء لا تنفذ الا بتصديقه بخلاف الصغير الذي لا يعبر عن نفسه لأنه
في يد مولاه إذ هو ليس بمحل أن يعبر عن نفسه * قال في الكتاب أستحسن في الصغير
كما استحسن في المدبر يكون بين اثنين إذا جاء آي بولد فادعاه أحدهما وقد تقدم بيان هذه
المسألة في كتاب العتاق * قال وإذا ولدت الأمة ولدين في بطن واحد فباع المولى الأم مع
أحدهما ثم ادعى المشترى الذي اشترى فان نسبه يثبت منه لأنه ادعى مملوكه في حال حاجته
إلى النسب ثم يثبت منه نسب الذي عند البائع لأنه توأم ومن ضرورة ثبوت نسب أحدهما
منه ثبوت نسب الآخر وهو عند البائع على حاله لان العلوق لم يكن في ملك المشتري
فدعواه دعوى التحرير والتوأم ينفصل أحدهما عن الآخر في التحرير كما لو أعتق أحدهما
وإن كان البائع ادعى الولد الذي عنده ثبت نسبهما منه وانتقض البيع في الآخر وإن كان
أعتقه المشترى لان أصل العلوق كان في ملك البائع فدعواه توجب حرية الأصل الذي
بقي عنده والتوأمان خلقا من ماء واحد ولا يفصل أحدهما عن الآخر في حرية الأصل
وقد بينا أنه يجوز نقض عتق المشترى لضرورة اثبات حرية الأصل له * قال وإذا باع أمة
حاملا فخاف المشترى ان يدعى البائع حملها وأراد أن يتحرز عن ذلك فإنه يشهد عليه أن هذا
الحمل من عبد له كان زوجا لها وليس هذا بتعليم للكذب ولا أمر به فإنه لا رخصة في الكذب
ولكنه بيان لحكم ان البائع ان أقر بذلك كيف يكون الحكم فيه وقد بينا بقية هذه
المسألة في كتاب الاعتاق أن المقر له ان صدقه أو لم يظهر منه تصديق ولا تكذيب فليس
للبائع أن يدعيه لنفسه وان كذبه فكذلك عند أبي حنيفة لأن لإقراره حكمين اخراج نفسه
عن نسب هذا الولد واثبات من المقر له فإنما يبطل بتكذيب المقر له ما كان من حقه فاما
ما هو من خالص حق المقر فان اقراره فيه لا يبطل بتكذيب المقر له خصوصا فيما لا يحتمل
الابطال وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله الاقرار بتكذيب المقر له يبطل من أصله فله ان
يدعيه لنفسه بعد ذلك وقاسا النسب بالولاء فان من اشترى جارية ثم زعم أن البائع كان
144

أعتقها فكذبه البائع كان له ان يدعي ولاءها لنفسه بعد ذلك الا ان أبا حنيفة يفرق بينهما فيقول
الولاء قابل للتحول من شخص إلى شخص الا ترى أن ولاء الولد يثبت لمولى الأم إذا
كان الأب عبدا فإذا عتق الأب تحول ولاؤه إليه والنسب لا يحتمل التحول من شخص إلى
شخص فعند ما أخرج نفسه من نسب هذا الولد لا يصح دعواه لنفسه * قال أمة بين اثنين
باع أحدهما نصيبه من صاحبه ثم ولدت لأقل من ستة أشهر فادعاه البائع صحت دعواه
وبطل البيع فيكون هذا كحكم الجارية المشتركة استولدها أحدهما ولو ادعياه معا ثبت نسبه
منهما وبطل البيع لان العلوق حصل في ملكيهما جميعا ولو دعاه البائع وأعتقه المشترى فدعوى
البائع تستند إلى وقت العلوق ويثبت به حرية الأصل للولد فيكون عتق المشترى فيه باطلا
ولو باع أحدهما نصيبه من رجل وهي حامل فادعى المشترى الحبل وادعاه البائع والذي
لم يبع فان ولدت لأقل من ستة أشهر فالبيع باطل ويثبت نسبه من البائع ومن شريكه لان
دعواهما تستند إلى وقت العلوق فالعلوق حصل في ملكهما ويأخذ المشتري ما نقد من
الثمن ويرد على الذي لم يبع نصف العقد لإقراره بالوطئ * قال الحاكم أبو الفضل قوله ويرد
على الذي لم يبع نصف العقد ليس بسديد والصواب أن يرد جميع العقد على الشريكين
جميعا وهكذا في رواية أبى سليمان لان اقراره بوطئها لابد أن يكون سابقا على الشراء وقد
حصل ذلك في ضمن دعوى النسب فيكون عليه جميع العقد للشريكين * وان جاءت به لأكثر
من ستة أشهر ثبت نسبه من المشترى ومن الذي لم يبع لأنا لم نتيقن بحصول العلوق قبل
البيع فلا يصح دعوى البائع ولكن على البائع نصف العقد للذي لم يبع لأنه أقر بوطئها
وذلك يلزمه نصف العقد للذي لم يبع سواء كان وطؤه إياها قبل البيع أو بعد البيع بشبهة وليس
للبائع على المشترى عقد لأنه ما أقر بوطئها قبل شرائه وإنما زعم أنه وطئها بعد شرائه في
ضمن دعوى النسب فلهذا لا يغرم له شيئا من العقد والله أعلم
(باب الاستبراء)
قال رضي الله عنه الأصل في وجوب الاستبراء قول النبي صلى الله عليه وسلم في سبايا
أوطاس ألا لا توطأ الحبالى من الفئ حتى يضعن حملهن ولا الحيالى حتى يستبرآن بحيضة وهذا
خطاب للموالي فيفيد وجوب الاستبراء على المولى فإنه إذا قيل لا تضرب فلانا يكون
145

ذلك نهيا للضارب عن الضرب لا خطابا للمضروب والمعنى في المسبية حدوث ملك الحل فيها لمن
وقعت في سهمه بسبب ملك الرقبة فبهذه العلة يتعدى الحكم من المنصوص عليه إلى غير المنصوص
عليه وهي المشتراة أو الموهوبة. ووجوب الاستبراء في المشتراة مروى عن علي وابن عمر
رضي الله عنهما. والحكمة في ذلك تعرف براءة الرحم وصيانة ماء نفسه عن الخلط بماء غيره
والتحرز عن أن يصير ماؤه ساقيا زرع غيره ولكن الحكم يثبت بثبوت علته ولهذا قلنا إذا
اشتراها من امرأة أو صبي باعها أبوه أو اشتراها وهي بكر أو اشتراها من مملوك لزمه الاستبراء
لوجود العلة الموجبة وهي حدوث ملك الحل بسبب الرقبة وعن أبي يوسف قال إذا
تيقن فراغ رحمها من ماء البائع فليس عليه فيها استبراء واجب لان الاستبراء كاسمه
تبين فراغ الرحم وقاس بالمطلقة قبل الدخول أنه لا يلزمها العدة لان المقصود من العدة في
حال الدخول تبين فراغ الرحم ولكنا نقول هذه حكمة الاستبراء والحكم متعلق بالعلة
لا بالحكمة ثم اشتغال رحمها بالماء عند الشراء لا يمكن معرفته حقيقة فيتعلق الحكم شرعا بالعيب
الظاهر وهو حدوث ملك الحل بسبب ملك الرقبة فدار الحكم معه وجودا وعدما للتيسير
على الناس وكذلك لا يقبلها ولا يباشرها ولا ينظر منها إلى عورة حتى يستبرئها لان من
الجائز أنها حملت من البائع وان البيع فيها باطل وهذه التصرفات لا تحل الا في الملك كالوطئ
ولان الوطئ حرام في مدة الاستبراء وهذا من دواعي الوطئ فيحرم بحرمة الوطئ كما
إذا ظاهر من امرأته لما حرم عليه وطؤها حرم عليه دواعيه بخلاف الحيض فان المحرم بسبب
الحيض استعمال الأذى كما وقعت إليه الإشارة بالنص ولا يوجد ذلك في التقبيل والمس ثم
الدواعي هناك لا توقعه في ارتكاب الحرام لنفرة في طبعه عنها بسبب الأذى والدواعي هنا
موقعة في ارتكاب الحرام وهو الوطئ لأنه راغب فيها غاية الرغبة ما لم يحصل مقصودة منها
فإن كانت لا تحيض من صغر أو كبر فاستبراؤها بشهر لان الشهر قائم مقام الحيض والطهر
شرعا فكل شهر يشتمل على حيض وطهر عادة ألا ترى أن الله تعالى أقام ثلاثة أشهر في
حق الآيسة والصغيرة مقام ثلاثة قروء في العدة ومدة الاستبراء ثلث مدة العدة فيتقدر
بشهر وان كانت حاملا فاستبراؤها بوضع الحمل للنص كما روينا ولان مدة الحمل لا تحتمل التحري
لتعذر الاستبراء ببعضها فإذا وجب اعتبار جزء منها وجب اعتبار الكل والمقصود تبين
فراغ الرحم ولا يحصل شئ من هذا المقصود قبل الوضع بل يزداد معنى الاشتغال بمضي
146

بعض المدة فلهذا قدرنا الاستبراء في حقها بوضع الحمل وإذا ارتفع حيضها وهي ممن تحيض
تركها حتى إذا استبان له أنها ليست بحامل وقع عليها لان المقصود تبين فراغ الرحم من
ماء البائع ليتقين بصحة البيع ووقوع الملك للمشترى فيها وقد حصل ذلك إذا مضي من المدة
ما لو كانت حبلى لظهر ذلك بها وليس في ذلك تقدير بشئ فيما يروى عن أبي حنيفة وأبى يوسف
رحمهما الله إلا أن مشايخنا رحمهم الله قالوا يتبين ذلك بشهرين أو بثلاثة أشهر وكان محمد رحمه
الله يقول أولا يستبرئها بأربعة أشهر وعشر اعتبارا بأكثر العدة وهي عدة الوفاة في حق
الحرة ثم رجع وقال يستبرئها بشهرين وخمسة أيام لان أطول مدة العدة في حق الأمة
هذا فإذا كان بأقوى السببين وهو النكاح لا يجب على الأمة الاعتداد الا بهذه المدة ففي
أضعف السببين وهو الملك أولى أن لا يجب في استبرائها زيادة على هذه المدة. وقال زفر
يستبرئها بحولين أكثر مدة الحمل وكان أبو مطيع البلخي يقول يستبرئها بتسعة أشهر لأنها مدة
الحبل في النساء عادة قال والأول أصح لان نصب المقادير بالرأي لا يكون وليس في ذلك
نص ولو ملكها بهبة أو صدقة أو وصية أو ميراث أو جناية وجبت عليه أو جعل كتابة أو
خلع فعليه الاستبراء فيها لحدوث ملك الحل له بسبب ملك الرقبة * وكذلك لو كان له في جارية
شقص فملك الباقي منها بوجه من الوجوه لان حدوث ملك الحل بسبب ملك الرقبة يكون
بعد ملكه جميع رقبتها فعند ذلك يلزمه الاستبراء وهذا لان ملك بعض الرقبة بمنزلة بعض
العلة وثبوت الحكم عند كمال العلة وأما ببعض العلة فلا يثبت شئ من الحكم قال وإذا
اشتراها وهي حائض لم يحتسب بتلك الحيضة عليه وأن يستبرئها بحيضة أخرى وعن أبي يوسف
انها كما طهرت من هذه الحيضة فله أن يطأها لتبين فراغ رحمها بناء على أصله ولكنا نقول
الشرع ألزمه الاستبراء بحيضة والحيضة لا تتجزأ وقد تعذر الاحتساب من الاستبراء بما
مضي منها قبل الشراء فلا يحتسب بجميعها منه كما لو طلق امرأته في حالة الحيض لا يحتسب
بهذه الحيضة من العدة ولأنه كان يحتسب بما بقي من الحيضة بعد الشراء من الاستبراء فعليه
اكمالها من حيضة أخرى فإذا وجب جزء من الحيضة الثانية وجبت كلها وكذلك أن كانت
حاضت حيضة مستقبلة بعد الشراء قبل القبض لم يحتسب بتلك الحيضة من الاستبراء الا
على رواية أبى يوسف رحمه الله فإنه يقول تبين فراغ الرحم يحصل بالحيضة التي توجد في يد
البائع كما يحصل بالحيضة التي توجد في يد المشترى ولكنا نقول ملك الوطئ بسبب ملك الرقبة
147

إنما يستفيده المشترى بالقبض لان الوطئ تصرف وملك التصرف يحصل للمشترى بالقبض
فالحيضة التي توجد قبل هذا لا يحتسب بها ولكن الموجود بعد العقد قبل القبض كالمقترن
بالعقد والموجود قبله بمنزلة الزوائد الحادثة والتخمر في العصير وكذلك أن وضعت على يدي
عدل حتى ينقد الثمن فحاضت عنده لان يد العدل فيها كيد البائع ألا ترى أنها لو هلكت
انفسخ البيع وهلكت من مال البائع * قال وإذا باع جارية ولم يسلمها حتى تاركه المشترى البيع
فيها ففي القياس على البائع أن يستبرئها بحيضة. وذكر أبو يوسف في الأمالي أن أبا حنيفة كان
يقول أولا بالقياس ثم رجع إلى الاستحسان فقال ليس عليه ان يستبرئها وهو قول أبى
يوسف ومحمد رحمهما الله. وجه القياس أنها بالبيع خرجت عن ملكه ثم عادت إليه بالإقالة فقد
حدث له فيها ملك الحل بسبب ملك الرقبة وهي العلة الموجبة للاستبراء ووجه الاستحسان
انها في ضمان ملكه ما بقيت يده عليها بدليل انها لو هلكت هلكت على ملكه فيجعل بقاؤه
فيها كبقاء الملك فاما إذا سلمها إلى المشترى ثم تقايلا فعلى البائع أن يستبرئها في ظاهر الرواية
لأنها خرجت من ملكه ويده وثبت ملك الحل فيها لغيره وهو المشترى فإذا عادت إليه
لزمه استبراء جديد كما لو استبرأها ابتداء بخلاف ما قبل التسليم وعن أبي يوسف قال إذا لم
يكن البائع فارق المشترى حتى تقايلا فليس عليه فيها استبراء لأنه تيقن بفراغ رحمها من
ماء غيره * قال وإذا اشترى جارية لا تحيض فاستبرأها بعشرين يوما ثم حاضت بطل الاستبراء
بالأيام لان الشهر بدل عن الحيض واكمال البدل بالأصل غير ممكن ولكن القدرة على
الأصل قبل حصول المقصود بالبدل يسقط اعتبار البدل كالمعتدة بالأشهر إذا حاضت وإذا
حاضت عند المشترى حيضة ثم وجد بها عيبا فردها لم يقر بها البائع حتى تحيض عنده حيضة
لأنها عادت إليه بعد ما حدث ملك الحل فيها لغيره بسبب ملك الرقبة فعليه أن يستبرئها
سواء كان عودها إليه بسبب هو فسخ أو بمنزلة عقد جديد. وكذلك لو باع شقصا منها ثم
استقاله البيع فيها أو اشتراها لان بيع البعض كبيع الكل في زوال ملك الحل في حق البائع وفي
الوجهين تجدد الحل بعد زوال ملكه ويده فلزمه استبراء جديد * قال وإذا رجعت الآبقة
أوردت المغصوبة أو فكت المرهونة أو ردت عليه المؤجرة للخدمة قبل انقضاء العدة فليس
عليه أن يستبرئها لان ملك الحل ما زال عنه بما عرض من الأسباب فان سببه ملك الرقبة
ولم يختل ملك الرقبة بهذه الأسباب فبارتفاعها لا يتجدد ملك الحل له وكذلك لو كاتب أمته
148

ثم عجزت فليس عليه ان يستبرئها عندنا وقال الشافعي عليه ان يستبرئها لأنها بالكتابة صارت
كالخارجة عن ملكه حتى يغرم بوطئها العقد لها ويغرم الأرش لها لو جنى عليها يوضحه انها
صارت بمنزلة الحرة يدا فتكون مملوكة له من وجه دون وجه فهو كما لو باع نصفها ثم اشترى
الباقي والدليل عليه انه لو زوجها من انسان ثم فارقها الزوج وجب عليه أن يستبرئها لان
ملك المنفعة زال عنه بالتزويج فكذلك بالكتابة * وجه قولنا أنها بعد الكتابة باقية على ملكه فقد
قال صلى الله عليه وسلم المكاتب عبد ما بقي عليه درهم والعبد يكون مملوكا لمولاه فكيف يقال زال
ملكه وانحل وإنما كاتبه ليعتق على ملكه الا ان بعقد الكتابة يثبت لها ملك اليد في منافعها
ومكاسبها وملك الحل لا ينبنى على ذلك وإنما ينبنى على ملك الرقبة وبسبب الكتابة لا يختل
ملك الرقبة فلا يلزمه الاستبراء وإنما يغرم الأرش والعقد لان ذلك بمنزلة الكسب وقد
جعلها أحق بكسبها فإذا عجزت فإنما تقرر له الملك الذي كان باقيا فلم يحدث ملك الحل بسبب
ملك الرقبة فلا يلزمه الاستبراء فاما الزوجة إذا فارقها زوجها فإن كانت الفرقة بسبب
يوجب عليها العدة فالعدة أقوى من الاستبراء وهو حق النكاح لاحق ملك اليمين وان
طلقها الزوج قبل الدخول ففيه روايتان أشار إليهما في هذا الكتاب في احدى الروايتين يلزمه
الاستبراء لأنها حلت لغيره فإذا حلت له كان ذلك حلا متجددا وفي الكتابة ما حلت لغيره
حتى يجعل ذلك حلا متجددا له وفي الرواية الأخرى ليس له أن يستبرئها وهو الأصح
لأنه لو لزمه الاستبراء لكان ذلك بسبب ملك النكاح الثابت للزوج والوظيفة في النكاح
العدة دون الاستبراء فإذا لم يجب عند الطلاق قبل الدخول ما هو وظيفة النكاح فلان
لا يجب أولى الا ترى ان المطلقة قبل الدخول إذا كانت حرة كان لها أن تتزوج عقيب الطلاق
ويطؤها زوجها بالنكاح فكذلك للمولى أن يطأ أمته بعد الطلاق بالملك ولو وهبها لولد له
صغير ذكر أو أنثى ثم اشتراها لنفسه منه كان عليه ان يستبرئها لحدوث ملك الحل له بسبب
تجدد ملك الرقبة و لو باعها على أنه بالخيار ثم نقض البيع لم يكن عليه ان يستبرئها لأنه لم
يحدث ملك الحل له لأنها باقية على ملكه والحل الذي كان له باق في مدة خياره فبفسخ البيع
لم يتجدد له ملك الحل فإن كان الخيار للمشترى فردها بعد القبض فليس على البائع ان
يستبرئها في قول أبي حنيفة لان المشترى لم يملكها مع بقاء خياره عنده وعند أبي يوسف
ومحمد رحمهما الله عليه ان يستبرئها لان المشترى قد ملكها ثم ردها بخيار الشرط كردها بخيار
149

العيب والرؤية بعد القبض وإذا قبضها المشترى على شراء فاسد ثم ردها القاضي على البائع
بفساد البيع فعليه ان يستبرئها لان المشترى ملك رقبتها بالقبض فيحدث الحل للبائع بما عاد
إليه من الملك * قال وإذا غصب جارية فباعها من رجل وقبضها المشترى فوطئها ثم خاصم
مولاها الأول فقضى القاضي له بها فعليه ان يستبرئها بحيضة استحسانا وفي القياس لا يلزمه
الاستبراء لان المشتري من الغاصب غاصب كالأول وقد بينا أن المغصوب منه إذا استرد
المغصوبة فليس عليه فيها استبراء ولكنه استحسن فقال عليه أن يستبرئها لأنها حلت
المشترى حين اشتراها ومعنى هذا الكلام ان المشترى ما كان يعلم أن البائع غاصب وإنما
قدم على شرائها باعتبار ان البائع مالك فيثبت له الحل من حيث الظاهر وإن لم يثبت له
الحل فيها باطنا فلثبوت الحل له ظاهرا قلنا إذا وطئها ثم استردها البائع كان عليه ان يستبرئها
ولعدم ثبوت الحل فيها باطنا قلنا إذا لم يطأها فليس على البائع استبراء وهذا لان الوطئ
بشبهة النكاح في حكم العدة بمنزلة الوطئ بحقيقة النكاح فكذلك الوطئ بشبهة ملك اليمين
بمنزلة الوطئ بحقيقة الملك في حق وجوب الاستبراء على المالك وإن كان المشترى يعلم أن
البائع غاصب فليس على المولى ان يستبرئها إذا استردها لان الحل للمشترى لم يثبت فيها
ظاهرا ولا باطنا ألا ترى أنه لا يثبت نسب الولد منه هنا وان ادعى ذلك بعد ما وطئها
وفي الأول يثبت نسب الولد منه وسقوط الحد عنه باعتبار صورة العقد الموقوف لا بثبوت
الحل له فيها فلا يجب على المالك لأجل ذلك استبراء كما لو لم يطأها المشترى * قال وإذا زوج
الرجل أمته وطلقها الزوج قبل الدخول كان للمولى ان يقر بها بعد ما يستبرئها بحيضة هذا
في احدى الروايتين في هذه المسألة وقد بينا وجه الروايتين. وإن كان تزوجت بغير إذنه
ففرق بينهما قبل الدخول لم يكن عليه أن يستبرئها لأنها ما حلت لغيره والأمة لا تملك أن
تزوج نفسها بغير إذن مولاها وان فرق بينهما بعد الدخول لم يكن له أن يقر بها حتى تنقضي
عدتها لأنه دخل بها بنكاح فاسد فيجب عليها العدة بسببه والعدة أقوى من الاستبراء * قال
وإذا وطئ جارية ولده ولم تعلق منه ثم اشتراها فعليه أن يستبرئها لان ملك الحل له فيها
حدث بالشراء ووطؤه إياها قبل الشراء كان حراما وارتكاب المحرم لا يمنع وجوب الاستبراء
إذا تقرر سببه وكذلك أن اشترى جارية من أبيه أو أمة مكاتبة فعليه ان يستبرئها لحدوث
ملك الحل له بسبب ملك الرقبة * قال وان اشتراها من عبد تاجر له فلا استبراء عليه ان
150

كانت قد حاضت حيضة بعد ما اشتراها العبد ولا دين عليه لان المولى ملك رقبتها من
وقت شراء العبد وقد حاضت بعد ذلك حيضة فيكفيه ذلك عن الاستبراء كما لو اشترها
له وكيله فحاضت في يد الوكيل حيضة وإن كان على العبد دين يحيط برقبته وبما في يده
فكذلك الجواب عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لان عندهما دين العبد لا يمنع ملك
المولى في كسبه ولهذا لو أعتقها جاز عتقه فاما عند أبي حنيفة فالقياس كذلك لان العبد
ليس أهلا أن يثبت له عليها ملك الحل بسبب ملك الرقبة ولا يثبت ذلك للغرماء أيضا
بسبب دينهم والمولى أحق بها حتى يملك استخلاصها لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر
فإذا حاضت بعد ما صار المولى أحق بها يجتزئ بتلك الحيضة من الاستبراء ولكنه استحسن
فقال عليه أن يستبرئها بعد ما يشتريها من العبد لان قبل الشراء كأن لا يملك رقبتها عنده حتى
إذا أعتقها لم ينفذ عتقه فإنما حدث له ملك الحل بسبب ملك الرقبة حين اشتراها فعليه
أن يستبرئها * قال وان وهب جاريته لرجل وسلمها ثم رجع في الهبة فعليه أن يستبرئها لأنها
حلت للموهوب له فتجدد للواهب ملك الحل فيها بالرجوع بعد ما حلت لغيره وكذلك إذا
أصاب المأسورة قبل القسمة أو بعدها لان العد وقد كانوا ملكوها بالاحراز. ألا ترى
أنهم لو أسلموا عليها كانت لهم فتجدد له فيها ملك الحل حين استردها وان أبقت إلى دار
الحرب فأخذوها فكذلك الجواب عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لأنهم ملكوها وعند
أبي حنيفة رحمه الله الآبق إذا دخل دار الحرب لا يملك بالأخذ فإذا ردت على المولى بغير
شئ فهي باقية على ملكه كما كانت فلا يلزمه أن يستبرئها * قال وإذا باع أم ولده أو مدبرته
وقبضها المشترى ثم ردها عليه فليس عليه أن يستبرئها لان المشترى لم يملكها فان حق الحرية
الثابتة فيها كحقيقة الحرية في المنع من تملكها بالشراء. ألا ترى أنها لو كانت امرأته لم يفسد
نكاحها ولو أعتقها لم يجز عتقه فيها ولو ولدت عند المشترى لم يثبت نسب الولد من المشترى
وان ادعاه فإذا لم يثبت فيها ملك الحل لغيره لا يلزمه استبراء جديد * قال وإذا أراد الرجل
أن يبيع أمته وقد كان يطؤها فليس ينبغي له أن يبيعها حتى يستبرئها بحيضة هكذا روى عن
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهذا الاستبراء في حق البائع مستحب عندنا وقال مالك
واجب لأنه يخرجها عن ملكه بعد وجوب السبب الشاغل لرحمها بمائه وهو الوطئ فهو
نظير ما لو طلق امرأته بعد الدخول فهناك العدة واجبة لا مستحبة فكذلك الاستبراء هنا
151

وإن كان عند الشراء يجب عليه الاستبراء لتوهم سبب اشتغال الرحم فلان يجب عند البيع
وقد تقرر بسبب اشتغال رحمها أولى ولكنا نقول الاستبراء في ملك اليمين نظير العدة في النكاح
ثم وجوب العدة يختص بأحد الطرفين فكذلك وجوب الاستبراء عند حدوث الملك فلو
أوجبنا عليه الاستبراء عند إزالة الملك لأوجبنا عليه الاستبراء في الطرفين جميعا يوضحه ان
الاستبراء على المولى لصيانة ماء نفسه من أن يسقى به زرع غيره وإنما يتحقق هذا عند
الشراء فاما عند البيع فلا يتحقق هذا في حق البائع ومعنى صيانة مائه يحصل بايجاب الاستبراء
على المشترى إلا أنه لا يأمن أن لا يستبرئها المشترى فيستحب له أن يستبرئها احتياطا وإذا
فعل ذلك ثم باعها فليس للمشترى أن يجتزئ بذلك الا في رواية شاذة عن أبي يوسف بناء على
أصله في أن تبين فراغ رحمها يحصل به ولكنا نقول حدث ملك الحل فيها للمشترى بالشراء
فعليه أن يستبرئها ولو أراد البائع أن يزوجها لم يكن له أن يزوجها حتى يستبرئها ومن أصحابنا
رحمهم الله من يقول لا فرق بين البيع والتزويج بل في الموضعين جميعا يستحب للمولى أن
يستبرئها من غير أن يكون واجبا عليه ألا ترى أنه لو زوجها قبل أن يستبرئها جاز كما لو
باعها قبل أن يستبرئها والأظهر أن عليه أن يستبرئها ان أراد أن يزوجها بعد ما وطئها صيانة
لمائه لأنه لا يجب على الزوج أن يستبرئها ليحصل معنى الصيانة له بخلاف البيع فهناك يجب على
المشترى ان يستبرئها فيحصل معنى الصيانة وان زوجها قبل أن يستبرئها جاز لان وجوب الاستبراء
على المولى لا على الأمة ولا يمنع صحة تزويجها والأحسن للزوج أن لا يقربها حتى تحيض
حيضة وليس ذلك بواجب عليه في القضاء وفي الجامع الصغير قال للزوج ان يطأها قبل
أن يستبرئها عند أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد أحب إلى أن لا يطأها حتى يستبرئها
كي لا يؤدي إلى اجتماع رجلين على امرأة واحدة في طهر واحد لان ذلك حرام * قال صلى
الله عليه وسلم لا يحل لرجلين يؤمنان بالله واليوم الآخر أن يجتمعا على امرأة واحدة في طهر
واحد وجه قولهما ان الاستبراء وظيفة ملك اليمين كما أن العدة وظيفة ملك النكاح فكما
لا ينقل وظيفة النكاح إلى ملك اليمين فكذلك لا ينقل وظيفة ملك اليمين إلى النكاح وكذلك
ان أراد أن يزوج أم ولده أو مدبرته فهي في ذلك كالأمة * قال وإذا زنت أمة الرجل فليس
عليه أن يستبرئها بحيضة لأنه لا حرمة لماء الزنا والشرع ما جعل للزاني الا الحجر وليس
في الزنا استبراء ولا عدة * وقال زفر عليه ان يستبرئها بحيضة صيانة لماء نفسه عن الخلط
152

بماء غير وفي الجامع الصغير ذكر عن محمد قال أحب إلى أن لا يطأها حتى يستبرئها
بحيضة فان حبلت من الزنا لم يقربها حتى تضع حملها لأنه لو وطئها كان ساقيا ماءه زرع
غيره وقال عليه الصلاة والسلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع
غيره * قال أمة بين رجلين باع أحدهما كلها وسلم الاخر البيع بعد ما حاضت عند
المشترى حيضة فعليه أن يستبرئها بعد جواز البيع كله لان ملك الحل لا يثبت له ما لم يملك
جميع رقبتها وذلك بعد إجازة البيع. وكذلك لو باع أمة رجل بغير إذنه فقبضها المشترى
وحاضت عنده حيضة ثم أجاز المولى البيع كان عليه أن يستبرئها لان ملك الحل إنما
يثبت له بعد إجازة المالك البيع عندنا وأصل المسألة أن بيع الفضولي يتوقف على إجازة
المالك عندنا ويجعل اجازته في الانتهاء كالاذن في الابتداء وعند الشافعي لا يتوقف
بل يلغو بيع مال الغير بغير إذن المالك وكذلك كل ماله مجيز حال وقوعه من العقود
والفسوخ والنكاح والطلاق فهو على هذا الخلاف. واحتج الشافعي بنهي النبي صلى الله
عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الانسان ومطلق النهى يوجب فساد المنهى عنه والفاسد من
العقود عنده غير مشروع ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض
فكون بيع ما يقبض ولم يملك منهيا عنه أولى والمعنى فيه أن تصرفه صادف محلا لا ولاية
له على ذلك المحل فيلغو كبيع الطير في الهواء والسمك في الماء فإنه لا ينعقد وان أخذه بعد
ذلك وهذا لان انعقاد العقد يستدعى محلا ويختص بمحل للعاقد عليه ولاية فإذا انعدمت
الولاية على المحل ينزل ذلك منزلة انعدام الأهلية في المتصرف عند العقد وذلك يوجب
الغاءه كالصبي والمجنون إذا طلق امرأته يلغو ذلك ولا ينعقد وان أجازه بعد البلوغ فكذلك
هذا وهذا بخلاف قول المشتري قبل ايجاب البائع قد اشتريت منك بكذا فان ذلك تصرف
في ذمة نفسه بالتزام الثمن إذا أوجب البائع البيع وهو محل ولايته. والدليل عليه ان المشتري
إذا باع المبيع قبل القبض ثم قبضه لا ينفذ ذلك البيع وكذلك لو اجازه البائع لانعدام ولاية
العاقد على المحل يدا وكذلك لو باع الآبق ثم رجع من إباقه لم ينفذ ذلك البيع فإذا انعدمت
ولايته ملكا ويدا على المحل أولى وكذلك لو باع مال الغير ثم اشتراه من المالك أو ورثه يبطل
البيع ولا ينفذ فإذا لم يجز أن ينفذ هذا العقد من جهة العاقد باعتبار ملكه فلأن لا ينفذ من جهة
غيره بإجازته أولى. وحجتنا في ذلك ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى حكيم بن حزام
153

دينارا وأمره أن يشتري له أضحية فاشترى شاة ثم باعها بدينارين ثم اشترى شاة بدينار وجاء
بالشاة والدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال صلوات الله عليه وسلامه
بارك الله لك في صفقتك فاما الشاة فضح بها وأما الدينار فتصدق به فقد باع ما اشترى له بغير أمره
ثم أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعه ولا يجوز أن يقال كان هو وكيلا مطلقا بالبيع والشراء
لان هذا شئ لا يمكن اثباته بغير نقل ولو كان لنقل على سبيل المدح له فالمنقول أمره أن
يشترى له أضحية وبهذا لا يصير وكيلا بمطلق التصرف ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم
دينارا إلى عروة البارقي رضي الله عنه وأمره أن يشتري أضحية فاشترى بالدينار شاتين ثم باع
إحداهما بدينار وجاء بالأخرى مع الدينار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجوز عليه الصلاة والسلام
ذلك ودعا له بالخير ولو لم يكن البيع موقوفا على اجازته لامره بالاسترداد. والمعنى فيه أن هذا
تصرف صدر من أهله في محله فلا يلغو كما لو حصل من المالك وكالوصية بالمال ممن عليه
الدين وبأكثر من الثلث ممن لا دين عليه وهذا لان التصرف كلام وهو فعل اللسان فحده
ما هو حد سائر الأفعال وتحقيق الفعل ينتقل من فاعل في محل ينفعل فيه فهذا يكون حد
التصرف باللسان وإذا صدر من أهله في محله تحقق به وجوده ثم قد يمتنع نفوذه شرعا
لمانع فيتوقف على زوال ذلك المانع وبالإجارة يزول المانع وهو عدم رضا المالك به و بيان
الأهلية في التصرف أن التصرف كلام والأهلية للكلام حقيقة بالتميز واعتباره شرعا
بالخطاب وبيان المحلية أن البيع تمليك مال بمال فالمحل إنما يكون محلا بكونه مالا متقوما
وبانعدام الملك للعاقد في المحل لا تنعدم المالية والتقوم ألا ترى أنه لو باعه بإذن المالك جاز وما
ليس بمحل فبالاذن لا يصير محلا ولو باعه المالك بنفسه جاز والمحلية لا تختلف بكون المتصرف
مالكا أو غير مالك فإذا قبل اعتبار التصرف شرعا لحكمه لا لعينه والمراد بالأسباب الشرعية
أحكامها واشتراط الملك في المحل لأجل الحكم فالتمليك لا يتحقق الا من المالك فإذا لم يكن
المتصرف مالكا لغا تصرفه لانعدام حكمه ففي الجواب عن هذا السؤال طريقان أحدهما أن
نقول لا نسلم أن الحكم لا يثبت لهذا التصرف بل يثبت حكم يليق بالسبب فإنه يثبت بالسبب
الموقوف ملك الموقوف كما يثبت بالسبب البات ملك بات ولهذا لو أعتق المشترى ثم أجاز
المالك البيع نفذ عتقه وهذا لأنه لا ضرر على المالك في اثبات ملك موقوف بهذا السبب كما
لا ضرر عليه في انعقاد السبب وإنما الضرر في زوال ملكه وبالملك الموقوف لا يزول ملكه
154

البات والثاني ان السبب إنما يلغو إذا خلا عن الحكم شرعا فاما إذا تأخر عنه الحكم فلا
لان الحكم تارة يتصل بالسبب وتارة يتأخر كما في البيع بشرط الخيار وهنا الحكم يتأخر إلى
إجازة المالك ولا ينعدم أصلا لان انعدام الحكم في الحال لرفع الضرر عن المالك وفي تأخير
الحكم إلى وجود الإجازة توفر المنفعة عليه فإنه إذا صار مستندا بالنظر ان شاء أجاز البيع
وان شاء أبطله فيكون فيه محض منفعة له فلهذا انعقد السبب في الحال على أن يجعل اجازته
في الانتهاء كاذنه في الابتداء بخلاف بيع الطير في الهواء والسمك في الماء فهناك لغا العقد
لانعدام محله والمحل غير مملوك أصلا ولا يكون قابلا للتمليك وكذلك طلاق الصبي امرأته
إنما لغا لانعدام الأهلية في المتصرف فان اعتبار عقل الصبي وتميزه لتوفير المنفعة عليه وما يتمحض
ضررا ينعدم فيه هذا المعنى ولا يجعل أهلا باعتباره ودليل أن الطلاق يتمحض ضررا أن
الولي لا يملك عليه هذا التصرف وإنما لغا لانعدام حكمه أصلا فامرأة الصبي ليست بمحل
لوقوع الطلاق عليها بالايقاع ألا ترى أنه لا يقع عليها بإذن الولي ولا بايقاعه فاما مال الغير فمحل
الحكم البيع حتى يثبته فيه حكم البيع عند اذن المالك أو مباشرته بنفسه وهذا بخلاف بيع
الآبق والمبيع قبل القبض فان ذلك لا يصير لغوا بل ينعقد فاسدا لانعدام شرط الصحة
وهو قدرة العاقد على تسليم المعقود عليه وبخلاف ما إذا اشترى العاقد ما باعه لان حكم ذلك
السبب لا يمكن اثباته باعتبار الملك الحادث له فحكم السبب ثبوت الملك للمشتري من وقت
العقد وإنما يتأتى ذلك باعتبار ملك من كان مالكا وقت العقد وقد زال ذلك بإزالته فلو نفذ
باعتبار الملك الحادث نفذ مقصورا على الحال وحكم السبب ليس هذا فاما عند الإجازة فيثبت
الملك للمشتري من وقت العقد ولهذا يستحق المبيع بزوائده المتصلة والمنفصلة وهذا هو
تأويل النهى عن بيع ما ليس عند الانسان ان المراد إذا باعه ثم اشتراه وأراد تسليمه بحكم
ذلك العقد بدليل قصة الحديث فان حكيم بن حزام رضي الله عنه قال يا رسول الله ان الرجل
ليأتيني فيطلب منى سلعة ليست عندي فأبيعها منه ثم أدخل السوق فاشتريها فأسلمها فقال
صلى الله عليه وسلم لا تبع ما ليس عندك إذا عرفنا هذا في بيان مسألة الاستبراء فالملك النافذ
للمشترى لا يكون الا بعد الإجازة والحل يبنى على ذلك ولا يحتسب بالحيضة التي توجد
قبل الإجازة من الاستبراء فتلك دون الحيضة الموجودة في يد البائع بعد تمام البيع فإذا
كأن لا يحتسب بها من الاستبراء فهذا أولى ولو كان البائع هو المالك لها فسلمها وحاضت
155

بعد ما قبضها المشترى قبل أن يتفرقا عن مجلس العقد فإنه يحتسب بهذه الحيضة من الاستبراء
عندنا خلافا للشافعي وهو بناء على خيار المجلس فان عندنا البيع يلزم بنفسه ويتم الملك
للمشترى بالقبض وليس لواحد منهما ان ينفرد بالفسخ قبل الافتراق عن المجلس ولا بعده
وعند الشافعي خيار المجلس ثابت لكل واحد منهما فما لم يفترقا فكل واحد منهما ينفرد
بالفسخ إلا أن يقول أحدهما لصاحبه اختر ويرضي به صاحبه وله في وقوع الملك للمشترى
قولان. واحتج بحديث مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا ولا يكونا متبايعين إلا بعد الايجاب
والقبول وقد نص على اثبات الخيار لكل واحد منهما ما لم يتفرقا والمراد التفرق عن
المجلس بدليل ما ذكره في رواية أخرى المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم
يتفرقا عن مكانهما الذي تبايعا فيه وراوي الحديث ابن عمر رضي الله عنهما وقد فهم منه
الافتراق عن المجلس على ما يروى انه كان إذا أراد أن يوجب البيع مشي هنية والمعنى فيه أن
هذا عقد تمليك المال فلا يلزم بنفسه ما لم ينضم إليه ما يتأيد به كعقد الهبة فإنه لا يوجب الملك
بنفسه ما لم ينضم إليه القبض وتأثيره أن المال مبتذل تكثر المعاملة فيه ويقع العقد عليه بعينه
من غير نظر وروية والمقصود به الاسترباح ولا يحصل هذا المقصود الا بعد نظر وروية
فاثبت الشرع الخيار لكل واحد منهما به ما داما في المجلس ليتحقق به ما هو المقصود لكل واحد
منهما بخلاف النكاح فإنه في العادة لا يقع بغتة وإنما يكون بعد تقدم الخطبة والمراودة ثم إنما
تقدر هذا الخيار بالمجلس لان حال المجلس جعل كحالة العقد ألا ترى أن في الصرف والسلم
القبض الموجود في المجلس كالقبض المقترن بالعقد ثم حالة العقد وهو ما بعد الايجاب قبل
القبول يثبت الخيار لكل واحد منهما فكذلك يثبت ما داما في المجلس إلا أن يقول أحدهما
لصاحبه اختر فيستدل بهذا اللفظ على تمام النظر والروية فيسقط به الخيار. وحجتنا في ذلك قوله
صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم وقد شرط امضاء العقد بينهما فيلزمهما الوفاء بظاهر
الحديث وقال عمر رضي الله عنه البيع صفقة أو خيار والصفقة هي النافذة اللازمة فتبين ان البيع
نوعان لازم وغير لازم بشرط الخيار فيه فمن قال بأن الخيار يثبت في كل بيع فقد خالف
هذا الحديث والمعنى فيه أن البيع عقد معاوضة فمطلقه يوجب اللزوم بنفسه كالنكاح وتأثير
هذا الكلام ان العقد يتقوى بصفة المعاوضة وإنما يظهر فوته في حكمه حتى لا ينفرد
156

أحدهما برفعه وبه فارق التبرع فهو ضعيف لخلوه عن العوض ولهذا لا يثبت الحكم به الا
بالقبض ثم لزوم هذه المعاوضة تعتمد تمام الرضا من المتعاقدين وبه يلزم بعد المجلس فكذلك
في المجلس لأنه لا أثر لبقائهما في المجلس في المنع من تمام الرضا والدليل عليه أن لو قال
أحدهما لصاحبه اختر فإنه يلزم العقد مع بقائهما في المجلس لوجود الرضا وايجاب العقد
مطلقا أدل على الرضا من هذه الكلمة ثم الشرع مكن كل واحد منهما من دفع العين عن
نفسه بشرط الخيار فإذا لم يفعل فهو الذي ترك النظر لنفسه ومن لم ينظر لنفسه لا ينظر له ثم
الفسخ ضد العقد فما هو المقصود بالعقد لا يحصل بالفسخ بل هو متعين في إمضاء العقد
فهذا يقتضى أن لا يثبت حق الفسخ لواحد منهما بحال إلا أن الشرع مكن كل واحد منهما
من اشتراط الخيار لنفسه ليتمكن به من الفسخ إذا ظهر أن منفعته فيه فإذا لم يشترط
الخيار عرفنا أنه إنما قصد تحصيل ما هو المطلوب بالعقد وهو الملك في البدل وفي لزوم
العقد بنفسه يحصل هذا المقصود لا تفويته فاما الحديث فرواية مالك رحمه الله ومن
مذهبه أنه لا يثبت خيار المجلس وفتوى الراوي بخلاف الحديث دليل ضعفه ثم المراد
بالحديث ان صح المتساومان فان حقيقة اسم المتبايعين لهما حالة التشاغل بالعقد لا بعد الفراغ
منه كالمقابلين والمناظرين وبه نقول إن لكل واحد من المتساومين الخيار أو المراد
بالتفرق التفرق بالقول دون المكان يعنى أنهما جميعا بالخيار ان شاءا فسخا البيع بالإقالة
ما لم يتفرق رأيهما في ذلك وذكر أبو يوسف في الأمالي ان تأويل هذا الحديث إذا قال
لغيره بعني هذه السلعة بكذا فيقول الآخر بعت وبه يتأول ان يعد هذا الكلام قبل قول
المشترى اشتريت لكل واحد منهما الخيار ما لم يتفرقا عن ذلك المجلس وهذا صحيح فهما متبايعان
في هذه الحالة لوجود التكلم بالبيع منهما وعلى أصل الشافعي بهذا اللفظ ينعقد البيع بينهما ثم
يثبت الخيار لكل واحد منهما ما لم يتفرقا عن المجلس إن شاء قال المشترى اشتريت حتى يتم البيع
وان شاء رجع البائع أو قام من المجلس قبل أن يقول المشترى اشتريت * قال وإذا ارتدت أمة
لرجل ثم تابت لم يكن عليه أن يستبرئها لأنها لم تخرج عن ملكه ولم تحل لغيره إنما حرمت
عليه تعارض الردة ثم زال ذلك بالتوبة فهو بمنزلة ما لو حرمت عليه بالحيض * قال وإذا اشترى
أمة لها زوج ولم يدخل بها وطلقها قبل أن يقبضها المشترى فعلى المشترى أن يستبرئها لان
وقت وجوب الاستبراء على المشترى وقت القبض وهي فارغة عن حق الغير عند القبض
157

فوجود النكاح عند العقد وعدمه سواء وان طلقها الزوج بعد ما قبضها المشترى فليس عليه
أن يستبرئها لأنه حين قبضها لم يلزمه الاستبراء لكونها مشغولة بحق الزوج فحقه يمنع
ثبوت ملك الحل له بملك الرقبة وإذا لم يلزمه الاستبراء عند القبض لا يلزمه بعد ذلك لأنه
لو لزمه الاستبراء إنما يلزمه بالطلاق قبل الدخول والطلاق لا يوجب الاستبراء وهذه هي
الرواية الأخرى في أن الزوج إذا طلقها قبل الدخول لا يجب على المولى به الاستبراء ولو
استبرأها وقبضها ثم زوجها فان مات عنها زوجها واعتدت عدة الوفاة ولم تحض ولا
بأس بأن يطأها لما بينا أن العدة أقوي من الاستبراء فعند ظهور العدة لا يظهر حكم
الاستبراء وان طلقها الزوج قبل أن يدخل بها وقبل أن تحيض عنده لم يطأها المشترى حتى
يستبرئها بحيضة لان الاستبراء قد وجب هنا حين قبضها وهي فارغة وبالطلاق قبل
الدخول ارتفع النكاح لا إلى أثر فيظهر ما كان من الحكم قبل النكاح والطلاق وهو
الاستبراء الواجب على المشترى وان كانت قد حاضت حيضة عند الزوج قبل الطلاق
أجزأت تلك الحيضة عن الاستبراء لأنها حاضتها بعد ما وجب الاستبراء على المشترى
بالقبض وبتلك الحيضة يتبين فراغ رحمها من ماء البائع فيجتزئ بها من الاستبراء لأنها حاضتها
بعد ما وجب الاستبراء بالقبض وفي كتاب الحيل قال إن زوجها المشتري عبدا له قبل أن
يقبضها ثم قبضها ثم طلقها العبد قبل أن يدخل بها وقبل أن تحيض فللمشتري أن يطأها من
غير استبراء وهو صحيح فتزويجه إياها قبل القبض صحيح كالاعتاق لان النكاح لا يمنع
صحته بسبب الغرر أو أن وجوب الاستبراء بعد القبض وقد قبضها وهي مشغولة بالنكاح فلم
يلزمه الاستبراء عند ذلك ولا بالطلاق بعد ذلك وهذه هي الحيلة لاسقاط الاستبراء في حق
من كان تحته حرة لأنه لا يمكنه أن يتزوجها بنفسه وإن لم يكن تحته حرة فالحيلة أن يتزوجها قبل
الشراء ثم يشتريها فيقبضها فلا يلزمه الاستبراء لان بالنكاح يثبت له عليها الفراش فإنما اشتراها
وهي فراشه وقيام الفراش له عليها دليل على تبين فراغ رحمها من ماء الغير شرعا ثم الحل لم
يتجدد له بملك الرقبة لأنها كانت حلالا له بالنكاح قبل ذلك ولا بأس بالاحتيال لاسقاط
الاستبراء بهذه الصفة إذا علم أن البائع لم يكن وطئها في هذا الطهر وفي قول أبى يوسف وقال
محمد يكره ذلك وهو نظير ما تقدم من الحيلة لاسقاط الزكاة فعند أبي يوسف هو يمتنع من التزام
حكم مخافة أن لا يتمكن من الوفاء به إذا لزمه ومحمد يقول الفرار من الأحكام الشرعية ليس من
158

أخلاق المؤمنين فيكره له اكتساب سبب الفرار وهكذا الخلاف في الحيلة لاسقاط
الشفعة والله أعلم
(باب الاستبراء في الأختين)
قال وإذا وطئ الرجل أمة ثم اشترى أختها كان له أن يطأ الأولى وليس له أن يطأ الثانية لأنه
إذا وطئ الثانية يصير جامعا بين الأختين وطئا بملك اليمين وذلك لا يحل لظاهر قوله تعالى
وأن تجمعوا بين الأختين وكان في هذا الفصل اختلاف بين عثمان وعلي رضي الله عنهما فكان
عثمان رضي الله عنه يقول أحلتهما آية يعنى قوله تعالى أو ما ملكت أيمانكم وحرمتهما آية يعنى
قوله تعالى وأن تجمعوا بين الأختين فكان يتوقف فيه وكان علي رضي الله عنه يرجح آية التحريم
لأنه إن كان المراد الجمع بينهما وطأ فهو نص خاص وإن كان المراد الجمع بينهما نكاحا فالنكاح سبب
مشروع للوطئ فحرمة الجمع بينهما نكاحا دليل على حرمة الجمع بينهما وطئا واخذنا بقول علي رضي
الله عنه احتياطا لتغليب الحرمة على الحل والإباحة ولذا قال صلى الله عليه وسلم ما اجتمع الحلال
والحرام في شئ الا غلب الحرام الحلال * وإن لم يكن وطئ الأولى حتى اشترى الثانية أو
اشتراهما معا فله أن يطأ أيتهما شاء لان كل واحدة منهما مملوكة له وبوطئ إحداهما لا يصير
مرتكبا لما هو المحرم وهو الجمع بينهما وطئا فله أن يطأ أيتهما شاء فان وطئ إحداهما لم
يكن له أن يطأ الأخرى لأنه لو وطئ الأخرى صار جامعا بينهما وطئا فان وطئهما جميعا
أو قبلهما أو نظر إلى فرجيهما بشهوة فقد أساء بارتكاب الجمع المحرم فكما يحرم الجمع بينهما
في دواعي الوطئ والتقبيل والنظر إلى الفرج بشهوة من جملة الدواعي كالنكاح ولهذا تثبت
به حرمة المصاهرة كما تثبت بالوطئ ثم ليس له أن يطأ واحدة منهما حتى يحرم على نفسه
إحداهما ببيع أو نكاح أو تبرع لأنه إذا أراد أن يطأ إحداهما والآخرة موطوءته ولهذا
لو كانت موطوأته على الخصوص لم يكن له أن يطأ أختها بالملك حتى يحرمها على نفسه فكذلك
هذا الحكم بعد ما وطئهما فان زوج إحداهما فله أن يطأ الباقية منهما لان المنكوحة صارت
فراشا للزوج وبثبوت الفراش الصحيح للزوج ينعدم أثر وطئ المولى حكما ولهذا لو جاءت
بالولد بعد ذلك لا يثبت النسب من المولى وان ادعاه فيكون هذا بمنزلة الطلاق قبل الدخول
ولو طلق احدى الأختين قبل الدخول كان له أن يتزوج بالأخرى من ساعته فهنا أيضا له أن
159

يجامع الأخرى غير انى لا أحب له أن يجامعها حتى تحيض أختها حيضة لقوله صلى الله عليه
وسلم لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجمع ماءه في رحم أختين وكذلك الزوج
يستحب له أن لا يقرب التي تزوج حتى تحيض حيضة لقوله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي
لرجلين يؤمنان بالله واليوم الآخر أن يجتمعا على امرأة في طهر واحد فان طلقها الزوج
وانقضت عدتها لم ينبغ للمولى ان يطأ واحدة منهما حتى يزوج إحداهما أو يبيع لان حق
الزوج يسقط عنها بالطلاق ولم يبق له أثر بعد انقضاء العدة فعاد الحكم الذي كان قبل
التزويج وكذلك لو باع إحداهما وسلم ثم اشتراها أو ردت عليه بعيب فليس له أن يطأ
واحدة منهما حتى يحرم إحداهما على نفسه هكذا روى عن ابن عمر رضي الله عنهما
وهذا لأنهما اجتمعا في ملكه وكل واحدة منهما موطوءته فكانت هذه الحالة كحاله
قبل البيع في المنع * قال وإذا ارتدت إحداهما عن الاسلام والعياذ بالله لم يحل له أن يطأ
الأخرى لان المرتدة في ملكه بعد ولم يثبت فيها حل لغيره وحرمتها عليه بالردة كحرمتها
بالحيض وكذلك الرهن والإجارة والتدبير فمباشرته في إحداهما لا يخرجها عن ملكه ولا
يحرمها عليه ولا يحل له أن يطأ الأخرى باعتباره وكذلك أن لحق إحداهما دين أو
جناية فإنها لم تخرج من ملكه ما لم تدفع أو تبع فإذا دفعت أو بيعت في الدين فقد خرجت من ملكه
وحل له وطئ الأخرى عند ذلك * قال ولو كاتب إحداهما أو أعتق بعضها فقضي عليها
بالسعاية أو لم يقض حل له أن يطأ الأخرى أما في معتقة البعض فهو غير مشكل لان ملكه زال
عنها بقدر ما أعتق وزوال ملكه عن بعضها في حكم الحرمة كزوال ملكه عن جميعها وفي الكتابة
الجواب مشكل فقد ذكرنا في الباب المتقدم انها بالكتابة لا تخرج عن ملك المولى حتى
لا يلزمه استبراء جديد بعد العجز ولم يحل فرجها لغيره وكان ينبغي أن لا يحل له وطئ
الأخرى ولكن قال ملك المولى يزول بالكتابة ولهذا يلزمه العقد بوطئها وجعل وطئه
إياها وطئا في غير ملك حتى لا ينفك عن عقوبة أو غرامة وقد سقطت العقوبة فتجب
الغرامة فيجعل زوال ملك الحل عنها بالكتابة كزواله بتزويجها أو ببيع بعضها فيحل له أن يطأ
الأخرى وكذلك لو وهب إحداهما أو وهب شقصا منها وسلم فهو والبيع سواء وكذلك
لو أسرها العدو وأحرزوها بدارهم لأنهم ملكوها بالاحراز * ولو أبقت إليهم لم يحل له وطئ
الباقية في قول أبي حنيفة لأنهم لم يملكوا الآبق بالأخذ فهي باقية على ملكه وعند أبي يوسف
160

ومحمد رحمهما الله إذا أخذوها ملكوها بالاحراز فيحل له وطئ الأخرى * قال ولو زوج
إحداهما نكاحا فاسدا فوطئها زوجها ثم فرق بينهما فله أن يطأ أختها لأن العدة وجبت على
التي زوجها والعدة بمنزلة النكاح في حرمتها بها على المولى فيحل له أن يطأ أختها وان كانت
عند الزوج لم يفرق بينهما ولم يدخل بها أو فرق بينهما قبل الدخول لم يكن له أن يقرب
الأخت لان النكاح الفاسد لا يحرمها على المولى ولا يثبت للزوج عليها فراش فوجوده
وعدمه سواء وان باع إحداهما بيعا فاسدا وقبضها المشترى حل له وطئ الأخرى لان
المشترى ملكها بالقبض وان كأن لا يحل له وطؤها لفساد البيع وبخروج إحداهما عن ملكه
يحل له وطئ الأخرى لان المشترى ملكها بالقبض فان ترادا البيع فليس له أن يطأ واحدة منهما
حتى يحرم إحداهما عليه فان باع التي لم يبع لم يقرب التي ردت عليه حتى يستبرئها بحيضة لخروجها
عن يده وملكه بالتسليم بحكم البيع الفاسد * قال وإذا تزوج أخت جاريته التي وطئها لم يقرب
واحدة منهما حتى يملك فرج أمته غيره لان التي تزوجها صارت فراشا له بنفس النكاح حتى
لو جاءت بالولد يثبت النسب منه فكانت كالموطوءة حكما فلهذا لا يقرب أمته ولا يقرب
المنكوحة لأنه وطئ أختها بالملك فيصير بهذا الفعل جامعا بين الأختين وطئا وذلك حرام
وقال مالك له أن يطأ أمته كما كان يطؤها قبل النكاح وجعل نكاحه أختها بمنزلة شرائه
أختها والفرق بينهما ما ذكرنا فإنها بنفس الشراء ما صارت فراشا له حتى لو جاءت بالولد لا يثبت
النسب. ولو اشترى أخت امرأته وهي أمة كان له أن يطأ الأولى وهي المنكوحة لان الثانية
بنفس الشراء ما صارت فراشا له ويستوى إن كان وطئ المنكوحة أو لم يطأها لان
بالنكاح صارت فراشا له والتحقت بالموطوءة. ولو اشترى عمة أمته التي وطئها أو خالتها أو
بنت أختها أو بنت أخيها من نسب أو رضاع فهو بمنزلة شراء الأخت لان الجمع بين هاتين في
النكاح حرام فكذلك يحرم الجمع بينهما وطئا بملك اليمين * قال وإذا اشترى جارية وقبضها
وعليها عدة من زوج من طلاق أو وفاة يوم أو أكثر من ذلك فليس عليه بعد مضي تلك
المدة استبراء استحسانا لأن العدة من حقوق النكاح فتعمل عمل أصل النكاح في المنع
من وجوب الاستبراء ولو كانت منكوحة عند القبض بالشراء لم يجب على المشترى فيها
استبراء فكذلك إذا كانت معتدة ألا ترى أنها لو كانت حاملا فولدت بعدما قبضها المشترى
لم يلزمه استبراء آخر فكذلك إذا انقضت عدتها بغير ولد * قال وإذا اشترى جارية لها زوج
161

وقبضها ثم طلقها الزوج قبل أن يدخل بها وقد كان البائع وطئها قبل أن يزوجها لم ينبغ للمشترى
أن يقربها حتى تحيض حيضة استحسانا لأنه لو قربها أدى إلى اجتماع الرجلين على امرأة
واحدة في طهر واحد وقيل هنا الاستبراء مستحب لا واجب كما يستحب للزوج أن يستبرئها
قبل أن يطأها إذا علم أن المولى وطئها في هذا الطهر فكذلك حال المشتري بعد طلاق
الزوج مثله وقيل بل في حق المشترى الاستبراء واجب وهو احدى الروايتين في أن الطلاق
قبل الدخول يوجب الاستبراء على المشترى فإن كانت قد حاضت حيضة بعد وطئ البائع فلا
بأس بان يقربها المشترى ولا يستبرئها فبهذا تبين أن المنع في الفصل الأول لكيلا يؤدي إلى
اجتماع رجلين على امرأة واحدة في طهر واحد لا لوجوب الاستبراء على المشترى عند الطلاق
* قال وإذا اشترى المكاتب جارية وقبضها فحاضت عنده ثم عتق حل له أن يطأها لان المكاتب
في حكم ملك التصرف بمنزلة الحر وبالشراء يثبت له حق الملك فتأكد ذلك بالعتق وبالحيضة
التي توجد في يده بعد ذلك يتبين له فراغ رحمها من ماء الغير فيحتسب بها من استبرائه * قال
ألا ترى أن مولاه إذا اشتراها منه قبل أن يعتق كان عليه ان يستبرئها بحيضة يعنى أن المولى
في كسب مكاتبه كالأجنبي والمعتبر ملك المكاتب فيها قبل العجز لا ملك المولى فان عجز
المكاتب لم يطأها المولى حتى يستبرئها بحيضة لان المولى إنما ملكها بعد عجز المكاتب وهذا
لان ملك الحل بمنزلة ملك التصرف والمكاتب هو المستبد بالتصرف في ملكه قبل العجز وإنما
يملك المولى التصرف بعد عجز المكاتب فيلزمه استبراء جديد ألا ترى أن المشتراة قبل القبض
إذا حاضت ثم قبضها يلزمه استبراء جديد وإن كان هو قبل القبض مالكا رقبتها فهذا أولى فإن كان
ت أم المكاتب أو ابنته لم يكن على المولى أن يستبرئها لأنها تتكاتب عليه وكل من دخل في
كتابته فهو مملوك المولى حتى ينفذ عتقه فيه كما ينفذ في المكاتبة فكما أن المكاتبة إذا عجزت
لا يجب على المولى أن يستبرئها فكذلك لا يجب عليه الاستبراء متى صارت مكاتبة معه ولو
كانت أخت المكاتب أو ذات رحم محرم منه فكذلك الجواب عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله
لأنها قد تكاتبت عليه وعند أبي حنيفة لا يتكاتب ما سوى الوالدين والمولودين فيجب على المولى
فيها الاستبراء بعد العجز كما في الأجنبية ألا ترى أن المولي لو أعتقها لم ينفذ عتقه فيها عنده
ولا يمتنع عليه بيعها * قال ولو اشترى النصراني جارية فليس عليه أن يستبرئها لان ما فيه من
الشرك أعظم من ترك الاستبراء معناه ان وجوب الاستبراء لحق الشرع والكافر لا يخاطب
162

بما هو أهم من الاستبراء كالعبادات فان أسلم قبل أن يطأها وقبل أن تحيض حيضة ففي
القياس ليس عليه أن يستبرئها لان أو ان وجوب الاستبراء عند القبض ولم يلزمه عند
ذلك فلا يجب من بعد كما لو كانت منكوحة أو معتدة حين قبضها وفي الاستحسان عليه أن
يستبرئها بحيضة لان وقت الاستبراء من حين يقبضها إلى أن تحيض حيضة فإذا أسلم وقد
بقي شئ من وقت الاستبراء يجعل ذلك لوجود الاسلام في أول الوقت كالكافر إذا أسلم
في آخر وقت الصلاة يلزمه تلك الصلاة لهذا المعنى فان وطئها قبل اسلامه ثم أسلم لم يكن
عليه أن يستبرئها لان وقت الاستبراء ما قبل الوطئ لأنه يستبرئ رحمها من ماء غيره
لا من ماء نفسه وبعد الوطئ لو استبرأها إنما يستبرئها من ماء نفسه * قال وإذا اشترى جارية
مجوسية فحاضت عنده حيضة ثم أسلمت حل له أن يطأها لان تلك الحيضة وجدت بعد
تمام الملك له فيها فيجتزئ بها من الاستبراء وكذلك أن كانت محرمة فحاضت في احرامها ثم
حلت * قال وإذا اشترى جارية هي أخت البائع من الرضاع أو كانت حراما عليه بوجه من
الوجوه فعلى المشترى أن يستبرئها لأنه حدث له فيها ملك الحل بسبب ملك الرقبة فهو كما
لو اشتراها من امرأة * قال وان اشترى جارية فلم يقبضها حتى ردها بخيار أو عيب فليس
على البائع أن يستبرئها لأنها لم تخرج من ضمان ملكه حين عادت إليه والله أعلم
(باب آخر من الخيار)
قال وإذا رأى الرجل عند رجل جارية فساومه عليها ولم يشترها ثم رآها بعد ذلك متنقبة
فاشتراها بثمن مسمى ولم يعلم أنها تلك الجارية ولم يقع بينهما منطق يستدل به أنه قد عرفها
فهو بالخيار إذا كشف نقابها وهذا بمنزلة من اشترى شيئا لم يره لان الرؤية السابقة لم تفد له
العلم بأوصاف المعقود عليه لما لم يعلم أنها تلك الجارية وثبوت خيار الرؤية للجهل بأوصاف
المعقود عليه فإنما يسقط خياره برؤية تفيده العلم بأوصاف المعقود عليه فما لم يفده بأوصاف
المعقود عليه فوجوده كعدمه أرأيت لو رآها عنده ثم رآها متنقبة عند آخر ولا يعلم أنها تلك
الجارية فاشتراها أما كان له الخيار إذا كشفت نقابها فكذلك إذا اشتراها من الأول * قال ولو
نظر إلى جراب هروي فقلبه ثم إن صاحب الجراب قطع منه ثوبا ثم أخبره انه قطع منه
ثوبا ولم يره إياه ثانية حتى اشتراه فهو بالخيار إذا رآه لان الثياب عدد متفاوت ولذا لا يجوز
163

شراء ثوب من الجراب بغير عينه فإذا لم يكن ما قطع منه معلوما عند المشترى لم يكن ما يتناوله
العقد أيضا معلوم الوصف عنده فثبت له الخيار عند الرؤية. ألا ترى أنه لو اشترى الجراب
الا ثوبا منها بغير عينه لم يجز الشراء فكذلك إذا كأن لا يعلم ما قطع البائع منها بعد رؤيته فلعله
قطع أجودها والمشترى يظن أنه قطع أردأها فلهذا كان له الخيار إذا رآه * قال ولو عرض
رجل على رجل ثوبين فلم يشترهما ثم لف أحدهما في منديل ثم اشتراه منه ولم يره ولم يعلم
أيهما هو فهو بالخيار إذا رآه لان الرؤية المتقدمة لا تفيده العلم بأوصاف المعقود عليه فلعل
المشترى يظن أنه أجودهما وهو أردؤهما ولو أتاه بالثوبين جميعا وقد لف كل واحد منهما في
منديل فقال هذان الثوبان اللذان قد عرضت عليك أمس فقال أخذت هذا لأحدهما
بعشرين درهما وهذا بعشرة في صفقتين أو صفقة ولم يرهما في هذه المدة فأوجبهما له فهو
بالخيار لأنه لما خالف بينهما في الثمن فما هو المقصود لا يحصل له ما لم يعلم بأوصاف كل واحد
منهما بعينه لجواز ان يظن أن الذي اشتراه بعشرين درهما أجودهما والذي اشتراه بعشرة
أردؤهما والحال بخلاف ذلك فربما يهلك أحدهما أو يجد به عيبا يحتاج إلى رده فلا يندفع
الغبن عنه ما لم يعرف كل واحد منهما بعينه. ولو قال قد أخذت كل واحد منهما بعشرة أو
بعشرين جاز ذلك ولا خيار له لأنه أخذهما صفقة واحدة ولم يفصل أحدهما في الثمن وقد كانا
معلومي الوصف عنده بالرؤية المتقدمة فلأجله لا يثبت له خيار الرؤية فيهما * قال رجل اشترى
ثوبا ولم يره حتى رهنه أو أجره يوما أو باعه والمشترى بالخيار فهذا اختيار منه له وليس له أن
يرده لأنه أوجب للغير فيه حقا لازما وذلك بعجزه عن الرد فان البيع بشرط الخيار للمشترى
لازم في جانب البائع واكتسابه ما يعجزه عن الرد مسقط لخياره حكما كما لو كان المبيع عبدا
فدبره أو باعه. والبائع بالخيار فنقض البيع كان له أن يرده لان خيار البائع يمنع زوال ملكه
والبيع بهذه الصفة لا يعجزه عن الرد فلا يكون مسقطا لخياره وروى الحسن عن أبي حنيفة
رحمهما الله انه يسقط خياره بهذا البيع وقيل تلك الرواية أصح لان البيع بشرط الخيار
للبائع أقوى في اسقاط الخيار من العرض على المبيع ولو عرضه على البيع سقط خياره فإذا باعه
بشرط الخيار أولى ووجه ظاهر الرواية أن البيع تصرف من جهة القول فإذا كان بحيث
لا يعجزه عن الرد لا يكون اسقاطا لخياره حكما ولكنه بمنزلة اسقاط خيار الرؤية بالقول قصدا
وذلك لا يصح قبل الرؤية فكذلك ايجاب البيع بشرط الخيار له * قال ولو اشترى عبدا لم يره
164

فكاتبه ثم عجز فرآه لم يكن له أن يرده بالخيار وكذلك خيار الشرط في ذلك لان عقد اكتساب
لازم في جانب المولى وهو يعجزه عن الرد بحكم الخيار فمباشرته تتضمن سقوط خياره حكما
فخيار الشرط والرؤية في ذلك سواء ولو حم العبد ثم ذهبت الحمى عنه كان له أن يرده بخيار
الرؤية والشرط لان الحمى عنده بمنزلة عيب حادث وذلك غير مسقط لخياره وإنما يمنعه عن
الرد بغير رضا البائع لدفع الضرر عن البائع فإذا اقلعت الحمى عنه فقد زال معنى الضرر فكان
هو على خياره في الرد بخلاف ما تقدم فان عجزه عن الرد هناك لايجابه حقا لازما للغير فيه
وذلك مسقط لخياره حكما ولو أشهد على نقض البيع في الثلاثة بحضرة البائع والعبد محموم
وله خيار الشرط ثم ذهبت الحمى قبل مضى الثلاثة ولم يحدث ردا حتى مضت الثلاثة الأيام
كان له أن يرده بذلك الرد لان نقضه البيع بحضرة البائع صحيح في حقه وإنما امتنع ثبوت
حكمه في حق البائع لدفع الضرر عنه فإذا ذهبت الحمى قبل مضي الثلاثة فقد انعدم معنى
الضرر فتم البيع في حق البائع أيضا فلهذا كان له أن يرده بعد مضي الأيام الثلاثة وهذا
لان الحمى حين ذهبت مع بقاء مدة الخيار تجعل المشترى كالمجدد للفسخ في هذه الحالة لأنه
مصر على الفسخ الذي كان منه كأنه جدده بعد زوال المانع. ولو تمادت به الحمى عشرة أيام
ليس له بذلك الرد ولا بغيره لان مدة الخيار ذهبت والمانع قائم فبطل حكم الرد لاستغراق
المانع في جميع المدة ولأنه حين أقلعت الحمى عنه يصير كالمجدد للفسخ وهولا يملك الرد به
بعد مضى مدة الخيار وإنما يملك ذلك في مدة الخيار ولو خاصمه في الثلاثة إلى القاضي
فرده المشتري وأبى البائع أن يقبله وهو محموم فان القاضي يجيز البيع ويبطل الرد لأنه يرده بعيب
حادث عنده وإنما كان تمكنه من الرد بحكم الخيار له لدفع الضرر عن نفسه لا لالحاق الضرر
بالبائع فإذا أدى ذلك إلى الاضرار بالبائع أبطل القاضي رده ولزمه البيع بقضاء القاضي فان
صح العقد في الثلاث لم يكن له أن يرده لان إلزام القاضي إياه أقوى من التزامه اسقاط
الخيار ولو أسقط خياره لم يكن له أن يرده بعد ذلك فإذا ألزمه القاضي كان أولى وكذلك
هذا في خيار الرؤية لان قضاء القاضي ببطلان رده مسقط لخياره حكما وذلك حاصل قبل
الرؤية وهذا بخلاف الرجوع في الهبة فان الموهوب له إذا بنى في الدار الموهوبة ثم رجع
الواهب فأبطل القاضي رجوعه ثم رفع الموهوب له بناءه كان للواهب أن يرجع فيها لان
حق الواهب في الرجوع لا يحتمل الاسقاط حتى لو أسقطه بنفسه كان اسقاطه باطلا
165

فالقاضي إنما يمنع رجوعه بقضائه لأجل البناء لا أن يسقط حقه في الرجوع فإذا زال المانع
كان له ان يرجع وهنا القاضي مسقط لخياره لان خياره محتمل للسقوط فبعد ما سقط خياره
بقضاء القاضي لا يمكن من الرد بحكمه * قال ولو اشهد على رده في الثلاثة بحضرة البائع وهو
صحيح ثم حم قبل أن يقبضه البائع ثم اقلعت عنه الحمى وعاد إلى الصحة في الثلاثة أو بعدها
فهو لازم للبائع ولا خيار له فيه لان المشتري فسخ البيع وهو صحيح فعاد فسخه إلى ذلك
البائع ثم بحدوث العيب في ضمان المشترى يثبت للبائع الخيار فإذا أقلعت الحمى فقد زال
ذلك العيب وسقط ما كان من الخيار للبائع كما لو حدث بالمبيع عيب في يد البائع ثم زال
العيب قبل أن يقبضه المشترى كأن لازما للمشترى ولا خيار له فيه فهذا مثله وكذلك خيار
الرؤية ولو خاصمه والحمى به فأبطل القاضي الرد وألزم المشترى العبد فليس له أن يرده بعد
ذلك لان ذلك الفسخ بطل بقضاء القاضي بمنزلة البيع إذا أبطله القاضي للعيب الحادث عند
البائع ثم زال العيب * قال ولو جرح العبد عند المشترى جرحا له أرش أو جرحه هو أو كانت
أمة فوطئها هو أو غيره لم يكن له ان يردها بخيار الرؤية ولا بخيار الشرط اما إذا جرحها
هو فلان اقدامه على ذلك الفعل اكتساب منه للسبب المسقط لخياره لأنه يعجزه عن ردها
كما قبضها وان جرحها غيره فلما حدث من الزيادة المنفصلة وهو الأرش وكذلك أن وطئها
غيره فان وطئها هو فاقدامه على الوطئ يكون رضا منه بتقرر ملكه فيها وذلك مسقط لخياره
وكذلك إذا ولدت ولدا فمات ولدها أو لم يمت لم يكن له أن يردها بخيار الرؤية ولا بخيار
الشرط أما إذا بقي الولد فللزيادة المنفصلة وأما إذا مات الولد فللنقصان الحادث في يده بالولادة
ولو كانت دابة أو شاة فولدت لم يكن له أن يردها لا بخيار الشرط ولا بخيار الرؤية للزيادة
المنفصلة وكذلك لو قتل ولدها هو أو غيره لأنه بالقتل حابس للزيادة فكأنها قائمة في يده وإذا
كان القاتل غيره فقد وجب على القاتل قيمة الولد وبقاء قيمته في يده كبقاء عينه ولو مات موتا
كان له أن يردها لان الزيادة لما هلكت بغير صنع أحد صارت كان لم تكن والولادة
لا تمكن عيبا فيها فان الولادة في البهائم لا تكون نقصانا فلهذا كان له أن يردها * قال ولو
أن البائع جرحها عند المشتري أو قتلها وجب البيع على المشترى وعلى البائع القيمة في خيار
الشرط والرؤية أما في القتل فلان المشترى عجز عن ردها بعد ما قتلت وقد صار البائع منها
كأجنبي آخر فكما أنه لو قتلها أجنبي آخر يسقط خيار المشتري ويكون له على القاتل قيمتها
166

فكذلك إذا قتلها البائع وأما إذا جرحها البائع عند المشترى فكذلك الجواب في قول أبي حنيفة
ومحمد رحمهما الله وهو قول أبى يوسف الأول وهو القياس وفي قول أبى يوسف
الآخر للمشترى أن يردها بخياره ذكر قوله في كتاب الشرب وذكر محمد بن سماعة في نوادره
في خيار الشرط والرؤية وخيار العيب جميعا وجه قوله ان الخيار مستحق للمشترى على البائع
ومن عليه الحق لا يملك اكتساب سبب اسقاط الحق المستحق عليه الا بطريق الابقاء. يوضحه
أن حدوث العيب في يد المشترى إنما يمنع الرد لدفع الضرر عن البائع ولا يتحقق ذلك في
جناية البائع عليه لأنه راض بفعله ولأنه يجعل مستردا لذلك الجزء لجنايته ولما بقي برد المشتري
عليه فيعود إليه حكما كما خرج من يده بخلاف ما إذا كان الجاني غيره. وجه قولهما أن البيع
لازم في جانب البائع وهو بعد التسليم فيها كأجنبي آخر بدليل مسألة القتل ولو كان الجاني
أجنبيا آخر فوجد الأرش لم يتمكن المشترى بعد ذلك من ردها فكذلك إذا كان هو البائع ولا
يملك اسقاط خيار المشتري فالأجنبي لا يملك اسقاط خياره والبائع إنما رضي بالنقصان
الحادث بجنايته في ملك المشتري فلا يكون راضيا به في ملك نفسه ولو جعل جنايته استردادا
في ذلك الجزء لكان قتله استردادا في الكل وهذا لان البيع لازم من جهته فلا يتمكن هو
من الاسترداد ولو استودعها المشترى البائع بعد ما قبضها فماتت عند البائع قبل أن يرضى
المشترى ففي خيار الرؤية هي من مال المشتري وعليه الثمن لأنها مملوكة للمشترى أمانة في
يد البائع فهلاكها في يد الأمين كهلاكها في يد المشتري وفي خيار الشرط كذلك الجواب
عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لان خيار الشرط عندهما لا يمنع ملك المشتري وعند أبي
حنيفة في القياس كذلك لان البيع لازم في جانب البائع والمبيع خارج من ملكه فايداع
المشترى إياه كايداعه أجنبيا آخر فإذا هلك في يده هلك من مال المشتري وفي الاستحسان
يهلك من مال البائع لان خيار المشتري يمنع ملكه عند أبي حنيفة فتسليمه إياها إلى البائع
لا يكون ايداعا فيه ملك نفسه ولكنه فسخ للقبض فكأنها هلكت في يد البائع قبل أن
يقبضها المشترى فيهلك من مال البائع
(باب بيع النخل وفيه ثمر أو لم يكن فيه ثمر)
قال وإذا اشترى الرجل أرضا ونخلا بألف درهم والأرض تساوى ألفا والنخل يساوى
167

ألفا فأثمر النخل بعد ذلك في يد البائع مرة أو مرتين كل مرة تساوى الثمرة ألفا فأكله
البائع كله ثم جاء المشترى يطلب بيعه فالأصل في تخريج هذه المسألة أن الثمار الحادثة زيادة
في الأرض والنخل في قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبى يوسف الأول رحمهم الله وفي
قوله الآخر هو زيادة في النخل خاصة وبه قوله الآخر ان الثمار يخرجه النخيل دون
الأرض فيكون زيادة فيهما يقسم الثمن على قيمة الأرض والنخل أولا ثم حصة النخيل تقسم
على قيمتها وقيمة الثمار بمنزلة ما لو اشترى جاريتين فولدت إحداهما قبل القبض ثم قبضهما
فإنه يقسم الثمن على قيمة الجاريتين أولا ثم ما أصاب التي ولدت يقسم على قيمتها وقيمة
ولدها يوم يقبض المشترى الولد لهذا المعنى ان الولد انفصل عنها فتكون زيادة فيها خاصة
وجه قولهما ان النخيل في هذا البيع بيع بدليل أنها تدخل في البيع من غير ذكر والبيع
لا يقع له فتكون الثمار الحادثة زيادة في الأصل بمنزلة ما لو اشترى جارية فولدت ابنة قبل
القبض ثم كبرت الابنة وولدت ولدا فيجعل الولد الثاني زيادة في الجارية حتى يقسم الثمن
على قيمتها وقيمة الولدين لان الابنة تابعة في العقد فلا يكون ولدها تبعا لها فهذا مثله والثمار
في الصورة يخرجها النخيل وفي المعنى زيادة في الأرض لان النخيل تتشرب بعروقها من
الأرض ألا ترى ان بقوة الأرض تزداد الثمار جودة فعرفنا أن من حيث المعنى الأصل هو
الأرض للثمار وللنخيل جميعا فلهذا يقسم الثمن على قيمة الكل قسمة واحدة ثم يعتبر في القسمة
قيمة الثمار حين أكلها البائع لأنها عند ذلك صارت مقصودة فالزيادة الحادثة إنما تصير
لها خاصة من الثمن إذا صارت مقصودة بالتناول ألا ترى ان المشتري إذا قبضها يعتبر في
الانقسام قيمتها وقت القبض فكذا إذا أكلها البائع فإن كانت أثمرت مرة واحدة فأكلها
البائع وقيمتها ألف درهم انقسم الثمن أثلاثا ثلثه بإزاء الأرض وثلثه بإزاء النخيل وثلثه بإزاء
الثمار ويسقط عن المشترى حصة الثمار من الثمن ويأخذ الأرض والنخيل بثلثي الثمن وفي
قول أبى يوسف الآخر يقسم الثمن أولا على قيمة الأرض والنخيل نصفين ثم حصة النخيل
تقسم على قيمتها وقيمة الثمار نصفين فيسقط عن المشترى ربع الثمن ويأخذ الأرض والنخيل
بثلاثة أرباع الثمن وان كانت أثمرت النخيل مرتين أخذ المشترى الأرض والنخيل بنصف
الثمن لان القيم لما استوت فحصة ما تناول البائع من الثمار نصف الثمن الأول * وقال أبو
يوسف يأخذ بثلثي الثمن لان نصف الثمن بمقابلة الأرض والنصف الذي يقابله النخيل يقسم
168

أثلاثا ثلثه يسقط عن المشترى بتناول البائع الثمار مرتين وثلث النصف حصة النخيل يتقرر على
المشترى مع حصة الأرض فيأخذها بثلثي الثمن وان كانت أثمرت ثلاث مرات أخذ
الأرض والنخيل بخمسي الثمن وسقط عنه ثلاثة أخماس الثمن حصة لثمن ثلاث مرات وعند أبي
يوسف يأخذ الأرض والنخيل بخمسة أثمان الثمن نصف الثمن حصة الأرض وربع
النصف الآخر حصة النخل ويسقط عن المشترى ثلاثة أثمان الثمن وان أثمرت أربع مرات
فعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يأخذ الأرض والنخيل بثلث الثمن لان الثمن ينقسم على ستة
أسهم حصة الأرض والنخل سهمان وهو الثلث وعند أبي يوسف يأخذهما بثلاثة أخماس
الثمن نصف الثمن حصة الأرض وخمس النصف الآخر حصة النخل فذلك ستة أجزاء
من عشرة من جميع الثمن وان أثمرت خمس مرات أخذ الأرض والنخل عندهما سبع الثمن
لان القسمة على الأسباع عندهما فيسقط حصة الثمار خمسة أسباع الثمن ويأخذ الأرض
والنخل بسبعة أجزاء من اثنى عشر جزأ من الثمن حصة الأرض نصف الثمن وحصة
النخل سدس النصف الباقي وفي جميع ذلك الخيار للمشتري ان شاء أخذ الأرض والنخل
وان شاء فسخ البيع فيهما وهذا قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فأما عند أبي حنيفة فلا
خيار للمشترى في ذلك وإنما نص على الاختلاف في الباب الذي بعد هذا في الولد الحادث
قبل القبض إذا أتلفه البائع ولا فرق بين الولد في الشاة وبين الثمار. وجه قولهما أن الزيادة
الحادثة قبل القبض لما صارت مقصودة تتناول البائع وكان لها حصة من الثمن فالتحقت
بالموجود عند العقد ولو كانت موجودة فأتلفها البائع ثبت الخيار للمشترى فيما بقي لتفرق
الصفقة عليه قبل الثمار فكذلك هنا وأبو حنيفة يقول المشترى عند القبض رضى بأخذ
الأرض والنخيل بجميع الثمن فهو بأخذهما ببعض الثمن أرضي وثبوت الخيار لتمكن
الخلل في رضا المشتري فإذا علمنا تمام الرضا منه هنا فلا معنى لاثبات الخيار له. يوضحه أن هذه
الزيادة لو هلكت من غير صنع البائع أخذ المشترى الأرض والنخل بجميع الثمن ولا خيار
له ولان يلزم الأرض والنخل ببعض الثمن عند اتلاف البائع الثمار كان أولى بخلاف الموجود
عند العقد فإنه لو هلك من غير صنع البائع يخير المشتري فكذلك بصنع البائع وبهذا يتبين أن
تفريق الصفقة إنما يحصل بهلاك الموجود عند العقد لا بهلاك الحادث بعد القبض فإن كان
في النخل ثمرة تساوى ألفا يوم اشترى الأرض والنخل وقد اشتراهما معا فان الثمار لا تدخل
169

في البيع الا بالذكر لأنه يعرض الفضل فهو والموضوعة في الأرض سواء بخلاف النخيل فإنها
تابعة للأرض كالبناء فيدخل في البيع من غير ذكر فإذا أكلها البائع ثم أثمرت بعد ذلك
مرارا فأكله البائع فالأصل في تخريج هذه المسألة أن ثلث الثمن يسقط من المشتري بأكل
البائع الثمار الموجودة لان الثمار الحادثة بعد ذلك ليست بزيادة في الثمار الموجودة وهي
مقصودة لا تدخل في العقد الا بالذكر فيقسم الثمن أولا على قيمة الأرض وعلى قيمة النخل
وقيمة الثمار الموجودة وقت العقد وقد استوت القيم فتقسم أثلاثا ويسقط عن المشترى
ثلث الثمن حصة الثمار الموجودة وأما ثلثا الثمن حصة الأرض والنخيل في هذه المسألة
فبمنزلة جميع الثمن في المسألة الأولى في حكم الانقسام على قيمتها وقيمة ما أكل البائع من الثمار
الحادثة على نحو ما خرجنا في المسألة الأولى قال فإن كانت الثمرة التي حدثت بعد البيع لم يأكلها
البائع ولكن أصابتها آفة من السماء فذهبت بها ونقصت تلك النخل فالمشترى بالخيار ان
شاء أخذها بجميع الثمن وان شاء تركها لان الثمار الحادثة لما فاتت من غير صنع أحد لم
يكن لها حصة من الثمن وصارت كأن لم تكن فنفى النقصان المتمكن فيتخير المشترى لأجل
ذلك وإن لم ينقص النخل لم يكن للمشترى في البيع خيار وهو لازم له بجميع الثمن لان
الثمار الحادثة لما هلكت بغير صنع أحد صارت كأن لم تكن وأما الثمار الموجودة عند
العقد فسواء هلكت بغير صنع أحد أو تناولها البائع سقط عن المشترى حصتها من الثمن
لأنها كانت مقصودة بالعقد وقد فات القبض المستحق بهلاكها فينفسخ البيع فيها ويسقط
عن المشترى حصتها من الثمن وله الخيار في أخذ الأرض والنخل سواء هلكت من صنع
أحد أو تناولها البائع لتفرق الصفقة عليه قبل التمام بمنزلة ما لو اشترى جاريتين فهلكت
إحداهما قبل القبض والله أعلم
(باب جناية البائع والمشترى على المبيع قبل القبض)
قال رجل اشترى من رجل عبدا بألف درهم فلم يقبضه حتى قطع البائع يده فالمشترى
بالخيار ان شاء أخذ العبد بنصف الثمن وان شاء تركه لأن المبيع تغير في ضمان البائع وتعيب
بصنعه فتفرقت الصفقة على المشترى قبل التمام بفوات النصف فان اليد من الآدمي نصفه وذلك
مثبت الخيار له فان اختار فسخ العقد سقط عنه جميع الثمن وان اختار أخذ الأقطع فعليه
170

نصف الثمن عندنا. وقال الشافعي عليه جميع الثمن ويضمن البائع نصف القيمة. وكذلك
لو قتله البائع قبل القبض سقط الثمن عن المشترى عندنا وعند الشافعي يغرم البائع القيمة
إذا اختار المشترى امضاء العقد لأن المبيع صار مملوكا للمشترى بالعقد قبل القبض والقاطع
في الجناية عليه كأجنبي آخر وباعتبار أن اليد للبائع يثبت له حق الفسخ وبهذا لا يخرج
من أن يكون مضمونا عليه بالقيمة إذا جنى عليه كالمرهون إذا جنى عليه المرتهن. وحجتنا
في ذلك أن المبيع مضمون بالثمن على البائع وضمان الثمن مع ضمان القيمة لا يلتقيان وهذا لأنه
لو وجب بالجناية ضمان القيمة على البائع لزمه تسليمها بحكم العقد ولا يجوز أن يجب على البائع
القيمة في ذمته على وجه يلزمه تسليمها بحكم العقد ولان المبيع في ضمان ملك البائع حتى
لو هلك كان هلاكه على ملكه فينزل ذلك منزلة المملوك له حقيقة في المبيع من وجوب
ضمان القيمة عليه بالجناية كما لو كانا في مجلس العقد أو كان البائع شرط الخيار لنفسه فإذا لم
يلزمه ضمان القيمة سقط عنه من الثمن حصة ما أتلفه بجنايته لان ذلك صار مقصودا بالتناول
فيقابله حصة من الثمن وقد فات القبض المستحق فيه باستهلاك البائع فينفسخ العقد فيه في
ذلك القدر وان كانت يد العبد شلت من غير فعل أحد كان المشتري بالخيار ان شاء أخذه
بجميع الثمن وان شاء تركه لتغير المعقود عليه في ضمان البائع فان اختار الاخذ فعليه جميع
الثمن هنا بخلاف الأول والشافعي يسوى بينهما فيقول في الموضعين جميعا على البائع ضمان
نصف القيمة لأن المبيع في ضمانه قبل التسليم فلا فرق بين ان يفوت جزء منه بفعل الضامن
أو بغير فعله كالمغصوب وقاس بما لو اشترى عبدين فتلف أحدهما قبل القبض بفعل البائع
أو بغير فعله كان الجواب في ذلك سواء فهذا مثله ولكنا نقول الطرف من العبيد وصف
ألا ترى أنه يدخل في البيع تبعا من غير ذكر ولا يجوز استثناؤه من العقد واسم العبد
لا يتغير بفواته وبقائه والبيع يلاقى العين والثمن يكون بمقابلة الأصل دون الوصف فإذا كان
الفائت وصفا قلنا إن فات بغير صنع أحد فقد فات تبعا لا مقصودا فلا يقابله شئ من الثمن
وان فات بجناية البائع فقد صار مقصودا بالجنس وفسخ العقد فيه فيقابله بعض الثمن لا محالة
بخلاف العبدين وكل واحد منهما هناك يدخل في العقد مقصودا يوضحه ان الوصف
لا يفرد بالعقد فلا يفرد بضمان العقد أيضا والثابت ببقاء يد البائع ضمان العقد فلا يظهر ذلك في
الوصف إذا فات من غير صنعه بخلاف المغصوب فهو مضمون بالتناول والوصف يفرد بالتناول
171

فيفرد أيضا بضمان التناول وكذلك أن كان البائع هو الذي جنى عليه فسقوط حصته من
الثمن هنا باعتبار تناول البائع إياه وحبسه إياه والوصف يفرد بذلك وكذلك أن قطع العبد يد
نفسه فهو كما لو شلت يده بغير فعل أحد لان فعله بنفسه هدر وان قطع أجنبي يد العبد
فالمشترى بالخيار فان اختار امضاء العقد فعليه جميع الثمن واتبع القاطع بنصف القيمة لان
جناية القاطع على ملكه والقيمة الواجبة عليه تقوم مقام الفائت فباعتبارها يبقى جميع الثمن
على المشترى وهذا الآن وجوب ضمان القيمة على الجاني ليس بحكم العقد بل بسبب الجناية
ألا ترى أنه يبقى عليه وان فسخ المشتري العقد بالرد بخلاف ما إذا كان الجاني هو البائع
فإنه لو لزمه ضمان القيمة إنما يلزمه بحكم العقد ألا ترى أنه لا يبقى بعد فسخ العقد بالرد فلا يجوز
استحقاق القيمة في الذمة بحكم البيع فإذا أخذ من القاطع نصف القيمة تصدق بما زاد على نصف
القيمة على نصف الثمن لان هذا ربح حصل في ضمان غيره لا على ضمانه ونهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وعند الشافعي لا يلزمه التصدق بشئ وأصل الخلاف في
القتل فان العبد المبيع لو قتله أجنبي وقيمته ألفا درهم وقد اشتراه بألف درهم فاختار المشترى
امضاء العقد وأخذ القيمة من القاتل فعليه أن يتصدق بالفضل عندنا لأنه ربح حصل لا على
ضمانه ولان القبض له مشابهة بالعقد من حيث إنه يستفاد به ملك التصرف ومبادلة الألف
بالألفين ربا فقبض الألفين بحكم العقد بمقابلة الألف يتمكن من شبهة الربا فيلزمه التصدق
وعند الشافعي لا يلزمه ذلك لان حكم الربا عنده إنما يثبت باعتبار الشرط في العقد فإذا لم يكن
مشروطا في العقد لا يتمكن باعتباره الربا والمشترى إنما يعطى الثمن بمقابلة العبد لا بمقابلة القيمة
وإنما استوفي القيمة باعتبار أنه بدل ملكه فهو كما لو قتل بعد قبضه وان اختار المشترى فسخ
البيع فان البائع يتبع الجاني بنصف القيمة أيضا لأن العقد انفسخ برد المشتري من الأصل
فيبقى جناية القاطع على ملك البائع ورجعه عليه بنصف القيمة ويتصدق أيضا بما زاد من
نصف القيمة على نصف الثمن لان أصل الجناية حصل لا على ملك البائع وإن كان باعتبار
المال يجعل كالحاصل على ملكه وتأثير الملك في سلامة الربح أكثر من تأثير الضمان فإذا كان
يلزمه التصدق بالربح الحاصل على ملكه دون ضمان فلان يلزمه التصدق بالربح الحاصل
لا على ملكه أولى ولو كان المشتري هو الذي قطع يد العبد صار قابضا لجميع العبد لأنه أتلف
نصفه بقطع اليد وفي الاتلاف قبض وزيادة وغير ما بقي بفعله والمشتري بصنع معين للمعقود
172

عليه يصير قابضا يوضحه انه لو تخلي به كان قابضا له وبقطع يده يكون متخليا بما بقي منه
وزيادة فان هلك العبد في يد البائع من القطع أو من غيره قبل أن يمنعه البائع من المشترى
فعلى المشتري جميع الثمن لأنه صار قابضا لجميع العبد وبالقبض يتحول المبيع إلى ضمانه فإذا
هلك قبل أن يمنعه البائع كان هالكا في ضمان المشتري فيتقرر عليه جميع الثمن سواء
هلك بسراية القطع أو بسبب آخر وإن كان البائع منعه ثم مات من القطع فعلى المشترى
جميع الثمن أيضا لان القطع إذا اتصلت به السراية فهو قتل حكما ومنع البائع إياه لا يقطع
السراية عن الجناية لان هذا المنع لا يتبدل المالك والمستحق إنما يفوت يد المشترى وإذا
كان حكم الجناية يثبت بدون يده فلان يبقى بدون يده أولى وان مات من غير القطع فعلى
المشترى نصف الثمن لان البائع لما منع الباقي بالثمن فقد صار مستردا له بحق فاسخا لقبض
المشترى فيه ولو قبضه المشترى حقيقة قبل نقد الثمن فاسترده البائع وحبسه بالثمن انتقض
به حكم المشترى فكذلك إذا صار قابضا لما بقي منه باعتبار الجناية وإذا انفسخ قبض المشترى
فيه كان هالكا في ضمان البائع فسقط حصته من الثمن وهو النصف فاما نصف الثمن فقد
تقرر على المشتري بقطع اليد لان اليد من الآدمي نصفه ولا يتصور الاسترداد في الجزء
الفائت فان قطع البائع أولا يده ثم قطع المشتري رجله من خلاف ثم برئ منهما جميعا فالعبد
لازم للمشترى بنصف الثمن ولا خيار له فيه لان البائع بقطع اليد فوت نصفه فسقط نصف
الثمن وثبت الخيار للمشترى بنصف الثمن فلما قطع المشترى رجله فقد صار مسقطا لخياره
لأنه قابض لجميع ما بقي متلف لبعضه ومجرد قبضه بعد العلم بالعيب يسقط خياره فقبضه مع
الاتلاف أولى أن يكون مسقطا لخياره ولو كان المشترى هو الذي قطع يده أولا ثم قطع
البائع رجله من خلاف فبرئ منهما كان المشترى بالخيار ان شاء أخذ العبد وأعطى ثلاثة أرباع
الثمن وان شاء تركه وعليه نصف الثمن لان بقطع اليد تقرر على المشترى نصف الثمن ثم البائع
بقطع الرجل بعد ذلك صار مفوتا قبض المشتري في الباقي متلفا لنصف ما بقي فيسقط عن
المشترى نصف ما بقي من الثمن وهو ربع جميع الثمن ويثبت له الخيار فيما بقي من العبد لأنه تغير
المعقود عليه في ضمان البائع بفعله ولم يوجد من المشترى بعد ذلك ما يكون دليل الرضا
منه فإن شاء فسخ العقد فيما بقي منه وعليه نصف الثمن بقطع اليد وان شاء أخذ ما بقي وعليه
نصف الثمن بقطع اليد وربعه بمقابلة ما بقي من العبد ولو كان المشترى نقد الثمن ولم يقبض
173

العبد حتى قطع المشتري يده ثم قطع البائع رجله من خلاف فبرئ منهما فالعبد للمشتري
ولا خيار له فيه لان المشتري صار قابضا لجميع العبد باتلاف النصف بقطع اليد ثم بقطع البائع
رجله لا ينتقض قبض المشتري في شئ لان الثمن قد سلم للبائع وليس له بعد استيفاء الثمن
حق نقض قبض المشترى فلهذا لا يجعل قطعه الرجل ناقضا قبض المشتري بخلاف ما تقدم
في البائع. هناك لم يستوف الثمن وله ان ينقض قبض المشترى ما لم يصل إليه الثمن وإذا
بقي حكم قبض المشترى كان البائع في قطع الرجل كأجنبي آخر فعليه نصف قيمة قطع اليد
وعلى المشترى جميع الثمن لبقاء حكم قبضه في جميع العبد ولا خيار للمشتري لان المعقود عليه
إنما تغير لعدم تمام قبض المشترى * قال ولو كان البائع أولا قطع يده ثم قطع المشترى رجله
فالعبد لازم للمشتري بنصف الثمن لان بقطع البائع يده يسقط نصف الثمن ويتخير المشتري
إلا أن خياره يسقط بقطعه رجله فكان العبد لازما له بنصف الثمن ويرجع على البائع بنصف
الثمن الذي أعطاه * قال وإذا اشترى عبدا بألف درهم ولم ينقده الثمن حتى قطع البائع يده
ثم قطع المشترى رجله من خلاف فمات من ذلك كله في يد البائع فعلى المشترى ثلاثة أثمان
الثمن لان البائع بقطع اليد صار متلفا نصفه ثم المشترى بقطع رجله صار متلفا نصف ما بقي
وهو الربع تلف بسراية الجنايتين فنصفه يكون هالكا بسراية جناية البائع وإنما تعتبر
السراية في الحكم بأصل الجناية وحكم أصل جناية البائع سقوط الثمن بحصة ما تلف به
فكذلك حكم سراية جنايته وحكم أصل جناية المشترى تقرر الثمن عليه فكذلك حكم
ما تلف بسراية جنايته فيحتاج إلى حساب تقسم ربعه نصفين وذلك ثمانية فقد تلف بأصل
جناية البائع أربعة وبسراية جنايته سهم فلهذا سقط عن المشترى خمسة أثمان الثمن وتلف
بجناية المشترى سهمان وبالسراية سهم فعليه ثلاثة أثمان الثمن. فان قيل فأين ذهب قولكم
ان المشتري بجناية يصير قابضا لما أتلف ولما بقي منه. قلنا هو كذلك ولكن للبائع حق
الاسترداد فيما بقي ما لم يصل إليه الثمن فيكون مستردا لما تلف بسراية جنايته لان
تأثير سراية جنايته فوق تأثير حبسه وقد بينا أنه لو حبسه بعد جناية المشترى انتقض به
قبض المشترى إلا فيما تلف بسراية جناية المشتري فلان ينتقض حكم قبض المشترى فيما تلف
بسراية جناية البائع كان أولى ولو كان المشترى هو الذي قطع يده أولا ثم قطع البائع رجله
من خلاف فمات من ذلك فعلى المشترى خمسة أثمان الثمن وبطل عنه ثلاثة أثمان الثمن لأنه
174

تلف بجناية المشترى النصف وهو أربعة من ثمانية وبسراية جنايته سهم فيلزمه خمسة أثمان
الثمن وتلف بجناية البائع سهمان وبسراية جنايته سهم فكما انتقض قبض المشترى فيما تلف
بجناية البائع فكذلك ينقض فيما تلف بسراية جنايته فلهذا سقط عنه ثلاثة أثمان الثمن وإن كان
الثمن منقودا والمشترى هو البادئ بالجناية فعليه جميع الثمن لأنه بقطع اليد صار قابضا
لجميع العبد ولم ينتقض قبضه في شئ بجناية البائع لأن لاحق للبائع في نقض قبضه بعد
وصول الثمن إليه فلهذا كان عليه جميع الثمن وعلى البائع ثلاثة أثمان قيمته صحيحا لأنه تلف
بأصل جنايته نصف ما بقي منه وهو ربع العبد وبسراية جنايته ربع ما بقي منه وذلك ثلاثة
أثمان جميع العبد فيلزمه ثلاثة أثمان قيمته صحيحا والبائع في هذه الحالة كأجنبي آخر فإن كان
البائع هو البادئ بالقطع رد البائع على المشترى نصف الثمن الذي أعطاه لأنه بقطع اليد
أتلف نصفه قبل أن يصير المشترى قابضا له فينفسخ البيع في ذلك النصف ويجب عليه رد
نصف الثمن ثم المشترى بقطع الرجل صار قابضا جميع ما بقي قبضا تاما فيتقرر عليه نصف
الثمن إلا أن نصف ما بقي تلف بجناية المشتري والنصف بسراية الجنايتين فما تلف بسراية
جناية البائع وهو الثمن فعلى البائع حصة ذلك من قيمة العبد لان التالف بسراية الجناية
كالتالف بأصل الجناية ولو تلف بجنايته بعدما تم قبض المشترى فيه كان الواجب عليه ضمان
القيمة فكذلك ما تلف بسراية جنايته فلهذا ألزمه ثمن قيمة العبد للمشترى. فان قيل قد قلتم
ان للقبض مشابهة بالعقد وإذا كان بأصل العقد بعد الجناية ينقطع حكم السراية فان قطع يد
عبد نفسه ثم باعه فكذلك بقبض المشتري بعد جناية البائع ينبغي أن ينقطع حكم السراية. قلنا
عيب المبيع لا تقطع حكم السراية ولكن تبدل المستحق سبب للبيع هو القاطع للسراية لان
المستحق هو المالك وقد انتقل إلى ملك المشتري بالبيع وهذا المعنى لا يوجد في القبض وبه لا
يتبدل المالك والمستحق فان قيل معنى التبدل هنا يحصل حكما أيضا فان ما تلف بأصل الجناية
قبل القبض يتلف على ملك البائع وما تلف بسراية جنايته يتلف على ملك المشتري ويتبين ذلك
بالموجب فان باعتبار ما تلف بجناية البائع سقط الثمن عن المشتري وباعتبار ما تلف بجنايته
يجب القيمة على البائع قلنا لا كذلك بل العبد بنفس العقد صار مملوكا للمشترى فجناية البائع
تصادف ملك المشتري وهو سبب لضمان المتلف للمشتري عليه إلا أن قبض المشترى يفوت
فيما تلف بأصل جنايته ومن ضرورة فوات قبضه انفساخ البيع فيه فيسقط حصته من الثمن
175

بذلك فأما ما تلف بسراية فلم يفت قبض المشترى فيه فلهذا كان مضمونا بالقيمة على البائع
وتبين بهذا ان اختلاف الحكم لأجل فوت قبض المشترى لان حكم السراية مخالف لحكم
أصل العقد في حكم الضمان وهذا هو الجواب عن الاشكال الذي يرد على أبي حنيفة في
مسألة سراية القصاص ان القطع مع السراية لا يكون قتلا من أصله إذا كان حكم أصل
الفعل مخالفا لحكم السراية بدليل هذه المسألة ولو كان المشترى حين اشتراه نقد الثمن أو لم
ينقده حتى قطع البائع يده ثم قبضه المشترى باذن البائع أو بغير إذنه فمات في يد المشترى من
جناية البائع عليه بطل على المشترى نصف الثمن بقطع البائع يده ولا ضمان على البائع فيما
هلك في يد المشترى بجناية البائع لان المشترى باقدامه على القبض صار راضيا بما بقي منه
وذلك قاطع لحكم سراية جناية البائع بمنزلة الرد فلهذا كان على المشترى نصف الثمن ولان
القبض مشابه بالعقد ولو اشتراه بعد قطع البائع يده انقطع به حكم السراية لان المشترى
صار راضيا بقبضه بحكم الشراء فكذلك في هذا الموضع ولا يشبه قبض المشترى في هذا
الوجه قبضه في الوجه الأول بالجناية عليه أو بعيب يحدثه فيه وكل شئ يحدثه من جناية
البائع بعدما يحدث المشتري فيه جناية فإن كان الثمن غير منقود بطل عن المشتري من الثمن
بحساب ما هلك منه بجناية البائع وإذا كان الثمن منقودا فعلى البائع فيه القيمة وإذا كان
القبض بعد جناية البائع بأخذ المشتري إياه فلا ضمان على البائع فيما هلك من جنايته في يد
المشترى من القيمة ولا يبطل عنه شئ من الثمن باعتباره لان القبض بالجناية حكمي فإنما
يظهر أثره فيما تلف به ولا تنقطع السراية التي انعقد سببها بجناية البائع فاما القبض بالأخذ
فحتى يظهر في جميع ما بقي من العبد وله مشابهة بالعقد فينقطع به حكم سراية جناية البائع
وهذا لان بالقبض حسا يجعل راضيا بما بقي من العبد بعد جناية البائع وبالجناية لا يكون
راضيا بتقرر ملكه فيما بقي بل هو متلف فإنما ينقطع حكم سراية جناية البائع فيما يتلف بجناية
المشترى أو بسراية جنايته ضرورة ألا ترى أن رجلا لو قطع يد عبده ثم غصبه منه غاصب
فمات في يده من جناية المولى كان على الغاصب قيمته يوم غصبه ولو لم يغصبه ولكنه جنى
عليه فمات العبد من الجنايتين كان على الجاني ضمان ما تلف بجنايته وسراية جنايته ولو لم يكن
عليه ضمان ما تلف بسراية جناية المالك فيه يتضح ما سبق من الفرق بين القبض حسا وبين
القبض بحكم الجناية قال وإذا اشترى الرجل عبدا من رجل فلم ينقده الثمن حتى قبض بغير
176

اذن البائع فقطع البائع يده في يد المشترى ولم يأخذه حتى مات العبد من قطع اليد أو غير ذلك في يد
المشترى فإن كان مات من قطع اليد فقد بطل البيع ولا شئ على المشتري فيه لان حق البائع في
الحبس لم يسقط بقبض المشترى إياه بغير إذنه والسراية إذا اتصلت بالجناية كانت قتلا من أصله
فكان البائع قتله في هذه الحالة في يد المشترى فيصير مستردا له ينفسخ العقد فيه فيسقط الثمن
عن المشترى وإذا مات من غير قطعه فعلى المشترى نصف الثمن لان البائع إنما صار مستردا
لنصفه بقطع اليد فإنما انتقض قبض المشتري في ذلك النصف وبقي النصف الآخر هالكا
في ضمان المشترى وهذا بخلاف ما تقدم إذا قطع المشترى يده في يد البائع ثم هلك لامن ذلك
القطع ولم يحدث البائع فيه منعا فعلى المشترى جميع الثمن ويجعل قابضا لجميع المعقود عليه باتلاف
نصفه وهنا لم يجعل البائع مستردا لجميع العبد باتلاف نصفه لان في الوجهين جميعا بقطع اليد
يتمكن من قبض ما بقي منه فيجعل بمنزلة التخلي به والمشترى بالتخلية يصير قابضا فبالجناية
أيضا يصير قابضا والبائع بالتخلي بالمبيع لا يصير مستردا فكذلك بالجناية لا يصير مستردا لما
بقي منه وهذا لان الملك للمشترى والملك ممكن له من القبض فيمكن أن يجعل قابضا للبعض
بالاتلاف ولما بقي منه بالتخلي به لكونه مملوكا له فاما البائع فليس بمالك وإنما حقه في
الحبس باعتباره يده. ألا ترى أنه لو سلم المعقود عليه لم يكن له بعد ذلك أن يحبسه فكذلك
استرداده لا يظهر إلا فيما ظهر فيه عمله بيده وذلك فيما يتلف بجنايته أو بسراية جنايته وإذا
اشتراه ولم ينقده الثمن حتى أحدث المشترى فيه عيبا ينقصه من الثمن فهذا بمنزلة قطعه يده
في أنه بصير قابض لجميعه ويتقرر عليه جميع الثمن أن تلف بعد ذلك بآفة سماوية. ولو باعه
المشترى بعد ما أحدث فيه وقبضه الذي اشتراه منه كان بيعه جائزا وبه تبين انه صار قابضا
لجميع العبد بما أحدث وهو إشارة إلى ما ذكرنا أنه مالك للعبد والملك مطلقه له حق القبض
والتصرف * قال وإذا اشترى جارية فلم يقبضها حتى زوجها رجلا كان النكاح جائزا لأن ولاية
التزويج تثبت بملك الرقبة والملك حصل للمشتري بنفس العقد والتزويج من التصرفات
التي لا يمتنع صحتها لأجل الغرر. ألا ترى أن تزويج الآبقة والرضيعة يجوز فكان التزويج نظير
العتق واعتاق المشترى قبل القبض صحيح فكذلك تزويجه ولهذا يجوز من الراهن تزويج
الجارية المرهونة كما ينفذ عتقه ثم في القياس يصير المشترى قابضا بنفس التزويج وهو رواية عن أبي
يوسف حتى إذا هلكت بعد ذلك فهو من مال المشترى لان التزويج عيب فيها والمشترى إذا
177

عيب المعقود عليه يصير به قابضا أو يجعل التزويج كالاعتاق أو التدبير فكما يصير المشترى
قابضا بذلك فكذلك بالتزويج ولكنه استحسن فقال لا يكون قابضا لها بنفس التزويج حتى
إذا هلكت فهي من مال البائع لأنه لم يتصل من المشترى فعل بها وإنما التزويج عيب من
طريق الحكم على معنى انه تقل رغائب الناس فيها وينتقص لأجله الثمن فهو في معنى نقصان
السعر أو التزويج لما كان عيبا من طريق الحكم فهو نظير الاقرار عليه بالدين والمشترى
لو أقر عليها بدين لا يصير قابضا لها بخلاف العيب الحسي فذلك باعتبار فعل يتصل من
المشترى بعينها وهو اتلاف لجزء من عينها فاما إن يصير قابضا لما بقي بالتخلي بها أو لان
المشترى لا يتمكن من قبض البعض دون البعض فمن ضرورة كونه قابضا لما أتلف أن
يكون قابضا لما بقي منه وبه يفرق بين قبض المشترى واسترداد البائع فالبائع يملك استرداد
البعض ليحبسه بالثمن دون القبض فلا يجعل بتفويت البعض مسترد لما بقي وهذا بخلاف
الاعتاق لأنه انهاء للملك واتلاف للمالية ولهذا يثبت به الولاء فمن ضرورته أن يصير
قابضا والتدبير نظير العتق في الاستحقاق الولاء وثبوت حق الحرية للمدبرة فان وطئها
الزوج ثم ماتت بعد ذلك ماتت من مال المشترى ان نقصها الوطئ أو لم ينقصها لان
الزوج إنما وطئها بتسليط المشترى إياه على ذلك فيكون فعله كفعل المشترى ولو
كان المشترى هو الذي وطئها بنفسه ثم ماتت فعليه جميع ثمنها لأنه بالوطئ قد تخلى بها
والوطئ بمنزلة اتلاف جزء منها فكذلك إذا وطئها الزوج بتسليط المشتري وإن كان
البائع منعها من المشترى بعد وطئ المشترى أو لزوج إياها ولم ينقصها الوطئ شيئا ثم
ماتت فلا شئ على المشترى من الثمن ولا من العقر لان البائع صار مستردا لها بحبسه
إياها بالثمن ومنع المشترى منها ولم يتلف بالوطئ شيئا من ماليتها لان المستوفى بالوطئ
وإن كان في حكم جزء من عينها فذلك جزء ليس بمال والثمن بمقابلة ما هو مال فلهذا لا يتقرر
على المشترى شئ من الثمن ولا عقر عليه لأنه وطئها في ملكه ووطئ الانسان في ملك نفسه
لا يلزمه العقر وان كانت بكرا أو كان الوطئ نقصها لم ينظر إلى العقر ولكن ينظر إلى
ما ينقصها الوطئ فيكون عليه حصة من الثمن لأنه فات جزء من ماليتها بفعل المشترى فيتقرر
عليه حصة ذلك من الثمن كما لو فقأ المشترى عينها ثم استردها البائع فهلكت وهذا لان
البكارة في حكم جزء من المالية ولهذا يصير مستحقا بالبيع إذا اشترط فبوطئ المشترى ان
178

كانت بكرا يفوت جزء من المالية وقد بينا أن الوصف الذي هو مال يقابله حصة من الثمن
إذا صار مقصودا بالتناول وإذا كان البائع هو الواطئ لم ينظر إلى العقر ولكنه ينظر إلى
النقصان فإن كان لم ينقصها شيئا أخذها المشترى بجميع الثمن وإن كان نقصها شيئا حط
عنه حصة النقصان وأخذها بما بقي من الثمن في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد
رحمهما الله إذا لم ينقصها الوطئ يقسم الثمن على العقر والقيمة فيسقط حصة العقر من
الثمن عن المشترى فان نقصها الوطئ ينظر إلى الأكثر من العقر ومن النقصان
فيقسم الثمن عليه وعلى قيمتها ويبطل على المشترى حصة ذلك الثمن ويأخذها بحصة القيمة
من الثمن لأنها بالعقر صارت مملوكة للمشترى فوطئ البائع حصل في ملك الغير
والوطئ في ملك الغير لا ينفك عن حد أو عقر وقد سقط الحد للشبهة فيجب العقر
ولكن لا يمكن استيفاء العقر من البائع لأنها في ضمانه بالثمن فيعتبر العقر لاسقاط حصته
من الثمن وهذا لان الوطئ في ملك الغير بمنزلة الجناية فكما أن جناية البائع عليها قبل
التسليم تعتبر في اسقاط حصة من الثمن لا في ايجاب الضمان فكذلك وطؤه إياها إلا أنها
إذا كانت بكرا فالممكن هنا اعتبار معنى نقصان البكارة والعقر بسبب الوطئ ولكن
يتعذر الجمع بينهما بسبب فعل واحد فيدخل الأقل في الأكثر ويعتبر الانقسام على
القيمة وعلى الأكثر منهما وأبو حنيفة رحمه الله يقول الجارية قبل التسليم في ضمان البائع
وقد جعل ذلك في حكم ضمان الفعل بمنزلة حقيقة الملك ألا ترى أنه لا يلزمه بالجناية أرش ولا
بالوطئ عقر يستوفى منه فكما أن وطأه إياه لو حصل في حال قيام ملكه فيها لم يكن موجبا
للعقر أصلا فكذلك إذا حصل في ضمان ملكه وهذا لان المستوفى بالوطئ في حكم جزء
من العين كما قال ولكنه جزء ليس بمال فإذا لم يكن نقصانا في ماليتها والثمن بمقابلة المالية
لا يمكن اسقاط شئ من الثمن باعتباره وبه فارق الجناية فإنه يمكنه نقصانا في المالية نقول إنه يسقط
بحصة ذلك النقصان من الثمن يوضحه أن الجارية في حكم الوطئ إنما تصير مملوكة للمشترى
بالقبض وقبل القبض هي كالمملوكة للبائع في حكم ضمان الوطئ ولهذا لا يحتسب بالحيضة
التي توجد في يد البائع من استبراء المشترى وأن المشترى لو زوجها ثم قبضها لم يكن عليه
أن يستبرئها إذا طلقها الزوج فوطئ البائع إياها قبل التسليم من هذا الوجه بمنزلة وطئه إياها
قبل البيع وبهذا الطريق قال أبو حنيفة لا خيار للمشترى أيضا بمنزلة ما لو وطئها البائع قبل
179

القبض ولم ينقصها الوطئ ثم علم المشترى بذلك لم يكن له فيها خيار وان كانت بكرا فنقصها
الوطئ ثبت الخيار للمشترى لفوات جزء من المالية بمنزلة ما لو ذهبت البكارة من غير
صنع أحد. يوضحه ان المستوفى بالوطئ في حكم جزء هو ثمرة لأنه من حيث الصورة
استيفاء منفعة والمنفعة تحدث شيئا فشيئا فاتلاف البائع جزأ مما هو ثمرة لا يثبت الخيار
للمشتري عند أبي حنيفة إذا لم يتمكن نقصان في مالية العين كاتلاف ولد الشاة وثمرة الأشجار
فإذا لم يمكن نقصانا في العين ثبت الخيار للمشترى لأجله كما لو ولدت الجارية فأتلف البائع
ولدها وذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله فيما إذا كانت بكرا تخريجا هو (الطمث)؟؟ من
هذا فقال ينظر إلى نقصان البكارة والعقر أيقسم الثمن أولا على نقصان البكارة وعلى
قيمتها فيسقط نقصان البكارة من الثمن ثم يقسم ما بقي من الثمن على قيمتها وعلى ما بقي من
العقر فسقط حصة العقر من الثمن وبيانه إذا اشتراها بمائة وقيمتها مائة ونقصان البكارة
عشرون والعقر أربعون فإنه يسقط أولا باعتبار نقصان البكارة عشرين درهما ثم يقسم ما بقي
من الثمن وذلك ثمانون درهما على قيمتها وهي ثمانون وعلى ما بقي من العقر وهو عشرون
فيقسم أخماسا بأن يجعل كل عشرين سهما فيسقط عنه خمس ما بقي وذلك ستة عشر درهما
وإنما يأخذها بما بقي وذلك أربعة وستون درهما * قال وإذا اشترى عبدا بألف درهم فلم يقبضه
ولم ينقد الثمن حتى قطع البائع يده ثم قطع المشترى وأجنبي رجله من خلاف فعلى المشترى
ثلاثة أثمان الثمن وثلث ثمن الثمن حصة جنايته وجناية الأجنبي ويبطل عنه جناية البائع أربعة
أثمان الثمن وثلثا ثلث الثمن لان البائع بقطع اليد أتلف نصفه والمشتري مع الأجنبي بقطع
الرجل أتلف نصف ما بقي ثم ما بقي وهو الربع تلف بجناية ثلثه فيكون ثلث ذلك الربع
هالكا بجناية كل واحد منهم وأصل السهام من ثمانية ثم انكسر بالأثلاث فيضرب ثمانية
في ثلاثة فيكون أربعة وعشرون ثم انكسر بالانصاف لان ما تلف بجناية المشترى والأجنبي
يكون نصفين بينهما فتضعف أربعة وعشرون للكسر بالانصاف فيكون ثمانية وأربعين
التألف بجناية البائع أربعة وعشرون وبسراية جنايته أربعة فذلك ثمانية وعشرون وذلك
أربعة أثمان العبد وثلثا ثمنه لان سهام العبد ثمانية وأربعون كل ثمن ستة فأربعة وعشرون
أربعة أثمان وأربعة ثلثا الثمن وجنايته موجبه سقوط الثمن فلهذا سقط أربعة أثمان الثمن
وثلثا الثمن ويتقرر على المشترى ثلاثة أثمان الثمن وثلث الثمن حصة ما تلف بجنايته وحصة
180

ما تلف بجناية الأجنبي لان الأجنبي ضامن للقيمة فيبقى البيع فيما تلف بجناية الأجنبي تبعا
لبدله والتالف بجنايتهما وسراية جنايتهما في الحاصل عشرون وذلك ثلاثة أثمان العبد وثلث
ثمنه ويرجع المشترى على الأجنبي بثمن القيمة وثلثي ثمنها لان التالف بجناية الأجنبي نصف
العشرين وهو عشرة وذلك ثمن العبد وثلثا ثمنه فيرجع المشترى عليه بثمن القيمة وثلثي ثمن
القيمة ولا يتصدق بشئ منه وإن كان فيه فضل على حصة من الثمن لان المشترى بجنايته
يصير قابضا وجناية الأجنبي اقترنت بجناية المشترى ووجوب القيمة عليه بعد الجناية فعرفنا
ان الوجوب على الأجنبي بعد قبض المشترى فكان ذلك ربحا على ملكه وضمانه ولو كان البائع
والأجنبي هما اللذان قطعا اليد أولا ثم قطع المشترى رجله من خلاف فمات من ذلك كله
فهو على ما ذكرنا من التخريج يرتفع سهام العبد إلى ثمانية وأربعين والفائت بجناية البائع
والأجنبي أربعة وعشرون وبسراية جنايتهما ثمانية وذلك اثنان وثلاثون بينهما نصفان
فيكون الفائت بفعل كل واحد منهما ستة عشر وبجناية المشترى اثنى عشر وبسراية جنايته
أربعة فذلك ستة عشر فاما ما تلف بفعل البائع فيسقط ثمنه عن المشترى وذلك ثمنا الثمن وثلثا
ثمنه كل ثمن ستة وما سوى ذلك قيمته واجبة على المشتري أما حصة ما تلف بجنايته فغير
مشكل وكذلك حصة ما تلف بجناية الأجنبي لأنه قد وجب عليه بدله وهو القيمة فعرفنا أنه
يقرر على المشترى خمسة أثمان الثمن وثلث ثمن الثمن ويرجع المشترى على الأجنبي بثمن
القيمة وثلثي ثمن القيمة فيكون ذلك على عاقلته في ثلاث سنين لان الجناية على طرف المملوك
إذا اتصلت بالنفس تتحملها العاقلة وكما أن بدل النفس كله يكون مؤجلا في ثلاث سنين
فكذلك كل جزء من بدل النفس فعرفنا انها على الأجنبي وذلك ثمنا القيمة وثلثا ثمنها
يؤخذ من عاقلته في ثلاث سنين في كل سنة ثلث ذلك فإذا قبض المشترى ذلك فإنه يقابل
مقدار ربع القيمة بربع الثمن فإن كان فيه فضل تصدق بالفضل لان مقدر الربع وجب
بأصل جناية الأجنبي وقد كان ذلك قبل قبض المشترى فهذا ربح حصل لا في ضمانه
فيتصدق به بالفضل وأما ثلثا ثمن القيمة فهو سالم للمشترى لا يتصدق بشئ منه لان
وجوب ذلك على المشترى بسراية جنايته وقد كان ذلك بعد ما صار المشترى قابضا له بالجناية
فهو ربح حصل في ضمانه ألا ترى أن رجلا لو اشترى عبدا فلم يقبضه حتى قطع أجنبي يده
ثم قبضه على ذلك ورضيه فمات في يده من جناية الأجنبي عليه فعلى عاقلة الأجنبي قيمة
181

العبد في ثلاث سنين فإذا قبضها وفيها فضل تصدق بنصف الفضل لان ذلك ربح ما لم يضمن
واليد قطعت قبل دخول العبد في ضمانه ولا يتصدق بنصف الفضل لان السراية كانت
بعد دخول العبد في ضمان المشترى بالقبض * قال ولو قطع المشترى وأجنبي يده معا ثم قطع
البائع رجله من خلاف فمات من ذلك كله فالمشتري بالخيار لوجود الجناية من البائع بعد
جناية المشترى فقد انتقص قبض المشترى فيما تلف بجناية البائع وصار ذلك كجنايته قبل
قبض المشترى وذلك يثبت الخيار للمشتري للتغير ولم يوجد بعده من المشترى ما يكون
دليل الرضا منه فلهذا يخير بين فسخ البيع وامضائه فان اختار البيع فعليه من الثمن خمسة
أثمانه وثلث ثمنه وسقط عنه ثمنا الثمن وثلثا ثمنه حصة ما تلف بجناية البائع وبسراية جنايته وقد
بينا على التخريج الأول ان التالف بجناية البائع اثنا عشر من ثمانية وأربعين وبسراية جنايته
أربعة فذلك ستة عشر وهو ثمنا العبد وثلثا ثمنه ثم يرجع المشترى على الأجنبي بثمن القيمة
وثلثي ثمن القيمة لان التالف بجنايتهما أربعة وعشرون وسراية جنايتهما ثمانية فيكون اثنين
وثلاثين نصف ذلك على الأجنبي وذلك ستة عشر فلهذا يرجع عليه بثمن القيمة وثلثي ثمن
القيمة ولا يتصدق بالفضل إن كان في ذلك لان جناية الأجنبي كانت مع قبض المشترى
على ما بينا ان المشترى بجنايته يصير قابضا وان اختار المشترى نقض البيع لزمه من الثمن
حصة ما تلف بجنايته وسراية جنايته وذلك ثمنا الثمن وثلثا ثمن الثمن ويسقط عنه ما سوى
ذلك لانفساخ البيع فيه ويرجع البائع على الأجنبي بثمن القيمة وثلثي ثمن القيمة لأنه ظهر أن
جناية الأجنبي حصلت على ملك البائع حين انفسخ البيع فما تلف بجنايته وسراية جنايته
يقابل ذلك بما يخصه من الثمن فإن كان فيه فضل يتصدق بالفضل لأنه ربح حصل لا على ملكه
لما بينا أن أصل الجناية لم تكن على ملكه * قال وإذا اشترى الرجل من الرجلين عبدا بألف
درهم فلم ينقدهما الثمن حتى قطع أحد البائعين يد العبد ثم قطع الآخر رجله من خلاف
ثم فقأ المشترى احدى عينيه فمات من ذلك كله في يد البائعين فالمشترى مختار للبيع بجنايته
بعد جناية البائعين لان جنايتهما أوجبت الخيار له ولكن جنايته بعد جنايتهما تكون دليل
الرضا منه والاسقاط لخياره فيكون عليه من الثمن للقاطع الأول ثمن الثمن وخمسة أسداس
ثمن الثمن لان للقاطع الثاني ثمنا الثمن وخمسة أسداس الثمن لان القاطع الأول بجنايته أتلف
النصف وذلك أربعة وعشرون من ثمانية وأربعين والقاطع الثاني بجنايته أتلف نصف ما بقي
182

وذلك اثنا عشر ثم المشترى بفقء العين أتلف نصف ما بقي وهو ستة وما بقي وهو ستة تلف
بثلاث جنايات فيكون على كل واحد منهم ثلث ذلك فكان حاصل ما تلف بجناية القاطع
الأول وسراية جنايته ستة وعشرون نصف ذلك مما باع هو ونصف مما باع شريكه ففي حصة
ما باع هو يسقط من الثمن وذلك ثلاثة عشر وكل ثمن ستة فالثلاثة عشر تكون ثمن الثمن
وسدس الثمن وقد كان للقاطع الأول أربعة أثمان الثمن فإذا سقط ثمناه وسدس ثمنه بقي
له ثمن الثمن وخمسة أسداس ثمنه فلهذا يغرم المشترى له ذلك والتالف بجناية القاطع
الثاني وسراية جنايته أربعة عشر نصف ذلك مما باعه هو فيسقط بحصته من الثمن ونصفه
فيما باع شريكه كالأجنبي فعرفنا ان الساقط من حقه ثمن الثمن وسدس ثمن الثمن بقي له
ثمنا الثمن وخمسة أسداس ثمن الثمن فيغرم له المشترى ذلك ثم يرجع المشترى على القاطع
الأول بثمني القيمة وسدس ثمن القيمة وذلك ثلاثة عشر سهما من ثمانية وأربعين سهما
حصة ما تلف بجنايته وسراية جنايته مما باعه شريكه لأنه في الجناية على ذلك كأجنبي
آخر فيلزمه القيمة ويكون ذلك على عاقلته في ثلاث سنين وعلى عاقلة القاطع الثاني ثمن
قيمة العبد وسدس ثمن قيمة حصة ما تلف بجنايته وسراية جنايته مما باعه القاطع الأول
وذلك سبعة أسهم ويكون ذلك في ثلاث سنين لأنه جزء من بدل النفس فيكون في حكم
التأجيل يعتبر الجميع بدل النفس ويتصدق المشترى بما زاد من ذلك كله على ما غرم من
الثمن الأفضل سدس ثمن قيمة العبد على ما كان بمقابلته من الثمن فان ذلك يطيب له
لان ما وجب بأصل جناية كل واحد من البائعين إنما وجب قبل قبض المشترى فيلزمه
التصدق بالفضل فيه وأما ما تلف بسراية جناية كل واحد منهما فإنما تلف بعد ما صار
المشترى قابضا له فيطيب له الفضل في ذلك القدر * قال وإذا اشترى الرجلان من رجل
عبدا فلم ينقده الثمن حتى قطع أحد المشتريين يده ثم قطع الآخر رجله من خلاف
فمات العبد من ذلك كله فالبيع لازم للمشتريين بالثمن كله لأن المبيع تلف بفعلهما
وذلك قبض منهما وزيادة ويرجع القاطع الأول على القاطع الثاني بثمن القيمة ونصف
ثمن قيمته ويرجع القاطع الثاني على القاطع الأول بثمن قيمته ونصف من قيمته فيكون ذلك
على عاقلة كل واحد منهما في ثلاث سنين لان القاطع الأول بجنايته أتلف النصف والقاطع
الثاني أتلف نصف ما بقي ثم تلف ما بقي بسراية جنايتهما فيكون نصفه على كل واحد منهما
183

فحاصل ما تلف بجناية القاطع الأول أربعة وعشرون وسراية جنايته ستة فذلك ثلاثون نصف
ذلك مما اشتراه هو ونصفه مما اشتراه صاحبه فيجب عليه قيمة ذلك لصاحبه وذلك خمسة
عشر سهما وخمسة عشر من ثمانية وأربعين ثمناه ونصف ثمنه فلهذا يجب على عاقلة القاطع
الأول ثمنا القيمة ونصف ثمنها والتالف بجناية القاطع الثاني وبسراية جنايته ثمانية عشر نصفه
مما اشتراه صاحبه وهو تسعه وذلك ثمن ونصف ثمن فلهذا يجب على عاقلة القاطع الثاني ثمن القيمة
ونصف ثمن القيمة فإن كان البائع فقأ عينه بعد جنايتهما فمات من ذلك كله فللمشتريين
الخيار لوجود الجناية من البائع ولم يوجد بعدها منهما ما يكون دليل الرضا فان اختار انقض البيع
فللبائع على القاطع الأول ثمنا الثمن وسدس ثمنه وعلى الثاني ثمن الثمن وسدس ثمنه لان التالف
بجناية القاطع الأول أربعة وعشرون وبسراية جنايته سهمان ثلث ما بقي بعد جناية البائع
فذلك ستة وعشرون نصف ذلك ثلاثة عشر مما اشتراه هو فيقرر عليه حصة من الثمن وذلك ثمنا
الثمن وسدس ثمنه ونصف ذلك مما اشتراه شريكه فقد انفسخ البيع فيه بفسخه فيغرم للبائع
ثمني القيمة وسدس ثمن القيمة لأنه فيما اشترى شريكه كالأجنبي والتالف بجناية القاطع الثاني
اثنا عشر وبسراية جنايته سهمان نصف ذلك وهو سبعة مما اشتراه فلزمه حصة من الثمن
وهو ثمن الثمن وسدس ثمن الثمن ونصفه مما اشتراه شريكه فينفسخ البيع فيه بفسخه ويغرم
للبائع حصة من القيمة وذلك ثمن القيمة وسدس ثمنها فان اختار امضاء البيع كان على كل
واحد منهما ثلاثة أثمان الثمن وثلث ثمنه لأنه إنما سقط من الثمن ما تلف بجناية البائع وسراية
جنايته والتالف بجنايته ستة وبسراية جنايته سهمان فذلك ثمن وثلث ثمن والباقي عليهما من
الثمن ستة أثمان الثمن وثلثا ثمن على كل واحد منهما ثلاثة أثمان الثمن وثلث ثمنه ويرجع
القاطع الثاني على الأول بثمني القيمة وسدس ثمنها لما بينا ان التالف بفعله مما اشتراه القاطع
الثاني ثلاثة عشر سهما فيلزمه قيمة ذلك وذلك ثمنا القيمة وسدس ثمنها لأنه تلف
بفعل الثاني مما اشتراه الأول سبعة أسهم وذلك ثمن وسدس ثمن فلا تقع المقاصة بينهما فيه
لان ما يجب على كل واحد منهما من ذلك يكون على عاقلته في ثلاث سنين فلا تقع المقاصة
فيه مع اختلاف من يجب عليه * قال وإذا اشترى عبدا بألف درهم ولم ينقده الثمن حتى قطع
البائع يده ثم قطع المشترى يده الأخرى أو قطع رجله التي في جانب اليد المقطوعة فمات
من ذلك كله فقد بطل على المشترى بقطع البائع يد العبد نصف الثمن لان اليد من الآدمي
184

نصفه ثم ينظر إلى ما نقص العبد من جناية المشترى عليه في قطع يده أو رجله بخلاف ما سبق
وهو ما إذا قطع رجله من خلاف لان فعله هناك ليس باستهلاك فإنه غير مفوت لجنس
المنفعة فلهذا يجعل التالف بفعله نصف ما بقي وهنا فعله استهلاك حكما لأنه ان قطع اليد
الأخرى فقد فوت منفعة البطش وتفويت منفعة الجنس يكون استهلاكا من طريق الحكم
ولهذا لا يستحق ذلك في السرقة ولا يجوز اعتاق مقطوع اليدين في الكفارة فان قطع الرجل
التي من جانب اليد المقطوعة فقد فوت عليه منفعة المشي لأنه لا يمكنه أن يمشي بعصا بخلاف
ما إذا قطع الرجل من خلاف فعرفنا أن هذا استهلاك وان النقصان فيه أكثر فلهذا اعتبرنا
النقصان فإن كانت هذه الجناية نقصته أربعة أخماس ما بقي بأن كانت قيمته بعد قطع اليد
ألف درهم وتراجعت قيمته بجناية المشترى إلى مائتي درهم فقد تقرر على المشترى أربعة
أخماس نصف الثمن ثم الباقي وهو خمس النصف تلف بجنايتهما فيكون نصف ذلك على المشترى
فصار حاصل ما على المشترى من الثمن أربعة أعشار الثمن ونصف عشر الثمن وسقط
عنه بجناية البائع وسراية جنايته خمسة أعشار ونصف عشر * قال فان بدا المشترى فقطع
يده ثم قطع البائع رجله من خلاف ثم مات من غير ذلك ولم يحدث البائع فيه منعا
فعلى المشترى ثلاثة أرباع الثمن لأنه بقطع اليد صار قابضا لجميع العبد ثم إنما ينتقص
حكم قبضه فيما تلف بفعل البائع خاصة والتالف بفعل البائع نصف ما بقي منه وهو ربع
العبد فيسقط عن المشتري ربع الثمن ويلزمه ثلاثة أرباع الثمن نصف الثمن حصة
ما تلف بجنايته وربع الثمن حصة ما بقي من العبد لان حكم قبض المشترى بقي فيه وقد تلف
لا بسراية جناية البائع فيتقرر ثمنه على المشترى ولو لم يمت البعد وبرأ كأن المشترى
بالخيار لان حكم قبضه انتقض فيما تلف بجناية البائع وذلك يثبت الخيار للمشترى ولم يوجد
منه بعد ذلك ما يدل على الرضا فكان على خياره ان شاء أخذه وأعطاه ثلاثة أرباع الثمن
نصف الثمن حصة ما تلف بقطعه اليد وربع الثمن حصة الباقي من العبد وان شاء تركه
وأعطى نصف الثمن بقطعه اليد ولو أراد المشترى أخذه فمنعه البائع حتى يعطيه ثلاثة أرباع
الثمن فمات في يده من غير جنايتهما فليس على المشترى الا نصف الثمن لان حكم قبضه
انتقص فيما بقي حين منعه البائع فإنما تلف ما بقي في ضمان البائع فلهذا لا يجب على المشترى
من الثمن الا حصة اليد وذلك نصف الثمن والله أعلم
185

(باب زيادة المبيع ونقصانه قبل القبض)
قال وإذا اشتري الرجل جارية بألف درهم وقيمتها ألف درهم فولدت عند البائع بنتا
تساوى ألف درهم ونقصت الولادة الأم فالمشترى بالخيار ان شاء أخذهما بجميع الثمن وان
شاء تركهما لأنها تعيبت في ضمان البائع والعيب الحادث قبل القبض فيها يجعل كالمقترن بالعقد
ونقصان الولادة وإن كان منجبرا بالولد فالخيار يثبت للتغير كما لو قطعت يدها وأخذ
البائع الأرش فان اختار المشترى أخذهما فلم يأخذهما حتى ولدت البنت بنتا تساوى ألفا
وقد نقصتها الولادة فالمشترى أيضا بالخيار لان الزيادة الحادثة قبل القبض كالموجودة عند
العقد حتى يصير بمقابلتها حصة من الثمن إذا قبضت وأنه يثبت للمشترى فيها حق القبض
كما يثبت في الأصل فكما أنه يستحق سلامة الأصل عن العيب ويثبت له الخيار إذا لم يسلم
فكذلك يثبت الخيار للنقصان المتمكن في الزيادة بسبب الولادة لأنه إنما رضى بنقصانها على
أن يسلم له الزيادة سليمة عن النقصان فإذا لم يسلم كان هو على خياره فإذا زادت الوسطى حتى
صارت تساوى ألفين فقبضهن جميعها والأم قد رجعت قيمتها إلى خمسمائة ثم وجد بالأم عيبا
ردها بربع الثمن وهذا لان الوسطى والسفلى كلاهما زيادة في الأم فان الوسطى تبع الأم
في العقد ولا تبع للتبع فإذا لم يمكن جعل السفلى تبعا للوسطى جعلناهما كولدين للأم ثم الأصل
في قسمة الثمن أنه يعتبر قيمة الأم وقت العقد وقيمة الولد وقت القبض لان الزيادة إنما
تصير مقصودة بالقبض وإنما يكون لها حصة من الثمن إذا صارت مقصودة فاما البيع
فلا حصة له من الثمن ما لم يصر مقصودا كأطراف المبيع وقيمة الأم عند العقد ألف درهم
وقيمة الوسطى عند القبض ألفان وقيمة السفلي ألف فجعلنا كل ألف سهما وإذا جعلنا كل
ألف سهما انقسم الثمن على أربعة أسهم سهم بإزاء الأم فيردها بذلك إذا وجد العيب بها
وسهمان بإزاء الوسطى فيردها بالعيب بنصف الثمن وسهم بإزاء السفلى فيردها بالعيب بربع
الثمن لان كل واحدة منهن لما صارت مقصودة بالقبض التحقت بالموجود عند العقد في
استحقاق المشترى صفة السلامة فيها وعند وجود العيب إنما يرد المعيب خاصة بعد القبض
وقد بينا هذا فيما سبق * قال وإذا اشتري أمتين بألف درهم قيمة إحداهما خمسمائة وقيمة
الأخرى ألف درهم فولدت كل واحدة منهما ولدا يساوي ألفا ثم أعورت التي كانت تساوى
186

ألفا فاختار المشترى أخذ ذلك كله بالثمن فقبضهن جميعا ودفع الثمن ثم وجد بالعوراء عيبا وقيمتها
خمسمائة ردها بثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث لان ولد كل واحدة منهما يتبعها فيما يخصها
من الثمن والانقسام أولا على قيمة الأمتين لأنهما مقصودتان بالعقد وولد كل واحدة منهما
زيادة فيها دون الأخرى فيقسم الثمن على قيمة الجاريتين وقت العقد وقيمة العوراء وقت
العقد ألف درهم وقيمة الأخرى خمسمائة فكان ثلثا الثمن حصة العوراء ثم ينقسم حصتها
من الثمن على قيمتها وقت العقد وقيمة ولدها وقت القبض وذلك ألف فانقسم نصفان
نصفه حصة ولدها ونصفه حصة العوراء وذلك ثلث الألف فبذلك يردها بالعيب ولو
وجد العيب بالأمة الأخرى ردها بمائة واحد عشر درهما وتسع درهم لان حصتها ثلث
الثمن فانقسم ذلك على قيمتها وقت العقد وهو خمسمائة وقيمة ولدها وقت القبض وهو
ألف درهم فيردها بذلك * قال وإذا اشترى شاة فولدت قبل القبض فليس للمشترى
أن يترك البيع لان الولادة زيادة في البهائم فلا يتمكن بها نقصان في الأصل فالمشتري يجبر
على قبضها لأنه لما كان راضيا بلزوم العقد قبل حدوث الزيادة فهو راض بلزومه بعد حدوثها
فان وجد بالأم عيبا قبل القبض فهو بالخيار ان شاء أخذهما بجميع الثمن وان شاء تركهما
جميعا وليس له أن يأخذ إحداهما دون الأخرى لان الزيادة قبل القبض تبع في العقد
لا حصة لها من الثمن وثبوت الحكم في التبع بثبوته في الأصل ولأنه لو رد الأصل وحدها
ردها بجميع الثمن إذ لا حصة للولد ما لم يصر مقصودا بالقبض وبعد ما ردها بجميع الثمن
لو بقي العقد في الولد أخذه بغير شئ فيكون فضلا خاليا عن المقابلة مستحقا بالتبع مقبوضا
به وهو الربا بعينه وان وجد بالولد عيبا فلا خيار له فيه وهما لازمان له لان بوجود العيب
يظهر فوات جزء من الولد ولو مات الولد قبل القبض أخذ الأم بجميع الثمن ولا خيار له
فيها فكذلك إذا فات جزء من الولد وهذا لان الزيادة لما فاتت من غير صنع أحد صارت
كأن لم تكن وقبل حدوثها كان العقد لازما له في الأصل بجميع الثمن فكذلك بعد فواتها
وهذا بخلاف ما إذا وجد العيب بالولد بعدما قبضهما لان الولد بالقبض صار مقصودا فصار
له حصة من الثمن فباعتبار العوض بمقابلته يستحق المشترى صفة السلامة فيه فإذا وجد
المشترى به عيبا رده فاما قبل القبض فلا حصة له من الثمن واستحقاق صفة السلامة عن
العيب باعتبار العوض ألا ترى أنه لا يستحق ذلك في الموهوب وإن كان البائع هو الذي
187

قتل الولد فقد صار الولد مقصودا باتلاف البائع إياه ولو صار مقصودا بقبض المشترى
إياه كان له حصة من الثمن فكذلك إذا صار مقصودا باتلاف البائع وقد قررنا هذا في طرف
المبيع انه إذا فات من غير صنع أحد لا يسقط شئ من الثمن وإذا أتلفه البائع يسقط حصته
من الثمن فكذلك هذا في الولد الذي هو تبع فيقسم الثمن على قيمة الأم وقت البيع وعلى
قيمة الولد يوم قتله البائع فما أصاب الولد بطل عن المشترى وأخذ الأم بما بقي ولا خيار له
في ذلك عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله له الخيار وهذه هي الخلافية التي
ذكرناها في الثمار وتنصيصه على الخلاف هنا يكون تنصيصا ثمة إذ لا فرق بينهما * قال وإذا
اشترى الرجل من الرجل جارية بألف درهم واحدى عينيها بيضاء وقيمتها ألف درهم فولدت
ولدا يساوى ألفا ثم ذهب البياض من عينها فصارت تساوي ألفين ثم إن البائع ضرب العين
التي كانت في الأصل صحيحة فابيضت ورجعت قيمتها إلى ألف درهم وبياض العين
ينقصها أربعة أخماس القيمة الأولى لو كانت العين الأولى بيضاء على حالها فانى لست ألتفت
إلى الزيادة لكي انظر كم كان ينقصها البياض لو كان بياض العين الأولى على حاله فإذا كان
ينقصها أربعة أخماس القيمة الأولى وذلك ثمانمائة درهم فالمشترى بالخيار ان شاء أخذها
بستة أعشار الثمن وان شاء تركها اما ثبوت الخيار فلأنها تغيرت في ضمان البائع بفعله ثم ذهاب
البياض عن العين الأولى زيادة متصلة ولا معتبر بالزيادة المتصلة في عقود المعاوضات لما بينا
أن المعتبر في الانقسام قيمتها وقت العقد فوجود هذه الزيادة كعدمها ولو لم يذهب البياض
عن عينها حتى ضرب البائع العين الصحيحة فابيضت فإنه يعتبر فيه النقصان فيها لأنها عميت
بفعله وذلك استهلاك حكما فيكون المعتبر فيه النقصان فلهذا قال ينظر إلى ما نقصها القيمة
الأولى ثم الثمن ينقسم على قيمتها وقت العقد وقيمة ولدها وقت القبض وهما سواء فانقسم
نصفان نصف الثمن حصة الولد ونصفه حصة الأم فإذا كان النقصان أربعة أخماس القيمة
الأولى سقط عن المشترى أربعة أخماس النصف وتبين أن جميع الثمن صار على عشرة
أسهم نصفه وهو خمسة حصة الولد وسهم واحد حصة ما بقي من الأم فإذا قبضهما ثم وجد
بالأم عيبا ردها بحصتها من الثمن وهو سدس ما أخذهما به ولو وجد العيب بالولد رده بحصته
وهو خمسه أسداس ما أخذهما به ولو لم يكن البائع ضرب العين الصحيحة ولكنه ضرب
العين التي كان بها البياض بعد ما ذهب البياض فعاد إلى الحالة الأولى فالمشترى بالخيار في
188

قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ان شاء أخذهما بثلثي الثمن وان شاء تركهما ولان ذهاب
البياض كان زيادة متصلة فقد انفصلت بفعل البائع فهي كزيادة متصلة أتلفها البائع بان ولدت
ولدا آخر قيمته ألف فقتله البائع ولو كان كذلك لكان يقسم الثمن على قيمة الأم وقت
العقد وقيمة الولد من حين يصير كل واحد منهما مقصودا والقيمة سواء فيقسم الثلث أثلاثا
وحصة ما أتلف البائع ثلث الثمن فيسقط ذلك عن المشتري ويتخير فيما بقي عندهما وعند
أبي حنيفة لا خيار له بمنزلة الزيادة المنفصلة في البهائم إذا أتلفها البائع لان تلك الزيادة
لا تمكن نقصانا في الأصل وهذه الزيادة مثل تلك فإن كان أخذهما ثم وجد بإحداهما عيبا رده
بنصف ما أخذهما به لما بينا أن حصة كل واحد منهما ثلث الثمن وهذا بخلاف الأول
وهو ما إذا كانت جناية البائع على العين الصحيحة لان الزيادة هناك لم تزايل البدن فلا
معتبر بها وهنا الزيادة زايلت البدن بصنع البائع فوجب اعتبارها * قال وإذا اشترى جارية بألف
وقيمتها ألف واحدى عينيها بيضاء فذهب البياض فصارت تساوى الفين ثم إن عبدا لأجنبي
ضرب تلك العين فعاد بياضها ودفعه مولاه وقيمته خمسمائة درهم فأخذهما المشترى بجميع الثمن
ثم إنه وجد بالعبد عيبا فإنه يرد بثلث الثمن لان العبد المدفوع بالعين قائم مقامها وذهاب
البياض عن تلك العين كان زيادة متصلة وقد انفصلت فيجعل كولد ولدته الجارية وإنما ينقسم
الثمن على قيمتها وقت العقد وقيمة الولد وقت القبض فكذلك يعتبر قيمة العبد المدفوع في
الانقسام وقت القبض بحكم العقد لا وقت الدفع بالجناية لان ذلك ليس من حكم العقد في
شئ وقيمته وقت القبض خمسمائة فانقسم الثمن أثلاثا ثلثه بإزاء العبد يرده بذلك أن وجد
به عيبا وثلثاه بإزاء الجارية ان وجد العيب بها يردها بذلك وإن كان المشترى لم يقبض
العبد حتى زاد في يد البائع فصار يساوى ألف درهم ثم قبضهما المشترى فوجد بإحداهما
عيبا رده بنصف الثمن لما بينا ان المعتبر قيمة العبد وقت القبض بحكم العقد وهي مساوية
لقيمة الأمة وقت العقد فانقسم الثمن عليهما نصفين * قال وإذا اشترى جارية تساوى ألفا ففقأ
البائع عينها ثم ولدت بعد الفق ء ولدا يساوى ألفا أخذهما المشترى بنصف الثمن لان البائع
لما فقأ عينها فقد سقط عن المشترى نصف الثمن لأن العين من الآدمي نصفه ثم لما ولدت
انقسم ما بقي من الثمن على قيمتها وقيمة ولدها فإن كان الفق ء بعد الولادة أخذهما ان شاء بثلاثة
أرباع الثمن لأنها حين ولدت وهي صحيحة فقد انقسم جميع الثمن على قيمتها وقيمة الولد
189

بشرط بقاء الولد على هذه القيمة إلى وقت القبض وقد بقي فظهر أن نصف الثمن كان بمقابلة
الولد ونصفه حصة الأم فلما فقأ البائع العين فإنما يسقط نصف حصتها من الثمن وذلك ربع
الثمن فاما إذا كان الفق ء قبل الولادة فقد كان جميع الثمن فيها حين فقأ البائع عينها فلهذا
يسقط نصف الثمن * قال ولا يشبه الرهن في هذا البيع يعنى في الرهن في هذه الصورة لا فرق
بين الولادة قبل ذهاب العين وبين الولادة بعد ذهاب العين ويكون الساقط ربع الدين
في الموضعين جميعا وبالولادة بعد ذهاب العين هناك يعود بعض ما كان ساقطا وفي البيع
لا يعود والفرق بينهما أن سقوط الثمن بفقء البائع العين إنما كان بطريق انفساخ العقد فيما
أتلفه البائع والبيع بعد ما انفسخ لا يعود بحدوث الزيادة وأما في الرهن فسقوط الدين بطريق
المرتهن صار مستوفيا والاستيفاء يقرر الدين ولا يسقطه فإذا حدثت الزيادة فقد حدثت
في حال قيام الدين كله لكونه منتهيا بالاستيفاء فلهذا يعود باعتبار أن الزيادة بعض ما كان
ساقطا وتجعل الزيادة الحادثة بعد ذهاب العين كالزيادة قبل ذهاب العين ألا ترى أنه لو
اشترى شاة فماتت قبل القبض ثم دبغ البائع جلدها لا يعود العقد في حصة الجلد. ولو أن
الشاة المرهونة ماتت وحكم بسقوط الدين ثم دبغ المرتهن جلدها عاد من الدين ما يخص الجلد
وكان الفرق ما ذكرنا وتحقيقه من حيث المعنى أن الفسخ ضد ما هو مقصود بالعقد فإنما
يسقط بعض الثمن عن المشترى بما هو ضد المقصود بالعقد فلا يجعل العقد فيه كالقائم حكما
وأما سقوط الدين بهلاك بعض المرهون فيحقق ما هو المقصود بالعقد لان المقصود بعقد
الرهن الاستيفاء أو إنما يتم ذلك بهلاك الرهن فلهذا يجعل كان العقد في الكل قائم حكما
حين حدثت الزيادة فيسقط نصف ما يخص الأم وذلك ربع الدين ثم الرهن والبيع يفترقان
من وجه آخر وهو أن في البيع إذا ذهبت العين من غير صنع أحد لا يسقط شئ من
الثمن وفي الرهن بذهاب العين من غير صنع أحد يسقط نصف الدين لان ضمان الرهن يثبت
بالقبض والأوصاف تصير مضمونة بالقبض وإذا فاتت من غير صنع أحد وذلك كأوصاف
المغصوبة وفي البيع الضمان بالعقد فإذا فاتت من غير صنع أحد قلنا لا يسقط شئ من الثمن
بفواتها * قال وإذا اشترى جارية بألف درهم تساوى ألفا وهي بيضاء احدى العينين ففقأ البائع
العين الباقية فصارت تساوى مائة درهم أخذها المشترى بمائة درهم ان شاء لان فعل البائع
استهلاك لها حكما ويعتبر نقصان القيمة فيما يسقط من الثمن به فإذا لم يأخذها حتى ذهب
190

بياض عينها الأولى فصارت تساوي ألفا فالمشترى على خياره ان شاء أخذها بمائة درهم
وان شاء تركها لان ذهاب البياض عن العين الأخرى زيادة متصلة ولا معتبر بها في حكم
البيع فان ضرب عبد هذه العين التي برئت فعاد بياضها فمولى العبد بالخيار ان شاء دفعه
بالجناية وان شاء فداه بأرش الجناية وهو ثمانمائة درهم فان دفعه وقيمته خمسمائة درهم أخذها
المشترى بمائتي درهم لما بينا أن العقد انفسخ في أربعة أخماسها بفقء البائع عينها وكما لا يعود
شئ من ذلك بولد تلده فكذلك لا يعود بالعبد المدفوع بالجناية لأنه قائم مقام الزيادة المتصلة
وقد صارت منفصلة فهو كولد ولدته فلهذا يأخذهما المشترى بمائتي درهم ان شاء فان قبضهما
فوجد بالجارية عيبا ردها بسبعي الثمن الذي نقد وهو مائتا درهم وان وجد بالعبد عيبا رده
بخمسة أسباعه لان ما بقي من الثمن وهو مائتا درهم انقسم على قيمة ما بقي منها وذلك
مائتان وعلى قيمة العبد وقت القبض وهو خمسمائة درهم فإذا جعلت كل مائة سهما كانت
القسمة أسباعا خمسة أسباعه حصة العبد فيرده به وسبعاه حصة الجارية فيردها بذلك
وإنما اعتبرنا في الانقسام قيمة ما بقي منها ولم نعتبر قيمتها وقت العقد لأن العقد قد
انفسخ في أربعة أخماسها وإنما يعتبر في الانقسام قيمة ما بقي حكم العقد فيه لا قيمة ما انفسخ
العقد فيه ولو كان البائع لم يفقأ عينها حتى ذهب بياض عينها فصارت تساوي ألف درهم ثم إن
عبدا ضرب العين التي برئت فعاد بياضها ثم إن البائع فقأ العين الباقية فصارت تساوى
مائتي درهم فمولى العبد بالخيار ان شاء دفعه وان شاء فداه بألف درهم لان الفداء يكون
بأرش الجناية وأرش الجناية هنا ألف درهم فقد كانت قيمتها عند الجناية ألفي درهم فمات
بذهاب العين نصفها وتراجعت قيمتها إلى ألف درهم فان دفعه وقيمته خمسمائة أخذها
المشترى ان شاء بخمسي الثمن وثلث خمس الثمن ويبطل عنه بفقء البائع عين الجارية خمسا
الثمن وثلثا خمس الثمن لان العبد مدفوع بما فوته من الزيادة المتصلة فهو بمنزلة ولد ولدته
يساوى خمسمائة وعند ظهوره جميع العقد فيها قائم فانقسم الثمن على قيمتها وقت العقد وقيمة
العبد وقت القبض أثلاثا ثلثه بإزاء العبد وثلثاه بإزاء الجارية ثم بفقء البائع عينها سقط
أربعة أخماس ما فيها وبقي الخمس فإذا أردت تصحيح ذلك فالسبيل أن تضرب ثلاثة في
خمسة فتكون خمسة عشر حصة الأم من ذلك عشرة والساقط ثمانية من هذه العشرة
وثمانية من خمسة عشر خمساه وثلثاه خمسه لان كل خمس ثلاثة فخمساه ستة وثلثا خمسه سهمان
191

فيسقط ذلك عن المشترى ويأخذهما بما بقي وهو سبعة من خمسة عشر وذلك خمساه وثلث
خمسه والله أعلم
(باب قبض المشترى باذن البائع أو بغير إذنه)
قال وإذا اشتري الرجل من الرجل عبدا بألف درهم حالة فليس للمشتري أن يقبض
العبد حتى يعطى الثمن عندنا وهو أحد أقاويل الشافعي وقال في قول على البائع تسليم المبيع أولا
لان ملك المشتري ثبت بالعقد في العين وملك البائع دينا في ذمة المشتري والملك في العين
أقوى ووجوب التسليم بحكم الملك وفي قول آخر يسلم كل واحد منهما بيد ويقبض بيد
لان قبضه لمعاوضة التسوية فكما اقترن ثبوت الملك لأحدهما بثبوت الملك للاخر فكذلك
القبض كما في بيع المقابضة ولكنا نقول قصة المعاوضة التسوية وقد عين البائع حق المشترى
في المبيع فعلى البائع أن يعين حق البائع في الثمن ولا يتعين الثمن الا بالقبض فلهذا كان أول
التسليمين على المشترى بخلاف بيع المقابضة فهناك حق كل واحد منهما متعين وهذا هو
الجواب عن قوله ان ملك المشتري أقوى فانا إنما نوجب عليه تسليم الثمن أولا لهذا المعنى
وهو أنه لما يقوى ملكه في المبيع فعليه أن يسوى جانب البائع في ملك الثمن بجانب نفسه
ولا يكون ذلك إلا بالتسليم وكذلك نقده الثمن الا درهما لان سقوط حق البائع في
الجنس متعلق بوصول الثمن إليه فما لم يصل إليه جميع الثمن لا يتم الشرط ويبقى حق البائع
في الحبس إلا أن يكون الثمن مؤجلا فحينئذ ليس للبائع أن يحبس المبيع قبل حلول الأجل
ولا بعده لان قبل حلول الأجل ليس له أن يطالب بالثمن وإنما يحبس المبيع بما له أن
يطالبه من الثمن وأما بعد حلول الأجل فلان حق الحبس لم يثبت له بأصل العقد فلا
يثبت بعد ذلك تبعا بهذا الحق ما كان له من استحقاق اليد قبل البيع فإذا لم يبق ذلك بعد
العقد لا يثبت ابتداء بحلول الاجل وذكر هاشم عن محمد رحمهما الله في نوادره أنه إذا أجله
في الثمن شهرا ثم لم يسلم البائع المبيع إلى المشترى حتى مضى شهر فعلى قول أبي حنيفة إن كان
الاجل شهرا بعينه فيمضيه بحل الثمن وإن كان شهرا بغير عينه فعلى البائع أن يسلم
المبيع وليس له أن يطالب بالثمن حتى يمضى شهر بعد التسليم وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما
الله له أن يطالب بالثمن في الوجهين جميعا لان مطلق الشهر في الاجل ينصرف إلى الشهر
192

الذي يعقب العقد عيناه أو لم يعيناه كما في الإجارات والايمان هذا هو القياس الظاهر وما
ذهب إليه أبو حنيفة نوع استحسان بناء على مقصودهما فالمقصود أن يتصرف المشترى
في المبيع في الشهر ويؤدى الثمن عند مضيه ويستفصل لنفسه ولا يحصل هذا المقصود إذا
لم يسلم المبيع إليه فلهذا قال في الشهر المطلق يكون ابتداؤه من حين يسلم إليه المبيع فان نقد
المشترى الثمن وهو حال ولم يقبض المبيع حتى وجد البائع الدراهم زيوفا أو نبهرجة أو ستوقا
أو رصاصا أو استحقت من يده فللبائع ان يمنع المشترى من قبض العبد حتى يعطيه الثمن
مثل شرطه لان الرد بهذه الأسباب ينقض القبض من الأصل فيلتحق بما لم ينقد الثمن
وكذلك لو وجد بعض الثمن بهذه الصفة وإن كان ذلك درهما واحدا لان القبض قد انتقض
في ذلك المردود فكأنه لم يقبض ذلك القدر وإن كان المشترى قبض العبد من البائع باذنه ثم إن
البائع وجد الثمن أو بعضه على ما وصفنا فإن كان الذي وجد ستوقا أو رصاصا كان له أن
يأخذ العبد حتى يدفع إليه المشترى مكان الذي وجد من ذلك جيادا على ما شرطه لان
المقبوض ليس من جنس الدراهم حتى لو تجوز به في الصرف والسلم لم يجز وإنما لم يسلم البائع
المبيع إليه على أن المقبوض ثمن فإذا تبين انه لم يكن ثمنا لم يكن هو راضيا بالتسليم فكان المشتري
قبضه بغير إذنه وكذلك أن استحق المقبوض من يده لان المستحق وإن كان من جنس
الدراهم ولكن البائع إنما رضى بالتسليم بشرط ان يسلم له المقبوض فإذا لم يسلم كان هو على
حقه في الحبس وإن كان وجد الثمن أو بعضه زيوفا أو نبهرجة استبدلها من المشترى لان
المستحق له بمطلق التسمية الدراهم الجياد فان المعاملات عرفا بين الناس بالجياد وبمطلق عقد
المعاوضة تستحق صفة السلامة عن العيب والزيافة عيب في الدراهم فكان له أن يستبدل
الزيوف بالجياد وليس له أن يسترد العبد فيحبسه بالثمن عندنا * وقال زفر له ذلك وهو رواية
عن أبي يوسف لأنه إنما سلم المبيع على أن المقبوض من الثمن حقه وقد تبين انه لم يكن حقا
له لان حقه في الجياد والمقبوض زيوف والثمن دين في الذمة فيختلف باختلاف الأوصاف وإذا
لم يكن المقبوض حقه لم يتم رضاه بالتسليم فهو والستوق سواء. يوضحه ان الرد بالعيب الزيافة
ينقض القبض من الأصل ولهذا ينفرد به الراد ويرجع بموجب العقد لا بموجب تسليم الثمن
مرتين فلا يتمكن من الرجوع بموجب العقد ما لم ينتقض القبض من الأصل وإذا انتقض عاد
حقه في المجلس كما كان قبل استيفاء الثمن. وجه قولنا أنه سلم المبيع قبل قبض الثمن فصح
193

تسليمه وبعد صحة التسليم لا يعود حق البائع في الحبس لان من ضرورة صحة التسليم سقوط
حقه في الحبس والمسقط يكون مثلا شيئا لا يتصور عوده لهذا قلنا لو أعار المبيع من المشتري
أو أودعه منه سقط حقه في الحبس وكذلك لو أجله في الثمن سقط حقه في الحبس ثم لا يعود
بحلول الاجل وبيان لوصف أن الزيوف والتبهرجة من جنس الدراهم الا ان بها عيبا والعيب
بالشئ لا يبدل جنسه ولهذا لو تجوز به في الصرف والسلم جاز وكان مستوفيا لا مستبدلا
فكان البائع بقبضها قابضا للثمن وتسليم المبيع بعد قبض الثمن صحيح ثم بالرد ينتقض قبضه من
الأصل كما قال ولكن في الحكم الذي يحتمل النقض بعد الثبوت دون مالا يحتمل ذلك ألا
ترى أن المولى إذا قبض بدل الكتابة فوجده زيوفا فرده لا يبطل العتق وكذلك لو حلف
لا يفارق غريمه حتى يستوفى حقه فاستوفي حقه ثم وجد المقبوض زيوفا فرده لا يبطل به حكم
البر في اليمين فقد بينا ان حق البائع في الحبس بعد ما سقط لا يتصور عوده فلا يعود بانتقاض
القبض بالرد أيضا بخلاف الستوق والرصاص فهناك يتبين انه لم يقبض الثمن وان تسليمه لم يكن
صحيحا وبخلاف المستحق لان قبض المستحق موقوف على إجازة المستحق فالتسليم الذي ينبنى
عليه يكون موقوفا أيضا ولا يكون صحيحا مطلقا وإن لم يرتجع البائع من المشترى العبد ولم
يجد في الثمن شيئا مما ذكرنا حتى باع المشترى العبد أو وهبه وسلمه أو رهنه وسلمه أو أجره
ثم وجد البائع في الثمن بعض ما ذكرنا فجميع ما صنع المشترى في العبد جائز لا يقدر البائع على
رده ولا سبيل له على العبد لان المشترى تصرف فيه بعد القبض وإنما تصرف فيه بتسليط
البائع فالبيع والتسليم تسليط له على التصرف ألا ترى ان في البيع الفاسد لا يتمكن البائع من
نقض تصرفه فلما حصل بتسليط صحيح كان أولى ولو كان المشترى قبض العبد بغير إذنه ثم
صنع فيه بعض ما ذكرنا ثم وجد البائع بعض الثمن على ما ذكرنا كان له أن ينقض جميع ما
صنع المشترى فيه ويسترده حتى يوفيه المشترى الثمن لان تصرف المشترى حصل لا بتسليط
من البائع فالقبض منه كان بغير إذن وذلك لا يسقط حق البائع في الحبس ولما ظهر أن
الثمن كان على ما وصفنا فقد ظهر أن حق البائع باق في الحبس لم يسقط حكما بوصول حقه
ولا أسقطه باختياره بتسليم المبيع إلى المشترى فكان له أن ينقض جميع ما تصرف فيه
المشترى إذا كان محتملا للقبض بان كان البائع لما علم بقبض المشترى العبد سلم ذلك ورضى
به والمسألة على حالها كان هذا مثل اذنه له في القبض لأنه أجاز قبضه في الانتهاء وتأثير اجازته
194

في اسقاط حقه كتأثير اذنه في الابتداء * قال ولو كان لرجل على رجل ألف درهم فرهنه
بها عبدا يساوى ألفا فقبضه المرتهن ثم قضاه لراهن دراهمه ولم يقبض الرهن حتى وجد
المرتهن الدراهم أو بعضها زيوفا أو نبهرجة أو ستوقا أو رصاصا أو استحقت من يده فاعلم
أن الجواب في الرهن في جميع ما ذكرنا كالجواب في البيع لان المرهون محبوس بالدين كما
أن المبيع محبوس بالثمن الا في خصلة واحدة وهي ما إذا وجد المرتهن المقبوض زيوفا فرده
وقد كان الراهن قبض الرهن باذنه فللمرتهن أن يسترده ويحبسه بالدين بخلاف البيع وزفر
يستدل في الخلافية به والفرق أن تسليم المرتهن العين إلى الراهن ليس بمسقط حقه في
الحبس وإن كان صحيحا في نفسه ألا ترى أنه لو سلم المرهون إلى الراهن على طريق العارية
أو الوديعة كان له أن يسترده فكذلك إذا سلمه بعد قبض الزيوف فإنما المسقط لحقه كمال
وصول حقه إليه ولم يوجد بخلاف المبيع فالتسليم الصحيح من البائع مسقط حقه في الحبس
وهذا لان الثابت للمرتهن بعقد الرهن بدل الاستيفاء فيبقى حقه ما لم يستوف حقه وقد
تبين أنه لم يستوف حقه ألا ترى أن مع التأجيل في الدين يكون له أن يحبس الرهن فأما في
البيع فحق الحبس للبائع باعتبار توجه المطالبة له بالثمن حتى لو أجله في الثمن لم يبق حقه في
الحبس وبعد قبض الزيوف ليس له حق المطالبة بالثمن ما لم يرد المقبوض فلهذا سقط حقه
في الحبس إذا سلم المبيع قبل أن يرد المقبوض * قال وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا بألف
درهم فلم يقبضه حتى وكل رجلا يقبضه فقبضه الوكيل بغير أمر البائع ولم ينقد البائع الثمن
فهلك العبد في يد الوكيل فللبائع أن يضمن الوكيل قيمة العبد فيكون في يده حتى يعطيه
المشترى الثمن لان بالبيع المبيع صار مملوكا للمشترى ولكنه محبوس في يد البائع ما لم يصل
إليه الثمن فقبض الوكيل في حق البائع جناية بمنزلة الغصب ولو غصبه منه غاصب فهلك في يده
كان للبائع أن يضمنه القيمة وهذا نظير المرهون إذا قبضه وكيل الراهن بغير رضا المرتهن
فهلك في يده يكون ضامنا حقا للمرتهن وهذا بخلاف ما لو كان المشترى قبضه بنفسه فهلك
عنده فإنه لا يكون ضامنا للقيمة لان قبض المشترى يقرر عليه ضمان الثمن فلا يوجب عليه
ضمان القيمة إذ لا يجوز أن يجتمع الضمانان على واحد بسبب قبض واحد فاما قبض الوكيل
فلا يوجب عليه ضمان الثمن فيكون موجبا ضمان القيمة لحق البائع ثم استرداد البائع القيمة
منه كاسترداد العبد لو كان باقيا إذ القيمة تقوم مقام العين وإنما سميت قيمة لقيامها مقام العين
195

فإذا أعطاه الثمن رجعت القيمة إلى الوكيل لان الوكيل في حق المشترى كان أمينا ممتثلا
لامره وإنما كان ضمان القيمة عليه لحق البائع فإذا سقط حقه رجعت القيمة إلى الوكيل
كما لو أوفى المشترى الثمن قبل أن يضمن البائع الوكيل ولو نويت القيمة عند البائع سقط
الثمن عن المشترى لان استرداد القيمة كاسترداد العين ولو استرد العين فهلك عنده انفسخ
البيع وسقط الثمن فكذلك إذا استرد القيمة ثم يتبع الوكيل المشترى في القيمة لأنه في القبض
كان عاملا له بأمره وقد لحقه فيه ضمان فيرجع به عليه ولو كان المشترى أعتق المبيع قبل
القبض لم يكن عليه ضمان القيمة لان اعتاقه إياه بمنزلة القبض ولو قبضه فهلك في يده لم
يكن عليه ضمان القيمة فكذلك إذا أعتقه ولو كان الوكيل هو الذي قبض العبد باذن
المشترى ثم أعتقه المشترى فهذا وموت العبد في يد الوكيل سواء في حق البائع لأنه تعذر
عليه استرداده بهذا السبب فهو كتعذر الاسترداد بالموت في يده وهذا لان أمر المشترى
الوكيل بالقبض غير معتبر في حقه لأنه لا يملك قبضه بنفسه لحق البائع في الحبس فكذلك
لا يملك أن يأمر غيره به * قال ولو أن المشترى أمر رجلا بعتق العبد وهو في يد البائع فأعتقه
المأمور ففي قول أبى يوسف الأول هذا وأمره بالقبض سواء في جميع ما ذكرنا من التفريع
لان اعتاق المبيع بمنزلة القبض فكذلك إذا وكل الغير به فهو والوكيل بالقبض سواء ألا ترى
ان المشترى لو باشره بنفسه كان ذلك بمنزلة قبضه فكذلك إذا وكل الغير به فهو والوكيل
بالقبض سواء ثم رجع وقال لا ضمان على الوكيل في هذا الفصل ولكن يرجع البائع على
المشترى بالثمن وهو قول محمد وهو رواية عن أبي حنيفة ووجه ذلك أن الوكيل بالاعتاق
معبر عن المشترى فيكون ذلك كاعتاق المشترى بنفسه وذلك يقرر عليه الثمن فلا يوجب
ضمان القيمة كما لو أعتقه بنفسه وتقرير هذا انه بكلمة الاعتاق إذا جعله مقصورا عليه
لا يحصل به الاتلاف ولا يبطل به حق البائع وإنما يحصل به الاتلاف إذا انتقلت عبارته
إلى المشترى ألا ترى أنه لو أعتقه بغير إذن المشترى كان اعتاقه باطلا ولا يجب على المعتق له
ضمان وإذا نقلنا عبارته إلى المشترى كان هذا مقررا للثمن عليه فلا يكون موجبا ضمان القيمة
فاما القبض ففعل محسوس يوجب الحكم على القابض إذا جعل مقصورا عليه ألا ترى أنه لو
قبضه بغير إذن المشترى كان موجبا عليه ضمانه فكذلك إذا قبضه باذنه لأنه لا معتبر باذنه في
حق البائع وإذا اقتصر حكم القبض على القابض في حق البائع كان هو ضامنا للقيمة ولو
196

أعتق المشترى المبيع قبل القبض وهو معسر فليس البائع أن يستسعى العبد في شئ رجع أبو
يوسف عن هذا وقال له أن يستسعى العبد في الأقل من قيمته ومن الثمن وذكر هذا القول
في نوادر هشام وجعله قياس المرهون إذا أعتقه الراهن وهو معسر ووجه الفرق بينهما على ظاهر
الرواية أن بعقد الرهن يثبت للمرتهن حق الاستيفاء من مالية الرهن وتلك المالية احتبست
عند العبد باعتاق الراهن إياه فكان له أن يستسعى العبد إذا تعذر عليه الوصول إلى حقه لعسرة
الراهن فاما البائع فما كان له حق استيفاء الثمن من مالية المبيع ولكن كان له ملك العين واليد
فأزال ملك العين بالبيع وبقي له اليد إلى أن يصل إليه الثمن وباعتاق المشترى العبد فات محله
ومجرد اليد ليس يقوم على العبد فلا يستسعيه لأجل ذلك. يوضحه ان حق البائع في الحبس
ضعيف ولهذا يسقط بإعارة المبيع من المشترى بخلاف حق المرتهن ثم يعود تصرف المشترى
بتسليط البائع إياه على ذلك فيمتنع هذا التسليط بثبوت حقه في استسعاء البعد بخلاف تصرف
الراهن في المرهون فإن لم يعتقه المشتري ولكنه أفلس بالثمن فإن لم يكن لبائع سلم المبيع
إليه فله ان يحبسه إلى أن يستوفى الثمن وإن كان سلم المبيع إليه فله أن يسترده ولكنه
أسوة غرماء المشتري فيه وليس له أن يفسخ البيع عندنا وقال الشافعي إذا أفلس المشترى
بالثمن فللبائع أن يفسخ البيع وهو أحق بالمبيع إن كان سلمه بفسخ العقد ويعيده إلى ملكه
ويؤيده حديث أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل أفلس
بالثمن فوجد رجل متاعه عنده بعينه فهو أحق به والمعنى فيه أن البيع عقد معاوضة فمطلقه
يقتضى التسوية بين المتعاقدين ثم لو تعذر على المشترى قبض المبيع بالإباق ثبت للمشتري
حق الفسخ فكذلك إذا تعذر على البائع قبض الثمن لافلاس المشترى وكما أن المالية في
الآبق كالثاوي حكما فكذلك الدين في ذمة المفلس بمنزلة الثاوي حكما لاستبداد طريق
لوصول إليه ولا فرق بين المبيع والثمن الا من حيث إن الثمن دين والمبيع عين وكما أن تعذر
القبض في العين يثبت حق الحبس فكذلك تعذر القبض في الدين ألا ترى أن المسلم فيه دين
فإذا تعذر قبضه بانقطاعه من أيدي الناس يثبت لرب السلم حق الفسخ فكذلك الثمن ولا
فرق بينهما سوي ان الثمن مفقود والمسلم به والمسلم فيه معقود عليه ولكن حق الفسخ يثبت
بتعذر قبض المعقود به كما ثبت بتعذر قبض المعقود عليه ألا ترى ان المكاتب إذا عجز عن
أداء بدل الكتابة تمكن المولى من فسخ العقد وبدل الكتابة معقود به كالثمن والدليل عليه
197

أن هلاك الثمن قبل القبض يوجب انفساخ العقد كهلاك المبيع ان من اشترى بفلوس شيئا
فكسدت قبل القبض بطل العقد لان الثمن فلوس رائجة فإذا كسدت الفلوس فقد هلك الثمن وما
ينقص العقد بهلاك إذا تعذر قبضه ثبت للعاقد حق الفسخ كالمبيع. وحجتنا في ذلك قوله
تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة والمشترى حين أفلس بالثمن قد استحق النظرة
شرعا ولو أجله البائع لم يكن له أن يفسخ العقد قبل مضى الاجل فإذا صار منظرا بانظار الله
تعالى أولى أن يتمكن البائع من فسخ العقد وأما الحديث الذي استدلوا به فقد ذكر الخصاص
باسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده متاعه فهو في ماله بين
غرمائه أو قال فهو أسوة غرمائه فيه وتأويل الرواية الأخرى ان المشترى كان قد قبضه بغير إذن
البائع أو مع شرط الخيار للبائع وبه نقول إن في هذا الموضع للبائع حق الاسترداد والمعنى
فيه إن لم يتعين على البائع شرط عقده فلا يتمكن من فسخ العقد كما لو كان المشترى مليا وبيان
ذلك أن موجب العقد ملك اليمين فان اليمين يجب بالعقد ويملك به وإنما يملك بالعقد دينا في
الذمة وبقاء الدين ببقاء محله والذمة بعد الافلاس على ما كانت عليه قبل الافلاس محل صالح
لوجوب الدين عليه فاما حق الاستيفاء فثابت للبائع بسبب ملكه لا بحكم العقد ألا ترى أنه يجوز
اسقاطه بالابراء وبالاستبدال وقبض البدل إذا صار مستحقا بالبيع لا يجوز اسقاطه بالاستبدال
وقبض البدل إذا صار مستحقا بالبيع لا يجوز اسقاطه بالاستبدال كما في البيع عينا كان أو دينا
فعرفنا ان حق قبض الثمن له بحكم الملك لا أن يكون موجب العقد فبتعذره لا يتغير شرط
العقد والدليل على هذا أن قدرة المشتري على تسليم الثمن عند العقد ليس بشرط لجواز العقد
فلو كان تسليم الثمن يستحق بالعقد لكانت القدرة على تسليمه شرطا لجواز العقد كما في
جانب المبيع فإنه إذا كان عينا لا يجوز العقد إلا أن يكون مقدور التسليم للبائع وإن كان دينا
كالتسليم لا يجوز العقد الا على وجه تثبت القدرة على التسليم به للعاقد وهو الاجل ولما جاز
الشراء بالدرهم حالا وإن لم يكن في ملكه عرفنا ان وجوب تسليم الثمن ليس من حكم العقد
وبهذا الحرف يستدل في المسألة ابتداء فان العجز عن تسليم الثمن إذا طرأ بالافلاس لا
يكون أقوى من العجز عن تسليم الثمن إذا اقترن بالعقد والمفلس إذا اشترى شيئا والبائع يعلم أنه
مفلس صح العقد ولزم فبالافلاس الطارئ لأن لا ترتفع صفة اللزوم أولى بخلاف جانب
المبيع فهناك ابتداء العقد مع العجز عن التسليم لا باق العبد لا يجوز فان رضى به المشترى فكذلك
198

إذا طرأ العجز فإنه يثبت للمشترى حق الفسخ فان قيل كيف يستقيم هذا وقد قلتم ان
أول التسليمين على المشترى فلو لم يكن تسليم الثمن مستحقا بالعقد لم يتأخر حقه في قبض المبيع
الا ان يؤدى الثمن قلنا وجوب أول التسليمين عليه لتحقيق معنى التسوية بينهما لان ذلك
موجب العقد على ما قررنا ان العقد عقد تمليك فيقتضى التسوية بين المتعاقدين في الملك وقد
حصل الملك لكل واحد منهما بالعقد الا ان الملك في العين أكمل منه في الدين فعلى المشترى
تسليم الثمن أولا ليتقوى به ملك البائع فكان ذلك من حكم الملك لا أن يكون موجب العقد
ولئن سلمنا انه من حكم العقد لاقتضى التسوية ولكن هذا المعنى قد انعدم بتسليم البائع
لما بيع طوعا فهو كما لو انعدم بالتأجيل في الثمن فلا يبقي له بعد ذلك حق فسخ البيع وان تعذر
عليه استيفاء الثمن لافلاس المشترى وهذا بخلاف الفلوس إذا كسدت لأنه تغير هناك
موجب العقد فيتغير فموجب العقد ملك فلوس هي ثمن وبعد الكساد لا يبقي له في ذمة المشتري
فلوس بهذه الصفة فاما بعد افلاس المشترى فيبقى الثمن في ذمته مملوكا للبائع كما
استحقه بالعقد وهذا بخلاف الكتابة لان هناك يعجز المكاتب بغير موجب العقد فموجب ملك
المولى بدل الكتابة عند حلول الأجل ولا يملكه إلا بالقبض لان المكاتب عبد له والمولى
لا يستوجب دينا في ذمة عبده ولهذا لو كفل له انسان ببدل الكتابة عن المكاتب لم تصح
الكفالة وللمكاتب أن يعجز نفسه فإذا لم يكن له ذلك دينا حقيقة قلنا الملك للمولى إنما يثبت بالقبض
وإذا عجز المكاتب عن الأداء فقد تغير ما هو موجب العقد عليه فلهذا يمكن من فسخ العقد
وهنا بافلاس المشترى لا يتغير ملك البائع في الثمن فإنه مملوك دينا في ذمة المشتري ولسنا
نسلم أن الدين في ذمة المفلس ثاو فان المديون إذا كان مقرا بالدين فهو قائم حقيقة وحكما
مفلسا كان أو مليا ولهذا قال أبو حنيفة يجب على صاحب الدين الزكاة بمعنى إذا قبضه فإذا
لم يتغير موجب العقد لا يتمكن من فسخ العقد والله أعلم
(تم الجزء الثالث عشر ويليه الجزء الرابع عشر)
(وأوله كتاب الصرف)
199