الكتاب: حاشية رد المحتار
المؤلف: ابن عابدين
الجزء: ١
الوفاة: ١٢٥٢
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق: إشراف : مكتب البحوث والدراسات
الطبعة: جديدة منقحة مصححة
سنة الطبع: ١٤١٥ - ١٩٩٥ م
المطبعة:
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: المكتبة التجارية - مصطفى أحمد الباز

حاشية
رد المحتار
على
الدر المختار شرح تنوير الابصار
في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان
لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بابن عابدين
ويليه
تكملة ابن عابدين لنجل المؤلف
طبعة جديدة منقحة مصححة
إشراف
مكتب البحوث والدراسات
الجزء الأول
دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع
1

جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر
1415 ه‍ / 1995 م
دار الفكر بيروت - لبنان
دار الفكر: حارة حريك - شارع عبد النور - برقيا: فاكس - تلكس: 41391 فكر
ص. ب 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962
فاكس: 2124187875 - 001
2

بسم الله الرحمن الرحيم
(من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)
(حديث شريف)
أحمدك يا من تنزهت ذاته عن الأشباه والنظائر، وأشكرك شكرا أستزيد به من درر غرر
الفوائد زواهر الجواهر، وأسألك غاية الدراية، ودوام العناية، بالهداية والوقاية، في البداية
والنهاية وفتح باب المنح من مبسوط بحر فيضك المحيط لإيضاح الحقائق، وكشف خزائن
الاسرار، لاستخراج درر البحار من كنز الدقائق، وأصلي وأسلم على نبيك السراج الوهاج
وصدر الشريعة صاحب المعراج، وحاوي المقامات الرفيعة، وعلى آله الطاهرين، وأصحابه
الظاهرين، والأئمة المجتهدين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد فيقول أحوج المفتقرين إلى رحمة أرحم الراحمين [محمد أمين الشهير بابن
عابدين].
إن كتاب الدر المختار شرح تنوير الابصار قد طار في الأقطار، وسار في الأمصار،
وفاق في الاشتهار على الشمس في رائعة النهار، حتى أكب الناس عليه، وصار مفزعهم إليه،
وهو الحري بأن يطلب، ويكون إليه المذهب، فإنه الطراز المذهب في المذهب، فلقد حوى
من الفروع المنقحة، والمسائل المصححة، ما لم يحوه غيره من كبار الاسفار، ولم تنسج على
منواله يد الأفكار، بيد أنه لصغر حجمه، ووفور علمه، قد بلغ في الايجاز، إلى حد الألغاز،
وتمنع بإعجاز المجتاز في ذلك المجاز عن إنجاز الافراز بين الحقيقة والمجاز
وقد كنت صرفت في معاناته برهة من الدهر، وبذلت له مع المشقة شقة من جديد
العمر، واقتنصت بشبكة الافهام أجل شوارده، وقيدت بأوتاد الأقلام جل أوابده، وصرت في
الليل والنهار سميره، حتى أسر إلى سره وضميره، وأط
لعني على حوره المقصورات في
الخيام، وكشف لي عن وجوه مخدراته اللثام، فطفقت أوشي حواشي صفائح صحائفه اللطيفة،
بما هو في الحقيقة بياض للصحيفة: ثم أردت جمع تلك الفوائد، وبسط سمط هاتيك الموائد،
من متفرقات الحواشي والرقاع، خوفا عليها من الضياع، ضاما إلى ذلك ما حرره العلامة
الحلبي والعلامة الطحاوي وغيرهما من محشي هذا الكتاب. وربما عزوت ما فيهما إلى كتاب
آخر لزيادة الثقة بتعدد النقل لا للإغراب.
وإذا وقع في كلامهما ما خلافه الصواب أو الأحسن الأهم، أقرر الكلام على ما يناسب
المقام، وأشير إلى ذلك بقولي: (فافهم) ولا أصرح بالاعتراض عليهما، تأدبا معهما.
وقد التزمت فيما يقع في الشرح من المسائل والضوابط، مراجعة أصله المنقول عنه
وغيره خوفا من إسقاط بعض القيود والشرائط، وزدت كثيرا من فروغ مهمة، فوائدها جمة،
3

ومن الوقائع والحوادث على اختلاف البواعث، والأبحاث الرائقة، والنكت الفائقة، وحل
العويصات، واستخراج الغويصات، وكشف المسائل المشكلة، وبيان الوقائع المعضلة، ودفع
الإيرادات الواهية من أرباب الحواشي والانتصار لهذا الشارح المحقق بالحق ورفع الغواشي،
مع عزو كل فرع إلى أصله، وكل شئ إلى محله، حتى الحجج والدلائل، وتعليلات
المسائل، ما كان من مبتكرات فكري الفاتر، ومواقع نظري القاصر، أشير إليه، وأنبه عليه،
وبذلت الجهد في بيان ما هو الأقوى، وما عليه الفتوى، وبيان الراجح من المرجوح مما
أطلق الفتاوي أو الشروح، معتمدا في ذلك على ما حرره الأئمة الأعلام، من المتأخرين
العظام، كالإمام ابن الهمام، وتلميذيه: العلامة قاسم وابن أمير حاج، والمصنف، والرملي،
وابن نجيم، وابن الشلبي، والشيخ إسماعيل الحائك. والحانوتي السراج، وغيرهم ممن لازم
علم الفتوى، من أهل التقوى. فدونك حواشي هي الفريدة في بابها، الفائقة على أترابها،
المسفرة عن نقابها لطلابها وخطابها، قد أرشدت من احتار من الطلاب، في فهم معاني هذا
الكتاب، فلهذا سميتها.
رد المختار على در المختار
وإني أقول: ما شاء الله كان، وليس الخبر كالعيان، فسيحمدها معانيها، بعد الخوض
في معانيها
جمعت بتوفيق الاله مسائلا * رقاق الحواشي مثل دمع المتيم
وما ضر شمسا أشرقت في علوها * جحود حسود وهو عن نورها عمي
وإني أسأله تعالى متوسلا إليه بنبيه المكرم (ص) وبأهل طاعته من كل ذي مقام علي
معظم، وبقدوتنا الامام الأعظم، أن يسهل علي ذلك من إنعامه، ويعينني على إكماله وإتمامه،
وأن يعفو عن زللي، ويتقبل مني عملي، ويجعل ذلك خالصا لوجهه الكريم، موجبا للفوز لديه
في جنات النعيم، وينفع به العباد في عامة البلاد، وأن يسلك بي سبيل الرشاد، ويلهمني
الصواب والسداد، ويستر عثراتي، ويسمح عن هفواتي، فإني متطفل على ذلك لست من
فرسان تلك المسالك، ولكني أستمد من طوله، واستعد بقوته وحوله، وما توفيقي إلا بالله
عليه توكلت وإليه أنيب
هذا وإني قرأت هذا الكتاب، العذب المستطاب، على ناسك زمانه، وفقيه أوانه،
مفيد الطالبين، ومربي المريدين، سيدي الشيخ سعيد الحلبي المولد، الدمشقي المحتد ثم،
قرأته عليه ثانيا مع حاشيته للشيخ إبراهيم الحلبي إلى كتاب الإجارة عند قراءتي عليه البحر
الرائق قراءة إتقان، بتأمل وإمعان، واقتبست من مشكاة فوائد، وتحليت من عقود فرائده،
وانتفعت بأنفاسه الطاهرة، وأخلافه الفاخرة، وأجازني بروايته عنه وبسائر مروياته، أمتع الله
تعالى المسلمين بطول حياته، بحق روايته له، عن شيخنا العلامة المرحوم السيد محمد شاكر
العقاد السالمي العمري، عن فقيه زمانه منلا علي التركماني أمين الفتوى بدمشق الشام، عن
الشيخ الصالح العلامة عبد الرحمن المجلد، عن مؤلفه عمدة المتأخرين الشيخ علاء الدين.
وأرويه أيضا عن شيخنا السيد شاكر بقراءتي عليه بعضه، وهو يروي الفقه النعماني عن
4

محشي هذا الكتاب العلامة الشيخ مصطفى الرحمتى الأنصاري، وملا على التركماني عن فقيه
الشام ومحدثها الشيخ صالح الجينيني، عن والده العلامة الشيخ إبراهيم جامع الفتاوي الخيرية،
عن شيخ الفتيا العلامة خير الدين الرملي، عن شمس الدين محمد الحانوتي، عن العلامة
أحمد بن يونس الشهير بابن الشلبي، بكسر فسكون وتقديم اللام على الباء الموحدة.
ويرويه شيخنا السيد شاكر عن محشي هذا الكتاب العلامة النحرير الشيخ إبراهيم الحلبي
المداري، وعن فقيه العصر الشيخ إبراهيم الغزي السابحاني، أمين الفتوى بدمشق الشام
كلاهما عن العلامة سليمان المنصوري، عن الشيخ عبد الحي الشرنبلالي، عن فقيه
النفس الشيخ حسن الشرنبلالي ذي التأليف الشهيرة، عن الشيخ محمد المحبي عن ابن الشلبي.
وأروي بالإجازة عن الأخوين المعمرين الشيخ عبد القادر والشيخ إبراهيم حفيداي سيدي
عبد الغني النابلسي شارح المحبية وغيرها، عن جدهما المذكور، عن والده الشيخ إسماعيل
شارح الدرر والغرر، عن الشيخ أحمد الشوبري، عن مشايخ الاسلام الشيخ عمر بن نجيم
صاحب النهر، والشمس الحانوتي صاحب الفتاوى المشهورة، والنور علي المقدسي شارح
نظم الكنز عن ابن الشلبي.
وأروي، بالإجازة أيضا، عن المحقق هبة الله البعلي شارح الأشباه والنظائر، عن الشيخ
صالح الجينيني، عن الشيخ محمد بن علي الكتبي، عن الشيخ عبد الغفار مفتي القدس، عن
الشيخ محمد بن عبد الله الغزي صاحب التنوير والمنح، عن العلامة الشيخ زين بن نجيم
صاحب البحر، عن العلامة ابن الشلبي صاحب الفتاوي المشهورة وشارح الكنز، عن السري
عبد البر بن الشحنة شارح الوهبانية، عن المحقق حيث أطلق الشيخ كمال الدين بن الهمام
صاحب فتح القدير، عن السراج عمر الشهير بقارئ الهداية صاحب الفتاوى المشهورة، عن
علاء الدين السير أمي، عن السيد جلال الدين شارح الهداية، عن عبد العزيز البخاري صاحب
الكشف والتحقيق عن الأستاذ حافظ الدين النسفي صاحب الكنز عن شمس الأئمة الكردري،
عن برهان الدين المرغيناني صاحب الهداية، عن فخر الاسلام البزدوي، عن شمس الأئمة
السرخسي، عن شمس الأئمة الحلواني، عن القاضي أبى على النسفي، عن أبي بكر محمد بن
الفضل البخاري، عن أبي عبد الله السيذبوني، عن أبي حفص عبد الله بن أحمد بن حفص
الصغير، عن والده أبي حفص الكبير، عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني، عن إمام الأئمة
وسراج الأمة (أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي)، عن حماد بن سليمان: عن إبراهيم النخعي
عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، عن النبي (ص) عن أمين الوحي
جبريل عليه السلام، عن الحكم العدل جل جلاله وتقدست أسماؤه.
5

قوله (بسم الله الرحمن الرحيم) ابتدأ بها عملا بالأحاديث الواردة في ذلك، والاشكال في
تعارض روايات الإبتدأ بالبسملة والحمدلة، وكذا التوفيق بينهما بحمل الإبتدأ على العرفي
أو الإضافي، وكذا ما أورد من الاذان ونحوه مما لم يبدأ بهما فيه. والجواب عنه بأن المراد في
الروايات كلها ابتدأ بإحدهما أو بما يقوم مقامه، أو بحمل المقيد على المطلق، وهو رواية (بذكر
الله) عند من جوز ذلك، ثم الباء لفظ خاص حقيقة في الالصاق مجاز في غيره من المعاني لا مشترك
بينها لترجح المجاز على الاشتراك موضوع بالوضع العام للموضوع له الخاص عند العضد وغيره،
أي لكل واحد من المشخصات الجزئية الملحوظة بأمر كلي، وهو مطلق الالصاق بحيث لا يفهم
منه إلا واحد بخصوصه. والالصاق، تعليق شئ بشئ وإيصاله به، فيصدق بالاستعانة والسببية
لإلصاقك الكتابة بالقلم وبسببه كما في التحرير.
ولما كان مدلول معنى حاصلا في عيره لا يتعلق ذهنا ولا خارجا إلا بمتعلقه اشترط له
المتعلق المعنوي وهو الالصاق، والنحوي وهو هنا ما جعلت التسمية مبدأ له، فيفيد تلبس الفاعل
بالفعل حال الالصاق، والمراد الالصاق على سبيل التبرك والاستعانة. والأولى تقدير المتعلق مؤخرا
ليفيد قصد الاهتمام باسمه تعالى، ردا على المشترك المبتدئ باسم آلهته اهتماما بها لا للاختصاص
لان المشرك لا ينفي التبرك باسمه تعالى، وليفيد اختصاص ذلك باسمه تعالى ردا على المشرك
أيضا وإظهارا للتوحيد، فيكون قصر إفراد، وإنما قدم في قوله تعالى: (أقرأ باسم ربك) لان العناية
بالقراءة أولى بالاعتبار، ليحصل ما هو المقصود من طلب أصل القراءة، إذ لو أخر لأفاد أن
المطلوب كون القراءة مفتتحة باسم الله تعالى لا باسم غيره، ثم هذه الجملة خبرية لفظا، وهل هي
كذلك معنى أو إنشائية معنى؟ ظاهر كلام السيد الثاني، والمقصود إظهار إنشاء التبرك باسمه تعالى
وحده ردا على المخالف إما على طريق النقل الشرعي كبعت واشتريت، أو على إرادة اللازم
ك‍ (رب اني وضعتها أنثى) [آل عمران: 36] فإن المقصود بها إظهار التحسر لا الاخبار بمضمونها،
وهل تخرج بذلك الجملة الخبرية عن الاخبار أو لا؟ ذهب الزمخشري إلى الأول، وعبد القاهر إلى
الثاني، وسيأتي في الحمدلة لذلك مزيد بيان. وأورد أنها لو كانت إنشائية لما تحقق مدلولها خارجا
بدونها، والتالي باطل فالمقدم مثله، إذ السفر والاكل ونحوهما مما ليس بقول لا يحصل بالبسملة،
وأجيب، بأنها إذا كانت لانشاء إظهار التبرك أو الاستعانة باسمه تعالى وحده على ما قلنا فلا شك أنه
إنما تحقق بها، كما أن إظهار التحزن والتحسر إنما تحقق بذلك اللفظ، فإن الانشاء قسمان: منه ما لا
يتحقق مدلوله الوضعي بدون لفظه،. منه ما لا يتحقق مدلوله الالتزامي بدونه، وما نحن فيه من قبيل
الثاني
ثم إن المراد بالاسم هنا، ما قابل الكنية واللقب، فيشمل الصفات حقيقة، أو إضافية أو
سلبية، فيدل على أن التبرك والاستعانة بجميع أسمائه تعالى.
6

والله أعلم على الذات العلية المستجمعة للصفات الحميدة كما قاله السعد وغيره، أو
المخصوصة: أي، بلا اعتبار صفة أصلا كما قاله العصام. قال السيد الشريف: كما تاهت العقول
في ذاته وصفاته لاحتجابها بنور العظمة تحيرت أيضا في اللفظة الدالة على الذات، كأنه انعكس إليها
من تلك الأنوار أشعة فبهرت أعين المستبصرين، فاختلفوا أسرياني هو أم عربي؟ اسم أو صفة؟
مشتق (1) أو علم أو غير علم؟ والجمهور على أنه عربي علم مرتجل من غير اعتبار أصل منه، ومنهم
أبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي والخليل. وروي هشام عن محمد عن أبي حنيفة أنه اسم الله
الأعظم، وبه قال الطحاوي وكثير من العلماء وأكثر العارفين، حتى إنه لا ذكر عندهم لصاحب مقام
فوق الذكر به كما في شرح التحرير لابن أمير حاج.
والرحمن لفظ عربي، وقيل معرب عن رخمان بالخاء المعجمة لانكار العرب حين سمعوه. ورد
بأن إنكارهم له لتوهمهم أنه غيره تعالى في قوله تعالى: (قل ادعوا الله ادعوا الرحمن) [الاسراء:
110]
وذهب الأعلم إلى أنه علم كالجلالة لاختصاصه به تعالى وعدم إطلاقه على غيره تعالى معرفا
ومنكرا، وأما قوله في مسيلمة:
وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
فمن تعنته وغلوه في الكفر واختاره في المغني.
قال السبكي: والحق أن المنع شرعي لا لغوي، وأن المخصوص به تعالى المعرف.
والجمهور على أنه صفة مشبهة، وقيل صيغة مبالغة، لان الزيادة في اللفظ لا تكون إلا لزيادة على زيادته
وإلا كانت عبثا، وقد زيد فيه حرف على الرحيم وهو يفيد المبالغة بصيغته، فدلت زيادته على زيادته
عليه في المعني كما، لان الرحمانية تعم المؤمن والكافر، والرحيمية تخص المؤمن، أو كيفا، لان
الرحمن المنعم بجلائل النعم، والرحيم المنعم بدقائقها. والظاهر أن الوصف بهما للمدح، فيه إشارة
إلى لمية الحكم، أي، إنما افتتح كتابه باسمه تعالى متبركا مستعينا به لأنه المفيض للنعم كلها، وكل
من شأنه ذلك لا يفتتح إلا باسمه. وهل وصفه تعالى بالرحمة حقيقة أو مجازا عن الانعام أو عن
إرادته، لأنها من الاعراض النفسانية المستحيلة عليه تعالى فيراد غايتها؟ المشهور الثاني. والتحقيق
الأول لا الرحمة التي هي من الاعراض هي القائمة بنا، ولا يلزم كونها في حقه تعالى كذلك حتى
تكون مجازا كالعلم والقدرة والإرادة وغيرها من الصفات معانيها القائمة بنا من الاعراض، ولم يقل
أحد إنها في حقه تعالى مجاز، وتمام تحقيقه مع فوائد أخر في حواشينا على شرح المنار للشارح.
قوله: (حمدا) مفعول مطلق لعامل محذوف وجوبا. والحمد لغة: الوصف بالجميل على الجميل
الاختياري على جهة التعظيم والتبجيل. وعرفا: فعل ينبئ عن تعظم المنعم بسبب إنعامه، فالأول
أخص موردا إذ الوصف لا يكون إلا باللسان، وأعم متعلقا لأنه قد يكون لا بمقابلة نعمة، والثاني
بعكسه، فبينها عموم وجهي.

(1) قوله: (مشتق) الظاهر أن معادله ساقط من قلمه: أي أو جامد، كما يظهر أيضا أن الخلاف في الارتجال ساقط
بشقيه، وقوله من غير اعتبار أصل منه الظاهر أن كلمة منه محرفة من فيه، تأمل ا ه‍ مصححه.
7

والشكر لغة: يرادف الحمد عرفا. وعرفا: صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه إلى ما خلق
لأجله، وخرج بالاختيار المدح، فإنه أعم من الحمد لانفراده في مدحت زيدا على رشاقه قده،
واللؤلؤة على صفاتها، فبينها عموم مطلق.
وذهب الزمخشري إلى ترادفهما لاشتراطه في الممدوح عليه أن يكون اختياريا كالمحمود عليه،
ونقض التعريف جمعا بخروج حمد الله تعالى على صفاته. أجيب بأن الذات لما كانت كافية في
اقتضاء تلك الصفات جعلت بمنزلة الأفعال الاختيارية، وبأنه لما كانت تلك الصفات مبدأ لافعال
اختيارية كان الحمد عليها باعتبار تلك الأفعال، فالمحمود عليه اختياري باعتبار المآل، أو أن الحمد
عليها مجاز عن المدح.
ثم إن المحمود عليه وبه قد يتغايران ذاتا كما هنا، أو اعتبارا كما إذا وصف الشجاع بشجاعته،
فهي محمود به من حيث إن الوصف كان بها، ومحمود عليه من حيث إنها كانت باعثة على الحمد.
والحمد حيث أطلق ينصرف إلى العرفي لما قاله السيد في الحواشي المطالع: اللفظ عند أهل العرف
حقيقة في معناه العرفي: مجاز في غيره.
وعند محققي الصوفية حقيقة الحمد إظهار صفات الكمال، وهو بالفعل أقوى منه بالقول، لان
دلالة الافعال عقلية لا يتصور فيها التخلف، ودلالة الأقوال وضعية يتصور فيها ذلك، ومن هذا
القبيل حمد الله تعالى وثناؤه على ذاته، فإنه بسط بساط الوجود على ممكنات لا تحصي، ووضع عليه
موائد كرمه التي لا تتناهى، فإن كل ذرة من ذرات الوجود تدل عليها، ولا يتصور في العبارات مثل
هذه الدلالات، ومن قال عليه الصلاة والسلام (لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على
نفسك) ثم أن الحمد مصدر يصح أن يراد به معني المبني للفاعل: أي، الحامدية، أو المبني
للمفعول: أي، المحمودية، أو المعني المصدري أو الحاصل بالمصدر.
وعلى كل فإن في قولنا الحمد الله: إما للجنس، أو للاستغراق أو للعهد الذهني: أي، الفرد
الكامل المعهود ذهنا، وهو الحمد القديم، فهي اثنتا عشرة صورة، واختار في الكشاف الجنس لان
الصيغة بجوهرها تدل على اختصاص جنس المحامد به تعالى، ويلزم منه اختصاص كل فرد، إذ لو
خرج فرد منها لخرج الجنس تبعا له لتحققه في كل فرد، فيكون اختصاص جميع الافراد ثابتا بطريق
برهاني وهو أقوى من إثباته ابتداء، فلا حاجة في تأدية المقصود وهو ثبوت الحمد له تعالى وانتفاؤه
عن غيره إلى أن يلاحظ الشمول والإحاطة. واختار غيره الاستغراق، لان الحكم على الحقيقة بدون
اعتبار الافراد قليل في الشرع، وعلى كل فالحصر الدعائي محمول على المبالغة تنزيلا لحمد غيره
تعالى منزلة العدم، أو الحقيقي باعتبار أنه راجع إليه لتمكينه تعالى وإقدار العبد عليه.
وقد يقال، إنه جعل الجنس في المقام الخطابي منصرفا إلى الكامل كأنه كل الحقيقة، فيكون
من باب - ذلك الكتاب - والحاتم: الجواد. وهل هذا الحصر بطريق المفهوم أو المنطوق؟ قيل
بالمنطوق. ورد بأن أل تدل على العموم والشمول، فليس النفي جزء مفهومها وإن كان لازما، وقيل
بالمفهوم لما ذكر. وقيل: لا تفيد الحصر ونسب للحنيفة. وضعفه في التحرير يأن كلامهم مشحون
8

باعتباره. وقد تكرر الاستدلال منهم في نفي اليمين عن المدعي بقوله عليه الصلاة والسلام (واليمين
على من أنكر) قال في الهداية: جعل الجنس الايمان على المنكرين وليس وراء الجنس شئ. وعلى
كل من الصور الاثنتي عشرة ف‍ (لام) لله إما للملك أو للاستحقاق أو للاختصاص، فهي ست
وثلاثون، وعلى الأخير فهي لتأكيد الاختصاص المستفاد من أل، كما قاله السيد من أن كلا منهما
يدل على اختصاص المحامد به تعالى.
وقيل إن الاختصاص المستفاد من اللام هو اختصاص الحمد
بمدخولها، وأل لاختصاص ذلك الاختصاص به تعالى، وتمامه في شرح آداب البحث
أقول: يظهر لي أل لا تفيد الاختصاص أصلا كما مر منسوبا للحنيفة، وإنما هو مستفاد من
النسبة أو من اللام، لما صرح به في التلويح من أن أل للتعريف، ومعناه الإشارة والتعيين والتمييز،
والإشارة إما إلى حصة معينة من الحقيقة وهو تعريف العهد: أي الخارجي: كجاءني رجل فأكرمت
الرجل، وإما إلى نفس الحقيقة، وذلك قد يكون بحيث لا يفتقر إلى اعتبار الافراد، وهو تعريف
الحقيقة والماهية، كالرجل خير من المرأة، وقد يكون بحيث يفتقر إليه، وحينئذ، إما أن توجد قرينة
البعضية كما في ادخل السوق، وهو العهد الذهني أو لا، وهو الاستغراق كإن الانسان لفي خسر،
احترازا عن ترجيح بعض المتساويات بلا مرجح. فالعهد الذهني والاستغراق من فروع الحقيقة،
ولهذا ذهب المحققون إلى أن اللام لتعريف العهد أو الحقيقة لا غير، إلا أن القوم أخذوا بالحاصل
وجعلوه أربعة أقسام اه‍. موضحا. فهذه معاني أل. فإذا كان مدخولها موضوعا وحمل عليه مقرون
باللام التي هي للاختصاص، أفادت اللام أن الجنس أو المعهود مختص بمدخولها، وإن كان
المحمول غير مقرون بها: فإن كان في الجملة ما يفيد الاختصاص كتعريف الطرفين ونحوه فيها،
وإلا فإن كانت أل للجنس والماهية فنفس النسبة تفيد الاختصاص، إذ لو خرج فرد من أفراد
الموضوع لم تصدق النسبة لخروج الجنس معه كما مر في كلام الكشاف، ولذا قال في الهداية:
وليس وراء الجنس شئ.
والحاصل: أن الاختصاص مستفاد من اللام الموضوعة له أو من النسبة، لكن إذا كانت أل
للجنس والماهية كما في الحديث (واليمين على من أنكر) أما إذا كانت (أل) للاستغراق ولم يقترن
المحمول بلام الاختصاص ونحوها، كقولك: الرجل يأكل الرغيف، فلا اختصاص أصلا، هذا ما
ظهر لفهمي القاصر فتدبره، وبه اندفع ما في التحرير من التضعيف، وإذا جعلت اللام للملك أو
الاستحقاق فلا اختصاص وإن قلنا إن أل تفيده، لان اختصاص ملك الحمد أو استحقاقه بمدخول
اللام لا ينافي ثبوت الحمد لاخر لا بطريق الملك أو الاستحقاق. تأمل.
ثم هده الجملة تحتمل الخبرية ويصدق عليها التعريف، لان الاخبار بالحمد وصف بالجميل
الخ، أو فعل ينبئ الخ. وإذا كانت أل فيها للجنس فالقضية مهملة، أو للاستغراق فكلية، أو للعهد
الذهني فجزئية، ولو صح جعلها للعهد الخارجي فشخصية، ويحتمل أن تكون منقولة إلى الانشاء
شرعا أو مجازا عن لازم معناها، فالمقصود إيجاد الحمد بنفس الصيغة: أي إنشاء تعظيمه تعالى
واختلفوا في الجملة الاخبارية إذا استعملت في لازم معناها كالمدح والثناء، هل
تصير إنشائية أم لا؟ ذهب الشيخ عبد القاهر إلى الثاني، قال: لئلا يلزم إخلاء الجملة عن نوع
9

معناها. قيل: ولأنه يلزم عليه هنا انتفاء الاتصاف بالجميل قبل حمد الحامد ضرورة أن الانشاء يقارن
لفظه معناه في الوجود. ورد بأن اللازم انتفاء الوصف بالجميل لا الاتصاف، والكلام فيه.
تتمة: تأتي الأحكام الشرعية في كل من البسملة والحمدلة: أما البسملة فتجب في ابتداء الذبح
ورمي الصيد والارسال إليه، لكن يقوم مقامها كل ذكر خالص. وفي بعض الكتب أنه لا يأتي
بالرحمن الرحيم لان الذبح ليس بملائم للرحمة، لكن في الجوهرة أنه لو قال (بسم الرحمن الرحيم)
فهو حسن، وفي ابتداء الفاتحة في كل ركعة. قيل وهو قول الأكثر، لكن الأصح أنها سنة. وتسن
أيضا في ابتداء الوضوء والاكل، وفي ابتداء كل أمر ذي بال. وتجوز أو تستحب فيما بين الفاتحة
والسورة على الخلاف الآتي في محله إن شاء الله تعالى. وتباح أيضا في ابتداء المشي والقيام
والقعود. وتكره عند كشف العورة أو محل النجاسات، وفي أول سورة براءة إذا وصل قراءتها بالانفال
كما قيده بعض المشايخ. قيل وعند شرب الدخان: أي، ونحوه من كل ذي رائحة كريهة كأكل ثوم
وبصل. وتحرم عند استعمال محرم، بل في البزازية وغيرها يكفر من بسمل عند مباشرة كل حرام
قطعي الحرمة، وكذا تحرم على الجنب إن لم يقصد بها الذكر اه‍ ط ملخصا مع بعض زيادات.
وإما الحمدلة، فتجب في الصلاة، وتسن في الخطب، وقبل الدعاء وبعد الاكل، وتباح بلا
سبب، وتكره في الأماكن المستقذرة، وتحرم بعد أكل الحرام، بل في البزازية أنه اختلف في كفره.
قوله (لك) آثر الخطاب على اسم الله تعالى الدال على استجماعة لجميع صفات الكمال، إشارة،
إلى أن هذا الاستجماع من الظهور بحيث لا يحتاج إلى دلالة عليه في الكلام، بل ربما يدعي أن ترك
ذكر ما يدل عليه أوفق لمقتضى المقام، بل المهم الدلالة على أن قوى للحامد محرك الاقبال وداعي
التوجه إلى جنابة على الكمال، حتى خاطبه مشعرا بأنه تعالى كأنه مشاهد له حالة الحمد لرعاية
مرتبة الاحسان، وهو (أن تعبد الله كأنك تراه) أو بأنه تعالى قريب من الحامد كما قال تعالى:
(ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) [ق: 16] وإن كان الحامد لنقصانه في كمال البعد كما تدل عليه
كلمة (يا) الموضوعة لنداء البعيد على ما قيل، ففي الاتيان بها هضم لنفسه واستبعاد لها عن مظان
الزلفى كما أفاد الخطائي والبزدوي. قوله: (يا من شرحت) الأولى شرح كما عبر في مختصر
المعاني، لان الأسماء الظاهرة كلها غيب سواء كانت موصولة أو موصوفة كما صرح به في شرح
المفتاح، لكن بمراعاة جانب النداء الموضوع للمخاطب يسوغ الخطاب نظرا إلى المعني.
وذكر في المطول أن قول علي كرم الله وجهه:
أنا الذي سمتني أمي حيدره
قبيح عند النحويين. واعترضه حسن جلبي بأن الالتفات من أتم وجوه تحسين الكلام، فلا وجه
للتقبيح، لأنه التفات من الغيبة إلى التكلم، وفيه تغليب جانب المعنى على جانب اللفظ، على أنه
يرد على النحويين: بل أنتم قوم تجهلون. فلو كان فيه قباحة لما وقع في كلام هو في أعلى طبقات
البلاغة اه‍.
أقول: ولا يخفى ما في قوله على أنه يرد الخ من اللطافة عند أهل الظرافة، وفي مغني اللبيب
في بحث الأشياء التي تحتاج إلى رابط أن نحو: أنت الذي فعلت، مقيس، لكنه قليل، وإذا تم
10

الموصول بصلته انسحب عليه حكم الخطاب، ولهذا قيل: قمتم. ومن زعم أنه من باب الالتفات لان
آمنوا مغايبة وقمتم مواجهة فقدسها اه‍. ولا يخفي أنه فيما نحن فيه لم يتم الموصول بصلته: أي، لم
يأت الضمير بعد تمام الصلة، فدعوى الالتفات فيه صحيحة. قوله: (شرحت صدورنا) أصل الشرح
بسط اللحم ونحوه، منه شرح الصدر: أي، بسطه بنور إلهي. وقيل معناه التوسعة مطلقا، ويقابله
الضيق، لقوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه) [الانعام: 125] الآية، وفسر في آية - (آلم نشرح) -
بتوسعته بما أودع فيه من العلم والحكمة، وخص الصدور لأنها ظروف القلوب الملوك على
سائر الجوارح، لأنها محل العقل كما يأتي في باب خيار العيب، أو المراد بها القلوب،
واتساعها كناية عن كثرة ما يدخل فيها من الحكم الإلهية والمعارف الربانية. قوله: (بأنواع
الهداية) قال البيضاوي في تفسيره: الهداية دلالة بلطف ولذا تستعمل في الخير، وقوله تعالى
(فاهدوهم إلى صراط الجحيم) [الصافات: 23] على التهكم، وهداية الله تعالى تتنوع أنواعا لا
يحصيها عدد، لكنها تنحصر في أجناس مترتبة: الأولى، إفاضة القوى التي بها يتمكن المرء من
الاهتداء إلى مصالحة كالقوة العاقلة والحواس الباطنة والمشاعرة الظاهرة. والثاني، نصب الدلائل
الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد. والثالث، الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب.
والرابع، أن يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هي بالوحي أو الالهام والمنامات
الصادقة، وهذا مختص بالأنبياء والأولياء اه‍. ملخصا. قوله: (سابقا) حال من مصدر شرحت، أي،
جعلت صدورنا قابلة للخيرات حال كون الشرح سابقا أو صفة لذلك المصدر اه‍.
أقول: أو صفة لزمان: أي، زمانا سابقا فهو منصوب على الظرفية: أي، حين أخذ الميثاق أو
حين ولدنا على الفطرة أو عقلنا الدين الحق واخترنا البقاء عليه. وقوله: (ونورت بصائرنا) النور كيفية
ظاهرة بنفسها مظهرة لغيرها، والضياء أقوى منه وأتم، ولذلك أضيف إلى الشمس في قوله تعالى:
(هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا) [يونس: 5] وقد يفرق بينهما بأن الضياء ضوء ذاتي،
والنور ضوء عارض
وقد يقال: ينبغي أن يكون النور أقوى على الاطلاق، لقوله تعالى: (الله نور السماوات
والأرض) وإنما يتجه إذا لم يكن معناه في الآية المنور، وقد حمله أهل التفسير على ذلك اه‍. حسن
جلبي على المطول. والبصائر، جمع بصيرة، وهي قوة للقلب المنور بنور القدس يرى بها حقائق
الأشياء بمثابة البصر للنفس كما في تعريفات السيد. قوله: (بتنوير الابصار) الباء للسببية، فإن
الانسان بنور بصره ينطر إلى عجائب المصنوعات لله تعالى وإلى الكتب النافعة، وغير ذلك مما يكون
سببا في العادة لتنوير البصيرة باكتساب المعارف. قوله (لاحقا) الكلام فيه كالكلام في سابقا، إنما
كان تنوير البصائر لاحقا: أي، متأخرا عن شرح الصدور، لان شرحها بالاهتداء إلى الاسلام كما
يشير إليه قوله تعالى (فمن يرد الله أن يهديه) الآية: وهذا سابق عادة على تنوير البصائر بما ذكرناه
وقال الخطائي في حاشية المختصر: قد شرح الصدر على تنوير القلب، لان الصدر وعاء
القلب، وشرحه مقدم لدخول النور في القلب. قوله: (وأفضت) يقال أفاض الماء على نفسه: أي،
أفرغه. قاموس: (من أشعة) جمع شعاع بالضم: وهو ما تراه من الشمس كأنه الحبال مقبلة
11

عليك إذا نظرت إليها، أو ما ينتشر من ضوئها. قاموس. والشريعة: فعلية بمعني مفعولة: أي،
مشروعة فقد شرعها الله حقيقة والنبي (ص) مجازا، والشريعة والملة والدين شئ واحد، فهي شريعة
كون الله تعالى قد شرعها. والشريعة في الأصل الطريق يورد للاستقاء، فأطلقت على الاحكام
المشروعة لبيانها ووضوحها، وللتوصل بها إلى ما به الحياة الأبدية، وملة لكونها أمليت علينا من
النبي (ص) وأصحابه، ودين للتدين بأحكامها: أي، للتعبد بها اه‍ ط. وكل من الدين والشريعة يضاف
إلى الله تعالى والنبي والأمة، بخلاف الملة فإنها لا تضاف إلا إلى النبي (ص) فيقال ملة محمد (ص)
ولا يقال ملة الله تعالى ولا ملة زيد، كما قاله المظهر والراغب وغيرهما، فيشكل ما قاله التفتازاني:
إنها تضاف إلى آحاد الأمة. قهستاني في شرحه على الكيدانية. هذا، وقال ح: الأنسب بالإضافة
والبحر أن يقول من شآبيب مثلا، وهو شؤبوب: الدفعة من المطر كما في القاموس اه‍. أي،
بناء على أنه شبه الشريعة بالشمس بجامع الاهتداء، فهو استعارة بالكناية والأشعة تخييل، وكل من
الإفاضة والبحر لا يلائم ادعاه أن الشريعة من أفراد الشمس الذي هو مبني استعارة، ولا يخفى أن
هذا غير متعين لجواز أن تشبه أحكام الشريعة بالأشعة من حيث الاهتداء، فهو استعارة تصريحية،
والقرينة إضافة الأشعة إلي الشريعة ثم تشبه الاحكام المعبر عنها بالأشعة من حيث الارتفاع أو الكثرة
بالسحاب، فهو استعارة بالكناية. والإضافة استعارة تخييلية، والبحر ترشيح، فقد اجتمع فيه ثلاث
استعارات، على حد قوله تعالى (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) ويجوز أن يقال إضافة الأشعة
إلى الشريعة من إضافة المشبه به إلى المشبه، وشبه المسائل الشرعية بالبحر بجامع الكثرة أو النفع،
فهو استعارة تصريحية والإفاضة ترشيح فافهم. قوله: (وأغدقت) أي أكثرت: في التنزيل (لأسقيناهم
ماء غدقا) أي كثيرا، مصباح. قوله (لدينا) أي عندنا، وقيل أن لدي تقتضي الحضرة بخلاف عند،
تقول: عندي فرس، إذا كنت تملكها وإن لم تكن حاضرة في مكان التكلم، ولا تقول لدي إلا إذا
كانت حاضرة. قوله: (منحك) جمع منحة: وهي العطية. قوله: (الموفرة) أي الكثيرة. قوله (نهرا
فائقا) الفائق: الخيار من كل شئ. قاموس. وفيه استعارة تصريحية أيضا نظير ما مر، ولا يخفي ما
في الجميع بين أسامي الكتب من الهداية والتنوير والبحر والنهر من اللطافة وحسن الايهام، وليس
المراد بها نفس الكتب لما فيها من التكلف وفوات النكات البديعية في لطيف الكلام، ولأنه غير
المألوف في مثل هذا المقام بين العلماء الأعلام، فافهم. قوله (أتممت) أي أكملت نعمتك: أي،
إنعامك، أو ما أنعمت به ط. قوله: (علينا) الضمير للمؤلف وحده نظرا إلى عود ثواب الانتفاع به
إليه فقط، وأتي بضمير العظمة للتحديث بالنعمة، وهو جائز عند الفقهاء والمحدثين، أو الضمير
لمعاشر الحنفية باعتبار الانتفاع به، وهذا حسن ظن من الشيخ، ويدل على أن الخطبة ألفت بعد
ابتدائه هذا الكتاب، بل على أنها متأخرة عنه ط. قوله (حيث) الحيثية للتعليل: أي، لأنك يسرت:
أي، سهلت، أو للتقييد: أي، أتممت وقت تيسير ابتداء الخ. والأولى أولى ط. قوله (تبييض)
هو في اصطلاح المصنفين عبارة عن كتابة الشئ على وجه الضبط والتحرير من غير شطب بعد
كتابته كيفما اتفق اه‍ حموي. قوله (هذا شرح) الإشارة إلى ما في الذهن من الألفاظ المتخيلة الدالة
على المعاني، هذا هو الأولى من الأوجه السبعة المشهورة ط، وهي كون الإشارة إلى واحد فقط
من الألفاظ أو النقوش المعاني، أو إلى اثنين منها، أو إلى ثلاثة، وعلى كل فالإشارة مجازية هنا.
12

والشرح بمعنى الشارح: أي المبين والكاشف، أو جعل الألفاظ شرحا مبالغة. قوله: (المختصر)
الاختصار: تقليل اللفظ وتكثير المعنى، وهو الايجاز كما في المفتاح. قوله: (تجاه) في القاموس:
وجاهك وتجاهك مثلثين تلقاء وجهك. قوله: (منبع الشريعة) أي محل نبعها وظهورها، شبه الظهور
بالنبع ثم اشتق من النبع بمعنى الظهور: منبع بمعنى مظهر، فهو استعارة تصريحية، أو شبه الشريعة
بالماء والمنبع تخييل، فهو استعارة بالكناية، والمعنى وجه صاحب منبع الشريعة قوله (والدرر) أي
الفوائد الدنيوية والأخروية الشبيهة بالدرر في النفاسة والانتفاع، فهو استعارة تصريحية، وعطفه على
الشريعة من عطف العام على الخاص، وفيه إيهام لطيف بكتاب الدرر. قوله: (وضجيعيه) عطف
على منبع تثنية ضجيع بمعنى مضاجع: وهو من يضطجع بحذاء آخر بلا فاصل، وأطلق عليهما
ضجيعين لقربهما منه (ص) ط. قوله: (الجليلين) أي العظيمين. قوله، (بعد الاذان) متعلق بقوله يسرت)
أو ابتداء، وكان الاذن للشارح حصل منه (ص) صريحا برؤية منام أو بإلهام، وببركته (ص) فاق هذا
الشرح على غيره كما فاق متنه، حيث رأى المصنف النبي (ص) فقام له مستقبلا واعتنقه عجلا،
وألقمه عليه الصلاة والسلام لسانه الشريف كما حكاه في المنح، فكل من المتن والشرح من آثار
بركته (ص) فلا غرو إن شاء ذكرهما، وفاق وعم نفعهما في الآفاق. قوله: (ص) فعل ماض: قياس
مصدره التصلية، وهو مهجور لم يسمع. هكذا غير واحد ويؤيده قول القاموس: صلى صلاة لا
تصلية: دعا اه‍. ويرده ما أنشد ثعلب:
تركت القيان وعزف القيان * وأدمنت تصلية وابتهالا
القيان: جمع قنية وهي الأمة، وعزفها: أصواتها. قال: والتصلية من الصلاة، وابتهالا من
الدعاء اه‍. وقد ذكره الزوزني في مصادره. وفي القهستاني: الصلاة اسم من التصلية وكلاهما
مستعمل، بخلاف الصلاة بمعنى أداء الأركان فإن مصدره لم يستعمل كما ذكره الجوهري.
والجمهور على أنها حقيقة لغوية في الدعاء مجاز في العبادة المخصوصة كما حققه السعد في حواشي
الكشاف، وتمامه في حاشية الأشباه للحموي. وفي التحرير: هي موضوعة للاعتناء بإظهار الشرف،
ويتحقق منه تعالى بالرحمة عليه ومن غيره بالدعاء، فهي من قبيل المشترك المعنوي، وهو أرجح من
المشترك اللفظي، أو هي مجاز في الاعتناء المذكور اه‍. وبه اندفع الاستدلال بقوله تعالى (إن الله
وملائكته يصلون على النبي) [الأحزاب: 56] الآية على جواز الجمع بين معنى المشترك اللفظي،
ولما فيها من معنى العطف عديت بعلى للمنفعة وإن كان المعتدي بها للمضرة، بناء على أن
المترادفين لابد من جريان أحدهما مجرى الاخر، وفيه خلاف عند الأصوليين. والجملة خبرية لفظا،
منقولة إلى الانشاء، أو مجاز فيه بمعنى اللهم صل، إذ المقصود إيجاد الصلاة امتثالا للامر. قال
القهستاني: ومعناها الثناء الكامل، إلا أن ذلك ليس في وسعنا، فأمرنا أن نكل ذلك إليه تعالى كما
في شرح التأويلات.
مطلب أفضل صيغ الصلاة
وأفضل العبارات على ما قال المرزوقي: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. وقيل هو
التعظيم: فالمعنى: اللهم عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإنفاذ شريعته، وفي الآخرة، بتضعيف أجره
وتشفيعه في أمته كما قاله ابن الأثير اه‍. وعطف قوله (وسلم) بصيغة الماضي، ويحتمل صيغة الامر
13

من عطف الانشاء على الانشاء لفظا أو معنى وحذف معموله لدلالة ما قبله عليه: أي وسلم عليه،
ومصدره التسليم، واسم مصدره السلامة، ومعناه: السلامة من كل مكروه. قال الحموي: وجمع
بينهما خروجا من خلاف من كره إفراد أحدهما عن الاخر، وإن عندنا لا يكره كما صرح به في
منية المفتي، وهذا الخلاف في حق نبينا (ص) وأما غيره من الأنبياء فلا خلاف فيه، ومن ادعاه
فعليه أن يورد نقلا صريحا، ولا يجد إليه سبيلا. كذا في شرحه العلامة ميرك على الشمائل اه‍. أقول: وجزم العلامة ابن أمير حاج في شرحه على التحرير بعدم صحة القول بكراهة الافراد،
واستدل عليه في شرحه المسمى [حلبة المجلي في شرح منية المصلى] بما في سنن النسائي بسند صحيح
في حديث القنوت (وصلى الله على النبي) ثم قال: مع أن في قوله تعالى: (وسلام على
المرسلين) [الصافات: 181] (وسلام على عباده الذين اصطفى) [النمل: 59] إلى غير ذلك أسوة
حسنة اه‍. وممن رد القول بالكراهة العلامة ملا على القاري في شرح الجزرية، فراجعه. قوله:
(وعلى آله) اختلف في المراد بهم في مثل هذا الموضع، فالأكثرون أنهم قرابته (ص) الذين حرمت
عليهم الصدقة على الاختلاف فيهم. وقيل: جمع أمة الإجابة، وإليه مال مالك، واختاره الأزهري
والنووي في شرح مسلم. وقيل غير ذلك. شرح التحرير. وذكر القهستاني أن الثاني مختار
المحققين. قوله: (وصحبه) جمع صاحب، وقيل اسم جمع له. قال في شرح التحرير: والصحابي
عند المحدثين وبعض الأصوليين: من لقى النبي (ص) مسلما ومات على الاسلام، أو قبل النبؤة
ومات قبلها على الحنيفية كزيد بن عمرو بن نفيل، أو ارتد وعاد في حياته. وعند جمهور
الأصوليين: من طالت صحبته متبعا له مدة يثبت معها إطلاق صاحب فلان عرفا بلا تحديد في
الأصح اه‍. وظاهره، أن من ارتد ثم أسلم تعود صحبته وإن لم يلقه بعد الاسلام، وهذا ظاهر على
مذهب الشافعي من أن المرتد لا يحبط عمله ما لم يمت على الردة. أما عندنا فبمجرد الردة يحبط
العمل. والصحبة من أشرف الأعمال، لكنهم قالوا، إنه بالاسلام تعود أعماله مجردة عن الثواب
ولذا، لا يجب عليه قضاؤه سوى عبادة بقي سببها كالحج وكصلاة صلاها فارتد فأسلم في وقتها.
وعلى هذا فقد يقال: تعود صحبته مجردة عن الثواب، وقد يقال: إن أسلم في حياة النبي (ص) لا تعود
صحبته ما لم يلقه لبقاء سببها، فتأمل. قوله: (الذين حازوا) أي جمعوا. قوله: (من منح الخ) فيه
صناعة التوجيه حيث ذكر أسماء الكتب وهي: المنح للمصنف، والفتح شرح الهداية للمحقق ابن
الهمام والكشف شرح المنار للنفسفي، والفيض للكركي والوافي متن الكافي (1) للنفسفي،
والحقائق شرح منظومة النسفي. وفيه حسن الابهام بذكر ما له معنى قريب ومعنى بعيد، وأراد
المعنى بعيد وهو المعاني اللغوية هنا دون الاصطلاحية لأهل المذهب: أي، حازروا عن عطايا فتح
باب كشف: أي، إظهار فيض: أي كثير، فضلك: إي، إنعامك، الوافي: أي، التام، حقائقا: أي
أمورا محققة، وبهذه اللطافة يغتفر ما فيه من تتابع الإضافات الذي عد مخلا بالفصاحة، إلا إذا لم يثقل
على اللسان فإنه يزيد الكلام ملاحة ولطافة، فيكون من أنواع البديع، ويسمى الاطراد كقوله تعالى
(ذكر رحمة ربك) وقوله تعالى كدأب آل فرعون).

(1) لعله الوافي شرح متن الكافي أو نحو ذلك ويحرر، ا ه‍ مصححه.
14

تنبيه: حقائقا بالألف للسجع مع إنه ممنوع من الصرف على اللغة المشهورة، فصرفه هنا على
حد قوله تعالى (سلا سلا وأغلالا) [الانسان 4] وقوله تعالى (قواريرا) [الانسان 76] في قراءة من
نونهما، وذكروا لذلك أوجها منها التناسب. ومنهم من قراء (سلاسلا) بالألف دون تنوين. قوله:
(وبعد) يؤتى بها للانتقال من أسلوب آخر لا يكون بينهما مناسبة، فهي من الاقتضاب
المشوب بالتخلص.
واختلف في أول من تكلم بها، وداود أقرب، وهي فصل الخطاب الذي أوتيه إليه، وهي من
الظروف الزمانية أو المكانية المنقطعة عن الإضافة، مبنية على الضم لنية معنى المضاف إليه، أو
منصوبة غير منونة لنية لفظه، أو منونة إن لم ينو لفظه ولا معناه. والثالث لا يحتمل هنا لعدم مساعدة
الخط إلا على لغة من لا يكتب الألف المبدلة عن التنوين حال النصب، وعلى كل، لا بد لها من
متعلق، فإن كانت الواو هنا نائبة عن أما كما هو المشهور، فمتعلقها إما الشرط أو الجزاء. والثاني
أولى، ليفيد تأكيد الوقوع، لان التعليق على أمر لا بد من وقوعه يفيد وقوع المعلق البتة، والتقدير
مهما يكن من شئ فيقول بعد البسملة والحمدلة والتصلية وإن كانت الواو للعطف وهو من عطف
القصة على القصة، أو للاستئناف فالعامل فيها يقول، وزيدت فيه الفاء لتوهم إما إجراء للمتوهم
مجرى المحقق كما في: ولا سابق بالجر، والتقدير: ويقول بعد البسملة. وعلى الأول فهي في
جواب الشرط لنيابة الواو عن أداته. واعترضه حسن جلبي في حواشي التلويح بأن النيابة تقتضي
مناسبة بين النائب والمنوب عنه، ولا مناسبة بين الواو وإما اه‍. ولا يصح تقدير (أما) بعد الواو لان
أما لا تحذف إلا إذا كان الجزاء أمرا أو نهيا ناصبا لما قبله أو مفسرا له كما في الرضي، وما هنا
ليس كذلك. قوله: (فقير ذي اللطف) (1) أي كثير الفقر: أي، الاحتياج لله تعالى ذي اللطف: أي
الرفق والبر بعباده والاحسان إليهم. قوله: (الخفي) أي الظاهر فإنه من أسماء الأضداد، فإن لطفه
تعالى لا يخفى على شخص في كل شخص، أو المراد الخفي عن العبد، بأن يدبر له الامر من غير
تعان منه ومشقة، ويهيئ له أمور دنياه وآخرته من حيث لا يحتسب، والله على كل شئ قدير ط.
قوله: (محمد) بدل من فقير أو عطف بيان، وعلاء الدين لقبه: أي، معليه ورافعه بالعمل به وبيان
أحكامه. ومنع بعضهم من التسمي بمثل ذلك مما فيه تزكية نفس. ويأتي تمام الكلام على ذلك في
كتاب الحظر والإباحة إن شاء الله تعالى، وهو رحمة الله تعالى كما في شرح ابن عبد الرزاق على هذا
الشرح: محمد بن علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن جمال الدين بن حسن بن
زين العابدين الحصني الأثري المعروف ب‍ (الحصكفي) صاحب التصانيف في الفقه وغيره، منها هذا
الشرح وشرح الملتقى وشرح المنار في الأصول وشرح القطر ففي النحو ومختصر الفتاوى الصوفية
والجمع بين فتاوى ابن نجيم جمع التمرتاشي وجمع ابن صاحبها، وله تعليقة على صحيح البخاري
تبلغ نحو ثلاثين كراسا، وعلى تفسير البيضاوي من سورة البقرة إلى سورة الإسراء، وحواشي على
الدرر وغير ذلك من الرسائل والتحريرات، وقد أقر بالفضل والتحقيق مشايخه وأهل عصره حتى

(1) قوله: (فقير ذي اللطف) الذي في النسخ التي بيدي وكتب عليها فقير رحمة ذي اللطف، فلعلها سقطت من نسخة
هذا المحلى، ا ه‍ مصححه.
15

قال شيخه الشيخ خير الدين الرملي في إجازته له: وقد بدأني بلطائف أسئلة وقفت بها على كمال
روايته وسعة ملكته، فأجبته غير موسع عليه، فكرر على ما هو أعلى فزدته فزاد، فرأيت جواد رهانه
في غاية الممكنة والسبق، فبعدت له الغاية فأتاها مستريحا لا يخفق، مستبصرا لا يطرق، فلما تبين لي
أنه الرجل الذي حدثت عنه وصلت به إلى حالة يأخذ مني وآخذ منه، إلى أن قال في شأنه:
فيا من له شك فدونك فاسأل * تجد جبلا في العلم غير مخلخل
يباري فحول الفقه فيما يرونه * ويبرز للميدان غير مزلزل
يقشر عن لب معلوم قشوره * ويأتي بما يختاره من مفصل
ويقوى على الترجيح فيه بثاقب * من الفهم والإدراك غير محول
وفكر إذا ما حاول الصخر قله * وإن رمت حل الصعب في الحال ينجلي
وما قلت هذا القول إلا بعيد ما * سبرت خباياه بأفحم مقول
وقال شيخه العلامة محمد أفندي المحاسني في إجازته له أيضا: وإنه ممن نشأ والفضائل تعله
وتنهله، والرغبة في العلم تقرب له ما يحاوله من ذلك وتسهله، حتى نال من قداح الكمال القدح
المعلى، وفاز بما وشح به صدر النباهة وحلى، وكان لي على الغوص على غرر الفوائد أعظم
معين، فأقاد واستفاد، وفهم وأجاد اه‍. وترجمة تلميذه خاتمة البلغاء المحبي في تاريخه فقال ما
ملخصه: إنه كان عالما محدثا فقيها نحويا، كثير الحفظ والمرويات، طلق اللسان، فصيح العبارة
جيد التقرير والتحرير، وتوفي عاشر شوال سنة 1088 عن ثلاث وستين سنة، ودفن بمقبرة باب
الصغير. قوله (الحصكفي) كذا يوجد في بعض النسخ، وهو بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين
وفتح الكاف وفي آخره فاء، وياء النسبة إلى حصن كيفا، وهو من ديار بكر. قال في المشترك:
وحصن كيفا على دجلة بين جزيرة ابن عمر وميافارقين، وكان القياس أن ينسبوا إليه الحصني وقد
نسبوا إليه أيضا كذلك، ولكن إذا نسبوا إلى اسمين أضيف أحدهما إلى الاخر ركبوا من مجموع
الاسمين اسما واحدا ونسبوا إليه كما فعلوا هنا، وكذلك نسبوا إلى رأس عين راسعيني وإلى عبد الله
وعبد شمس وعبد الدار عبدلي وعبشمي وعبدري، وكذلك كل ما كان نظير هذا. ذكره المحبي في
تاريخه في ترجمة إبراهيم بن الملة. قوله: (بجامع بني أمية) متعلق بالامام والباء بمعنى في ط. وقد
بناه الوليد بن عبد الملك الأموي، نقل أنه أنفق عليه ألف دينار ومائتي ألف دينار، وفيه رأس
يحيى بن زكريا عليهما السلام، وفي حائطه القبلي مقام هود عليه السلام، ويقال إنه أول من بنى
جدرانه الأربع
وذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى: (والتين...) أنه مسجد دمشق، وكان بستانا لنبي الله
هود عليه السلام، وأنه كان فيه شجر التين قبل أن يبنيه الوليد اه‍. فهو المعبد القديم الذي تشرف
بالأنبياء عليهم السلام، وصلى فيه الصحابة الكرام.
وقد صرح الفقهاء بأن الأفضل بعد المساجد الثلاثة ما كان أقدم، بل ذكر في كتاب أخبار
الدول بالسند إلى سفيان الثوري أن الصلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة، وهو، ولله الحمد
إلى وقتنا هذا معمور بالعبادة ومجمع للعلم والإفادة ولا يزال كذلك إن شاء الله تعالى إلى أن يهبط
16

على منارته البيضاء عيسى ابن مريم عليه السلام، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها من
الأنام. قوله: (ثم المفتي الخ) أفاد أن الافتاء لم يجتمع له مع الإمامة وإنما تأخر عنها ط. وفي
تاريخ المحبي أنه تولى الافتاء خمس سنين، وكان متحريا في أمر الفتوى غاية التحري، ولم يضبط
عليه شئ خالف فيه القول المصحح. قوله: (بدمشق) بفتح الميم وقد تكسر: قاعدة الشام، سميت
بيانها دمشاق بن كنعان. قاموس. وقيل: بانيها غلام إسكندر واسمه دمشق أو دمشقش، وهي أنزه
بلاد الله تعالى. قال أبو بكر الخوارزمي: جنات الدنيا أربع: غوطة دمشق، وصغد سمرقند، وشعب
بوان، وجزيرة نهر الأبلة. وفضل غوطة دمشق على الثلاثة كفضل الثلاثة على سائر الدنيا، وناهيك
ما ورد فيها خصوصا وفي الشام عموما من الأحاديث والآثار. قوله: (الحنفي) ذكر العراقي في آخر
شرح ألفية الحديث أن النسبة إلى مذهب أبي حنيفة وإلى القبيلة وهم بنو حنيفة بلفظ واحد، وأن
جماعة من أهل الحديث منهم أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي يفرقون بينهما بزيادة ياء في النسبة
للمذهب ويقولون حنيفي، وإنه قال ابن الصلاح: لم أجد ذلك عن أحد من النحويين إلا عن أبي
بكر بن الأنباري. قوله (لما بيضت) الجملة إلى آخر الكتاب في محل نصب مقول القول، أو كل
جملة من الكتاب محلها نصب بناء على أن جزء المقول له محل، أو ليس له محل، وهما قولان ط. قوله: (من خزائن الاسرار) الخزائن جمع خزانة ألفها زائدة تقلب في الجمع همزة كقلائد في الألفية:
والمد زيد ثالثا في الواحد * همزا يرى في مثل كالقلائد
فتكتب بهمزة لا بياء بنقطتين من تحت بخلاف نحو معايش فإن الياء في المفرد أصلية فتكتب
بها. ابن عبد الرزاق.
فائدة من لطائف المفتي أبي السعود أنه سئل عن الخزائن والقصعة أيقران بالفتح أو بالكسر؟
فأجاب بقوله: لا تفتح الخزانة، ولا تكسر القصعة. قوله: (وبدائع) جمع بديعة، من ابتدع الشئ:
ابتدأه. قوله: (الأفكار) جمع فكر بالكسر ويفتح: إعمال النظر في الشئ كالفكرة والفكري. قاموس.
والمراد، ما ابتدعه بفكره من الأبحاث وحسن التركيب والوضع، أو ما ابتدعه المجتهد واستنبطه من
الأدلة الشرعية، وهذا بيان لمعاني أجزاء العلم قبل العملية، أما بعدها فالمجموع اسم الكتاب.
قوله: (في شرح) إن كان من جزء العلم فلا يبحث عن الظرفية، وإلا فالأولى حذف (في) لان
خزائن الاسرار هو نفس الشرح، وظاهر الظرفية يقتضي المغايرة، أفاده ط. أقول: وقد تزاد في،
وحمل عليه بعضهم قوله تعالى، وقال (اركبوا فيها) [هود: 41] ويمكن أن تتعلق بمحذوف حالا
والظرفية فيها مجازية مثل (ولكم في القصاص حياة) [البقرة: 179]. ويمكن تعلقه بمذكور نظرا إلى
المعنى الأصلي قبل العملية، فإن الاعلام، وإن كان المراد بها اللفظ، قد يلاحظ معها المعاني
الأصلية بالتبعية، ولهذا نادى بعض الكفرة أبا بكر رضي الله عنه بأبي الفصيل. أفاده حسن جلبي في
حاشية التلويح عند قوله الموسوم بالتلويح إلى حقائق التنقيح. قوله: (قدرته في عشرة
مجلدات كبار) مجلدات جمع مجلد، واسم المفعول من غير العاقل إذا جمع يجمع جمع تأنيث كمخفوضات
ومرفوعات ومنصوبات، والمراد أجزاء، لان العادة أن الجزء يوضع في جلد حدة ط. أي إنه
17

لما بيض الجزء الأول منه قدر أن تمام الكتاب على منوال ما بيض منه يبلغ عشرة مجلدات كبار وذكر
المحبي وغيره أنه وصل في هذا الكتاب إلى باب الوتر. والظاهر، إنه لم يكمله في المسودة أيضا
وإنما ألف منه هذا الجزء الذي بيضه فقط، والله تعالى أعلم. قوله: (فصرفت عنان العناية) العنان
بالكسر: ما وصل بلجام الفرس، والعناية: القصد. وفي نهاية الحديث: يقال عنيت فلانا عنيا: إذا
قصدته، وتشبيه العناية بصورة الفرس في الايصال إلى المطلوب استعارة بالكناية، وإثبات العنان
استعارة تخييلية، وذكر الصرف ترشيح، وفيه الايهام بكتاب النهاية اه‍. ابن عبد الرزاق. قوله: (نحو
الاختصار) أي جهة اختصار ما في خزائن الاسرار. قوله: (وسميته بالدر المختار) أي سميت هذا
المختصر المأخوذ من الاختصار أو الشرح المتقدم في قوله تبييض هذا الشرح، وسمي: يتعدى إلى
مفعولين: الأول بنفسه، والثاني بحرف الجر كما هنا، أو بنفسه كما في: سميت لبني محمدا. قال
ابن حجر: وما اشتهر من أن أسماء الكتب علم جنس وأسماء العلوم علم شخص نوقش فيه بأن إن
نظر لتعدد الشئ بتعدد محله فكلاهما علم جنس، وإن نظر للاتحاد العرفي فعلم شحص. وأما
التفرقة، فهي تحكم وترجيح بلا مرجح اه‍. والدر: الجوهر، وهو اسم حنس يصدف على القليل
والكثير. والمختار: الذي يؤثر على غيره، أفاده ط. قوله (الذي فاق) نعت لتنوير الابصار لا للدر
المختار اه‍. ح. وهذا بناء على أن قوله في شرح تنوير الابصار متعلق بمحذوف حال من الدر
المختار ليس جزء علم، فلا يرد أن جزء العلم لا يوصف، على أنه قد ينظر فيه إلى ما قبل العملية
كما قدمناه، فافهم. قوله: (هذا الفن) في القاموس: الفن الحال والضرب من الشئ كالأفنون جمعه
أفنان وفنون اه‍. والمراد به هنا علم لأنه نوع من العلوم. قوله: (في الضبط) هو الحفظ بالحزم.
قاموس. والمراد به هنا حسن التحرير ومتانة التعبير، فهو مضبوط كالحمل المحزوم. قوله:
(والتصحيح) أي ذكر الأقوال المصححة إلا ما ندر. قوله: (والاختصار) تقدم معناه، فهو مع حسن
التحرير والتصحيح خال عن التطويل. قوله: (ولعمري) قال في المغرب: العمر بالضم والفتح:
البقاء، إلا أن الفتح غلب في القسم حتى لا يجوز فيه الضم، يقال لعمرك ولعمر الله لأفعلن
وارتفاعه على الابتداء وخبره محذوف اه‍. أي قسمي أو يميني، والواو فيه للاستئناف واللام
للابتداء. قاب في القاموس: وإذا سقطت اللام نصب انتصاب المصادر، وجاء في الحديث النهي عن
قول لعمر الله اه‍. قال الحموي في حاشية الأشباه: فعلى هذا ما كان ينبغي للمصنف أن يأتي بهذا
القسم الجاهلي المنهي عنه اه‍. وفي شرح النقاية للقهستاني: لا يجوز أن يحلف بغير الله تعالى، ويقال لعمر فلان، وإذا حلف ليس أن يبر، بل يجب أن يحنث، فإن البر فيه كفر عند بعضهم كما
في كفاية الشعبي اه‍.
أقول: لكن قال فاضل الروم حسن جلبي في حاشية المطول: قوله لعمري يمكن أن يحمل
على حذف المضاف، أي: لواهب عمري. وكذا أمثاله مما أقسم فيه بغير الله تعالى كقوله تعالى
(والشمس) [الشمس: 1] (والليل) [الشمس: 2] (والقمر) [الشمس: 3] ونظائره، أي ورب الشمس
الخ. ولا يمكن المراد بقولهم لعمري وأمثاله ذكر صورة القسم لتأكيد مضمون الكلام وترويجه
فقط، لأنه أقوى من سائر المؤكدات، وأسلم من التأكيد بالقسم الله تعالى لوجوب البر به، وليس
18

الغرض اليمين الشرعي وتشبيه غير الله تعالى به في التعظيم حتى يرد عليه أن الحلف بغير اسمه
تعالى وصفاته عز وجل مكروه كما صرح به النووي في شرح مسلم، بل الظاهر من كلام مشايخنا أنه
كفر أن كان باعتقاده أنه حلف يجب البر به، وحرام أن كان بدونه كما صرح به بعض الفضلاء، وذكر
صورة القسم على الوجه المذكور لا بأس به، ولهذا شاع بين العلماء، كيف وقد قال عليه الصلاة
والسلام: (قد أفلح وأبيه) وقال عز من قاتل (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) [الحجر: 72]. فهذا
جرى على رسم اللغة، وكذا إطلاق القسم علس أمثاله اه‍. قوله: (أضحت) أي صارت، وتستعمل
أضحى بمعنى صار كثيرا كما ذكره الأشموني. قوله: (روضة هذا العلم) الروضة من العشب:
مستنقع الماء لاستراضة الماء فيها، وهذا معناها في أصل الوضع، ولذا قال بعض العلماء: الروضة
أرض ذات مياه وأشجار وأزهار، شبه الفقه ببستان على سبيل الاستعارة بالكناية، واثبات الروضة
تخييل، وما بعده ترشيح للمكنية أو للتخييلية باقيا على معناه مقصودا به تقوية الاستعارة ويجوز أن
يكون مستعارا لملائم المشبه كما قرر في محله، بأن تشبه المسائل بالأزهار والأنهار على سبيل
الاستعارة المكنية أيضا وإثبات التفتيح والتسلسل تخييل. قوله (مفتحة الأزهار) أصله مفتحة الأزهار
منها أو أزهارها على جعل أل عوضا عن المضاف إليه، والأزهار مرفوع بالنيابة عن الفاعل، فحول
الاسناد إلى ضمير الموصوف ثم أضيف اسم المفعول إلى مرفوعه معنى، فهو حينئذ جار مجرى
الصفة المشبهة، فافهم. قوله: (مسلسلة الأنهار) الكلام فيه كالذي قبله. وفي القاموس: تسلسل
الماء: جرى في حدور. قوله (من عجائبه) جمع عجيب، والاسم العجيبة والأعجوبة. قاموس.
والمراد بها مسائله العجيبة. و (من) صلة لقوله تختار، وثمرات مبتدأ والتحقيق مضاف إليه، ويطلق
على ذكر الشئ على الوجه الحق وعلى إثبات الشئ بدليله، وجملة تختار خبر المبتدأ، وفي الكلام
استعارة مكتبة حيث شبه التحقيق بشجرة، وإثبات الثمرات لها تخييل
ولا يخفي أن مسائل هذا الكتاب مذكورة على الوجه الحق، وثابتة بدلائلها عند المجتهد،
ولا يلزم من إثبات الشئ بدليله أن يكتب دليله معه حتى يرد أنه لم يذكر في المتن الأدلة، وكذا لا
يلزم من كون مسائله مذكورة على الوجه الحق أن يكون غيره من المتون ليس كذلك، فافهم، ويجوز
أن يراد بالثمرة الفائدة والنتيجة. والمعني، أن ما يستفاد بالتحقيق ويستنتج به من الأحكام الشرعية
يختار من مسائله المعجبة. قوله: (ومن غرائبه) جمع غريبة: أي، مسائله الغريبة العزيزة الوجود التي
زادها على المتون المتداولة فهي كالرجل الغريب، أو المراد تراكيبه وإشاراته الفائقة على غيرها حتى
صارت غريبة في بابها. والذخائر: جمع ذخيرة بمعنى مذخورة ما يذخر: أي يختار ويحفظ. والتدقيق:
إثبات المسألة بدليل دق طريقه لناظريه كما في تعريفات السيد. وقيل إثبات دليل المسألة بدليل
آخر وجملة تحير الأفكار صفة ذخائر الواقع مبتدأ مؤخرا مخبرا عنه بالظرف قبله
ولما كان التدقيق مأخوذا من الدقة وهي الغموض والخفاء ذكر معه الذخائر التي تحفظ عادة
وتخبأ، وذكر معه أيضا تحير الأفكار: وهو عدم اهتدائها، والمراد بها أصحابها، بخلاف التحقيق فإنه
لا يلزم أن يكون فيه دقة، والحق ظاهر لا يخفي، فلذا ذكر معه الثمرات التي تظهر عادة. قوله:
(لشيخ شيخنا) متعلق بمحذوف نعت لتنوير الابصار أو حال منه: أي، الكائن أو كائنا اه‍. ح. قوله:
19

(شيخ الاسلام) أي شيخ أهل الاسلام، وهذا الوصف غلب على من كان في منصب الافتاء أو
القضاء. قوله (محمد بن عبد الله) بن أحمد الخطيب بن محمد بن الخطيب بن إبراهيم الخطيب اه‍. ح.
ورأيت في رسالة لحفيد المصنف وهو الشيخ محمد ابن الشيخ صالح ابن المصنف، زاد بعد إبراهيم
المذكور ابن خليل بن تمرتاشي. قال المحبي: كان إماما كبيرا حسن السمت قوي الحافظة كثير
الاطلاع، وبالجملة فلم يبق من يساويه في الرتبة، وقد ألف التآليف العجيبة المتقنة، منها التنوير
وهو في الفقه جليل المقدار جم الفائدة، دقق في المسائل كل التدقيق ورزق فيه السعد فاشتهر في
الآفاق، وهو من أنفع كتبه، وشرحه هو، واعتنى بشرحه جماعة منهم العلامة الحصكفي مفتي الشام،
والملا حسين بن إسكندر الرومي نزيل دمشق، والشيخ عبد الرزاق مدرس الناصرية، وكتب عليه
شيخ الاسلام محمد الأنكوري كتابات في غاية التحرير والنفع، وكتب على شرح مؤلفة شيخ الاسلام
خير الدين الرملي حواشي مفيدة، وله تآليف لا تحصي، توفي سنة 1004 عن خمس وستين سنة اه‍.
قلت: ومن تأليف المصنف كتاب: معين المفتي، والمنظومة الفقهية المسماة تحفة الاقران
وشرحها مواهب الرحمن، والفتاوى المشهورة، وشرح زاد الفقير لابن الهمام، وشرح الوقاية، وشرح
الوهبانية، وشرح يقول العبد، وشرح المنار، وشرح مختصر المنار، وشرح الكنز إلى كتاب الايمان،
وحاشية على الدرر لم تتم، ورسائل كثيرة منها رسالة في العشرة المبشرين بالجنة، وفي عصمة
الأنبياء وفي دخول الحمام، وفي لفظ جوزتك بتقديم الجيم، وفي القضاء، وفي الكنائس: وفي
المزارعة، وفي الوقوف بعرفة، وفي الكراهية، وفي حرمة القراءة خلف الإمام، وفي جواز الاستنابة
في الخطبة، وفي أحكام الدروز والأرفاض، وفي مشكلات مسائل وشرحها، وله رسالة في التصوف
وشرحها، ومنظومة فيه، ورسالة في علم الصرف، وشرح القطر وغير ذلك، ذكره بعضهم. قوله:
(التمرتاشي) نسبة إلى تمرتاش. نقل صاحب مراصد الاطلاع في أسماء الأماكن والبقاع أن تمرتاش
بضمتين وسكون الراء وتاء وألف وشين معجمة: قرية من قرى خوارزم اه‍. ط. قلت: والأقرب أنه
نسبة إلى جده تمرتاشي كما قدمناه. قوله: (الغزي) نسبة إلى غزة هاشم، وهي كما في القاموس:
بلد بفلسطين، ولد بها الإمام الشافعي رحمة الله تعالى، ومات بها هاشم بن عبد مناف. قوله: (عمدة
المتأخرين أي معتمدهم في الأحكام الشرعية. قوله: (الاخبار) جمع خير بالتشديد: كثير الخير.
قوله: (فإني أرويه) تفريع على قوله لشيخ شيخنا الخ، فإنه لما جزم بنسبته إليه أفاد أن ذلك واصل
إليه بالسند، والضمير لتنوير الابصار، ولكن روايته عن ابن نجيم باعتبار المسائل التي فيه مع قطع
النظر عن صورته المشخصة كما أفاده ح، أو الضمير للعلم المذكور في قوله لقد أضحت روضة هذا
العلم كما أفاده ط. قوله: (عن ابن نجيم) هو الشيخ زين بن إبراهيم بن نجيم وزين اسمه العلمي.
ترجمة النجم الغزي في الكواكب السائرة فقال: هو الشيخ العلامة المحقق المدقق الفهامة زين
العابدين الحنفي. أخذ العلوم عن جماعة، منهم الشيخ شرف الدين البلقيني، والشيخ شهاب الدين
الشلبي، والشيخ أمين الدين به عبد العال، وأبو الفيض السلمي. وأجازه بالافتاء والتدريس فأفتى
ودرس في حياته أشياخه وانتفع به خلائق. وله عدة مصنفات: منها شرح الكنز، والأشباه والنظائر،
وصار كتابه عمدة الحنفية ومرجعهم. وأخذ الطريق عن الشيخ العارف بالله تعالى سليمان
20

الخضيري، وكان له ذوق في حل مشكلات القوم. قال العارف الشعراني: صحبته عشر سنين، فما
رأيت عليه شيئا يشينه، وحججت معه في سنة 953 فرأيته على خلق عطيم مع جيرانه وغلمانه ذهابا
وإيابا، مع أن السفر يسفر عن أخلاق الرجال. وكانت وفاته سنة 969 كما أخبرني بذلك تلميذه
الشيخ محمد العلمي اه‍.
قلت: ومن تآليفه: شرح على المنار، ومختصر التحرير لابن الهمام، وتعليقة على الهداية من
البيوع وحاشية على جامع الفصولين. وله الفوائد والفتاوى، والرسائل الزينية. ومن تلامذته أخوه
المحقق الشيخ عمر بن نجيم صاحب النهر. قوله: (بسنده) أي حال كونه روايا ذلك بسنده، وقدمنا
تمام السند. قوله: (المصطفى) من الصفوة: وهو الخلوص. والاصطفاء: الاختيار، لان الانسان لا
يصطفى إلا إذا كان خالصا طيبا، وقوله المختار بمعناه، وهذان اسمان من أسمائه (ص) ط. قوله:
(كما هو) حال من قوله بسنده. قوله: (عن المشايخ) متعلق بمحذوف حال من إجازتنا: أي،
المروية عنهم أو بإجازاتنا لتضمنه معنى رواياتنا. ومن جملة مشايخه القطب الكبير والعالم الشهير
سيدي الشيخ أيوب الخلوتي الحنفي. قوله: (في الدرر والغرر) كلاهما لملا خسرو، والدرر هو
شرح الغرر. قوله: (لم أعزه) أي لم أنسبه، من عزا يعزو، واسم المفعول منه معزو كمدعو،
بالتصحيح أرجح من معزى بالاعلال. قال في الألفية:
وصحح المفعول من نحو عدا * واعلله إن لم تتحر الأجودا
ويروى بالوجهين قول الشاعر:
أنا الليث معديا عليه وعاديا
والثاني هو الجاري على ألسنة الفقهاء. قوله: (وما زاد وعز نقله) أي وما زاد على الدرر والغرر
وعز نقله في الكتب المتداولة عزوته لقائله. وفي بعض النسخ: وما زاد عن نقله، أي وما زاد عن
المنقول في الدرر والغرر، فعن بمعنى على، والمصدر اسم المفعول. قوله: (روما) أي قصدا
للاختصار علة لقوله لم أعزه، وفيه إشارة إلى كثرة نقله عن الدرر ومتابعته له كعادة المصنف في متنه
وشرحه، وهو بذلك حقيق فإنه كتاب مبنى على غاية التحقيق. قوله: (ومأمولي) من الامل وهو
الرجاء. قوله: (من الناظر) أي المتأمل. قال الرغب: النظر قد يراد به التأمل والتفحص، قد يراد به
المعرفة الحاصلة بعد الفحص، واستعمال النظر في البصيرة أكثر عند الخاصة، والعامة بالعكس اه‍.
وتمامه في حاشية الحموي. قوله: (فيه) أي في شرحي هذا. قوله: (بعين الرضا) أي بالعين الدالة
على الرضا، ولا ينظر بعين المقت، فإن من نظر بها تبين له الحق باطلا، كما قال الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا
أو أنه شبه الرضا بإنسان له عين تشبيها مضمرا في النفس، وذكر العين تخييل ط. قوله:
(والاستبصار) السين والتاء زائدتان، أي، والابصار، والمراد به التبصر والتأمل ط. قوله: (وأن
بتلافي أي يتدارك. في القاموس: تلافاه: تداركه. قوله: (تلافه) الذي في القاموس وجامع اللغة
21

ولسان العرب: التلف: الهلاك، ولم يذكروا التلاف، فليراجع اه‍. ح. ووقع التعبير به لغير الشارح
كالامام عمر بن الفارض قدس سره في قصيدته الكافية بقوله:
وتلافي إن كان فيه ائتلافي * بك عجل به جعلت فداكا
ويحتمل أن الألف إشباع وهو لغة قوم ط. وفسر العلامة البوريني في شرحه على ديوان ابن
الفارض التلاف بالتلف، وكذا قال سيدي عبد الغني في شرحه عليه، وتلافي مصدر مضاف
إلى متكلم، ووقع في كلام الشعراء كثيرا ومنه قول ابن عنين يخاطب بعض الملوك وكان مريضا:
انظر إلي بعين مولى لم يزل * يوالي الندي وتلاف قبل تلاف
أنا كالذي أحتاج ما يحتاجه * فاغنم دعائي والثناء الوافي
فجاءه الملك بألف دينار وقال له: أنت الذي، وهذه الصلة، وأنا العائد. قوله: (بقدر
الامكان) متعلق بقوله يتلافى، والإضافة بيانية: أي إذا رأي فيه عيبا يتداركه بإمكانه، بأن يحمله على
محمل حسن حيث أمكن، أو يصلحه بتغيير لفظه إن لم يمكن تأويله. قوله: (أو يصغي) (1) في بعض
النسخ بالواو، أي يسمح ولا يفضح. والفضح في الأصل: الميل بصفحة العنق ثم أريد به مطلق
الاعراض. قوله: (ليصفح عنه الخ) لان الجزاء من جنس العمل. قوله: (الاسرار) بكسر الهمزة
مصدر أسر ليناسب الاضمار، وإن احتمل أن يكون بفتحها جمع سر اه‍. ح. وعلى الأول فعطف
الاضمار عليه عطف مرادف. وعلى الثاني عطف مغاير. قال ط. والأولى أن يقول بدل الاضمار
الاظهار ليكون في كلامه صنعة الطباق، وهي الجمع بين لفظين متقابلي المعنى. قوله: (ولعمري)
تقدم الكلام عليه، وهذه الفقرة وقعت في خطبة النهر. قوله: (الخطر) هو الاشراف على الهلاك،
والمراد به هنا الشئ الشاق. وهو الخطأ والسهو المعبر عنه بالتلاف. قوله: (يعز) على وزن يقل أو
يمل كما في القاموس، والمادة تأتي بمعنى العسر، وبمعنى القلة وبمعنى الضيق، وبمعنى العظمة
كما أفاده في القاموس، وكل صحيح أفاده ط. قوله: (البشر) اسم جنس. والبشر: ظاهرة البشرة
وهو ما ظهر من الجسد. والجن: ما إختفي من الاجتنان، وهو الاستتار ط. قوله: (ولا غرو) بفتح
الغين المعجمة وسكون الراء المهملة مصدر غرا من باب عدا، بمعنى عجب بوزن فرح أي لا
عجب اه‍. أي من عزة السلامة مما ذكر. قوله: (فإن النسيان) الفاء تعليلية: أي، لان النسيان
الذي هو سبب التلاف المتقدم ط. وعرفه في التحرير بأنه عدم الاستحضار في وقت الحاجة، قال:
فشمل السهو لان اللغة لا تفرق بينهما اه‍. قوله: (من خصائص الانسانية) أي من الأمور الخاصة
بالحقيقة الانسانية: أي بأفراد، والياء للنسبة إلى مجرد عنها. وروي عن ابن عباس أنه قال:
سمي إنسانا، لأنه عهد إليه فنسي. وقال الشاعر:
لا تنسين تلك العهود فإنما * سميت إنسانا لأنك ناسي

(1) قوله: (أو يصغي) ليست في نسخ الشرح التي بأيدينا، والتي في هذا الشرح (أو يصفح) ولعلها في نسخة
أخرى، مصححه.
22

وقال آخر
نسيت وعدك والنسيان مغتفر * فاعفر فأول ناس أول الناس
وقيل لأنسه بأمثاله أو بربه تعالى، قال الشاعر:
وما سمي الانسان إلا لأنسه * ولا القلب إلا أنه يتقلب
قوله: (والخطأ) هو إن يقصد بالفعل غير المحل الذي يقصد به الجناية كالرمي إلى الصيد
فأصاب آدميا. تحرير. وفي القاموس: الخطأ ضد الصواب، ثم قال: والخطأ ما لم يتعمد. قوله:
(من شعائر الادمية) الشعائر: العلامات كما في القاموس ح. قال في معراج الدراية: وشرعا ما يؤدي
من العبادات على سبيل الاشتهار كالاذان والجماعة والجمعة وصلاة العيد والأضحية. وقيل: هي ما
جعل علما على طاعة الله تعالى اه‍. قال ط: وإنما عبر بها هنا وفيما تقدم بخصائص، لان النسيان
من خصائص الانسان، والخطأ والزلل يكون منه ومن غيره حتى من الملائكة، كما وقع لإبليس بناء
على أنه منهم، ولهاروت وماروت على ما قيل، كقولهم (أتجعل فيها من يفسد فيها) وكنظر بعض
الملائكة إلى مقامه في العبادة. وأما الجن فذلك أكثر حالهم. قوله: (واستغفر الله) أي أطلب منه
ستر ذنبي، كأنه أتى به لان ما ذكره قبله فيه نوع تبرئة للنفس وهو مما لا ينبغي، بل الأولى هضم
النفس بالخطإ والنسيان وإن كانا من لوازم الانسان. قوله: (مستعيذا) حال من فاعل أستغفر
والعوذ: الالتجاء كالعياذ والمعاذة والتعود والاستعاذة. والعوذ: بالتحريك الملجأ كالمعاذ والعياذ.
قاموس. قوله: (من حسد) هو تمني زوال نعمة المحسود، سواء تمنى انتقالها إليه أو لا. ويطلق
على الغبطة مجازا، وهي تمنى مثل تلك النعمة من غير إرادة زوالها عن صاحبها، وهو غير مذموم،
بخلاف الأول، لأنه يؤدي إلى الاعتراض على الله تعالى، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (إياكم
والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) وسماه عليه الصلاة والسلام حالقة
الدين لا حالقة الشعر. وقال تعالى: (ومن شر حاسد إذا حسد) [الفلق: 6] والحاسد ظالم لنفسه،
حيث أتعب نفسه وأحزنها وأوقعها في الاثم، لغيره، حيث لم يحب له ما يحب لنفسه، ولذا قال أبو
الطيب
وأظلم أهل الأرض من كان حاسدا * لمن بات في نعمائه يتقلب
قوله: (يسد باب الانصاف) صفة تأكيدية، لان حقيقة الحسد مشعرة بها، إذ الانصاف هو
الجري على سنن الاعتدال والاستقامة على طريق الحق، وهذا الوصف لا يتأتى وجوده مع الحسد،
والغرض من الاتيان بهذا الوصف التأكيدي النداء على كمال بشاعة الحد وتقرير ذمه والتنفير عنه،
ولا يخفي ما فيه من الاستعارة المكنية والتخييلية والترشيح. قوله: (ويرد) أي يصرف صاحبه عن
جميل الأوصاف: أي عن الاتصاف بالأوصاف الجميلة أو عن رؤيتها في المحسود فلا يرى الحاسد
له جميلا، لما أن عين السخط تبدي المساويا. ورد يتعدى بنفسه، ويتعدى بعن إلى مفعول ثان وإن
لم يذكره في القاموس، فمن شواهد النحاة قول الشاعر:
أكفرا بعد رد الموت عني * وبعد عطائك المائة الرتاعا
وهذه الفقرة بمعنى التي قبلها، وفي الفقرتين من أنواع البديع الترصيع، وهو أن يكون ما في
23

إحداهما من الألفاط أو أكثره مثل ما يقابله من الأخرى في الوزن والتفقية. والجناس اللاحق وهو
اختلاف اللفظين المتجانسين في حرفين، غير متقاربين ولزوم ما لا يلزم، وهو هنا الاتيان بالصاد قبل
الألف في الانصاف والأوصاف، وقد أتى بهاتين الفقرتين المصنف في المنح وابن الشحنة في شرح
الوهبانية، وسبقهما إلى ذلك ابن مالك في التسهيل. قوله: (ألا) أداة استفتاح يستفتح بها الكلام.
قوله: (حسك) بفتحتين: شوك السعدان. والسعدان: نبت من أفضل مراعي الإبل كما في
القاموس. ح. وهذا من التشبيه البليغ، فهو على حذف الأداة، أو تجرى فيه استعارة على طريقة
السعد ط: وبين الحسد وحسك: الجناس اللاحق أيضا. قوله: (من تعلق هلك) يشير إلى وجه
الشبه، فإن الحسد إذا تعلق بإنسان أهلكه لأنه يأكل حسناته ط. وظاهره، أن الضمير في تعلق
للحسد لا لمن، والأنسب إرجاعه لمن. قوله: (وكفى للحاسد الخ) كفى فعل ماض، واللام في
للحاسد زائدة في المفعول به على غير قياس، وذما تمييز، وتمييز كفى غير محول عن شئ كما
ذكره الدماميني في شرح التسهيل، ومثله: امتلأ الكوز ماء، وآخر بالرفع فاعل كفى، ولم يزد الباء
في فاعلها لأنه غير لازم بل غالب، بخلاف زيادتها في فاعل أفعل في التعجب فإنها لازمة، لكن قال
الدماميني: إن كان كفى بمعنى أجزأ وأغني أو بمعنى وقي لم تزد الباء في فاعلها، هكذا قيل. ولم
أر من أفصح عن معنى كفى التي تغلب زيادة الباء في فاعلها. وفي كلام بعضهم ما يشير إلى أنها
قاصرة لا متعدية، وفي كلام بعضهم خلاف ذلك اه‍. فافهم. وجه الذم أنه تعالى أسند إليه الشر
وأمر نبيه (ص) بالاستعاذة منه، وأي ذم أعظم من ذلك. قوله: (في اضطرامه) متعلق بكفى أو
بمحذوف حال من الحاسد، أو في للتعليل كما في حديث (إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها)
أو بمعنى مع كما في (ادخلوا في أمم) [الأعراف: 38] والإضطرام كما قال ح عن جامع اللغة:
اشتعال النار فيما يسرع اشتعالها فيه. قال ط: شبه شدة تحسر لفوات غرضه بالإشتعال. قوله:
(بالقلق) هو بالتحريك: الانزعاج. قاموس. قوله: (لله در الحسد) في الرضي: الدر في الأصل ما
يدر: أز ما ينزل من الضرع من اللبن ومن الغيم من المطر، وهو هنا كناية عن فعل الممدوح
الصادر عنه، وإنما نسب فعله لله تعالى قصدا للتعجب منه، لان الله تعالى منشئ العجائب، وكل
شئ عظيم يريدون التعجب منه ينسبونه إليه تعالى ويضيفونه إليه، فمعنى لله دره: ما أعجب فعله
وفي القاموس: وقولهم ولله دره: أي عمله، كذا في حواشي الجامي للمولى عصام. ثم قال: فقول
الشرح: يعني الجامي لله خيره بجعل الدر كناية عن الخير لا يوافق تحقيق اللغة اه‍. ابن عبد الرزاق.
قوله: (ما أعدله الخ) تعجب ثان متضمن لبيان منشأ التعجب. وفي الرسالة القشيرية قال معاوية
رضي الله عنه: ليس في خلال الشر خلة أعدل من الحسد، تقتل الحاسد غما قبل المحسود اه‍.
لكن شرطه ما قال الشاعر
دع الحسود وما يلقاه من كمده * كفاك منه لهيب النار في كبده
إن لمت ذا حسد نفست كربته * وإن سكت فقد عذبته بيده
وقال آخر وقد أجاد:
24

اصبر على كيد الحسود * فإن صبرك يقتله
النار تأكل بعضها * إن لم تجد ما تأكله
قوله: (وما أنا الخ) البيت من المنظومة الوهبانية، قال شارحها العلامة عبد البر بن الشحنة:
لكيد الخديعة والمكر، والحسود فعول من الحسد فيه مبالغة في معنى الحاسد. والامن: المطمئن،
ولا جاهل عطف على الحسود: يعني، ولا من كيد جاهل، ويزري بفتح التحتية من زرى عليه: إذا
عابه واستهزأ به وأنكر عليه ولم يعده شيئا أو تهاون به، ويجوز ضمها من أزرى. قال في القاموس:
لكنه قليل وتزري وأزرى بأخيه: أدخل عليه عيبا أو أمرا يريد أن يلبس عليه به. ولا يتدبر عطف
عليه: أي لا يتفكر في عواقب الأمور. وسبب هذا البيت أنه ابتلى بما ابتليت به من حسد
الحاسدين وكيد المعاندين، والله المسؤول أن يجعل كيدهم في نحرهم، فبعضهم استكثره عليه،
والبعض قال: إنه مسبوق إليه اه‍. ملخصا. قوله: (هم يحسدوني) أصله يحسدونني حذفت إحدى
النونين تخفيفا اه‍. ح. وشر أفعل تفضيل حذفت همزته لكثرة الاستعمال كما حذفت من خير
وإثباتها لغة قليلة أو رديئة كما في القاموس، وكلهم بالجر تأكيد للناس لإفادة الشمول.
ولا يقال الكافر شر ممن لم يحسد، فكيف يكون من لم يحسد شرا منه؟ لأنا نقول: هو من جملة
من لم يحسد، بل ليس له ما يحسد عليه، لقوله تعالى: (أيحسبون أنما نمدهم به) [المؤمنون: 55]
الآية، فافهم. وفي الناس بمعنى معهم، ويوما ظرف لعاش وغيره بالنصب حال. وقد أوتي الشارح
بهذا البيت تبعا لابن الشحنة تسلية للنفس، فإن الحسد لا يكون إلا لذوي الكمال المتصفين بأكمل
الخصال، وفي معناه ما ينسب إلى علي كرم الله وجهه
إن يحسدوني فإني غير لائمهم * قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام بي وبهم ما بي وما بهم * ومات أكثرنا غيظا بما يجد
قوله: (إذ لا يسود) أي لا يصير ذا سؤدد وفخار، وأصله يسود كينصر، نقلت حركت الواو
إلى الساكن قبلها فسكنت الواو، وهذا علة لمفهوم وشر الناس، لأنه إذا كان شر الناس من لم يحسد
نتج أن خيرهم من يحسد، وإنما كان ذلك سببا في سيادته، لان المدح يترتب عليه الرياسة والسؤدد
والقدح فيه يترتب عليه الحلم والتحمل والصفح، وذلك في السيادة أيضا. اه‍. ط.
قلت: والحسود أيضا سبب في السيادة من حيث إنه سبب لنشر ما انطوى من الفضائل، كما
قال القائل:
وإذا أراد الله نشر فضيلة * طويت أتاح لها لسان حسود
قوله: (سيد) أصله سيود اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء
وأدغمت في الياء، قيل إنه لا يطلق إلا على الله تعالى، لما روي (أنه عليه الصلاة والسلام لما قالوا
25

له يا سيدنا، قال: إنما السيد الله) وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (أنا سيد ولد آدم) وقال تعالى:
(وسيدا وحصورا) [آل عمران: 39] وقيل لا يطلق عليه تعالى وعزي إلى مالك، وقيل: يطلق عليه
تعالى معرفا وعلى غيره منكرا. والصحيح جوازه مطلقا، وهو في حقه تعالى بمعنى العظيم المحتاج
إليه، وفي غيره بمعنى الشريف الفاضل الرئيس، وتمامه في حاشية الحموي. قوله: (بدون) أي
بغير، وهو أحد إطلاقات لها، وتأتي بمعنى المكان الأدني وهو الأصل فيها ط. قوله: (ودود) هو
كثير الحب. قاموس. قوله: (وحسود يقدح) أي يطعن، ولا يخفي ما بين ودود وحسود من الطباق،
وبين يمدح ويقدح من الجناس اللاحق ولزوم ما لا يلزم، وما في ذلك من الترصيع. قوله: (لان من
زرع) تعليل لما استلزمه الكلام السابق، لان قدح الحسود إذا كان سببا في زيادة المحسود الموجبة
لكمده كان زرعه الحسد منتجا له المحن والبلايا. والإحن جمع إحنة بالكسر فيهما، وهي الحقد كما
في القاموس اه‍. ح. ويحتمل أنه تعليل لقوله سابقا: ألا وأن الحسد حسك، من تعلق به هلك،
فالمحصود الهلاك الموجود عند التعلق ط، وتشبيه الحقد بما يزرع استعارة بالكناية، وإثبات الزرع
تخييل، وذكر الحصد ترشيح. قوله: (فاللئيم يفضح) من اللؤم بالضم ضد الكرم، يقال لؤم ككرم
لؤما فهو لئيم جمعه لئام ولؤماء، ويقال فضحه كمنعه: كشف مساويه، والاصلاح ضد الافساد.
قاموس. وهذا مرتبط بقوله إذ لا يسود سيد الخ. فاللئيم هو الحسود، والكريم هو الودود، وفيه
لف ونشر مشوش، أو بقوله (ومأمولي من الناظر فيه الخ). ولو قال: والكريم يصفح أو يسمح،
لكان أوضح. قوله: (لكن يا أخي الخ) لما كان الاذن بالاصلاح مطلقا استدرك عليه بقوله: (بعد
الوقوف) وهو ظرف ليصلح كما أفاده ح، أي يصلح بعد وقوعه واطلاعه على هذه الكتب، لا
بمجرد الخطور بالبال، ويصح تعلقه بقوله (وإن يتلافى تلافه) ويحتمل تعلقه بقوله (فصرعت عنان
العناية نحو الاختصار) أي إنما اختصرته بعد الوقوف على حقيقة الحال: أي حال المسائل ومعرفة
ضعيفها من قويها، ويدل له قوله (مع تحقيقات سنح الخ) ويدل للأول قوله: (ويأتي الله الخ) أفاده ط.
قوله: (على حقيقة الحال) حقيقة الشئ: ما به الشئ هو هو كالحيوان الناطق للانسان، بخلاف
مثل الضاحك والكاتب مما يمكن تصور الانسان بدونه تعريفات السيد. قوله: (كصاحب البحر) هو
العلامة الشيخ زين بن نجيم وتقدمت ترجمته. قوله: (والنهر) أي وكصاحب النهر، وهو العلامة
الشيخ عمر سراج الدين الشهير بابن نجيم، الفقيه المحقق، الرشيق العبارة الكامل الاطلاع، كان
متبحرا في العلوم الشرعية، غواصا على المسائل الغريبة، محققا إلى الغاية، وجيها عند الحكام،
معظما عند الخاص والعام، توفي سنة خمس بعد الألف، ودفن عند شيخه وأخيه الشيخ زين. محبي
ملخصا، وله كتاب (إجابة السائل في اختصار أنفع الوسائل) وغير ذلك. قوله: (والفيض) أي
وكصاحب الفيض وهو الكركي. قال التميمي في طبقات الحنفية: إبراهيم بن عبد الرحمن بن
محمد بن إسماعيل الكركي الأصل، القاهري المولد والوفاة، لازم التقي الحصني والتقي الشمني، وحضر دروس الكافيجي، وأخذ عن ابن الهمام، وترجمة السخاوي في الضوء بترجمة حافلة، وذكر أنه
جمع في الفقه فتاوى في مجلدين، وأن له حاشية على توضيح ابن هشام اه‍. ملخصا. وتوفي سنة
26

923، وأراد بالفتاوى، الفيض المذكور المسمى (فيض المولى الكريم على عبده إبراهيم)، وقد
قال في خطبته: وضعت في كتابي هذا ما هو الراجح والمعتمد، ليقطع بصحة ما يوجد فيه أو منه
يستمد. قوله: (والمصنف) تقدمت ترجمته. قوله، (وجدنا المرحوم) هو الشيخ محمد شارح
الوقاية اه‍. ابن عبد الرزاق، ولم أقف له على ترجمة. قوله: (وعزمي زاده) هو العلامة مصطفى بن
محمد الشهير بعزمي زاده، أشهر متأخري العلماء بالروم، وأغزرهم مادة في المنطوق والمفهوم، ذو
التآليف الشهيرة، منها حاشية على الدرر والغرر، وحاشية على شرح المنار لابن مالك، توفي في
حدود سنة أربعين بهد الألف. محبي ملخصا. قوله: (وأخي زاده) قال المحبي في تاريخه، هو عبد
الحليم بم محمد الشهير المعروف بأخي زاده، أحد أفراد الدولة العثمانية وسراة علمائها، كان نسيج
وحده في ثقوب الذهن وصحة الادراك والتضلع من العلوم. وله تآليف كثيرة منها شرح على
الهداية، وتعليقات على شرح المفتاح، وجامع الفصولين، والدرر والغرر، والأشباه والنظائر.
وتوفي سنة ثلاث عشرة بعد الألف اه‍. ملخصا. وذكر ابن عبد الرزاق أن الذي في الخزائن أخي
جلبي بدل أخي زاده، وهو صاحب حاشية صدر الشريعة المسماة بذخيرة العقبى واسمه يوسف بن
جنيد، وهو تلميذ ملا خسرو اه‍. قوله: (وسعدي أفندي) اسمه سعد الله بن عيسى بن أمير خان
الشهير بسعدي جلبي مفتي الديار الرومية، له حاشية على تفسير البيضاوي، وحاشية على العناية
شرح الهداية، ورسائل وتحريرات معتبرة، ذكره حافظ الشام البدر الغزي العامري في رحلته، وبالغ
في الثناء عليه، والتميمي في الطبقات. ونقل عن الشقائق النعمانية أنه توفي سنة 945. قوله:
(والزيلعي) هو الامام فخر الدين أبو محمد عثمان بن علي صاحب تبين الحقائق شرح كنز الدقائق،
قدم القاهرة سنة 705 وأفتى ودرس وصنف وانتفع الناس به كثيرا ونشر الفقه، ومات بها سنة 743.
قوله: (الأكمل) هو الامام المحقق الشيخ أكمل الدين محمد بن محمود بن أحمد البابرتي، ولد في
بضع عشرة وسبعمائة. وأخذ عن أبي حيان والأصفهاني، وسمع الحديث من الدلاصي وابن عبد
الهادي، وكان علامة ذا فنون، وافر العقل، قوي النفس، عظيم الهيبة، أخذ عنه العلامة السيد
الشريف والعلامة الفنري، وعرض عليه القضاء فامتنع. له التفسير، وشرح المشارق، وشرح مختصر
ابن الحاجب، وشرح عقيدة الطوسي، والعناية شرح الهداية، وشرح السراجية، وشرح ألفية ابن
معطي، وشرح المنار، وشرح تلخيص المعاني، والتقرير شرح أصول البزدوي. توفي سنة 786
وحضر جنازته السلطان فمن دونه، ودفن بالشيخونية في مصر. قوله: (والكمال) هو الامام المحقق
حيث أطلق محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد السيواسي ثم السكندري كمال الدين بن الهمام. ولد
تقريبا سنة 790. وتفقه بالسراج قارئ الهداية، وبالقاضي محب الدين بن الشحنة، لم يوجد مثله في
التحقيق، وكأن يقول: أنا لا أقلد في المعقولات أحدا. وقال البرهان الا بناسي وكأنه من أقرانه: لو
طلبت حجج الدين ما كان في بلدنا من يقوم بها غيره. وكان له نصيب وافر مما لأصحاب الأحوال
من الكشف والكرامات، وكان تجرد أولا بالكلية، فقال له أهل الطريق ارجع، فإن للناس حاجة
بعلمك، وكان يأتيه الوارد كما يأتي السادة الصوفية لكنه يقلع عنه بسرعة لمخالطته للناس، وشرح
الهداية شرحا لا نظر له سماه فتح القدير، وصل فيه إلى أثناء كتاب الوكالة، وله كتاب التحرير في
الأصول الذي لم يؤلف مثله وشرحه تلميذه ابن أمير حاج، وله المسايرة في العقائد، وزاد الفقير في
27

العبادات. توفي بالقاهرة سنة 861 وحضر جنازته السلطان فمن دونه كما في طبقات التميمي
ملخصا. قوله: (وابن الكمال) هو أحمد بن سليمان بن كمال باشا، والامام العالم العلامة الرحلة
الفهامة. كان بارعا في العلوم، وقلما أن يوجد فن إلا وله فيه مصنف أو مصنفات. دخل إلى
القاهرة صحبة السلطان سليم لما أخذها من يد الجراكسة، وشهد له أهلها بالفضل والاتقان، وله
تفسير القرآن العزيز، وحواش على الكشاف، وحواش على أوائل البيضاوي، وشرح الهداية لم
يكمل، والاصلاح والايضاح في الفقه، وتغيير التنقيح في الأصول وشرحه: وتغيير السراجيه في
الفرائض وشرحه، وتغيير المفتاح وشرحه، وحواشي التلويح، وشرح المفتاح، ورسائل كثيرة في
فنون عديدة لعلها تزيد على ثلاثمائة رسالة، وتصانيف في الفارسية، وتاريخ آل عثمان بالتركية وغير
ذلك، وكان في كثرة التآليف والسرعة بها وسعة الاطلاع في الديار الرومية كالجلال السيوطي في
الديار المصرية، وعندي أنه أدق نظرا من السيوطي وأحسن فهما، على أنهما كانا جمال ذلك العصر،
ولم يزل مفتيا في دار السلطنة إلى أن توفي سنة 940 اه‍. تميمي ملخصا. قوله: (مع تحقيقات)
حال ما حرره، إي، مصاحبا ما حرره هؤلاء الأئمة لتحقيقات اه‍. ح. والمراد بها حل المعاني
العويصة، ودفع الاشكالات الموردة على بعض المسائل أو على بعض العلماء، وتعيين المراد من
العبارات المحتملة ونحو ذلك، وإلا فذات الفروع الفقهية لا بد فيها من النقل عن أهلها. قوله:
(سنح بها البال) في القاموس: سنح لي رأي كمنع سنوحا وسنحا وسنحا: عرض، وبكذا عرض ولم
يصرح اه‍. فعلى الأول هو من باب القلب مثل، أدخلت القلنسوة في رأسي. والأصل سنحت: أي
عرضت بالبال: أي في خاطري وقلبي. وعلى الثاني لا قلب. والمعنى عليه أن قلبي وخاطري
عرض بها ولم يصرح، وهذا ما جرت عليه عادته رحمة الله تعالى من التعريض بالرموز الخفية كما
يشير إليه قريبا. قوله: (وتلقيتها) أي أخذتها عن أشياخي فحول الرجال: أي الرجال الفحول الفائقين
على غيرهم. في القاموس: الفحل: الذكر من كل الحيوان، وفحول الشعراء: الغالبون بالهجاء على
من هاجاهم اه‍. قال ح. وأورد أن بين الجملتين تنافيا، فإن البال إذا ابتكر هذه التحقيقات جميعها،
فكيف يكون متلقيا لها جميعها عن فحول الرجال؟ وقد يجاب بأنه على تقدير مضاف: أي، سنح
ببعضها البال وتلقيت بعضها عن فحول الرجال اه‍. أي، فهو على حد قوله تعالى: (ومن الجبال
جدد بيض وحمر). قوله (ويأبى الله العصمة الخ) أبي الشئ يأباه ويأبيه إباه وإباه بكسرهما:
كرهه. قاموس. وهذا اعتذار منه رحمة الله تعالى: أي، إن هذا الكتاب، وإن كان مشتملا على ما
حرره المتأخرون وعلى التحقيقات المذكورة، لكنه غير معصوم: أي غير ممنوع من وقوع الخطأ
والسهو فيه، فإن الله تعالى لم يرض، أو لم يقدر العصمة لكتاب غير كتابه العزيز الذي قال فيه (لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) فغيره من الكتب قد يقع فيه الخطأ والزلل لأنها من تآليف
البشر، والخطأ والزلل من شعارهم.
تنبيه: قال الامام العلامة عبد العزيز البخاري في شرحه على أصول الامام البزودي ما نصه:
روى البويطي عن الشافعي رضي الله عنهما أنه قال له: إني صنفت هذه الكتب فلم آل فيها
الصواب، ولا بد أن يوجد فيها ما يخالف كتاب الله تعالى وسنة رسوله (ص) قال الله تعالى: (ولو
كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) [النساء: 82] فما وجدتم مما يخلف كتاب الله
28

تعالى وسنة رسوله (ص) فإني راجع عنه إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله (ص) قال المزني: قرأت
كتاب الرسالة على الشافعي ثمانين مرة، فما من مرة إلا وكان يقف على خطأ، فقال الشافعي: هيه،
أبي الله أن يكون كتابا صحيحا غير كتابه اه‍. قوله: (قليل خطأ المرء) أي خطأ المرء القليل، فهو
من إضافة الصفة للموصوف، وعبر بالخطأ إشارة إلى أن ذلك واقع لا عن اختيار، فالاثم مرفوع
والثواب ثابت ط. قوله: (في كثير صوابه) متعلق بمحذوف حال من الخطأ: أي الخطأ القليل كائنا
في أثناء الصواب الكثير أو بإغتفر، وفي بعض مع، أو للتعليل أفاده ط. ولا يخفى ما في الجمع
بين القليل وكثير وخطأ وصواب من الطباق. قوله: (ومع هذا) أي مع ما حواه من التحريرات
والتحقيقات اه‍. ح. قلت: والأولى جعله مرتبطا بقوله: ويأبى الله أي مع كونه غير محفوظ من
الخلل فمن أتقنه كما تقول فلان بخيل ومع ذلك فهو أحسن حالا من فلان ط. قوله: (فهو الفقيه)
الجملة خبر من قرنت بالفاء لعموم المبتدأ فأشبه الشرط، والمراد بالفقيه: من يحفظ الفروع الفقهية
ويصير له إدراك في الأحكام المتعلقة بنفسه وغيره. وسيأتي الكلام على معنى الفقه لغة
واصطلاحا ط قوله: (الماهر) أي الحاذق. قاموس. قوله: (ومن ظفر) في القاموس: الظفر
بالتحريك: الفوز بالمطلوب ظفره، وظفر به، وعليه. قوله: (بما فيه) أي من التحريرات
والتحقيقات والفروع الجمة والمسائل المهمة. قوله: (فسيقول) أتى بسين التنفيس لان ذلك يكون
عند السؤال، أو المناظرة مع الاخوان غالبا، أو أنها زائدة أفاد ه ط أو لأنه إنما يكون بعد اطلاعه
على غيره من الكتب التي حررها غيره وطولها بنقل الأقوال الكثيرة والتعليلات الشهيرة. وخلافيات
المذاهب والاستدلالات مع خلوها من تكثير الفروع والتعويل على المعتمد منها كغالب شروح
الهداية وغيرها، فإذا اطلع على ذلك علم أن هذا الشرح هو الدرة الفريدة الجامع لتلك الأوصاف
الحميدة، ولذا أكب عليه أهل هذا الزمان في جميع البلدان. قوله: (بملء فيه) الملء بالكسر: اسم
ما يأخذه الاناء إذا امتلأ وبهاء هيئة الامتلاء ومصدره ملء. قاموس. وفيه استعارة تصريحية حيث شبه
الكلام الصريح الذي يستحسنه قائله ويرتضيه، ولا يتحاشى عن الجهر به بما يملا الاناء بجامع بلوغ
كل إلى نهاية أو مكنية حيث شبه الفم بالاناء، والملة تخييل. وهو كناية عن الاتيان بهذا القول
جهرا بلا توقف ولا خوف من تكذيب طاعن، وبين قوله فيه: وفيه الجناس التام. قوله: (كم ترك
الأول للاخر) مقول القول وكم خبرية للتكثير مفعول ترك، والمراد بالأول والاخر جنس من تقدم
في الزمن ومن تأخر، وهذا القول في معنى ما قاله ابن مالك في خطبة التسهيل، وإذا كانت العلوم منحا
إلهية، ومواهب احتصاصية، فغير مستعبد أن يدخر لبعض المتأخرين، ما عسر على كثير من
المتقدمين اه‍.
وأنت ترى كتب المتأخرين تفوق على كتب المتقدمين في الضبط والاختصار وجزالة الألفاظ
وجمع المسائل، لان المتقدمين كان مصرف أذهانهم إلى استنباط المسائل وتقويم الدلائل. فالعالم
المتأخر يصرف ذهنه إلى تنقيح ما قالوه، وتبيين ما أجملوه، وتقييد ما أطلقوه، وجمع ما فرقوه،
واختصار عباراتهم، وبيان ما استقر عليه الامر من اختلافاتهم، فهو كماشطة عروس رباها أهلها حتى
صلحت للزواج، تزينها وتعرضها على الأزواج، وعلى كل فالفضل للأوائل كما قال القائل:
29

كالبحر يسقيه السحاب وما له * فضل عليه لأنه من مائه
نعم، فضل المتأخرين على أمثالنا من المتعلمين، رحم الله الجميع وشكر سعيهم آمين. قوله:
(الحظ) أي النصيب، الوافر: الكثير. قوله: (لأنه) تعليل للجمل الثلاثة قبله، والضمير يرجع إلى
الكتاب ط. قوله: (هو البحر) تشبيه بليغ أو استعارة. قوله: (لكن بلا ساحل) الساحل ريف البحر
وشاطئه مقلوب، لأن الماء شحله وكان القياس مسحولا. قاموس. وإذا كان لا ساحل له فهو في
غاية الاتساع، لان نهاية البحر ساحله، فهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم حيث أثبت صفة مدح
واستثنى منها صفة مدح أخرى نحو (أنا أفصح العرب بيد أني من قريش) وهو آكد في المدح لما فيه
من المدح على المدح والاشعار بأنه لم يجد صفة ذم يستثنيها فاضطر إلى استثناء صفة مدح. وله نوع
ثان، وهو أن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشئ صفة مدح، كقوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب
أي في حدهن كسر من مضاربة الجيوش، وهذا الثاني أبلغ كما بين في محله، فافهم. وفيه
أيضا من أنواع البديع نوع من أنواع المبالغة وهو الاغراق، حيث وصف البحر بما هو ممكن عقلا
ممتنع عادة. قوله: (ووابل القطر) الوابل: الكثير، وهو من إضافة الصفة للموصوف، أي، القطر
أيضا من تأكيد المدح بما يشبه الذم. قوله: (بحسن عبارات) الباء لتعليل مثل - فبظلم - أو
للمصاحبة مثل - اهبط بسلام - أو للملابسة وهي متعلقة بالبحر لأنه في معني المشتق، أي الواسع
مثل حاتم في قومه، ومثل قول الشاعر: أسد علي وفي الحروب نعامة
لتأوله بكريم وجري أو بمحذوف حال من الضمير (في) لأنه أو من كتابي. قوله: (ورمز
إشارات هما بمعنى واحد، وهو الايماء بالعين أو اليد أو نحوهما كما في القاموس، فكأنه أراد ألطف
أنواع الايماء وأخفاها كما سيصرح به بعد قوله معتمدا في دفع الايراد ألطف الإشارة. قوله: (وتنقيح
معاني) أي تهذيبها وتنقيتها، ويحتمل أنه من إضافة الصفة إلى الموصوف، ومثله قوله: وتحرير
مباني. وفي القاموس: تحرير الكتاب وغيره: تقويمه اه‍. ومباني الكلمات: ما تبنى عليه من
الحروف، والمراد بها الألفاظ والعبارات، من إطلاق الجزء على الكل، وفي قوله المعاني والمباني
مراعاة النظير: وهو الجمع بين أمر وما يناسبه، لا بالتضاد نحو (الشمس والقمر بحسبان)
[الرحمن: 50 /] ثم الموجود في النسخ رسمها بالياء مع أن القياس حذفها، والوقف على النون ساكنة
مثل - فاقض ما أنا فاقض -. قوله: (وليس الخبر كالعيان) بكسر العين: المعاينة والمشاهدة، هذه
علة المحذوف: أي، إن ما قلته خبر يحتمل الصدق والكذب، بعد اطلاعك على التأليف المذكور
مما رواه أحمد والطبراني وغيرهما من قوله (ص) (ليس الخبر كالمعاينة) وهو من جوامع كلمة (ص) كما
في المواهب اللدنية، وتضمن لقول الشاعر:
30

يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما * قد حدثوك فما راء كمن سمعا
قوله: (وستقر) القر: بالضم البرد، وعينه تقر بالكسر والفتح قرة وتضم، وقرورا: بردت
وانقطع بكاؤها أو رأت ما كانت متشوفة إليه. قاموس. وكأنه وصف العين بالبرودة، لما قالوا من
أن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة. قوله: (بعد التأمل) أي التفكر فيه والتدبر في معانيه ط.
قوله: (فخذ) الفاء فصيحة: أي إذا كان كما وصفته لك أو إذا تأملته وقرت به عيناك فخذ الخ. ثم
اعلم أنه من هنا إلى قوله: (كيف لا وقد يسر الله ابتداء تبييض الخ) ساقط من كثير من النسخ،
وكأنه من إلحاقات الشارح، فما نقل من نسخته قبل الالحاق خلا عن هذه الزيادة، والله تعالى
أعلم. قوله: (من حسن روضه) الحسن: جمعه محاسن على غير قياس. قاموس. فهو اسم
جامد لا صفة، فالإضافة فيه لامية فافهم. والأسمى أفعل تفضيل من السمو: أي الاعلى من غيره.
قال ط: وفي الكلام استعارة، شبه عبارته الحسنة بالروض بجامع النفاسة وتعلق النفوس بكل،
والقرينة إضافة الروض إلى الضمير. قوله: (عن الحسن) الظاهر أنه بضم الحاء، فالمعنى: دع
الحسن الصوري المحسوس وانظر إلى حسن روض هذا الشرح الاعلى قدرا اه‍. ح. قوله:
(وسلمى) امرأة من معشوقات العرب المشهورات كليلي ولبنى وسعدى وبثينة ومية وعزة، وليس
المراد بها المعنى العلمي، وإنما المراد الوصفي لاشتهارها بالحسن كاشتهار حاتم بالكرم، فيقال
فلان حاتم بمعنى كريم، فالمراد: دع الجماع والجميل. قوله: (في طلعة) خبر مقدم، وما يغنيك
مبتدأ مؤخر. والمعنى: أن طلعة الشمس: أي طلوعها، يكفيك عن نور الكوكب المسمى بزحل نزل
كتابة منزلة الشمس بجامع الاهتداء بكل، ونزل غيره منزلة زحل، ولا شك أن نور الشمس والاهتداء
به لا يكون لغيرها من الكواكب، وزحل أحد الكواكب السيارة التي هي السبع، جمعها الشاعر على
ترتيب السماوات، كل كوكب في سماء بقوله:
زحل شرى مريخه من شمسه * فزاهرت لعطارد الأقمار
قوله: (هذا) أي خذ هذا الذي ذكرته، وأراد به الانتفاع عن وصف الكتاب إلى التنبيه على
عدم الاغترار بما يشنع به حساد الزمان المغيرون في وجوه الحسان
كضرائر الحسناء قلن لوجهها * حسدا ولؤما إنه لدميم
قوله: (أعراض) جمع عرض بكسر العين: محل المدح والذم ط. قوله: (أغراض) أي
كالأغراض خبر أضحى، فهو تشبيه بليغ. والاغراض: جمع غرض، وهو الهدف الذي يرمى
بالسهام، فكما أن الغرض يرمي بالسهام، كذلك أعراض المصنفين ترمى بالقول الكاذب، وشاع
استعمال الرمي في نسبة القبائح، كما قال تعالى: (والذين يرمون أزواجهم) (والذين يرمون
المحصنات) وبين الاعراض والاغراض الجناس المضارع ط، وفي تشبيه الكلام القبيح بالسهام
استعارة تصريحية والقرينة إضافتها إلى الألسنة، والجامع حصول الضرر بكل، ويحتمل أن يكون من
إضافة المشبه به إلى المشبه: أي الألسنة التي هي كالسهام، لكن تشبيه الكلام بالسهام أظهر من
31

تشبيه الألسنة بها تأمل. قوله: (ونفائس تصانيفهم الخ) النفائس جمع نفيسة. يقال: شئ نفيس أي
يتنافس فيه ويرغب، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف مرفوع بالعطف على اسم أضحى أو على
الابتدائية، والواو للاستئناف أو للحال، ومعرضة بتشديد الراء منصوب على أنه خبر أضحى، أو
مرفوع على أنه خبر المبتدأ، وبأيديهم متعلق به: أي، منصوبة بأيديهم، من قولهم جعلت الشئ
عرضة له: أي نصبته، أو بفتح الراء مخففة من أعرض بمعنى أظهر، أي مظهرة في أيديهم، والضمير
للحساد، وجملة تنتهب: أي الحساد بالبناء للمعلوم حالية أو خبر بعد خبر، أو هي الخبر ومعرضة
حال، ورميها بالكساد كناية عن هجرها أو ذمها. والمعنى: أن الحساد لا يستغنون عنها، بل ينتهبون
فوائدها وينتفعون بها ثم يذمونها ويقولون إنها سلعة كاسدة. قوله: (أخا العلم) منادى على حذف أداة
النداء، والأخ: من النسب والصديق والصاحب كما في القاموس، والمراد الأخير. قوله: (بعيب)
مصدر مضاف إلى مفعوله، وإن جعل العيب اسما لما يوجب الذم فهو على تقدير المضاف: أي
بذكر عيب ط. قوله: (مصنف) بكسر النون أو بفتحها. قوله: (ولم تتيقن) جملة حالية ط. قوله:
(منه) متعلق بمحذوف صفة لزلة، وجملة تعرف صفة ثانية أو حال، أو منه متعلق بتعرف، والجملة
صفة لزلة. قوله: (فكم) خبرية للتكثير في محل رفع مبتدأ، والجملة بعدها خبر كما هو القاعدة فيما
إذا وليها فعل متعد أخذ مفعوله، فافهم. قوله: (بعقله) الباء للالة: أي إن عقله هو الآلة في
الافساد ط. قوله (وكم حرف) التحريف: التغيير، والتصحيف: الخطأ في الصحيفة. قاموس.
لكن في شرح ألفية العراقي للقاضي زكريا: التحريف: الخطأ في الحروف بالشكل، والتصحيف:
الخطأ فيها بالنقط، واللحن: الخطأ في الاعراب اه‍.
وفي تعريفات السيد: تجنيس التحريف هو أن يكون الاختلاف في الهيئة كبرد وبرد، وتجنيس
التصحيف أن يكون الفارق نقطة كأنقى وألقى اه‍. قوله: (أضحى لمعنى مغيرا) اللام في (لمعنى)
زائدة للتقوية لتقدم المفعول على عامله، مع أن العامل محمول على الفعل فضعف عن المعمول،
وتغيير الناسخ المعنى بسبب تغييره الألفاظ، وجملة وجاء الخ مؤكدة، وهذا معنى ما يقال: الناسخ
عدو المؤلف. قوله: (من هذا) أي التأليف. قوله: (أن يدرج) أي يجري. وفي القاموس: درجت
الريح بالحصي: أي، جرت عليه جريا شديدا. قوله: (من المصنفين والمؤلفين) التأليف: جعل
الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد، سواء كان لبعضها نسبة إلى بعض بالتقدم والتأخر أو
لا، وعليه فيكون التأليف أعم من الترتيب اه‍. تعريفات السيد. قيل: وأعم من التصنيف لأنه مطلق
الضم، والتصنيف جعل كل صنف على حدة. وقيل المؤلف من يجمع كلام غيره، والمصنف من
يجمع مبتكرات أفكاره، وهو معنى ما قيل: واضح العلم أولى باسم المصنف من المؤلف. قوله:
32

(رياض) في القاموس: راض المهر ورياضا ورياضة: ذلله اه‍. ومنه قولهم مسائل الرياضة. قال
الشنشوري: أي التي تروض الفكر وتذلله لما فيه من التمرين على العمل. قوله: (القريحة) في
الصحاح: القريحة أول ما يستنبط من البئر، ومنه قولهم، لفلان قريحة جيدة: يراد، استنباط العلم
بجودة الطبع اه‍. والمراد بها هنا آلة الاستنباط: وهي الذهن. قوله: (ودعاء) عطف على الغفران.
قوله: (وما علي) ما نافية، وعلى خبر مبتدأ محذوف: أي، وما على بأس، أو ما استفهامية مبتدأ،
وعلي الخبر. قوله (فسيتلقونه بالقبول) قد حقق المولى رجاه وأعطاه فوق ما تمناه، وهو دليل
صدقة وإخلاصه رحمة الله تعالى وجزاه خيرا. قوله: (ترى الفتى) رأى علمية، والفتى مفعول أول،
وهو في الأصل الشاب، والمراد به هنا مطلق للشخص، وجملة ينكر مفعول ثان، أو بصرية. ولا يرد
أن الانكار مما لا يدرك بالبصر لأنه قد تدرك أماراته، على أنه إذا جعلت بصرية فجملة ينكر حال لا
مفعول لها حتى يرد ذلك، فافهم. قوله: (لؤما) مهموز العين مفعول لأجله. قوله: (ما ذهب) أي
مات، والقاعدة إن ما بعد (إذا) زائدة. قوله: (لج) بالجيم، من اللجاج: وهو الخصومة كما في
القاموس اه‍. ح. وضمنه معنى اشتد فعداه بالباء ط. قوله: (الحرص) طلب الشئ باجتهاد في
إصابته تعريفات السيد. قوله: (على نكتة) متعلق بالحرص. والنكتة: هي مسألة لطيفة أخرجت بدقة
نظر وإمعان فكر، من نكت رمحه بأرض: إذ أثر فيها، وسميت المسألة الدقيقة نكتة لتأثر الخواطر
في استنباطها. سيد. قوله: (يكتبها) حال من الضمير المجرور أو صفة لنكتة: أي يريد كتابتها،
قوله: (فهناك) اسم فعل بمعنى خذ. قوله: (مهذبا) بالكسر بصيغة اسم الفاعل بقرينة قوله (مظهرا)،
أو هو أولى من الفتح لأنه أقل تكلفا، والتهذيب: التنقية والاصلاح، وقوله لمهمات مفعوله، واللام
للتقوية: وهو جمع مهمة: ما يهتم بتحصيله. قوله: (استعملت) أي أعملت، فالسين والتاء زائدتان،
عبر بهما إشارة إلى الاعتناء والاجتهاد ط. قوله: (فيها) أي في تحريرها ط. قوله: (جن) أي ستر
الأشياء بظلمته، والمادة تدل على الاستتار كالجن والجنان والجنين والجنة، وإنما خص الليل
لكونه محل الأفكار غالبا، وفيه يزكو الفهم لقلة الحركة فيه. وعادة العلماء يتلذذون بالسهر في
التحرير للمسائل كما قال التاج السبكي رحمة الله:
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي * من وصل غانية وطيب عناق
وتمايلي طربا لحل عويصة * في الذهن أبلغ من مدامة ساقي
وصرير أقلامي على صفحاتها * أشهى من الدوكاء والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها * نقري لألقي الرمل عن أوراقي
33

قوله: (متحريا) حال من فاعل استعملت، والتحري: طلب أحرى الامرين وأولاهما. سيد.
قوله: (أرجح الأقوال) الإضافة على معنى (من) وهذا باعتبار ما وقع له، وإلا فقد يذكر قولين
مصححين أو يذكر الصحيح دون الأصح ط. قوله: (وأوجز العبارة) أي أخصرها: والإضافة على
معني ط. قوله: (معتمدا) حال أيضا مترادفة أو متداخلة: أي معولا ط. قوله: (الايراد) أي
الاعتراض. قوله: (ألطف الإشارة) كأن يذكر في الكلام مضافا أو قيدا، أو نحو ذلك مما يدفع به
الايراد، ولا يظهر ذلك إلا لمن أطلع على كلام المورد. فإذا رأي ما ذكره الشارح علم أنه أشار به
إلى دفع ذلك، وربما صرح بما يشير إليه أيضا. قوله: (في حكم) بأن يذكر إباحة ما ذكر غيره
كراهته مثلا. قوله: (أو دليل) بأن يكون دليل فيه كلام فيذكر غيره سالما، وهذا كله غير ما يصرح
به وينبه عليه، كقوله ما ذكره فلان خطأ ونحو ذلك. قوله: (فحسبه) أي ظن ما خالفت فيه غيري.
قوله: (من لا اطلاع له) أي على ما اطلعت عليه ولا فهم له بما قصدته. قوله: (عدولا) أي ميلا عن
السبيل، أي الطريق الواضح. قوله: (تبعا لما شرح عليه المصنف) فإن المصنف لما شرح متنه غير
منه بعض ألفاظه منبها على التغيير، فبقيت نسخ المتن المجرد مخالفة لنسخة المتن المشروح، فتابعه
الشارح فيما غيره، وربما غير ما لم يغيره المصنف قوله: (وما درى) معطوف على محذوف: أي
فاعترض وما درى، أفاده ط. قوله: (وقد أنشدني) أنشد الشعر: قرأه. قاموس. والمراد: أسمعني
هذا الشعر. قوله: (الحبر) بالكسر ويفتح: العالم أو الصالح. قاموس. قوله: (السامي) أي العالي
القدر. قوله: (الطامي) أي الملآن. قاموس. قوله: (واحد زمانه) أي المنفرد في زمانه بالصفات.
قوله: (وحسنة أوانه) أي الذي أحسن الله تعالى به على الخلق في أوانه: أي زمانه، أفاده ط. أو
الذي يعد حسنة لزمانه الكثير الإساءة على أبنائه. قوله: (الشيخ خير الدين) الظاهر أنه اسمه
العلمي، إذ ترجمة جماعة ولم يذكروا غيره، منهم الأمير المحبي. قال خير الدين بن أحمد بن نور
الدين علي زين الدين بن عبد الوهاب الأيوبي نسبة إلى بعض أجداده العليمي، بالضم نسبة إلى
سيدي علي بن عليم الولي المشهور، الفاروقي نسبة إلى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى
عنه، الرملي الامام المفسر المحدث الفقيه اللغوي الصوفي النحوي البياني العروضي المنطقي
المعمر شيخ الحنفية في عصره وصاحب الفتاوي السائرة وغيرها من التآليف النافعة في الفقه،
منها: حواشيه على المنح، وعلى شرح الكنز للعيني، وعلى الأشباه والنظائر، وعلى البحر الرائق،
وعلى الزيلعي، وعلى جامع الفصولين، ورسائل، وديوان شعر مرتب على حروف المعجم. ولد
سنة 993 وتوفي ببلده الرملة سنة 1081، وأطال في ذكر مناقبه وأحواله وبيان مشايخه وتلامذته
فليراجع. قوله: (أطال الله بقاءه) أي وجوده، والمراد الدعاء بالبركة في عمره، لان الاجل محتوم،
وذكر ط عن الشرعة وشرحها ما يفيد كراهة الدعاء بذلك.
أقول: يرد عليه (أنه عليه الصلاة والسلام دعا لخادمه أنس رضي الله تعالى عنه بدعوات منها:
34

(وأطل عمره) ومذهب أهل السنة أن الدعاء ينفع وإن كان كل شئ بقدر. واستفيد من كلام الشارح
أنه ألف كتابه هذا في حياة شيخه المذكور، وهو كذلك، فإنه سيذكر آخر الكتاب أنه فرغ من تأليفه
سنة 1071، فيكون قد فرغ من تأليفه قبل موت شيخه المذكور بعشر سنين. قوله: (إن هذا الحديث
الخ (1)) فيه من أنواع البديع المذهب الكلامي، وهو إيراد حجة للمطلوب على طريقة أهل الكلام
نحو (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) وبيانه أن تفضيل المرء بأوصافه لا بتقدمه، لان كل متقدم
قد كان حادثا، ولم يزد بتقدمه عما كان عليه وقت حدوثه، وهذا المعاصر الذي سيمضي عليه زمان يصير
فيه قديما فإذا فضلتم ذلك المتقدم بأوصافه لزمكم تفضيل ذلك المعاصر الذي سيبقى قديما بأوصافه
أيضا،. هذا المعنى قول الإمام المبرد: ليس لقدم العهد يفضل الفائل (2) ولا لحداثته يهضم المصيب،
ولكن يعطى كل ما يستحق اه‍. قال الدماميني في شرح التسهيل بعد نقله كلام المبرد: وكثير من
الناس من تحرى هذا البلية الشنعاء، فتراهم إذا سمعوا شيئا من النكت الحسنة غير معزو إلى معين
استحسنوه بناء على أنه للمتقدمين، فإذا علموا أنه لبعض أبناء عصرهم نكصوا على الأعقاب
واستقبحوه، أو ادعوا أن صدور ذلك عن عصري مستبعد، وما الحامل لهم على ذلك إلا حسد ذميم
وبغي مرتعه وخيم أو ملخصا. قوله: (على أن الخ) بمنزلة الاستدراك على ما يتوهم من قوله: فهاك
الخ، من أن المراد مدح نفسه وتأليفه، وأن المقصود بالشهرة التأليف ط. قوله: (شيخي) في بعض
النسخ زيادة: (أبو بركتي وولي نعمتي) قال ط. البركة اتساع الخير، وولي فعيل بمعنى فاعل: أي
متولي نعمتي. والمراد بالنعمة: نعمة العلم التي هي من أعظم النعم ا ه‍. قوله: (محمد أفندي) قال
المحبي في تاريخه: هو ابن تاج الدين بن أحمد المحاسني الدمشقي الخطيب بجامع دمشق، أشهر آل
بيت محاسن وأفضلهم، كان فاضلا كاملا أديبا لبيبا، لطيف الشكل وجيها، جامعا لمحاسن الأخلاق، حسن الصوت ولي خطابة جامع السلطان سليم بصالحية دمشق، ثم صار إماما بجامع بني أمية
وخطيبا فيه، وقرأ فيه صحيح مسلم، وكتب عليه بعض تعاليق. وولي درس الحديث تحت قبة النسر
من الجامع المذكور، وكان فصيح العبارة، وانتفع به خلق من علماء دمشق، منهم شيخنا العلامة
المحقق الشيخ علاء الدين الحصكفي مفتى الشام، وله شعر حسن وتحريرات تدل على علمه. ولد
سنة 1013 وتوفي سنة 1072 ورثاه شيخنا العلامة المحقق الشيخ عبد الغني النابلسي بقصيدة جيدة
إلى الغاية قوله:
ليهن رعاع الناس وليفرح الجهل * فبعدك لا يرجو البقا من له عقل
أيا جنة قرت عيون أولي النهى * بها زمنا حتى تداركها المحل

(1) قوله: (الحاشية ان هذا الحديث) كذا بخط المحلى، والموافق الشارح ان يقول إن ذاك للقديم كما هي الرواية في البيت ا ه‍.
(2) قوله: (الفائل) هو بالفاء: اي ضعيف الرأي، وقوله ولا لحداثته الخ لفظ المبرد على ما نقله صاحب القاموس في
الخطبة عنه: ولا لخدماته يهتضم المصيب ا ه‍، قاله نصر الهوريني.
35

اه‍. ملخصا. قوله: (لكل بنى الدنيا) أي لكل واحد من الناس الموجودين فيها، وسموا
أبناءها لأنهم مادة وغذاء، وبها انتفاعهم، وفيها تربيتهم، وهي اسم لما قبل الآخرة لدنوها
وقربها. ويحتمل أن يراد بأبنائها: الطالبون لها المنهمكون فيها. قوله: (صحة) أي في الجسد، وفراغ
مما يشغل عن الآخرة. قوله: (لابلغ) علة لقوله (وإن مرادي الخ). قوله: (مبلغا) مصدر ميمي
منصوب على المفعولية المطلقة. قوله: (في الجنان بلاغ) أي إيصال من الله تعالى إلى المراتب
العالية فيها، وهواسم مصدر. وقال في القاموس: البلاغ كسحاب الكفاية، والاسم من الإبلاغ
والتبليغ وهما الايصال اه‍. قوله: (ففي مثل هذا) أي هذا المراد المذكور، والفاء للسببية مفيدة
للتعليل، والجار والمجرور متعلق بينافس. قوله: (فلينافس) أي يرغب، والفاء زائدة مؤكدة
للأولى، مثلها في قول الشاعر
وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
قوله: (أولو النهي) أي أصحاب العقول، وأما غيرهم فمنافستهم في الدنيا. قوله: (وحسبي) مبتدأ: أي كافي. ط. قوله، (الغرور) فعول يستوي فيه المذكر والمؤنث: أي الغارة اه‍. ط. قوله:
(بلاغ) أي مقدار الكفاية وهو خبر المبتدأ، وبينه وبين بلاغ الأول الجناس التام الخطي اللفظي،
أفاده ط. قوله: (فما الفوز) أي النجاة والظفر بالخير. قاموس. والفاء للسببية عاطفة على جملة
ينافس مفيدة للتعليل. قوله: (إلا في نعيم الخ) في بمعنى الباء مثلها في قول الشاعر:
ويركب يوم الروع منا فوارس * بصيرون في طعن الأباهر والكلي
لان فاز يتعدى بالباء أو في للطرفية، والمراد بالنعيم محله: وهو الجنة، من إطلاق اسم الحال
وإرادة المحل، مثل - (ففي رحمة الله هم فيها خالدون) - وعلى كل فالفوز مبتدأ والجار والمجرور
في محل الخبر، والتقدير: ما الفوز حاصل بشئ إلا بنعيم: أو ما الفوز حاصل في محل إلا في محل
نعيم، أو الخبر محذوف والجار والمجرور متعلق بالفوز: أي فما الفوز معتبر إلا بنعيم، والباء في به
للسببية على الأول، أعني جعل (في) بمعنى الباء، وللظرفية على الثاني مثل (ولقد نصركم الله
ببدر) و (نجيناهم بسحر). قوله: (العيش) أي المعيشة التي تعيش بها من المطعم والمشرب وما
يكون به الحياة. قاموس. قوله: (رغد) بسكون الغين المعجمة: أي، واسع طيب ح عن القاموس.
قوله: (يساغ) أي يسهل دخوله في الحلق عن القاموس.
36

قوله: (مقدمة) بالرفع خبر لمبتدأ محذوف أي: هذه مقدمة، أو بالنصب مفعول لفعل محذوف
أي خذ مقدمة، وهي بكسر الدال كما صرح به في الفائق، فهي اسم فاعل من قدم المتعدي: أي
مقدمة من فهمها على غيره لما اشتملت عليه من تعريف الفقه لغة واصطلاحا. وموضوعه واستمداده
ومحظوره ومباحه وفضل العلم وتعلمه وترجمة الامام وغير ذلك، وإما من اللازم بمعنى تقدم: أي
متقدمة بذاتها على غيرها، ويجوز فتح الدال اسم مفعول من المتعدي: أي قدمها أرباب العقول على
غيرها لما اشتملت عليه، وهي في الأصل صفة ثم جعلت اسما للطائفة المتقدمة من الجيش، ثم
نقلت إلى أول كل شئ، ثم جعلت اسما للألفاظ المخصوصة حقيقة عرفية إن لو حظ أنها فرد من
أفراد المفهوم الكلي، أو مجازا إن لو حظ خصوصها. وهي قسمان: مقدمة العلم، وهي ما يتوقف
عليه الشروع في مسائله من المعاني المخصوصة، ومقدمة الكتاب: وهي طائفة ممن الكلام قدمت
أمام المقصود لارتباط له بها وانتقاع بها فيه، وتمام تحقيق ذلك في المطول وحواشيه. قوله: (حق)
أي واجب صناعة ليكون شروعه على بصيرة صونا لسعيه عن العبث. قوله: على من حاول) أي رام
علما: أ ي علم كان من العلوم الشرعية وغيرها.
فالشرعية: علم التفسير والحديث والفقه والتوحيد. وغير الشرعية ثلاثة أقسام: أدبية: وهي
اثنا عشر كما في شيخي زاده. وعدها بعضهم أربعة عشر: اللغة، والاشتقاق، والتصريف، والنحو،
والمعاني، والبيان، والبديع، والعروض، والقوافي: وقريض الشعر، وإنشاء النثر، والكتابة،
والقراءات، والمحاضرات ومنه التاريخ. ورياضية: وهي عشرة: التصوف، والهندسة، والهيئة،
والعلم التعليمي، والحساب، والجبر، والموسيقي، والسياسة، والأخلاق، وتدبير المنزل
وعقلية: ما عدا ذلك كالمنطق، والجدل، وأصول الفقه، والدين، والعلم الإلهي والطبيعي،
والطب، والميقات، والفلسفة، والكيميا، كذا ذكره بعضهم اه‍. ابن عبد الرزاق. قوله: (أن يتصوره
بح
بحده أو رسمه) الحد: ما كان بالذاتيات كالحيوان الناطق للانسان والرسم: ما كان بالعرضيات
كالضاحك له
واعلم أنهم قد اختلفوا في أسماء العلوم، فقيل: إنها اسم جنس لدخول أل عليها، وقيل:
علم جنس واختاره السيد، وقيل: علم كالنجم للثريا واختاره ابن الهمام. وهل مسمى العلم إدراك
المسائل أو المسائل نفسها أو الملكة الاستحضارية؟ قال السيد في شرح المفتاح: المعنى الحقيقي
للعلم هو الادراك، ولهذا المعنى متعلق هو المعلوم، وله تابع في الحصول يكون ذلك التابع وسيلة
إليه في البقاء وهو الملكة. وقد أطلق العلم على كل منها (1) أما حقيقة عرفية أو اصطلاحية أو مجازا
مشهورا اه‍.
ثم اعلم أن التعريف: إما حقيقي كتعريف الماهيات الحقيقية، وإما اسمي كتعريف الماهيات
الاعتبارية، وهو تبيين أن هذا الاسم لأي شئ وضع، تمامه في التوضيح لصدر الشريعة. ذكر

(1) قوله: (على كل منها) هكذا بخطه، ولعل صوابه منهما بضمير التثنية، إذ اطلاقه على الأول حقيقة لغوية كما
يفيده صدر العبارة تأمل، ا ه‍ مصححه.
37

السيد في حواشي شرح الشمسية أن أرباب العربية والأصول يستعملون الحد بمعنى المعرف، وأن
اللفظ إذا وضع في اللغة أو الاصطلاح لمفهوم مركب، فما كان داخلا فيه كان ذاتيا له، وما كان
خارجا عنه كان عرضيا له، فحدود هذه المفهومات ورسومها تسمى حدودا ورسوما بحسب الاسم، بخلاف الحقائق فإن حدودها ورسومها بحسب الحقيقة.
إذا عملت ذلك ظهر لك أن حد الفقه كغيره من العلوم حد اسمى لتبيين ما تعلقه الواضح
ووضع الاسم بإزائه، فلذا جعلوه مقدمة للشروع. وجوز بعضهم كونه حدا حقيقيا، وعليه فقيل: لا
يكون مقدمة لان الحد الحقيقي بسرد العقل كل المسائل: أي بتصور جميع مسائل العلم المحدود،
وذلك هو معرفة العلم نفسه لا مقدمة الشروع فيه. وقيل: يجوز أخذ جنس وفصل له بلا حاجة إلى
سرد الكل فلا مانع من وقوعه مقدمة، وجعل في التحرير الخلاف لفظيا وتمام تحقيقه فيه، فافهم.
قوله: (ويعرف موضوعه الخ) اعلم أن مبادئ كل عشرة نظمها ابن ذكري في تحصيل المقاصد
فقال:
فأول الأبواب في المبادي * وتلك عشرة على المراد
الحد والموضوع ثم الواضع * والاسم واستمداد حكم الشارع
تصور المسائل الفضيلة * ونسبة فائدة جليله
بين الشارح منها أربعة وبقي ستة
فواضعه أبو حنيفة رحمة الله تعالى. واسمه الفقه. وحكم الشارع فيه وجوب تحصيل المكلف ما
لا بد له منه. ومسائله كل جملة موضوعها فعل المكلف. ومحمولها أحد الأحكام الخمسة، نحو هذا
الفعل واجب. وفضيلته كونه أفضل العلوم سوى الكلام والتفسير والحديث وأصول الفقه. ونسبته
لصلاح الظاهر كنسبة العقائد والتصوف لصلاح الباطن، أفاده ح. قوله: (ثم خص بعلم الشريعة) نقله
في البحر عن ضياء الحلوم. قوله: (وفقه الخ) قال في البحر بعد كلام: والحاصل، أن الفقه اللغوي
مكسور القاف في الماضي، والاصطلاحي مضمومها فيه كما صرح به الكرماني. ونقل العلامة
الرملي في حاشيته عليه أنه يقال فقه بكسر القاف: إذا فهم، وبفتحها: إذا سبق غيره إلى الفهم،
وبضمها: إذا صار الفقه له سجية. قوله: (واصطلاحا) الاصطلاح لغة: الاتفاق. واصطلاحا: اتفاق
طائفة مخصوصة على إخراج الشئ عن معناه إلى معنى آخر، رملي. قوله: (العلم بالأحكام الخ)
اعلم أن المحقق ابن الهمام أبدل العلم بالتصديق وهو الادراك القطعي، سواء كان ضروريا أو نظريا، صوابا أو خطأ بناء على أن الفقه كله قطعي
فالظن بالأحكام الشرعية وكذا الاحكام المظنونة ليسا من الفقه، وبعضهم خصه بالظنية،
فيخرج عنه ما علم ثبوته قطعا. وبعضهم جعله شاملا للقطعي والظني. وقد نص غير واحد من
المتأخرين على أنه الحق وعليه عمل السلف، وتمامه في شرح التحرير. فالمراد بالعلم هنا الادراك
الصادق على اليقين والظن كما هو اصطلاح المنطقي.
38

وعلى الأول، فالمراد به المقابل للظن كما هو اصطلاح الأصولي. قال صدر الشريعة في
التوضيح: وما قيل إن الفقه ظني أطلق العلم عليه؟ فجوابه: أولا، أنه مقطوع به، فإن الجملة
التي ذكرنا أنها فقه وهي ما قد ظهر نزول الوحي به وما انعقد الاجماع عليه قطعية.
وثانيا، أن العلم يطلق على الظنيات وتمامه فيه فافهم.
والاحكام جمع حكم، قيل هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين. ورده صدر الشريعة
بأن الحكم المصطلح عليه عند الفقهاء ما ثبت بالخطاب كالوجوب والحرمة مجازا كالخلق على
المخلوق ثم صار حقيقة عرفية. وخرج بها العلم بالذوات والصفات والافعال، والمراد بالشرعية كما
في التوضيح ما لا يدرك لولا خطاب الشارح، سواء كان الخطاب بنفس الحكم أو بنظيره المقيس هو
عليه كالمسائل القياسية، فيخرج عنها مثل وجوب الايمان والاحكام المأخوذة من العقل كالعلم بأن
العالم حادث، أو من الحس كالعلم بأن النار محرقة، أو من الوضع والاصطلاح كالعلم بأن الفاعل
مرفوع، والمراد بالفرعية المتعلقة بمسائل الفروع، فخرج الأصلية ككون الاجماع أو القياس حجة.
وأما الاعتقادية ككون الايمان واجبا فخرج بالشرعية كما تقدم، فافهم. وقوله عن أدلتها (1) أي ناشئا
عن أدلتها حال من العلم: إي، أدلتها الأربعة المخصوصة بها وهي: الكتاب والسنة والاجماع
والقياس، فخرج علم المقلد، فإنه وإن كان قول المجتهد دليلا له لكنه ليس من تلك الأدلة
المخصوصة، وخرج ما لم يحصل بالدليل كعلم تعالى وعلم جبريل عليه السلام
قال في البحر: واختلف في علم النبي (ص) الحاصل عن اجتهاد، هل يسمى فقها؟ والظاهر أنه
باعتبار أنه دليل شرعي لا يسمى فقها، وباعتبار حصوله عن دليل شرعي يسمى فقها اصطلاحا اه‍.
وأما المعلوم من الدين بالضرورة مثل الصوم والصلاة، فقيل إنه ليس من الفقه، إذ ليس
حصوله بطريق الاستدلال وجعله في التوضيح منه، ولعل وجهه أن وصوله إلى حد الضرورة عارض
لكونه صار من شعار الدين، فلا ينافي كونه في الأصل ثابتا بالدليل، إذ ليس هو من الضروريات
البديهية التي لا تحتاج إلى نظر واستدلال ككون الكل أعظم من الجزء، نعم يحتاج إلى إخراجه على
قول من خص الفقه بالظني، وقوله (التفصيلية) تصريح بلازم كما حققه في التحرير، وغلط من جعله
للاحتراز، وفي هذا المقام تحقيقات ذكرتها في [منحة الخالق فيما علقته على البحر الرائق]. قوله: (وعند الفقهاء الخ) قال في البحر: فالحاصل، أن الفقه في الأصول علم الاحكام من دلائلها كما
تقدم، فليس الفقيه إلا المجتهد عندهم، وإطلاقه على المقلد الحافظ للمسائل مجاز. وهو حقيقة في
عرف الفقهاء بدليل انصراف الوقت والوصية الفقهاء إليهم. وأقله ثلاثة أحكام كما في المنتفى.
وذكر في التحرير أن الشائع إطلاقه على من يحفظ الفروع مطلقا: يعني سواء كانت بدلائلها أو
لا اه‍. لكن سيذكر في باب الوصية للأقارب أن الفقيه من يدقق النظر في المسائل وإن علم ثلاث
مسائل مع أدلتها، حتى قيل: من حفظ ألوفا من المسائل لم يدخل تحت الوصية اه‍. لكن الظاهر أن
هذا حيث لا عرف، وإلا فالعرف الأن هو ما ذكر في التحرير أنه الشائع. وقد صرح الأصوليون بأن
الحقيقة تترك بدلالة العادة، وحينئذ فينصرف في كلام الواقف والموصي إلى ما هو المتعارف في

(1) قوله: (وقوله عن أدلتها). الذي في نسخ الشارع التي بأيدينا من أدلتها ا ه‍.
39

زمنه لأنه حقيقة العرفية فتترك الحقيقة الأصلية. قوله: (وعند أهل الحقيقة) هم الجامعون
بين الشريعة والطريقة الموصلة إلى الله تعالى، والحقيقة لب الشريعة: وسيأتي تمامه. قوله: (الزاهد
في الآخرة) كذا في البحر. والذي في الغزنوية الرغب في الآخرة ابن عبد الرزاق. أقول: مثله في
الاحياء للامام الغزالي بزيادة حيث قال: سأل فرقد السنجي (1) الحسن عن شئ فأجابه، فقال: أن
الفقهاء يخالفونك، فقال الحسن: ثكلتك أمك، وهل رأيت فقيها بعينك؟ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا
الراغب في الآخرة، والبصير بدينه المداوم على عبادة ربه، الورع الكاف عن أعراض المسلمين،
العفيف عن أموالهم الناصح لجماعتهم. قوله: (وموضوعه الخ) موضوع كل علم ما يبحث فيه عن
عوارضه الذاتية قال في البحر: وأما موضوعه ففعل المكلف من حيث إنه مكلف، لأنه يبحث فيه
عما يعرض لفعله من حل وحرمة ووجوب وندب، والمراد بالمكلف: البالغ العاقل، ففعل غير
المكلف ليس من موضوعه، وضمان المتلفات ونفقة الزوجات إنما المخاطب بها الولي لا الصبي
والمجنون، كما يخاطب صاحب البهيمة بضمان ما أتلفته حيث فرط في حفظهما لتنزيل فعلها في هذه
الحالة بمنزلة فعله
وأما الصحة عبادة الصبي كصلاته وصومه المثاب عليها فهي عقلية من باب ربط الاحكام
بالأسباب، ولذا لم يكن مخاطبا بها بل ليعتاد فلا يتركها بعد بلوغه إن شاء الله تعالى، وقيدنا بحيثية
التكليف لان فعل المكلف لا من حيث التكليف ليس موضوعه كفعله من حيث إنه مخلوق لله
تعالى اه‍. قوله: (ثبوتا أو سلبا) أي من حيث ثبوت التكليف به كالواجب والحرام، أو سلبه
كالمندوب والمباح: وقصد بذلك دفع ما قد يقال: إن قيد الحيثية مراعى، فالمراد فعل المكلف من
حيث إنه مكلف كما مر. فيرد عليه أن دفع فعل المكلف المندوب أو المباح من موضوع الفقه أيضا مع
أنه لا تكليف فيه لجواز فعله وتركه. والجواب أنه يبحث عنه في الفقه من حيث سلب التكليف به
عن طرفي فعل المكلف
مطلب: الفرق بين المصدر والحاصل بالمصدر
تنبيه: قال في النهر اعلم أن الفعل يطلق على المعنى الذي هو وصف للفاعل موجود كالهيئة
المسماة بالصوم، وهي
الامساك عن المفطرات بياض النهار، وهذا يقال فيه الفعل بالمعنى الحاصل بالمصدر، وقد يطلق
على نفس إيقاع الفاعل هذا المعنى، ويقال فيه الفعل بالمعنى المصدري: أي الذي هو أحد
مدلولي الفعل، ومتعلق التكليف إنما هو الفعل بالمعنى الأول لا الثاني، لان الفعل بالمعنى الثاني
اعتباري لا وجود له في الخارج، إذ لو كان موجودا لكان له موقع فيكون له إيقاع، وهكذا فيلزم
التسلسل المحال، فأحكم هذا فإنه ينفعك في كثير من المحال اه‍. قوله، (واستمداده) أي مأخذه.

(1) قوله: (السنجي) كذا بالأصل المقابل على خط المؤلف والذي يستفاد من القاموس انه سبخي بباء فخاء ونصه في
مادة س. ب. خ وأسبخة: موضع بالبصرة منه فرقد بن يعقوب، ا ه‍ مصححه.
40

قوله: (من الكتاب الخ) وأما شريعة من قلبنا فتابعة للكتاب. وأما أقوال الصحابة فتابعة للسنة، وأما
تعامل الناس فتابع للاجماع، وأما التحري واستصحاب الحال فتابعان للقياس. بحر. وبيان ما ذكر في
كتب الأصول. قوله: (وغايته) أي ثمرته المترتبة عليه. قوله: (بسعادة الدارين) أي دار الدنيا بنقل
نفسه من حضيض الجهل إلى ذروة العلم، وبيان ما للناس وما عليهم لقطع الخصومات ودار الآخرة
بالنعم الفاخرة. قوله: (من غير سماع) أي من المعلم، وإذا كان النظر والمطالعة وهو دون السماع
أفضل من قيام الليل فما بالك بالسماع اه‍. ح.
أقول: وهذا إذا كان مع الفهم لما في فصول العلامي: من له ذهن بفهم الزيادة: أي على ما
يكفيه وقدر أن يصلى ليلا وينظر في العلم نهارا، فنظره في العلم نهارا وليلا أفضل اه‍. قوله:
(أفضل من قيام الليل) أي بالصلاة ونحوها، والا فهو من قيام الليل، وإنما كان أفضل لأنه من
فروض الكفاية إن كان زائدا على ما يحتاجه، وإلا فهو فرض عين. قوله: (وتعلم الفقه الخ) في
البزازية: تعلم بعض القرآن ووجد فراغا، فالأفضل الاشتغال بالفقه لان حفظ القرآن فرض كفاية،
وتعلم ما لا بد من الفقه فرض عين. قال في الخزانة: وجميع الفقه لا بد منه. قال في المناقب:
عمل محمد بن الحسن مائتي ألف مسألة في الحلال والحرام لا بد للناس من حفظها اه‍. وظاهر قوله
وجميع الفقه لا بد منه أنه كله فرض عين، لكن المراد أنه لا بد منه لمجموع الناس فلا يكون فرض
عين على كل واحد، وإنما يفترض عينا على كل واحد تعلم ما يحتاجه، لان تعلم الرجل مسائل
الحيض وتعلم الفقير مسائل الزكاة والحج ونحو ذلك فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن
الباقين، ومثله حفظ ما زاد على ما يكفيه للصلاة. نعم قد يقال: تعلم باقي الفقه أفضل من تعلم
باقي القرآن لكثرة حاجة العامة إليه في عباداتهم ومعاملاتهم وقلة الفقهاء بالنسبة إلى الحفظة. تأمل.
قوله: (أن يعرف) أي يشتهر به، وفيه إشارة إلى أن المطلوب أن يعرف من ذلك ما يعينه على
المقصود لان ما عدا الفقه وسيلة إليه فلا ينبغي أن يصرف عمره في غير الأهم، وما أحسن قول ابن
الوردي:
والعمر عن تحصيل كل علم * يقصر فابدأ منه بالأهم
وذلك الفقه فإن منه * ما لا غنى في كل حال عنه
قوله: (إلى المسألة) أي سؤال الناس بأن يمدحهم بشعره فيعطونه دفعا لشره وخوفا من هجوه
وهجره، وقوله وتعليم الصبيان: أي تعليمهم النحو، وإنما خصهم لما اشتهر أن النحو علم الصبيان
إذ قلما يتعلمه الكبير، وفي كلامه لف ونشر مرتب. قوله: (التذكير) أي الوعظ. قوله: (والقصص)
الأنسب أن يكون بفتح القاف ليكون عطفه على التذكير عطف مصدر على مصدر، وإن جاز أن يكون
41

بكسرها جمع قصة اه‍. ح. قوله: (بل يكون علمه) أي الذي يعرف ويشتهر به. قوله: (كما قيل) أي
أقول ذلك مماثلا لما قيل، أو لأجل ما قيل، فالكاف للتشبيه أو لتعليل. قوله: (باعتزاز) أي اعتزاز
صاحبه به. قوله: (ولا كمسك) الواو إما للعطف على مقدر: أي لا كعنبر ولا كمسك، ونكتة
الحذف المبالغة لتذهب النفس كل مذهب ممكن، أو للحال بإضمار فعل، أي ولا يفوح كمسك.
قوله: (ولا كباز) يستعمل بالياء المثناة التحتية بعد الزاي وبدونها كما في القاموس. قوله: (زمرة)
بالضم: الفوج والجماعة في تفرقه. قاموس. قوله: (ومن هنا) أي من أجل ما ذكر هنا من مدح الله
تعالى إياه. قوله: (إلى كل العلوم) كذا فيما رأيت من النسخ. كأن نسخة ط إلى كل المعالي حيث
قال متعلق بتوسلا. والمعالي: المراتب العالية جمع معلاة، محل العلو اه‍. والتوسل: التقرب، أي،
ذا توسل إلى المعالي أو إلى العلوم، لان الفقه المثمر للتقوى والورع يوصل به إلى غيره من العلوم
النافعة والمنازل المرتفعة لقوله تعالى: (واتقوا الله ويعلمكم الله) [البقرة: 282] وللحديث (من عمل
بما علم علمه الله علم ما لم يعلم). قوله: (فإن فقيها الخ) لان العابد إذا لم يكن فقهيا ربما أدخل
عليه الشيطان ما يفسد عبادته، وقيد الفقيه بالمتورع إشارة إلى ثمرة الفقه التي هي التقوى، إذ بدونها
يكون دون العابد الجاهل حيث استولى عليه الشيطان بالفعل. قال في الاحياء للورع أربع مراتب:
الأولى: ما يشترط في عدالة الشهادة، وهو الاحتراز عن الحرام الظاهر. الثانية: ورع الصالحين،
وهو التوقي من الشبهات التي تتقابل فيها الاحتمالات. الثالثة: ورع المتقين، وهو ترك الحلال
المحض الذي يخاف منه أداؤه إلى الحرام. الرابعة: ورع الصديقين، وهو الاعراض عما سوى الله
تعالى اه‍. ملخصا. قوله: (على ألف) متعلق بقوله اعتلى، ويقدر نظيره التفضل اه‍. ط. أو هو من
باب التنازع على القول بجوازه في المتقدم. قوله: (ذي زهد) صفة لموصوف محذوف: أي، ألف
شخص صاحب زهد. والزهد في اللغة: ترك الميل الشئ. وفي اصطلاح أهل الحقيقة: هو
بغض الدنيا والاعراض عنها. وقيل: هو ترك راحة الدنيا طلبا لراحة الآخرة. وقيل، هو أن يخلو
قلبك مما خلت منه يدك اه‍. سيد. قوله: (تفضل واعتلى) أي زاد في الفضل وعلو الرتبة. قوله:
(وهما مأخوذان) أي هذان البيتان مأخوذ معناهما. قوله: (مما قيل) يحتمل أن المراد مما نسب أو مما
أنشد، فعلى الأول، أن تكون الأبيات للإمام محمد، وعلى الثاني، لغيره أنشدها له بعض أشياخه. قوله: (تفقه الخ) أي صر فقيها، والقائد هنا بمعنى الوصول. والبر قال في القاموس: الصلة والجنة
42

والخير والاتساع في الاحسان اه‍. والتقوي قال السيد: هي في اللغة بمعنى الاتقاء، وهو الاتخاذ
الوقاية. وعند أهل الحقيقة: الاحتراز بطاعة الله تعالى عن عقوبته، وهو صيانة النفس عما تستحق به
العقوبة من فعل أو ترك. والقاصد قال في القاموس: القريب: أي، وأعدل طريق قريب. ويحتمل أن
يكون بمعنى كساحل بمعنى مسحول، والزيادة مصدر بمعنى اسم المفعول. وقوله من الفقه
متعلق بزيادة أو بمستفيد والسبح: قطع الماء عوما شبه به التفقه استعارة تصريحية، وإضافة البحور
إلى الفوائد من إضافة المشبه به إلى المشبه. والفائدة: ما استفدته من علم أو مال، والمراد هنا
الأول. والشيطان: من شاط بمعنى احترق، أو من شطن بمعنى بعد لبعد غوره في الضلال
والاضلال، وقد عقد في البيت الأخير بعض ما ذكره في الاحياء، ورواه الدارقطني والبيهقي من
قوله (ص) (ما عبد الله بشئ أفضل من فقه في الدين، ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد،
ولكل شئ عماد، وعماد الدين الفقه). قوله: (ومن كلام علي رضي الله عنه الخ) عزا هذه الأبيات
له في الاحياء أيضا: قال بعضهم: وهي ثابته في ديوانه المنسوب إليه، وأولها:
الناس من جهة التمثال أكفاء * أبوهم آدم والام حواء
وإنما أمهات الناس أوعية * مستودعات وللأحساب آباء
إن لم يكن لهم من أصلهم شرف * يفاخرون به فالطين والماء
وإن أتيت بفخر من ذوي نسب * فإن نسبتنا جود وعلياء
قوله: (ما الفضل) الذي في الاحياء: ما الفخر، وأل في العلم للعهد: أي العلم الشرعي
الموصل إلى الآخرة. قوله: (أنهم) بفتح الهمزة على حذف لام العلة: أي لأنهم، أو بالكسر،
والجملة استئنافية، والمقصود منها التعليل ط. قوله: (على الهدى) أي الرشاد، قاموس، وهو
متعلق بقوله أدلاء جمع دال اسم فاعل من دل، وكذا قوله (لمن استهدي): أي طلب الهداية. قوله:
(ووزن) أي قدر كل امرئ: أي حسنه بما كان يحسنه. أفاده البيضاوي، فقدر الصانع على مقدار
صنعته. ومن أحسن علوم الآداب فقدره على قدرها، ومن أحسن علم الفقه فقدره عظيم لعظمه.
فالحاصل، أن من أحسن شيئا فمقامه على قدره اه‍. ط. قوله: (والجاهلون) أي بالعلم الشرعي،
فيشمل العالمين بغيره، بل أشد عداوة لعلماء الدين من العوام. قال ط: وسبب العداوة من
الجاهل عدم معرفة الحق إذا أفتى عليه أو رأى منه ما يخالف راية ورؤية إقبال الناس عليه. قوله:
(ولا تجهل به أبدا) الذي في الاحياء: ولا تبغي به بدلا. قوله: (الناس موتى) أي حكما لعدم النفع
كالأرض الميتة التي لا تنبت. قال تعالى: (أفمن كان ميتا فأحييناه) أي جاهلا فعلمناه (وجعلنا له
43

نورا يمشي به في الناس) - وهو العلم - (كمن مثله في الظلمات) - وهو الجاهل الغارق في ظلمات
الجهل أو موتى القلوب. قال في الاحياء: وقال فتح الموصلي: المريض إذا منع الطعام والشراب
والدواء أليس يموت؟ قالوا: بلى. قال: كذلك القلب إذا منع عليه الحكمة والعلم ثلاثة أيام
يموت. ولقد صدق، فإن غذاء القلب العلم والحكمة وبه حياته، كما أن غذاء الجسد الطعام، ومن
فقد العلم فقلبه مريض وموته لازم الخ. قال الشاعر
أخو العلم حي خالد بعد موته * وأوصاله تحت التراب وميم
وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى * يظن من الاحياء وهو عديم
قوله: (العلم يرفع المملوك الخ) قال في الاحياء: وقال عليه الصلاة والسلام (إن الحكمة
تزيد الشريف شرفا، وترفع المملوك حتى تجلسه مجالس الملوك) وقد نبه بهذا على ثمرته في الدنيا،
ومعلوم أن الآخرة خير وأبقى. ه‍.
ثم ذكر عن سالم بن أبي الجعد قال: اشتراني مولاي بثلاثمائة درهم فأعتقني، فقلت: بأي
حرفة أحترف؟ فاحترفت بالعلم، فما تمت لي سنة حتى أتاني أمير المدينة زائرا فلم آذن له. قوله:
(وإنما العلم الخ) هذا بيت من بحر السريع، وقوله (لأربابه) متعلق بمحذوف حال من ولاية، لان
نعت النكرة إذ قدم عليها أعرب حالا أو صفة للعلم، إنما لم يعزل صاحبه لأنه ولاية إلهية لا
سبيل للعباد إلى عزله منها. والمعتمد أن أولي الامر في قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول
وأولي الأمر منكم) هم العلماء كما سيذكره الشارح آخر كتاب وفي الاحياء قال أبو الأسود:
ليس شئ أعز من العلم، الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك وفي معناه قول
الشاعر
إن الملوك ليحكمون على الورى * وعلى الملوك لتحكم العلماء
قوله: (إن الأمير الخ) البيتان من مجزوء الكامل المرفل. يعنى، أن الأمير الكامل ليس هو من
إذا عزل صار من آحاد الرعية، بل هو الذي إذا عزل من إمارة الولاية يبقي متصفا بإمارة الفضل
والعلم. قوله: (واعلم أن تعلم العلم الخ) أي العلم الموصل إلى الآخرة أو الأعم منه. قال
العلامي في فصوله: من فرائض الاسلام تعلم ما يحتاج إليه العبد في إقامة دينه وإخلاص عمله لله
تعالى ومعاشرة عباده. وفرض على كل مكلف ومكلفة بعد علم الدين والهداية تعلم علم
الوضوء والغسل والصلاة والصوم، وعلم الزكاة لمن نصاب، والحج لمن وجب عليه، والبيوع
44

على التجار ليحترزوا عن الشبهات والمكروهات في سائر المعاملات. وكذا أهل الحرف، وكل من
اشتغل بشئ يفرض عليه علمه وحكمه وليمتنع عن الحرام فيه اه‍.
مطلب في فرض الكفاية وفرض العين
وفي تبيين المحارم: لا شك في فرضية علم الفرائض الخمس وعلم الاخلاص، لان صحة
العمل موقوفه عليه، وعلم الحلال والحرام وعلم الرياء، لان العابد محروم من ثواب عمله بالرياء
وعلم الحسد والعجب إذ هما يأكلان العمل كما تأكل النار الحطب، وعلم البيع والشراء والنكاح
والطلاق لمن أراد الدخول في هذه الأشياء، وعلم الألفاظ المحرمة أو المكفرة، ولعمري هذا من
أهم المهمات في هذا الزمان، لأنك تسمع كثيرا من العوام يتكلمون بما يكفر وهو عنها غافلون،
والاحتياط أن يجدد الجاهل إيمانه كل يوم، ويجدد نكاح امرأته عند شاهدين في كل شهر مرة أو
مرتين، إذ الخطأ، وإن لم يصدر من الرجل، فهو من النساء كثير. قوله: (وفرض كفاية الخ) عرفه
في شرح التحرير بالمتحتم المقصود حصوله من غير نظر بالذات إلى فاعله. قال: فيتناول ما هو
ديني كصلاة الجنازة، ودنيوي كالصنائع المحتاج إليها، وخرج المسنون لأنه غير متحتم، وفرض
العين لأنه منظور بالذات إلى فاعله اه‍. قال في تبيين المحارم: أما فرض الكفاية من العلم، فهو
كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب والحساب والنحو واللغة والكلام والقراءات
وأسانيد الحديث وقسمه الوصايا والمواريث والكتابة والمعاني والبديع والبيان والأصول ومعرفة
الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والنص والظاهر، وكل هذه آلة لعلم التفسير والحديث، كذا علم
الآثار والاخبار والعلم بالرجال وأساميهم وأسامي الصحابة وصفاتهم، والعلم بالعدالة في الرواية (1)
والعلم بأحوالهم لتمييز الضعيف من القوي، والعلم بأعمارهم وأصول الصناعات والفلاحة كالحياكة
والسياسة والحجامة اه‍. قوله: (وهو ما زاد عليه) أي على قدر يحتاجه لدينه في الحال
مطلب فرض العين أفضل من فرض الكفاية
تنبيه: فرض العين أفضل من فرض الكفاية لأنه مفروض حقا للنفس، فهو أهم عندها وأكثر
مشقة، بخلاف فرض الكفاية فإنه مفروض حقا للكافة والكافر من جملتهم، والامر إذا عم خف، إذا
خص ثقل. وقيل فرض الكفاية أفضل لان فعله مسقط للحرج عن الأمة بأسرها، وبتركه يعصي
المتمكنون منه كلهم، ولا شك في عظم وقع ما هذه صفته اه‍. طوافي. ونقل ط أن المعتمد
الأول. قوله: (وهو التبحر في الفقه) أي التوسع فيه والاطلاع على غوامضه، وكذا غيره من العلوم
الشرعية وآلاتها. قوله: (وعلم القلب) أي علم الأخلاق، وهو علم يعرف به أنواع الفضائل وكيفية
اكتسابها وأنواع الرذائل وكيفية اجتنابها اه‍. ح. وهو معطوف على الفقه لا على التبحر لما علمت من
أن علم الاخلاص والعجب والحسد والرياء فرض عين، ومثلها غيرها من آفات النفوس: كالكبر
والشح والحقد والغش والغضب والعداوة والبغضاء والطمع والبخل والبطر والخيلاء والخيانة
والمداهنة والاستكبار عن الحق والمكر والمخادعة والقسوة وطول الامل ونحوها مما هو مبين في
ربع المهلكات من الاحياء. قال فيه: ولا ينفك عنها بشر، فيلزمه أن يتعلم منها ما يرى نفسه محتاجا

(1) قوله: (في الرواية) هكذا بخطه، والأنسب بقوله بعد، للعلم بأحوالهم ان يقول في الرواية، تأمل ا ه‍ مصححه.
45

إليه، وإزالتها فرض عين، ولا يمكن إلا بمعرفة حدودها وأسبابها وعلاماتها وعلاجها فإن من لا
يعرف الشر يقع فيه. قوله: (والفلسفة) (1) هو لفظ يوناني، وتعريبه الحكم المموهة: أي مزينة
الظاهر فاسدة الباطن، كالقول بقدم العالم وغيره من المفكرات والمحرمات ط. وذكر في الاحياء
أنها ليست علما يرأسها بل هي أربعة أجزاء: أحدها: الهندسة والحساب، وهما مباحان، ولا يمنع منهما إلا من يخاف عليه أن يتجاوزهما
إلى علوم مذمومة.
والثاني: المنطق وهو بحث عن وجه الدليل وشروطه، ووجه الحد وشروطه، وهما داخلان
في علم كلام.
والثالث: الإلهيات، وهو بحث عن ذات الله تعالى وصفاته، وانفردوا فيه بمذاهب بعضها كفر
وبعضها بدعة.
والرابع: الطبيعيات، وبعضها مخالف للشرع، وبعضها بحث عن صفات الأجسام وخواصها
وكبقية استحالتها وتغيرها، وهو شبيه بنظر الأطباء، إلا أن الطبيب ينظر في بدن الانسان على
الخصوص من حيث يمرض ويصح، وهم ينظرون في جميع الأجسام من حيث تتغير وتتحرك، ولكن
للطب فضل عليه لأنه محتاج عليه. وأما علومهم في الطبيعيات فلا حاجة إليها اه‍. قوله: (والشعبذة)
الصواب الشعبذة، وهي كما في القاموس: خفة في اليد كالسحر، ترى الشئ بغير ما عليه
أصله اه‍. حموي. لكن في مصباح: شعوذ الرجل شعوذة، ومنهم من قال: شعبذ، وهو بالذال
المعجمة، وليس من كلام أهل البادية، وهي لعب يرى الانسان منها ما ليس له حقيقة كالسحر اه‍.
ابن عبد الرزاق. وأفتى العلامة ابن حجر في أهل الحق في الطرقات الذين لهم أشياء غريبة كقطع
رأس إنسان وإعادته وجعل نحو دراهم من التراب وغير ذلك بأنهم في معنى السحرة إن لم يكونوا
منهم فلا يجوز لهم ذلك ولا لاحد أن يقف عليهم، ثم نقل عن المدونة من كتب المالكية: أن
الذي يقطع الرجل أو يدخل السكين في جوفه إن كان سحرا قتل وإلا عوقب.
مطلب في التنجيم والرمل
قوله: (والتنجيم) هو علم يعرف به الاستدلال بالتشكلات الفلكية على الحوادث
السفلية اه‍. ح.
وفي مختارات النوازل لصاحب الهداية: أن علم النجوم في نفسه حسن غير مذموم، إذ هو
قسمان: حسابي وإنه حق، وقد نطق به الكتاب، قال الله تعالى: (الشمس والقمر بحسبان)
[الرحمن: 5] أي سيرهما بحساب. واستدلالي بسير النجوم وحركة الأفلاك على الحوادث بقضاء الله
تعالى وقدره، وهو جائز كاستدلال الطبيب بالنبض من الصحة والمرض (2)، ولو لم يعقد بقضاء الله

(1) قوله: (والفلسفة) هكذا بخطه والأصوب ما في نسخ الشارح كما لا يخفى ا ه‍. مصححه.
(2) قوله: (من الصحة والمرض) هكذا بخطه، والأنسب ابدال من بعلى كما هو ظاهر. وقوله (ما تهتدوا به) ان
كانت الرواية هكذا فحذف النون للتخفيف. ا ه‍ مصححه.
46

تعالى أو ادعى الغيب بنفسه يكفر، ثم تعلم مقدار ما يعرف به مواقيت الصلاة والقبلة لا بأس به اه‍.
وأفاد أن تعلم على هذا المقدار فيه بأس. بل صرح في الفصول بحرمته وهو ما مشي عليه
الشارح. والظاهر أن المراد به القسم الثاني دون الأول، ولذا قال في الاحياء: إن علم النجوم في
نفسه غير مذموم لذاته إذ هو قسمان الخ. ثم قال: ولكن مذموم في الشرع. وقال عمر: تعلموا من
النجوم ما تهتدوا به في البر والبحر ثم أمسكوا، وإنما زجر عنه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه مضر بأكثر الخلق، فإنه إذا ألقي إليهم أن هذا الآثار تحدث عقيب سير الكواكب
وقع في نفوسهم أنها المؤثرة.
وثانيهما: أن احكام النجوم تخمين محض، ولقد كان معجزة لإدريس عليه السلام فيما يحكى
وقد اندرس
وثالثهما: أنه لا فائدة فيه، فإن ما قدر كائن والاحتراز منه غير ممكن اه‍. ملخصا. قوله:
(والرمل) هو علم بضروب أشكال من الخطوط النقط بقواعد معلومة تخرج حروفا ويستخرج
جملة دالة على عواقب الأمور، وقد عملت أنه حرام قطعا، وأصله لإدريس عليه السلام ط. أي،
فهو شريعة منسوخة. وفي فتاوي ابن حجر، إن تعلمه وتعليمه حرام شديد التحريم لما فيه من إيهام
العوام أن فاعله يشارك الله تعالى في غيبه. قوله: (وعلوم الطبائعيين) العلم الطبيعي علم يبحث فيه
عن أحوال الجسم المحسوس من حيث هو معرض للتغير في الأحوال والثبات فيها اه‍. ح. وفي
فتاوى ابن حجر: ما كان من على طريق الفلاسفة حرام، لأنه يؤدى إلى مفاسد كاعتقاد قدم العالم
ونحوه، وحرمته مشابهة لحرمة التنجيم من حيث إفضاء كل إلى المفسدة.
قوله: (والسحر) هو علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة لأسباب
خفية اه‍. ح. وفي حاشية الايضاح لبيري زاده قال الشمني: تعلمه وتعليمه حرام.
أقول، مقتضى الاطلاق ولو تعلم لدفع الضرر عن المسلمين: وفي شرح الزعفراني: السحر.
حق عندنا وجوده وتصوره وأثره. وفي ذخيرة الناظر: تعلمه فرض لرد ساحر أهل الحرب، وحرام
ليفرق به بين المرأة وزوجها، وجائز ليوفق بينهما اه‍. ابن عبد ابرزاق. قال ط بعد نقله عن بعضهم
عن المحيط: وفيه أنه ورد في الحديث النهي عن التولة بوزن عنية: وهي ما يفعل ليحبب المرأة إلى
زوجها اه‍.
أقول: بل نص على حرمتها في الخانية، وعلله ابن وهبان بأنه ضرب من السحر. قال ابن
الشحنة: ومقتضاه، أنه ليس مجرد كتابة آيات، بل فيه شئ اه‍. وسيأتي تمامه قبيل إحياء الموات إن
شاء الله تعالى. وذكر في فتح القدير: أنه لا تقبل توبة الساحر والزنديق في ظاهر المذهب، فيجب
قتل الساحر ولا يستتاب بسعيه بالفساد لا بمجرد علمه إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره اه‍.
وذكر في تبيين المحارم عن الامام أبي منصور أن القول بأن السحر كفر على الاطلاق خطأ،
ويجب البحث عن حقيقة، فإن كان في ذلك رد ما لزم في شرط الايمان فهو كفر، والا فلا اه‍. أقول: وقد ذكر الامام القرافي المالكي الفرق بين ما هو سحر يكفره به وبين غيره، وأطال في
ذلك بما يلزمه مراجعته من أواخر شرح اللقاني الكبير على الجوهرة. ومن كتاب [الاعلام في قواطع
الاسلام] للعلامة ابن حجر
47

مطلب: السحر أنواع
وحاصله أن السحر اسم جنس لثلاثة أنواع:
الأول: السيمياء، وهو ما يركب من خواص أرضية كدهن خاص أو كلمات خاصة توجب
إدراك الحواس الخمس أو بعضها بما له وجود حقيقي، أو بما هو تخيل صرف من مأكول أو مشموم
أو غيرهما
الثاني: الهيمياء، وهي ما يوجب ذلك مضافا لاثار سماوية لا أرضية.
الثالث: بعض خواص الحقائق، كما يؤخذ سبع أحجار يرمى بها نوع من الكلاب إذا رمي
بحجر عضه، فإذا عضها الكلب وطرحت في ماء فمن شربه ظهرت عليه آثار خاصة، فهذه أنواع
السحر الثلاثة، قد تقع بما هو كفر من لفظ أو اعتقاد أو فعل، وقد تقع بغيره كوضع الأحجار.
وللسحر فصول كثيرة في كتبهم، فليس ما يسمى سحرا كفرا، إذ ليس التكفير به لما يترتب عليه
من الضرر، بل لما يقع به مما هو كفر كاعتقاد انفراد الكواكب بالربوبية أو إهانة قرآن أو كلام مكفر
ونحو ذلك اه‍. ملخصا. وهذا موافق لكلام إمام الهدى أبي منصور الماتريدي، ثم إنه لا يلزم من
عدم كفره مطلقا عدم قتله، لان قتله بسبب سعية بالفساد كما مر، فإذا ثبت إضراره بسحره ولو بغير
مكفر يقتل لشره كالخناق وقطاع الطريق
مطلب في الكهانة
قوله: (والكهانة) وهي تعاطي الخبر عن الكائنات في المستقبل وادعاء معرفة الاسرار. قال
في نهاية الحديث: وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح، فمنهم من كان يزعم أن له تابعا يلقي
عليه الاخبار عن الكائنات. ومنهم أنه يعرف الأمور بمقدمات يستدل بها على موافقها من كلام من
يسأله أو حاله أو فعله، وهذا يخصونه باسم العراف كالمدعى معرفة المسروق ونحوه، وحديث: (من
أتى كاهنا) يشمل: العراف والمنجم، والعرب تسمى كل من يتعاطى علما دقيقا كاهنا. ومنهم من
يسمى المنجم والطبيب كاهنا اه‍. ابن عبد الرزاق. قوله: (ودخل في الفلسفة المنطق) لأنه الجزء
الثاني منها كما قدمناه، والمراد به المذكور في كتبهم للإستدل على مذاهبهم الباطلة. أما منطق
الاسلاميين الذي مقدماته قواعد إسلامية فلا وجه للقول بحرمته، بل سماه الغزالي معيار العلوم، وقد
ألف فيه علماء الاسلام ومنهم المحقق ابن الهمام، فإنه أتى منه ببيان معظم مطالبه في مقدمة كتابه
التحرير الأصولي. قوله: (علم الحرف) يحتمل أن المراد به الكاف الذي هو إشارة إلى الكيمياء،
ولا شك في حرمتها لما فيها من ضياع المال والاشتغال بما لا يفيد. ويحتمل أن المراد به جمع
حروف يخرج منها دلالة على حركات. ويحتمل أن المراد أسرار الحروف بأوفاق الاستخدام وغير
ذلك اه‍. ط. ويحتمل أن المراد الطلسمات، وهي كما في شرح اللقاني: نقش أسماء خاصة لها
تعلق بالافلاك والكواكب على زعم أهل هذا العلم في أجسام من المعادن أو غيرها تحدث لها خاصة
ربطت بها في مجاري العادات. اه‍.
هذا، وقد ذكر العلامة ابن حجر في باب الأنجاس من التحفة إنه اختلف في انقلاب الشئ
عن حقيقته كالنحاس إلى الذهب هل هو ثابت؟ فقيل: نعم لانقلاب العصا ثعبانا حقيقة، وإلا لبطل
48

الاعجاز. وقيل لا لان قلب الحقائق محال. والحق الأول إلى أن قال: تنبيه: كثيرا ما يسأل عن علم
الكيمياء وتعلمه هل يحل أو لا؟ ولم نر لاحد كلاما في ذلك. والذي يظهر أنه ينبني على هذا
الخلاف، فعلى الأول من علم العلم الموصل لذلك القلب علما يقينيا جاز له علمه وتعليمه إذ لا
محذور فيه بوجه، وإن قلنا بالثاني أو لم يعلم الانسان ذلك العلم اليقيني وكان ذلك وسيلة إلى
الغش فالوجه الحرمة اه‍. ملخصا.
وحاصله، أنه إذا قلنا بإثبات قلب الحقائق، وهو الحق، جاز العمل به وتعلمه، لأنه ليس
لمن لان النحاس ينقلب ذهبا أو فضة حقيقة. وإن قلنا إنه غير ثابت لا يجوز غش، كما لا يجوز
لمن لا يعلمه حقيقة لما فيه من إتلاف المال أو غش المسلمين. والظاهر أن مذهبنا ثبوت انقلاب
الحقائق بدليل ما ذكروه في انقلاب عين النجاسة، كانقلاب الخمر خلا والدم مسكا ونحو ذلك،
والله أعلم. قوله: (وعلم الموسيقي) بكسر القاف: وهو علم رياضي يعرف منه أحوال النغم
والايقاعات، وكيفية تأليف اللحون، وإيجاد الآلات. وموضوعه الصوت من جهة تأثيره في النفوس
باعتبار نظامه في طبقته وزمانه. وثمرته بسط الأرواح وتعديلها وتقويتها وقبضها أيضا.
مطلب في الكلام على إنشاد الشعر
قوله: (وهو أشعار المولدين) أي الشعراء الذين حدثوا بعد شعراء العرب. قال في القاموس:
المولدة: المحدثة من كل شئ ومن الشعراء لحدوثهم. وفي آ خر الريحانة للشهاب الخفاجي: بلغاء
العرب في الشعر والخطب على ست طبقات: الجاهلية الأولى من عاد وقحطان. والمخضرمون،
وهم من أدرك الجاهلية والاسلام. والإسلاميون والمولدون والمحدثون والمتأخرون ومن ألحق بهم
من العصريين. والثلاثة الأول هم ما في البلاغة والجزالة، ومعرفة شعرهم رواية ودراية عند
فقهاء الاسلام فرض كفاية، لأنه به تثبت قواعد العربية التي بها يعلم الكتاب والسنة المتوقف على
معرفتهما الاحكام التي يتميز بها الحلال من الحرام، وكلامهم وإن جاز فيه الخطأ في المعاني لا
يجوز فيه الخطأ في الألفاظ وتركيب المباني اه‍. قوله: (من الغزال) المراد به ما فيه وصف النساء
والغلمان، وهو في الأصل كما في القاموس: السم لمحادثة النساء، وعطف عليه قوله (والبطالة)
عطف عام على خاص لأنه نوع منها، فشمل وصف حال المحب مع المحبوب أو مع عذالة من
الوصل والهجر واللوعة والغرام ونحو ذلك. قال في المصباح: البطالة نقيض العمالة، من بطل
الأجير من العمل فهو بطال بين البطالة بالفتح، وحكي بالكسر وهو أفصح وربما قيل بالضم. وذكر
ابن عبد الرزاق أنه وجد بهامش المصباح بخط مصنفه ما حاصله: الفعالة بالفتح قد يكون وصفا
للطبيعة كالرزانة والجهالة، وبالكسر للصناعة كالتجارة، وبالضم لما يرمي كالقلامة، وقد يضمن
اللفظ المعاني الثلاثة فيجوز فيه الحركات الثلاثة، فالبطالة بالفتح لأنه وصف ثابت، وبالكسر لأنه
أشبه الصناعة للمداولة عليها، وبالضم لأنها مما يرفض اه‍.
أقول: وعلى هذا، يمكن إشارة إلى أن المكروه منه ما داوم عليه وجعله صناعة له
حتى غلب عليه وأشغله عن ذكر الله تعالى وعن العلوم الشرعية، وبه فسر الحديث المتفق عليه وهو
قوله (ص) (لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير من أن يمتلئ شعرا) فاليسير من ذلك لا بأس به إذا
49

قصد به إظهار النكات واللطافات والتشابيه الفائقة والمعاني الرائقة، وإن كان في وصف الخدود
والقدود، فإن علماء البديع قد استشهدوا من ذلك بأشعار المولدين وغيرهم لهذا القصد. وقد ذكر
المحقق ابن الهمام في إشهادات فتح القدير أن المحرم منه ما كان في اللفظ ما لا يحل كصفة الذكور
والمرأة المعينة الحية، ووصف الخمر المهيج إليها والحانات، والهجاء لمسلم أو ذمي إذا أراد
المتكلم هجاءه، لا إذا أراد إنشاد الشعر للاستشهاد به أو ليعلم فصاحته وبلاغته. ويدل على أن وصف
المرأة كذلك غير مانع إنشاد أبي هريرة رضي الله عنه لذلك وهو محرم، وكذا ابن عباس رضي الله
تعالى عنهما، ومما يقطع به في هذا قول كعب رضي الله عنه بحضرة النبي (ص):
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا * إلا أغن غضيض الطرف مكحول
تجلو عوارض ذي طلم إذا ابتسمت * كأنه منهل بالراح معلول
وكثير في شعر حسان رضى الله تعالى عنه من هذا كقوله، وقد سمعه النبي (ص):
تبلت فؤادك في المنام خريدة * تسقي الضجيع ببارد بسام
فأما الزهريات المجردة عن ذلك المتضمنة وصف الرياحين والأزهار والمياه فلا وجه
لمنعه (1). نعم، إذا قيل على الملاهي امتنع وإن كان مواعظ وحكما اه‍. ملخصا.
وفي الذخيرة عن النوازل: قراءة شعر الأدب إذا كان فيه ذكر الفسق والخمر والغلام يكره،
والاعتماد في الغلام على ما ذكرنا في المرأة: أي من أنها إن كانت معينة حية يكره، وإن كانت ميتة
فلا اه‍. وسيأتي تمام الكلام على ذلك أيضا قبيل باب الوتر والنوافل إن شاء الله تعالى قوله: (التي
لا يستخف فيها) أي ليس فيها استخفاف بأحد من المسلمين كذكر عوراته والاخذ في عرضه. وفي
بعض نسخ الأشباه: لا سخف فيها: أي لا رقة وخفة. ابن عبد الرزاق. قوله: (ثم في نقل) أي في
الفوائد آخر الفن الثالث من الأشباه عن المناقب للبزاري، وذكر الحلبي عبارته بتمامها، واقتصر
الشارح على محطها: أي، المقصود منها. قوله: (وفيها) أي في الأشباه نقلا عن شرح البهجة
للعراقي. قوله: (غير الأنبياء) كان ينبغي أن يقول، (والمبشرين بالجنة كالعشرة رضي الله عالي
عنهم، قاله سيدي عبد الغني النابلسي في شرح هدية ابن العماد. قوله: (له) إي من الثواب الجزيل
حيث أراد به تعالى الخير. قوله: (وبه) أي ولا يعلم ما أراد الله تعالى به من الصفات الحميدة.
قوله: (إلا الفقهاء) المراد بهم العالمون بأحكام الله تعالى اعتقادا وعملا، لان تسمية علم الفروع فقها
تسمية حادثة، قال سيدي عبد الغني: يؤيده ما مر من قول الحسن البصري: إنما الفقيه المعرض
الدنيا الراغب في الآخرة الخ. قوله: (وفيها كل شئ الخ) نقله في الأشباه عن الفصوص، والظاهر
أنها فصوص الحكم للشيخ الأكبر قدس سره الأنور. قوله: (إلا العلم) أورد عليه الحموي أنه ورد

(1) قوله: (فلا وجه لمنعه) هكذا بخطه، والأولى (لمنعها) كما لا يخفى ا ه‍. مصححه.
50

في الحديث ما يقيد السؤال على العلم، ولفظه: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع
عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه (1)؟ وعن ما له من أي شئ اكتسبه؟ وعن علمه ماذا صنع
به؟ وأجيب بأن المراد، إلا طلب الزيادة من العلم. به يصح التعليل.
واعترض بأنه يسأل عن طلبه هل قصد به الرياء أو الجاه؟ ويدل عليه ما في الحديث السابق
(ولكن تعلمت العلم ليقال عالم وقد قيل الخ). أقول الأوجه أن يقال: المراد به العلم النافع الموصل إلى الله تعالى، وهو المقرون بحسن
النية مع العمل به والتخلص من آفات النفس، فلا يسأل عنه لأنه خير محض، بخلاف غيره فإنه يسأل
صاحبه عنه ليعذبه به كما دل عليه تمام الحديث السابق، ولذا ورد في الحديث (إن الله تعالى يبعث
العباد يوم القيامة ثم يبعث العلماء، ثم يقول: يا معشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم إلا لعلمي
بكم، ولم أضع علمي فيكم لأعذبكم، اذهبوا فقد غفرت لكم) هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم.
قوله: (وفيها) أي في الأشباه عن آخر المصفى للامام النسفي. قوله: (عن مذهبنا) أي عن صفته.
فالمعنى: إذا سئلنا أي المذاهب صواب ط. قوله: (مخالفنا) أي من خالفنا في الفروع من الأئمة
المجتهدين. قوله: (قلنا الخ) لأنك لو قطعت القول لما صح قولنا: إن المجتهد يخطئ ويصيب
أشباه. أي، فلا نجزم بأن مذهبنا صواب البتة، ولا بأن مذهب مخالفنا خطأ البتة، بناء على المختار
من أن حكم الله في كل مسألة واحد معين وجب طلبه، فمن أصابة فهو المصيب ومن لا فهو
المخطئ. ونقل عن الأئمة الأربعة: ثم المختار أن المخطئ مأجور كما في التحرير وشرحه.
مطلب يجوز تقليد المفضول مع وجود الأفضل
ثم اعلم أنه ذكر في التحرير وشرحه أيضا أنه يجوز تقليد المفضل مع وجود الأفضل، وبه قال
الحنفية والمالكية وأكثر الحنابلة والشافعية. وفي رواية عن أحمد وطائفة كثيرة من الفقهاء: ولا يجوز،
ثم ذكر أنه لو التزم مذهبا معينا كأبي حنيفة والشافعي، فقيل يلزمه، وقيل لا وهو الأصح اه‍. وقد
شاع إن العامي مذهب له.
إذا عملت ذلك ظهر لك أن ما ذكر عن النسفي من وجوب اعتقاد أن مذهبه صواب يحتمل
الخطأ مبني على أنه لا يجوز تقليد المفضول، وأنه يلزمه التزام مذهبه وأن ذلك لا يتأتى في العامي.
وقد رأيت في آخر فتاوي ابن حجر الفقهية التصريح ببعض ذلك، فإنه سئل عن عبارة النسفي
المذكورة، ثم حرر أن قول أئمة الشافعية كذلك، ثم قال: إن ذلك مبني على الضعيف من أنه يجب
تقليد الأعلم دون غيره. والأصح، أنه يتخير في تقليد أي شاء ولو مفضولا وإن اعتقده كذلك،
وحينئذ فلا يمكن أن يقال أو يظن أنه على الصواب، بل على المقلد أن يعتقد أن ما ذهب إليه إمامه
يحتمل أنه الحق. قال ابن حجر: ثم رأيت المحقق ابن الهمام صرح بما يؤيده حيث قال في شرح

(1) قوله: (فيما أفناه، وفيما أبلاه) كذا باثبات الف (ما) الاستفهامية بعد الجار، فان كانت الرواية هكذا فلغة حكاها
الشيخ خالد كما في الصبان. ا ه‍ مصححه.
51

الهداية: إن أخذ العامي بما يقع في قلبه أنه أصوب أولى، وعلى هذا، إن استفتى مجتهدين فاختلفا
عليه، الأولى أن يأخذ بما يميل إليه قلبه منهما. وعندي أنه لو أخذ بقول الذي لا يميل إليه جاز،
لان ميله وعدمه سواء، والواجب عليه تقليد مجتهد وقد قعل اه‍. قوله: (عن معتقدنا) إي عما
نعتقده من غير المسائل الفرعية مما يجب اعتقاده على كل مكلف بلا تقليد لاحد، وهو ما عليه أهل
السنة والجماعة وهم الأشاعرة والماتريدية، وهم متوافقون إلا في مسائل يسيره أرجعها بعضهم إلى
الخلاف اللفظي كما بين في محله. قوله: (ومعتقد خصومنا) أي من أهل البدع المكفرة وغيرها،
كالقائلين بقدم العالم أو نفي الصانع أو عدم بعثة الرسل، والقائلين بخلق القرآن وعدم إرادته تعالى
الشر ونحو ذلك. قوله: (علم نضج وما احترق) المراد بنضج العلم تقرر قواعده وتفريع فروعها
وتوضيح مسائله، والمراد باحتراقه: بلوغه النهاية في ذلك. ولا شك أن النحو والأصول لم يبلغا
النهاية في ذلك، أفاده ح. والظاهر، إن المراد بالأصول أصول الفقه، لان أصول العقائد في غاية
التحرير والتنقيح تأمل. قوله: (وهو علم البيان) المراد به ما يعم العلوم الثلاثة: المعاني والبيان
والبديع، ولذا قال الزمخشري: إن منزلة علم البيان من العلوم مثل منزلة السماء من الأرض، ولم
يقفوا على ما في القرآن جميعه من بلاغته وفصاحته ونكته وبديعاته: بل على النزر اليسير. قال الله
تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان
بعضهم لبعض ظهيرا) [الاسراء: 88] وإنما ذلك اما فيه من البلاغة ط. قوله: (والتفسير) أي تفسير
القرآن، فقد ذكر السيوطي في الاتقان أن القرآن في اللوح المحفوظ، كل حرف منه بمنزلة جبل
قاف، وكل آية تحتها من التفاسير ما لا يعلمه إلا الله تعالى ط. قوله: (علم الحديث) لأنه قد تم
المراد منه، وذلك لان المحدثين جزاهم الله تعالى خيرا وضعوا كتبا في أسماء الرجال ونسبهم
والفرق بين أسمائهم، وبينوا سيئ الحفظ منهم وفاسد الرواية من صحيحها، ومنهم من حفظ المائة
ألف والثلاثمائة، وحصروا من رووا عن النبي (ص) من الصحابة، بينوا الاحكام والمراد منها
فانكشفت حقيقته ط. قوله: (والفقه) لان حوادث الخلائق على اختلاف مواقعها وتشتتاتها مرقومة
بعينها أو ما يدل عليها، بل قد تكلم الفقهاء على أمور لا تقع أصلا أو تقع نادرا وأما ما لم يكن
منصوصا فنادر، وقد يكون منصوصا، غير أن الناظر يقصر عن البحث عن محله أو عن فهم ما يفيده
مما هو منصوص بمفهوم أو منطوق ط. أو يقال: المراد بالفقه ما يشمل مذهبنا وغيره، فإنه بهذا
المعنى لا يقبل الزيادة أصلا، فإنه لا يجوز إحداث قول خارج عن المذاهب الأربعة. قوله: (وقد
قالوا الفقه) أي الفقه الذي استنبطه أبو حنيفة أو أعم. قوله: (زرعه) إي أول من تكلم باستنباط
فروعه عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل، أحد السابقين والبدريين والعلماء الكبار من الصحابة.
أسلم قبل عمر رضي الله تعالى عنهما. قال النووي في التقريب: وعن مسروق أنه قال: انتهى علم
الصحابة إلى ستة: عمر وعلي وأبي وزيد وأبي الدرداء وابن مسعود، ثم انتهى علم الستة إلى علي
وعبد الله بن مسعود. قوله: (وسقاه) أي أيده ووضحه علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي
52

الفقيه الكبير، عم الأسود بن يزيد، وخال إبراهيم النخعي. ولد في حياة النبي (ص)، وأخذ القرآن
والعلم عن ابن مسعود وعلي وعمر وأبي الدرداء وعائشة رضي الله عنهم أجمعين. قوله: (وحصده)
أي جمع ما تفرق من فوائده ونوادره وهيأه للانتفاع به إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود أبو عمران
النخعي الكوفي، الامام المشهور الصالح الزاهد. روى عن الأعمش وخلائق، وتوفي سنة ست أو
خمس وتسعين. قوله: (وداسه) أي اجتهد في تنقيحه وتوضيحه حماد بن مسلم الكوفي شيخ الامام،
وبه تخرج. وأخذ حماد بعد ذلك عنه. قال الامام: ما صليت صلاة إلا استغفرت له مع والدي. مات
سنة مائة وعشرين. قوله: (وطحنة) أي أكثر أصوله وفرع فروعه وأوضح سلبه إمام الأئمة وسراج
الأمة أبو حنيفة النعمان، فإنه أول من دون الفقه ورتبه أبوابا وكتبا على نحو ما عليه اليوم، تبعه
مالك في موطئه، ومن كان قبله إنما كانوا يعتمدون على حفظهما. وهو أول من وضع كتاب
الفرائض وكتاب الشروط، كذا في الخيرات الحسان في ترجمة أبي حنيفة النعمان للعلامة ابن حجر.
قوله: (وعجنه) أي دقق النظر في القواعد الامام وأصوله واجتهد في زيادة استنباط الفروع منها
والاحكام تلميذ الامام أعظم أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم قاضي القضاة، فإنه كما رواه الخطيب
في تاريخه أول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة، وأملى المسائل ونشرها
وبث علم أبي حنيفة في أقطار الأرض، وهو أفقه أهل عصره، ولم يتقدمه أحد في زمانه، وكان
النهاية في العلم والحكم والرياسة. ولد سنة 113 وتوفي ببغداد سنة 182. قوله: (وخبزه) أي زاد
في استنباط الفروع وتنقيحها وتهذيبها وتحريرها بحيث لم تحتج إلى شئ آخر الإمام محمد بن الحسن
الشيباني تلميذ أبي حنيفة وأبي يوسف محرر المذهب النعماني، والمجمع على فقاهته ونباهته.
روي أنه سأل رجل المزني عن أهل العراق، فقال: ما تقول في أبي حنيفة؟ فقال: سيدهم.
قال: فأبو يوسف؟ قال أتبعهم للحديث. قال: فمحمد بن الحسن؟ قال أكثرهم تفريعا، قال:
فزفز؟ قال: أحدهم قياسا. ولد سنة 132 وتوفي بالري سنة 189. قوله: (من خبزه) بالضم: أي خبز
محمد الذي خبزه من عجين أبي يوسف من طحين أبي حنيفة، ولذا روى الخطيب عن الربيع قال:
سمعت الشافعي يقول: الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه. كان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه. قوله:
(فقال أي من بحر البسيط، وترتيب هذا النظم بخلاف الترتيب قبله، وسقط منه حماد. قوله: (علمه)
أي محمد. قوله: (كالجامعين) الصغير والكبير. وقد ألفت في المذهب تآليف سميت بالجوامع فوق ما
ينوف عن أربعين، وكل تأليف لمحمد وصف بالصغير فهو من روايته عن أبي يوسف عن الامام، وما
وصف بالكبير فروايته عن الامام بلا واسطة ط. قوله: (والنوادر) الأولى إبدالها بالسير، لأن هذه
الكتب الخمسة هي كتب محمد المسماة بالأصل وظاهر الرواية، لأنها رويت عنه برواية الثقات، فهي
53

ثابتة عنه متواترة أو مشهورة، وفيها المسائل المروية عن أصحاب المذهب، وهم أبوح، وأبوس
وم. أما النوادر فهي مسائل مروية عنهم في كتب أخر لمحمد كالكسيانيات والهارونيات
والجرجانيات والرقيات وهي دون الأولى. وبقي قسم ثالث، وهو مسائل للنوازل سئل عنها المشايخ
المجتهدون في المذهب. ولم يجدوا فيها نصا فأفتوا فيها تخريجا، وقد نظمت ذلك فقلت:
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا لكل ثابت عنهم حوت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
كذا له مسائل النوادر * إسنادها في الكتب غير ظاهر
وبعدها مسائل النوازل * خرجها الأشياخ بالدلائل
وسيأتي بسط ذلك آخر المقدمة.
وفي الطبقات التميمي عن شرح السير الكبير للسرخسي أن السير الكبير آخر تصنيف صنفه
محمد في الفقه. وكان سببه أن السير الصغير وقع بيد الأوزاعي إمام أهل الشام فقال: ما لأهل العراق
والتصنيف في هذا الباب. فإنه لا علم لهم بالسير، فبلغ محمدا فصنف الكبير، فحكي أنه لما نظر
فيه الأوزاعي قال: لولا ما ضمنه من الأحاديث لقلت إنه يضع العلم، وإن الله تعالى عين جهة إصابة
الجواب في راية، صدق الله تعالى: (وفوق كل ذي علم عليم) ثم أمر محمد أن يكتب في ستين
دفترا، وأن يحمل إلى الخليفة فأعجبه وعده من مفاخر أيامه اه‍. ملخصا. قوله: (فيسببه صار
الشافعي فقيها) أي ازداد فقاهة، واطلع على مسائل لم يكن مطلعا عليها، فإن محمدا أبدع في كثرة
استخراج المسائل، وإلا فالشافعي رضي الله تعالى عنه فقيه مجتهد قبل وروده إلى بغداد، وكيف
يستفاد الاجتهاد المطلق ممن ليس كذلك؟ أفاده ح. قوله: (والله ما صرت فقيها) الكلام فيه كما
تقدم. وروي عن الشافعي أنه قال أيضا: حملت من علم محمد بن الحسن وقر بعير كتبا. وقال: أمن
الناس علي في الفقه محمد بن الحسن. قوله: (هيهات) اسم فعل: أي بعد مكانه عني وعن أبي
يوسف ط. قوله، (في أعلى عليين) اسم لاعلى الجنة. أي، هو في أعلى مكان في الجنة: إي
بالنسبة إليهما لا مطلقا، لان الأنبياء والصحابة أرفع درجة قطعا. وأما الدعاء بنحو: اجعلني مع
النبيين، فالمراد، في الاجتماع والمؤانسة لا في الدرجة والمنزلة، ومنه قوله تعالى: (فأولئك مع
الذين أنعم الله عليهم النبيين والصديقين) الخ ط. قوله: (كيف) استفهام إنكاري بمعنى النفي:
54

أي كيف لا يعطي هذا المكان الاعلى ط. قوله: (ولها) أي لرؤيته ربه تعالى في المنام قصة مشهورة
ذكرها الحافظ النجم الغيظي.
وهي أن الامام رضي الله عنه قال: رأيت رب العزة في المنام تسعا وتسعين مرة فقلت في
نفسي: أن رأيته تمام المائة لأسألنه: بم ينجو الخلائق من عذابه يوم القيامة. قال: فرأيته سبحانه
وتعالى فقلت: يا رب عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماءك، بم ينجو عبادك يوم القيامة من
عذابك؟ فقال سبحانه وتعالى: من قال بعد الغداة والعشي (سبحان الأبدي الأبد، سبحان الواحد
الاحد، وسبحان الفرد الصمد، سبحان رافع السماء بلا عمد، سبحان من بسط الأرض على ماء جمد،
سبحان من خلق الخلق فأحصاهم عدد، سبحان من قسم الرزق ولم ينس أحد، سبحان الذي
يتخذ صاحبه ولا ولد، سبحان الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) نجا من
عذابي اه‍. ط. قوله: (على رجله اليمني الخ) فيه أن هذا مخالف للسنة اه‍. أي لصحة الحديث في
النهي عنه. وأجاب الشرنبلالي بحملة على التراوح، فإنه أفضل من نصب القدمين. وتفسير التراوح:
أن يعتمد المصلي على قدم مرة وعلى الأخرى مرة أخرى: أي مع وضع القدمين على الأرض بدون
رفع إحداهما، لكن يبعده قوله: ووضع اليسري على ظهرها الخ. أفاده ط. وقد يقال: للامام رضى
الله تعالى عنه مقصد حسن: وفي ذلك نفي الكراهة عنه، كما قالوا: يكره أن يصلي الرجل حاسرا
عن رأسه، لكن إذا قصد التذلل فلا كراهة. ثم رأيت بعض العلماء أجاب بذلك فقال: إنما فعل
ذلك مجاهدة لنفسه، وليس يبعد أن يكون غرض مجاهدة النفس بذلك ممن لم يختل منه خشوعه مانعا
للكراهة اه‍. قوله: (حق عبادتك) من أضافة الصفة للموصوف: أي عبادتك الحقة التي تليق
بجلالك، بل هي بقدر ما في وسعه ط. قوله: (لكن عرفك) استدراك على ما يتوهم من أن عدم
عبادته حق العبادة نشأ من عدم المعرفة، والمراد أنه عرفه بصفاته الدالة على كبريائه ومجده،
واستحقاقه دوام مشاهدته ومراقبته، وليس المراد معرفة كنه الذات والصفات، فإنه من
المستحيلات ط. قوله: (فهب) من الهبة: وهي العطية. يقول وهبت له: أي أعط نقصان الخدمة
لكمال المعرفة. أي شفع هذا بهذا كما في: هب مسيئنا لمحسننا. قوله: (ولمن اتبعك) أي في
الخدمة والمعرفة أو فيما أدى إليه اجتهادك من الأوامر والنواهي، ولم يزغ عنها لا بمجرد التقليد.
قوله: (إلى يوم القيامة) متعلق بكان التامة أو باتبعك. قوله: (وقيل لأبي حنيفة) ذكر في التعليم هذه
العبارة عن أبي يوسف، ثم قال: قيل لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه: بم أدركت العلم؟ قال: إنما
أدركت العلم بالجهد والشكر، وكلما فهمت ووقفت على فقه وحكمة قلت: الحمد لله فازداد
55

علمي ط. قوله: (وما استنكفت) أي أنفت وامتنعت. قوله: (مسافر بن كرام) الذي رأيته في مواضع
متعددة: مسعر بن كدام بكسر أولهما وكدام بالدال. قوله: (رجوت أن لا يخالف) لأنه قلد إماما عالما
صحيح الاجتهاد سالم الاعتقاد، ومن قلد علما لقي الله سالما. وتمام كلام مسعر: وأن لا يكون
فرط في الاحتياط لنفسه. قوله: (وقال) أي مسعر، لكن ذكر في المقدمة الغزنوية هذين البيتين وأنه
أنشدهما أبو يوسف أفاده ط. قوله: (حسبي) أي كافي مبتدأ خبره قوله ما أعددته، أي: هيأته، ويوم
القيامة متعلق بحسبي أو بإعادته أو برضا، وفي السببية، ودين بدل من (ما). قوله: (وأنا أفتخر
الخ) الفخر والافتخار: التمدح بالخصال: أي، يذكر من جملة نعم الله تعالى عليه أن جعل من أتباعه
هذا الرجل الذي شيد بنيان الدين بعد انقراض الصحابة وأكثر التابعين، وتبعه ما لا يحصى من الأمة،
وسبق في الاجتهاد وتدوين الفقه من بعده من الأئمة، وأعانهم بأصحابه وفوائده الجمة على استنباط
الاحكام المهمة. قوله: (الضياء المعنوي) هو شرح مقدمة الغزنوي القاضي أبي البقاء بن الضياء
المكي. قوله: (وقول ابن الجوزي) أي ناقلا عن الخطيب البغدادي. قوله: (لأنه روي بطرق مختلفة)
بسطها العلامة طاش كبرى، فيشعر بأن له أصلا، فلا أقل من أن يكون ضعيفا فيقبل: إذ لم يترتب
عليه إثبات حكم الشرعي، ولا شك في تحقق معناه في الامام فإنه سراج يستضاء بنور علمه ويهتدى
بثاقب فهمه، لكن قال بعض العلماء: إنه قد أقر ابن الجوزي على عده هذه الأخبار في
الموضوعات الحافظ الذهبي والحافظ السيوطي والحافظ ابن حجر العسقلاني والحافظ الذي انتهت
إليه رئاسة مذهب أبي حنيفة في زمنه الشيخ قاسم الحنفي، ومن ثم لم يورد شيئا منها أئمة الحديث
الذين صنفوا في مناقب هذا الامام كالطحاوي وصاحب طبقات الحنفية محيي الدين القرشي وآخرين
متقنين ثقات أثبات نقاد، لهم اطلاع كثير اه‍. وقال العلامة ابن حجر المكي في الخيرات الحسان
في ترجمة أبي حنيفة النعمان: ومن اطلع على ما يأتي في هذا الكتاب من أحوال أبي حنيفة وكراماته
وأخلاقه وسيرته علم أنه غني عن أن يستشهد على فضله بخبر موضوع. قال: ومما يصلح للاستدلال به على عظيم شأن أبي حنيفة ما روي عنه الصلاة والسلام
أنه قال: (ترفع زينة الدنيا سنة خمسين ومائة) ومن ثم قال شمس الأئمة الكردي: إن هذا الحديث
محمول على أبي حنيفة، لأنه مات تلك السنة اه‍.
56

وقال أيضا: وقد وردت أحاديث صحيحة تشير إلى فضله: منها قوله (ص) فيما رواه الشيخان
عن أبي هريرة والطبراني عن ابن مسعود أن النبي (ص) قال: (لو كان الايمان عند الثريا لتناوله رجال
من أبناء فارس). ورواه أبو نعيم عن أبي هريرة والشيرازي والطبراني عن قيس بمن سعد بن عبادة
بلفظ أن النبي (ص) قال (لو كان العلم مطلقا عند الثريا لتناوله رجال من أبناء فارس). ولفظ الطبراني
عن قيس (لا تناله العرب لنا له رجال من أبناء فارس). وفي رواية مسلم عن أبي هريرة (لو كان
الايمان عند الثريا لذهب به رجل من أبناء فارس حتى يتناوله). وفي رواية للشيخين عن أبي هريرة
(والذي نفسي بيده لو كان الدين معلقا بالثريا لتناوله رجل من فارس) وليس المراد بفارس البلاد
المعروفة: بل جنس من العجم وهم الفرس، لخبر الديلمي (خير العجم فارس) وقد كان جد أبي
حنيفة من فارس، على ما عليه الأكثرون. قال الحافظ السيوطي: هذا الحديث الذي رواه الشيخان
أصل صحيح يعتمد عليه في الإشارة لأبي حنيفة، وهو متفق على صحته، وبه يستغني عما ذكره
أصحاب المناقب ممن ليس له دراية في علم الحديث: فإن في سنده كذابين ووضاعين اه‍. ملخصا
وفي حاشية الشبراملسي على المواهب عن العلامة الشامي تلميذ الحافظ السيوطي قال: ما
جزم به شيخنا من أن أبا حنيفة هنو المراد من هذا الحديث ظاهر لا شك فيه، لأنه لم يبلغ من أبناء
فارس في العلم مبلغه أحد اه‍. قوله: (التستري) إمام عظيم رضي الله عنه: كأن يقول: إني لاعهد
الميثاق الذي أخذه الله تعالى علي في عالم الذر، وإني لأرعى أولادي من هذا الوقت إلى أن
أخرجهم الله إلى عالم الشهود والظهور. قوله: (لما تهودوا الخ) أي لما داموا على دينهم الباطل
واعتقادهم العاطل: لم يقبلوا ما أدخله عليهم علماؤهم من الدسائس فأعموهم عما جاء به نبينا من
النفائس فإنهم لم يقبلوا ذلك إلا لعقلهم الفاسد، ورأيهم الكاسد، فلو كان فيهم مثله غزير العلم،
ثاقب الفهم، قائما بالصدق، عارفا بالحق، لرد جميع ذلك، وأنقذهم من المهالك، قبل غلوهم
وتمكن الشبه في عقولهم: فإن كونه واحدا منهم يكون لكلامه أقبل فإن الجنس أميل، فلا يلزم
تفضيله على نبينا المكرم (ص) فافهم. قوله (ومناقبه أكثر من أن تحصي) هذا من مشكل التراكيب،
فإن ظاهره تفضيل الشئ في الأكثرية على الاحصاء ولا معنى له، ونظائره كثيرة قل من يتنبه
لاشكالها، ووجه بأوجه متعددة بينتها في رسالتي المسماة بالفوائد العجيبة في إعراب الكلمات
الغريبة: أحسنها ما ذكره الرضي أنه ليس المراد التفضيل بل المراد البعد عن الكثرة، ف‍ (من) متعلقه
بأفعل التفضيل بمعنى تجاوز وباين بلا تفضيل. قوله: (سبط) قيل: الأسباط الأولاد خاصة، وقيل
أولاد الأولاد، وقيل أولاد البنات، نهاية الحديث، والمشهور الثالث. قوله: (وسماه الانتصار) إنما
سماه بذلك لان الامام رضي الله عنه لما شاعت فضائله وعمت الخافقين فواضله، جرت عليه العادة
القديمة من إطلاق ألسنة الحاسدين فيه حتى طعنوا في اجتهاده وعقيدته بما هو مبرأ منه قطعا لقصد
أن يطفئوا نور الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، كما تكلم بعضهم في مالك، وبعضهم في الشافعي،
وبعضهم في أحمد، بل قد تكلمت فرقة في أبي بكر وعمر، فرقة في عثمان وعلي، وفرقة كفرت
كل الصحابة:
57

ومن ذا الذي ينجو من الناس سالما * وللناس قال باطنون وقيل
من انتصر للامام رحمة الله تعالى العلامة السيوطي في كتاب سماه [تبييض الصحيفة] والعلامة ابن
حجر في كتاب سماه الخيرات الحسان، والعلامة يوسف بن عبد الهادي الحنبلي في مجلد كبير سماه
[تنوير الصحيفة]، وذكر فيه عن ابن عبد البر: لا يتكلم في أبي حنيفة بسوء ولا تصدقن أحدا يسئ
القول فيه، فإني والله ما رأيت أفضل ولا أروع ولا أفقه من منه. ثم قال: ولا يغتر أحد بكلام الخطيب،
فإن عنده العصبية الزائدة على جماعة من العلماء كأبي حنيفة والإمام أحمد وبعض أصحابه، وتحامل
عليهم بكل وجه، وصنف فيه بعضهم [السهم المصيب في كبد الخطيب].
أما ابن الجوزي فإنه تابع الخطيب، وقد عجب سبطه منه حيث قال في [مرآة الزمان]: وليس العجب من الخطيب فإنه طعن في جماعة من العلماء، وإنما العجب من
الجد كيف سلك أسلوبه
وجاء بما هو أعظم. قال: ومن المتعصبين على أبي حنيفة الدارقطني وأبو نعيم، فإنه لم يذكره في
الحلية وذكر من دونه في العلم والزهد اه‍.
ومن انتصر له العارف الشعراني في الميزان بما يتعين مطالعته، قال في الخيرات الحسان:
ويفرض صحة ما ذكره الخطيب من القدح عن قائله فلا يعتد به، فإنه إن كان من غير أقران الامام
فهو مقلد لما قاله أو كتبه أعداؤه أو من أقرانه فكذلك، لان قول الاقران بعضهم في بعض غير
مقبول كما صرح به الذهبي والعسقلاني، قالا: ولا سيما إذا لاح أنه لعداوة أو لمذهب، إذ الحسد
لا ينجو منه إلا من عصمة الله تعالى. قال الذهبي: وما علمت أن عصرا سلم أهله من ذلك إلا
عصر النبيين عليهم الصلاة والسلام والصديقين. وقال التاج السبكي: ينبغي لك أيها المسترشد أن
تسلك سبيل الأدب مع الأئمة الماضين، ولا تنظر إلى كلام بعضهم في بعض إلا إذا أتى ببرهان
واضح
ثم إن قدرت على التأويل وتحسين الظن فدونك، والا فاضرب صفحا، فإياك ثم إياك أن
تصغي إلى ما اتفق بين أبي حنيفة وسفيان الثوري، أو بين مالك وابن أبي ذئب، أو بين أحمد بن
صالح والنسائي، أو بين أحمد والحارث المحاسبي، وذكر كلام كثيرين من نظراء مالك فيه، وكلام
ابن معين في الشافعي، قال: وما مثل من تكلم فيهما وفي نظائرهما إلا كما قال الحسن بن هانئ: يا ناطح الجبل العالي ليكلمه * أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
اه‍. ملخصا. وقد أطال في ذلك وفي ذكر من أنثى على الامام من أئمة السلف وممن بعدهم،
وما نقلوه من سعة علمه وفهمه وزهده ورعه وعبادته واحتياطه وخوفه، وغير ذلك مما يستدعي
مؤلفات، وما ينسب إلى الامام الغزالي يرده ما ذكره في إحيائه المتواتر عنه حيث ترجم الأئمة
الأربعة وقال: وأما أبو حنيفة فلقد كان أيضا عابدا زاهدا بالله تعالى، خائفا منه، مريدا وجه الله
تعالى بعلمه الخ.
أقول: ولا عجب من تكلم السلف في بعضهم كما وقع للصحابة، لأنهم كانوا مجتهدين فينكر
58

بعضهم على ما خالف الاخر سيما إذا قام عنده ما يدل له على خطأ غيره، فليس قصدهم إلا
الانتصار للدين لا لأنفسهم، وإنما العجب ممن يدعي العلم في زماننا ومأكله وملبسه وعقوده وأنكحته
وكثير من تعبداته يقلد فيها الامام الأعظم ثم يعطن فيه وفي أصحابه، وليس مثله إلا كمثل ذبابه
وقعت تحت ذنب جواد في حالة كره وفره، وليت شعري لأي شئ يصدق ما قيل في أبي حنيفة ولا
يصدق ما قبل في إمام مذهبه؟ ولم لا يقلد إمام مذهبه في أدبه مع هذا إلامام الجليل؟ فقد نقل
العلماء ثناء الأئمة الثلاثة علي أبي حنيفة وتأديهم معه، ولا سيما الإمام الشافعي رضي الله تعالى
عنه، والكامل لا يصدر منه إلا الكمال، والناقص بضده. ويكفي المعترض حرمانه بركة من يعترض
عليه، أعاذنا الله من ذلك، وأدامنا على حب سائر المجتهدين وجميع عباده الصالحين،
وحشرنا في زمرتهم يوم الدين.
ومما روي من تأدبه معه أنه قال: إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجئ إلى قبره، فإذا عرضت
حاجة صليت ركعتين وسألت الله تعالى عند قبره فتقضى سريعا.
وذكر بعض من كتب على المنهاج أن الشافعي صلى الصبح عند قبره فلم يقنت، فقيل له:
لم؟ قال: تأدبا مع صاحب هذا القبر. وزاد غيره أنه لم يجهر بالبسملة.
وأجابوا عن ذلك بأنه قد يعرض للسنة ما يرجح تركها عند الاحتجاج إليه كرغم أنف حاسد،
وتعليم جاهل ولا شك أن أبا حنيفة كان له حساد كثيرون، والبيان بالفعل أظهر منه بالقول، فما
فعله الشافعي رضي الله عنه أفضل من فعل القنوت والجهر.
أقول: ولا يخفي عليك أن ذلك الطاعن الأحمق طاعن في أمام مذهبه، ولذا قال في الميزان:
سمعت سيدي عليا الخواص رحمة الله تعالى مرارا يقول: يتعين على أتباع الأئمة أن يعظموا كل من
مدحه إمامهم لان إمام المذهب إذا مدح عالما وجب على جميع أتباعه أن يمدحوه تقليدا لامامهم،
وأن ينزهوه عن القول في دين الله بالرأي، وقال أيضا: لو أنصف المقلدون للامام مالك والشافعي
لم يضعف أحد منهم قولا من أقوال أبي حنيفة بعد أن سمعوا مدح أئمتهم له، ولو لم يكن من
التنويه برفعة مقامه إلا كون الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه ترك القنوت في الصبح لما صلى عند
قبره لكان فيه كفاية في لزوم أدب مقلديه اه‍. قوله: (وصنف غيره) كالامام الطحاوي والحافظ
الذهبي والكردري وغيرهم ممن قدمناهم. قوله: (من أعظم معجزات الخ) لأنه (ص) قد أخبر به قبل
وجوده بالأحاديث الصحيحة التي قدمناها، فإنها محمولة عليه بلا شك كما قدمناه عن الشامي صاحب
السيرة وشيخه السيوطي، كما حمل الحديث: (لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما) على
الإمام الشافعي، لكن حمله بعضهم على ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وهو حقيق بذلك، فإنه حير
الأمة وترجمان القرآن، وكما حمل حديث (يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا
يجدون أعلم من عالم المدينة) على الامام مالك، لكنه محتمل لغيره من علماء المدينة المنفردين في
زمنهم بخلاف تلك الأحاديث فإنها ليس لها محمل إلا أبو حنيفة وأصحابه كما أفاده ط. أما سلمان الفارسي، رضي الله تعالى عنه، فهو وإن كان أفضل من أبي حنيفة من حيث
59

الصحبة، فلم يكن في العلم والاجتهاد ونشر الدين وتدوين أحكامه كأبي حنيفة، وقد يوجد في
المفضول ما لا يوجد في الفاضل، وسمي ذلك بناء على أن المراد بالتحدي في تعريف
المعجزة هو دعوى الرسالة، وهو قول المحققين كما في المواهب. وقيل: المراد به طلب
المعارضة والمقابلة، وعليه فذلك كرامة لا معجزة، فافهم. قوله: (بعد القرآن) متعلق بأعظم، أي
لأنه أعظم المعجزات على الاطلاق، لأنه معجزة مستمرة دائمة الاعجاز وقيد بذلك، وإن عبر بمن
التبعيضية لئلا يتوهم مساواة هذه المعجزات لتلك، فإن المشاركة في الأعظيمة تصدق بالمساواة،
فتدبر. قوله: (اشتهار مذهبه) أي في عامه بلاد الاسلام، بل في كثير من الأقاليم والبلاد لا يعرف
إلا مذهبه، كبلاد الروم والهند والسند وما وراء النهر وسمرقند.
وقد نقل أن فيها تربة المحمدين، ودفن فيها نحو من أربعمائة نفس كل منهم يقال له محمد،
صنف وأفتى وأخذ عنه الجم الغفير. ولما مات صاحب الهداية منعوا دفنه بقربها. وروي أنه نقل
مذهبه نحو من أربعة آلاف نفر، ولا بد أن يكون أصحاب، وهلم جرا.
وقال ابن حجر: قال بعض الأئمة: لم يظهر لاحد من أئمة المسلمين المشهورين مثل ما ظهر
لأبي حنيفة من الأصحاب والتلاميذ، ولم ينتفع العلماء وجميع الناس بمثل ما انتفعوا به وبأصحابه،
في تفسير الأحاديث المشتبهة، والمسائل المستنبطة، والنوازل والقضايا والاحكام، جزاهم الله تعالى
الخير التام. وقد ذكر منهم بعض المتأخرين المحدثين في ترجمته ثمانمائة مع ضبط أسمائهم ونسبهم
بما يطول ذكره اه‍. قوله: (قولا) أي سواء ثبت عليه أو رجع عنه ط. قوله: (إلا أخذ إمام) أي
من أصحابه تبعا له، فإن أقوالهم مروية عنه كما سيأتي، أو غيرهم من المجتهدين موافقة في
اجتهاده لان المجتهد لا يقلد مجتهدا أفاده ط. قوله: (من زمنه إلى هذه الأيام) فالدولة العباسية وإن
كان مذهبهم مذهب جدهم، فأكثر قضائها ومشايخ إسلامها حنفية، يظهر ذلك لمن تصفح كتب
التواريخ وكان مدة ملكهم خمسمائة سنة تقريبا.
أما الملوك السلجوقيون وبعدهم الخوارزميون، فكلهم حنيفيون وقضاة ممالكهم غالبا حنيفة.
أما ملوك زماننا سلاطين آل عثمان، أيد الله تعالى دولتهم ما كر الجديدان، فمن تاريخ
تسعمائة إلى يومنا هذا لا يولون القضاء وسائر مناصبهم إلا للحنيفة، قاله بعض الفضلاء. وليس في
كلام الشارح ادعاء التخصيص في جميع الأماكن والأزمان، حتى يرد أن القضاء بمصر كان مختصا
بمذهب الإمام الشافعي إلى زمن الظاهر بيبرس البندقداري، فافهم. قوله: (إلى أن يحكم بمذهبه
عيسى عليه السلام) تبع فيه القهستاني، وكأنه أخذه مما ذكره أهل الكشف أن مذهبه آخر المذاهب
انقطاعا، فقد قال الامام الشعراني في الميزان ما نصه: قد تقدم أن الله تعالى لما من علي بالاطلاع
على عين الشريعة رأيت المذاهب كلها متصلة بها:، ورأيت مذاهب الأئمة تجري جداولها
كلها، ورأيت جميع المذاهب التي اندرست قد استحالت حجارة، ورأيت أطول الأئمة جدولا الامام
أبا حنيفة، ويليه الامام مالك، ويليه الإمام الشافعي، ويليه الإمام أحمد، وأقصرهم جدولا الامام
60

داود، وقد انقرض في القرن الخامس، فأولت ذلك بطول زمن العمل بمذاهبهم وقصره، فكما كان
مذهب الامام أبي حنيفة أول المذاهب المكونة، فكذلك بكون آخرها انقراضا:، وبذلك قال أهل
الكشف اه‍. لكن لا دليل في ذلك على أن نبي الله عيسى نبينا وعليه الصلاة والسلام يحكم
بمذهب أبي حنيفة، وإن كان العلماء موجودين في زمنه فلا بد له من دليل، لهذا قال الحافظ
السيوطي في رسالة سماها الاعلام ما حاصله: إن يقال إنه يحكم بمذهب من المذاهب الأربعة
باطل لا أصل له، وكيف يظن بنبي أنه يقلد مجتهدا مع أن المجتهد من آحاد هذه الأمة لا يجوز له
التقليد، وإنما يحكم بالاجتهاد، أو بما كان يعلمه قبل من شريعتنا بالوحي: أو بما تعلمه منها وهو
في السماء، أو أنه ينظر في القرآن فيفهم منه كما كان يفهم نبينا عليه الصلاة والسلام اه‍. واقتصر
السبكي على الأخير.
وذكر ملا على القاري أن الحافظ ابن حجر العسقلاني سئل: هل ينزل عيسى عليه السلام
حافظا للقرآن أو يتلقاهما عن علماء ذلك الزمان؟ فأجاب: لم ينقل في ذلك شئ صريح،
والذي يليق بمقامه عليه الصلاة والسلام أنه يتلقى ذلك عن رسول الله (ص) فيحكم في أمته كما تلقاه
منه لأنه في الحقيقة خليفة عنه اه‍.
وما يقال: إن الإمام المهدي يقلد أبا حنيفة، رده ملا على القاري في رسالته: المشرب
الوردي في مذهب المهدي، وقرر فيها أنه مجتهد مطلق، ورد فيها ما وضعه بعض الكذابين من قصة
طويلة. حاصلها: أن الخضر عليه السلام تعلم من أبي حنيفة الأحكام الشرعية، ثم علمها للامام
أبي القاسم القشيري، وأن القشيري صنف فيها كتبا وضعها في صندوق: وأمر بعض مريديه بإلقائه
في جيحون، وأن عيسى عليه السلام بعد نزوله يخرجه من جيحون ويحكم بما فيه، وهذا كلام باطل
لا أصل له، ولا تجوز حكايته إلا لرده كما أوضحه ط وأطال في رده وإبطاله فراجعه. قوله: (وهذا)
أي ما تقدم من الأحاديث، ومن كثرة المناقب، ومن كون الحكم لأصحابه وأتباعه ط. قوله: (سائر)
بمعنى باقي أو جميع على خلاف بسطه في درة الغواص. قوله: (كيف لا) أي كيف لا يختص بأمر
عظيم. قوله: (وهو كالصديق) وجه الشبه أن كلا منهما ابتدأ أمرا لم يسبق إليه، فأبو بكر رضي الله
عنه ابتدأ جمع القرآن بعد وفاته (ص) بمشورة عمر، وأبو حنيفة ابتدأ تدوين الفقه كما قدمناه، أو أن أبا
بكر أول من آمن من الرجال وفتح باب التصديق، كذا في حواشي الأشباه. قال شيخنا البعلي في
شرحه عليها: والأول أولى، لان وجه الشبه به أتم، وقول من قال الثاني هو الظاهر، لان القرآن
بعد ما جمع لا يتصور جمعه غير ظاهر، فإنه قد جمع ثانيا والجامع له عثمان رضي الله تعالى عنه، فإن
الصديق رضي الله تعالى عنه لم يجمعه في المصاحف، وجمعه عثمان كما هو معلوم اه‍. تأمل.
قوله: (له) أي للامام أجره: أي أجر عمل نفسه، وهو تدوين الفقه واستخراج فروعه ط. قوله:
(وأجر) أي ومثل أجر من دون الفقه، أي جمعه، وأصله من التدوين: أي جعله في الديوان، وهو
بكسر وفتح اسم لما يكتب فيه أسماء الجيش للعطاء، وأول من أحدثه عمر رضي الله عنه ثم أريد به
مطلق الكتب مجازا أو منقولا اصطلاحيا، وقوله (وألفه) عطف على دونه م من عطف الخاص علي
العام اه‍. بعلى لان التأليف جمع وجه الألفة.
61

تنبيه: ورد في الصحيح أنه (لا تقتل نفس ظلما إلا كان على أبن آدم الأول كفل منها، ومن
سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شئ،
ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم
شئ، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله). الحديث. قال العلماء: هذه الأحاديث من قواعد
الاسلام، وهو أن كل من ابتدع شيئا من الشر كان عليه وزر من اقتدى به في ذلك فعمل مثل عمله
إلى يوم القيامة، وكل من ابتدع شيئا من الخير كان له مثل أجر كل من يعمل به إلى يوم القيامة،
وتمامه في آخر عمدة المريد اللقاني. قوله: (إلى يوم الحشر) تنازع فيه كل من دون وألف وفرع.
قوله: (وقد اتبعه) عطف على قوله (وهو كالصديق). أي كيف لا يختص وقد اتبعه الخ. والاتباع
تقليده فيما قاله ط. قوله: (من الأولياء) متعلق بمحذوف صفة لكثير للبيان، والولي فعيل بمعنى
الفاعل، وهو من توالت طاعته من غير أن يتخللها عصيان، وبمعنى المفعول، فهو من يوالي عليه
إحسان الله تعالى وإفضاله. تعريفات السيد. ولا بد من تحقق الوصفين حتى يكون وليا في نفس
الامر، فيشترط فيه كونه محفوظا كما يشترط في النبي كونه معصوما كما في رسالة الامام القشيري.
قوله: (ممن اتصف) بدل من قوله (من الأولياء) أو حال. قوله: (بثبات المجاهدة) من إضافة الصفة
إلى موصوفها: أي المجاهدة الثابتة: أي الدائمة. والمجاهدة لغة،: المحاربة وفي الشرع: محاربة
النفس الامارة بالسوء بتحملها ما يشق عليها مما هو مطلوب في الشرع، تعريفات، وقد ورد تسمية
ذلك بالجهاد الأكبر كما في الاحياء. قال العراقي: رواه البيهقي بسند ضعيف عن جابر، ورواه
الخطيب في تاريخه عن جابر بلفظ، قدم النبي (ص) من غزاة فقال عليه الصلاة والسلام (قدمتم خير
مقدم، قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: مجاهدة العبد
هواه) اه‍. قوله (المشاهدة) أي مشاهدة الحق تعالى بآثاره. قوله، (كإبراهيم بن أدهم) بن منصور
البلخي. كان من أبناء الملوك، خرج متصيدا فهتف به هاتف: ألهذا خلقت؟ فنزل عن دابته وأخذ
جبة راع وسار حتى دخل مكة، ثم أتى الشام ومات بها. كذا في رسالة القشيري. قوله: (وشقيق
البلخي) بن إبراهيم الزاهد العابد المشهور. صحب أبا يوسف القاضي، وقرأ عليه كتاب الصلاة،
ذكره أبو الليث في المقدمة؟ وهو أستاذ حاتم الأصم، وصحب إبراهيم بن أدهم، مات شهيدا سنة
194 تميمي. قوله: (ومعروف الكرخي) بن فيروز، من المشايخ الكبار، مجاب الدعوة: يستسقي
بقبره، وهو أستاذ السري السقطي، مات سنة 200. قوله: (وأبي يزيد بسطامي) شيخ المشايخ،
وذو القدم الراسخ، واسمه طيفور بن عيسى. كان جده جوسيا وأسلم، مات سنة 161. قوله:
(وفضيل بن عياض) الخراساني. وروي أنه كان يقطع الطريق، وأنه عشق جارية وارتقى جدارا لها،
فسمع تاليا يتلو (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم) [الحديد: 16] فتاب ورجع، فورد مكة وجاور
بها الحرم، ومات بها سنة 187. رسالة القشيري.
وذكر الصيمري أنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة، روي عنه الشافعي، فأخذ عن إمام عظيم،
وأخذ عنه إمام عظيم. وروي له إمامان عظيمان: البخاري ومسلم، وترجمة التميمي وغيره بترجمة
62

حافلة. قوله: (وداود الطائي) هو ابن نصر بن نصير بن سليمان الكوفي الطائي، والعالم العامل،
الزاهد العابد، أحد أصحاب الإمام، كان ممن شغل نفسه بالعلم ودرس الفقه وغيره، ثم اختار العزلة
ولزم العبادة. قال محارب بن دثار: لو كان داود في الأمم الماضية لقص الله تعالى علينا من خبره،
قال أبو نعيم: مات سنة 160. قوله: (وأبي حامد اللفاف) هو أحمد بن خضرويه البلخي، من كبار
مشايخ خراسان، مات سنة 240 رسالة. قوله: (وخلف بن أيوب) من أصحاب محمد وزفر، وتفقه
على أبي يوسف أيضا، وأخذ الزهد عن إبراهيم بن أدهم، وصحبه مدة، واختلف في وفاته،
والأصح أنه سنة 215 كما ذكره التميمي. وروي عنه أنه قال: صار العلم من الله إلى محمد (ص)، ثم
صار إلى الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ثم صار إلى التابعين، ثم صار إلى أبي حنيفة، فمن شاء
فليرض، ومن شاء فليسخط. قوله: (وعبد الله بن المبارك) الزاهد الفقيه المحدث: أحد الأئمة،
جمع الفقه والأدب والنحو واللغة والفصاحة والورع والعبادة، وصنف الكتب الكبيرة. قال الذهبي:
هو أحد أركان هذه الأمة في العلم والحديث والزهد. وأحد شيوخ الإمام أحمد. أخذ عن أبي
حنيفة، ومدحه في مواضع كثيرة، وشهد له الأئمة، ما سنة 181 وترجمة التميمي بترجمة حافلة، وذكر
من محاسن أخباره ما يأخذ بمجامع العقل، وله روايات كثيرة في فروع المذهب ذكرت في
المطولات. قوله: (ووكيع بن الجراح) بن مليح بن عدي الكوفي، شيخ الاسلام، وأحد الأئمة
الاعلام.
قال يحيى بن أكتم (1): كان وكيع يصوم الدهر، ويختم القرآن كل ليلة. وقال ابن معين: ما
رأيت أفضل منه، قيل له: ولا ابن المبارك؟ قال: كان لابن المبارك فضل، ولكن ما رأيت أفضل
من وكيع، كان يستقبل القبلة ويسرد الصوم، ويفتى بقول أبي حنيفة، وكان قد سمع منه شيئا كثيرا،
قال: وكان يحيى بن سعيد القطان يفتي بقوله أيضا، مات سنة 198، وهو من شيوخ الشافعي وأحمد.
تميمي. قوله: (وأبي بكر الوراق) هو محمد بن عمرو الترمذي. أقام ببلخ، وصحب أحمد بن
خضرويه، وله تصانيف في الرياضيات. رسالة.
وفي طبقات التميمي: أحمد بن علي أبو بكر الوراق ذكره أبو الفرج محمد بن إسحاق في جملة
أصحابنا بعد أن ذكر الكرخي، فقال: وله من الكتب شرح مختصر الطحاوي. وذكر في القنية أنه
خرج حاجا، فلما سار مرحلة قال لأصحابه: ردوني، ارتكب سبعمائة كبيرة في مرحلة واحدة،
فردوه اه‍. قوله: (وغيرهم) كالامام العارف المشهور بالزهد والورع والتقشف والتقلل: حاتم
الأصم، أحد أتباع الامام الأعظم، له كلام مدون في الزهد والحكم. سأله أحمد بن حنبل قال:
أخبرني يا حاتم فيم التخلص من الناس؟ فقال: يا أحمد في ثلاث خصال: أن تعطيهم مالك ولا
تأخذ من مالهم شيئا، وتقضي حقوقهم ولا تستقضي أحدا منهم حقا لك، وتحتمل مكروهم ولا
تكره أحدا منهم على شئ، فأطرق أحمد ثم رفع رأسه فقال: يا حاتم أنها لشديدة، فقال له حاتم:
وليتك تسلم

(1) قوله: (يحيى بن أكتم) هكذا بخطه بالمثناة الفوقية، والذي في القاموس: أكثم بالمثلثة. ا ه‍.
63

ومنهم ختم دائرة الولاية قطب الوجود سيدي محمد الشاذلي البكري الشهير بالحنفي، الفقيه
الواعظ أحد من صرفه الله تعالى في الكون، ومكنه من الأحوال، نطق بالمغيبات، وخرق له
العوائد، وقلب له الأعيان، وترجمة بعضهم في مجلدين، فقال العارف الشعراني: أنه لم يحط علما
بمقامه حتى يتكلم عليه، وإنما ذكر بعض أمور على طريق أرباب التواريخ. توفي سنة 847. قوله:
(لبعده) علة لقوله لا يحصي، وحذف من قبل قوله أن يستقصي لامن اللبس، هو شائع مطرد: أي لا
يمكن إحصاؤه لتباعده من طلب استقصائه،: أي، غايته ومنتهاه، والتعبير بقوله: لا يحصي أبلغ من
قولنا لا يعد لان العد أن تعد فردا فردا، والاحصاء يكون للجمل، لذا قال تعالى: (وإن تعدوا
نعمة الله لا تحصوها) [النحل: 18] معناه والله أعلم: إن أردتم عدها فلا تقدروا على إحصائها، فضلا
عن العد، كذا أفاده الامام النسفي في المستصفي. قوله: (أبو القاسم) تلك كنيته، واسمه
عبد الكريم بن هوازن الحافظ المفسر الفقيه، والنحوي اللغوي الأديب الكاتب القشيري، الشجاع
البطل، لم ير مثل نفسه، ولا رأى الراؤون مثله، وإنه الجامع لأنواع المحاسن. ولد سنة 377،
وسمع الحديث من الحاكم وغيره، وروى عنه الخطيب وغيره، وصنف التصانيف الشهيرة، وتوفي
سنة 465 ط عن الزرقاني على المواهب. قوله: (في رسالته) أي التي كتبها إلى جماعة الصوفية
ببلدان الاسلام سنة 437 ه‍، ذكر فيها مشايخ الطريقة وفسر ألفاظا 0 تدور بينهم بعبارات أنيقة. قوله:
(مع صلابته) أي قوته وتمكنه ط. قوله: (في مذهبه) وهو مذهب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه
أو طريقة أهل الحقيقة ط. قوله: (سمعت الخ) مقول القول: أبو علي هو الحسن بن علي الدقاق.
وأبو القاسم هو إبراهيم بن محمد النصر اباذي بالذال المعجمة شيخ خراسان، جاور بمكة، ومات بها
سنة 367. والشبلي هو الإمام أبو بكر دلف ا الشبلي البغدادي المالكي المذهب، صحب الجنيد،
مات سنة 334. والسري هو أبو الحسن بن مغلس السقطي خال الجنيد وأستاذه، توفي سنة 257.
قوله: (من أبي حنيفة)، هو فارس هذا الميدان، فإن مبني علم الحقيقة على العلم والعمل وتصفية
النفس، وقد وصفه بذلك عامة السلف، فقال أحمد بن جنبل في حقه: إنه كان من لعلم والورع
والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد، ولقد ضرب بالسياط ليلى القضاء فلم يفعل.
وقال عبد الله بن المبارك: ليس أحد أحق من أن يقتدى به من أبي حنيفة، لأنه كان إماما تقيا
نقيا ورعا عالما فقيها، كشف العلم كشفا لم يكشفه أحد ببصر وفهم وفطنة وتقي.
وقال الثوري لمن قال له جئت عند أبي حنيفة: لقد جئت من عند أعبد أهل الأرض.
وأمثال ذلك مما نقله ابن حجر وغيره من العلماء الاثبات. قوله: (فعجبا) هو مفعول مطلق، أي
64

فأعجب منك عجبا. وهذا الخطاب لمن أنكر فضله أو خالف قوله ط. قوله:: (ألم يكن) استفهام
تقريري بما بعد النفي، أو هو إنكاري بمعنى النفي كالذي بعده. قوله: (أسوة) بكسر الهمزة
وضمها: أي قدوة قوله: (وفي هؤلاء) متعلق بأسوة، وفي بمعنى الباء أو للظرفية المجازية على حد
قوله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). قوله: (وهم أئمة هذه الطريقة الخ) في
رسالة الفتوحات للقاضي زكريا: الطريقة سلوك طريق الشريعة، والشريعة: أعمال شرعية محدودة،
وهما والحقيقة متلازمة، لان الطريق إليه تعالى ظاهر وباطن، فظاهرها الطريقة والشريعة،
وباطنها الحقيقة، فبطون الحقيقة في الشريعة والطريقة كبطون الزبد في لبنه، لا يظفر بزبده بدون
مخصه، والمراد من الثلاثة إقامة العبودية على الوجه المراد من العبد اه‍. ابن عبد الرزاق. قوله: (ومن
بعدهم) أي من أتي بعد هؤلاء الأئمة في الزمان سالكا في هذا الامر، وهو علم الشريعة والحقيقة
فهو تابع لهم، إذ هما الأئمة فيه، فيكون فخره باتصال سنده بهذا الامام، كما كان ذلك فخر الأئمة
المذكورين الذين افتخروا بذلك وتبعوه في حقيقته ومشربه، واقتدى كثير منهم بطريقته ومذهبه
قوله: (فلهم) متعلق بقوله تبع، وهو بالتحريك بمعنى تابع: خبر مبتدأ محذوف والجملة خبر من،
ودخلت عليها الفاء لان (من) فيها معنى العموم فأشبعت الشرطية. قوله: (وكانا) إي كل رأي.
قوله: (ما اعتمدوه) من الثناء عليه والافتخار به من حيث أخذ علم الحقيقة عنه. قوله: (ومبتدع)
بالبناء للمفعول: أي محدث لم يسبق بنظير. قوله: (وبالجملة) إي فأقول قولا ملتبسا بالجملة: أي
جملة ما يقال في هذا المقام. قوله: (لقد زان البلاد الخ) من الزين وهو ضد الشين. يقال زانه وأزانه
وزينه وأزينه كما في القاموس، والبلاد: جمع بلد، كل قطعة من الأرض مستحيزة عامرة أو غامرة.
قاموس. ومن عليها: أهلها. وقوله بأحكام متعلق بزان. ووجه ذلك، إن استنباط الأحكام الشرعية
وتدوينها وتعليمها للناس سبب للعمل بها. وبلا شك أن الانقياد للأحكام الشرعية وعمل الحكام بها
والرعية زين للبلاد والعباد، ينتظم به أمر المعاش والمعاد، وبضده الجهل والفساد، فإنه شين ودمار
للديار والاعمار. قوله: (وآثار) جمع أثر. قال النووي في شرح مسلم: الأثر عند المحدثين يعم
المرفوع والموقوف كالخبر، والمختار إطلاقه على المروي مطلقا، سواء كان عن الصحابي أو
المصطفى (ص) وخصه فقهاء خراسان بالموقوف على الصحابي والخبر بالمرفوع.
ولقد كان رحمه الله تعالى إماما في ذلك. فإنه رضي الله عنه أخذ الحديث عن أربعة
آلاف شيخ من أئمة التابعين وغيرهم. ومن ثم ذكره الذهبي وغيره في طبقات الحفاظ من المحدثين.
ومن زعم قلة اعتنائه فهو إما لتساهله، أو حسده، إذ كيف يتأتى ممن هو كذلك استنباط
65

مثل ما استنبطه من المسائل، مع أنه أول من استنبط من الأدلة على الوجه المخصوص المعروف في
كتب أصحابه، ولأجل اشتغاله بهذا الأهم لم يظهر حديثه في الخارج، كما أن أبا بكر وعمر رضي
الله تعالى عنهما لما اشتغلا بمصالح المسلمين العامة لم يظهر عنهما من رواية الأحاديث مثل ما ظهر
عن صغار الصحابة، وكذلك مالك والشافعي لم يظهر عنهما مثل ما ظهر عمن تفرغ للرواية كأبي
زرعه وابن معين لاشتغالهما بذلك الاستنباط. على أن كثرة الرواية بدون دراية ليس فيه كثير مدح بل
عقد له ابن عبد البر بابا في ذمه ثم قال: والذي عليه فقهاء جماعة المسلمين وعلمائهم، ذم الاكثار
من الحديث بدون تفقه ولا تدبر. وقال ابن شبرمة: أقلل الرواية تتفقه. وقال ابن المبارك: ليكن
الذي تعتمد عليه الأثر، وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث.
ومن أعذار أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ما يفيده قوله: لا ينبغي للرجل أن يحدث من
الحديث إلا بما يحفظه يوم سمعه إلى يوم يحدث به، فهو لا يروي الرواية إلا لمن حفظ.
وروي الخطيب عن إسرائيل بن يونس أنه قال: نعم الرجل النعمان، ما كان أحفظه لكل حديث
فيه فقه وأشد فحصه عنه، وأعلمه بما فيه من الفقه. وتمامه في الخيرات الحسان لابن حجر.
قوله: (وفقه) المراد به ما يعم التوحيد، فإن الفقه كما عرفه الامام معرفة النفس ما لها وما عليها ط.
قوله: (كآيات الزبور) التشبيه في الايضاح والبيان لا في احكام، لان الزبور مواعظ، ويحتمل أنه
تشبيه في الزينة، والمعنى أنه زان ما ذكر كما زينت النقوش الطروس ط. قوله: (فما في المشرقين
الخ) المشرق محل الشروق: أي الطلوع، والمغرب محل الغروب، وثناهما مع أن كلا منهما واحد كما
في قوله تعالى (رب المشرقين ورب المغربين) على إرادة مشرقي الشتاء والصيف ومغربيهما. قاله
البيضاوي. وقيل مشرق الشمس والفجر، ومغرب الشمس والشفق، أو مشرق الشمس والقمر
ومغربيهما، وجمعا في قوله تعالى: (رب المشارق والمغارب) باعتبار الأقطار أو الأيام أو المنازل.
أفاده ط. قوله: (ولا بكوفة) خصها بالذكر مع أن المراد المشرقين والمغربين وما بينهما بقرينة
المقام لأنها بلده، أو لأنها من أعظم بلاد الاسلام يومئذ. قال في القاموس: الكوفة الرملة الحمرة (1)
المستديرة، أو كل رملة يخالطها حصباء، ومدينة العراق الكبرى، وقبة الاسلام، ودار هجرة
المسلمين، مصرها سعد ابن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، وكانت منزل نوح وبنى مسجدها.
سميت بذلك لاستدارتها واجتماع الناس بها. ويقال لها كوفان ويفتح، وكوفة الجند لأنها اختطت فيها
خطط العرب أيام عثمان رضي الله تعالى عنه، خططها السائب بن الأقرع الثقفي الخ. قوله: (يبيت
مشمرا الخ) التشمير: الجد والتهيؤ. قاموس. وسهر فعل ماض، والجملة حال على إضمار (قد)
مثلها في قوله تعالى (أو جاؤوكم حصرت صدورهم) أو صفة مشبهة والأولى أنسب بقوله:
وصام، ولله متعلق بصام، وخفيه مفعول لأجله، وزاد في تنوير الصحيفة بعد هذا البيت وبيتين وهما

(1) في ط (قوله الحمرة) هكذا بخطه، والذي في عبارة القاموس (الحمراء) بألف التأنيث الممدودة ولعله
الصواب.
66

وصان لسانه عن كل إفك * وما زالت جوارحه عفيفه
يعف عن المحارم والملاهي * ومرضاه الاله له وظيفه
وننقل نبذة يسيرة شاهدة لهذه الأبيات عن ابن حجر. قال الحافظ الذهبي: قد تواتر قيامه
بالليل وتهجده وتعبده: أي، ومن ثم كان يسمى الوتد لكثرة قيامه بالليل، بل أحياه بقراءة القرآن في
ركعة ثلاثين سنة وكان يسمع بكاؤه بالليل حتى يرحمه جيرانه.
ووقع رجل فيه عند ابن المبارك فقال: ويحك، أتقع في رجل صلى خمسا وأربعين سنة الخمس
صلوات بوضوء واحد، وكان يجمع القرآن في ركعة، ونظمت ما عندي من الفقه منه
ولما غسله الحسن بن عمارة قال: رحمك الله، وغفر لك، لم تفطر منذ ثلاثين سنة، وقد
أتبعت من بعدك، وفضحت القراء
وقال الفضل بن دكين: كان هيوبا، لا يتكلم إلا جوابا، ولا يخوض فيما لا يعنيه، ولا يستمع
إليه. وقيل له اتق الله، فانتفض وطأطأ رأسه ثم قال: يا أخي جزاك الله خيرا، ما أحوج أهل كل
وقت إلى من يذكرهم الله تعالى
وقال الحسن بن صالح: كان شديد الورع، هائبا للحرام، تاركا لكثير من الحلال مخافة
الشبهة، ما رأيت فقيها أشد منه صيانة لنفسه. قوله: (رأيت) أي علمت أو أبصرت، وعلى الأول
فالعائبين مفعوله الأول، وهو جمع عائب، أعلت عينه بالهمزة كقائل وبائع. فافهم. وسفاها مفعوله
الثاني. قال في القاموس: سفه كفرح، وكرم علينا: جهل كتسافه فهو سفيه جمعه سفهاء وسفاه.
وخلاف الحق صفة: أي مخالفين، أو ذوي خلاف. والحجج: جمع حجة بالضم، وهي البرهان،
سماها بذلك بناء على زعم العائبين، والا فهي شبهة وأوهام فاسدة. قوله: (ابن إدريس) بالتنوين
للضرورة، والمراد بها الامام الرئيس ذو العلم النفيس، محمد بن إدريس الشافعي القرشي رضي الله
تعالى عنه، نفعنا به في الدارين آمين. ومقالا مصدر قال، منصوب على المفعولية المطلقة.
وصحيح النقل نعت له، وهو صفة مشبهة مضافة إلى فاعلها: أي صح نقله عنه
قاله ابن حجر: وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه: من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال
على أبي حنيفة، إنه ممن وفق له الفقه. هذه رواية حرملة عنه. ورواية الربيع عنه: الناس عيال في
الفقه على أبي حنيفة، ما رأيت أي عملت أحدا أفقه منه. وجاء عنه أيضا: من لم ينظر في
كتبه لم يتبحر في العلم. ولا يتفقه اه‍. قوله: (في حكم) إي في ضمن حكم الطيفة لم يصرح بها،
منها ترغيب الناس في مذهبه، والرد على العائبين له، وبيان اعتقاده في هذا الامام، والاقرار
بالفضل للمتقدم. قوله: (بأن الناس) الباء زائدة أو للتعدية، لتضمن قال معنى صرح ونحوه مما
يتعدى بالباء. وفي فقه متعلق بعيال، من عاله: إذا تكفل له بالنفقة ونحوها. قوله: (على من رد
67

قول أبي حنيفة) أي على من رد ما قاله من الأحكام الشرعية محتقرا لها، فإن ذلك موجب للطرد
والابعاد، لا بمجرد الطعن في الاستدلال لان الأئمة لم تزل يرد بعضهم قول بعض، ولا بمجرد
الطعن في الامام نفسه، لان غايته الحرمة فلا يوجب اللعن، لكن ليس فيه لعن شخص معين فهو
كلعن الكاذبين ونحوهم من العصاة، فافهم. وفي هذا البيت من عيوب الشعر الايطاء، على أنه لم
يذكره في تنوير الصحيفة كما قاله ابن عبد الرزاق. قوله: (وقد ثبت الخ) ففي تاريخ ابن خلكان
عن الخطيب أن حفيد أبي حنيفة قال: أنا إسماعيل بن حماد بن النعمان بن ثابت بن النعمان بن
المرزبان من أبناء فارس من الأحرار، والله ما وقع علينا رق قط، ولد جدي أبو حنيفة سنة ثمانين،
وذهب ثابت إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وهو صغير فدعا له بالبركة فيه وفي ذريته،
ونحن نرجو أن يكون الله تعالى قد استجاب لعلي فينا؟ والنعمان بن المرزبان أبو ثابت هو الذي
أهدى لعلي الفالوذج في يوم مهرجان فقال علي: مهرجان كل يوم هكذا اه‍. وبه ظهر أن ما في
بعض الكتب من قوله: وذهب ثابت بجدي إلى علي الخ غير ظاهر، لان عليا مات سنة أربعين من
الهجرة كما في ألفية العراقي، فالظاهر أن لفظة (بجدي) من زيادة النساخ، أو الباء زائدة وأصله
جدي. قوله: (وصح الخ) قال بعض متأخري المحدثين ممن صنف في مناقب الامام كتابا حافلا ما
حاصله: إن أصحابه الأكابر كأبي يوسف ومحمد بن الحسن وابن المبارك وعبد الرزاق وغيرهم لم
ينقلوا عنه شيئا من ذلك، ولو كان لنقلوه، فإنه مما يتنافس فيه المحدثون ويعظم افتخارهم، وبأن
كل سند فيه أنه سمع من صحابي لا يخلو من كذاب، فأما رؤيته لأنس وإدراكه لجماعة من الصحابة
بالسن فصحيحان لا شك فيهما، وما وقع للعيني أنه أثبت سماعه لجماعة من الصحابة رده عليه
صاحبه الشيخ الحافظ قاسم الحنفي.
مطلب فيما اختلف فيه من رواية الامام عن بعض الصحابة
والظاهر أن سبب عدم سماعه ممن أدركه من الصحابة أنه أول أمره اشتغل بالاكتساب حتى
أرشده الشعبي لما رأى من باهر نجابته إلى الاشتغال بالعلم، ولا يسع من له أدنى إلمام بعلم
الحديث خلاف ما ذكرته اه‍. لكن يؤيد ما قاله العيني: قاعدة المحدثين أن راوي الاتصال مقدم
على راوي الارسال أو الانقطاع، لان معه زيادة علم، فاحفظ ذلك فإنه مهم. كذا في عقد اللآلي
والمرجان للشيخ إسماعيل العجلوني الجراحي.
وعلى كل فهو من التابعين، ممن جزم بذلك الحافظ الذهبي والحافظ العسقلاني وغيرهما. قال
العسقلاني: إنه أدرك جماعة من الصحابة كانوا بالكوفة بعد مولده بها سنة ثمانين، ولم يثبت ذلك
لاحد من أئمة الأمصار المعاصرين له: كالأوزاعي بالشام، والحمادين بالبصرة، والثوري بالكوفة،
ومالك بالمدينة الشريفة، والليث بن سعد بمصر. قوله: (وأدرك بالسن) أي وجد في زمنهم وإن لم
يرهم كلهم. قوله: (كما بسط في أوائل الضياء) فقال: هم ابن نفيل، وواثلة، وعبد الله بن عامر
وابن أبي أوفي، وابن جزء، وعتبة، والمقداد، وابن بسر، وابن ثعلبة، وسهل بن سعد وأنس
68

وعبد الرحمن بن يزيد ومحمود بن لبيد ومحمود بن الربيع وأبو أمامة وأبو الطفيل فهؤلاء من ثمانية عشر (1)
صحابيا، وربما أدرك غيرهم ممن لم أظفر به اه‍. ملخصا. وزاد في تنوير الصحيفة: عمرو بن حريث،
وعمرو بن سلمة وابن عباس، وسهل بن منيف (2). ثم قال: وغير هؤلاء من أماثل الصحابة رضي
الله تعالى عنهم اه‍ ابن عبد الرزاق. قوله: (مذهب) بسكون الباء لضرورة النظم وهو مضاف وعظيم
مضاف إليه اه‍ ح. قوله، (الفتى) من الفتوة، وهي السخاء والقوة ط. قوله: (سابق الأئمة) أي الأئمة
الثلاثة بالعلم، أي بالاجتهاد فيه، وكل الأئمة المجتهدين بتدوينه، فإنه أول من دونه كما مر. قوله:
(جمعا) مفعول أدرك المذكور بعده، فافهم. قوله: (من أصحاب) بدرج الهمزة لنقل حركتها إلى النون
قبلها، وألف أدركا للاشباع كألف سلكا. قوله: (إثرهم) بكسر فسكون مع إشباع الميم: أي بعدهم،
فهو ظرف متعلق بما بعده، أو بفتحتين وسكون الميم: أي خبرهم فهو مفعول اقتفى. طريقة مفعول
سلك، والمراد بها الحالة التي كان عليها من الاعتقاد والعلم والعمل. والمنهاج في الأصل: الطريق
الواضح، وأراد به هنا مطلق الطريق فأضاف واضحة إليه. قوله: (الداجي) شديد الظلمة. قاموس.
قوله: (وقد روي عن أنس) هو ابن مالك الصحابي الجليل، خادم رسول الله (ص) مات بالبصرة سنة
اثنتين، وقيل ثلاث وتسعين، ورجحه النووي وغيره، وقد جاوز المائة. قال ابن حجر: قد صح كما
قال الذهبي إنه رآه وهو صغير. وفي رواية قال:: رأيته مرارا، وكان يخضب بالحمرة. وجاء من طرق
أنه روى عنه أحاديث ثلاثة، لكن قال أئمة المحدثين مدارها على من اتهمه الأئمة بوضع
الأحاديث اه‍. قال بعض الفضلاء: وقد أطال العلامة طاش كبرى في سرد النقول الصحيحة في إثبات
سماعه منه، والمثبت مقدم على النافي. قوله: (وجابر) أي ابن عبد الله. واعترض بأنه مات سنة 79
قيل ولادة الامام بسنة، ومن ثم قالوا في الحديث المروي عن أبي حنيفة عن جابر رضي الله تعالى
عنه أنه (ص) أمر من لم يرزق ولدا بكثرة الاستغفار والصدقة، ففعل فولد له تسعة ذكور. إنه حديث
موضوع. ابن حجر. لكن نقل ط عن شرح الخوارزمي على مسند الامام أن الإمام قال في سائر
الأحاديث: سمعت، وفي روايته عن جابر ما قال سمعت. وإنما قال عن جابر كما هو عادة التابعين
في إرسال الأحاديث. ويمكن أن يقال: إنه يتمشى على القول بولادة الامام سنة 70 اه‍.

(1) قوله: (ثمانية عشر) هكضا بخطه، والذي ذكره ستة عشر فقط فليحرر ا ه‍ مصححه.
(2) قوله: (وسهل بن منيف) هكذا بخطه. والمعروف سهل بن حنيف كزبير وليحرر ا ه‍ مصححه.
69

أقول: والحديث المذكور، إن كان موجودا في سند الامام، فغاية ما فيه أنه مرسل، وأما
الحكم عليه بالوضع فلا وجه له، لان الامام حجة ثبت لا يضع ولا يروي عن وضاع. قوله: (وابن
أبي أوفي) هو عبد الله، آخر من مات من الصحابة بالكوفة سنة 86، وقيل 87، وقيل سنة 88،
سيوطي في شرح التقريب. قال ابن حجر: روي عنه الامام هذا الحديث المتواتر (من بني لله مسجدا
ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة). قوله: (أعني أبا الطفيل) أي أقصد بعامر المذكور أبا
الطفيل بن واثلة بكسر الثاء المثلثة الليثي، وهو آخر الصحابة موتا على اطلاق. وتوفي بمكة، وقيل
بالكوفة سنة مائة كما جزم به العراقي وغيره تبعا لمسلم، وصحح الذهبي أنه سنة عشر ومائة، وقيل
سبع وعشرين. قوله: (وابن أنيس) هو عبد الله الجهني. أخرج بعضهم بسنده إلى الامام أنه قال:
ولدت سنة ثمانين، وقدم عبد الله بن أنيس صاحب رسول الله (ص) الكوفة سنة أربع وتسعين، ورأيته
وسمعت عن رسول الله (ص) (حبك الشئ يعمي ويصم). واعترض بأن في سنده مجهولين بأن
ابن أنيس مات سنة 54. وأجيب بأن هذا الاسم لخمسة من الصحابة فلعل المراد غير الجهني. ورد
بأن غيره لم يدخل الكوفة. قوله: (وواثلة) هو بالثاء المثلثة أيضا كما في القاموس ابن الأسقع
بالقاف. مات بالشام سنة خمس أو ثلاث أو ست وثمانين. سيوطي. وروي الامام عنه حديثين (لا
تظهر الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك) (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) والأول رواه الترمذي من
وجه آخر وحسنه، والثاني جاء من رواية جمع من الصحابة وصححه الأئمة. ابن حجر. قوله: (عن
ابن جزء) هو عبد الله بن الحارث بن جزء بفتح الجيم وسكون الزاي وبالهمزة، الزبيدي بضم الزاي
مصغرا. واعترض بأنه مات سنة 86 بمصر بسقط أبي تراب: قرية من الغريبة قرب سمنود والمحلة،
ومكان مقيما بها.
وأما ما جاء عن أبي حنيفة من أنه حج مع أبيه سنة 96 وأنه رأي عبد الله هذا يدرس بالمسجد
الحرام وسمع منه حديثا، فرده جماعة منهم الشيخ قاسم الحنفي، بأن سند ذلك فبه قلب وتحريف،
وفيه كذاب باتفاق، وبأن ابن جزء مات بمصر ولأبي حنيفة ست سنين، وبأن ابن جزء لم يدخل
الكوفة في تلك المدة. ابن حجر. قوله: (وبنت عجرد) اسمها عائشة. واعترض بأن حاصل كلام
الذهبي وشيخ الاسلام ابن حجر العسقلاني أن هذه لا صحبة لها، وأنها لا تكاد تعرف، وبذلك رد
ما روي أن أبا حنيفة روي عنها هذا الحديث الصحيح (أكثر جند الله في الأرض الجراد، لا آكله ولا
أحرمه) ابن حجر الهيتمي. وزاد على من ذكر هنا ممن روي عنهم الامام فقال: ومنهم سهل بن
سعد، ووفاته سنة 88 وقيل بعدها. ومنهم السائب بن يزيد بن سعيد، ووفاته سنة إحدى أو اثنين أو
أربع وتسعين. ومنهم عبد الله بن بسر، ووفاته سنة 96. ومنهم محمود بن الربيع، ووفاته سنة 99.
قوله: (رضي الله) الأصوب: فرضي بالفاء كما في نسخة ليتم الوزن ويسلم من ادعاء دخول الخزل
فيه. قوله: (ليلي القضاء) أي قضاء القضاة لتكون قضاء الاسلام من تحت أمره، والطالب له هو
70

المنصور فامتنع فحسبه، وكان يخرج كل يوم فيضرب عشرة أسواط وينادي عليه في الأسواق، ثم
ضرب ضربا موجعا حتى سال الدم على عقبه ونودي عليه وهو كذلك، ثم ضيق عليه تضييقا شديدا
حتى في مأكله ومشربه، فبكى وأكد الدعاء، فتوفي بعد خمسة أيام. وروى جماعة أنه دفع إليه قدح
فيه سم فامتنع وقال: لا أعين على قتل نفسي، فصب فيه قهرا، قيل إن ذلك بحضرة المنصور.
وصح أنه لما أحس بالموت سجد فمات وهو ساجد.
قيل: والسبب في ذلك أن بعض أعدائه دس إلى منصور أنه هو الذي أثار عليه إبراهيم بن
عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي رضي الله عنهم الخارج عليه بالبصرة، فطلب منه القضاء مع
علمه بأنه لا يقبله ليتوصل إلى قتله اه‍. ملخصا من [الخيرات الحسان] لابن حجر
وذكر التميمي أن الخطيب روى بسنده أن أبا هبيرة (1) كان عامل مروان على العراق، فكلم أبا
حنيفة أن يلي قضاء الكوفة فأبي، فضربه مائة سوط وعشرة أسواط ثم خلى سبيله. وكان أحمد بن
حنبل إذا ذكر ذلك بكى وترحم عليه، خصوصا بعد أن ضرب هو أيضا اه‍. فالظاهر تعدد القصة.
وبنو مروان قبل المنصور فإنه من بنى العباس، فقصة أبي هبيرة كانت أولا، والله أعلم. وقوله: (وله)
أي من العمر. قوله: (بتاريخ) متعلق بقوله توفي، فما قبله بيان المكان، وهذا بيان الزمان.
مطلب في مولد الأئمة الأربعة ووفاتهم ومدة حياتهم
فائدة، قد عملت أن أبا حنيفة ولد سنة 80 ومات سنة 150. وعاش 70 سنة. وقد ولد الامام
مالك سنة 90 ومات سنة 179 وعاش 89 سنة. والشافعي ولد سنة 150 ومات سنة 204 وعاش
54 سنة. وأحمد ولد سنة 164 ومات سنة 241 وعاش 77 سنة، وقد نظم جميع ذلك بعضهم مشيرا
إليه بحروف الجمل، لكل إمام منهم ثلاث كلمات على هذا الترتيب فقال:
تاريخ نعمان يكن سيف سطا * ومالك في قطع جوف ضبطا
والشافعي صين ببرند * وأحمد بسبق أمر جعد
فاحسب على ترتيب نظم الشعر * ميلادهم فموتهم كالعمر
قوله: (فأجابه الخ) لله در هذا الصبي ما أحكمه حيث علم أن سقوطه وإن تضرر به جسده
وحده لكنه لا يضر في الدين فكأنه ليس بسقوط، بخلاف سقوط العالم في طريق الحق، فإنه إذا
كان قبل بذل المجهود في نيل المقصود يلزم منه سقوط غيره ممن اتبعه أيضا، فيعود ضررهم عليه
وذلك ضرر في الدين، على حد قوله تعالى (فإنها لا تعمى الابصار) الآية: أي العمى الضار ليس
عمى الابصار وإنما هو عمى القلوب. قوله: (فحينئذ الخ) روي الإمام أبو جعفر الشيراماذي عن
شقيق البلخي أنه كأن يقول: كان الإمام أبو حنيفة من أورع الناس، أعبد الناس وأكرم الناس،

(1) قوله: (أبا هبيرة لعله ابن هبيرة).
71

وأكثرهم احتياطا في الدين، وأبعدهم عن القول بالرأي في دين الله عز وجل، وكان لا يضع مسألة
في العلم حتى يجمع أصحابه عليها ويعقد عليها مجلسا، فإذا اتفق أصحابه كلهم على موافقتها
للشريعة قال لأبي يوسف أو غيره: ضعها في الباب الفلاني اه‍. كذا في الميزان للامام الشعراني
قدس سره. ونقل ط عن مسند الخوارزمي أن الامام اجتمع معه ألف من أصحابه، أجلهم وأفضلهم
أربعون قد بلغوا حد الاجتهاد، فقربهم وأدناهم وقال لهم: إني ألجمت هذا الفقه وأسرجته لكم
فأعينوني، فإن الناس قد جعلوني جسرا على النار، فإن المنتهي لغيري، واللعب على ظهري، فكان
إذا وقعت واقعة شاورهم وناظرهم وجاورهم وسألهم، فيسمع ما عندهم من الاخبار والآثار ويقول
ما عنده ويناظرهم شهرا أو أكثر حتى يستقر آخر الأقوال فيثبته أبو يوسف، حتى أثبت الأصول
على هذا المنهاج شورى، لا أنه تفرد بذلك كغيره من الأئمة اه‍. قوله: (إن توجه لكم دليل) أي
ظهر لكم في مسألة وجه الدليل على غير ما أقول ط. قوله: (فقولوا به) وكان كذلك، فحصل
المخالفة من الصاحبين في نحو ثلث المذهب، لاحد الأكثر في الاعتماد على قول الإمام ط.
قوله: (فكان كل يأخذ برواية عنه) أي فليس لأحد منهم قول خارج عن أقواله، ولذا قال في
الولوالجية من كتاب الجنايات: قال أبو يوسف: ما قالت قولا خالفت فيه أبا حنيفة إلا قولا قد كان
قاله. وروي عن زفر أنه قال: ما خالفت في شئ إلا قد قاله ثم رجع عنه. فهذه إشارة
إلى أنهم ما سلكوا طريق الخلاف، بل قالوا ما قالوا عن اجتهاد ورأي اتباعا لما قاله أستاذهم أبو
حنيفة اه‍.
وفي آخر الحاوي القدسي: وإذا أخذ بقول واحد منهم يعلم قطعا أنه يكون به آخذا بقول أبي
حنيفة. فإنه روى عن جميع أصحابه من الكبار كأبي يوسف ومحمد وزفر والحسن أنهم قالوا: ما قلنا
في مسألة قولا إلا وهو روايتنا عن أبي حنيفة، وأقسموا عليه أيمانا غلاظا فلم يتحقق إذا في الفقه
جواب ولا مذهب إلا له كيفما كان، وما نسب إلى غيره إلا بطريق المجاز للموافقة اه‍.
فإن قلت: إذا رجع المجتهد عن قول لم يبق قولا له، بل صرح في قضاء البحر بأن ما خرج
عن ظاهر الرواية فهو مرجوع عنه، وأن الرجوع عنه ليس قولا له اه‍. وفيه عن التوشيح أن ما رجع
عنه المجتهد لا يجوز الاخذ به، فإذا كان كذلك فما قاله أصحابه مخالفين له فيه ليس مذهبه، فحينئذ
صارت أقوالهم مذاهب لهم، مع أنا التزمنا تقليد مذهبه دون مذهب غيره، ولذا نقول إن مذهبنا
حنفي لا يوسفي ونحوه.
مطلب صح عن الامام أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي
قلت: قد يجاب بأن الامام لما أمر أصحابه بأن يأخذوا من أقواله بما يتجه لهم منها عليه
الدليل صار ما قالوه قولا له لابتنائه عن قواعده التي أسسها لهم، فلم يكن مرجوعا عنه من كل
وجه، فيكون من مذهبه أيضا، ونظير هذا ما نقله العلامة ببري في أول شرحه على الأشباه عن شرح
الهداية لان الشحنة، ونصه: إذا صح الحديث وكان على خلاف المذهب عمل بالحديث ويكون
ذلك مذهبه، ولا يخرج مقلده عن كونه حنيفا بالعمل به، فقد صح عنه أنه قال: إذا صح الحديث
72

فهو مذهبي. وقد حكي ذلك ابن عبد البر عن أبي حنيفة وغيره من الأئمة اه‍. ونقله أيضا الامام
الشعراني عن الأئمة الأربعة
ولا يخفي أن ذلك لمن كان أهلا للنظر في النصوص ومعرفة محكمها من منسوخها، فإذا نظر
أهل المذهب في الدليل وعملوا به صح نسبته إلى المذهب لكونه صادرا بإذن صاحب المذهب، إذ
لا شك أنه لو علم ضعف دليله رجع عنه واتبع الدليل الأقوى، ولذا رد المحقق ابن الهمام على
بعض المشايخ حيث أفتوا بقول الإمامين بأنه لا يعدل عن قول الإمام إلا لضعف دليله. قوله:
(وعلم) خبر آخر عن قوله وهذا، أي وهذا القول، علم منه. أي دليل علمه بأن الاختلاف الخ ط.
وفي بعض النسخ: وعلمه بالضمير، وهو المناسب. قوله: (بأن الاختلاف) أي بين المجتهدين في
الفروع، لا مطلق الاختلاف.
مطلب في حديث اختلاف أمتي رحمة
قوله: (من آثار الرحمة) فإن اختلاف أئمة الهدى توسعة للناس كما في أول التاترخانية، وهذا
يشير إلى الحديث المشهور على ألسنة الناس، وهو (اختلاف أمتي رحمة) قال في المقاصد الحسنة:
رواه البيهقي بسند منقطع عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بلفظ: قال رسول الله (ص) (مهما
أوتيتم من كتاب الله فالعمل به، لا عذر لاحد في تركه. فإن لم يكن في كتاب الله فسنة مني
ماضية، فإن لم تكن سنة مني فما قال أصحابي، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء، فأيما أخذتم
به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة) وأورده ابن الحاجب في المختصر بلفظ (اختلاف أمتي
رحمة للناس)) وقال منلا علي القاري: إن السيوطي قال: أخرجه نصر المقدسي في الحجة، والبيهقي
في الرسالة الأشعرية بغير سند، ورواه الحليمي والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم، ولعله خرج
في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا.
ونقل السيوطي عن عمر بن عبد العزيز أنه كأن يقول: ما سرني لو أن أصحاب محمد (ص) لم
يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة.
وأخرج الخطيب أن هارون الرشيد قال لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله نكتب هذه الكتب:
يعني مؤلفات الامام مالك. ونفرقها في آفاق الاسلام لنحمل عليها الأمة، قال: يا أمير المؤمنين، إن
اختلاف العلماء رحمة من الله تعالى على هذه الأمة، كل يتبع ما صح عنده، وكلهم على هدى، كل
يريد الله تعالى، وتمامه في [كشف الخفاء ومزيل الالباس] لشيخ مشايخنا الشيخ إسماعيل الجراحي.
قوله: (كانت الرحمة أوفر) أي الانعام أزيد ط. قوله: (لما قالوا) باللام، أي، لما رآه العلماء في
شأن ذلك، وهو الحديث السابق وغيره، ويحتمل أنها كاف معلقة حرفها النساخ: أي، كما قال
العلماء ذلك، ويحتمل أن جملة قوله رسم المفتى مقول القول ومحط التعليل على التخيير في الافتاء
بالقولين المصححين. فإن في ذلك رحمة وتوسعة ط.
مطلب: رسم المفتي
قوله: (رسم المفتي) أي العلامة التي تدل المفتي على ما يفتي به وهو مبتدأ، وقوله إن الخ
73

خبره. قال في [فتح القدير] وقد استقر رأي الأصوليين على أن المفتي هو المجتهد، فأما غير
المجتهد ممن يحفظ أقوال المجتهد فليس بمفت، والواجب عليه إذا سئل أن يذكر قول المجتهد
كالامام على وجه الحكاية، فعرف أن ما يكون في زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى، بل هو
نقل كلام المفتي ليأخذ به المستفتي. وطريق نقله لذلك عن المجتهد أحد أمرين: إما أن يكون له
سند فيه، أو يأخذه من كتاب معروف تداولته الأيدي نحو كتب محمد بن الحسن ونحوها، لأنه
بمنزلة الخير المتواتر أو المشهور انتهى ط. قوله: (في الروايات الظاهرة) اعلم أن مسائل أصحابنا
الحنيفة على ثلاث طبقات أشرت إليها سابقا ملخصة ونظمتها:
الأولى: مسائل الأصول، وتسمى ظاهر الرواية أيضا، وهي مسائل مروية عن أصحاب
المذهب، وهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، ويلحق بهم زفر والحسن بن زياد وغيرهما ممن أخذ
عن الامام، لكن الغالب الشائع في ظاهر الرواية أن يكون قول الثلاثة وكتب ظاهر الرواية، كتب
محمد الستة: المبسوط، والزيادات، والجامع الصغير، والجامع الكبير (1). وإنما
سميت بظاهر الرواية لأنها رويت عن محمد بروايات الثقات، فهي ثابتة عنه، إما متواترة أو مشهورة
عنه
الثانية: مسائل النوادر، وهي المروية عن أصحابنا المذكورين، لكن لا في الكتب المذكورة،
بل إما في كتب أخر لمحمد كالكيسانيات، والهارونيات، والجرجانيات، والرقيات، وإنما قيل لها
غير ظاهر الرواية لأنها لم ترو عن محمد بروايات ظاهرة ثابتة صحيحة كالكتب الأولى، وإما في كتب
غير كتب محمد كالمحرر للحسن بن زياد وغيره. ومنها كتب الأمالي المروية عن أبي يوسف.
والأمالي: جمع إملاء، وهو ما يقوله العالم بما فتح الله تعالى عليه من ظهر قلبه ويكتبه التلامذة،
وكان ذلك عادة السلف، وإما برواية مفردة كرواية ابن سماعة والمعلي بن المنصور وغيرهما في مسائل
معينة
الثالثة: الواقعات، وهي مسائل استنبطها المجتهدون المتأخرون لما سئلوا عنها ولم يجدوا فيها
رواية، وهم أصحاب أبي يوسف ومحمد وأصحاب أصحابها، هلم جرا، وهم كثيرون، فمن
أصحابهما مثل عصام بن يوسف، وابن رستم، ومحمد بن سماعة، وأبي سليمان الجرجاني، وأبي
حفص البخاري، ومن بعدهم مثل محمد بن سلمة، ومحمد بن مقاتل، ونصير بن يحيى، وأبي النصر
القاسم بن سلام، وقد يتفق لهم أن يخالفوا أصحاب المذهب لدلائل وأسباب ظهرت لهم، وأول
كتاب جمع في فتواهم فيما بلغنا كتاب النوازل للفقيه أبي الليث السمرقندي، ثم جمع المشايخ بعده
كتبا أخر كمجموع النوازل والواقعات للناطفي، والواقعات للصدر الشهيد، ثم ذكر المتأخرون هذه
المسائل مختلطة غير متميزة كما في فتاوي قاضيخان والخلاصة وغيرهما، وميز بعضهم كما في كتاب
المحيط لرضي الدين السرخسي، فإنه ذكر أولا مسائل الأصول ثم النوادر ثم الفتاوي: ونعم ما فعل.
واعلم أن من كتب مسائل الأصول الكافي للحاكم الشهيد، وهو كتاب معتمد في نقل
المذهب، شرحه جماعة من المشايخ، منهم الامام شمس الأئمة السرخسي وهو المشهور بمبسوط

(1) قوله: (الستة الخ) يلاحظ انه ذكر خمسة ولعلها السير الكبير ولينظر السادس مصححه.
74

السرخسي. قال العلامة الطرسوسي: مبسوط السرخسي لا يعمل بما يخالفه، ولا يركن إلا إليه، ولا
يفتى ولا يعول إلا عليه، ومن كتب المذهب أيضا المنتفي له أيضا إلا أن فيه بعض النوادر.
واعلم أن نسخ المبسوط المروي عن محمد متعددة، وأظهرها مبسوط أبي سليمان
الجوزجاني. وشرح المبسوط جماعة من المتأخرين مثل شيخ الاسلام بكر المعروف بخواهر زاده
ويسمي المبسوط الكبير، وشمس الأئمة الحلواني وغيرهما، ومبسوطاتهم شروح في الحقيقة ذكروها
مختلطة بمبسوط محمد كما فعل شراح الجامع الصغير مثل فخر الاسلام وقاضيخان وغيرهم، فيقال
ذكره قاضيخان في الجامع الصغير والمراد شرحه: وكذا في غيره اه‍ ملخصا من شرح البيري على
الأشباه، وشرح الشيخ إسماعيل النابلسي على شرح الدرر، فاحفظ ذلك مهم كحفظ طبقات
مشايخ المذهب، وسنذكرها قريبا إن شاء الله تعالى.
مطلب في طبقات المسائل وكتب ظاهر الرواية
وفي كتاب الحج من البحر أن كافي الحاكم هو جمع كلام محمد في كتبه الستة التي هي ظاهر
الرواية، وفسر في معراج الدراية قبيل باب الاحصار الأصل بالمبسوط، وفي باب العيدين من البحر
والنهر أن الجامع الصغير صنفه محمد بعد الأصل، فما فيه هو المعول عليه. ثم قال في النهر: سمي
الأصل أصلا لأنه صنف أولا، ثم الجامع الصغير، ثم الكبير، ثم الزيادات، كذا في غاية البيان اه‍.
وذكر الامام شمس الأئمة السرخسي في أول شرحه على السير الكبير أن السير الكبير هو آخر
تصنيف صنفه محمد في الفقه.
وفي شرح المنية لابن أمير حاج الحلبي، في بحث التسميع أن محمدا قرأ أكثر الكتب على
أبي يوسف. إلا ما كان فيه اسم الكبير، فإنه من تصنيف محمد: كالمضاربة الكبير، والزراعة
الكبير:، والمأذون الكبير، والجامع الكبير، والسير الكبير، وتمام هذه الأبحاث في منظومتنا في
رسم المفتي وفي شرحها.
تتمة: قدمنا عن فتح القدير كيفية الافتاء مما في الكتب، فلا يجوز الافتاء مما في الكتب الغريبة
وفي شرح الأشباه لشيخنا المحقق هبة الله البعلي، قال شيخنا العلامة صالح الجينيني: إنه لا يجوز
الافتاء من الكتب المختصرة كالنهر وشرح الكنز للعيني والدر المختار شرح تنوير الابصار، أو لعدم
الاطلاع على حال مؤلفيها كشرح الكنز لملا مسكين، وشرح النقاية للقهستاني، أو لنقل الأقوال
الضعيفة فيها كالقنية للزاهدي، فلا يجوز الافتاء من هذه إلا إذا علم المنقول عنه وأخذه منه، هكذا
سمعته منه وهو علامة في الفقه مشهور والعهدة عليه اه‍.
أقول: ينبغي إلحاق الأشباه والنظائر بها، فإن فيها من الايجاز في التعبير ما لا يفهم معناه إلا
بعد اطلاع على مأخذه، بل فيها في مواضع كثيرة الايجاز المحل، يظهر ذلك لمن مارس مطالعتها
مع الحواشي فلا يأمن المفتي من الوقوع في الغلط إذا اقتصر عليها، فلا بد له من مراجعة ما كتب
عليها من الحواشي أو غيرها. ورأيت في حاشية أبي السعود الأزهري على شرح مسكين أنه لا
يعتمد ابن نجيم ولا على فتاوى الطوري.
75

مطلب: إذا تعارض التصحيح
قوله: (والأصح كما في السراجية) أقول: عبارتها ثم الفتوى على اطلاق على قول أبي
حنيفة ثم قول أبي يوسف قول محمد، ثم قول زفر والحسن بن زياد. وقيل: إذا كان أبو حنيفة
في جانب وصاحباه في جانب فالمفتي بالخيار، والأول أصح إذا لم يكن المفتي مجتهدا اه‍. فمقابل
الأصح غير مذكور في كلام الشارح، فافهم. قوله: (يقول الإمام) قال عبد الله بن المبارك: لأنه
رأي الصحابة وزاحم التابعين في الفتوى، فقوله أشد وأقوى ما لم يكن اختلاف عصر وزمان، كذا
في تصحيح العلامة قاسم. قوله: (على اطلاق) أي سواء انفرد وحده في جانب أولا كما يفيده
كلام السراجية من مقابلته بالقول الثاني وهو أبو يوسف، فإن لم يوجد له رواية أيضا فيؤخذ بقول الثالث وهو
محمد الخ. قوله: (وصحح في الحاوي القدسي قوة المدرك) أي الدليل. به عبر في الحاوي. قال
ح: والذي يظهر في التوفيق: أي ما بين في الحاوي وما في السراجية أن من كان له قوة إدراك لقوة
المدرك يفتي بالقول القوي المدرك، وإلا فالترتيب اه‍.
أقول: يدل عليه قول السراجية: والأول أصح إذا لم يكن المفتي مجتهدا، فهو صريح في أن
المجتهد، يعني من كان أهلا للنظر في الدليل، يتبع من الأقوال ما كان أقوى دليلا، وإلا فاتبع
الترتيب السابق، ومن هذا تراهم قد يرجحون قول بعض أصحابه على قوله، كما رجحوا قول زفر
وحده في سبع عشرة مسألة، فنتبع ما رجحوه لأنهم أهل النظر في الدليل، ولم يذكر ما إذا اختلفت
الروايات عن الامام أو لم يوجد عنه ولا عن أصحابه رواية أصلا، ففي الأول يؤخذ بأقواها حجة
كما في الحاوي. ثم قال: وإذا لم يوجد في الحادثة عن واحد منهم جواب ظاهر وتكلم فيه
المشايخ المتأخرون قولا واحدا يؤخذ به، فإن اختلفوا يؤخذ بقول الأكثرين ثم الأكثرين مما اعتمد
عليه الكبار المعروفون منهم: كأبي حفص، وأبي جعفر، أبي الليث، والطحاوي وغيرهم ممن
يعتمد عليه، وإن لم يوجد منهم جواب البتة نصا ينظر المفتي فيها نظر تأمل وتدبر واجتهاد ليجد
فيها ما يقرب إلى الخروج عن العهدة ولا يتكلم فيها جزافا، ويخشى الله تعالى ويراقبه، فإنه أمر
عظيم لا يتجاسر عليه إلا كل جاهل شقي اه‍.
تتمة: قد جعل العلماء الفتوى على قول الإمام الأعظم في العبادات مطلقا وهو الواقع
بالاستقرار، ما لم يكن عنه رواية كقول المخالف كما في طهارة الماء المستعمل والتيمم فقط عند
عدم غير نبيذ التمر، كذا في شرح المنية الكبير للحلبي في بحث التيمم.
وقد صرحوا بأن الفتوى على القول محمد في جميع مسائل ذوي الأرحام. وفي قضاء الأشباه والنظائر: الفتوى على قول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء كما في القنية والبزازية اه‍. أي، لحصول
زيادة العلم له به بالتجربة، ولذا رجع أبو حنيفة عن القول بأن الصدقة أفضل من حج التطوع لما حج
وعرف مشقته.
وفي شرح البيبري أن الفتوى على قول أبي يوسف أيضا في الشهادات. وعلى قول زفر في
76

سبع عشرة مسألة حررتها في رسالة، وينبغي أن يكون هذا عند عدم ذكر أهل المتون للتصحيح، وإلا
فالحكم بما في المتون كما لا يخفى، لأنها صارت متواترة اه‍. وإذا كان في مسألة قياس واستحسان
فالعمل على الاستحسان إلا في مسائل معدودة مشهورة.
وفي باب قضاء الفوائت من البحر: المسألة إذا لم تذكر في ظاهر الرواية وثبتت في رواية
أخرى تعين المصير إليها اه‍. وفي آخر المستصفى للامام النسفي: إذا ذكر في المسألة ثلاثة أقوال
فالراجح هو الأول أو الأخير لا الواسط اه‍. وفي شرح المنية: ولا ينبغي أن يعدل عن الدراية إذا
وافقتها رواية اه‍. ذكره في واجبات الصلاة في معرض ترجيح رواية وجوب الرفع من الركوع
والسجود للأدلة الواردة مع أنها خلاف الرواية المشهورة عن الامام. قوله: (وفي وقف البحر إلى
آخره) وهذا محمول على ما إذا لم يكن لفظ التصحيح في أحدهما آكد من الاخر كما أفاده ح. أي،
فلا يخير بل يتبع الآكد كما سيأتي.
أقول: وينبغي تقييد التخيير أيضا بما إذا لم يكن أحد القولين في المتون لما قدمناه آنفا عن
البيري، ولما في قضاء الفوائت من البحر، من أنه إذا اختلف التصحيح والفتوى فالعمل بما وافق
المتون أولى اه‍. وكذا لو كان أحدهما في الشروح والاخر في الفتاوى لما صرحوا به من أن ما في
المتون مقدم على ما في الشروح، وما في الشروح مقدم على ما في الفتاوى، لكن هذا عند
التصريح بتصحيح كل من القولين أو عدم التصريح أصلا. أما لو ذكرت مسألة المتون لم يصرحوا
بتصحيحها بل صرحوا بتصحيح مقابلها، فقد أفاد العلامة قاسم ترجيح الثاني لأنه تصحيح صريح
وما في المتون تصحيح التزامي، والتصحيح الصريح مقدم على التصحيح الالتزامي: أي التزام
المتون ذكر ما هو الصحيح في المذهب، وكذا لا تخيير لو كان أحدهما قول الإمام والاخر قول
غيره، لأنه لما تعارض التصحيحان تساقطا، فرجعنا إلى الأصل وهو تقديم قول الإمام، بل في
شهادات الفتاوى الخيرية. المقرر عندنا أنه لا يفتى ويعمل إلا بقول الإمام الأعظم، ولا يعدل عنه
إلى قولهما أو قول أحدهما أو غيرهما إلا لضرورة كمسألة المزارعة وإن صرح المشايخ بأن الفتوى
على قولهما لأنه صاحب المذهب والامام المقدم اه‍. ومثله في البحر عند الكلام على أوقات
الصلاة، وفيه من كتاب القضاء: يحل الافتاء بقول الإمام، بل يجب وإن لم يعلم من أين قال. اه‍.
وكذا لو عللوا أحدهما دون الاخر كان التعليق ترجيحا للعمل كما أفاده الرملي في فتاواه من كتاب
الغصب. كذا لو كان أحدهما استحسانا والاخر قياسا: لان الأصل تقديم الاستحسان إلا فيما استثني
كما قدمناه فيرجع إليه عند التعارض. وكذا لو كان أحدهما ظاهر الرواية وبه صرح في كتاب الرضاع
من البحر حيث قال: الفتوى إذا اختلف كان الترجيح لظاهر الرواية، وفيه من باب المصرف: إذا
اختلف التصحيح وجب الفحص عن ظاهر الرواية والرجوع إليها. وكذا لو كان أحدهما أنفع للوقف،
لما سيأتي في الوقف والإجارات أنه يفتى بكل ما هو أنفع للوقف فيما اختلف العلماء فيه. وكذا لو
كان أحدهما الأكثرين، لما قدمناه عن الحاوي.
والحاصل، أنه إذا كان لاحد القولين مرجع على الاخر ثم صحح المشايخ كلا من القولين
ينبغي أن يكون المأخوذ به ما كان له مرجح لان ذلك لم يزل بعد التصحيح، فيبقى فيه
77

زيادة قوة لم توجد في الاخر، وهذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم. قوله: (وعليه الفتوى) مشتقة
من الفتى وهو الشباب القوي وسميت به لان المفتي يقوي السائل بجواب حادثته. ابن عبد الرزاق
عن شرح المجمع للعيني. والمراد بالاشتقاق فيها ملاحظة ما أنبأ عنه الفتى من القوة والحدوث لا
حقيقته، كذا قيل. قوله: (وعليه عمل اليوم) المراد باليوم مطلق الزمان، وأل فيه للحضور،
والإضافة على معنى في، وهي من إضافة المصدر إلى زمانه كصوم رمضان: أي، عليه عمل الناس
في هذا الزمان الحاضر. قوله: (أو الأشبه) قال في البزازية: معناه الأشبه بالمنصوص رواية والراجح
دراية فيكون عليه الفتوى اه‍. والدراية بالدال المهملة تستعمل بمعنى الدليل كما في المستصفى.
قوله: (أو الأوجه) أي الأظهر وجها من حيث إن دلالة الدليل عليه متجهة ظاهرة أكثر من غيره.
قوله: (ونحوها) كقولهم: وبه جرى العرف، وهو المتعارف، وبه أخذ علماؤنا ط. قوله: (وقال
شيخنا) المراد به حيث أطلق في هذا الكتاب: العلامة الشيخ خير الدين الرملي. قوله: (في فتاويه)
جمع فتوى ويجمع على فتاوى بالألف أيضا، وهي اسم لفتاوى شيخه المشهورة المسماة [بالفتاوى
الخيرية لنفع البرية] وقد ذكر ذلك في آخرها في مسائل شتى. قوله: (آكد من بعض) أي أقوى فتقدم
على غيرها، وهذا التقديم راجح لا واجب كما يفيده ما يأتي عن شرح المنية. قوله: (فلفظ الفتوى)
أي اللفظ الذي فيه حروف الفتوى الأصلية بأي صيغة عبر بها ط. قوله: (آكد من لفظ الصحيح الخ)
لان مقابل الصحيح أو الأصح ونحوه قد يكون هو المفتى به لكونه هو الأحوط أو الأرفق بالناس أو
الموافق لتعاملهم وغير ذلك مما يراه المرجحون في المذهب داعيا إلى الافتاء به، فإذا صرحوا بلفظ
الفتوى في قول علم أنه المأخوذ به ويظهر لي أن لفظ وبه نأخذ وعليه العمل مساو للفظ الفتوى،
وكذا بالأولى لفظ عليه عمل الأمة لأنه يقيد الاجماع عليه تأمل. قوله: (وغيرها) كالأحوط والأظهر
ط. وفي الضياء المعنوي في مستحبات الصلاة: لفظة الفتوى آكد وأبلغ من لفظه المختار. قوله:
(آكد من الفتوى عليه) قال ابن الهمام: والفرق بينهما أن الأول يفيد الحصر، والمعنى. أن الفتوى
لا تكون إلا بذلك، الثاني يفيد الأصحية اه‍ ابن عبد الرزاق. قوله: (والأصح آكد من الصحيح) هذا
هو المشهور عند الجمهور، لان الأصح مقابل للصحيح وهو: أي الصحيح مقابل للضعيف، لكن
في حواشي الأشباه لبيري: ينبغي أن يقيد ذلك بالغالب لأنا وجدنا مقابل الأصح الرواية الشاذة كما
في شرح المجمع اه‍ ابن عبد الرزاق. قوله: (والأحوط الخ) الظاهر أن يقال ذلك في كل ما عبر فيه
بأفعل التفضيل ط، والاحتياط بالعمل بأقوى الدليلين كما في النهر. قوله: (قلت لكن الخ) استدراك
على ما يفهم من كلام الرملي، حيث ذكر أن بعض هذه الألفاظ آكد من بعض، فإنه ظاهر في أن
مراده تقديم الآكد على غيره، فيلزم منه تقديم الأصح على الصحيح، وهو مخالف لما في شرح
78

المنية. وأما مراده مجرد بيان أن الأصح آكد بمقتضى أفعل التفضيل وذلك لا ينافي تقديم
الصحيح للاتفاق عليه، فهو في غاية البعد، على أنه لا يتأتى في لفظ الفتوى مع غيره فإنه جعله
آكد، ولا معنى لاكديته إلا تقديمه على غيره كما لا يخفي، فافهم. ويدل على أن مراده ما قلناه أولا
ما قاله في الخيرية أيضا في كتاب الكفالة بعد كلام. قلت: وقوله والصحيح لا يدفع قول صاحب
المحيط، هذا هو الأصح وعليه الفتوى اه‍. قوله: (إمامان معتبران) أي من أئمة الترجيح ط. قوله:
(لأنهما اتفقا الخ) أي وانفرد أحدهما بجعل الاخر أصح. قلت: والعلة لا تخص هذين اللفظين، بل
كذلك الوجبة والأوجه والاحتياط والأحوط، أفاده ط. (إذا ذيلت رواية الخ) أي جعل في
ذيلها: أي في آخرها، والمتبادر من هذه العبارة أن التذييل بالتصحيح وقع لرواية واحدة دون مخالفتها
فليس فيه تعارض التصحيح لكن إذا كان التصحيح بصيغة أفعل التفضيل أفاد أن الرواية المخالفة
صحيحة أيضا، فله الافتاء بأي شاء منهما، وإن كان الأولى تقديم الأولى لزيادة الصحة فيها، وسكت
عنه لظهوره
وأما إذا كان التصحيح بصيغة تقتضي قصر الصحة على تلك الرواية فقط، كالصحيح والمأخوذ
به ونحوهما مما بفيد ضعف الرواية المخالفة لم يجز الافتاء بمخالفها، لما سيأتي أن الفتيا بالمرجوح
جهل، وهذا بخلاف ما إذا وجد التصحيح في كتاب آخر للرواية فإن الأولى تقديم الآكد منهما أو
المتفق عليه على الخلاف المار، وبه ظهر أن هذا تفصيل آخر زائد على ما مر غير مخالف له
فافهم. قوله: (إلا إذا كان الخ) استثناء منقطع لأنه مفروض فيما وجد فيه التصحيح من كلا
الطرفين، والمستثني منه فيما إذا لم يذيل مخالفه بشئ كما مر. وفائدة هذا الاستثناء توضيح ما مر
عن وقف البحر وبيان المراد من التخيير، فليس فيه تكرير، فافهم. قوله: (وفي الكافي) يحتمل أن
المراد به كافي الحاكم أو كافي النسفي الذي شرح به كتابه الوافي أصل الكنز، والظاهر الثاني.
قوله: (فيختار الأقوى) أي إن كان من أهل النظر في الدليل أو نص العلماء على ذلك، ولا تنس ما
قدمناه من بقية قيود التخيير. قوله: (والأليق) أي لزمانه والأصلح الذي يراه مناسبا في تلك الواقعة.
قوله: (فليحفظ) أي جميع ما ذكرناه.
وحاصله، أن الحكم إذا اتفق عليه أصحابنا يفتى به قطعا، وإلا أن يصح المشايخ أحد
القولين فيه أو كلا منهما، أولا، وإلا ففي الثالث يعتبر الترتيب، بأن يفتى بقول أبي حنيفة ثم بقول
أبي يوسف الخ، أو يعتبر قوة الدليل، وقد مر التوفيق. وفي الأول إن كأم التصحيح بأفعل التفضيل
خير المفتي، وإلا فلا، بل يفتى بالمصحح فقط، وهذا ما نقله عن الرسالة. وفي الثاني إما أن يكون
أحدهما بأفعل التفضيل أو لا. ففي الأول قيل يفتى بالأصح وهو المنقول عن الخيرية، وقيل بالصحيح وهو المنقول عن شرح المنية. وفي الثاني يخير المفتى وهو المنقول عن وقف البحر
79

والرسالة. أفاده ح. قوله: (في تصحيحه) أي في كتابه المسمى بالتصحيح والترجيح الموضوع على
مختصر القدوري. قوله: (لا فرق الخ) أي من حيث إن كلا منهما لا يجوز له العمل بالتشهي، بل
عليه اتباع ما رجحوه في كل واقعة وإن كان المفتى مخيرا والقاضي ملزما، وليس المراد حصر عدم
الفرق بينهما من كل جهة فافهم. قوله: (وأن الحكم والفتيا الخ) وكذا العمل به لنفسه. قال العلامة
الشرنبلالي في رسالته [العقد الفريد في جواز التقليد]: مقتضى مذهب الشافعي كما قاله السبكي منع
العمل بالقول المرجوح في القضاء والافتاء دون العمل لنفسه.
مطلب: لا يجوز العمل بالضعيف حتى لنفسه عندنا
ومذهب الحنفية المنع عن المرجوح حتى لنفسه لكون المرجوح صار منسوخا اه‍. فليحفظ.
وقيده البيري بالعامي، أي الذي لا رأي له يعرف به معنى النصوص حيث قال: هل يجوز للانسان
العمل بالضعيف من الرواية في حق نفسه؟ نعم إذا كان له رأي، أما إذا كان عاميا فلم أره، لكن
مقتضى تقييده بذي الرأي أنه لا يجوز للعامي ذلك. قال في خزانة الروايات: العالم الذي يعرف
معنى النصوص والاخبار وهو من أهل الدراية يجوز له أن يعمل عليها وإن كان مخالفا لمذهبه اه‍. قلت: لكن هذا في غير موضع الضرورة، فقد ذكر في حيض البحر في بحث ألوان الدماء
أقوالا ضعيفة، ثم قال: وفي المعراج عن فخر الأئمة: لو أفتى مفت بشئ من هذه الأقوال في
مواضع الضرورة طلبا للتيسير كان حسنا اه‍. وكذا قول أبي يوسف في المني إذا خرج بعد فتور
الشهوة لا يجب به الغسل ضعيف، وأجازوا العمل به للمسافر أو الضيف الذي خاف الريبة كما سيأتي
في محله، وذلك من مواضع الضرورة. قوله: (بالقول المرجوح) كقول محمد مع وجود قول أبي
يوسف إذا لم يصحح أو يقو وجهه. وأولى من هذا بالبطلان الافتاء بخلاف ظاهر الرواية إذا لم
يصحح، والافتاء بالقول المرجوح عنه اه‍. قوله: (وأن الحكم الملفق) المراد بالحكم: الحكم
الوضعي كالصحة.
مثاله: متوضئ سال من بدنه ولمس امرأته ثم صلى، فإن صحة هذه الصلاة ملفقة من
مذهب الشافعي والحنفي، والتلفيق باطل، فصحته منتفيه اه‍ ح.
مطلب في حكم تقليد والرجوع عنه
قوله: (وأن الرجوع الخ) صرح بذلك المحقق ابن الهمام في تحريره، ومثله في أصول الآمدي
وابن الحاجب وجمع الجوامع، وهو محمول كما قال ابن حجر والرملي في شرحيهما على المنهاج
وابن قاسم في حاشيته على ما إذا بقي من آثار الفعل السابق أثر يؤدي إلى تلفيق العمل بشئ لا
يقول به من المذهبين، كتقليد الشافعي في مسح بعض الرأس، ومالك في طهارة الكلب في صلاة
واحدة، وكما لو أفتى ببينونة زوجته بطلاقها مكرها ثم نكح أختها مقلدا للحنفي، بطلاق المكره، ثم
أفتاه شافعي بعدم الحنث فيمتنع عليه أن يطأ الأولى مقلدا للشافعي والثانية مقلدا للحنفي أو هو
محمول على منع التقليد في تلك الحادثة بعينها لا مثلها كما صرح به الامام السبكي وتبعه عليه
80

جماعة، وذلك كما لو صلى ظهرا بمسح ربع الرأس مقلدا للحنفي فليس له أبطالها باعتقاده لزوم
مسح الكل مقلدا للمالكي. وإما لو صلى يوما على مذهب وأراد أن يصلى يوما آخر على غيره فلا
يمنع منه، على أن في دعوى الاتفاق نظرا، فقد حكي الخلاف، فيجوز اتباع القائل بالجواز، كذا
أفاده العلامة الشرنبلالي في العقد الفريد. ثم قال بعد ذكر فروع من أهل المذهب صريحة بالجواز
وكلام طويل: فتحصل مما ذكرناه أنه ليس على الانسان التزام مذهب معين، وأنه يجوز له العمل بما
يخالف ما عمله على مذهبه مقلدا فيه غير إمامه مستجمعا شروطه ويعمل بأمرين متضادين في حادثتين
لا تعلق لواحدة منهما بالأخرى، وليس له إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر، لان إمضاء الفعل
كإمضاء القاضي لا ينقض. وقال أيضا: إن له التقليد بعد العمل كما إذا صلى ظانا صحتها على
مذهبه ثم ثبين بطلانها في مذهبه وصحتها على مذهب غيره فله تقليده، ويجتزي بتلك الصلاة على ما
قال في البزازية: إنه روي عن أبي يوسف أنه صلى الجمعة مغتسلا من الحمام ثم أخبر بفأرة ميتة
في بئر الحمام فقال: نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة: إذا بلغ الماء قلتين لم يجعل خبثا اه‍.
قوله: (وأن الخلاف) أي بين الامام وصاحبيه فيما إذا قضي بغير راية عمدا: هل ينفذ؟ فعنده نعم في
أصح الروايتين عنه، وعندهما لا كما في التحرير. وقال شارحه: نص في الهداية والمحيط على أن
الفتوى على قولهما بعدم النفاذ في العمد والنسيان، وهو مقدم على ما في الفتاوى الصغرى والخانية
من أن الفتوى على قوله، لان المجتهد مأمور بالعمل بمقتضى ظنه إجماعا وهذا خلاف مقتضى
ظنه اه‍.
وقد استشكل بعضهم هذه المسألة، على قول الأصوليين: إن المجتهد إذا اجتهد في واقعة
بحكم يمتنع عليه تقليد غيره فيها اتفاقا، والخلاف في تقليده قبل اجتهاده فيها، والأكثر على المنع،
على هذا القضاء، نعم وقع في بعض المواضع ذكر الخلاف في الحل ويجب ترجيح رواية عدمه اه‍.
وحينئذ فلا اشكال، فافهم. قوله: (وأما المقلد الخ) نقله في القنية عن المحيط وغيره، وجزم به
المحقق في فتح القدير وتلميذه العلامة قاسم، وادعى في البحر أن المقلد إذا قضى بمذهب غيره أو
برواية ضعيفة أو بقول ضعيف نفذ. وأقوى ما تمسك به ما في البزازية عن شرح الطحاوي إذا لم
يكن القاضي مجتهدا وقضي بالفتوى ثم تبين أنه على خلاف مذهبه نفذ وليس لغيره نقضه، وله أن
ينقضه، كذا عن محمد. وقال الثاني: ليس له أن ينقضه أيضا اه‍. قال في النهر: وما في الفتح يجب
أن يعول عليه في المذهب، وما في البزازية محمول على أنه رواية عنهما، إذ قصارى الامر أن هذا
منزل منزلة الناس لمذهبه، وقد مر عنهما في المجتهد أنه لا ينفذ، فالمقلد أولى اه‍. قوله: (في
منشوره) المنشور: ما كان غير مختوم من كتب السلطان. قاموس. قوله: (فكيف بخلاف مذهبه) أي
فكيف ينفذ قضاؤه بخلاف مذهبه، لأنه إذا نهاه عن القضاء بالأقوال الضعيفة في مذهبه لا ينفذ قضاؤه
فيها، فبخلاف مذهبه بالأولى، ومبنى ذلك على ما قالوا: إن تولية القضاء تتخصص بالزمان
81

والمكان والشخص، فلو ولاه السلطان القضاء في زمان مخصوص أو مكان مخصوص أو على جماعة
مخصوص تعين ذلك، لأنه نائب عنه، ولو نهاه عن سماع بعض المسائل لم ينفذ حكمه فيها، كما
إذا نهاه عن سماع حادثة مضى عليها خمس عشرة سنة بلا مانع شرعي والخصم منكر. وقد ذكر
الحموي في حاشية الأشباه أن عادة سلاطين زماننا إذا تولى أحدهم عرض عليه قانون من قبله وأمر
باتباعه. قوله: (وينقض) لا حاجة إليه، لأنه إذ ذا كان معزولا بالنسبة لما ذكر لا يصح له قضاء حتى
ينقض، لان النقض إنما يكون للثابت، إلا أن يقال،: إنه قضاء بحسب الظاهر ط. قوله: (قال في
البرهان) هو شرح مواهب الرحمن، كلاهما للعلامة إبراهيم الطرابلسي صاحب الإسعاف في الأوقات.
قوله: (بالنواجذ) هي أضراس الحلم كما في المغرب والكلام كناية عن غاية التمسك، كما أن
قولهم ضحك حتى بدت نواجذه عبارة عن المبالغة في الضحك، وإلا فلا تبدو بالضحك عادة كما
حققه الامام الزمخشري. قوله: (نعم أمر الأمير الخ) تصديق لما مر واستدراك بأمر آخر كالاستثناء مما
قبله، هكذا عرف المصنفين في مثل هذا التركيب. قوله: (نفذ أمره) إن كان المراد بالامر الطلب بلا
قضاء فظاهر، وعليه فالمراد بالنفاذ وجوب الامتثال، وهذا الذي رأيته في سير التاترخانية في الفصل
العاشر فيما يجب فيه طاعة الأمي وما لا يجب، ونصه قال محمد: وإذا أمر الأمير العسكر بشئ كان
على العسكر أن يطيعوه في ذلك، إلا أن يكون المأمور به معصية بيقين اه‍. ولكن لا محل لذكر هذا
هنا. وإن كان المراد به القضاء فقد مر أن القول الضعيف في حكم المنسوخ، وإن الحكم به جهل
وخرق للاجماع. على أن الأمير ليس له القضاء إلا بتفويض من الامام. قال في الأشباه: يجوز قضاء
الأمير الذي يولي القضاء، وكذلك كتابه إلى القاضي، إلا أن يكون القاضي من جهة الخليفة فقضاء
الأمير لا يجوز. كذا في الملتقط. وقد أفتيت بأن تولية باشا مصر قاضيا ليحكم في قضية بمصر مع
وجود قاضيها المولى من السلطان باطلة، لأنه لم يفوض إليه ذلك اه‍. فتأمل. قوله: (سير) جمع
سيرة: وهي الطريقة في الأمور. وفي الشرع تختص بسير النبي (ص) في مغازية. هداية. قوله: (السير
الكبير) للإمام محمد وهو روايته عن الامام من غير واسطة ط. قال في المغرب: وقالوا السير
الكبير، فوصفوها بصفة المذكر لقيامها مقام المضاف الذي هو الكتاب، كقولهم: صلاة الظهر،
وسير الكبير خطأ كجامع الصغير وجامع الكبير اه‍.
مطلب في طبقات الفقهاء
قوله: (وأما المقيد الخ) فيه أمران: الأول أن المجتهد المطلق أحد سبعة. الثاني أن بعض
السبعة ليسوا مجتهدين، خصوصا السابعة، فكان عليه أن يقول: والفقهاء على سبع مراتب، وقد
أوضحها المحقق ابن كمال باشا في بعض رسائله فقال: لا بد للمفتي أن يعلم حال من يفتى بقوله،
ولا يكفيه معرفته باسمه ونسبه، بل لا بد من معرفته في الرواية، ودرجته في الدراية، وطبقته من
طبقات الفقهاء، ليكون على بصيرة في التمييز بين القائلين المتخالفين وقدرة كافية في الترجيح بين
القولين المتعارضين:
82

الأولى: طبقة المجتهدين في الشرع كالأئمة الأربعة رضي الله عنهم ومن سلك مسلكهم في
تأسيس قواعد، وبه يمتازون عن غيرهم
الثانية: طبقة المجتهدين في المذهب كأبي يوسف ومحمد وسائر أصحاب أبي حنيفة، والقادرين
على استخراج الاحكام من الأدلة على مقتضى القواعد التي قررها أستاذهم أبو حنيفة في الاحكام
وإن خالفوه في بعض أحكام الفروع، لكن يقلدونه في قواعد الأصول، وبه يمتازون عن المعارضين
في المذهب كالشافعي وعيره المخالفين له في الاحكام غير مقلدين له في الأصول.
الثالثة: طبقة المجتهدين في المسائل التي لا نص فيها عن صاحب المذهب، كالخصاف،
وأبي جعفر الطحاوي، وأبي الحسن الكرخي، وشمس الأئمة الحلواني، وشمس الأئمة السرخسي.
وفخر الاسلام البزدوي، وفخر الدين قاضيخان وأمثالهم، فإنهم لا يقدورن على شئ من المخالفة لا
في الأصول ولا في الفروع، لكنهم يستنبطون الاحكام في المسائل التي لا نص فيها على حسب
الأصول والقواعد
الرابعة: طبقة أصحاب التخريج من المقلدين كالرازي وأضرابه، فإنهم لا يقدرون على
الاجتهاد أصلا، لكنهم لاحاطتهم بالأصول وضبطهم للمأخذ يقدرون على تفضيل قول مجمل ذي
وجهين، وحكم مبهم محتمل لامرين، منقول عن صاحب المذهب أو أحد من أصحابه برأيهم
ونظرهم في الأصول والمقايسة على أمثاله ونظائره من الفروع. وما في الهداية من قوله كذا في
تخريج الرازي من هذا القبيل.
الخامسة: طبقة أصحاب الترجيح من المقلدين، كأبي الحسن القدوري، وصاحب الهداية
وأمثالهما، وشأنهم تفضيل بعض الروايات على بعض، كقولهم هذا أولى، وهذا أصح رواية، وهذا
أرفق للناس
والسادسة: طبقة المقلدين القادرين على التمييز بين الأقوى والقوي والضعيف وظاهر المذهب
والرواية النادرة، كأصحاب المتون المعتبرة من المتأخرين، مثل صاحب الكنز، وصاحب المختار،
وصاحب الوقاية، وصاحب المجمع، وشأنهم أن لا ينقلوا الأقوال المردودة والروايات الضعيفة.
والسابعة: طبقة المقلدين الذين لا يقدرون على ما ذكر، ولا يفرقون بين الغث والسمين اه‍.
بنوع اختصار. قوله: (وأما نحن) يعني أهل الطبقة السابعة، وهذا مع السؤال والجواب مأخوذ من
تصحيح الشيخ قاسم. قوله: (كما لو أفتوا في حياتهم) أي كما نتبعهم لو كانوا أحياء وأفتونا بذلك،
فإنه لا يسعنا مخالفتهم. قوله: (بلا ترجيح) أي صريح أو ضمني، فالصريح ظاهر مما ذكره سابقا. والضمني ما نبهناك عليه عند قوله وفي وقف البحر، فإنه إذا كان أحد القولين ظاهر الرواية والاخر
غيرها فقد صرحوا إجمالا بأنه لا يعدل عن ظاهر الرواية، فهو ترجيح ضمني لكل ما كان ظاهر
الرواية فلا يعدل عنه بلا ترجيح صريح لمقابلة، وكذا لو كان أحد القولين في المتون أو الشروح، أو
كان قول الإمام، أو كان هو الاستحسان في غير ما استثني، أو كان أنفع الوقف. قوله: (وما قوي
83

وجهه) أي دليله المنقول الحاصل لا المستحصل لأنه رتبة المجتهد. قوله: (ولا يخلو الوجود) أي
الموجودون أو الزمان. قوله: (حقيقة) الظاهر رجوعه إلى قوله ولا يخلو، وأراد بالحقيقة اليقين،
لأنها من حق الامر إذا ثبت، واليقين ثابت ولذا عطف عليها قوله: (لا ظنا) وجزم بذلك أخذا مما رواه
البخاري من قوله (ص) (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله) وفي رواية
(حتى تأتي الساعة). قوله: (وعلى من لم يميز) أي شيئا مما ذكر كأكثر القضاة والمفتين في زماننا
الآخذين المناصب بالمال والمراتب، وعبر بعلى المفيدة للوجوب للامر به في قوله تعالى (فاسألوا
أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). قوله: (فنسأل الله التوفيق) أي إلى اتباع الراجح عند الأئمة وما
يوصل إلى براءة الذمة، فإن هذا المقام أصعب ما يكون على من ابتلي بالقضاء أو الافتاء. والتوفيق
خلق قدرة الطاعة في العبد مع الداعية إليها. قوله: (والقبول) أي قبول سعينا في هذا الكتاب، بأن
يكون خالصا لوجهه الكريم، ليحصل به النفع العميم والثواب العظيم. قوله: (بجاه) متعلق
بمحذوف حال من فاعل نسأل. أي نسأله متوسلين، فليست الباء للقسم، لأنه لا يجوز إلا بالله تعالى
أو بصفة من صفاته. والجاه: القدر والمنزلة. قاموس. قوله: (كيف لا) أي كيف لا نسأله القبول
وقد يسر الله تعالى ما يفيد الظن بحصوله. قوله: (في الروضة) هي ما بين المنبر والقبر الشريف،
وتطلق على جميع المسجد النبوي أيضا كما صرح به بعض العلماء. وعليه يظهر. قوله (تجاه وجه
صاحب الرسالة) (ص) لأنه على المعنى الأول لا تمكن مواجهة الوجه الشريف. قوله: (والبسالة)
أي الشجاعة كما في القاموس. قوله: (الضرغامين) تثنية ضرغام كجريال وهو الأسد، ويقال له أيضا
ضرغم كجعفر كما في القاموس، وتثنية الثاني ضرغمين كجعفرين، فافهم. قوله: (ثم تجاه) عطف
على تجاه الأول، فالابتداء الحقيقي تجاه صاحب الرسالة (ص) والإضافي تجاه الكعبة ط. قوله: (وفي
الحطيم) أي المحطوم سمي به لأنه حطم من البيت وأخرج، أو الحاطم لأنه يحطم الذنوب ط.
قوله: (والمقام) أي مقام الخليل، وهو حجر كان يقوم عليه الخليل عليه الصلاة والسلام حال بناء
البيت الشريف، وقيل غير ذلك ط. قوله: (الميسر) أي المسهل، ويتوقف إطلاقه عليه تعالى على
التوقيف وإن صح معناه على ما هو المشهور. قوله: (للتمام) مصدر تم يتم، واسم لما يتم به
الشئ كما في القاموس، وعلى الثاني فالمراد بلوغ التمام، وكذا يقول أسير الذنوب جامع هذه
الأوراق راجيا من مولاه الكريم، متوسلا بنبيه العظيم وبكل ذي جاه عنده تعالى أن يمن عليه كرما
وفضلا بقبول هذا السعي والنفع له للعباد، في عامة البلاد، وبلوغ المرام، بحسن الختام،
والاختتام، آمين.
84

كتاب الطهارة
قوله: (قدمت العبادات الخ) اعلم أن مدار أمور الدين على الاعتقادات والآداب
والعبادات والمعاملات والعقوبات، والأولان ليسا مما نحن بصدده.
والعبادات خمسة: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والمعاملات خمسة:
المعاوضات المالية، والمناكحات، والمخاصمات، والأمانات، والتركات. والعقوبات خمسة:
القصاص، وحد السرقة، والزنا، والقذف، والردة. قوله: (اهتماما بشأنها) وجهه أن العباد لم يخلقوا
إلا لها، قال الله تعالى: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) *. قوله: (والصلاة الخ)
شروع في بيان وجه تقديم الصلاة على غيرها من العبادات، وتقديم الطهارة عليها. قوله: (تالية
للايمان) أي نصا، كقوله تعالى: * (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة) * وكحديث: بني
الاسلام على خمس بحر. أقول: وفعلا غالبا، فإن أول واجب بعد الايمان في الغالب فعل الصلاة
لسرعة أسبابها، بخلاف الزكاة والصوم والحج. ووجوبا لان أول ما وجب الشهادتان ثم الصلاة ثم
الزكاة كما صرح به ابن حجر في شرح الأربعين. وفضلا كما قال الشرنبلالي: إن الاجماع منعقد على
أفضليتها، بدليل أي الأعمال أفضل بعد الايمان؟ فقال: الصلاة لوقتها. قوله: (والطهارة مفتاحها
الخ) أي وما كان مفتاحا لشئ وشرطا له فهو مقدم عليه طبعا فيقدم وضعا. قوله: (بالنص) وهو ما
رواه السيوطي في الجامع الصغير، من قوله (ص): مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها
التسليم، وهو حديث حسن. قال الرافعي: الطهور بضم الطاء فيما قيده بعضهم، ويجوز الفتح، لان
الفعل إنما يتأتى بالآلة. قال ابن العربي: هذا مجاز ما يفتحها من غلقها، وذلك أن الحدث مانع منها
فهو كالقفل يوضع على المحدث حتى إذا توضأ انحل القفل، وهذه استعارة بديعة لا يقدر عليها إلا
النبوة ا ه‍ من شرحه للعلقمي. قوله: (بها مختص) الأصل في لفظ الخصوص وما يتفرع منه أن يستعمل
بإدخال الباء على المقصور عليه، أعني ماله الخاصة فيقال خص المال بزيد: أي المال له دون
غيره، لكن الشائع في الاستعمال إدخالها على المقصور: أعني الخاصة كقولك: اختص زيد بالمال،
وما هنا من قبيل الأول، إذ لا يخفى أن الخاصة هي اشتراط الطهارة دون الصلاة، فالمعنى أنها شرط
مختص بالصلاة لا يتجاوزها إلى غيرها من العبادات، ولو كان من قبيل الثاني لكان حقه أن يقال:
تختص الصلاة به، فافهم. والمراد أنها شرط صحة فلا يراد أنها تكون واجبة في الطواف، لأنه يصح
بدونها، ولا ترد النية لأنها ليست مختصة بالصلاة بل هي شرط لكل عبادة، ولا استقبال القبلة فإنه قد لا
85

يشترط كما في الصلاة على الدابة وحالة العذر من مرض ونحوه، ومثله ستر العورة. وأما وجوبه
خارجها فليس على سبيل الشرطية. قوله: (لازم لها في كل الأركان) أقول: لم تظهر لي (1) فائدة هذا
القيد في كلامه، نعم ذكره في البحر بعد التعليل بعدم السقوط أصلا للاحتراز عن النية لأنها لا يشترط
استصحابها لكل ركن، وقد علمت الاحتراز عن النية بمادة الاختصاص، على أنه سيذكر عن الفيض
أن الطهارة قد تسقط أصلا فليست شرطا لازما دائما، فإن أراد لزومها بدون عذر ورد عليه الاستقبال
والستر فإنهما كالطهارة في ذلك. تأمل. قوله: (وما قيل) قائله الامام السغناقي صاحب النهاية، وهي
أول شرح للهداية قوله: (لا يسقط أصلا) أي لا يسقط بعذر من الاعذار نهاية. قوله: (فاقد
الطهورين) أي الماء والتراب كمن حبس وقيد بحيث لا يصل إليهما. قوله: (كذلك) أي شرط لا
يسقط أصلا. قوله: (مردود كل ذلك) أي كل من دعوى عدم سقوط الطهارة أصلا، وأن فاقد
الطهورين يؤخر، وأن النية لا تسقط أيضا، وأتى برد هذه الثلاثة غير مرتب. قوله: (أما النية) أي أما
وجه الرد في دعوى عدم سقوط النية أصلا، وهذا الرد والذي بعده لصاحب النهر. قوله: (ففي القنية
وغيرها) كالمجتبى، وهو أيضا للعلامة مختار بن محمود الزاهدي صاحب القنية، وكتاب القنية، مشهور
بضعف الرواية، وقد نقل هذا الفرع من شرح الصباغي. قوله: (تكفيه النية بلسانه) إطلاق النية على
اللفظ مجاز ا ه‍ ح: أي لأن النية عمل القلب لا اللسان، وإنما الذكر باللسان كلام، ومن ثم حكي
الاجماع على كونها بالقلب، فقد سقطت النية هنا للعذر فسقط القول بعدم سقوطها. بقي أن التلفظ بها
للعاجز إن كان غير شرط فلا إشكال، ولذا اختار في الهداية أن التلفظ بها مستحب لمن لم تجتمع
عزيمته وإن كان شرطا كما هو المتبادر من كلام القنية. ورد عليه ما في الحلية شرح المنية لابن أمير
حاج أنه نصب بدل بالرأي، وهو ممنوع إلا أن يظهر دليله، وأقره في المنح.
أقول: وما قاله الحموي من أنه حيث كان لا يقدر على نية القلب صار الذكر باللسان أصلا لا
بدلا ا ه‍: دعوى بلا دليل. وأيضا هو مشترك الالزام، فإن نصب الشروط الأصلية لا بد لها (2) من
دليل أيضا، وهذا كله حيث كان الفرع المذكور من تخريجات بعض المشايخ كما هو ظاهر، أما لو
كان منقولا عن المجتهد فلا يلزم المقلد طلب دليله. قوله: (وبوجهه جراحة) قيد به، لأنه لو كان
سليما مسحه على الجدار بقصد التيمم ط، وسكت عن الرأس لان أكثر الأعضاء جريح، والوظيفة
حينئذ التيمم، ولكنه سقط لفقد آلته وهما اليدان ا ه‍ ح. قوله: (يصلي بلا وضوء) أي فسقط قولهم
إن الطهارة لا تسقط أصلا ط، لكن ذكر الحموي في رسالة أنه قد يقال: المراد بعدم السقوط بعذر
إنما هو بعد إمكانه في الجملة وما هنا راجح إلى زوال الأهلية لعدم المحلية، على أن التخلف في
مادة واحدة قلما تقع لا يقدح في الكلية كما لا يخفى على أصحاب الرواية. قوله: (وأما فاقد

(1) قوله: (أقول لم تظهر الخ) فيه ان فائدته اخراج الاستقبال والستر، لا لاخراج النية المعترض هو عليه بأنها خرجت
بمادة الاختصاص الخ، وجعوى مساواة الطهارة للاستقبال والستر سيأتي ردها نقلا عن الحلبي وط ا ه‍.
(2) قوله: (لا بد لها) هكذا بخطه، ولعل الأولى لا بد له كما لا يخفى ا ه‍. مصححه.
86

الطهورين) هذا رد من الشارح للدعوى الوسطى ط. قوله: (يتشبه) أي بالمصلين وجوبا، فيركع
ويسجد إن وجد مكانا يابسا، وإلا يومئ قائما ثم يعيد كما سيأتي في التيمم. ونقل ط أنه لا يقرأ فيها،
ثم قال: وفيه أن هذا لا يصلح ردا لأن هذه
صورة صلاة وليست بصلاة حقيقية لما أنه يطالب بعد ذلك
بفعلها، ولذا قال ح: الأولى المعارضة بالمعذور ا ه‍: أي إذا توضأ على السيلان وصلى في الوقت فإنه
يصدق عليه أنه صلى بغير طهارة، وفيه نظر لأن هذه
الطهارة من المعذور معتبرة شرعا ا ه‍. قوله:
(وبه) أي بما في الظهيرية لأنه الذي ينتج ما ذكره ط. قوله: (غير مكفر) أشار به إلى الرد على بعض
المشايخ، حيث قال: المختار أنه يكفر بالصلاة بغير طهارة لا بالصلاة بالثوب النجس وإلى غير القبلة
لجواز الأخيرتين حالة العذر، بخلاف الأولى فإنه لا يؤتى بها بحال فيكفر. قال الصدر الشهيد: وبه
نأخذ. ذكره في الخلاصة والذخيرة. وبحث فيه في الحلية بوجهين: أحدهما ما أشار إليه الشارح.
ثانيهما: أن الجواز بعذر لا يؤثر في عدم الإكفار بلا عذر، لان الموجب للإكفار في هذه المسائل هو
الاستهانة، فحيث ثبتت الاستهانة في الكل تساوي الكل في الإكفار وحيث انتفت منها تساوت في
عدمه، وذلك لأنه ليس حكم الفرض لزوم الكفر بتركه، وإلا كان كل تارك لفرض كافرا، وإنما حكمه
لزوم الكفر بجحده بلا شبهة دارئة اه‍ ملخصا: أي والاستخفاف في حكم الجحود. قوله: (كما في
الخانية) حيث قال بعد ذكره الخلاف في مسألة الصلاة بلا طهارة: وإن الإكفار رواية النوادر. وفي
ظاهر الرواية لا يكون كفرا، وإنما اختلفوا إذا صلى لا على وجه الاستخفاف بالدين، فإن كان على
وجه الاستخفاف ينبغي أن يكون كفرا عند الكل ا ه‍.
أقول: وهذا مؤيد لما بحثه في الحلية، لكن بعد اعتبار كونه مستخفا ومستهينا بالدين كما
علمت من كلام الخانية، وهو بمعنى الاستهزاء والسخرية به، أما لو كان بمعنى عد ذلك الفعل
خفيفا وهينا من غير استهزاء ولا سخرية بل لمجرد الكسل أو الجهل، فينبغي أن لا يكون كفرا عند
الكل. تأمل. قوله: (مع العمد) أي حال كونه مصاحبا للعمد ط. قوله: (خلف) أي اختلاف بين
أهل المذهب والمعتمد (1) عدم التكفير كما هو ظاهر المذهب، بل قالوا: لو وجد سبعون رواية
متفقة على تكفير المؤمن ورواية ولو ضعيفة بعدمه يأخذ المفتي والقاضي بها دون غيرها،
والخلاف مخصوص بغير فرع الظهيرية، أما هو فصلاته واجبة عليه بغير طهارة لأمر الشارع له بذلك
ط. قوله: (يسطر) أي يكتب. قوله: (ثم هو) أي كتاب الطهارة وثم للترتيب الذكري، وقد تأتي
للاستئناف ط. قوله: (مبتدأ أو خبر) أي كتاب الطهارة هذا، أو هذا كتاب الطهارة.

(1) قوله: (والمعتمد الخ) هذا لا يظهر الا إذا قلنا انه صلى لا على وجه السخرية لأنه هو موضع الخلاف كما علمت.
وأما إذا قلنا ولو عن وجه السخرية فيكفر عند الكل كما نقله عن الخيانة ا ه‍.
87

واختلف في الأولى منهما، فقيل الأول لان المبتدأ هو الركن الأعظم الشديد الحاجة إليه
فإبقاؤه أولى، ولان التجوز في آخر الجملة أسهل، وقيل الثاني لان الخبر محط الفائدة. قوله: (لفعل
محذوف) نحو خذ أو اقرأ. قوله: (فإن أريد التعداد) أي تعداده مع الكتب الآتية بلا قصد إسناد كالأعداد
المسرودة. قوله: (بني على السكون) لشبهه الحرف في الاهمال ط. زاد القهستاني: ويجوز الفتح على
النقل والضم على الحذف ا ه‍. لكن فيه أن نقل حركة الهمزة شرطه كونها للقطع. وقد يجاب بما ذكره
الزمخشري في - ألم الله - من أن ميم في حكم الوقف والهمزة في حكم الثابت، وإنما
حذفت تخفيفا وألقيت حركتها على ما قبلها للدلالة عليها تأمل. والظاهر أنه أراد بالضم حركة
الاعراب وبالحذف حذف المبتدأ أو الخبر، ويؤيده أنه لم يذكر حكم الاعراب، فذكر الشارح له في
شرحه على الملتقى مع ذكر حكم الاعراب قبله غير مرضي تأمل. قوله: (وإضافته لامية) أي على
معنى لام الاختصاص: أي كتاب للطهارة: أي مختص بها. قوله: (لا ميمية) كذا في كثير من النسخ تبعا
للنهر، والصواب ما في بعض النسخ: لا منية بتخفيف النون وتشديد الياء نسبة إلى من التي هي من
حروف الجر. ووجه ما ذكره أن التي بمعنى من البيانية شرطها كون المضاف إليه أصلا للمضاف
وصالحا للاخبار به عنه، وأن يكون بينه وبين المضاف عموم وخصوص من وجه. وزاد في التسهيل
رابعا: وهو صحة تقدير من البيانية، وكل ذلك مفقود هنا، قال في النهر: وليست على معنى في ا ه‍:
أي لان ضابطها كون الثاني ظرفا للأول نحو - مكر الليل - وخالفه المصنف في المنح واختار كونها
بمعناها وقال: وهو الأوجه وإن كان قليلا ا ه‍. لكن الظرفية حينئذ مجازية وهي كثيرة.
أقول: ويؤيده أنه قد يصرح بفي فيقال: فصل في كذا، باب في كذا، وهو من ظرفية الدال في
المدلول بناء على أن المراد بالكتاب والفصل ونحوهما من التراجم الألفاظ المعينة الدالة على المعاني
المخصوصة كما هو مختار سيد المحققين، وأن المراد من الطهارة: أي من مسائلها المعاني، ويجوز
العكس، فيكون من ظرفية المدلول في الدال. تأمل. قوله: (وهل يتوقف حده لقبا) أي من جهة كونه
لقبا فهو منصوب على التمييز، وقدمنا أن المراد بالحد في مثل هذا: الرسم، وأراد باللقب العلم (1)، إذ
ليس فيه ما يشعر برفعة المسمى أو بضعته، وأتى بالاستفهام لوقوع الخلاف فيه، أما توقفه على ذلك من
حيث كونه مركبا إضافيا فلا شبهة فيه، وكان ينبغي له أن يذكر قبل ذلك حده اللقبي، بأن يقول هو علم
على جملة من مسائل الطهارة، وأما قوله: جعل شرعا عنوانا لمسائل مستقلة فهو بيان لمعنى المضاف لا
للاسم اللقبي الذي هو مجموع المضاف والمضاف إليه. قوله: (الراجح نعم) قال الأبي في شرحه على
صحيح مسلم في كتاب الايمان: والمركب الإضافي قيل حده لقبا يتوقف على معرفة جزأيه، لان العلم
بالمركب بعد العلم بجزأيه، وقيل لا يتوقف لان التسمية سلبت كلا من جزأيه عن معناه الافرادي،
وصيرت الجميع اسما لشئ آخر، ورجح الأول بأنه أتم فائدة ا ه‍ واستحسنه في النهر.

(1) قوله: (وأراد باللقب العلم) أي الاسم الدال على الذات فقط من غير دلالة على رفعة أو ضعة، وبنى عليه قوله الآتي
واما توقف فهم معناه العلمي على فهم معنى جزأيه ففي حيز المنع وقال شيخنا: هو لقب حقيقة، لان معنى المفردين
جمع المظافة، ولا شك ان هذا يدل على المدح كما أن ضده يعني جمع النجاسة يدل على الذم إذا سمي به، فحينئذ
يتوقف على معرفة معنى جزأيه ليعلم دلالته على المدح أو الذم، وبه تعلم ما في عبارته الآتية ا ه‍.
88

أقول: أما كونه أتم فائدة فلا كلام فيه، وأما توقف فهم معناه العلمي على فهم معنى جزأيه
ففي حيز المنع، فإن فهم المعنى العلمي من امرئ القيس مثلا يتوقف على فهم ما وضع ذلك
اللفظ بإزائه وهو الشاعر المشهور، وإن جهل معنى كل من مفرديه فالحق القول الثاني، ولذا اقتصر
في التحرير والتلويح وغيرهما في تعريف أصول الفقه على بيان معنى المفردين من حيث كون مركبا
إضافيا فقط. قوله: (فالكتاب) تفريع على الراجح. قوله: (مصدر بمعنى الجمع) عدل عن قول
البحر والعناية: هو جمع الحروف، لما أورده عليه أن الكتاب والكتابة لغة: الجمع المطلق، لان
العرب تقول كتبت الخيل: إذا جمعتها ا ه‍. وزاد في الدرر احتمال كونه فعالا بني للمفعول كاللباس
بمعنى الملبوس. قال: وعلى التقديرين يكون بمعنى المجموع. قوله: (لغة) منصوب على نزع
الخافض أو على التمييز أو على الحالية ومثله شرعا واصطلاحا وبيان ذلك ما يرد عليه في رسالتنا
الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة. قوله: (جعل) أي الكتاب لا بقيد كونه مضافا للطهارة
بل أعم منها ومن الصلاة ونحوها، لأنه في صدد بيان المضاف بمفرده كما أشرنا إليه. قوله:
(شرعا) الأولى اصطلاحا لان التعبير به لا يخص أهل الشرع وإن كان هو الغالب عندهم، لكن قيد به
نظرا للمقام. أفاده ط. قوله: (عنوانا) أي عبارة تذكر صدر الكلام. قوله: (لمسائل) أي لألفاظ
مخصوصة دالة على مسائل مجموعة، وتمامه في النهر.
مطلب في اعتبارات المركب التام
وذكر في التلويح أن المركب التام المحتمل للصدق والكذب يسمى من حيث اشتماله على
الحكم قضية، ومن حيث احتماله الصدق والكذب خبرا، ومن حيث يطلب بالدليل مطلوبا،
ومن حيث يحصل من الدليل نتيجة، ومن حيث يقع في العلم ويسأل عنه مسألة، فالذات واحدة،
واختلاف العبارات باختلاف الاعتبارات ا ه‍. قوله: (مستقلة) بمعنى عدم توقف تصورها على شئ
قبلها أو بعدها، لا بمعنى الأصالة المطلقة، لان هذا الكتاب تابع لكتاب الصلاة المقصود أصالة،
وعم التعريف ما كان تحته نوع واحد ككتاب اللقطة والآبق والمفقود، أو أكثر كالطهارة ونحوها مما
تحته أنواع من الاحكام، كل نوع يسمى بابا، وكل باب مشتمل على صنف من المسائل أو أكثر، كل
صنف يسمى فصلا، وزاد بعضهم مطلقا بعد قوله مستقلة احتراز عن الباب قال: لأنه طائفة من
المسائل الفقهية اعتبرت مستقلة مع قطع النظر عن تبعيتها للغير أو تبعية الغير لها، فإن مسح الخفين
تابع للوضوء والوضوء مستتبع له، وقد اعتبرا مستقلين، فالفرق بين الكتاب والباب أن الكتاب قد
يكون تابعا وقد لا يكون، بخلاف الباب: أي فإنه لا بد وأن يكون تابعا أو مستتبعا ا ه‍.
وقد يقال: إن الملحوظ في الكتاب جنس المسائل لا باعتبار نوعها أو فصلها عما قبلها،
والحيثية مراعاة في التعريف ولهذا قال بعض العلماء: إن المسائل إن اعتبرت بجنسها تصدر
بالكتاب، لان الكتاب في اللغة الجمع، والجنس يشمل الأنواع غالبا، فيكون معنى الجمع مناسبا
لمعنى الجنس، وإن اعتبرت بنوعها تصدر بالباب لان الباب في اللغة النوع، فيكون ذكره مناسبا
لنوع المسائل وإن اعتبرت بفصلها، وفرقها عما قبلها تصدر بالفصل، لان الفصل في اللغة الفرق
والقطع، فيكون ذكره مناسبا للمسائل المنقطعة عما قبلها. قال: وأكثر المصنفين من الفقهاء
والمحدثين: مشوا على هذه الطريقة ا ه‍. قوله: (بمعنى المكتوب) راجع لقوله: فالكتاب مصدر، فهو
89

مصدر مراد به اسم المفعول كما في النهر ط، فالمناسب ذكره قبل قوله: جعل شرعا، قوله:
(والطهارة) أي بفتح الطاء مصدر، وأما بكسرها فهي الآلة، وبضمها فضل ما يتطهر به، كذا في
البحر والنهر. وفي القهستاني أنها بالضم اسم لما يتطهر به من الماء. تأمل. قوله: (بالفتح) أي فتح
الهاء. قوله: (ويضم) أن وكذا يكسر والفتح أفصح. قهستاني. قوله: (بمعنى النظافة) أي عن
الأدناس حسية كالأنجاس، أو معنوية كالعيوب والذنوب، فقيل الثاني مجاز، وقيل حقيقة وقد
استعملت فيهما، إذ الحدث دنس حكمي، والنجاسة الحقيقية دنس حقيقي وزوالهما طهارة. نهر.
قوله: (ولذا أفردها) أي لكونها مصدرا، وهو اسم جنس يشمل جميع أنواعها وأفرادها فلا حاجة إلى
الجمع. ولذا قيل: المصدر لا يثنى ولا يجمع. قوله: (النظافة عن حدث أو خبث) شمل طهارة ما لا
تعلق له بالصلاة كالآنية والأطعمة، وأراد بالخبث ما يعم المعنوي كما مر، فيشمل أيضا الوضوء
على الوضوء بنية القربة، لأنه مطهر للذنوب، وعدل عن قول البحر زوال حدث أو خبث ليشمل
الطهارة الأصلية، لان الزوال يشعر بسبق الوجود، وعن قول النهر إزالة ليشمل النظافة بلا قصد
كنزول المحدث في الماء للسباحة.
واعلم أن أو هنا للتقسيم والتنويع لا للترديد، فالقسمان المتخالفان حقيقة متشاركان في مطلق
الماهية، وليس المراد أن الحد إما هذا على سبيل الشك أو التشكيك لينافي الحد المقصود
به بيان الماهية من حيث هي هي، على أن ما هنا رسم لا حد كما قدمنا بيانه. قال في السلم:
ولا يجوز في الحدود ذكر أو * وجائز في الرسم فادر ما رووا
قوله: (ومن جمع) أي كصاحب الهداية حيث قال: كتاب الطهارات. قوله: (نظر لأنواعها) أي
فإنها متنوعة إلى وضوء وغسل وتيمم وغسل بدن أو ثوب ونحوه. وأورد عليه أن اللام تبطل
الجمعية لأنها مجاز عن الجنس. ودفع بأن هذا عند عدم الاستغراق والعهد وانتفاؤهما ها هنا ممتنع،
ولو سلم فاستواء هذا الجمع والمفرد ممتنع لما في لفظ الجمع من الاشعار بالتعدد وإن بطل معنى
الجمعية، وتمامه في النهر.
والحاصل أن معنى إبطالها الجمعية أن مدخولها صار يصدق على القليل والكثير، لا بمعنى
أنه لم يبق صالحا للكثير.
فإن قيل المصدر لا يثنى ولا يجمع، قيل جمعها باعتبار الحاصل بالمصدر وذلك شائع كما
يجمع العلم والبيع. قاله في المستصفى. وقدمنا الفرق بين المعنى المصدري والحاصل بالمصدر.
قوله: (وحكمها) بكسر الحاء جمع حكمة: أي ما شرعت لأجله. قوله: (شهيرة) منها تكفير
الذنوب، ومنع الشيطان عنه ط، وتحسين الأعضاء في الدنيا بالتنظيف وفي الآخرة بالتحجيل. إمداد.
قوله: (وحكمها) أي أثرها المترتب عليها. قوله: (استباحة) السين والتاء زائدتان أو للصيرورة. قال
في البحر: ولم يذكروا من حكمها الثواب لأنه ليس بلازم فيها لتوقفه على النية وهي ليست شرطا
فيها ط. قوله: (أي سبب وجوبها) قدر المضاف لظهور أن الصلاة مثلا ليست سببا لوجود
الطهارة ا ه‍ ح. قوله: (ما لا يحل) أي إرادة ما لا يحل، وقوله: فرضا كان تعميم لقوله فعله وقوله
90

كالصلاة فيه القسمان الفرض وغيرها، وقوله: ومس المصحف قاصر على غير الفرض ط. قوله:
(صاحب البحر قال الخ) ذكره عقب كلام المصنف يفيد أن كلام المصنف على تقدير مضاف هو
الإرادة كما قدمناه، إذ لا يمكن تقدير الوجوب. وقد يقال لا تقدير أصلا، وأن مراده أن ذات ما لا
يحل إلا بها سبب الوجوب، فقد ذكر الإتقاني في غاية البيان وغيره أن السبب عندنا الصلاة بدليل
الإضافة إليها، وهو دليل السببية ا ه‍. ونقله في شرح التحرير عن شمس الأئمة السرخسي وفخر
الاسلام وغيرهما، لكن كرم المصنف أشمل لشموله الصلاة وغيرها. تأمل. قوله: (الأقوال) أي
الأربعة الآتية. قوله: (هو الإرادة) أقول: هو ما عليه جمهور الأصوليين. وأورد عليه أن مقتضاه أنه
إذا أراد الصلاة ولم يتوضأ أثم ولو لم يصل ولم يقل به أحد، وأجاب عنه في البحر بجوابين:
أحدهما ما يأتي عن الزيلعي، والثاني أن السبب هو الإرادة المستلحقة للشروع ا ه‍.
أقول: يرد عليه أن سبب الشئ متقدم عليه، فيلزم أن لا تجب الطهارة قبل الشروع، لان الإرادة
المستلحقة له مقارنة له، مع أنه لا بد من تقدمها عليه لكونها شرط الصحة. تأمل. قوله: (ذكره
الزيلعي) أي هذا الاستدراك حيث قال: إنه إن أراد الصلاة وجبت عليه الطهارة، فإذا رجع وترك التنفل
سقطت الطهارة، لان وجوبها لأجلها ط. قوله: (في الظهار) أي في شرح قوله وعوده: وعزمه على
ترك وطئها ا ه‍ ح. قوله: (وقال العلامة الخ) هذا أظهر لان ما ذكره في البحر يقتضي أن لا يأثم على
ترك الوضوء إذا خرج الوقت، ولم يرد الصلاة الوقتية فيه، بل على تفويت الصلاة فقط، وأنه إذا أراد
صلاة الظهر مثلا قبل دخول وقتها أن يجب عليه الوضوء قبل الوقت، وكلاهما باطل ا ه‍ ح.
أقول: فيه أن صلاة الظهر قبل وقتها تنعقد نافلة فتجب الطهارة بإرادتها. تأمل. قوله: (
الصحيح الخ) مشى عليه المحقق في فتح القدير، واستوجهه في التحرير، وصححه أيضا العلامة
السكاكي، لكنه لا يشمل غير الصلاة الواجبة، فلذا زاد عليه هنا قوله: أو إرادة الخ وما مر عن
الزيلعي ملاحظ هنا أيضا. قوله: (وجوب الصلاة) أي لا وجودها، لان وجودها مشروط بها فكان
متأخرا عنها، والمتأخر لا يكون سببا للمتقدم ا ه‍ عناية. وظاهره أنه بدخول الوقت تجب الطهارة،
لكنه وجوب موسع كوجوب الصلاة، فإذا ضاق الوقت صار الوجوب فيهما مضيقا بحر، قوله:
(وقيل سببها الحدث) أي لدورانها معه وجودا وعدما. ودفع بمنع كون الدوران دليلا ولئن سلم
فالدوران هنا مفقود، لأنه قد يوجد الحدث ولا يوجد وجود الطهارة كما قبل دخول الوقت وفي
حق غير البالغ، وتمامه في البحر لكن سيأتي ما يؤيده. قوله: (وما قيل) القائل صاحب البحر في
باب الحدث في الصلاة تبعا لصاحب الفتح كما نقل عنه صاحب النهر هناك، ثم قال: وهو تعريف
بالحكم كما ذكره الشارح. قال بعض الفضلاء: في كون هذا التعريف تعريفا بالحكم نظر، إذ حكم
الشئ ما كان أثرا له خارجا عنه مترتبا عليه، والمانعية المذكورة ليست كذلك، وإنما حكم الحدث
91

عدم صحة الصلاة معه وحرمة مس المصحف ونحو ذلك كما هو ظاهر، فالتعريف بالحكم كأن يقال
مثلا: الحدث هو ما لا تصح الصلاة معه ونحو ذلك، فتأمل ا ه‍. كذا في حاشية الشيخ خليل
الفتال. قوله: (شرعية) أي اعتبرها الشرع مانعا ط. قوله: (إلى غاية استعمال) الإضافة للبيان والسين
والتاء زائدتان ط. قوله: (فتعريف بالحكم) علمت ما فيه على أنه مستعمل عند الفقهاء، لان
الاحكام محل مواقع أنظارهم. قوله: (وقيل سببها القيام إلى الصلاة) ذكر في البحر أنه صححه في
الخلاصة قال: وصرح في غاية البيان بفساده لصحة الاكتفاء بوضوء واحد لصلوات ما دام متطهرا.
وقد يدفع بأنها سبب بشرط الحدث فلا يلزم ما ذكر خصوصا أنه ظاهر الآية ا ه‍.
أقول: هذا الدفع ظاهر، وإلا ورد الفساد المذكور على القولين الأولين في كلام الشارح.
قوله: (ونسبا) أي القول بسببية الحدث والخبث والقول بسببية القيام ا ه‍ ح. قوله: (إلى أهل
الظاهر) هم الآخذون بظواهر النصوص من أصحاب الإمام الجليل أبي سليمان داود الظاهري.
واعترض بأن المنسوب إليهم هو الثاني من القولين، أما الأول منهما فنسبه الأصوليون إلى
أهل الطرد وهم المستدلون على علة الحكم بالطرد والعكس ويسمى الدوران كالامام الرازي
وأتباعه. وخالفهم فيه الحنفية ومحققو الأشاعرة. قوله: (وفسادهما ظاهر) لما علمته مما يرد عليهما،
لكن علمت الجواب عما يرد على الثاني، فكان عليه إفراد الضمير في الموضعين. قوله: (أن أثر
الخلاف) أي فائدة اختلاف في السبب. قوله: (في نحو التعاليق) أي في التعاليق ونحوها:
كصدق الاخبار بوجوب الطهارة وكذبه، أفاده ط، وفيما إذا استشهدت الحائض قبل انقطاع الدم،
فقد صحح في الهداية أنها تغسل، فكان تصحيحا لكون السبب الحدث: أعني الحيض، أفاده في
البحر: أي لان الغسل وجب عليها بالحيض لوجود شرطه وهو انقطاع الدم بالموت، وهذا مؤيد
لقول أهل الطرد. قوله: (فأنت طالق) أي فتطلق بإرادة الصلاة على الأول، وبوجوبها على الثاني،
وبالحدث أو الخبث على الثالث، وبالقيام على الصلاة على الرابع. قوله: (بالتأخير عن الحديث) أي
أو الخبث، أو عن إرادة الصلاة، أو القيام إليها ط. قوله: (ذكره في التوشيح) هو شرح الهداية
للعلامة سراج الدين الهندي. قال في غسل البحر: وقد نقل الشيخ سراج الدين الهندي الاجماع على
أنه لا يجب الوضوء على المحدث والغسل على الجنب والحائض والنفساء قبل وجوب الصلاة، أو
إرادة ما لا يحل به ا ه‍.
أقول: الظاهر أن المراد بالوجوب وجوب الأداء لثبوت الاختلاف في سبب الطهارة، ويلزم
منه ثبوت الاختلاف في وقت الوجوب كما لا يخفى. ثم رأيت في النهر وفق بذلك بين كلام الهندي
وما قدمناه آنفا عن الهداية. قوله: (وبه اندفع ما في السراج الخ) هو شرح مختصر القدوري،
للحدادي صاحب الجوهرة، وذلك حيث ذكر أن وجوب الغسل من الحيض والنفاس بالانقطاع عند
الكرخي وعامة العراقيين، وبوجوب الصلاة عند البخاريين وهو المختار، ثم قال: وفائدة الخلاف
92

فيما إذا انقطع الدم بعد طلوع الشمس وأخرت الغسل إلى وقت الظهر فتأثم على الأول لا على
الثاني، وعلى هذا الخلاف وجوب الوضوء، فعند العراقيين يجب الوضوء للحدث، وعند البخاريين
للصلاة ا ه‍. قوله: (بل وجوبها) أي الطهارة. قوله: (بدخول) خبر بعد خبر لقوله وجوبها لا متعلق
بقوله موسع. وكون وجوبها بدخول الوقت يؤيد ما قدمه عن العلامة قاسم من أن سبب وجوبها
وجوب الصلاة، إذ وجوب الصلاة أيضا بدخول الوقت ا ه‍ ح. قوله: (فيهما) أي في الطهارة
والصلاة. قوله: (وشرائطها) أي الطهارة. قال في الحلية: هو جمع شرط على خلاف المعروف من
القاعدة الصرفية، إذ لم يحفظ فعائل جمع فعل بل جمعه شروط. قوله: (شرائط وجوبها الخ) أي
الطهارة أعم من الصغرى والكبرى. وشرائط الوجوب هي ما إذا اجتمعت وجبت الطهارة على
الشخص وشرائط الصحة ما لا تصح الطهارة إلا بها، ولا تلازم بين النوعين بل بينهما عموم وجهي،
وعدم الحيض والنفاس شرط للوجوب من حيث الخطاب، وللصحة من حيث أداء الواجب، أفاده
ط. قوله: (شرط الوجوب) مفرد مضاف فيعم، وهو مبتدأ خبره العقل الخ ط. قوله: (العقل الخ)
فلا تجب على مجنون ولا على كافر، بناء على المشهور من أن الكفار غير مخاطبين بالعبادات، ولا
على عاجز عن استعمال المطهر، ولا على فاقد الماء: أي والتراب، ولا على صبي ولا على متطهر
ولا على حائض، ولا على نفساء، ولا مع سعة الوقت، وهذا الأخير شرط لوجوب الأداء وما قبله
لأصل الوجوب. قوله: (ماء) بالرفع والتنوين على إسقاط العاطف وتقدير مضاف: أي ووجود ماء
مطلق طهور كاف أو ما يقوم مقامه من تراب طاهر. قوله: (وشرط صحة الخ) الصحة ترتب
المقصود من الفعل عليه، ففي المعاملات الحل والملك لأنهما المقصودات منها، وفي العبادات عند
المتكلمين موافقة الامر مستجمعا ما يتوقف عليه. وعند الفقهاء بزيادة قيد، وهو اندفاع وجوب
القضاء، فصلاة ظان الطهارة مع عدمها صحيحة على الأول لموافقة الامر على ظنه، لا على الثاني
لعدم سقوط القضاء، وتمامه في التحرير وشرحه. قوله: (عموم البشرة الخ) أي أن يعم الماء جميع
المحل الواجب استعماله فيه. قوله: (في المرة) بدون همزة مؤنث مرء، يقال فيها مرأة ومرة وامرأة،
ذكر الثلاث في القاموس قوله: (فقد نفاسها وحيضها) أي وفقد حيضها فهما شرطان. قوله: (وأن
يزول كل مانع) أي من نحو رمص وشمع، وهذا الشرط الرابع يغني عنه الأول، والأولى ما في
البحر حيث جعل الرابع عدم التلبس في حالة التطهير بما ينقضه في حق غير المعذور بذلك.
تنبيه: جميع الشروط الأول ترجع إلى ستة: وهي الاسلام، والتكليف، وقدرة استعمال
المطهر، ووجود حدث، وفقد المنافي من حيض ونفاس، وضيق الوقت. والأخيرة ترجع إلى
اثنين: تعميم المحل بالمطهر، وفقد المنافي من حيض ونفاس وحدث في حق غير المعذور به،
وقد نظمتها بقولي:
93

شرط الوجوب ضمن ست * تكليف إسلام وضيق وقت
وقدرة الماء الطهور الكافي * وحدث مع انتفا المنافي
واثنان للصحة تعميم المحل * بالماء مع فقد مناف للعمل
قوله: (وجعلها) أي هذه الشروط. وقد نقل هذا التقسيم العلامة البيري عن شرح القدوري
للآمدي. قوله: (أربعة) أي أربعة أنواع: ففي الأول ثلاثة، وكذا الثاني، وفي الثالث أربعة، وفي
الرابع اثنان. قوله: (وجودها الحسي) أي الذي تصير به الطهارة موجودة في الحس والمشاهدة: أي
يصير فعلها موجودا، وإلا فهي وصف شرعي لا وجود له في الخارج. ثم لا يخفى أنه ليس الضمير
في وجودها للشروط حتى يرد أن القدرة لا وجود لها، فافهم. قوله: (وجود المزيل) أي الماء أو
التراب. قوله: (والمزال عنه) أي الأعضاء. قوله: (مشروع الاستعمال) أي بأن يكون الماء مطلقا
وطاهرا ومطهرا. قوله: (في مثله) أي مثل المشروط، ولو قال مشروع الاستعمال فيها: أي الطهارة
لكان أولى، وخرج به نحو الزيت، فإنه مشروع الاستعمال كن في الدهن مثلا ط. أقول: وفي
بعض النسخ في محله وهو الأولى. قوله: (التكليف) تحته ثلاثة، وهي العقل والبلوغ والاسلام، بناء
على ما قدمناه من المشهور. قوله: (والحدث) أي الأصغر والأكبر. قوله: (من أهله) بأن لا تكون
حائضا ولا نفساء، وهذا لم يذكره في النظم الآتي. قوله: (في محله) وهو جميع الجسد في الغسل
والأعضاء الأربعة في الوضوء، وتقدم أن هذا أيضا من شروط الوجود، ويحتمل أنه أراد به تعميم
البشرة. قوله: (مع فقد مانعه) بأن لا يحصل ناقض في خلال الطهارة لغير معذور به. قوله:
(ونظمها) عطف على جعلها وهذا النظم من بحر الطويل، وفيه من عيوب القوافي التحريد، بالحاء
المهملة، وهو الاختلاف في الأضرب، فإن ضرب البيت الأول والبيت الرابع محذوف، وزنه فعولن،
وباقي الأبيات أضربها تامة وزنها مفاعيلن، فالمناسب أن يقول في البيت الأول
مقسمة في عشرة بعدها اثنان
وفي البيت الرابع
طهورية أيضا فخذها بإذعان.
قوله: (تعلم) فعل أمر. قوله: (للوضوء) ومثله الغسل. قوله: (سلامة أعضاء) إشارة إلى
المزال عنه ا ه‍ ح. أي لأنه من إضافة الصفة إلى موصوفها: أي أعضاء سالمة، أفاده ط قوله (وقدرة
إمكان) أي تمكن من الإزالة، قوله: (لمستعمل) صفة قدرة أو إمكان. قوله: (القراح) كسحاب: أي
الخالص، قاموس. قوله: (وهو) بضم الهاء وإسكان الواو بعدها للضرورة (راجع للماء) قوله: (معا)
ظرف منصوب لقطعه عن الإضافة متعلق بمحذوف خبر هو أصله معهما، وإنما نص على أنضمامه
إليهما، لأنه لما ذكر الماء على كونه مضافا إليه فربما يتوهم أنه ليس قسما برأسه، وأنه من تتمة
المضاف، وليس كذلك، بل هو بيان لوجود المزيل ا ه‍ ح. قوله: (وشرط) بالنصب مفعول لخذ
محذوفا، فسره قوله الآتي خذها أي الشروط المفهومة من عموم المصدر المضاف، وهو أولى من
الرفع على الابتداء، لان خبره قوله خذها أو قوله لمطلق، فيلزم عليه الاخبار بالجملة الطلبية أو
94

اقتران الخبر بالفاء. قوله: (بإمعان) أي بتأمل وإتقان ط. قوله: (مطلق ماء) من إضافة الصفة
للموصوف وهو خبر لمبتدأ محذوف، والمراد كون الماء مطلقا، والظاهر كما قال ط إن هذا الشرط
مغن عن الطهارة والطهورية: أي لان غير الطاهر وغير المطهر غير مطلق. قوله: (مع) بسكون
العين. ط.
قوله: (وشرط) بالنصب أيضا لا غير عطف على شرط المنصوب: أي وخذ شرط وجوب
الخ، إذ ليس بعده ما يصح الاخبار به عنه. قوله: (بالغ) بالإضافة وهو شرط ثان، والشرط البلوغ
ط: أي لا ذات البالغ. قوله: (التمييز) بحذف العاطف، ثم يحتمل أنه معطوف على إسلام فيكون
مرفوعا، أو على الحدث فيكون مجرورا ط. قوله: (يا عاني) أي يا قاصد الفوائد، وهو أولى من
تفسيره بالأسير، أفاده ط. قوله: (شرط) مبتدأ وزوال خبره ط. قوله: (يبعد) بتشديد العين. قوله:
(من أدران) بنقل حركة الهمزة إلى النون، وهو بيان لما، والدرن: الوسخ. قاموس. قوله: (كشمع)
بسكون الميم لغة قليلة، وأنكرها الفراء فقال: الفتح كلام العرب، والمولدون يسكنونها، لكن قال
ابن فارس: وقد تفتح الميم. قال في المصباح: فافهم أن الاسكان أكثر ا ه‍. قوله: (ورمص) بفتح
الراء والميم وبالصاد: وسخ يجتمع في الموق مما يلي الانف، وسكنت الميم لضرورة النظم ا ه‍ ح.
قوله: (لم يتخلل الوضوء) اللام من الوضوء آخر الشطر الأول، والواو منه أول الشطر الثاني. قوله:
(مناف) كخروج ريح ودم ط: أي لغير المعذور بذلك. قوله: (يا عظيم ذوي الشأن) أي العظم: أي
يا عظيمهم، وفي نسخة ذي وليست بصواب لاختلال النظم ط. أقول: والذي رأيته من النسخ: يا
عظيم الشأن، وهو خطأ أيضا. قوله: (وزيد على هذين) أي شرطي الصحة ط. قوله: (تقاطر) وأقله
قطرتان في الأصح كما يأتي. قوله: (مع الغسلات) أي المفروضة، وأخرج بها المسح فلا يشترط
فيه تقاطر. قوله: (ليس هذا الخ) أي ليس هذا الشرط، وهو التقاطر بمشترط عند الامام أبي يوسف
يعقوب رضي الله عنه، والمعتمد الأول ط.
تنبيه: يزاد على ما ذكره من شروط الصحة فقد الحيض والنفاس كما مر، وهو من شروط
الوجود الشرعي أيضا، وكذا من شروط الوجوب. والذي يظهر لي أن شروط الوجود الشرعي شروط
للصحة وبالعكس، إذ لا فرق يظهر فتدبر، قوله: (وصفتها) أي الطهارة، قوله: (فرض) أي قطعي ط.
95

قوله: (للصلاة) فرضها ونفلها ط. قوله: (وواجب) الأولى واجبة. قوله: (للقول الخ) يعني أنه قيل
بأنها واجبة لمس المصحف لا فرض للاختلاف في تفسير الآية، فلم تكن قطعية الدلالة حتى ثبت
الفرضية، لان قوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * (الواقعة: 97) قيل إنه صف لكتاب مكنون وهو
اللوح، وقيل صفة لقرآن كريم وهو المصحف. فعلى الأول: المراد من المطهرين الملائكة
المقربون، لأنهم مطهرون عن أدناس الذنوب: أي لا يطلع عليه سواهم. وعلى الثاني: المراد
منهم الناس المطهرون من الاحداث، وعليه أكثر المفسرين، ويؤيده أن فيه حمل المس على حقيقته،
والأصل في الكلام الحقيقة واحتمال غيرها بلا دليل لا يقدح في صحة الاستدلال، إذ قل أن يوجد
دليل بلا احتمال فلا ينافي ذلك القطعية، فلذا والله تعالى أعلم أشار الشارح إلى اختيار القول
بالفرضية، وقواه المحشي الحلبي، وهو اختيار الشرنبلالي، لكن سيأتي أن الفرض ما قطع بلزومه
حتى يكفر جاحده، وهذا ليس كذلك لما في الخلاصة أنه لو أنكر الوضوء لغير الصلاة لا يكفر
عندنا إلا أن يجاب بأنه من الفرض العملي، وهو أقوى نوعي الواجب وأضعف نوعي الفرض، فلا
يكفر جاحده كما يأتي بيانه، وبه يحصل التوفيق بين القولين، والله الموفق. قوله: (وسنة للنوم) كذا
في شرح الملتقى، لكن عده الشرنبلالي وغيره في المندوبات، وجعل الأنواع ثلاثة فليحفظ. ابن
عبد الرزاق قوله: (في نيف) قال في المختار: النيف بوزن الهين الزيادة يخفف ويشدد، ويقال عشرة
ونيف ومائة ونيف، وكل ما زاد على العقد فهو نيف حتى يبلغ العقد الثاني ا ه‍ قوله: (ذكرتها
في الخزائن) ذكرها في مكروهات الوضوء، فمنها عند استيقاظ من نوم، ولمداومة عليه، وللوضوء
على الوضوء إذا تبدل المجلس، وغسل ميت وحمله، ولوقت كل صلاة، وقبل غسل جنابة، ولجنب
عند أكل وشرب ونوم ووطئ، ولغضب وقراءة وحديث وروايته، ودراسة علم، وأذان وإقامة،
ولخطبة ولو نكاحا، وزيارة النبي (ص)، ووقوف وسعي. شرنبلالي، ومس كتب شرعية تعظيما لها
إمداد وسيجئ ونظر لمحاسن امرأة. نهر، ولمطلق الذكر كما يأتي قبيل المياه، وفي ابتداء الغسل كما
يأتي في محله، ولكل صلاة لو متوضئا لأنه ربما اغتاب أو كذب، فإن لم يمكنه تيمم ونوى به رفع
الاثم. فتاوي الصوفية. فهي مع السبعة التي هي هنا نيف وثلاثون كما ذكره، أفاده ابن عبد الرزاق.
قوله: (بعد كذب وغيبة) لأنهما من النجاسات المعنوية، ولذا يخرج من الكاذب يتباعد منه الملك
الحافظ كما ورد في الحديث، وكذا أخبره (ص) عن ريح منتنة بأنها ريح الذين يغتابون الناس
والمؤمنين، ولألف ذلك منا وامتلاء أنوفنا منها لا تظهر لنا كالساكن في محله الدباغين، وسيأتي إن
شاء الله تعالى في كتاب الحظر والإباحة الكلام على الكذب والغيبة وما يرخص منهما. قوله:
(وقهقهة) لأنها لما كانت في الصلاة جناية تنقض الوضوء أوجبت نقصان الطهارة خارجها، فكان
الوضوء منها مستحبا كما ذكره سيدي عبد الغني النابلسي في نهاية المراد على هداية ابن العماد.
قوله: (وشعر) أي قبيح إمداد، وقدمنا بيان القبيح منه وغير القبيح عند الكلام على المقدمة، ومن
أراد من بيانه نهاية المراد فعليه بنهاية المراد. قوله: (وأكل جزور) أي أكل لحم جزور: أي جمل،
لقول بعضهم بوجوب الوضوء منه، وهذا يدخل في عموم قوله بعد: وللخروج من خلاف العلماء.
96

أفاده ط. قوله: (وبعد كل خطيئة) عطف عام على خاص بالنسبة إلى ما ذكره مما هو خطيئة، وذلك
لما ورد في الأحاديث من تكفير الوضوء للذنوب. قوله: (وللخروج من خلاف العلماء) كمس ذكره
ومس امرأة. قوله: (وركنها) هو في اللغة: الجانب الأقوى. وفي الاصطلاح: الجزاء الذاتي الذي
تتركب الماهية منه ومن غيره. شرح المنية للحلبي. قوله: (غسل ومسح وزوال نجس) أي مجموع
الثلاثة، ففي النجاسة المرئية زوال عين النجس، وفي غير المرئية والحدث الأكبر فقط، وفي
الحدث الأصغر غسل ومسح، وأما نحو العصر والتثليث فمن الشروط. قوله: (ونحوهما) من مائع
ودلك وذكاة وغير ذلك مما سيأتي في المطهرات. قوله: (وهي مدنية) لأنها من المائدة، وهي من
آخر القرآن نزولا.
فائدة: المدني ما نزل بعده الهجرة وإن كان في غير المدينة، والمكي ما نزل قبلها وإن كان في
غير مكة، وهو الأصح من أقوال ثلاثة حكاها السيوطي في الاتقان ط. قوله: (وأجمع أهل السير)
جمع سيرة: أي المغازي، وهذا رد لما يقال: يلزم أن تكون الصلاة بلا وضوء إلى وقت نزول آية
الوضوء، لأنك ذكرت أن آية الوضوء مدنية مع أن الصلاة فرضت بمكة ليلة الاسراء. بل في
المواهب عن فتح الباري أنه كان (ص) قبل الاسراء يصلي قطعا وكذلك أصحابه، ولكن اختلف هل
افترض قبل الخمس شئ من الصلاة أم لا؟ فقيل إن الفرض كان صلاة قبل طلوع الشمس وقبل
غروبها لقوله تعالى: * (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) * (طه: 031) ا ه‍. قوله: (مع
فرض الصلاة) إن أريد بها الصلوات الخمس أشكل بما قدمناه آنفا أنه (ص) كان يصلي قبلها قطعا،
والظاهر أن المعية للمكان لا للزمان، فلا يلزم أن تكون صلاته قبل الافتراض بلا وضوء، ولذا
عمم بعد بقوله: وأنه عليه الصلاة والسلام الخ.
مطلب في تعبده عليه الصلاة والسلام بشرع من قبله
قوله: (بل هو شريعة من قبلنا) انتقال إلى جواب آخر وهو مبني على المختار من أنه عليه
الصلاة والسلام قبل مبعثه كان متعبدا بشرع من قبله، لان التكليف لم ينقطع من بعثة آدم ولم يترك
الناس سدى قط، ولتظافر روايات صلاته وصومه وحجه، ولا تكون طاعة بلا شرع لان الطاعة
موافقة الامر، وكذا بعد مبعثه عليه الصلاة والسلام، وبسط ذلك في التحرير وشرحه. وسيأتي أول
كتاب الصلاة أن المختار عندنا عدمه وهو قول الجمهور قوله: (بدليل الخ) أي بدليل الحديث
الذي رواه أحمد والدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنه وفي آخره ثم دعا بماء فتوضأ ثلاثا ثم قال:
هذا وضوئي الخ.
مطلب: ليس أصل الوضوء من خصوصيات هذه الأمة بل الغرة والتحجيل
ودفع بأن وجوده في الأنبياء لا يدل على وجوده في أممهم، ولهذا قيل إنه من خصائص هذه
الأمة بالنسبة إلى بقية الأمم دون أنبيائهم، لحديث البخاري إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا
محجلين من آثار الوضوء.
97

وأجيب بأن الظاهر منه أن الخاص بهذه الأمة الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء، وبأن الأصل
أن ما ثبت للأنبياء يثبت لأممهم، يؤيده ما في البخاري من قصة سارة مع الملك أنه لما هم بالدنو
منها قامت تتوضأ وتصلي، ومن قصة جريج الراهب أنه قام فتوضأ، قيل يمكن حمل هذا على
الوضوء اللغوي. أقول: حيث ثبت الوضوء الشرعي للأنبياء بحديث هذا وضوئي الخ فحمل
الوضوء الثابت لامهم بالقصتين المذكورتين على اللغوي لا بد له من دليل لان الأصل عدم الفرق
قوله: (من غير إنكار الخ) أفاد أنه لا يحتاج إلى قيام الدليل على بقائه، أما لو قص علينا مقترنا
بالانكار كما في قوله تعالى: * () * (الانعام: 641) الآية فإنه أنكر بقوله تعالى:
* (قل لا أجد فيما أوحي إلي) * (الانعام: 541) الآية، وكتحريم السبت، أو ظهر نسخه بعد إقراره
كالتوجه إلى بيت المقدس فلا يكون شرعا لنا، بخلاف نحو - وكتبنا عليهم فيها (المائدة: 54) ونحو
صوم عاشوراء قوله: (ففائدة نزول الآية الخ) جواب عما يقال: إذا كان الوضوء فرض بمكة مع
فرضية الصلاة وهو أيضا شرع من قبلنا فقد ثبتت فرضيته، فما فائدة نزول آية المائدة؟ أفاده ط.
قوله: (تقرير الحكم الثابت) أي تثبته، فإنه لما لم يكن عبادة مستقلة بل تابعا للصلاة احتمل أن لا
تهتم الأمة بشأنه، وأن يتساهلوا في شرائطه وأركانه بطول العهد عن زمن الوحي وانتقاص الناقلين
يوما فيوما، بخلاف ما إذا ثبت بالنص المتواتر الباقي في كل زمان وعلى كل لسان ا ه‍ درر. قوله:
(وتأتي) مصدر تأتي معطوف على تقرير. قوله: (اختلاف العلماء) أي المجتهدين في النية والدلك
والترتيب ونقضه بالمس وقدر الممسوح. قوله: (على نيف وسبعين حكما) منها أن المراد بالقيام
إرادته واقتضاء اللفظ إيجاب الغسل عقبه لأنه محكم، وأن الواجب الإسالة دون المسح بلا اشتراط
الدلك ولا النية ولا الترتيب ولا الولاء، وجواز مسح الرأس من أي جانب كان، ودلالتها على
بطلان الجمع بين الغسل والمسح، وعلى جواز مسح الخفين، وعلى أن الاستنجاء ليس بفرض،
وعلى تعميم البدن في الغسل، وعلى وجوب المضمضة والاستنشاق فيه، وعلى وجوب التيمم
لمريض خاف الضرر، وعلى جوازه في كل وقت، وعلى جوازه لخائف سبع وعدوه، وعلى جوازه
للجنب، وعلى أن ناسي الماء يتيمم مع وجوده، وعلى أن المتيمم إذا وجد الماء خلال الصلاة يلزمه
الوضوء، وعلى جواز الوضوء بماء نبيذ التمر ا ه‍ ملخصا من شرح ابن عبد الرزاق. قال: وإنما
اقتصرنا على ذلك لاستبعاد بعضها وتقارب بعضها لبعض. قوله: (كلها) أي الثمانية: أي كل واحدة
منها فيه شيئان، فالجملة ست عشر ط. قوله: (طهارتين) تثنية طهارة بالمعنى المصدري ط. قوله:
(الوضوء والغسل) أي في قوله تعالى: * (فاغسلوا وجوهكم) * وقوله: * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) *
قوله: (الماء والصعيد) أي في قوله * (فاغسلوا) * لان الغسل بالماء، وقوله: (فتيمموا صعيدا)
(المائدة: 6) (النساء: 34). قوله: (وحكمين) تثنية حكم بمعنى محكوم به: أي مأمور به ط. قوله:
(وموجبين) بكسر الجيم فإنهما موجبان للطهارة ط: أي بناء على القول بأن الحدث هو سبب
الوجوب. قوله: (الحدث) أي الأصغر في قوله تعالى: * (أو جاء أحد منكم من الغائط) * (المائدة: 6)
98

النساء: 34) والجنابة: أي الحدث الأكبر في قوله تعالى: * (وإن كنتم جنبا) * قوله: (ومبيحين) أي
للترخص بالتيمم قوله: (المرض والسفر) أي في قوله تعالى: * (وإن كنتم مرضى أو على سفر)
* (المائدة: 6) (النساء: 34). قوله: (والاجمالي) أي في قوله تعالى: * (فاطهروا) * فإنه لم يفصل فيه مقدار
المغسول كما فصل في الوضوء، ولذا وقع في مقداره اختلاف المجتهدين. قوله: (وكنايتين) تثنية
كناية، ومن معانيها لغة أن تتكلم بشئ وأنت تريد غيره، وهنا كذلك، فإنه عبر بالغائط وهو المكان
المنخفض وأريد به الخارج من الانسان، وعبر بالملامسة المأخوذة من المس باليد وأريد بها
الجماع، ومنه يقال للزانية: لا تمنع كف لامس. قوله: (وكرامتين الخ) أي نعمتين تفضل بهما تعالى
على عباده بقوله: * () * * (ليطهركم وليتم نعمته عليكم) * (المائدة: 6). قوله: (تطهير الذنوب) لما رواه
مسلم ومالك مرفوعا: إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة
نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها
يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرج كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع
آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب وفي رواية لمسلم وغيره مرفوعا: من توضأ فأحسن
الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفره. قوله: (أي بموته شهيدا) أقول أو
بالغرة والتحجيل يوم القيامة، لحديث البخاري المار. قوله: (ليعم الخ) أي فإنه لو قال آمنتم
لاختص بالحاضرين في عصره (ص). ورده في غاية البيان بأن الموصوف بصفة عامة يتعمم. قوله:
(وكأنه مبني الخ) لان ظاهره أن الأصل التعبير بآمنتم قوله: (التفاتا) هو التعبير عن معنى بطريق من
الطرق الثلاثة: أعني التكلم، أو الخطاء، أو الغيبة بعد التعبير عنه بآخر منها، بشرط أن يكون التعبير
الثاني على خلاف ما يقتضيه الظاهر ويترقبه السامع. قوله: (والتحقيق خلافه) لان المنادي مخاطب،
فحق ضميره أن يأتي على طريق الخطاب، فيقال: يا فلان إذا فعلت ولا يقال إذا فعل، وإنما جئ في
الصلة بضمير الغائب لعوده على الموصول، والموصول من الأسماء الظاهرة وكلها غيب، فإذا تم
الموصول بصلته العائد ضميرها عليه تمحض الكلام للخاطب الذي اقتضاه النداء، فليس حينئذ في
الكلام عدول عن طريق إلى طريق آخر، ولذا كان جميع ما ورد في القرآن وكلام العرب من أمثال هذا
النداء لم يجئ إلا على هذه الطريقة، فدعوى العدول في جميع ذلك لا تسمع نعم العائد إلى الموصول
قد سمع فيه الخطاب والتكلم قليلا في غير النداء، كما في قول علي كرم الله وجهه:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
وقول كثير:
وأنت التي حببت كقصيرة إلي وما تدري بذاك القصائر
فهو من الالتفات كما قدمناه في أول الخطبة، وقدمنا هناك أيضا عن المغني أن القول
بالالتفات في الآية سهو ومثله في شرح تلخيص المعاني. قوله: (التحقيقية) أي الدالة على تحقق
99

مدخولها غالبا، وقوله التشكيكية: أي الدالة على أنه مشكوك فيه غالبا، وقد تستعمل كل منهما
مكان الأخرى كما بين في محله.
لطيفة إن للشك مع أنها جازمة وإذا للجزم مع أنهالا تجزم، وقد ألغز في ذلك الامام
الزمخشري فقال (1):
أنا إن شككت وجدتموني جازما * وإذا جزمت فإنني لم أجزم
قوله: (من الأمور اللازمة) أي الغالبة الوجود بالنظر إلى ديانة المسلم كما في غاية البيان
للعلامة الإتقاني. قوله: (والجنابة الخ) أي لأنها يمكن أن لا تقع أصلا ط. قوله: (في الغسل
والتيمم) أي قوله تعالى: * (وإن كنتم جنبا) * وقوله تعالى: * (أو جاء أحد منكم من الغائط)
* (المائدة: 6). قوله: (ليعلم أن الوضوء سنة الخ) وهو الذي لا يكون عن حدث وهذا يدل على أن
قوله تعالى: * (فاغسلوا) * الخ مستعمل في الوجوب والندب: والوجوب في الحدث والندب في
غيره، وهو مخالف لما ذكروه من أن الحدث في الآية مراد.
ويؤخذ منه أن التيمم والغسل لا يكونان إلا فرضا للتصريح بالحدث فيهما. وفيه أن الغسل
يندب في موضع ويسن في آخر، وكذا يقوم التيمم مقام الوضوء لنحو نوم ودخول مسجد، فلا
يشترط فيهما أن يكونا فرضا ط، لكن في النهاية لا يقال: إن الغسل سنة للجمعة فيثبت التنوع فيه.
لأنا نقول: المدعى أنه لا يسن لكل صلاة. أو نقول: إن اختيار البزدوي أنه سنة لليوم لا للصلاة.
مطلب في حديث: الوضوء على الوضوء نور على نور
قوله: (والوضوء على الوضوء نور على نور) هذا لفظ حديث ذكره في الاحياء. وقال
الحافظ العراقي في تخريجه: لم أقف عليه، وسبقه لذلك الحافظ المنذري. وقال الحافظ ابن
حجر: حديث ضعيف ورواه رزين في مسنده ا ه‍. جراحي، نعم روى أحمد بإسناد حسن مرفوعا
لولا أن أشق على أمتي لامرتهم عند كل صلاة بوضوء يعني ولو كانوا غير محدثين. وروى أبو
داود والترمذي وابن ماجة مرفوعا من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات ولم يقيد الشارح
باختلاف المجلس تبعا لظاهر الحديث، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله في سنن الوضوء. قوله:
(عبر بالأركان) أي ولم يعبر بالفرائض كما عبر غيره. قوله: (لأنه) أي التعبير المأخوذ من عبر ط.

(1) سلم على شك النحاة وقل له * عندي سؤال من يجبه يعظم
انا ان شككت وجدتموني جازما * وإذا جزمت فإنني لم اجزم
قل في الجواب بان أفي شرطها * جزمت ومعناها التردد فاعلم
وإذا لجزم الحكم ان شرطية * وقعت ولكن لفظها لم لم يجزم؟ ا ه‍. منه.
100

قوله: (أفيد) أي أكثر فائدة. قال في المنح: لان الركن أخص، ولينبه على أن مراد من عبر
بالفروض الأركان ا ه‍. قوله: (مع سلامته الخ) اعترض بأن الركن كما اعترف به فرض داخل
الماهية، فهو أخص من مطلق الفرض ولازم الأعم لازم للأخص. وأجيب عنه بأن مفهوم الركن ما
كان جزء الماهية وإن لزم هنا أن يكون فرضا، لان المعتبر في الماهيات الاعتبارية ما اعتبره الواضع
عند وضع الاسم لها، ولم يعتبر في الركن ثبوته بقطعي أو ظني. قوله: (بالربع) أي ربع الرأس،
ومثله غسل المرفقين والكعبين، فإنه لم يثبت شئ منها بقطعي ولذا لم يكفر المخالف فيها أجماعا
كذا في الحلية. قوله: (يرد المغسول) أي من الأعضاء الثلاثة سوى المرفقين والكعبين، زاد في
الدر المنتقى وإن أريدا يلزم عموم المشترك أو إرادة الحقيقة والمجاز ا ه‍.
مطلب: الفرق بين عموم المجاز والجمع بين الحقيقة والمجاز
قوله: (بما لخصناه الخ) أي من أنه من عموم المجاز. والفرق بينه وبين الجمع بين الحقيقة
والمجاز: أن الحقيقة في الأول تجعل فردا من الافراد، بأن يراد معنى يتحقق في كلا الافراد،
بخلاف الثاني فإن الحقيقة يراد بها الوضع الأصلي، والمجاز يراد به الوضع الثانوي، فهما
استعمالان متباينان، أو أن المراد القطعي. ويجاب عن إيراد الممسوح بأن المراد أصل المسح
فيه، وذلك قطعي لثبوته بالكتاب أو العملي.
ويجاب عن إيراد المغسول بأن المراد القدر في الكل، ولا شك أنه من هذه الحيثية عملي،
لخلاف زفر في المرفقين والكعبين وأبي يوسف فيما بين العذر والاذن ط. قال بعض الفضلاء:
والملخص من ذلك كله أن نقول: إطلاق الفرض عليهما حقيقة عرفيه في اصطلاح الفقهاء فيسقط
السؤال من أصله ا ه‍.
أقول: وإلى هذا أشار في النهاية حيث أجاب بأن الفرض على نوعين: قطعي وظني، وهو
الفرض على زعم المجتهد كإيجاب الطهارة بالفصد والحجامة، فإنهم يقولون يفترض عليه الطهارة
عند إرادة الصلاة ا ه‍، ويأتي بيانه قريبا. قوله: (ثم الركن) ترتيب إخباري ط. قوله: (ما يكون
فرضا) ومعناه لغة الجانب الأقوى كما قدمناه. قوله: (داخل الماهية) يعني بأن يكون جزءا منها
يتوقف تقومها عليه، والماهية ما به الشئ هو هو، سميت بها لأنه يسأل عنها بما هو. قوله: (وأما
الشرط) هو في اللغة العلامة. وفي الاصطلاح ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا
عدم، وقوله: فما يكون خارجها بيان للمراد به هنا، والمراد ما يجب تقديمه عليها واستمراره فيها
حقيقة أو حكما، فالشرط والركن متباينان، كذا في الحلية.
مطلب: قد يطلق الفرض على ما ليس بركن ولا شرط
قوله: (فالفرض أعم منهما) وقد يطلق على ما ليس واحدا منهما، كترتيب ما شرع غير مكرر
في ركعة، كترتيب القراءة على القيام، والركوع على القراءة، والسجود على الركوع، والقعدة على
السجود، فإن هذه التراتيب كلها فروض ليست بأركان ولا شروط، كذا في شرح المنية للحلبي.
قوله: (وهو ما قطع بلزومه) مأخوذ من فرض: بمعنى قطع تحرير، ويسمى فرضا علما وعملا للزوم
101

اعتقاده والعمل به. قوله: (حتى يكفر) بالبناء للمجهول: أي ينسب إلى الكفر، من أكفره: إذا دعاه
كافرا، وأما يكفر من التكفير فغير ثابت هنا وإن كان جائزا لغة كما في المغرب، والأصل حتى
يكفر الشارع جاحده، سواء أنكره قولا أو اعتقادا كذا في شرح المنار لابن نجيم. فتال: قوله:
(كأصل مسح الرأس) أي مجردا عن التقدير بربع أو غيره.
مطلب في فرض القطعي والظني
قوله: (وقد يطلق الخ) قال في البحر: والظاهر من كلامهم فالأصول والفروع أن الفرض
على نوعين: قطعي وظني، هو في قوة القطعي في العمل بحيث يفوت الجواز بفواته، والمقدار في
مسح الرأس من قبيل الثاني. وعند الاطلاق ينصرف إلى الأول لكماله. والفارق بين الظني القوي
المثبت للفرض، وبين الظني المثبت للواجب اصطلاحا خصوص المقام ا ه‍.
أقول: بيان ذلك أن الأدلة السمعية أربعة: الأولى قطعي الثبوت والدلالة كنصوص القرآن
المفسرة أو المحكمة والسنة المتواترة التي مفهومها قطعي. الثاني قطعي الثبوت ظني الدلالة
كالآيات المؤولة. الثالث عكسه كأخبار الآحاد التي مفهومها قطعي. الرابع ظنيهما كأخبار الآحاد
التي مفهومها ظني. فبالأول يثبت الفرض والحرام، وبالثاني والثالث الواجب كراهة التحريم،
وبالرابع السنة والمستحب.
ثم إن المجتهد قد يقوى عنده الدليل الظني حتى يصير قريبا عنده من القطعي، فما ثبت به
يسميه فرضا عمليا لأنه يعامل معاملة الفرض في وجوب العمل، ويسمى واجبا نظرا إلى ظنية دليله،
فهو أقوى نوعي الواجب وأضعف نوعي الفرض، بل قد يصل خبر الواحد عنده إلى حد القطعي،
ولذا قالوا: إنه إذا كان متلقى بالقبول جاز إثبات الركن به حتى ثبتت ركنية الوقوف بعرفات
بقوله (ص): الحج عرفة. وفي التلويح أن استعمال الفرض فيما ثبت بظني. والواجب فيما ثبت
بقطعي شائع مستفيض، فلفظ الواجب يقع على ما هو فرض علما وعملا كصلاة الفجر، وعلى ظني
هو في قوة الفرض في العمل كالوتر حتى يمنع تذكره صحة الفجر كتذكر العشاء، وعلى ظني هو
دون الفرض في العمل وفوق السنة كتعيين الفاتحة حتى لا تفسد الصلاة بتركها لكن تجب سجدة
السهو اه‍. وتمام تحقيق هذا المقام في فصل المشروعات من حواشينا على شرح المنار، فراجعه
فإنك لا تجده في غيرها. قوله: (فلا يكفر جاحده) لما في التلويح من أن الواجب لا يلزم اعتقاد
حقيقته لثبوته بدليل ظني، ومبنى الاعتقاد على اليقين، لكن يلزم العمل بموجبه للدلائل الدالة على
وجوب اتباع الظن، فجاحده لا يكفر، وتارك العمل به إن كان مؤولا لا يفسق ولا يضلل، لان
التأويل في مظانه من سيرة السلف، وإلا فإن كان مستخفا يضلل لأنه رد خبر الواحد، والقياس
بدعة، وإن لم يكن مؤولا ولا مستخفا يفسق لخروجه عن الطاعة بترك ما وجب عليه ا ه‍.
أقول: وما ذكره العلامة الأكمل في العناية من أنا لا نسلم عدم التكفير لجاحد مقدار المسح
بلا تأويل لعله مبني على ما ذهب هو إليه كصاحب الهداية من أن الآية مجملة في حق المقدار، وأن
حديث المغيرة من مسحه عليه الصلاة والسلام بناصيته التحق بيانا لها فيكون ثابتا بقطعي، لان خبر
الواحد إذا التحق بيانا للمجمل كان الحكم بعده مضافا للمجمل لا للبيان. وما رد به في البحر على
102

صاحب الهداية أجبت عنه فيما علقته عليه. قوله: (غسل الوجه) الغسل بفتح الغين لغة: إزالة الوسخ
عن الشئ بإجراء الماء عليه: وبضمها: اسم لغسل تمام الجسد وللماء الذي يغسل به، وبكسرها:
ما يغسل به الرأس من خطمي وغيره. بحر. والمراد الأول: وإضافته إلى الوجه من إضافة المصدر
إلى مفعوله والفاعل محذوف: أي غسل المتوضئ وجهه، لكن يرد عليه أن يكون صفة للفاعل وهو
غير مشروط، إذ لو أصابه الماء من غير فعل كفى، فالأولى جعله مصدرا لمبني المجهول على إرادة
الحاصل بالمصدر: أي مغسولية الوجه. قال في حواشي المطول: المصدر يستعمل في أصل النسبة
وفي الهيئة الحاصلة منها للمتعلق معنوية أو حسية، كهيئة المتحركية الحاصلة من الحركة، وتسمى
الحاصل بالمصدر، وتلك الهيئة للفاعل فقط في اللازم كالمتحركية والقائمية من الحركة والقيام، أو
للفاعل والمفعول للمتعدي كالعالمية والمعلومية من العلم، واستعمال المصدر بالمعنى الحاصل
بالمصدر استعمال الشئ في لازم معناه انتهى: أي فهو مجاز مرسل. قوله: (أي إسالة الماء الخ)
قال في البحر: واختلف في معناه الشرعي: فقال أبو حنيفة ومحمد: هو الإسالة مع التقاطر ولو قطرة
حتى لو لم يسل الماء بأن استعمله استعمال الدهن لم يجز في ظاهر الرواية، وكذا لو توضأ بالثلج
ولم يقطر منه شئ لم يجز. وعن أبي يوسف: هو مجرد بل المحل بالماء سال أو لم يسل ا ه‍.
واعلم أنه صرح كغيره بذكر التقاطر مع الإسالة وإن كان حد الإسالة أن يتقاطر الماء للتأكيد،
وزيادة التنبيه على الاحتراز عن هذه الرواية، على أنه ذكر في الحلية عن الذخيرة وغيرها أنه قيل في
تأويل هذه الرواية إنه سال من العضو قطرة أو قطرتان ولم يتدارك ا ه‍. والظاهر أن معنى لم يتدارك:
لم يقطر على الفور بأن قطر بعده مهلة، فعلى هذا يكون ذكر السيلان المصاحب للتقاطر احتراز عما
لا يتدارك فافهم، ثم على هذا التأويل يندفع ما أورد على هذه الرواية من أن البل بلا تقاطر مسح،
فيلزم أن تكون الأعضاء كلها ممسوحة مع أنه تعالى أمر بالغسل والمسح. قوله: (ولو قطرة) على هذا
يكون التقاطر بمعنى أصل الفعل ا ه‍.. قوله: (أقله قطرتان) يدل عليه صيغة التفاعل ا ه‍ ح.
ثم لا يخفى أن هذا بيان للفرض الذي لا يجزى أقل منه لأنه في صدد بيان الغسل المفروض،
وسيأتي أن التقتير مكروه، ولا يمكن حمل التقتير على ما دون القطرتين، لان الوضوء حينئذ لا يصح لما
علمت، فتعين أنه لا ينتفي التقتير إلا بالزيادة على ذلك، بأن يكون التقاطر ظاهرا ليكون غسلا بيقين،
وبدونها يقرب إلى حد الدهن، وربما لا يتيقن بسيلأن الماء على جميع أجزاء العضو فلذاكرة، فافهم.
قوله: (لان الامر) وهو هنا قوله تعالى * (فاغسلوا) * (المائدة: 6). قوله: (لا يقتضي التكرار) أي لا يستلزمه،
بل ولا يحتمله في التصحيح عندنا، وإنما يستفاد من دليل خارجي كتكرر الصلاة لتكرر أوقاتها.
مطلب في معنى الاشتقاق وتقسيمه إلى ثلاثة أقسام
قوله: (مشتق الخ) المراد بالاشتقاق: الاخذ مجازا علاقته الاطلاق والتقييد، إذ (الاشتقاق في
الصرف أخذ واحد من الأشياء العشرة من المصدر، وهي الماضي والمضارع والامر واسم الفاعل
واسم المفعول والصفة المشبهة وأفعل التفضيل واسم الزمان والمكان والآلة، والوجه ليس
منها ا ه‍. لكن في تعريفات السيد: الاشتقاق نزع لفظ من آخر بشرط مناسبتهما معنى وتركيبا
ومغايرتهما في الصيغة، فإن كان بينهما تناسب في الحروف والترتيب كضرب من الضرب فهو
103

اشتقاق صغير، أو في اللفظ والمعنى دون الترتيب كجبذ من الجذب فكبير أو في المخرج كنعق
من النهق فأكبر ا ه‍. ونحوه في شرح التحرير. قال: وقد تسمى أصغر وصغيرا وأكبر، وقد تسمى
أصغر وأوسط وأكبر، الأول أشهر، وما نحن فيه من القسم الأول، فافهم. قوله: (شائع) خبر
اشتقاق، وذلك لان معنى الاشتقاق أن ينتظم الصيغتين فأكثر معنى واحد، وفي هذا لا توقيت، بأن
يكون المشتق منه ثلاثيا، فجاز أن يكون المزيد أشهر وأقرب للفهم من الثلاثي لكثرة الاستعمال،
فصح ذكر الاشتقاق لإيضاح معناه وإن لم يكن المزيد أصلا له. أفاده في النهاية. قوله: (من
الارتعاد) أي الاضطراب أخذ منه الرعد، لاضطرابه في السماء أو اضطراب السحاب منه. قوله:
(واليم) وهو البحر من التيمم: وهو القصد قال في الكشاف: لان الناس يقصدونه. وقال أيضا:
واشتقاق البرج من التبرج لظهوره. وقال في الفلق: والجن من الاجتنان، لاستتارهم عن العيون.
قوله: (سطح جبهته) أي أعلاها ط. قوله: (بقرينة المقام) وهو كون المتوضئ أو المكلف فاعل
المصدر الذي هو غسل ا ه‍. ط. قوله: (أي منبت أسنانه السفلى) تفسير للذقن بالتحريك: أي إلى
أسفل العظم الذي عليه الأسنان السفلى: وهو ما تحت العنفقة. قوله: (طولا) منصوب على
التمييز ط. قوله: (كان عليه) أي على الوجه. (وله شعر) بالاسكان ويحرك. قاموس. قوله:
(عدل عن قولهم) أي عدل المصنف عن قول بعض الفقهاء في تعريف الوجه طولا كالكنز الملتقي
ط. قوله: (قصاص) بتثليث القاف والضم أعلاها حيث ينتهي نباته في الرأس. نهر. قوله:
(الجاري) صفة لقولهم ط. قوله: (على الغالب) أي في الاشخاص، إذ الغالب فيهم طلوع الشعر
من مبدأ سطح الجبهة، ومن غير الغالب الأغم وأخواه ط. قوله: (إلى المطرد) أي العام في جميع
الافراد ط. قوله: (ليعم الأغم الخ) هو الذي سال شعر رأسه حتى ضيق الجبهة. والأصلع: هو
الذي انحسر مقدم شعر رأسه. والأنزع: هو الذي انحسر شعره من جانبي جبهته ا ه‍. ح. عن جامع
اللغة. أقول: وبقي الأقرع، وهو من ذهب شعر رأسه. قاموس. قوله: (شحمتي الاذنين) أي ما لان
منهما، والاذن بضم الذال ولك إسكانها تخفيفا، أفاده في النهر. وانظر ما وجه التحديد بالشحمتين
مع أن الظاهر أن يقال ما بين الاذنين، ولعل وجهه أن الشحمتين لما اتصلتا ببعض الوجه وهو
البياض الذي خلف العذار صار مظنة أن يجب غسلهما مثلا فجعلوا الحد بهما لدفع ذلك. تأمل.
قوله: (وحينئذ) أي حين إذ علمت حد الوجه طولا وعرضا ط. قوله: (فيجب غسل الباقي) جمع
موق، وهو على ما في النسخ بالياء الممدودة بعد الميم والصواب بالهمزة الممدودة، فقد ذكر في
القاموس في باب القاف عشر لغات في الموق: منها مأق بالهمزة، وموق، ومأقئ بهمزة قبل القاف
وهمزة بعدها: وهو طرف العين المتصل بالأنف، ثم ذكر بعد الكل أربعة جموع: آماق وإماق: أي
بهمزة ممدودة في أوله أو قبل آخره، ومواق وماق، ولم يذكر المياقي لا في المفردات ولا في
الجموع. هذا. وفي البحر: لو رمدت عينه فرمصت يجب إيصال الماء تحت الرمص إن بقي خارجا
بتغميض العين وإلا فلا اه‍. هذا، وفي بعض النسخ: فيجب غسل الملاقي، ويغني عنه قول
104

المصنف الآتي: وغسل جميع اللحية فرض، لان المراد بالملاقي: ما لاقى البشرة منها كما في
الدرر. وفي شرحها للشيخ إسماعيل: والمرقي هو ما كان غير خارج عن دائرة الوجه، وهو احتراز
عن المسترسل، وهو ما خرج عن دائرة الوجه، فإنه لا يجب غسله ولا مسحه بل يسن ا ه‍. ويأتي
تمام الكلام عليه. قوله: (وما يظهر) أي يفترض غسله كما صححه في الخلاصة، وقيل الشفة تبع
للفم. أفاده في البحر. قوله: (عند انضمامها) أشار بصيغة الانفعال إلى أن المراد ما يظهر عند
انضمامها الطبيعي لا عند انضمامها بشدة وتكلف ا ه‍. ح. وكذا لو غمض عينيه شديدا لا يجوز.
بحر. لكن نقل العلامة المقدسي في شرحه على نظم الكنز أن ظاهر الرواية الجواز، وأقره في
الشرنبلالية. تأمل. قوله: (ما بين العذار والاذن) أي ما بينهما من البياض. قوله: (وبه يفتى) وهو
ظاهر المذهب، وهو الصحيح، وعليه أكثر المشايخ. قال في البدائع: وعن أبي يوسف عدمه،
وظاهر أن مذهبه بخلافه. بحر، لان كلمة عن تفيد أنه رواية عنه، والخلاف في الملتحي، أما
المرأة والأمرد والكوسج فيفترض الغسل اتفاقا. در منتقي. قوله: (لا غسل باطن العينين الخ) لأنه
شحم يضره الماء الحار والبارد، ولهذا لو اكتحل بكل نجس لا يجب غسله، كذا في مختارات
النوازل لصاحب الهداية. قوله: (والأنف والفم) معطوفات على العينين: أي لا يجب غسل باطنهما
أيضا. قوله: (وأصول شعر الحاجبين) يحمل هذا على ما إذا كانا كثيفين، أما إذا بدت البشرة فيجب
كما يأتي له قريبا عن البرهان، وكذا يقال في اللحية والشارب، ونقله عن عصام الدين شارح
الهداية. ط. قوله: (وونيم ذباب) أي خرؤه. قال في بحث الغسل: ولا يمنع الطهارة ونيم ذباب
وبرغوث لم يصل الماء تحته وحناء ولو جرمه به يفتى، ودرن ودهن وتراب وطين الخ. قوله:
(للحرج) علة لقوله: (لا غسل الخ) أي فإن هذه المذكورات وإن كانت داخلة في حد الوجه
المذكور إلا أنها لا يجب غسلها للحرج. وعلل في الدرر بأن محل الفرض استتبا لحائل وصار بحال
لا يواجه الناظر إليه، فسقط الفرض عنه وتحول إلى الحائل. قوله: (أسقط لفظ فرادى) تعريض
بصاحب الدرر حيث قيد به ا ه‍. ومعناه: غسل كل يد منفردة عن الأخرى ط. قوله: (لعدم
الخ) أي لأنه في صدد بيان فرائض الوضوء، فيشعر كلامه بأن الانفراد لازم مع أنه لو غسلهما معا
سقط الفرض قوله: (الباديتين) أي الظاهرتين اللتين لا خف عليهما. قوله: (فإن المجروحتين
الخ) علة للتقييد بالقيدين السابقين على سبيل اللف والنشر المشوش ط. قوله: (وظيفتهما المسح)
لكنه مختلف الكيفية كما يأتي ط. قوله: (لما مر) أي من أن الامر لا يقتضي التكرار. قوله: (مع
المرفقين) تثنية مرفق بكسر الميم وفتح الفاء، وفيه العكس: اسم لملتقى العظمين: عظم العضد،
وعظم الذراع، وأشار المصنف إلى أن إلى في الآية بمعنى مع، وهو مردود لأنهم قالوا: إن اليد من
رؤوس الأصابع للمنكب، فإذا كانت إلى بمعنى مع وجب الغسل إلى المنكب لأنه كغسل القميص
وكمه، وغارته أنه كإفراد فرد من العام وذلك لا يخرج غيره. بحر.
والجواب أن المراد من اليد في الآية من الأصابع إلى المرفق للاجماع على سقوط ما فوق ذلك،
105

وعدل عن التعبير بإلى المحتملة لدخول المرفقين والكعبين وعدمه إلى التعبير بمع الصريحة بالدخول
للاحتراز عن القول بعدمه المشار إليه بقول الشارح على المذهب: أي خلافا لزفر ومن قال بقوله من
أهل الظاهر، وهو رواية عن مالك. قوله: (والكعبين) هما العظمان الناشزان من جانبي القدم: أي
المرتفعان، كذا في المغرب وصححه في الهداية وغيرها. وروى هشام عن محمد أنه في ظهر القدم عند
معقد الشراك، قالوا: هو سهو من هشام، لان محمدا إنما قال ذلك في المحرم إذا لم يجد النعلين حيث
يقطع خفيه أسفل من الكعبين، وأشار محمد بيده إلى موضع القطع فنقله هشام إلى الطهارة، وتمامه في
البحر وغيره. قوله: (وما ذكروا) أي في الجواب عما أورد أنه ينبغي غسل يد ورجل، لان مقابلة
الجمع بالجمع تقتضي انقسام الآحاد على الآحاد. قوله: (بعبارة النص) أي بصريحه المسوق له ط.
قوله: (بدلالته) أي إنه مفهوم منه بطريق المساواة. قوله: (ومن البحث في إلى) أي في كونها تدخل
الغاية أو لا تدخلها، أو الامر محتمل، والمرجح القرائن وغير ذلك مما أطال في البحر ط. قوله:
(وفي القراءتين) أي قراءتي الجر والنصب في * (أرجلكم) * (المائدة: 6) من حمل الجر على حالة التخفيف
والنصب على غيرها، أو أن الجر للجوار، لان المسح غير مغيا بالكعبين إلى آخر ما أطال به في الدرر
وغيرها. قوله: (قال في البحر: لا طائل تحته) أي لا فائدة فيه، والجملة خبر ما في قوله وما ذكروا،
أفاده ط. قوله: (بعد انعقاد الاجماع على ذلك) أي على افتراض غسل كل واحدة من اليدين والرجلين،
وعلى دخوله المرفقين والكعبين، وغسل الرجلين لا مسحهما، أفاده ح.
أقول: من استدل بالآية كالقدوري وغيره من أصحاب المتون يحتاج إلى ذلك ليتم دليله، على
أن في ثبوت الاجماع على دخول المرفقين كلاما، لأنه في البحر أخذه من قول الإمام الشافعي: لا
نعلم مخالفا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء. ورده في النهر بأن قول المجتهد: لا أعلم
مخالفا، ليس حكاية للاجماع الذي يكون غيره محجوجا به، فقد قال الامام اللامشي في أصوله: لا
خلاف أن جميع المجتهدين لو اجتمعوا على حكم واحد ووجد الرضا من الكل نصا كان ذلك
إجماعا، فأما إذا نص البعض وسكت الباقون لا عن خوف بعد اشتهار القول فعامة أهل السنة أن ذلك
يكون إجماعا. وقال الشافعي: لا أقول إنه إجماع، ولكن أقول: لا أعلم فيه خلافا. وقال أبو هاشم
من المعتزلة: لا يكون إجماعا ويكون حجة أيضا ا ه‍. وقدمنا أيضا عن شرح المنية أن غسل المرفقين
والكعبين ليس بفرض قطعي، بل هو فرض عملي كربع الرأس، ولذا قال في النهر أيضا: لا يحتاج
إلى دعوى الاجماع، لان الفروض العملية لا يحتاج في إثباتها إلى القاطع. قوله: (ومسح ربع الرأس)
المسح لغة: إمرار اليد على الشئ. وعرفا: إصابة الماء العضو.
واعلم أن في مقدار فرض المسح روايات أشهرها ما في المتن. الثانية مقدار الناصية،
واختارها القدوري، وفي الهداية وهي الربع. والتحقيق أنها أقل منه. الثالثة مقدار ثلاثة أصابع،
رواها هشام عن الامام، وقيل هي ظاهر الرواية. وفي البدائع: أنها رواية الأصول، وصححها في
التحفة وغيرها. وفي الظهيرية: وعليها الفتوى. وفي المعراج: أنها ظاهر المذهب واختيار عامة
المحققين، لكن نسبها في الخلاصة إلى محمد، فيحمل ما في المعراج من أنها ظاهر المذهب على
106

أنها ظاهر الرواية عن محمد توفيقا، وتمامه في النهر والبحر.
والحاصل أن المعتمد رواية الربع، وعليها مشى المتأخرون كابن الهمام وتلميذه ابن أمير حج
وصاحب النهر والبحر والمقدسي والمصنف والشرنبلالي وغيرهم. قوله: (فوق الاذنين) فلو مسح
على طرف ذؤابه شدت على رأسه لم يجز. مقدسي. قوله: (أو بلل باق الخ) هذا إذا لم يأخذه من
عضو آخر. مقدسي، فلو أخذه من عضو آخر لم يجز مطلقا. بحر: أي سواء كان ذلك العضو مغسولا
أو ممسوحا. درر. قوله: (علل المشهور) مقابله قول الحاكم بالمنع، وخطأه عامة المشايخ، وانتصر له
المحقق ابن الكمال وقال: الصحيح ما قاله الحاكم، فقد نص الكرخي في جامعه الكبير على الرواية
عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه إذا مسح رأسه بفضل غسل ذراعيه، لم يجز إلا بماء جديد لأنه قد تطهر
به مرة ا ه‍. وأقره في النهر. قوله: (إلا أن يتقاطر) كذا ذكره في الغرر، لأنه كأخذ ماء جديد. قوله:
(ولو مد الخ) أي مد المسح حتى استوعب قدر الربع. وفي البدائع: لو وضع ثلاثة أصابع ولم يمدها
جاز على رواية الثلاث أصابع لا الربع، ولو مسح بها منصوبة غير موضوعة ولا ممدودة فلا، لأنه لم
يأت بالقدر المفروض: أي وهذا بالاجماع كما النهر، فلو مدها حتى بلغ القدر المفروض لم يجز عند
علمائنا الثلاثة خلافا لزفر، وكذا الخلاف في الإصبع والإصبعين إذا مدها وبلغ القدر المفروض ا ه‍.
ملخصا. بقي ما إذا وضع ثلاث أصابع ومدها وبلغ الربع، قال في الفتح: ولم أر فيه إلا الجواز،
وتعقبه في النهر بقوله: قد وقفت على ما هو المنقول: يعني قول البدائع: فلو مدها الخ.
أقول: وفيه نظر لان الضمير في قول البدائع: فلو مدها الخ، عائد إلى المنصوبة: أي بأن
مسح بأطرافها لا الموضوعة، على أنه قال في البحر: لو مسح بأطراف أصابعه والماء متقاطر جاز
وإلا فلا، لأنه إذا كان متقاطرا فالماء ينزل من أصابعه إلى أطرافها، فإذا مده صار كأنه أخذ ماء
جديدا، كذا في المحيط، وذكر في الخلاصة أنه يجوز مطلقا هو الصحيح ا ه‍. قال الشيخ إسماعيل:
ونحوه في الواقعات والفيض. قوله: (لم يجز) قيل: لان البلة صارت مستعملة، وهو مشكل بأن
الماء لا يصير مستعملا قبل الانفصال، وبأنه يستلزم عدم الجواز بمد الثلاث على رواية الربع. وقيل
لأنا مأمورون بالمسح باليد، والأصبعان منها لا تسمى يدا بخلاف الثلاث لأنها أكثرها. وفيه أنه
يقتضي تعيين الإصابة باليد، وهو منتف بمسألة المطر. وقد يقال في العلة: إن البلة تتلاشى وتفرغ
قبل بلوغ قدر الفرض بخلاف ما لو مد الثلاث، وتمامه في فتح القدير. قوله: (إلا أن يكون مع
الكف الخ) لأنهما مع الكف أو مع ما بين الابهام والسبابة يصيران مقدار ثلاث أصابع أو أكثر، فإذا
مدهما وبلغ قدر الربع جاز، أما بدون مد فيجوز على رواية الثلاث كما صرح به في التاترخانية.
قوله: (أو بمياه) قال في البحر: ولو مسح بأصبع واحدة ثلاث مرات وأعادها إلى الماء في كل مرة
جاز في رواية محمد، أما عندهما فلا يجوز ا ه‍: أي على رواية الربع لا يجوز، فما في الدر المنتقى من
أنه يجوز اتفاقا فيه نظر، كذا قيل. وأقول: فيه نظر، لان عبارته لو كان بمياه في مواضع مقدار
الفرض جاز اتفاقا، فقوله مقدار الفرض شامل لرواية الثلاث أصابع، ولرواية الربع.
وفي البدائع: لو مسح بأصبع واحدة ببطنها وظهرها وجانبيها لم يذكر في ظاهر الرواية.
107

واختلف المشايخ، فقال بعضهم لا يجوز، وقال بعضهم يجوز، وهو الصحيح، لان ذلك في معنى
المسح بثلاث أصابع ا ه‍. قال في البحر: ولا يخفى أنه لا يجوز على المذهب من اعتبار الربع، وما
في شرح المجمع لابن مالك من أنه لا يجوز اتفاقا في الأصح ففيه نظر ا ه‍. قوله: (أجزأه) أي إن
أصاب الماء قدر الفرض ط. قوله: (ولم يصر الماء مستعملا) لأن الماء لا يعطي له الاستعمال إلا
بعد الانفصال، والذي لاقى الرأس: أي وأخويه: أي الخف والجبيرة لصق به فطهره وغيره لم يلاقه
فلا يستعمل، وفيه نظر، كذا في الفتح. قوله: (اتفاقا) أي بين الصاحبين. قوله: (على الصحيح)
قيد للاتفاق، ومقابله ما قيل: إنه لو نوى لا يجزئ عند محمد. قوله: (جميع اللحية) بكسر اللام
وفتحها. نهر، وظاهر كلامهم أن المراد بها الشعر النابت على الخدين من عذار وعارض والذقن. وفي
شرح الارشاد: اللحية الشعر النابت بمجتمع الخدين والعارض ما بينهما وبين العذار وهو القدر
المحاذي للاذن، يتصل من الأعلى بالصدغ ومن الأسفل بالعارض بحر. قوله: (يعني عمليا) ذكر
بعضهم أن التفسير بأي للبيان والتوضيح والتفسير: يعني لدفع السؤال وإزالة الوهم، كذا في حاشية
البحر للخير الرملي، وهنا كذلك لأنه دفع ما يتوهم من إطلاق الفرض أنه القطعي، مع أن الآية لا
تدل دلالة قطعية على انتقال حكم ما تحت اللحية من البشرة إليها. قوله: (أيضا) أي كما أن مسح
ربع الرأس كذلك ط. قوله: (ما عدا هذه الرواية) أي من رواية مسح الكل أو الربع أو الثلث أو ما
يلاقي البشرة أو غسل الربع أو الثلث أو عدم الغسل والمسح، فالمجموع ثمانية. قوله: (كما في
البدائع) هذا الكتاب جليل الشأن، لم أر له نظيرا في كتبنا، وهو للامام أبي بكر بن مسعود بن أحمد
الكاساني شرح به تحفة الفقهاء لشيخه علاء الدين السمرقندي، فلما عرضه عليه زوجه ابنته فاطمة
بعد ما خطبها الملوك من أبيها فامتنع، وكانت الفتوى تخرج من دارهم وعليها خطها وخط أبيها
وزوجها. قوله: (ثم لا خلاف) أي بين أهل المذهب على جميع الروايات. ط. قوله: (أن المسترسل)
أي الخارج عن دائرة الوجه، وفسره ابن حجر في شرح المنهاج بما لو مد من جهة نزوله لخرج عن
دائرة الوجه، وعلى هذا فالنابت على أسفل الذقن لا يجب غسل شئ منه لأنه بمجرد ظهوره يخرج
عن حد الوجه، لان ذلك جهة نزوله وإن كان لو مد إلى فوق لا يخرج عن حد الجبهة، وكذا النابت
على أطراف الحنك من اللحية، وأما النابت على الخدين فيجب غسل ما دخل منه في دائرة الوجه
دون الزائد عليها ولذا قال في البدائع: الصحيح أنه يجب غسل الشعر الذي يلاقي الخدين وظاهر
الذقن لا ما استرسل من اللحية عندنا.
وعند الشافعي يجب، لان ما استرسل تابع لما اتصل وللتبع حكم الأصل.
ولنا أنه إنما يواجه إلى المتصل عادة لا إلى المسترسل فلم يكن وجها فلا يجب غسل ا ه‍،
فتأمل.
ثم رأيت المصنف في شرحه على زاد الفقير قال ما نصه: وفي المجتبى قال البقالي: وما نزل من
شعر اللحية من الذقن ليس من الوجه عندنا خلافا للشافعي ا ه‍. ولا رواية في غسل الذؤبتين إذا جاوزتا
108

القدمين في الجنابة، وكذا السلعة إذا تدلت عن الوجه. والصحيح أنه يجب غسلها في الجنابة وغسل
السلعة في الوضوء أيضا ا ه‍. قوله: (بل يسن) أي المسح لكونه الأقرب لمرجع الضمير وعبارة المنية
صريحة في ذلك، كذا في ح. قوله: (التي ترى بشرتها) قيد بذلك لأنه الذي لا خلاف فيه.
وأما في البدائع من أنه إذا نبت الشعر يسقط غسل ما تحته عند عامة العلماء كثيفا كان أو
خفيفا، لان ما تحته خرج من أن لا يكون وجها، لأنه لا يواجه به ا ه‍. فمحمول على ما إذا لم تر
بشرتها كما يشير إليه التعليل، فالخفيفة قسمان. والفرق بينها بالمعنى الثاني وبين الكثيفة العرف كما
هو وجه عند الشافعية. والأصح عندهم أن الخفيفة ما ترى بشرتها في مجلس التخاطب، أفاده في
الحلية. قوله: (لم يسترها الشعر) أما المستورة فساقط غسلها للحرج ط.
ويستثنى منه ما إذا كان الشارب طويلا يستر حمرة الشفتين، لما في السراجية من أن تخليل
الشارب الساتر حمرة الشفتين واجب ا ه‍. لأنه يمنع ظاهر وصول الماء إلى جميع الشفة أو بعضها
ولا يسمى إن كان كثيفا وتخليله محقق لوصول الماء إلى جميعها، وتمامه في الحلية. قوله: (ولا يعاد
الوضوء الخ) لان المسح على شعر الرأس ليس بدلا عن المسح عن البشرة لأنه يجوز مع القدرة
على مسح البشرة، ولو كان بدلا لم يجز ا ه‍. بحر.
بقي ما إذا كانت اللحية كثيفة، فإن ظاهر ما قدمناه عن الدرر عند قوله للحرج إن غسلها بدل
عما تحتها، ومقتضاه إعادة غسله بحلق الشعر فليراجع، لكن قول البحر هنا: لأنه يجوز مع القدرة
الخ، يفيد أنه ليس ببدل لأنه يصح غسل بشرتها. تأمل. قوله: (ولا بل المحل) عبر بالبل ليشمل
المسح والغسل. قوله: (الغسل للمحل الخ) الأولى تقديم الوضوء، لأنه المذكور في كلام المصنف
فيعود الضمير عليه، بل الأولى عدم ذكر شئ لظهور المراد، أفاده ط. قوله: (ظفره) مثلث
الظاء ط. قوله: (قرحة) أي جراحة ط. قوله: (كالدملة) مأخوذ من دمل بالفتح: بمعنى أصلح،
يقال دملت بين القوم: بمعنى أصلحت كما في الصحاح وصلاحها ببرئها، فتسمية القرحة دملا
تفاؤلا ببرئها، كالقافلة والمفازة ط. قوله: (وإن تألم بالنزع) في بعض النسخ بدون واو،
والأصوب وإن لم يتألم كما أفاده. ط. لأنه ذكر في التاترخانية وغيرها أنه إن نزع الجلدة بعد ما
برئ بحيث لم يتألم فعليه الغسل، وإن قبله بحيث يتألم فلا. والأشبه أنه لا يلزمه الغسل فيهما
جميعا وهو المأخوذ به ا ه‍. ملخصا، فحالة التألم لا خلاف فيها، فإذا قال: وإن لم يتألم، يعلم عدم
لزوم الغسل مع التألم بالأولى، لان القاعدة أن نقيض ما بعد إن ولو الوصليتين أولى بالحكم.
109

ويمكن الجواب بأنه أتى بالواو بدون لم لملاحظة التعليل بعدم البدلية، لان انتفاء البدلية عند
عدم التألم أولى منه عند التألم. تأمل. وعلى كل فنسخة إن تألم بدون واو غير صحيحة، فافهم.
قوله: (لعدم البدلية) علة لعدم الإعادة في المسائل كلها، وذلك لان البدلية تكون عند تعذر
الأصل، قوله: (بخلاف نزع الخف) أي فإنه بنزعه يغسل ما تحته لأنه بدل عن الغسل ظاهرا، فلما
نزعه سرى الحدث إلى القدم ط. قوله: (فصار) أي ما ذكر من الحلق والقلم والكشط. قوله: (ثم
حته أو قشره) هما بمعنى واحد كما في القاموس: أي حت محل المسح منه. قوله: (شقاق) هو
بالضم. وفي التهذيب قال الليث: هو تشقق الجلد من برد أو غيره في اليدين والوجه. وقال
الأصمعي: الشقاق في اليد والرجل من بدن الانسان والحيوان، وأما الشقوق فهي صدوع في الجبال
والأرض. وفي التكملة عن يعقوب: يقال بيد فلان شقوق ولا يقال شقاق، لان الشقاق في
الدواب: وهي صدوع في حوافرها وأرساغها. مغرب. قوله: (وإلا تركه) أي وإن لم يمسحه بأن لم
يقدر على المسح تركه قوله: (ولا يقدر على الماء) أي على استعماله لمانع في اليد الأخرى، ولا
يقدر على وضع وجهه ورأسه في الماء. قوله: (تيمم) زاد في الخزائن: وصلاته جائزة عنده خلافا
لهما، ولو كان في رجله فجعل فيه الدواء يكفيه إمرار الماء فوقه ولا يكفيه المسح، ولو أمره فسقط
إن عن برء يعيده وإلا فلا كما في الصغرى ا ه‍. ابن عبد الرزاق. قوله: (ولو قطع الخ) قال في
البحر: ولو قطعت يده أو رجله فلم يبق من المرفق والكعب شئ سقط الغسل، ولو بقي
وجب ا ه‍. ط. قوله: (ولو خلق له) أي من جانب واحد. قوله: (فلو يبطش) بالضم والكسر كما
في القاموس، والبطش قاصر على اليدين، فلو قال ويمشي بهما نظرا إلى الرجلين لكان حسنا ط.
قوله: (ولو بإحداهما الخ) أي ولو يبطش بإحداهما فهي الأصلية والأخرى زائدة لا يجب غسلها،
وظاهره ولو كانت تامة. وفي النهر: ولم أر حكم ما لو كانتا تامتين متصلتين أو منفصلتين، والظاهر
وجوب غسلهما في الأول وغسل واحدة في الثاني ا ه‍، فلم يعتبر البطش، والظاهر أنه يعتبر البطش
أولا، فإن بطش بهما وجب غسلهما، وإلا فإن كانتا تامتين متصلتين وجب غسلهما، وإن كانتا
منفصلتين لا يجب إلا غسل الأصلية التي يبطش بها، وهو حسن جمعا بين العبارتين ط. قوله:
(كأصبع) تنظير لا تمثيل، لان الكلام في اليد.
قوله: (وسننه الخ) اعلم أن المشروعات أربعة أقسام: فرض، وواجب، وسنة، ونفل، فما
كان فعله أولى من تركه مع منع الترك إن ثبت بدليل قطعي ففرض، أو بظني فواجب، وبلا منع
الترك إن كان مما واظب عليه الرسول (ص) أو الخلفاء الراشدون من بعده فسنة، وإلا فمندوب ونفل.
110

مطلب في السنة وتعريفها
والسنة نوعان: سنة الهدى، وتركها يوجب إساءة وكراهية كالجماعة والأذان والإقامة ونحوها،
وسنة الزوائد وتركها لا يوجب ذلك، كسير النبي عليه الصلاة والسلام في لباسه وقيامه وقعوده.
والنفل، ومنه المندوب يثاب فاعله ولا يسئ تاركه، قيل وهو دون سنن الزوائد.
ويرد عليه أن النفل من العبادات وسنن الزوائد من العادات، وهل يقول أحد إن نافلة الحج
دون التيامن في التنعل والترجل؟. كذا حققه العلامة ابن الكمال في تغيير التنقيح وشرحه.
أقول: فلا فرق بين النفل وسنن الزوائد من حيث الحكم لأنه لا يكره ترك كل منهما، وإنما
الفرق كون الأول من العبادات والثاني من العادات، لكن أورد عليه أن الفرق بين العبادة والعادة هو
النية المتضمنة للاخلاص كما في الكافي وغيره، وجميع أفعاله (ص) مشتملة عليها كما بين في محله.
وأقول: قد مثلوا لسنة الزوائد أيضا بتطويله عليه الصلاة والسلام القراءة والركوع والسجود،
ولا شك في كون ذلك عبادة، وحينئذ فمعنى كون سنة الزوائد عادة أن النبي (ص) واظب عليها حتى
صارت عادة له ولم يتركها إلا أحيانا، لان السنة هي الطريقة المسلوكة في الدين، فهي في نفسها
عبادة وسميت عادة لما ذكرنا. ولما لم تكن من مكملات الدين وشعائره سميت سنة الزوائد،
بخلاف سنة الهدى وهي السنن المؤكدة القريبة من الواجب التي يضلل تاركها، لان تركها استخفاف
بالدين، وبخلاف النفل فإنه كما قالوا: ما شرع لنا زيادة على الفرض والواجب والسنة بنوعيها، ولذا
جعلوا قسما رابعا وجعلوا منه المندوب والمستحب، وهو ما ورد به دليل ندب يخصه كما في
التحرير، فالنفل: ما ورد به دليل ندب عموما أو خصوصا ولم يواظب عليه النبي (ص)، ولذا كان
دون سنة الزوائد كما صرح به في التنقيح. وقد يطلق النفل على ما يشمل السنن الرواتب، ومنه
قولهم باب الوتر والنوافل، ومنه تسمية الحج نافلة لان النفل الزيادة وهو زائد على الفرض، مع أنه
من شعائر الدين العامة، ولا شك أنه أفضل من تثليث غسل اليدين في الوضوء ومن رفعهما
للتحريمة مع أنهما من السنن المؤكدة فتعين ما قلنا، وبه اندفع ما أورده ابن الكمال، فاغتنم تحقيق
هذا المحل فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب، والله تعالى أعلم بالصواب. قوله: (أفاد الخ) حيث
ذكر السنن عقب الأركان هنا وفي الغسل ولم يذكر لهما واجبا، ولو لم يكن كلامه مفيدا ذلك لقدم
ذكر الواجب على السنن لأنه أقوى، فمقتضى الصناعة تقديمه. وأراد بالواجب ما كان دون الفرض
في العمل، وهو أضعف نوعي الواجب، لا ما يشمل النوع الآخر وهو ما كان في قوة الفرض في
العمل، لان غسل المرفقين والكعبين ومسح ربع الرأس من هذا النوع الثاني، وكذا غسل الفم
والأنف في الغسل، لان ذلك ليس من الفرض القطعي الذي يكفر جاحده. تأمل. ثم رأيت التصريح
بذلك في شرح الدر للشيخ إسماعيل. واحترز بقوله للوضوء وللغسل عن نفس الوضوء والغسل،
فإن الوضوء يكون فرضا وواجبا وسنة ونفلا كما قدمه الشارح، وكذا الغسل على ما يأتي في محله.
قوله: (وجمعها) أي السنن حيث أتى بها بصيغة الجمع ولم يأت بها مفردة كما قال في الكنز وسنته.
قوله: (مستقلة بدليل وحكم) قال ابن الكمال: أما الأول فظاهر عند من تأمل في الهداية وسائر
111

الكتب المطولة، وأما الثاني فلان ما يترتب على فعل السنة وتركها من الثواب والعقاب يترتب على
كل فعل منها وتركه منفردة كانت أو مجتمعة مع أخواتها، وليس الامر في الفرض كذلك، فإن فرض
الوضوء مجموع غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس لا أن كلا منها فرض مستقل يترتب على فعله
وتركه حكم الفرض ولذلك أثر فيه صيغة المفرد، ومن لم يتنبه لهذه الدقيقة الأنيقة سلك في
الموضعين مسلك الافراد اه‍
وعلى هذا فكان الأنسب للمصنف أن يقول فيما مر: وركن الوضوء، بالافراد لاتحاد الدليل
وهو الآية، واتحاد الحكم بدليل فساد البعض بترك البعض. قاله في البحر فافهم. قوله: (ما يؤجر
الخ) من مصدرية لا موصولة أو موصوفة واقعة على السنة، لان الحكم الثابت لها الاجر واللوم على
الفعل والترك، وليس الحكم هو الفعل الذي يؤجر عليه، إلا أن يقال إنها موصولة أو موصوفة واقعة
على الاجر والعائد محذوف: أي الاجر الذي يؤجره: وعلى كل فالمناسب تأنيث الضمير في فعله
وتركه، فافهم. قوله: (ويلام) أي يعاتب بالتاء لا يعاقب كما أفاده في البحر والنهر، لكن في التلويح
ترك السنة المؤكدة قريب من الحرام يستحق حرمان الشفاعة، لقوله عليه الصلاة والسلام: من ترك
سنتي لم ينل شفاعتي ا ه‍. وفي التحرير أن تاركها يستوجب التضليل واللوم ا ه‍. والمراد الترك بلا
عذر على سبيل الاصرار كما في شرح التحرير لابن أمير حاج، ويؤيده ما سيأتي في سنن الوضوء
من أنه لو اكتفى بالغسل مرة، إن اعتاد أثم وإلا لا. وفي البحر من باب صفة الصلاة: الذي يظهر
من كلام أهل المذهب أن الاسم منوط بترك الواجب أو السنة المؤكدة على الصحيح، لتصريحهم بأن
من ترك سنن الصلوات الخمس قيل لا يأثم، والصحيح أنه يأثم. ذكره في فتح القدير، وتصريحهم
بالاثم لمن ترك الجماعة مع أنها سنة مؤكدة على الصحيح وكذا في نظائره لمن تتبع كلامهم، ولا
شك أن الاثم مقول بالتشكيك بعضه أشد من بعض، فالاثم لتارك السنة المؤكدة أخف من الاثم
لتارك الواجب ا ه‍. قال في النهر هناك: ويؤيده ما في الكشف الكبير معزيا إلى أصول أبي اليسر:
حكم السنة أن يندب إلى تحصيلها ويلام على تركها مع لحوق إثم يسير. قوله: (وكثيرا الخ) مفعول
مطلق وما زائدة لتأكيد الكثرة: أي ويعرفون بالحكم تعريفا كثيرا. قوله: (لأنه الخ) المحط:
موضع الحط مقابل الرفع، ومواقع: جمع، موقع مصدر ميمي بمعنى الوقوع، والانظار جمع نظر:
بمعنى التأمل والتفكر: أي لان الحكم هو محل وقوع أنظارهم: أي إنه المقصود للفقهاء. قوله:
(وعرفها الشمني) أي عرف السنة اصطلاحا، أما هي لغة: فالطريقة مطلقا ولو قبيحة ط. قوله: (أو
بفعله) ينبغي زيادة أو تقريره إلا أنه داخل في الفعل لأنه عدم النهي يقع بين يديه عليه الصلاة
والسلام: يعني أنه كف، والكف فعل من أفعال النفس ط. قوله: (وليس بواجب) مراده به ما يعم
الفرض ط. قوله: (لكنه تعريف لمطلقها) أي لمطلق السنة الشامل. لقسميها، وهم السنة المؤكدة
المسماة سنة الهدى، وغير المؤكدة المسماة سنة الزوائد. وأما المستحب المرادف للنفل والمندوب
فهو قسيم لها لا قسم منها كما قدمناه، فافهم. وأفاد بالاستدراك أن المراد من السنة هنا هو القسم
الأول، وبه صرح في النهر. تأمل. قوله: (ولو حكما) كعدم الانكار على من لم يفعل لأنه ينزل
112

منزلة الترك حقيقة، فدخل الاعتكاف في العشر الأخير من رمضان، لأنه عليه الصلاة والسلام وإن
واظب عليه من غير ترك ومقتضاها وجوب الاعتكاف، لكن لما لم ينكر عليه الصلاة والسلام
على من لم يعتكف كان ذلك منزلا منزلة الترك حقيقة، والمراد أيضا المواظبة ولو حكما لتدخل
التراويح، فإنه (ص) بين العذر في التخلف عنها وهو خوف أن تفرض علينا ط. عن أبي السعود.
ومفاده أن المواظبة بلا ترك تفيد الوجوب. قال في البحر: وظاهر الهداية يخالفه، فإنه في
الاستدلال على سنية المضمضة والاستنشاق قال: لأنه عليه الصلاة والسلام فعلهما على المواظبة،
ثم قال في البحر: والذي ظهر للعبد الضعيف أن السنة ما واظب عليه النبي (ص)، لكن إن كانت
لا مع الترك، فهي دليل السنة المؤكدة، وإن كانت مع الترك أحيانا فهي دليل غير المؤكدة، وإن
اقترنت بالانكار على من لم يفعله فهي دليل الوجوب، فافهم هذا فإن به يحصل التوفيق ا ه‍. قال
في النهر: وينبغي أن يقيد هذا بما إذا لم يكن ذلك الفعل المواظب عليه مما اختص وجوبه به
عليه الصلاة والسلام، أما إذا كان كصلاة الضحى فإن عدم الانكار على من لم يفعل لا يصح أن
ينزل منزلة الترك، ولا بد أن يقيد الترك بكونه لغير عذر كما في التحرير ليخرج المتروك لعذر
كالقيام المفروض، وكأنه إنما تركه لان الترك لعذر لا يعد تركا ا ه‍. قوله: (وأورد عليه الخ) أي
على تعريف الشمني، وحاصله النقض بعدم المنع، لأنه إذا كان الأصل في الأشياء التوقف بمعنى
عدم العلم بالحكم، هل هو الإباحة أو الحظر؟ لاتعلم إباحة المباح إلا بقوله عليه الصلاة
والسلام أو فعله، فيدخل في تعريف السنة إلا أن يزاد في التعريف ولا مباح. قال ط: وكذا يرد
المباح على القول بأن الأصل الحظر. قوله: (إلا أن الفقهاء الخ) جواب عن الايراد. قال في
الصحاح: اللهج بالشئ: الولوع به. وقد لهج بالكسر يلهج لهجا: إذا غرى به ا ه‍. والمعنى
أنهم ينطقون به كثيرا. ط.
مطلب: المختار أن الأصل في الأشياء الإباحة
أقول: وصرح في التحرير بأن المختار أن الأصل الإباحة عند الجمهور من الحنفية
والشافعية ا ه‍. وتبعه تلميذه العلامة قاسم، وجرى عليه في الهداية من فصل الحداد: وفي الخانية
من أوائل الحظر والإباحة. وقال في شرح التحرير: وهو قول معتزلة البصرة وكثير من الشافعية وأكثر
الحنفية لا سيما العراقيين، قالوا: وإليه أشار محمد فيمن هدد بالقتل على أكل الميتة أو شرب الخمر
فلم يفعل حتى قتل بقوله: خفت أن يكون آثما، لان أكل الميتة وشرب الخمر لم يحرما إلا بالنهي
عنهما، فجعل الإباحة أصلا والحرمة بعارض النهي ا ه‍. ونقل أيضا أنه قول أكثر أصحابنا وأصحاب
الشافعي الشيخ أكمل الدين في شرح أصول البزدوي، وبه علم أن قول الشارح في باب استيلاء
الكفار أن الإباحة رأي المعتزلة: فيه نظر، فتدبر. قوله: (فالتعريف بناء عليه) أي على أن الأصل
الإباحة.
أقول: هذا الجواب نافع فيما سكت عنه الشارع وبقي على الإباحة الأصلية، أما ما نص على
113

إباحته أو فعله عليه الصلاة والسلام فلا ينفع، وقد نص في التحرير على أن المباح يطلق على متعلق
الإباحة الأصلية كما يطلق على متعلق الإباحة الشرعية. فالأحسن في الجواب أن يقال: المراد بقوله
في التعريف ما ثبت ثبوت طلبه لا ثبوت شرعيته والمباح غير مطلوب الفعل وإنما هو مخير فيه.
قوله: (البداية) قيل الصواب البداءة بالهمزة فيه نظر، فقد ذكر في القاموس من اليائي: بديت
بالشئ وبديت: ابتدأت ا ه‍: أي بفتح الدال وكسرها.
مطلب: الفرق بين النية والقصد والعزم
قوله: (بالنية) بالتشديد وقد تخفف. قهستاني. وهي لغة: عزم القلب على الشئ، واصطلاحا
كما في التلويح: قصد الطاعة والتقرب إلى الله تعالى في إيجاد الفعل، ودخل فيه المنهيات. فإن
المكلف به الفعل الذي هو كف النفس ثم العزم والقصد، والنية اسم للإرادة الحادثة، لكن العزم
المتقدم على الفعل والقصد المقترن به والنية المقترن به مع دخوله تحت العلم بالمنوي، وتمامه في
البحر.
مطلب: الفرق بين الطاعة والقربة والعبادة
قوله: (أي نية عباده) الأولى التعبير بالطاعة ليشمل نحو مس المصحف، فقد ذكر شيخ
الاسلام زكريا: أن الطاعة فعل ما يثاب عليه توقف على نية أو لا، عرف من يفعله لأجله أو لا.
والقربة: فعل ما يثاب عليه بعد معرفة من يتقرب إليه به وإن لم يتوقف على نية. والعبادة: ما يثاب
على فعله ويتوقف على نية، فنحو الصلوات الخمس والصوم والزكاة والحج من كل ما يتوقف على
النية: قربة وطاعة وعبادة، وقراءة القرآن والوقف والعتق والصدقة ونحوها مما لا يتوقف على نية:
قربة وطاعة لا عبادة، والنظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى طاعة لا قربة ولا عبادة ا ه‍. وقواعد
مذهبنا لا تأباه. حموي. وإنما لم يكن النظر قربة لعد المعرفة بالمتقرب إليه لان المعرفة تحصل بعده
ولا عبادة لعدم التوقف على النية. قوله: (لا تصح) الأولى لا تحل كما في الفتح ليشمل مثل مس
المصحف والطواف ا ه‍. ح.
وفيه: أنه لو قصد مس المصحف لم يكن آتيا بالسنة، كما أنه لو تيمم له لم تجز له الصلاة
به، فإن النية المسنونة في الوضوء هي المشروطة في التيمم، كذا في حاشية شيخ مشايخنا الرحمتي.
وبيانه أن الصلاة تصح عندنا بالوضوء ولو لم يكن منويا بخلاف التيمم، وإنما تسن النية في الوضوء
ليكون عبادة، فإنه بدونها لا يسمى عبادة مأمورا بها كما يأتي وإن صحت به بالصلاة، بخلاف التيمم
فإن النية شرط لصحة الصلاة به، فالنية في الوضوء شرط لكونه عبادة، وفي التيمم شرط لصحة
الصلاة به، ولما لم تصح الصلاة بالتيمم المنوي به استباحة مس المصحف علم أن الوضوء المنوي
بين ذلك ليس عبادة، لكن قد يقال: لا يلزم من عدم صحة الصلاة بالتيمم المذكور عدم كون ذلك
الوضوء عبادة، لان صحة الصلاة أقوى، على أن طهارة التيمم ضرورية فيحتاط في شروطها، ولذا
شرطوا في التيمم نية عبادة مقصودة، وظاهر كلامهم هنا أن كون العبادة مقصودة غير شرط في النية
المسنونة للوضوء فيدخل مثل مس المصحف، والله تعالى أعلم. قوله: (كوضوء الخ) فيه أن
الوضوء ورفع الحدث ليسا عبادة لعدم توقفهما على النية عندنا، بل هما قربة وطاعة كما علمت،
114

على أنهما ليسا مما لا يحل إلا بالطهارة كما أفاده ح لان الوضوء عين الطهارة ورفع الحدث، وكذا
امتثال الامر بالوضوء لا زمان من لوازم وجودها، فقوله: كوضوء ليس تمثيلا للعبادة بل تنظير
للمنوي، ولا يخفى أن الأصوب أن يقول: أو وضوء، بالعطف على عبادة، وما ذكره من الاكتفاء
بنية الوضوء هو ما جزم به في الفتح وأيده في البحر والنهر، حيث ذكر أن المستفاد من كلامهم أن
نية الطهارة لا تكفي في تحصيل السنة، وكأنه لأنها متنوعة إلى إزالة الحدث والخبث فلم ينو
خصوص الطهارة الصغرى، فعلى هذا لو نوى الوضوء كفى لأنه رفع الحدث سواء، بل هو أخص
منه لان رفع الحدث يشمل الغسل فكان الوضوء أولى ا ه‍.
لا يقال: تنوع رفع الحدث إلى الوضوء والغسل يقتضي أن يكون كالطهارة. لأنا نقول: تنوعه
لا يضر، لان الغسل في ضمنه وضوء، فلم يكن ناويا خلاف ما أراد، بخلاف تنوع الطهارة، فافهم.
وقد مشى القدوري في مختصره على الاكتفاء بنية الطهارة ووافقه في السراج، لكن ظاهر كلام
الزيلعي أنه خلاف المذهب. وفي الأشباه: وعند البعض نية الطهارة تكفي.
أقول: ويؤيده ما في تيمم البدائع عن القدوري: الصحيح من المذهب أنه إذا نوى الطهارة
أجزأه، وحزم به في البحر هناك، لكن يفرق بأن الطهارة بالتراب لا تتنوع بخلافها بالماء. وذكر في
البحر هناك أيضا أن نية التيمم لا تكفي لصحته على المذهب خلافا لما في النوادر، ولا اعتماد عليه
بل المعتمد اشتراط نية مخصوصة ا ه‍. ولعل الفرق بين التيمم والوضوء أن كل وضوء تصح به
الصلاة، بخلاف التيمم، فإن منه ما لا تصح به الصلاة كالتيمم لمس، فلذا لم تصح نية
التيمم المطلق. تأمل هذا. وأورد في البحر على قوله: أو امتثال أمر أنه لا يتأتى قبل دخول الوقت
إذ ليس مأمورا به، إلا أن يقال: إن الوضوء لا يكون نفلا لأنه شرط للصلاة وشرطها فرض ولا يخفى
ما فيه ا ه‍. وأجاب ط بأنه مأمور به على طريق الندب قبل الوقت وهو إحدى الثلاث التي المندوب
فيها أفضل من الفرض ا ه‍.
أقول: على القول بأن سبب وجوبه الحدث يكون مأمورا به قبل الوقت وجوبا موسعا إلى
القيام إلى الصلاة كما سبق تقريره.
بقي هنا شئ، وهو أنه إذا أراد تجديد الوضوء لا ينوي إزالة الحدث ولا إباحة الصلاة.
ويمكن دفعه بأن ينوي التحديد فإنه مندوب إليه فيكون عبادة كما في شرح الشيخ إسماعيل عن شرح
البرجندي.
أقول: فيه إن التجديد ليس عبادة لا تحل إلا بالطهارة، فالأحسن أن يقال: إنه ينوي الوضوء
بناء على أن نيته تكفي، أو ينوي امتثال الامر، لان المندوب مأمور به حقيقة أو مجازا على الخلاف
بين الأصوليين. قوله: (وصرحوا بأنه بدونها) أي الوضوء بدون النية ليس عبادة، وذلك كأن دخل
الماء مدفوعا أو مختارا لقصد التبرد أو لمجرد إزالة الوسخ كما في الفتح. قال في النهر: لا نزاع
لأصحابنا: أي مع الشافعي في أن الوضوء المأمور به لا يصح بدون النية، إنما نزاعهم في توقف
الصلاة على الوضوء المأمور به وأشار أبو الحسن الكرخي إلى هذا. وقال الدبوسي في أسراره:
115

وكثير من مشايخنا يظنون أن المأمور به من الوضوء يتأدى من غير نية، وهذا غلط فإن المأمور به
عبادة والوضوء بغير نية ليس بعبادة. وفي مبسوط شيخ الاسلام: لا كلام في أن الوضوء المأمور به
لا يحصل بدون النية، لكن صحة الصلاة لا تتوقف عليه لان الوضوء المأمور به غير مقصود، وإنما
المقصود الطهارة وهي تحصل بالمأمور به وغيره، لأن الماء مطهر بالطبع ا ه‍. قوله: (ويأثم بتركها)
أي إثما يسيرا كما قدمناه عن الكشف، والمراد الترك بلا عذر على سبيل الاصرار كما قدمناه أيضا
عن شرح التحرير، وذلك لأنها سنة مؤكدة لمواظبته ص) عليها كما حققه في الفتح ردا على القدوري
حيث جعلها مستحبة. قوله: (وبأنها فرض الخ) الصواب أن يقال: وبأنها شرط في كون الوضوء
عبادة لا مفتاحا للصلاة، فإن تارك النية لا يعاقب عقاب ترك الفرض وانتفاء اللازم يستلزم انتفاء
الملزوم، والشرط لا يكون فرضا إلا إذا كان شرط الصحة، وهذا ليس كذلك، بل هو شرط في
كون الوضوء عبادة فقط ا ه‍. ح. يؤيده أن آية الوضوء لا دلالة لها على اشتراط النية كما حققه
العلامة ابن كمال في شرحه على الهداية، ونقله عنه الحموي في حاشية الأشباه. وفي البحر:
وليست النية بشرط في كون الوضوء مفتاحا للصلاة، إنما هي شرط في كونه سببا للثواب على
الأصح، وقيل يثاب بغير نية ا ه‍. قوله: (بسؤر حمار) نقله في البحر عن شرح المجمع والوقاية معزيا
للكفاية وفي الفتح: واختلفوا في النية بالتوضؤ به، والأحوط أن ينوي ا ه‍. والظاهر أن المراد أن
الأحوط القول بلزوم النية. تأمل. قوله: (ونبيذ تمر) أي على القول الضعيف بجواز الوضوء به فهو
كالتيمم لأنه بدل عن الماء، حتى لا يجوز به حال وجود الماء وينتقض به إذا وجد. ذكره القدوري
في شرحه عن أصحابنا. فتح. والظاهر أن العلة في سؤر الحمار كذلك، لأنه إنما يتوضأ به مع
التيمم عند فقد الماء كما يأتي قوله: (وبأن وقتها) معطوف على قوله بأنه بدونها. قوله: (ينبغي أن
تكون) أي النية. والذي رأيته في الأشباه يكون بالياء التحتية: أي يكون وقتها، فعلى الأول ينبغي
بمعنى بطلب، وعلى الثاني هي ما يستعملها العلماء في مقام البحث فيما لا نقل فيه وهو المتبادر
من الأشباه. قوله: (قلت لكن الخ) استدراك على الأشباه بأن ما بحثه منقول كما ذكره الحموي،
والأظهر أنه استدراك على قوله عند غسل الوجه. قال في (إمداد الفتاح): وأما وقتها فعند ابتداء
الوضوء حتى قبل الاستنجاء ا ه‍: أي لان الاستنجاء من سنن الوضوء بل من أقوى سننه كما صرحوا
به: ولهذا قيل: كان ينبغي ذكره هنا.
مطلب: سائر بمعنى باقي لا بمعنى جميع
قوله: (قبل سائر السنن) سائر هنا بمعنى باقي لا بمعنى جميع، وإلا لكان محلها قبل
نفسها ا ه‍. ح. وأفاد في القاموس أن استعماله بالمعنى الثاني وهم أو قليل. قوله: (فلا تسن الخ)
حاصله أنه ليس محل سنيتها عندنا هو محل فرضيتها عند الشافعي الذي هو قبيل غسل الوجه. قوله:
116

(لذي الفهم) أي الادراك متعلق بقوله: أتت أو بقوله تحكي أي تذكر، أو بسؤالات أو حال منه،
ومثله قوله في النية لكن يزيد عليه جواز تعلقه بعالم على أن في بمعنى الباء. قوله: (حقيقة)
قدمنا بيان حقيقتها لغة واصطلاحا. قوله: (حكم) هو أنها سنة في الوضوء والغسل، وشرط في
المقاصد من العبادات كالصلاة والزكاة، وفي التيمم، وفي الوضوء بنبيذ التمر وسؤر الحمار، وفي
نحو الكفارات، وفي صيرورة المنوي بها عبادة. قوله: (محل) هو القلب، فلا يكفي التلفظ باللسان
دونه، إلا أن لا يقدر أن يحضر قلبه لينوي به، أو يشك في النية فيكفيه اللسان. وهل يستحب التلفظ
بها أو يسن أو يكره؟ فيه أقوال، اختار في الهداية الأول لمن لا تجتمع عزيمته. وفي الفتح لم ينقل
عن النبي (ص) وأصحابه التلفظ بها لا في حديث صحيح ولا ضعيف، وزاد ابن أمير حاج: ولا عن
الأئمة الأربعة، وتمامه في الأشباه في بحث النية. قوله: (زمن) هو أول العبادات ولو حكما، كما
لو نوى الصلاة في بيته ثم حضر المسجد وافتتح الصلاة بتلك النية بلا فاصل يمنع البناء، وكنية
الزكاة عند عزل ما وجب، ونية الصوم عند الغروب، والحج عند الاحرام، كما بسطه في الأشباه.
قوله: (وشرطها) هو الاسلام والتمييز والعلم بالمنوي وأن لا يأتي بمناف بين النية والمنوي، وبيانه
في الأشباه. قوله: (والقصد) أي المقصود منها مصدر بمعنى اسم المفعول. قال في الأشباه: قالوا:
المقصود منها تمييز العبادات من العادات وتمييز بعض العبادات عن بعض كالامساك عن المفطرات
قد يكون حمية أو لعدم الحاجة إليه، فما لا يكون عادة أو لا يلتبس بغيره لا تشترط، كالايمان بالله
تعالى والمعرفة والخوف والرجاء والنية وقراءة القرآن والأذكار والاذان. قوله: (والكيفية) أي الهيئة،
وهو منسوب لكيف اسم الاستفهام لأنها من شأنها أن يسأل بها عن حال الأشياء، فما يجاب به يقال
فيه كيفية، فهي الهيئة التي يجاب بها السائل عن حال شئ بقوله: كيف هو؟ كقوله كيف زيد؟ فتقول
صحيح أو سقيم، فيقال هنا ينوي في الوضوء والغسل، والتيمم استباحة ما لا يحل إلا بالطهارة أو
رفع الحدث مثلا هذا ما ظهر لي، ثم رأيت نحوه في الامداد، فافهم. قوله: (قولا) أشار به إلى
أنه لا تنافي بين سنية الابتداء بها وبالنية وبغسل اليدين، لأن النية محلها القلب والتسمية محلها اللسان
وغسل اليدين بالفعل، أفاده ط، لكن في الشرنبلالية أن مراعاة استحباب التلفظ بالنية يفوت البدء
بالتسمية حقيقة فيكون إضافيا ا ه‍. قوله: (وتحصل بكل ذكر) فلو كبر أو هلل أو حمد كان مقيما
للسنة: يعني لأصلها وكمالها بما يأتي، أفاده في النهر. قوله: (لكن الوارد الخ) قال في الفتح:
لفظها المنقول عن السلف، وقيل عن النبي (ص) باسم الله العظيم، والحمد لله على الاسلام وقيل
الأفضل: بسم الله الرحمن الرحيم بعد التعوذ. وفي المجتبى: يجمع بينهما ا ه‍. وفي شرح الهداية
للعيني: المروي عن رسول الله (ص) باسم الله، والحمد لله رواه الطبراني في الصغير عن أبي
هريرة بإسناد حسن ا ه‍. قوله: (قبل الاستنجاء) لأنه من الوضوء، والبداءة في الوضوء شرعت
بالتسمية، حلية، وفيها: ثم هذا كله: أي ما ذكر من ألفاظ التسمية عند ابتداء الوضوء. أما عند
الاستنجاء ففي الصحيحين: أنه (ص) كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث
117

والخبائث وزاد سعيد بن منصور وأبو حاتم وابن السكن في أوله بسم الله. والخبث: بضمتين،
ويجوز تسكين الباء على الأصح جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة، قيل: المراد بهما ذكران الشياطين
وإناثهم، وقيل غير ذلك. قوله: (وبعده) لأنه حال مباشرة الوضوء. درر وفيها أن عند بعض
المشايخ تسن قبله، وعند بعضهم بعده، فالأحوط أن يجمع بينهما ا ه‍. واختاره في الهداية
وقاضيخان. قوله: (إلا حال انكشاف الخ) الظاهر أن المراد أنه يسمى قبل رفع ثيابه إن كان في غير
المكان المعد لقضاء الحاجة، وإلا فقبل دخوله، فلو نسي فيها سمي بقلبه، ولا يحرك لسانه تعظيما
لاسم الله تعالى. قوله: (بل المندوب) قال في السراج: إنه يأتي بها لئلا يخلو وضوءه عنها، وقالوا:
إنها عند غسل كل عضو مندوبة. نهر. قوله: (وأما الاكل الخ) أي إذا نسيها في ابتدائه.
واعلم أن الزيلعي ذكر أنه لا تحصل السنة في الوضوء، وقال بخلاف الاكل لان الوضوء عمل
واحد، بخلاف الاكل فإن أكل لقمة فعل مبتدأ. قال في البحر: ولهذا قال في الخانية: لو قال: كلما
أكلت اللحم فلله علي أن أتصدق بدرهم، فعليه بكل لقمة درهم لان كل لقمة أكل ا ه‍. وذكر في
الفتح أن هذا التعليل يستلزم في الاكل تحصيل السنة في الباقي، لا استدراك ما فات. وقال شارح
المنية: والأولى أنه استدرك لما فات لقوله (ص): إذا أكل أحدكم فنسي أن يذكر اسم الله على
طعامه فليقل بسم الله أوله وآخره رواه أبو داود والترمذي، ولا حديث في الوضوء ا ه‍. أي فلو لم
يكن فيه استدراك لما فات لم يكن لقوله أوله فائدة، ولا يمكن الاستدراك في الوضوء بقوله بسم الله
أوله وآخره، لان الحديث وارد في الاكل ولا حديث في الوضوء.
وقد يقال: إذا حصل به الاستدراك في الاكل مع أنه أفعال متعددة يحصل في الوضوء بالأولى،
لأنه فعل واحد فيستفاد ذلك بدلالة النص لا بالقياس، ويؤيده ما نقله العيني في شرح الهداية عن
بعض العلماء أنه إذا سمي في أثناء الوضوء أجزأه. قوله: (وليقل بسم الله الخ) أي إذا أراد تحصيل
السنة فيما فات، وكان الأولى أن يقول: ما لم يقل.
تتمة: ما ذكره المصنف من أن البداءة بالتسمية سنة هو مختار الطحاوي وكثير من المتأخرين.
ورجح في الهداية ندبها، قيل وهو ظاهر الرواية نهر. وتعجب صاحب البحر من المحقق ابن الهمام
حيث رجح هنا وجوبها، ثم ذكر في باب شروط الصلاة أن الحق ما عليه علماؤنا من أنها مستحبة.
كيف وقد قال الإمام أحمد: لا أعلم فيها حديثا ثابتا. قوله: (والبداءة بغسل يديه) (1) قال ابن الكمال:
السنة تقديم غسل اليد، وأما نفس الغسل ففرض، وللإشارة إلى هذا المعنى قال: البداءة بغسل يديه،
ولم يقل غسل يديه ابتداء كما قال غيره ا ه‍. قوله: (الطاهرتين) أما غسل النجستين فواجب. بحر.
قوله: (ثلاثا) لم يكتف بقول المصنف الآتي وتثليث الغسل، لان المتبادر منه أن المراد به غسل
الأعضاء الثلاثة، فافهم. قال في الحلية: والظاهر أنه لو نقص غسلهما عن الثلاث كان آتيا بالسنة
تاركا لكمالها، على أنه في رواية عند أصحاب السنن الأربع لحديث المستيقظ أنه (ص) قال مرتين أو
ثلاثا وقال الترمذي حسن صحيح. قوله: (قبل الاستنجاء وبعده) قال في النهر: ولا خفاء أن

(1) قوله: (بغسل يديه) لعلها نسخته التي كتب عليها، والا فالذي في نسخ الشارح بغسل اليدين، ا ه‍. مصححه.
118

الابتداء كما يطلق على الحقيقي يطلق على الإضافي أيضا، وهما سنتان لا واحدة ا ه‍. قوله: (وقيد
الاستيقاظ) أي الواقع في الهداية وغيرها تبعا لحديث الصحيحين إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا
يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ولفظ مسلم حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده.
قوله: (اتفاقي) أي غير مقصود الذكر للاحتراز عن غيره. قال في العناية: خص المصنف يعني
صاحب الهداية بالمستيقظ تبركا بلفظ الحديث، والسنة تشمل المستيقظ وغيره وعليه الأكثرون ا ه‍.
ومنهم من قال إنه مقصود، وإن غسلهما لغير المستيقظ أدب كما في السراج. وفي النهر: الأصح
الذي عليه الأكثر أنه سنة مطلقا، لكنه عند توهم لنجاسة مؤكدة، كما إذا نام لا عن استنجاء أو كان
على بدنه نجاسة وغير مؤكدة عند عدم توهمها، كما إذا نام إلا عن شئ من ذلك أو لم يكن
مستيقظا عن نوم ا ه‍. ونحوه في البحر. قوله: (ولذا) أي لكون القيد اتفاقيا وأن الغسل سنة مطلقا.
قوله: (بوقت الحاجة) أي إلى إدخالهما الاناء. ابن كمال: فيكون مفهومه أنه إذا لم يحتج إلى ذلك،
بأن كان الاناء صغيرا يمكن رفعه والصب منه لا يسن غسلهما مع أنه يسن مطلقا. قوله: (لان مفاهيم
الكتب حجة) علة للتوهم: أي أنه لو قال ذلك لتوهم ما ذكر لان الخ.
مطلب: في دلالة المفهوم
والمفاهيم: جمع مفهوم، وهو دلالة اللفظ على شئ مسكوت عنه. وهو قسمان: مفهوم
الموافقة، وهو أن يكون المسكوت عنه: أي غير المذكور موافقا للمنطوق: أي المذكور في الحكم،
كدلالة النهي عن التأفيف على حرمة الضرب، وهذا يسمى عندنا دلالة النص، وهو معتبر اتفاقا.
ومفهوم المخالفة بخلافه، وهو أقسام: مفهوم الصفة (1) والشرط والغاية والعدد واللقب، وهو معتبر
عند الشافعي إلا مفهوم اللقب. قال في التحرير: والحنفية ينفون مفهوم المخالفة بأقسامه في كلام
الشارح فقط ا ه‍. فأفاد أنه في الروايات ونحوها معتبر بأقسامه مفهوم اللقب، وهو تعليق الحكم
بجامد كقولك: صلاة الجمعة على الرجال الأحرار، فيفهم منه عدم وجوبها على النساء والعبيد.
وفي شرح التحرير عن شمس الأئمة الكردري أن تخصيص الشئ بالذكر لا يدل على نفي
الحكم عما عداه في خطابات الشارع، فأما ما في متفاهم الناس وعرفهم وفي المعاملات والعقليات
فيدل ا ه‍. وتوضيح هذا المحل يطلب من حواشينا على شرح المنار. قوله: (بخلاف أكثر مفاهيم
النصوص) كالآيات والأحاديث لكونها من جوامع الكلم، فتحتمل فوائد كثيرة، تقتضي تخصيص
المنطوق بالذكر، ولذا ترى الخلف يستفيدون منها ما لم يدركه السلف، بخلاف الرواية فإنه قلما
يقع فيها تفاوت الانظار، والمراد مفاهيم المخالفة. أما مفاهيم الموافقة فمعتبرة مطلقا كما قدمناه،
وقيده بالأكثر لان من النصوص ما يعتبر مفهومه كنص العقوبة كما يأتي. قوله: (وفيه من الحد) أي
في النهر من كتاب الحد عند ذكر الجنايات. قوله: (في الروايات) أي عن الأئمة والمراد في

(1) قوله: (مفهوم الصفة الخ) هو كقوله صلى الله عليه وسلم " في الغنم السائمة الزكاة " والشرط كقوله " إذا جاء الوقت وجبت الصلاة "
والغاية كقوله تعالى (وأتموا الصيام إلى الليل). والعدد كقولهم مثلا: في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض،
وفي كل خمس شاة، واللقب سيأتي مثاله ا ه‍.
119

قوله: (ومنه) أي من الذي يعبر مفهومه اتفاقا ط. قوله: (تقييده) أي ما ذكر من
اعتبار المفهوم في أقوال الصحابة ط. قوله: (بما يدرك بالرأي) أي ما للعقل فيه مجال وتصرف ط.
قوله: (لا ما لم يدرك به) (1) أي لأنه في حكم المرفوع والمرفوع نص، والنص لا يعتبر مفهومه ط
قول، ولهذا اتفق أصحابنا على تقليد الصحابة فيما لا يدرك بالرأي كما في أقل الحيض، قالوا: إنه
ثلاثة أيام أخذا بقول عمر رضي الله عنه، لتعين جهة السماع. قوله: (كما في قوله تعالى الخ) لان
أهل السنة ذكروا من جملة الأدلة على جواز رؤيته تعالى في الآخرة هذه الآية حيث جعل الحجب عن
الرؤية عقوبة للفجار، فيفهم منه أن المؤمنين لا يحجبون، وإلا لم يكن ذلك عقوبة للفجار. قوله:
(فأكثري لا كلي) يحمل عليه ما مر عن النهر، ومن غير الأكثر ما مر من تقييد الهداية بالمستيقظ.
قوله: (إلى الرسغين) تثنية رسغ بالسين والصاد، وبضم فسكون أو بضمتين. أفاده في القاموس. قوله: (مفصل الكف) على وزن منبر: ملتقى العظمين من الجسد. قاموس، وهو اسم جنس يصدق
على ما فوق الواحد فلذا ساغ تفسير المثنى به تأمل. قوله: (قال) أي الشاعر، وتساهلوا في حذف
فاعله لأنه معلوم، لأنه لا يقول النظم إلا شاعر ط. قوله: (لخنصره) أي الشخص المعلوم من
المقام ط. قوله: (في الوسط) في بعض النسخ ما وسط: أي ما توسط بينهما. قوله: (فخذ بالعلم)
الباء زائدة أو أصلية والمفعول محذوف: أي خذ هذه المسائل بعلم لا بظن، لأنه قد يوقع في الغلط،
أو ضمن خذ معنى الظفر. قوله: (ثم إن لم يمكن الخ) ثم للترتيب والتراخي في الاخبار، لأنه من
تتمة أول الكلام.
وفي كيفية الغسل تفصيل ذكر الشارح الخفي منه وترك الظاهر. قال في النهر: ثم كيفية هذا
الغسل أن الاناء إن أمكن رفعه غسل اليمنى ثم اليسرى ثلاثا، وإن لم يكن لكن معه إناء صغير
فكذلك، وإلا أدخل أصابع يده اليسرى مضمومة دون الكف وصب على اليمنى ثم يدخلها ويغسل
اليسرى ا ه‍. وفي البحر قالوا: يكره إدخال اليد في الاناء قبل الغسل للحديث وهي كراهة تنزيه،
لان النهي فيه مصروف عن التحريم بقوله: فإنه لا يدري أين باتت يده فالنهي محمول على الاناء
الصغير أو الكبير إذا كان معه إناء صغير، فلا يدخل اليد أصلا، وفي الكبير على إدخال الكف، كذا
في المستصفى وغيره. وفي شرح الأقطع: يكره الوضوء بالماء الذي أدخل المستيقظ يده فيه
لاحتمال النجاسة كالماء الذي أدخل الصبي يده فيه ا ه‍.
أقول: وظاهر التعليل أنه لو نام مستنجيا ولا نجاسة عليه لا يكره إدخال يده ولا الوضوء مما

(1) قوله: (لا ما لم يدرك به) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح لا ما لا يدرك به ا ه‍. مصححه.
120

أدخل يده فيه لعدم احتمال النجاسة. تأمل. قوله: (وصب على اليمنى) أي ثم يدخلها ويغسل
اليسرى كما مر. قوله: (لأجل التيامن) فيه جواب عما قيل: لا حاجة إلى الصب: على كل واحدة
من كفيه على حدة، لأنه يمكن غسل الكفين بما صبه على الكف اليمنى كما هو العادة. ورده في
الدرر بأن فيه ترجيحا لعادة العوام على عرف الشرع: أي لان عرف الشرع البداءة باليمين، وبأن نقل
البلة في الوضوء من إحدى اليدين أو الرجلين إلى الأخرى لا يجوز، بخلاف الغسل ا ه‍.
أقول: لكن ذكر في الحلية أن ظاهر الأحاديث الجمع بينهما، وأنه نص غير علمائنا على أنه
لا يستحب التيامن هنا كما في غسل الخدين والمنخرين ومسح الاذنين والخفين، إلا إذا تعذر ذلك
فحينئذ يقدم اليمين منهما، والقواعد لا تنبو عنه ا ه‍. ملخصا، لكن يشكل عليه مسألة نقل البلة.
وقد يجاب بأن نقل البلة يجوز هنا بدليل ظاهر الأحاديث، فتكون حينئذ عادة العوام موافقة
لعرف الشرع ولذا قال ابن حجر في التحفة: ويسن غسلهما معا للاتباع انتهى، فليتأمل. قوله: (ولو
أدخل الكف الخ) محترز قوله: أدخل أصابع يسراه. قوله: (إن أراد الغسل) أي غسل الكف. قوله:
(صار الماء مستعملا) أي الماء الملاقي للكف إذا انفصل لا جميع الماء. بحر. وفيه كلام طويل
سيأتي في بحث المستعمل. قوله: (لا) أي لا يصير مستعملا، ومثله إذا وقع الكوز في الجب
فأدخل يده إلى المرفق. بحر، وذلك للحاجة وإن وجدت علة الاستعمال وهي رفع الحدث كما
أفاده ح. قوله: (ولو لم يمكنه الاغتراف الخ) في البحر والنهر عن المضمرات، لو يداه نجستان أمر
غيره بالاغتراف والصب، فإن لم يجد أدخل منديلا فيغسل بما تقاطر منه، فإن لم يجد رفع الماء
بفيه، فإن لم يقدر تيمم وصلى ولا إعادة عليه اه‍. قال في البحر: وفي مسألة رفع الماء بفيه
اختلاف. والصحيح أنه يصير مستعملا وهو يزيل الخبث ا ه‍: أي فيزيل ما على يديه من الخبث ثم
يغسلهما للوضوء. أفاده ط. قوله: (وهو سنة) أراد بها مطلقها الشامل للمؤكدة وغيرها ح: أي لأنه
عند توهم النجاسة سنة مؤكدة، وعند عدمه غير مؤكدة كما قدمناه. قوله: (كما أن الفاتحة) أي قراءتها
واجبة وتنوب عن الفرض.
واعلم أن ما ذكره هنا من أنه سنة تنوب عن الفرض هو ما اختاره في الكافي وتبعه في الدرر،
وهو أحد أقوال ثلاثة، لكنه مخالف لما أشار إليه صدر كلامه حيث عبر بالبداءة بغسل يديه، فإنه
ظاهر في اختيار القول بأنه فرض، وتقديمه سنة كما قدمناه عن ابن كمال، وهذا ما اختاره في الفتح
والمعراج والخبازية، والسراج، لقول محمد في الأصل بعد غسل الوجه، ثم يغسل ذراعيه ولم يقل
يديه، فلا يجب غسلهما ثانيا. قال في البحر: وظاهر كلام المشايخ أنه المذهب. وقال السرخسي:
الأصح عندي أنه سنة لا تنوب عن الفرض فيعيد غسلهما.
واستشكله في الذخيرة بأن المقصود التطهير وقد حصل، وأجاب الشيخ إسماعيل النابلسي بأن
المراد عدم النيابة من حيث ثواب الفرض لو أتى به مستقلا قصدا، إذ السنة لا تؤديه ويؤديه اتفاقهم
121

على سقوط الحدث بلا نية ا ه‍.
وحاصله أن الفرض سقط لكن في ضمن الغسل المسنون لا قصدا، والفرض إنما يثاب عليه
إذا أتى به على قصد الفرضية، كمن عليه جنابة قد نسيها واغتسل للجمعة مثلا فإنه يرتفع حدثه ضمنا
ولا يثاب ثواب الفرض وهو غسل الجنابة ما لم ينوه، لأنه لا ثواب إلا بالنية، وحينئذ فيسن أن يعيد
غسل اليدين عند غسل الذراعين ليكون آتيا بالفرض قصدا، ولا ينوب الغسل الأول منابه من هذه
الجهة وإن ناب منابه من حيث إنه لو لم يعده سقط الفرض، كما يسقط لو لم ينو أصلا.
ويظهر لي على هذا أنه لا مخالفة بين الأقوال الثلاثة، لان القائل بالفرضية أراد أن يجزئ عن
الفرض، وأن تقديم هذا الغسل المجزئ عن الفرض سنة، وهو معنى القول بأنه سنة تنوب عن
الفرض. والظاهر أنه على هذين القولين يسن إعادة الغسل لما مر فتتحد الأقوال، والله تعالى أعلم.
قوله: (ويسن الخ) نقله في النهر عن الذخائر الأشرفية، وفيه تأييد لما ذكرناه آنفا حيث لم يقيده
بأحد الأقوال، إذ يبعد القول بأن إعادة غسلهما عبث وإسراف، فافهم. قوله: (والسواك) بالكسر:
بمعنى العود الذي يستاك به وبمعنى المصدر. قال في الدرر: هو المراد هاهنا فلا حاجة إلى تقدير
استعمال السواك ا ه‍. فالمراد الاستياك. قال الشيخ إسماعيل: وبه عبر في الفتح، وصرح به في
الغاية وغيرها، ونقله ابن فارس في مقياس اللغة وهو في المصباح المنير أيضا، فلا يرد ما قيل إنه
لم يوجد في الكتب المعتبرة ا ه‍. ونقله نوح أفندي أيضا عن الحافظ ابن حجر والعراقي والكرماني،
قال: وكفى بهم حجة. قوله: (سنة مؤكدة) خبر لمبتدأ محذوف إن قدر قوله: والسواك معطوفا على
ما قبله لا مبتدأ، وعلى العطف فهل هو مرفوع أو مجرور؟ استظهر في البحر تبعا للزيلعي الثاني ليفيد
أن الابتداء به سنة أيضا. واستظهر في النهر الأول لترجيح كونه عند المضمضة. ثم قيل إنه
مستحب، لأنه ليس من خصائص الوضوء، وصححه الزيلعي وغيره. وقال في الفتح: إنه الحق،
لكن في شرح المنية الصغير: وقد عده القدوري والأكثرون من السنن، وهو الأصح ا ه‍. قلت:
وعليه المتون. قوله: (عند المضمضة) قال في البحر: وعليه الأكثر، وهو الأولى لأنه أكمل في
الانفاء. قوله: (وهو للوضوء عندنا) أي سنة للوضوء. وعند الشافعي للصلاة. قال في البحر:
وقالوا فائدة الخلاف تظهر فيمن صلى بوضوء واحد صلوات يكفيه عندنا لا عنده. وعلله السراج
الهندي في شرح الهداية بأنه إذا استاك للصلاة ربما يخرج دم وهو نجس بالاجماع وإن لم يكن ناقضا
عند الشافعي. قوله: (إلا إذا نسيه الخ) ذكره في الجوهرة، ومفاده أنه لو أتى به عند الوضوء لا يسن
له أن يأتي به عند الصلاة، لكن في الفتح عن الغزنوية: ويستحب في خمسة مواضع: اصفرار السن،
وتغيير الرائحة، والقيام من النوم، والقيام إلى الصلاة، وعند الوضوء، لكن قال في البحر: ينافيه ما
نقلوه من أنه عندنا للوضوء لا للصلاة. ووفق في النهر بحمل ما في الغزنوية على ما في الجوهرة:
أي أنه للوضوء، وإذ نسيه يكون مندوبا للصلاة لا للوضوء، وهذا ما أشار إليه الشراح، لكن قال
الشيخ إسماعيل: فيه نظر بالنظر إلى تعليل السراج الهندي المتقدم ا ه‍.
122

أقول: هذا التعليل عليل، فقد رد بأن ذاك أمر متوهم مع أنه لمن يثابر عليه لا يدمي. ويظهر
لي التوفيق، بأن معنى قولهم هو للوضوء عندنا بيان ما تحصل به الفضيلة الواردة فيما رواه أحمد من
قوله (ص): صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك أي أنها تحصل بالاتيان به عند الوضوء.
وعند الشافعي لا تحصل إلا بالاتيان به عند الصلاة. فعندنا كل صلاة صلاها بذلك الوضوء لها هذه
الفضيلة خلافا له، ولا يلزم من هذا نفي استحبابه عندنا لكل صلاة أيضا حتى يحصل التنافي. وكيف
لا يستحب للصلاة التي هي مناجاة الرب تعالى مع أنه يستحب للاجتماع بالناس؟.
قال في إمداد الفتاح: وليس السواك من خصائص الوضوء، فإنه يستحب في حالات: منها
تغير الفم، والقيام من النوم، وإلى الصلاة، ودخول البيت، والاجتماع بالناس، وقراءة القرآن،
لقول أبي حنيفة: إن السواك من سنن الدين فتستوي فيه الأحوال كلها ا ه‍. وفي القهستاني: ولا
يختص بالوضوء كما قيل، بل سنة على حدة على ما في ظاهر الرواية. وفي حاشية الهداية أنه
مستحب في جميع الأوقات، ويؤكد استحبابه عند قصد التوضؤ فيسن أو يستحب عند كل صلاة ا ه‍.
وممن صرح باستحبابه عند الصلاة أيضا الحلبي في شرح المنية الصغير، وفي هداية ابن العماد أيضا،
وفي التاترخانية عن التتمة: ويستحب السواك عندنا عند كل صلاة ووضوء وكل ما يغير الفم وعند
اليقظة ا ه‍. فاغتنم هذا التحرير الفريد. قوله: (وأقله الخ) أقول: قال في المعراج: ولا تقدير فيه،
بل يستاك إلى أن يطمئن قلبه بزوال النكهة واصفرار السن، والمستحب فيه ثلاث بثلاث مياه ا ه‍.
والظاهر أن المراد لا تقدير فيه من حيث تحصيل السنة وإنما تحصيل باطمئنان القلب، فلو حصل
بأقل من ثلاث فالمستحب إكمالها كما قالوا في الاستنجاء بالحجر. قوله: (في الأعالي) ويبدأ من
الجانب الأيمن ثم الأيسر وفي الأسافل كذلك. بحر. قوله: (بمياه ثلاثة) بأن يبله في كل مرة.
قوله: (وندب إمساكه بيمناه) كذا في البحر، والنهر، قال في الدرر: لأنه المنقول المتوارث ا ه‍.
وظاهره أنه منقول عن النبي (ص)، لكن قال محشيه العلامة نوح أفندي: أقول: دعوى النقل تحتاج إلى
نقل ولم يوجد. غاية ما يقال: إن السواك إن كان من باب التطهير استحب باليمين كالمضمضة، وإن
كان من باب إزالة الأذى فباليسرى، والظاهر الثاني كما روي عن مالك. واستدل للأول بما ورد في
بعض طرق حديث عائشة: أنه (ص) كان يعجبه التيامن في ترجله وتنعله وطهوره
وسواكه ورد بأن المراد البداءة بالجانب الأيمن من الفم ا ه‍. ملخصا. وفي البحر والنهر: والسنة
في كيفية أخذه أن يجعل الخنصر أسفله والابهام أسفل رأسه وباقي الأصابع فوقه كما رواه ابن
مسعود. قوله: (وكونه لينا) كذا في الفتح. وفي السراج: يستحب أن يكون لا السواك رطبا يلتوي
لأنه لا يزيل القلح وهو وسخ الأسنان، ولا يابسا يجرح اللثة وهي منبت الأسنان ا ه‍. فالمراد أن رأسه
الذي هو محل استعماله يكون لينا: أي لا في غاية الخشونة ولا غاية النعومة. تأمل. قوله: (بلا عقد)
في شرح درر البحار: قليل العقد. قوله: (في غلظ الخنصر) كذا في المعراج، وفي الفتح:
الإصبع. قوله: (وطول شبر) الظاهر أنه في ابتداء استعماله، فلا يضر نقصه بعد ذلك بالقطع منه
لتسويته. تأمل. وهل المراد شبر المستعمل أو المعتاد؟ الظاهر الثاني لأنه محمل الاطلاق غالبا. قوله:
(ويستاك عرضا لا طولا) أي لأنه يخرج لحم الأسنان. وقال الغزنوي: طولا وعرضا. والأكثر على
123

الأول. بحر. لكن وفق في الحلية بأنه يستاك عرضا في الأسنان وطولا في اللسان جمعا بين
الأحاديث. ثم نقل عن الغزنوي أنه يستاك بالمداراة خارج الأسنان وداخلها أعلاها وأسفلها ورؤوس
الأضراس وبين كل سنتين. قوله: (ولا يقبضه) أي بيده على خلاف الهيئة المسنونة. قوله: (ولا
يمصه) بضم الميم كيخص، وأما بلع الريق بلامص، ففي الحلية قال الحكيم الترمذي: وابلع ريقك
أول ما تستاك فإنه ينفع الجذام والبرص وكل داء سوى الموت، ولا تبلع بعده شيئا فإنه يورث
الوسوسة. يرويه زياد بن علاقة ا ه‍. قوله: (ولا يضعه الخ) أي لا يلقيه عرضا بل ينصبه طولا. قال
القهستاني: وموضع سواكه (ص) من أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، وأسوكة أصحابه خلف آذانهم
كما قال الحكيم الترمذي، وكان بعضهم يضعه في طي عمامته ا ه‍. قوله: (وإلا فخطر الجنون) فإنه
يروي عن سعيد بن جبير قال: من وضع سواكه بالأرض فجن من ذلك فلا يلومن إلا نفسه. حلية
عن الحكيم الترمذي. قوله: (ويكره بمؤذ) قال في الحلية: وذكر غير واحد من العلماء كراهته
بقضبان الرمان والريحان ا ه‍. وفي شرح الهداية للعيني: روى الحارث في مسنده عن ضمير بن
حبيب قال: نهى رسول الله (ص) عن السواك بعود الريحان وقال: إنه يحرك عرق
الجذام وفي النهر: ويستاك بكل عود إلا الرمان والقصب. وأفضله الأراك ثم الزيتون. روى
الطبراني نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة، وهو سواكي وسواك الأنبياء من قبلي.
مطلب في منافع السواك
قوله: (ومن منافعه الخ) في الشرنبلالية عن حاشية صحيح البخاري للفارضي: أن منها أنه
يبطئ بالشيب، ويحد البصر. وأحسنها أنه شفاء لما دون الموت، وأنه يسرع في المشي على
الصراط ا ه‍. ومنها ما في شرح المنية وغيره: أنه مطهرة للفم، ومرضاة للرب، ومفرحة للملائكة،
ومجلاة للبصر، ويذهب البخر والحفر، ويبيض الأسنان، ويشد اللثة، ويهضم الطعام، ويقطع البلغم،
ويضاعف الصلاة، ويطهر طريق القرآن، ويزيد في الفصاحة، ويقوي المعدة، ويسخط الشيطان،
ويزيد في الحسنات، ويقطع المرة، ويسكن عروق الرأس ووجع الأسنان، ويطيب النكهة، ويسهل
خروج الروح. قال في النهر: ومنافعه وصلت إلى نيف وثلاثين منفعة، أدناها إماطة الأذى، وأعلاها
تذكير الشهادة عند الموت، رزقنا الله ذلك بمنه وكرمه. قوله: (عنده) أي عند الموت. قوله: (أو
الإصبع) قال في الحلية ثم بأي أصبع استاك لا بأس به، والأفضل أن يستاك بالسبابتين، يبدأ بالسبابة
اليسرى ثم باليمنى، وإن شاء استاك بإبهامه اليمنى والسبابة اليمنى، يبدأ بالابهام من الجانب الأيمن
فوق وتحت، ثم بالسبابة من الأيسر كذلك. قوله: (كما يقوم العلك مقامه) أي في الثواب إذا وجدت
النية، وذلك أن المواظبة عليه تضعف أسنانها فيستحب لها فعله. بحر. وظاهره أنه لا يتقيد بحال
124

المضمضة ط. قوله: (ولذا عبر بالغسل) أفاد أن الاستيعاب يفاد بالغسل دون المضمضة
والاستنشاق، وفيه نظر فإنهما كذلك. فالمضمضة اصطلاحا: استيعاب الماء جميع الفم. وفي اللغة:
التحريك. والاستنشاق اصطلاحا: إيصال الماء إلى المارن. ولغة: من النشق، وهو جذب الماء
ونحوه بريح الانف إلى داخله. بحر وأجيب بأن المراد ما قاله الزيلعي، وهو أن السنة فيهما
المبالغة، والغسل أدل على ذلك.
وأورد أن المبالغة المذكورة ليست نفس الاستيعاب، على أن المبالغة سنة أخرى، فالتعبير
عنها وعن أصلها بعبارة واحدة يوهم أنهما سنة واحدة وليس كذلك. نهر. وأيضا لا يناسب ذلك من
صرح بسنية المبالغة كالمصنف.
قلت: فالأحسن أن يقال: إن التعبير بغسل الفم والأنف أدل على الاستيعاب من المضمضة
والاستنشاق بالنظر إلى المعنى اللغوي. تأمل. قوله: (أو للاختصار) أورد عليه أن الاختصار مطلوب
ما لم يفوت فائدة مهمة، فإن المضمضة إدارة الماء في الفم ثم مجه، والغسل لا يدل على ذلك.
وأجاب في النهر بأن كون المج شرطا فيها هو رواية عن الثاني. والأصح أنه ليس بشرط، لما في
الفتح: لو شرب الماء عبا أجزأه عن المضمضة، وقيل لا، ومصا لا يجزيه. هذا، وأبدى العيني
وجها ثالثا هو التنبيه على حديهما. قوله: (بمياه) إنما قال بمياه ولم يقل ثلاثا ليدل على أن
المسنون التثليث بمياه جديدة. أفاده في المنح ط. قوله: (المارن) هو ما لان من الانف. قاموس.
قوله: (وهما سنتان مؤكدتان) فلو تركهما أتم على الصحيح. سراج. قال في الحلية: لعله محمول
على ما إذا جعل الترك عادة له من غير عذر كما قالوا مثله في ترك التثليث كما يأتي. قوله:
(مشتملتان) أي مشتمل كل منهما على سنن خمس، وباعتبارهما تكون السنن اثنتي عشرة سنة، فافهم،
نعم قد يقال الترتيب سنة واحدة فيهما. تأمل. قوله: (والتثليث) في البحر عن المعراج أن ترك
التكرار مع الامكان لا يكره، وأيده في الحلية: بأنه ثبت عنه (ص) أنه تمضمض
واستنشق مرة كما أخرجه أبو داود، ثم قال: وينبغي تقييده بما إذا لم يجعل الترك عادة له. قوله:
(وتجديد الماء) أي أخذه ماء جديدا في كل مرة فيهما. قوله: (وفعلهما باليمنى) أي ويمخط ويستنثر
باليسرى كما في المنية والمعراج. قوله: (والمبالغة فيهما) هي السنة الخامسة. وفي شرح الشيخ
إسماعيل عن شرح المنية: والظاهر أنها مستحبة. قوله: (بالغرغرة) أي في المضمضة، ومجاوزة
المارن في الاستنشاق، وقيل المبالغة في المضمضة تكثير الماء حتى يملا الفم. قال في شرح
المنية: والأولى أشهر. قوله: (وسر تقديمهما) أي حكمة تقديمهما على فرائض الوضوء. قوله:
(اعتبار أوصاف الماء) على حذف مضاف: أي الوقوف على تمام أوصاف الماء، فإن أوصافه اللون
والطعم والريح، فاللون يرى بالبصر، وبهما يحصل تمام الأوصاف التي قد تعرض له، فافهم. قوله:
125

(ولو عنده ماء الخ) في شرح الزاهدي عن الشفاء: المضمضة والاستنشاق سنتان مؤكدتان، من
تركهما يأثم. قال الزاهدي: وبهذا تبين أن من عنده ماء للوضوء مرة معهما وثلاثا بدونهما فإنه يتوضأ
مرة معهما ا ه‍. كذا في الحلية: أي لأنهما آكد من التثليث بدليل الاثم بتركهما، لكن قدمنا حمل الاثم
على اعتياد الترك بلا عذر، على أن التثليث كذلك كما يأتي. والأحسن قول ح: لان النبي (ص)
ورد عنه ترك التثليث حيث غسل مرة مرة وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا
به ولم يرد عنه ترك المضمضة والاستنشاق. قوله: (أجزأه) أي عن أصل المضمضة والاستنشاق،
وفاته سنية التجديد. قوله: (وعكسه) أي بأن قدم الاستنشاق لا يجزيه لصيرورة الماء مستعملا. بحر:
أي لان ما في الانف لا يمكن إمساكه، بخلاف ما في الفم، والمراد لا يجزيه عن المضمضة، وإلا
فالإستنشاق صح وإن فاته الترتيب. تأمل. قوله: (الأولى نعم) ظاهرة ولو تسوك، لاحتمال أن
يتحلل من أجزاء السواك شئ أو يبقى أثر طعام لا يخرجه السواك، وليحرر. ط. قوله: (وتخليل
اللحية) هو تفريق شعرها من أسفل إلى فوق. بحر. وهو سنة عند أبي يوسف، وأبو حنيفة ومحمد
يفضلانه. ورجح في المبسوط قول أبي يوسف كما في البرهان. شرنبلالية. وفي شرح المنية:
والأدلة ترجحه وهو الصحيح ا ه‍. قال في الحلية: والظاهر أن هذا كله في الكثة، أما الخفيفة
فيجب إيصال الماء إلى ما تحتها ا ه‍. وجزم به الشرنبلالي في متنه. قوله: (لغير المحرم) أما المحرم
فمكروه. نهر. قوله: (بعد التثليث) أي تثليث غسل الوجه. إمداد. قوله: (ويجعل ظهر كفه إلى
عنقه) نقله العلامة نوح أفندي عن بعض الفضلاء بلفظ: وينبغي أن يجعل الخ. وكتب في الهامش:
إنه الفاضل البرجندي.
وقال في المنح: وكيفيته على وجه السنة أن يدخل أصابع اليد في فروجها التي بين شعراتها
من أسفل إلى فوق، بحيث يكون كف اليد الخارج وظهرها إلى المتوضئ ا ه‍.
أقول: لكن روى أبو داود عن أنس: كان (ص) إذا توضأ أخذ كفا من ماء
تحت حنكه فخلل به لحيته وقال: بهذا أمرني ربي ذكره في البحر وغيره، والمتبادر منه إدخال اليد
من أسفل بحيث يكون كف اليد لداخل من جهة العنق وظهرها إلى خارج، ليمكن إدخال الماء
المأخوذ في خلال الشعر، ولا يمكن ذلك على الكيفية المارة فلا يبقى لاخذه فائدة، فليتأمل، وما
في المنح وعزاه إلى الكفاية. والذي رأيته في الكفاية هكذا، وكيفيته: أن يخلل بعد التثليث من حيث
الأسفل إلى فوق ا ه‍.
ثم اعلم أن هذا التخليل باليد اليمنى كما صرح به في الحلية، وهو ظاهر. وقال في الدرر:
إنه يدخل أصابع يديه في خلال لحيته، وهو خلاف ما مر فتدبر. قوله: (وتخليل الأصابع) هو سنة
مؤكدة اتفاقا. سراج. وما في الشرنبلالية من ذكر الخلاف إنما ذكره في تخليل اللحية كما قدمناه،
فافهم. قال في البحر: وقيده في السراج: أي التخليل بأن يكون بماء متقاطر في تخليل الأصابع ولم
يقيده في تخليل اللحية ا ه‍.
126

أقول: قد علمت من الحديث المار التقييد في تخليل اللحية بأخذ كف من ماء. وفي البحر
ويقوم مقامه: أي تخليل الأصابع: الادخال في الماء ولو لم يكن جاريا. وفيه عن الظهيرية ان
التخليل إنما يكون بعد التثليث لأنه سنة التثليث ا ه‍.
قلت: لكن ذكر في الحلية عند ذكره استيعاب الأعضاء بالغسل في كل مرة أنه يؤخذ منه
استنان تثليثه، ثم روي عن الدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح جيد عن عثمان رضي الله عنه: أنه
توضأ فخلل بين أصابع قدميه ثلاثا وقال: رأيت رسول الله (ص) فعل كما فعلت. قوله: (اليدين) أي
أصابع اليدين. ط. قوله: (بالتشبيك) نقله في البحر بصيغة قيل. وكيفيته كما قاله الرحمتي: إنه يجعل
ظهرا لبطن لئلا يكون أشبه باللعب. قوله: (والرجلين الخ) ذكر هذه الكيفية في المعراج وغيره،
وقال: بذلك ورد الخبر، وكذا ذكرها القدوري مروية مع تقييد التخليل بكونه من أسفل.
وتعقب في الفتح ورود هذه الكيفية بقوله: والله أعلم به، ومثله فيما يظهر أمر اتفاقي لا سنة
مقصودة. قال تلميذه ابن أمير حاج الحلبي في الحلية شرح المنية: لكن الذي في سنن ابن ماجة
عن المستورد بن شداد قال: رأيت رسول الله (ص) توضأ فخلل أصابع رجليه بخنصره وأما كونه
بخنصر يده اليسرى وكونه من أسفل، فالله أعلم به، ويشكل كونه بخنصر اليسرى أنه من الطهارة،
والمستحب في فعلها اليمين، ولعل الحكمة في كونه بالخنصر كونها أدق الأصابع فهي بالتخليل
أنسب، وفي كونه من أسفل أنه أبلغ في إيصال الماء ا ه‍. ثم نقل ندب هذه الكيفية عن الشافعي.
قلت: ويجاب عن قوله ويشكله الخ بأن الرجلين محل الوسخ والقذر، ولذا سيذكر الشارح أن
من الآداب غسلهما باليسار. قوله: (بادئا) أي وخاتما بخنصر رجله اليسرى، لان خنصر الرجل
اليمنى هي يمنى أصابعها وإبهام اليسرى كذلك: أي والتيامن سنة أو مستحب. أفاده في الحلية. قال
في البحر: وقولهم من أسفل إلى فوق يحتمل شيئين: أن يبدأ من أسفل إلى فوق: أي من ظهر القدم
أو من باطنه كما جزم به في السراج، والأول أقرب ا ه‍: أي فيدخل خنصره من جهة ظهر القدم،
فيخلل من أسفل صاعدا إلى فوق لا من جهة باطنه. قوله: (وهذا) أي وكون التخليل سنة. قوله:
(فرض) أي التخليل لأنه حينئذ لا يمكن إيصال الماء إلا به، فافهم. قوله: (وتثليث الغسل أي
جعله ثلاثا، فمجموع الثانية والثالثة سنة واحدة، قال في الفتح: وهو الحق، لكن صحيح في السراج
أنهما سنتان مؤكدتان. قال في النهر: وهو المناسب لاستدلالهم على السنية بأنه عليه الصلاة
والسلام لما أن توضأ مرتين مرتين قال: هذا وضوء من يضاعف له الاجر مرتين، ولما أن توضأ ثلاثا
قال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي، فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم فجعل
للثانية جزاء مستقلا، وهذا يؤذن باستقلالها، لا أنها جزء سنة حتى لا يثاب عليها وحدها ا ه‍. وقيد
بالغسل إذ لا يطلب تثليث المسح كما يأتي. قوله: (المستوعب) فلو غسل في المرة الأولى وبقي
موضع يابس ثم في المرة الثانية أصاب الماء بعضه، ثم في الثالثة أصاب الجميع لا يكون غسلا
للأعضاء ثلاثا. حلية عن فتاوي الحجة. قوله: (ولا عبرة للغرفات) أي الغير المستوعبة. قال في
البحر: والسنة تكرار الغسلات المستوعبات لا الغرفات ا ه‍.
127

بقي إذا لم يستوعب إلا في الثالثة كما قلنا، هل يحسب الكل غسلة واحدة فيعيد الغسل
مرتين، أو يعيد غسل ما لم يصبه الماء فقط؟ والمتبادر من عبارة البحر الأول، وليحرر. قوله: (وإن
اعتاده أثم) قال في النهر: ولو اقتصر على الأولى ففي إثمه قولان: قيل يأثم لترك السنة المشهورة،
وقيل لأنه قد أتى بما أمر به، كذا في السراج، واختار في الخلاصة أنه إن اعتاده أثم وإلا لا،
وينبغي أن يكون هذا القول محمل القولين ا ه‍.
أقول: لكن في الخلاصة لم يصرح بالاثم، وإنما قال: إن اعتاده كره، وهكذا نقله في البحر،
نعم هو موافق لما قدمناه عن شرح التحرير من حمل اللوم والتضليل لترك السنة المؤكدة على الترك
مع الاصرار بلا عذر، وقدمنا أيضا تصريح صاحب البحر بأن الظاهر من كلام أهل المذهب أن الاثم
منوط بترك الواجب والسنة المؤكدة على الصحيح، ولا يخفى أن التثليث حيث كان سنة مؤكدة وأصر
على تركه يأثم وإن كان يعتقده سنة. وأما حملهم الوعيد في الحديث على عدم رؤية الثلاث سنة كما
يأتي فذلك في الترك ولو مرة بدليل ما قلنا. وبه اندفع ما في البحر من ترجيح القول بعدم الاثم لو
اقتصر على مرة بأنه لو أثم بنفس الترك لما احتيج إلى هذا الحمل ا ه‍. وأقره في النهر وغيره، وذلك
لأنه مع عدم الاصرار محتاج إليه فتدبر. قوله: (وإلا) أي وإن لم يعتده بأن فعله أحيانا أو فعله لعزة
الماء أو لعذر البرد أو الحاجة لا يكره. خلاصة. قوله: (ولو زاد الخ) أشار إلى أن الزيادة مثل
النقصان في المنع عنها بلا عذر. قوله: (لطمأنينة القلب) لأنه أمر بترك ما يريبه إلى ما لا يريبه،
وينبغي أن يقيد هذا بغير الموسوس، أما هو فيلزمه قطع مادة الوسواس عنه وعدم التفاته إلى
التشكيك لأنه فعل الشيطان وقد أمرنا بمعاداته ومخالفته. رحمتي. ويؤيده ما سنذكره قبيل فروض
الغسل عن التاترخانية أنه لو شك في بعض وضوئه أعاده إلا إذا كان بعد الفراغ منه، أو كان الشك
عادة له فإنه لا يعيده ولو قبل الفراغ، قطعا للوسوسة عنه ا ه‍.
مطلب في الوضوء على الوضوء
قوله: (أو لقصد الوضوء على الوضوء) أي بعد الفراغ من الأول. بحر. وفي التاترخانية عن
الناطفي: لو زاد على الثلاث فهو بدعة، وهذا إذا لم يفرغ من الوضوء، أما إذا فرغ ثم استأنف
الوضوء فلا يكره بالاتفاق ا ه‍. ومثله في الخلاصة.
وعارض في البحر دعوى الاتفاق بما في السراج من أنه مكروه في مجلس واحد. وأجاب في
النهر بأن ما مر فيما إذا أعاده مرة واحدة، وما في السراج فيما إذا كرره مرارا، ولفظه في السراج:
لو تكرر الوضوء في مجلس واحد مرارا لم يستحب. بل يكره لما فيه من الاسراف فتدبر ا ه‍.
قلت: لكن يرد ما في شرح المنية الكبير حيث قال: وفيه إشكال لاطباقهم على أن الوضوء
عبادة غير مقصودة لذاتها، فإذا لم يؤد به عمل مما هو المقصود من شرعيته كالصلاة وسجدة التلاوة
ومس المصحف ينبغي أن لا يشرع تكراره قربة لكونه غير مقصود لذاته فيكون إسرافا محضا، وقد
قالوا في السجدة لما لم تكن مقصودة: لم يشرع التقرب بها مستقلة وكانت مكروهة، وهذا
أولى ا ه‍.
128

أقول: ويؤيده ما قاله ابن العماد في هديته. قال في شرح المصابيح: وإنما يستحب الوضوء
إذا صلى بالوضوء الأول صلاة، كذا في الشرعة والقنية ا ه‍. وكذا ما قاله المناوي في شرح الجامع
الصغير للسيوطي عند حديث: من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات من أن المراد بالطهر
الوضوء الذي صلى به فرضا أو نفلا كما بينه فعل راوي الخبر وهو ابن عمر، فمن لم يصل به شيئا
لا يسن له تجديده ا ه‍. ومقتضى هذا كراهته وإن تبدل المجلس ما لم يؤد به صلاة أو نحوها، لكن
ذكر سيدي عبد الغني النابلسي أن المفهوم من إطلاق الحديث مشروعيته ولو بلا فصل بصلاة أو
مجلس آخر ولا إسراف فيما هو مشروع، أما لو كرره ثالثا أو رابعا فيشترط لمشروعيته الفصل بما
ذكر، وإلا كان إسرافا محضا ا ه‍، فتأمل.
مطلب: كلمة لا بأس قد تستعمل في المندوب
قوله: (لا بأس به) لأنه نور على نور، وقد أمر بترك ما يريبه إلى مالا يريبه. معراج، وفي هذا
التعليل لف ونشر مشوش، وفيه إشارة إلى أن ذلك مندوب، فكلمة لا بأس وإن كان الغالب
استعمالها فيما تركه أولى، لكنها قد تستعمل في المندوب كما صرح به في البحر من الجنائز
والجهاد، فافهم. قوله: (وحديث فقد تعدى الخ) جواب عما يرد على قوله: لا بأس به وقد تقدم
الحديث في عبارة النهر. قال في البحر: واختلف في معنى قوله عليه الصلاة والسلام: فمن زاد
على هذا على أقوال؟ فقيل على الحد المحدود، وهو مردود بقوله عليه الصلاة والسلام: من
استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل والحديث في المصابيح، وإطالة الغرة تكون بالزيادة على الحد
المحدود، وقيل على أعضاء الوضوء، وقيل الزيادة على العدد والنقص عنه. والصحيح أنه محمود
على الاعتقاد دون نفس الفعل، حتى لو زاد أنقص واعتقد أن الثلاث سنة لا يلحقه الوعيد، كذا
في البدائع، واقتصر عليه فالهداية، وفي الحديث لف ونشر، لان التعدي يرجع إلى الزيادة
والظلم إلى النقصان ا ه‍.
أقول: وصريح ما في البدائع أنه لا كراهة في الزيادة والنقصان مع اعتقاد سنية الثلاث، ولذا
* * * * *
ذكر في البدائع أيضا أن ترك الاسراف والتقتير مندوب، ويوافقه ما في التاترخانية: لا يكره إلا أن
يرى السنة في الزيادة، وهو مخالفا لما مر، من أنه لو اكتفى بمرة واعتاده أثم، ولما سيأتي بعد ورقة
من أن الاسراف مكروه تحريما، ومنه الزيادة على الثلاث، ولهذا فرع في الفتح وغيره على القول
بحمل الوعيد على اعتقاده سنية الزيادة أو النقص بقوله: فلو زاد لقصد الوضوء على الوضوء، أو
لطمأنينة القلب عند الشك، أو نقص لحاجة لا بأس به، فإن مفاد هذا التفريع أنه لو زاد أو نقص بلا
غرض صحيح يكره وإن اعتقد سنية الثلاث، وبه صرح في الحلية فقال: وهل لو زاد على الثلاث
من غير قصد لما ذكر يكره؟ الظاهر نعم لأنه إسراف ا ه‍، لكن لو كان قصده بالزيادة الوضوء على
الوضوء، إنما تنتفي الكراهة إذا كان بعد الفراغ من الأول وصلى به أو تبدل المجلس على ما مر
وإلا فلا، وعلى كل فيحتاج إلى التوفيق بين ما في البدائع وغيره. ويمكن التوفيق بما قدمناه من أنه
إذا فعل ذلك مرة لا يكره ما لم يعتقده سنة، وإن اعتاده وأصر عليه يكره وإن اعتقد سنية الثلاث إلا
إذا كان لغرض صحيح، هذا ما ظهر لفهمي القاصر، فتدبره. قوله: (ولعل الخ) جواب عما أورده
129

في البحر من أن قولهم: لو نوى الوضوء على الوضوء لا بأس به مخالف لما في السراج من أن
تكراره في مجلس مكروه، وحمله على اختلاف المجلس بعيد.
وحاصل الجواب حمل الكراهة على التنزيهية، فلا تنافي قولهم لا بأس به، لان غالب
استعمالها فيما تركه أولى.
أقول: وفي هذا الجواب نظر، لما قدمناه من تعليلهم بأنه نور على نور، فهي مستعملة في
المندوب لا فيما تركه أولى، فالأحسن الجواب بما قدمناه عن النهر من أن المكروه وتكراره في
مجلس مرارا. قوله: (بل في القهستاني الخ) ترق في الجواب، وهو مخالف لما سيأتي من أن
الاسراف مكروه ولو بماء النهر، ولذا قال تأمل، ويأتي تمام الكلام عليه.
مطلب: قد يطلق الجائز على ما لا يمتنع شرعا فيشمل المكروه
وقد يقال: أطلق الجائز وأراد به ما يعم المكروه. ففي الحلية عن أصول ابن الحاجب أنه قد
يطلق ويراد به ما لا يمتنع شرعا، وهو يشمل المباح والمكروه والمندوب والواجب ا ه‍. لكن الظاهر
أن المراد المكروه تنزيها، لان المكروه تحريما ممتنع شرعا منعا لازما
مطلب في تصريف قولهم معزيا
قوله: (معزيا) يقال عزوته وعزيته لغة: إذا نسبته. صحاح، فهو اسم مفعول من اليائي اللام
أصله معزوي فقلبت الواو ياء ثم أدغمت، ويجوز أخذه من الواو أيضا، فإن القياس فيه معزو مثل
مغزو، لكنه قد تقلب الواوان فيه ياءين وهو فصحيح كما نص عليه التفتازاني في شرح التصريف.
قوله: (مرة) لو قال بدله بماء واحد كما في المنية لكان أولى لما في الفتح. روى الحسن عن أبي
حنيفة في المجرد: إذا مس ثلاثا بماء واحد كان مسنونا ا ه‍. وعليه حمل في الهداية وغيرها ما
استدل به الشافعي من رواية التثليث جمعا بين الأحاديث. ولا يقال: إن الماء يصير مستعملا بالمرة
الأولى فكيف يسن التكرار؟ لما في شرح المنية من أنهم اتفقوا على أن الماء ما دام في العضو لا
يكون مستعملا. قوله: (مستوعبة) هذا سنة أيضا كما جزم به في الفتح، ثم نقل عن القنية أنه إذا
داوم على ترك الاستيعاب بلا عذر يأثم قال: وكأنه لظهور رغبته عن السنة قال الزيلعي وتكلموا في
كفيفة المسح. والأظهر أن يضع كفيه وأصابعه على مقدم رأسه ويمدهما إلى القفا على وجه يستوعب
جميع الرأس ثم يمسح أذنيه بأصبعيه ا ه‍، وما قيل من أنه يجافي المسبحتين والابهامين ليمسح بهما
الاذنين والكفين ليمسح بهما جانبي الرأس خشية الاستعمال، فقال في الفتح: لا أصل له في السنة،
لان الاستعمال لا يثبت قبل الانفصال، والاذنان من الرأس.
تنبيه: لو مسح ثلاثا بمياه، قيل يكره، وقيل إنه بدعة، وقيل لا بأس به. وفي الخانية: لا
يكره ولا يكون سنة ولا أدبا، قال في البحر: وهو الأولى، إذ لا دليل على الكراهة ا ه‍.
قلت: لكن استوجه في شرح المنية القول بالكراهة، وذكرت ما يؤيده فيما علقته على البحر
130

فراجعه (1) وسيأتي في المتن عدة من المنهيات. قوله: (وأذنيه) أي باطنهما بباطن السبابتين وظاهرهما
بباطن الابهامين. قهستاني. قوله: (معا) أي فلا تيامن فيهما كما سيذكره. قوله: (ولو بمائة) قال في
الخلاصة: لو أخذ للأذنين ماء جديدا فهو حسن، وذكره منلا مسكين رواية عن أبي حنيفة.
قال في البحر: فأستفيد منه أن الخلاف بيننا وبين الشافعي في أنه إذا لم يأخذ ماء جديدا
ومسح بالبلة الباقية هل يكون مقيما للسنة؟ فعندنا نعم، وعنده لا. أما لو أخذ ماء جديدا مع بقاء
البلة فإنه يكون مقيما للسنة اتفاقا. وأقره في النهر.
أقول: مقتضاه أن مسح الاذنين بماء جديد أولى مراعاة للخلاف ليكون آتيا بالسنة اتفاقا، وهو
مفاد تعبير الشارح بالوصلية تبعا للشرنبلالي وصاحب البرهان، وهذا مبني على تلك الرواية، لكن
تقييد سائر المتون بقولهم: بمائة يفيد خلاف ذلك، وكذا تقرير شراح الهداية وغيرها، واستدلالهم
بفعله عليه الصلاة والسلام: أنه أخذ غرفة فمسح بها رأسه وأذنيه وبقوله: الأذنان من الرأس وكذا
جوابهم عما روي أنه (ص) أخذ لأذنيه ماء جديدا بأنه يجب حمله على أنه لفناء البلة قبل الاستيعاب جمعا
بين الأحاديث، ولو كان أخذ الماء الجديد مقيما للسنة لما احتيج إلى ذلك.
وفي المعراج عن الخبازية: ولا يسن تجديد الماء في كل بعض من أبعاض الرأس، فلا يسن
في الاذنين بل أولى لأنه تابع ا ه‍. وفي الحلية: السنة عندنا وعند أحمد أن يكون بماء الرأس خلافا
لمالك والشافعي وأحمد في رواية ا ه‍. وفي التاترخانية: ومن السنة مسحهما بماء الرأس، ولا يأخذ
لهما ماء جديدا ا ه‍. وفي الهداية والبدائع. وهو سنة بماء الرأس، قال في العناية: ألا بماء
جديد، ومثله في شرح المجمع. وفي شرح الهداية للعيني: استيعاب الرأس بالمسح بماء واحد
سنة، ولا يتم بدونهما حيث جعلتا من الرأس: أي كما في الحديث المار. وفي شرح الدرر للشيخ
إسماعيل: ولو أفردا بالمسح بماء جديد كما قاله الشافعي لصارا أصلين، وذا لا يجوز ا ه‍. فقد ظهر
لك أن ما مشى عليه الشارح مخالف للرواية المشهور التي مشى عليها أصحاب المتون والشروح
الموضوعة لنقل المذهب، هذا ما ظهر لي، ولم أر من نبه على ذلك فتدبره، ثم بعد مدة رأيت
المصنف نبه عليه في شرحه على زاد الفقير حيث قال بعد ذكره عبارة الخلاصة السابقة ما نصه:
قلت قوله: ولو فعل فحسن مشكل، لأنه يكون خلاف السنة. وخلاف السنة كيف يكون حسنا، والله
أعلم ا ه‍. قوله: (لكن الخ) ذكره في شرح المنية، ولعله محمول على ما إذا انعدمت البلة بمس
العمامة. قال في الفتح: وإذ انعدمت البلة لم يكن بد من الاخذ ا ه‍.
وقد يقال: لا بد من الاخذ مطلقا، لأنه بمس العمامة يحصل الانفصال فيحكم على البلة
بالاستعمال، وعلى هذا ينبغي أن يقال: لو مسح رأسه بيديه ثم رفعهما قبل مسح الاذنين فلا بد من
أخذ ماء جديد ولو كانت البلة باقية. تأمل. قوله: (المذكور في النص) أي الترتيب الذكري في آية
الوضوء. وفيه إشارة إلى أنه ليس المراد في قول الكنز وغيره، والترتيب المنصوص النص
الأصولي، بل المراد المذكور، إذ ليس في الآية ما يفيد الترتيب: فلم يكن منصوصا عليه فيها.

(1) أقول: حاصل ما ذكرته هناك ان أئمتنا ثبت عندهم ان السنة المسح مرة من فعله عليه الصلاة والسلام فالتثليث زائد، وقد
قال عليه الصلاة والسلام " فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم " الإشارة ترجع إلى ما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم ا ه‍. منه.
131

قوله: (وهو مطالب بالدليل) أي أنه لا حاجة لنا إلى الدليل على عدم الافتراض، لأنه الأصل
ومدعيه مطالب به ولم يوجد، وقد علم الترتيب من فعله عليه الصلاة والسلام فقلنا بسنيته. أفاده في
البحر. قوله: (والولاء) اسم مصدر (1) والمصدر الموالاة. قال الحموي: لا تتحقق الموالاة إلا بعد
غسل الوجه ا ه‍. وفيه تأمل، إذ ما ذكره إنما يتجه أن لو كانت الموالاة معتبرة في جانب فرائض
الوضوء فقط، وهو خلاف الظاهر ط عن أبي السعود. قوله: (بكسر الواو) أي مع المد، وهو لغة:
التتابع. قال ط: وأما بفتحها فهو صفة توجب لما قامت به التعصيب بمن أعتقه مثلا. قوله: (غسل
المتأخر الخ) عرفه الزيلعي بغسل العضو الثاني قبل جفاف الأول. زاد الحدادي مع اعتدال الهواء
والبدن وعدم العذر. وعرفة الأكمل في التقرير بالتتابع في الافعال من غير أن يتخللها جفاف عضو
مع اعتدال الهواء، وظاهره أنه لو جف العضو الأول بعد غسل الثاني لم يكن ولاء. وعلى الأول
يكون ولاء، قال في البحر: وهو الأولى.
وفي النهر: الظاهر لا يكون ولاء، لما في المعراج عن الحلواني أن تجفيف الأعضاء قبل
غسل القدمين فيه ترك الولاء، فيحمل الثاني في كلام الزيلعي على ما بعد الأولى ا ه‍: أي فيراد
بالثاني جميع ما بعد الأول لا ما يليه فقط، ولا يخفى بعده، لما في السراج: حده أن لا يجف الماء
عن العضو قبل أن يغسل ما بعده. وفي شرح المنية: هو أن يغسل كل عضو على أثر الذي قبله ولا
يفضل بينهما بحيث يجف السابق.
ولا يخفى أيضا أن ما مر عن الحلواني صادق على التعريفين، وأن حمل التعريف الثاني على
الأول أقرب من عكسه، بأن يراد من قوله من غير أن يتخللها جفاف عضو: أي من غير أن يجف
عضو قبل غسل ما بعده، وكذا قال في غرر الأفكار: هو غسل عضو قبل جفاف متقدمة ا ه‍. وعليه
يحمل كلام الشارح بدليل قوله تبعا لابن كمال أو مسحه فإنه كما يشمل مسح الخف يشمل مسح
الرأس، فلا يمكن حمل المتأخر في كلامه على جميع ما بعد الأول حقيقة، فافهم، نعم ما مشى عليه
في النهر هو المتبادر من تعريف الدرر. هذا وقد عرفه في البدائع بأن لا يشتغل بين أفعال الوضوء
بما ليس منه. ولا يخفى أن هذا أعم من التعريفين السابقين من وجه، ثم قال: وقيل هو أن لا يمكث
في أثنائه مقدار ما يجف فيه العضو.
أقول: يمكن جعل هذا توضيحا لما مر، بأن يقال: المراد جفاف العضو حقيقة أو مقداره،
وحينئذ فيتجه ذكر المسح، فلو مكث بين مسح الجبيرة أو الرأس وبين ما بعده بمقدار ما يجف فيه
عضو مغسول كان تاركا للولاء، ويؤيده اعتبارهم الولاء في التيمم أيضا كما يأتي قريبا مع أنه لا
غسل فيه، فاغتنم هذا التحرير. قوله: (حتى لو فني ماؤه الخ) بيان للعذر. قوله: (لا بأس به) أي
على الصحيح. سراج. قوله: (ومثله الغسل والتيمم) أي إذا فرق بين أفعالهما لعذر لا بأس به كما
في السراج، ومفاده اعتبار سنية الموالاة فيهما. قوله: (ومن السنن) أتى بمن للإشارة إلى أنه بقي
غيرها. ففي الفتح: ومن السنن الترتيب بين المضمضة والاستنشاق، والبداءة من مقدم الرأس ومن

(1) قوله: (والولاء اسم مصدر الخ) فيه نظر، بل الظاهر أنه مصدر لوالى كالموالاة لقول الخلاصة: لفاعل الفعال
والمفاعلة، تأمل ا ه‍. مصححه.
132

رؤوس الأصابع في اليدين والرجلين ا ه‍. وذكر في المواهب بدل الأول: التيامن ومسح الرقبة، ثم
قال: وقيل الأربعة مستحبة. قوله: (الدلك) أي بإمرار اليد ونحوها على الأعضاء المغسولة. حلية.
وعده في الفتح من المندوبات، ولم يتابعه عليه في البحر والنهر، نعم تابعه المصنف فيما سيأتي.
قوله: (وترك الاسراف) عدة في الفتح من المندوبات أيضا، ولم يتابع أيضا بل صرح في
النهر بضعفه وقال: إنه سنة مؤكدة لاطلاق النهي عن الاسراف ا ه‍. ويأتي تمامه. قوله: (وترك لطم الوجه
بالماء) جعله في الفتح أيضا في المندوبات، وسيصرح المصنف كالزيلعي بكراهته. قال في البحر:
فيكون تركه سنة لا أدبا، لكن قال في النهر: إنه مكروه تنزيها. قوله: (وغسل فرجها الخارج) أقول:
في تقييده بالمرأة نظر، فقد عد في المنية الاستنجاء من سنن الوضوء. وفي النهاية أنه من سنن
الوضوء، بل أقواها لأنه مشروع لإزالة النجاسة الحقيقية وسائر السنن لإزالة الحكمية، وجعل في
البدائع سنن الوضوء على أنواع: نوع يكون قبله، ونوع في ابتدائه، ونوع في أثنائه، وعد من الأول
الاستنجاء بالحجر، ومن الثاني الاستنجاء بالماء.
مطلب: لا فرق بين المندوب والمستحب والنفل والتطوع
قوله: (ويسمى مندوبا وأدبا) زاد غيره: ونفلا وتطوعا، وقد جرى على ما عليه الأصوليون،
وهو المختار من عدم الفرق بين المستحب والمندوب والأدب كما في حاشية نوح أفندي على
الدرر، فيسمى مستحبا من حيث إن الشارع يحبه ويؤثره، ومندوبا من حيث إنه بين ثوابه وفضيلته،
من ندب الميت: وهو تعديد محاسنه، ونفلا من حيث إنه زائد على الفرض والواجب ويزيد به
الثواب، وتطوعا من حيث إن فاعله يفعله تبرعا من غير أن يؤمر به حتما ا ه‍ من شرح الشيخ
إسماعيل علي البرجندي، وقد يطلق عليه اسم السنة، وصرح القهستاني بأنه دون سنن الزوائد، قال
في الامداد: وحكمة الثواب على الفعل وعدم اللوم على الترك ا ه‍.
مطلب: ترك المندوب هل يكره تنزيها وهل يفرق بين التنزيه وخلاف الأولى؟
وهل يكره تنزيها؟ في البحر: لا، ونازعه في النهر بما في الفتح من الجنائز والشهادات أن
مرجع كراهة التنزيه خلاف الأولى. قال: ولا شك أن ترك المندوب: خلاف الأولى ا ه‍.
أقول: لكن أشار في التحرير إلى أنه قد يفرق بينهما، بأن خلاف الأولى ما ليس فيه صيغة
نهي كترك صلاة الضحى، بخلاف المكروه تنزيها، نعم قال في الحلية: إن هذا أمر يرجع إلى
الاصطلاح والتزامه غير لازم. والظاهر تساويهما كما أشار إليه اللامشي ا ه‍. لكن قال الزيلعي في
الاكل يوم الأضحى قبل الصلاة: المختار أنه ليس بمكروه، ولكن يستحب أن لا يأكل. وقال في
البحر هناك: ولا يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة إذ لا بد لها من دليل خاص ا ه‍.
أقول: وهذا هو الظاهر، إذ لا شبهة أن النوافل من الطاعات كالصلاة والصوم ونحوهما فعلها
أولى من تركها بلا عارض. ولا يقال: إن تركها مكروه تنزيها، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى في
مكروهات الصلاة. قوله: (وفضيلة) أي لان فعله يفضل تركه فهو بمعنى فاضل، أو لأنه يصير فاعله
ذا فضيله بالثواب ط. قوله: (وهو الخ) يرد عليه ما رغب فيه عليه الصلاة والسلام ولم يفعله،
فالأولى ما في التحرير أن ما واظب عليه مع ترك ما بلا عذر سنة، وما لم يواظب عليه مندوب
133

ومستحب وإن لم يفعله بعدما رغب فيه ا ه‍ بحر. قوله: (التيامن) أي البداءة باليمين، لما في الكتب
الستة: كان عليه الصلاة والسلام يحب التيامن في كل شئ حتى في طهوره وتنعله وترجله وشأنه
كله الطهور هنا بضم الطاء، والترجل: مشط الشعر. در منتقى. وحقق في الفتح أنه سنة لثبوت
المواظبة. قال في النهر: لكن قدمنا أنها تفيد السنية إذا كانت على وجه العبادة لا العادة. سلمنا أنها
هنا كانت على وجه العبادة، لكن عدم الاختصاص ينافيها كما قاله بعض المتأخرين ا ه‍. أي عدم
اختصاصها بالوضوء المستفاد من قوله: وشأنه كله ينافي كونه سنة له، ولو كانت على وجه العبادة
فيكون مندوبا فيه كما في التنعل والترجل. قلت: يرد عليه المواظبة على النية والسواك بلا
اختصاص بالوضوء مع أنهما من سننه. تأمل. قوله: (ولو مسحا) أي كما في التيمم والجبيرة، وأما
الخف فلم أر من ذكر التيامن فيه، وإنما قالوا في كيفيته: أن يضع أصابع يده اليمنى على مقدم خفه
الأيمن وأصابع اليسرى على مقدم خفه الأيسر ويمدهما إلى الساق، وظاهره عدم التيامن. تأمل.
قوله: (لا الاذنين) أي فيمسحهما معا إن أمكنه، حتى إذا لم يكن له إلا يد واحدة أو بأحدى يديه
علة ولا يمكنه مسحهما معا يبدأ بالاذن اليمنى ثم اليسرى ط عن الهندية. قوله: (ومسح الرقبة) هو
الصحيح، وقيل: إنه سنة كما في البحر وغيره. قوله: (بظهر يديه) أي لعدم استعمال بلتهما. بحر،
فقول المنية: بماء جديد، لا حاجة إليه كما في شرحها الكبير، وعبر في المنية بظهر الأصابع ولعله
المراد هنا. قوله: (لأنه بدعة) إذ لم يرد في السنة. قوله: (إلى نيف وستين) عبارته في الدر
المنتقى: إلى نيف وسبعين. والنيف بتشديد الياء وقد تخفف: ما زاد على العقد إلى أن يبلغ العقد
الثاني. قاموس.
مطلب في تتميم مندوبات الوضوء
واعلم أن المذكور منها هنا متنا وشرحا نيف وعشرون. ولنذكر ما بقي منها من الفتح
والخزائن: فمنها كما في الفتح: ترك الاسراف والتقتير، وترك التمسح بخرقة يمسح بها موضع
الاستنجاء، واستقاؤه الماء بنفسه، والمبادرة إلى ستر العودة بعد الاستنجاء، ونزع خاتم عليه اسمه
تعالى أو اسم نبيه حال الاستنجاء، وكون آنيته من خزف، وأن يغسل عروق الإبريق ثلاثا، ووضعه
على يساره، وإن كان إناء يغترف منه فعن يمينه، ووضع يده حالة الغسل على عورته لا رأسه، وذكر
الشهادتين عند كل عضو واستصحاب النية في جميع أفعاله، وأن لا يلطم وجهه بالماء وملء آنيته
استعدادا، والامتخاط باليسرى، والتأني، وإمرار اليد على الأعضاء المغسولة والدلك ا ه‍. لكن
قدمنا أن الأول والأخير سنة، ولعل المراد بما قبله إمرارها عليه مبلولة قبل الغسل. تأمل. زاد في
البحر: وغسل ما تحت الحاجب والشارب والتوضؤ في مكان طاهر، لان لماء الوضوء حرمة، والبدء
بأعلى الوجه وأطراف الأصابع ومقدم الرأس، لكن قدمنا أن الأخيرين سنة. وزاد في الامداد:
134

ودخوله الخلاء مستور الرأس، وعدم التوضؤ بماء مشمس، وأن لا يستخلص إناء لنفسه، وترك
النظر للعورة، وإلقاء البصاق والمخاط في الماء، وأن لا ينقصه عن مد، وغسل الفم والأنف
باليمنى، وزاد في المنية: الوضوء على الوضوء، وعدم نفخه في الماء حال غسل الوجه، والتشهد
عند غسل كل عضو. وزاد في الخزائن: وترك التكلم حال الاستنجاء، وترك استقبال القبلة
واستدبارها في الخلاء، واستقبال عين الشمس والقمر واستدبارهما، وترك مس فرجه بعد فراغه،
والاستنجاء باليسار، ومسحها بعده على نحو حائط، وغسلها بعد ذلك. ورش الماء على الفرج
وعلى السروال بعد الوضوء، والتوضؤ من متوضأ العامة، وإفراغ الماء بيمينه، فقد بلغت نيفا
وسبعين كما قدمناه عن الدر المنتقى، وقدمنا أن ترك المندوب مكروه نزيها فيزاد ترك ما يكره فعله.
ولا يخفى أن ما مر منه ما هو من آداب الوضوء ومنه ما هو من آداب مقدماته، وبهذا تزيد على ما
ذكر بكثير، فإنه بقي للاستنجاء آداب كثيرة ستأتي. قوله: (ودلك أعضائه) علمت ما فيه، وقوله في
المرة الأولى: عزاه في النهر إلى المنية، لكنه لم يذكره في المنية هنا وإنما ذكره في الغسل، وعلله
في الشرح بقوله: ليعم الماء البدن في المرتين الأخيرتين ا ه‍. لكن قال في الحلية: الظاهر أنه قيد
اتفاقي. قوله: (وتقديمه الخ) لان فيه انتظار الصلاة، ومنتظر الصلاة كمن هو فيها بالحديث
الصحيح، وقطع طمع الشيطان عن تثبيطه عنها. شرح المنية الكبير. وفي الحلية: وعندي أنه من
آداب الصلاة لا الوضوء، لأنه مقصود لفعل الصلاة ا ه‍. قوله: (وهذه) أي مسألة تقديمه على
الوقت.
مطلب: الفرض أفضل من النفل إلا في مسائل
قوله: (المستثناة من قاعدة الفرض أفضل من النفل) هذا لأصل لا سبيل إلى نقضه بشئ من
الصور، لأنا إذا حكمنا على ماهية بأنها خير من ماهية أخرى، كالرجل خير من المرأة لم يمكن أن
تفضلها الأخرى بشئ من تلك الحيثية، فإن الرجل إذا فضل المرأة من حيث إنه رجل لم يمكن أن
تفضله المرأة من حيث إنها غير الرجل، وإلا تتكاذب القضيتان وهذا بديهي، نعم قد تفضل المرأة
رجلا ما من جهة غير الذكورة والأنوثة ا ه‍ حموي.
أقول: فعلى هذا لا استثناء حقيقة لاختلاف جهة الأفضلية.
بيان ذلك أن الوضوء للصلاة قبل الوقت يساوي الواقع بعده من حيث امتثال الامر وسقوط
الواجب به، وإنما للأول فضيلة التقديم، وكذا إنظار المعسر واجب دفعا لاذاه بالمطالبة، وفي إبرائه
ذلك مع، زيادة إسقاط الدين عنه بالكلية، فللإبراء زيادة فضيلة الاسقاط، وكذلك إفشاء السلام سنة
لاظهار التواد بين المسلمين وفي رده ذلك أيضا، لكن وجب الرد لما يلزم على تركه من العداوة
والتباغض، فإفشاؤه أفضل من حيث ابتداء المفشي له بإظهار المودة فله فضيلة التقدم. ففي المسائل
الثلاث إنما فضل النفل على الفرض، لا من جهة الفرضية بل من جهة أخرى، كصوم المسافر في
رمضان فإنه أشق من صوم المقيم فهو أفضل مع أنه سنة، وكالتكبير إلى صلاة الجمعة فإنه أفضل من
135

الذهاب بعد النداء مع أنه سنة والثاني فرض، وكمن اضطر إلى شربة ماء أو أكل لقمة فدفعت له أكثر
مما اضطر إليه فدفع ما اضطر إليه واجب، والزائد نفل ثوابه أكثر من حيث إن نفعه أكثر، وإن كان
دفع قدر الضرورة أفضل من حيث امتثال الامر، وكذا من وجب عليه درهم فدفع درهمين أو وجبت
عليه أضحية فضحى بشاتين، وعلى هذا فقد يزاد على المسائل الثلاث من كل ما هو نفل اشتمل
على الواجب وزاد، لكن تسميته نفلا من حيث تلك الزيادة، أما من حيث ما اشتمل عليه من
الواجب فهو واجب وثوابه أكثر من حيث تلك الزيادة، فلا تنخرم حينئذ القاعدة المأخوذة مما صح
عنه (ص) كما في صحيح البخاري حكاية عن الله تعالى: وما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إلي مما
افترضت عليه، ومما ورد في صحيح ابن خزيمة أن الواجب يفضل المندوب بسبعين درجة وإن
استشكله في شرح التحرير، فاغتنم ذلك فإنه من فيض الفتاح العليم، ثم رأيت بعض المحققين من
الشافعية نبه على ما قلته، ولله الحمد. قوله: (لان الوضوء الخ) ومثله التيمم لغير راجي الماء كما
سيأتي في محله عن الرملي. قوله: (أفضل من رده) وقيل: أجر الرد أكثر لأنه فرض، حموي عن
كراهية العلامي. قوله: (ولو) الواو زائدة أو عاطفة على محذوف تقديره حتى إن جاء بمثله، والأول
أولى ط. قوله: (منه) متعلق بأكثر والضمير للفرض، أو متلق بجاء والضمير للتطوع ط. قوله:
(بأكثر) جره بالكسرة لأجل الروي. قوله: (وابتداء) ألف ابتداء من المصراع الأول وهمزته المنونة
من المصراع الثاني. قوله: (إبرا) بالقصر للضرورة. قوله: (ومثله القرط) أي في الغسل، وإلا فلا
مدخل له هنا، لأنه ما يعلق في الاذن. قاموس.
مطلب في مباحث الاستعانة في الوضوء بالغير
قوله: (وأما استعانته عليه الصلاة والسلام الخ) كذا في البزازية، ومفاده أن الاستعانة مكروهة
حتى احتيج إلى هذا الجواب. وظاهر ما في شرح المنية أنه لا كراهة أصلا إذا كانت بطيب قلب
ومحبة من المعين من غير تكليف من المتوضئ، وعليه مشى في هدية ابن العماد، لكن ذكر في
الحلية أحاديث كثيرة من الصحيحين وغيرهما فيها التصريح بصب الماء عليه بطلبه وبدونه، ثم قال:
وفعله (ص) في مثل هذا محمول على الجواز الذي لا تجامعه الكراهة، لان الجزم بعدم ارتكابه المكروه
من غير معارض واقع في حقه، نعم قد يكون الفعل منه بيانا للجواز لكن بعد قيام الدليل المقتضي
للكراهة، فإذا لم يقم لم يصح أن يقال بالكراهة، ثم يعلل ما ورد من الفعل بأنه بيان للجواز، ولم
يوجد دليل معتبر يفيد الكراهة هنا، وإنما ورد في حديث ضعيف أن عمر رضي الله عنه قال: إني لا
أحب أن يعينني على وضوئي أحد. وورد أنه (ص) كان لا يكل طهوره إلى أحد، وهو ضعيف جدا،
ولو ثبت لا يقوى على معارضة الأحاديث المارة مع احتمال أن المراد أنه هو الذي يباشر غسل
136

أعضائه ومسحها بنفسه، لأن الظاهر أنه من السنن المؤكدة، فيكره للشخص أن يفعل له ذلك غيره
بلا عذر، ولعل ذلك هو المراد من قول الاختيار: يكره أن يستعين في وضوئه بغيره إلا عند العجز،
ليكون أعظم لثوابه وأخلص لعبادته ا ه‍ ملخصا.
وحاصله أن الاستعانة في الوضوء إن كانت بصب الماء أو استقائه أو إحضاره فلا كراهة بها
أصلا ولو بطلبه، وإن كانت بالغسل والمسح فتكره بلا عذر، ولذا قال في التاترخانية: من الآداب
أن يقوم بأمر الوضوء بنفسه، ولو استعان بغيره جاز بعد أن لا يكون الغاسل غيره بل يغسل بنفسه.
قوله: (تحرزا الخ) لوقوع الخلاف في نجاسته ولأنه مستقذر، ولذا كره شربه والعجن به على القول
الصحيح بطهارته. قوله: (أشمل) أي أعم لأنه قد يكون مستعليا ولا يتحفظ ط. قوله: (هذه) أي
الطريقة التي مشى عليها المصنف حيث جعل التلفظ بالنية مندوبا لا سنة ولا مكروها. قوله:
(والتسمية كما مر) أمن الصيغة الواردة، وهي بسم الله العظيم، والحمد لله على دين الاسلام
وزاد في المنية التشهد هنا أيضا تبعا للمحيط وشرح الجامع لقاضيخان. قال في الحلية: وعن
البراء بن عازب عن النبي (ص) قال: ما من عبد يقول حين يتوضأ بسم الله، ثم يقول بكل عضو
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم يقول حين يفرغ: اللهم
اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء،
فإن قام من وقته ذلك فصلى ركعتين يقرأ فيهما ويعلم ما يقول انفتل من صلاته كيوم ولدته أمه، ثم
يقال له استأنف العمل رواه الحافظ المستغفري، وقال: حديث حسن. قوله: (والدعاء بالوارد)
فيقول بعد التسمية عند المضمضة: اللهم أعني على تلاوة القرآن وذكرك وشكرك وحسن عبادتك،
وعند الاستنشاق: اللهم أرحني رائحة الجنة ولا ترحني رائحة النار، وعند غسل الوجه: اللهم بيض
وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وعند غسل يده اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني
حسابا يسيرا، وعند غسل اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري، وعند مسح
رأسه: اللهم أظلني تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظل عرشك. وعند مسح أذنيه: اللهم اجعلني من
الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وعند مسح عنقه: اللهم أعتق رقبتي من النار، وعند غسل
رجله اليمنى: اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل الاقدام، وعند غسل اليسرى: اللهم اجعل ذنبي
مغفورا وسعيي مشكورا، وتجارتي لن تبور. كما في الامداد والدرر وغيرهما. وثم روايات أخر ذكرها
في الحلية وغيرها، وسيأتي أنه يصلي على النبي (ص) بعد غسل كل عضو، فصار مجموع ما يذكر عند
كل عضو التسمية والشهادة والدعاء والصلاة على النبي (ص)، لكن قال صاحب الهداية في مختارات
النوازل: ويسمي عند غسل كل عضو، أو يدعو بالدعاء المأثور فيه، أو يذكر كلمة الشهادة، أو
يصلي على النبي (ص)، فأتى في الجميع بأو، ولكن رأيت في الحلية عن المختارات: ويدعو بالواو،
وبأو في البواقي، فليراجع. قوله: (من طرق) أي يقوي بعضها بعضا فارتقى إلى مرتبة الحسن ط.
137

أقول: لكن هذا إذا كان ضعفه لسوء حفظ الراوي الصدوق الأمين أو لإرسال أو تدليس أو
جهالة حال، أما لو كان لفسق الراوي أو كذبه فلا يؤثر فيه موافقة مثله له، ولا يرتقي بذلك إلى
الحسن كما صرح في التقريب وشرحه، فحينئذ يحتاج إلى الكشف عن حال الراوين لهذا
الحديث، لكن ظاهر عملهم به أنه ليس من القسم الأخير كما يتضح. قوله: (فيعمل به) أي بهذا
الحديث. وعبارة الرملي كما في الشرنبلالية العمل بالحديث الضعيف الخ. قوله: (في فضائل
الأعمال) أي لأجل تحصيل الفضيلة المترتبة على الأعمال. قال ابن حجر في شرح الأربعين: لأنه إن
كان صحيحا في نفس الامر فقد أعطي حقه من العمل، وإلا لم يترتب على العمل به مفسدة تحليل
ولا تحريم ولا ضياع حق للغير، وفي حديث ضعيف من بلغه عني ثواب عمل فعمله حصل له
أجره وإن لم أكن قلته أو كما قال ا ه‍ ط. قال السيوطي: ويعمل به أيضا في الاحكام إذا كان فيه
احتياط. قوله: (وإن أنكره النووي) حمل الرملي كما في الشرنبلالية إنكاره له من جهة الصحة، قال:
أما باعتبار وروده من الطرق المتقدمة فلعله لم يثبت عنده ذلك أو لم يستحضره حينئذ. قوله:
(فائدة) إلى قوله وأما الموضوع من كلام الرملي. قوله: (عدم شد ضعفه) شديد الضعف هو
الذي لا يخلو طريق من طرقه عن كذاب أو متهم بالكذب. قاله ابن حجر. ط.
مطلب في بيان ارتقاء الحديث الضعيف إلى مرتبة الحسن
قلت: مقتضى عملهم بهذا الحديث أنه ليس شديد الضعف فطرقه ترقيه إلى الحسن. قوله:
(وأن لا يعتقد سنية ذلك الحديث) أي سنية العمل به. وعبارة السيوطي في شرح التقريب: الثالث
أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط، وقبل لا يجوز العمل به مطلقا، وقيل يجوز
مطلقا ا ه‍. قوله: (وأما الموضوع) أي المكذوب على رسول الله (ص)، وهو محرم إجماعا، بل قال
بعضهم: إنه كفر. قال عليه الصلاة والسلام: من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار. ط.
قوله: (بحال) أي ولو في فضائل الأعمال. قال ط: أي حيث كان مخالفا لقواعد الشريعة، وأما لو
كان داخلا في أصل عام فلا مانع منه لا لجعله حديثا بل لدخوله تحت الأصل العام ا ه‍. تأمل.
قوله: (إلا إذا قرن) أي ذلك الحديث المروي ببيانه أي بيان وضعه، أما الضعيف فتجوز روايته بلا
بيان ضعفه لكن إذا أردت روايته بغير إسناد فلا تقل قال رسول الله (ص) كذا وما أشبهه من صيغ
الجزم، بل قل روي كذا وبلغنا كذا أو ورد أو جاء أو نقل عنه وما أشبهه من صيغ التمريض، وكذا
ما شك في صحته وضعفه كما في التقريب. قوله: (أي بعد الوضوء) فسر الضمير بذلك مع تبادر ما
في الزيلعي، لان المصنف في شرحه فسره بذلك وهو أدرى بمراده. قوله: (وأن يقول بعده) زاد في
المنية وغيرها: أو في خلاله، لكن قال في الحلية: إن الوارد في السنة بعده متصلا بما تقدم من
ذكر الشهادتين كما هو فرواية الترمذي ا ه‍. وزاد في المنية: وأن يقول بعد فراغه: سبحانك
138

اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك
ناظرا إلى السماء. قوله: (التوابين) هم الذين كلما أذنبوا تابوا، والمتطهرون الذين لا ذنب لهم.
زاد في المنية واجعلني من عبادك الصالحين، واجعلني من الذين لا خوف عليهم ولا هم
يحزنون. قوله: (وأن يشرب بعده من فضل وضوئه) بفتح الواو: ما يتوضأ به. درر، والمراد شرب
كله أو بعضه كما في شرح المنية وشرح الشرعة، ويقول عقبه كما في المنية: اللهم اشفني بشفائك،
وداوني بدوائك، واعصمني من الوهل والأمراض والأوجاع. قال في الحلية: والوهل هنا
بالتحريك: الضعف والفزع، ولم أقف على هذا الدعاء مأثورا، وهو حسن ا ه‍.
بقي شئ، وهو أن الشرب من فضل الوضوء فيما لو توضأ من إناء كإبريق مثلا، أما لو توضأ
من نحو حوض فهل يسمى ما فيه فضل الوضوء فيشرب منه أو لا؟ فليحرر هذا، وفي الذخيرة عن
فتاوي أبي الليث: الماء الموضوع للشرب لا يتوضأ به ما لم يكن كثيرا، والموضوع للوضوء يجوز
الشرب منه. ثم نقل عن ابن الفضل أنه كأن يقول بالعكس. فعلى هذا هل له الشرب من فضل
الوضوء لأنه من توابعه أم لا؟ والظاهر الأول. تأمل. قوله: (كماء زمزم) التشبيه في الشرب مستقبلا
قائما لا في كونه بعد الوضوء، فلذا قال ط: الأولى تأخيره عن قوله: قائما.
مطلب في مباحث الشرب قائما
قوله: (أو قاعدا) أفاد أنه مخير في هذين الموضعين، وأنه لا كراهة فيهما في الشرب قائما
بخلاف غيرهما، وأن المندوب هنا هو الشرب من فضل الوضوء لا بقيد كونه قائما خلاف ما اقتضاه
كلام المصنف، لكن قال في المعراج: قائما. وخيره الحلواني بين القيام والقعود. وفي الفتح: قيل
وإن شاء قاعدا، وأقره في البحر، واقتصر على ما ذكره المصنف في المواهب والدرر والمنية والنهر
وغيرها. وفي السراج: ولا يستحب الشرب قائما إلا في هذين الموضعين، فأستفيد ضعف ما مشى
عليه الشارح كما نبه عليه ح وغيره. قوله: (وفيما عداهما يكره الخ) أفاد أن المقصود من قوله قائما
عدم الكراهة لا دخوله تحت المستحب، ولذا زاد قوله: أو قاعدا.
واعلم أنه ورد في الصحيحين أنه (ص) قال: لا يشربن أحد منكما قائما، فمن نسي فليستقئ
وفيهما: أنه شرب من زمزم قائما وروى البخاري عن علي رضي الله عنه: أنه بعد ما توضأ قام
فشرب فضل وضوئه وهو قائم، ثم قال: إن ناسا يكرهون الشرب قائما، وإن النبي
(ص) صنع مثل ما صنعت وأخرج ابن ماجة والترمذي عن كبشة الأنصارية رضي الله عنها: أن
رسول الله (ص) دخل عليها وعندها قربة معلقة فشرب منها وهو قائم، فقطعت فم القربة تبتغي بركة
موضع في رسول الله (ص) وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. فلذا اختلف العلماء في الجمع،
فقيل إن النهي ناسخا للفعل، وقيل بالعكس، وقيل إن النهي للتنزيه، والفعل لبيان الجواز. وقال
النووي إنه الصواب. واعترضه في الحلية بحديث علي المار حيث أنكر على القائلين بالكراهة،
وبما أخرجه الترمذي وغيره، وحسنه عن ابن عمر: كنا نأكل في عهد رسول الله
139

(ص) ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام قال: وجنح الطحاوي إلى أنه لا بأس به، وأن النهي
لخوف الضرر لا غير، كما روي عن الشعبي قال: إنما كره الشرب قائما لأنه يؤذي. قال في
الحلية: فالكراهة على ما صوبه النووي شرعية يثاب على تركها، وعلى هذا إرشادية لا يثاب على
تركها. ثم استشكل ما مر من استثناء الموضعين: أي الشرب من ماء زمزم ومن فضل الوضوء
وكراهة ما عداهما، بأنه لا يتمشى على قول من هذه الأقوال: نعم على ما جنح إليه الطحاوي يستفاد
الجواز مطلقا إن أمن الضرر، أما الندب فلا، إلا أن يقال: يفيد الندب في فضل الوضوء ما أخرجه
الترمذي في حديث علي، وهو: أنه قام بعد ما غسل قدميه فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم
قال: أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله (ص) وفيه حديث: إن فيه
شفاء من سبعين داء أدناها البهر لكن قال الحفاظ: إنه واه ا ه‍ ملخصا. والبهر بالضم فسره في
الخلاصة بتتابع النفس، وفي القاموس: إنه انقطاع النفس من الاعياء.
والحاصل أن انتفاء الكراهة في الشرب قائما في هذين الموضعين محل كلام فضلا عن
استحباب القيام فيهما، ولعل الأوجه عدم الكراهة إن لم نقل بالاستحباب، لان ماء زمزم شفاء وكذا
فضل الوضوء.
وفي شرح هدية ابن العماد لسيدي عبد الغني النابلسي: ومما جربته أني إذا أصابني مرض
أقصد الاستسقاء بشرب فضل الوضوء فيحصل لي الشفاء، وهذا دأبي اعتمادا على قول
الصادق (ص) في هذا الطب النبوي الصحيح. قوله: (وعن ابن عمر الخ) أخرجه الطحاوي وأحمد
وابن ماجة والترمذي وصححه. حلية. وقصد بذكره بيان حكم الاكل، لكن أخرج أحمد ومسلم
والترمذي عن أنس عن النبي (ص): أنه نهى أن يشرب الرجل قائما قال قتادة: قلت لأنس:
فالاكل، فقال: ذلك أشر وأخبث. وفي الجامع الصغير للسيوطي نهى عن الشرب قائما والاكل
قائما ولعل النهي لأمر طبي أيضا كما مر في الشرب. وفي الفصل الحادي والثلاثين من فصول
العلامي: وكره الأكل والشرب في الطريق والاكل نائما وماشيا، ولا بأس بالشرب قائما، ولا
يشرب ماشيا، ورخص ذلك للمسافر ا ه‍. قوله: (ورخص الخ) ليس من تتمة الحديث. قوله:
(تعاهد موقيه) تثنية موق: هو آخر العين من جهة الانف: أي لاحتمال وجود رمص، وقدمنا أنه
يجب غسل ما تحته إن بقي خارجا بتغميض العين وإلا فلا. قوله: (وكعبيه الخ) هما العظمان
الناتئان في الرجل. والعرقوب: العصف الغليظ الذي فوق العقب. والأخمص: من باطن القدم: ما لم
يصب الأرض. قاموس.
مطلب في الغرة والتحجيل
قوله: (وإطالة غرته وتحجيله) لما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت
رسول الله (ص) يقول: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم
أن يطيل غرته فليفعل وفي رواية فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله حلية وبه علم أن
140

قول الشارح وتحجيله بالجر عطفا على غرته. وفي البحر: وإطالة الغرة تكون بالزيادة على الحد
المحدود. وفي الحلية: والتحجيل يكون في اليدين والرجلين. وهل له حد؟ لم أقف فيه على شئ
لأصحابنا.
ونقل النووي اختلاف الشافعية فيه على ثلاثة أقوال: الأول أنه يستحب الزيادة فوق المرفقين
والكعبين بلا توقيت. الثاني إلى نصف العضد والساق. الثالث إلى المنكب والركبتين. قال:
والأحاديث تقتضي ذلك كله ا ه‍. ونقل ط الثاني عن شرح الشرعة مقتصرا عليه. قوله: (وغسل
رجليه بيساره) لعل المراد به دلكهما باليسار، لما قدمناه أنه يندب إفراغ الماء بيمينه، ثم رأيت في
شرح الشيخ إسماعيل قال: يفرغ الماء بيمينه على رجليه ويغسلهما بيساره ا ه‍. وأخرج السيوطي في
الجامع الصغير عن أبي هريرة رضي الله عنه: إذا توضأ أحدكم فلا يغسل أسفل رجليه بيده
اليمنى. قوله: (وبلهما الخ) أي الرجلين، لكن في البحر عند الكلام على غسل الوجه عن
خلف بن أيوب أنه قال: ينبغي للمتوضئ في الشتاء أن يبل أعضاءه بالماء شبه الدهن ثم يسيل الماء
عليها، لأن الماء يتجافى عن الأعضاء في الشتاء ا ه‍.
مطلب في التمسح بمنديل
قوله: (والتمسح بمنديل) ذكره صاحب المنية في الغسل، وقال في الحلية: ولم أر من ذكره
غيره، وإنما وقع الخلاف في الكراهة، ففي الخانية: ولا بأس به للمتوضئ والمغتسل. روي عن
رسول الله (ص) أنه كان يفعله، ومنهم من كره ذلك، ومنهم من كرهه للمتوضئ دون المغتسل.
والصحيح ما قلنا، إلا أنه ينبغي أن لا يبالغ ولا يستقصي فيبقى أثر الوضوء على أعضائه ا ه‍. وكذا
وقع بلفظ لا بأس في خزانة الأكمل وغيرها، وعزاه في الخلاصة إلى الأصل ا ه‍ ما في الحلية. ثم
ذكر أدلة الأقوال الثلاثة والقائلين بها من السلف وأطال وأطاب كما هو دأبه رحمه الله تعالى، وقدمنا
عن الفتح أن من المندوبات ترك التمسح بخرقة يمسح بها موضع الاستنجاء: أي التي يمسح بها ماء
الاستنجاء لاستقذارها، وليس فيه ما يفيد ترك التمسح بغيرها، فافهم. قوله: (وعدم نفض يده)
لحديث: لا تنقضوا أيديكم في الوضوء، فإنها مراوح الشيطان ذكره في المعراج لكنه حديث
ضعيف كما ذكره المناوي، بل قد ثبت في الصحيحين عن ميمونة رضي الله عنها: أنها جاءته بخرقة
بعد الغسل فردها وجعل ينفض الماء بيده تأمل. قوله: (وقراءة سور القدر) لأحاديث وردت فيها
ذكرها الفقيه أبو الليث في مقدمته، لكن قال في الحلية: سأل عنها شيخنا الحافظ ابن حجر
العسقلاني، فأجاب بأنه لم يثبت منها شئ عن النبي (ص)، لا من قوله ولا من فعله، والعلماء
يتساهلون في ذكر الحديث الضعيف والعمل به في فضائل الأعمال ا ه‍. قوله: (وصلاة ركعتين) لما
رواه مسلم وأبو داود وغيرهما ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه
ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة حلية. قوله: (في غير وقت كراهة) هي الأوقات الخمسة:
الطلوع وما قبله، والاستواء والغروب وما قبله بعد صلاة العصر، وذلك لان ترك المكروه أولى من
فعل المندوب كما في شرح المنية ط..
141

تتمة: ينبغي أن يزاد في المندوبات أن لا يتطهر من ماء أو تراب من أرض مغصوب عليها
كآبار ثمود، فقد نص الشافعية على كراهة التطهير منها، بل نص الحنابلة على المنع منه، وظاهره أنه
لا يصح عندهم، ومراعاة الخلاف عندنا مطلوبة، وكذا يقال في التطهير بفضل ماء المرأة كما يأتي
قريبا في المنهيات، والله أعلم.
مطلب في تعريف المكروه، وأنه قد يطلق على الحرام والمكروه تحريما وتنزيها
قوله: (ومكروهه) هو ضد المحبوب، قد يطلق على الحرام كقول القدوري في مختصره: ومن
صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الامام ولا عذر له كره له ذلك. وعلى المكروه تحريما:
وهو ما كان إلى الحرام أقرب، ويسميه محمد حراما ظنيا. وعلى المكروه تنزيها، وهو ما كان تركه
أولى من فعله، ويرادف خلاف الأولى كما قدمناه.
وفي البحر: من مكروهات الصلاة المكروه في هذا الباب نوعان: أحدهما ما كره تحريما، وهو
المحمل عند إطلاقهم الكراهة كما في زكاة فتح القدير، وذكر أنه في رتبة الواجب لا يثبت إلا بما
يثبت به الواجب، يعني بالظني الثبوت. ثانيهما المكروه تنزيها، ومرجعه إلى ما تركه أولى، وكثيرا
ما يطلقونه في شرح المنية، فحينئذ إذا ذكروا مكروها فلا بد من النظر في دليله، فإن كان نهيا
ظنيا يحكم بكراهة التحريم إلا لصارف للنهي عن التحريم إلى الندب، فإن لم يكن الدليل نهيا بل كان
مفيدا للترك الغير الجازم فهي تنزيهية ا ه‍. قوله (أو غيره) أي غير الوجه من الأعضاء كما في
الحاوي، ولعل المصنف اقتصر على الوجه لما له من مزيد الشرف. قوله: (تنزيها) لما قدمنا عن
الفتح من أن تركه أدب. قال في الحلية: لأنه يوجب انتضاح الماء المستعمل على ثيابه وتركه
أولى، وأيضا هو خلاف التؤدة والوقار، فالنهي عنه نهي أدب ا ه‍. قوله: (والتقتير) أي بأن يقرب
إلى حد الدهن ويكون التقاطر غير ظاهر، بل ينبغي أن يكون ظاهرا ليكون غسلا بيقين في كل مرة
من الثلاثة. شرح المنية.
مطلب في الاسراف في الوضوء
قوله: (والاسراف) أي بأن يستعمل منه فوق الحاجة الشرعية، لما أخرج ابن ماجة وغيره عن
عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله (ص) مر بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا
السرف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟ فقال: نعم وإن كنت على نهر جار حلية. قوله: (ومنه) أي
من الاسراف الزيادة على الثلاث: أي في الغسلات مع اعتقاد أن ذلك هو السنة لما قدمناه من أن
الصحيح أن النهي محمول على ذلك، فإذا لم يعتقد ذلك وقصد الطمأنينة عند الشك، أو قصد
الوضوء على الوضوء بعد الفراغ منه فلا كراهة كما مر تقريره. قوله: (فيه) أي في الماء. قوله:
(تحريما الخ) نقل ذلك في الحلية عن بعض المتأخرين من الشافعية وتبعه عليه في البحر وغيره،
وهو مخالف لما قدمناه عن الفتح من عده ترك التقتير والاسراف من المندوبات، ومثله في البدائع
وغيرها، لكن قال في الحلية: ذكر الحلواني أنه سنة، وعليه مشى قاضي خان، وهو وجيه ا ه‍.
142

واستوجهه في البحر أيضا وكذا في النهر. قال: والمراد بالسنة المؤكدة لاطلاق النهي عن الاسراف،
وجعل في المنتقى الاسراف من المنهيات، فتكون تحريمية، لان إطلاق الكراهة مصروف إلى
التحريم وبه يضعف جعله مندوبا.
أقول: قد تقدم أن النهي عنه في حديث: فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى
وظلم محمول على الاعتقاد عندنا كما صرح به في الهداية وغيرها. وقال في البدائع: إنه
الصحيح، حتى لو زاد أو نقص واعتقد أن الثلاث سنة لا يلحقه الوعيد، وقدمنا أنه صريح في
عدم كراهة ذلك: يعني كراهة تحريم، فلا ينافي الكراهة التنزيهية، فما مشى عليه هنا في الفتح
والبدائع وغيرهما من جعل تركه مندوبا مبني على ذلك التصحيح فيكره تنزيها، ولا ينافيه عده
من المنهيات كما عد منها لطم الوجه بالماء، فإن المكروه تنزيها منهي عنه حقيقة اصطلاحا
ومجازا لغة كما في التحرير. وأيضا فقد عده في الخزانة السمرقندية من المنهيات لكن قيده
بعدم اعتقاد تمام السنة بالثلاث كما نقله الشيخ إسماعيل، وعليه يحمل قول من جعل تركه
سنة، وليست الكراهة مصروفة إلى التحريم مطلقا كما ذكرناه آنفا، على أن الصارف للنهي عن
التحريم ظاهر، فإن من أسراف في الوضوء بماء النهر مثلا مع عدم اعتقاد سنية ذلك، نظير من
ملا إناء من النهر ثم أفرغه فيه، وليس في ذلك محذور سوى أنه عبث لا فائدة فيه، وهو في
الوضوء زائد على المأمور به فلذا سمي في الحديث إسرافا.
قال في القاموس: الاسراف التبذير أو ما أنفق في غير طاعة، ولا يلزم كونه زائدا على المأمور
به وغير طاعة أن يكون حراما، نعم إذا اعتقد سنيته يكون قد تعدى وظلم لاعتقاده ما ليس بقربة
قربة، فلذا حمل علماؤنا النهي على ذلك، فحينئذ يكون منهيا عنه ويكون تركه سنة مؤكدة، ويؤيده ما
قدمه الشارح عن الجواهر من أن الاسراف في الماء الجاري جائز لأنه غير مضيع، وقدمنا أن الجائز
قد يطلق على ما لا يمتنع شرعا فيشمل المكروه تنزيها، وبهذا التقرير تتوافق عباراتهم. وأما ما ذكره
الشارح هنا فقد علمت أنه ليس من كلام مشايخ المذهب فلا يعارض ما صرحوا به وصححوه، هذا
ما ظهر لي في هذا المقام والسلام. قوله: (فحرام) لان الزيادة غير مأذون بها، لأنه إنما يوقف
ويساق لمن يتوضأ الوضوء الشرعي ولم يقصد إباحتها لغير ذلك، حلية. وينبغي تقييده بماء ليس
بجار كالذي في صهريج أو حوض أو نحو إبريق، أما الجاري كماء مدارس دمشق وجوامعها فهو من
المباح كماء النهر كما أفاده الرحمتي. قوله: (ومن منهياته) يشمل المكروه تنزيها فإنه منهي عنه
اصطلاحا حقيقة كما قدمناه عن التحرير آنفا، فافهم. قوله: (التوضؤ الخ) قال في السراج: ولا يجوز
للرجل أن يتوضأ ويغتسل بفضل المرأة ا ه‍. ومفاده أنه يكره تحريما. وعند الإمام أحمد: إذا اختلت
امرأة مكلفة بماء قليل كخلوة نكاح وتطهرت به في خلوتها طهارة كاملة عن حدث لا يصح لرجل أو
خنثى أن يرفع به حدثه كما هو مسطور في متون مذهبه، وهو أمر تعبدي، لما رواه الخمسة: أنه
(ص) نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة قال في (غر الأفكار شرح درر
143

البحار) في فصل المياه بعد ما ذكر المسألة: ولنا ما روى مسلم أن ميمونة قالت: اغتسلت من جفنة
ففضلت فيها فضلة، فجاء النبي (ص) يغتسل، فقلت: إني قد اغتسلت منه، فقال:
الماء ليس عليه جنابة وما روى أحمد منسوخ بهذا ا ه‍.
أقول: مقتضى النسخ أنه لا يكره تحريما عندنا بل ولا تنزيها، وهو مخالف لما مر عن السراج.
وفيه أن دعوى النسخ تتوقف على العلم بتأخر الناسخ، ولعله مأخوذ من قول ميمونة: إني قد
اغتسلت، فإنه يشعر بعلمها بالنهي قبله فيكون الناسخ متأخرا، والله أعلم. وقد صرح الشافعية
بالكراهة فينبغي كراهته وإن قلنا بالنسخ مراعاة للخلاف، فقد صرحوا بأنه يطلب مراعاة الخلاف،
وقد علمت أنه لا يجوز التطهير به عند أحمد.
تنبيه: ينبغي كراهة التطهير أيضا أخذا مما ذكرنا وإن لم أره لاحد من أئمتنا بماء أو تراب من
كل أرض غضب عليهم إلا بئر الناقة بأرض ثمود، فقد صرح الشافعية بكراهته، ولا يباح عند أحمد.
قال في شرح المنتهى الحنبلي: لحديث ابن عمر: إن الناس نزلوا مع رسول الله
(ص) على الحجر أرض ثمود فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين، فأمرهم رسول الله
(ص) أن يهريقوا ما استقوا من آبارها ويعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يسقوا من البئر التي
كانت تردها الناقة حديث متفق عليه. قال: وظاهره منع الطهارة به، وبئر الناقة هي البئر الكبيرة
التي يردها الحجاج في هذه الأزمنة ا ه‍. قوله: (والامتخاط) معطوف على إلقاء، وقوله: في
الماء متعلق بأحدهما على التنازع.
مطلب: نواقض الوضوء
قوله: (وينقضه الخ) النقض في الجسم: فك تأليفه، وفي غيره: إخراجه عن إفادة المقصود
منه كاستباحة الصلاة في الوضوء. بحر، وأفاد بقوله: خروج نجس أن الناقض خروجه لا عينه
بشرط الخروج، واستظهر في الفتح الثاني بما حاصله أن الطهارة ترتفع بضدها وهي النجاسة القائمة
بالخارج، لان الضد هو المؤثر في رفع ضده، وبحث فيه شرح المنية الكبير، فراجعه. قوله: (كل
خارج) لعل فائدته التعميم من أول الأمر لئلا يتوهم اختصاص النجس بالمعتاد أو الكثر. تأمل.
قوله: (بالفتح ويكسر) أشار إلى أن الفتح أولى، لقول صدر الشريعة: والرواية النجس بفتح الجيم
وهو عين النجاسة، وأما بكسرها فما لا يكون طاهرا، هذا اصطلاح الفقهاء. وأما في اللغة فيقال:
نجس الشئ ينجس فهو نجس ونجس ا ه‍، فهما لغة ما لا يكون طاهرا: أي سواء كان نجس العين
أو عارض النجاسة كالحصارة الخارجة من الدبر، والناقض في الحقيقة النجاسة العارضة لها، فكان
الفتح أولى من هذه الجهة أيضا وإن قال في البحر: إنه بالكسر أعم. تأمل، ثم على الفتح يكون بدلا
من قوله: خارج لا صفة لأنه اسم جامد، بخلاف المكسور فإنه بمعنى متنجس. تأمل. قوله: (أي
من المتوضئ) تفسير للضمير أخذا من المقام والمتوضئ من اتصف بالوضوء، واحترز بالحي عن
الميت، فإنه لو خرجت منه نجاسة لم يعد وضوءه بل يغسل موضعها فقط، إذ لو كان الخروج حدثا
لكان الموت كذلك إذ هو فوقه: وتمامه في النهر (قوله معتادا) كالبول والغائط، أو لا كالدودة
والحصاة، وهذا تعميم لقوله نجس، نبه به على خلاف الامام مالك حيث قيده بالمعتاد، كما نبه بما
144

بعده على خلاف الإمام الشافعي حيث قيده بالخارج من السبيلين. قوله: (أي يلحقه حكم التطهير)
فائدة ذكر الحكم دفع ورود داخل العين وباطن الجرح، إذ حقيقة التطهير فيهما ممكنة، وإنما الساقط
حكمه. نهر وسراج. ويظهر منه أن الكلام في جرح يضره الغسل بالماء، فلو لم يضر نقض ما سال
فيه لان حكم التطهير وهو وجوب غسله غير ساقط، والمراد بالتطهير ما يعم الغسل والمسح في
الغسل أو في الوضوء كما ذكره ابن الكمال، ليشمل ما لو سال إلى محل يمكن مسحه دون غسله
للعذر كما أشار إليه في الحلية أيضا، وزاد في شرح المنية الكبير بعد قوله في الغسل أو في الوضوء،
قوله أو في إزالة النجاسة الحقيقية، لئلا يرد ما لو افتصد وخرج منه دم كثير ولم يتلطخ رأس
الجرح فإنه ناقض، مع أنه لم يسل إلى ما يلحقه حكم التطهير لأنه سال إلى المكان دون البدن،
وبزيادة ذلك لا يرد لان المكان يجب تطهيره في الجملة للصلاة عليه، ولهذا عمم في البحر ما
يلحقه حكم التطهير بقوله من بدن وثوب ومكان.
أقول: يرد عليه ما لو سال إلى نهر ونحوه مما لا يصلي عليه. وما لو مص العلق أو القراد
الكبير وامتلأ دما فإنه ناقض كما سيأتي متنا، فالأحسن ما في النهر عن بعض المتأخرين من أن
المراد السيلان ولو بالقوة: أي فإن دم الفصد ونحوه سائل إلى ما يلحقه حكم التطهير حكما. تأمل.
ثم اعلم أن المراد بالحكم الوجوب كما صرح به غير واحد. زاد في الفتح: أو الندب، وأيده
في الحلية وتبعه في البحر بقولهم، إذا نزل الدم إلى قصبة الانف نقض، وليس ذاك إلا لكون
المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم مسنونة، وحدها أن يصل الماء إلى ما اشتد من الانف. ورد في
النهر بأن المراد بالقصبة ما لان من الانف، ولذا عبر به الزيلعي كالهداية، ومعلوم أن ما لان يجب
تطهيره لا يندب، فلا حاجة إلى زيادة الندب.
أقول: صرح في غاية البيان بأن الرواية مسطورة في كتب أصحابنا بأنه إذا وصل إلى قصبة
الانف ينتقض وإن لم يصل إلى ما لان خلافا لزفر، وأن قول الهداية: ينتقض إذا وصل إلى ما لان،
بيان لاتفاق أصحابنا جميعا: أي لتكون المسألة على قول زفر أيضا، قال: لان عنده لا ينتقض ما لم
يصل إلى مالان لعدم الظهور قبله، فهذا صريح في أن المراد بالقصبة ما اشتد، فاغتنم هذا التحرير
المفرد الملخص مما علقناه على البحر ومن رسالتنا المسماة ب‍ (الفوائد المخصصة بأحكام كي
الحمصة). قوله: (مجرد الظهور) من إضافة الصفة إلى الموصوف: أي الظهور المجردة عن السيلان،
فلو نزل البول إلى قصبة الذكر لا ينقض لعدم ظهوره، بخلاف القلفة فإنه بنزوله إليها ينقض الوضوء،
وعدم وجوب غسلها للحجر، لا لأنها في حكم الباطن كما قاله الكمال ط. قوله: (عين السيلان)
اختلف في تفسيره: ففي المحيط عن أبي يوسف: أن يعلو وينحدر. وعن محمد: إذا انتفخ على
رأس الجرح وصار أكثر من رأسه نقض. والصحيح لا ينقض ا ه‍. قال في الفتح بعد ما نقله ذلك: وفي
الدراية جعل قول محمد أصح، ومختار السرخسي الأول وهو الأولى ا ه‍. أقول: وكذا صححه قاضي
خان وغيره. وفي البحر: تحريف تبعه عليه ط فاجتنبه. قوله: (لما قالوا) علة للمبالغة ط. قوله: (لو
مسح الدم كلما خرج الخ) وكذا إذا وضع عليه قطنا أو شيئا آخر حتى ينشف ثم وضعه ثانيا وثالثا فإنه
145

يجمع جميع ما نشف، فإن كان بحيث لو تركه سال نقض، وإنما يعرف هذا بالاجتهاد وغالب الظن،
وكذا لو ألقى عليه رمادا أو ترابا ثم ظهر ثانيا فتربه ثم وثم فإنه يجمع. قالوا: وإنما يجمع إذا كان في
مجلس واحد مرة بعد أخرى، فلو في مجالس فلا تاترخانية، ومثله في البحر.
أقول: وعليه فما يخرج من الجرح الذي ينز دائما وليس فيه قوة السيلان ولكنه إذا ترك يتقوى
باجتماعه ويسيل عن محله فإذا نشفه أو ربطه بخرقة صار كلما خرج منه شئ تشربه الخرقة ينظر، إن
كان ما تشربه الخرقة في ذلك المجلس شيئا فشيئا بحيث لو ترك واجتمع أسال بنفسه نقض وإلا لا،
ولا يجمع ما في مجلس إلى ما في مجلس آخر، وفي ذلك توسعة عظيمة لأصحاب القروح ولصاحب
كي الحمصة، فاغتنم هذه الفائدة، وكأنهم قاسوها على القئ، ولما لم يكن هنا اختلاف سبب تعين
اعتبار المجلس، فتنبه. قوله: (كما لو سال) تشبيه في عدم النقض، لأنه في هذه المواضع لا يلحقه
حكم التطهير كما قدمناه. قوله: (أو جرح) بضم الجيم. قاموس. أما بالفتح فهو المصدر. قوله:
(ولم يخرج) أي لم يسل.
أقول: وفي السراج عن الينابيع: الدم السائل على الجراحة إذا لم يتجاوز. قال بعضهم: هو
طاهر حتى لو صلى رجل بجنبه وأصابه منه أكثر من قدر الدرهم جازت صلاته، وبهذا أخذ الكرخي
وهو الأظهر. وقال بعضهم: نجس، وهو قول محمد ا ه‍. ومقتضاه أنه غير ناقض، لأنه بقي طاهرا
بعد الإصابة، وإن المعتبر خروجه إلى محل يلحقه حكم التطهير من بدن صاحبه (1) فليتأمل. قوله:
(وكدمع) أي بلا علة كما سيأتي، وهو معطوف على قوله: كما لو سال. قوله: (على ما سيذكره
المصنف) أي في مسائل شتى آخر الكتاب. قوله: (ولنا فيه كلام) نقله ح. وحاصله أنه قول ضعيف
وتخريج غريب فلا يعول عليه ط. قوله: (وخروج الخ) عطف على قوله: خروج كل خارج.
قوله: (مثل ريح) فإنها تنقض لأنها منبعثة عن محل النجاسة لا لان عينها نجسة، لأن الصحيح أن
عينها طاهرة، حتى لو لبس سراويل مبتلة أو ابتل من أليتيه الموضع الذي تمر به الريح فخرج الريح
لا يتنجس، وهو قول العامة. وما نقل عن الحلواني من أنه كان لا يصلي بسراويله فورع منه. بحر.
قوله: (من دبر) وكذا من ذكر أو فرج في الدودة والحصاة بالاجماع كما سيذكره الشارع لما عليها
من النجاسة كما اختاره الزيلعي، أو لتولد الدودة من النجاسة كما في البدائع. وعلى الثاني فعطف
أو دودة من عطف الخاص على العام لدخوله تحت قوله خروج نجس إلى ما يطهر، وكذا عطفها
وعطف الحصاة على التعليل الأول لتحقق خروج الخارج النجس وهو ما عليهما، وعلى كل فقوله:
أو دودة (2) معطوف بالنظر إلى كلام الشارح على قوله: وخروج غير نجس لا على ريح فتدبر.
قوله: (لا خروج ذلك) المذكور من الثلاثة. قال ح: وهو يقتضي أن الريح تخرج من الجرح وهو

(1) قوله: (من بدن صاحبه) متعلق بخروجه: اي سيلانه من بدن صاحبه، وليس صفة لمحل حتى يرد عليه انه لو أصاب
عضوا آخر من المجروح يكون مقتضاه ان الحكم مخالف لمسألة الأجنبي مع أنه لا فرق بينهما تأمل ا ه‍.
(2) قوله: (أو دودة) كذا بالأصل المقابل على خط المؤلف، والذي في المتن: ولا دودة ا ه‍. مصححه.
146

كذلك كما في القهستاني. وحكم الدودة مكرر مع قول المصنف بعد ودودة من جرح ط. قوله:
(أما هي الخ) أي المفضاة: وهي التي اختلط سبيلها: أي مسلك البول والغائط، فيندب لها الوضوء
من الريح. وعن محمد: يجب احتياطا. وبه أخذ أبو حفص، ورجحه في الفتح بأن الغالب في الريح
كونها من الدبر. ومن أحكامها أنه لا يحلها الزوج الثاني للأول ما لم تحبل لاحتمال الوطئ في الدبر،
وأنه لا يحل وطؤها إلا إن أمكن الاتيان في القبل بلا تعد، وأما التي اختلط مسلك بولها ووطئها
فينبغي أن لا تكون كذلك، لأن الصحيح عدم النقض بالريح الخارجة من الفرج، ولأنه لا يمكن
الوضوء في مسلك البول. أفاده في البحر. قوله: (وقيل لو منتنة) أي لان نتنها دليل أنها من الدبر.
وعبارة الشيخ إسماعيل: وقيل إن كان مسموعا أو ظهر نتنه فهو حدث وإلا فلا. قوله: (وذكر) لا
حاجة إلى ذكره مع شمول القبل إياه كما يشهد له استعمالها ا ه‍. قوله: (لأنه اختلاج) أي ليس
بريح حقيقة، ولو كان ريحا فليست بمنبعثة عن محل النجاسة فلا تنقض كما قدمناه. قوله: (وهو
يعلم) أي يظن، لان الظن كاف في هذا الباب ح: أي الظن الغالب. وقال الرحمتي: شرط العلم
بعدم كونه من الأعلى، فأفاد النقض عند الاشتباه تبعا للحلبي في شرح المنية. وفي المنح عن
الخلاصة: مناط النقض العلم بكونه من الأعلى فلا نقض مع الاشتباه، وهو موافق للفقه، والحديث
الصحيح حتى يسمع صوتا أو يشم ريحا وبه يعلم أنه من الأعلى. قوله: (منهما) أي من القبل
والذكر. قوله: (لطهارتهما) أي الدودة واللحم وطهارة اللحم بالنسبة إليه، فقد قالوا: ما أبين من
الحي كميتته إلا في حق نفسه حتى لا تفسد صلاته إذا حمله ط. وفي بعض النسخ بضمير المفردة.
قوله: (وهو) أي السيلان من غير السبيلين مناط النقض: أي علته ط. قوله: (والمخرج بعصر) أي
ما أخرج من القرحة بعصرها وكأن لو لم تعصر لا يخرج شئ مساو للخارج بنفسه خلافا لصاحب
الهداية وبعض شراحها وغيرهم كصاحب الدرر والملتقى. قوله: (سيان) تثنية سي، وبها استغني عن
تثنية سواء كما في المغني. قوله: (في حكم النقض) الإضافة للبيان ط. قوله: (قال) أي صاحب
البزازية ط. قوله: (لان في الاخراج خروجا) جواب عما وجه به القول بعدم النقض بالمخرج من أن
الناقض خروج النجس وهذا إخراج. والجواب أن الاخراج مستلزم للخروج فقد وجد، لكن قال في
العناية: إن الاخراج ليس بمنصوص عليه وإن كان يستلزمه، فكان ثبوته غير قصدي ولا معتبر به
ا ه‍. وفيه أنه لا تأثير يظهر للاخراج وعدمه، بل كونه خارجا نجسا، وذلك يتحقق مع الاخراج كما
يتحقق مع عدمه، فصار كالفصد، كيف وجميع الأدلة الموردة من السنة والقياس تفيد تعليق النقض
بالخارج النجس وهو ثابت في المخرج ا ه‍. فتح. واستوجهه تلميذه ابن أمير حاج في الحلية، وكذا
شارح المنية والمقدسي. وارتضى في البحر ما في العناية حيث ضعف به ما في الفتح.
147

ولك أن تجعل ما في الفتح مضعف له كما قررناه بناء على أن الناقض الخارج النجس لا
الخروج. وفي حاشية الرملي: لا يذهب عنك أن تضعيف العناية لا يصادم قول شمس الأئمة، وهو
الأصح. قوله: (واعتمده القهستاني) حيث جعل القول بعدم النقض فاسدا، لأنه يلزم منه أنه لو
أخرج الريح أو الغائط أو غيرهما من السبيلين لكان غير ناقض ا ه‍. قوله: (ومعناه الخ) نقله في
الأشباه عن البزازية، وقدمناه في رسم المفتي. قوله: (بالمنصوص رواية) أي بالذي نص عليه من
جهة الرواية للأدلة الموردة من السنة أو بالفروع المروية عن المجتهد. قوله: (والراجح دراية) بالرفع
عطفا على الأشبه أي الراجح في جهة الدراية: أي إدراك العقل بالقياس على غيره كمسألة الفصد
ومص العلقة فإنها مما لا خلاف فيه، وكإخراج الريح ونحوه، وهذا التقرير معنى ما قدمناه آنفا عن
الفتح: فالمراد بالرواية النصوص من السنة أو من المجتهد، وبالدراية القياس، فافهم. قوله:
(فيكون) تفريع على قوله: ومعناه الخ إذ هو من عبارة البزازية، فافهم. قوله: (وينقضه قئ) أفرده
بالذكر مع دخوله في خروج نجس لمخالفته له في حد الخروج، وأما السيلان في غير السبيلين
فمستفاد من الخروج. نهر. قوله: (بأن يضبط) أي يمسك بتكلف، وهذا ما مشى عليه في الهداية
والاختيار والكافي والخلاصة، وصححه فخر الاسلام وقاضي خان، وقيل: ما لا يقدر على
إمساكه. قال في البدائع: وعليه اعتمد الشيخ أبو منصور وهو الصحيح. وفي الحلية: الأول:
الأشبه. قوله: (بالكسر) أي مع تشديد الراء المهملة، وهي أحد الاخلاط الأربعة: الدم، والمرة
السوداء، والمرة الصفراء، والبلغم ا ه‍. غاية البيان. قوله: (أو علق الخ) العلق لغة: دم منعقد كما
هو أحد معانيه لكن المراد به هنا سوداء محترقة كما في الهداية، وليس بدم حقيقة كما في الكافي،
ولهذا اعتبر فيه ملء الفم، وإلا فخروج الدم ناقض بلا تفصيل بين قليله وكثيره على المختار ا ه‍.
أخي جلبي وغيره. قوله: (فغير ناقض) أي اتفاقا كما في شرح المنية. وذكر في الحلية أن الظاهر
أن الكثير منه وهو ما ملا الفم ناقض.
والحاصل أنه إما أن يكون من الرأس أو من الجوف، علقا أو سائلا، فالنازل من الرأس إن
علقا لم ينقض اتفاقا، وإن سائلا نقض اتفاقا. والصاعد من الجوف إن علقا فلا اتفاقا ما لم يملا
الفم، وإن سائلا فعنده ينقض مطلقا. وعند محمد لا ما لم يملا الفم كذا في المنية وشرحها
والتاترخانية.
وذكر في البحر قول أبي يوسف مع الامام وقال: واختلف التصحيح، فصحح في البدائع
قولهما، قال: وبه أخذ عامة المشايخ. وقال الزيلعي: إنه المختار، وصحح في المحيط قول محمد،
وكذا في السراج معزيا إلى الوجيز ا ه‍.
واعلم أنه وقع في عبارة كل من البحر والنهر والزيلعي إيهام، وبما نقلناه من الحاصل يتضح
المرام. قوله: (وهو نجس مغلظ) هذا ما صرحوا به في باب الأنجاس، وصحح في المجتبى أنه
148

مخفف. قال في الفتح: ولا يعرى عن إشكال، وتمامه في النهر. قوله: (هو الصحيح) مقابلة ما في
المجتبى عن الحسن أنه لا ينقض لأنه طاهر حيث لم يستحل، وإنما اتصل به قليل القئ فلا يكون
حدثا. قال في الفتح: قيل وهو المختار. ونقل في البحر تصحيحه عن المعراج وغيره. قوله:
(ذكره الحلبي) أي في شرح المنية الكبير، حيث قال: والصحيح ظاهر الرواية أنه نجس لمخالطته
النجاسة وتداخلها فيه، بخلاف البلغم اه‍.
أقول: وحيث صح القولان فلا يعدل عن ظاهر الرواية، ولذا جزم به الشارح. قوله: (ولو هو
في المرئ) محترز قوله: إذا وصل إلى معدته قال: المرئ بفتح الميم مهموز الآخر، مجرى
الطعام والشراب ا ه‍. قوله: (لطهارته في نفسه) أفرد الضمير لان العطف بأو، ط. وينبغي النقض إذا
ملا الفم على القول بنجاسته. بحر ونهر. ولكن سيأتي في باب المياه أن الحية البرية تفسد الماء إذا
ماتت فيه، ومقتضاه أنها نجسة فلعل ما هنا محمول على ما إذا كانت صغيرة جدا بحيث لا يكون لها دم
سائل، لأنها حينئذ لا تفسد الماء فتكون طاهرة كالدود. قوله: (في نفسه) أي وما عليه قليل لا يملا
الفم فلا يعتبر ناقصا. قوله: (مطلقا) أي سواء كان من الرأس أو من الجوف، أصفر منتنا أو لا. قوله:
(به يفتى) كذا في البحر عن التجنيس: أي خلافا لما اختاره أبو نصر، من أنه لو صعد من الجوف
أصفر منتنا كان كالقئ، ولقول أبي يوسف: إنه نجس. قوله: (كقئ عين خمر أو بول) أي بأن شرب
خمرا أو بولا ثم قاء نفس الخمر أو البول. قوله: (وإن لم ينقض لقلته الخ) أي وإن لم يكن ناقضا
لأجل قلته لو فرض قليلا فهو أيضا نجس لنجاسته بالأصالة، بخلاف قئ نحو طعام فإنه إنما ينجس
بالمجاورة إذا كان كثيرا ملا الفم، فلا ينقض القليل منه ولا ينجس. قوله: (لقلته) علة لقوله لم
ينقض وقوله: لنجاسته على قوله: بخلاف. والأولى جعله علة لتشبيهه بماء فم الميت،
فافهم. قوله: (أص‍) أي سواء كان صاعدا من الجوف أو نازلا من الرأس ح، خلافا لأبي يوسف في
الصاعد من الجوف وإليه أشار بقوله: على المعتمد ولو أخره لكان أولى. قوله: (فيعتبر الغالب)
فإن كانت الغلبة للطعام وكان بحال لو انفرد ملا الفم: نقض، وإن كانت الغلبة للبلغم وكان بحال لو
انفرد ملا الفم كانت المسألة على الاختلاف ا ه‍. تاترخانية. قوله: (فكل على حدة) فإن كان كل
منهما ملا الفم انتقض الوضوء بالطعام اتفاقا وإلا فلا اتفاقا، ولا يضم أحدهما إلى الآخر فلا يعتبر ملء
الفم منهما جميعا. قوله: (مائع) احتراز عن العلق، وقد مر. قوله: (من جوف أو فم) هو ظاهر كلام
الشارحين، وكذا صرح ابن ملك بأن الخارج من الجوف إذا غلبه البزاق لا ينقض اتفاقا، ظاهر كلام
الزيلعي أنه ينقض وإن قل، ولا يخفى عدم صحته لمخالفته المنقول مع عدم تعقل فرق بين الخارج
من الفم والخارج من الجوف المختلطين بالبزاق. بحر. وعبارة النهر هنا مقلوبة، فتنبه.
149

ورد الرحمتي ما في البحر بأن كلام ابن ملك لا يعارض كلام الزيلعي لعلو مرتبة الزيلعي، وبأن
قوله مع عدم تعقل فرق الخ يقال عليه هو متعقل واضح، لان المغلوب الخارج من الفم لم
يخرج بقوة نفسه بل بقوة البزاق فلم يكن ناقضا كما عللوه بذلك، والخارج من الجوف قد خرج بقوة
نفسه، لأنه لم يختلط بالبزاق إلا بعد خروج من الجوف، لان البزاق لا يخر من الجوف بل محله
الفم انتهى. وحينئذ فإطلاق الشارحين محمول على غير الخارج من الجوف، فلا يكون كلام الزيلعي
مخالفا للمنقول، والله أعلم. قوله: (غلب على بزاق) بالزاي والسين والصاد كما في شرح المنية،
وعلامة كون الدم غالبا أو مساويا أن يكون البزاق أحمر، وعلامة كونه مغلوبا أن يكون أصفر.
بحر ط. قوله: (احتياطا) أي لاحتمال السيلان وعدمه فرجح الوجود احتياطا، بخلاف ما إذا شك
في الحدث لأنه لو يوجد إلا مجرد الشك ولا عبرة له مع اليقين. بحر عن المحيط. قوله: (والقيح
كالدم) قال العلامة الشيخ إسماعيل: لم أقف لاحد على ذكر علامة الغلبة وعدمها فيه. قوله:
(والاختلاط بالمخاط الخ) وما نقل عن الثاني من نجاسة المخاط فضعيف، نعم حكي في البزازية
كراهة الصلاة على خرقته عندهما للاخلال بالتعظيم.
وفي المنية: انتثر فسقط من أنفه كتلة دم لم ينتقض ا ه‍: أي لما تقدم من أن العلق خرج عن
كونه دما باحتراقه وانجماده. شرح. قوله: (علقة) دويبة في الماء تمص الدم. قاموس. قوله:
(وامتلأت) كذا في الخانية، وقال: لأنها لو شقت يخرج منها دم سائل ا ه‍. والظاهر أن الامتلاء غير
مقيد، لان العبرة للسيلان كما أفاده. ط. قوله: (القراد) كغراب دويبة. قاموس. قوله: (كذلك) أي
بإذن لم تكن العلقة امتلأت بحيث لا يسيل دمها ولم يكن القراء كبيرا. قوله: (وفي القهستاني الخ)
محل ذكر هذه المسألة والتي بعدها عند قوله وينقضه خروج نجس إلى يطهر. قوله: (لا نقض
الخ) أي لو تورم رأس جرح فظهر به قيح ونحوه لا ينتقض ما لم يتجاوز الورم لأنه لا يجب غسل
موضع الورم فلم يتجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير ا ه‍. فتح عن المبسوط: أي إذا كان يضره
غسل ذلك المتورم ومسحه، وإلا فينبغي أن ينتقض فليتنبه لذلك. حلية. قوله: (ولو شد الخ) قال
في البدائع: ولو ألقى على الجرح الرماد أو التراب فتشرب فيه أو ربط عليه رباطا فابتل الرباط ونفذ
قالوا يكون حدثا لأنه سائل، وكذا لو كان الرباط ذا طاقين فنفذ إلى أحدهما لما قلنا ا ه‍. قال في
الفتح: ويجب أن يكون معناه إذا كان بحيث لولا الربط سال، لان القميص لو تردد على الجرح فابتل
لا ينجس ما لم يكن كذلك، لأنه ليس بحدث ا ه‍: أي وإن فحش كما في المنية، ويأتي.
مطلب في حكم كالحمصة
تنبيه: علم مما هنا ومما مر أنه لا فرق بين الخارج والمخرج حكم كي الحمصة، وهو أنه إذا
150

كان الخارج منه دما أو قيحا أو صديدا وكان بحيث لو ترك لم يسل، وإنما هو مجرد رشح ونداوة لا
ينقض وإن عم الثوب، وإلا نقض بمجرد ابتلال الربا، ولا تنس ما قدمناه من أنه إنما يجمع إذا كان
في مجلس، ثم إن كان الخارج ماء صافيا فهو كالدم. وعن الحسن أنه لا ينقض. والصحيح الأول
كما ذكره قاضيخان، لكن في الثاني توسعة لمن به جدري أو جرب كما قاله الامام الحلواني، ولا
بأس بالعمل به هنا عند الضرورة.
وأما ما قيل (1) من أن العصابة ما دامت على الكي، لا ينتقض الوضوء، وإن امتلأت قيحا
ودما لم يسل من أطرافها أو تحل فيوجد فيها ما فيه قوة السيلان لولا الربط فينتقض حين الحل لا
قبله لمفارقتها موضع الجراحة، فقد أوضحنا ما فيه في رسالتنا (الفوائد المخصصة بأحكام كي
الحمصة). قوله: (ويجمع متفرق القئ الخ) أي لو قاء متفرقا بحيث لو جمع صار ملء الفم، فأبو
يوسف يعتبر اتحاد المجلس، فإن حصل ملء الفم في مجلس واحد نقض عنده وإن تعدد الغثيان.
ومحمد يعتبر اتحاد السبب وهو الغثيان ا ه‍. درر. وتفسير اتحاده أن يقئ ثانيا قبل سكون النفس من
الغثيان، فإن بعد سكونها كان مختلفا. بحر، والمسألة رباعية، لأنه إما أن يتحد فينقض اتفاقا، أو
يتعدد فلا اتفاقا، أو يتحدد السبب فقط أو المجلس فقط، وفيهما الخلاف. قوله: (وهو الغثيان) أي
مثلا، فإنه قد يكون بنحو ضرب وتنكيس بعد امتلاء المعدة ا ه‍. غنيمي. وضبطه الحموي بفتح الغين
المعجمة والثاء المثلثة والياء المثناة التحتية وبضم الغين وسكون الثاء، من غثت نفسه: هاجت
واضطربت، صرح به في الصحاح، والمراد هنا أمر حادث في مزاج الانسان منشؤه تغير طبعه من
إحساس النتن المكروه ا ه‍. ط. عن أبي السعود قوله: (إضافة الاحكام) كالنقض ووجوب سجود
التلاوة. قوله: (إلى أسبابها) كالغثيان والتلاوة: أي لا إلى مكانها لأنه في حكم الشرط
والحكم لا يضاف إلى الشرط. قوله: (إلا لمانع) أي إلا إذا تعذرت إضافتها إلى الأسباب فتضاف
إلى المحال كما في سجدة التلاوة إذا تكرر سببها في مجلس واحد، إذ لو اعتبر السبب وانتفى
التداخل (2) لان كل تلاوة سبب، وتمامه في البحر، وهنا كلام نفيس يطلب من شرح الشيخ
إسماعيل على الدرر. قوله: (أصلا) أي في كل وقت، فلا يرد الخارج من المحدث، ومن أصحاب
الاعذار، لان انتفاء الانتقاض يختص بوقت خاص، قهستاني: أي فهذا ليس بحدث مع أنه نجس،
فلذا أخرجه بقوله أصلا المستفاد من زيادة الباء التي هي لتأكيد نفي الخبر.
وقد يقال: المراد ما يخرج من البدن المتطهر وهو المتبادر، وأما ما يخرج من بدن المعذور فهو
حدث، لكن لا يظهر أثره إلا بخروج الوقت كما صرحوا به. قوله: (ليس بنجس) أي لا يعرف له
وصف النجاسة بسبب خروجه، بخلاف القليل من قئ عين الخمر أو البول فإنه وإن لم يكن حدثا

(1) قوله: (واما ما قيل) القائل سيدي عبد الغني النابلسي ا ه‍. منه.
(2) قوله: (وانتفى التداخل) هكذا في نسخة المؤلف. وفي بعض النسخ لانتفى الخ، ولعله الاظهر ا ه‍. مصححه.
151

لقلته لكنه نجس بالأصالة لا بالخروج، هذا ما ظهر لي. تأمل. قوله: (وهو الصحيح) كذا في
الهداية والكافي. وفي شرح الوقاية: إنه ظاهر الرواية عن أصحابنا الثلاثة ا ه‍. إسماعيل. قوله:
(مائعا) أي كالماء ونحوه، أما في الثياب والأبدان فيفتى بقول أبي يوسف.
تتمة: ما ذكره المصنف قضية سالبة كلية لا مهملة لان ما للعموم، وكل ما دل عليه فهو
سور الكلية كما في المطول وغيره، فتنعكس بعكس النقيض إلى قولنا: كل نجس حدث، لأنه جعل
نقيض الثاني أولا ونقيض الأول ثانيا مع بقاء الكيف والصدق بحاله. وما في الدراية من أنها لا
تنعكس، فلا يقال ما لا يكون نجسا لا يكون حدثا، لان النوم والجنون والاغماء وغيرها حدث
وليس بنجسة ا ه‍. يريد به العكس المستوي لأنه جعل الجزء الأول ثانيا والثاني أولا مع بقاء
الصدق والكيف بحالهما، والسالبة الكلية تنعكس فيه سالبة كلية أيضا، وتمامه في شرح الشيخ
إسماعيل. قوله: (وينقضه حكما) نبه على أن هذا شروع في الناقض الحكمي بعد الحقيقي بناء على
أن عينه غير ناقض بل ما لا يخلو عنه النائم، وقيل ناقض. ورجح الأول في السراج، وبه جزم
الزيلعي، بل حكي في التوشيح الاتفاق عليه.
مطلب: نوم من به انفلات ريح غير ناقض
وأقول: ينبغي أن يكون عينه ناقضا اتفاقا فيمن فيه انفلات ريح، إذ ما لا يخلو عنه النائم لو
تحقق وجوده لم ينقض، فالمتوهم أولى. نهر.
قلت: فيه نظر، والأحسن ما في فتاوي ابن الشلبي، حيث قال: سئلت عن شخص به انفلات
ريح هل ينقض وضوءه بالنوم؟ فأجبت بعد النقض، بناء على ما هو الصحيح من أن النوم نفسه
ليس بناقض، وإنما الناقض ما يخرج. ومن ذهب إلى النوم نفسه ناقض لزمه النقض. قوله: (نوم)
هو فترة طبيعية تحدث للانسان بلا اختيار منه تمنع الحواس الظاهرة والباطنة عن العمل مع سلامتها
واستعمال العقل مقامه، فيعجز العبد عن أداء الحقوق. بحر قوله: (بحيث) حيثية تقييد: أي
كائنا من هذه الجهة وبهذا الاعتبار.
مطلب: لفظ حيث موضوع للمكان ويستعار لجهة الشئ
وفي التلويح لفظ حيث موضوع للمكان استعير لجهة الشئ واعتباره، يقال: الموجود من
حيث إنه موجود: أي من هذه الجهة وبهذا الاعتبار ا ه‍، فالمراد زوال القوة الماسكة من هذه الجهة
التي ذكرها بعد وفسرها بقوله: وهو النوم الخ فلا يرد أنه قد تزول المقعدة ولا يحصل النقض
كالنوم في السجود. قوله: (وهو) أي ما تزول به المسكة المذكورة. قوله: (أو وركيه) الورك بالفتح
والكسر وككتف ما فوق الفخذ مؤنثة، جمعه أوراك. قاموس. ويلزم من الميل على أحد الوركين
سواء اعتمد على المرفق أو لا زوال مقعدته عن الأرض، وهو المراد بقول الكنز ومتورك حيث عده
ناقضا كما في البحر ا ه‍. ح. أقول: وهو غير المتورك الآتي قريبا. قوله: (على المختار) نص عليه
152

في الفتح، وهو قيد في قوله: في الصلاة قال في شرح الوهبانية: ظاهر الرواية أن النوم في
الصلاة قائما أو قاعدا أو ساجدا لا يكون حدثا سواء غلبه النوم أو تعمده. وفي جوامع الفقه: أنه في
الركوع والسجود لا ينقض ولو تعمده ولكن تفسد صلاته ا ه‍. قوله: (كالنوم) مثال للنوم الذي لا
يزيل المسكة ط. قوله: (لو أزيل لسقط) أي لو أزيل ذلك الشئ لسقط النائم، فالجملة الشرطية
صفة لشئ. قوله: (على المذهب) أي على ظاهر المذهب عن أبي حنيفة، وبه أخذ عامة المشايخ،
وهو الأصح كما في البدائع، واختار الطحاوي والقدوري وصاحب الهداية النقض، ومشى عليه
بعض أصحاب المتون، وهذا إذا لم تكن مقعدته زائلة عن الأرض وإلا نقض اتفاقا كما في البحر
وغيره. قوله: (وساجدا) وكذا قائما وراكعا بالأولى، والهيئة المسنونة بأن يكون رافعا بطنه عن
فخذيه مجافيا عضديه عن جنبيه كم في البحر. قال ط: وظاهرة أن المراد الهيئة المسنونة في حق
الرجل لا المرأة. قوله: (ولو في غير الصلاة) مبالغة على قوله على: الهيئة المسنونة لا على
قوله: وساجدا يعني أن كونه على الهيئة المسنونة قيد في عدم النقض ولو في الصلاة، وبهذا
التقرير يوافق كلاما ما عزاه إلى الحلبي في شرح المنية كما سيظهر. قوله: (على المعتمد) اعلم أنه
اختلف في النوم ساجدا، فقيل لا يكون حدثا في الصلاة وغيرها، وصححه في التحفة، وذكر في
الخلاصة أنه ظاهر المذهب. وقيل يكون حدثا، وذكر في الخانية أنه ظاهر الرواية، لكن في
الذخيرة أن الأول هو المشهور. وقيل: إن سجد على غير الهيئة المسنونة كان حدثا وإلا فلا. قال
في البدائع: وهو أقرب إلى الصواب، إلا أنا تركنا هذا القياس في حالة الصلاة للنص، كذا في
الحلية ملخصا، وصحح الزيلعي ما في البدائع فقال: إن كان في الصلاة لا ينتقض وضوءه لقوله
عليه الصلاة والسلام: لا وضوء على من نام قائما أو راكعا أو ساجدا وإن كان خارجها فكذلك
في الصحيح إن كان على هيئة السجود وإلا ينتقض ا ه‍. وبه جزم في البحر وكذلك العلامة الحلبي
في شرح المنية الكبير، ونقل فيه عن الخلاصة أيضا أن سجود السهو والتلاوة وكذا الشكر عندهما
كسجود الصلاة، قال: لاطلاق لفظ ساجدا في الحديث، فيترك به القياس فيما هو سجود شرعا،
ويبقى ما عداه على القياس فينقض إن لم يكن على وجه السنة ا ه‍. لكن اعتمد في شرح الصغير ما
عزاه إليه الشارح من اشتراط الهيئة المسنونة في سجود الصلاة وغيرها. وذكر في شرح الوهبانية أنه
قيد به في المحيط وقال: وهو الصحيح ومشى عليه في نور الايضاح وأما قوله في النهر: إنه لم
يوجد في المحيط الرضوي، ففيه أن محيط رضي الدين ثلاثة نسخ كبير وصغير وأوسط، على أنه قد
يكون المراد محيط السرخسي، والله أعلم.
تتمة: لو نام المريض وهو يصلي مضطجعا قيل لا تنقض طهارته كالنوم في السجود،
والصحيح النقض كما في الفتح وغيره، زاد في السراج: وبه نأخذ. قوله: (أو متوركا) بأن يلصق
قدميه من جانب ويلصق أليتيه بالأرض. فتح. قوله: (أو محتبيا) بأن جلس على أليتيه ونصب ركبتيه
وشد ساقيه إلى نفسه بيديه أو بشئ يحيط من ظهره عليهما. شرح المنية. قوله: (ورأسه على
ركبتيه) غير قيد، وإنما زاده للرد على الاتفاق في غاية البيان حيث فسر الاتكاء الناقض للوضوء
بهذه الهيئة. قال في شرح المنية: هذه الهيئة لا تعرف في اللغة اتكاء قطعا، وإنما تسمى احتباء،
153

وإنما سماها الإتقاني بذلك، وتبعه فيه من لا خبرة له ولا فقه عنده ا ه‍. قوله: (أو شبه المنكب) أي
على وجهه وهو كما في شروح الهداية أن ينام واضعا أليتيه على عقبيه وبطنه على فخذيه، ونقل
عدم النقض به في الفتح عن الذخيرة أيضا، ثم نقل عن غيرها: لو نام متربعا ورأسه على فخذيه
نقض. قال: وهذا يخالف ما في الذخيرة، واختار في شرح المنية النقض في مسألة الذخيرة لارتفاع
المقعدة وزوال التمكن. وإذا نقض في التربع مع أنه أشد تمكنا فالوجه الصحيح النقض هنا، ثم أيده
بما في الكفاية عن المبسوطين من أنه لو نام قاعدا ووضع أليتيه على عقبيه وصار شبه المنكب على
وجهه. قال أبو يوسف: عليه الوضوء. قوله: (أو في محمل) أي إلا إذا اضطجع فيه. حلية. قوله:
(أو إكاف) بدون ياء: برذعة الحمار وهو ككتاب وغراب، والمصدر الايكاف ط عن القاموس.
وأفاد الشارح أن النوم في سرج وإكاف لا ينقض حال الصعود وغيره، وبه صرح في المنية. قوله:
(عريانا) قال في المغرب: فرس عرى لا سرج عليه ولا لبد، وجمعه أعراء، ولا يقال فرس عريان
ا ه‍. قلت: لكن في القاموس: فرس عرى بالضم بلا سرج، واعرورى فرسا: ركبه عريانا. قوله:
(نقض) لتجافي المقعدة عن ظهر الدابة. حلية. قوله: (وإلا) بأن كان حال الصعود أو الاستواء.
منية. قوله: (حين سقط) أي عند إصابة الأرض بلا فضل. شرح منية، وكذا قبل السقوط أو في
حال السقوط، أما لو استقر ثم انتبه نقض لأنه وجد النوم مضطجعا. حلية. قوله: (به يفتى) كذا في
الخلاصة. وقيل إن ارتفعت مقعدته قبل انتباهه نقض وإن لم يسقط. وفي الخانية عن شمس الأئمة
الحلواني أنه ظاهر المذهب، وعليه مشى في نور الايضاح قال في شرح المنية: والأول أولى،
لأنه لا يتم الاسترخاء بعد مزايلة المقعدة حيث انتبه فورا. قوله: (كناعس) أي إذا كان غير متمكن،
وقوله: يفهم عبر به في البحر معزيا إلى شروح الهداية، وعبر في السراج والزيلعي والتاترخانية
بيسمع. وفي الخانية: النعاس لا ينقض الوضوء، وهو قليل نوم لا يشتبه عليه أكثر ما يقال عنده.
قال الرحمتي: ولا ينبغي أن يغتر الانسان بنفسه لان ربما يستغرقه النوم ويظن خلافه. قوله: (والعته)
هو آفة توجب الاختلال بالعقل بحيث يصير مختلط الكلام فاسد التدبير، إلا أنه لا يضرب ولا يشتم.
بحر. قوله: (لا ينقض) قال في البحر بعد نقله أقوال الأصوليين في حكم العته: وظاهر كلام الكل
الاتفاق على صحة أداء العبادات، أما من جعله مكلفا بها فظاهر، وكذا من جعله كالصبي العاقل،
وقد صرحوا بصحة عبادات الصبي، فيفهم منه أنه العته لا ينقض الوضوء.
مطلب: نوم الأنبياء غير ناقض
قوله: (كنوم الأنبياء) قال في البحر: صرح في القنية بأنه من خصوصياته (ص) (1) ولذا ورد في
الصحيحين: أن النبي (ص) نام حتى نفخ، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ لما ورد في حديث آخر:
إن عيني تنامان ولا ينام قلبي.
ولا يشكل عليه ما ورد في الصحيح من أنه (ص) نام ليلة التعريس حتى طلعت الشمس لان
القلب يقظان يحس بالحدث وغيره مما يتعلق بالبدن ويشعر به القلب، وليس طلوع الفجر والشمس

(1) قوله: (بأنه من خصوصياته صلى الله عليه وسلم) لعله من خصوصياتهم كما نقله ط عن القنية ا ه‍.
154

من ذلك، ولا هو مما يدرك القلب، وإنما يدرك بالعين وهي نائمة، وهذا هو المشهور في كتب
المحدثين والفقهاء، كذا في شرح التهذيب ا ه‍.
وأجاب القاضي عياض في الشفاء بأجوبة أخر: منها أن ذلك إخبار عن أغلب أحواله، أو أنه لا
ينام نوما مستغرقا ناقضا للوضوء. قوله: (ظاهر كلام المبسوط نعم) كذا في شرح الشيخ إسماعيل عن
شرح الكنز لابن الشلبي. قال بعض الفضلاء: فيه أن علة عدم النقض بنومهم هي حفظ قلوبهم منه،
وهذه العلة موجودة حالة إغمائهم. قال في المواهب اللدنية: نبه السبكي على أن إغماءهم يخالف
إغماء غيرهم، وإنما هو عن غلبة الأوجاع للحواس الظاهرة دون القلب، وقد ورد تنام أعينهم لا
قلوبهم فإذا حفظت قلوبهم من النوم الذي هو أخف من الاغماء فمنه بالأولى ا ه‍. ابن عبد الرزاق.
وفي القهستاني: لا نقض من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومقتضاه التعميم في كل النواقض،
لكن نقل ط عن شرح الشفاء لمله علي القاري الاجماع على أنه (ص) في نواقض الوضوء كالأمة، إلا
ما صح من استثناء النوم ا ه‍. قوله: (وينقضه إغماء) هو كما في التحرير: آفة في القلب أو الدماغ
تعطل القوى المدركة والمحركة عن أفعالها مع بقاء العقل مغلوبا. نهر. قوله: (ومنه الغشي) بالضم
والسكون: تعطل القوى المحركة والحساسة لضعف القلب من الجوع أو غيره. قهستاني. زاد في
شرح الوهبانية بفتح فسكون وبكسرتين مع تشديد الياء، وكونه نوعا من الاغماء موافق لما في
القاموس وحدود المتكلمين. قال في النهر: إلا أن الفقهاء يفرقون بينهما كالأطباء ا ه‍: أي بأنه إن كان
ذلك التعطل لضعف القلب واجتماع الروح إليه بسبب يخنقه في داخله فلا يجد منفذا فهو الغشي، وإن
لإمتلاء بطون الدماغ من بلغم فهو الاغماء. ثم لما كان سلب الاختيار في الاغماء أشد من النوم كان
ناقضا على أي هيئة كان، بخلاف النوم. إسماعيل. قوله: (والجنون) (1) صاحبه مسلوب العقل،
بخلاف الاغماء فإنه مغلوب، والاطلاق دال على أن القليل من كل منهما ناقض لأنه فوق النوم
مضطجعا. قهستاني. قوله: (وسكر) هو حالة تعرض للانسان من امتلاء دماغه من الأبخرة المتصاعدة
من الخمر ونحوه، فيتعطل معه العقل المميز بين الأمور الحسنة والقبيحة. إسماعيل عن البرجندي.
قوله: (يدخل) أي به. قال في النهر: واختلف في حده هنا وفي الايمان والحدود، فقال الامام: إنه
سرور يزيل العقل فلا يعرف به السماء من الأرض ولا الطول من العرض، وخوطب زجرا له. وقالا:
بل يغلب عليه فيهذي في أكثر كلامه، ولا شك أنه إذا وصل إلى هذه الحالة فقد دخل في مشيته
اختلال، والتقييد بالأكثر يفيد أن النصف من كلامه لو استقام لا يكون سكران، وقد رجحوا قولهما
في الأبواب الثلاثة. قال في حدود الفتح: وأكثر المشايخ على قولهما، واختاره للفتوى، وفي
نواقض المجتبى: الصحيح قولهما ا ه‍: أي فلا يشترط في حده أن يصل إلى أن لا يعرف الأرض من
السماء. قوله: (ولو بأكل الحشيشة) ذكره في النهر بحثا، واستدل له بما في شرح الوهبانية من أنهم
حكموا بوقوع طلاقه إذا سكر منها زجرا له. قال الشيخ إسماعيل: ولا يخفى أن قول البرجندي من

(1) قوله: (والجنون) هكذا بخطه، والذي في الشارح وجنون بالتنكير ا ه‍. مصححه.
155

الخمر ونحوه شامل له إذا تعطل العقل، وقول البحر بمباشرة بعض الأسباب (1). ا ه‍.
فرع: المصروع إذا أفاق عليه الوضوء. تاترخانية. قوله: (وقهقهة) قيل إنها من الاحداث،
وقيل لا، وإنما وجب الوضوء بها عقوبة وزجرا. وفائدة الخلاف في مس المصحف يجوز على
الثاني لا الأول كما في المعراج. قال في النهر: وينبغي أن يظهر أيضا في كتابة القرآن، وأما حل
الطواف فهذا الوضوء ففيه تردد، وإلحاق الطواف بالصلاة يؤذن بأنه لا يجوز، فتدبره. ورجح في
البحر القول الثاني بموافقته للقياس، لأنها ليست خارجا نجسا بل هي صوت كالكلام والبكاء
وبموافقته للأحاديث المروية فيها، إذ ليس فيها إلا الامر بإعادة الوضوء والصلاة، ولا يلزم منه كونها
حدثا ا ه‍. وأيده في النهر بقول المصنف وغيره بالغ ولو كانت حدثا لاستوى فيها البالغ وغيره،
وبترجيحهم عدم النقض بقهقهة النائم: أي لعدم الجناية منه كالصبي.
أقول: ثم لا يخفى أن معنى القول الثاني بطلان الوضوء بالقهقهة في حق الصلاة زجرا كبطلان
الإرث بالقتل وإن لم يبطل في حق غيرها لعدم الحدث، وليس معناه أن الوضوء لم يبطل وإنما أمر
بإعادته زجرا، حتى يرد أنه يلزمه أنه لو صلى به صحت الصلاة مع الحرمة ووجوب الإعادة فيكون
مخالفا لأصل المذهب، فافهم. قوله: (هي ما يسمع جيرانه) قال في البحر: هي في اللغة معروفة،
وهي أن يقول قه قه. واصطلاحا ما يكون مسموعا له ولجيرانه بدت أسنانه أو لا ا ه‍. وفي المنية:
وحد القهقهة قال بعضهم: ما يظهر القاف والهاء ويكون مسموعا له ولجيرانه. وقال بعضهم: إذا
بدت نواجذه ومنعه من القراءة ا ه‍. لكن قال في الحلية: لم أقف على التصريح باشتراط إظهار
القاف والهاء لاحد، بل الذي توارد عليه كثير من المشايخ كصاحب المحيط والهداية والكافي
وغيرهم ما يكون مسموعا له ولجيرانه. وظاهره التوسع في إطلاق القهقهة على ما له صوت وإن
عري عن ظهور القاف والهاء أو أحدهما ا ه‍. واحترز به عن الضحك، وهو لغة: أعم من القهقهة.
واصطلاحا: ما كان مسموعا له فقط فلا ينقض الوضوء بل يبطل الصلاة. وعن التبسم وهو ما لا
صوت فيه أصلا بل تبدو أسنانه فقط فلا يبطلهما، وتمامه في البحر، ولم أرد من قدر الجواز بشئ
ومقتضى تعريف الضحك بما كان مسموعا له فقط أن القهقهة ما يسمعها غيره من أهل مجلسه فهم
جيرانه لا خصوص من عن يمينه أو عن يساره، لان كل ما كان مسموعا له يسمعه من عن يمينه أو
يساره. تأمل. قوله: (ولو امرأة) لأن النساء شقائق الرجال في التكاليف ط، ولا يرد أن قوله: بالغ
صفة للمذكر لأنه لا يقال جارية بالغ كما في القاموس. قوله: (سهوا) أي ولو سهوا، فهو من
مدخول المبالغة وكذا النسيان. وذكر في المعراج فيهما روايتين، ورجح في البحر رواية النقض،
وبها جزم الزيلعي في النسيان ولم يذكر السهو، فافهم. قوله: (به يفتى) لما قدمناه من أن النقض
للزجر والعقوبة والصبي والنائم ليسا من أهلها، وصرحوا بأن القهقهة كلام فتفسد صلاتهما، وثم
أقوال أخر صحح بعضها مبسوطة في البحر. قوله: (كالباني) أي من سبقه الحدث في الصلاة، فأراد
أن يبني على صلاته فقهقهة في الطريق بعد الوضوء ينقض وضوءه، وهو إحدى روايتين، وبه جزم

(1) قوله: (وقول البحر بمباشرة بعض الأسباب) اي كذلك، يعني انه شامل له كقول البرجندي، ففي كلامه حذف تأمل
ا ه‍ مصححه.
156

الزيلعي. قال في البحر: قيل وهو الأحوط، ولا نزاع في بطلان صلاته ا ه‍. قوله: (مستقلة) تصريح
بمفهوم قوله: صغرى فإنه يفهم أنه ولو كان يصلي بطهارة كبرى وهي الغسل لا ينتقض الوضوء
الذي ضمنها، فكان الأخضر حذفه، إلا أن يقال: احترز بصغري عن نفس طهارة الغسل فلا يلزمه
إعادته وبمستقلة عن الصغرى التي في ضمنه، فتأمل. قوله: (والفتح والنهر) لأنه ذكر في الفتح عن
المحيط أنه الصحيح، وعبر عن مقابله بقبل. وفي النهر ذكر أنه الذي رجحه المتأخرون، وحيث لم
يتعقبه مع اقتصاره عليه وجزمه به اقتضى ترجيحه له، ولذا لم يعز ترجيحه إلى البحر لكونه ذكر
القولين حيث قال: على قول عامة المشايخ لا تنقض. وصحح المتأخرون كقاضيخان النقض مع
اتفاقهم على بطلان ا ه‍. قوله: (عقوبة له) لاساءته في حال مناجاته لربه تعالى. قوله: (وعليه
الجمهور) أي من المتأخرين كما علمت. قوله: (كاملة) أي ذات ركوع وسجود: أو ما يقوم مقامهما
من الايماء لعذر، أو راكبا يومئ بالنقل أو بالفرض حيث يجوز فلا تنقض في صلاة جنازة وسجدة
تلاوة: أي خارج الصلاة، لكن يبطلان، ولا لو كان راكبا يومئ بالتطوع في المصر أو القرية لعدم
جواز الصلاة عنده خلافا للثاني. قوله: (ولو عند السلام) أي قبله وبعد التشهد. درر، وكذا
لو في سجود السهو. بحر عن المحيط. قوله: (عمدا) أي ولو كانت القهقهة عمدا. وفيه رد على
صاحب الدرر حيث قال: إلا أن يتعمد، وسيأتي في باب الحدث في الصلاة التصريف بفساد
الوضوء بالقهقهة عمدا بعد القعود قدر التشهد لوجودها في حرمة الصلاة. قوله: (لا الصلاة) لأنه لم
يبق من فرائضها شئ وترك السلام لا يضر في الصحة. إمداد. قوله: (خلافا لزفر) حيث قال: لا
تبطل الوضوء كالصلاة. شرنبلالية. قوله: (ولو قهقه إمام الخ) أي بعد القعود قدر التشهد. قوله:
(ثم قهقه المؤتم) أما لو قهقه قبل إمامه أو معه بطل وضوءه دون صلاته لوجودها في حرمة الصلاة.
سراج. قوله: (ولو مسبوقا) رد على الدرر. قوله: (فلا نقض) أي لوضوء المؤتم، لان قهقهته
وقعت بعد بطلان صلاته بقهقهة إمامة، خلافا لهما في المسبوق حيث قالا: لا تفسد صلاته ويقوم
إلى قضاء ما فاته. وفي فساد صلاته اللاحق روايتان عن أبي حنيفة. سراج. قوله: (بخلافهما) أي
بخلاف قهقهة المأموم بعد كلام الامام عمدا، وكذا بعد سلامه عمدا لأنهما قاطعان للصلاة لا
مفسدان إذ لم يفوتا شرطها وهو الطهارة، فلم يفسد بهما شئ من صلاة المأموم، فينتقض وضوءه
بقهقهته، أما حدثه عمدا وكذا قهقهته عمدا فمفوتان للطهارة فيفسد جزء يلاقيانه فيفسد من صلاة
المأموم كذلك فتكون قهقهة المأموم بعد الخروج من الصلاة فلا تنقض، وتمامه في حاشية نوح
أفندي. قوله: (في الأصح) مقابله ما في الخلاصة حيث صحح عدم فساد الطهارة بقهقهة المأموم
بعد كلام الامام أو سلامه، عمدا. قال في الفتح: ولو قهقه بعد كلام الامام عمدا فسدت كسلامه
على الأصح على خلاف ما في الخلاصة ا ه‍. أقول: وما في الفتح صححه في الخانية أيضا. قوله:
(الامتحان) أي اختبار ذهن الطالب. قوله: (المسح) أي مسح الخف أو الرأس أو الجبيرة. قال ط:
وكذا لو نسي غسل بعض أعضائه إذ المسح ليس قيدا على ما يظهر. قوله: (قبل قيامه للصلاة) أي
157

قبل شروعه فيها كأن قهقه حال رجوعه. قوله: (انتقض) فإنه في الصلاة حكما، وهذا على ما جزم
به الزيلعي من إحدى الروايتين من انتقاض طهارة الباني لو قهقه في الطريق كما قدمناه. قوله: (لا
بعده) أي لا ينتقض لو قهقه بعد قيامه لها: أي شروعه فيها، لأنه لما شرع فيها وهو ذاكر أنه لم
يمسح فقد بطلت صلاته، فتكون قهقهته بعد خارج الصلاة فلا تنقض. ووجه الامتحان فيها أن يقال:
أي قهقهة تنقض الوضوء قبل الشروع في الصلاة حقيقة لا بعده. قوله: (ومباشرة) مأخوذة من البشرة
وهي ظاهر الجلد. قوله: (فاحشة) المراد بالفحش الظهور لا الذي نهى عنه الشارع، إذ قد تكون بين
الرجل وامرأته، أو المعنى فاحشة أن لو كانت مع الأجنبية، أو باعتبار أغلب صورها لأنها تكون بين
المرأتين والرجل والغلام، ثم هي من الناقض الحكمي ط. قوله: (فتماس الفرجين) أي من غير
حائل من جهة القبل أو الدبر. شرح المنية. ثم المنقول أن ظاهر الرواية عدم اشتراطه. وفي
الينابيع: روى الحسن اشتراط التماس وهو أظهر، وصححه الأسبيجابي. وفي الزيلعي أنه الظاهر
ا ه‍ أي من جهة الدراية لا الرواية. أفاده في البحر. ويشترط أن يكون تماس الفرجين من شخصين
مشتهيين، بدليل ما سيذكره الشارح في الغسل أنه لا يجب الغسل بوطئ صغيرة غير مشتهاة ولا
ينتقض الوضوء الخ. تأمل. قوله: (مع الانتشار) هذا في حق نقض وضوئه لا وضوئها، فإنه لا
يشترط في نقضه انتشار آلة لرجل. قنية. وفي الشرنبلالية: زاد الكمال في تفسيرها المعانقة، وتبعه
صاحب البرهان فقال: وهي أن يتجردا معا معانقين متماسي الفرجين، قوله: (للجانبين) فينتقض
وضوء المرأة، وما في الحلية حيث قال: إني لم أقف عليه إلا في المنية، وفيه تأمل رده في البحر
والنهر. قوله: (على المعتمد) وهو قولهما، لأنها لا تخلو عن خروج مذي غالبا، وهو كالمتحقق في
مقام وجوب الاحتياط إقامة للسبب الظاهر مقام الامر الباطن. وقال محمد: لا تنقض ما لم يظهر
شئ، وصححه في الحقائق، ورده في البحر والنهر بما نقله في الحلية عن التحفة من أن الصحيح
قولهما وهو المذكور في المتون.
قلت: لكن في الحلية قال بعد ما نقل تصحيح قولهما: ولقائل أن يقول: الأظهر وجه محمد،
فقوله أوجه ما لم يثبت دليل سمعي يفيد ما قالاه ا ه‍: في شرح الشيخ إسماعيل عن شرح
البرجندي: وأكثر الكتب متضافرة على أن الصحيح المفتى به قول محمد، وعدم ذكر صاحب الهداية
لها في النواقض يشعر باختياره ا ه‍. تأمل. قوله: (لكن يغسل يده ندبا) لحديث: من مس ذكره
فليتوضأ أي ليغسل يده جمعا بينه وبين قوله (ص): هل هو إلا بضعة منك، حين سئل عن الرجل
يمس ذكره بعد ما يتوضأ وفي رواية في الصلاة أخرجه الطحاوي وأصحاب السنن إلا ابن ماجة
وصححه ابن حبان. وقال الترمذي: إنه أحسن شئ يروى في هذا الباب وأصح، ويشهد له ما
أخرجه الطحاوي عن مصعب بن سعد قال: كنت آخذا على أبي المصحف، فاحتككت فأصبت
فرجي؟ فقلت نعم، فقال: قم فاغسل يدك وقد ورد تفسير الوضوء بمثله في الوضوء مما مسته
النار، وتمامه في الحلية والبحر.
أقول: ومفاده استحباب غسل اليد مطلقا كما هو مفاد إطلاق المبسوط خلافا لما استفاده في
البحر من عبارة البدائع من تقييده بما إذا كان مستنجيا بالحجر كما أوضحه في النهر.
158

مطلب في ندب مراعاة الخلاف إذا لم يرتكب مكروه مذهبه
قوله: (لكن يندب الخ) قال في النهر: إلا أن مراتب الندب تختلف بحسب قوة دليل المخالف
وضعفه.
قوله: (لكن بشرط) استدراك على ما فهم من الكلام من أن الامام يراعي مذهب من يقتدي به
سواء كان في هذه المسألة أو في غيرها، وإلا فالمراعاة في المذكور هنا ليس فيها ارتكاب مكروه
مذهبه ا ه‍. ح. بقي هل المراد بالكراهة هنا ما يعم التنزيهية؟ توقف فيه ط. والظاهر نعم، كالتغليس
في صلاة الفجر السنة عند الشافعي، مع أن الأفضل عندنا الاسفار فلا يندب مراعاة للخلاف
فيه. وكصوم يوم الشك فإنه الأفضل عندنا، وعند الشافعي حرام، ولم أر من قال يندب عدم صومه
مراعاة للخلاف. وكالإعتماد وجلسة الاستراحة، السنة عندنا تركهما، ولو فعلهما لا بأس كما سيأتي
في محله، فيكره فعلهما تنزيها مع أنهما سنتان عند الشافعي. قوله: (وصديد) (1) في المغرب: صديد
الجرح ماؤه الرقيق المختلط بالدم. قوله: (وعين) أي وماء عين: وهو الدمع وقت الرمد. وفي
بعض النسخ وغيره بدل وعين أن غير ماء السرة كماء نفطة وجرح. قوله: (لا بوجع) تقييد
لعدم النقض بخروج ذلك، وعدم النقض هو ما مشى عليه الدرر والجوهرة والزيلعي معزيا
للحلواني، قال في البحر: وفيه نظر، بل الظاهر إذا كان الخارج قيحا أو صديدا لنقض، سواء كان
مع وجع أو بدونه لأنهما لا يخرجان إلا عن علة، نعم هذا التفصيل حسن فيما إذا كان الخارج ماء
ليس غير ا ه‍. وأقره في الشرنبلالية، وأيده بعبارة الفتح: الجرح والنفطة وماء الثدي والسرة والاذن
إذا كان لعلة سواء على الأصح ا ه‍. فالضمير في كان للماء فقط فهو مؤيد لكلام البحر. وفيه
إشارة إلى أن الوضع غير قيد بل وجود العلة كاف، وما بحثه في البحر مأخوذ من الحلية، واعترضه
في النهر بقوله: لم لا يجوز أن يكون القيح الخارج من الاذن عن جرح برا، وعلامته عدم التألم،
فالحصر ممنوع ا ه‍: أي الحصر بقوله: لا يخرجان إلا عن علة. وأنت خبير بأن الخروج دليل العلة
ولو بلا ألم، وإنما الألم شرط للماء فقط، فإنه لا يعلم كون الماء الخارج من الاذن أو العين أو
نحوهما دما متغيرا إلا بالعلة والألم دليلهما، بخلاف نحو الدم والقيح، ولذا أطلقوا في الخارج من
غير السبيلين كالدم والقيح والصديد أنه ينقض الوضوء، ولم يشترطوا سوى التجاوز إلى موضع
يلحقه حكم التطهير، ولم يقيدوه في المتون ولا في الشروح بالألم ولا بالعلة، فالتقييد بذلك في
الخارج من الاذن مشكل لمخالفته لاطلاقهم. قوله: (وعمش) (2) هو ضعيف الرؤية مع سيلان الدم
في أكثر الأوقات. درر وقاموس. قوله: (ناقض الخ) قال في المنية: وعن محمد: إذا كان في عينيه
رمد وتسيل الدموع منها آمره بالوضوء لوقت كل صلاة، لأني أخاف أن يكون ما يسيل منها صديدا.

(1) قوله: (وصديد) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح كصديد بكاف التشبيه ا ه‍. مصححه.
(2) قوله: (قوله وعمش) كذا بالأصل المقابل على خط المؤلف. والذي في نسخ الشرح أو عمش، وكذا قوله عينيه
بالتثنية مع ارجاع ضمير منها إليها بالافراد ا ه‍. مصححه.
159

فيكون صاحب العذر ا ه‍. قال في الفتح: وهذا التعليل يقتضي أنه أمر استحباب، فإن الشك
والاحتمال لا يوجب الحكم بالنقض، إذ اليقين لا يزول بالشك، نعم إذا علم بإخبار الأطباء أو
بعلامات تغلب ظن المبتلى يجب ا ه‍. قال في الحلية: ويشهد له قول الزاهدي عقب هذه المسألة:
وعن هشام في جامعه إن كان قيحا فكالمستحاضة وإلا فكالصحيح ا ه‍. ثم قال في الحلية: وعلى
هذا ينبغي أن يحمل على ما إذا كان الخارج من العين متغيرا ا ه‍.
أقول: الظاهر أن ما استشهد به رواية أخرى لا يمكن حمل ما مر عليها، بدليل قول محمد: لأني
أخاف أن يكون صديدا، لأنه إذا كان متغيرا يكون صديدا أو قيحا فلا يناسبه التعليل بالخوف، وقد
استدرك في البحر على ما في الفتح بقوله: لكن صرح في السراج بأنه صاحب عذر فكان الامر للايجاب
ا ه‍. ويشهد له قول المجتبى: ينتقض وضوءه. قوله: (مجتبى) عبارته: الدم والقيح والصديد وماء
الجرح والنفطة وماء البثرة والثدي والعين والاذن لعلة سواء على الأصح، وقولهم: والعين والاذن
لعلة، دليل على أن من رمدت عينه فسال منها ماء بسبب الرمد ينتقض وضوءه، وهذه مسألة الناس عنها
غافلون ا ه‍. وظاهره أن المدار على الخروج لعلة وإن لم يكن معه وجع. تأمل. وفي الخانية: الغرب
في العين بمنزلة الجرح فيما يسيل منه فهو نجس. قال في المغرب: والغرب عرق في مجرى الدمع
يسقي فلا ينقطع مثل الباسور. وعن الأصمعي: بعينه غرب: إذا كانت تسيل ولا تنقطع دموعها.
والغرب بالتحريك: ورم في المآقي، وعلى ذلك صح التحريك والتسكين في الغرب ا ه‍.
أقول: قد سئلت عمن رمد وسال دمعه ثم استمر سائلا بعد زوال الرمد وصار يخرج بلا وجع،
فأجبت بالنقض أخذا مما مر (1) لان عروضه مع المرد دليل على أنه لعلة وإن كان الآن بلا رمد ولا
وجع خلافا لظاهر كلام الشارح، فتدبر. قوله: (إحليله) بكسر الهمزة مجرى البول من الذكر بحر.
قوله: (هذا) أي النقض بما ذكر، ومراده بيان المراد من الطرف الظاهر بأنه ما كان عليا عن رأس
الإحليل أو مساويا له: أي ما كان خارجا من رأسه زائدا عليه أو محاذيا لرأسه لتحقق خروج النجس
بابتلاله، بخلاف ما إذا ابتل الطرف وكان متسفلا عن رأس الإحليل: أي غائبا فيه لم يحاذه ولم يعل
فوقه، فإن ابتلاله غير ناقض إذ لم يوجد خروج فهو كابتلال الطرف الآخر الذي في داخل القصبة.
قوله: (والفرج الداخل) أما لو احتشت في الفرج الخارج فابتل داخل الحشو انتقض، سواء نفذ البلل
إلى خارج الحشو أو لا للتيقن بالخروج من الفرج الداخل وهو المعتبر في الانتقاض، لان الفرج
الخارج بمنزلة القلفة، فكما ينتقض بما يخرج من قصبة الذكر إليها وإن لم يخرج منها كذلك بما
يخرج من الفرج الداخل إلى الفرج الخارج وإن لم يخرج من الخارج ا ه‍. شرح المنية. قوله: (لا
ينتقض) لعدم الخروج. قوله: (ولو سقطت الخ) أو لو خرجت القطنة من الإحليل رطبة انتقض

(1) قوله: (اخذا مما مر الخ) اي من مسألة الصديد، بناء على ما قاله صاحب البحر وأنت خبير بان هناك فرقا جليا بين ما
هنا وبين ما هناك، فان كون الصديد ناشئا عن العة ظاهر، واما الدمع فليس بلازم ان يكون عن علة ا ه‍.
160

لخروج النجاسة وإن قلت، وإن لم تكن رطبة: أي ليس بها أثر للنجاسة أصلا فلا نقض، كما لو
أقطر الدهن في إحليله فعاد، بخلاف ما يغيب في الدبر فإن خروجه ينقض وإن لم يكن عليه رطوبة
لأنه التحق بما في الأمعاء، وهي محل القذر بخلاف قصبة الذكر، وكذا لو خرج الدهن من الدبر بعد
ما احتقن به ينقض بلا خلاف كما يفسد الصوم كما في شرح المنية. قلت: لكن فساد الصوم
بالاحتقان بالدهن لا بخروجه كما لا يخفى وإن أوهم كلامه خلافه. قوله: (ولم يغيبها) لكن
الصحيح أنه تعتبر البلة أو الرائحة، ذكره في المنتقى لأنه ليس بداخل من كل وجه، ولهذا لا يفسد
صومه فلا ينتقض وضوءه ا ه‍. حلية عن شارح الجامع لقاضيخان، فإذا وجدت البلة أو الرائحة
ينقض. وفي المنية: وإن أدخل المحقنة ثم أخرجها وإن لم يكن عليها بلة لم ينقض، والأحوط أن
يتوضأ ا ه‍. وفي شرحها: وكذا كل شئ يدخله وطرفه خارج غير الذكر. قوله: (فإن غيبها) قال في
شرح المنية: وكل شئ غيبه ثم خرج ينقض وإن لم يكن عليه بلة لان التحق بما في البطن، ولذا
يفسد الصوم، بخلاف ما إذا كان طرفه خارجا ا ه‍.
وفي شرح الشيخ إسماعيل عن الينابيع: وكل شئ غيبه في دبره ثم أخرجه أو خرج بنفسه
ينقض الوضوء والصوم، وكل شئ أدخل بعضه وطرفه خارج لا ينقضهما انتهى.
أقول: على هذا ينبغي أن تكون الإصبع كالمحقنة فيعتبر فيها البلة لان طرفها يبقى خارجا
لاتصالها باليد، إلا أن يقال: لما كانت عضوا مستقلا فإذا غابت اعتبرت كالمنفصل، لكن ما سيأتي في
الصوم مطلق. فإنه سيأتي أنه لو أدخل عودا في مقعدته وغاب فسد وإلا فلا، وإن أدخل أصبعه
فالمختار أنها لو مبتلة فسد وإلا فلا. تأمل. ولذا قال في البدائع: هذا يدل على أن استقرار الداخل في
الجوف شرط فساد الصوم. قوله: (بطل وضوءه وصومه) أي في المسألتين، لكن بطلان الصوم في
الأولى خلاف المختار، إلا أن يفرق بين مجرد إدخال الإصبع وتغييبها، ويحتاج إلى نقل صريح، فإن ما
ذكروه في الصوم مطلق كما علمت، ولهذا قال ط: إن في كلامه لفا ونشرا مرتبا، فبطلان الوضوء
يرجع إلى قوله: ولو غيبها وقوله: وصومه يرجع إلى قوله: أو أدخلها عند الاستنجاء.
قلت: لكن لو أدخلها عند الاستنجاء ينتقض وضوءه أيضا، لأنها لا تخلو من البلة إذا خرجت
كما في شرح الشيخ إسماعيل عن الواقعات، وكذا في التاترخانية، لكن نقل فيها أيضا عن الذخيرة
عدم النقض، والذي يظهر هو النقض لخروج البلة معها.
والحاصل أن الصوم يبطل بالدخول والوضوء بالخروج، فإذا أدخل عودا جافا ولم يغيبه لا
يفسد الصوم لأنه ليس بداخل من كل وجه ومثله الإصبع، وإن غيب العود فسد لتحقق الدخول،
وكذا لو كان هو أو الإصبع مبتلا لاستقرار البلة في الجوف، وإذا أخرج العود بعد ما غاب فسد
وضوءه مطلقا، وإن لم يغب، فإن عليه بلة أو فيه رائحة فسد الوضوء وإلا فلا. قوله: (بيده) أو
بخرقة. بحر. قوله: (انتقض) لأنه يلتزق بيده شئ من النجاسة. بحر: أي فيتحقق خروجها. قوله:
(لا) أي لا ينتقض لعدم تحقق الخروج، لكن ذكر بعده في البحر عن الحلواني أنه إن تيقن خروج
161

الدبر تنتقض طهارته بخروج النجاسة من الباطن إلى الظاهر ا ه‍. وبه جزم في الامداد. قوله: (وكذا)
أي في عدم النقض، وهذا ذكره في البحر عن التوشيح تخريجا على مسألة الباسوري. قوله:
(فدخلت) الأولى حذفه ليكون التشبيه في طرفي الادخال والدخول ط. قوله: (من لذكره الخ) فيه
إيجاز، وأصل العبارة كما في الخانية: لو كان بذكر الرجل جرح له رأسان: أحدهما يخرج منه الذي
يسيل في مجرى البول، والثاني ما لا يسيل فيه، فالأول بمنزلة الإحليل إذا ظهر البول على رأسه
ينقض وإن لم يسل، ولا وضوء في الثاني ما لم يسل. قوله: (فرجه الآخر) أي المحكوم بزيادته
على أصل خلقته. قوله: (كالجرح) أي لا ينقض الوضوء ما يخرج منه ما لم يسل. خانية، وبه جزم
في الفتح وغيره، لكن قال الزيلعي: وأكثرهم على إيجاب الوضوء عليه. قال في النهر: إلا أن الذي
ينبغي التعويل عليه هو الأول. قوله: (بكل) أي بالخارج من كل بمجرد الظهور عملا بالأحوط كما
في التوضيح ط. قوله: (منكر الوضوء) أو وجوبه. قوله: (نعم) لانكاره النص القطعي وهو آية * (إذا
قمتم) * (المائدة: 6) والاجماع. قوله: (ولغيرها لا) ظاهره ولو لمس المصحف لوقوع الخلاف في تفسير
آيته كما مر ط. قوله: (شك في بعض وضوئه) أي شك في ترك عضو من أعضائه. قوله: (وإلا لا)
أي وإن لم يكن في خلاله بل كان بعد الفراغ منه وإن كان أول ما عرض له الشك أو كان الشك عادة
له، وإن كان في خلاله فلا يعيد شيئا قطعا للوسوسة عنه كما في التاترخانية وغيرها. قوله: (غسل
رجله اليسرى) قال في الفتح: ولا يخفى أن المراد إذا كان الشك بعد الفراغ. وقياسه أنه لو كان في
أثناء الوضوء يغسل الأخير، كما إذا علم أنه لم يغسل رجليه عينا وعلم أنه ترك فرضا مما قبلهما
وشك في أنه ما هو؟ يمسح رأسه. والفرق بين هذه والمسألة التي قبلها أنه لا تيقن بترك شئ هناك
أصلا ا ه‍. قوله: (ولو أيقن بالطهارة الخ) حاصله أنه إذا علم سبق الطهارة وشك في عروض
الحدث بعدها أو بالعكس أخذ باليقين وهو السابق. قال في الفتح: إلا إن تأيد اللاحق، فعن محمد
علم المتوضئ دخول الخلاء للحاجة وشك في قضائها قبل خروجه: عليه الوضوء، أو علم جلوسه
للوضوء بإناء وشك في إقامته قبل قيامه: لا وضوء ا ه‍. قوله: (وشك بالحدث) أي الحقيقي أو
الحكمي ليشمل ما لو شك هل نام وهل نام متمكنا أو لا؟ أو زالت إحدى أليتيه وشك هل كان
ذلك قبل اليقظة أو بعدها؟ ا ه‍. حموي قوله: (فهو متطهر) لان الغالب أن الطهارة بعد الحدث ط،
لكن في حاشية الحموي عن فتح المدبر للعلامة محمد السمديسي: من تيقن بالطهارة والحدث وشك
في السابق يؤمر بالتذكر فيما قبلهما، فإن كان محدثا فهو الآن متطهر، لأنه تيقن الطهارة بعد ذلك
الحدث وشك في انتقاضها، لأنه يدري هل الحدث الثاني قبلها أو بعدها وإن كان متطهرا، فإن
162

كان يعتاد التجديد فهو الآن محدث لأنه متيقن حدثا بعد تلك الطهارة وشك في زواله، لأنه لا يدري
هل الطهارة الثانية متأخرة عنه أم لا؟ بأن يكون وإلى بين الطهارتين ا ه‍. قال الحموي: ومنه يعلم ما
في كلام المصنف: يعني صاحب الأشباه من القصور. قوله: (ولو شك الخ) في التاترخانية: من
شك في إنائه أو ثوبه أو بدنه أصابته نجاسة أو لا، فهو طاهر ما لم يستيقن، وكذا الآبار والحياض
والحباب الموضوعة في الطرقات ويستقي منها الصغار والكبار والمسلمون والكفار، وكذا ما يتخذه
أهل الشرك أو الجهلة من المسلمين، كالسمن والخبز والأطعمة والثياب ا ه‍. ملخصا.
فرع: لو شك في السائل من ذكره أماء هو أم بول. إن قرب عهده بالماء أو تكرر مضى وإلا
أعاده، بخلاف ما لو غلب على ظنه أنه أحدهما. فتح.
مطلب في أبحاث الغسل
قوله: (وفرض الغسل) الواو للاستئناف أو للعطف على قوله: أركان الوضوء والفرض بمعنى
المفروض. والغسل بالضم اسم من الاغتسال، وهو تمام غسل الجسد، واسم لما يغتسل به أيضا،
ومنه في حديث ميمونة فوضعت له غسلا مغرب، لكن قال النووي: إنه بالفتح أفصح وأشهر لغة،
والضم هو الذي تستعمله الفقهاء. بحر. قوله: (ما يعم العملي) أي ليشمل المضمضة والاستنشاق
فإنهما ليسا قطعيين لقول الشافعي بسنيتهما ا ه‍. ح. قوله: (كما مر) أي في الوضوء، وقدمنا هناك
بيانه. قوله: (بالغسل المفروض) أي غسل الجنابة والحيض والنفاس. سراج، فأل للعهد. قوله:
(يعني الخ) مأخوذ من المنح. قال ط: والمراد بعدم الفرضية أن صحة الغسل المسنون لا تتوقف
عليهما، وأنه لا يحرم تركهما. وظاهر كلامه أنهما إذا تركا لا يكون آتيا بالغسل المسنون، وفيه نظر،
لأنه من الجائز أن يقال: إنه أتى بسنة وترك سنة، كما إذا تمضمض وترك الاستنشاق ا ه‍.
أقول: فيه أن الغسل في الاصطلاح غسل البدن، واسم البدن يقع على الظاهر والباطن إلا ما
يتعذر إيصال الماء إليه أو يتعسر كما في البحر، فصار كل من المضمضة والاستنشاق جزءا من
مفهومه، فلا توجد حقيقة الغسل الشرعية بدونهما، ويدل عليه أنه في البدائع ذكر ركن الغسل وهو
إسالة الماء على جميع ما يمكن إسالته عليه من البدن من غير حرج، ثم قسم صفة الغسل إلى فرض
وسنة ومستحب، فلو كانت حقيقة الغسل الفرض تخالف غيره لما صح تقسيم الغسل الذي ركنه ما
ذكر إلى الأقسام الثلاثة، فيتعين كون المراد بعدم الفرضية هنا عدم الاثم كما هو المتبادر من تفسير
الشارح لا عدم توقف الصحة عليهما، لكن في تعبيره بالشرطية نظر لما علمت من ركنيتهما،
فتدبر. قوله: (غسل كل فمه الخ) عبر عن المضمضة والاستنشاق بالغسل لإفادة الاستيعاب أو
للاختصار كما قدمه في الوضوء، ومر الكلام عليه، ولكن على الأول لا حاجة إلى زيادة كل.
قوله: (ويكفي الشرب عبا) أي لا مصا فتح وهو بالعين المهملة، والمراد به هنا الشرب بجميع الفم،
وهذا هو المراد بما في الخلاصة، إن شرب على غير وجه السنة يخرج عن الجنابة وإلا فلا، وبما
قيل إن كان جاهلا جاز، وإن كان عالما فلا: أي لان الجاهل يعب والعالم يشرب مصا كما هو
163

السنة. قوله: (لان المج) أي طرح الماء من الفم ليس بشرط للمضمضة، خلافا لما ذكره في
الخلاصة، نعم هو الأحوط من حيث الخروج عن الخلاف، وبلعه إياه مكروه كما في الحلية.
قوله: (حتى ما تحت الدرن) قاله في الفتح: والدرن اليابس في الانف كالخبز الممضوغ والعجين
يمنع ه‍. وهذا غير الدرن الآتي متنا، وقيد باليابس لما في شرح الشيخ إسماعيل أن في الرطب
اختلاف المشايخ كما في القنية عن المحيط. قوله: (لكن) استدراك على ظاهر المتن حيث أطلق
البدن على الجسد، لان المراد ما يعم الأطرف. والذي في القاموس البدن محرك: من الجسد ما
سوى الرأس ط. قوله: (في المغرب) بميم مضمومة فغين معجمة ساكنة: اسم كتاب في اللغة
للامام المطرزي تلميذ الامام الزمخشري، ذكر فيه الألفاظ اللغوية الواقعة في كتب فقهائنا، وله كتاب
أكبر منه سماه المعرب بالعين المهملة. قوله: (خلافا لمالك) وهو رواية عن أبي يوسف أيضا كما
في الفتح. قوله: (أي يفرض) أي ليس المراد بالواجب المصطلح عليه. قوله: (وشارب وحاجب)
أي بشرة وشعرا وإن كثف بالاجماع كما في النية. قوله: (لما في فاطهروا من المبالغة) علة لقوله:
ويجب وكان الأولى تأخيره عن قوله: وفرج خارج الخ أي لأنها صيغة مبالغة تقتضي وجوب غسل
ما يكون من ظاهر البدن ولو من وجه كالأشياء المذكورة. درر.
بيان ذلك أنه أمر من باب التفعيل مصدره أطهر بكسر الهمزة وفتح الطاء وضم الهاء المشددتين
أصله تطهر، قلبت التاء ثم أدغمت ثم جئ بهمزة الوصل، ومجرده طهر بالتخفيف، وزيادة البناء تدل
على زيادة المعنى، ولصاحب البحر هنا كلام خارج عن الانتظام أوضحناه فيما علقناه عليه. قوله:
(لا داخل) أي لا يجب غسل فرج داخل، قوله: (ولا تدخل إصبعها) أي لا يجب ذلك كما في
الشرنبلالية ح. أقول: وهو مأخوذ من قول الفتح: ولا يجب إدخالها الإصبع في قلبها، وبه يفتى
ا ه‍، فافهم. وفي التاترخانية: ولا تدخل المرأة أصبعها في فرجها عند الغسل. وعن محمد أنه إن لم
تدخل الإصبع فليس بتنظيف، والمختار هو الأول ا ه‍. فقول الشرنبلالية تبعا للفتح: لا يجب
إدخالها، رد لهذه الرواية. وظاهره أن المراد بها الوجوب وهو بعيد، تأمل. قوله: (كعين) لان في
غسلها من الحرج ما لا يخفى، لأنها شحم لا تقبل الماء، وقد كف بصر من تكلف له من الصحابة،
كابن عمر وابن عباس. بحر. ومفاده عدم وجوب غسلها على الأعمى خلافا للحانوتي حيث بناه
على أن العلة أنه يورث العمى، ولهذا نقل أبو السعود عن العلامة سري الدين أن العلة الصحيحة
كونه يضر وإن لم يورث العمى، فيسقط حتى عن الأعمى ا ه‍. قوله: (وإن اكتحل الخ) الظاهر أنها
شرطية، وجوابها محذوف تقديره، لا يجب غسلها، فهو استئناف لبيان مسألة أخرى، لان الغسل
المذكور قبل غسل نجاسة حكمية وهذا غسل نجاسة حقيقية فلا يصح جعل إن وصلية. تأمل.
164

قوله: (وثقب انضم) قال في شرح المنية: وإن انضم الثقب بعد نزع القرط وصار بحال إن أمر عليه
الماء يدخله، وإن غفل فلا بد من إمراره، ولا يتكلف لغير الامرار من إدخال عود ونحوه فإن
الحرج مدفوع ا ه‍. قوله: (وداخل قلفة) القلفة والغلفة بالقاف والغين: الجلدة التي يقطعها الخاتن،
يجوز فيها فتح القاف وضمها، وزاد الأصمعي فتح القاف واللام. حلية. قوله: (فسقط الاشكال) أي
إشكال الزيلعي، حيث قال: لا يجب لأنه خلقة كقصبة الذكر، وهذا مشكل، لأنه إذا وصف البول
إلى القلفة ينتقض الوضوء فجعلوه كالخارج في هذا الحكم، وفي حق الغسل كالداخل ا ه‍.
وجه السقوط أن علة عدم وجوب غسلها الحرج: أي أن الأصل وجوب الغسل إلا أنه سقط
للحرج، وإنما يرد الاشكال على التعليل بكونها خلقة، ولهذا قال في الفتح: والأصح الأول: أي
كون عدم الوجوب للحرج لا لكونه خلقة، وقال قبله فنواقض الوضوء بعد ذكره الاشكال: لكن
في الظهيرية إنما علله بالحرج لا بالخلقة وهو المعتمد، فلا يرد الاشكال ا ه‍. قوله: (وفي
المسعودي الخ) مشى عليه في الامداد، وبه يحصل التوفيق بين القولين، لأنه إذا أمكن فسخها: أي
بأن أمكن قلبها وظهور الحشفة منها فلا حرج في غسلها فيجب، وإلا بأن لم يكن فيها سوى ثقب
يخرج منه البول فلا يجب للحرج، لكن أورد في الحلية أن هذا الحرج يمكنه إزالته بالختان ثم قال:
اللهم إلا إذا كان لا يطيقه، بأن أسلم وهو شيخ ضعيف. قوله: (ضفيرتها) المراد الجنس الصادق
بجميع الضفائر ط. قوله: (للحرج) والأصل فيه ما رواه مسلم وغيره عن أم سلمة قالت: قلت: يا
رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على
رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليه الماء فتطهرين. ومقتضى هذا الحديث عدم وجوب الايصال
إلى الأصول. فتح. لكن في المبسوط: وإنما شرط تبليغ الماء أصول الشعر لحديث حذيفة، فإنه
كان يجلس إلى جنب امرأته إذا اغتسلت فيقول: يا هذه أبلغي الماء أصول شعرك وشؤون رأسك،
وهي مجمع عظام الرأس. ذكره القاضي عياض. بحر. واستفيد من الاطلاق أنه لا يجب غسل ظاهر
المسترسل إذا بلغ الماء أصول الشعر، وبه صرح في المنية، وعزاه في الحلية إلى الجامع الحسامي
والخلاصة، ثم قال: وممن نص أيضا على أن غسل ظاهر المسترسل من ذوائبها موضوع عنها البزدوي
والصدر الشهيد، وعبر عنه بالصحيح في المحيط البرهاني، ومشى عليه في الكافي والذخيرة ا ه‍.
قوله: (اتفاقا) كذا في شرح المنية، وفيه نظر لان في المسألة ثلاثة أقوال كما في البحر والحلية.
الأول: الاكتفاء بالوصول إلى الأصول ولو منقوضا، وظاهر الذخيرة أنه ظاهر المذهب، ويدل عليه
ظاهر الأحاديث الواردة في هذا الباب. الثاني: التفصيل المذكور، ومشى عليه جماعة منهم صاحب
المحيط والبدائع والكافي. الثالث: وجوب بل الذوائب مع العصر وصحح، وتمام تحقيق هذه
الأقوال في الحلية وحال فيها آخرا إلى ترجيح القول الثاني، وهو ظاهر المتون. قوله: (ولو لم يبتل
أصلها) بأن كان متلبدا أو غزيرا. إمداد. أو مضفورا ضفرا شديدا لا ينفذ فيه الماء ط. قوله: (مطلقا)
قال ح: لم يظهر لي وجه الاطلاق ا ه‍. وقال ط: أي سواء كان فيه حرج أم لا، وقوله: هو
165

الصحيح مقابله أنه لا بد من عصر الشعر ثلاثا بعد غسله منقوضا أو معقوصا ا ه‍.
أقول: كان ينبغي للشارح أن يقول: يجب غسلها، بدل قوله: يجب نقضها فقوله: مطلقا
معناه سواء كان مضفورا أو لا، وقوله: هو الصحيح احتراز عن القول الأول والثالث من الأقوال
الثلاثة، فتدبر.
تنبيه: يؤخذ من مسألة الضفيرة أنه لا يجب غسل عقد الشعر المنعقد بنفسه، لان الاحتراز عنه
غير ممكن، ولو من شعر الرجل، ولم أر من نبه عليه من علمائنا. تأمل، وإذا نتف شعرة لم تغسل
فالظاهر وجوب غسل محلها لانتقال الحكم إليه. تأمل. قوله: (ولا تمنع نفسها) أي خوفا من وجوب
الغسل عليها إذا وطئها لأنه حقه، ولها مندوحة عن غسل رأسها. قوله: (وسيجئ في التيمم) أي
في آخره. قوله: (ولو علويا أو تركيا) هو الصحيح لعدم الضرورة وللاحتياط. وفي رواية لا يجب
نظرا إلى العادة كما في شرح المنية. قوله: (لامكان حلقه) أي بخلاف المرأة فإنها منهية عنه
بالحديث فلا يمكنها شرعا، فافهم. قوله: (ونيم الخ) ظاهر الصحاح والقاموس أن الونيم مختص
بالذباب. نوح أفندي، وهذا بالنظر إلى اللغة، وإلا فالمراد هنا ما يشمل البرغوث لأنه أولى
بالحكم. قوله: (لم يصل الماء تحته) لان الاحتراز عنه غير ممكن. حلية. قوله: (به يفتى) صرح به
في المنية عن الذخيرة في مسألة الحناء والطين والدرن معللا بالضرورة. قال في شرحها: ولأن الماء
ينفذه لتخلله وعدم لزوجته وصلابته، والمعتبر في جميع ذلك نفوذ الماء ووصوله إلى البدن ا ه‍. لكن
يرد عليه أن الواجب الغسل، وهو إسالة الماء مع التقاطر كما مر في أركان الوضوء. والظاهر أن هذه
الأشياء تمنع الإسالة فالأظهر التعليل بالضرورة، ولكن قد يقال أيضا: إن الضرورة في درن الانف
أشد منها في الحناء والطين لندورهما بالنسبة إليه، مع أنه تقدم أنه يجب غسل (1) ما تحته فينبغي عدم
الوجوب فيه أيضا. تأمل. قوله: (عطف تفسير) لقول القاموس: الدرن الوسخ، وأشار بهذا إلى أن
المراد بالدرن هنا: المتولد من الجسد، وهو ما يذهب بالدلك في الحمام، بخلاف الدرن الذي
يكون من مخاط الانف، فإنه لو يابسا يجب إيصال الماء إلى ما تحته كما مر. قوله: (وكذا دهن) أي
كزيت وشيرج بخلاف نحو شحم وسمي جامد. قوله: (ودسومة) هي أثر الدهن. قال في
الشرنبلالية: قال المقدسي: وفي الفتاوي دهن رجليه ثم توضأ وأمر الماء على رجليه ولم يقبل الماء
للدسومة جاز لوجود غسل الرجلين ا ه‍. قوله: (في الأصح) مقابله قول بعضهم: يجوز للقروي، لان
درنه من التراب والطين فينفذه الماء، لا للمدني لأنه من الودك شرح المنية. قوله: (بخلاف نحو
عجين) أي كعلك وشمع وقشر سمك وخبز ممضوغ متلبد. جوهرة. لكن في النهر: ولو في أظفاره

(1) قوله: (انه يجب غسله الخ) فيه انه لا يقال ذلك مع وجود النص بخلافه، وانما ليزم التأمل في وجه الفرق، ويظهر ان علة
عدم منع الطهارة في هذه الأشياء الضرورة مع وجود وصول الماء بغير التقاطر، بخلاف دون الانف فان الضرورة
وجدت فيه الا ان الوصول لم يوجد، وهذا هو الفرق، ويزيده اكتفاؤهم بتحريك الخاتم الضيق مع أنه يمنع الاسالة تأمل ا ه‍.
166

طين أو عجين فالفتوى على أنه مغتفر، قرويا كان أو مدنيا ا ه‍. نعم ذكر الخلاف في شرح المنية في
العجين، واستظهر المنع لان فيه لزوجة وصلابة تمنع نفوذ الماء. قوله: (به يفتى) صرح به في
الخلاصة وقال: لأن الماء شئ لطيف يصل تحته غالبا ا ه‍. ويرد عليه ما قدمناه آنفا، ومفاده عدم
الجواز إذا علم أنه لم يصل الماء تحته. قال في الحلية: وهو أثبت. قوله: (إن صلبا) بضم الصاد
المهملة وسكون اللام وهو الشديد. حلية: أي إن كان ممضوغا مضغا متأكدا، بحيث تداخلت أجزاؤه
وصار لزوجه وعلاكة كالعجين. شرح المنية. قوله: (وهو الأصح) صرح به في شرح المنية وقال:
لامتناع نفوذ الماء مع عدم الضرورة والحرج ا ه‍. ولا يخفى أن هذا التصحيح لا ينافي ما قبله،
فافهم. قوله: (كقرط) بالضم ما يعلق في شحمة الأذن. قوله: (ولا يتكلف) أي بعد الامرار كما
قدمناه عن شرح المنية. قوله: (لعدم صحة شروعه) أي والنفل، إنما تلزم إعادته بعد صحة الشروع
فيه قصدا، وسكت عن الفرض لظهور أنه يلزمه الاتيان به مطلقا. قوله: (لا يدعه وإن رأوه) عزاه في
القنية إلى الوبري. قال في شرح المنية: وهو غير مسلم، لان ترك المنهي مقدم على فعل المأمور،
وللغسل خلف وهو التيمم فلا يجوز كشف العورة لأجله عند من لا يجوز نظره إليها، بخلاف الختان،
وتمامه فيه، وكذا استشكله في الحلية بما في النهاية عن الجامع الصغير للامام التمرتاشي عن الامام
البقالي: لو كان عليه نجاسة لا يمكن غسلها إلا بإظهار عورته يصلي معها، لان إظهارها منهي عنه
والغسل مأمور به، وإذا اجتمعا كان النهي أولى ا ه‍. وأطال في ذلك، فراجعه. قوله: (واختلف الخ)
ظاهره يقتضي أن المسألة نصت في المذهب، وقد وقع فيها خلاف، وليس كذلك كما ستقف
عليه ط. قوله: (كما بسطه ابن الشحنة) أي في شرح الوهبانية، حيث نقل عن شرحها لناظمها أنه لم
يقف فيها على نقل، وأن القياس أن يؤخر الرجل بين النساء أو بين الرجال والنساء، وأيده ابن
الشحنة بما في المبسوط من أن نظر الجنس إلى الجنس مباح في الضرورة لا في حالة الاختيار،
وأنه أخف من خلاف الجنس ا ه‍. هذا. وقال ح: واعلم أنه ينبغي أن لا تكشف الخنثى للاستنجاء
ولا للغسل عند أحد أصلا، لأنها إن كشفت عند رجل احتمل أنها أنثى، وإن عند أنثى احتمل أنها
ذكر. فصار الحاصل أن مريد الاغتسال إما ذكر أو أنثى أو خنثى، وعلى كل فإنا بين رجال أو نساء
أو خناثي أو رجال ونساء أو رجال وخناثى أو نساء وخناثى أو رجال ونساء وخناثى فهو أحد
وعشرون، يغتسل في صورتين منها: وهما رجل بين رجال، وامرأة بين نساء، ويؤخر في تسع عشرة
صورة ا ه‍. قوله: (وينبغي لها) أي للمرأة، ومثلها فيما يظهر الرجل حيث قلنا: إنه يؤخر أيضا، ولا
167

يخفى أن تأخير الغسل لا يقتضي عدم التيمم، فإن المبيح له وهو العجز عن الماء قد وجد، فافهم.
بقي هنا شئ لم يذكره، وهو أنه هل تجب إعادة تلك الصلاة في هذه المسألة وفي مسألة
النهاية السابقة؟ قال في الحلية: فيه تأمل، والأشبه الإعادة تفريعا على ظاهر المذهب في الممنوع
من إزالة الحديث بصنع العباد إذا تيمم وصلى ا ه‍. وسيذكر الشارح في التيمم أن المحبوس إذا صلى
بالتيمم إن في المصر أعاد وإلا فلا، واستظهر الرحمتي عدم الإعادة، قال: لان العذر لم يأت من
قبل المخلوق، فإن المانع لها الشرع والحياء وهما من الله تعالى، كما قالوا: لو تيمم لخوف العدو،
فإن توعده على الوضوء أو الغسل يعيد لان العذر أتى من غير صاحب الحق، ولو خاف بدون توعد
من العدو فلا، لان الخوف أوقعه الله تعالى في قلبه، فقد جاء العذر من قبل صاحب الحق فلا تلزمه
الإعادة ا ه‍. قوله: (مطلقا) أي سواء كان بين رجال أو نساء أو بينهما ط. قوله: (والفرق لا يخفى)
الفرق صحة الصلاة مع الحقيقية فيما إذا تكن أكثر من قدر الدرهم، وعدم صحتها مع الحكمية
رأسا ا ه‍. ح. زاد في شرح الوهبانية أن الغسل فرض فلا يترك لكشف العورة، بخلاف الاستنجاء
فإنه سنة، وتركها أولى من الكشف الحرام.
واعترض الحموي الفرق الأول بأن الحكمية قد يعفى عن قليلها أرضا، فإن الجبيرة يجوز ترك
المسح عليها وإن لم يضر المسح عند الامام مع أن تحتها حدثا اه‍. وفيه نظر لان رفع الحدث لا
يتجزأ، فيكون غسل باقي الجسد رافعا لجميع الحدث وصار كأنه غسل ما تحتها حكما. نعم الفرق
الثاني غير مؤثر لما علمت من أنه لا يجوز كشف العورة لغسل النجاسة مع أنه فرض ومن تقديم
النهي على الامر إذا اجتمعا، فالظاهر أن ما في القنية ضعيف، والله أعلم.
مطلب: سنن الغسل
قوله: وسننه) أفاد أنه لا واجب له ط. وأما المضمضة والاستنشاق فهما بمعنى الفرض لأنه
يفوت الجواز بفوتهما، فالمراد بالواجب أدنى نوعيه كما قدمناه في الوضوء. قوله: (كسنن الوضوء)
أي من البداءة بالنية والتسمية والسواك والتخليل والدلك والولاء الخ، وأخذ ذلك في البحر من
قوله: ثم يتوضأ. قوله: (سوى الترتيب) أي المعهود في الوضوء، وإلا فالغسل له ترتيب آخر بينه
المصنف بقوله: بادئا الخ ط عن أبي السعود. أقول: ويستثنى الدعاء أيضا فإنه مكروه كما في نور
الايضاح. قوله: (وآدابه كآدابه) نص عليه في البدائع. قال الشرنبلالي: ويستحب أن لا يتكلم بكلام
مطلقا، أما كلام الناس فلكراهته حال الكشف، وأما الدعاء فلانه في مصب المستعمل ومحل الأقذار
والأوحال ا ه‍.
أقول: قد عد التسمية من سنن الغسل فيشكل على ما ذكره. تأمل. واستشكل في الحلية
عموم ذلك بما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله (ص)
من إناء بيني وبينه واحد، فيبادرني حتى أقول دع لي دع لي وفي رواية النسائي يبادرني وأبا دره
حتى يقول دعي لي وأقول أنا دع لي ثم أجاب بحمله على بيان الجواز أو أن المسنون تركه ما لا
مصلحة فيه ظاهرة ا ه‍.
أقول: أو المراد الكراهة حال الكشف فقط كما أفاده التعليل السابق، والظاهر من حاله عليه
168

الصلاة والسلام أنه لا يغتسل بلا ساتر. قوله: (مع كشف عورة) فلو كان متزرا فلا بأس به كما في
شرح المنية والامداد. قوله: (أو حوض كبير أو مطر) هذا ذكره في البحر بحثا قياسا على الماء
الجاري، وهو مأخوذ من الحلية، لكن في شرح هدية ابن العماد لسيدي عبد الغني النابلسي ما
يخالف ذلك، حيث قال: إن ظاهر التقييد بالجاري أن الراكد ولو كثيرا ليس كذلك باعتبار أن جريان
الماء على بدنه قائم مقام التثليث في الصب ولا كذلك الراكد، وربما يقال: إن انتقل فيه من موضع
إلى آخر مقدار الوضوء والغسل فقد أكمل السنة ا -. وهو كلام وجيه. والظاهر أن الانتقال غير قيد
بل التحرك كاف. ولا يقال: إن الحوض الكبير في حكم الجاري فلا فرق. لأنا نقول: هو مثله في
عدم قبوله النجاسة، لا مطلقا. قوله: (قدر الوضوء والغسل) انظر هل المراد قدر زمنهما لو كان
يصب الماء عليه بنفسه أو مقدار ما يتحقق فيه جريان الماء على الأعضاء بلحظات يسيرة يتحقق فيها
غسل أعضاء الوضوء مرتبة ثلاثا مع غسل باقي الجسد كذلك؟ لم أره لائمتنا.
وذكر الشافعية الموجبون ترتيب غسل الأعضاء في الوضوء أن المتوضئ لو غطس في ماء
ومكث قدر الترتيب صح وإلا فلا، وصحح النووي الصحة بلا مكث، لان الترتيب يحصل في
لحظات لطيفة. وقال العلامة ابن حجر في التحفة بعد ذكره سنن الغسل: ويكفي في راكد تحرك جميع
البدن ثلاثا وإن لم ينقل قدمه إلى محل آخر على الأوجه، لان كل حركة توجب مماسة ماء لبدنه غير
الماء الذي قبلها ا ه‍. ملخصا.
والذي يظهر لي أنه لو كان في ماء جار يحصل سنة التثليث والترتيب والوضوء بلا مكث ولا
تحرك، ولو في ماء راكد فلا بمن التحرك، أو الانتقال القائم مقام الصب فيحصل به ما ذكرنا، وقد
صرح في الدرر بأنه لو لم يصب لم يكن الغسل مسنونا ا ه‍. قوله: (البداءة بغسل يديه) ظاهر كلام
المصنف كالهداية وغيرها أن هذا الغسل غير الغسل الذي هو الوضوء. قوله: (وفرجه) أي ثم فرجه،
بأن يفيض الماء بيده اليمنى عليه فيغسله باليسرى ثم ينقيه، والفرج قبل الرجل والمرأة، وقد يطلق
على الدبر أيضا كما في المطرزي ا ه‍. قهستاني: أي فيشمل القبل والدبر وهو المراد هنا. قوله: (وإن
لم يكن به خبث) رد على الزيلعي وابن الكمال. قوله: (اتباعا للحديث) وهو ما روى الجماعة عن
ميمونة رضي الله عنها قالت: وضعت للنبي (ص) ماء يغتسل به، فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو
ثلاثا، ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره، ثم دلك يده بالأرض، ثم تمضمض واستنشق، ثم
غسل وجهه ويديه ثم غسل رأسه ثلاثا، ثم أفرغ على جسده، ثم تنحى عن مقامه فغسل قدميه فتح.
قوله: (وخبث بدنه) أي لو قليلا كما يظهر من التعليل. وأفاد أن السنة نفس البداءة بغسل النجاسة،
وأما نفس غسلها فلا بد منه ولو قليلة فيما يظهر لتنجس الماء بها، فلا يرتفع الحدث عما تحتها ما لم
تزل كما بحثه سيدي عبد الغني وقال: لم أجد من تعرض له من أئمتنا.
أقول: ورأيته في شرح والده الشيخ إسماعيل على الدرر والغرر وذكره جازما به، لكنه لم
يعزه إلى أحد، والله تعالى أعلم. قوله: (فانصرف إلى الكامل) أي بجميع سننه ومندوباته كما في
169

البحر، قال: ويمسح فيه رأسه وهو الصحيح. وفي البدائع أنه ظاهر الرواية. قوله: (ولو في مجمع
الماء) أي ولو كان واقفا. في محل يجتمع فيه ماء الغسل، وهذا القول هو ظاهر إطلاق المتن كالكنز
وغيره، وهو ظاهر ما أخرجه البخاري من حديث عائشة ثم توضأ وضوءه للصلاة وبه أخذ
الشافعي، وقيل يؤخر مطلقا، وهو ظاهر إطلاق الأكثر وإطلاق حديث ميمونة المتقدم، وقيل
بالتفصيل إن كان في مجمع الماء فيؤخر وإلا فلا، وصححه في المجتبى، وجزم به في الهداية
والمبسوط والكافي. قال في البحر: ووجه التوفيق بين الحديثين، والظاهر أن الاختلاف في
الأولوية لا في الجواز. قوله: (لما أن الخ) جواب عن قول المشايخ القائلين بالتأخير: إنه لا فائدة
في تقديم غسلهما لأنهما يتلوثان بالغسلات بعد، فيحتاج إلى غسلهما ثانيا.
وحاصل الجواب أنه لا حاجة إلى غسلهما ثانيا لان المفتي به طهارة الماء المستعمل، ولهذا
قال الهندي: إن هذا إنما يتأتى على رواية نجاسته. قوله: (على أنه الخ) ترق في الجواب،
وحاصله منع كون الماء مستعملا لما ذكره الشارح، فما دامت رجلاه في الماء لا يحكم عليه
بالاستعمال لعدم تحقق الانفصال، فإذا خرج من الماء حكم باستعماله ولم يصبه منه شئ بعد
خروجه، فلا حاجة إلى إعادة غسل الرجلين.
واعلم أنه اختلفت الرواية في تجز الطهارة وعدمه. وفائدة الاختلاف أنه لو تمضمض الجنب
أو غسل يديه هل يحل لا لقراءة ومس المصحف؟ فعلى رواية التجزي نعم، وعلى رواية عدمه لا
وهي الصحيحة، لان زوال الجنابة موقوف على غسل الباقي، وما ذكره الشارح من أن الماء لا يصير
مستعملا إلا بعد الانفصال متفق عليه كما صرح به في البحر، فيصح بناؤه على كل من هاتين
الروايتين، فافهم.
ثم اعلم أيضا أن ما ذكره الشارح يصح دفعا للقول بأنه لا فائدة في تقديم غسلهما على رواية
نجاسة الماء المستعمل أيضا، إذ لا يحكم باستعماله ونجاسته إلا بعد الانفصال، فلا حاجة إلى
غسلهما ثانيا على هذه الرواية أيضا، ولصاحب النهر هنا كلام فيه نظر من وجوه أوضحناها فيما
علقناه على البحر. قوله: (إلا إذا كان الخ) أي فيلزمه إعادة غسلهما للنجاسة فقط. قوله: (ولعل
القائلين الخ) ذكر في البحر بحثا، ونقله في الحلية عن القرطبي، ثم قال: وعلى هذا يغسلهما ثانيا
مطلقا سواء أصابهما طين أو كانتا في مجمع الماء أولا ولا. قوله: (لأنه لا يستحب الخ) قال العلامة
نوح أفندي: بل ورد ما يدل على كراهته. أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال: قال رسول الله (ص): من توضأ بعد الغسل فليس منا ا ه‍. تأمل. والظاهر أن عدم
استحبابه لو بقي متوضئا إلى فراغ الغسل، فلو أحدث قبله ينبغي إعادته. ولم أره، فتأمل. قوله:
واختلف المجلس) كذا في البحر، وقدمنا الكلام عليه في بحث الوضوء. قوله: (ثم يفيض) أتى
170

بثم للإشارة إلى الترتيب، وإنما لم يقل ثم يتمضمض ويستنشق ثم يفيض للإشارة إلى أن فعلهما في
الوضوء، كاف عن فعلهما في الغسل، فالسنة نابت مناب الفرض ط. ومعنى يفيض: يصب. قال
في الدرر: حتى لو لم يصب لم يكن الغسل مسنونا وإن زال الحدث ا ه‍. وهذا لو كان في ماء
راكد، أما لو مكث في ماء جار قام الجريان مقام الصب كما علم مما قدمناه قريبا. قوله: (على كل
بدنه) زاد كل لدفع توهم إعادة غسل أعضاء الوضوء لرفع الحدث عنها ط.
أقول: لم أر من صرح بأنه يسن ذلك، وإنما يفهم ذلك من عباراتهم، ونظيره ما مر في
الوضوء من أنه يسن إعادة غسل اليدين عند غسل الذراعين. قوله: (ثلاثا) الأولى فرض، والثنتان
سنتان على الصحيح. سراج. قوله: (مستوعبا) أي في كل مرة لتحصل سنة التثليث.
مطلب في تحرير الصاع والمد والرطل
قوله: (وهو ثمانية أرطال) أي بالبغدادي، وهي صاع عراقي، وهو أربعة أمداد، كل مد
رطلان، وبه أخذ أبو حنيفة. والصاع الحجازي خمسة أرطال وثلث، وبه أخذ الصاحبان والأئمة
الثلاثة. فالمد حينئذ رطل وثلث، والرطل مائة وثلاثون درهما، وقيل مائة وثمانية وعشرون درهما
وأربعة أسباع درهم. وتمامه في الحلية.
قلت: والصاع العراقي نحو نصف مد دمشقي، فإذا توضأ واغتسل به فقد حصل السنة. قوله:
(وقيل المقصود الخ) الأصوب حذف قيل لما في الحلية أنه نقل غير واحد إجماع المسلمين على أن
ما يجزئ في الوضوء والغسل غير مقدر بمقدار. وما في ظاهر الرواية من أن أدنى ما يكفي في
الغسل صاع، وفي الوضوء مد للحديث المتفق عليه: كان (ص) يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى
خمسة أمداد ليس بتقدير لازم، بل هو بيان أدنى القدر المسنون ا ه‍. قال في البحر: حتى إن من
أسبغ بدون ذلك أجزأه، وإن لم يكفه زاد عليه لان طباع الناس وأحوالهم مختلفة، كذا في البدائع
ا ه‍. وبه جزم في الامداد وغيره. قوله: (وفي الجواهر الخ) قدمنا الكلام عليه في الوضوء
مستوفى. قوله: (ثم الأيسر) أي ثلاثا أيضا، وقوله: ثم برأسه أي يغسله مع بقية البدن ثلاثا أيضا
كما في الحلية وغيرها، خلافا لما يفيده كلام المتن من غسله الرأس وحده. قوله: (ثم على بقية
بدنه) أي ثم يفيض على بقية بدنه، وإنما قدر الشارح لفظة على ولم يبقه معطوفا على مجرور الباء
المتعلقة بقوله: بادئا لعدم صحة المعنى، لان ذلك ختام. قوله: (مع دلكه) قيده في المنية بالمرة
الأولى، وعلله في الحلية بكونها سابقة في الوجود فهي بالدلك أولى. قوله: (ندبا) عدة في الامداد
من السنن، ويؤيده ما مر في الوضوء. قوله: (وقيل يثني بالرأس) أي يبدأ بالأيمن ثلاثا ثم بالرأس
ثلاثا ثم بالأيسر ثلاثا. حلية. قوله: (وقيل يبدأ بالرأس) أي ثم بقية البدن. درر قوله: (وظاهر
الرواية) كذا عبر في النهر والذي في البحر وغيره التعبير بظاهر الهداية. قوله: (والأحاديث) قال
الشيخ إسماعيل وفي شرح البرجندي: وهو الموافق لعدة أحاديث أوردها البخاري في صحيحه
171

ا ه‍، فافهم. قوله: (تصحيح الدرر) هو ما مشى عليه المصنف في متنه هنا. قوله: (وصح نقل
بلة) بكسر الباء أبو السعود. قوله: (إلى عضو آخر) مفاده أنه لو اتحد العضو صح في الوضوء أيضا
كما صرح في القهستاني. قوله: (فيه) أي في الغسل. قال في القنية: فلو وضع الجنب إحدى رجليه
على الأخرى في الغسل تطهر السفلى بماء العليا، بخلاف الوضوء، لان البدن في الجنابة كعضو
واحد ا ه‍. قوله: (بشرط التقاطر) صرح به في فتح القدير. قوله: (لما مر) أي قريبا في قوله: لأنه
في الغسل كعضو واحد وهو علة لقوله: صح ولقوله: لا في الوضوء لأنه يفهم منه أن أعضاء
الوضوء ليست كعضو واحد، فافهم. قال ط: وقدم الشارح أنه يجوز مسح الرأس ببلل باق بعد غسل
لا مسح وهو ليس بنقل. قوله: (وفرض الغسل) الظاهر أنه أراد بالفرض ما يعم العلمي والعملي،
لأنه عند رؤية مستيقظ بللا ليس مما يثبت بدليل لا شبهة فيه كما نبه عليه في الحلية، ولذا خالف فيه
أبو يوسف كما سيأتي. قوله: (عند خروج) لم يقل بخروج لان السبب هو ما لا يحل مع الجنابة كما
اختاره في الفتح وسيذكره الشارح في قوله: وعند انقطاع حيض ونفاس ولو قال: وبعد خروج،
لكان أظهر لأنه لا يجب قبل السبب. قوله: (مني) أي مني الخارج منه، بخلاف ما لو خرج من
المرأة مني الرجل كما يأتي، وشمل ما يكون به بلوغ المراهق على ما سيذكره المصنف. قوله: (من
العضو) هو ذكر الرجل وفرج المرأة الداخل احترازا عن خروجه من مقره ولم يخرج من العضو بأن
بقي في قصبة الذكر أو الفرج الداخل، أما لو خرج من جرح في الخصية بعد انفصاله عن مقره
بشهوة فالظاهر افتراض الغسل، وليراجع. قوله: (وترائب المرأة) أي عظام صدرها كما في
الكشاف. قوله: (ومنيه أبيض الخ) وأيضا منيه خاثر ومنيها رقيق. قوله: (إن منيها) أي يقينا، فلو
شكت فيه فلا تعيد الغسل اتفاقا للاحتمال، والأولى الإعادة على قولهما احتياطا. نوح أفندي.
قوله: (لا الصلاة) كما أن الرجل لا يعيد ما صلى إذا خرج منه بقية المني بعد الغسل اتفاقا كما في
الفتح، لكن في المبتغي: بخلاف المرأة: يعني أنها تعيد تلك الصلاة، وفيه نظر ظاهر، والذي
يظهر أنها كالرجل، كذا في الحلية وتبعه في البحر. وأجاب المقدسي بحمل قوله: بخلاف المرأة
على أنها لا تعيد أصلا: أي لا الغسل ولا الصلاة، لان ما يخرج منها يحتمل أنه ماء الرجل ا ه‍. أقول:
أي إذا لم تعلم أنه ماؤها. قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يكن منيها بل مني الرجل لا تعيد شيئا وعليها
الوضوء. رملي عن التاترخانية. قوله: (بشهوة) متعلق بقوله: منفصل احترز به عما لو انفصل
بضرب أو حمل ثقيل على ظهره، فلا غسل عندنا خلافا للشافعي كما في الدرر. قوله: (كمحتلم) فإنه
لا لذة له يقينا لفقد إدراكه ط، فتأمل. وقال الرحمتي: أي إذا رأى البلل ولم يدرك اللذة، لأنه يمكن
أنه أدركها ثم ذهل عنها فجعلت اللذة حاصلة حكما. قوله: (ولم يذكر الدفق) إشارة إلى الاعتراض
172

على الكنز حيث ذكره، فإنه في البحر زيف كلامه وجعله متناقضا، وقد أجبنا عنه فيما علقناه على
البحر. ولا يخفى أن المتبادر من الدفق هو سرعة الصب من رأس الذكر لا من مقره.
وأما ما أجاب به في النهر عن الكنز من أنه يصح كونه دافقا من مقره بناء على قول ابن عطية:
إن الماء يكون دافقا: أي حقيقة لا مجازا، لان بعضه يدفق بعضا، فقد قال صاحب النهر نفسه: إني
لم أر عن عرج عليه، فافهم. قوله: (غير ظاهر) أي لاتساع محله. قوله: (وأما إسناده الخ) أي إسناد
الدفق إلى مني المرأة أيضا: أي كإسناده إلى مني الرجل. قوله: (فليحتمل التغليب) أي تغليب ماء
الرجل لأفضليته على ماء المرأة. قوله: (فالمستدل بها) أي بالآية على أن في منيها دفقا أيضا.
قوله: (تأمل) لعله يشير إلى إمكان الجواب، لان كوف الدفق منها غير ظاهر يشعر بأن فيه دفقا وإن
لم يكن كالرجل، أفاده ابن عبد الرزاق. قوله: (ولأنه) معطوف على قوله: ليشمل، والضمير
للدفق بالمعنى الذي ذكرناه، فافهم. قوله: (ولذا قال الخ) أي يكون الدفق ليس شرطا. قال
المصنف: وإن لم يخرج بها: أي بشهوة، فإن عدم اشتراط الخروج بها مستلزم لعدم اشتراط الدفق،
إذ لا يوجد الدفق بدونها. قوله: (وشرطه أبو يوسف) أي شرط الدفق، وأثره الخلاف يظهر فيما لو
احتلم أو نظر بشهوة فأمسك ذكره حتى سكنت شهوته ثم أرسله فأنزل وجب عندهما لا عنده، وكذا
لو خرج منه بقي المني بعد الغسل قبل النوم أو البول أو المشي الكثير. نهر: أي لا بعده، لان النوم
والبول والمشي يقطع مادة الزائل عن مكانه بشهوة فيكون الثاني زائلا عن مكانه بلا شهوة فلا يجب
الغسل اتفاقا. زيلعي. وأطلق المشي كثير، وقيده في المجتبى بالكثير وهو أوجه، لان الخطوة
والخطوتين لا يكون منهما ذلك. حلية وبحر. قال المقدسي: وفي خاطري أنه عين له أربعون
خطوة فلينظر ا ه‍. قوله: (خاف ريبة) أي تهمة. قوله: (وبقول أبي يوسف نأخذ) أي في الضيف
وغيره. وفي الذخيرة أن الفقيه أبا الليث وخلف بن أيوب أخذا بقول أبي يوسف. وفي جامع
الفتاوي أن الفتوى على قوله إسماعيل. قوله: (قلت الخ) ظاهره الميل إلى اختيار ما في النوازل،
ولكن أكثر الكتب على خلافه حتى البحر والنهر، ولا سيما قد ذكروا أن قوله: قياس وقولهما:
استحسان وأنه الأحوط فينبغي الافتاء بقوله في مواضع الضرورة فقط. تأمل.
وفي شرح الشيخ إسماعيل عن المنصورية قال الامام قاضيخان: يؤخذ بقول أبي يوسف في
صلوات ماضية فلا تعاد، وفي مستقبلة لا يصلي ما لم يغتسل ا ه‍.
تنبيه: إذا لم يتدارك مسك ذكره حتى نزل المني صار جنبا بالاتفاق، فإذا خشي الريبة يتستر
بإيهام أنه يصلي بغير قراءة ونية وتحريمة فيرفع يديه ويقوم ويركع شبه المصلي. إمداد. قوله: (ومحله)
أي ما في الخانية. قال في البحر: ويدل عليه تعليله في التجنيس بأن في حالة الانتشار وحد
173

الخروج والانفصال جميعا على وجه الدفق والشهوة ا ه‍. وعبارة المحيط كما في الحلية: رجل بال
فخرج من ذكره مني، إن كان منتشرا فعليه الغسل لان ذلك دلالة خروجه عن شهوة. قوله: (وهو)
أي ما في الخانية. قوله: (تقييد قولهم) أي فيقال: إن عدم وجوب الغسل بخروجه بعد البول اتفاقا
إذا لم يكن ذكره منتشرا، فلو منتشرا وجب لأنه إنزال جديد وجد معه الدفق والشهوة.
أقول: وكذا يقيد عدم وجوبه بعدم النوم والمشي الكثير. قوله: (وعند إيلاج) أي إدخال،
وهذا أعم من التعبير بالتقاء الختانين لشموله الدبر أيضا. قوله: (هي ما فوق الختان) كذا في
القاموس، زاد الزيلعي: من رأس الذكر. وفي حاشية نوح أفندي: هي رأس الذكر إلى الختان،
وهو: أي الختان موضع قطع جلد القلفة ا ه‍. فموضع القطع غير داخل في الحشفة كما في شرح
الشيخ إسماعيل، ومثله في القهستاني. وفي شرح المنية: الحشفة: الكمرة.
أقول: هذا هو المراد بما فوق الختان، وأما كون المراد بها من رأس الذكر إلى الختان
فالظاهر أنه لا يقول به أحد، لان ذلك نحو نصف الذكر، فيلزم عليه أن لا يجب الغسل حتى يغيب
نصف الذكر. قوله: (احتراز عن الجني) ففي المحيط: لو قالت معي جني يأتيني مرارا وأجد ما
أجد إذا جامعني زوجي لا غسل عليها لانعدام سببه وهو الايلاج أو الاحتلام. درر. ووقع في البحر
والفتح وغيرهما: يأتيني في النوم مرارا، وظاهر أنه رؤية منام، لكن ضبطه الشيخ إسماعيل بالياء
المثناة التحتية لا بالنون.
أقول: يدل عليه قوله في الحلية: هذا إذا كان واقعا في اليقظة، فلو في المنام فلا شك أن له
من التفصيل ما للاحتلام. قوله: (يعني إذا لم تنزل) قيد به في الفتح حيث قال، ولا يخفى أنه مقيد
بما إذا لم تر الماء، فإن رأته صريحا وجب كأنه احتلام ا ه‍. قال في البحر: وقد يقال: ينبغي
وجوب الغسل من غير إنزال لوجوب الايلاج لأنها تعرف أنه يجامعها كما لا يخفى ا ه‍.
أقول: إن كان هذا مناما فهو غير صحيح، وإلا فإن ظهر لها بصورة آدمي فهو البحث الآتي،
وإلا فهو أصل المسألة، والمنقول فيها عدم الوجوب لعدم سببه كما علمت، والبحث في غير
المنقول غير مقبول. قوله: (وإذا لم يظهر لها الخ) هو بحث لصاحب البحر وسبقه إليه صاحب
الحلية، لكنه تردد فيه فقال: أما إذا ظهر في صورة آدمي، وكذا إذا ظهر للرجل جنية في صورة
آدمية فوطئها وجب الغسل لوجود المجانسة الصورية المفيدة لكمال السببية، اللهم إلا أن يقال: هذا
إنما يتم لو لم توجد بينهما مباينة معنوية في الحقيقة، ومن ثم علل به بعضهم حرمة التناكح بينهما،
فينبغي أن لا يجب الغسل إلا بالانزال كما في البهيمة والميتة، نعم لو لم يعلم ما في نفس الامر إلا
بعد الوطئ وجب الغسل فيما يظهر لانتفاء ما يفيد قصور السببية. قوله: (من مقطوعها) أي من ذكر
مقطوع الحشفة.
بقي لو كان مقطوع البعض منها هل يناط الحكم بالباقي منها أم يقدر من الذكر قدر ما ذهب
منها كما يقدر منه لو كان الذاهب كلها؟ لم أره، فتأمل. قوله: (قال في الأشباه الخ) جواب لو
وعبارته في أحكام غيبوبة الحشفة من الفن الثاني: وإن لم يبق قدرها لم يتعلق به شئ من الاحكام
174

ويحتاج إلى نقل كونها كلية، ولم أره الآن ا ه‍. ونقل ط عن المقدسي أنه يفهم من التقييد بقدرها
أنه لا يتعلق بذلك حكم ويفتى به عند السؤال ا ه‍: أي لان مفاهيم الكتب معتبرة كما تقدم.
قوله: (آدمي) احتراز عن البهيمة كما يأتي، وعن الجنية كما مر. قوله: (سيجئ محترزه) أي محترز ما
ذكر من القيود الثلاثة. قوله: (مكلفين) أي عاقلين بالغين. قوله: (ولو أحدهما الخ) لكن لو كانت
هي المكلفة فلا بد أن يكون الصبي ممن يشتهي، وإلا فلا يجب عليها أيضا كما يأتي في الشرح.
قوله: (تأديبا) في الخانية وغيرها: يؤمر به اعتيادا وتخلقا كما يؤمر بالصلاة والطهارة. وفي القنية:
قال محمد: وطئ صبية يجامع مثلها يستحب لها أن تغتسل كأنه لم ير جبرها وتأديبها على ذلك.
وقال أبو علي الرازي: تضرب على الاغتسال وبه نقول، وكذا الغلام المراهق يضرب على الصلاة
والطهارة ا ه‍. قوله: (بالاجماع) لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص):
إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل وأما قوله عليه الصلاة
والسلام: إنما الماء من الماء فمنسوخ بالاجماع، ووجوبه على المفعول به في الدبر بالقياس
احتياطا، وتمامه في شرح المنية. قوله: (يعني الخ) تقييد لقوله: في أحد سبيلي آدمي فإنه شامل
لدبر نفس المولج. قوله: (فرجح في النهر الخ) هو أحد قولين حكاهما في القنية وغيرها. قال في
النهر: والذي ينبغي أن يعول عليه عدم الوجوب إلا بالانزال، إذ هو أولى من الصغيرة والميتة في
قصور الداعي، وعرف بهذا عدم الوجوب بإيلاج الإصبع. قوله: (ولا يرد) أي على إطلاق المصنف
الحشفة وأحد السبيلين. قوله: (فإنه لا غسل عليه الخ) أي لجواز كونه امرأة، وهذا الذكر منه زائد
فيكون كالإصبع، وأن يكون رجلا ففرجه كالجرح فلا يجب بالايلاج فيه الغسل بمجرده.
قلت: ويشكل عليه معاملة الخنثى بالأضر في أحواله، وعليه يلزمه الغسل، فليتأمل ا ه‍. إمداد.
أقول: سيذكر الشارح هذا الاشكال آخر الكتاب في كتاب الخنثى، وسنوضح الجواب (1) هناك
إن شاء الله تعالى، وذكرناه هنا فيما علقناه على البحر. قوله: (ولا علمن جامعه) أي في قبله،
فلو جامعه رجل في دبره وجب الغسل عليهما كما أفاده ط أي لعدم الاشكال في الدبر، وكذا لا
إشكال فيما لو جامع وجومع لتحقق جنابته بأحد الفعلين. قوله: (لان الكلام) علة لقوله ولا يرد.
قوله: (وسبيلين) أي وأحد سبيلين، فهو على تقدير مضاف دل عليه كلام المتن السابق، ولهذا قال

(1) قوله: (وستوضح الجواب) حاصله ان معاملته بالأضر والأحوط ليس دائما، بل قد يكون مستحبا في مواضع منها هذه
ووجهه ان اشكاله أورث شبهة وهي لا ترفع الثابت بيقين كالطهارة هنا بخلاف نحو توريثه، لان شرط الإرث تحقق
سببه فيعامل فيه الاضر لعدم تحقق ما يثبت له الأنفع، يدل عليه ما في غاية البيان إذا وقف في صف النساء أحب إلي
ان يعيد الصلاة كذا قال محمد في الأصل، لان المسقط وهو الأداء معلوم، والمفسد وهو المحاذاة موهوم، وان قام
في صف الرجال يعيد من عن يمينه ويساره وخلفه استحبابا بالتوهم المحاذاة ا ه‍. منه.
175

محققين أي الحشفة وأحد السبيلين، فافهم، والأحسن إبدال السبيلين بالقبل كما في البحر، لان
السبيل يشمل الدبر، وهو من الخنثى محقق. قوله: (وعند رؤية مستيقظ) أي بفخذه أو ثوبه. بحر.
والمراد بالرؤية العلم ليشمل الأعمى، والمرأة كالرجل كما في القهستاني. قوله: (خرج رؤية
السكران والمغمى عليه المذي) أي بعد إفاقتهما، بحر. والفرق أن النوم مظنة الاحتلام فيحال عليه،
ثم يحتمل أنه مني رق بالهواء أو للغذاء فاعتبرناه منيا احتياطا، ولا كذلك السكران والمغمى عليه
لأنه لم يظهر فيهما هذا السبب. بحر. وقوله: المذي مفعول رؤية وهما موجودان في بعض
النسخ ولا بد منهما، لان برؤية المني يجب الغسل كما صرح به في المنية وغيرها. قال ط: وأشار
به: أي بالتقييد بالمذي إلى أن في مفهوم المستيقظ تفصيلا، وما أحسن ما صنع ولا تكلف فيه
ا ه‍. فافهم. قوله: (منيا أو مذيا) اعلم أن هذه المسألة على أربعة عشر وجها، لأنه إما أنه يعلم
أن مني أو مذي أو ودي أو شك في الأولين أو في الطرفين أو في الأخيرين أو في الثلاثة، وعلى
كل إما أن يتذكر احتلاما أو لا، فيجب الغسل اتفاقا في سبع صور منها، وهي ما إذا علم أنه مذي،
أو شك في الأولين أو في الطرفين أو في الأخيرين أو في الثلاثة مع تذكر الاحتلام فيها، أو علم أنه
مني مطلقا، ولا يجب اتفاقا فيما إذا علم أنه ودي مطلقا، وفيما إذا علم أنه مذي أو شك في
الأخيرين مع عدم تذكر الاحتلام، ويجب عندهما فيما إذا شك في الأولين أو في الطرفين أو في
الثلاثة احتياطا، ولا يجب عند أبي يوسف للشك في وجود الموجب. واعلم أن صاحب البحر ذكر
اثنتي عشرة صورة وزدت الشك في الثلاثة تذكر أو لا أخذا من عبارته ا ه‍. ح.
أقول: إذا عرفت هذا فاعلم أن المصنف اقتصر على بعض الصور، ولا يلزم أن يكون ما
سكت عنه مخالفا في الحكم لما ذكره كما لا يخفى، فافهم، نعم قوله: أو مذيا يقتضي أنه إذا علم
أنه مذي ولم يتذكر احتلاما يجب الغسل وقد علمت خلافه. وعبارة النقاية كعبارة المصنف، وأشار
القهستاني إلى الجواب حيث فسر قوله: أو مذيا بقوله: أي شيئا شك فيه أنه مني أو مذي لأنا
لا نوجب الغسل بالمذي أصلا بل بالمني، إلا أنه قد يرق بإطالة الزمان، فالمراد ما صورته صورة
المذي لا حقيقته كما في الخلاصة ا ه‍. فليس فيه مخالفة لما تقدم، فافهم. قوله: (وإن لم يتذكر
الاحتلام) من الحلم بالضم والسكون اسم لم يراه النائم ثم غلب على ما يراه من الجماع. نهر.
واعلم أنه اختلف في الواو في نظير هذا التركيب، فقيل إنها للحال: أي والحال أنه إن لم
يتذكر الاحتلام يجب الغسل، ويفهم وجوبه إذا تذكر بالأولى، وقيل للعطف على مقدر: أي إن تذكر
وإن لم يتذكر. قوله: (إلا إذا علم الخ) استثناء من قوله: أو مذيا مع تقييده بعدم تذكر الاحتلام،
لأنه هو المنطوق، سواء جعلت الواو للحال أو للعطف، لكن على جعلها للحال أظهر، إذ ليس في
الكلام شئ مقدر، ولو جعلت للعطف ربما يتوهم أن الاستثناء مفروض مع عدم التذكر المنطوق،
ومع التذكر المقدر فلا يصح قوله الآتي اتفاقا.
ثم اعلم أن الشارح قد أصلح عبارة المصنف، فإن قوله: (أو مذيا) يحتمل أن يكون المراد به
أنه رأى مذيا حقيقة بأن علم أنه مذي، أو أنه رأى مذيا صورة بأن رأى بللا وشك في أنه مذي أو
ودي، أو شك أو مذي أو مني، فاستثنى ما عدا الأخير، وصار قوله: أو مذيا مفروضا فيما إذا
176

شك أنه مذي أو مني فقط كما قدمناه، فهذه الصورة يجب فيها الغسل وإن لم يتذكر الاحتلام لكن
بقيت هذه صادقة بما إذا كان ذكره منتشرا قبل النوم أو لا، مع أنه إذا كان منتشرا لا يجب الغسل
فاستثناه أيضا، فصار جملة المستثنيات ثلاث صور لا يجب فيها الغسل اتفاقا مع عدم تذكر الاحتلام
كما قلنا، وبهذا الحل الذي هو من فيض الفتاح العليم ظهر أن هذه المتعاطفات مرتبطة ببعضها، وأن
الاستثناء فيها كلها متصل، ولله در هذا الشارح الفاضل، فكثيرا ما تخفى إشارته على المعترضين وإن
كانوا من الماهرين، فافهم. قوله: (كالودي) فإنه لا غسل فيه اتفاقا وإن تذكر كما مر. قوله: (لكن
في الجواهر الخ) استدراك على المسألة الثالثة.
وحاصله أنه أطلق عدم الغسل فيها تبعا لكثير، وهو مقيد بثلاثة قيود: أن يكون نومه قائما أو
قاعدا، أو أن لا يتيقن أنه مني، وأن لا يتذكر حلما، فإذا فقد واحد منها بأن نام مضطجعا أو تيقن
أو تذكر وجب الغسل.
وقد ذكر المسألة في منية المصلي فقال: وإن استيقظ فوجد في إحليله بللا ولم يتذكر حلما،
إن كان ذكره منتشرا قبل النوم فلا غسل عليه، وإن كان ساكنا فعليه الغسل، هذا إذا نام قائما أو
قاعدا، أما إذا نام مضطجعا أو تيقن أنه مني فعليه الغسل، وهذا مذكور في المحيط والذخيرة. وقال
شمس الأئمة الحلواني: هذه مسألة يكثر وقوعها والناس عنها غافلون ا ه‍.
والحاصل أن الانتشار قبل النوم سبب لخروج المذي، فما يراه يحمل عليه ما لم يتذكر حلما
ويعلم أنه مني، أو يكن نائما مضطجعا لأنه سبب للاسترخاء والاستغراق في النوم الذي هو سبب
الاحتلام، لكن ذكر في الحلية أنه راجع الذخيرة والمحيط البرهاني فلم ير تقييد عدم الغسل بما إذا
نام قائما أو قاعدا، ثم بحث وقال: إن الفرق بينه وبين النوم مضطجعا غير ظاهر. قوله: (أو تيقن)
عبر به تبعا للمنية، ولو عبر بالعلم لكان أولى، لان المراد غلبة الظن والعلم يطلق عليها. وعبارة
الخانية في هذه المسألة: إلا أن يكون أكبر رأيه أنه مني فيلزمه الغسل ا ه‍. قوله: (ولو مع اللذة
والانزال) أي مع تذكرهما، وليس المراد أنه أنزل لان الموضوع أنه لم ير بللا ط قوله: (وكذا
المرأة الخ) في البحر عن المعراج: لو احتلمت المرأة ولم يخرج الماء على ظهر فرجها، عن محمد
يجب. وفي ظاهر الرواية لا يجب، لان خروج منيها إلى فرجها الخارج شرط لوجوب الغسل عليها
وعليه الفتوى. قوله: (ولو وجد الخ) حاصله أنه لو وجد الزوجان في فراشهما منيا ولم يتذكرا
احتلاما، فقيل: إن كان أبيض غليظا فمني الرجل، وإن كان أصفر رقيقا فمني المرأة. وقال في
الظهيرية بعد حكايته لهذا القول: والأصح أنه يجب عليهما احتياطا، وعزا هذا الثاني في الحلية إلى
ابن الفضل، وقال: ومشى عليه في المحيط والخلاصة، واستظهر في الفتح الجمع بين القولين،
فقيد الوجوب عليهما بعدم التذكر وعدم المميز من غلظ ورقة أو بياض وصفرة، ثم قال: فلا خلاف
إذن، واستحسنه في الحلية وأقره في البحر، لكن في شرح المنية أن المميز يختلف باختلاف المزاج
والأغذية فلا عبرة به، والاحتياط هو الأول. قوله: (ولا نام قبلهما غيرهما) ذكره في الحلية بحثا
177

وتبعه في البحر قال: فلو كان قد نام عليه غيرهما وكان المني المرئي يابسا فالظاهر أنه لا يجب
الغسل على واحد منهما.
تنبيه: التقييد بالزوجين صريح في أن غيرهما لا يجب عليه. رملي على البحر. أقول: الظاهر
أنه اتفاقي جربا على الغالب ولذا قال ط: الأجنبي والأجنبية كذلك، وكذا لو كانا رجلين أو
امرأتين، فالظاهر اتحاد الحكم. قوله: (إن وجد لذة الجماع) أي بأن كانت الخرقة رقيقة بحيث يجد
حرارة الفرج واللذة. بحر. قوله: (وإلا لا) أي ما لم ينزل. قوله: (على الأصح) وقال بعضهم:
يجب لأنه يسمى مولجا. وقال بعضهم: لا يجب. بحر. وظاهر القولين الاطلاق. قوله: (والأحوط
الوجوب) أي وجوب الغسل في الوجهين. بحر وسراج.
أقول: والظاهر أنه اختيار للقول الأول من القولين، وبه قالت الأئمة الثلاثة كما في شرح
الشيخ إسماعيل عن عيون المذاهب، وهو ظاهر حديث: إذا التقى الختانان وغابت الحشفة وجب
الغسل. قوله: (هذا الخ) الإشارة إلى إسناد فرضية الغسل إلى الانقطاع، لان المعنى: وفرض عند
انقطاع حيض ونفاس، وأراد بما قبله إسناد الفرضية إلى خروج المني والايلاج ورؤية المستيقظ،
وأراد بالإضافة الاسناد والتعليق: أي إسناد فرضية الغسل إلى هذه الأشياء، وتعليقها عليها مجاز من
إسناد الحكم، وهو هنا الفرضية إلى الشرط، وهو هنا هذه المذكورات وليس من إسناد الحكم إلى
سببه كما هو الأصل. قوله: (أي يجب عنده) أي عند تحقق الانقطاع ونحوه، والمراد بعده. قوله:
(بل بوجوب الصلاة) أي عند ضيق الوقت، وقوله: أو إرادة ما لا يحل أي عند عدم ضيق الوقت.
قال في الشرنبلالية: واختلف في سبب وجوب الغسل. وعند عامة المشايخ إرادة فعل ما لا يحل
فعله مع الجنابة وقيل: وجوب ما لا يحل معها. والذي يظهر أنه إرادة فعل ما لا يحل إلا به عند عدم
ضيق الوقت أو عند وجوب ما لا يصح معها، وذلك عند ضيق الوقت لما قال في الكافي: إن سبب
وجوب الغسل الصلاة أو إرادة ما لا يحل فعله مع الجنابة والانزال، والالتقاء شرط ا ه‍. قوله: (كما
مر) أي في الوضوء، وقدمنا الكلام عليه هناك. قوله: (لا عند مذي) أي لا يفرض الغسل عند
خروج مذي كظبي بمعجمة ساكنة وياء مخففة على الأفصح، وفيه الكسر مع التخفيف وقيل هما
لحن: ماء رقيق أبيض يخرج عند الشهوة لا بها، وهو في النساء أغلب. قيل: هو منهن يسمى القذي
بمفتوحتين. نهر. قوله: (أو ودي) بمهملة ساكنة وياء مخففة عند الجمهور. وحكى الجوهري كسر
الدال مع تشديد الياء. قال ابن مكي: ليس بصواب. وقال أبو عبيد: إن الصواب، وإعجام الدال
شاذ: ماء ثخين أبيض كدر يخرج عقب البول. نهر. قوله: (بل الوضوء منه الخ) أي بل يجب الوضوء
منه: أي من الودي ومن البول جميعا، وهذا جواب عما يقال: إن الوجوب بالبول السابق على الودي
فكيف يجب به؟ وبيان الجواب أن وجوبه بالبول لا ينافي الوجوب بالودي بعده، حتى لو حلف لا
يتوضأ من رعاف فرعف ثم بال أو بالعكس فتوضأ فالوضوء منهما فيحنث، وكذا لو حلفت لا تغتسل
من جنابة فجومعت وحاضت فاغتسلت فهو منهما، وهذا ظاهر الرواية. بحر. وذكر أربعة أجوبة
178

أخر: منها أن الودي ما يخرج بعد الاغتسال من الجماع وبعد البول، وهو شئ لزج، كذا فسره في
الخزانة والتبيين، فالاشكال إنما يرد على من اقتصر في تفسيره على ما يخرج بعد البول. قوله:
(على الظاهر) أي إن قلنا: إن وجوب الوضوء منه ومن البول بناء على ظاهر الرواية من مسألتي
اليمين السابقتين. وذكر المحقق في الفتح أن الوضوء من الحدث السابق، وأن السبب الثاني لم
يوجب شيئا لاستحالة تحصيل الحاصل، إلا إذا وقعا معا، كأن رعف وبال معا كما قرره الآمدي.
قال: وهو معقول يجب قبوله، هو قول الجرجاني من مشايخنا.
والحق أن لا تنافي بين كون الحدث بالأول فقط وبين الحنث، لأنه لا يلزم بناؤه على تعدد
الحدث بل على العرف، والعرف أن يقال لمن توضأ بعد بول ورعاف توضأ منهما، قوله: (غير
آدمي) كجني وقرد وحمار. قوله: (خنثى) أي مشكل. قوله: (وما يصنع) أي على صورة الذكر.
قوله: (في الدبر) متعلق بإدخال. قوله: (على المختار) قال في التجنيس: رجل أدخل أصبعه في
دبره وهو صائم، اختلف في وجوب الغسل والقضاء. والمختار أنه لا يجب الغسل ولا القضاء، لان
الإصبع ليس آله للجماع فصار بمنزلة الخشبة، ذكره في الصوم، وقيد بالدبر لان المختار وجوب
الغسل في القبل إذا قصدت الاستمتاع، لان الشهوة فيهن غالبة، فيقام السبب مقام المسبب دون
الدبر لعدمها. نوح أفندي.
أقول: آخر عبارة التجنيس عند قوله: بمنزلة الخشبة وقد راجعتها منه فرأيتها كذلك، فقوله:
وقيد الخ من كلام نوح أفندي، وقوله: لان المختار وجوب الغسل الخ بحث منه سبقه إليه
شارح المنية، حيث قال: والأولى أن يجب في القبل الخ. وقد نبه في الامداد أيضا على أنه بحث
من شارح المنية، فافهم. قوله: (ولا عند وطئ بهيمة الخ) محترزات قوله: في أحد سبيلي آدمي حي
يجامع مثله. وفي القنية برمز أجناس الناطفي فرج البهيمة كفيها لا غسل فيه بغير إنزال ويعزر،
وتذبح البهيمة وتحرق على وجه الاستحباب ولا يحرم أكل لحمها به ا ه‍. وسيأتي في الحدود.
قوله: (بأن تصير مفضاة) أي مختلطة السبيلين. وفي المسألة خلاف، فقيل: يجب الغسل مطلقا،
وقيل لا مطلقا. والصحيح أنه إذا أمكن الايلاج في محل الجماع من الصغيرة ولم يفضها فهي ممن
تجامع فيجب الغسل. سراج.
أقول: لا يخفى أن الوجوب مشروط بما إذا زالت البكارة لأنه مشروط في الكبيرة كما يأتي
قريبا بالأولى، فقوله في البحر: قد يقال إن بقاء البكارة دليل على عدم الايلاج فلا يجب الغسل
كما اختاره في النهاية فيه نظر، فتدبر. قوله: (قهستاني) أقول: عبارته وطئ البهيمة والميتة غير
ناقض للوضوء بلا إنزال، فلا يلزم إلا غسل الذكر كما في صوم النظم ا ه‍. وكأن الشراح قاس
الصغيرة عليهما. تأمل. ويؤخذ من هذا أن المباشرة الفاحشة الناقضة للوضوء لا بد أن تكون بين
مشتهيين كما قدمناه. قوله: (وسيجئ) أي في باب الأنجاس.
179

مطلب في رطوبة الفرج
قوله: (الفرج) أي الداخل، أما الخارج فرطوبته طاهرة باتفاق بدليل جعلهم غسله سنة في
الوضوء، ولو كانت نجسة عندهما لفرض غسله ا ه‍. ح.
أقول: قد يقال: إن النجاسة ما دامت في محلها لا عبرة لها، ولذا كان الاستنجاء سنة للرجال
والنساء في غير الغسل مع أن الخارج نجس باتفاق، فلا تدل سنية الغسل على الطهارة، فتدبر، نعم
يدل على الاتفاق كونه له حكم خارج البدن، فرطوبته كرطوبة الفم والأنف والعرق الخارج من
البدن. قوله: (فتنبه) أشار به إلى أن ما في النظم مبني على قولهما، فلا تغفل وتظن من جزمه به أنه
متفق عليه. قوله: (لقصور الشهوة) أي التي أقيمت مقام الانزال في وجوب الغسل عند الايلاج،
لكن يرد عليه: لو جامع عجوزا شوهاء لا تشتهي أصلا، ويظهر لي الجواب بأنها قد ثبت لها وصف
الاشتهاء فيما مضى فيبقى حكمه الآن ما دامت حية كما ذكروه في مسألة المحاذاة في الصلاة،
بخلاف البهيمة والميتة والصغيرة. تأمل. وهذا علة لعدم وجوب الغسل فيما تقدم. قوله: (أما به)
أي أما فعل هذه الأشياء المصاحب للانزال فيحال وجوب الغسل على الانزال ط. قوله: (تمنع
التقاء الختانين) أي ختان الرجل: وهو موضع القشع، وختان المرأة: وهو موضع قطع جلدة منها
كعرف الديك فوق الفرج، فإذا غابت الحشفة في الفرج فقد حاذى ختانه ختانها، وتمام بيانه في
البحر. قوله: (إلا إذا حبلت) فيكون دليل إنزالها فيلزمها الغسل. قال أبو السعود: وكذا يلزمه لأنه
دليل إنزاله أيضا وإن خفي عليه. قوله: (قبل الغسل) أي لو لم تكن اغتسلت، لأنه ظهر أنها صلت
بلا طهارة. قوله: (قاله الحلبي) أي في شرحه الصغير. وقال في الكبير. ولا شك أنه مبني على
وجوب الغسل عليها بمجرد انفصال منيها إلى رحمها، وهو خلاف الأصح الذي هو ظاهر الرواية.
قوله: (أي يفرض) أشار به إلى أنه ليس المراد بالوجوب هنا المصطلح عليه عندنا، فكان الأولى
فيه وفيما بعده التعبير بيفرض ا ه‍. ح. وممن صرح بالفرضية هنا صاحب الوافي والسروجي وابن
الهمام مع نقله الاجماع عليه، لكن علل في البحر بأن هذا الذي سموه واجبا يفوت الجواز بفوته.
قال الشارح في الخزائن: قلت هذا التعليل يفيد أنه فرض عملي لا اعتقادي، وهو كذلك لأنه ليس
ثابتا بدليل قطعي ولا متفقا عليه، فلعلهم عبروا بالواجب للاشعار بانحطاط رتبة هذا عن ذاك، فتأمل
اه‍. قلت: لكن هذا ظاهر فيما عدا غسل الميت، فتأمل. قوله: (كفاية) أي بحيث لو قام به
بعضهم سقط عن باقيهم، وإلا أثموا كلهم إن علموا به، وهل يشترط لسقوطه عن المكلفين النية؟
استظهر في جنائز الفتح نعم، ونقل في البحر عن الخانية وغيرها خلافه. قوله: (إجماعا) قيد لقوله
يفرض قال في البحر: وما نقله مسكين من قوله: وقيل غسل الميت سنة مؤكدة ففيه نظر بعد
نقل الاجماع. قوله: (بالتخفيف) أي تخفيف السين، وهو من الغسل بالفتح. قال في السراج: يقال:
غسل الجمعة وغسل الجنابة بضم الغين، وغسل الميت وغسل الثوب بفتحها. وضابطه أنك إذا
180

أضفت إلى المغسول فتحت، وإذا أضفت إلى غير المغسول ضممت ا ه‍ قوله: (الميت)
بالتخفيف وبالتشديد ضد الحي، أو المخفف الذي مات والمشدد الذي لم يمت بعد، أفاده في
القاموس. قوله: (المسلم) أما الكافر إذا لم يوجد له إلا وليه المسلم فيسيل عليه الماء كالخرقة
النجسة من غير ملاحظة السنة ط. قوله: (فييمم) وقيل يغسل بثيابه، والأول أولى. بحر ونهر.
قوله: (كما يجب) أي يفرض. بحر. قوله: (ولو بعد الانقطاع) أي انقطاع الحيض والنفاس، لكن
في دخول ذلك في كلام المصنف نظر، لان الحائض من اتصفت بالحيض وبعد انقطاعه لا تسمى
حائضا، ولذا قال في الشرنبلالية: إن فيه إشارة إلى أنها لو انقطع حيضها ثم أسلمت لا غسل عليها.
قوله: (على الأصح) مقابلة ما قيل: إنها لو أسلمت بعد الانقطاع لا غسل عليها، بخلاف الجنب،
والفرق أن صفة الجنابة باقية بعد الاسلام فكأنه أجنب بعده، والانقطاع في الحيض هو السبب ولم
يتحقق بعد، فلذا لو أسلمت قبل الانقطاع لزمها. قوله: (وعلله) أي علل الأصح. قوله: (ببقاء
الحدث الحكمي) حاصله منع الفرق بين الحيض والجنابة، لان التحقيق أن الانقطاع شرط لوجوب
الغسل لا سبب.
ومبنى الفرق على أنه لا يثبت لها بالحيض والنفاس حدث حكمي يستمر مثل الجنابة وهو
ممنوع، بدليل أن المسافرة لو تيممت بعد الانقطاع خرجت من الحيض، فإذا وجدت الماء وجب
عليها الغسل فصارت بمنزلة الجنب، فقد ثبت لها حدث حكمي بعد الانقطاع، هذا خلاصة ما حققه
ابن الكمال، وقد حقق في الحلية هذا المقام بما لا مزيد عليه. قوله: (بل بإنزال) عام في الغلام
والجارية والحيض قاصر عليها كالولادة ط. وقيل: لو بلغ بالانزال لا يجب عليه، بخلاف ما لو
بلغت بالحيض كما في البحر. قوله: (أو ولدت ولم تر دما) هذا قول الإمام، وبه أخذ أكثر
المشايخ. وعند أبي يوسف، وهو رواية عن محمد: لا غسل عليها لعدم الدم، وصححه في التبيين
والبرهان كما بسطه في الشرنبلالية، ومشى عليه في نور الايضاح، لكن في السراج أن المختار
الوجوب احتياطا، وهو الأصح انتهى. قوله: (أو أصاب الخ) كذا عده بعضهم هنا من الإغتسالات
المفروضة. قال في الحلية: ولا يخفى أنه ليس مما نحن فيه، فعده من ذلك سهوا ا ه‍. أي لان
الكلام في النجاسة الحكمية لا الحقيقية. قوله: (راجع للجميع) فيه نظر، فقد ذكر العلامة نوح
أفندي الاتفاق على وجوب الغسل على من أسلمت حائضا قبل الانقطاع وعلى من بلغت بالحيض،
وسيذكر الشارح في باب الأنجاس أن المختار أنه لو خفي محل النجاسة يكفي غسل طرف الثوب أو
البدن.
هذا، وفي بعض النسخ هنا ما نصه: وفي التاترخانية معزيا للعتابية: والمختار وجوبه على
مجنون أفاق.
قلت: وهو يخالف ما يأتي متنا، إلا أن يحمل أنه رأى منيا، وهل السكران والمغمى عليه
كذلك؟ يراجع ا ه‍. قيل: وهذا ثابت في نسخة الشارح الأصلية ساقط من النسخة المصححة.
181

أقول: ويؤيد هذا الحمل ما في التاترخانية أيضا عن السراجية: المجنون إذا أجنب ثم أفاق لا
غسل عليه ا ه‍. وكأنه مبني على القول بعدم الغسل على من أسلم جنبا لعدم التكليف وقت
الجنابة، لكن الأصح خلافه كما علمت فلذا كان المجنون كذلك، وقوله: وهل السكران والمغمى
عليه كذلك أي في جريان الخلاف فيهما لو رأيا منيا لعدم التكليف، وقال: يراجع لعدم رؤيته
ذلك. وفي التاترخانية: أغشي عليه فأفاق ووجد مذيا أو منيا فلا غسل عليه ا ه‍. ومقتضاه جريان
الخلاف أيضا، إلا أن يقال: المراد أن رأى بللا شك أنه مني أو مذي. وقدم الشارح عند قوله:
ورؤية مستيقظ أنه خرج رؤية السكران والمغمى عليه المذي، وقدمنا هناك عن المنية وغيرها أن
برؤية المني يجب الغسل. قوله: (بأن أسلم طاهرا) أي من الجنابة والحيض والنفاس: أي بأن كان
اغتسل أو أسلم صغيرا. تأمل. قوله: (أو بلغ بالسن) أي بلا رؤية شئ، وسن البلوغ على المفتى
به خمس عشرة سنة في الجارية والغلام، كما سيأتي في محله. قوله: (وسن الخ) هو من سنن
الزوائد، فلا عتاب بتركه كما في القهستاني. وذهب بعض مشايخنا إلى أن هذه الإغتسالات الأربعة
مستحبة أخذا من قول محمد في الأصل: إن غسل الجمعة حسن. وذكر في شرح المنية أنه الأصح،
وقواه في الفتح، لكن استظهر تلميذه ابن أمير حاج في الحلية استنانه للجمعة لنقل المواظبة عليه،
وبسط ذلك مع بيان دلائل عدم الوجوب. والجواب عما يخالفها في البحر وغيره. قوله: (هو
الصحيح) أي كونه للصلاة هو الصحيح، وهو ظاهر الرواية. ابن كمال. وهو قول أبي يوسف.
وقال الحسن بن زياد: إنه لليوم، ونسب إلى محمد، والخلاف المذكور جار في غسل العيد أيضا
كما في القهستاني عن التحفة، وأثر الخلاف فيمن لا جمعة عليه لو اغتسل وفيمن أحدث بعد الغسل
وصلى بالوضوء نال الفضل عند الحسن لا عند الثاني. قال في الكافي: وكذا فيمن اغتسل قبل
الفجر وصلى به ينال عند الثاني لا عند الحسن، لأنه اشترط إيقاعه فيه إظهارا لشرفة ومزيد
اختصاصه عن غيره كما في النهر، قيل: وفيمن اغتسل قبل الغروب، واستظهر في البحر ما ذكره
الشارح عن الخانية من أنه لا يعتبر إجماعا، لان سبب مشروعيته دفع حصول الأذى من الرائحة عند
الاجتماع، والحسن وإن قال هو لليوم، لكن بشرط تقدمه على الصلاة، ولا يضر تخلل الحدث بينه
وبين الغسل (1) عنده. وعند أبي يوسف يضر ا ه‍. ولسيدي عبد الغني النابلسي هنا بحث نفيس
ذكره في شرح هداية ابن العماد، حاصله أنهم صرحوا بأن هذه الإغتسالات الأربعة للنظافة لا
للطهارة، مع أنه لو تخلل الحدث تزداد النظافة بالوضوء ثانيا، ولئن كانت للطهارة أيضا فهي حاصلة
بالوضوء ثانيا مع بقاء النظافة، فالأولى عندي الاجزاء وإن تخلل الحدث، لان مقتضى الأحاديث
الواردة في ذلك طلب حصول النظافة فقط اه‍.
أقول: ويؤيده طلب التبكير للصلاة، وهو في الساعة الأولى أفضل وهي إلى طلوع الشمس،
فربما يعسر مع ذلك بقاء الوضوء إلى وقت الصلاة ولا سيما في أطول الأيام، وإعادة الغسل أعسر.

(1) قوله: (وبين النسل) كذا بخطه، ولعل الصواب وبين الصلاة كما هو في نسخة أخرى ا ه‍.
182

وما جعل عليكم في الدين من حرج. وربما أداه ذلك إلى أن يصلي حاقنا وهو حرام،
ويؤيده أيضا ما في المعراج: لو اغتسل يوم الخميس أو ليلة الجمعة استن بالسنة لحصول المقصود
وهو قطع الرائحة ا ه‍. قوله: (كما في غرر الأذكار) هو شرح درر البحار المؤلف في مذاهب الأئمة
الأربعة الكبار ومذاهب الصاحبين على طريقة مجمع البحرين مع غاية الايجاز والاختصار للعلامة
القونوي الحنفي، وقد ذكر في آخره، أنه ألفه في نحو شهر ونصف سنة 647، وعندي شرح عليه
للعلامة محمد الشهير بالشيخ البخاري سماه غرر الأفكار وعليه شرح للعلامة قاسم قطلوبغا تلميذ ابن
الهمام، ولعله الذي نقل عنه الشارح. قوله: (وغيره) كالهداية وصدر الشريعة والدرر وشروح
المجمع والزيلعي. قوله: (اجتمعا مع جنابة) أقول: وكذا لو كان معهما كسوف واستسقاء. وهذا كله
إذا نوى ذلك ليحصل له ثواب الكل. تأمل. قوله: (ولأجل إحرام) أي بحج أو عمرة أو بهما.
إمداد. ولا أظن أحدا قال إنه لليوم فقط. نهر. قوله: (وفي جبل عرفة الخ) أراد بالجبل ما يشمل
السهل من كل ما يصح الوقوف عليه، وإنما أقحم لفظ جبل إشارة إلى أن الغسل للوقوف نفسه لا
لدخول عرفات ولا لليوم.
مطلب: يوم عرفة أفضل من يوم الجمعة
وما في البدائع من أنه يجوز أن يكون على الاختلاف أيضا: أي أن يكون للوقوف أو لليوم كما
في الجملة، رده في الحلية بأن الظاهر أنه للوقوف. قال: وما أظن أن أحدا ذهب إلى استنانه ليوم
عرفة بلا حضور عرفات ا ه‍. وأقره في البحر والنهر، لكن قال المقدسي في شرحه على نظم
الكنز: أقول: لا يستبعد أن يقول أحد بسنيته لليوم لفضيلته، حتى لو حلف بطلاق امرأته في أفضل
أيام العام تطلق يوم عرفة ذكره ابن ملك في شرح المشارق.
وقد وقع السؤال عن ذلك في هذه الأيام ودار بين الأقوام، وكتب بعضهم بأفضلية يوم الجمعة
والنقل بخلافه ا ه‍. قوله: (وهل السكران كذلك) الظاهر نعم، وما قدمه الشارح على ما في بعض
النسخ فيما إذا رأى منيا، أما هنا فالمراد إذا لم ير منيا، كما في المجنون والمغمى عليه فلا تكرار،
فافهم. قوله: (وعند حجامة) أي عند الفراغ منها. إمداد. لشبهة الخلاف. بحر. قوله: (وفي ليلة
براءة) هي ليلة النصف من شعبان. قوله: (وعرفة) أي في ليلتها تاترخانية وقهستاني، وظاهر الاطلاق
شموله للحاج وغيره. قوله: (إذا رآها) أي يقينا أو عملا باتباع ما ورد في وقتها لإحيائها. إمداد.
قوله: (غداة يوم النحر) أي صبيحتها. قوله: (لرمي الجمرة) مفاده أنه لا ينس لنفس دخول مني، فلو
أخر الرمي إلى اليوم الثاني لم يندب لأجل الدخول، وهو خلاف المتبادر من المتن ومخالف لما في
183

شرح الغزنوية حيث جعل غسل الرمي في يوم النحر غير غسل دخول مني يوم النحر. قوله: (وعند
دخول مكة) استظهر في الحلية سنيته لنقل المواظبة. قوله: (لطواف الزيارة) لم يقيد بذلك في الفتح
والبحر، بل جعل في شرح درر البحار كلا من دخول مكة والطواف قسما برأسه، ونصه: وجب
للاستسقاء والكسوف، ودخول مكة والوقوف بمزدلفة، ورمي الجمار والطواف.
تنبيه: ظهر مما ذكرنا أن الأغسال يوم النحر خمسة، وهي: الوقوف بمزدلفة، ودخول منى،
ورمي الجمرة ودخول مكة، والطواف، ويظهر لي أنه ينوب عنها غسل واحد بنيته لها كما ينوب عن
الجمعة والعيد، وتعدادها لا يقتضي عدم ذلك. تأمل. قوله: (وظلمة) أي نهارا. إمداد. قوله:
(ولحضور مجمع الناس) عزاه في البحر إلى النووي وقال: لم أجده لائمتنا.
أقول: وفي معراج الدراية: قيل يستحب الاغتسال لصلاة الكسوف وفي الاستسقاء وفي كل ما
كان في معنى ذلك كاجتماع الناس. قوله: (ولمن لبس ثوبا جديدا) عزاه في الخزائن إلى النتف.
قوله: (أو غسل ميتا) للخروج من الخلاف كما في الفتح. قوله: (أو يراد قتله الخ) عزاه هذه
المذكورات في الخزائن إلى الحلبي من خزانة الأكمل. قوله: (ولمستحاضة انقطع دما) وكذا
المحتلم أراد معاودة أهله على ما سيأتي، وكذا لمن بلغ بسن أو أسلم طاهرا كما مر، فقد بلغت
نيفا وثلاثين. قال في الامداد: ويندب غسل جميع بدنه أو ثوبه إذا أصابته نجاسة وخفي مكانها ا ه‍.
وفيه ما مر مع مخالفته لما قدمه الشارح تبعا للبحر وغيره، لكن قدمنا أن الشارح سيذكر في الأنجاس
أن المختار أنه يكفي غسل طرف الثوب، فيما في الامداد مبني عليه، فتدبر. قوله: (ثمن ماء
اغتسالها) أي من جنابة أو حيض انقطع لعشرة أو أقل. وفصل في السراج بين انقطاع الحيض لعشرة
فعليها لاحتياجها إلى الصلاة، ولاقل فعليه لاحتياجه إلى الوطئ، قال في البحر: وقد يقال: إن ما
تحتاج إليه مما لا بد لها منه واجب عليه، سواء كان هو محتاجا إليه أو لا، فالأوجه الاطلاق ا ه‍.
قوله: (ولو غنية) وبه ظهر ضعف ما في الخلاصة من أن ثمن ماء الوضوء عليها لو غنية وإلا فإما أن
ينقله إليها أو يدعها تنقله بنفسها. بحر من باب النفقة. قوله: (فأجرة الحمام عليه) ذكره في نفقة
البحر بحثا، قال: لأنه ثمن ماء الاغتسال، لكن له منعها من الحمام حيث لم تكن نفساء ا ه‍. وما
بحثه نقله الرملي عن جامع الفصولين فلذا جزم به الشارح، فافهم. قوله: (الشعث والتفث) محركان،
والأول انتشار الشعر واغبراره لقلة التعهد، والثاني بمعنى الوسخ والدرن، وسوى بينهما في
القاموس، واعترضه الشاهيني في مختصره. قوله: (قال شيخنا) أي العلامة خير الدين الرملي في
حاشيته على المنع. قوله: (الظاهر لا يلزمه) لأنه لا يكون كماء الشرب حتى يكون له حكم النفقة
184

بل للتزين للزوج فيكون كالطيب. رحمتي. والظاهر أنه لو أمرها بإزالته لا يلزمها إلا إذا دفع لها من
ماله. تأمل. قوله: (لا مصلى عيد وجنازة) فليس لهما حكم المسجد في ذلك وإن كان لهما حكمه
في صحة الاقتداء وإن لم تتصل الصفوف، ومثلهما فناء المسجد، وتمامه في البحر. قوله: (ورباط)
هو خانكاه الصوفية ح، وهو متعبدهم.
وفي كلام ابن وفا نفعنا الله به ما يفيد أنها بالقاف، فإنه قال: الخنق في اللغة: التضييق،
والخانق: الطريق الضيق، ومنه سميت الزاوية التي سكنها صوفيه الروم الخانقاه لتضييقهم على
أنفسهم بالشروط التي يلتزمونها في ملازمتها، ويقولون فيها أيضا: من غاب عن الحضور غاب نصيبه
إلا أهل الخوانق ومضايق ا ه‍. ط.
ووجه تسميتها رباطا أنها من الربط: أي الملازمة على الامر، ومنه سمي المقام في تغثر العدو
رباطا ومنه قوله تعالى: * (وصابروا ورابطوا) * (آل عمران: 002) ومعناه انتظار الصلاة بعد الصلاة،
لقوله عليه الصلاة والسلام فذلكم الرباط أفاده في القاموس. قوله: (لكن الخ) في هذا
الاستدراك نظر، لان كلام القنية في مسجد المدرسة لا في المدرسة نفسها، لأنه قال: المساجد
التي في المدارس مساجد، لأنهم لا يمنعون الناس من الصلاة فيها وإذا غلقت يكون فيها جماعة من
أهلها ا ه‍.
وفي الخانية: دار فيها مسجد لا يمنعون الناس من الصلاة فيها، إذا كانت الدار لو أغلقت كان
له جماعة ممن فيها فهو مسجد جماعة ثبت له أحكام المسجد من حرمة البيع والدخول وإلا فلا، وإن
كانوا لا يمنعون الناس من الصلاة فيه. قوله: (ولو للعبور) أي المرور، لما أخرجه أبو داود وغيره
عن عائشة قالت: جاء رسول الله (ص) وبيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: وجهوا هذه
البيوت، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب. والمراد بعابري سبيل في الآية المسافرون كما
هو منقول عن أهل التفسير، فالمسافر مستثنى من النهي عن الصلاة بلا اغتسال، ثم بين في الآية أن
حكمه التيمم، وتمام الأدلة من السنة وغيرها مبسوط في البحر. وفيه: وقد علم أن دخوله (ص)
المسجد جنبا ومكثه فيه من خواصه، وكذا هو من خواص علي رضي الله عنه كما ورد من طرق
ثقات تدل على أن الحديث صحيح كما ذكره الحافظ ابن حجر. وأما القول بجوازه لأهل البيت
وكلبس الحرير لهم فهو اختلاق من الشيعة. قوله: (إلا لضرورة) قيد به في الدرر، وكذا في عيون
المذاهب للكاكي شارح الهداية، وكذا في شرح درر البحار. قوله: (حيث لا يمكنه غيره) كأن يكون
باب بيته إلى المسجد. درر: أي ولا يمكنه تحويله ولا يقدر على السكنى في غيره. بحر.
قلت: يدل عليه الحديث المار، ومن صوره ما في العناية عن المبسوط: مسافر مر بمسجد
فيه عين ماء وهو جنب ولا يجد غيره فإنه يتيمم لدخول المسجد عندنا ا ه‍. قوله: (تيمم ندبا الخ)
أفاد ذلك في النهر توفيقا بين إطلاق ما بفيد الوجوب وما يفيد الندب.
185

أقول: والظاهر أن هذا في الخروج، أما في الدخول فيجب كما يفيده ما نقلنا آنفا عن العناية،
ويحمل عليه أيضا ما في درر البحار من قوله: ولا نجيز العبور في المسجد بلا تيمم.
ثم رأيت في الحلية عن المحيط ما يؤيده حيث قال: ولو أصابته جنابة في المسجد، قيل لا
يباح له الخروج من غير تيمم اعتبارا بالدخول، وقيل يباح ا ه‍. فجعل الخلاف في الخروج دون
الدخول، والوجه فيه ظاهر لا يخفى على الماهر، وعليه فالظاهر وجوبه على من كان بابه إلى
المسجد وأراد المرور فيه. تأمل. قوله: (ولا يصلي ولا يقرأ) لأنه لم ينو به عبادة مقصودة، وهذا
دفع للقول بأن له أن يصلي به كما بسطه في الحلية.
تتمة: ذكر في الدرر عن التاترخانية أنه يكره دخول المحدث مسجدا من المساجد وطوافه
بالكعبة ا ه‍. وفي القهستاني: ولا يدخله من على بدنه نجاسة، ثم قال: وفي الخزانة: وإذا فسا
في المسجد لم ير بعضهم به بأسا. وقال بعضهم: إذا احتاج إليه يخرجه منه، وهو الأصح ا ه‍.
قوله: (تلاوة قرآن) أي ولو بعد المضمضة كما يأتي، وفي حكمه منسوخ التلاوة على ما سنذكره.
قوله: (ولو دون آية) أي من المركبات لا المفردات، لأنه جوز للحائض المعلمة تعليم كلمة كلمة.
يعقوب باشا. قوله: (على المختار) أي من قولين مصححين، ثانيهما أنه لا يحرم ما دون آية،
ورجحه ابن الهمام بأنه لا يعقد قارئا بما دون آية في حق جواز الصلاة فكذا هنا، واعترضه في البحر
تبعا للحلية بأن الأحاديث لم تفصل بين القليل والكثير، والتعليل في مقابلة النص مردودا ا ه‍.
والأول قول الكرخي، والثاني قول الطحاوي.
أقول: ومحله إذا لم تكن طويلة، فلو كانت طويلة كان بعضها كآية لأنها تعدل ثلاث آيات.
ذكره في الحلية عن شرح الجامع لفخر الاسلام. قوله: (فلو قصد الدعاء) قال في العيون لأبي
الليث: قرأ الفاتحة على وجه الدعاء أو شيئا من الآيات التي فيها معنى الدعاء ولم ير القراءة لا بأس
به. وفي الغاية: أنه المختار، واختاره الحلواني، لكن قال الهندواني: لا أفتى به وإن روي عن
الامام، واستظهره في البحر تبعا للحلية في نحو الفاتحة لأنه لم يزل قرآنا لفظا ومعنى معجزا متحدي
به، بخلاف نحو - الحمد لله ونازعه في النهر بأن كون قرآنا في الأصل لا يمنع من
إخراجه عن القرآنية بالقصد نعم ظاهر التقييد بالآيات التي فيها معنى الدعاء يفهم أن ما ليس كذلك
كسورة أبي لهب لا يؤثر فيها قصد غير القرآنية، لكن لم أر التصريح به في كلامهم ا ه‍.
مطلب: يطلق الدعاء على ما يشمل الثناء
أقول: وقد صرحوا بأن مفاهيم الكتب حجة، والظاهر أن المراد بالدعاء ما يشمل الثناء لان
الفاتحة نصفها ثناء ونصفها الآخر دعاء، فقول الشارح أو الثناء من عطف الخاص على العام.
قوله: (أو افتتاح أمر) كقوله بسم الله لافتتاح العمل تبركا. بدائع. قوله: (أو التعليم) فرق بعضهم بين
الحائض والجنب بأن الحائض مضطرة لأنها لا تقدر على رفع حدثها بخلاف الجنب، والمختار أنه لا
فرق. نوح. قوله: (ولقن كلمة كلمة) هو المراد بقول المنية حرفا حرفا كما فسره به في شرحها،
والمراد مع القطع بين كل كلمتين، وهذا على قول الكرخي، وعلى قول الطحاوي تعلم نصف آية.
186

نهاية وغيرها. ونظر فيه في البحر بأن الكرخي قائل باستواء الآية وما دونها في المنع. وأجاب في
النهر بأن مراده بما دونها: ما به يسمى قارئا وبالتعليم كلمة كلمة لا يعد قارئا ا ه‍. ويؤيده ما قدمناه
عن اليعقوبية. بقي ما لو كانت الكلمة آية ك‍ ص - و - ق - نقل نوح أفندي عن
بعضهم أنه ينبغي الجواز. أقول وينبغي عدمه في * (مدهامتان) * الرحمن: 46) تأمل. قوله: (حتى لو
قصد الخ) تفريع على مضمون ما قبله من أن القرآن يخرج عن القرآنية بقصد غيره. قوله: (إلا إذا قصد
الخ) (1) استثناء من المضمون المذكور أيضا، والمراد المصلي الصلاة الكاملة ذات الركوع والسجود.
قوله: (فإنها تجزيه) الضمائر إلى القراءة المعلومة من المقام أو إلى الفاتحة ط قوله: (فلا يتغير
حكمها) وهو سقوط واجب القراءة بها. قوله: (بقصده) أي الثناء. قوله: (ومسه) أي مس القرآن.
وكذا سائر الكتب السماوية. قال الشيخ إسماعيل: وفي المبتغى: ولا يجوز مس التوراة والإنجيل
والزبور وكتب التفسير ا ه‍. وبه علم أنه لا يجوز مس القرآن المنسوخ تلاوة وإن لم يسمى قرآنا متعبدا
بتلاوته، خلافا لما بحثه الرملي، فإن التوراة ونحوها مما نسخ تلاوته وحكمه معا. فافهم. قوله:
(مستدرك) أي مدرك بالاعتراض. والمعنى أنه معترض بما بعده من قول المصنف وبه وبالأصغر مس
مصحف فإنه يغني عنه. وفيه أنه لا يعترض بالمتأخر على المتقدم لوقوعه في مركزه ط: أي بل
بالعكس. قوله: (ساقط) لم يسقط فيما رأيناه من نسخ الشرح إلا قوله: ومسه ح. قوله: (لوجوب
الطهارة فيه) حتى لو لم يكن ثمة مسجد لا يحل فعله بدونها، وتمامه في البحر. قال الرحمتي وكان
المناسب أن يذكره: أي الطواف مع ما بعده، لان كما تجب الطهارة فيه من الحديث الأكبر تجب من
الأصغر كما سيأتي، وصرح به ابن أمير حاج في عد الواجبات. قال: والطهارة فيه من الحدث الأكبر
والأصغر ا ه‍. قوله: (مس مصحف) المصحف بتثليث الميم والضم فيه أشهر، سمي به لأنه
أصحف: أي جمع فيه الصحائف. حلية. قوله: (أي ما فيه آية الخ) أي المراد مطلق ما كتب فيه قرآن
مجازا من إطلاق اسم الكل على الجزء، أو من باب الاطلاق والتقييد. قال ح: لكن لا يحرم في غير
المصحف إلا بالمكتوب: أي موضع الكتابة، كذا في باب الحيض من البحر، وقيد بالآية لأنه لو
كتب ما دونها لا يكره مسه كما في حيض القهستاني. وينبغي أن يجري هنا ما جري في قراءة ما دون
آية من الخلاف، والتفصيل المارين هناك بالأول، لان المس يحرم بالحدث ولو أصغر، بخلاف
القراءة فكانت دونه. تأمل. قوله: (ظاهر كلامهم لا) قال في النهر: وظاهر استدلالهم بقوله تعالى:
* (لا يمسه إلا المطهرون) * (الواقعة: 97) بناء على أن الجملة صفة للقرآن يقتضي اختصاص المنع به
ا ه‍. لكن قدمنا آنفا عن المبتغى أنه لا يجوز، وكذا نقله عن القهستاني عن الذخيرة ثم قال: وليس

(1) قوله: (الا إذا قصد الخ) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح الا إذا قرأ المصلي قاصدا الخ، هو كذلك في نسخة
أخرى ا ه‍. مصححه.
187

بعد النقل إلا الرجوع واستدلالهم بالآية لا ينفيه، بل ربما تلحق سائر الكتب السماوية بالقرآن
دلالة لاشتراك الجميع في وجوب التعظيم كما لا يخفى، نعم ينبغي أن يخص بما لم يبدل كما سيأتي
نظيره ا ه‍. قوله: (غير مشرز) أي غير مخيط به، وهو تفسير للمتجافي. قال في المغرب مصحف
مشرز أجزاؤه: مشدود بعضها إلى بعض، من الشيرازة وليست بعربية ا ه‍. فالمراد بالغلاف ما كان
منفصلا كالخريطة وهي الكيس ونحوها، لان المتصل بالمصحف منه حتى يدخل في بيعه بلا ذكر.
وقيل المراد به الجلد المشرز، وصححه في المحيط والكافي، وصحح الأول في الهداية وكثير من
الكتب، وزاد في السراج: أن عليه الفتوى. وفي البحر: أنه أقرب إلى التعظيم. قال: والخلاف فيه
جاز في الكم أيضا. ففي المحيط: لا يكره عند الجمهور، واختاره في الكافي معللا بأن المس اسم
للمباشرة باليد بلا حائل. وفي الهداية: أنه يكره، هو الصحيح لأنه تابع له، وعزاه في الخلاصة إلى
عامة المشايخ، فهو معارض لما في المحيط فكان هو أولى ا ه‍.
أقول: بل هو ظاهر الرواية كما في الخانية، والتقييد بالكم اتفاقي فإنه لا يجوز مسه ببعض
ثياب البدن غير الكم كما في الفتح عن الفتاوي. وفيه قال لي بعض الاخوان: أيجوز بالمنديل
الموضوع على العنق؟ قلت: لا أعلم فيه نقلا. والذي يظهر أنه إن تحرك طرفه بحركته لا يجوز، وإلا
جاز، لاعتبارهم إياه تبعا له كبدنه في الأول دون الثاني فيما لو صلى وعليه عمامة بطرفها الملقى
نجاسة مانعة، وأقره في النهر والبحر. قوله: (أو بصرة) راجع للدرهم، والمراد بالصرة ما كانت من
غير ثيابه التابعة له. قوله: (وحل قلبه بعود) أي تقليب أوراق المصحف بعود ونحوه لعدم صدق
المس عليه. قوله: (بغير أعضاء الطهارة) هذا لا يظهر إلا في الأصغر، وأما في الأكبر فالأعضاء
كلها أعضاء طهارة ط: أي فالخلاف إنما هو في المحدث لا في الجنب، لان الحدث يحل جميع
أعضائه، قوله: (وبما غسل منها) أي من الأعضاء بناء على الاختلاف في تجزي الطهارة وعدمه في
حق غير الصلاة قوله: (والمنع أصح) كذا في شرح الزاهدي. وظاهره أن المقابل صحيح يجوز
الافتاء به ط، لكن في السراج: والصحيح أنه لا يجوز، لان بذلك لا ترتفع جنابته، ومثله في البحر
فليس أفعل التفضيل على بابه. قوله: (لان الجنابة لا تحل العين) تقدم ما يفيد أن الجنابة تحلها وسقط
غسلها للحرج ط، والأولى أن يعلل بعدم المس كمقال ح، لأنه لم يوجد في النظر إلا المحاذاة.
قوله: (وإلا) أي إن لم يكن المرا بالكراهة المنفية كراهة التحريم لا مطلق الكراهة قوله: مندوب
فقد نص في أذان الهداية على استحباب الوضوء لذكر الله تعالى. قوله: (وهو مرجع كراهة التنزيه)
أي فلذا قيد بقوله أي تحريما، وقصد بذلك الرد على قول البحر، وترك المستحب لا يوجب
الكراهة، وقدمنا الكلام على ذلك في مندوبات الوضوء، قوله: (ولا يكره مس صبي الخ) فيه أن
188

الصبي غير مكلف، والظاهر أن المراد لا يكره لوليه أن يتركه يمس، بخلاف ما لو رآه يشرب خمرا
مثلا، فإنه لا يحل له تركه. قوله: (ولا بأس بدفعه إليه) أي لا بأس بأن يدفع البالغ المتطهر
المصحف إلى الصبي، ولا يتوهم جوازه مع وجود حدث البالغ ح قوله: (للضرورة) لان في
تكليف الصبيان وأمرهم بالوضوء حرجا بهم، وفي تأخيره إلى البلوغ تقليل حفظ القرآن درر قال
ط وكلامهم (1) يقتضي منع الدفع والطلب من الصبي إذا لم يكن معلما. قوله: (إذ الحفظ الخ)
تنوير على دعوى الضرورة المبيحة لتعجيل الدفع قبل الكبر، وقوله: كالنقش في الحجر أي من
حيث الثبات والبقاء. قال الشارح في الخزائن: وهذا حديث أخرجه البيهقي في المداخل، لكن
بلفظ العلم والصغر كالنقش في الحجر. ومما أنشد نفطويه لنفسه:
أراني أنسى ما تعلمت في الكبر * ولست بناس ما تعلمت في الصغر
وما العلم إلا بالتعلم في الصبا * وما الحلم إلا بالتحلم في الكبر
وما العلم بعد الشيب إلا تعسف * إذا كل قلب المرء والسمع والبصر
ولو فلق القلب المعلم في الصبا * لأبصر فيه العلم كالنقش في الحجر
قوله: (خلافا لمحمد) حيث قال: أحب إلي لا يكتب لأنه في حكم الماس للقرآن. حلية عن
المحيط. قال في الفتح: والأول أقيس، لأنه في هذه الحالة ماس بالقلم وهو واسطة منفصلة، فكان
كثوب منفصل إلا أن يمسه بيده. قوله: (وينبغي الخ) يؤخذ هذا مما ذكرناه عن الفتح، ووفق ط بين
القولين بما يرفع الخلاف من أصله بحمل قول الثاني على الكراهية التحريمية، وقول الثالث على
التنزيهية، بدليل قوله: أحب إلي الخ. قوله: (على الصحيفة) قيد بها لان نحو اللوح لا يعطي حكم
الصحيفة، لأنه لا يحرم إلا مس المكتوب منه ط قوله: (قاله الحلبي) هو الشيخ إبراهيم الحلبي صاحب
متن المنتقى وشارح المنية. قوله: (ويكره له الخ) الأولى لهم: أي للجنب والحائض والنفساء.
هذا وصحح في الخلاصة عدم الكراهة. قال في شرح المنية: لكن الصحيح الكراهة، لان
مبدل منه بعض غير معين، وما لم يبدل غالب وهو واجب التعظيم والصون. وإذا اجتمع المحرم
والمبيح غلب المحرم. وقال عليه الصلاة والسلام: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وبهذا ظهر فساد
قول من قال: يجوز الاستنجاء بما في أيديهم من التوراة والإنجيل من الشافعية، فإنه مجازفة عظيمة،
لان الله تعالى لم يخبرنا بأنهم بدلوها عن آخرها، وكونه منسوخا لا يخرجه عن كونه كلام الله تعالى
كالآيات المنسوخة من القرآن ا ه‍. واختار سيدي عبد الغني ما في الخلاصة، وأطال في تقريره، ثم

(1) قوله: (قال ط وكلامهم الخ) فيه ان المدار على تحقق العلة في الصبي، ولا يشترط وجودها في كل فرد، فحينئذ يبقى
كلامهم على اطلاقه، ولا يجوز تخصيصه بالصبي المعلم ا ه‍.
189

قال: وقد نهينا عن النظر في شئ منها سواء نقلها إليها الكفار أو من أسلم منهم. قوله: (بما لم
يبدل) أما ما علم أنه مبدل لو كتب وحده يجوز مسه كزعمهم أن من التوراة هذه شريعة مؤبدة ما دامت
السماوات والأرض. قال في شرح التحرير: وقد ذكر غير واحد أنه قيل: أول من اختلقه لليهود ابن
الراوندي ليعارض به دعوى نبينا محمد (ص): قوله: (لا قراءة قنوت) هذا ظاهر المذهب. وعن محمد:
أنه يكره احتياطا لان له شبهة القرآن لاختلاف الصحابة، لان أبيا (1) جعله سورتين من القرآن من أوله
إلى اللهم إياك نعبد سورة، ومن هنا إلى آخره أخرى، لكن الفتوى على ظاهر الرواية لأنه ليس بقرآن
قطعا ويقينا بالاجماع، فلا شبهة توجب الاحتياط المذكور، نعم يستحب الوضوء لذكر الله تعالى،
وتمامه في الحلية. قوله: (بعد غسل يد وفم) أما قبله فلا ينبغي، لأنه يصير شاربا للماء المستعمل وهو
مكروه تنزيها، ويده لا تخلو عن النجاسة فينبغي غسلها ثم يأكل. بدائع. وفي الخزانة: وإن ترك لا
يضره. وفي الخانية: لا بأس به. وفيها: واختلف في الحائض: قيل كالجنب، وقيل لا يستحب لها
لان الغسل لا يزيل نجاسة الحيض عن الفم واليد، وتمامه في الحلية. قوله: (لم يأت أهله) أي ما لم
يغتسل لئلا يشاركه الشيطان كما أفاده ركن الاسلام. وفي البستان قال ابن المقنع: يأتي الولد مجنونا أو
بخيلا. إسماعيل. قوله: (قال الحلبي الخ) هو العلامة محمد بن أمير حاج الحلبي شارك المنية
والتحرير. الأصولي. قوله: (ظاهر الأحاديث الخ) يشعر بأنه وردت في الاحتلام أحاديث، والحال أنا
لم نقف فيه على حديث واحد. والذي ورد: دار على نسائه في غسل واحد وورد أنه طاف
على نسائه واغتسل عند هذه وعند هذه فقلنا باستحبابه.
وأما الاحتلام فلم يرد فيه شئ من القول والفعل، على أنه من جهة الفعل محال، لان الأنبياء
صلوات الله عليهم وسلامه معصومون عنه، غاية ما يقال: إنه لما دل الدليل على استحباب الغسل
لمن أراد المعاودة علم استحبابه للجنب إذا أراد ذلك سواء كانت الجنابة من الجماع أو الاحتلام
ا ه‍. نوح أفندي. وهو كلام حسن، إلا أن عبارة الحلبي ليس فيها الاستدلال بالأحاديث على
الندب، وإنما نفي الدليل على الوجوب، والشارح تابع صاحب البحر في عزو وهذه العبارة إليه.
ونص عبارة الحلبي في الحلية بعد نقله جملة أحاديث: فيستفاد من هذه الأحاديث أن المعاودة من
غير وضوء ولا غسل بين الجماعين أمر جائز، وأن الأفضل أن يتخللها الغسل أو الوضوء، ثم قال
بعد نقله الفرع المذكور عن المبتغى بالغين المعجمة: وهو قوله: إلا إذا احتلم لم يأت أهله: هذا
إن لم يحمل على الندب غريب، ثم لا دليل فيها يظهر يدل على الحرمة ا ه‍. قوله: (من كلامه) أي
كلام المبتغى، وليس في عبارة الشارح ما يرجع إليه هذا الضمير. قوله: (والتفسير كمصحف)
ظاهره حرمة المس كما هو مقتضى التشبيه، وفيه نظر، إذ لا نص فيه بخلاف المصحف، فالمناسب

(1) قوله: (لان أبيا الخ) أقول: وفي صلاة القنية روى أن أبي بن كعب كتب في مصحفه مائة وست وعشرون سورة فزاد فيه
سورتين دعاء الوتر لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤهما في دعاء الوتر فظم انهما من القرآن، ثم رجع إلى الامام المجمع عليه لعلمه
ان ذلك كان وهما منه، والقرآن ما تضمنه الامام وهو مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه باجماع الصحابة ا ه‍. منه.
190

التعبير بالكراهة كما عبر غيره. قوله: (لا الكتب الشرعية) قال في الخلاصة: ويكره مس المصحف
كما يكره للجنب، وكذا كتب الأحاديث والفقه عندهما. والأصح أنه لا يكره عنده ا ه‍.
قال في شرح المنية: وجه قوله أنه لا يسمى ماسا للقرآن لان ما فيها منه بمنزلة التابع ا ه‍.
ومشى في الفتح على الكراهة فقال: قالوا: يكره مس كتب التفسير والفقه والسنن لأنها لا تخلو عن
آيات القرآن، وهذا التعليل يمنع من شروح النحو (1) ا ه‍. قوله: (لكن في الأشباه الخ) استدراك
على قوله: التفسير كمصحف فإن ما في الأشباه صريح في جواز مس التفسير، فهو كسائر الكتب
الشرعية، بل ظاهره أنه قول أصحابنا جميعا، وقد صرح بجوازه أيضا في شرح درر البحار. وفي
السراج عن الايضاح: أن كتب التفسير لا يجوز مس موضع القرآن، وله أن يمس غيره، وكذا
كتب الفقه إذا كان فيها شئ من القرآن، بخلاف المصحف، فإن الكل فيه تبع للقرآن ا ه‍.
والحاصل أنه لا فرق بين التفسير وغيره من الكتب الشرعية على القول بالكراهة وعدمه،
ولهذا قال في النهر: ولا يخفى أن مقتضى ما في الخلاصة عدم الكراهة مطلقا، لان من أثبتها حتى
في التفسير نظر إلى ما فيها من الآيات، ومن نفاها نظر إلى أن الأكثر ليس كذلك، وهذا يعم
التفسير أيضا، إلا أن يقال: إن القرآن فيه أكثر من غيره ا ه‍. أي فيكره مسه دون غيره من الكتب
الشرعية، كما جرى عليه المصنف تبعا للدرر، ومشى عليه في الحاوي القدسي وكذا في المعراج
والتحفة، فتلخص في المسألة ثلاثة أقوال. قال ط: وما في السراج أوفق بالقواعد ا ه‍.
أقول: الأظهر والأحوط القول الثالث: أي كراهته في التفسير دون غيره لظهور الفرق، فإن
القرآن في التفسير أكثر منه في غيره، وذكره فيه مقصود استقلالا: لا تبعا، فشبهه بالمصحف أقرب من
شبهه ببقية الكتب. والظاهر أن الخلاف في التفسير الذي كتب فيه القرآن بخلاف غيره كبعض نسخ
الكشاف. تأمل. قوله: (ولو قيل به) أي بهذا التفصيل، بأن يقال: إن كان التفسير أكثر لا يكره، وإن
كان القرآن أكثر يكره، والأولى إلحاق المساواة بالثاني، وهذا التفصيل ربما يشير إليه ما ذكرناه عن
النهر، وبه يحصل التوفيق بين القولين. قوله: (قلت لكنه إلخ) استدراك على قوله: ولو قيل به الخ.
وحاصله: أن ما مر في المتن مطلق، فتقييد الكراهة بما إذا كان القرآن مخالف له، ولا يخفى
أن هذا الاستدراك غير الأول، لان الأول كان على كراهة مس التفسير وهذا على تقييد الكراهة،
فافهم. قوله: (فتدبر) لعله يشير به إلى أنه يمكن ادعاء تقييد إطلاق المتن بما إذا لم يكن التفسير
أكثر، فلا ينادي دعوى التفصيل. قوله: (يدفن) أي يجعل في خرقة طاهرة ويدفن في محل غير ممتهن:

(1) قوله: (من شروح النحو) هكذا بالأصل المقابل على نسخة المؤلف، ولعله من شروح النحو أو على حذف مضاف
ا ه‍. مصححه.
191

لا يوطأ. وفي الذخيرة: وينبغي أن يلحد لا ولا يشق له لأنه يحتاج إلى إهالة التراب عليه، وفي ذلك
نوع تحقير، إلا إذا جعل فوقه سقفا بحيث لا يصل التراب إليه فهو حسن أيضا ا ه‍.
وأما غيره من الكتب فسيأتي في الحظر والإباحة أنه يمحى عنها اسم الله تعالى وملائكته
ورسله ويحرق الباقي، ولا بأنه بأن تلقى في ماء جار كما هي أو تدفن وهو أحسن ا ه‍. قوله:
(كالمسلم) فإنه مكرم، وإذا مات وعدم نفعه يدفن، وكذلك المصحف فليس في دفنه إهانة له، بل
ذلك إكرام خوفا من الامتهان. قوله: (ويمنع النصراني) في بعض النسخ: الكافر، وفي الخانية:
الحربي أو الذمي. قوله: (من مسه) أي المصحف بلا قيده السابق. قوله: (وجوزه محمد إذا اغتسل)
جزم به في الخانية بلا حكاية خلاف. قال في البحر: وعندهما يمنع مطلقا. قوله: (ويكره وضع
المصحف الخ) وهل التفسير والكتب الشرعية كذلك؟ يحرر ط.
أقول: الظاهر نعم كما تفيده المسألة التالية، ثم رأيته في كراهية العلامي. قوله: (إلا للحفظ)
أي حفظه من سارق ونحوه.
تنبيه: سئل بعض الشافعية عمن اضطر إلى مأكول ولا يتوصل إليه إلا بوضع المصحف تحت
رجله. فأجاب: الظاهر الجواز، لان حفظ الروح مقدم ولو من غير الآدمي، ولذا لو أشرفت سفينة
على الغرق واحتيج إلى الالقاء ألقي المصحف حفظا للروح، والضرورة تمنع كونه امتهانا، كما لو
اضطر إلى السجود لصنم حفظا لروحه. قوله: (والمقلمة) أي الدواة. قوله: (إلا للكتابة) الظاهر أن
ذلك عند الحاجة إلى الوضع. قوله: (ويوضع الخ) أي على سبيل الأولوية رعاية للتعظيم. قوله:
(النحو) أي كتبه، واللغة مثله كما في البحر: قوله: (ثم التعبير) أي تعبير الرؤيا كابن سيرين وابن
شاهين لأفضليته لكونه تفسيرا ما هو جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وهو الرؤيا ط. قوله:
(ثم الفقه) لعل وجهه أن معظم أدلته من الكتاب والسنة فيكثر فيه ذكر الآيات والأحاديث، بخلاف
علم الكلام فإن ذلك خاص بالسمعيات منه فقط. تأمل. قوله: (ثم الاخبار والمواعظ) عبارة البحر
عن القنية: الاخبار والمواعظ والدعوات المروية ا ه‍. والظاهر أن المروية صفة للكل: أي المروية
عن النبي (ص). قوله: (ثم التفسير) قال في البحر: والتفسير فوق ذلك والتفسير الذي فيه آيات
مكتوبة فوق كتب القراءة. زاد الرملي عن الحاوي، والمصحف فوق الجميع. قوله: (إلا إذا كسره)
فحينئذ لا يكره، كما لا يكره مسه لتفرق الحروف أو لان الباقي دون آية. قوله: (رقية الخ) الظاهر
أن المراد بها ما يسمونه الآن بالهيكل والحمائل المشتمل على الآيات القرآنية، فإذا كان غلافه
منفصلا عنه كالمشمع ونحوه جاز دخول الخلاء به ومسه وحمله للكتب، ويستفاد منه أن ما كتب من
الآيات بنية الدعاء والثناء لا يخرج عن كونه قرآنا، بخلاف قراءته بهذه النية، فالنية تعمل في تغيير
المنطوق المكتوب ا ه‍. من شرح سيدي عبد الغني. قوله: (لاحترامه) أي بسبب ما كتب به من
192

أسماء الله تعالى ونحوها، على أن الحروف في ذاتها لها احترام. قوله: (لا يلقى) أي ما ذكر من
الحشيش والكناسة. قوله: (في كاغد) هو القرطاس معربا. قاموس. وهو بفتح الغين المعجمة كما
نقل عن المصباح. قوله: (فيجوز محوه) المحو: إذهاب الأثر كما في القاموس. قال ط: وهل إذا
طمس الحروف بنحو حبر يعد محوا؟ يحرر. قوله: (ومحو بعض الكتابة) ظاهره ولو قرآنا، وقيد
بالبعض لاخراج اسم الله تعالى ط قوله: (وقد ورد النهي الخ) فهو مكروه تحريما، وأما لعقه بلسانه
وابتلاعه فالظاهر جوازه ط قوله: (ومن فيهن) ظاهره يعم النبي (ص)، والمسألة ذات خلاف،
والأحوط الوقف، وعبر بمن الموضوعة للعاقل لان غيره تبع له، ولعل ذلك الحديث للإشارة
إلى أن القرآن يلحق باسم الله تعالى في النهي عن محوه بالبزاق، فيخص قوله: ومحو بعض الكتابة
الخ بغير القرآن أيضا، فليتأمل ط. قوله: (مستور) ظاهره عدم جوازه إذا لم يشترط.
أقول: وعبارة الخانية: ولا بأس بالخلوة والمجامعة في بيت فيه مصحف، لان بيوت
المسلمين لا تخلو من ذلك. قوله: (مطلقا) أي سواء استعمل أو علق. قوله: (وتمامه في البحر)
حيث قال: وقيل يكره حتى الحروف المفردة. ورأي بعض الأئمة شبانا يرمون إلى هدف كتب فيه
أبو جهل لعنه الله فنهاهم عنه، ثم مر بهم وقد قطعوا الحروف فنهاهم أيضا وقال: إنما نهيتكم في
الابتداء لأجل الحروف، فإذا يكره مجرد الحروف، لكن الأول أحسن وأوسع ا ه‍. قال سيدي عبد
الغني: ولعل وجه ذلك أن حروف الهجاء قرآن نزلت على هود عليه السلام كما صرح بذلك الامام
القسطلاني في كتابه الإشارات في علم القراءات ا ه‍. قوله: (قلت وظاهره الخ) كذا يوجد في
بعض النسخ: أي ظاهر قوله: لا تعليقه للزينة. قوله: (يحرر) أقول في فتح القدير: وتكره كتابة
القرآن وأسماء الله تعالى على الدرهم والمحاريب والجدران وما يفرش. والله تعالى أعلم.
باب المياه
شروع في بيان ما تحصل به الطهارة السابق بيانها. والباب لغة: ما يتوصل منه إلى غيره.
واصطلاحا: اسم لجملة مختصة من العلم مشتملة على فصول ومسائل غالبا. قوله: (جمع ماء) هو
جمع كثرة، ويجمع جمع قلة على أمواه. بحر. قوله: (ويقصر) أشار بتغيير التعبير إلى قلته، ولذا قال
193

في النهر: وعن بعضهم قصره ط. قوله: (والهاء همزة) وقد تبقى على حالها فيقال ماء بالهاء كما في
القاموس. قوله: (به حياة كل نام) أي زائد من حيوان أو نبات، ولا يراد أن الماء الملح ليس فيه
حياة، لان ذلك عارض والأصل فيه العذوبة كما في حاشية أبي السعود: أي لان أصله من ماء السماء
كما يأتي. قوله: (مطلقا) أي سواء كان أكبر أو أصغر. قوله: (هو ما يتبادر عند الاطلاق) أي ما يسبق
إلى الفهم بمطلق قولنا ماء ولم يقم به خبث ولا معنى يمنع جواز الصلاة، فخرج الماء المقيد والماء
المتنجس والماء المستعمل بحر. وظاهره أن المتنجس والمستعمل غير مقيد مع أنه منه، لكن عند
العالم بالنجاسة والاستعمال، ولذا قيد بعض العلماء التبادر بقوله: بالنسبة للعالم بحاله.
واعلم أن الماء المطلق أخص من مطلق ماء لاخذ الاطلاق فيه قيدا، ولذا صح إخراج المقيد
به. وأما مطلق ماء، فمعناه أي ماء كان، فيدخل فيه المقيد المذكور، ولا يصح إرادته هنا. قوله:
(كماء سماء) الإضافة للتعريف، بخلاف الماء المقيد فإن القيد لازم له لا يطلق الماء عليه بدونه كماء
الورد. بحر. قوله: (وأودية) جمع واد. قوله: (وآبار) بمد الهمزة وفتح الباء بعدها ألف، وبقصر
الهمزة وإسكان الباء بعدهما همزة ممدودة بألف: جمع. شرح المنية. قوله: (بحيث يتقاطر) وعن
الثاني الجواز مطلقا، والأصح قولهما. نهر. قوله: (وبرد وجمد) أي مذابين أيضا. قوله: (وندا) بالفتح
والقصر. قال في الامداد هو الطل، وهو ماء على الصحيح، وقيل نفس دابة ا ه‍. أقول: وكذا
الزلال. قال ابن حجر: وهو ما يخرج من جوف صورة توجد في نحو الثلج كالحيوان وليست
بحيوان، فإن تحقق كان نجسا لأنه قئ ا ه‍. نعم لا يكون نجسا عندنا ما لم يعلم كونه حيوانا دمويا،
أما رفع الحدث به فلا يصح وإن كان غير دموي، قوله: (فالكل) أي كل المياه المذكورة بالنظر إلى ما
في نفس الامر. قوله: (والنكرة) جواب عما يقال: إن ماء في الآية نكرة في سياق الاثبات فلا تعم.
وبيان الجواب أن النكرة في الاثبات قد تعم لقرينة لفظية، كما إذا وصفت بصفة عامة مثل. ولعبد
مؤمن خير - أو غير لفظية مثل - علمت نفس - ومثل: تمرة خير
من جرادة، وهنا كذلك، فإن السياق للامتنان وهو تعداد النعم من المنعم، فيفيد أن المراد أنزل من
السماء كل ما فسلكه ينابيع لا بعض الماء حتى يفيد أن بعض ما في الأرض ليس من السماء، لان
كمال الامتنان في العموم، ويستدل بالآية أيضا على طهارته إذ لا منه بالنجس. قوله: (بلا كراهة)
أشار بذلك إلى فائدة التصريح به مع دخوله في قوله: وآبار وسيذكر الشارح في آخر كتاب الحج أنه
يكره الاستنجاء بماء زمزم والاغتسال ا ه‍. فأستفيد منه أن نفي الكراهة خاص في رفع الحدث
بخلاف الخبث. قوله: (قصد تشميسه) قيد اتفاقي لان المصرح به في كتب الشافعية أنه لو تشمس
بنفسه كذلك. قوله: (وكراهته الخ) أقول: المصرح به في شرحي ابن حجر والرملي على المنهاج أنها
شرعية تنزيهية لا طبية، ثم قال ابن حجر: واستعماله يخشى منه البرص كما صح عن عمر رضي الله
عنه، واعتمده بعض محققي الأطباء لقبض زهومته على مسام البدن فتحبس الدم، وذكر شروط كراهته
194

عندهم، وهي أن يكون بقطر حار وقت الحر في إناء منطبع غير نقد، وأن يستعمل وهو حار.
أقول: وقدمنا في مندوبات الوضوء عن الامداد أن منها أن لا يكون بماء مشمس، وبه صرح
في الحلية مستدلا بما صح عن عمر من النهي عنه، ولذا صرح في الفتح بكراهته، ومثله في البحر.
وقال في معراج الدراية وفي القنية: وتكره الطهارة بالمشمس، لقوله (ص): لعائشة رضي الله عنها حين
سخنت الماء بالشمس: لا تفعلي يا حميراء، فإنه يورث البرص وعن عمر مثله. وفي رواية لا
يكره، وبه قال أحمد ومالك. والشافعي: يكره إن قصد تشميسه. وفي الغاية: وكره بالمشمس في
قطر حار في أوان منطبعة، واعتبار القصد ضعيف، وعدمه غير مؤثر ا ه‍. ما في المعراج. فقد
علمت أن المعتمد الكراهة عندنا لصحة الأثر وأن عدمها رواية. والظاهر أنها تنزيهية عندنا أيضا،
بدليل عدة في المندوبات، فلا فرق حينئذ بين مذهبنا ومذهب الشافعي، فاغتنم هذا التحرير. قوله:
(لبقاء الأول الخ) هذا الفرق أبداه صاحب الدرر بعد ما نقل الأولى عن عيون المذاهب والثانية عن
الخلاصة، واعترضه محشيه العلامة نوح أفندي بأن عبارة الخلاصة: ولو توضأ بماء الملح لا يجوز.
قال في البزازية: لأنه على خلاف طبع الماء، لأنه يجمد صيفا ويذوب شتاء. وقال الزيلعي: ولا
يجوز بماء الملح، وهو ما يجمد في الصيف ويذوب في الشتاء عكس الماء، وأقره صاحب البحر
والعلامة المقدسي، ومقتضاه أنه لا يجوز بماء الملح مطلقا: أي سواء انعقد ملحا ثم ذاب أو لا؟
وهو الصواب عندي ا ه‍. ملخصا. قوله: (أي معتصر) إشارة إلى أن عصير اسم مفعول. قوله:
(من شجر) ينبغي أن يعمم بما له ساق أو لا، ليشمل الريباس وأوراق الهندبا وغير ذلك كما في
البرجندي إسماعيل. قوله: (أو ثمر) بمثلثة نهر كالعنب.
مطلب في حديث لا تسموا العنب الكرم
قوله: (من الكرم) أخرج السيوطي لا تسموا العنب الكرم زاد في رواية الكرم قلب
المؤمن وذلك لأن هذه
اللفظة تدل على كثرة الخير والمنافع في المسمى بها وقلب المؤمن هو
المستحق لذلك، وهل المراد النهي عن تخصيص شجر العنب بهذا اللفظ وأن قلب المؤمن أولى به
منه فلا يمنع من تسميته بالكرم؟ أو المراد أو تسميته بها مع اتخاذ الخمر المحرم منه وصف بالكرم
والخير لأصل هذا الشراب الخبيث المحرم؟ وذلك ذريعة إلى مدح المحرم، وتهييج النفوس إليه
محتمل ا ه‍. مناوي. وجزم في القاموس بالاحتمال الأول، وفي شرح الشرعة بالثاني. قوله: (وهو
الأظهر) وهو المصرح به في كثير من الكتب، واقتصر عليه في الخانية والمحيط، وصدر به في
الكافي وذكر الجواز بقيل. وفي الحلية أنه الأوجه لكمال الامتزاج. بحر ونهر. وقال الرملي في
حاشية المنح: ومن راجع كتب المذهب وجد أكثرها على عدم الجواز فيكون المعول عليه لما في
هذا المتن مرجوح بالنسبة إليه ا ه‍. قوله: (والاعتصار الخ) فالمراد به الخروج ط قوله: (وكذا
ماء الدابوغة الخ) أي كماء الكرم في الخلاف وفي أن الأظهر عدم جواز رفع الحدث بها، ولم أجد
195

فيما عندي من كتب اللغة لفظ الدابوغة فليراجع ح. ونقل بعض المحشين عن كتب الطب أن البطيخ
الأخضر يقال له الحبحب والدابوغة والدابوقة، قال: وعلى هذا يتعين حمل البطيخ في كلام الشارح
على الأصفر المسمى بالخربز. قوله: (وكذا نبيذ التمر) أي في أن الأظهر فيه عدم الجواز أيضا،
وفصله عما قبله لأنه ليس منه بل من قسم المغلوب الذي زال اسمه كما يذكره قريبا. قوله: (ولا
بماء مغلوب) التقييد بالمغلوب بناء على الغالب، وإلا فقد يمنع التساوي في بعض الصور كما
يأتي. قوله: (الغلبة الخ) اعلم أن العلماء اتفقوا على جواز رفع الحدث بالماء المطلق وعلى عدمه
بالماء المقيد، ثم الماء إذا اختلط به طاهر لا يخرجه عن صفة الاطلاق ما لم يغلب عليه، وبيان
الغلبة اختلفت فيه عبارات فقهائنا. وقد اقتحم الامام فخر الدين الزيلعي التوفيق بينها بضابط مفيد
أقره عليه من بعده من المحققين كابن الهمام وابن أمير حاج وصاحب الدرر والبحر والنهر والمصنف
والشارح وغيرهم، وهو ما ذكره الشارح بأوجز عبارة وألطف إشارة. قوله: (بتشرب نبات الخ) بدل
من قوله بكمال الامتزاج أو متعلق بمحذوف حالا منه، وهذا يشمل ما خرج بعلاج أو لا كما
مر. قوله: (بما لا يقصد به التنظيف) كالمرق وماء الباقلا: أي الفول، فإنه يصير مقيدا سواء تغير
شئ من أوصافه أو لا، وسواء بقيت فيه رقة الماء أو لا في المختار كما في البحر. واحترز عما إذا
طبخ فيه ما يقصد به المبالغة في النظافة كالأشنان ونحوه، فإنه لا يضر ما لم يغلب عليه فيصير
كالسويق المخلوط لزوال اسم الماء عنه كما في الهداية. قوله: (وإما بغلبة الخ) مقال قوله: إما
بكمال الامتزاج. قوله: (فبثخانة) أي فالغلبة بثخانة الماء: أي بانتفاء رقته وجريانه على الأعضاء.
زيلعي. وأفاد في الفتح أن المناسب أن لا يذكر هذا القسم، لان الكلام في الماء وهذا قد زال عنه
اسم الماء كما أشار إليه كلام الهداية السابق. قوله: (ما لم يزل الاسم) أي فإذا زال الاسم لا يعتبر
في منع التطهر به الثخانة بل يضر وإن بقي على رقته وسيلانه، وهذا زاد في البحر على ما ذكره
الزيلعي. أقول: لكن ير عليه ما قدمناه عن الفتح. تأمل. قوله: (كنبيذ تمر) ومثله الزعفران إذا
خالط الماء وصار بحيث يصبغ به فليس بماء مطلق من غير نظر إلى الثخانة، وكذا إذا طرح فيه زاج
أو عفص وصار ينقش به لزوال اسم الماء عنه. أفاده في البحر، وسينبه عليه الشارح. قوله: (ولو
مائعا) عطف على قوله: فلو جامدا.
ثم المائع إما مباين لجميع الأوصاف: أعين الطعم واللون والريح كالخل، أو موافق في بعض
مباين في بعض، أو مماثل في الجميع وذكر تفصيله وأحكامه. قوله: (بتغير أكثرها) أي فالغلبة بتغير
أكثرها وهو وصفان، فلا يضر ظهور وصف واحد في الماء من أوصاف الخل مثلا. قوله: (كلبن)
فإنه موافق للماء في عدم الرائحة مباين له في الطعم واللون، وكماء البطيخ: أي بعض أنواعه، فإنه
موافق له في عدم اللون والرائحة مباين له في الطعم. هذا وفي حاشية الرملي على البحر أن
المشاهد في اللبن مخالفته للماء في الرائحة. قوله: (فبأحدها) أي فغلبته بتغير أحد الأوصاف
المذكورة كالطعم أو اللون في اللبن وكالطعم فقط في البطيخ فافهم. قوله: (كمستعمل) أي على
196

القول بطهارته، وكالماء الذي يؤخذ بالتقطير من لسان الثور وماء الورد المنقطع الرائحة. بحر.
قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يكن المطلق أكثر، بأن كان أقل أو مساويا لا يجوز. قوله: (وهذا) أي ما
ذكر من اعتبار الاجزاء في المستعمل يعم الملقى بالبناء للمفعول: أي ما كان مستعملا من خارج ثم
أخذوا ألقي في الماء المطلق وخلط به، والملاقي: أي والذي لاقى العضو من الماء المطلق القليل
بأن انغمس فيه محدث أو أدخل يده فيه.
مطلب في مسألة الوضوء من الفساقي
قوله: (ففي الفساقي) أي الحياض الصغار يجوز التوضؤ منها مع عدم جريانها، وهو تفريع على
ما ذكره من التعميم، ومن جملة الفساقي مغطس الحمام وبرك المساجد ونحوها مما لم يكن جاريا
ولم يبلغ عشرا في عشر، فعلى هذا القول يجوز فيها الاغتسال والوضوء ما لم يعلم أن الماء الذي
لاقى أعضاء المتطهرين سوى المطلق أو غلب عليه. قوله: (على ما حققه في البحر الخ) حيث
استدل على ذلك بإطلاقهم المفيد للعموم كما مر، وبقول البدائع: الماء القليل إنما يخرج من كونه
مطهرا باختلاط غير المطهر به إذا كان غير المطهر غالبا كماء الورد واللبن لا مغلوبا، وها هنا الماء
المستعمل ما يلاقي البدن، ولا شك أنه أقل من غير المستعمل فكيف يخرج به من أن يكون مطهرا.
ا ه‍. ونحوه في الحلية لابن أمير حاج.
وفي فتاوي الشيخ سراج الدين قاري الهداية التي جمعها تلميذه المحقق ابن الهمام سئل عن
فسقية صغيرة يتوضأ فيها الناس وينزل فيها الماء المستعمل وفي كل يوم ينزل فيها ماء جديد، هل
يجوز الوضوء فيها؟ أجاب: إذا لم يقع فيها غير الماء المذكور لا يضر ا ه‍: يعني وأما إذا وقعت
فيها نجاسة تنجست لصغرها. وقد استدل في البحر بعبارات أخر لا تدل له كما يظهر للمتأمل لأنها
في الملقى، والنزاع في الملاقي كما أوضحناه فيما علقناه عليه فلذا اقتصرنا على ما ذكرنا. قوله:
(فرق بينهما) أي بين الملقى والملاقي حيث قال: وما ذكر من أن الاستعمال بالجزء الذي يلاقي
جسده دون باقي الماء فيصير ذلك الجزء مستهلكا في كثير فهو مردود لسريان الاستعمال في الجميع
حكما، وليس كالغالب يصب القليل من الماء فيه ا ه‍.
وحاصله الرد على ما مر عن البدائع بأن المحدث إذا انغمس أو أدخل يده في الماء صار
مستعملا لجميع الماء حكما، وإن كان المستعمل حقيقة هو الملاقي للعضو فقط، بخلاف ما لو
ألقى فيه المستعمل القليل فإنه لا يحكم على الجميع بالاستعمال، لان المحدث لم يستعمل شيئا منه
حتى يدعي ذلك، وإنما المستعمل حقيقة وحكما هو ذلك الملقى فقط.
وملخصه: أن الملقى لا يصير به الماء مستعملا إلا بالغلبة، بخلاف الملاقي فإن الماء يصير
مستعملا كله بمجرد ملاقاة العضو له.
ورد ذلك في البحر بأنه لا معنى للفرق المذكور، لان الشيوع والاختلاط في الصورتين سواء،
بل لقائل أن يقول: إلقاء الغسالة من خارج أقوى تأثيرا من غيره لتعين المستعمل فيه ا ه‍. ولذلك
أمر الشارح بالتأمل.
197

واعلم أن هذه المسألة مما تحيرت فيها أفهام العلماء الأعلام ووقع فيها بينهم النزاع وشاع وذاع،
وألف فيها العلامة قاسم رسالة (رفع الاشتباه عن مسألة المياه) حقق فيها عدم الفرق بين الملقى
والملاقي: أي فلا يصير الماء مستعملا بمجرد الملاقاة، بل تعتبر الغلبة في الملاقي كما تعتبر في
الملقى، ووافقه بعض أهل عصره، وتعقبه غيرهم منهم تلميذه العلامة عبد البر بن الشحنة فرد عليه
برسالة سماها (زهر الروض في مسألة الحوض) وقال: لا تغتر بما ذكره شيخنا العلامة قاسم.
ورد عليه أيضا في شرحه على الوهبانية، واستدل بما فالخانية وغيرها: لو أدخل يده أو
رجله في الاناء للتبرد يصير الماء مستعملا لانعدام الضرورة، وبما في الاسرار للامام أبي زيد
الدبوسي حيث ذكر ما مر عن البدائع، ثم قال: إلا أن محمدا يقول: لما اغتسل في الماء القليل صار
الكل مستعملا حكما ا ه‍ ومن هنا نشأ الفرق السابق، وبه أفتى العلامة ابن الشلبي، وانتصر في
البحر للعلامة قاسم وألف رسالة سماها (الخير الباقي في الوضوء من الفساقي) وأجاب عما استدل
به ابن الشحنة بأنه مبنى على القول الضعيف بنجاسة الماء المستعمل، ومعلوم أن النجاسة ولو قليلة
تفسد الماء القليل، وأقره العلامة الباقاني والشيخ إسماعيل النابلسي وولده سيدي عبد الغني، وكذا
في النهر والمنح، وعلمت أيضا موافقته للمحقق ابن أمير حاج وقارئ الهداية، وإليه يميل كلام
العلامة نوح أفندي، ثم رأيت الشارح في الخزائن مال إلى ترجيحه وقال: إنه الذي حرره صاحب
البحر بعد اطلاعه على كتب المذهب ونقله عباراتها المضطربة ظاهرا، وعلى ما ألف في هذا
الخصوص من الرسائل وأقام على هذه الدعوى الصادقة البينة العادلة، وقد حررت في ذلك رسالة
حافلة كافلة بذلك متضمنة لتحقيق ما هنالك، وبلغني أن شيخنا الشيخ شرف الدين الغزي محشي
الأشباه مال إلى ذلك كذلك ا ه‍. ملخصا.
قلت: وفي ذلك توسعة عظيمة ولا سيما في زمن انقطاع المياه عن حياض المساجد وغيرها
في بلادنا، ولكن الاحتياط لا يخفى، فينبغي لمن يبتلي بذلك أن لا يغسل أعضاءه في ذلك الحوض
الصغير، بل يغترف منه ويغسل خارجه وإن وقعت الغسالة فيه ليكون من الملقى لا من الملاقي
الذي فيه النزاع، فإن هذا المقام فيه للمقال مجال، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال. قوله: (ويجوز)
أي يصح وإن لم يحل في نحو الماء المغصوب وهو أولى هنا من إرادة الحل وإن كان الغالب إرادة
الأول في العقود والثاني في الافعال، فافهم. قوله: (بما ذكر) أي في أقسام الماء المطلق. قوله:
(غير دموي) المراد ما لا دم له سائل، فما في القهستاني أن المعتبر عدم السيلان لا عدم أصله،
حتى لو وجد حيوان له دم جامد لا ينجس ا ه‍. أقول: وكذا دم القملة والبرغوث فإنه غير سائل،
وخرج الدموي سواء كان دمه من نفسه أو مكتسبا بالمص كالعلق فإنه يفسد الماء كما يأتي، والمراد
الدموي غير المائي بدليل ذكره المائي بعده. قوله: (كزنبور) بضم الزاي، وهو أنواع: منها النحل.
نهر. قوله: (أي بعوض) في البحر وغيره أنه كبار البعوض، لكن في القاموس: البقة: البعوضة،
ودويبة مفرطحة: أي عريضة حمراء منتنة. والظاهر أن الثاني هو المراد بقوله: وقيل بق الخشب
ويؤيده عبارة الحلية، وقد يسمى به الفسفس في بعض الجهات: وهو حيوان كالقراد شديد النتن.
وعبارة السراج: وقيل الكتان. وفي القاموس: الكتان دويبة حمراء لساعة ا ه‍. والظاهر أنه
198

الفسفس. قوله: (ومن يعلم الخ) أصل عبارة المجتبى: ومنه يعلم حكم القراد والحلم ا ه‍: أي
يعلم أن الأصح أنه مفسد. وقال في النهر: والترجيح في العلق ترجيح في البق، إذ الدم فيها مستعار
ا ه‍: أي مكتسب. فأدرج الشارح البق في عبارة المجتبى مع أنه بحث لصاحب النهر، وفيه نظر
للفرق الظاهر بين البق والعلق، لان دم العلق وإن كان مستعارا لكنه سائل ولذا ينقض الوضوء،
بخلاف دم البق فإنه لا ينقض كالذباب لعدم الدم المسفوح كما مر في محله، وقد علمت أن الدموي
المفسد ما له دم سائل، وعلى هذا ينبغي تقيد العلق والقراد هنا بالكبير، إذ الصغير لا ينقض
الوضوء كما مر، فينبغي أن لا يفسد الماء أيضا لعدم السيلان. قوله: (وعلق) كذا في أكثر النسح،
وفي بعضها: وحلم، وهي الصواب الموافقة لعبارة المجتبى: وهو جمع حلمة بالتحريك. وفي النهر
عن المحيط: الحلمة ثلاثة أنواع: قراد وحنانة (1) وحلم، فالقراد أصغر، والحنانة أوسطها، والحلمة
أكبرها ولها دم سائل ا ه‍. وذكر في القاموس أنها تطلق على الصغير وعلى الكبير من الأضداد،
وعلى دودة تقع في جلدة الشاة، فإذا دبغ وهي موضعها، قوله: (دود القز) أي الذي يتولد منه
الحرير. قوله: (وماؤه) يحتمل أن يكون المراد به ما يوجد فيما يهلك منه قبل إدراكه، وهو شبيه
باللبن، أو الذي يغلي فيه عند حله حريرا. وعندي أن المراد الأول لما في الصيرفية: لو وطئ دود
القز فأصاب ثوبه أكثر من قدر الدرهم تجوز صلاته معه ا ه‍. من شرح ابن الشحنة. قوله: (وبزره
أي بيضه الذي فيه الدود. قوله: (وخرؤه) لم يجزم بطهارته في الوهبانية، بل قال: وفي خرء دود
القز خلاف، ومثله في شرحها. قوله: (كدودة الخ) فإنها طاهرة ولو خرجت من الدبر، والنقض إنما
هو عليها لا لذاتها ط، وقدمنا قولا بنجاستها، وعلى الأول فإذا وقعت في الماء لا ينجس لكن
لو بعد غسلها كما قيد في البزازية، فما في القنية من أنه ينجس محمول على ما قبل الغسل. قوله:
(ومائي مولد) عطف على قوله غير دموي: أي ما يكون توالده ومثواه في الماء سواء كانت له نفس
سائلة أو لا في ظاهر الرواية. بحر عن السراج: أي لان ذلك ليس بدم حقيقة، وعرف في الخلاصة
المائي بما لو استخرج من الماء يموت لساعته، وإن كان يعيش فهو مائي وبري، فجعل بين المائي،
والبري قسما آخر وهو ما يكون مائيا وبريا، لكن لم يذكر له حكما على حدة. والصحيح أنه ملحق
بالمائي لعدم الدموية. شرح المنية.
أقول: والمراد بهذا القسم الآخر ما يكون توالده في الماء، لا يموت من ساعته لو أخرج منه
كالسرطان والضفدع، بخلاف ما يتولد في البر ويعيش في الماء كالبط والإوز كما يأتي. قوله: (ولو
كلب الماء وخنزيره) أي بالاجماعة خلاصة، وكأنه لم يعتبر القول الضعيف المحكي في المعراج.
أفاده في البحر. قوله: (كسمك). أي بسائر أنواعه ولو طافيا خلافا للطحاوي كما في النهر. قوله:
(وسرطان) بالتحريك، ومنافعه كثير بسطها في القاموس. قوله: (وضفدع) كزبرج وجعفر وجندب

(1) قوله: (وحنانة الخ) هكذا بالأصل وحاشية الطحاوي، وليس له وجود في القاموس ولا في الصحاح ولا في المصباح
ولا في حياة الحيوان، ولعله محرف عن الحمنانة بزيادة ميم ا ه‍. مصححه.
199

ودرهم، وهذا أقل أو مردود. قاموس. قوله: (فيفسد في الأصح) وعليه فما جزم به في الهداية من
عدم الافساد بالضفدع البري وصححه في السراج محمول على ما لا دم له سائل كما في البحر والنهر
عن الحلية. قوله: (كحية برية) أما المائية فلا تفسد مطلقا كما علم مما مر، وكالحية البرية الوزغة لو
كبيرة لها دم سائل. منية. قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يكن للضفدع البرية والحية البرية دم سائل فلا
يفسد. قوله: (ما ذكر) أي من مائي المولد وغير الدموي ط. قوله: (لحرمة لحمه) لأنه قد صارت
أجزاؤه في الماء فيكره الشرب تحريما كما في البحر. قوله: (القليل) أما الكثير فيأتي حكمه بعد.
قوله: (في الأصح)، أي من الروايتين، لان له نفسا سائلة، واتفقت الروايات على الافساد في غير
الماء، كذا في شرح الجامع لقاضيخان، فما في المجتبى من تصحيح عدم الافساد به غير ظاهر.
نهر. قوله: (كبط وإوز) فسر في القاموس كلا منهما بالآخر فهما مترادفان، والإوز بكسر ففتح وزاي
مشددة وقد تحذف الهمزة.
مطلب: حكم سائر المائعات كالماء في الأصح
قوله: (وحكم سائر المائعات الخ) فكل ما لا يفسد الماء لا يفسد غير الماء وهو الأصح.
محيط وتحفة. والأشبه بالفقه بدائع ا ه‍. بحر. وفيه من موضع آخر وسائر المائعات كالماء في القلة
والكثرة: يعني كل مقدار لو كان ماء تنجس، فإذا كان غيره ينجس ا ه‍. ومثله في الفتح. قوله:
(في عصير) أي في حوض فيه عصير ط. قوله: (لم يفسد) أي ما لم يظهر أثر النجاسة. قوله: (مع
العصير) أي والعصير يسيل ولم يظهر فيه أثر الدم كما في المنية عن المحيط. قوله: (لا ينجس) أي
ويحل شربه لأنه جعل في حكم الماء فتستهلك فيه النجاسة، بخلاف مسألة الضفدع المتقدمة. تأمل.
قوله: (خلافا لمحمد) أفاد أن هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وبه صرح في المنية. قوله: (وبتغير)
عطف على قوله بموت مائي المتعلق بقوله قبله وينجس، وقوله بنجس جار ومجرور متعلق بقوله
تغير، وقوله الكثير فاعل ينجس الذي تعلق به قوله بتغير، وقيد بالكثير إصلاحا لعبارة المتن لان
الكلام في القليل ولا يصح إرادته هنا، ويوجد في بعض النسخ: ينجس الكثير، بصيغة المضارع
وهو تحريف، وكأن المحشين لم تقع لهم نسخة صحيحة فاعترضوا على ما رأوا، فافهم. قوله:
(خلافا لمالك) فإن ما هو قليل عندنا لا ينجس عنده ما لم يتغير، والقليل عنده ما تغير، والكثير
بخلافه. وعند الشافعي: الكثير ما بلغ القلتين، والقليل ما دونه. وأما عندنا فسيأتي الفرق بينهما،
والأدلة مبسوطة في البحر. قوله: (لا لو تغير الخ) أي لا ينجس لو تغير فهو عطف على قوله
200

وينجس لا على (1) قوله بموت فتأمل ممعنا قوله: (فلو علم الخ) صرح به لزيادة التوضيح،
وإلا فهو داخل تحت قول المصنف وبتغير أحد أوصافه ينجس. قوله: (ولو شك الخ) أي ولا
يلزمه السؤال. بحر. وفيه عن المبتغى بالغين، وبرؤية آثار أقدام الوحوش عند الماء القليل لا يتوضأ
به، ولو مر سبع بالركية وغلب على ظنه شربه منها تنجس وإلا فلا ا ه‍. وينبغي حمل الأول على ما
إذا غلب على ظنه أن الوحوش شربت منه بدليل الفرع الثاني، وإلا فمجرد الشك لا يمنع لما في
الأصل أن يتوضأ من الحوض الذي يخاف قذرا ولا يتيقنه، وينبغي حمل التيقن المذكور على غلبة
الظن والخوف على الشك أو الوهم كما لا يخفى ا ه‍.
مطلب في أن التوضي من الحوض أفضل رغما للمعتزلة وبيان الجزء الذي لا يتجزأ
الجزء الذي لا يتجزأ: جوهر ذو وضع لا يقبل الانقسام أصلا لا بحسب الخارج ولا بحسب
الوهم، (أو الفرض العقلي، تتألف الأجسام من أفراده بانضمام بعضها إلى بعض ا ه‍. تعريفات
السيد ا. ه‍. منه.
قوله: (والتوضؤ من الحوض أفضل الخ) أي لان المعتزلة لا يجيزونه من الحياض فنرغمهم
بالوضوء منها، قال في الفتح: وهذا إنما يفيد الأفضلية لهذا العارض، ففي مكان لا يتحقق يكون
النهر أفضل ا. ه‍.
بقي الكلام في وجه منع المعتزلة ذلك، ففي المعراج: قيل مسألة الحوض بناء على الجزء
الذي لا يتجزأ، فإنه عند أهل السنة موجود في الخارج فتتصل أجزاء النجاسة إلى جزء لا يمكن
تجزئته فيكون باقي الحوض طاهرا. وعند المعتزلة والفلاسفة هو معدوم، فيكون كل الماء مجاورا
للنجاسة، فيكون الحوض نجسا عندهم، وفي هذا التقرير نظر ا ه‍.
أقول: وتوضيح ذلك أن الجزء الذي لا يتجزأ عبارة عن الجوهر الفرد الذي لا يقبل الانقسام
أصلا، وهو ما تتألف الأجسام من أفراده باضمام بعضها إلى بعض، وهو ثابت عند أهل السنة، فكل
جسم يتناهى بالانقسام إليه، فإذا وقعت في الحوض الكبير نجاسة وفرضنا انقسامها إلى أجزاء لا
تتجزأ، وقابلها من الماء الطاهر مثلها يبقى الزائد عليها طاهرا فلا يحكم على الماء كله بالنجاسة.
وعند الفلاسفة: هو معدوم، بمعنى أن كل جسم قابل لإنقسامات غير متناهية، فكل جزء من
النجاسة قابل للقسمة، وكذا الماء الطاهر فلا يوجد جزء من الطهارة إلا ويقابله جزء من النجاسة
لعدم تناهي القسمة، فتتصل أجزاء النجاسة بجميع أجزاء الماء الطاهر فيحكم عليه كله بأنه نجس،
ولعل وجه النظر في هذا التقرير أنه لو كانت المسألة مبنية على ذلك لزم أن لا يحكم بنجاسة ما دون
عشر في عشر أيضا إلا إذا غلبت النجاسة عليه أو ساوته لبقاء الزائد على الطهارة فلا يحكم على

(1) قوله: (فهو عطف على قوله وينجس لا على الخ) وجهه ان قوله بطول مكث متعلق بقوله تغير وتغير فعل، وبموت
الباء فيه متعلقة بقوله ينجس، فمعمول ينجس في الحقيقة هو موت المجرور توصل إليه الفعل بواسطة الباء عليه، ولا تدخل
الباء على غير الأسماء، اللهم الا ان يدعى عطفه على الباء ومجرورها ا ه‍. منه.
201

الكل بالنجاسة. وأيضا فالتعبير بالنجاسة مبني على خلاف المعتمد من طهارة الماء المستعمل.
على أن المشهور أن الخلاف في مسألة الجزء الذي لا يتجزأ بين المسلمين وحكماء
الفلاسفة، فنفاه الفلاسفة وبنوا عليه قدم العالم وعدم حشر الأجساد وغير ذلك من أنواع الالحاد،
وأثبته المسلمون لرد ذلك، لان مادة العالم إذا تناهت بالانقسام إليه يكون الجزء حادثا محتاجا إلى
موجد وهو الله تعالى كما بين ذلك في محله. وأما المعتزلة فلم يخالفوا أهل السنة في شئ من ذلك،
وإلا لكفروا قطعا مع أنهم من أهل قبلتنا ومقلدون في الفروع لمذهبنا، فالأولى ما قيل من بناء
المسألة على أن الماء يتنجس عندهم بالمجاورة. وعندنا لا بل بالسريان، وذلك يعلم بظهور أثرها
فيه، فما لم يظهر لا يحكم بالنجاسة بناء على أن المستعمل نجس، هذا ما ظهر لي في تقرير هذا
المحل، فاغتنمه فإنك لا تكاد تجده موضحا كذلك في غير هذا الكتاب، والله أعلم بالصواب.
قوله: (بماء) بالمد والتنوين. قوله: (خالطه طاهر جامد) أي بدون طبخ كما مر ويأتي. قوله:
(مطلقا) أي سواء كان المخالط من جنس الأرض كالتراب أو يقصد بخلطه التنظيف كالأشنان
والصابون أو يكون شيئا آخر كالزعفران عند الامام. منح. قوله: (كأشنان) بالضم والكسر. قاموس.
قوله: (لم يجز) لان اسم الماء زال عنه نظير النبيذ كما قدمناه. قوله: (وإن غير كل أوصافه) لان
المنقول عن الأساتذة أنهم كانوا يتوضؤون من الحياض التي تقع فيها الأوراق مع تغيير كل الأوصاف
من غير نكير. نهر عن النهاية. قوله: (في الأصح) مقابلة ما قيل إنه إن ظهر لون الأوراق في الكف
لا يتوضأ به لكن يشرب، والتقييد بالكف إشارة إلى كثرة التغير، لأن الماء قد يرى في محله متغيرا
لونه، لكن لو رفع منه شخص في كفه لا يراه متغيرا. تأمل. قوله: (لما مر) أي في قوله: فلو
جامدا فبثخانة ما لم يزل لاسم. قوله: (وقعت فيه نجاسة) يشمل المرئية كالجيفة، ويأتي قريبا
تمامه. قوله: (عرفا) تمييز أو منصوب بنزع الخافض: أي يعد من جهة العرف أو في العرف.
تأمل. قوله: (والأول أظهر) أي وأصح كما في البحر والنهر، لتعويله على العرف لجريانه على
قاعدة الامام من النظر إلى المبتلين ط. لكن استشكل بأنه لا يتعين أصلا لتعدده اختلافه بتعدد
العادين واختلافهم. قوله: (والثاني أشهر) لوقوعه في كثير من الكتب حتى المتون. وقال صدر
الشريعة وتبعه ابن الكمال: إنه الحد الذي ليس في دركه حرج، لكن قد علمت أن الأول أصح،
والعرف الآن أنه متى كان الماء داخلا من جانب وخارجا من جانب آخر يسمى جاريا وإن قل
الداخل وبه يظهر الحكم في برك المساجد ومغطس الحمام مع أنه لا يذهب بتبنه، والله أعلم.
مطلب: الأصح أنه لا يشترط في الجريان المدد
قوله: (في الأصح) نقل تصحيحه في البحر عن السراج الوهاج وعن شرح الهداية للسراج
الهندي، وقواه بعد ما نقل عن الفتح اختيار خلافه.
أقول: ويزيده قوه أيضا ما مر، من أنه لو سال دم، رجله مع العصير، لا ينجس خلافا لمحمد.
202

وفي الخزانة: إناءان ماء أحدهما طاهر والآخر نجس فصبا من مكان عال فاختلطا في الهواء ثم نزلا
طهر كله، ولو أجرى ماء الإناءين في الأرض صار بمنزلة ماء جار ا ه‍. ونحوه في الخلاصة.
ونظم المسألة المصنف في منظومته تحفة الاقران، وفي الذخيرة: لو أصابت الأرض نجاسة فصب
عليها الماء فجرى قدر ذراع طهرت الأرض، والماء طاهر بمنزلة الماء الجاري، ولو أصابها المطر
وجرى عليها طهرت، ولو كان قليلا لم يجز فلا. قوله: (فلو سد الخ) تفريع على الأصح وتأييد له.
واعلم أن هذه المسائل مبنية على القول بنجاسة الماء المستعمل، وكذا نظائرها كما صرح به
في الفتح والبحر والحلية وغيرها، فالتفريع صحيح، لأنه حينئذ من جنس وقوع النجاسة في الماء
الجاري، فافهم. قوله: (وكذا لو حفر نهرا الخ) أي وأجرى الماء في ذلك النهر وتوضأ به حال
جريانه فاجتمع الماء في مكان، فحفر رجل آخر نهرا من ذلك المكان وأجرى الماء فيه وتوضأ به
حال جريانه فاجتمع في مكان آخر ففعل ثالث، كذلك جاز وضوء الكل إذا كان بين المكانين مسافة
وإن قلت: ذكر في المحيط وغيره. وحد ذلك أن لا يسقط الماء المستعمل إلا في موضع جريان
الماء فيكون تابعا للجاري خارجا من حكم الاستعمال، وتمامه في شرح المنية. قوله: (وثم) الواو
داخلة على محذوف معطوف عليه بثم، فلم يدخل حرف العطف على مثله، أي وجاز توضؤه ثالثا ثم
رابعا وخامسا ثم سادسا والقصد التكثير ط قوله: (أي يعلم) فسره به ليشمل الطعم واللون أيضا
ا ه‍. ح. قوله: (أثره) الأولى أثرها: أي النجاسة، لكنه ذكر ضميرها لتأولها بالواقع، وفي شرح
هدية ابن العماد لسيدي عبد الغني: الظاهر المراد بهذه الأوصاف أوصاف النجاسة لا الشئ
المتنجس كماء الورد والخل مثلا، فلو صب في ماء جار يعتبر أثر النجاسة التي فيه لا أثره نفسه
لطاهرة المائع بالغسل إلى أن قال: ولم أر من نبه عليه، وهو مهم فاحفظه. قوله: (فلو فيه جيفة
الخ) أشار إلى ما قدمناه من شمول النجاسة المرئية وغيرها، فيعتبر ظهور الأثر في كل منهما. قوله:
(من أسفله) أي أسفل المكان الذي وقعت فيه الجيفة أو البول ط. قوله: (في الجرية) بالفتح اسم
للمرة من الجري: أي الدفعة الواحدة، وأما بالكسر فذكر في القاموس أنها مصدر، وهو غير مناسب
هنا، لان الأثر يظهر في العين لا في الحدث، فافهم. قوله: (ظاهره يعم الجيفة وغيرها) أي ظاهر
إطلاق المصنف النجاسة كغيره من المتون، وهذا يغني عنه ما قبله، فالأولى حذفه والاقتصار على
ما بعده. قوله: (وهو ما رجحه الكمال الخ) وأيده تلميذ العلامة ابن أمير حاج في الحلية، وكذا
أيده سيدي عبد الغني بما في عمدة المفتي من أن الماء الجاري يطهر بعضه بعضا، وبما في الفتح
وغيره من أن الماء النجس إذا دخل على ماء الحوض الكبير لا ينجسه ولو كان غالبا على ماء
الحوض. قال: فالجاري بالأولى، وتمامه في شرحه. قوله: (وقيل الخ) الأول قول أبي يوسف
203

وهذا قولهما كما في السراج، ومشى عليه في المنية وقواه شارحها الحلبي. وأجاب عما في الفتح
وفي البحر أنه الأوجه وهو المذكور في أكثر الكتب، وصححه صاحب الهداية في التجنيس للتيقن
بوجود النجاسة فيه، بخلاف غير المرئية لأنه إذا لم يظهر أثرها علم أن الماء ذهب بعينها، وأيده
العلامة نوح أفندي. واعترض على ما في النهر، وأطال الكلام وأوضح المرام.
والحاصل أنهما قولان مصححان ثانيهما أحوط كما قال الشارح. قال في المنية: وعلى هذا
ماء المطر إذا جرى في الميزاب وعلى السطح عذرت فالماء طاهر، وإن كانت العذرة عند الميزاب
أو كان الماء كله أو نصفه أو أكثره يلاقي العذرة فهو نجس وإلا فطاهر ا ه‍، وعلى ما رجحه
الكمال قال في الحلية: ينبغي أن لا يعتبر في مسألة السطح سوى تغير أحد الأوصاف ا ه‍.
أقول: وعلى هذا الخلاف ما في ديارنا من أنهار المساقط التي تجري بالنجاسات وترسب فيها
لكنها في النهار يظهر فيها أثر النجاسة وتتغير، ولا كلام في نجاستها حينئذ. وأما في الليل فإنه يزول
تغيرها فيجري فيها الخلاف المذكور لجريان الماء فيها فوق النجاسة. قال في خزانة الفتاوي: ولو
كان جميع بطن النهر نجسا، فإن كان الماء كثيرا لا يرى ما تحته فهو طاهر وإلا فلا. وفي الملتقط قال
بعض المشايخ: الماء طاهر وإن قل إذا كان جاريا ا ه‍.
تنبيه مهم في طرح الزبل في القساطل
قد اعتيد في بلادنا إلقاء زبل الدواب في مجاري الماء إلى البيوت لسد خلل تلك المجاري
المسماة بالقساطل، فيرسب فيها الزبل ويجري الماء فوقها فهو مثل مسألة الجيفة، وفي ذلك حرج
عظيم إذا قلنا بالنجاسة، والحرج مدفوع بالنص. وقد تعرض لهذه المسألة العلامة الشيخ عبد الرحمن
العمادي مفتي دمشق في كتابه هدية ابن العماد واستأنس لها ببعض فروع، وبالقاعدة المشهورة من أن
المشقة تجلب التيسير، وبما فرعوا عليها كما ذكره في الأشباه.
وقد أطال الكلام سيدي عبد الغني النابلسي في شرحه على هذه المسألة بما حاصله أنه إذا
رسب الزبل في القساطل ولم يظهر أثر فالماء طاهر، وإذا وصل إلى الحياض في البيوت متغيرا
ونزل في حوض صغير أو كبير فهو نجس وإن زال تغيره بنفسه، لأن الماء النجس لا يطهر بتغيره
بنفسه إلا إذا جرى بعد ذلك بماء صاف فإنه حينئذ يطهر، فإذا انقطع الجريان بعد ذلك، فإن كان
الحوض صغيرا والزبل راسب في أسفله تنجس، ما لم يصر الزبل حمأة وهي الطين الأسود فإنه إذا
جرى بعد ذلك بماء صاف ثم انقطع لا يتنجس، وهذا كله بناء على نجاسة الزبل عندنا. وعن زفر:
روث ما يؤكل لحمه طاهر. وفي المبتغى بالغين المعجمة: الأرواث كلها نجسة، إلا رواية عن محمد
أنها طاهرة للبلوى، وفي هذه الرواية توسعة لأرباب الدواب، فقلما يسلمون عن التلطخ بالأرواث
والاخثاء، فتحفظ هذه الرواية ا ه‍. كلام المبتغي. وإذا قلنا بذلك هنا لا يبعد، لان الضرورة داعية
إلى ذلك، كما أفتوا بقول محمد بطهارة الماء المستعمل للضرورة ونحو ذلك. وفي شرح العباب
لابن حجر بناء على قول الإمام الشافعي: إذا ضاق الامر اتسع: أنه لا يضر تغير أنهر الشام بما فيها
من الزبل ولو قليلة لأنه لا يمكن جريها المضطر إليه الناس إلا به ا ه‍. وظاهره أن المعفو عنه عنده
أثر الزبل لا عينه ا ه‍. ما في شرح الهداية ملخصا موضحا.
أقول: ولا يخفى أن الضرورة داعية إلى العوف عن العين أيضا، فإن كثيرا من المحلات البعيدة
204

عن الماء في بلادنا يكون ماؤها قليلا، وفي أغلب الأوقات يستصحب الماء عين والزبل يرسب في
أسفل الحياض، وكثير ما ينقض الحوض بالاستعمال منه أو ينقطع الماء عنه فلا يبقى جاريا ولا
سيما عند كري الأنهر انقطاع الماء بالكلية أياما، فإذا منعوا من الانتفاع بتلك الحياض لما فيها من
الزبل يلزمهم الحرج الشديد كما هو مشاهد، فاحتياجهم إلى التوسعة أشد من احتياج أرباب
الدواب. وقال في شرح المنية: المعلوم من قواعد أئمتنا التسهيل في مواضع الضرورة والبلوى
العامة كما في مسألة آبار الفلوات ونحوها ا ه‍: أي كالعفو عن نجاسة المعذور وعن طين الشارع
الغالب عليه النجاسة وغير ذلك، نعم في بعض الأوقات يزداد التغيير فينزل الماء إلى الحوض
أخضر وفيه عين الزبل فينجس الحوض لو صغيرا وإن كان جاريا لان جريانه بماء نجس ولا ضرورة
إلى الاستعمال منه في تلك الحالة فينتظر صفاؤه ثم يعفي عما في القساطل وما في أسفل الحوض،
لما علمت من الضرورة من أن المشقة تجلب التيسير، ومن أنه إذا ضاق الامر اتسع، والله تعالى
أعلم. قوله: (وألحقوا بالجاري حوض الحمام) أي في أنه لا ينجس إلا بظهور أثر النجاسة.
أقول: وكذا حوض غير الحمام لأنه في الظهيرية ذكر هذا الحكم في حوض أقل من عشر في
عشر، ثم قال: وكذلك حوض الحمام ا ه‍. فليحفظ قوله: (والغرف متدارك) جملة حالية: أي
متتابع، وتفسيره كما في البحر وغيره أن لا يسكن وجه الماء فيما بين الغرفتين. قوله: (ويخرج من
آخر) أي بنفسه أو بغيره لما في التاترخانية: لو كان يدخله الماء ولا يخرج منه لكن فيه إنسان يغتسل
ويخرج الماء باغتساله من الجانب الآخر متداركا لا ينجس ا ه‍.
مطلب: لو أدخل الماء من أعلى الحوض وخرج من أسفله فليس بجار
ثم إن كلامهم ظاهره أن الخروج من أعلاه، فلو كان يخرج من ثقب في أسفل الحوض لا يعد
جاريا، لان العبرة بوجه الماء بدليل اعتبارهم في الحوض الطول والعرض لا العمق، واعتبارهم
الكثرة والقلة في أعلاه فقط كما سيذكره الشارح.
وفي المنية: إذا كان الماء يجري ضعيفا ينبغي أن يتوضأ على الوقار حتى يمر عنه الماء
المستعمل، ولم أر المسألة صريحا، نعم رأيت في شرح سيدي عبد الغني في مسألة خزانة الحمام
التي أخبر أبو يوسف برؤية فأرة فيها قال: فيه إشارة إلى أن ماء الخزانة إذا كان يدخل من أعلاها
ويخرج من أنبوب في أسفلها فليس بجار ا ه‍. وفي شرح المنية: يظهر الحوض بمجرد ما يدخل
الماء من الأنبوب ويفيض من الحوض، هو المختار لعدم تيقن بقاء النجاسة فيه وصيرورته جاريا
ا ه‍. وظاهر التعليل الاكتفاء بالخروج من الأسفل لكنه خلاف قوله: ويفيض فتأمل وراجع (قوله
مطلقا) أي سواء كان أربعا في أربع أو أكثر. قيل أكثر يتنجس، لأن الماء المستعمل يستقر فيه إلا
أن يتوضأ في موضع الدخول أو الخروج كما في المنية.
وظاهر الاطلاق أيضا أنه إذا علم عدم خروج الماء المستعمل لضعف الجري لا يضر، وليس
كذلك لما في المنية عن الخانية. والأصح أن هذا التقرير غير لازم، فإن خرج الماء المستعمل من ساعته
لكثرة الماء وقوته يجوز وإلا فلا ا ه‍. وأقره الشارحان. وزاد في الحلية قوله: ولا شك أنه حسن،
لكن قال في التاترخانية بعد ما مر: وحكي عن الحلواني أنه قال: إن كان يتحرك الماء من جريانه يجوز.
205

وأجاب ركن الاسلام السعدي الجواز مطلقا لأنه ماء جار، والجاري يجوز التوضؤ به، وعليه
الفتوى ا ه‍. ثم هذا كما في الحلية مبني على نجاسة الماء المستعمل. وأما على الأصح المختار
فيجوز الوضوء ما لم يغلب على ظنه أن ما يغترفه أو نصفه فصاعدا ماء مستعمل ا ه‍. أقول: لكن
إذا وقع فيه نجاسة حقيقة كان التفريع على حاله. قوله: (وكعين الخ) يغني عنه الاطلاق السابق كما
أفاده قوله: (ينبع الماء منه) أي من العين، وذكر الضمير باعتبار المكان. قوله: (معزيا للتتمة)
فيه أن عبارة القهستاني كما في الزاهدي وغيره. قوله: (وكذا يجوز) أي رفع الحدث. قوله: (براكد)
الركود: السكون والثبات. قاموس. قوله: (أي وقع فيه نجس الخ) شمل ما لو كان النجس غالبا،
ولذا قال في الخلاصة: الماء النجس إذا دخل الحوض الكبير لا ينجس الحوض وإن كان الماء
النجس غالبا على ماء الحوض، لأنه كلما اتصل الماء بالحوض صار ماء الحوض غالبا عليه ا ه‍.
قوله: (لم ير أثره) أي من طعم أو لون أو ريح، وهذا القيد لابد منه وإن لم يذكر في كثير من
المسائل الآتية فلا تغفل عنه، وقدمنا أن المراد من الأثر أثر النجاسة نفسها دون ما خالطها كخل
ونحوه. قوله: (به يفتى) أي بعدم الفرق بين المرئية وغيرها، وعزاه في البحر إلى شرح المنية عن
النصاب، وأراد بشرح المنية الحلية لابن أمير حاج، وقد ذكر عبارة النصاب في مسألة الماء الجاري
لا هنا.
على أنه يشكل عليه ما في شرح المنية للحلبي عن الخلاصة أنه في المرئية ينجس موضع
الوقوع بالاجماع. وأما في غيرها، فقيل كذلك: وقيل لا ا ه‍. ومثله في الحلية، وكذا في البدائع،
لكن عبر بظاهر الرواية بدل الاجماع قال: ومعناه أن يترك من موضع النجاسة قدر الحوض الصغير ثم
يتوضأ ا ه‍. وقدره في الكفاية بأربعة أذرع في مثلها. وقيل يتحرى، فإن وقع تحريه أن النجاسة لم
تخلص إلى هذا الموضع توضأ منه قال في الحلية: قلت وهو الأصح ا ه‍. وكذا جزم في
الخانية بتنجس موضع المرئية بلا نقل خلاف، ثم نقل القولين في غير المرئية، وصحح في
المبسوط أولهما، وصحح في البدائع وغيرهما ثانيهما نعم. قال في الخزائن: والفتوى على عدم
التنجس مطلقا إلا بالتغير بلا فرق بين المرئية وغيرها لعموم البلوى، حتى قالوا: يجوز الوضوء من
موضع الاستنجاء قبل التحرك كما في المعراج عن المجتبى ا ه‍.
وقال في الفتح: وعن أبي يوسف أنه كالجاري لا يتنجس إلا بالتغير، وهو الذي ينبغي
تصحيحه، فينبغي عدم الفرق بين المرئية وغيرها، لان الدليل إنما يقتضي عند الكثرة عدم التنجس
إلا بالتغير من غير فصل ا ه‍.
فقد ظهر أن ما ذكره الشارح مبني على ظاهر هذه الرواية عن أبي يوسف حيث جعله
كالجاري وقدمنا عنه أنه اعتبر في الجاري ظهور الأثر مطلقا، وأنه ظاهر المتون، وكذا قال في
الكنز هنا، وهو كالجاري، ومثله في الملتقى. وظاهر اختيار هذه الرواية، فلذا اختارها في الفتح
واستحسنها في الحلية لموافقتها لما مر عنه في الجاري. قال: ويشهد له ما في سنن ابن ماجة عن
206

جابر رضي الله عنه قال: انتهيت إلى غدير فإذا فيه حمار ميت، فكففنا عنه حتى انتهى إلينا
رسول الله (ص)، فقال: إن الماء لا ينجسه شئ فاستقينا وأروينا وحملنا ا ه‍. وهذا وارد على نقل
الاجماع السابق، والله أعلم. قوله: (في مقدار الراكد) يغني عنه قول المصنف فيه المتعلق بالمعتبر،
فالأولى ذكره بعد تفسير المرجع الضمير. قوله: (أكبر رأي المبتلى به) أي غلبة ظنه لأنها في حكم
اليقين، والأولى حذف أكبر ليظهر التفصيل بعده ط. قوله: (وإلا لا) صادق بما إذا غلب على ظنه
الخلوص أو اشتبه عليه الأمران، لكن الثاني غير مراد، لما في التاترخانية: وإذا اشتبه الخلوص فهو
كما إذا لم يخلص ا ه‍. فافهم. قوله: (وإليه رجع محمد) أي بعد ما قال بتقديره بعشر في عشر، ثم
قال: لا أوقت شيئا كما نقله الأئمة الثقات عنه. بحر. قوله: (وهو الأصح) زاد في الفتح وهو الأليق
بأصل أبي حنيفة: أعني عدم التحكم بتقدير فيما لم يرد فيه تقدير شرعي، والتفويض فيه إلى رأي
المبتلى، بناء على عدم صحة ثبوت تقديره شرعا ا ه‍. وأما تقديره بالقلتين كما قاله الشافعي
فحديثه غير ثابت كما قاله ابن المديني، وضعفه الحافظ ابن عبد البر وغيره، وأطال الكلام عليه في
الفتح والبحر وغيرهما من المطولات. قوله: (وحقق في البحر أنه المذهب) أي المروي عن أئمتنا
الثلاثة وأكثر من النقول الصريحة في ذلك: أي في أن ظاهر الرواية عن أئمتنا الثلاثة تفويض
الخلوص إلى رأي المبتلى به بلا تقدير بشئ، قال: وعلى تقدير عدم رجوع محمد عن تقديره بعشر
في عشر لا يستلزم تقديره إلا في نظره، وهو لا يلزم غيره لأنه لما وجب كونه ما استكثره المبتلى
فاستكثار واحد لا يلزم غيره، بل يختلف باختلاف ما يقع في قلب كل، وليس هذا من الصور التي
يجب فيها على العامي تقليد المجتهد. ذكره الكمال ا ه‍.
أقول: لكن ذكر في الهداية وغيرها أن الغدير العظيم ما لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف
الآخر. وفي المعراج أنه ظاهر المذهب، وفي الزيلعي: قيل يعتبر بالتحريك، وقيل بالمساحة، وظاهر
المذهب الأول، وهو قول المتقدمين حتى قال في البدائع والمحيط: اتفقت الرواية عن أصحابنا
المتقدمين أنه يعتبر بالتحريك، وهو أن يرتفع وينخفض من ساعته لا بعد المكث، ولا يعتبر أصل
الحركة. وفي التاترخانية أنه المروي عن أئمتنا الثلاثة في الكتب المشهورة ا ه‍. وهل المعتبر حركة
الغسل أو الوضوء أو اليد؟ روايات: ثانيها أصح لأنه الوسط كما في المحيط والحاوي القدسي،
وتمامه في الحلية وغيرها. ولا يخفى عليك أن اعتبار الخلوص بغلبة الظن بلا تقدير بشئ مخالف في
الظاهر لاعتباره بالتحريك، لان غلبة الظن أمر باطني يختلف باختلاف الظانين، وتحرك الطرف الآخر أمر
حسي مشاهد لا يختلف، مع أن كلا منهما منقول عن الثلاثة في ظاهر الرواية، ولم أر من تكلم على
ذلك، ويظهر لي التوفيق بأن المراد غلبة الظن بأنه لو حرك لوصل إلى الجانب الآخر إذا لم يوجد
التحريك بالفعل فليتأمل. قوله: (ورد الخ) حاصله أن صدر الشريعة بنى تقديره بالعشر على أصل وهو
قوله (ص): من حفر بئرا فله حولها أربعون ذراعا فيكون له حريمها من كل جانب عشرة، فيمنع غيره
من حفر بئر في حريمها لئلا ينجذب الماء إليها وينقص ماء الأولى، ويمنع أيضا من حفر بالوعة فيه
207

لئلا تسري النجاسة إلى البئر، ولا يمنع فيما وراء الحريم وهو عشر في عشر. قال: فعلم أن الشرع
اعتبر العشر في العشر في عدم سراية النجاسة. ورده في البحر بأن الصحيح في الحريم أنه أربعون من
كل جانب، وبأن قوام الأرض أضعاف قوام الماء، فقياسه عليها في عدم السراية غير مستقيم وبأن
المختار المعتمد في البعد بين البئر والبالوعة نفوذ النجاسة، وهو يختلف بصلابة الأرض ورخاوتها.
قوله: (لكن في النهي الخ) قد تعرض لهذا في البحر أيضا، ثم رده بأنه إنما صح من المذهب لا بفتوى
المشايخ، والوجه مع صاحب البحر. وإذا اطلعت على كلامهما جزمت بذلك. أفاده ط.
أقول: وهو الذي حط عليه كلام المحقق ابن الهمام وتلميذه العلامة ابن أمير حاج، لكن ذكر
بعض المحشين عن شيخ الاسلام العلامة سعد الدين الديري في رسالته (القول الراقي في حكم ماء
الفساقي) أنه حقق فيها ما اختاره أصحاب المتون من اعتبار العشر، ورد فيها على من قال بخلافه ردا
بليغا، وأورد نحو مائة نقل ناطقة بالصواب إلى أن قال شعر:
وإذا كنت في المدارك غر * اثم أبصرت حاذقا لا تماري
وإذا لم تر الهلال فسلم * لأناس رأوه بالابصار
لا يخفى أن المتأخرين الذي أفتوا بالعشر كصاحب الهداية وقاضيخان وغيرهما من أهل الترجيح
هم أعلم بالمذهب منا فعلينا اتباعهم، ويؤيده ما قدمه الشارح في رسم المفتي، وأما نحن فعلينا
اتباع ما رجحوه وما صححوه، كما لو أفتونا في حياتهم. قوله: (أي في المربع الخ) أشار إلى أن
المراد من اعتبار العشر في العشر ما يكون وجهه مائة ذراع سواء كان مربعا، وهو ما يكون كل جانب
من جوانبه عشرة وحول الماء أربعون ووجهه مائة، أو كان مدورا أو مثلثا، فإن كلا من المدور
والمثلث إذا كان على الوصف الذي ذكره الشارح يكون وجهه مائة، وإذا ربع يكون عشرا في عشر،
فافهم. قوله: (وفي المدور بستة وثلاثين) أي بأن يكون دوره ستة وثلاثين ذراعا وقطره (1) أحد عشر
ذراعا وخمس ذراع، ومساحته أن تضرب نصف القطر وهو خمسة ونصف وعشر في نصف الدور وهو
ثمانية عشر يكون مائة ذراع وأربعة أخماس ذراع ا ه‍. سراج، وما ذكره هو أحد أقوال خمسة. وفي
الدرر عن الظهيرية هو الصحيح، وهو مبرهن عليه عند الحساب. وللعلامة الشرنبلالي رسالة
سماها (الزهر النضير على الحوض المستدير) أوضح فيها البرهان المذكور مع رد بقية الأقوال،
ولخص ذلك في حاشيته على الدرر. قوله: (وربعا وخمسا) في بعض النسخ أو خمسا بأو لا بالواو،
وهي الأصوب بناء على الاختلاف في التعبير، فبعضهم كنوح أفندي عبر بالربع وبعضهم

(1) قوله: (وقطره الخ) القطر: هو الخط المار على المركز حتى ينتهي إلى
جانبي المحيط ونصفه هو هذا القاطع لنصفه بالمشاهدة بهذه الصورة.
208

كالشرنبلالي في رسالته عبر بالخمس، وهو الذي مشى عليه في السراج حيث قال: فإن كان مثلثا
فإنه يعتبر أن يكون كل جانب منه خمسة عشر ذراعا وخمس ذراع حتى تبلغ مساحته مائة ذراع، بأن
تضرب أحد جوانبه في نفسه، فما صح أخذت ثلثه وعشره فهو مساحته.
بيانه أن تضرب خمسة عشر وخمسا في نفسه بكون مائتين وإحدى وثلاثين وجزءا من خمسة
وعشرين جزءا من ذراع، فثلثه على التقريب سبعة وسبعون ذراعا، وعشرة على التقريب ثلاثة
وعشرون فذلك مائة ذراع وشئ قليل لا يبلغ عشر ذراع ا ه‍.
أقول: وعلى التعبير بالربع يبلغ الشئ القليل نحو ربع ذراع. فالتعبير بالخمس أولى كما
لا يخفى فكان ينبغي للشارح الاقتصار عليه، فافهم. قوله: (بذراع الكرباس) بالكسر: أي ثياب
القطن، ويأتي مقداره.
تنبيه: لم يذكر مقدار العمق إشارة إلى أنه لا تقدير فيه في ظاهر الرواية وهو الصحيح بدائع،
وصح في الهداية أن يكون بحال لا ينحسر بالاغتراف: أي لا ينكشف، وعليه الفتوى. معراج. وفي
البحر: الأول أوجه لما عرف من أصل أبي حنيفة ا ه‍. وقيل أربع أصابع مفتوحة، وقيل ما بلغ
الكعب، وقيل شبر، وقيل ذراع، وقيل ذراعان. قهستاني. قوله: (لكنه يبلغ الخ) كأن يكون طوله
خمسين وعرضه ذراعين مثلا، فإنه لو ربع صار عشرا في عشر. قوله: (جاز تيسيرا) أي جاز الوضوء
منه بناء على نجاسة الماء، المستعمل، أو المراد جاز وإن وقعت فيه نجاسة، وهذا أحد قولين، وهو
المختار كما في الدرر عن عيون المذاهب والظهيرية، وصححه في المحيط والاختيار وغيرهما،
واختار في الفتح القول الآخر وصححه تلميذه الشيخ قاسم، لان مدار الكثرة على عدم خلوص
النجاسة إلى الجانب الآخر، ولا شك في غلبة الخلوص من جهة العرض، ومثله لو كان له عمق بلا
سعة: أي بلا عرض ولا طول، لان الاستعمال من السطح لا من العمق. وأجاب في البحر بأن هذا
وإن كان الأوجه، إلا أنهم وسعوا الامر على الناس وقالوا بالضم كما أشار إليه في التنجيس بقوله:
تيسيرا على المسلمين ا ه‍. وعلله بعضهم بأن اعتبار الطول لا ينجسه واعتبار العرض ينجسه،
فيبقى طاهرا على أصله للشك في تنجسه، وتمامه في حاشية نوح أفندي، وبه فارق ماله عمق بلا
سعة، قوله: (حتى يبلغ الأقل) أي وإذا بلغ الأقل فوقعت فيه نجاسة كما في المنية، وتشمل النجاسة
الماء المستعمل على القول بنجاسته، ولذا قال في البحر: وإن نقص حتى صار أقل من عشرة في
عشرة لا يتوضأ فيه، ولكن يغترف منه ويتوضأ ا ه‍.
أما على القول بطهارته فهي مسألة التوضؤ في الفساقي، وفيها الكلام المار فافهم، ثم لو امتلأ
بعد وقوع النجاسة بقي نجسا، وقيل لا - منية. ووجه الثاني غير ظاهر. حلية.
قال في شرح المنية: فالحاصل أن الماء إذا تنجس حال قلته لا يعود طاهرا بالكثرة، وإن كان
كثيرا قبل اتصاله بالنجاسة لا ينجس بها، ولو نقص بعد سقوطها فيه حتى صار قليلا فالمعتبر قلته
وكثرته وقت اتصاله بالنجاسة، سواء وردت عليه أو ورد عليها، هذا هو المختار ا ه‍. وقوله: أو
ورد عليها، يسير إلى ما اختاره في الخلاصة والخانية من أن الماء إن دخل من مكان نجس أو اتصل
بالنجاسة شيئا فشيئا فهو نجس وإن دخل من مكان طاهر و اجتمع حتى صار عشرا في عشر ثم اتصل
209

بالنجاسة لا ينجس. قوله: (ولو بعكسه) بأن كان أعلاه لا يبلغ عشرا في عشر وأسفله يبلغها. قوله:
(حتى يبلغ العشر) فإذا بلغها جاز وإن كان ما في أعلاه أكثره مما في أسفله: أي مقدارا لا مساحه.
وفي البحر عن السراج الهندي أنه الأشبه ا ه‍.
أقول: وكأنهم لم يعتبروا حالة الوقوع هنا، لان ما في الأسفل في حكم حوض آخر بسبب
كثرته مساحته، وأنه لو وقعت فيه النجاسة ابتداء لم تضره بخلاف المسألة الأولى، تدبر.
وهذه يلغز فيها فيقال: ماء كثير وقعت فيه نجاسة تنجس ثم إذا قل طهر. بقي ما لو وقعت فيه
النجاسة ثم نقص في المسألة الأولى أو امتلأ في الثانية، قال ح: لم أجد حكمه. وأقول: هذا
عجيب، فإنه حيث حكمنا بطهارته ولم يعرض له ما ينجسه هل يتوهم نجاسته!؟ نعم لو كانت
النجاسة مرئية وكانت باقية فيه أو امتلأ قبل جفاف أعلى الحوض تنجس. أما إذا كانت غير مرئية أو
مرئية وأخرجت منه أو امتلأ بعد ما حكم بطهارة جوانب أعلاه بالجفاف فلا، إذ لا مقتضى للنجاسة،
هذا ما ظهر لي. قوله: (ولو جمد ماؤه) أي ماء الحوض الكبير: أي وجه الماء منه. قوله: (فثقب)
أي ولم تبلغ مساحة الثقب عشرا في عشر. قوله: (منفصلا عن الجمد) أي متسفلا عنه غير متصل به
بحيث لو حرك تحرك. قوله: (وإن متصلا لا) أي لا يجوز الوضوء منه، وهو قول نصير والاسكاف.
وقال ابن المبارك وأبو حفص الكبير: لا بأس به، وهذا أوسع، والأول أحوط. وقالوا: إذا حرك
موضع الثقب تحريكا بالغا يعلم عنده أن ما كان راكدا ذهب. وهذا ماء جديد يجوز بلا خلاف ا ه‍.
بدائع. وفي الخانية: إن حرك الماء عند إدخال كل عضو مرة جاز ا ه‍. والظاهر أن القول الأول
هو الأشبه كما مر عن السراج الهندي، ثم رأيته في المنية صرح بأن الفتوى عليه. وفي الحلية أن
هذا مبني على نجاسة الماء المستعمل. قوله: (تنجس) أي موضع الثقب دون المستفل، فلو ثقب
في موضع آخر وأخذ الماء منه وتوضأ جاز كما في التاترخانية. قوله: (لا لو وقع فيه الخ) أي لا
ينجس موضع الثقب، لان الموت يحصل غالبا بعد التسفل ولا ما تحته لكثرته، لكن في تصوير
المسألة بوقوع الكلب نظر لتنجس الثقب بملاقاة الماء لفمه وأنفه ولذا صورها في المنية بوقوع
الشاة.
وفي شرحها: إذا علم أن الموت حصل في الثقب قبل التسفل منه، أو كان الحيوان الواقع
متنجسا يتنجس ما في الثقب.
مطلب: يطهر الحوض بمجرد الجريان
قوله: (بمجرد جريانه) أي بأن يدخل من جانب ويخرج من آخر حال دخوله وإن قل الخارج.
بحر. قال ابن الشحنة: لأنه صار جاريا حقيقة، وبخروج بعضه رفع الشك في بقاء النجاسة فلا تبقى
مع الشك ا ه‍. وقيل لا يطهر حتى يخرج قدر ما فيه، وقيل ثلاثة أمثاله. بحر، فلو خرج بلا دخول
كأن ثقب منه ثقب فليس بجار، ولا يلزم أن يكون الحوض ممتلئا في أول وقت الدخول، لأنه إذا
كان ناقضا فدخله الماء حتى امتلأ وخرج بعضه طهر أيضا كما لو كان ابتداء ممتلئا ماء نجسا كما
حققه في الحلية، وذكر فيها أن الخارج من الحوض نجس قبل الحكم عليه بالطهارة ا ه‍.
210

أقول: هو ظاهر على القولين الأخيرين، لأنه قبل خروج المثل أو ثلاثة الأمثال لم يحكم بطهارة
الحوض فيظهر كون الخارج نجسا. وأما على القول المختار فقد حكم بالطهارة بمجرد الخروج فيكون
الخارج طاهرا. تأمل. ثم رأيته في الظهيرية ونصه: والصحيح أنه يطهر وإن لم يخرج مثل ما فيه، وإن
رفع إنسان من ذلك الماء الذي خرج وتوضأ به جازا ا ه‍. فلله الحمد. لكن في الظهيرية أيضا:
حوض نجس امتلأ ماء وفار ماؤه على جوانبه وجف جوانبه لا يطهر، وقيل يطهر ا ه‍. وفيها: ولو
امتلأ فتشرب الماء في جوانبه لا يطهر ما لم يخرج الماء من جانب آخر ا ه‍. وفي الخلاصة: المختار
أنه يطهر إن لم يخرج مثل ما فيه، فلو امتلأ الحوض وخرج من جانب الشط على وجه الجريان حتى
بلغ الشجرة يطهر، أما قدر ذراع أو ذراعين فلا ا ه‍. فليتأمل. قوله: (وكذا البئر وحوض الحمام) أي
يطهران من النجاسة بمجرد الجريان، وكذا ما في حكمه من العرف المتدارك كما مر.
مطلب في إلحاق نحو القصعة بالحوض
تنبيه: هل يلحق نحو القصعة بالحوض؟ فإذا كان فيها ماء نجس ثم دخل فيها ماء جار حتى
طف من جوانبها هل تطهر هي والماء الذي فيها كالحوض أم لا لعدم الضرورة في غسلها؟ توقفت
فيه مدة، ثم رأيت في خزانة الفتاوي: إذ فسد ماء الحوض فأخذ منه بالقصعة وأمسكها تحت
الأنبوب فدخل الماء وسال ماء القصعة فتوضأ به لا يجوز ا ه‍.
وفي الظهيرية في مسألة الحوض: لو خرج من جانب آخر لا يطهر ما لم يخرج مثل ما فيه ثلاث
مرات كالقصعة عند بعضهم. والصحيح أنه يطهر وإن لم يخرج مثل ما فيه اه‍. فالظاهر أن ما في
الخزانة مبني على خلاف الصحيح، يؤيده ما في البدائع بعد حكايته الأقوال الثلاثة في جريان الحوض
حيث قال ما نصه: وعلى هذا حوض الحمام أو الأواني إذا تنجس ا ه‍. ومقتضاه أن على القول
الصحيح تطهر الأواني أيضا بمجرد الجريان، وقد علل في البدائع هذا القول بأنه صار ماء جاريا ولم
نستيقن ببقاء النجاسة فيه، فاتضح الحكم ولله الحمد. وبقي شئ آخر (1) سئلت عنه، وهو أن دلوا
تنجس فأفرغ فيه رجل ماء حتى امتلأ وسال من جوانبه، هل يطهر بمجرد ذلك أم لا؟ والذي يظهر لي
الطهارة، أخذا مما ذكرناه هنا ومما مر من أنه لا يشترط أن يكون الجريان بمدد، وما يقال: إنه لا يعد في
العرف جاريا، ممنوع لما مر من أنه لو سال دم رجله مع العصير لا ينجس، وكذا ما ذكره الشارح بعده
من أنه لو حفر نهرا من حوض صغير أو صب الماء في طرف الميزاب الخ، وكذا ما ذكرناه هناك عن
الخزانة والذخيرة من المسائل، فكل هذا اعتبروه جاريا، فكذا هنا. وأخبرني شيخنا حفظه الله تعالى
أن بعض أهل عصره في حلب أفتى بذلك حتى في المائعات وأنهم أنكروا عليه ذلك.
وأقول: مسألة العصير تشهد لما أفتى به، وقد مر أن حكم سائر المائعات كالماء في الأصح.
فالحاصل أن ذلك له شواهد كثيرة، فمن أنكره وادعى خلافه يحتاج إلى إثبات مدعاه بنقل صريح لا
بمجرد أنه لو كان ذلك لذكروه في تطهير المائعات كالزيت ونحوه.

(1) قوله: (وبقي شئ الخ) أقول: ورأيت بعد كتابتي لهذا المحل في حاشية الأشباه والنظائر في آخر الفن الأول للعلامة
الكفيري التي تلقاها عن شيخنا الشيخ إسماعيل الحائك مفتي دمشق ما نصه: مسألة إذا كان في الكوز ماء متنجس
فصب عليه ماء طاهر حتى جرى الماء من الأنبوب بحيث يعد جريانا ولم يتغير الماء فإنه يحكم بطهارته ا ه‍. منه.
211

إلى أني رأيت بعد ذلك في القهستاني أول فصل النجاسات ما يدل عليه، حيث ذكر أن المائع
كالماء والدبس وغيرهما طهارته إما بإجرائه مع جنسه مختلطا به كما روي عن محمد كما في التمرتاشي،
وإما بالخلط مع الماء كما إذا جعل الدهن في الخانية ثم صب فيه ماء مثله وحرك ثم ترك حتى يعلو
وثقب أسفلها حتى يخرج الماء هكذا يفعل ثلاثا فإنه يطهر كما في الزاهدي الخ. فهذا صريح بأنه يطهر
بالاجراء نظير ما قدمناه عن الخزانة وغيرها، من أنه لو أجرى ماء إناءين أحدهما نجس في الأرض أو
صبهما من علو فاختلطا طهرا بمنزلة ماء جار، نعم على ما قدمناه عن الخلاصة من تخصيص الجريان
بأن يكون أكثر من ذراع أو ذراعين يتقيد بذلك هنا، لكنه مخالف لاطلاقهم من طهارة الحوض بمجرد
الجريان، هذا ما ظهر لفكري السقيم * (وفوق كل ذي علم عليم) * (يوسف: 67)
. مطلب في مقدار الذراع وتعيينه
قوله: (والمختار ذراع الكرباس) وفي الهداية أن عليه الفتوى، واختاره في الدرر والظهيرية
والخلاصة، والخزانة. قال في البحر: وفي الخانية وغيرها: ذراع المساحة وهو سبع قبضات فوق كل قبضة
أصبع قائمة. وفي المحيط والكافي أنه يعتبر في كل زمان ومكان ذراعهم. قال في النهر: وهو الأنسب.
قلت: لكن رده في شرح المنية بأن المقصود من هذا التقدير غلبة الظن بعدم خلوص النجاسة.
وذلك لا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة. قوله: (وهو سبع قبضات فقط) أي بلا أصبع قائمة،
وهذا ما في الولوالجية. وفي البحر: أن في كثير من الكتب أنه ست قبضات ليس فوق، كل قبضة
أصبع قائمة فهو أربع وعشرون أصبعا بعد حروف لا إله إلا الله محمد رسول الله والمراد بالإصبع
القائمة ارتفاع الابهام كما في (غاية البيان) ا ه‍. والمراد بالقبضة أربع أصابع مضمومة. نوح. أقول:
وهو قريب من ذراع اليد، لأنه ست قبضات وشئ، وذلك شبران. قوله: (فيكون ثمانيا في ثمان)
كأنه نقل ذلك عن القهستاني ولم يمتحنه، وصوابه: فيكون عشرا في ثمان.
وبيان ذلك أن القبضة أربع أصابع، وإذا كان ذراع زمانهم ثمان قبضات أصابع يكون
خمسا وثلاثين أصبعا، وإذا ضربت العشر في ثمان بذلك الذراع تبلغ ثمانين فاضربها في خمس وثلاثين
تبلغ ألفين وثمانمائة أصبع، وهي مقدار عشر في عشر بذراع الكرباس المقدر بسبع قبضات، لان
الذراع حينئذ ثمانية وعشرون أصبعا، والعشر في عشر بمائة، فإذا ضربت ثمانية وعشرين في مائة
تبلغ ذلك المقدار.
وأما على ما قاله الشارح فلا تبلغ ذلك، لأنك إذا ضربت ثمانيا في ثمان تبلغ أربعا وستين،
فإذا ضربتها في خمس وثلاثين تبلغ ألفين ومائتين وأربعين أصبعا وذلك ثمانون ذراعا بذراع الكرباس
والمطلوب مائة، فالصواب ما قلناه، فافهم. قوله: (ولو حكما الخ) تكرار مع قوله: ولو له طول
لا عرض الخ ط. قوله: (عمقها) بالفتح وبالضم وبضمتين قعر البئر ونحوها. قاموس. قوله: (في
الأصح) ذكره في المجتبى والتمرتاشي والايضاح والمبتغي، وعزاه في القنية إلى شرح صدر القضاة
وجمع التفاريق، وهو متوغل في الأغراب، مخالف لما أطلقه جمهور الأصحاب كما في شرح
212

الوهبانية. قوله: (وحينئذ) أي إذا اعتبر العمق بلا سعة. قوله: (بقدر العشر) أي بقدر المربع الذي
هو عشر في عشر. قوله: (وحينئذ) الأولى حذفه لاغناء ما قبله عنه. قوله: (فعمق الخ) حاصله أنه
إذا كان غدير عشر في عشر عمقه خمس أصابع تقريبا كان ماؤه ثلاثة آلاف الخ، وقدمنا الأقوال في
مقدار العمق، وليس فيها قول بتقديره بخمس أصابع. قوله: (وثلاثمائة) في بعض النسخ وثمانمائة،
والموافق لما في القهتساني الأول. قوله: (منا) قال في القاموس: المن كيل أو ميزان أو رطلان
كالمنا: جمعه أمنان وجمع المنا أمناء، والرطل بالفتح والكسر: اثنتا عشرة أوقية، والأوقية أربعون
درهما. قوله: (فعمق خمس أصابع الخ) الأولى اعتباره بالأربع لأنه المنقول كما قدمناه عن
القهستاني، ولأنه أسهل، وعليه فيبلغ في المربع ما طوله وعرضه وعمقه ذراعان ونصف ذراع
وأصبع وثلث أصبع، وفي المثلث ما طوله وعرضه ثلاثة أذرع وخمسة أسداد ذراع، وعمقه ذراعان
ونصف ذراع وأصبع وثلث أصبع، وفي المدور ما قطره وعمق ذراعان وإحدى وعشرون أصبعا
وخمسة أسداد أصبع. ووزن ذلك الماء بالقلل سبعة عشر قلة وثلث خمس قلة، والقلة مائتان وخمسون
رطلا بالعراقي، كل رطل مائة وثمانية وعشرون درهما وأربع أسباع درهم، وجملة ذلك بالرطل
الشامي في زماننا سبعمائة رطل وأحد وستون رطلا وعشر أواق وأحد وخمسون درهما وثلاثة أسباع
درهم، كل رطل سبعمائة درهم وعشرون درهما. قوله: (زال طبعه) أي وصفه الذي خلقه الله تعالى
عليه ط قوله: (والانبات) اقتصر الواني عليه لاستلزامه الارواء دون العكس، فإن الأشربة تروي ولا
تنتب، والماء الملح طبعه الانبات لا أنه عدم منه لعارض كالماء الحار ط قوله: (بسبب طبخ) أي
بغيره، فمجرد تسخين الماء بدون خلط لا يسمى طبخا. ط عن أبي السعود: أي لان الطبخ هو
الانضاج استواء. قاموس. قوله: (وماء باقلاء) أي فول، وهو مخفف مع المد ومشدد ويخفف مع
القصر كما في القاموس، ورسم الأول بالألف والثاني بالياء. قوله: (إن بقي رقته) أما لو صار
كالسوي المخلوط فلا لزوال اسم الماء عنه كما قدمناه عن الهداية.
مبحث الماء المستعمل
قوله: (أو بما استعمل الخ) اعلم أن الكلام في الماء المستعمل يقع في أربعة مواضع: الأول
في سببه، وقد أشار إليه بقوله: لقربة أو رفع حدث. الثاني في وقت ثبوته، وقد أشار إليه بقوله:
إذا استقر في مكان. الثالث في صفته: وقد بينها بقوله: طاهر. الرابع في حكمه، وقد بينه:
بقوله لا مطهر ا ه‍. بحر.
مطلب في تفسير القربة والثواب
قوله: (أي ثواب) قدمنا في سنن الوضوء أن القربة فعل ما يثاب عليه بعد معرفة من يتقرب
213

إليه به وإن لم يتوقف على نية كالوقف والعتق. وفي البحر عن شرح النقاية أنها ما تعلق به حكم
شرعي وهو استحقاق الثواب ا ه‍.
وفي شرح الأشباه للبيري قال علماؤنا: ثواب العملي في الأخرى عبارة عما أوجبه الله للعبد
جزاء لعمله، فتفسير الشارح القربة بالثواب من تفسير الشئ بحكمه، وهو شائع في كلامهم كما مر،
وهو المتبادر من تعبير المصنف بلام التعليل: أي لأجل نيل قربة، نعم لو قال المصنف في قربة
لتعين تفسير بالفعل، فافهم. قوله: (ولو مع رفع حدث) يشير به وبقوله الآتي: ولو مع قربة إلى
أن أو في قوله: أو رفع حدث مانعة الخلو لا مانعة الجمع، لان القربة ورفع الحدث قد
يجتمعان، وقد ينفرد كل منهما عن الآخر كما سيظهر، فبينهما عموم وخصوص وجهي. قوله: (أو
من مميز) أي إذا توضأ يريد به التطهير كما في الخانية، وهو معلوم من سياق الكلام، وظاهره أنه لو
لم يرد به ذلك لم يصر مستعملا. تأمل. قوله: (أو حائض الخ) قال في النهر: قالوا بوضوء
الحائض يصير مستعملا لأنه يستحب لها الوضوء لك فريضة وأن تجلس في مصلاها قدرها كي لا
تنسى عادتها، ومقتضى كلامهم اختصاص ذلك بالفريضة، وينبغي أنها لو توضأت لتهجد عادي أو
صلاة ضحى وجلست في مصلاها أن يصير مستعملا، ولم أره لهم. وأقره الرملي وغيره، ووجهه
ظاهر، فلذا جزم به الشارح، فأطلق العبادة تبعا لجامع الفتاوي فإنه قال: يستحب لها أن تتوضأ في
وقت الصلاة وتجلس في مسجدها تسبح وتهلل مقدار أدائها لئلا تزول عادة العبادة. قوله: (أو غسل
ميت) معطوف على رفع حدث وكون غسالته مستعملة هو الأصح، وإنما أطلق محمد نجاستها لأنها
لا تخلو عن النجاسة غالبا. بحر.
أقول: قد يقال إنه مبنى على ما هو قول العامة، واعتمده في البدائع من أن نجاسة الميت
نجاسة خبث لأنه حيوان دموي لا نجاسة حدث، وعليه فلا حاجة إلى تأويل كلام محمد، وسنوضحه
في أول فصل البئر، ويجوز عطفه على مميز: أي ولو من أجل غسل ميت لأنه يندب الوضوء من
غسل الميت كما مر. قوله: (بنية السنة) قيد به في البحر أخذا من قول المحيط لأنه أقام به قربة لأنه
سنة ا ه‍. قال في النهر: وعليه فينبغي اشتراطه في كل سنة كغسل الفم والأنف ونحوهما، وفي
ذلك تردد ا ه‍. قال الرملي: ولا تردد فيه، حتى لو لم يكن جنبا وقصد بغسل الفم والأنف
ونحوهما مجرد التنظيف لا إقامة القربة لا يصير مستعملا. قوله: (أو لأجل رفع حدث) مفاد اللام أنه
قصد رفع الحدث فيكون قربة أيضا، مع أن المراد ما هو أعم كما أفاده الشارح بقوله: ولو مع
قربة فكان الأولى أن يقول: أو في رفع حدث. تأمل. قوله: (كوضوء محدث) فإنه إن كان منويا
اجتمع فيه الأمران، وإلا كما لو كان للتبرد فرفع الحدث فقط. قوله: (ولو للتبرد) قيل فيه خلاف
محمد بناء على أنه لا يستعمل عنده إلا بإقامة القربة أخذا من قوله: فيما لو انغمس في البئر لطلب
الدلو بأن الماء طهور. قال السرخسي: والصحيح عنده استعماله بإزالة الحدث إلا للضرورة كمسألة
البئر. وتمامه في البحر. قوله: (فلو توضأ متوضئ الخ) محترز قول المصنف لأجل قربة أو رفع
حدث لكن أورد أن تعليم الوضوء قربة فينبغي أن يصير الماء مستعملا. وأجاب في البحر وتبعه في
النهر وغيره بأن التوضؤ نفسه ليس قربة، بل التعليم وهو أمر خارج عنه ولذا يحصل بالقول. قوله:
214

(أو لطين) أي ونحوه كوسخ لعدم إزالة الحدث وإقامة القربة، وكذا لو وصلت شعر بذوائبها
فغسلته لم يصر مستعملا لأنه لم يبق له حكم البدن، بخلاف ما لو غسل رأس مقتول قد بان منه.
وتمامه في البحر.
فائدة: قال سيدي عبد الغني: الظاهر أن المحدث تكفيه غسلة واحدة عن الطين ونحوه وعن
الحدث، بخلاف النجاسة كما قدمنا. قوله: (بلا نية قربة) بأن أراد الزيادة على الوضوء الأول،
وفيه اختلاف المشايخ أما لو أراد بها ابتداء الوضوء صار مستعملا بدائع: أي إذا كان بعد الفراغ من
الوضوء الأول وإلا كان بدعة كما مر في محله، فلا يصير الماء مستعملا، وهذا أيضا إذا اختلف
المجلس وإلا فلا لأنه مكروه. بحر. لكن قدمنا أن المكروه تكراره في مجلس مرارا. قوله: (نحو
فخذ) أي مما ليس من أعضاء الوضوء وهو محدث لا جنب، وقيل يصير مستعملا بناء على القول
بحلول الحدث الأصغر بكل البدن وغسل الأعضاء رافع عن الكل تخفيفا، والراجح خلافه. أفاده في
النهر. أفاد سيدي عبد الغني أن الظاهر أن المراد بأعضاء الوضوء ما يشمل المسنونة مع نية فعل
السنة. تأمل. قوله: (أو ثوب طاهر) أي ونحوه من الجامدات كالقدور والقصاع والثمار. قهستاني.
قوله: (أو دابة تؤكل) كذا في البحر عن المبتغى. قال سيدي عبد الغني: وتقييده بالمأكولة فيه نظر،
لان غيرها كذلك لا تنجس الماء ولا تسلب طهوريته كالحمار والفأرة وسباع البهائم التي لم يصل
الماء إلى فمها ا ه‍. وذكر الرحمتي نحوه. قوله: (أو لأجل إسقاط فرض) فيه ما في قوله: أو
لأجل رفع حدث وهذا سبب ثالث للاستعمال زاده في الفتح أخذا من مسألة الحب المذكورة، ومن
تعليلها المنقول عن الامام بسقوط الفرض لأنه ليس بقربة لعدم النية ولا رفع حدث لعدم تجزيه كما
يأتي. قوله: (هو الأصل في الاستعمال) أي هو الأصل الذي بني عليه الحكم بتدنس الماء. قال في
الفتح: لان المعلوم من جهة الشارع أن الآلة التي تسقط الفرض وتقام بها القربة تتدنس، كمال الزكاة
تدنس بإسقاط الفرض حتى جعل من الأوساخ، ثم قال بعده: والذي نعقله أن كلا (1) من التقرب
والاسقاط مؤثر في التغير، ألا ترى أنه انفرد وصف التقرب في صدقة التطوع وأثر التغير حتى
حرمت على النبي (ص) فعرفنا أن كلا أثر تغيرا شرعيا ا ه‍.
أقول: ومقتضاه أن القربة أصل أيضا، بخلاف رفع الحدث لأنه لا يتحقق إلا في ضمن القربة
أو إسقاط الفرض أو في ضمنهما فكان فرعا، وبهذا ظهر أنه يستغني بهما عنه، فيكون المؤثر في
الاستعمال الأصلين فقط، فيقال: هو ما استعمل في قربة سواء كان معها رفع حدث أو إسقاط فرض
أو لا، ولا، أو في إسقاط فرض سواء كان معه قربة أو رفع حدث، أولا ولا، هذا ما ظهر لي من

(1) قوله: (والذي نعقله ان كلا الخ) قال ط: انما استعمل الماء بالقربة كاوضوء على الوضوء، لأنه لما نوى القربة فقد
ازداد طهارة فلا تكون طهارة جديدة الا بإزالة النجاسة الحكمية حكما، فصارت الطهارة على الطهارة وعن الحدث
سواء أفاده في البحر ا ه‍.
قال شيخنا: فعلى هذا لا حاجة إلى قول الكمال والذي نعقله الخ لرجوع التقرب إلى اسقاط الفرض، لان وجه
الاستعمال في اسقاط الفرض انتقال النجاسة الحكمية له، وهذا المعنى موجود في التقرب أيضا حكما ا ه‍.
215

قيص الفتاح العليم فاغتنمه. قوله: (بأن يغسل) أي المحدث أو الجنب بعض أعضائه: أي التي يجب
غسلها احتراز عن غسل المحدث نحو الفخذ كما مر. ثم الظاهر أنه أراد الغسل بنية رفع الحدث
ليغاير قوله: أو يدخل يده الخ. قال في البزازية: وإن أدخل الكف للغسل فسد. تأمل. ثم في
الخلاصة وغيرها: إن كان أصبعا أو أكثر دون الكف لا يضر. قال في الفتح: ولا يخلو من حاجته إلى
تأمل وجهه. قوله: (في حب) بالمهملة: الجرة، أو الضخمة منها. قاموس. قوله: (لغير اغتراف) بل
للتبرد أو غسل يده من طين أو عجين، فلو قصد الاغتراف ونحوه كاستخراج كوز لم يصر مستعملا
للضرورة. قوله: (فإنه يصير مستعملا) المراد أن ما اتصل بالعضو وانفصل عنه مستعمل على ما مر
ويأتي. قوله: (لسقوط الفرض) أي فلا يلزمه إعادة غسل ذلك العضو عند غسل بقية الأعضاء، وهذا
التعليل منقول عن الامام كما مر، فلا يقال: إن العلة زوال الحدث زوالا موقوفا، كذا في البحر،
على أن الأصل التعليل بما هو الأصل، وقد علمت أن زوال الحدث فرع. قوله: (وإن لم يزل الخ)
كان الأولى إسقاط إن وزيادة أنه لم توجد نية القرب كما فعل في البحر، ليكون بيانا لوجه زيادة
هذا السبب الثالث، وأنه لا يغنى عنه ما قبله من السببين كما قدمناه، وما في النهر من أنه إنما تتم
زيادته بتقدير أن إسقاط الفرض لا ثواب فيه وإلا كان قربة، اعترضه ط أن إسقاط الفرض لا يتوقف
على النية ولا ثواب بدونها، فكيف يمكن أن يكون قربة. قوله: (جنايته) أي جنابة العضو المغسول
في صورة الحدث الأكبر قوله: (ما لم يتم) أي ما لم يغسل بقية الأعضاء قوله: (على المعتمد) قال
الشيخ قاسم في حواشي المجمع: الحدث يقال بمعنيين: بمعنى المانعية الشرعية عما لا يحل بدون
الطهارة، وهذا لا يتجزأ بلا خلاف عند أبي حنيفة وصاحبيه، وبمعنى النجاسة الحكمية، وهذا يتجزأ
ثبوتا وارتفاعا بلا خلاف أيضا وصيرورة الماء مستعملا بإزالة الثانية ا ه‍.
أقول: والظاهر أنه أراد يتجزى الثاني ثبوتا كما في الحدث الأصغر بالنسبة للأكبر فإنه يحل
بعض أعضاء البدن، وفي عدم تجزي الأول بلا خلاف نظر لما قدمه الشارح من الخلاف في جواز
القراءة ومس المصحف بعد غسل الفم واليد. تأمل. قوله: (وينبغي أن يزاد أو سنة) فيه أن السنة لا
تقام إلا بنيتها فيدخل في قوله: لأجل قربة وإن قصد بغسل نحو الفم والأنف مجرد التنظيف لم
يصر مستعملا كما مر عن الرملي فلم توجد السنة، ثم رأيته في حاشية ح، ثم قال: وكأنه أشار إلى
هذا بقوله فتأمل. قوله: (وقيل إذا استقر) أي بشرط أن يستقر في مكان من أرض أو كف أو ثوب
ويسكن عن التحرك، وحذفه لأنه أراد بالاستقرار التام منه، وهذا قول طائفة من مشايخ بلخ، واختاره
فخر الاسلام وغيره. وفي الخلاصة أنه المختار، إلا أن العامة على الأول وهو الأصح، وأثر
الخلاف يظهر فيما لو انفصل فسقط على إنسان فأجراه عليه، صح على الثاني لا الأول. نهر.
قلت: وقد مر أن أعضاء الغسل كعضو واحد، فلو انفصل منه فسقط على عضو آخر من
أعضاء المغتسل فأجراه عليه صح على القولين. قوله: (ورجح للحرج) لأنه لو قيل باستعماله
بالانفصال فقط لتنجس ثوب المتوضئ على القوم بنجاسة الماء المستعمل، وفيه حرج عظيم كما
216

في غاية البيان قوله: (عفوا اتفاقا) أي لا مؤاخذة فيه حتى عند القائل بالنجاسة للضرورة كما في
البدائع وغيرها. قوله: (وهو طاهر الخ) رواه محمد عن الامام، وهذه الرواية هي المشهورة عنه،
واختارها المحققون، قالوا: عليها الفتوى، لا فرق في ذلك بين الجنب والمحدث. واستثني
الجنب في التجنيس، إلا أن الاطلاق أولى وعنه التخفيف والتغليظ، ومشايخ العراق نفوا الخلاف
وقالوا: إنه طاهر عند الكل. وقد قال في المجتبى: صحت الرواية عن الكل أنه طاهر غير طهور،
فالاشتغال بتوجيه التغليظ والتخفيف مما لا جدوى له. نهر. وقد أطال في البحر في توجيه هذه
الروايات، ورجح القول بالنجاسة من جهة الدليل لقوته. قوله: (وهو الظاهر) كذا في الذخيرة: أي
ظاهر الرواية، ومن صرح بأن رواية الطهارة ظاهر الرواية وعليها الفتوى في الكافي (1) والمصفى كما
في شرح الشيخ إسماعيل. قوله: (لكن الخ) دفع لما قد يتوهم من عدم كراهة شربه على رواية
الطهارة، ومثل الشرب التوضؤ في المسجد من غير ما أعد له، وفي البحر عن الخانية: لو توضأ في
إناء في المسجد جاز عندهم. قوله: (وعلى) متعلق بيكره محذوفا معطوف على يكره المذكور.
قوله: (تحريما) قال في البحر: ولا يخفى أن الكراهة على رواية الطهارة، أما على رواية النجاسة
فحرام، لقوله تعالى: * (ويحرم عليهم الخبائث) * (الأعراف: 751) والنجس منها ا ه‍. وأجاب الشارح
تبعا للنهر: وأقره النهر بحمل الكراهة على التحريمية، لأن المطلق منها ينصرف إليها. قلت: ويؤيده
أن نجاسة المستعمل على القول بها غير قطعية ولذا عبروا بالكراهة في لحم الحمار ونحوه.
فرع: الماء إذا وقعت فيه نجاسة: فإن تغير وصفه لم يجز الانتفاع به بحال، وإلا جاز كبل الطين
وسقي الدواب، بحر عن الخلاصة. قوله: (ليس بطهور) أي ليس بمطهر. قوله: (على الراجح) مرتبط
بقوله: بل لخبث: أي نجاسة حقيقية، فإنه يجوز إزالتها بغير الماء المطلق من المائعات خلافا لمحمد.
مطلب: مسألة البئر جحط
قوله: (فرع الخ) هذا ما عبر عنه في الكنز وغيره بقوله: ومسألة البئر جحط، فأشار بالجيم إلى
ما قال الامام: إن الرجل والماء نجسان، وبالحاء إلى ما قال الثاني: إنهما بحالهما، وبالطاء إلى ما
قال الثالث: من طهارتهما. ثم اختلف التصحيح في نجاسة الرجل على الأول، فقيل للجنابة فلا يقرأ
القرآن، وقيل لنجاسة الماء المستعمل فيقرأ إذا غسل فاه، واستظهره في الخانية. قلت: ومبنى الأول
على تنجس الماء لسقوط فرض الغسل عن بعض الأعضاء بأول الملاقاة قبل تمام الانغماس، والثاني
على أنه بعد الخروج من الجنابة كما يفيده ما في البحر عن الخانية وشروح الهداية. وينبغي على
الأول أن تكون النجاسة نجاسة الماء أيضا لا الجنابة فقط. تأمل. ومبنى قول الثاني على اشتراط
الصب في الخروج من الجنابة في غير الماء الجاري وما في حكمه. ومبنى قول الثالث على عدم
اشتراطه ولم يصر الماء مستعملا للضرورة، كذا قرره في البحر وغيره. قوله: (في محدث) أي حدثا

(1) قوله: (في الكافي الخ) هكذا بخطه، ولعل الأولى ان يقول صاحب الكافي الخ أو نحو ذلك تأمل ا ه‍. مصححه.
217

أصغر أو أكبر جنابة أو حيضا أو نفاسا بعد انقطاعهما، أما قبل الانقطاع وليس على أعضائهما نجاسة
فهما كالطاهر إذا انغمس للتبرد لعدم خروجها من الحيض، فلا يصير الماء مستعملا. بحر عن الخانية
والخلاصة، وتمامه في ح. قوله: (في بئر) أي دون عشر ح: أي وليست جارية. قوله:
(لدلو) أي لاستخراجه، وقيد به لأنه لو كان للاغتسال صار مستعملا اتفاقا. قال في النهر: أي بين
الامام، والثالث لما مر من اشتراط الصب على قول الثاني ا ه‍. وذكره في البحر بحثا.
أقول: والظاهر أن اشتراط الصب على قول الثاني عند عدم النية لقيامه مقامها كما يدل عليه ما
يأتي من تصريحه بقيام التدلك مقامها. فتدبر. قوله: (أو تبرد) تبع في ذكره صاحب البحر والنهر،
بناء على ما قيل: إنه عند محمد لا يصير الماء مستعملا إلا بنية القربة. وقدمنا أن ذلك خلاف
الصحيح عنده، وأن عدم الاستعمال في مسألة البئر عنده هي الضرورة ولا ضرورة في التبرد، فلذا
اقتصر في الهداية على قول لطلب الدلو. قوله: (مستنجيا بالماء) قيد به لأنه لو كان بالأحجار
تنجس كل الماء اتفاقا كما في البزازية. نهر.
قلت: وفي دعوى الاتفاق نظر، فقد نقل في التاترخانية اختلاف التصحيح في التنجيس
وعدمه: أي بناء على أن الحجر مخفف أو مطهر، ورجح في الفتح الثاني، نعم الذي في أكثر الكتب
ترجيح الأول كما أفاده في تنوير الابصار، وتمام الكلام عليه سيأتي في فصل الاستنجاء إن شاء الله
تعالى. قوله: (ولا نجس عليه) عطف عام على خاص، فلو كان على بدنه أو ثوبه نجاسة تنجس
الماء اتفاقا. قوله: (ولم ينو) أي الاغتسال فلو نواه صار مستعملا بالاتفاق إلا في قول زفر. سراج.
وهذا مؤيد لما قدمناه من أنه عند الثاني مستعمل أيضا، والمراد أنه لم ينو بعد انغماسه في الماء فلا
ينافي قوله: لدلو، أفاده ط قوله: (ولم يتدلك) كذا في المحيط والخلاصة، وظاهر أنه لو نزل
للدلو وتدلك في الماء صار مستعملا اتفاقا، لان التدلك فعل منه قائم مقام النية فصار كما لو نزل
للاغتسال. بحر ونهر، فتنبه. وقيده في شرح المنية الصغير بما إذا لم يكن تدلكه لإزالة الوسخ. قوله:
(والأصح الخ) هذا القول غير الأقوال الثلاثة المارة المرموز إليها بجحظ ذكره في الهداية رواية عن
الامام. قال في البحر: وعن أبي حنيفة أن الرجل طاهر، لأن الماء لا يعطي له حكم الاستعمال قبل
الانفصال من العضو. قال الزيلعي والهندي وغيرهما تبعا لصاحب الهداية: وهذه الرواية أوفق
الروايات: أي للقياس. وفي فتح القدير وشرح المجمع أنها الرواية المصححة. ثم قال في البحر:
فعلم أن المذهب المختار في هذه المسألة أن الرجل طاهر والماء طاهر غير طهور، أما كون الرجل
طاهرا فقد علمت تصحيحه، وأما كون الماء المستعمل كذلك على الصحيح فقد علمته أيضا مما قدمناه
ا ه‍. ومثله في الحلية، وبه علم أن هذا ليس قول محمد، لان عنده لا يصير الماء مستعملا للضرورة
كما مر. وأما الامام فلم يعتبر الضرورة هنا، بل حكم باستعماله لسقوط الفرض كما تقدم تقريره، ولو
اعتبر الضرورة لم يصح الخلاف المرموز له، نعم ذكر في البحر عن الجرجاني أنه أنكر الخلاف إذ لا
نص فيه وأنه لا يصير مستعملا، كما لو اغترف الماء بكفه للضرورة بلا خلاف.
أقول: وهو خلاف المشهور في كتب المذهب من إثبات الخلاف، ومن أن الذي اعتبر الضرورة
هو محمد فقط، وكأن غيره لم يعتبر هنا لندرة الاحتياج إلى الانغماس، بخلاف الاحتياج إلى الاغتراف
باليد، فافهم. قوله: (والمراد الخ) صرح به فالحلية والبحر والنهر، ورده العلامة المقدسي في
218

شرح نظم الكنز بأنه تأويل بعد يجدا، وقوله على ما مر أي من أنه لا فرق بين الملقى والملاقي،
وهذه مسألة الفساقي وقد علمت ما فيها من المعترك العظيم بين العلماء المتأخرين.
مطلب في أحكام الدباغة
قوله: (وكل إهاب الخ) الإهاب: بالكسر اسم للجلد قبل أن يدبغ من مأكول أو غيره، جمعه
أهب بضمتين ككتاب وكتب، فإذا دبغ سمي أديما وصرما وجرابا كما في النهاية. وإنما ذكر المصنف
الدباغة في بحث المياه وإن كان المناسب ذكرها في تطهير النجاسات استطرادا، إما لصلوح الإهاب
بعد دبغه أن يكون وعاء للمياه كما في النهر وغيره، وإليه أشار الشارح بقوله: ويتوضأ منه أو لان
الدبغ (1) مطهر في الجملة كما في القهستاني، أو لأنه في قوة قولنا: يجوز الوضوء بما وقع فيه إهاب
دبغ، كما نقل عن حواشي عصام، قوله: (ومثله المثانة والكرش) المثانية موضع البول، والكرش:
بالكسر وككتف لكل مجتر بمنزلة المعدة للانسان. قاموس، ومثله الأمعاء. وفي البحر عن التجنيس:
أصلح أمعاء شاة ميتة فصلى وهي معه جاز، لأنه يتخذ منها الأتار وهو كالدباغ، وكذلك لو دبغ
المثانة فجعل فيها لبن جاز، وكذلك الكرش إن كان يقدر على إصلاحه. قال أبو يوسف في
الاملاء: إنه لا يطهر لأنه كاللحم ا ه‍. قوله: (فالأولى وما دبغ) أي حيث كان الحكم غير قاصر
على الإهاب، فالأولى الاتيان بما الدالة على العموم ط. قوله: (دبغ) الدباغ يمنع النتن والفساد.
والذي يمنع على نوعين: حقيقي كالقرظ والشب والعفص ونحوه. وحكمي كالترتيب والتشميس
والالقاء في الريح، ولو جف ولم يستحل لم يطهر. زيلعي. والقرظ بالظاء المعجمة لا بالضاد:
ورق شجر السلم بفتحتين. والشب بالباء الموحدة وقيل بالثاء المثلثة، وذكر الأزهري أنه تصحيف،
وهو نبت طيب الرائحة مر الطعم يدبغ به. أفاد في البحر. قوله: (ولو بشمس) أي ونحوه من الدباغ
الحكمي، وأشار به إلى خلاف الإمام الشافعي وإلى أنه لا فرق بين نوعي الدباغة في سائر الأحكام
قال البحر: إلا في حكم واحد، وهو أنه لو أصابه الماء بعد الدباغ الحقيقي لا يعود نجسا باتفاق
الروايات، وبعد الحكمي فيه روايتان ا ه‍. والأصح عدم العود. قهستاني عن المضمرات. وقيد
الخلاف في مختارات النوازل بما إذا دبغ بالحكمي قبل الغسل بالماء، قال: فلو بعده لا تعود نجاسته
اتفاقا. قوله: (هو يحتملها) أي الدباغة المأخوذة من دبغ. وأفاد في البحر أنه لا حاجة إلى هذا
القيد، لان قوله: وكل إهاب لا يتناول ما لا يحتمل الدباغة كما صرح به في الفتح. قوله: (طهر)
بضم الهاء والفتح أفصح. حموي قوله: (فيصلي به الخ) أفاد طهارة ظاهرة وباطنة لاطلاق الأحاديث
الصحيحة خلافا لمالك، لكن إذا كان جلد حيوان ميت مأكول اللحم لا يجوز أكله، وهو الصحيح
لقوله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة) * (المائدة: 3) وهذا جزء منها. وقال عليه الصلاة والسلام في شاة
ميمونة رضي الله عنها إنما يحرم من الميتة أكلها مع أمره لهم بالدباغ والانتفاع، أما إذا كان جلد

(1) قوله: (أو لان الدبغ الخ) فيه ان هذا لا يصلح وجها لاستطراد ذكرها ها هنا، على أن القهستاني لم يذكره لذلك، بل
ذكره لاستحقاقه الذكر في باب تطهير الأنجاس ا ه‍.
219

ما لا يؤكل فإنه لا يجوز أكله جماعة، لان الدباغ فيه ليس بأقوى من الذكاة، وذكاته لا تبيحه، فكذا
دباغه. بحر عن السراج. قوله: (وعليه) أي وبناء على ما ذكر من أن ما لا يحتمل الدباغة لا يطهر.
قوله: (جلد حية صغيرة) أي لها دم، أما ما لا دم لها فهي طاهرة، لما تقد أنها لو وقعت في الماء
لا تفسده. أفاده ح. قوله: (أما قميصها) أي الحية كما في البحر عن السراج، وظاهر ولو كبيرة.
قال الرحمتي: لأنه لا تحله الحياة، فهو كالشعر والعظم. قوله: (وفأرة) بالهمزة وتبدل ألفا. قوله:
(بذكاة) بالذال المعجمة: أي ذبح. قوله: (لتقيدهما) أي الذكاة والدباغ بما يحتمله: أي يحتمل
الدباغ، وكان الأولى إفراد الضمير ليعود على الذكاة فقط، لان تقيد الدباغ بذلك مصرح به قبله.
وعبارة البحر عن التجنيس: لان الذكاة إنما تقام مقام الدباغ فيما يحتمله.
وفي أبي السعود عن خط الشرنبلالي: الذي يظهر لي الفرق بين الذكاة والدباغة لخروج الدم
المسفوح بالذكاة وإن كان الجلد لا يحتمل الدباغة ا ه‍. قلت: لكن أكثر الكتب على عدم الفرق كما
يأتي. قوله: (خلا جلد خنزير الخ) قيل إن جلد الآدمي كجلد الخنزير في عدم الطهارة بالدبغ لعدم
القابلية، لان لهما جلودا مترادفة بعضها فوق بعض، فالاستثناء منقطع. وقيل إن جلد الآدمي إذا دبغ
طهر، لكن لا يجوز الانتفاع به كسائر أجزائه، كما نص عليه في الغاية، وحينئذ فلا يصح الاستثناء.
وأجاب بأن معنى طهر: جاز استعماله، والعلاقة السببية والمسببي لا اللزوم كما قيل، إذ لا
يلزم من الطهارة جواز الانتفاع كما علمته، لكن علة عدم الانتفاع بهما مختلفة، ففي الخنزير لعدم
الطهارة، وفي الآدمي لكرامته كما أشار إليه الشارح. قال في النهر: وهذا مع ما فيه من العدول عن
المعنى الحقيقي أولى ا ه‍: أي لموافقته المنقول في المذهب، وإلى اختياره أشار الشارح بقوله:
ولو دبغ طهر قال ط: وإنما قدر جلد لان الكلام فيه لا في كل الماهية. قوله: (فلا يطهر) أي
لان نجس العين، بمعنى أن ذاته بجميع أجزائه نجسة حيا وميتا، فليست نجاسته لما فيه من الدم
كنجاسة غيره من الحيوانات، فلذا لم يقبل التطهير في ظاهر الرواية عن أصحابنا، إلا في رواية عن
أبي يوسف ذكرها في المنية. قوله: (وقدم الخ) لما كانت البداءة بالشئ وتقديمه على غيره تفيد
الاهتمام بشأنه وشرفه على ما بعده بين أن ذلك في غير مقام الإهانة، أما فيه فالأشرف يؤخر كقوله
تعالى: * (لهدمت صوامع) * (الحج: 04) الآية، لان الهدم إهانة فقدمت صوامع الصابئة أو الرهبان وبيع
النصارى وصلوات اليهود: أي كنائسهم، وأخرت مساجد المسلمين لشرفها، وهنا الحكم بعدم
الطهارة إهانة كذا قيل. أقول: وإنما تظهر هذه النكتة على أن الاستثناء من الطهارة لا من جواز
الاستعمال الثابت للمستثنى منه، فإن عدمه الثابت للمستثنى ليس بإهانة. قوله: (وإن حرم استعماله)
أي استعمال جلده أو استعمال الآدمي بمعنى أجزائه وبه يظهر التفريع بعده. قوله: (احتراما) أي لا
نجاسة. قوله: (وأفاد كلامه) حيث لم يستثن من مطلق الإهاب سوى الخنزير والآدمي. قوله: (وهو
المعتمد) أما في الكلب فبناء على أنه ليس بنجس العين، وهو أصح التصحيحين كما يأتي. وأما في
الفيل فكذلك كما هو قولهما، وهو الأصح خلافا لمحمد، فقد روى البيهقي أنه (ص) كان يمتشط
220

بمشط من عاج وفسره الجوهري وغيره بعظم الفيل. قال في الحلية: وخطئ الخطابي في
تفسيره له بالذبل ا ه‍. والذبل بالذال المعجمة: جلد السلحفاة البحرية أو البرية أو عظم ظهر دابة
بحرية. قاموس. وفي الفتح: هذا الحديث يبطل قول محمد بنجاسة عين الفيل. قوله: (بدباغ) بدل
من الضمير المجرور بإعادة الجار، فلا يطهر بذكاة ما لا يطهر بالدباغ مما لا يحتمله كما مر، فلو
صلى ومعه جلد حية مذبوحة أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته كما في المحيط والخانية
والوالجية. وما في الخلاصة من أن الحية والفأرة وكل ما لا يكون سؤره نجسا لو صل بلحمه
مذبوحا تجوز مشكل كما في الفتح، وتمامه في الحلية.
قلت: وعليه فلو صلى ومعه ترياق فيه لحم حية مذبوحة لا تجوز صلاته لو أكثر من درهم،
وصرح في الوهبانية بأنه لا يؤكل، وهو ظاهر فتنبه. وخرج الخنزير فإنه لا يطهر بالدباغ كما مر، فلا
يطهر بالذكاة كما في المنية، والظاهر أن الآدمي كذلك وإن قلنا بطهارة جلده بالدباغ، فلو ذبح ولم
تثبت له الشهادة ثم وقع في ماء قليل قبل تغسيله أفسده، ولم أر من صرح به، نعم رأيت في صيد
غرر الأفكار أن الذكاة لا تعمل في الخنزير والآدمي كما لا تعمل الدباغة في جلدهما. تأمل. قوله:
(على المذهب) أي ظاهر المذهب كما في البدائع. بحر، لحديث لا تنتفعوا من الميتة بإهاب
رواه أصحاب السنن، والإهاب: ما لم يدبغ. فيدل توقف الانتفاع قبل الدبغ على عدم كونها ميتة:
أي والذكاة ليست إماتة. أفاده في شرح المنية، وقيل إنما يظهر جلده بالذكاة إذا لم يكن سؤره
نجسا. قوله: (لا يطهر لحمه) أي لحم الحيوان ذي الإهاب، فالضمير عائد إلى ما على تقدير
مضاف أو بدونه والإضافة لأدنى مناسبة. تأمل. قوله: (هذا أصح ما يفتى به) أفاد أن مقابله مصحح
أيضا، فقد صححه في الهداية والتحفة والبدائع، ومشى عليه المصنف في الذبائح كالكنز والدرر،
والأول مختار شرح الهداية وغيرهم. وفي المعراج أنه قول المحققين، وما ذكره الشارح عبارة
مواهب الرحمن. وقال في شرحه المسمى بالبرهان بعد كلام: فجاز أن تعتبر الذكاة مطهرة لجلده
للاحتياج إليه للصلاة فيه وعليه، ولدفع الحر والبرد وستر العورة بلبسه دون لحمه لعدم حل أكله
المقصود من طهارته، وتمامه في حاشية نوح.
والحاصل أن ذكاة الحيوان مطهرة لجلده ولحمه إن كان الحيوان مأكولا، وإلا فإن كان نجس
العين فلا تطهر شيئا منه، وإلا فإن كان جلده لا يحتمل الدباغة فكذلك، لان جلده حينئذ يكون
بمنزلة اللحم، وإلا فيطهر جلده فقط، والآدمي كالخنزير فيما ذكر تعظيما له. قوله: (من الأهل) هو
أن يكون الذابح مسلما حلالا خارج الحرم أو كتابيا. قوله: (في المحل) أي فيما بين اللبة
واللحيين، وهذه الذكاة الاختيارية. والظاهر أن مثلها الضرورية في أي موضع اتفق. حلية. وإليه
يشير كلام القنية. قهستاني. قوله: (بالتسمية) أي حقيقة أو حكما بأن تركها ناسيا. قوله: (والأول
أظهر) وهو المذكور في كثير من الكتب. بحر. قوله: (لان ذبح المجوسي) أن ومن في معناه ممن
لم يكن أهلا كالوثني والمرتد والمحرم. قوله: (كلا ذبح) لحكم الشرع بأنه ميتة فيما يؤكل. قوله:
(وإن صحح الثاني) يوهم أن الأول لم يصحح مع أنه في القنية نقل تصحيح القولين فكان الأولى أن
221

يزيد أيضا. قوله: (وأقره في البحر) حيث ذكر أنه في المعراج نقل عن المجتبى والقنية تصحيح
الثاني، ثم قال: وصاحب القنية هو صاحب المجتبى، وهو الامام الزاهدي المشهور علمه وفقهه،
ويدل على أن هذا هو الأصح أن صاحب النهاية ذكر هذا الشرط: أي كون الذكاة شرعية بصيغة قيل
معزيا إلى الخانية ا ه‍. قوله: (كسنجاب) بالكسر: أي جلده. قوله: (فنجس) أي فلا تجوز الصلاة
فيه ما لم يغسل. منية. قوله: (فغسله أفضل) لان الاخذ بما هو الوثيقة في موضع الشك أفضل إذا
لم يؤد إلى الحرج، ومن هنا قالوا: لا بأس بلبس ثياب أهل الذمة والصلاة فيها، إلا الإزار
والسراويل فإنه تكره الصلاة فيها لقربها من موضع الحدث وتجوز، لان الأصل الطهارة، وللتوارث
بين المسلمين في الصلاة بثياب الغنائم قبل الغسل، وتمامه في الحلية. ونقل في القنية أن الجلود
التي تدبغ في بلدنا ولا يغسل مذبحها، ولا تتوقى النجاسات في دبغها ويلقونها على الأرض النجسة
ولا يغسلونها بعد تمام الدبغ فهي طاهرة يجوز اتخاذ (1) الخفاف والمكاعب وغلاف الكتب والمشط
والقرب والدلاء رطبا ويابسا ا ه‍.
أقول: ولا يخفى أن هذا عند الشك وعدم العلم بنجاستها. قوله: (وشعر الميتة الخ) مع ما
عطف عليه خبره قوله الآتي طاهر لما مر من حديث الصحيحين، من قوله عليه الصلاة والسلام
في شاة ميمونة إنما حرم أكلها وفي رواية لحمها فدل على أن ما عدا اللحم لا يحرم
فدخلت الاجزاء المذكورة، وفيها أحاديث أخر صريحة في البحر وغيره، ولان المعهود فيها قبل
الموت الطهارة فكذا بعده، لأنه لا يحلها. وأما قوله تعالى: * (من يحيي العظام) * (يس: 87) الآية،
فجوابه مع تعريف الموت بأنه وجودي أو عدمي، أطال فيه صاحب البحر فراجعه، وذكر ذلك في
بحث المياه لإفادة أنه إذا وقع فيها لا ينجسها. وفي القهستاني: الميتة ما زالت روحه بلا تذكية.
قوله: (على المذهب) أي على قول أبي يوسف الذي هو ظاهر الرواية: أن شعره نجس، وصححه
في البدائع ورجحه في الاختيار، فلو صلى ومعه منه أكثر من قدر الدرهم لا تجوز، ولو وقع في ماء
قليل نجسه، وعند محمد لا ينجسه. أفاده في البحر. وذكره في الدرر أنه عند محمد طاهر، لضرورة
استعماله: أي للخرازين. قال العلامة المقدسي: وفي زماننا استغنوا عنه: أي فلا يجوز استعماله
لزوال الضرورة الباعثة للحكم بالطهارة. نوح أفندي. قوله: (على المشهور) أي من طهارة العصب
كما جزم به في الوقاية والدرر وغيرهما بل ذكر في البدائع وتبعه في الفتح أنه لا خلاف فيه، لكن
تعقبه في البحر بأنه في غاية البيان ذكر في روايتين: إحداهما: إن طاهر، لأنه عظم، والأخرى أنه
نجس، لان فيه حياة، والحس يقع فيه، وصحح في السراج الثانية. قوله: (الخالية عن الدسومة)
قيد للجميع كما في القهستاني، فخرج الشعر المنتوف وما بعده إذا كان فيه دسومة. قوله: (وكذا
كل ما لا تحله الحياة) وهو ما لا يتألم الحيوان بقطعه كالريش والمنقار والظلف. قوله: (حتى

(1) قوله: (يجوز اتخاذ الخ) لعله سقط من قلمه صلة اتخاذ وهو لفظ منها، ا ه‍. مصححه.
222

الإنفحة) بكسر الهمزة وقد تشدد الحاء وقد تكسر الفاء. والمنفحة والبنفحة: شئ واحد يستخرج
من بطن الجدي الراضع أصفر فيعصر في صوفة فيغلظ به الجبن، فإذا أكل الجدي فهو كرش،
وتفسير الجوهري الإنفحة بالكرش سهو. قاموس بالحرف فافهم. قوله: (على الراجح) أي الذي هو
قول الإمام، ولم أر من صرح بترجيحه، ولعله أخذه من تقديم صاحب الملتقى له وتأخيره قولهما
كما هو عادته فيما يرجحه. وعبارته مع الشرح: وإنفحة الميتة ولو مائعة ولبنها طاهر كالمذكاة خلافا
لهما لتنجسهما بنجاسة المحل. قلنا: نجاسته تؤثر في حال الحياة إذا اللبن الخارج من بين فرث
ودم طاهر، فكذا بعد الموت اه‍.
ثم اعلم أن الضمير في قول الملتقى ولبنها عائد على الميتة، والمراد به اللبن الذي في
ضرعها، وليس عائدا على الإنفحة كما فهم المحشي حيث فسرها بالجلدة، وعزا إلى الملتقى
طهارتها لان قول الشارح: ولو مائعة، صريح بأن المراد بالإنفحة اللبن الذي في الجلدة، وهو
الموافق لما مر عن القاموس، وقوله لتنجسها الخ، صريح في أن جلدتها نجسة، وبه صرح في
الحلية حيث قال بعد التعليل المار: وقد عرف من هذا أن نفس الوعاء نجس بالاتفاق، ولدفع هذا
الوهم غير العبارة في مواهب الرحمن فقال: وكذا لبن الميتة وإنفحتها ونجساها، وهو الأظهر إلا أن
تكون جامدة فتطهر بالغسل ا ه‍. وأفاد ترجيح قولهما وأنه لا خلاف في اللبن علي خلاف ما في
الملتقى والشرح، فافهم. قوله: (وشعر الانسان) المراد به ما أبين منه حيا وإلا فطهارة ما على
الانسان مستغنية عن البيان وطهارة الميت مدرجة في بيان الميتة، كذا نقل عن حواشي عصام،
والأولى إسقاط حيا. وعن محمد في نجاسة شعر الآدمي وظفره وعظمه روايتان، والصحيح الطهارة.
سراج. قوله: (غير المنتوف) أما المنتوف فنجس. بحر. والمراد رؤوسه التي فيها الدسومة.
أقول: وعليه فما يبقى بين أسنان المشط ينجس الماء القليل إذا بل فيه وقت التسريح، لكن
يؤخذ من المسألة الآتية كما قال ط إن ما خرج من الجلد مع الشعر إن لم يبلغ مقدار الظفر لا
يفسد الماء. تأمل. قوله: (مطلقا) أي سواء كان سنة أو سن غيره من حي أو ميت قدر الدرهم أو
أكثر حمله معه أو أثبته مكانه كما يعلم من الحلية والبحر. قوله: (على المذهب) قال في البحر:
المصرح به في البدائع والكافي وغيرهما أن سن الآدمي طاهرة على ظاهر المذهب وهو الصحيح لأنه
لا دم فيها، والمنجس هو الدم. بدائع. وما في الذخيرة وغيرها من أنها نجسة ضعيف ا ه‍. قوله:
(ففي البدائع نجسة) فإنه قال: ما أبين من الحي إن كان جزءا فيه دم كاليد والاذن والأنف ونحوها
فهو نجس بالاجماع وإلا كالشعر والظفر فطاهر عندنا ا ه‍. ملخصا. قوله: (وفي الخانية لا) حيث
قال: صلى وأذنه في كمه أو أعادها إلى مكانها تجوز صلاته في ظاهر الرواية ا ه‍. ملخصا. وعلله
في التجنيس بأن ما ليس بلحم لا يحله الموت فلا يتنجس بالموت: أي والقطع في حكم الموت.
واستشكله في البحر بما مر عن البدائع. وقال في الحلية: لا شك أنها مما تحلها الحياة ولا
تعرى عن اللحم، فلذا أخذ الفقيه أبو الليث بالنجاسة وأقره جماعة من المتأخرين ا ه‍.
وفي شرح المقدسي قلت: والجواب عن الاشكال أن إعادة الاذن وثباتها إنما يكون غالبا بعود
الحياة إليها، فلا يصدق أنها مما أبين من الحي لأنها بعود الحياة إليها صارت كأنها لم تبن، ولو
فرضنا شخصا مات ثم أعيدت حياته معجزة أو كرامة لعاد طاهرا ا ه‍.
223

أقول: إن عادت الحياة إليها فهو مسلم، لكن يبقى الاشكال لو صلى وهي في كمه مثلا.
والأحسن ما أشار إليه الشارح من الجواب بقوله: وفي الأشباه الخ، وبه صرح في السراج (1) فما في
الخانية من جواز صلاته ولو الاذن في كمه لطهارتها في حقه لأنها أذنه، فلا ينافي ما في البدائع بعد
تقييده بما في الأشباه. قوله: (المنفصل من الحي) أي مما تحله الحياة كما مر، والمراد الحي حقيقة
وحكما، احترازا عن الحي بعد الذبح، كما سيأتي بيانه آخر كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى. وفي
الحلية عن سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة وغيرها وحسنه الترمذي ما قطع من البهيمة وهي
حية فهو ميت ا ه‍. قوله: (ويفسد الماء) أي القليل. قول: (من جلده) أي أو لحمه. مختارات
النوازل. زاد في البحر عن الخلاصة وغيرها: أو قشره وإن كان قليلا مثل ما يتناثر من شقوق الرجل
ونحوه لا يفسد الماء. قوله: (لا بالظفر) أي لأنه عصب. بحر. وظاهره أنه لو كان فيه دسومة
فحكمها كالجلد واللحم. تأمل. (ودم سمك طاهر) أولى من قول الكنز: إنه معفو عنه لأنه
ليس بدم حقيقة بدليل أنه يبيض في الشمس والدم يسود بها. زيلعي. قوله: (ليس الكلب بنجس
العين) بل نجاسته بنجاسة لحمه ودمه، ولا يظهر حكمها وهي حي ما دامت في معدتها كنجاسة باطن
المصلي فهو كغيره من الحيوانات. قوله: (وعليه الفتوى) وهو الصحيح والأقرب إلى الصواب.
بدائع، وهو ظاهر المتون. بحر، ومقتضى عموم الأدلة. فتح قوله: (فيباع الخ) هذه الفروع بعضها
ذكرت أحكامها في الكتب هكذا وبعضها بالعكس، والتوفيق بالتخريج على القولين كما بسطه في
البحر، وما في الخانية من تقييد البيع بالمعلم فالظاهر أنه على القول الثاني، بدليل أنه ذكر أنه يجوز
بيع السنور وسباع الوحش والطير معلما كان أو لا، تأمل. قوله: (ويؤجر) الظاهر تقييده بالمعلم
ولو لحراثة بوقوع الإجارة على المنافع، ولذا عقبه في عمدة المفتي بقوله: والسنور لا يجوز لأنه لا
يعلم. قوله: (ويضمن) أي لو أتلفه إنسان ضمن قيمته لصاحبه. قوله: (ولا الثواب بانتفاضه) وما في
الوالجية وغيرها: إذا خرج الكلب من الماء وانتفض فأصاب ثوب إنسان أفسده لا لو أصابه ماء
المطر، لان المبتل في الأول جلده وهو نجس وفي الثاني شعره وهو طاهر ا ه‍. فهو على القول
بنجاسة عينه كما في البحر، ويأتي تمامه قريبا. قوله: (ولا بعضه) أي عض الكلب الثوب. قوله:
(ما لم ير ريقه) فالمعتبر رؤية البلة وهو المختار. نهر عن الصيرفية، وعلامتها ابتلال يده بأخذه.
وقيل لو عض في الرضا نجسه لأنه يأخذ بشفته الرطبة لا في الغضب لاخذه بأسنانه. قوله: (ولا
صلاة حاملة الخ) قال في البدائع: قال مشايخنا: من صلى وفي كمه جرو تجوز صلاته، وقيده الفقيه
أبو جعفر الهندواني بكونه مشدود الفم ا ه‍.

(1) قوله: (وبه صرح في السراج) اي حيث قال والاذن المقطوعة والسن المقطوعة طاهرتان في حق صاحبهما وان كانتا
أكثر من قدر الدرهم الخ ا ه‍. منه.
224

وفي المحيط: صلى ومعه جرو كلب أو ما لا يجوز الوضوء بسؤره، قيل لم يجز. والأصح أنه
إن كان فمه مفتوحا لم يجز، لان لعابه يسيل في كمه فينجس لو أكثر من قدر الدرهم، ولو مشدودا
بحيث لا يصل لعابه إلى ثوبه جاز، لان ظاهر كل حيوان طاهر لا يتنجس إلا بالموت، ونجاسة
باطنه في معدته فلا يظهر حكمها كنجاسة باطن المصلي ا ه‍.
والأشبه إطلاق الجواز عند أمن سيلان القدر المانع قبل الفراغ من الصلاة كما هو ظاهر ما في
البدائع. حلية وأشار الشارح بقوله: ولو كبيرا، إلى أن التقييد بالجرو لصحة التصوير بكونه في
كمه كما في النهر وشرح المقدسي، لا لما ظنه في البحر من أن الكبير مأواه النجاسات فلا تصح
صلاة حامله، فإنه يرد عليه كما قال المقدسي إن الصغير كذلك.
ثم الظاهر أن التقييد بالحمل في الكم مثلا لاخراج ما لو جلس الكلب على المصلي فإنه لا
يتقيد بربط فمه، لما صرح به في الظهيرية من أنه لو جلس على حجره صبي ثوبه نجس وهو يستمسك
بنفسه أو وقف على رأسه حمام نجس جازت صلاته ا ه‍. تأمل. قوله: (وشرط الحلواني) صوابه
الهندواني كما مر، وهو الموجود في البحر والنهر وغيرهما. قوله: (ولا خلاف في نجاسة لحمه) ولذا
اتفقوا على نجاسة سؤرة المتولد من لحمه، فمعنى القول بطهارة عينه طهارة ذاته ما دام حيا، وطهارة
جلده بالدباغ والذكاة، وطهارة ما لا تحله الحياة من أجزائه كغيره من السباع. قوله: (وطهارة شعره)
أخذه في البحر من المسألة المارة آنفا عن الولوالجية فإنها مبنية على القول بنجاسة عينه، وقد صرح
فيها بطهارة شعره. ومما في السراج أن جلد الكلب نجس وشعره طاهر هو المختار ا ه‍. لان نجاسة
جلده مبنية على نجاسة عينه، فقد اتفق القول بنجاسة عينه، والقول بعدمها على طهارة شعره.
ويفهم من عبارة السراج أن القائلين بنجاسة عينه اختلفوا في طهارة شعره، والمختار الطهارة
وعليه يبتني ذكر الاتفاق، لكن هذا مشكل لان نجاسة عينه تقتضي نجاسة جميع أجزائه، ولعل ما في
السراج محمول على ما إذا كان ميتا (1) لكن ينافيه ما مر عن الولوالجية، نعم قال في المنح: وفي
ظاهر الرواية أطلق ولم يفصل: أي لو انتفض من الماء فأصاب ثوب إنسان أفسده سواء كان البلل
وصل إلى جلده أو لا، وهذا يقتضي نجاسة شعره، فتأمل.
مطلب في المسك والزباد والعنبر
قوله: (طاهر حلال) لأنه وإن كان دما فقد تغير فيصير طاهرا كرماد العذرة. خانية، والمراد
بالتغير الاستحالة إلى الطيبية وهي من المطهرات عندنا، وزاد قول حلال لأنه لا يلزم من الطهارة
الحل كما في التراب. منح: أي فإن التراب طاهر ولا يحل أكله. قال في الحلية: وقد صح عن
النبي (ص) إن المسك أطيب الطيب كما رواه مسلم، وحكى النووي إجماع المسلمين على طهارته
وجواز بيعه. قوله: (فيؤكل بكل حال) أي في الأطعمة والأودية لضرورة أو لا. وفي القاموس أنه

(1) قوله: (ما إذا كان ميتا الخ) اي إذا كان ميتا يكون جلده نجسا وشعره طاهرا على المختار، ويكون ما في السراج جاريا
على القول بطهارة عينه، وعلى هذا يبطل قول المحشي ويفهم من عبارة السراج الخ، نعم يبقى الاشكال المستدرك
به، وحينئذ فال خلاف في طهارة شعره حيا وميتا نجس العين أو طاهرا.
225

مقو للقلب، مشجع للسوداوي، نافع للخفقان والرياح الغليظة في الأمعاء والسموم والسدد. باهي.
قوله: (وكذا نافجته) بكسر الفاء وفتح الجيم: وهي جلدة يجمع فيها المسك معرب نافه ا ه‍. شيخ
إسماعيل عن بعض الشروح، لكن قال في المنح: فاؤها مفتوحة في أكثر كتب اللغة. قوله: (مطلقا)
أي من غير فرق بين رطبها ويابسها، وبين ما انفصل من المذبوحة وغيرها، وبين كونها بحال لو
أصابها الماء فسدت أو لا ا ه‍. إسماعيل عن مفتاح السعادة، وبه ظهر أن ما في الدرر من أنها لو
كانت رطبة من غير المذبوحة ليست بطاهرة على خلاف الأصح. قوله: (فتح) وكذا في الزيلعي
وصدر الشريعة والبحر. قوله: (وكذا الزباد أشباه) أي في قاعدة المشقة تجلب التيسير، وكذا العنبر
كما في الدر المنتقى، وذكر في الفتح والحلية طهارة الزباد بحثا ولم يجدا فيه نقلا، لكن في شرح
الأشباه للعلامة البيري قال في خزانة الروايات ناقلا عن جواهر الفتاوي: الزباد طاهر. ولا يقال: إنه
عرق الهرة وإنه مكروه، لأنه وإن كان عرقا إلا أنه تغير وصار طاهرا بلا كراهة.
وفي شرح المواهب: سمعت جماعة من الثقات من أهل الخبرة بهذا يقولون إنه عرق سنور،
فعلى هذا يكون طاهرا. وفي المنهاجية من مختصر المسائل: المسك طاهر، لأنه وإن كان دما لكنه
تغير، وكذا الزباد طاهر، وكذا العنبر. وفي ألغاز ابن الشحنة، قيل: إن المسك والعنبر ليسا
بطاهرين، لان المسك من دابة حية، والعنبر خرء دابة في البحر، وهذا القول لا يعول عليه ولا
يلتفت إليه كما صرح به قاضيخان. وأما العنبر فالصحيح أنه عين في البحر بمنزلة القير وكلاهما طاهر
من أطيب الطيب ا ه‍. ملخصا. وفي تحفة ابن حجر: وليس العنبر روثا خلافا لمن زعمه، بل هو
نبات في البحر ا ه‍. وللعلامة البيري رسالة سماها (السؤال والمراد في جواز استعمال المسك
والعنبر والزباد). قوله: (وطهره محمد) أي لحديث العرنيين الذين رخص لهم رسول الله (ص) أن يشربوا
من أبوال الإبل لسقم أصابهم، وعليه فلا يفسد الماء ما لم يغلب عليه فيخرجه عن الطهورية،
والمتون على قولهما، ولذا قال في الامداد: والفتوى على قولهما. قوله: (لا للتداوي ولا لغيره)
بيان للتعميم في قوله أصلا. قوله: (عند أبي حنيفة) وأما عند أبي يوسف فإنه وإن وافقه على أنه
نجس لحديث استنزهوا من البول إلا أنه أجاز شربه للتداوي، لحديث العرنيين. وعند محمد
يجوز مطلقا. وأجاب الامام عن حديث العرنيين بأنه عليه الصلاة والسلام عرف شفاءهم به وحيا ولم
يتيقن شفاء غيرهم، لان المرجع فيه الأطباء وقولهم ليس بحجة، حتى لو تعين الحرام مدفعا
للهلاك، يحل كالميتة والخمر عند الضرورة، وتمامه في البحر.
مطلب في التداوي بالمحرم
قوله: (اختلف في التداوي بالمحرم) ففي النهاية عن الذخيرة: يجوز إن علم فيه شفاء ولم
يعلم دواء آخر. وفي الخانية في معنى قوله عليه الصلاة والسلام: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما
حرم عليكم كما رواه البخاري أن ما فيه شفاء لا بأس به، كما يحل الخمر للعطشان في الضرورة،
وكذا اختاره صاحب الهداية في التجنيس فقال: لو عرف فكتب الفاتحة بالدم على جبهته وأنفه جاء
226

للاستشفاء، وبالبول أيضا إن علم فيه شفاء لا بأس به، لكن لم ينقل، وهذا لان الحرمة ساقطة عند
الاستشفاء كحل الخمر والميتة للعطشان والجائع ا ه‍. من البحر. وأفاد سيدي عبد الغني أنه لا
يظهر الاختلاف في كلامهم لاتفاقهم على الجواز للضرورة، واشتراط صاحب النهاية العلم لا ينافيه
اشتراط من بعده الشفاء، ولذا قال والدي في شرح الدرر: إن قوله لا للتداوي محمول على
المظنون، وإلا فجوازه باليقين اتفاق كما صرح به في المصفى ا ه‍.
أقول: وهو ظاهر موافق لما مر في الاستدلال، لقول الإمام: لكن قد علمت أن قول الأطباء
لا يحصل به العلم. والظاهر أن التجربة يحصل به العلم. والظاهر أن التجربة يحصل بها غلبة
الظن دون اليقين، إلا أن يريدوا بالعلم غلبة الظن وهو شائع في كلامهم. تأمل. قوله: (وظاهر المذهب المنع) محمول على المظنون كما
علمته. قوله: (لكن نقل المصنف الخ) مفعول نقل قوله: وقيل يرخص الخ والاستدراك على
إطلاق المنح، وإذا قيد بالمظنون فلا استدراك. ونص ما في الحاوي القدسي: إذا سال الدم من أنف
إنسان ولا ينقطع حتى يخشى عليه الموت وقد علم أنه لو كتب فاتحة الكتاب أو الاخلاص بذلك الدم
على جبهته ينقطع فلا يرخص له ما فيه وقيل يرخص كما رخص في شرب الخمر للعطشان وأكل
الميتة في المخمصة، وهو الفتوى ا ه‍. قوله: (ولم يعلم دواء آخر) هذا المصرح به في عبارة
النهاية كما مر وليس في عبارة الحاوي، إلا أنه يفاد في قوله: كما رخص الخ لان حل الخمر
والميتة حيث لم يوجد ما يقوم مقامهما أفاده ط. قال: ونقل الحموي أن لحم الخنزير لا يجوز
التداوي به وإن تعين، والله تعالى أعلم.
فصل في البئر
لما ذكر تنجس الماء القليل بوقوع فيه حتى يراق كله أردفه ببيان مسائل الآبار، لان منها
ما يخالف ذلك لابتنائها على متابعة الآثار دون القياس، قال في الفتح: فإن القياس إما أن لا تطهر
أصلا كما قال شر لعدم الامكان لاختلاط النجاسة بالأوحال والجدران والماء ينبع شيئا فشيئا، وإما
أن لا تتنجس حيث تعذر الاحتراز أو التطهير، كما نقل عن محمد أنه قال: اجتمع رأيي ورأي أبي
يوسف أن ماء البئر في حكم الجاري لأنه ينبع من أسفل ويؤخذ من أعلاه فلا ينجس كحوض
الحمام. قلنا: وما علينا أن ننزح منها دلاء أخذا بالآثار، ومن الطريق أن يكون الانسان في يد
النبي (ص) وأصحابه رضي الله عنهم كالأعمى في يد القائد ا ه‍. ثم ذكر بعده الآثار الواردة
بأسانيدها فراجعه. وفي البحر عن النووي: البئر مؤنثة مهموزة، ويجوز تخفيفها من بأرت: أي
حفرت، وجمعها في القلة أبؤر وأبآر بهمزة بعد الباء فيهما، ومن العرب من يقلب الهمزة في أبآر
وينقلها فيقول آبار، وجمعها في الكثرة بئر بكسر فهمزة. قوله: (ليست بحيوان) قيد بذلك لان
المصنف بين أحكام الحيوان بخصوصه وفصلها. قوله: (ولو مخففة) لان أثر التخفيف وهو العفو عما
دون الربع لا يظهر في الماء، وأفاد ط أنه لو أصاب هذا الماء ثوبا فالظاهر أنه لا تعتبر هذه النجاسة
بالمخففة. قوله: (أو قطرة بول) أي ولو مأكول اللحم كما مر، وسيأتي استثناء ما لا يمكن
الاحتراز عنه كبول الفأرة. قوله: (لم يشمع) أي لم يجعل في محل القطع منه الذي لا ينفك عن بلة
227

نجسة ما يمنع إصابة الماء كشمع ونحوه. قوله: (ففيه ما في الفأرة) نقله في البحر عن السراج، أي
فالواجب فيه نزح عشرين دلوا ما لم ينتفخ أو يتفسخ. قوله: (على ما مر) أي من أن المعتبر فيه أكبر
رأى المبتلى به أو كان عشرا في عشر. قوله: (على المعتمد) مقابلة ما مر من أنه لو كان عمقها
عشرة في عشرة فهي في حكم الكثير، وقدمنا أن تصحيح هذا القول غريب مخالف لما أطلقه
الجمهور، ولذا قال في البحر لا يخفى أن هذا التصحيح لو ثبت لانهدمت مسائل أصحابنا المذكورة
في كتبهم ا ه‍. وما قواه بالمقدسي رده نوح أفندي. قوله: (ولو فأرة يابسة على المعتمد) وما
في خزانة الفتاوي من أنها لا تنجس البئر لان اليبس دباغة ضعيف كما في البحر، وأوضحه في
الحلية. قوله: (النظيف) أي من نجاسة ودم سائل كما في الحلية، وسيأتي في النجاسات أنه يعفي
عن دم الشهيد ما دام عليه، ومفاده أنه لو كان عليه دم لا ينجس الماء، ولذا قال في الخانية: ولو
وقع الشهيد في الماء القليل لا يفسده إلا إذا سال منه الدم ا ه‍. لكن الظاهر أن معناه أنه لو خرج
منه دم سائل ينجس الماء احترازا عما إذا كان ما خرج منه ليس فيه قوة السيلان، وليس معناه أنه
سال منه الدم في الماء. تأمل، نعم ينبغي تقييد التنجيس بما عليه مما فيه قوة السيلان بما إذا تحلل
في الماء، أما لو لم ينفصل عنه فلا ينجس. تأمل. قوله: (والمسلم المغسول) أما قبل غسله فنصوا
على أنه يفسد الماء القليل ولا تصح صلاة حامله، وبذلك استدل في المحيط على أن نجاسة الميت
نجاسة خبث لأنه حيوان دموي فينجس بالموت كغيره من الحيوانات لا نجاسة حدث، وصححه في
الكافي، ونسبه في البدائع إلى عامة المشايخ كما في جنائز البحر.
أقول: وهذا يؤيد ما حملنا عليه كلام محمد في الأصل عن أن غسالة الميت نجسة، ويضعف ما
مر من تصحيح أنها مستعملة، فافهم. قوله: (مطلقا) أي غسل أو لا. وفي جنائز البحر: واتفقوا
على أن الكافر لا يطهر بالغسل، وأنه لا تصح صلاة حامله بعده ا ه‍.
أقول: وهذا مؤيد أيضا للقول بأن نجاسة الميت للخبث لا للحدث، ومؤيد لما قلناه آنفا،
فافهم. قوله: (كسقط) أطلقه تبعا للبحر والقهستاني. وقيده في الخانية بما إذا لم يستهل (1) قال:
فإنه يفسد الماء القليل وإن غسل، أما إذا استهل فحكمه حكم الكبير إن وقع بعد ما غسل لا يفسد
ا ه‍. وعلى هذا حكم صلاة حامله كما في الخانية أيضا، وفيها أيضا البيضة الرطبة أو السخلة إذا
وقعت من الدجاجة أو الشاة في الماء لا تفسده اه‍. فافهم. قوله: (لما مر) أي في باب المياه من
أن غير الدموي كزنبور وعقرب لا يفسد الماء، وكذا مائي المولد كسمك وسرطان فهو تعليل
للقيدين، فافهم. قوله: (وانتفخ) أي تورم وتغير عن صفة الحيوان. قهستاني. وقوله: أو تمعط
أي سقط شعره، وقوله: أو تفسخ أي تفرقت أعضاؤه عضوا عضوا، ولا فرق بين الصغير والكبير

(1) أقول وجه مسألة السقط انه إذا لم يستهل لا يعطى حكم الآدمي من كل وجه ولذا لا يصلى عليه، ولو كان يطهر
بالغسل لصلي عليه فهو في حكم الجيفة من سائر الحيوانات، بخلاف ما إذا استهل: اي علمت منه علامة الحياة بعد
الولادة فإنه كالكبير كما ذكر، كذا ظهر لي ا ه‍. منه.
228

كالفأرة والآدمي والفيل، لأنه تنفصل بلته وهي نجسة مائعة، فصارت كقطرة خمر، ولهذا لو وقع ذنب
فأرة ينزح الماء كله. بحر، وبه ظهر أنه لو جرح الحيوان بلا تفسخ ونحوه ينزح الجميع كما في
الفتح وإن قطعة منه كتفسخه، ولهذا قال في الخانية: قطعة من لحم الميتة تفسده. قوله: (ينزح كل
مائها) أي دون الطين لورود الآثار بنزح الماء، لكن لا يطين المسجد بطينها احتياطا. بحر. قوله:
(الذي كان فيها وقت الوقوع) فلو زاد بعده قبل النزح لا يجب نزح الزائد وهو أحد قولين، وسيأتي
اعتبار وقت النزح، وعليه فيجب نزح الزائد ويأتي تمامه.
بقي لو لم يكن فيها القدر الواجب وقت الوقوع ثم زاد وبلغه: هل يعتبر وقت الوقوع أيضا؟
ظاهر كلامه نعم، وقد ذكر في البحر أنه لو بلغه بعد النزح لا ينزح منه شئ. قوله: (بعد إخراجه)
إذا النزح قبله لا يفيد لان الواقع سبب للنجاسة، ومع بقائه لا يمكن الحكم بالطهارة. بحر. قوله:
(إلا إذا تعذر الخ) كذا في السراج. واعترضه في البحر بأن هذا إنما يستقيم فيما إذا كان البئر معينا
لا تنزح، وأخرج منها المقدار المعروف، أما إذا كانت غير معين فإنه لا بد من إخراجها لوجوب نزح
جميع الماء ا ه‍.
أقول: قدر يتعذر الاخراج وإن كان الواجب نزح الجميع، لان الواجب الاخراج قبل النزح لا
بعده كما علمته. قوله: (متنجسة) نعت لكل من الخشبة والخرقة، وإنما أفرده للعطف بأو التي هي
لاحد الشيئين، وأشار بقوله: متنجسة إلى أنه لا بد من إخراج عين النجاسة كلحم ميتة وخنزير
ا ه‍. ح. قلت: فلو تعذر أيضا ففي القهستاني عن الجواهر: لو وقع عصفور فيها فعجزوا عن
إخراجه فما دام فيها فنجسة فتترك مدة يعلم أنه استحال وصار حمأة، وقيل مدة ستة أشهر ا ه‍.
قوله: (فبنزح) بالباء الموحدة متعلق بيطهر بعده ط. قوله: (يطهر الكل) أي من الدلو والرشاء
والبكرة ويد المستقي تبعا، لان نجاسة هذه الأشياء بنجاسة البئر فتطهر بطهارتها للحرج، كدن الخمر
يطهر تبعا إذا صار خلا، وكيد المستنجي تطهر بطهارة المحل، وكعروة الإبريق إذا كان في يد
المستنجي نجاسة رطبة فجعل يده عليها كلما صب على اليد، فإذا غسل اليد ثلاثا طهرت العروة
بطهارة اليد. بحر. قوله: (خلاصة) ومثله في الخانية، وهو مبني على أنه لا يشترط التوالي وهو
المختار كما في البحر والقهستاني. قوله: (وليس بنجس العين الخ) أي بخلاف الخنزير، وكذا
الكلب على القول الآخر، فإنه ينجس البئر مطلقا، وبخلاف المحدث فإنه يندب فيه نزح أربعين كما
يذكره. وبخلاف ما إذ كان على الحيوان خبث: أي نجاسة وعلم بها فإنه ينجس مطلقا. قال في
البحر: وقيدنا بالعلم لأنهم قالوا في البقر ونحوه: يخرج حيا لا يجب نزح شئ وإن كان الظاهر
اشتمال بولها على أفخاذها لكن يحتمل طهارتها بأن سقطت عقب دخولها ماء كثيرا مع أن الأصل
الطهارة ا ه‍. ومثله في الفتح. قوله: (لم ينزح شئ) أي وجوبا، لما في الخانية: لو وقعت الشاة
وخرجت حية ينزح عشرون دلوا لتسكين القلب لا للتطهير، حتى لو لم ينزح وتوضأ جاز، وكذا
229

الحمار والبغل لو خرج حيا ولم يصب فمه الماء، وكذا ما يؤكل لحمه من الإبل والبقر والغنم
والطيور والدجاجة المحبوسة ا ه‍. ومثله في مختارات النوازل. قوله: (كذا في الخانية) أقول: لم
أره في الخانية، وإنما الذي فيها أنه ينزح في البغل والحمار جميع الماء إذا أصاب فمه الماء، وكذا
في البحر معزيا إليها وإلى غيرها، ومثله في الدرر، وعزاه شارحها إلى المبتغى، وكذا في البدائع
والقهستاني والامداد والحاوي القدسي ومختارات النوازل والبزازية وغيرها. وقال في المنية: كذا
روي عن أبي يوسف، وقال شارحها الحلبي: ولم يرو عن غيره خلافه ا ه‍. وفي الفتح: وإن
أدخل فمه الماء نزح الكل في النجس، وكذا تظافر كلامهم في المشكوك ا ه‍. وفي الجوهرة:
وكذا كل ما سؤره نجس أو مشكوك: يجب نزح الكل. وفي السراج: وسؤر البغل والحمار ينزح كل
الماء لأنه لم يبق طهورا، وكذا علله في الحلية بقوله: لصيرورة الماء مشكوكا، وهو غير محكوم
بطهوريته على ما هو الأصح، بخلاف المكروه فإنه غير مسلوب الطهورية، ومثله في الفتح. لكن
في البحر عن المحيط: لو وقع سؤر الحمار في الماء يجوز التوضؤ به ما لم يغلب عليه لأنه طاهر
غير طهور، كالماء المستعمل عند محمد ا ه‍.
قلت: لكنه خلاف ما تظافر عليه كلامهم كما علمت، وإن مشى عليه الشارح فيما سيأتي في
الأسئار وسننبه عليه.
والحاصل أنه إذا أصاب فم الحمار الماء صار مشكوكا فينزح الكل كالذي سؤره نجس. قال
في شرح المنية: لاشتراكهما في عدم الطهورية وإن افترقا من حيث الطهارة، فإذا لم ينزح ربما
يتطهر به أحد، والصلاة به وحده غير مجزئة فينزح كله ا ه‍. قال في الحلية: وهذا بخلاف ما إذا
لم يصب فمه الماء، فإن الصحيح أنه لا يصير الماء مشكوكا، فيه كما في التحفة، وإنما ينزح منه
عشرون دلوا كالشاة كما في الخانية ا ه‍.
أقول: وبه يظهر أن قول النهر: لكن في الخانية الصحيح أنه في البغل والحمار لا يصير
مشكوكا، فلا يجب نزح شئ، نعم يندب نزح عشرة، وقيل نزح عشرين، منشؤه اشتباه حالة وصول
فما الماء بحالة عدم الوصول، وتبعه الشارح فتنبه، ثم رأيت شيخ مشايخنا الرحمتي نبه على ذلك كما
ذكرته. قوله: (كآدمي محدث) أي أنه ينزح فيه أربعون كما عزاه في التاترخانية إلى فتاوي الحجة، ثم
عزا إلى الغيائية أنه ينزح فيه الجميع.
وفي شرح الوهبانية: والتحقيق النزح للجميع عند الامام، والثاني على ألقوا بنجاسة الماء
المستعمل، وقيل أربعون عنده. ومذهب محمد أن يسلبه الطهورية، وهو الصحيح عند الشيخين،
فينزح منه عشرون ليصير طهورا، وتمامه فيه، والمراد بالمحدث ما يشمل الجنب.
واستشكل في البدائع نزح العشرين بأن الماء المستعمل طاهر فلم يضر ما لم يغلب على
المطلق كسائر المائعات، ثم قال: ويحتمل أن يقال: طهارته غير مقطوع بها للخلاف فيها، بخلاف
سائر المائعات فينزح أدنى ما ورد به الشرع، وذلك عشرون احتياطا ا ه‍.
قلت: وهذه المسألة تؤيد القول بعدم الفرق بين الملقى والملاقي في الماء المستعمل، وأن
المستعمل ما لاقى الأعضاء فقط، ولا يشيع في جميع ماء البئر وإلا لوجب نزح الجميع، لأنه إذا
230

وجب نزحه في المشكوك في طهوريته ففي المستعمل المحقق عدم طهوريته بالأولى، وتؤيد ما قاله
صاحب البحر من أن الفروع التي استدل بها القائلون باستعمال كل الماء مبنية على رواية نجاسة الماء
المستعمل، والله أعلم.
تتمة: نقل في الذخيرة عن كتاب الصلاة للحسن: أن الكافر إذا وقع في البئر وهو حي نزح
الماء. وفي البدائع أنه رواية عن الامام، لأنه لا يخلو من نجاسة حقيقية أو حكمية، حتى لو اغتسل
فوقع فيها من ساعته لا ينزح منها شئ. أقول: ولعل نزحها للاحتياط. تأمل. قوله: (لان في بولها
شكا) وقد مر أنهم لم يعتبروا احتمال النجاسة في الشاة ونحوها، ثم هذا الجواب بناء على القول
بأن بول الهرة والفأرة ينجس البئر، وفيه كلام يأتي قوله: (وإن تعذر) كذا عبر في الهداية وغيرها.
وقال في شرح المنية: أي بحيث لا يمكن إلا بحرج عظيم ا ه‍. فالمراد به التعسر، وبه عبر في
الدرر. قوله: (لكونها معينا) القياس معينة، لان البئر مؤنث سماعي، إلا أنهم ذكروها حملا على
اللفظ، أو لان فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث أو على تقدير ذات معين وهو الماء
يجري على وجه الأرض ا ه‍. حلية، وليس المراد أنها جارية لما يأتي، بل كما قال في البحر:
إنهم كلما نزحوا نبع منها مثل ما نزحوا أو أكثر. قوله: (وقت ابتداء النزح قاله الحلبي) أي في شرح
المنية معزيا إلى الكافي، وقيل وقت وقوع النجاسة وهو ما قدمه الشارح عن ابن الكمال، وعليه
جرى ابن الكمال هنا أيضا، ومثله في الامداد، ويشير إليه قول الهداية: ينزح مقدار ما كان فيها.
وفي التاترخانية عن المحيط: لو زاد قبل النزح، فقيل ينزح مقدار ما كان فيها وقت الوقوع، وقيل
وقت النزح. قال في الخانية: وثمرة ذلك فيما إذا نزح البعض ثم وجده في الغد أكثر مما ترك، فقيل
ينزح الكل، وقيل مقدار ما بقي عند الترك هو الصحيح. قال في شرح المنية: هذه الثمرة بناء على
اعتبار وقت النزح لا وقت الوقوع، فعلم أن الصحيح ما في الكافي ا ه‍.
أقول: فيه بحث، بل الثمرة على القولين، لان المراد أنها ثمرة الخلاف، فالظاهر أن ما في
الخانية تصحيح للقول باعتبار وقت الوقوع، لان حاصل الخلاف أنه هل يجب نزح الزائد على ما
كان وقت الوقوع أو لا، فالقائل بأن المعتبر وقت النزح أراد أنه يجب نزح ما زاد سواء كانت الزيادة
قبل ابتداء النزح أو قبل انتهائه، فنبه في الخانية على صورة الزيادة قبل انتهاء النزح لخفائها، وصرح
بأن الصحيح نزح مقدار ما بقي وقت الترك: أي فلا يجب نزح الزائد، فهذا تصحيح للقول باعتبار
وقت الوقوع، وأنه لا يجب نزح ما زاد بعده، فعلم أنه تصحيح لخلاف ما في الكافي، هذا ما ظهر
لي فتدبره. قوله: (بقول رجلين الخ) فإن قالا: إن ما فيها ألف دلو مثلا نزح، كذا في شرح المنية.
قوله: (به يفتى) وهو الأصح. كافي ودرر، وهو الصحيح، وعليه الفتوى. ابن كمال: وهو
المختار. معراج، وهو الأشبه بالفقه. هداية: أي الأشبه بالمعنى المستنبط من الكتاب والسنة، لان
الاخذ بقول الغير فيما لم يشتهر من الشرع فيه تقدير. قال تعالى: * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا
تعلمون) * (الأنبياء: 7) كما في إجزاء الصيد والشهادة. عناية. قوله: (وقيل الخ) جزم به في
الكنز والملتقى، وهو مروي عن محمد وعليه الفتوى. خلاصة وتاترخانية عن النصاب، وهو المختار
231

معراج عن العتابية وجعله في العناية رواية عن الامام وهو المختار والأيسر كما في الاختيار وأفاد
في النهر أن المائتين واجبتان والمائة الثالثة مندوبة، فقد اختلف التصحيح والفتوى. وضعف هذا
القول في الحلبة وتبعه في البحر بأنه إذا كان الحكم الشرعي نزح الجميع فالاقتصار على عدد
مخصوص يتوقف على دليل سمعي يفيده، وأين ذلك؟ بل المأثور عن ابن عباس وابن الزبير وخلافه،
حين أفتيا بنزح الماء كله حين مات زنجي في بئر زمزم، وأسانيد ذلك الأثر مع دفع ما أورد عليها
مبسوطة في البحر وغيره. قال في النهر: وكأن المشايخ إنما اختاروا ما عن محمد لانضباطه كالعشر
تيسيرا كما مر ا ه‍. قلت: لكن مروياتي أن مسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار، على أنهم قالوا:
إن محمدا أفتى بما شاهد في آبار بغداد فإنها كثيرة الماء، وكذا ما روي عن الامام من نزح مائة في
مثل آبار الكوفة لقلة مائها فيرجع إلى القول الأول، لأنه تقدير ممن له بصارة وخبرة بالماء في تلك
النواحي، لا لكون ذلك لازما في آبار كل جهة. والله أعلم. قوله: (وذاك) أي ما في المتن أحوط
للخروج عن الخلاف ولموافقته للآثار. قوله: (طهرت) أي إذا لم يظهر أثر النجاسة. قوله: (كما
مر) (1) أي في قوله: ويجوز بجار وقعت فيه نجاسة. قوله: (وسيجئ) أي بعد أسطر. قوله:
(فإن أخرج الحيوان) أي الميت. قوله: (كآدمي) أي مما عادله في الجثة كالشاة والكلب كما في
البحر. قوله: (وكذا سقط الخ) أفاد أن ما ذكروا فيه نزحا مقدرا لا فرق بين كبيرة وصغيرة، لكن
قال الشيخ إسماعيل: وأما ولد الشاة إذا كان صغيرا فكالسنور كما تشعر به عباراتهم كما في
البرجندي ا ه‍، وكذا قال ولده سيدي عبد الغني: الظاهر أن الآدمي إذا خرج من أمنه صغيرا أو
كان سقطا فهو كالسنور لان العبرة بالمقدار في الجثة لا في الاسم ا ه‍.
قلت: لكن ما قدمنا عن الخانية أن السقط إن استهل فحكمه كالكبير إن وقع في الماء بعد ما
غسل لا يفسده وإن لم يسهل أفسد وإن غسل، وتقدم أيضا أن ذنب الفأرة لو شمع ففيه ما في
الفأرة، ثم رأيت في القهستاني قال: فلو وقع فيها سقط ينزح كل الماء. وعن أبي حنيفة أن الجدي
كالشاة. وعنه أنه والسخلة كالدجاجة كما في الزاهدي ا ه‍.
فعلم أن في الجدي روايتين. والظاهر أن مثله السخلة وهي ولد الشاة، وإلحاق السقط بالكبير
يؤيد الأولى منهما، وتقييد الشارح الإوز بالكبير تبعا للخلاصة، وقال فيها: أما الصغير فكالحمامة
يؤيد الثانية. وفي السراج أن الإوزة عند الامام كالشاة في رواية، وكالسنور في أخرى ا ه‍.
أقول: وهذا المقام يحتاج إلى تحرير وتدبر، فاعلم أن المأثور كما ذكره أئمتنا هو نزح الكل في
الآدمي والأربعين في الدجاجة والعشرين في الفأرة، فلذا كانت المراتب ثلاثة كما سنذكره، وعن
هذا أورد في المستصفى أن مسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار، والنص ورد في الفأرة والدجاجة
والآدمي فكيف يقاس ما عدلها بها، ثم أجاب بأنه بعد ما استحكم هذا الأصل صار كالذي ثبت على
وفق القياس في حق التفريع عليه. واعترضه في البحر بأنه ظاهر في أن فيه للرأي مدخلا وليس
كذلك، وقال: فالأولى أن يقال: إنه إلحاق بطريق الدلالة لا بالقياس كما اختاره في المعراج ا ه‍.

(1) قوله: (وقوله طهرت) وكذا قوله كما مر، وقوله وسيجئ ثلاثتها لا وجود لها فيما بيدي من نسخ الشارح فليحرر ا ه‍.
مصححه.
232

إذا علمت ذلك ظهر لك أن ما ورد بالنص من الثلاثة المذكورة لم يفرق بين صغيرة وكبيرة
في ظاهر الرواية وقوفا مع النص، ولهذا لم يختلفوا في السقط، بخلاف ما ألحق بذلك كالشاة
والاوزة، فإنه قد يقال: إن صغيره ككبيره أيضا تبعا للملحق به. وقد يقال بالفرق اعتبارا للجثة، فلذا
وقع فيه الاختلاف، هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم فاغتنمه. قوله: (كما مر) أي بأن يقال:
العشرون للوجوب والزائد للندب.
تنبيه: ظاهر اقتصار المصنف على ما ذكره يفيد أن المراتب ثلاث، لأنها الواردة في النص كما
قدمناه. وروى الحسن عن الامام أن في القراد الكبير والفأرة الصغيرة عشر دلاء، وأن في الحمامة
ثلاثين، بخلاف الهرة فالمراتب خمس، لكن الذي في المتون هو الأول وهو ظاهر الرواية كما في
البحر والقهستاني. قوله: (وهذا) أي نزح الأربعين أو العشرين لتطهير البئر. قوله: (بخلاف نحو
صهريج وحب الخ) الصهريج: الحوض الكبير يجتمع فيه الماء. قاموس. والحب: أي بضم الحاء
المهملة الخابية الكبيرة. صحاح. وأراد بذلك الرد على من أفتى بنزح عشرين في فأرة وقعت في
صهريج، كما نقله في النهر عن بعض أهل عصره متمسكا بما اقتضاه إطلاقهم من عدم الفرق بين
المعين وغيرها. ورده في النهر تبعا للبحر بما في البدائع والكافي وغيرهما من أن الفأرة لو وقعت
في الحب يهراق الماء كله. قال: ووجهه أن الاكتفاء بنزح البعض في الآبار على خلاف القياس
بالآثار فلا يلحق بها غيرها، ثم قال: وهذا الرد إنما يتم بناء على أن الصهريج ليس من مسمى البئر
في شئ. اه‍ أي فإذا ادعى دخوله في مسمى البئر لا يكون مخالفا للآثار، ويؤيده ما قدمناه ما أن
البئر مشتقة من بأرت: أي حفرت. والصهريج: حفرة في الأرض لا تصل اليد إلى مائها، بخلاف
العين والحب والحوض، وإليه مال العلامة المقدسي فقال: ما استدل به في البحر لا يخفى بعده،
وأين الحب من الصهريج، لا سيما الذي يسع ألوفا بالدلاء ا ه‍. لكنه خلاف ما في النتف.
قوله: (يهراق الماء كله) أقول: وهل يطهر بمجرد ذلك أم لا بد من غسله بعده ثلاثا؟ والظاهر
الثاني. ثم رأيته في التاترخانية قال ما نصه: وفي فتاوي الحجة سئل عبد الله بن المبارك عن الحب
المركب في الأرض تنجس؟ قال: يغسل ثلاثا، ويخرج الماء منه كل مرة فيطهر، ولا يقلع الحب
ا ه‍. قوله: (ونحوه في النتف) مقول القول: أي نحو ما في البحر والنهر قال ابن عبد الرزاق: ولم
أره في كتاب النتف ا ه‍.
أقول: رأيت في النتف ما نصه: وأما البئر فهي التي لها مواد من أسفلها ا ه‍. أي لها مياه
تمدها وتنبع من أسفلها. ولا يخفى أنه على هذا التعريف يخرج الصهريج والحب والآبار التي تملأ
من المطر أو من الأنهار، فهو مثل ما في البحر والنهر. قوله: (ونقل) أي المصنف، وهو تأييد لما
أفتى به ذلك العصري. قوله: (أن حكم الركية الخ) الركية على وزن عطية، قال ح: هي البئر كما
233

في القاموس، لكن في العرف (1) هي بئر يجتمع ماؤها من المطر ا ه‍: أي فهي بمعنى الصهريج.
قوله: (عليه) أي وبناء على ما نقله عن القنية والفوائد. قوله: (والزير الكبير) أي الذي هو بمعنى
الحب المذكور في الفوائد. قال في القاموس: الزير بالكسر الدن. والدن بالفتح: الراقود العظيم أو
أطول من الحب أو أصغر، له عسعس: أي ذنب لا يقعد إلا أن يحفر له. قوله: (ينزح، منه كالبئر) أي
فيقتصر في الحمامة على أربعين، وفي الفأرة على عشرين.
أقول: وهذا مسلم في الصهريج دون الزير لخروجه عن مسمى البئر، وكون أكثره مطمورا:
أي مدفونا في الأرض لا يدخله فيه لا عرفا ولا لغة كما قدمناه، وما في الفوائد معارض بإطلاق ما
مر عن البدائع والكافي وغيرهما، وفرق ظاهر بينه وبين الصهريج كما قدمناه، فافهم. وقال المصنف
في منظومته تحفة الاقران:
مطمورة أكثرها في الأرض * كالبئر في النزح وهذا مرضي
قال به بعض أولي الابصار * وليس مرضيا لدى الكبار
فإن نزح البعض مخصوص بما * في البئر عند جمع جل العلماء
قوله: (وهو دلو تلك البئر) هذا هو ظاهر الرواية كما في البحر، وقيده محشيه الرملي بما إذا لم يكن
دلوها المعتاد كبيرا جدا فلا يجب العدد المذكور. قال: وهو الذي يقتضيه نظر القنية ا ه‍. ثم إن الشارح
قد تبع صاحب البحر في تفسيره الوسط بذلك، وفيه نظر لأنه قول آخر وبه يشعر كلام الزيلعي وغيره.
وفي البدائع: اختلف في الدلو، فقيل: المعتبر دلو كل بئر يستقي به منها صغيرا كان أو
كبيرا، وروي عن أبي حنيفة أنه قدر صاع، وقيل: المعتبر هو المتوسط بين الصغير والكبير ا ه‍.
وقوله صغيرا كان أو كبيرا، ربما يخالف ما بحثه الرملي. تأمل. قوله: (فإن لم يكن الخ) أي هذا إن
كان لها دلو، فإن لم يكن فالمعتبر دلو يسع صاعا، وهذا التفصيل استظهره في البحر وقال: هو
ظاهر ما في الخلاصة وشرح الطحاوي والسراج. قوله: (وغيره) أي غير الدلو المذكور بأن كان
أصغر أو أكبر يحتسب به، فلو نزح القدر الواجب بدلو واحد كبير أجزأ، وهو ظاهر المذهب
لحصول المقصود. بحر. قوله: (ويكفي ملء أكثر الدلو) فلو كان منحرفا، فإن كان يبقى أكثر ما فيه
كفى وإلا لا. بزازية وقهستاني. قوله: (ونزح ما وجد) أي ويكفي أيضا نزح ما وجد فيها وهو دون
القدر الواجب، حتى لو زاد بعد النزح لا يجب نزح شئ، كما قدمناه عن البحر. قوله: (وجريان
بعضه) أي يكفي أيضا بأن حفر لها منفذ يخرج منها بعض الماء كما في الفتح قوله: (وغوران قدر
الواجب) وإذا عاد لا يعود نحسا ان جف أسفله في الأصح، وإلا عاد كما في البحر عن السراج
قوله: (بطريق الدلالة) أي دلالة النص، وهي دلالة منطوقه على ما سكت عنه بالأولى أو بالمساواة،

(1) قوله: (العرف) وفي نسخة المغرب ا ه‍. منه.
234

كدلالة حرمة التأفيف وأكل مال اليتيم على حرمة الضرب والاتلاف، كما أوضحناه في حواشينا على
شرح المنار للشارح، وأشار بذلك إلى الجواب عما قدمناه على المستصفى. قوله: (كفأرة مع هرة)
أي فإن ماتتا نزح أربعون وإلا فلا نزح، وإن ماتت الفأرة فقط أو جرحت أو بالت فيه نزح الكل.
سراج. وبقي من الأقسام موت الهرة فقط، ولا شك أن فيه أربعين. نهر. قوله: (ونحو الهرتين) أي
ما كان مقدارهما في الجثة. قوله: (ونحو الفأرتين) أو ولو كانتا كهيئة الدجاجة إلا في رواية عن محمد
أن فيها حينئذ أربعين. بحر. قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية كما في البحر، وهو قول محمد.
وعند أبي يوسف: الخمس إلى التسع كهرة، والعشر كشاة، وجزم في المواهب بقول محمد ونفي
الثاني فأفاد ضعفه. قوله: (مغلظة) بيان لصفة النجاسة، وقد مر أن التخفيف لا يظهر أثره في الماء.
قوله: (من وقت الوقوع) أي وقوع ما مات فيها. قوله: (إن علم) أي الوقت أو غلب على الظن.
قهستاني. ومنه ما إذا شهد رجلان بوقوعها يوم كذا، كما في السراج. قوله: (وإلا) أي بأن لم يعلم
أو لم يغلب على الظن. نهر. قوله: (وهذا) أي الحكم بنجاسة البئر يوما وليلة ط. قوله: (في حق
الوضوء والغسل) أي من حيث إعادة الصلاة: يعني المكتوبة والمنذورة والواجبة وسنة الفجر ا ه‍.
حلية. وسيأتي أن سنة الفجر إنما تقضي إذا فاتت مع الفرض في يومها قبل الزوال، فافهم. قوله:
(وما عجن به) معطوف على الوضوء. قوله: (فيطعم للكلاب) لان ما تنجس باختلاط النجاسة به
والنجاسة مغلوبة لا يباح أكله ويباح الانتفاع به فيما وراء الاكل كالدهن النجس يستصبح به إذا كان
الطاهر غالبا، فكذا هذا حلية عن البدائع. ويفهم منه أن العجين ليس بقيد فغيره من الطعام والشراب
مثله. تأمل. قوله: (وقيل يباع من شافعي) لأنه يرى أن الماء لا ينجس إذا بلغ قلتين، لكن في
الذخيرة: وعن أبي يوسف لا يطعم بني آدم ا ه‍. ولهذا عبر عنه الشارح بقيل، وجزم بالأول
كصاحب البدائع، ولعل وجهه أنه في اعتقاد الحنفي نجس، ولا ينظر إلى اعتقاد غيره، ولذا لو
استفتاه عنه لا يفتيه إلا بما يعتقده. قوله: (أما في حق غيره) أي غير ما ذكر من الوضوء والغسل
والعجين. قوله: (فيحكم بنجاسته) الأولى بنجاستها: أي البئر كما عبر في البحر وقوله في الحال:
أي حال وجود الفأرة مثلا، لا من يوم وليلة ولا من وقت غسل الثياب، ولهذا قال الزيلعي: أي من
غير إسناد لأنه من باب وجود النجاسة في الثوب، حتى إذا كانوا غسلوا الثياب بمائها لم يلزمهم إلا
غسلها في الصحيح ا ه‍. وعزاه في البحر إلى المحيط أيضا. واعترضه بعض محشي صدر الشريعة
بأنه إذا حكم بنجاسة البئر في الحال يلزم أن لا تتنجس الثياب التي غسلت بمائها قبله، فلا يلزم
غسلها، فلا معنى لقوله لا يلزم إلا غسلها ا ه‍. وكذا اعترضه في الحلية بما حاصله أنه إذا لزم
غسل الثياب لكونه غسلت بماء هذا البئر فكيف لم يحكم على الثياب بالنجاسة مستندا إلى وقت
غسلها المتيقن حصوله قبل وجود الفأرة؟ وإنما اقتصر على وقت وجودها مع أنه لا يتجه على قول الإمام
، لأنه يوجب مع الغسل الإعادة، ولا على قولهما لا يوجبان غسل الثوب أصلا ا ه‍.
وأقره في البحر والنهر وغيرهما.
وأقول وبالله تعالى التوفيق: ما قاله الزيلعي مخالف لاطلاق المتون قاطبة، فإنهم حكموا
235

بالنجاسة ولم يفصلوا بين الوضوء والثوب. وفي الهداية ومختصر القدوري: أعادوا صلاة يوم وليلة
إذا كانوا توضؤوا منها وغسلوا كل شئ أصابه ماؤها ا ه‍.
وفي شرح الجامع الصغير لقاضيخان: إن كانت منتفخة أعادوا صلاة ثلاثة أيام ولياليها، وما
أصاب الثوب منه في الثلاثة أفسده، وإن عجن منه لم يؤكد خبزه ا ه‍. ومثله في المنية وشرحها. ثم رأيت بعض محشي صدر الشريعة نقل ما نقلناه وقال: إنه المذكور في أعلام المعتبرات والمشهور
في الرواية عن أبي حنيفة ا ه‍. فقد ظهر أن الصواب عدم الاقتصار عن الحال وبه يزول الاشكال،
نعم أشار في الدرر إلى أن ما قاله الزيلعي ملفق من قول الإمام وقولهما حيث قال بعد نقله كلام
الزيلعي: يؤيده ما قال في معراج الدراية أن الصباغي كان يفتي بهذا انتهى: أي بهذا التفصيل. قال
في البحر: كان الصباغي يفتي بقول أبي ح فيما يتعلق بالصلاة وبقولهما فيما سواه، كذا في معراج
الدراية ا ه‍.
وأقول: لا يخفى أن مقتضى ما أفتى به الصباغي أن تجب إعادة الصلاة ولا يجب غسل الثياب،
وهذا عكس ما قاله الزيلعي فأين التأييد؟ نعم يظهر هذا التأييد على ما قال بعضهم: إن حرف
الاستثناء في عبارة الزيلعي زائد. أقول: وكذا وجدته ساقطا في نسخة قديمة مصححة، وكذا وجدته
في نسختي مضروبا عليه، وقد ظهر بما قررناه أن ما ذكره الشارح من التفصيل تابع فيه الزيلعي،
وهو مخالف لما في عامة المعتبرات مع ما فيه من الاشكالات فلا يعول وإن أقره في البحر
والمنح، ولهذا لم يعرج عليه في فتح القدير، فاغتنم هذا التحريم الذي هو من منح العليم الخبير.
قوله: (وهذا لو تطهر الخ) الإشارة في عبارة الجوهرة إلى عبارة القدوري التي قدمناها، ثم إن ما
ذكره في الجوهرة عزاه إلى شيخه موفق الدين، ثم قال: والمعنى فيه أن الماء صار مشكوكا في
طهارته ونجاسته، فإن كانوا محدثين بيقين لم يزل حدثهم بماء مشكوك فيه، وإن كانوا متوضئين لا
تبطل صلاتهم بماء مشكوك في نجاسته لان اليقين لا يرتفع بالشك ا ه‍.
أقول: هذا أيضا مخالف لاطلاق عبارات المعتبرات من لزوم إعادة الصلاة وغسل كل شئ
أصابه ماؤها في تلك المدة، فإنه يشمل الإعادة عن حدث وغيره، والغسل لثوب أو بدن من حدث
أو نجاسة أو شرب أو غيره. وأيضا يناقضه مسألة العجين، فإنه يلزم عليه أن يكون طاهرا حلالا
لكونه كان طاهرا، فلا تزول طهارته بماء مشكوك فيه مع أنه مخالف لما صرحوا به في عامة كتب
المذهب، وأيضا فقد رجحوا قول الإمام بحكمه بالنجاسة من يوم أو ثلاثة أيام فإنه الاحتياط في أمر
العبادة، ولا يخفى أن هذا التفصيل خلاف الاحتياط، فكان العمل على ما في كتب المذهب أولى.
مطلب مهم في تعريف الاستحسان
قوله: (استحسانا) الاستحسان كما قال الكرخي: قطع المسألة عن نظائرها لما هو أقوى،
وذلك الأقوى هو دليل يقابل القياس الجلي الذي تسبق إليه أفهام المجتهدين نصا كان أو إجماعا أو
236

قياسا خفيا، وتمامه في فتاوي العلامة قاسم. قوله: (وقالا الخ) قولهما هو القياس الجلي، وبيان
وجه كل في المطولات. قوله: (فلا يلزمهم) أي أصحاب البئر شئ من إعادة الصلاة أو غسل ما
أصابه ماؤها كما صرح به الزيلعي وصاحب البحر والفيض وشارح المنية، فقول الدرر: بل غسل ما
أصابه ماؤها، قال في الشرنبلالية: لعل الصواب خلافه. قوله: (قبله) أي قبل العلم بالنجاسة.
قوله: (قيل وبه يفتى) قائله صاحب الجوهرة.
وقال العلامة قاسم في تصحيح القدوري: قال في فتاوي العتابي، قولهما هو المختار.
قلت: لم يوافق على ذلك، فقد اعتمد قول الإمام البرهاني والنسفي والموصلي وصدر
الشريعة، ورجح دليله في جميع المصنفات، وصرح في البدائع بأن قولهما قياس، وقوله استحسان،
وهو الأحوط في العبادات ا ه‍. قوله: (أعاد من آخر احتلام الخ) لف ونشر مرتب. وفي بعض
النسخ: من آخر نوم، وهو المراد بالاحتلام، لان النوم سببه كما نقله في البحر. قوله: (ورعاف)
هذا ظاهر إذا وقع له رعاف ولم يبينوا حكم ما إذا لم يقع له ولأجل هذا، والله تعالى أعلم. روى
ابن رستم أن الدم يعيد فيه لان دم غيره قد يصيبه، فالظاهر أن الإصابة لم تتقدم زمان وجوده،
بخلاف المني فإن مني غيره لا يصيب ثوبه، فالظاهر أنه منيه، فيتعين وجوده من وقت وجود سبب
خروجه حتى لو كان الثوب مما يلبسه هو وغيره يستوي فيه حكم المني والدم. واختار في المحيط ما
رواه ابن رستم، ذكره في البحر.
وقوله فالظاهر أن الإصابة الخ، لا يظهر في الجاف ط. وفي السراج: لو وجد في ثوبه
نجاسة مغلظة أكثر من قدر الدرهم ولم يعلم بالإصابة لم يعد شيئا بالاجماع وهو الأصح ا ه‍.
قلت: وهذا يشمل الدم، فيقتضي أن الأصح عدم الإعادة مطلقا. تأمل. قوله: (لو منتفخة أو
ناشفة الخ) ذكره في النهر بحثا فقال بعد قولهم فثلاثة أيام: وينبغي على قياس ما سبق تقييده بكونها
منتفخة أو ناشفة، وإن لم يكن أعاد يوما وليلة ا ه‍. قوله: (في بول فأرة في الأصح) وسيذكر في
الأنجاس أن عليه الفتوى، وأن خرأها لا يفسد ما لم يظهر أثره، وأن بول السنور عفو في غير أواني
الماء وعليه الفتوى اه‍.
أقول: وفي الخانية أن بول الهرة والفأرة وخرأهما نجس في أظهر الروايات يفسد الماء والثوب
ا ه‍. ولعلهم رجحوا القول بالعفو للضرورة. قوله: (بخرء) بالفتح والضم كما في المغرب. قوله:
(حمام وعصفور) أي ونحوهما مما يؤكل لحمه من الطيور سوى الدجاج والإوز. قوله: (في الأصح) راجع
إلى قوله: وكذا سباع طير أي مما لا يؤكل لحمه من الطيور، وهذا ما صححه في المبسوط، وصحح
قاضيخان في جامعه النجاسة. بحر. قوله: لتعذر صونها أي البئر عنه: أي عن الخرء المذكور.
237

ومفاد التعليل أنه نجس معفو عنه للضرورة، وفيه اختلاف المشايخ، لكن الذي اختاره في
الهداية وكثير من الكتب أنه ليس بنجس عندنا للاجماع العملي على اقتناء الحمامات في المسجد
الحرام من غير نكير مع العلم بما يكون منها كما في البحر. قال: ولم يذكروا لهذا الخلاف فائدة
مع اتفاقهم على سقوط حكم النجاسة اه‍.
قلت: يمكن أن تظهر في التعاليق، وكذا إذا رماه في الماء قصدا فإنه لا ضرورة في ذلك
لكونه بفعله، وما في النهر من أنها يمكن أن تظهر فيما لو وجدها على ثوب وعنده ما هو خال عنها
لا تجوز الصلاة فيه على العفو لانتفاء الضرورة وتجوز على الطهارة ا ه‍. قال ط: فيه نظر، إذ
مقتضاه عدم جوز التطهر فيه بهذا الماء حيث وجد غيره. قوله: (ولا بتقاطر بول الخ) تبع فيه
صاحب الدرر، وأشار في الفيض إلى ضعفه، وذكر القهستاني في الأنجاس أنه إن وقع في الماء
نجسه في الأصح، وكذا ذكره الحدادي عن الكفاية معللا بأن طهارة الماء أكدا، وبأنه لا حرج في
الماء: أي بخلاف البدن والثوب، وبه جزم الشارح في الأنجاس أيضا، فعلم أن كلام المصنف مبني
على القول الضعيف كما نبه عليه العلامة نوح أفندي. قوله: (كرؤوس إبر) ومثل الرؤوس الجهة
الأخرى ط، وسيأتي إشباع الكلام على هذه المسألة في باب الأنجاس. قوله: (وغبار نجس)
بالإضافة وعدمها، وفي الجيم الفتح والكسر ط. قوله: (وبعرتي إبل وغنم) أي لا نزح بهما، وهذا
استحسان قال في الفيض: فلا ينجس إلا إذا كان كثيرا، سواء كان رطبا أو يابسا، صحيحا أو
منكسرا. ولا فرق بين أن يكون للبئر حاجز كالمدن أو لا كالفلوات هو الصحيح ا ه‍. وفي
التاترخانية: ولم يذكر محمد في الأصل روث الحمار والخثي. واختلفوا فيه، فقيل ينجس ولو قليلا
أو يابسا، وقيل لو يابسا فلا، وأكثرهم على أنه لو فيه ضرورة وبلوى لا ينجس وإلا نجس ا ه‍.
مطلب في الفرق بين الروث والخثي والبعر والخرء والنجو والعذرة
فائدة: قال نوح أفندي: الروث للفرس والبغل والحمار، والخثي بكسر فسكون للبقر والفيل،
والبعر للإبل والغنم، والخرء للطيور، والنجو للكلب، والعذرة للانسان. قوله: (في محلب) بكسر
الميم: ما يحلب فيه. قاموس. قوله: (وقت الحلب) فلو وقعت في غير زمان الحلب فهو كوقوعها
في سائر الأواني فتنجس في الأصح، لان الضرورة إنما هي زمان الحلب، لان من عادتها أن تبعر
ذلك الوقت، والاحتراز عنه عسير، ولا كذلك غيره ا ه‍ شارح منية. قوله: (قبل تفتت وتلون)
قال في العناية تبعا للخانية: فلو تفتتت أو أخذ اللبن لونها ينجس ا ه‍. فتال. قوله: (والتعبير
بالبعرتين) أي في مسألتي البئر والمحلب كما أفاده في الشرنبلالية عن الفيضي. قوله: (اتفاقي) اعلم
أن بعضهم فهم من تقييد محمد في الجامع الصغير بالبعرة أو البعرتين أنه احتراز عن الثلاث بناء على
أن مفهوم العدد في الرواية معتبر. قال في البحر: وهذا الفهم إنما يتم لو اقتصر محمد على ذلك،
مع أنه قال: لا يفسد ما لم يكن كثيرا فاحشا، والثلاث ليس بكثير فاحش، كذا نقل عبارة الجامع
في المحيط وغيره ا ه‍. فأشار الشارح إلى أن قول المصنف وبعرتي إبل وغنم المراد منه
القليل لا خصوص الثنتين، وحمل قوله: وقيل الخ على بيان حد القليل والكثير ليفيد أن ذلك ليس
قولا آخر كما قد يتوهم، وإنما عبر عنه المصنف بقوله: وقيل ليفيد وقوع الخلاف في حده، فإن
238

فيه أقوالا صحح منها قولان، أرجحها هذا، والثاني أن ما لا يخلو دلو عن بعرة فهو كثير، صححه
في النهاية وعزاه إلى المبسوط، فافهم. قوله: (ذكر في الفيض) لم يصرح في الفيض بهذه العبارة،
وإنما يفهم من قوله: إلا إذا كان كثيرا، كما قدمنا. قوله: (وعليه الاعتماد) وصححه في البدائع
والكافي وكثير من الكتب. بحر. وفي الفيض: وبه يفتى. قوله: (لا يقدر الخ) أي إن عادة الامام
رحمه الله تعالى أن ما كان محتاجا إلى تقدير بعدد أو مقدار مخصوص ولم يرد فيه نص لا يقدره
بالرأي وإنما يفوضه إلى رأي المبتلى، فلذا كان هذا القول أرجح. قوله: (البعد الخ) اختلف في
مقدار البعد المانع من وصول نجاسة البالوعة إلى البئر، ففي رواية خمسة أذرع، وفي رواية سبعة.
وقال الحلواني: المعتبر الطعم أو اللون أو الريح، فإن لم يتغير جاز وإلا لا ولو كان عشرة أذرع.
وفي الخلاصة والخانية: والتعويل عليه، وصححه في المحيط. بحر.
والحاصل أنه يختلف بحسب رخاوة الأرض وصلابتها، ومن قدره اعتبر حال أرضه.
مطلب في السؤر
قوله: (ويعتبر سؤر بمسئر) لما فرغ من بيان فساد الماء وعدمه باعتبار وقوع نفس الحيوانات
فيه ذكرها باعتبار ما يتولد منها. والسؤر بالضم مهموز العين: بقية الماء التي يبقيها الشارب في
الاناء أو في الحوض ثم استعير لبقية الطعام وغيره، والجمع الأسئار والفعل أسأر: أي أبقى مما
شرب. بحر وغير. وظاهر القاموس أن السؤر حقيقة في مطلق البقية، والمعنى: أن السؤر يعتبر
بلحم مسئره فإن كان لحم مسئره طاهرا فسؤره طاهر، أو نجسا فنجس، أو مكروها فمكروه، أو
مشكوكا فمشكوك. ابن ملك. قوله: (اسم الفاعل من أسأر) أي مسئر اسم فاعل قياسي، مأخوذ من
مصدر أسار أو سأر كمنع، واسم فاعلهما السماعي سآر كسحار، والقياسي جائز كما في القاموس.
قوله: (لاختلاطه بلعابه) علة ليعتبر: أي ولعابه متولد من لحمه فاعتبر به طهارة ونجاسة وكراهة
وشكا. منح ا ه‍. ط. قوله: (ولو جنبا الخ) بيان لاطلاق.
فإن قيل: ينبغي أن يتنجس سؤره على القول بنجاسة المستعمل لسقوط الفرض بهذا الشرب
على الراجح. قلنا: المستعمل هو المشروب لا ما بقي، ولو لسم فلا يستعمل للحرج كإدخال اليد
في الحب لكوز، وتمامه في البحر. قوله: (أو كافرا) لان عليه الصلاة والسلام أنزل بعض
المشركين في المسجد على ما في الصحيحين، فالمراد بقوله تعالى: * (إنما المشركون نجس) *
(التوبة: 82) النجاسة في اعتقادهم. بحر. ولا يشكل نزح البئر به لو أخرج حيا، لان ذلك لما عليه
في الغالب من النجاسة الحقيقية أو الحكمية كما قدمناه. قوله: (أو امرأة) أي ولو حائضا أو نفساء،
لما روى مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبي (ص)
فيضع فاه على موضع في بحر. قوله: (نعم يكره سؤرها الخ) أي في الشرب لا في الطهارة.
بحر. قال الرملي: ويجب تقيده بغير الزوجة والمحارم ا ه‍.
239

وأورد بعضهم على قول البحر: لا في الطهارة، ما مر في الوضوء من أنه يكره التوضي بفضل
ماء المرأة، والمراد به السؤر. أقول: المراد به الماء الذي توضأت به في خلوتها كما أوضحناه فيما
مر، فتدبر. قوله: (للاستلذاذ) قال شيخنا: ويستفاد منه كراهة الحلاق الأمرد إذا وجد المحلوق رأسه
من اللذة ما يزيد على ما لو كان ملتحيا ا ه‍، فكراهة التكبيس وغمز الرجلين واليدين من الأمرد في
الحمام بالأولى ط. قوله: (واستعمال ريق الغير) اعترضه أبو السعود بأنه يشمل سؤر الرجل للرجل
والمرأة للمرأة، فالظاهر الاقتصار على التعليل الأول كما فعل في النهر ا ه‍.: أي لأنه (ص) كان
يشرب ويعطي الاناء لمن عن يمينه ويقول: الأيمن فالأيمن نعم عبر في المنح بالأجنبية، وفيه
نظر أيضا. والذي يظهر أن العلة الاستلذاذ فقط، ويفهم منه أنه حيث لا استلذاذ كراهة ولا سيما إذا
كان يعافه. قوله: (مجتبى) أي قبيل كتاب الوصايا وكان المناسب ذكره قبل التعليل لأني لم أره في
المجتبى. قوله: (ومأكول لحم) أي سوى الجلالة منه فإنه مكروه كما يأتي. قوله: (ومنه الفرس في
الأصح) وهو ظاهر الرواية عن الامام وهو قولهم، وكراهة لحمه عنده لاحترامه لأنه آلة الجهاد لا
لنجاسته، فلا يؤثر في كراهة سؤره. بحر. والفرس اسم جنس كالحمار فيعم الذكر والأنثى ط.
قوله: (ومثله ما لا دم له) أي سائل سواء كان يعيش في الماء أو في غيره ط عن البحر. قوله:
(قيد للكل) أي للآدمي ومأكول اللحم ولا دم له ط. قوله: (طاهر) أي في ذاته طهور: أي مطهر
لغيره من الاحداث والأخباث ط. قوله: (وسؤر خنزير) قدر لفظ سؤر إشارة إلى أن لفظ خنزير
مجرور بمضاف حذف وأبقي عمله وهو قليل، والأولى رفعه لقيامه مقام المضاف. قال الزيلعي: ولا
يجوز عطفه على المجرور قبله، لأنه يلزم منه (1) العطف على معمولي عاملين مختلفين كما أوضحه
في البحر. قوله: (وسباع بهائم) هي ما كان يصطاد بنابه كالأسد والذئب والفهد والنمر والثعلب
والفيل والضبع وأشباه ذلك. سراج. قوله: (فور شربها) أي بخلاف ما إذا مكث ساعة ابتلع ريقه
ثلاث مرات بعد لحس شفتيه بلسانه وريقه ثم شرب فإنه لا ينجس، ولا بد أن يكون المراد إذا لم
يكن في بزاقه الخمر من طعم أو ريح ا ه‍. حلية. قوله: (لا يستوعبه اللسان) أي لا يتمكن أن
يعمه بريقه. قوله: (ولو بعد زمان) أي ولو كان شربه الماء بعد زمان طويل. وفي أنجاس التاترخانية
عن الحاوي: وقيل إذا كان الاناء مملوءا ينجس الماء والاناء بملاقاة فمه وإلا فلا ا ه‍: أي أنه إذا
لم يكن مملوءا يكون الماء واردا على الشارب فإذا ابتلعه يكون كالجاري. قوله: (فور أكل فأرة) فإن

(1) قوله: (لأنه يلزم الخ) اي لان الكلب معطوف على الادمي وهو معمول المضاف أعني سؤر، ونجس معطوف على
طاهر وهو معمول المبتدأ أعني سؤر، فكان فيه العطف على معمولين وهما الادمي، وطاهر لعاملين وهما المضاف
والمبتدأ، هذا إذا كان المضاف عاملا في المضاف إليه، أما إذا كان العامل هو الإضافة فلا اشكال انه من باب العطف
على معمولين عاملين مختلفين ا ه‍. بحر. وأشار بقوله فلا اشكال إلى أن في التقرير السابق اشكالا، لأنه مبني على
تنزيل اختلاف العمل منزلة اختلاف العامل، لان العامل وهو سؤر واحد في الحقيقة لكن عمله في المضاف إليه وفي
الخبر مختلف، فكأنه عاملان ا ه‍. منه.
240

مكثت ساعة ولحست فمها فمكروه. منية. ولا ينجس عندهما. وقال محمد: ينجس لأن النجاسة لا
تزول عنده إلا بالماء، وينبغي أن لا ينجس على قوله إذا غابت غيبة يجوز معها شربها من ماء كثير.
حلية. قوله: (مغلظ) وفي رواية عن الثاني أن سؤر ما لا يؤكل كبول ما يؤكل، والذي يظهر ترجيح
الأول. بحر. قوله: (مخلاة) بتشديد اللام: أي مرسلة تخالط النجاسات ويصل منقارها إلى ما تحت
قدميها، أما التي تحبس في بيت وتعلف فلا يكره سؤرها، لأنها لا تجد عذرات غيرها حتى تجول فيها
وهي في عذرات نفسها لا تجول بل تلاحظ الحب بينه فتلتقطه كما حققه في الفتح، وتمامه في
البحر. قوله: (وإبل وبقر جلالة) أي تأكل النجاسة إذا جهل حالها، فإن علم حال فمها طهارة
ونجاسة فسؤرها ا ه‍. مقدسي.
أقول: الظاهر أنه أراد بالجلالة غير التي أنتن لحمها من أكل النجاسة، إذ لو أنتن فالظاهر
الكراهة بلا تفصيل لأنهم صرحوا بأنها لا يضحى بها كما يأتي في الأضحية. قال في شرح الوهبانية:
وفي المنتقى الجلالة المكروهة التي إذا قربت وجدت منها رائحة، فلا تؤكل ولا يشرب لبنها ولا
يعمل عليها، ويكره بيعها وهبتها وتلك حالها، وذكر البقالي أن عرقها نجس ا ه‍. وصرح
المصنف في الحظر والإباحة أنه يكره لحم الأتان والجلالة. قال الشارح هناك: وتحبس الجلالة
حتى يذهب نتن لحمها. وقدر بثلاثة أيام لدجاجة وأربعة لشاة، وعشر لابل وبقر على الأظهر، ولو
أكلت النجاسة وغيرها بحيث لينتن لحمها حلت ا ه‍. وبه علم أن الجلالة التي يكره سؤرها هي
التي لا تأكل إلا النجاسة حتى أنتن لحمها لأنها حينئذ غير مأكولة، ولذا قال في الجوهرة: فإن كانت
تخلط أو أكثر علفها علف الدواب لا يكره سؤرها ا ه‍
قلت: بقي شئ، وهو أن الغالب أن الإبل تجتر كالغنم وجرتها نجسة كسرقينها كما سيأتي،
ومقتضاه أن يكون سؤرها مكروها وإن لم تكن جلالة، ولم أرى من تعرض له، وإنما المفهوم من
إطلاقهم عدم الكراهة، فليتأمل. قوله: (لم يعلم ربها طهارة منقارها) لما روى الحسن عن أبي
حنيفة: إن كان هذا الطير لا يتناول الميتة مثل البازي الأهلي ونحوه لا يكره الوضوء، وإنما يكره
في الذي يتناول الميتة، وروي عن أبي يوسف أيضا مثله. حلية. قوله: (وسواكن بيوت) أي مما له
دم سائل كالفأرة والحية والوزغة، بخلاف ما لا دم له كالخنفس والصرصر والعقرب فإنه لا يكره كما
مر، وتمامه في الامداد. قوله: (طاهر للضرورة) بيان ذلك أن القياس في الهرة نجاسة سؤرها لأنه
مختلط بلعابها المتولد من لحمها النجس، لكن سقط حكم النجاسة اتفاقا لعلة الطواف المنصوصة
بقوله (ص): إنها ليست بنجسة، إنها من الطوافين عليكم والطوافات أخرجه أصحاب السنن الأربعة
وغيرهم. وقال الترمذي: حسن صحيح. يعني أنها تدخل المضائق، ولازمه شدة المخالطة بحيث
يتعذر صون الأواني منها، وفي معناها سواكن البيوت للعلة المذكورة، فسقط حكم النجاسة
للضرورة وبقيت الكراهة لعدم تحاميها النجاسة. وأما المخلاة فلعابها طاهر فسؤرها كذلك، لكن لما
كانت تأكل العذرة كره سؤرها ولم يحكم بنجاسته للشك، حتى لو علمت النجاسة في فمها تنجس،
ولو علمت الطهارة انتفت الكراهة.
وأما سباع الطير فالقياس نجاسة سؤرها كسباع البهائم بجامع حرمة لحمها، والاستحسان
طهارته لأنها تشرب بمنقارها وهو عظم طاهر، بخلاف سباع البهائم لأنها تشرب بلسانها المبتل بلعابها
241

النجس، لكن لما كانت تأكل الميتة غالبا أشبهت المخلاة فكره سؤرها، حتى لو علم طهارة منقارها
انتفت الكراهة، هكذا قرروا، وبه علم أن طهارة السؤر في بعض هذه المذكورات ليست للضرورة،
بل على الأصل، فتنبه. قوله: (مكروه) لجواز كونها أكلت نجاسة قبيل شربها.
وأفاد في الفتح أنه لو احتمل تطهيرها فمها زالت الكراهة حيث قال: ويحمل إصغاؤه (ص) الاناء
للهرة على زوال ذلك التوهم، بأن كانت في مرأى منه في زمان يمكن فيه غسلها فمها بلعابها وأما
على قول محمد فيمكن بمشاهدة شربها من ماء كثير أو مشاهدة قدومها عن غيبة يجوز معها ذلك.
فيعارض هذا التجويز بتجويز أكلها نجسا قبيل شربها فيسقط فتبقى الطهارة دون كراهة، لان الكراهة
ما جاءت إلا من ذلك التجويز وقد سقط، وعلى هذا لا ينبغي إطلاق كراهة أكل فضلها والصلاة إذا
لحست عضوا قبل غسله، كما أطلقه شمس الأئمة وغيره، بل يقيد بثبوت ذلك التوهم، أما لو كان
زائلا بما قلنا فلا ا ه‍. وأقره في البحر وشرح المقدسي، وهو خلاف ما قدمناه عن المنية. تأمل.
قوله: (تنزيها) قيد به لئلا يتوهم التحريم.
مطلب: الكراهة حيث أطلقت فالمراد منها التحريم
قال في البحر: واعلم أن المكروه إذا أطلق في كلامهم فالمراد منه التحريم، إلا أن ينص على
كراهة التنزيه، فقد قال المصنف في المصفى: لفظ الكراهة عند الاطلاق يراد بها التحريم. قال أبو
يوسف: قلت لأبي حنيفة: إذا قلت في شئ أكرهه فما رأيك فيه؟ قال: التحريم ا ه‍. قوله: (في
الأصح) الخلاف إنما هو في سؤر الهرة. قال في البحر: وأما سؤر الدجاجة المخلاة فلم أرى من ذكر
خلافا في المراد من الكراهة، بظاهر كلامهم أنها كراهة التنزيه بلا خلاف لأنها لا تتحامى
النجاسة، وكذا في سباع الطير وسواكن البيوت ا ه‍. قوله: (كأكلة لفقير) أي أكل سؤرها: أي
موضع فمها، وما سقط منه من الخبز ونحوه من الجامدات لأنه لا يخلو من لعابها، وليس المراد أكل
ما بقي: أي مما لم يخالطه لعابها، بخلاف المائع كما أوضحه في الحلية. وأفاد الشارح كراهته لغني
لأنه يجد غيره، وهذا عند توهم نجاسة فمها كما قدمناه عن الفتح قريبا.
فرع: تكره الصلاة مع حمل ما سؤره مكروه كالهرة ا ه‍. بحر عن التوشيح.
قلت: وينبغي تقييده بالتوهم أيضا كما علمته مما مر، ويظهر منه كراهة الصلاة بثوب أصابه
السؤر المكروه كما ذكره في الحلية.
مطلب: ست تورث النسيان
نكتة: قيل ست تورث النسيان: سؤر الفأرة، وإلقاء القملة وهي حية، والبول في الماء
الراكد، وقطع القطار، ومضغ العلك، وأكل التفاح. ومنهم من ذكره حديثا، لكن قال أبو الفرج بن
الجوزي: إنه حديث موضوع. بحر وحلية. وإطلاق التفاح هنا موافق لما في كتب الطب من أنه كله
مورث للنسيان. وذكر بعضهم الحديث مقيدا التفاح بالحامض.
تتمة: زاد بعضهم: مما يورث النسيان أشياء، منها: العصيان، والهموم والأحزان بسبب الدنيا،
وكثرة الاشتغال بها، وأكل الكزبرة الرطبة، والنظر إلى المصلوب، والحجم في نقرة القفا، واللحم و
الملح، والخبز الحامي، والاكل من القدر، وكثرة المزح، والضحك بين المقابر، والوضوء في محل
الاستنجاء، وتوسد السراويل أو العمامة، ونظر الجنب إلى السماء، وكنس البيت بالخرق، ومسح
وجهه أو يديه بذيله، ونفض الثوب في المسجد، ودخوله باليسرى وخروجه باليمنى، واللعب
242

بالمذاكير أو الذكر حتى ينزل، والنظر إليه، وبالبول في الطريق أو تحت شجرة مثمرة أو في الماء
الراكد أو في الرماد، والنظر إلى الفرج أو في مرآة الحجام، والامتشاط بالمشط المكسورة وغير
ذلك، ولسيدي عبد الغني فيها رسالة، قوله: (أهلي) أما الوحشي فمأكول فلا شك في سؤره ولا
كراهة. قوله: (في الأصح) قاله قاضيخان، ومقابله القول بنجاسته لأنه ينجس فمه بشم البول. قال
في البدائع: وهو غير سديد لأنه أمر موهوم لا يغلب وجوده فلا يؤثر في إزالة الثابت. بحر. قوله:
(أمه حمارة) قاله في القاموس: الحمارة بالهاء: الأتان، فافهم، وهذا القيد صرح به غير واحد منهم
السروجي في شرح الهداية، قال: إذا نزا الحمار على الرمكة: أي الفرس لا يكره لحم البغل
المتولد بينهما، فعلى هذا لا يصير سؤره مشكوكا فيه ا ه‍، والمراد لا يكره لحمه عندهما إلحاقا
بالفرس، وعنده يكره كالفرس، إلا أن سؤره لا يكون مشكوكا اتفاقا كما في الصحيح في سؤر
الفرس وكذا البغل الذي أمه بقرة يحل لحمه اتفاقا ولا يكون سؤره مشكوكا لكن ينافي قول
صاحب الهداية: والبغل من نسل الحمار فيكون بمنزلته، فإنه يفيد اعتبار الأب، إلا أن الأصل في
الحيوانات الالحاق بالام كما صرحوا به في غير موضع. شرح المنية ونحوه في النهر. قال في
الحلية: قلت: ويمكن أن يقال: ما في الهداية مخرج على مذهب الامام خاصة فيما إذا كان أبوه
حمارا وأمه فرسا، تغليبا لجانب التحريم على الإباحة احتياطا. قوله: (فطاهر) الأولى قول ابن مالك
عن الغاية: فطهور لان الولد يتبع الام ا ه‍. قوله: (ولا عبرة بغلبة الشبه) رد على ما قاله مسكين من
أن التبعية للام محلها ما إذا لم يغلب شبهه بالأب. قوله: (لتصريحهم الخ) صرح في الهداية وغيرها
في الأضحية بجواز الأضحية به حيث قال: والمولود بين الأهلي والحوشي يتبع الام لأنها الأصل
في التبعية، حتى إذا نزا الذئب على الشاة يضحى بالولد ا ه‍. تأمل. قوله: (اعتبارا للام) لأنها
الأصل في الولد لانفصاله منها وهو حيوان متقوم، ولا ينفصل من الأب إلا ماء مهينا، ولهذا يتبعها
في الرق والحرية، وإنما أضيف الآدمي إلى أبيه تشريفا له، وصيانة له عن الضياع، وإلا فالأصل
إضافته إلى الام كما في البدائع. قوله: (عن الأشباه) صوابه على الفوائد التاجية ط، وكذا نقله في
الأشباه عنها في قاعدة: إذا اجتمع الحلال والحرام. قوله: (عدم ألح) أي عدم حل أكل ذئب
ولدته شاة. قوله: (قال شيخنا) يريد الرملي عند الاطلاق ط. قوله: (إنه غريب) أي لمخالفته
المشهور في كلامهم من إطلاق أن العبرة للام، وقد ذكر القولين المصنف في منظومته تحفة الاقران
في الأضحية فقال:
نتيجة الأهلي والوحشي * تلحق بالام على المرضي
ومثله نتيجة المحرم * مع المباح يا أخي فاعلم
هذا هو المشهور بين العلما * والحظر في هذا حكوه فاعلما
قوله: (مشكوك في طهوريته) هذا هو الأصح، وهو قول الجمهور، ثم قيل سببه تعارض
الاخبار في لحمه، وقيل اختلاف الصحابة في سؤره. والأصح ما قاله شيخ الاسلام: إن الحمار
243

أشبه الهرة لوجوده في الدور والأفنية، لكن الضرورة فيه دون الضرورة فيها لدخولها مضائق البيت
فأشبه الكلب والسباع، فلما ثبتت الضرورة من وجه دون وجه واستوى ما يوجب الطهارة والنجاسة
تساقطا للتعارض فصير إلى الأصل، وهو هنا شيئان: الطهارة في الماء. والنجاسة في اللعان.
وليس أحدهما بأولى من الآخر. فبقي الامر مشكلا نجسا من وجه طاهرا من آخر. وتمامه في
البحر.
لا يقال: كلب الصيد والحراسة كذلك لأنه معارض بالنص كما أفاده في السعدية. قوله: (لا
في طهارته) أي ولا فيهما جميعا كما قيل أيضا، هذا مع اتفاقهم أنه على ظاهر الرواية لا ينجس
الثوب والبدن والماء ولا يرفع الحدث، فلهذا قال في كشف الاسرار: إن اختلاف لفظي، لان من
قال الشك في طهوريته فقط أراد أن الطاهر لا يتنجس به ووجب الجمع بينه وبين التراب، لا أنه
ليس في طهارته شك أصلا، لأن الشك في طهوريته إنما نشأ من الشك في طهارته ا ه‍. بحر.
قلت: ويؤيده ما مر عن شيخ الاسلام، فإنه صريح في أن الشك في الطهارة. قوله: (اعتبر
بالاجزاء) أي كالماء المستعمل عند محمد، فيجوز الوضوء بالماء ما لم يغلب عليه. محيط. وكا
الوجه أن يقول: ما لم يساوه لما علمته في مسألة الفساقي. بحر. هذا، وفي السراج بعد ما نقله عن
الوجيز: واعترض الصيرفي في عليه حيث قال: وهذا بعيد، لأنه إذا جوز الوضوء بالماء الذي يختلط
بالسؤر إذا كان أكثر كان أيضا يجوز الوضوء بالسؤر، لأنه أكثر من اللعاب ا ه‍.
أقول: ويؤيده ما قدمناه عن الفتح من أنه تظافر كلامهم على أنه ينزح منه جميع ماء البئر،
وقدمنا النقول فيه، وأن اعتباره بالاجزاء مخالف لذلك، وقد صرحوا بأن العمل بما عليه الأكثر، وبه
يظهر أن ما هنا غير معتبر، فتدبر. قوله: (قولان) قد علمت أن الشك في الطهورية ناشئ عن الشك
في الطهارة، والنجس الثابت بيقين لا يرتفع إلا بطاهر بيقين، فافهم وتأمل. قوله: (في صلاة واحدة
الخ) يعني أن الشرط أن لا تخلو الصلاة الواحدة عنهما وإن لم يوجد الجمع بينهما في حالة واحدة،
حتى لو توضأ به وصلى ثم أحدث وتيمم وصلى تلك الصلاة جاز هو الصحيح، لان المطهر أحدهما
لا المجموع، فإن كان السؤر صحت ولغت صلاة التيمم، أو التيمم فالعكس. نهر.
فإن قيل: يلزم من هذا أداء الصلاة بلا طهارة في إحدى المرتين وهو مستلزم للكفر فينبغي
وجوب الجمع بينهما في أدا واحد. قلنا: كل منهما مطهر من وجه دون وجه، فلا يكون الأداء بلا
طهارة من كل وجه، فلا يلزمه الكفر، كما لو صلى حنفي بعد نحو الحجامة لا تجوز صلاته ولا
يكفر للاختلاف، بخلاف ما لو صلى بعد البول، بحر عن المعراج. والظاهر أن الأولى الجمع
بينهما في أداء واحد للتباعد عن هذه الشبهة، ثم رأيت في الشرنبلالية نقل عن شيخه الشمس
المحبي أنه لو صلى بالوضوء ثم بالتيمم: فإن لم يحدث بينهما كره فعله في الأولى دون الثانية، وإن
أحدث كره فيهما، ووجه ظاهر فتدبر، وبه ظهر أن قول النهر فيما مر ثم أحدث غير قيد، نعم يفهم
منه أنه لو لم يحدث يصح بالأولى لان الصلاة الثانية تكون بالطهارتين.
وفي النهر عن الفتح: واختلف في النية بسؤر الحمار، والأحوط أن ينوي ا ه‍: أي الأحوط
244

القول بوجوبها، فقد قدمنا في بحث النية عن البحر عن شرح المجمع والنقاية معزيا إلى الكفاية أنها
شرط فيه وفي نبيذ التمر. قوله: (إن فقد ماء مطلقا) أما إذا وجده تعين المصير إليه، ولو وجده بعد
ما توضأ بالسؤر وتيمم لا يصلي ما لم يتوضأ به، ولو لم يتوضأ به حتى فقده ومعه السؤر أعاد
التيمم لا الوضوء بالسؤر. تاترخانية. قوله: (في الأصح والأفضل تقديم الوضوء رعاية لقول زفر
بلزومه). إمداد. قوله: (ثم أراقه) أما لو أراقه أولا حتى صار عادما للماء لا يلزمه، بل عن نصير بن
يحيى أن من لم يجد إلا سؤر الحمار يهريقه ثم يتيمم. قال الصفار: وهو قول جيد. بحر عن جامع
المحبوبي. قوله: (لاحتمال طهوريته) أي فيحتمل الصلاة البطلان فتعاد.
وفي الزيلعي: متيمم رأى سؤر حمار وهو في الصلاة أتمها ثم توضأ به وأعادها لاحتمال
البطلان ا ه‍. قوله: (ويقدم التيمم على نبيذ التمر) اعلم أنه روي في النبيذ عن الامام ثلاث
روايات:
الأولى: وهو قوله الأول إنه يتوضأ به ويستحب أن يضيف إليه التيمم
. الثانية: الجمع بينهما كسؤر الحمار، وبه قال محمد، ورجحه في غاية البيان.
والثالثة: التيمم فقط، وهو قوله الأخير، وقد رجع إليه، وبه قال أبو يوسف والأئمة الثلاثة،
واختاره الطحاوي، وهو المذهب المصحح المختار المعتمد عندنا. بحر.
إذا علمت ذلك ظهر لك أن ظاهر كلام المصنف مبني على الرواية الثانية، وبه تظهر مناسبة ذكره
في بحث السؤر، لكن ينافيه قوله: على المذهب فيتعين حمل قوله: ويقدم الخ على التقدم في
الرتبة لا في الزمان: أي إن التيمم رتبته التقدم على الوضوء بالنبيذ، فلا يقتصر على الوضوء به، ولا
يجمع بينهما مع سبق التيمم. قال في النهر: ومحل الخلاف ما إذا ألقى في الماء تميرات حتى صار
حلوا رقيقا غير مطبوخ ولا مسكر، فإن لم يحل فلا خلاف في جواز الوضوء به، أو أسكر فلا خلاف
في عدم الجواز، أو طبخ فكذلك في الصحيح كما في المبسوط. ورجح غيره الجواز، إلا أن الأول
أولى لموافقته لما مر من الضابط: أي المذكور في المياه. قوله: (لان المجتهد الخ) علة لكون ما ذكر
هو المذهب المفتى به دون غيره، فافهم. قوله: (وحكم عرق كسؤر) أي العرق من كل حيوان حكمه
كسؤره لتولد كل منهما من اللحم، كذا قالوا. ولا خفاء أن المتولد هو اللعاب: أي لا السؤر، لكن
أطلق عليه للمجاورة. نهر. قوله: (فعرق الحمار الخ) أفرده بالتنصيص عليه لان بعضهم كصاحب
المنية استثناه فقال: إلا أن عرق الحمار طاهر عند أبي حنيفة في الروايا ت المشهورة، كما ذكره
القدوري. وقال شمس الأئمة الحلواني: نجس إلا أنه جعل عفو في الثوب والبدن للضرورة. قال في
شرح المنية: وهذا الاستثناء إنما يصح على القول بأن الشك في الطهارة.
فإذا قيل إن سؤر الحمار مشكوك في طهارته ونجاسته وعرق كل شئ كسؤره، صح أن يقال:
245

إلا أن عرق الحمار طاهر: أي من غير شك، لأنه (ص) ركب الحمار معروريا في حر الحجاز،
والغالب أنه يعرق، ولم يرو أنه عليه الصلاة والسلام غسل بدنه أو ثوبه منه ا ه‍. ومعروريا حال من
الفاعل، ولو كان من المفعول لقيل معروري، كذا في المغرب.
قلت: وليس المعنى أنه عليه الصلاة والسلام ركب وهو عريان كما يوهمه كلام النهر وغيره،
إذ لا يخفى بعده، بل المراد أنه ركب حال كونه معروريا الحمار، فهو اسم فاعل من اعرورى
المتعدي حذف مفعوله للعلم به، يقال اعرورى الفرس: ركبه عريا، فتنبه. قوله: (صار مشكلا)
يعني صار الماء به مشكلا: أي في الظهورية، فيجمع بينه وبين التيمم كما في لعابه، ويجوز شربه
من ذلك الماء كما في السراج. قوله: (وفي المحيط الخ) هذا مأخوذ من القهستاني، ونصه: وفي
الزبدة أن عرق الجلالة كالحمار والبغل وغيرهما نجس. وفي قاضيخان أن عرقهما طاهر في ظاهر
الرواية. وفي المحيط عن الحلواني: نجس لكنه عفو في البدن والثوب. وعن أبي حنيفة أن عرق
الحمار نجاسة غليظة، وعنه أنه خفيفة ا ه‍. كلام القهستاني.
وحاصله أنه ذكر في عرق الحمار والبغل ثلاث روايات عن الامام كما صرح به في شرح
المنية أنه طاهر، وهو ما قال قاضيخان إنه ظاهر الرواية وهي الرواية المشهورة كما قدمناه عن
المنية. ونجس مغلظ. ونجس مخفف، وكلام الحلواني محتمل للأخيرتين إلا أنه أسقط حكم النجاسة
في البدن والثوب، وقدمنا عن المنية تعليله بالضرورة: أي ضرورة ركوبه.
إذا علمت ذلك ظهر لك أن الكلام في عرق الحمار والبغل لا في الجلالة، وأن ضمير
عرقهما في عبارة القهستاني عن قاضيخان ضمير مثنى راجع إلى البغل والحمار. والظاهر أن نسخة
القهستاني التي وقعت للشارح بضمير المفرد لا المثنى فأرجع الضمير إلى الجلالة وليس كذلك.
وقد راجعت عبارة قاضيخان فرأيتها بضمير التثنية العائد إلى ما ذكره قبله من البغل والحمار، ولم أرى
فيها ذكر الجلالة أصلا، وكذا ما نقله في المحيط عن الحلواني ليس في الجلالة بل في البغل والحمار، بدليل ما قدمناه عن المنية من عبارة الحلواني، وهو المتعين في عبارة القهستاني بعد
ضمير التثنية، وقد ذكرنا أحكام الجلالة عند قوله: وابل وبقر جلالة ونقلنا التصريح عن البقالي
بأن عرقها نجس، وبه صرح الشارح في مسائل شتى آخر الكتاب، وهو محمول على التي أنتن لحمها كما قدمنا، فاغتنم هذا التحرير الذي هو من منح العليم الخبير، الحمد لله على نعمائة وتواتر آلائه.
باب التيمم
قوله: (ثلث به) أي جعله ثالثا للوضوء والغسل: أي ذكره بعدهما اقتداء بالكتاب العزيز: أعني
قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) * (المائدة: 6) الآية، فإنه ثلث به فيها، وأيضا فهو
خلف عنهما، والخلف يتبع الأصل. قوله: (وهو الخ) دليله قوله (ص): أعطيت خمسا لم يعطهن
أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر. وجعلت لي الأرض وفي رواية: ولامتي
246

مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل. وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد
قبلي. وأعطيت الشفاعة. وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة رواه الشيخان
وغيرهما، بل قال السيوطي: إنه متواتر، فلذا قال الشارح بلا ارتياب وفيه رمز إلى ما في
اختصاص هذه الأمة بالوضوء كما قدمناه في محله. قوله: (هو لغة القصد) أي مطلق القصد، ومنه
قوله تعالى: * (ولا تيمموا الخبيث) * (البقرة: 762) بخلاف الحج فإنه القصد إلى معظم كما في البحر.
قوله: (وشرعا الخ) قال في البحر: واصطلاحا على ما في شروح الهداية: القصد إلى الصعيد الطاهر
للتطهير، وعلى ما في البدائع وغيره: استعمال الصعيد في عضوين مخصوصين على قصد التطهير
بشرائط مخصوصة. وزيف الأول بأن القصد شرط لا ركن. والثاني بأنه لا يشترط استعمال جزء من الأرض حتى يجوز بالحجر الأملس، فالحق أنه اسم لمسح الوجه واليدين عن الصعيد الطاهر، والقصد
شرط، لأنه النية ا ه‍. وهذا ما حققه في الفتح. قوله: (شرط القصد الخ) بالبناء للمجهول، وفيه تورك
على المصنف، لان تركيبه يقتضي أن حقيقته القصد فنبه على أنه شرط، وكذا الصعيد، وكونه مطهرا
كما أفاده ح، فافهم. قوله: (خرج الخ) ولذا لم يقل طاهر كما مر عن الشروح والهداية، لأن هذه
الأرض طاهرة غير مطهرة. قوله: (واستعماله الخ) هذا هو التعريف الثاني الذي قدمناه عن البدائع،
وأراد بالصفة المخصوصة ما سيأتي، أو ما مر من كونه في عضوين مخصوصين بشرائط مخصوصة،
وقوله: لأجل إقامة القربة هو معنى ما مر عن البدائع من قوله على قصد التطهير وقوله الشارح
حقيقة أو حكما الخ جواب عن الايراد المار على هذا التعريف، إذ لا يخفى أن الحجر الأملس جزء
من الأرض استعمل في العضوين للتطهير، إذ ليس المراد بالاستعمال أخذ جزء منها بل جعله آلة
للتطهير، وعليه فهو استعمال حقيقة وهو ظاهر كلام النهر، فلا حاجة إلى قوله: أو حكما كما
أفاده ط، وبما قررناه ظهر لك أن المصنف ذكر التعريفين المنقولين عن المشايخ، والظاهر أنه قصد
جعلهما تعريفا واحدا، إذ لا بد في الألفاظ الاصطلاحية المنقولة عن اللغوية أن يوجد فيها المعنى
اللغوي غالبا. ويكون المعنى الاصطلاحي أخص من اللغوي، ولذا عرف المشايخ الحج بأنه قصد
خاص يزيادة أوصاف مخصوصة، وما مر من الايراد على ذلك بأن القصد شرط يظهر لي أنه غير وارد،
لان الشرط هو قصد عبادة مقصودة إلى آخر ما يأتي، لا قصد نفس الصعيد، على أن المعاني الشرعية
لا توجد بدون شروطها، فمن صلى بلا طهارة مثلا لم توجد منه صلاة شرعا، فلا بد من ذكر الشروط
حتى يتحقق المعنى الشرعي، فلذا قالوا بشرائط مخصوصة كما مر.
ولما كان الاستعمال وهو المسح المخصوص للوجه واليدين من تمام الحقيقة الشرعية ذكره
مع القصد تتميما للتعريف، فاغتنم هذا التحرير المنيف. قوله: (بصفة مخصوصة) وهي ما في البدائع
عن أبي يوسف قال: سألت أبا حنيفة عن التيمم، فقال: التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة
لليدين إلى المرفقين، فقلت: كيف هو؟ فضرب بيديه على الصعيد فأقبل بهما وأدبر ثم نفضهما ثم
مسح بهما وجهه، ثم أعاد كفيه على الصعيد ثانيا فأقبل بهما وأدبر ثم نفضهما، ثم مسح بذلك ظاهر
الذارعين وباطنهما إلى المرفقين، ثم قال في البدائع: وقال بعض مشايخنا ينبغي أن يمسح بباطن
247

أربع أصابع يده اليسرى ظاهر يده اليمنى من رؤوس الأصابع إلى المرفق، ثم يمسح بكفه اليسرى
دون الأصابع باطن يده اليمنى من المرفق إلى الرسغ، ثم يمر بباطن إبهامه اليسرى على ظاهر إبهامه
اليمنى، ثم يفعل باليد اليسرى كذلك، وهذا الأقرب إلى الاحتياط لما فيه من الاحتراز عن استعمال
التراب المستعمل بالقدر الممكن ا ه‍. ملخصا. ومثله في الحلية عن التحفة والمحيط وزاد الفقهاء.
قوله: (وهو الأصح الأحوط) هذا ما ذهب إليه السيد أبو شجاع، وصححه الحلواني، وفي النصاب:
وهذا استحسان وبه نأخذ، وهو الأحوط. وقيل ليسا بركن، وإليه ذهب الأسبيجابي وقاضيخان،
وإليه مال في البحر والبزازية والامداد. وقال في الفتح: إنه الذي يقتضيه النظر، ولان المأمور به في
الآية المسح ليس غير، ويحمل قوله (ص): التيمم ضربتان إما على إرادة الضربة أعم من كونها على
الأرض أو على العوض مسحا، أو أنه خرج مخرج الغالب ا ه‍. وأقره في الحلية، ورجحه في شرح
الوهبانية، وقال العلامة ابن الكمال: والمراد بيان كفاية الضربتين لا أنه لا بد منهما، كيف وقد ذكر
في كتاب الصلاة: لو كنس دارا أو هدم حائطا أو كال حنطة فأصحاب وجهه وذراعيه غبار لم يجزه
ذلك عن التيمم حتى يمر يده عليه ا ه‍: أي أو يحرك وجهه ويديه بنيته كما سيأتي عن الخلاصة.
وقال في النهر: المراد الضرب أما يقوم مقامه، وعليه مشى الشارح فيما سيأتي، وتظهر ثمرة
الخلاف كما في البحر فيما لو ضرب يديه فقبل أن يمسح أحدث، وفيما إذا نوى بعد الضرب،
وفيما إذا ألقت الريح الغبار على وجهه ويديه فمسح بنية التيمم أجزأه على الثاني دون الأول. قوله: (
لأجل إقامة القربة) أي لأجل عبادة مقصودة لا تصح بدون الطهارة كما سيأتي بيانه. قوله: (فإنه لا
يصلي به) لان التعليم يحصل بالقول فلا يتوقف على الطهارة. قوله: (والاستيعاب) الذي يظهر لي
أن الركن هو المسح لأنه حقيقة التيمم كما مر، والاستيعاب شرط لأنه مكمل له، والشارح عكس
ذلك، ثم رأيت التصريح في كلامهم بما ذكرته. قوله: (وشرطه ستة) بل تسعة كما سيأتي. قوله:
(بثلاث أصابع فأكثر) معنى قوله في البحر: باليد أو بأكثرها، فلو مسح بأصبعين لا يجوز، ولو
كرر حتى استوعب، بخلاف مسح الرأس فإنه إذا مسحها مرارا بأصبع أو إصبعين بماء جديد لكل
حتى صار قدر ربع الرأس صح ا ه‍. إمداد وبحر.
قلت: لكن في التاترخانية: ولو تمعك بالتراب بنية التيمم فأصاب التراب وجهه ويديه أجزأه،
لان المقصود قد حصل ا ه‍. فعلم أن اشتراط أكثر الأصابع محله حيث مسح بيده. تأمل. قوله:
(والصعيد) كونه شرطا لا ينافي عدم تحقق الحقيقة الشرعية بدونه كما علم مما قررناه سابقا، فافهم.
قوله: (وفقد الماء) أي ولو حكما ليشمل نحو المرض، فافهم. قوله: (وسننه ثمانية) بل ثلاثة عشر
كما سنذكره. قوله: (الضرب بباطن كفيه) أقول: ذكر في الذخيرة أنه أشار محمد إلى ذلك ولم
يصرح به، ثم قال في الذخيرة بعد أسطر: والأصح أنه يضرب بباطنهما وظاهرهما على الأرض،
وهذا يصير رواية أخرى غير ما أشار إليه محمد ا ه‍. وقد اقتصر في الحلية على نقل عبارة الذخيرة
248

الأولى واقتصر الشمني على نقل الثانية فظن في البحر المخالفة في النقل عن الذخيرة وكأنه لم
يراجع الذخيرة، وبه يعلم أن الواو في قوله وظاهرهما على حقيقتها لا بمعنى أو خلافا لما فهمه
في البحر، ولقوله في النهر: إن الجواز حاصل بأيهما كان، نعم الضرب بالباطن سنة ا ه‍. فإن
صريح الذخيرة كون الضرب بكل من الظاهر والباطن هو السنة في الأصح، وقد ظهر أن ما ذكره
الشارح تبعا للنهر خلاف الأصح، فتدبر. قوله: (وإقبالهما وإدبارهما) أي بعد وضعهما على التراب
نهر، وكذا يقال في التفريج ط. قوله: (ونفضهما) أي مرة، وروي مرتين، وليس باختلاف في
المعنى، لان المقصود تناثر التراب إن حصل بمرة فيها وإلا فبمرتين بدائع، ولذا قال في الهداية:
وينفضهما بقدر ما يتناثر التراب كي لا يصير مثله ا ه‍. بحر. قال الرملي: فعلى هذا إذا لم يحصل
بمرتين ينفض ثلاثا وهكذا ا ه‍. ويظهر من هذا أنه حيث لا تراب أصلا لا يسن النفض. تأمل.
قوله: (وتفريج أصابعه) تعليلهم سنية التفريج بدخول الغبار أثناء أصابعه يفيد أنه لو ضرب على حجر
أملس لا يفرج إلا أن يقال: العلة تراعي في الجنس ا ه‍. ح. قوله: (وتسمية) الظاهر أنها على
صيغة ما ذكر في الوضوء والعطف بالواو لا يفيد ترتيبا فلا يراد أن التسمية تكون عند الضرب ط.
قوله: (وترتيب) أي كما ذكره في القرآن ط. قوله: (وولاء) بكسر الواو: أي مسح المتأخر عقب
المتقدم بحيث لو كان الاستعمال بالماء لا يجف المتقدم ط. قوله: (وزاد ابن وهبان الخ) فيه أن
اشتراط النية يغني عنه لأنها لا تصح من كافر، إلا أن يقال: صرح به وإن استلزمته النية للتوضيح
ا ه‍. ح. وقد أسقط ابن وهبان كون المسح بثلاثة أصابع وعددها ستة أيضا حيث قال:
وعذرك شرط ضربتان ونية والاسلام والمسح الصعيد المطهر
وكأنه أراد بالشرط ما لا بد منه حتى سمى الضربتين شرطا وإلا فهما ركن. قوله: (فزدته) هذا
يقتضي أنه زاد على الستة المتقدمة الاسلام، فصار المجموع سبعة مع أنه ترك في البيت من الستة
كونه بثلاثة أصابع فأكثر، وزاد الضرب والتعميم: أي الاستيعاب فصارت ثمانية، وأطلق الشرط على
الأخيرين بناء على ما قلناه آنفا فافهم. قوله: (وغيرت شطر بيته الأول) بيته هو ما قدمناه، ولا يخفى
أن التغيير وقع في الشطرين. قوله: (والاسلام) بنقل حركة الهمزة إلى اللام للوزن. قوله: (عذر)
بإسقاط التنوين للضرورة. قوله: (سمي) بإشباع حركة الميم. قوله: (وبطن) أي اضرب بباطن
الكفين على الأرض، وقد علمت ما هو الأصح.
تتمة: زاد في نور الايضاح في الشروط شرطين آخرين:
الأول: انقطاع ما ينافيه من حيض أو نفاس أو حدث.
والثاني: زوال ما يمنع المسح على البشرة كشمع وشحم، لكن يغني عن الثاني الاستيعاب
كما لا يخفى. وزاد في المنية طلب الماء إذا غلب على ظنه أن هناك ماء، وسيذكره المصنف بقوله
ويطلبه غلوة إن ظن قربه.
249

وزاد سيدي عبد الغني في السنن ثلاثة:
الأولى: التيامن كما في جامع الفتاوى والمجتبى.
الثانية: خصوص الضرب على الصعيد لموافقته للحديث. قال في الخانية: ذكر في الأصل
أنه يضع يديه على الصعيد، وفي بعض الروايات يضرب يديه على الصعيد، وهذا أولى ليدخل
التراب في أثناء الأصابع ا ه‍.
الثالثة: أن يكون المسح بالكيفية المخصوصة التي قدمناها عن البدائع. وفي الفيض: ويخلل
لحيته وأصابعه، ويحرك الخاتم والقرط كالوضوء والغسل ا ه‍.
قلت: لكن في الخانية: أن تخليل الأصابع لا بد منه ليتم الاستيعاب. وقال في البحر: وكذا
نزع الخاتم أو تحريكه ا ه‍. فبقي تخليل اللحية من السنن، فصار المزيد أربعة، ويزاد خامسة، وهي
كون الضرب بظاهر الكفين أيضا كما علمت تصحيحه، ولم أر من ذكر السواك في السنن مع أنهم
ذكروه في الوضوء والغسل، فينبغي ذكره. تأمل.
فالحاصل أن ركن التيمم شيئان: الضرب أو ما يقوم قمامه، ومسح العضوين.
وشرطه تسعة: وهي الستة التي في بيت الشارح، وكون المسح بأكثر اليد، وزوال ما ينافيه،
وطلب الماء لو ظن قربه.
وسننه ثلاثة عشر: الثمانية التي نظمها، والخمسة التي ذكرناها آنفا، وقد نظمت جميع ذلك
فقلت:
ومسح وضرب ركنه العذر شرطه * وقصد وإسلام صعيد مطهر
وتطلاب ماء ظن تعميم مسحه * بأكثر كف فقدها الحيض يذكر
وسن خصوص الضرب نفض تيامن * وكيفية المسح التي فيه تؤثر
وسم ورتب وال بطن وظهرن * وخلل وفرج فيه أقبل وتدبر
قوله: (من عجز) العجز على نوعين: عجز من حيث الصورة والمعنى، وعجز من حيث
المعنى فقط، فأشار إلى الأول بقوله: لبعده وإلى الثاني بقوله: أو لمرض أفاده في البحر.
وفيه عن المحيط: المسافر يطأ جاريته وإن علم أنه لا يجد الماء، لان التراب شرع طهورا حال عدم
الماء، ولا تكره الجنابة حال وجوده فكذا حالة عدمه ا ه‍. قوله: (مبتدأ) المبتدأ لفظ من فقط، لكن
لما كان الصلة والموصول كالشئ الواحد تسمح في إطلاق المبتدأ عليهما ط. قوله: (المطلق) قيد
به لان غيره كالعدم. قوله (الكافي لطهارته) أي من الخبث والحدث الأصغر أو الأكبر، فلو وجد
ماء يكفي لإزالة الحد ث أو غسل النجاسة المانعة غسلها وتيمم عند عامة العلماء، وإن عكس وصلى
في النجس أجزأه وأساء. خانية. ولو تيمم أولا ثم غسلها يعيد التيمم لأنه تيمم وهو قادر على
الوضوء. محيط، ونظر فيه في البحر بما سنذكره مع جوابه. وفي القهستاني: إذا كان للجنب ماء
يكفي لبعض أعضائه أو للوضوء تيمم ولم يجب عليه صرفه إليه، إلا إذا تيمم للجنابة ثم أحدث فإنه
يجب عليه الوضوء لأنه قدر على ماء كاف، ولا يجب عليه التيمم لأنه بالتيمم خرج عن الجنابة إلى
أن يجد ماء كافيا للغسل، كذا في شرح الطحاوي وغيره ا ه‍. قوله: (لصلاة) متعلق بقوله لطهارته
أو باستعمال، واحترز بها عن النوم ورد السلام ونحوه مما يأتي فإنه لا يشترط له العجز. قوله: (
250

تفوت إلى خلف) كالصلوات الخمس فإن خلفها قضاؤها. وكالجمعة فإن خلفها الظهر، واحترز به
عما لا يفوت إلى خلف كصلاة الجنازة والعيد والكسوف والسنة والرواتب فلا يشترط لها العجز كما
سيأتي. قوله: (لبعده) الضمير يرجع إلى من ط، وقيد بالبعد لأنه عند عدمه لا يتيمم وإن خاف
خروج الوقت في صلاة لها خلف خلافا لزفر، وسيذكر الشارح أن الأحوط أن يتيمم ويصلي ثم يعيد.
ويتفرع على هذا الاختلاف ما لو ازدحم جمع على بئر لا يمكن الاستقاء منها إلا بالمناوبة، أو
كانوا عراة ليس معهم إلا ثوب يتناوبونه، وعلم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد الوقت فإنه لا يتيمم
ولا يصلي عاريا بل يصبر عندنا، وكذا لو اجتمعوا في مكان ضيق ليس فيه إلا موضع يسع أن يصلي
قائما فقط يصبر ويصلي قائما بعد الوقت، كعاجز عن القيام والوضوء في الوقت ويغلب على ظنه
القدرة بعده، وكذا من معه ثوب نجس وماء يلزمه غسل الثوب وإن خرج الوقت. بحر ملخصا عن
التوشيح. قوله: (ولو مقيما) لان الشرط هو العدم فإنما تحقق جاز التيمم، نص عليه في الاسرار.
بحر. قوله: (ميلا) هو المختار في المقدار. هداية، وهو أقرب الأقوال. بدائع. والمعتبر غلبة الظن
في تقديره إمداد وغيره. والميل في كلام العرب منتهى مد البصر: وقيل للاعلام المبنية في طريق
مكة أميال لأنها بنيت كذلك، كما في الصحاح والمغرب، والمراد هنا ثلث الفرسخ، والفرسخ ربع
البريد (1). قوله: (أربعة آلا ف ذراع) كذا في الزيلعي والنهر والجوهرة. وقال في الحلية: إنه
المشهور كما نقل غير واحد، منهم السروجي في غايته ا ه‍. وفي شرح العيني ومسكين والبحر عن
الينابيع أنه أربعة آلاف خطوة. قال الرملي: والأول هو المعول عليه، وما في الشرنبلالية من التوفيق
بينهما بأن يراد بالذراع ما فيه أصبع قائمة عند كل قبضة فيبلغ ذراعا ونصفا بذراع العامة ا ه‍. فيه
نظر، لضبطهم الذراع بما ذكره الشارح. قوله: (وهو) أي الذراع بعدد حروف لا إله إلا الله
المرسومة. قوله: (ظهر لبطن) أي يلصق ظهر كل شعيرة لبطن الأخرى. وفي بعض النسخ ظهرا
بالنصب على الحال موافقا لما في كثير من الكتب: أي ملصقا. قوله: (يشتد) أي يريد في ذاته،
وقوله: أو يمتد أي يطول زمنه، وكذا لو كان صحيحا خاف حدوث مرض كما في القهستاني،
وهو معلوم من قول المصنف أو برد. قوله: (بغلبة ظن) أي عن أمارة أو تجربة. شرح المنية.
قوله: (أو قول حاذق مسلم) أي إخبار طبيب حاذق مسلم غير ظاهر الفسق، وقيل عدالته شرط.
شرح المنية. قوله: (ولو بتحرك) متعلق بيشتد ا ه‍. ح، ولا مانع من تعلقه بيمتد أيضا، لان التحرك
يكون سببا في الامتداد أيضا ط. وفي البحر: ولا فرق عندنا بين أن يشتد بالتحرك كالمبطون أو

(1) وفي ذلك يقول بعضهم، قيل إنه ابن الحاجب:
ان البريد من الفراسخ أربع * ولفرسخ فثلاث أميال ضعوا
والميل الف اي من الباعات قل * والباع أربع أذرع تستتبع
ثم الذراع من الأصابع أربع * من بعدها العشرون ثم الإصبع
ست شعيرات فظهر شعيرة * منها إلى بطن لاخرى توضع
ثم الشعيرة ست شعرات فقل * من شعر بغل ليس فيها مدفع ا ه‍. منه.
251

بالاستعمال كالجدري. قوله: (أو لم يجد) أي أو كان لا يخاف الاشتداد ولا الامتداد، لكنه لا يقدر
بنفسه ولم يجد من يوضئه. قوله: (كما في البحر) حاصل ما فيه أنه إن وجد خادما: أي من تلزمه
طاعته كعبده وولده وأجيره لا يتيمم اتفاقا، وإن وجد غيره ممن لو استعان به أعانه ولو زوجته، فظاهر
المذهب أنه لا يتيمم أيضا بلا خلاف. وقيل على قول الإمام يتيمم، وعلى قولهما لا، كالخلاف
في مريض لا يقدر على الاستقبال أو التحول من الفراش النجس ووجد من يوجهه أو يحوله، لان
عنده لا يعتبر المكلف قادرا بقدرة الغير. والفرق على ظاهر المذهب أن المريض يخاف عليه زيادة
الوجع في قيامه لا في الوضوء ا ه‍.
أقول: حاصل الفرق أن زيادة المرض حاصلة بالأولى لا بالثاني، لان فرض المسألة أنه لا
يخاف الاشتداد ولا الامتداد، فلم يكن عاجزا حقيقة فيلزمه الاستعانة على وضوئه، ولا يجوز له
التيمم، بخلاف الأول لأنه عاجز حقيقة فلا تلزمه الاستعانة، وفيه نظر، فإنه في الثاني وإن لم يخف
الزيادة لكنه لا يقدر بنفسه فهو عاجز حقيقة أيضا، وليس المبيح للتيمم هو خصوص زيادة
المرض (1). تأمل. وفي البحر: وظاهر ما في التجنيس أنه لو له مال يستأجر به أجيرا لا يتيمم قل
الاجر أو كثر. وفي المبتغى خلافه، والظاهر عدم الجواز ولو قليلا ا ه‍، والمراد بالقليل أجرة المثل
كما بحثه في النهر والحلية، وبه جزم الشارح. قوله: (وفيه) أي البحر حيث قال: لما كان على
السيد تعاهد العبد في مرضه كان على عبده أن يتعاهده في مرضه، والزوجة لما لم يكن عليه أن
يتعاهدها فمرضها فيما يتعلق بالصلاة لا يجب عليها ذلك إذا مرض، فلا يعد قادرا بفعلها ا ه‍.
لكن قدمنا أن ظاهر المذهب أنه لا يجوز له التيمم إن كان لو استعان بالزوجة تعينه وإن لم يكن ذلك
واجبا عليها. قوله: (توضئ) بالتاء الفوقية في أوله، وفي آخره همزة قبلها ياء ممدودة مصدر وضأ
بالتشديد مثل فرح تفريحا. قوله: (يجب) أي يجب عليه أن يوضئ مملوكه، وكذا عكسه وهو ظاهر.
قوله: (يهلك الجنب أو يمرضه) قيد بالجنب، لان المحدث لا يجوز له التيمم للبرد في الصحيح
خلافا لبعض المشايخ، كما في الخانية والخلاصة وغيرهما. وفي المصفى أنه بالاجماع على الأصح،
قال في الفتح: وكأنه لعدم تحقق ذلك في الوضوء عادة ا ه‍.
واستشكله الرملي بما صححه في الفتح في مسألة المسح على الخف من أنه لو خاف
سقوط رجله من البرد بعد مضي مدته يجوز له التيمم. قال: وليس هذا إلا تيمم المحدث لخوفه
على عضوه، فيتجه ما في الاسرار من اختيار قول بعض المشايخ.
أقول: المختار في مسألة الخف هو المسح لا التيمم كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى، نعم
مفاد التعليل بعدم تحقق الضرر في الوضوء عادة أنه لو تحقق جاز فيه أيضا اتفاقا، ولذا مشى عليه في
الامداد لان الحرج مدفوع بالنص، وهو ظاهر إطلاق المتون. قوله: (ولو في المصر) أي خلافا لهما.

(1) قوله: (زيادة المرض تأمل) فرق شيخنا بين المسألتين بأنه حيث خيف زيادة المرض في الأولى جعلناه غير قادرا بقدرة
الغير رفقا به، بخلاف الثانية وان كان العجز موجودا في المسألتين ا ه‍.
252

قوله: (ولا ما يدفئه) أي من ثوب يلبسه أو مكان يأويه. قال في البحر: فصار الأصل أنه متى قدر على
الاغتسال بوجه من الوجوه لا يباح له التيمم إجماعا. قوله: (وما قيل الخ) أي قال بعضهم: إن الخلاف
مبني على أن أجر الحمام في زمان الإمام كان يؤخذ قبل الدخول أما في زمانهما فإنه يؤخذ بعده، فإذا
عجز عن الأجرة دخل ثم يتعلل بالعسرة وبعد الاعطاء. قوله: (فمما لم يأذن به الشرع) فإن الحمامي
لو علم حاله لا يرضى بدخوله. ففيه تغرير وهو غير جائز. قال في البحر تبعا للحلية: ومن ادعى
إباحته فضلا عن تعينه فعليه البيان. قوله: (نعم الخ) عزاه في البحر إلى الحلية وأقره. قوله: (على
نفسه) متعلق بخوف ط. قوله: (ولو من فاسق) بأن كان عند الماء وخافت المرأة منه على نفسها.
بحر. والأمرد في حكمها كما لا يخفى. قوله: (وحبس غريم) بأن كان صاحب الدين عند الماء وخاف
المديون المفلس من الحبس. بحر. ومفهومه أنه لو لم يكن معسرا لا يجوز لأنه ظالم بالمطل. قوله:
(أو ماله) عطف على نفسه ح، ولم أر من قدر المال بمقدار، وسنذكر عن التاترخانية ما يفيد تقديره
بدرهم، كما يجوز له قطع الصلاة. قوله: (ولو أمانة) عد الأمانة ماله باعتبار وضع اليد عليها ط.
قوله: (ثم إن نشأ الخوف الخ) اعلم أن المانع من الوضوء إن كان من قبل العباد: كأسير منعه الكفار
من الوضوء، ومحبوس في السجن، ومن قيل له إن توضأت قتلتك جاز له التيمم ويعيد الصلاة إذا زال
المانع، كذا في الدرر والوقاية: أي وأما إذا كان من قبل الله تعالى كالمرض فلا يعيد.
ووقع في الخلاصة وغيرها: أسير منعه العدو من الوضوء والصلاة يتيمم ويصلي بالايماء ثم
يعيد، فقيد بالايماء لأنه منع من الصلاة أيضا. فلو منع من الوضوء فقط صلى بركوع وسجود كما
هو ظاهر الدرر. أفاده نوح أفندي.
ثم اعلم أنه اختلف في الخوف من العدو: هل هو من الله تعالى فلا إعادة، أو من العبد
فتجب؟ ذهب في المعراج إلى الأول، وفي النهاية إلى الثاني، ووفق في البحر بحمل الثاني على ما
إذا حصل وعيد من العبد نشأ منه الخوف فكان من قبل العباد، وحمل الأول على ما إذا لم يحصل
ذلك أصلا بل حصل خوف مكان من قبل الله تعالى لتجرده عن مباشرة السبب وإن كان الكل منه
تعالى خلقا وإرادة. قال: ثم رأيت في الحلية صرح بما فهمته، وأقره في النهر وغيره، وهذا ما
أشار إليه الشارح رحمه الله. وقدم الشارح في الغسل أن المرأة بين رجال تتيمم، وقدمنا أن الرجل
كذلك، وأن الظاهر أنه لا إعادة عليه ولا عليها، لان المانع شرعي وهو كشف العورة عند من لا
يحل له رؤيتها، والمانع منه الحياء وخوف الله تعالى وهما من الله تعالى لا من قبل العباد.
فرع: في البحر عن المبتغى بالغين المعجمة: أجير لا يجد الماء إلا في نصف ميل لا يعذر في
التيمم، وإن لم يأذن له المستأجر تيمم وأعاد، ولو صلى صلاة أخرى وهو يذكر هذه تفسد. قوله: (أو
عطش) معطوف على عدو: أي لأنه مشغول بحاجته، والمشغول بالحاجة كالمعدوم. بحر. قوله:
(ولو لكلبه) قيده في البحر والنهر بكلب الماشية والصيد، ومفاده أنه لو لم يكن كذلك لا يعطي هذا
الحكم. والظاهر أن كلب الحراسة للمنزل مثلهما ط قوله: (أو رفيق القافلة) سواء كان رفيقه
253

المخالط له أو آخر من أهل القافلة. بحر، وعطش دابة رفيقه كعطش دابته، نوح. قوله: (حالا أو مآلا)
ظرف لعطش أو له ولرفيق على التنازع كما قال ح: أي الرفيق في الحال أو من سيحدث له. قال سيدي
عبد الغني: فمن عنده ماء كثير في طريق الحاج أو غيره وفي الركب من يحتاج إليه من الفقراء يجوز له
التيمم، بل ربما يقال: إذا تحقق احتياجهم يجب بذله إليهم لاحياء مهجهم. قوله: (وكذا العجين) فلو
احتاج إليه لاتخاذ المرقة لا يتيمم، لان حاجة الطبخ دون حاجة العطش. بحر. قوله: (أو إزالة نجس)
أي أكثر من قدر الدرهم كما قدمناه. وفي الفيض: لو ماله ما يغسل بعض النجاسة لا يلزمه ا ه‍.
قلت: وينبغي تقييده بما إذا لم تبلغ أقل من قدر الدرهم، فإذا كان في طرفي ثوبه نجاسة
وكان إذا أحد الطرفين بقي ما في الطرف الآخر أقل من قدر الدرهم يلزمه، فافهم. قوله: (كما
سيجئ) أي. قوله: (بعدم الاناء) متعلق بتعذر ط. قوله: (للمضطر أخذه) أي إذا امتنع
صاحب الماء من دفعه، وهو غير محتاج إليه للعطش، وهناك مضطر إليه للعطش كان له أخذه منه
قهرا وله أن يقاتله. سراج.
قلت: وينبغي تقييده بما إذا امتنع من دفعه مجانا أو بالثمن، وللمضطر ثمنه، وسيأتي في فصل
الشرب أن له أن يقاتله بالسلاح. قال الشارح هناك تبعا للمنح والزيلعي: هذا في غير المحرز
بالأواني، وإلا قاتله بغير سلاح إذا كان فيه فضل عن حاجته لملكه له بالاحراز، فصار نظير الطعام.
وقيل في البئر ونحوها: الأولى أن يقاتله بغير صلاح لأنه ارتكب معصية، فكان كالتعزير كما في
الكافي ا ه‍. قوله: (فإن قتل) بالبناء للمجهول. قوله: (فهدر) أي لا قصاص فيه ولا دية ولا كفارة.
سراج. وينبغي أن يضمن المضطر قيمة الماء. شرنبلالية. قوله: (بقود) أي بقصاص إن كان القتل
عمدا كأن قتله بمحدد. قوله: (أو دية) أي إن كان شبه عمد أو خطأ أو جرى مجرى الخطأ، والدية
على العاقلة وعلى القاتل الكفارة. أفاده في البحر ط. قال في السراج: وإن كان صاحب الماء
محتاجا إليه للعطش فهو أولى به من غيره، فإن احتاج إليه الأجنبي للوضوء لم يلزمه بذله، ولا يجوز
للأجنبي أخذه منه قهرا. قوله: (طاهرة) أما النجسة فكالعدم. قوله: (ولو شاشا) أي ونحوه مما يمكن
إدلاؤه واستخراج الماء به قليلا وعصره. قوله: (وإن نقص الماء، إلى قوله تيمم) نقله في التوشيح
عن كتب الشافعية، ثم قال: وهذا كله موافق لقواعدنا، وأقره في البحر، وكذا أقره في النهر وغيره،
وهو ظاهر، ولكن رأيت في التاترخانية ما يخالفه حيث قال: قال القاضي الامام فخر الدين: إن
نقصت قيمة المنديل قدر درهم تيمم وليس عليه أن يرسله، ولو أقل فلا، كما لو رأى المصلي من
يسرق ماله، فإن كان قدر درهم يقطع الصلاة وإلا فلا، كذا هنا ا ه‍.
وأنت خبير بأن ما ذكره الشافعية أقرب إلى القواعد، لأنه لو وجد الماء يباع يلزمه شراؤه بثمن
المثل ولو كانت قيمته أكثر من درهم، ولكن الرجوع إلى المنقول في المذهب بعد الظفر به أولى،
ولعل وجه الفرق أن الشراء وإن كثر ثمنه لا يسمى إتلافا لأنه مبادلة بعوض، بخلاف إتلاف المنديل
ونحوه بالادلاء أو بالشق فإنه إتلاف بلا عوض، وهو منهي شرعا.
وإذا جاز قطع الصلاة بعد الشروع فيها لأجل درهم علم أن الدرهم قدر معتبر له خطر فلا
254

يجوز إتلافه فيما له عند مندوحة، لأنه عادم للماء شرعا فيتيمم.
وإذا جاز له التيمم فيما إذا كان نقصان القيمة أكثر من قيمة الماء وجعل عادما للماء مراعاة لحقه
يجعل عادما للماء هنا أيضا مراعاة لحقه وحق الشرع في الامتناع عن الاتلاف المنهي عنه، هذا ما ظهر
لفهمي السقيم، والله العليم. قوله: (أو شقه) أي إذا كان لا يصل إلى الماء بدونه. قوله: (قدر قيمة
الماء) أي وآلة الاستقاء كما ذكره في البحر في صورة الشق، والظاهر أن صورة الادلاء كذلك. تأمل.
قوله: (بأجر) أي أجر المثل فيلزمه ولم يجز التيمم، وإلا جاز بلا إعادة. بحر عن التوشيح. قوله:
(كلها) أي كل واحد منها. قوله: (حتى لو تيمم الخ) أشار بالتفريع المذكور إلى أن كل عذر منها إنما
يسمى عذرا ما دام موجودا، فلو زال بطل حكمه وإن وجد بعده عذر آخر لما سيأتي أنه ينقضه زوال
ما أباحه، فافهم. قوله: (ثم مرض الخ) صادق بثلاث صور: أن يكون وجد الماء قبل المرض أو
بعده، أو بقي عادما له، ولا شبهة أنه في الأولى يبطل التيمم، وأما الثالثة فالظاهر أنه لا يبطل لعدم
زوال ما أباحه، ولان اختلاف السبب لا يظهر إلا إذا زال الأول. والظاهر أن المراد الثانية فقط، فإذا
تيمم لفقد الماء ثم مرض ثم وجد الماء بعده لا يصلي بالتيمم السابق لأنه كان لفقد الماء، والآن هو
واجد له فبطل تيممه لزوال ما أباحه وإن كان له مبيح آخر في الحال، ونظيره ما ذكره في البحر في
النواقض بقوله: فإذا تيمم للمرض أو للبرد مع وجود الماء ثم فقد الماء ثم زال المرض أو البرد
ينتقض لقدرته على استعمال الماء وإن لم يكن الماء موجودا ا ه‍. ومثله في النهر.
أقول: لكن يشكل عليه ما في البدائع: لو مر المتيمم على ماء لا يستطيع النزول إليه لخوف
عدو أو سبع لا ينتقض تيممه، كذا ذكره محمد بن مقاتل الرازي، وقال: هذا قياس قول أصحابنا،
لأنه غير واجد للماء معنى، فكان ملحقا بالعدم ا ه‍. ومثله في المنية، إذ لا يخفى أن خوف العدو
سبب آخر غير الذي أباح التيمم أولا، فإن الظاهر في فرض المسألة أنه تيمم أولا لفقد الماء،
اللهم إلا أن يجاب بأن السبب الأول هنا باق، وفيه بحث (1)، فليتأمل. قوله: (لان اختلاف أسباب
الرخصة الخ) الرخصة هنا التيمم، وأسبابها ما تقدم من الاعذار المذكورة، وسنحقق هذه القاعدة في
باب الايلاء. قوله: (جامع الفصولين) هو كتاب معتبر لابن قاضي سماوة، جمع فيه بين فصول
العمادي وفصول الاستروشني، وقد ذكر هذه المسألة فيه في الفصل الرابع والثلاثين في أحكام
المرضى. قوله: (مستوعبا) أي يتيمم تيمما مستوعبا فهو صفة لمصدر محذوف، وهو أولى من جعله
حالا فيفيد أنه ركن، وعلى الحالية يصير شرطا خارجا عن الماهية، لان الأحوال شروط على ما
عرف. أفاده في البحر. قوله: (حتى لو ترك شعرة) قال في الفتح: يمسح من وجهه ظاهر البشرة
والشعر على الصحيح ا ه‍. وكذا العذار، والناس عنه غافلون. مجتبى. وما تحت الحاجبين فوق
العينين. محيط، كذا في البحر. قوله: (أو وترة منخره) هي التي بين المنخرين. ابن كمال. لكن في

(1) قوله: (وفيه بحث) وجهه انه إذا تيمم أولا لبعده عن الماء فهو فاقد له حقيقة، وخوف العدو فقد معنى، فالحقيقي قد
زال وأعقبه المعنوي، فلا فرق بينه وبين المرض إذا وجد بعد فقد الحقيقي ا ه‍. منه.
255

القاموس: الوترة محركة: حرف المنخر، والوتيرة: حجاب ما بين المنخرين. قوله: (ويديه) عطف
بالواو دون ثم، إشارة إلى أن الترتيب فيه ليس بشرط كأصله. بحر. والحكم في اليد الزائدة
كالوضوء ط. قوله: فينتزع الخاتم الخ) قال في الخانية ولو لم يحرك الخاتم، إن كان ضيقا، وكذا
المرأة السوار لم يجز ا ه‍. ومثله في الولوالجية. ووجهه أن التحريك مسح لما تحته، إذ الشرط
المسح لا وصول التراب، فافهم، لكن التقييد بالضيق يفهم أنه لو كان واسعا لا يلزم تحريكه.
والظاهر أنه يقال فيه ما سنذكره في التخليل. قوله: (به يفتى) أي بلزوم الاستيعاب كما في شرح
الوقاية، وهو الصحيح. خانية وغيرها، وهو ظاهر الرواية زيلعي، ومقابله ما روي أن الأكثر كالكل.
قوله: (فيمسحه) أي المرفق المفهوم من المرفقين ط. قوله: (الأقطع) أي من المرفق إن بقي شئ
منه ولو رأس العضد، لان المرفق مجموع رأسي العظمين. رحمتي. فلو كان القطع فوق المرفقين لا
يجب اتفاقا ط. قوله: (بضربتين) متعلق بتيمم أو بمستوعبا. أفاده في النهر. وإنما آثر عبارة الضرب
على عبارة الوضع لكونها مأثورة، وإلا فهي ليست بضربة لازب، فإن محمدا قد نبه في بعض روايات
الأصول على أن الوضع كاف، والمراد بيان كفاية الضربتين لا أنه لا بد من التيمم منهما. ابن كمال
وقدمناه، تمام عبارته: ونبه على أن فائدة العدد أنه لا يحتاج إلى ضربة ثالثة كما يأتي. قوله: (ولو
من غيره) فلو أمر غيره بأن ييممه جاز بشرط أن ينوي الآمر. بحر. قال ط: ظاهره أنه يكفي من
الغير ضربتان، وهو خلاف ما يأتي عن القهستاني. قوله: (أو ما يقوم مقامهما) أي خلافا لأبي
شجاع، وقدمنا الكلام عليه مع ثمرة الخلاف. قوله: (لما في الخلاصة) عبارتها كما في البحر: ولو
أدخل رأسه في موضع الغبار بنية
التيمم يجوز، ولو انهدم الحائط وظهر الغبار فحرك رأسه ونوى التيمم جاز، والشرط وجود الفعل منه ا ه‍: أي الشرط في هذه الصورة وجود الفعل منه وهو المسح أو
التحريك وقد وجد، فهو دليل على أن الضرب غير لازم كما مر، وفعل غيره بأمره قائم مقام فعله
فهو منه في المعنى، فافهم. قوله: (طهرت لعادتها) اعلم أنه قال في الظهيرية: وكما يجوز التيمم
للجنب لصلاة الجنب والعيد كذلك يجوز للحائض إذا طهرت من الحيض إذا كان أيام حيضها
عشرا، وإن كان أقل فلا ا ه‍.
وقال في البحر: والذي يظهر أن هذا التفصيل غير صحيح، بدليل ما اتفقوا عليه من أنه إذا
انقطع لأقل من عشرة فتيممت لعدم الماء وصلت جاز للزوج وطؤها الخ.
وأجاب في النهر بحمل ما في الظهيرية على ما إذا انقطع لأقل من عادتها، لما سيأتي في
الحيض من أنه حينئذ لا يحل قربانها وإن اغتسلت فضلا عن التيمم ا ه‍.
أقول: لا يخفى أن قول الظهيرية إذا كان أيام حيضها عشرا ظاهر في أن ذلك عادتها، فهذا
الحمل بعيد، ثم ظهر لي بتوفيق الله تعالى أن كلام الظهيرية صحيح لا إشكال فيه.
وبيان ذلك أن التيمم لخوف فوت صلاة الجنازة أو العيد يصح مع وجود الماء لأنها تفوت لا
إلى خلف كما يأتي وهذا في المحدث ظاهر، وكذا في الجنب.
256

وأما الحائض فإذا طهرت لتمام العشرة فقد خرجت من الحيض ولم يبق معها سوى الجنابة
فهي كالجنب. وأما إذا انقطع دمها لدون العشرة فلا تخرج من الحيض ما لم يحكم عليها بأحكام
الطاهرات، بأن تصير الصلاة دينا في ذمتها أو تغتسل أو تتيمم بشرطه كما سيأتي في بابه، وقولهم:
أو تتيمم بشرطه، أرادوا به التيمم الكامل المبيح لصلاة الفرائض، وهو ما يكون عند العجز عن
استعمال الماء.
وأما التيمم لصلاة جنازة أو عيد خيف فوتها فغير كامل، لأنه يكون مع حضور الماء ولهذا لا
تصح صلاة الفرض به ولا صلاة جنازة حضرت بعده، فعلمنا بذلك أنها لو تيممت لذلك لم تخرج
من الحيض، لان ذلك التيمم غير كامل. ولا يصح ذلك التيمم لقيام المنافي بعد وهو الحيض
وعدم وجود شرطه وهو فقد الماء، نعم لو تيممت لذلك مع فقد الماء حكم عليها بالطهارة وجازت
صلاتها به من الفرائض وغيرها لأنه تيمم كامل، ومراد الظهيرية التيمم الناقص، وهو ما يكون مع
وجود الماء، فالتفصيل الذي ذكره في الحائض صحيح لا غبار عليه، كأنه في البحر ظن أن مراده
التيمم الكامل وليس كذلك كما لا يخفى.
بقي الكلام في عبارة الشارح فقوله: طهرت لعادتها في غير محله لان قول المصنف ولو
جنبا أو حائضا مفروض في التيمم الكامل الذي يكون عند فقد الماء، والحائض يصح تيممها عند
فقد الماء إذا طهرت لتمام العشرة أو لدونها، ويجب عليها أن تغتسل أو تتيمم عند فقد الماء، سواء
انقطع لتمام عادتها أو لدون عادتها كما سيأتي في بابه، ويأتي فيه أنه إذا انقطع لتمام العادة يحل
لزوجها قربانها كما لو انقطع لتمام العشرة، وإن لدون عادتها لا يحل له قربانها، فالتقييد بالعادة في
كلام الشارح إنما يفيد بالنظر إلى القربان فقط، فكان الواجب إسقاطه لابهامه أنه لو كان لدون العادة
لا يصح تيممها مع أنه يجب عليها إذا فقدت الماء لوجود الصلاة عليها كما علمت. والذي أوقعه
عبارة النهر المبنية على ما فهمه صاحب النهر من كلام الظهيرية، فافهم. قوله: (بمطهر) متعلق
بتيمم، ويجوز أن يتعلق بمستوعبا، وجعله العيني صفة لضربتين فهو متعلق بمحذوف: أي ملتصقتين
بمطر. نهر.
قلت: والأخير أولى، لئلا يلزم تعلق حرفي جر بمعنى واحد بمتعلق واحد، إلا أن نجعل الباء
في بضربتين للتعدية وفي بمطهر للملابسة أو بالعكس. تأمل. وتعبيره بمطهر أولى من
تعبيرهم بطاهر، لاخراج الأرض المتنجسة إذا جفت كما قدمه الشارح.
وأما إذا تيمم جماعة من محل واحد فيجوز كما سيأتي في الفروع لأنه لو يصر مستعملا، إذ
التيمم إنما يتأدى بما التزق بيده لا بمفضل، كالماء الفاضل في الاناء بعد وضوء الأول، وإذا كان
على حجر أملى فيجوز بالأولى. نهر. قوله: (من جنس الأرض) الفارق بين جنس الأرض وغيره
أن كل ما يحترق بالنار فيصير رمادا كالشجر والحشيش أو ينطبع ويلين كالحديد والصفر والذهب
والزجاج ونحوها، فليس من جنس الأرض. ابن كمال عن التحفة. قوله: (نقع) بفتح فسكون كما
قال تعالى: * (فأثرن به نقعا) * (العاديات: 4). قوله: (لم يحتج الخ) أي بل يخلل من غير ضربه، وليس
257

المراد أنه لا يخلل أصلا لان الاستيعاب من تمام الحقيقة. قال الزيلعي: ويجب تخليل الأصابع إن لم
يدخل بينها غبار. وفي الهندية: والصحيح أنه لا يمسح الكف وضربها يكفي. أفاد ط.
أقول: والظاهر أن ما تحت الخاتم الواسع إن أصابه الغبار لا يلزم تحريكه وإلا لزم كالتخليل
المذكور. قوله: (وعن محمد يحتاج إليها) لان عنده لا يجوز التيمم بلا غبار، فحيث لم يدخل بين
الأصابع لا بد منها على قوله. قوله: (وهو (1)) أي الغير. قوله: (يضرب ثلاثا) أي لكل واحد من
الأعضاء ضربة، وهذا نقله القهستاني عن العماني وهو كتاب غريب، والمشهور في الكتب المتداولة
الاطلاق، وهو الموافق للحديث الشريف التيمم ضربتان إلا أن يكون المراد إذا مسح يد
المريض بكلتا يديه، فحينئذ لا شبهة في أنه يحتاج إلى ضربة ثالثة يمسح بها يده الأخرى. قوله: (وبه
مطلقا) أي ويتيمم بالنقع مطلقا خلافا لأبي يوسف، فعنده لا يتيمم به إلا عند العجز. بحر. ولا
يجوز عنده إلا التراب والرمل. نهر. وما في الحاوي القدسي من أنه هو المختار غريب مخالف لما
اعتمده أصحاب المتون. رملي. قوله: (فلا يجوز بلؤلؤ الخ) تفريع على قوله: من جنس الأرض.
قوله: (لتولده من حيوان البحر) قال الشيخ داود الطبيب في تذكرته: أصله دود يخرج في نيسان فاتحا
فمه للمطر حتى إذ سقط فيه انطبق وغاص حتى يبلغ آخره. قوله: (ولا بمرجان الخ) كذا قال في
الفتح، وجزم في البحر والنهر بأنه سهو، وأن الصواب الجواز به كما في عامة الكتب.
وقال المصنف في منحه: أقول: الظاهر أنه ليس بسهو، لأنه إنما منع جواز التيمم به، لما قام
عنده من أنه ينعقد من الماء كاللؤلؤ، فإن كان الامر كذلك فلا خلاف في منع الجواز، والقائل بالجواز
إنما قال به لما قام عنده من أنه من جملة أجزاء الأرض، فإن كان كذلك فلا كلام في الجواز.
والذي دل عليه كلام أهل الخبرة بالجواهر أن له شبهين: شبها بالنبات، وشبها بالمعادن، وبه
أفصح ابن الجوزي فقال: إنه متوسط بين عالمي النبات والجماد، فيشبه الجماد بتحجره، ويشبه
النبات بكونه أشجارا نابتة في قعر البحر ذوات عروق وأغصان خضر متشعبة قائمة اه‍.
أقول: وحاصله الميل إلى ما قاله في الفتح لعدم تحقق كونه من أجزاء الأرض. ومال محشيه
الرملي إلى ما في عامة الكتب من الجواز، وكان وجهه أن كونه أشجارا في قعر البحر لا ينافي كونه
من أجزاء الأرض، لان الأشجار التي لا يجوز التيمم عليها هي التي تترمد بالنار، وهذا حجر كباقي
الأحجار يخرج في البحر على صورة الأشجار، فلهذا جزموا في عامة الكتب بالجواز فيتعين المصير
إليه.
وأما ما في الفتح فينبغي حمله على معنى آخر، وهو ما قاله في القاموس من أن المرجان صغار
اللؤلؤ، ثم رأيته منقولا عن العلامة المقدسي فقال: مراده صغار اللؤلؤ كما فسر به في الآية في
سورة الرحمن، وهو غير ما أرادوه في عامة الكتب ا ه‍. وبه ظهر أن قول الشارح لشبهه للنبات
الخ في غير محله، بل العلة على ما حررناه: تولده من حيوان البحر، وأما ما يخرج في قعر البحر

(1) قوله: (وهو) ليست كلمة هو بهذا المحل في نسخ الشارح التي بيدي فليحرر ا ه‍. مصححه.
258

فيجوز وإن أشبه النبات، فاغتنم هذا التحرير. قوله: (ولا بمنطبع) هو ما يقطع ويلين كالحديد.
منح. قوله: (وزجاج) أي المتخذ من الرمل وغيره. بحر. قوله: (ومترمد) أي ما يحترق بالنار فيصير
رمادا. بحر. قوله: (إلا رماد الحجر) كجص وكلس. قوله: (كحجر) تنظير لا تمثيل قوله: (أو
مغسول) مبالغة في عدم اشتراط التراب. قوله: (غير مدهونة أو مدهونة بصبغ هو من جنس الأرض
كما يستفاد من البحر كالمدهونة بالطفل والمغرة ط. قوله: (غير مغلوب بماء) أما إذا صار مغلوبا
بالماء فلا يجوز التيمم به. بحر، بل يتوضأ به حيث كان رقيقا سيالا يجري على العضو. رملي.
وسيذكر أن المساوي كالمغلوب. قوله: (لكن لا ينبغي الخ) هذا ما حرره الرملي وصاحب النهر من
عبارة الولوالجية، خلافا لما فهمه منها في البحر من عدم الجواز قبل خوف خروج الوقت، وظاهره
أنه أراد به عدم الصحة.
وحاصل ما في الولوالجية أنه إذا لم يجد إلا الطين لطخ ثوبه منه فإذا جف تيمم به، وإن ذهب
الوقت قبل أن يجف لا يتيمم به عند أبي يوسف، لان عنده لا يجوز إلا بالتراب أو الرمل. وعند أبي
حنيفة: إن خاف ذهاب الوقت تيمم به لان التيمم بالطين عنده جائز، وإلا فلا، كي لا يتلطخ بوجهه
فيصير مثله ا ه‍. وبه يظهر معنى ما ذكره الشارح. قوله: (ومعادن) جمع معدن كمجلس، منبت
الجواهر من ذهب ونحوه. قاموس. قوله: (في محالها) أي ما دامت في الأرض لم يصنع منها
شئ، وبعد السبك لا يجوز. زيلعي. قوله: (فيجوز الخ) أي إذا كانت الغلبة للتراب كما في الحلية
عن المحيط، ولعل من أطلق بناه على أنها ما دامت في محالها تكون مغلوبة بالتراب. بخلاف ما إذا
أخذت للسبك، لان العادة إخراج التراب منها، فافهم. وأفاد أن ذات المعدن لا يجوز التيمم به، قال
في البحر: لأنه ليس بتبع للماء وحده حتى يقوم مقامه ولا للتراب كذلك، وإنما هو مركب من
العناصر الأربعة فليس له اختصاص بشئ منها حتى يقوم مقامه. قوله: (وقيده الأسبيجابي الخ) كذا
في النهر، وظاهره أن الضمير راجع إلى التيمم بالمعادن، لكن إذا كانت مغلوبة بالتراب لا يحتاج إلى
هذا القيد. وعبارة الأسبيجابي كما في البحر: ولو أن الحنطة أو الشئ الذي لا يجوز عليه التيمم إذا
كان عليه التراب فضرب يده عليه وتيمم ينظر: إن كان يستبين أثره بمده عليه جاز، وإلا فلا. قوله:
(وكذا الخ) قال في البحر بعد عبارة الأسبيجابي التي ذكرناها: وبهذا يعلم حكم التيمم على جوخة
أو بساط عليه غبار. فالظاهر عدم الجواز لقلة وجود هذا الشرط في نحو الجوخة، فليتنبه له ا ه‍.
وقال محشيه الرملي: بل الظاهر التفصيل، إن استبان أثره جاز، وإلا فلا لوجود الشرط خصوصا في
ثياب ذوي الاشغال ا ه‍. وهو حسن فلذا جزم به الشارح.
وفي التاترخانية: وصورة التيمم بالغبار أن يضرب بيديه ثوبا أو نحوه من الأعيان الطاهرة التي
عليها غبار، فإذا وقع الغبار على يديه تيمم أو ينفض ثوبه حتى يرتفع غباره فيرفع يديه في الغبار في
الهواء، فإذا وقع الغبار على يديه تيمم اه‍.
259

قلت: وقيد بالأعيان الطاهرة لما في التاترخانية أيضا: إذا تيمم بغبار الثوب النجس لا يجوز إلا
إذا وقع الغبار بعد ما جف الثوب. قوله: (ولو مسبوكين) هذا إنما يظهر إذا كان يمكن سبكهما
بترابهما الغالب عليهما، والظاهر أنه غير ممكن، ولذا قال الزيلعي كما قدمناه: إنه بعد السبك لا يجوز
التيمم. وفي البحر عن المحيط: ولو تيمم بالذهب والفضة: إن كان مسبوكا لا يجوز، وإن لم يكن
مسبوكا وكان مختلطا بالتراب والغلبة للتراب جاز ا ه‍. نعم إن كانا مسبوكين وكان عليهما غبار يجوز
التيمم بالغبار الذي عليهما كما في الظهيرية: أي إن كان يظهر أثره بمده عليه كما مر ولكن لا ينظر
فيه إلى الغلبة، فكان عليه أن يقول: لو غير مسبوكين، ليوافق كلامهم. قوله: (وأرض محترقة) أي
احترق ما عليها من النبات واختلط الرماد بترابها، فحينئذ يعتبر الغالب. أما إذا أحرق ترابها من غير
مخالط له حتى صارت سوداء جاز، لان المتغير لون التراب لا ذاته ط. قوله: (فلو الغلبة الخ) بيان
لقوله: والحكم للغالب. قوله: (ومنه) أي من قوله: أي من قوله: وإلا لا فإن نفي الغلبة صادق بما إذا كان
التراب مغلوبا أو مساويا، فافهم. قوله: (وجاز قبل الوقت) أقول: بل هو مندوب كما هو صريح
عبارة البحر وقل من صرح به. رملي. قوله: (وجاز لغيره) أي لغير الفرض. قوله: (لأنه بدل الخ)
أي هو عندنا بدل مطلق عند عدم الماء ويرتفع به الحدث إلى وقت وجود الماء، وليس ببدل
ضروري مبيح مع قيام الحدث حقيقة كما قال الشافعي، فلا يجوز قبل الوقت ولا يصلي به أكثر من
فرض عنده، لكن اختلف عندنا في وجه البدلية فقالا: بين الآلتين: أي الماء والتراب. وقال محمد:
بين الفعلين: أي التيمم والوضوء، ويتفرع عليه جواز اقتداء المتوضئ بالمتيمم فأجازه ومنعه،
وسيأتي بيانه في باب الإمامة إن شاء الله تعالى، وتمامه في البحر. قوله: (وجاز لخوف فوت صلاة
وجنازة) أي ولو كان الماء قريبا.
ثم أعلم أنه اختلف فيمن له حق التقدم فيها: فروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يجوز للولي
لأنه ينتظر ولو صلوا له حق الإعادة، وصححه في الهداية والخانية وكافي النسفي. وفي ظاهر
الرواية: يجوز للولي أيضا لان الانتظار فيها مكروه، وصححه شمس الأئمة الحلواني: أي سواء
انتظروه أو لا. قال في البرهان: إن رواية الحسن هنا أحسن، لان مجرد الكراهة لا يقتضي العجز
المقتضي لجواز التيمم، لأنها ليست أقوى من فوات الجمعة والوقتية مع عدم جوازه لهما، وتبعه
شيخ مشايخنا المقدسي في شرح نظم الكنز لابن الفصيح اه‍. ملخصا من حاشية نوح أفندي. قوله:
(أي كل تكبيراتها) فإن كان يرجو أن يدرك البعض لا يتيمم لأنه يمكنه أداء الباقي وحده. بحر عن
البدائع والقنية. قوله: (أو حائضا) وكذا النفساء إذا انقطع دمهما على العادة ط.
أقول: لا بد في الحائض لانقطاع دمها لأكثر الحيض، وإلا فإن لتمام العادة فلا بد أن تصير
الصلاة دينا في ذمتها أو تغتسل أو يكون تيممها كاملا، بأن يكون عند فقد الماء. أما التيمم لخوف
فوت الجنازة أو العيد فغير كامل، وقدمنا قريبا تمام تحقيق المسألة، فافهم. قوله: (به يفتى) أي بهذا
260

التفصيل كما في المضمرات، وعند محمد يعيد على كل حال. قهستاني. قوله: (أو زوال شمس)
هذا إذا كان إماما أو مأموما.
واعلم أنه سيأتي أن صلاة العيد تؤخر لعذر في الفطر الثاني، وفي الأضحى للثالث، فإذا
اجتمع الناس في اليوم الأول قبيل الزوال والامام بغير وضوء وكانت بحيث لو توضأ زالت الشمس،
فهل يكون ذلك عذرا ويؤخر ولا يتيمم أم يتيمم ولا يؤخر؟ لكن قول الشارح لان المناط خوف
الفوت لا بد إلى بدل يقتضي التأخير فليراجع ا ه‍. ح.
أقول: سيصرح الشارح هناك بأنها قضاء في اليوم الثاني، ولم يجعلوها هنا كالوقتية التي يخلفها
القضاء، بل صرحوا بمخالفتها لها، وبأنها تفوت بزوال الشمس، فيعلم منه أنها لا تؤخر لما ذكره، هذا
ما ظهر لي فتأمله وانظر ما علقناه على البحر (1). قوله: (ولو كان يبني بناء) كذا في النهر، وفيه إشارة
إلى أن قوله بناء مفعول مطلق، ويحتمل جعله حالا: أي ولو كان تيممه في حال كونه بانيا، ويجوز
كونه مفعولا لأجله كما تقتضيه عبارة الدرر، لكنه مبني على ما ارتضاه المحقق الرضي من أنه لا يلزم
فيه أن يكون فعلا قلبيا. قوله: (بعد شروعه متوضئا الخ) في المسألة تفصيل مبسوط في البحر.
وحاصله ما ذكره القهستاني بقوله: إن سبق الحدث في المصلي قبل الصلاة، فإن رجا إدراك
شئ منها بعد الوضوء لا يتيمم، وإن شرع: فإن خاف زوال الشمس تيمم بالاجماع، وإلا فإن رجا
إدراكه لا يتيمم، وإلا فإن شرع به تيمم إجماعا، وإن شرع بالوضوء فكذلك عنده خلافا لهما اه‍.
وهو محمول على ما إذا خاف خروج الوقت إذا وهب يتوضأ، وإلا فلا بد من الوضوء لامن الفوات
لأنه يمكنه إكمال صلاته بعد سلام إمامه. تأمل. وقد اقتصروا في تصوير مسألة البناء على صلاة
العيد، وذكر في الامداد أنه ليس للاحتراز عن الجناز، لان العلة فيهما واحدة. قوله: (في الأصح)
يرجع إلى قوله: بعد شروعه متوضئا وإلى قوله: بلا فرق ومقابل الأصح في الأول قولهما،
ومقابله في الثاني ما روى الحسن عن الامام أن الامام لا يتيمم ط. قوله: (لان المناط) أي الذي
تعلق به الحكم المذكور وهو التيمم لخوف فوت الصلاة بلا بعد عن الماء. قوله: (فجاز لكسوف
الخ) تفريع على التعليل، ومراده به ما يعم الخسوف ط. وهذا إلى قوله: وحدها ذكره العلامة ابن
أمير حاج الحلبي في الحلية بحثا، وأقره في البحر والنهر. قوله: (وسنن رواتب) كالسنن التي بعد
الظهر والمغرب والعشاء والجمعة إذا أخرها بحيث لو توضأ فات وقتها فله التيمم. قال ط: والظاهر
أن المستحب كذلك لفوته بفوت وقته، كما إذا ضاق وقت الضحى عنه وعن الوضوء فيتيمم له.
قوله: خاف فوتها وحدها) أي فيتيمم على قياس قولهما، أما على قياس قول محمد فلا لأنها إذا فاتته
لاشتغاله بالفريضة مع الجماعة يقضيها بعد ارتفاع الشمس عنده، وعندهما لا يقضيها أصلا. بحر.

(1) قوله: (وانظر ما علقناه على البحر) الذي علقناه عليه، هو انه قد يقال: انها لما كانت تصلي بجمع حافل، فلو أخرت
لهذا العذر ربما يؤدي إلى فوتها بالكلية، بخلاف ما إذا أخرت لعذر فتنة أو عدم ثبوت رؤية الهلال الا بعد الزوال،
فان كل الناس يستعدون لصلاتها في اليوم الثاني، وعدم تصريحهم بان ذلك من الاعذار التي تؤخر لاجلها دليل على أنه
ليس منها تأمل ا ه‍. منه.
261

وصورة فوتها وحدها لو وعده شخص بالماء أو أمر غيره بنزحه له من بئر وعلم أنه لو انتظره
لا يدرك سوى الفرض يتيمم للسنة ثم يتوضأ للفرض ويصلي قبل الطلوع، وصورها شيخنا بما إذا
فاتت مع الفرض وأراد قضاءها ولم يبق إلى زوال الشمس مقدار الوضوء وصلاة ركعتين فيتيمم
ويصليها قبل الزوال لأنها لا تقضي بعده، ثم يتوضأ ويصلي الفرض بعده، وذكر لها ط صورتين
أخرتين (1). قوله: (ولنوم الخ) أي عند وجود الماء لان الكلام فيه، ولما قرره في البحر من أن
التيمم عند وجود الماء يجوز لكل عبادة تحل بدون الطهارة ولكن عبادة تفوت لا إلى خلف، وبين
القاعدتين عموم وجهي يجتمعان في رد السلام مثلا، فإنه يحل بدون طهارة ويفوت لا إلى خلف،
وتنفرد الأولى في مثل دخول المسجد للمحدث فإنه يحل بدون الطهارة من الحدث الأصغر ولا
يصدق عليه أنه يفوت لا إلى خلف، وتنفرد الثانية في مثل صلاة الجنازة فإنها تفوت لا إلى خلف
ولا تحل بدون الطهارة ح، لكن القاعدة الأولى محل بحث كما تطلع عليه. قوله: (وإن لم تجز الصلاة
به) أي فيقع طهارة لما نواه له فقط كما في الحلية، لان التيمم له جهتان: جهة صحته في ذاته،
وجهة صحة الصلاة به. فالثانية متوقفة على العجز عن الماء، وعلى نية عبادة مقصودة لا تصح بدون
طهارة كما سيأتي بيانه. وأما الأولى فتحصل بنية أي عبادة كانت، سواء كانت مقصودة لا تصح إلا
بالطهارة كالصلاة وكالقراءة للجنب، أو غير مقصودة كذلك كدخول المسجد للجنب، أو تحل بدونها
كدخوله للمحدث، أو مقصوده وتحل بدون طهارة كالقراءة للمحدث، فالتيمم في كل هذه الصور
صحيح في ذاته كما أوضحه ح. قوله: (وكذا لكل ما لا تشترط له الطهارة) أي يجوز له التيمم مع
وجود الماء، وهذه إحدى القاعدتين السابقتين، وفيها نظر سيظهر. قوله: (لكن في النهر الخ)
استدراك على استدلال البحر بعبارة المبتغى على إحدى القاعدتين المذكورتين، وهي جواز التيمم
عند وجود الماء لكل عبادة تحل بدون الطهارة.
وبيان الاستدراك أن الدليل إنما يتم بناء على إرادة الدخول للمحدث ليكون مما لا تشترط له
الطهارة، وإذا كان مراده الجنب سقط الدليل، لأنه لا يحل له الدخول بدونها، لكن كون المراد الجنب
نظر فيه العلامة ح بأنه لا يخلو: إما أن يكون الماء الموجود خارج المسجد وهو باطل: أي لعدم جواز
دخوله جنبا مع وجود الماء خارجه، وإما أن يكون الماء داخله وهو صحيح ولكنه بعيد من عبارته
بدليل قوله: وللنوم فيه ا ه‍. وعليه فالظاهر أن مراد المبتغى دخول المحدث فيتم الدليل.
لكن لقائل أن يقول: إن مراد المبتغى أن الجنب إذا وجد ماء في المسجد وأراد دخوله
للاغتسال يتيمم ويدخل، ولو كان نائما فيه فاحتلم والماء خارجه وخشي من الخروج يتيمم وينام
فيه إلى أن يمكنه الخروج. قال في المنية: وإن احتلم في المسجد تيمم للخروج إذا لم يخف، وإن
خاف يجلس مع التيمم ولا يصلي ولا يقرأ ا ه‍. ويؤيده ما قلناه إن نفس النوم في المسجد ليس
عبادة حتى يتيمم له، وإنما هو لأجل مكثه في المسجد أو لأجل مشيه فيه للخروج. قوله: (قلت

(1) قوله: (أخرتين) هكذا بخطه، وصوابه أخريين ا ه‍. مصححه.
262

الخ) اعتراض على البحر أيضا، لان عبارة المنية شاملة لدخول المسجد للمحدث وهو مما لا تشترط
له الطهارة فينافي ما في البحر، لكن أجاب ح بتخصيص الدخول بالجنب فلا تنافي.
أقول: ولا يخفى أنه خلاف المتبادر، ولذا علله في شرح المنية بما ذكره الشارح، وعلله أيضا
بقوله: لان التيمم إنما يجوز، ويعتبر في الشرع عند عدم الماء حقيقة أو حكما ولم يوجد واحد
منهما فلا يجوز ا ه‍. فيفيد أن التيمم لما لم تشترط له الطهارة غير معتبر أصلا مع وجود الماء، إلا
إذا كان مما يخاف فوته لا إلى بدل، فلو تيمم المحدث للنوم أو لدخول المسجد مع قدرته على الماء
فهو لغو، بخلاف تيممه لرد السلام مثلا لأنه يخاف فوته لأنه على الفور، ولذا فعله (ص)، وهذا الذي
ينبغي التعويل عليه. قوله: (لكن في القهستاني الخ) استدراك على ما يفهم من كلام البحر من أن ما
تشترط له الطهارة لا يتيمم له مع وجود الماء، وعلى ما يفهم من كلام المنية من أن كل عبادة لا
يخاف فوتها لا يتيمم لها ط. قال ح: وهو نقل ضعيف مصادم للقاعدة، لان سجدة التلاوة لا تحل إلا
بالطهارة وتفوت إلى خلف ا ه‍.
أقول: بل لا تفوت، لأنها لا وقت لها إلا إذا كانت في الصلاة، ولهذا نقل القهستاني أيضا
عن القدوري في شرحه أنها لا يتيمم لها، وعلله في الخلاصة بما قلنا. قوله: (لكن سيجئ) أي
في الفروع، وهذا استدراك على الاستدراك، وهذا التقييد مذكور في القهستاني أيضا بعد ورقتين نفلا
عن شرح الأصل معلللا بعدم الضرورة في الحضر: أي لوجود الماء فيه بخلاف السفر، فأفاد أن
جوازه عند فقد الماء، فينافي ما نقله عن المختار من جوازه مع وجود الماء كما لا يخفى، فافهم.
قوله: (في الشرعة) أي شرعة الاسلام للعلامة أبي بكر البخاري ط. قوله: (وشروحها) رأيت ذلك
منقولا في شرح الفاضل علي زاده ط. قوله: (قال) أي في الشرعة وشروحها. قوله: (فظاهر البزازية
الخ) هذا غير ظاهر، لان عبارة البزازية: ولو تيمم عند عدم الماء لقراءة قرآن عن ظهر قبل أو من
المصحف أو لمسه أو لدخول المسجد أو خروجه أو لدفن أو لزيارة قبر أو الاذان أو الإقامة لا يجوز
أن يصلي به عند العامة، ولو عند وجود الماء لا خلاف في عدم الجواز ا ه‍. فإن قوله: لا خلاف
في عدم الجواز: أي عدم جواز الصلاة به ظاهر في عدم صحته في نفسه عند وجود الماء في هذه
المواضع، لان من جملتها التيمم لمس المصحف، ولا شبهة في أنه عند وجود الماء لا يصح أصلا،
ولما مر عن المنية وشرحها من أنه مع وجود الماء ليس بشئ بل هو عدم.
والحاصل أن ما بحثه في البحر من صحة التيمم لهذه الأشياء مع وجود الماء لا بد لها من
دليل، وليس في شئ مما ذكره الشارح ما يدل عليها، بل فيه ما يدل على خلافها كما علمت، وأما
عبارة المبتغى فقد علمت ما فيها، فالظاهر عدم الصحة إلا فيما يخاف فوته كما قررناه قبل، فتدبر.
قوله: (وإن لم تجز الصلاة به) لأن جوازها به يشترط له فقد الماء أو خوف الفوت، لا إلى بدل بعد
أن يكون المنوي عبادة مقصودة لا تصح بدون طهارة، ولم يوجد ذلك في شئ مما ذكر. قوله:
(قلت بل لعشر الخ) من هنا إلى قوله: قلت وظاهره ساقط في بعض النسخ، وذكر ابن عبد الرزاق
263

أنه من ملحقات الشارح على نسخته الثانية. قوله: (أنه يجوز) بدل من ما أو من الضابط. قوله:
(ولو مع وجود الماء) غير مسلم كما علمت. قوله: (فلا يجوز) أي التيمم لمس مصحف، سواء كان
عن حدث أو عن جنابة. قوله: (فكالأول) أي كالذي لا تشترط له الطهارة فيتيمم له مع وجود
الماء ط. قوله: (فكالثاني) وهو ما تشترط له الطهارة ط. قوله: (لم تجز الصلاة به) أي لفقد
الشرط، وهو أمران: كون المنوي عبادة مقصودة، وكونها لا تحل إلا بالطهارة.
أما في دخول المسجد ففي المحدث فقد الأمران، وفي الجنب فقد الأول، وأما في القراءة
للمحدث فلفقد الثاني، ولا يراد الجنب هنا لما تقدم قريبا من قوله: أو جنبا فكالثاني أي فتجوز
الصلاة به.
وأما المس مطلقا فلفقد الأول، والكتابة كالمس إلا إذا كتب والصحيفة على الأرض على ما
مر، فإذا تيمم لذلك كانت العلة فقد الامرين. والتعليم إن كان من محدث فلفقد الثاني، وإن كان من
جنب وكان كلمة كلمة فلفقد الثاني أيضا، وعارض التعليم لا يخرجه عن كونه قراءة، ولا يراد الجنب
هنا إذا لم يكن التعليم كلمة كلمة لما مر. وأما زيارة القبور وعيادة المريض ودفن الميت والسلام ورده
فلفقد الثاني. وأما الاذان بالنسبة إلى الجنب فلفقد الأول، وللمحدث فلفقد الامرين. وأما الإقامة
مطلقا فلفقد الأول. وأما الاسلام فجرى فيه على مذهب أبي يوسف القائل بصحته في ذاته ا ه‍. ح.
أقول: لا يصح عد الاسلام هنا لأنه يوهم صحة تيممه له، لكن لا تجوز الصلاة به، وليس
ذلك قولا لاحد من علمائنا الثلاثة، لأنه عند أبي يوسف يصح في ذاته وتجوز الصلاة به عنده كما
صرح به في البحر. وأما عندهما فلا يصح أصلا، وهو الأصح كما في الامداد وغيره، فافهم. قوله:
(بخلاف صلاة جنازة) أي فإن تيممها تجوز به سائر الصلوات لكن عند فقد الماء، وأما عند وجوده
إذا خاف فوتها فإنما تجوز به الصلاة عن جنازة أخرى إذا لم يكن بينهما فاصل كما مر، ولا يجوز به
غيرها من الصلوات، أفاده ح. قوله: (أو سجدة تلاوة) أي فتصح الصلاة بالتيمم لها عند عدم الماء،
أما عند وجوده فلا يصح التيمم لها لما علمت من أنها تفوت إلى بدل ط. قوله: (وظاهره الخ) أي
ظاهر قوله: لم تجز الصلاة به أن التيمم لهذه المذكورات الثلاث عشرة التي لا تشترط لها الطهارة
صحيح في نفسه يجوز فعله.
ووجه ظهور ذلك أنه لو لم يكن صحيحا في نفسه لكان المناسب أن يقال: يصح التيمم لها
أو لم يجز لأنه أعم.
وأقول: إن كان مراده الجواز عند فقد الماء فهو مسلم وإلا فلا، والظاهر أن مراده الثاني
موافقا لما قدمه عن البحر، ولقوله: فظاهر البزازية جوازه لتسع مع وجود الماء الخ وقدمنا أنه غير
ظاهر وأنه لا بد له من نقل يدل عليه ولم يوجد، وأن استدلال البحر بما في المبتغى لا يفيد، نعم
264

ما يخاف فوته بلا بدل من هذه المذكورات يجوز مع وجود الماء نظير الجنازة لأنه فاقد للماء حكما
فيشمله النص، بخلاف ما لا يخاف فواته منها فلا يجوز أصلا، لان النص ورد بمشروعية التيمم عند
فقد الماء، فلا يشرع عند وجوده حقيقة وحكما، ولعله لهذا أمر بالتأمل، فافهم. قوله: (لفواتها) أي
هذه المذكورات إلى بدل، فبدل الوقتيات والوتر القضاء، وبدل الجمعة الظهر فهو بدلها صورة عند
الفوات وإن كان في ظاهر المذهب هو الأصل، والجمعة خلف عنه خلافا لزفر كما في البحر.
قوله: (وقيل يتيمم الخ) هو قول زفر. وفي القنية أنه رواية عن مشايخنا. بحر. وقدمنا ثمرة
الخلاف. قوله: (قال الحلبي) أي البرهان إبراهيم الحلبي في شرحه على المنية، وذكر مثله العلامة
ابن أمير حاج الحلبي في الحلية شرح المنية حيث ذكر فروعا عن المشايخ، ثم قال ما حاصله:
ولعل هذا من هؤلاء المشايخ اختيار لقول زفر لقوة دليله، وهو أن التيمم إنما شرع للحاجة إلى أداء
الصلاة في الوقت فيتيمم عند خوف فواته. قال شيخنا ابن الهمام (1): ولم يتجه لهم عليه سوى أن
التقصير جاء من قبله فلا يوجب الترخيص عليه، وهو إنما يتم إذا أخر لا لعذر ا ه‍.
وأقول: إذا أخر لا لعذر فهو عاص. والمذهب عندنا أنه كالمطيع في الرخص، نعم تأخيره
إلى هذا الحد عذر جاء من قبل غير صاحب الحق، فينبغي أن يقال: يتيمم ويصلي ثم يعيد
الوضوء، كمن عجز بعذر قبل العباد، وقد نقل الزاهدي في شرحه هذا الحكم عن الليث بن
سعد. وقد ذكر ابن خلكان أنه كان حنفي المذهب، وكذا ذكره في الجواهر المضية في طبقات
الحنفية ا ه‍. ما في الحلية.
قلت: وهذا قول متوسط بين القولين، وفيه الخروج عن العهدة بيقين فلذا أقره الشارح، ثم
رأيته منقولا في التاترخانية عن أبي نصر بن سلام وهو من كبار الأئمة الحنفية قطعا، فينبغي العمل
به احتياطا ولا سيما وكلام ابن الهمام يميل إلى ترجيح قول زفر كما علمته، بل قد علمت من كلام
القنية أنه رواية عن مشايخنا الثلاثة، ونظير هذا مسألة الضيف الذي خاف ريبة فإنهم قالوا يصلي ثم
يعيد، والله تعالى أعلم. قوله: (ويجب) أي على المسافر، لان طلب الماء في العمرانات أو في
قربها واجب مطلقا. بحر. قوله: (طلبه) أي الماء. قوله: (ولو برسوله) وكذا لو أخبره من غير أن
يرسله. بحر عن المنية. قوله: (ثلاثمائة ذراع) أي إلى أربعمائة. درر وكافي وسراج ومبتغى.
مطلب في تقدير الغلوة
قوله: (ذكره الحلبي) أي البرهان إبراهيم. وعبارته في شرحيه على المنية الكبير والصغير:
فيطلب يمينا ويسارا قدر غلوة من كل جانب، وهي ثلاثمائة خطوة إلى أربعمائة، وقيل قدر رمية
سهم ا ه‍.

(1) قوله: (ولم يتجه لهم عليه الخ) اي ان الفقهاء ردوا على زفر ولم يتوجه لهم في الرد عليه سوى انهم قالوا ان من أخر
الصلاة إلى آخر الوقت كان مقصرا، وتقصيره جاء من قبله فلا يستحق الترخيص له بجواز التيمم، ولكن هذا الرد على
زفر انما يتم لو أخر لا لعذر فيلزمهم أن يرخصوا له التيمم لو أخر لعذر، على أنه لو أخر بلا عذر لا يتجه أيضا، لان
غايته انه عاص بالتأخير والعاصي عندنا كالمطيع في ثبوت الترخص له ا ه‍. منه.
265

وفيه مخالفة لما عزاه إليه الشارح من وجهين: الأول تفسير الغلوة بالخطا لا بالأذرع. والثاني
الاكتفاء بالطلب يمينا ويسارا، وهو الموافق لقول الخانية: يفرض الطلب يمينا ويسارا قدر غلوة،
وظاهره كما في الشيخ إسماعيل عن البرجندي أنه لا يجب في جانب الخلف والقدام، نعم في
الحقائق ينظر يمينه وشماله وأمامه ووراءه غلوة. قال في البحر: وظاهره أنه لا يلزمه المشي بل
يكفيه النظر في هذه الجهات وهو في مكانه إذا كان حواليه لا يستتر عنه. وقال في النهر: بل معناه
أنه يقسم الغلوة على هذه الجهات، فيمشي من كل جانب مائة ذراع، إذ الطلب لا يتم بمجرد النظر
ا ه‍. وفي الشلانبلالية عن البرهان أن قدر الطلب بغلوة من جانب ظنه ا ه‍.
قلت: لكن هذا ظاهر أن ظنه في جانب خاص، أما لو ظن أن هناك ماء دون ميل ولم يترجح
عنده أحد الجوانب يطلبه فيها كلها حتى جهة خلفه، إلا إذا علم أنه لا ماء فيه حين مروره عليه.
ولكن هل يقسم الغلوة على الجهات أو لكل جهة غلوة؟ محل تردد. والأقرب الأول كما مر عن
النهر، وصريح ما مر عن شرح المنية خلافه، ولكن الظاهر أنه لا يلزمه المشي إلا إذا لم يمكنه
كشف الحال بمجرد النظر، فتدبر. قوله: (وفي البدائع الخ) اعتمده في البحر. قوله: (ورفقته)
الأولى: أو رفقته، لان ضرر أحدهما كاف كما هو غير خاف ح.
مطلب في الفرق بين الظن وغلبة الظن
قوله: (ظنا قويا) أي غالبا. قال في البحر عن أصول اللامشي: إن أحد الطرفين إذا قوي
وترجح على الآخر ولم يأخذ القلب ما ترجح به ولم يطرح الآخر فهو الظن، وإذا عقد القلب على
أحدهما وترك الآخر فهو أكبر الظن وغالب الرأي. قوله: (دون ميل) ظرف لقوله قربه وقيد به لان
الميل وما فوقه بعيد لا يوجب الطلب. قوله: (بأمارة) أي علامة كرؤية خضرة أو طير. قوله: (أو
إخبار عدل) قال في شرح المنية: ويشترط في المخبر أن يكون مكلفا عدلا، وإلا فلا بد معه من
غلبة الظن حتى يلزم الطلب لأنه من الديانات. قوله: (وإلا يغلب على ظنه) بأن شك أو ظن ظنا غير
قوي. نهر. قوله: (وإلا لا) أي إن لم يرج الماء لا يطلبه لعدم الفائدة. بحر عن المبسوط. قوله:
(أعاد وإلا لا) أي وإن لم يخبره بعد ما سأله لا يعيد الصلاة. زيلعي وبدائع. لكن في البحر عن
السراج: ولو تيمم من غير طلب وكان الطلب واجبا وصلى ثم طلبه فلم يجده وجبت عليه الإعادة
عندهما، خلافا لأبي يوسف ا ه‍. ومفاده أنه تجب الإعادة هنا وإن لم يخبره. قوله: (في حق جواز
الصلاة) أما في حق صحته في نفسه فيكفي فيه نية ما قصده لأجله من أي عبادة كانت عند فقد
الماء، وعند وجوده يصح لعبادة تفوت لا إلى خلف كما قدمناه. قوله: (نية عبادة) قدمنا في
الوضوء تعريف النية وشروطها. وفي البحر: وشرطها أن ينوي عبادة مقصودة الخ، أو الطهارة أو
استباحة الصلاة أو رفع الحدث أو الجنابة، فلا تكفي نية التيمم على المذهب، ولا تشترط نية
التمييز بين الحدث والجنابة خلافا للجصاص ا ه‍. ويأتي تمام الكلام عليه قريبا.
قلت: وتقدم في الوضوء أنه تكفي نية الوضوء، فما الفرق بينه وبين نية التيمم؟ تأمل. ولعل
266

وجه الفرق أنه لما كان بدلا عن الوضوء أو عن آلته على ما مر من الخلاف ولم يكن مطهرا في نفسه
إلا بطريق البدلية لم يصح أن يجعل مقصودا، بخلاف الوضوء فإنه طهارة أصلية.
والأقرب أن يقال: إن كل وضوء تستباح به الصلاة. بخلاف التيمم فإنه منه ما لا تستباح به، فلا
يكفي للصلاة التيمم المطلق، ويكفي الوضوء المطلق، هذا ما ظهر لي، والله أعلم. قوله: (ولو صلاة
جنازة) قال في البحر: لا يخفى أن قولهم بجواز الصلاة بالتيمم لصلاة الجنازة محمول على ما إذا لم
يكن واجدا للماء كما قيده في الخلاصة بالمسافر. أما إذا تيمم لها مع وجوده لخوف الفوت فإن تيممه
يبطل بفراغه منها ا ه‍. لكن في إطلاق بطلانه نظر، بدليل أنه لو حضره جنازة أخرى قبل إمكان إعادة
التيمم له أن يصلي عليها به، فالأولى أن يقول: فإن تيممه لم يصح إلا لما نواه وهو صلاة الجنازة
فقط، بدليل أنه لا يجوز له أن يصلي به ولا أن يمس المصحف ولا يقرأ القرآن جنبا، كذا قرره شيخنا
حفظه الله تعالى. قوله: (في الأصح) هذا بناء على قول الإمام: إنها مكروهة، أما على قولهما المفتى
به إنها مستحبة فينبغي صحته وصحة الصلاة به. أفاده ح. قوله: (مقصودة) المراد بها ما لا تجب في
ضمن شئ آخر بطريق التبعية، ولا ينافي هذا ما في كتب الأصول من أن سجدة التلاوة غير مقصودة،
لان المراد هنا أنها شرعت ابتداء تقربا إلى الله تعالى، لا تبعا لغيرها، بخلاف دخول المسجد ومس
المصحف، والمراد بما في الأصول أن هيئة السجود ليست مقصودة لذاتها عند التلاوة بل لاشتمالها
على التواضع، وتمامه في البحر. قوله: (خرج دخول مسجد الخ) أي ولو لجنب، بأن كان الماء في
المسجد وتيمم لدخوله للغسل، فلا يصلي به كما مر، وخرج أيضا الأذان والإقامة.
ولا يقال: دخول المسجد عبادة للاعتكاف، لان العبادة هي الاعتكاف والدخول تبع له، فكان
عبادة غير مقصودة كما في البحر. قوله: (ليعم قراءة القرآن للجنب) قيد بالجنب، لان قراءة
المحدث تحل بدون الطهارة، فلا يجوز أن يصلي بذلك التيمم، بخلاف الجنب، وهذا التفصيل جعله
في البحر هو الحق، خلافا لمن أطلق الجواز، ولمن أطلق المنع.
وأشار الشارح إلى أن القراءة عباد مقصودة، وجعلها في البحر جزء العبادة، فزاد في الضابط
بعد قوله: مقصودة أو جزئها لإدخالها.
واعترضه في النهر بأنه لا حاجة إليه، لان وقوع القراءة جزء عباد من وجه لا ينافي وقوعها
عبادة مقصودة من وجه آخر، ألا ترى أنهم أدخلوا سجود التلاوة في المقصودة مع أنه جزء من
العبادة التي هي الصلاة ا ه‍. قوله: (خرج السلام ورده) أي فلا يصلي بالتيمم لهما ولو عند فقد
الماء، وكذا قراءة المحدث وزيارة القبور. وأما الاسلام فلا يصح ذكره هنا، لان عند أبي يوسف
يصلي به، وعندهما لا يصح أصلا كما نبهنا عليه سابقا، فمن عده هنا لم يصب.
قوله: (فلغا الخ) تفريع على اشتراط النية: أي لما شرطناها فيه، ومن شرائط صحتها
الاسلام: لغا تيمم الكافر، سواء نوى عبادة مقصودة لا تصح إلا بالطهارة أو لا، وصح وضوءه لعدم
اشتراط النية فيه، ولما لم يشترطها زفر سوى بينهما. نهر قوله: (بنية الوضوء) يريد به طهارة
267

الوضوء، لما علمت من اشتراط نية التطهير. بحر. وأشار إلى أنه لا تشترط نية التمييز بين الحدثين
خلافا للجصاص كما مر، فيصح التيمم عن الجنابة بنية رفع الحدث الأصغر كما في العكس.
تأمل. لكن رأيت في شرح المصنف على زاد الفقير ما نصه: وقال في الوقاية: إذا كان به حدثان
كالجنابة وحدث يوجب الوضوء ينبغي أن ينوي عنهما فإن نوى عن أحدهما لا يقع عن الآخر لكن
يكفي تيمم واحد عنهما ا ه‍. فقوله لكن يكفي: يعني لو تيمم الجنب عن الوضوء كفى وجازت
صلاته ولا يحتاج أن يتيمم للجنابة، وكذا عكسه، لكن لا يقع تيممه للوضوء عن الجنابة، ولهذا قال
الرازي وإن وجد ماء يكفي لغسل أعضائه مرة بطل في المختار، لان تيممه للوضوء وقع له لا
للجنابة وإن كفى عنهما. فتأمل ا ه‍. ما في شرح الزادي. قوله: (به يفتى) كذا في الحلية عن
النصاب. قوله: (رجاء قويا) المراد به غلبة الظن، ومثله التيقن كما في الخلاصة، وإلا فلا يؤخر،
لان فائدة الانتظار أداء الصلاة بأكمل الطهارتين. بحر. قوله: (آخر الوقت) برفع آخر على أنه نائب
فاعل ندب وأصله النصب على الظرفية، ولا يصح نصبه على أن يكون في ندب ضمير يعود على
الصلاة وهو نائب الفاعل، لأنه كان يجب تأنيث الضمير، نعم هو جائز في الشعر، فافهم، ولا على
أن ضميره عائد على التيمم، لان آخر الوقت محل الوضوء لا التيمم لأنه فرض المسألة. قوله:
(المستحب) هذا هو الأصح، وقيل وقت الجواز، وقيل إن كان على ثقة من الماء فإلى آخر وقت
الجواز، وإن على طمع فإلى آخر وقت الاستحباب سراج. وفي البدائع: يؤخر إلى مقدار ما لم
يجد الماء لأمكنه أن يتيمم ويصلي في الوقت. وفي التاترخانية عن المحيط: ولا يفرط في التأخير
حتى لا تقع صلاة في وقت مكروه. واختلفوا في تأخير المغرب، فقيل لا يؤخر، وقيل يؤخر ا ه‍.
والحاصل أنه إذا رجا الماء يؤخر إلى آخر الوقت المستحب بحيث لا يقع في كراهة، وإن
كان لا يرجو الماء يصلي في الوقت المستحب كوقت الاسفار في الفجر والابراد في ظهر الصيف
ونحو ذلك على ما بين في محله، لكن ذلك شراح الهداية وبعد شراح المبسوط أنه إن كان لا يرجو
الماء يصلي في أول الوقت لان أداء الصلاة فيه أفضل، إلا إذا تضمن التأخير فضيلة لا تحصل بدونه
كتكثير الجماعة ولا يتأتى هذا في حق من في المفازة، فكان التعجيل أولى كما في حق النساء
لأنهن لا يصلين بجماعة.
وتعقبهم الإتقاني في غاية البيان بأنه سهو منهم بتصريح أئمتنا باستحباب تأخير بعض الصلوات
بلا اشترط جماعة.
وأجاب في السراج بأن تصريحهم محمول على ما إذا تضمن التأخير فضيلة وإلا لم يكن له
فائدة، فلا يكون مستحبا، وانتصر في البحر للإنقاني بما فيه نظر كما أوضحناه فيما علقناه عليه.
والذي يؤيده كلام الشراح أن ما ذكره أئمتنا من استحباب الاسفار بالفجر والابراد بظهر الصيف معللا
بأن فيه تكثير الجماعة، وتأخير العصر لاتساع وقت النوافل، وتأخير العشاء لما فيه من قطع السمر
المنهي عنه، وكل هذه العلل مفقودة في حق المسافر، لأنه في الغالب يصلي منفردا، ولا يتنفل بعد
العصر، ويباح له السمر بعد العشاء كما سيأتي، فكان التعجيل في حقه أفضل، وقولهم كتكثير
الجماعة، مثال للفضيلة لا حصر فيها.
تنبيه: في المعراج عن المجتبى: يتخالج في قلبي فيما إذا كان يعلم أنه إن أخر الصلاة إلى
268

آخر الوقت يقرب من الماء بمسافة أقل من ميل، لكن لا يتمكن من الصلاة بالوضوء في الوقت
الأولى أن يصلي في أول الوقت مراعاة لحق الوقت وتجنبا عن الخلاف ا ه‍. واستحسنه في الحلية.
قوله: (من ليس في العمران) أي سواء كان مسافرا أو مقيما. منح، ونوح أفندي عن شرح الجامع
لفخر الاسلام. أما من في العمران فتجب عليه الإعادة، لان العمران يغلب فيه وجود الماء فكان
عليه طلبه فيه، وكذا فيما قرب منه كما قدمناه والظاهر أن الأخبية بمنزلة العمران، لان إقامة
الاعراب فيها لا تتأتى بدون الماء، فوجوده غالب فيها أيضا. وعليه فيشكل قولهم: سواء كان
مسافرا أو مقيما (1)، فليتأمل. قوله: (ونسي الماء) أو شك كما في السراج. نهر.
أقول: هو سبق قلم، لان عبارة السراج: هكذا قيد بالنسيان احترازا عما إذا شك أو ظن أن
ماءه قد فني فصلى ثم وجده فإنه يعيد إجماعا. قوله: (في رحله) الرحل للبعير كالسرج للدابة، ويقال
لمنزل الانسان ومأواه رحل أيضا، ومنه: نسي الماء في رحله مغرب. لكن قولهم لو كان الماء في
مؤخرة الرحل يفيد أن المراد بالرحل: الأول. بحر. وأقول: الظاهر أن المراد به ما يوضع فيه الماء
عادة، لأنه مفرد مضاف فيعم كل رحل سواء كان منزلا أو رجل بعير، وتخصيصه بأحدهما مما لا
برهان عليه نهر. قوله: (وهو مما ينسى عادة) الجملة حالية، ومحترزه قوله: كما لو نسيه في عنقه
الخ. قوله: (لا إعادة عليه) أي إذا تذكره بعد ما فرغ من صلاته، فلو تذكر فيها يقطع ويعيد إجماعا.
سراج، وأطلق فيشمل ما لو تذكر في الوقت أو بعده كما في الهداية وغيرها خلافا لما توهمه
المنية، وما لو كان الواضع للماء في الرحل هو أو غيره بعلمه، بأمره أو بغير أمره خلافا لأبي
يوسف، أما لو كان غيره بلا علمه فلا إعادة اتفاقا. حلية. قوله: (أعاد اتفاقا) لأنه كان عالما به
وظهر خطأ الظن. حلية، وكذا لو شك كما قدمناه عن السراج، وهو مفهوم بالأولى. قوله: (في
عنقه) أي عنق نفسه. قوله: (أو في مقدمه الخ) أي مقدم رحله، واحترز به عما لو نسيه في مؤخره
راكبا أو مقدمه سائقا فإنه على الاختلاف، وكذا إذا كان قائدا مطلقا. بحر. قوله: (أو مع نجس)
بفتح الجيم: أي بأن كان حاملا له أو في بدنه وكان أكثر من الدرهم، وهو معطوف على قوله: أو
نسي والظرف متعلق بصلى محذوفا لعلمه من المقام، ولا يصح عطفه على عريانا ليتعلق بصلى
المذكور المقيد بقوله: نسي ثوبه لان نسيان الثوب هنا لا دخل له. قوله: (ثم ذكر) أي بعد ما
فعل جميع ما ذكر ناسيا. قوله: (أعاد إجماعا) راجع إلى الكل، لكن في الزيلعي أن مسألة الصلاة في
ثوب نجس أو عريانا على الاختلاف، وهو الأصح ا ه‍. قوله: (ويطلبه وجوبا على الظاهر) أي
ظاهر الرواية عن أصحابه الثلاثة كما سيذكره مع تعليله، وكونه ظاهر الرواية عنهم أخذه في البحر
من قوله المبسوط: عليه أن يسأله إلا على قول الحسن بن زياد: إن في سؤاله مذلة، ورد ما في
الهداية وغيرها من أنه يلزمه عندهما لا عنده، ووفق في شرح المنية الكبير بأن الحسن رواه عن أبي

(1) قوله: (أو مقيما فليتأمل) اي حيث علل الإقامة بدون ماء، فلا معنى لهذا التعميم، لان المقيم في غير العمران لا
تتأتى اقامته بغير الماء ا ه‍. شيخنا رحمه الله تعالى.
269

حنيفة في غير ظاهر الرواية وأخذ هو به، فاعتمد في المبسوط ظاهر الرواية، واعتمد في الهداية
رواية الحسن لكونها أنسب بمذهب أبي حنيفة من عدم اعتبار القدرة بالغير.
أقول: وبقول الإمام جزم في المجمع والملتقى والوقاية وابن الكمال أيضا، وقال: هذا على
وفق ما في الهداية والايضاح والتقريب وغيرها. وفي التجريد: ذكر محمدا مع أبي حنيفة. وفي
الذخيرة عن الجصاص أنه لا خلاف، فإن قوله: فيما إذا غلب على ظنه، منعه إياه، وقولهما: عند
غلبة الظن، بعدم المنع ا ه‍.
أقول: وقد مشى على هذا التفصيل في الزيادات والكافي، وهو قريب من قول الصفار: إنه
يجب في موضع لا يعز فيه الماء، إذ لا يخفى أنه حينئذ لا يغلب على الظن المنع. وقال في شرح
المنية: إنه المختار. وفي الحلية: إنه الأوجه لأن الماء غير مبذول غالبا في السفر خصوصا في
موضع عزته، فالعجز متحقق ما لم يظن الدفع ا ه‍.
وحيث نص الامام الجصاص على التوفيق بما ذكر ارتفع الخلاف، ولا يبعد حمل ما في
المبسوط عليه كما سنشير إليه، والله الموفق. قوله: (من رفيقه) الأولى حذفه وإبقاء المتن على
عمومه ط. ولذا قال نوح أفندي وغيره: ذكر الرفيق جرى مجرى العادة، وإلا فكل من حضر وقت
الصلاة فحكمه كذلك رفيقا كان أو غيره ا ه‍.
وقد يقال: أراد بالرفيق من معه من أهل القافلة، وهو مفرد مضاف فيعم، ثم خصصه بقوله:
ممن هو معه والظاهر أنه لكانت القافلة كبيرة يكفيه النداء فيها، إذ يعسر الطلب من كل فرد، وطلب
رسوله كطلبه نظير ما مر. قوله: (ممن هو) أي الماء الكافي للتطهير. قوله: (بثمن مثله) أي في ذلك
الموضع بدائع. وفي الخانية: في أقرب المواضع من الموضع الذي يعز فيه الماء. قال في الحلية:
والظاهر الأول، إلا أن يكون للماء في ذلك الموضع قيمة معلومة كما قالوا في تقويم الصيد. قوله:
(ولو ذلك) أي وفي ملكه ذلك الثمن، وقدمنا أنه لو له مال غائب وأمكنه الشراء نسيئة وجب، بخلاف
ما لو وجد من يقرضه، لان الاجل لازم ولا مطالبة قبل حلوله، بخلاف القرض. بحر. قوله: (فاضلا
عن حاجته) أي من زاد ونحوه من الحوائج اللازمة. حلية. قلت: ومنها قضاء دينه. تأمل. قوله: (لا
يتيمم) لان القدرة على البدل قدره على الماء. بحر. قوله: (وهو ضعف قيمته) هذا ما في النوادر،
وعليه اقتصر في البدائع والنهاية، فكان هو الأولى. بحر، لكنه خاص بهذا الباب لما يأتي في شراء
الوصي أن الغبن الفاحش ما لا يدخل تحت تقويم المقومين ا ه‍. ح. أقول: هو قول هنا أيضا. وفي
شرح المنية أنه الأوفق. قوله: (في ذلك المكان) مبني على ما نقلناه في البدائع.
تنبيه: لو ملك العاري ثمن الثوب: قيل لا يجب شراؤه، وقيل يجب كالماء. سراج، وجزم
بالثاني في المواهب. قوله: (ثمن ذلك) الأولى حذف ثم لان اسم الإشارة راجع إليه لا إلى
الماء ط. قوله: (وأما للعطش) أي هذا الحكم في الشراء للوضوء. قوله: (وأما الخ مذكور في
270

الأشباه) أي في أواخرها، وليست مما نحن فيه، فلا يلزمنا ذكرها هنا.
قوله: (وقبل طلبه الخ) مفهوم قوله: ويطلبه وجوبا الخ ح.
وفي النهر: اعلم أن الرائي للماء مع رفيقه، إما أن يكون في الصلاة أو خارجها، وفي كل
إما أن يغلب على ظنه الاعطاء أو عدمه أو شك، وفي كل إما أن يسأله أو لا، وفي كل إما أن
يعطيه أو لا. فهي أربعة وعشرون، فإن في الصلاة وغلب على ظنه الاعطاء قطع وطلب، فإن لم
يعطه بقي تيممه، فلو أتمها ثم سأل: فإن أعطاه استأنف وإلا تمت، كما لو أعطاه بعد الاباء، وإن
غلب على ظنه عدمه أو شك لا يقطع، فلو أعطاه بعد ما أتمها بطلت وإلا لا، وإن خارجها، فإن
صلى بالتيمم بلا سؤال فعلى ما سبق، فلو سأل بعدها وأعطاه أعاد وإلا لا، سواء ظن الاعطاء أو
المنع أو شك، وإن منعه ثم أعطاه لا، وبطل تيممه، ولا يتأتى في هذا القسم ظن ولا شك ا ه‍.
قوله: (لأنه مبذول عادة) أي غالبا، وفيه إشارة إلى أنه لو كان في موضع يعز فيه ويغلب على الظن
منعه وعدم بذله أنه يجوز التيمم لتحقق العجز كما قدمناه فلا ينافي ما قدمناه من التوفيق. ولذا قال
في المجتبى: الغالب عدم الضنة بالماء، حتى لو كان في موضع تجري عليه الضنة لا يجب الطلب
منه قوله: (وعليه) أي بناء على ظاهر الرواية فيجب الخ. وقد نقل الوجوب في النهر عن
المعراج، ثم قال: لكن لا يجب كما في الفتح وغيره. وفي السراج): قيل يجب الطلب إجماعا، وقيل
لا يجب ا ه‍. وينبغي أن يكون الأول بناء على الظاهر، والثاني على ما في الهداية ا ه‍: أي من
اختيار رواية الحسن كما قدمناه.
قلت: وهو توفيق حسن، فلذا أشار إليه الشارح حيث جعل الوجوب مبنيا على الظاهر، لكن
يخالفه ما في المعراج فإنه قال: ولو كان مع رفيقه دلو يجب أن يسأله بخلاف الماء ا ه‍. ومثله في
التاترخانية، فليتأمل.
ثم الأظهر وجوب الطلب كالماء كما في المواهب، واقتصر عليه في الفيض الموضوع لنقل
الراجح المعتمد كما قال في خطبته: وينبغي تقييده بما إذا غلب على ظنه الاعطاء كالماء، إلا أن
يفرق بأنه ليس مما تشح به النفوس في السفر، بخلاف الماء. تأمل. قوله: (وكذا الانتظار) أي يجب
انتظاره للدلو إذا قال الخ لكن هذا قولهما. وعنده لا يجب بل يستحب أن ينتظر إلى آخر الوقت، فإن
خاف فوت الوقت تيمم وصلى، وعلى هذا لو كان مع رفيقه ثوب وهو عريان فقال انتظر حتى
أصلي وأدفعه إليه.
وأجمعوا: أنه إذا قال: أبحت لك مالي لتحج به أنه لا يجب عليه الحج.
وأجمعوا أنه في الماء ينتظر وإن خرج الوقت. ومنشأ الخلاف أن القدرة على ما سوى الماء
هل تثبت بالإباحة؟ فعنده لا، وعندهما نعم، كذا في الفيض والفتح والتاترخانية وغيرها، وجزم في
المنية بقول الإمام. وظاهر كلامهم ترجيحه. وفي الحلية: والفرق للامام أن الأصل في الماء
الإباحة والحظر فيه عارض فيتعلق الوجوب بالقدرة الثابتة بالإباحة، ولا كذلك ما سواه، فلا يثبت
271

إلا بالملك كما في الحج ا ه‍. فتنبه. قوله: (إن ظن الاعطاء قطع) أي إن غلب على ظنه. قال في
النهر: فلا تبطل بل يقطعها، فإن لم يفعل فإن أعطاه بعد الفراغ أعاد وإلا لا، كما جزم به الزيلعي
وغيره، فما جزم به من أنها تبطل ففيه نظر، نعم ذكر في الخانية عن محمد أنها تبطل بمجرد الظن،
فمع غلبته أولى وعليه يحمل ما في الفتح ا ه‍. قوله: (لكن في القهستاني) استدراك على المتن كما
هو سياق القهستاني، فكان الواجب تقديمه (1) ثم الجواب عن المحيط أنه غير ظاهر الرواية ح.
قلت: وقد علمت التوفيق بما قدمناه عن الجصاص، من أنه لا خلاف في الحقيقة، فقول
المصنف: ويطلبه الخ أي إن ظن الاعطاء، بأن كان في موضع لا يعز فيه الماء، وقدمناه عن شروح
المنية أنه المختار، وأنه الأوجه، فتنبه.
مطلب: فاقد الطهورين
قوله: (فاقد) بالرفع صفة المحصور، واللام فيه للعهد الذهني فيكون في حكم النكرة
وبالنصب على الحال، كذا رأيته بخط الشارح. قوله: (ولا يمكن إخراج تراب مطهر) أما لو أمكنه
بنقر الأرض أو الحائط بشئ فإنه يستخرج ويصلي بالاجماع. بحر عن الخلاصة. قال ط: وفيه أنه
يلزم التصرف في مال الغير بلا إذنه. قوله: (يؤخرها عنده) لقول عليه الصلاة والسلام: لا صلاة إلا
بطهور سراج. قوله: (وقالا يتشبه بالمصلين) أي احتراما للوقت. قال ط: ولا يقرأ كما في أبي
السعود، سواء كان حدثه أصغر أو أكبر ا ه‍. قلت: وظاهره أنه لا ينوي أيضا لأنه تشبه لا صلاة
حقيقية. تأمل. قوله: (إن وجد مكانا يابسا) أي لامنه من التلوث، لكن في الحلية: الصحيح على
هذا القول أنه يومئ كيفما كان، لأنه لو سجد صار مستعملا للنجاسة. قوله: (كالصوم) أي في مثل
الحائض إذا طهرت في رمضان، فإنها تمسك تشبها بالصائم لحرمة الشهر ثم تقضي، وكذا المسافر
إذا أفطر فأقام. قوله: (مقطوع اليدين) أي من فوق المرفقين والكعبين وإلا مسح محل القطع كما
تقدم، لكن سيأتي في آخر صلاة المريض بعد حكاية المصنف ما ذكره هنا، وقيل لا صلاة عليه،
وقيل يلزمه غسل موضع القطع. قوله: (إذا كان بوجهه جراحة) وإلا مسحه على التراب إن لم يمكنه
غسله. قوله: (ولا يعيد على الأصح) لينظر الفرق بينه وبين فاقد الطهورين لمرض، فإنه يؤخر أو
يتشبه على الخلاف المذكور آنفا كما علمت مع اشتراكهما في إمكان القضاء بعد البرء، وكون

(1) قوله: (فكان الواجب تقديمه) اي عند قوله وبطلبه ممن هو معه الخ وقال شيخنا: الأحسن ثنيع الشارح ليكون
استدراكا على قوله: فيجب طلب الدلو والرشا حيث ذكر من غير فصل بين الظن وعدمه، نعم لو قدمه على قوله ولو
كان في الصلاة الخ لكان أولى، وهذا ظاهر ا ه‍.
272

عذرهما سماويا. تأمل. قوله: (وبهذا ظهر الخ) رد لما في الخلاصة وغيرها عن أبي علي السغدي،
من أنه لو صلى في الثوب النجس أو إلى غير القبلة لا يكفر لأنها جائزة حالة العذر. أما الصلاة بلا
وضوء فلا يؤتى بها بحال فيكفر. قال الصدر الشهيد: وبه نأخذ ا ه‍.
وجه الرد أنها جائزة في مسألة المقطوع المذكورة، فحيث كانت علة عدم الإكفار الجواز حالة
العذر لزم القول به في الصلاة بلا وضوء، فافهم. قوله: (وقد مر) أي في أول كتاب الطهارة،
وقدمنا هناك عن الحلية البحث في هذه العلة، وأن علة الإكفار إنما هي الاستخفاف. قوله: (أعاد)
لأنه مانع من قبل العباد. قوله: (وإلا لا) عللوه بأن الغالب في السفر عدم الماء. قال في الحلية:
وهذا يشير إلى أنه لو كان بحضرته أو بقرب منه ماء تجب الإعادة لتمحض كون المنع من العبد.
قوله: (إن في السفر نعم) لما علمت. قوله: (وإلا لا) لعدم الضرورة. قهستاني عن شرح الأصل.
ولعل وجهه أنه إذا فقد الماء وقت التلاوة يجده بعدها، لان الحضر مظنة الماء فلا ضرورة، بخلاف
السفر فإنه الغلب فيه فقد الماء، وبتأخيرها إلى وجوده عرضة نسيانها. تأمل. قوله: (المسبل) أي
الموضوع في الحباب لأبناء السبيل. قوله: (لا يمنع التيمم) لأنه لم يوضع للوضوء بل للشرب، فلا
يجوز الوضوء به وإن صح. قوله: (ما لم يكن كثيرا) قال في المنية: الأولى الاعتبار بالعرف
لا بالكثرة، إلا إذا اشتبه. قوله: (أيضا) أي كالشرب. قوله: (ويشرب ما للوضوء) مقابل المسألة
الأولى، لأنه يفهم منها أن المسبل للشرب لا يتوضأ به، فذكر أن ما سبل للوضوء يجوز الشرب منه،
وكان الفرق أن الشرب أهم لأنه لاحياء النفوس بخلاف الوضوء، لأنه له بدلا فيأذن صاحبه بالشرب
منه عادة، لأنه أنفع. هذا، وقد صرح في الذخيرة بالمسألتين كما هنا، ثم قال: وقال ابن الفضل
بالعكس فيهما. قال في شرح المنية: والأول أصح. قوله: (الجنب أولى بمباح الخ) هذا بالاجماع
تاترخانية: أي وييمم الميت ليصلى عليه، وكذا المرأة والمحدث ويقتديان به، لان الجنابة أغلظ
من الحدث والمرأة لا تصلح إماما، لكن في السراج أن الميت أولى لان غسله يراد للتنظيف وهو لا
يحصل بالتراب ا ه‍. تأمل. ثم رأيت بخط الشارح عن الظهيرية أن الأول أصح، وأنه جزم به صاحب
الخلاصة وغيره ا ه‍. وفي السراج أيضا: لو كان يكفي للمحدث فقط كان أولى به، لأنه يرفع
حدثه. قوله: (فهو أولى) لأنه أحق بملكه. سراج. قوله: (ينبغي صرفه للميت) أي ينبغي لكل
منهم أن يصرف نصيبه للميت حيث كان كل واحد لا يكفيه نصيبه، ولا يمكن الجنب ولا غيره أن
يستقل بالكل لأنه مشغول بحصة الميت، وكون الجنابة أغلظ يبيح استعمال حصة الميت فلم يكن
الجنب أولى، بخلاف ما لو كان الماء مباحا فإنه حيث أمكن به رفع الجنابة كان أولى، فافهم.
تتمة: قال في المعراج: والأب أولى من ابنه، لجواز تملكه مال ابنه ا ه‍. قوله: (جاز) لأنه لم
273

يصر مستعملا، إنما المستعمل ما ينفصل عن العضو بعد المسح قياسا على الماء. شرح المنية،
ونحوه ما قدمناه عن النهر، وهو المذكور في الحلية، فافهم. قوله: (ولا يخاف العطش) إذا لو خافه لا
يحتاج إلى حيلة لاشتغاله بحاجته الأصلية. والظاهر أن عطش غيره من أهل القافلة كعطشه وإن كان لا
يسقيهم منه، إذ لو اضطر أحدهم إليه وجب دفعه له فيما يظهر، ولذا جاز له قتاله كما مر. قوله: (بما
يغلبه) أي بشئ يخرجه عن كونه ماء مطلقا كماء ورد أو سكر مثلا. قوله: (أو يهبه) أي ممن يثق بأنه يرده
عليه بعد ذلك، فافهم. قوله: (على وجه يمنع الرجوع) كذا ذكره في شرح المنية، لقول قاضيخان:
إن قولهم الحيلة أن يهبه من غيره ويسلمه ليس بصحيح عندي، لأنه إذا تمكن من الرجوع كيف يجوز له
التيمم؟ قال في شرح المنية: وهو الفقه بعينه، والحيلة الصحيحة أن يخلطه الخ.
قلت: لكن يدفع هذا قوله: على وجه يمنع الرجوع أي بأن تكون الهبة بشرط العوض.
وأيضا فقد أجاب في الفتح بأن الرجوع في الهبة مكروه، وهو مطلوب العدم شرعا، فيجوز أن يعتبر
الماء معدوما في حقه لذلك وإن قدر عليه. قال في الحلية، وهو حسن.
أقول: على أن الرجوع في الهبة يتوقف على الرضا أو القضاء، لكن قد يقال: إنه ما وهبه إلا
ليسترده، والموهوب منه لا يمنعه إذا طلبه الواهب وذلك يمنع التيمم. والجواب: أنه يسترده بهبة أو
شراء لا بالرجوع فلا يلزم المكروه، والموهوب منه إذا علم بالحيلة يمتنع من دفعه للوضوء. تأمل.
قوله: (وناقضه ناقض الأصل الخ) أي ما جعل التيمم بدلا عنه من وضوء أو غسل.
واعلم أن كل ما نقض الغسل مثل المني نقض الوضوء، ويزيد الوضوء بأنه ينتقض بمثل
البول، فالتعبير بناقض الوضوء كما في الكنز يشمل ناقض الغسل، فيساوي التعبير بناقض الأصل
كما في البحر.
واعترضه المصنف في منحه بما حاصله أنه وإن نقض تيمم الوضوء كل ما نقض الغسل، لكن
لا ينقض تيمم الغسل كل ما نقض الوضوء، لأنه إذا تيمم عن جنابة ثم بال مثلا فهذا ناقض للوضوء
لا ينتقض به تيمم الغسل، بل تنتقض طهارة الوضوء التي في ضمنه، فتثبت له أحكام الحدث لا
أحكام الجنابة، فقد وجد ناقض الوضوء ولم ينتقض تيمم الجنابة، فظهر أن التعبير بناقض الأصل
أولى من ناقض الوضوء لشموله التيمم على الحدثين، فأين المساواة؟ ا ه‍. لكن في عبارة المصنف
في المنح حذف المضاف من بعض المواضع فذكرناه ليزول الاشتباه، فافهم. قوله: (فلو تيمم الخ)
تفريع صحيح دل عليه كلام المتن، لان منطوق عبارة المتن أنه لو تيمم عن حدث انتقض بناقض
أصله وهو الوضوء وذلك كل ما نقض الوضوء والغسل كما مر، ولو تيمم عن جنابة انتقض بناقض
أصله وهو الغسل، ومفهومه أنه لا ينتقض بغير ناقض أصله، ففرع على هذا المفهوم كما هو عادته
في مواضع لا تحصى أنه إذا تيمم الجنب ثم أحدث لا ينتقض تيممه عن الجنابة، لان الحدث لا
ينقض أصله وهو الغسل، فلا يصير جنبا وإنما يصير محدثا بهذا الحدث العارض، فافهم. قوله:
(فيتوضأ الخ) تفريع على التفريع: أي وإذا صار محدثا فيتوضأ حيث وجد ما يكفيه للوضوء فقط ولو
مرة مرة، ولكن لو كان لبس الخف بعد ذلك التيمم وقبل الحدث ينزعه ويغسل لان طهارته بالتيمم
274

ناقضة معنى، ولا يمسح إلا إذا لبسه على طهارة تامة وهي طهارة الوضوء لا طهارة التيمم على ما
سيأتي، نعم بعد ما توضأ أو غسل رجليه يمسح لأنه ليس على وضوء كامل، والمسح للحدث لا
للجنابة إلا إذا مر بالماء الكافي للغسل فحينئذ لا يمسح بل يبطل تيممه من أصله ويعود جنبا على
حاله الأول فلو جاوز الماء ولم يغتسل يتيمم للجنابة، ثم إذا أحدث ووجد ما يكفيه للوضوء فقط
توضأ ونزع الخف وغسل، لان الجنابة لا يمنعها الخف كما سيأتي، ثم بعده يمسح ما لم يمر بالماء
وهكذا. قوله: (فمع الخ) تفريع على قوله: فيتوضأ حيث أفاد أنه إذا وجد ماء يكفيه للوضوء فقط
إنما يتوضأ به إذا أحدث بعد تيممه عن الجنابة، أما لو وجده وقت التيمم قبل الحدث لا يلزمه عندنا
الوضوء به عن الحدث الذي مع الجنابة لأنه عبث، إذ لا بد له من التيمم، وعلى هذا فقول صدر
الشريعة: إذا كان للجنب ماء يكفي للوضوء لا الغسل يجب عليه التيمم لا الوضوء خلافا للشافعي.
أما إذا كان مع الجنابة حدث يوجب الوضوء يجب عليه الوضوء، فالتيمم للجنابة بالاتفاق ا ه‍.
مشكل. لان الجنابة لا تنفك عن حدث يوجب الوضوء، وقد قال أولا: يجب عليه التيمم لا
الوضوء: فقوله ثانيا: يجب عليه الوضوء تناقض، وجوابه كما قال القهستاني إن مع في قوله: مع
الجنابة بمعنى بعد.
ولما كان في هذا التفريع والجواب دقة وخفاء ودفع لاعتراضات المحشين على صدر الشريعة
أمر بالتفهم، ولله در هذا الشارح على هذه الرموز التي هي مفاتيح الكنوز. قوله: (وإباحة) مفعول
مطلق: أي ولو أباحه مالكه له إباحة كان قادرا أو تمييز أو حال أي ولو وجدت القدرة من جهة
الإباحة أو في حال الإباحة وأطلقه فيشمل ما لو كانوا جماعة والماء المباح يكفي أحدهم فقط،
فينتقض تيمم الكل لتحقق الإباحة في حق كل منهم، بخلاف ما لو وهب لهم فقبضوه لأنه لا يصيب
كلا منهم ما يكفيه، وتمامه في الفتح. قوله: (في صلاة) من مدخول المبالغة: أي ولو كانت القدرة
أو الإباحة في صلاة ينتقض التيمم وتبطل الصلاة التي هو فيها، إلا إذا كان الماء سؤر حمار فإنه
يمضي فيها ثم يعيدها بسؤر الحمار، لما مر أنه لا يلزم الجمع بينهما في فعل واحد، فما في المنية
من أنها تفسد غير صحيح كما ذكره الشارحان.
ولو صلى بالتيمم ثم وجد الماء في الوقت لا يعيد. منية: أي إلا إذا كان العذر المبيح من
قبل العباد فيعيد ولو بعد الوقت كما مر، فتنبه حلية. قوله: (كاف لطهره) أي للوضوء لو محدثا،
وللاغتسال لو جنبا، واحترز به عما إذا كان يكفي لبعض أعضائه أو يكفي للوضوء وهو جنب، فلا
يلزمه استعماله عندنا ابتداء كما مر، فلا ينقض كما في الحلية. قوله: (ولو مرة مرة) فلو غسل به كل
عضو مرتين أو ثلاثا فنقص عن إحدى رجليه انتقض تيممه هو المختار، لأنه لو اقتصر على المرة
كفاه بحر عن الخلاصة. قوله: (وغسل نجس مانع) فلو لم يكفه يلزمه أيضا تقليل النجاسة كما يفهم
من تعليلهم في كثير من الشروح، لكن في الخلاصة أنه لا يلزمه. بحر: أي إلا إذا أمكن أن يبقى
أقل من قدر الدرهم كما بحثناه فيما مر فيلزمه ولا ينتقض تيممه. قوله: (ولمعة جنابة) أي لو اغتسل
وبقيت على بدنه لمعة لم يصبها الماء فتيمم لها ثم أحدث فتيمم له ثم وجد ما يكفيها فقط فإنه
يغسلها به، ولا يبطل تيممه للحدث.
275

ثم اعلم أن هذه المسألة على خمسة أوجه:
الأول: أن يكفيها معا فيغسلها ويتوضأ ويبطل تيممه لهما.
الثاني: أن لا يكفي واحدا منهما، فيبقى تيممه لهما ويغسل به بعض اللمعة لتقليل الجنابة.
الثالث: أن يكفي اللمعة فقط، وقدمناه.
الرابع: عكسه، فيتوضأ به ويبقى تيممه لها على حاله.
الخامس: أن يكفي أحدهما بمفرده غير معين فيغسل به اللمعة. ولا ينتقض تيمم الحدث عند
أبي يوسف وعند محمد ينتقض، ويظهر أن الأول أوجه. وهذا إذا وجد الماء بعد ما تيمم للحدث.
فلو قبله فعلى خمسة أوجه أيضا، ففي الوجه الأول: يغسلها ويتوضأ للحد ث. وفي الثاني: يتيمم
للحدث ويغسل به بعض اللمعة إن شاء. وفي الثالث: يغسلها ويتيمم للحدث. وفي الرابع: يتوضأ
ويبقي تيممه لها. وفي الخامس: كالثالث لان الجنابة أغلظ، لكن في رواية يلزمها غسلها قبل
التيمم للحدث ليصير عادما للماء، وفي رواية يخير ا ه‍. ملخصا في الحلية، وعلى الرواية الأولى
اقتصر في المنية. قوله: (لان المشغول الخ) ارتكب في التعليل النشر المشوش ط. قوله:
(كالمعدوم) ولذا جاز له التيمم ابتداء. وقد اعترض بهذا في البحر تبعا للحلية على قولهم: لو كان
بثوبه بنجاسة فتيمم أولا ثم غسلها يعيد التيمم إجماعا، لأنه تيمم وهو قادر على الوضوء، فقال: فيه
نظر، بل الظاهر جواز التيمم مطلقا، لان المستحق الصرف إلى جهة معدوم حكما كمسألة اللمعة:
أي على رواية التخيير
قلت: لكن فرق في السراج بينهما بأنه هنا قادر على ماء لو توضأ به جاز، بخلاف مسألة
اللمعة لأنه عاد جنبا برؤية الماء ا ه‍. وهو فرق حسن دقيق فتدبره. قوله: (لا تنقضه ردة) أي
فيصلي به إذا أسلم، لان الحاصل بالتيمم صفة الطهارة والكفر لا ينافيها كالوضوء، والردة تبطل
ثواب العمل لا زوال الحدث. شرح النقاية. قوله: (بطل ببرئه الخ) أي لقدرته على استعمال الماء
وإن لم يكن الماء موجودا. بحر، وكذا لو تيمم لعدم الماء ثم مرض كما قدمه عن جامع الفصولين
وقدمنا الكلام عليه مع ما في المقام من الاشكال. قوله: (والحاصل) أراد به التنبيه على أن ذلك
قاعدة كلية تغني عن ذكر قدرة الماء الكافي، فافهم. قوله: (وما لا يمنع الخ) وذلك كوجود الماء
عند المريض العاجز عن استعماله. قوله: (في الابتداء) متعلق بوجوده أو بالتيمم. قوله: (بعد ذلك)
متعلق بوجوده، واسم الإشارة عائد على التيمم، والتيمم بالنصب مفعول ينقض. وعبارة الشارح في
الخزائن: فلا ينقض وجوده بعده ذلك التيمم وهو أظهر. قوله: (ولو قال) يعني بعد قوله: وناقضه
ناقض الأصل. قوله: (فلو تيمم الخ) ذكره القهستاني بحثا بقوله: ينبغي أن ينتقض تيممه لأنه قدر
276

على الماء حكما، ويؤيده ما قال الزاهدي: إن عدم الماء شرط الابتداء فكان شرط البقاء ا ه‍.
ولظهوره جزم به الشارح. قوله: (فانتقص) أي البعد عن ميل بسبب السير وهو بالصاد المهملة،
وقوله انتقض: أي التيمم، وهو بالضاد المعجمة ففيه جناس. قوله: (ومرور ناعس الخ) مبتدأ خبره
قوله: (كمستيقظ) منح. والناعس: هو الذي يعي أكثر ما يقال عنده ولم تزل قوته الماسكة ط.
واعلم أن مرور الناعس على الماء ينقض تيممه سواء كان عن حدث أو عن جنابة متمكنا أو
لا. ومرور النائم مثله، لكن لو كان غير متمكن مقعدته وكان تيممه عند حدث يكون الناقض النوم لا
المرور كما يعلم من البحر، وبه يعلم ما في كلام الشارح، فكان الصواب أن يقول: ومرور ناعس
مطلقا أو نائم متيمم عن جنابة أو عن حدث وكان متمكنا، فافهم. قوله: (فينتقض) نتيجة التشبيه
بالمستيقظ. قوله: (وأبقيا تيممه) أي أبقى الصاحبان تيممه لعجزه عن استعمال الماء. قوله: (وهو)
أي قول الصاحبين الرواية المصححة عنه: أي عن الامام، وهو متعلق بالرواية. ورأيت بخط الشارح
في هامش الخزائن أنه صححها في التجنيس وشرح المنية ونكت العلامة قاسم تبعا للكمال،
واختارها في البرهان والبحر والنهر وغيرها ا ه‍. وجزم به في المنية. وقال في الحلية: كذا في
غير كتاب من الكتب المذهبية المعتبرة، وهو المتجه. قال شيخنا ابن الهمام: وإذا كان أبو حنيفة
يقول في المستيقظ حقيقة على شاطئ نهر لا يعلم به يجوز تيممه، فكيف يقول في النائم حقيقة
بانتقاض تيممه؟ ا ه‍. ونقل في الشرنبلالية عن البرهان موافقة الهمام، ثم أجاب عنه فراجعها
ومشى في الهداية وغيرها على ما في المتن قوله: (المختار للفتوى) عبارة البحر في الفتاوي.
قوله: (أي أكثر أعضاء الوضوء الخ) الأولى أن يقول: أي أكثر أعضائه في الوضوء الخ، لان
الضمير في أكثره عائد على الرجل المتيمم مع تقدير مضاف وهو الأعضاء الصادقة على أعضاء
الوضوء وغيرها. تأمل هذا.
وقد اختلفوا في حد الكثرة: فمنهم من اعتبرها في نفس العضو، حتى لو كان أكثر كل عضو
من الأعضاء الواجب غسلها جريحا تيمم وإن كان صحيحا يغسل. وقيل في عدد الأعضاء حتى لو
كان رأسه ووجه ويداه مجروحة دون رجليه مثلا تيمم، وفي العكس لا ا ه‍. درر البحار. قال في
البحر: وفي الحقائق المختار الثاني، ولا يخفى أن الخلاف في الوضوء، أما في الغسل فالظاهر
اعتبار أكثر البدن مساحة ا ه‍. وما استظهره أقره عليه أخوه في النهر. ونقله نوح أفندي عن العلامة
قاسم فلذا جزم به الشارح. قوله: (جدري) بضم الجيم وفتحها مع فتح الدال. شرح المنية. قوله:
(اعتبارا للأكثر) علة قوله: تيمم ط. قوله: (وبعكسه) وهو ما لو كان أكثر الأعضاء صحيحا يغسل
الخ، لكن إذا كان يمكنه غسل الصحيح بدون إصابة الجريح وإلا تيمم. حلية. فلو كانت الجراحة
بظهره مثلا وإذا صب الماء سال عليها يكون ما فوقها في حكمها فيضم إليها، كما بحثه الشرنبلالي
277

في الامداد وقال: لم أره، وما ذكرناه صريح فيه. قوله: (ويمسح الجريح) أي إن لم يضره وإلا
عصبها بخرقة ومسح فوقها. خانية وغيرها. ومفاده كما قال ط إنه يلزمه شد الخرقة إن لم تكن
موضوعة. قوله: (وكذا الخ) فصله بكذا. إشارة إلى أنه هو الذي فيه الاختلاف الآتي. قوله: (ولا
رواية في الغسل) أي لا رواية في صورة المساواة عن أئمتنا الثلاثة، وإنما فيها اختلاف المشايخ،
فقيل يتيمم كما لو كان الأكثر جريحا، لان غسل البعض طهارة ناقصة والتيمم طهارة كاملة، وقيل
يغسل الصحيح ويمسح الجريح كعكس الأولى لان الغسل طهارة حقيقية بخلاف التيمم. واختلف
الترجيح والتصحيح كما في الحلية، ورجح في البحر تصحيح الثاني بأنه أحوط وتبعه في المتن.
ثم اعلم أني لم أر من خص نفي الرواية في صورة المساواة بالغسل كما فعل الشارح. ثم
رأيت في السراج ما نصه: وفي العيون عن محمد: إذا كان على اليدين قروح لا يقدر على غسلها
وبوجهه مثل ذلك تيمم، وإن كان في يديه خاصة غسل ولا تيمم، وهذا يدل على أنه يتيمم مع
جراحة النصف انتهى كلام السراج، فقد وجدت الرواية عن محمد في الوضوء، فقولهم: لا رواية
أي في الغسل كما قال الشارح، لكن يرد على الشارح أنه جعل حكم المساواة في الوضوء الغسل
والمسح. والذي في العيون التيمم، فتدبر. قوله: (منها) أي من أعضاء الوضوء بناء على ما قاله،
وعلمت ما فيه. قوله: (وهو الأصح) صححه في الخانية والمحيط. بحر. قوله: (وغيره)
كالخلاصة والفتح والزيلعي والاختيار والمواهب. قوله: (لو الجرح بيديه) أي ولا يمكنه إدخال
وجهه ورجليه في الماء، فلو أمكنه فعل بلا تيمم كما لا يخفى، فلا ينافي ما قدمناه عن العيون.
قوله: (وإن وجد من يوضيه) أي بناء على ما مر من أنه لا يعد قادرا بقدرة غيره عند الامام، لكن
عبر عن هذا في القنية والمبتغي بقيل جازما بالتفصيل، وهو الموافق لما مر في المريض العاجز،
من أنه لو وجد من يعينه لا يتيمم في ظاهر الرواية، فتنبه لذلك.
تتمة: لو بأكثر أعضاء الوضوء جراحة يضرها الماء، وبأكثر مواضع التيمم جراحة يضرها
التيمم لا يصلي، وقال أبو يوسف: يغسل ما قدر عليه ويصلي ويعيد. زيلعي. قوله: (ولا يجمع
بينهما) لما فيه من الجمع بين البدل والمبدل، بخلاف الجمع بين التيمم وسؤر الحمار، لان
الفرض يتأدى بأحدهما لا بهما فجمعنا بينهما للشك. بحر. قوله: (وغسل) بفتح الغين ليعم
الطهارتين ح. قوله: (كما لا يجمع) عدم الجمع في جميع ما يأتي بمعنى المعاقبة من الطرفين: أي
كلما وجد واحد امتنع وجود آخر، وليس المراد عدم الجمع ولو من أحد الطرفين، لان ذلك لا
ينحصر في عدد الحيض مع الصلاة أو الصوم أو الحج، وكذا العبادات بأسرها مع الكفر ونحو
ذلك. قوله: (بين حيض وحبل أو استحاضة أو نفاس) أي لا يجمع بين الحيض وبين واحد من
الثلاثة المعطوفات عليه، بل كلما وجد الحيض لا يوجد واحد منها، وكلما وجد واحد منها لا
يوجد الحيض، وكذا يقال فيما بعده، وقوله: ولا بين نفاس واستحاضة أو حيض قيل كذا في
أصل نسخة الشارح. وفي بعض النسخ: أو حبل بدل قوله: أو حيض وعليه فلا تكرار، لكن
278

فيه كما قال ط: إن النفاس قد يجتمع مع الحبل في التوأم الثاني، لما ذكروه من أن النفاس من
الأول.
والحاصل أن الاحتمالات ستة: ثلاثة فيها الحيض مع غيره، واثنان نفاس مع غيره، والسادس
حبل مع استحاضة. قال ح: وتركه الشارح لان الجمع فيه صحيح. قوله: (ولا زكاة وعشر أو
خراج) لان كل ما كان الواجب فيه الزكاة لا يجب فيه عشر ولا خراج، وهو ظاهر وكذا عكسه، كما
لو أدى عشر الخارج من الأرض العشرية أو أدى خراج الأرض الخراجية من الخارج منها ونوى فيما
بقي التجارة وحال عليه الحول فلا زكاة فيه، وكذا لو شرى أرضا خراجية أو عشرية ناويا التجارة بها
وحال الحول لما سيذكره الشارح في كتاب الزكاة، من أنه لا تصح نية التجارة فيما خرج من أرضه
العشرية أو الخراجية لئلا يجتمع الحقان، وكذا لو شرى أرضا خراجية ناويا التجارة أو عشرية وزرعها
لا تكون للتجارة لقيام المانع ا ه‍. قوله: (أو فطرة) فعبيد الخدمة فيها الفطرة ولا زكاة، وعبيد
التجارة إذا حال عليها الحول فيها الزكاة ولا فطرة ح. قوله: (ولا عشر مع خراج) أي إن كانت
الأرض عشرية ففيها عشر الخارج وإن خراجية فالخراج.
واعلم أن الاحتمالات في هذه الأربعة ستة أيضا: ثلاثة اجتماع الزكاة مع غيرها، وواحد
في العشر مع الخراج، واثنان في الفطرة مع العشر أو مع الخراج تركهما لعدم تصورهما، أفاده ح.
قوله: (ولا فدية وصوم) فمن وجب عليه الصوم لا تلزمه فدية، ومن وجبت عليه الفدية لا يجب عليه
الصوم ما دام عاجزا، أما إذا قدر فإنه يصوم، لكن لا يبقى ما أداه فدية، لان شرطها العجز الدائم
فلا جمع، أفاده ط. قوله: (أو قصاص) أي ولا بين فدية: أي كفارة وقصاص، فأراد بالفدية ما يشمل
الكفارة، والأولى التعبير بها كما في البحر، فافهم، وذلك لان القصاص في العمد والكفارة في
غيره، فمتى وجب أحدهما لم يجب الآخر. قوله: (ولا ضمان وقطع) فإن السارق إذا قطع أولا لا
يضمن العين الهالكة أو المستهلكة، وإذا ضمن القيمة أولا لم يقطع بعده لملكه مستندا إلى وقت
الاخذ، نعم يجتمع مع القطع ضمان النقصان فيما إذا شق الثوب قبل إخراجه، لكنه
ضمان إتلاف لا ضمان مسروق فلم يجب الضمان بما وجب به القطع، فافهم. قوله: (أو أجر) أي ولا ضمان وأجر،
كما لو استأجر دابة ليركبها ففعل وجب الاجر ولا ضمان وإن عطبت، ولو أركبها غيره فعطبت
ضمنها ولا أجر عليه. وأما إذا استأجرها لحمل مقدار فحمل أكثر منه ولا تطيق ذلك فعطبت فعليه
الاجر لأجل الحمل والضمان لأجل الزيادة. فلم يجب الضمان بما وجب به الاجر بل بغيره. قوله:
(ولا جلد مع رجم) لان الجلد للبكر والرجم للمحصن. قوله: (أو نفي) المراد به تغريب عام كما
فسره الشافعي. وأما إذا كان بمعنى الحبس فيجمع مع الجلد، أفاده ح. والمراد أن البكر إذا جلد لا
ينفي ما لم يره الامام فله فعله سياسة، وليس المراد أنه إذا نفي لا يجلد، ففي عده هنا نظر. تأمل.
قوله: (ولا مهر ومتعة) فإن المطلقة قبل الدخول إن سمي لها مهر فلها نصفه، وإلا فالمتعة حينئذ،
وهذا في المتعة الواجب، أما المستحبة فتجتمع مع المهر. قوله: (وحد) أي ولا مهر وحد بل إن
كان الوطئ زنا فالحد ولا مهر، وإلا فالمهر ولا حد ح. قوله: (أو ضمان إفضائها) أي ولا مهر
279

وضمان إفضائها فيما إذا وطئ زوجته فأفضاها لا يجب ضمان الافضاء عند أبي حنيفة ومحمد، ومثله
المهر مع الموت من الوطئ ح، وهذا لو بالغة مختارة مطيقة لوطئه، وإلا لزمه ديتها كاملة كما حرره
الشرنبلالي في شرح الوهبانية، ثم هذا أيضا في ذكره هنا نظر، إذ ليس المراد أنه إذا لزمه الضمان
في الزوجة لا يلزمه مهرها فعدم الاجتماع من أحد الطرفين فقط، وسيأتي إن شاء الله تعالى في
الجنايات قبيل باب الشهادة في القتل ما لو كان ذلك بأجنبية، وأنه بإفضائها مكرهة يلزمه الحد
وأرش الافضاء وهو ثلث الدية إن كانت تستمسك بولها وإلا فكل الدية، فافهم. قوله: (من جماعه)
أي جماع الزوج لها. قوله: (ولا مهر مثل وتسمية) لأنه إذا سمى الجنائز من المهر وجب، وإن لم
يسم أصلا أو سمى ما لا يجوز كخنزير وخمر وجب مهر المثل ط. قوله: (ولا وصية وميراث) فمن
يستحق الوصية لا يستحق الميراث وكذا بالعكس: أي فيما إذا كان ممن يرد عليه، أما إذا أوصى أحد
الزوجين للآخر ولا وارث غيره اجتمعا حينئذ وكذا يجتمعان إذا أجاز بقية الورثة. قوله: (وغيرها مما
سيجئ) ذكر الحموي في شرحه على الكنز جملة:
منها: القصاص مع الدية وأجر القسمة مع نصيبه، فمن يستحق الأجرة على قسمة الدار
المشتركة لا يجوز أن يكون له نصيب منها وبالعكس. والظهر مع الجمعة، فمن كان الواجب عليه
الظهر كالمسافر لا تجب عليه الجمعة وكذا بالعكس. والشهادة مع اليمين، فمتى لزم أحد الخصمين
البينة لا يلزم الآخر باليمين وبالعكس. تأمل. وأما من أحد الطرفين فتصور فيما إذا ادعى وأقام البينة
فلا يحلف المدعى عليه، وكذا لا يحلف الشهود على المعتمد. وفيما إذا أقام شاهدا واحدا وحلف
فلا يقبل شاهد ويمين عندنا.
ومنها: النكاح مع ملك اليمين، فمن كان يطأ بالنكاح لا يمكن أن يكون مالكا للرقبة،
وبالعكس إلا أن يعقد على أمته للاحتياط، والاجر مع الشركة في حمل المشترك نظير أجرة القسمة،
والحد مع قيمة أمة مملوكة زنى بها فقتلها على قول أبي يوسف. وأما عندهما فيجب الحد بالزنا
والقيمة بالقتل، وهو ما مشى عليه المصنف في الحدود، والحد مع قيمة إفضاء أمة مملوكة زنى بها
فأفضاها في بعض الصور على ما سيأتي تفصيله في الحدود إن شاء الله تعالى. والظاهر أن هذا إذا
لم يكن الوطئ بشبهة، فلو كان بشبهة لا حد بل تجب القيمة في الصورتين.
ومنها: القيمة مع الثمن، فإن البيع لو صحيحا وجب الثمن، ولو فاسدا وتعذر رده على البائع
وجبت قيمته والحد مع اللعان، وأجر نظر الناظر إذا عمل مع العملة في الدار الموقوفة فإن له أجر
العمل لا النظارة ا ه‍. موضحا، فهذه أحد عشر موضعا، والذي في الشرح ثلاثة وعشرون
فالمجموع أربعة وثلاثون.
أقول: وزدت الرهن مع الإجارة فيما إذا رهن شيئا ثم آجره أو بالعكس أو مع الإعارة كذلك،
والمساقاة مع الشركة. والغسل مع المسح على الخف في إحدى الرجلين، والحج مع العمرة
للمكي، والنكاح مع أجرة الرضاع. ثم رأيت الشرنبلالي زاد في الامداد: القتل مع الوصية أو مع
الميراث، وخرق خف مع آخر، والتتبع ينفي الحصر. قوله: (محدثا) حال من فاعل يستطيع. قوله:
280

(وأفتى قارئ الهداية الخ) هو العلامة سراج الدين شيخ المحقق ابن الهمام، وما أفتى به نقله في
البحر عن الجلابي، ونظمه العلامة ابن الشحنة في شرحه على الوهبانية وقال: إنها مهمة نظمتها
لغرابتها وعدم وجودها في غالب الكتب. قوله: (قولان) ذكر في النهر عن البدائع ما يفيد ترجيح
الوجوب، وقال: وهو الذي ينبغي التعويل عليه ا ه‍. بل قال في البحر: والصواب الوجوب،
ويأتي تمامه في آخر الباب الآتي قوله: (وكذا يسقط غسله) أي غسل الرأس من الجنابة. قوله: (ولو
على جبيرة) ويجب شدها إن لم تكن مشدودة ط: أي إن أمكنه. قوله: (وإلا) أي بأن ضره المسح
عليها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب المسح على الخفين
ترجم به مع أنه زاد عليه المسح على الجبيرة، ولا عيب فيه، بل المعيب لو ترجم لشئ
ونقص عنه، وثني الخف لأنه لا يجوز المسح على خف واحد بلا عذر كما سيأتي. وفي البحر
وغيره. إنما سمي خفا لخفة الحكم به من الغسل إلى المسح.
أقول فيه: إنه موضوع لغوي قبل ورود الشرع. وقد نقل الرملي أن المسح عليه من خصائص
هذه الأمة فكيف يعلل به للوضع السابق عليه؟ إلا أن يجاب بأن الواضع هو الله تعالى كما هو قول
الأشعري، وهو تعالى عالم بما يشرعه على لسان نبيه (ص). تأمل. قوله: (أخره) أي عن التيمم
لثبوته بالسنة فقط على الصحيح كما سيأتي. والتيمم ثابت بالكتاب كما مر. والنسبة أيضا، فكان
أولى بالتقديم وإن اشتركا في الترخص بهما. وأيضا التيمم بدل عن الكل وهذا عن البعض.
ثم إن إبداء الشارح نكتة التأخير للتذكر وإلا فيكفي ما مر، لأنه قد بين وجه تأخير التيمم عما
قبله، ويعلم منه وجه تأخير المسح عنه، فتدبر، نعم يحتاج إلى إبداء وجه ذكره عقبه لا فاضل، وهو
أن كلا منهما شرع رخصة وموقتا ومسحا وبدلا. قوله: (وهو لغة) الضمير راجع إلى المسح فقط،
وباعتبار تسلطه على قوله وشرعا راجع إلى المسح المقيد بالجار على طريقة شبه الاستخدام، فإن
المسح من حيث هو غيره من حيث القيد، أفاده ح. قوله: (إصابة البلة) بكسر الباء: أي الندوة.
قاموس. وشمل ما لو كانت بيد أو غيرها كمطر. وفي المنية عن المحيط: لو توضأ ومسح ببلة
بقيت على كفيه بعد الغسل يجوز، ولو مسح رأسه ثم مسح خفيه ببلة بقيت بعد المسح لا يجوز
ا ه‍: أي لان المستعمل في الأولى ما سال على العضو وانفصل، وفي الثانية ما أصاب الممسوح
وهو باق في الكف. قوله: (لخف مخصوص) اللام زائدة لتقوية العامل لضعفه بكونه فرعا عن الفعل
في العمل، والخف المخصوص ما فيه الشروط الآتية. قوله: (في زمن مخصوص) وهو يوم وليلة
للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ويوجد في بعض النسخ زيادة في محل مخصوص والمراد به
281

أن يكون على ظاهرهما ط. قوله: (فأكثر) أي مما فوقهما من الساق، ولا حاجة إليه لأنه خارج عن
مسمى الخف الشرعي. تأمل. قوله: (ونحوه) أي مما اجتمع فيه الشروط الآتية ط. قوله: (شرط
مسحه) أي مسح الخف المفهوم من الخفين، وألا فيه للجنس الصادق بالواحد والاثنين، ولم يقل
مسحهما لأنه قد يكون واحدا لدى رجل واحدة. قوله: (ثلاثة أمور الخ) زاد الشرنبلالي: لبسهما
على طهارة، وخلو كل منهما عن الخرق المانع، واستمساكهما على الرجلين من غير شد، ومنعهما
وصول الماء إلى الرجل، وأن يبقى من القدم قدر ثلاثة أصابع ا ه‍.
قلت: ويزاد كون الطهارة المذكورة غير التيمم، وكون الماسح غير جنب، وسيأتي بيان جميع
ذلك في محاله. قوله: (القدم) بدل من محل ح. قوله: (أو يكون) منصوب بأن مقدرة والمنسبك
معطوف على كون الأول ط فهو نظير قوله تعالى - أو يرسل رسولا - قوله: (نقصانه)
أي نقصان الخف الواحد لو كان واحدا أو كل واحد من الاثنين، قال ط: فلا يعتبر المجتمع منهما
قوله: (الخرق) بالضم: الموضع المقطوع، وبالفتح المصدر ح. والأظهر إرادة الأول ط. قوله:
(فيجوز على الزربول) بفتح الزاي وسكون الراء: هو في عرف أهل الشام ما يسمى مركوبا في عرف
أهل مصر ا ه‍. ح. وهذا تفريع على ما فهم مما قبله من أن النقصان عن القدر المانع لا يضره ط.
قوله: (لو مشدودا) لان شده بمنزلة الخياطة وهو مستمسك بنفسه بعد الشك كالخف المخيط بعضه
ببعض، فافهم. وفي البحر عن المعراج: ويجوز على الجاروق المشقوق على ظهر القدم وله أزرار
يشدها عليه تسده لأنه كغير المشقوق، وإن ظهر من ظهر القدم شئ فهو كخروق الخف ا ه‍.
قلت: والظاهر أن الخف الذي يلبسه الأتراك في زماننا. قوله: (وجوز الخ) في البحر عن
الخلاصة: المسح على الجاروق إن كان يستر القدم ولا يرى منه ولا من الكعب إلا قدر أصبع أو
إصبعين يجوز، وإلا يكن كذلك ولكن ستر القدم بجلد، إن كان الجلد متصلا بالجاروق بالخرز جاز
أيضا، وإن شد بشئ فلا، ولو ستر القدم باللفافة جوزه مشايخ سمرقند ولم يجوزه مشايخ بخارى
ا ه‍.
قال ح: والحق ما عليه مشايخ بخارى، لان المذهب أنه لا يجوز المسح على الخف الذي لا
يستر الكعبين إلا إذا خيط به ثخين كجوخ كما ذكره في الامداد، فما ذكره الشارح ضعيف اه‍.
أقول: أي لان المتبادر من اللفافة أنها ما يلف على الرجل غير مخروز بالخف، فيكون حكمها
حكم الرجل، بخلاف ما إذا كانت متصلة بالخف فتكون تبعا لبطانته.
وإذا حمل كلام السمرقنديين على ما إذا كانت متصلة فلا نسلم أنه ضعيف، لما في البحر
والزيلعي وغيرهما: لو انكشفت الظهارة وفي داخلها بطانة من جلد أو خرقة مخروزة بالخف لا يمنع
ا ه‍. وهذا إذا بلغ قدر ثلاث أصابع وكأنه لم يقيد به للعلم به، كذا في الحلية.
وفي المجتبى: إذا بدا قدر ثلاث أصابع من بطانة الخف دون الرجل، قال الفقيه أبو جعفر:
282

الأصح أنه يجوز المسح عند الكل لأنه كالجورب المنعل ا ه‍.
وفي شرح المنية الكبير بعد كلام طويل قال: علم من هذا أن ما يعمل من الجوخ يجوز
المسح عليه لو كان ثخينا بحيث يمكن أن يمشي معه فرسخا من غير تجليد ولا تنعيل، وإن كان رقيقا
فمع التجليد أو التنعيل، ولو كان كما يزعم بعض الناس أنه لا يجوز المسح عليه ما لم يستوعب
الجلد جميع ما يستر القدم إلى الساق لما كان بينه وبين الكرباس فرق، وأطال في تحقيق ذلك
فراجعه.
تنبيه: يؤخذ من هذا أن من انفتق عنه الخف من بطانة متصلة به لا يشترط فيها أن تكون ثخينة
بدليل ذكرهم الخرقة، فإنها لا تكون غالبا إلا رقيقة.
ويؤخذ منه أيضا أنه يجوز المسح على المسمى في زماننا بالقلشين إذا خيط فوق جورب رقيق
ساتر وإن لم يكن جلد القلشين واصلا إلى الكعبين كما هو صريح ما نقلناه عن شرح المنية.
مطلب في المسح على الخف الحنفي القصير عن الكعبين إذا خيط بالشخشير
ويعلم أيضا مما نقلناه جواز المسح على الخف الحنفي إذا خيط بما يستر الكعبين كالسروال
المسمى بالشخشير كما قاله سيدي عبد الغني، وله فيه رسالة.
ورأيت رسالة للشارح رحمه الله تعالى رد فيها من قال بالجواز مستندا في ذلك إلى أنهم
لم يذكروا جواز المسح على الجوربين إذا كانا رقيقين منعلين لاشتراطهم إمكان السفر، ولا يتأتى
في الرقيق.
والظاهر أنه أراد الرد على سيدي عبد الغني فإنه عاصره، فإنه ولد قبل وفاة الشارح بثمانية
وثلاثين سنة، وأنت خبير بالفرق الواضح بين الجورب الرقيق المنعل أسفله بالجلد وبين الخف
القصير عن الكعبين المستورين بما اتصل به من الجوخ الرقيق لأنه يمكن فيه السفر وإن كان قصيرا،
بخلاف الجورب المذكور. على أن قول شرح المنية: وإن كان رقيقا فمع التجليد أو التنعيل الخ
صريح في الجواز على الرقيق المنعل أو المجلد إذا كان النعل أو الجلد قويا يمكن السفر به.
ويعلم منه الجواز في مسألة الخف الحنفي المذكورة بالأولى، وقد علمت أن مذهب
السمرقنديين إنما يسلم ضعفه لو كانت اللفافة غير مخروزة وإلا فلا يحمل كلام السمرقنديين عليه،
ويكون حينئذ في المسألة قولان، ولم نر من مشايخ المذهب ترجيح أحدهما على الآخر، بل وجدنا
فروعا تؤيد قول السمرقنديين كما علمت، وسنذكر ما يؤيده أيضا.
ثم رأيت رسالة أخرى لسيدي عبد الغني رد فيها على رسالة الشارح وسماها (الرد الوفي على
جواب الحصكفي في مسألة الخف الحنفي) وحقق فيها ما قاله في رسالته الأولى المسماة (بغية
المكتفي في جواز المسح على الخف الحنفي) وبين فيها أن ما استدل به الشارح في رسالته لا يدل
له، لان التنصيص على الشئ لا ينفي ما عداه، إلى غير ذلك مما ينبغي مراجعته، ولكن لا يخفى أن
الورع في الاحتياطي، وإنما الكلام في أصل الجواز وعدمه، والله تعالى أعلم. قوله: (والثاني
283

كونه) أي كون الخف، والمراد محل المسح منه كما يفيده التفريع الآتي. قوله: (ولم يقدم قدمه إليه
لم يجز) لأنه لما مسح على الموضع الخالي من القدم لم يقع المسح في محله وهو ظهر القدم كما
يأتي فلم يمنع سراية الحدث إلى القدم، فلو قدم قدمه إليه ومسح جاز كما في الخلاصة. وفيها
أيضا: ولو أزال رجله من ذلك الموضع أعاد المسح، ونقله في التجنيس عن أبي علي الدقاق. ثم
قال: وفيه نظر ولم يذكر وجهه.
قال ح: وقد ذكر شيخنا السيد (1) رحمه الله تعالى وجهه بقوله: وجه النظر أنهم اعتبروا خروج
أكثر القدم من موضع يمكن المسح عليه، وها هنا وإن خرجت من موضع مسح عليه لم تخرج من
موضع يمكن المسح عليه ا ه‍. قوله: (ولا يضر الخ) الأولى ذكره عند الكلام على الشرط الأول
كما فعله في الدرر ونور الايضاح ليكون إشارة إلى أن المراد ستره للكعبين من الجوانب لا من الأعلى
، ونبه على ذلك الخلاف الإمام أحمد فيه. قال في درر البحار: وعند أحمد إذا كان الخف
واسعة بحيث يرى الكعب لا يجوز المسح. قوله: (المشي المعتاد) بأن لا يكون
في غاية السرعة ولا في غاية البط، بل يكون وسطا. ونظير ما قالوه في السير المعتاد في مدة السفر لقصر الصلاة.
قوله: (فرسخا فأكثر) تقدم أن الفرسخ ثلاثة أميال اثنا عشر ألف خطوة، وعبر في السراج معزيا إلى
الايضاح بمسافة السفر، وبه جزم في النقابة. وقال القهستاني: أي الشرعي كما هو المتبادر ويدل
عليه كلام المحيط، ويخالفه كلام حاشية الهداية حيث قال: ما يمكن المشي فيه فرسخا فأكثر ا ه‍.
أقول: ويمكن أن يكون محل القولين على اختلاف الحالتين، ففي حالة الإقامة يعتبر الفرسخ
لان المقيم لا يزيد مشيه عادة في يوم وليلة على هذا المقدار: أي المشي لأجل الحوائج التي تلزم
لأغلب الناس، وفي حالة السفر يعتبر مدته.
ويقرب منه ما اعتبره الشافعية من التقدير بمتابعة المشي للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام
ولياليها اعتبارا بمدة المسح، لكن قد يقال: لما ثبت أن هذا الخف صالح للمسح عليه للمقيم قطع
النظر عن حالة السفر، لان المسافر في الغالب يكون راكبا ولا يزيد مشيه غالبا على مقدار الفرسخ،
فالأظهر اعتبار الفرسخ في حقهما، ومحمل قول من قال مسافة السفر على السفر اللغوي دون الشرعي
كما يشير إليه كلام القهستاني السابق. تأمل.
تنبيه: المتبادر من كلامهم أن المراد من صلوحه لقطع المسافة أن يصلح لذلك بنفسه من غير
لبس المداس فوقه، فإنه قد يرق أسفله ويمشي به فوق المداس أياما وهو بحيث لو مشى به وحده
فرسخا تخرق قدر المانع، فعلى الشخص أن يتفقده ويعمل به بغلبة ظنه.
وقد وقع اضطراب بين بعض العصرين في هذه المسألة والظاهر ما قدمته وهو الأحوط
أيضا، وقد تأيد ذلك عندي برؤيا رأيت فيها النبي (ص) بعد تحرير هذا المحل بأيام فسألته عن ذلك،
فأجابني (ص) بأنه إذا رق الخف قدر ثلاث أصابع منع المسح، وكان ذلك في ذي القعدة سنة 4321
ولله الحمد، ثم رأيت التصريح بذلك في كتب الشافعية. قوله: (فلم يجز الخ) وكذا لو لف على

(1) قوله: (شيخنا السيد) هو العلامة المحقق السيد علي الضرير السيواسي ا ه‍. منه.
284

رجله خرقة ضعيفة لم يجز المسح، لأنه لا تنقطع به مسافة السفر ا ه‍. سراج عن الايضاح. قوله:
(فالغسل أفضل) وجه التفريع أنه لو كان المسح أفضل لكان المناسب أن يقول: وهو مستحب،
فعدوله إلى قوله: وهو جائز يفيد أن الغسل أفضل منه لأنه أشق على البدن. قوله: (إلا لتهمة) أي
لنفيها عنه، لان الروافض والخوارج لا يرونه، وإنما يرون المسح على الرجل فإذا مسح الخف
انتفت التهمة، بخلاف ما إذا غسل فإن الروافض قد يغسلون تقية ويجعلون الغسل قائما مقدام المسح
فيشتبه الحال في الغسل فيتهم، أفاده ح.
ثم إن ما ذكره الشارح نقله القهستاني عن الكرماني، ثم قال: لكن في المضمرات وغيره أن
الغسل أفضل، وهو الصحيح كما في الزاهدي ا ه‍.
وفي البحر عن التوشيح، وهذا مذهبنا، وبه قال الشافعي ومالك: وقال الرستغفني من
أصحابنا: المسح أفضل، وهو أصح الروايتين عن أحمد، إما لنفي التهمة، أو للعمل بقراءة الجر،
وتمامه فيه. قوله: (بل ينبغي الخ) أصل البحث لصاحب البحر، فإنه نقل ذلك عن كتب الشافعية،
ثم قال: وقواعدنا لا تأباه. قوله: (إلا ما يكفيه) أي يكفي المسح فقط، بأن كان لو غسل به رجليه
لا يكفيه للوضوء، ولو توضأ به ومسح كفاه. قوله: (أو خاف) عطف على صلة من. قوله: (أو
وقوف) أي إنه إذا غسل رجليه يدرك الصلاة، لكن يخاف فوت الوقوف بعرفة، وإذا مسح يدركهما
جميعا يجب المسح، بل لو كان بحيث لو صلى فاته الوقوف قدم الوقوف للمشقة كما في النهر، لكنه
أحد قولين حكاهما العمادي في مناسكه. قوله: (رخصه) هي ما بني على أعذار العباد، ويقابلها
العزيمة، وهي ما كان أصلها غير مبني على أعذار العباد، وهو الأصح في تعريفهما. بحر. قوله:
(مسقطة للعزيمة) أي مسقطة لمشروعيتها، فلا تبقى العزيمة مشروعة، فإذا أراد تحصين العزيمة مع
بقاء سبب الرخصة يأثم، لكنه قد لا يتأتى له تحصيلها، كما إذا نوى الظهر أربعا في السفر فإنه لا
يتأتى له جعل الأربعة فرضا، بل الفرض الأوليان إذا قعد الأولى، وإثمه حينئذ لبناء النفل
على الفرض، وقد يتأتى له تحصليه كغسل الرجلين ما دام متخففا، أفاده ح عن شيخه السيد. ثم
قال: واحترز بقوله: مسقطة عن رخصة الترفيه، فإن العزيمة تبقى فيها مشروعة مع بقاء سبب
الرخصة كالصوم في السفر. قوله: (ينبغي أن يصير آثما) أي لما علمت من أن العزيمة لم تبق
مشروعة ما دام متخففا. بخلاف ما إذا نزع وغسل لزوال سبب الرخصة.
هذا وقد بحث العلامة الزيلعي في جعلهم المسح رخصة إسقاط بأن المنصوص عليه في عامة
الكتب أنه لو خاض ماء بخفه فانغسل أكثر قدميه بطل المسح، وكذا لو تكلف غسلهما من غير نزع
أجزأه عن الغسل حتى لا يبطل بمضي المدة، قال: فعلم أن العزيمة مشروعة مع الخف ا ه‍.
ودفعه في الفتح بمنع صحة هذا الفرع، لاتفاقهم على أن الخف اعتبر شرعا مانعا سراية
الحدث إلى القدم فتبقى القدم على طهارتها ويحل الحدث بالخف فيزال بالمسح. فيكون غسل
285

الرجل في الخف وعدمه سواء في أنه لم يزل به الحدث لأنه في غير محله.
واعترض أيضا الدرر على الزيلعي مع تسليم صحة الفرع المذكور بما أشار إليه الشارح من أن
المشروعية في قولهم: إن المسح رخصة مسقطة لمشروعية العزيمة، ليس المراد بها الصحة كما
فهمه الزيلعي فاعترضهم بالفرع المذكور، وإنما المراد بها الجواز المترتب عليه الثواب، فالمتخفف
ما دام متخففا لا يجوز له الغسل، حتى إذا تكلف وغسل بلا نزع أثم، وإن أجزأه عن الغسل، وإذا
نزع وزال الترخص صار الغسل مشروعا يثاب عليه، وقد انتصر البرهان الحلبي في شرحه على
المنية للامام الزيلعي، وأجاب عما في الفتح والدرر، وبينا ما في كلامه من النظر فيما علقناه على
البحر.
والحاصل أن ما ذكره الزيلعي من الفرع المذكور تبعا لعامة الكتب مسلم، بل صححه غير واحد
كما سيذكره الشارح في النواقض. وما ذكره في الفتح من منع صحته موافق لما نقله الزاهدي وغيره،
واستظهره في السراج، ومشى عليه المصنف فيما سيأتي، ويأتي الكلام عليه فافهم. قوله: (بسنة)
متعلق بقوله جائز وهي لغة: الطريقة والعادة. واصطلاحا في العبادات: النافلة، وفي الأدلة وهو
المراد هنا: ما روى عنه (ص) قولا أو فعلا أو تقريرا لأمر عاينه، والمسح روي قولا وفعلا.
مطلب: تعريف الحديث المشهور
قوله: (مشهورة) المشهور في أصول الحديث: ما يرويه أكثر من اثنين في كل طبقة من طبقات
الرواة ولم يصل إلى حد التواتر. وفي أصول الفقه. ما يكون من الآحاد في العصر الأول: أي عصر
الصحابة، ثم ينقله في العصر الثاني وما بعده قوم لا يتوهم تواطؤهم على الكذب، فإن كان كذلك
في العصر الأول أيضا فهو المتواتر، وإن لم يكن كذلك في العصر الثاني أيضا فهو الآحاد. وبه
علم أن المشهور عند الأصوليين قسيم للآحاد والمتواتر. وأما عند المحدثين فهو قسم من الآحاد،
وهو ما لم يبلغ رتبة التواتر.
والذي وقع الخلاف في تبديع منكره أو تكفيره هو المشهور المصطلح عند الأصوليين لا عند
المحدثين، فافهم. قوله: (وعلى رأي الثاني كافر) أي بناء على جعله المشهور قسما من المتواتر،
لكن قال في التحرير: والحق الاتفاق على عدم الإكفار بإنكار المشهور لآحادية أصله، فلم يكن
تكذيبا له عليه
الصلاة والسلام، بل ضلالة لتخطئة المجتهدين. قوله: (وفي التحفة) أي للإمام محمد
السمرقندي التي شرحها تلميذه الكاشاني بشرح عظيم سماه البدائع. قوله: (بالاجماع) ولا عبرة
بخلاف الرافضة. وأما من لم يره كابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم فقد صح
رجوعه ح. قوله: (بل بالتواتر الخ) ليس هذا من عبارة التحفة، بل عزاه القهستاني إلى ابن حجر.
ثم الظاهر أن هذا بناء على أن ذلك العدد يفيد اليقين والعلم الضروري، ويرفع تهمة الكذب
بالكلية، وكأن الامام توقف في إفادته ذلك أو لم يثبت عنده هذا العدد، ولذا قال: أخاف الكفر
على من لم ير المسح على الخفين، لان الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر. قوله: (رواته) أي
من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. قوله: (وقيل بالكتاب) أي بقراءة الجر في - وأرجلكم -
286

بناء على إرادة المسح بها، لعطفها على الممسوح جمعا بينها وبين قراءة النصب المراد بها
الغسل لعطفها على المغسول. قوله: (فالجر بالجوار) أي كما في قوله تعالى: * (عذاب يوم محيط) *
* (وحور عين) * المعطوف على - ولدان مخلدون - لا على
- أكواب - إذ لا يطوف عليهم الولدان بالحور، ونظيره في القرآن والشعر كثير، فهو في
المعنى معطوف على المنصوب، وإنما عدل عن النصب للتنبيه على أنه ينبغي أن يقتصد في صب
الماء عليهما ويغسلا غسلا خفيفا شبيها بالمسح كما في الدرر وغيره. قوله: (لمحدث) متعلق
بقوله: جائز، وشمل المرأة كما سيصرح به في غرر الأفكار: والمحدث حقيقة عرفية فيمن أصابه
حدث يوجب الوضوء. قوله: (ظاهره الخ) البحث والجواب للقهستاني.
وأقول: قد يقال إن جوازه المجدد الوضوء تعلم بالأولى، لان ما رفع الحدث الحقيقي يحصل
به تجديد الطهارة بالأولى، على أن قوله: لا لجنب يدل بالمقابلة على أن المحدث احتراز عن
الجنب فقط. تأمل.
مطلب: إعراب قولهم إلا أن يقال
قوله: (إلا أن يقال) استثناء مفرغ من أعم الظروف، لان المصادر قد تقع ظروفا، نحو آتيك
طلوع الفجر: أي وقت طلوعه، والمصدر المنسبك هنا من هذا القبيل، فالمعنى ظاهره ما ذكر في
جميع الأوقات إلا وقت قولنا لما حصل الخ، كذا أفاده المحقق صدر الشريعة في أوائل التوضيح.
قوله: (والمنفي لا يلزم تصويره) أي لا يلزم أن يجعل له صورة يمكن حصولها في الذهن. قوله:
(وفيه الخ) البحث للقهستاني.
بيانه أن النفي الشرعي: أي الذي استفيد من الشرع يتوقف على إمكان تصور ما نفي به عقلا،
وإلا لم يكن مستفادا من الشرع بل من العقل، كقولنا: لا تجتمع الحركة مع السكون، وصوروا له
صورا: منها لو تيمم الجنب ثم لبس الخف ثم أحدث ووجد ماء يكفي للوضوء فقط لا يمسح، لان
الجنابة سرت إلى القدمين والتيمم ليس طهارة كاملة، ومثله الحائض إذا انقطع دمها. واعترضه في
المجتبى بأن ما ذكر غير صحيح، لان الجنابة لا تعود على الأصح ا ه‍.
أقول: أي لا تعود إلى أعضاء الوضوء ولا غيرها، لأنه لم يقدر على الماء الكافي والجنابة لا
تتجزأ، فهو محدث حقيقة لا جنب، وليس الكلام فيه، فاعتراض البحر على المجتبى بأنه عاد جنبا
برؤية الماء غير وارد كما لا يخفى، فالصحيح في تصويره ما في المجتبى فيما إذا توضأ ولبس ثم
أجنب ليس له أن يشد خفيه فوق الكعبين ثم يغتسل ويمسح ا ه‍. أو يغتسل قاعدا واضعا رجليه
على شئ مرتفع ثم يمسح ومثله الحائض. ولكن لا يتأتى إلا على قول أبي يوسف من أن أقل
الحيض عنده يومان وأكثر الثالث، فإذا كانت المرأة مسافرة وتوضأت ابتداء مدة السفر ولبست الخف
ثم حاضت هذا المقدار فقد بقي من المدة نحو خمس ساعات فلا يجوز لها أن تمسح فيها، وأما على
قولهما فلا يتصور، لان أقل مدة الحيض ثلاثة أيام فتنقضي فيها مدة المسح كما أوضحه في البحر
ولم يذكر النفساء.
287

وصورتها كما في البحر أنها لبست على طهارة ثم نفست وانقطع قبل ثلاثة مسافرة أو قبل يوم
وليلة مقيمة. قوله: (ثم ظاهره) أي ظاهر قوله: لا لجنب ثم هذا الكلام الخ للقهستاني. قوله:
(وليس كذلك الخ) عبارة القهستاني: وينبغي أن لا يجوز على ما في المبسوط ا ه‍. ومفاده أنه في
المبسوط ذكره بلفظ ينبغي لا على سبيل الجزم فلذا قواه بقوله: ولا يبعد وإلا لم يحتج إلى ذلك.
قوله: (ولا يبعد الخ) أي لا يبعد أن يجعل غسل الجمعة في حكم غسل الجنابة، يعني أن كلام
المبسوط غير بعيد ا ه‍. ح. ووجهه أن ماهية الغسل المسنون هي ماهية غسل الجنابة، وهي غسل
جميع ما يمكن غسله من البدن، فقوله: لا لجنب نفي لمشروعية المسح في الغسل سواء كان عن
جنابة أو غيرها، كما أن إثبات مشروعيته للمحدث هو إثبات لمشروعيته في الوضوء سواء كان عن
حدث أو غيره، لان ماهية الوضوء في حقهما واحدة أركانا وسننا كما قلنا في الغسل. قوله:
(فالأحسن الخ) أي الأحسن تعبير المصنف بذلك ليشمل المتوضئ مجدد الوضوء، والمغتسل
مغتسل الجمعة، والعبد بلا تأويل في العبارة. قوله: (والسنة الخ) أفاد أن إظهار الخطوط ليس
بشرط وهو ظاهر الرواية، بل هو شرط السنة في المسح.
وكيفيته كما ذكره قاضيخان في شرح الجامع الصغير أن يضع أصابع يده اليمنى على مقدم
خفه الأيمن، وأصابع يده اليسرى على مقدم خفه الأيسر من قبل الأصابع، فإذا تمكنت الأصابع
يمدها حتى ينتهي إلى أصل الساق فوق الكعبين، لان الكعبين يلحقهما فرض الغسل ويلحقهما سنة
المسح، وإن وضع الكفين مع الأصابع كان أحسن، هكذا روي عن محمد ا ه‍. بحر.
أقول: وظاهره أن التيامن فيه غير مسنون كما في مسح الاذنين. وفي الحلية: والمستحب أن
يمسح بباطن اليد لا بظاهرها. قوله: (قليلا) ذكره في البحر عن الخلاصة. قوله: (ومحله) زاده على
المتن، ليعلم أن ذلك شرط. قوله: (على ظاهر خفيه) قيد به، إذ لا يجوز المسح على الباطن
والعقب والساق. درر. قوله: (من رؤوس أصابعه) ظاهره أن الأصابع لها دخل في محل المسح،
حتى لو مسح عليها صح إن حصل قدر الفرض.
وذكر في البحر أنه مفادها ما في الكنز وغيره من المتون والشروح، وعلى ما في أكثر الفتاوي لا
يجوز لأنهم قالوا: وتفسير المسح أن يمسح على ظاهر قدمه ما بين أطراف الأصابع إلى الساق، فهذا
يفيد أن الأصابع غير داخلة في المحلية، وبه صرح في الخانية، فليتنبه لذلك ا ه‍ ملخصا.
واعترضه في النهر بأن ما في الفتاوي يفيد دخولها، لان أطرافها أواخرها: أي رؤوسها،
يوافقه قول المبتغى: ظهر القدم من رؤوس الأصابع إلى معقد الشراك.
أقول: وما في النهر هو ما فهمه في الحلية من عبارة الفتاوي فقال: إن مؤدي رؤوس الأصابع
وما بين أطراف الأصابع واحد، لان أطرافها هي رؤوسها، ثم قال: نعم في الذخيرة: وتفسير المسح
على الخفين أن يمسح على ظهر قدميه ما بين الأصابع إلى الساق. وعن الحسن عن أبي حنيفة:
المسح على ظهر قدميه من أطراف الأصابع إلى الساق ا ه‍. فاصابع على ما ذكره في الذخيرة أولا
288

غير داخلة في المحلية، وعليه ما في شرح الطحاوي: لو مسح موضع الأصابع لا يجوز، وبه صرح
في الخانية، وعلى رواية الحسن داخلة، ويظهر أنها الأولى، ويشهد لها حديث جابر المروي في
الأوسط للطبراني من أنه (ص) مسح من مقدم الخفين إلى أصل الساق مرة، وفرج بين أصابعه فلذا
مشى عليها أصحاب الفتاوى ا ه‍.
أقول: والحاصل أن في المسألة اختلاف الرواية، وحيث كانت رواية الدخول هي المفاد
عبارات المتون والشروح، وكذا من أكثر الفتاوي كما علمت كان الاعتماد عليها أولى، فلذا اختارها
الشارح تبعا للنهر والحلية، فافهم. قوله: (إلى معقد الشراك) أي المحل الذي يعقد عليه شراك
النعل بالكسر: أي سيره، فالمراد به المفصل الذي في وسط القدم ويسمى كعبا، ومنه قولهم في
الاحرام: يقطع الخفين أسفل من الكعبين، ثم إن قوله من رؤوس أصابعه إلى معقد الشراك هو
عبارة المبتغى كما قدمناه، والمراد به بيان محل الفرض اللازم، وإلا فالسنة أن ينتهي إلى أصل الساق
كما قدمناه عن شرح الجامع، فلا مخالفة بينهما كما لا يخفى، فافهم. قوله: (ويستحب الجمع الخ)
المراد بالباطل أسفل مما يلي الأرض لا ما يلي البشرة كما حققه في شرح المنية، خلافا لما في
الفتح.
هذا وما ذكره الشارح تبع فيه صاحب النهر، حيث قال: لكن يستحب عندنا الجمع بين الظاهر
والباطن في المسح، إلا إذا كان على باطنه نجاسة، كذا في البدائع ا ه‍.
وأقول: الذي رأيته في نسختي البدائع نقله عن الشافعي، فإنه قال: وعن الشافعي أنه لو اقتصر
على الباطن لا يجوز، والمستحب عنده الجمع الخ، فضمير الغيبة راجع إلى الشافعي، وهكذا رأيته
في التاترخانية.
وقال في الحلية: المذهب عند أصحابنا أن ما سوى ظهر القدم من الخف ليس بمحل للمسح
لا فرضا ولا سنة، وبه قال أحمد.
وقال الشافعي: يسن مسحهما. وقال في البحر وفي المحيط: ولا يسن مسح باطن الخف مع
ظاهره خلافا للشافعي، لان السنة شرعت مكملة للفرائض، والاكمال إنما يتحقق في محل الفرض لا
في غيره ا ه‍ وفي غيره نفي الاستحباب وهو المراد ا ه‍. كلام البحر: أي وفي غير المحيط قال:
لا يستحب، وهو المراد من قول المحيط: لا يسن.
وفي معراج الدراية: السنة عند الشافعي ومالك مسح أعلى الخف وأسفله، لما روي أنه (ص)
مسح أعلى الخف وأسفله وعندنا وأحمد لا مدخل لأسفله في المسح، لحديث علي رضي الله
عنه: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح عليه من ظاهره، وقد رأيت
رسول الله (ص) يمسح على الخفين على ظاهرهما رواه أبو داود وأحمد والترمذي، وقال: حديث
حسن صحيح، وما رواه الشافعي شاذ لا يعارض هذا مع أنه ضعفه أهل الحديث، ولهذا قيل: إنه
يحمل على الاستحباب إن ثبت. وعن بعض مشايخنا: يستحب الجمع ا ه‍.
فقد ظهر أن استحباب الجمع قول لبعض مشايخنا، لا كما نقله في النهر من أنه المذهب،
فتنبه لذلك ولله الحمد. قوله: (أو جرموقيه) بضم الجيم: جلد يلبس فوق الخف لحفظه من الطين
289

وغيره على المشهور. قهستاني. ويقال له الموق، وليس غيره كما أفاده في البحر. قوله: (ولو فرق
خف) أفاد جواز المسح عليهما منفردين أيضا، وهذا لو كانا من جلد، فلو من كرباس لا يجوز ولو
فوق الخف إلا أن يصل بلل المسح إلى الخف، ثم الشرط بأن يكونا بحيث لو انفردا يصح
مسحهما، حتى لو كان بهما خرق مانع لا يجوز المسح عليهما. سراج، وإن يلبسهما قبل أن يمسح
على الخفين وقبل أن يحدث، فلو كان مسح على الخفين أو أحدث بعد لبسهما، ثم لبس الجرموقين
لا يجوز المسح عليهما اتفاقا، لأنهما حينئذ لا يكونان تبعا للخف صرح بهذا الشرط في السراج
وشروح المجمع ومنية المصلي وغيرها، ومقتضاه أنه لو توضأ ثم لبس الخف ثم جدد الوضوء قبل
الحدث ومسح على الخف ثم لبس الجرموق لا يجوز له المسح لاستقرار الحكم على الخف فلا
يصير الجرموق تبعا.
وعبارة الشارح في الخزائن: وهذا إذا كانا صالحين للمسح أو رقيقين ينفذ إلى الخف قدر
الفرض ولم يكن أحدث ولا مسح على خفيه قبل ما أحدث، ذكره ابن الكمال وابن ملك ا ه‍.
هذا وفي البحر: والخف على الخف كالجرموق عندنا في سائر أحكامه. خلاصة قوله: (أو لفافة)
أي سواء كانت ملفوفة على الرجل تحت الخف أو كانت مخيطة ملبوسة تحته كما أفاده في شرح
المنية قوله: (ولا اعتبار بما في فتاوي الشاذي) بالذال المعجمة على ما رأيته في النسخ، لكن
الذي رأيته بخط الشارح في خزائن الاسرار بالدال المهملة، ثم الذي في هذه الفتاوي هو ما نقله
عنها في شرح المجمع من التفصيل، وهو أن ما يلبس من الكرباس المجرد تحت الخف يمنع المسح
على الخف لكونه فاصلا، وقطعة كرباس تلف على الرجل لا تمنع لأنه غير مقصود باللبس، وقد
أطال في رده في شرح المنية والدرر والبحر لتمسك جماعة به من فقهاء الروم، قال ح: وقد اعتنى
يعقوب باشا بتحقيق هذه المسألة في كراسة مبينا للجواز لما سأله السلطان سليم خان. قوله: (أو
جوربيه) الجورب: لفافة الرجل. قاموس، وكأنه تفسير باعتبار اللغة، لكن العرف خص اللفافة بما
ليس بمخيط والجورب بالمخيط، ونحوه الذي يلبس كما يلبس الخف شرح المنية. قوله: (ولو من
غزل أو شعر) دخل فيه الجوخ كما حققه في شرح المنية. وقال: وخرج عنه ما كان من كرباس
بالكسر: وهو الثوب من القطن الأبيض، ويلحق بالكرباس كل ما كان من نوع الخيط كالكتان
والإبريسم ونحوهما وتوقف ح في وجه عدم جواز المسح عليه إذا وجد فيه الشروط الأربعة التي
ذكرها الشارح.
وأقول: الظاهر أنه إذا وجدت فيه الشروط يجوز، وأنهم أخرجوه لعدم تأتي الشروط فيه غالبا،
يدل عليه ما في كافي النسفي حيث علل عدم جواز المسح على الجورب من كرباس بأنه لا يمكن
تتابع المشي عليه، فإنه يفيد أنه لو أمكن جاز، ويدل عليه أيضا ما في ط عن الخانية أن كل ما كان
في معنى الخف في إدمان المشي عليه وقطع السفر به ولو من لبد رومي يجوز المسح عليه ا ه‍.
قوله: (على الثخينين) أي اللذين ليسا مجلدين ولا منعلين نهر. وهذا التقييد مستفاد من عطف ما
بعده عليه، وبه يعلم أنه نعت للجوربين فقط كما هو صريح عبارة الكنز، وأما شروط الخف فقد
ذكرها أول الباب، ومثله الجرموق، ولكونه من الجلد غالبا لم يقيده بالثخانة المفسرة بما ذكره
290

الشارح، لان الجلد الملبوس لا يكون إلا كذلك عادة. قوله: (بحيث يمشي فرسخا) أي فأكثر كما
مر، وفاعل يمشي ضمير يعود على الجورب والاسناد إليه مجازي. أو على اللابس له والعائد
محذوف: أي به. قوله: (بنفسه) أي من غير شد ط. قوله: (ولا يشف) بتشديد الفاء، من شف
الثوب: رق حتى رأيت ما وراءه، من باب ضرب مغرب.
وفي بعض الكتب: ينشف بالنون قبل الشين، من نشف الثوب العرق كسمع ونصر شربه.
قاموس. والثاني أولى هنا لئلا يتكرر مع قوله تبعا للزيلعي: ولا يرى ما تحته، لكن فسر في الخانية
الأول بأن لا يشف الجورب الماء إلى نفسه كالأديم والصرم، وفسر الثاني بأن لا يجاوز الماء إلى
القدم، وكأن تفسيره الأول مأخوذ من قولهم اشتف ما في الاناء: شربه كله كما في القاموس، وعليه
فلا تكرار، فافهم. قوله: (إلا أن ينفذ) أي من البلل، وهذا راجع إلى الجرموق لا الجورب، لان
العادة في الجورب أن يلبس وحده أو تحت الخف لا فوقه. قوله: (مسح الخف والموق الباقي) أي
يمسح الخف البادي ويعيد المسح على الموق الباقي لانتقاض وظيفتهما كنزع أحد الخفين، لان
انتقاض المسح لا يتجزأ. بحر. وهذا ظاهر الرواية.
وروى الحسن أنه يمسح على الخف البادي لا غير. وعن أبي يوسف: ينزع الموق الباقي
ويمسح الخفين. خانية. قوله: (لم يجز) هذا إذا لم يكن في الموقين خرق مانع، فلو كان قال في
المبتغى له المسح على الخف أو على الجرموق لأنهما كخف واحد، لكن بحث في الحلية وتبعه
في البحر بأنه ينبغي أن لا يجوز إلا على الخف، لما علم أن المنخرق خرقا مانعا وجوده كعدمه،
فكانت الوظيفة للخف فلا يجوز على غيره، وبه صرح في السراج كما قدمناه. قوله: (بسكون النون)
أي من باب الافعال من أفعل، لكن صرح في القاموس بمجيئه من باب التفعيل، فقول الصحاح يقال
أنعلت خفي ودابتي ولا تقل نعلت: أي بالتخفيف بل يقال بالتشديد، فيكون من باب التفعيل على
وفق ما في القاموس، وحينئذ فلا منافاة، وقول المغرب أفعل الخف ونعله: أي بالتشديد فلا منافاة
أيضا، خلافا لما في النهر، فافهم. قوله: (ما جعل على أسفله) أي كالنعل للقدم، وهذا ظاهر
الرواية، وفي رواية الحسن ما يكون إلى الكعب. ابن كمال. قوله: (والمجلدين) المجلد: ما جعل
الجلد على أعلاه وأسفله. ابن كمال.
تنبيه: ما ذكره المصنف من جوازه على المجلد والمنعل متفق عليه عندنا، أما الثخين فهو
قولهما. وعنه أنه يرجع إليه وعليه الفتوى، كذا في الهداية وأكثر الكتب بحر.
هذا وفي حاشية أخي جلبي على صدر الشريعة أن التقييد بالثخين مخرج لغير الثخين ولو
مجلدا، ولم يتعرض له أحد.
قال: والذي تلخص عندي أنه لا يجوز المسح عليه إذا جلد أسفله فقط أو مع مواضع الأصابع
291

بحيث يكون محل الفرض الذي هو ظهر القدم خاليا عن الجلد بالكلية، لان منشأ الاختلاف بين
الامام وصاحبيه اكتفاؤهما بمجرد الثخانية وعدم اكتفائه بها بل لا بد عده مع الثخانة من النعل أو الجلد
ا ه‍. وقد أطال في ذلك.
أقول: بل هو مأخوذ من كلام المصنف، وكذا من قول الكنز وغيره، وعلى الجورب المجلد
والمنعل والثخين فإن مفاده أن المجلد لا يتقيد بالثخانة، وقدمنا عن شرح المنية أنه لا يشترط
استيعاب الجلد جميع ما يستر القدم على خلاف ما يزعمه بعض الناس. وقال في شرح المنية أيضا:
صرح في الخلاصة بجواز المسح على المجلد من الكرباس ا ه‍.
ويؤخذ من هذا ومما قبله أنه لو كان محل المسح وهو ظهر القدم مجلدا مع أسفله أنه يجوز المسح
عليه كما قدمناه عن سيدي عبد الغني في الخف الحنفي المخيط بالشخشير، ولا يعكر عليه
اشتراطهم أن يثبت على الساق بنفسه، لان ذاك في الجورب الثخين الغير المجلد والمنعل كما في
النهر وغيره. قوله: (مرة) قيد للمسح المفهوم، فلا يسن تكراره كمسح الرأس. بحر. قوله: (ولو
امرأة) تعميم لقوله لمحدث أو لفاعل يبدأ. قوله: (ملبوسين) حال من قوله: خفيه وما عطف
عليه ط. قوله: (لا يمسح عليه) لأنه لم يلبس على طهارة، فعليه أن يمسح على الخف لاستقرار
حكم المسح عليه كما قدمناه. قوله: (خرج الناقص) أقول: وخرج أيضا ما لو توضأ الجنب ثم
تخفف ثم أحدث ثم غسل باقي بدنه لا يمسح. أما على الصحيح من عدم تجزي الحدث ثبوتا وزوالا
فظاهر. وأما على مقابله، فلعدم التمام، ولم أر من تعرض لهذه المسألة من أئمتنا. تأمل. وتعلم
بالأولى من قوله: كلمعة. قوله: (كلمعة) يعني كطهر بقيت فيه لمعة من الأعضاء لم يصبها الماء
قبل لبس الخف. قوله: (كتيمم) أي أن اللبس لو كان بعد التيمم فوجد بعده الماء لا يجوز المسح
على الخف بل يجب الغسل. قوله: (ومعذور) أي وطهر معذور، فهو على تقدير مضاف. قوله:
(فإنه الخ) الضمير للمعذور، وهذا بيان لوجه كون طهره ناقصا.
ثم إنه لا يخلو إما أن يكون العذر منقطعا وقت الوضوء واللبس معا أو موجودا فيهما، أو
منقطعا وقت الوضوء موجودا وقت اللبس أو بالعكس فهي رباعية. ففي الأول حكمه كالأصحاء
لوجود اللبس على طهارة كاملة فمنع سراية الحدث للقدمين، وفي الثلاثة الباقية يمسح في الوقت
فقط، فإذا خرج نزع وغسل كما في البحر، لكن ما ذكره من نقصان طهارة التيمم والمعذور تبع فيه
الزيلعي. قال في النهر: وعورض بأنه لا نقص فيهما ما بقي شرطهما، وإنما لم يمسح المتيمم بعد
رؤية الماء والمعذور بعد الوقت لظهور الحدث السابق حينئذ على القدم، والمسح إنما يزيل ما حل
بالممسوح لا بالقدم، ولذا جوزنا لذي العذر المسح في الوقت كلما توضأ لحدث غير الذي ابتلي به
إذا كان السيلان مقارنا للوضوء واللبس. قوله: (عند الحدث) متعلق بقوله: تام فيعتبر كون الطهر
تاما وقت نزول الحدث. لان الخف يمنع سراية الحدث إلى القدم، فيعتبر تمام الطهر وقت المنع لا
292

وقت اللبس خلافا للشافعي. قوله: (جاز أن يمسح) لوجود الشرط، وهو كونهما ملبوسين على طهر
تام وقت الحدث، ومثله ما لو غسل رجليه ثم تخفف ثم تمم الوضوء أو غسل رجلا فخففها ثم
الأخرى كذلك كما في البحر، بخلاف ما لو توضأ ثم أحدث قبل وصول الرجل إلى قدم الخف فإنه
لا يمسح كما ذكره الشافعية، وهو ظاهر. قوله: (يوما وليلة) العامل فيهما الضمير في قوله وهو
جائز لعوده على المسح أو المسح في قوله شرط مسحه أفاده ط. قوله: (وابتداء المدة) قدره ليفيد
أن من في كلام المصنف ابتدائية أن الجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف هو ذلك المقدار ط.
قوله: (من وقت الحدث) أي لا من وقت المسح الأول كما هو رواية عن أحمد، ولا من وقت اللبس
كما حكي عن الحسن البصري، وتمامه في البحر.
وذكر الرملي أن صريح كلام البحر أن المدة تعتبر من أول وقت الحدث لا من آخره كما ه‍
عند الشافعية. وما قلنا أولى، لان وقت عمل الخف، ولم أر من ذكر فيه خلاف عندنا ا ه‍.
وعليه فلو كان حدثه بالنوم فابتداء المدة من أول ما نام لا من حين الاستيقاظ، حتى لو نام أو
جن أو أغمي عليه مدته بطل مسحه. قوله: (ستا) صورته لبس الخف على طهارة ثم أحدث وقت
الاسفار ثم توضأ ومسح وصلى قبيل الشمس تصلى الصبح في اليوم الثاني عقب الفجر ح، وقد
يصلي سبعا على الاختلاف. بحر: أي الاختلاف بين الامام وصاحبيه، بأن أحدث فيما بين المثلين
ثم صلى الظهر في اليوم الأولى على قول الإمام بعد المثل، والعصر أيضا بعد المثلين، وفي اليوم
الثاني صلى الظهر قبل المثل. قوله: (فلما تشهد أحدث) فإنه لا يمكنه صلاة الصبح فاليوم الثاني
لبطلانها بانقضاء مدة المسح في القعدة كما سيأتي في الاثني عشرية. قوله: (لا على عمامة الخ)
العمامة معروفة وتسمى الشاش في زماننا. والقلنسوة: بفتح القاف واللام والواو وسكون النون وضم
السين في آخرها هاء التأنيث: ما يلبس على الرأس ويتعمم فوقه. والبرقع: بضم الباء الموحدة
وسكون الراء وضم القاف وفتحها أخرها عين مهملة: ما يلبس على الوجه فيه خرقان للعينين.
والقفاز بضم القاف وتشديد الفاء بألف ثم زاي: شئ يلبس على اليدين يحشي بقطن ويزر على
الساعدين ا ه‍. ح. قوله: (لعدم الحرج) علة لقوله: لا يجوز وأيضا ما ورد في ذلك شاذ لا يزاد
به على الكتاب العزيز الآمر بالغسل ومسح الرأس. بخلاف ما ورد في الخف. وقال الإمام محمد في
موطئه: بلغنا أن المسح على العمامة كان ثم ترك كما في الحلية، قوله: (عملا) أي فرضه من جهة
العمل لا الاعتقاد، وهو أعلى قسمي الواجب كما قدمنا تقريره في الوضوء: وسيجئ. قوله: (قدر
ثلاث أصابع) أشار إلى أن الأصابع غير شرط، وإنما الشرط قدرها. شرنبلالية. فلو أصاب موضع
المسح ماء أو مطر قدر ثلاث أصابع جاز، وكذا لو مشى في حشيش مبتل بالمطر، وكذا بالطل في
الأصح. وقيل لا يجوز لأنه نفس دابة في البحر يجذبه الهواء، بحر. قوله: (أصغرها) بدل من
الأصابع ط. أو نعت، وأفرده لان الغالب في أفعل التفضيل المضاف إلى معرفة عدم المطابقة،
293

فافهم. قوله: (طولا وعرضا) كذا في شرح المنية: أي فرضه قدر طول الثلاث أصابع وعرضها قال
في البحر: ما عن البدائع: ولو مسح بثلاث أصابع منصوبة غير موضوعة ولا ممدودة لا يجوز بلا
خلاف بين أصحابنا. قوله: (من كل رجل) أي فرضه هذا القدر كائنا من كل رجل على حدة، قال
في الدرر: حتى لو مسح على إحدى رجليه مقدار إصبعين وعلى الأخرى مقدار خمس أصابع لم
يجز، قوله (لا من الخف) لما قدمه أنه لو واسعا فمسح على الزائد ولم يقدم قدمه إليه لم يجز،
ولما يأتي من قوله: ولو قطع قدمه الخ. قوله: (فمنعوا الخ) شروع في التفريع على ما قبله من
القيود. قوله: (مد أو صبع) أي جرها على الخف حتى يبلغ مقدار ثلاث أصابع، وظاهره ولو مع
بقاء البلة لأنها تصير مستعملة. تأمل. وفي الحلية: وكذا الإصبعان، بخلاف ما لو مسح بالابهام
والسبابة مفتوحتين مع ما بينهما من الكف أو مسح بأصبع واحدة ثلاث مرات في ثلاثة مواضع وأخذ
لكل مرة ماء فيجوز لأنه بمنزلة ثلاث أصابع، وكذا لو مسح بجوانبها الأربع في الصحيح، والظاهر
تقييده بوقوعه في أربعة مواضع اه‍. قوله: (لم يجز إلا أن يبتل الخ) كذا في المنية. قال
الزاهدي: قلت أو كانت تنزل البلة إليها عند المد ا ه‍. وهذا هو المراد بكونه متقاطرا. حلية.
فأفاد أن الشرط إما الابتلال المذكور أو التقاطر. قال في شرح المنية: لان البلة تصير مستعملة أولا
بمجرد الإصابة فتصير مستعملة ثانيا في الفرض، بخلاف ما إذا كان متقاطرا لان التي مسح بها ثانيا
غير الأولى، وبخلاف إقامة السنة فيما إذا وضع الأصابع ثم مدها ولم يكن متقاطرا، لان النفل يغتفر
فيه ما لا يغتفر في الفرض وهو تابع له فيؤدي ببلته تبعا لضرورة عدم شرعية التكرار، وتمامه فيه.
قوله: (ثم قال الخ) قد علمت أن الشرط أحد الامرين فلا منافاة بين النقلين، لان المدار على عدم
المسح ببلة مستعملة. قوله: (وإلا لا) صحح في الخلاصة الجواز مطلقا، والتفصيل أولى كما في
الحلية والبحر. قوله: (من ظهره) أي القدم، وقيد به لأنه محل المسح، فلا اعتبار بما يبقى من
العقب ط. قوله: (وإلا غسل) أي غسل المقطوعة والصحيحة أيضا، لئلا يلزم الجمع بين الغسل
والمسح. قوله: (من كعبه) أي من المفصل لوجوب غسله كما في المنية، فيغسل الرجل الأخرى
ولا يمسح. قوله: (رجل واحدة) بأن كانت الأخرى مقطوعة من فوق الكعب. قوله: (مسحها) لعدم
الجمع. قوله: (خف مغصوب) المراد به المستعمل على وجه محرم سواء كان غصبا أو سرقة أو
اختلاسا ط. قوله: (رجل مغصوبة) إطلاق الغصب على ذلك مساهلة. وصورته: استحق قطع رجله
لسرقة أو قصاص فهرب وصار يتوضأ عليها ط. قوله: (والخرق) بضم الخاء: الموضع، ولا يصح
هنا الفتح لأنه مصدر، ولا يلائمه الوصف الكبير. ثم رأيت ط نبه على ذلك أيضا. فافهم، ثم
المراد به ما كان تحت الكعب، فالخرق فوقه لا يمنع لان الزائد على الكعب لا عبرة به. زيلعي.
قوله: (بموحدة أو مثلثة) أي يجوز قراءة الكبير بالباء الموحدة: أي التي لها نقطة واحدة، ويجوز أن
294

يقرأ الكثير بالثاء المثلثة التي لها ثلاث نقط، وهذا بالنظر إلى أصل الرواية والسماع، وإلا فالمرسوم
في المتن الأول.
وفي النهر وغيره عن شيخ الاسلام خواهر زاده أنه الأصح، لان الكم المنفصل تستعمل فيه
الكثرة والقلة، وفي المتصل الكبر والصغر، ولا شك أن الخف كم متصل.
وفي المغرب: الكثرة خلاف القلة، وتجعل عبارة عن السعة، ومنه قولهم: الخرق الكثيرة،
ومفاده استعمال الكثرة في المتصل، وكأن الكثير الشائع هو الأول. قوله: (وهو قدر ثلاث أصابع)
يعني طولا وعرضا، بأن سقطت جلدة مقدار ثلاث أصابع وعرضها، كذا في حاشية يعقوب باشا
على صدر الشريعة فليحفظ. قوله: (أصابع القدم الأصاغر) صححه في الهداية وغيرها واعتبر
الأصاغر للاحتياط. وروي عن الامام اعتبار أصابع اليد. بحر. وأطلق الأصابع لان في اعتبارها
مضمومة أو مفرجة اختلافا. قهستاني. قوله: (بكمالها) هو الصحيح، خلافا لما رجحه السرخسي
من المنع بظهور الأنامل وحدها. شرح المنية. والأنامل: رؤوس الأصابع، وهو صادق بما إذا
كانت الأصابع تخرج منه بتمامها، لكن لا يبلغ هو قدرها طولا وعرضا. قوله: (بأصابع مماثلة) أي
بأصابع شخص غيره مماثل له في القدم صغرا وكبرا، والتقييد بالمماثلة، أفاده في النهر.
ورد على البحر اختياره القول باعتبار أصابع نفسه لو قائمة على القول باعتبار أصابع غيره
لتفاوتها الصغر والكبر، بأن تقديم الزيلعي الأول يفيد أن عليه المعول وبأنه بعد اعتبار المماثلة لا
تفاوت، وبأن الاعتبار الموجود أولى. وأفاد ح. أن ما في النهر يرجع بعد التأمل إلى ما في البحر.
قوله: (فيمسح عليه) أي على الخف الآخر أو الجرموق، لان العبرة للأعلى حيث لم تتقرر الوظيفة
على الأسفل. قوله: (وهذا) أي التقدير بالثلاث الأصاغر. قوله: (فلو عليها الخ) تفريع على القيود
الثلاثة على سبيل النشر المرتب. قوله: (اعتبر الثلاث) أي التي وقعت في مقابلة الخرق لان كل
أصبع أصل في موضعها فلا تعتبر بغيرها، حتى لو انكشف الابهام مع جارتها وهما قدر ثلاث أصابع
من أصغرها يجوز المسح، وإن كان مع جاريتها لا يجوز ا ه‍. زيلعي ودرر وغيرهما. وصححه في
التتمة كما في البحر. قوله: (ولو عليه) أي العقب اعتبر بدو: أي ظهور أكثره، كذا ذكره قاضيخان
وغيره، وكذا لو كان الخرق تحت القدم اعتبر أكثره كما في الاختيار، ونقله الزيلعي عن الغاية بلفظ
قيل. قال في البحر: وظاهر الفتح اختيار اعتبار ثلاث أصابع مطلقا، وهو ظاهر المتون كما لا يخفى
حتى في العقب، وهو اختيار السرخسي. والقدم من الرجل: ما يطأ عليه الانسان من الرسغ إلى ما
دون ذلك، وهي مؤنثة. والعقب: بكسر القاف مؤخر القدم ا ه‍. قوله: (عند المشي) أي عند رفع
القدم كما في شرح المنية الصغير، سواء كان لا يرى عند الوضع على الأرض أيضا، أو يرى عند
الوضع فقط، وأما بالعكس فيهما فيمنع، أفاده ح، وإنما اعتبر حال المشي لا حال الوضع لان الخف
للمشي يلبس. درر. قوله: (كما لو انفتقت الظهارة الخ) بأن كان من داخلها بطانة من جلد أو خرقة
مخروزة بالخف فإنه لا يمنع زيلعي، وقدمناه. قوله: (وتجمع الخروق الخ) اختار في الفتح بحثا عدم
295

الجمع، وقواه تلميذه في الحلية بموافقته، لما روي عن أبي يوسف من عدم الجمع مطلقا،
واستظهره في البحر، لكن ذكر قبله أن الجمع هو المشهور في المذهب. وقال في النهر: إطباق
عامة المتون والشروح عليه مؤذن بترجيحه. قوله: (لا فيهما) أي لو كان في كل واحد من الخفين
خروق غير مانعة، لكن إذا جمعتها تكون مثل القدر المانع لا تمنع ويصح المسح ا ه‍. ح. قوله:
(بشرط الخ) متعلق بصحة المسح التي تضمنها قوله: لا فيهما كما قررناه أفاده ح، وهذا الشرط
استظهار من صاحب الحلية، ونقل عبارته في البحر وأقره عليه، ولظهور وجهه جزم به الشارح.
قوله: (فرضه) أي فرض المسح، وهو قدر ثلاثة أصابع قوله: (على الخف نفسه) لان المسح إنما
يجب عليه لا على الرجل، ولا ينافيه ما قدمه من قوله: من كل رجل لا من الخف لان معناه أنه لا
بد أن يقع المسح بالثلاث على المحل الشاغل للرجل من الخف لا على المحل الخالي عن الرجل
الزائد عليها. قوله: (المسح الحالي) أي الذي يراد وقوعه حالا، والاستقبالي: أي الذي يراد إيقاعه
فيما بعد الزمن الحاضر ط. قوله: (كما ينقض الماضوي) بأن عرض بعد المسح. قوله: (ومر) أي
في التيمم في قوله: كل مانع منع وجوده التيمم نقض وجوده التيمم. قوله: (أن ناقض التيمم) أي
ما يبطله. قوله: (يمنع ويرفع) أي يمنع وقوعه في الحال أو الاستقبال ويرفع الواقع قبله، فالرفع
يقتضي الوجود بخلاف المنع.
وحاصل المعنى أن مبطل التيمم مثل الخرق المبطل للمسح في أنه يمنعه ابتداء ويرفعه انتهاء.
قوله: (كنجاسة) تنظير لا تمثيل ح. والمعنى: أن النجاسة المانعة تمنع الصلاة ابتداء وترفعها
عروضا، ومثلها الانكشاف ط. قوله: (حتى انعقادها) أي الصلاة وهو منصوب لكونه معطوفا بحتى
على المفعول به المقدر في الكلام، تقديره: كنجاسة وانكشاف فإنهما يمنعان الصلاة ويرفعانها حتى
انعقادها، والمراد بانعقادها التحريمة، وإنما غيا بالتحريمة لما أنها شرط، وينبني على شرطيتها عدم
اشتراط الشروط لها، لكن الصحيح اشتراط الشروط لها لا لكونها ركنا بل لشدة اتصالها بالأركان كما
سيأتي ح، وإنما أطلق الانعقاد الذي هو صحة الشروع على التحريمة لأنها شرط فيه أفاده ط. قوله:
(كما سيجئ) أي في باب شروط الصلاة من أنه يشترط للتحريمة ما يشترط للصلاة ط. قوله:
(المسلة) بكسر الميم: الإبرة العظيمة. صحاح. قوله: (إلحاقا له) أي لما دون المسلة بمواضع
الخرز التي هي معفوة اتفاقا ط. قوله (متفرقة) أي في خف أو ثوب أو بدن أو مكان أو في
المجموع ح. قوله: (وانكشاف عورة) فإنه إذا تعدد في مواضع منها، فإن بلغ ربع أدناها منع كما
سيأتي، أفاده ح. قوله: (وطيب محرم) فإنه يجمع في أكثر من عضو بالاجزاء حتى يبلغ عضوا كما
سيأتي ح. قوله: (وأعلام ثوب) أإذا كان في عرض الثوب أعلام من حرير تجمع، فإذا زادت على
أربع أصابع تحرم، لكن سيذكر الشارح في فصل اللبس من كتاب الحظر والإباحة أن ظاهر
المذهب عدم جمع المتفرق، فذكر أعلام الثوب هنا مبني على خلاف ظاهر المذهب. قوله: (فإنها
296

أي هذه الأربعة تجمع مطلقا: أي سواء كان التفرق موضع واحد أو مواضع ح، وذلك لوجود
القدر المانع. وأما الخرق في الخف فإنما منع لامتناع قطع المسافة معه، وهذا المعنى مفقود فيما
إذا لم يكن في كل خف مقدار ثلاث أصابع كما أشار إليه في الهداية. قوله: (واختلف الخ) فقيل
تجمع في أذنين حتى تبلغ أكثر أذن واحدة فيمنع. وقيل لا تجمع إلا في أذن واحدة كما في
الخف ح. قوله: (وينبغي الخ قاله في المنح.
مطلب: نواقض المسح
قوله: (ونزع خف) أراد به ما يشمل الانتزاع، وإنما نقض لسراية الحدث إلى القدم عند زوال
المانع. قوله: (ولو واحدا) لان الانتقاض لا يتجزأ، وإلا لزم الجمع بين الغسل والمسح وأشار إلى
أن المراد بالخف الجنس الصادق بالواحد والاثنين. قوله: (ومضي المدة) للأحاديث الدالة على
التوقيت. ثم إن الناقض في هذا والذي قبله حقيقة هو الحدث السابق، لكن لظهوره عندهما أضيف
النقض إليهما مجازا. بحر. قوله: (وإن لم يمسح) أي إذا لبس الخف ثم أحدث بعده ثم مضت
المدة بعد الحدث ولم يمسح فيها ليس له المسح. قوله: (إن لم يخش الخ) يعني إذا انقضت مدة
المسح وهو مسافر ويخاف ذهاب رجله من البرد لو نزع خفيه جاز المسح، كذا في الكافي وعيون
المذاهب ا ه‍. درر. قال ح: ومفهومه أنه إن خشي لا ينتقض بالمضي، بل إن أحد ث بعد ذلك
فتوضأ يعمهما بالمسح كالجبيرة، وعدم الانتفاض بالمضي مع الخوف في هذا نظير عدم بطلان
الصلاة الذي هو الأصح في مسألة مضي المدة في الصلاة مع عدم الماء ا.
أقول: وظاهره أنه إذا مضت المدة ولم يحدث يبقى حكم مسحه السابق فلا يلزمه تجديد
المسح، ويؤيده مسألة الصلاة الآتية حيث يمشي فيها، وكذا ما في السراج عن الوجيز: إذا انقضت
المدة وهو يخاف الضرر من البرد إذا نزعهما جاز له أن يصلي به، فإن ظاهره أنه يصلي بلا مسح
جديد، لكن في المعراج: لو مضت وهو يخاف البرد على رجله يستوعبه بالمسح كالجبائر ويصلي،
وعليه فعدم الانتقاض المفهوم من المتن معناه عدم لزوم الغسل وجواز المسح بعد ذلك، فلا ينافي
بطلان حكم المسح السابق، وهذا هو المفهوم من عبارة الدرر المارة.
فالحاصل أن المسألة مصورة فيما إذا مضت مدة المسح وهو متوضئ وخاف إن نزع الخف
لغسل رجليه من البرد وإلا أشكل تصوير المسألة، لأنه إذا خاف على رجليه يلزم منه الخوف على
بقية الأعضاء فإنها ألطف من الرجلين، وإذا خاف ذلك يكون عاجزا عن استعمال الماء فيلزمه
العدول إلى التيمم بدلا عن الوضوء بتمامه، ولا يحتاج إلى مسح الخف أصلا مع التيمم حيث
تحققت الضرورة المبيحة له، إلا أن يجاب عن الاشكال بأنهم بنوا ذلك على ما قالوه من أنه لا يصح
التيمم لأجل الوضوء، وقدمنا ما فيه في بابه فراجعه.
هذا، وقال ح أيضا: والذي ينبغي أن يفتى به في هذه المسألة انتقاض المسح بالمضي
واستئناف مسح آخر يعم الخف كالجبائر، وهو الذي حققه في فتح القدير ا ه‍.
أقول: الذي حققه في الفتح بحثا لزوم التيمم دون المسح، فإنه بعد ما نقل عن جوامع الفقه
297

والمحيط أنه إن خاف البرد فله أن يمسح مطلقا: أي بلا توقيت، قال ما نصه: فيه نظر، فإن خوف
البرد لا أثر له في منع السراية، كما أن عدم الماء لا يمنعها، فغاية الأمر أنه لا ينزع، لكن لا يمسح
بل يتيمم لخوف البرد ا ه‍. وأقره في شرح المنية وأطنب في حسنه، وهو صريح من انتقاض
المسح لسراية الحدث، فلا يصلي به إلا بعد التيمم لا المسح، ولكن المنقول هو المسح لا
التيمم، كما مر عن الكافي وعيون المذاهب والجوامع والمحيط، وبه صرح الزيلعي وقاضيخان
والقهستاني عن الخلاصة وكذا في التاترخانية والولوالجية والسراج عن المشكل، وكذا في مختارات
النوازل لصاحب الهداية، وبه صرح أيضا في المعراج والحاوي القدسي بزيادة جعله كالجبيرة،
وعليه مشى في الامداد. وقد قال العلامة قاسم: لا عبرة بأبحاث شيخنا: يعني ابن الهمام إذا خالفت
المنقول، فافهم. قوله: (للضرورة) علة لعدم النقض المفهوم من قوله: إن لم يخش. قوله:
(فيستوعبه) أي على ما هو الأولى أو أكثره، وهذا إنما يتم إذا كان مسمى الجبيرة يصدق عليه ا ه‍.
فتح.
وأجاب في البحر بأن مفاد ما في المعراج الاستيعاب، وأنه ملحق بالجبائر لا جبيرة حقيقة
ا ه‍: فالمراد بتشبيهه بالجبيرة في الاستيعاب لمنع كونه مسح خف لا أنه جبيرة حقيقة ليجوز
مسح أكثره. قوله: (مضى في الأصح) كذا في الخانية معللا بأنه لا فائدة في النزع لأنه للغسل
ا ه‍. وعلى هذا فالمستثنى من النقض بمضي المدة مسألتان: وهما إذا خاف البرد أو كان في
الصلاة ولا ماء كما في السراج. قوله: (وهو الأشبه) قال الزيلعي: واستظهره في الفتح بأن عدم
الماء لا يصح منعا لسراية الحدث بعد تمام المدة فيتيمم مآلا للرجلين بل للكل، لان الحدث لا
يتجزأ، كمن غسل ابتداء الأعضاء إلا رجليه وفني الماء فيتيمم للحدث القائم به على حاله ما لم
يتم الكل، وتمامه فيه، وهو تحقيق حسن فرع عليه في الفتح ما قاله في المسألة الأولى، لكن
علمت الفرق بينهما، وهو أنه يلزم عليه صحة التيمم في الوضوء لخو ف البرد، أما هنا فإنه لفقد
الماء وهو جائز بخلافه هناك. قوله: (غسل المتوضئ رجليه لا غير) ينبغي أن يستحب غسل الباقي
أيضا، مراعاة للولاء المستحب وخروجا من خلاف مالك كما قاله سيدي عبد الغني وسبقه إلى هذا
في اليعقوبية، ثم رأيته في الدر المنتقى عن الخلاصة مصرحا بأن الأولى إعادته. قوله: (لحلول
الحدث السابق) أورد أنه لا حدث موجود حتى يسري، لان الحدث السابق حل بالخف وبالمسح قد
زال، فلا يعود إلا بخارج نجس ونحوه، وأجيب بجواز أن يعتبر الشارع ارتفاعه بمسح الخف مقيدا
بمدة منعه. بحر. قوله: (فيتيمم) مبني على ما قدمناه عن الفتح وعلمت ما فيه، على أن الشارح
مشى أولا على خلافه حيث ألحقه بالجبيرة. قوله: (من الخف الشرعي) أي الذي اعتبره الشرع
لازما بحيث لا يجوز المسح على أنقص منه وهو الساتر للكعبين فقط. قال ابن الكمال: فالسبق
خارج عن حد الخف المعتبر في هذا الباب، فخروج القدم إليه خروج عن الخف. قوله: (وكذا
إخراجه) تصريح بما فهم من الخروج بالأولى، لان في الاخراج خروجا مع زيادة هي القصد
298

قوله: (في الأصح) صححه في الهداية وغيرها. وبه جزم في الكنز والمنتقى، وعن محمد: إن بقي
أقل من قدر محل الفرض نقض وإلا لا، وعليه أكثر المشايخ. كافي ومعراج، وصححه في النصاب.
بحر. قوله: (اعتبارا للأكثر) أي تنزيلا له منزلة الكل. قوله: (وما روي) أي عن أبي حنيفة. قوله:
(بزوال عقبه) أي خروجه من الخف إلى الساق، والمراد أكثر العقب كما صرح به في المنية والبحر
وغيرهما، وعللوه بأنه حينئذ لا يمكن معه متابعة المشي المعتاد، واختاره في البدائع والفتح والحلية
والبحر، ومشى عليه في الوقاية والنقاية. قوله: (فمقيد الخ) أي فلا ينافي قوله: ولا عبرة بخروج
عقبه لان المراد خروجه بنفسه بلا قصد، والمراد من المروي الاخراج. قوله: (أو غيرها) لعل
المراد به ما إذا كان غير واسع، لكن أخرجه غيره أو هو في نومه. قوله: (فلا ينقض بالاجماع) وإلا
وقع الناس في الحجر البين. نهاية. قوله: (وكذا القهستاني) أي وكذا يعلم من القهستاني معزيا
للنهاية أيضا. قوله: (لكن باختصار) نص عبارته: هذا كله إذا بدا له أن ينزع الخف فيحركه بنيته،
وأما إذا زال لسعة أو غيره فلا ينتقض بالاجماع، كما في النهاية. قوله: (أنه) أي القهستاني خرق
الاجماع: أي بسبب اختصاره ط: أي لأنه يوهم النقض بمجرد التحريك بنيته مع أنه لا نقض، ما لم
يخرج العقب أو أكثره إلى الساق بنيته.
وأما إرجاع الضمير في أنه إلى القول بالنقض بخروج العقب من غير نية فلا يناسبه التعبير
بالزعم لأنه موافق لقول الشارح فلا ينقض بالاجماع ويلزمه التكرار أيضا. وظاهر كلام الشارح في
شرحه على الملتقى أن الضمير راجع إلى ما روي، وعليه فقوله: حتى زعم بعضهم غاية لقوله:
فمقيد وعبارته في شرح الملتقى هكذا: حتى زعم بعضهم أنه خرق الاجماع وليس كذلك، بل هو
من الحسن والاحتياط بمكان، إذ ملخصه أن خروج أكثر القدم ناقض كإخراجه، وإخراج أكثر العقب
ناقض لا خروجه، فهو على القول به ناقض آخر فتدبر ا ه‍: أي لان القول بالنقض بأكثر العقب يلزم
منه القول بالنقض بأكثر القدم. قوله: (لو دخل الماء خفه) في بعض النسخ: أدخل، ولا فرق بينهما
في الحكم كما أفاده ح. وقدمناه. قوله: (وصححه غير واحد) كصاحب الذخيرة والظهيرية، وقدمنا
عن الزيلعي أنه المنصوص عليه في عامة الكتب، وعليه مشى في نور الايضاح وشرح المنية. قوله:
(وهو الأظهر) ضعيف تبع فيه البحر، وقدمنا رده أول أول الباب ح، ونص في الشرنبلالية أيضا على
ضعفه، وما قيل من أنه مختار أصحاب المتون لأنهم لم يذكروه في النواقض: وفيه نظر، لان المتون
لا يذكر فيها إلا أصل المذهب، وهذه المسألة من تخريجات المشايخ، واحتمال كونها من اختلاف
الرواية لا يكفي في جعلها في مسائل المتون، نعم اختار في الفتح هذا القول لما ذكره الشارح من
299

التعليل وتبعه تلميذه ابن أمير حاج في الحلية، وقواه بأنه نظير ما لو ادخل يده تحت الجرموقين
ومسح على الخفين فإنه لا يجوز لوقوع المسح في غير محل الحدث. قوله: (فيغسلهما ثانيا) تفريع
على القول الثاني وبيان لثمرة الخلاف، وقد علمت اختيار صاحب الفتح لهذا القول، لكن وافق
القول الأول بعدم لزوم الغسل ثانيا، وخالفه في الحلية لأنه عند انقضاء المدة أو النزع يعمل الحدث
السابق عمله فيحتاج إلى مزيل، لان الغسل السابق لا يعمل في حدث طارئ بعده. وأجيب بأن
الغسل السابق وجد بعد حدث حقيقة، لكنه إنما لم يعمل للمنع وهو الخف، فإذا زال المانع ظهر
عمله الآن. تأمل.
تنبيه: تظهر الثمرة أيضا في أنه إذا توضأ ثم غسل رجليه إلى الكعبين داخل الخفين ولم
ينزعهما تحسب له مدة المسح من أول حد ث بعد هذا الوضوء على القول الأول، وأما على الثاني
فتحسب له من أول حدث بعد الوضوء الأول. قوله: (كما مر) أي أن هذا الغسل حيث لم يقع
معتبرا كان لغوا بمنزلة العدم، فصار نظير ما تقدم من أنه إذا لم يغسل ونزع أو مضت المدة غسل
رجله لا غير، أو أن المراد يغسلهما إن لم يخش ذهاب رجله من برد كما مر، فافهم. قوله: (وبقي
من نواقضه الخرق الخ) قد علم ذلك من كلامه سابقا، حيث قال في الخرق: كما ينقض
الماضوي، وقال في المعذور: فإنه يمسح في الوقت فقط، لكن ذاك استطراد، فلذا أعاد ذكرهما في
محلهما لتسهيل ضبط النواقض وأنها بلغت ستة، فافهم. نعم أورد سيدي عبد الغني أن خروج الوقت
للمعذور ناقض لوضوئه كله لا لمسحه فقط، فهو داخل في ناقض الوضوء، وقدمنا أن مسألة
المعذور رباعية فلا تغفل.
تتمة: وفي التاترخانية عن الأمالي فيمن أحدث وعلى بعض أعضاء وضوئه جبائر فتوضأ
ومسحها ثم تخفف ثم برئ لزمه غسل قدميه، ولو لم يحدث بعد لبسه الخف حتى برئ وألقى
الجبائر وغسل موضعها ثم أحدث فإنه يتوضأ ويمسح على الخفين. ا ه‍: أي لأنه في الأولى ظهر
حكم الحدث السابق، فلم يكن لابس الخف على طهارة بخلاف الثانية، وينبغي عد هذا من
النواقض فتصير سبعة. قوله: (مسح مقيم) قيد بمسحه لا للاحتراز عما إذا سافر المقيم قبل المسح
فإنه معلوم بالأولى، بل للتنبيه على خلاف الشافعي. قوله: (بعد حدثه) بخلاف ما لو مسح لتجديد
الوضوء فإنه لا خلاف فيه. قوله: (فسافر) بأن جاوز العمران مريدا له. نهر. وفيه مسألة عجيبة
فراجعه. قوله: (فلو بعده) أي بعد التمام نزع وتوضأ إن كان محدثا، وإلا غسل رجليه فقط ط.
قوله: (مسح ثلاثا) أي تمم مدة السفر لان الحكم المؤقت يعتبر فيه آخر الوقت، ملقتى
وشرحه. قوله: (قرحة) بمعنى الجراحة. قال في القاموس: وقد يرد بها ما يخرج في البدن من
بثور، وفي القاف الضم والفتح. نهر. قوله: (وموضع) بالجر عطا على قرحة ط. قوله:
300

(كعصابة جراحة) العصابة بالكسر ما يعصب به، وكأنه خص القرحة بالمعنى الثاني، أو أراد
بخرقتها ما يوضع عليها كاللزقة فلا تكرار أفاده ط. قوله: (ولو برأسه) خصه بالذكر لما في
المبتغى أنه لا يجب المسح لأنه بدل عن الغسل ولا بدل له ا ه‍. والصواب خلافه، لان المسح
على الرأس أصل بنفسه لا بدل، غير أنه إن بقي من الرأس ما يجوز المسح عليه مسح عليه
وإلا فعلى العصابة كما في البدائع، أفاده في البحر.
أقول: قوله والصواب خلافه يفيد أن كلام المبتغى خطأ: أي بناء على ما فهمه من معنى
البدلية وهو بعيد. والظاهر أن معنى قول المبتغى: لأنه بدل الخ، أن المسح على الجبيرة بدل عن
الغسل، وإذا وجب مسح الجبيرة على الرأس الذي وظيفته المسح لزم أن يكون المسح على الجبيرة
بدلا عن المسح لا عن الغسل، والمسح لا بدل له، فالمناسب حينئذ قول النهر: إن ما في البدائع
يفيد ترجيح الوجوب، وهو الذي ينبغي التعويل عليه ا ه‍: أي بناء على منع قوله المسح بدل عن
الغسل، وقد أوضح منع البدلية في البحر، فراجعه.
قوله: (فيكون فرضا) أي حيث لم يضره كما سيأتي.
مطلب: الفرق بين الفرض العملي والقطعي والواجب
قوله: (يعني عمليا) دفع لما يقتضيه ظاهر التنبيه، لان الغسل فرض قطعي، والفرض العملي
ما يفوت الجواز بفوته كمسح ربع الرأس، وهو أقوى نوعي الواجب، فهو فرض من جهلة العمل،
ويلزم على تركه ما يلزم على ترك الفرض من الفساد لا من جهة العلم والاعتقاد، فلا يكفر بجحده
كما يكفر بجحد الفرص القطعي، بخلاف النوع الآخر من الواجب كقراءة الفاتحة، فإنه لا يلزم من
تركه الفساد ولا من جحوده الإكفار. قوله: (لثبوته بظني) وهو ما رواه ابن ماجة عن علي رضي الله
عنه قال: انكسرت إحدى زندي، فسألت رسول الله (ص)، فأمرني أن أمسح على الجبائر وهو
ضعيف، ويتقوى بعدة طرق، ويكفي ما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه مسح على العصابة
فإنه كالمرفوع، لان الابدال لا تنصب بالرأي. بحر. قوله: (وإليه رجع الامام الخ) اعلم أن صاحب
المجمع ذكر في شرحه أنه مستحب عنده واجب عندهما، وقيل واجب عنده فرض عندهما، وقيل
الوجوب متفق عليه، وهذا أصح، وعليه الفتوى ا ه‍. وفي المحيط: ولا يجوز تركه ولا الصلاة
بدونه عندهما.
والصحيح أنه عنده واجب لا فرض، فتجوز الصلاة بدونه، وكذا صححه في التجريد والغاية
والتجنيس وغيرها. ولا يخفى أن صريح ذلك فرض أي عملي عندهما واجب عنده، فقد اتفق الامام
وصاحباه على الوجوب بمعنى عدم جواز الترك، لكن عندهما يفوت الجواز بفوته فلا تصح الصلاة
بدونه أيضا، وعنده يأثم بتركه فقط مع صحة الصلاة بدونه، ووجوب إعادتها، فهو أراد الوجوب
الأدنى، وهما أرادا الوجوب الاعلى، ويدل عليه ما في الخلاصة أن أبا حنيفة رجع إلى قولهما بعد
جواز الترك فقيد بعدم جواز الترك، لأنه لم يرجع إلى قولهما بعدم صحة الصلاة بتركه أيضا، فلا
ينافي ما مر تصحيح أنه واجب عنده لا فرض، وعليه فقوله في شرح المجمع: وقيل الوجوب
301

متفق عليه، معناه عدم جواز الترك لرجوع الامام عن الاستحباب إليه، فليس المراد به الاتفاق على
الوجوب بمعنى واحد، هذا ما ظهر لي.
ثم رأيت نوح أفندي نقله عن العلامة قاسم في حواشيه على شرح المجمع بقوله: معنى
الوجوب مختلف، فعنده يصح الوضوء بدونه، وعندهما هو فرض عملي يفوت الجواز بفوته ا ه‍. ولله
الحمد. فاغتنم هذا التحرير الفريد، فقد خفي على الشارح والمصنف في المنح وصاحب البحر
والنهر وغيرهم، فافهم.
هذا، وقد رجح في الفتح قول الإمام بأنه غاية ما يفيد الوارد في المسح عليها، فعدم الفساد
بتركه أقعد بالأصول ا ه‍. لكن قال تلميذه العلامة قاسم في حواشيه: إن قوله، أقعد بالأصول
وقولهما أحوط. وقال في العيون: الفتوى على قولهما ا ه‍. قوله: (وقدمنا الخ) جواب عما في
المحيط وغيره من تصحيح أنه واجب عنده لا فرض حتى تجوز الصلاة بدونه: أي أن هذا التصحيح لا
يعارض لفظ الفتوى، لأنه أقوى، وهذا مبني على ما فهم تبعا لغيره من اتحاد معنى الوجوب في عبارة
شرح المجمع، وأن المراد به الفرض العملي عند الكل، وقد علمت خلافه وأنه لا تعارض بين
كلامهم. قوله: (ثم إنه) أي مسح الجبيرة، وثم للتراخي في الذكر. قوله: (ذكر منها) أفاد أنها أكثر
وهو كذلك. قوله: (فلا يتوقف) أي بوقت معين وإلا فهو مؤقت بالبرء. بحر. قوله: (حتى يؤم
الأصحاء) لأنه ليس بذي عذر ط، ولم يظهر لي وجه هذا التفريع هنا، ثم رأيته في خزائن الاسرار
ذكر التفريع بعد قوله الآتي: لا مسح خفها بل خفيه، بقوله: لان طهارته كاملة حتى يؤم الأصحاء
ا ه‍. وهو ظاهر لأن عدم الجمع بين مسح الجبيرة ومسح الخف مبني على أن مسحها كالغسل كما
نذكره. قوله (ولو بدلها الخ) هذان الوجهان زادهما الشارح على الثلاثة عشر المذكورة في المتن.
قوله: (لم يجب) وعن الثاني أنه يجب المسح على العصابة الباقية. نهر. قوله: (مسح خفها الخ) أي
لا يجمع مسح جبيرة رجل مع مسح خف الأخرى الصحيحة، لان مسح الجبيرة حيث كان كالغسل
يلزم منه الجمع بين الغسل والمسح، بل لا بد من تخفيف الجريحة أيضا ليمسح على الخفين، لكن لو
لم يقدر على مسح الجبيرة له المسح على خف الصحيحة، صرح به في التاترخانية: أي لأنه كذاهب
إحدى الرجلين. قوله: (بلا وضوء وغسل) بضم الغين بقرينة الوضوء، وهذا هو الثالث، ولا يتكرر
على قوله الآتي: والمحدث والجنب الخ، لان هذا فيما إذا شدها على الحدث أو الجنابة، وذاك
فيما إذا أحدث أو أجنب بعد شدها، أفاده ح. قوله: (ويترك المسح كالغسل) أي يترك المسح على
الجبيرة كما يترك الغسل لما تحتها، وهذا هو الرابع ح. قوله: (إن ضر) المراد الضرر المعتبر لا
مطلقه، لان العمل لا يخلو عن أدنى ضرر وذلك لا يبيح الترك ط. عن شرح المجمع. قوله: (وإلا لا
يترك) أي على الصحيح المفتى به كما مر. قوله: (وهو الخ) هذا الخامس. قوله: (عن مسح نفس
302

الموضع) أي وعن غسله، وإنما تركه لان العجز عن المسح يستلزم العجز عن الغسل ح. قوله: (ولو
بماء حار) نص عليه في شرح الجامع لقاضيخان، واقتصر عليه في الفتح، وقيده بالقدرة عليه. وفي
السراج أنه لا يجب، والظاهر الأول. بحر. قوله: (نحو مفتصد الخ) قال في البحر: ولا فرق بين
الجراحة وغيرها كالكي والكسر، لان الضرورة تشمل الكل.
مطلب في لفظة كل إذا دخلت على منكر أو معرف
قوله: (على كل عصابة) أي على كل فرد من أفرادها سواء كانت عصابة تحتها جراحة وهي
بقدرها أو زائدة عليها كعصابة المفتصد، أو لم يكن تحتها جراحة أصلا بل كسر أو كي، وهذا معنى
قول الكنز: كان تحتها جراحة أولا، لكن إذا كانت زائدة على قدر الجراحة، فإن ضره الحل والغسل
مسح الكل تبعا وإلا فلا، بل يغسل ما حول الجراحة ومسح عليها لا على الخرقة، ما لم يضره
مسحها فيمسح على الخرقة التي عليها ويغسل حواليها وما تحت الخرقة الزائدة، لان الثابت بالضرورة
يتقدر بقدرها كما أوضحه في البحر عن المحيط والفتح. ويحتمل أن يكون مراد المصنف أن المسح
يجب على كل العصابة ولا يكفي على أكثرها، لكن ينافيه أنه سيصرح بأنه لا
يشترط الاستيعاب في
الأصح فيتناقض كلامه وأنه كان الأولى حينئذ تعريف العصابة، لان الغالب في كل عند عدم القرينة
أنها إذا دخلت على منكر أفادت استغراق الافراد، وإذا دخلت على معرف أفادت استغراق الاجزاء،
ولذا يقال: كل رمان مأكول، ولا يقال: كل الرمان مأكول، لان قشره لا يؤكل، ومن غير الغالب مع
القرينة، كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر - كل الطعام كان حلا -
وحديث: كل الطلاق واقع إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله فافهم. قوله: (مع فرجتها في
الأصح) أي الموضع الذي لم تستره العصابة بين العصابة، فلا يجب غسله، خلافا لما في الخلاصة،
بل يكفيه المسح كما صححه في الذخيرة وغيرها، إذ لو غسل ربما تبتل جميع العصابة وتنفذ البلة إلى
موضع الجرح، وهذا من الحسن بمكان. نهر. قوله: (إن ضره الماء) أي الغسل به أو المسح على
المحل ط. قوله: (أو أحلها) أي ولو كان بعد البرء بأن التصقت بالمحل بحيث يعسر نزعها ط، لكن
حينئذ يمسح على الملتصق ويغسل ما قدر على غسله من الجوانب كما مر، ثم المسألة رباعية كما
أشار إليه في الخزائن لأنه إن ضره الحل يمسح، سواء أضره أيضا المسح على ما تحتها أولا، وإن
لم يضره الحل: فإما أن لا يضره المسح أيضا فيحلها ويغسل ما لا يضره ويمسح ما يضره، وإما أن
يضره المسح فيحلها ويغسل كذلك ثم يمسح الجرح على العصابة، إذ الثابت بالضرورة يتقدر بقدرها
ا ه‍. قوله: (ومنه) أي من الضرر ط. قوله: (ولا يجد من يربطها) ذكر ذلك في الفتح، ولم يذكر
في الخانية. قال الشيخ إسماعيل: والذي يظهر أن ما في الخانية مبني على قول الإمام: إن وسع
الغير لا يعد وسعا، وما في الفتح هو قولهما ا ه‍. قوله: (فجعل عليه دواء) أي كعلك أو مرهم أو
303

جلدة مرارة. بحر. قوله: (أجرى الماء عليه) لم يشرطه في الأصل من غير ذكر خلاف، وشرطه
الحلواني، وعزاه في المنح إلى عامة الكتب المعتمدة. قوله (وإلا مسحه) هل يكتفي بمسح أكثره
لكونه كالجبيرة أم لا بد من الاستيعاب؟ فليراجع ا ه‍. قوله: (والمسح يبطله الخ) هذا هو
الوجه السادس، لان سقوط الخف يبطل المسح بلا شرط ط. قوله: (سقوطها) أي الجبيرة أو
الخرقة، وكذا سقوط الدواء. خزائن. وعزا الأخير في هامش الخزائن إلى التاترخانية وصدر
الشريعة، وسيصرح به الشارح هنا أيضا. قوله: (عن برء) بالفتح عند أهل الحجاز والضم عند
غيرهم، أي بسبب صحة العضو قهستاني، فعن بمعنى الماء، مثل - وما ينطق عن الهوى
- أو بمعنى اللام مثل - وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك - أو بمعنى بعد مثل
- عما قليل ليصبحن نادمين -. قوله: (وإلا لا) أي بأن سقطت لا عن برء، وهذا تصريح
بمفهوم كلام المصنف، وهو الوجه السابع. قوله: (استأنفها) أي الصلاة: أي بعد غسل الموضع لأنه
ظهر حكم الحدث السابق على الشروع فصار كأنه شرع من غير غسل ذلك الموضع، وهذا إذا
سقطت عن برء قبل القعود قدر التشهد، فلو عن غير برء مضى في صلاته أو بعد القعود، فهي إحدى
المسائل الاثني عشرية الآتية كما في البحر. قوله: (وكذا الحكم) أي من التفصيل بين السقوط عن
برء وعدمه ط. قوله: (أو برأ موضعها ولم تسقط) هو الثامن، بخلاف الخف فإن العبرة فيه للنزع
بالفعل. قوله: (فإن ضره) أي إزالتها لشدة لصوقها به ونحوه. بحر.
فرع في جامع الجوامع: رجل به رمد فداواه وأمر أن لا يغسل فهو كالجبيرة. شرنبلالية
قوله: (والمحدث والجنب الخ) هو التاسع. قوله: (عليها) أي الجبيرة، وعلى توابعها: كخرقة
القرحة، وموضع الفصد والكي ط. قوله: (في الأصح) قيد لعدم اشتراط الاستيعاب والتكرار: أي
بخلاف الخف فإنه لا يشترط فيه ذلك بالاتفاق، وهذا العاشر والحادي عشر. وأفاد الرحمتي أن قوله:
وتكرار من قبيل.
علفتها تبنا وماء باردا
أي ولا يسن تكرار، لان مقابل الأصح أنه يسن تكرار المسح، لأنه بدل عن الغسل والغسل
يسن تكراره فكذا بدله. قال في المنح: ويسن التثليث عند البعض إذا لم تكن على الرأس ا ه‍.
وهذا بخلاف مسح الخف، فلا يسن تكراره إجماعا. قوله: (فيكفي مسح أكثرها) لما كان نفي
الاستيعاب صادقا بمسح النصف وما دونه مع أنه لا يكفي بين ما به، الكفاية وهذا بخلاف مسح
الخف، فهو الوجه الثاني عشر. قوله: (وكذا لا يشترط فيها نية) هو الثالث عشر.
304

واعلم أن الشارح زاد على هذه الثلاثة عشر وجها: وجهين كما قدمناه، وزاد في البحر ستة: إذا
سقطت عن برء لا يجب إلا غسل موضعها (1) إذا كان على وضوء، بخلاف الخف فإنه يجب غسل
الرجلين. وإذا مسحها ثم شد عليها أخرى جاز المسح على الفوقاني، بخلاف الخف إذا مسح عليه لا
يجوز المسح على الفوقاني، وإذا دخل الماء تحتها لا يبطل المسح، وإذا كان الباقي من العضو
المعصوب أقل من ثلاث أصابع كاليد المقطوعة جاز المسح عليها، بخلاف الخف. الخامس أن
مسح الجبيرة ليس ثابتا بالكتاب اتفاقا. السادس أنه يجوز تركه في رواية بخلاف الخف. وزاد في
النهر وجها: وهو أنه ليس خلفا عن غسل ما تحتها ولا بدلا، بخلاف الخف فإنه خلف. والبدل ما لا
يجوز عند القدرة على الأصل كالتيمم. والخلف ما يجوز. قال ح: وزدت وجها، وهو أن مسح الجبيرة و
يجوز ولو كانت على غير الرجلين، بخلاف الخف ا ه‍. وزاد الرحمتي أربعة أخرى: أنه يمسح على
الجريح وغيره والخف مختص بالقدم، وأن المسح على خرق الخف ولو صغيرا لا يكفي، والمسح
على طرفي الفرجة بين طرفي المنديل يجزئ، وأن محل المسح من الخف مكان معين، وهو صدر
القدم بخلاف الجبيرة، وأن المفروض في مسح الخف مقدر بثلاث أصابع لا أكثر ولا جميعه.
أقول: فالمجموع سبعة وعشرون وجها، وزدت عشرة أخرى: وهي أن الجبيرة على الرجل لا
يشترط فيها إمكان متابعة المشي عليها، ولا ثخانتها، ولا كونها مجلدة، ولا سترها للمحل، ولا منعها
نفوذ الماء، ولا استمساكها بنفسها، ولا يبطلها خرق كبيرة، وليس غسل ما تحتها أفضل من المسح.
وإذا سقطت عن برء وخاف إن غسل رجله أن تسقط من البرد يتيمم، بخلاف الخف. والعاشر
إذا غمسها في إناء يريد به المسح عليها لم يجز وأفسد الماء، بخلاف الخف ومسح الرأس فلا يفسد،
ويجوز عند الثاني خلافا لمحمد كما في المنظومة وشرحها الحقائق. والفرق للثاني أن المسح يتأدى
بالبلة فلا يصير الماء مستعملا، ويجوز المسح، أما مسح الجبيرة فكالغسل لما تحته، والله
أعلم. باب الحيض أعلم أن
باب الحيض اعلم أن باب الحيض من غوامض الأبواب خصوصا المتحيرة وتفاريعها، ولهذا اعتنى به
المحققون، وأفرده محمد في كتاب مستقل، ومعرفة مسائله من أعظم المهمات لما يترتب عليها ما لا
يحصى من الاحكام: كالطهارة، والصلاة، والقراءة، والصوم، والاعتكاف، والحج، والبلوغ،
والوطئ، والطلاق، والعدة، والاستبراء، وغير ذلك. وكان من أعظم الواجبات لان عظم منزلة العلم
بالشئ بحسب منزلة ضرر الجهل به، وضرر الجهل بمسائل الحيض أشد من ضرر الجهل بغيرها،
فيجب الاعتناء بمعرفتها وإن كان الكلام فيها طويلا، فإن المحصل يتشوق إلى ذلك، ولا التفات إلى
كراهة أهل البطالة. ثم الكلام فيه في عشرة مواضع: في تفسيره لغة وشرعا، وسببه، وركنه، وشرطه،
وقدره، وألوانه، وأوانه، ووقت ثبوته، والأحكام المتعلقة به. بحر. قوله: (عنون به) أي جعل
الحيض عنوانا على ما يذكر في هذا الباب من النفاس والاستحاضة وما يتبعهما ط. قوله: (لكثرته) أي

(1) قوله: (لا يجب الا على غسل موضعها) قدمنا انه لو كنت في أعضاء الوضوء وشدها وهو محدث ثم توضأ ومسحها
ثم لبس الخف ثم برأ لزمه غسل قدميه، فتنبه ا ه‍. منه.
305

كثرة وقوعه بالنسبة إلى أخويه. قوله: (وأصالته) أي ولكونه أصلا في هذا الباب في بيان الاحكام،
والأصل يطلق على الكثير الغالب. قوله: (وإلا) أي وإن لم نقل إنه عنون به وحده لما ذكر لكان
المناسب ذكر غيره أيضا، فإن الدماء المبحوث عنها هنا ثلاثة. قوله: (وإلا فاستحاضة) (1) أي وإن لم
يكن واحدا منهما فهو استحاضة، وخص ما عداهما بالاستحاضة للرد على من سمى ما تراه الصغيرة دم
فساد لا استحاضة. قوله: (هو لغة السيلان) ويقال حاض الوادي: إذا سال، وسمي حيضا لسيلانه في
أوقاته. قوله: (بأنه من الاحداث) أي إن مسماه الحدث الكائن من الدم كالجنابة اسم للحدث الخاص
لا للماء الخاص. بحر. قوله: (مانعية شرعية) أي صفة شرعية مانعة عما تشترط له الطهارة،
كالصلاة، ومس المصحف، وعن الصوم، ودخول المسجد، والقربان بسبب الدم المذكور. قوله:
(وعلى القول الخ) ظاهر المتون اختياره، قيل ولا ثمرة لهذا الاختلاف. قوله: (دم) شمل الدم
الحقيقي والحكمي. بحر: أي كالطهر المتخلل بين الدمين، فلا يرد أنه يلزم عليه أن لا تسمى المرأة
حائضا في غير وقت درور الدم، فافهم. قوله: (خرج الاستحاضة) أي بناء على أن المراد بالرحم وعاء
الولد لا الفرج، خلافا لما في البحر، وخرج دم الرعاف والجراحات وما يخرج من دبرها وإن ندب
إمساك زوجها عنها واغتسالها منه، وإما يخرج من رحم غير الآدمية كالأرنب والضبع والخفاش، قالوا:
ولا يحيض غيرها من الحيوانات. نهر. وكان الأولى للمصنف أن يقول: رحم امرأة كما في الكنز
لاخراج الأخير. قوله: (ومنه) أي من الاستحاضة، وذكر الضمير نظرا لكونها دما ط. قوله: (صغيرة)
هي كما يأتي: من لم تبلغ تسع سنين على المعتمد. قوله: (وآيسة) سيأتي بيانها متنا وشرحا. قوله:
(ومشكل) أي خنثى مشكل. قال في الظهيرية ما نصه: الخنثى المشكل إذا خرج منه المني والدم
فالعبرة للمني دون الدم ا ه‍. وكأنه لان المني لا يشتبه بغيره بخلاف الحيض فيشتبه بالاستحاضة
ا ه‍. ح. وهل اعتباره في زوال الاشكال أو في لزوم الغسل منه فقط لأنه يستوي فيه الذكر والأنثى فلا
يدل على الذكورة؟ فليراجع. وعلى الثاني فوجه تسمية الشارح هذا الدم استحاضة ظاهر بخلافه على
الأول، فتأمل. قوله: (ابتلاء الله لحواء الخ) أي وبقي في بناتها إلى يوم القيامة وما قيل إنه أول ما
أرسل الحيض علي بني إسرائيل فقد رده البخاري بقوله: وحديث النبي (ص) أكبر، وهو ما رواه عن
عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (ص) في الحيض: هذا شئ كتبه الله علي بنات آدم قال
النووي: أي إنه عام في جميع بنات آدم. قوله: (وركنه بروز الدم من الرحم) أي ظهوره منه إلى خارج
الفرج الداخل، فلو نزل إلى الفرج الداخل فليس بحيض في ظاهر الرواية، وبه بفتى. قهستاني وعن
محمد بالإحساس به. وثمرته فيما لو توضأت ووضعت الكرسف ثم أحست بنزول الدم إليه قبل الغروب

(1) قوله: (والا فاستحاضة) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح التي بيدي: والا فهي ثلاث حيض ونفاس واستحاضة
الخ، وليحرر ا ه‍. مصححه.
306

ثم رفعته بعده تقضي الصوم عنده خلافا لهما: يعني إذا لم يحاذ حرف الفرج الداخل، فإن حاذته البلة
من الكرسف كان حيضا ونفاسا اتفاقا، وكذا الحدث بالبول ا ه‍. بحر. قوله: (نصاب الطهر) أي خمسة
عشر يوما فأكثر. قوله: (ولو حكما) كما إذا كانت بين الحيضتين مشغولة بدم الاستحاضة فإنها طاهرة
حكما ا ه‍. ح. قوله: (وعدم نقصه) أي الدم عن أقله وهو ثلاثة أيام كما يأتي ط. قوله: (بالبروز)
أي بوجود الركن على ما بيننا. قوله: (فبه) أي فبالبروز تترك الصلاة وتثبت بقية الاحكام، ولكن هذا ما
دام مستمرا لما سيأتي من أنه لو انقطع لدون أقله تتوضأ وتصلي الخ. قوله: (ولو مبتدأة) أي التي لم
يسبق لها حيض في سن بلوغها، وأقله في المختار تسع، وعليه الفتوى: أي فإنها تترك الصلاة والصوم
عند أكثر مشايخ بخارى. وعن أبي حنيفة: لا تترك حتى يستمر ثلاثة أيام. بحر. قوله: (لان الأصل
الصحة) أي صحة لمرض الجسم، والمقتضى للاستحاضة عارض، وهذا تعليل لقوله فبه تترك
الصلاة الخ ط. قوله: (أقله) أي مدة أقله أو أقل مدته على طريق الاستخدام. قهستاني: أي حيث
رجع الضمير إلى الحيض بمعنى المدة ط. أو أقل الحيض، وقوله: ثلاثة بالرفع على الوجهين
الأولين، وبالنصب على الظرفية على الثالث، فافهم. قوله: (فالإضافة الخ) أي إضافة الليالي إلى
ضمير الأيام الثلاث لبيان أن المراد مجرد كونها ثلاثا لا كونها تلك الأيام، فلو رأته في أول النهار يكمل
كل يوم بالليلة المستقبلة، ولذا صرح الشارح بلفظ الثلاث، فالتفريع عليه ظاهر، فافهم. قوله:
(بالساعات) وهي اثنتان وسبعون ساعة، والفلكية هي التي كل ساعة منها خمس عشرة درجة وتسمى
المعتدلة أيضا. واحترز به عن الساعات اللغوية، ومعناها الزمان القليل، وعن الساعات الزمانية وتسمى
المعوجة وهي التي كل ساعة منها جزء من اثني عشر جزءا من اليوم الذي هو من طلوع الشمس إلى
غروبها، أو الليل الذي هو من غروب الشمس إلى طلوعها، فتارة تساوي الفلكية كما في يومي الحمل
والميزان، وتارة تزيد عليها كما في أيام البروج الشمالية وليالي البروج الجنوبية، وتارة تنقص عنها كما
في ليالي البروج الشمالية وأيام البروج الجنوبية ح.
ثم اعلم أنه لا يشترط استمرار الدم فيها بحيث لا ينقطع ساعة، لان ذلك لا يكون إلا نادرا
بل انقطاعه ساعة أو ساعتين فصاعدا غير مبطل، كذا في المستصفى. بحر: أي لان العبرة لأوله
وآخره كما سيأتي. قوله: (كذا رواه الدارقطني وغيره) الإشارة إلى تقدير الأقل والأكثر، وقد روي
ذلك عن ستة من الصحابة بطرق متعددة فيها مقال يرتفع بها الضعيف إلى الحسن، كما بسط ذلك
الكمال والعيني في شرح الهداية، ولخصه في البحر. قوله: (والناقص الخ) أي ولو بيسير. قال
القهستاني: فلو رأت المبتدأة الدم حين طلع نصف قرص الشمس وانقطع في اليوم الرابع حين طلع
ربعه كان استحاضة إلى أن يطلع نصفه فحينئذ يكون حيضا. والمعتادة بخمسة مثلا إذا رأت الدم حين
طلع نصفه وانقطع في الحادي عشر حين طلع ثلثاه، فالزائد على الخمسة استحاضة، لأنه زاد على
العشرة بقدر السدس ا ه‍: أي سدس القرص. قوله: (والزائد على أكثره) اي في حق المبتداة، اما
307

المعتادة فما زاد على ويجاوز العشرة في الحيض والأربعين في النفاس يكون استحاضة كما
أشار إليه بقوله: أو على العادة الخ. أما إذا لم يتجاوز الأكثر فيهما، فهو انتقال للعادة فيهما،
فيكون حيضا ونفاسا. رحمتي. قوله: (وآيسة) هذا إذا لم يكن دما خالصا على ما سيأتي. قوله:
(ولو قبل خروج أكثر الولد) حق العبارة أن يقال: ولو بعد خروج أقل الولد.
قوله: (استحاضة) خبر قوله: والناقص وما عطف عليه. قوله: (بين الحيضتين الخ) أي الفاصل بين ذلك، ولم يذكر
أقل الطهر الفاصل بين النفاسين وذلك نصف حول كما سيأتي. قوله: (أو النفاس والحيض) هذا إذا
لم يكن في مدة النفاس، لان الطهر فيها لا يفصل عند الامام سواء قل أو كثر، فلا يكون الدم الثاني
حيضا كما سنذكره. قوله: (وإن استغرق العمر) صادق بثلاث صور:
الأولى: أن تبلغ بالسن وتبقى بلا دم طول عمرها، فتصوم وتصلي ويأتيها زوجها وغير ذلك
أبدا، وتنقضي عدتها بالأشهر.
الثانية: أن ترى الدم عند البلوغ، أو بعده أقل من ثلاثة أيام ثم يستمر انقطاعه، وحكمها
كالأولى.
الثالثة: أن ترى ما يصلح حيضا ثم يستمر انقطاعه، وحكمها كالأولى، إلا أنها لا تنقضي لها
عدة إلا الحيض إن طرأ الحيض عليها قبل سن الإياس، وإن لم يطرأ فبالأشهر من ابتداء سن
الإياس، كما في العدة ا ه‍. ح. قوله: (فيحد) الفاء فصيحة: أي إذا علمت أن الطهر لا حد
لأكثر إلا في زمن استمرار الدم يحد الخ.
ثم اعلم أن تقييده بالعدة خاص بالمحيرة، وتقييده بالشهرين خاص بها وبالمعتادة في بعض
صورها كما يظهر قريبا. قوله: (به يفتى) مقابلة أقوال:
ففي النهاية عن المحيط مبتدأة رأت عشرة دما وسنة طهرا ثم استمر بها الدم. قال أبو عصمة:
حيضها وطهرها ما رأت، حتى أن عدتها تنقضي إذا طلقت بثلاث سنين وثلاثين يوما.
وقال الامام الميداني: بتسعة عشر شهرا إلا ثلاث ساعات، لجواز وقوع الطلاق في حالة
الحيض، فتحتاج لثلاثة أطهار كل ستة أشهر إلا ساعة، وكل حيضة عشرة أيام. وقيل طهرها أربعة
أشهر إلا ساعة، والحاكم الشهيد قدره بشهرين، والفتوى عليه لأنه أيسر ا ه‍.
قلت: وفي العناية أن قول الميداني: عليه الأكثر. وفي التاترخانية: هو المختار، ثم لا يخفى
أن هذا الخلاف إنما هو في المعتادة لا مطلقا، بل في صورة ما إذا كان طهرها ستة أشهر فأكثر، ولا
في المبتدأة التي استمر بها الدم واحتيج إلى نصف عادة لها فإنه لا خلاف فيها كما يأتي، خلافا لما
يفيده كلام الشارح.
مبحث في مسائل المتحيرة
308

قوله: (وعم كلامه المبتدأة الخ) قال العلامة البركوي في رسالته المؤلفة في الحيض: المبتدأة
من كانت في أول حيض أو نفاس. والمعتادة: من سبق منها دم وطهر صحيحان أو أحدهما:
والمضلة وتسمى الضالة والمتحيرة: من نسيت عادتها. ثم قال في الفصل الرابع في الاستمرار: إذا
وقع في المبتدأة فحيضها من أول الاستمرار عشرة وطهرها عشرون، ثم ذلك دأبها ونفاسها أربعون
ثم عشرون طهرها، إذ لا يتوالى نفاس وحيض، ثم عشرة حيضها في ذلك دأبها، وإن وقع في
المعتادة فطهرها وحيضها ما اعتادت في جميع الأحكام إن كان طهرها أقل من ستة أشهر، وإلا فترد
إلى ستة أشهر إلا ساعة وحيضها بحاله. وإن رأت مبتدأة دما وطهرا صحيحين ثم استمر الدم تكون
معتادة وعلمت حكمها. مثاله: مراهقة رأت خمسة دما وأربعين طهرا، ثم استمر الدم خمسة من أول
الاستمرار حيض: لا تصلي ولا تصوم ولا توطأ وكذا سائر أحكام الحيض، ثم الأربعون طهرها،
تفعل هذا الثلاثة وغيرها من أحكام الطهارات. ثم قال في فصل المتحيرة: ولا يقدر طهرها وحيضها
إلا في حق العدة في الطلاق، فيقدر حيضها بعشرة وطهرها بستة أشهر إلا ساعة، فتنقضي عدتها
بتسعة عشر شهرا وعشرة أيام غير أربع ساعات ا ه‍.
والحاصل أن المبتدأة إذا استمر دمها فحيضها في كل عشرة وطهرها عشرون كما في
عامة الكتب، بل نقل نوح أفندي الاتفاق عليه، خلافا لما في الامداد من أن طهرها خمسة عشر،
والمعتادة ترد على عادتها في الطهر ما لم يكن ستة أشهر فإنها ترد إلى ستة أشهر غير ساعة كالمتحيرة
في حق العدة فقط، وهذا على قول الميداني الذي عليه الأكثر كما قدمناه. وأما على قول الحاكم
الشهيد فترد إلى شهرين كما ذكره الشارح. وظهر أن التقدير بالشهرين أو بالستة أشهر إلا ساعة
خاص بالمتحيرة والمعتادة التي طهرها ستة أشهر. أما المبتدأة والمعتادة التي طهرها دون ذلك
فليستا كذلك، وأن تقدير الطهر في المتحيرة لأجل العدة فقط. وأما غيرها فلم يقيدوا طهرها بكونه
للعدة، بل المصرح به في المعتادة أن طهرها عام في جميع الأحكام كما مر، وهذا خلاف ما يفيده
كلام الشارح. فافهم.
تتمة لم أر ما لو رأت المتحيرة في العدد والمكان أقل الطهر ثم استمر بها الدم، والظاهر أن
حكمها في الاستمرار حكم المبتدأة. قوله: (إما بعدد) أي عدد أيامها في الحيض مع علمها بمكانها
من الشهر أنها في أوله أو آخره مثلا. قال في التاترخانية: وإن علمت أنها تطهر في آخر الشهر ولم
تدر عدد أيامها توضأت لوقت كل صلاة إلى العشرين لأنها تتيقن الطهر فيها ثم في سبعة بعدها تتوضأ
كذلك للشك في الحيض والطهر وتترك الصلاة في الثلاثة الأخيرة لتيقنها بالحيض فيها ثم تغتسل في
آخر الشهر لعلمها بالخروج من الحيض فيه وإن علمت أنها ترى الدم إذا جاوز العشرين ولم تدر كم
كانت أيامها تدع الصلاة ثلاثة بعد العشرين ثم تصلي بالغسل إلى آخر الشهر ا ه‍. ومثله في رسالة
البركوي، فافهم. قوله: (أو بمكان) أي علمت عدد أيام حيضها ونسيت مكانها على التعيين، والأصل
أنها إذا أضلت أيامها في ضعفها أو أكثر فلا تيقن في يوم منها بحيض، بخلاف ما إذا أضلت في أقل
من الضعف، مثلا إذا أضلت ثلاثة في خمسة تتيقن بالحيض في الثالث فإنه أول الحيض أو آخره.
فنقول: إن علمت أن أيامها ثلاثة فأضلتها في العشرة الأخيرة من الشهر ولا تدري في أي
309

موضع من العشرة ولا رأي لها في ذلك تصلي ثلاثة أيام من أول العشرة بالوضوء لوقت كل صلاة
للتردد بين الطهر والحيض، ثم تصلي بعدها إلى آخر الشهر بالغسل لوقت كل صلاة للتردد بين
الطهر والخروج من الحيض، وإن أربعة في عشرة تصلي أربعة من أول العشرة بالوضوء ثم
بالاغتسال إلى آخر العشرة لما قلنا، وقس عليه الخمسة، وإن ستة في عشرة تتيقن بالحيض في
الخامس والسادس، فتترك فيهما الصلاة وتصلي في الأربعة التي قبلهما بالوضوء وفي التي بعدهما
بالغسل، وإن سبعة في عشرة تتيقن بالحيض في أربعة بعد الثلاثة الأول، وإن ثمانية فيها تتيقن به
في ستة بعد الأولين، وإن تسعة فيها تتيقن به في ثمانية بعد الأول، فتترك الصلاة في المتيقن
وتصلي بالوضوء فيما قبله وبالغسل فيما بعده لما قلناه. بركوي وتاترخانية. قوله: (أو بهما) أي
العدد والمكان، بأن لم تعلم عدد أيامها ولا مكانها من الشهر، وحكمها ما ذكره بعده. قوله:
(وحاصله الخ) أي حاصل حكم المضلة بأنواعها، فقد صرح البركوي بأنه حكم الاضلال العام.
قوله: (أنها تتحرى) أي إن وقع تحريها على طهر تعطي حكم الطاهرات، وإن كان على حيض تعطي
حكمه ا ه‍. ح: أي لان غلبة الظن من الأدلة الشرعية. درر. قوله: (ومتى ترددت) أي إن لم
يغلب ظنها على شئ فعليها الاخذ بالأحوط في الاحكام. بركوي. قوله: (بين حيض الخ) أي لم
يترجح عندها أنها متلبسة بالحيض أو أنها داخلة فيه أو أنها طاهرة بل تساوت الثلاثة في ظنها.
والظاهر أن قوله: ودخول فيه لا فائدة فيه، ولذا لم يذكره في البحر. قوله: (تتوضأ لكل صلاة)
لأنها لما احتمل أنها طاهرة وأنها حائض فقد استوى فعل الصلاة وتركها في الحل والحرمة، والباب
باب العبادة، فيحتاط فيها وتصلي، لأنها إن صلتها وليست عليها يكون خيرا من أن تتركها وهي
عليها. تاترخانية. ثم إن عبارة البحر والتاترخانية والبركوية: تتوضأ لوقت كل صلاة، فتنبه. قوله:
(وإن بينهما) أي بين الحيض والطهر كما في البحر، وقوله: والدخول فيه أي في الطهر، وعبر في
البحر بالخروج عن الحيض، وهو بمعناه.
ومثال هذه القاعدة والتي قبلها: امرأة تذكر أن حيضها في كل شهر مرة وانقطاعة في النصف
الأخير ولا تذكر غير ذلك، فإنها في النصف الأول تتردد بين الحيض والطهر، وفي الثاني بينهما
والدخول في الطهر. وأما إذا لم تذكر شيئا أصلا فهي مرددة في كل زمان بين الطهر والحيض،
فحكمها حكم التردد بينهما والدخول في الطهر. قوله: (تغتسل لكل صلاة) لجواز أنه وقت الخروج
من الحيض والدخول في الطهر كما في البحر.
قال في التاترخانية: وعن الفقيه أبي سهل أنها إذا اغتسلت في وقت صلاة وصلت ثم اغتسلت
في وقت الأخرى أعادت الأولى قبل الوقتية، وهكذا تصنع في وقت كل صلاة احتياطا ا ه‍.
لاحتمال حيضها في وقت الأول وطهرها قبل خروجه، فيلزمها القضاء احتياطا، واختاره البركوي.
تنبيه تعبير الشارح بقوله: لكل صلاة موافق لما في البحر والفتح، وعبر البركوي في
رسالته بقوله: لوقت كل صلاة. وقال في حواشيه عليها: هذا استحسان، والقياس أن تغتسل في كل
ساعة لأنه ما من ساعة إلا ويحتمل أنه وقت خروجها من الحيض. وقال السرخسي في المحيط
310

والنسفي: الصحيح أنها تغتسل لكل صلاة، وفيما قالاه حرج بين، مع أن الاحتمال باق بما قالاه
لجواز الانقطاع في أثناء الصلاة أو بعد الغسل قبل الشروع فيها، فاخترنا الاستحسان، وقد قال به
البعض، وقدمه برهان الدين في المحيط، وتداركنا ذلك الاحتمال باختيار قول أبي سهل: إنها تعيد كل
صلاة في وقت أخرى قبل الوقتية، فتتيقن بالطهارة في إحداهما لو وقعت في طهرا ه‍. أقول: وهو
تحقيق بالقبول حقيق. قوله: (وتترك غير مؤكدة الخ) متعلق بقوله: وإن بينهما الخ ذكره ح و ط.
أقول: وهو تخصيص بلا مخصص، إذ لا فرق يظهر ويحتاج إلى نقل فليراجع، وإنما لا تترك
السنن المؤكدة ومثلها الواجب بالأولى، لكونها شرعت جبرا لنقصان يمكن في الفرائض، فيكون
حكمها حكم الفرائض.
ثم اعلم أنها تقرأ في كل ركعة الفاتحة وسورة قصيرة، وتقرأ في الأخريين من الفرض الفاتحة
في الصحيح، وتقرأ القنوت وسائر الدعوات. بركوية وغيرها. قوله: (ومسجدا وجماعا) أي تتركهما،
بأن لا تدخل المسجد: أي إلا لطواف كما يعلم مما بعده، ولا تمكن زوجها من جماعها، وكذا لا
تمس المصحف ولا تصوم تطوعا، وإن سمعت سجدة فسجدت للحال سقطت، لأنها لو طاهرة صح
أداؤها وإلا لم تلزمها، وإن أخرتها أعادتها بعد عشرة أيام للتيقن بالأداء في الطهر في إحدى المرتين،
وإن كانت عليها صلاة فائتة فقضتها فعليها إعادتها بعد عشرة أيام قبل أن تزيد على خمسة عشر، وإلا
احتمل عود حيضها. تاترخانية وبركويه وبحر. قوله: (ثم تقضي عشرين يوما) أي لاحتمال أن
الحيض عشرة أيام في رمضان وعشرة أيام في العشرين التي قضتها ا ه‍. ح. قوله: (إن علمت
بدايته ليلا) لأنه إن بدا ليلا ختم ليلا وبين الليلتين عشرة، فلم يفسد من صومها سوى عشرة أيام في
رمضان وعشرة في القضاء ح. قوله: (وإلا) أي وإن علمت بدايته نهارا، وذلك لأنه إن بدأ نهارا ختم
نهار حادي عشر الأول، فيفسد أحد عشر يوما من صومها في رمضان ومثلها في القضاء ح. ومثله ما
إذا لم تعلم شيئا كما في الخزائن.
ثم اعمل أن هذا إن علمت أنها تحيض في كل شهر مرة، وإلا فإن لم تعلم أن ابتداء حيضها
بالليل أو بالنهار، أو علمت أنه بالنهار وكان رمضان كاملا قضت اثنين وثلاثين (1) إن قضت موصولا
برمضان: أي في ثاني شوال، وإن مفصولا فثمانية وثلاثين، وإن كان رمضان ناقصا تقضي في
الوصل اثنين وثلاثين، وفي الفصل سبعة وثلاثين، وإن علمت أن ابتداءه بالليل والشهر كامل تقضي
في الوصل والفصل خمسة وعشرين، وإن كان ناقصا ففي الوصل عشرين وفي الفصل أربعة وعشرين.
وتمام المسائل في البركويه وتوجيهها في شرحنا عليها، وكذا في البحر لكن فيه تحريف وسقط
فليتنبه له. قوله: (ولصدر) بالتحريك: هو طواف الوداع، وهو واجب على غير المكي، وسكت
عن طواف التحية لأنه سنة فتتركه. قوله: (ولا تعيده) لأنها إن كانت طاهرة فقد سقط، وإلا فلا يجب

(1) قوله: (قضت اثنين وثلاثين الخ) اي لجواز حيضها في اوله نهارا فيفسد أحد عشر وفي آخره، فتفسد خمسة ويوم العيد
سادس حيضها فلا تصومه، ثم لا يجزيها خسمة بعده، ثم تجزى أربعة عشر، ثم يجزي في اليومين والجملة اثنان وثلاثون.
وأمل لو فصلت فلا يجزيها صومها في أحد عشر من رمضان، ثم يجزي في أربعة عشر، ثم لا يجزي في أحد عشر،
ثم يجزي في يوم والجملة ثمانية وثلاثون. وعلى هذا التخريج ا ه‍. منه.
311

على الحائض. بحر. قوله: (وتعتد لطلاق) وقيل لا يقدر لعدتها طهر ولا تنقضي عدتها أبدا. قوله:
(على المفتى به) أي على القول السابق المفتى به من أنه يقدر طهرها للعدة بشهرين، فتنقضي بسبعة
أشهر لاحتياجها إلى ثلاثة أطهار بستة أشهر وثلاث حيضات بشهر.
وكتب الشارح في هامش الخزائن ما نصه: قوله وعليه الفتوى، كذا في النهاية والعناية
والكفاية وفتح القدير، واختاره في البحر، وجزم به في النهر اه‍. لكن في السراج عن الصيرفي:
إنما تنقضي عدتها بسبعة أشهر وعشرة أيام إلا ساعة، لأنه ربما يكون طلقها في أول الحيض فلا
يحتسب بتلك الحيضة فتحتاج إلى ثلاثة أطهار وهي ستة أشهر وعشرة أيام إلا ساعة، وهي الساعة
التي مضت من الحيض الذي وقع فيه الطلاق. قوله: (ككدرة وترابية) اعلم أن ألوان الدماء ستة:
هذان، والسواد، والحمرة، والصفرة، والخضرة.
ثم الكدرة ما هو كالماء الكدر، والترابية نوع من الكدرة على لون التراب بتشديد الياء
وتخفيفها بغير همزة نسبة إلى التراب بمعنى التراب، والصفرة كصفرة القز والتبن أو السن على
الاختلاف، ثم المعتبر حالة الرؤية لا حالة التغير، كما لو رأت بياضا فاصفر باليبس، أو رأت حمرة
أو صفرة فابيضت باليبس. وأنكر أبو يوسف الكدرة في أول الحيض دون آخره، ومنهم من أنكر
الخضرة. والصحيح أنها حيض من ذوات الأقراء، دون الآيسة. وبعضهم قال: فيما عدا السواد
والحمرة لو وجدته عجوز على الكرسف فهو حيض إن كانت مدة وضعه قريبة، وإلا فلا.
مطلب: لو أفتى مفت بشئ من هذه الأقوال في مواضع الضرورة
طلبا للتيسير كان حسنا
وفي المعراج عن فخر الأئمة: لو أفتى مفت بشئ من هذه الأقوال في مواضع الضرورة طلبا
للتيسير كان حسنا ا ه‍. وخصه بالضرورة لأن هذه
الألوان كلها حيض في أيامه، لما في موطأ
مالك كان النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض لتنظر إليه
فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيض ا ه‍. والدرجة: بضم
الدال وفتح الجيم خرقة ونحوها تدخلها المرأة في فرجها لتعرف أزال الدم أم لا. والقصة: بفتح
القاف وتشديد الصاد المهملة: الجصة، والمعنى أن تخرج الدرجة كأنها قصة لا يخالطها صفرة ولا
تربية، وهو مجاز عن الانقطاع.
وفي شرح الوقاية: وضع الكرسف مستحب للبكر في الحيض والثيب في كل حال، وموضعه
موضع البكارة، ويكره في الفرج الداخل ا ه‍.
وفي غيره أنه سنة للثيب في الحيض مستحب في الطهر، ولو صلتا بدونه جاز ا ه‍. ملخصا
من البحر وغيره. والكرسف: بضم الكاف والسين المهملة بينهما راء ساكنة القطن. وفي اصطلاح
الفقهاء: ما يوضع على فم الفرج. قوله: (في مدته) احتراز عما تراه الصغيرة، وكذا الآيسة في كل
ما تراه مطلقا أو سوى الدم الخالص على ما سيأتي. قوله: (المعتادة) احتراز عما زاد على العادة
وجاوز العشرة فإنه ليس بحيض. قوله: (ولو المرئي طهرا الخ) مرادهم بالطهر هنا: النقاء بالمد:
أي عدم الدم.
312

ثم اعلم أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان خمسة عشر يوما فأكثر يكون فاصلا بين الدمين
في الحيض اتفاقا، فما بلغ من كل من الدمين نصابا جعل حيضا، وأنه إذا كان أقل من ثلاثة أيام لا
يكون فاصلا، وإن كان أكثر من الدمين اتفاقا.
واختلفوا فيما بين ذلك على ستة أقوال كلها رويت عن الامام، أشهرها ثلاثة:
الأولى: قول أبي يوسف: إن الطهر المتخلل بين الدمين لا يفصل، بل يكون كالدم المتوالي
بشرط إحاطة الدم لطرفي الطهر المتخلل، فيجوز بداية الحيض بالطهر وختمه به أيضا، فلو رأت
مبتدأة يوما دما وأربعة عشر طهرا ويوما دما فالعشرة الأولى حيض، ولو رأت المعتادة قبل عادتها
يوما دما وعشرة طهرا ويوما دما فالعشرة التي لم تر فيها الدم حيض، إن كانت عادتها وإلا ردت إلى
أيام عادتها.
الثانية: أن الشرط إحاطة الدم لطرفي مدة الحيض، فلا يجوز بداية الحيض بالطهر ولا ختمه
به، فلو رأت مبتدأة يوما دما وثمانية طهرا ويوما دما فالعشر حيض، ولو رأت معتادة قبل عادتها يوما
دما وتسعة طهرا ويوما دما لا يكون شئ منه حيضا، وكذا النفاس على هذا الاعتبار.
الثالثة: قول محمد: إن الشرط أن يكون الطهر مثل الدمين أو أقل في مدة الحيض، فلو كان
أكثر فصل، لكن ينظر إن كان في كل من الجانبين ما يمكن أن يجعل حيضا فالسابق حيض، ولو في
أحدهما فهو الحيض والآخر استحاضة، وإلا فالكل استحاضة. ولا يجوز بدء الحيض بالطهر ولا
ختمه به، فلو رأت مبتدأة يوما دما ويومين طهرا ويوما دما فالأربعة حيض، لان الطهر المتخلل دون
ثلاث وهو لا يفصل اتفاقا كما مر، ولو رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويومين دما فالستة حيض
للاستواء، ولو رأت ثلاثة دما وخمسة طهرا ويوما دما فالثلاثة حيض لغلبة الطهر فصار فاصلا والمتقدم
أمكن جعله حيضا. هذا خلاصة ما في شروح الهداية وغيرها. وقد صحح قول محمد في المبسوط
والمحيط، وعليه الفتوى. وفي الهداية: الاخذ بقول أبي يوسف أيسر ا ه‍. وكثير من المتأخرين
أفتوا به لأنه أسهل على المفتي والمستفتي. سراج. وهو الأولى. فتح. وهو قول أبي حنيفة الآخر.
نهاية. وأما الرواية الثانية، ففي البحر قد اختارها أصحاب المتون، لكن لم تصحح في الشروح.
تتمة: الطهر المتخلل بين الأربعين في النفاس لا يفصل عند أبي حنيفة سواء كان خمسة عشر
أو أقل أو أكثر، ويجعل إحاطة الدمين بطرفيه كالدم المتوالي، وعليه الفتوى. وعندهما الخمسة عشر
تفصل، فلو رأت بعد الولادة يوما دما وثمانية وثلاثين طهرا ويوما دما، فعنده الأربعون نفاس،
وعندهما الدم الأول، ولو رأت من بلغت بالحبل بعد الولادة خمسة دما ثم خمسة عشر طهرا ثم خمسة
دما ثم خمسة عشر طهرا ثم استمر الدم، فعنده نفاسها خمسة وعشرون، وعندهما نفاسها الخمسة
الأولى وحيضها الخمسة الثانية، وتمامه في التاترخانيه. قوله: (فيها) أي في مدة الحيض. قوله:
(حيض) خبر المبتدأ وهو قوله: وما تراه. قوله: (وعليه المتون) أي على أن الشرط في جعل
الطهر المتخلل بين الدمين حيضا كون الدمين المحيطين في مدة الحيض لا في مدة الطهر. قوله:
(فليحفظ) أشار إلى أن اختيار أصحاب المتون له ترجيح.
أقول: لكنه تصحيح التزامي، وقد صرح العلامة قاسم بأن التصحيح مقدم على الالتزامي.
313

قوله: (ثم ذكر أحكامه) أي بعضها، وإلا فقد أوصلها في البحر إلى اثنين وعشرين: منها أنه يمنع
صحة الطهارة إلا التي يقصد بها التنظيف كأغسال الحج، ولا يحرمها لقولهم: يستحب لها أن تتوضأ
كل صلاة وتقعد على مصلاها تسبح وتهلل وتكبر بقدر أدائها، كي لا تنس عادتها. وفي رواية:
يكتب لها ثواب أحسن صلاة كانت تصلي، وأنه يمنع الاعتكاف، ويمنع صحته، ويفسده إذا طرأ
عليه، ويمنع وجوب طواف الصدر ويحرم الطلاق، وتبلغ به الصبية، ويتعلق به انقضاء العدة
والاستبراء، ويوجب الغسل بشرط الانقطاع، ولا يقطع التتابع في صوم كفارة القتل والفطر، بخلاف
كفارة اليمين ونحوها، وكل أحكامه تتعلق بالنفاس إلا خمسة أو سبعة، على ما سيأتي. قوله: (يمنع)
أي الحيض وكذا النفاس. خزائن. قوله: (صلاة) أي يمنع صحتها ويحرمها، وهل يمنع وجوبها لعدم
فائدته وهي الأداء أو القضاء أم لا؟ وتسقط للحرج خلافا، وعامتهم على الأول، وبسطنا الكلام على
ذلك فيما علقناه على البحر. قوله: (مطلقا) أي كلا أو بعضا، لان منع الشئ منع لابعاضه. نهر.
قوله: (ولو سجدة شكر) أي أو تلاوة فيمنع صحتهما ويحرمهما. بحر. قوله: (وصوما) أي يحرمه
ويمنع صحته لا وجوبه، فلذا تقضيه. قوله: (وجماعا) أي يحرمه، وكذا ما في حكمه كما يأتي. قوله:
(وتقضيه) أي الصوم على التراخي في الأصح. خزائن. وعزاه في هامشها إلى منلا مسكين وغيره.
قوله: (للحرج) علة لقوله دونها: أي لان في قضاء الصلاة حرجا بتكررها في كل يوم وتكرر الحيض
في كل شهر، بخلاف الصوم فإنه يجب في السنة شهرا واحدا وعليه انعقد الاجماع لحديث عائشة في
الكتب الستة وتمامه في البحر. وفيه: وهل يكره لها قضاء الصلاة؟ لم أره صريحا، وينبغي أن يكون
خلاف الأولى. قال في النهر: يدل عليه قولهم: لو غسل رأسه بدل المسح كره ا ه‍. تأمل.
وهل يكره لها التشبه بالصوم أم لا؟ مال بعض المحققين إلى الأول، لأن الصوم لها حرام
فالتشبه به مثله. واعترض بأنه يستحب لها الوضوء والقعود في مصلاها، وهو تشبه بالصلاة ا ه‍.
تأمل. قوله: (ولو شرعت تطوعا فيهما) أي في الصلاة والصوم، أما الفرض ففي الصوم تقضيه دون
الصلاة وإن مضى من الوقت ما يمكنها أداؤها فيه لان العبرة عندنا لآخر الوقت، كما في المنبع.
قوله: (فحاضت) أي في أثنائهما. قوله: (قضتهما) للزومهما بالشروع. قوله: (خلافا لما زعمه صدر
الشريعة) أي من أنه يجب قضاء نفل الصلاة لا نفل الصوم ط. قوله: (بحر) ذكره في البحر قبيل قول
المتن والطهر المتخلل بين الدمين في المدة حيض ونفاس ونقل التسوية بينهما عن الفتح
والنهاية والأسبيجابي، ثم قال: فتبين أن ما في شرح الوقاية من الفرق بينهما غير صحيح ا ه‍.
قوله: (وبعكسه) أي عكس التصوير المذكور، بأن نامت حائضا وقامت طاهرة: أي وضعت
الكرسف ونامت، فلما أصبحت رأت عليه الطهر، لا عكس الحكم، لأنه بينه بقوله: مذ نامت أي
حكم بحيضها من حين نامت، فافهم. قوله: (احتياطا) أي في الصورتين، فتقضي العشاء فيهما إن
لم تكن صلتها كما في البحر، حتى لو نامت قبل انقضاء الوقت ثم انتبهت بعد خروجه حائضا يجب
عليها قضاء تلك الصلاة لأنا جعلناها طاهرة في آخر الوقت حيث لم نحكم بحيضها إلا بعد
314

خروجه، ولو نامت حائضا وانتبهت طاهرة بعد الوقت يجب عليها قضاء تلك الصلاة التي نامت
عنها، لأنا جعلناها طاهرة من حين نامت، وحيث حكمنا بطهارتها في آخر الوقت وجب القضاء،
ولان الدم حادث، والأصل فيه أن يضاف إلى أقرب أوقاته فتجعل حائضا مذ قامت، والانقطاع
عدم، وهو الأصل فلا يحكم بخلافه إلا بدليل وليعلم درور الدم في نومها فجعلت طاهرة مذ
نامت، فقد ظهر أن الاحتياط في الوجه لا في العكس فقط. رحمتي فافهم، نعم في قول الشارح
وبعكسه مذ نامت إيهام والمراد أنه يحكم بأنها كانت حائضا حين نومها وطهرت قبل خروج
الوقت، ولو قال حكم بطهرها مذ نامت وكذا في عكسه لكان أوضح. قوله: (ويمنع حل) قدر لفظة
حل هنا وفيما بعده، لان ما قبله المنع فيه من الحل والصحة فلذا أطلق المنع فيه. قوله: (دخول
مسجد) أي ولو مسجد مدرسة أو دار لا يمنع أهلها الناس من الصلاة فيه وكانا لو أغلقا يكون له
جماعة منهم، وإلا فلا تثبت له أحكام المسجد كما قدمناه في بحث الغسل عن الخانية والقنية.
وخرج مصلي العبد والجنازة وإن كان لهما حكم المسجد في صحة الاقتداء مع عدم اتصال
الصفوف، وأفاد منع الدخول ولو للمرور، وقدم في الغسل تقييده بعدم الضرورة بأن كان بابه إلى
المسجد ولا يمكنه تحويله ولا السكنى في غيره، وذكرنا هناك أن الظاهر حينئذ أنه يجب التيمم
للمرور: أخذا مما في العناية عن المبسوط:
مسافر مر بمسجد فيه عين ماء وهو جنب ولا يجد غيره، فإنه يتيمم لدخول المسجد عندنا
ا ه‍. وكذا لو مكث في المسجد خوف من الخروج. بخلاف ما لو احتلم فيه وأمكنه الخروج
مسرعا فإنه يندب له التيمم لظهور الفرق بين الدخول والخروج. قوله: (وحل الطواف) لأن الطهارة
له واجبة فيكره تحريما وإن صح كما في البحر وغيره. قوله: (ولو بعد دخولها المسجد) أي ولو
عرض الحيض بعد دخولها المسجد فعدم الحل ذاتي له لا لعلة دخول المسجد ط، حتى لو لم يكن
في المسجد لا يحل. نهر. قوله: (وقربان ما تحت إزار) من إضافة المصدر إلى مفعوله، والتقدير:
ويمنع الحيض قربان زوجها ما تحت إزارها، كما في البحر. قوله: (يعني ما بين سرة وركبة) فيجوز
الاستمتاع بالسرة وما فوقها والركبة وما تحتها ولو بلا حائل، وكذا بما بينهما بحائل بغير الوطئ ولو
تلطخ دما، ولا يكره طبخها ولا استعمال ما مسته من عجين أو ماء أو نحوهما إلا إذا توضأت (1)
بقصد القربة كما هو المستحب فإنه يصير مستعملا.
وفي الولوالجية: ولا ينبغي أن يعزل عن فراشها ذلك يشبه فعل اليهود. بحر.
وفي السراج: يكره أن يعزلها في موضع لا يخالطها فيه.
هذا، واعلم أن المصرح به عندنا في كتاب الحظر والإباحة أن الركبة من العورة، ومقتضاه
كما أفاده الرحمتي حرمة الاستمتاع بالركبة، لاستدلالهم هنا بقوله عليه الصلاة والسلام: ما دون
الإزار ومحله العورة التي يدخل فيها الركبة. تأمل. قوله: (مطلقا) أي بشهوة أو لا؟. قوله: (وهل
يحل النظر) أي بشهوة، وهذا كالاستثناء من عموم حل ما عدا القربان، وأصل التردد لصاحب البحر

(1) قوله: (الا إذا توضأت الخ) اي لقصد القربة المستحبة من الجلوس قدر أداء فرض الصلاة الخ خزائن، وقدمناه قبل
نحو ورقة ا ه‍. منه.
315

حيث ذكر أن بعضهم عبر بالاستمتاع فيشمل النظر، وبعضهم بالمباشرة فلا يشمله، ومال إلى
الثاني، ومال أخوه في النهر إلى الأول، وانتصر العلامة ح. للأول.
وأقول: فيه نظر، فإن من عبر بالمباشرة: أي التقاء بالبشرة ساكت عن النظر، ومن عبر
بالاستمتاع مانع للنظر، فيؤخذ به لتقدمه على المفهوم، على أنه نقل في الحقائق في باب
الاستحسان عن التحفة، والخانية: يجتنب الرجل من الحائض ما تحت الإزار عند الامام. وقال
محمد يجتنب شعار الدم: يعني الجماع فقط.
ثم اختلفوا في تفسير قول الإمام: قيل لا يباح الاستمتاع من النظر ونحوه بما دون السرة إلى
الركبة ويباح ما وراءه، وقيل يباح مع الإزار ا ه‍.
ولا يخفى أن الأول صريح في عدم حل النظر إلى ما تحت الإزار، والثاني قريب منه، وليس
بعد النقل إلا الرجوع إليه، فافهم. قوله: (ومباشرتها له) سبب تردده في المباشرة تردد البحر فيها،
حيث قال: ولم أر لهم حكم مباشرتها له.
ولقائل أن يمنعه بأنه لما حرم تمكينها من استمتاعه بها حرم فعلها به بالأولى. ولقائل أن يجوزه
بأن حرمته عليه لكونها حائضا، وهو مفقود في حقه فحل لها الاستمتاع به، ولان غاية مسها لذكره
أنه استمتاع بكفها وهو جائز قطعا ا ه‍. واستظهر في النهر: الثاني، لكن فيما إذا كانت مباشرتها له
بما بين سرته وركبته، كما إذا وضعت يدها على فرجه، كما اقتضاه كلام البحر، لا إذا كانت بما بين
سرتها وركبتها، كما إذا وضعت فرجها على يده، فهذا كما ترى تحقيق لكلام البحر لا اعتراض عليه،
فافهم، وهو تحقيق وجيه لأنه يجوز له أن يلمس بجميع بدنه حتى بذكره جميع بدنها إلا ما تحت
الإزار، فكذا هي لها أن تلمس بجميع بدنها إلا ما تحت الإزار جميع بدنه حتى ذكره، وإلا فلو كان
لمسها لذكره حراما لحرم عليها تمكينه من لمسه بذكره لما عدا ما تحت الإزار منها، وإذا حرم عليه
مباشرة ما تحت إزارها حرم عليها تمكينه منها فيحرم عليها مباشرتها له بما تحت إزارها بالأولى.
قوله: (وقراءة قرآن) أي ولو دون آية من المركبات لا المفردات، لأنه جوز للحائض المعلمة تعليمه
كلمة كلمة كما قدمناه، وكالقرآن التوراة والإنجيل والزبور كما قدمه المصنف. قوله: (بقصده) فلو
قرأت الفاتحة على وجه الدعاء أو شيئا من الآيات التي فيها معنى الدعاء ولم ترد القراءة لا بأس به
كما قدمناه عن العيون لأبي الليث، وأن مفهومه أن ما ليس فيه معنى الدعاء كسورة أبي لهب لا يؤثر
فيه قصد غير القرآنية. قوله: (ومسه) أي القرآن ولو في لوح أو درهم أو حائط، لكن لا يمنع إلا
من مس المكتوب، بخلاف المصحف فلا يجوز مس الجلد وموضع البياض منه. وقال بعضهم:
يجوز، وهذا أقرب إلى القياس، والمنع أقرب إلى التعظيم كما في البحر: أي والصحيح المنع كما
نذكره، ومثل القرآن سائر الكتب السماوية كما قدمناه عن القهستاني وغيره، وفي التفسير والكتب
الشرعية خلاف مر. قوله: (إلا بغلافه المنفصل) أي كالجراب والخريطة دون المتصل كالجلد
المشرز هو الصحيح، وعليه الفتوى، لان الجلد تبع له. سراج. وقدمنا أن الخريطة الكيس.
أقول: ومثلها صندوق الربعة، وهل مثلها كرسي المصحف إذا سمر به؟ يراجع. قوله: (وكذا
يمنع حمله) تبع فيه صاحب البحر حيث ذكره عند تعداد أحكام الحيض. وفيه أنه إن أراد به حمله
استقلالا أغنى عنه ذكر المس، أو تبعا فلا يمنع منه.
316

ففي الحلية عن المحيط: لو كان المصحف في صندوق فلا بأس للجنب أن يحمله، وفيها
قالوا: لا بأس بأن يحمل خرجا فيه مصحف. وقال بعضهم: يكره، وقال آخر: يكره أخذ زمام الإبل
التي عليها المصحف. قال المحبوبي: ولكنه بعيد، وهو كما قال ا. ه‍.
أقول: وقد يقال: يمكن تصوير الحمل بدون مس وتبعية كحمله مربوطا بخيط مثلا، لكن
الظاهر جوازه. تأمل. قوله: (فيه آية) قدي بالآية لأنه لو كتب ما دون الآية لم يكره مسه كما في
القهستاني ح. قوله: (ولا بأس) يشير إلى أن وضوء الجنب لهذه الأشياء مستحب كوضوء المحدث
وقد تقدم ح: أي لان ما لا بأس فيه يستحب خلافه، لكن استثنى من ذلك ط. الأكل والشرب بعد
المضمضة والغسل، بدليل قول الشارح وأما قبلهما فيكره. قوله: (بقراءة أدعية الخ) شمل دعاء
القنوت، وهو ظاهر المذهب كما قدمناه. قوله: (فيكره لجنب) لأنه يصير شاربا للماء المستعمل:
أي وهو مكروه تنزيها، ويده لا تخلو عن النجاسة فينبغي غسلها ثم يأكل. بدائع. وظاهر التعليل أن
استحباب المضمضة لأجل الشرب وغسل اليد لأجل الاكل، فلا يكره الشرب بلا غسل يد ولا الاكل
بلا مضمضة، وعليه ففي كلام المتن لف ونشر مشوش، لكن قال في الخلاصة: إذا أراد الجنب أن
يأكل فالمستحب له أن يغسل يديه ويتمضمض ا ه‍. تأمل. وذكر في الحلية عن أبي داود وغيره:
أنه عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل كفيه وفي رواية مسلم: يتوضأ
وضوءه للصلاة. قوله: (لا حائض) في الخانية قيل إنها كالجنب. وقيل لا يستحب، لان الغسل لا
يزيل نجاسة الحيض عن الفم واليد، بخلاف الجنابة ا ه‍.
أقول: ينبغي أن يستحب لها غسل اليد للاكل بلا خلاف لأنه يستحب للطاهر فهي أولى، ولذا
قال في الخلاصة: إذا أرادت أن تأكل تغسل يديها وفي المضمضة خلاف. قوله: (ما لم تخاطب
بغسل) أي لا يكره لها مدة عدم خطابها التكليفي بالغسل، وذا إنما يكون بعد الطهارة من الحيض.
قوله: (الكراهة) أي التحريمية ط. قوله: (وهو أحوط) وقدمنا عن الخانية أنه ظاهر الرواية، وعزاه
في الخلاصة إلى عامة المشايخ قال في البحر: فكان أولى، وقدمنا عن الفتح أن التقييد بالكم
اتفاقي، فإنه لا يجوز مسه بغير الكم أيضا من بعض ثياب البدن. قوله: (إذا انقطع حيضها لأكثره)
مثله النفاس، وحل الوطئ بعد الأكثر ليس بمتوقف على انقطاع الدم، صرح به في العناية والنهاية
وغيرهما، وإنما ذكره ليبني عليه ما بعده. قال ط: ويؤخذ منه جواز الوطئ حال نزول دم الاستحاضة
ا ه‍. وقدمنا عن البحر أنه يجوز الاستمتاع بما بين السرة والركبة بحائل بغير الوطئ ولو تلطخ دما
ا ه‍. وهذا في الحائض، فيدل على جواز وطئ المستحاضة وإن تلطخ دما، وسيأتي ما يؤيده،
فافهم. قوله: (وجوبا) منصوب بعامل محذوف: أي بلا غسل يجب وجوبا، ومثله
317

قوله: بل ندبا. قوله: (بل ندبا) لان قراءة. حتى يطهرن. بالتشديد تقتضي حرمة الوطئ إلى غاية
الاغتسال، فحملناها على ما إذا كان أيامها أقل من عشرة دفعا للتعارض بين القراءتين، فظاهره يورث
شبهة فلهذا لا يستحب. نوح عن الكافي. قوله: (لدون أقله) أي أقل الحيض وهو ثلاثة أيام. قوله:
(في آخر الوقت) أي وجوبا. بركوي. والمراد آخر الوقت المستحب دون المكروه كما هو ظاهر
سياق كلام الدرر وصدر الشريعة. قال ط: وأهمل الشارح حكم الجماع، ويظهر عدم حله بدليل
مسألة الانقطاع على الأقل وهو دون العادة.
قلت: قد يفرق بين تحقق الحيض وعدمه، وانظر ما نذكره قبل قوله: والنفاس لام التوأمين.
قوله: (وإن لأقله) اللام بمعنى بعد ط. قوله: (لم يحل) أي الوطئ وإن اغتسلت، لان العود في
العادة غالب. بحر. قوله: (وتغتسل وتصلي) أي في آخر الوقت المستحب. وتأخيره إليه واجب
هنا، أما في صورة الانقطاع لتمام العادة فإنه مستحب كما في النهاية والفتح وغيرهما. قوله:
(احتياطا) علة للأفعال الثلاثة. قوله: (وإن لعادتها) وكذا لو كانت مبتدأة. درر. قوله: (حل في
الحال) لأنه لا اغتسال عليها لعدم الخطاب، فإن أسلمت بعد الانقطاع لا تتغير الاحكام، وتمامه في
البحر. قوله: (حتى تغتسل) قد علمت أنه يستحب لها تأخيره إلى آخر الوقت المستحب دون
المكروه. قال في المبسوط: نص عليه محمد في الأصل، قال إذا انقطع في وقت العشاء تؤخر إلى
وقت يمكنها أن تغتسل فيه وتصلي قبل انتصاف الليل، وما بعد نصف الليل مكروه. بحر. قوله:
(بشرطه) هو فقد الماء والصلاة به على الصحيح كما يعلم من النهر وغيره، وبهذا ظهر أن المراد
التيمم الكامل المبيح للصلاة مع الصلاة به أيضا، ولعل وجه شرطهم الصلاة به هو أن من شروط
التيمم عدم الحيض، فإذا صلت به وحكم الشرعي بصحة صلاتها يكون حكما بصحة تيممها وبأنها
تخرج به من الحيض، كما يحكم بخروجها من الحيض، وبقائها بمنزلة الجنب فيما إذا انقطع لتمام
العشرة أو صارت الصلاة دينا في ذمتها لحكم الشرع عليها بحكم من أحكام الطاهرات. ولهذا يحل
لزوجها أن يقربها وإن لم تغتسل كما يأتي تقريره.
وقد ظهر بما قررناه صحة ما ذكره في الظهيرية من أنه يجوز للحائض التيمم لصلاة الجنازة
والعيد إذا طهرت من الحيض إذا كان أيام حيضها عشرة. وإن كان أقل فلا اه‍. فشرط الجواز
تيممها لصلاة الجنازة أو العيد انقطاع الحيض لتمام العشرة، لان المراد بهذا التيمم هو التيمم
الناقص الذي يكون عند وجود الماء لخوف فوت صلاة تفوت لا إلى بدل، وإنما كان ناقصا لأنه لا
يصلي به الفرض، بل يبطل بعد الفراغ من تلك الصلاة، حتى لو حضرت جنازة أخرى لا يصح
الصلاة عليها بهذا التيمم على ما مر تقريره في محله، وإذا كان هذا التيمم ناقصا فلا تخرج به الحائض
من الحيض لما علمت من اعتبار التيمم بشرطه مع الصلاة معه.
وأما إذا انقطع حيضها لتمام العشرة فيجوز تيممها لصلاة الجنازة أو العيد، لأنها خرجت من
الحيض بالانقطاع المذكور، فلو انقطع لأقل من العشرة لا يجوز لها أن تتيمم للجنازة أو العيد مع
318

وجود الماء، ولا تصح الصلاة به لأنه ناقض لا تخرج به من الحيض. ومن شروط صحة التيمم عدم
المنافي، والحيض مناف لصحته.
أما إذا انقطع لتمام العشرة فقد خرجت من الحيض وصارت كالجنب فيصح تيممها المذكور
كما يصح من الجنب، فكلام الظهيرية صحيح لا غبار عليه كما أوضحناه هنا وفي باب التيمم، لكن
ينبغي تقييد قوله: وإلا فلا بما إذا انقطع لدون العشرة ولم تصر الصلاة دينا في ذمتها، إذ لو انقطع
لدون العشرة ولتمام عادتها ومضى عليها وقت صلاة خرجت من الحيض، وجاز لزوجها قربانها.
فينبغي صحة تيممها للجنازة. تأمل. قوله: (يسع الغسل) أي مع مقدماته كالاستقاء وخلع الثوب
والتستر عن الأعين. وفي شرح البزدوي: ولم يذكروا أن المراد به الغسل المسنون أو الفرض
والظاهر الفرض لأنه يثبت به رجحان جانب الطهارة ا ه‍. كذا في شرح التحرير لابن أمير حاج.
قوله: (والتحريمة وهي الله عند أبي حنيفة والله أكبر عند أبي يوسف، والفتوى على الأول
كما في المضمرات. قهستاني. قوله: (يعني من آخر وقت الصلاة الخ) اعلم أنه إذا انقطع دم
الحائض لأقل من عشرة وكان لتمام عادتها فإنه لا يحل وطؤها إلا بعد الاغتسال أو التيمم بشرطه كما
مر، لأنها صارت طاهرة حقيقة أو بعد أن تصير الصلاة دينا في ذمتها، وذلك بأن ينقطع ويمضي
عليها أدنى وقت صلاة من آخره، وهو قدر ما يسع الغسل واللبس والتحريمة، سواء كان الانقطاع
قبل الوقت أو في أو قبيل آخره بهذا القدر، فإذا انقطع قبل الظهر مثلا أو في أول وقته لا يحل
وطؤها حتى يدخل وقت العصر. لأنها لما مضى عليها من آخر الوقت ذلك القدر صارت الصلاة دينا في ذمتها، لان المعتبر في الوجوب آخر الوقت، وإذا صارت الصلاة
دينا في ذمتها صارت
طاهرة حكما، لأنها لا تجب في الذمة إلا بعد الحكم عليها بالطهارة، وكذا لو انقطع في آخره وكان
بين الانقطاع وبين وقت العصر ذلك القدر فله وطؤها بعد دخول وقت العصر لما قلنا. أما إذا كان
بينهما دون ذلك فلا يحل إلا بعد الغروب لصيرورة صلاة العصر دينا في ذمتها دون صلاة الظهر،
لأنها لم تدرك من وقتها ما يمكنها الشروع فيه.
فإذا علمت ذلك ظهر لك أن عبارة المصنف موهمة وليست على إطلاقها، لأنها توهم أنه يحل
بمضي ذلك القدر سواء كان في وقت صلاة أوفي وقت مهملة وهو ما بعد الطلوع إلى الزوال.
وسواء كان في أول الوقت أو في آخره، مع أنه لا عبرة للوقت المهمل ولا لأول وقت الصلاة كما
صرح به ابن الكمال ودل عليه التعليل بوجوبها دينا في ذمتها، فإنها لا تجب كذلك إلا بخروج وقتها،
خلافا لما غلط فيه بعضهم كما نبه عليه في الفتح والبحر، فلذا قال الشارح يعني من آخر وقت
الصلاة للاحتراز عنهما، وأتي بالعناية التي يؤتى بها في موضع الخفاء لمذكرنا من الابهام، ولو
عبر المصنف كما عبر البركوي بقوله: أو تصير صلاة دينا فذمتها، لكان أخصر وأظهر، ولكنه
قصد التنبيه على ما به تصير الصلاة دينا في ذمتها، وهو مضي هذا الزمان من آخر الوقت، ثم هذا
كله إذا لم يتم أكثر المدة قبل الغسل كما في البركويه، فلو تم لها عشرة أيام قبل خروج الوقت
والغسل لا يحتاج إلى مضي هذا الزمن.
تنبيه إنما حل وطؤها بعد الحكم عليها بالطهارة بصيرورة الصلاة دينا في ذمتها، لأنها صارت
319

كالجنب وخرجت من الحيض حكما، وبه يعلم أنه يجوز لها قراءة القرآن كما نقله ط عن البرجندي،
بخلاف ما إذا اغتسل، وحيث صارت كالجنب فينبغي أن يجوز لها التيمم لصلاة جنازة أو عيد
خافت فوتها، كما يجوز ذلك للجنب كما قررناه آنفا. قوله: (الأصح لا) أي فلو انقطع قبل الصبح
في رمضان بقدر ما يسع الغسل فقط لزمها صوم ذلك اليوم، ولا يلزمها قضاء العشاء ما لم تدرك
قدر تحريمة الصلاة أيضا، وهذا ما صححه في المجتبى.
ونقل بعده في البحر عن التوشيح والسراج أنه لا يجزيها صوم ذلك اليوم إذا لم يبق من الوقت
قدر الاغتسال والتحريمة لأنه لا يحكم بطهارتها إلا بهذا، وإن بقي قدرهما يجزيها لان العشاء صارت
دينا عليها، وأنه من حكم الطاهرات فحكم بطهارتها ضرورة ا ه‍. ونحوه في الزيلعي. وقال في
البحر: وهذا هو الحق فيما يظهر ا ه‍. قال في النهر: وفيه نظر، ولم يبين وجهه.
أقول: ولعله أن الصوم يمكن إنشاؤه في النهار، فلا يتوقف وجوبه على إدراكها أكثر مما يزيد
على قدر الغسل، بخلاف الصلاة لكن فيه أنه لو أجزأها الصوم بمجرد إدراك قدر الغسل لزم أن
يحكم بطهارتها من الحيض، لأن الصوم لا يجزي من الحائض، ولزم أن يحل وطؤها لو كانا مسافرين
في رمضان مع أنه خلاف ما أطبقوا عليه، من أنه لا يحل ما لم تجب الصلاة دينا في ذمتها، ولا تجب
إلا بإدراك الغسل والتحريمة، فالذي يظهر ما قال في البحر أنه الحق. ثم لا يخفى أن لبس الثياب
مثل التحريمة، إذ لا تجب الصلاة بدونه كما مر، لكن هذا على القول باشتراط التحريمة لا على ما
صححه الشارح تبعا للمجتبى، فافهم. قوله: (وهي) أي التحريمة: أي زمانها من الطهر: أي من
زمنه. قوله: (مطلقا) أي سواء كان الانقطاع لأكثر الحيض أو لدون ذلك ح. قوله: (وكذا الغسل)
أي الغسل مثل التحريمة في أنه من الطهر لولا انقطاع لأكثره، ولو لأقله فلا، بل هو من الحيض،
لكن هذا في حق القربان، والانقطاع الرجعة وجواز التزوج بآخر لا في حق جميع الأحكام، ألا ترى
أنها إذا طهرت عقب غيبوبة الشفق ثم اغتسلت عند الفجر الكاذب ثم رأت الدم في الليلة السادسة
عشرة بعد زوال الشفق فهو طهر تام وإن لم يتم خمسة عشر من وقت الاغتسال؟ ا ه‍. بحر عن
المجتبى: أي لو انقطع دمها لتمام العشرة حل لزوجها قربانها قبل الغسل، لان زمن الغسل حينئذ من
الطهر فصا واطئا في الطهر، وكذا تنقطع الرجعة بمجرد طهرها بتمام العشرة في الحيضة الثالثة لو
كانت مطلقة طلاقا رجعيا. ويجوز لها التزوج بآخر لأنها بانت من الأول بانقضاء العدة.
وأما لو كان الانقطاع لدون العشرة ولتمام عادتها فلا تثبت هذه الأحكام ما لم تغتسل، لان زمن
الغسل حينئذ من الحيض، فلو وطئها زوجها قبل الغسل كان واطئا في زمن الحيض، وكذا لا تنقضي
عدتها ما لم تغتسل، وأما في حق بقية الاحكام فيشترط الغسل، ففي مثل الصلاة أو الصوم يجب عليها
وإن لم تغتسل لكن بشرط إدراك زمن التحريمة. قوله: (فتقضي الخ) أي إذا علمت أن زمن التحريمة من
الطهر مطلقا وأن زمن الغسل من الحيض في الانقطاع لأقله فتقضي الصلاة إن بقي قدر الغسل
والتحريمة، فلا يكفي إدراك قدر الغسل فقط، بل لا بد من إدراك قدر التحريمة أيضا: أي ولبس الثياب
كما مر. قوله: (ولو لعشرة الخ) أي ولو انقطع لعشرة، فتقضي الصلاة إن بقي قدر التحريمة فقط.
320

والحاصل أن زمن الغسل من الحيض لو انقطع لأقله لأنها إنما تطهر بعد الغسل، فإذا أدركت
من آخر الوقت قدر ما يسع الغسل فقط لم يجب عليها قضاء تلك الصلاة لأنها لم تخرج من الحيض
في الوقت، بخلاف ما إذا كان يسع التحريمة أيضا، لان التحريمة من الطهر فيجب القضاء. وأما إذا
انقطع لأكثره فإنها تخرج من الحيض بمجرد ذلك، فيكون زمن الغسل من الطهر وإلا لزم أن تزيد مدة
الحيض على العشرة، فإذا أدركت من آخر الوقت قدر التحريمة وجب القضاء وإن لم تتمكن من
الغسل، لأنها أدركت بعد الخروج من الحيض جزءا من الوقت، وإنما حل الوطئ في الانقطاع
لأكثره مطلقا لتوقفه على الخروج من الحيض وقد وجد، بخلاف وجوب الصلاة لتوقفه على إدراك
جزء آخر بعده. قوله: (ووطؤها) أي الحائض. قال في الشرنبلالية: ولم أر حكم وطئ النفساء من
حيث التكفير، أما الحرمة فمصرح بها ا ه‍.
واعترضه الشارح في هامش الخزائن بقوله: وأقول قد قدم قبل ذلك أن النفساء كالحائض في
الاحكام، وقال في الجوهرة والسراج والوهاج والضياء المعنوي وغيرها: وحكم النفاس حكم
الحيض في كل شئ إلا فيما استثني. وهذا صريح في إفادة هذا الحكم لهذه المسألة، لأنها ليس مما
استثني كما لا يخفى على المتتبع فتنبه ا ه‍. أقول: والمستثنيات سبع تأتي. قوله: (كما جزم به
غير واحد) أي جماعة ذوو عدد منهم صاحب المبسوط والاختيار والفتح كما في البحر. قوله: (وكذا
مستحل وطئ الدبر) أي دبر الحليلة، أما دبر الغلام فالظاهر عدم جريان الخلاف في التكفير وإن كان
التعليل الآتي يظهر فيه ط: أي قوله: لأنه حرام لغيره.
أقول: وسيأتي في كتاب الاكراه أن اللواطة أشد حرمة من الزنا، لأنها لم تبح بطريق ما،
ولكون قبحها عقليا، ولذا لا تكون في الجنة على الصحيح ا ه‍. قوله: (خلاصة) لم يذكر في
البحر عن الخلاصة مسألة وطئ الدبر. قوله: (فلعله يفيد التوفيق) (1) أي بحمل القول بكفره على
استحلال اللواطة بغير المذكورين والقول بعدمه عليهم. قوله: (لأنه حرام لغيره) أي حرمته لا لعينه،
بل لأمر راجع إلى شئ خارج عنه وهو الايذاء.
قال في البحر عن الخلاصة: من اعتقد الحرام حلالا أو على القلب يكفر إذا كان حراما لعينه
وثبتت حرمته بدليل قطعي. أما إذا كان حراما لغيره بدليل قطعي أو حراما لعينه بأخبار الآحاد لا
يكفر إذا اعتقده حلالا ا ه‍. ومثله في شرح العقائد النسفية. قوله: (ثم هو) أي وطئ الحائض.
قوله: (لا جاهلا الخ) هو على سبيل اللف والنشر المشوش. والظاهر أن الجهل إنما ينفي كونه
كبيرة لا أصل الحرمة، إذ لا عذر بالجهل بالأحكام في دار الاسلام، أفاده ط. قوله: (ويندب الخ)
لما رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عباس مرفوعا في الذي يأتي امرأته (وهي
حائض)، قال: يتصدق بدينار أو نصف دينار ثم قيل: إن كان الوطئ في أول الحيض فبدينار أو

(1) قوله: (فلعله يفيد التوفيق) هكذا بخطه، ولا وجود لذلك في النسخ الشارح التي بيدي، فليحرر.
321

آخره فبنصفه، وقيل بدينار لو الدم أسود وبنصفه لو أصفر. قال في البحر: ويدل له ما رواه أبو داود
والحاكم وصححه إذا واقع الرجل أهله وهي حائض، إن كان دما أحمر فليتصدق بدينار، وإن كان
أصفر فليتصدق بنصف دينار ا ه‍. قوله: (قال في الضياء الخ) أي الضياء المعنوي شرح مقدمة
الغزنوي، وأصل البحث للحدادي في السراج، ويؤيده ظاهر الأحاديث، وظاهرها أيضا أنه لا فرق
بين كونه جاهلا بحيضها أو لا.
تتمة تثبت الحرمة بإخبارها وإن كذبها. فتح وبركوي. وحرر في البحر أن هذا إذا كانت
عفيفة أو غلب على الظن صدقها، أما لو فاسقة ولم يغلب صدقها، بأن كانت في غير أوان حيضها
لا يقبل قولها اتفاقا. قوله: (وقتا كاملا) ظرف لقوله: دائم والأولى عدم ذكر هذا القيد: أي قيد
الدوام لأنه في حكمه في الدوام وعدمه ط. قوله: (لا يمنع صوما الخ) أي ولا قراءة ومس مصحف
ودخول مسجد، وكذا لا تمنع عن الطواف إذا أمنت من اللوث. قهستاني عن الخزانة ط.
مطلب في حكم وطئ المستحاضة ومن بذكره نجاسة
قوله: (وجماعا) ظاهره جوازه في حال سيلانه وإن لزم منه تلويث، وكذا هو ظاهر غيره من
المتون والشروح، وكذا قولهم: يجوز مباشرة الحائض فوق الإزار وإن لزم منه التلطخ بالدم، وتمامه
في ط.
وأما في شرح المنية في الأنجاس من أن التلوث بالنجاسة مكروه فالظاهر حمله على ما إذا كان
بلا عذر والوطئ عذرا، ألا ترى أن يحل على القول بأن رطوبة الفرج نجسة مع أن فيه تلوثا
بالنجاسة؟ فتخصيص الحل بوقت عدم السيلان يحتاج إلى نقل صريح ولم يوجد، بل قدمنا عن
(شروح الهداية) التصريح بأن حل الوطئ بعد أكثر الحيض غير متوقف على الانقطاع، فافهم.
تنبيه أفتى بعض الشافعية بحرمة جماع من تنجس ذكره قبل غسله إلا إذا كان به سلس فيحل
كوطئ المستحاضة مع الجريان، ويظهر أنه عندنا كذلك، لما فيه من التضمخ بالنجاسة بلا ضرورة
لامكان غسله. بخلاف وطئ المستحاضة ووطئ السلس. تأمل.
وبقي ما لو كان مستنجيا بغير الماء: ففي فتاوي ابن حجر أن الصواب التفصيل، وهو أنه إذا
كان لعدم الماء جاز له الوطئ للحاجة، وإلا فلا. قال: وروى أحمد بسند ضعيف أن رجلا قال: يا
رسول الله، الرجل يغيب لا يقدر على الماء أيجامع أهله؟ قال: نعم ا ه‍. ملخصا. قوله: (لحديث
توضئي) فإنه ثبت به حكم الصلاة عبارة، وحكم الصوم والجماعة دلالة ا ه‍. منح ودرر. وإبدال
الدلالة (1) بالإشارة لا يخفى ما فيه على من له معرفة بالأصول، فافهم. ثم الحديث المذكور في

(1) قوله: (وابدال الدلالة) تعريض بالحلبي حيث قال وعلى الصوم والجماع بالإشارة. وفيه ان الاستدلال بإشارة النص
كما تقرر في الأصول هو العمل بما قبت بنظمه لغة، لكنه غير مقصود ولا سيق له بالنص كما في قوله تعالى (وعلى
المولد له رزقهن) الآية، سيق لاثبات النفقة، وفي ذكر المولود له إشارة إلى أن النسب للآباء. واما الثابت بدلالة
النص فما ثبت بمعنى النص لغة كالنهي عن التأفيف يوقف به على حرمة الضرب بدون الاجتهاد لأنه أولى، وهكذا
هنا فإنه سيق لبيان صحة الصلاة مع هذا العذر مع أنها تشترط لها الطهارة، فيوقف بذلك على حكم الصوم والجماع
بالأولى لعدم اشتراط الطهارة من الحديث لهما ا ه‍. منه.
322

الهداية، وظاهر الفتح أنه لم يجده بهذا اللفظ، وذكر عن سنن ابن ماجة أنه (ص) قال لفاطمة بنت أبي
حبيش: اجتنبي الصلاة أيام محيضك، ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة وإن قطر الدم على الحصير
ثم تكلم على سنده، ثم قال: وهو في البخاري بدون وإن قطر الدم على الحصير. قوله:
(والنفاس) بالكسر. قاموس. (فلو لم تره) أي بأن خرج الولد جافا بلا دم. قوله: (المعتمد نعم)
وعليه فيعمم في الدم، فيقال دم حقيقة أو حكما كما في القهستاني. قوله: (من سرتها) عبارة
البحر: من قبل سرتها، بأن كان ببطنها جرح فانشقت وخرج الولد منها ا ه‍. قوله: (فنفساء) لأنه
وجد خروج الدم من الرحم عقب الولادة. بحر. قوله: (وإلا) أي بأن سال الدم من السرة. قوله:
(وإن ثبت له أحكام الولد) أي فتنقضي به العدة وتصير الأمة أم ولد، ولو علق طلاقها بولادتها وقع
لوجود الشرط. بحر عن الظهيرية. قوله: (فتوضأ الخ) تفريع على قوله لا أقله ط. قوله: (وتومئ
بصلاة) أي إن لم تقدر على الركوع والسجود. قال في البحر عن الظهيرية: ولم لم تصل تكون
عاصية لربها، ثم كيف تصلي؟ قالوا: يؤتى بقدر فيجعل القدر تحتها ويحفر لها وتجلس هناك وتصلي
كي لا تؤذي ولدها ا ه‍. قوله: (فما عذر الصحيح القادر) استفهام إنكاري: أي لا عذر له في الترك
أو التأخير. قال في منية المصلي: فانظر وتأمل هذه المسألة هل تجد عذرا لتأخير الصلاة؟ واويلاه
لتاركها. قوله: (إلا في سبعة) (1) هي البلوغ والاستبراء والعدة، وأنه لا حد لأقله، وأن أكثره
أربعون، وأنه يقطع التتابع في صوم الكفارة، وأنه لا يحصل به الفصل بين طلاقي السنة والبدعة
ا ه‍. ح. فقوله: البلوغ الخ لأنه لا يتصور به لان البلوغ قد حصل بالحبل قبل ذلك.
وصورته في الاستبراء: إذا اشترى جارية حاملا فقبضها ووضعت عنده ولدا وبقي ولد آخر في
بطنها، فالدم الذي بين الولدين نفاس، ولا يحصل الاستبراء إلا بوضع الولد الثاني.
وصورة العدة: إذا قال لامرأته إذا ولدت فأنت طالق فولدت ثم قالت مضت عدتي فإنها
تحتاج إلى ثلاث حيض ما خلا النفاس كما سيأتي بيانه ا ه‍. سراج. قوله: (بخمسة وعشرين) لأنه

(1) قوله: (الا في سبعة) أقول: نظم السبعة ابن عبد الرزاق في شرحه فقال:
حكم النفاس حكم حيض قرروا * في كل شئ غير سبع تذكروا
لا ينقضي اعتدادها به ولا * بلوغها أيضا به يعتبر
والفصل بين سنة التطليق * والبدعة قالوا ليس فيه يظهر
وليس في أقله حد وفي * أكثره قل أربعون حرروا
وليس ذا بقاطع تتابعا * في الصوم كفارة تعتبر
وهكذا في استبراؤها ليس له * تعلق به وذا مشتهر ا ه‍. منه.
323

لو قدر بأقل لأدى إلى نقض العادة عند عود الدم في الأربعين، لان من أصل الامام أن الدم إذا كان
في الأربعين فالطهر المتخلل لا يفصل طال أو قصر، حتى لو رأت ساعة دما وأربعين إلا ساعتين طهرا ثم ساعة دما كان الأربعون كلها نفاسا، وعليه الفتوى: كذا في الخلاصة. نهر: أي فلو قدر
بأقل من خمس وعشرين ثم كان بعده أقل الطهر خمسة عشر ثم عاد الدم كان نفاسا فيلزم نقض العادة،
بخلاف ما لو قدر بخمسة وعشرين، لان ما عداه يكون حيضا لكونه بعد تمام الأربعين. قوله: (مع
ثلاث حيض) فأدنى مدة تصدق فيها عنده خمسة وثمانون يوما: خمسة وعشرون نفاس، وخمسة عشر
طهر، ثم ثلاث حيض كل حيضة خمسة أيام، وطهران بين الحيضتين ثلاثون يوما، وهذا رواية محمد
عنه. وفي رواية الحسن عنه: لا تصدق في أقل من مائة يوم لتقديره كل حيضة بعشرة أيام، وتمامه
في السراج. قوله: (والثاني بأحد عشر) أي وقدر أبو يوسف أقل النفاس بأحد عشر يوما ليكون أكثر
من أكثر الحيض، فأدنى مدة تصدق فيها عنده خمسة وستون يوما، أحد عشر نفاس، وخمسة عشر
طهر، وثلاث حيض بتسعة أيام بينهما طهران بثلاثين يوما ح. قوله: (والثالث بساعة) أي قدره محمد
بساعة فتصدق في أربعة وخمسين يوما وساعة: خمسة عشر طهر، ثم ثلاث حيض بتسعة، ثم طهران
ثلاثون. قال في المنظومة النسفية:
أدنى زمان عنده تصدق * فيه التي بعد الولاد تطلق هي
الثمانون بخمس تقرن * ومائة فيما رواه الحسن
والخمس والستون عند الثاني * وحط إحدى عشرة الشيباني
وهذا كله في الحرة النفساء، وأما الأمة وغير النفساء فسيأتي حكمها في العدة إن شاء الله
تعالى قوله: (كذا رواه الترمذي وغيره) أي بالمعنى. قال في الفتح: روى أبو داود ص) أربعين يوما وأثنى
البخاري على هذا الحديث. وقال النووي: حديث حسن، وصححه الحاكم. وروى الدارقطني وابن
ماجة عن أنس: أنه (ص) وقت للنفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك وروي هذا من عدة
طرق لم تخل عن الطعن، لكنه يرتفع بكثرتها إلى الحسن. ا ه‍. ملخصا. قوله: (ولان أكثره الخ)
يعني بالاجماع كما في البحر، حتى أن من جعل أكثر الحيض خمسة عشر يجعل أكثر النفاس ستين ح.
قوله: (لو مبتدأة) يعني إنما يعتبر الزائد على الأكثر استحاضة في حق المبتدأة التي لم تثبت لها
عادة، أما المعتادة فترد لعادتها: أي ويكون ما زاد على العادة استحاضة، لا ما زاد على الأكثر فقط.
قوله: (فترد لعادتها) أطلقه، فشمل ما إذا كان ختم عادتها بالدم أو بالطهر، وهذا عند أبي يوسف.
وعند محمد: إن ختم بالدم فكذلك، وإن بالطهر فلا.
وبيانه ما ذكر في الأصل: إذا كان عادتها في النفاس ثلاثين يوما فانقطع دمها على رأس
عشرين يوما وطهرت عشرة أيام تمام عادتها فصلت وصامت ثم عاودها الدم فاستمر بها حتى جاوز
الأربعين ذكر أنها مستحاضة فيما زاد على الثلاثين، ولا يجزيها صومها في العشرة التي صامت فيلزمها
القضاء. أما على مذهب محمد فنفاسها عشرون، فلا تقضي ما صامت بعدها. بحر عن البدائع.
قوله: (وكذا الحيض) يعني إن زاد على عشرة في المبتدأة فالزائد استحاضة وترد المعتادة
324

لعادتها ط. قوله: (فإن انقطع على أكثرهما) محترز قوله والزائد ط. قوله: (أو قبله) أي قبل الأكثر
وزاد على العادة. قال في البحر: وقيد بكونه زاد على الأكثر، لأنه لو زاد على العادة ولم يزد على
الأكثر فالكل حيض اتفاقا بشرط أن يكون بعده طهر صحيح. قوله: (إن وليه طهر تام) قال في
البحر وإنما قيدنا به، لأنها لو كانت عادتها خمسة أيام مثلا من أول كل شهر فرأت ستة أيام، فإن
السادس حيض أيضا، فإن طهرت بعد ذلك أربعة عشر يوما ثم رأت الدم فإنها ترد إلى عادتها وهي
خمسة واليوم السادس استحاضة، فتقضي ما تركت فيه من الصلاة، كذا في السراج ا ه‍.
قال ح: وصورته في النفاس: كانت عادتها في كل نفاس ثلاثين ثم رأت مرة إحدى وثلاثين ثم
طهر أربعة عشر ثم رأت الحيض، فإنها ترد إلى عادتها وهي الثلاثون ويحسب اليوم الزائد من الخمسة
عشر التي هي طهر. قوله: (وهي تثبت وتنتقل بمرة) أشار إلى أن ما رأته ثانيا بعد الطهر التام يصير
عادة لها، وهذا مثال الانتقال بمرة. ومثال الثبوت: مبتدأة رأت دما وطهرا صحيحين ثم استمر بها
الدم فعادتها في الدم والطهر ما رأت فترد إليها، لكن قدمنا عن البركوي تقييده بما إذا كان طهرها
أقل من ستة أشهر، وإلا فترد إلى ستة أشهر إلا ساعة وحيضها بحاله. قوله: (به يفتى) هذا قول أبي
يوسف خلافا لهما.
ثم الخلاف في العادة الأصلية، وهي أن ترى دمين متفقين وطهرين متفقين على الولاء أو
أكثر، لا الجعلية بأن ترى أطهارا مختلفة وماء كذلك فإنها تنقض برؤية المخالف اتفاقا. نهر. وتمام
بيان ذلك في الفتح وغيره. وقد نبه البركوي في هامش رسالته على أن بحث انتقال العادة من أهم
مباحث الحيض لكثرة وقوعه وصعوبة فهمه وتعسر إجرائه.
وذكر في الرسالة أن الأصل فيه أن المخالفة للعادة إن كانت في النفاس، فإن جاوز الدم
الأربعين فالعادة باقية ترد إليها والباقي استحاضة، وإن لم يجاوز انتقلت العادة إلى ما رأته والكل
نفاس، وإن كانت في الحيض، فإن جاوز العشرة، فإن لم يقع في زمان العادة نصاب وانتقلت زمانا
والعدد بحاله يعتبر من أول ما رأت. وإن وقع فالواقع في زمانها فقط حيض والباقي استحاضة، فإن
كان الواقع مساويا لعادتها عددا فالعادة باقية وإلا انتقلت العادة عددا إلى ما رأته ناقصا، وإن لم يجاوز
العشرة فالكل حيض، فإن لم يتساويا صار الثاني عادة وإلا فالعدد بحاله. ثم ذكر لذلك أمثلة أوضح
بها المقام، فراجعها مع شرحنا عليها. قوله: (وتمامه الخ) ذكر فيه ما قدمناه آنفا عن السراج،
فالضمير راجع إلى مجموع ما ذكره لا إلى مسألة الانتقال فقط، إذ لم يذكر فيها أزيد مما هنا، فافهم.
تتمة اختلفوا في المعتادة، هل تترك الصلاة والصوم بمجرد رؤيتها الزيادة على العادة؟ قبل
لا، لاحتمال الزيادة على العشرة، وقيل: نعم استصحابا للأصل، وصححه في النهاية والفتح
وغيرهما، وكذا الحكم في النفاس.
واختلفوا في المبتدأة أيضا. والصحيح أنها تترك بمجرد رؤيتها الدم كما في الزيلعي، والاحتياط
أن لا يأتيها زوجها حتى يتيقن حالها. نوح أفندي. قوله: (والنفاس لام توأمين) بفتح التاء وسكون
الواو وفتح الهمزة تثنية توأم: اسم ولد إذا كان معه آخر في بطن واحد. قهستاني. قوله: (من الأول)
325

والمرئي عقيب الثاني، إن كان في الأربعين فمن نفاس الأول وإلا فاستحاضة (1). وقيل: إذا كان بينهما
أربعون يجب عليها نفاس من الثاني. والصحيح هو الأول. نهاية وبحر، ثم ما ذكره المصنف قولهما.
وعند محمد وزفر: النفاس من الثاني والأول استحاضة. وثمرة الخلاف في النهر. قوله: (وفاقا) أشار
إلى أن في المسألة الأولى خلافا كما ذكرنا. قوله: (لتعلقه بالفراغ) أي لتعلق انقضاء العدة بفراغ الرحم
وهو لا يفرغ إلا بخروج كل ما فيه ط. قوله: (مثلث السين) أي يجوز فيه تحريكها بالحركات الثلاث،
قال القهستاني: والكسر أكثر.
مطلب في أحوال السقط وأحكامه
قوله: (أي مسقوط) الذي في البحر التعبير بالساقط وهو الحق لفظا ومعنى، أما لفظا فلان
سقط لازم لا يبني منه اسم المفعول. وأما معنى فلان المقصود سقوط الولد سواء سقط بنفسه أو
أسقطه غيره ح. قوله: (ولا يستبين خلقه الخ) قال في البحر: المراد نفخ الروح وإلا فالمشاهد
ظهور خلقه قبلها ا ه‍. وكون المراد به ما ذكر ممنوع. وقد وجهه في البدائع وغيرها بأنه يكون
أربعين يوما نطفة وأربعين علقة وأربعين مضغة. وعبارته في عقد الفرائد قالوا: يباح لها أن تعالج في
استنزال الدم ما دام الحمل مضغة أو علقة ولم يخلق له عضو، وقدروا تلك المدة بمائة وعشرين
يوما، وإنما أباحوا ذلك لأنه ليس بآدمي ا ه‍. كذا في النهر.
أقول: لكن يشكل على ذلك قول البحر: إن المشاهد ظهور خلقه قبل هذه المدة، وهو
موافق لما في بعض روايات الصحيح إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا
فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها وأيضا هو موافق لما ذكره الأطباء (2).
فقد ذكر الشيخ داود في تذكرته أنه يتحول عظاما مخططة في اثنين وثلاثين يوما إلى خمسين، ثم
يجتذب الغذاء ويكتسي اللحم إلى خمس وسبعين، ثم تظهر فيه الغاذية والنامية ويكون كالنبات إلى نحو
المائة، ثم يكون كالحيوان النائم إلى عشرين بعدها فتنفخ فيه الروح الحقيقية الانسانية ا ه‍. ملخصا.

(1) روي أن ابا يوسف قال للامام: أرأيت لو كان بين الولدين أربعين يوما؟ قال: هذا لا يكون، قال فان كان؟ قال لا
نفاس لها من الثاني وان رغم انف أبي يوسف، ولكنها تغتسل وقت ان تضع الولد الثاني وتصل وهو الصحيح كما في
الضياء وغيره ا ه‍. من هامش الخزائن بخطه ا ه‍. منه.
(2) ذكر الشيخ داود الأنطاكي في التذكرة في بحث الحبل ان أطوار الحمل سبعة: الأول الماء إلى أسبوع ثم يتألف بعده
الغشاء الخارج، ويلتئم داخله، ويتحول إلى النطفة وهو الطور الثاني وترسم فيه الامتدادات إلى ستة عشر يوما،
فيكون علقة حمراء وهو الثالث، ثم مضغة وهو الرابع ويرسم في وسطها شكل القلب ثم الدماغ في رأس سبعة
وعشرين يوما ثم يتحول عظاما مخططة مفصلة في اثنين وثلاثين يوما، وهي أقل مدة يتخلق فيها الذكور إلى الخمسين
يوما لا أقل ولا أكثر وهو الطور الخامس، ثم يجتذب الغذاء ويكتسي اللحم إلى خمس وسبعين يوما وهو الطور
السادس ثم يتحول خلقا آخر مغايرا لما سبق، وتمتلئ تجاويفه بالغريزية بل النامية الطبيعية. وهنا يكون كالنبات إلى
نحو المائة، ثم يكون كالحيوان النائم إلى عشرين بعدهما فتنفخ فيه الروح الحقيقية قال: وبهذا يرتفع الخلاف بين
الفلاسفة حيث حكموا بنفخ الروح في رأس سبعين، وبين ما ذكره الشارع صلى الله عليه وسلم، فان الروح الطبيعية وهي حاصلة
للنبات، والثاني للروح التي تستقل بها الانسانية ا ه‍. ملخصا ا ه‍. منه.
326

نعم نقل بعضهم أنه اتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر: أي عقبها
كما صرح به جماعة. وعن ابن عباس أنه بعد أربعة أشهر وعشرة أيام وبه أخذ أحمد، ولا ينافي ذلك
ظهور الخلق قبل ذلك، لان نفخ الروح إنما يكون بعد الخلق، وتمام الكلام في ذلك مبسوط في
شرح الحديث الرابع من الأربعين النووية، فراجعه. قوله: (والأمة أم ولد) أي إن ادعاه المولى.
قهستاني عن شرح الطحاوي. قوله: (ويحنث به في تعليقه) أي يقع المعلق من الطلاق والعتاق
وغيرهما بولادته، بأن قال: إن ولدت فأنت طالق أو حرة. قهستاني. قوله: (فليس بشئ) قال
الرملي في حاشية المنح بعد كلام: وحاصله: أنه إن لم يظهر من خلقه شئ فلا حكم له من هذه الأحكام
، وإذا ظهر ولم يتم فلا يغسل ولا يصلى عليه ولا يسمى، وتحصل له هذه الأحكام، وإذا
تم ولم يستهل وقبل أن يخرج أكثر مات فظاهر الرواية لا يغسل أو لا يسمى، والمختار
خلافه كما في الهداية، ولا خلاف في عدم الصلاة عليه وعدم إرثه ويلف في خرقة ويدفن وفاقا.
وإذا خرج كله أو أكثره حيا ثم مات فلا خلاف في غسله والصلاة عليه وتسميته، وير ث ويورث،
إلى غير ذلك من الأحكام المتعلقة بالآدمي الحي الكامل ا ه‍.
قلت: لكن قوله: والمختار خلافه، إنما هو فيمن لم يتم خلقه، أما من تم فلا خلاف في أنه
يغسل كما سيأتي تحريره في الجنائز إن شاء الله تعالى. قوله: (والمرئي) أي الدم المرئي مع السقط
الذي لم يظهر من خلقه شئ. قوله: (وتقدم) أي وجد قبله بعد حيضها السابق، ليصير فاصلا بين
الحيضتين. وزاد في النهاية قيدا آخر، وهو أن يوافق تمام عادتها، ولعله مبني على أن العادة لا
تنتقل بمرة، والمعتمد خلافه، فتأمل. قوله: (وإلا استحاضة) أي إن لم يدم ثلاثا وتقدمه طهر تام،
أو دام ثلاثا ولم يتقدمه طهر تام، أو لم يدم ثلاثا ولا تقدمه طهر تام ح. قوله: (ولو لم يدر حاله
الخ) أي لا يدري أمستبين هو أم لا؟ بأن أسقطت في المخرج واستمر بها الدم، فإذا كان مثلا
حيضها عشرة وطهرها عشرين ونفاسها أربعين، فإن أسقطت من أول أيام حيضها تترك الصلاة عشرة
بيقين لأنها إما حائض أو نفساء، ثم تغتسل وتصلي عشرين بالشك لاحتمال كونها نفساء أو طاهرة،
ثم تترك الصلاة عشرة بيقين لأنها إنما نفساء أو حائض ثم تغتسل وتصلي عشرين بيقين لاستيفاء
الأربعين، ثم بعد ذلك دأبها حيضها عشرة وطهرها عشرون، وإن أسقطت بعد أيام حيضها فإنها
تصلي من ذلك الوقت قدر عادتها في الطهر بالشك ثم تترك قدر عادتها في الحيض بيقين.
وحاصل هذا كله أن لا حكم للشك، ويجب الاحتياط ا ه‍. من البحر وغيره. وتمام تفاريع
المسألة في التاترخانية، ونبه في الفتح على أن في كثير من نسخ الخلاصة غلطا في التصوير من
النساخ. قوله: (ولا عدم أيام حملها) هذا زاده في النهر بقوله: وكان ينبغي أن يقال: ولم تعلم عدد
أيام حملها بانقطاع الحيض عنها. أما لو لم تره مائة وعشرين يوما ثم أسقطته في المخرج كان مستبين
الخلق ا ه‍. قوله: (تدع الصلاة أيام حيضها بيقين) أي في الأيام التي لا تتيقن فيها بالطهر،
فيشمل ما يحتمل المرئي فيها أنه حيض أو نفاس كالعشرة الأولى من الأربعين والعشرة الأخيرة وما
تتيقن أنه حيض فقط، وقوله: ثم تغتسل الخ أي في الأيام التي تتردد فيها بين النفاس والطهر أو
327

تتيقن فيها بالطهر فقط، فلله در هذا الشارح فقد أدى جميع ما قدمناه عن البحر وغيره مع زيادة في
النهر، وأن صلاتها صلاة المعذور بأوجز عبارة، فافهم.
مطلب في أحكام الآيسة
قوله: (ولا يحد إياس بمدة) هذا رواية عن أبي حنيفة كما في عدة الفتح عن المحيط ح.
ثم إن الإياس مأخوذ من اليأس وهو السقوط ضد الرجاء. قال المطرزي: أصله إيئاس على
وزن إفعال من أياسة: إذا جعله يائسا منقطع الرجاء، فكأن الشرع جعلها منقطعة الرجاء عن رؤية
الدم، حذفت الهمزة التي هي عين الكلمة تخفيفا ا ه‍. نوح. قوله: (مثلها) قال في الفتح فباب
العدة: يمكن أن يكون المراد المماثلة في تركيب البدن والسمن والهزال ا ه‍. ويقال: لا بد أن يعتبر
مع ذلك جنسها لما ذكره بعد في الفتح عن محمد أنه قدره في الروميات بخمس وخمسين وفي غيرهن
بستين، وربما يعتبر القطر أيضا، فليحرر. رحمتي. قوله: (فإذا بلغته) فلو لم تبلغه وانقطع دمها
فعدتها بالحيض، لان الطهر لا حد لأكثره. رحمتي.
وعليه فالمرضع التي لا ترى الدم في مدة إرضاعها، لا تنقضي عدتها إلا بالحيض كما سيأتي
التصريح به في باب العدة.
وقال في السراج: سئل بعض المشايخ عن المرضعة إذا لم ترى حيضا فعالجته حتى رأت صفرة
في أيام الحيض، قال: هو حيض تنقضي به العدة ا ه‍. قوله: (وانقطع دمها) أما لو بلغته والدم يأتيها
فليست بآيسة، ومعناها إذا رأت الدم على العادة لأنه حينئذ ظاهر في أنه ذلك المعتاد، وعود العادة
يبطل الإياس، ثم فسر بعضهم هذا بأن تراه سائلا كثيرا احترازا عما إذا رأت بلة يسيرة ونحوه، وقيدوه
بأن يكون أحمر أو أسود، فلو أصفر أو أخضر أو تربية لا يكون حيضا، ومنهم من لم يتصرف فيه فقال:
إذا رأته على العادة الجارية وهو يفيد أنها إذا كانت عادتها قبل الإياس أصفر فرأته
كذلك أو علقا فرأته كذلك كان حيضا ا ه‍. فتح من العدة، والذي يظهر هو الثاني. رحمتي. قوله: (حكم بإياسها) فائدة هذا
الحكم الاعتداد بالأشهر إذا لم تر في أثنائها دما الخ ط. قوله: (وحده) أي المصنف في باب العدة.
قال في البحر: وهو قول مشايخ بخارى وخوارزم ح، وبخط الشارح في هامش الخزائن. قال
قاضيخان وغيره: وعليه الفتوى. وفي نكت العلامة قاسم عن المفيد أنه المختار، ومثله في الفيض
وغيره ا ه‍. قوله: (أي المدة المذكورة) وهي الخمسون أو الخمسة والخمسون ط. قوله: (فليس
بحيض) ولا يبطل به الاعتداد بالأشهر ط. قوله: (دما خالصا) أي كالأسود والأحمر القاضي درر. قال
الرحمتي: وتقدم عن الفتح أنه لو لم يكن خالصا وكانت عادتها كذلك قبل الإياس يكون حيضا. قوله:
(حتى يبطل) تفريع على الاستثناء. قوله: (لكن قبل تمامها) أي تمام العدة بالأشهر لا بعده. أي بعد
تمام الاعتداد ط. قوله: (وسنحققه في العدة) عبارته هناك: آيسة اعتدت بالأشهر ثم عاد دمها على
328

جاري العادة أو حبلت من زوج آخر بطلت عدتها وفسد نكاحها واستأنفت بالحيض، لان شرط الخليفة
تحقق الإياس عن الأصل وذلك بالعجز إلى الموت، وهو ظاهر الرواية كما في الغاية، واختاره في
الهداية فتعين المصير إليه. قاله في البحر بعد حكاية ستة أقوال مصححة، وأقره المصنف، لكن اختار
البهنسي ما اختاره الشهيد أنها إن رأته قبل تمام الأشهر استأنفت لا بعدها.
قلت: وهو ما اختار صدر الشريعة ومله خسرو والباقاني، وأقره المصنف في باب الحيض،
وعليه فالنكاح جائز، وتعتد في المستقبل بالحيض كما صححه في الخلاصة وغيرها، وفي الجوهرة
والمجتبى أنه الصحيح المختار، وعليه الفتوى، وفي تصحيح القدوري: وهذا التصحيح أولى من
تصحيح الهداية، وفي النهر أنه أعد الروايات ا ه‍ ح.
مطلب في أحكام المعذور
قوله: (وصاحب عذر) خبر مقدم وقوله: من به سلس بول مبتدأ مؤخر لأنه معرفة والأول
نكرة، فافهم، قال في النهر: قيل السلس بفتح اللام نفس الخارج، وبكسرها من به هذا المرض.
قوله: (لا يمكنه إمساكه) أما إذا أمكنه خرج عن كونه صاحب عذر كما يأتي ط. قوله: (أو استطلاق
بطن) أي جريان ما فيه من الغائط. قوله: (أو انفلات ريح) هو من لا يملك جمع مقعدته لاسترخاء
فيها. نهر. قوله: (أو بعينه رمد) أي ويسيل منه الدمع، ولم يقيد بذلك لأنه الغالب. قوله: (أو بعينه رمد) أي ويسيل منه الدمع، ولم يقيد بذلك لأنه الغالب. قوله: (أو عمش)
ضعف الرؤية مع سيلان الدمع في أكثر الأوقات ح عن القاموس. قوله: (أو غرب) قال المطرزي: هو
عرق في مجرى الدمع يسقى فلا ينقطع مثل الباسور. وعن الأصمعي: بعينه غرب إذا كانت تسيل
ولا تنقطع دموعها. والغرب بالتحريك ورم في المآقي ا ه‍. فافهم. قوله: (وكذا كل ما يخرج بوجع الخ)
ظاهره يعم الانف إذا زكم ط. لكن صرحوا بأن ماء فم النائم طاهر ولو منتنا. فتأمل. وعبارة شرح
المنية: كل ما يخرج بعلة فالوجع غير قيد كما مر. وفي المجتبى: الدم والقيح والصديد وماء الجرح
والنفطة وماء البثرة والثدي والعين والاذن لعلة سواء على الأصح ا ه‍. وقدمنا في نواقض الوضوء على
البحر وغيره أن التقييد بالعلة ظاهر فيما إذا كان الخارج من هذه المواضع ماء فقط، بخلاف ما إذا كان
قيحا أو صديدا، وقدمنا هناك أيضا بقية المباحث المتعلقة بالدمع فراجعها. قوله: (مفروضة) احترز به
عن الوقت المهمل كما بين الطلوع والزوال فإنه وقت لصلاة غير مفروضة وهي العيد والضحى كما
سيشير إليه، فلو استوعبه لا يصير معذورا وكذا لو استوعبه الانقطاع لا يكون برءا، أفاده الرحمتي.
قوله: (ولو حكما) أي ولو كان الاستيعاب حكما بأن انقطع العذر في زمن يسير لا يمكنه فيه الوضوء
والصلاة فلا يشترط الاستيعاب الحقيقي في حق الابتداء كما حققه في الفتح والدرر، خلافا لما فهمه
الزيلعي كما بسطه في البحر. قال الرحمتي: ثم هل يشترط أن لا يمكنا مع سننهما أو الاقتصار على
فرضهما؟ يراجع ا ه‍. أقول: الظاهر الثاني. تأمل.
قوله: (في حق الابتداء) أي في حق ثبوته ابتداء.
قوله: (في جزء من الوقت) أي من كل وقت بعد ذلك الإستناب. إمداد. قوله: (ولو مرة) أي ليعلم
329

بها بقاؤه. إمداد. قوله: (وفي حق الزوال) أي زوال العذر، وخروج صاحبه عن كونه معذورا. قوله:
(تمام الوقت حقيقة) أي بأن لا يوجد العذر في جزء منه أصلا فيسقط العذر من أول الانقطاع، حتى لو
انقطع في أثناء الوضوء أو الصلاة ودام الانقطاع إلى آخر الوقت الثاني يعيد، ولو عرض بعد دخول
وقت فرض انتظر إلى آخره، فإن لم ينقطع يتوضأ ويصلي ثم إن انقطع في أثناء الوقت الثاني يعيد تلك
الصلاة، وإن استوعب الوقت الثاني لا يعيد لثبوت العذر حينئذ من وقت العروض ا ه‍. بركويه، ونحوه
في الزيلعي والظهيرية. وذكر في البحر عن السراج أنه لو انقطع بعد الفراغ من الصلاة أو بعد القعود
قدر التشهد لا يعيد لزوال العذر بعد الفراغ، كالمتيمم إذا رأى الماء بعد الفراغ من الصلاة. قوله:
(وحكمه) أي العذر أو صاحبه. قوله: (الوضوء) أي مع القدرة عليه، وإلا فالتيمم. قوله: لا غسل
ثوبه) أي إن لم يفد كما يأتي متنا. قوله: (ونحوه) كالبدن والمكان ط. قوله: (اللام للوقت) أي
فالمعنى لوقت كل صلاة، بقرينة قوله بعده فإذا خرج الوقت بطل فلا يجب لكل صلاة خلافا
للشافعي أخذا من حديث توضئي لكل صلاة قال في الامداد: وفي شرح مختصر الطحاوي.
وروى أبو حنيفة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي (ص) قال لفاطمة بنت أبي
حبيش: توضئي لوقت كل صلاة ولا شك أنه محكم لأنه لا يحتمل غيره، بخلاف حديث لكل
صلاة فإن لفظ الصلاة شاع استعماله في لسان الشرع والعرف في وقتها فوجب حمله على المحكم
وتمامه فيه. قوله: (ثم يصلي به) أي بالوضوء فيه: أي في الوقت. قوله: (فرضا) أي أي فرض كان.
نهر: أي فرض الوقت أو غيره من الفوائت. قوله: (بالأولى) لأنه إذا جاز له النفل وهو غير مطالب به
يجوز له الواجب المطالب به الأولى، أفاده ح، أو لأنه إذا جاز له الاعلى والأدنى يجوز الأوسط
بالأولى. قوله: (فإذا خرج الوقت بطل) أفاد أن الوضوء إنما يبطل بخروج الوقت فقط لا بدخوله خلافا
لزفر، ولا بكل منهما خلافا للثاني، وتأتي ثمرة الخلاف. قوله: (أي ظهر حدثه السابق) أي السابق
على خروج الوقت، وأفاد أنه لا تأثير للخروج في الانتقاض حقيقة، وإنما الناقض هو الحدث السابق
بشرط الخروج، فالحدث محكوم بارتفاعه إلى غاية معلومة، فيظهر عندهما مقتصرا لا مستندا، كما حققه
في الفتح. قوله: (حتى لو توضأ الخ) تفريع على قوله: أي ظهر حدثه السابق فإن معناه أنه يظهر
حدثه الذي قارن الوضوء أو الذي طرأ عليه بأن توضأ على السيلان أو وجد السيلان بعده في الوقت:
أي فأما إذا توضأ على الانقطاع ودام إلى الخروج فلا حدث بل هو طهارة كاملة، فلا يبطل بالخروج.
قوله: (ما لم يطرأ الخ) أي فإنه بعد الخروج لو طرأ: أي عرض له حدث آخر أو سال حدثه يبطل
وضوءه بذلك الحدث، فهو كالصحيح في ذلك، فتدبر. قوله: (كمسألة مسح خفه) أي التي قدمها في
باب المسح على الخفين بقوله: إنه أي المعذور يمسح في الوقت فقط إلا إذا توضأ ولبس على
الانقطاع فكالصحيح ا ه‍. وقدمنا أنها رباعية، لأنه إما أن يتوضأ ويلبس على الانقطاع أو يوجد الحدث
مع الوضوء أو مع اللبس أو معهما، فهو كالصحيح في الصورة الأولى فقط التي استثناها من المسح في
330

الوقت فقط وهي المرادة هنا، فلما كان حكم هذه المسألة معلوما حيث صرح فيها بأنه كالصحيح: أي
أنه يمسح في الوقت وخارجه إلى انتهاء مدة المسح، أراد أن يبين أن من توضأ على الانقطاع ودام إلى
خروجه فهو كالصحيح أيضا، فإذا خرج الوقت لا يبطل وضوءه ما لم يطرأ حدث آخر، فتشبيه مسألة
الوضوء بمسألة المسح من حيث إن كلا منهما حكمه كالصحيح، وإن كان حكمها مختلفا من حيث إنه
في الأولى يبطل وضوءه بطرو الحدث بعد الوقت ولا يبطل مسحه بذلك في مدة المسح، بمعنى أنه لا
يلزمه نزع الخف والغسل بعد الوقت، بخلاف الصور الثلاث من الرباعية، فافهم. قوله: (وأفاد) أي
بقوله: فإذا خرج الوقت بطل فإن المراد به وقت الفرض لا المهمل. قوله: (لم يبطل إلا بخروج
وقت الظهر) أي خلافا لزفر وأبي يوسف حيث أبطلاه بدخوله، وإن توضأ قبل الطلوع بطل أيضا
بالطلوع خلافا لزفرفقط لعدم الدخول، وإن توضأ قبل العصر له بطل اتفاقا لوجود الخروج والدخول،
والأصل ما مر. قوله: (هو المختار للفتوى) وقيل لا يجب غسله أصلا، وقيل: إن كان مقيدا بأن لا
يصيبه مرة أخرى يجب، وإن كان يصيبه المرة بعد الأخرى فلا، واختاره السرخسي. بحر.
قلت: بل في البدائع أنه اختيار مشايخنا، وهو الصحيح ا ه‍. فإن لم يمكن التوفيق بحمله على
ما في المتن فهو أوسع على المعذورين، ويؤيد التوفيق ما في الحلية عن الزاهدي عن البقالي: لو
علمت المستحاضة أنها لو غسلته يبقى طاهرا إلى أن تصلي يجب الاجماع، وإن علمت أنه يعود
نجسا غسلته عند أبي يوسف دون محمد ا ه‍. لكن فيها عن الزاهدي أيضا عن قاضي صدر أنه لو يبقى
طاهرا إلى أن تفرغ من الصلاة ولا يبقى إلى أن يخرج الوقت، فعندنا تصلي بدون غسله خلافا
للشافعي، لان الرخصة عندنا مقررة بخروج الوقت وعنده بالفراغ من الصلاة ا ه‍. لكن هذا قول ابن
مقاتل الرازي، فإنه يقول: يجب غسله في وقت كل صلاة قياسا على الوضوء. وأجاب عنه في
البدائع بأن حكم الحدث عرفناه بالنص ونجاسة الثوب ليست في معناه فلا تلحق به. قوله: (وكذا
مريض الخ) في الخلاصة: مريض مجروح تحته ثياب نجسة، إن كان بحال لا يبسط تحته شئ إلا
تنجس من ساعته له أن يصلي على حاله، وكذا لو لم يتنجس الثاني إلا أنه يزداد مرضه له أن يصلي
فيه. بحر من باب صلاة المريض. والظاهر أن المراد بقوله: من ساعته، أن يتنجس نجاسة مانعة
قبل الفراغ من الصلاة كما أشار إليه الشارح بقوله: وكذا. قوله: (والمعذور الخ) تقييد لما علم
مما مر من أن وضوءه يبقى ما دام الوقت باقيا. قوله: (ولم يطرأ) بالهمز. قال في المغرب: وطرأ
علينا فلان: جاء من بعيد فجأة، من باب منع ومصدره الطروء، وقولهم طري الجنون، والطاري
خلاف الأصل، فالصواب الهمزة، وأما الطريان فخطأ أصلا ا ه‍، فافهم. قوله: (أما إذا توضأ
لحدث آخر) أي لحدث غير الذي صار به معذورا وكان حدثه منقطعا كما في شرح المنية: أما إذا
كان حدثه غير منقطع وأحدث حدثا آخر ثم توضأ فلا ينتقض بسيلان عذره كما هو ظاهر التقييد،
لان وضوءه وقع لهما، ثم إن ما ذكره الشارح محترز قوله: إذا توضأ لعذره.
331

ووجه النقض فيه بالعذر أن الوضوء لم يقع له فكان عدما في حقه. بدائع، وكذا لو توضأ
على الانقطاع ودام إلى خروج الوقت ثم جدد الوضوء في الوقت الثاني ثم سال انتقض، لان تجديد
الوضوء وقع من غير حاجة فلا يعتد به. بخلاف ما إذا توضأ بعد السيلان. زيلعي. قوله: (أو توضأ
لعذره الخ) محترز قوله: ولم يطرأ عليه حدث آخر.
ووجه النقض فيه كما في البدائع أن هذا حدث جديد لم يكن موجودا وقت الطهارة، فكان هو
والبول والغائط سواء ا ه‍. قوله: (بأن سال أحد منخريه) أم لو سال منهما جميعا ثم انقطع أحدهما فهو
على وضوئه ما بقي الوقت، لان طهارته حصلت لهما جميعا، والطهارة متى وقعت لعذر لا يضرها
السيلان ما بقي الوقت، فبقي هو صاحب عذر بالمنخر الآخر، وعلى هذا صاحب القروح إذا انقطع
السيلان عن بعضها. بدائع. قوله: (ولو من جدري) بضم الجيم وفتح الدال ط. وبحط الشارح في
هامش الخزائن: قوله: أو قرحتيه يشمل من به جدري سال منها ماء فتوضأ ثم سال منها قرحة
أخرى فإنه ينتقض، لان الجدري قروح متعددة فصار بمنزلة جرحين في موضعين من البدن: أحدهما لا
يرقأ لو توضأ لأجله، ثم سال الآخر كما في شرح المنية ا ه‍. قوله: (فلا تبقى طهارته) جواب
أما. قوله: (أو تقليله) أي إن لم يمكنه رده بالكلية. قوله: (ولو بصلاته مومئا) أي كما إذا سال عند
السجود ولم يسل بدونه فيومئ قائما أو قاعدا، وكذا لو سال عند القيام يصلي قاعدا، بخلاف من
لو استلقى لم يسل فإنه لا يصلي مستلقيا ا ه‍. بركويه. قوله: (وبرده لا يبقى ذا عذر) قال في البحر:
ومتى قدر المعذور على رد السيلان برباط أو حشو أو كان جلس لا يسيل ولو قام سال وجب
رده، وخرج برده عن أن يكون صاحب عذر، ويجب أن يصلي جالسا بإيماء إن سال بالميلان، لان
ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث ا ه‍.
واستفيد من هذا أن الصاحب الحمصة غير معذور، لامكان رد الخارج برفعها ط، وهذا إذا كان
الخارج منه فيه قوة السيلان بنفسه لو ترك وكان إذا رفعها ينقطع سيلانه أو كان يمكنه ربطه بما يمنعه من
السيلان والنش كنحو جلد، أما إذا كان لا ينقطع في الوقت برفعها ولا يمكنه الربط المذكور فهو
معذور، وقدمنا بقية الكلام في نواقض الوضوء (1). قوله: (بخلاف الحائض) لان الشرع اعتبر دم
الحيض كالخارج حيث جعلها حائضا، وكان القياس خلافه لانعدام دم الحيض حسا ا ه‍. حلية. وهذا
إذا منعته بعد نزوله إلى الفرج الخارج كما أفاده البركوي، لما مر أنه لا يثبت الحيض إلا بالبروز لا
بالإحساس به خلافا لمحمد، فلو أحست به فوضعت الكرسف في الفرج الداخل ومنعته من الخروج
فهي طاهرة كما لو حبس المني في القصبة. قوله: (لان معه حدثا ونجسا) أي بخلاف المقتدي، فإن

(1) قال في البزازية: إذا قدرت المستحاضة أو ذو الجرح أو المفتصد على منع دم يربط وعلى منع النش بخرقة الربط لزم
وكان كالاصحاء، فان لم يقدر على منع النش فهو ذو عذر ا ه‍. منه.
332

معه انفلات الريح وهو حدث فقط. وظاهر التعليل جواز عكس هذه الصورة، وبه صرح الشارح في
باب الإمامة، لكن صرح في النهر هناك بعدم الجواز، وبأن مجرد اختلاف العذر مانع.
أقول: ويوافقه ما صرح به في السراج والتبيين والفتح وغيرها، من أن اقتداء المعذور
بالمعذور صحيح إن اتحد عذرهما، وأوضحه في شرح المنية، فراجعه، وسيأتي تمامه في محله إن
شاء الله تعالى، وهو سبحانه وتعالى أعلم.
باب الأنجاس
أي باب بيانها وبيان أحكامها وتطهير محالها. وقدم الحكمية لأنها أقوى، لكون قليلها يمنع
جواز الصلاة اتفاقا ولا يسقط وجوب إزالتها بعذر. بحر عن النهاية.
أقول: فيه أن الحكمية لا تتجزأ عن الأصح، فمن بقيت عليه لمعة فهو محدث فلا توصف
بالقلة، وقد تسقط بعذركما مر أول الطهارة فيمن قطعت يداه ورجلاه وبوجهه جراحة فإنه يصلي بلا
وضوء ولا تيمم ولا إعادة عليه. قوله: (بفتحتين) كذا في العناية، ثم قال: وهل كل مستقذر، وهو في
الأصل مصدر ثم استعمل اسما ا ه‍. لكن الصحيح ما قاله تاج الشريعة: إنه جمع نجس، بكسر الجيم،
لما في العباب: النجس ضد الطاهر، والنجاسة ضد الطهارة، وقد نجس ينجس كسمع يسمع وكرم
يكرم، وإذا قلت رجل نجس بكسر الجيم ثنيت وجمعت وبفتحها لم تثن ولم تجمع، وتقول رجل
ورجلان ورجال وامرأة ونساء نجس ا ه‍. وتمامه في شرح الهداية للعيني. وحاصله أن الأنجاس ليس
جمعا لمفتوح الجيم بل لمكسورها. قوله: (يعم الحقيقي والحكمي) والخبث يخص الأول والحدث
الثاني. بحر، فلو قال المصنف: رفع خبث بدل قوله: رفع نجاسة حقيقية كان أخصر ا ه‍. ح.
قوله: (يجوز الخ) عبر بالجواز لأنه أطلق في قوله: عن محلها ولم يقيده ببدن المصلي وثوبه ومكانه
كما قيده في الهداية فعبر بالوجوب، ولان المقصود كما قال ابن الكمال بيان جواز الطهارة بما ذكر:
أي من الماء وكل مائع الخ، لا بيان وجوبها حالة الصلاة فإنه من مسائل باب شروط الصلاة ا ه‍.
على أن الوجوب كما قال في الفتح مقيد بالامكان وبما إذا لم يرتكب ما هو أشد، حتى لو
لم يتمكن من إزالتها إلا بإبداء عورته للناس يصلي معها لان كشف العورة أشد، فلو أبداها للإزالة
فسق، إذ من ابتلي بين محظورين عليه أن يرتكب أهونهما ا ه‍. وقدم الشارح في الغسل من الجنابة أنه
لا يدعه وإن رآه الناس، وقدمنا ما فيه من البحث هناك. قوله: (ولو إناء أو مأكولا) أي كقصعة
وأدهان، وهذا حيث أمكن لقوله آخر الباب حنطة طبخت في خمر لا تطهر أبدا. قوله: (أو لا)
كما لو تنجس طرف من ثوبه ونسيه فيغسل طرفا منه ولو بلا تحر كما سيأتي متنا مع ما فيه من
الكلام. قوله: (بماء) يستثنى منه الماء المشكوك على أحد القولين كما مر في الأسئار. قوله: (به
يفتى) أي خلافا لمحمد، لأنه لا يجيز إزالة النجاسة الحقيقية إلا بالماء المطلق. بحر. لكن فيه أنهم
ذكروا أن الطهارة بانقلاب العين قول محمد. تأمل. قوله: (وبكل مائع) أي سائل، فخرج الجامد
كالثلج قبل ذوبه أفاده ط.
333

تنبيه صرح في الحلية في بحث الاستنجاء بأنه تكره إزالة النجاسة بالمائع المذكور لما فيه
من إضاعة المال عند عدم الضرورة. قوله: (طاهر). فبول ما يؤكل لا يطهر محل النجاسة اتفاقا، بل
ولا يزيل حكم الغليظة في المختار، فلو غسل به الدم بقيت نجاسة الدم لأنه ما ازداد الثوب به إلا
شرا، ولو حلف ما فيه دم: أي نجاسة دم يحنث، وعلى الضعيف لا، وكذا الحكم في الماء
المستعمل على القول بنجاسته، وتمامه في النهر. قوله: (قالع) أي مزيل. قوله: (ينعصر بالعصر)
تفسير لقالع لا قيد آخر ا ه‍. ح. قوله: (فتطهر أصبع الخ) عبارة البحر: وعلى هذا فرعوا طهارة
الثدي إذا قاء عليه الولد ثم رضعه حتى زال أثر القئ، وكذا إذا لحس أصبعه من نجاسة حتى ذهب
الأثر أو شرب خمرا ثم تردد ريقه في فيه مرارا طهر، حتى لو صلى صحت. وعلى قول محمد لا ا ه‍.
وقدمنا من الأسئار عن الحلية أنه لا بد أن يزول أثر الخمر عن الريق في كل مرة. وفي الفتح: صبي
ارتضع ثم قاء فأصاب ثياب الام إن كان ملء الفم فنجس، فإذا زاد على قدر الدرهم منع. وروى
الحسن على الامام أنه لا يمنع ما لم يفحش لأنه لم يتغير من كل وجه وهو الصحيح، وقدمنا ما
يقتضي طهارته. قوله: (مزيل) لم يقل مطهر لما علمت من أن بول المأكول لا يطهر اتفاقا، وإنما
الخلاف في إزالته للنجاسة الكائنة. قوله: (فخلاف المختار) وعلى ضعفه فالمراد باللبن ما لا
دسومة فيه. بحر. قوله: (ويطهر خف ونحوه) احتراز عن الثوب والبدن، فلا يطهران بالدلك إلا في
المني، وتمامه في البحر، وأطلقه فشمل ما إذا أصاب النجس موضع الوطئ وما فوقه، وهو الصحيح
كما في حاشية الحموي. قوله: (كنعل) ومثله الفرو ا ه‍. ح عن القهستاني والحموي: أي من غير
جانب الشعر، وقيد النعل في النهر بغير الرقيق، ولم أره لغيره.
وأما قول البحر: قيده أبو يوسف بغير الرقيق، فالمراد به النجس ذو الجزم، ومثل له في
المعراج بالخمر والبول، فالضمير في عبارة البحر للنجس لا للنعل. قوله: (بذي جرم) أي وإن كان
رطبا على قول الثاني، وعليه أكثر المشايخ، وهو الأصح المختار، وعليه الفتوى لعموم البلوى،
ولاطلاق حديث أبي داود إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر، فإن رأى في نعله أذى أو قذرا
فليمسحه وليصل فيهما (1) كما في البحر وغيره. قوله: (هو كل ما يرى بعد الجفاف) أي على
ظاهر الخف كالعذرة والدم، وما لا يرى بعد الجفاف فليس بذي جرم. بحر، ويأتي تمامه قريبا.
قوله: (ولو من غيرها) أي ولو كان الجرم المرئي من غير النجاسة. قوله: (كخمر وبول الخ) أي
بأن ابتل الخف بخمر فمشى به على رمل أو رماد فاستجسد فمسحه بالأرض حتى تناثر طهر، وهو
الصحيح. بحر عن الزيلعي.
أقول: ومفاده أن الخمر والبول ليس بذي جرم مع أنه قد يرى أثره بعد الجفاف، فالمراد بذي

(1) قوله: (وليصل فيهما) هكذا بخطه، ولعله فيها: اي النعل وليحرر لفظ الحديث تأمل ا ه‍. مصححه.
334

الجرم ما تكون ذاته مشاهدة بحس البصر، وبغيره ما لا تكون كذلك كما سنذكره مع ما فيه من
البحث عند قوله: وكذا يطهر محل نجاسة مرئية. قوله: (بدلك) أي بأن يمسحه مسحا قويا ط،
ومثل الدلك الحك والحت على ما في الجامع الصغير. وفي المغرب: الحت القشر باليد أو
العود. قوله: (يزول به أثرها) أي إلا أن يشق زواله. نهر. قوله: (وإلا جرم لها) أي وإن كانت
النجاسة المفهومة من المقام لا جرم لها. قوله: (فيغسل) أي الخف: قال في الذخيرة: والمختار أن
يغسل ثلاث مرات ويترك في كل مرة حتى ينقطع التقاطر وتذهب التداوة، ولا يشترط اللبس. قوله:
(صقيل) احترز به عن نحو الحديد إذا كان عليه صدأ أو منقوشا، وبقوله: لا مسام له عن الثوب
الصقيل فإن له مساما (1) ح عن البحر. قوله: (وآنية مدهونة) أي كالزبدية الصينية. حلية. (أو
خراطي) بفتح الخاء المعجمة والراء المشددة بعدها ألف وكسر الطاء المهملة آخره ياء مشددة نسبة
إلى الخراط، وهو خشب يخرطه الخراط فيصير صقيلا كالمرآة ح. قوله: (بمسح) متعلق بيطهر،
وإنما اكتفى بالمسح، لان أصحاب رسول الله (ص) كانوا يقتلون الكفار بسيوفهم ثم يمسحونها
ويصلون معها ولأنه لا تتداخله النجاسة، وما على ظهره يزول بالمسح. بحر. قوله: (مطلقا) أي
سواء أصابه نجس له جرم أو لا، رطبا كان أو يابسا على المختار للفتوى. شرنبلالية عن البرهان.
قال في الحلية: والذي يظهر أنها لو يابسة ذات جرم تطهر بالحت والمسح بما فيه بلل ظاهر
من خرقة أو غيرها حتى يذهب أثرها مع عينها، ولو يابسة ليست بذات جرم كالبول والخمر
فبالمسح بما ذكرناه لا غير، ولو رطبة ذات جرم أولا فبالمسح بخرقة مبتلة أو لا.
(تنبيه): بقي مما يطهر بالمسح موضع الحجامة، ففي الظهيرية: إذا مسحها بثلاث خرق رطبات
نظاف أجزأه عن الغسل، وأقره في الفتح، وقاس عليه ما حول محل الفصد إذا تلطخ ويخاف من
الإسالة السريان إلى الثقب. قال في البرح: وهو يقتضي تقييد مسألة المحاجم بما إذا خاف من
الإسالة ضررا والمنقول مطلق ا ه‍.
أقول: وقد نقل في القنية عن نجم الأئمة الاكتفاء فيها بالمسح مرة واحدة إذا زال بها الدم،
لكن في الخانية لو مسح موضع الحجامة بثلاث خرق مبلولة يجوز إن كان الماء متقاطرا ا ه‍.
والظاهر أن هذا مبني على قول أبي يوسف في المسألة بلزوم الغسل كما نقله عنه في الحلية
عن المحيط، يدل عليه ما في الخانية قبل هذه المسألة عن أبي جعفر على بدنه نجاسة فمسحها
بخرقة مبلولة ثلاثا يطهر لو الماء متقاطرا على بدنه ا ه‍. فإنه مع التقاطر يكون غسلا لا مسحا، لما
في الولوالجية: أصابه نجاسة قبل يده ثلاثا ومسحها، إن كانت البلة من يده متقاطرة جاز لأنه يكون
غسلا، وإلا فلا. قوله: (بخلاف نحو بساط) أي وحصير وثوب وبدن مما ليس أرضا ولا متصلا بها
اتصال قرار. قوله: (بيبسها) لما في سنن أبي داود باب طهور الأرض إذا يبست وساق بسنده
عن ابن عمر قال: كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله (ص) وكنت شابا عزبا، وكانت

(1) قوله: (فان له مساما) هكذا بخطه، ولعل صوابه مسام بحذف آلاف لكونه على صيغة منتهى الجموع كما لا يخفى
ا ه‍. مصححه.
335

الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك ا ه‍. ولو أريد تطهيرها
عاجلا يصب عليها الماء ثلاث مرات وتجفف في كل مرة بخرقة طاهرة، وكذا لو صب عليها الماء
بكثرة حتى لا يظهر أثر النجاسة. شرح المنية وفتح. وهل الماء في الصورة الثانية نجس أم طاهر؟
يفهم من قول البحر صب عليها الماء كثيرا ثم تركها حتى نشفت طهرت أنه نجس، لأنه علق طهارتها
بنشافها: أي يبسها، وبه صرح في التاترخانية عن الحجة حيث قال: ويتنجس الموضع الذي انتقل
إليه الماء. وفي البدائع ما يدل عليه. والظاهر أن هذا حيث لم يصر الماء جاريا عرفا، أما لو جرى
بعد انفصاله عن محلها ولم يظهر فيه أثرها فينبغي أن يكون طاهرا، لان الجاري لا يتنجس وإن لم
يكن له مدد ما لم يظهر فيه الأثر، يدل عليه ما في الذخيرة.
وعن الحسن بن أبي مطيع: إذا صب عليها الماء فجرى قدر ذراع طهرت الأرض والماء
طاهر، بمنزلة الماء الجاري.
وفي المنتفى: أصابها المطر غالبا وجرى عليها فذلك مطهر لها، ولو قليلا لم يجر عليها لم
تطهر، فيغسل قدميه وخفيه، يريد به إذا كان المطر قليلا ومشى عليها ا ه‍. فهذا نص في المقصود،
ولله الحمد، وسنذكر آخر الفصل تمام ذلك. قوله: (أي جفافها) المراد به ذهاب الندوة، وفسر
الشارح به لان المشروط دون اليبس كما دلت عليه عبارات الفقهاء. قهستاني. وصرح به ابن الكمال
عن الذخيرة. قوله: (ولو بريح) أشار أن تقييد الهداية وغيرها بالشمس اتفاقي، فإنه لا فرق بين
الجفاف بالشمس أو النار أو الريح كما في الفتح وغيره. قوله: (كلون وريح) أدخلت الكاف الطعم،
وبه صرح في البحر والذخيرة وغيرهما. قوله: (وله الطهورية) لان الصعيد علم قبل التنجس طاهرا
وطهورا، وبالتنجس علم زوال الوصفين ثم ثبت بالجفاف شرعا أحدهما: أعين التطهير فيبقى الآخر
على ما علم من زواله، وإن لم يكن طهورا لا يتيمم به ا ه‍. فتح. قوله: (مفروش) أما لو موضوعا
غير مثبت فيها ينقل ويحول فلا بد من الغسل، لأن الطهارة
بالجفاف إنما وردت في الأرض، ومثل هذا
لا يسمى أرضا عرفا، ولذا لا يدخل في بيع الأرض حكما لعدم اتصاله بها على جهة القرار فلا يلحق
بها. شارح المنية. زاد في الحلية: وإذا قلع المفروش بعد ذلك هل يعود نجسا؟ فيه روايتان. قلت:
والأشبه عدم العود ا ه‍. وفي البحر عن الخلاصة أنه المختار. قوله: (بالخاء) أي المعجمة المضمومة
والصاد المهملة المشددة. قوله: (تحجيرة سطح) من الحجر بالفتح: وهو المنع، وفسره في الدرر تبعا
لصدر الشريعة بالسترة التي تكون على السطوح: أي لأنها تمنع من النظر إلى من هو خلفها، وفسره
في المغرب والصحاح بالبيت من القصب. قوله: (وكلا) بوزن جبل. قال في المغرب: هو اسم لما
يرعاه الدواب رطبا كان أو يابسا. قوله: (وكذا الخ) ومثله الحصى إذا كان متداخلا في الأرض كما في
المنية. وفي التاترخانية: أما إذا كان على وجه الأرض لا يطهر ا ه‍. والظاهر أن التراب لا يتقيد بذلك
وإلا لزم تقييد الأرض التي تطهر باليبس بما لا تراب عليها. تأمل. قوله: (إلا حجرا خشنا الخ) في
الخانية ما نصه: الحجر إذا أصابته النجاسة إن كان حجرا يتشرب النجاسة كحجر الرحى يكون يبسه
336

طهارة، وإن كان لا يتشرب لا يطهر إلا بالغسل ا ه‍. ومثله في البحر.
وبحث فيه في شرح المنية فقال: هذا بناء على أن النص الوارد في الأرض معقول المعنى، لان
الأرض تجذب النجاسة والهواء يجففها فيقاس عليها ما يوجد فيذلك المعنى الذي هو الاجتذاب،
ولكن يلزم يطهر اللبن والآجر بالجفاف وذهاب الأثر وإن كان منفصلا عن الأرض لوجود
التشرب والإجتذاب ا ه‍. وعن هذا استظهر في الحلية حمل ما في الخانية على الحجر المفروش دون
الموضوع، وهذا هو المتبادر من عبارة الشرنبلالية، لكن يرد عليه أنه لا يظهر فرق حينئذ بين الخشن
وغيره، فالأول حمله على المنفصل كما هو المفهوم المتبادر من عبارة الخانية والبحر.
ويجاب عما بحثه في شرح المنية بأن اللبن والآجر قد خرجا بالطبخ والصنعة عن ماهيتهما
الأصلية، بخلاف الحجر فإنه على أصل خلقته فأشبه الأرض بأصله، وأشبه غيرها بانفصاله عنها،
فقلنا: إذا كان خشنا فهو في حكم الأرض، لأنه يتشرب النجاسة، وإن كان أملس فهو في حكم
غيرها لأنه لا يتشرب النجاسة، والله أعلم. قوله: (بفرك) هو الحك باليد حتى يتفتت. بحر. قوله:
(ولا يضر بقاء أثره) أي كبقائه بعد الغسل. بحر. قوله: (وإن طهر رأس حشفة) قيل هو مقيد أيضا
بما إذا لم يسبقه مذي، فإن سبقه فلا يطهر إلا بالغسل. وعن هذا قال شمس الأئمة الحلواني:
مسألة المني مشكلة، لان كل فحل يمذي ثم يمني، إلا أن يقال: إنه مغلوب بالمني مستهلك فيه
فيعجل تبعا ا ه‍. وهذا ظاهر، فإنه إذا كان كل فحل كذلك وقد طهره الشرع بالفرك يابسا يلزم أنه
اعتبر مستهلكا للضرورة، بخلاف ما إذا بال فلم يستنج بالماء حتى أمنى لعدم الملجئ ا ه‍. فتح.
وما في البحر من أن ظاهر المتون الاطلاق فإن المذي لم يعف عنه إلا لكونه مستهلكا لا للضرورة
فكذا البول، رده في النهر بأن الأصل أن لا يجعل النجس تبعا لغيره إلا بدليل وقد قام في المذي
دون البول ا ه‍. قال الشيخ إسماعيل: وهو وجيه كما لا يخفى ا ه‍. وقال العلامة نوح: والحق أن
المذي إنما عفي عنه للضرورة لا للاستهلاك، ثم أطال في رد ما في حاشية أخي جلبي من أن
اللائق بحال المسلم أن لا يكتفي بالفرك في المني أبدا، لان القيود المعتبرة فيه ما يستحل رعايتها
عادة فراجعه. قوله: (كأن كان مستنجيا بماء) أي بعد البول، واحترز عن الاستنجاء بالحجر لأنه
مقلل للنجاسة لا قالع لها كما مر في مسألة البئر. قال في شرح المنية: ولو بال ولم يستنج بالماء،
قيل لا يطهر المني الخارج بعده بالفرك، قاله أبو إسحاق الحافظ، وهكذا روى الحسن عن
أصحابنا. وقيل: إن لم ينتشر البول على رأس الذكر ولم يجاوز الثقب يطهر به، وكذا إن انتشر
ولكن خرج المني دفقا لأنه لو يوجد مروره على البول الخارج، ولا أثر لمروره عليه في الداخل
لعدم الحكم بنجاسة ا ه‍.
وحاصله كما قال نوح أفندي: إما أن ينتشر كل من البول والمني أولا أو لا، أو البول فقط،
أو المني فقط، ففي الأول لا يطهر بالفرك، وفي الثلاثة الأخيرة يطهر. قوله: (لتلوثه بالنجس) قد
يقال بناء على القول المار آنفا: إنه إذا خرج المني ولم ينتشر على رأس الذكر لا تلوث فيه.
أفاده ط. قوله: (برطوبة الفرج) أي الداخل بدليل قوله أولج. وأما رطوبة الفرج الخارج فطاهر
337

اتفاقا ا ه‍. ح. وفي منهاج الامام النووي: رطوبة الفرج ليست بنجسة في الأصح. قال ابن حجر في
شرحه: وهي ماء أبيض متردد بين المذي والعرق يخرج من باطن الفرج الذي لا يجب غسله، بخلاف
ما يخرج مما يجب غسله فإنه طاهر قطعا، ومن وراء باطن الفرج فإنه نجس قطعا ككل خارج من
الباطن كالماء الخارج مع الولد أو قبيله ا ه‍. وسنذكر في آخر باب الاستنجاء أن رطوبة الولد طاهرة.
وكذا السخلة والبيضة. قوله: (أما عنده) أي عند الامام، وظاهر كلامه في آخر الفصل الآتي أنه
المعتمد. قوله: (أو لا رأسها طاهرا) أو مانعة الخلو مجوزة الجمع، فيصدق بما إذا كان يابسا
ورأسها غير طاهر، أو رطبا ورأسها طاهر، أو لم يكن يابسا ولا رأسها طاهرا. وفي بعض النسخ
بالواو بدل أو وهو سهو من الناسخ ا ه‍. ح.
أقول: لا سهو، بل غاية ما يلزمه أنه تصريح ببعض الصور وهو صورة الجمع دون صورتي
الانفراد، فافهم. قوله: (ولو دما عبيطا) بالعين المهملة: أي طريا. مغرب وقاموس: أي ولو كانت
النجاسة دما عبيطا فإنها لا تطهر إلا بالغسل على المشهور لتصريحهم بأن طهارة الثوب بالفرك إنما هو
في المني لا في غيره. بحر. فما في المجتبى لو أصاب الثوب دم عبيط فيبس حتى طهر كالمني
فشاذ. نهر، وكذا ما في القهستاني عن النوازل أن الثوب يطهر عن العذرة الغليظة بالفرك قياسا على
المني ا ه‍. نعم لو خرج المني دما عبيطا فالظاهر طهارته بالفرك. قوله: (بلا فرق) أي فركه في يابسا
وغسله طريا. قوله: (ومنيها) أي المرأة كما صححه في الحانية، وهو ظاهر الرواية عندنا كما في
مختارات النوازل، وجزم في السراج وغيره بخلافه، ورجحه في الحلية بما حاصله أن كلامهم متظافر
على أن الاكتفاء بالفرك في المني استحسان بالأثر على خلاف القياس، فلا يلحق به إلا ما في معناه
من كل وجه، والنص ورد في مني الرجل، ومني المرأة ليس مثله لرقته وغلظ مني الرجل. والفرك
إنما يؤثر زوال المفروك أو تقليله وذلك فيما لو جرم، والرقيق المائع لا يحصل في فركه هذا الغرض
فيدخل مني المرأة إذا كان غليظا ويخرج مني الرجل إذا كان رقيقا لعارض ا ه‍.
أقول: وقد يؤيد ما صححه في الخانية بم صح عن عائشة رضي الله عنها: كنت أحك المني
من ثوب رسول الله (ص) وهو يصلي ولا خفاء أنه كان من جماع، لان الأنبياء لا تحتلم، فيلزم
اختلاط مني المرأة به، فيدل على طهارة منيها بالفرك بالأثر لا بالالحاق، فتدبر. قوله: (كما بحثه
الباقاني) لعله شرحه على النقاية. وأما في شرحه على الملتقى فلم أجده فيه، وسبقه إلى ذلك
القهستاني فقال: والمني شامل لكل حيوان فينبغي أن يطهر به ا ه‍: أي بالفرك.
وفي حاشية أبي السعود: لا فرق بين مني الآدمي وغيره كما في الفيض والقهستاني أيضا،
خلافا لما نقله الحموي عن السمرقندي من تقييده بمني الآدمي ا ه‍.
أقول: المنقول في البحر والتاترخانية أن مني كل حيوان نجس، وأما عدم الفرق بين التطهير
فمحتاج إلى نقل، وما مر عن السمرقندي متجه، ولذا قال ح: إن الرخصة وردت في مني الآدمي على
خلاف القياس فلا يقاس عليه غيره، فإن الحق دلالة يحتاج إلى بيان أن مني غير الآدمي خصوصا مني
338

الخنزير والكلب والفيل الداخل في عموم كلامه في معنى مني الآدمي ودونه خرط القتاد ا ه‍.
ورأيت في بعض الهوامش عن شرح النقاية للبرجندي أنه قال: قد ذكروا أن الحكمة في تطهير
الثوب من المني بالفرك عموم البلوى وعدم تداخله الثوب، فبالنظر إلى الأول لا يكون حكم غيره
من سائر الحيوانات كذلك ا ه‍.
(تنبيه): نجاسة المني عندنا مغلظة: سراج. والعلقة والمضغة نجسان كالمني. نهاية وزيلعي،
وكذا الولد إذا لم يستهل، لما في الخانية: لو سقط في الماء أفسده وإن غسل، وكذا لو حمله
المصلي لا تصح صلاته بحر. وأما ما نقله في البحر بعد ذلك عن الفتح من أن العلقة إذا صارت
مضغة تطهر فمشكل، إلا أن يجاب بحمله على ما إذا نفخت فيها الروح واستمرت الحياة إلى
الولادة. تأمل. قوله: (بغير مائع) أي كالدلك في الخف، والجفاف في الأرض، والدباغة الحكمية
في الجلد، وغوران الماء في البئر، والمسح في الصقيل. قال في البحر بعد سوق عباراتهم فيها:
فالحاصل أن التصحيح والاختيار قد اختلف في كل مسألة منها كما ترى، فالأولى اعتبار الطهارة في
الكل كما يفيده أصحاب المتون حيث صرحوا بالطهارة في كل، واختاره في الفتح. ولا يرد
المستنجي بالحجر إذا دخل الماء فإنه ينجسه، لان غير المائع لم يعتبر مطهرا في البدن إلا في
المني ا ه‍: أي فالحجر لا يطهر محل الاستنجاء من البدن، وإنما هو مقلل فلذا نجس الماء، بخلاف
الدلك ونحوه فإنه مطهر، ومقتضاه أن الخف لو وقع في ماء قليل لا ينجسه. ثم رأيت في التجنيس
قال: ولو ألقى تراب هذه الأرض بعدما جف في الماء، هل ينجس؟ هو على هاتين الروايتين ا ه‍:
أي فعلى رواية الطهارة لا ينجس، وقدمنا أن الآجرة إذا تنجست فجفت ثم قلعت فالمختار عدم
العود. قوله: (وقد أنهيت في الخزائن الخ) ونصها: ذكروا أن التطهير يكون بغسل وجري الماء على
نحو بساط، ودخوله من جانب وخروجه من آخر بحيث يعد جاريا، وغسل طرف ثوب نسي محل
نجاسته، ومسح صقيل، ومسح نطع، وموضع محجمة وفصد بثلاث خرق، وجفاف أرض، ودلك
خف، وفرك مني، واستنجاء بنحو حجر، ونحو ملح وخشبة، وتقور نحو سمن جامد بأن لا
يستوي من ساعته، وذكاة ودبغ ونار وندف قطن تنجس أقله، وقسمة مثلي، وغسل وبيع وهبة،
وأكل لبعضه (1) وانقلاب عين، وقلبها بجعل أعلى الأرض أسفل، ونزح بئر وغورانها، وغوران قدر
الواجب وجريانها، وتخلل خمر، وكذا تخليلها عندنا، وغلي اللحم عند الثاني، ونضح بول صغير عند
الشافعي، فهذه نيف وثلاثون وفي بعضها مسامحة ا ه‍.
ووجه المساحة ما أوضحه في النهر، من أنه لا ينبغي عد التقور لان السمن الجامد لم
يتنجس كله، بل ما ألقي منه فقط ولا قلب الأرض لبقاء النجاسة في الأسفل، وكذا القسمة
والأربعة بعدها، وإنما يجوز الانتفاع لوقوع الشك في بقاء النجاسة في الموجود، وكذا الندف، ومن
عده شرط كون النجس مقدارا قليلا يذهب بالندف وإلا فلا يطهر كما في البزازية ا ه‍.
أقول: ومثل التقور النحت، على أن في كثير من هذه المسائل تداخلا، ولا ينبغي ذكر نضح

(1) قوله: (لبعضه) تنازع فيه كل من غسل بيع وهبة وأكل ا ه‍. منه.
(2) قوله: (التغور) بالغين المعجمة: بمعنى غوران البئر، وقول شارح الوهبانية الآتي تقور هو بالقاف: بمعنى تقوير
السمن الجامد ا ه‍. منه.
339

بول الصبي بالماء لأنه ليس مذهبنا.
هذا، وقد زاد بعضهم نفخ الروح بناء على ما قدمناه آنفا عن الفتح، وزاد بعضهم التمويه
كالسكين إذا موه: أي سقي بماء نجس يموه بماء طاهر ثلاثا فيطهر، وكذا لحس اليد ونحوها.
قوله: (وغيرت نظم ابن وهبان) حيث قال في فصل المعاياة ملغزا:
وآخر دون الفرك والندف والجفاف * والنحت قلب العين والغسل يطهر
ولا دبغ تخليل ذكاة تخلل * ولا المسح والنزح الدخول التغور
وزاد شارحها بيتا فقال:
وأكل وقسم غسل بعض ونحله (1) * وندف وغلي بيع بعض تقور ا ه‍.
وأراد بقوله وآخر الحفر: أي ما شئ آخر من المطهرات غير هذا المذكورات. قوله: (وقلب
العين) كانقلاب الخنزير ملحا كما سيأتي متنا. قوله: (الحفر) أي قلب الأرض بجعل الاعلى أسفل.
قوله: (وتخليل) أي تخليل الخمر بإلقاء شئ فيها وهو كالتخلل بنفسها، وهما داخلان في انقلاب
العين كما يعلم من البحر. قال في الفتح: ولو صب ماء في خمر أو بالعكس ثم صار خلاف طهر في
الصحيح، بخلاف ما لو وقعت فيها فأرة ثم أخرجت بعد ما تخللت في الصحيح لأنها تنجست بعد
التخلل، بخلاف ما لو أخرجت قبله ا ه‍. وكذا لو وقعت في العصير أو ولغ فيه كلب ثم تخمر ثم
تخلل لا يطهر هو المختار. بحر عن الخلاصة.
وفي الخانية: خمر صب في قدر الطعام ثم صب فيه الخل وصار حامضا بحيث لا يمكن أكله
لحموضته وحموضه حموضة الخل لا بأس بأكله، وعلى هذا كل ما صب فيه الخل وصار خلا، وكذا لو
وقعت فأرة في خمر واستخرجت قبل التفسخ ثم صارت خلا، فلو بعده لا يحل.
والخل النجس إذا صب في خمر فصار خلا يكون نجسا لان النجس لم يتغير، وإذا ألقي في
الخمر رغيف أو بصل ثم صار الخمر خلا فالصحيح أنه طاهر ا ه‍. وسيأتي شئ من ذلك في الفروع
آخر الفصل الآتي. قوله: (ذكاة) أي ذبح حيوان فإنه يطهر الجلد، وكذا اللحم ولو من غير مأكول
على أحد التصحيحين كما مر في محله. قوله: (والدخول) أي دخول الماء الطاهر في الحوض
الصغير النجس مع خروجه من جانب آخر وإن قل في الصحيح كما مر. قوله: (التغور) أي غوران
ماء البئر قدر ما يجب نزحه منها مطهر لها كالنزح كما تقدم. قوله: (تصرفه في البعض) أي من نحو
حنطة تنجس بعضها، والتصرف يعم الاكل والبيع والهبة والصدقة، أفاده ح. وهذه المسألة ستأتي
متنا، وينبغي تقييد التصرف بأن يكون بمقدار ما تنجس منها أو أكثر لا أقل، كما يفيده ما قدمناه في
الندف عن النهر. قوله: (ونزحها) أي نزح البئر. قوله: (ونار) كما لو أحرق موضع الدم من رأس

(1) قوله: (ونحله) اي هبته، من نحل الشئ: وهبه ا ه‍. منه.
340

الشاة بحر. وله نظائر تأتي قريبا، ولا تظن أن كل ما دخلته النار يطهر كما بلغني عن بعض الناس
أنه توهم ذلك، بل المراد أن ما استحالت به النجاسة بالنار أو زال أثرها بها يطهر، ولذا قيد ذلك في
المنية بقوله: في مواضع. قوله: (وغلي) أي بالنار كغلي الدهن أو اللحم ثلاثا على ما سيأتي بيانه.
قوله: (غسل بعض) أي بعض نحو ثوب تنجس شئ منه كما سيأتي الكلام عليه. قوله: (تقور) أي
تقوير نحو سمن جامد من جوانب النجاسة، فهو من استعمال مصدر اللازم في المتعدي كالطهارة
بمعنى التطهير كما أفاده الحموي. وخرج بالجامد المائع، وهو ما ينضم بعضه إلى بعض فإنه ينجس
كله ما لم يبلغ القدر الكثير على ما مر ا ه‍. فتح: أي بأن كان عشرا في عشر، وسيأتي كيفية تطهيره
إذا تنجس. قوله: (ويطهر زيت) قد ذكر هذه المسألة العلامة قاسم في فتاواه، وكذا ما سيأتي
متنا وشرحها من مسائل التطهير بانقلاب العين، وذكر الأدلة على ذلك بما لا مزيد عليه، وحقق
ودقق كما هو دأبه رحمه الله تعالى، فليراجع.
ثم هذه المسألة قد فرعوها على قول محمد بالطهارة بانقلاب العين الذي عليه الفتوى، واختاره
أكثر المشايخ خلافا لأبي يوسف كما في شرح المنية والفتح وغيرهما. وعبارة المجتبى: جعل
الدهن النجس في صابون يفتى بطهارته لأنه تغير، والتغير يطهر عند محمد، ويفتى به للبلوى ا ه‍.
وظاهره أن دهن الميتة كذلك لتعبيره بالنجس دون المتنجس، إلا أن يقال: هو خاص بالنجس لان
العادة في الصابون وضع الزيت دون بقية الادهان. تأمل. ثم رأيت في شرح المنية ما يؤيد الأول
حيث قال: وعليه يتفرع ما لو وقع إنسان أو كلب في قدر الصابون فصار صابونا يكون طاهرا لتبدل
الحقيقة ا ه‍.
ثم اعلم أن العلة عند محمد هي التغير وانقلاب الحقيقة، وأنه يفتى به للبلوى كما علم مما مر،
ومقتضاه عدا اختصاص ذلك الحكم بالصابون، فيدخل فيه كل ما كان فيه تغير وانقلاب حقيقة
وكافيه بلوى عامة، فيقال: كذلك في الدبس المطبوخ إذا كان زبيبه متنجسا، ولا سيما أن الفأر
يدخله فيبول ويبعر فيه وقد يموت فيه. وفيه بحث كذلك بعض شيوخ مشايخنا فقال: وعلى هذا إذا
تنجس السمسم ثم صار طحينة يطهر، خصوصا وقد عمت به البلوى، وقاسه على ما إذا وقع
عصفور في بئر حتى صار طينا لا يلزم إخراجه لاستحالته.
قلت: لكن قد يقال: إن الدبس ليس فيه انقلاب حقيقة لأنه عصير جمد بالطبخ، وكذا
السمسم إذا درس واختلط دهنه بأجزائه ففيه تغير وصف فقط، كلبن صار جبنا، وبر صار طحينا،
وطحين صار خبزا، بخلاف نحو خمر صار خلا، وحمار وقع في مملحة فصار ملحا، وكذا دردي خمر
صار طرطيرا، وعذرة صارت رمادا أو حمأة، فإن ذلك كله انقلاب حقيقة إلى حقيقة أخرى، لا مجرد
انقلاب وصف كما سيأتي، والله أعلم. قوله: (رش بماء نجس) أي أو بال فيه صبي أو مسح
بخرقة مبتلة نجسة. حلية. قوله: (لا بأس بالخبز فيه) أي بعد ذهاب البلة النجسة بالنار وإلا تنجس
كما في الخانية. قوله: (ذكره الحلبي) وعلله بقوله: لاضمحلال النجاسة بالنار وزوال أثرها.
341

قوله: (وعفا الشارع) فيه تغيير للفظ المتن، لأنه كان مبنيا للمجهول، لكنه قصد التنبيه على أن
ذلك مروي لا محض قياس فقط.
قال في شرح المنية: ولنا أن القليل عفو إجماعا، إذ الاستنجاء بالحجر كاف بالاجماع وهو لا
يستأصل النجاسة، والتقدير بالدرهم مروي عن عمر وعلي وابن مسعود، وهو مما لا يعرف بالرأي
فيحمل على السماع ا ه‍. وفي الحلية: التقدير بالدرهم وقع على سبيل الكناية عن موضع خروج
الحدث من الدبر كما أفاده إبراهيم النخعي بقوله: إنهم استكرهوا ذكر المقاعد في مجالسهم فكنوا عنه
بالدرهم، ويعضده ما ذكره المشايخ عن عمر أنه سئل عن القليل من النجاسة في الثوب، فقال: إذا
كان مثل ظفري هذا لا يمنع جواز الصلاة، قالوا (1) وظفره كان قريبا من كفنا. قوله: (وإن كره
تحريما) أشار إلى أن العفو عنه بالنسبة إلى صحة الصلاة به، فلا ينافي الاثم كما استنبطه في البحر
من عبارة السراج، ونحوه في شرح المنية فإنه ذكر ما ذكره الشارح من التفصيل، وقد نقله أيضا في
الحلية عن الينابيع، لكنه قال بعده: والأقرب أن غسل الدرهم وما دونه مستحب مع العلم به والقدر
على غسله، فتركه حينئذ خلاف الأولى، نعم الدرهم غسله آكد مما دونه، فتركه أشد كراهة كما
يستفاد من غير ما كتاب من مشاهير كتب المذهب.
ففي المحيط: يكره أن يصلي ومعه قدر درهم أو دونه من النجاسة عالما به لاختلاف الناس
فيه. زاد في مختارات النوازل: قادرا على إزالته، وحديث: تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم
لم يثبت، ولو ثبت حمل على استحباب الإعادة توفيقا بينه وبين ما دل عليه الاجماع على سقوط غسل
المخرج بعد الاستجمار من سقوط قدر الدرهم من النجاسة مطلقا ا ه‍. ملخصا.
أقول: ويؤيده قول في الفتح: والصلاة مكروهة مع ما لا يمنع، حتى قيل لو علم قليل
النجاسة عليه في الصلاة يرفضها ما لم يخف فوت الوقت أو الجماعة ا ه‍. ومثله في النهاية والمحيط
كما في البحر، فقد سوى بين الدرهم وما دونه في الكراهة ورفض الصلاة، ومعلوم أن ما دونه لا
يكره تحريما إذ لا قائل به، فالتسوية في أصل الكراهة التنزيهية وإن تفاوتت فيهما، ويؤيده تعليل
المحيط للكراهة باختلاف الناس فيه إذ لا يستلزم التحريم، وفي النتف ما نصه: فالواجبة إذا كانت
النجاسة أكثر من قدر الدرهم، والنافلة إذا كانت مقدار الدرهم وما دونه. وما في الخلاصة من قوله:
وقدر الدرهم، لا يمنع، ويكون مسيئا وإن قل، فالأفضل أن يغسلها ولا يكون مسيئا ا ه‍. لا يدل
على كراهة التحريم في الدرهم لقول الأصوليين: إن الإساءة دون الكراهة، نعم يدل على تأكد إزالته
على ما دونه فيوافق ما مر عن الحلية ولا يخالف ما في الفتح كما لا يخفى، ويؤيد إطلاق أصحاب
المتون قولهم: وعفي قدر الدرهم، فإنه شامل لعدم الاثم فتقدم هذه النقول على ما مر عن الينابيع،
والله تعالى أعلم. قوله: (والعبرة لوقت الصلاة) أي لو أصاب ثوبه دهن نجس أقل من قدر الدرهم
ثم انبسط وقت الصلاة فزاد على الدرهم، قيل يمنع، وبه أخذ الأكثرون كما في البحر عن السراج.
وفي المنية: وبه يؤخذ، وقال شارحها: وتحقيقه أن المعتبر في المقدار من النجاسة الرقيقة ليس

(1) قوله: (قالوا الخ) يقربه ما قالوا في علم الثوب انه يحل إذا كان عرض أربع أصابع، فقيل المراد من أصابع السلف
كأصابع عمر رضي الله عنه فإنها قدر شبرنا ا ه‍. منه.
342

جوهرة النجاسة بل جوهر المتنجس عكس الكثيفة، فليتأمل ا ه‍. وقيل لا يمنع اعتبارا لوقت
الإصابة. قال القهستاني: وهو المختار، وبه يفتى، وظاهر الفتح اختياره أيضا. وفي الحلية: وهو
الأشبه عندي، وإليه مال سيدي عبد الغني. وقال: فلو كانت أزيد من الدرهم وقت الإصابة ثم
جفت فخفت فصارت أقل منعت.
هذا، وفي البحر وغيره: ولا يعتبر نفوذ المقدار إلى الوجه الآخر لو الثوب واحدا، بخلاف ما
إذا كان ذا طاقين كدرهم متنجس الوجهين ا ه‍. وما في الخانية من أن الصحيح عدم المنع في الدرهم
لأنه واحد. وفي الخلاصة أنه المختار. قال في الحلية: الحق أن الذي يظهر خلافه، لان نفس ما
في أحد الوجهين لا ينفذ إلى الآخر، فلم تكن النجاسة متحدة بل متعددة وهو المناط ا ه‍.
(تتمة): قال في الفتح وغيره: ثم إنما يعتبر المانع مضافا إلى المصلي، فلو جلس الصبي أو
الحمام المتنجس في حجره جازت صلاته لو الصبي مستمسكا بنفسه، لأنه هو الحامل لها، بخلاف
غير المستمسك كالرضيع الصغير حيث يصير مضافا إليه، وبحث فيه في الحلية بأنه لا أثر فيما يظهر
للإستمساك، لان المصلي في المعنى حامل للنجاسة، ومن ادعاه فعليه البيان.
أقول: وهو قوي، لكن المنقول خلافه، وروي بإسناد حسن عن أنس رضي الله تعالى عنه قال:
رأيت رسول الله (ص) يصلي والحسن على ظهره، فإذا سجد نحاه ولا يخفى أن الصغير لا يخلو عن
النجاسة عادة، فهو مؤيد للمنقول. قوله: (وهو مثقال) هذا هو الصحيح، وقيل يعتبر في كل زمان
درهمه. برح. وأفاد أن الدرهم هنا غيره في باب الزكاة، فإنه هناك ما كان كل عشرة منه وزن سبعة
مثاقيل. قوله: (في نجس كثيف) لما اختلف تفسير محمد للدرهم، فتارة فسره بعرض الكف وتارة
بالمثقال اختلف المشايخ فيه، ووفق الهندواني بينهما بما ذكره المصنف، واختاره كثير منهم،
وصححه الزيلعي والزاهدي، وأقره في الفتح أن إعمال الروايتين إذا أمكن أولى، وتمامه في البحر
والحلية، ومقتضاه: أن قدر الدرهم من الكثيفة لو كان منبسطا في الثوب أكثر من عرض الكف لا
يمنع كما ذكره سيدي عبد الغني. قوله: (له جرم) تفسير للكثيف، وعد منه في الهداية الدم، وعده
قاضيخان مما ليس له جرم، ووفق في الحلية بحمل الأول على ما إذا كان غليظا والثاني على ما إذا
كان رقيقا. قال: وينبغي أن يكون المني كذلك ا ه‍. فالمراد بذي الجرم ما تشاهد بالبصر ذاته لا أثر
كما مر ويأتي. قوله: (وهو داخل مفاصل أصابع اليد) قالا منلا مسكين: وطريق معرفته أن تغرف الماء
باليد ثم تبسط، فما بقي من الماء فهو مقدار الكف. قوله: (من مغلظة) متعلق بقوله عفا ط. أو
بمحذوف صفة لكثيف ورقيق: أي كائنين من نجاسة مغلظة. وقال في الدرر: متعلق بقدر الدرهم.
ثم اعلم أن المغلظ من النجاسة عند الامام ما ورد فيه نص لم يعارض بنص آخر، فإن
عورض بنص آخر فمخفف كبول ما يؤكل لحمه، فإن حديث: استنزهوا من البول (1) يدل على
نجاسته، وحديث العرنيين يدل على طهارته. وعندهما: ما اختلف الأئمة في نجاسته فهو مخفف،
فالروث مغلظ عنده لأنه عليه الصلاة والسلام سماه ركسا ولم يعارضه نص آخر. وعندهما مخفف،

(1) قوله: (استنزهوا البول) هكذا بخطه والمعروف من الحديث " استنزهوا من البول " وليحرر ا ه‍. مصححه.
343

لقول مالك بطهارته لعموم البلوى، وتمام تحقيقه في المطولات.
قوله: (كعذرة) تمثيل للمغلظة. قوله: (وكذا الخ) يرد عليه الريح فإنه طاهر ط: أي على الصحيح.
وقد يقال: إن الكلام في الكثيف والرقيق، والريح ليس منهما فليتأمل، أو يقال: ما في كل
ما واقعة على النجس، لان المراد بيان التغليظ.
مطلب في طهارة بوله (ص)
(تنبيه): صحح بعض أئمة الشافعية طهارة بوله (ص) وسائر فضلاته، وبه قال أبو حنيفة كما نقله
في المواهب اللدنية على شرح البخاري للعيني، وصرح به البيري في شرح الأشباه. وقال الحافظ
ابن حجر: تظافرت الأدلة على ذلك، وعد الأئمة ذلك من خصائصه (ص). ونقل بعضهم عن شرح
المشكاة لمله على القاري أنه قال: اختاره كثير من أصحابنا، وأطال في تحقيقه في شرحه على
الشمائل في باب ما جاء في تعطره عليه الصلاة والسلام. قوله: (مغلظ) لا حاجة إليه مع قوله:
كذا ط. قوله: (لم يطعم) بفتح الياء: أي لم يأكل فلا بد من غسله، واكتفى الإمام الشافعي
بالنضح في بول الصبي ط. والجواب عما استدل به في المطولات. قوله: (إلا بول الخفاش) بوزن
رمان: وهو الوطواط، سمي به لصغر عينه وضعف بصره. قاموس. وفي البدائع وغيره: بول
الخفافيش وخرؤها ليس بنجس لتعذر صيانة الثوب والأواني عنها، لأنها تبول من الهواء وهي فأرة
طيارة فلهذا تبول ا ه‍. ومقتضاه أن سقوط النجاسة للضرورة، وهو متجه على القول بأنه لا يؤكل،
كما عزاه في الذخيرة إلى بعض المواضع معللا بأن له نابا، ومشى عليه في الخانية، لكن نظر فيه
في غاية البيان بأن ذا الناب إنما ينهى عنه إذا كان يصطاد بنابه: أي وهذا ليس كذلك.
وفي المبتغى: قيل يؤكل، وقيل لا. ونقل العبادي من الشافعية عن محمد أنه حلال، وعليه
فلا إشكال في طهارة بوله وخرئه، وتمامه في الحلية. أقول: وعليه يتمشى قول الشارح فطاهر،
وإلا كان الأولى أن يقول: فمعفو عنه، فافهم.
مبحث في بول الفارة وبعرها وبول الهرة
قوله: (وكذا بول الفأرة الخ) اعلم أنه ذكر في الخانية أن بول الهرة والفأرة وخرأها نجس في
أظهر الروايات يفسد الماء والثوب. ولو طحن بعر الفأرة مع الحنطة ولم يظهر أثره يعفى عنه
للضرورة. وفي الخلاصة: إذا بالت الهرة في الاناء أو على الثوب تنجس، وكذا بول الفأرة، وقال
الفقيه أبو جعفر: ينجس الاناء دون الثوب ب ا ه‍. قال في الفتح: وهو حسن لعادة تخمير الأواني،
وبول الفأرة في رواية لا بأس به، والمشايخ على أنه نجس لخفة الضرورة بخلاف خرئها، فإن فيه
ضرورة في الحنطة ا ه‍.
والحاصل أن ظاهر الرواية نجاسة الكل، لكن الضرورة متحققة في بول الهرة في غير
المائعات كالثياب، وكذا في خرء الفأرة في نحو الحنطة دون الثياب والمائعات. وأما بول الفأرة
فالضرورة في غير متحققة إلا على تلك الرواية المارة التي ذكر الشارح أن عليها الفتوى، لكن عبارة
التاترخانية: بول الفأرة وخرؤها نجس، وقيل بولها معفو عنه، وعليه الفتوى. وفي الحجة:
344

الصحيح أنه نجس ا ه‍. ولفظ الفتوى وإن كان آكد من لفظ الصحيح إلا أن القول الثاني هنا تأيد
بكون ظاهر الرواية، فافهم، لكن تقدم في فصل البئر أن الأصح أنه لا ينجسه. وقد يقال: إن
الضرورة في البئر متحققة، بخلاف الأواني لأنها تخمر كما مر، فتدبر. قوله: (إلا دم شهيد) أي ولو
مسفوحا، كما اقتضاه كلامه وكلام البحر. قوله: (ما دام عليه) فلو حمله المصلي جازت صلاته إلا
إذا أصابه منه، لأنه زال عن المكان الذي حكم بطهارته. حموي. ونحوه في الحلية. قوله: (وما بقي
في لحم الخ يوهم أن هذه الدماء طاهرة ولو كانت مسفوحة وليس بمراد، فهي خارجة بقيد
المسفوح كما هو صريح كلام البحر، وأفاده ح. وفي البزازية: وكذا الدم الباقي في عروق المذكاة
بعد الذبح. وعن الإمام الثاني أنه يفسد الثوب إذا فحش ولا يفسد القدر للضرورة أو الأثر، فإنه كان
يرى في برمة عائشة رضي الله عنها صفرة دم العنق والدم الخارج من الكبد، لو من غيره فنجس،
وإن منه فطاهر، وكذا الدم الخارج من اللحم المهزول عند القط، إن منه فطاهر وإلا فلا، وكذا دم
مطلق اللحم ودم القلب. وقال القاضي: الكبد والطحال طاهران قبل الغسل، حتى لو طلي به وجه
الخف وصلي به جاز ا ه‍. قوله: (وما لم يسل) أي من بدن الانسان. بحر، لكن في حواشي
الحموي أن التقييد بالانسان اتفاقي، لأن الظاهر أن غيره كذلك. قوله: (ودم سمك) لأنه ليس بدم
حقيقة، لأنه إذا يبس يبيض والدم يسود، وشمل السمك الكبير إذا سال منه شئ في ظاهر الرواية.
بحر. قوله: (وقمل وبرغوث وبق) أي وإن كثر. بحر ومنية. وفيه تعريض بما عن بعض الشافعية أنه
لا يعفى عن الكثير منه، وشمل ما كان في البدن والثوب تعمد إصابته أو لا ا ه‍. حلية. وعليه فلو
قتل القمل في ثوبه يعفى عنه، وتمامه في الحلية. ولو ألقاه في زيت ونحوه لا ينجسه، لما مر في
كتاب الطهارة من أن موت ما لا نفس له سائلة في الاناء لا ينجسه. وفي الحلية: البرغوث بالضم
والفتح قليل. قوله: (كرمان) هو الثمر المعروف. قوله (دويبة) بضم ففتح فسكون للياء المثناة
وتشديد للباء الموحدة تصغير دابة قوله: (لساعة) أي شديدة اللسع: وهو العض وتمامه في ح.
قوله: (وخمر) هذا ما في عامة المتون. وفي القهستاني عن فتاوي الديناري قال الامام خواهر زاده:
الخمر تمنع الصلاة وإن قلت، بخلاف سائر النجاسات ا ه‍. قوله: (وفي باقي الأشربة) أي المسكرة
ولو نبيذا على قول محمد المفتى به ط. قوله: (وفي النهر الأوسط) واستدل بما في المنية: صلى
وفي ثوبه دون الكثير الفاحش من السكر أو المصنف تجزيه في الأصح. قال ح: وهو نص في
التخفيف، فكان هو الحق، لان فيه الرجوع إلى الفرع المنصوص في المذهب. وأما ترجيح
صاحب البحر فبحث منه ا ه‍.
قلت: لكن في القهستاني: وأما سوى الخمر من الأشربة المحرمة فغليظة في ظاهر الرواية
خفيفة على قياس قولهما ا ه‍. فأفاد أن التخفيف مبني على قولهما: أي لثبوت اختلاف الأئمة، فإن
السكر والمنصف وهو الباذق قال بحلهما الامام الأوزاعي.
ويظهر لي التوفيق بين الروايات الثلاث بأن رواية التغليظ على قول الإمام، ورواية التخفيف
على قولهما، ورواية الطهارة خاصة بالأشربة المباحة. وينبغي ترجيح التغليظ في الجميع، يدل عليه
345

ما في غرر الأفكار من كتاب الأشربة حيث قال: وهذه الأشربة عند محمد وموافقيه كخمر بلا تفاوت
في الاحكام، وبهذا يفتى في زماننا ا ه‍. فقوله بلا تفاوت في الاحكام، يقتضي أنها مغلظة، فتدبر.
قوله: (لا بذرق) بالذال المعجمة أو بالزاي ح عن القاموس. قوله: (كبط أهلي) أما إن كان يطير ولا
يعيش بين الناس فكالحمامة. بحر عن البزازية وجعله كالحمامة موافق لرواية الكرخي كما يأتي.
قوله: (ودجاج) بتثليث الدال يقع على الذكر الاثني. حلية. قوله: (فإن مأكولا) كحمام وعصفور.
قوله: (فطاهر) وقيل معفو عنه لو قليلا لعموم البلوى، والأول أشبه، وهو ظاهر البدائع والخانية.
حلية. قوله: (وإلا فمخفف) أي وإلا يكن مأكولا كالصقر والبازي والحدأة، فهو نجس مخفف عنده،
مغلظ عندهما، وهذه رواية الهندواني. وروى الكرخي أنه طاهر عندهما مغلظ عند محمد، وتمامه في
البحر ويأتي. قوله: (وروث وخثي) قدمنا في فصل البئر أن الروث للفرس والبغل والحمار،
والخثي بكسر فسكون للبقر والفيل، والبعر للإبل والغنم، والخرء للطيور، والنجو للكلب، والعذرة
للانسان. قوله: (أفاد بهما نجاسة خرء كل حيوان) أراد بالنجاسة المغلظة، لان الكلام فيها
ولانصراف الاطلاق إليها كما يأتي، ولقوله: وقالا مخففة وأرد بالحيوان ما له روث أو خثي: أي
سواء كان مأكولا كالفرس والبقر، أو لا كالحمام، وإلا فخرء الآدمي وسباع البهائم متفق على تغليظه
كما في الفتح والبحر وغيرهما، فافهم. قوله: (وفي الشرنبلالية الخ) عزاه فيها إلى مواهب الرحمن
لكن في النكت للعلامة قاسم: إن قول الإمام بالتغليظ رجحه في المبسوط وغيره ا ه‍. ولذا جرى
عليه أصحاب المتون. قوله: (وطهرهما محمد آخرا) أي في آخر أمره حين دخل الري مع الخليفة
ورأي بلوى الناس من امتلاء الطرق والخانات بها، وقاس المشايخ على قوله هذا طين بخارى. فتح.
قوله: (وبه قال مالك) فيه أن يقول: ما أكل لحمه فبوله ورجيعه طاهر فقط: فلا يقول بطهارة روث
الحمار ط. قوله: (كما في الظهيرية) ونصها على ما في البحر: وإن أصابه بول الشاة وبول الآدمي
تجعل الخفيفة تبعا للغليظة اه‍. وظاهر ولو الخفيفة أكثر من الغليظة كما قاله ط.
قلت: لكن في القهستاني: تجمع النجاسة المتفرقة فتجعل الخفيفة عليظة إذا كانت نصفا أو
أقل من الغليظة كما في المنية ا ه‍. ونحوه ما في القنية: نصف النجاسة الخفيفة ونصف الغليظة
يجمعان ا ه‍.
ويمكن أن يقال: معنى الأول أنه إذا اختلطت الخفيفة بالغليظة جعلت تبعا للغليظة، فإذا زادت
على الدرهم منعت الصلاة، كما لو اختلطت الغليظة بماء طاهر، ومعنى الثاني أنه إذا كان منهما
في موضع ولم يبلغ كل منهما بانفراده القدر المانع، فترجع الغليظة لو كانت أكثر أو مساوية
للخفيفة، فإذا زاد مجموعهما على الدرهم منع، ولو كانت الخفيفة أكثر ترجحت، فإذا بلغ مجموعهما
ربع الثوب منع.
والحاصل أنه إن اختلطا ترجح الغليظة مطلقا، وإلا فإن تساويا أو زادت الغليظة فكذلك، وإلا
346

ترجح الخفيفة، فاغتنم هذا التحرير. قوله: (ثم متى أطلقوا النجاسة الخ) أي كإطلاقهم النجاسة في
الأسئار النجسة وفي جلد الحية وإن كانت مذبوحة لان جلدها لا يحتمل الدباغة ا ه‍. بحر. قوله:
(فظاهره التغليظ) هو لصاحب البحر حيث قال: والظاهر أنها مغلظة وأنها المرادة عند إطلاقهم. قوله:
(دون) بالرفع نائب فاعل عفي. قوله: (وثوب) أي ونحوه كالخف فإنه يعتبر فيه قدر الربع، والمراد
ربع ما دون الكعبين لا ما فوقهما لأنه زائد على الخف ا ه‍. خانية. قوله: (ولو كبيرا الخ) اعلم أنهم
اختلفوا في كيفية اعتبار الربع على ثلاثة أقوال: فقيل ربع طرف أصابته النجاسة، كالذيل والكم
والدخريص (1) إن كان المصاب ثوبا، وربع العضو المصاب كاليد والرجل إن كان بدنا، وصححه في
التحفة والمحيط والمجتبى والسراج. وفي الحقائق: وعليه الفتوى، وقيل ربع جميع الثوب والبدن
وصححه في المبسوط وهو ما ذكره الشارح، وقيل ربع أدنى ثوب تجوز فيه الصلاة كالمئزر. قال
الأقطع: وهذا أصح ما روي فيه ا ه‍. لكن قاصر على الثوب، فقد اختلف التصحيح كما ترى، لكن
ترجح الأول بأن الفتوى عليه، ووفق في الفتح بين الأخيرين بأن المراد اعتبار ربع الثوب الذي هو
عليه سواء كان ساترا لجميع البدن أو أدنى ما يجوز فيه الصلاة ا ه‍. وهو حسن جدا. ولم ينقل القول
الأول أصلا. بحر. قوله: (ورجحه في النهر) أي بأنه ظاهر كلام الكنز وبتصحيح المبسوط له، وبأن
المانع هو الكثير الفاحش، ولا شك أن ربع المصاب ليس كثيرا فضلا عن أن يكون فاحشا ا ه‍.
أقول: تصحيح المبسوط معارض بتصحيح غيره، والمراد بالكثير الفاحش: ما كثر بالنسبة إلى
المصاب، فربع الثوب كثير بالنسبة إلى الثوب، وربع الذيل أو الكم مثلا كثير بالنسبة إلى الذيل أو
الكم، وكذا ربع أدنى ثوب تجوز فيه الصلاة كثير بالنسبة إليه كما صرح بذلك في الفتح. قوله: (وإن
قال الخ) فيه نظر لان لفظ الفتوى آكد من لفظ الأصح ونحوه. منح. ومفاده ترجيح القول بربع
المصاب، وهو مفاد ما مر عن البحر، لكن اعترضه الحبر الرملي بأن هذا القول يؤدي إلى التشديد
لا إلى التخفيف، فإنه قد لا يبلغ ربع المصاب الدرهم فيلزم جعله مانعا في المخففة مع أنه معفو
عنه في المغلظة، إذ لو كان المصاب الأنملة من البدن يلزم القول بمنع ربعها على القول بمنع ربعها على القول بمنع ربع
المصاب ا ه‍. وفيه نظر لان مقتضى قولهم كاليد والرجل اعتبار كل من اليد والرجل بتمامه عضوا
واحدا فلا يلزم ما قال. تأمل. قوله: (ومنه الفرس) أي من المأكول، وإنما نبه عليه لئلا يتوهم أنه
داخل في غير المأكول عند الامام فيكون مغلظا، لان الامام إنما كره لحمه تنزيها أو تحريما على
اختلاف التصحيح لأنه آلة الجهاد، لا لان لحمه نجس بدليل لان سؤره طاهر اتفاقا كما في البحر.
قوله: (وطهره محمد) الضمير لبول المأكول الشامل للفرس ح. قوله: (وصحح) صححه في

(1) قوله: (والدخريص) هو بكسر الدال المهملة وسكون الخاء المعجمة وبالصاد المهملة، قيل معرب، وقيل عربي. وهو عنه
العرب البنيقة، والدخرص والدخروصة لغة والجمع دخارص كما في المصباح ا ه‍. من شرح الشيخ إسماعيل ا ه‍. منه.
347

المبسوط وغيره وهو رواية الكرخي كما مر، وروى الهندواني النجاسة، وصححه الزيلعي وغيره.
قال في البحر: والأولى اعتماده لموافقته للمتون، ولذا قال في الحلية: إنه أوجه. قوله: (ثم الخفة
إنما تظهر في غير الماء) اقتصر في الكافي على ظهورها في الثياب. قال في البحر: والبدن كالثياب
فلذا عمم الشارح، لكن الظاهر من كلام الكافي الاحتراز عن المائعات لا عن خصوص الماء.
والحاصل أن المائع متى أصابته نجاسة خفيفة أو غليظة وإن قلت تنجس ولا يعتبر فيه ربع ولا
درهم، نعم تظهر الخفة فيما إذا أصاب هذا المائع ثوبا أو بدنا فيعتبر فيه الربع كما أفاده الرحمتي
واستثنى ح خرء طير لا يؤكل بالنسبة إلى البئر فإنه لا ينجسه لتعذر صونها عنه كما تقدم في البئر.
قوله: (وعفي دم سمك) صرح بالفعل إشارة إلى أن قول المصنف ودم سمك الخ معطوف على
قوله: دون ربع ثوب. قوله: (والمذهب طهارتها) إنما قال ذلك لان المتن يقتضي نجاستها بناء على
ما روي عن أبي يوسف من نجاسة دم السمك الكبير نجاسة غليظة، وسؤر الحمار والبغل نجاسة
خفيفة كما ذكره في هامش الخزائن. والمذهب أن دم السمك طاهر لأنه دم صورة لا حقيقة وأن
سؤر هذين طاهر قطعا، والشك في طهوريته فيكون لعابهما طاهرا. قوله: (وبول انتضح) أي
ترشش، وشمل بوله وبول غيره. بحر. وكالبول الدم على ثوب القصاب. حلية عن الحاوي
القدسي. وظاهر التقييد بالقصاب، أي اللحام أنه لا يعفى عنه في ثوب غير القصاب، لان العلة
الضرورة ولا ضرورة لغيره، وتأمله مع قول البحر المار: وشمل بوله وبوله غيره. قوله: (كرؤوس
إبر) بكسر الهمزة جمع إبرة احتراز عن المسلة كما في شرح المنية والفتح. قوله: (وكذا جانبها
الآخر) أي خلافا لأبي جعفر الهنداوي حيث منع الجانب الآخر، وغيره من المشايخ قالوا: لا يعتبر
الجانبان، واختاره في الكافي. حلية، فرؤوس الإبل تمثيل للتقليل كما في القهستاني عن الطلبة،
لكن فيه أيضا عن الكرماني أن هذا ما لم ير على الثوب، وإلا وجب غسله إذا صار بالجمع أكثر من
قدر الدرهم ا ه‍. وكذا نبه عليه في شرح المنية فقال: والتقييد بعدم إدراك الطرف ذكره المعلى في
نوادره عن أبي يوسف.
مطلب:
إذا صرح بعض الأئمة بقيد لم يصرح غيره بخلافه وجب اتباعه وإذا صرح بعض الأئمة بقيد لم يرد عن غيره منهم تصريح بخلافه يجب أن يعتبر سيما
والموضع موضع احتياط ولا حرج في التحرز عن مثله، بخلاف ما لا يرى كما في أثر أرجل
الذباب، فإن في التحرز عنه حرجا ظاهرا ا ه‍.
أقول: والذي يظهر لي هذا التقييد موافق لقول الهنداوي، وقد علمت تصريح غيره من
المشايخ بخلافه، لان مقدار الجانب الآخر من الإبرة يدركه الطرف، ثم رأيت في الحلية ذكر أن ما
في غاية البيان من أن التقييد برؤوس الإبر احتراز عن رؤوس المسال هو بما عن الهندواني أشبه،
ولعله المراد بما في نوادر المعلى ا ه‍. وهذا عين ما فهمته، ولله الحمد.
والحاصل أن في المسألة قولين مبنيين على الاختلاف في المراد من قوله محمد: كرؤوس الأبر.
أحدهما: أنه قيد احترز به عن رأسها من الجانب الآخر وعن رؤوس المسال، ويؤيده رواية
المعلى عن أبي يوسف من التقييد بما لا يدركه الطرف.
348

ثانيهما: أنه غير قيد وإنما هو تمثيل للتقليل، فيعفى عنه سواء كان مقدار رأسها من جانب
الخرز أو من جانب الثقب، ومثله ما كان كرأس المسلة. وقد علمت أنه في الكافي اختار القول
الثاني، ولكن ظاهر المتون والشروح اختيار الأول لان العلة الضرورة قياسا على ما عمت به البلوى
مما على أرجل الذناب فإنه يقع على النجاسة ثم يقع على الثياب. قال في النهاية ولا يستطاع
الاحتراز عنه، ولا يستحسن لاحد استعداد ثوب لدخول الخلاء. وروي أن محمد بن علي زين
العابدين تكلف لبيت الخلاء ثوبا ثم تركه، وقال: لم يتكلف لهذا من هو خير مني: يعني
رسول الله (ص والخلفاء رضي الله عنهم ا ه‍.
وقد يقال: إن قول المتون كرؤوس الأبر اتباع لعبارة محمد لا للاحتراز عن الجانب الآخر،
ولذا لم يجعله للاحتراز إلا الهندواني، وخالفه غيره من المشايخ معللين بدفع الحرج، ولا شك في
وجود الحرج في ذلك، فلذا اختاره في الكافي اتباعا لما عليه أكثر المشايخ. وقال في متن مواهب
الرحمن: وعفي عن رشاش بول كرؤوس الأبر، وقيل يعتبره: أي أبو يوسف إن رئي أثره، فأفاد بقيل
ضعف اعتبار ما يدركه الطرف وهو رواية المعلى السابقة، وقد ظهر مما قررناه أن الخلاف فيما يرى
أثره وهو ما يدركه الطرف، وأن الأرجح العفو عنه وعدم اعتباره كما مشى عليه الشارح، وظهر أن
المراد به ما كان مثل رأس الإبرة من الجانب الآخر لا أكبر من ذلك. وظهر أيضا أن ما لا يدركه
الطرف بما كان مثل رؤوس الأبر وأرجل الذباب فإنه لا يدركه الطرف المعتدل ما لم يقرب إليه
جدا: أي مع مغايرة لون الرشاش للون الثوب، وإلا فقد لا يرى أصلا. وينبغي أنه لو شك أنه يدركه
بالطرف أم لا أنه يعفى عنه اتفاقا، لان الأصل طهارة الثوب وشك فيما ينجسه، وهذا ما ظهر لي في
هذا المحل، والله أعلم. قوله: (نجسه في الأصل) قال في الحلية: ثم لو وقع هذا الثوب المنتضح
عليه البول مثل رؤوس الأبر في الماء القليل هل ينجس؟ ففي الخلاصة عن أبي جعفر: لقائل أن
يقول ينجس ولقائل أن يقول لا ينجس، وهذا فرع مسألة الاستنجاء: يعني لو استنجى بغير الماء ثم
ابتل ذلك الموضع ثم أصاب من ذلك ثوبه أو بدنه، فالمختار أنه يتنجس إن كان أكثر من قدر
الدرهم ا ه‍. ثم ذكر في الحلية عن الكفاية ما يفيد أن الكلام فيما يرى أثره، ثم قال: وهو المتجه
ا ه‍. ويدل عليه ما قدمناه من اختيار أكثر المشايخ عدم اعتبار رؤوس الأبر من الجانبين خلافا
للهندواني. وقول الخلاصة المار: المختار أنه ينجس إن كان أكثر من قدر الدرهم غير ظاهر، لأن الماء ينجسه ما قل وكثر، فإذا لم ينجس بأقل من الدرهم لا ينجس بالأكثر منه.
ثم اعلم أن وقوع الرشاش في الماء ابتداء مثل وقوع هذا الثوب فيه كما في السراج وغيره، و
هذا، وفي القهستاني عن التمرتاشي إن استبان أثره على الثوب بأن تدركه العين أو على الماء بأن
ينفرج أو يتحرك فلا عبرة به، وعن الشيخين أنه معتبر ا ه‍. وظاهره أن المعتمد عدم اعتبار ما ظهر
أثره في الثوب والماء، وفي ذلك تأييد لما قدمناه، فافهم. قوله: (جوهرة) ومثله في القهستاني،
وقدمناه عن الفيض أيضا خلافا لما مشى عليه المصنف تبعا للدرر في فصل البئر، فافهم، نعم يؤيده
ما نقله القهستاني آنفا عن التمرتاشي، والله أعلم. قوله: (لو اتصل وانبسط) أي ما يصيب الثوب مثل
رؤوس الأبر كما هو عبارة القنية ونقلها في البحر، فافهم. قوله: (ينبغي أن يكون كالدهن الخ) أي
349

فيكون مانعا للصلاة. ووجه إلحاقه بالدهن أن كلا منهما كان أولا غير مانع ثم منع بعد زيادته على
الدرهم، لكن قد يفرق بينهما بأن البول الذي كرؤوس الأبر اعتبر كالعدم للضرورة، ولم يعتبروا فيه
قدر الدرهم بدليل ما في البحر أنه معفو عنه للضرورة وإن امتلأ الثوب ا ه‍. ومعلوم أن يملا
الثوب يزيد على الدرهم، وكذا قول الشارح: وإن كثر بإصابة الماء فإنه لا فرق بين كثرته بالماء
وبين اتصال بعضه ببعض، ونظيره ما ليس فيه قوة السيلان من الخارج من الجسد فإنه ساقط الاعتبار
وإن كثر وعم الثوب، وقد صرح في الحلية بعين ما قلنا فقال: ما ليس بكثير من النجاسة منه ما هو
مهدر الاعتبار فلا يجمع بحال. وعليه ما في الحاوي القدسي أن ما أصاب من رش البول مثل رؤوس
الأبر، ونحوه الدم على ثوب القصاب، وما لا ينقض الوضوء من بلة الجرح أو القئ معفو عنه وإن
كثر. وما في المحيط من أنه لو أصاب موضع ذلك الرش ماء فإنه لا ينجسه ا ه‍، نعم لو كان الرش
مما يدرك بالطرف بأن كان أكبر من رؤوس الأبر من الجانب الآخر على ما مر فإنه يجمع ويمنع وإن
كان في مواضع متفرقة كما يعلم مما قدمناه عن القهستاني عن الكرماني.
وفي القهستاني أيضا: لو أصاب قدر ما يرى من النجاسة أثوابا عمامة وقميصا وسراويل مثلا
منع الصلاة إذا كان بحيث إذا جمع صار أكثر من قدر الدرهم ا ه‍. لكن كلام القنية صريح في أن
الذي يجمع ويمنع ما كان مثل رؤوس الأبر كما قدمناه، فيرد عليه ما علمته من أن ما كان كذلك فهو
مهدر الاعتبار ولا ينفعه هذا التأويل، فافهم واغتنم هذا التحرير.
مطلب في العفو عن طين الشارع
قوله: (وطين شارع) مبتدأ خبره قوله: عفو والشارع: الطريق ط. وفي الفيض: طين
الشوارع عفو وإن ملا الثوب للضرورة ولو مختلطا بالعذرات وتجوز الصلاة معه ا ه‍. وقدمنا أن هذا
قاسه المشايخ على قول محمد بطهارة الروث والخثي، ومقتضاه أنه طاهر لكن لم يقبله الامام
الحلواني كما في الخلاصة. قال في الحلية: أي لا يقبل كونه طاهرا وهو متجه، بل الأشبه المنع
بالقدر الفاحش منه إلا لمن ابتلي به بحيث يجئ ويذهب في أيام الأوحال في بلادنا الشامية لعدم
انفكاك طرقها من النجاسة غالبا مع عسر الاحتراز، بخلاف من لا يمر بها أصلا في هذه الحالة فلا
يعفى في حقه، حتى أن هذا لا يصلي في ثوب ذاك ا ه‍.
أقول: والعفو مقيد بما إذا لم يظهر فيه أثر النجاسة كما نقله في الفتح عن التجنيس. وقال
القهستاني: إنه الصحيح، لكن حكى في القنية قولين وارتضاهما، فحكى عن أبي نصر الدبوسي أنه
طاهر، إلا إذا رأى عين النجاسة، وقال: وهو صحيح من حيث الرواية وقريب من حيث
المنصوص، ثم نقل عن غيره فقال: إن غلبت النجاسة لم يجز، وإن غلب الطين فطاهر. ثم قال:
وإنه حسن عند المصنف دون المعاند ا ه‍. والقول الثاني مبني على القول بأنه إذا اختلط ماء وتراب
وأحدهما نجس فالعبرة للغالب، وفيه أقوال ستأتي في الفروع.
والحاصل أن الذي ينبغي أنه حيث كان العفو للضرورة وعدم إمكان الاحتراز أن يقال بالعفو
وإن غلبت النجاسة ما لم ير عينها لو أصابه بلا قصد وكان ممن يذهب ويجئ، وإلا فلا ضرورة، وقد
حكى في القنية أيضا قولين فيما لو ابتلت قدماه مما رش في الأسواق الغالبة النجاسة، ثم نقل أنه لو
350

أصاب ثوبه طين السوق أو السكة ثم وقع الثوب في الماء تنجس. قوله: (وبخار نجس) في الفتح
مرت الريح بالعذرات وأصاب الثوب، إن وجدت رائحتها تنجس، لكن نقل في الحلية أن الصحيح
أنه لا ينجس، وما يصيب الثوب من بخارات النجاسة، قيل ينجسه، وقيل لا وهو الصحيح. وفي
الحلية: استنجى بالماء وخرج منه ريح لا ينجس عند عامة المشايخ وهو الأصح، وكذا إذا كان
سراويله مبتلا.
وفي الخانية ماء الطابق نجس قياسا لا استحسانا. وصورته: إذا أحرقت العذرة في بيت
فأصاب ماء الطابق ثوب إنسان لا يفسده استحسانا ما لم يظهر أثر النجاسة فيه، وكذا الإصطبل إذا
كان حارا، وعلى كونه طابق أو كان فيه كوز معلق فيه ماء فترشح، وكذا الحمام لو فيها نجاسات
فعرق حيطانها وكواتها وتقاطر. قال في الحلية: والظاهر العمل بالاستحسان، ولذا اقتصر عليه في
الخلاصة، والطابق: الغطاء العظيم من الزجاج أو اللبن ا ه‍. مطلب: العرقي الذي يستقطر من دردي الخمر نجس حرام، بخلاف النوشادر
وقال في شرح المنية: والظاهر أن وجه الاستحسان فيه الضرورة لتعذر التحرز، وعليه فلو
استقطرت النجاسة فمائيتها نجسة لانتفاء الضرورة فبقي القياس بلا معارض، وبه يعلم أن ما يستقطر
من دردي الخمر وهو المسمى بالعرقي في ولاية الروم نجس حرام كسائر أصناف الخمر ا ه‍.
أقول: وأما النوشادر المستجمع من دخان النجاسة فهو طاهر كما يعلم مما مر، وأوضحه سيدي
عبد الغني في رسالة سماها (إتحاف من بادر إلى حكم النوشادر). قوله: (وغبار سرقين) بكسر
السين: أي زبل، ويقال سرجين كما في القاموس. قال في القنية راقما: لا عبرة للغبار النجس إذا
وقع في الماء إنما العبرة للتراب ا ه‍، ونظمه المصنف في أرجوزته وعلله في شرحها بالضرورة.
قوله: (ومحل كلاب) في المنية: مشى كلب على الطين فوضع رجل قدمه على ذلك الطين تنجس،
وكذا إذا مشى على ثلج رطب ولو جامدا فلا ا ه‍. قال في شرحها: وهذا كله بناء على أن الكلب
نجس العين، وقد تقدم أن الأصح خلافه، ذكره ابن الهمام ا ه‍. ومثله في الحلية. قوله: (وانتضاح
غسالة الخ) ذكر المسألة في شرح المنية الصغير عن الخانية، وقد رأيتها في الخانية ذكرها في بحث
الماء المستعمل، لكن غسالة النجاسة كغسالة الحدث بناء على القول بنجاسة الماء المستعمل، ويدل
لها ما قدمناه عن القهستاني عن التمرتاشي، وفي الفتح: وما ترشش على الغاسل من غسالة الميت
مما لا يمكنه الامتناع عنه ما دام في علاجه لا ينجسه لعموم البلوى، بخلاف الغسلات الثلاث إذا
استنقعت في موضع فأصابت شيئا نجسته ا ه‍: أي بناء على ما عليه العامة من أن نجاسة الميت
نجاسة خبث لا حدث كما حررناه في أول فصل البئر، واحترز بالثلاث عن الغسالة في المرة الرابعة
فإنها طاهرة. قوله: (وماء) مبتدأ خبره قوله: نجس بالكسر ونجس الأول بالفتح. قال القهستاني:
ويجوز فيه الكسر. قوله: (أي جرى) فسر الورود به ليتأتى له التفصيل والخلاف اللذان ذكرهما وإلا
فالورود أعم لأنه يشمل ما إذا جرى عليها وهي على أرض أو سطح وما إذا صب فوقها في آنية بدون
جريان. وأيضا فإن الجريان أبلغ من الصب المذكور، فصرح به مع علم حكم الصب منه بالأولى
351

دفعا لتوهم عدم إرادته، فافهم، نعم كان الأولى إبقاء المتن على ظاهره لأنه إشارة إلى خلاف
الشافعي حيث حكم بطهارة الوارد دون المورود. وأيضا فإن الجاري فيه تفصيل، وهو أنه إذا جرى
على نجاسة فأذهبها واستهلكها ولم يظهر أثرها فيه فإنه لا ينجس كما قدمناه في طهارة الأرض
المتنجسة، وتقدم ما يدل عليه في باب المياه عند الكلام على تعريف الماء الجاري، وتقدم هناك أن
الجاري لا ينجس ما لم يظهر فيه أثر النجاسة، وأنه يسمى جاريا وإن لم يكن له مدد، وأنه لو صب
ماء في ميزاب فتوضأ به حال جريانه لا ينجس على رواية نجاسة المستعمل، وأنه لو سال دم رجله
مع العصير لا ينجس خلافا لمحمد. وقدمنا عن الخزانة والخلاصة: إناء ماء أحدهما طاهر والآخر
نجس، فصبا من مكان عال فاختلطا في الهواء ثم نزلا، طهر كله، ولو أجرى ماء الإناءين في الأرض
صار بمنزلة ماء جار ا ه‍. وقال في الضياء في فصل الاستنجاء: ذكر في الواقعات الحسامية: لو أخذ
الاناء فصب الماء على يده للاستنجاء فوصلت قطرة بول إلى الماء النازل قبل أن يصلي إلى يده، قال
بعض المشايخ: لا ينجس لأنه جار فلا يتأثر بذلك. قال حسام الدين: هذا القول ليس بشئ وإلا
لزم أن تكون غسالة الاستنجاء غير نجسة. قال في المضمرات: وفيه نظر. والفرق أن الماء على
كف المستنجي ليس بجار، ولئن سلم فأثر النجاسة يظهر فيه، والجاري إذا ظهر فيه أثر النجاسة صار
نجسا والماء النازل من الاناء قبل وصوله إلى الكف جار ولا يظهر فيه أثر القطرة، فالقياس أن لا
يصير نجسا، وما قاله حسام الدين احتياط ا ه‍ ويؤيده عدم التنجس ما ذكرناه من الفروع، والله أعلم.
وهذا بخلاف مسألة الجيف فإن الماء الجاري عليها لم يذهب بالنجاسة ولم يستهلكها، بل هي باقية
في محلها وعينها قائمة، على أن فيها اختلافا، ولهذا استدرك الشارح بقوله: ولكن قدمنا أن العبرة
للأثر فاغتنم تحرير هذه المسألة فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب والحمد الله الملك الوهاب. قوله:
(كجيفة في نهر الخ) أي فإنها إذا ورد عليها كل الماء أو أكثره فهو نجس، ولو أقله فطاهر. قوله:
(لكن قدمنا الخ) أي في بحث المياه، وقدمنا الكلام في ذلك مستوفى فتذكره بالمراجعة. قوله: (أي
إذا وردت النجاسة) سواء كانت مجردة أو مصحوبة بثوب ح. قوله: (على الماء) أي القليل. قوله:
(إجماعا) أي منا ومن الشافعي، بخلاف المسألة الأولى كما يظهر قريبا. قوله: (لكن الخ) استدراك
عن قوله: تنجس فإنه يقتضي تنجس الماء بمجرد وضع الثوب مثلا فيه كما يتنجس بمجرد وقوع
العذرة مثلا، فاحترز بالمتنجس عن عين النجاسة كالعذرة، أفاده ح. قوله: (ما لم ينفصل) أي الماء
أو الشئ المتنجس. قال في البحر: اعلم أن القياس يقتضي تنجس الماء بأول الملاقاة للنجاسة،
لكن سقط للضرورة سواء كان الثوب في إجانة وأورد الماء عليه عليه أو بالعكس عندنا فهو طاهر في
المحل نجس إذا انفصل، سواء تغير أو لا، وهذا في الماءين اتفاقا، أما الثالث فهو نجس عنده لان
طهارته في المحل ضرورة تطهيره وقد زالت طاهر عندهما إذا انفصل.
والأولى في غسل الثوب النجس وضعه في الإجانة من غير ماء ثم صب الماء عليه لا وضع
الماء أو لا خروجا من خلاف الإمام الشافعي فإنه يقول بنجاسة الماء ا ه‍. ولا فرق على المعتمد بين
الثوب المتنجس والعضو ا ه‍. ط. قوله: (قذر) بفتح القاف والذال المعجمة، والمراد به العذرة
352

والروث كما عبر في المنية، قوله: (وإلا) أي وإن لا نقل أنه لا يكون نجسا، وظاهره أن العلة
الضرورة، وصريح الدرر وغيرها أن العلة هي انقلاب العين كما يأتي، لكن قدمنا عن المجتبى أن
العلة هذه وأن الفتوى على هذا القول للبلوى، فمفاده أن عموم البلوى علة اختيار القول بالطهارة
المعللة بانقلاب العين، فتدبر. قوله: (كان حمارا أو خنزيرا) أفاد أن الحمار مثال لا قيد احترازي،
وأشار بإطلاقه إلى أنه لا يلزم وقوعه وهو حي، فإنه لو وقع في المملحة بعد موته فهو كذلك كما
في شرح المنية. قوله: (حمأة) بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وفتح الهمزة وبهاء التأنيث. قال في
القاموس: الطين الأسود المنتن. ح. قوله: (لانقلاب العين) علة للكل، وهذا قول محمد، وذكر معه
في الذخيرة والمحيط أبا حنيفة. حلية. قال في الفتح: وكثير من المشايخ اختاروه، وهو المختار
لان الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها
فكيف بالكل؟ فإن الملح غير العظم واللحم، فإذا صار ملحا ترتب حكم الملح. ونظيره في الشرع
النطفة نجسة وتصير علقة وهي نجسة وتصير مضغة فتطهر، والعصير طاهر فيصير خمرا فينجس ويصير
خلا فيطهر، فعرفنا أن استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتب عليها ا ه‍.
(تنبيه): يجوز أكل ذلك الملح والصلاة على ذلك الرماد كما في المنية وغيرها، وما فيها من أنه
لو وقع ذلك الرماد في الماء فالصحيح أنه ينجس فليس بصحيح، إلا على قول أبي يوسف كما ذكره
الشارحان.
تنبيه آخر: مقتضى ما مر ثبوت انقلاب الشئ عن حقيقته كالنحاس إلى الذهب، وقيل إنه غير
ثابت لان قلب الحقائق محال والقدرة لا تتعلق بالمحال، والحق الأول بمعنى أنه تعالى يخلق بدل
النحاس ذهبا على ما هو رأي المحققين، أو بأن يسلب عن أجزاء النحاس الوصف الذي به صار
نحاسا، ويخلق فيه الوصف الذي يصير به ذهبا على ما هو رأى بعض المتكلمين من تجانس الجواهر
واستوائها في قبول الصفات، والمحال إنما هو انقلابه ذهبا مع كونه نحاسا لامتناع كون الشئ في
الزمن الواحد نحاسا وذهبا، ويدل على ثبوته بأحد هذين الاعتبارين كما اتفق عليه أئمة التفسير قوله
تعالى - * (فإذا هي حية تسعى) * (طه: 02) وإلا لبطل الاعجاز. ويبتني على هذا القول أن علم الكيمياء
الموصل إلى ذلك القلب يجوز لمن علمه علما يقينا أن يعلمه ويعمل به. أما على القول الثاني فلا
لأنه غش، وتمامه في تحفة ابن حجر، وقدمنا في صدر الكتاب زيادة على ذلك. قوله: (ونسي
المحل) بالبناء للمجهول، ثم إن النسيان يقتضي سبق العلم، والظاهر أنه غير قيد، وأنه لو علم أنه
أصاب الثوب نجاسة وجهل محلها فالحكم كذلك، ولذا عبر بعضه بقوله: واشتبه محلها. تأمل.
قوله: (هو المختار) كذا في الخلاصة والفيض، وجزم به في النقاية والوقاية والدرر والملتقى،
ومقابله القول بالتحري والقول بغسل الكل، وعليه مشى في الظهيرية ومنية المفتي، واختاره في
البدائع احتياطا قال: لان موضع النجاسة غير معلوم، وليس البعض أولى من البعض ا ه‍. ويؤيده ما
نقله نوح أفندي عن المحيط من أن ما قالوه مخالف لما ذكره هشام عن محمد من أنه لا يجوز التحري
في ثوب واحد ا ه‍. وعللوا القول المختار بوقوع الشك بعد الغسل في بقاء النجاسة، وقاسوه على ما
353

في السير الكبير إذا فتحنا حصنا وفيهم ذمي لا يعرف لا يجوز قتلهم لقيام المانع بيقين، فلو قتل
البعض أو أخرج حل قتل الباقي للشك في قيام المحرم، فكذا هنا.
واستشكله في الفتح بأن الشك الطارئ لا يرفع حكم اليقين السابق وأطال في تحقيقه. وأجاب
عنه في شرح المنية وأطال في تحقيقه أيضا. ويأتي ملخصه قريبا. قوله: (وفي الظهيرية الخ) هذا
سهو من الشارح تبع فيه النهر وعبارة البحر هكذا: وفي الظهيرية إذا رأى على ثوبه نجاسة ولا
يدري متى أصابته، ففيه تقاسيم واختلافات. والمختار عند أبي حنيفة أنه لا يعيد إلا الصلاة التي هو
فيها ا ه‍. ح. قوله: (حمر) بضمتين جمع حمار. قوله: (خصها الخ) أي فيعلم الحكم في غيرها
بالدلالة. ابن كمال. قوله: (فقسم الخ) الظاهر تقييده بما إذا كان الذاهب منه قدر ما تنجس منه إن
علم قدره كما قدمناه. قوله: (كما مر) أي في الأبيات المتقدمة حيث عبر بقوله تصرفه في
البعض وهو مطلق ط. قوله: لاحتمال الخ) أي أنه يحتمل كل واحد من القسمين: أعني الباقي
والذاهب أو المغسول أن تكون النجاسة فيه فلم يحكم على أحدهما بعينه ببقاء النجاسة فيه، وتحقيقه:
أن الطهارة كانت ثابتة يقينا لمحل معلوم وهو جميع الثوب مثلا ثم ثبت ضدها وهو النجاسة يقينا
لمحل مجهول، فإذا غسل بعضه وقع الشك في بقاء ذلك المجهول وعدمه لتساوي احتمالي البقاء
وعدمه، فوجب العمل بما كان ثابتا للمحل المعلوم، لان اليقين في محل معلوم لا يزول
بالشك، بخلاف اليقين لمحل مجهول، وتمام تحقيقه في شرح المنية الكبير. قوله: (أما عينها) أشار
به إلى فائدة قوله: محل حيث زاده على عبارة الكنز. ولا يرد طهارة الخمر بانقلابها خلا والدم
بصيروته مسكا، لان عين الشئ حقيقته وحقيقة الخمر والدم ذهبت وخلفتها أخرى، وإنما يرد ذلك
لو قلنا ببقاء حقيقة الخمر والدم مع الحكم بطهارتها. تأمل. قوله: (بعد جفاف) ظرف لمرئية لا
ليطهر ح، وقيد به لان جميع النجاسات ترى قبله، وتقدم أن ما له جرم هو ما يرى بعد الجفاف فهو
مساو للمرئية، وقد عد منه في الهداية الدم، وعده قاضيخان مما لا جرم له، وقدمنا عن الحلية
التوفيق بحمل الأولى على ما إذا كان غليظا والثاني على ما إذا كان رقيقا. وقال في غاية البيان:
المرئية ما يكون مرئيا بعد الجفاف كالعذرة والدم، وغير المرئية ما لا يكون مرئيا بعد الجفاف كالبول
ونحوه ا ه‍. وفي تتمة الفتاوي وغيرها: المرئية ما لها جرم، وغيرها ما لا جرم لها كان لها لون أم لا
ا ه‍. وبه يظهر أن مراد غاية البيان بالمرئي ما يكون ذاته مشاهدة بحس البصر، وبغيره ما لا يكون
كذلك، فلا يخالف كلام غيره، ويرشد إليه أن بعض الأبوال قد يرى له لون بعد الجفاف. أفاده في
الحلية، ويوافقه التوفيق المار، لكن فيه نظر لأنه يلزم عليه أن الدم الرقيق والبول الذي يرى لونه من
النجاسة الغير المرئية وأنه يكتفي فيها بالغسل ثلاثا بلا اشتراط زوال الأثر. مع أن المفهوم من
كلامهم أن غير المرئية ما لا يرى له أثر أصلا لاكتفائهم فيها بمجرد الغسل، بخلاف المرئية
المشروط فيها زوال الأثر، فالمناسب ما في غاية البيان وأن مراده بالبول ما لا لون له وإلا كان من
354

المرئية. قوله: (بقلعها) فيه إيماء إلى عدم اشتراط العصر، وهو الصحيح على ما يعلم من كلام
الزيلعي حيث ذكر بعد الاطلاق أن اشتراط العصر رواية عن محمد، وعليه فما يبقى في اليد من البلة
بعد زوال عين النجاسة طاهر تبعا لطهارة اليد في الاستنجاء بطهارة المحل، وله نظائر كعروة الإبريق
تطهر بطهارة اليدين، وعلى هذا إذا أصاب خفيه في الاستنجاء من الماء المتنجس فإنهما يطهران
بطهارة المحل تبعا حيث لم يكن بهما خرق ا ه‍. أبو السعود عن شيخه. قوله: (وأثرها) يأتي بيانه
قريبا. قوله: (ولو بمرة) يعني إن زال عين النجاسة بمرة واحدة تطهر، سواء كانت تلك الغسلة
الواحدة في ماء جار أو راكد كثير أو بالصب أو في إجانة، أما الثلاثة الأول فظاهر، وأما الإجانة فقد
نص عليها في الدرر حيث قال: غسل المرئية عن الثوب في إجانة حتى زالت طهر ا ه‍. ح. قوله:
(أو بما فوق ثلاث) أي إن لم تزل العين والأثر بالثلاث يزيد عليها إلى أن تزول ما لم يشق زوال
الأثر. قوله: (في الأصح) قيد لقوله: ولو بمرة قال القهستاني: وهذا ظاهر الرواية، وقيل يغسل
بعد زوالها مرة، وقيل مرتين، وقيل ثلاثا كما في الكافي ا ه‍. قوله: (ليعم نحو دلك وفرك) أي
ذلك خف وفرك مني وأراد بنحوه نظائر ذلك مما يزيل العين من المطهرات بدون غسل: كدبغ جلد،
ويبس أرض، ومسح سيف، لكن يرد عليه ما لو جفت على البدن أو الثوب وذهب أثرها فقد زالت
عينها ومع ذلك لا تطهر. وأجيب أنه قد أشار إلى اشتراط المطهر بقوله: يطهر ففهم منه أنه لا بد
من مطهر، كذا في الجوهرة، وفيه نظر. قوله: (كلون وريح) الكاف استقصائية، لان المراد بالأثر
هو ما ذكر فقط كما فسره به في البحر والفتح وغيرهما، وأما الطعم فلا بد من زواله، لان بقاءه يدل
على بقاء العين كما نقل عن الرجندي، واقتصر القهستاني على تفسير الأثر بالريح فقط، وظاهره أنه
يعفى عن الرائحة بعد زوال العين وإن لم يشق زوالها، وفي البحر أنه ظاهر ما في غاية البيان.
أقول: وهو صريح ما نقله نوح أفندي عن المحيط حيث قال: لو غسل الثوب عن الخمر ثلاثا
ورائحتها باقية طهر، وقيل لا ما لم تزل الرائحة. قوله: (لازم) أي ثابت وهو نعت لاثر. قوله:
(حار) بالحاء المهملة: أي مسخن. قوله: (ونحوه) أي كحرض وأشنان. قوله: (بل يطهر الخ)
إضراب انتقالي ط. قوله: (بنجس) بكسر الجيم: أي متنجس، إذ لو كان بعين النجاسة كالدم وجب
زوال عينه وطعمه وريحه ولا يضر لونه كما هو ظاهر من مسألة الميتة، أفاده ح.
مطلب في حكم الصبغ والإختضاب بالصبغ أو الحناء النجسين
قوله: (والأولى غسله) اعلم أنه ذكر في المنية أنه لو أدخل يده في الدهن النجس
اختضبت المرأة بالحناء النجس أو صبغ بالصبغ النجس ثم غسل كل ثلاثا طهر، ثم ذكر عن المحيط
أنه يطهر إن غسل الثوب حتى يصفو الماء ويسيل أبيض ا ه‍. وفي الخانية: إذا وقعت النجاسة في
صبغ فإنه يصبغ به الثوب ثم يغسل ثلاثا فيطهر، كالمرأة إذا اختضبت بحناء نجس ا ه‍. وذكر مسألة
الحناء في موضع آخر مطلقة أيضا، ثم قال: وينبغي أن لا يطهر ما دام يخرج الماء ملونا بلون
الحناء، فعلم أن اشتراط صفو الماء إما قول ثان كما يشعر به كلام المحيط، أو هو تقييد لاطلاق
355

القول الأول وبيان له كما يشعر به قول الخانية وينبغي، وعلى كل فكلام المحيط والخانية يشعر
باختيار ذلك الشرط، ولذا اقتصر على ذكره في الفتح.
هذا: وقد ذكر سيدي عبد الغني كلاما حسنا سبقه إليه صاحب الحلية، وهو أن مسألة
الاختضاب أو الصبغ بالحناء أو الصبغ النجسين وغمس اليد في الدهن مبنية في الأصل على
أحد قولين: إما على أن الأثر الذي يشق زواله لا يضر بقاؤه، وإما على ما روي عن أبي يوسف من
أن الدهن يطهر بالغسل ثلاثا بأن يجعل في إناء فيصب عليه الماء ثم يرفع ويراق الماء، وهكذا ثلاث
مرات فإنه يطهر، وعليه الفتوى خلافا لمحمد كما في شرح المنية، فمن بنى ذلك على الأول
اشترط في هذه المسألة صفو الماء ليكون اللون الباقي أثرا شق زواله فيعفى عنه وإن كان ربما نفض
على ثوب آخر أو ظهر في الماء عند غسله في وقت آخر، والقول باشتراط غسله ثلاثا بعد صفو
الماء ضعيف، ومن بنى على الثاني اكتفى بالغسل ثلاثا، لان الحناء والصبغ والدهن المتنجسات
تصير طاهر بالغسل ثلاثا فلا يشترط بعد ذلك خروج الماء صافيا ا ه‍. وقد أطال في الحلية في
تحقيق ذلك كما هو دأبه ثم جنح إلى البناء على الأول وقال: إنه الأشبه، فليكن التعويل عليه في
الفتوى ا ه‍. ولا يخفى أنه ترجيح لما في المحيط والخانية والفتح، فكان على الشارح الجزم به إذ لم
نر من رجح خلافه، فافهم، ثم قال سيدي عبد الغني: وهذا بخلاف المصبوغ بالدم كالثياب الحمر
التي تجلب في زماننا من ديار بكر، فلا تطهر أبدا ما لم يخرج الماء صافيا ويعفى عن اللون، ومن
هذا القبيل المصبوغ بالدودة فإنها ميتة يتجمد فيها الدم النجس ما لم تكن من دود يتولد في الماء
فتكون طاهرة، لكن بيعها باطل، ولا يضمن متلفها، ولا يملك ثمنها بالقبض لان الميتة ليست بمال
ا ه‍. ملخصا.
أقول: الذي يظهر أن هذه الدودة إن كانت غير مائية المولد وكان لها دم سائل فهي نجسة،
وإلا فطاهرة فلا يحك بنجاستها قبل العلم بحقيقتها. وأما حكم بيعها فينبغي جوازه كما أجازوا بيع
السرقين للانتفاع به وكذا بيع دود القز وبيضه لأنه مال يضن به وهو المفتى به، وكذا بعي النحل
والعلق مع تصريحهم بأنه لا يجوز بيع الهوام، وهذه الدودة عند أهل زماننا من أعز الأموال وأنفسها،
والضنة بها أكثر من دود القز، وقد سمعت أن الدودة نوعان: نوع منها حيواني يخنق بالخل أو
بالخمر، ونوع منها نباتي، والأجود في الصبغ الأول، والله أعلم.
مطلب في حكم الوشم
تنبيه مهم: يستفاد مما مر حكم الوشم في نحو اليد، وهو أنه كالإختضاب أو الصبغ
بالمتنجس، لأنه إذا غرزت اليد أو الشفة مثلا بإبرة ثم حشي محلها بكحل أو نيلة ليخضر تنجس
الكحل بالدم، فإذا جمد الدم والتأم الجرح بقي محله أخضر، فإذا غسل طهر لأنه أثر يشق زواله لأنه
لا يزمل إلا بسلخ الجلد أو جرحه، فإذا كان لا يكلف بإزالة الأثر الذي يزول بماء حار أو صابون
فعدم التكليف هنا أولى، وقد صرح به في القنية فقال: ولو اتخذ في يده وشما لا يلزمه السلخ ا ه‍.
لكن في الذخيرة: لو أعاد سنه ثانيا ونبت وقوى، فإن أمكن قلعه بلا ضرر قلعه، وإلا فلا وتنجس
فمه، ولا يؤم أحدا من الناس ا ه‍: أي بناء على نجاسة السن وهو خلاف ظاهر المذهب. وقال
356

العلامة البيري: ومنه يعلم حكم الوشمة، ولا ريب في عدم جواز كونه إماما بجامع النجاسة. ثم
نقل عن شرح المشارق للعلامة الأكمل أنه قيل: يصير ذلك الموضع نجسا، فإن لم يمكن إزالته إلا
بالجرح: فإن خيف منه الهلاك أو فوات عضو لم تجب، وإلا وجبت، وبتأخيره يأثم، والرجل
والمرأة فيه سواء ا ه‍.
أقول: وعليه لو أصاب ماء قليلا أو مائعا نجسه، لكن تعبير الاكل بقيل يفيد عدم اعتماده،
وهو مذهب الشافعية، فالظاهر أنه نقله عنهم. والفرق بين الوشمة وبين السن على القول بنجاستها
ظاهر، فإن السن عين النجاسة والوشمة أثر، فإن ادعى أن بقاء الون دليل على بقاء العين رد بأن
الصبغ والإختضاب كذلك فيلزم عدم طهارته، وإن فرق بأن الوشمة امتزجت باللحم والتأمت معه
بخلاف الصبغ نقول: إن ما تداخل في اللحم لا يؤمر بغسله كما لو تشربت النجاسة في يده مثلا،
وما على سطح الجلد مثل الحناء والصبغ، وقد صرحوا بأنه لو اكتحل بكحل نجس لا يجب غسله،
ولما جرح (ص) في أحد جاءت فاطمة رضي الله عنها فأحرقت حصيرا وكمدت به حتى التصق
بالجرح فاستمسك الدم.
وفي مفسدات الصلاة من خزانة الفتاوي: كسر عظمه فوصل بعظم الكلب ولا ينزع إلا بضرر
جازت الصلاة، ثم قال لو في يده تصاوير ويؤم الناس لا تكره إمامته ا ه‍. وفي الفتاوي الخيرية من
كتاب الصلاة: سئل في رجل على يده وشم هل تصح صلاته وإمامته معه أم لا؟ أجاب نعم تصح
صلاته وإمامته بلا شبهة، والله أعلم ا ه‍. قوله: (إلا دهن ودك ميتة) الأولى أن يقول: إلا ودك دهن
ميتة، لان الودك الدسم كما في القاموس. قوله: (حتى لا يدبغ به جلد) أي لا يحل ذلك وإن كان لو
دبغ ثم غسل طهر. قال في القنية: الكيمخت المدبوغ بدهن الخنزير إذا غسل يطهر، ولا يضر بقاء
الأثر. وفي الخلاصة: وإذا دبغ الجلد بالدهن النجس يغسل بالماء ويطهر والتشرب عفو ا ه‍. قوله:
(بل يستصبح به الخ) ظاهر ما سيأتي في باب البيع الفاسد أنه لا يحل الانتفاع به أصلا، وإنما هذا
في الدهن المتنجس فقط، يؤيده ما في صحيح البخاري عن جابر أنه سمع رسول الله (ص) عام الفتح
يقول وهو بمكة: إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله أرأيت
شحوم الميتة فإنه يطلى به السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس، قال: لا، هو حرام
الحديث. قوله: (وإلا فمستعمل) أي وإن لم يكن الغاسل مكلفا، بأن كان صغيرا أو مجنون يعتبر ظن
المستعمل للثوب لأنه هو المحتاج إليه. زيلعي. قوله: (طهارة) بالنصب مفعول ظن. قوله: (بلا
عدد به يفتى) كذا في المنية. وظاهر أنه لو غلب على ظنه زوالهما بمرة أجزأه، وبه صرح الامام
الكرخي في مختصره، واختاره الامام الأسبيجابي، وفي غاية البيان أن التقدير بالثلاث ظاهر الرواية.
وفي السراج اعتبار غلبة الظن مختار العراقيين، والتقدير بالثلاث مختار البخاريين، والظاهر الأول إن
لم يكن موسوسا، وإن كان موسوسا فالثاني ا ه‍. بحر. قال في النهر: وهو توفيق حسن ا ه‍. وعليه
جرى صاحب المختار، فإنه اعتبر غلبة الظن إلا في الموسوس، وهو ما مشى عليه المصنف،
357

واستحسنه في الحلية وقال: وقد مشى الجم الغفير عليه في الاستنجاء.
أقول: وهذا مبني على تحقق الخلاف، وهو أن القول بغلبة الظن غير القول بالثلاث. قال في
الحلية: وهو الحق، واستشهد له بكلام الحاوي القدسي والمحيط.
أقول: وهو خلاف ما في الكافي مما يقتضي أنهما قول واحد، وعليه مشى في شرح المنية
فقال: فعلم بهذا أن المذهب اعتبار غلبة الظن وأنها مقدرة بالثلاث لحصولها به في الغالب وقطعا
للوسوسة وأنه من إقامة السبب الظاهر مقام المسبب الذي في الاطلاع على حقيقته عسر كالسفر مقام
المشقة ا ه‍. وهو مقتضى كلام الهداية وغيرها واقتصر عليه في الامداد، وهو ظاهر المتون حيث
صرحوا بالثلاث، والله أعلم. قوله: (لموسوس) قدره اختيارا لما مشى عليه في السراج وغيره بناء
على تحقق الخلاف، وإلا فكلام المصنف تبعا للدرر كعبارة الكافي والهداية وغيرهما ظاهر في
خلافه، والموسوس بكسر الواو لأنه محدث بما في ضميره، ولا يقال بالفتح ولكن موسوس له أو
إليه: أي يلقي إليه الوسوسة: وهي حديث النفس كما في المغرب. قوله: (ثلاثا) قيد للغسل
والعصر معا على سبيل التنازع أو للعصر فقط. ويفهم منه تثليث الغسل فإنه إذا عصر مرة بحيث لا
يبقى التقاطر لا يعصر مرة أخرى إلا بعد أن يغسل ا ه‍. نوح. ثم اشتراط العصر ثلاثا هو ظاهر
الرواية عن أصحابنا. وعن محمد في غير رواية الأصول: يكتفي به في المرة الأخيرة. وعن أبي
يوسف أنه ليس بشرط. شرح المنية. قوله: (أو سبعا) ذكره في الملتقى والاختيار، وهذا على جهة
الندب خروجا من خلاف الإمام أحمد رحمه الله تعالى. ويندب أن تكون إحداهن بتراب خروجا من
خلافه وخلاف الشافعي أيضا لو النجاسة كلبية. قوله: (فيما ينعصر) أي تقييد الطهارة بالعصر إنما
هو فيما ينعصر ويأتي محترزه متنا. قوله: (بحيث لا يقطر) تصوير للمبالغة في العصر ط. وظاهر
إطلاقه أن المبالغة فيه شرط في جميع المرات، وجعلها في الدرر شرطا للمرة الثالثة فقط، وكذا في
الايضاح لابن الكمال وصدر الشريعة وكافي النسفي، وعزاه في الحلية إلى فتاوي أبي الليث
وغيرها، ثم قال: وينبغي اشتراطها في كل مرة كما هو ظاهر الخانية حيث قال: غسل الثوب ثلاثا
وعصره في كل مرة وقوته أكثر من ذلك ولم يبالغ فيه صيانة للثوب لا يجوز ا ه‍. تأمل. قوله: (طهر
بالنسبة إليه) لاكل أحد مكلف بقدرته ووسعه ولا يكلف أن يطلب من هو أقوى ليعصر ثوبه.
شرح المنية. قال في البحر: خصوصا على قول أبي حنيفة: إن قدرة الغير غير معتبرة، وعليه
الفتوى. قوله: (الأظهر نعم للضرورة) كذا في النهر عن السراج: أي لئلا يلزم إضاعة المال، قال
في البحر: لكن اختار في الخانية عدم الطهارة ا ه‍.
قلت: وبه جزم في الدرر، وعليه فالظاهر أنه يعطي حكم ما لا ينعصر من تثليث الجفاف.
قوله: (بتثليث جفاف) أي جفاف كل غسلة من الغسلات الثلاث، وهذا شرط في غير البدن
ونحوه، أما فيه فيقوم مقامه توالي الغسل ثلاثا. قال في الحلية: والأظهر أن كلا من التوالي
358

والجفاف ليس بشرط فيه، وقد صرح به في النوازل وفي الذخيرة ما يوافقه ا ه‍. وأقره في البحر.
وفي الخانية: إذا جرى ماء الاستنجاء تحت الخف ولم يدخل فيه لا بأس به، ويطهر الخف تبعا
كما قلنا في عروة الإبريق إذا أخذها بيد نجسة وغسل يده ثلاثا تطهر العروة تبعا لليد. قوله: (أن
انقطاع تقاطر) زاد القهستاني: وذهاب النداوة. وفي التاترخانية: حد التجفيف أن يصير بحال لا
تبتل منه اليد، ولا يشترط صيرورته يابسا جدا ا ه‍. ثم هل يلزم ذهاب أثر شق زواله؟ ذكر في
الحلية أن مفاده ما في المنية عن المحيط نعم بخلاف الثوب، وقال: والتفرقة بينهما لا تعري عن
شئ ا ه‍. وأقره في البحر والنهر، لكن فشرح المنية تعقب ما في المحيط ثم قال: فالحاصل أن
زوال الأثر شرط في كل موضع ما لم يشق كيفما كان التطهير وبأي شئ كان، فليحفظ ذلك ا ه‍.
ونحوه في حاشية الواني على الدرر. قوله: (أي غير منعصر) أي بأن تعذر عصره كالخزف أو تعسر
كالبساط، أفاده في شرح المنية. قوله: (مما يتشرب النجاسة الخ) حاصله كما في البدائع أن
المتنجس إما أن لا يتشرب فيه أجزاء النجاسة أصلا كالأواني المتخذة من الحجر والنحاس والخزف
العتيق، أو يتشرب فيه قليلا كالبدن والخف والنعل، أو يتشرب كثيرا، ففي الأول طهارته بزوال
عين النجاسة المرئية أو بالعدد على ما مر، وفي الثاني كذلك لأن الماء يستخرج ذلك القليل
فيحكم بطهارته، وأما في الثالث: فإن كان مما يمكن عصره كالثياب فطهارته بالغسل والعصر إلى
زوال المرئية وفي غيرها بتثليثهما، وإن كان مما لا ينعصر كالحصير المتخذ من البردي ونحوه إن
علم أنه لم يتشرب فيه بل أصاب ظاهره يطهر بإزالة العين أو بالغسل ثلاثا بلا عصر، وإن علم
تشربه كالخزف الجديد والجلد المدبوغ بدهن نجس والحنطة المنتفخة بالنجس، فعند محمد لا يطهر
أبدا، وعند أبي يوسف ينقع في الماء ثلاثا ويجفف كل مرة، والأول أقيس، والثاني أوسع ا ه‍. وبه
يفتى. درر.
قال في الفتح: وينبغي تقييد الخزف العتيق بما إذا تنجس رطبا وإلا فهو كالجديد، لأنه يشاهد
اجتذابه ا ه‍. وقالوا في البساط النجس إذا جعل في نهر ليلة طهر. قال في البحر: والتقييد بالليلة
لقطع الوسوسة، وإلا فالمذكور في المحيط أنه إذا أجري عليه الماء إلى أن يتوهم زوالها طهر، لان
إجراء الماء يقوم مقام العصر ا ه‍. ولم يقيده بالليلة ا ه‍. ومثله في الدر المنتقى عن الشمني وابن
الكمال، ولو موه الحديد بالماء النجس يموه بالطاهر ثلاثا فيطهر، خلافا لمحمد فعنده لا يطهر
أبدا، وهذا في الحمل في الصلاة، أما لو غسل ثلاثا ثم قطع به نحو بطيخ أو وقع في ماء قليل لا
ينجسه فالغسل يطهر ظاهره إجماعا، وتمامه في شرح المنية. قوله: (وإلا فبقلعها) المناسب فبغسلها،
لان الكلام في غير المرئية: أي ما لا يتشرب النجاسة مما لا ينعصر يطهر بالغسل ثلاثا ولو بدفعة بلا
تجفيف كالخزف والآجر المستعملين كما مر وكالسيف والمرآة، ومثله ما يتشرب فيه شئ قليل
كالبدن والنعل كما قدمناه آنفا. قوله: (وهذا كله) أي الغسل والعصر ثلاثا فيما ينعصر وتثليث
الجفاف في غيره ط. قوله: (في إجانة) بالكسر والتشديد: إناء تغسل فيه الثياب والجمع أجاجين.
مصباح: أي إن هذا المذكور إنما هو إذا غسل ثلاثا في إجانة واحدة أو في ثلاث إجانات. قال في
الامداد: والمياه الثلاثة متفاوتة في النجاسة، فالأولى يطهر ما أصابته بالغسل ثلاثا، والثانية بثنتين،
359

والثالثة بواحدة، وكذا الأواني الثلاثة التي غسل فيها واحدة بعد واحدة، وقيل يطهر الاناء الثالث
بمجرد الإراقة، والثاني بواحدة، والأول بثنتين ا ه‍.
بقي لو غسل في إجانة واحدة: قال في الفيض: تغسل الإجانة بعد الثلاث مرة ا ه‍. وشمل
كلامه ما لو غسل العضو في الإجانة فإنه يطهر عندهما. وقال أبو يوسف: لا يطهر ما لم يصب عليه
الماء، وعلى هذا الخلاف لو أدخله في حباب الماء ولو في خوابي خل يخرج من الثالثة طاهرا عند
أبي حنيفة، خلافا لهما، لاشتراط محمد في غسل النجاسة الماء، واشتراط أبي يوسف الصب.
بدائع. قوله: (أما لو غسل الخ) نقل هذه الجملة في البحر عن السراج، وتابعه من بعده حتى
الشرنبلالي، وقد صحر في شرح المنية عند قوله: روي عن أبي يوسف، أن الجنب إذا اتزر في
الحمام وصب الماء على جسده ثم على الإزار يحكم بطهارة الإزار، وإن لم يعصر. وفي المنتقى:
شرط العصر على قول أبي يوسف بما نصه تقدم أن هذا ظاهر الرواية على قول الكل، ولو غمس
الثوب فنهر جار مرة وعصره يطهر، وهذا قول أبي يوسف في غير ظاهر الرواية، وذكر في الأصل
وهو ظاهر الرواية أنه يغسل ثلاثا ويعصر في كل مرة. وعن محمد في غير ظاهر الرواية أنه يغسلها:
أي النجاسة الغير المرئية ثلاثا ويعصره في المرة الثالثة، وقد تقدم أنه غير رواية الأصول. وقال في
الفتح: لا يخفى أن المروي عن أبي يوسف في الإزار لضرورة ستر العورة، فلا يلحق به غيره، ولا
تترك الروايات الظاهرة فيه ا ه‍.
أقول: لكن قد علمت أن المعتبر في تطهير النجاسة المرئية زوال عينها ولو بغسلة واحدة ولو
في إجانة كما مر، فلا يشترط فيها تثليث غسل ولا عصر، وأن المعتبر غلبة الظن في تطهير غير
المرئية بلا عدد على المفتى به أو مع شرط التثليث على ما مر، ولا شك أن الغسل بالماء الجاري
وما في حكمه من الغدير أو الصب الكثير الذي يذهب بالنجاسة أصلا ويخلفه غيره مرارا بالجريات
أقوى من الغسل في الإجانة التي على خلاف القياس، لأن النجاسة فيها تلاقي الماء وتسري معه في
جميع أجزاء الثوب، فيبعد كل البعد التسوية بينهما في اشتراط التثليث، وليس اشتراطه حكما تعبديا
حتى يلتزم وإن لم يعقل معناه، ولهذا قال الامام الحلواني على قياس قول أبي يوسف في إزار
الحمام: إنه لو كانت النجاسة دما أو بولا وصب عليه الماء كفاه، وقول الفتح: إن ذلك لضرورة
ستر العورة كما مر، رده في البحر بما في السراج، وأقره في النهر وغيره. قوله: (في غدير) أي ماء
كثير له حكم الجاري. قوله: (أو صب عليه ماء كثير) أي بحيث يخرج الماء ويخلفه غيره ثلاثا، لان
الجريان بمنزلة التكرار والعصر هو الصحيح. سراج. قوله: (بلا شرط عصر) أي فيما ينعصر،
وقوله: وتجفيف أي في غيره، وهذا بيان للاطلاق. قوله: (هو المختار) عبارة السراج: وأما حكم
الغدير: فإن غمس الثوب فيه ثلاثا وقلنا بقول البلخيين وهو المختار فقد روي عن أبي حفص الكبير
أنه يطهر وإن لم يعصر. وقيل: يشترط العصر كل مرة، وقيل: مرة واحدة ا ه‍.
وحاصله: اشتراط الغمس في الغدير ثلاثا عندهم مع اختلافهم في العصر، فتنبه.
360

مطلب في تطهير الدهن والعسل
قوله: (ويطهر لبن وعسل الخ) قال في الدرر: ولو تنجس العسل فتطهيره أن يصب فيه ماء
بقدره فيغلي حتى يعود إلى مكانه، والدهن يصب عليه الماء فيغلي فيعلو الدهن الماء فيرفع بشئ
هكذا ثلاث مرات ا ه‍. وهذا عند أبي يوسف خلافا لمحمد، وهو أوسع، وعليه الفتوى كما في
شرح الشيخ إسماعيل عن جامع الفتاوي. وقال في الفتاوي الخيرية: ظاهر كلام الخلاصة عدم
اشتراط التثليث، وهو مبني على أن غلبة الظن مجزئة عن التثليث، وفيه اختلاف تصحيح، ثم قال:
إن لفظه فيغلي ذكرت في بعض الكتب والظاهر أنها من زيادة الناسخ، فإنا لم نر من شرط لتطهير
الدهن الغليان مع كثرة النقل في المسألة والتتبع لها إلا أن يراد به التحريك مجازا، فقد صرح في
مجمع الرواية وشرح القدوري أنه يصب عليه مثله ماء ويحرك، فتأمل ا ه‍. أو يحمل على ما إذا جمد
الدهن بعد تنجسه. ثم رأيت الشارح صرح بذلك في الخزائن فقال: والدهن السائل يلقى فيه الماء،
والجامد يغلى به حتى يعلو الخ. ثم اشتراط كون الماء مثل العسل أو الدهن موافق لما في شرح
المجمع عن الكافي، ولم يذكره في الفتح والبحر. وذكر القهستاني عن بعض المفتين الاكتفاء في
العسل والدبس بالخمس، قال: لان في بعض الروايات قدرا من الماء.
قلت: يحتمل أن قدرا مصحف عن قدره بالضمير فيوافق ما ذكرناه عن شرح المجمع، وبه
سقط ما نقله عن بعض المفتين.
هذا وفي القنية عن ركن الأئمة الصباغي أنه جرب تطهير العسل بذلك فوجده مرا. وذكر في
الخلاصة أنه لو ماتت الفأرة في دن النشا يطهر بالغسل إن تناهي أمره، وإلا فلا. قوله: (ولحم طبخ
الخ) في الظهيرية: ولو صبت الخمرة في قدر فيها لحم: إن كان قبل الغليان يطهر اللحم بالغسل ثلاثا،
وإن بعده فلا. وقيل: يغلى ثلاثا كل مرة بماء طاهر ويجفف في كل مرة، وتجفيفه بالتبريد ا ه‍. بحر.
قلت: لكن يأتي قريبا أن المفتى به الأول. وفي الخانية: إذا صب الطباخ في القدر مكان
الخل خمرا غلطا فالكل نجس لا يطهر أبدا، وما روي عن أبي يوسف أنه يغلى ثلاثا لا يؤخذ به،
وكذا الحنطة إذا طبخت في الخمر لا تطهر أبدا. وعندي إذا صب فيه الخل وترك حتى صار الكل
خلا لا بأس به ا ه‍. فما مشى عليه الشارح هنا ضعيف. قوله: (وكذا دجاجة الخ) قال في الفتح:
إنها لا تطهر أبدا، لكن على قول أبي يوسف تطهر، والعلة والله أعلم تشربها النجاسة بواسطة
الغليان، وعليه اشتهر أن اللحم السميط بمصر نجس، لكن العلة المذكورة لا تثبت ما لم يمكث
اللحم بعد الغليان زمانا يقع في مثله التشرب والدخول في باطن اللحم، وكل منهما غير متحقق في
السميط حيث لا يصل إلى حد الغليان، ولا يترك فيه إلا مقدار ما تصل الحرارة إلى ظاهر الجلد
لتنحل مسام الصوف، بل لو ترك يمنع انقلاع الشعر، فالأولى في السميط أن يطهر بالغسل ثلاثا
فإنهم لا يتحرسون فيه عن المنجس، وقد قال شرف الأئمة بهذا في الدجاجة والكرش والسميط ا ه‍.
وأقره في البحر. قوله: (وفي التجنيس) هو اسم كتاب لصاحب الهداية قال فيه: إن هذا الكتاب
لبيان ما استنبطه المتأخرون، ولم ينص عليه المتقدمون، وعبارته هنا: ولو طبخت الحنطة في
الخمر قال أبو يوسف: تطبخ ثلاثا بالماء وتجفف في كل مرة، وكذلك اللحم. وقال أبو حنيفة: إذا
361

طبخت في الخمر لا تطهر أبدا، وبه يفتى ا ه‍: أي إلا إذا جعلها في خل كما نقله بعضهم عن مختصر
المحيط، وقدمناه عن الخانية، فافهم. قوله: (ولو انتفخت من بول الخ) إن كان هذا قول أبي
يوسف فظاهر، وإن كان قول الإمام، فقد يفرق بينه وبين طبخها بالخمر بزيادة التشرب بالطبخ، ثم
لا يمكن هنا تطهيرها بجعلها في الخل، لان البول لا ينقلب خلا بخلاف الخمر. قوله: (وجففت)
ظاهره أن المراد التجفيف إلى أن يزول الانتفاخ في كل مرة. قوله: (فيطهر) لانقلاب ما فيه من
أجزاء الخمر خلا، والله أعلم. فصل الاستنجاء
بإضافة فصل إلى الاستنجاء، وهو خبر لمبتدأ محذوف، وإنما ذكره في الأنجاس مع أنه من
سنن الوضوء كما قدمناه لأنه إزالة نجاسة عينيه كما في البحر. قوله: (إزالة نجس الخ) عرفه في
المغرب بأنه مسح موضع النجو: وهو ما يخرج من البطن أو غسله. وأورد عليه في البحر أنه يشمل
الاستنجاء من الحصاة مع أنه لا يسن كما صرح به في السراج، فلذا عدل عنه الشارح. وأيضا فإنه لا
يشمل ما لو أصاب المخرج نجاسة أجنبية أكثر من الدرهم مع أنه يطهر بالحجر كما مشى عليه
الشارح فيما يأتي، وجزم به في الامداد، ويأتي تمام كلامه عليه. قوله: (فلا يسن من ريح) لان
عينها طاهرة، وإنما نقضت لإنبعاثها عن موضع النجاسة ا ه‍. ح، ولان بخروج الريح لا يكون على
السبيل شئ فلا يسن منه بل هو بدعة كما في المجتبى. بحر. قوله: (وحصاة) لأنه إن لم يكن
عليها بلل أو كان ولم يتلوث منه الدبر فهي خارجة بقوله: عن سبيل وإن تلوث منها فالاستنجاء
حينئذ للنجاسة لا للحصاة ا ه‍. ح. قوله: (ونوم) لأنه ليس بنجس أيضا ا ه‍. ح. قوله: (وفصد) أي
الدم الذي على موضع الفصد، لأنه وإن كان نجسا لكنه ليس على السبيل ليزال عنه ا ه‍. ح. قوله:
(وهو سنة مؤكدة) صرح به في البحر عن النهاية ثم عزاه أيضا إلى الأصل، وعلله في الكافي
بمواظبته عليه (ص). ونقل في الحلية الأحاديث الدالة على المواظبة وما يصرفها عن الوجوب
فراجعه، وعليه فيكره تركه كما في الفتح مستدركا على ما في الخلاصة من نفي الكراهة ونحوه في
الحلية، وأوضح المقام الشيخ إسماعيل (1) في شرحه على الدرر فراجعه، ثم رأيته في البدائع صرح
بالكراهة. قوله: (مطلقا) سواء كان الخارج معتادا أم رطبا أم لا. ط،
وسواء كان بالماء أو بالحجر، وسواء كان من محدث أو جنب أو حائض أو نفساء على ما ذكره هنا. قوله: (وما قبل الخ) دفع لما
يخالف الاطلاق المذكور، والقائل بذلك صاحب السراج والاختيار وخزانة الفقه والحاوي القدسي

(1) قوله: (وأوضح المقام الشيخ إسماعيل) أقول: عبارة الشيخ إسماعيل هكذا قيل، وكان ينبغي ان يكره تركه كسائر
السنن المؤكدة غير أنها: اي الكراهة سقطت بقوله عليه الصلاة والسلام " من استجمر فليوتر، فمن فعل فحسن، ومن
لا فلا حرج " قلت جاز ان يكون قوله ومن لا فلا حرج متصلا بالايتار دون الاستجمار: اي من لم يوتر فلا حرج
ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم تقتضي كراهة الترك فلا يترك بهذا الدليل المحتمل. ولو سلم نه متصل بالاستجمار أي من ترك
الاستجمار فلا حرج عليه فنفى الحرج عن تاركه، والسنة هو الاستنجاء بالماء أو بالأحجار لا بالأحجار خاصة. على أن
نفي الحرج لا يوجب نفي الكراهة والا لزم ان لا يكون سؤر الهرة مكروها، لان سقوط نجاسة سؤرها ليس الا
لدفع الحرج، فلو كان في الكراهة حرج أيضا لسقطت الكراهة كما سقطت النجاسة، الا ان يقال قوله ومن لا فلا
حرج تنصيص بنفي الحرج، والمنصوص ينصرف إلى الكامل، ولا يكمل الا بانتفاء الكراهة، بخلاف الهرة فان انتفاء
الحرج فيها ليس بمنصوص فلا ينصرف إلى الكامل، كذا في شرح الدهلوي ا ه‍. منه.
362

والزيلعي وغيرهم، وأقرهم في الحلية، واعترضهم في البحر بأنه تسامح لأنه من باب إزالة الحدث
إن لم يكن على المخرج شئ، وإن كان فهو من باب إزالة النجاسة الحقيقية اه‍.
أقول: لا شك أن غسل ما على المخرج في الجنابة يسمى إزالة نجس عن سبيل، فقد صدق
عليه تعريف الاستنجاء وإن كان فرضا. وأما إذا تجاوزت النجاسة مخرجها، فإن كان المراد به غسل
المتجاوز إذا زاد على الدرهم، فكونه تسامحا ظاهر لأنه لا يصدق عليه التعريف المذكور، وإن كان
المراد غسل ما على المخرج عند التجاوز بناء على قول محمد الآتي فلا تسامح، يدل عليه ما في
الاختيار من أن الاستنجاء على خمسة أوجه: اثنان واجبان:
أحدهما: غسل نجاسة المخرج في الغسل من الجنابة والحيض والنفاس كي لا تشيع في بدنه.
والثاني: إذا تجاوزت مخرجها يجب عند محمد قل أو كثر، وهو الأحوط لأنه يزيد على قدر
الدرهم، وعندهما يجب إذا جاوزت قدر الدرهم، لان ما على المخرج سقط اعتباره، والمعتبر ما وراءه.
والثالث: سنة، وهو إذا لم تتجاوز النجاسة مخرجها.
والرابع: مستحب، وهو ما إذا بال ولم يتغوط فيغسل قبله.
والخامس: بدعة، وهو الاستنجاء من الريح ا ه‍. قوله: (وأركانه) قال المصنف في شرحه:
ولم أسبق إلى بيانها فيما علمت ا ه‍. وفيه تسامح، لأن هذه
الأربعة شروط للوجود في الخارج لا
أركان، لما في الحلية: ركن الشئ جانبه الأقوى. وفي الاصطلاح: ماهية الشئ أو جزء منها
يتوقف تقومها عليه، فالشرط والركن متباينان، لاعتبار الخروج عن ماهية المشروط في ماهية
الشرط، وكون الركن نفس الشئ أو جزأه الداخل فيه ا ه‍. قال ح: وحقيقة الاستنجاء الذي هو إزالة
نجس عن سبيل لا تتقوم ولا بواحد من هذه الأربعة.
فإن قلت: قد ذكر النجس في التعريف فهو من أجزاء الماهية. قلت: أجزاء التعريف لإزالة
وإضافتها إلى النجس لا نفس النجس كما صرحوا به في قولهم: العمى عدم البصر، فإن أجزاء
التعريف العدم وإضافته إلى البصر لا نفس البصر، ومثله يقال في قوله عن سبيل فإن جزء التعريف
الإزالة المتعلقة بالسبيل لا السبيل، وإلا لزم أن تكون الذوات أجزاء من المعنى، وللزم أن يقال
أركان التيمم متيمم متيمم به الخ، وكذا في الوضوء وغيره ا ه‍. قوله: (ونجس خارج الخ) أي
ولو غير معتاد كدم أو قيح خرج من أحد السبيلين فيطهر بالحجارة على الصحيح. زيلعي. وقيل
لا يطهر إلا بالماء، وبه جزم في السراج. نهر. قوله: (وكذا لو أصابه من خارج) أي فيطر
بالحجارة. وقيل الصحيح أنه لا يطهر إلا بالغسل. زيلعي. قال في البحر: وقد نقلوا هذا التصحيح
هنا بصيغة التمريض، فالظاهر خلافه ا ه‍. قال نوح أفندي: ويوهم أنهم نقلوه في جميع الكتب بها
363

مع أن شارح المجمع والنقاية نقلاه عن القنية بدونها ا ه‍.
أقول: يؤيده أن الاكتفاء بالحجارة وارد على خلاف القياس للضرورة، والضرورة فيما يكثر لا
فيما يندر كهذه الصورة، ثم رأيت ما بحثته في الحلية حيث نقل ما في القنية، ثم قال: وهو حسن،
لان ما ورد على خلاف القياس يقتصر فيه على الوارد ا ه‍. لكن ذكر المصنف في شرح زاد الفقير
أن ما نقله الزيلعي وغيره عن القنية غير موجود فيها، وأنه ذكر في الفتاوي الكبرى ومختارات النوازل
أن الأصح طهارته بالمسح، وبه أخذ الفقيه أبو الليث ا ه‍. قوله: (وإن قام) أي المستنجي من موضعه
فإنه يطهر بالحجر أيضا، قال في السراج: قيل إنما يجزئ الحجر إذا كان الغائط رطبا لم يجف ولم
يقم من موضعه، أما إذا قام من موضعه أو جف الغائط فلا يجزيه إلا الماء لأنه بقيامه قبل أن يستنجي
بالحجر يزول الغائط عن موضعه ويتجاوز مخرجه، وبجفافه لا يزيله الحجر فوجب الماء فيه ا ه‍.
أقول: والتحقيق أنه إن تجاوز عن موضعه بالقيام أكثر من الدرهم أو جف بحيث لا يزيله
الحجر فلا بد من الماء إذا أراد إزالته. قوله: (على المعتمد) كأنه أخذه من جزمه به في البحر،
وتعبير السراج عن مقابله بقيل. قوله: (مما هو عين طاهرة الخ) قال في البدائع: السنة هو الاستنجاء
بالأشياء الطاهرة من الأحجار والأمدار والتراب والخرق البوالي ا ه‍. قوله: (لا قيمة لها) يستثنى منه
الماء كما في حاشية أبي السعود. قوله: (كمدر) بالتحريك: قطع الطين اليابس قاموس، ومثله
الجداد إلا جدار غيره كالوقف ونحوه كما في شرح النقاية للقاري، لكن ذكر في البحر هنا جوازه
بالجدار مطلقا، وذكر في باب ما يجوز من الإجارة أن للمستأجر الاستنجاء بالحائط ولو الدار مسبلة
ا ه‍. قال شيخنا: وتزول المخالفة بحمل الأول على ما إذا لم يكن مستأجرا. أبو السعود.
مطلب: إذا دخل المستنجي في ماء قليل
قوله: (منق) بتشديد القاف مع فتح النون أو تخفيفها مع سكونها من التنقية أو الإنقاء: أي
منظف. غرر الأفكار. قال في السراج: ولم يرد به حقيقة الإنقاء بل تقليل النجاسة ا ه‍. ولذا يتنجس
الماء القليل إذا دخله المستنجي. ولقائل منعه لجواز اعتبار الشرع طهارته بالمسح كالنعل، وقدمنا
حكاية الروايتين في نحو المني إذا فرك ثم أصابه الماء، وأن المختار عدم عوده نجسا، وقياسه أن
يجريا أيضاف هنا، وأن لا يتنجس الماء على الراجح. وأجمع المتأخرون على أنه لا يتنجس بالعرق،
حتى لو سال منه وأصاب الثوب أو البدن أكثر من قدر الدرهم لا يمنع، ويدل على اعتبار الشرع
طهارته بالحجر ما رواه الدارقطني وصححه: أنه (ص) نهى أن يستنجي بروث أو عظم، وقال: إنهما
لا يطهران ا ه‍. ملخصا من الفتح، وتبعه في البحر. قال في النهر: وهذا هو المناسب لما في
الكتاب. وفي القهستاني: وهو الأصح. ونقل في التاترخانية اختلاف التصحيح، لكن قدمنا قبيل
بحث الدباغة أن المشهور في الكتب تصحيح النجاسة، والله تعالى أعلم. قوله: (لأنه المقصود) أي
لان الإنقاء هو المقصود من الاستنجاء كما في الهداية وغيرها. قوله: (ولا يتقيد الخ) أي بناء على
ما ذكر من أن المقصود هو الإنقاء، فليس له كيفية خاصة، وهذا عند بعضهم. وقيل كيفيته في
المقعدة في الصيف للرجل إدبار الحجر الأول والثالث وإقبال الثاني، وفي الشتاء بالعكس، وهكذا
تفعل المرأة في الزمانين كما في المحيط، وله كيفيات أخر في النظم والظهيرية وغيرهما، وفي الذكر
364

أن يأخذه بشمال ويمره على حجر أو جدار أو مدر كما في الزاهدي ا ه‍. قهستاني. واختار ما ذكره
الشارح في المجتبى والفتح والبحر. وقال في الحلية: إنه الأوجه. وقال في شرح المنية: ولم أر
لمشايخنا في حق القبل للمرأة كيفية معينة في الاستنجاء بالأحجار ا ه‍. قلت: بل صرح في الغزنوية
بأنها تفعل كما يفعل الرجل، إلا في الاستبراء فإنها لا استبراء عليها، بل كما فرغت من البول
والغائط تصبر ساعة لطيفة ثم تمسح قبلها ودبرها بالأحجار ثم تستنجي بالماء ا ه‍. قوله: (بل
مستحب) أشار إلى أن المراد نفي السنة المؤكدة لا أصلها، لما ورد من الامر بالاستنجاء بثلاثة
أحجار، ولم نقل إن الامر للوجوب كما قال الإمام الشافعي، لان قوله عليه الصلاة والسلام: من
استجمر فليوتر، فمن فعل فحسن، ومن لا فلا حرج دليل على عدم الوجوب، فحمل الامر على
الاستحباب توفيقا، وتمام الكلام في الحلية وشرح الهداية للعيني. قوله: (والغسل بالماء) أي
المطلق وإن صح عندنا بما في معناه من كل مائع طاهر مزيل فإنه يكره، لما فيه من إضاعة الماء بلا
ضرورة كما في الحلية. قوله: (إلى أن يقع الخ) هذا هو الصحيح. وقيل يشترط الصب ثلاثا، وقيل
سبعا، وقيل عشرا، وقيل في الإحليل ثلاثا، وفي المقعدة خمسا. خلاصة. قوله: (فيقدر بثلاث)
وقيل بسبع للحديث الوارد في ولوغ الكلب، معراج عن المبسوط. قوله: (كما مر) أي في تطهير
النجاسة الغير المرئية، قال في المعراج: لان البول غير مرئي، والغائط وإن كان مرئيا فالمستنجي لا
يراه، فكان بمنزلته ا ه‍. قوله: (عند أحد) أي ممن يحرم عليه جماعه ولو أمته المجوسية أو التي زوجها
للغير، أفاده ح. قوله: (أما معه) أي مع الكشف المذكور أو مع الاحد. قوله: (فيتركه) أي
الاستنجاء بالماء وإن تجاوزت المخرج وزادت على قدر الدرهم ولم يجد ساترا أو لم يكفوا بصرهم
عنه بعد طلبه منهم، فحينئذ يقللها بنحو حجر ويصلي. وهل عليه الإعادة؟ الأشبه نعم، كما إذا منع
عن الاغتسال بصنع عبد فتيمم وصلى كما مر، أفاده في الحلية، وذكرنا خلافه في بحث الغسل
فراجعه. قوله: (كما مر) أي قبيل سنن الغسل، حيث قال: وأما الاستنجاء فيتركه مطلقا ا ه‍: أي
سواء كان ذكرا أو أنثى أو خنثى، بين رجال
أو نساء أو خناثى، أو رجال ونساء، أو رجال وخناثي، أو نساء وخناثي، أو رجال ونساء وخناثي، فهي إحدى وعشرون صورة ا ه‍ ح. قوله: (فلو كشف له
الخ) أي للاستنجاء بالماء. قال نوح أفندي: لان كشف العورة حرام، ومرتكب الحرام فاسق، سواء
تجاوز النجس المخرج أو لا، وسواء كان المجاوز أكثر من الدرهم أو أقل، ومن فهم غير هذا فقد
سها لما في شرح المنية عن البزازية أن النهي راجع على الامر. قوله: (لا لو كشف الخ) أما التغوط
فظاهر لأنه أمر طبيعي ضروري لا انفكاك عنه، وأما الاغتسال فقد ذكره قبيل سنن الغسل، وبينا
هناك أن الصور إحدى وعشرون لا يغتسل فيها إلا في صورتين: وهما رجل بين رجال وامرأة بين
نساء، فيجب حمل كلامه عليهما فقط ا ه‍. ح: أي لان نظر الجنس إلى الجنس أخف، وقد نقل في
البحر لزوم الاغتسال في الصورتين المذكورتين عن شرح النقاية، وقدمنا هناك نقله عن القنية، وأن
شارح المنية قال: إنه غير مسلم، لان ترك المنهي مقدم على فعل المأمور، وللغسل خلف وهو
التيمم، وقد مر تمامه فراجعه. قوله: (سنة مطلقا) أي في زماننا وزمان الصحابة، لقوله تعالى:
* (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) * (التوبة: 801) قيل لما نزلت قال رسول الله (ص):
365

يا أهل قباء إن الله أثنى عليكم، فماذا تصنعون عند الغائط؟ قالوا: نتبع الغائط
الأحجار ثم نتبع الأحجار الماء فكان الجمع سنة على الاطلاق في كل زمان، وهو الصحيح، وعليه الفتوى، وقيل
ذلك في زماننا لأنهم كانوا يبعرون اه‍ إمداد.
ثم اعلم أن الجمع بين الماء والحجر أفضل، ويليه في الفضل الاقتصار على الماء، ويليه
الاقتصار على الحجر، وتحصل السنة بالكل وإن تفاوت الفضل كما أفاده في الامداد وغيره. قوله:
(ويجب أي يفرض غسله) أعاد الضمير على الغسل دون الاستنجاء، لان غسل ما عدا المخرج لا
يسمى استنجاء، وفسر الوجوب بذلك لان المراد بالمجاوز ما زاد من الدرهم بقرينة ما بعده، ولقوله
في المجتبى: لا يجب الغسل بالماء إلا إذا تجاوز ما على نفس المخرج وما حوله من موضع الشرج،
وكان المجاوز أكثر من قدر الدرهم ا ه‍. ولذا قيد الشارح النجس بقوله: مانع. والشرج بالشين
المعجمة والجيم: مجمع حلقة الدبر الذي ينطبق كما في المصباح. قوله: (إن جاوز المخرج) يشمل
الإحليل، ففي التاترخانية: وإذا أصاب طرف الإحليل من البول أكثر من الدرهم يجب غسله هو
الصحيح. ولو مسحه بالمدر، قيل يجزئه قياسا على المقعدة، وقيل لا، وهو الصحيح ا ه‍.
أقول: والظاهر أنه لو أصاب قلفة الأقلف القدر المانع فحكمه كذلك.
تنبيه: مقتضى اقتصارهم على المخرج: أي وما حوله من موضع الشرج كما قدمناه آنفا عن
المجتبى أنه يجب غسل المجاوز لذلك وإن لم يجاوز الغائط الصفحة، وهي ما ينضم من الأليتين عند
القيام والبول الحشفة، خلافا للشافعية حيث اكتفوا بالحجر إن لم يجاوز ذلك. قوله: (ويعتبر الخ)
أي خلافا لمحمد.
والحاصل أن ما جاوز المخرج إن زاد على الدرهم في نفسه يفترض غسله اتفاقا، وإن زاد
بضم ما على المخرج إليه لا يفرض عندهما بناء على أن ما على المخرج في حكم الباطن عندهما،
فيسقط اعتباره مطلقا حتى لا يضم إلى ما على بدنه من النجس. وعند محمد يفرض غسله بناء على
أن ما على المخرج في حكم الظاهر عنده، فلا يسقط اعتباره ويضم، لان العفو عنه لا يستلزم كونه
في حكم الباطن بدليل وجوب غسله في الجنابة والحيض، وفيما لو أصابه نجس من غيره على
الصحيح ا ه‍. نوح على البرهان. والصحيح قولهما. قاسم.
قلت: وعليه الكنز والمصنف، واستوجبه في الحلية قول محمد، وأيده بكلام الفتح حيث
بحث في دليلهما، وبقول الغزنوي في مقدمته قال أصحابنا: من استجمر بالأحجار وأصابته نجاسة
يسيرة لم تجز صلاته. لأنه إذا جمع زاد على الدرهم ا ه‍. وقدمنا عن الاختيار أنه الأحوط، وعليه
فالواجب ليس غسل المتجاوز بعينه ولا الجميع، بل المتجاوز أو ما على المخرج كما حرره في
الحلية: أي لأنه لو ترك أحدهما وهو درهم أو أقل كان عفوا، ثم قال: إن قولهم بوجوب غسل قدر
الدرهم لقربه من الفرض، وهو الزائد على قدر الدرهم، الظاهر أنه من تصرفات بعض المشايخ،
وأنه غير مأثور عن أصحاب المذهب، لان الحكم الشرعي لا يثبت بمجرد الرأي ا ه‍. وقدمنا عنه
في الأنجاس نحو ذلك. قوله: (لصلاة) متعلق بالمانع. قوله: (ولهذا الخ) استدلال على سقوط
اعتبار ما على المخرج، وفيه أن ترك غسل ما على المخرج إنما لا يكره بعد الاستجمار كما عرفته
366

لا مطلقا، فالدليل أخص من المدعي، وتمامه في الحلية. قوله: (وكره تحريما الخ) كذا استظهره
في البحر للنهي الوارد في ذلك: أي فيما ذكره في الكنز بقوله: لا بعظم وروث وطعام ويمين.
أقول: أما العظم والروث فالنهي ورد فيهما صريحا في صحيح مسلم لما سأله الجن الزاد
فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، يقع في أيديكم أوفر ما كان لحما، وكل بعرة علف
لدوابكم، فقال النبي (ص): فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم وعلل في الهداية: للروث
بالنجاسة، وإليه يشير قوله (ص) في حديث آخر إنها ركس لكن الظاهر أن هذا لا يفيد التحريم،
ومثله يقال في الاستنجاء بحجر استنجى به، إلا أن يكون فيه نهي أيضا. قال في الحلية: وإذا ثبت
النهي في مطعوم الجن وعلف دوابهم ففي مطعوم الانس وعلف دوابهم بالأولى. وأما اليمين فهو في
الصحيحين أيضا إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه ولا يستنجي بيمينه وأما الآجر والخزف
فعلله في البحر بأنه يضر المقعدة، فإن تيقن الضرر فظاهر، وإلا فالظاهر عدم الكراهة التحريمية،
وقد قال في الحلية: لم أقف على نص يفيد النهي عن الاستنجاء بهما. وأما الشئ المحترم فلما
ثبت في الصحيحين من النهي عن إضاعة الماء. وأما حق الغير ولو جدار مسجد أو ملك آدمي فلما
فيه من التعدي المحرم. وأما الفحم فعلله في البحر بأنه يضر المقعدة كالزجاج والخزف، وفيه ما
علمته، نعم في الحلية روى أبو داود عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما قال: قدم وفد الجن
على النبي (ص) فقالوا: يا محمد أنه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة، فإن الله سبحانه وتعالى
جعل لنا فيها رزقا، قال: فنهى النبي (ص) عن ذلك قال أبو عبيد: والحمم: الفحم ا ه‍.
تنبيه: استفيد من حديث مسلم السابق أنه لو كان عظم ميتة لا يكره الاستنجاء به. تأمل. قوله:
(يابس) قيد به، لأنه لما كان لا ينفصل منه شئ صح الاستنجاء به لأنه يجفف ما على البدن من
النجاسة الرطبة. بحر: أي بخلاف الرطب فإنه لا يجفف فلا يصح به أصلا. قوله: (استنجي به) بالبناء
للمجهول. قوله: (إلا بحرف آخر) أي لم تصبه النجاسة. قوله: (وآجر) بالمد الطوب المشوي.
قوله: (وخزف) بفتح الخاء المعجمة والزاي بعدها فاء، في القاموس: هو ما يعمل من طين يشوى
بالنار حتى يكون فخارا. حلية. وفسره في الامداد بصغار الحصا، والظاهر أنه أراد الخذف بالذال
المعجمة الساكنة لأنه كان في القاموس: الرمي بحصاة أو نواة أو نحوهما بالسبابتين، فيكون أطلق
المصدر على اسم المفعول. تأمل. قوله: (وشئ محترم) أي ما له احترام واعتبار شرعا، فيدخل فيه
كل متقوم إلا الماء كما قدمناه، والظاهر أنه يصدق بما يساوي فلسا لكراهة إتلافه كما مر، ويدخل فيه
جزء الآدمي ولو كافرا أو ميتا ولذا لا يجوز كسر عظمه، وصرح بعض الشافعية بأن من المحترم جزء
حيوان متصل به (1). ولو فأرة، بخلاف المنفصل عن حيوان غير آدمي ا ه‍. وينبغي أن يدخل فيه كناسة
مسجد، ولذا لا تلقى في محل ممتهن، ودخل أيضا ماء زمزم كما قدمناه أول فصل المياه، ويدخل أيضا
الورق. قال في السراج: قيل إنه ورق الكتابة، وقيل ورق الشجر وأيهما كان فإنه مكروه ا ه‍. وأقره
في البحر وغيره، وانظر ما العلة في ورق الشجر، ولعلها كونه علفا للدواب أو نعومته فيكون ملوثا

(1) قوله: (متصل به) هكذا بخطه ولعل الأصوب متصلا بالنصب صفة جزء الواقع اسم ان، اللهم الا ان يجعل اسمها
ضمير للشأن أو انه رسم على لغة ربيعة تأمل ا ه‍. مصححه.
367

غير مزيل، وكذا ورق الكتابة لصقالته وتقومه، وله احترام أيضا لكونه آلة لكتابة العلم، ولذا علله في
التاترخانية بأن تعظيمه من أدب الدين. وفي كتب الشافعية: لا يجوز بما كتب عليه شئ من العلم
المحترم كالحديث والفقه وما كان آلة لذلك. أما غير المحترم كفلسفة وتوراة وإنجيل علم تبدلهما
وخلوهما عن اسم معظم فيجوز الاستنجاء به ا ه‍. ونقل القهستاني الجواز بكتب الحكميات عن
الأسنوي من الشافعية وأقره. قلت: لكن نقلوا عندنا أن للحروف حرمة ولو مقطعة. وذكر بعض القراء
أن حروف الهجاء قرآن أنزلت على هود عليه السلام، ومفاده الحرمة بالمكتوب مطلقا، وإذا كانت
العلة في الأبيض كونه آلة الكتابة كما ذكرناه يؤخذ منها عدم الكراهة فيما لا يصلح لها إذا كان قالعا
للنجاسة غير متقوم كما قدمناه من جوازه بالخرق البوالي، وهل إذا كان متقوما ثم قطع منه قطعة لا
قيمة لها بعد القطع يكره الاستنجاء بها أم لا؟ الظاهر الثاني لأنه لم يستنج بمتقوم، نعم قطعه لذلك
الظاهر كراهته، لو بلا عذر، بأن وجد غيره لان نفس القطع إتلاف، والله تعالى أعمل.
تنبيه: ينبغي تقييد الكراهة فيما له قيمة بما إذا أدى إلى إتلافه، أما لو استنجى به من بول أو
مني مثلا وكان يغسل بعده فلا كراهة، إلا إذا كان شيئا ثمينا تنقص قيمته بغسله كما يفعل في زماننا
بخرقة المني لية العرس. تأمل. قوله: (ولا صابا) أي لو وجد صابا كخادم وزوجة لا يتركه كما في
الامداد، وتقدم في التيمم الكلام على القادر بقدرة الغير، فراجعه. قوله: (سقط أصلا) أي بالماء
والحجر. قوله: (كمريض الخ) في التاترخانية: الرجل المريض إذا لم تكن له امرأة ولا أمة وله ابن
أو أخ وهو لا يقدر على الوضوء قال: يوضئه ابنه أو أخوه، غير الاستنجاء، فإنه لا يمس فرجه
ويسقط عنه، والمرأة المريضة إذا لم يكن لها زوج وهي لا تقدر على الوضوء ولها بنت أو أخت
توضئها ويسقط عنها الاستنجاء ه‍. ولا يخفى أن هذا التفصيل يجري فيمن شلت يداه لأنه في حكم
المريض. قوله: (وحق غيره) أي كحجره ومائه المحرز لو بلا إذنه، ومنه المسبل للشرب فقط وجدار
ولو لمسجد أو دار وقف لم يملك منافعها كما مر. قوله: (وكل ما ينتفع به) أي لإنسي أو جني أو
دوابهما، وظاهره ولو مما لا يتلف بأن كان يمكن غسله. قوله: (مع الكراهة) أي التحريمية في
المنهي عنه والتنزيهية في غيره كما علم ما قررناه أو لا، وما ذكره الزاهدي عن النظم من أنه يستنجي
بثلاثة أمدار، فإن لم يجد فبالأحجار، فإن لم فبثلاثة أكف من تراب لا بما سواها من الخرقة
والقطن ونحوهما، لأنه روي في الحديث أنه يورث الفقر ا ه‍. قال في الحلية: إنه غير ظاهر الوجه
مع مخالفته لعامة الكتب، وكذا قوله: لا بما سواها الخ، فإن المكروه المتقوم لا مطلقا، وما ذكره
من الحديث الله أعلم به ا ه‍. ملخصا. قوله: (وفيه نظر الخ) كذا في البحر. وأجاب في النهر بأن
المسنون إنما هو الإزالة، ونحو الحجر لم يقصد بذاته بل لأنه مزيل، غاية الأمر أن الإزالة بهذا
الخاص منهي وذا لا ينفي كونه مزيلا. ونظيره لو صلى السنة في أرض مغصوبة كان آتيا بها مع
ارتكاب المنهي عنه ا ه‍.
قلت: وأصل الجواب مصرح به في كافي النسفي حيث قال: لان النهي في غيره، فلا ينفي
مشروعيته كما لو توضأ بماء مغصوب أو استنجى بحجر مغصوب.
368

قلت: والظاهر أن أراد بالمشروعية الصحة، لكن يقال عليه: إن المقصود من السنة الثواب،
وهو مناف للنهي، بخلاف الفرض فإنه مع النهي يحصل به سقوط المطالبة، كمن توضأ بماء مغصوب
فإنه يسقط به الفرض وإن أثم، بخلاف ما إذا جدد به الوضوء فالظاهر أنه وإن صح لم يكن له
ثواب. قوله: (استقبال قبله) أي جهتها كما في الصلاة فيما يظهر. ونص الشافعية على أنه لو
استقبلها بصدره وحول ذكره عنها وبال لم يكره، بخلاف عكسه ا ه‍: أي فالمعتبر الاستقبال بالفرج،
وهو ظاهر قول محمد في الجامع الصغير: يكره أن يستقبل القبلة بالفرج من الخلاء، وهل يلزمه ا
لتحري لو اشتبهت عليه كما في الصلاة؟ الظاهر نعم، ولو هبت ريح عن يمين القبلة ويسارها وغلب
على ظنه عود النجاسة عليه فالظاهر أنه يتعين عليه استدبار القبلة حيث أمكن، لان الاستقبال
أفحش، والله أعلم. قوله: (واستدبارها) هو الصحيح. وروي عن أبي حنيفة أنه يحل الاستدبار.
قوله: (لم يكره) أي تحريما، لما في المنية أن تركه أدب، ولما مر في الغسل أن من آدابه أن لا
يستقبل القبلة لأنه يكون غالبا مع كشف العورة، حتى لو كانت مستورة لا بأس به، ولقولهم: يكره
مد الرجلين إلى القبلة في النوم وغيره عمدا، وكذا في حال مواقعة أهله.
مطلب: القول المرجع على الفعل
قوله: (لاطلاق النهي) وهو قوله (ص): إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها
ولكن شرقوا أو غربوا رواه السنة، وفيه رد لرواية حل الاستدبار، ولقول الشافعي بعدم الكراهة
في البنيان أخذا من قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت
رسول الله (ص) يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة رواه الشيخان. ورجح الأول بأنه قول
وهذا فعل، والقول أولى لان الفعل يحتمل الخصوصية والعذر وغير ذلك، وبأنه محرم وهذا مبيح،
والمحرم مقدم، وتمامه في شرح المنية. قوله: (قبالة) بضم القاف بمعنى تجاه. قاموس ا ه‍. ط.
قوله: (فانحرف عنها) أي بجملته أو بقبله حتى خرج عن جهتها والكلام مع الامكان، فليس في
الحديث دلالة على أن المنهي استقبال العين كما لا يخفى، فافهم. قوله: (حتى يغفر له) أي تقصيره
في عدم تثبته حتى كفل واستقبلها، أو المراد غفران ما شاء الله تعالى من ذنوبه الصغائر. إن
الحسنات يذهبن السيئات - قوله: (وإلا فلا بأس) أي وإن لم يمكنه فلا بأس، والمراد
نفي الكراهة أصلا. ويحتمل أن المعنى وإن لم ينحرف مع الامكان فلا بأس كما في النهاية (1)
وحينئذ فالمراد به خلاف الأولى كما هو الشائع في استعماله، وإذا ذلك أشار الشارح أولا بقوله:
ندبا. قوله: (هذه الخ) الإشارة إلى الكراهة المذكورة في الأشياء الآتية: أي بخلاف كراهة
الاستقبال والاستدبار فإنها تحريمية كما نص عليه أولا، وأراد دفع ما قد يتوهم أن كل هذه الأشياء

(1) قوله: (كما في النهاية) عبارة النهاية: ولو غفل عن ذلك وجلس يقضي حاجته ثم وجد نفسه كذلك فلا بأس، لكن ان
أمكنه الانحراف ينحرف فإنه عد ذلك من موجبات الرحمة، فان لم يفعل لم يكن به بأس ا ه‍. منه.
369

الآتية مثلها بمقتضى ظاهر التشبيه. قوله: (إمساك صغير) هذه الكراهة تحريمية لأنه قد وجد الفعل
من المرأة ط. قوله: (وكذا مد رجله) هي كراهة تنزيهية ط، لكن قال الرحمتي: سيأتي في كتاب
الشهادات أنه يمد الرجل إليها ترد شهادته، وهذا يقتضي التحريم، فليحرر ا ه‍. قوله: (واستقبال
شمس وقمر) لأنهما من آيات الله الباهرة، وقيل لأجل الملائكة الذين معهما. سراج. ونقل سيدي
عبد الغني عن المفتاح: ولا يقعد مستقبلا للشمس والقمر، ولا مستدبرا لهما للتعظيم ا ه‍.
أقول: والظاهر أن الكراهة هنا تنزيهية ما لم يرد نهي، وهل الكراهة هنا في الصحراء والبنيان
كما في القبلة أم في الصحراء فقط؟ وهل استقبال القمر نهارا كذلك؟ لم أره. والذي يظهر أن المراد
استقبال عينهما مطلقا لا جهتهما ولا ضوئهما، وأنه لو كان ساتر يمنع عن العين ولو سحابا فلا
كراهة، وأن الكراهة إذا لم يكونا في كبد السماء وإلا فلا استقبال للعين، ولم أره أيضا فليحرر نقلا،
ثم رأيت في نور الايضاح قال: واستقبال عين الشمس والقمر. قوله: (في ماء ولو جاريا الخ) لما
روى جابر بن عبد الله عن النبي (ص): أنه نهى أن يبال في الماء الراكد رواه مسلم والنسائي وابن
ماجة، وعنه قال: نهى رسول الله (ص) أن يبال في الماء الجاري رواه الطبراني في الأوسط بسند
جيد. والمعنى فيه أنه يقذره، وربما أدى إلى تنجيسه. وأما الراكد القليل فيحرم البول فيه لأنه
ينجسه ويتلف ما ليته ويغر غيره باستعماله، والتغوط في الماء أقبح من البول، وكذا إذا بال في إناء
ثم صبه في الماء أو بال بقرب النهر فجرى إليه، فكله مذموم قبيح منهي عنه. قال النووي في شرح
مسلم: وأما انغماس المستنجي بحجر في ماء قليل، فهو حرام لتنجيس الماء وتلطخه بالنجاسة،
وإن كان جاريا فلا بأس به، وإن كان راكدا فلا تظهر كراهته لأنه ليس في معنى البول ولا يقاربه،
لكن اجتنابه أحسن ا ه‍. كذا في الضياء المعنوي شرح مقدمة الغزنوي. قوله: (وفي البحر الخ) ذكره
في بحث المياه توفيقا بصيغة ينبغي.
تنبيه: ينبغي أن يستثنى من ذلك ما إذا كان في سفينة في البحر، فلا يكره له البول والتغوط
فيه للضرورة، ومثله بيوت الخلاء في دمشق ونحوها فإن ماءها يجري دائما، ولم يبلغنا عن أحد من
السلف منع قضاء الحاجة بها، ولعل وجهه أن الماء الجاري بها بعد نزوله من الجرن إلى الأسفل لم
تبق له حرمة الماء الجاري لقرب اتصاله بالنجاسة، فلا تظهر فيه العلة المارة للكراهة لأنه لم يبق
معدا للانتفاع به، نعم ذكر سيدي عبد الغني في شرح الطريقة المحمدية أنه يظهر المنع من اتخاذ
بيوت الخلاء فوق الأنهار الظاهرة، وكذا إجراء مياه الكنف إليها، بخلاف إجرائها إلى النهر الذي هو
مجمع المياه النجسة، وهو المسمى بالمالح، والله تعالى أعلم. قوله: (وعلى طرف نهر الخ) أي وإن
لم تصل النجاسة إلى الماء لعموم نهي النبي (ص) عن البراز في الموارد ولما فيه من إيذاء المارين
بالماء، وخوف وصولها إليه، كذا في الضياء عن النووي. قوله: (أو تحت شجرة مثمرة) أي لاتلاف
الثمر وتنجيسه إمداد. والمتبادر أن المراد وقت الثمرة، ويلحق به ما قبله بحيث لا يأمن زوال
النجاسة بمطر أو نحوه، كجفاف أرض من بول. ويدخل فيه الثمر المأكول وغيره ولو مشموما
لاحترام الكل والانتفاع به، ولذا قال في الغزنوية: ولا على خضرة ينتفع الناس بها. قوله: (أو في
ظل) لقوله (ص): اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل رواه أبو داود
370

وابن ماجة. قوله: (ينتفع بالجلوس فيه) ينبغي تقييده بما إذا لم يكن محلا للاجتماع على محرم أو
مكروه، وإلا فقد يقال: يطلب ذلك لدفعهم عنه، ويلحق بالظل في الصيف محل الاجتماع في
الشمس في الشتاء. قوله: (وفي مقابر) لان الميت يتأذى بما يتأذى به الحي. والظاهر أنها تحريمية،
لأنهم نصوا على أن المرور في سكة حادثة فيها حرام، فهذا أولى ط. قوله: (وبين دواب) لخشية
حصول أذية منها ولو بتنجس بنحو مشيها. قوله: (وفي مهب ريح) لئلا يرجع الرشاش عليه. قوله:
(وجحر) بتقديم الجيم على المهملة: هو ما يحتفره الهوام والسباع لانفسها. قاموس، لقول قتادة
رضي الله عنه: نهى رسول الله (ص) أن يبال في الجحر، قالوا لقتادة: ما يكره من البول في الحجر؟
قال: يقال إنه مساكن الجن رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وقد يخرج عليه من الجحر ما يلسعه أو
يرد عليه بوله. ونقل أن سعد بن عبادة الخزرجي رضي الله عنه قتلته الجن لأنه بال في جحر بأرض
حوران، وتمامه في الضياء. قوله: (وثقب) الخرق النافذ. قاموس. وهو بالفتح واحد الثقوب،
وبالضم جمع ثقبة كالثقب بفتح القاف ا ه‍. مختار. ثم هذا يغني عنه ما قبله، وهذا في غير المعد
لذلك كبالوعة فيما يظهر. قوله: (زاد العيني الخ) أقول: ينبغي أن يزاد أيضا البول على ما منع من
الاستنجاء به لاحترامه كالعظم ونحوه كما صرح به الشافعية. قوله: (يعبر عليه أحد) هذا أعم من
طريق الناس. قوله: (وبجنب طريق أو قافلة) قيد ذلك في الغزنوية بقوله: والهواء يهب من صوبه
إليها. قال في الضياء: أي إلى الطريق أو القافلة، والواو للحال ا ه‍. قوله: (وفي أسفل الأرض الخ)
أي بأن يقعد في أسفلها ويبول إلى أعلاها فيعود الرشاش عليه. قوله: (والتكلم عليهما) أي على
البول والغائط، قال (ص): لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان، فإن الله
تعالى يمقت على ذلك رواه أبو داود والحاكم وصححه. ويضربان الغائط: أي يأتيانه، والمقت
وهو البغض وإن كان المجموع: أي مجموع كشف العورة والتحدث، فبعض موجبات المقت
مكروه. إمداد.
تنبيه عبارة الغزنوية: ولا يتكلم فيه: أي في الخلاء. وفي الضياء عن بستان أبي الليث:
يكره الكلام في الخلاء، وظاهره أنه لا يختص بحال قضاء الحاجة: وذكر بعض الشافعية أنه المعتمد
عندهم، وزاد في الامداد: ولا يتنحنح: أي إلا بعذر، كما إذا خاف دخول أحد عليه ا ه‍. ومثله
بالأولى ما لو خشي وقوع محذور بغيره؟. ولو توضأ في الخلاء لعذر هل يأتي بالبسملة ونحوها من
أدعيته مراعاة لسنة الوضوء أو يتركها مراعاة للمحل؟ والذي يظهر الثاني لتصريحهم بتقديم النهي عن
الامر. تأمل. قوله: (وأن يبول قائما) لما ورد من النهي عنه، ولقول عائشة رضي الله عنها: من
حدثكم أن النبي (ص) كان يبول قائما فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدا رواه أحمد والترمذي
والنسائي وإسناده جيد. قال النووي في شرح مسلم: وقد روي في النهي أحاديث لا تثبت، ولكن
حديث عائشة ثابت فلذا قال العلماء: يكره إلا لعذر، وهي كراهة تنزيه لا تحريم. وأما بوله (1) (ص)

(1) قوله: (وأما بوله الخ) هو ما رواه الشيخان عن حذيفة رضي الله عنه " أنه صلى الله عليه وسلم أتى سباط قوم فبال قائما " والسباطة هي ملقى
التراب والقمامة تكون بفناء الدور، وإضافتها إلى القوم ليست بإضافة ملك بل كانت مواتا مباحا في محلتهم ضياء ا ه‍. منه.
371

في البساطة التي بقرب الدور فقد ذكر عياض أنه لعله طال عليه مجلس حتى حفزه البول فلم يمكنه
التباعد ا ه‍. أو لما روي: أنه (ص) بال قائما لجرح بمأبضه بهمزة ساكنة بعد الميم وباء موحدة:
وهو باطن الركبة، أو لوجع كان بصلبه والعرب كانت تستشفي به، أو لكونه لم يجد مكانا للقعود،
أو فعله بيانا للجواز، وتمامه في الضياء. قوله: (أو مضطجعا أو مجردا) لأنهما من عمل اليهود
والنصارى. غزنوية. قوله: (بلا عذر) يرجع إلى جميع ما قبله ط. قوله: (ويتوضأ هو) قدر هو
ليوافق الحديث ويثبت حكم غيره بطريق الدلالة، أفاده ح. قوله: (لحديث الخ) لفظه كما في
البرهان عن أبي داود لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل أو يتوضأ فيه، فإن عامة الوسواس
منه والمعنى: موضعه الذي يغتسل فيه بالحميم، وهو في الأصل الماء الحار، ثم قيل للاغتسال
بأي مكان استحمام، وإنما نهى عن ذلك إذا لم يكن له مسلك يذهب فيه البول أو كان المكان صلبا
فيوهم المغتسل أنه أصابه منه شئ فيحصل به (الوسواس) كما في نهاية ابن الأثير الهمدني.
مطلب في الفرق بين الاستبراء والإستنقاء والاستنجاء
قوله: (يجب الاستبراء الخ) هو طلب البراءة من الخارج بشئ مما ذكره الشارح حتى يستيقن
بزوال الأثر. وأما الاستنقاء فهو طلب النقاوة، وهو أن يدلك المقعدة بالأحجار أو بالأصابع حالة
الاستنجاء بالماء. وأما الاستنجاء فهو استعمال الأحجار أو الماء، هذا هو الأصح في تفسير هذه
الثلاثة كما في الغزنوية. وفيها أن المرأة كالرجل، إلا في الاستبراء فإنه لا استبراء عليها، بل كما
فرغت تصبر ساعة لطيفة ثم تستنجي، ومثله في الامداد. وعبر بالوجوب تبعا للدرر وغيرها،
وبعضهم عبر بأنه فرض وبعضهم بلفظ ينبغي، وعليه فهو مندوب كما صحر به بعض الشافعية، ومحله
إذا أمن خروج شئ بعده فيندب ذلك مبالغة في الاستبراء، أو المراد الاستبراء بخصوص هذه
الأشياء من نحو المشي والتنحنح، أما نفس الاستبراء حتى يطمئن قلبه بزوال الرشح فهو فرض وهو
المراد بالوجوب، ولذا قال الشرنبلالي: يلزم الرجل الاستبراء حتى يزول أثر البول ويطمئن قلبه.
وقال: عبرت باللزوم لكونه أقوى من الواجب، لأنه هذا يفوت الجواز لفوته فلا يصح له الشروع في
الوضوء حتى يطمئن بزوال الرشح ا ه‍. قوله: (أو تنحنح) لان العروق ممتدة من الحلق إلى الذكر.
وبالتنحنح تتحرك وتقذف ما في مجرى البول ا ه‍. ضياء. قوله: (ويختلف الخ) هذا هو الصحيح، فمن
وقع في قلبه أنه صار جاز له أن يستنجي، لان كل أحد أعلم بحاله. ضياء.
قلت: ومن كان بطئ الاستبراء فليفتل نحو ورقة مثل الشعيرة ويحتشي بها في الإحليل فإنها
تتشرب ما بقي من أثر الرطوبة التي يخاف خروجها، وينبغي أن يغيبها في المحل لئلا تذهب الرطوبة
إلى طرفها الخارج، وللخروج من خلاف الشافعي، وقد جرب ذلك فوجد أنفع من ربط المحل، لكن
الربط أولى إذا كان صائما لئلا يفسد صومه على قول الإمام الشافعي. قوله: (ومع طهارة المغسول
تطهر اليد) هو مختار الفقيه أبي جعفر، وقيل: يجب غسلها لأنها تتنجس بالاستنجاء، وقيل يسن، وهذا
هو الصحيح كما مر في سنن الوضوء. نوح. ونقل في القنية أنه لو استنجى بالماء وبيده خيط مشدود
372

لا يطهر بطهارة اليد ما لم يمر اليد بالخيط إمرارا بلغيا. قوله: (ويشترط الخ) قال في السراج: وهل
يشترط فيه ذهاب الرائحة؟ قال بعضهم: نعم، فعلى هذا لا يقدر بالمرات، بل يستعمل الماء حتى
تذهب العين والرائحة. وقال بعضهم: لا يشترط بل يستعمل حتى يغلب على ظنه أنه قد طهر وقدروه
بالثلاث ا ه‍. والظاهر أن الفرق بين القولين أنه على الأول يلزمه شم يده حتى يعلم زوال الرائحة،
وعلى الثاني لا يلزمه بل يكفي غلبة الظن. تأمل. قوله: (بأن أرخى الخ) لعل وجهه أن يخرج بإرخائه
نفسه الشرج الداخل وهولا يخلو عن رطوبة النجاسة، ثم رأيته منقولا عن خط البزازي في هامش
نسختي البزازية مع التصريح بأن المراد بوجه السنة ما ذكره الشارح من الإرخاء، وبه اندفع ما فهمه في
الحلية من بناء القول بالنقض، على أن المراد بوجه السنة هو إدخال الإصبع في الدبر، فرد ذلك بأنه
قد نص غير واحد من أعيان المشايخ الكبار على أنه لا يدخل الإصبع في الاستنجاء.
تتمة: إذا أراد أن يدخل الخلاء ينبغي أن يقوم قبل أن يغلبه الخارج ولا يصحبه شئ عليه اسم
معظم ولا حاسر الرأس ولا مع القلنسوة بلا شئ عليها، فإذا وصل إلى الباب يبدأ بالتسمية قيل
الدعاء هو الصحيح فيقول: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، ثم يدخل باليسرى
ولا يكشف قبل أن يدنو إلى القعود، ثم يوسع بين رجليه ويميل على رجله اليسرى، ولا يفكر في أمر
الآخرة كالفقه والعلم، فقد قيل: إنه يمنع منه شئ أعظم منه، ولا يرد سلاما، ولا يجيب مؤذنا، فإن
عطس حمد الله تعالى بقلبه، ولا ينظر إلى عورته ولا إلى ما يخرج منه، ولا يبزق في البول، ولا يطيل
القعود فإنه يولد الباسور، ولا يمتخط، ولا يتنحنح، ولا يكثر الالتفات، ولا يعبث ببدنه، ولا يرفع
بصره إلى السماء وينكس رأسه حياء مما ابتلى به، ويدفن الخارج، ويجتهد في الاستفراغ منه، فإذا فرغ
يعصر ذكره من أسفله إلى الحشفة، ثم يمسح بثلاثة أحجار ثم يستر عورته قبل أن يستوي قائما، ثم
يخرج برجله اليمنى ويقول: غفرانك، الحمد الله الذي أذهب عني ما يؤذيني، وأمسك علي ما
ينفعني، ثم يستبرئ، فإذا استيقن بانقطاع أثر البول يقعد للاستنجاء بالماء موضعا آخر، ويبدأ بغسل
يديه ثلاثا ويقول قبل كشف العورة: بسم الله العظيم وبحمده، والحمد الله على دين الاسلام. اللهم
اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ثم يفيض الماء
باليمنى على فرجه، ويعلي الاناء، ويغسل فرجه باليسرى، ويبدأ بالقبل ثم الدبر، ويرخي مقعدته
ثلاثا، ويدلك كل مرة ويبالغ فيه ما لم يكن صائما فينشف بخرقة قبل أن يجمعه كي لا يصل الماء إلى
جوفه فيفطر، ثم يدلك يده على حائط أو أرض طاهرة ثم يغسلها ثلاثا، ثم يقوم وينشف فرجه بخرقة
نظيفة، فإن لم تكن معه يمسح بيديه مرارا حتى لا تبقى إلا بلة يسيرة، ويلبس سراويله ويرش فيه
الماء أو يحشو بقطنه إن كان يريبه الشيطان، ويقول، الحمد الله الذي جعل الماء طهورا والاسلام نورا،
وقائدا ودليلا إلى الله وإلى جنات النعيم. اللهم حصن فرجي، وطهر قلبي، ومحصن ذنوبي ا ه‍.
ملخصا من الغزنوية والضياء. قوله: (نام) أي فعرق، وقوله: أو مشى أي وقدمه مبتلة. قوله: (على
نجاسة) أي يابسة لما في متن الملتقى لو وضع ثوبا رطبا على ما طين بطين نجس جاف لا ينجس،
قال الشارح: لان بالجفاف تنجذب رطوبة الثوب من غير عكس، بخلاف ما إذا كان الطين رطبا ا ه‍.
قوله: (إن ظهر عينها) المراد بالعين ما يشمل الأثر لأنه دليل على وجودها، ولو عبر به كما في نور
373

الايضاح لكان أولى. قوله: (تنجس) أي فيعتبر فيه القدر المانع كما مر في محله. قوله: (ولو وقعت)
أي النجاسة في نهر: أي ماء جار، بأن بال فيه حمار فأصاب الرشاش ثوب إنسان اعتبر الأثر، بخلاف
ما إذا بال في ماء راكد فإنه إذا أصابه من الرشاش أكثر من الدرهم منع كما في الخانية، لكن ذكر فيها
أنه لو ألقيت عذرة في الماء فأصابه منه اعتبر الأثر، فأطلق ولم يفصل بين الجاري وغيره، ولعل
إطلاقه محمول على ما ذكره في التفصيل، ويؤيده أنه المتبادر من كلام صاحب الهداية في مختارات
النوازل (1) اللهم إلا أن يفرق بين البول والعذرة بأنه إذا أصاب البول الماء الراكد يترجح الظن بأن
الرشاش من البول لصدمه الماء، بخلاف ما إذا كان جاريا فإن كلا منهما يصدم الآخر، فيحتمل أنه من
الماء فلذا اعتبر الأثر. وأما في العذرة فالرشاش المتطاير إنما هو من الماء قطعا، سواء كان راكدا أو
جاريا، ولكنه يحتمل أن يكون من الماء الذي أصاب العذرة أو من غيره تطاير بقوة وقعها فيعتبر فيه
الأثر، لان الأصل الطهارة، هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم.
هذا، وقد ذكر في المنية وغيرها عن ابن الفضل التنجيس في الجاري وغيره، وأن اختيار أبي
الليث عدمه. قال في شرح المنية: أي في الجاري وغيره، وهو الأصح لان اليقين لا يزول بالشك،
ولان الغالب أن الرشاش المتصاعد إنما هو من أجزاء الماء لا من أجزاء الشئ الصادم، فيحكم
بالغالب ما لم يظهر خلافه ا ه‍. فتأمل. فإن كون ذلك هو الغالب محل نظر.
بقي شئ، وهو أنه هل المراد بالراكد القليل أو الكثير؟ لم أره صريحا. وقال ح: الظاهر
الأول، وإلا لما كان معنى لتفصيل قاضيخان. ويفهم من تعليل شرح المنية للأصح أن الماء القليل
لا يتنجس في آن وقوع النجاسة، حتى لو أخذ ماء من الجانب الآخر عقب الوقوع بلا فاصل يكون
طاهرا، لأنهم لم يحكموا بسريان النجاسة إلى الرشاش لعدم زمان تسري فيه مع قربه من النجاسة،
فعدم نجاسة الطرف المقابل لطرف وقوع النجاسة في آن الوقوع أولى. تأمل تظفر ا ه‍.
قلت: وعلى ما ذكرناه من الفرق يظهر لتفصيل الخانية معنى، فلا يدل على أن المراد بالراكد
القليل، فتأمل. قوله: (لف طاهر الخ) اعلم أنه إذا لف طاهر جاف في نجس مبتل واكتسب الطاهر منه
اختلف فيه المشايخ، فقيل يتنجس الطاهر. واختار الحلواني أنه لا يتنجس إن كان الطاهر بحيث لا
يسيل منه شئ ولا يتقاطر لو عصر، وهو الأصح كما في الخلاصة وغيرها، وهو المذكور في عامة
كتب المذهب متونا وشروحا، وفتاوي في بعضها بلا ذكر خلاف، وفي بعضها بلفظ الأصح، وقيد في
شرح المنية بما إذا كان النجس مبلولا بالماء لا بنحو البول، وبما إذا لم يظهر في الثوب الطاهر أثر
النجاسة، وقيده الفتح أيضا بما إذا لم ينبع من الطاهر شئ عند عصره ليكون ما اكتسبه مجرد ندوة، لأنه
قد يحصل بلي الثوب وعصره نبع رؤوس صغار ليس لها قوة السيلان ثم ترجع إذا حل الثوب، ويبعد
في مثله الحكم بالطهارة مع وجود المخالطة حقيقة. قال في البرهان بعد نقله ما في الفتح: ولا يخفى
منه إنه لا يتيقن بأنه مجرد ندوة إلا إذا كان النجس الرطب هو الذي لا يتقاطر بعصره، إذ يمكن أن
يصيب الثوب الجاف قدر كثير من النجاسة ولا ينبع منه شئ بعصره كما هو مشاهد عنده البداية بغسله.

(1) قوله: (في مختارات النوازل) أقول: ونص عبارة مختارات النوازل هكذا: الحمار إذا بال في الماء الجاري فأصاب
رشاشة الثوب لا يفسدها ما لم يتيقن انه بول، وكذا لو رمى نجاسة في الماء فانتضح منه فأصاب الثوب، وان كان الماء
راكدا يفسده ا ه‍. منه.
374

فيتعين أن يفتى بخلاف ما صححه الحلواني ا ه‍. وأقره الشرنبلالي. ووجه ظاهر.
والحاصل أنه على ما صححه الحلواني: العبرة للطاهرة المكتسب إن كان بحيث لو انعصر قطر
تنجس وإلا لا، سواء كان النجس المبتل يقطر بالعصر أو لا، وعلى ما في البرهان: العبرة للنجس
المبتل إن كان بحيث لو عصر قطر تنجس الطاهر سواء كان الطاهر بهذه الحالة أو لا، وإن كان
بحيث لم يقطر لم يتنجس الطاهر، وهذا هو المفهوم (1) من كلام الزيلعي في مسائل شتى آخر
الكتاب، مع أن المتبادر من عبارة المصنف هناك كالكنز وغيره خلافه، بل كلام الخلاصة والخانية
والبزازية وغيرها صريح بخلافه، وسيأتي تمام الكلام هناك إن شاء الله تعالى. قوله: (إن بحيث لو
عصر الخ) المتبادر منه عود الضمائر الثلاث إلى الطاهر، فيوافق ما صححه الحلواني، ويحتمل عود
الضمير في عصر وقطر إلى النجس، والضمير في تنجس إلى الطاهر، فيوافق ما في البرهان
والشرح نبلالية والزيلعي، فافهم. قوله: (ولو لف الخ) محترز قوله: مبتل بماء وهذا مأخوذ من شرح
المنية، وقال: لان النداوة حينئذ عين النجاسة وإن لم يقطر بالعصر.
أقول: أنت خبير بأن الماء المجاور للنجاسة حكمه حكمها من تغليظ أو تخفيف، فلا يظهر
الفرق بين المبتل ببول أو بماء أصابه بول. تأمل. قوله: (إن متفسخه تنجس) لأنه ينفصل منها أجزاء
بسبب الانتفاخ، وانقلاب الخمر خلا لا يوجب انقلاب الاجزاء النجسة طاهرة ا ه‍ ح. قال في
الخانية: وكذا الكلب: إذا وقع في عصير ثم تخمر ثم تخلل لا يحل أكله، لان لعاب الكلب أقام فيه
وأنه لا يصير خلا. قوله: (وإلا لا) أي لا يتنجس الخل لعدم بقاء شئ بعد التخلل، والفأرة وإن
كانت نجسة قبل التخلل مثل الخمر، لكن النجس لا يؤثر في مثله، فإذا ألقيت ثم تخلل الخمر طهر
بانقلاب العين، بخلاف ما إذا وقعت في بئر فإنها تنجسه لملاقاتها الماء الطاهر فتؤثر فيه ويجب النزح
وإن لم تتفسخ. ولا يرد ما إذا تفسخت في الخمر، لما علمت من أن ذلك الأثر بعد التخلل لا
ينقلب خلا فيؤثر في طهارة الخل، فافهم. قوله: (وقع خمر في خل الخ) وجهه كما في الخانية أنه
في الكوز لما زالت الرائحة عرف التغير وعرف أنه صار خلا. وأما في القطرة فإنها لا رائحة لها فلا
يعرف التغير. ويحتمل أنها باقية في الحال فلا يحكم بحله. قال القاضي: الامام يحكم ظنه إن كان
غالب ظنه أنه صار خلا طهر وإلا فلا ا ه‍. قوله: (فأرة وجدت الخ) صورته: ملا جرة من بئر ثم ملا
قمقمة من تلك الجرة ثم وجدت في القمقمة فأرة، وفي نهاية الحديث: القمقمة ما يسخن فيه الماء
من نجاس وغيره ويكون ضيق الرأس ا ه‍. قوله: (يحمل على القمقمة) هذا من باب الحوادث تضاف

(1) قوله: (وهذا هو المفهوم الخ) وذلك حيث علل لعدم التنجس بقوله لأنه إذا لم يتقاطر منه بالعصر لا ينفصل منه
شئ، وانما يبتل ما يجاوره بالنداوة وبذلك لا يتنجس به ا ه‍. فان الضمائر البارزة كلها عائدة على النجس، فيفهم منه
انه المعتبر في التقاطر وعدمه دون الطاهر ا ه‍. منه.
375

إلى أقرب الأوقات ا ه‍. ح. وفي الفتح: أخذ من حب ثم من حب آخر ماء وجعل في إناء ثم وجد
في الاناء فأرة، فإن غاب ساعة فالنجاسة للإناء، وإلا فإن تحرى ووقع تحريه على أحد الحبين عمل
به، وإن لم يقع على شئ فللحب الأخير، وهذا إذا كانا لواحد، فلو لإثنين كل منهما يقول ما
كانت في حبي فكلاهما طاهر. قوله: (فإن خرج منها الدهن) أي من جوفها، أو المراد مما يلاقي
جلدها. قوله: (فقربته) (1) أي هي النجسة، وكذا يقدر فيما بعده. قوله: (وإلا) أي وإن لم يخرج
منها الدهن، فإن بقي ما عليها بحال الجمد بفتح الجيم والميم: أي جامدا فهو دليل أنه عسل، لان
العسل إذا أصابته الشمس تلاحمت أجزاؤه وتماسك بعضها ببعض، بخلاف الدبس فإنه ينقشع بعضه
عن بعض بحرارة الشمس، أفاده ح. بقي ما إذا لم يظهر الحال بذلك، وينبغي أن يفصل فيه كما
قدمناه آنفا عن الفتح. قوله: (يعمل بخبر الحرمة الخ) أي إذا أخبره عدل بأن هذا اللحم ذبيحة
مجوسي أو ميتة وعدل آخر أنه ذبيحة مسلم لا يحل، لأنه لما تهاتر الخبران بقي على الحرمة الأصلية
لا يحل إلا بالذكاة، ولو أخبرا عن ماء وتهاترا بقي على الطهارة الأصلية ا ه‍. إمداد. وظاهره أنه بعد
التهاتر في الصورتين لا يعتبر التحري وسنذكرها ما يخالفه في الحظر والإباحة قبل فصل اللبس عن
شراح الهداية وغيرهم، فراجعه هناك. قوله: (أقلها طاهر) كما لو اختلط ثوب طاهر مع ثوبين
نجسين، وكذا بالعكس بالأولى. قوله: (لا أقلها) مثله التساوي فإنه لا يتحرى فيه أيضا كما سيذكره
الشارح في الحظر والإباحة، وذكر هناك أن اختلاط الذبيحة الذكية والميتة كحكم الأواني.
ثم الفرق بين الثياب والأواني كما في الامداد أن الثوب لا خلف له في سترة العورة، بخلاف
الماء في الوضوء والغسل فإنه يخلفه التيمم. وأما في حق الشرب فيتحرى مطلقا لأنه لا خلف له،
ولهذا قال: إلا لضرورة شرب.
ثم اعلم أن ما ذكره الشارح هنا في مسألتي الثياب والأواني موافق لما في نور الايضاح ومواهب
الرحمن، ويخالفه ما في الذخيرة وغيرها مما حاصله أنه إن غلب الطاهر في الأواني أو الثياب أو الذبائح
تحرى في حالتي الاختيار والاضطرار اعتبارا للغالب، وإلا ففي الاختيار لا يتحرى في الكل، وفي
الاضطرار يتحرى في الكل إلا في الأواني لغير الوضوء والغسل، وسيأتي بسطه في الحظر والإباحة إن
شاء الله تعالى، وهذا بخلاف ما إذا طلق من نسائه امرأة أو أعتق من إمائه أمة فإنه لا يجوز له أن يتحرى
لوطئ ولا بيع وإن كان الغلبة للحلال، وتمامه في الولوالجية وغيرها من كتاب التحري فراجعه.
قوله: (يحرم أكل لحم أنتن) عزاه في التاترخانية إلى مشكل الآثار للطحاوي. قال ح: أي
لأنه يضر لا لأنه نجس. وأما نحو اللبن المنتن فلا يضر. ذكره الشرنبلالي في شرح كراهية الوهبانية ا ه‍.
قلت: ونقل في التاترخانية عن صلاة الجلابي أنه إذا اشتد تغيره تنجس، ثم نقل التوفيق بحمل
الأول على ما إذا لم يشتد، ومثله في القنية، لكن في الحموي عن النهاية أن الاستحالة إلى فساد لا

(1) قوله: (فقربته) هكذا بخطه ولعلها نسخته، والا فنسخ الشارح التي بيدي فسمن الخ ا ه‍. مصححه.
376

توجب النجاسة لا محالة ا ه‍. وفي التاترخانية: دود لحم وقع في مرقة لا ينجس ولا تؤكل المرقة
إن تفسخ الدود فيها ا ه‍. أي لأنه ميتة وإن كان طاهرا. قلت: وبه يعلم حكم الدود في الفواكه والثمار.
قوله: (شعير الخ) في التاترخانية: إذا وجد الشعير في بعر الإبل والغنم يغسل ويجفف ثلاثا ويؤكل،
وفي أخثاء البقر لا يؤكل. قال في الفتح لأنه لا صلابة فيه. ثم نقل في التاترخانية عن الكبرى أن
الصحيح التفصيل بالانتفاخ وعدمه، ويستوي فيه البعر والخثي ا ه‍: أي إن انتفخ لا يؤكل فيهما وإلا
أكل فيهما، وبحث نحوه في شرح المنية، وبما ذكرنا علم أن قوله: صلب مرفوع صفة ثانية لشعير،
فافهم. قوله: (مرارة كل حيوان كبوله) أي فإن كان بوله نجسا مغلظا أو مخففا فهي كذلك خلافا ووفاقا
ومن فروعه ما ذكروا: لو أدخل في أصبعه مرارة مأكول اللحم يكره عنده لأنه لا يبيح التداوي ببوله،
لا عند أبي يوسف لأنه يبيحه. وفي الذخيرة والخانية أن الفقيه أبا الليث أخذ بالثاني للحاجة. وفي
الخلاصة وعليه الفتوى. قلت: وقياس قول محمد لا يكره مطلقا لطهارة بوله عنده ا ه‍. حلية. قوله:
(وجرته كزبله) أي كسر قينة، وهي بكسر الجيم. وقد تفتح: ما يجره: أي يخرجه البعير من جوفه إلى
فمه فيأكله ثانيا كما في المغرب والقاموس، وعلله في التجنيس بأنه واراه جوفه، ألا ترى إلى ما يواري
جوف الانسان بأن كان ماء ثم قاءه فحكمه حكم بوله ا ه‍. وهو يقتضي أنه كذلك وإن قاء من ساعته،
لكن قال بعده في الصبي ارتضع ثم قاء فأصاب ثياب الام: إن زاد على الدرهم منع. وروى الحسن
عن أبي حنيفة أنه لا يمنع ما لم يفحش لأنه لم يتغير من كل وجه، فكأنه نجاسته دون نجاسة البول
لأنها متغيرة من كل وجه وهو الصحيح ا ه‍. كذا في فتح القدير. وظاهره الميل إلى إعطاء الجرة حكم
هذا القئ أخذا من التعليل. قوله: (حكم العصير حكم الماء) أي في أنه تزال به النجاسة الحقيقية،
وأنه إذا كان عشرا في عشر لا ينجس بوقوع النجاسة فيه كما في الماء ا ه‍ ح. وفي أنه لو عصر العنب
وهو يسيل فأدمى رجله ولم يظهر أثر الدم لا ينجس عند أبي حنيفة وأبي يوسف كما في المنية عن
المحيط قوله: (رطوبة الفرج طاهرة) ولذا نقل في التاترخانية أن رطوبة الولد عند الولادة طاهرة،
وكذا السخلة إذا خرجت من أمها، وكذا البيضة فلا يتنجس بها الثوب ولا الماء إذا وقعت فيه، لكن
يكره التوضؤ به للاختلاف، وكذا الإنفحة، هو المختار. وعندهما يتنجس، وهو الاحتياط ا ه‍. قلت:
وهذا إذا لم يكن معه دم ولم يخالط رطوبة الفرج مذي أو مني من الرجل أو المرأة. قوله: (العبرة
للطاهر الخ) هذا ما عليه الأكثر، فتح، وهو قول محمد، والفتوى عليه، بزازية، وقيل العبرة للماء إن
كان نجسا، فالطين نجس وإلا فطاهر، وقيل العبرة للتراب، وقيل للغالب، وقيل أيهما كان نجسا
فالطين نجس، واختاره أبو الليث وصححه في الخانية وغيرها، وقواه في شرح المنية وحكم بفساد
بقية الأقوال. تأمل. وصححه في المحيط أيضا، وعلله بأن النجاسة لا تزول عن أحدهما بالاختلاط،
بخلاف السرقين إذا جعل في الطين للتطيين لا ينجس، لان فيه ضرورة إلى إسقاط نجاسته لأنه لا يتهيأ
إلا به. حلية. قوله: (مشى في حمام ونحوه) أي كما لو مشى على ألواح مشرعة بعد مشي من برجله
قذر لا يحكم بنجاسة رجله ما لم يعلم أنه وضع رجله على موضعه للضرورة. فتح. وفيه عن التنجيس:
- مشى في طين أو أصابة ولم يغسله وصلى تجزيه ما لم يكن فيه أثر النجاسة لأنه المانع إلا أن يحتاط، أما
377

في الحكم فلا يجب. قوله: (لأنه يصير الماء راكدا) أي لأنه يأخذه له من الأنبوبة يمنع نزوله إلى
الحوض فيصير راكدا، وربما كان على يده نجاسة أو على يد غيره فأدخلها في الحوض في هذه
الحالة فيتنجس، فينبغي إذا أراد الاخذ أن يأخذ من الحوض، لأن الماء إذا كان نازلا والغرف متدارك
فهو في حكم الجاري. قوله: (التكبير إلى الحمام) أي الدخول إليه أول الغداة بلا ضرورة. قوله:
(لان فيه إظهار مقلوب الكناية) أراد به النيك: أي الجماع، ولم يقل مقلوب الكين مع أنه قلب حقيقي
لزيادة التباعد عن التصريح به، لأنه مما يطلب كتمانه، ولذا كان من أسمائه السر كما في القاموس.
وعبارة الفيض: إذ فيه إبداء ما يجب إخفاؤه. والظاهر أنه يحب بالحاء، ولذا قال العلامة الرملي: وأما
ما نهى عنه (ص) فهو السباع: أي على وزن كتاب، وهو المفاخرة بالجماع وإفشاء الرجل ما يجري بينه
وبين زوجته فذاك ليس من هذا القبيل، بل النهي يقتضي التحريم ا ه‍. قوله: (ثياب الفسقة الخ) قال في
الفتح: وقال بعض المشايخ: تكره الصلاة في ثياب الفسقة لأنهم لا يتقون الخمور. قال المصنف:
يعني صاحب الهداية: الأصح أنه لا يكره، لأنه لم يكره من ثياب أهل الذمة إلا السراويل مع
استحلالهم الخمر، فهذا أولى ا ه‍. قوله: (لجعلهم فيه البول) إن كان كذلك لا شك أنه نجس.
تاترخانية. قوله: (إن غلب على ظنه) عبارة الخانية: إن كان في قلبه. مطلب في الامر بالمعروف
قوله: (فالامر بالمعروف على هذا) كذا في الخانية، وفي فصول العلامي: وإن علم أنه لا يتعظ
ولا ينزجر بالقول ولا بالفعل ولو بإعلام سلطان أو زوجه أو والد له قدرة على المنع: لا يلزمه ولا يأثم
بتركه، لكن الأمر والنهي أفضل، وإن غلب على ظنه أنه يضر به أو يقتله لأنه يكون شهيدا، قال تعالى:
* (أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك) * اي من ذل أو هو ان إذا أمرت (ان
ذلك من عزم الأمور) (لقمان: 71) من حق الأمور ويقال: من واجب الأمور ا ه‍. وتمامه فيه.
مطلب في أول ما يحاسب به العبد
قوله: (لما ورد الخ) أي في قوله (ص): اتقوا البول فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر رواه
الطبراني بإسناد حسن وفي قوله (ص): أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته قال
العراقي في شرح الترمذي: ولا يعارضه حديث الصحيح: إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في
الدماء لحمل الأول على حق الله تعالى على العبد، والثاني على حقوق الآدميين فيما بينهم.
فإن قيل: أيهما يقدم؟ فالجواب أن هذا أمر توفيقي، وظواهر الأحاديث دالة على أن الذي يقع
أولا المحاسبة على حقوق الله تعالى قبل حقوق العباد، كذا في شرح العلقمي على الجامع الصغير،
ولا يخفى ما في ذكر الشارح لهذه الجملة قبيل كتاب الصلاة من رعاية التناسب وحسن الختام.
378

كتاب الصلاة
قوله: (شروع الخ) بيان لوجه تأخيرها عن الطهارة، وتقدم في الطهارة وجه تقديمها على
غيرها. قوله: (ولم تخل عنها شريعة مرسل) أي عن أصل الصلاة. قيل الصبح صلاة آدم، والظهر
لداود، والعصر لسليمان، والمغرب ليعقوب، والعشاء ليونس عليهم السلام، وجمعت في هذه الأمة،
وقيل غير ذلك. قوله: (بواسطة الكعبة) (1) أي بواسطة استقبالها، وانظر لماذا خصص هذا الشرط مع
أنها لم تصر قربة إلا باجتماع سائر شرائطها ط.
وقد يقال: المراد أنها صارت قربة بواسطة تعظيم الكعبة، فإنه سبحانه أمر باستقبالها تعظيما
لها، وفي ذلك تعظيم له سبحانه بواسطة تعظيمها، أفاده شيخنا حفظه الله تعالى. قوله: (دون الايمان)
لأنه قربة بلا واسطة. قوله: (لا منه بل من فروعه) أي باعتبار الفعل، وأما بالنظر لحكمها وهو
الافتراض فهي منه، لان من متعلق التصديق بما جاء به رسول الله (ص) ط، وأشار الشارح إلى خلاف
من يقول: إن الأعمال من الايمان كالبخاري وغيره. قوله: (وهي لغة الدعاء) أي حقيقتها ذلك،
وهو ما عليه الجمهور وجزم به الجوهري وغيره لأنه الشائع في كلامهم قبل ورود الشرع بالأركان
المخصوصة، وقيل إنها حقيقة في تحرك الصلوين بالسكون: العظمان الناتئان في أعالي الفخذين
اللذان عليهما الأليتان، مجاز لغوي في الأركان المخصوصة، لان المصلي يحركهما في ركوعه
وسجوده، استعارة تصريحية في المرتبة الثانية في الدعاء تشبيها للداعي في تخشعه بالراكع والساجد،
وتمامه في النهر. قوله: (فنقلت الخ) اختلف الأصوليون في الألفاظ الدالة على معان شرعية كالصلاة
والصوم، أهي منقولة عن معانيها اللغوية إلى حقائق شرعية؟ أي بأن لم يبق المعنى الأصلي مرعيا،
أم مغيرة؟ أي بأن يبقى ويزاد عليه قيود شرعية. قيل بالأول، واستظهره في الغاية معللا بأنها توجد
بدون الدعاء في الأمي. وقيل بالثاني، وأنه إنما زيد على الدعاء باقي الأركان المخصوصة، وأطلق
الجزء على الكل كما في النهر. قوله: (وهو الظاهر) الضمير للنقل المفهوم من نقلت، وقوله
لوجودها علة الظهور ا ه‍. ح، وعلله في البحر بأن الدعاء ليس من حقيقتها شرعا: أي بناء على أنه
خلاف القراءة. قال في النهر: وهو ممنوع. قلت: فيه نظر، لان الذي من حقيقتها قراءة آية وإن لم
تكن دعاء. تأمل. قوله: (هي) أي الصلاة الكاملة، وهي الخمس المكتوبة. قوله: (على كل مكلف)
أي بعينه، ولذا سمي فرض عين، بخلاف فرض الكفاية فإنه يجب على جملة المكلفين كفاية، بمعنى
أنه لو قام به بعضهم كفى عن الباقين، وإلا أثموا كلهم، ثم المكلف هو المسلم البالغ العاقل ولو
أنثى أو عبدا. قوله: (بالاجماع) أي وبالكتاب والسنة. قوله: (فرضت في الاسراء (الخ) نقله أيضا
الشيخ إسماعيل في الاحكام شرح درر الحكام، ثم قال: وحاصل ما ذكره الشيخ محمد البكري نفعنا

(1) قوله: (بواسطة الكعبة) يعني ان العبد امر بالتوجه بجسمه إلى الكعبة ا ه‍. منه.
379

الله تعالى ببركاته في الروضة أنهم اختلفوا في أي سنة كان الاسراء بعد اتفاقهم على أنه كان بعد
البعثة؟ فجزم جمع بأنه كان قبل الهجرة بسنة، ونقل ابن حزم الاجماع عليه، وقيل بخمس سنين. ثم
اختلفوا في أي الشهور كان؟ فجزم ابن الأثير والنووي في فتاويه بأنه كان في ربيع الأول، قال
النووي: ليلة سبع وعشرين، وقيل في ربيع الآخر، وقيل في رجب، وجزم به النووي في الروضة
تبعا للرافعي، وقيل في شوال. وجزم الحافظ عبد الغني القدسي في سيرته بأنه ليلة السابع والعشرين
من رجب، وعليه عمل أهل الأمصار ا ه‍. قوله: (وإن وجب الخ) هذا مبالغة على مفهوم قوله كل
مكلف كأنه قال: ولا يفترض على غير المكلف وإن وجب: أي على الولي ضرب ابن عشر، وذلك
ليتخلق بفعلها ويعتاده، لا افتراضها أفاده ح. وظاهر الحديث أن الامر لابن سبع واجب كالضرب.
والظاهر أيضا أن الوجوب بالمعنى المصطلح عليه لا بمعنى الافتراض لان الحديث ظني، فافهم.
قوله: (بيد) أي ولا يجاوز الثلاث، وكذلك المعلم ليس له أن يجاوزها. قال عليه الصلاة والسلام
لمرداس المعلم. إياك أن تضرب فوق الثلاث، فإنك إذا ضربت فوق الثلاث اقتص الله منك ا ه‍.
إسماعيل عن أحكام الصغار للاستروشني، وظاهره أنه لا يضرب بالعصا في غير الصلاة أيضا. قوله:
(لا بخشبة) أي عصا، ومقتضى قوله بيد أن يراد بالخشبة ما هو الأعم منها ومن السوط أفاده ط.
قوله: (لحديث الخ) استدلال على الضرب المطلق، وأما كونه لا بخشبة فلان الضرب بها ورد في
جناية المكلف ا ه‍ ح. وتمام الحديث وفرقوا بينهم في المضاجع رواه أبو داود والترمذي،
ولفظه علموا الصبي الصلاة ابن سبع، واضربوه عليها ابن عشر وقال: حسن صحيح، وصححه
ابن خزيمة والحاكم والبيهقي ا ه‍. إسماعيل. والظاهر أن الوجوب بعد استكمال السبع والعشر بأن
يكون في أول الثامنة والحادية عشرة كما قالوا في مدة الحضانة. قوله: (قلت الخ) مراده من هذين
النقلين بيان أن الصبي ينبغي أن يؤمر بجميع المأمورات، وينهى عن جميع المنهيات ا ه‍ ح.
أقول: وقد صرح في أحكام الصغار بأنه يؤمر بالغسل إذا جامع وبإعادة ما صلاه بلا وضوء،
لا لو أفسد الصوم لمشقته عليه. قوله: (مجانة) بالتخفيف، قال في المغرب: الماجن. الذي لا يبالي
ما صنع وما قيل له، ومصدره المجون والمجانة اسم منه والفعل من باب طلب ا ه‍. قوله: (أي
تكاسلا) تفسير مراد ا ه‍. ح. قوله: (فحق الحق أحق) لا يقال: إن حقه تعالى مبني على المسامحة،
لأنه لا تسامح في شئ من أركان الاسلام ا ه‍، إسماعيل. قوله: (وقيل يضرب) قائله الامام
المحبوبي ح، عن المنح. وظاهر الحلية أنه المذهب فإنه قال: وقال أصحابنا في جماعة منهم
الزاهدي لا يقتل بل يعذر (1) ويحبس حتى يموت أو يتوب قوله: (وعند الشافعي يقتل) وكذا عند

(1) قوله: (بل يعذر) هكذا بالخط بالذال المعجمة وصوابه يعزر بالزاي، من التعزير: وهو التأديب دون الحد كما في
المصباح ا ه‍. مصححه.
380

مالك وأحمد، وفي رواية عن أحمد، وهي المختارة عند جمهور أصحابه أنه يقتل كفرا، وبسط ذلك في
الحلية. قوله: (ويحكم بإسلام فاعلها الخ) يعني أن الكافر إذ صلى بجماعة يحكم بإسلامه عندنا
خلافا للشافعي لأنها مخصوصة بهذه الأمة، بخلاف الصلاة منفردا لوجودها في سائر الأمم، قال عليه
الصلاة والسلام من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا فهو منا قالوا: المراد صلاتنا بالجماعة على
الهيئة المخصوصة ا ه‍. درر. وهو طرف من حديث طويل أخرجه البخاري وغيره إلا أنه قال: فهو
المسلم إسماعيل. قوله: (بشروط أربعة) قيد الإما الطرسوسي في أنفع الوسائل كون الصلاة في
مسجد، وعليه فالشروط خمسة، لكن قال في شرح درر البحار: في مسجد أو غيره. قوله: (في
الوقت) لأنها صلاة المؤمنين الكاملة، وظاهره أنه لو أدرك منها ركعة لا يكفي لعدم كونها في
الوقت، وإن كانت أداء فهي غير كاملة، فليس المراد من قوله في الوقت الأداء بل الأخص منه،
فافهم. قوله: (مؤتما) تقييد لقوله مع جماعة احتراز عما لو كان إماما، قال ط: لان الائتمام يدل
على اتباع سبيل المؤمنين. بخلاف ما لو كان إماما فإنه يحتمل نية الانفراد، فلا جماعة ا ه‍.
أقول: الاحتمال المذكور موجود في المؤتم أيضا فالأولى أن يقال: الامام متبوع غير تابع،
والمؤتم تابع لامامه ملتزم للأحكامه، وما قيد به الشارح مأخوذ من النظم الآتي تبعا للمجمع ودرر
البحار، وصرح بمفهومه في عقد الفرائد فقال: صلى إماما يحكم بإسلامه، نقله الشيخ إسماعيل.
قوله: (متمما) فلو صلى خلف إمام وكبر ثم أفسد لم يكن إسلاما. شرح الوهبانية عن المنتقى.
مطلب: فيما يصير الكافر به مسلما من الافعال
قوله: (وكذا لو أذن في الوقت) لما ذكر مسألة الصلاة، أراد تتميم الافعال التي يصير بها
الكافر مسلما فذكر أن منها الاذان في الوقت لأنه من خصائص ديننا وشعار شرعنا، ولذا قيده في
المنح تبعا للبحر بكون الاذان في المسجد، فليس الحكم عليه بالاسلام لاتيانه بالشهادتين في ضمن
الاذان ليكون من الاسلام بالقول، لأنه لا فرق حينئذ بين أن يكون في الوقت أو خارجه، بل هو من
الاسلام بالفعل، ولذا صرح بان الشحنة بأنه يحكم بإسلامه بالاذان في الوقت، وإن كان عيسويا
يخصص رسالة نبينا (ص) إلى العرب، لأنه ما يصير به الكافر مسلما قسمان: قول وفعل، فالقول مثل
كلمتي الشهادتين، فصل فيه أئمتنا لكونه محل اشتباه واحتمال بين العيسوي وغيره، فقالوا: لا بد مع
الشهادتين، في العيسوي من أن يتبرأ من دينه لأنه يعتقد أنه (ص) رسول الله إلى العرب، فيحتمل أنه
أراد ذلك بخلاف غيره فلا يحتاج إلى التبري، وأما الفعل فكلامهم يدل على أنه لا فرق فيه بين
العيسوي وغيره كما حققه الامام الطرسوسي أيضا خلافا لما فهمه ابن وهبان، ثم قال ابن الشحنة
أيضا: وأما الاذان خارج الوقت فلا يكون إسلاما من العيسوي لأنه يكون من الأقوال، فلا بد فيه
حينئذ من التبري من دينه ا ه‍.
قلت: وكذا لا يكون إسلاما من غير العيسوي أيضا لما نقله قبله عن الغاية وغيرها، من أن
الكافر لو أذن في غير الوقت لا يصير به مسلما لأنه يكون مستهزئا، فتحصل من هذا أن الاذان في
الوقت من الاسلام بالفعل، فلا فرق فيه بين كافر وكافر، والاذان خارجه من الاسلام بالقول لكنه لما
381

احتمل الاستهزاء لم يصر به الكافر مسلما مع أنه لو كان عيسويا يزيد أنه فقد شرطه وهو التبري،
فافهم واغتنم هذا التحرير، بقي هل يشترط في الاذان في الوقت المداومة أم يكفي مرة؟ يأتي
الكلام فيه. قوله: (أو سجد للتلاوة) أي عند سماع آية سجدة، بزازية: أي لأنها من خصائصنا، فإنه
سبحانه وتعالى أخبر عن الكفار بأنهم إذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون. قوله: (أو زكى السائمة)
قيده الطرسوسي في نظم الفوائد بزكاة الإبل. واعترضه ابن وهبان بأنه لا خصوصية لذلك، وبأنه قال
في الخانية: وإن صام الكافر أو حج أو أدى الزكاة لا يحكم بإسلامه في ظاهر الرواية ا ه‍. وأقره ابن
الشحنة وصاحب النهر، فعلم أن ما ذكره الشارح خلاف ظاهر الرواية أيضا قوله: (لا لو صلى الخ)
محترز القيود السابقة في الصلاة على طريق اللف والنشر المرتب. قوله: (أو منفردا) لأنه لا يختص
بشريعتنا ابن الشحنة عن المنتقى. وفي الذخيرة أن هذا قول أبي حنيفة. ومن مشايخنا من نفى
الخلاف بحمل قوله على ما إذا صلى وحده بلا أذان ولا إقامة فلا يحكم بإسلامه اتفاقا، وحمل قولهما
على ما إذا صلى وحده وأتى بهما فيحكم بإسلامه اتفاقا لأنه مختص بشريعتنا ا ه‍.
قلت: لكن في هذا التوفيق نظر لما نقله ابن الشحنة عن صاحب الكافي من أنه لا بد من وجود
العبادة على أكمل الوجوه ليظهر الاختصاص بهذه الشريعة ا ه‍. ومعلوم أن الانفراد نقصان. قوله: (أو
إماما) قدمنا وجهه. قوله: (أو فعل بقية العبادات) قال في البحر في باب التيمم: الأصل أن الكافر
متى فعل عبادة: فإن كانت موجودة في سائر الأديان لا يكون به مسلما كالصلاة منفردا والصوم
والحج الذي ليس بكامل والصدقة، ومتى فعل ما اختص بشرعنا، فلو من الوسائل كالتيمم فكذلك،
وإن من المقاصد أو من الشعائر كالصلاة بجماعة والحج الكامل والاذان في المسجد وقراءة القرآن
يكون به مسلما، إليه أشار في المحيط وغيره ا ه‍.
أقول: ذكر في الخانية أنه بالحج لا يحكم بإسلامه في ظاهر الرواية كما مر، ثم ذكر أنه روي
أنه إن حج على الوجه الذي يفعله المسلمون يكون مسلما، وإن لبى ولم يشهد المناسك أو شهد
المناسك ولم يلب لم يكن مسلما ا ه‍، فعلم أن هذه الرواية غير ظاهر الرواية، وأشار في الوهبانية
إلى ضعفها وإليه يشير إطلاق النظم الآتي وكأن وجهه أن الحج موجود في غير شريعتنا حتى أن
الجاهلية كانوا يحجون، لكن قد يقال: إن الحج على هذه الكيفية الخاصة لم يوجد في غير
شريعتنا، فصار مثل الصلاة إذا وجدت فيها الشروط الأربعة السابقة، لأنها من خواص شريعتنا على
وجه الكمال، فكذا الحج الكامل، وإلا فما الفرق بينهما، والظاهر أنه لا تنافي بين ظاهر الرواية
وبين الرواية الثانية إذا جعلت الثانية مفسرة لبيان المراد من ظاهر الرواية، وهو الحج الغير الكامل،
فتأمل. وفي فتاوى الشيخ قاسم عن خلاصة النوازل لأبي الليث قال: وكذا لو رآه يتعلم القرآن أو
يقرؤه لم يكن بذلك مسلما ا ه‍. قلت: وهذا أظهر مما ذكره في البحر لما قالوا: لا يمنع الكافر من
تعلم القرآن لعله يهتدي، فافهم. قوله: (ونظمها صاحب النهر الخ) أي قبيل باب قضاء الفوائت.
قوله: (صلى باقتداء) أي بجماعة مقتديا. قوله: (وأذن أيضا) بإسقاط همزة أيضا للضرورة ح، ثم إن
الذي رأيته في النهر غير هذا البيت، ونصه:
382

أو بالاذان معلنا فيه أتى * أو قد سجد عند سماع ما أتى اه‍
ومعنى أتى الثاني ورد عن الله تعالى، وهذا البيت أحسن لما فيه من اشتراط كون الاذان في
الوقت لان ضمير فيه عائد على الوقت المذكور في البيت الأول، ومن أن المراد سجود التلاوة،
ومن إسقاط مسألة الزكاة لما علمت من أنها خلاف ظاهر الرواية، وأن صاحب النهر اعترض على
الطرسوسي في ذكرها وقال: لم أرها لغيره، بل المذكور في الخانية أنه لا يحكم بإسلامه بالزكاة في
ظاهر الرواية. قوله: (معلنا) المراد به أن يسمعه من تصح شهادته عليه بالاسلام، لا أن يؤذن على
صومعة أو سطح يسمعه خلق كثير، ولذا لو كان في السفر صح كما في سير البزازية حيث قال: وإن
شهدوا على الذمي أنه كان يؤذن ويقيم كان مسلما سواء كان في السفر أو الحضر، وإن قالوا:
سمعناه يؤذن في المسجد فلا حتى يقولوا هو مؤذن لأنه يكون ذلك عادة له فيكون مسلما ا ه‍.
وعزاه في شرح الوهبانية إلى محمد، ثم ظاهر هذا يفيد أنه لا بان يكون عادة له، لكن قال في أذان
البحر: ينبغي أن يكون ذلك في العيسوية، أما غيرهم فينبغي أن يكون مسلما بنفس الاذان ا ه‍.
قلت: لكن قد علمت أن الاسلام بالافعال لا فرق فيه بين كافر وكافر خلافا لما فهمه ابن
وهبان، فإما أن يجعل ذلك تقييدا لكون الاذان في الوقت إسلاما، أو يكون ذلك رواية محمد فقط
تأمل وراجع. قوله: (كأن سجد) بسكون الدال للضرورة أو للوصل بنية الوقف وأن مصدرية: أي
كسجوده، والمراد سجود التلاوة ح. قوله: (تزكى) تكملة للوزن وهو حال من ضمير سجد: أي
كسجوده للتلاوة حال كونه متطهرا عن أرجاس الكفر ح. قوله: (فمسلم) خبر كافر ح، وزيدت الفاء
لوقوع المبتدأ نكرة موصوفة بفعل أريد بها العموم، لان المراد: أي كافر كان عيسويا أو غيره كما
قدمنا تقريره، وهذا من المواضع التي يجوز فيها زيادة الفاء في الخير كقولك: رجل يسألني فله
درهم، فافهم. قوله: (منفرد) بالسكون على لغة ربيعة ح، وسكت عن بقية محترزات قيود الصلاة.
قوله: (والزكاة) (1) أي زكاة غير السوائم، وعلى إنشاد البيت الثاني على الوجه الذي نقلناه عن
النهر، فالمراد بالزكاة جميع أنواعها كما هو مقتضى إطلاق الخانية عن ظاهر الرواية، قوله: (الحج)
بالنصب مفعول مقدم لقوله زد وتقدم بيانه. قوله: (بدنية محضة) أي بخلاف الزكاة فإنها مالية
محضة، وبخلاف الحج فإنه مركب منهما لما فيه من العمل بالبدن وإنفاق المال. قوله: (فلا نيابة
فيها أصلا) لا المقصود من العبادة البدنية إتعاب البدن وقهر النفس الامارة بالسوء ولا يحصل بفعل
النائب، بخلاف المالية فتجري فيها النيابة مطلقا: أي حالة الاختيار والاضطرار لحصول المقصود
من إغناء الفقير وتنقيص المال بفعل النائب، وبخلاف المركبة فتجري فيها النيابة حالة العجز نظرا
إلى معنى المشقة بتنقيص المال لاحالة الاختيار نظرا إلى إتعاب البدن كما قرروه في باب الحج عن
الغير. قوله: (أي لا بالنفس الخ) بيان لتعميم النفي المستفاد من قوله أصلا. قوله: (في الحج)
متعلق بقوله صحت وكذا قوله في الصوم. قوله: (بالفدية) متعلق بالضمير المستتر في

(1) قوله: (والزكاة) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح ولا الزكاة ا ه‍. مصححه.
383

صحت لرجوعه إلى النيابة التي هي مصدر: أي كما صحت النيابة بالفدية، ويدل عليه تعلق قوله
بالنفس بقوله نيابة المذكور في المتن.
واعلم أن صحة الفدية في الصوم للفاني مشروطة باستمرار عجزه إلى الموت، فلو قدر قبله
قضى كما سيأتي في كتاب الصوم ا ه‍. ح. قوله: (لأنها) أي الفدية، وقوله لم يوجد أي إذن
الشرع بالفدية في الصلاة ح، وهذا تعليل لعدم جريان النيابة في الصلاة بالمال. وفيه إشارة إلى
الفرق بين الصلاة والصوم، فإن كلا منهما عبادة بدنية محضة، وقد صحت النيابة في الصوم بالفدية
للشيخ الفاني دون الصلاة، ووجه الفرق أن الفدية في الصوم إنما أثبتناها على خلاف القياس اتباعا
للنص، ولذا سماها الأصوليون قضاء بمثل غير معقول، لان المعقول قضاء الشئ بمثله، ولم نثبتها
في الصلاة لعدم النص.
فإن قلت: قد أوجبتم الفدية في الصلاة عند الايصاء بها من العاجز عنها، فقد أجريتم فيها
النيابة بالمال مع عدم النص، ولا يمكن أن يكون ذلك بالقياس على الصوم، لان ما خالف القياس
فعليه غيره لا يقاس. قلت: ثبوت الفدية في الصوم يحتمل أن يكون معللا بالعجز وأن لا يكون،
فباعتبار تعليله به يصح قياس الصلاة عليه لوجود العلة فيهما، وباعتبار عدمه لا يصح، فلما حصل
الشك في العلة قلنا بوجوب الفدية في الصلاة احتياطا، لأنها إن لم تجزه تكون حسنة ما حية لسيئة،
فالقول بالوجوب أحوط، ولذا قال محمد: تجزئه إن شاء الله تعالى، ولو كان بطريق القياس لما علقه
بالمشيئة كما في سائر الأحكام
الثابتة بالقياس، هذا خلاصة ما أوضحناه في حواشينا على شرح
المنار للشارح. قوله: (سببها ترادف النعم الخ) يعني أن سبب الصلاة الحقيقي هو ترادف النعم على
العبد، لان شكر المنعم واجب شرعا وعقلا ولما كانت النعم واقعة في الوقت جعل الوقت سببا
بجعل الله تعالى وخطابه حيث جعله سببا للوجوب كقوله تعالى: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس) *
(الاسراء: 87) فكان الوقت هو السبب المتأخر، وتمام تحقيق هذه المسألة في المطولات الأصولية.
قوله: (أي الجزء الأول الخ) إذ لو كان السبب هو الكل لزم تقدم المسبب على السبب أو وجوب
الأداء بعد وقته فتعين البعض، ولا يجوز أن يكون ذلك البعض أول الوقت عينا للزوم عدم الوجوب
على من صار أهلا للصلاة في آخر الوقت بقدر ما يسعها، ولا آخر الوقت عينا لأنه يلزم أن لا يصح
الأداء في أوله لامتناع التقدم على السبب، فتعين كونه الجزء الذي يتصل به الأداء، ويليه الشروع
لان الأصل في السبب هو الاتصال بالمسبب كما في شرح المنار لابن نجيم. قوله: (وإلا فما يتصل
به) ما هنا عامة شاملة للجزء الأخير فقوله بعد ذلك وإلا فالجزء الأخير تكرار، وكذا قوله
سببها جزء أول اتصل به الأداء والاخصر أن يقول: سببها جزء اتصل به الأداء من الوقت وإلا
فجملته ا ه‍. ح. وسبقه إليه ابن نجيم في شرح المنار. قوله: (هو الجزء الأخير) وهو ما يتمكن فيه
من عقد التحريمة فقط عندنا، وعند زفر: ما يتمكن من الأداء فيه، وأجمعوا أن خيار التأخير إلى أن
لا يسع إلا جميع الصلاة، حتى لو أخر عنه يأثم ا ه‍. ابن نجيم. قوله: (ولو ناقصا) أي إذا اتصل
الأداء بآخر الوقت كان هو السبب، ولو كان ناقصا كوقت اصفرار الشمس فيصح أداء العصر فيه،
384

لأنه لما اتصل الأداء فيه صار هو السبب وهو مأمور بأدائه فيكون أداؤه كما وجب، بخلاف عصر
أمسه كما يأتي. قوله: (حتى تجب) بالرفع، لأنه تفريع على قوله فالسبب هو الجزء الأخير.
قوله: (أفاقا) أي في آخر الوقت ولو بقدر ما يسع التحريمة عند علمائنا الثلاثة، خلافا لزفر كما في
شرح التحرير لابن أمير حاج: أي فيجب عليهما القضاء لإحتياجهما إلى الوضوء لان الجنون أو
الاغماء ينقضه وليس في الوقت ما يسعه، وعلم منه أنه لو أفاقا وفي الوقت ما يسع أكثر من
التحريمة تجب عليهما صلاته بالأولى، وأنه لو لم يبق منه ما يسع التحريمة لم تجب عليهما صلاته
كما مر في الحيض إذا انقطع للعشر. قال ح: وهذا إذا زاد الجنون والاغماء على خمس صلوات
وإلا وجب عليهما صلاة ذلك الوقت ولو لم يبق منه ما يسع التحريمة بل وما قبله من الصلوات أيضا
كما سيأتي. قوله: (طهرتا) أي ولو كان الباقي من الوقت مقدار ما يسع التحريمة إذا كان الانقطاع
على العشرة أو الأربعين، فإن كان أقل والباقي قدر الغسل مع مقدماته كالاستقاء وخلع الثوب
والتستر عن الأعين والتحريمة فعليهما القضاء، وإلا فلا ا ه‍، شرح التحرير، قوله: (وصبي بلغ) أي
وكان بين بلوغه وآخر الوقت ما يسع التحريمة أو أكثر كما يفهم من كلامهم في الحائض التي طهرت
على العشرة ح. قوله: (ومرتد أسلم) أي إذا كان بين إسلامه وآخر الوقت ما يسع التحريمة كما في
الحائض المذكورة، وحكم الكافر الأصلي حكم المرتد، وإنما خصه بالذكر ليصح قوله وإن
صليا أول الوقت وصورتها في المرتد أن يكون مسلما أول الوقت فيصلي الفرض ثم يرتد ثم يسلم
في آخر الوقت ح. قوله: (وإن صليا في أول الوقت) يعني أن صلاتهما في أوله لا تسقط عنهما
الطلب والحالة هذه. أما في الصبي فلكونها نفلا، وأما في المرتد فلحبوطها بالارتداد ح. وفي
البحر عن الخلاصة: غلام صلى العشاء ثم احتلم ولم ينتبه حتى طلع الفجر عليه إعادة العشاء هو
المختار، وإن انتبه قبله عليه قضاء العشاء إجماعا، وهي واقعة محمد سألها أبا حنيفة فأجابه بما قلنا
ا ه‍. قوله: (وبعد خروجه) أي خروج الوقت بلا صلاة. قوله: (ليثبت الواجب الخ) لأنه لو لم
يضف إلى جملة الوقت وقلنا بتعين الجزء الأخير للسببية لزوم ثبوت الواجب بصفة النقص في بعض
الصور كما في وقت العصر. قوله: (وأنه الأصل) الواو للحال وهمزة إن مكسورة ح، والضمير يرجع
إلى ثبوت الواجب بصفة الكمال المترتب على كون السبب هو جملة الوقت ط. قوله: (حتى يلزمهم)
أي المجنون ومن ذكر بعده، وكذا غيرهم ممن خرج عليه الوقت ولم يصل فيه. قوله: (هو
الصحيح) مقابله ما قيل إن المجنون ونحوه لو أفاق أو طهر أو أسلم في ناقص كان ذلك الوقت
الناقص هو السبب في حقهم، لتعذر إضافة السبب إلى جملة الوقت لعدم أهليتهم للوجوب في جميع
أجزائه فيجوز لهم القضاء في ناقص آخر لأنه كذلك وجب، والصحيح أنه لا يجوز لأنه لا نقصان في
الوقت نفسه وإنما هو في الأداء فيه، لما فيه من التشبه بعبدة الشمس كما حققه في التحرير،
وسيأتي تمامه. قوله: (لأنه لا خلاف في طرفيه) أي الطرفين الآتيين قال في الحلية: نعم في كون
العبرة بأول طلوعه أو استطارته أو انتشاره اختلاف المشايخ كما في شرح الزاهدي عن المحيط.
385

وفي خزانة الفتاوى عن شرح السرخسي على الكافي وذكر فيها أن الأول أحوط والثاني أوسع ا ه‍.
قال في البحر: والظاهر الأخير لتعريفهم الفجر الصادق به كما يأتي. ورده في النهر بأن الظاهر
الأول، لما في حديث جبريل الذي هو أصل الباب ثم صلى بي الفجر يعني في اليوم الأول
حين بزق وحرم الطعام على الصائم وبزق: بمعنى بزغ، وهو أول طلوعه ا ه‍. ومثله في
الشرنبلالية. وزاد: ولا ينافيه التعريف لان من شأنه الانتشار فلا يتوقف على أنتشاره بأن يكون بعد
مضي جانب منه بدليل لفظ الحديث. قال ح: وأظن أن الاستطارة والانتشار بمعنى واحد كما يفيده
كلام الشارح الآتي فهما قولان لا ثلاثة ا ه‍.
وبما تقرر علم أن المراد أنه لا خلاف في أوله وهو أصل طلوع الفجر الثاني، وإنما الخلاف
في المراد من الطلوع وأما عدم الخلاف في آخره فلما صرح به الطحاوي وابن المنذر من أن عليه
اتفاق المسلمين قال في الحلية: فلا يلتفت إلى ما عن الإصطخري من الشافعية، مع أنه إذا أسفر
الفجر يخرج الوقت وتصير الصلاة بعده إلى الطلوع قضاء ا ه‍. وبه يندفع قول القهستاني: إن نفي
الخلاف في الطرفين من عدم التتبع. قوله: (وأول من صلاه آدم) أي حين أهبط من الجنة وجن عليه
الليل ولم يكن رآه قبل فخاف، فلما انشق الفجر صلى ركعتين شكرا لله تعالى، فلذا قدمه في الذكر
عناية. قوله: (وأول الخمس وجوبا) قال الرحمتي: الظاهر أن أولها وجوبا العشاء، لان الوجوب
بآخر الوقت والاسراء كان ليلا. قوله: (لأنه أولها ظهورا) أي أول الخمس، بناء على أن إمامة
جبريل إنما كانت في الظهر صبيحة الاسراء: وأن إقامته له في الصبح كانت في غير صبيحتها
والمسألة فيها روايتان أشهرهما البداءة بالظهر كما في أبي السعود. قوله: (ولا يخفى الخ) جواب
سؤال، حاصله أن الصبح إذا كان أول الخمس وجوبا فكيف تركه النبي (ص) صبيحة الاسراء مع
وجوبه عليه ليلا.
وبيان الجواب أنه وإن كان واجبا لا يجب الأداء قبل العلم بالكيفية، لان الخطاب بالمجمل
قبل البيان يفيد الابتلاء باعتقاد الحقية في الحال، وإنما يجب العمل بعد البيان كما ذكره الأصوليون،
فلا يلزم من الوجوب وجوب الأداء، ونظيره يجب الصوم على المعذور بلا وجوب أداء. أما الجواب
بأنه (ص) كان نائما ولا وجوب على النائم، ففي النهر أنه مردود للاجماع على أن المعذور بنوم ونحوه
يلزمه القضاء ا ه‍.
فرع لا يجب انتباه النائم في أول الوقت، ويجب إذا ضاق الوقت. نقله البيري في شرح
الأشباه عن البدائع من كتب الأصول، وقال: ولم نره في كتب الفروع، فاغتنمه ا ه‍.
قلت: لكن فيه نظر لتصريحهم بأنه لا يجب الأداء على النائم اتفاقا فكيف يجب عليه الانتباه؟ روى
مسلم في قصة التعريس عن أبي قتادة أنه (ص) قال: ليس في النوم تفريط، إنما التفريط أن تؤخر صلاة
حتى يدخل وقت الأخرى وأصل النسخة التنبيه بدل الانتباه، وسنذكر في الايمان أنه لو حلف أنه ما
أخر صلاة عن وقتها وقد نام فقضاها، قيل لا يحنث واستظهره الباقاني، لكن في البزازية: الصحيح أنه
إن كان نام قبل دخول الوقت وانتبه بعده لا يحنث، وإن كان نام بعد دخوله حنث ا ه‍. فهذا يقتضي أنه
بنومه قبل الوقت لا يكون مؤخرا وعليه فلا يأثم، وإذا لم يأثم لا يجب انتباهه، إذ لو وجب لكان مؤخرا
386

لها وآثما، بخلاف ما إذا نام بعد دخول الوقت، ويمكن حمل ما في البيري عليه.
مطلب في تعبده عليه الصلاة والسلام قبل البعثة
قوله: (متعبدا) بكسر الباء. في القاموس: تعبد تنسك ا ه‍. ح، وظاهر قوله في شرح التحرير:
أي مكلفا أنه بالفتح، لكن الأظهر الأول لأنه بالفتح يقتضي الامر، والكلام فيما قبل البعثة. تأمل.
قوله: (المختار عندنا لا) نسبه في التقرير الأكملي إلى محققي أصحابنا قال: لأنه عليه الصلاة
والسلام قبل الرسالة في مقام النبوة لم يكن من أمة نبي قط الخ، وعزاه في النهر أيضا إلى
الجمهور، واختار المحقق ابن الهمام في التحرير أنه كان متعبدا بما ثبت أنه شرع: يعني لا على
الخصوص وليس هو من قومهم، وقدمنا تمامه في أوائل كتاب الطهارة. قوله: (وصح تبعده في
حراء) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء يصرف ويمنع من الصرف، وحكي فيه الفتح والقصر،
وكذلك حكم قباء، ونظمه بعضهم بقوله:
حرا وقبا ذكر وأنثهما معا * ومد أو اقصر واصرفن وامنع الصرفا
وهو جبل بينه وبين مكة ثلاثة أميال. قال في المواهب اللدنية: وروى ابن إسحاق وغيره أنه
عليه الصلاة والسلام كان يخرج إلى حراء في كل عام شهرا يتنسك فيه قال: وعندي أن هذا التعبد
يشتمل على أنواع من الانعزال عن الناس والانقطاع إلى الله والأفكار. وعن بعضهم: كانت عبادته
عليه الصلاة والسلام في حراء التفكر ا ه‍. ملخصا. قوله: (من أول طلوع الخ) زاد لفظ أول اختيار
لما دل عليه الحديث كما قدمناه. قوله: (وهو البياض الخ) لحديث مسلم والترمذي واللفظ له لا
يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير فالمعتبر الفجر
الصادق وهو الفجر المستطير في الأفق: أي الذي ينتشر ضوءه في أطراف السماء، لا الكاذب وهو
المستطيل الذي يبدو طويلا في السماء كذنب السرحان: أي الذئب ثم يعقبه ظلمة.
فائدة: ذكر العلامة المرحوم الشيخ خليل الكاملي في حاشيته على رسالة الأسطرلاب لشيخ
مشايخنا العلامة المحقق علي أفندي الداغستاني أن التفاوت بين الفجرين وكذا بين الشفقين الأحمر
والأبيض إنما هو بثلاث درج ا ه‍. قوله: (إلى قبيل) كذا أقحمه في النهر، والظاهر أنه مبني على
دخول الغاية، لكن التحقيق عدمه لكونها غاية مد كما سبق فلا (1) حاجة إلى ذلك اه‍. إسماعيل. قوله: (بالضم) أي وبالمد كما في القاموس ح. قوله (من زواله) الأولى من زوالها ط. قوله: (عن
كبد السماء) أي وسطها بحسب ما يظهر لنا ط. قوله: (إلى بلوغ الظل مثليه) هذا ظاهر الرواية عن
الامام. نهاية، وهو الصحيح. بدائع ومحيط وينابيع، وهو المختار. غياثية. واختاره الامام
المحبوبي، وعول عليه النسفي وصدر الشريعة. تصحيح قاسم. واختاره أصحاب المتون، وارتضاه
الشارحون، فقول الطحاوي: وبقولهما نأخذ، لا يدل على أنه المذهب، وما في الفيض من أنه يفتى

(1) قوله: (كما سبق) اي في الوضوء في قوله تعالى: (إلى المرافق) ا ه‍. منه.
387

بقولهما في العصر والعشاء مسلم في العشاء فقط على ما فيه، وتمامه في البحر. قوله: (وعنه) أي
عن الامام ح. وفي رواية عنه أيضا أنه بالمثل يخرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر إلا بالمثلين،
ذكرها الزيلعي وغيره، وعليها فما بين المثل والمثلين وقت مهمل. قوله: (مثله) منصوب ببلوغ
المقدر والتقدير. وعن الامام إلى بلوغ الظل مثله ح. قوله: (وهو نص في الباب) فيه أن الأدلة
تكافأت ولم يظهر ضعف دليل الامام، بل أدلته قوية أيضا كما يعلم من مراجعة المطولات وشرح
المنية. وقد قال في البحر: لا يعدل عن قول الإمام إلى قولهما أو قول أحدهما إلا لضرورة من
ضعف دليل أو تعامل، بخلافه كالمزارعة وإن صرح المشايخ بأن الفتوى على قولهما كما هنا.
قوله: (وعليه عمل الناس اليوم) أي في كثير من البلاد، والأحسن ما في السراج عن شيخ الاسلام
أن الاحتياط أن لا يؤخر الظهر إلى المثل، وأن لا يصلي العصر حتى يبلغ المثلين ليكون مؤديا
للصلاتين في وقتهما بالاجماع، وانظر هل إذا لزم من تأخيره العصر إلى المثلين فوت الجماعة يكون
الأولى التأخير أم لا؟ والظاهر الأول، بل يلزم لمن اعتقد رجحان قول الإمام. تأمل. ثم رأيت في
آخر شرح المنية ناقلا عن بعض الفتاوى أنه لو كان إمام محلته يصلي العشاء قبل غياب الشفق الأبيض
فالأفضل أن يصليها وحده بعد البياض. قوله: (سوى فئ) بوزن شئ، وهو الظل بعد الزوال،
سمي به لأنه فاء: أي رجع من جهة المغرب إلى المشرق، وما قبل الزوال إنما يسمى ظلا، وقد
يسمى به ما بعده أيضا ولا يسمى ما قبل الزوال فيئا أصلا. سراج ونهر قوله: (يكون للأشياء قبيل
الزوال) أشار إلى أن إضافة الفئ إلى الزوال لأدنى ملابسة لحصوله عند الزوال فلا تعد إضافته إليه
تسامحا. درر: أي خلافا لشرح المجمع من أنها تسامح، وتبعه في النهر، لان التسامح كما قال بعض
المحققين: استعمال اللفظ في غير ما وضع له لا لعلاقة، وهذه الإضافة مجاز في الاسناد، لان الفئ
إنما يسند حقيقة للأشياء كالشاخص ونحوه لا للزوال.
قلت: لكن يرد أن الظل لا يسمى فيئا إلا بعد الزوال كما علمت، وبه اعترض الزيلعي على
التعبير بفئ الزوال: أي فهو مجاز لغوي عن الظل، وإسناده إلى الزوال مجاز عقلي كما علمت لا
لغوي أيضا. ولا تسامح لأنه ليس فيه استعمال كلمة في غير ما وضعت له، والظاهر أنه مراد
القهستاني حيث جعل في الكلام مجازين، فافهم. قوله: (ويختلف باختلاف الزمان والمكان) أي طولا
وقصرا وانعداما بالكلية كما أوضحه ح. قوله: (ولو لم يجد ما يغرز) أشار إلى أنه إن وجد خشبة
يغرزها في الأرض قبل الزوال وينتظر الظل ما دام متراجعا إلى الخشبة، فإذا أخذ في الزيادة حفظ
الظل الذي قبلها فهو ظل الزوال ح. وعن محمد: يقوم مستقبل القبلة، فما دامت الشمس على حاجبه
الأيسر فالشمس لم تزل، وإن صارت على حاجبه الأيمن فقد زالت، وعزاه في المفتاح إلى الايضاح
قائلا: إنه أيسر مما سبق عن المبسوط من غرز الخشبة إسماعيل. قوله: (اعتبر بقامته) أي بأن يقف
معتدلا في أرض مستوية حاسرا عن رأسه خالعا نعليه مستقبلا للشمس أو لظله ويحفظ ظل الزوال كما
مر، ثم يقف في آخر الوقت ويأمر من يعلم له على منتهى ظله علامة، فإذا بلغ الظل طول القامة
388

مرتين أو مرة سوى ظل الزوال فقد خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر، وإن لم يعلم علامة يكيل
بدلها ستة أقدام ونصفا بقدمه، وقيل سبعة. قوله: (من طرف إبهامه) حال من قوله بقدمه أشار به
إلى الجمع بين القولين، لأنه قيل: إن قامة كل إنسان ستة أقدام ونصف بقدمه. وقال الطحاوي
وعامة المشايخ: سبعة أقدام. قال الزاهدي: ويمكن الجمع بينهما بأن يعتبر سبعة أقدام من طرف
سمت الساق وستة ونصف من طرف الابهام، وإليه أشار البقالي ا ه‍. حلية.
أقول: بيانه إذا وقف الواقف على رجله اليسرى ثم نقل اليمنى ووضع عقبها عند طرف إبهام
اليسرى ثم نقل اليسرى كذلك وهكذا ست مرات، فإن بدأ بالاعتبار من طرف سمت الساق، يعني
من طرف عقب اليسرى التي كان واقفا عليها أولا كان سبعة أقدام، وإن بدأ بالاعتبار من طرف
إبهامها كان ستة أقدام ونصف قدم.
ووجه ذلك أن المطلوب أخذ طول ارتفاع القامة، ومبدأ ارتفاعها من جهة الوجه عند نصف
القدم ومن جهة القفا عند طرف العقب، فمن لاحظ الأول اعتبر نصف القدم التي كان واقفا عليها
وقدر القامة بستة أقدام ونصف، ومن لاحظ الثاني اعتبر القدم المذكورة بتمامها وقدر بسبعة، وعلى
كل فالمراد واحد، وهذا الذي قررناه هو الموافق لما رأيته في بعض كتب الميقات. وحاصله إن
حسب كل القدم التي كان واقفا عليها سبعة أقدام، وإن حسب نصفها كان ستة أقدام ونصفا، فافهم.
قوله: (منه) أي من بلوغ الظل مثليه على رواية المتن.
مطلب: لو ردت الشمس بعد غروبها
قوله: (بالظاهر نعم) بحث لصاحب النهر حيث قال: ذكر الشافعي أن الوقت يعود لأنه عليه
الصلام والسلام نام في حجر علي رضي الله عنه حتى غربت الشمس، فلما استيقظ ذكر له أنه فاتته
العصر فقال: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فارددها عليه، فردت حتى صلى العصر
وكان ذلك بخيبر، والحديث صححه الطحاوي وعياض، وأخرجه جماعة منهم الطبراني بسند حسن،
وأخطأ من جعله موضوعا كابن الجوزي، وقواعدنا لا تأباه. لا تأباه آه قال ح: كأنه نظير الميت إذا أحياه الله
تعالى، فإنه يأخذ ما بقي من ماله في أيدي ورثته فيعطى له حكم الاحياء، وانظر هل هذا شامل
لطلوع الشمس من مغربها الذي هو من العلامات الكبرى للساعة؟ ا ه‍. قال ط: والظاهر أنه لا يعطى
هذا الحكم لأنه إنما يثبت إذا أعيدت في آن غروبها كما هو واقعة الحديث، أما طلوعها من مغربها
فهو بعد مضي الليل بتمامه ا ه‍.
قلت: على أن الشيخ إسماعيل رد ما بحثه في النهر تبعا للشافعية، بأن صلاة العصر بغيبوبة
الشفق تصير قضاء ورجوعها لا يعيدها أداء، وما في الحديث خصوصية لعلي كما يعطيه قوله عليه
الصلاة والسلام إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك ا ه‍.
قلت: ويلزم على الأول بطلان صوم من أفطر قبل ردها وبطلان صلاته المغرب لو سلمنا عود
الوقت بعودها للكل، والله تعالى أعلم.
مطلب في الصلاة الوسطى
389

قوله: (وهي الوسطى على المذهب) أي المنقول عن أئمتنا الثلاثة. وقال الترمذي وغيره: إنه
قول أكثر العلماء من أصحاب النبي (ص) وغيرهم، وسميت وسطى لأنها بين صلاتين من صلاة الليل
وصلاتين من صلاة النهار، وتمام الاستدلال على هذا القول من الأحاديث الصحيحة مبسوط في أول
الحلية. قال ح: وهذا قول من ثلاثة وعشرين قولا مذكورة في الوهبانية وشرحها. قوله: (وإليه
رجع الامام) أي إلى قولهما الذي هو رواية عنه أيضا. وصرح في المجمع بأن عليها الفتوى، ورده
المحقق في الفتح بأنه لا يساعده رواية ولا دراية الخ. وقال تلميذه العلامة قاسم في تصحيح
القدوري: إن رجوعه لم يثبت، لما نقله الكافة من لدن الأئمة الثلاثة إلى اليوم من حكاية القولين،
ودعوى عمل عامة الصحابة بخلافة خلاف المنقول. قال في الاختيار: الشفق: البياض، وهو
مذهب الصديق ومعاذ بن جبل وعائشة رضي الله عنهم. قلت: ورواه عبد الرزاق عن عن أبي هريرة وعن
عمر بن عبد العزيز، ولم يرو البيهقي الشفق الأحمر إلا عن ابن عمر، وتمامه فيه. وإذا تعارضت
الاخبار والآثار فلا يخرج وقت المغرب بالشك كما في الهداية وغيرها. قال العلامة قاسم: فثبت أن
قول الإمام هو الأصح، ومشى عليه في البحر مؤيدا له بما قدمناه عنه، من أنه لا يعدل عن قول الإمام
إلا لضرورة من ضعف دليل أو تعامل بخلافه كالمزارعة، لكن تعامل الناس اليوم في عامة
البلاد على قولهما، وقد أيده في النهر تبعا للنقاية والوقاية والدرر والاصلاح ودرر البحار والامداد
والمواهب وشرحه البرهان وغيرهم مصرحين بأن عليه الفتوى. وفي السراج: قولهما أوسع وقوله
أحوط، والله أعلم.
تنبيه: قدمنا قريبا أن التفاوت بين الشفقين بثلاث درج كما بين الفجرين فليحفظ. قوله: (منه)
أي من غروب الشفق على الخلاف فيه. بحر. قوله: (ولكن الخ) جواب عن سؤال مقدر تقديره:
لم لا يجوز تقديمه بعد دخول وقته؟ أجاب بأنه إنما لا يجوز للترتيب لا لكون الوقت لم يدخل،
وهذا على قوله: وعلى قولهما، لأنه تبع للعشاء، وأثر الخلاف يظهر فيما لو قدم الوتر عليها ناسيا
أو تذكر أنه صلاها فقط على غير وضوء لا يعيده عنده وعندهما عيد. نهر. ولم يتعرض للمسقط
الثالث وهو كون الفوائت ستا فليراجع. رحمتي. قوله: (لوجوب الترتيب) أي لزومه فإنه فرض
عملي. ط. قوله: (لأنهما فرضان عند الامام) لكن العشاء قطعي والوتر عملي، وهذا تعليل للحكمين
المذكورين في المتن: الأول كون ما بين غيبوبة الشفق والفجر وقتا لهما معا. الثاني لو صلاه قبلها،
فإن ناسيا سقط الترتيب، وإن عامدا فهو باطل موقوف على ما سيأتي تفصيله في قضاء الفوائت ح.
مطلب في فاقد وقت العشاء كأهل بلغار
قوله: (كبلغار) بضم الباء الموحدة فسكون اللام وألف بين الغين المعجمة والراء، لكن ضبطه
في القاموس بلا ألف. وقال: والعامة تقول بلغار: وهي مدينة الصقالبة ضاربة في الشمال شديدة
البرد ا ه‍. قوله: (فإن فيها يطلع الفجر قبل غروب الشفق) مقتضاه أنه فقد وقت العشاء والوتر فقط،
390

وليس كذلك، بل فقد وقت الفجر أيضا، لان ابتداء وقت الصبح طلوع الفجر، وطلوع الفجر
يستدعي سبق الظلام ولا ظلام مع بقاء الشفق، أفاده ح.
أقول: الخلاف المنقول بين مشايخ المذهب إنما هو في وجوب العشاء والوتر فقط، ولم نر
أحدا منهم تعرض لقضاء الفجر في هذه الصورة، وإنما الواقع في كلامهم تسميته فجرا لان الفجر
عندهم اسم للبياض المنتشر في الأفق موافقا للحديث الصحيح كما مر بلا تقييد بسبق ظلام. على أنا
لا نسلم عدم الظلام هنا، ثم رأيت ط ذكر نحوه. قوله: (في أربعينية الشتاء) صوابه في أربعينة
الصيف كما في الباقاني، وعبارة البحر وغيره: في أقصر ليالي السنة، وإتمامه في ح. وقول النهر:
في أقصر أيام السنة سبق قلم، وهو الذي أوقع الشارح. قوله: (فيقدر لهما) هذا موجود في نسخ
المتن المجردة ساقط من المنح، ولم أر من سبقه إليه سوى صاحب الفيض حيث قال: ولو كانوا
في بلدة يطلع فيها الفجر قبل غيبوبة الشفق لا يجب عليهم صلاة العشاء لعدم السبب، وقيل يجب
ويقدر الوقت ا ه‍. بقي الكلام في معنى التقدير، والذي يظهر من عبارة الفيض أن المراد أنه يجب قضاء
العشاء، بأن يقدر أن الوقت: أعني سبب الوجوب قد وجد كما يقدر وجوده في أيام الدجال على ما
يأتي لأنه لا يجب بدون السبب، فيكون قوله: ويقدر الوقت، جوابا عن قوله في الأول: لعدم السبب.
وحاصله أنا لا نسلم لزوم وجود السبب حقيقة بل يكفي تقديره كما في أيام الدجال. ويحتمل
أن المراد بالتقدير المذكور هو ما قاله الشافعية من أنه يكون وقت العشاء في حقهم بقدر ما يغيب فيه
الشفق في أقرب البلاد إليهم، والمعنى الأول أظهر، كما يظهر لك من كلام الفتح الآتي حيث ألحق
هذه المسألة بمسألة أيام الدجال، ولأن هذه
المسألة نقلوا فيها الاختلاف بين ثلاثة من مشايخنا وهم
البقالي والحلواني والبرهان الكبير، فأفتى البقالي بعدم الوجوب، وكان الحلواني يفتي بوجوب
القضاء، ثم وافق البقالي لما أرسل إليه الحلواني من يسأله عمن أسقط صلاة من الخمس أيكفر؟
فأجاب السائل بقوله: من قطعت يداه أو رجلاه كم فروض وضوئه فقال له: ثلاث لفوات المحل،
قال فكذلك الصلاة، فبلغ الحلواني ذلك فاستحسنه ورجع إلى قول البقالي بعدم الوجوب. وأما
البرهان الكبير فقال بالوجوب، لكن قال في الظهيرية غيرها: لا ينوي القضاء في الصحيح لفقد
وقت الأداء. واعترضه الزيلعي بأن الوجوب بدون السبب لا يعقل، وبأنه إذا لم ينو القضاء يكون
أداء ضرورة، وهو: أي الأداء فرض الوقت ولم يقل به أحد، إذ لا يبقى وقت العشاء بعد طلوع
الفجر إجماعا ا ه‍، وأيضا فإن من جملة بلادهم ما يطلع فيها الفجر كما غربت الشمس، كما في
الزيلعي وغيره، فلم يوجد وقت قبل الفجر يمكن فيه الأداء.
إذا علمت ذلك ظهر لك أن من قال بالوجوب يقول به على سبيل القضاء لا الأداء، ولو كان
الاعتبار بأقرب البلاد إليهم لزم أن يكون الوقت الذي اعتبرناه لهم وقت للعشاء حقيقة بحيث تكون
العشاء فيه أداء، مع أن القائلين عندنا بالوجوب صرحوا بأنها قضاء وبفقد وقت الأداء، وأيضا لو
فرض أن فجرهم يطلع بقدر ما يغيب الشفق في أقرب البلاد، إليهم لزم اتحاد وقتي العشاء والصبح في
حقهم، أو أن الصبح لا يدخل بطلوع الفجر.
إن قلنا: إن الوقت للعشاء فقط ولزم أن تكون العشاء نهارية لا يدخل وقتها إلا بعد طلوع الفجر،
وقد يؤدي أيضا إلى أن الصبح إنما يدخل وقته بعد طلوع شمسهم وكل ذلك لا يعقل، فتعين ما قلنا في
391

معنى التقدير ما لم يوجد نقل صريح بخلافه. وأما مذهب الشافعية فلا يقضي على مذهبنا، ثم رأيت
في الحلية ذكر ما ذكره الشافعية، ثم اعترضه بأن ظاهر حديث الدجال يفيد التقدير في خصوص ذلك
البلد، لان الوقت يختلف باختلاف كثير من الأقطار، وهذا مؤيد لما قلنا، ولله الحمد، فافهم. قوله:
(ولا ينوي القضاء الخ) قد علمت ما أورده الزيلعي عليه من أنه يلزم من عدم نية القضاء أن يكون أداء
ضرورة الخ، فيتعين أن يحمل كلام البرهان الكبير على وجوب القضاء كما كأن يقول به الحلواني.
وقد يقال: لا مانع من كونها لا أداء ولا قضاء كما سمى بعضهم ما وقع بعضها في الوقت أداء
وقضاء، لكن المنقول عن المحيط وغيره: أن الصلاة الواقع بعضها في الوقت وبعضها خارجه يسمى
ما وقع منها الوقت أداء، وما وقع خارجه يسمى قضاء اعتبارا لكل جزء بزمانه، فافهم. قوله: (فزعم
المصنف الخ) أي حيث جزم به، وعبر عن مقابله بقيل ولذا نسبه في الامداد إلى الوهم. قوله:
(وأوسعا المقال) أي كل من الشرنبلالي والبرهان الحلبي، لكن الشرنبلالي نقل كلام البرهان الحلبي
برمته فلذا نسب إليه الإيساع. قوله: (ومنعا ما ذكره الكمال) أما الذي ذكره الكمال فهو قوله: ومن لا
يوجد عندهم وقت العشاء، أفتى البقالي بعدم الوجوب عليهم لعدم السبب كما يسقط غسل اليدين
من الوضوء عن مقطوعهما من المرفقين ولا يرتاب متأمل في ثبوت الفرق بين عدم محل الفرض وبين
عدم سببه الجعلي الذي جعل علامة على الوجوب الخفي الثابت في نفس الامر وجواز (1) تعداد
المعرفات للشئ فانتفاء الوقت انتفاء المعرف، وانتفاء الدليل على الشئ لا يستلزم انتفاءه لجواز
دليل آخر وقد وجد، وهو ما تواطأت عليه أخبار الاسراء من فرض الله تعالى الصلوات خمسا بعد ما
أمر أولا بخمسين، ثم استقر الامر على الخمس شرعا عاما لأهل الآفاق لا تفصيل بين قطر وقطر،
وما روي أنه (ص) ذكر الدجال، قلنا: ما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم
كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه
صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له رواه مسلم فقد أوجب أكثر من ثلاثمائة عصر قبل صيرورة الظل
مثلا أو مثلين، وقس عليه، فاستفدنا أن الواجب في نفس الامر خمس على العموم، غير أن توزيعها
على تلك الأوقات عند وجودها ولا يسقط بعدمها الوجوب، وكذا قال (ص) خمس صلوات كتبهن
الله على العباد ا ه‍. وأما الذي ذكره البرهان الحلبي في شرح المنية فهو قوله: والجواب أن يقال:
كما استقر الامر على أن الصلوات خمس، فكذا استقر الامر على أن للوجوب أسبابا وشروطا لا يوجد
بدونها، وقولك شرعا عاما الخ، إن أردت أنه عام على كل من وجد في حقه شروط الوجوب وأسبابه

(1) قوله: (وجواز) بالجر عطفا على ثبوت المجرور بفي وقوله انتفاء الدليل مبتدأ، وقوله على الشئ متعلق بالدليل،
وقوله لا يستلزم خبر المبتدأ والضمير المستتر فيه عائد عليه، وقوله انتفاءه مفعول يستلزم وضميره المنصوب - 1 - عائد
على الشئ، وقوله الجواز علة لقوله لا يستلزم، وقوله وهو عائد على قوله دليل آخر، وقوله وما روي معطوف على
قوله ما تواطأت، وقوله وكذا قال صلى الله عليه وسلم معطوف عليه أيضا ا ه‍. منه.
- 1 - قوله: (وضميره المنصوب) هكذا بخطه، وصوابه وضميره المجرور كما لا يخفى ا ه‍. مصححه.
392

سلمناه، ولا يفيدك لعدم بعض ذلك في حق من ذكر، وإن أردت أنه عام لكل فرد من أفراد المكلفين
في كل فرد من أفراد الأيام مطلقا فهو ظاهر البطلان فإن الحائض لو طهرت بعد طلوع الشمس لم
يكن الواجب عليها في ذلك اليوم إلا أربع صلوات، وبعد خروج وقت الظهر لم يجب عليها في ذلك
اليوم إلا ثلاث صلوات وهكذا، ولم يقل أحد إنه إذا طهرت في بعض اليوم أو في أكثره مثلا يجب
عليها تمام صلوات اليوم والليلة لأجل أن الصلوات فرضت على كل مكلف.
فإن قلت: تخلف الوجوب في حقها لفقد شرطه وهو الطهارة من الحيض. قلنا لك: كذلك
تخلف الوجوب في حق هؤلاء لفقد شرطه وسببه وهو الوقت، وأظهر من ذلك الكافر إذا أسلم بعد
فوات وقت أو أكثر من اليوم مع أن عدم الشرط وهو الاسلام في حقه مضاف إليه لتقصيره بخلاف
هؤلاء، ولم يقل أحد يجب عليه تمام صلوات ذلك اليوم لافتراض الصلوات خمسا على كل مكلف في
كل يوم وليلة، والقياس على ما في حديث الدجال غير صحيح لأنه لا مدخل للقياس في وضع
الأسباب، ولئن سلم فإنما هو فيما لا يكون على خلاف القياس، والحديث ورد على خلاف القياس،
فقد نقل الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق عن القاضي عياض أنه قال: هذا حكم مخصوص بذلك
الزمان شرعه لنا صاحب الشرع، ولو وكلنا فيه لإجتهادنا لكانت الصلاة فيه عند الأوقات المعروفة
واكتفينا بالصلوات الخمس ا ه‍. ولئن سلم القياس فلا بد من المساواة، ولا مساواة، فإن ما نحن فيه
لم يوجد زمان يقدر للعشاء فيه وقت خاص. والمفاد من الحديث أنه يقدر لكل صلاة وقت خاص بها
ليس هو وقتا لصلاة أخرى، بل لا يدخل وقت ما بعدها قبل مضي وقتها المقدر لها، وإذا مضى
صارت قضاء كما في سائر الأيام، فكأن الزوال وصيرورة الظل مثلا أو مثلين وغروب الشمس وغيبوبة
الشفق وطلوع الفجر موجودة في أجزاء ذلك الزمان تقديرا بحكم الشرع، ولا كذلك هنا، إذ الزمان
الموجود إما وقت للمغرب في حقهم أو وقت للفجر بالاجماع فكيف يصح القياس؟ وعلم بما ذكرنا
عدم الفرق بين من قطعت يداه أو رجلاه من المرفقين والكعبين وبين هذه المسألة كما ذكره البقالي،
ولذا سلمه الامام الحلواني ورجع إليه مع أنه الخصم فيه إنصافا منه، وذلك لان الغسل سقط ثم لعدم
شرطه لان المحال شروط، فكذا هنا سقطت الصلاة لعدم شرطها بل وسببها أيضا، وكما لم يقم هناك
دليل بجعل ما وراء المرفق إلى الإبط وما فوق الكعب بمقدار القدم خلفا عنه في وجوب الغسل،
كذلك لم يرد دليل يجعل جزءا من وقت المغرب أو من وقت الفجر أو منهما خلفا عن وقت العشاء،
وكما أن الصلوات خمس بالاجماع على المكلفين، كذا فرائض الوضوء على المكلفين لا تنقص عن
أربع بالاجماع، لكن لا بد من وجود جميع أسباب الوجوب وشرائطه في جميع ذلك، فليتأمل المنصف،
والله سبحانه وتعالى الموفق ا ه‍. كلام البرهان الحلبي. وقد كر عليه الفاضل المحشي بالنقض.
وانتصر للمحقق بما يطول، فمن جملة ذلك أنه قال: إن ما فعلناه ليس من باب القياس بل من باب
الالحاق دلالة، وقول البرهان الحلبي: إن ما نحن فيه لم يوجد زمان يقدر للعشاء فيه وقت خاص
ممنوع، وذلك لان من يقدر يجعل لكل صلاة وقتا يختص بها لا يشاركها فيه غيرها ا ه‍.
أقول: لا يخفى أن القائلين بالوجوب عندنا لم يجعلوا لتلك الصلاة وقتا خاصا بها بحيث يكون
فعلها فيه أداء وخارجها (1) قضاء كما هو في أيام الدجال، لان الحلواني قال بوجوبها قضاء،

(1) قوله: (وخارجها) هكذا بخطه، ولعل الأصوب وخارجه: أي الوقت، تأمل ا ه‍. مصححه.
393

والبرهان الكبير قال: لا ينوي القضاء لعدم وقت الأداء، وبه صرح في الفتح أيضا، فأين الالحاق
دلالة مع عدم المساواة؟ فلو كان بطريق الالحاق أو القياس لجعلوا لها وقتا خاصا بها تكون فيه
أداء، وإنما قدروه موجودا لايجاب فعلها بعد الفجر، وليس معنى التقدير ما قاله الشافعية كما
علمت، وإلا لزم كونها فيه أداء، وقد علمت قول الزيلعي: إنه لم يقل به أحد: أي بكونها أداء، لأنه
لا يبقى وقت العشاء بعد الفجر.
والأحسن في الجواب عن المحقق الكمال ابن الهمام أنه لم يذكر حديث الدجال ليقيس عليه
مسألتنا أو يلحقها به دلالة، وإنما ذكره دليلا على افتراض الصلوات الخمس وإن لم يوجد السبب
افتراضا عاما، لا قوله: وما روى معطوف على قوله: ما تواطأت عليه أخبار الاسراء وما أورده
عليه من عدم الافتراض على الحائض والكافر يجاب عنه بما قاله المحشي من ورود النص
بإخراجهما من العموم.
هذا، وقد أقر ما ذكره المحقق تلميذاه العلامتان المحققان ابن أمير حاج والشيخ قاسم.
والحاصل أنهما قولان مصححان، ويتأيد القول بالوجوب بأنه قال به إمام مجتهد وهو الإمام الشافعي
كما نقله في الحلية عن المتولي عنه. قوله: (ولا يساعده) الضمير راجع إلى ما ذكره
الكمال ح. قوله: (حديث الدجال) هو ما قدمناه في كلام الكمال. قال الأسنوي: فيستثنى هذا اليوم
مما ذكره فالمواقيت، ويقاس اليومان التاليان له، قال الرملي في شرح المنهاج: ويجري ذلك فيما
لو مكثت الشمس عند قوم مدة ا ه‍. ح. قال في إمداد الفتاح: قلت، وكذلك يقدر لجميع الآجال
كالصوم والزكاة والحج والعدة وآجال البيع والسلم والإجارة وينظر ابتداء اليوم فيقدر كل فصل من
الفصول الأربعة بحسب ما يكون كل يوم من الزيادة والنقص، كذا في كتب الأئمة الشافعية، ونحن
نقول بمثله، إذ أصل التقدير مقول به إجماعا في الصلوات ا ه‍.
مطلب في طلوع الشمس من مغربها
تنبيه: ورد في حديث مرفوع أن الشمس إذا طلعت من مغربها تسير إلى وسط السماء ثم
ترجع ثم بعد ذلك تطلع من المشرق كعادتها. قال الرملي الشافعي في شرح المنهاج وبه يعلم أنه يدخل وقت الظهر برجوعها، لأنه بمنزلة زوالها، ووقت العصر إذا صار ظل كل شئ مثله،
والمغرب بغروبها. وفي هذا الحديث أن ليلة طلوعها من مغربها تطول بقدر ثلاث ليال، لكن ذلك
لا يعرف إلا بعد مضيها لإنبهامها على الناس، فحينئذ قياس ما مر أنه يلزم قضاء الخمس، لان الزائد
ليلتان فيقدران عن يوم وليلة وواجبهما الخمس ا ه‍. قوله: (لأنه وإن وجب) علة لعدم المساعدة ح.
قوله: (أكثر من ثلاثمائة ظهر الخ) فيه أن الوارد أن اليوم كسنة فما قبل الزوال نحو نصف سنة ولا
يتكرر فيه الظهر هذا العدد، فالمناسب تعبير الكمال بما مر من قوله: فقد وجب أكثر من ثلاثمائة
عصر قبل صيرورة الظل مثلا أو مثلين، لكنه ظاهر في المثلين لأنه قريب فمن خمسة أسداس النهار،
بخلاف المثل، والأظهر قوله في الشرنبلالية: وإن وجب أكثر من ثلاثمائة عشاء مثلا قبل طلوع
الفجر. قوله: (مثلا) أي إن الصبح والعصر والمغرب والعشاء والوتر كذلك ح. قوله: (فيه) أي في
حديث الدجال. قوله: (وأما فيها) أي في مسألتنا. وفي بعض النسخ فيهما: أي في العشاء والوتر.
394

قوله: (فقد فقد الأمران) أي العلامة، وهي غيبوبة الشفق قبل الفجر والزمان المعلم، وهو ما تقع
الصلاة فيه أداء ضرورة أن الزمان الموجود قبل الفجر هو زمان المغرب وبعده زمان الصبح فلم
يوجد الزمان الخاص بالعشاء، وليس المراد فقد أصل الزمان كما لا يخفى، نعم إذا قلنا بالتقدير هنا
يكون الزمان موجودا تقديرا كما في يوم الدجال، فلا يرد على المحقق، والله تعالى أعلم.
تتمة: لم أر من تعرض عندنا لحكم صومهم فيما إذا كان يطلع الفجر عندهم كما تغيب
الشمس أو بعده بزمان لا يقدر فيها لصائم على أكل ما يقيم بنيته، ولا يمكن أن يقال بوجوب موالاة
الصوم عليهم، لأنه يؤدي إلى الهلاك. فإن قلنا بوجوب الصوم يلزم القول بالتقدير، وهل يقدر ليلهم
بأقرب البلاد إليهم كما قاله الشافعية هنا أيضا، أم يقدر لهم بما يسع الأكل والشرب، أم يجب عليهم
القضاء فقط دون الأداء كل محتمل، فليتأمل، ولا يمكن القول هنا بعدم الوجوب أصلا كالعشاء عند
القائل به فيها، لأن علة عدم الوجوب فيها عند القائل به عدم السبب، وفي الصوم قد وجد السبب
وهو شهود جزء من الشهر وطلوع فجر كل يوم، هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم. قوله: (للرجل)
يأتي محترزه. قوله: (الفجر) أي صلاة الفرض. وفي صلاة السنة قولان كما يأتي للشارح ط.
قوله: (بإسفار) أي في وقت ظهور النور وانكشاف الظلمة، سمي به لأنه يسفر: أي يكشف عن
الأشياء خلافا للأئمة الثلاثة، لقوله عليه الصلاة والسلام أسفروا بالفجر فإنه أعظم للاجر رواه
الترمذي وحسنه وروى الطحاوي بإسناد صحيح ما اجتمع. أصحاب رسول الله (ص) على شئ ما
اجتمعوا على التنوير بالفجر وتمامه في شرح المنية وغيرها. قوله: (أربعين آية) أي إلى ستين.
قوله: (ثم يعيد بطهارة) أي يعيد الفجر: أي صلاته مع ترتيل القراءة المذكورة ويعيد الطهارة لو فسد
بفسادها أو ظهر فساده بعدمها ناسيا.
والحاصل أن حد الاسفار أن يمكنه إعادة الطهارة ولو من حدث أكبر كما في النهر والقهستاني
وإعادة الصلاة على الحالة الأولى قبل الشمس. قوله: (وقيل يؤخر جدا) قال في البحر: وهو ظاهر
إطلاق الكتاب، أي الكنز، لكن لا يؤخرها بحيث يقع الشك في طلوع الشمس ا ه‍. لكن في
القهستاني الأصح الأول ح. قوله: (مطلقا) أي ولو في غير مزدلفة لبناء حالهن على الستر وهو في
الظلام أتم. قوله: (وتأخير ظهر الصيف) سيذكر أنه يلحق به الخريف، وسنذكر ما يخالفه. قوله:
(بحيث يمشي في الظل) عبارة البحر والنهر وغيرهما: وحده أن يصلي قبل المثل وهي أولى لما أن
مثل حيطان مصر يحدث الظل فيها سريعا لعلوها ح. وقد يقال: إن اعتبار المشي في الظل بيان لأول
ذلك الوقت المستحب، وما في البحر وغيره بيان لمنتهاه. وفي ط عن الحموي عن الخزانة:
الوقت المكروه في الظهر أن يدخل في حد الاختلاف، وإذا أخره حتى صار ظل كل شئ مثله فقد
دخل في حد الاختلاف. قوله: (أي بلا اشتراط الخ) تفسير للاطلاق، وعبارة ابن ملك في شرح
المجمع: أي سواء كان يصلي الظهر وحده أو بجماعة ا ه‍: أي لرواية البخاري كان (ص) إذا اشتد
395

البرد بكر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة والمراد الظهر، وقوله (ص) إن شدة الحر من
فيح جهنم، فإذا اشتد فأبردوا بالصلاة متفق عليه، وليس فيه تفصيل، وتمامه في الزيلعي وغيره.
قوله: (وما في الجوهرة وغيرها) كالسراج حيث قال فيهما: وإنما يستحب الابراد بثلاثة شرائط: أن
يصلي بجماعة في مسجد جماعة، وأن يكون في البلاد الحارة وأن يكون في شدة الحر. وقال
الشافعي: إن صلى في بيته قدمها، وإن في المسجد بجماعة أخرها ا ه‍. قوله: (منظور فيه) تبع في
التنظير فيه صاحب البحر اعتمادا على الاطلاق. وأورده المحشي عليه: ما لو كان في موضع تقام
الجماعة فيه في أول الوقت فقط، فإنه لو قلنا يستحب له التأخير يلزم ترك الجماعة التي يعاقب على
تركها على المشهور لأجل المستحب والقواعد تأباه، ويدل له كراهتهم تأخير العشاء إلى ما زاد على
النصف، وعللوه بتقليل الجماعة، ففي مسألتنا ينبغي أن يكون التأخير حراما حيث تحقق فوت
الجماعة ا ه‍. ونقل بعضهم مثله عن شرح نظم الكنز للشيخ موسى الطرابلسي وقال: على أنه صرح
صاحب البحر فيما تقدم أنه لو شرع في الصلاة مع نجاسة قدر الدرهم وخشي فوت الجماعة يمضي
على صلاته ا ه‍: أي مع أن إزالتها مسنونة أو واجبة ولم تترك الجماعة لأجلها.
أقول: قد يجاب بأن قول البحر: لا فرق بين أن يصلي بجماعة أو لا، معناه أنه يندب له
التأخير سواء أراد أن يصلي بجماعة أو مفردا بأن كان لا تتيسر له الجماعة، وليس فيه ما يقتضي أنه
يؤخر وإن لزم فوت الجماعة كما لا يخفى، فالتنظير في كلام الجوهرة والسراج في محله، لان ما
ذكراه من الشروط الثلاثة هي مذهب الشافعية، صرحوا بها في كتبهم، نعم ذكر شراح الهداية وغيرهم
في باب التيمم أن أداء الصلاة في أول الوقت أفضل، إلا إذا تضمن التأخير فضيلة لا تحصل بدونه
كتكثير الجماعة، ولهذا كان أولى للنساء أن يصلين في أول الوقت لأنهن لا يخرجن إلى الجماعة،
كذا في مبسوطي شمس الأئمة وفخر الاسلام ا ه‍. والمتبادر منه أنه إذا لم يقصد الصلاة بالجماعة لا
يستحب له التأخير هنا، إذ ليس فيه فضيلة، لكن اعترضهم هناك صاحب غاية البيان بأن أئمتنا
صرحوا باستحباب تأخير بعض الصلوات بلا اشتراط جماعة، وأن ما ذكروه في التيمم مفهوم
والصريح مقدم عليه، وقدمنا الكلام عليه ثم فراجعه. قوله: (أصلا) أي من جهة أصل وقت
الجواز، وما وقع في آخره من الخلاف. قوله: (واستحبابا في الزمانين) أي الشتاء والصيف ح،
لكن جزم في الأشباه من فن الاحكام أنه لا يسن لها الابراد. وفي جامع الفتاوى لقارئ الهداية:
قيل إنه مشروع لأنها تؤدي في وقت الظهر وتقوم مقامه. وقال الجمهور: ليس بمشروع لأنها تقام
بجمع عظيم، فتأخيرها مفض إلى الحرج، ولا كذلك الظهر وموافقة الخلف لاصله من كل وجه
ليس بشرط ا ه‍. قوله: (لأنها خلفه) علمت جوابه. على أن القول الثاني وهو المشهور أنها فرض
مستقل آكد من الظهر. قوله: (توسعة للنوافل) أي لكراهتها بعد صلاة العصر. وقال الامام الطحاوي
بعد ذكره ما روي في التأخير والتعجيل: لم نجد في هذه الآثار مما صححت إلا ما يدل على تأخير
العصر، ولم نجد ما يدل منها على التعجيل إلا ما عارضه غيره فاستحببنا التأخير، ولو خلينا النظر
لكان تعجيل الصلوات كلها أفضل، ولكن اتباع ما روي عن رسول الله (ص) متواترات به الأخبار
396

أولى، وقد روي عن أصحابه ما يدل عليه ثم ساق ذلك، وتمامه في الحلية. قوله: (في الأصح)
صححه في الهداية وغيرها. وفي الظهيرية إن أمكنه إطالة النظر فقد تغيرت وعليه الفتوى. وفي
النصاب وغيره: وبه نأخذ، وهو قول أئمتنا الثلاثة ومشايخ بلخ وغيرهم، كذا في الفتاوى الصوفية،
وفيها: وينبغي أن لا يؤخر تأخيرا لا يمكن المسبوق قضاء ما فاته ا ه‍. وقيل حد التغير أن يبقى
للغروب أقل من رمح، وقيل أن يتغير الشعاع على الحيطان كما في الجوهرة. ابن عبد الرزاق.
قوله: (وتأخير عشاء) أطلقه، وظاهر ما في الهداية التقييد بعدم فوت الجماعة، ويؤخذ من كلام
المصنف في مسألة يوم الغيم. شرنبلالية. قوله: (إلى ثلث الليل) كذا في الكنز والمختار
والخلاصة وغيرها. وعبارة القدوري: إلى ما قبل ثلث الليل، وهما روايتان كما في الشرنبلالية عن
البرهان، فلا حاجة إلى التوفيق بما في البحر ولا بما في الدرر. قوله: (قيده في الخانية الخ) وفي
الهداية: وقيل في الصيف يعجل كي لا تتقلل الجماعة. قوله: (كره) أي تحريما كما يأتي تقييده في
المتن، أو تنزيها وهو الأظهر كما نذكره عن الحلية. قوله: (لتقليل الجماعة) يفيد أن المصلي في
بيته يؤخرها لعدم الجماعة في حقه. تأمل رملي: أي لو أخرها لا يكره. قوله: (أما إليه فمباح) أي
أما تأخيرها إلى النصف فمباح لتعارض دليل الندب وهو قطع السمر المنهي، ودليل الكراهة وهو
تقليل الجماعة فثبتت الإباحة كما أفاده في الهداية وغيرها. قلت: لكن نقل في الحلية عن خزانة
الأكمل استحباب التأخير إلى النصف وقال: إنه الأوجه دليلا للأحاديث الصحيحة وساقها، وقال:
اختاره أكثر أهل العلم من أصحاب النبي (ص) والتابعين وغيرهم كما ذكره الترمذي ا ه‍.
(تنبيه): أشرنا إلى أن علة استحباب التأخير في العشاء هي قطع السمر المنهي عنه وهو الكلام
بعدها، قال في البرهان: ويكره النوم قبلها والحديث بعدها لنهي النبي (ص) عنهما إلا حديثا في
خير، لقوله (ص): لا سمر بعد الصلاة يعني العشاء الأخيرة إلا لاحد رجلين: مصل أو مسافر
وفي رواية أو عرس ا ه‍. وقال الطحاوي: إنما كره النوم قبلها لمن خشي عليه فوت وقتها أو فوت
الجماعة فيها، أما من وكل نفسه إلى من يوقظه فيباح له النوم ا ه‍. وقال الزيلعي: وإنما كره
الحديث بعدها لأنه ربما يؤدي إلى اللغو أو إلى تفويت الصبح أو قيام الليل لمن له عادة به، وإذا
كان لحاجة مهمة فلا بأس، وكذا قراءة القرآن والذكر وحكايات الصالحين والفقه والحديث مع
الضيف ا ه‍ والمعنى فيه أن يكون اختتام الصحيفة بالعبادة، كما جعل ابتداؤها بها ليمحى ما بينهما
من الزلات، ولذكره الكلام قبل صلاة الفجر، وتمامه في الامداد.
ويؤخذ من كلام الزيلعي أنه لو كان لحاجة لا يكره وإن خشي فوت الصبح، لأنه ليس في
النوم تفريط، وإنما التفريط على من أخرج الصلاة عن وقتها كما في حديث مسلم، نعم لو غلب
على ظنه تفويت الصبح لا يحل لأنه يكون تفريطا. تأمل. قوله: (وأخر العصر) معطوف على فعل
الشرط، والمراد باصفرار ذكاء تغيرها بالمعنى السابق. قوله: (فيه) أي في العصر بمعنى صلاته.
قوله: (لا يكره) لان الاحتراز عن الكراهة مع الاقبال على الصلاة متعذر فجعل عفوا. بحر. قوله:
397

(إلى اشتباك النجوم) هو الأصح. وفي رواية: لا يكره ما لم يغب الشفق. بحر: أي الشفق الأحمر
لأنه وقت مختلف فيه فيقع في الشك، وفي الحلية بعد كلام: والظاهر أن السنة فعل المغرب فورا
وبعده مباح إلى اشتباك النجوم فيكره بلا عذر ا ه‍. قلت: أي يكره تحريما، والظاهر أنه أرد بالمباح
ما لا يمنع فلا ينافي كراهة التنزيه، ويأتي تمامه قريبا. قوله: (أي كثرتها) قال في الحلية: واشتباكها
أن يظهر صغارها وكبارها حتى لا يخفى منها شئ، فهو عبارة عن كثرتها وانضمام بعضها إلى بعض
ا ه‍. قوله: (كره) يرجع إلى المسائل الثلاثة قبله ط. قوله: (أي التأخير لا الفعل) فيه كلام يأتي.
قوله: (تحريما) كذا في البحر عن القنية، لكن في الحلية أن كلام الطحاوي يشير إلى أن الكراهة في
تأخير العشاء تنزيهيا وهو الأظهر ا ه‍. قوله: (إلا بعذر الخ) ظاهره رجوعه إلى الثلاثة أيضا لكن ذكر
في الامداد في تأخير العصر إلى الاصفرار عن المعراج أنه لا يباح التأخير لمرض وسفر ا ه‍. ومثله
في الحلية، واقتصر في الامداد وغيره على ذكره الاستثناء في المغرب، وعبارته: إلا من عذر كسفر
ومرض وحضور مائدة أو غيم ا ه‍.
قلت: وينبغي عدم الكراهة في تأخير العشاء لمن هو في ركب الحاج، ثم إن للمسافر
والمريض تأخير المغرب للجمع بينها وبين العشاء فعلا كما في الحلية وغيرها: أي بأن تصلي في
آخر وقتها والعشاء في أول وقتها، وهو محمل ما روي من جمعه (ص) بينهما سفرا كما يأتي. قوله:
(وكونه على أكل) أي لكراهة الصلاة مع حضور طعام تميل إليه نفسه، ولحديث إذا أقيمت الصلاة
وحضر العشاء فابدؤوا بالعشاء رواه الشيخان. قوله: (وتأخير الوتر الخ) أي يستحب تأخيره،
لقوله (ص) من خاف أن لا يوتر من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر
الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل رواه مسلم والترمذي وغيرهما وتمامه في
الحلية. وفي الصحيحين اجعلوا آخر صلاتكم وترا والامر للندب بدليل ما قبله. بحر. قوله:
(فإن فاق الخ) (1) أي إذا أوتر قبل النوم ثم استيقظ يصلي ما كتب له، ولا كراهة فيه بل هو مندوب،
ولا يعيد الوتر، لكن فاته الأفضل المفاد بحديث الصحيحين. إمداد.
ولا يقال: إن من لم يثق بالانتباه فالتعجيل في حقه أفضل كما في الخانية، فإذا انتبه بعد ما
عجل يتنفل ولا تفوته الأفضلية. لأنا نقول: المراد بالأفضلية في الحديث السابق هي المترتبة على
ختم الصلاة بالوتر وقد، فاتت، والتي حصلها هي أفضلية التعجيل عند خوف الفوات على التأخير،
فافهم وتأمل. قوله: (يلحق به الربيع الخ) قاله في البحر بحثا. وقال: لم أره. وتعقبه في الامداد
بما في مجمع الروايات من أنه كذلك في الربيع والخريف، يعجل بها إذا زالت الشمس، فبحث البحر

(1) قوله: (فان فاق الخ) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح أفاق بالهمزة، وهو الصواب الموافق لما في المصباح
والقاموس ا ه‍. مصححه.
398

مخالف للمنقول. قوله: (يوم غيم) أي لئلا يقع العصر في التغير وتقل الجماعة في العشاء على
احتمال المطر والطين. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يندب التأخير في كل الأوقات، واختاره
الإتقاني وفي شرح المجمع ودرر البحار والضياء أنه الأحوط لجواز الأداء بعد الوقت لا قبله: أي
وفي تعجيله احتمال وقوعه قبله. وقد يجاب بأن المراد بالتعجيل تأخيرهما قليلا بعد العلم بدخول
الوقت، ولهذا قال في الحلية: المستحب تقديمهما يوم غيم على وقتهما المستحب يوم غيره.
تأمل. قوله: (مطلقا) أي شتاء وصيفا وليس المراد من الاطلاق يوم غيم، ألا وإن أوهمته عبارته
لأنه غير المنصوص عليه ط. قوله: (يكره تنزيها) أفاد أن المراد بالتعجيل أن لا يفصل بين الأذان والإقامة بغير جلسة أو سكتة على الخلاف، وأن ما في القنية من استثناء التأخير القليل محمول على
ما دون الركعتين، وأن الزائد على القليل إلى اشتباك النجوم مكروه تنزيها، وما بعده تحريما إلا بعذر
كما مر قال في شرح المنية: والذي اقتضته الاخبار كراهة التأخير إلى ظهور النجم وما قبله
مسكوت عنه، فهو على الإباحة وإن كان المستحب التعجيل ا ه‍. ونحوه ما قدمناه عن الحلية وما
في النهر من أن ما في الحلية مبني على خلاف الأصح: أي المذكور في المبتغى بقوله: يكره تأخير
المغرب في رواية. وفي أخرى: لا، ما لم يغب الشفق. والأصح الأول إلا لعذر ا ه‍. فيه نظر لأن الظاهر أن المراد بالأصح التأخير إلى ظهور النجم أو إلى غيبوبة الشفق، فلا ينافي أنه إلى ما قبل
ذلك مكروه تنزيها لترك المستحب وهو التعجيل. تأمل. قوله: (وتأخير غيرهما فيه) أي في يوم غيم
يؤخر الفجر كباقي الأيام، ويؤخر الظهر والمغرب بحيث يتيقن وقوعهما بعد الوقت قبل مجئ الوقت
المكروه كما في الامداد. قال في النهر: أما الفجر فلتكثير الجماعة، وأما غيره فلمخافة الوقوع قبل
الوقت. قوله: (هذا) أي ما ذكر من التعجيل في يوم غيم والتأخير فيه. قوله: (ويقل رعاية أوقاتها)
أي بعدم ظهور الشمس أو التوقيت بالساعات الفلكية ونحو ذلك ط. قوله: (فيراعى الحكم الأول)
أي المتقدم، وهو تأخير العصر مطلقا والعشاء إلى ثلث الليل وتعجيل ظهر الشتاء الخ. قال أبو
السعود: وهذا البحث للعيني، وأقره صاحب النهر ط.
مطلب: يشترط العلم بدخول الوقت
تتمة: يشترط لصحة الصلاة دخول الوقت واعتماد دخوله كما في نور الايضاح وغيره، فلو
شك في دخول وقت العبادة فأتى بها فبان أنه فعلها في الوقت لم يجزه كما في الأشباه في بحث
النية، ويكفي في ذلك أذان الواحد لو عدلا، وإلا تحرى وبنى على غالب ظنه لما صرح به أئمتنا
من أنه يقبل قول العدل في الديانات، كالاخبار بجهة القبلة والطهار والنجاسة والحل والحرمة،
حتى لو أخبره ثقة ولو عبدا أو أمة، أو محدودا في قذف بنجاسة الماء، أو حل الطعام وحرمت قبل
ولو فاسقا، أو مستورا يحكم رأيه في صدقه أو كذبه ويعمل به، لان غالب الرأي بمنزلة اليقين،
بخلاف خبر الذمي حيث لا يقبل ا ه‍. ومثله الصبي والمعتوه العاقلان في الأصح، ولا يخفى أن
الاخبار عن دخول الوقت من العبادات، فيجري فيه هذا التفصيل، والله تعالى أعلم. ثم رأيت في
كتاب القول من (.....) عن معين الحكام ما نصه: المؤذن يكفي إخباره بدخول الوقت إذا كان بالغا عاقلا
عالما بالأوقات مسلما ذكرا ويعتمد على قوله ا ه‍. وفي صيام القهستاني، وأما الافطار فلا يجوز بقول
399

واحد بل بالمثنى. وظاهر الجواب أنه لا بأس به إذا كان عدلا صدقه الخ. قوله: (وحكم الاذان
كالصلاة الخ) لأنه سنة لها فيتبعها. قوله: (وكره الخ) أورد أن بعض الصلوات لا تنعقد في هذه
الأوقات فلا يناسبه التعبير بالكراهة. وأجاب عنه في شرح المنية تبعا للفتح بجوابين، حيث قال:
استعمل الكراهة هنا بالمعنى اللغوي فيشمل عدم الجواز وغيره مما هو مطلوب العدم، أو هو بالمعنى
العرفي. والمراد كراهة التحريم لما عرف من أن النهي الظني الثبوت غير المصروف عن مقتضاه
يفيد كراهة التحريم، وإن كان قطعي الثبوت فالتحريم وهو في مقابلة الفرض في الرتبة وكراهة
التحريم في رتبة الواجب والتنزيه في رتبة المندوب، والنهي الوارد هنا من الأول فكان الثابت به
كراهة التحريم، وهي إن كانت لنقصان في الوقت منعت الصحة فيما سببه كامل وإلا أفادت الصحة
مع الإساءة ا ه‍. وقد أشار الشارح إلى الجوابين مقدما الثاني منهما على الأول. قوله: (مطلقا) فسره
بما بعده. قوله: (أو على جنازة) أي إذا حضرت في ذلك الوقت وكذا قوله وسجدة تلاوة أي
إذا تليت فيه وإلا فلا كراهة كما سيذكره الشارح. قوله: (وسجدة تلاوة) منصوب عطفا على الجار
والمجرور الذي هو خبر كان المقدرة ح. والأحسن رفعه عطفا على صلاة نائب فاعل كره ليكون
مقابلا للصلاة، لان سجدة التلاوة ليست صلاة حقيقية، فافهم. قوله: (وسهو) حتى لو سها في
صلاة الصبح أو في قضاء فائتة بعد العصر فطلعت الشمس أو احمرت عقب السلام سقط عنه سجود
السهو، لأنه لجبر النقصان المتمكن في الصلاة، فجرى مجرى القضاء وقد وجب كاملا فلا يتأدى في
ناقص. حلية. قوله: (لا شكر. قنية) هذا مذكور في غير محله، والمناسب ذكره عقب قوله الآتي
وسجدة تلاوة لان عبارة القنية يكره أن يسجد شكرا بعد الصلاة في الوقت الذي يكره فيه النفل
ولا يكره في غيره ا ه‍.
وفي النهر أن سجدة الشكر لنعمة سابقة ينبغي أن تصح أخذا من قولهم لأنها وجبت كاملة، وهذه
لم تجب ا ه‍. فتحصل من كلام النهر مع كلام القنية أنها تصح مع الكراهة: أي لأنها في حكم النافلة.
ثم قال في النهر عن المعراج: وأما ما يفعل عقب الصلاة من السجدة فمكروه إجماعا، لان العوام
يعتقدون أنها واجبة أو سنة ا ه‍: أي وكل جائز أدى إلى اعتقاد ذلك كره. قوله: (مع شروق) وما دامت
العين لا تحار فيها فهي في حكم الشروق كما تقدم في الغروب أنه الأصح كما في البحر ح.
أقول: ينبغي تصحيح ما نقلوه عن الأصل للإمام محمد من أنه ما لم ترتفع الشمس قدر رمح
فهي في حكم الطلوع، لان أصحاب المتون مشوا عليه في صلاة العيد حيث جعلوا أول وقتها من
الارتفاع، ولذا جزم به هنا في الفيض ونور الايضاح. قوله: (فلا يمنعون من فعلها) أفاد أن المستثنى
المنع لا الحكم بعدم الصحة عندنا، فالاستثناء منقطع والضمير للصلاة والمراد بها صلاة الصبح.
قوله: (عند البعض) أي بعض المجتهدين كالإمام الشافعي هنا. قوله: (كما في القنية وغيرها) وعزاه
صاحب المصفى إلى الامام حميد الدين عن شيخه الامام المحبوبي وإلى شمس الأئمة الحلواني،
وعزاه في القنية إلى الحلواني والنسفي، فسقط ما قيل: إن صاحب القنية بناه على مذهب المعتزلة
400

من أن العامي له الخيار من كل مذهب ما يهواه. والصحيح عندنا أن الحق واحد، وأن تتبع الرخص
فسق ا ه‍. قوله: (واستواء) التعبير به أولى من التعبير بوقت الزوال، لان وقت الزوال لا تكره فيه
الصلاة إجماعا. بحر عن الحلية: أي لأنه يدخل به وقت الظهر كما مر. وفي شرح النقاية
للبرجندي: وقد وقع في عبارات الفقهاء أن الوقت المكروه هو عند انتصاف النهار إلى أن تزول
الشمس، ولا يخفى أن زوال الشمس إنما هو عقيب انتصاف النهار بلا فصل، وفي هذا القدر من
الزمان لا يمكن أداء صلاة فيه، فلعل المراد أنه لا تجوز الصلاة بحيث يقع جزء منها في هذا الزمان،
أو المراد بالنهار الشرعي، وهو من أول طلوع الصبح إلى غروب الشمس، وعلى هذا يكون نصف
النهار قبل الزوال بزمان يعتد به ا ه‍. إسماعيل ونوح وحموي.
وفي القنية: واختلف في وقت الكراهة عند الزوال، فقيل من نصف النهار إلى الزوال لرواية
أبي سعيد عن النبي (ص) أنه نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس. قال ركن الدين
الصباغي: وما أحسن هذا لان النهي عن الصلاة فيه يعتمد تصورها فيها ه‍. وعزا في القهستاني
القول بأن المراد انتصاف النهار العرفي إلى أئمة ما رواه النهر، وبأن المراد انتصاف النهر الشرعي
وهو الضحوة الكبرى إلى الزوال إلى أئمة خوارزم. قوله: (إلا يوم الجمعة) لما رواه الشافعي في
مسنده؟ نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة قال الحافظ ابن حجر:
في إسناده انقطاع، وذكر البيهقي له شواهد ضعيفة إذا ضمت قوي ا ه‍. قوله: (المصحح المعتمد)
اعترض بأن المتون والشروح على خلافه. قوله: (ونقل الحلبي) أي صاحب الحلية العلامة المحقق
ابن أمير حاج عن الحاوي: أي الحاوي القدسي كما رأيته فيه، لكن شراح الهداية انتصروا لقول الإمام
. وأجابوا عن الحديث المذكور بأحاديث النهي عن الصلاة وقت الاستواء فإنها محرمة، وأجاب
في الفتح بحمل المطلق على المقيد، وظاهره ترجيح قول أبي يوسف، ووافقه في الحلية كما في
البحر، لكن لم يعول عليه في شرح المنية والامداد، على أن هذا ليس من المواضع التي يحمل فيها
المطلق على المقيد كما يعلم من كتب الأصول. وأيضا فإن حديث النهي صحيح رواه مسلم وغيره
فيقدم بصحته، واتفاق الأئمة على العمل به وكونه حاظرا، ولذا منع علماؤنا عن سنة الوضوء وتحية
المسجد وركعتي الطواف ونحو ذلك، فإن الحاظر مقدم على المبيح.
تنبيه: علم مما قررناه المنع عندنا وإن لم أره مما ذكره الشافعية من إباحة الصلاة في الأوقات
المكروهة في حرم مكة استدلالا بالحديث الصحيح يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا
البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار فهو مقيد عندنا بغير أوقات الكراهة، لما علمته من منع
علمائنا عن ركعتي الطواف فيها وإن جوزوا نفس الطواف فيها، خلافا لمالك كما صرح به في شرحه
اللباب، والله أعلم. ثم رأيت المسألة عندنا، قال في الضياء ما نصه: وقد قال أصحابنا: إن الصلاة
في هذه الأوقات ممنوع منها بمكة وغيرها ا ه‍. ورأيت في البدائع أيضا ما نصه: وما ورد من النهي إلا
بمكة شاذ لا يقبل في معارضة المشهور، وكذا رواية استثناء يوم الجمعة غريب فلا يجوز تخصيص
المشهور به ا ه‍. ولله الحمد. قوله: (وغروب) أراد به التغير كما صرح به في الخانية حيث قال: عند
احمرار الشمس إلى أن تغيب. بحر وقهستاني. قوله: (إلا عصر يومه) قيد به لان عصر أمسه لا يجوز
وقت التغير لثبوته في الذمة كاملا، لاستناد السببية فيه إلى جميع الوقت كما مر. قوله: (فلا يكره فعله)
401

لأنه لا يستقيم إثبات الكراهة للشئ مع الامر به، وقيل الأداء أيضا مكروه ا ه‍. كافي النسفي.
والحاصل أنهم اختلفوا في أن الكراهة في التأخير فقط دون الأداء أو فيهما، فقيل بالأول
ونسبه في المحيط والايضاح إلى مشايخنا، وقيل بالثاني وعليه مشى الطحاوي والتحفة والبدائع
والحاوي وغيرها على أنه المذهب بلا حكاية خلاف، وهو الأوجه لحديث مسلم وغيره عن أنس
رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: تلك صلاة المنافق: يجلس يرقب الشمس حتى إذا
كانت بين قرني الشيطان قام ينقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا ا ه‍. حلية، وتبعه في البحر. ولا
يخفى أن كلا الشارح ماش على الأول لا الثاني، فافهم. قال في القنية: ويستوفي سنة القراءة لان
الكراهة في التأخير لا في الوقت ا ه‍. قوله: (لأدائه كما وجب) لان السبب هو الجزء الذي يتصل به
الأداء، وهو هنا ناقص فقد وجب ناقصا فيؤدي كذلك. وأما عصر أمسه فقد وجب كاملا، لان
السبب فيه جميع الوقت حيث لم يحصل الأداء في جزء منه، لكن الصحيح الذي عليه المحققون أنه
لا نقصان في ذلك الجزء نفسه بل في الأداء فيه لما فيه من التشبه بعبدة الشمس، ولما كان الأداء
واجبا فيه تحمل ذلك النقصان، أما إذا لم يؤد فيه والحال أنه لا نقص في الوقت أصلا وجب
الكامل، ولهذا كان الصحيح وجوب القضاء في كامل على من بلغ أو أسلم في ناقص ولم يصل فيه
كما تقدم.
والحاصل كما في الفتح أن معنى نقصان الوقت نقصان ما اتصل به من فعل الأركان المستلزم
للتشبه بالكفار، فالوقت لا نقص فيه، بل هو كغيره من الأوقات إنما النقص في الأركان فلا يتأدى
بها ما وجب كاملا، وهذا أيضا مؤيد للقول بأن الكراهة في التأخير والأداء خلاف ما مشى عليه
الشارح، وما ذكره في النهر بحثا لبعض الطلبة مذكور مع جوابه في شرح المنية وغيره، وأوضحاه
فيما علقناه على البحر. قوله: (بخلاف الفجر الخ) أي فإنه لا يؤدي فجر يومه وقت الطلوع، لان
وقت الفجر كله كامل فوجبت كاملة، فتبطل بطرو الطلوع الذي هو وقت فساد.
قال في البحر: فإن قيل: روى الجماعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): من أدرك
ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس
فقد أدرك الصبح أجيب بأن التعارض لما وقع بينه وبين النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة
رجعنا إلى القياس كما هو حكم التعارض، فرجحنا حكم هذا الحديث في صلاة العصر وحكم
النهي في صلاة الفجر، كذا في شرح النقاية ا ه‍.
على أن الامام الطحاوي قال: إن الحديث منسوخ بالنصوص الناهية، وادعى أن العصر يبطل
أيضا كالفجر وإلا لزم العمل ببعض الحديث وترك بعضه بمجرد قولنا طرأ ناقص على كامل في
الفجر، بخلاف عصر يومه مع أن النقص قارن العصر ابتداء والفجر بقاء فيبطل فيهما. وأجاب في
البرهان بأن هذا الوقت سبب لوجوب العصر حتى يجب على من أسلم أو بلغ فيه، ويستحيل أن
يكون سببا للوجوب ولا يصح الأداء فيه، وتمامه في حاشية نوح.
قوله: (وينعقد نفل الخ) لما كان قوله وكره شاملا للمكروه حقيقة والممنوع أتى بهذه الجملة بيانا لما أجمله ط.
واعلم أن ما يسمى صلاة ولو توسعا إما فرض أو واجب أو نفل، والأول عملي وقطعي،
402

فالعملي الوتر، والقطعي كفاية وعين، فالكفاية صلاة الجنازة، والعين المكتوبات الخمس والجمعة
والسجدة الصلبية، والواجب إما لعينه، وهو ما لا يتوقف وجوبه على فعل العبد، أو لغيره وهو ما
يتوقف عليه، فالأول الوتر فإنه يسمى واجبا كما يسمى فرضا عمليا وصلاة العيدين وسجدة التلاوة،
والثاني سجدتا السهو وركعتا الطواف وقضاء نفل أفسده والمنذور، والنفل سنة مؤكدة وغير مؤكدة.
واعلم أن الأوقات المكروهة نوعان: الأول: الشروق والاستواء والغروب. والثاني: ما بين
الفجر والشمس، وما بين صلاة العصر إلى الاصفرار، فالنوع الأول لا ينعقد فيه شئ من الصلوات
التي ذكرناها إذا شرع بها فيه، وتبطل إن طرأ عليها، إلا صلاة جنازة حضرت فيها، وسجدة تليت
آيتها فيها، وعصر يومه، والنفل، والنذر المقيد بها، وقضاء ما شرع به فيها ثم أفسده، فتنعقد هذه
الستة بلا كراهة أصلا في الأولى منها، ومع الكراهة التنزيهية في الثانية، والتحريمية في الثالثة، وكذا
في البواقي، لكن مع وجوب القطع والقضاء في وقت غير مكروه. والنوع الثاني: ينعقد فيه جميع
الصلوات التي ذكرناها من غير كراهة إلا النفل الواجب لغيره فإنه ينعقد مع الكراهة، فيجب القطع
والقضاء في وقت غير مكروه ا ه‍. ح. مع بعض تغيير. قوله: (لا ينعقد الفرض) أشار إلى ما في
الخانية من نواقض الوضوء حيث قال: لو شرع في فريضة عند الطلوع أو الغروب سوى عصر يومه
لم يكن داخلا في الصلاة، فلا تنتقض طهارته بالقهقهة، بخلاف ما لو شرع في التطوع ا ه‍. قوله:
(كواجب) عبارة القهستاني: كالفرائض والواجبات الفائتة، فقيد بالفائتة احترازا عما وجب فيها
كالتلاوة والجنازة. بقي لو شرع في صلاة العيد هل يكون داخلا في الصلاة نفلا أم لا تنعقد أصلا؟
الظاهر الأول، وسيصرح به في بابها، لان وقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح فقبل وقتها لم تجب
فتكون نفلا. تأمل. قوله: (لعينه) هذا التقييد غير صحيح، فإنه يقتضي أن الواجب لغيره ينعقد في
هذه الأوقات، وليس كذلك كما صرح به في البحر والقهستاني والنهر خلافا لما في نور الايضاح.
أفاده ح. قوله: (وسجدة تلاوة الخ) معطوف على وتر في عبارة الشارح، وأصله الرفع في عبارة
المتن عطفا على الفرض. قال الشارح في الخزائن: وسجود السهو كالتلاوة، فيتركه لو دخل وقت
الكراهة اه‍. وقدمناه. قوله: (وصلاة جنازة) فيه أنها تصح مع الكراهة كما في البحر عن الأسبيجابي
وأقره في النهر ا ه‍. ح.
قلت: لكن ما مشى عليه المصنف هو الموافق لما قدمناه عن ح في الضابط وللتعليل الآتي،
وهو ظاهر الكنز والملتقى والزيلعي وبه صرح في الوافي وشرح المجمع والنقاية وغيرها. قوله:
(فلو وجبتا فيها) أي بأن تليت الآية في تلك الأوقات أو حضرت فيها الجنازة. قوله: (أو تحريما)
أفاد ثبوت الكراهة التنزيهية. قوله: (وفي التحفة الخ) هو كالاستدراك على مفهوم قوله أي تحريما
فإنه إذا كان الأفضل عدم التأخير في الجنازة فلا كراهة أصلا، وما في التحفة أقره في البحر والنهر
والفتح والمعراج لحديث ثلاث لا يؤخرن: منها الجنازة إذا حضرت وقال في شرح المنية:
والفرق بينها وبين سجدة التلاوة ظاهر لان التعجيل فيها مطلوب مطلقا إلا لمانع، وحضورها في
وقت مباح مانع من الصلاة عليها في وقت مكروه، بخلاف حضورها في وقت مكروه وبخلاف
403

سجدة التلاوة، لان التعجيل لا يستحب فيها مطلقا ا ه‍: أي بل يستحب في وقت مباح فقط، فثبتت
كراهة التنزيه في سجدة التلاوة دون صلاة الجنازة. قوله: (وصح تطوع بدأ به فيها) تكرار محض من
قوله وينعقد نفل بشروع فيها ا ه‍. ح وقد يجاب بأن المراد أنه يصح أداؤه فيها ويخرج به عن
العهدة مع الكراهة، وما مر بيان لأصل الانعقاد وصحة الشروع فيه بحيث لو قهقه انتقض وضوءه،
بخلاف الفرض كما قدمناه عن الخانية: تأمل. قوله: (وقد نذره فيها) أي والحال أنه قد نذر إيقاعه
فيها: أي في هذه الأوقات الثلاثة: أي في أحدها، أما لو نذره مطلقا فلا يصح أداؤه فيها. قوله:
(لوجوبه) أي ما ذكره من المسائل الثلاثة. قوله: (كما في البحر) وقال أيضا: وقول الزيلعي:
والأفضل أن يصلي في غيره، ضعيف، قوله: (عن البغية) بضم الباء الموحدة وكسرها: الشئ
المبتغى: أي المطلوب، وهو هنا علم كتاب هو مختصر القنية، ذكره في البحر في باب شروط
الصلاة ح. قوله: (الصلاة فيها) أي في الأوقات الثلاثة، وكالصلاة الدعاء والتسبيح كما هو في
البحر عن البغية. قوله: (وكأنه الخ) من كلام البحر. قوله: (فالأولى) أي فالأفضل ليوافق كلام
البغية، فإن مفاده أنه لا كراهة أصلا، لان ترك الفاضل لا كراهة فيه. قوله: (وكره نفل الخ) شروع
في النوع الثاني من نوعي الأوقات المكروهة وفيما يكره فيها، والكراهة هنا تحريمية أيضا كما صرح
به في الحلية، ولذا عبر في الخانية والخلاصة بعدم الجواز، والمراد عدم الحل لا عدم الصحة كما
لا يخفى. قوله: (قصدا) احترز به عما لو صلى تطوعا في آخر الليل، فلما صلى ركعة طلع الفجر
فإن الأفضل إتمامها، لان وقوعه في التطوع بعد الفجر لا عن قصد ولا ينوبان عن سنة الفجر على
الأصل. قوله: (ولو تحية مسجد) أشار به إلى أنه لا فرق بين ما له سبب أو لا كما في البحر، خلافا
للشافعي فيما له سبب كالرواتب وتحية المسجد ط. قوله: (وكل ما كان واجبا الخ) أي كان ملحقا
بالنفل، بأن ثبت وجوبه بعارض بعد ما كان نفلا. قوله: (على فعله) أي فعل العبد، والأولى إظهاره
مثلا المنذور يتوقف على النذر وركعتا الطواف على الطواف وسجدتا السهو على ترك الواجب الذي
هو من جهته ا ه‍ ط.
ويرد عليه سجود التلاوة فإنه يتوقف وجوبه على التلاوة. وأجاب في الفتح بأن وجوبه في
التحقيق معلق بالسماع لا بالاستماع ولا بالتلاوة، وذلك ليس فعلا من المكلف بل وصف خلقي
فيه، بخلاف النذر والطواف والشروع فإنها فعله ولولاه كانت الصلاة نفلا ا ه‍. قال في شرح المنية:
لكن الصحيح أن سبب الوجوب في حق التالي التلاوة دون السماع، وإلا لزم عدم الوجوب على
الأصم بتلاوته ا ه‍. ونحوه في البحر.
وقد يجاب بأنه وإن كان بفعله لكنه ليس أصله نفلا، لان التنفل بالسجدة غير مشروع، فكانت
واجبة بإيجاب الله تعالى لا بالتزام العبد، وتمامه في شرح المنية. قوله: (وركعتي طواف) ظاهره ولو
404

كان الطواف في ذلك الوقت المكروه ولم أره صريحا، ويدل عليه ما أخرجه الطحاوي في شرح
الآثار عن معاذ بن عفراء أنه طاف بعد العصر أو بعد صلاة الصبح ولم يصل، فسئل عن ذلك.
فقال: نهى رسول الله (ص) عن صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وعن صلاة بعد العصر حتى
تغرب الشمس ثم رأيته مصرحا به في الحلية وشرح اللباب. قوله: (وسجدتي سهو) أقول: تبع
فيه صاحب المجتبى، ولم يظهر لي معناه هل هو على إطلاقه أو مقيد ببعض الصلوات، فإنه لا
وجه لكراهة سجود السهو فيما لو صلى الفجر أو العصر وسها فيهما، وكذا لو قضى بعدهما فائتة
وسها فيها فإنه إذا حل له أداء تلك الصلاة كيف لا يحل له سجود السهو الواجب فيها؟ ولعله اشتبه
النوع الثاني من الأوقات بالنوع الأول، فإن ذكر سجود السهو نحو النوع الأول صحيح وقد مر،
بخلاف ذكره هنا، إلا أن يقال: إنه مقيد ببعض الصلوات وهي التي تكره في هذا النوع كالنفل
والواجب لغيره، فكما يكره فعلها يكره سجود السهو فيها، ثم رأيت الرحمتي جزم بأن ذلك سهو،
فتأمل وراجع. قوله: (ولو سنة الفجر) أي ولو كان الذي شرع فيه ثم أفسده سنة الفجر فإنه لا يجوز
على الأصح، وما قيل من الحيل مردود كما سيأتي. قوله: (بعد صلاة فجر وعصر) متعلق بقوله
وكره أي وكره نفل الخ بعد صلاة فجر وعصر: أي إلى ما قبيل الطلوع، والتغير بقرينة قوله السابق
لا ينعقد الفرض الخ ولذا قال الزيلعي هنا: المراد بما بعد العصر قبل تغير الشمس، وأما بعده
فلا يجوز فيه القضاء أيضا وإن كان قبل أن يصلي العصر ا ه‍. قوله: (ولو المجموعة بعرفة) عزاه في
المعراج إلى المجتبى. وفي القنية إلى مجد الأئمة الترجماني وظهير الدين المرغيناني، وذكره في
الحلية بحثا، وقال: لم أره صريحا وتبعه في البحر. قوله: (ولو وترا) لأنه على قوله واجب يفوت
الجواز بفوته، وهو معنى الفرض العملي، وعلى قولهما سنة مخالفة لغيرها من السنن، ولذا قالا: لا
تصح من قعود، وعن هذا قال في القنية: الوتر يقضى بعد الفجر بالاجماع بخلاف سائر السنن.
قوله: (أو سجدة تلاوة) لوجوبها بإيجابه تعالى لا بفعل العبد كما علمته فلم تكن في معنى النفل.
قوله: (لشغل الوقت به) أي بالفجر: أي بصلاته، ففي العبارة استخدام، ط: أي لان المراد بالفجر
الزمن لا الصلاة، ثم هذا علة لقوله وكره وفيه جواب عما أورده من أن قوله (ص): لا صلاة بعد
العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس رواه الشيخان يعم النفل
وغيره وجوابه أن النهي هنا لنقصان في الوقت بل ليصير الوقت كالمشغول بالفرض فلم يجز النفل،
ولا ما ألحق به مما ثبت وجوبه بعارض بعد ما كان نفلا دون الفرائض وما في معناها بخلاف النهي
عن الأوقات الثلاثة فإنه لمعنى في الوقت وهو كونه منسوبا للشيطان فيؤثر في الفرائض والنوافل
وتمامه في شروح الهداية. قوله: (حتى لو نوى الخ) تفريع على ما ذكره من التعليل: أي وإذا كان
المقصود كون الوقت مشغولا بالفرض تقديرا وسنته تابعة له، فإذا تطوع انصرف تطوعه إلى سنته لئلا
يكون آتيا بالمنهي عنه. فتأمل. قوله: (بلا تعيين) لأن الصحيح المعتمد عدم اشتراطه في السنن
الرواتب، وأنها تصح بنية النفل وبمطلق النية، فلو تهجد بركعتين يظن بقاء الليل فتبين أنهما بعد
405

الفجر كانتا عن السنة على الصحيح فلا يصليها بعده، للكراهة. أشباه. قوله: (وقبل صلاة مغرب)
عليه أكثر أهل العلم، منهم أصحابنا ومالك وأحد الوجهين عن الشافعي، لما ثبت في الصحيحين
وغيرهما مما يفيد أنه (ص) كان يواظب على صلاة المغرب بأصحابه عقب الغروب، ولقول ابن عمر
رضي الله عنهما ما رأيت أحدا على عهد رسول الله (ص) يصليهما رواه أبو داود وسكت عنه
والمنذري في مختصره وإسناده حسن، وروى محمد عن أبي حنيفة عن حماد أنه سأل إبراهيم النخعي
عن الصلاة قبل المغرب، قال: فنهى عنها، وقال: إن رسول الله (ص) وأبا بكر وعمر لم يكونوا
يصلونها وقال القاضي أبو بكر بن العربي: اختلف الصحابة في ذلك ولم يفعله أحد بعدهم، فهذا
يعارض ما روي من فعل الصحابة ومن أمره (ص) بصلاتهما، لأنه إذا اتفق الناس على ترك العمل
بالحديث المرفوع لا يجوز العمل به لأنه دليل ضعفه على ما عرف في موضعه، ولو كان ذلك
مشتهرا بين الصحابة لما خفي على أبا عمر، أو يحمل ذلك على أنه كان قبل الامر بتعجيل
المغرب، وتمامه في شرحي المنية وغيرهما. قوله: (لكراهة تأخيره) الأولى تأخيرها: أي الصلاة،
وقوله إلا يسيرا أفاد أنه ما دون صلاة ركعتين بقدر جلسة، وقدمنا أن الزائد عليه مكروه تنزيها ما
لم تشتبك النجوم، وأفاد في الفتح وأقره في الحلية والبحر أن صلاة ركعتين إذا تجوز فيها لا تزيد
على اليسير فيباح فعلهما، وقد أطال في تحقيق ذلك في الفتح في باب الوتر والنوافل.
تنبيه: يجوز قضاء الفائتة وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة في هذا الوقت بلا كراهة، ويبدأ بصلاة
المغرب ثم بالجنازة ثم بالسنة، ولعله لبيان الأفضلية. وفي الحلية: الفتوى على تأخير صلاة
الجنازة عن سنة الجمعة، فعلى هذا تؤخر عن سنة المغرب لأنها آكد ا ه‍. بحر. وصرح في الحاوي
القدسي بكراهة المنذورة وقضاء ما أفسده والفائتة لغير صاحب ترتيب، وهو تقييد حسن، وبقي
ركعتا الطواف فتكره أيضا كما صرح به في الحلية، ويفهم من كلام المصنف أيضا، فإن قوله
وقبل صلاة مغرب معطوف على قوله بعد طلوع فجر فيكره في الثاني جميع ما يكره في الأول،
نعم صرح في شرح اللباب أنه لو طاف بعد صلاة العصر يصلي ركعتيه قبل سنة المغرب كالجنازة.
قوله: (وعند خروج إمام) لحديث الصحيحين وغيرهما إذا قلت لصاحبك أنصت والامام يخطب فقد
لغوت فإذا نهي عن الامر بالمعروف وهو فرض فما ظنك بالنفل؟ وهذا قول الجمهور من أهل
العلم كما قاله ابن بطال منهم أصحابنا ومالك، وذكره ابن أبي شيبة عن عمر وعثمان وعلي وابن
عباس وغيرهم من التابعين، فما روي مما يدل على الجواز كان قبل التحريم فلا يعارض أدلة المنع،
وتمام الأدلة في شرحي المنية وغيرهما، ثم هذا معطوف على مقبله فيكره فيه ما يكره فيه كما بينا.
قوله: (لخطبة ما) أتى به ما لتعميم الخطبة، وشمل ما إذا كان ذلك قبلها وبعدها، سواء أمسك
الخطيب عنها أم لا. بحر. قوله: (وسيجئ أنها عشر) أي في باب العيدين، وهي: خطبة جمعة
وفطر وأضحى، وثلاث خطب الحج، وختم ونكاح، واستسقاء وكسوف، والمراد تعداد الخطب
المشروعة في الجملة، وإلا فخطبة الكسوف مذهب الشافعي، والظاهر عدم كراهة التنفل فيها عند
الامام لعدم مشروعيتها عنده، وبه صرح في الحلية، وكذا خطبة الاستسقاء مذهب الصاحبين، فيقال
فيها كذلك وقد يجاب بما في القهستاني حيث نقل رواية عن الامام بمشروعية خطبة الكسوف، ولعل
406

من ذكرها كالخانية وغيرها جنح إلى هذه الرواية، فصح كونها عشرا عندنا، ولا يخفى أن قوله
خروج إمام من الحجرة وقيامه للصلاة قيد فيما يناسبه منها وهو ما عدا خطبة النكاح وخطبة ختم
القرآن، فافهم. وعلة الكراهة في الجميع تفويت لاستماع الواجب فيها كما صرح به في المجتبى.
قوله: (وقيدها) أي قيد الفائتة التي لا تكره حال الخطبة ط. قوله: (بين كلامي النهاية والصدر) فإن
صدر الشريعة يقول: تكره الفائتة، وصاحب النهاية يقول: لا تكره كما في شرح المصنف ح. قوله:
(عند إقامة صلاة مكتوبة) أطلقها مع أنه قيدها في الخانية والخلاصة، وأقره في الفتح وغيره من
الشراح بيوم الجمعة، وتبعهم في شرح المنية وقال: وأما في غير الجمعة فلا يكره بمجرد الاخذ
بالإقامة ما لم يشرع الامام في الصلاة ويعلم أنه يدركه في الركعة الأولى وكان غير مخالط للصف بلا
حائل. والفرق أنه في الجمعة لكثرة الاجتماع لا يمكن غالبا بلا مخالطة للصف ا ه‍. ملخصا.
وسيأتي في باب إدراك الفريضة.
مطلب في تكرار الجماعة والاقتداء بالمخالف
قوله: (أي إقامة إمام مذهبه) قال الشارح في هامش الخزائن: نص على هذا مولانا منلا علي
شيخ القراء بالمسجد الحرام في شرحه على لباب المناسك ا ه‍. وهو مبني على أنه لا يكره تكرار
الجماعة في مسجد واحد، وسيذكر في الاذان، وكذا في باب الإمامة ما يخالفه وقد ألف جماعة من
العلماء رسائل في كراهة ما يفعل في الحرمين الشريفين وغيرهما من تعداد الأئمة والجماعات،
وصرحوا بأن الصلاة مع أول إمام أفضل، ومنهم صاحب المنسك المشهور العلامة الشيخ رحمة الله
السندي تلميذ المحقق ابن الهمام.
فقد نقل عن العلامة الخير الرملي في باب الإمامة أن بعض مشايخنا سنة إحدى وخمسين
وخمسمائة أنكر ذلك منهم الشريف الغزنوي، وأن بعض المالكية في سنة خمسين وخمسمائة أفتى بمنع
ذلك على المذاهب الأربعة، ونقل عن جماعة من علماء المذاهب إنكار ذلك أيضا ا ه‍. لكن ألف
العلامة الشيخ إبراهيم البيري شارح الأشباه رسالة سماها الأقوال المرضية) أثبت فيها الجواز وكراهة
الاقتداء بالمخالف، لأنه وإن راعى مواضع الخلاف لا يترك ما يلزم من تركه مكروه مذهب: كالجهر
بالبسملة، والتأمين، ورفع اليدين، وجلسة الاستراحة، والصلاة على النبي (ص) في القعدة الأولى،
ورؤيته السلام الثاني سنة، وغير ذلك مما تجب فيه الإعادة عندنا أو تستحب، وكذا ألف العلامة
الشيخ علي القاري رسالة سماها (الاهتداء في الاقتداء) أثبت فيها الجواز، لكن نفى فيها كراهة
الاقتداء بالمخالف إذا راعى في الشروط والأركان فقط، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى في باب
الإمامة. قوله: (لحديث الخ) رواه مسلم وغيره. قال ط: ويستثنى من عمومه الفائتة واجبة الترتيب
فإنها تصلى مع الإقامة. قوله: (إلا سنة فجر) لما روى الطحاوي وغيره عن ابن مسعود أنه دخل
المسجد وأقيمت الصلاة فصلى ركعتي الفجر في المسجد إلى أسطوانة وذلك بمحضر حذيفة وأبي
موسى، ومثله عن عمر وأبي الدرداء وابن عباس وابن عمر كما أسنده الحافظ الطحاوي في شرح
الآثار، ومثله عن الحسن ومسروق والشعبي. شرح المنية. قوله: (ولو بإدراك شهدها) مشى في
407

هذا على ما اعتمده المصنف والشرنبلالي تبعا للبحر، لكن ضعفه في النهر، واختار ظاهر المذهب
من أنه لا يصلي السنة إلا إذا علم أنه يدرك ركعة، وسيأتي في باب إدراك الفريضة ح. قلت:
وسنذكر هناك تقوية ما اعتمده المصنف عن ابن الهمام وغيره. قوله: (تركها أصلا) أي لا يقضيها
قبل الطلوع ولا بعده، لأنها لا تقضى إلا مع الفرض إذا فات، وقضى قبل زوال يومها ح. قوله:
(وما ذكر من الحيل) وهي أن يشرع فيها فيقطعها قبل الطلوع، أو يشرع فيها ثم يشرع في الفرض
من غير قطعها ثم يقضيها قبل الطلوع.
ورده من وجهين: الأول: أن الامر بالشروع للقطع قبيح شرعا وفي كل منهما قطع. والثاني: أن
فيه فعل الواجب لغيره في وقت الفجر وأنه مكروه كما تقدم ح. قوله: (وكذا يكره غير المكتوبة)
فيه للعهد: أي المكتوبة الوقتية، فشملت الكراهة النفل والواجب والفائتة ولو كان بينها وبين الوقتية
ترتيب، وكذلك أل في الوقت للعهد: أي الوقت المعهود الكامل وهو المستحب، لما سيأتي في
باب قضاء الفوائت من أن الترتيب يسقط بضيق الوقت المستحب، ولو قال: وكذا يكره غير الوقتية
عند ضيق الوقت المستحب لكان أولى، أفاده ح.
تنبيه: رأيت بخط الشارح في هامش الخزائن ولو تنفل ظانا سعة الوقت ثم ظهر أنه إن أتم
شفعا يفوت الفرض لا يقطع كما لو تنفل ثم خرج الخطيب، كذا في آخر شرح المنية ا ه‍. فتأمل.
قوله: (مطلقا) أي سواء كان في المسجد أو في البيت بقرينة التفصيل في مقابله ح. قوله: (في
الأصح) رد على من يقول: لا يكره في البيت مطلقا سواء كان قبلها أو بعدها، وعلى من يقول لا
يكره بعدها مطلقا سواء كان في المسجد أو في البيت ح. قوله: (وبين صلاتي الجمع) أي جمع
العصر مع الظهر تقديما في عرفة، وجمع المغرب مع العشاء تأخيرا في مزدلفة. قوله: (وكذا بعدهما)
ضمير التثنية راجع إلى صلاتي الجمع الكائن بعرفة فقط لا بمزدلفة أيضا وإن أوهمه كلامه لعدم
كراهة النفل بعد صلاتي الجمع بمزدلفة، ويدل على أن هذا مراده قوله كما مر أي قريبا في
قوله ولو المجموعة بعرفة فلو قدم قوله وكذا بعدهما كما مر على قوله ومزدلفة لسلم من
الايهام، ولو أسقطه أصلا لسلم من التكرار ح. وذكر الرحمتي ما يفيد ثبوت الخلاف عندنا في كراهة
التنفل بعد صلاتي المغرب والعشاء في المزدلفة، لكن الذي جزم به في شرح اللباب أنه يصلي سنة
المغرب والعشاء والوتر بعدهما وقال: كما صرح به مولانا عبد الرحمن الجامي في منسكه. تأمل.
قوله: (تاقت نفسه إليه) إي اشتاقت ح عن القاموس. وافهم أنه إذا لم تشتق إليه لا كراهة، وهو
ظاهر ط. قوله: (ما يشغل باله) بفتح الغين المعجمة. والبال: القلب، وهذا من عطف العام على
الخاص لشموله للمدافعة وحضور الطعام، وإنما نص عليهما لوقوع التنصيص عليهما بخصوصهما
في الأحاديث، أفاده في الحلية، فافهم. قوله: (ويخل بخشوعها) عطف لازم على ملزوم فافهم.
قال ط: ومحل الخشوع القلب، وهو فرض عند أهل الله تعالى، وورد في الحديث أن الانسان ليس
له من صلاته إلا بقدر ما استحضر فيها، فتارة يكون له عشرها أو أقل أو أكثر.
408

مطلب في إعراب كائنا ما كان
قوله: (كائنا ما كان) في هذا التركيب أعاريب ذكرتها في رسالتي المسماة به الفوائد العجيبة
في إعراب الكلمات الغريبة أظهرها أن كائنا مصدر الناقصة (1) حال وفيه ضمير يعود على الشاغل
هو اسمها، وما خبرها، وهي نكرة موصوفة بكان التامة: أي حال كون الشاغل شيئا متصفا بصفة
الوجود، والمعنى: تعليق الكراهة على أي شاغل وجد لا بقيد زائد على قيد الوجود. قوله:
(فهذه نيف وثلاثون وقتا) بفتح النون وكسر التحتية مشددة وقد تخفف وفي آخره فاء: ما زاد على
العقد إلى أن يبلغ العقد الثاني كما في القاموس، والمراد هنا ثلاثة وثلاثون على ما يظهر، وهي:
الشروق، الاستواء، الغروب، بعد صلاة فجر أو عصر، قبل صلاة فجر أو مغرب، عند الخطب
العشرة، عند إقامة مكتوبة وضيق وقتها، قبل صلاة عيد فطر وبعدها في مسجد، وقبل صلاة عيد
أضحى، وبعدها في مسجد بين صلاتي جمع عرفة، وبعدهما بين جمع مزدلفة، عند مدافعة بول أو
غائط أو كل منهما أو ريح، عند طعام يتوقه، عند كل ما يشغل البال، وما بعد نصف الليل لأداء
العشاء لا غير، عند اشتباك نجوم لأداء المغرب فقط.
واعلم أنا قدمنا أن النهي في الثلاثة الأول لمعنى في الوقت، ولهذا أثر في الفرض والنفل
وفي البواقي لمعنى في غيره، ولهذا أثر في النوافل دون الفرائض وما في معناها، وبه صرح في
العناية وغيرها، لكن كون النهي في البواقي مؤثرا في النوافل إنما يظهر إذا لم يتعلق بخصوص صلاة
الوقت كما في الأخيرين، فإن المكر وفيهما الصلاة الوقتية فقط دون غيرها، فإن في تأخير العشاء
إلى ما بعد النصف تقليل الجماعة، وفي تأخير المغرب إلى الاشتباك تشبها باليهود كما صرحوا به
وذلك خاص بهما، وقدمنا أن الصحيح أنه لا كراهة في الوقت نفسه، وأن الأوجه كما حققه في
البحر تبعا للحلية كون الكراهة في كل من التأخير والأداء لا في التأخير فقط، فافهم. قوله: (وكذا
تكره الخ) لما ذكر الكراهة في الزمان استطرد ذكر الكراهة في المكان، وإلا فمحل ذلك مكروهات
الصلاة. قوله: (كفوق كعبة الخ) (2) أي لما فيه من ترك تعظيمها المأمور به، وقوله وفي طريق
لان فيه منع الناس من المرور وشغله بما ليس له لأنها حق العامة للمرور، ولما رواه ابن ماجة
والترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في سبعة مواطن: في
المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، ومعاطن الإبل، وفوق ظهر بيت
الله ا ه‍. ومعاطن الإبل: مباركها، جمع معطن: اسم مكان، والمزبلة بفتح الميم مع فتح الباء
وضمها: ملقى الزبل، والمجزرة بفتح الميم مع فتح الزاي وضمها أيضا: موضع الجزارة: أي فعل
الجزار: أي القصاب. إمداد. قوله: (ومقبرة) مثلث الباء ح. واختلف في علته، فقيل: لان فيها

(1) قوله: (ان كائنا مصدر الناقصة الخ) هكذا بخطه، ولا يخفى ما في هذه العبارة من النظر فتدبر ا ه‍. مصححه.
(2) أقول: قد عقد الحديث العلامة نجم الدين الطرسوسي في منظومته الفوائد فقال:
نهى الرسول محمد خير البشر * عن الصلاة في بقاء تعتبر
معاطن الجمال ثم مقبرة * مزبلة طريق ثم مجزره
وفوق بيت الله والحمام * والحمد لله على التمام ا ه‍. منه.
409

عظام الموتى وصديدهم وهو نجس وفيه نظر (1)، وقيل لان أصل عبادة الأصنام اتخاذ قبور الصالحين
مساجد، وقيل لأنه تشبه باليهود. وعليه مشى في الخانية. ولا بأس بالصلاة فيها إذا كان فيها
موضع أعد للصلاة وليس فيه قبر ولا نجاسة كما في الخانية ولا قبلته إلى قبر. حلية. قوله:
(ومغتسل) أي موضع الاغتسال في بيته. تأمل. قوله: (حمام) لمعنيين: أحدهما: أنه مصب
الغسالات. والثاني: أنه بيت الشياطين، فعلى الأول إذا غسل منه موضعا لا تكره، وعلى الثاني تكره،
وهو الأولى لاطلاق الحديث إلا لخوف فوت الوقت ونحوه. إمداد، لكن في الفيض أن المفتى به
عدم الكراهة. وأما الصلاة خارجة: أي موضع جلوس الحمامي، ففي الخانية لا بأس بها، وفي
الحلية أنه يتفرع على المعنى الثاني الكراهة خارجه أيضا، وفيها أيضا: لو هجر الحمام، قيل يحتمل
بقاء الكراهة استصحابا لما كان، ويحتمل زوالها لان الشيطان كان يألفه لما فيه من كشف العورات
ونحو ذلك، والأول أشبه، ولن لم يسق إليه الماء ولم يستعمل فالأشبه عدمها لأنه مشتق من الحميم:
وهو الماء الحار ولم يوجد فيه. وعليه لو اتخذ دارا للسكن كهيئة الحمام لم تكره الصلاة أيضا ا ه‍.
مطلب: تكره الصلاة في الكنيسة
تنبيه: يؤخذ من التعليل بأنه محل الشياطين كراهة الصلاة في معابد الكفار لأنها مأوى الشياطين
كما صرح به الشافعية، ويأخذ مما ذكروه عندنا، ففي البحر من كتاب الدعوى عند قول الكنز: ولا
يحلفون في بيت عباداتهم. في التاترخانية: يكره للمسلم الدخول في البيعة والكنيسة، وإنما يكره
من حيث إنه مجمع الشياطين لا من حيث إنه ليس له حق الدخول ا ه‍. قال في البحر، والظاهر أنها
تحريمية لأنها المرادة عند إطلاقهم، وقد أفتيت بتعزير مسلم لازم الكنيسة مع اليهود ا ه‍. فإذا حرم
الدخول فالصلاة أولى، وبه ظهر جهل من يدخلها لأجل الصلاة فيها. قوله: (وبطن واد) أي ما
انخفض من الأرض، فإن الغالب احتواؤه على نجاسة يحملها إليه السيل أو تلقى فيه ط. قوله:
(ومعاطن إبل وغنم) كذا في الاحكام للشيخ إسماعيل عن الخزانة السمرقندية، ثم نقل عن الملتقط
أنها لا تكره في مرابض الغنم إذا كان بعيدا من النجاسة. وفي الحلية قال (ص): صلوا في مرابض
الغنم لا تصلوا في أعطان الإبل رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وأخرج أبو داود سئل
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل؟ فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها
من الشياطين وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال: صلوا فيها فإنها خلقت من بركة
وأخرجه مسلم مختصرا. ومعاطن الا به: وطنها ثم غلب على مبركها حول الماء. والأولى الاطلاق
كما هو ظاهر الحديث. ومرابض الغنم: مواضع مبيتها ا ه‍. والظاهر أن معنى كون الإبل من
الشياطين أنها خلفت على صفة تشبههم من النفور والإيذاء، فلا يأمن المصلي من أن تنفر وتقطع
عليه صلاته كما قاله بعض الشافعية: أي فيبقى باله مشغولا حال سجوده، وبهذا فارقت الغنم.
ويظهر من التعليل أنه لا كراهة في معاطن الإبل الطاهرة حال غيبتها.
تنبيه: استشكل بعضهم التعليل بأنها خلقت من الشياطين بما ثبت أن المصطفى (ص) كان
يصلي النافلة على بعيره. وفرق بعضهم بين الواحد وكونها مجتمعة بما طبعت عليه من النفار المفضي
إلى تشويش القلب بخلاف الصلاة على المركوب منها ا ه‍ شبراملسي على شرح المنهاج للرملي.

(1) قوله: (وفيه نظر) لعل وجهه ان الاستحالة عندها مطهرة ا ه‍, منه.
410

قوله: (وبقر) لم أر من ذكره عندنا، نعم ذكر بعض الشافعية أن نحو البقر كالغنم، وخالفه بعضهم.
قوله: (ومرابط دواب الخ) ذكر هذه السبعة في الحاوي القدسي. قوله: (وإصطبل) موضع الخيل،
وعطفه على ما قبله من عطف الخاص على العام ط. قوله: (وطاحون) لعل وجهه شغل البال
بصوتها، تأمل. قوله: (وسطوحها) يحتمل عود الضمير على الأربعة المذكورة أو على الكنيف
وحده، وأنثه باعتبار البقعة المعدة لقضاء الحاجة، ولعل وجهه أن السطوح له حكم ما تحته من بعض
الجهات كسطوح المسجد. قوله: (ومسيل واد) يغني عنه قوله وبطن واد لان المسيل يكون في
بطن الوادي غالبا ط.
مطلب في الصلاة في الأرض المغصوبة ودخول البساتين وبناء المسجد في أرض الغصب
قوله: (وأرض مغصوبة أو للغير) لا حاجة إلى قوله أو للغير إذ الغصب يستلزمه، اللهم إلا
أن يراد الصلاة بغير الاذن وإن كان غير غاصب أفاده أبو السعود ط. وعبارة الحاوي القدسي:
والأرض المغصوبة، فإن اضطر بين أرض مسلم وكافر يصلي في أرض المسلم إذا لم تكن
مزروعة، فلو مزروعة أو لكافر يصلي في الطريق ا ه‍: أي لان له في الطريق حقا كما في مختارات
النوازل، وفيها: تكره في أرض الغير لو مزروعة أو مكروبة، إلا إذا كانت بينهما صداقة أو رأى
صاحبها لا يكرهه فلا بأس ا ه‍.
تنبيه: نقل سيدي عبد الغني عن الاحكام لوالده الشيخ إسماعيل أن النزول في أرض الغير، إن
كان لها حائط أو حائل يمنع منه وإلا فلا، والمعتبر فيه العرف ا ه‍. قال: يعني عرف الناس بالرضا
وعدمه، فلا يجوز الدخول في أيام الربيع إلى بساتين الوادي بدمشق إلا بإذن أصحابها، فما يفعله العامة
من هدم الجدران وخرج السياج فهو أمر منكر حرام. ثم قال: وفي شرح المنية للحلبي: بنى مسجدا
في أرض غصب لا بأس بالصلاة فيه. وفي الواقعات، بنى مسجدا على سور المدينة لا ينبغي أن
يصلي فيه لأنه حق العامة فلم يخلص لله تعالى كالمبني في أرض مغصوبة ا ه‍. ثم قال: ومدرسة
السليمانية في دمشق مبنية في أرض المرجة التي وقفها السلطان نور الدين الشهيد على أبناء السبيل
بشهادة عامة أهل دمشق والوقف يثبت بالشهرة، فتلك المدرسة خولف في بنائها شرط وقف الأرض
الذي هو كنص الشارع، فالصلاة فيها مكروهة تحريما في قول، وغير صحيحة له في قول آخر كما نقله
في جامع الفتاوى، وكذا ماؤها مأخوذ من نهر مملوك، ومن هذا القبيل حجرة اليمانيين في الجامع
الأموي، ولا حول ولا قوة إلا بالله ا ه‍. قوله: (فلا سترة لمار) أي ساتر يستر المار عن المصلي،
وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى في باب ما يفسد الصلاة وما يكره ح. قوله: (ويكره النوم إلخ)
قدمنا الكلام عليه. قوله: (إلى ارتفاعها) أي قدر رمح أو رمحين. قوله: (وما رواه) أي من الأحاديث
الدالة على التأخير كحديث أن أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل السير يؤخر الظهر إلى وقت
العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء وعن ابن مسعود مثله.
411

ومن الأحاديث الدالة على التقديم وليس فيها صريح سوى حديث أبي الطفيل عن معاذ أنه
عليه الصلاة والسلام كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر إلى العصر فيصليهما
جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر
المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب. قوله:
(محمول إلخ) أي ما رواه مما يدل على التأخير محمول على الجمع فعلا لا وقتا: أي فعل الأولى في
آخر وقتها والثانية في أول وقتها ويحمل تصريح الراوي بخروج وقت الأولى على التجوز، كقوله
تعالى - فإذا بلغن أجلهن - أي قاربن بلوغ الاجل أو على أنه ظن، ويدل على
هذا التأويل ما صح عن ابن عمر أنه نزل في آخر الشفق فصلى المغرب ثم أقام العشاء وقد توارى
الشفق، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به السير صنع هكذا وفي
رواية ثم انتظر حتى غاب الشفق وصلى العشاء كيف وقد قال ليس في النوم تفريط، إنما
التفريط في اليقظة، بأن تؤخر صلاة إلى وقت الأخرى رواه مسلم، وهذا قاله وهو في السفر.
وروى مسلم أيضا عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب
والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر، لئلا يحرج أمته وفي رواية ولا سفر والشافعي لا يرى
الجمع بلا عذر، فما كان جوابه عن هذا الحديث فهو جوابنا، وأما حديث أبي الطفيل الدال على
التقديم فقال الترمذي فيه: إنه غريب، وقال الحاكم: إنه موضوع، وقال أبو داود: ليس في تقديم
الوقت حديث قائم، وقد أنكرت عائشة على من يقول بالجمع في وقت واحد. وفي الصحيحين عن
ابن مسعود والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا لوقتها، إلا
صلاتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بجمع (1) ويكفي في ذلك النصوص
الواردة بتعيين الأوقات من الآيات والاخبار، وتمام ذلك في المطولات كالزيلعي وشرح المنية.
وقال سلطان العرافين سيدي محيي الدين نفعنا الله به: والذي أذهب إليه أنه لا يجوز الجمع في غير
عرفة ومزدلفة، لان أوقات الصلاة قد تثبت بلا خلاف، ولا يجوز إخراج صلاة عن وقتها إلا بنص
محتمل، إذ لا ينبغي أن يخرج عن أمر ثابت بأمر محتمل هذا لا يقول به من شم رائحة العلم، وكل
حديث ورد في ذلك فمحتمل أنه يتكلم فيه مع احتمال أنه صحيح، لكنه ليس بنص اه‍. كذا نقله
عنه سيدي عبد الوهاب الشعراني في كتابه (الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر). قوله: (فإن
جمع إلخ) تفصيل أجمله أولا بقوله: ولا جمع الصادق بالفساد أو الحرمة فقط ط. قوله: (إلا لحاج)
استثناء من قوله ولا جمع ط. قوله: (بعرفة) بشرط الاحرام والسلطان أو نائبه والجماعة في
الصلاتين، ولا يشترط كل ذلك في جمع المزدلفة ط. قلت: إلا الاحرام على أحد القولين فيه.
قوله: (عند الضرورة) ظاهره أنه عند عدمها لا يجوز، وهو أحد قولين. والمختار جوازه مطلقا ولو
بعد الوقوع كما قدمناه في الخطبة ط. وأيضا عند الضرورة لا حاجة إلى التقليد كما قال بعضهم
مستندا لما في المضمرات: المسافر إذا خاف اللصوص أو قطاع الطريق ولا ينتظر الرفقة جاز له

(1) قوله: (بجمع) اسم للمزدلفة ا ه‍. منه.
412

تأخير الصلاة لأنه يعذر، ولو صلى بهذا العذر بالايماء وهو يسير جاز ا ه‍. لكن الظاهر أنه أراد
بالضرورة ما فيه نوع مشقة. تأمل. قوله: (لكن بشرط إلخ) فقد شرط الشافعي لجمع التقديم ثلاثة
شروط: تقديم الأولى، ونية الجمع قبل الفراغ منها، وعدم الفصل بينهما بما يعد فاصلا عرفا ولم
يشترط في جمع التأخير سوى نية الجمع قبل خروج الأولى. نهر. ويشترط أيضا أن يقرأ الفاتحة في
الصلاة ولو مقتديا، وأن يعيد الوضوء من مس فرجه أو أجنبية ذلك من الشروط والأركان المتعلقة
بذلك الفعل، والله تعالى أعلم.
باب الاذان
لما كان الوقت سببا كما مر قدمه، وذكر الاذان بعده لأنه إعلام بدخوله. قوله: (هو لغة
الاعلام) قال في القاموس: آذنه الامر وبه: أعلمه، وأذن تأذينا: أكثر الاعلام ا ه‍. فالاذان اسم
مصدر، لان الماضي هنا أذن المضاعف ومصدره التأذين ح. قوله: (وشرعا إعلام مخصوص) أي
إعلام بالصلاة. قال في الدرر: ويطلق على الألفاظ المخصوصة ا ه‍: أي التي يحصل بها الاعلام، من
إطلاق اسم المسبب على السبب. إسماعيل، وإنما لم يعرفه بالألفاظ المخصوصة، لان المراد الاذان
للصلاة، ولو عرف بها لدخل الاذان للمولود ونحوه على ما يأتي. قوله: (ليعم الفائتة الخ) أي ليعم
الاذان أذان الفائتة والاذان بين يدي الخطيب، وليعلم أيضا الاذان في آخر ظهر الصيف، أفاده ح: أي
لان العلم بالوقت فيها سابق عليه. ولقائل أن يقول: لو صرح كغيره بالوقت لم يرد ما ذكر، لان
الأصل في مشروعية الاذان الاعلام بدخول الوقت كما يعلم مما يأتي، فيكون التعريف بناء على ما هو
الأصل فيه، وإلا لزم أنه لو أذن لنفسه أو بين جماعة مخصوصين أرادوا الصلاة عالمين بدخول الوقت لا
يسمى أذانا شرعا لعدم الاعلام أصلا مع أنه مشروع، فتدبر. قوله: (على وجه مخصوص) أي من
الترسل والاستدارة والالتفاف وعدم الترجيع واللحن ونحو ذلك من أحكامه الآتية. قوله: (بألفاظ
كذلك) أشار إلى أنه لا يصح بالفارسية وإن علم أنه أذان وهو الأظهر. والأصح كما في السراج.
قوله: (أذان جبريل الخ) في حاشية الشبراملسي على شرح المنهاج للرملي عن شرح البخاري لابن
حجر أنه وردت أحاديث تدل على أن الاذان شرع بمكة قبل الهجرة: منها للطبراني أنه لما أسري
بالنبي (ص) أوحي إليه الاذان فنزل به فعلمه بلالا وللدارقطني في الافراد من حديث أنس أن
جبريل أمر النبي (ص) بالاذان حين فرضت الصلاة وللبزار وغيره من حديث علي قال: لما أراد الله
أن يعلم رسوله الاذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها فقال: الله أكبر الله أكبر وفي آخره: ثم
أخذ الملك بيده فأم أهل السماء. والحق أنه لا يصح شئ من هذه الأحاديث ا ه‍.
وذكر في فتح القدير حديث البزار ثم قال: وهو غريب ومعارض للخبر الصحيح أن بدء الاذان
كان بالمدينة على ما في مسلم كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون ويتحينون الصلاة وليس
ينادي لها أحد، فتكلموا في ذلك فقال بعضهم: ننصب راية الحديث - قوله: (ثم رؤيا عبد الله بن زيد
413

الخ) ذكر القصة بتمامها ح عن السراج وساقها في الفتح بأسانيدها. وفي هذه القصة أن عمر رضي الله
عنه رأى تلك الليلة مثل ما رأى عبد الله بن زيد.
واستشكل إثباته بالرؤيا بأن رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعي. وأجيب باحتمال
مقارنة الوحي لذلك. قام في حاشية المنهاج عن الحافظ ابن حجر: ويؤيده ما رواه عبد الرزاق وأبو
داود في المراسيل أن عمر لما رأى الاذان جاء ليخبر النبي (ص) فوجد الوحي قد ورد بذلك، فما
راعه إلا أذان بلال، فقال له النبي (ص): سبقك بذلك الوحي ثم قال: وعلى تقدير صحة حديث:
إن جبريل حين أراد أن يعلمه الاذان أتاه بالبراق الخ، فيمكن أنه علمه ليأتي له في ذلك الموطن،
ولا يلزم مشروعيته لأهل الأرض ا ه‍. وأجاب ح بأنه ظن أنه من خصوصيات تلك الصلاة، وهو
قريب من الأول. قوله: (وسببه بقاء) تمييز محول عن المضاف إليه: أي سبب بقائه واستمراره ط:
أي الذي يتجدد طلب الاذان عند تجدده. قوله: (للرجال) أما النساء فيكره لهن الاذان وكذا الإقامة،
لما روي عن أنس وابن عمر من كراهتهما لهن، ولان مبنى حالهن على الستر ورفع صوتهن حرام.
إمداد. ثم الظاهر أنه يسن للصبي إذا أراد الصلاة كما يسن للبالغ، وإن كان في كراهة أذانه لغيره
كلام كما سيأتي: فافهم. قوله: (في مكان عال) في القنية: ويسن الاذان في موضع عال والإقامة
على الأرض، وفي أذان المغرب اختلاف المشايخ، والظاهر أنه يسن المكان العالي في المغرب
أيضا كما سيأتي. وفي السراج: وينبغي للمؤذن أن يؤذن في موضع يكون أسمع للجيران، ويرفع
صوته، ولا يجهد نفسه، لأنه يتضرر ا ه‍ بحر.
قلت: والظاهر أهذا في مؤذن الحي، أما من أذن لنفسه أو لجماعة حاضرين: فالظاهر أنه
لا يسن له المكان العالي لعدم الحاجة. تأمل. قوله: (هي كالواجب) بل أطلق بعضهم اسم الواجب
عليه، لقول محمد: لو اجتمع أهل بلدة على تركه قاتلتهم عليه، ولو تركه واحد ضربته وحبسته.
وعامة المشايخ على الأول والقتال عليه، لما أنه من أعلام الدين في تركه استخفاف ظاهر به. قال
في المعراج وغيره: والقولان متقاربان، لان المؤكدة في حكم الواجب في لحوق الاثم بالترك:
يعني وإن كان مقولا بالتشكيك. نهر. واستدل في الفتح على الوجوب بأن عدم الترك مرة دليل
الوجوب. قال: ولا يظهر كونه على الكفاية وإلا لم يأثم أهل بلدة بالاجتماع على تركه إذا قام به
غيرهم: أي من أهل بلدة أخرى. واستظهر في البحر كونه سنة على الكفاية بالنسبة إلى كل أهل
بلدة، بمعنى أنه إذا فعل في بلدة سقطت المقاتلة عن أهلها. قال: ولو لم يكن على الكفاية بهذا
المعنى لكان سنة في حق كل أحد وليس كذلك، إذ أذان الحي يكفينا كما سيأتي ا ه‍. قال في
النهر: ولم أر حكم البلدة الواحدة إذا اتسعت أطرافها كمصر. والظاهر أن أهل كل محلة سمعوا
الاذان ولو من محلة أخرى يسقط عنهم، لا إن لم يسمعوا ا ه‍. قوله: (للفرائض الخمس الخ) دخلت
الجمعة. بحر. وشمل حالة السفر والحضر والانفراد والجماعة. قال في مواهب الرحمن ونور
الايضاح: ولو منفردا أداء أو قضاء سفرا أو حضرا ا ه‍. لكن لا يكره تركه لمصلي في بيته في
المصر، لان أذان الحي يكفيه كما سيأتي. وفي الامداد أنه يأتي به ندبا. وسيأتي تمامه فافهم،
ويستثنى ظهر يوم الجمعة في المصر لمعذور وما يقضى من الفوائت في مسجد كما سيذكره. قوله:
414

(ولو قضاء) قال في الدرر: لأنه وقت القضاء وإن فات وقت الأداء لقوله (ص): فليصلها إذا ذكرها
فإن ذلك وقتها أي وقت قضائها اه‍. وهذا إذا لم يقضها في المسجد على ما سيأتي. قوله: (لأنه
الخ) تعليل لشمول القضاء، ويظهر منه أن المراد من وقتها وقت فعلها، وبه صرح القهستاني، لكن
في التاترخانية: ينبغي أن يؤذن في أول الوقت ويقيم في وسطه حتى يفر المتوضئ من وضوئه
والمصلي من صلاته والمعتصر من قضاء حاجته ا ه‍. والظاهر أنه أراد أول الوقت المستحب لما
يأتي قريبا. قوله: (حتى يبرد به) بالبناء للمجهول، وأشمل منه قوله المار في الأوقات، وحكم
الاذان كالصلاة تعجيلا وتأخيرا. قال نوح أفندي وفي المجتبى عن المجرد قال أبو حنيفة: ويؤذن
للفجر بعد طلوعه، وفي الظهر في الشتاء حين تزول الشمس، وفي الصيف يبرد، وفي العصر يؤخر
ما لم يخف تغير الشمس، وفي العشاء يؤخر قليلا بعد ذهاب البياض ا ه‍. قال القهستاني بعده: ولعل
المراد بيان الاستحباب، وإلا فوقت الجواز جميع الوقت ا ه‍.
وحاصله أنه لا يلزم الموالاة بين الاذان والصلاة بل هي الأفضل، فلو أذن أوله وصلى آخره
أتى بالسنة. تأمل.
مطلب: في المواضع التي يندب لها الاذان في غير الصلاة (1)
قوله: (لا يسن لغيرها) أي في الصلوات وإلا فيندب للمولود. وفي حاشية البحر للخير
الرملي: رأيت في كتب الشافعية أنه قد يسن الاذان لغير الصلاة، كما في أذن المولود، والمهموم،
والمصروع، والغضبان، ومن ساء خلقه من إنسان أو بهيمة، وعند مزدحم الجيش، وعند الحريق،
قيل وعند إنزال الميت القبر قياسا على أول خروجه للدنيا، لكن رده ابن حجر في شرح العباب،
وعند تغول الغيلان، أي عند تمرد الجن لخبر صحيح فيه. أقول، ولا بعد فيه عندنا ا ه‍: أي لان ما
صح فيه الخبر بلا معارض فهو مذهب للمجتهد وإن لم ينص عليه، لما قدمناه في الخطبة عن
الحافظ ابن عبد البر، والعارف الشعراني عن كل من الأئمة الأربعة أنه قال: إذا صح الحديث فهو
مذهبي، على أنه في فضائل الأعمال يجوز العمل بالحديث الضعيف كما مر أول كتاب الطهارة، هذا،
وزاد ابن حجر في التحفة الأذان والإقامة خلف المسافر. قال المدني: أقول: وزاد في شرعة
الاسلام لمن ضل الطريق في أرض قفر: أي خالية من الناس. وقال الملة علي في شرح المشكاة:
قالوا: يسن للمهموم أن يأمر غيره أن يؤذن في أذنه فإنه يزيل الهم، كذا عن علي رضي الله عنه،
ونقل الأحاديث الواردة في ذلك فراجعه ا ه‍. قوله: (كعيد) أي ووتر وجنازة وكسوف واستسقاء
وتراويح وسنن رواتب لأنها اتباع للفرائض، والوتر وإن كان واجبا عنده لكنه يؤدى في وقت العشاء،
فاكتفى بأذانه لا لكون الاذان لهما على الصحيح كما ذكره الزيلعي ا ه‍ بحر فافهم. لكن في التعليل

(1) ولبعضهم:
من الاذان لست قد نظمتهم * في نظم شعر فمن يحفظهم انتفعا
فرض الصلاة وفي اذن الصغير وفي * وقت الحريق وللحرب الذي وقعا
خلف المسافر والغيلان ان ظهرت * فاحفظ لسنة من الدين قد شرعا
قلت: ويزاد أربعة نظمتها بقولي:
وزيد أربعة ذو هم أو غضب * مسافر ضل في قفر ومن صرعا
415

قصور لاقتضائه سنية الاذان لما ليس تبعا الفرائض كالعيد ونحوه، فالمناسب التعليل بعدم وروده في
السنة. تأمل. قوله: (وقع بعضه) وكذا كله بالأولى، ولو لم يذكر البعض لتوهم خروجه فقصد بذكره
التعميم لا التخصيص. قوله: (كالإقامة) أي، في أنها تعاد إذا وقعت قبل الوقت، أما بعده فلا تعاد ما
لم يبطل الفصل أو يوجد قاطع كأكل على ما سيذكره في الفروع. قوله: (خلافا للثاني هذا راجع
إلى الاذان فقط، فإن أبا يوسف يجوز الاذان قبل الفجر بعد نصف الليل ح. قوله: (وعن الثاني ثنتين)
أي روي عن أبي يوسف أنه يكبر في ابتدائه تكبيرتين كبقية كلماته، فيكون الاذان عنده ثلاث عشرة
كلمة، وهي رواية عن محمد والحسن. قهستاني عن الزاهدي، ونقل عن مالك أيضا. قوله: (وبفتح
راء أكبر، إلى قوله: ولا ترجيع) نقل أنه ملحق بخط الشارح على هامش نسخة الأولى، وفي مجموعة
الحفيد الهروي ما نصه: فائدة: في روضة العلماء قال ابن الأنباري: عوام الناس يضمون الراء في
أكبر، وكان المبرد يقول: الاذان سمع موقوفا في مقاطعيه، والأصل في أكبر تسكين الراء فحولت
حركة ألف اسم الله إلى الراء كما في ألم الله وفي المغني: حركة الراء فتحة وإن
وصل بنية الوقف، ثم قيل هي حركة الساكنين ولم يكسر حفظا لتفخيم الله، وقيل نقلت حركة الهمزة
وكل هذا خروج عن الظاهر، والصواب أن حركة الراء ضمة إعراب، وليس لهمزة الوصل ثبوت في
الدرج فتنقل حركتها، وبالجملة الفرق بين الاذان وبين ألم الله ظاهر فإنه ليس ألم الله
حركة إعراب أصلا، وقد كانت لكلمات الاذان إعرابا إلا أنه سمعت موقوفة ا ه‍.
مطلب: في الكلام على حديث الاذان جزم
وفي الامداد: ويجزم الراء: أي يسكنها في التكبير، قال الزيلعي: يعني على الوقف، لكن في
الاذان حقيقة، وفي الإقامة ينوي الوقف ا ه‍: أي للحدر. وروي ذلك عن النخعي موقوفا عليه،
ومرفوعا إلى النبي (ص) قال: الاذان جزم، والإقالة جزم، والتكبير جزم ا ه‍.
قلت: والحاصل أن التكبيرة الثانية في الاذان ساكنة الراء للوقف حقيقة، ورفعها خطأ، وأما
التكبيرة الأولى من كل تكبيرتين منه وجميع تكبيرات الإقامة، فقيل محركة الراء بالفتحة على نية
الوقف، وقيل بالضمة إعرابا، وقيل ساكنة بلا حركة على ما هو ظاهر كلام الامداد والزيلعي والبدائع
وجماعة من الشافعية والذي يظهر الاعراب لما ذكره الشارح عن الطلبة، ولما قدمناه، ولما في
الأحاديث المشتهرة للجراحي أنه سئل السيوطي عن هذا الحديث، فقال: هو غير ثابت كما قال
الحافظ ابن حجر، وإنما هو من قول إبراهيم النخعي، ومعناه كما قال جماعة منهم الرافعي وابن
الأثير إنه لا يمد.
وأغرب المحب الطبري فقال: معناه لا يمد ولا يعرب آخره، وهذا الثاني مردود بوجوه:
أحدها: مخالفته لتفسير الراوي عن النخعي، والرجوع إلى تفسيره أولى كما تقرر في الأصول.
ثانيها: مخالفته لما فسره به أهل الحديث والفقه.
ثالثها: إطلاق الجزم على حذف الحركة الاعرابية، ولم يكن معهودا في الصدر الأول، وإنما
هو اصطلاح حادث فلا يصح الحمل عليه ا ه‍. وتمام الكلام عليه هناك فراجعه، على أن الجزم في
416

الاصطلاح الحادث عند النحويين حذف حركة الاعراب للجازم فقط لا مطلقا، ثم رأيت لسيدي عبد
الغني رسالة في هذه المسألة سماها (تصديق من أخبر بفتح راء الله أكبر) أكثر فيها النقل.
وحاصلها أن السنة أن يسكن الراء من الله أكبر الأول أو يصلها بالله أكبر الثانية، فإن سكنها
كفى وإن وصلها نوى السكون فحرك الراء بالفتحة، فإن ضمها خالف السنة، لان طلب الوقف على
أكبر الأول صيره كالساكن أصالة فحرك بالفتح. قوله: (ولا ترجيع) الترجيع: أن يخفض صوته
بالشهادتين ثم يرجع فيرفعه بهما لاتفاق الروايات على أن بلالا لم يكن يرجع، وما قيل إنه: رجع لم
يصح، ولأنه ليس في أذان الملك النازل بجميع طرقه، ولما في أبي داود عن ابن عمر قال: إنما
كان الاذان على عهد رسول الله (ص) مرتين، والإقامة مرة مرة الحديث. ورواه ابن خزيمة وابن
حبان. قال ابن الجوزي: وإسناده صحيح. وما روي من الترجيع في أذان أبي محذورة يعارضه ما
رواه الطبراني عنه أنه قال ألقى علي رسول الله (ص) الاذان حرفا حرفا: الله أكبر الله أكبر الخ
ولم يذكر ترجيعا وبقي ما قدمناه بلا معارض، وتمامه في الفتح وغيره. قوله: (فإنه مكروه ملتقى)
ومثله في القهستاني، خلافا لما في البحر من أن ظاهر كلامهم أنه مباح لا سنة ولا مكروه. قال في
النهر: ويظهر أنه خلاف الأولى وأما الترجيع بمعنى التغني فلا يحل فيه ا ه‍. وحينئذ فالكراهة
المذكورة تنزيهية. قوله (أي تغني) لا يجوز أن يكون مبنيا على الفتح، لان ما بعد أي التفسيرية
عطف بيان، وعطف البيان لا يجوز بناؤه على الفتح تركيبا مع اسم لا بل يجوز فيه الرفع اتباعا
لمحل لا مع اسمها والنصب اتباعا لمحل اسمها، لكن يمنع هنا من النصب مانع وهو عدم رسمه
بالألف، فتعين الرفع مع ما فيه من إثبات الياء الذي هو مرجوح، فإن المنقوص المجرد عن أل
يترجح حذف يائه في الرسم كالوقف إذا كان مرفوعا أو مجرورا، وفي المحلى بها بالعكس ا ه‍ ح.
قلت: ويمنع أيضا من بنائه على الفتح وجود الفاصل، وهو أي، وقد عللوا امتناع الفتح في
عطف النسق في نحو: لا رجل وامرأة بوجود الفاصل وهو الواو، فافهم. قوله: (بغير كلماته) أي
بزيادة حركة أو حرف أو مد أو غيرها في الأوائل والأواخر. قهستاني. قوله: (وبلا تغيير حسن) أي
والتغني بلا تغيير حسن، فإن تحسين الصوت مطلوب، ولا تلازم بينهما، بحر وفتح. قوله: (وقيل) أي
قال الحلواني: لا بأس بإدخال المد في الحيعلتين لأنهما غير ذكر، وتعبيره بلا بأس يدل على أن الأولى
عدمه. قوله: (ويترسل) أي يتمهل. قوله: (بسكتة) أي تسع الإجابة، مدني عن منلا علي القاري،
وهذه السكتة بعد كل تكبيرتين لا بينهما كما أفاده في الامداد أخذا من الحديث، وبه صرح في
التاترخانية، قوله: (وتندب إعادته) أي لو ترك الترسل. قوله: (ويلتفت) أي يحول وجهه لا صدره.
قهستاني. ولا قدميه نهر. قوله: (وكذا فيها مطلقا) أي في الإقامة سواء كان المحل متسعا أو لا. قوله:
(لئلا يستدبر) تعليل لقوله: فقط أي انته عن القول بالالتفات خلفا لئلا يستدبر المؤذن أو المقيم القبلة
ح. قوله: (بصلاة وفلاح) لف ونشر مرتب: يعني يلتفت فيهما يمينا بالصلاة ويسارا بالفلاح، وهو
417

الأصح كما في القهستاني عن المنية، وهو الصحيح كما في البحر والتبيين. وقال مشايخ مرو: يمنة
ويسرة في كل، كذا في القهستاني ح. قال في الفتح: والثاني أوجه. ورده الرملي بأنه خلاف الصحيح
المنقول عن السلف. قوله: (ولو وحده الخ) أشار به إلى رد قول الحلواني: إنه لا يلتفت، لعدم
الحاجة إليه ح. وفي البحر عن السراج أنه من سنن الاذان، فلا يخل المنفرد بشئ منها، حتى قالوا في
الذي يؤذن للمولود ينبغي أن يحول. قوله: (مطلقا) للمنفرد وغيره المولود وغيره ط. قوله: (ويستدير
في المنارة) يعني إن لم يتم الاعلام بتحويل وجهه مع ثبات قدميه، ولم تكن في زمنه (ص) مئذنة. بحر.
مطلب: في أول من بنى المنائر للاذان
قلت: وفي شرح الشيخ إسماعيل عن الأوائل للسيوطي: أن أول من رقي منارة مصر للاذان
شرحبيل بن عامر المرادي، وبنى سلمة المنابر للاذان بأمر معاوية ولم تكن قبل ذلك. وقال ابن سعد
بالسند إلى أم زيد بن ثابت: كان بيتي أطول بيت حول المسجد، فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن
إلى أن بنى رسول الله (ص) مسجده فكان يؤذن بعد على ظهر المسجد، وقد رفع له شئ فوق ظهر.
قوله: (ويخرج رأسه منها) أي من كوتها اليمنى آتيا بالصلاة، ثم يذهب ويخرج رأسه من الكوة اليسرى
آتيا بالفلاح. درر وغيرها. وهذا إذا كانت بكوات، أما منارات الروم ونحوها فالجانب كالكوة.
إسماعيل. قوله: (بعد فلاح الخ) فيه رد على من يقول: إن محله بعد الاذان بتمامه، وهو اختيار
الفضلي. بحر عن المستصفى. قوله: (الصلاة خير من النوم) إنما كان النوم مشاركا للصلاة في أصل
الخيرية، لأنه قد يكون عبادة، كما إذا كان وسيلة إلى تحصيل طاعة أو ترك معصية، أو لان النوم راحة
في الدنيا والصلاة راحة في الآخرة، فتكون أفضل. بحر. قوله: (لأنه وقت نوم) أي فخص بزيادة إعلام
دون العشاء، فإن النوم قبلها مكروه ونادر ط. قوله: (ويجعل أصبعيه الخ) لقوله (ص) لبلال رضي الله
عنه اجعل إصبعيك في أذنيك، فإنه أرفع لصوتك وإن جعل يديه على أذنيه فحسن، لان أبا
محذورة رضي الله عنه ضم أصابعه الأربعة ووضعها على أذنيه، وكذا إحدى يديه على ما روي عن
الامام. إمداد وقهستاني عن التحفة: قوله: (فأذانه) تفريع على قوله: ندبا قال في البحر: والامر:
أي في الحديث المذكور للندب بقرينة التعليل فلذا لو لم يفعل كان حسنا.
فإن قيل: ترك السنة كيف يكون حسنا؟ قلنا: إن الاذان معه أحسن، فإذا تركه بقي الاذان
حسنا، كذا في الكافي ا ه‍ فافهم. قوله: (فيما مر) قيد به لئلا يرد عليه أن ترك الإقامة يكره
للمسافر دون الاذان، وأن المرأة تقيم ولا تؤذن، وأن الاذان آكد في السنية منها كما يأتي، وأراد بما
مر أحكام الاذان العشرة المذكورة في المتن، وهي أنه سنة للفرائض، وأنه يعاد إن قدم على الوقت،
وأنه يبدأ بأربع تكبيرات، وعدم الترجيع، وعدم اللحن والترسل والالتفات والاستدارة، وزيادة:
الصلاة خير من النوم في أذان الفجر، وجعل أصبعيه في أذنيه، ثم استثنى من العشرة ثلاثة أحكام لا
تكون في الإقامة: فأبدل الترس بالحدر، والصلاة خير من النوم بقد قامت الصلاة،. وذكر أنه لا
يضع أصبعيه في أذنيه، فبقيت الاحكام السبعة مشتركة. ويرد عليه الاستدارة في المنارة فإنها لا
تكون في المنارة، فكان عليه أن يتعرض لذلك ا ه‍ ح.
418

والحاصل أن الإقامة تخالف الاذان في الأربعة مما مر، وتخالفه أيضا في مواضع ستأتي مفرقة
قوله: (لكن هي أفضل منه) نقله في البحر عن الخلاصة بلا ذكر خلاف. وذكر في الفتح أيضا أنه
صرح ظهير الدين في الحواشي نقلا عن المبسوط بأنها آكد من الاذان: أي لأنه يسقط في مواضع
دون الإقامة كما في حق المسافر وما بعد أولى الفوائت وثانية الصلاتين بعرفة، وقوله: وكذا
الإمامة، علله في الفتح بقوله: لمواظبته (ص) وكذا الخلفا الراشدون، وقول عمر: لولا الخليفي
لأذنت، لا يستلزم تفضيله عليها، بل مراده لأذنت مع الإمامة لا مع تركها، فيفيد أن الأفضل كون
الامام هو المؤذن، وهذا مذهبنا وعليه كان أبو حنيفة ا ه‍.
أقول: وهو أحد قولين مصححين عند الشافعية، والثاني أن الاذان أفضل، وبقي قول
بتساويهما، وقد حكى الثلاثة في السراج، ثم إن ما استدل به على أفضلية الإمامة على الاذان يدل
على أفضليتها أيضا على الإقامة، لان السنة أن يقيم المؤذن، فافهم.
تنبيه: مقتضى أفضلية الإقامة على الاذان كونها واجبة عند من يقول بوجوبه، ولم أر من صرح
به، إلا أن يقال: إن القول بوجوبه لما أنه من الشعائر بخلافها، على أن السنة قد تفضل الواجب كما
مر أول كتاب الطهارة فتأمل. ثم رأيت صاحب البدائع عد من واجبات الصلاة الأذان والإقامة.
قوله: (المقيم) أي الذي يقيم الصلاة. قوله: (لم يعدها في الأصح) بخلاف ما لو حدر في الاذان
حيث تندب إعادته كما مر، لان تكرار الاذان مشروع: أي كما في يوم الجمعة، بخلاف الإقامة.
وعليه فما في الخانية من أنه يعيد الإقامة مبني على خلاف الأصح، وتمامه في النهر. قوله:
(مرتين) راجع إلى: قد قامت، وإلى الفلاح ط. قوله: (وعند الثلاثة هي فرادى) أي الإقامة،
والأولى ذكره عند قوله: وهي كالاذان ح. ودليل الأئمة الثلاثة ما رواه البخاري أمر بلال أن
يشفع الاذان ويوتر الإقامة وهو محمول عندنا على إيتار صوتها بأن يحدر فيها توفيقا بينه وبين
النصوص الغير المحتملة. وقد قال الطحاوي: تواترت الآثار عن بلال أنه كان يثني الإقامة حتى
مات، وتمامه في البحر وغيره. قوله: (غير الراكب) عبارة الامداد: إلا أن يكون راكبا مسافرا
لضرورة السير، لان بلالا أذن وهو راكب ثم نزل وأقام على الأرض. ويكره الاذان راكبا في الحضر
في ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف: لا بأس به كما في البدائع ا ه‍. قوله: (بهما) أي بالأذان والإقامة، لكن مع الالتفات بصلاة وفلاح كما مر. قوله: (تنزيها) لقول المحيط: الأحسن أن
يستقبل. بحر ونهر. قوله: (أعاد ما قدم فقط) كما لو قدم الفلاح على الصلاة يعيده فقط: أي ولا
يستأنف الاذان من أوله. قوله: (ولو رد سلام) أو تشميت عاطس أو نحوهما لا في نفسه، ولا بعد
الفراغ على الصحيح. سراج وغيره. قال في النهر: ومنه التنحنح إلا لتحسين صوته. قوله: (استأنفه)
إلا إذا كان الكلام يسيرا. خانية. قوله: (ويثوب) التثويب: العود إلى الاعلام بعد الاعلام. درر.
وقيد بتثويب المؤذن لما في القنية عن الملتقط: لا ينبغي لاحد أن يقول لمن فوقه في العلم والجاه
حان وقت الصلاة سوى المؤذن، لأنه استفضال لنفسه ا ه‍ بحر. قلت: وهذا خاص بالتثويب للأمير
419

ونحوه على قول أبي يوسف، فافهم. قوله: (بين الأذان والإقامة) فسره في رواية الحسن بأن يمكث
بعد الاذان قدر عشرين آية ثم يثوب ثم يمكث كذلك ثم يقيم. بحر. قوله: (في الكل) أي كل
الصلوات لظهور التواني في الأمور الدينية. قال في العناية: أحدث المتأخرون التثويب بين الأذان والإقامة على حسب ما تعارفوه في جميع الصلوات سوى المغرب مع إبقاء الأول: يعني الأصل وهو
تثويب الفجر، وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ا ه‍. قوله: (للكل) أي كل أحد، وخصه
أبو يوسف بمن يشتغل بمصالح العامة كالقاضي والمفتي والمدرس، واختاره قاضيخان وغيره. نهر.
قوله: (بما تعارفوه) كتنحنح، أو قامت قامت، أو الصلاة الصلاة، ولو أحدثوا إعلاما مخالفا لذلك
جاز. نهر عن المجتبى. قوله: (ويجلس بينهما) لو قدمه على التثويب لكان أولى، لئلا يوهم أن
الجلوس بعده. نهر. قوله: (إلا في المغرب) قال في الدرر: هذا استثناء من يثوب ويجلس، لان
التثويب لاعلام الجماعة وهم في المغرب حاضرون لضيق الوقت ا ه‍. واعترضه في النهر بأنه مناف
لقول الكل في الكل. قال الشيخ إسماعيل: وليس كذلك، لما مر عن العناية من استثناء المغرب
في التثويب، وبه جزم في غرر الأذكار والنهاية والبرجندي وابن ملك وغيرها ا ه‍.
قلت: قد يقال: ما في الدرر مبني على رواية الحسن من أنه يمكث قدر عشرين آية ثم يثوب
كما قدمناه، أما لو ثوب في المغرب بلا فاصل فالظاهر أنه لا مانع منه، وعليه يحمل ما في النهر،
فتدبر. قوله: (فيسكت قائما) هذا عنده، وعندهما يفصل بجلسة كجلسة الخطيب، والخلاف في
الأفضلية، فلو جلس لا يكره عنده، ويستحب التحول للإقامة إلى غير موضع الاذان، وهو متفق
عليه، وتمامه في البحر. قوله: (سنة 187) كذا في النهر عن حسن المحاضرة للسيوطي. ثم نقل
عن القول البديع للسخاوي أنه في سنة 197، وأن ابتداؤه كان في أيام السلطان الناصر صلاح الدين
بأمره. قوله: (ثم فيها مرتين) أي في المغرب كما صرح به الخزائن، لكن لم ينقله في النهر،
ولم أره في غيره، وكأن ذلك كان موجودا في زمن الشارح، أو المراد به ما يفعل عقب أذان
المغرب ثم بعده بين العشاءين ليلة الجمعة والاثنين، وهو المسمى في دمشق تذكيرا كالذي يفعل
قبل أذان الظهر يوم الجمعة، ولم أر من ذكره أيضا. قوله: (وهو بدعة حسنة) قال في النهر عن
القول البديع: والصواب من الأقوال أنها بدعة حسنة. وحكى بعض المالكية الخلاف أيضا في تسبيح
المؤذنين في الثلث الأخير من الليل وأن بعضهم منع من ذلك، وفيه نظر ا ه‍ ملخصا.
مطلب في أذان الجوق
فائدة أخرى: ذكر السيوطي أن أول من أحدث أذان اثنين معا بنو أمية ا ه‍. قال الرملي في
حاشية البحر: ولم أر نصا صريحا في جماعة الاذان المسمى في ديارنا بأذان الجوق هل هو بدعة
حسنة أو سيئة؟ وذكره الشافعية بين يدي الخطيب. واختلفوا في استحبابه وكراهيته. وأما الاذان
الأول فقد صرح في النهاية بأنه المتوارث حيث قال في شرح قوله: وإذا أذن المؤذنون الاذان الأول
420

ترك الناس البيع، ذكر المؤذنين بلفظ الجمع إخراجا للكلام مخرج العادة، لان المتوارث فيه
اجتماعهم لتبلغ أصواتهم إلى أطراف المصر الجامع ا ه‍. ففيه دليل على أنه غير مكروه، لان
المتوارث لا يكون مكروها، وكذلك نقول في الاذان بين يدي الخطيب فيكون بدعة حسنة إذ ما رآه
المؤمنون حسنا فهو حسن ا ه‍ ملخصا.
أقول: وقد ذكر سيدي عبد الغني المسألة كذلك أخذا من كلام النهاية المذكور، ثم قال: ولا
خصوصية للجمعة إذ الفروض الخمسة تحتاج للاعلام. قوله: (لو بجماعة الخ) أي في غير المسجد
بقرينة ما يذكره قريبا من أنه لا يؤذن فيه للفائتة، ثم هذا قيد لقوله رافعا صوته وقد ذكره في البحر
بحثا وقال: ولم أره في كلام أئمتنا. واستدل لرفع المنفرد في الصحراء بحديث الصحيح إذا كنت
في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس
ولا جن ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة ا ه‍ وأقره في النهر.
أقول: يخالفه ما في القهستاني من أنه يجب: يعني يلزم الجهر بالاذان لاعلام الناس، فلو أذن
لنفسه خافت لأنه الأصل في الشرع كما في كشف المنار ا ه‍. على أن ما استدل به يفيد رفع الصوت
للمنفرد في بيته أيضا لتكثير الشهود يوم القيامة، إلا أن يقال: المراد المبالغة في رفع الصوت،
والمؤذن في بيته يرفع دون ذلك فوق ما يسمع نفسه، وعليه يحمل ما في القهستاني، فليتأمل.
قوله:) لا لفاسدة) أي إذا أعيدت في الوقت، وإلا كانت فائتة ط. وفي المجتبى، قوم ذكروا فساد
صلاة صلوها في المسجد في الوقت قضوها بجماعة فيه ولا يعيدون الأذان والإقامة، وإن قضوها
بعد الوقت قضوها في غير ذلك المسجد بأذان وإقامة ا ه‍. لكن سيأتي أن الإقامة تعاد لو طال
الفصل. قوله: (فيه) أي في الاذان. قوله: (لو في مجلس) أما لو في مجالس، فإن صلى في مجلس
أكثر من واحدة فكذلك وإلا أذن وأقام لها. قوله: (وفعله أولى) لأنه اختلفت الروايات في قضائه (ص)
ما فاته يوم الخندق، ففي بعضها أنه أمر بلالا فأذن وأقام للكل، وفي بعضها أنه اقتصر على الإقامة
فيما بعد الأولى، فالأخذ بالزيادة أولى خصوصا في باب العبادات، وتمامه في الامداد. قوله:
(ويقيم للكل) أي لا يخير في الإقامة للباقي، بل يكره تركها كما في نور الايضاح.
تتمة: يأتي في صلاتي الجمع بعرفة بأذان واحد وإقامتين وبمزدلفة بأذان وإقامة، واختار
الطحاوي أنه كعرفة، ورجحه ابن الهمام كما سيأتي في بابه إن شاء الله، وبقي لو جمع بين فائتة
ومؤداة لم أره، ويظهر لي أنه يأتي بأذانين وإقامتين، والفرق بينه وبين الجمع بمزدلفة لا يخفى.
قوله: (ولا يسن ذلك) أي الأذان والإقامة، وأفرد الضمير على تأويل المذكور ح، وأراد ينفي السنية
الكراهة في المواضع الثلاثة المذكورة كما يعلم من الامداد. قوله: (ولو جماعة) أخذه من قول
الفتح، لان عائشة أمتهن بغير أذان ولا إقامة حين كانت جماعتهن مشروعة، وهذا يقتضي أن المنفردة
أيضا كذلك، لان تركهما لما كان هو السنة حال شرعية الجماعة كان حال الانفراد أولى ا ه‍. قلت:
وهو ظاهر ما في السراج أيضا، وكان الأولى للشارح أن يقول: ولو منفردة، لان جماعتهن الآن غير
مشروعة فتفطن. قوله: (كجماعة صبيان وعبيد) لأنها غير مشروعة، فلا يشرعان فيها كتكبير التشريق
421

عقبها، بحر عن الزيلعي. قوله: (في مصر) شمل المعذور وغيره. زيلعي. وفي القرى: لا يكره
بكل حال. ظهيرية: أي لا قبل أداء الجمعة في غيرها ولا بعده، لقوله وقيل: بعد أداء الجمعة لا
يكره في المصر. قوله: (لان فيه تشويشا الخ) إنما يظهر أن لو كان الاذان لجماعة، أما إذا كان
منفردا ويؤذن بقدر ما يسمع نفسه فلا ط. وفي الامداد أنه إذا كان التفويت لأمر عام فالاذان في
المسجد لا يكره لانتفاء العلة كفعله (ص) ليلة التعريس ا ه‍، لكن ليلة التعريس كانت في الصحراء لا
في المسجد. قوله: (لان التأخير معصية) إنما يظهر أيضا في الجماعة لا المنفرد. ط: أي لان
المنفرد يخافت في أذانه كما قدمناه عن القهستاني: على أنه إذا كان التفويت لأمر عام لا يكره ذلك
للجماعة أيضا، لان هذا التأخير غير معصية.
هذا، ويظهر من التعليل أن المكروه قضاؤها مع الاطلاع عليها ولو في غير المسجد كما أفاده
في المنح في باب قضاء الفوات. قوله: (بلا كراهة) أي تحريمية، لان التنزيهية ثابتة لما في البحر عن
الخلاصة أن غيرهم أولى منهم ا ه‍ ح.
أقول: وقدمنا أول كتاب الطهارة الكلام في أن خلاف الأولى مكروه أو لا فراجعه. قوله:
(صبي مراهق) المراد به العاقل وإن لم يراهق كما هو ظاهر البحر وغيره، وقيل يكره لكنه خلاف
ظاهر الرواية كما في الامداد وغيره، وعلى هذا يصح تقريره في وظيفة الاذان. بحر. قوله: (وعبد
وأعمى الخ) إنما لم يكره أذانهم، لان قولهم مقبول في الأمور الدينية فيكون ملزما فيحصل به
الاعلام، بخلاف الفاسق ا ه‍. زيلعي. قلت: يرد عليه الصبي، فإن قوله غير مقبول في الأمور
الدينية في الأصح كما قدمناه قبل الباب، ومقتضاه أن لا يحصل به الاعلام كالفاسق تأمل. ويأتي.
تمام الكلام في ذلك. قوله: (ولا يحل إلا بإذن) ذكره في البحر بحثا فقال: وينبغي أن العبد إن أذن
لنفسه لا يحتاج إلى إذن سيده، وإن أراد أن يكون مؤذنا للجماعة لم يجز إلا بإذن سيده، لان فيه
إضرارا بخدمته لأنه يحتاج إلى مراعاة الأوقات، ولم أره في كلامهم ا ه‍. قوله: (كأجير خاص) هو
بحث لصاحب النهر، حيث قال: وينبغي أن يكون الأجير الخاص كذلك لا يحل أذانه إلا بإذن
مستأجره ا ه‍.
قلت: بل صرحوا بأنه ليس له أن يؤدي النوافل اتفاقا. واختلفوا في السنن كما سنذكره في
الإجارات إن شاء الله تعالى، وهذا مؤيد لبحث البحر أيضا، فإن العبد مملوك المنافع والرقبة أيضا
بخلاف الأجير. قوله: (وأعمى) لا يرد عليه أذان ابن أم مكتوم الأعمى، فإنه كان معه من يحفظ عليه
أوقات الصلاة ومتى كان ذلك يكون تأذينه وتأذين البصير سواء، ذكره شيخ الاسلام. معراج. وهذا
بناء على ثبوت الكراهة فيه، وقد مر الكلام فيه وإلا فلا ورود. قوله: (عالما بالسنة والأوقات) أي
سنة الاذان وأوقاته المطلوبة على ما مر بيانه.
مطلب في المؤذن إذا كان غير محتسب في أذانه
قوله: (ولو غير محتسب) رد على ما في الفتح حيث قال: لو لم يكن عالما بأوقات الصلاة لم
422

يستحق ثواب المؤذنين كما في الخانية، ففي أخذ الأجرة أولى، ورده في النهر تبعا للبحر بأن في
أذان الجاهل جهالة موقعة في الغرر، بخلاف غير المحتسب، على أن عدم حل أخذ الأجرة على
الاذان والإمامة رأي المتقدمين، والمتأخرون يجوزون ذلك على ما سيأتي في الإجارات ا ه‍.
أقول: لا يلزم من حل الأجرة المعلل بالضرورة حصول الثواب، ولا سيما إذا كان لولا
الأجرة لا يؤذن فإنه يكون عمله للدنيا وهو رياء، لأنه لم يحتسب عمله لوجه الله تعالى، فهو كمهاجر
أم قيس، وإذا كان الجاهل المحتسب لا ينال ذلك الاجر فهذا بالأولى. كيف وقد ورد في عدة
أحاديث التقييد بالمحتسب: منها ما رواه الطبراني في الكبير كما في الفتح ثلاثة على كثبان
المسك يوم القيامة، لا يهولهم الفزع الأكبر، ولا يفزعون حين يفزع الناس: رجل علم القرآن فقام به
يطلب وجه الله وما عنده
ومملوك لم يمنعه رق الدنيا عن طاعة ربه نعم قد يقال: إن كان قصده وجه الله تعالى لكنه بمراعاته
للأوقات والاشتغال به يقل اكتسابه عما يكفيه لنفسه وعياله، فيأخذ الأجرة لئلا ليمنعه الاكتساب عن
إقامة هذه الوظيفة الشريفة، ولولا ذلك لم يأخذ أجرا فله الثواب المذكور، بل يكون جمع بين
عبادتين: وهما الاذان، والسعي على العيال، وإنما الأعمال بالنيات. قوله: (ويكره أذان جنب) لأنه
يصير داعيا إلى ما لا يجيب إليه، وإقامته أولى بالكراهة. وصرح في الخانية بأنه تجب الطهارة فيه عن
أغلظ الحدثين. وظاهره أن الكراهة تحريمية. بحر. قوله: (على المذهب) راجع لقوله وإقامة محدث
لا أذانه وأما الجنب فيكرهان منه رواية واحدة كما في البحر ح. قوله: (بإمامة وأذان) الأول
منصوص عليه، والثاني ألحقه به في النهر بحثا. قوله: (من جاهل تقي) أي حيث لم يوجد عالم
تقي. قوله: (ولو بمباح) كشربه الخمر لإساغة لقمة، وأشار إلى أنه لا يلزم من السكر الفسق فلا
تكرار، قوله: (كمعتوه) ومثله المجنون ح. قوله: (ويعاد أذان جنب الخ) زاد القهستاني: والفاجر
والراكب والقاعد والماشي والمنحرف عن القبلة. وعلل الوجوب في الكل بأنه غير معتد به،
والندب بأنه معتد به إلا أنه ناقص، قال وهو الأصح كما في التمرتاشي. قوله: (لما مر) أي من
قوله المشروعية تكراره. قوله: (لموت مؤذن) لم يقل ومقيم، لان المؤذن هو المقيم شرعا كما
يأتي، فافهم قوله: (وغشيه) بضم الغين وسكون الشين المعجمتين: تعطل القوى المحركة والحاسة
لضعف القلب من الجوع وغيره كما قدمناه في الوضوء عن القهستاني ح. قوله: (وحصره) مصدر
من باب فرح: العي في المنطق ح عن القاموس. قوله: (ولا ملقن) الواو للحال ح. قوله: (وذهابه
للوضوء) لكن الأولى أن يتممهما ثم يتوضأ، لان ابتداءهما مع الحدث جائز فالبناء أولى. بدائع.
قوله: (خلاصة) ونحوه في الخانية. قال في الفتح: فإن حمل الوجوب على ظاهره احتيج إلى الفرق
بين نفس الاذان فإنه سنة وبين استقباله بعد الشروع فيه.
423

وقد يقال فيه: إذا شرع فيه ثم قطع تبادر إلى ظن السامعين أن قطعه للخطأ فينتظرون الاذان
الحق وقد تفوت بذلك الصلاة، إلا أن هذا يقتضي وجوب الإعادة فيمن مر أنه يعاد أذانهم إلا
الجنب: أي لعدم الاعتماد على قولهم، ولو قال قائل فيهم: إن علم الناس حالهم وجبت ولا
استحبت ليقع فعل الاذان معتبرا وعلى وجه السنة لم يبعد، وعكسه في الخمسة المذكورة في
الخلاصة ا ه‍.
أقول: يظهر لي أن المراد بالوجوب اللزوم في تحصيل سنة الاذان، وأن المراد أنه إذا عرض
للمؤذن ما يمنعه عن الاتمام وأراد آخر أن يؤذن يلزمه استقبال الاذان من أوله إن أراد إقامة سنة
الاذان، فلو بنى على ما مضى من أذان الأول لم يصح، فلذا قال في الخانية: لو عجز عن الاتمام
استقبل غيره ا: أي لئلا يكون آتيا ببعض الاذان. قوله: (وجزم المصنف الخ) أي حيث قال فيما
مر قيدنا بالمراهق لان أذان الصبي الذي لا يعقل غير صحيح كالمجنون والمعتوه اه‍ فافهم، وهذا
ذكره في البحر بحثا فترجح عند المصنف فجزم به، ويؤيده ما في شر المنية من أنه يجب إعادة
أذان السكران والمجنون والصبي غير العاقل، لعدم حصول المقصود، لعدم الاعتماد على
قولهم ا ه‍. قوله: (قلت وكافر وفاسق) ذكر الفاسق هنا غير مناسب، لان صاحب البحر جعل العقل
والاسلام شرط صحة، والعدالة والذكورة والطهارة شرط كمال. وقال: فأذان الفاسق والمرأة
والجنب صحيح، ثم قال: وينبغي أن لا يصح أذان الفاسق بالنسبة إلى قبول خبره والاعتماد عليه:
أي لأنه لا يقبل قوله في الأمور الدينية فلم يوجد الاعلام كما ذكره الزيلعي.
وحاصله أنه يصح أذان الفاسق وإن لم يحصل به الاعلام: أي الاعتماد على قبول قوله في
دخول الوقت، بخلاف الكافر وغير العاقل فلا يصح أصلا، فتسوية الشارح بين الكافر والفاسق غير
مناسبة.
ثم اعلم أنه ذكر في الحاوي القدسي من سنن المؤذن: كونه رجلا عاقلا، صالحا عالما
بالسنن والأوقات، مواظبا عليه، محتسبا، ثقة متطهرا مستقبلا، وذكر نحوه في الامداد، ومقتضاه أن
العقل غير شرط لصحة الاذان فيصح أذان غير العاقل كالمجنون والمعتوه والسكران، كما يصح أذان
الفاسق والمرأة والجنب، ويدل عليه ما في البدائع من أنه يكره أذان المجنون والسكران، وأن
الأحب إعادته في ظاهر الرواية، وأنه يكره أذان المرأة والصبي العاقل، ويجزي حتى لا يعاد لحصول
المقصود وهو الاعلام، وروي عن الامام أنه تستحب إعادة أذان المرأة ا ه‍. وعلى هذه الرواية مشى
الزيلعي. وذكر في البدائع أيضا أن أذان الصبي الذي لا يعقل لا يجزي ويعاد، لان ما يصدر لا عن
عقل لا يعتد به كصوت الطيور ا ه‍. فحصلت المنافاة بين ما جزم به المصنف تبعا للبحر، وكذا ما
قدمناه عن شرح المنية من عدم صحة أذان غير العاقل كالمجنون والمعتوه والسكران، وبين ما في
الحاوي والبدائع من صحة أذان الكل سوى صبي لا يعقل.
والذي يظهر لي في التوفيق: هو أن المقصود الأصلي من الاذان في الشرع الاعلام بدخول
أوقات الصلاة ثم صار من شعار الاسلام في كل بلدة أو ناحية من البلاد الواسعة على ما مر، فمن
حيث الاعلام بدخول الوقت وقبول قوله لابد من الاسلام والعقل والبلوغ والعدالة، وقدمنا قبل هذا
424

الباب عن (معين الحكام) ما نصه: المؤذن يكفي إخباره بدخول الوقت إذا كان بالغا عاقلا عالما
بالأوقات مسلما ذكرا ويعتمد على قوله ا ه‍. والظاهر أن قوله ذكرا غير قيد لقبول خير المرأة.
فحينئذ يقال: إذا اتصف المؤذن بهذه الصفات يصح أذانه، وإلا فلا يصح من حيث الاعتماد عليه في
دخول الوقت، وقدمنا أيضا قبل هذا الباب أنه في الفاسق والمستور يحكم رأيه في صدقه وكذبه
ويعمل به، بخلاف الكافر والصبي والمعتوه فإنه لا يقبل أصلا. وأما من حيث إقامة الشعار النافية
للإثم عن أهل البلدة فيصح أذان الكل سوى الصبي الذي لا يعقل، لان من سمعه لا يعلم أنه مؤذن
بل يظن يلعب، بخلاف الصبي العاقل لأنه قريب من الرجال، ولذا عبر عنه الشارح بالمراهق، وكذا
المرأة فإن بعض الرجال قد يشبه صوته صوت المراهق والمرأة، فإذا أذن المراهق أو المرأة وسمعه
السامع يعتد به. وكذا المجنون أو المعتوه أو السكران فإنه رجل من الرجال، فإذا أذن على الكيفية
المشروعة قامت به الشعيرة، لأنه إذا سمعه غير العالم بحاله يعده مؤذنا، وكذا الكافر فباعتبار هذه
الحيثية صارت الشروط المذكورة كلها شروط كمال، لان المؤذن الكامل هو الذي تقام بأذانه
الشعيرة ويحصل به الاعلام، فيعاد أذان الكل ندبا على الأصح كما قدمناه عن القهستاني. ثم الظاهر
أن الإعادة إنما هي في المؤذن الراتب، أما لو حضر جماعة عالمون بدخول الوقت وأذن لهم فاسق أو
صبي يعقل لا يكره ولا يعاد أصلا لحصول المقصود. تأمل.
تنبيه: يؤخذ مما قدمناه من أنه لا يحصل الاعلام من غير العدل ولا يقبل قوله. أنه لا يجوز
الاعتماد على المبلغ الفاسق خلف الامام كما نبه عليه بعض الشافعية، فتنبه لهذه الدقيقة، والله
أعلم. قوله: (لمسافر) أي سفرا لغويا أو شرعيا كما في أبي السعود ط. قوله: (ولو منفردا) لأنه إن
أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه، رواه عبد الرزاق. وبهذا ونحوه عرف أن
المقصود من الاذان لم ينحصر في الاعلام، بل كل منه ومن الاعلان بهذا الذكر نشرا لذكر الله ودينه
في أرضه، وتذكيرا لعباده من الجن والإنس الذين لا يرى شخصهم في الفلوات. فتح. وفي تعبير
الشارح بالمنفرد إشارة إلى أنه لا يعطى له حكم الامام من كل وجه، ولذا قال في التاتخرانية عن
الفتاوى والعتابية: ولو أذن وأقام في الصحراء وهو منفرد فحكمه حكم المنفرد في أنه يجمع بين
التسميع والتحميد، وكذا في الجهر والمخافتة ا ه‍. قوله: (لا تركه) الظاهر أن المراد نفي الكراهة
الموجبة للإساءة، وإلا فقد صرح في الكنز بعد ذلك بندبه للمسافر وللمصلي في بيته في المصر،
قال في البحر: ليكون الأداء على هيئة الجماعة ا ه‍. ولما علمت من أنه ليس المقصود منه الاعلام
فقط قوله: (لحضور الرفقة) أي إن كان ثم جماعة، وإلا فالامر أظهر. قوله: (ولو بجماعة) وعن أبي
حنيفة: لو اكتفوا بأذان الناس أجزأهم وقد أساؤوا، ففرق بين الواحد والجماعة في هذه الرواية.
بحر. قوله: (في بيته) أي فيما يتعلق بالبلد من الدار والكرم وغيرهما. قهستاني. وفي التفاريق:
وإن كان في كرم أو ضيعة يكتفي بأذان القرية أو البلدة إن كان قريبا وإلا فلا. وحد القرب أن يبلغ
الاذان إليه منها ا ه‍ إسماعيل. والظاهر أنه لا يشترط سماعه بالفعل. تأمل قوله: (لها مسجد) أي فيه
أذان وإقامة، وإلا فحكمه كالمسافر. صدر الشريعة. قوله: (إذ أذان الحي يكفيه) لان أذان المحلة
وإقامتها كأذانه وإقامته، لان المؤذن نائب أهل المصر كلهم كما يشير إليه ابن مسعود حين صلى
425

بعلقمة والأسود بغير أذان ولا إقامة، حيث قال: أذان الحي يكفينا، وممن رواه سبط ابن الجوزي.
فتح: أي فيكون قد صلى بهما حكما، بخلاف المسافر فإنه صلى بدونهما حقيقة وحكما لان المكان
الذي هو فيه لم يأذن فيه أصلا لتلك الصلاة. كافي. وظاهره أنه يكفيه أذان الحي وإقامته وإن كانت
صلاته في آخر الوقت: تأمل. وقد علمت تصريح الكنز بندبه للمسافر وللمصلي في بيته في
المصر، فالمقصود من كفاية أذان الحي نفي الكراهة المؤثمة. قال في البحر: ومفهومه أنه لو لم
يؤذنوا في الحي يكره تركهما للمصلي في بيته، وبه صرح في المجتبى، وأنه لو أذن بعض
المسافرين سقط عن الباقين كما لا يخفى قوله: (وتكرار الجماعة) لما روى عبد الرحمن بن أبي بكر
عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من بيته ليصلح بين الأنصار فرجع وقد صلى
في المسجد بجماعة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل بعض أهله فجمع أهله
فصلى بهم جماعة ولو لم يكره تكرار الجماعة في المسجد لصلى فيه. وروي عن أنس أن
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا فاتتهم الجماعة في المسجد صلوا في المسجد
فرادى ولان التكرار يؤدي إلى تقليل الجماعة، لان الناس إذا علموا أنهم تفوتهم الجماعة يتعجلون
فتكثر وإلا تأخروا ا ه‍ بدائع. وحينئذ فلو دخل جماعة المسجد بعدما صلى أهله فيه فإنهم يصلون
وحدانا، وهو ظاهر الرواية. ظهيرية. وفي آخر شرح المنية: وعن أبي حنيفة لو كانت الجماعة أكثر
من ثلاثة يكره التكرار، وإلا فلا. وعن أبي يوسف: إذا لم تكن على الهيئة الأولى لا
تكره، وإلا تكره وهو الصحيح، وبالعدول عن المحراب تختلف الهيئة، كذا في البزازية ا ه‍. وفي التاترخانية عن
الولوالجية: وبه نأخذ، وسيأتي في باب الإمامة إن شاء الله تعالى لهذه المسألة زيادة كلام. قوله:
(إلا في مسجد على طريق) هو ما ليس له إمام ومؤذن راتب فلا يكره التكرار فيه بأذان وإقامة، بل
هو الأفضل. خانية. قوله: (فلا بأس بذلك) الأولى حذفه لما علمت أنه الأفضل، فافهم. قوله:
(جوهرة) لم أره فيها وإنما ذكره في السراج. قوله: (مطلقا) أي لحقه وحشة أو لا قوله: (كره إن
لحقه وحشة) أي بأن لم يرض به، وهذا اختيار خواهر زاده، ومشى عليه في الدرر والخانية، لكن
في الخلاصة: إن لم يرض به يكره، وجواب الرواية أنه لا بأس به مطلقا ا ه‍.
قلت: وبه صرح الامام الطحاوي في مجمع الآثار معزيا إلى أئمتنا الثلاثة. وقال في البحر:
ويدل عليه إطلاق قول المجمع: ولا نكرهها من غيره، فما في شرحه لابن ملك من أنه لو حضر
ولم يرض يكره اتفاقا فيه نظر ا ه‍. وكذا يدل عليه إطلاق الكافي معللا بأن كل واحد ذكر، فلا بأس
بأن يأتي بكل واحد رجل آخر، ولكن الأفضل أن يكون المؤذن هو المقيم ا ه‍: أي لحديث من
أذن فهو يقيم وتمامه في حاشية نوح. قوله: (كما كره الخ) ذكره في روضة الناطفي.
واختلفوا عند إتمامها: أي عند: قد قامت الصلاة، فقيل يتمها ماشيا، وقيل في مكانه إماما
كان المؤذن أو غيره، وهو الأصح كما في البدائع. وقصر في السراج الخلاف على ما إذا كان
إماما، فلو غيره يتمها في موضع البداءة بلا خلاف. نهر. قوله: (وقال الحلواني ندبا الخ) أي قال
الحلواني إن الإجابة باللسان مندوبة والواجبة هي الإجابة بالقدم. قال في النهر: وقوله بوجوب
426

الإجابة بالقدم مشكل، لأنه يلزم عليه وجوب الأداء في أول الوقت وفي المسجد، إذ لا معنى
لايجاب الذهاب دون الصلاة، وما في شهادات المجتبى: سمع الاذان وانتظر الإقامة في بيته لا تقبل
شهادته مخرج على قوله كما لا يخفى، وقد سألت شيخنا الأخ (1) عن هذا فلم يبد جوابا ا ه‍.
مطلب في كراهة تكرار الجماعة في المسجد
أقول وبالله التوفيق: ما قاله الامام الحلواني مبني على ما كان في زمن السلف من صلاة
الجماعة مرة واحدة وعدم تكرارها كما هو في زمنه (ص) وزمن الخلفاء بعده، وقد علمت أن تكرارها
مكروه في ظاهر الرواية إلا في رواية عن الامام ورواية عن أبي يوسف كما قدمناه قريبا، وسيأتي أن
الراجح عند أهل المذهب وجوب الجماعة وأنه يأثم بتفويتها اتفاقا. وحينئذ يجب السعي بالقدم لا
لأجل الأداء في أول الوقت أو في المسجد، بل لأجل إقامة الجماعة، وإلا لزم فوتها أصلا أو
تكرارها في مسجد إن وجد جماعة أخرى، وكل منهما مكروه فلذا قال بوجوب الإجابة بالقدم.
لا يقال: يمكنه أن يجمع بأهله في بيته: فلا يلزم شئ من المحذورين. لأنا نقول: إن مذهب
الامام الحلواني أنه بذلك لا ينال ثواب الجماعة وأنه يكون بدعة ومكروها بلا عذر، نعم قد علمت
أن الصحيح أنه لا يكره تكرار الجماعة إذا لم تكن على الهيئة الأولى، وسيأتي في الإمامة أن
الأصح أنه لو جمع بأهله لا يكره وينال فضيلة الجماعة لكن جماعة المسجد أفضل، فاغتنم هذا
التحرير الفريد، ويأتي له قريبا بعض مزيد. قوله: (من سمع الاذان) يفهم منه أنه لو لم يسمع لصمم
أو لبعد أنه لا يجيب، وهو ظاهر الحديث الآتي إذا سمعتم الاذان حيث علق على السماع، وقد
صرح بعض الشافعية بأنه الظاهر، وبأنه يجيب في جميعه إذا لم يسمع إلا بعضه. قوله: (ولو جنبا)
لان إجابة المؤذن ليست بأذان. بحر عن الخلاصة. قوله: (لا حائضا ونفساء) لأنهما ليسا من أهل
الإجابة بالفعل فكذا بالقول إمداد: بخلاف الجنب فإنه مخاطب بالصلاة، ولان حدثه أخف من
الحيض والنفاس لامكان إزالته سريعا. قوله: (وسامع خطبة) أي خطبة كانت ط، وهذا وما بعده
معطوف على قوله حائضا. قوله: (وفي صلاة جنازة) سقط من بعض النسخ لفظ صلاة موافقا
لما في البحر عن المجتبى، وعبارة الامداد: وصلاة ولو جنازة. قوله: (ومستراح) أي بيت الخلاء.
قوله: (وتعليم علم) أي شرعي فيما يظهر، ولذا عبر في الجوهرة بقراءة الفقه. قوله: (بخلاف
قرآن) لأنه لا يفوت. جوهرة. ولعله لان تكرار القراءة إنما هو للاجر فلا يفوت بالإجابة، بخلاف
التعلم، فعلى هذا لو يقرأ تعليما أو تعلما لا يقطع. سائحاني.
تنبيه: هل يجيب بعد الفراغ من هذه المذكورات أم لا؟ ينبغي أنه إن لم يطل الفصل فنعم،
وإن طال فلا، أخذا مما يأتي، لكن صرح في الفيض بأنه لو سلم على المؤذن أو المصلي أو
القارئ أو الخطيب فعن أبي حنيفة لا يلزمه الرد بعد الفراغ، بل يرد في نفسه. وعن محمد: يرد
بعده. وعن أبي يوسف: لا يرد مطلقا، هو الصحيح. وأجمعوا أن المتغوط لا يلزمه مطلقا اه‍ تأمل.
قوله: (كمقالته) أي مثلها في القول لا في الصفة من رفع صوت ونحوه قوله: (إن سمع المسنون

(1) قوله: (شيخنا الخ) المراد بشيخه أخوه الشيخ زين بن نجيم صاحب البحر ا ه‍. منه.
427

منه) الظاهر أن المراد ما كان مسنونا جميعه، فمن لبيان الجنس لا للتبعيض، فلو كان بعض كلماته
غير عربي أو ملحونا لا تجب عليه الإجابة في الباقي، لأنه حينئذ ليس أذانا مسنونا، كما لو كان كله
كذلك، أو كان قبل الوقت، أو من جنب أو امرأة. ويحتمل أن المراد ما كان مسنونا من أفراد
كلماته، فيجيب المسنون منها دون غيره، وهو بعيد. تأمل. لأنه يستلزم استماعه والاصغاء إليه.
وقد ذكر في البحر أنهم صرحوا بأنه لا يحل سماع المؤذن إذ ألحن كالقارئ، وقدمنا أنه لا يصح
بالفارسية وإن علم أنه أذان في الأصح.
بقي هل يجيب أذان غير الصلاة كالاذان للمولود؟ لم أره لائمتنا، والظاهر نعم، ولذا يلتفت
في حيعلتيه كما مر، وهو ظاهر الحديث، إلا أن يقال: إن أل فيه للعهد: وهل يجيب الترجيع إذا
سمعه من شافعي بناء على اعتقاده أنه سنة؟ محل تردد كما تردد بعض الشافعية فيمن سمع الإقامة من
حنفي يثنيها، واستوجه بعضهم أنه لا يجيب في الزيادة كما لو زاد في الاذان تكبيرا، لكن قياسه على
الزيادة فيه نظر، لأنه قائل بها، بخلاف ما نحن فيه فإنه مجتهد فيه. تأمل. قوله: (ولو تكرر) أي
بأن أذن واحد بعد واحد، أما لو سمعهم في آن واحد من جهات فسيأتي. قوله: (أجاب الأول)
سواء كان مؤذن مسجده أو غيره. بحر عن الفتح بحثا. ويفيده ما في البحر أيضا عن التفاريق: إذا
كان في المسجد أكثر من مؤذن أذنوا واحدا بعد واحد، فالحرمة للأول ا ه‍. لكنه يحتمل أن يكون
مبنيا على أن الإجابة بالقدم، أو على أن تكراره في مسجد واحد يوجب أن يكون الثاني غير
مسنون، بخلاف ما إذا كان من محلات مختلفة. تأمل. ويظهر لي إجابة الكل بالقول لتعدد السبب
وهو السماع كما اعتمده بعض الشافعية. قوله: (فيحوقل) أي يقول لا حول ولا قوة إلا بالله وزاد
في عمدة المفتي ما شاء الله كان وخير بينهما في الكافي. وفصل في المحيط بأن يأتي بالحوقلة
مكان الصلاة، وبالمشيئة مكان الفلاح. إسماعيل. والمختار الأول نوح أفندي. ثم إن الاتيان
بالحوقلة وإن خالف ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام فقولوا مثل ما يقول لكنه ورد فيه حديث
مفسر لذلك رواه مسلم، واختار في الفتح الجمع بينهما عملا بالأحاديث، قال: فإنه ورد في بعضها
صريحا إذا قال حي على الصلاة قال حي على الصلاة إلخ وقولهم إنه يشبه الاستهزاء لا يتم، إذ
لا مانع من اعتباره مجيبهما داعيا نفسه مخاطبا لها، وقد رأينا من مشايخ السلوك من كان يجمع
بينهما فيدعو نفسه ثم يتبرأ من الحول والقوة ليعمل بالحديثين، وقد أطال في ذلك وأقره في البحر
والنهر وغيرهما. قلت: وهو مذهب سلطان العارفين سيدي محيي الدين، نص عليه في الفتوحات
المكية. (فيقول صدقت وبررت) بكسر الراء الأولى وحكي فتحها أي صرت دابر: أي خير
كثير، قيل يقوله للمناسبة، ولورود خبر فيه. ورد بأنه غير معروف. وأجيب بأن من حفظ حجة على
من لم يحفظ. ونقل الشيخ إسماعيل عن شرح الطحاوي زيادة وبالحق نطقت. قوله: (بزازية) كذا
نقله في النهر ولم أره فيها. فلتراجع نسخة أخرى، نعم رأيت فيها سمع وهو يمشي، فالأفضل أن
يقف للإجابة ليكون في مكان واحد ا ه‍. قوله: (ولم يذكر الخ) هو لصاحب النهر.
قلت: ويحتمل أن يرد بالقيام الإجابة بالقدم. وقد أخرج السيوطي عن أبي نعيم في الحلية
428

بسند فيه مقال إذا سمعتم النداء فقوموا فإنها عزمة من الله قال شارحه المناوي: أي اسعوا إلى
الصلاة، أو المراد بالنداء الإقامة. والعزمة بالفتح: الامر. قوله: (لم أره الخ) البحث لصاحب
البحر، وصرح به ابن حجر في شرح المنهاج، حيث قال: فلو سكت حتى فرغ كل الاذان ثم أجاب
قبل فاصل طويل كفى في أصل سنة الإجابة كما هو ظاهر ا ه‍.
واستفيد من هذا أن المجيب لا يسبق المؤذن بل يعقب كل جملة منه بجملة منه. قال في
الفتح: وفي حديث عمر بن أبي أمامة التنصيص على ذلك ا ه‍.
قلت: وظاهره أنه لا تكفي المقارنة، لان الجواب يعقب الكلام، بخلاف متابعة المقتدي
للامام الخ. قوله: (ويدعو إلخ) أي بعد أن يصلي على النبي (ص)، لما رواه مسلم وغيره إذا
سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها
عشرا، ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تبتغى إلا لعبد مؤمن من عباد الله، وأرجو أن
أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة. وروى البخاري وغيره من قال حين
يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما
محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة وزاد البيهقي في آخره إنك لا تخلف الميعاد
وتمامه في الامداد والفتح. قال ابن حجر في شرح المنهاج: وزيادة: والدرجة الرفيعة، وختمه: بيا
أرحم الراحمين، لا أصل لهما ا ه‍.
تتمة: يستحب أن يقال عند سماع الأولى من الشهادة: صلى الله عليك يا رسول الله، وعند
الثانية منها: قرت عيني بك يا رسول الله، ثم يقول: اللهم متعني بالسمع والبصر بعد وضع ظفري
الابهامين على العينين فإنه عليه السلام يكون قائدا له إلى الجنة، كذا في كنز العباد ا ه‍ قهستاني:
ونحوه في الفتاوى الصوفية. وفي كتاب الفردوس من قبل ظفري إبهامه عند سماع أشهد أن محمدا
رسول الله في الاذان أنا قائده ومدخله في صفوف الجنة وتمامه في حواشي البحر للرملي عن
المقاصد الحسنة للسخاوي، وذكر ذلك الجراحي وأطال، ثم قال: ولم يصح في المرفوع من كل
هذا شئ. ونقل بعضهم أن القهستاني كتب على هامش نسخته أن هذا مختص بالاذان، وأما في
الإقامة فلم يوجد بعد الاستقصاء التام والتتبع. قوله: (ولو كان في المسجد الخ) هو مقابل قوله بأن
يقول كمقالته ط. قوله: (أجاب بالمشي إليه) أي لئلا تفوته الجماعة فيأثم كما قررناه آنفا. فافهم
قوله: (وهذا) راجع إلى قوله ولو كان في المسجد الخ ح. قوله: (المطلوبة) أي طلب إيجاب
كما قدمه. قوله: (لا بلسانه) أي لان الإجابة به مندوبة على هذا القول كما مر. قوله: (فيقطع قراءة
القرآن) الظاهر أن المراد المسارعة للإجابة وعدم القعود لأجل القراءة لإخلال القعود بالسعي
الواجب، وإلا فلا مانع من القراءة ماشيا، إلا أن يراد يقطعها ندبا للإجابة باللسان أيضا، لكن لا
يناسبه التفريع ولا قوله ولو بمسجد لا لما علمت من أن الحلواني قائل بندبها باللسان، فافهم
429

قوله: (ويجيب) أي بالقدم. قوله: (ولو أذان مسجده كما يأتي) أي عن التاترخانية، وهذا ساقط من
بعض النسخ. قوله: (ولو بمسجد لا) أي لا يجيب قطعها بالمعنى الذي ذكرناه آنفا، فلا ينافي ما
قدمه من أن إجابة اللسان مندوبة عند الحلواني، فافهم. قوله: (وهذا متفرع على قول الحلواني)
تكرار محض مع قوله وعليه فيقطع الخ ط. قوله: (والظاهر وجوبها باللسان الخ) كذا قاله في فتح
القدير معللا بأنه لم تظهر قرينة تصرف الامر عن الوجوب. ونازعه في شرح المنية بما في آخر
الحديث، من قوله عليه الصلاة والسلام ثم صلوا لي فإن من صلى علي الخ لان مثله من
الترغيبات في الثواب يستعمل في المستحب غالبا ا ه‍.
أقول: فيه نظر، لان ما ذكر إنما هو للصلاة وسؤال الوسيلة لإجابة المدعي وجوبها،
والقرآن في النظم لا يوجب القرآن في الحكم كما تقرر في الأصول، نعم أخرج الإمام أبو جعفر
الطحاوي في كتاب (شرح الآثار) بسنده إلى عبد الله رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله
عليه وسلم في بعض أسفاره فسمع مناديا وهو يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال صلى الله عليه
وسلم: على الفطرة، فقال أشهد أن لا إله إلا الله، فقال صلى الله عليه وسلم: خرج من النار
فابتدرناه فإذا صاحب ماشية أدركته الصلاة فنادى بها، قال أبو جعفر: فهذا رسول الله قال غير
ما قال المنادي فدل أن الامر للاستحباب والندب كأمره بالدعاء في أدبار الصلوات ونحوه ا ه‍.
فهذه قرينة صارفة للامر عن الوجوب، وبه تأيد ما صرح به جماعة من أصحابنا، من عدم وجوب
الإجابة باللسان وأنها مستحبة. وهذا ظاهر في ترجيح قول الحلواني، وعليه مشى في الخانية
والفيض، وبدل عليه قوله (ص) إذا سمعت النداء فأجب داعي الله وفي رواية فأجب وعليك
السكينة ويكفي في ترجيحه الأدلة على وجوب الجماعة، فإنك علمت أن قول الحلواني مبني
على أن الإجابة لقصد الجماعة. والذي ينبغي تحريره في هذا المحل أن الإجابة باللسان مستحبة،
وأن الإجابة بالقدم واجبة إن لزم من تركها تفويت الجماعة، وإلا بأن أمكنه إقامتها بجماعة ثانية
في المسجد أو بيته لا تجب، بل تستحب مراعاة لأول الوقت والجماعة الكثيرة في المسجد بلا
تكرار، هذا ما ظهر لي. قوله: بأنه) متعلق بقواه، ولو قال: وفرع عليه في النهر بأنه على الأول
الخ لكان أولى ط.
أقول: نعم قواه في النهر بما أورده على قول الحلواني من الاشكال بلزوم الأداء في أول
الوقت وفي المسجد، وقد علمت اندفاعه. قوله: (على الأول) أي القول بوجوب الإجابة باللسان.
قوله: (لا يرد السلام) لم أره في النهر، وإنما رأيته في البحر. وقال في المعراج: وفي التحفة:
وينبغي للسامع أن لا يتكلم ولا يشتغل بشئ في حالة الأذان والإقامة ولا يرد السلام أيضا، لان
الكل يخل بالنظم ا ه‍.
أقول: يظهر من هذا أن قوله لا يرد السلام ليس للوجوب، وأنه يتفرع على القولين،
430

وإلا لزم وجوب ذلك في الإقامة مع أن أصل إجابة الإقامة مستحبة كما يأتي فضلا عن وجوب ما
ذكر فيها، لأنه لا ينافي الإجابة، فإنه يمكن أن يجيب ثم يرد السلام، أو يسلم مثلا عند سكتات
المؤذن، لكنه لا ينبغي لأنه يخل بالنظم، لان المشروع إجابة لا حشو فيها، ولعله، إنما لم يجب
رد السلام وإن قلنا إنه لا ينافي الإجابة أو قلنا بعدم وجوبها، لان السلام عليه في هذه الحالة غير
مشروع كالسلام على القارئ والمؤذن، فلذا لم يجب رده كما قدمناه. قوله: (قال) أي في النهر.
قوله: (إنما يجيب أذان مسجده) أي بالقدم، وهو متفرع على قول الحلواني كما أشار إليه الشارح
سابقا بقوله كما يأتي ط. قوله: (قال إجابة أذان مسجده بالفعل) قال في الفتح: وهذا ليس مما
نحن فيه، إذ مقصود السائل، أي مؤذن يجيب باللسان استحبابا أو وجوبا، والذي ينبغي إجابة
الأول سواء كان مؤذن مسجده أو غيره، فإن سمعهم معا أجاب معتبرا كون إجابته لمؤذن مسجده،
ولو لم يعتبر ذلك جاز، وإنما فيه مخالفة الأولى ا ه‍ ملخصا.
أقول: والظاهر أن عدول الامام ظهير الدين إلى ما قال من باب أسلوب الحكيم ميلا منه إلى
مذهب الحلواني، ثم رأيت الرحمتي أجاب بذلك. قوله: (إجماعا) قيد لقوله ندبا أي إن القائلين
بإجابتها أجمعوا على الندب ولم يقل أحد منهم بالوجوب كما قيل في الاذان، فلا ينافي قوله وقيل
لا فافهم. قوله (ويقول الخ) أي كما رواه أبو داود بزيادة ما دامت السماوات والأرض وجعلني من
صالحي أهلها. قوله: (وبه جزم الشمني) حيث قال: ومن سمع الإمامة لا يجيب، ولا بأس أن
يشتغل بالدعاء ا ه‍. ويمكن حمله على نفي الوجوب بدليل قول الخلاصة: ليس عليه جواب الإقامة
أو المراد إذا سمع قد قامت الصلاة لا يجيب بلفظها، أفاده الشيخ إسماعيل. قوله: (وينبغي) البحث
لصاحب النهر.
أقول: قال في آخر شرح المنية: أقام المؤذن ولم يصل الامام ركعتي الفجر يصليهما ولا تعاد
الإقامة، لان تكرارها غير مشروع إذا لم يقطعها قاطع من كلام كثير أو عمل كثير مما يقطع المجلس
في سجدة التلاوة ا ه‍. قوله: (قعد) ويكره له الانتظار قائما، ولكن يقعد ثم يقوم إذا بلغ المؤذن حي
على الفلاح انتهى هندية عن المضمرات. قوله: (في مسجدين) لأنه إذا صلى في المسجد الأول
يكون متنفلا بالاذان في المسجد الثاني، والتنفل بالاذان غير مشروع، ولان الاذان للمكتوبة وهو في
المسجد الثاني يصلي النافلة، فلا ينبغي أن يدعو الناس إلى المكتوبة وهو لا يساعدهم فيها ا ه‍
431

بدائع. قوله: (مطلقا) أي عدلا أو لا. وفي الأشباه: ولد الباني وعشيرته أولى من غيرهم ا ه‍،
وسيجئ في الوقف أن القوم إذا عينوا مؤذنا وإماما وكان أصلح مما نصبه الباني فهو أولى، وذكره في
الفتح عن النوازل وأقره اه‍ مدني.
مطلب: هل باشر النبي صلى الله عليه وسلم الاذان بنفسه؟
قوله: (الأفضل الخ) أي لقول عمر رضي الله عنه: لولا الخليفي لأذنت: أي مع الإمامة كما
قدمناه. وفي السراج أن أبا حنيفة كان يباشر الأذان والإقامة بنفسه. قوله: (وقد حققناه في الخزائن)
حيث قال بعد ما هنا: هذا، وفي شرح البخاري لابن حجر ومما يكثر السؤال عنه: هل باشر
النبي (ص) الاذان بنفسه؟ وقد أخرج الترمذي أنه عليه الصلاة والسلام أذن في سفر وصلى بأصحابه
وجزم به النووي وقواه، ولكن وجد في مسند أحمد من هذا الوجه فأمر بلالا فأذن فعلم أن في
رواية الترمذي اختصارا، وأن معنى قوله، أذن: أمر بلالا، كما يقال: أعطى الخليفة العالم الفلاني
كذا، وأنما باشر العطاء غيره ا ه‍.
باب شروط الصلاة
أي شروط جوازها وصحتها، لا شروط الوجوب: كالتكليف والقدرة والوقت، ولا شرط
الوجود كالقدرة المقارنة للفعل، والمراد أيضا الشروط الشرعية لا العقلية، كالحياة للعلم ولا
الجعلية كدخول الدار المعلق به الطلاق قوله: (هي ثلاثة أنواع الخ) كذا قرره في السراج.
وبيان ذلك أن شرط الانعقاد ما يشترط وجوده في ابتداء الصلاة متقدما عليها أو مقارنا لها
سواء استمر إلى آخرها، أم لا، فالوقت والخطبة متقدمان عليها، والنية والتحريمة مقارنان لها. وأما
شرط الدوام فهو ما يشترط وجوده في ابتداء الصلاة مستمرا إلى آخرها. وأما شرط البقاء فقد فسره
في السراج بما يشترط وجوده حالة البقاء ولا يشترط فيه التقدم ولا المقارنة ا ه‍، أي فقد يوجد فيه
التقدم والمقارنة، وقد لا يوجد.
ولا يخفى أن هذه الأقسام متداخلة وبينها عموم وخصوص مطلق، تجتمع في الطهارة والستر
والاستقبال، فإنها من حيث اشتراط وجودها في ابتداء الصلاة شرط انعقاد، ومن حيث اشتراط
دوامها أيضا شرط دام، ومن حيث اشتراط وجودها في حالة البقاء شرط بقاء وتجتمع أيضا في
الوقت بالنسبة إلى صلاة الصبح والجمعة والعيدين فإنه يشترط فابتدائها وانتهائها وحالة البقاء،
حتى لو خرج قبل تمامها بطلت. وينفرد شرط الانعقاد عن شرط الدوام وعن شرط البقاء في الوقت
بالنسبة إلى بقية الصلوات فإنه شرط انعقاد فقط، إذ لا يشترط دوامه ولا وجوده حالة البقاء، وينفرد
شرط البقاء في القراءة فإنه يحدث في أثنائها ويستمر إلى انتهائها، ومثلها رعاية الترتيب في فعل غير
مكرر كالقعدة الأخيرة، حتى لو تذكر سجدة صلبية أو تلاوية فأتى بها بعد القعدة لزمه إعادتها. قوله:
432

(فإنه ركن في نفسه الخ) كذا في القهستاني. واعترض بأن الركن ما كان داخل الماهية. والشرط ما
كان خارجها عنها وبينهما تناف، ولا وجه لتخصيص كونه شرطا في غيره بسبب وجوده في كل الأركان
تقديرا، لان كل ركن كذلك، نعم قسموا الركن إلى أصلي وزائد، وهو ما قد يسقط بلا ضرورة،
ومثلوا له بالقراءة فإنها تسقط عن المقتدي فسميت ركنا في حالة، وزائدا في حالة أخرى، لان الصلاة
ماهية اعتبارية فيجوز أن يعتبرها الشارع تارة بأركان أخرى بأقل منها. قوله: (لوجوده) أي القراءة وذكر
باعتبار الشرط، وهو علة لكونه شرطا ط. قوله: (لم يجز استخلاف الأمي) أي ولو في التشهد لعدم
وجود الشرط فيه. ولا يقال: إنه مفقود في المأموم، لأنه موجود حكما، لان قراءة، الامام له قراءة ط.
قوله: (ثم الشرط الخ) أي بالسكون وجمعه شروط، وأما بالفتح فجمعه أشراط ومنه. فقد جاء
أشراطها. وقد فسر الأول في القاموس بإلزام الشئ والتزامه في البيع ونحوه، والثاني
بالعلامة، ومقتضاه أن الأول لا يفسر لغة بالعلامة وهو ظاهر الصحاح أيضا، والمنقول في كتب الفقه
عن اللغة خلافه، ولعل الفقهاء وقفوا على تفسيره بذلك، وبعضهم عبر بالشرائط، واعترض بأنه جمع
شريطة: وهي مشقوقة الأذن. ووقع في النهر (1) هنا وهم فاجتنبه. قوله: (ولا يدخل فيه) اعلم أن
المتعلق بالشئ إما أن يكون داخلا في ماهيته فيسمى ركنا كالركوع في الصلاة، أو خارجا عنه، فإما أن
يؤثر فيه كعقد النكاح للحل فيسمى علة، أو لا يؤثر، فإما أن يكون موصلا إليه في الجملة كالوقت
فيسمى سببا، أو لا يوصل إليه، فإما أن يتوقف الشئ عليه كالوضوء للصلاة فيسمى شرطا، أو لا
يتوقف كالاذان فيسمى علامة كما بسطه البرجندي، فكان عليه أن يزيد ولا يؤثر فيه ولا يوصل إليه في
الجملة. إسماعيل. قوله: (هي ستة) ذكر القهستاني أنها أكثر من عشرة: فإن منها القراءة على ما مر،
وتقديمها على الركوع، والركوع على السجود، ومراعاة مقام الامام والمقتدي، وعدم تذكر الفائتة لذي
ترتيب، وعدم محاذاة امرأة ا ه‍. قلت: وكذا منها الوقت كما مر.
قال في الامداد: وقد ترك ذكره في عدة من المعتبرات كالقدوري والمختار والهداية والكنز مع
ذكرهم له أول كتاب الصلاة، وكان ينبغي لهم ذكره هنا ليتنبه المتعلم على أنه من الشروط كما في
مقدمة أبي الليث ومنية المصلي، وكذا يشترط اعتقاد دخوله، فلو شك لم تصح صلاته وإن ظهر أنه
قد دخل ا ه‍. قوله: (لدخول الأطراف الخ) علة لتفسير البدن بالجسد تفسير مراد، لان البدن اسم
لما سوى الرأس والأطراف كاليدين والرجلين. قوله: (لأنه أغلظ) لأنه ليس له قليل يعفي عنه
بخلاف الخبث. قال ط: وإنما صرف الماء الكافي لأحدهما للخبث لأجل تحصيل الطهارتين:
المائية في الخبث، والترابية في الحدث. قوله: (كذلك) أي بنوعيه: وهما الغليظة والخفيفة ح.
قوله: (وثوبه) أراد ما لابس البدن، فدخل القلنسوة والخف والنعل ط عن الحموي. قوله: (وكذا
ما) أي شئ متصل به يتحرك بحركته كمنديل طرفه على عنقه وفي الآخر نجاسة مانعة إن تحرك

(1) قوله: (ووقع في النهر الخ) اي حيث قال الشروط جمع شرط محركا، بمعنى العلامة لغة ا ه‍. منه.
433

موضع النجاسة بحركات الصلاة منع وإلا لا، بخلاف ما لم يتصل كبساط طرفه نجس وموضع الوقوف
والجبهة فلا يمنع مطلقا، فأفاده ح عن الشرنبلالي. قوله: (كصبي) أي وكسقف وظلة وخيمة نجسة
تصيب رأسه إذا وقف. قوله: (إن لم يستمسك) الأولى حذف إن وجوابها لأنه تمثيل للمحمول، فحق
التعبير أن يقول: كصبي عليه نجس لا يستمسك بنفسه ط. قوله: (وإلا لا) أي وإن كان يستمسك
بنفسه لا يمنع، لان حمل النجاسة حينئذ ينسب إليه لا إلى المصلي. قوله: (كجنب) تنظير لا تمثيل،
أي فإن الجنابة أيضا تنسب إلى المحمول لا إلى المصلي، ولو كان تمثيلا للزم اشتراط أن يكون
الجنب مستمسكا بنفسه بأن لا يكون زمنا مثلا مع أنه غير نجس حقيقة، فلو حمل المصلي جنبا لا يمنع
صلاته مطلقا، لان نجاسته حكمية فافهم. قوله: (وكلب إن شد فمه) لو قال: وكلب إن لم يسل منه ما
يمنع الصلاة لكان أولى، لان لو علم عدم السيلان أو سال منه دون القدر المانع لا يبطل الصلاة وإن
لم يشد فمه، أفاده ح، وقدمنا نحوه قبيل فصل البئر عن الحلية، ويؤيد ما في البحر عن الظهيرية: لو
جلس على المصلى صبي ثوبه نجس وهو يستمسك بنفسه أو حمام نجس جازت صلاته، لان الذي
على المصلى مستعمل للنجس، فلم يصر المصلي حاملا النجاسة ا ه‍.
أقول: والظاهر أن مسألة الكلب مبنية على أرجح التصحيحين، من أنه ليس بنجس العين، بل
هو طاهر الظاهر كغيره من الحيوانات، سوى الخنزير فلا ينجس إلا بالموت، ونجاسة باطنه في
معدنها فلا يظهر حكمها كنجاسة باطن المصلي، كما لو صلى حاملا بيضة مذرة صار محها (1) دما
جاز، لأنه في معدنه، والشئ ما دام في معدنه لا يعطى له حكم النجاسة، بخلاف ما لو حمل قارورة
مضمومة (2) فيها بول فلا تجوز صلاته لأنه في غير معدنه كما في البحر عن المحيط. قوله: (في
الأصح) رد لمن يقول بمنع الصلاة مطلقا كما في البحر، وكأنه مبني على نجاسة عينه ا ه‍ ح. قوله:
(ومكانه) فلا تمنع النجاسة في طرف البساط ولو صغيرا في الأصح: ولو كان رقيقا وبسطه على
موضع نجس، إن صلح ساترا للعورة تجوز الصلاة كما في البحر عن الخلاصة.
وفي القنية: لو صلى على زجاج يصف ما تحته قالوا جميعا يجوز ا ه‍. وأما لو صلى على لبنة أو
آجرة أو خشبة غليظة أو ثوب مخيط مضرب أو غير مضرب فسيأتي الكلام عليه في باب مفسدات
الصلاة إن شاء الله تعالى. قوله: (أي موضع قدميه) هذا باتفاق الروايات. بحر. وأفاد أنه لو كانت
تقع ثيابه على أرض نجسة عند السجود لا يضر. قوله: (إن رفع الأخرى) أي التي تحتها نجاسة
مانعة. قوله: (اتفاقا في الأصح) وفي رواية عن الامام: لا يشترط طهارة موضع السجود ا ه‍. ح:
أي بناء على رواية جواز الاقتصار على الانف في السجود، فلا يشترط طهارة موضع الانف، لأنه
أقل من الدرهم كما في شرح المنية، لكن لو سجد على نجس. فعندهما تفسد الصلاة، وعند أبي
يوسف تفسد السجدة، فإذا أعادها على طاهر صحت عنده لا عندهما، والأولى ظاهر الرواية كما في

(1) قوله: (محها) المح بالضم والحاء المهملة: خالص كل شئ، وصفرة البيض المحة، أو ما في البيض كله ا ه‍.
قاموس ا ه‍. منه.
(2) قوله: (مضمومة) هكذا بخطه بالضاد المعجمة، وصوابه بالصاد المهملة: اي مسدودة بالصمام بالكسر، كما يؤخذ من
القاموس ا ه‍. مصححه.
434

الحلية. قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية كما في البحر، لكن قال في منية المصلي: قال في
العيون: هذه رواية شاذة ا ه‍. وفي البحر: واختار أبو الليث أن صلاته تفسد، وصححه في
العيون ا ه‍. وفي النهر: وهو المناسب لاطلاق عامة المتون، وأيده بكلام الخانية. قلت: وصححه
في متن المواهب ونور الايضاح والمنية وغيرها، فكان عليه المعول. وقال في شرح المنية: وهو
الصحيح لان اتصال العضو بالنجاسة بمنزلة حملها وإن كان وضع ذلك العضو ليس بفرض. قوله:
(إلا إذا سجد على كفه) فيشترط طهارة ما تحته لأنه موضع يده، بل لأنه موضع السجود ط: أي كما
إذا سجد على كمه وتحته نجاسة. قوله: (كما سيجئ) أي في سنن الصلاة ح. قوله: (من الثاني)
زيادة توضيح. قال في النهر: ولم يذكره في الكنز، لان طهارة الثوب والمكان من حدث لا يخطر
ببال، ولذا قدم قوله من حدث وخبث إذ لو أخره لاقتضى أن يكون قيدا في الكل ا ه‍. قوله:
(لأنهما ألزم) أي أشد ملازمة للمصلي من الثوب، لأنه يمكن أن يصلي بدونه.
مطلب في ستر العورة
قوله: (والرابع ستر عورته) أي ولو بما لا يحل لبسه كثوب حرير وإن أثم بلا عذر، كالصلاة في
الأرض المغصوبة، وسيذكر شروط الستر والساتر. قوله: (ووجوبه عام) أي في الصلاة وخارجها.
قوله: (ولو في الخلوة) أي إذا كان خارج الصلاة يجب الستر بحضرة الناس إجماعا وفي الخلوة على
الصحيح. وأما لو صلى في الخلوة عريانا ولو في بيت مظلم وله ثوب طاهر لا يجوز إجماعا كما في
البحر. ثم إن الظاهر أن المراد بما يجب ستره في الخلوة خارج الصلاة هو ما بين السرة والركبة فقط،
حتى أن المرأة لا يجب عليها ستر ما عدا ذلك وإن كان عورة، يدل عليه ما في باب الكراهية من
القنية، حيث قال: وفي غريب الرواية يرخص للمرأة كشف الرأس في منزلها وحدها، فأولى لها لبس
خمار رقيق يصف ما تحته عند محارمها ا ه‍. لكن هذا ظاهر فيما يحل نظره للمحارم، أما غيره كبطنها
وظهرها هل يجب ستره في الخلوة؟ محل نظر، وظاهر الاطلاق نعم، فتأمل قوله: (على الصحيح)
لأنه تعالى وإن كان يرى المستور كما يرى المكشوف لكنه يرى المكشوف تاركا للأدب والمستور
متأدبا، وهذا الأدب واجب مراعاته عند القدرة عليه. هذا، وما ذكره الزيلعي من أن عامتهم لم
يشترطوا الستر عن نفسه فذاك في الصلاة كما يأتي بيانه عند ذكر المصنف له، فليس فيه تصحيح
لخلاف ما هنا، فافهم. قوله: (إلا لغرض صحيح) كتغوط واستنجاء. وحكي في القنية أقوالا إلا في
تجرده للاغتسال منفردا: منها أنه يكره، ومنها أنه يعذر إن شاء الله، ومنها لا بأس به، ومنها يجوز في
المدة اليسيرة، ومنها يجوز في بيت الحمام الصغير. قوله: (وله لبس ثوب نجس إلخ) نقله في البحر
عن المبسوط، ثم ذكر أنه في البغية تلخيص القنية ذكر فيه خلافا. قال ط: ولم يتعرض لحكم تلويثه
بالنجاسة. والظاهر أنه مكروه لأنه اشتغال بما لا يفيد، وإذا كان مفسدا للثوب حرم، وما في ح لا
يعول عليه ا ه‍. وقد مر في الاستنجاء كراهته بخرقة متقومة فبالثوب أولى، فتلويثه بلا حاجة أشد في
الأولوية. قوله: (للرجل) احتراز عن المرأة الأمة والحرة، وعن الصبي كما سيأتي. قوله: (ما تحت
سرته) هو ما تحت الخط الذي يمر بالسرة ويدور على محيط بدنه بحيث يكون بعده عن مواقعه في جميع
435

جوانبه على السواء، كذا في البرجندي ا ه‍. إسماعيل، فالسرة ليست من العورة. درر. قوله: (إلى ما
تحت ركبته) نادما، لما قيل: إن تحت من الظروف التي لا تتصرف حموي، فالركبة من العورة لرواية
الدارقطني، ما تحت السرة إلى الركبة من العورة لكنه محتمل، والاحتياط في دخول الركبة،
ولحديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): الركبة من العورة وتمامه في شرح المينة.
قوله: (وشرط أحمد إلخ) هو شرط عنده في صلاة الفرض لرواية الصحيحين لا يصلي الرجل في
الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ وعندنا ستر المنكبين مستحب. قوله: (ولو خنثى) قال في
النهر: الخنثى المشكل الرقيق كالأمة، والحر كالحرة. قوله: (أو مكاتبة) ومثلها المستسعاة التي أعتق
بعضها عند الامام ح. قوله: (مع ظهرها وبطنها) البطن: ما لان من القدم، والظهر: ما يقابله من
المؤخر، كذا في الخزائن. وقال الرحمتي: الظهر: ما قابل البطن من تحت الصدر إلى السرة. جوهرة:
أي فما حاذى الصدر ليس من الظهر الذي هو عورة ا ه‍. ومقتضى هذا أن الصدر وما قابله من الخلف
ليس من العورة، وأن الثدي أيضا غير عورة، وسيأتي في الحظر والإباحة أنه يجوز أن ينظر من أمة
غيره ما ينظر من محرمة، ولا شبهة أنه يجوز النظر إلى صدر محرمة وثديها، فلا يكون عورة منها ولا من
الأمة، ومقتضى ذلك أنه لا يكون عورة في الصلاة أيضا، لكن في التاترخانية: لو صلت الأمة ورأسها
مكشوف جازت بالاتفاق، ولو صلت وصدرها وثديها مكشوف لا يجوز عند أكثر مشايخنا ا ه‍، وقد
يقال: إن صدر الأمة عورة في الصلاة لا خارجها، لكنه مخالف للمذكور في عامة الكتب من الاقتصار
على ذكر البطن والظهر. وقد مر تفسيرهما، ولا يخفى أن الصدر غيرهما فينبغي أن يكون المعتمد أنه
ليس بعورة مطلقا. قوله: (وأما جنبها) مجرور في المتن، فجعله الشارح بإدخال أما مرفوعا على أنه
مبتدأ وحينئذ فهو مفرد لا مثنى كما في بعض النسخ، وإلا لقال الشارح: وأما جنباها ا ه‍ ح. قوله:
(فتبع لهما) قال في القنية: الجنب تبع البطن، ثم رمز وقال: الأوجه أن ما يلي البطن تبع له، وما يلي
الظهر تبع له ا ه‍. وقصد الشارح إصلاح عبارة المتن، فإن ظاهرها يشعر بأن الجنب عضو مستقل مع
أنه تبع لغيره وتظهر ثمرة ذلك فيما يأتي، لكن ذكر في القنية أيضا قبل ما مر: لو رفعت يديها للشروع
في الصلاة فانكشف من كميها ربع بطنها أو جنبها لا يصح شروعها ا ه‍. ومقتضاه أن الجنب عضو
مستقل، فهو قول آخر إلا أن تكون أو بمعنى الواو. تأمل. قوله: (كما قدرت) أي فورا قبل أداء
ركن بعمل قليل، وقيد بالقدرة، إذ لو عجزت عن الستر لم تبطل صلاتها كما في البحر. قوله: (وإلا)
بأن سترت بعمل كثير أو بعد ركن لا تصح صلاتها. بحر. قوله: (على المذهب) رد على الزيلعي تبعا
للظهيرية حيث قيد الفساد بأداء ركن بعد العلم بالعتق، فإن كثيرا من فروع المذهب من نظائر هذه
المسألة تدل على عدم اشتراط العلم كما بسطه في البحر. قوله: (ينبغي الخ) أصل البحث لصاحب
البحر، وأقره عليه أخوه صاحب النهر. قوله: (كما رجحوه في الطلاق الدوري) وهو أن يقول
لامرأته: إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا، فإذا نجز عليها طلاقا فقد وجد الشرط فيقع الثلاث قبله،
436

ووقوعها قبله يقتضي عدم وقوعه، فالقول بوقوعه باطل، فإذا ألغينا القبلية صار كأنه قال: إن طلقتك
فأنت طالق ثلاثا، فإذا طلق وقع عليها واحدة بتنجيزه وثنتان من الثلاث بتعليقه ح. قوله: (حتى
شعرها) بالرفع عطفا على جميع ح. قوله: (النازل) أي عن الرأس، بأن جاوز الاذن، وقيد به إذ لا
خلاف فيما على الرأس. قوله: (في الأصح) صححه في الهداية والمحيط والكافي وغيرها، وصحح
في الخانية خلافه مع تصحيحه لحرمة النظر إليه، وهو رواية المنتقى، واختاره الصدر الشهيد،
والأول أصح وأحوط كما في الحلية عن شرح الجامع لفخر الاسلام، وعليه الفتوى كما في
المعراج. قوله: (فظهر الكف عورة) قال في معراج الدراية ما نصه: اعترض بأن استثناء الكف لا يدل
على أن ظهر الكف عورة، لان الكف لغة يتناول الظاهر والباطن، ولهذا يقال: ظهر الكف (1) وأجيب
بأن الكف عرفا واستعمالا لا يتناول ظهره ا ه‍، فظهر أن التفريع مبني على الاستعمال العرفي لا
اللغوي، فافهم. قوله: (على المذهب) أي ظاهر الرواية. وفي مخلفات قاضيخان وغيرها أنه ليس
بعورة. وأيده في شرح المنية بثلاثة أوجه، وقال: فكان هو الأصح وإن كان غير ظاهر الرواية. وكذا
أيده في الحلية، وقال: مشى عليه في المحيط وشرح الجامع لقاضيخان ا ه‍. واعتمده الشرنبلالي في
الامداد، قوله: (على المعتمد) أي من أقوال ثلاثة مصححة، ثانيها عورة مطلقا، ثالثها عورة خارج
الصلاة لا فيها. أقول: ولم يتعرض لظهر القدم. وفي القهستاني عن الخلاصة: اختلفت الروايات في
بطن القدم ا ه‍. وظاهره أنه لا خلاف في ظاهره. ثم رأيت في مقدمة المحقق ابن الهمام المسماة بزاد
الفقير قال بعد تصحيح إن انكشاف ربع القدم مانع: ولو انكشف ظهر قدمها لم تفسد، وعزاه
المصنف التمرتاشي في شرحه المسمى إعانة الحقير إلى الخلاصة. ثم نقل عن الخلاصة عن المحيط
أن في باطن القدم روايتين، وأن الأصح أنه عورة، ثم قال: أقول: فأستفيد من كلام الخلاصة أن
الخلاف إنما هو في باطن القدم، وأما ظاهره فليس بعورة بلا خلاف، ولهذا جزم المصنف بعدم
الفساد بانكشافه، لكن في كلام العلامة قاسم إشارة إلى أن الخلاف ثابت فيه أيضا، فإنه قال بعد
نقله: إن الصحيح أن انكشاف ربع القدم يمنع الصلاة، قال: لان ظهر القدم محل الزينة المنهي عن
إبدائها، قال تعالى: * (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) * (النور: 13) ا ه‍ كلام المصنف.
قوله: (وصوتها) معطوف على المستثنى: يعني أنه ليس بعورة ح. قوله: (على الراجح) عبارة البحر
عن الحلية أنه الأشبه. وفي النهر: وهو الذي ينبغي اعتماده. ومقابله ما في النوال: نغمة المرأة
عورة، وتعلمها القرآن من المرأة أحب. قال عليه الصلاة والسلام التسبيح للرجال، والتصفيق
للنساء فلا يحسن أن يسمعها الرجل ا ه‍. وفي الكافي: ولا تلبي جهرا لان صوتها عورة، ومشى
عليه في المحيط في باب الاذان. بحر. قال في الفتح: وعلى هذا لو قيل إذا جهرت بالقراءة في
الصلاة فسدت كان متجها، ولهذا منعها عليه الصلاة والسلام من التسبيح بالصوت لاعلام الامام
بسهوه إلى التصفيق ا ه‍. وأقره البرهان الحلبي في شرح المنية الكبير، وكذا في الامداد، ثم نقل عن
خط العلامة المقدسي: ذكر الإمام أبو العباس القرطبي في كتابه في السماع: ولا يظن من لا فطنة

(1) قوله: (ولهذا يقال ظهر الكف) اي بالإضافة إلى الكف، وجعل بعضهم الإضافة دليلا على أنه ليس من الكف، إذ لو
كان من الكف لزم إضافة الجزء إلى كله، وفيه نظر لأنه يقال رأس زيد ويد زيد ا ه‍. منه.
437

عنده أنا إذا قلنا صوت المرأة عورة أنا نريد بذلك كلامها، لان ذلك ليس بصحيح، فإنا نجيز الكلام
مع النساء للأجانب ومحاورتهن عند الحاجة إلى ذلك، ولا نجيز لهن رفع أصواتهن ولا تمطيطها ولا
تليينها وتقطيعها، لما في ذلك من استمالة الرجال إليهن وتحريك الشهوات منهم، ومن هذا لم يجز أن
تؤذن المرأة ا ه‍. قلت: ويشير إلى هذا تعبير النوازل بالنغمة. قوله: (وذراعيها) معطوف على
المستثنى ح. قوله: (على المرجوح) قال في المعراج عن المبسوط: وفي الذراع روايتان، والأصح
أنها عورة ا ه‍. قال في البحر: وصحح بعضهم أنه عورة في الصلاة لا خارجها والمذهب ما في
المتون لأنه ظاهر الرواية. قوله: (وتمنع المرأة الخ) أي تنهى عنه وإن لم يكن عورة. قوله: (بل
لخوف الفتنة) أي الفجور بها. قاموس. أو الشهوة. والمعنى تمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال
وجهها فتقع الفتنة، لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة. قوله: (كمسه) أي كما يمنع الرجل من
مس وجهها وكفها وإن أمن الشهوة الخ. قال الشارح في الحظر والإباحة: وهذا في الشابة، أما
العجوز التي لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها إن أمن ا ه‍. ثم كان المناسب في التعبير ذكر
مسألة المس بعد مسألة النظر، بأن يقول: ولا يجوز النظر إليه بشهوة كمسه وإن أمن الشهوة الخ، لان
كلا من النظر والمس مما يمنع الرجل عنه، والكلام فيما تمنع هي عنه. قوله: (لأنه أغلظ) أي من
النظر، وهو علة لمنع المس عند أمن الشهوة: أي بخلاف النظر فإنه عند الامن لا يمنع ط. قوله:
(ثبت به) أي بالمس المقارن الشهوة، بخلاف النظر لغير الفرج الداخل، فلا تثبت به حرمة المصاهرة
مطلقا ط. قوله: (ولا يجوز النظر إليه بشهوة) أي إلا لحاجة كقاض أو شاهد بحكم أو يشهد عليها لا
لتحتمل الشهادة، وكخاطب يريد نكاحها فينظر ولو عن شهوة بنية السنة لا قضاء الشهوة، وكذا مريد
شرائها أو مداواتها إلى موضع المرض بقدر الضرورة كما سيأتي في الحظر، والتقييد بالشهوة يفيد
جوازه بدونها، لكن سيأتي في الحظر تقييده بالضرورة، وظاهره الكراهة بلا حاجة داعية. قال في
التاترخانية: وفي شرح الكرخي النظر إلى وجه الأجنبية الحرة ليس بحرام، ولكنه يكره لغير
حاجة ا ه‍. قوله: (بشهوة) لم أر تفسيرها هنا، والمذكور في المصاهرة أنه فيمن ينتشر بالانتشار أو
زيادته إن كان موجودا، وفي المرأة والفاني بميل القلب. والذي تفيده عبارة مسكين في الحظر أنها
ميل القلب مطلقا، ولعله الأنسب هنا ا ه‍.
قلت: يؤيده ما في القول المعتبر في بيان النظر لسيدي عبد الغني: بيان الشهوة التي هنا مناط
الحرمة أن يتحرك قلب الانسان ويميل بطبعه إلى اللذة، وربما انتشرت آلته إن كثر ذلك الميلان،
وعدم الشهوة أن لا يتحرك قلبه إلى شئ من ذلك بمنزلة من نظر إلى ابنة الصبيح الوجه وابنته
الحسناء ا ه‍. وسيأتي تمام الكلام على ذلك في كتاب الحظر والإباحة.
مطلب في النظر إلى وجه الأمرد
قوله: (كوجه أمرد) هو الشاب الذي طر شاربه ولم تنبت لحيته. قاموس. قال في الملتقط:
الغلام إذا بلغ مبلغ الرجال ولم يكن صبيحا فحكمه حكم الرجال، وإن كان صبيحا فحكمه حكم
النساء، وهو عورة من فرقه إلى قدمه. قال السيد الإمام أبو القاسم: يعني لا يحل النظر إليه عن
شهوة، وأما الخلوة والنظر إليه لا عن شهوة لا بأس به، ولهذا لم يؤمر بالنقاب ا ه‍.
438

أقول: وهذا شامل لمن نبت عذاره، بل بعض الفسقة يفضله على الأمرد خالي العذار،
والظاهر أن طرور الشارب وبلوغه مبلغ الرجال غير قيد، بل هو بيان لغايته وأن ابتداءه من حين
بلوغه سنا تشتهيه النساء، أو لو كان صغيرة لاشتهيت فيه للرجال، والمراد من كونه صبيحا أن يكون
جميلا بحسب طبع الناظر ولو كان أسود، لان الحسن يختلف باختلاف الطبائع. ويستفاد من تشبيه
وجه المرأة بوجه الأمرد أن حرمة النظر إليه بشهوة أعظم إثما لان خشية الفتنة به أعظم منها، ولأنه
لا يحل بحال، بخلاف المرأة كما قالوا في الزنى واللواطة، ولذا بالغ السلف في التنفير منهم
وسموهم الانتان لاستقذارهم شرعا. قال بعضهم: قال ابن القطان: أجمعوا على أنه يحرم النظر إلى
غير الملتحي بقصد التلذذ بالنظر وتمتع البصر بمحاسنه، وأجمعوا على جوازه بغير قصد اللذة والناظر
مع ذلك آمن الفتنة. قوله: (فإنه يحرم إلخ) أتى بالفاء لأنه دليل على المتن، لأنه إذا حرم مع الشك
في وجودها ففي وجودها بالفعل أولى ح. قوله: (كما اعتمده الكمال) أي بناء على ما يظهر من
عبارته المنقولة عقب هذا بقوله قال إلخ وكان المناسب أن ء يقول: حيث قال. قوله: (لا عورة
للصغير جدا) وكذا الصغيرة كما في السراج، فيباح النظر والمس كما في المعراج. قال ح: وفسره
شيخنا بابن أربع فما دونها، ولم أدر لمن عزاه ا ه‍.
أقول: قد يؤخذ مما في جنائز الشرنبلالية ونصه: وإذا لم يبلغ الصغير والصغيرة حد الشهوة
يغسلهما الرجال والنساء، وقدره في الأصل بأن يكون قبل أن يتكلم ا ه‍. قوله: (ثم تغلظ) قيل
المراد أنه يعتبر الدبر وما حوله من الأليتين، والقبل وما حوله: يعني أنه يعتبر في عورته ما غلظ من
الكبير، ويحتمل أنهما قبل ذلك من المخفف فالنظر إليهما عند عدم الاشتهاء أخف إليهما من النظر
بعد، وليحرر. ط. قوله: (ثم كبالغ) أي عورته تكون بعد العشرة كعورة البالغين. وفي النهر: كان
ينبغي اعتبار السبع لامرهما بالصلاة إذا بلغا هذا السن ا ه‍ ط.
أقول: سيأتي في الحظر أن الأمة إذا بلغت حد الشهوة لا تعرض على البيت في إزار واحد
يستر ما بين السرة والركبة لان ظهرها وبطنها عورة ا ه‍. فقد أعطوها حكم البالغة من حين بلوغ حد
الشهوة.
واختلفوا في تقدير حد الشهوة: فقيل سبع، وقيل تسع، وسيأتي في باب الإمامة تصحيح عدم
اعتباره بالسن، بل المعتبر أن تصلح للجماع، بأن تكون عبلة ضخمة، وهذا هو المناسب اعتباره
هنا، فتدبر. قوله: (إلى خمسة عشر) صوابه خمس عشرة، لان المعدود مؤنث مذكور ا ه‍ ح. ولا
يخفى أن الغاية غير داخلة وإلا فهو بالغ بالسن فلا يحل له النظر والدخول لأنه مكلف، كما لو بلغ
بالاحتلام ولو فيما قبل ذلك.
تتمة: سيأتي في الحظر أن الذمية كالرجل الأجنبي في الأصح، فلا تنظر إلى بدن المسلمة،
وإن كل عضو لا يجوز النظر إليه قبل الانفصال لا يجوز بعده كشعر عانته وشعر رأسها، وعظم ذراع
439

حرة ميتة، وساقها وقلامة ظفر رجلها دون يدها، وأن النظر إلى ملاءة الأجنبية بشهوة حرام، وسيأتي
تمام الفوائد المتعلقة بذلك هناك. قوله: (ويمنع إلخ) هذا تفصيل ما أجمله بقوله وستر عورته ح.
قوله: (حتى انعقادها) منصوب عطفا على محذوف: أي ويمنع صحة الصلاة حتى انعقادها.
والحاصل أنه يمنع الصلاة في الابتداء ويرفعها في البقاء ح. قوله: (قدر أداء ركن) أي بسنته منية.
قال شارحها: وذلك قدر ثلاث تسبيحات ا ه‍. وكأنه قيد بذلك حملا للركن على القصير منه
للاحتياط، وإلا فالقعود الأخير والقيام المشتمل على القراءة المسنونة أكثر من ذلك، ثم ما ذكره
الشارح قول أبي يوسف. واعتبر محمد أداء الركن حقيقة، والأول المختار للاحتياط كما في شرح
المنية، واحترز عما إذا انكشف ربع عضو أقل من قدر أداء ركن فلا يفسد اتفاقا، لان الانكشاف
الكثير من الزمان القليل عفو كالانكشاف القليل في الزمن الكثير، وعما إذا أدى مع الانكشاف ركنا
فإنها تفسد اتفاقا، قال ح: واعلم أن هذا التفصيل في الانكشاف الحادث في أثناء الصلاة، أما
المقارن لابتدائها فإنه يمنع انعقادها مطلقا اتفاقا بعد أن يكون المكشوف ربع العضو، وكلام الشارح
يوهم أن قوله قدر أداء ركن قيد في منع الانعقاد أيضا ا ه‍. قوله: (بلا صنعه) فلو به فسدت في
الحال عندهم قنية. قال ح: أي وإن كان أقل من أداء ركن ا ه‍. وفي الخانية: إذا طرح المقتدي في
الزحمة أمام الامام، أو في صف النساء أو مكان نجس، أو حولوه عن القبلة، أو طرحوا إزاره، أو
سقط عنه ثوبه، أو انكشفت عورته، ففيما إذا تعمد ذلك فسدت صلاته وإن قل، وإلا فإن أدى ركنا
فكذلك، وإلا فإن مكث بعذر لا تفسد في قولهم، وإلا ففي ظاهر الرواية عن محمد تفسد ا ه‍. لكن
في الخانية أيضا ما يدل على عدم اشتراط قوله بلا صنع فإنه قال: لو تحول إلى مكان نجس،
إن لم يمكث على النجاسة قدر أدنى ركن جازت صلاته وإلا فلا وكذا في منية المصلي. قال: وكذا
إن رفع نعليه وعليهما قذر مانع إن أدى معهما ركنا فسدت وذكر نحو ذلك في الحلية عن الذخيرة
والبدائع وغيرهما. ثم قال: والأشبه الفساد مع التعمد إلا لحاجة كرفع نعله لخوف الضياع ما لم يؤد
ركنا كما في الخلاصة، وتمامه فيما علقناه على البحر. قوله: (على المعتمد) رد على الكرخي حيث
قال: المانع في الغليظ ما زاد على الدرهم قياسا على النجاسة المغلظة، كذا في البحر. قوله: (على المعتمد) رد على الكرخي حيث قال: المانع في الغليظة ما زاد على الدرهم قياسا على النجاسة المغلظة، كذا في البحر. قوله:
(والغليظة إلخ) لا يظهر فرق بينها وبين الخفيفة إلا من حيث إن حرمة النظر إليها أشد.
وفي الظهيرية: حكم العورة في الركبة أخف منه في الفخذ، فلو رأى غيره مكشوف الركبة
ينكر عليه برفق ولا ينازعه إن لج. وفي الفخذ بعنف ولا يضربه إن لج. وفي السوأة يؤدبه على
ذلك إن لج ا ه‍. قال في البحر: وهو يفيد أن لكل مسلم التعزير بالضرب فإنه لم يقيده بالقاضي.
قوله: (ما عدا ذلك) أفرد اسم الإشارة وإن تعدد المشار إليه بتأويل المذكور.
تتمة: أعضاء عورة الرجل ثمانية: الأول: الذكر وما حوله. الثاني: الأنثيان وما حولهما. الثالث:
الدبر وما حوله. الرابع، والخامس: الأليتان. السادس، والسابع: الفخذان مع الركبتين. الثامن: ما بين
السرة إلى العانة مع ما يحاذي ذلك من الجنبين والظهر والبطن.
وفي الأمة ثمانية أيضا: الفخذان مع الركبتين، والأليتان والقبل مع ما حوله، والدبر كذلك،
والبطن والظهر مع ما يليهما من الجنبين.
440

وفي الحرة هذه الثمانية، ويزاد فيها ستة عشر: الساقان مع الكعبين، والثديان المنكسران،
والاذنان، والعضدان مع المرفقين، والذراعان مع الرسغين والصدر، والرأس، والشعر، والعنق،
وظهر الكفين، وينبغي أن يزاد فيها أيضا الكتفان، ولا يجعلان مع الظهر عضوا واحدا، بدليل أنهم
جعلوا ظهر الأمة عورة دون كتفيها، وكذلك بطنا القدمين عورة في رواية: أي وهي الأصح كما
قدمناه عن إعانة الحقير للمصنف، فتصير ثمانية وعشرين، كذا حرره ح.
قلت: وقدمنا عن التاترخانية أن صدر الأمة وثدييها عورة، وقدمنا أيضا عن القنية أن جنبيها
عورة مستقلة على أحد قولين، وعليه فتزاد الأمة خمسة على الثمانية المارة فتصير أعضاؤها ثلاثة
عشر، والله تعالى أعلم. قوله: (بالاجزاء) المراد بها الكسور المصطلح عليها في الحساب وهي
النصف والربع والثلث الخ. مثاله: انكشف ثمن فخذه من موضع وثمن ذلك الفخذ من موضع آخر
يجمع الثمن إلى الثمن حسابا فيكون ربعا فيمنع، ولو انكشف ثمن من موضع من فخذه ونصف ثمن
ذلك الفخذ من موضع آخر لا يمنع ح. قوله: (وإلا فبالقدر) أي المساحة، فإن بلغ المجموع
بالمساحة ربع أدناها: أي أدنى الأعضاء المنكشف بعضها، كما لو انكشف نصف ثمن الفخذ ونصف
ثمن الاذن من المرأة فإن مجموعهما بالمساحة أكثر من ربع الاذن التي هي أدنى العضوين المنكشفين،
وهذا التفصيل ذكره ابن ملك في شرح المجمع موافقا لما في الزيادات، وقوله في البحر إنه تفصيل،
لا دليل عليه ممنوع كما حققه في النهر ح. قلت: وعلى هذا التفصيل: أعني اعتبار ربع أدنى الأعضاء
المنكشفة لا ربع مجموعها، مشى في القنية والحلية وشرح الوهبانية والامداد وشرح زاد الفقير
للمصنف. خلافا للزيلعي وإن تبعه في الفتح والبحر فتدبر، وقد أوضحنا ذلك فيما علقناه على
البحر. قوله: (عن غيره) أي عن رؤية غيره من الجوانب لامن الأسفل، وقوله: ولو حكما أي ولو
كانت الرؤية حكمية، كما في المكان المظلم أو المكان الخالي فإن العورة فيها مرئية حكما،
فيشترط فيها سترها فيه، ولا يصح كون المعنى ولو كان الستر حكما لأنه يصير المعنى يشترط ستر
العورة ولو كان ذلك الستر المشروط حكما، وإذا ستر العورة في الظلمة بثوب كان ذلك سترا حقيقة
وحكما لا في حكم الشرع فقط، فافهم. قوله: (به يفتى) لأنه روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف نصا
أنه لا تفسد صلاته كما في المنية وغيرها. قوله: (فلو رآها من زيقه) أي ولو حكما بأن كان بحيث
لو نظر رآها كما في البحر. وزيق القميص بالكسر: ما أحاط بالعنق منه. قاموس. قوله: (وإن كره)
لقوله في السراج: فعليه أن يزره، لما روى عن سلمة بن الأكوع قال كنت يا رسول الله أصلي في
قميص واحد، فقال: زره عليك ولو بشوكة بحر. ومفاده الوجوب المستلزم تركه للكراهة، ولا
ينافيه ما مر من نصهما على أنها لا تفسد، فكان هذا هو المختار، كما في شرح المنية، وتمامه فيما
علقناه على البحر. قوله: (لا يصف ما تحته) بأن لا يرى منه لون البشرة احترازا عن الرقيق ونحو
الزجاج. قوله: (ولا يضر التصاقه) أي بالألية مثلا، وقوله وتشكله من عطف المسيب على
السبب وعبارة شرح المنية: أما لو كان غليظا لا يرى منه لون البشرة إلا أنه التصق بالعضو وتشكل
بشكله فصار شكل العضو مرئيا فينبغي أن لا يمنع جواز الصلاة لحصول الستر ا ه‍. قال ط: وانظر
441

هل يحرم النظر إلى ذلك المتشكل مطلقا أو حيث وجدت الشهوة؟ ا ه‍. قلت: سنتكلم على ذلك في
كتاب الحظر، والذي يظهر من كلامهم هناك هو الأول. قوله: (ولو حريرا) تعميم للساتر. قال في
الامداد: لان فرض الستر أقوى من منع لبس الحرير في هذه الحالة. قوله: (أو ماء كدرا) أي بحيث
لا ترى منه العورة. قوله: (إن وجد غيره) قيد في عدم إجزاء الستر بالصافي ومفهومه أنه إن لم يجد
غيره وجب الستر به، وكأنه لان فيه تقليل الانكشاف ا ه‍ ح.
قلت: ومفهومه أيضا كما اقتضاه سياق الكلام في عادم الساتر أنه لا يجوز في الماء الكدر إذا
وجد ساترا مع أن كلام السراج والبحر يفيد الجواز مطلقا، ثم رأيت صاحب النهر صرح بذلك حيث
قال: إن الفرق بين الصافي وغيره يؤذن بأن له ثوبا، إذ العادم له يستوي في حقه الصافي وغيره ا ه‍.
لكن قوله: يستوي فيه الصافي وغيره، وفيه نظر، لأنه إذا جاز الستر بالماء الكدر مع القدرة على
ساتر غيره صار ساترا حقيقة فيتعين عن العجز عن ساتر غيره، لأن الماء الصافي غير ساتر، وإلا
لجاز عند عدم العجز. هذا، وذكر في البحر أنه لا يصح تصوير الصلاة في الماء إلا في صلاة
الجنازة، وعلله في النهر بأنه إذا كان له ثوب وصلى في الماء الكدر لا يجوز له الايماء للفرض: أي
لقدرته على أن يصلي خارج الماء بالثوب بركوع وسجود، لكن قال الشيخ إسماعيل: ولي في
الكلامين نظر، لامكان تصوير ركوعه وسجوده في الماء الكدر بحيث لا يظهر من بدنه شئ إذا سد
منافذه، بل ما يفعله الغطاس في استخراج الغريق أبلغ من ذلك ا ه‍.
أقول: إن فرض إمكان ذلك فقد يقال: لا يبقى ذلك ساترا، لأنه حين سجوده وارتفاع الماء
فوقه لا يصير مستورا، ويصير كما لو صلى عريانا تحت خيمة مستورة الجوانب كلها أو في مكان
مظلم، أو كما لو دخل في كيس مثلا وصلى فيه، فإن الظاهر أنه لا تصح صلاته، بخلاف ما لو أخرج
رأسه من الكيس وصلى لأنه يصير مستورا، كما لو وقف في الماء الكدر ورأسه خارج وصلى على
الجنازة. ثم رأيت في الحاوي والزاهدي من كتاب الكراهية والاستحسان ما نصه والمريض إذا لم
يخرج رأسه من اللحاف لا تجوز صلاته لأنه كالعاري ا ه‍: أي إذا صلى تحت اللحاف وهو مكشوف
العورة بالايماء لا تصح لأنه غير مستور العورة، وهذا يؤيد ما بحثناه في مسألة الكيس، ولله الحمد.
والحاصل أن الشرط هو ستر عورة المصلي لا ستر ذات المصلي، فمن اختفى في خلوة أو
ظلمة أو خيمة وهو عريان فذاته مستورة وعورته مكشوفة، وذلك لا يسمى ساترا، ومثله لو غطس
في ماء كدر، فتأمل. قوله: (وهل تكفيه الظلمة الخ) لا يظهر لهذا الكلام ثمرة لأنه حيث فقد الساتر
صلى كيف كان: أي في ظلمة أو في ضوء، ولعل مراده ما ذكره في البحر. وعبارته: والأفضل أن
يصلي قاعدا ببيت أو صحراء في ليل أو نهار. قال: ومن المشايخ من خصه بالنهار، أما بالليل
فيصلي قائما، لان ظلمة الليل تستر عورته ورد بأنه لا عبرة بها. ورد بالفرق بين حالة الاختيار
والاضطرار ا ه‍ ط. قوله: (في مجمع الأنهر) هو شرح الملتقى لشيخي زاده ح. قوله: (كما في
الصلاة) كذا قاله في منية المصلي. قال في البحر: فعليه يختلف في الرجل والمرأة، فهو يفترش
وهي تتورك. قوله: (وقيل مادا رجليه) أي ويضع يديه على عورته الغليظة، والأول أولى لأنه أكثر
442

سترا مع ما في هذا من مد الرجلين إلى القبلة. بحر وحلية. لكن في شرح المنية الكبير: أن الثاني
أولى لزيادة الستر فيه وهو المذكور في شروح الهداية وغيرها ا ه‍. قلت: وهو الصواب لان من
جعل مقعدته على رجليه كما في تشهد الصلاة تظهر عورته الغليظة حالة الايماء للركوع والسجود
أكثر ممن جعل مقعدته على الأرض كما هو محسوس مشاهد، ولو جلس متربعا يظهر منه القبل فلذا
اغتفروا مد رجليه نحو القبلة، فلا جرم أنه مشى عليه شراح الهداية وغيرهم كصاحب الذخيرة
والسراج والدرر والتبيين ونور الايضاح والخلاف في الأولوية كما لا يخفى، ونبه عليه في النهر.
قوله: (وقائما بإيماء) كذا في القهستاني عن الزاهدي، ونقله في البحر عن ملتقى البحار. وقال:
وظاهر الهداية أنه لا يجوز، ثم ذكر بعد نحو ورقة بحثا رجح به ما في الهداية، والبحث مأخوذ من
الحلية فراجعه. وقال في البحر أيضا: وينبغي أن يكون هذا دون الرابع في الفضل: أي دون القيام
بركوع وسجود للاختلاف في صحته وإن كان ستر العورة في الرابع أكثر اه‍.
قلت: فكان الأولى للشارح تأخيره عن الرابع ليكون الذكر في الأربعة على وفق الترتيب في
الأفضلية.
قوله: (لان الستر أهم الخ) أي لأنه فرض في الصلاة وخارجها، والأركان فرائض الصلاة لا
غير وقد أتى ببدلها، وإنما جاز القيام لأنه وإن ترك فرض الستر فقد كمل الأركان الثلاثة. بدائع.
وأراد بالأركان الثلاثة القيام والركوع والسجود، وظاهره أنه لا يجوز الايماء قائما، لان فيه ترك فرض
الستر بلا تكميل للثلاثة، ومن هنا نشأ ترجيح صاحب البحر والحلية لظاهر ما مر عن الهداية. قوله:
(ولو أبيح له ثوب الخ) في التاترخانية: ولو كان بحضرته من له ثوب يسأله، فإن لم يعطه صلى
عريانا، ولو وجد في خلال صلاته ثوبا استقبل ا ه‍. وظاهره لزوم السؤال، لكن ينبغي تقييده بما إذا
غلب على ظنه عدم المنع كما في المتيمم. قوله: (هو الأظهر) كذا في شرح المنية الصغير وقدمنا
في التيمم عن الفتح وغيره أنه لو وعد بدلو أو ثوب يستحب له التأخير ما لم يخف فوت الوقت
عنده. وعندهما يجب وإن خاف فوته: كما لو وعد بالماء فإنه ينتظر اتفاقا: وقدمنا أن ظاهر كلامهم
ترجيح قول الإمام وبه جزم في المنية، وتقدم أيضا أنه يند ب لراجي الماء أن يؤخر إلى آخر الوقت
المستحب. قوله: (كراجي ماء) أي كمن رجا حصول الماء فإنه يندب له أن يؤخر إلى آخر الوقت
المستحب كما مر في التيمم، وهذا تنظير لا قياس، حتى يرد أن الظاهر قياس مسألة الثوب على
الماء الموعود فيجب الانتظار وإن فات الوقت، فافهم. قوله: (وثوب ومكان) (1) فإنه إذا رجاء وجود
الثوب يؤخر ما لم يخلف فوت الوقت كطهارة المكان. قنية: أي كما إذا كان محبوسا مثلا في مكا ن
نجس ويرجو رجاء قويا الخروج منه فإنه يؤخر ما لم يخف الفوت، والظاهر أن هذا التأخير مستحب
أيضا كنظائره المارة، قوله: (وينبغي ذلك) أي قياسا على الماء، والبحث للبحر وتبعه في النهر
وقال: ولم يذكروه. وأقول: قدمنا المسألة منقولة عن السراج وأن فيها قولين. وفي تيمم مواهب

(1) قوله: (ومكان) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح (وطهارة مكان) وهو أطهر تأمل ا ه‍. مصححه.
443

الرحمن: ويجب أن يشتري الماء والثوب بمثل الثمن إن فضل عن نفقته لا بزيادة غبن فاحش، ولله
الحمد. قوله: (ليس بأصلي الخ) أي ليس بأصلي النجاسة، وإنما المراد ما نجاسته عارضة كالبول
والدم كما في النهر، لكن في كون جلد الميتة نجس الأصل نظر، لان نجاسته عارضة بالموت.
تأمل. قوله: (فإنه لا يستر به فيها) لا نجاسته أغلظ لعدم زوالها بالماء. بحر. قوله: (بل خارجها)
ظاهره وجوب الستر به حيث لم يجد غيره، وقد مر أول الباب أن له لبس ثوب نجس في غير صلاة.
قوله: (ندب صلاته فيه) أي بالقيام والركوع والسجود ح. قوله: (وجاز الايماء كما مر) أي عاريا
بأن فعل إحدى الصور الأربع السابقة، ولو قال: وجاز أن يفعل كما مر لكان أولى ط: أي لان
بعض تلك الصور لا إيماء فيها. قوله: (واستحسنه في الاسرار) لكن نازعه في الفتح. قوله: (إذ
الربع كالكل) أي يقوم مقامه في موضع كما في حلق المحرم ربع رأسه، وكما في كشف العورة.
قوله: (وهذا إذا لم يجد الخ) فإن وجد في الصورتين وجب استعماله كما في البحر. قوله: (فيتحتم
لبس أقل ثوبيه نجاسة) تبع فيه صاحب النهر: وليس على إطلاقه لما في الحلية إن كانت النجاسة
في كل منهما غليظة فقالوا: إن لم تبلغ في كل منهما الربع تخير، والمستحب الصلاة في أقلهما
نجاسة، وإن بلغت الربع في أحدهما فقط تعين الآخر، وإن زاد عليه في كل منهما ولم تبلغ ثلاثة
أرباع تخير، وإن بلغتها في أحدهما واستوعبت الآخر تعين ما ربعه طاهر، وإن كانت النجاسة خفيفة
لم أره، ومقضتى التخريج على ما مر أن يتخير ما لم تزد في أحدهما على ثلاثة أرباعه أو تستوعبه،
وإلا تعين ما ربعه فصاعدا طاهر ا ه‍. وذكر نحوه ح عن الهندية والزيلعي والخلاصة. قوله:
(ببليتين) أي بفعل إحداهما غير عين لا بفعلهما معا، قوله: (فإن تساويا) أي من حيث المنع من
الصلاة بلا مرجح معتبر، وإن لم يستويا في قدر النجاسة، وقوله: أو اختلفا أي بأن كان ما في
أحدهما مانعا دون ما في الآخر، أو كان ما في كل منهما مانعا لكن وجد في أحدهما مرجح يقيمه
مقام الكل كطهارة الربع أو نجاسته، وبهذا التقرير ينطبق الضابط على ما ذكرناه من الفروع، فإذا
كانت النجاسة في كل منهما أكثر من قدر الدرهم لكن لم تبلغ الربع تخير، وإن كانت في أحدهما
أكثر من الآخر لتساويها في المنع بلا مرجح، بخلاف ما إذا بلغت ربع أحدهما لترجحه بإقامتهم الربع
مقام الكل، وتقرير الباقي ظاهر مما قلنا، فافهم. قوله: (اختار الأخف) نظيره جريح لو سجد سال
جرحه، وإلا لا، فإنه يصلي قاعدا موميا لان ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث لجواز تركه
اختيارا في التنفل على الدابة، زيلعي. قوله: (لأنه لما سقط الخ) الأولى التعليل بقوله عليه الصلاة
والسلام لا تصلي حائض بغير قناع لان تعليله يفهم أن كل ما سقط ستره بعذر الرق كالكتفين
444

والساقين يسقط بالصبا وليس كذلك، أفاده ح تأمل. وفي أحكام الصغار للاسروشني: وجواز صلاة
الصغيرة بغير قناع استحسان لأنه لا خطاب مع الصبا. والأحسن أن تصلي بقناع، لأنها إنما تؤمر
بالصلاة للتعود، فتؤمر على وجه يجوز أداؤها بعد البلوغ، ثم قال: المراهقة إذا صلت بغير قناع لا
تؤمر بالإعادة استحسانا، وإن صلت بغير وضوء تؤمر، ولو صلت عريانة تعيد، وفي كل موضع تعيد
البالغة الصلاة، فهي تعيد على سبيل الاعتياد ا ه‍. قوله: (لا يجب) لان ما دون الربع لا يعطى له
حكم الكل، والستر أفضل تقليلا للانكشاف. زيلعي. ومثله في الحلية عن المحيط والخلاصة
والكافي. قوله: (زاد الحلبي) أي في شرحه الصغير ح. قوله: (مطلقا) أي سواء كان يستر الربع أو
الأقل ط. قوله: (فتأمل) أشار إلى إمكان الجواب بحمل كلام الكمال على غير الرأس لأنه أخف
بدليل صحة صلاة المراهقة مع كشف الرأس غيره، أفاده ح.
أقول: والأحسن الجواب بحمل أل في العورة على جنس الافراد لا جنس الاجزاء: أي إذا
وجد ما يستر بعض أفراد العورة، بأن كان يستر أصغرها كالقبل أو الدبر دون أكبرها وجب استعماله
بدليل قوله بعده: ويستر القبل والدبر، وقوله في المعراج: ولو وجد ما يستر به بعض العورة ستر
القبل والدبر بالاتفاق ا ه‍. وهو معنى ما في البحر عن المبتغى: إن كان عنده قطعة يستر بها أصغر
العورات فسدت وإلا فلا ا ه‍، وحينئذ فلا منافاة بين كلامهم، إذ ليس فيه على هذا الحمل ما يقتضي
وجوب ستر ما دون ربع عضو من العورة حتى يخالف ما قدمناه عن الزيلعي والمحيط والخلاصة
والكافي من أن ما دون الربع لا يعطى له حكم الكل، وأما قول الحلبي وإن قل فيحتاج لنقل، وإلا
فلا يعارض كلام أئمة المذهب اللهم إلا أن يراد ما يستر عضوا كاملا كالدبر مثلا، وإلا فلو وجدت
المرأة ما ستر ما بين السرة والركبة وعندها خرقة قدر الظفر مثلا يبعد كل البعد إلزامها بالستر بها،
هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم. قوله: (وقيل القبل) لأنه يستقبل به القبلة ولأنه لا يستر بغيره
والدبر يستر
. بحر عن السراج. قوله: (والتعليل) أي للقول الأول بأنه أفحش الخ وهو
مراد صاحب النهر بقوله: والتعليل الثاني، لان ما ذكره الشارح أولا ذكره في النهر ثانيا، فافهم.
قوله: (بالايماء) عبارة النهر: قاعدا بالايماء. قوله: (تعين ستر القبل) لعدم العلة، وهي زيادة الفحش
في الركوع والسجود.
أقول: وهذا إنما يظهر لو قعد متربعا، أما لو قعد مادا رجليه إلى القبلة أو قعد كالمتشهد كما
مشى عليه فيما مر يتعين ستر الدبر، لأنه يمكنه جعل الذكر والخصيتين تحت الفخذين. وأما الدبر
فإنه ينكشف حالة الايماء فيتعين ستره، تأمل. قوله: (ثم فخذه) بالنصب عطفا على قول المتن
القبل والدبر وعبارة شرح المنية: ويقدم في الستر ما هو أغلظ كالسوأتين ثم الفخذ ثم الركبة.
وفي المرأة بعد الفخذ البطن والظهر ثم الركبة ثم الباقي على السواء ا ه‍. وأفاده بقوله كالسوأتين إن
445

ستر نحو الالية والعانة مثلهما، فيقدم على الفخذ، فافهم، قوله: (أو يقللها) كذا في شرح المنية،
والظاهر تقييده بما يقللها عن الدرهم أو عن ربع الثوب، وإلا فلو كانت أكثر من الدرهم ودون الربع
وإذا قللها تبقى أكثر من الدرهم لا يجب التقليل، لما مر عن الحلية وغيرها من أنه لو له ثوبان لم
تبلغ نجاسة كل الربع يتخير، فتدبر. قوله: (لبعده ميلا) صرح به في السراج، وأشار به إلى أن عدم
الوجود يكون حقيقة وحكما. قوله: (أو لعطش) أي خوفه حالا أو مآلا على نفسه أو على من تلزمه
مؤنته فإنه لا يلزمه إزالة تلك النجاسة. شراح المنية. ومثله خوف العدو وعدم وجود ثمنه ونحو
ذلك كما في الاحكام عن البرجندي. قوله: (صلى معها أو عاريا) أي إن كان الطاهر أقل من ربع
الثوب وإلا تعينت صلاته به كما مر. قوله: (ولا إعادة عليه) أي إذا وجد المزيل وإن بقي الوقت.
قهستاني. قوله: (وينبغي) البحث لصاحب الحلية، وقال: ولعلهم لم يذكروه هنا للعلم به مما مر في
التيمم، وتبعه في البحر وغيره، فافهم. قوله: (عن مزيل) أي للنجاسة في مسألتنا، وقول: وعن
ساتر أي للعورة في المسألة التي قبلها. قوله: (كما مر) أي نظير ما مر في باب التيمم مما ذكروه
من التفصيل في عدم القدرة على الماء، فافهم. قوله: (ثم هذا للمسافر) الأولى أن يقول: وقيدنا
بالمسافر، وكأنه يشير بهذا إلى رد ما في شرح المنية من أن التقييد بالمسافر باعتبار الغالب، إذ لا
فرق بينه وبين غيره. قوله: (لان للمقيم الخ) اسم أن ضمير الشأن محذوف، وللمقيم يتعلق
بيشترط، والجملة خبر أن، وضمير يملكه للساتر. وعبارة القهستاني هكذا: والتقييد بالمسافر لان
للمقيم اشتراط طهارة ما يستر العورة وإن لم يملكه كما في النظم وغيره ا ه‍ ح. قلت: فأسقط
الشارح لفظ طهارة.
وحاصل المعنى أنه لا يصح صلاة المقيم بساتر نجس وإن لم يملك الطاهر بناء على أن
المقيم لا يتحقق عجزه عن الماء أو غيره من المائعات المزيلة، لان المصر ونحوه مظنة وجود ذلك
ولذا لم يجز له التيمم في المصر، لكن هذا قولهما، والمفتى به قوله حيث تحقق العجز كما مر،
ومقتضاه أن يكون هنا كذلك، فافهم. [مب] بحث النية [/ مب]
قوله: (بالاجماع) أي لا بقوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * (البينة: 5)
فإن المراد بالعبادة هنا التوحيد، ولا بقوله عليه الصلاة والسلام إنما الأعمال بالنيات لان المراد
ثوابها ولا تعرض فيه للصحة وتمامه في ح. قوله: (وهي الإرادة) النية: لغة العزم، والعزم وهو
الإرادة الجازمة القاطعة، والإرادة صفة توجب تخصيص المفعول بوقت وحال دون غيرهما: أي
ترجح أحد المستويين وتخصصه بوقت وحال: أي كيفية وحالة مخصوصة، وبه علم أن النية ليست
مطلق الإرادة، بل هي الإرادة الجازمة. قوله: (المرجحة) نعت للإرادة قصد به تفسيرها ح. قوله:
(أي إرادة الصلاة الخ) لما عرف مطلق النية بين المعنى المراد بها هنا الذي هو من شروط الصلاة،
446

وإلا فالنية غير خاصة بالصلاة قال ط: والمراد بقوله: على الخلوص الاخلاص لله تعالى على
معنى أنه لا يشرك معه غيره في العبادة ا ه‍.
أقول: هذا يوهم أنها لا تصح مع الرياء مع أن الاخلاص شرط للثواب للصحة، كما سيأتي
في الفروع أنه لو قيل لشخص صل الظهر ولك دينار فصلى بهذه النية ينبغي أن يجزيه، وأنه لا رياء
في الفرائض في حق سقوط الواجب، فهذا يقتضي صحة الشروع مع عدم الاخلاص، فليتأمل. ثم
رأيت الحموي في حواشي الأشباه اعترضه بقوله: فيه أن هذا إنما يستقيم في عبادة يترتب عليها
ثواب لا المنهيات المترتب عليها عقاب ا ه‍. قوله: (لا مطلق العلم الخ) أي ليست النية مطلق
العلم بالمنوي: أي سواء كان مع قصد وإرادة جازمة أو لا، وهذا رد على ما عن محمد بن سلمة من
أنه إذا علم عند الشروع أي صلاة يصلي فهذا القدر نية، وكذا في الصوم كما أوضحه في الدرر.
قال في الاحكام: لكن في المفتاح وشرح ابن ملك أن مراد ذلك القائل أن من قصد صلاة فعلم أنها
ظهر أو عصر أو نفل أو قضاء يكون ذلك نية فلا يحتاج إلى نية أخرى للتعيين إذا وصلها بالتحريمة،
وفيما أورده لم يوجد قصد إلى الكفر، وهذا القائل لم يدع أن مطلق العلم بشئ يكون نية، فلا يرد
عليه الاعتراض ا ه‍.
قلت: وحاصله أن النية التي هي الإرادة الجازمة لما كانت لا تتحقق إلا بتصور المراد وعلمه
وكان ذلك شرطا لصحتها شرعا ولازما لها لغة اقتصر عليه. قوله: (والمعتبر فيها عمل القلب) أي
أن الشرط الذي تتحقق به النية ويعتبر فيها شرعا العلم بالشئ بداهة الناشئ ذلك العلم عن الإرادة
الجازمة لا مطلق العلم ولا مجرد القول باللسان.
والحاصل أن معنى النية المعتبر في الشرع هو العلم المذكور، وهذا معنى ما نقل عن ابن
سلمة كما قدمناه؟ وأما قولهم: لا يصح تفسير النية بالعلم، فالمراد به مطلق العلم الخالي عن القصد
بقرينة الاعتراض المار، فافهم، لكن في جعله العلم من أعمال القلب مسامحة، لان العلم من
الكيفيات النفسانية كما حقق في موضعه. قوله: (إن خالف القلب) فلو قصد الظهر وتلفظ بالعصر
سهوا أجزأه كما في الزاهدي. قهستاني. قوله: (فيكفيه اللسان) أي بدلا عن النية.
واعترضه في الحلية بأنه يلزم عليه نصب الابدال بالرأي، لأنه إذا سقط الشرط للعجز فقد
يسقط إلى بدل ما في التيمم، أو بلا بدل كستر العورة، وقد يسقط المشروط كما في العاجز عن
الطهورين، فإثبات أحد هذه الاحتمالات لا بد له من دليل، وأين هو هنا فلا يجوز ا ه‍ موضحا
وأقره في البحر. ويؤيده ما سيأتي في الفصل الآتي من أن العاجز عن النطق لا يلزمه تحريك لسانه
للتكبير أو القراءة في الصحيح، لتعذر الأصل فلا يلزم غيره إلا بدليل ا ه‍. وأجاب الحموي بأنه صار
أصلا لا بدلا. وأقول: نصب الأصل أبلغ من البدل، فلا يجوز بالرأي بالأولى، ولا يبعد القول
بسقوط الأداء عمن وصل إلى هذه الحالة، فإن من لا يمكنه معرفة أي صلاة يصلي بمنزلة
المجنون، وسيذكر المصنف في باب صلاة المريض أنه لو اشتبه على المريض أعداد الركعات أو
447

السجدات لنعاس يلحقه لا يلزمه الأداء. قوله: (أن يعلم عند الإرادة الخ) قال الزيلعي: وأدناه أن
يصير بحيث لو سئل عنها أمكنه أن يجيب من غير فكر ا ه‍. واعترضه في البحر بأن هذا قول ابن
سلمة، ومقتضاه لزوم الاستحضار في أثناء الصلاة وعند الشروع. والمذهب جوازها بنية متقدمة
بشرطها المتقدم وإن لم يقدر على الجواب بلا تفكر ا ه‍.
أقول: أنت خبير بما قدمناه بأن قول ابن سلمة هو لزوم الاستحضار عند الشروع، وليس في
كلام الزيلعي اشتراط ذلك، بل هو بيان لأدنى العلم المعتبر في النية اللازم لها، سواء تقدمت أو
قارنت الشروع، ولدفع هذا التوهم قال الشارح: عند الإرادة: أي النية، ثم رأيت ط نبه على ذلك.
قوله: (وتكون بلفظ الماضي) مثل نويت صلاة كذا. قوله: (لأنه) أي الماضي. قوله: (في
الانشاءات) كالعقود والفسوخ ط. قوله: (وتصح بالحال) أي المضارع المنوي به الحال مثل أصلي
صلاة كذا. قوله: (وقيل سنة) عزاه في التحفة والاختيار إلى محمد، وصرح في البدائع بأنه لم يذكره
محمد في الصلاة بل في الحج، فحملوا الصلاة على الحج، واعترضهم في الحلية بما ذكره جماعة من
مشايخنا من أن الحج لما كان مما يمتد وتقع فيه العوارض والموانع ويحصل بأفعال شاقة استحب فيه
طلب التيسير والتسهيل، ولم يشرع مثله في الصلاة لان وقتها يسير ا ه‍. فهذه صريح في نفي قياس
الصلاة على الحج ا ه‍. وأقره في البحر وغيره، قوله: (يعني الخ) أشار به للاعتراض على المصنف
بأن معنى القولين واحد، سمي مستحبا باعتبار أنه أحبه علماؤنا، وسنة باعتبار أنه طريقة حسنة لهم لا
طريقة للنبي (ص) كما حرره في البحر ح. قوله: (إذ لم ينقل الخ) في الفتح عن بعض الحفاظ: لم
يثبت عنه (ص) من طريق صحيح ولا ضعيف أنه كأن يقول عند الافتتاح: أصلي كذا، ولا عن أحد من
الصحابة والتابعين، زاد في الحلية: ولا عن الأئمة الأربع، بل المنقول أنه (ص) كان إذا قام إلى الصلاة
كبر. قوله: (بل قيل بدعة) نقله في الفتح. وقال في الحلية: ولعل الأشبه أنه بدعة حسنة عند قصد
جميع العزيمة، لان الانسان قد يغلب عليه تفرق خاطره، وقد استفاض ظهور العمل به في كثير من
الاعصار في عامة الأمصار، فلا جرم أنه ذهب في المبسوط والهداية والكافي إلى أنه إن فعله ليجمع
عزيمة قلبه فحسن، فيندفع ما قيل إنه يكره ا ه‍. قوله: (وفي المحيط يقول الخ) هذا مقابل قوله:
ويكون بلفظ الماضي الخ وأشار بقوله كما سيجئ في الحج أي من أنه يقول فيه: اللهم إني
أريد الحج فيسره لي وتقبله مني إلى أن ذلك مقيس عليه، وفيه ما علمت. وقال في الحلية: ولو
سلم أن ذلك يفيد استنانها في الصلاة فإنما يفيد كونها بهذا اللفظ لا بنحو نويت أو أنوي كما عليه عامة
الملتفظين بها ما بين عامي وغيره ا ه‍. وحاصله أنه خلاف المستفيض فلا يقبل. قوله: (ولو قبل
الوقت) ذكر في الحلية عن ابن هبيرة أنه قال أبو حنيفة وأحمد، يجوز تقديم النية للصلاة بعد دخول
الوقت وقبل التكبير ما لم يقطعها بعمل ا ه‍. ثم قال: ولم أقف على التصريح باشتراط الوقت، وهو
448

إن صح مشكل، فإن المذهب أن النية شرط لا يشترط مقارنتها فلا يضر إيجادها قبل الوقت
واستصحابها إلى وقت الشروع بعد دخوله كغيرها من الشروط ا ه‍. وتبعه في البحر والنهر.
أقول: إن كان المراد باستصحابها عدم عزوبها عن قلبه إلى وقت الشروع كما اقتضاه قوله
واستصحابها إلى وقت الشروع، ففيه أن هذه نية مقارنة، والكلام في النية المتقدمة بلا اشتراط
استصحابها إلى وقت الشروع كما اقتضاه ما نقله الشارح عن البدائع، وهذه لا تصح إذا عزبت عنه
قبل الوقت، لأن النية وإن لم تشترط مقارنتها للشروع يشترط عدم المنافي لها، ولا يخفى أن عدم
دخول الوقت مناف لنية فرض الوقت لأنه لا يفرض قبل دخول وقته فليتأمل. قوله: (جاز) وأما
اشتراطهم عدم الفاصل بين النية والتكبير فالمراد به ما كان من أعمال الدنيا كما في التاترخانية. وفي
البحر: المراد به الفاصل الأجنبي، وهو ما لا يليق بالصلاة كالأكل والشرب والكلام، لأن هذه
الأفعال
تبطل الصلاة فتبطل النية، وأما المشي والوضوء فليس بأجنبي: ألا ترى أن من أحدث في
صلاته له أن يفعل ذلك ولا يمنعه من البناء ا ه‍. قوله: (ومفاده) أي مفاد ما في البدائع جواز تقديم
نية الاقتداء على الوقت كنية الصلاة، أو المراد تقديمها على شروع الامام، ويأتي تمام الكلام على
ذلك. ثم إن هذا المفاد ذكره في النهر بحثا وقال: ولم أر فيه غير ما علمت: أي لم ير فيه نقلا
صريحا غير ما يفيده كلام البدائع. قوله: (بينهما) أي بين النية والتكبيرة. قوله: (وهو كل ما يمنع
البناء) أي يمنع الذي سبقه الحدث من البناء على ما صلى احترازا عن المشي والوضوء، لكن في
هذه الكلية نظر، لان القراءة تمنع البناء أيضا، والظاهر أنها لا تفصل بين النية والتكبيرة، فالأولى
ذكر منع البناء على سبيل الاستيضاح كما نقلناه عن البحر آنفا. قوله: (وشرط الشافعي قرانها) أي
جمعها مع التكبير، وبه قال الطحاوي ومحمد بن سلمة.
مطلب: في حضور القلب والخشوع
وفي شرح المقدمة الكيدانية للعلامة القهستاني: يجب حضور القلب عند التحريمة، فلو اشتغل
قلبه بتفكر مسألة مثلا في أثناء الأركان فلا تستحب الإعادة. وقال البقالي: لم ينقص أجره إلا إذا
قصر، وقيل يلزم في كل ركن ولا يؤاخذ بالسهو لأنه معفو عنه، لكنه لم يستحق ثوابا كما في
المنية، ولم يعتبر قول من قال: لا قيمة لصلاة من لم يكن قلبه فيها معه، كما في الملتقط والخزانة
والسراجية وغيرها.
واعلم أن حضور القلب: فراغه عن غير ما هو ملابس له، وهو ها هنا العلم بالعمل بالفعل
والقول الصادرين عن المصلي وهو غير التفهم، فإن العلم بنفس اللفظ غير العلم بمعنى اللفظ ا ه‍.
قوله: (ولا عبرة بنية متأخرة) لان الجزء الخالي عن النية لا يقع عبادة فلا ينبني الباقي عليه، وفي
الصوم جوزت للضرورة بهنسي. حتى لو نوى عند (1) قوله الله قبل أكبر لا يجوز، لان الشروع
يصح بقوله الله، فكأنه نوى بعد التكبير، حلية عن البدائع. قوله: (إلى الركوع) فيه أن الكرخي لم

(1) قوله: (عند) لعله عقب ا ه‍. منه.
449

ينص على الركوع ولا غيره، وإنما اختلفوا في التخريج على قوله في أنه ينتهي إلى الثناء أو الركوع
أو الرفع منه أو القعود، أفاده ح. قوله: (وكفى الخ) أي بأن يقصد الصلاة بلا قيد نفل أو سنة أو
عدد. قوله: (لنفل) هذا بالاتفاق. قوله: (وسنة) ولو سنة فجر، حتى لو تهجد بركعتين ثم تبين أنها
بعد الفجر نابتا عن السنة، وكذا لو صلى أربعا ووقعت الأخريان بعد الفجر، وبه يفتى. خلاصة.
وكذا الأربع المنوي بها آخر ظهر أدركته عند الشك في صحة الجمعة، فإذا تبين صحتها ولا ظهر
عليه نابت عن سنة الجمعة على قول الجمهور لأنه يلغو الوصف ويبقى الأصل، وبه تتأدى السنة
كما بسطه في الفتح، وأقره في البحر والنهر، وهذا بخلاف ما لو قام في الظهر للخامسة فضم
سادسة لا تنوبان عن سنة الظهر لعدم كون الشروع مقصودا. قوله: (على المعتمد) أي من قولين
مصححين، وإنما اعتمد هذا لما في البحر من أنه ظاهر الرواية، وجعله في المحيط قول عامة
المشايخ، ورجحه في الفتح ونسبه إلى المحققين. قوله: (أو تعيينها (1) الخ) لان السنة ما واظب
عليها النبي (ص) في محل مخصوص، فإذا أوقعها المصلي فيه فقد فعل الفعل المسمى سنة،
والنبي (ص) لم يكن ينوي السنة بل الصلاة لله تعالى، وتمام تحقيقه في الفتح، قوله: (والتعيين) أي
بالنية أحوط: أي لاختلاف الصحيح. بحر. قوله: (ولا بد من التعيين الخ) فلو فاتته عصر فصلى
أربع ركعات عما عليه وهو يرى أن عليه الظهر لم يجز كما لو صلاها قضاء عما عليه وقد جهله،
ولذا قال أبو حنيفة فيمن فاتته صلاة واشتبهت عليه: إنه يصلي الخمس ليتيقن ا ه‍. فتح: أي لأنه
لا يمكنه تعيين هذه الفائتة إلا بذلك. وفي الأشباه: ولا يسقط التعيين بضيق الوقت، لأنه لو شرع
فيه منتقلا صح وإن كان حراما ا ه‍. قوله: (عند النية) أي سواء تقدمت على الشروع أو قارنته، فلو
نوى فرضا معينا وشرع فيه نسي فظنه تطوعا فأتمه على ظنه فهو على ما نوى كما في البحر. قوله:
(فلو جهل الفرضية) أي فرضية الخمس إلا أنه كان يصليها في مواقيتها لم يجز وعليه قضاؤها، لأنه
لم ينو الفرض إلا إذا صلى مع الامام ونوى صلاة الامام. بحر عن الظهيرية. قوله: (ولو علم الخ)
أي علم فرضية الخمس لكنه لا يميز الفرض من السنة والواجب. قوله: (جاز) أي صح فعله.
قوله: (وكذا لو أم غيره الخ) يعني أن من لا يميز الفرض من غيره إذا نوى الفرض في الكل جاز
كونه إماما أيضا فيصح الاقتداء به، لكن في صلاة لا سنة قبلها: أي في صلاة لم يصل قبلها مثلها
في عدد الركعات، لأنه لو صلى قبلها مثلها سقط عنه الفرض وصار ما بعده نفلا فلا يصح اقتداء
المفترض به. قوله: (لفرض) متعلق بالتعيين، قال في الأشباه: ولم أر حكم نية الفرض العين في
فرض العين وفرض الكفاية في فرض الكفاية، وأما المعادة لترك واجب فلا شك أنها جابرة لا
فرض، فعليه ينوي كونها جابرة. وأما على القول بأن الفرض لا يسقط إلا بها فلا خفاء في اشتراط
نية الفرضية ا ه‍. ونقل البيري عن الامام السرخسي أن الأصح القول الثاني. قوله: (أنه ظهر) بفتح
الهمزة مفعول التعيين أو على حذف الجار: أي بأنه. قوله: (قرنه باليوم أو الوقت أو لا) أي لم

(1) قوله: (أو تعيينها) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح (إذ تعيينها) وهو الصواب تأمل ا ه‍. مصححه.
450

يقرنه بشئ منهما، وشمل إطلاقه في هذه الثلاثة ما إذا كان ذلك في الوقت أو خارجه مع علمه
بخروجه أو مع الجهل، فالمسائل تسع من ضرب ثلاثة في ثلاثة، أما إن قرنه باليوم بأن نوى ظهر
اليوم فيصح في الصور الثلاث كما سيذكره الشارح. وأما إن قرنه بالوقت بأن نوى ظهر الوقت: فإن
كان في الوقت صح قولا واحدا، وإن كان خارجه مع العلم بخروجه فيصح أيضا على ما فهمه
الشرنبلالي من عبارة الدرر في حاشيته عليها، لان وقت العصر ليس له ظهر فيراد به الظهر الذي
يقضى في هذا الوقت، وإن كان خارجه مع الجهل فلا يصح كما في الفتح والخانية والخلاصة
وغيرها، وبه جزم المصنف والشارح فيما سيأتي، وهو الذي فهمه في النهر من عبارة الزيلعي خلافا
لما فهمه منها في البحر، وهو ما اقتضاه إطلاق الشارح هنا من أنه يصح، ونقل في المنية عن
المحيط أنه المختار، لكن رده في شرح المنية، بل قال في الحلية: إنه غلط، والصواب ما في
المشاهير (1) من أنه لا يصح. وأما إذا لم يقرنه بشئ بأن نوى الظاهر وأطلق، فإن كان في الوقت
ففيه قولان مصححان: قيل لا يصح لقبول الوقت ظهر يوم آخر، وقيل يصح لتعين الوقت له،
ومشى عليه في الفتح والمعراج والأشباه، واستظهره في العناية. ثم قال: وأقول الشرط المتقدم،
وهو أن يعلم بقلبه أي صلاة يصلي يحسم مادة هذه المقالات وغيره، فإن العمدة عليه لحصول
التمييز به وهو المقصود ا ه‍. وإن كان خارجه مع الجهل بخروجه. ففي النهر أن ظاهر ما في
الظهيرية أنه يجوز على الأرجح، وإن كان مع العلم به فبحث ح أنه لا يصح وخالفه ط. قلت: وهو
الأظهر، لما مر عن العناية: وأما إذا نوى فرض اليوم أو فرض الوقت فسيأتي بأقسامه التسع،
فافهم. قوله: (هو الأصح) قيد لقوله: أولا أي إذا نوى الظهر ولم يقرنه باليوم أو الوقت وكان في
الوقت فالأصح الصحة كما في الظهيرية، وكذا في الفتح وغيره كما قدمناه، وهو رد على ما في
الخلاصة من أنه لا يصح كما نقله في البحر والنهر لا على ما في الظهيرية، فافهم. قوله: (لكنه
يعين الخ) أي يعين الصلاة ويومها، أشباه، وهذا عند وجود المزاحم، أما عند عدمه فلا، كما لو
كان في ذمته ظهر واحد فائت فإنه يكفيه أن ينوي ما في ذمته من الظهر الفائت وإن لم يعلم أنه من
أي يوم. حلية، فافهم. قوله: (على المعتمد) مقابله ما في المحيط من أنه إذا سقط الترتيب بكثرة
الفوائت تكفيه نية الظهر لا غير ا ه‍: أي لا يلزم تعيين اليوم قياسا على الصوم. قوله: (والأسهل
الخ) أي فيما إذا وجد المزاحم كظهرين من يومين جعل تعيينهما. قوله: لا يشترط ذلك) أي نية
أول ظهر أو آخره، بل تكفيه نية الظهر لا غير كما مر عن المحيط. قوله: (وسيجئ) أي ما صححه
القهستاني في آخر الكتاب في مسائل شتى متنا تبعا لمتن الكنز، ونقل الشارح هناك عن الأشباه أنه
مشكل ومخالف لما ذكره أصحابنا كقاضيخان وغيره، والأصح الاشتراط. قلت: وكذا صححه في
متن الملتقى هناك، فقد اختلف التصحيح، والاشتراط أحوط، وبه جزم في الفتح هنا. قوله:
(وواجب) بالجر عطفا على قوله: لفرض وقد عد منه في البحر قضاء ما أفسده من النفل والعيدين

(1) قوله: (المشاهير) هكذا في النسخة المجموع منها، والذي بخطه كلمة أخرى عم سواد المداد معظم حروفها
فانطمست ا ه‍. مصححه.
451

وركعتي الطواف، وزاد في الدرر الجنازة، لكن في الأشباه: والخطبة لا يشترط لها نية الفرضية وإن
شرطنا لها النية لأنه لا يتنفل بها، وينبغي أن تكون صلاة الجنازة كذلك لأنها لا تكون إلا فرضا كما
صرحوا به، ولذا لا تعاد نفلا ا ه‍. ويؤيده نصهم على أنه ينوي فيها الصلاة لله تعالى والدعاء
للميت، ولم يذكروا تعيين الفرضية. قوله: (أنه وتر) أشار إلى أنه لا ينوي فيه أنه واجب للاختلاف
فيه زيلعي: أي لا يلزمه تعيين الوجوب، وليس المراد منعه من أن ينوي وجوبه، لأنه إن كان حنفيا
ينبغي أن ينويه ليطابق اعتقاده، وإن كان غيره لا تضره تلك، ذكره في البحر في باب الوتر.
ثم اعلم أن ما في شرح العيني من قوله: وأما الوتر، فالأصح أنه يكفيه مطلق النية مشكل، لان
ظاهره أن يكفيه نية مطلق الصلاة كالنفل، إلا أن يحمل على ما ذكرناه عن الزيلعي من إطلاق نية
الوتر، ولذا قال: يكفيه مطلق النية، ولم يقل مطلق نية الصلاة، وبينهما فرق دقيق، ففيه إشارة خفية
إلى ما قلنا، فتدبر. قوله: (أو نذر) هو قد يكون منجزا أو معلقا على نحو شفاء مريض أو قدوم
غائب، فالظاهر أنه لا بد من تعيينه بذلك لاختلاف أسبابه واختلاف أنواع ما علق عليه، بدليل عدم
الاكتفاء في الفرض بدون تخصيصه بنحو الظهر، أفاده ح. قلت: هذا إنما يظهر عند وجود المزاحم،
كما لو كان عليه نذر منجز ومعلق، أو نذران علقا على أمرين، وإلا فلا كما قدمناه آنفا عن الحلية في
قضاء الفائتة، فافهم. قوله: (أو سجود تلاوة) إلا إذا تلاها في الصلاة وسجدها فورا، ولا يجب تعيين
السجدات التلاوية لو تكررت التلاوة كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى. قوله: (وكذا شكر بخلاف
سهو) الذي رأيته في النهر بحثا عكس ما ذكره الشارح، ولعل الأوجه ما هنا بالنسبة إلى سجود الشكر
فقط، لان السجود قد يكون لسبب كالتلاوة والشكر، وقد يكون بدونه كما يفعله العوام بعد الصلاة
وهو مكروه كما نص عليه الزاهدي، فلما وجد المزاحم لا بد من التعيين لبيان السبب وإلا كان
مكروها اتفاقا. ويبتنى على ذلك ما لو نام في ذلك السجود أو تيمم لأجله، فإن كان سجودا مشروعا
تنتقض طهارته وتصح صلاته بذلك التيمم، وإلا فلا كما ذكره في ثمرة الاختلاف بين الامام وصاحبيه
في مشروعية سجدة الشكر وعدمها، فظهر أنه لا بد من تعيينها ليتميز المشروع عن غيره.
لا يقال: إن النفل لا يشترط فيه التعيين كما مر، وسجدة الشكر على القول بمشروعيتها نفل
فلا يشترط تعيينها أيضا. لأنا نقول: هذا خارج عن هذا الحكم بدليل أن الصلاة عبادة في ذاتها ولا
تنتفي عنها المشروعية إلا بسبب عارض، بخلاف السجود خارج الصلاة فإنه ليس عبادة في نفسه بل
بعارض شكر أو تلاوة مثلا، فمطلق الصلاة ينصرف إلى النفل المشروع فلذا لم يشترط تعيينه،
بخلاف مطلق السجود فإنه ينصرف إلى غير المشروع لأنه لم يشرع إلا بسبب، فلا بد من تعيين
ذلك السبب ليكون مشروعا، وليتميز عن غيره من المزاحمات له في المشروعية من تلاوة وسهو،
فافهم، هذا ما ظهر لفهمي القاصر.
وأما سجود السهو فأفاد ح أنه لما كان جابرا لنقص واجب في الصلاة كان بدله، ولا يشترط
نية أبعاض الصلاة فكذلك بدله ا ه‍. ثم رأيت في الأشباه قال: ولا تصح صلاة مطلقا إلا بنية، ثم
قال: وسجود التلاوة كالصلاة، وكذا سجدة الشكر وسجود السهو ا ه‍. ولعل هذا هو الأظهر.
تتمة: لم يذكر السجدة الصلبية، وحكمها أن يجب نيتها إذا فصل بينها وبين محلها بركعة، فلو
بأقل فلا كما في الفتاوى الهندية، فتأمل. قوله: (فلا يضر الخطأ في عددها) الظاهر أن الخطأ غير
452

قيد. وفي الأشباه: الخطأ فيما لا يشترط له التعيين لا يضر، كتعيين مكان الصلاة وزمانها وعدد
الركعات: ومنه إذا عين الأداء فبان أن الوقت قد خرج أو القضاء فبان أنه باق ا ه‍. ونقل في جامع
الفتاوى ظن الخانية أن الأفضل أن ينوي أعداد الركعات، ثم قال: وقيل يكره التلفظ بالعدد لأنه
عبث لا حاجة إليه ا ه‍. ولا يخلو القول الثاني عن تأمل. قوله: (وينوي المقتدي) أما الامام فلا
يحتاج إلى نية الإمامة كما سيأتي. قوله: (لم يقل أيضا) أي كما في الكنز والملتقى وغيرهما. قوله:
(صح في الأصح) كذا نقله الزيلعي وغيره بحر.
قلت: لكن ذكر المسألة الأولى في الخانية وقال: لا يجوز، لان الاقتداء بالامام كما يكون في
الفرض يكون في النفل. وقال بعضهم: يجوز ا ه‍. قال في شرح المنية: فظهر أن الجواز قول
البعض وعدمه هو المختار.
أقول: يؤيده قول المتون ينوي المتابعة أيضا، وكذا قول الهداية: ينوي الصلاة ومتابعة
الامام، ومثله في المجمع وكثير من الكتب، بل قال في المنبع: إنه بالاجماع. وأما المسألة الثانية
فلا تخالف ما في المتون لان فيها التعيين مع المتابعة، ولهذا قال في الخانية: أنه لما نوى الشروع
في صلاة الامام صار كأنه نوى فرض الامام مقتديا به ا ه‍ فتدبر. ومقتضاه أنه صح شروعه وصار
مقتديا وإن لم يصرح بنية الاقتداء، لكن في الفتح: إذا نوى الشروع في صلاة الإمام قال ظهير
الدين: ينبغي أن يزيد على هذا واقتديت به. قوله: (وإن لم يعلم بها) أي بصلاة الامام. قوله: (تبعا
لصلاة الامام) الأولى تبعا للامام كما عبر الزيلعي. قوله: (لعدم نية الاقتداء) علة لقوله: بخلاف
الخ. أما في الأول فلانه إنما عين الصلاة فقط ولا يلزم منه نية الاقتداء. وأما الثاني فلان الانتظار قد
يكون للاقتداء وقد يكون بحكم العادة، فلا يصير مقتديا بالشك كما في البدائع. وقيل إذا انتظر ثم
كبر صح، واستحسنه في شرح المنية لقيامه مقام النية.
قلت: لا يخفى أن الكلام عن عدم خطور الاقتداء في قلبه وقصده له وإلا كانت النية موجودة
حقيقية. قوله: (في جمعة) استثناء من المتن: أي فيكفيه التعيين عن نية الاقتداء أو من قوله:
بخلاف ما لو نوى صلاة الامام. قوله: (وجنازة وعيد) نقلهما في الاحكام عن عمدة المفتي.
قوله: (لاختصاصها) أي الثلاثة المذكورة بالجماعة فتكون نيتها متضمنة لنية الاقتداء. قال في
الاحكام: لكن في صلاة الجنازة بحث، إلا أن يقال: لما كانت لا تتكرر وكان الحق للولي في
الإمامة لم تكن إلا مع الامام ا ه‍. فعلى هذا يقيد ذلك بغير الولي، فلو أم بها من لا ولاية له ثم
حضر الولي لا بد له مع التعيين من نية الاقتداء بذلك الامام وإلا كان شارعا في صلاة نفسه، لان له
الإعادة ولو منفردا فلا اختصاص في حقه. قوله: (ولو نوى فرض الوقت الخ) اعلم أنه يتأتى هنا
تسع مسائل أيضا كما ذكرناه سابقا، لأنه إما أن يقرن الفرض بالوقت أو باليوم أو يطلق، وفي كل إما
أن يكون في الوقت أو خارجه مع العلم بخروجه أو مع عدمه، فإن قرنه باليوم بأن نوى فرض اليوم
453

لا يصح بأقسامه الثلاث، لان فرض اليوم متنوع، ومثله ما لو أطلق، وإن قرنه بالوقت، فإن في
الوقت جاز وهو ما ذكره المصنف، وإن خارجه مع العلم بخروجه فقال ح: لا يجوز.
قلت: وهو المتبادر من قول الأشباه عن البناية (1): لو نوى فرض الوقت بعد ما خرج الوقت
لا يجوز، وإن شك في خروجه جاز ا ه‍. لكنه خلاف ما يفهم من قول الزيلعي الآتي: وهو لا
يعلمه، فليتأمل، وإن كان مع عدم العلم بخروجه لا يجوز لقول الزيلعي: يكفيه أن ينوي ظهر لوقت
مثلا أو فرض الوقت والوقت باق لوجود التعيين، ولو كان الوقت قد خرج وهو لا يعلمه لا يجوز
لان فرض الوقت في هذه الحالة غير الظهر اه‍.
وفي التاترخانية: وإن صلى بعد خروج الوقت وهو لا يعلمه فنوى فرض الوقت لا يجوز وهو
الصحيح لكن يخالفه قول الأشباه المار آنفا وإن شك في خروجه جاز. وقد يجاب بأنه مبني على
خلاف الصحيح وأما الجواب بالتفرقة بين الشك وعدم العلم ففيه نظر، لان من لم يعلم خروج
وقت الظهر مثلا ونوى فرض الوقت يكون مراده وقت الظهر لأنه يظن بقاءه، ومع هذا قلنا: الصحيح
أنه لا يجوز، فمن شك في بقائه وخروجه يكون أولى بعدم الجواز، فافهم. قوله: (لأنها بدل) أو
لان فرض الوقت عندنا الظهر لا الجمعة، ولكن قد أمر بالجمعة لاسقاط الظهر، ولذا لو صلى
الظهر قبل أن تفوته الجمعة صحت عندنا، خلافا لزفر والثلاثة وإن حرم الاقتصار عليها. شرح
المنية، لكن سيأتي في الجمعة اعتمادا أنها أصل لا بدل، وهو ضعيف كما سنوضحه هناك إن شاء
الله تعالى. قوله: (في اعتقاده) تفسير لقوله: عنده فهو على حذف أي ط. قوله: (ولو في
الجمعة) كذا في الشرنبلالية، ولم يظهر لي وجهه ا ه‍ ح.
أقول: لعل المراد أنه لو نوى المعذور ظهر الوقت يوم الجمعة جاز: أبلا فرق بين أن
يكون اعتقاده أنها فرض الوقت أولا، فتظهر فائدة ذكره هنا. وأمنية الظهر في صلاة الجمعة فلا
تصح كما في الاحكام عن النافع. وفيه عن فيض الغفار شرح المختار: لو نوى ظهر الوقت في غير
الجمعة إن في الوقت جاز على الصحيح، فقوله في غير الجمعة، احتراز عن الجمعة. قوله: (وهو
لا يعلمه) أي لا يعلم خروجه، ومفهومه أنه لو علمه يصح كما قدمناه عن الشرنبلالية. قوله: (لا
يصح في الأصح) بل قدمنا عن الحلية أنه هو الصواب، خلافا لما فهمه في البحر وإن رجحه
المحشي. قوله: (ومثله فرض الوقت) أي مثل ظهر الوقت في أنه بعد خروج الوقت وهو لا يعلمه
لا يصح في الأصح كما قدمناه آنفا عن التاترخانية والزيلعي، خلافا لما في الأشباه فإنه خلاف
الأصح كما علمت، فافهم، قوله: (لجوازه مطلقا) أي وإن كان الوقت قد خرج لأنه نوى ما عليه،
وهو مخلص لمن يشك في خروج الوقت ا ه‍ زيلعي: أي بخلاف ظهر الوقت، لان الظهر لا يخرج
عن كونه ظهر اليوم بخروج الوقت، ويخرج عن كونه ظهر لوقت بخروجه لصحة تسميته ظهر اليوم

(1) قوله: (عن البناية) هو شرح الهداية لشيخ الاسلام العيني رحمه الله ا ه‍. منه.
454

لا ظهر الوقت، لان الوقت ليس له، إذ اللام للعهد لا للجنس، فلا يضاف إليه ا ه‍ شرح المنية.
مطلب: يصح القضاء بنية الأداء وعكسه
قوله: (لصحة القضاء بنية الأداء الخ) هذا التعليل إنما يظهر إذا نوى الأداء، أما إذا تجردت
نيته فلا ا ه‍. ط والمناسب ما في الأشباه عن الفتح: لو نوى الأداء على ظن بقاء الوقت فتبين
خروجه أجزأه، وكذا عكسه، ثم مثل له ناقلا عن كشف الاسرار بقوله: كنية من نوى أداء ظهر اليوم
بعد خروج الوقت على ظن أن الوقت باق، وكنية الأسير الذي اشتبه عليه رمضان فتحرى شهرا
وصامه بنية الأداء فوقع صومه بعد رمضان، عكسه كنية من نوى قضاء الظهر على ظن أن الوقت قد
خرج ولم يخرج بعد، وكنية الأسير الذي صام رمضان بنية القضاء على ظن أنه قد مضى والصحة فيه
باعتبار أنه أتى بأصل النية، ولكن أخطأ في الظن، والخطأ في مثله معفو عنه ا ه‍.
أقول: ومعنى كونه أتى بأصل النية أنه قد عين في قلبه ظهر اليوم الذي يريد صلاته فلا يضر
وصفه له بكونه أداء أو قضاء، بخلاف ما إذا نوى صلاة الظهر قضاء وهو في وقت الظهر ولم ينو
صلاة هذا اليوم لا يصح عن الوقتية، لأنه بنية القضاء صرفه عن هذا اليوم ولم توجد منه نية الوقتية
حتى يلغو وصفه بالقضاء فلم يوجد التعيين، وكذا لو نواه أداء وكانت عليه ظهر فائتة لا يصح عنها
وإن كان قد صلى لوقتية لما قلنا.
مطلب: مضى عليه سنوات وهو يصلي الظهر قبل وقتها
وبهذا ظهر الجواب عن مسألة ذكرها بعض الشافعية، وهي: لو مضى عليه سنوات وهو يصلي
الظهر قبل وقتها فهل عليه قضاء ظهر واحدة أو الكل؟ فأجاب بعضهم بالأول بناء على أنه لا تشترط
نية القضاء فتكون صلاة كل يوم قضاء لما قبله، وخالفه غيره. ووافق بعض المحققين منهم بأنه إن
نوى كل يوم صلاة ظهر مفروضة عليه بلا تقييد بالتي ظن دخول وقتها الآن تعين ما قاله الأول، وإن
نواها عن التي ظن دخول وقتها الآن وعبر عنها بالأداء أو لا تعين الثاني لصرفه لها عن الفائتة بقصده
الوقتية ا ه‍.
ولا يخفى أن هذا التفصيل موافق لقواعد مذهبنا، أما الأول فلما قدمناه عن الزيلعي فيمن نوى
ظهر اليوم بعد خروجه من أنه يصح لأنه نوى ما عليه ولم يوجد المزاحم هنا حتى يلزمه تعيين يوم
الفائتة فيكفيه نية ما في ذمته كما مر عن الحلية، وأما الثاني فلما قررناه آنفا. ثم رأيت التصريح
بذلك عندنا في الصوم، وهو ما لو صام الأسير بالتحري سنين ثم تبين أنه صام في كل سنة قبل شهر
رمضان، فقيل يجوز صومه في كل سنة عما قبلها، وقيل لا. قال في البحر: وصحح في المحيط أنه
إن نوى صوم رمضان مبهما يجوز عن القضاء وإن نوى عن السنة مفسرا فلا ا ه‍. قال في البدائع:
ومثل له أبو جعفر بمن اقتدى بالامام على ظن أنه زيد فإذا هو عمرو ص، ولو اقتدى بزيد، فإذا هو
عمرو لم يصح، لأنه في الأول اقتدى بالامام إلا أنه أخطأ في ظنه فلا يقدح: وفي الثاني اقتدى
بزيد، فإذا لم يكن زيدا تبين أنه لم يقتد بأحد، فكذا هنا إذا نوى صوم كل سنة عن الواجب عليه
تعلقت نية الواجب بما عليه لا بالأولى والثانية، إلا أنه ظن أنه للثانية فأخطأ في ظنه فيقع عن
الواجب عليه لا عما ظن انتهى.
وحاصله أنه إذا نوى الصوم الواجب عليه لا بقيد كونه عن سنة مخصوصة صح عن السنة الماضية
وإن كان يظن أنه لما بعدها، فاغتنم هذا التحرير. قوله: (ومصلي الجنازة) شروع في بيان التعيين في
455

صلاة الجنازة ط. قوله: (ينوي الصلاة لله الخ) كذا في المنية. قال في الحلية وفي المحيط الرضوي
والتحفة والبدائع: ينبغي أن ينوي صلاة الجمعة وصلاة العيدين وصلاة الجنازة وصلاة الوتر، لان
التعيين يحصل بهذا ا ه‍. وأما ما ذكره المصنف فليس بضربة لازب. ويمكن أن يكون إشارة إلى أنه لا
ينوي الدعاء للميت فقط نظرا إلى أنه لا ركوع فيها ولا سجود ولا قراءة ولا تشهد ا ه‍.
أقول: وهذا أظهر مما في جامع الفتاوى، من أنه لا بد مما ذكره المصنف، وأنه لو كان الميت
ذكرا فلا بد من نيته في الصلاة، وكذلك الأنثى والصبي والصبية، ومن لم يعرف أنه ذكر أو أنثى
يقول: نويت أن أصلي الصلاة على الميت الذي يصلي عليه الامام ا ه‍، فليتأمل. ويأتي قريبا ما
يؤيد الأول. هذا، وذكر ح. بحثا أنه لا بد من تعيين السبب وهو الميت أو الأكثر، فإن أراد الصلاة
على جنازتين نواهما معا أو على إحداهما فلا بد من تعيينها، ويؤيده ما يذكره الشارح عن الأشباه.
قوله: (لأنه الواجب عليه) كذا قاله الزيلعي وتبعه في البحر والنهر، ووجهه ما ذهب إليه المحقق ابن
الهمام حيث قالوا: المفهوم من كلامهم أن أركانها الدعاء والقيام والتكبير، لقولهم: إن حقيقتها هي
الدعاء وهو المقصود منها ا ه‍. وفي النتف: هي في قول أبي حنيفة وأصحابه دعاء على الحقيقة،
وليست بصلاة، لأنه لا قراءة فيها ولا ركوع ولا سجود ا ه‍. فحيث كان حقيقتها الدعاء كان وجوبها
باعتبار الدعاء فيها. وإن قلنا: إنه ليس بركن فيها على ما اختاره في البحر وغيره كما سيأتي في
الجنائز، وحينئذ فالضمير في قوله: لأنه الواجب يعود على الدعاء. أما على القول بالركنية
فظاهر، وإنما خص من بين سائر أركانها لأنه المقصود منها، وأما على القول بالسنية فلان المراد
بالدعاء ماهية الصلاة لا نفس الدعاء الموجود فيها، لما علمت من أن حقيقتها الدعاء لان المصلي
شافع للميت، فهو داع له بنفس هذه الصلاة وإن لم يتلفظ بالدعاء، فكأنه قيل: لان الصلاة هي
الواجبة عليه، هكذا ينبغي حل هذا المحل، فافهم. قوله: (فيقول الخ) بيان للنية الكاملة ا ه‍ ح.
قلت: وفي جنائز الفتاوى الهندية عن المضمرات أن الامام والقوم ينوون ويقولون: نويت أداء
هذه الفريضة عبادة لله تعالى متوجها إلى الكعبة مقتديا بالامام، ولو تفكر الامام بالقلب أن يؤدي صلاة
الجنازة يصح، ولو قال المقتدي: اقتديت بالامام، يجوز ا ه‍. وبه ظهر أن الصيغة التي ذكرها
المصنف غير لازمة في نيتها بل يكفي مجرد نيته في قلبه أداء صلاة الجنازة كما قدمناه عن الحلية،
وأنه لا يلزمه تعيين الميت أنه ذكر أو أنثى خلافا لما مر عن جامع الفتاوى. قوله: (لم يجز) لان
الميت كالامام، فالخطأ في تعيينه كالخطأ في تعيين الامام ا ه‍ ح: أي لأنه لما عين لزم ما عينه وإن
كان أصل التعين غير لازم على ما عرفته آنفا. في ط عن البحر: ولو نوى الصلاة عليه يظنه فلانا فإذا
هو غيره يصح، ولو نوى الصلاة على فلان فإذا هو غيره لا يصح، ولو على هذا الميت الذي هو
فلان فإذا هو غيره جاز لأنه عرفه بالإشارة فلغت التسمية ا ه‍. وعليه فينبغي تقييد عدم الجواز في
مسألتنا بما إذا لم يشر إليه. تأمل. قوله: (وأنه لا يضر الخ) أي إذا عين عددهم لا يضره التعيين
المذكور في حالة من الأحوال سواء وافق ما عين أو خالفه إلا إذا كانوا أكثر مما عين، وهذا معنى
456

صحيح لهذا التركيب لا شئ فيه سوى التغيير في وجوه الحسان، فافهم. قوله: (إلا إذا بان الخ) هذا
ظاهر إذا كان إماما، فلو مقتديا (1) وقال: أصلي على ما صلى عليه الامام، وهم عشرة فظهر أنهم أكثر
لا يضر، وينبغي أن يقيد عدم الاجزاء بما إذا قال: أي الامام: أصلي على العشرة الموتى مثلا، أما
إذا قال: أصلي على هؤلاء العشرة، فبان أنهم أكثر فلا كلام في الجواز لوجود الإشارة ا ه‍. بيري.
قوله: (لعدم نية الزائد) لا يقال: مقتضاه أن تصح الصلاة على القدر الذي عينه عددا. لأنا نقول: لما
كان كل يوصف بكونه زائدا على المعين بطلت ط. قوله: (والامام ينوي صلاته فقط الخ) لأنه منفرد
في حق نفسه. بحر: أي فيشترط في حقه ما يشترط في حق المنفرد من نية صلاته على الوجه المار بلا
شئ زائد بخلاف المقتدي، فالمقصود دفع ما قد يتوهم من أنه كالمقتدي يشترط له نية الإمامة كما
يشترط للمقتدي نية الاقتداء لاشتراكهما في الصلاة الواحدة. والفرق أن المقتدي يلزمه الفساد من
جهة إمامه فلا بد من التزامه، كما يشترط للامام نية إمامة النساء لذلك كما يأتي.
والحاصل ما قاله في الأشباه من أنه لا يصح الاقتداء إلا بنيته، وتصح الإمامة بدون نيتها،
خلافا للكرخي وأبي حفص الكبير ا ه‍، لكن يستثنى من كانت إمامته بطريق الاستخلاف فإنه لا يصير
إماما ما لم ينو الإمامة بالاتفاق كما نص عليه في المعراج في باب الاستخلاف، وسيأتي هناك.
قوله: (بل لنيل الثواب) معطوف على قوله: (لصحة الاقتداء) أي بل يشترط نية إمامة المقتدي لنيل
الامام ثواب الجماعة، وقوله: (عند اقتداء أحد به) متعلق بنيته التي هي نائب فاعل يشترط المقدر
بعد، بل وقوله: لا قبله معطوف عليه: أي لا يشترط لنيله الثواب نية الإمامة قبل الاقتداء، بل
يحصل بالنية عنده أو قبله، فقوله: لا قبله نفي لاشتراط نيل الثواب بوجود النية قبله لا نفي
للجواز، ولا يخفى أن نفي الاشتراط لا ينافي الجواز، فافهم. قوله: (لو أم رجالا قيد لقوله: ولا
يشترط الخ. قوله: (فلا يحنث الخ) تفريع على قوله: ولا يشترط قال في البحر: لان شرط
الحنث أن يقصد الإمامة ولم يوجد ما لم ينوها ا ه‍. لكن قال في الأشباه: ولو حلف أن لا يؤم أحدا
فاقتدى به إنسان صح الاقتداء، وهل يحنث؟ قال في الخانية: يحنث قضاء لا ديانة إلا إذا أشهد قبل
الشروع فلا حنث قضاء، وكذا لو أم الناس هذا الحالف في صلاة الجمعة صحت وحنث قضاء، ولا
يحنث أصلا إذا أمهم في صلاة الجنازة وسجد سجدة التلاوة، ولو حلف أن لا يؤم فلانا فأم الناس
ناويا أن لا يؤمه ويؤم غيره فاقتدى به فلان وحنث وإن لم يعلم به ا ه‍: أي لأنه إذا
كان إماما لغيره كان إماما له أيضا، إلا إن نوى إذا أن يؤم الرجال دون النساء فلا يجزيهن كما في النتف.
بقي وجه حنثه قضاء في الصورة الأولى أن الإمامة تصح بدون نية كما قدمناه ولذا صحت منه
الجمعة مع أن شرطها الجماعة، لكن لما كان لا يلزمه الحنث بدون التزامه لم يحنث ديانة إلا بنية

(1) قوله: (فلو مقتديا الخ) اي لو كان الذي عين وأخطأ في التعيين هو المقتدي دون الامام فحكمه ما ذكر، فاعترض
بعض المحشين بان نيته تابعة لنية امامه وقد عين امامه العشرة فصلاته غير صحيحة لعدم صحة صلاة امامه كما هو
ظاهر ناشئ عن عدم التأمل ا ه‍. منه.
457

الإمامة، كذا ظهر لي فتأمل. قوله: (في غير صلاة جنازة) أما فيها فلا يشترط نية إمامتها إجماعا كما
يذكره. قوله: (لصحة صلاتها) الأنسب بالمقام لصحة اقتدائها. قوله: (من نية إماميتها) أي وقت
الشروع، لا بعده كما سيذكره في باب الإمامة. ويشترط حضورها عند النية في رواية، وفي أخرى لا،
واستظهرها في البحر. قوله: (لئلا يلزم الخ) حاصله أنه لو صح اقتداؤه بلا نية لزم عليه إفساد صلاته
إذا حاذته بدون التزامه وذلك لا يجوز، والتزامه إنما هو بنية إمامتها. قوله: (بالمحاذاة) أي عند وجود
شرائطها الآتية في باب الإمامة. قوله: (كجنازة) فإنه لا يشترط لصحة اقتداء المرأة فيها نية إمامتها
إجماعا، لان المحاذاة فيها لا تفسدها. قوله: (على الأصح) حكوا مقابله عن الجمهور. قوله: (وعليه)
أي على القول بأنه لا يشترط لصحة اقتدائها نية إمامتها فيصح اقتداؤها، لكن إن لم تتقد بعد ولم تحاذ
أحدا من إمام أو مأموم بقي اقتداؤها وتمت صلاتها، وإلا: أي وإن تقدمت وحاذت أحدا لا يبقى
اقتداؤها ولا تتم صلاتها كما في الحلية فليس ذلك شرطا في الجمعة والعيد فقط، فافهم. قوله:
(مطلقا) أي للقريب المشاهد وغيره، لان إصابة الجهة تحصل بلا نية العين وهي شرط، فلا يشترط لها
النية كباقي الشرائط. قوله: (على الراجح) مقابله ما قيل: إن الفرض إصابة العين للقريب والبعيد، ولا
يمكن ذلك للبعيد إلا من حيث النية فانتقل ذلك إليها. قوله: (لم يجز) لان المراد بالكعبة العرصة لا
البناء، والمحراب علامة عليها، والمقام: هو الحجر الذي كان يقوم عليه الخليل عليه الصلاة والسلام
عند بناء البيت. قوله: (مفرع على المرجوح) كذا في البحر عن الحلية وهو ظاهر، لان من اشترط نية
الكعبة لا يجوز الصلاة بدونها، فإذا نوى غيرها لا تجوز الصلاة عنده بالأولى، وقد علمت أن الكعبة
اسم للعرصة، فإذا نوى البناء أو المحراب أو المقام فقد نوى غير الكعبة، أما على القول الراجح من
أنه لا تشترط نيتها فلا يضره نية غيرها بعد وجود الاستقبال الذي هو الشرط، لكن اعترضه الشيخ
إسماعيل بأنه غير مسلم لما في البدائع من أن الأفضل أن لا ينوي الكعبة، لاحتمال أن لا تحاذي هذه
الجهة الكعبة فلا تجوز صلاته ا ه‍. فإن مفهومه أنه إذا استقبل غير ما نوى لا تجوز صلاته، لكن لا يخفى
أنه ليس فيه دلالة، على أنه إذا نوى البناء ونحوه لا تجوز صلاته بل يدل على أن الأفضل عدم ذلك،
فما ذكره الشارح تبعا للبحر والحلية صحيح، فافهم، نعم ذكر في شرح المنية أن نية القبلة وإن لم
تشترط، لكن عدم نية الاعراض عنها شرط ا ه‍، وعليه فهو مفرع على الراجح. قوله: (صح) لأنه
نوى الاقتداء بالامام الموجود فلا يضره ظنه، بخلاف اسمه، قال في الحلية: لان العبرة لما نوى لا
لما يرى ا ه‍. ويظهر منه أن مثله ملو اعتقد أنه زيد لأنه جازم بالاقتداء بهذا الامام، فافهم.
مطلب: إذا اجتمعت الإشارة والتسمية
قوله: (إلا إذا عينه باسمه) أي لم ينو الاقتداء بالامام الموجود، وإنما نوى الاقتداء بزيد سواء
تلفظ باسمه أو لا، لما في المنية: إلا إذا قال اقتديت بزيد أو نوى الاقتداء بزيد ا ه‍. فإذا ظهر أنه
458

عمرو لا يصح الاقتداء، لان العبرة لما نوى. حلية: أي وهو قد نوى الاقتداء بغير هذا الامام
الحاضر. قوله: (إلا إذا عرفه) استثناء من عدم الصحة التي تضمنها الاستثناء الأول. قوله: (كالقائم
في المحراب) أي نوى الاقتداء بالامام القائم في المحراب الذي هو زيد فإذا هو غيره جاز. أشباه،
لان أل يشار بها إلى الموجود في الخارج أو الذهن، وعلى كل فقد نوى الاقتداء بالامام الموجود
فلغت التسمية. قوله: (أو إشارة) أي باسمها الموضوع لها حقيقة، وإنما جاز لأنه عرفه بالإشارة
فلغت التسمية كما في الخانية وغيرها. قوله: (إلا إذا أشار الخ) استثناء من قوله: أو إشارة.
قوله: (فلا يصح) أو رد عليه أن في هذه الصورة اجتمعت الإشارة مع التسمية، فكان ينبغي أن تلغو
التسمية كما لغت في هذا الامام الذي هو زيد وفي هذا الشيخ. والجواب أن إلغاء التسمية ليس
مطلقا، قال في الهداية من باب المهر: الأصل أن المسمى إذا كان من جنس المشار إليه يتعلق العقد
بالمشار إليه، لان المسمى موجود في المشار ذاتا، والوصف يتبعه وإن كان من خلاف جنسه يتعلق
بالمسمى، لان المسمى مثل المشار إليه، وليس بتابع له، والتسمية أبلغ في التعريف من حيث إنها
تعرف الماهية والإشارة تعرف الذات ا ه‍ (1). قال الشارحون: هذا الأصل متفق عليه في النكاح
والبيع والإجارة وسائر العقود ا ه‍.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن زيدا وعمرا جنس واحد من حيث الذات وإن اختلفا من حيث
الأوصاف والمشخصات لان الملحوظ إليه في العلم هو الذات، ففي قوله: هذا الامام الذي هو
زيد فظهر أن المشار إليه عمرو يكون قد اختلف المسمى والمشار إليه، فلغت التسمية وبقيت
الإشارة معتبرة لكونهما من جنس واحد، فصح الاقتداء، وأما الشيخ والشاب فهما من الأوصاف
الملحوظ فيها الصفات دون الذات، ومعلوم أن صفة الشيخوخة تباني صفة الشباب فكانا جنسين،
فإذا قال هذا الشاب فظهر أنه شيخ لا يصح الاقتداء لأنه وصفه بصفة خاصة لا يوصف بها من بلغ
سن الشيخوخة، فقد خالفت الإشارة التسمية مع اختلاف الجنس، فلغت الإشارة واعتبرت التسمية
بالشاب، فيكون قد اقتدى، بغير موجود، كمن اقتدى بزيد فبان غيره. وأما إذا قال هذا الشيخ فظهر
أنه شاب فإنه يصح، لان الشيخ صفة مشتركة في الاستعمال بين الكبير وفي السن الكبير في القدر
كالعالم وبالنظر إلى المعنى الثاني يصح أن يسمى الشاب شيخا، فقد اجتمعت الصفتان في المشار
إليه لعدم تخالفهما فلم يبلغ أحدهما فيصح الاقتداء. ونظيره لو قال: هذه الكلبة طالق أو هذا الحمار
حر، تطلق المرأة ويعتق العبد كما صرحوا بمع أن المشار إليه وهو المرأة والعبد من غير جنس
المسمى وهو الكلبة والحمار، لكن لما كان في مقام الشتم يطلق الكلب والحمار على الانسان مجازا
لم يحصل اختلاف الجنس فلم تلغ الإشارة، هذا ما ظهر لفهمي السقيم من فيض الفتاح العليم،
قوله: (وفي المجتبى الخ) وجهه أنه لما نوى الاقتداء بإمام مذهبه فإذا هو غيره فقد نوى الاقتداء
بمعدوم كما قدمناه عن المنية فيما إذا نوى الاقتداء بزيد فإذا هو غيره.
مطلب: ما زيد في المسجد النبوي هل يأخذ حكمه؟

(1) قوله: (انتهى) تمام عبارة الهداية بعد قوله والإشارة تعرف الذات: الا ترى ان من اشترى فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج
لا ينعقد العقد لاختلاف الجنس، ولو اشترى على أنه ياقوت احمر فإذا هو اخضر ينعقد العقد لاتحاد الجنس ا ه‍. منه.
459

قوله: (فائدة لما كان الخ) استنبط هذه الفائدة من مسألة الاقتداء شيخ الاسلام العيني في شرح
البخاري كما في أحكام الإشارة من الأشباه. وأصل ذلك قوله (ص) في الحديث الصحيح صلاة في
مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ومعلوم (1) أنه قد زيد في المسجد
النبوي، فقد زاد فيه عمر ثم عثمان ثم الوليد ثم المهدي، والإشارة بهذا إلى المسجد المضاف
المنسوب إليه (ص)، ولا شك أن جميع المسجد الموجود الآن يسمى مسجده (ص)، فقد اتفقت الإشارة
والتسمية على شئ واحد، فلم تلغ التسمية، فتحصل المضاعفة المذكورة في الحديث فيما زيد
فيه. وخصها الامام النووي بما كان في زمنه (ص) عملا بالإشارة، وأما حديث لو مد مسجدي هذا
إلى صنعاء كان مسجدي فقد اشتده ضعف طرقه، فلا يعمل به في فضائل الأعمال كما ذكره
السخاوي في المقاصد الحسنة، وكان وجهه أنه جعل الإشارة لخصوص البقعة الموجودة يومئذ فلم
تدخل فيها الزيادة، ولا بد في دخولها من دليل.
قلت: ويؤيده ما سيأتي في الايمان من باب اليمين بالدخول عن البدائع: لو قال لا أدخل هذا
المسجد فزيد فيه حصة فدخلها لم يحنث ما لم يقل مسجد بني فلان فيحنث، وكذا الدار، لأنه عقد
يمينه على الإضافة وذلك موجود في الزيادة.
وقد يجاب بأن ما نحن فيه من قبيل الثاني، ويؤيده أن في بعض طرق الحديث بدون اسم
الإشارة، وعلى ذكرها فهي لا لتخصيص البقعة بل لدفع أن يتوهم دخول غير المسجد المدني من
بقية المساجد التي تنسب إليه (ص) التي ذكرها أصحاب السير، والله تعالى أعلم. [مب]
مبحث في استقبال القبلة [/ مب]
قوله: (واستقبال القبلة) أي الكعبة المشرفة، وليس منها الحجر بالكسرة والشاذروان، لان
ثبوتهما منها ظني، وهو لا يكتفى به في القبلة احتياطا وإن صح الطواف فيه مع الحرمة، كما سيأتي
إن شاء الله تعالى في الحج. قوله: (كعاجز) أي كاستقبال عاجز عنها لمرض أو خوف عدو أو
اشتباه، فجهة قدرته أو تحريه قبلة له حكما. قوله: (والشرط حصوله لا تحصيله) (2) أشار إلى أن
السين والتاء فيه ليست للطلب، لان الشرط هو المقابلة لا طلبها إلا إذا توقف حصولها عليه كما في
الحلبة. قوله: (وهو شرط زائد) أي ليس مقصودا لان المسجود له هو الله تعالى ط، أو المراد أنه
قد يسقط بلا ضرورة كما في الصلاة على الدابة خارج المصر، ونظيره ما مر في تفسير الركن الزائد
كالقراءة فكان المناسب للشارح أن يقول: قد يسقط بلا عجز، بدل قوله: يسقط للعجز وإلا فكل
الشروط كذلك. قوله: (للابتلاء) علة لمحذوف: أي شرطه الله تعالى لاختبار المكلفين، لان فطرة

(1) قوله: (ومعلوم الخ) لبعضهم في ذلك:
تحقيق ذا المسجد زاده عمر * وبعده عثمان حيثما استمر
وبعده الوليد ثم المهدي * ودام هكذا إلى ذا العهد ا ه‍. منه
(2) قوله: (لا تحصيله) لعلها نسخته، والا فالذي في نسخ الشارح التي بيدي: لا طلبه والمآل واحد ا ه‍. مصححه.
460

المكلف المعتقد استحالة الجهة عليه تعالى تقتضي عدم التوجه في الصلاة إلى جهة مخصوصة،
فأمرهم على خلاف ما تقتضيه فطرتهم اختبارا لهم هل يطيعون أو لا كما في البحر ح. قلت: وهذا
كما ابتلى الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم حيث جعله قبلة لسجودهم. قوله: (حتى لو سجد الخ)
تفريع على كون الاستقبال شرطا زائدا: يعني لما كان المسجود له هو الله تعالى والتوجه إلى الكعبة
مأمورا به كما تقدم كان السجود لنفس الكعبة كفرا ح. قوله: (فللمكي) أي فالشرط له: أي لصلاته،
وكذا قوله: ولغيره أو اللام فيهما بمعنى على، أي فالواجب عليه. قوله: (لثبوت قبلتها) أي قبلة
المدينة المنورة المفهومة من قوله: وكذا المدني.
وأورد أنه لا يلزم من ثبوتها بالوحي أن تكون على عين الكعبة لاحتمال كونها على الجهة.
قوله: (يعم المعاين وغيره) أي المكي المشاهد للكعبة والذي بينه وبينها حائل كجدار ونحوه،
فيشترط إصابة العين، بحيث لو رفع الحائل وقع استقباله على عين الكعبة. قوله: (وأقره المصنف)
أي في المنح، لكن قال في شرحه على زاد الفقير: إطلاق المتون والشروح والفتاوى يدل على أن
المذهب الراجح عدم الفرق بين ما إذا كان بينهما حائل أو لا ا ه‍. وفي الفتح: وعندي في جواز
التحري مع إمكان صعوده إشكال، لان المصير إلى الدليل الظني وترك القاطع مع إمكانه لا يجوز،
وقد قال في الهداية: والاستخبار فوق التحري. فإذا امتنع المصير إلى ظني لامكان ظني أقوى منه
فكيف يترك اليقين مع الظن ا ه‍. قوله: (بأن يبقى الخ) في كلامه إيجاز لا يفهم منه المراد، فاعلم
أولا أن السطح في اصطلاح علماء الهندسة ما له طول وعرض لا عمق، والزاوية القائمة هي إحدى
الزاويتين المتساويتين الحادثتين عن جنبي خط مستقيم قام على خط مستقيم هكذا: قائمة / قائمة
وكلتاهما قائمتان، ويسمى الخط القائم على الآخر عمودا، فإن لم تتساويا فما كانت أصغر من القائمة
تسمى زاوية حادة، وما كانت أكبر تسمى زاوية منفرجة هكذا: حادة / منفرجة.
ثم اعلم أنه ذكر في المعراج عن شيخه أن جهة الكعبة هي الجانب الذي إذا توجه إليه الانسان يكون
مسامتا للكعبة أو هوائها تحقيقا أو تقريبا، ومعنى التحقيق أنه لو فرض خط من تلقاء وجهه على
زاوية قائمة إلى الأفق يكون مارا على الكعبة أو هوائها ط ومعنى التقريب أن يكون منحرفا عنها أو عن
هوائها بما لا تزول به المقابلة بالكلية، بأن يبقى شئ من سطح الوجه مسامتا لها أو لهوائها.
وبيانه أن المقابلة في مسافة قريبة تزول بانتقال قليل من اليمين أو الشمال مناسب لها، وفي
البعيدة لا تزول إلا بانتقال كثير مناسب لها، فإنه لو قابل إنسان آخر من مسافة ذراع مثلا تزول تلك
المقابلة بانتقال أحدهما يمينا بذراع، وإذا وقعت بقدر ميل أو فرسخ لا تزول إلا بمائة ذراع أو نحوها،
ولما بعدت مكة عن ديارنا بعدا مفرطا تتحقق المقابلة إليها في مواضع كثيرة في مسافة بعيدة، فلو
فرضنا خطا من تلقاء وجه مستقبل الكعبة على التحقيق في هذه البلاد ثم فرضنا خطا آخر يقطعه على
زاويتين قائمتين من جانب يمين المستقبل وشماله لا تزول تلك المقابلة والتوجه بالانتقال إلى اليمين
والشمال على ذلك الخط بفراسخ كثيرة، فلذا وضع العلماء القبلة في بلاد قريبة على سمت
461

واحد ا ه‍. ونقله في الفتح والبحر وغيرهما وشروح المنية وغيرها وذكره ابن الهمام في زاد الفقير.
وعبارة الدرر هكذا: وجهتها أن يصل الخط الخارج من جبين المصلي إلى الخط المار بالكعبة
على استقامة بحيث يحصل قائمتان. أو نقول: هو أن تقع الكعبة فيما بين خطين يلتقيان في الدماغ
فيخرجان إلى العينين كساقي مثلث، كذا قال النحرير التفتازاني في شرح الكشاف، فيعلم منه أنه لو
انحرف عن العين انحرافا لا تزول منه المقابلة بالكلية جاز، ويؤيده ما قال في الظهيرية: إذا تيامن أو
تياسر تجوز، لان وجه الانسان مقوس، لان عند التيامن أو التياسر يكون أحد جوانبه إلى القبلة ا ه‍ كلام
الدرر. وقوله في الدرر على استقامة متعلق بقوله يصل، لأنه لو وصل إليه معوجا لم تحصل
قائمتان بل تكون إحداهما حادة والأخرى منفرجة كما بينا. ثم إن الطريقة التي في المعراج هي الطريقة
الأولى التي في الدرر، إلا أنه في المعراج جعل الخط الثاني مارا على المصلى على ما هو المتبادر
من عبارته، وفي الدرر جعله مارا على الكعبة، وتصوير الكيفيات الثلاث على الترتيب هكذا:
قوله: (منح) فيه أن عبارة المنح هي حاصل ما قدمناه عن المعراج، وليس فيها قوله: مارا على
الكعبة بل هو المذكور في صورة الدرر. ويمكن أن يراد أن مار عليها طولا لا عرضا، فيكون هو
الخط الخارج من جبين المصلي والخط الآخر الذي يقطعه هو المار عرضا على المصلى أو على
الكعبة فيصدق بما صورناه أولا وثانيا. ثم إن اقتصاره على بعض عبارة المنح أدى إلى قصر بيانه
على المسامتة تحقيقا، وهي استقبال العين دون المسامتة تقديرا، وهي استقبال الجهة مع أن
المقصود الثانية، فكان عليه أن يحذف قوله: من تلقاء وجه مستقبلها حقيقة في بعض البلاد.
462

قوله: (قلت الخ) قد علمت أنه لو فرض شخص مستقبلا من بلده لعين الكعبة حقيقة، بأن يفرض
الخط الخارج من جبينه واقعا على عين الكعبة فهذا مسامت لها تحقيقا، ولو أنه انتقل إلى جهة يمينه
أو شماله بفراسخ كثيرة وفرضنا خطا مارا على الكعبة من المشرق إلى المغرب وكان الخط الخارج
من جبين المصلي يصل على استقامة إلى هذا الخط المار على الكعبة فإنه بهذا الانتقال لا تزول
المقابلة بالكلية، لان وجه الانسان مقوس، فمهما تأخر يمينا أو يسارا عن عين الكعبة يبقى شئ
من جوانب وجهه مقابلا لها، ولا شك أن هذا عند زيادة البعد، أما عند القرب فلا يعتبر كما مر،
فقول الشارح هذا معنى التيامن والتياسر أي إن ما ذكره من قوله: بأنه يبقى شئ من سطح
الوجه الخ مع فرض الخط على الوجه الذي قررناه هو المراد بما في الدرر عن الظهيرية من
التيامن والتياسر: أي ليس المراد منه أن يجعل الكعبة عن يمينه أو يساره، إذ لا شك حينئذ في
خروجه عن الجهة بالكلية، بل المفهوم مما قدمناه عن المعراج والدرر من التقييد بحصول زاويتين
قائمتين عند انتقال المستقبل لعين الكعبة يمينا أيسارا أنه لا يصح أو كانت إحداهما حادة والأخرى
منفرجة بهذه الصورة.
والحاصل أن المراد بالتيامن والتياسر الانتقال عن
عين الكعبة إلى جهة اليمين أو اليسار لا الانحراف لكن
وقع في كلامهم ما يدل على أن الانحراف لا يضر، ففي
القهستاني: ولا بأس بالانحراف انحرافا لا تزول به المقابلة
بالكلية، بأن يبقى شئ من سطح الوجه مسامتا للكعبة ا ه‍.
وقال في شرح زاد الفقير: وفي بعض الكتب المعتمدة في استقبال القبلة إلى الجهة أقاويل
كثيرة، وأقربها إلى الصواب قولان: الأول أن ينظر من مغرب الصيف في أو طل أيامه ومغرب الشتاء
في أقصر أيامه فليدع الثلثين في الجانب الأيمن والثلث في الأيسر والقبلة عند ذلك، ولو لم يفعل
هكذا وصلى فيما بين المغربين يجوز، وإذا وقع خارجا منها لا يجوز بالاتفاق ا ه‍ ملخصا.
وفي منية المصلي عن أمالي الفتاوى: حد القبلة في بلادنا: يعني سمرقند: ما بين المغربين
مغرب الشتاء ومغرب الصيف، فإنه صلى إلى جهة خرجت من المغربين فسدت صلاته ا ه‍. وسيأتي
في المتن في مفسدات الصلاة أنها تفسد بتحويل صدره عن القبلة بغير عذر، فعلم أن الانحراف
اليسير لا يضر، وهو الذي يبقى معه الوجه أو شئ من جوانبه مسامتا لعين الكعبة أو لهوائها، بأن
يخرج الخط من الوجه أو من بعض جوانبه ويمر على الكعبة أو هوائها مستقيما، ولا يلزم أن يكون
الخط الخارج على استقامة خارجا من جهة المصلى، بل منها أو من جوانبها كما دل عليه قول
الدرر من جبين المصلي، فإن الجبين طرف الجبهة وهما جبينان، وعلى ما قررناه يحمل ما في الفتح
والبحر عن الفتاوى من أن الانحراف المفسد أن يجاوز المشارق، إلى المغارب ا ه‍. فهذا غاية ما ظهر
لي في هذا المحل، والله تعالى أعلم. قوله: (فتبصر) أشار إلى دقة ملحظه الذي قررناه وإلى عدم
الاستعجال بالاعتراض ومع هذا نسبوه إلى عدم الفهم، فافهم. قوله: (محاريب الصحابة والتابعين)
فلا يجوز التحري معها. زيلعي. بل علينا اتباعهم. خانية. ولا يعتمد على قول الفلكي العالم البصير
463

الثقة: إن فيها انحرافا، خلافا للشافعية في جميع ذلك كما بسطه في الفتاوى الخيرية، فإياك أن تنظر
إلى ما يقال: إن قبلة أموي دمشق، وأكثر مساجدها المبنية على سمت قبلته فيها بعض انحراف،
وإن أصح قبلة فيها قبلة جامع الحنابلة الذي في سفح الجبل، إذ لا شك أن قبلة الأموي من حين
فتح الصحابة ومن صلى منهم إليها وكذا من بعدهم أعلم وأوثق وأدرى من فلكي لا ندري هل
أصاب أم أخطأ، بل ذلك يرجح خطأه وكل خير في اتباع من سلف. قوله: (كالقطب) هو أقوى
الأدلة، وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي، إذا جعله الواقف خلف أذنه
اليمنى كان مستقبلا القبلة إن كان بناحية الكوفة وبغداد وهمدان، ويجعله من بمصر على عاتقه
الأيسر، ومن بالعراق على كتفه الأيمن، ومن باليمن قباله مما يلي جانبه الأيسر، ومن بالشام وراءه.
بحر. قال ابن حجر: وقيل ينحرف بدمشق وما قاربها إلى الشرق قليلا ا ه‍.
وذكر الشراح للقبلة علامات أخر غالبها مبنية على سمت بلادهم، منها ما قدمناه عن شرح زاد
الفقير والمنية فإنها علامة لقبلة سمرقند وما كان على سمتها، وفي حاشية الفتال قال البرجندي: ولا
يخفى أن القبلة تختلف باختلاف البقاع، وما ذكروه يصح بالنسبة إلى بقعة معينة، وأمر القبلة إنما
يتحقق بقواعد الهندسة والحساب، بأن يعرف بعد مكة عن خط الاستواء وعن طرف المغرب ثم بعد
البلد المفروض كذلك ثم يقاس بتلك القواعد ليتحقق سمت القبلة ا ه‍. لكن قال القهستاني: ومنهم
من بناه على بعض العلوم الحكمية، إلا أن العلامة البخاري قال في الكشف: إن أصحابنا لم
يعتبروه ا ه‍. وأفاد في النهر أن دلائل النجوم معتبرة عند قوم وعند آخرين ليست بمعتبرة، قال:
وعليه إطلاق عامة المتون ا ه‍.
أقول: لم أر في المتون ما يدل على عدم اعتبارها، ولنا تعلم ما نهتدي به على القبلة من
النجوم. وقال تعالى: * (والنجوم لتهتدوا بها) * (1) (الانعام: 79) - على أن محاريب الدنيا كلها نصبت
بالتحري حتى منى كما نقله في البحر، ولا يخفى أن أقوى الأدلة النجوم. والظاهر أن الخلاف في
عدم اعتبارها إنما هو عند وجود المحاريب القديمة إذ لا يجوز التحري معها كما قدمناه، لئلا يلزم
تخطئة السلف الصالح وجماهير المسلمين، بخلاف ما إذا كان في المفازة فينبغي وجوب اعتبار النجوم
ونحوها في المفازة لتصريح علمائنا وغيرهم بكونها علامة معتبرة، فينبغي الاعتماد في أوقات الصلاة
وفي القبلة على ما ذكره العلماء الثقات في كتب المواقيت، وعلى ما وضعوه لها من الآلات كالربع
والأصطرلاب، فإنها إن لم تفد اليقين تفد غلبة الظن للعالم بها، وغلبة الظن كافية في ذلك.
ولا يرد على ذلك ما صرح به علماؤنا من عدم الاعتماد على قول أهل النجوم في دخول
رمضان، لان ذاك مبني على أن وجوب الصوم معلق برؤية الهلال، لحديث صوموا لرؤيته
وتوليد الهلال ليس مبنيا على الرؤية، بل على قواعد فلكية، وهي وإن كانت صحيحة في نفسها،
لكن إذا كانت ولادته في ليلة كذا فقد يرى فيها الهلال وقد لا يرى، والشارع علق الوجوب على
الرؤية بالقبلة لا على الولادة، هذا ما ظهر لي والله أعلم. قوله: (وإلا فمن الأهل) أي وإن لم يكن
ثمة محاريب قديمة فيسأل يعلم بالقبلة ممن تقبل شهادته من أهل ذلك المكان ممن يكن بحضرته
بأن يكون بحيث لو صاح به سمعه، أما غير العالم بها فلا فائدة في سؤاله، وأما غير مقبول الشهادة

(1) التلاوة (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها) ا ه‍. مصححه.
464

كالكافر والفاسق والصبي فلعدم الاعتداد بإخباره فيما هو من أمور الديانات ما لم يغلب على الظن
صدقه كما في القهستاني، ويقبل فيها قول الواحد العدل كما في النهاية، وأما إذا لم يكن من أهل
ذلك المكان فلانه يخبر عن اجتهاد فلا يترك اجتهاده باجتهاد غيره، وأما إذا لم يكن بحضرته من أهل
المسجد أحد فإنه يتحرى، ولا يجب عليه قرع الأبواب كما سيأتي، وظاهر التقييد بالأهل أن وجوب
السؤال خاص بالحضر، فلو في مفازة لا يجب. وفي البدائع ما يخالفه حيث قال: فإن كان عاجزا
بالاشتباه وهو أن يكون في المفازة في ليلة مظلمة ولا علم له بالامارات الدالة على القبلة، فإن كان
بحضرته من يسأله عنها لا يجوز له أن يتحرى، بل يجب أن يسأل لما قلنا: أي من أن السؤال أقوى
من التحري ا ه‍. وشرط في الذخيرة كون المخبر في المفازة عالما حيث نقل عن الفقيه أبي بكر أنه
سئل عمن في المفازة، فأخبره رجلان أن القبلة في جانب ووقع تحريه إلى جانب آخر، فقال: إن
كان في رأيه أنهما يعلمان ذلك يأخذ بقولهما لا محالة وإلا فلا ا ه‍. وشرط في الخانية والتجنيس
كونهما من أهل ذلك الموضع حيث قال: فإن لم يكونا من أهل ذلك الموضع وهما مسافران مثله لا
يلتفت إلى قولهما لأنهما يقولان بالاجتهاد، فلا يترك اجتهاده باجتهاد غيره ا ه‍. والظاهر أن المراد
من اشتراط كونهما من أهل ذلك الموضع كونهما عالمين بالقبلة، لان الكلام في المفازة ولا أهل
لها، إلا أن يراد كونهما من أهل الأخبية فهما من أهله والاهل له علم أكثر من غيره، فلا ينافي ما مر
عن الذخيرة، حتى لو كانا من أهله ولا علم لهما لا يلتفت إلى قولهما، فالمناط إنما هو العلم، فقد
يكونان مسافرين مثله ولكن لهما معرفة بالقبلة في ذلك المكان بكثرة التكرار أو بطريق آخر من طرق
العلم مما يفوق على تحري المتحري.
ثم اعلم أن ما نقلناه آنفا عن البدائع من قوله: في ليلة مظلمة الخ، يقتضي أن الاستدلال
بالنجوم في المفازة مقدم على السؤال المقدم على التحري، فصار الحاصل الاستدلال على القبلة
في الحضر إنما يكون بالمحاريب القديمة، فإن لم توجد فبالسؤال من أهل ذلك المكان وفي المفازة
بالنجوم، فإن لم يكن لوجود غيم أو لعدم معرفته بها فبالسؤال من العالم بها، فإن لم يكن فيتحرى،
وكذا يتحرى لو سأله عنها فلم يخبره، حتى لو أخبره بعد ما صلى لا يعيد كما في المنية. وفيها: لو
لم يسأله وتحرى، إن أصاب جاز وإلا لا، وذا الأعمى ا ه‍. ومسائل التحري ستأتي. ورجح في
البحر ما في الظهيرية، من أنه لو صلى في المفازة بالتحري والسماء مصحية لكنه لا يعرف النجوم
فتبين أنه أخطأ لا يجوز، لأنه لا عذر لاحد في الجهل بالأدلة الظاهرة كالشمس والقمر وغيرهما. أما
دقائق علم الهيئة وصور النجوم الثوابت فهو معذور في الجهل بها ا ه‍. وقوله: (والمعتبر في القبلة
الخ) أي إن الذي يجب استقباله أو استقبال جهته هو العرصة، وهي لغة: كل بقعة بين الدور واسعة
لا بناء فيها كما في الصحاح وغيره، والمراد بها هنا تلك البقعة الشريفة. قوله: (لا البناء) أي ليس
المراد بالقبلة الكعبة التي هي البناء المرتفع على الأرض، ولذا لو نقل البناء على موضع آخر وصلى
إليه لم يجز، بل تجب الصلاة إلى أرضها كما في الفتاوى الصوفية عن الجامع الصغير.
مطلب: كرامات الأولياء ثابتة
وفي البحر عن عدة الفتاوى: الكعبة إذا رفعت عن مكانها لزيارة أصحاب الكرامة ففي تلك
الحالة جازت الصلاة إلى أرضها ا ه‍. وفي المجتبى: وقد رفع البناء في عهد ابن الزبير على قواعد
465

الخليل، وفي عهد الحجاج ليعيدها على الحالة الأولى والناس يصلون ا ه‍ فتال، وما ذكره في البحر
نقله في التاترخانية عن الفتاوى العتابية، قال الخير الرملي: وهذا صريح في كرامات الأولياء، فيرد
به على من نسب إمامنا إلى القول بعدمها، وسيأتي تمام الكلام على ذلك في باب ثبوت النسب.
قوله: (فهي من الأرض السابعة إلى العرش) صرح بذلك في الفتاوى الصوفية معزيا للحجة، ثم
قال: فلو صلى في الجبال العالية والآبار العميقة السافلة جاز كما جاز على سطحها وفي جوفها.
فتال، فلو كان المعتبر البناء لا العرصة لم يجز ذلك، فالتفريع صحيح، فافهم. قوله: (عند الامام)
لان القادر بقدرة الغير عاجز عنده، لان العبد يكلف بقدرة نفسه لا بقدرة غيره خلافا لهما، فيلزمه
عندهما التوجه إن وجد موجها، وبقولهما جزم في المنية والمنح والدرر والفتح بلا حكاية خلاف،
وهذا بخلاف ما لو عجز عن الوضوء ووجد من يوضئه حيث يلزمه، ولا يجوز له التيمم اتفاقا في
ظاهر المذهب، وقيل على الخلاف أيضا، وقدمنا الفرق في باب التيمم فراجعه. وإذا كان له مال
ووجد أجيرا بأجرة مثله هل يلزمه أن يستأجره عندهما كما قالوه في التيمم أم لا؟ لم أر من ذكره
وينبغي اللزوم، ثم رأيته في شرح الشيخ إسماعيل عن الروضة، لكن بتقييد كون الأجرة دون نصف
درهم، فلو طلب نصف درهم أو أكثر لا يلزمه، والظاهر أن المراد به أجر المثل كما فسروه بذلك
في التيمم كما قدمناه هناك. قوله: (أو خوف مال) أي خوف ذهابه بسرقة أو غيرها إن استقبل،
وسواء كان المال ملكا له أو أمانة قليلا أو كثيرا ط ولم يعزه إلى أحد فليراجع، نعم سيأتي في
مفسدات الصلاة أنه يجوز قطع الصلاة لضياع ما قيمته درهم له أو لغيره. قوله: (وكذا كل من سقط
عنه الأركان أي تكون قبلته جهة قدرته أيضا. فقال في البحر: ويشمل أي العذر ما إذا كان على
لوح في السفينة يخالف الغرق إذا انحرف إليها، وما إذا كان في طين وردغة لا يجد على الأرض
مكانا يابسا، أو كانت الدابة جموحا لو نزل لا يمكنه الركوب إلا بمعين، أو كان شيخا كبيرا لا يمكنه
أن يركب إلا بمعين ولا يجده، فكما تجوز له الصلاة على الدابة ولو كانت فرضا وتسقط عنه الأركان
كذلك يسقط عنه التوجه إلى القبلة إذا لم يمكنه، ولا إعادة عليه إذا قدر ا ه‍. فيشترط في جميع ذلك
عدم إمكان الاستقبال، ويشترط في الصلاة على الدابة إيقافها إن قدر، وإلا بأن خاف الضرر كأن
تذهب القافلة وينقطع فلا يلزمه إيقافها ولا استقبال القبلة كما في الخلاصة، وأوضحه في شرح
المنية الكبير والحلية، وقيد في الحلية مسألة الصلاة على الدابة للطين بما إذا عجز عن النزول، فإن
قدر نزل وصلى واقفا بالايماء، زاد الزيلعي: وإن قدر على القعود دون السجود أومأ قاعدا، وأنه لو
كانت الأرض ندية مبتلة بحيث لا يغيب وجهه في الطين صلى على الأرض وسجد، وسيأتي تمام
الكلام على الصلاة على الدابة في باب الوتر والنوافل إن شاء الله تعالى. قوله: (ولو مضطجعا الخ)
تعميم لقدرة: أي يتوجه العاجز إلى أي جهة قدر لو كان مضطجعا. قال الزيلعي: ويستوي فيه:
أي في العجز الخوف من عدو أو سبع أو لص، حتى إذا خاف أن يراه إن توجه إلى القبلة جاز له أن
يتوجه إلى أي جهة قدر، ولو خاف أن يراه العدو إن قعد صلى مضطجعا بالايماء، وكذا الهارب من
العدو راكبا يصلي على دابته ا ه‍. قوله: (ولم يعد) لأن هذه
الاعذار سماوية حتى الخوف من عدو،
لان الخوف لم يحصل بمباشرة أحد، بخلاف المقيد إذا صلى قاعدا فإنه يعيد عندهما لا عند أبي
466

يوسف كما في شرح المنية، ومر تحقيق ذلك في التيمم، فينبغي أن يعيد هنا أيضا، إذ لا فرق بين
صلاته قاعدا أو إلى غير القبلة، لان القيد عذر من جهة العبد، لأنه بمباشرة المخلوق. تأمل.
مطلب: مسائل التحري في القبلة
قوله: (هو) أي التحري المفهوم من فعله. قوله: (بما مر) متعلق بمعرفة، والذي مر هو
الاستدلال بالمحاريب والنجوم والسؤال من العالم بها، فأفاد أنه لا يتحرى مع القدرة على أحد هذه
حتى لو كان بحضرته من يسأله فتحرى ولم يسأله إن أصاب القبلة جاز لحصول المقصود وإلا فلا،
لان قبلة التحري مبنية على مجرد شهادة القلب من غير أمارة، وأهل البلد لهم علم بجهة القبلة المبنية
على الامارات الدالة عليها من النجوم وغيرها فكان فوق الثابت بالتحري، وكذا إذا وجد المحاريب
المنصوبة في البلدة أو كان في المفازة والسماء مصحية وله علم بالاستدلال بالنجوم لا يجوز له
التحري، لان ذلك فوقه، وتمامه في الحلية وغيرها. واستفيد مما ذكر أنه بعد العجز عن الأدلة المارة
عليه أن يتحرى ولا يقلد مثله، لان المجتهد لا يقلد مجتهدا، وإذا لم يقع تحريه على شئ فهل له أن
يقلد؟ لم أره. قوله: (فإن ظهر خطؤه) أي بعد ما صلى. قوله: (لما مر) وهو كون الطاعة بحسب
الطاقة. قوله: (وإن علم به) أي بخطئه، فافهم. قوله: (أو تحول رأيه) أي بأن غلب على ظنه أن
الصواب في جهة أخرى فلا بد أن يكون اجتهاده الثاني أرجح، إذ الأضعف كالعدم، وكذا المساوي
فيما يظهر ترجيحا للأول بالعمل عليه. تأمل. قوله: (استدار وبنى) أي على ما بقي (1) من صلاته،
لما روي أن أهل قباء كانوا متوجهين إلى بيت المقدس في صلاة الفجر فأخبروا بتحويل القبلة
فاستداروا إلى القبلة، وأقرهم النبي (ص) على ذلك وأما إذا تحول رأيه فلان الاجتهاد المتجدد لا
ينسخ حكم ما قبله في حق ما مضى. شرح المنية. وينبغي لزوم الاستدارة على الفور، حتى لو مكث
قدر ركن فسدت. قوله (ولو بمكة) بأن كان محبوسا ولم يكن بحضرته من يسأل فصلى بالتحري ثم
تبين أنه أخطأ. بحر. وهذا هو الأوجه، وعليه اختصر في الخانية. حلية. قوله: (ولا يلزمه قرع
أبواب) في الخلاصة إذا لم يكن في المسجد قوم والمسجد في مصر في ليلة مظلمة، قال الامام
النسفي في فتاواه: جاز ا ه‍. وفي الكافي: ولا يستخرجهم من منازلهم. قال ابن الهمام: والأوجه أنه
إذا علم أن للمسجد قوما من أهله مقيمين غير أنهم ليسوا حاضرين فيه وقت دخوله وهم حوله في
القرية وجب طلبهم ليسألهم قبل التحري، لا التحري معلق بالعجز عن تعرف القبلة بغيره ا ه‍. ولا
منافاة بين هذا وبين ما مر عن الخلاصة والكافي، لان المراد إذا لم يكونوا داخل المنازل ولم يلزم
الحرج من طلبهم بتعسف الظلمة والمطر ونحوه. شرح المنية. وقوله: (ومس جدران) لان الحائط لو
كانت منقوشة لا يمكنه تمييز المحراب من غيره، وعسى أن يكون ثم هامة مؤذية فجاز له التحري.
بحر عن الخانية، وهذا إنما يصح في بعض المساجد، فأما في الأكثر فيمكن تمييز المحراب من غيره
في الظلمة بلا إيذاء، فلا يجوز لتحري. إسماعيل عن المفتاح. قوله: (ولو أعمى الخ) قال في شرح
المنية: ولو صلى الأعمى ركعة إلى غير القبلة فجاء رجل فسواه إلى القبلة واقتدى به، إن وجد

(1) قوله: (اي على ما بقي) هكذا بخطه، ولعل صوابه اي على ما مضى، تأمل ا ه‍. مصححه.
467

الأعمى وقت الشروع من يسأله فلم يسأله لم تجز صلاتهما، وإلا جازت صلاة الأعمى دون المقتدي،
لان عنده أن إمامه بان صلاته على الفاسد وهو الركعة الأولى اه‍. ومثله في الفيض والسراج، ومفاده
أن الأعمى لا يلزمه إمساس المحراب إذا لم يجد من يسأله، وأنه لو ترك السؤال مع إمكانه وأصاب
القبلة جازت صلاته وإلا فلا كما قدمناه عن المنية. قوله: (ولا بمتجر) تحول أي إلى القبلة مع علم
المقتدي بحالته الأولى. وعبارته في الخزائن. كمن تحرى فأخطأ ثم على فتحول لم يقتد به من علم
بحاله ا ه‍: أي لعلمه بأن الامام كان على الخطأ في أول الصلاة. بحر. ومفاده أنه لو تحول بالتحري
أيضا إلى جهة ظنها القبلة جاز للآخر الاقتداء به إن تحرى مثله وإلا فهي المسألة الآتية. تأمل. قوله:
(بمتحر) متعلق بائتم، وقوله لا تحر متعلق بمحذوف حال من فاعل ائتم. قوله: (لم يجز) أي اقتداؤه
إن ظهر أن الامام مخطئ لان الصلاة عند الاشتباه من غير تحر إنما تجوز عند ظهور الإصابة كما مر
ويأتي، وأما صلاة الامام فهي صحيحة لتحريه، وإن أصاب الامام جازت صلاتهما كما في شرح
المنية. وقوله: (استدار المسبوق الخ) لأنه منفرد فيما يقضيه، بخلاف اللاحق لأنه مقتد فيما يقضيه
والمقتدي إذا ظهر له وهو وراء الامام أن القبلة غير الجهة التي يصلي إليها الامام لا يمكنه إصلاح
صلاته، لأنه إن استدار خالف إمامه في الجهة قصدا وهو مفسد، وإلا كان متما صلاته إلى ما هو غير
القبلة عنده وهو مفسد أيضا، فكذلك اللاحق. شرح المنية.
بقي ما إذا كان لاحقا ومسبوقا. وحكمه أنه إن قضى ما لحق به أولا ثم ما سبق به، فإن تحول
رأيه في قضاء ما لحق به استأنف، وإن تحول في قضاء ما سبق به استدار، وأما إن قضى ما سبق به
أولا ثم ما لحق به، فإن تحول رأيه فيما لحق به استأنف، وإن تحول فيما سبق به: فإن استمر على
رأيه إلى شروعه فيما لحق به استأنف وهذا كله ظاهر، وأما إن لم يستمر إلى شروعه فيما لحق به
بأن تحول رأيه قبل قضاء ما لحق به إلى جهة إمامه ففيه تردد. والظاهر أنه يستدبر. تأمل ح.
وأقره ط والرحمتي. قوله: (ومن لم يقع تحريه الخ) في البحر والحلية وغيرهما عن فتاوى العتاب
تحري فلم يقع تحريه على شئ، قيل يؤخر، وقيل يصلي إلى أربع جهات، وقيل يخير ا ه‍. ورجح
في زاد الفقير الأول حيث جزم به، وعبر عن الأخيرين بقيل، واختار في شرح المنية الوسط وقال:
إنه الأحوط، ونقل ح عن الهندية عن المضمرات أنه الأصوب، فلهذا اختاره الشارح. وظاهر كلام
القهستاني ترجيح الأخير وهو الذي يظهر لي، فإنه قال لو تحرى ولم يتيقن بشئ فصلى إلى جهة
شاء كانت جائزة ولو أخطأ فيه، وقيل إن لم يقع تحريه على شئ أخر الصلاة، وقيل يصلي إلى
الجهات الأربع كما في الظهيرية ا ه‍ ومفاده أن معنى التخيير أنه يصلي مرة واحدة إلى أي جهة أراد
من الجهات الأربع، وبه صرح الشافعية والحنابلة. وأما ما في شرح المنية الكبيرة من تفسيره بقوله:
وقيل يخير إن شاء أخر وإن شاء صلى الصلاة أربع مرات إلى أربع جهات فالظاهر أنه من عنده،
لان عبارة فتاوى العتابي السابقة ليس فيها هذه الزيادة. ويرد عليه (1) أنه إذا صلى الأربع يلزم عليه

(1) قوله: (ويرد عليه انه الخ) أجاب عنه شيخنا بان صلاته إلى اي جهة من الجهات الأربع لم تكن صلاة لغير القبلة من كل
وجه، كما قدمه المحشي عن البحر فيمن فقد الماء المطلق ووجد سؤر الحمار فإنه يجمع بينهما في صلاة واحدة
لا في حالة واحدة، حيث قال: فان قيل يلزم من هذا أداء الصلاة بلا طهارة في إحدى المرتين وهو مستلزم للكفر
فينبغي الجمع بينهما في أداء واحد. قلنا: كل منهما مطهر من وجه دون وجه، فلا يكون الأداء بلا طهارة من كل
وجه، فلا يلزم الكفر ا ه‍.
468

الصلاة ثلاث مرات إلى غير القبلة يقينا، وهو منهي عنه، وترك المنهي مقدم على فعل المأمور،
ولذا يصلي بالنجاسة إذا لزم من غسلها كشف العورة عند الأجانب، على أن المأمور به هنا ساقط
لان التوجه إلى القبلة إنما يؤمر به عند القدرة عليه وقبلة المتحري هي جهة تحريه. ولما لم يقع
تحريه على شي استوت في حقه الجهات الأربع فيختار واحدة منها ويصلي إليها، وتصح صلاته
وإن ظهر خطؤه فيها، لان أتى بما في وسعه. وهذا الوجه يقوي القول الأخير وهو التخيير على
المعنى الذي ذكرناه عن القهستاني، ويضعف ما اختاره الشارح وادعى أنه الاحتياط، فتدبر ذلك
بإنصاف. وللقول الأول الذي اختاره الكمال في زاد الفقير وجه ظاهر أيضا. وهو أنه لما كانت
القبلة عند عدم الدليل عليها هي جهة التحري ولم يقع تحريه على شئ صار فاقد الشرط صحة
الصلاة فيؤخرها كفاقد الطهورين.
لكن القول الأخير وهو وجوب الصلاة في الوقت مع التخيير إلى أي جهة شاء أحوط كما لو
وجد ثوبا أقل من ربعه طاهر ولعموم قوله تعالى: * (فأينما تولوا فثم وجه الله) * (البقرة: 511) فإنه
قيل نزل في مسألة اشتباه القبلة، وظاهر ما قدمناه عن القهستاني اختياره وبه يشعر كلام البحر، وهو
مذهب الشافعية والحنابلة كما مر.
مطلب: إذا ذكر في مسألة ثلاثة أقوال فالأرجح الأول أو الثالث لا الوسط
وقدمناه أول الكتاب عن المستصفى أنه إذا ذكر في مسألة ثلاثة أقوال فالأرجح الأول أو الثالث
لا الوسط، والله أعلم. قوله: (استدار) قال في شرح المنية: واختلف المتأخرون فيما إذا تحول رأيه
في الثالثة أو الرابعة إلى الجهة الأولى: قيل يتم الصلاة، وقيل يستقبل، كذا في الخلاصة، والأول
أوجه ا ه‍، ولذا قدمه في الخانية لأنه يقدم الأشهر، وجزم به القهستاني وتبعه الشارح. قوله:
(استأنف) لأنه إن سجدها إلى الجهة الثانية فقد سجدها إلى غير قبلة لأنها جزء من الركعة الأولى
والجهة الثانية ليست قبلة للركعة الأولى بجميع أجزائها، وإن سجدها إلى الجهة الأولى فقد انحرف
عما هو قبلته الآن ا ه‍ ح. قوله: (وإن شرع) الضمير راجع إلى العاجز: أي إذا اشتبهت عليه القبلة
وعجز عن معرفتها بالأدلة المارة فقبلته جهة تحريه، فلو شرع بلا تحر لم تجز صلاته ما لم يتيقن بعد
فراغه أنه أصاب القبلة، لان الأصل عدم الاستقبال استصحابا للحال، فإذا تبين يقينا أنه أصاب ثبت
الجواز من الابتداء وبطل الاستصحاب، حتى لو كان أكبر رأيه أنه أصاب فالصحيح أنه لا يجوز كما في
الحلية عن الخانية، ولو تيقن في أثناء صلاته لا يجوز خلافا لأبي يوسف، لان حاله بعد العلم أقوى
وبناء القوي على الضعيف لا يجوز. قوله: (بخلاف الخ) أي لو وقع تحريه على جهة وصلى إلى غيرها
فإنه يستأنف مطلقا: أي سواء علم أنه أصاب أو أخطأ في الصلاة أو بعدها أو لم يظهر شئ. وعن
أبي حنيفة أنه يخشى عليه الكفر. وعن الثاني يجزيه إن أصاب، وبالأول يفتى. فيض. والفرق لهما أن
ما فرض لغيره يشترط حصوله لا تحصيله، لكن مع عدم اعتقاد الفساد وعدم الدليل عليه ومخالفة جهة
469

تحريه اقتضت اعتقاد فساد صلاته فصار كما لو صلى. وعنده أنه محدث أو أن ثوبه نجس أو أن الوقت
لم يدخل فبان بخلاف ذلك لا يجزيه في ذلك كله، لان عنده أن ما فعله غير جائز، بخلاف صورة
عدم التحري فإنه لم يعتقد الفساد، بل هو شاك فيه وفي عدمه، فإذا ظهرت إصابته بعد التمام أزال
أحد الاحتمالين وتقرر الآخر بلا لوم بناء القوي على الضعيف، بخلاف ما إذا علم الإصابة قبل
التمام كما في شرح المنية. قوله: (أو ثوبه) بالنصب عطفا على اسم إن ومثله الوقت ح. قوله:
(فلو لم تشتبه الخ) ذكره هنا استطرادا، وكان ينبغي ذكره عند قول المصنف وإن شرع بلا تحر لأنه
مفروض فيما إذا اشتبهت عليه القبلة كما قدمناه، فيكون قوله: فلو لم تشتبه بيانا لمفهومه.
ثم إن مسائل التحري تنقسم باعتبار القسمة العقلية إلى عشرين قسما، لأنه إما أن لا يشك ولا
يتحرى، أو شك وتحرى، أو لم يتحر، أو تحرى بلا شك. وكل وجه على خمسة، لأنه إما أن يظهر
صوابه أو خطؤه في الصلاة أو خارجها أو لا يظهر، أما الأول فإن ظهر خطؤه فسدت مطلقا، أو
صوابه قبل الفراغ قيل هو كذلك لأنه قوي حاله، والأصح لا، ولو بعده أو لم يظهر أو كان أكبر
رأيه الإصابة فكذلك لا تفسد. وحكم الثاني الصحة في
الوجوه كلها. وحكم الثالث الفساد في الوجوه كلها، أو لو أكبر رأيه أنه أصاب على الأصح إلا إذا علم يقينا بالإصابة بعد الفراغ. والرابع
لا وجود له خارجا، كذا في النهر. وقد ذكر المصنف الثاني بقوله: ويتحرى عاجز والثالث بقوله:
وإن شعر بلا تحر وذكر الشارح الأول بقوله: فلو لم تشتبه الخ لكن كان عليه أن يقول: إن ظهر
خطؤه فسدت وإلا فلا، وقد حذف الرابع لعدم وجوده، هذا هو الصواب في تقرير هذا المحل،
فافهم. قوله: (مع إمام) أما لو صلوا منفردين صحت صلاة الكل، ولا يتأتى فيه التفصيل. قوله:
(فمن تيقن منهم) التيقن غير قيد، بل غلبة الظن كافية، يدل عليه ما في الفيض حيث قال: وإن
صلوا بجماعة تجزيهم إلا صلاة من تقدم على إمامه أو علم بمخالفة إمامه في صلاته، وكذا لو كان
عنده أنه تقدم على الامام أو صلى إلى جانب آخر غير ما صلى إليه إمامه ا ه‍. قوله: (حالة الأداء)
ظرف لقوله: تيقن مخالفة إمامه في الجهة مع قطعا لنظر عن قوله: أو تقدمه عليه لأنه إذا تقدم
على إمامه لم يجز سواء علم بذلك حالة الأداء أو بعده، بخلاف مخالفته لامامه في الجهة فإنه لا يضر
إلا إذا علم بها حالة الأداء كما دلت عليه عبارة الفيض التي ذكرناها آنفا، ومثلها قوله في الملتقى:
جازت صلاة من لم يتقدمه، بخلاف من تقدمه أو علم حاله وخالفه ا ه‍. وفي متن الغرر: إن لم
يعلم مخالفة إمامه ولم يتقدمه جاز، وإلا فلا. قوله: (لاعتقاده الخ) نشر مرتب ح. قوله: (كما لو لم
يتعين الامام الخ) تبع في ذلك النهر عن المعراج. ونص عبارة المعراج: وقال بعض أصحابه: أي
الشافعي: عليهم الإعادة، لان فعل الامام في اعتقادهم متردد بين الخطأ والصواب، ولو لم يتعين
الامام بأن رأى رجلين يصليان فنوى الاقتداء بواحد لا بعينه لا يجوز، فكذا إذا لم يتعين فعل
الامام ا ه‍. وبه ظهر أن المناسب حذف هذه المسألة بالكلية، إذ لا مدخل لها هنا إلا على قول
470

بعض الشافعية القائلين بأنه لا تصح صلاة من جهل حال إمامه قياسا على ما لو جهل عينه، فافهم.
فروع في النية
قوله: (فروع) كان المناسب ذكر هذه الفروع عند الكلام على النية قبيل استقبال القبلة كما
فعل في الخزائن. قوله: (النية عندنا شرط مطلقا) أي في كل العبادات باتفاق الأصحاب لا ركن،
وإنما وقع الاختلاف بينهم في تكبيرة الاحرام، والمعتمد أنها شرط كالنية: وقيل بركنيتها أشباه،
وإنما قال: مطلقا ليشمل صلاة الجنازة، بخلاف تكبيرة الاحرام فإنها ركن فيها اتفاقا كما سيأتي
في بابه ح. واستثنى في الأشباه من العبادات الايمان والتلاوة والأذكار والاذان فإنها لا تحتاج إلى نية
كما في شرح البخاري للعيني، وكل ما لا يكون إلا عبادة لا يحتاج إلى النية كما في شرح ابن
وهبان، قال: وكذا النية لا تحتاج إلى نية ا ه‍. ويستثنى أيضا ما كان شرطا للعبادة إلا التيمم وإلا
استقبال القبلة على قول الكرخي: المشترط نيته والمعتمد خلافه، وكذا ما كان جزء عبادة كمسح
الخف والرأس وغير ذلك. قوله: (فلو مما يتعلق) أي فلو كان هو: أي المنوي المدلول عليه بالنية
مما يتعلق بالأقوال كقوله: أنت طالق، وأنت حر إن شاء الله بطل، لان الطلاق أو العتق لا يتعلق
بالنية بل بالقول، حتى لو نوى طلاقها أو عتقه لا يصح بدون لفظ.
قال ح: فإن قلت: وقوع الطلاق متعلق بلفظ أنت طالق ولا عبرة بالنية لأنه صريح. قلت:
هذا مسلم في القضاء. وأما في الديانة فهي معتبرة، حتى إذا نوى به الطلاق من وثاق لا يقع
ديانة ا ه‍.
أقول: وكذا صرح بذلك في البحر والأشباه، وعليه فالفرق بين الصريح والكناية أن الأول لا
يحتاج إلى النية في القضاء فقط ويحتاج إليها ديانة، والثاني يحتاج إليها فيهما، لكن احتياج الأول إلى
النية ديانة معناه أن لا ينوي به غير معناه العرفي، فلو نوى الطلاق من الوثاق: أي القيد لا يقع
لصرفه اللفظ عن معناه. أما إذا قصد التلفظ بأنت طالق مخاطبا به زوجته ولم يقصد به الطلاق ولا
غيره فالظاهر الوقوع قضاء ديانة، لان اللفظ حقيقة فيه، وبدليل أنه لو صرح العدد لا يدين، كما
لو نوى الطلاق عن العمل فيقع قضاء وديانة. قوله: (وإلا لا) أي وإلا يكن المنوي مما يتعلق
بالأقوال كالصوم لا يبطل بالمشيئة لأنه يتعلق بمجرد النية القلبية بدون قول، فلو نوى الصوم وقال
إن شاء الله لا يبطل. قال في الأشباه: ولو علقها: أي نية الصوم بالمشيئة صحت، لأنها إنما تبطل
الأقوال والنية ليست منها ا ه‍. قوله: (إلا على قول محمد في الجمعة) فعنده لا يدرك الجمعة إلا
بإدراك ركعة مع الامام، فلو اقتدى بعد ما رفع الامام رأسه من ركوع الثانية ينوي جمعة ويتمها ظهرا
عنده، فقد نوى الجمعة ولم يؤدها، وأدى الظهر ولم ينوه، وهو مذهب الشافعي. وعندنا يتمها
جمعة متى صح اقتداؤه بالامام ولو في سجود السهو على القول بفعله فيها.
ونقض الحموي الحصر بمسائل ينوي فيها خلاف ما يؤدي: منها ما لو طاف بنية التطوع في
أيام النحر وقع عن الفرض، وما لو صام يوم الشك تطوعا فظهر أنه من رمضان كان منه، وما لو
تهجد بركعتين فظهر أن الفجر طالع ينوبان عن سنة الفجر. وما لو صام عن كفارة ظهار أو إفطار فقد
471

على العتق يمضي في صوم النفل. وما لو نذر صوم يوم بعينه فصامه بنية النفل يقع عن النذر كما في
جامع التمرتاشي ا ه‍.
أقول: قد يجاب بأن المراد النية التي هي شرط الصحة، فالمعنى ليس لنا من يلزمه أن ينوي
خلاف ما يؤدي إلا في مسألة، على أن أكثر هذه المسائل ليس فيها المخالفة بين المنوي والمؤدي
إلا من حيث الصفة، بخلاف الجمعة فإنها مخالفة للظهر ذاتا وصفة، فتدبر. قوله: (المعتمد أن العبادة
الخ) مقابله ما في الأشباه عن المجتبى، من أنه لا بد من نية العبادة في كل ركن، فافهم. واحترز
بذات الافعال عما هي فعل واحد كالصوم، فإنه لا خلاف في الاكتفاء بالنية في أوله.
ويرد عليه الحج فإنه ذو أفعال، منها طواف الإفاضة لا بد فيه من أصل نية الطواف وإن لم
يعينه عن الفرض، حتى لو طاف نفلا في أيامه وقع عنه. والجواب أن الطواف عبادة مستقلة في ذاته
كما هو ركن للحج، فباعتبار ركنيته يندرج في نية الحج فلا يشترط تعيينه، وباعتبار استقلاله اشترط
فيه أصل نية الطواف، حتى لو طاف هاربا أو طالبا لغريم لا يصح، بخلاف الوقوف بعرفة فإنه ليس
بعبادة إلا في ضمن الحج فيدخل في نيته، وعلى هذا الرمي والحلق والسعي. وأيضا فإن طواف
الإفاضة يقع بعد التحلل بالحلق حتى أنه يحل له سوى النساء، وبذلك يخرج من الحج من وجه دون
وجه فاعتبر فيه الشبهان. قوله: (اعتبر السابق) لعل وجهه أن الصلاة عبادة واحدة غير متجزئة فالنظر
فيها إلى ابتدائها، فإذا شرع فيها خالصا ثم عرض عليه الرياء فهي باقية لله تعالى على الخلوص،
وإلا لزم أن يكون بعضها له وبعضهم لغيره مع أنها واحدة. نعم لو حسن بعضها رياء فالتحسين وصف
زائد لا يثاب به، ويؤخذ مما ذكرنا أنه لو افتتحها مرائيا ثم أخلص اعتبر السابق. وهذا بخلاف ما لو
كان عبادة يمكن تجزئتها كقراءة واعتكاف، فإن الجزء الذي دخله الرياء له حكمه والخالص له
حكمه. قوله: (والرياء أنه الخ) أي الرياء الكامل المحبط للثواب عن أصل العبادة أو لتضعيفه، وإلا
فالتحسين لأجل الناس رياء أيضا بدليل أنه لا يثاب عليه، وإنما يثاب على أصل العبادة. وسيأتي في
فصل إذا أراد الشروع في الصلاة أنه لو أطال الركوع لادراك الجائي، قال أبو حنيفة: أخاف عليه
أمرا عظيما: يعني الشرك الخفي وهو الرياء كما سيأتي تحقيقه، وقوله: ولا يترك الخ أي لو أراد
أن يصلي أو يقرأ فخاف أن يدخل عليه الرياء فلا ينبغي أن يترك لأنه أمر موهوم. أشباه عن
الولواجية.
وقد سئل العارف المحقق شهاب الدين بن السهروردي عما نصه: يا سيدي إن تركت العمل
أخلدت إلى البطالة، وإن عملت داخلني العجب، فأيهما أولى؟ فكتب جوابه: اعمل واستغفر الله من
العجب ا ه‍. فتأمل. قوله: (لا رياء في الفرائض في حق سقوط الواجب) أي إن الرياء لا يبطل
الفرض وإن كان الاخلاص من جملة الفرائض. قال في مختارات النوازل: وإذا صلى رياء وسمعة تجوز
صلاته في الحكم لوجود شرائطه وأركانه ولكن لا يستحق الثواب، والذي في الذخيرة خلافه، قال
الفقيه أبو الليث في النوازل: قال بعض مشايخنا: الرياء لا يدخل في شئ من الفرائض، وهذا هو
472

المذهب المستقيم أن الرواياء (1) لا يفوت أصل الثواب، وإنما يفوت تضاعف الثواب ا ه‍ بيري على
الأشباه. وسيأتي تمام الكلام على هذه المسألة في كتاب الحظر والإباحة. قوله: (قيل لشخص
الخ) قال في الأشباه: وهذه المسألة ليست منصوصة في مذهبنا، وصرح بها النووي وقواعدنا لا
تأباها، أما الاجزاء فلانه لا رياء في الفرائض في حق سقوط الواجب، وأما عدم استحقاق الدينار
فلانه استئجار على واجب، ولا يستحق به الأجرة كالأب إذا استأجر ابنه للخدمة لا يستحق عليه
الأجرة لان خدمته واجبة عليه ا ه‍ ح. قوله: (الصلاة لارضاء الخصوم لا تفيد الخ) لم يتعرض
لكون ذلك جائزا، وظاهر مختارات النوازل أن ذلك لا يجوز حيث قال: ينبغي أن لا يفعل ذلك،
ولعل ذلك من إلقاء المبطلين ا ه‍.
وفي الولواجية: إذا صلى لوجه الله تعالى: فإن كان له خصم لم يجز بينه وبينه عفو أخذ من
حسناته ودفع إليه في الآخرة نوى أو لم ينو، وإن لم يكن له خصم أو كان وجرى بينهما عفو لم
يدفع إليه من حسناته شئ نوى أو لم ينو ا ه‍ بيري. وعلى هذا فالمراد بالصلاة المذكورة أن ينوي
الصلاة لله تعالى لأجل أن يرضى عنه أخصامه، وعدم جوازه لكونه بدعة، بخلاف الصلاة لتحية
المسجد أو نحوها من المندوبات وأما لو صلى ووهب ثوابها للخصوم فإنه يصح، لان العامل له أن
يجعل ثواب عمله لغيره عندنا كما سيأتي في باب الحج عن الغير إن شاء الله تعالى. قوله: (جاء) أي
في بعض الكتب أشباه عن البزازية، ولعل المراد بها الكتب السماوية أو يكون ذلك حديثا نقله
العلماء في كتبهم. والدانق بفتح النون وكسرها: سدس الدرهم وهو قيراطان، والقيراط: خمس
شعيرات، ويجمع على دوانق ودوانيق. كذا في الأختري حموي. قوله: (ثواب سبعمائة صلاة
بالجماعة) أي من الفرائض، لان الجماعة فيها والذي في المواهب عن القشيري: سبعمائة صلاة
مقبولة ولم يقيد بالجماعة. قال شارح المواهب ما حاصله: هذا لا ينافي أن الله تعالى يعفو عن
الظالم ويدخله الجنة برحمته ط ملخصا. قوله: (وإلا تقع نفلا) أي غير نائب في حقه عن ركعتين من
التراويح لوقوعها قبل صلاة العشاء ووقت التراويح بعد صلاة العشاء على المعتمد ط. قوله:
(فللمكتوبة) أي لقوتها لفرضيتها عينا ولكونها صلاة حقيقة والجنازة كفاية وليست بصلاة مطلقة.
قوله: (ولو مكتوبتين) أي إحداهما وقتية والأخرى لم يدخل وقتها، كما لو نوى في وقت الظهر:
ظهر هذا اليوم وعصره، كذ في شرح المنية وشرح الأشباه للبيري. ويدل عليه قوله الآتي: ولو
فائتة ووقتية الخ. قوله: (فللوقتية) علل له في المحيط بأن الوقتية واجبة للحال، وغيرها لا ا ه‍.
وهو يفيد أنه ليس بصاحب ترتيب، وإلا فالفائتة أولى كما لا يخفى. بحر.

(1) قوله: (وهذا هو المذهب المستقيم ان الرواياء الخ) لعل في الكلام سقطا والأصل وان الرياء الخ تأمل ا ه‍.
473

أقول: هذه الإفادة إنما تتم لو أريد بالمكتوبتين ما يشمل الوقتية مع الفائتة وليس كذلك، بل
المراد بهما الوقتية مع التي لم يدخل وقتها كما علمت. قوله: (ولو فائتتين فللأولى) وكذا لو
وقتيتين كالظهر والعصر فعرفة كما بحثه البيري. وقال ح: لان العصر وإن صحت في وقت الظهر
في ذلك اليوم إلا أن الظهر واجبة التقديم عليها للترتيب، فكانتا بمنزلة فائتتين لم يسقط الترتيب
بينهما كما هو ظاهر. قوله: (لو من أهل الترتيب الخ) تبع في البحر أخذا من تعليل المحيط للمسألة
بأن الثانية لا تجوز إلا بعد قضاء الأول. قال في البحر: وهو إنما يتم فيما إذا كان الترتيب بينهما
واجبا ا ه‍.
أقول: ما ذكره في البحر مأخوذ من الحلية، لكنه في الحلية قال بعده: بقي ما لو لم يكن
الترتيب بينهما واجبا، ويمكن أيضا أن يقال: إنها للأولى، لان تقديمها أولى ا ه‍. وجزم بذلك
الحلبي في شرحه الصغير حيث قال: فللأولى منهما لترجحها بالسبق وإن لم يكن صاحب ترتيب ا ه‍
فافهم. قوله: (فللفائتة لو الوقت متسعا) وأما إذ خاف ذهاب وقت الحاضرة فإنه يجزيه عنها حتى
يكون عليه قضاء الفائتة كما في الأجناس. بيري. هذا، وقال ح بعد قوله لو الوقت متسعا: أي
وكان بينهما ترتيب، إذ لو كان متسعا ولم يكن بينهما ترتيب لغت نيته كما صرح به في البحر ا ه‍.
وأقول: لم يصرح بذلك في البحر في هذه المسألة، نعم صرح به في شرح المنية بحثا، وبحث في
الحلية خلافه، فافهم.
ثم اعلم أن ما ذكره الشارح من قوله: فللفائتة الخ عزاه في الفتح إلى المنتقى، ومثله في
السراج، وعزاه في البحر إلى المنية، وذكر قبله أنه لا يصير شارعا في واحدة منهما ثم قال: وأفاد
في الظهيرية أن فيها روايتين ا ه‍.
أقول: وكذا ذكر أولا في الخلاصة عن الجامع الكبير أنه لا يصير شارعا في واحدة منهما، ثم
قال: وفي المنتقى يصير شارعا في الأولى ا ه‍. فتكون رواية. وقال الامام الفارسي في شرحه على
تلخيص الجامع الكبير للخلاطي حيث قال في شرح قوله: ناوي الفرضين معا لاغ في الصلاة إلحاقا
للدفع بالرفع في التنافي متنفل في غيرها الخ: أي نية الفرضين معا إن كانت في الصلاة كانت لغوا
عندهما، وهو رواية الحسن عن الامام.
وصورته: لو كبر ينوي ظهرا عليه من يوم أو يومين عالما بأولهما أو لا فلا يصير
شارعا في واحد منهما للتنافي بدليل أنه لو طرأ أحدهما على الآخر رفعه وأبطله أصلا، حتى لو شرع
في الظهر ينوي عصرا عليه بطلت الظهر وصح شروعه في العصر، فإذا كان لكل منهما قوة رفع
الأخرى بعد ثبوتها يكون لها قوة دفعها عن المحل قبل استقرارها بالأولى، لان الدفع أسهل من
الرفع، وهذا على أصل محمد، وكذا على أصل أبي يوسف، لان الترجيح عنده إما بالحاجة إلى
التعيين وإما بالقوة وقد استويا في الامرين، ثم إطلاق الفرضين يتناول ما وجب بإيجاب الله تعالى
كالمكتوبة، أو بإيجاب العبد كالمنذور أداء وقضاء، وما ألحق به كفاسد النفل سواء كانا من جنس
واحد كالظهرين والجنازتين والمنذورتين أو من جنسين كالظهر مع العصر أو مع النذر أو مع
الجنازة، وقيل إن ناوي الفرضين في الصلاة متنفل عندهما خلافا لمحمد، وإن كانت نية الفرضين في
474

غير الصلاة كالزكاة والصوم والحج والكفارة كانت معتبرة ويكون متنفلا إلا في كفارتين من جنس
واحد، فيكون مفترضا ا ه‍ ملخصا، وتمامه فيما علقناه على البحر. فعلم أن رواية الجامع الكبير
مخالفة لرواية المنتقى فلا يصير شارعا في الصلاة أصلا إذا جمع في النية بين فرضين كل منهما قضاء،
أو أحدهما أداء والآخر قضاء. أو لم يدخل وقته، أو جنازة، أو منذور أو غيره من الواجبات، وقيل
يصير متنفلا فلم تعتبر القوة على رواية الجامع إلا فيما إذا جمع بين فرض وتطوع فإنه يكون مفترضا
عندهما لقوته. وقال محمد: إن كانت في الصلاة تلغو فلا يصير شارعا فيهما، وإن كانت في صوم أو
زكاة أو حج نذر مع تطوع يكون متنفلا، بخلاف حجة الاسلام والتطوع، فإنه مفترض اتفاقا كما
أوضحه الفارسي في شرحه، والله أعلم. قوله (فللفرض) أي خلافا لمحمد كما علمته آنفا. قوله: (ولو
نافلتين) قد تطلق النافلة على ما يشمل السنة وهو المراد هنا قوله: (فعنهما) ذكره في الأشباه ثم قال:
ولم أر حكم ما إذا نوى سنتين كما إذا نوى في يوم الاثنين صومه عنه وعن يوم عرفة إذا وافقه فإن
مسألة التحية إنما كانت ضمنا للسنة لحصول المقصود. ا ه‍: أي فكذا الصوم عن اليومين، وأيده
العلامة البيري بأنه يجزيه الصوم في الواجبين، ففي غيرهما أولى لما في خزانة الأكمل: لو قال لله
علي أن أصوم رجب ثم صام عن كفارة ظهار شهرين متتابعين أحدهما رجب أجزأه، بخلاف ما لو
كان أحدهما رمضان، ولو نذر صوم جميع عمره ثم وجب صوم شهرين عن ظهار أو أوجب صوم شهر
بعينه ثم قضى فيه صوم رمضان جاز من غير أن يلحقه شئ ا ه‍. لكن ليس في هذا جمع بين نيتين
بل هو نية واحدة أجزأت عن صومين، ولم يذكر الشارح هذه المسألة لان كلامه في الصلاة ولا
تتأتى فيها.
ويمكن تصويره فيما لو نوى سنة العشاء والتهجد بناء على ما رجحه ابن الهمام من أن التهجد
في حقنا سنة لا مستحب. قوله: (فنافلة) لأنها صلاة مطلقة وتلك دعاء. قوله: (ولا تبطل بنية
القطع) وكذا بنية الانتقال إلى غيرها ط قوله: (ما لم يكبر بنية مغايرة) بأن يكبر ناويا النفل بعد
شروع الفرض وعكسه، أو الفائتة بعد الوقتية وعكسه، أو الاقتداء بعد الانفراد وعكسه. وأما إذا كبر
بنية موافقة كأن نوى الظهر بعد ركعة الظهر من غير تلفظ بالنية فإن النية الأولى لا تبطل ويبنى
عليها. ولو بنى على الثانية فسدت الصلاة ط. قوله: (الصوم) ونحوه الاعتكاف، ولكن الأولى عدم
الاشتغال بغير ما هو فيه ط، والله أعلم.
باب صفة الصلاة
قوله: (شروع في المشروط) هذا يفيد أن المراد بالصفة الأوصاف النفسية للصلاة، وهي
الاجزاء العقلية التي هي أجزاء الهوية من القيام والركوع والسجود، لان ذلك هو المشروط، وسيأتي
أن الأولى خلافه ط. قوله: (هي لغة مصدر) يقال وصف الشئ وصفا وصفة: نعته، والصفة كالعلم
والسواد. قاموس.
475

وفي تعريفات السيد: الوصف عبارة عما دل على الذات باعتبار معنى هو المقصود من جوهر
حروفه، ويدل على الذات بصيغته كأحمر، فإنه بجوهر حروفه يدل على معنى مقصود وهو الحمرة،
فالوصف والصفة مصدران كالوعد والعدة. والمتكلمون فرقوا بينهما فقالوا: الوصف يقوم
بالواصف، والصفة تقوم بالموصوف ا ه‍. لكن كلام القاموس يدل على إطلاق الصفة على ما قام
بالموصوف لغة أيضا، فالصفة تكون مصدرا واسما والوصف مصدر فقط. قال في الفتح والبحر.
ولا ينكر أنه قد يطلق الوصف ويراد الصفة، وبهذا لا يلزم الاتحاد لغة، إذ لا شك في أن الوصف
مصدر ا ه‍. وظاهره أن الوصف قد يستعمل اسما بمعنى الصفة مجازا لا لغة، فلا يلزم اتحادهما، خلافا
لما قيل إنهما في اللغة بمعنى واحد. قوله: (وعرفا كيفية الخ) مبني على عرف المتكلمين، وإلا
فقد علمت أن الصفة تكون في اللغة مصدرا واسما، وهذا تعريف لصفة أجزاء الصلاة خاصة لا
لمطلق الصفة. قال ح: فيكون على حذف مضاف تقديره صفة أجزاء الصلاة، فبعض الاجزاء صفته
الفرضية كالقيام، وبعضها الوجوب كالتشهد، وبعضها السنية كالثناء، وبعضها الندب كنظره إلى
موضع سجوده في القيام، وإنما قدرنا المضاف لان المقام مقام بيان صفة الاجزاء لا صفة نفس
الصلاة ا ه‍. وهذا أولى مما في الفتح من أن المراد بالصفة هنا الأوصاف النفسية لها وهي الاجزاء
العقلية التي هي أجزاء الهوية الخارجية من القيام الجزئي والركوع والسجود، كذا في النهر. قال ط:
ووجه الأولوية أنه لا يشمل الواجبات والسنن والمندوبات ا ه‍. وفيه نظر، فإن الواجبات وغيرها مما
يطلب من المصلي فعله أجزاء الصلاة، إذ ليس المرا بالاجزاء ما يتوقف عليه صحتها، ولعل وجه
الأولوية أن الصفة ما قام بالموصوف، والاجزاء هي التي قامت بها صفة الفرضية والوجوب ونحوهما
فليست هي الصفة بل الموصوف.
وقد يجاب بأن المراد أن هذه الاجزاء هي أوصاف المصلي وتنسب إلى الصلاة لكونها أجزاء
الهوية الخارجية التي صارت بها الصلاة في الخارج هي هي، وعليه فالإضافة في صفة الصلاة
بيانية، أو المراد بالصفة الجزء مجازا لقيامه بالكل، ويدل عليه قوله في الكفاية والمعراج: إن
الإضافة فيه من إضافة الجزء إلى الكل، لان كل صفة مما يأتي جزء الصلاة إلخ، فهذا مؤيد لما قاله
في الفتح، ويدل عليه أيضا أن المراد من هذا الباب بيان هذه الاجزاء المتنوعة إلى فرض وواجب
وسنة، لا بيان نفس الفرضية والوجوب والسنية التي هي صفات هذه الاجزاء، إذ بيانها في كتب
الأصول لا الفروع. تأمل.
مطلب: قد يطلق الفرض على ما يقابل الركن وعلى ما ليس بركن ولا شرط
قوله: (من فرائضها) جمع فريضة أعم من الركن الداخل الماهية والشرط الخارج عنها، فيصدق
على التحريمة والقعدة الأخيرة والخروج بصنعه على ما سيأتي، وكثيرا ما يطلقون الفرض على ما
يقابل الركن كالتحريمة والقعدة وقدمنا في أوائل كتاب الطهارة عن شرح المنية أنه قد يطلق الفرض
على ما ليس بركن ولا شرط كترتيب القيام والركوع والسجود والقعدة، وأشار بمن التبعيضية إلى أن
لها فرائض أخر كما سيأتي في قول الشارح وبقي من الفروض الخ أفاده ح. قوله: (التي لا تصح
بدونها) صفة كاشفة، إذ لا شئ من الفروض ما تصح الصلاة بدونه بلا عذر. وقوله: (التحريمة)
476

المراد بها جملة ذكر خالص مثل الله أكبر كما سيأتي مع بيان شروطها العشرين نظما. والتحريم
جعل الشئ محرما، سميت بها لتحريمها الأشياء المباحة قبل الشروع، بخلاف سائر التكبيرات والتاء
فيها للمبالغة. قهستاني. وهو الأظهر برجندي. وقيل للوحدة وقيل للنقل من الوصفية إلى الاسمية.
قوله: (قائما) هو أحد شروطها العشرين الآتية، وسيذكره المصنف في الفصل الآتي. قوله: (وهي
شرط) وإنما لم يذكرها مع الشروط المارة لاتصالها بها بمنزلة الباب للدار. أفاده في السراج. قوله:
(في غير جنازة) أما فيها فهي ركن اتفاقا كبقية تكبيراتها كما سيأتي في بابه ح. قوله: (على القادر)
متعلق بشرط لتضمنه معنى الفرض: أي وهي شرط مفترض عليه ح. أما الأمي والأخرس لو افتتحا
بالنية جاز لأنهما أتيا بأقصى ما في وسعهما. بحر عن المحيط، وسيأتي تمام الكلام على ذلك في
الفصل الآتي. قوله: (به يفتى) الضمير راجع إلى الحكم عليها بالشرطية، وهو مضمون النسبة
الايقاعية في قوله: وهي شرط. قوله: (فيجوز بناء النفل على النفل) تفريع على كون التحريمة
شرطا، لكن كونها شرطا يقتضي صحة بناء أي صلاة على تحريمة أي صلاة، كما يجوز بناء أي صلاة
على طهارة أي صلاة، وكذا بقية الشروط، لكن منعنا بناء الفرض على غيره، لا لان التحريمة ركن،
بل لان المطلوب في الفرض تعيينه وتمييزه عن غيره بأخص أوصافه وجميع أفعال وأن يكون عبادة
على حدة، ولو بنى على غيره لكان مع ذلك الغير عبادة واحدة كما في بناء النفل على النفل. قال
في البحر: فإنه يكون صلاة واحدة بدليل أن القعود لا يفترض إلا في آخرها على الصحيح، وقولهم:
إن كل ركعتين من النفل صلاة لا يعارضه، لأنه فأحكام دون أخرى ا ه‍ ح. قوله: (وعلى الفرض)
لان الفرض أقوى فيستتبع النفل لضعفه ط. قوله: (وإن كره) يعني أنه مع صحته مكروه، لان فيه
تأخير السلام وعدم كون النفل بتحريمة مبتدأة ح، وهذا في العمد، إذ لو سها بعد قعدة الفرض فزاد
خامسة يضم سادسة بلا كراهة. قوله: (على الظاهر) أي ظاهر المذهب خلافا لصدر الاسلام حيث
قال بالجواز فيهما كما في البحر، لكن ذكر في النهاية بعد عزوه الجواز في بناء الفرض على مثله إلى
صدر الاسلام أن بناء الفرض على النفل لم نجد فيه رواية، ثم قال: ولكن يجب أن لا يجوز حتى
على قول صدر الاسلام لأنه جوز بناء المثل، فلا يجوز بناء الأقوى على الأدنى، ولان الشئ يستتبع
مثله أو دونه لا ما هو أقوى، إلى آخر ما أطال به، وتبعه في المعراج والعناية، وبهذا ظهر عدم صحة
قول النهر. ولا خلاف في جواز بناء النفل على النفل والفرض عليه فتنبه. قوله: (ولإتصالها الخ)
علة مقدمة على المعلول، وهو قوله: روعي لها الشروط وهذا حاصل عبارة البرهان الآتية، وهو
جواب عن سؤال مقدر، وهو أنها إذا كانت شرطا فلم روعي لها الشروط والشروط تراعى
.
والجواب إنما روعيت الشروط لها من الطهارة والاستقبال ونحوهما لا لكونها ركنا للصلاة بل
لاتصالها بالقيام الذي هو ركن الصلاة. قوله: (وقد منعه الزيلعي) أي منع ما ذكر من قوله: روعي
لها الشروط حيث قال في الرد على الشافعي القائل بركنية التحريمة، وقوله: يشترط لها ما يشترط
للصلاة ممنوع، فإنه لو أحرم حاملا للنجاسة فألقاها عند فراغه منها أو مكشوف العورة فسترها عند
فراغه من التكبير بعمل يسير أو شرع في التكبير قبل ظهور الزوال مثلا ثم ظهر عند فراغه منها أو
477

منحرفا عن القبلة فاستقبلها عند الفراغ منها جاز، ولئن سلم فإنما يشترط لما يتصل به من الأداء، لا
لان التحريمة من الصلاة ا ه‍.
قوله: (ثم رجع إليه) أي إلى القول بمراعاة الشروط لها بقوله: ولئن سلم الخ فإنه وإن كان
على سبيل التنزل مع الخصم، لكن قوله: فإنما يشترط لما يتصل به من الأداء الخ صريح في
لزوم مراعاة الشروط وقتها لا لها بل لاتصالها بالقيام الذي هو ركن اتفاقا، ونظير ذلك قولك: لا
نسلم أن الحركة تجتمع مع السكون، ولئن سلم يلزم اجتماع الضدين، فقولك: ولئن سلم، كلام
فرضي قصد به ما بعده، فعلم أن الزيلعي أراد بهذا الكلام لزوم مراعاة الشروط وقت التحريمة
لاتصالها بالقيام الذي هو ركن الصلاة، وعليه فلو أحرم حاملا للنجاسة فألقاها عند فراغه من
التحريمة لا تصح صلاته لاتصال النجاسة بجزء من القيام، وكذا بقية المسائل المارة في عبارة
الزيلعي، ولو لم يكن مراده ذلك لم يصح تفريعه على فرض التسليم المذكور، فثبت أن ما منعه أو
رجع إليه ثانيا. فافهم. قوله: (نعم تصديق لما فعله الزيلعي من تقديم المنع على التسليم جريا
على قواعد علماء المناظرة، وقوله: في التلويح الخ تأييد له، وقصد بذلك الرد على من قدم
التسليم على المنع، عكس ما فعله الزيلعي كما يعلم من كلام البحر فراجعه، فافهم. قوله: (لكن
نقول الخ) استدراك على المنع وتأييد لما رجع إليه الزيلعي بأنه الاحتياط وقوله: وعبارة البرهان
الخ تقوية للاستدراك، لان قول البرهان: وإنما اشترط لها الخ، صريح في مراعاة الشروط لها وإن
لم تكن ركنا لاتصالها بالقيام الذي هو ركن الصلاة، وقال الشارح في خزائن الاسرار: ظاهر كلام
الهداية والكافي وشروح المجمع وغيرها صريح في اشتراط وجود شروط الصلاة حين التحريمة
لكونها ركنا بها لاتصالها بالأركان، وقد منع الزيلعي الاشتراط أولا الخ.
بحث القيام
وحاصل كلام الشارح اختيار مراعاة الشروط وقت التحريمة وإن لم تكن ركنا لقولهم في
الجواب عن استدلال الشافعي على ركنيتها بمراعاة الشروط لها: إن هذه الشروط لم تراى لأجلها بل
لما اتصل بها من القيام، فإن ظاهره أنهم سلموا لزوم المراعاة وقتها لكن منعوا أن تكون المراعاة
لأجلها، وعليه فلا يصح الشروع في الصلاة لو شرع بالتحريمة حاملا لنجاسة فألقاها قبل الفراغ
منها، وكذا في بقية الفروع المارة. وأقول: هذا خلاف ما دل عليه كلام الشارحين من تصريحهم
بصحة الشروع في هذه الفروع، حتى أن العلامة الكاكي صرح في معراج الدراية بأن ثمرة الخلاف
بيننا وبين الشافعي في التحريمة تظهر في جواز بناء النفل على الفرض، وتظهر أيضا فيما إذا كبر
وفي يده نجاسة فألقاها عند فراغه منها إلى آخر الفروع المار، وقال في آخرها: لا تفسد صلاته
عندنا، ونحوه في السراج، لكنه جعل الخلاف بين الامامين ومحمد، ولعله رواية عن محمد، فإن
المشهور أن لقائل بركنية التحريمة هو الشافعي وبعض أصحابنا. وعبارة فتح القدير هكذا: قوله
ومراعاة الشرائط الخ يتضمن منع قوله يشترط لها، فيقال: لا نسلم أنه يشترط لها بل هو لما يتصل
بها من الأركان لا لنفسها، ولذا قلنا: لو تحرم حامل نجاسة أو مكشوف العورة أو قبل ظهور الزوال
أو منحرفا فألقاها واستتر بعمل يسير وظهر الزوال واستقبل مع آخر جزء من التحريمة جاز. وذكر في
478

الكافي أنها عند بعض أصحابنا ركن ا ه‍. وهو ظاهر كلام الطحاوي، فيجب على قول هؤلاء أن لا
تصح هذه الفروع ا ه‍ كلام الفتح. فانظر كيف فهم أن مراد صاحب الهداية تسليم صحة هذه الفروع،
وأنه لا يشترط وجود شروط الصلاة وقت التحريمة، وأن عدم صحتها إنما هو على القول بركنيتها
ونحن لا نقول به وهذا خلاف ما فهمه الشارح من كلام الهداية والكافي وغيرهما كما قدمناه عن
الخزائن، وكذا كلام البحر والنهر صريح في صحة هذه الفروع، فحيث كان هذا هو المنقول فليس
لنا عنه عدول، وحينئذ فمعنى قولهم في الجواب: إن مراعاة الشروط ليست لها بل لما اتصل بها من
القيام أن شروط الصلاة من الطهارة وغيرها لا تجب للتحريمة أصلا، وإنما تجب للقيام المتصل بها:
أي المتصل بآخرها عند انتهاء التلفظ بها لا للقيام المتصل بابتدائها إلى انتهائها حتى يلزم مراعاة
الشروط لها في ضمن القيام المذكور كما فهمه الشارح من قول البرهان: وإنما اشترط لها، فإن قوله
لها يفيد ما ذكره الشارح، لكنه غير مراد بدليل صحة الفروع المذكورة عندنا، أو يقال: معناه أن
الشروط التي يراعيها المصلي وقت التحريمة ليست لها، بل لما اتصل بها من الأركان.
وحاصله أنه لما كان الغالب من حال المصلي مراعاة الشروط وقتها صار منشأ لتوهم أن ذلك
للتحريمة فبينوا أولا أن ذلك للقيام المتصل بها، ثم حققوا ذلك بأن ذكروا صورا يمكن فيها عدم
اقتران التحريمة بالشروط. وعبارة الهداية: ومراعاة الشرائط لما يتصل بها من القيام. قال في
الكفاية: والدليل أن من وقع في البحر ولم يصل الماء إلى أعضاء وضوئه فكبر وغمس في الماء
ورفع وصلى بالايماء تجوز صلاته وإن كان حال التكبير غير متوضئ ا ه‍. فهذا أيضا صريح في أن
الشروط إنما تجب مراعاتها مع الفراغ منها عند أول جزء من القيام المتصل بآخر التحريمة، فالشروط
تراعى له في وقته لا لها تبعا له. ويمكن حمل كلام الزيلعي المار على هذا أيضا بأن يجعل قوله: لما
يتصل، متعلقا بقوله: يشترط صلة له لا علة حتى يكون المعنى يشترط في التحريمة لأجل ما يتصل
الخ، وحينئذ فيتوافق كلامهم ويتضح مرامهم، هذا ما ظهر لي في تحقيق هذا المقام والسلام. قوله:
(ومنها القيام) يشمل التام منه وهو الانتصاب مع الاعتدال وغير التام وهو الانحناء القليل بحيث لا
تنال يداه ركبتيه، وقوله: بحيث الخ صادق بالصورتين. أفاده ط. ويكره القيام على أحد القدمين
في الصلاة بلا عذر، وينبغي أن يكون بينهما مقدار أربع أصابع اليد لأنه أقرب إلى الخشوع، هكذا
روي عن أبي نصر الدبوسي أنه كان يفعله، كذا في الكبرى، وما روي أنهم ألصقوا الكعاب بالكعاب
أريد به الجماعة: أي قام كل واحد بجانب الآخر، كذا في فتاوى سمرقند، ولو قام على أصابع
رجليه أو عقبيه بلا عذر يجوز، وقيل لا، حكي القولين في القنية، وتمامه في شرح الشيخ
إسماعيل. قوله: (بقدر القراءة فيه) ذكره في الشرنبلالية بحثا، لكن عزاه في الخزائن إلى الحاوي،
وحينئذ فهو بقدر آية فرض وبقدر الفاتحة وسورة واجب، وبطول المفصل وأوساطه وقصاره في
محالها مسنون والزيادة على ذلك في نحو تهجد مندوب، لكن في أواخر الفن الثالث من الأشباه.
قال أصحابنا: لو قرأ القرآن كله في الصلاة وقع فرضا، ولو أطال الركوع والسجود فيها وقع
فرضا ا ه‍. ومقتضاه أنه لو أطال القيام يقع فرضا أيضا، فينافي هذا التقدير، وقد يجاب بأن هذا قبل
إيقاعه، أما بعده فالكل فرض، كما أن القراءة قبل إيقاعها نوعت إلى فرض وواجب وسنة وبعده
479

يكون الكل فرضا، وتظهر ثمرة ذلك في الثواب والعقاب، فإذا قرأ أكثر من آية يثاب ثواب الفرض،
وإذا ترك القراءة لا يعاقب على ترك الزائد على الآية، هذا ما ظهر لي، فتأمله. قوله: (فركع) أي
وقرأ في هويه قدر الفرض، أو كان أخرس أو مقتديا أو أخر القراءة. قوله: (إلى أن يبلغ الركوع) أي
يبلغ أقل الركوع بحيث تنال يداه ركبتيه، وعبارته في الخزائن عن القنية: إلى أن يصير أقرب إلى
الركوع. قوله: (كنذر) أطلقه فشمل النذر المطلق وهو الذي لم يعين فيه القيام ولا القعود، وهذا
أحد قولين، والثاني التخيير ط، وأبدل النذر في الخزائن بالواجب، ويدخل فيه قضاء ما أفسده من
النوافل فهل يفترض فيه القيام لوجوبه أم لا إلحاقا له بأصله؟ توقف فيه ط والرحمتي. قوله: (وسنة
فجر في الأصح) أما على القول بوجوبها فظاهر، وأما على القول بسنيتها فمراعاة للقول بالوجوب.
ونقل في مراقي الفلاح أن الأصح جوازها من قعود ط.
أقول: لكن في الحلية عند الكلام على صلاة التراويح: لو صلى التراويح قاعدا بلا عذر:
قيل لا يجوز قياسا على سنن الفجر فإن كلا منهما سنة مؤكدة، وسنة الفجر لا تجوز قاعدا من غير
عذر بإجماعهم كما هو رواية الحسن عن أبي حنيفة كما صرح به في الخلاصة، فكذا التراويح، وقيل
يجوز والقياس على سنة الفجر غير تام، فإن التراويح دونها في التأكيد فلا تجوز التسوية بينهما في
ذلك. قال قاضيخان: وهو الصحيح ا ه‍. قوله: (القادر عليه) فلو عجز حقيقة وهو ظاهر أو حكما
كما لو حصل له به ألم شديد أو خاف زيادة المرض وكالمسائل الآتية في قوله: وقد يتحتم القعود
الخ فإنه يسقط، وقد يسقط مع القدرة عليه فيما لو عجز عن السجود كما اقتصر عليه الشارح تبعا
للبحر. ويزاد مسألة أخرى وهي الصلاة في السفينة الجارية، فإنه يصلي فيها قاعدا مع القدرة على
القيام عند الامام. قوله: (فلو قدر عليه) أي على القيام وحده أو مع الركوع كما في المنية. قوله:
(ندب إيماؤه قاعدا) أي لقربه من السجود، وجاز إيماؤه قائما كما في البحر وأوجب الثاني زفر
والأئمة الثلاثة، لان القيام ركن فلا يترك مع القدرة عليه.
ولنا أن القيام وسيلة إلى السجود للخرور، والسجود أصل لأنه شرع عبادة بلا قيام كسجدة
التلاوة، والقيام لم يشرع عبادة وحده، حتى لو سجد لغير الله تعالى يكفر بخلاف القيام. وإذا عجز
عن الأصل سقطت الوسيلة كالوضوء مع الصلاة والسعي مع الجمعة. وما أورده ابن الهمام أجاب
عنه في شرح المنية ثم قال: ولو قيل إن الايماء أفضل للخروج من الخلاف لكان موجها ولكن لم
أر من ذكره. قوله: (وكذا) أي يندب إيماؤه قاعدا مع جواز إيمائه قائما لعجزه عن السجود حكما،
لأنه لو سجد لزم فوات الطهارة بلا خلاف، ولو أومأ كان الايماء خلفا عن السجود، قوله: (وقد
يتحتم القعود الخ) أي يلزمه الايماء قاعدا لخلفيته عن القيام الذي عجز عنه حكما، إذ لو قام لزم
فوت الطهارة أو الستر أو القراءة أو الصوم بلا خلاف، حتى لو لم يقدر على الايماء قاعدا كما لو
كان بحال لو صلى قاعدا يسيل بوله أو جرحه، ولو صلى مستلقيا لا يسيل منه شئ فإنه يصلي قائما
بركوع وسجود كما نص عليه في المنية. قال شارحها: لان الصلاة بالاستلقاء لا تجوز بلا عذر
480

كالصلاة مع الحدث فيترجح ما فيه الاتيان بالأركان. وعن محمد أنه يصلي مضطجعا ولا إعادة في
شئ مما تقدم إجماعا ا ه‍. قوله: (أو يسلس) من باب تعب ط. قوله: (أصلا) أما لو قدر على بعض
القراءة إذا قام فإنه يلزمه أن يقرأ مقدار قدرته والباقي قاعدا. شرح المنية. قوله: (الخروج لجماعة)
أي في المسجد، وهو محمول على ما إذا لم تتيسر له الجماعة في بيته، أفاده أبو السعود ط. قوله:
(به يفتى) وجهه أن القيام فرض بخلاف الجماعة، وبه قال مالك والشافعي، خلافا لأحمد بناء على
أن الجماعة فرض عنده، وقيل يصلي مع الامام قاعدا عندنا لأنه عاجز إذ ذاك، ذكره في المحيط،
وصححه الزاهدي. شرح المنية، وثم قول ثالث مشي عليه في المنية، وأنه يشرع مع الامام
قائما ثم يقعد، فإذا جاء وقت الركوع يقوم ويركع: أي إن قدر، وما مشى عليه الشارح تبعا للنهر
جعله في الخلاصة أصح، وبه يفتى. قال في الحلية: ولعله أشبه، لان القيام فرض فلا يجوز تركه
للجماعة التي هي سنة بل يعد هذا عذرا في تركها ا ه‍. وتبعه في البحر.
مبحث القراءة
قوله: (ومنها القراءة) أي قراءة آية من القرآن، وهي فرض عملي في جميع ركعات النفل والوتر
وفي ركعتين من الفرض كما سيأتي متنا في باب الوتر والنوافل، وأما تعيين القراءة في الأوليين من
الفرض فهو واجب، وقيل سنة لا فرض كما سنحققه في الواجبات، وأما قراءة الفاتحة والسورة أو
ثلاث آيات فهي واجبة أيضا كما سيأتي.
فرع: قد تفرض القراءة في جميع ركعات الفرض الرباعي كما لو استخلف مسبوقا بركعتين
وأشار له أنه لم يقرأ في الأوليين كما سيأتي في باب الاستخلاف. قوله: (كما سيجئ) أي في
الفصل الآتي مع بيان حكم القراءة بغير العربية، أو بالشواذ أو بالتوراة والإنجيل. [مب]
مبحث الركن الأصلي والركن الزائد [/ مب]
قوله: (لسقوطه بالاقتداء بلا خلف) في هذا التعليل إشارة إلى ما ذكره في البحر من أن الركن
الزائد هو ما يسقط في بعض الصور من غير تحقق ضرورة، والركن الأصلي ما لا يسقط إلا لضرورة.
وأورد على تسمية الركن زائدا أن الركن ما كان داخل الماهية فكيف يوصف بالزيادة؟ وأجيب بأنه
ركن من حيث قيام ذلك الشئ به في حالة وانتفاؤه بانتفائه، وزائد من حيث قيامه بدونه في حالة
أخرى، فالصلاة ماهية اعتبارية فيجوز أن يعتبرها الشارع تارة بأركان وأخرى بأقل منها.
وأورد على تفسير الركن الزائد بما مر أنه يلزم عليه تسمية غسل الرجل ركنا زائدا في الوضوء.
وأجيب بأن الزائد ما إذا سقط لا يخلفه بدل والمسح بدل الغسل، ومثله بقية أركان الصلاة فإنها تسقط
إلى خلف فليست بزوائد، بخلاف القراءة.
وأورد أن قراءة الإمام خلف عن قراءة المقتدي، لقوله (ص) من كان له إمام فقراءة الإمام له
قراءة وأجاب ح بأن المراد بالخلف خلف يأتي به من فاته الأصل وها هنا ليس كذلك ا ه‍. وهو
481

أحسن مما في ط من أنه ليس المراد في الحديث الخلفية، بل المراد أن الشارع منعه عن القراءة
واكتفى بقراءة الإمام عنه ا ه‍. قال في النهر: ولقائل أن يقول: لا نسلم سقوط القراءة بلا ضرورة
ليلزم كونها زائدا إذ سقوطها لضرورة الاقتداء، ومن هنا ادعى ابن ملك أنه ركن أصلي ا ه‍. أقول:
ولقائل أن يقول: لا نسلم أن الاقتداء ضرورة إذ الضرورة العجز المبيح لترك أداء الركن والمقتدي
قادر على القراءة غير أنه ممنوع عنها شرعا، والمنع لا يسمى عجزا إلا بتأويل. وقد خالف ابن ملك
الجم الغفير في ذلك كما قاله في البحر، فلا تعتبر مخالفته، والله تعالى أعلم. [مب]
بحث الركوع والسجود [/ مب]
قوله: (بحيث لو مد يديه الخ) كذا في السراج. وفي شرح المنية: هو طأطأة الرأس: أي
خفضه لكن مع انحناء الظهر لأنه هو المفهوم من موضوع اللغة، فيصدق عليه قوله تعالى:
* (اركعوا) * (الحج: 77) وأما كماله فبانحناء الصلب حتى يستوي الرأس بالعجز وهو حد الاعتدال
فيه ا ه‍. لكن ضعفه في شرح المختار حيث قال: الركوع يتحقق بما ينطلق عليه الاسم لأنه عبارة
عن الانحناء، وقيل إن كان إلى حال القيام أقرب لا يجوز، وإن كان إلى حال الركوع أقرب جاز ا ه‍.
وتمامه في الامداد، وما اختاره في شرح المختار هو الموافق لما قرره علماؤنا في كتب الأصول.
وفي شرح الشيخ إسماعيل عن المحيط: وإن طأطأ رأسه في الركوع قليلا ولم يعتدل فظاهر الجواب
عن أبي حنيفة أنه يجوز. وروى الحسن أنه إن كان إلى الركوع أقرب يجوز، وإن كان إلى القيام
أقرب لا يجوز ا ه‍. وفي حاشية الفتال عن البرجندي: ولو كان يصلي قاعدا ينبغي أن يحاذي جبهته
قدام ركبتيه ليحصل الركوع ا ه‍. قلت: ولعله محمول على تمام الركوع، وإلا فقد علمت حصوله
بأصل طأطأة الرأس: أي مع انحناء الظهر. تأمل. قوله: (ومنها السجود) هو لغة: الخضوع.
قاموس. وفسره في المغرب بوضع الجبهة في الأرض. وفي البحر: حقيقة السجود وضع بعض الوجه
على الأرض مما لا سخرية فيه، فدخل الانف وخرج الخد والذقن، وأما إذا رفع قدميه في السجود فإنه
مع رفع القدمين بالتلاعب أشبه منه بالتعظيم والاجلال ا ه‍. وتمامه فيما علقناه عليه. قوله: (بجبهته)
أي حيث لا عذر بها. وأما جواز الاقتصار على الانف فشرطه العذر على الراجح كما سيأتي. قال ح:
ثم إن اقتصر على الجبهة فوضع جزءا منها وإن قل فرض ووضع أكثرها واجب. قوله: (وقدميه) يجب
إسقاطه، لان أصبع واحدة منهما يكفي كما ذكره بعد ح. وأفاد أنه لو لم يضع شيئا من القدمين لم
يصح السجود وهو مقتضى ما قدمناه آنفا عن البحر، وفيه خلاف سنذكره في الفصل الآتي. قوله:
(وتكراره تعبد) أي تكرار السجود أمر تعبدي: أي لم يعقل معناه على قول أكثر المشايخ تحقيقا
للابتلاء، وقيل ثني ترغيما للشيطان حيث لم يسجد مرة فنحن نسجد مرتين، وتمامه في البحر.
مطلب: هل الامر التعبدي أفضل أو المعقول المعنى؟
فائدة: سئل المصنف في آخر فتاواه التمرتاشية: هل التعبدي أفضل أو معقول المعنى؟ أجاب
لم أقف عليه لعلمائنا سوى قولهم في الأصول: الأصل في النصوص التعليل، فإنه يشير إلى أفضلية
المعقول، ووقفت على ذلك في فتاوى ابن حجر. قال: قضية كلام ابن عبد السلام أن التعبدي
482

أفضل لأنه بمحض الانقياد، بخلاف فما ظهرت علته فإن ملابسه قد يفعله لتحصيل فائدته، خالفه
البلقيني فقال: لا شك أن معقول المعنى من حيث الجملة أفضل لان أكثر الشريعة كذلك، وبالنظر
للجزئيات قد يكون التعبدي أفضل كالوضوء وغسل الجنابة فإن الوضوء أفضل، وقد يكون المعقول
أفضل كالطواف والرمي فإن الطواف أفضل ا ه‍.
وفي الحلية عند الكلام على فرائض الوضوء: وقد اختلف العلماء في أن الأمور التعبدية هل
شرعت لحكمة عند الله تعالى وخفيت علينا أو لا؟ والأكثرون على الأول، وهو المتجه لدلالة
استقراء عادة الله تعالى على كونه سبحانه جالبا للمصالح درئا للمفاسد، فما شرعه إن ظهرت حكمته
لنا قلنا إنه معقول، وإلا قلنا إنه تعبدي، والله سبحانه العليم الحكيم. قوله: (ثابت بالسنة) أي
وبالاجماع، بحر. وهذا لان الامر بالسجود في الآية لا يدل على تكراره.
قوله: (ومنها القعود الأخير) عبر بالأخير دون الثاني ليشمل قعدة الفجر وقعدة المسافر لأنها
أخيرة وليست ثانية، كذا في الدراية، والمراد وصفه بأنه واقع آخر الصلاة، وإلا فالأخير يقتضي سبق
غيره. وعليه لو قال: آخر عبد أملكه فهو حر، فملك عبدا لم يعتق، فليتأمل. إمداد. [مب]
بحث القعود الأخير [/ مب]
قوله: (والذي يظهر الخ) اختلف في القعدة الأخيرة، قال بعضهم: هي ركن أصلي. وفي
كشف البزدوي أنها واجبة لا فرض، لكن الواجب هنا في قوة الفرض في العمل كالوتر. وفي
الخزانة أنها فرض وليست بركن أصلي بل هي شرط للتحليل، وجزم بأنها فرض في الفتح والتبيين.
وفي الينابيع أنه الصحيح وأشار إلى الفرضية الامام المحبوبي في مناسك الجامع الصغير، ولذلك
من حلف لا يصلي يحنث بالرفع من السجود دون توقف على القعدة، فهي فرض لا ركن، إذ الركن
هو الداخل في الماهية، وماهية الصلاة تتم بدون القعدة، ثم قال: فعلم أنه إنما شرعت لأجل
الاستراحة، والفرض أدنى حالا من الركن، لان الركن يتكرر، فعدم التكرار دليل على عدم الركنية،
والفقه فيه أن الصلاة أفعال موضوعة للتعظيم، وأصل التعظيم بالقيام، ويزاد بالركوع ويتناهى
بالسجود، فكانت القعدة مرادة للخروج من الصلاة، فكانت لغيرها لا لعينها فلم تكن من الركن،
وتمامه في شرح الدرر للشيخ إسماعيل. قال في البحر: ولم أر من تعرض لثمرة الخلاف: أي في
أنها ركن أو لا، وبين في الامداد الثمرة بأنه لو أتى بالقعدة نائما تعتبر على القول بشرطيتها لا
ركنيتها، وعزاه إلى التحقيق، والأصح عدم اعتبارها كما في شرح المنية.
قلت: وهذا يؤيد القول بأنها ركن زائد لا شرط، خلافا لما مشى عليه الشارح تبعا للنهر.
قوله: (لأنه شرع للخروج) فيه أن ما شرع لغيره قد يكون ركنا كالقيام فإنه شرع وسيلة للركوع
والسجود، حتى لو عجز عنهما يومئ قاعدا وإن قدر على القيام. قوله: (لحنث من حلف الخ) فيه
أن القراءة ركن زائد مع أنه لو حلف لا يصلي وصلى ركعة بلا قراءة لا يحنث، فلا دلالة في ذلك
على أن القعدة ركن زائد، بل يدل على أنها شرط، فالمناسب للشارح أن يعكس بأن يذكر هذا دليلا
483

للشرطية، ويذكر ما قبله هنا دليلا للركنية. تأمل. قوله: (لا يكفر منكره) الظاهر أن المراد منكر
فرضيته، لأنه قيل بوجوبه كما في القهستاني، وأما منكر أصل مشروعيته فينبغي أن يكفر لثبوته
بالاجماع، بل معلوم من الدين بالضرورة. أفاده ح، ويؤيده ما قالوا في السنن: الرواتب من لم يرها
حقا كفر. قوله: (قدر أدنى قراءة التشهد) أي أدنى زمن يقرأ فيه، بأن يكون قدر أسرع ما يكون من
التلفظ به مع تصحيح الألفاظ، وليس المراد أن له في نفسه أدنى وأعلى ط. وقوله: (إلى عبده
ورسوله) أشار به إلى أن المراد به التشهد الواجب بتمامه. قال في شرح المنية: والمراد من التشهد
التحيات إلى عبده ورسوله هو الصحيح، لاما زعم البعض أنه لفظ الشهادتين فقط ا ه‍. قوله: (وعدم
فاصل) عطف تفسير على ما قبله. [مب]
بحث الخروج بصنعه [/ مب]
قوله: (ومنها الخروج بصنعه الخ) أي بصنع المصلي: أي فعله الاختيار، بأي وجه كان من
قول أو فعل ينافي الصلاة بعد تمامها كما في البحر، وذلك بأن يبني على صلاته صلاة ما فرضا أو
نفلا، أو يضحك قهقهة، أو يحدث عمدا، أو يتكلم، أو يذهب، أو يسلم تاترخانية، ومنه ما لو
حاذته امرأة لان المحاذاة مفاعلة، فكان الفعل موجودا من الرجل بصنعه كوجوده من المرأة وإن لم
يكن للرجل فيه اختيار، وتمامه في النهاية، واحترز بصنعه عما لو كان سماويا كأن سبقه الحدث.
قوله: (كفعله المنافي لها) الأولى التعبير بالباء بدل الكاف ليكون تفسيرا لقوله: بصنعه إلا أن
يقال: أراد بالخروج بصنعه الخروج بلفظ السلام حملا للمطلق على الكمال، لأنه الواجب، وبقوله:
كفعله الخ ما عداه، ويدل عليه قوله: وإن كره تحريما فإنه لا يكره إلا فيما عدا السلام فافهم:
واحترز بالمنافي عن نحو قراءة وتسبيح. قوله: (بعد تمامها) أبعد قعوده الأخير قدر التشهد،
وقيد به لان إتيانه بالمنافي قبله يبطلها اتفاقا ح. قوله: (والصحيح الخ) اعلم أن كون الخروج
بصنعه فرضا غير منصوص عن الامام وإنما استنبطه البردعي عن المسائل الاثني عشرية الآتية قبيل باب
مفسدات الصلاة فإن الامام لما قال فيها بالبطلان مع أن أركان الصلاة تمت ولم يبق إلا الخروج،
دل على أنه فرض، وصاحباه لما قالا فيها بالصحة كان الخروج بالصنع ليس فرضا عندهما. ورده
الكرخي بأنه لا خلاف بينهم في أنه ليس بفرض، وأن هذا الاستنباط غلط من البردعي، لأنه لو كان
فرضا كما زعمه لاختص بما هو قربة وهو السلام، وإنما حكم الامام بالبطلان في الاثني عشرية
لمعنى آخر، وهو أن العوارض فيها مغيرة للفرض، فاستوى في حدوثها أول الصلاة وآخرها، فإن
رؤية المتيمم بعد القعدة الماء مغيرة للفرض، لأنه كان فرضه التيمم فتغير فرضه إلى الوضوء، وكذا
بقية المسائل، بخلاف الكلام فإنه قاطع لا مغير، والحدث العمد والقهقهة ونحوهما مبطلة لا مغيرة،
وتمامه في ح.
هذا، وقد انتصر العلامة الشرنبلالي للبردعي في رسالة المسائل البهية الزكية على الاثني
484

عشرية بأنه قد مشى على افتراض الخروج بصنعه صاحب الهداية، وتبعه الشراح وعامة المشايخ
وأكثر المحققين والامام النسفي في الواقي والكافي والكنز وشروحه وإمام أهل السنة الشيخ أبو
منصور الماتريدي. قول: (وعليه) أي على الصحيح الذي هو قول الكرخي المقابل لقول البردعي.
وفائدة الخلاف بينهما تظهر فيما إذا سبقه حدث بعد قعوده قدر التشهد إذا لم يتوضأ ويبن
ويخرج بصنعه، بطلت على تخريج البردعي، وصحت على تخريج الكرخي ط. قوله: (تمييز
المفروض) فسره ط بأن يميز السجدة الثانية عن الأولى بأن يرفع ولو قليلا، أو يكون إلى القعود
أقرب، قولان مصححان. ونقل الشرنبلالي أصحية الثاني، وفسره ح بأن المراد بالتمييز تمييز ما
فرض عليه من الصلوات عما لم يفرض عليه، حتى لو لم يعلم فرضية الخمس إلا أنه كان يصليها
في وقتها لا يجزيه: ولو علم أن البعض فرض والبعض سنة ونوى الفرض في الكل، أو لم يعلم
ونوى صلاة الامام عند اقتدائه في الفرض جاز، ولو علم الفرض دون ما فيه من فرائض وسنن
جازت صلاته أيضا، كذا في البحر، فليس المراد المفروض من أجزاء كل صلاة: أي بأن يعلم أن
القراءة فيها فرض وأن التسبيح سنة، وهكذا خلافا لا يوهمه ما في متن نور الايضاح وإن كان في
شرحه فسره بما يرفع الايهام.
أقول: كان ينبغي للشارح عدم ذكره ذلك كما فعل في الخزائن، لأنه على التفسير الأول يكون
بمعنى افتراض السجدة الثانية لأنها لا تتحقق بدون رفع، وقد مر ذكر السجود. وعلى التفسير الثاني
يرجع إلى اشتراط التعيين في النية، وقد صرح به في بحث النية. قوله: (وترتيب القيام على الركوع
الخ) أي تقديمه عليه حتى لو ركع ثم قام لم يعتبر ذلك الركوع، فإن ركع ثانيا صحت صلاته لوجود
الترتيب المفروض، ولزمه سجود السهو لتقديمه الركوع المفروض، وكذا تقديم الركوع على
السجود، حتى لو سجد ثم ركع، فإن سجد ثانيا صحت لما قلنا، وقوله: والقعود الأخير الخ أي
يفترض إيقاعه بعد جميع الأركان، حتى لو تذكر بعده سجدة صلبية سجدها وأعاد القعود وسجد
للسهو، ولو ركوعا قضاه مع ما بعده من السجود، أو قياما أو قراءة صلى ركعة كما حرره في البحر،
وكان الأولى أن يقول: وترتيب القعود الخ كما فعل في الخزائن، ليعلم أنه فرض آخر، ولان الترتيب
فيه بمعنى التأخير عكس ما قبله، ولم يذكر تقديم القراءة على الركوع لأنه سيذكره في الواجبات،
وسيأتي هناك تمام الكلام على ذلك كله. قوله: (وإتمام الصلاة والانتقال الخ) قال في الفتح: وقد
عد من الفرائض إتمامها والانتقال من ركن إلى ركن، قيل لان النص الموجب للصلاة يوجب ذلك،
إذ لا وجود للصلاة بدون إتمامها، وذلك يستدعي الامرين ا ه‍. والظاهر أن المراد بالاتمام عدم
القطع، وبالانتقال المذكور الانتقال عن الركن للاتيان بركن بعده، إذ لا يتحقق ما بعده إلا بذلك.
وأما الانتقال من ركن إلى آخر بلا فاصل بينهما فواجب، حتى لو ركع ثم ركع يجب عليه سجود
السهو، لأنه لم ينتقل من الفرض وهو الركوع إلى السجود، بل أدخل بينهما أجنبيا وهو الركوع الثاني كما
في شرح المنية، وينبغي إبدال الركن بالفرض كما عبر في المنية ليشمل الانتقال من السجود إلى
القعدة بناء على ما استظهره من أنها شرط لا ركن زائد، لكن قدمنا ترجيح خلافه، فافهم، ثم إن عد
الاتمام والانتقال المذكورين من الفروض يغني عنه ما ذكره المصنف من الفروض. قوله: (ومتابعته
485

لامامه في الفروض) أي بأن يأتي بها معه أو بعده، حتى لو ركع إمامه ورفع فركع هو بعده صح،
بخلاف ما لو ركع قبل إمامه ورفع ثم ركع إمامه ولم يركع ثانيا مع إمامه أو بعده بطلت صلاته،
فالمراد بالمتابعة عدم المسابقة، نعم متابعته لامامه بمعنى مشاركته له في الفرائض معه لا قبله ولا بعده
واجبة كما سيذكره في الفصل الآتي عند قوله: واعلم أن مما يبتنى على لزوم المتابعة الخ، واحترز
بالفروض عن الواجبات والسنن، فإن المتابعة فيها ليست بفرض فلا تفسد الصلاة بتركها. قوله:
(وصحة صلاة إمامه في رأيه) لان العبرة لرأي المأموم صحة وفسادا على المعتمد، فلو اقتدى بشافعي
مس ذكره أو امرأة صحت، لا لو خرج منه دم ط، وسيأتي بيانه في باب الوتر. قوله: (وعدم تقدمه
عليه) أي بالعقب، فيصدق بما لو حاذاه أو تأخر عنه وإلا فسدت قوله: (وعدم مخالفته في الجهة) على
تقدير مضاف: أي عدم علمه مخالفة إمامه في الجهة حالة التحري والشرط عدم العلم في وقت
الاقتداء، حتى لو لم يعلم إلا بعد تمام الصلاة صحت كما مر في محله، وقيدنا بحالة التحري لأنه
يجوز مخالفته لجهة إمامه قصدا في داخل الكعبة أو خارجها، كما لو حلقوا حولها.
مطلب: قصدهم بإطلاق العبارات أن لا يدعي علمهم إلا من زاحمهم عليه
قال الرحمتي: وأطلق اعتمادا على ما تقدم ويأتي كما هو عادتهم في الاطلاق اعتمادا على
التقييد في محله. قال في البحر: وقصدهم بذلك أن لا يدعي علمهم إلا من زاحمهم عليه بالركب،
وليعلم أنه لا يحصل إلا بكثرة المراجعة وتتبع عباراتهم والاخذ عن الأشياخ ا ه‍ فافهم. قوله:
(بشرطهما) أما الأول، فهو أن يكون صاحب ترتيب وفي الوقت سعة. وأما الثاني، فهو أن تكون
المحاذاة في صلاة مطلقة مشتركة تحريمة وأداء ونوى الامام إمامتها على ما سيأتي ح. والشرط وإن
وقع في كلامه مفردا إلا أنه مضاف فيعم، أبو السعود. قوله: (وتعديل الأركان) سيأتي تفسيره عند
ذكره له في واجبات الصلاة. قوله: (وبسطناه في الخزائن) حيث قال بعد قوله: وهو المختار
قلت، لكنه غريب لم أر من عرج عليه، والذي رجحه الجم الوجوب، وحمل في الفتح وتبعه في
البحر قول الثاني على الفرض العملي فيرتفع الخلاف.
قلت: أنى يرتفع وقد صرح في السهو بفساد الصلاة بتركه عنده خلافا لهما فتنبه ا ه‍. وهو
مأخوذ من النهر.
أقول: والذي دعا صاحب البحر إلى هذا الحمل هو التقصي عن إشكال قوي، هو أن أبا
يوسف أثبت القرضية بحديث المسئ صلاته وهو خبر آحاد، والدليل القطعي أمر بمطلق الركوع
والسجود، فيلزم الزيادة على النص الخاص بخبر الواحد وأبو يوسف لا يقول به، وإذا حمل قوله
بفرضية تعديل الأركان على الفرض العملي الذي هو أعلى قسمي الواجب اندفع الاشكال وارتفع
الخلاف. ويرد عليه ما علمته. وبيانه أن الفرض العملي هو الذي يفوت الجواز بفوته كتقدير مسح
الرأس بالربع فيلزم فساد الصلاة بترك التعديل المذكور عند أبي يوسف، وهما لا يقولان به،
فالخلاف باق، ويلزم الزيادة على النص أيضا، لان مقتضى النص الاكتفاء بمسمى ركوع وسجود
فالاشكال باق أيضا، لكن أجاب بعض المحققين عن الاشكال بجواب حسن ذكرته فيما علقته على
486

البحر، وهو أن المراد بالركوع والسجود في الآية عندهما معناهما اللغوي، وهو معلوم لا يحتاج إلى
البيان. فلو قلنا بافتراض التعديل لزم الزيادة على النص بخبر الواحد. وعند أبي يوسف معناهما
الشرعي وهو غير معلوم فيحتاج إلى البيان.
مطلب: مجمل الكتاب إذا بين بالظني فالحكم بعده مضاف إلى الكتاب
وقد صرح في العناية بأن المجمل من الكتاب إذا لحقه البيان بالظني كان الحكم بعده مضافا
إلى الكتاب لا إلى البيان في الصحيح، ولذا قلنا بفرضية القعدة الأخيرة المبينة بخبر الواحد، ولم
نقل بفرضية الفاتحة بخبر الواحد أيضا، لان قوله تعالى: * (فاقرؤوا ما تيسر) * (المزمل: 02) خاص لا
مجمل ا ه‍ ملخصا.
والحاصل أن الركوع والسجود خاصان عندهما مجملان عنده، وبهذا يندفع الاشكال من أصله،
لكن يبقى الخلاف على حاله، والله أعلم. قوله: (أي هذه الفرائض) أي المذكور في المتن، لان
الضمير في كلام المصنف راجع إليها ويشمل القعدة الأخيرة على القول بركنيتها كما قدمناه من
ثمرة الخلاف. قوله: (قلت وبه) أي وبذكر هذا الفرض وهو الاختيار الآتي في المتن، وكان عليه
أن يذكر هذا قبيل قوله: ولها واجبات فيسلم من عود الضمير على المتأخر الموجب لركاكه
التركيب ح. قوله: (نيفا وعشرين) النيف بالتشديد كهين ويخفف: ما زاد على
العقد إلى أن يبلغ العقد الثاني، وأراد هنا أحدا وعشرين: ثمانية تقدمت في المتن، وهذا تاسعها، واثني عشر في
الشرح بجعل ترتيب القعود فرضا مستقلا كما قدمناه، فافهم. قوله: (في شرحه للوهبانية) وكذا في
رسالته المسماة (در الكنوز) فإنه ذكر فيها النظم وزاد عليه نظم الواجبات والسنن والمندوبات
ومسائل أخر وشرح الجميع. [مب]
بحث شروط التحريمة [/ مب]
قوله (للتحريمة عشرين شرطا) بعضها فيما يتعلق بلفظها، وباقيها شروط للصلاة اشترطت
لها على ما اختاره الشارح لاتصالها بالأركان، وقدمنا الكلام عليه. قوله: (ولغيرها) أي غير
التحريمة وهو الصلاة، والكل في الحقيقة شروط لصحة الصلاة، إلا أن هذه الثلاثة عشر لا
مدخل فيها للتحريمة فلذا فصلها عما قبلها. قوله: (شروط) مبتدأ سوغ الابتداء به وصفه بقوله:
لتحريم وبقوله: حظيت بالبناء للمجهول (1) وتاء الخطاب أو التكلم، أي أعطيت حظوة
الضم أو الكسر: أي مكانة أو حظا بجمعها مهذبة منقاة مصلحة منصوب على الحال من الهاء
حسنا بفتح أو ممدود أوله للضرورة حال أيضا، أو مرفوع على الوصفية أيضا، أو بالضم
والقصر منصوب على التمييز مدى الدهر ظرف لقوله تزهر من باب منع: أي تتلألأ وتضئ

(1) قوله: (حظيت بالبناء المجهول الخ) مقتضاه انه متعد، وهو مخالف لما في المصباح والقاموس. ونص الأول: حظي
عند الناس يحظى من باب تعب حظة وزان عدة وحظوة بضم الحاء وكسرها: إذا أحبوه ورفعوا منزلته فهو حظي على
فعيل الخ. وفي الثاني حظي كل واحد من الزوجين عند صاحبه كرضي واحتظى الخ فليحرر ا ه‍. مصححه.
487

دخول خبر المبتدأ لوقت أي وقت المكتوبة إن كانت التحريمة لها واعتقاد دخوله أو ما يقوم
مقام الاعتقاد من غلبة الظن، فلو شرع شاكا فيه لا تجزيه وإن تبين دخوله وستر العورة وطهر من
حدث ونجاسة مانعة في بدن وثوب ومكان، وكذا يشترط اعتقاد ذلك، فلو صلى على أنه محدث أو
أن ثوبه مثلا نجس فبان خلافه لم يجز كما مر عند قوله وإن شرع بلا تحر الخ قال ح: وينبغي أن
يكون الستر كذلك والقيام لقادر في غير نفل وفي سنة فجر المحرر بأن لا تنال يداه ركبتيه كما
مر، فلو أدرك الامام راكعا فكبر منحنيا لم تصح تحريمته ونية اتباع الامام أنت خبير بأن هذا شرط
لصحة الاقتداء لا لصحة التحريمة، لأنه إذا لم ينو المتابعة صح شرعه منفردا، لكنه إذا ترك القراءة
أصلا تبطل صلاته، نعم يشترط لصحة التحريمة نية مطلق الصلاة ولم يذكره، فكان ينبغي أن يقول:
ونيته أصل الصلاة، إلا أن يقال: اتباع بالرفع بإسقاط العاطف فيكون بيانا، لأنه يشترط أن يكون
بتحريمته تابعا لامامه لا سابقا عليه ونطقه اعترض بأن النطق ركن التحريمة فكيف يكون شرطا؟
وأجيب بأن المراد نطقه على وجه خاص، وهو أن يسمع بها نفسه، فمن همس بها أو أجراها على قلبه
لا تجزيه، وكذا جميع أقوال الصلاة من ثناء وتعوذ وبسملة وقراءة وتسبيح وصلاة على النبي (ص)،
وكعتاق وطلاق ويمين كما أفاده الناظم ط وتعيين فرض أي أنه ظهر أو عصر مثلا أو وجوب
كركعتي الطواف والعيدين والوتر والمنذور وقضاء نفل أفسده، واحترز به عن النفل فإنه يصح بمطلق
النية حتى التراويح على المعتمد كما مر في بحث النية فيذكر أي ينطلق، وأعاده ليعلق به قوله:
بجملة ذكر كالله أكبر، فلا يصير شارعا بأحدهما في ظاهر الرواية على ما سيأتي في أول الفصل
الآتي خالص عن مراده أي غير مشوب بحاجته، فلا يصح باستغفار نحو: اللهم اغفر لي بخلاف
اللهم فقط، فإنه يصح في الأصح كيا الله كما سيأتي وبسملة بالجر عطفا على مراده: أي وخالص
عن بسملة: فلا يصح الافتتاح بها في الصحيح كما نقله الناظم عن العناية، وكذا بتعوذ وحوقلة ما
سيأتي عرباء نعت لجملة: أي بجملة عربية إن هو يقدر على الجملة العربية، فلا يصح شروعه
بغيرها إلا إذا عجز فيصح بالفارسية كالقراءة، لكن سيأتي أنه يصح الشروع بغير العربية وإن قدر عليها
اتفاقا بخلاف القراءة، وأن هذا مما اشتبه على كثيرين حتى الشرنبلالي في كل كتبه وعن ترك هاو
عطف على قوله عن مراده، وكذا المجرورات بعن الآتية أو لهاء جلالة قال الناظم: المراد بالهاوي
الألف الناشئ بالمد الذي في اللام الثانية من الجلالة، فإذا حذفه الحالف أو الذابح أو المكبر
للصلاة أو حذف الهاء من الجلالة اختلف في انعقاد يمينه وحل ذبيحته وصحة تحريمته، فلا يترك
احتياطا وعن مد همزات أي همزة الله وهمزة أكبر إطلاقا للجمع على ما فوق الواحد، لأنه يصير
استفهاما، وتعمده كفر، فلا يكون ذكرا، فلا يصح الشروع به وتبطل الصلاة به لو حصل في أثنائها
في تكبيرات الانتقالات وباء بأكبر أي وخالص عن مد باء أكبر، لأنه يكون جمع كبر وهو الطبل،
فيخرج عن معنى التكبير، أو هو اسم للحيض أو للشيطان، فتثبت الشركة فتعدم التحريمة، قاله الناظم
وعن فاصل بين النية والتحريمة فعل كلام بدلان من فاصل على حذف العاطف من الثاني مباين
488

نعت لفاصل، فإذا نوى ثم عبث بثيابه أو بدنه كثيرا، أو أكل ما بين أسنانه وهو قدر الحمصة، أو تناول
من خارج ولو قليلا، أو شرب، أو تكلم وإن لم يفهم، أو تنحنح بلا عذر ثم كبر وقد غابت النية عن
قلبه لم يصح شروعه. واحترز عن غير المباين، كما لو توضأ ومشى إلى المسجد بعد النية كما مر في
محله وعن سبق تكبير على النية خلافا للكرخي كما مر، أو سبق المقتدي الامام به، فلو فرغ منه قبل
فراغ إمامه لم يصح شروعه، والأول أولى لما مر في توجيه قوله اتباع الامام ومثلك يعذر بفتح أوله
وضم ثالثه (1) مبنيا للفاعل: يعني أنت تعذر إذا رأيت معنى بعيد المأخذ من اللفظ فإنك من خيار
الناس، وخير الناس من يعذر، فالمراد التماس العذر من المطلع على نظمه ط: أي لان ضيق النظم
يلجئ إلى التعبير ببعيد المعنى (فدونك) أي خذ هذي المذكورات مستقيما لقبلة إلا لعذر أو
لتنفل راكب خارج مصر لعلك تحظى بالقبول وتشكر بالبناء للفاعل أو المفعول فجملتها العشرون بل
زيد غيرها كنية مطلق الصلاة وتمييز المفروض كما مر واعتقاد طهارته من حدث أو خبث وناظمها
يرجو الجواد كجراد: كثير الجود فيغفر أي فهو يغفر لراجيه وألحقتها من بعد ذاك المذكور من
البيان لغيرها أي غير التحريمة وهو الصلاة ثلاثة عشر بإسكان الشين لغة في فتحها وبالتنوين
للضرورة ط للمصلين متعلق بقوله: تظهر وهي قيامك عند عدم عذر في المفروض أي في
الصلاة المفروضة وكذا ما ألحق بها من الواجب وسنة الفجر، وذكر الضمير باعتبار كون الصلاة فعلا
مقدار آية على قول الإمام المعتمد ط (وتقرأ في ثنتين منه) أي من المفروض: أي ركعاته تخير أي
متخيرا في إيقاع القراءة في أي ركعتين منه، والمقام لبيان الفرائض. فلا يرد أن تعيين القراءة في
الأوليين واجب وفي ركعات النفل والوتر فرضها أي فرض القراءة كائن في جميع ركعات النفل، لان
كل ركعتين منه صلاة على حدة، والوتر لأنه شابه السنن من حيث إنه لا يؤذن له ولا يقام.
واعلم أن حكم المنذور حكم النفل، حتى لو نذر أربع ركعات بتسليمة واحدة لزمه القراءة في
أربعها، لأنه نفل في نفسه ووجوبه عارض ح ومن كان مؤتما فعن تلك القراءة التي قلنا إنها فرض
يحظر أي يمنع، فتكره له تحريما، لان قراءة الإمام له قراءة، فالقراءة فرض على غير المؤتم، فهذا
في موقع الاستثناء مما قبله وشرط سجود مبتدأ ومضاف إليه فالقرار خبر بزيادة الفاء لجبهة أي
يفتر ض أن يسجد على ما يجد حجمه، بحيث إن الساجد لو بالغ لا يتسفل رأسه أبلغ مما كان عليه
حال الوضع، فلا يصح على نحو الأرز والذرة، إلا أن يكون في نحو جوالق، ولا على نحو القطن
والثلج والفرش إلا إن وجد حجم الأرض بكبسه وقرب قعود حد فصل محرر يعني الحد الفاصل

(1) قوله: (وضم ثالثه) كذا بالأصل المقابل عل خط المؤلف، والذي في المصباح انه من باب ضرب ويقتضيه صنيع
القاموس ا ه‍. مصححه.
489

بين السجدتين أن يكون إلى القعود أقرب وهو الرابع من الثلاثة عشر، هذا البيت ساقط من بعض
النسخ، وذكره الناظم في در الكنوز مؤخرا عن الذي بعده، وهو الأنسب وبعد قيام فالركوع
فسجدة أي يفترض بعد القيام الركوع، وكذا السجود، وكذا الترتيب المفاد بالبعدية وبالفاء: أي
يفترض ترتيب القيام على الركوع والركوع على السجود كما مر وثانية مبتدأ قد صح جملة
معترضة عنها متعلق بقوله تؤخر والجملة خبر المبتدأ: يعني والسجدة الثانية يصح أن تؤخر عن
السجدة الأولى إلى آخر الصلاة، لان مراعاة الترتيب بينهما واجبة كما سيأتي، والأوضح في إفادة
هذا المعنى أن يقال: وثانية قد صح فيها التأخر.
وحاصل كلامه أن مراعاة الترتيب بين المتكرر في كل الصلاة فرض كالقيام والركوع
والسجود، بخلاف المتكرر في كل ركعة كالسجدتين على ظهر متعلق بقوله فسجدة كذا قاله
الناظم، والأولى تعلقه بقوله الآتي الجواز، كف أي كف نفسه أو على فضل ثوبه أو على كور
عمامته إذ تطهر الأرض التي تحت الكف أو فاضل الثوب الجواز مقرر لكن يكره إن كان بلا
عذركما سيأتي.
وحاصل البيت أن الفرض الثامن طهارة موضع السجود ولو كان على شئ متصل بالمصلي
ككفه وثوبه، لأنه باتصاله لا يعد حائلا بينه وبين النجاسة سجودك مبتدأ في أي على مكان عال
أي مرتفع عن حد الجواز المقدر بنصف ذراع الذي لا يغتفر بلا ضرورة السجود على أرفع منه
فظهر الأولى الاتيان بالواو، وتكون بمعنى أو: أي وسجودك على ظهر مصلى صلاتك مشارك
لك لسجدتها اللام بمعنى في: أي بشرط أن يكون ساجدا مثلك، لكن سجوده على الأرض عند
ازدحامك متعلق بقوله سجودك أو بقوله يغفر والجملة خبر المبتدأ.
وحاصل البيت بيان الفرض التاسع، وهو أن لا يكون سجوده على مرتفع عن نصف ذراع إلا
لضرورة زحمة أداؤك مبتدأ وخبره محذوف دل عليه خبر المبتدأ الآتي أفعال الصلاة أي أركانها
بيقظة وسيأتي الكلام عليه قريبا وتمييز مفروض مبتدأ: أي تمييز الخمس المفروضة عن غيرها
وتقدم بيانه، وكان ينبغي ذكره في شروط التحريمة عليك متعلق بمحذوف خبر المبتدأ أو بقوله
مقرر وهو الخبر ويختم أفعال الصلاة قعوده فاعل يختم وفي صنعه وفي بمعنى الباء وهو متعلق
بالخروج، وكذا قوله عنها أي عن الصلاة الخروج مبتدأ خبره قوله: محرر قال الناظم:
والخروج بصنع المصلي فرض عند الامام الأعظم، وهو المحرر عند المحققين من أئمتنا، وقد
بسطنا الكلام عليه في رسالة سميتها (المسائل البهية الزكية على الاثني عشرية) ا ه‍ وتقدم بعض
الكلام على ذلك، والله الموفق.
490

قوله: (الاختيار) بالرفع على أنه نائب فاعل شرط السابق في كلام المصنف. قوله: (أي
الاستيقاظ) تفسير باللازم لأنه يلزم من الاستيقاظ الاختيار ح. وإنما فسر به ليشير إلى أن ما يحصل
مع الغفلة والسهو لا ينافي الاختيار فلذا قال أما لو ركع الخ رحمتي. قوله: (ذاهلا كل الذهول)
بأن كان قلبه مشغولا بشئ فإنه لا شك أنه أتى بالركوع والسجود باختياره ولكنه غافل عنهما،
ونظيره الماشي، فإن رجليه وكثيرا من أعضائه يتحر ك بمشيه المختار له ولا شعور له بذلك.
قال ح. والظاهر أن الناعس كالذاهل فليراجع. قوله: (أو قعد الأخير) صفة لمفعول مطلق محذوف:
أي أو قعد القعود الأخير ح. قوله: (بل يعيده) وهل يسجد للسهو لتأخير الركن؟ الظاهر نعم،
فراجعه. رحمتي. قوله: (على الأصح) أما في القراءة فهو ما اختاره فخر الاسلام وصاحب الهداية
وغيرهما، ونصب في المحيط والمبتغي على أنه الأصح، لان الاختيار شرط أداء العبادة ولم يوجد
حالة النوم. وقال الفقيه أبو الليث: يعتد بها، لان الشرع جعل النائم كالمستيقظ في حق الصلاة،
والقراءة ركن زائد يسقط في بعض الأحوال، فجاز أن يعتد بها في حالة النوم. واستوجهه في الفتح.
وأجاب عن تعليل القول الأول بقوله والاختيار المشروط قد وجد في ابتداء الصلاة، وهو كاف، ألا
ترى أنه لو ركع وسجد ذاهلا عن فعله كل الذهول أنه تجزيه ا ه‍.
قال في شرح المنية: والجواب أنا نمنع كون الاختيار في الابتداء كافيا، ولا نسلم أن الذاهل
غير مختار ا ه‍. على أنه يلزم من الاكتفاء بالاختيار في الابتداء أنه لو ركع وسجد حالة النوم يجزيه،
وقد قال في المبتغى: ركع وهو نائم لا يجوز إجماعا، وصريح كلام ابن أمير حاج في الحلية ترجيح
كلام الفقيه للجواب الذي ذكره شيخه في الفتح حتى رد به ما في المبتغى، ثم قال: وقد عرف من
هذا أيضا جواز القيام في حالة النوم أيضا وإن نص بعضهم على عدم جوازه ا ه‍. وتبعه في البحر،
لكن قد علمت ما في كلام الفتح بما نقلناه عن شرح المنية، فالأولى اتباع المنقول، والله أعلم.
وأما في القعدة فقد ذكر في الحلية عن التحقيق للشيخ عبد العزيز البخاري أنه لا نص فيها عن
محمد، وأنه قيل إنها يعتد بها، وقيل لا. ورجح في الحلية الأول بناء على ما قدمه من جواب شيخه
وقال: إنه اقتصر عليه في جامع الفتاوى ا ه‍. واقتصر على الثاني في المنية. وقال شارحها الشيخ
إبراهيم: إنه الأصح. وفي المنح: إنه المشهور، وبه جزم الشرنبلالي في نظمه المار وفي نور
الايضاح. قوله: (تفسد) أي الصلاة. قوله: (لصدوره) أي ما أتى به قوله: (فلو أتى) أي في حالة
النوم. وقوله: (ولو ركع الخ) تفريع على مفهوم قوله: فإن أتى بها نائما لا يعتد به فإنه يفيد أنه لو
نام بعد ما ركع أو سجد اعتد به. قوله: (لحصول الرفع والوضع) كذا في الحلية والبحر عن المحيط
والأظهر ذكر الانحناء بدل الرفع. وقال ط: هذا بناء على اشتراط الرفع في الركوع، أما على القول
بأنه سنة أو واجب فلا يظهر.
491

مطلب: واجبات الصلاة
قوله: (ولها واجبات) قدمنا في أوائل كتاب الطهارة الفرق بين الفرض والواجب، وتقسيم
الواجب إلى قسمين: أحدهما: وهو أعلاهما يسمى فرضا عمليا، وهو ما يفوت الجواز بفوته كالوتر.
والآخر ما لا يفوت بفوته، وهو المراد هنا. وحكمه استحقاق العقاب بتركه، وعدم إكفار جاحده،
والثواب بفعله وحكمه في الصلاة ما ذكره الشارح. والواجب قد يطلق على الفرض القطعي كصوم
رمضان واجب. قوله: (لا تفسد بتركها) أشار به إلى الرد على القهستاني حيث قال: لا تفسد ولا
تبطل ا ه‍. قال الحموي في شرح الكنز: والفرق بينهما أن الفاسد ما فات عنه وصف مرغوب،
والباطل ما فات عنه شرط أو ركن، وقد يطلق الفاسد بمعنى الباطل مجازا ه‍. ووجه الرد أن أئمتنا
لم يفرقوا في العبادات بينهما وإنما فرقوا في المعاملات ح. قوله: (وتعاد وجوبا) أي بترك هذه
الواجبات أو واحد منها. وما في الزيلعي والدرر والمجتبى من أنه لو ترك الفاتحة يؤمر بالإعادة لا لو
ترك السورة، رده في البحر بأن الفاتحة وإن كانت آكد في الوجوب للاختلاف في ركنيتها دون
السورة، لكن وجوب الإعادة حكم ترك الواجب مطلقا لا الواجب المؤكد وإنما تظهر الآكدية في
الاثم لأنه مقول بالتشكيك ا ه‍.
قلت: وينبغي تقييد وجوب الإعادة بما إذا لم يكن الترك لعذر كالأمي أو من أسلم في آخر
الوقت فصلى قبل أن يتعلم الفاتحة فلا تلزمه الإعادة. تأمل. قوله: (إن لم يسجد له) أي للسهو،
وهذا قيد لقوله والسهو إذ لا سجود في العمد، قيل إلا في أربعة: لو ترك القعدة الأولى عمدا،
أو شك في بعض الأفعال فتفكر عمدا حتى شغله ذلك عن ركن أو أخر إحدى سجدتي الركعة
الأولى إلى آخر الصلاة عمدا، أو صلى على النبي (ص) في القعدة الأولى عمدا. وزاد بعضهم خامسا
وهو: لو ترك الفاتحة عمدا فيسجد في ذلك كله ويسمى سجود عذر، ولم يستثن الشارح ذلك لما
سيأتي تضعيفه في باب سجود السهو. ورده العلامة قاسم أيضا بأنا لا نعلم له أصلا في الرواية ولا
وجها في الدراية، وهل تجب الإعادة بترك سجود السهو لعذر، كما لو نسيه أو طلعت الشمس في
الفجر؟ لم أره فليراجع. والذي يظهر الوجوب كما هو مقتضى إطلاق الشارح، لان النقصان لم
ينجبر بجابر، وإن لم يأثم بتركه فليتأمل.
مطلب: المكروه تحريما من الصغائر، ولا تسقط به العدالة إلا بالادمان
قوله: (يكون فاسقا) أقول: صرح العلامة ابن نجيم في رسالته المؤلفة في بيان المعاصي: بأن
كل مكروه تحريما من الصغائر، وصرح أيضا بأنهم شرطوا لاسقاط العدالة بالصغيرة الادمان عليها،
ولم يشرطوه في فعل ما يخل بالمروءة وإن كان مباحا. وقال أيضا: إنهم أسقطوها بالاكل فوق الشبع
مع أنه صغيرة، فينبغي اشتراط الاصرار عليه. قال: وجوابه أن المسقط لها به بناه على أن كل ذنب
يسقطها ولو صغيرة بلا إدمان، كما أفاده في المحيط البرهاني، وليس بمعتمد ا ه‍. وبه ظهر أن كلام
الشارح هنا مبني على خلاف المعتمد.
492

مطلب: كل صلاة أديت مع كراهة التحريم تجب إعادتها
قوله: (وكذا كل صلاة الخ) الظاهر أنه يشمل نحو مدافعة الأخبثين مما لم يوجب سجودا
أصلا، وأن النقص إذ دخل في صلاة الامام ولم يجبر وجبت الإعادة على المقتدي أيضا، وأنه
يستثنى منه الجمعة والعيد إذا أديت مع كراهة التحريم، إلا إذا أعادها الامام والقوم جميعا،
فليراجع ح.
أقول: وقد ذكر في الامداد بحثا: أن كون الإعادة بترك الواجب واجبة لا يمنع أن تكون
الإعادة مندوبة بترك سنة ا ه‍. ونحوه في القهستاني، بل قال في فتح القدير: والحق التفصيل بين
كون تلك الكراهة كراهة تحريم فتجب الإعادة، أو تنزيه فتستحب ا ه‍.
بقي هنا شئ، وهو أن صلاة الجماعة واجبة على الراجح في المذهب أو سنة مؤكدة في
حكم الواجب كما في البحر، وصرحوا بفسق تاركها وتعزيره، وأنه يأثم، ومقتضى هذا أنه لو صلى
مفردا يؤمر بإعادتها بالجماعة، وهو مخالف لما صرحوا به في باب إدراك الفريضة من أنه لو صلى
ثلاث ركعات من الظهر ثم أقيمت الجماعة يتم ويقتدي متطوعا، فإنه كالصريح في أنه ليس له إعادة
الظهر بالجماعة مع أن صلاته منفردا مكروهة تحريما أو قريبة من التحريم، فيخالف تلك القاعدة، إلا
أن يدعي تخصيصها بأن مرادهم بالواجب والسنة التي تعاد بتركه: ما كان من ماهية الصلاة وأجزائها،
فلا يشمل الجماعة لأنها وصف لها خارج عن ماهيتها، أو يدعي تقييد قولهم يتم ويقتدي متطوعا
بما إذا كانت صلاته منفردا لعذر كعدم وجود الجماعة عند شروعه فلا تكون صلاته منفردا مكروهة، والأقرب الأول، ولذا لم يذكروا الجماعة من جملة واجبات الصلاة لأنها واجب مستقل بنفسه خارج
عن ماهية الصلاة، ويؤيده أيضا أنهم قالوا: يجب الترتيب في سور القرآن، فلو قرأ منكوسا أثم لكن
لا يلزمه سجود السهو، لان ذلك من واجبات القراءة لا من واجبات الصلاة كما ذكره في البحر في
باب السهو، لكن قولهم كل صلاة أديت مع كراهة التحريم يشمل ترك الواجب وغيره، ويؤيده ما
صرحوا به من وجوب الإعادة بالصلاة في ثوب فيه صورة بمنزلة من يصلي وهو حامل الصنم.
تنبيه: قيد في البحر في باب قضاء الفوائت وجوب الإعادة في أداء الصلاة مع كراهة التحريم
بما قبل خروج الوقت، أما بعده فتستحب، وسيأتي الكلام فيه هناك إن شاء الله تعالى مع بيان
الاختلاف في وجوب الإعادة وعدمه، وترجيح القول بالوجوب في الوقت وبعده. قوله: (والمختار
أنه) أي الفعل الثاني جابر للأول بمنزلة الجبر بسجود السهو، وبالأول يخرج عن العهدة وإن كان
على وجه الكراهة على الأصح، كذا في شرح الأكمل على أصول البزدوي، ومقابله ما نقلوه عن
أبي اليسر من أن الفرض هو الثاني واختار ابن الهمام الأول قال: لان الفرض لا يتكرر، وجعله
الثاني يقتضي عدم سقوطه بالأول، إذ هو لازم ترك الركن لا الواجب، إلا أن يقال: المراد أن ذلك
امتنان من الله تعالى إذ يحتسب الكامل وإن تأخر عن الفرض لما علم سبحانه أنه سيوقعه ا ه‍: يعني
أن القول بكون الفرض هو الثاني يلزم عليه تكرار الفرض، لان كون الفرض هو الثاني دون الأول
يلزم منه عدم سقوطه بالأول وليس كذلك، لأن عدم سقوطه بالأول إنما يكون بترك فرض لا بترك
واجب، وحيث استكمل الأول فرائضه لا شك في كونه مجزئا في الحكم وسقوط الفرض به وإن كان
493

ناقصا بترك الواجب، فإذا كان الثاني فرضا يلزم منه تكرار الفرض، إلا أن يقال الخ، فافهم. قوله:
(على ما ذكره) وإلا فهي أكثر من ذلك بكثير كما سيأتي بيانه. قوله: (قراءة فاتحة الكتاب) هذا إذا لم
يخف فوت الوقت، وإلا اكتفى بآية واحدة في جميع الصلوات، وخص البزدوي الفجر به كما في القنية.
إسماعيل. قوله: (بترك أكثرها) يفيد أن الواجب الأكثر، ولا يعرى عن تأمل. بحر، وفي القهستاني
أنها بتمامها واجبة عنده وأما عندهما فأكثرها، ولذا لا يجب السهو بنسيان الباقي كما في الزاهدي، فكلا
الشارح جار على قولهما ط. قوله: (وهو أولى) لعله للمواظبة المفيدة للوجوب ط. قوله: (وعليه)
أي وبناء على ما في المجتبى فكل آية واجبة، وفيه نظر، لأن الظاهر أن ما في المجتبى مبني على قول الإمام
بأنها بتمامها واجبة، وذكر الآية تمثيل لا تقييد، إذ بترك شئ منها آية أو أقل ولو حرفا لا يكون
آتيا بكلها الذي هو الواجب، كما أن الواجب ضم ثلاث آيات، فلو قرأ دونها كان تاركا للواجب أفاده
الرحمتي. قوله: (ككل تكبيرة عيد) وهي ست تكبيرات كما سيأتي في محله ح. قوله: (وتعديل ركن)
عطف على تكبيرة: أي وككل تعديل ركن، ومثله تعديل القومة وتعديل الجلسة على ما يأتي قريبا ح.
قوله: (وإتيان كل الخ) بالرفع عطفا على كل الأول، أو بالجر عطفا على كل الثاني، والمراد أن من
الواجبات إتيان كل فرض أو واجب في محله، وترك تكرير كل منهما، وأفاد هذا المراد بقوله: كما
يأتي أي في آخر الواجبات. قوله: (وترك تكرير كل) هكذا في بعض النسخ، وعلمت المراد منه.
والذي في عامة النسخ وترك كل بإسقاط تكرير وتوجيهه بأن يجعل قوله: ككل تكبيرة تنظير الآية
في قوله: يسجد بترك آية والمعنى كما يسجد بترك كل تكبيرة عيد بمفردها، ترك كل تعديل ركن
بمفرده، وترك إتيان كل من التكبيرات أو التعديلات جملة، وكذا بترك كل هذه المذكورة جملة، ولا
يخفى ما فيه. قوله: (تعدل ثلاثا قصارا) أي مثل - * (ثم نظر) * - الخ وهي ثلاثون حرفا، فلو قرأ
آية طويلة قدر ثلاثين حرفا يكون قد أتى بقدر ثلاثة آيات، لكن سيأتي في فصل يجهر الامام أن فرض
القراءة آية، وأن الآية عرفا طائفة من القرآن مترجمة أقلها ستة أحرف ولو تقديرا - * (لم يلد) * -
إلا إذا كانت كلمة فالأصح عدم الصحة ا ه‍. ومقتضاه أنه لو قرأ آية طويلة قدر ثمانية عشر حرفا يكون
قد أتى بقدر ثلاث آيات.
وقد يقال: إن المشروع ثلاث آيات متوالية على النظم القرآني مثل - * (ثم نظر) * - الخ، ولا يوجد
ثلاث متوالية أقصر منها، فالواجب إما هي أو ما يعدلها من غيرها لا ما يعدل ثلاثة أمثال أقصر آية
وجدت في القرآن، ولذا قال تعدل ثلاثا قصارا، ولم يقل تعدل ثلاثة أمثال أقصر آية. على أن في
بعض العبارات: تعدل أقصر سورة، فليتأمل، وسنذكر في فصل الجهر زيادة في هذا البحث. قوله:
(ذكره الحلبي) أي في شرحه الكبير على المنية. وعبارته: وإن قرأ ثلاث آيات قصارا أو كانت الآية
أو الآيتان تعدل ثلاث آيات قصار خرج عن حد الكراهة المذكورة: يعني كراهة التحريم. قال
494

الشارح في شرحه على الملتقى: ولم أره لغيره وهو مهم فيه يسر عظيم لدفع كراهة التحريم ا ه‍.
قلت: قد صرح به في الدرر أيضا حيث قال: وثلاث آيات قصار تقوم مقام السورة، وكذا
الآية الطويلة ا ه‍. ومثله في الفيض وغيره. وفي التاترخانية: لو قرأ آية طويلة كآية الكرسي أو
المداينة البعض في ركعة والبعض في ركعة اختلفوا فيه على قول أبي حنيفة: قيل لا يجوز لأنه ما قرأ
آية تامة في كل ركعة، وعامتهم على أنه يجوز، لان بعض هذه الآيات يزيد على ثلاث قصار أو
يعدلها فلا تكون قراءته أقل من ثلاث آيات ا ه‍. وهذا يفيد أن بعض الآية كالآية في أنه إذا بلغ قدر
ثلاث آيات قصار يكفي قوله: (في الأوليين) تنازع فيه قراءة وضم في قول المصنف قراءة فاتحة
الكتاب وضم سورة لان الواجب في الأوليين كل منهما. فافهم. قوله: (وهل يكره) أي ضم
السورة. قوله: (المختار لا) أي لا يكره تحريما بل تنزيها، لأنه خلاف السنة. قال في المنية
وشرحها: فإن ضم السورة إلى الفاتحة ساهيا يجب عليه سجدتا السهو في قول أبي يوسف لتأخير
الركوع عن محله، وفي أظهر الروايات لا يجب لان القراءة فيهما مشروعة من غير تقدير والاقتصار
على الفاتحة مسنون لا واجب ا ه‍. وفي البحر عن فخر الاسلام أن السورة مشروعة في الأخريين
نقلا. وفي الذخيرة أنه المختار. وفي المحيط: وهو الأصح ا ه‍. والظاهر أن المراد بقوله نفلا
الجواز، والمشروعية بمعنى عدم الحرمة فلا ينافي كونه خلاف الأولى كما أفاده في الحلية.
مطلب: كل شفع من النفل صلاة
قوله: (لان كل شفع منه صلاة) كأنه والله أعلم لتمكنه من الخروج على رأس الركعتين، فإذا
قام إلى شفع آخر كان بانيا صلاة على تحريمة صلاة، ومن ثم صرحوا بأنه نوى أربعا لا يجب عليه
تحريمتها سوى الركعتين في المشهور عن أصحابنا، وأن القيام إلى الثالثة بمنزلة تحريمة مبتدأة،
حتى أن فساد الشفع الثاني لا يوجب فساد الشفع الأول، وقالوا: يستحب الاستفتاح في الثالثة
والتعوذ، وتمامه في الحلية، وسيأتي أيضا في باب الوتر والنوافل. قال ح: ولا ينافيه عدم افتراض
القعدة الأولى فيه الذي هو الصحيح، لان الكل صلاة واحدة بالنسبة إلى القعدة كما في البحر عند
قول الكنز: فرضها التحريمة. قوله: (احتياطا) أي لما ظهرت آثار السنية فيه، من أنه لا يؤذن له ولا
يقام أعطيناه حكم السنة في حق القراءة احتياطا ح. قوله: (وتعيين القراءة في الأوليين) لا يتكرر هذا
مع قوله قبله في الأوليين لان المراد هنا القراءة ولو آية، فتعيين القراءة مطلقا فيهما واجب وضم
السورة مع الفاتحة واجب آخر ط. قوله: (من الفرض) أي الرباعي أو الثلاثي، وكذا في جميع الفرض
الثنائي كالفجر والجمعة ومقصورة السفر. قوله: (على المذهب) اعلم أن في محل القراءة المفروضة
في الفرض ثلاث أقوال:
الأول: أن محلها الركعتان الأوليان عينا، وصححه في البدائع. الثاني: أن محلها ركعتان منها
غير عين: أي فيكون تعيينها في الأوليين واجبا، وهو المشهور في المذهب. الثالث: أن تعيينها
فيهما أفضل، وعليه مشى في غاية البيان وهو ضعيف، والقولان الأولان اتفقا على أنه لو قرأ في
495

الأخريين فقط يصح، ويلزمه سجود السهو لو ساهيا لكن سببه على الأول تعيير الفرض عن محله
وتكون قراءته قضاء عن قراءته في الأوليين، وسببه على الثاني ترك الواجب وتكون قراءته في
الأخريين أداء، كذا في نوافل البحر وفيه من سجود السهو.
واختلفوا في قراءته في الأخريين: هل هي قضاء أو داء؟ فذكر القدوري أنها أداء لان الفرض
القراءة في ركعتين غير عين. وقال غيره: إنها قضاء في الأخريين استدلالا بعدم صحة اقتداء المسافر
بالمقيم بعد خروج الوقت، وإن لم يكن قرأ الامام في الشفع الأول ولو كانت في الأخريين أداء
لجاز لأنه يكون اقتداء المفترض بالمفترض في حق القراءة، فلما لم يجز علم أنها قضاء وأن
الأخريين خلتا عن القراءة، وبوجوب القراءة على مسبوق أدرك إمامه في الأخريين ولم يكن قرأ في
الأوليين، كذا في البدائع ا ه‍.
أقول: لي ها هنا إشكال، وهو أنه لا خلاف عندنا في فرضية القراءة في الصلاة وإنما الكلام
في تعيين محلها. وحاصل الأقوال الثلاثة أن تعيينها في الأوليين فرض أو واجب أو سنة، وقد علمت
تصحيح القول الأول، وحينئذ فلا يخلو إما أن يراد أنه فرض قطعي أو فرض عملي وهو ما يفوت
الجواز بفوته. وعلى كل يلزم من عدم القراءة في الأليين فساد الصلاة، كما لو أخر الركوع عن
السجود، ولا قائل بذلك عندنا فيتعين المصير إلى القول بالوجوب الذي عليه المتون. والذي يظهر
لي أن في المسألة قولين فقط، وأن القول الأول والثاني واحد، فقولهم: محلها الركعتان الأوليان عينا
معناه أن التعيين فيهما واجب، وهو المراد بالقول الثاني، فيكون تأخير القراءة إلى الأخريين قضاء
مثل تأخير السجدة من الركعة الأولى إلى آخر الصلاة، ويقابل ذلك القول بأن تعيين الأوليين أفضل،
وعليه فالقراءة في الأخريين أداء لا قضاء، وهما القولان اللذان ذكرهما صاحب البحر في
السهو عن البدائع، ويدل لذلك أن صاحب المنية ذكر من واجبات الصلاة تعيين القراءة في
الأوليين، فقال في الحلية: وهذا عند القائلين بأن محلها الركعتان الأوليان عينا، وقد عرفت أنه
الصحيح، وعليه مشى في الخلاصة والكافي. وأما عند القائلين بأن محلها ركعتان منها بغير أعيانهما،
فظاهر قولهم إن القراءة في الأوليين أفضل أنه ليس بواجب، بل الظاهر أنه سنة، وغير خاف أن ثمرة
الخلاف تظهر في وجوب سجود السهو إذا تركها في الأوليين أو في إحداهما سهوا لتأخير الواجب
سهوا عن محله، وعلى السنة لا يجب ا ه‍ ملخصا. وهو صريح في أن الأقوال اثنان لا ثلاثة، وفي أن
المراد بالقول بأن محل القراءة الأوليان عينا هو الوجوب لا الافتراض، وظهر بهذا أن صاحب البحر
لم يصب في بيان الأقوال ولا في التفريع عليها، كما لم يصب من نقل عبارته على غير وجهها،
وبما قررناه ارتفع الاشكال واتضح الحال.
والحاصل أنه قيل: إن محل القراءة ركعتان من الفرض غير عين، وكونها في الأوليين أفضل.
وقيل إن محلها الأوليان منه عينا فيجب كونها فيهما، وهو المشهور في المذهب الذي عليه المتون
وهو المصحح. وعلمت تأييده بما مر في عبارة البحر عن البدائع من مسألة المسافر والمسبوق.
وقال القهستاني: إنه الصحيح من مذهب أصحابنا، فلا جرم قال الشارح على المذهب فافهم.
الحمد لله
على التوفيق والهداية إلى أقوم طريق. قوله: (على كل السورة) حتى قالوا: لقرأ حرفا
من السورة ساهيا ثم تذكر يقرأ الفاتحة ثم السورة، ويلزمه سجود السهو. بحر. وهل المراد بالحرف
496

حقيقته أو الكلمة؟ يراجع. ثم رأيت في سهو البحر قال بعد ما مر: وقيده في فتح القدير بأن يكون
مقدار ما يتأدى به ركن ا ه‍: أي لأن الظاهر أن العلة هي تأخير الابتداء بالفاتحة والتأخير اليسير، وهو ما
دون ركن معفو عنه. تأمل. ثم رأيت صاحب الحلية أيد ما بحثه شيخه في الفتح من القيد
المذكور بما ذكروه من الزيادة على التشهد في القعدة الأولى الموجبة للسهو بسبب تأخير القيام عن
محله، وأن غير واحد من المشايخ قدرها بمقدار أداء ركن. قوله: (وكذا ترك تكريرها الخ) فلو قرأها
في ركعة من الأوليين مرتين وجب سجود السهو لتأخير الواجب وهو السهو كما في الذخيرة
وغيرها، وكذا لو قرأ أكثرها ثم أعادها كما في الظهيرية، أما لو قرأها قبل السورة مرة وبعدها مرة فلا
يجب كما في الخانية، واختاره في المحيط والظهيرية والخلاصة، وصححه الزاهدي لعدم لزوم
التأخير، لان الركوع ليس واجبا بأثر السورة، فإنه لو جمع بين سور بعد الفاتحة لا يجب عليه شئ،
كذا في البحر هنا وفي سجود السهو. قال في شرح المنية: وقيد بالأوليين لان الاقتصار على مرة
في الأخريين ليس بواجب، حتى لا يلزمه سجود السهو بتكرار الفاتحة فيهما سهوا، ولو تعمده لا
يكره ما لم يؤد إلى التطويل على الجماعة أو إطالة الركعة على ما قبلها ا ه‍. قوله: (بين القراءة
والركوع) يعني في الفرض الغير الثنائي، ومعنى كونه واجبا أنه لو ركع قبل القراءة صح ركوع هذه
الركعة، لأنه لا يشترط في الركوع أن يكون مترتبا على قراءة في كل ركعة، بخلاف الترتيب بين
الركوع والسجود مثلا فإنه فرض، حتى لو سجد قبل الركوع لم يصح سجود هذه الركعة، لان أصل
السجود يشترط ترتبه على الركوع في كل ركعة كترتب الركوع على القيام كذلك، لان القراءة لم
تفرض في جميع ركعات الفرض، بل في ركعتين منه بلا تعيين، أما القيام والركوع والسجود فإنها
معينة في كل ركعة، نعم القراءة فرض ومحلها القيام من حيث هو، فإذا ضاق وقتها بأن لم يقرأ في
الأوليين صار الترتيب بينها وبين الركوع فرضا لعدم إمكان تداركه، ولكن فرضية هذا الترتيب عارضة
بسبب التأخير، فلذا لم ينظروا إليه، واقتصروا على أن الترتيب بينهما واجب، لان إيقاع القراءة في
الأوليين واجب، هذا توضيح ما حققه في الدر.
والحاصل أن الترتيب المذكور واجب في الركعتين الأوليين، وثمرته فيما لو أخر القراءة إلى
الأخريين وركع في كل من الأوليين بلا قراءة أصلا، أما لو قرأ في الأوليين صار الترتيب فرضا،
حتى لو تذكر السورة راكعا فعاد وقرأها لزم إعادة الركوع، لان السورة التحقت بما قبلها وصارت
القراءة كلها فرضا فيلزم تأخير الركوع عنها، ويظهر من هذا أن هذا الترتيب واجب قبل وجود القراءة
فرض، بعدها نظيره قراءة السورة، فإنها قبل قراءتها تسمى واجبا وبعدها تسمى فرضا، وحينئذ فيكون
الأصل في هذا الترتيب الوجوب، وفرضيته عارضة كعروضها فيما لو أخر القراءة إلى الأخريين،
لكن قد يقال، إن هذا الترتيب يغني عنه وجوب تعيين القراءة في الأوليين، إلا أن يقال: لما كان
هذا التعيين لا يحصل إلا بهذا الترتيب جعلوه واجبا آخر، فتدبر. قوله: (أما فيما لا يتكرر) أي في
كل الصلاة أو في كركعة ففرض، وذلك كترتيب القيام والركوع والسجود والقعود الأخير كما
علمته آنفا، ومر أيضا عند قوله: وبقي من الفروض وبيناه هناك.
ولا يرد على إطلاقه أن القراءة مما لا يتكرر في كل ركعة مع أن ترتيبها على الركوع غير فرض،
لان مراده بما لا يتكرر ما عداها بقرينة تصريحه قبيله بوجوب ترتيبها فلا مناقضة في كلامه، فافهم.
497

فإن قلت: ذكر في الكافي النسفي من باب سجود السهو أنه يجب بأشياء منها تقديم ركن بأن
ركع قبل أن يقرأ أو سجد قبل أن يركع، لان مراعاة الترتيب واجبة عندنا خلافا لزفر، فإذا ترك
الترتيب فقد ترك الواجب ا ه‍. ووقع نظيره في الذخيرة مع أنه في الكافي ذكر هنا أن الترتيب القيام
على الركوع والركوع على السجود فرض، لان الصلاة لا توجد إلا بذلك ا ه‍.
قلت: أجاب في البحر بأن قوله هنا: إن الترتيب شرط، معناه: أن الركن الذي قدمه يلغو
ويلزمه إعادته مرتبا، حتى إذا سجد قبل الركوع لا يعتد بهذا السجود بإجماع كما صرح به في النهاية
فيشترط إعادته وقولهم في سجود السهو: إن الترتيب واجب، معناه: أن الصلاة بعد إعادة ما قدمه
لا تفسد بترك الترتيب صورة الحاصل بزيادة ما قدمه.
والحاصل أن افترا ض الترتيب بمعنى افتراض إعادة ما قدمه ووجوبه بمعنى إيجاب عدم
الزيادة، لان زيادة ما دون ركعة لا تفسد الصلاة فكان واجبا لا فرضا، بخلاف الأول، وقد خفي هذا
على صدر الشريعة حتى ظن أن الترتيب واجب مطلقا إلا في تكبيرة الافتتاح والقعدة الأخيرة، وهو
عجيب لما علمت من كلام النهاية. قوله (كالسجدة) الكاف استقصائية، إذ لم يتكرر في الركعة
سواها، ومثله الكاف في قوله: كعدد ح، والمراد بها السجدة الثانية من كل ركعة، فالترتيب بينها
وبين ما بعدها واجب. قال في شرح المنية: حتى لو ترك سجدة من ركعة ثم تذكرها فيا بعدها من
قيام أو ركوع أو سجود فإنه يقضيها ولا يقضي ما فعله قبل قضائها مما هو بعد ركعتها من قيام أو
ركوع أو سجود، بل يلزمه سجود السهو فقط، لكن اختلف في لزوم قضاء ما تذكرها فقضاها فيه،
كما لو تذكر وهو راكع أو ساجد أنه لم يسجد في الركعة التي قبلها فإنه يسجدها، وهل يعيد الركوع
أو السجود المتذكر فيه؟ ففي الهداية أنه لا تجب إعادته، بل تستحب معللا بأن الترتيب ليس بفرض
بين ما يتكرر من الافعال. وفي الخانية أنه يعيده وإلا فسدت صلاته معللا بأنه ارتفض بالعود إلى ما
قبله من الأركان لأنه قبل الرفع منه يقبل الرفض، بخلاف ما لو تذكر السجدة بعد ما رفع من الركوع
لأنه بعد ما تم بالرفع لا يقبل الرفض ا ه‍، ومثله في الفتح.
قال في البحر: فعلم أن الاختلاف في الإعادة ليس بناء على اشتراط الترتيب وعدمه، بل على
أن الركن المتذكر فيه هل يرتفض بالعود إلى ما قبله من الأركان أو لا ا ه‍ تأمل (1). والمعتمد ما في
الهداية، فقد جزم به في الكنز وغيره في آخر باب الاستخلاف، وصرح في البحر يضعف ما في
الخانية. هذا، والتقييد بالترتيب بينها وبين ما بعدها للاحتراز عما قبلها من ركعتها، فإن الترتيب بين
الركوع والسجود من ركعة واحدة شرط كما مر، ونبه عليه في الفتح. قوله: (أو في كل الصلاة
كعدد ركعاتها) أي أن الترتيب بين الركعات واجب. قال الزيلعي: فإن ما يقضيه بعد فراغ الامام أول
صلاته عندنا، ولو كان الترتيب فرضا لكان آخرا ا ه‍.
ورده في البحر بأنه لا يصح أن يدخل تحت الترتيب الواجب، إذ لا شئ على المسبوق ولا
نقص في صلاته أصلا، فلذا اقتصر في الكافي على المتكرر في كل ركعة ا ه‍، وكأنه فهم أن مراد

(1) قوله: (تأمل) وجه التأمل ان كلام الهداية صريح في أن الإعادة مبنية على ما ذكره، لان الخلاف من طرف الهداية مبني على أن الترتيب
ليس بركن، والخلاف من طرف الخانية ليس مبنيا على أنه ركن بل على الارتفاض ا ه‍. منه.
498

الزيلعي أن الترتيب المذكور واجب على المسبوق وليس كذلك، بل مراده أنه واجب على غيره
بدليل مسألة المسبوق.
وبيان ذلك أنه لو اقتدى في ثالثة الرباعية مثلا لا يجوز له أن يصلي أول صلاة إمامه الذي فاته،
ولو فعل فسدت صلاته لانفراده في موضع الاقتداء، بل يجب عليه متابعته فيما أدركه، ثم إذا سلم
يقضي ما فاته وهو أول صلاته، إلا من حيث القعدات فقد وجب على المسبوق عكس الترتيب، ولو
كان الترتيب فرضا لكان ما يقضيه آخر صلاته حقيقة من كل وجه فلا يقرأ السورة ولا يجهر، والدليل
على ما قلنا من أن مراد الزيلعي وجوب الترتيب على غير المسبوق ما في الفتح حيث قال: أو في
كل الصلاة كالركعات إلا لضرورة الاقتداء حيث يسقط به الترتيب، فإن المسبوق يصلي آخر
الركعات قبل أولها ا ه‍. فمن ظن أن كلام الفتح مخالف لكلام الزيلعي فقد وهم، نعم كلام الفتح
أظهر في المراد، فافهم.
فإن قلت: وجوب الشئ إنما يصح إذا أمكن ضده وعدم الترتيب بين الركعات غير ممكن، فإن
المصلي كل ركعة أتى بها أولا فهي الأولى وثانيا فهي الثانية وهكذا.
قلت: يمكن ذلك لأنه من الأمور الاعتبارية التي تبتنى عليها أحكام شرعية إذا وجد معها ما
يقتضيها، فإذا صلى من الفرض الرباعي ركعتين وقصد أن يجعلهما الأخيرتين فهو لغو، إلا إذا حقق
قصده، بأن ترك فيهما القراءة وقرأ فيما بعدهما، فحينئذ يبتنى عليه أحكام شرعية وهي وجوب
الإعادة والاثم لوجود ما يقتضي تلك الأحكام، ولهذا اعتبر الشارع صلاة المسبوق غير مرتبة من
حيث الأقوال فأوجب عليه عكس الترتيب، مع أن كل ركعة أتى بها أولا فهي الأولى صورة لكنها
في الحكم ليست كذلك، فكما أوجب الشارع عليه عكس الترتيب بأن أمره بأن يفعل يبتني على
ذلك من قراءة وجهر، كذلك أمر غيره بالترتيب بأن يفعل ما يقتضيه بأن يقرأ أولا ويجهر ويسر،
وإذا خالف يكون قد عكس الترتيب حكما، ولهذا عبر المصنف كالكنز وغيره بقوله: ورعاية
الترتيب: أي ملاحظته باعتبار الاتيان بما يجب أولا في الأول أو آخرا في الآخر.
والحاصل أن المصلي إما منفرد أو إمام أو مأموم، فالأولان يظهر فيهما ثمرة الترتيب بما
ذكرنا، ولو سلمنا عدم ظهور الثمرة فيهما تظهر في المأموم، فإنه إما مدرك أو مسبوق فقط، أو
لاحق فقط، أو مركب على ما سيأتي بيانه في محله.
أما المدرك فهو تابع لامامه فحكمه حكمه. وأما المسبوق فقد علمت أن اللازم عليه عكس
الترتيب. وأما اللاحق فالواجب عليه الترتيب بعكس المسبوق. وعند زفر: الترتيب فرض عليه، فإذا
أدرك بعض صلاة الامام فنام فعليه أن يصلي أولا ما نام فيه بلا قراءة ثم يتابع الامام، فلو تابعه أولا
ثم صلى ما نام فيه بعد سلام الامام جاز عندنا وأثم لتركه الواجب. وعند زفر: لا تصح صلاته. قال
في السراج عن الفتاوى: المسبوق إذا بدأ بقضاء ما فاته فإنه تفسد صلاته وهو الأصح، واللاحق إذا
تابع الامام قبل قضاء ما فاته لا تفسد خلافا لزفر ا ه‍.
وأما المركب كما لو اقتدى في ثانية الفجر فنام إلى أن سلم الامام، فهذا لاحق ومسبوق ولم
يصل شيئا فيصلي أولا الركعة التي نام فيها بلا قراءة ثم التي سبق بها بقراءة، وإن عكس صح وأثم
لتركه الترتيب الواجب فيجب عليه إعادة الصلاة، سواء كان عامدا لأدائها مع كراهة التحريم أو ساهيا
499

لعدم إمكان الجبر بسجود السهو، لان ختام صلاته وقع بما لحق فيه، واللاحق ممنوع عن سجود
السهو لان خلف الامام حكما فثبت بهذا أن اللاحق بنوعيه قد أوجبوا عليه الترتيب كما ألزموا
المسبوق بعكسه. وليس ذلك إلا من حيث الاعتبار والحكم، لا من حيث الصورة، فافهم. قوله:
(حتى لو نسي) تفريع على قوله: كالسجدة. قوله: (من الأولى) ليس بقيد، وخصها لبعدها من
الآخر ط. قوله: (قبل الكلام) المراد قبل إتيانه بمفسد ط. قوله: (لكنه يتشهد) أي يقرأ التشهد إلى
عبده ورسوله فقط ويتمه بالصلوات والدعوات في تشهد السهو على الأصح ط. قوله (ثم يتشهد) أي
وجوبا سكت عن القعدة لان التشهد يستلزمها لأنه لا يوجد إلا فيها تأمل. قوله: (لأنه يبطل الخ)
أي لان التشهد: يعني مع القعدة بقرينة قوله: أما السهوية فترفع التشهد لا القعدة ح. أما بطلان
القعدة بالعود إلى الصلبية: أي السجدة التي هي من صلب الصلاة: أي جزء منها، فلاشتراط
الترتيب بين القعدة وما قبلها لأنها لا تكون أخيرة إلا بإتمام سائر الأركان، وأما بطلانها بالعود إلى
التلاوية فقال ط: لان التلاوية لما وقعت في الصلاة أعطيت حكم الصلبية، بخلاف ما إذا تركها
أصلا. وقال الرحمتي، لأنها تابع للقراءة التي هي ركن فأخذت حكم القراءة فلزم تأخير القعدة عنها.
قوله: (أما السهوية) أي السجدة السهوية، والمراد الجنس لأنها سجدتان ط. قوله: (فترفع التشهد)
أي تبطله لأنه واجب مثلها فتجب إعادته، وإنما لا ترفع القعدة لأنها ركن فهي أقوى منها. قوله:
(بمجرد رفعه منها) أي من السهوية بلا قعود ولا تشهد لم تفسد صلاته، لان القعدة الركن لم ترتفع
فلا تفسد صلاته بترك التشهد الواجب. قوله: (بخلاف تلك السجدتين) أي الصلبية والتلاوية: فإنه
لو سلم بمجرد رفعه منهم تفسد صلاته لرفعهما القعدة.
مطلب: قد يشار إلى المثنى باسم الإشارة الموضوع للمفرد
تنبيه: قد يشار إلى المثنى باسم الإشارة الموضوع للمفرد كما هنا، ومثله قوله تعالى - * (عوان
بين ذلك) * - أي بين الفارض والبكر، وقول الشاعر:
إن للخير وللشر مدى * وكلا ذلك وجه وقبل
فافهم قوله: (وتعديل الأركان) هو سنة عندهما في تخريج الجرجاني، وفي تخريج الكرخي:
واجب حتى تجب سجدتا السهو بتركه، كذا في الهداية، وجزم بالثاني في الكنز والوقاية والملتقى،
وهو مقتضى الأدلة كما يأتي، قال في البحر: وبهذا يضعف قول الجرجاني. قوله: (وكذا في الرفع
منهما) أي يجب التعديل أيضا في القومة من الركوع والجلسة بين السجدتين، وتضمن كلامه وجوب
نفس القومة والجلسة أيضا لأنه يلزم من وجوب التعديل فيهما وجوبهما. قوله: (على ما اختاره
الكمال) قال في البحر: ومقتضى الدليل وجوب الطمأنينة في الأربعة: أي في الركوع والسجود وفي
القومة والجلسة، ووجوب نفس الرفع من الركوع والجلوس بين السجدتين للمواظبة على ذلك كله،
وللامر في حيث المسئ صلاته، ولما ذكره قاضيخان من لزوم سجود السهو بترك الرفع من
الركوع ساهيا وكذا في المحيط، فيكون حكم الجلسة بين السجدتين كذلك، لان الكلام فيهما
500

واحد، والقول بوجوب الكل هو مختار المحقق ابن الهمام وتلميذه ابن أمير حاج، حتى قال: إنه
الصواب، والله الموفق للصواب ا ه‍.
مطلب: لا ينبغي أن يعدل عن الدراية إذا وافقتها رواية
وقال في شرح المنية: ولا ينبغي أن يعدل عن الدراية (1): أي الدليل إذا وافقتها رواية على ما
تقدم عن فتاوى قاضيخان، ومثله ما ذكر في القنية من قوله: وقد شدد القاضي الصدر في شرحه في
تعديل الأركان جميعها تشديدا بليغا فقال: وإكمال كل ركن واجب عند أبي حنيفة ومحمد. وعند أبي
يوسف والشافعي فريضة، فيمكث في الركوع والسجود وفي القومة بينهما حتى يطمئن كل عضو
منه، هذا هو الواجب عند أبي حنيفة ومحمد، حتى لو تركها أو شيئا منها ساهيا يلزمه السهو، ولو
عمدا يكره أشد الكراهة، ويلزمه أن يعيد الصلاة وتكون معتبرة في حق سقوط الترتيب ونحوه، كمن
طاف جنبا تلزمه الإعادة، والمعتبر هو الأول، كذا هذا ا ه‍.
والحاصل أن الأصح رواية ودراية وجوب تعديل الأركان، وأما القومة والجلسة وتعديلهما
فالمشهور في المذهب السنية، وروي وجوبها، وهو الموافق للأدلة، وعليه الكمال من بعده من
المتأخرين، وقد علمت قول تلميذه: إنه الصواب. وقال أبو يوسف بفرضية الكل، واختاره في
المجمع والعيني ورواها الطحاوي عن أئمتنا الثلاثة. وقال في الفيض: إنه الأحوط ا ه‍. وهو مذهب
مالك، الشافعي وأحمد، وللعلامة البركلي رسالة سماها (معدل الصلاة) أوضح المسألة فيها غاية
الايضاح، وبسط فيها أدلة الوجوب، وذكر ما يترتب على ترك ذلك من الآفات وأوصلها إلى ثلاثين
آفة، ومن المكروهات الحاصلة في صلاة يوم وليلة وأوصلها إلى أكثر من ثلاثمائة وخمسين مكروها
فينبغي مراجعتها ومطالعتها. قوله: (لكن المشهور الخ) استدراك على قوله: وكذا في الرفع منهما.
وحاصله أن وجوب تعديل الركوع والسجود ظاهر موافق للقاعدة المشهورة، لان التعديل
مكمل لهما أما وجوب تعديل القومة والجلسة فغير ظاهر، لان القومة والجلسة إذا كانتا واجبتين على
ما اختاره الكمال يلزم أن يكون التعديل فيهما سنة، لان مكمل الواجب يكون سنة، فهذه القاعدة لا
توافق مختار الكمال، لأنه الوجوب في الكل، ولا ما رواه الطحاوي عنهم لأنه الفرض في الكل، ولا
ما هو المشهور عن أبي حنيفة ومحمد، لأنه إما السنية في الكل على تخريج الجرجاني أو الوجوب في
تعديل الأركان، والسنية في الباقي على تخريج الكرخي، لأنه فصل كما في شرح المنية وغيره بين
الطمأنينة في الركوع والسجود وبين القومة والجلسة، بأن الأولى مكملة للركن المقص ود لذاته وهو
الركوع والسجود، والأخيرتين مكملتان للركن المقصود لغيره وهو الانتقال (2) فكانا سنتين إظهارا
للتفاوت بين المكملين ا ه‍. فافهم. وأجاب ح بأنه لا يضر مخالفة القاعدة حيث اقتضاها الدليل.
أقول: على أن ما ذكره الشارح من القاعدة مأخوذ من الدرر. واعترضه في العزمية بأنه ليس له
وجه صحة، قال: ولعل منشأه ما في الخلاصة من أن الواجب إكمال للفرائض والسنن إكمال

(1) قوله: (الدراية) المراد بالدراية بالدال المهملة: في اولها العلم الحاصل من أحد النصوص الشرعية الصحيحة ا ه‍. منه.
(2) قوله: (وهو الانتقال) اي الانتقال من ركن إلى ركن الذي مر عده في الفرائض، وهو ركن مقصوده لغيره، لان افتراض
الانتقال من الركوع مثلا لأجل الاتيان بالسجود، إذ لو دام راكعا لم يتحقق السجود كما قدمناه هناك وهو دون الفرض
المقصود لذاته، فيكون مكمله سنة ومكمل الأول واجبا اظهارا للتفاوت بينهما ا ه‍. منه.
501

للواجبات والآداب إكمال للسنن، ولا يذهب عليك أنه ليس معناه ذلك فليتدبر ا ه‍. أي لان معناه أن
الواجب شرع لاكمال الفرائض الخ، لا أن كل ما يكمل الفرض يكون واجبا وهكذا. قوله: (وعند
الثاني الأربعة فرض) أي عملي يفوت الجواز بفوته كما قدمنا بيانه في آخر بحث الفرائض. قوله:
(ولو في نفل) لأنه وإن كان كل شفع منه صلاة على حدة حتى افترضت القراءة في جميعه، لكن
القعدة إنما فرضت للخروج من الصلاة، فإذا قام إلى الثالثة تبين أن ما قبلها لم يكن أوان الخروج
من الصلاة فلم تبق القعدة فريضة، وتمامه في ح عن وتر البحر. قوله: (في الأصح) خلافا لمحمد
في افتراضه قعدة كل شفع نفل، وللطحاوي والكرخي في قولهما: إنها في غير النفل سنة، لكن في
النهر قال في البدائع: وأكثر مشايخنا يطلقون عليه اسم السنة، إما لان وجوبه عرف بها، أو لان
المؤكدة في معنى الواجب، وهذا يقتضي رفع الخلاف. قوله: (وكذا ترك الزيادة فيه على التشهد)
ضمير فيه لا يصح إرجاعه للتشهد خلافا لمن وهم، وإن كان ترك الزيادة فيه أ: أي في أثناء كلماته
واجبا أيضا كترك الزيادة عليه: أي بعد تمامه كما سيأتي فيتعين ما قاله ح من إرجاعه للقعود الأول:
أي في الفرض والسنة المؤكدة لأنها في النفل مطلوبة، وأقل الزيادة المفوتة للواجب مقدار: اللهم
صل على محمد فقط على المذهب كما سيأتي في الفصل الآتي. قوله: (وأراد بالأول غير الأخير)
ليشمل ما إذا صلى ألف ركعة من النفل بتسليمة واحدة، فإن ما عدا القعود الأخير واجب، ومفهومه
فرضية كل قعود أخير في أي صلاة كانت، ويستثنى منه القعود الذي بعد سجود السهو فإنه واجب لا
فرض، لما سيأتي من أنه يرفع التشهد لا القعدة، ومعلوم أن التشهد يستلزم القعدة فهي واجبة ح.
قوله: (وقد يجاب بأنه عارض) أي بسبب الاستخلاف، فإن المسافر يفترض قعوده على رأس
الركعتين لأنه آخر صلاته والمقيم بالاستخلاف قام مقامه فتفرض عليه هذه القعدة كالقعدة الثانية،
قيل: ويجاب بهذا أيضا عن المسبوق، كما لو اقتدى بالامام في ثانية المغرب فإن القعود الثاني مما
عدا الأخير فرض عليه بمتابعة الامام.
وحاصله أن قعود الامام الأخير يفترض على المسبوق بمتابعته لامامه فهو عارض بالاقتداء.
وأقول: هذا مخالف لما في البحر والنهر من قولهما: أراد بالأول ما ليس بآخر، إذ المسبوق بثلاث في
الرباعية يقعد ثلاث قعدات والواجب منها ما عدا الأخيرة ا ه‍. ويدل عليه ما سيأتي في الإمامة من أن
المسبوق لو قام قبل السلام قبل قعود إمامه قدر التشهد، فإن قرأ في قيامه قدر ما تجوز به الصلاة بعد
فراغ الامام من التشهد جازت صلاته وإلا فلا، وسيأتي تمام بيانه، فلو كان القعود فرضا عليه لما صح
هذا التفصيل ولبطلت صلاته، فافهم. قوله: (والتشهدان) أي تشهد القعدة الأولى وتشهد
الأخيرة، والتشهد المروي عن ابن مسعود لا يجب، بل هو أفضل من المروي عن ابن عباس وغيره
خلافا لما بحثه في البحر كما سيأتي في الفصل الآتي. قوله: (بترك بعضه ككله) قال في البحر: من
باب سجود السهو فإنه يجب سجود السهو بتركه ولو قليلا في ظاهر الرواية لأنه ذكر واحد منظوم، فترك
بعضه كترك كله ا ه‍. قوله: (وكذا في كل قعدة) أشار به إلى التورك على المتن في تعبيره بالتثنية، إذ
لو أفرد لكان اسم جنس شاملا لكل تشهدكما أشار إليه في البحر ح. قوله: (في الأصح) مقابله ما
502

قيل: إنه فيما عدا الأخيرة سنة. قوله: (في
تشهدي المغرب) أي اقتدى به في التشهد الأول من تشهدي المغرب فيكون قد أدركه في التشهدين، وقوله: وعليه أي على الامام سهو فسجد أي
المأموم معه أي مع الامام لوجوب المتابعة عليه وتشهد أي المأموم مع الامام، لان سجود السهو
يرفع التشهد ثم تذكر أي الامام سجود تلاوة فسجد أي المأموم مع الامام لان سجود التلاوة يرفع
القعدة ثم سجد أي المأموم مع الامام للسهو لان سجود السهو لا يعتبه إلا إذا وقع خاتما لافعال
الصلاة وتشهد أي المأموم مع الامام لان سجود السهو يرفع التشهد ثم قضى أي لمأموم الركعتين
بتشهدين لما قدمنا من أن المسبوق يقضى آخر صلاته من حيث الافعال، فمن هذه الحيثية ما صلاه مع
الامام آخر صلاته، فإذا أتى بركعة مما عليه كانت ثانية صلاته فيقعد ثم يأتي بركعة ويقعد ا ه‍ ح. قوله: (
ووقع له) أي للمأموم كذلك: أي مثل ما وقع للامام بأن سها فيما يقضيه فسجد له وتشهد ثم تذكر
سجود تلاوة فسجده وتشهد ثم سجد للسهو وتشهد لما ذكرنا ح. قوله: (ومثل التلاوية تذكر الصلبية)
أي في إبطال القعدة قبلها وإعادة سجود السهو ط. قوله: (لهما) أي للامام والمأموم. قوله: (زيد
أربع) وذلك بأن تذكر الامام الصلبية بعد القعدة الخامسة فسجدها المأموم معه وتشهد لارتفاع القعدة
ثم سجد معه للسهو تشهد لما قدمنا، ووقع مثل ذلك للمأموم فتصير أربع عشرة قعدة، لكن هذا إنما
يكون إذا تراخى تذكر الصلبية عن التلاوية كما هو المفروض، أو بالعكس بأن تراخى تذكر التلاوية عن
الصلبية، وأما إذا تذكرهما معا، فإما أن يتذكر قبل القعدة الأخيرة أو بعدها قبل تشهد سجود السهو أو
بعده، فإن تذكرهما قبل القعدة الأخيرة فليس هناك إلا ثلاث قعدات، وإن تذكرهما بعدها قبل تشهد
سجود السهو فأربع، وإن بعده فخمس، ومثله في المأموم فتكون عشرة.
ثم اعلم أنه إذا تذكرهما معا يجب الترتيب بينهما، فإن كانت التلاوية من ركعة والصلبية من
تلك الركعة أو مما بعدها وجب تقديم التلاوية، وإن كانت من ركعة قبلها قدم الصلبية كما في البحر
من باب سجود السهو ح. قوله: (لما مر) أي من أنه يسجد بعد التلاوية ح. قوله: (تعدد التلاوية
والصلبية) يعني مرتين فقط، المرة المتقدمة وهذه ح. قوله: (زيد ست أيضا). صورته: تذكر بعد
القعدة السابعة صلبية أخرى فسجدها وتشهد، ثم قبل أن يسجد للسهو تذكر تلاوية أخرى أيضا
فسجدها وتشهد ثم سجد للسهو وتشهد فهذه ثلاث، ومثله المأموم فهذه ست، وأما إذا لم يتذكر
التلاوية إلا بعد تشهد سجود السهو فإنها تصير ثماني صور ا ه‍ ح.
أقول: والذي في غالب النسخ زيد ستون. وصورته: أن يتذكر بعد القعدة السابعة صلبيتين
أخريين على التعاقب ويسجد بعد كل منهما فهذه أربع، ثم يتذكر بقية آيات السجدة واحدة بعد
واحدة وهي ثلاث عشرة آية، ويسجد بعد كل منهما فهذه ست وعشرون، فالمجموع ثلاثون، وإذا
وقع مثله للمأموم تصير ستين، ثم إذا ضم إليها الأربع عشرة التي قدمها الشارح والأربع الآتية في
قوله: عقيبه ولو فرضنا تبلغ ثمانية وسبعين وهي المشار إليها في قوله الآتي في ثمانية وسبعين
كما مر، فالصواب ما في غالب النسخ، قوله: (ولو فرضنا إدراكه الخ) صورته أدرك الامام وهو في
503

السجدة الأولى من الركعة الثانية وقعد من غير سجود معه ح. قوله: (فمقتضى القواعد أنه يقضيهما)
مراده بالقواعد الواحدة بناء على أن أل الجنسية تبطل الجمعية، وتلك القاعدة هي أن من فاته شئ
من الصلاة بعد اقتدائه أعاده كاللاحق وهذا في حكمه ح.
أقول: عموم هذه القاعدة على هذا الوجه لم أر من ذكره، نعم وجوب فعل هاتين السجدتين
مع الإمام مسلم لوجوب المتابعة وإن لم تحسبا له من الركعة التي يقضيها. وأما لزوم قضائهما، فإن
أراد به أنه يأتي بهما في الركعة التي يقضيها فمسلم أيضا، وأما إن أراد أنه يأتي بهما زيادة على
الركعة المذكورة كما هو المبادر من كلامه فيحتاج إلى نقل، والمنقول وجوب المتابع وأنه يقضي
ركعة تامة فقط، قال في البحر قبيل باب قضاء الفوائت: وصرح في الذخيرة بأن المتابعة فيهما
واجبة، ومقتضاه أنه لو تركهما لا تفسد صلاته، وقد توقفنا في ذلك مدة حتى رأيته في التجنيس.
وعبارته: رجل انتهى إلى الامام وقد سجد سجدة فكبر ونوى الاقتداء به ومكث قائما حتى قام الامام
ولم يتابعه في السجدة ثم تابعه في بقية الصلاة، فلما فرغ الامام قام وقضى ما سبق به، تجوز الصلاة
إلا أنه يصلي تلك الركعة الفائتة بسجدتيها بعد فراغ الامام وإن كانت المتابعة حين يشرع واجبة في
تلك السجدة ا ه‍ كلام البحر. فقد صرحوا بوجوب المتابعة ولم يذكروا أنه يصلي ركعة تامة ويسجد
فيها ثلاث سجدات أو أربع (1) قضاء عما لم يتابع فيه، على أنه الواجب هو المتابعة وهي لا يمكن
قضاؤها بعد فواتها، لان السجود لم يجب عليه لذاته لأنه غير محسوب من صلاته، وإنما وجب عليه
لئلا يخالف إمامه، نعم صرحوا بوجوب سجدتي السهو فيما لو اقتدى بإمام عليه سهو قبل أن يسجد
ولم يتابع إمامه فيه فإنه يأتي بالسجدتين بعد فراغه استحسانا، لان في تحريمته نقصانا لا ينجبر إلا
بسجدتين، وبقي النقصان لانعدام الجابر، كذا قالوا، وهذه العلة لا توجد هنا، إذ لا نقصان في
تحريمته هنا لان النقصان جاءه هناك من قبل إمامه، هذا ما ظهر لي، فافهم. قوله: (فيزاد أربع أخر)
وهذا أيضا مفروض فيما إذا تذكر إحداهما بعد تشهد السهو فسجدها وتشهد ثم سجد للسهو وتشهد
ثم تذكر الأخرى فسجدها وتشهد ثم سجد للسهو وتشهد، وأما إذا تذكرهما معا فعلى التفصيل
المتقدم (2) في التلاوية والصلبية، فصار مجموع القعدات على ما ذكره أربعا وعشرين، وعلى ما ذكرنا
من الثمان في تعدد التلاوية والصلبية ستا وعشرين ح.
أقول هذا على نسخة زيد ست، أما على نسخة زيد ستون فهي ثمانية وسبعون كما قررناه على
وفق كلامه الآتي، لكن قد علمت أن زيادة الأربع الأخيرة غير مسلمة لعدم وجوب قضاء السجدتين ما
لم يوجد نقل صريح، فالباقي أربع وسبعون، نعم على ما قرره من الثمان في تعدد التلاوية والصلبية
يزاد سجدتان على ما ذكر الشارح، فيكون الحاصل ستا وسبعين. قوله: (ولفظ السلام) فيه إشارة إلى
أن لفظا آخر لا يقوم مقامه ولو كان بمعناه حيث كان قادرا عليه، بخلاف التشهد في الصلاة حيث لا
يختص بلفظ العربي، بل يجوز بأي لسان كان مع قدرته على العربي، ولذا لم يقل ولفظ التشهد وقال
ولفظ السلام، لكن هذه الإشارة يخالفها صريح المنقول، فإنه سيأتي أن الزيلعي نقل الاجماع أن السلام

(1) قوله: (أو أربع) هكذا بخطه، ولعل الأصوب أو أربعا تأمل ا ه‍. مصححه.
(2) قوله: (فعلى التفصيل المتقدم) اي بين يتذكرهما قبل العقدة الأخيرة أو بعدها قبل تشهد سجود السهو أو بعده ا ه‍. منه.
504

لا يختص بلفظ العربي، كذا في بعض نسخ البحر. قوله: (على الأصح) وقيل سنة. فتح. قوله:
(دون عليكم) فليس بواجب عندنا. قوله: (فلو ائتم به، إلى قوله: ذكره الرملي الشافعي) وجد في
بعض النسخ وليس في نسخة الشارح التي رجع إليها. فتال. قوله: (وتنقضي قدوة بالأول) أي بالسلام
الأول. قال في التجنيس: الامام إذا فرغ من صلاته، فلما قال السلام جاء رجل واقتدى به قبل أن
يقول عليكم لا يصير داخلا في صلاته، لان هذا سلام، ألا ترى أنه لو أراد أن يسلم على أحد في
صلاته ساهيا فقال السلام ثم علم فسكت تفسد صلاته؟ ا ه‍ رحمتي. قوله: (خلافا
للتكملة) أي لشارح التكملة حيث صحح أن التحريمة إنما تنقطع بالسلام الثاني كما وجد قبله في بعض النسخ. قوله:
(وقراءة قنوت الوتر) أقحم لفظ قراءة إشارة إلى أن المراد بالقنوت الدعاء لا طول القيام كما قيل،
وحكاهما في المجتبى، وسيجئ في محله. ابن عبد الرزاق: ثم وجوب القنوت مبني على قول الإمام
: وأما عندهما فسنة، فالخلاف فيه كالخلاف في الوتر كما سيأتي في بابه. قوله: (وهو مطلق
الدعاء) أي القنوت الواجب يحصل بأي دعاء كان في النهر. وأما خصوص: اللهم إنا نستعينك فسنة
فقط، حتى لو أتى بغيره جاز إجماعا. قوله: (وكذا تكبير قنوته) أي الوتر.
قال في البحر في باب سجود السهو: ومما ألحق به. أي بالقنوت تكبير، وجزم الزيلعي
بوجوب السجود بتركه. وذكر في الظهيرية أنه لو تركه لا رواية فيه، وقيل يجب السجود اعتبارا
بتكبيرات العيد، وقيل لا ا ه‍. وينبغي ترجيح عدم الوجوب لأنه الأصل، ولا دليل عليه، بخلاف
تكبيرات العيد ا ه‍. قوله: (وتكبيرة ركوع الثالثة) زيلعي كذا عزاه إلى الزيلعي في النهر، وتبعه
الشارح. قال السيد أبو السعود في حواشي مسكين في باب سجود السهو قال شيخنا: هذا سهو،
لعدم وجوده في الزيلعي، لا في الصلاة ولا في السهو، ولعله سبق نظره إلى ما ذكره الزيلعي
بقوله: ولو ترك التكبيرة التي بعد القراءة قبل القنوت سجد للسهو، فتوهم أن هذه تكبيرة الثالثة من
الوتر وليس كذلك وإنما هي تكبيرة القنوت ا ه‍. وكذا نبه الرحمتي على أنه لم يجده فيه. قوله:
(وتكبيرات العيدين) هي ست تكبيرات في كل ركعة ثلاثة. قوله: (وكذا أحدها) أفاد أن كل تكبيرة
واجب مستقل ط. قوله: (كلفظ التكبير في افتتاحه) أي افتتاح العيد دون بقية الصلوات كما في
المستصفى ونور الايضاح. قوله: (لكن الأشبه وجوبه) أي وجوب لفظ التكبير في كل صلاة حتى
يكره تحريما الشروع بغير الله أكبر، كذا في شرحه على الملتقى. قوله: (والجهر للامام) اللام بمعنى
على، مثل - * (وإن أسأتم فلها) * - واحترز به عن المنفرد فإنه يخير بين الجهر والاسرار،
وقوله: والاسرار للكل أي الامام والمنفرد، وقوله: فيما يجهر ويسر لف ونشر: يعني أن الجهر
يجب على الامام فيما يجهر فيه وهو صلاة الصبح والأوليان من المغرب والعشاء وصلاة العيدين
والجمعة والتراويح والوتر في رمضان، والاسرار يجب على الامام والمنفرد فيما يسر فيه وهو صلاة
الظهر والعصر والثالثة من المغرب والأخريان من العشاء وصلاة الكسوف والاستسقاء كما في البحر،
505

لكن وجوب الاسرار على الامام بالاتفاق، وأما على المنفرد فقال في البحر: إنه الأصح، وذكر في
الفصل الآتي أنه الظاهر من المذهب وفيه كلام ستعرفه هناك، قوله: (فلو أتم القراءة) في بعض
النسخ: فلو أتم الفاتحة، وهذا مثال لتأخير الفرض وهو الركوع هنا عن محله. قوله: (أو تذكر السورة
الخ) مثال لتأخير الواجب وهو السورة عن محله لفصله بين الفاتحة والسورة بأجنبي وهو الركوع
المرفوض لوقوعه في أثناء القراءة، لأنه لما قرأ السورة التحقت بالفرض، وبعد وجود القراءة يصير
الترتيب بينها وبين الركوع فرضا، بخلافه قبل وجودها فإنه يكون واجبا كما قدمنا تحقيقه في بحث
القيام، وسيأتي له زيادة تحقيق آخر في فصل القراءة والفرق بين القراءة وبين القنوت حيث لا يعدو
له، وقيد بتذكر السورة لأنه لو قرأها ثم عاد فقرأ سورة أخرى لا ينتقض ركوعه كما في سهو
الحلية عن الزاهدي وغيره. قوله: (أعاد الركوع) مختص بالمسألة الثانية، وقوله: وسجد للسهو
راجع للمسألتين، وفي التركيب حزازة، ولو قال: فضمها قائما وأعاد الركوع سجد للسهو، لسلم
من هذا ح. قوله: (وترك تكرير ركوع الخ) بالرفع عطفا على إتيان، لان في زيادة ركوع أو سجود
تغيير المشروع، لان الواجب في كل ركعة ركوع واحد وسجدتان فقط، فإذا زاد على ذلك فقد ترك
الواجب، ويلزم منه ترك واجب آخر وهو ما مر: أعني إتيان الفرض في محله، لان تكرير الركوع فيه
تأخير السجود عن محله وتثليث السجود فيه تأخير القيام أو القعدة، وكذا القعدة في آخر الركعة
الأولى أو الثالثة فيجب تركها، ويلزم من فعلها أيضا تأخير القيام إلى الثانية أو الرابعة عن محله،
وهذا إذا كانت القعدة طويلة، أما الجلسة الخفيفة التي استحبها الشافعي فتركها غير واجب عندنا،
بل هو الأفضل كما سيأتي، وهكذا كل زيادة بين فرضين يكون فيها ترك واجب بسبب تلك الزيادة،
ويلزم منها ترك واجب آخر وهو تأخير الفرض الثاني عن محله.
والحاصل أن ترك هذه المذكورات في كلام الشارح واجب لغيره، وهو إتيان كل واجب أو
فرض في محله الذي ذكره أولا، فإن ذلك الواجب لا يتحقق إلا بترك هذه المذكورات فكان تركها
واجبا لغيره، لأنه يلزم من الاخلال بهذا الواجب الاخلال بذاك الواجب، فهو نظير عدهم من
الفرائض الانتقال من ركن إلى ركن فإنه فرض لغيره كما قدمنا بيانه، فلا تكرار في كلامه، فافهم.
قوله: (وكل زيادة الخ) بحر كل عطفا على تكرير من عطف العام على الخاص، ويدخل في الزيادة
السكوت، حتى لو شك فتفكر سجد للسهو كما مر، وقوله: بين الفرضين غير قيد، فتدخل الزيادة
بين فرض وواجب كالزيادة بين التشهد الأول والقيام إلى الركعة الثالثة كما مر، والظاهر أنه منه قراءة
التشهد بعد السجدة الثانية بلا تأخير، حتى لو رفع من السجدة وقعد ساكتا يلزمه السهو، ومنه يعلم
ما يفعله كثير من الناس حين يمد المبلغ تكبير القعدة فلا يشرعون بقراءة التشهد إلا بعد سكوته
فليتنبه. قال ط: استفيد منه أنه لو أطال قيام الركوع أو الرفع بين السجدتين أكثر من
تسبيحة بقدر تسبيحة ساهيا يلزمه سجود السهو فليتنبه له ا ه‍. ولم يعزه إلى أحد، نعم ذكر نحو ابن عبد الرزاق
في شرحه على هذا الشرح فقال: كإطالة وقوفه بعد الرفع من الركوع ا ه‍. ولم يعزه أيضا، ولم أر
ذلك لغيرهما، ويحتاج إلى نقل صريح، نعم رأيت في سجود السهو من الحلية عن الذخيرة والتتمة
نقلا عن غريب الرواية أنه ذكر البلخي في نوادره عن أبي حنيفة: من شك في صلاته فأطال تفكره
في قيامه أو ركوعه أو قومته أو سجوده أو قعدته لا سهو عليه، وإن في جلوسه بين السجدتين فعليه
506

السهو، لان له أن يطيل اللبث في جميع ما وصفنا إلا فيما بين السجدتين وفي القعود في وسط
الصلاة ا ه‍. وقوله لا سهو عليه مخالف للمشهور في كتب المذهب، ولكن هذه رواية غريبة نادرة،
فليتأمل. ورأيت في البحر في باب الوتر عند قول الكنز: ويتبع المؤتم قانت الوتر لا الفجر أن طول
القيام في الرفع من الركوع ليس بمشروع. قوله: (وإنصات المقتدي) فلو قرأ خلف إمامه كره
تحريما، ولا تفسد في الأصح كما سيأتي قبيل باب الإمامة، ولا يلزمه سجود سهو لو قرأ سهوا لأنه
لا سهو على المقتدي، وهل يلزم المتعمد الإعادة؟ جزم ح وتبعه ط بوجوبها، وانظر ما قدمناه أول
الواجبات.
مطلب: مهم
في تحقيق متابعة الامام
قوله: (ومتابعة الامام) قال في شرح المنية: لا خلاف في لزوم المتابعة في الأركان الفعلية إذ
هي موضوع الاقتداء.
واختلف في المتابعة في الركن القولي وهو القراءة، فعندنا لا يتابع فيها بل يستمع وينصت
وفيما عدا القراءة من الأذكار يتابعه.
والحاصل أن متابعة الامام في الفرائض والواجبات من غير تأخير واجبة، فإن عارضها واجب
لا ينبغي أن يفوته بل يأتي به ثم يتابع، كما لو قام الامام قبل أن يتم المقتدي التشهد فإنه يتمه ثم
يقوم لان الاتيان به لا يفوت المتابعة بالكلية، وإنما يؤخرها، والمتابعة مع قطعه تفوته بالكلية،
فكان تأخير أحد الواجبين مع الاتيان بهما أولى من ترك أحدهما بالكلية،، بخلاف ما إذا عارضها سنة،
كما لو رفع الامام قبل تسبيح المقتدي ثلاثا فالأصح أنه يتابعه، لان ترك السنة أولى من تأخير
الواجب اه‍ ملخصا. ثم ذكر ما حاصله أنه تحت متابعته للامام في الواجبات فعلا، وكذا تركا إن لزم
من فعله مخالفته الامام في الفعل كتركه القنوت أو تكبيرات العيد أو القعدة الأولى أو سجود السهو أو
التلاوة فيتركه المؤتم أيضا، وأنه ليس له أن يتابعه في البدعة والمنسوخ وما لا تعلق له بالصلاة، فلا
يتابعه لو زاد سجدة أو زاد على أقوال الصحابة في تكبيرات العيدين أو على أربع في تكبير الجنازة
أو قام إلى الخامسة ساهيا، وأنه لا تجب المتابعة في السنن فعلا وكذا تركا، فلا يتابعه في ترك رفع
اليدين في التحريمة والثناء وتكبير الركوع والسجود والتسبيح فيهما والتسميع، وكذا لا يتابعه في
ترك الواجب القولي الذي لا يلزم من فعله المخالفة في واجب فعلي كالتشهد والسلام وتكبير
التشريق، بخلاف القنوت وتكبيرات العيدين، إذ يلزم من فعلهما المخالفة في الفعل وهو القيام مع
ركوع الامام ا ه‍.
فعلم من هذا أن المتابعة ليست فرضا، بل تكون واجبة في الفرائض والواجبات الفعلية،
وتكون سنة في السنن وكذا في غيرها عند معارضة سنة، وتكون خلاف الأولى إذا عارضها واجب
آخر، أو كانت في ترك لا يلزم من فعله مخالفة الامام في واجب فعلي كرفع اليدين للتحريمة
ونظائره، وتكون غير جائزة إذا كانت في فعل بدعة أو منسوخ أو ما لا تعلق له بالصلاة أو في ترك ما
يلزم من فعله مخالفة الامام في واجب فعلي.
ويشكل على هذا ما في شرح القهستاني على المقدمة الكيدانية من قوله: إن المتابعة فرض،
كما في الكافي وغيره، وإنها شرط في الافعال دون الأذكار كما في المنية ا ه‍. وكذا ما في الفتح
507

والبحر وغيرهما من باب سجود السهو من أن المؤتم لو قام ساهيا في القعدة الأولى يعود ويقعد،
لان القعود فرض عليه بحكم المتابعة، حتى قال في البحر: ظاهره أنه لو لم يعد تبطل صلاته لترك
الفرض، وقال في النهر: والذي ينبغي أن يقال: إنها واجبة في الواجب فرض في الفرض ا ه‍.
أقول: الذي يظهر أنهم أرادوا بالفرض الواجب، وكون المتابعة فرضا في الفرض لا يصح على
إطلاقه، لما صرحوا به من أن المسبوق لو قام قبل قعود إمامه قدر التشهد في آخر الصلاة تصح
صلاته إن قرأ ما تجوز به الصلاة بعد قعود الامام قدر التشهد، وإلا لا، مع أنه لم يتابع في القعدة
الأخيرة، فلو كانت المتابعة فرضا في الفرض مطلقا لبطلت صلاته مطلقا: نعم تكون المتابعة فرضا،
بمعنى أن يأتي بالفرض مع إمامه أو بعده، كما لو ركع إمامه فركع معه مقارنا أو معاقبا وشاركه فيه
أو بعد ما رفع منه، فلو لم يركع أصلا أو ركع ورفع قبل أن يركع إمامه ولم يعده معه أو بعده بطلت
صلاته.
والحاصل أن المتابعة في ذاتها ثلاثة أنواع: مقارنة لفعل الامام مثل أن يقارن إحرامه لاحرام
إمامه وركوعه لركوعه وسلامه لسلامه، ويدخل فيها ما لو ركع قبل إمامه ودام حتى أدركه إمامه فيه.
ومعاقبة لابتداء فعل إمامه مع المشاركة في باقيه. ومتراخية عنه، فمطلق المتابعة الشامل لهذه الأنواع
الثلاثة يكون فرضا في الفرض، وواجبا في الواجب، وسنة في السنة عند عدم المعارض أو عدم
لزوم المخالفة كما قدمناه. ولا يشكل مسألة المسبوق المذكورة، لان القعدة وإن كانت فرضا لكنه
يأتي بها في آخر صلاته التي يقضيها بعد سلام إمامه، فقد وجدت المتابعة المتراخية فلذا صحت
صلاته، والمتابعة المقيدة بعدم التأخير والتراخي الشاملة للمقارنة والمعاقبة لا تكون فرضا بل تكون
واجبة في الواجب وسنة في السنة عند عدم المعارضة وعدم لزوم المخالفة أيضا، والمتابعة المقارنة
بلا تعقيب ولا تراخ سنة عنده لا عندهما، وهذا معنى ما في المقدمة الكيدانية حيث ذكر المتابعة من
واجبات الصلاة ثم ذكرها في السنن، ومراده بالثانية المقارنة كما ذكره القهستاني في شرحها.
إذا علمت ذلك ظهر لك أن من قال: إن المتابعة فرض أو شرط كما في الكافي وغيره أراد به
مطلقها بالمعنى الذي ذكرناه ومن قال: إنها واجبة كما في شرح المنية وغيره أراد به المقيدة بعدم
التأخير، ومن قال: إنها سنة أراد به المقارنة، الحمد لله على توفيقه، وأسأله هداية طريقه.
مطلب: المراد بالمجتهد فيه
قوله: (يعني في المجتهد) المراد بالمجتهد فيه ما كان مبنيا على دليل معتبر شرعا بحيث
يسوغ للمجتهد بسببه مخالفة غيره، حتى لو كان مما يدخل تحت الحكم وحكم به حاكم يراه نفذ
حكمه، وإذا رفع حكمه إلى حاكم آخر يراه وجب عليه إمضاؤه، بخلاف ما إذا كان قولا مخالفا
للكتاب كحل متروك التسمية عمدا أو السنة المشهورة كالاكتفاء بشاهد ويمين ونحو ذلك مما سيجئ
في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى فإنه لا يسمى مجتهدا فيه، حتى إذا رفع حكمه إلى من يراه لا
ينقضه ولا يمضيه، وأفاد وجوب المتابعة في المتفق عليه بالأولى، وعدم جوازها فيما كان بدعة أو
لا تعلق له بالصلاة، كما لو زاد سجدة أو قام إلى الخامسة ساهيا كما مر عن شرح المنية. ومثال ما
تجب فيه المتابعة مما يسوغ فيه الاجتهاد ما ذكره القهستاني في شرح الكيدانية عن الجلابي بقوله:
508

كتكبيرات العيد وسجدتي السهو قبل السلام والقنوت بعد الركوع في الوتر ا ه‍. والمراد بتكبيرات
العيد ما زاد على الثلاث في كل ركعة مما لم يخرج عن أقوال الصحابة، كما لو اقتدى بمن يراها خمسا
مثلا كشافعي، ومثل لما لا يسوغ الاجتهاد فيه في شرح الكيدانية عن الجلابي أيضا بقوله: كالقنوت
في الفجر والتكبير الخامس في الجنازة ورفع اليدين في تكبير الركوع وتكبيرات الجنازة، قال:
فالمتابعة فيها غير جائزة ا ه‍. لكن رفع اليدين في تكبيرات الجنازة قال به كثير من علمائنا كأئمة
بلخ، فكونه مما لا يسوغ الاجتهاد فيه محل نظر، ولهذا قال الخير الرملي في حاشية البحر في باب
الجنازة: إنه يستفاد من هذا: أي مما قاله أئمة بلخ، أن الأولى متابعة الحنفي للشافعي بالرفع إذا
اقتدى به، ولم أره ا ه‍: أي فإن اختلاف أئمتنا فيه دليل على أنه مجتهد فيه، فتأمل، وقال: الأولى
ولم يقل يجب لان المتابعة، إنما تجب في الواجب أو الفرض وهذا الرفع غير واجب عند الشافعي.
قوله: (لا في المقطوع بنسخه) كما لو كبر في الجنازة خمسا، فإن الآثار اختلفت في فعله (ص)،
فروى الخمس والسبع والتسع وأكثر من ذلك، إلا أن آخر فعله كان أربعا، فكان ناسخا لما قبله كما
في الامداد. قوله: (كقنوت فجر) فإنه إما مقطوع بنسخه على تقدير أنه كان سنة أو بعدم سنيته على
تقدير أنه كان دعاء على قوم شهرا كما في الفتح من النوافل، فهو مثال للمقطوع بنسخه أو بعدم
سنيته على سبيل البدل ح. قوله: (وإنما تفسد) أي الصلاة بمخالفته في الفروض، المراد بالمخالفة
هنا عدم المتابعة أصلا بأنواعها الثلاثة المارة، والفساد في الحقيقة إنما هو بترك الفرض لا بترك
المتابعة، لكن أسند إليها لأنه يلزم منها تركه، وخص الفرض لأنه لا فساد بترك الواجب أو السنة.
قوله: (في الخزائن) ونصه: وجوب المتابعة ليس على إطلاقه، بل هي تارة تفرض وتارة تجب وتارة
لا تجب، ففي وتر الفتح: إنما تجب المتابعة في الفعل المجتهد فيه لا في المقطوع بنسخه أو بعدم
كونه سنة من الأصل كقنوت الفجر، وفي العناية: إنما يتبعه في المشروع دون غيره. وفي البحر:
المخالفة فيما هو من الأركان أو الشرائط مفسدة لا في غيرها ا ه‍.
مطلب: سنن الصلاة
قوله: (قلت فبلغت أصولها الخ) تفريع على ما زاد من الواجبات على ما في المتن، وذلك
أن في الفاتحة ست آيات، وقد عدها في المتن واجبا واحدا، وكذا تكبيرات العيد ست وعدها واحدا
فيزاد عليه عشرة، وتعديل الأركان عده واحدا وهو واجب في الركوع والسجود والرفع من كل منهما
فيزاد ثلاثة فهي ثلاثة عشر، والرابع عشر ترك تكرير الفاتحة قبل سورة الأوليين، والخامس عشر
والسادس عشر رعاية الترتيب بين القراءة والركوع وفيما تكرر في كل الصلاة، والسابع عشر ترك
الزيادة على التشهد، والثامن عشر والتاسع عشر تكبيرة القنوت وتكبيرة ركوعه، والعشرون والحادي
والعشرون تكبيرة ركوع ثانية العيد ولفظا التكبير في الافتتاح، ثم ذكر سبعة تحت قوله: وبقي من
الواجبات الخ، فهذه ثمانية وعشرون كلها صريحة في كلامه زيادة على ما في المتن من الأربعة
عشر، فتبلغ اثنين وأربعين واجبا بدون ضرب وبسط فلذا سماها أصولا. قوله: (وبالبسط أثر من
مائة ألف) أقول: أكثرها صور عقلية لا خارجية كما ستعرفه قوله: (إذ أحدها) المراد به التشهد،
وهو واحد من جهة النوع: أي إنه واحد من نوع الواجبات النيف وأربعين، وإلا فهو في الحقيقة
509

متعدد، لان هذا الواحد هو المضروب فيه وهو ثمانية وسبعون تشهدا. قوله: (من ضرب خمسة) أي
خمس واجبات هي قعدة المغرب الأولى مع تشهدها وترك نقص من كلماته وترك زيادة فيه: أي في
أثناء كلماته، لأنه ذكر منظوم لا يجوز أن يزاد فيه أجنبي عنه وترك زيادة عليه: أي بعد تمامه، وهذا
لا يكون واجبا إلا في القعدة الأولى من غير النوافل. قوله: (في ثمانية وسبعين) متعلق بضرب،
وقوله: كما مر أي في كلامه حيث ذكر أن التشهد قد يتكرر عشرا ثم زاد أربعا ثم ستين ثم أربعا
فبلغت ثمانية وسبعين تشهدا كما أوضحناه فيما مر، وإذا ضربتها في الخمسة الواجبات التي ذكرها
هنا بلغت ثلاثمائة وتسعين.
وبيان ذلك أن التشهد في نفسه واجب ويجب له القعدة وأن يترك نقصا منه وزيادة فيه أو عليه،
فهذه خمس واجبات تجب في كل صورة من الصور الثمانية والسبعين المارة فتبلغ ما ذكر، وأراد
بالواجب ما يشمل الفرض لأن هذه
الصور ليست كل قعداتها واجبة، بل الواجب منها ما كان قعدة
أولى أو بعد سجود سهو، أما ما كان قعدة أخيرة أو بعد سجدة صلبية أو تلاوية فإنها فرض والفرض
قد يطلق عليه لفظ الواجب، فهذا الواجب واحد من نوع الواجبات النيف وأربعين المارة وهو التشهد
استلزم ثلاثمائة وتسعين واجبا فيصلح لغزا. ثم هذه الواجبات تشتمل على أكثر من مائة سجدة ما
بين سهوية وصلبية وتلاوية، كل سجدة منها يجب فيها ثلاث واجبات: الطمأنينة، ووضع اليدين،
ووضع الركبتين على ما اختاره الكمال ورجحه في البحر وغيره، وإذا ضربت ثلاثة في مائة تبلغ
ثلاثمائة، وكذا يجب بين كل سجدتي سهو الرفع والطمأنينة فيه فتبلغ أكثر من ثلاثمائة، وإذا ضم
ذلك إلى ما مر تبلغ أكثر من سبعمائة، وإذا ضربتها في بقية النيف وأربعين المارة تبلغ أكثر من
ثمانمائة وعشرين ألفا وسبعمائة، وكل واحد منها يستلزم تركه سجدتي سهو وتشهدا وقعدة، وكل
سجدة يجب فيها الطمأنينة والرفع بينهما والطمأنينة فيه، والتشهد للسهو يجب فيه ترك نقص منه
وزيادة فيه، أما الزيادة عليه فتجوز. فهذه عشر واجبات، فإذا ضربتها في ثمانية وعشرين ألفا
وسبعمائة بلغت مائتي ألف وسبعة وثمانين ألفا، وإذا نظرت إلى أن متابعة المقتدي لامامه واجبة في
الفرائض النيف وعشرين وفي الواجبات النيف وأربعين وجملة ذلك نيف وستون، فإذا ضربتها فيما مر
بلغت أكثر من سبعة عشر ألف ألف ومائتي ألف ألف وعشرين ألفا، وبقي واجبات أخر لم يذكرها
كالسجود على الانف، وعدم القراءة في الركوع، وعدم القيام قبل التشهد أو قبل السلام، وغير ذلك
مما تبلغ جملته بالضرب عددا كثيرا أكثرها صور عقلية كما يظهر ذلك لمن أراد ضياع وقته، ولولا
ضرورة بيان كلام الشارح لكان الاعراض عن ذلك أولى. قوله: (وسننها) تقدم الكلام في الوضوء
على السنة وتعريفها وتقسيمها إلى سنة هدى وسنة زوائد، والفرق بين الثانية وبين المستحب
والمندوب، وما في ذلك من الأسئلة وغير ذلك، فراجعه، قوله: (لا يوجب فسادا ولا سهوا) أي
بخلاف ترك الفرض فإنه يوجب الفساد، وترك الواجب فإنه يوجب سجود السهو، قوله: (لو عامدا
غير مستخف) فلو غير عامد فلا إساءة أيضا، بل تندب إعادة الصلاة كما قدمناه في أول بحث
الواجبات، ولو مستخفا كفر، لما في النهر عن البزازية: لو لم ير السنة حقا كفر لأنه استخفاف ا ه‍.
510

ووجهه أن السنة أحد الأحكام الشرعية المتفق على مشروعيتها عند علماء الدين، فإذا أنكر
ذلك ولم يرها شيئا ثابتا ومعتبرا في الدين يكون قد استخف بها واستهانها وذلك كفر. تأمل
مطلب: في قولهم الإساءة دون الكراهة
قوله: (وقالوا الخ) نص على ذلك في التحقيق وفي التقرير الأكملي من كتب الأصول. لكن
صرح ابن نجيم في شرح المنار بأن الإساءة أفحش من الكراهة، وهو المناسب هنا لقول التحرير:
وتاركها يستوجب إساءة: أي التضليل واللوم. وفي التلويح: ترك السنة المؤكدة قريب من الحرام،
وقد يوفق بأن مرادهم بالكراهة التحريمية والمراد بها في شرح المنار التنزيهية، فهي دون المكروه
تحريما وفوق المكروه تنزيها، ويدل على ذلك ما في النهر عن الكشف الكبير معزيا إلى أصول أبي
اليسر: حكم السنة أن يندب إلى تحصيلها ويلام على تركها مع لحوق إثم يسير ا ه‍ وعن هذا
في البحر: إن الظاهر من كلامهم أن الاثم منوط بترك الواجب أو السنة المؤكدة لتصريحهم بإثم من
ترك سنن الصلوات الخمس على الصحيح، وتصريحهم بإثم من ترك الجماعة مع أنها سنة على
الصحيح. ولا شك أن الاثم بعضه أشد من بعض، فالاثم لتارك السنة المؤكدة أخف منه لتارك
الواجب اه‍ ملخصا. وظاهره حصول الاثم بالترك مرة، ويخالفه ما في شرح التحرير أن المراد الترك
بلا عذر على سبيل الاصرار، وكذا ما يأتي قريبا عن الخلاصة، وكذا ما مر في سنن الوضوء من أنه
لو اكتفى بالغسل مرة، إن اعتاده أثم وإلا لا، وكذا ما في شرح الكيدانية عن الكشف، وقال محمد
في المصرين على ترك السنة بالقتال، وأبو يوسف بالتأديب ا ه‍. فيتعين حمل الترك فيما مر عن البحر
على الترك على سبيل الاصرار توفيقا بين كلامهم. قوله: (على ما ذكره) وإلا فهي أكثر كما سيأتي،
وقد عد منها الشرنبلالي في مقدمته نور الايضاح إحدى وخمسين. قوله: (ثلاثة وعشرون) أنث لفظ
العدد لحذف المعدود ح. قوله: (للتحريمة) أي قبلها، وقيل معها كما سيذكره الشارح في الفصل
الآتي. قوله: (في الخلاصة الخ) حكي في الخلاصة أولا خلافا: وقيل يأثم، وقيل لا، ثم قال:
والمختار إن اعتاده أثم لا إن كان أحيانا اه‍. وجزم به في الفيض وكذا في المنية. قال شارحها:
يأثم لا لنفس الترك، بل لأنه استخفاف وعدم مبالاة بسنة واظب عليها النبي (ص) مدة عمره، وهذا
مطرد فجميع السنن المؤكدة ا ه‍. والتعليل المذكور مأخوذ من الفتح، ورده في البحر بقوله بعد ما
قدمناه عنه.
فالحاصل أن القائل بالاثم في ترك الرفع بناء على أنه من سنن الهدى فهو سنة مؤكدة، والقائل
بعدمه بناه على أنه من سنن الزوائد بمنزلة المستحب الخ.
قلت: لكن كونه سنة مؤكدة لا يستلزم الاثم بتركه مرة واحدة بلا عذر، فيتعين تقييد الترك
بالاعتياد والإصرار توفيقا بين كلامهم كما قدمناه، فإن الظاهر أن الحامل على الاصرار على الترك
هو الاستخفاف بمعنى التهاون وعدم المبالاة، لا بمعنى الاستهانة والاحتقار، وإلا كان كفرا كما مر
خلافا لما فهمه في النهر، فتدبر. قوله: (أي تركها بحالها) قال في الحلية: ظن بعضهم أنه أراد
بالنشر تفريج الأصابع هو غلط، بل أراد به النشر عن الطي: يعني برفعهما منصوبتين لا مضمومتين
حتى تكون الأصابع مع الكف مستقبلة للقبلة. ثم لا يخفى أنه لا تتوقف السنة على ضم الأصابع
511

أو لا، بل لو كانت منشورة غير متفرجة كل التفريج ولا مضمومة كل الضم ثم رفعها كذلك مستقبلا
بهما القبلة فقد أتى بالسنة ا ه‍. قوله: (وأن لا يطأطئ رأسه) أي لا يخفضه، والمسألة في البحر عن
المبسوط، قوله: (بقدر حاجته للاعلام الخ) وإن زاد ذكره ط.
قلت: هذا إذا لم يفحش كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في آخر باب الإمامة عند قوله:
وقائم بقاعد وأشار بقوله: والانتقال إلى أن المراد بالتكبير هنا ما يشمل تكبير الاحرام وغيره،
وبه صرح في الضياء.
مطلب: في التبليغ خلف الامام
ثم اعلم أن الامام إذا كبر للافتتاح فلا بد لصحة صلاته من قصده بالتكبير الاحرام، وإلا فلا
صلاة له إذا قصد الاعلام فقط، فإن جمع بين الامرين بأن قصد الاحرام والاعلان للاعلام فذلك هو
المطلوب منه شرعا، وكذلك المبلغ إذا قصد التبليغ فقط خاليا عن قصد الاحرام فلا صلاة له، ولا
لمن يصلي بتبليغه في هذه الحالة لأنه اقتدى بمن لم يدخل في الصلاة، فإن قصد بتكبيره الاحرام
مع التبليغ للمصلين فذلك هو المقصود منه شرعا، كذا في فتاوى الشيخ محمد بن محمد الغزي (1)
الملقب بشيخ الشيوخ، ووجهه أن تكبيرة الافتتاح شرط أو ركن، فلا بد في تحقيقها من قصد
الاحرام: أي الدخول في الصلاة. وأما التسميع من الامام والتحميد من المبلغ وتكبيرات الانتقالات
منهما إذا قصد بما ذكر الاعلام فقط فلا فساد للصلاة، كذا في (القول البليغ في حكم التبليغ)
للسيد أحمد الحموي، وأقره السيد محمد أبو السعود في حواشي مسكين. والفرق أن قصد الاعلام غير
مفسد كما لو سبح ليعلم غيره أنه في الصلاة ولما كان المطلوب هو التكبير على قصد الذكر
والاعلام، فإذا محض قصد الاعلام فكأنه لم يذكر، وعدم الذكر في غير التحريمة غير مفسد. وقد
أشبعنا الكلام على هذه المسألة في رسالتنا المسماة (تنبيه ذوي الأفهام على حكم التبليغ خلف
الامام) هذا، وسيأتي في أول الفصل أنه لو نوى بتكبيرة الاحرام تكبيرة الركوع لغت نيته وصح
شروعه لان المحل له، ومقتضاه أنه لو نوى بها الاعلام صح أيضا، على أن الصحيح أنها شرط لا
ركن، والشرط يلزم حصوله لا تحصيله، لكن سيأتي جوابه، ثم هذا كله إذا قصد الاعلام بنفس
التكبيرة، أما إذا قصد بها التحريمة وقصد بالجهر بها الاعلام، بأن كان لولا الاعلام لم يجهر، وأنه
يأتي بها ولو لم يجهر فهو المطلوب كما مر، والزائد على قدر الحاجة كما هو مكروه للامام يكره
للمبلغ. وفي حاشية أبي السعود: واعلم أن التبليغ عند عدم الحاجة إليه بأن بلغهم صوت الامام
مكروه. وفي السيرة الحلبية: اتفق الأئمة الأربعة على أن التبليغ حينئذ بدعة منكرة: أي مكروهة،
وأما عند الاحتياج إليه فمستحب، وما نقل عن الطحاوي: إذا بلغ القوم صوت الامام فبلغ المؤذن
فسدت صلاته لعدم الاحتياج إليه فلا وجه له، إذ غايته أنه رفع صوته بما هو ذكر بصيغته. وقال
الحموي: وأظن أن هذا النقل مكذوب على الطحاوي فإنه مخالف للقواعد أه‍. قوله: (والتسمية)

(1) قوله: (الغزي) أقول: ليس هذا صاحب المتن، فإنه محمد بن عبد الله الغزي التمرتاشي ا ه‍. منه.
512

وقيل إنها واجبة، وسيأتي تمام الكلام عليه وعلى بقية السنن المذكورة في الفصل الآتي: قوله:
(والتأمين) أي عقب قراءة الفاتحة، قال في المنية: وإذا قال الامام ولا الضالين قال آمين اه‍. ولا
يخفى أن هذا هو المفهوم لكل أحد، فما قيل لو ترك الفاتحة وقرأ نحو * ربنا لا تؤاخذنا) * (البقرة:
682) الآية هل يسن التعوذ والتسمية والتأمين ا ه‍؟ ففيه نظر بالنسب إلى توقفه
في التأمين، فإن الوارد في التأمين عقب القراءة خاص بقراءة الفاتحة، وأما التعوذ والتسمية فغير خاصين بها، والظاهر أنه يأتي
بهما تأمل. قوله: (وكونهن سرا) جعل سرا خبر لكون المحذوف، ليفيد أن الاسرار بها سنة أخرى،
فعلى هذا سنية الاتيان بها تحصل ولو مع الجهر بها ط عن أبي السعود. قوله: (وكونه الخ) قدر
الكون لما ذكرنا قبله. قوله: (للرجال) سيأتي في الفصل بيان محترزه وكيفيته. قوله: (ولخوف الخ)
بيان لحكمة عدم الارسال. قوله: (وكذا الرفع منه) أشار إلى أن الرفع مرفوع بالعطف على تكبير،
قال في البحر: ولا يجوز جره لأنه لا يكبر فيه وإنما يأتي بالتسميع ا ه‍. لكن سنذكر في الفصل الآتي
القول بأنه سنة أيضا لحديث أنه عليه الصلاة والسلام كان يكبر عند كل رفع وخفض وعلى تأويل
الحديث بأن المراد بالتكبير ذكر فيه تعظيم يقال مثله هنا، فيجوز الجر لئلا يفوت المصنف ذكر
التسميع في السنن، لكن يفوته ذكر نفس الرفع، فالتأويل في عبارة الكنز أظهر كما أوضحناه في
حواشينا على البحر. هذا، وتقدم أن مختار الكمال وغيره رواية وجوب الرفع من الركوع والسجود
والطمأنينة فيهما، وأنه الموافق للأدلة وإن كان المشهور في المذهب رواية السنية. قوله: (والتسبيح
فيه) الأولى ذكره بعد قوله: وتكبير الركوع كما لا يخفى، ونظيره ما يأتي في السجود ح. قوله:
(ثلاثا) فلو تركه أو نقصه كره تنزيها كما سيأتي قوله (وإلصاق كعبيه) أي حيث لا عذر. أي سنة
للرجل فقط، وهذا قيد للاخذ والتفريج، لأن المرأة تضع يديها على ركبتيها وضعا ولا تفرج أصابعها
كما في المعراج فافهم، وسيأتي في الفصل أنها تخالف الرجل في خمسة وعشرين. قوله: (وكذا نفس
الرفع منه) زاد لفظة نفس لئلا يتوهم أنه على تقدير مضاف: أي تكبير الرفع، فيتكرر مع قوله
وكذا تكبيره أو للإشارة إلى أن أصل الرفع سنة كما في الزيلعي، حتى أنه لو سجد على شئ ثم
نزع من تحت جبهته وسجد ثانيا على الأرض جاز وإن لم يرفع، لكنه خلاف ما صححه في الهداية
بقوله: والأصح أنه إذا كان إلى السجود أقرب لا يجوز لأنه يعد ساجدا. وإذا كان إلى الجلوس أقرب
جاز لأنه يعد جالسا ا ه‍. وإذا كان الرفع المذكور فرضا، فالمسنون منه أن يكون بحيث يستوي
جالسا، فلذا قيده الشارح بذلك، لكنه، لكنه يتكرر مع قوله الآتي والجلسة فالأصوب إسقاط قوله:
بحيث يستوي جالسا ويكون مراد المصنف بالرفع أصله بدون استواء جريا على القول بسنيته،
وبالجلسة الآتية الاستواء فلا تكرار، وقد مر تصحيح وجوبها، وسيأتي تمام الكلام عليه في الفصل
الآتي. قوله: (ووضع يديه وركبتيه) هو ما صرح به كثير من المشايخ، واختار الفقيه أبو الليث
513

الافتراض، ومشى عليه الشرنبلالي، والفتوى على عدمه كما في التجنيس والخلاصة، واختار في
الفتح الوجوب، لأنه مقتضى الحديث مع المواظبة. قال في البحر: وهو إن شاء الله تعالى أعدل
الأقوال لموافقته الأصول ا ه‍. وقال في الحلية: وهو حسن ماش على القواعد المذهبية، ثم ذكر ما
يؤيده. قوله: (فلا تلزم) لان وضعهما ليس بفرض، فإذا وضعهما على نجس كان كعدم الوضع
أصلا، فلا يضر، وهذا هو المشهور، لكن قدمنا في شروط الصلاة عن المنية أن عدم اشتراط طهارة
مكانهما رواية شاذة، وأن الصحيح أنه يفسد الصلاة كما في متن المواهب ونور الايضاح والمنية،
وفي النهر: وهو المناسب لاطلاق عامة المتون، وأيده بكلام الخانية. وفي شرح المنية: وهو
الصحيح، لان اتصال العضو بالنجاسة بمنزلة حملها وإن كان وضع ذلك العضو ليس بفرض ا ه‍.
قوله: (إلا إذا سجد على كفه) أي على ما هو متصل به ككفه وفاضل ثوبه، لا لاشتراط طهارة ما
تحت الكف أو الثوب، بل لاشتراط طهارة محل السجود، وما اتصل به لا يصلح فاصلا فكأنه سجد
على النجاسة. قوله: (وافترش (1) رجله اليسرى) أي مع نصب اليمنى سواء كان في القعدة الأولى أو
الأخرى، لأنه عليه الصلاة والسلام فعله كذلك، وما ورد من توركه عليه الصلاة والسلام محمول
على حال كبره وضعفه، وكذا يفترش بين السجدتين كما في فتاوى الشيخ قاسم عن أبي السعود
ومثله في شرح الشيخ إسماعيل البرجندي. قوله: (في تشهد الرجل) أي هو سنة فيه، بخلاف المرأة
فإنها تتورك كما سيأتي. قوله: (ووضع يديه فيها) أي في الجلسة. قوله: (فافهم) لعله يشير به إلى
أنه يؤخذ من كلامهم أيضا، لأن هذه
الجلسة مثل جلسة التشهد، ولو كان فيها مخالفة لها لبينوا ذلك
كما بينوا أن الجلسة الأخيرة تخالف الأولى في التورك، فلما أطلقوها علم أنها مثلها، ولهذا قال
القهستاني هنا: ويجلس: أي الجلوس المعهود. قوله: (ونسبوه) أي نسبه قوم من الأعيان منهم
الطحاوي وأبو بكر الرازي وابن المنذر والخطابي والبغوي وابن جرير الطبري، لكن نقل عن بعض
الصحابة والتابعين ما يوافق الشافعي. بحر. قوله: (والدعاء الخ) أي قبل السلام وسيأتي في آخر
الفصل الآتي الكلام عليه وعلى ما يفعله بعد السلام من قراءة وتسبيح وغيرهما. قوله: (لغيره) أي
لمؤتم ومنفرد، لكن سيأتي أن المعتمد أن المنفرد يجمع بين التسميع والتحميد، وكذا الامام عندهما
وهو رواية عن الامام جزم بها الشرنبلالي في مقدمته. قوله: (وتحويل الوجه يمنة ويسرة للسلام)
ويسن البداءة باليمين، ونية الامام الرجال والحفظة وصالحي الجن إلى آخر ما سيأتي في الفصل،
وخفض الثانية عن الأولى، ومقارنته لسلام الامام، وانتظار المسبوق سلام الامام، كذا في نور

(1) قوله: (وافترش) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح وافتراش بصيغة المصدر وهو الأنسب بسابقة ولاحقه ا ه‍. مصححه.
514

الايضاح وقدمنا أنه أوصل السنن إلى إحدى وخمسين، لكن عد بعضها في الضياء من المستحبات.
آداب الصلاة
قوله: (ولها آداب) جمع أدب، وهو في الصلاة ما فعله رسول الله (ص) مرة أو مرتين ولم
يواظب عليه كالزيادة على الثلاث في تسبيحات الركوع والسجود، كذا في غاية البيان والعناية
وغيرهما. وعرفه في أول الحلية بتعاريف متعددة، وقال: والظاهر مساواته للمندوب. قوله: (تركه)
أي ترك الأدب الذي تضمنه لفظ جمعه. قوله: (كترك سنة الزوائد) وهي السنن الغير المؤكدة، كسيره
عليه الصلاة والسلام في لباسه وقيامه وقعوده وتنعله، ويقابلها سنن الهدى التي هي من أعلام الدين
كالاذان والجماعة، ويقابل النوعين النفل، ومنه المندوب والمستحب والأدب، وقدمنا تحقيق ذلك
في سنن الوضوء. قوله: (وإلى أرنبة أنفه) أي طرفه. قاموس. قوله: (وإلى حجره) بكسر الحاء
والجيم والراء المهملة: ما بين يديك من ثوبك. قاموس. وقال أيضا: الحجر مثلثة: المنع، وحضن
الانسان، والمناسب هنا الأول لأنه فسر الحضن بما دون الإبط إلى الكشح أو الصدر والعضدان،
وفسر الكشح بما بين الخاصرة إلى الضلع الجنب (1) واستظهر في العزمية ضبطه بضم ففتح فزاي
معجمة: جمع حجزة، وهي معقد الإزار، ولا يخفى بعده، فقوله: (لتحصيل الخضوع) علة الجميع،
لان المقصود الخشوع وترك التكلف، فإذا تركه صار ناظرا إلى هذه المواضع قصد أو لا، وفي ذلك
حفظ له عن النظر إلى ما يشغله، وفي إطلاقه شمول المشاهد للكعبة لأنه لا يأمن ما يلهيه، وإذا كان
في الظلام أو كان بصيرا يحافظ على عظمة الله تعالى، لان المدار عليها، وتمامه في الامداد، وإذا
كان المقصود الخشوع، فإذا كان في هذه المواضع ما ينافيه يعدل إلى ما يحصله فيها.
تنبيه: المنقول في ظاهر الرواية أن يكون منتهى بصره في صلاته إلى سجوده كما في
المضمرات، وعليه اقتصر في الكنز وغيره، وهذا التفصيل من تصرفات المشايخ كالطحاوي
والكرخي وغيرهما، كما يعلم من المطولات. قوله: (وإمساك فمه عند التثاؤب) بالهمز، وأما الواو
فغلط، كما في المغرب وغيره، وسيأتي في باب ما يفسد الصلاة أو يكره: أنه يكره ولو خارجها،
لأنه من الشيطان والأنبياء محفوظون منه: قوله: (ولو بأخذ شفتيه بسنه) في بعض النسخ شفته
بصيغة المفرد وهي أحس، لان المتيسر لدفع التثاؤب هو أخذ الشفة السفلى وحدها، ثم رأيت
التقييد بها في الضياء. قوله: (بظهر يده اليسرى) كذا في الضياء المعنوي، ومثله في الحلية في باب
السنن، والشارح عزا المسألة إلى المجتبى، مع أن المنقول في البحر والنهر والمنح عن المجتبى أنه
يغطي فاه بيمينه، وقيل بيمينه في القيام وفي غيره بيساره ا ه‍، وهكذا في شرح الشيخ إسماعيل
وعبارة الشارح في الخزائن: أي بظهر يده اليمنى الخ، فالمناسب إبدال اليسرى باليمنى. قوله:
(وقيل الخ) كأنه لان التغطية ينبغي أن تكون باليسرى كالامتخاط، فإذا كان قاعدا يسهل ذلك عليه

(1) قوله: (الضلع الجنب) هكذا بخطه، والذي رأيته في عدة نسخ من القاموس: الضلع الخلف، فليحرر ا ه‍. مصححه.
515

ولم يلزم منه حركة اليدين، بخلاف ما إذا كان قائما فإنه يلزم من التغطية باليسرى حركة اليمين أيضا
لأنها تحتها ا ه‍ ح. قوله: (لان التغطية الخ) علة لكونه لا يغطي بيده أو كمه إلا عند عدم إمكان كظم
فيه، ولذا قال في الخلاصة: أما إذا أمكنه يأخذ شفتيه بسنه فلم يفعل وغطى بيده أو ثوبه يكره،
هكذا روي عن أبي حنيفة ا ه‍.
فائدة: رأيت في شرح تحفة الملوك المسمى بهدية الصعلوك ما نصه: قال الزاهدي: الطريق في
دفع التثاؤب: أن يخطر بباله أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما تثائبوا قط. قال القدوري: جربناه
مرارا فوجدناه كذلك ا ه‍. قلت: وقد جربته أيضا فوجدته كذلك. قوله: (عند التكبير) أي تكبير
الاحرام. قوله: (ودفع السعال ما استطاع) فيه أنه لا يخلو إما أن يكون المراد بالسعال المضطر إليه
فلا يمكن دفعه أو غيره، فدفعه واجب لأنه مفسد.
وقد يقال: المراد به ما تدعو إليه الطبيعة مما يظن إمكان دفعه، فهذا يستحب أن يدفعه ما أمكن
إلى أن يخرج منه بلا صنعه أو يندفع عنه، فليتأمل، ثم رأيته في الحلية أجاب بحمله على غير
المضطر إليه إذا كان عذر يدعو إليه في الجملة ولا سيما إذا كان ذا حروف، لما فيه من الخروج
عن الخلاف ا ه‍، والمراد بالعذر تحسين الصوت أو إعلام أنه في الصلاة، فسيأتي في مفسدات
الصلاة أن التنحنح لأجل ذلك لا يفسد في الصحيح، وعلى هذا فالمراد بالسعال التنحنح. تأمل.
قوله: (حين قيل حي على الفلاح) كذا في الكنز ونور الايضاح والاصلاح والظهيرية والبدائع
وغيرها. والذي في الدرر متنا وشرحا عند الحيعلة الأولى: يعني حيث يقال حي على الصلاة ا ه‍.
وعزاه الشيخ إسماعيل في شرحه إلى عيون المذاهب والفيض والوقاية والنقاية والحاوي
والمختار ا ه‍. قلت: واعتمده في متن الملتقى، وحكى الأول بقيل. لكن نقل ابن الكمال تصحيح
الأول. ونص عبارته: قال في الذخيرة: يقوم الامام والقوم إذا قال المؤذن حي على الفلاح عند
علمائنا الثلاثة. وقال الحسن بن زياد وزفر: إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة قاموا إلى الصف،
وإذا قال مرة ثانية كبروا، والصحيح قول علمائنا الثلاثة ا ه‍. قوله: (خلافا لزفر الخ) هذا النقل غير
صحيح وغير موافق لعبارة ابن كمال التي ذكرناها، وقد راجعت الذخيرة فرأيته حكى الخلاف كما
نقله ابن كمال عنها، ومثله في البدائع وغيره. قوله: (وإلا الخ) أي وإن لم يكن الامام بقرب
المحراب، بأن كان في موضع آخر من المسجد أو خارجه ودخل من خلف ح. قوله: (في مسجد) الأولى تعريفه باللام،
قوله: (فلا يقفوا) الأنسب فلا يقفون بإثبات النون على أن لا نافية لا ناهية، قوله: (وإن خارجه) محترز قوله: في مسجد. قوله: (بحر) لم أره فيه بل في النهر، قوله:
(وشروع الامام) وكذا القوم، لان الأفضل عند أبي حنيفة مقارنتهم له كما سيأتي. قوله: (لا بأس به
516

إجماعا) أي لان الخلاف في الأفضلية فنفي البأس: أي الشدة، ثابت في كلا القولين وإن كان الفعل
أولى في أحدهما. قوله: (وهو) أي التأخير المفهوم من قوله: أخر. قوله: (أنه الأصح) لان فيه
محافظة على فضيلة المؤذن وإعانة له على الشروع مع الامام. قوله: (فرع الخ) تقدم بيانه في بحث
النية، وكذا في هذا الباب عند قوله: وبقي من الفروض الخ. قوله: (قنية) يعني ذكره الامام
الزاهدي في قنية الفتاوى، ونقل ط عبارته فافهم، والله تعالى أعلم.
فصل
أي في بيان تأليف الصلاة إلى انتهائها على الوجه المتوارث من غير تعرض غالبا لوصف
أفعالها بفريضة أو غيرها للعلم به مما مر. قوله: (لو قادرا) سيأتي محترزه في قوله: ويلزم العاجز
الخ. قوله (للافتتاح) فلو قصد الاعلام فقط لم يصر شارعا كما قدمناه، ويأتي تمامه. قوله: (أي
قال وجوبا الله أكبر) قال في الحلية عند قول المنية: ولا دخول في الصلاة إلا بتكبيرة الافتتاح،
وهي قوله: الله أكبر، أو الله الأكبر، أو الله الكبير، أو الله كبير الخ. وعين مالك الأول لأنه
المتوارث، وأجيب بأنه يفيد السنية أو الوجوب ونحن نقول به، فإن الأصح أنه يكره الافتتاح بغير
الله أكبر عند أبي حنيفة كما في التحفة والذخيرة والنهاية وغيرها، وتمامه في الحلية، وعليه فلو
افتتح بأحد الألفاظ الأخيرة لا يحصل الواجب، فافهم. قوله: (ولا يصير شارعا بالمبتدأ) لان الشرط
الاتيان بجملة تامة كما مر في النظم. ولا يخفى أن الاتيان بالواو أحسن من الفاء التفريعية، لان ما
قبله بيان للواجب وهذا بيان للشرط فلا يصح التفريع، فافهم. قوله: (هو المختار) وهو قول محمد
وظاهر الرواية عن أبي حنيفة، وكذا قول أبي يوسف لما سيأتي من اختصاص الصحة عنده بالألفاظ
الخمسة ح. قوله: (فلو قال الخ) بيان لثمرة الخلاف وتفريع على المختار. قوله: (قبله) أي قبل
فراغه ح. قوله: (قائما) أي حقيقة وهو الانتصاب، أو حكما وهو الانحناء القليل بأن لا تنال يداه
ركبتيه ح. قوله: (في الأصح) أي بناء على ظاهر الرواية. وأفاد أنه كما لا يصح اقتداؤه لا يصير
شارعا في صلاة نفسه أيضا، وهو الأصح كما في النهر عن السراج. قوله: (قبل الامام) أي قبل
شروعه، قوله: (ولو ذكر الاسم) مكرر بما قبله، فإن المراد بالصفة (الخبر)، ومع ذلك هو ضعيف
مبني على غير ظاهر الرواية، أفاده ح. قوله: (إذ مد أحد الهمزتين مفسد الخ) اعلم أن المد إن كان
في الله، فإما في أوله أو وسطه أو آخره: فإن كان في أوله لم يصر به شارعا وأفسد الصلاة لو في
أثنائها، ولا يكفر إن كان جاهلا، لأنه جازم والاكفار للشك في مضمون الجملة: وإن كان في
وسطه، فإن بالغ حتى حدث ألف ثانية بين اللام والهاء كره، قيل: والمختار أنها لا تفسد، وليس
517

ببعيد، وإن كان في آخره فهو خطأ ولا يفسد أيضا، وقياس عدم الفساد فيهما صحة الشروع بهما،
وإن كان المد في أكبر، فإن في أوله فهو خطأ مفسد، وإن تعمده قيل يكفر للشك، وقيل لا. ولا
ينبغي أن يختلف في أنه لا يصح الشروع به، وإن في وسطه أفسد، ولا يصح الشروع به. وقال
الصدر الشهيد: يصح، وينبغي تقييده بما إذا لم يقصد به المخالفة، كما نبه عليه محمد بن مقاتل.
وفي المبتغى: لا يفسد لأنه إشباع، وهو لغة قوم، وقيل يفسد لان أكبار اسم ولد إبليس ا ه‍، فإن
ثبت أنه لغة فالوجه الصحة، وإن في آخره فقد قيل يفسد الصلاة، وقياسه أن لا يصح الشروع به
أيضا، كذا في الحلية ملخصا. وتمام أبحاث هذه المسألة في البحر والنهر عند قوله: وكبر بلا مد
وركع. أقول: وينبغي الفساد بمد الهاء لأنه يصير جمع لاه كما صرح به بعض الشافعية. تأمل. قوله:
(وتعمده) أي تعمد مد الهمزة من لفظ الجلال أو أكبر كفر، لكونه استفهاما يقتضي أن لا يثبت عنده
كبرياء الله تعالى وعظمته، كذا في الكفاية. والأحسن قول المبسوط: خيف عليه الكفر إن كان
قاصدا، على أنه الأكمل اعترضهم في العناية بأنه يجوز أن تكون للتقدير فلا كفر ولا فساد، لكن
يجاب بأن قصد التقرير لا يدفع الفساد، لما في شرح المنية من أن الانسان لا يصلح أن يقرر نفسه،
وإن قرر غيره لزم الفساد لانخطاب ا ه‍، وعلى هذا فينبغي أن يقال: إن تعمد المد لا يكفر إلا إذا
قصد به الشك لانتفاء احتمال التقرير، وأما الفساد وعدم صحة الشروع فثابتان وإن لم يتعمد المد أو
الشك لأنه تلفظ بمحتمل للكفر فصار خطأ شرعا، ولهذا قال في الحلية: إن مناط الفساد ذكر
الصورة الاستفهامية، فلا يفترق الحال بين كونه عالما بمعناها أو لا، بدليل الفساد بكلام النائم.
قوله: (وكذا الباء في الأصح) صححه في شرح المنية. قوله: (قائما) أي في الفرض مع القدرة على
القيام ح. قوله: (إن إلى القيام أقرب) بأن لا تنال يداه ركبتيه كما مر. وفي شرح الشيخ إسماعيل
عن الحجة: إذا كبر في التطوع حالة الركوع للافتتاح: لا يجوز، وإن كان التطوع يجوز قاعدا ا ه‍.
قلت: والفرق بينه وبين ما لو كبر للتطوع قاعدا أن القعود الجائز خلف عن القيام من كل
وجه، أما الركوع فله حكم القيام من وجه دون وجه، ولذا لو قرأ فيه لم يجز، تأمل قوله: (ولغت
نية تكبيرة الركوع) أي لو نوى بهذه التكبيرة الركوع ولم ينو تكبيرة الافتتاح لغت نيته وانصرفت إلى
تكبيرة الافتتاح، لأنه لما قصد بها الذكر الخالص دون شئ خارج عن الصلاة وكانت التحريمة هي
المفروضة عليه لكونها شرطا انصرفت إلى الفرض، لان المحل له، وهو أقوى من النفل، كما لو
نوى بقراءة الفاتحة الذكر والثناء، كما لو طاف للركن جنبا وللصدر طاهرا انظر ف الثاني إلى الركن،
بخلاف ما إذا قصد بالتكبيرة الاعلام فقط فإنه لا يكون قاصدا للذكر، فصار كلاما أجنبيا عن الصلاة
فلا يصح شروعه كما مر. قوله: (وإلا جاز) أي بأن كان أكبر رأيه أنه مع الامام أو بعده أو لم يكن
له رأي أصلا، والجواز في الثالثة لحمل أمره على الصواب، ولكن الأحوط كما في شرح المنية أن
يكبر ثانيا ليقطع الشك باليقين. ووقع في الفتح هنا سهو نبه عليه في النهر. قوله: (ولو أراد الخ)
ذكر المسألة الأولى في ألغاز الأشباه، والثانية ذكرها المصنف متنا في الذبائح. قوله: (لم يصر
518

شارعا) لان التعجب والإجابة أجنبيان عن الصلاة مفسدان لها، ففي شرح الشيخ إسماعيل في
مفسدات الصلاة: لو قال اللهم صل على محمد أو الله أكبر، وأراد به الجواب تفسد صلاته
بالاجماع، ولو أجاب المؤذن تفسد أيضا، وإن أذن في صلاته تفسد إن أراد الاذان ا ه‍. قوله: (ويجزم
الراء الخ) أي يسكنها.
مطلب في حديث: الاذان جزم
قال في الحلية: ثم اعلم أن المسنون جزم التكبير سواء كان للافتتاح أو في أثناء الصلاة،
قالوا الحديث إبراهيم النخعي موقوفا عليه ومرفوعا الاذان جزم، والإقامة جزم، والتكبير جزم
قال في الكافي: والمراد الامساك عن إشباع الحركة والتعمق فيها والاضراب عن الهمز المفرط
والمد والفاحش، ثم الهاء ترفع بلا خلاف، وأما الراء ففي المضمرات عن المحيط إن شاء بالرفع أو
بالجزم، وفي المبتغى: الأصل فيه الجزم، لقول (ص) التكبير جزم، والتسميع جزم ا ه‍. قوله:
(ومر في الاذان) وقدمنا بقية الكلام عليه هناك فراجعه. قوله: (وإنما يصير شارعا بالنية عند التكبير)
كذا في البحر عن حج الزيلعي، والمراد بالتكبير مطلق الذكر.
والمعنى أن النية لما كانت شرطا لصحة الصلاة وكانت التحريمة شرطا أيضا على الصحيح،
وكانت النية سابقة على التحريمة مدامة إلى وجودها حقيقة أو حكما، بأن عزبت عن قلبه ولم يوجد
بعدها فاصل أجنبي ربما توهم أن الشروع يكون بها وحدها، فبين أن الشروع إنما يكون بها عند
وجود التحريمة. قوله: (بل بهما) أي إنه لما لم تستقل النية يكون الشروع بها وحدها بل توقف على
التحريمة صار الشروع بهما لا بأحدهما، كما أن المحرم بالحج إذا نوى الحج لا يصير شارعا به ما
لم يلب، فلو نوى ولم يلب أو لبى ولم ينو لم يصر محرما، فافهم. قوله: (لتعذر الواجب) وهو
التحريك بلفظ التكبير والقراءة. قوله: (لكن ينبغي الخ) بيانه أن النية إذا كانت تكفي عن التحريمة
اقتضى ذلك قيام النية مقام التحريمة، وإذا قامت مقامها لزم مراعاة شروط التحريمة في النية،
فيشترط في النية حينئذ القيام وعدم تقديمها لقيامها مقام التحريمة لا لذاتها، لان غير العاجز عن
النطق لو نوى الصلاة قاعدا ثم قام وأحرم صح، وكذا لو قدم النية، كما قالوا: لو توضأ في بيته
قاصدا الصلاة مع الجماعة ثم خرج ولم تحضره النية وقت الدخول مع الامام صحت ما لم يوجد
فاصل أجنبي من كلام ونحوه، ويغتفر ذلك المشي، هذا تقرير كلامه، وهو متابع في هذا البحث
لصاحب النهر، وقد أقره المحشون، ولا يخفى ما فيه، فإن النية شرط مستقل والتحريمة شرط آخر
كبقية الشروط، وإذا سقط شرط لعذر واكتفي بما سواه من الشروط لا يلزم أن يكون قد أقيم شرط
آخر مقامه، لان الشروط لا تنصب بالرأي ولذا قال تبعا لغيره: فلا يلزم إلا بدليل، وذلك كما إذا
عجز عن القيام أو عن استعمال الماء أقيم القعود والتراب مقامهما للدليل، بخلاف العجز عن ستر
العورة فإنه لا دليل على إقامة شئ مقامه، فسقط بالكلية واكتفي بما سواه، وإذا كان تحريك اللسان
غير قائم مقام النطق لعدم الدليل فكيف تقام النية مقامه بلا دليل مع أن التحريك أقرب إلى النطق من
519

النية؟ قوله: (ثم في الأشباه) أقول: عبارة الأشباه على ما رأيته في عدة نسخ: ومما خرج: أي من
القاعدة الأخرس يلزمه تحريك اللسان في تكبيرة الافتتاح والتلبية على القول به، وأما بالقراءة فلا،
على المختار ا ه‍. وفي بعض النسخ على المفتى به بدل قوله: على القول به والأولى أحسن،
لموافقتها لما ذكره صاحب الأشباه في بحره عند قوله: فرضها التحريمة، حيث نقل تصحيح عدم
الوجوب في التحريمة، وجزم به في المحيط، ولكن يحتاج إلى الفرض بين التحريمة والتلبية، فإنه
نص محمد على أنه شرط في التلبية. وقال في المحيط: يستحب كما في الصلاة، كذا في شرح
لباب المناسك، ثم قال قلت: فينبغي أن لا يلزمه في الحج الأولى، لان القراءة فرض قطعي،
والتلبية أمر ظني، قوله: (قبل التكبير وقيل معه) الأول نسبه في المجتمع إلى أبي حنيفة ومحمد.
وفي غاية البيان إلى عامة علمائنا. وفي المبسوط إلى أكثر مشايخنا، وصححه في الهداية، والثاني
اختاره في الخانية والخلاصة والتحفة والبدائع والمحيط، بأن يبدأ بالرفع عند بدائته التكبير ويختم به
عند ختمه، وعزاه البقالي إلى أصحابنا جميعا، ورجحه في الحلية، وثمة قول ثالث وهو أنه بعد
التكبير، والكل مروي عنه عليه الصلاة والسلام، وما في الهداية أولى كما في البحر والنهر، ولذا
اعتمده الشارع، فافهم. قوله: (هو المراد بالمحاذاة) أي الواقعة في كتب ظاهر الرواية وبعض
روايات الأحاديث كما بسطه في الحلية، ووفق بينها وبين روايات الرفع إلى المنكبين، بأن الثاني إذا
كانت اليدان في الثياب للبرد كما قاله الطحاوي أخذا من بعض الروايات، وتبعه صاحب الهداية
وغيره، وهو صريح رواية أبي داود. قال في الحلية: وهو قول الشافعي، ومشى عليه النووي. وقال
في شرح مسلم: إنه المشهور من مذهب الجماهير. قوله: (ويستقبل الخ) ذكره في المنية وشرحها؟.
قوله: (أنها) أي الأمة هنا: أي في الرفع، وهذا حكاه في القنية بقيل، فالمعتمد ما في البحر تبعا
للحلية. قوله: (وفي غيره) كالركوع والسجود والقعود. قوله: (وقيل كالرجل) روى الحسن عن أبي
حنيفة أنها: أي المرأة ترفع يديها حذو أذنيها كالرجل، لان كفيها ليستا بعورة حلية، وما في المتن
صححه في الهداية، وقال: وعلى هذا تكبير القنوت والعيدين والجنازة، قوله: (أيضا الخ) أي كما
صح شروعه بالتكبير السابق صح أيضا بالتسبيح ونحوه، لكن مع كراهة التحريم، لان الشروع
بالتكبير واجب، وقدمنا أن الواجب لفظ الله أكبر من بين ألفاظ التكبير الآتية. وقال في الخزائن هنا:
وهل يكره الشروع بغير الله أكبر؟ تصحيحان. والراجح أنه مكروه تحريما، وأن وجوبه عام لا خاص
بالعبد كما حرره في البحر للمواظبة التي لم تقترن بترك اه‍. قوله: (وسائر كلم التعظيم) كالله أجل أو
أعظم، أو الرحمن أكبر، أو لا إله إلا الله، أو تبارك لله لان التكبير الوارد في الأدلة مثل - * (وربك
فكبر) * - معناه التعظيم والاجلال فيه، وتمامه في شرح المنية. قوله: (الخالصة) أي عن شائبة
الدعاء وحاجة نفسه كما سيأتي. قوله: (له تعالى) متعلق بالتعظيم لا بالخالصة وإلا ناقض قوله ولو
520

مشتركة والأولى حذفه بالكلية تأمل. قوله: (في الأصح) خلافا لما في الذخيرة والخانية من
تخصيصه بالخاص، والخلاف مقيد بما إذا لم يقرنه بما يزيل الاشتراك، أما إذا قرنه به كالرحيم بعباده
صح اتفاقا، كما إذا قرنه بما يفسد الصلاة لا يصح اتفاقا كالعالم بالموجود والمعدوم أو بأحوال
الخلق كما في الحلية، وأشار إليه في البزازية، أفاد في البحر والنهر. قوله: (وخصه الثاني) فلا
يصح الشروع عنده إلا بهذه الألفاظ المشتقة من التكبير، والصحيح قولهما كما في النهر والحلية عن
التحفة والزاد. قوله: (والكبار) أي بضم الكاف بمعنى الكبير كما في القاموس: والظاهر أنه يجوز
تنكيره عند أبي يوسف، كما جاز في الأكبر والكبير، فليراجع ح. قوله: (وخصه البردعي الخ)
ضعيف. والبردعي بالدال المهملة على الأكثر: أحمد بن الحسين، وفارس: اسم قلعة نسب إليها
قوم، والمراد بها لغتهم، وهي أشرف اللغات وأشهرها بعد العربية وأقربها إليها أبو السعود ط. قوله:
(بحديث) متعلق بمزيتها. قوله: (والفارسية الدرية) قال في المغرب: الفارسية الدرية الفصيحة نسبت
إلى در وهو الباب بالفارسية ا ه‍. وهو بفتح الدال المهملة والراء الساكنة، وإذا نسبت إلى ثنائي وضعا
إن كان ثانية حرفا صحيحا جاز فيه التضعيف وعدمه، فتقول في كم كمي وكمي بالتخفيف أو
التشديد، وإن كان حرف لين لزم تضعيفه كما أوضحه الأشموني في شرح الألفية، فافهم، فالظاهر أن
ضبط القهستاني الدرية بالتشديد غير لازم.
مطلب الفارسية
وأفاد ح عن ابن كمال أن الفارسية خمس لغات: فهلوية، كان يتكلم بها الملوك في مجالسهم،
ودرية يتكلم بها من بباب الملك. وفارسية يتكلم بها الموابذة (1). ومن كان مناسبا لهم. وخورسية،
وهي لغة خورستان، يتكلم بها الملوك والاشراف في الخلاء وموضع الاستفراغ وعند التعري
للحمام، وسريانية منسوبة إلى سوريان، وهو العراق ا ه‍. قوله: (وشرطا عجزه) أي التكبير بالعربية،
والمعتمد قوله ط. بل سيأتي ما يفيد الاتفاق على أن العجز غير شرط على ما فيه. قوله: (وجميع
أذكار الصلاة) في التاترخانية عن المحيط: وعلى هذا الخلاف لو سبح بالفارسية في الصلاة أو دعا
أو أثنى على الله تعالى أو تعوذ أو هلل أو تشهد أو صلى على النبي (ص) بالفارسية في الصلاة: أي
يصح عنده، لكن سيأتي كراهة الدعاء بالأعجمية. قوله: (وأما ما ذكره الخ) أي مما هو خارج عن
أذكار الصلاة، وجواب أما قوله الآتي فجائز إجماعا. قوله: (أو آمن) بمد الهمزة من الايمان
كما في البحر ح، وقوله أو سلم على غيره. وفي بعض النسخ: أسلم من الاسلام، وعليه يكون
أمن بالتشديد من التأمين، والنسخة الأولى أولى، لأنها الموافقة لما رأيته بخط الشارح في الخزائن،

(1) قوله: (يتكلم بها الموابذة) في القاموس موبذان مفرد، ومعناه فقيه: الفرس أو حاكم المجوس وجمعه موابذة وهذه
التاء تاء العجمة ا ه‍.
521

ولان التأمين من أذكار الصلاة إلا أن يكون من أمان الكفار فإنه سيأتي في كتاب الجهاد متنا أنه يصح
بأي لغة كان. قوله: (ولم أر الخ) لا يظهر فرق بينه وبين رد السلام ح. قوله: (قيد القراءة بالعجز)
أشار إلى أن قوله: عاجزا حال من فاعل قرأ فقط دون ما قبله. قوله: (وعليه الفتوى) وفي
الهداية وشرح المجمع لمصنفه، وعليه الاعتماد. قوله: (وجعل) بالرفع مبتدأ خبره قوله: لا سلف
له فيه الخ. قوله: (كالقراءة) أي في اشتراط العجز فيه أيضا وفي أن الامام رجع (1) بذلك إلى
قولهما، لان العجز عندها شرط في جميع أذكار الصلاة كما مر. قوله: (لا سلف له فيه) أي لم يقل
به أحد قبله، وإنما المنقول أنه رجع إلى قولهما في اشتراط القراءة بالعربية إلا عند العجز. وأما
مسألة الشروع فالمذكور في عامة الكتب حكاية الخلاف فيها بلا ذكر رجوع أصلا. وعبارة المتن
كالكنز وغيره كالصريحة في ذلك حيث اعتبر العجز قيدا في القراءة فقط. قوله: (ولا مسند له يقويه)
أي ليس له دليل يقوي مدعاه، لان الامام رجع إلى قولهما في اشتراط القراءة بالعربية، لان المأمور
به قراءة القرآن، وهو اسم للمنزل باللفظ العربي المنظوم الخاص، المكتوب في المصاحف،
المنقول إلينا نقلا متواترا، والأعجمي إنما يسمى قرآنا مجازا، ولذا يصح نفي اسم القرآن عنه، فلقوة
دليل قولهما رجع إليه. أما الشروع بالفارسية فالدليل فيه للامام أقوى، وهو كون المطلوب في
الشروع الذكر والتعظيم، وذلك حاصل بأي لفظ كان وأي لسان كان، نعم لفظ الله أكبر واجب
للمواظبه عليه ولا فرض. قوله: (بل جعله في التاترخانية كالتلبية) نص عبارتها: وفي شرح
الطحاوي: ولو كبر بالفارسية أو سمى بالفارسية عند الذبح أو لبى عند الاحرام بالفارسية أو بأي
لسان سواء كان يحسن العربية أو لا: جاز بالاتفاق ا ه‍. قوله: (كالمتن) حيث لم يقيد الشروع بالعجز
كما قيد به القراءة. قوله: (رجوعهما إليه الخ) أي إنهما رجعا إلى قوله بصحة الشروع بالفارسية بلا
عجز كما رجع هو إلى قولهما بعدم الصحة في القراءة فقط، لا في الشروع أيضا كما توهمه العيني،
لكن كونهما رجعا إلى قوله في الشروع لم ينقله أحد، وإنما المنقول حكاية الخلاف كما قدمناه،
وأما ما في التاترخانية فغير صريح في تكبير الشروع، بل هو محتمل لتكبير التشريق أو الذبح، بل هذا
أولى لأنه قرنه مع الأذكار الخارجة عن الصلاة، وأما عبارة المتن فهي مبنية على قول الإمام،
فالحاصل أن ما أورده على العيني في دعوى رجوعه إلى قولهما يرد عليه في دعواه رجوعهما إلى
قوله. قوله: (حتى الشرنبلالي) أي اشتبه عليه ذلك أيضا، فحتى ابتدائية والخبر محذوف، لا عاطفة،
لأنا لم نعهد من هذا الشارح الفاضل قلة الأدب مع العلماء حتى يجعل الشرنبلالي من القاصرين.

(1) قوله: (وفي ان الامام الخ) قال الفتال في حاشيته: ورأيت بخط الشارح على هامش نسخة العيني في هذا المحل:
اعلم أيها الواقف على هذا الكلام ان رجوع الامام انما ثبت بالقراءة بالفارسية فقط، ولم يثبت رجوعه في تكبيرة
الافتتاح، بل هي كغيرها من أذكار الصلاة على الخلاف، كما حرره شراح المجمع وكتب الأصول وعامة الكتب
المعتبرة، وصريح هذا المتن يعني الكنز يفيده كعامة المتون، فلا عليك من العيني وان تبعه الشرنبلالي في عامة كتبه
فتنبه محرره علاء الدين عفي عنه ا ه‍. منه.
522

مطلب في حكم القراءة بالفارسية التوراة والإنجيل
واعلم أن الشارح نفسه خفي عليه ذلك، فتبع العيني في شره على الملتقى. وفي الخزائن
بل خفي أيضا على البرهان الطرابلسي في متنه مواهب الرحمن حيث قال: والأصح رجوعه إليهما
في عدم جواز الشروع والقراءة بالفارسية لغير العاجز عن العربية. قوله: (واعتبر الزيلعي التعارف)
وبه جزم في الهداية وأقره الشراح، وفي الكفاية عن المبسوط: روى الحسن عن أبي حنيفة أنه أذن
بالفارسية والناس يعلمون أنه أذان جاز، وإلا لم يجز، لان المقصود وهو الاعلام لم يحصل. قوله:
(قرأ بالفارسية) أي مع القدرة على العربية. قوله: (أو التوراة) بالنصب عطفا على مفعول قرأ
المحذوف وهو القرآن ح. قوله: (إن قصة الخ) اختار هذا التفضيل في الفتح توفيقا بين القولين،
وهما ما قاله في الهداية من أنه لا خلاف في عدم الفساد إذا قرأ معه بالعربية ما تجوز به الصلاة، وما
قاله النجم النسفي وقاضيخان من أنها تفسد عندهما، فقال في الفتح: والوجه إذا كان المقروء من
مكان القصص والأمر والنهي أن تفسد بمجرد قراءته لأنه حينئذ متكلم بكلام غير قرآن، بخلاف ما
إذا كان ذكرا أو تزيها، فإنها تفسد إذا اقتصر على ذلك بسبب إخلاء الصلاة عن القراءة ا ه‍. وتبعه في
البحر، وقواه في النهر، فلذا جزم به الشارح.
مطلب في حكم القراءة بالشاذ
قوله: (وألحق به في البحر الشاذ) أي فجعله على هذا التفصيل توفيقا بين القول بالفساد به
والقول بعدمه. قوله: (لفي النهر إلخ) حيث قال: عندي بينهما فرق، وذلك أن الفارسي ليس
قرآنا أصلا لانصرافه في عرف الشرع إلى العربي، فإذا قرأ قصة صار متكلما بكلام الناس، بخلاف
الشاذ فإنه قرآن. إلا أن قرآنيته شكا فلا تفسد به ولو قصة، وحكوا الاتفاق فيه على عدمه، فالأوجه
ما في المحيط من تأويله قول شمس الأئمة بالفساد بما إذا اقتصر عليه ا ه‍: أي فيكون الفساد لتركه
القراءة بالمتواتر لا للقراءة بالشاذ، لكن يرد عليه أن القرآن هو ما لا شك فيه، وأن الصلاة يمنع فيها
من غير القراءة والذكر قطعا، وما كان قصة ولم تثبت قرآنيته لم يكن قراءة ولا ذكرا فيفسد، بخلاف
ما إذا كان ذكرا فإنه وإن ثبت لم تثبت قرآنيته لم يكن كلاما لكونه ذكرا، لكن إن اقتصر عليه تفسد،
وإن قرأ معه من المتواتر ما تجوز به الصلاة فلا، فهذا ما وفق به في البحر، ويتعين حمل كلام المحيط
عليه، فتأمل وفي منظومة ابن وهبان:
وإن قرأ المكتوب في الصحف الألى * إذا كان كالتسبيح ليس يغير
والصحف الأولى جمع صحيفة: المراد بها التوراة والإنجيل والزبور، وتمام الكلام في شروح
الوهبانية.
مطلب في بيان المتواتر بالشاذ
تتمة: القرآن الذي تجوز به الصلاة بالاتفاق هو المضبوط في مصاحف الأئمة التي بعث بها
عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار، وهو الذي أجمع عليه الأئمة العشرة، وهذا هو المتواتر جملة
وتفصيلا، فما فوق السبعة إلى العشرة غير شاذ، وإنما الشاذ ما وراء العشرة، وهو الصحيح، وتمام
تحقيق ذلك في فتاوى العلامة قاسم. قوله: (كالتهجي) قال في الوهبانية:
523

وليس التهجي في الصلاة بمفسد * ولا مجزئ عن واجب الذكر فاذكروا
والمسألة في القنية. قال الشرنبلالي في شرحها: صورتها: شخص قال في صلاته:
س ب ح ا ن ا ل ل ه بالتهجي أو قال أ ع و ذ ب ا ل ل ه م ن ا ل ش ي ط ا ن لا تفسد، لكن في
البزازية خلافه حيث قال: تفسد بتهجية قدر القراءة، لأنه من كلام الناس ا ه‍. وهذا ذكره البزازي في
كتاب الطلاق، قال ابن الشحنة: ووجهه ظاهر، لكنه ذكر في كتاب الصلاة نحو ما في
القنية ا ه‍. ونص في الامداد في باب سجود التلاوة التجنيس والخانية أنه لا يجب به السجود، ولا
يجزئ عن القراءة في الصلاة، لأنه لم يقرأ القرآن ولا يفسد لأنه الحروف التي في القرآن ا ه‍.
وظاهر الرسم المذكور أن المراد قراءة مسميات الحروف لا أسماؤها، مثل سين باء حاء ألف نون،
وهل حكمها كذلك؟ لم أره. قوله: (وتجوز إلخ) في الفتح عن الكافي: إن اعتاد القراءة بالفراسية أو
أراد، أن يكتب مصحفا بها يمنع، وإن فعل في آية أو آيتين: لا، فإن كتب القرآن وتفسير كل حرف
وترجمته: جاز ا ه‍. قوله: (ويكره إلخ) مخالف لما نقلناه عن الفتح آنفا، لكن رأيت بخط الشارح في
هامش الخزائن عن حظر المجتبى: ويكره كتب التفسير بالفارسية في المصحف لما يعتاده البعض،
ورخص فيه الهندواني، والظاهر أن الفارسية غير قيد. قوله: (بمشوب) أي مخلوط. قوله: (وبسملة)
علله في الذخيرة بأن البسملة للتبرك، فكأنه قال: بارك لي في هذا الامر، وظاهر كلام الزيلعي
ترجيحه. وفي الحلية أنه الأشبه، ونقل في النهر تصحيحه عن السراج وفتاوى المرغيناني. ونقل في
البحر عن المجتبى والمبتغي الجواز، ورجحه بأنها ذكر خالص بدليل جوازها على الذبيحة المشروط
فيها الذكر الخالص ا ه‍. وجزم به في المنظومة الوهبانية، وعزاه إلى الامام ونقله في شرحها عن
الامام الحلواني وظهير الدين المرغيناني والقاضي عبد الجبار وشهاب الامامي، وجعل الأول قول
الصاحبين توفيقا بين الروايات، فافهم. قوله: (وحوقلة) أي لأنها دعاء في المعنى، فكأنه قال: اللهم
حولني عن معصيتك وقوني على طاعتك، لأنه لا حول ولا قوة إلا بك يا الله. قوله: (أو ذكرها)
أي ذكر اللهم اغفر لي. قوله: (في الأصح) كذا في الحلية عن المحيط والذخيرة وغيرهما. خلافا
لما صححه في الجوهرة، وهذا بناء على مذهب سيبويه من أن أصله يا الله فحذفت يا وعوض عنها
الميم، وعند الكوفيين أصله يا الله أمنا بخير فحذفت الجملة إلا الميم فيكون دعاء لا ثناء ورد
بقوله تعالى: * (اللهم إن كان هذا هو الحق) * (الأنفال: 23) الآية، وتمامه في ح. قوله: (كيا الله) فإن
به يصح الشروع اتفاقا. خزائن. قوله: (آخذا رسغها) أي مفصلها وهو بضم فسكون أو بضمتين كما
في القاموس قوله: (بخنصره وإبهامه) أي يحلق الخنصر والابهام على الرسغ ويبسط الأصابع الثلاث
كما في شرح المنية ونحوه في البحر والنهر والمعراج والكفاية والفتح والسراج وغيرها: وقال في
البدائع: ويحلق إبهامه وخنصره وبنصره ويضع الوسطى والمسبحة على معصمه، وتبعه في الحلية،
ومثله في شرح الشيخ إسماعيل عن المجتبى. قوله: (هو المختار) كذا في الفتح والتبيين، وهذا ما
استحسنه كثير من المشايخ ليكون جامعا بين الاخذ والوضع المرويين في الأحاديث، وعملا
بالمذهب احتياطا كما في المجتبى وغيره. قال سيدي عبد الغني في شرح هدية ابن العماد: وفي
524

هذا نظر، لان القائل بالوضع يريد وضع الجميع، والقائل بالأخذ يريد أخذ الجميع، فأخذ البعض
ووضع البعض ليس أخذا ولا وضعا، بل المختار عندي واحد منهما موافقة للسنة ا ه‍. قلت: وهذا
البحث منقول، ففي المعارج بعد نقله ممر عن المجتبى والمبسوط والظهيرية: وقيل هذا خارج عن
المذاهب والأحاديث فيكون العمل به احتياطا ا ه‍. ثم رأيت الشرنبلالي ذكر في الامداد هذا
الاعتراض، ثم قال: قلت: فعلى هذا ينبغي أن يفعل بصفة أحد الحديثين في وقت وبصفة الآخر في
غيره، ليكون جامعا بين المرويين حقيقة ا ه‍.
أقول: يرد عليه أنه في كل وقت عمل بأحدهما يكون تاركا فيه العمل بالآخر، والوارد في
الأحاديث ذكر في بعضها الوضع وفي بعضها الاخذ بلا بيان الكيفية. والذي استحسنه المشايخ فيه:
العمل بهما جميعا، إذ لا شك أن في الاخذ وضعا وزيادة. والقاعدة الأصولية أنه متى أمكن الجمع
بين المتعارضين ظاهرا لا يعدل عن أحدهما، فتأمل. قوله: (الكف على الكف) عزاه في هامش
الخزائن إلى الغزنوية. قوله: (تحت ثديها) كذا في بعض نسخ المنية، وفي بعضها: على ثديها. قال
في الحلية: وكان الأولى أن يقول: على صدرها، كما قاله الجم الغفير، لا على ثديها، وإن كان
الوضع على الصدر قد يستلزم ذلك بأن يقع بعض ساعد كل يد على الثدي، لكن هذا ليس هو
المقصود بالإفادة. قوله: (كما فرغ) هذه كاف المبادرة تتصل بما نحو: سلم كما تدخل نقلها في
مغني اللبيب. قوله: (بلا إرسال) هو ظاهر الرواية، وروي عن محمد في النوادر أنه يرسلهما حالة
الثناء، فإذا فرغ منه يضع بناء على أن الوضع سنة القيام الذي له قرار في ظاهر المذهب وسنة القراءة
عند محمد. حلية. قوله: (في مجمع الأنهر) ومثله في شرح النقاية لمله علي القاري، كما نقله في
حاشية المدني في باب الوتر والنوافل. قوله: (ما هو الأعم) أي من القيام الحقيقي والحكمي، فإن
القعود في النافلة وفي الفريضة وما ألحق بها لعذر كالقيام ط. والظاهر أن الاضطجاع كذلك لأنه
خلف عن القيام. رحمتي. قوله: (قرار إلخ) اعلم أنه جعل في البدائع الأصل على قولهما إنه سنة
قيام فيه ذكر مسنون، وإليه ذهب الحلواني والسرخسي وغيرهما. وفي الهداية أنه الصحيح، ومشى
عليه في المجمع وغيره، وقد جمع في البحر بين الأصلين فجعلهما أصلا واحدا، وتبعه تلميذه
المصنف مع أن صاحب الحلية نقل عن شيخ الاسلام أنه ذكر في موضع أنه على قولهما يرسل في
قومة الركوع وفي موضع آخر أنه يضع، ثم وفق أن منشأ ذلك اختلاف الأصلين، لان في هذه
القومة ذكرا مسنونا وهو التسميع ليس لما قال في الهداية: ويرسل في القومة، اعترضه في الفتح بأنه
إنما يتم إذا قيل بأن التحميد والتسميع ليس سنة فيها، بل في الانتقال إليها، لكنه خلاف ظاهر
النصوص إلخ، نعم قيد منلا مسكين الذكر بالطويل، وبه يندفع الاعتراض عن الهداية، لكن إذا كان
الذكر طويلا يلزم منه كون القيام له قرار فيرجع إلى ما قاله في البحر، فليتأمل. قوله: (فيه ذكر
مسنون) أي مشروع فرضا كان أو واجبا أو سنة، إسماعيل عن البرجندي. قوله: (لعدم القرار) ليس
على إطلاقه، لقولهم: إن مصلي النافلة ولو سنة يسن له أن يأتي بعد التحميد بالأدعية الواردة نحو
ملء السماوات والأرض إلخ، واللهم اغفر لي وارحمني بين السجدتين نهر. ومقتضاه أنه يعتمد
525

بيديه في النافلة، ولم أر من صرح به. تأمل، لكنه مقتضى إطلاق الأصلين المارين، ومقتضاه أنه
يعتمد أيضا في صلاة التسابيح، ثم رأيته ذكره ط والرحمتي والسائحاني بحثا. قوله: (ما لم يطل
القيام فيضع) أي فإن أطاله لكثرة القوم فإنه يضع، وهذا مبني على أن الأصل أنه سنة قيام له قرار لا
على أنه سنة قيام فيه ذكر مسنون، وهذا أيضا يدل على أنهما أصلان لا أصل واحد كما ذكرنا.
قوله: (سبحانك اللهم) شرح ألفاظه في البحر والامداد وغيرهما. قوله: (تاركا إلخ) هو ظاهر
الرواية. بدائع. لأنه لم ينقل في المشاهير. كافي. فالأولى تركه في كل صلاة محافظة على المروي
بلا زيادة وإن كان ثناء على الله تعالى. بحر وحلية. وفيه إشارة إلى أن قوله في الهداية: لا يأتي به
في الفرائض، لا مفهوم له، لكن قال صاحب الهداية في كتابه مختارات النوازل: وقوله وجل
ثناؤك لم ينقل في الفرائض في المشاهير، وما روي فيه فهو في صلاة التهجد ا ه‍. قوله: (إلا في
الجنازة) ذكره في شرح المنية الصغير، ولم يعزه إلى أحد، ولم أره لغيره سوى ما قدمناه عن الهداية
ومختارات النوازل. قوله: (مقتصرا) اسم فاعل: حال من فاعل قرأ، أو اسم
مفعول حال من مفعوله وهو سبحان إلخ ح. قوله: (إلا في النافلة) لحمل ما ورد في الاخبار عليها فيقرؤه فيها
إجماعا، واختيار المتأخرين أنه يقول قبل الافتتاح. معراج. وفي المنية: وعندهما يقوله قبل الافتتاح:
يعني قبل النية، ولا يقوله بعد النية بالاجماع ا ه‍. لكن في الحلية: الحق أن قراءته قبل النية أو بعدها
قبل التكبير لم تثبت عن النبي (ص) ولا عن أصحابه ا ه‍. وفي الخزائن: وما ورد محمول على النافلة
بعد الثناء في الأصح ا ه‍. وقال في هامشه: صححه في الزاهدي وغيره. قوله: (في الأصح) وقيل
تفسد لأنه كذب، ورده في البحر تبعا للحلية بما ثبت في صحيح مسلم من الروايتين بكل منهما،
وبأنه إنما يكون كذبا إذا كان مخبرا عن نفسه لا تاليا، فلو مخبرا فالفساد عند الكل ا ه‍. قوله: (لما في
النهر إلخ) تعليل لتحويل الشارح عبارة المصنف، لان قضية المتن الاتيان بالثناء في المخافتة وإن
بدأ الامام بالقراءة، وهو ضعيف لتعبير الصغرى عنه بقيل. ووجهه أنه إذا امتنع عن القراءة فبالأولى
أن يمتنع عن الثناء وأقول: ما ذكره المصنف جزم به في الدرر. وقال في المنح: وصححه في
الذخيرة وفي المضمرات: وعليه الفتوى ا ه‍. ومشى عليه في منية المصلي والشارح في الخزائن
وشرح الملتقى. واختاره قاضيخان حيث قال: ولو أدرك الامام بعدما اشتغل بالقراءة، قال ابن
الفضل: لا يثني، وقال غيره يثني. وينبغي التفصيل، إن كان الامام يجهر لا يثني، وإن كان يسر
يثني ا ه‍. وهو مختار شيخ الاسلام خواهر زاده. وعلله في الذخيرة بما حاصله أن الاستماع في غير
حالة الجهر ليس بفرض، بل يسن تعظيما للقراءة فكان سنة غير مقصودة لذاتها وعدم قراءة المؤتم
في غير حالة الجهر لا لوجوب الانصات، بل لان قراءة الإمام له قراءة. وأما الثناء فهو سنة مقصودة
لذاتها، وليس ثناء الامام ثناء للمؤتم، فإذا تركه يلزم ترك سنة مقصودة لذاتها للانصات الذي هو سنة
تبعا، بخلاف تركه حالة الجهر ا ه‍. فكان المعتمد ما مشى عليه المصنف، فافهم. قوله: (أو
ساجدا) أي السجدة الأولى كما في المنية، وأشار بالتقييد براكعا أو ساجدا إلى أنه لو أدركه في
526

إحدى القعدتين فالأولى أن لا يثني لتحصيل فضيلة زيادة المشاركة في القعود، وكذا لو أدركه في
السجدة الثانية، وتمامه في شرح المنية. قوله: (بلفظ أعوذ) أي لا بلفظ أستعيذ وإن مشى عليه في
الهداية، وتمامه في البحر والزيلعي. قوله: (فهو كالتنازع) لان سرا حال من الثناء والتعوذ، فكانا
متعلقين به فأشبه التنازع الذي هو تعلق عاملين فأكثر باسم، وعدل عن قول النهر فهو من التنازع، لما
في همع الهوامع من أنه يقع في كل معمول إلا المفعول له والتمييز، وكذا الحال خلافا لابن معطي،
أفاده ح، قوله: (الحلبي) أي في شرح المنية بقوله: والتعوذ إنما هو عند افتتاح الصلاة، فلو نسيه
حتى قرأ الفاتحة لا يتعوذ بعد ذلك، كذا في الخلاصة. ويفهم منه أنه لو تذكر قبل إكمالها يتعوذ،
وحينئذ ينبغي أن يستأنفها ا ه‍. وهذا الفهم في غير محله لان قول الخلاصة: حتى قرأ الفاتحة، معناه
شرع في قراءتها، إذ بالشروع فات محل التعوذ، وإلا لزم رفض الفرض للسنة، ولزم أيضا ترك
الواجب، فإن قراءة الفاتحة أو أكثرها مرة ثانية موجبة للسهو. على أنه في شرح المنية أيضا بعد ما مر
بنحو ورقة ونصف قال: وذكر الفقيه أبو جعفر في النوادر: إن كبر وتعوذ ونسي الثناء لا يعد، وكذا إن
كبر وبدأ بالقراءة ونسي الثناء والتعوذ والتسمية لفوات محلها، ولا سهو عليه. ذكره الزاهدي ا ه‍. وبدأ
بالقراءة إلخ مؤيدا لما قلنا، فافهم. قوله: (ولا يتعوذ إلخ) محترز قوله لقراءة قال في البحر: وقيد
بقراءة القرآن للإشارة إلى أن التلميذ إذا قرأ على أستاذه كما نقله في الذخيرة. وظاهره أن الاستعاذة لم
تشرع إلا عند قراءة القرآن أو في الصلاة، وفيه نظر ظاهر ا ه‍. قال في النهر: وأقول ليس ما في
الذخيرة في المشروعية وعدمها، بل في الاستنان وعدمه ا ه‍: أي فتسن لقراءة القرآن فقط وإن كانت
تشرع في غيرها في جميع ما يخشى فيه الوسوسة، وإلى هذا أشار الشارح بقوله: أي لا يسن لكن في
هذا الجواب نظر، فإنها تسن قبل دخول الخلاء لكن بلفظ أعوذ بالله من الخبث والخبائث. تأمل. ثم
إن عبارة الذخيرة هكذا: إذا قال الرجل * (بسم الله الرحمن الرحيم) * فإن أراد به قراءة القرآن يتعوذ قبله
للآية، وإن أراد افتتاح الكلام كما يقرأ التلميذ لا يتعوذ قبله لأنه لا يريد به قرءاة القرآن ألا يرى لو أن
رجلا أراد أن يشكر فيقول: * (الحمد لله رب العالمين) * لا يحتاج إلى التعوذ قبله، وعلى هذا الجانب
إذا أراد بذلك القراءة لم يجز، أو افتتاح الكلام جاز ا ه‍. ملخصا.
وحاصله إذا أراد أن يأتي بشئ من القرآن كالبسملة والحمدلة، فإن قصد به القراءة تعوذ قبله
وإلا فلا، كما لو أتى بالبسملة في افتتاح الكلام كالتلميذ حين يبسمل في أول درسه للعمل فلا
يتعوذ، وكما لو قصد بالحمدلة الشكر، وكذا إذا تكلم بغير ما هو من القرآن فلا يسن التعوذ
بالأولى، فكلام الذخيرة في التعوذ قبل الكلام لا في غيره من الافعال، فلا ينافي استنانه قبل
الخلاء، فافهم. قوله: (فيأتي به المسبوق إلخ) فذكر المصنف ثلاث مسائل تفريعا على قوله
لقراءة بناء على قول أبي حنيفة ومحمد: إن التعوذ تبع للقراءة. أما عند أبي يوسف فهو تبع للثناء،
فعنده يأتي به المسبوق بعد الثناء مرتين حال اقتدائه وعند قيامه للقضاء، ويأتي به المقتدي المدرك
لأنه يثني كما يأتي به الامام والمنفرد، ويأتي به الامام والمقتدي في العيد بعد الثناء قبل التكبيرات،
527

ومشى عليه في المنية، وفي الخلاصة أنه الأصح، لكن مختار قاضيخان والهداية وشروحها والكافي
والاختيار وأكثر الكتب هو قولهما: إنه تبع للقراءة وبه نأخذ. شرح المنية. قوله: (وكما تعوذ سمى)
فلو سمى قبل التعوذ أعاده بعده لعدم وقوعها في محلها، ولو نسيها حتى فرغ من الفاتحة لا يسمي
لأجلها لفوات محلها. حلية وبحر. ولا مفهوم لقوله حتى فرغ كما تقدم، فافهم. قوله: (غير
المؤتم) هو الامام والمنفرد، إذ لا دخل للمقتدي لأنه لا يقرأ، بدليل أنه قدم أنه لا يتعوذ. بحر.
قوله: (كما في ذبيحة ووضوء) فإن المراد بالتسمية فيها مطلق الذكر، فهو تمثيل للمنفي. قوله:
(سرا في أول كل ركعة) كذا في بعض النسخ، وسقط سرا مبعضها ولا بد منه. قال في الكفاية
عن المجتبى: والثالث أنه لا يجهر بها في الصلاة عندنا خلافا للشافعي، وفي خارج الصلاة اختلاف
الروايات والمشايخ في التعوذ والتسمية: قيل يخفى التعوذ دون التسمية، والصحيح أنه يتخير فيهما،
ولكن يتبع إمامه من القراء وهم يجهرون بهما، إلا حمزة فإنه يخفيهما ا ه‍. قوله: (ولو جهرية) رد على
ما في المنية من أن الامام لا يأتي بها إذا جهر، بل إذا خافت فإنه غلط فاحش. بحر. وأوله في
شرحها بأنه لا يأتي بها جهرا. قوله: (لا تسن) مقتضى كلام المتن أن يقال: لا يسمى، لكنه عدل
عنه لابهامه الكراهة، بخلاف نفي السنية. ثم إن هذا قولهما وصححه في البدائع. وقال محمد: تسن
إن خافت لا إن جهر. بحر. ونسب ابن الضياء في شرح الغزنوية الأول إلى أبي يوسف فقط فقال:
وهذا قول أبي يوسف. وذكر في المصفى أن الفتوى على قول أبي يوسف أنه يسمي في أول كل
ركعة ويخفيها. وذكر في المحيط: المختار قول محمد، وهو أن يسمي قبل الفاتحة وقبل كل سورة في
كل ركعة.
مطلب: لفظة الفتوى آكد وأبلغ من لفظة المختار
وفي رواية الحسن بن زياد أنه يسمي في الركعة الأولى لا غير، وإنما اختير قول أبي يوسف
لان لفظة الفتوى آكد وأبلغ من لفظة المختار، ولان قول أبي يوسف وسط وخير الأمور أوسطها،
كذا في شرح عمدة المصلي ا ه‍ ما في شرح الغزنوية. ووقع في النهر هنا خطأ وخلل في النقل أيضا
عن شرح الغزنوية فاجتنبه، فافهم.
مطلب: قراءة البسملة بين الفاتحة والسورة حسن
قوله: (ولا تكره اتفاقا) ولهذا صرح في الذخيرة والمجتبى بأنه إن سمى بين الفاتحة والسورة
المقروءة سرا أو جهرا كان حسنا عند أبي حنيفة، ورجحه المحقق ابن الهمام وتلميذه الحلبي لشبهة
الاختلاف في كونها آية من كل سورة. بحر. قوله: (وما صححه الزاهدي من وجوبها) يعني في أول
الفاتحة، وقد صححه الزيلعي أيضا في سجود السهو، ونقل في الكفاية عبارة الزاهدي وأقرها. وقال
في شرح المنية: إنه الأحوط، لان الأحاديث الصحيحة تدل على مواظبته عليه الصلاة والسلام
عليها، جعله في الوهبانية قول الأكثرين أي بناء على قول الحلواني إن أكثر المشايخ على أنها من
528

الفاتحة، فإذا كانت منها تجب مثلها لكن لم يسلم كونه قول الأكثر. قوله: (ضعفه في البحر) حيث
قال في سجود السهو: إن هذا كله مخالف لظاهر المذهب المذكور في المتون والشروح والفتاوى من أنها
سنة لا واجب فلا يجب بتركها شئ.
قال في النهر: والحق أنهما قولان مرجحان، إلا أن المتون على الأول ا ه‍. أقول: أي إن
الأول مرجح من حيث الرواية، والثاني من حيث الدراية، والله أعلم. قوله: (وهي آية) أي خلافا
لقول مالك وبعض أصحابنا: إنها ليست من القرآن أصلا. قال القهستاني: ولم يوجد في حواشي
الكشاف والتلويح أنها ليست من القرآن في المشهور من مذهب أبي حنيفة ا ه‍: أي بل هو قول
ضعيف عندنا. قوله: (أنزلت للفصل) وذكرت في أول الفاتحة للتبرك. قوله: (فما في النمل بعض
آية) وأولها - * (إنه من سليمان) * وآخرها * (وأتوني مسلمين) * وهو تفريع على قوله: أنزلت
للفصل ط. قوله: (قوله وليست من الفاتحة) قال في النهر: فيه رد لقول الحلواني أكثر المشايخ
على أنها من الفاتحة، ومن ثم قيل بوجوبها، وجعله في الذخيرة رواية الثاني عن الامام، وبه أخذ
وهو أحوط ا ه‍. وما نقله عن الحلواني ذكره القهستاني عن المحيط والذخيرة والخلاصة وغيرها.
قوله: (ولا من كل سورة) أي خلافا لقول الشافعي: إنها آية من كل سورة، ما عدا براءة. قوله: (في
الأصح) قيد لقوله وليست من الفاتحة وكان ينبغي ذكره عقبه ليكون إشارة إلى قول الحلواني
المتقدم لا إلى قول الشافعي، إذ لم تجر عادتهم بذكر التصحيح للإشارة إلى مذهب الغير، بل إلى
المرجوح في المذهب، ولم أر لاحد من مشايخنا القول بأنها آية من كل سورة، وإنما عزاه في البحر
وغيره إلى الشافعي فقط، فافهم. قوله: (فتحرم على الجنب) أي وما في معناه كالحائض والنفساء،
وهذا لو على قصد التلاوة. قوله: (احتياطا) علة للمسألتين، وذلك أن مذهب الجمهور أنها من
القرآن لتواترها في محلها، وخالف في ذلك مالك فكان الاحتياط حرمتها على الجنب نظرا إلى
مذهب الجمهور، وعدم جواز الاقتصار عليها في الصلاة نظرا إلى شبهة الخلاف، لان فرض القراءة
ثابت بيقين فلا يسقط بما فيه شبهة. قوله: (ولم يكفر جاحدها إلخ) جواب عما قيل من الاشكال
في التسمية: إنها إن كانت متواترة لزم تكفير منكرها، وإلا فليست قرآنا، والجواب كما في التحرير
أن القطعي إنما يكفر منكره إذا لم تثبت فيه شبهة قوية كإنكار ركن، وهنا وقد وجدت، وذلك لان
من أنكرها كمالك ادعى عدم تواتر كونها قرآنا في الأوائل، وأن كتابتها فيها لشهرة استنان الافتتاح بها
في الشرع. والمثبت يقول: إجماعهم على كتابتها مع أمرهم بتجريد المصاحف يوجب كونها قرآنا،
والاستنان لا يسوغ الاجماع لتحققه في الاستعاذة، والحق أنها من القرآن لتواترها في المصحف، وهو
دليل كونها قرآنا، ولا نسلم توقف ثبوت القرآنية على تواتر الاخبار بكونها قرآنا، بل الشرط فيما هو
قرآن تواتره في محله فقط وإن لم يتواتر كونه في محله من القرآن ا ه‍. وقوله ولا نسلم إلخ رد لما
تضمنه كلام المنكمن أن تواترها في محلها لا يستلزم كونها قرآنا، بل لا بد من تواتر الاخبار
بقرآنيتها.
والحاصل أن تواترها في محلها أثبت أصل قرآنيتها، وأما كونها قرآنا متواترا فهو متوقف على
529

تواتر الاخبار به ولذلك لم يكفر منكرها، بخلاف غيرهم لتواتر الاخبار بقرآنيته. ووقع في البحر هنا
اضطراب وخلل بينته فيما علقته عليه، وبما قررناه يعلم أنه كان على الشارح أن يبقى المتن على
حاله ويسقط قوله اختلاف مالك ليكون جوابا عن إنكار مالك أيضا قرآنيتها، لان الشبهة لم تثبت
بإنكاره، بل هي ثابتة قبله من جهة أخرى، فتدبر. قوله: (وقرأ بعدها وجوبا) الوجوب يرجع إلى
القراءة والبعدية، وأشار إلى أنه يلزم بتركها الإعادة لو عامدا كالفتحة لما في التبيين والدرر، لان
الفاتحة وإن كانت آكد للاختلاف في ركنيتها إلا أنه يظهر في الاثم لا في وجوب الإعادة كما قدمناه
في أول بحث الواجبات. قوله: (سورة) أشار إلى أن الأفضل قراءة سورة واحدة، ففي جامع
الفتاوى: روى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: لا أحب أن يقرأ سورتين بعد الفاتحة في المكتوبات،
ولو فعل لا يكره، وفي النوافل لا بأس به. قوله: (إلا بالمسنون) وهو القراءة من طوال المفصل في
الفجر والظهر، وأوساطه في العصر والعشاء، وقصاره في المغرب ط. قوله: (وأمن) هو سنة
للحديث الآتي المتفق عليه كما في شرح المنية وغيره. واتفقوا على أنه ليس من القرآن كما في
البحر: قوله: (بمد) هي أشهرها وأفصحها وقصر وهي مشهورة، ومعناه استجب ط. قوله: (وإمالة)
أي في المد لعدم تأتيها في القصر ح، وحقيقة الإمالة أن ينحى بالفتحة نحو الكسرة فتميل الألف
كان بعدها ألف نحو الياء. أشموني. قوله: (ولا تفسد إلخ) أشار به إلى أن الكلام في نفي الفساد
لا في تحصيل السنة، فإن السنة لا تحصل إلا بالثلاثة الأول كما أفاده ط. قوله: (بمد مع تشديد أو
حذف ياء) أي حالة كون المد مصاحبا لأحدهما، لا لكل منهما، ففيه صورتان:
الأولى: المد، مع التشديد بلا حذف، فلا يفسد على المفتى به عندنا، لأنه لغة فيها حكاها
الواحدي، ولأنه موجود في القرآن، لان له وجها، كما قال الحلواني: إن معناه ندعوك قاصدين
إجابتك، لان معنى آمين، قاصدين، وأنكر جماعة من مشايخنا كونها لغة وحكم بفساد الصلاة. بحر.
والصورة الثانية: المد، مع حذف الياء بلا تشديد لوجوده في قوله تعالى: * (ويلك آمن) *
(الأحقاف: 71) كما في الامداد فأو في كلامه لمنع الجمع فقط، لأنه لو أتى بالمد جامعا بين التشديد
والحذف تفسد كما نبه عليه بعد، ولو كانت لمنع الخلو أيضا بأن أتى بالمد خاليا عن التشديد
والحذف لزم التكرار لأنه اللغة الفصحى المتقدمة، فافهم. قوله: (بل بقصر مع أحدهما) أي مع
التشديد بلا حذف الياء وهو آمين لعدم وجوده في القرآن، أو مع حذف الياء بلا تشديد وهو أمن،
وفيه نظر لوجوده في قوله تعالى: * (فإن أمن) * (البقرة: 382) ح: أي ولذلك لم يذكره في البحر
والنهر.
هذا، وذكر في الحلية الأول لغة ضعيفة فقال: وقصرها وتشديد الميم، حكاها بعضهم عن
ابن الأنباري واستضعفت، ويظهر أن الأشبه فساد الصلاة بها ا ه‍. قوله: (أو بمد معها) أي مع
التشديد وحذف الباء وهو آمن فإنه مفسد لعدم وجوده في القرآن.
وحاصل ما ذكره ثمانية أوجه: خمسة صحيحة، وثلاثة مفسدة، وبقي تاسع وهو أمن بالقصر
530

مع التشديد والحذف، وهو مفسد لعدم وجوده في القرآن، ولو قال الشارح وبمد أو قصر معهما
لاستوفى ح.
قلت: وقد ذكر هذا التاسع مع الثامن في البحر، وقال: ولا يبعد فساد الصلاة فيهما. قوله:
(الامام سرا) أشار بالأول إلى خلاف مالك في تخصيص المؤتم بالتأمين دون الامام، وهو رواية الحسن
عن الامام وبالثاني إلى خلاف الشافعي أنه يأتي بها كل منهما جهرا، وقوله كإمام ومنفرد محل
اتفاق لذا أتى بالكاف. قوله: (ولو في السرية) أي لاطلاق الامر في الحديث الآتي، وهذا راجع إلى
المأموم، وكان ينبغي ذكره عقبه، وقيل لا يؤمن المأموم في السرية ولو سمع الامام لان ذلك الجهر لا
عبرة به. قوله: (ولو من مثله) أي من مقتد مثله، بأن كان مثله قريبا من الامام يسمع قراءته فأمن ذلك
المقتدي تأمين مثله القريب من الامام فيؤمن لان المناط العلم بتأمين الامام. قوله: (في نحو جمعة
وعيد) أشار بنحو إلى أن التقييد بالجمعة والعيد كما وقع في الجوهرة غير قيد، كما بحثه في
الشرنبلانية بقوله: ينبغي أن لا يختص بهما، بل الحكم في الجماعة الكثيرة كذلك. قوله: (وأما حديث
إلخ) هو ما رواه الشيخان إذا أمن الامام فأمنوا، فإنه من وافق تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من
ذنبه وهو مفيد تأمينهما، لكن في حق الامام بالإرادة لان النص لم يسق له، وفي حق المأموم بالعبارة
لأنه سيق لأجله. بحر. ثم مراد الشارح الجواب عن قول الشافعي: أن الحديث دليل على جهر الامام
بالتأمين لأنه علق تأمينهم بتأمينه. والجواب أن موضع التأمين معلوم، فإذا سمع لفظة * (ولا الضالين) *
كفى، لان الشارع طلب من الامام التأمين بعده، فصار من التعليق بمعلوم الوجود، وتمام
الأدلة في المطولات، ويظهر من هذا أن من كان بعيدا عن الامام لا يسمع قراءته أصلا لا يؤمن كما في
البحر: أي لعدم سماعه موضع التأمين، اللهم إلا أن يسمع من مثله كما مر في السرية. قوله: (فقولوا
آمين) تمام الحديث فإن الملائكة تقول آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر ما تقدم من ذنبه
رواه عبد الرزاق والنسائي وابن حبان. حلية. وفي شرح مسلم للنووي: الصحيح الصواب أن المراد
الموافقة للملائكة في وقت التأمين، وقيل في الصفة والخشوع والاخلاص، ثم قيل هم الحفظة، وقيل
غيرهم لقوله (ص) في الحديث الآخر فوافق قوله قول أهل السماء قوله: (مع الانحطاط) أفاد أن
السنة كون ابتداء التكبير عن الخرور وانتهائه عند استواء الظهر، وقيل إنه يكبر قائما، والأول هو
الصحيح كما في المضمرات، وتمامه في القهستاني. قوله: (ولا يكره إلخ) مثاله أن يقول وأما
بنعمة ربك فحدث الله أكبر بكسر الثاء المثلثة لالتقاء الساكنين ح. وفي القهستاني: وفي
قوله: ثم يكبر دلالة على أنه لا يصل التكبير بالقراءة وهذا رخصة، والأفضل الوصل. وفي شرح
المنية: وعن أبي يوسف أنه قال: ربما وصلت وربما تركت ا ه‍. وذكر في التاترخانية تفصيلا حسنا،
وهو أنه إذا كان السورة ثناء مثل وكبره تكبيرا فالوصل أولى، وإلا فالفصل أولى مثل
إن شانئك هو الأبتر فيقف ويفصل ثم يكبر للركوع. قوله: (لا بأس به عند البعض) أشار
531

بهذا إلى أن هذا القول خلاف المعتمد المشار إليه بقوله أولا ثم كما فرغ يكبر مع الانحطاط فإنه
ظاهر في أنه يتم القراءة جميعها، وبعد الفراغ منها ينحط للركوع مكبرا، والأول أصح كما في المنية،
فيكون الشارح قد نبه على القولين وأن الأول هو المعتمد والثاني ضعيف بأوجز عبارة وألطف إشارة،
فليس في كلامه إهمال كما لا يخفى على ذوي الكمال، فافهم. قوله: (ويسن أن يلصق كعبيه) قال
السيد أبو السعود: وكذا في السجود أيضا، وسبق في السنن أيضا ا ه‍. والذي سبق هو قوله وإلصاق
كعبيه في السجود سنة در ا ه‍. ولا يخفى أن هذا سبق نظر، فإن شارحنا لم يذكر ذلك لا في الدر
المختار ولا في الدر المنتقى ولم أره لغيره أيضا، فافهم، نعم ربما يفهم ذلك من أنه إذا كان السنة في
الركوع إلصاق الكعبين ولم يذكروا تفريهما بعده فالأصل بقاؤهما ملصقين في حالة السجود أيضا.
تأمل.
هذا، وكان ينبغي أن يذكر لفظ يسن عند قوله ويضع يديه ليعلم أن الوضع والاعتماد
والتفريج والالصاق والنصب والبسط والتسوية كلها سنن كما في القهستاني، قال: وينبغي أن يزاد:
مجافيا عضديه مستقبلا أصابعه، فإنهما سنة كما في الزاهدي ا ه‍. قال في المعراج وفي المجتبى: هذا
كله في حق الرجل، أما المرأة فتنحني في الركوع يسيرا ولا تفرج، ولكن تضم وتضع يديها على
ركبتيها وضع، وتحني ركبتيها ولا تجافي عضديها لان ذلك أستر لها. وفي شرح الوجيز: الخنثى
كالمرأة ا ه‍. قوله: (وينصب ساقيه) فجعلهما شبه القوس كما يفعله كثير من العوام مكروه بحر.
قوله: (وأقله ثلاثا) أي أقله يكون ثلاثا، أو أقله تسبيحه ثلاثا، وهذا أولى من جعل ثلاثا خبرا عن
أقله بنزع الخافض: أي في ثلاث، لان نزع الخافض سماعي ومع هذا فهو بعيد جدا، فافهم،
ويحتمل أن يكون أقله خبر لمبتدأ محذوف والواو للحال، والتقدير: ويسبح فيه ثلاثا وهو أقله: أي
والحال أن الثلاث أقله، وسوغ مجئ الحال من النكرة تقديمها على صاحبها وهذا الوجه أفاده شيخنا
حفظه الله تعالى. قوله: (كره تنزيها) أي بناء على أن الامر بالتسبيح للاستحباب. بحر. وفي
المعراج: وقال أبو مطيع البلخي تلميذ أبي حنيفة: إن الثلاث فرض. وعند أحمد يجب مرة كتسبيح
السجود والتكبيرات والتسميع والدعاء بين السجدتين، فلو تركه عمدا بطلت، ولو سهوا لا. وفي
القهستاني، وقيل يجب اه‍. وهذا قول ثالث عندنا. وذكر في الحلية أن الامر به والمواظبة عليه
متظافران على الوجوب، فينبغي لزوم سجود السهو أو الإعادة لو تركه ساهيا أو عامدا، ووافقه على
هذا البحث العلامة إبراهيم الحلبي في شرح المنية أيضا. وأجاب في البحر بأنه عليه الصلاة والسلام
لم يذكره للاعرابي حين علمه، فهذا صارف للامر عن الوجوب، لكن استشعر في شرح المنية ورود
هذا فأجاب عنه بقوله: ولقائل أن يقول: إنما يلزم ذلك أن لو لم يكن في الصلاة واجب خارج عما
علمه الاعرابي وليس كذلك، بل تعيين الفاتحة وضم السورة أو ثلاث آيات ليس مما علمه للاعرابي،
بل ثبت بدليل آخر فلم لا يكون هذا كذلك؟ ا ه‍.
والحاصل أن في تثليث التسبيح في الركوع والسجود ثلاثة أقوال عندنا، أرجحها من حيث
الدليل الوجوب تخريجا على القواعد المذهبية، فينبغي اعتماده كما اعتمد ابن الهمام ومن تبعه رواية
532

وجوب القومة والجلسة والطمأنينة فيهما كما مر. وأما من حيث الرواية فالأرجح السنية لأنها
المصرح بها في مشاهير الكتب، وصرحوا بأنه يكره أن ينقص عن الثلاث وأن الزيادة، مستحبة بعد أن
يختم على وتر خمس أو سبع ما لم يكن إماما فلا يطول، وقدمنا في سنن الصلاة عن أصول أبي اليسر
أن حكم السنة أن يندب إلى تحصيلها ويلام على تركها مع حصول إثم يسير، وهذا يفيد أن كراهة
تركها فوق التنزيه وتحته المكروه تحريما، وبهذا يضعف قول البحر: إن الكراهة هنا للتنزيه لأنه
مستحب وإن تبعه الشارح وغيره فتدبر.
تنبيه: السنة في تسبيح الركوع سبحان ربي العظيم، إلا إن كان لا يحسن الظاء فيبدل به
الكريم، لئلا يجري على لسانه العزيم فتفسد به الصلاة، كذا في شرح درر البحار، فليحفظ فإن
العامة عنه غافلون حيث يأتون بدل الظاء بزاي مفخمة.
مطلب في إطالة الركوع للجائي
قوله: (وكره تحريما) لما في البدائع والذخيرة عن أبي يوسف قال: سألت أبا حنيفة وابن أبي
ليلى عن ذلك فكرها. وقال أبو حنيفة: أخشى عليه أمرا عظيما: يعني الشرك، وروى هشام عن
محمد أنه كره ذلك أيضا، وكذا روي عن مالك والشافعي في الجديد، وتوهم بعضهم من كلام الامام
أنه يصير مشركا فأفتى بإباحة دمه وليس كذلك وإنما أراد الشرك في العمل لان أول الركوع كان لله
تعالى وآخره للجائي ولا يكفر، لأنه ما أراد التذلل والعبادة له، وتمامه في الحلية والبحر. قوله:
(إطالة ركوع أو قراءة) وكذا القعود الأخير قبل السلام. وذكر في السراج أن فيه خلافا، وأشار إلى
أن الكلام في المصلي، فلو انتظر قبل الصلاة ففي أذان البزازية: لو انتظر الإقامة ليدرك الناس
الجماعة يجوز لواحد بعد الاجتماع، لا إلا إذا كان داعرا شريرا ا ه‍. قوله: (أي إن عرفه) عزاه في
شرح المنية إلى أكثر العلماء: أي لان انتظاره حينئذ يكون للتودد إليه لا للتقرب والإعانة على
الخير. قوله: (وإلا فلا بأس) أي وإن لم يعرفه فلا بأس به لأنه إعانة على الطاعة، لكن يطول مقدار
ما لا يثقل على القوم، بأن يزيد تسبيحة أو تسبيحتين على المعتاد، ولفظة لا بأس تفيد في
الغالب أن تركه أفضل. وينبغي أن يكون هنا كذلك، فإن فعل العبادة لأمر فيه شبهة عدم إخلاصها لله
تعالى لا شك أن تركه أفضل، لقوله عليه الصلاة والسلام دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ولأنه
وإن كان إعانة على إدراك الركعة ففيه إعانة على التكاسب وترك المبادرة والتهيؤ للصلاة قبل حضور
وقتها، فالأولى تركه. شرح المنية. قوله: (ولو أراد التقرب إلى الله تعالى) أي خاصة من غير أن
يتخالج قلبه سوى التقرب حتى ولا الإعانة على إدراك الركعة، فيكون حينئذ هو الأفضل، لكنه في
غاية الندرة.
ويمكن أن يراد بالتقرب الإعانة على إدراك الركعة لما فيه من إعانة عباد الله على طاعته،
فيكون الأفضل تركه لما فيه من الشبهة التي ذكرناها. شرح المنية ملخصا.
أقول: قصد الإعانة على إدراك الركعة مطلوب، فقد شرعت إطالة الركعة الأولى في الفجر
اتفاقا، وكذا في غيره على الخلاف إعانة للناس على إدراكها لأنه وقت نوم وغفلة كما فهم الصحابة
533

ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام. وفي المنية: ويكره للامام أن يعجلهم عن إكمال السنة. ونقل
في الحلية عن عبد الله بن المبارك وإسحاق وإبراهيم والثوري أنه يستحب للامام أن يسبح خمس
تسبيحات ليدرك من خلفه الثلاث ا ه‍. فعلى هذا إذا قصد إعانة الجائي فهو أفضل بعد أن لا يخطر
بباله التودد إليه ولا الحياء منه ونحوه، ولهذا نقل في المعراج عن الجامع الأصغر أنه مأجور، لقوله: تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * (المائدة: 2) وفي
أذان التاترخانية قال: وفي المنتقى أن تأخير
المؤذن وتطويل القراءة لادراك بعض الناس حرام، هذا إذا مال لأهل الدنيا تطويلا وتأخيرا يشق على
الناس.
فالحاصل أن التأخير القليل لإعانة أهل الخير غير مكروه ا ه‍. قال ط: ويظهر أن التقرب إطالة
الامام الركوع لادراك مكبر لو رفع الامام رأسه قبل إدراكه يظن أنه أدرك الركعة، كما يقع لكثير من
العوام فيسلم مع الامام بناء على ظنه، ولا يتمكن الامام من أمره بالإعادة أو الاتمام. قوله: (واعلم
إلخ) قدمنا في بحث الواجبات الكلام على المتابعة بما لا يزيد عليه، وحققنا هناك أن المتابعة
بمعنى عدم التأخير واجبة في الفرائض والواجبات وسنة في السنن، فالتقييد بالأركان هنا فيه نظر،
على أن الرفع من الركوع أو السجود واجب أو سنة. وأيضا فإن المتابعة لم يتعرض لها المصنف هنا
حتى يكون كلامه مبنيا عليها، بل كان ينبغي بناء قوله وجب متابعته على قوله ويسبح فيه ثلاثا
فإن سنة على المعتمد المشهور في المذهب لا فرض ولا واجب كما مر، فلا يترك المتابعة الواجبة
لأجلها. تأمل. قوله: (وجب متابعته) أي في الأصح من الروايتين كما في البحر. قوله: (وكذا
عكسه) وهو أن يرفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل أن يتم الامام التسبيحات ح. قوله:
(فيعود) أي المقتدي لوجوب متابعته لامامه في إكمال الركوع وكراهة مسابقته له: فلو لم يعد ارتكب
كراهة التحريم. قوله: (ولا يصير ذلك ركوعين) لان عوده تتميم للركوع الأول لا ركوع مستقل ح.
قوله: (فإنه لا يتابعه إلخ) أي ولو خاف أن تفوته الركعة الثالثة مع الامام كما صرح به في الظهيرية،
وشمل بإطلاقه ما لو اقتدى به في أثناء التشهد الأول أو الأخير، فحين قعد قام إمامه أو سلم،
ومقتضاه أنه يتم التشهد ثم يقوم ولم أره صريحا، ثم رأيته في الذخيرة ناقلا عن أبي الليث: المختار
عندي أن يتم التشهد وإن لم يفعل أجزأه ا ه‍، ولله الحمد. قوله: (لوجوبه) أي لوجوب التشهد كما
في الخانية وغيرها، ومقتضاه سقوط وجب المتابعة كما سنذكره وإلا لم ينتج المطلوب فافهم.
قوله: (ولو لم يتم جاز) أي صح مع كراهة التحريم كما أفاده ح، ونازعه ط والرحمتي، وهو مفاد ما
في شرح المنية حيث قال: والحاصل أن متابعة الامام في الفرائض والواجبات من غير تأخير واجبة
فإن عارضها واجب لا ينبغي أن يفوته، بل يأتي به ثم يتابعه، لان الاتيان به لا يفوت المتابعة بالكلية
وإنما يؤخرها، والمتابعة مع قطعة تفوته بالكلية، فكان تأخير أحد الواجبين مع الاتيان بهما أولى من
ترك أحدهما بالكلية، بخلاف ما إذا عرضتها سنة لان ترك السنة أولى من تأخير الواجب ا ه‍.
أقول: ظاهره أن إتمام التشهد أولى لا واجب، لكن لقائل أن يقول: إن المتابعة الواجبة هنا
534

معناها عدم التأخير فيلزم من إتمام التشهد تركها بالكلية، فينبغي التعليل بأن المتابعة المذكورة إنما
تجب إذا لم يعارضها واجب، كما أن رد السلام واجب، ويسقط إذا عارضه وجوب استماع الخطبة،
ومقتضى هذا أنه يجب إتمام التشهد، لكن قد يدعى عكس التعليل فيقال: إتمام التشهد واجب إذا لم
يعارضه وجوب المتابعة، نعم قولهم لا يتابعه يدل على بقاء وجوب الاتمام وسقوط المتابعة لتأكد
ما شرع فيه على ما يعرض بعده، وكذا ما قدمناه عن الظهيرية، وحينئذ فقولهم ولو لم يتم، جاز
معناه: صح مع الكراهة التحريمية ويدل عليه أيضا تعليلهم بوجوب التشهد، إذ لو كانت المتابعة واجبة
أيضا لم يصح التعليل كما قدمناه، فتدبر ويدل عليه أيضا تعليلهم بوجوب التشهد، إذ لو كانت المتابعة واجبة وبه
صرح في شرح المنية. قوله: (سمعا) أي قائلا: سمع الله لمن حمده، وأفاد أنه لا يكبر حالة الرفع
خلافا لما في المحيط من أنه سنة، وإن ادعى الطحاوي تواتر العمل به، لما روي أن النبي صلى الله
عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعليا وأبا هريرة رضي الله تعالى عنهم كانوا يكبرون عند كل خفض
ورفع فقد أجاب في المعراج بأن المراد بالتكبير الذكر الذي فيه تعظيم لله تعالى جمعا بين الروايات
والآثار والاخبار ا ه‍. قوله: (لو أبدل النون لاما) بأن قال لمل حمده تفسد، لكن في منية المصلي في
بحث زلة القارئ: يرجى أن لا تفسد. قال الحلبي في شرحها: لقرب المخرج، والظاهر أن حكمه
حكم الألثغ ا ه‍. واستحسنه صاحب القنية، بل قال في الحلية: وقد ذكر الحلواني أن من الصحابة من
رواه عن النبي (ص) وهي لغة بعض العرب، ثم نقل عن الحدادي اختلاف المشايخ في الفساد بإبدال
النون لاما في - أنعمت - وفي - دينكم - وفي - المنفوش.
قوله: (قولان) فمن قال إن الهاء في حمده للسكت يقف بالجزم. أو أنها كناية: أي ضمير
يقولها بالتحريك والاشباع. وفي فتاوي الصوفي: المستحب الثاني ا ه‍. خزائن. وذكر الشارح في
مختصر الفتاوى الصوفية أن ظاهر المحيط التخيير. ثم قال: أو هي اسم لا ضمير، فلا تسكن بحال،
وهذا الوجه أبلغ لان الاظهار في أسماء الله تعالى أفخم من الاضمار، كذا في تفسير البستي. زاد في
المخيط: ولان تحريك الهاء أثقل وأشق، وأفضل العبادة أشقها ا ه‍ ملخصا.
والحاصل أن القواعد تقتضي إسكانها إذا كانت للسكت، وإن كانت ضميرا فلا تحرك إلا في
الدرج، فيحتمل أن يكون مراد القائل بتحريكها في الوقف الروم المشهور عند القراء. وإذا ثبت أن
هو من أسمائه تعالى كما ذكره بعض الصوفية لا يصح إسكان الهاء بحال، بل لا بد من ضمها
وإشباعها لتظهر الواو الساكنة. ولسيدي عبد الغني رسالة حقق فيها مذهب السادة الصوفية في أن هو
علم بالغلبة في اصطلاحهم عليه تعالى، وأنه اسم ظاهر لا ضمير، ونقله عن جماعة منهم العصام في
حاشية البيضاوي، والفاسي في شرح الدلائل، والامام الغزالي، والعارف الجيلي وغيرهم، لكن
كونه المراد هنا خلاف الظاهر، ولهذا قال في المعراج عن الفوائد الحميدية: الهاء في حمده للسكت
والاستراحة لا للكناية، كذا نقل عن الثقات. وفي المستصفى أنها للكناية وقال في التاترخانية: وفي
الأنفع الهاء للسكت والاستراحة. وفي الحجة أنه يقولها بالجزم ولا يبين الحركة ولا يقول هو ا ه‍.
قوله: (وقالا يضم التحميد) هو رواية عن الامام أيضا، وإليه مال الفضلي والطحاوي وجماعة من
المتأخرين. معراج عن الظهيرية. واختاره في الحاوي القدسي، ومشى عليه في نور الايضاح، لكن
535

المتون على قول الإمام. قوله: (ثم حذف اللهم) أي مع إثبات الواو، وبقي رابعة وهي حذفهما،
والأربعة في الأفضلية على هذا الترتيب كما أفاده بالعطف بثم. قوله: (على المعتمد) أي من أقوال
ثلاث مصححة. قال في الخزائن: وهو الأصح كما في الهداية والمجمع والملتقى، وصحح في
المبسوط أنه كالمؤتم، وصحح في السراج معزيا لشيخ الاسلام أنه كالامام. قال الباقاني: والمعتمد
الأول ا ه‍. قوله: (يسمع) بتشديد الميم كما في يحمد ح: أي لكونهما من التسميع والتحميد. قال
ط: ولا يتعين التشديد في الثاني بخلاف الأول، إذ لو خفف لأفاد خلاف المراد. قوله: (مستويا)
هو للتأكيد، فإن مطلق القيام إنما يكون باستواء الشقين، وإنما أكد لغفلة الأكثرين عنه فليس
بمستدرك. كما ظن. قهستاني، أو للتأسيس والمراد منه التعليل كما أفاده في العناية. قوله: (لما مر
من أنه سنة) أي على قولهما، أو واجب: أي على ما اختاره الكمال وتلميذه، أو فرض: أي على
ما قاله أبو يوسف، ونقله الطحاوي عن الثلاثة ط. قوله: (ثم يكبر) أتى بثم للاشعار بالاطمئنان فإنه
سنة أو واجب على ما اختاره الكمال. قوله: (مع الخرور) بأن يكون ابتداء التكبير عند ابتداء الخرور
وانتهاؤه عند انتهائه شرح المنية، ويخر للسجود قائما مستويا لا منحنيا لئلا يزيد ركوعا آخر يدل عليه
ما في التاترخانية: لو صلى فلما تكلم تذكر أنه ترك ركوعا، فإن كان صلى صلاة العلماء الأتقياء
أعاد، وإن صلى صلاة العوام فلا، لان العالم التقي ينحط للسجود قائما مستويا والعامي ينحط
منحنيا، وذلك ركوع لان قليل الانحناء محسوب من الركوع ا ه‍ تأمل. قوله: (واضعا ركبتيه ثم يديه)
قدمنا الخلاف في أنه سنة أو فرض أو واجب، وأن الأخير أعدل الأقوال، وهو اختيار الكمال،
ويضع اليمنى منهما أولا ثم اليسرى كما في القهستاني، لكن الذي في الخزائن: واضعا ركبتيه ثم
يديه إلا أن يعسر عليه لأجل خف أو غيره فيبدأ باليدين ويقدم اليمنى ا ه‍. ومثله في البدائع
والتاترخانية والمعراج والبحر وغيرها، ومقتضاه أن تقديم اليمنى إنما هو عند العذر الداعي إلى
وضع اليدين أو لا، وأنه لا تيامن في وضع الركبتين، وهو الذي يظهر لعسر ذلك. قوله: (مقدما
أنفه) أي على جبهته، وقوله لما مر أي لقربه من الأرض، وما ذكره مأخوذ من البحر، لكن في
البدائع: ومنها: أي من السنن أن يضع جبهته ثم أنفه. وقال بعضهم: أنفه ثم جبهته ا ه‍. ومثله في
التاترخانية والمعراج عن شرح الطحاوي، ومقتضاه اعتماد تقديم الجبهة وأن العكس قول البعض.
تأمل. قوله: (بين كفيه) أي بحيث يكون إبهاماه حذاء أذنيه كما في القهستاني. وعند الشافعي يضع
يديه حذو منكبيه. والأول في صحيح مسلم. والثاني في صحيح البخاري. واختار المحقق ابن
الهمام سنية كل منهما بناء على أنه عليه الصلاة والسلام فعل كلا أحيانا. قال: إلا أن الأول أفضل،
لان فيه زيادة المجافاة المسنونة ا ه‍. وأقره شراح المنية والشرنبلالي. قوله: (اعتبارا الآخر الركعة
بأولها) فكما يجعل رأسه بين يديه عند التحريمة فكذا عند السجود. سراج عن المبسوط، وباقي
الركعات ملحقة بأولاها التي فيها التحريمة. قوله: (ضاما أصابع يديه) أي ملصقا جنبات بعضها
ببعض. قهستاني وغيره. ولا يندب الضم إلا هنا، ولا التفريج إلا في الركوع كما في الزيلعي
536

وغيره. قوله: (لتتوجه للقبلة) فإنه لو فرجها يبقى الابهام والخنصر غير متوجهين، وهذا التعليل عزاه
في هامش الخزائن إلى الشمني وغيره. قال: وعلله في البحر بأن في السجود تنزل الرحمة وبالضم
ينال أكثر. قوله: (ويعكس نهوضه) أي يرفع في النهوض من السجدة وجهه أولا ثم يديه ثم ركبتيه.
وهل يرفع الانف قبل الجبهة: أي على القول بأنه يضعه قبلها؟ قال في الحلية: لم أقف على صريح
فيه. قوله: (أي على ما صلب منه) وأما ما لان منه فلا يجوز الاقتصار عليه بإجماعهم. بحر. قوله:
(حدها طولا إلخ) الصدغ: بضم الصاد ما بين العين والاذن. والقحف: بالكسر العظم فوق الدماغ.
قاموس. وهذا الحد عزاه في هامش الخزائن إلى شرح المنية عن التجنيس، ثم قال: وقيل هي ما
اكتنفه الجبينان، وقيل هي ما فوق الحاجبين إلى قصاص الشعر، وهذا أوضح والمعنى واحد ا ه‍.
قوله: (ووضع أكثرها واجب إلخ) اختلف هل الفرض وضع أكثر الجبهة أم بعضها وإن قل؟ قولان،
أرجحهما الثاني، نعم وضع أكثر الجبهة واجب للمواظبة كما حرره في البحر. وفي المعراج: وضع
جميع أطراف الجبهة ليس بشرط إجماعا، فإذا اقتصر على بعض الجبهة جاز وإن قل، كذا ذكره أبو
جعفر. خزائن. قوله: (كبعضها وإن قل) لما كان وضع ما دون الأكثر متفقا على فرضيته جعله
مشبها به وحاصله أن صاحب هذا القيل ألحق الأكثر بما دونه في الفرضية. قوله: (كما حررناه في
شرح الملتقى) حيث قال: وإليه صح رجوع الامام كما في الشرنبلانية عن البرهان، وعليه الفتوى
كما في المجمع وشروحه، والوقاية وشروحها، والجوهرة، وصدر الشريعة، والعيني، والبحر
والنهر وغيرها ا ه‍. وذكر العلامة قاسم في تصحيحه أن قولهما رواية عنه وأن عليها الفتوى.
هذا، وقد استشكله المحقق في الفتح بأن القول بعدم جواز الاقتصار على الانف يلزم منه
الزيادة على الكتاب بخبر الواحد، يعني حديث أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وقال: الحق أن
مقتضاه ومقتضى المواظبة الوجوب، فلو حمل قوله على كراهة التحريم وقولهما على وجوب الجمع
لارتفع الخلاف، وأقره في شرح المنية وكذا في البحر، وزاد أن الدليل يقتضي وجوب السجود على
الانف أيضا كما هو ظاهر الكنز والمصنف، فإن الكراهة عند الاطلاق للتحريم، وبه صرح في
المفيد والمزيد، فما في البدائع، والتحفة والاختيار من عدم كراهة ترك السجود على الانف
ضعيف ا ه‍، وهذا الذي حط عليه كلام صاحب الحلية فقال بعدما أطال في الاستدلال: فالأشبه
وجوب وضعهما معا، وكراهة ترك وضع كل تحريما، وإذا كان الدليل ناهضا به فلا بأس بالقول
به ا ه‍. والله سبحانه أعلم. قوله: (وفيه إلخ) أي في شرح الملتقى، وكذا قال في الهداية. وأما
وضع القدمين فقد ذكر القدوري أنه فرض في السجود ا ه‍. فإذا سجد ورفع أصابع رجليه لا يجوز،
كذا ذكره الكرخي والجصاص، ولو وضع إحداهما جاز. قال قاضيخان: ويكره. وذكر الامام
التمرتاشي أن اليدين والقدمين سواء في عدم الفرضية، وهو الذي يدل عليه كلام شيخ الاسلام في
مبسوطه، وكذا في النهاية والعناية. قال في المجتبى: قلت ظاهر ما في مختصر الكرخي والمحيط
537

والقدوري أنه إذا رفع إحداهما دون الأخرى لا يجوز. وقد رأيت في بعض النسخ فيه روايتان ا ه‍.
ومشى على رواية الجواز رفع إحداهما في الفيض والخلاصة وغيرهما، فصار في المسألة ثلاث
روايات: الأولى فرضية وضعهما. الثانية فرضية إحداهما. الثالثة عدم الفرضية، وظاهره أنه سنة. قال
في البحر: وذهب شيخ الاسلام إلى أن وضعهما سنة فتكون الكراهة تنزيهية ا ه‍. وقد اختار في
العناية هذه الرواية الثالثة وقال: إنها الحق، وأقره في الدرر. ووجهه أن السجود لا يتوقف تحققه
على وضع القدمين فيكون افتراض وضعهما زيادة على الكتاب بخبر الواحد، لكن رده في شرح
المنية وقال إن قوله هو الحق بعيد عن الحق وبضده أحق، إذ لا رواية تساعده والدراية تنفيه، لان
ما لا يتوصل إلى الفرض إلا به فهو فرض، وحيث تظافرت الروايات عن أئمتنا بأن وضع اليدين
والركبتين سنة، ولم ترد رواية بأنه فرض تعين وضع القدمين أو إحداهما للفرضية، ضرورة التوصل
إلى وضع الجبهة، وهذا لو لم ترد به عنهم رواية، كيف والروايات فيه متوافرة ا ه‍. ويؤيده ما في
شرح المجمع لمصنفه حيث استدل على أن وضع اليدين والركبتين سنة بأن ماهية السجدة حاصلة
بوضع الوجه والقدمين على الأرض إلخ، وكذا ما في الكفاية عن الزاهدي من أن ظاهر الرواية ما
ذكر في مختصر الكرخي، وبه جزم في السراج فقال: لو رفعهما في حال سجوده لا يجزيه، ولو رفع
إحداهما جاز. وقال في الفيض: وبه يفتى.
هذا، وقال في الحلية: والأوجه على منوال ما سبق هو الوجوب لما سبق عن الحديث ا ه‍:
أي على منوال من حققه شيخه من الاستدلال على وجوب وضع اليدين والركبتين، وتقدم أنه أعدل
الأقوال فكذا هنا، فيكون وضع القدمين كذلك، واختاره أيضا في البحر والشرح نبلالية.
قلت: ويمكن حمل كل من الروايتين السابقتين عليه بحمل ما ذكره الكرخي وغيره من عدم
الجواز برفعهما على عدم الحل لا عدم الصحة، وكذا نفى التمرتاشي وشيخ الاسلام فرضية
وضعهما لا ينافي الوجوب، وتصريح القدوري بالفرضية يمكن تأويله، فإن الفرض قد يطلق على
الواجب. تأمل. وما مر عن شرح المنية للبحث فيه مجال، لان وضع الجبهة لا يتوقف تحققه على
وضع القدمين، بل توقفه على الركبتين واليدين أبلغ، فدعوى فرضية وضع القدمين دون غيرهما
ترجيح بلا مرجح، والروايات المتظافرة إنما هي في عدم الجواز كما يظهر من كلامهم في الفرضية،
وعدم الجواز صادق بالوجوب كما ذكرنا، ولم ينقل التعبير بالفرضية إلا عن القدوري، ولهذا والله
أعلم قال في البحر: وذكر القدوري أن وضعهما فرض، وهو ضعيف اه‍.
والحاصل أن المشهور في كتب المذهب اعتماد الفرضية، والأرجح من حيث الدليل والقواعد
عدم الفرضية، ولذا قال في العناية والدرر: إنه الحق. ثم الأوجه حمل عدم الفرضية على الوجوب،
والله أعلم. قوله: (ولو واحدة) صرح به في الفيض. قوله: (نحو القبلة) قال في البزازية: والمراد
بوضع القدم هنا وضع الأصابع أو جزء من القدم وإن وضع أصبعا واحدة أو ظهر القدم بلا أصابع،
إن وضع مع ذلك إحدى قدميه صح إلا لا ا ه‍. قال في شرح المنية بعد نقله ذلك: وفهم منه أن
المراد بوضع الأصابع توجيهها نحو القبلة ليكون الاعتماد عليها، وإلا فهو وضع ظهر القدم، وقد
جعلوه غير معتبر، وهذا مما يجب التنبه له، فإن أكثر الناس عنه غافلون اه‍.
أقول: وفيه نظر، فقد قال في الفيض: ولو وضع ظهر القدم دون الأصابع، بأن كان المكان
538

ضيقا أو وضع إحداهما دون الأخرى لضيقه جاز، كما لو قام على قدم واحد، وإن لم يكن المكان
ضيقا يكره ا ه‍. فهذا صريح في اعتبار وضع ظاهر القدم، وإنما الكلام في الكراهة بلا عذر، لكن
رأيت في الخلاصة أن وضع إحداهما ب‍ " إن " الشرطية بدل أو العاطفة ا ه‍. لكن هذا ليس صريحا في
اشتراط توجيه الأصابع، بل المصرح به أن توجيهها نحو القبلة سنة يكره تركها، كما في البرجندي
والقهستاني وسيأتي تمامه عند تعرض المصنف له قريبا. قوله: (تنزيها) لما كان في المتن اشتباه
فإنه جعل الكراهة في الاقتصار على أحدهما، وفي السجود على الكور واحدة، وهي في الأولى
تحريمية وفي الثانية تنزيهية، وأشار إلى توضيحه، وقد أفاده في البحر ط. قوله: (بكور) الباء بمعنى
على كما في أبي السعود، وهو بفتح الكاف كما في القاموس، والذي في الشبراملسي على المواهب
عن عصام أنه بالضم، وبالفتح شاذ، وهو دور العمامة ط. قوله: (بشرط كونه) أي كون الكور الذي
سجد عليه على الجبهة لا فوقها. ولما كان الكور مفردا مضافا يعم ربما يتوهم أنه إذا كانت العمامة
ذات أكوار: كور منها على الجبهة، وكور منها أرفع منه على الرأس، وهكذا إنه يصح السجود على
أي كور منها نبه على دفعه بقوله بشرط إلخ وهذا معنى قوله في الشرنبلالية: أي دور من أدوارها
نزل على جبهته، لا جملتها كما يفعله بعض من لا علم عنده ا ه‍. فقوله لا جملتها معناه ما قلناه،
وليس معناه أنه إذا كان على الجبهة أكثر من كور واحد لا يصح السجود عليه حتى يعترض عليه بأن
العلة وجدان الحجم فلا يتقيد بكور واحد، فإن هذا المعنى لا يتوهمه أحد، ويدل على أن مراد
الشرنبلالي ما قلناه آخر عبارته حيث قال: وقد نبهنا بما ذكرنا تنبيها حسنا، وهو أن صحة السجود
على الكور إذا كان على الجبهة أو بعضها، أما إذا كان على الرأس فقط وسجد عليه ولم تصب
جبهته الأرض على القول بتعيينها ولا أنفه على مقابله لا تصح ا ه‍ فافهم.
قوله: (كما مر) أي في قوله وقيل فرض كبعضها إن قل ح قوله: (أي ولم تصب) الأولى حذف الواو لأنه بيان لقوله
مقتصرا ط قوله (على القول به) أي بجواز الاقتصار على الانف. قوله: (على محله) أي محل
السجود الذي هو الجبهة والأنف. قوله: (وبشرط) معطوف على قول المصنف بشرط. قوله:
(وأن يجد حجم الأرض) تفسيره أن الساجد لو بالغ لا يتسفل رأسه أبلغ من ذلك، فصح على طنفسة
وحصير وحنطة وشعير وسرير وعجلة إن كانت على الأرض، لا على ظهر حيوان كبساط مشدود بين
أشجار، ولا على أرز أو ذرة إلا في جوالق أو ثلج إن لم يلبده وكان يغيب فيه وجهه ولا يجد
حجمه، أو حشيش إلا إن وجد حجمه، ومن هنا يعلم الجواز على الطراحة القطن، فإن وجد
الحجم جاز وإلا فلا. بحر. قوله: (والناس عنه غافلون) أي عن اشتراط وجود الحجم في السجود
على نحو الكور والطراحة كما يغفلون عن اشتراط السجود على الجبهة في كور العمامة. قوله:
(صح) أي لان اعتبار الكم تبعا للمصلي يقتضي عدم اعتباره حائلا فيصير كأنه سجد بلا حائل. ولا
يجوز مس المصحف بكمه كما لا يجوز بكفه. قوله: (المبسوط عليه ذلك) الإشارة إلى الكم أو
539

فاضل الثوب. قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يكن طاهرا فلا يصح في الأصح، وإن كان في المرغيناني
صحح الجواز فإنه ليس بشئ. فتح. قوله: (فيصح اتفاقا) أي إن أعاد سجوده على طاهر صح
اتفاقا، ولم أر نقل هذه المسألة بخصوصها، وإنما رأيت في السراج ما يدل عليها حيث قال: إن
كانت النجاسة في موضع سجوده، فعن أبي حنيفة روايتان: إحداهما أن صلاته لا تجوز لان السجود
ركن كالقيام، وبه قال أبو يوسف ومحمد وزفر، لان وضع الجبهة عندهم فرض والجبهة أكثر من قدر
الدرهم، فإذا استعمله في الصلاة لم تجز، وإن أعاد تلك السجدة على موضع طاهر جاز عند
أصحابنا الثلاثة، وعند زفر لا يجوز إلا باستئناف الصلاة. والرواية الثانية عن أبي حنيفة أن صلاته
جائزة، لان الواجب عنده في السجود أن يسجد على طرف أنفه وذلك أقل من قدر الدرهم ا ه‍.
فقوله وإن أعاد الخ يدل على ما ذكره الشارح بالأولى، لا هذا في السجود على النجس بلا
حائل، لكن في المنية وشرحها ما يخالفه، فإنه قال: ولو سجد على شئ نجس تفسد صلاته سواء
أعاد سجوده على طاهر أو لا عندهما. وقال أبو يوسف: إن أعاده على طاهر لا تفسد، وهذا بناء
على أنه بالسجود على النجس تفسد السجدة لا الصلاة عنده. وعندهما تفسد الصلاة لفساد جزئها
وكونه لا تتجزى ا ه ملخصا. وفي إمداد الفتاح: لا يصح لو أعاده على طاهر في ظاهر الرواية،
وروي عن أبي يوسف الجواز ا ه‍. والخلاف في هذا الوجه هو المذكور في المجمع والمنظومة
والكافي والدرر والمواهب وغيرها، وكذا في بحث النهي من كتب الأصول كالمنار والتحرير
وأصول فخر الاسلام. وأما على الوجه الذي ذكره في السراج فقد عزاه في شرح التحرير إلى شرح
القدوري على مختصر الكرخي، وعزاه في الحلية إلى الزاهدي والمحيط عن النوادر معللا بأن
الوضع ليس باستعمال للنجاسة حقيقة، فانحطت درجته عن الحلم فلم يفسد لكنه لم يقع معتدا
به ا ه‍. لكن يكفينا كون ما في السراج رواية النوادر، وما في عامة الكتب هو ظاهر الرواية كما مر
عن الامداد، وبه صرح في الحلية والبدائع، ويؤيده ما صرحوا به بلا نقل، خلاف من اشتراط طهارة
الثوب والبدن والمكان، فلو وقف ابتداء على مكان نجس لا تنعقد صلاته. وفي الخانية: إذا وقف
المصلي على مكان طاهر ثم تحول إلى مكان نجس ثم عاد إلى الأولى إن لم يمكث على النجاسة
مقدار ما يمكنه فيه أداء أدنى ركن جازت صلاته وإلا فلا ا ه‍. وهذا كله إذا كان السجود أو القيام
على النجاسة بلا حائل متفصل، وقد علمت مما قدمناه عن الفتح عدم اعتبارهم الحائل المتصل حائلا
لتبعيته للمصلي، ولذا لو قام على النجاسة وهو لابس خفا لم تصح صلاته وكذلك السجود، ولو
اعتبر حائلا لصحت سجدته بدون إعادتها على طاهر فعلم أن ما ذكره الشارح مبني على ما في
السراج وقد علمت أنه خلاف ما في عامة كتب المذهب وخلاف ظاهر الرواية، والله أعلم. قوله:
(وكذا حكم كل متصل) أي يصح السجود عليه بشرط طهارة ما تحته. قوله: (ولو بعضه إلخ) كذا
أطلقت الصحة في كثير من الكتب. وزاد في القنية أنه يكره: أي لما فيه من مخالفة المأثور. وقال
في الفتح: ينبغي ترجيح الفساد على الكف والفخذ. قال في شرح المنية: وما في القنية هو
الوسط: أي وخير الأمور أوساطها. قوله: (وفخذه لو بعذر) أي بزحمة كما في المنية، لكن قال في
الحلية: والذي ينبغي أنه إنما يجوز بالعذر الشرعي المجوز للايماء به باعتبار ما في ضمنه من الايماء
540

به، كما قلنا فيما لو رفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه وخفض رأسه، ومن المعلوم أن الزحام ليس
بعذر مجوز للايماء بالسجود ا ه‍.
قلت: الظاهر أنه مجوز له، فإن ما يأتي من تجويزه على ظهر مصل صلاته يفيده. تأمل. والظاهر
أن هذه المسألة مفروضة على تقدير الامكان، وإلا فالسجود على الفخذ غير ممكن عادة. قوله: (لا
ركبته) أي بعذر أو بدونه، لكن يكفيه الايماء لو بعذر. زيلعي وغيره. قوله: (إنها كفخذه) أي فيصح
بعذر، والخلاف مبني على أن الشرط في السجود وضع أكثر الجبهة أو بعضها وإن قل، ومعلوم أن
الركبة لا تستوعب أكثر الجبهة، وقد علمت أن الأصح هو الثاني، فلذا صحح الحلبي الجواز ح.
قوله: (وكره بسط ذلك) أي ما ذكر من الحائل المتصل به، أما المنفصل فلا يكره كما يأتي. قوله:
(لأنه
ترفع) أي تكبر، فيكره تحريما إن قصد ذلك. قوله: (وإلا يكن ترفعا) أي وإن لم يكن قصد بذلك
ترفعا، وكان ينبغي التصريح فيما قبله بقصد الترفع حتى تظهر المقابلة، ثم مراد الشارح بهذا وما بعده
التوفيق بين عباراتهم، ففي بعضها يكره، وفي بعضها لا بأس به، وفي بعضها لا بأس به، وفي بعضها
لا يكره، فأشار إلى حمل كل منها على حاله كما وفق به في البحر تبعا للحلية. قوله: (كره) أي لأنه
دليل قصد الترفع بخلافه عن العمامة فإنه لصيانة المال. فقوله (وصحح الحلبي إلخ) حيث قال: وأما
على الخرقة ونحوها فالصحيح عدم الكراهة، ففي الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام كان
تحمل له الخمرة فيسجد عليها وهي حصيرة صغيرة من الخوص، ويحكى عن الامام أنه سجد في
المسجد الحرام على الخرقة فنهاه رجل، فقال له الامام: من أين أنت؟ فقال: من خوارزم، فقال
الامام. جاء التكبير من ورائي: أي تتعلمون منا ثم تعلمونا، هل تصلون على البواري في بلادكم؟
قال: نعم، فقال: تجوز الصلاة على الحشيش ولا تجوزها على الخرقة.
والحاصل أنه لا كراهة في السجود على شئ مما فرش على الأرض مما لا يتحرك بحركة
المصلي بالاجماع إلخ ا ه‍. ولكن الأفضل عند السجود على الأرض أو على ما تنبته كما في نور
الايضاح ومنية المصلي. قوله: (لأنه أقرب للتواضع) أي لقربه من الأرض. وعلل في البزازية أيضا
بأن الذيل في مساقط الزبل وطهارة موضع القدمين في القيام شرط وفاقا، وموضع السجدة مختلف
لأنها تتأتى بالأنف وهو أقل من الدرهم ا ه‍. قوله: (لم أره) أصل التوقف للشرنبلالي، وهذا بناء
على القول الشارط أن يكون السجود على ظهر مصل صلاته، وهو الذي مشى عليه في المتن
541

كالوقاية والملتقى والكمال وابن الكمال والخلاصة والواقعات وغيرها، ولا يخفى أن مفاهيم الكتب
معتبرة. وأما ما سيأتي عن القهستاني من عدم اشتراط الظهر وعدم اشتراط المشاركة في الصلاة فهو
قول آخر مخالف لما في عامة الكتب، على أنه ليس في القهستاني عدم اشتراط الظهر، فافهم.
قوله: (وشرط في المجتبى إلخ) عبر عنه في المعراج بقيل. قوله: (لكن إلخ) استدراك على
المجتبى. وعبارة القهستاني: هذا إذا كان ركبتاه على الأرض وإلا فلا يجزئه وقيل لا يجزيه (1) وإن
كان سجود الثاني على ظهر الثالث كما في جمعة الكفاية. وفي الكلام إشارة إلى أن المستحب
التأخير إلى أن يزول الزحام كما في الجلابي، وإلى أنه لا يجوز غير الظهر، لكن في الزاهدي: يجوز
على الفخذين والركبتين بعذر على المختار، وعلى اليدين والكمين مطلقا، وإلى أنه لا يجوز على
ظهر غير المصلي كما قال الحسن، لكن في الأصل أنه يجوز كما في المحيط. وفي تيمم الزاهدي:
يجوز على ظهر كل مأكول ا ه‍. قوله: (وعلى ظهر غير المصلي) أي بأن سجد على أليتيه أو على
عقب رجله، لكن ليس هذا موجودا (2) في عبارة القهستاني كما علمته. قوله: (بل على غير الظهر
كالفخذين) أي فخذي نفسه كما مر. قوله: (ولو كان إلخ) المسألة مذكورة في عامة المتداولات كما
في القهستاني والحلية، وعزاها في المعراج إلى مبسوط شيخ الاسلام، وكان ينبغي للمصنف
تقديمها على المسألة التي قبلها، لان تلك مستثناة من هذه كما أشار إليه الشارح. قوله: (منصوبتين)
أي موضوعة إحداهما فوق الأخرى. قوله: (جاز سجوده) الظاهر أنه مع الكراهة لمخالفته للمأثور
من فعله (ص). قوله: (كما مر) أي في السجود على الظهر فإنه أرفع من نصف ذراع ح. قوله:
(عرض ستة أصابع) أي مقدر بعرض ستة أصابع مضموم بعضها إلى بعض لا بطولها. قوله: (ثنتا
عشرة أصبعا) بدل من نصف ذراع ح، فالمراد بالذراع ذراع الكرباس وهو ذراع اليد شبران تقريبا كما
قررنا في بحث المياه. قوله: (ذكره الحلبي) أي ذكر تحديد نصف الذراع بذلك. وقد توقف في
الحلية في مقداره وفي وجه التحديد به فقال: الله أعلم بذلك. قوله: (في غير زحمة) جعله قيد
لاظهار العضدين فقط تبعا للمجتبى. قال في البحر أخذا من الحلية: وهذا أولى مما في الهداية
والكافي والزيلعي من أنه إذا كان في الصف لا يجافي بطنه عن فخذيه، لان الايذاء لا يحصل من مجرد

(1) قوله: (وقيل لا يجزيه الخ) في العبارة سقط، ولعل أصلها هكذا: وقيل لا يجوز إذا كان سجود الثاني على ظهر
الثالث، وقيل يجوز وان كان سجود الثاني على ظهر الثالث ا ه‍.
(2) قوله: (لكن ليس هذا موجودا الخ) هذا ما ذكره أولا بقوله على أنه ليس في القهستاني عدم اشتراط الظهر، وفيه نظر،
فان القهستاني ذكر المسألة بقوله لكن في الزاهدي يجوز على الفخذين والركبتين بعذر الخ، وهذا على النسخة التي
كتب عليها المحشي واما نسخة الشارح التي بأيدينا فليس فيها تقديم لفظ غير كما ترى، وقد ذكر القهستاني المسألة
على هذه النسخة بقوله لكن في الأصل الخ ا ه‍.
542

المحاذاة، وإنما يحصل من إظهار العضدين ا ه‍. قوله: (ويكره إن لم يفعل ذلك) كذا في التجنيس
لصاحب الهداية. وقال الرملي في حاشية البحر: ظاهره أنه سنة، وبه صرح في زاد الفقير ا ه‍.
قلت: ونقل الشيخ إسماعيل التصريح بأنه سنة عن البرجندي والحاوي، مثله في الضياء
المعنوي والقهستاني عن الجلابي. وقال في الحلية: ومن سنن السجود أن يوجه أصابعه نحو
القبلة، لما في صحيح البخاري وسنن أبي داود عن أبي حميد رضي الله عنه في صفة صلاة
رسول الله (ص) فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه إلى
القبلة ا ه‍. وقدمنا أن في وضع القدم ثلاث روايات: الفرضية، والوجوب، والسنة، وأن المراد
بوضع القدم وضع أصابعهما ولو واحدة، وأن المشهور في كتب المذهب الرواية الأولى، وأن ابن
أمير حاج رجح في الحلية الثانية، وصرح هنا بأن توجيه الأصابع نحو القبلة سنة، فثبت ما قدمناه من
أن الخلاف السابق في أصل الوضع لا في التوجيه وأن التوجيه سنة عندنا قولا واحدا، خلافا لما
مشى عليه الشارح تبعا لشرح المنية، ويؤيده ما قلناه إن المحقق ابن الهمام قال في زاد الفقير:
ومنها: أي من سنن الصلاة توجيه أصابع رجليه إلى القبلة ووضع الركبتين، واختلف في
القدمين ا ه‍. فهذا صريح فيما قلناه حيث جزم بأن توجيه الأصابع سنة، وذكر الخلاف في أصل
وضع القدمين: أي هل هو سنة أو فرض أو واجب؟ فاغتنم هذا التحرير فإني لم أر من نبه عليه،
والحمد لله رب العالمين.
تنبيه: تقدم في الركوع أنه يسن إلصاق الكعبين، ولم يذكروا ذلك في السجود، وقدمنا أنه
ربما يفهم منه أن السجود كذلك إذا لم يذكروا تفريجهما بعد الركوع فالأصل بقاؤهما هنا كذلك.
تأمل. قوله: (كما مر) أي نظير ما مر في تسبيح الركوع من أن أقله ثلاث، وأنه لو تركه أو نقصه
كره تنزيها، وقدمنا الخلاف في ذلك. قوله: (فلا تبدي عضديها) كتب في هامش الخزائن أن هذا رد
على الحلبي، حيث جعل الثاني تفسيرا للانخفاض مع أن الأصل في العطف المغايرة، تنبه ا ه‍.
قوله: (وحررنا في الخزائن إلخ) وذلك حيث قال: تنبيه: ذكر الزيلعي أنها تخلف الرجل في عشر،
وقد زدت أكثر من ضعفها: ترفع يديها حذاء منكبيها، ولا تخرج يديها من كميها، وتضع
الكف على الكف تحت ثديها، وتنحني في الركوع قليلا، ولا تعقد، ولا تفرج فيه أصابعها بل تضمها، وتضع
يديها على ركبتيها، ولا تحني ركبتيها، وتنضم في ركوعها وسجودها، وتفترش ذراعيها، وتتورك في
التشهد وتضع فيه يديها تبلغ رؤوس أصابعها ركبتيها، وتضم فيه أصابعها، وإذا أنابها شئ في صلاتها
تصفق ولا تسبح، ولا تؤم الرجل، وتكره جماعتهن، ويقف الامام وسطهن، ويكره حضورها
الجماعة، وتؤخر مع الرجال، ولا جمعة عليها. لكن تنعقد بها ولا عيد، ولا تكبير تشريق، ولا
يستحب أن تستقر بالفجر، ولا تجهر في الجهرية، بل لو قيل بالفساد بجهرها لأمكن بناء على أن
صوتها عورة. وأفاد الحدادي أن الأمة كالحرة إلا في الرافع عند الاحرام فإنها كالرجل ا ه‍.
أقول: وقوله ولا تحني ركبتيها، صوابه: وتحني بدون لا كما قدمناه عن المعراج عند قول
543

الشارح في الركوع ويسن أن يلصق كعبيه، وقوله تبلغ رؤوس أصابعها ركبتيها مبني على القول بأن
الرجل يضع يديه في التشهد على ركبتيه. والصحيح أنهما سواء كما سنذكره، وقوله لكن تنعقد بها،
صوابه: لكن تصح منها، إذ لا عبرة بالنساء والصبيان في جماعة الجمعة والشرط فيهم ثلاثة رجال،
وقدمنا أيضا عن المعراج عن شرح الوجيز أن الخنثى كالمرأة.
وحاصل ما ذكره أن المخالفة في ست وعشرين. وذكر في البحر أنها لا تنصب أصابع القدمين
كما ذكره في المجتبى، ثم هذا كله فيما يرجع إلى الصلاة، وإلا فالمرأة تخالف الرجل في مسائل كثيرة
مذكورة في أحكامات الأشباه فراجعها. قوله: (مع الكراهة) أي أشد الكراهة كما في شرح المنية.
قوله: (بل لو سجد إلخ) المناسب هنا التفريع، لان هذا مفرع على القول بأن الرفع سنة وإن كانت
السجدة الثانية فرضا لتحققها بدونه في هذه الصورة، وكذا يتفرع على القول بالوجوب الذي رجحه في
الفتح والحلية، بخلاف القول بالفرضية الذي صححه في الهداية، فافهم. قوله: (صح وإلا لا) علله
في الهداية بأن ما قرب من الشئ يعطى حكمه. قوله: (ورجحه في النهر إلخ) قال في الخزائن: وفي
الشرنبلالية عن البرهان أنه الأصح عن الامام. وفي النهر أنه الذي ينبغي التعويل عليه، وعليه اقتصر
الباقاني ا ه‍. قوله: (تتم بالرفع عند محمد) وعند أبي يوسف بالوضع، وثمرة الخلاف فيما لو أحدث
وهو ساجد فذهب وتوضأ يعيد السجدة عند محمد لا عند أبي يوسف، وفيما إذا لم يقعد على الرابعة
وأحدث في السجدة الأولى من الخامسة توضأ وقعد عند محمد وبطلت عند أبي يوسف ح.
أقول: وانظر قول أبي يوسف المذكور مع قوله بفرضية القعدة بين السجدتين والطمأنينة فيها
فإنه يستلزم فرضية الرفع، فتأمل. ثم ظهر أن الرفع المذكور فرض مستقل عنده، لا متمم للسجدة،
كذا أفاده شيخنا حفظه الله تعالى. قوله: (كالتلاوية) حتى لو تكلم فيها أو أحدث فعليه إعادتها. ابن
ملك عن الخانية. قوله: (مطمئنا) أي بقدر تسبيحة كما في متن الدر والسراج، وهل هذا بيان لأكثره
أو لأقله؟ الظاهر الأول بدليل قول المصنف وليس بينهما ذكر مسنون وقدمنا في الواجبات عن ط
أنه لو أطال هذه الجلسة أو قومة الركوع أكثر من تسبيحة، بقدر تسبيحة، ساهيا يلزمه سجود
السهود. ا ه‍. وقدمنا ما فيه. تأمل. قوله: (لما مر) أي من أنه سنة أو واجب أو فرض ح. قوله:
(وليس بينهما ذكر مسنون) قال أبي يوسف: سألت الامام: أيقول الرجل إذا رفع رأسه من الركوع
والسجود اللهم اغفر لي؟ قال: يقول: ربنا لك الحمد، وسكت، ولقد أحسن في الجواب إذ لم ينه
عن الاستغفار. نهر غيره.
544

أقول: بل فيه إشارة إلى أنه غير مكروه، إذ لو كان مكروها لنهى عنه كينهى عن القراءة في
الركوع والسجود وعدم كونه مسنونا لا ينافي الجواز كالتسمية بين الفاتحة والسورة، بل ينبغي أن يندب
الدعاء بالمغفرة بين السجدتين خروجا من خلاف الإمام أحمد لابطاله الصلاة بتركه عامدا ولم أر من
صرح بذلك عندنا، لكن صرحوا باستحباب مراعاة الخلاف، والله أعلم. قوله: (وما ورد إلخ) فمن
الوارد في الركوع والسجود ما في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع قال: اللهم
لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي، وإذا سجد
قال: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه
وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين والوارد في الرفع من الركوع أنه كان يزيد ملء السماوات
والأرض وملء ما شئت من شئ بعد أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما
أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد رواه مسلم وأبو داود وغيرهما، وبين
السجدتين اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني رواه أبو داود، وحسنه النووي
وصححه الحاكم، وكذا في الحلية. قوله: (محمول على النفل) أي تهجدا أو غيره. خزائن. وكتب في
هامشه: فيه رد على الزيلعي حيث خصه بالتهجد ا ه‍. ثم الحمل المذكور صرح به المشايخ في الوارد
في الركوع والسجود، وصرح به في الحلية في الوارد في القومة والجلسة وقال: على أنه إن ثبت في
المكتوبة فليكن حالة الانفراد، أو الجماعة والمأمومون محصورون لا يتثقلون بذلك كما نص عليه
الشافعية، ولا ضرر في التزامه وإن لم يصرح به مشايخنا، فإن القواعد الشرعية لا تنبو عنه، كيف (1)
والصلاة والتسبيح والتكبير والقراءة كما ثبت في السنة ا ه‍. قوله: (بلا اعتماد إلخ) أي على الأرض.
قال في الكفاية: أشار به إلى خلاف الشافعي في موضعين: أحدهما يعتمد بيديه على ركبتيه عندنا
وعنده على الأرض. والثاني الجلسة الخفيفة. قال شمس الأئمة الحلواني: الخلاف في الأفضل
حتى لو فعل كما هو مذهبنا لا بأس به عند الشافعي، ولو فعل كما هو مذهبه لا بأس به عندنا، كذا في
المحيط ا ه‍. قال في الحلية: والأشبه أنه سنة أو مستحب عند عدم العذر، فيكره فعله تنزيها لمن ليس
به عذر ا ه‍. وتبعه في البحر وإليه يشير قولهم: لا بأس فإنه يغلب فيما تركه أولى.
أقول: ولا ينافي هذا ما قدمه الشارح في الواجبات حيث ذكر منها ترك قعود ثانية ورابعة، لان
ذاك محمول على القعود الطويل، ولذا قيدت الجلسة هنا بالخفيفة. تأمل. قوله: (فيما مر) أي من
الأركان أنه مستحب. قوله: (إلا في سبعة) أشار إلى أنه لا يرفع عند تكبيرات الانتقالات، خلافا
للشافعي وأحمد، فيكره عندنا ولا يفسد الصلاة، إلا في رواية مكحول عن الامام، وقد أوضح هذه
المسألة في الفتح وشروح المنية. قوله: (بناء على أن الصفا والمروة واحد إلخ) ذكر ذلك توفيقا

(1) قوله: (لا تنبو عنه كيف الخ) اي كيف تبعد عنه القواعد والحال ان الصلاة والتسبيح والتكبير مثل الثابت بالسنة: اي
الصلاة والتسبيح الخ موجودة على صفة الثابت بالسنة ا ه‍.
545

بين كلام المصنف والنظم الآتي حيث عدها ثمانية، وبين ما ورد في الحديث من عدها سبعة بأن
الوارد نظر فيه إلى السعي المتضمن للصفا والمروة فعدا فيه واحدا، والمصنف والنظام نظرا إلى
أنهما اثنان فصارت ثمانية، والوارد هو قوله (ص) لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: تكبيرة
الافتتاح، وتكبيرة القنوت، وتكبيرات العيدين وذكر الأربع في الحج، كذا في الهداية، والأربع
عند استلام الحجر وعند الصفا والمروة، وعند الموقفين وعند الجمرتين الأولى والوسطى، كذا في
الكفاية. قال في فتح القدير: والحديث غريب بهذا اللفظ. وقد روى الطبراني عن ابن عباس
رضي الله عنهما عنه (ص) لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: حين يفتتح الصلاة، وحين يدخل
المسجد الحرام فينظر إلى البيت، وحين يقوم على الصفا، وحين يقوم على المروة، وحين يقف مع
الناس عشية عرفة وبجمع، والمقامين حين يرمي الجمرة ا ه‍. ولا يخفى عليك أن تفسير ما ورد بما
في الهداية هو الموافق لكلام الشارح، بخلاف ما في الفتح، إذ ليس فيه عد الصفا والمروة واحدا،
بل ليس فيه ذكر القنوت والعيد، فافهم. قوله: (وخمسة الحج) (1) أي بناء على عد المصنف
والناظم، أما بناء على ما في الحديث المذكور في الهداية فهي أربع، فافهم. قوله: (وبالنظم) أي
من بحر الكامل، وذكرت فيه على ترتيب حروف فقعس صمعج. ولبعضهم:
ارفع يديك لدى التكبير مفتتحا * وقانتا وبه العيدان قد وصفا
وفي الوقوفين ثم الجمرتين معا * وفي استلام كذا في مروة وصفا
قوله: (كالتحريمة) الأولى إسقاطه لأنها من جملة الثلاثة، ففيه تشبيه إلى الشئ ببعضه. تأمل.
قوله: (الأولى والوسطى) أما الأخيرة فلا يدعو بعدها لان الدعاء بعد كل رمي بعده رمي ولذا لا
يدعو في رمي يوم النحر. قوله: (نحو الحجر) راجع للاستلام، وقوله والكعبة راجع للرمي،
وفي رواية: برفع يديه في الرمي نحو السماء. قوله: (كالدعاء) أي ما يرفعهما لمطلق الدعاء في
سائر الأمكنة والأزمنة على طبق ما وردت به السنة، ومنه الرفع في الاستسقاء فإنه مستحب كما جزم
به في القنية. خزائن. قوله: (فيبسط يديه حذاء صدره) كذا روي عن ابن عباس من فعل النبي (ص)
قنية عن تفسير السمان. ولا ينافيه ما في المستخلص للامام أبي القاسم السمرقندي أن من آداب
الدعاء أن يدعو مستقبلا ويرفع يديه بحيث يرى بياض إبطيه، لامكان حمله على حالة المبالغة
والجهد، وزيادة الاهتمام كما في الاستسقاء، لعود النفع إلى العامة، وهذا على ما عداها، ولذا قال

(1) قوله: (وخمسة الحج) هكذا بخطه، والذي في نسخ الشارح: وخمسة في الحج، فلعله سقط من قلمه لفظ " في " ا ه‍. مصححه.
546

في حديث الصحيحين وكان لا يرفع يديه في شئ من دعائه إلا في الاستسقاء، فإنه يرفع يديه
حتى يرى بياض إبطيه أي لا يرفع كل الرفع، كذا في شرح المنية، ومثله في شرح الشرعة. قوله:
(لأنها قبلة الدعاء) أي كالقبلة للصلاة فلا يتوهم أن المدعو جل وعلا في جهة العلو ط. قوله:
(ويكون بينهما فرجة) أي وإن قلت: قنية. قوله: (الدعاء أربعة إلخ) هذا مروي عن محمد بن الحنفية
كما عزاه إليه في البحر عن النهاية، وكذا في شرح المنية عن المبسوط. قوله: (دعاء رغبة) نحو
طلب الجنة فيفعل كما مر: أي يبسط يديه نحو السماء ح. قوله: (ودعاء رهبة) نحو طلب النجاة من
النار ح. قوله: (يجعل كفيه لوجهه) الذي في البحر يجعل ظهر كفيه لوجهه، ومثله في شرح المنية،
فكلمة ظهر سقطت من قلم الشارح، وهذا معنى ما ذكره الشافعية من أنه يسن لكل داع رفع بطن يديه
للسماء إن دعا بتحصيل شئ، وظهرهما إن دعا برفعه. قوله: (ودعاء تضرع) أي إظهار الخضوع
والذلة لله تعالى من غير طلب جنة ولا خوف من نار، نحو: إلهي أنا عبدك البائس الفقير المسكين
الحقير ح. قوله: (ويحلق) أي يحلق الابهام والوسطى. قوله: (ما يفعله في نفسه) قال في شرح
المنية: يعني ليس فيه رفع لان في الرفع إعلانا. قوله: (بين أليتيه) الأظهر تحت أليتية. قوله: (في
المنصوبة) أي الأصابع الكائنة في الرجل المنصوبة. قال في السراج: يعني رجله اليمنى، لان ما
أمكنه أن يوجهه إل القبلة فهو أولى ا ه‍. وصرح بأن المراد اليمنى في المفتاح والخلاصة والخزانة،
فقوله في الدرر رجليه بالتثنية فيه إشكال، لان توجه أصابع اليسرى المفترشة نحو القبلة تكلف زائد
كما في شرح الشيخ إسماعيل، لكن نقل القهستاني مثل ما في الدرر عن الكافي والتحفة، ثم قال:
فيوجه رجله اليسرى إلى اليمنى وأصابعها نحو القبلة بقدر الاستطاعة ا ه‍. تأمل. قوله: (هو السنة)
فلو تربع أو تورك خالف السنة ط. قوله: (في الفرض والنفل) هو المعتمد، وقيل في النفل يقعد
كيف شاء كالمريض. قوله: (ولا يأخذ الركبة) أي كما يأخذها في الركوع، لان الأصابع تصير
موجهة إلى الأرض خلافا للطحاوي، والنفي للأفضلية لا لعدم الجواز كما أفاده في البحر. قوله:
(متوركة) (1) بأن تخرج رجلها اليسرى من الجانب الأيمن، ولا تجلس عليها بل على الأرض. قوله:
(ونسبوه لمحمد والامام) وكذا نقلوه عن أبي يوسف في الأمالي كما يأتي، فهو منقول عن أئمتنا

(1) قوله: (متوركة) هكذا بخطه، ولا وجود لذلك فيما بيدي من نسخ الشارح فليحرر ا ه‍. مصححه.
547

الثلاثة. قوله: (بل في متن درر البحار وشرحه إلخ) إضراب انتقالي، لان في هذا النقل التصريح بأن
ما صححه الشراح هو المفتى به، لكن الصواب إسقاط قوله باسطا أصابعه كلها فإنه مخالف لما رأيته
في درر البحار وشرحه. ونص عبارة درر البحار: ولا تعقد (1) ثلاث وخمسين، ولا تشير والفتوى
خلافه. وعبارة شرحه غرر الأفكار: ولا تعقد يا فقيه ثلاث وخمسين كما عقدها أحمد موافقا للشافعي
في أحد أقواله، ونحن لا نشير عند التهليل بالسبابة من اليمنى، بل نبسط الأصابع، والفتوى: أي
المفتى به عندنا خلافه: أي خلاف عدم الإشارة، وهو الإشارة على كيفية عقد ثلاثة وخمسين كما قال
به الشافعي وأحمد، وفي المحيط أنها سنة، يرفعها عند النفي، ويضعها عند الاثبات، وهو قول أبي
حنيفة ومحمد، وكثرت به الآثار والاخبار، فالعمل به أولى ا ه‍، فهو صريح في أن المفتى به هو الإشارة
بالمسبحة مع عقد الأصابع على الكيفية المذكورة لا مع بسطها، فإنه لا إشارة مع البسط عندنا، ولذا
قال في منية المصلي: فإن أشار يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى بالابهام ويقيم السبابة. وقال في
شرحها الصغير: وهل يشير عند الشهادة عندنا؟ فيه اختلاف، صحح في الخلاصة والبزازية أنه لا
يشير، وصحح في شرح الهداية أنه يشير، وكذا في الملتقط وغيره. وصفتها: أن يحلق من يده اليمنى
عند الشهادة الابهام والوسطى، ويقبض البنصر والخنصر، ويشير بالمسبحة، أو يعقد ثلاثة وخمسين بأن
يقبض الوسطى والبنصر والخنصر. ويضع رأس إبهامه على حرف مفصل الوسطى الأوسط، ويرفع
الإصبع عند النفي ويضعها عند الاثبات ا ه‍. وقال في الشرح الكبير: وهذا فرع تصحيح الإشارة. وعن
كثير من المشايخ لا يشير أصلا، وهو خلاف الدراية والرواية، فعن محمد أن ما ذكره في كيفية الإشارة
قول أبي حنيفة ا ه‍. ومثله في فتح القدير.
وفي القهستاني: وعن أصحابنا جميعا أنه سنة، فيحلق إبهام اليمنى ووسطاها ملصقا رأسها برأسها،
ويشير بالسبابة ا ه‍. فهذه النقول كلها صريحة بأن الإشارة المسنونة إنما هي على كيفية خاصة وهي العقد
أو التحليق، وأما رواية بسط الأصابع فليس فيها إشارة أصلا، ولهذا قال في الفتح وشرح المنية: وهذا:
أي ما ذكر من الكيفية فرع تصحيح الإشارة: أي مفرع على تصحيح رواية الإشارة، فليس لنا قول
بالإشارة بدون تحليق، ولهذا فسرت الإشارة بهذه الكيفية في عامة الكتب، كالبدائع والنهاية ومعراج
الدراية والذخيرة والظهيرية وفتح القدير وشرحي المنية والقهستاني والحلية والنهر، وشرح الملتقى
للبهنسي معزيا إلى شرح النقاية، وشرحي درر البحار وغيرها كما ذكرت عباراتهم في رسالة سميتها
(رفع التردد في عقد الأصابع عند التشهد) وحررت فيها أنه ليس لنا سوى قولين: الأول وهو المشهور
في المذهب بسط الأصابع بدون إشارة. الثاني بسط الأصابع إلى حين الشهادة، فيعقد عندها ويرفع
السبابة عند النفي ويضعها عند الاثبات، وهذا ما اعتمده المتأخرون لثبوته عن النبي (ص) بالأحاديث
الصحيحة، ولصحة نقله عن أئمتنا الثلاث، فلذا قال في الفتح: إن الأول خلاف الدراية والرواية.
وأما ما عليه عامة الناس في زماننا من الإشارة مع البسط بدون عقد فلم أر أحدا قال به سوى

(1) قوله: (ولا تعقد) مصارع مجزوم بلا الناهية، وقوله: (ولا تشير) مضارع مرفوع ولا نافية، أشار بالأول إلى خلاف
الإمام أحمد، وبالثاني إلى خلاف الشافعي كما هو اصطلاح مؤلف هذا الكتاب من الإشارة إلى الاختلافات بصيغ
الكلام على طريقة صاحب المجمع ا ه‍.
548

الشارح تبعا للشرنبلالي عن البرهان للعلامة إبراهيم الطرابلسي صاحب الإسعاف من أهل القرن العاشر.
وإذا عارض كلامه كلام جمهور الشارحين من المتقدمين والمتأخرين من ذكر القولين فقد
فالعمل على ما عليه جمهور العلماء لا جمهور العوام، فأخرج نفسك من ظلمة التقليد وحيرة الأوهام،
واستضئ بمصباح التحقيق في هذا المقام، فإنه من منح الملك العلام. قوله: (بمسبحته وحدها)
فيكره أن يشير بالمسبحتين كما في الفتح وغيره.
مطلب مهم في عقد الأصابع عند التشهد
قوله: (وبقولنا إلخ) هذا الاحتراز إنما يصح لو كان القائل بالعقد قائلا بأنه لا يشير بمسبحته،
وهو خلاف الواقع كما هو صريح قوله يعقد عند الإشارة.
والذي تحصل من كلام البرهان قول ملفق من القولين، وهو الإشارة مع بسط الأصابع بدون
عقد، وقد علمت أنه خلاف المنقول في كتب المذهب، وأن ما نقله الشارح عن درر البحار وشرحه
خلاف الواقع، ولعله قول غريب لم نر من قاله، فتبعه في البرهان ومشى عليه الناس في عامة البلدان،
وأما المشهور المنقول في كتب المذهب فهو ما سمعته، والله تعالى أعلم. قوله: (وفي المحيط سنة)
يمكن التوفيق بأنها غير مؤكدة ط. قوله: (كما بحثه في البحر) حيث قال: ثم وقع لبعض الشارحين أنه
قال: والاخذ بتشهد ابن مسعود أولى، فيفيد أن الخلاف في الأولوية، والظاهر خلافه، لأنهم جعلوا
التشهد واجبا وعينوه في تشهد ابن مسعود فكان واجبا، ولهذا قال في السراج: ويكره أن يزيد في
التشهد حرفا أو يبتدئ بحرف قبل حرف قال أبو حنيفة: ولو نقص من تشهده أو زاد فيه كان
مكروها، لان أذكار الصلاة محصورة فلا يزاد عليها انتهى. والكراهة عند الاطلاق للتحريم. قوله:
(وجزم إلخ) وكذا جزم به في النهر والخير الرملي في حواشي البحر، حيث قال: أقول الظاهر أن
الخلاف في الأولوية، ومعنى قولهم التشهد واجب: أي التشهد المروي على الاختلاف لا واحد
بعينه، وقواعدنا تقتضيه، ثم رأيت في النهر قريبا مما قلته، وعليه فالكراهة السابقة تنزيهة ا ه‍.
أقول: ويؤيده ما في الحلية حيث ذكر ألفاظ التشهد المروية عن ابن مسعود، ثم قال: واعلم
أن التشهد اسم لمجموع هذه الكلمات المذكورة، وكذا لما ورد من نظائرها، سمي به لاشتماله على
الشهادتين إلخ. قوله: (لا الاخبار عن ذلك) أي لا يقصد الاخبار، والحكاية عما وقع في المعراج
منه (ص) ومن ربه سبحانه ومن الملائكة عليهم السلام، وتمام بيان القصة مع شرح ألفاظ التشهد في
الامداد فراجعه. قوله: (للحاضرين) أي من الإمام والمأموم والملائكة، قاله النووي، واستحسنه
السروجي. نهر. قوله: (لا حكاية سلام الله تعالى) الصواب: لا حكاية سلام رسول الله (ص) ط.
549

قوله: (يقول فيه إني رسول الله) نقل ذلك الرافعي من الشافعية. ورده الحافظ ابن حجر في تخريج
أحاديثه بأنه لا أصل لذلك، بل ألفاظ التشهد متواترة عنه (ص) أنه كأن يقول: أشهد أن محمدا
رسول الله وعبده ورسوله ا ه‍ ط عن الزرقاني. قال في التحفة: نعم إن أراد تشهد الاذان صح لأنه
صلى الله عليه وسلم أذن مرة في سفر فقال ذلك ا ه‍.
قلت: وكذلك في البخاري من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: خفت أزواد
القوم الحديث، وفيه فقال صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أني
رسول الله وهذا كان خارج الصلاة، قاله لما ظهرت المعجزة على يديه من البركة في الزاد. قوله:
(ولا يزيد في الفرض) أي وما ألحق به كالوتر والسنن الرواتب وإن نظر صاحب البحر فيها ولينظر
حكم المنذور وقضاء النفل الذي أفسده. والظاهر أنهما في حكم النفل لان الوجوب فيها عارض ط.
قوله: (إجماعا) وهو قول أصحابنا ومالك وأحمد. وعند الشافعي على الصحيح أنها مستحبة فيها
للجمهور ما رواه أحمد وابن خزيمة من حديث ابن مسعود ثم إن كان النبي صلى الله عليه وسلم
في وسط الصلاة نهض حين فرغ من تشهده قال الطحاوي: من زاد على هذا فقد خالف الاجماع.
بحر. وعليه فمراد الشارح أن ما ذهب إليه الشافعي مخالف للاجماع، فافهم. قوله: (فقط) وقيل لا
يجب ما لم يقل وعلى آل محمد، ذكره القاضي الامام، وقيل ما لم يؤخر مقدار أداء ركن، وقيل يجب
ولو زاد حرفا واحدا. ورد الكل في البحر، وذكر أن ما ذكره المصنف هنا هو المختار كما في
الخلاصة، واختاره في الخانية ا ه‍. وصرح الزيلعي في السهو بأنه الأصح، وكلام الحلبي في شرح
المنية الكبير يقتضي ترجيحه أيضا، لكن ذكر في شرحه الصغير أن ما ذكره القاضي الامام هو الذي
عليه الأكثر، وهو الأصح. قال الخير الرملي: فقد اختلف التصحيح كما ترى، وينبغي ترجيح ما
ذكره القاضي الامام ا ه‍ تأمل. ثم هذا كله على قول أبي حنيفة، وإلا ففي التاترخانية عن الحاوي أنه
على قولهما لا يجب السهو ما لم يبلغ إلى قوله حميد مجيد. قوله: (على المذهب المفتى به) لم
أر من صرح بهذا اللفظ سوى المصنف والشارح، وإنما الذي رأيته ما علمته آنفا. قوله: (بل لتأخير
القيام) فيجب عليه السهو ولو سكت كما في شر المنية. قوله: (سكت اتفاقا) لان الزيادة على
التشهد في القعود الأول غير مشروعة كما مر، فلا يأتي بشئ من الصلوات والدعاء وإن لم يلزم
تأخير القيام عن محله، إذ القعود واجب عليه متابعة الامامه. قوله: (فيترسل) أي يتمهل، وهذا ما
صححه في الخانية وشرح المنية في بحث المسبوق من باب السهو وباقي الأقوال مصحح أيضا.
قال في البحر: وينبغي الافتاء بما في الخانية كما لا يخفى، ولعل وجهه كما في النهر أنه يقضي آخر
صلاته في حق التشهد ويأتي فيه بالصلاة والدعاء، وهذا ليس آخرا. قال ح: وهذا في قعدة الامام
الأخيرة كما هو صريح قوله ليفرغ عند سلام إمامه وأما فيما قبلها من القعدات فحكمه السكوت
كما لا يخفى ا ه‍. ومثله في الحلية. قوله: (وقيل يكرر كلمة الشهادة) كذا في شرح المنية. والذي
في البحر والحلية والذخيرة: يكرر التشهد. تأمل. قوله: (واكتفى المفترض) قيد به لأنه يأتي قريبا.
550

قوله: (ولو زاد لا بأس) أي لو ضم إليها سورة لا بأس به، لان القراءة في الأخريين مشروعة من
غير تقدير، والاقتصار على الفاتحة مسنون لا واجب، فكان الضم خلاف الأولى وذلك لا ينافي
المشروعية، والإباحة بمعنى عدم الاثم في الفعل والترك كما قدمناه في أوائل بحث الواجبات، وبه
اندفع ما أورده في النهر هنا على البحر من دعوى المنافاة. قوله: (وصحح العيني وجوبها) هذا
مقابل ظاهر الرواية، وهو رواية الحسن عن الامام وصححهما ابن الهمام أيضا من حيث الدليل،
ومشى عليها في المنية فأوجب سجود السهو بترك قراءتها والإساءة بتركها عمدا، لكن الأصح عمده
لتعارض الاخبار كما في المجتبى، واعتمده في الحلية. قوله: (وسكوت قدرها) أي قدر ثلاث
تسبيحات. قوله: (وفي النهاية قدر تسبيحة قال شيخنا: وهو أليق بالأصول. حلية: أي لان ركن
القيام يحصل بها لما مر الركنية تتعلق بالأدنى. قوله: (فلا يكون مسيئا بالسكوت على المذهب
إلخ) اعلم أنهم اتفقوا في ظاهر الرواية على أن قراءة الفاتحة أفضل، وعلى أنه لو اقتصر على التسبيح
لا يكون مسيئا، وأما لو سكت فصرح في المحيط بالإساءة وقال: لان القراءة فيهما شرعت على
سبيل الذكر والثناء، ولهذا تعينت الفاتحة للقراءة لان كلها ذكر وثناء، وإن سكت عمدا أساء لترك
السنة، ولو وساهيا لا سهو عليه، وصرح غيره بالتخيير بين الثلاثة في ظاهر الرواية وعدم الإساءة
بالسكوت. قال في البدائع والصحيح جواب ظاهر الرواية، لما روينا عن علي وابن مسعود
رضي الله تعالى عنهما أنهما كانا يقولان: المصلي بالخيار في الأخريين، إن شاء قرأ، وإن شاء
سكت وإن شاء سبح، وهذا باب لا يدرك بالقياس، فالمروي عنهما كالمروي عن النبي (ص) ا ه‍.
وفي الخانية: وعليه الاعتماد. وفي الذخيرة: هو الصحيح من الرواية. ورجح ذلك في الحلية بما
لا مزيد عليه فارجع إليه.
والحاصل أن عند صاحب المحيط يكره السكوت لترك سنة القراءة، فالقراءة عنده سنة، لكن
لما شرعت على وجه الذكر حصلت السنة بالتسبيح، فيخير بينهما وهو ما مشى عليه المصنف،
فالقراءة أفضل بالنظر إلى التسبيح، وسنة بالنظر إلى السكوت، حتى لو سبح ترك الأفضل، ولو
سكت أساء لترك السنة وما يقوم مقامها. وأما عند غير صاحب المحيط فلا يكره السكوت، لثبوت
التخيير بين الثلاثة، فصارت القراءة أفضل بالنظر إلى التسبيح. وإلى السكوت، فقد اتفق الكل على
أفضلية القراءة، وإنما اختلفوا في سنيتها بناء على كراهة السكوت وعدمها، وقد علمت أن الصحيح
المعتمد التخيير بين الثلاثة، وبه تعلم ما في عبارة الشارح حيث قال أولا: إن الفاتحة سنة على
الظاهر، فإنه مبني على ما في المحيط، ثم مشى على خلافه حيث اعتمد التخيير بين الثلاثة، فزاد
على المصنف السكوت وقال: إنه لا يكون مسيئا به، فاغتنم هذا التحرير الفريد، وما نقلته عن
البدائع والذخيرة والخانية رأيته فيها وفي غيره، وذكرت نصوصها فيما علقته على البحر، فلا تعتمد على
ما نقل عنها مخالفا لذلك، فافهم.
ثم اعلم أن اتفاقهم على أفضلية الفاتحة لا ينافي التخيير، إذ لا مانع من التخيير بين الفاضل
والأفضل كالحلق مع التقصير.
تنبيه: ظاهر كلام المتون وغيرها أن الفاتحة مقروءة على وجه القرآن. وفي القهستاني قال
علماؤنا: إنها تقرأ بنية الثناء لا القراءة ا ه‍. ونقل في المجتبى عن شمس الأئمة أنه الصحيح، لكن
551

في النهاية قال (1): وعن أبي يوسف يسبح ولا يسكت، وإذا قرأ الفاتحة فعلى وجه الثناء لا القراءة،
وبه أخذ بعض المتأخرين ا ه‍. وفي الحلية: لكن قدمنا أن الصواب أن الفاتحة لا تخرج عن القرآنية
بالنية. قوله: (وهو الصارف إلخ) حاصله أن حديث الصحيحين عن أبي قتادة: أنه صلى الله عليه
وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، وفي الركعتين
الأخيرتين بفاتحة الكتاب يفيد المواظبة على ذلك، وهي بلا ترك دليل الوجوب، والجواب أن
التخيير المروي صارف لها عن الوجوب، لان له حكم المرفوع كما قدمناه، وبهذا يرد على العيني
وابن الهمام. قوله: (الافتراش) إنما خصه بالذكر للإشارة إلى نفي القول بالتورك كما هو مذهب
الشافعي، وإلا فأحكام القعود لا تختص بذلك كما مر، فافهم. قوله: (وصلى على النبي (ص)) قال
في شرح المنية: والمختار في صفتها ما في الكفاية والقنية والمجتبى، قال: سئل محمد عن الصلاة
على النبي (ص) فقال: يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى
آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنك حميد مجيد وهي الموافقة لما في الصحيحين وغيرهما. قوله: (وصح زيادة في العالمين)
أي مرة واحدة بعد قوله كما باركت إلخ. وأما بعد قوله كما صليت فلم تثبت. قال في الحلية: وفي
إفصاح ابن هبيرة حكاية الصلاة المذكورة عن محمد بزيادة في العالمين بعد قوله كما باركت، وهو
في رواية مالك ومسلم وأبي داود وغيرهم. وفي نسخة من الافصاح زيادة في العالمين بعد كما
صليت أيضا، وهي مذكورة في بعض أحاديث هذا الباب، لكن لا يحضرني الآن من رواها من
الصحابة ولا من خرجها من الحفاظ ولا ثبوتها في نفس الامر ا ه‍. وأشار الشارح إلى هذا حيث عبر
بالزيادة لا بالتكرار، فافهم. قوله: (وتكرار إنك حميد مجيد) استدراك على ما نقله الزيلعي وغيره عن
محمد في كيفية الصلاة المذكورة من الاقتصار على إنك حميد مجيد مرة في آخرها فقط، مع أنه في
الذخيرة نقلها عن محمد مكررة، وتقدم أنها في الصحيح كذلك.
مطلب في جواز الترحم على النبي ابتداء
قوله: (وعدم كراهة الترحم) عطف على فاعل صح، ومفاده أنه لم يصح ندبه لعدم ثبوته في
صلاة التشهد، ولذا قال في شرح المنية: والآتيان بما في الأحاديث الصحيحة أولى. وقال في
الفيض: فالأولى تركه احتياطا. وفي شرح المنهاج الرملي قال النووي في الأذكار: وزيادة وارحم
محمد وآل محمدا كما رحمت على إبراهيم بدعة. واعترض بورودها في عدة أحاديث صحح الحاكم
بعضها وترحم على محمد ورده بعض محققي أهل الحديث بأن ما وقع للحاكم وهم، وبأنها وإن كانت
ضعيفة لكنها شديدة الضعف فلا يعمل بها، ويؤيده قول أبي زرعة وهو من أئمة الفن بعد أن ساق تلك
الأحاديث وبين ضعفها، ولعل المنع أرجح لضعف الأحاديث في ذلك: أي لشدة ضعفها.

(1) قوله: (لكن في النهاية قال الخ) استدراك على ما تقدم، فإنه يفيد ان قراءة الفاتحة بنية الثناء هو المذهب، فاستدرك
عليه بأنه ذكر في النهاية انه رواية عن أبي يوسف ا ه‍.
552

وبما تقرر علم أن سبب الانكار كون الدعاء بالرحمة لم يثبت هنا من طريق يعتد به، والباب
باب اتباع، لا ما قاله ابن عبد البر وغيره من أنه لا يدعى له (ص) بلفظ الرحمة، فإن أراد النافي امتناع
ذلك مطلقا فالأحاديث الصحيحة صريحة في رده، فقد صح في سائر روايات التشهد السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته وصح أنه (ص) أقر من قال ارحمني وارحم محمدا ولم ينكر عليه
سوى قوله ولا ترحم معنا أحدا وحصولها لا يمنع طلبها له كالصلاة والوسيلة والمقام المحمود،
لما فيه من عود الفائدة له (ص) بزيادة ترقيه التي لا نهاية لها والداعي بزيادة ثوابه على ذلك ا ه‍.
والحاصل أن الترحم بعد التشهد لم يثبت وإن كان قد ثبت في غيره، فكان جائزا في نفسه.
قوله: (ولو ابتداء) أي من غير تبعيته لصلاة أو سلام. وذكر في البحر والحلية أن الكراهة في
الابتداء متفق عليها وتعقبه في النهر بأن عبارة الزيلعي في آخر الكتاب تقتضي أن الخلاف في الكل،
فإنه قال: اختلفوا في الترحم على النبي (ص) بأن يقول: اللهم ارحم محمدا. قال بعضهم: لا يجوز
لأنه ليس فيه ما يدل على التعظيم كالصلاة. وقال بعضهم: يجوز، لأنه عليه الصلاة والسلام كان من
أشوق العباد إلى مزيد رحمة الله تعالى، واختاره السرخسي لوروده في الأثر ولا عتب على من اتبع.
وقال أبو جعفر: وأنا أقول وارحم محمدا للتوارث في بلاد المسلمين. واستدل بعضهم على ذلك
بتفسيرهم الصلاة بالرحمة، واللفظان إذا استويا في الدلالة صح قيام أحدهما مقام الآخر، ولذا أقر عليه
الصلاة والسلام الاعرابي على قوله اللهم ارحمني ومحمدا ا ه‍ فافهم. قوله: (ذكره الرملي الشافعي)
أي في شرحه على منهاج النووي. ونصه: والأفضل الاتيان بلفظ السيادة كما قاله ابن ظهيرية،
وصرح به جمع، وبه أفتى الشارح، لان فيه الاتيان بما أمرنا به، وزيادة الاخبار بالواقع الذي هو
أدب، فهو أفضل من تركه وإن تردد في أفضليته الأسنوي. وأما حديث لا تسيدوني في الصلاة،
فباطل لا أصل له، كما قاله بعض متأخري الحفاظ وقول الطوسي إنها مبطلة غلط ا ه‍.
واعترض بأن هذا مخالف لمذهبنا لم مر من قول الإمام من أنه لو زاد في تشهده أو نقص فيه
كان مكروها.
قلت: فيه نظر، فإن الصلاة زائدة على التشهد ليست منه، نعم ينبغي على هذا عدم ذكرها
في وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأنه يأتي بها مع إبراهيم عليه السلام. قوله: (لحن أيضا) أي
مع كونه كذبا. قوله: (والصواب بالواو) لأنه واوي العين من ساد يسود، قال الشاعر:
وما سودتني عامر عن وراثة * أبى الله أن أسمو بأم ولا أب
مطلب في الكلام على التشبيه في كما صليت على إبراهيم
قوله: (وخص إبراهيم إلخ) جواب عن سؤال تقدير: لم خص التشبيه بإبراهيم دون غيره من
الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام؟ فأجاب بثلاثة أجوبة:
الأول: أنه سلم علينا ليلة المعراج حيث قال أبلغ أمتك مني السلام.
والثاني: أنه سمانا المسلمين كما أخبرنا عنه تعالى بقوله: * (هو سماكم المسلمين من قبل) *
(الحج: 87) أي بقوله: * (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) * (البقرة: 821) والعرب
553

من ذريته وذرية إسماعيل عليهما السلام، فقصدنا إظهار فضله مجازاة على هذين الفعلين منه.
والثالث: أن المطلوب صلاة يتخذ الله تعالى بها نبينا (ص) خليلا كما اتخذ إبراهيم عليه السلام
خليلا، وقد استجاب الله تعالى دعاء عباده، فاتخذه الله تعالى خليلا أيضا، ففي حديث الصحيحين.
ولكن صاحبكم خليل الرحمن.
وأجيب بأجوبة أخر: منها أن ذلك لإبوته، والتشبيه في الفضائل بالآباء مرغوب فيه، ولرفعة
شأنه في الرسل، وكونه أفضل بقية الأنبياء على الراجح، ولموافقتنا إياه في معالم الملة المشار إليه
بقوله تعالى: * (ملة أبيكم إبراهيم) * ولدوام ذكره الجميل المشار إليه بقوله تعالى: * (واجعل
لي لسان صدق في الآخرين) * (الشعراء: 48) وللامر بالاقتداء به في قوله تعالى: * (أن اتبع ملة إبراهيم
حنيفا) * (النحل: 321). قوله: (وعلى الأخير إلخ) أي الوجه الثالث، وهذا أيضا جواب عن السؤال
المشهور الذي يورده العلماء قديما وحديثا. وهو: أن القاعدة أن المشبه به في الغالب يكون أعلى من
المشبه في وجه الشبه مع أن القدر الحاصل من الصلاة والبركة لنبينا (ص) ولآله أعلى من الحاصل
لإبراهيم عليه السلام وآله بدلالة رواية النسائي من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات،
وحط عنه عشر سيئات، ورفعت له عشر درجات ولم يرد في حق إبراهيم أو غيره مثل ذلك.
والجواب أن المراد صلاة خاصة يكون بها نبينا (ص) خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، أو التشبيه
راجع لقولنا وعلى آل محمد أو أن هذا من غير الغالب، فإن المشبه به قد يكون مساويا للمشبه أو
أدنى منه لكنه يكون أوضح لكونه حسيا مشاهدا، أو لكونه مشهورا في وجه الشبه، فالأول نحو
* (مثل نوره كمشكاة) * (النور: 53) وأين يقع نور المشكاة من نوره تعالى؟ والثاني كما هنا، فإن تعظيم
إبراهيم وآله بالصلاة عليهم واضح بين أهل الملل، فحسن التشبيه لذلك، ويؤيده ختم هذا الطلب
بقوله: في العالمين، وتمامه في الحلية.
وأجيب بأجوبة أخر: من أحسنها أن التشبيه في أصل الصلاة لا في القدر كما في قوله تعالى:
* (وإنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح) * و * (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين
من قبلكم) * البقرة: 381) * (وأحسن كما أحسن الله إليك) * (القصص: 77) وفائدة التشبيه تأكيد الطلب:
أي كما صليت على إبراهيم فصل على محمد الذي هو أفضل منه، وقيل الكاف للتعليل. قوله:
(عملا) مفعول لأجله لا تمييز: أي قلنا بفرضيته لأجل العمل بالامر القطعي الثبوت والدلالة، فهي
فرض علما وعملا لا عملا فقط كالوتر. وأما ما قاله ابن جرير الطبري من أن الامر للاستحباب،
وادعى القاضي عياض الاجماع عليه فهو خلاف الاجماع، كما ذكره الفاسي في شرح دلائل الخيرات.
قوله: (ثاني الهجرة) وقيل ليلة الاسراء ط. قوله: (مرة واحدة اتفاقا) والخلاف فيما زاد إنما هو في
الوجوب كما يأتي أفاده ح. قوله: (فلو بلغ في صلاته إلخ) أي بلغ بالسن وإلا بطلت، على أن
عبارة النهر هكذا: لو صلى في أول بلوغه صلاة أجزأته الصلاة في تشهده عن الفرض ووقعت
فرضا، ولم أر من نبه على هذا، وقد مر نظيره في الابتداء بغسل اليدين ا ه‍: أي حيث ينوب الغسل
المسنون عن غسل الجنابة أو الوضوء.
أقول: ورأيت التصريح بذلك في المنبع شرح المجمع، حيث قال: وقال أصحابنا: هي
554

فرض العمر إما في الصلاة أو في خارجها ا ه‍. ومثله في شرح درر البحار والذخيرة.
قال ح: بقي ما إذا صلى في القعدة الأولى أو في أثناء أفعال الصلاة ولم يصل في القعدة،
فالذي يظهر أنه يكون مؤديا للفرض وإن أثم كالصلاة في الأرض المغصوبة ا ه‍. لكن ذكر الرحمتي
عن العلامة النحريري أن المكلف لا يخرج عن الفرض إلا بنيته فلا بد أن يصلي بنية أدائه عنه لأنها
فريضة، كما قالوا: من شروط النية في الفرض تعين النية له، حتى لو صلى ركعتين بعد الفجر لا
يسقط بها الفرض ما لم ينوه ا ه‍.
أقول: وفيه نظر لما علمت أنها فرض العمر: أي يفترض فعلها في العمر مرة كحجة الاسلام،
وما كان كذلك فالشرط القصد إلى فعله، فيصح وإن لم ينو الفرضية لتعينه بنفسه، كالحج الفرض
يصح وإن لم يعين الفرضية، وقد صرحوا أيضا بأن الاسلام يصح بلا نية: أي لأنه فريضة العمر،
فالقياس على صلاة الفجر قياس مع الفارق، فتدبر.
مطلب: لا يجب عليه أن يصلي على نفسه صلى الله عليه وسلم
قوله: (لا يجب على النبي (ص) أن يصلي على نفسه) لأنه غير مراد بخطاب صلوا
ولا داخل تحت ضميره، كما هو المتبادر من تركيب - صلوا عليه - وقال في النهر: لا
يجب عليه بناء على أن - يا أيها الذين آمنوا - لا يتناول الرسول (ص)، بخلاف - يا أيها الناس
- يا عبادي - كما عرف في الأصول ا ه‍.
والحكمة فيه والله تعالى أعلم أنها دعاء، وكل شخص مجبول على الدعاء لنفسه وطلب الخير
لها، فلم يكن فيه كلفة، والايجاب من خطاب التكليف لا يكون إلا فيما فيه كلفة ومشقة على النفس
ومنافرة لطبعها، ليتحقق الابتلاء كما قرر في الأصول. أما قوله تعالى: * (ادعوني أستجب لكم) * (غافر: 06)
ونحوه، فليس المراد به الايجاب، ولذلك ورد في الحديث القدسي من شغله ذكري
عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين ح ملخصا.
مطلب في وجوب الصلاة عليه كلم ذكر عليه الصلاة والسلام
قوله: (في وجوبها) أي وجوب الصلاة عليه (ص)، ولم يذكر السلام، لان المراد بقوله تعالى:
* (وسلموا) * أي لقضائه كما في النهاية عن مبسوط شيخ الاسلام: أي فالمراد بالسلام الانقياد، وعزاه
القهستاني إلى الأكثرين. قوله: (والذاكر) أي ذاكر اسمه الشريف (ص) ابتداء لا في ضمن الصلاة عليه
كما صرح به في شرح المجمع، وفيه كلام سيأتي. قوله: (عند الطحاوي) قيد به، لان المختار في
المذهب الاستحباب، وتبع الطحاوي وجماعة من الحنفية، والحليمي وجماعة من الشافعية، وحكي عن
اللخمي من المالكية وابن بطة من الحنابلة. وقال ابن العربي من المالكية: إنه الأحوط، كذا في
شرح الفاسي على الدلائل، ويأتي أنه المعتمد. قوله: (تكراره: أي الوجوب) قيد الكرماني في
شرح مقدمة أبي الليث وجوب التكرار عند الطحاوي بكونه على سبيل الكفاية لا العين، وقال: فإذا
صلى عليه بعضهم يسقط عن الباقين، لحصول المقصود وهو تعظيمه وإظهار شرفه عند ذكر
اسمه (ص) ا ه‍. وتمامه في ح. قوله: (في الأصح) صححه الزاهدي في المجتبى، لكن صحح في
555

الكافي وجوب الصلاة في كل مجلس كسجود التلاوة حيث قال في باب التلاوة: وهو كمن سمع
اسمه عليه الصلاة والسلام مرارا لم تلزمه الصلاة إلا مرة في الصحيح، لان تكرار اسمه (ص) لحفظ
سنته التي بها قوام الشريعة، فلو وجبت الصلاة بكل مرة لأفضى إلى الحرج، غير أنه يندب تكرار
الصلاة بخلاف السجود، والتشميت كالصلاة، وقيل يجب التشميت في كل مرة إلى الثلاث ا ه‍.
وحاصله أن الوجوب يتداخل في المجلس فيكتفي بمرة للحرج كما في السجود. إلا أنه
يندب تكرار الصلاة في المجلس الواحد، بخلاف السجود. وما ذكره في الكافي نقله صاحب
المجمع في شرحه عن شرح فخر الاسلام على الجامع الكبير جازما به، لكن بدون لفظ التصحيح،
وأنت خبير بأن تصحيح الزاهدي لا يعارض تصحيح النسفي صاحب الكافي، على أن الزاهدي
خالف نفسه حيث قال في كراهية القنية: وقيل يكفي في المجلس مرة كسجدة التلاوة، وبه يفتى
ا ه‍. وأورد الشارح في الخزائن أن الذي يظهر أن ما في الكافي مبني على قول الكرخي ا ه‍. وهذا
غير ظاهر، لأنه يلزم منه أن يكون الكرخي قائلا بوجوب التكرار كلما ذكر، إلا في المجلس المتحد
فيجب مرة واحدة، وأنه لا يبقى الخلاف بينه وبين الطحاوي إلا فيما إذا اتحد المجلس، والمنقول
خلافه. وأورد ابن ملك في شرح لمجمع أن التداخل يوجد في حق الله تعالى والصلاة على
النبي (ص) حقه ا ه‍. وقد يمنع بأن الوجوب حق الله تعالى لان المصلي ينوي امتثال الامر.
مطلب: هل نفع الصلاة عائد للمصلي، أم له وللمصلى عليه؟
على أن المختار عند جماعة منهم أبو العباس المبرد وأبو بكر بن العربي: أن نفع الصلاة غير
عائد له (ص) بل للمصلي فقط، وكذا قال السنوسي في شرح وسطاه: إن المقصود بها التقرب إلى الله
تعالى لا كسائر الأدعية التي يقصد بها نفع المدعو له ا ه‍. وذهب القشيري والقرطبي إلى أن النفع
لهما، وعلى كل من القولين فهي عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، والعبادة لا تكون حق عبد، ولو
سلم أنها حق عبد فيسقط الوجوب للحرج كما مر، لان الحرج ساقط بالنص، ولا حرج في إبقاء
الندب. وقد جزم بهذا القول أيضا المحقق ابن الهمام في زاد الفقير فقال: مقتضى الدليل افتراضها
في العمر مرة، وإيجابها كلما ذكر، إلا أن يتحد المجلس فيستحب التكرار بالتكرار، فعليك به اتفقت
الأقوال أو اختلفت ا ه‍. فقد اتضح لك أن المعتمد ما في الكافي. وسمعت قول القنية: إنه به
يفتى، وأنت خبير بأن الفتوى آكد ألفاظ التصحيح.
فرع: السلام يجزي عن الصلاة على النبي (ص) هندية عن الغرائب قوله: (لا لان الامر إلخ)
مرتبط بقوله والمختار تكراره إلخ وهو جواب عن سؤال - تقريره أن قوله تعالى: * (صلوا عليه) *
(الأحزاب: 65) أمر. والأصل أن الامر عندنا لا يقتضي التكرار ولا يحتمله. والجواب أن التكرار لم
يجب بالآية، وإلا كان فرضا وخالف الأصل المذكور، وإنما وجب بأحاديث الوعيد الآتية الدالة على
سببية الذكر للوجوب والوجوب يتكرر بتكرار سببه. قوله: (لأنها حق عبد) علمت آنفا ما فيه. قوله:
(كالتشميت) ظاهره أنه يقضي كالصلاة وحرره نقلا، وقدمنا عن الكافي أنه الصلاة يجب في
المجلس مرة، وقيل إلى ثلاث، ومثله في الفتح والبحر. وفي شرح تلخيص الجامع: الأصح أنه إن
زاد على الثلاث لا يشمته، وإنما يجب التشميت إذا حمد العاطس، وسيأتي تمام الكلام عليه في باب
556

الحظر والإباحة إن شاء الله تعالى. قوله: (بخلاف ذكره تعالى) أي فإنه لا يقضى إذا فات، لأنه حق
الرب تعالى كما يفهم من تعليل الشارح في مقابله. وفيه أنه لا يلزم من كونه حقه تعالى أنه لا يقضى
بدليل الصوم ونحوه ح. قال الزاهدي: وفي النظم إذا تكرر اسم الله تعالى في مجلس واحد أو في
مجالس يجب لكل مجلس ثناء على حدة، ولو تركه لا يبقى دينا عليه، وكذا في الصلاة على
النبي (ص)، لكن لو تركها تبقى دينا عليه لأنه لا يخلو من تجدد نعم الله تعالى الموجبة للثناء، فلا
يكون وقت للقضاء كقضاء الفاتحة في الأخريين، بخلاف الصلاة على النبي (ص) ا ه‍ شرح المنية.
وحاصله أنه لما كان ثناء الله تعالى واجبا كل وقت لا يمكن أن يقع ما يفعله ثانيا قضاء عما
تركه، أو لا، لان الشئ في محله لا يمكن أن يضايقه غيره عليه.
واعترضه في البحر، بأن جميع الأوقات وإن كان وقتا للأداء لكن ليس مطالبا بالأداء لأنه
رخص له في الترك ا ه‍: أي وإذا لم يكن مطالبا بالأداء يجعل ما يأتي به قضاء لأجل تفريغ ذمته، لكن
قد يقال: إذا كان الترك رخصة يكون عدمه عزيمة، وإذا أتى بالعزيمة يكون آتيا بالواجب عليه ويكون
أداء، لأنه الواجب عليه كالمسافر يرخص به الافطار، فإذا صام يكون آتيا بالعزيمة وإن لم ينو
الفرض. ومثله قراءة الفاتحة في الأخريين من الفرض الرباعي يرخص له في تركها، وإذا قرأها لا تقع
قضاء عما فاته في الأوليين. قوله: (وعليه الفتوى) عزاه في الشرنبلالية إلى شرح المجمع. وفي
الخزائن ورجحه السرخسي بأنه المختار للفتوى، وجعله ابن الساعاتي قول عامة العلماء ا ه‍. قوله:
(والمعتمد من المذهب قول الطحاوي) قال في الخزائن: وصححه في التحفة وغيرها، وجعله في
الحاوي قول الأكثر. وفي شرح المنية أنه الأصح المختار. وقال العيني في شرح المجمع: وهو
مذهبي. وقال الباقاني: وهو المعتمد من المذهب، ورجحه في البحر قوله: (ورجحه في البحر) أي
تبعا لابن أمير حاج عن التحفة والمحيط الرضوي ح. قوله: (كرغم وإبعاد وشقاء) أخرج كثيرون
بسند رجاله ثقات، ومن ثم قال الحاكم في المستدرك: صحيح الاسناد عن كعب بن عجرة رضي الله
عنه، قال: قال رسول الله (ص) أحضروا المنبر فحضرنا، فلما ارتقى درجة قال: آمين، ثم ارتقى
الثانية وقال: آمين، ثم ارتقى الثالثة وقال: آمين، فلما نزل قلنا: يا رسول الله قد سمعنا منك شيئا ما
كنا نسمعه، فقال إن جبريل عرض علي فقال: بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين،
فلما رقيت أي بكسر القاف الثانية قال: بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين، فلما
رقيت الثالثة، قال: بعد من أدرك أبويه الكبر عنده فلم يدخلاه الجنة، قلت: آمين وفي رواية فلم
يصل عليك فأبعده الله وفي أخرى صححها الحاكم رغم أنف رجل وفي أخرى سندها حسن
شقي عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك من الدر المنضود لابن حجر. قوله: (وبخل وجفاء) أي
في قوله عليه الصلاة والسلام البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي رواه الترمذي وقال: حسن
صحيح. شرح المنية. وقوله عليه الصلاة والسلام من الجفاء أن أذكر عند الرجل فلا يصلي علي
رواه السيوطي في الجامع الصغير.
قوله: (وحراما إلخ) الظاهر أن المراد به كراهة التحريم، لما في كراهية الفتاوى الهندية: إذا
557

فتح التاجر الثوب فسبح الله تعالى أو صلى على النبي (ص) يريد به إعلام المشتري جودة ثوبه فذلك
مكروه، وكذا الحارس لأنه يأخذ لذلك ثمنا، وكذا الفقاعي: إذا قال ذلك عند فتح فقاعه على قصد
ترويجه وتحسينه يأثم، وعن هذا يمنع إذا قدم واحد من العظماء إلى مجلس فسبح أو صلى على
النبي (ص) إعلاما بقدومه حتى يفرج له الناس أو يقوموا له يأثم ا ه‍. قوله: (وسنة في الصلاة) أي في
قعود أخير مطلقا، وكذا في قعود أول في النوافل غير الرواتب. تأمل. وفي صلاة الجنازة.
مطلب: نص العلماء على استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع
قوله: (ومستحبة في كل أوقات الامكان) أي حيث لا مانع. ونص العلماء على استحبابها في
مواضع: يوم الجمعة، وليلتها، وزيد يوم السبت والأحد والخميس، ولما ورد في كل من الثلاثة،
وعند الصباح والمساء، وعند دخول المسجد والخروج منه، وعند زيارة قبره الشريف (ص)، وعند
الصفا والمروة، وفي خطبة الجمعة وغيرها، وعقب إجابة المؤذن، وعند الإقامة، وأول الدعاء
وأوسطه وآخره، وعقب دعاء القنوت، وعند الفراغ من التلبية، وعند الاجتماع والافتراق، وعند
الوضوء، وعند طنين الاذن، وعند نسيان الشئ، وعند الوعظ ونشر العلوم، وعند قراءة الحديث
ابتداء وانتهاء، وعند كتابة السؤال والفتيا، ولكل مصنف ودارس ومدرس وخطيب وخاطب ومتزوج
ومزوج. وفي الرسائل: وبين يدي سائر الأمور المهمة، وعند ذكر أو سماع اسمه (ص) أو كتابته عند
من لا يقول بوجوبها، كذا في شرح الفاسي على دلائل الخيرات ملخصا، وغالبها منصوص عليه في
كتبنا. قوله: (ومكروهة في صلاة غير تشهد أخير) أي وغير قنوت وتر فإنها مشروعة في آخره كما
في البحر، فالأولى استثناؤه أيضا ح، وكذا في غير صلاة الجنازة فتسن فيها.
مطلب: في المواضع التي تكره فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
تنبيه: تكره الصلاة عليه (ص) في سبعة مواضع: الجماع، وحاجة الانسان، وشهرة المبيع،
والعثرة، والتعجب، والذبح، والعطاس على خلاف في الثلاثة الأخيرة، شرح الدلائل. ونص على
الثلاثة عندنا في الشرعة فقال: ولا يذكره عند العطاس، ولا عند ذبح الذبيحة، ولا عند التعجب.
قوله: (فلذا استثنى في النهر إلخ) أقول: يستثنى أيضا ما لو ذكره أو سمعه في القراءة أو وقت
الخطبة لوجوب الانصات والاستماع فيهما، وفي كراهية الفتاوى الهندية: ولو سمع اسم النبي (ص)
وهو يقرأ لا يجب أن يصلي، وإن فعل ذلك بعد فراغه من القرآن فهو حسن، كذا في الينابيع، ولو
قرأ القرآن فمر على اسم نبي فقراءة القرآن على تأليفه ونظمه أفضل من الصلاة على النبي (ص) في
ذلك الوقت، فإن فرغ ففعل فهو أفضل وإلا فلا شئ عليه، كذا في الملتقط ا ه‍. قوله: (ما في
تشهد أول) أي في غير النوافل، فإنه وإن ذكر فيه اسمه (ص) فالصلاة فيه تكره تحريما فضلا عن
الوجوب. قوله: (لئلا يتسلسل) علة للثاني: أي لان الصلاة عليه لا تخلو من ذكره، فلو قلنا بوجوبها
استدعت صلاة أخر وهلم جرا، وفيه حرج. وأما علة الأول فهي ما ذكره في قوله: ولهذا
استثنى أي ولكراهتها في تشهد غير أخير استثنى الخ، وبه علم أن قوله وضمن بالجر عطفا على
تشهد مع قطع النظر عن علته بدليل العلة الثانية فإنها للثاني فقط، وإلا لقال: ولئلا يتسلسل بالعطف
على العلة الأولى، وبدليل أن العلة الأولى لا تصلح للحكم الثاني. قوله: (بل خصه في درر البحار
558

إلخ) أي خص قول الطحاوي بالوجوب بما عدا الذاكر، دفعا لما أورده بعضهم على الطحاوي من
استلزام التسلسل، لان الصلاة عليه لا تخلو عن ذكره.
وحاصل الجواب تخصيص الوجوب على السامع فقط، لان أحاديث الوعيد المارة تفيد ذلك،
فإن لفظ البخيل من ذكرت عنده لا يشمل الذاكر، لان من الموصولة بمعنى الشخص الذي وقع
الذكر في حضرته فيستدعي أن يكون الذاكر غيره، وإلا لقيل من ذكرني، وأجاب ح بأن الذاكر داخل
بدلالة المساواة، وقد يدفع بأن المقصود من الصلاة عليه (ص) تعظيمه، والذاكر له لا يذكره إلا في
مقام التعظيم، فلا تلزمه الصلاة، بل تلزم السامع لئلا يخل بالتعظيم من كل وجه. تأمل. لكن هذا
يشمل الذاكر ابتداء أو في ضمن الصلاة عليه (ص)، وبه صرح في غرر الأفكار شرح درر البحار، فهو
قول آخر مخالف لما مشى عليه الشارح أولا من الوجوب على الذاكر والسامع، وبه صرح ابن
الساعاتي في شرحه على مجمعه، ولما مشى عليه ابن ملك في شرح المجمع، وتبعه المصنف في
شرحه على زاد الفقير من تخصيصه الوجوب على الذاكر بالذاكر ابتداء لا في ضمن الصلاة عليه (ص).
ويظهر لي أن هذا أقرب، ولا حاجة في دفع التسلسل إلى تعميم الذاكر، ثم هذا كله مبني على
تكرار الوجوب في المجلس الواحد، وقدمنا ترجيح التداخل والاكتفاء بمرة. وعليه فإيراد التسلسل
من أصله مدفوع. قوله: (وإزعاج الأعضاء) قال في الهندية: رفع الصوت عند سماع القرآن والوعظ
مكروه، وما يفعله الذين يدعون الوجد والمحبة لا أصل له، ويمنع الصوفية من رفع الصوت وتخريق
الثياب، كذا في السراجية ا ه‍. قوله: (وحرر أنها قد ترد) أي لا تقبل. والقبول ترتب الغرض
المطلوب من الشئ على الشئ كترتيب الثواب على الطاعة، ولا يلزم من استيفاء الطاعة شروطها
وأركانها القبول كما صرح به في الولوالجية، قال: لان القبول له شرط صعب، قال الله تعالى:
* (إنما يتقبل الله من المتقين) * (المائدة: 72) أي فيتوقف على صدق العزيمة، وبعد ذلك يتفضل
المولى تعالى بالثواب على من يشاء بمحض فضله لا بإيجاب عليه تعالى، لان العبد إنما يعمل لنفسه
والله غني عن العالمين، نعم حيث وعد سبحانه وتعالى بالثواب على الطاعة ونحو الألم، حتى
الشوكة يشاكها بمحض فضله تعالى لا بد من وجوده لوعده الصادق. قال تعالى: * (أني لا أضيع
عمل عامل منكم) * (آل عمران: 591) وعلى هذا فعدم القبول لبعض الأعمال إنما هو لعدم استيفاء
شروط القبول: كعدم الخشوع في نحو الصلاة، أو عدم حفظ الجوارح في الصوم، أو عدم طيب
المال في الزكاة والحج، أو عدم الاسخلاص مطلقا، ونحو ذلك من العوارض. وعلى هذا فمعنى أن
الصلاة على النبي (ص) قد ترد عدم إثابة العبد عليها لعارض كاستعمالها على محرم كما مر، أو لاتيانه
بها من قلب غافل أو لرياء وسمعة، كما أن كلمة التوحيد التي هي أفضل منها لو أتى بها نفاقا أو رياء
لا تقبل. وأما إذا خلت من هذه العوارض ونحوها فالظاهر القبول حتما إنجازا للوعد الصادق كغيرها
من الطاعات، وكل ذلك بفضل الله تعالى، لكن وقع في كلام كثيرين ما يقتضي القبول مطلقا، ففي
شرح المجمع لمصنفه أن تقديم الصلاة عليه (ص) على الدعاء أقرب إلى الإجابة لما بعدها من
559

الدعاء، فإن الكريم لا يستجيب بعض الدعاء ويرد بعضه ا ه‍. ومثله في شرحه لابن ملك وغيره.
وقال الفاسي في شرح الدلائل: قال الشيخ أبو إسحاق الشاطبي في شرح الألفية: الصلاة على
رسول الله (ص) مجابة على القطع، فإذا اقترن بها السؤال شفعت بفضل الله تعالى فيه فقبل، وهذا
المعنى مذكور عن بعض السلف الصالح.
واستشكل كلامه هذا الشيخ السنوسي وغيره، ولم يجدوا له مستندا وقالوا: وإن لم يكن له
قطع فلا مرية في غلبة الظن وقوة الرجاء ا ه‍.
وذكر في الفصل الأول من دلائل الخيرات: قال أبو سليمان الداراني: من أراد أن يسأل الله
حاجته فليكثر بالصلاة (1) على النبي (ص) ثم يسأل الله حاجته، وليختم بالصلاة على النبي (ص)، فإن
الله يقبل الصلاتين، وهو أكرم من أن يدع ما بينهما ا ه‍.
مطلب في أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هل ترد أم لا؟
قال الفاسي في شرحه: ومن تمام كلام أبي سليمان عند بعضهم: وكل الأعمال فيها المقبول
والمردود إلا الصلاة على النبي (ص) فإنها مقبولة غير مردودة. وروى الباجي عن ابن عباس: إذا
دعوت الله عز وجل فاجعل في دعائك الصلاة على النبي (ص) فإن الصلاة عليه مقبولة، والله سبحانه
أكرم من أن يقبل بعضا ويرد بعضا، ثم ذكر نحوه عن الشيخ أبي طالب المكي وحجة الاسلام
الغزالي. وقال العراقي: لم أجده مرفوعا، وإنما هو موقوف على أبي الدرداء. ومن أراد الزيادة
على ذلك فليرجع إلى شرح الدلائل.
والذي يظهر من ذلك أن المراد بقبولها قطعا أنها لا ترد أصلا مع أن كلمة الشهادة قد ترد فلذا
استشكله السنوسي وغيره. والذي ينبغي حمل كلام السلف عليه أنه لما كانت الصلاة دعاء والدعاء منه
المقبول ومنه المردود، وأن الله تعالى قد يجيب السائل بعين ما دعاه وقد يجيبه بغيره لمقتضى حكمته
خرجت الصلاة من عموم الدعاء، لان الله تعالى قال: * (إن الله وملائكته يصلون على النبي) *
(الأحزاب: 65) بلفظ المضارع المفيد للاستمرار التجددي مع الافتتاح بالجملة الاسمية المفيدة
للتوكيد وابتدائها بأن لزيادة التوكيد، وهذا دليل على أنه سبحانه لا يزال مصليا على رسوله (ص)، ثم
أمتن سبحانه على عباده المؤمنين حيث أمرهم بالصلاة أيضا ليحصل لهم بذلك زيادة فضل وشرف،
وإلا فالنبي (ص) مستغن بصلاة ربه سبحانه وتعالى عليه، فيكون دعاء المؤمن بطلب الصلاة من ربه
تعالى مقبولا قطعا: أي مجابا لاخباره سبحانه وتعالى بأنه يصلي عليه. بخلاف سائر أنواع الدعاء
وغيره من العبادات، وليس في هذا ما يقتضي أن المؤمن من يثاب عليها أو لا يثاب، بل معناه أن هذا
الطلب والدعاء مقبول غير مردود. وأما الثواب فهو مشروط بعدم العوارض كما قدمناه، فعلم أنه لا
إشكال في كلام السلف، وأن له سندا قويا وهو: إخباره تعالى الذي لا ريب فيه، فاغتنم هذا
التحرير العظيم الذي هو من فيض الفتاح العليم، ثم رأيت الرحمتي ذكر نحوه. قوله: (فقيد
المأمول) أي قيد الثواب الذي يؤمله العبد ويرجوه، وهو هنا محو الذنوب بالقبول: أي المتوقف على

(1) قوله: (فليكثر بالصلاة) قال الفاسي: الباء زائدة في المفعول للتوكيد، ويحتمل ان تكون متعلقة بمحذوف: اي فليكثر
اللهج بالصلاة، أو يكون فليكثر مضمنا معنى فليلهج ونحو ذلك ا ه‍. منه.
560

صدق العزيمة وعدم الموانع، وقد علمت أن هذا لا ينافي كون هذا الدعاء مجابا قطعا.
مطلب في الدعاء بغير العربية
قوله: (وحرم بغيرها) أقول: نقله في النهر عن الامام القرافي المالكي معللا باحتماله على ما
ينافي التعظيم. ثم رأيت العلامة اللقاني المالكي نقل في شرحه الكبير على منظومته المسماة جوهرة
التوحيد كلام القرافي، وقيد الأعجمية بالمجهولة المدلول أخذا من تعليله بجواز اشتمالها على ما
ينافي جلال الربوبية، ثم قال: واحترزنا بذلك عما إذا علم مدلولها، فيجوز استعماله مطلقا في
الصلاة وغيرها، لان الله تعالى قال: * (وعلم آدم الأسماء كلها) * (البقرة: 13) * (وما أرسلنا من رسول
إلا بلسان قومه) * (إبراهيم: 4) ا ه‍. لكن المنقول عندنا الكراهة، فقد قال في غرر الأفكار شرح درر
البحار في هذا المحل: وكره الدعاء بالعجمية، لان عمر نهى عن رطانة الأعاجم ا ه‍. والرطانة كما
في القاموس: الكلام بالأعجمية، ورأيت في الولوالجية في بحث التكبير بالفارسية أن التكبير
عبادة لله تعالى، والله تعالى لا يحب غير العربية، ولهذا كان الدعاء بالعربية أقرب إلى الإجابة، فلا
يقع غيرها من الألسن في الرضا والمحبة لها موقع كلام العرب ا ه‍. وظاهر التعليل أن الدعاء بغير
العربية خلاف الأولى، وأن الكراهة فيه تنزيهية.
هذا، وقد تقدم أول الفصل أن الامام رجع إلى قولهما بعدم جواز الصلاة بالقراءة بالفارسية إلا عند العجز عن العربية.
وأما صحة الشروع بالفارسية وكذا جميع أذكار الصلاة فهي على الخلاف، فعنده تصح الصلاة
بها مطلقا خلافا لهما كما حققه الشارح هناك. والظاهر أن الصحة عنده لا تنفي الكراهة، وقد
صرحوا بها في الشروع.
وأما صحة الشروع بالفارسية وكذا جميع أذكار الصلاة فهي على الخلاف، فعنده تصح الصلاة
بها مطلقا خلافا لهما كما حققه الشارح هناك. والظاهر أن الصحة عنده لا تنفي الكراهة، وقد
صرحوا بها في الشروع.
وأما بقية أذكار الصلاة فلم أر من صرح فيها بالكراهة سوى ما تقدم، ولا يبعد أن يكون
الدعاء بالفارسية مكروها تحريما في الصلاة وتنزيها خارجها، فليتأمل وليراجع. قوله: (لنفسه وأبويه
وأستاذه والمؤمنين) احترز به عما إذا كانوا كفارا فإنه لا يجوز الدعاء لهم بالمغفرة كما يأتي، بخلاف
ما لو دعا لهم بالهداية والتوفيق لو كانوا أحياء، وكان ينبغي أن يزيد: ولجميع المؤمنين والمؤمنات،
كما فعل في المنية لان السنة التعميم، لقوله تعالى: * (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) *
(محمد: 91) وللحديث من صلى صلاة لم يدع فيها للمؤمنين والمؤمنات فهي خداج كما في
البحر، ولخبر المستغفري ما من دعاء أحب إلى الله من قول العبد: اللهم اغفر لامة محمد مغفرة
عامة وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: اللهم اغفر لي، فقال: ويحك لو
عممت لاستجيب لك وفي أخرى أنه ضرب منكب من قال آغفر لي وارحمني، ثم قال له:
عمم في دعائك، فإن بين الدعاء الخاص والعام كما بين السماء والأرض وفي البحر عن الحاوي
القدسي: من سنن القعدة الأخيرة الدعاء بما شاء من صلاح الدين والدنيا لنفسه ولوالديه وأستاذه
وجميع المؤمنين ا ه‍. قال: وهو يفيد أنه لو قال: اللهم اغفر لي ولوالدي وأستاذي، لا تفسد مع أن
الأستاذ ليس في القرآن، فيقتضي عدم الفساد في اللهم اغفر لزيد. قوله: (ويحرم سؤال العافية مدى
الدهر، إلى قوله: والحق) هو أيضا من كلام القرافي المالكي، نقله عنه في النهر، ونقله أيضا
561

العلامة اللقاني في شرح جوهرة التوحيد فقال: الثاني من المحرم أن يسأل المستحيلات العادية
وليس نبيا ولا وليا في الحال: كسؤال الاستغناء عن التنفس في الهواء ليأمن الاختناق، أو العافية من
المرض أبد الدهر لينتفع بقواه وحواسه أبدا، إذ دلت العادة على استحالة ذلك، أو ولدا من غير
جماع، أو ثمار من غير أشجار، وكذا قوله: اللهم أعطني خير الدنيا والآخرة لأنه محال، فلا بد من
أن يراد الخصوص بغير منازل الأنبياء ومراتب الملائكة، ولا بد أن يدركه بعض الشرور ولو سكرات
الموت ووحشة القبر، فكله حرام. الثالث: أن يطلب نفي أمر دل السمع على نفيه، كقوله: * (ربنا
لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) * (البقرة: 682) الخ. مع أنه عليه الصلاة والسلام قال رفع عن أمتي
الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فهي مرفوعة، فيكون تحصيل الحاصل وهو سوء أدب، مثل:
أوجب علينا الصلاة والزكاة، إلا أن يريد بالخطإ العمد وبما لا يطاق الرزايا والمحن فيجوز اه‍
ملخصا. قال اللقاني: ورد هذا بعضهم بما قدمناه عن العز بن عبد السلام من أنه يجوز الدعاء بما
علمت السلامة منه ا ه‍، ولذا قال الشارح: قيل والشرعية: أي لان أحسن الدعاء ما ورد في القرآن
والسنة، ومنه * (ربنا لا تؤاخذنا) * الآية فكيف ينهى عنه، ولو كان الدعاء بتحصيل الحاصل منهيا لما
ساغ الدعاء الصلاة على النبي (ص)، ولا الدعاء له بالوسيلة، ولا بقول المؤمن * (اهدنا الصراط
المستقيم) * (الفاتحة: 6) ولا بلعن الشياطين والكافرين، ونحو ذلك مما فيه إظهار العجز والعبودية: أو
الرغبة بحب النبي (ص) أو حب الدين، أو النفرة عن فعل الكافرين ونحوهم - بخلاف قول الرجل:
اللهم اجعلني رجلا ونحوه مما لا فائدة فيه، أو ما فيه تحكم على الله تعالى كطلب ما ليس أهلا
لنيله، أو ما كان مستحيلا فإنه من الاعتداء في الدعاء، وقد قال الله تعالى: * (ادعوا ربكم تضرعا
وخفية إنه لا يحب المعتدين) * (الأعراف: 55 وروي عن عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه أنه
سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: يا بني سل الله
الجنة وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في
الطهور والدعاء.
مطلب في الدعاء المحرم
قوله: (والحق الخ) رد على الامام القرافي ومن تبعه حيث قال: إن الدعاء بالمغفرة للكافر
كفر لطلبه تكذيب الله تعالى فيما أخبر به، وإن الدعاء لجميع المؤمنين بمغفرة جميع ذنوبهم حرام،
لان فيه تكذيبا للأحاديث الصحيحة المصرحة بأنه لا بد من تعذيب طائفة من المؤمنين بالنار بذنوبهم
وخروجهم منها بشفاعة أو بغيرها، وليس بكفر للفرق بين تكذيب خبر الآحاد القطعي، ووافقه على
الأول صاحب الحلية المحقق ابن أمير حاج، وخالفه في الثاني وحقق ذلك بأنه مبني على مسألة
شهيرة، وهي أنه هل يجوز الخلف في الوعيد؟ فظاهر ما في المواقف والمقاصد أن الأشاعرة قائلون
بجوازه، لأنه لا يعد نقصا بل جودا وكرما. وصرح التفتازاتي وغيره بأن المحققين على عدم جوازه،
وصرح النسفي بأنه الصحيح لاستحالته عليه تعالى، لقوله: * (وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول
لدي) * (ق 82، 92) وقوله تعالى: * (ولن يخلف الله وعده) * أي وعيده، وإنما يمدح به
العباد خاصة، فهذا الدعاء يجوز على الأول لا الثاني.
مطلب في خلف الوعيد وحكم الدعاء بالمغفرة للكافر ولجميع المؤمنين
562

والأشبه ترجح جواز الخلف في الوعيد في حق المسلمين خاصة دون الكفار توفيقا بين أدلة
المانعين المتقدمة وأدلة المثبتين التي من نصها قوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون
ذلك) * (النساء: 611) وقوله، عن إبراهيم * (رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) *
(إبراهيم: 14) وأمر به نبينا (ص) بقوله تعالى: * (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) * فعله
عليه الصلاة والسلام كما في صحيح ابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم قال: اللهم اغفر لعائشة ما
تقدم من ذنبها وما تأخر، ما أسرت وما أعلنت، ثم قال: إنها لدعائي لامتي في كل صلاة وحاصل
هذا القول: جواز التخصيص لما دل عليه اللفظ بوضعه اللغوي من العموم في نصوص الوعيد، ولا
ينافي النصوص الصحيحة المصرحة بأن من المؤمنين من يدخل النار ويعاقب فيها على ذنوبه، لان
الغرض جواز مغفرة جميع الذنوب لجميع المؤمنين لا الجزم بوقوعها للجميع، وجواز الدعاء بها مبني
على جواز وقوعها، لا على الجزم بوقوعها، هذا خلاصة ما أطال به في الحلية.
وحاصله أن ما دل من النصوص على عدم جواز خلف الوعيد مخصوص بغير المؤمنين، أما
في حق المؤمنين فهو جائز عقلا، فيجوز لدعاء بشمول المغفرة لهم وإن كان غير واقع للنصوص
الصحيحة المصرحة بأنه لا بد من تعذيب طائفة منهم، وجواز الدعاء يبتني على الجواز عقلا، لكن
يرد عليه أن ما ثبت بالنصوص الصريحة لا يجوز عدمه شرعا. وقد نقل اللقاني عن الأبي والنووي
انعقاد الاجماع على أنه لا بد من نفوذ الوعيد في طائفة من العصاة، وإذا كان كذلك يكون الدعاء به
مثل قولنا: اللهم لا توجب علينا الصوم والصلاة، وأيضا يلزم منه جواز الدعاء بالمغفرة لمن مات
كافرا أيضا: إلا أن يقال: إنما جاز الدعاء للمؤمنين بذلك إظهارا لفرط الشفقة على إخوانه، بخلاف
الكافرين، وبخلاف لا توجب علينا الصوم لقبح الدعاء لأعداء الله تعالى ورسوله (ص) وإظهار التضجر
من الطاعة، فيكون عاصيا بذلك لا كافرا على ما اختاره في البحر، وقال: إنه الحق، وتبعه
الشارح، لكنه مبني على جواز العفو عن الشرك عقلا، وعليه يبتني القول بجواز الخلف في الوعيد،
وقد علمت أن الصحيح خلافه، فالدعاء به كفر لعدم جوازه عقلا ولا شرعا ولتكذيبه النصوص
القطعية، بخلاف الدعاء للمؤمنين كما علمت، فالحق ما في الحلية على الوجه الذي نقلناه عنها، لا
على ما نقله ح، فافهم. قوله: (ودعا بالأدعية المذكورة في القرآن والسنة) عدل عن قول الكنز بما
يشبه القرآن، لان القرآن معجز لا يشبهه شئ. وأجاب في البحر بأنه أطلق المشابهة لإرادته نفس
الدعاء لا قراءة القرآن ا ه‍. ومفاده أنه لا ينوي القراءة. وفي المعراج أول الباب: وتكره قراءة القرآن
في الركوع والسجود والتشهد بإجماع الأئمة الأربعة، لقوله عليه الصلاة والسلام نهيت أن أقرأ
القرآن راكعا أو ساجدا رواه مسلم ا ه‍. تأمل.
هذا، وقد ذكر في الامداد في بحث السنن جملة من الأدعية المأثورة، فيكفي سهولة مراجعتها
عن ذكرها هنا.
تتمة: ينبغي أن يدعو في صلاته بدعاء محفوظ، وأما في غيرها فينبغي أن يدعو بما يحضره،
ولا يستظهر الدعاء لان حفظه يذهب برقة القلب. هندية عن المحيط. واستظهاره: حفظه عن ظهر
563

قلبه. قوله: (لا يفسد) أي مطلقا، سواء استحال طلبه من العباد كاغفر لي، أو لا كارزقني من بقلها
وقثائها وفومها وعدسها وبصلها. وفيه رد على الفضلي في اختياره الفساد بما ليس في القرآن
مطلقا، وعلى ما في الخلاصة من تقييده عدم الفساد بالمستحيل من العباد بما إذا كان مأثورا، وهو
مبني على قول الفضلي. قال في النهر: والمذهب الاطلاق. قوله: (إن استحال طلبه من الخلق)
كاغفر لعمي أو لعمرو فلا يفسد وإن لم يكن في القرآن، خلافا للفضلي. قوله: (وإلا يفسد) مثل:
اللهم ارزقني بقلا وقثاء وعدسا وبصلا، فتفسد الصلاة لوجود القاطع المانع من إعادتها وهو الدعاء
المذكور، بخلاف التلاوية والسهوية لأنه لا تتوقف صحة الصلاة على سجودهما، فتتم الصلاة به،
وإن لم يسجدهما لأنهما واجبتان، والصلبية ركن، بل لو سجدهما فهو لغو لأنه بعد قطع الصلاة، كما
لو سلم وهو ذاكر لسجدة تلاوية أو سهوية تمت صلاته لخروجه منها بعد تمام الأركان. وأما
قولهم: إن التلاوية كالصلبية في أنها ترفع القعدة والتشهد، فذاك فيما إذا فعلهما قبل خروجه من
الصلاة بسلام أو كلام، بخلاف ما نحن فيه، فذكر التلاوية هنا خطى صريح كما نبه عليه الرحمتي،
فافهم. قوله: (فلا تفسد الخ) تفريع على المختار السابق. قوله: (مطلقا) أي سواء كان في القرآن
كاغفر لي، أو لا كاغفر لعمي أو لعمرو، لان المغفرة يستحيل طلبها من العباد * (ومن يغفر الذنوب
إلا الله) * وما في الظهيرية من الفساد به اتفاقا مؤول باتفاق من اختار قول الفضلي، أو
ممنوع بدليل ما في المجتبى، وفي أقربائي وأعمامي اختلاف المشايخ، وتمامه في البحر والنهر.
قوله: (وكذا الرزق) أي لا يفسد إذا قيده بما يستحيل من العباد كارزقني الحج أو رؤيتك، بخلاف
فلانة، وجعل هذا التفصيل في الخلاصة هو الأصح. وفي النهر: وهذا التخريج ينبغي اعتماده ا ه‍.
قلت: وكذا لو أطلقه لأنه في القرآن: * (وارزقنا وأنت خير الرازقين) * (المائدة: 411) وجعل في الهداية
ارزقني مفسدا لقولهم: رزق الأمير الجند. قال في الفتح: ورجح عدم الفساد لان الرازق في
الحقيقة هو الله تعالى ونسبته إلى الأمير مجاز. قال في شرح المنية: لان الرزق عند أهل السنة ما
يكون غذاء للحيوان وليس في وسع المخلوق إلا إيصال سببه كالمال، ولذا لو قيده به فقال ارزقني
مالا تفسد بلا خلاف، وعليه فأكرمني أو أنعم علي ينبغي أن يفسد إذ يقال: أكرم فلان فلانا وأنعم
عليه، إلا أنه في المحيط ذكر عن الأصل أنه لا يفسد لان معناه في القرآن: * (إذا ما ابتلاه فأكرمه
ونعمه) * (1) (الفجر: 51) وكذا لو قال: فامددني بمال، لا يفسد، وأما قوله: أصلح أمري، فبالنظر
إلى إطلاق الامر يستحيل طلبه من العباد ا ه‍، ملخصا.
تنبيه: في البحر عن فتاوى الحجة: لو قال: اللهم العن الظالمين، لا يقطع صلاته، ولو قال:
اللهم العن فلانا: يعني ظالمه، يقطع الصلاة ا ه‍: أي لأنه دعاء بمحرم وإن استحال من العباد فصار
كلاما، أو لأنه غير مستحيل بدليل * (فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) * (البقرة: 161) وأما
اللعنة على الظالمين فهي في القرآن، فافهم. قوله: (حتى يرى بياض خده) أي حتى يراه من يصلي

(1) قوله: (إذا ما ابتلاه فأكرمه الخ) هكذا بخطه، والتلاوة (إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه) ا ه‍. مصححه.
564

خلفه، أفاده ح. وفي البدائع: يسن أن يبالغ في تحويل الوجه في التسليمتين، ويسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره حتى
يرى بياض خده الأيسر. قوله: (ولو عكس) بأن سلم عن يساره أولا عامدا أو ناسيا. بحر. قوله: (فقط) أي فلا يعيد التسليم عن
يساره. قوله: (ما لم يستدبر
القبلة) أي أو يتكلم. بحر. قوله: (في الأصح) مقابله ما في البحر من أنه يأتي به ما لم يخرج من
المسجد: أي وإن استدبر القبلة. وعدل عنه الشارح لما في القنية من أن الصحيح الأول، وعبر
الشارح بالأصح بدل الصحيح، والخطب فيه سهل. قوله: (وقد مر) أي في الواجبات، حيث قال:
وتنقضي قدوة بالأول قبل عليكم على المشهور عندنا خلافا للتكملة ا ه‍: أي فلا يصح الاقتداء به
بعدها لانقضاء حكم الصلاة، وهذا في غير الساهي، أما هو إذا سجد له بعد السلام يعود إلى
حرمتها ط. قوله: (مثنى) أي اثنين وإن لم يتكرر فإنه يطلق على هذا كثيرا، ومنه قوله تعالى:
* (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى) * (النساء: 3) أو يراد التكرار باعتبار تعدد الصلوات، ثم الذي
شرع فيها مثنى مع الموالاة السلام والسجود ط. وأما القيام والركوع فإنه وإن تكرر في الصلاة إلا أنه
مع الفاصل، وليس بمراد هنا. قوله: (وتتقيد الركعة بسجدة) حتى لو سها في الفرض فقام قبل
القعود الأخير يبطل فرضه إذا قيد الركعة بسجدة. قوله: (إن أتم) أي المؤتم، لان متابعة الامام في
السلام وإن كانت واجبة فليست بأولى من تمام الواجب الذي هو فيه ح. وهل إتمام التشهد واجب
أو أولى؟ قدمنا الكلام فيه فيما مر عند قول المصنف ولو رفع الامام رأسه قبل أن يتم المأموم
التسبيحات. قوله: (ولا يخرج المؤتم) أي عن حرمة الصلاة فعليه أن يسلم، حتى لو قهقه قبله
انتقض وضوءه، وهذا عندهما خلافا لمحمد. قوله: (بنحو سلام الامام الخ) أي مما هو متمم لها لا
مفسد، فإنه لو سلم بعد القعدة أو تكلم انتهت صلاته ولم تفسد، بخلاف القهقهة أو الحدث العمد
لانتفاء حرمة الصلاة به لأنه مفسد للجزء الملاقي له من صلاة الامام، فيفسد مقابله من صلاة
المؤتم، لكنه إن كان مدركا فقد حصل المفسد بعد تمام الأركان فلا يضره كالامام، بخلاف اللاحق
أو المسبوق. قوله: (عمدا) أما لو كان بلا صنعة فله أن يبني فيتوضأ ثم يسلم ويتبعه المؤتم. قوله:
(فلا يسلم) أي الامام أو المؤتم به لخروجه منها اتفاقا، حتى لو قهقه المؤتم لا تنتقض طهارته.
قوله: (ولو أتمه الخ) أي لو أتم المؤتم التشهد، بأن أسرع فيه وفرغ منه قبل إتمام إمامه فأتى بما
يخرجه من الصلاة كسلام أو كلام أو قيام جاز: أي صحت صلاته لحصوله بعد تمام الأركان، لان
الامام وإن لم يكن أتم التشهد لكنه قعد قدره، لأن المفروض من القعدة قدر أسرع ما يكون من
قراءة التشهد وقد حصل، وإنما كره للمؤتم ذلك لتركه متابعة الامام بلا عذر، فلو به كخوف حدث
أو خروج وقت جمعة أو مرور مار بين يديه فلا كراهة، كما سيأتي قبيل باب الاستخلاف، قوله: (فلو
565

عرض مناف) أي بغير صنعه كالمسائل الاثني عشرية، وإلا بأن قهقه أو أحدث عمدا فلا تفسد صلاة
الامام أيضا كما مر. قوله: (تفسد صلاة الامام فقط) أي لا صلاة المأموم، لأنه لما تكلم خرج عن
صلاة الامام قبل عروض المنافي لها. قوله: (مع الامام) متعلق بالتحريمة، فإن المراد بها هنا
المصدر: أي كما يحرم مع الامام، وإنما جعل التحريمة مشبها بها، لان المعية فيها رواية واحدة عن
الامام، بخلاف السلام فإن فيه روايتين عنه، أصحهما المعية ح. قوله: (وقالا الأفضل فيهما بعده)
أفاده أن خلاف الصاحبين في الأفضلية وهو الصحيح. نهر. وقيل في الجواز حتى لا يصح الشروع
بالمقارنة في إحدى الروايتين عن أبي يوسف ويكون مسيئا عند محمد كما في البدائع. وفي
القهستاني: وقال السرخسي: إن قوله أدق وأجود، وقولهما أرفق وأحوط. وفي عون المرزوي:
المختار للفتوى في صحة الشروع قوله وفي الأفضلية قولهما ا ه‍. وفي التاترخانية عن المنتقى:
المقارنة على قوله كمقارنة حلقة الخاتم والإصبع. والبعدية على قولهما أن يوصل المقتدي همزة الله
براء أكبر.
مطلب في وقت إدراك فضيلة الافتتاح
وتظهر فائدة الخلاف في وقت إدراك فضيلة تكبيرة الافتتاح، فعنده بالمقارنة، وعندهما إذا كبر
في وقت الثناء، وقيل بالشروع قبل قراءة ثلاث آيات لو كان المقتدي حاضرا، وقيل سبع لو غائبا،
وقيل بإدراك الركعة الأولى، وهذا أوسع وهو الصحيح ا ه‍. وقيل بإدراك الفاتحة وهو المختار.
خلاصة، واقتصر على ذكر التحريمة والسلام، فأفاد أن المقارنة في الافعال أفضل بالاجماع، وقيل
على الخلاف كما في الحلية وغيرها عن الحقائق. قوله: (هو السنة) قال في البحر: وهو على وجه
الأكمل أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله مرتين، فإن قال: السلام عليكم أو السلام أو سلام
عليكم أو عليكم السلام، أجزأه وكان تاركا للسنة، وصرح في السراج بكراهة الأخير ا ه‍.
قلت: تصريحه بذلك لا ينافي كراهة غيره أيضا مما خالف السنة. قوله: (وأنه) معطوف على
قوله بكراهة لأنه صرح به الحداد أيضا. قوله: (هنا) أي في سلام التحلل، بخلاف الذي في
التشهد كما يأتي. قوله: (ورده الحلبي) يعني المحقق ابن أمير حاج حيث قال في الحلية شرح
المنية بعد نقله قول النووي إنها بدعة: ولم يصح فيها حديث بل صح في تركها غير ما حديث ما
نصه: لكنه متعقب في هذا، فإنها جاءت في سنن أبي داود من حديث وائل بن حجر بإسناد
صحيح. وفي صحيح ابن حبان من حديث عبد الله بن مسعود، ثم قال: اللهم إلا أن يجاب بشذوذها
وإن صح مخرجها كما مشى عليه النووي في الأذكار، وفيه تأمل ه‍. قوله: (وفي الحاوي أنه حسن)
أي الحاوي القدسي وعبارته: وزاد بعضهم وبركاته وهو حسن ا ه‍. وقال أيضا في محل آخر: وروي
وبركاته. قوله: (أخفض من الأول) أفاد أنه يخفض صوته بالأول أيضا: أي عن الزائد على قدر
الحاجة في الاعلام فهو خفض نسبي، وإلا فهو في الحقيقة جهر، فالمراد أنه يجهر بهما إلا أنه يجهر
566

بالثاني دون الأول، وقيل إنه يخفض الثاني: أي لا يجهر به أصلا. والأصح الأول لحاجة المقتدي
إلى سماع الثاني أيضا، لأنه لا يعلم أنه بعد الأول يأتي به أو يسجد قبله لسهو حصل له، أفاده في
شرح المنية. وفي البدائع: ومنها أي السنن أن يجهر بالتسليم لو إماما لأنه للخروج عن الصلاة فلا
بد من الاعلام ا ه‍. فافهم. قوله: وينوي الخ) أي ليكون مقيما للسنة، فينوي ذلك كسائر السنن،
ولذا ذكر شيخ الاسلام أنه إذا سلم على أحد خارج الصلاة ينوي السنة، وبه اندفع ما أورده صدر
الاسلام من أنه لا حاجة للامام إلى النية لأنه يجهر ويشير إليهم فهو فوق النية ا ه‍. بحر ملخصا.
وجه الدفع أنه لا يلزم من الإشارة إليهم بالخطاب حصول النية بإقامة القربة، فلا بد منها.
أقول أيضا فإن التحلل من الصلاة لما وجب بالسلام كان المقصود الأصلي منه التحلل لا
خطاب المصلين، فلما لم يكن الخطاب مقصودا أصالة لزمت النية لإقامة السنة الزائدة على التحلل
الواجب، إذ لولاها لبقي السلام لمجرد التحلل دون التحية فتدبر. قوله: (السلام) مفعول ينوي
وهو اسم مصدر بمعنى التسليم. قوله: (ممن معه في صلاته) هذا قول الجمهور، وقيل من معه في
المسجد، وقيل إنه يعم كسلام التشهد حلية. قوله: (أو نساء) صرح به محمد في الأصل وما في
كثير من الكتب من أنه لا ينويهن في زماننا مبني على عدم حضورهن الجماعة، فلا مخالفة بينهما لان
المدار على الحضور وعدمه، حتى لو حضر، خناثى أو صبيان نواهم أيضا، حلية وبحر. لكن في
النهر أنه لا ينوي النساء وإن حضرن لكراهة حضورهن. قوله: (فيعم الخ) ولذا ورد إذا قال
العبد: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض.
قوله: (والحفظة) بالجر عطفا على من، ولم يقل الكتبة ليشمل من يحفظ أعمال المكلف وهم
الكرام الكاتبون، ومن يحفظه من الجن وهم المعقبات، ويشمل كل مصل فإن المميز لا كتبة له أفاده
في الحلية والبحر، وفيه كلام يأتي، على أن الكلام هنا في الامام ولا يكون صبيا. قوله: (فيهما)
أي في اليمين واليسار. قوله: (بلا نية عدد) أي للاختلاف فيه، فقيل مع كل مؤمن اثنان، وقيل
أربعة، وقيل خمسة، وقيل عشرة، وقيل مائة وستون، وقيل غير ذلك، وتمامه في شروح المنية.
مطلب في عدد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام
قوله: (كالايمان بالأنبياء) لان عددهم ليس بمعلوم قطعا، فينبغي أن يقال: آمنت بجميع
الأنبياء أولهم آدم وآخرهم محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام. معراج. فلا يجب اعتقاد أنهم مائة
ألف وأربعة وعشرون ألفا، وأن الرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة وعشرون، لأنه خبر آحاد. قوله: (وقد
القوم) أي المعبر عنهم بمن بدليل عطف الحفظة عليهم والعطف للمغايرة، وعبر بالقوم ليخرج
الجن فإنهم ليسوا أفضل من الملك، وأشار بذلك إلى ما قاله فخر الاسلام من أن للبداءة أثرا في
الاهتمام، ولذا قال أصحابنا في الوصايا بالنوافل: إنه يبدأ بما بدأ به الميت. قوله: (من اتقى الشرك
فقط) الأولى أن يسقط لفظ فقط، فيصير المعنى من اتقى الشرك، سواء اتقى المعاصي أيضا
567

أولا ح. قوله: (كما في البحر عن الروضة) أي روضة العلماء للزندوستي حيث قال: أجمعت الأمة
على أن الأنبياء أفضل الخليقة، وأن نبينا عليه الصلاة والسلام أفضلهم، وأن أفضل الخلائق بعد
الأنبياء: الملائكة الأربعة، وحملة العرش، والروحانيون، ورضوان، ومالك، وأن الصحابة والتابعين
والشهداء والصالحين أفضل من سائر الملائكة.
واختلفوا بعد ذلك، فقال الامام: سائر الناس من المسلمين أفضل من سائر الملائكة، وقالا:
سائر الملائكة أفضل ا ه‍. ملخصا.
مطلب في تفضيل البشر على الملائكة
وحاصله أنه قسم البشر إلى ثلاثة أقسام: خواص كالأنبياء، وأوساط كالصالحين من الصحابة
وغيرهم، وعوام كباقي الناس. وقسم الملائكة إلى قسمين: خواص كالملائكة المذكورين، وغيرهم
كباقي الملائكة. وجعل خواص البشر أفضل من الملائكة خاصهم وعامهم، وبعدهم في الفضل
خواص الملائكة، فهم أفضل من باقي البشر أوساطهم وعوامهم، وبعدهم أوساط البشر فهم أفضل
ممن عدا خواص الملائكة، وكذلك عوام البشر عند الامام كأوساطهم، فالأفضل عنده خواص البشر،
ثم خواص الملك، ثم باقي البشر، وعندهما خواص البشر ثم خواص الملك، ثم أوساط البشر، ثم
باقي الملك. قوله: (قلت الخ) حاصله أن القهستاني جعل كلا من البشر والملك قسمين: خواص
وأوساط، وجعل خواص البشر أفضل من خواص الملك، وأوساط البشر أفضل من أوساط الملك،
ففي كلامه لف ونشر مرتب، وسكت عن عوام البشر للخلاف السابق، وبه ظهر أن هذا غير مخالف
لما مر عن الروضة، نعم قوله عند أكثر المشايخ مخالف لما في الروضة من دعوى الاتفاق، وما هنا
أولى، إذ المسألة خلافية، وهي ظنية أيضا كما نص عليه في شرح النسفية، بل قال في شرح
المنية، وقد روي التوقف في هذه المسألة: أي مسألة تفضيل البشر على الملك عن جماعة منهم أبو
حنيفة لعدم القاطع، وتفويض علم ما لم يحصل لنا الجزم بعلمه إلى عالمه أسلم، والله أعلم اه‍.
مطلب: هل تتغير الحفظة؟
قوله: (وهل تتغير الحفظة؟ قولان) فقيل نعم، لحديث الصحيحين، يتعاقبون فيكم ملائكة
بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد الذين باتوا فيكم فيسألهم
وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصولون فنقل
عياض وغيره عن الجمهور أنهم الحفظة أي الكرام الكاتبون. واستظهر القرطبي أنهم غيرهم، وقيل
لا يتغيران ما دام حيا، لحديث أنس أن رسول الله (ص) قال: إن الله تبارك وتعالى وكل بعبده المؤمن
ملكين يكتبان عمله. فإذا مات قالا: ربنا قد مات فلان فتأذن لنا فنصعد إلى السماء؟ فيقول الله عز
وجل: * (سمائي مملوءة من ملائكتي يسبحوني) *، فيقولان: فنقيم في الأرض؟ فيقول الله تعالى: * (أرضي
مملوءة من خلقي يسبحوني) *، فيقولان: فأين نكون؟ فيقول الله تعالى: * (قوما على قبر عبدي فكبراني
وهللاني واذكراني واكتبا ذلك لعبدي إلى يوم القيامة) * وتمامه في الحلية. قوله: (ويفارقه كاتب
568

السيئات عند جماع وخلاء) تبع في ذلك صاحب البحر. والمصر به في شرح الجوهرة الكبير
للقاني أن المفارق له في هذه الحالة الملكان، وزاد أنهما يكتبان ما حصل منه بعد فراغه بعلامة
يجعلها الله تعالى لهما، ولكنه لم يستند في ذلك إلى دليل. وذكر في الحلية أن الجزم به يحتاج إلى
ثبوت سمعي يفيده. وأما ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان إذا أراد الدخول في الخلاء
يبسط رداءه ويقول: أيها الملكان الحافظان علي اجلسا ها هنا فإني عاهدت الله تعالى أن لا أتكلم
في الخلاء، فذكر شيخنا الحافظ أنه ضعيف ا ه‍ ح ملخصا. قوله: (وصلاة) يعني أن كاتب السيئات
يفارق الانسان في صلاته لأنه ليس له ما يكتبه، ذكره القرطبي. ورده في الحلية كما نقله ح. قوله:
(والمختار الخ) مقابله ما يأتي عن حاشية الأشباه وكذا ما في النهر من أن القلم: اللسان. والمداد:
الريق. قوله: (استأثر) أي اختص. قوله: (نعم الخ) لا يحسن الاستدراك به بعد تصريحه باختيار
الأول. تأمل. قوله: (تكتب في رق) قال في الحلية: ثم قيل: إن الذي يكتب فيه الحفظة دواوين
من رق، كما هو المراد من قوله تعالى: * (وكتاب مسطور في رق منشور) * (الطور: 23) في أحد
الأقوال، لكن المأثور عن علي رضي الله عنه إن لله ملائكة ينزلون بشئ يكتبون فيه أعمال بني
آدم فلم يعين ذلك، والله سبحانه أعلم ا ه‍. قوله: (بلا حرف كثبوتها في العقل) يؤيده ما قاله
الغزالي في المكتوب في اللوح المحفوظ أيضا: إنه ليس حروفا، وإنما هو ثبوت المعلومات فيه
كثبوتها في العقل. قال في الحلية: لكن صرف اللفظ عن ظاهره يحتاج إلى وجود صارف مع كثرة ما
في الكتاب والسنة مما يؤيد الظاهر كقوله تعالى: * (إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) *
* (ورسلنا لديهم يكتبون) * (الزخرف: 08) وكذا ما ثبت في الاسراء من سماعه عليه الصلاة والسلام
صريف الأقلام: أي تصويتها فيحمل على ظاهره، لكن كيفية ذلك وصورته وجنسه مما لا يعلمه إلا
الله تعالى أو من أطلعه على شئ من ذلك ا ه‍. ملخصا. وتمامه في ح قوله: (وهو أحد ما قيل
الخ) راجع إلى قوله تكتب في رق فقط كما أفاده ح، فراجع وتأمل. قوله: (وصحح
النيسابوري) نقله في الحلية) عن الحسن ومجاهد والضحاك وغيرهم. وذكر قبله عن الاختيار أن محمدا
روى عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: الملائكة لا تكتب إلا ما فيه أجر أو وزر. قوله:
(حتى أنينه) هو الصوت الصادر عن طبيعة الشخص في مرضه لعسره أو لضجره أو لتأسفه على ما
فرط في جانب الله تعالى، وأشار بهذه الغاية إلى أنهما يكتبان جميع الضروريات أيضا كالتنفس وحركة
النبض وسائر العروق والأعضاء، أفاده ح عن اللقاني. قوله: (يكتب المباح كاتب السيئات) تفسير
لما أجمل في العبارة السابقة حيث نسب فيها كتابة كل شئ إليهما، فأشار هنا إلى تفصيله وبيانه لان
المكتوب ثلاثة أقسام: ما فيه أجر، وما فيه وزر، وما لا ولا، فما فيه أجر لكاتب الحسنات،
والباقي لكاتب السيئات. قوله: (ويمحى يوم القيامة) وقيل في آخر النهار، وقيل يوم الخميس،
569

وهو مأثور عن ابن عباس والكلبي. وذكر في الحلية عن الاختيار أن الأكثرين على الأول. وعن
بعض المفسرين أنه الصحيح عند المحققين، فلذا مشى عليه الشارح. قوله: (الأصح أن الكافر أيضا
تكتب أعماله الخ) أي السيئة، إذ لا حسنة له، وهو مكلف بحقوق العباد والعقوبات اتفاقا،
وبالعبادات أداء واعتقادا، وهو المعتمد عندنا، فيعاقب على تروك الامرين، تمامه في ح. ونقل عن
اللقاني أن أعمال الكافر التي يظن هو أنها حسنة لا تكتب له إلا إذا أسلم فيكتب له ثواب ما عمله
في الكفر من الحسنات انتهى. وفي حفظي أن مذهبنا خلافه فليراجع.
مطلب: هل يفارقه الملكان؟
قوله: (وفي البرهان الخ) لحديث يتعاقبون المتقدم، والمراد بهم الحفظة الذين هم
المعقبات، لا الحفظة الذين هم الكتبة لما قدمناه ح. قوله: (وأن إبليس مع ابن آدم بالنهار) أي مع
جميعهم إلا من حفظه الله تعالى منه وأقدره على ذلك، كما أقدر ملك الموت على نظير ذلك،
والظاهر أن هذا غير القرين الآتي لأنه لا يفارق الآدمي، فافهم. قوله: (روي بفتح الميم) بمعنى آمن
القرين فصار لا يأمر إلا بخير كالقرين الملك، وهذا ظاهر الحديث. قوله: (وضمها) فيكون فعلا
مضارعا مفيدا للسلامة من القرين الكافر على طريق الاستمرار التجددي ح. وصحح بعضهم هذه
الرواية ورجحها. وفي رواية فاستسلم كما في الشفاء. قوله: (ويزيد المؤتم الخ) أي يزيد على ما
تقدم من نية القوم والحفظة نية إمامه. قوله: (إن كان الامام فيها) أي في التسليمة الأولى: أي في
جهتها. قوله: (وإلا) صادق بالمحاذاة وليست مرادة لذكرها بعد ح. قوله: (إذ لا كتبة معه) أفاد أن
المراد بالحفظة: حفظة ذاته من الأسواء، لا حفظة الأعمال، وهما قولان كما مر، لكن الصحيح أن
حسنات الصبي له ولوالديه ثواب التعليم، ولذا ذكر اللقاني أنه تكتب حسناته، فمقتضاه أن له كاتب
حسنات. قوله: (ولعمري) قسم، وتقدم الكلام عليه في خطبة الكتاب. قوله: (هذا) أي ما ذكره من
النية. وفي الحلية عن صدر الاسلام: هذا شئ تركه جميع الناس، لأنه قلما ينوي أحد شيئا. قال
في غاية البيان: وهذا حق لأن النية في الاسلام صارت كالشريعة المنسوخة، ولهذا لو سألت ألوف
ألوف من الناس: أي شئ نويت بسلامك؟ لا يكاد يجيب أحد منهم بما فيه طائل إلى الفقهاء،
وفيهم نظر ا ه‍. قوله: (إلا بقدر اللهم الخ) لما رواه مسلم والترمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها
قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقعد إلا بمقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك
570

السلام، تباركت يا ذا الجلال والاكرام وأما ما ورد من الأحاديث في الأذكار عقيب الصلاة فلا
دلالة فيه على الاتيان بها قبل السنة، بل يحمل على الاتيان بها بعدها، لان السنة من لواحق الفريضة
وتوابعها ومكملاتها فلم تكن أجنبية عنها، فما يفعل بعدها يطلق عليه أنه عقيب الفريضة، وقول
عائشة بمقدار لا يفيد أنه كأن يقول ذلك بعينه، بل كان يقعد بقدر ما يسعه ونحوه من القول
تقريبا، فلا ينافي ما في الصحيحين من أنه (ص) كأن يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا
معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد وتمامه في شرح المنية، وكذا في الفتح من باب
الوتر والنوافل. قوله: (واختاره الكمال) فيه أن الذي اختاره الكمال هو الأول، وهو قول البقالي.
ورد ما في شرح الشهيد من أن ألقيا إلى السنة متصلا بالفرض مسنون. ثم قال: وعندي أن قول
الحلواني لا بأس، لا يعارض القولين، لان المشهور في هذه العبارة كون خلافه أولى، فكان معناها
أن الأولى أن لا يقرأ قبل السنة، ولعل فعل لا بأس، فأفاد عدم سقوط السنة بذلك، حتى إذا صلى
بعد الأوراد تقع سنة لا على وجه السنة، ولذا قالوا: لو تكلم بعض الفرض لا تسقط لكن ثوابها
أقل، فلا أقل من كون قراءة الأوراد لا تسقطها ا ه‍. وتبعه على ذلك تلميذه في الحلية، وقال:
فتحمل الكراهة في قول البقالي على التنزيهية لعدم دليل التحريمية، حتى لو صلاها بعد الأوراد تقع
سنة مؤداة، لكن لا في وقتها المسنون، ثم قال: وأفاد شيخنا أن الكلام فيما إذا صلى السنة في محل
الفرض لاتفاق كلمة المشايخ على أن الأفضل في السنن حتى سنة المغرب المنزل: أي فلا يكره
الفصل بمسافة الطريق. قوله: (قال الحلبي الخ) هو عين ما قاله الكمال في كلام الحلواني من عدم
المعارضة ط. قوله: (ارتفع الخلاف) لأنه إذا كانت الزيادة مكروهة تنزيها كانت خلاف الأولى الذي
هو معنى لا بأس. قوله: (وفي حفظي الخ) توفيق آخر بين القولين، المذكورين وذلك بأن المراد في
قول الحلواني لا بأس بالفصل بالأوراد: أي القليلة التي بمقدار اللهم أنت السلام الخ لما علمت
من أنه ليس المراد خصوص ذلك، بل هو أو ما قاربه في المقدار بلا زيادة كثيرة، فتأمل. وعليه
فالكراهة على الزيادة تنزيهية، لما علمت من عدم دليل التحريمية فافهم، وسيأتي في باب الوتر
والنوافل ما لو تكلم بين السنة والفرض أو أكل أو شرب، وأنه لا يسن عندنا الفصل بين سنة الفجر
وفرضه بالضجعة التي يفعلها الشافعية. قوله: (والمعوذات) فيه تغليب، فإن المراد الاخلاص
والمعوذتان ط. قوله: (ثلاثا وثلاثين) تنازع فيه كل من الافعال الثلاثة قبل.
مطلب: فيما لو زاد على العدد في التسبيح عقب الصلاة
تنبيه: لو زاد على العدد: قيل يكره لأنه سوء أدب، وأيد بأنه كدواء
زيد على قانونه أو مفتاح زيد على أسنانه، وقيل لا، بل يحصل له الثواب المخصوص مع الزيادة، بل قيل لا يحل اعتقاد
الكراهة، لقوله تعالى: * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) * (الانعام: 061) الأوجه إن زاد لنحو شك
عذر أو لتعبد فلا، لاستدراكه على الشارع وهو ممنوع ا ه‍ ملخصا من تحفة ابن حجر. قوله: (يكره
571

للامام التنفل في مكانه) بل يتحول مخيرا كما يأتي عن المنية، وكذا يكره مكثه قاعدا في مكانه
مستقبل القبلة في صلاة لا تطوع بعدها كما في شرح المنية عن الخلاصة، والكراهة تنزيهية كما دلت
عليه عبارة الخانية. قوله: (لا للمؤتم) ومثله المنفرد، لما في النية وشرحها: أما المقتدي والمنفرد
فإنهما إن لبثا أو قاما إلى التطوع في مكانهما الذي صليا فيه المكتوبة جاز، والأحسن أن يتطوعا في
مكان آخر ا ه‍. قوله: (وقيل يستحب كسر الصفوف) ليزول الاشتباه عن الداخل المعاين للكل في
الصلاة البعيد عن الامام، وذكره في البدائع والذخيرة عن محمد، ونص في المحيط على أنه السنة
كما في الحلية، وهذا معنى قوله في المنية: والأحسن أن يتطوعا في مكان آخر. قال في الحلية:
وأحسن من ذلك كله أن يتطوع في منزله إن لم يخف مانعا. قوله: (لتنفل أو ورد) أقول: عبارته في
الخزائن: قلت يحتمل أنه لأجل التنفل أو الورد ا ه‍. فدل على أن ذلك ليس من كلام الخانية.
والذي رأيته في الخانية صريح في أنه للتنفل. قوله: (وخيره الخ) الضمير المنصوب للامام، لكن
التخيير الذي في المنية هو أنه إن كان في صلاة لا تطوع بعدها، فإن شاء انحرف عن يمينه أو يساره
أو ذهب إلى حوائجه استقبل الناس بوجهه، وإن كان بعدها تطوع وقام يصليه يتقدم أو يتأخر أو
ينحر ف يمينا أو شمالا أو يذهب إلى بيته فيتطوع ثمة ا ه‍. وهذا التخيير لا يخالف ما مر عن الخانية،
لأنه لبيان الجواز وذاك لبيان الأفضل، ولذا علله في الخانية وغيرها بأن لليمين فضلا عن اليسار،
لكن هذا لا يخص يمين القبلة بل يقال مثله في يمين المصلي، بل في شرح المنية أن انحرافه عن
يمينه أولى، وأيده بحديث في صحيح مسلم، وصحح في البدائع التسوية بينهما وقال لان المقصود
من الانحراف وهو زوال الاشتباه: أي اشتباه أنه في الصلاة يحصل بكل منهما، وقدمنا عن الحلية أن
الأحسن من ذلك كله تطوعه في منزله، لما في سنن أبي داود بإسناد صحيح صلاة المرء في بيته
أفضل من صلاته في مسجدي هذا، إلا المكتوبة قلت وإلا التراويح كما سيأتي في باب الوتر
والنوافل مع زيادات أخر. ثم إذا شاء الذهاب انصرف من جهة يمينه أو يساره، فقد صح الأمران
عنه (ص) وعليه العمل عند أهل العلم كما قاله الترمذي. وذكر النووي أنه عند استواء الجهتين في
الحاجة وعدمها، فاليمين أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفضل اليمين في باب المكارم ونحوها
كما في الحلية. قوله: (ولو دون عشرة) أي أن الاستقبال مطلق لا تفصيل فيه بين عدد وعدد على ما
ذكره في الخلاصة وغيرها. ولا يلتفت إلى ما ذكره بعض شراح المقدمة من أن الجماعة إن كانوا
عشرة يلتفت إليهم، لترجح حرمتهم على حرمة القبلة، وإلا فلا ترجح حرمة القبلة على الجماعة،
فإن هذا الذي ذكره لا أصل له في الفقه، وهو رجل مجهول لا تشبه ألفاظه ألفاظ أهل الفقه، فضلا
عن أن يقلد فيما ليس له أصل. والذي رواه موضوع كذب على النبي (ص)، بل حرمة المسلم الواحد
أرجح من حرمة القبلة، غير أن الواحد لا يكون خلف الامام حتى يلتفت إليه، بل هو عن يمينه،
فلو كانا اثنين كانا خلفه، فليلتفت إليهما للاطلاق المذكور ا ه‍، ونازعه في الامداد بأنه ذكر ذلك في
مجمع الروايات شرح القدوري عن حاشية البدرية عن أبي حنيفة، فليتأمل.
قوله: (ولو بعيدا على المذهب) صرح به في الذخيرة أخذا من إطلاق محمد في الأصل قوله:
572

إذا لم يكن بحذائه رجل يصلي، ثم قال في الذخيرة: هذا هو ظاهر المذهب، لأنه إذا كان وجهه
مقابل وجه الامام في حالة قيامه يكره وإن كان بينهما صفوف، واستظهر ابن أمير حاج في الحلية
خلاف هذا، فقال: الذي يظهر أنه إذا كان بين الامام والمصلي بحذائه رجل جالس ظهره إلى
المصلي لا يكره للامام استقبال القوم، لأنه إذا كان سترة للمصلي لا يكره المرور وراءه فكذا هنا،
وقد صرحوا بأنه لو صلى إلى إنسان وبينهما ثالث ظهره إلى وجه المصلي لم يكره، ولعل محمدا لم
يقيد بذلك للعلم به ا ه‍ ملخصا، فافهم. والله تعالى أعلم.
فصل في القراءة
لما فرغ من بيان صفة الصلاة وكيفيتها وفرائضها وواجباتها وسننها، ذكر أحكام القراءة في
فصل على حدة لزيادة أحكام تعلقت بها دون سائر الأركان. قوله: (ويجهر الامام وجوبا) أي جهرا
واجبا على أنه مصدر بمعنى اسم الفاعل، وقوله بحسب الجماعة صفة ثانية للجهر. ولا يخفى أنه
لا يلزم من اتصاف الجهر بهذين الوصفين أن يتصف كونه بحسب الجماعة بالوجوب أيضا، نعم لو
جعل حالا من ضمير وجوبا المؤول باسم الفاعل يلزم ذلك، ولا داعي إلى حمل الكلام على ما
يفسد المعنى مع تبادر غيره، فافهم. قوله: (فإن زاد عليه أساء) وفي الزاهدي عن أبي جعفر: لو
زاد على الحاجة فهو أفضل، إلا إذا أجهد نفسه أو آذى غيره. قهستاني. قوله: (أعادها جهرا) لان
الجهر فيما بقي صار واجبا بالاقتداء، والجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة شنيع. بحر.
ومفاده أنه لو ائتم بعد قراءة بعض السورة أنه يعيد الفاتحة والسورة، فليراجع ح. قوله: (لكن الخ)
استدراك على قوله ولو ائتم به وهذا قول آخر. وقد حكى القولين القهستاني حيث قال: إن
الامام لو خافت ببعض الفاتحة أو كلها أو المنفرد ثم اقتدى به رجل أعادها جهرا كما في الخلاصة،
وقيل لم يعد وجهر فيما بقي من بعض الفاتحة أو السورة كلها أو بعضها كما في المنية ا ه‍، وعزا في
القنية القول الثاني إلى القاضي عبد الجبار وفتاوى السعدي، ولعل وجهه أن فيه التحرز عن تكرار
الفاتحة في ركعة وتأخير الواجب عن محله، وهو موجب لسجود السهو فكان مكروها، وهو أسهل من
لزوم الجمع بين الجهر والاسرار في ركعة. على أن كون ذلك الجمع شنيعا غير مطرد لما ذكره في
آخر شرح المنية أن الامام لو سها فخافت بالفاتحة في الجهرية ثم تذكر يجهر بالسورة ولا يعيد، ولو
خافت بآية أو أكثر يتمها جهرا ولا يعيد. وفي القهستاني: ولا خلاف أنه إذا جهر بأكثر الفاتحة يتمها
مخافتة، كما في الزاهدي ا ه‍: أي في الصلاة السرية، وكون القول الأول نقله في الخلاصة عن
الأصل كما في البحر، والأصل من كتب ظاهر الرواية لا يلزم منه كون الثاني لم يذكر في كتاب آخر
من كتب ظاهر الرواية، فدعوى أنه ضعيف رواية ودراية غير مسلمة، فافهم. قوله: (إن قصد الإمامة
الخ) عزاه في القنية إلى فتاوى الكرماني. ووجه أن الامام منفرد في حق نفسه، ولذا لا يحنث في
لا يؤم أحدا ما لم ينو الإمامة، ولا يحصل ثواب الجماعة إلا بالنية، ولا تفسد الصلاة بمحاذاة المرأة
573

إلا بالنية، كما مر في بحث النية، وسيذكر في باب الوتر عند ذكر كراهة الجماعة في التطوع على
سبيل التداعي: أنه لا كراهة على الامام لو لم ينو الإمامة، فإذا كان كذلك فكيف تلزم أحكام الإمامة
بدون التزام؟ فافهم. قوله: (وأوليي العشاءين) بفتح الياء الأولى وكسر الثانية قهستاني. والعشاءان:
المغرب والعتمة. قوله: (أي في رمضان فقط) مأخوذ من المصنف في المنح، حيث قال: وقيدنا
الوتر بكونه بعد التراويح، لأنه إنما يجهر في الوتر إذا كان في رمضان لا في غيره، كما أفاده ابن
نجيم في بحره، وهو وارد على إطلاق الزيلعي الجهر في الوتر إذا كان إماما ا ه‍. فدل كلامه على
أن مراده في متنه بقوله بعدها، كونه في رمضان هو المسنون أعم من أن يكون بعد التراويح أو لا،
وبه سقط ما يأتي عن مجمع الأنهر، لكن يرد عليه أنه يقتضي أنه لو صلى الوتر جماعة في غير رمضان
لا يجهر به، وإن لم يكن على سبيل التداعي، ويحتاج إلى نقل صريح، وإطلاق الزيلعي يخالفه، وكذا
ما يأتي من أن المتنفل بالليل لو أم جهر، فتأمل. قوله: (قلت الخ) علمت أنه غير وارد. قوله:
(نعم في القهستاني) فيه أن القهستاني صرح بعده بتصحيح خلافه، قوله: (ويسر في غيرها) وهو
الثالثة من المغرب والأخريان من العشاء، وكذا جميع ركعات الظهر والعصر وإن كان بعرفة، خلافا
لمالك كما في الهداية. قوله: (وهو أفضل) ليكون الأداء على هيئة الجماعة، ولهذا كان أداؤه بأذان
وإقامة أفضل. وروي في الخبر أن من صلى على هيئة الجماعة صلت بصلاته صفوف من
الملائكة منح. قوله: (على المذهب) كذا في البحر رادا على ما في العناية من أن ظاهر الرواية أنه
مخير.
أقول: ما في العناية صريح به أيضا في النهاية والكفاية والمعراج. ونقل في التاترخانية عن
المحيط أنه لا سهو عليه إذا جهر فيما يخافت لأنه لم يترك واجبا، وعلله في الهداية في باب سجود
السهو بأن الجهر والمخافتة من خصائص الجماعة، وقال الشراح: إنه جواب ظاهر الرواية. وأما
جواب رواية النوادر فإنه يلزمه السهو. وفي الذخيرة: إذا جهر فيما يخافت عليه السهو. وفي ظاهر
الرواية: لا سهو عليه، نعم صحح في الدرر تبعا للفتح والتبيين وجوب المخافتة، ومشى عليه في
شرح المنية والبحر والنهر والمنح. وقال في الفتح: فحيث كانت المخافتة واجبة على المنفرد ينبغي
أن يجب بتركها السجود اه‍ فتأمل. قوله: (فلو أم) أي فلو صلى المتنفل بالليل إماما جهر، ومقتضاه
أن الوتر في غير رمضان كذلك، لان كلا منهما تكره فيه الجماعة على سبيل التداعي، وبدونه لا،
وإذا وجب الجهر في النفل يجب بتركها في الوتر كما أفهمته عبارة الزيلعي، أفاده الرحمتي.
574

مطلب في الكلام على الجهر والمخافتة
قوله: (ويخافت المنفرد الخ) أما الامام فقد مر أنه يجهر أداء وقضاء. قوله: (في وقت
المخافتة) قيد به لأنه إن قضى في وقت الجهر خير، كما لا يخفى ح. قوله: (بعد طلوع الشمس)
لان ما قبلها وقت جهر فيخير فيه، لكن في بعض نسخ الهداية بعد طلوع الفجر. قوله: (كما في
الهداية) قال فيها: لان الجهر مختص: إما بالجماعة حتما، أو بالوقت في حق المنفرد على وجه
التخيير، ولم يوجد أحدهما. قوله: (لكن تعقبه غير واحد) قال في الخزائن: هذا ما صححه في
الهداية ولم يوافق عليه، بل تعقبه في الغاية ونظر فيه في الفتح، وبحث فيه في النهاية، وحرر
خسرو أنه ليس بصحيح رواية ولا دراية. وقد اختار شمس الأئمة وفخر الاسلام والامام التمرتاشي
وجماعة من المتأخرين أن القضاء كالأداء. قال قاضيخان: هو الصحيح. وفي الذخيرة والكافي
والنهر: هو الأصح، وفي الشرنبلالية: إنه الذي ينبغي أن يعول عليه، وذكر وجهه ا ه‍. وأجيب عن
استدلال الهداية بمنع الحصر لجواز أن يكون للجهر المخير سبب آخر وهو موافقة الأداء ا ه‍. قوله:
(كمن سبق بركعة من الجمعة الخ) أي أنه إذا قام ليقضيها لا يلزمه المخافتة. بل له أن يجهر فيها
ليوافق القضاء الأداء مع أنه قضاها في وقت المخافتة، فعلم أن الجهر لم يختص سببه بالجماعة أو
بالوقت، بل له سبب آخر خلافا لما قاله في الهداية، فهذه المسألة دليل لما رجحه الجماعة، وبهذا
التقرير ظهر وجه اقتصاره على الجمعة وإن كان الحكم كذلك لو سبق بركعة من العشاء ونحوه، لان
المقصود إثبات الجهر في القضاء في وقت المخافتة لا مطلقا، فافهم. قوله: (وأدنى الجهر إسماع
غيره الخ) اعلم أنهم اختلفوا في حد وجود القراءة على ثلاثة أقوال:
فشرط الهندواني والفضلي لوجودها: خروج صوت يصل إلى أذنه، وبه قال الشافعي.
وشرط بشر المريسي وأحمد: خروج الصوت من الفم وإن لم يصل إلى أذنه لكن بشرط كونه
مسموعا في الجملة حتى لو أدنى أحد صماخه إلى فيه يسمع.
ولم يشترط الكرخي وأبو بكر البلخي السماع، واكتفيا بتصحيح الحروف. واختار شيخ
الاسلام وقاضيخان وصاحب المحيط والحلواني قول الهندواني، كذا في معراج الدراية، ونقل في
المجتبى عن الهندواني أنه لا يجزيه ما لم تسمع أذناه ومن بقربه، وهذا لا يخالف ما مر عن
الهندواني، لان ما كان مسموعا له يكون مسموعا لمن في قربه، كما في الحلية والبحر. ثم إنه
اختار في الفتح أن قول الهندواني وبشر متحدان بناء على أن الظاهر سماعه بعد وجود الصوت إذا لم
يكن مانع. وذكر في البحر تبعا للحلية أنه خلاف الظاهر بل الأقوال ثلاثة. وأيد العلامة خير الدين
الرملي في فتاواه كلام الفتح بما لا مزيد عليه، فارجع إليه. وذكر أن كلا من قولي الهندواني
والكرخي مصححان، وأن ما قاله الهندواني أصح وأرجح لاعتماد أكثر علمائنا عليه.
575

وبما قررناه ظهر لك أن ما ذكر هنا في تعريف الجهر والمخافتة، ومثله في سهو المنية وغيره
مبني على قول الهندواني، لان أدنى الحد الذي توجد فيه القراءة عند خروج الصوت يصل إلى
أذنه: أي ولو حكما، كما لو كان هناك مانع من صمم أو جلبة أصوات أو نحو ذلك، وهذا معنى
قوله: أدنى المخافتة إسماع نفسه، وقوله: ومن بقربه، تصريح باللازم عادة كما مر. وفي القهستاني
وغيره: أو من بقربه، بأو، وهو أوضح ويبتني على ذلك أن أدنى الجهر إسماع غيره أي ممن لم
يكن بقربه بقرينة المقابلة، ولذا قال في الخاصة والخانية عن الجامع الصغير: إن الامام إذا قرأ في
صلاة المخافتة بحيث سمع رجل أو رجلان لا يكون جهرا، والجهر أن يسمع الكل ا ه‍: أي كل
الصف الأول لا كل المصلين، بدليل ما في القهستاني عن المسعودية أن جهر الامام إسماع الصف
الأول اه‍.
وبه علم أنه لا إشكال في كلام الخلاصة، وأنه لا ينافي كلام الهندواني، بل هو مفرع عليه
بدليل أنه في المعراج نقله عن الفضلي، وقد علمت أن الفضلي قائل بقول الهندواني. فقد ظهر بهذا
أن أدنى المخافتة إسماع نفسه أو من بقربه من رجل أو رجلين مثلا، وأعلاها تصحيح الحروف كما
هو مذهب الكرخي، ولا تعتبر هنا في الأصح وأدنى الجهر إسماع غيره ممن ليس بقربه كأهل
الصف الأول، وأعلاه لا حد له، فافهم واغنم تحرير هذا المقام، فقد اضطرب فيه كثير من الافهام.
قوله: (ويجري ذلك المذكور) يعني كون أدنى ما يتحقق به الكلام إسماع نفسه أو من بقربه. قوله:
(لم يصح في الأصح) أي الذي هو قول الهندواني. وأما على قول الكرخي فيصح وإن لم يسمع
نفسه لاكتفائه بتصحيح الحروف كما مر. قوله: (وقيل الخ) قال في الذخيرة معزيا إلى القاضي
علاء الدين في شرح مختلفاته: الأصح عندي أن بعض التصرفات يكتفي بسماعه، وفي بعضها يشترط
سماع غيره مثلا في البيع: لو أدنى المشتري صماخه إلى فم البائع وسمع يكفي، ولو سمع البائع
نفسه ولم يسمعه المشتري لا يكفي، وفيما إذا حلف لا يكلم فلانا فناداه من بعيد بحيث لا يسمع لا
يحنث في يمينه، نص عليه في كتاب الايمان، لان شرط الحنث وجود الكلام معه ولم يوجد ا ه‍.
قال في النهر: أقول: ينبغي أن يكون الحكم كذلك في كل ما يتوقف تمامه على القبول ولو
غير مبادلة كالنكاح ا ه‍. ولم يعول الشارح على هذا القول فعبر عنه بقيل تبعا للفتح، حيث قال: قيل
الصحيح في البيع الخ، وكذا عبر عنه في الكافي إشارة إلى ضعفه كما في الشرنبلالية، لكن الأول
ارتضاه في الحلية والبحر، وهو أوجه بدليل المسألة المنصوصة في كتاب الايمان، لان الكلام من
الكلم وهو الجرح، وسمي به لأنه يؤثر في نفس السامع فتكليمه فلانا لا يحصل إلا بسماعه، وكذا
اشتراط سماع الشهود كلام العاقدين في النكاح وسماع التلاوة في وجوب السجدة على السامع ونحو
ذلك مما اشترط فيه سماع الغير. تأمل. قوله: (مثلا) زاده ليعم ما لو تركها في ركعة واحدة، وهل
يأتي بها في الثالثة أو الرابعة؟ يحرر، وليعم غير العشاء كالمغرب، فإنه لو تركها في إحدى أولييها
576

يأتي بها في الثالثة، ولو فيهما معا أتى في الثالثة بفاتحة وسورة وفاتت الأخرى، ويسجد للسهو لو
ساهيا، وليعم الرباعية السرية فإنه يأتي بها في الأخريين أيضا أفاده ط، وإنما خص المصنف العشاء
بالذكر لمكان قوله جهرا في الأخريين لا للاحتراز عن غيره، فلذا أشار الشارح إلى التعميم،
فافهم. قوله: (ولو عمدا) هذا ظاهر إطلاق المتون، وبه صرح في النهر، ولم يعزه إلى أحد، كأنه
أخذه من الاطلاق، وإلا فصنيع الفتاوى والشروح يقتضي أن وضع المسألة في النسيان. تأمل. أفاده
الخير الرملي. قوله: (وجوبا وقيل ندبا) أشار إلى أن الأصح الوجوب، وذلك لان محمدا أشار إليه
في الجامع الصغير حيث عبر قوله قرأها بلفظ الخبر، وهو آكد من الامر في الوجوب، وصرح
في الأصل بالاستحباب. قال في غاية البيان: والأصح ما في الجامع الصغير، لأنه آخر التصنيفين.
ورده في الفتح بأن ما في الأصل أصرح فيجب التعويل عليه في الرواية، وكون الاخبار آكد رده في
البحر بأنه في إخبار الشارع لا في غيره، فكان المذهب الاستحباب. قال في النهر: ولا يخفى أن
أمر المجتهد ناشئ عن أمر الشارع، فكذا إخباره، نعم قال في الحواشي السعدية: إنما يكون دليلا
إذا كان مستعملا في الامر الايجابي وهو ممنوع. وأقول: لم لا يجوز أن يكون المراد الاستحباب
وتكون القرينة عليه ما في الأصل كما أريد بما مر من قوله افترش رجله اليسرى ووضع يديه على
فخذيه وأمثال ذلك ا ه‍. والحاصل أن اختيار صاحب الفتح والبحر والنهر الندب لأنه صريح كلام
محمد. قوله: (مع الفاتحة) أشار به إلى شيئين:
الأول: أنه يقدم الفاتحة، لان مع تدخل على المتبوع، وهو أحد قولين وينبغي ترجيحه.
والثاني: أن الفاتحة واجبة أيضا، وفيه قولان أيضا، وينبغي ترجيح عدم الوجوب كما هو
الأصل فيها، أفاده في البحر والنهر. قوله: (لان الجمع الخ) أشار به إلى أن قول المصنف جهرا
راجع إلى الفاتحة والسورة معا، وجعله الزيلعي ظاهر الرواية، وصححه في الهداية لما ذكره الشارح،
وصحح التمرتاشي أنه يجهر بالسورة فقط، وجعله شيخ الاسلام الظاهر من الجواب، وفخر الاسلام
الصواب، ولا يلزم الجمع الشنيع، لان السورة تلتحق بموضعها تقديرا، بحر، ومفاده أن الجمع بين
الجهر والمخافتة في ركعة مكروه اتفاقا إذا كانت القراءة في محلها غير ملتحقة بما قبلها. ويرد عليه
ما قدمناه من الفروع أول الفصل، فتأمل.
مطلب: تحقيق مهم فيما لو تذكر في ركوعه أنه لم يقرأ فعاد تقع القراءة فرضا
وفي معنى كون القراءة فرضا وواجبا وسنة قوله: (ولو تذكرها) أي السورة.
قوله: (قرأها) أي بعد عوده إلى القيام قوله: (وأعاد
الركوع) لان ما يقع من القراءة في الصلاة يكون فرضا فيرتفض الركوع ويلزمه إعادته، لان الترتيب
بين القراءة والركوع فرض كما مر بيانه في الواجبات، حتى لو لم يعده تفسد صلاته، بل لو قام
لأجل القراءة ثم بدا له فسجد ولم يقرأ ولم يعد الركوع، قيل تفسد، وقيل لا.
والفرق بين القراءة وبين القنوت حيث لا يعود لأجله لو تذكره في ركوعه، ولو عاد لا
يرتفض: هو ما ذكرنا من أن القراءة تقع فرضا، أما القنوت إذا أعيد يقع واجبا.
577

وبيان ذلك أن القراءة وإن انقسمت إلى فرض وواجب وسنة إلا أنه مهما أطال يقع فرضا،
وكذا إذا أطال الركوع والسجود على ما هو قول الأكثر والأصح، لان قوله تعالى: * (فاقرؤوا ما
تيسر) * (المزمل: 02) لوجوب أحد الامرين الآية، فما فوقها مطلقا، لصدق ما تيسر على كل فرض،
فمهما قرأ يكون الفرض، ومعنى الأقسام المذكورة أن جعل الفرض مقدار كذا واجب، وجعله دون
ذلك مكروه، وجعله فوق ذلك إلى حد كذا سنة، لا أنه يقع أول آية يقرؤها فرضا وما بعدها إلى
حد كذا واجبا، وما بعد ذلك إلى حد كذا سنة،، لأنا إن اعتبرنا الواجب ما بعد الآية الأولى منضما
إليها انقلب الفرض واجبا. وإن اعتبرناه منفردا كان الواجب بعض الفاتحة. وقالوا: الفاتحة واجب،
وكذا الكلام فيما بعد الواجب إلى حد السنة، فليتأمل، كذ في شرح المنية من باب سجود السهو،
ونحوه في الفتح، وهو تحقيق دقيق فاغتنمه. قوله: (للزوم تكرارها) أي وهو غير مشروع، وهذا لو
قرأها مرتين، فلو مرة لا تكون قضاء كما في النهاية لأنها في محلها، لكن كتب على ما في النهاية
شيخ الاسلام المفتي أبو السعود.
قلت: لا يخفى أن قراءة الفاتحة في الشفع الثاني ليست بواجبة، بل ذلك على وجه الدعاء في
ظاهر الرواية وإن كانت واجبة على رواية الحسن بن زياد، فعلى هذا إذا قرأ الفاتحة مرة لم يتعين
انصرافها إلى تلك الركعة - وأنت خبير بأن بناء ظاهر الرواية: - أي الذي هو عدم إعادة الفاتحة في
مسألتنا على رواية الحسن غير حسن ا ه‍: أي بخلاف السورة، فإن الشفع ليس بمحل لأداء السورة،
فجاز أن يكون محلا للقضاء، وتمامه في شرح الشيخ إسماعيل. قوله: (ولو تذكرها) أي الفاتحة.
قوله: (قبل الركوع) الظاهر أنه ليس بقيد، حتى لو تذكرها في الركوع فكذلك لأنه قدم أنه لو تذكر
السورة في الركوع أعادها وأعاد الركوع، فالفاتحة أولى لأنها آكد. رحمتي. قوله: (وأعاد السورة) لأنها
شرعت تابعة للفاتحة. رحمتي. قوله: (على المذهب) أي الذي هو ظاهر الرواية عن الامام، وفي
رواية عنه: ما يطلق عليه اسم القرآن ولم يشبه قصد خطاب أحد. وجزم القدوري بأنه الصحيح من
مذهب الامام، ورجحه الزيلعي بأنه أقرب إلى القواعد الشرعية، لأن المطلق ينصرف إلى الأدنى.
وفي البحر: فيه نظر، بل ينصرف إلى الكامل.
قلت: وهو مدفوع بأن براءة الذمة لا تتوقف على الكامل، وإلا لزم فرضية الطمأنينة في
الركوع والسجود. قال في شرح المنية: وعلى هذه الرواية لا يجزئ عنده نحو * (ثم نظر) *
أي لأنه يشبه قصد الخطاب والاخبار. تأمل. وفي رواية ثالثة عنه وهي قولهما: ثلاث آيات قصار أو
آية طويلة. قوله: (وعرفا طائفة من القرآن مترجمة إلخ) أي اعتبر لها مبدأ ومقطع، وهذا التعريف نقله
في الحلية عن حاشية الكشاف لعلاء الدين البهلواني. ونقل في النهر عن شرح الشاطبية للجعبري ما
يرجع إليه، وهو أنها قرآن مركب من جمل ولو تقديرا ذو مبدأ ومقطع مندرج في سورة. قوله، (ولو
تقديرا إلخ) أشار إلى الرد على البحر، حيث اعترض التعريف المذكور بأن - * (لم يلد) * (الاخلاص: 3) -
آية، ولذا جوز الامام بها الصلاة، وهي خمسة أحرف. ووجه الرد أن - * (لم يلد) * - أصله لم يولد فهو
ستة تقديرا، لكن الذي رأيته في الحلية والبحر عن الحواشي المذكورة أقلها ستة أحرف صورة،
578

فالرد في غير محله، نعم في النهر: قيل إن الآية هي وما بعدها، ومن ثم قيل: الاخلاص أربع،
وقيل خمس، فيجوز أن يكون ما في الحواشي بناء على الأول. قوله: (إلا إذا كانت كلمة) استثناء
من المتن، لأنه في معنى تصح الصلاة بآية. قوله: (فالأصح عدم الصحة) كذا في المنية، وهو
شامل لمثل - مدهامتان - ومثل - ص - و - ق - ن - لكن ذكر في الحلية والبحر أن الذي
مشى عليه الأسبيجابي في الجامع الصغير وشرح الطحاوي وصاحب البدائع الجواز في - مدهامتان -
عنده من غير حكاية خلاف. قوله: (إلا إذ حكم حاكم) صورته: علق عتق عبده بصلاته صلاة
صحيحة فصلى ب‍ - مدهامتان - غير مكررة أمكررة فترافعا إلى حاكم يرى صحة الصلاة بذلك،
فقضى بعتقه، فيكون قضاء بصحة الصلاة ضمنا، فتصح اتفاقا، لان حكم الحاكم في المجتهد فيه
يرفع الخلاف، أفاده ح. قوله: (لأنه يزيد على ثلاث آيات) تعليل للمذهبين، لان نصف الآية
الطويلة إذا كان يزيد على ثلاث آيات قصار يصح على قولهما، فعلى قول أبي حنيفة المكتفي بالآية
أولى ح. قال في البحر: وعلم من تعليلهم أن كون المقروء في كل ركعة للنصف ليس بشرط، بل
أن يكون البعض يبلغ ما يعد بقراءته قارئا عرفا ا ه‍.
أقول: وينبغي أن يكون الاكتفاء بما دون الآية مفرعا على الرواية الثانية عن الامام، لان
الرواية الأولى التي تقدم أنها ظاهر الرواية لا بد من آية تامة. تأمل.
تنبيه: لم أر من قدر أدنى ما يكفي بحد مقدر من الآية الطويلة، وظاهر كلام البحر أنه كغيره
أنه موكول إلى العرف لا إلى عدد حروف أقصر آية، وعلى هذا لو أراد قراءة قدر ثلاث آيات التي
هي واجبة عند الامام لا بد أن يقرأ من الآية الطويلة مقدار ثلاثة أمثال مما يسمى بقراءته قارئا عرفا،
ولذا فرضوا المسألة بآية الكرسي وآية المداينة. وفي التاترخانية والمعراج وغيرهما: لو قرأ آية طويلة
كآية الكرسي أو المداينة البعض في ركعة والبعض في ركعة اختلفوا فيه على قول أبي حنيفة، قيل
لا يجوز لأنه ما قرأ آية تامة في كل ركعة، وعامتهم على أنه يجوز، لان بعض هذه الآيات يزيد على
ثلاث قصار أو يعدلها فلا تكون قراءته أقل من ثلاث آيات ا ه‍. لكن التعليل الأخير ربما يفيد اعتبار
العدد في الكلمات أو الحروف، ويفيد قولهم: لو قرأ آية تعدل أقصر سورة جاز، وفي بعض
العبارات تعدل ثلاثا قصارا: أي كقوله تعالى: * (ثم نظر ئ ثم عبس وبسر ئ ثم أدبر واستكبر) *
(المدثر: 12، 22، 32) وقدرها من حيث الكلمات عشر، ومن حيث الحروف ثلاثون، فلو. قرأ * (الله
لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم) * (البقرة: 552) يبلغ مقدار هذه الآيات الثلاث، فعلى
ما قلناه لو اقتصر على هذا القدر في كل ركعة كفى عن الواجب، ولم أر من تعرض لشئ من ذلك،
فليتأمل.
مطلب في الفرق بين فرض العين وفرض الكفاية
قوله: (وحفظها) أي الآية فرض عين: أي فرض ثابت على كل واحد من المكلفين بعينه
579

كما أشار إليه في شرح التحرير حيث فرق بينه وبين فرض الكفاية، بأن الثاني متحتم مقصود حصوله
من غير نظر بالذات إلى فاعله، بخلاف الأول فإنه منظور بالذات إلى فاعله حيث قصد حصوله من
عين مخصوصة، كالمفروض على النبي (ص) دون أمته، أو من كل عين عين: أي واحد واحد من
المكلفين ا ه‍. والظاهر أن الإضافة فيهما من إضافة الاسم إلى صفته: كمسجد الجامع، وحبة
الحمقاء: أي فرض متعين: أي ثابت على كل مكلف بعينه، وفرض الكفاية: معناه فرض ذو كفاية:
أي يكتفى بحصوله من أي فاعل كان، تأمل. قوله: (وحفظ جميع القرآن إلخ) أقول: لا مانع من أن
يقال: جميع القرآن من حيث هو يسمى فرضا كافيا وإن كان بعضه فرض عين وبعضه واجبا، كما أن
حفظ الفاتحة يسمى واجبا وإن كانت الآية منها فرضا: أي يسقط بها الفرض، فافهم.
مطلب: السنة تكون سنة عين وسنة كفاية
قوله: (وسنة عين) أي يسن لكل واحد من المكلفين بعينه، وفيه إشارة إلى أن السنة قد تكون
سنة عين وسنة كفاية، ومثاله ما قالوا في صلاة التراويح: إنها سنة عين، وصلاتها بجماعة في كل محلة
سنة كفاية. قوله: (وتعلم الفقه أفضل منهما) أي من حفظ باقي القرآن بعد قيام البعض به، ومن
التنفل، ومراده بالفقه: ما زاد على ما يحتاج إليه في دينه، وإلا فهو فرض عين ح. قوله: (وسورة)
أي أقصر سورة أو ما يقوم مقامها من ثلاث آيات قصار. قوله: (ويكره إلخ) أي تحريما، كما أنه
يكره نقص شئ من السنة تنزيها كما في شرح الملتقى ط. قوله: (أي حالة قرار أو فرار) أي حالة
أمنة أو عجلة، وعبر عن العجلة بالفرار بالفاء لأنها في السفر تكون غالبا من الخوف كما في شرح
الشيخ إسماعيل. قوله: (كذا أطلق إلخ) فيه أن عبارة الجامع لم يصرح فيها بقوله مطلقا، وإنما ذكر
فيها السفر غير مقيد فيفهم منها الاطلاق كسائر عبارات المتون، وإلا لم يتأت ادعاء تقييدها بما
سيأتي من التفصيل، وإنما صرح المصنف بالاطلاق اختيارا لما رجحه شيخه صاحب البحر. قوله:
(ورجحه في البحر إلخ) اعلم أنه ذكر في الهداية أن المسافر يقرأ بفاتحة الكتاب وأي سورة شاء، ثم
قال: وهذا إذا كان على عجلة من السير، فإن كان في أمنة وقرار يقرأ في الفجر، نحو سورة
البروج، وانشقت، لأنه لا يمكنه مراعاة السنة مع التخفيف.
ورده في البحر بأنه لا أصل له يعتمد عليه في الرواية والدراية، أما الأول فلان إطلاق المتون
تبعا للجامع الصغير يعم حالة الامن أيضا، وأما الثاني فلانه إذا كان على أمن صار كالمقيم، فينبغي
أن يراعي السنة والسفر وإن كان مؤثرا في التخفيف، لكن التحديد بقدر سورة البروج لا بد له من
دليل، ولم ينقل ا ه‍. وهو ملخص من الحلية. وأجاب في النهر بما حاصله أن السنة للمقيم في
قراءة الفجر أن تكون من طوال المفصل، الركعتين، بل تكون من أربعين إلى مائة كما سيأتي مع ما لنا فيه من البحث، والمسافر
إذا كان في أمنة وقرار وإن كان مثل المقيم لكن للسفر تأثير في التخفيف عنه مطلقا، ولذا يجوز له
580

الفطر، وإن كان في أمنة فناسب أن يقرأ نحو سورة البروج والانشقاق مما هو من طوال المفصل وإن
لم يبلغ المقدار الخاص، وهذا معنى قول الهداية: لامكان مراعاة السنة مع التخفيف: أي التخفيف
بعدم اعتبار العدد الخاص بعد حصول سنة القراءة من طوال المفصل: فليس مراده التحديد بعدد
آيات السورتين، بل كونهما من طوال المفصل، أي وسنية القراءة في الفجر من طوال المفصل
مسلمة لا تحتاج إلى دليل، ثم إن ما في الهداية قد أقره عليه شراحها والزيلعي وغيره، وذلك دليل
على تقييد إطلاق ما في المتون والجامع ا ه‍.
أقول: هذا إنما يتم إذا كان قول الهداية يقرأ في الفجر نحو سورة البروج وانشقت، معناه أنه
يقرأ في الركعتين واحدة منهما لا كلا منهما، وإلا لم يحصل تخفيف من حيث العدد، لان الانشقاق
خمس وعشرون آية والبروج اثنان وعشرون، ويؤيد ذلك قول المنية: يقرأ سورة البروج أو مثلها، فإنه
ظاهر في أن المراد قراءة سورة البروج في الركعتين لكن في كون سورة البروج من طوال المفصل
كلام ستعرفه، فلذا حمل التخفيف في شرح المنية على جعل الأوسط في الحضر طويلا في السفر،
ومثله قول صاحب المجمع في شرحه: فيقرأ بأوساط المفصل رعاية للسنة مع التخفيف، وعليه
مشى في الشرنبلانية، لكن هذا الحمل لا يناسب ما في الهداية، لان الانشقاق من طوال المفصل.
وقد يقال: إن التخفيف من جهة الاكتفاء بسورة واحدة من المفصل في الركعتين كما اقتضاه
ظاهر كلام المنية المذكور، لان السنة في الحضر في كل ركعة سورة تامة كما يأتي. تأمل. قوله:
(وجوبا) أشار به إلى دفع ما أورده في النهر، بأنه لو قال بعد الفاتحة أي سورة شاء لكان أولى، يوهم
أن قراءة الفاتحة سنة فصرح بقوله وجوبا لدفع التوهم المذكور، لان المعنى أن سنة القراءة في السفر
أي سورة شاء مضمومة إلى الفاتحة الواجبة، فالمقصود بيان التخيير في السور بعد الفاتحة، وإلا ورد
أن السورة واجبة أيضا. قوله: (وفي الضرورة بقدر الحال) أي سواء كان في الحضر أو السفر،
وإطلاقه يشمل الفاتحة وغيرها، لكن في الكافي: فإن كان في السفر في حالة الضرورة بأن كان على
عجلة من السير أو خائفا من عدو أو لص يقرأ الفاتحة وأي سورة شاء، وفي الحضر في حالة
الضرورة بأن خاف فوت الوقت يقرأ مالا يفوته الوقت ا ه‍.
ولقائل أن يقول: لا يختص التخفيف للضرورة بالسورة فقط، بل كذلك الفاتحة، كما إذا اشتد
خوفه من عدو فقرأ آية مثلا، ولا يكون مسيئا كذا في الشرنبلانية.
أقول: وقول الكافي: بقدر ما لا يفوته الوقت، يشمل الفاتحة: فله أن يقرأ في كل ركعة بآية
إن خاف فوت الوقت بالزيادة. وهل هو في كل صلاة أو خاص بالفجر؟ فيه خلاف حكاه في القنية.
وقال في آخر شرح المنية: وقيل يراعى سنة القراءة في غير الفجر وإن خرج الوقت. والأظهر أن
يراعى قدر الواجب في غيرها، لان الاخلال به مفسد عند بعض الأئمة بخلاف خروج الوقت ا ه‍:
أي فإنه في غير الفجر غير مفسد اتفاقا، ثم ذكر أن له الاقتصار على الفاتحة وتسبيحة واحدة وترك
الثناء والتعوذ في سنة الفجر أو الظهر لو خاف فوت الجماعة، لأنه إذا جاز ترك السنة لادراك
الجماعة فترك سنة السنة أولى ا ه‍. قوله: (ذكره الحلبي) ونقله الزاهدي في القنية عن المجرد بقوله:
قال أبو حنيفة: والذي يصلي وحده بمنزلة الامام في جميع ما وصفنا من القراءة سوى الجهر. قال
581

الزاهدي: وهذا نص على أن القراءة المسنونة يستوي فيها الامام المنفرد، والناس عنه غافلون.
قوله: (طوال المفصل) بكسر الطاء جمع طويل ككريم وكرام، واقتصر عليه في الصحاح. وأما بالضم
فالرجل الطويل كما صرح به ابن مالك في مثلثه، والمفصل بفتح الصاد المهملة، هو السبع السابع
من القرآن، يسمي به لكثرة فصله بالبسملة أو لقلة المنسوخ منه، ولهذا يسمى بالمحكم أيضا.
واختلف في قوله: قال في البحر: والذي عليه أصحابنا أنه من الحجرات ا ه‍. قال الرملي:
ونظم ابن أبي شريف الأقوال فيه بقوله:
مفصل قرآن بأوله أتى * خلاف فصافات وقاف وسبح
وجاثية ملك وصف قتالها * وفتح ضحى حجراتها ذا المصحح
وزاد السيوطي في الاتقان قولين فأوصلهما إلى اثني عشر قولا: الرحمن، والانسان. قوله: (إلى
آخر البروج) عزاه في الخزائن إلى شرح الكنز للشيخ باكير، وقال بعده: وفي النهر لا يخفى دخول
الغاية في المغيا هنا ا ه‍. فالبروج من الطوال، وهو مفاد عبارة الهدية المذكورة آنفا، لكن مفاد ما
نقلناه بعدها عن شرح المنية وشرح المجمع أنها من الأوساط، ونقله في الشرنبلالية عن الكافي، بل
نقل القهستاني عن الكافي خروج الغاية الأولى والثانية، وعليه فسورة - لم يكن - من
القصار، وتوقف في ذلك كله صاحب الحلية وقال: العبارة لا تفيد ذلك، بل يحتاج إلى ثبت في ذلك
من خارج، والله أعلم: أي لان الغاية تحتمل الدخول والخروج، فافهم. قوله: (في الفجر والظهر)
قال في النهر: هذا مخالف لما في منية المصلي من أن الظهر كالعصر، لكن الأكثر على ما عليه
المصنف ا ه‍. قوله: (وباقيه) أي باقي المفصل. قوله: (أي في كل ركعة سورة مما ذكر) أي من
الطوال والأوساط والقصار، ومقتضاه أنه لا نظر إلى مقدار معين من حيث عدد الآيات، مع أنه ذكر
في النهر أن القراءة من المفصل سنة والمقدار المعين سنة أخرى. ثم قال: وفي الجامع الصغير: يقرأ
في الفجر في الركعتين سورة الفاتحة وقدر أربعين أو خمسين، واقتصر في الأصل على الأربعين. وفي
المجرد: ما بين الستين إلى المائة، والكل ثابت من فعله عليه الصلاة والسلام، ويقرأ في العصر
والعشاء خمسة عشر في الركعتين في ظاهر الرواية، كذا في شرح الجامع لقاضيخان، وجزم به في
الخلاصة. وفي المحيط وغيره: يقرأ عشرين، وفي المغرب خمس آيات في كل ركعة ا ه‍.
أقول: كون المقروء من سور المفصل على الوجه الذي ذكره المصنف هو المذكور في
المتون، كالقدوري والكنز والمجمع والوقاية والنقاية وغيرها، وحصر المقروء بعدد على ما ذكره في
النهر والبحر مما علمته مخالف لما في المتون من بعض الوجوه. كما نبه عليه في الحلية، فإنه لو قرأ
في الفجر أو الظهر سورتين من طوال المفصل تزيدان على مائة آية كالرحمن والواقعة، أو قرأ في
العصر أو العشاء سورتين من أوساط المفصل تزيدان على عشرين أو ثلاثين آية كالغاشية والفجر،
يكون ذلك موافقا للسنة على ما في المتون لا على الرواية الثانية، ولا تحصل الموافقة بين الروايتين
إلا إذا كانت السورتان موافقة للعدد المذكور، ويلزم على ما مر عن النهر من أن المقدار المعين سنة
أخرى أن تكون قراءة السورتين الزائدتين على ذلك المقدار خارجة عن السنة، إلا أن يقتصر من كل
582

سورة منهما على ذلك المقدار، مع أنهم صرحوا بأن الأفضل في كل ركعة الفاتحة وسورة تامة. فالذي
ينبغي المصير إليه أنهما روايتان متخالفتان اختار أصحاب المتون إحداهما، ويؤيده أنه في متن الملتقى
ذكر أولا أن السنة في الفجر حضرا أربعون آية أو ستون، ثم قال: واستحسنوا طوال المفصل فيها وفي
الظهر إلخ. فذكر أن الثاني استحسان فيترجح على الرواية الأولى لتأيده بالأثر الوارد عن عمر
رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: أن اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل، وفي
العصر والعشاء بأوساط المفصل، وفي المغرب بقصار المفصل. قال في الكافي: وهو كالمروي عن
النبي (ص)، لان المقادير لا تعرف إلا سماعا ا ه‍. قوله: (واختار في البدائع عدم التقدير إلخ) وعمل
الناس اليوم على ما اختاره في البدائع. رملي. والظاهر أن المراد عدم التقدير بمقدار معين لكل أحد
وفي كل وقت، كما يفيده تمام العبارة، بل تارة يقتصر على أدنى ما ورد كأقصر سورة من طوال
المفصل في الفجر، أو أقصر سورة من قصاره عند ضيق وقت أو نحوه من الاعذار، لأنه عليه
الصلاة والسلام قرأ في الفجر بالمعوذتين لما سمع بكاء صبي خشية أن يشق على أمه. وتارة يقرأ
أكثر ما ورد إذا لم يمل القوم، فليس المراد إلغاء الوارد ولو بلا عذر، ولذا قال في البحر عن البدائع:
والجملة فيه أنه ينبغي للامام أن يقرأ مقدار ما يخف على القوم ولا يثقل عليهم بعد أن يكون على
التمام، وهكذا في الخلاصة ا ه‍. قوله: (والامام) أي من حيث حسن صوته وقبحه. قوله: (وفي
الحجة) اسم كتاب من كتب الفتاوى. قوله: (بين بين) أي بأن تكون بين الترسل والاسراع. قوله:
(ليلا) لعل وجه التقيد به أن عادة المتهجدين كثرة القراءة في تهجدهم فلهم الاسراع ليحصلوا وردهم
من القراءة. تأمل. قوله: (كما يفهم) أي بعد أن يمد أقل مد قال به القراء، وإلا حرم لترك الترتيل
المأمور به شرعا ط. قوله: (ويجوز بالروايات السبع) بل يجوز بالعشر أيضا كما نص عليه أهل الأصول
ط. قوله: (بالغريبة) أي بالروايات الغريبة والامالات، لان بعض السفهاء يقولون ما لا يعلمون
فيقعون في الاثم والشقاء، ولا ينبغي للأئمة أن يحملوا العوام على ما فيه نقصان دينهم، ولا يقرأ
عندهم مثل قراءة أبي جعفر وابن عامر وعلي بن حمزة الكسائي (1) صيانة لدينهم فلعلهم يستخفون أو
يضحكون، وإن كان كل القراءات والروايات صحيحة فصيحة، ومشايخنا اختاروا قراءة أبي عمرو
وحفص عن عاصم ا ه‍ من التاترخانية عن فتاوى الحجة. قوله: (وتطال إلخ) أي يطيلها الامام وهي
مسنونة إجماعا إعانة على إدراك الركعة الأولى، لان قوت الفجر وقت نوم وغفلة، وقد علم من التقييد
بالامام ومن التعليل أن المنفرد يسوي بين الركعتين في الجميع اتفاقا. شرح المنية.
أقول: وبما مر من أن الإطالة المذكورة مسنونة إجماعا. ومثله في التاترخانية علم أن ما في شرح
الملتقى للبهنسي من أنها واجبة إجماعا غريب أو سبق قلم. وقال تلميذه البقاني في شرح الملتقى: لم

(1) قوله: (وعلي بن حمزة والكسائي) كذا بالأصل المقابل على خط المؤلف، ومقتضاه ان الكسائي غير علي بن حمزة
مع أنه هو كما يفيده ابن خلكان، فلعل الواو زائدة فليراجع ا ه‍. مصححه.
583

أجده في الكتب المشهورة في المذهب. قوله: (بقدر الثلث) بأن تكون زيادة ما في الأولى على ما في
الثانية بقدر ثلث مجموع ما في الركعتين كما في الكافي حيث قال: الثلثان في الأولى والثلث في
الثانية، ومثله في الحلية والبحر والدرر. قوله: (وقيل النصف) كذا في الحلية معزيا إلى المحبوبي،
وحكاه في البحر عن الخلاصة، لكن عبارة الخلاصة لا تفيده، لان عبارتها هكذا: وحد الإطالة في
الفجر أن يقرأ في الركعة الثانية من عشرين إلى ثلاثين، وفي الأولى من ثلاثين إلى ستين ا ه‍.
وأرجع المحشي القول بالنصف إلى القول الأول، لان المراد نصف المقروء في الأولى وهو
ثلث المجموع، فلا وجه لعده مقابلا له، وأطال في ذلك فراجعه، لكن قد يقال: إن مراد الخلاصة
التخيير بين جعل الزيادة بقدر نصف ما في الأولى أو نصف ما في الثانية، فإنه إذا قرأ في الأولى ثلاثين
وفي الثانية عشرين فالزيادة بقدر نصف ما في الثانية. ولو قرأ في الأولى ستين وفي الثانية ثلاثين،
فالزيادة بقدر نصف ما في الأولى، وبهذا يغاير القول الأول، فتأمل. قوله: (ندبا) راجع للقولين: يعني
أن هذا التقدير في كل بيان للأولى، فإن لم يراعه فهو خلاف الأولى وهو معنى قوله لا بأس به ح
قوله: (فلو فحش) بأن قرأ في الأولى بأربعين وفي الثانية بثلاث آيات لا بأس به، وبه ورد الأثر، كذا
في الذخيرة وغيرها. قوله: (فقط) لما احتمل أن يكون الفجر مجرد مثال لا للتقييد أردفه بقوله (1) كذا
في النهر. قوله: (حتى التراويح) عزاه في الخزائن إلى الخانية. وظاهر هذا أن الجمعة والعيدين على
الخلاف كما في جامع المحبوبي، لكن في نظم الزندويستي الاتفاق على تسوية القراءة فيهما، وأيده
في الحلية بالأحاديث الواردة المقتضية لعدم إطالة الأولى على الثانية فيهما. قوله: (قيل وعليه
الفتوى) قائله في معراج الدراية، ومثله في المجتبى. وفي التتارخانية عن الحجة: وهو المأخوذ
للفتوى، وفي الخلاصة: إنه أحب، وجنح إليه في فتح القدير لما رواه البخاري من أنه عليه الصلاة
والسلام كان يطول في الركعة الأولى: أي من الظهر، ما لا يطول في الثانية وهكذا في العصر، وهكذا
في الصبح ونازعه في شرح المنية بأنه محمول على الإطالة من حيث الثناء والتعوذ، وبما دون ثلاث
آيات، ضرورة التوفيق بينه وبين ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري حيث قال: فحزرنا (2) قيامه في
الظهر في كل ركعة قدر ثلاثين آية، فإنه أفاد التسوية بين الركعتين ا ه‍. وقال في الحلية بعد أن حقق
دليلهما: فيظهر على هذا أن قولهما أحب لا قوله، وأن الأولى كون الفتوى على قولهما لا قوله، وأقره
في البحر والشرح نبلالية، واعتمد قولهما في الكنز والملتقى والمختار والهداية فلذا اعتمده المصنف
أيضا. قوله: (إن تقاربت إلخ) ذكر هذا في الكافي في المسألة التي قبل هذه، واعتبره في شرح المنية
في هذه المسألة أيضا كما يأتي في عبارته.
والحاصل أن سنية إطالة الأولى على الثانية وكراهية العكس إنما تعتبر من حيث عدد الآيات
إن تقاربت الآيات طولا وقصرا، فإن تفاوتت تعتبر من حيث الكلمات فإذا قرأ في الأولى من

(1) قوله: (أردفه بقوله) اي فقط، ولعلها سقطت من قلمه، وليراجع ا ه‍. مصححه.
(2) قوله: (فحزرنا) بالحاء المهملة ثم الزاي ثم الراء الساكنة: من الحرز، وهو الظن والتخمين ا ه‍. منه.
584

الفجر عشرين آية طويل وفي الثانية منها عشرين آية قصيرة تبلغ كلماتها قدر نصف كلمات الأولى
فقد حصل السنة، ولو عكس يكره. وإنما ذكر الحروف للإشارة إلى أن المعتبر مقابلة كل كلمة
بمثلها في عدة الحروف، فالمعتبر عدد الحروف لا الكلمات، فلو اقتصر الشارح على الحروف أو
عطفها على الكلمات كما فعل في الكافي لكان أولى. قوله: (واعتبر الحلبي فحش لطول إلخ) كما
لو قرأ في الأولى والعصر وفي الثانية الهمزة، فرمز في القنية أولا أنه لا يكره، ثم رمز ثانيا أنه يكره
وقال: لان الأولى ثلاث آيات والثانية تسع، وتكره الزيادة الكثير. وأما ما روي أنه عليه الصلاة
والسلام قرأ في الأولى من الجمعة بسبح ربك الاعلى وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية فزاد
على الأولى بسبع لكن السبع في السور الطوال يسير دون القصار، لان الست هنا ضعف الأصل
والسبع ثمة أقل من نصفه ا ه‍: أي أن الست الزائدة في الهمزة ضعف سورة العصر، بخلاف السبع
الزائدة في الغاشية فإنها أقل من نصف سورة الاعلى فكانت يسيرة. قال الحلبي في شرح المنية:
وعلم من كلام القنية أن ثلاث آيات إنما تكره في السورة القصار لظهور الطول فيها بذلك ظهورا بينا
وهو حسن، إلا أنه ربما يتوهم منه أنه متى كانت الزيادة بما دون النصف لا تكره، وليس كذلك،
بل الذي ينبغي أن الزيادة إذا كانت ظاهرة ظهورا تاما تكره، وإلا فلا لزوم للحرج في التحرز عن
الخفية ولورود مثل هذا في الحديث ولا تغفل عما تقدم من أن التقدير بالآيات إنما يعتبر عند
تقاربها، وأما عند تفاوتها فالمعتبر التقدير بالكلمات أو الحروف، وإلا فألم نشرح ثمان
آيات - و - لم يكن - ثمان آيات، ولا شك أنه لو قرأ الأولى في الأولى والثانية في الثانية
يكره لما قلنا من ظهور الزيادة والطول وإن لم يكن من حيث الآي لكنه من حيث الكلم والحروف،
وقس على هذا ا ه‍ كلام شرح المنية للحلبي.
والذي تحصل من مجموع كلامه وكلام القنية، أن إطلاق كراهة إطالة الثانية بثلاث آيات مقيد
بالسور القصيرة المتقاربة الآيات لظهور الإطالة حينئذ فيها، أما السور الطويلة أو القصيرة المتفاوتة فلا
يعتبر العدد فيهما، بل يعتبر ظهور الإطالة من حيث الكلمات وإن اتحدت آيات السورتين عددا، هذا
ما فهمته، والله تعالى أعلم. قوله: (واستثنى في البحر ما وردت به السنة) أي كقراءته عليه الصلاة
والسلام في الجمعة والعيدين في الأولى بالأعلى وفي الثانية بالغاشية، فإنه ثبت في الصحيحين مع
أن الأولى تسع عشرة آية والثانية ستة وعشرون. وعلى ما مر عن شرح المنية: لا حاجة إلى الاستثناء
لان هاتين السورتين طويلتان، ولا تفاوت ظاهر بينهما من حيث الكلمات والحروف، بل هما
متقاربتان. قوله: (مطلقا) أي وردت بأنه السنة أولا بقرينة ما قبله، ولان عبارة البحر هكذا: وقيد
بالفرض لأنه يسوي في السنن والنوافل بين ركعاتها في القراءة، وإلا فيما ورد به السنة أو الأثر، كذا
في منية المصلي، وصرح في المحيط بكراهة تطويل ركعة من التطوع ونقص أخرى، وأطلق في
جامع المحبوبي عدم كراهة إطالة الأولى على الثانية في السنن والنوافل، لان أمرها سهل، واختاره
أبو اليسر، ومشى عليه في خزانة الفتاوى فكان الظاهر عدم الكراهة اه‍. فقول البحر: وأطلق في
جامع المحبوبي إلخ واستظهار له قرينة واضحة، على أنه أراد خلاف ما في المنية من التقييد بما
وردت به السنة، نعم كلامه في إطالة الأولى على الثانية فقط دون العكس، فكان على الشارح ذكر
ذلك عند قوله وتطال أولى الفجر قال في شرح المنية: والأصح كراهة إطالة الثانية على الأولى
585

في النفل أيضا إلحاقا له بالفرض فيما لم يرد به تخصيص من التوسعة، كجوازه قاعدا بلا عذر ونحوه.
وأما إطالة الثالثة على الثانية والأولى فلا تكره، لما أنه شفع آخر ا ه‍. قوله: (صلى بالمعوذتين) يعني
في صلاة الفجر والسورة الثانية أطول من الأولى بآية. وفي الاحتراز عن هذا التفاوت حرج، وهو
مدفوع شرعا فجعل زيادة ما دون ثلاث آيات أو نقصانه كالعدم فلا يكره ح عن الحلية. قوله: (على
طريق الفرضية) أي بحيث لا تصح الصلاة بدونه كما يقول الشافعي في الفاتحة. قوله: (ويكره التعيين
إلخ) هذه المسألة مفرعة على ما قبلها، لان الشارع إذا لم يعين عليه شيئا تيسيرا عليه كره له أن
يعين، وعلله في الهداية بقوله: لما فيه من هجر الباقي وإيهام التفضيل. قوله: (بل يندب قراءتها
أحيانا) قال في جامع الفتاوى: وهذا إذا صلى الوتر بجماعة، وإن صلى وحده يقرأ كيف شاء ا ه‍.
وفي فتح القدير: لان مقتضى الدليل عدم المداومة لا المداومة على العدم كما يفعله حنفية العصر،
فيستحب أن يقرأ ذلك أحيانا تبركا بالمأثور، فإن لزوم الايهام ينتفي بالترك أحيانا، ولذا قالوا: السنة
أن يقرأ في ركعتي الفجر بالكافرون والاخلاص. وظاهر هذا إفادة المواظبة، إذ الايهام المذكور منتف
بالنسبة إلى المصلي نفسه ا ه‍. ومقتضاه اختصاص الكراهة بالامام.
ونازعه في البحر بأن هذا مبني على أن العلة إيهام التفضيل والتعيين، أما على ما علل به
المشايخ من هجر الباقي فلا فرق في كراهة المداومة بين المنفرد والامام والسنة والفرض، فتركه
المداومة مطلقا، لما صرح به في غاية البيان من كراهة المواظبة على قراءة السور الثلاث في الوتر
أعم من كونه في رمضان إماما أو لا ا ه‍. وأجاب في النهر بأنه قد علل بهما المشايخ، والظاهر أنهما
علة واحدة لا علتان، فيتجه ما في الفتح.
أقول: على أنه في غاية البيان لم يصرح بالتعميم المذكور. وأيضا فإن إيهام هجر الباقي يزول
بقراءته في صلاة أخرى. وأيضا ذكر في وتر البحر عن النهاية أنه لا ينبغي أن يقرأ سورة متعينة على
الدوام لئلا يظن بعض الناس أنه واجب ا ه‍ فهذا يؤيد ما في الفتح أيضا.
هذا، وقيد الطحاوي والأسبيجابي الكراهة بما إذا رأى ذلك حتما لا يجوز غيره، أما لو قرأه
للتيسير عليه أو تبركا بقراءته عليه الصلاة والسلام فلا كراهة لكن بشرط أن يقرأ غيرها أحيانا لئلا
يظن الجاهل أن غيرها لا يجوز. واعترضه في الفتح بأنه لا تحرير فيه، لان الكلام في المداومة ا ه‍.
وأقول: حاصل معنى كلام هذين الشيخين بيان وجه الكراهة في المداومة، وهو: أنه إن رأى
ذلك حتما يكره من حيث تغيير المشروع وإلا يكره من حيث إيهام الجاهل، وبهذا الحمل يتأيد أيضا
كلام الفتح السابق، ويندفع اعتراضه اللاحق، فتدبر. قوله: (ولا الفاتحة) بالنصب معطوف على
محذوف تقديره: لا غير الفاتحة ولا الفاتحة، وقوله في السرية يعلم منه نفي في الجهرية بالأولى،
والمراد التعريض، بخلاف الإمام الشافعي ويرد ما نسب لمحمد. قوله: (اتفاقا) أي بين أئمتنا
الثلاثة. قوله: (وما نسب لمحمد) أي من استحباب قراءة الفاتحة في السرية احتياطا. قوله: (كما
بسطه الكمال) حاصله أن محمدا قال في كتابه الآثار: لا نرى القراءة خلف الإمام في شئ من
586

الصلوات يجهر فيه أو يسر، ودعوى الاحتياط ممنوعة، بل الاحتياط ترك القراءة لأنه العمل بأقوى
الدليلين. وقد روي الفساد بالقراءة عن عدة من الصحابة فأقواهما المنع. قوله: (أنها تفسد) هذا
مقابل الأصح. قوله: (وهو) أي الفساد لمفهوم من تفسد. قوله: (مروي عن عدة من الصحابة) قال
في الخزائن: وفي الكافي: ومنع المؤتم من القراءة مأثور عن ثمانين نفرا من كبار الصحابة منهم
المرتضى والعبادلة، وقد دون أهل الحديث أساميهم. قوله: (وينصت إذا أسر) وكذا إذا جهر
بالأولى. قال في البحر: وحاصل الآية أن المطلوب بها أمران: الاستماع، والسكوت، فيعمل بكل
منهما، والأول يخص الجهرية، والثاني لا، فيجري على إطلاقه فيجب السكوت عند القراءة مطلقا
ا ه‍. قوله: (آية ترغيب) أي في ثوابه تعالى، أو ترهيب: أي تخويف من عقابه تعالى، فلا يسأل
الأول ولا يستعيذ من الثاني. قال في الفتح: لان الله تعالى وعده بالرحمة إذا استمع، ووعده حتم،
وإجابة دعاء المتشاغل عنه غير مجزوم بها. قوله: (وما ورد) أي عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال:
صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى أن قال: وما مر بآية رحمة إلا وقف عندها
فسأل، ولا بآية عذاب إلا وقف عندها وتعوذ أخرجه أبو داود وتمامه في الحلية. قوله: (حمل
على النفل منفردا) أفاد أن كلا من الامام والمقتدي في الفرض أو النفل سواء.
قال في الحلية: أما الامام في الفرائض فلما ذكرنا منه أنه (ص) لم يفعله فيها، وكذا الأئمة من
بعده إلى يومنا هذا، فكان من المحدثات، ولأنه تثقيل على القوم فيكره. وأما في التطوع: فإن كان
في التراويح فكذلك، وإن كان في غيرها من نوافل الليل التي اقتدى به فيها واحد أو اثنان فلا يتم
ترجح الترك على الفعل، لما روينا: أي من حديث حذيفة السابق، اللهم إلا إذا كان في ذلك تثقيل
على المقتدي، وفيه تأمل. وأما المأموم فلان وظيفته الاستماع والانصات، فلا يشتغل بما يخله،
لكن قد يقال: إنما يتم ذلك في المقتدي في الفرائض والتراويح، أما المقتدي في النافلة المذكورة
إذا كان إمامه يفعله فلا، لعدم الاخلال بما ذكر، فليحمل على ما عدا هذه الحالة اه‍. قوله: (كما
مر) أي نظير ما مر في فصل ترتيب أفعال الصلاة من حمل ما ورد من الأدعية في الركوع والرفع منه
وفي السجدتين والجلسة بينهما على المتنفل، وأما مسألتنا هذه فلم تمر، فافهم. قوله: (فلا يأتي
بما يفوت الاستماع إلخ) سيأتي في باب الجمعة: أن كل ما حرم في الصلاة حرم في الخطبة،
فيحرم أكل وشرب وكلام ولو تسبيحا، أو رد سلام، أو أمرا بمعروف إلا من الخطيب لان الامر
بالمعروف منها بلا فرق بين قريب وبعيد في الأصح. ولا يرد تحذير من خيف هلاكه لأنه يجب لحق
آدمي وهو محتاج إليه، والانصات لحقه تعالى، ومبناه على المسامحة والأصح أنه لا بأس، بأن يشير
برأسه أو يده عند رؤية منكر، وكذا يجب الاستماع لسائر الخطب كخطبة نكاح وختم وعيد على
المعتمد ا ه‍. قوله: (وينصت بلسانه) عطف تفسير لقوله بنفسه وهذا مروي عن أبي يوسف، وفي
587

جمعة الفتح أنه الصواب قوله: (في افتراض الانصات) عبر بالافتراض تبعا للهداية. وعبر في النهر
بالوجوب قال ط: وهو الأولى، لان تركه مكروه تحريما.
فروع في القراءة خارج الصلاة
قوله: (يجب الاستماع للقراءة مطلقا) أي في الصلاة وخارجها، لان الآية وإن كانت واردة في
الصلاة على ما مر فالعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، ثم هذا حيث لا عذر، ولذا في
القنية: صبي يقرأ في البيت وأهله مشغولون بالعمل يعذرون في ترك الاستماع إن افتتحوا العمل قبل
القراءة وإلا فلا، وكذا قراءة الفقه عند قراءة القرآن. وفي الفتح عن الخلاصة: رجل يكتب الفقه
ويجنبه رجل يقرأ القرآن فلا يمكنه استماع القرآن فالاثم على القارئ، وعلى هذا لو قرأ على السطح
والناس نيام يأثم ا ه‍: أي لأنه يكون سببا لاعراضهم عن استماعه، أو لأنه يؤذيهم بإيقاظهم. تأمل.
مطلب: الاستماع للقرآن فرض كفاية
وفي شرح المنية: والأصل أن الاستماع للقرآن فرض كفاية لأنه لإقامة حقه بأن يكون ملتفتا
إليه غير مضيع وذلك يحصل بإنصات البعض، كما في رد السلام حين كان لرعاية حق المسلم كفى
فيه البعض عن الكل إلا أنه يجب على القارئ احترامه بأن لا يقرأه في الأسواق ومواضع الاشتغال،
فإذا أقره فيها كان هو المضيع لحرمته، ليكون الاثم عليه دون أهل الاشتغال دفعا للحرج، وتمامه
في ط، ونقل الحموي عن أستاذه قاضي القضاة يحيى الشهير بمنقاري زاده: أن له رسالة حقق فيها
أن استماع القرآن فرض عين. قوله: (لا بأس أن يقرأ سورة إلخ) أفاد أنه يكره تنزيها، وعليه يحمل
جزم القنية بالكراهة، ويحمل فعله عليه الصلاة والسلام لذلك على بيان الجواز، هذا إذا لم يضطر،
فإن اضطر بأن قرأ في الأولى * (قل أعوذ برب الناس) * (الناس: 1) أعادها في الثانية إن لم يختم. نهر.
لان التكرار أهون من القراءة منكوسا، بزازية. وأما لو ختم القرآن في ركعة فيأتي قريبا أنه يقرأ من
البقرة. قوله: (وأن يقرأ في الأولى من محل إلخ) قال في النهر: وينبغي أن يقرأ في الركعتين آخر
سورة واحدة لا آخر سورتين فإنه مكروه عند الأكثر ا ه‍. لكن في شرح المنية عن الخانية: الصحيح
أنه لا يكره، وينبغي أن يراد بالكراهة المنفية التحريمية، فلا ينافي كلام الأكثر ولا قول الشارح لا
بأس. تأمل. ويؤيده قول شرح المنية عقب ما مر. وكذا لو قرأ في الأولى من وسط
سورة أو من سورة أولها ثم قرأ في الثانية من وسط سورة أخرى أو من أولها أو سورة قصيرة الأصح أنه لا يكره،
لكن الأولى أن لا يفعل من غير ضرورة ا ه‍. قوله: (ولو من سورة الخ) واصل بما قبله: أي ولو قرأ
من محلين، بأن انتقل من آية إلى أخرى من سورة واحدة، لا يكره إذا كان بينهما آيتان فأكثر، لكن
الأولى أن لا يفعل بلا ضرورة لأنه يوهم الاعراض والترجيح بلا مرجح. شرح المنية. وإنما فرض
المسألة في الركعتين لأنه لو انتقل في الركعة الواحدة من آية إلى آية يكره وإن كان بينهما آيات بلا
ضرورة، فإن سها ثم تذكر يعود مراعاة لترتيب الآيات. شرح المنية. قوله: (ويكره الفصل بسورة
قصيرة) أما بسورة طويلة بحيث يلزم منه إطالة الركعة الثانية إطالة كثيرة فلا يكره. شرح المنية: كما
588

إذا كانت سورتا قصيرتان، وهذا لو في ركعتين، أما في ركعة فيكره الجمع بين سورتين بينهما سور
أو سورة. فتح. وفي التاترخانية: إذا جمع بين سورتين في ركعة رأيت في موضع أنه لا بأس به.
وذكر شيخ الاسلام: لا ينبغي له أن يفعل على ما هو ظاهر الرواية اه‍. وفي شرح المنية: الأولى أن
لا يفعل في الفرض، ولو فعل لا يكره إلا أن يترك بينها سورة أو أكثر. قوله: (وأن يقرأ منكوسا)
بأن يقرأ في الثانية سورة أعلى مما قرأ في الأولى، لان ترتيب السور في القراءة من واجبات التلاوة،
وإنما جوز للصغار تسهيلا لضرورة التعليم ط. قوله: (إلا إذا ختم الخ) قال في شرح المنية وفي
الولوالجية: من يختم القرآن في الصلاة إذا فرغ من المعوذتين في الركعة الأولى يركع ثم يقرأ في
الثانية بالفاتحة وشئ من سورة البقرة، لان النبي (ص) قال: خير الناس الحال المرتحل أي الخاتم
المفتتح ا ه‍. قوله: (وفي الثانية) في بعض النسخ: وبدأ في الثانية، والمعنى عليها. قوله: (ألم تر
أو تبت) أي نكس أو فصل بسورة قصيرة ط. قوله: (ثم ذكر يتم) أفاد أن التنكيس أو الفصل
بالقصيرة إنما يكره إذا كان عن قصد، فلو سهوا فلا كما في شرح المنية. وإذا انتفت الكراهة
فإعراضه عن التي شرع فيها لا ينبغي. وفي الخلاصة: افتتح سورة وقصده سورة أخرى فلما قرأ آية
أو آيتين أراد أن يترك تلك السورة ويفتتح التي أرادها يكره ا ه‍. وفي الفتح: ولو كان: أي المقروء
حرفا واحدا. قوله: (ولا يكره في النفل شئ من ذلك) عزاه في الفتح إلى الخلاصة، ثم قال:
وعندي في هذه الكلية نظر، فإنه (ص) نهى بلالا رضي الله عنه عن الانتقال من سورة إلى سورة وقال
له: إذا ابتدأت سورة فأتمها على نحوها حين سمعه ينتقل من سورة إلى سورة في التهجد ا ه‍.
واعترض ح أيضا بأنهم نصوا بأن القراءة على الترتيب من واجبا ت القراءة، فلو عكسه خارج
الصلاة يكره فكيف لا يكره في النفل؟ تأمل. وأجاب ط بأن النفل لاتساع بابه نزلت كل ركعة منه
فعلا مستقلا فيكون كما لو قرأ إنسان سورة ثم سكت ثم قرأ ما فوقها، فلا كراهة فيه. قوله:
(وثلاث) كذا في بعض النسخ على أنه مبتدأ بتقدير مضاف وما بعده خبر: أي وقراءة ثلاث آيات
الخ، وفي بعضها وبثلاث بزيادة الباء، قال ح: أي والصلاة بثلاث آيات الخ. قوله: (أفضل
الخ) لعله لان التحدي والاعجاز وقع بذلك القدر لا بالآية، والأفضلية ترجع إلى كثرة الثواب ط.
قوله: (وفي سورة) خبر مقدم، وقوله العبرة للأكثر مبتدأ مؤخر: أي الأكثر آيات كما في شرح
المنية عن الخانية. قوله: (وبسطناه في الخزائن) أي بسط ما ذكر من هذه الفروع مع زيادة عليها
ذكرناها في أثناء الكلام، وتمام مسائل أحكام القراءة في الصلاة وخارجها مبسوط في شرح المنية
وبعضها في فتح القدير، والله تعالى أعلم.
باب الإمامة
هي مصدر قولك فلان أم الناس، صار لهم إماما يتبعونه في صلاته فقط أو فيها وفي أوامره
ونواهيه، والأول ذو الإمامة الصغرى، والثاني ذو الإمامة الكبرى، والباب هنا معقود للأولى.
589

ولما كانت الثانية من المباحث الفقهية حقيقة لان القيام بها من فروض الكفاية وكانت الأولى
تابعة لها ومبنية عليها تعرض لشئ من مباحثها هنا، وبسط في علم الكلام وإن لم تكن منه بل من
متمماته لظهور اعتقادات فاسدة فيها من أهل البدع كالطعن في الخلفاء الراشدين، ونحو ذلك.
مطلب: شروط الإمامة الكبرى
قوله: (فالكبرى استحقاق تصرف عام على الأنام) أي على الخلق، وهو متعلق بتصرف لا
باستحقاق، لان المستحق عليهم طاعة الامام لا تصرفه، ولا بعام إذ المتعارف أن يقال عام بكذا لا
عليه. وعرفها في المقاصد بأنها رياسة عامة في الدين والدنيا خلافة عن النبي (ص) لتخرج النبوة
لكن النبوة في الحقيقة غير داخلة لأنها بعثة بشرع كما يعلم من تعريف النبي، واستحقاق النبي
التصرف العام إمامة مترتبة على النبوة، فهي داخلة في التعريف دون ما ترتبت عليه، أعني النبوة،
وخرج بقيد العموم مثل القضاء والامارة.
ولما كانت الرياسة عند التحقيق ليست إلا استحقاق التصرف، إذ معنى نصب أهل الحل
والعقد للامام ليس إلا إثبات هذا الاستحقاق عبر بالاستحقاق، كذا أفاده العلامة الكمال ابن أبي
شريف في شرحه على كتاب المسايرة لشيخه المحقق الكمال ابن الهمام. قوله: (ونصبه) أي الامام
المفهوم من المقام. قوله: (أهم الواجبات) أي من أهمها، لتوقف كثير من الواجبات الشرعية عليه،
ولذا قال في العقائد النسفية: والمسلمون لا بد لهم من إمام، يقوم بتنفيذ أحكامهم، وإقامة
حدودهم، وسد ثغورهم، وتجهيز جيوشهم، وأخذ صدقاتهم، وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع
الطريق، وإقامة الجمع والأعياد، وقبول الشهادات القائمة على الحقوق، وتزويج الصغار والصغائر
الذين لا أولياء لهم، وقسمة الغنائم ا ه‍. قوله: (فلذا قدموه إلخ) فإنه (ص) توفي يوم الاثنين ودفن يوم
الثلاثاء، أو ليلة الأربعاء أو يوم الأربعاء ح عن المواهب، وهذه السنة باقية إلى الآن، لم يدفن
خليفة حتى يولى غيره ط. قوله: (ويشترط كونه مسلما إلخ) أي لان الكافر لا يلي على المسلم،
ولان العبد لا ولاية له على نفسه، فكيف تكون له الولاية على غيره؟ والولاية المتعدية فرع للولاية
القائمة، ومثله الصبي والمجنون، ولأن النساء أمرن بالقرار في البيوت فكان مبني حالهن على
الستر، وإليه أشار النبي (ص) حيث قال: كيف يفلح قوم تملكهم امرأة وقوله قادرا أي على
تنفيذ الاحكام وإنصاف المظلوم من الظالم، وسد الثغور، وحماية البيضة وحفظ حدود الاسلام،
وجر العساكر، وقوله قرشيا لقوله (ص) الأئمة من قريش وقد سلمت الأنصار الخلافة لقريش
بهذا الحديث، وبه يبطل قول الضرارية: إن الإمامة تصلح في غير قريش، والكعبية: إن القرشي
أولى بها ا ه‍، الكل من ح عن شرح عمدة النسفي. قوله: (لا هاشميا إلخ) أي لا يشترط كونه
هاشميا: أي من أولاد هاشم بن عبد مناف كما قالت الشيعة نفيا لامامة أبي بكر وعمر وعثمان
رضي الله تعالى عنهم، ولا علويا: أي من أولاد علي بن أبي طالب كما قال به بعض الشيعة نفيا
لخلافة بني العباس، ولا معصوما كما قالت الإسماعيلية والاثنا عشرية: أي الامامية، كذا في شرح
المقاصد، وكان الأولى أن يكرر لا ليظهر أن كل واحد من هذه الثلاثة قول على حدة، فإن عبارته
590

توهم أنها قول واحد ح. قوله: (ويكره تقليد الفاسق) أشار إلى أنه لا تشترط عدالته، وعدها في
المسايرة من الشروط، وعبر عنها تبعا للامام الغزالي بالورع. وزاد في الشروط العلم والكفاية،
قال: والظاهر أنها: أي الكفاءة أعم من الشجاعة تنتظم كونه ذا رأي وشجاعة كي لا يجبن عن
الاقتصاص وإقامة الحدود والحروب الواجبة وتجهيز الجيوش، وهذا الشرط: يعني الشجاعة مما
شرطه الجمهور، ثم قال: وزاد كثير الاجتهاد في الأصول والفروع، وقيل لا يشترط ولا الشجاعة
لندرة اجتماع هذه الأمور في واحد، ويمكن تفويض مقتضيات الشجاعة والحكم إلى غيره أو
بالاستفتاء للعلماء. وعند الحنفية: ليست العدالة شرطا للصحة فيصح تقليد الفاسق الإمامة مع
الكراهة، وإذا قلد عدلا ثم جار وفسق لا ينعزل، ولكن يستحق العزل إن لم يستلزم فتنة: ويجب أن
يدعى له، ولا يجب الخروج عليه، كذا عن أبي حنيفة وكلمتهم قاطبة في توجيهه هو أن الصحابة
صلوا خلف بعض بني أمية وقبلوا الولاية عنهم. وفي هذا نظر: إذ لا يخفى أن أولئك كانوا ملوكا
تغلبوا، والمتغلب تصح منه هذه الأمور للضرورة، وليس من شرط صحة الصلاة خلف إمام عدالته،
وصار الحال عند التغلب كما لم يوجد أو وجد ولم يقدر على توليته لغلبة الجورة ا ه‍ كلام
المسايرة للمحقق ابن الهمام. قوله: (ويعزل به) أي بالفسق لو طرأ عليه، والمراد أنه يستحق العزل
كما علمت آنفا، ولذا لم يقل ينعزل. قوله: (وتصح سلطنة متغلب) أي من تولى بالقهر والغلبة بلا
مبايعة أهل الحل والعقد وإن استوفى الشروط المارة، وأفاد أن الأصل فيها أن تكون بالتقليد. قال
في المسايرة: ويثبت عقد الإمامة إما باستخلاف الخليفة إياه كما فعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه،
وإما ببيعة جماعة من العلماء أو جماعة من أهل الرأي والتدبير، وعند الأشعري: يكفي الواحد من
العلماء المشهورين من أولي الرأي، بشرط كونه بمشهد (1) شهود لدفع الانكار إن وقع. وشرط
المعتزلة خمسة، وذكر بعض الحنفية اشتراط جماعة دون عدد مخصوص ا ه‍. قوله: (للضرورة) هي دفع
الفتنة، ولقوله (ص) اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع. ح. قوله: (وكذا صبي)
أي تصح سلطنته للضرورة، لكن في الظاهر لا حقيقة. قال في الأشباه: وتصح سلطنته ظاهرا، قال
في البزازية: مات السلطان واتفقت الرعية على سلطنة ابن صغير له ينبغي أن تفوض أمور التقليد
على وال، ويعد هذا الوالي نفسه تبعا لابن السلطان لشرفه، والسلطان في الرسم هو الابن، وفي
الحقيقة هو الوالي لعدم صحة الاذن بالقضاء والجمعة ممن لا ولاية له ا ه‍: أي لان الوالي لو لم يكن
هو السلطان في الحقيقة لم يصح إذنه بالقضاء والجمعة، لكن ينبغي أن يقال: إنه سلطان إلى غاية،
وهي بلوغ الابن، لئلا يحتاج إلى عزله عند تولية ابن السلطان إذا بلغ. تأمل. قوله: (أن يفوض)
بالبناء للمجهول، والفاعل: هم أهل الحل والعقد على ما مر بيانه، لا الصبي لما علمت من أنه لا
ولاية له وضمن يفوض معنى يلقي فعدي بعلى وإلا فهو يتعدى بإلى. قوله: (في الرسم) أي في

(1) قوله: (بمشهد) اي حضور ا ه‍. منه.
591

الظاهر والصورة. قوله: (كما في الأشباه) أي في أحكام الصبيان، وعلمت عبارته. قوله: (وفيها)
أي في الأشباه عن البزازية أيضا، وذكر ذلك بعد ما مر بنحو ورقة، فافهم. وذكر الحموي أن تجديد
تقليده بعد بلوغه لا يكون إلا إذا عزل ذلك الوالي نفسه، لان السلطان لا ينعزل إلا بعزل نفسه،
وهذا غير واقع ا ه‍.
قلت: قد يقال: إن سلطنة ذلك الوالي ليست مطلقة، بل هي مقيدة بمدة صغر ابن السلطان
فإذا بلغ انتهت سلطنة ذلك الوالي كما قلناه آنفا. قوله: (ربط الخ) هكذا نقله
صاحب النهر عن أخيه صاحب البحر، ولا يظهر إلا تعريفا للاقتداء، وذلك لان الإمامة مصدر المبني للمجهول، لان الامام
هو المتبع، ويدل على ذلك تعريف ابن عرفة لها بأنها اتباع الامام في جزء من صلاته: أي أن يتبع
بفتح الموحدة. وأما الربط المذكور، إن كان مصدر ربط المبني للمعلوم فهو صفة المؤتم، فيكون
بمعنى الائتمام: أي الاقتداء وإن كان مصدر المبني للمجهول فهو صفة صلاة المؤتم، لأنها هي
المربوطة، وعلى كل حال لا يصلح تعريفا للإمامة بل للاقتداء ا ه‍ ط عن ح.
وأقول: بقي للربط معنى ثالث هو المراد، وبه يندفع الايراد، وهو أن يراد به المعنى الحاصل
بالمصدر وهو الارتباط.
وبيان ذلك أن الامام لا يصير إماما إلا إذا ربط المقتدي صلاته بصلاته، فنفس هذا الارتباط
هو حقيقة الإمامة، وهو غاية الاقتداء الذي هو الربط بمعنى الفاعل، لأنه إذا ربط صلاته بصلاة إمامه
حصل له صفة الاقتداء والائتمام، وحصل لامامه صفة الإمامة التي هي الارتباط، هذا ما ظهر لفهمي
القاصر، والله تعالى أعلم، قوله: (بشروط عشرة) هذه الشروط في الحقيقة شروط الاقتداء، وأما
شروط الإمامة فقد عدها في نور الايضاح على حدة فقال: وشروط الإمامة للرجال الأصحاء ستة
أشياء: الاسلام والبلوغ والعقل والذكورة والقراءة والسلامة من الاعذار كالرعاف والفأفأة والتمتمة
واللثغ وفقد شرط كطهارة وستر عورة ا ه‍. احترز بالرجال الأصحاء عن النساء الأصحاء، فلا يشترط
في إمامهن الذكورة، وعن الصبيان فلا يشترط في إمامهم البلوغ، وعن غير الأصحاء فلا يشترط في
إمامهم الصحة، لكن يشترط أن يكون حال الامام أقوى من حال المؤتم أو مساويا ح.
أقول: قد علمت مما قدمناه أن الإمامة غاية الاقتداء، فما لم يصح الاقتداء لم تثبت الإمامة،
فتكون الشروط العشرة التي ذكرها الشارح شروطا للإمامة أيضا من حيث تقول الإمامة عليها، كما
أن السنة المذكورة تصلح شروطا للاقتداء أيضا، إذ لا يصح الاقتداء بدونها، فالستة عشر كلها شروط
لكل من الإمامة والاقتداء، لكن لما كانت العشرة قائمة بالمقتدي والسنة قائمة بالامام حسن جعل
العشرة شروط للاقتداء والسنة شروطا للإمامة، فافهم واغتنم، تحرير هذا المقام، وقد نظمت هذه
الشروط على هذا الوجه فقلت:
شروط اقتداء عشرة قد نظمتها * بشعر كعقد الدر جاء منضدا
تأخر مؤتم وعلم انتقال من * به ائتم مع كون المكانين واحدا
وكون إمام ليس دون تبيعه * بشرط وأركان ونية الاقتدا
592

مشاركة في كل ركن وعلمه * بحال إمام حل أم سار مبعدا
وأن لا تحاذيه التي معه اقتدت * وصحة ما صلى الامام من ابتدأ
كذاك اتحاد الفرض، هذا تمامها * وست شروط للإمامة في المدا
بلوغ وإسلام وعقل ذكورة * قراءة مجز فقد عذر به بدا
قوله: (نية المؤتم) أي الاقتداء بالامام، أو الاقتداء به في صلاته أو الشروع فيها أو الدخول
فيها بخلاف نية صلاة الامام، وشرط النية أن تكون مقارنة للتحريمة أو متقدمة عليها بشرط أن لا
يفصل بينها وبين التحريمة فاصل أجنبي كما تقدم في النية ح. قوله: (واتحاد مكانهما) فلو اقتدى راجل
براكب أو بالعكس أو راكب براكب دابة أخرى لم يصح لاختلاف المكان، فلو كانا على دابة واحدة
صح لاتحاده كما في الامداد، وسيأتي. وأما إذا كان بينها حائط فسيأتي أن المعتمد اعتبار الاشتباه لا
اتحاد المكان، فيخرج بقوله وعلمه بانتقالاته، وسيأتي تحقيق هذه المسألة بما لا مزيد عليه. قوله:
(وصلاتهما) أي واتحاد صلاتهما قال في البحر والاتحاد أن يمكنه الدخول في صلاته بنية صلاة الامام
فتكون صلاة الامام متضمنة لصلاة المقتدي ا ه‍. فدخل اقتداء المتنفل بالمفترض، لان من لا فرض
عليه لو نوى صلاة الامام المفترض صحت نفلا، ولان النفل مطلق والفرض مقيد، والمطلق جزء
المقيد، فلا يغايره كما في شرح المنية. وعبر في نور الايضاح بقوله: وأن لا يكون مصليا فرضا غير
فرضه ا ه‍. وهو أولى من عبارة الشارح فافهم. قوله: (وصحة صلاة إمامه) فلو تبين فسادها فسقا من
الامام أو نسيانا لمضي مدة المسح أو لوجود الحدث أو غير ذلك لم تصح صلاة المقتدي لعدم صحة
البناء، وكذا لو كانت صحيحة في زعم الامام فاسدة في زعم المقتدي لبنائه على المفاسد في زعمه.
فلا يصح، وفيه خلاف وصحح كل. أما لو فسدت في زعم الامام وهو لا يعلم به وعلمه المقتدي
صحت في قول الأكثر، وهو الأصح لان المقتدي يرى جواز صلاة إمامه والمعتبر في حقه رأي
نفسه. رحمتي، قوله: (وعدم محاذاة امرأة) أي بشروطها الآتية. قوله: (وعدم تقدمه عليه بعقبه) فلو
ساواه جاز. وإن تقدمت أصابع المقتدي لكبر قدمه على قدم الامام ما لم يتقدم أكثر القدم كما
سيأتي، وفي إمداد الفتاح: وتقدم الامام بعقبه عن عقب المقتدي شرط لصحة اقتدائه، حتى لو كان
عقب المقتدي غير متقدم على عقب الامام، لكن قدمه أطول فتكون أصابعه قدام أصابع إمامه تجوز،
كما لو كان المقتدي أطول من إمامه فيسجد أمامه ا ه‍. وقوله حتى الخ يشمل المساواة، فلفظ
التقدم الواقع في المتن غير مقصود. رحمتي. قوله: (وعلمه بانتقالاته) أي بسماع أو رؤية للامام أو
لبعض المقتدين. رحمتي. وإن لم يتحد المكان ط. قوله: (وبحاله الخ) أي علمه بحال إمامه من
إقامة أو سفر قبل الفراغ أو بعده، وهذا فيما لو صلى الرباعية ركعتين في مصر أو قرية، فلو خارجها
لا تفسد، لأن الظاهر مسافر فلا يحمل على السهو، وكذا لو أتم مطلقا، وسيأتي تمامه إن شاء الله
تعالى في صلاة المسافر. قوله: (ومشاركته في الأركان) أي في أصل فعلها أعم من أن يأتي بها معه
أو بعده لا قبله، إلا إذا أدركه إمامه فيها، فالأول ظاهر، والثاني كما لو ركع إمامه ورفع ثم ركع هو
فيصح، والثالث عكسه فلا يصح إلا إذا ركع بقي راكعا حتى أدركه إمامه، فيصح لوجود المتابعة
التي هي حقيقة الاقتداء، وقد حققنا الكلام على المتابعة في أواخر واجبات الصلاة فراجعه. قوله:
593

(وكونه مثله أو دونه فيها) أي في الأركان، مثال الأول: اقتداء الراكع والساجد بمثله والمومي بهما
بمثله، ومثال الثاني: اقتداء المومي بالراكع والساجد، واحترز به عن كونه أقوى حالا منه فيها كاقتداء
الراكع والساجد بالمومي بهما ح. قوله: (وفي الشرائط) عطف على فيها أي وكون المؤتم مثل
الامام أو دونه من الشرائط، مثال الأول: اقتداء مستجمع الشرائط بمثله والعاري بمثله، ومثال الثاني:
اقتداء العاري بالمكتسي، واحترز به عن كونه أقوى حالا منه فيها كاقتداء المكتسي بالعاري ح.
أقول: وفي القنية عن تأسيس النظر: وينبغي أن يجوز اقتداء الحرة بالأمة الحاسرة الرأس ا ه‍.
أي لأنه غير عورة في حق الأمة فهو كرأس الرجل. تأمل. قوله: (كما بسط في البحر) المراد به ما
ذكره من الشروط العشرة، لكن ليس هذا موجودا في أصل نسخ البحر وإنما يوجد بهامش بعض
نسخه معزيا إلى خط مؤلفه. قوله: (قيل وثبوتها الخ) وقيل معناه: اخضعوا مع الخاضعين كما في
البيضاوي ح. قوله: (نظام الألفة) بتحصيل التعاهد باللقاء في أوقات الصلوات بين الجيران. بحر.
والألفة: بضم الهمزة اسم الائتلاف ح عن القاموس. قوله: (هي أفضل من الاذان) أي على المعتمد،
وقيل بالعكس، وقيل بالمساواة. قوله: (خلافا للشافعي) قدمنا في الاذان عن مذهبه قولين
مصححين: الأول: كقولنا، والثاني: عكسه. قوله: (وقول عمر الخ) أي لا دلالة فيه على أفضلية
الاذان لان مراده الجمع بينهما، لكن اشتغال الخليفة بأمور العامة يمنعه عن مراقبة الأوقات، فلذا
اقتصر على الإمامة. قوله: (وقال بعضهم الخ) ذكره الفخر الرازي في تفسير سورة المؤمنين. قال في
البحر: وقد كنت أختارها لهذا المعنى بعينه قبل الاطلاع على هذا النقل، والله الموفق ا ه‍. قلت:
ومفاده أنها أفضل من الاقتداء. قوله: (وقال الزاهدي الخ) توفيق بين القول بالسنية والقول بالوجوب
الآتي، وبيان أن المراد بهما واحد أخذا من استدلالهم بالأخبار الواردة بالوعيد الشديد بترك الجماعة.
وفي النهر عن المفيد: الجماعة واجبة، وسنة لوجوبها بالسنة ا ه‍. وهذا كجوابهم عن رواية سنية الوتر
بأن وجوبها ثبت بالسنة، قال في النهر: إلا أن هذا يقتضي الاتفاق على أن تركها مرة بلا عذر يوجب
إثما مع أنه قول العراقيين. والخراسانيون على أنه يأثم إذا اعتاد الترك كما في القنية ا ه‍. وقال في
شرح المنية: والاحكام تدل على الوجوب، من أن تاركها بلا عذر يعزر وترد شهادته، ويأثم الجيران
بالسكوت عنه، وقد يوفق بأن ذلك مقيد بالمداومة على الترك كما هو ظاهر قوله (ص) لا يشهدون
الصلاة وفي الحديث الآخر يصلون في بيوتهم كما يعطيه ظاهر إسناد المضارع نحو: بنو فلان
يأكلون البر: أي عادتهم، فالواجب الحضور أحيانا، والسنة المؤكدة التي تقرب منه المواظبة (1) ا ه‍.
ويرد عليه ما مر عن النهر، إلا أن يجاب بأن قول العراقيين يأثم: بتركها مرة مبني على القول بأنها

(1) قوله: (التي تقرب منه المواظبة) اي عليها: اي على الجماعة كما هو مصرح به في بعض عباراتهم ا ه‍.
594

فرض عين عند بعض مشايخنا كما نقله الزيلعي وغيره، أو على القول بأنها فرض كفاية كما نقله في
القنية عن الطحاوي والكرخي وجماعة، فإذا تركها الكل مرة بلا عذر أثموا، فتأمل. قوله: (فشرط)
بناء على القول بوجوب العيد، أما على القول بسنيتها فتسن الجماعة فيها كما في الحلية والبحر، ثم
قال في البحر: ولا يخفى أن الجماعة شرط الصحة على كل من القولين ا ه‍. أي شرط لصحة وقوعها
واجبة أو سنة، فافهم. قوله: (سنة كفاية) أي على كل أهل محلة، لما في منية المصلي من بحث
التراويح، من أن إقامتها بالجماعة سنة على سبيل الكفاية، حتى لو ترك أهل محلة كلهم الجماعة فقد
تركوا السنة وأساؤوا في ذلك، وإن تخلف من أفراد الناس وصلى في بيته فقد ترك الفضيلة ا ه‍. قوله:
(على قول) وغير مستحبة على قول آخر، بل يصليها وحده في بيته، وهما قولان مصححان، وسيأتي
قبيل إدراك الفريضة ترجيح الثاني بأنه المذهب. قوله: (وفي وتر غيره الخ) كراهة الجماعة فيه هو
المشهور، وذكره القدوري في مختصره، وذكر في غيره عدم الكراهة، ووفق في الحلية بحمل الأول
على المواظبة والثاني على الفعل أحيانا، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى. قوله: (على سبيل
التداعي) بأن يقتدي أربعة فأكثر بواحد. قوله: (وسنحققه) أي قبيل إدراك الفريضة.
تتمة: قال في الحلية: وأما الجماعة في صلاة الخسوف فظاهر كلام الجم الغفير من أهل
المذهب كراهتها. وفي شرح الزاهدي: وقيل جائزة عندنا لكنها ليست بسنة ا ه‍.
مطلب في تكرار الجماعة في المسجد
قوله: (ويكره) أي تحريما لقول الكافي لا يجوز، والمجمع لا يباح، وشرح الجامع الصغير إنه
بدعة كما في رسالة السندي. قوله: (بأذان وإقامة الخ) عبارته في الخزائن أجمع مما هنا، ونصها:
يكره تكرار الجماعة في مسجد محلة بأذان وإقامة، إلا إذا صلى بهما فيه أو لا غير أهله أو أهله لكن
بمخافتة الاذان، ولو كرر أهله بدونهما أو كان مسجد طريق جاز إجماعا، كما في مسجد ليس له إمام
ولا مؤذن ويصلي الناس فيه فوجا فوجا، فإن الأفضل أن يصلي كل فريق بأذان وإقامة على حدة كما
في أمالي قاضيخان ا ه‍. ونحوه في الدرر. والمرا بمسجد المحلة: ما له إمام وجماعة معلومون كما
في الدرر وغيرها. قال في المنبع: والتقييد بالمسجد المختص بالمحلة احتراز من الشارع، وبالأذان
الثاني احتراز عما إذا صلى في مسجد المحلة جماعة بغير أذان حيث يباح إجماعا ا ه‍. ثم قال في
الاستدلال على الإمام الشافعي النافي للكراهة ما نصه: ولنا أنه عليه الصلاة والسلام كان خرج
ليصلح بين قوم فعاد إلى المسجد وقد صلى أهل المسجد فرجع إلى منزله فجمع أهله وصلى ولو
جاز ذلك لما اختار الصلاة في بيته على الجماعة في المسجد، ولان في الاطلاق هكذا تقليل
الجماعة معنى، فإنهم لا يجتمعون إذا علموا أنها لا تفوتهم.
وأما مسجد الشارع فالناس فيه سواء لا اختصاص له بفريق دون فريق ا ه‍. ومثله في البدائع
وغيرها، ومقتضى هذا الاستدلال كراهة التكرار في مسجد المحلة ولو بدون أذان، ويؤيده ما في
الظهيرية: لو دخل جماعة المسجد بعدما صلى فيه أهله يصلون وحدانا وهو ظاهر الرواية ا ه‍. وهذا
مخالف لحكاية الاجماع المارة، وعن هذا ذكر العلامة الشيخ رحمة الله السندي تلميذ المحقق ابن
الهمام في رسالته أن ما يفعله أهل الحرمين من الصلاة بأئمة متعددة وجماعات مترتبة مكروه اتفاقا.
595

ونقل عن بعض مشايخنا إنكاره صريحا حين حضر الموسم بمكة سنة 551 منهم الشريف الغزنوي.
وذكر أنه أفتى بعض المالكية بعدم جواز ذلك على مذهب العلماء الأربعة. ونقل إنكار ذلك أيضا
عن جماعة من الحنفية والشافعية والمالكية حضروا الموسم سنة 551 ا ه‍. وأقره الرملي في حاشية
البحر، لكن يشكل عليه أن نحو المسجد المكي والمدني ليس له جماعة معلومون، فلا يصدق عليه
أنه مسجد محلة، بل هو كمسجد شارع، وقد مر أن لا كراهة في تكرار الجماعة فيه إجماعا، فليتأمل.
هذا، وقدمنا في باب الاذان على آخر شرح المنية عن أبي يوسف أنه إذا لم تكن الجماعة على
الهيئة الأولى لا تكره، وإلا تكره، وهو الصحيح، وبالعدول عن المحراب تختلف الهيئة، كذا في
البزازية انتهى. وفي التاترخانية عن الولوالجية: وبه نأخذ، قوله: (وأقلها اثنان) حيث اثنان فما
فوقهما جماعة أخرجه السيوطي في الجامع الصغير، ورمز لضعفه. قال في البحر: لأنها مأخوذة
من الاجتماع، وهما أقل ما يتحقق به، وهذا في غير جمعة اه‍: أي فإن أقلها فيها ثلاثة صالحون
للإمامة سوى الامام، ومثلها العيد لقولهم، يشترط لها ما يشترط للجمعة صحة وأداء سوى الخطبة،
فافهم. قوله: (ولو مميزا) أي ولو كان الواحد المقتدي صبيا مميزا. قال في السراج: لو حلف لا
يصلي جماعة وأم صبيا يعقل حنث ا ه‍ ولا عبرة بغير العاقل بحر.
قال ط: ويؤخذ منه أنه يحصل ثواب الجماعة باقتداء المتنفل بالمفترض، لان الصبي متنفل،
ولم أر حكم اقتداء المتنفل بمثله هل يزيد ثوابه على المنفرد فليحرر ا ه‍.
قلت: الظاهر نعم إن لم يكن على سبيل التداعي، لحديث الصحيحين عن أنس رضي الله عنه
أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له فأكل منه، ثم قال: قوموا
لأصلي بكم، فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبث (1) فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى بنا ركعتين ثم انصرف
فلو لم يكن الاقتداء أفضل لما أمرهم به. تأمل. قوله: (في مسجد أو غيره) قال في القنية: واختلف
العلماء في إقامتها في البيت، والأصح أنها كإقامتها في المسجد إلا في الأفضلية ا ه‍. قوله: (وتصح
إمامة الجني) لأنه مكلف، بخلاف إمامة الملك فإنه متنفل، وإمامة جبريل لخصوص التعليم مع
احتمال الإعادة من النبي (ص) ط. قوله: (أشباه) عبارتها في بحث أحكام الجان: ومنها انعقاد
الجماعة بالجن، ذكره الأسيوطي من صاحب (آكام المرجان) من أصحابنا، مستدلا بحديث أحمد عن
ابن مسعود في قصة الجن، وفيه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أدركه شخصان
منهم، فقالا: يا رسول الله إنما نحب أن تؤمنا في صلاتنا، قال فصفهما خلفه ثم صلى بنا ثم
انصرف ونظير ذلك ما ذكره السبكي أن الجماعة تحصل بالملائكة، وفرع على ذلك لو صلى في
فضاء بأذان وإقامة منفردا ثم حلف أنه صلى بالجماعة لم يحنث، ومنها صحة الصلاة خلف الجني.
ذكره في آكام المرجان ا ه‍.

(1) قوله: (ما لبث) هكذا بالنسخة المقابلة على خط المؤلف، والذي في القسطلاني علي البخاري في باب الصلاة على
الحصير لبس بضم اللام وكسر الباء الموحدة: اي استعمل، ولبس كل شئ بحسبه ا ه‍. وكذا هو بالسين في الترمذي
وأبي داود ا ه‍. مصححه.
596

أقول: وما نقله عن السبكي مأخوذ من حديث إن المسافر إذا أذن وأقام صلى خلفه من
جنود الله ما لا يرى طرفاه رواه عبد الرزاق، ومقتضاه وجو ب الجهر عليه، لكن قدمنا في باب
الاذان التصريح عن التاترخانية بأن حكمه حكم المنفرد في الجهر والمخافتة، وبه يعلم أنه يحنث
بحلفه أنه صلى بالجماعة عندنا، ولا سيما والايمان مبنية على العرف عندنا، وهو منفرد، عرفا
وشرعا، وإلا لاخذ أحكام الامام على أنه مر في الفصل السابق أنه لا يلزمه الجهر إلا إذا نوى
الإمامة، وكذا مر في شروط الصلاة أنه لا يحنث في: لا يؤم أحدا ما لم ينو الإمامة، وليس في
الحديث التصريح بالاقتداء به وإن كان المراد ذلك، فلعل انعقاد الجماعة باقتداء الملائكة والجن
إنما يستلزم أحكامها إذا كانوا على صورة ظاهرة، ولهذا لو جامع جني امرأة ووجدت لذة لا يلزمها
الاغتسال كما في الخانية، إلا إذا أنزلت كما في الفتح أو جاءها على صورة آدمي كما في الحلية،
وكذا يقال في إمامة الجني، والله أعلم. قوله: (قال في البحر الخ) وقال في النهر: هو أعدل
الأقوال وأقواها، ولذا قال في الأجناس: لا تقبل شهادته إذا تركها استخفافا ومجانة، إما سهوا، أو
بتأويل ككون الامام من أهل الأهواء، أو لا يراعي مذهب المقتدي فتقبل ا ه‍ ط. قوله: (ثمرته الخ)
هذا بناء على تحقيق الخلاف، أما على ما مر عن الزاهدي فلا خلاف. قوله: (بتركها مرة) أي بلا
عذر، وهذا عند العراقيين، وعند الخراسانيين إنما يأثم إذا اعتاده كما في القنية، وقد مر. قوله:
(البالغين) قيد به لان الرجل قد يراد به مطلق الذكر بالغا أو غيره، كما في قوله تعالى: * (فإن كانوا
إخوة رجالا) * (النساء: 671) وكما في حديث ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت فلاولى رجل
ذكر ولذا قيد بذكر، لدفع أن يراد به البالغ بناء على ما كان في الجاهلية من عدم توريثهم إلا من
استعد للحرب دون الصغار، فافهم. قوله: (الأحرار) فلا تجب على القن، وسيأتي في الجمعة لو أذن
له مولاه وجبت، وقيل يخير، ورجحه في البحر ا ه‍. قلت: وينبغي جريان الخلاف هنا أيضا. تأمل.
قوله: (من غير حرج) قيد لكونها سنة مؤكدة أو واجبة، فبالحرج يرتفع الاثم ويرخص في تركها
ولكنه يفوته الأفضل بدليل أنه عليه الصلاة والسلام قال لابن أم مكتوم الأعمى لما استأذنه في الصلاة
في بيته ما أجد لك رخصة قال في الفتح: أي تحصل لك فضيلة الجماعة من غير حضورها لا
الايجاب على الأعمى، لأنه عليه الصلاة والسلام رخص لعتبان بن مالك في تركها ا ه‍. لكن في نور
الايضاح: وإذا انقطع عن الجماعة لعذر أعذرها وكانت نيته حضورها لولا العذر يحصل له ثوابها
ا ه‍. والظاهر أن المراد به العذر المانع كالمرض والشيخوخة والفلج، بخلاف نحو المطر والطين
والبرد والعمى. تأمل. قوله: (ولو فاتته ندب طلبها) فلا يجب عليه الطلب في المساجد بلا خلاف بين
أصحابنا، بل إن أتى مسجدا للجماعة آخر فحسن، وإن صلى في مسجد حيه منفردا فحسن. وذكر
القدوري: يجمع بأهله ويصلي بهم، يعني وينال ثواب الجماعة، كذا في الفتح.
واعترض الشرنبلالي بأن هذا ينافي وجوب الجماعة. وأجاب ح بأن الوجوب عند عدم
الحرج، وفي تتبعها في الأماكن القاصية حرج لا يخفى، مع ما في مجاوزة مسجد حيه من مخالفة
قوله (ص) لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ا ه‍. وفيه أن ظاهر إطلاقه الندب ولو إلى مكان
قريب، وقوله مع ما في مجاوزة الخ. قد يقال: محله فيما إذا كان فيه جماعة، ألا ترى أن مسجد الحي
597

إذا لم تقم فيه الجماعة وتقام في غيره لا يرتاب أحد أن مسجد الجماعة أفضل؟ على أنهم اختلفوا
في الأفضل، هل جماعة مسجد حيه أو جماعة المسجد الجامع؟ كما في البحر ط.
قلت: لكن في الخانية: وإن لم يكن لمسجد منزله مؤذن فإنه يذهب إليه ويؤذن فيه ويصلي
وإن كان واحدا، لان لمسجد منزله حقا عليه، فيؤدي حقه مؤذن مسجد لا يحضر مسجده أحد.
قالوا: هو يؤذن ويقيم ويصلي وحده، وذاك أحب من أن يصلي في مسجد آخر ا ه‍. ثم ذكر ما مر
عن الفتح، ولعل ما مر فيما إذا صلى فيه الناس فيخير، بخلاف ما إذا لم يصل فيه أحد لان الحق
تعين عليه، وعلى كل فقول ط قد يقال الخ غير مسلم، والله أعلم. قوله: (ونحوه) قال في القنية:
إلا المسجد الحرام ومسجد النبي (ص)، وعزاه في آخر شرح المنية إلى مختصر البحر. ثم قال:
وينبغي أن يستثنى المسجد الأقصى أيضا، لأنها في المسجد الحرام بمائة ألف، وفي مسجده عليه
الصلاة والسلام بألف، وفي المسجد الأقصى بخمسمائة ا ه‍. وينبغي استثناء مسجد الحي على ما
قلناه آنفا. قوله: (ومقعد وزمن) قال في المغرب: المقعد الذي لا حراك به من داء في جسده كأن
الداء أقعده. وعند الأطباء: هو الزمن: وبعضهم فرق وقال: المقعد: المتشنج الأعضاء، والزمن:
الذي طال مرضه، وقال في فصل الزاي: الزمن: الذي طال مرضه زمانا، وقيل الزمن عن أبي
حنيفة: المقعد والأعمى والمقطوع اليدين أو إحداهما. والمفلوج، والأعرج: الذي لا يستطيع
المشي، والأشل ا ه‍. قوله: (ومفلوج) هو من به فالج، وهو استرخاء لاحد شقي الانسان لانصباب
خلط بلغمي تسند منه مسالك الروح. قاموس. قوله: (وإن وجد قائدا) وكذا الزمن لو كان غنيا له
مركب وخادم، فلا تجب عليهما عنده، خلافا لهما، حلية عن المحيط. وذكر في الفتح أن الظاهر
أنه اتفاق، والخلاف في الجمعة لا في الجماعة ا ه‍. لكن المسطور في الكتب المشهورة خلافه:
حلية. قوله: (ولا على من حال بينه وبينها مطر وطين) أشار بالحيلولة إلى أن المراد المطر الكثير،
كما قيده به في صلاة الجمعة، وكذا الطين. وفي الحلية، وعن أبي يوسف: سألت أبا حنيفة عن
الجماعة في طين وردغة، فقال: لا أحب تركها. وقال محمد في الموطأ: الحديث رخصة، يعني
قوله (ص) إذ ابتلت النعال فالصلاة في الرحال والنعال: هنا الأراضي الصلاب.
وفي شرح الزاهدي عن شرح التمرتاشي: واختلف في كون الأمطار والثلوج والأوحال والبرد
الشديد عذرا. وعن أبي حنيفة: إن اشتد التأذي يعذر. قال الحسن: أفادت هذه الرواية أن الجمعة
والجماعة في ذلك سواء، ليس على ما ظنه البعض أن ذلك عذر في الجماعة لأنها سنة لا في
الجمعة لأنها من آكد الفرائض اه‍ وفي شرح الشيخ إسماعيل عن ابن الملقن الشافعي: والمشهور
أن النعال جمع نعل: وهو ما غلظ من الأرض في صلابة، وإنما خصها بالذكر، لان أدنى بلل ينديها،
بخلاف الرخوة فإنها تنشف الماء. وقيل النعال: الأحذية. قوله: (ويرد شديد) لم يذكر الحر الشديد
أيضا، ولم أر من ذكره من علمائنا، ولعل وجهة أن الحر الشديد إنما يحصل غالبا في صلاة الظهر،
وقد كفينا مؤنته بسنية الابراد، نعم قد يقال: لو ترك الامام هذه السنة وصلى في أول الوقت كان
الحر الشديد عذرا. تأمل. قوله: (وظلمة كذلك) أي شديدة، والظاهر أنه لا يكلف إلى إيقاد نحو
598

سراج وإن أمكنه ذلك، وأن المراد بشدة الظلمة كونه لا يبصر طريقه إلى المسجد فيكون كالأعمى.
قوله: (وريح) أي شديد أيضا فيما يظهر. تأمل. وإنما كان عذرا ليلا فقط لعظم مشقته فيه دون
النهار. قوله: (وخوف على ماله) أي من لص ونحوه إذا لم يمكنه غلق الدكان أو البيت مثلا، ومنه
خوفه على تلف طعام في قدر أو خبز في تنور تأمل. وانظر هل التقييد بماله للاحتراز عن مال
غيره؟ والظاهر عدمه: لان له قطع الصلاة له ولا سيما إن كان أمانة عنده كوديعة أو عارية أو رهن مما
يجب عليه حفظه. تأمل. قوله: (أو من غريم) أي إذا كان معسرا ليس عنده ما يوفي غريمه، وإلا
كان ظالما. قوله: (أو ظالم) يخافه على نفسه أو ماله. قوله: (الأخبثين) وكذا الريح. قوله: (وإرادة
سفر) أي وأقيمت الصلاة ويخشى أن تفوته القافلة. بحر. وأما السفر نفسه فليس بعذر كما في القنية.
قوله: (وقيامه بمريض) أي يحصل له بغيبته المشقة والوحشة، كذا في الامداد. قوله: (تتوقه نفسه)
أي تشتاقه وتنازعه إليه مصباح، سواء كان عشاء أو غيره لشغل باله. إمداد، ومثله الشراب، وقرب
حضوره كحضوره فيما يظهر لوجود العلة، وبه صرح الشافعي. قوله: (وكذا اشتغاله بالفقه الخ)
عبارة نور الايضاح: وتكرار فقه بجماعة تفوته، ولم أر هذا القيد لغيره، ورمز في القنية لنجم الأئمة
فيمن لا يحضرها لاستغراق أوقاته في تكرير الفقه: لا يعذر ولا تقبل شهادته، ثم رمز له ثانيا أنه
يعذر، بخلاف مكرر اللغة ثم وفق بينهما بحمل الأول على المواظب على الترك تهاونا، والثاني على
غيره، وهذا ما مشى عليه الشارح في قوله أي إلا الخ. قوله: (فلا يعذر ويعزر) الأول بالذال
والثاني بالزاي. قوله: (يعني بحبسه عنه الخ) صرح بذلك في البحر عن البزازية. قال الرحمتي:
قالوا: هذا مما يعلم ويكتم، لان الظلمة صيادون لاخذ المال متى وقع في شركهم لا يؤخذ منهم،
وربما يحدثون للانسان ذنبا لم يفعله توصلا إلى ماله ا ه‍.
تتمة: مجموع الاعذار التي مرت متنا وشرحا عشرون، وقد نظمتها بقولي:
أعذار ترك جماعة عشرون قد * أودعتها في عقد نظم كالدرر
مرض وإقعاد عمى وزمانة * مطر وطين ثم برد قد أضر
قطع لرجل مع يد أو دونها * فلج وعجز الشيخ قصد للسفر
خوف على مال كذا من ظالم * أو دائن وشهي أكل قد حضر
والريح ليلا ظلمة تمريض ذي * ألم مدافعة لبول أو قذر
ثم اشتغال لا بغير الفقه في * بعض من الأوقات عذر معتبر
قوله: (أو عدم مراعاته) أي لمذهب المقتدي فيما يوجب بطلان الصلاة، على ما سيأتي بيانه.
قوله: (تقديما) أي على من حضر معه. قوله: بل نصبا) أي للامام الراتب. قوله: (بأحكام الصلاة
فقط) أي وإن كان غير متبحث في بقية العلوم، وهو أولى من المتبحر، كذا في زاد الفقير عن شرح
599

الارشاد. قوله: (بشرط اجتنابه الخ) كذا في الدراية عن المجتبى. وعبارة الكافي وغيره: الأعلم
بالسنة أولى، إلا أن يطعن عليه في دينه، لان الناس لا يرغبون في الاقتداء به. قوله: (قدر فرض)
أخذه تبعا للبحر من قول الكافي: قدر ما تجوز به الصلاة، بناء على أن تجوز بمعنى تصح لا بمعنى
تحل قوله: (وقيل واجب) ذكره في البحر بحثا لكن يمكن أخذه من كلام الكافي، لان الجواز
يطلق بمعنى الحل، بل قال الشيخ إسماعيل: ينبغي حمل الجواز المذكور على ما يشمل عدم
الكراهة، وحينئذ فيرجع إلى القول الثالث. قوله: (وقيل سنة) قائله الزيلعي، وهو ظاهر المبسوط
كما في النهر، ومشى عليه في الفتح. قال ط: وهو الأظهر، لان هذا التقديم على سبيل الأولوية،
فالأنسب له مراعاة السنة. قوله: (ثم الأحسن تلاوة وتجويدا) أفاد بذلك أن معنى قولهم أقرأ: أي
أجود، لا أكثرهم حفظا وإن جعله في البحر متبادرا، ومعنى الحسن في التلاوة أن يكون عالما
بكيفية الحروف والوقف وما يتعلق بها. قهستاني ط. قوله: (أي الأكثر اتقاء للشبهات) الشبهة: ما
اشتبه حله وحرمته، ويلزم من الورع التقوى بلا عكس. والزهد: ترك شئ من الحلال خوف الوقوع
في الشبهة، فهو أخص من الورع، وليس في السنة ذكر الورع، بل الهجرة عن الوطن. فلما نسخت
أريد بها هجرة المعاصي بالورع، فلا تجب هجرة إلا على من أسلم في دار الحرب، كما في
المعراج ط. قوله: (أي الأقدم إسلاما) استنبطه صاحب البحر وتبعه في النهر من تعليل البدائع، بأن
من امتد عمره في الاسلام كان أكثر طاعة. أقول: بل الظاهر أن المراد بالأسن الأكبر سنا كما هو في
بعض روايات الحديث فأكبرهم سنا وهو المفهوم من أكثر الكتب فيكون الكلام في المسلم
الأصلي، نعم أخرج الجماعة إلا البخاري فأقدمهم إسلاما وعليه فيكون ذلك سببا آخر للترجيح
فيمن عرض إسلامه، فيقدم شاب نشأ في الاسلام على شيخ أسلم، أما لو كانا مسلمين من الأصل
أو أسلما معا، يقدم الأكبر سنا، لما في الزيلعي من أن الأكبر سنا يكون أخشع قلبا عادة وأعظم
حرمة ورغبة الناس في الاقتداء به أكثر فيكون في تقديمه تكثير الجماعة ا ه‍.
هذا: وما مشى عليه المصنف من تقديم الأورع على الاسن هو المذكور في المتون وكثير من
الكتب، وعكس في المحيط. قوله: (عن الزاد) أي زاد الفقير لا بالهمام. قوله: (بالضم) أي ضم
الخاء، أما بفتحها فهو المراد بما بعده. قوله: (أكثرهم تهجدا) تفسير بالملزوم فإنه يلزم من كثرة
التهجد حسن الوجه، لحديث من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار وإن كان ضعيفا عند
المحدثين. قال في البدائع: لا حاجة إلى هذا التكلف، بل يبقى على ظاهره، لان صباحة الوجه
سبب لكثرة الجماعة كما في البحر ح. قوله: (زاد في الزاد الخ) أقول: ليس فيه زيادة. ونص عبارة
الزاد بعد الخلق هكذا: فإن تساووا فأصبحهم وجها، وقيده في الكافي بمن يصلي بالليل، فإن
تساووا فأشرفهم نسبا الخ. قوله: (أي أسمحهم وجها) عبارة عن بشاشته في وجه من يلقاه وابتسامة
600

له، وهذا يغاير الحسن الذي هو تناسب الأعضاء، أفاده ح. قوله: (ثم أكثرهم حسبا) الظاهر أن
الحسب بالباء الموحدة لا بالنون، وهو الذي كتب عليه ابن عبد الرزاق في شرحه قال في البحر:
وقدم في الفتح الحسب على صباح الوجه ا ه‍. وفي القاموس: الحسب ما تعده من مفاخر آبائك،
أو المال، أو الدين، أو الكرم، أو شرف في الفعل الخ. قوله: (ثم الأحسن زوجة) لأنه غالبا يكون
أحب لها وأعف لعدم تعلقه بغيرها. وهذا مما يعلم بين الأصحاب أو الأرحام أو الجيران، إذ ليس
المراد أن يذكر كل منهم أوصاف زوجته حتى يعلم من هو أحسن زوجة. قوله: (ثم الأكثر مالا) إذ
بكثرته مع ما تقدمن الأوصاف يحصل له القناعة والعفة، فيرغب الناس فيه أكثر. قوله: (ثم الأكبر
رأسا الخ) لأنه يدل على كبر العقل يعني مع مناسبة الأعضاء له، وإلا فلو فحش الرأس كبرا
والأعضاء صغرا كان دلالة على اختلال تركيب مزاجه المستلزم لعدم اعتدال عقله ا ه‍ ح. وفي حاشية
أبي السعود: وقد نقل عن بعضهم في هذا المقام ما لا يليق أن يذكر فضلا عن أن يكتب ا ه‍. وكأنه
يشير إلى ما قيل: إن المراد بالعضو الذكر. قوله: (ثم المقيم على المسافر) وقيل هما سواء. بحر.
وظاهره ولو كان الجماعة مسافرين، فليتأمل، وهذا ما دام الوقت باقيا، وإلا فلا يصح اقتداء المسافر
بالمقيم في الرباعية كما يأتي. قوله: (ثم المتيمم عن حدث على المتيمم عن جنابة) كذا أجاب به
الحلواني كما في التتمة، وجزم به في الفيض وجامع الفتاوى، كذا في الاحكام للشيخ إسماعيل،
ومثله في التاترخانية، ولعل وجهه أن الحدث أخف من الجنابة، لكن في منية المفتي: المتيمم عن
الجنابة أولى بالإمامة من المتيمم عن حدث، ونقله في النهر عنها مقتصرا عليه ولعل وجهه أن
طهارته أقوى، لأنها بمنزلة الغسل لا يبطلها الحدث. قوله: (ومنه) أي من المرجح. قوله:
(والافتاء) الأولى والاستفتاء. قوله: (والدعوى) أي بين يدي القاضي. قوله: (أقرع بينهم) أي إذا
تنازعوا، والظاهر أن هذا على سبيل الأولوية. قوله: (كما في الحرقي والغرقى) التشبيه في أن
التركيب إذا لم يعلم كان كالمعية لا في القرعة أيضا، فإنها لا تتأتى في الحرقي والغرقى ح. قوله:
(معلوم) أي وظيفة من جهة الواقف أو من الطلبة. أفاده ح. قوله: (جاز أن يقدم من شاء) لأنه له أن
لا يقرئهم أصلا. ح. قوله: (وأول من سنه ابن كثير) قال السمهودي في جوهر العقدين: أن
أنصاريا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله، وجاء رجل من ثقيف، فقال النبي صلى
601

الله عليه وسلم: يا أخا ثقيف: إن الأنصاري قد سبقك بالمسألة فاجلس كيما نبدأ بحاجة الأنصاري
قبل حاجتك ا ه‍. فعلم منه أنه سنة النبي (ص) وابن كثير تابع في ذلك، وأنه لا فرق بين من له معلوم
وغيره، نعم يمكن الفرق بين ذي المعلوم وغيره فيما إذا حضرا معا. رحمتي: أي فيقرع لو له معلوم
وإلا يقدم من شاء. تأمل. قوله: (اعتبر أكثرهم) لا يظهر هذا إلا في المنصب، وإلا فكل يصلي
خلف من يختاره ط لكن فيه تكرار الجماعة وقمر ما فيه. قوله: (أساؤوا بلا إثم) قال في
التاترخانية: ولو أن رجلين في الفقه والصلاح سواء إلا أن أحدهما أقرأ فقدم القوم الآخر فقد أساؤوا
وتركوا السنة ولكن لا يأثمون، لأنهم قدموا رجلا صالحا، وكذا الحكم في الامارة والحكومة، أما
الخلافة وهي الإمامة الكبرى فلا يجوز أن يتركوا الأفضل، وعليه إجماع الأمة ا ه‍. فافهم. قوله:
(مطلقا) أي وإن كان غيره من الحاضرين من هو أعلم وأقرأ منه. وفي التاترخانية: جماعة أضياف في
دار يريد أن يتقدم أحدهم ينبغي أن يتقدم المالك، فإن قدم واحدا منهم لعلمه وكبره فهو أفضل،
وإذا تقدم أحدهم جاز، لأن الظاهر أن المالك يأذن لضيفه إكراما له ا ه‍. قوله: (وصرح الحدادي
الخ) أفاد أن هذا غير خاص بالسلطان العام الولاية، ولا بالقاضي الخاص الولاية بالأحكام الشرعية،
بل مثلهما الوالي، وأن الامام الراتب كصاحب البيت في ذلك. قال في الامداد: وأما إذا اجتمعوا
فالسلطان مقدم، ثم الأمير، ثم القاضي، ثم صاحب المنزل ولو مستأجرا، وكذا يقدم القاضي على
إمام المسجد. قوله: (والمستعير والمستأجر أحق) لان الإعارة تمليك المنافع، والمعير وإن كان له
أن يرجع، بخلاف المؤجر، لكنه ما لم يرجع يبقى المستعير أحق، والكلام في ذلك لأنه إذا رجع
لم تبق العارية وخرجت المسألة عن موضوعها، فافهم. قوله: (لما مر) أي من قوله لعموم
ولايتهما ولكنه غير مناسب، لان المراد بعموم الولاية عمومها للناس، وهذان ليسا كذلك: فكان
عليه أن يقول: لان الولاية لهما في هذه الحالة دون المالك ح. قوله: (لحديث الخ) هكذا رواه في
النهر بالمعنى، وعزاه إلى الحلبي صاحب الحلية مع أنه في الحلية ذكره مطولا، ونقله في البحر
عنها. قوله: (والكراهة عليهم) جزم في الحلية بأن الكراهة الأولى تحريمية للحديث، وتردد في
هذه. قوله: (ويكره تنزيها الخ) لقوله في الأصل: إمامة غيرهم أحب إلي. بحر عن المجتبى
والمعراج. ثم قال: فكره لهم التقدم، ويكره الاقتداء بهم تنزيها، فإن أمكن الصلاة خلف غيرهم فهو
أفضل، وإلا فالاقتداء أولى من الانفراد. قوله: (ولو معتقا) يلزمه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه،
فإن المعتق عبد باعتبار ما كان، اللهم إلا أن يكون من قبيل عموم المجاز بأن يراد بالعبد من اتصف
602

بالرق وقتا ما سواء كان في الحال أو فيما مضى ح. قوله: (ولعله) أي ولعل سبب كراهة المعتق ما
قدمناه الخ، فإن تقديم الحر الأصلي مندوب إليه، وتركه مكروه تنزيها، فلذا قال: إذ الكراهة الخ
وفي نسخة: والعلة: أي والعلة في كراهة إمامة المعتق أن الحر الأصلي أولى بالإمامة منه لأنه نشأ
في الرق مشتغلا بخدمة المولى لم يتفرغ للتعلم. رحمتي. قوله: (وأعرابي) نسبة إلى الاعراب لا
واحد له من لفظه، وليس جمعا لعرب كما في الصحاح، لكن في الرضى: الظاهر أنه جمع.
قهستاني. وهو من يسكن البادية عربيا أو عجميا بحر. وخصه في المصباح بأهل البدو من العرب.
قوله: (ومثله الخ) مبني على أن الاعرابي لا يشمل الأعجمي، وإلا فالمناسب ومنه: والعلة في
الكل غلبة الجهل. قوله: (وفاسق) من الفسق: وهو الخروج عن الاستقامة، ولعل المراد به من
يرتكب الكبائر كشارب الخمر، والزاني وآكل الربا ونحو ذلك، كذا في البرجندي إسماعيل. وفي
المعراج قال أصحابنا: لا ينبغي أيقتدى بالفاسق إلا في الجمعة لأنه في غيرها يجد إماما غيره ا ه‍.
قال في الفتح: وعليه فيكره في الجمعة إذا تعددت إقامتها في المصر على قول محمد المفتى به،
لأنه سبيل إلى التحول. قوله: (ونحوه الأعشى) هو سئ البصر ليلا ونهارا. قاموس. وهذا ذكره
في النهر بحثا أخذا من تعليل الأعمى بأنه لا يتوقى النجاسة. قوله: (أي غير الفاسق) تبع في ذلك
صاحب البحر: حيث قال: قيد كراهة إمامة الأعمى في المحيط وغيره بأن لا يكون أفضل القوم،
فإن كان أفضلهم فهو أولى ا ه‍. ثم ذكر أن ينبغي جريان هذا القيد في العبد والأعرابي وولد الزنا،
ونازعه في النهر بأنه في الهداية علل للكراهة بغلبة الجهل فيهم، وبأن في تقديمهم تنفير الجماعة
ومقتضى الثانية ثبوت الكراهة مع انتفاء الجهل، لكن ورد في الأعمى نص خاص هو استخلافه (ص)
لابن أم مكتوم وعتبان على المدينة وكانا أعميين، لأنه لم يبق من الرجال من هو أصلح منهما،
وهذا هو المناسب لاطلاقهم واقتصارهم على استثناء الأعمى ا ه‍.
وحاصله أن قوله إلا أن يكون أعلم القوم خاص بالأعمى، أما غيره فلا تنتفي الكراهة
بعلمه، لكن ما بحثه في البحر صرح به في الاختيار حيث قال: ولو عدمت: أي علة الكراهة بأن
كان الاعرابي أفضل من الحضري، والعبد من الحر وولد الزنا من ولد الرشدة، والأعمى من البصير
فالحكم بالضد ا ه‍. ونحوه في شرح الملتقى للبهنسي وشرح درر البحار، ولعل وجهه أن تنفير
الجماع بتقديمه يزول إذا كان أفضل من غيره، بل التنفير يكون في تقديم غيره. وأما الفاسق فقد
عللوا كراهة تقديمه بأنه يهتم لأمر دينه، وبأن في تقديمه للإمامة تعظيمه، وقد وجب عليهم إهانته
شرعا، ولا يخفى أنه إذا كان أعلم من غيره لا تزول العلة، فإنه لا يؤمن أن يصلي بهم بغير طهارة،
فهو كالمبتدع تكره إمامته بكل حال، بل مشى في شرح المنية على أن كراهة تقديمه كراهة تحريم لما
ذكرنا، قال: ولذا لم تجز الصلاة خلفه أصلا عند مالك ورواية عن أحمد، فلذا حاول الشارح في
عبارة المصنف وحمل الاستثناء على غير الفاسق، والله أعلم.
مطلب: البدعة خمسة أقسام
قوله: (أي صاحب بدعة) أي محرمة، وإلا فقد تكون واجبة، كنصب الأدلة للرد على أهل
603

الفرق الضالة، وتعلم النحو المفهم للكتاب والسنة، ومندوبة كإحداث نحو رباط ومدرسة وكل
إحسان لم يكن في الصدر الأول، ومكروهة كزخرفة المساجد، ومباحة كالتوسع بلذيذ المآكل
والمشارب والثياب كما في شرح الجامع الصغير للمناوي عن تهذيب النووي، وبمثله في الطريقة
المحمدية للبركلي. قوله: (قوله وهي اعتقاد الخ) عزا هذا التعريف في هامش الخزائن إلى الحافظ ابن
حجر في شرح النخبة، ولا يخفى أن الاعتقاد يشمل ما كان معه عمل أو لا، فإن من تدين بعمل لا
بد أن يعتقده، كمسح الشيعة على الرجلين، وإنكارهم المسح على الخفين ونحو ذلك، وحينئذ
فيساوي تعريف الشمني لها بأنها ما أحدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول الله (ص) من علم أو
عمل أوحال بنوع شبهة واستحسان، وجعل دينا قويما وصراطا مستقيما ا ه‍. فافهم قوله: (لا
بمعاندة) أما لو كان معاندا للأدلة القطعية التي لا شبهة له فيها أصلا كإنكار الحشر أو حدوث العالم
ونحو ذلك. فهو كافر قطعا. قوله: (بل بنوع شبهة) أي وإن كانت فاسدة كقول منكر الرؤية بأنه
تعالى لا يرى لجلاله وعظمته، قوله: (وكل من كان من قبلتنا لا يكفر بها) أي بالبدعة المذكورة
المبنية على شبهة، إذ لا خلاف في كفر المخالف في ضروريات الاسلام من حدوث العالم وحشر
الأجساد ونفي العلم بالجزئيات، وإن كان من أهل القبلة المواظب طول عمره على الطاعات كما في
شرح التحرير. قوله: (حتى الخوارج) أراد بهم من خرج عن معتقد أهل الحق لا خصوص الفرقة
الذين خرجوا على الإمام علي رضي الله تعالى عنه وكفروه، فيشمل المعتزلة والشيعة وغيرهم.
قوله: (وسب الرسول) هكذا في غالب النسخ، ورأيته كذلك في الخزائن بخط الشارح، وفيه أن
ساب الرسول (ص) كافر قطعا، فالصواب وسب أصحاب الرسول، وقيدهم المحشي بغير الشيخين لما
سيأتي في باب المرتد أن سابهما أو أحدهما كافر.
أقول: ما سيأتي محمول على سبهما بلا شبهة، لما صرح به في شرح المنية من أن سابهما أو
منكر خلافتهما إذا بناه على شبهة له لا يكفر وإن كان قوله كفرا في حد ذاته، لأنهم ينكرون حجية
الاجماع باتهامهم الصحابة، فكان شبهة في الجملة وإن كانت باطلة، بخلاف من ادعى أن عليا إله
وأن جبريل غلط، لأنه ليس عن شبهة واستفراغ وسع في الاجتهاد، بل محض هوى، وتمامه فيه
فراجعه. وقد أوضحت هذا المقام في كتابي تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام
أو أحد أصحابه الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام. قوله: (لكونه عن تأويل الخ) علة لقوله لا
يكفر بها قال المحقق ابن الهمام في أواخر التحرير: وجهل المبتدع كالمعتزلة ما نعي ثبوت
الصفات زائدة وعذاب القبر والشفاعة وخروج مرتكب الكبيرة والرؤية لا يصلح عذرا، لوضوح
الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة، لكن لا يكفر، إذ تمسكه بالقرآن أو الحديث أو العقل، وللنهي
عن تكفير أهل القبلة والاجماع على قبول شهادتهم، ولا شهادة لكافر على مسلم، وعدمه في
الخطابية ليس لكفرهم: أي بل لتدينهم شهادة الزور لمن كان على رأيهم أو حلف أنه محق.
وأورد أن استباحة المعصية كفر. وأجيب إذا كان عن مكابرة وعدم دليل، بخلاف ما عن دليل
شرعي، والمبتدع مخطئ في تمسكه لا مكابر، والله أعلم بسرائر عباده ا ه‍. قوله: (ومنا من كفرهم)
604

أي منا معشر أهل السنة والجماعة من كفر الخوارج: أي أصحاب البدع، أو المراد منا معشر
الحنفية. وأفاد أن المعتمد عندنا خلافه، فقد نقل في البحر عن الخلاصة فروعا تدل على كفر
بعضهم. ثم قال: والحاصل أن المذهب عدم تكفير أحد من المخالفين فيما ليس من الأصول
المعلومة من الدين ضرورة الخ، فافهم. قوله: (كقوله جسم كالأجسام) وكذا لو لم يقل كالأجسام،
وأما لو قال لا كالأجسام فلا يكفر، لأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم الموهم للنقص فرفعه
بقوله لا كالأجسام، فلم يبق إلا مجرد الاطلاق وذلك معصية، وتمامه في البحر. قوله: (وإنكاره
صحبة الصديق) لما فيه من تكذيب قوله تعالى: * (إذ يقول لصاحبه) * ح. وفي الفتح عن
الخلاصة: ومن أنكر خلافة الصديق أو عمر فهو كافر ا ه‍. ولعل المراد إنكار استحقاقهما، فهو مخالف
لاجماع الصحابة لا إنكار وجودها لهما. بحر. وينبغي تقييد الكفر بإنكار الخلافة بما إذا لم يكن عن
شبهة كما مر عن شرح المنية، بخلاف إنكار صحبة الصديق تأمل. قوله: (أصلا) تأكيد، وليس المراد
به في حال كذا ولا في حالة كذا، إذ ليس هنا أحوال ح. قوله: (وولد الزنا) إذ ليس له أب يربيه
ويؤدبه ويعلمه فيغلب عليه الجهل. بحر. أو لنفرة الناس عنه. قوله: (هذا) أي ما ذكر من كراهة إمامة
المذكورين. قوله: (إن وجد غيرهم أي من هو أحق بالإمامة منهم. قوله: (بحر بحثا) قد علمت أنه
موافق للمنقول عن الاختيار وغيره. قوله: (نال فضل الجماعة) أفاد أن الصلاة خلفهما أولى من
الانفراد، لكن لا ينال كما ينال خلف تقي ورع، لحديث من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى
خلف نبي قال في الحلية: ولم يجده المخرجون: نعم أخرج الحاكم في مستدركه مرفوعا إن
سركم أن يقبل الله صلاتكم فليؤمكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم ا ه‍.
مطلب في إمامة الأمرد
قوله: (وكذا تكره خلف أمر د) الظاهر أنها تنزيهية أيضا. والظاهر أيضا كما قال الرحمتي إن
المراد به الصبيح الوجه لأنه محل الفتنة، وهل يقال هنا أيضا: إذا كان أعلم القوم تنتفي الكراهة؟ فإن
كانت علة الكراهة؟ فإن كانت علة الكراهة خشية الشهوة وهو الأظهر، فلا، وإن كانت غلبة الجهل أو نفرة الناس من الصلاة
خلفه، فنعم، فتأمل. والظاهر أن ذا العذار الصبيح المشتهى كالأمرد، تأمل.
هذا، وفي حاشية المدني عن الفتاوى العفيفية: سئل العلامة الشيخ عبد الرحمن بن عيسى
المرشدي عن شخص بلغ من السن عشرين سنة وتجاوز حد الانبات ولم ينبت عذاره، فهل يخرج
بذلك عن حد الامردية خصوصا قد نبت له شعرات في ذقنه تؤذن بأنه ليس من مستديري اللحى،
فهل حكمه في الإمامة كالرجال الكاملين أم لا؟ أجاب: سئل العلامة الشيخ أحمد بن يونس المعروف
بابن الشلبي من متأخرين علماء الحنفية عن هذه المسألة. فأجاب بالجواز من غير كراهة، وناهيك به
قدوة، والله أعلم. وكذلك سئل عنها المفتي محمد تاج الدين القلعي فأجاب كذلك ا ه‍. قوله:
605

(وسفيه) هو الذي لا يحسن التصرف على مقتضى الشرع أو العقل كما سيذكره في الحجر ط. قوله:
(ومفلوج وأبرص شاع برصه) وكذلك أعرج يقوم ببعض قدمه، فالاقتداء بغيره أولى. تاترخانية.
وكذا أجذم. بيرجندي. ومجبوب وحاقن، ومن له يد واحدة. فتاوى الصوفية عن التحفة، والظاهر
أن العلة النفرة، ولذا قيد الأبرص بالشيوع ليكون ظاهرا، ولعدم إمكان إكمال الطهارة أيضا في
المفلوج والاقطع والمجبوب، ولكراهة صلاة الحاقن: أي ببول ونحوه. قوله: (وشارب الخمر إلى
قوله ومتصنع) تكرار من قول المتن فاسق ح.
والنمام: من ينقل الكلام بين الناس على جهة الافساد، وهي من الكبائر، ويحرم على الانسان
قبولها. والمرائي: من يقصد أن يراه الناس، سواء تكلف تحسين الطاعات أو لا. والمتصنع: من
يتكلف تحسينها فهو أخص مما قبله ط. قوله: (ومن أم بأجرة) بأن استؤجر ليصلي إماما سنة أو شهرا
بكذا، وليس منه ما شرطه الواقف عليه فإنه صدقة ومعونة له. رحمتي: أي يشبه الصدقة، ويشبه
الأجرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الوقف. على أن المفتى به مذهب المتأخرين من جواز
الاستئجار على تعليم القرآن والإمامة الاذان للضرورة، بخلاف الاستئجار على التلاوة المجردة
وبقية الطاعات مما لا ضرورة إليه فإنه لا يجوز أصلا كما سنحققه في كتاب الإجارة إن شاء الله
تعالى، فافهم. قوله: (لكن في وتر البحر الخ) هذا هو المعتمد، لان المحققين جنحوا إليه،
وقواعد المذهب شاهدة عليه، وقال كثير من المشايخ: إن كان عادته مراعاة مواضع الخلاف جاز
وإلا فلا، ذكره السندي المتقدم ذكره ح.
قلت: وهذا بناء على أن العبرة لرأي المقتدي وهو الأصح، وقيل لرأي الامام وعليه جماعة.
قال في النهاية: وهو أقيس، وعليه فيصح الاقتداء وإن كان لا يحتاط كما يأتي في الوتر. قوله: (إن
تيقن المراعاة لم يكره الخ) أي المراعاة في الفرائض من شروط وأركان في تلك الصلاة وإن لم
يراع في الواجبات والسنن كما هو ظاهر سياق كلام البحر.
مطلب في الاقتداء بشافعي ونحوه هل يكره أم لا؟
وظاهر كلام شرح المنية أيضا حيث قال: وأما الاقتداء بالمخالف في الفروع كالشافعي فيجوز
ما لم يعلم منه ما يفسد الصلاة على اعتقاد المقتدي عليه الاجماع، إنما اختلف في الكراهة ا ه‍. فقيد
بالمفسد دون غيره كما ترى. وفي رسالة (الاهتداء في الاقتداء) لمله علي القاري: ذهب عامة
مشايخنا إلى الجواز إذا كان يحتاط في موضع الخلاف، وإلا فلا.
والمعنى أنه يجوز في المراعى بلا كراهة وفي غيره معها. ثم المواضع المهمة للمراعاة أن
يتوضأ من الفصد والحجامة والقئ والرعاف ونحو ذلك، لا فيما هو سنة عنده مكروه عندنا، كرفع
اليدين في الانتقالات وجهر البسملة وإخفائها، فهذا وأمثاله لا يمكن فيه الخروج عن عهدة
الخلاف، فكلهم يتبع مذهبه ولا يمنع مشربه اه‍.
وفي حاشية الأشباه للخير الرملي: الذي يميل إليه خاطري القول بعدم الكراهة إذا لم يتحقق
منه مفسد ا ه‍. وبحث المحشي أنه إن علم أنه راعى في الفروض والواجبات والسنن فلا كراهة، وإن
606

علم تركها في الثلاثة لم يصح، وإن لم يدر شيئا كره، لان بعض ما يجب تركه عندنا يسن فعله عنده
فالظاهر أن يفعله وإن علم تركها في الأخيرين فقط ينبغي أن يكره لأنه إذا كره عند احتمال ترك
الواجب فعند تحققه بالأولى، وإن علم تركها في الثالث فقط ينبغي أن يقتدي به، لان الجماعة واجبة
فتقدم على تركه كراهة التنزيه ا ه‍. وسبقه إلى نحو ذلك العلامة البيري في رسالته، حيث ادعى أن
الانفراد أفضل من الاقتداء به قال: إذ لا ريب أنه يأتي في صلاته بما تجب الإعادة به عندنا أو
تستحب، لكن رد عليه ذلك غيره في رسالة أيضا وقد أسمعناك ما يؤيد الرد، نعم نقل الشيخ
خير الدين عن الرملي الشافعي أنه مشى على كراهة الاقتداء بالمخالف حيث أمكنه غيره، ومع ذلك
هي أفضل من الانفراد، ويحصل له فضل الجماعة، وبه أفتى الرملي الكبير، واعتمده السبكي
والأسنوي وغيرهما
قال الشيخ خير الدين: والحاصل أن عندهم في ذلك اختلافا، وكل ما كان لهم علة في
الاقتداء بنا صحة وفسادا وأفضلية كان لنا مثله عليهم، وقد سمعت ما اعتمده الرملي وأفتى به،
والفقير أقول مثل قوله فيما يتعلق باقتداء الحنفي بالشافعي، والفقيه المنصف يسلم ذلك، شعر:
وأنا رملي فقه الحنفي * لا مرا بعد اتفاق العالمين. ا ه‍ ملخصا.
أي لا جدال بعد اتفاق عالمي المذهبين وهما رملي الحنفية: يعني به نفسه، ورملي الشافعية
رحمهما الله تعالى، فتحصل أن الاقتداء بالمخالف المراعى في الفرائض أفضل من الانفراد إذا لم يجد
غيره، وإلا فالاقتداء بالموافق أفضل.
مطلب: إذا صلى الشافعي قبل الحنفي هل الأفضل الصلاة مع الشافعي أم لا؟
بقي ما إذا تعددت الجماعات في المسجد وسبقت جماعة الشافعية مع حضور نقل ط عن رسالة
لابن نجيم أن الأفضل الاقتداء بالشافعي، بل يكره التأخير، لان تكرار الجماعة في مسجد واحد
مكروه عندنا على المعتمد، إلا إذا كانت الجماعة الأولى غير أهل ذلك المسجد، أو أديت الجماعة
على وجه مكروه، لأنه لا يخلو الحنفي حالة صلاة الشافعي، إما أن يشتغل بالرواتب لينتظر الحنفي
وذلك منهي عنه، لقوله (ص) إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وإما أن يجلس وهو مكروه
أيضا لاعراضه عن الجماعة من غير كراهة في جماعتهم عن المختار ا ه‍. ونحوه في حاشية المدني
عن الشيخ والده الشيخ محمد أكرم وخاتمة المحققين السيد محمد أمين ميوباد شاه والشيخ إسماعيل
الشرواني، فإنهم رجحوا أن الصلاة مع أول جماعة أفضل. قال: وقال الشيخ عبد الله العفيف في
فتاواه العفيفية عن الشيخ عبد الرحمن المرشدي: وقد كان شيخنا شيخ الاسلام مفتي بلد الله الحرام
الشيخ علي بن جار الله بن ظهيرة الحنفي لا يزال يصلي مع الشافعية عند تقدم جماعتهم، وكنت
أقتدي به في الاقتداء بهم ا ه‍. وخالفهم العلامة الشيخ إبراهيم البيري بناء على كراهة الاقتداء بهم
لعدم مراعاتهم في الواجبات والسنن، وأن الانفراد أفضل لو لم يدرك إمام مذهبه. وخالفهم أيضا
العلامة الشيخ رحمة الله السندي تلميذ ابن الهمام فقال: الاحتياط في عدم الاقتداء به ولو مراعيا،
وكذا العلامة الملة علي القاري فقال بعد ما قدمناه عنه من عدم كراهة الاقتداء بهم: ولو كان لكل
مذهب إمام كما في زماننا فالأفضل الاقتداء بالموافق، سواء تقدم أو تأخر على ما استحسنه عامة
607

المسلمين وعلم به جمهور المؤمنين من أهل الحرمين والقدس ومصر والشام، ولا عبرة بمن شذ
منهم ا ه‍.
والذي يميل إليه القلب عدم كراهة الاقتداء بالمخالف ما لم يكن غير مراع في الفرائض،
لان كثيرا من الصحابة والتابعين كانوا أئمة مجتهدين وهم يصلون خلف إمام واحد مع تباين
مذاهبهم، وأنه لو انتظر إمام مذهبه بعيدا عن الصفوف لم يكن إعراضا عن الجماعة للعلم بأنه
يريد جماعة أكمل من هذه الجماعة. وأما كراهة تعدد الجماعة في مسجد واحد فقد ذكرنا الكلام
عليها أول الباب، والله أعلم بالصواب. قوله: (تحريما) أخذه في البحر من الامر بالتخفيف في
الحديث الآتي قال: وهو للوجوب إلا لصارف ولادخال الضرر على الغير ا ه‍. وجزم به في
النهر. قوله: (زائدا على قدر السنة) عزاه في البحر إلى السراج والمضمرات. قال: وذكره في
الفتح بحثا لا كما يتوهمه بعض أئمة فيقرأ يسيرا في الفجر كغيرها ا ه‍. قوله: (لاطلاق الامر
بالتخفيف) وهو ما في الصحيحين إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف
والسقيم والكبير، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء وقد تبع الشارح في ذلك صاحب البحر.
واعترضه الشيخ إسماعيل بأن تعليل الامر بما ذكر يفيد عدم الكراهة إذا رضي القوم، أي إذا كانوا
محصورين. ويمكن حمل كلام البحر على غير المحصورين. تأمل. قوله: (وفي الشرنبلالية الخ)
مقابل لقوله زائدا على قدر السنة.
وحاصله أنه يقرأ بقدر حال القوم مطلقا: أي ولو دون القدر المسنون، وفيه نظر. أما أولا
فلانه مخالف للمنقول عن السراج والمضمرات كما مر، وأما ثانيا فلان القدر المسنون لا يزيد على
صلاة أضعفهم لأنه كان يفعله (ص) مع علمه بأنه يقتدي به الضعيف والسقيم ولا يتركه إلا وقت
الضرورة، وأما ثالثا فلان قراءة معاذ لما شكاه قومه إلى النبي (ص) وقال: أفتان أنت يا معاذ إنما
كانت زائدة على القدر المسنون. قال الكمال في الفتح: وقد بحثنا أن التطويل هو الزيادة على
القراءة المسنونة، فإنه (ص) نهى عنه وقراءته هي المسنونة، فلا بد من كون ما نهى عنه غير ما كان دأبه
إلا لضرورة، وقراءة معاذ لما قال له (ص) ما قال كانت بالبقرة على ما في مسلم أن معاذا افتتح
بالبقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف، وقوله (ص) إذا أممت بالناس فاقرأ * (والشمس
وضحاها) * (الشمس: 1) * (وسبح اسم ربك الاعلى) * (الاعلى: 1) * (واقرأ باسم ربك) * (القلم: 1) * (والليل إذا
يغشى) * (الليل: 1) لأنها كانت العشاء، وإن قوم معاذ كان العذر متحققا فيهم لا كسل منهم، فأمر فيهم
بذلك لذلك، كما ذكر أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بالمعوذتين في الفجر، فلما فرغ قالوا له:
أوجزت، قال: سمعت بكاء صبي فخشيت أن تفتن أمه ا ه‍ ملخصا.
فقد ظهر من كلامه أنه لا ينقص عن المسنون إلا لضرورة كقراءته بالمعوذتين لبكاء الصبي،
وظهر من حديث معاذ أنه لا ينقص عن المسنون لضعف الجماعة، لأنه لم يعين له دون المسنون في
608

صلاة العشاء، بل نهاه عن الزيادة عليه مع تحقق العذر في قومه، فما استظهره الشرنبلالي من
الحديث وحمل عليه كلام الكمال غير ظاهر نعم ذكر في البحر في باب الوتر والنوافل عند الكلام
على التراويح معزيا إلى المجتبى أن الحسن روى عن الامام أنه إذا قرأ في المكتوبة بعد الفاتحة ثلاث
آيات فقد أحسن ولم يسئ ا ه‍. لكنه لا ينافي ما قلنا لأنه أحسن بقراءة القدر الواجب ولم يسئ:
أي لم يصل إلى كراهة شديدة فتأمل. قوله: (ويكره تحريما) صرح به في الفتح والبحر قوله: (ولو
في التراويح) أفاد أن الكراهة في كل ما تشرع فيه جماعة الرجال فرضا أو نفلا. قوله: (لأنها لم تشرع
مكررة الخ) قال في الفتح: واعلم أن جماعتهن لا تكره في صلاة الجنازة لأنها فريضة وترك التقدم
مكروه، فدار الامر بين فعل المكروه لفعل الفرض أو ترك الفرض لتركه فوجب الأول، بخلاف
جماعة في غيرها ولو صلين فرادى فقد تسبق إحداهن فتكون صلاة الباقيات نفلا والتنفل بها
مكروه، فيكون فراغ تلك موجبا لفساد الفرضية لصلاة الباقيات كتقييد الخامسة بالسجدة لمن ترك
القعدة الأخيرة اه‍. ومثله في البحر وغيره. ومفاده أن جماعتهن في صلاة الجنازة واجبة حيث لم
يكن غيرهن، ولعل وجهه الاحتراز عن فساد فرضية صلاة الباقيات إذا سبقت إحداهن. وفيه أن
الرجال لو صلوا منفردين يلزم فيها مثل ذلك، فيلزم عليه وجوب جماعتهم فيها مع أن المصرح به أن
الجماعة فيها غير واجبة فتأمل. قول: (لا تعاد) لأنها لو أعيدت لوقعت نفلا مكروها ط. قوله:
(بصلاتها) قيد به، لان الرجال لم تنعقد صلاتهم ح. قوله: (إلا إذا استخلفها) استثناء من قوله لا
تعاد وهذا ليس خاصا بالجنازة بل غيرها مثلها. قوله: (فتفسد صلاة الكل) أما الرجال والامام
فلعدم صحة اقتداء الرجال بالمرأة، وأما النساء والمقدمة فلأنهن دخلن في تحريمة كاملة، فإذا انتقلن
إلى تحريمة ناقصة لم يجز، كأنهن انتقلن من فرض إلى فرض آخر كما في البحر ح. وظاهر التعليل
يقتضي الفساد ولو كن نساء خلصا، أفاده أبو السعود ط، والأظهر التعليل بأن الامام يصير مقتديا
بخليفته فتفسد صلاة من خلفه، بل باستخلافه من لا يصح للإمامة تفسد صلاته، فكذا من خلفه.
رحمتي. قوله: (تقف الامام) بالمثناة الفوقية، لان فاعله الامام هو هنا مؤنث حقيقي ا ه‍. وقال منلا
علي القاري: يجوز التذكير لأنه مصدر بمعنى المفعول: أي المقتدى به أ ه‍. وفي النهر: هو من
يؤتم به ذكرا كان أو أنثى. وفي بعض النسخ الإمامة، وترك الهاء هو الصواب لأنه اسم لا وصف
ا ه‍. قوله: (وسطهن) في المغرب: الوسط بالتحريك اسم لعين ما بين طرفي الشئ كمركز الدائرة،
وبالسكون اسم مبهم لداخل الدائرة، ولذا كان ظرفا، والأول يجعل مبتدأ وفاعلا ومفعولا به
الخ. وفي ضياء الحلوم: الوسط بالسكون ظرف مكان، وبالفتح اسم تقول وسط رأسه دهن
بالسكون وفتح الطاء فهذا ظرف، وإذا فتحت السين رفعت الطاء وقلت وسط رأسه دهن، فهذا اسم ا ه‍.
قلت: وعليه فيجوز هنا الفتح والسكون، لأنها إذا وقفت في نصف الصف صدق أنها في
الوسط بالسكون وأنها عين الوسط بالتحريك، ويكون نصبه في الأول على الظرفية، وفي الثاني على
الحالية لأنه بمعنى متوسطة فافهم. قوله: (فلو تقدمت) أثمت. أفاد أن وقوفها وسطهن واجب كما
609

صرح به في الفتح، وأن الصلاة صحيحة، وأنها إذا توسطت لا تزول الكراهة، وإنما أرشدوا إلى
التوسط لأنه أقل كراهية من التقدم كما في السراج. بحر. قوله: (فيتقدمهن) إذ لو صلى وسطهن
فسدت صلاته بمحاذاتهن له على تقدير ذكورته ح: أي وتفسد صلاتهن أيضا. قوله: (فيتوسطهم
الخ) أشار به إلى أن التشبيه بين العراة والنساء ليس من كل وجه بل في الانفراد وقيام الامام في
الوسط، وإلا فالعراة يصلون قعودا وهو أفضل، والنساء قائمات كما في البحر. قوله: (ولو عجوزا
ليلا) بيان للاطلاق: أي شابة أو عجوزا نهارا أو ليلا. قوله: (على المذهب المفتى به) أي مذهب
المتأخرين. قال في البحر: وقد يقال هذه الفتوى التي اعتمدها المتأخرون مخالفة لمذهب الامام
وصاحبيه، فإنهم نقلوا أن الشابة تمنع مطلقا اتفاقا. وأما العجوز فلها حضور الجماعة عند الامام إلا
في الظهر والعصر والجمعة: أي وعندهما مطلقا، فالافتاء بمنع العجائز في الكل مخالف للكل،
فالاعتماد على مذهب الامام ا ه‍. قال في النهر: وفيه نظر، بل هو مأخوذ من قول الإمام: وذلك أنه
إنما منعها لقيام الحامل وهو فرط الشهوة بناء على أن الفسقة لا ينتشرون في المغرب، لأنهم بالطعام
مشغولون وفي الفجر والعشاء نائمون، فإذا فرض انتشارهم في هذه الأوقات لغلبة فسقهم كما في
زماننا بل تحريهم إياها كان المنع فيها أظهر من الظهر ا ه‍. قلت: ولا يخفى ما فيه من التورية اللطيفة،
وقال الشيخ إسماعيل: وهو كلام حسن إلى الغاية. قوله: (واستثنى الكمال الخ) أي مما أفتى به
المتأخرون لعدم العلة السابقة فيبقى الحكم فيه على قول الإمام، فافهم. قوله: (ليس معهن رجل
غيره) ظاهره أن الخلوة بالأجنبية لا تنتفي بوجود امرأة أجنبية أخرى وتنتفي بوجود رجل آخر.
تأمل. قوله: (كأخته) من كلام الشارح كما رأته في عدة نسخ، وكذا بخطه في الخزائن حيث كتبه
بالأسود وأفاد أن المراد بالمحرم ما كان من الرحم، لما قالوا من كراهة الخلوة بالأخت رضاعا
والصهرة الشابة. تأمل. قوله: (أو زوجته أو أمته) بالرفع عطفا على رجل أو محرم لا بالجر عطفا
على أخته لما علمت أنه ليس من المتن وحينئذ فلا حاجة إلى دعوى تغلب المحرم، فافهم.
قوله: (في المسجد) لعدم تحقق الخلوة فيه، ولذا لو اجتمع بزوجته فيه لا يعد خلوة كما يأتي.
رحمتي. قوله: (أما الواحدة فتتأخر) فلو كان معه رجل أيضا يقيمه عن يمينه والمرأة خلفهما ولو
رجلان يقيمهما خلفه والمرأة خلفهما. بحر. وتأخر الواحدة محله إذا اقتدت برجل لا بامرأة مثلها ط
عن البرجندي. قوله: (على المذهب) خلاف لما مر عن محمد من أنه يجعل أصابعه عند عقب الامام.
بحر. ويأمره الامام بذلك: أي بالوقوف عن يمينه ولو بعد الشروع أشار إليه بيده لحديث ابن
عباس أنه قام عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فأقامه عن يمينه سراج. قوله: (بل بالقدم)
فلو حاذاه بالقدم ووقع سجوده مقدما عليه لكون المقتدي أطول من إمامه لا يضر، ومعنى المحاذاة
بالقدم: المحاذاة بعقبه، فلا يضر تقدم أصابع المقتدي على الامام حيث حاذاه بالعقب ما لم يفحش
610

التفاوت بين القدمين، حتى لو فحش بحيث تقدم أكثر قدم المقتدي لعظم قدمه لا يصح كما أشار
إليه بقوله ما لم يتقدم الخ قال في البحر: وأشار المصنف إلى أن العبرة إنما هو للقدم لا
للرأس، فلو كان الامام أقصر من المقتدي يقع رأس المقتدي قدام الامام يجوز بعد أن يكون محاذيا
بقدمه أو متأخرا قليلا، وكذا في محاذاة المرأة كما سيأتي، وإن تفاوتت الاقدام صغرا وكبرا فالعبرة
للساق والكعب، والأصح ما لم يتقدم أكثر قدم المقتدي لا تفسد صلاته كما في المجتبى انتهى.
فما ذكره الشارح ليس مخالفا لما تقدم كما توهم. رحمتي، فافهم. وفي القهستاني: هذا في غير
المومي، والعبرة في المومي للرأس حتى لو كان رأسه خلف إمامه ورجلاه قدام رجليه صح، وعلى
العكس لا يصح كما في الزاهدي وغيره، انتهى.
أقول: وينبغي أن لا يكون قوله رأسه خلف إمامه قيدا، بل كذلك إذا ساواه على قياس ما
تقدم. وينبغي أيضا أن يكون هذا في المومي المقتدي بصحيح أو بيؤم مثله وكان كل منهما قاعدا أو
مستلقيا ورجلاه إلى القبلة، أما لو على جنبه فيشترط كون المؤتم مضطجعا خلف ظهر إمامه، ولا
عبرة للرأس أصلا.
تنبيه: إفراد القدم في كلام الشارح كغيره يفيد أن المحاذاة تعتبر بواحدة، ولم أره صريحا،
والظاهر أنه لو كان معتمدا على قدم واحدة فالعبرة لها، ولو على القدمين: فإن كانت إحداهما
محاذية، والأخرى متأخرة، فلا كلام في الصحة، وإن كانت الأخرى متقدمة فهل يصح نظرا للمحاذية
أو لا نظرا للمتقدمة؟ محل نظر. والظاهر الثاني ترجيحا للحاظر على المبيح، كما قالوا فيما لو كانت
إحدى قوائم الصيد في الحل والأخرى في الحرم، وقد رأيت فيه في كتب الشافعية اختلاف
ترجيح.
فرع: قال في منية المفتي اقتدى على سطح وقام بحذاء رأس الامام: ذكر الحلواني أنه لا
يجوز، والسرخسي يجوز.
مطلب: هل الإساءة دون الكراهة أو أفحش منها؟
قوله: (كره اتفاقا) الظاهر أن الكراهة تنزيهية لتعليلها في الهداية وغيرها بمخالفة السنة، ولقوله
في الكافي: جاز وأساء، وكذا نقله الزيلعي عن محمد، لكن قدمنا في أول بحث سنن الصلاة
اختلاف عبارتهم في أن الإساءة دون الكراهة أو أفحش منها، ووفقنا بينها بأنها دون كراهة التحريم،
وأفحش من كراهة التنزيه، فراجعه. قوله: (والزائدة خلفه) عدل تبعا للوقاية عن قول الكنز: والاثنان
خلفه، لأنه غير خاص بالاثنين، بل المراد ما زاد على الواحد اثنان فأكثر، نعم يفهم حكم الأكثر
بالأولى. وفي القهستاني: وكيفيته أن يقف أحدهما بحذائه والآخر بيمينه إذا كان الزائد اثنين، ولو
جاء ثالث وقف عن يسار الأول، والرابع عن يمين الثاني والخامس عن يسار الثالث، وهكذا ا ه‍.
وفيه إشارة إلى أن الزائد لو جاء بعد الشروع يقوم خلف الامام ويتأخر المقتدي الأولى، ويأتي تمامه
قريبا. قوله: (كره تنزيها) وفي رواية لا يكره والأولى أصح كما في الامداد. قوله: (وتحريما لو
611

أكثر) أفاد أن تقدم الامام أمام الصف واجب كما أفاده في الهداية والفتح. قوله: (كره إجماعا) أي
للمؤتم، وليس على الامام منها شئ، ويتخلص من الكراهة بالقهقري إلى خلف إن لم يكن
المحل ضيقا على الظاهر، وانظر هذا مع قولهم: لو كان مع الامام واحد على الدكان والباقي دونه
لا يكره، وقد تزول المخالفة بأن تكون الثانية موضوعها إذا كان المؤتم خلفه ط.
أقول: لم أر التصريح بالواحد، وإنما صرحوا بكراهة انفراد الامام على الدكان، ولو كان معه
بعض القوم لا يكره، فيمكن التوفيق بحمل البعض على جماعة من القوم. فلا ينافي ما هنا. وأيضا
قد صرحوا بكراهة قيام الواحد وحده وإن لم يجد فرجة. تأمل.
تتمة: إذا اقتدى بإمام فجاء آخر يتقدم الامام موضع سجوده، كذا في مختارات النوازل وفي
القهستاني عن الجلابي أن المقتدي يتأخر عن اليمين إلى خلف إذا جاء آخر ا ه‍. وفي الفتح: ولو
اقتدى واحد بآخر فجاء ثالث يجذب المقتدي بعد التكبير، ولو جذبه قبل التكبير لا يضره، وقيل
يتقدم الامام ا ه‍. ومقتضاه أن الثالث يقتدي متأخرا، ومقتضى القول بتقدم الامام أنه يقوم بجنب
المقتدي الأول، والذي يظهر أنه ينبغي للمقتدي التأخر إذا جاء ثالث، فإن تأخر وإلا جذبه الثالث إن
لم يخش إفساد صلاته، فإن اقتدى عن يسار الامام يشير إليهما بالتأخر، وهو أولى من تقدمه لأنه
متبوع، ولان الاصطفاف خلف الامام من فعل المقتدين لا الامام، فالأولى ثباته في مكانه وتأخر
المقتدي، ويؤيده ما في الفتح عن صحيح مسلم قال جابر سرت مع النبي صلى الله عليه وسلم
في غزوة، فقام يصلي، فجئت حتى قمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه، فجاء ابن صخر
حتى قام عن يساره، فأخذ بيديه جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه ا ه‍. وهذا كله عند الامكان، وإلا
تعين الممكن. والظاهر أيضا أن هذا لم يكن في القعدة الأخيرة وإلا اقتدى الثالث عن يسار الامام
ولا تقدم ولا تأخر. قوله: (الخلل) هو انفراج ما بين الشيئين. قاموس. وهو على وزن جبل ط.
قوله: (ويقف وسطا) قال في المعراج: وفي مبسوط بكر: السنة أن يقوم في المحراب ليعتدل
الطرفان، ولو قام في أحد جانبي الصف يكره، ولو كان المسجد الصيفي بجنب الشتوي وامتلأ
المسجد يقوم الامام في جانب الحائط ليستوي القوم من جانبيه، والأصح ما روي عن أبي حنيفة أنه
قال: أكره أن يقوم بين الساريتين أو في زاوية أو في ناحية المسجد أو إلى سارية لأنه خلاف عمل
الأمة. قال عليه الصلاة والسلام توسطوا الامام وسدوا الخلل ومتى استوى جانباه يقوم عن
يمين الامام إن أمكنه وإن وجد في الصف فرجة سدها وإلا انتظر حتى يجئ آخر فيقفان خلفه، وإن
لم يجئ حتى ركع الامام يختار أعلم الناس بهذه المسألة فيجذبه ويقفان خلفه، ولو لم يجد عالما
يقف خلف الصف بحذاء الامام للضرورة، ولو وقف منفردا بغير عذر تصح صلاته عندنا، خلافا
لأحمد اه‍.
مطلب في كراهة قيام الامام في غير المحراب
تنبيه: يفهم من قوله: أو إلى سارية، كراهة قيام الامام في غير المحراب، ويؤيده قوله قبله:
السنة أن يقوم في المحراب، وكذا قوله في موضع آخر: السنة أن يقوم الامام إزاء وسط الصف، ألا
612

ترى أن المحاريب ما نصبت إلا وسط المساجد وهي قد عينت لمقام الامام ا ه‍. والظاهر أن هذا في
الامام الراتب لجماعة كثيرة لئلا يلزم عدم قيامه في الوسط، فلو لم يلزم ذلك لا يكره. تأمل.
فرع: ذكر في البدائع في بحث الصلاة في الكعبة أن الأفضل للامام أن يقف في مقام
إبراهيم. قوله: (وخير صفوف الرجال أولها) لأنه روي في الاخبار أن الله تعالى إذا أنزل الرحمة على
الجماعة ينزلها أولا على الامام، ثم تتجاوز عنه إلى من بحذائه في الصف الأول، ثم إلى الميامن،
ثم إلى المياسر، ثم إلى الصف الثاني وتمامه في البحر.
تنبيه: قال في المعراج: الأفضل أن يقف في الصف الآخر إذا خاف إيذاء أحد، قال عليه
الصلاة والسلام: من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذي مسلما أضعف له أجر الصف الأول وبه
أخذ أبو حنيفة ومحمد، وفي كراهة ترك الصف الأول مع إمكانه خلاف ا ه‍: أي لو تركه مع عدم
خوف الايذاء، وهذا لو قبل الشروع، فلو شرعوا وفي الصف الأول فرجة له خرق الصفوف كما
سيأتي قريبا.
مطلب في جواز الايثار بالقرب
وفي حاشية الأشباه للحموي عن المضمرات عن النصاب: وإن سبق أحد إلى الصف الأول
فدخل رجل أكبر منه سنا أو أهل علم ينبغي أن يتأخر ويقدمه تعظيما له ا ه‍. فهذا يفيد جواز الايثار
بالقرب بلا كراهة، خلافا للشافعية. وقال في الأشباه: لم أره لأصحابنا: ونقل العلامة البيري فروعا
تدل على عدم الكراهة، ويدل عليه قوله تعالى * (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) *
وما في صحيح مسلم من أنه عليه الصلاة والسلام أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه
أصغر القوم، وهو ابن عباس، وعن يساره أشياخ، فقال عليه الصلاة والسلام للغلام: أتأذن لي في
أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله، فأعطاه الغلام إذ لا ريب أن مقتضى طلب الاذن
مشروعية ذلك بلا كراهة وإن جاز
أقول: وينبغي تقييد المسألة بما إذا عارض تلك أن يكون غير أفضل ا ه‍ القرية ما هو أفضل منها، كاحترام العلم
والأشياخ، كما أفاده الفرع السابق والحديث، فإنهما يدلان على أنه أفضل من القيام في الصف
الأول، ومن إعطاء الاناء لمن له الحق، وهو من على اليمين، فيكون الايثار بالقربة انتقالا من قربة
إلى ما هو أفضل منها وهو الاحترام المذكور. أما لو آثره على مكانه في الصف مثلا من ليس كذلك
يكون أعرض عن القربة بلا داع، وهو خلاف المطلوب شرعا، وينبغي أن يحمل عليه ما في النهر من
قوله: واعلم أن الشافعية ذكروا أن الايثار بالقرب مكروه كما لو كان في الصف الأول، فلما أقيمت
آثر به وقواعدنا لا تأباه ا ه‍.
مطلب في الكلام على الصف الأول
تنبيه آخر: قال في البحر في آخر باب الجمعة: تكلموا في الصف الأول، قيل هو خلف
الامام في المقصورة، وقيل ما يلي المقصورة، وبه أخذ الفقيه أبو الليث لأنه يمنع العامة عن
الدخول في المقصورة فلا تتوصل العامة إلى نيل فضيلة الصف الأول ا ه‍.
أقول: والظاهر أن المقصورة في زمانهم اسم البيت فداخل الجدار القبلي من المسجد كان
613

يصلي فيها الامراء الجمعة ويمنعون الناس من دخولها خوفا من العدو، فعلى هذا اختلف في الصف
الأول، هل هو ما يلي الامام من داخلها، أم ما يلي المقصورة من خارجها؟ فأخذ الفقيه بالثاني
توسعة على العامة كي لا تفوتهم الفضيلة، ويعلم منه بالأولى أن مثل مقصورة دمشق التي هي في
وسط المسجد خارج الحائط القبلي يكون الصف ما يلي الامام في داخلها وما اتصل به من طرفيها
خارجا عنها من أول الجدار إلى آخره، فلا ينقطع الصف ببنائها، كما لا ينقطع بالمنبر الذي هو
داخلها فيما يظهر، وصرح به الشافعية، وعليه فلو وقف في الصف الثاني داخلها قبل استكمال
الصف الأول من خارجها يكون مكروها. ويؤخذ من تعريف الصف الأول بما هو خلف الامام: أي
لا خلف مقتد آخر أن من قام في الصف الثاني بحذاء باب المنبر يكون من الصف الأول، لأنه ليس
خلف مقتد آخر، والله تعالى أعلم. قوله: (في غير جنازة) أما فيها فآخرها إظهارا للتواضع لأنهم
شفعاء فهو أحرى بقبول شفاعتهم، ولان المطلوب فيها تعدد الصفوف، فلو فضل الأول امتنعوا عن
التأخر عند قلتهم. رحمتي. قوله: (ثم وثم) أي ثم الصف الثاني أفضل من الثالث، وفي الجنازة ما
يلي الأخير أفضل مما تقدمه، رحمتي. قوله: (كره) لان فيه تركا لاكمال الصفوف. والظاهر أنه لو
صلى فيه المبلغ في مثل يوم الجمعة لأجل أن يصل صوته إلى أطراف المسجد لا يكره. قوله:
(كقيامه في صف الخ) هل الكراهة فيه تنزيهية أو تحريمية، ويرشد إلى الثاني قوله عليه الصلاة
والسلام: ومن قطعه قطعه الله ط.
بقي ما إذا رأى الفرجة بعدما أحرم، هل يمشي إليها؟ لم أره صريحا. وظاهر الاطلاق: نعم،
ويفيده مسألة من جذب غيره من الصف كما قدمناه فإنه ينبغي له أن يجيبه لتنتفي الكراهة عن
الجاذب، فمشيه لنفي الكراهة عن نفسه أولى، فتأمل. ثم رأيت في مفسدات الصلاة من الحلية عن
الذخيرة: إن كان في الصف الثاني فرأى فرجة في الأول فمشى إليها لم تفسد صلاته لأنه مأمور
بالمراصة. قال عليه الصلاة والسلام: تراصوا في الصفوف ولو كان في الصف الثالث تفسد ا ه‍:
أي لأنه عمل كثير. وظاهر التعليل بالامر أنه يطلب منه المشي إليها. تأمل.
فائدة: قال في الأشباه: إذا أدرك الامام راكعا فشروعه لتحصيل الركعة في الصف الأخير
أفضل من وصل الصف ا ه‍. أما لو لم يدرك الصف الأخير فلا يقف وحده، بل يمشي إليه إن كان
فيه فرجة، وإن فاتته الركعة كما في آخر شرح المنية معللا بأن ترك المكروه أولى من إدراك
الفضيلة. تأمل، ويشهد له أن أبا بكرة رضي الله عنه ركع دون الصف ثم دب إليه، فقال له (ص):
زادك الله حرصا، ولا تعد. قوله: (وهذا الفعل مفوت الخ) هذا مذهب الشافعية، لان شرط فضيلة
الجماعة عندهم أن تؤدى بلا كراهة، وعندنا ينال التضعيف ويلزمه مقتضى الكراهة أو الحرمة، كما
لو صلاها في أرض مغصوبة. رحمتي ونحوه في ط. قوله: (لتقصيرهم) يفيد أن الكلام فيما إذا
شرعوا، وفي القنية: قام في آخر صف وبين الصفوف مواضع خالية، فللداخل أن يمر بين يديه
614

ليصل الصفوف، لأنه أسقط حرمة نفسه فلا يأثم المار بين يديه، دل على ما في الفردوس عن ابن
عباس عنه (ص) من نظر إلى فرجة في صف فليسدها بنفسه، فإن لم يفعل فمر مار فليتخط على
رقبته فإنه لا حرمة له أي فليتخط المار على رقبة من لم يسد الفرجة ا ه‍. قوله: (ألينكم مناكب
في الصلاة) المعنى: إذا وضع من يريد الدخول في الصف يده على منكب المصلي لان له: ط عن
المناوي. قوله: (كما بسط في البحر) أي نقلا عن فتح القدير حيث قال: ويظن أن فسحه له رياء
بسبب أن يتحرك لأجله، بل ذاك إعانة على إدراك الفضيلة وإقامة لسد الفرجات المأمور بها في
الصف، والأحاديث في هذا شهيرة كثيرة ا ه‍. قوله: (لكن نقل المصنف وغيره الخ) استدراك على
ما استنبطه في البحر والفتح من الحديث بأنه مخالف للمنقول في المسألة. وعبارة المصنف في المنح
بعد أن ذكر: لو جذبه آخر فتأخر الأصح لا تفسد صلاته. وفي القنية: قيل لمصل منفرد تقدم فتقدم
بأمره أو دخل رجل فرجة الصف فتقدم المصلي حتى وسع المكان عليه فسدت صلاته، وينبغي أن
يمكث ساعة ثم يتقدم برأي نفسه، وعلله في شرح القدوري بأنه امتثال لغير أمر الله تعالى.
أقول: ما تقدم من تصحيح صلاة من تأخر ربما يفيد تصحيح عدم الفساد في مسألة القنية،
لأنه مع تأخره بجذبه لا تفسد صلاته، ولم يفصل بين كون ذلك بأمره أم لا، إلا أن يحمل على ما إذا
تأخر لا بأمره فتكون مسألة أخرى، فتأمل ا ه‍ كلام المصنف.
وحاصله أنه لا فرق بين المسألتين إلا أن يدعي حمل الأولى على ما إذا تأخر بمجرد الجذب
بدون أمر، والثانية على ما إذا فسخ له بأمره، فتفسد في الثانية لأنه امتثل أمر المخلوق وهو فعل
مناف للصلاة، بخلاف الأولى. قوله: (فهل ثم فرق) قد علمت من كلام المصنف أنه لو تأخر بدون
أمر فيهما فلا فرق بينهما ويكون التصحيح واردا فيهما، وإن تأخر بالامر في إحداهما فهناك فرق وهو
إجابته أمر المخلوق فيكون موضوع المسألتين مختلفا.
هذا، وقد ذكر الشرنبلالي في شرح الوهبانية ما مر عن القنية وشروح القدوري، ثم رده بأن
امتثاله إنما هو لأمر رسول الله (ص) فلا يضر ا ه‍. لكن لا يخفى أنه تبقى المخالفة بين الفرعين ظاهرة،
وكأن الشارح لم يجزم بصحة الفرق الذي أبداه المصنف، فلذا قال: فليحرر، وجزم في مكروهات
الصلاة وفي مفسداتها بما في القنية تبعا لشرح المنية. وقال ط: لو قيل بالتفصيل بين كونه امتثل أمر
الشارع فلا تفسد وبين كونه امتثل أمر الداخل مراعاة لخاطره من غير نظر لأمر الشارع فتفسد، فكان
حسنا. قوله: (ظاهره يعم العبيد) أشار به إلى أن البلوغ مقدم على الحرية لقوله (ص) ليليني منكم
أولو الأحلام والنهى أي البالغون، خلافا لما نقله ابن أمير حاج حيث قدم الصبيان الأحرار على
العبيد البالغين ا ه‍ ح عن البحر، نعم يقدم البالغ الحر على البالغ العبد، والصبي الحر على الصبي
العبد، والحرة البالغة على الأمة البالغة، والصبية الحرة على الصبية الأمة. بحر. قوله: (فلو واحدا
دخل الصف) ذكره في البحر بحثا،. قال: وكذا لو كان المقتدي رجلا وصبيا يصفهما خلفه لحديث
615

أنس فصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا وهذا بخلاف المرأة الواحدة فإنها تتأخر مطلقا
كالمتعددات للحديث المذكور. قوله: (اثنا عشر) لان المقتدي إما ذكر أو أنثى أو خنثى، وعلى كل
فإما بالغ أو لا، وعلى كل فإما حر أو لا ا ه‍ ح. فيقدم الأحرار البالغون ثم صبيانهم، ثم العبيد
البالغون ثم صبيانهم، ثم الأحرار الخناثى الكبار ثم صغارهم، ثم الأرقاء الخناثى الكبار ثم
صغارهم، ثم الحرائر الكبار ثم صغارهن، ثم الإماء الكبار ثم صغارهن كما في الحلية. قوله:
(لكن لا يلزم الخ) جواب عما نقلناه عن الحلية من جعل الخناثى أربعة صفوف، لان المراد بيان
الصفوف الممكنة على الترتيب المذكور في المتن وإن لم يصح كلها، لما في الامداد من أنه لا
تصح محاذاة الخنثى مثله، ولا تأخره عنه لاحتمال أنوثة المتقدم وأحد المتحاذيين، ثم قال: فيشترط
أن تكون الخناثى صفا واحدا بين كل اثنين فرجة أحائل ليمنع المحاذاة، وهذا مما من الله بالتنبيه
له ا ه‍. فما ذكره الشارح جواب لا اعتراض، فافهم، وقد ظهر أن الصفوف الصحيحة تسعة، لكن
ذكر ج أنه سيأتي اشتراط التكليف في إفساد صلاة من حاذته امرأة، والخنثى كالمرأة في الامداد،
والتقدم في حكم المحاذاة بل هو من أفرادها كما في البحر، حينئذ فلا يشترط جعل الخناثى صفا
واحدا، إلا إذا كانوا بالغين فيجعلهم صفا واحدا، الأحرار والعبيد سواء بشرط الفرجة أو الحائل.
أما الصبيان منهم فيجعل أحرارهم صفا آخر ثم أرقاءهم صفا ثالثا ترجيحا للحرية، لانعدام الفساد
بمحاذاة بعضهم لبعض أو بالتقدم، بخلاف البالغين منهم، وعليه فتكون الصفوف أحد عشر، هذا
حاصل ما ذكره المحشي، فافهم.
أقول: وقد صرح في القنية بأن اقتداء الخنثى بمثله في روايتان، وأن رواية الجواز استحسان
لا قياس ا ه‍. ويلزم من رواية الجواز أنه لا تفسد صلاته بمحاذاته لمثله ولا بتقدمه بالغا أو
غيره، وعلى هذا فلا حاجة إلى ما مر عن الامداد، نعم جزم الشارح فيما سيأتي للبحر برواية
عدم الجواز، فتأمل. قوله: (وخصه الزيلعي الخ) حيث قال: المعتبر في المحاذاة الساق والكعب
في الأصح، وبعضهم اعتبر القدم ا ه‍. فعلى قول البعض لو تأخرت عن الرجل ببعض القدم تفسد
وإن كان ساقها وكعبها متأخرا عن ساقه وكعبه، وعلى الأصح لا تفسد وإن كان بعض قدمها محاذيا
لبعض قدمه بأن كان أصابع قدمها عند كعبه مثلا: تأمل.
هذا ومقتضى قوله وخصه الزيلعي أن قوله ولو بعضو واحد خارج عما ذكره الزيلعي
فيكون قولا ثالثا في المسألة كما فهمه في البحر. وظاهر كلام الزيلعي أنه ليس في المسألة قول
ثالث وإلا لذكره، بل المراد بالعضو من المرأة قدمها، ومن الرجل أي عضو كان على ما صرح به
في النهاية، ونصه: شرطنا المحاذاة مطلقا لتتناول كل الأعضاء أو بعضها، فإنه ذكر في الخلاصة
محالا على فوائد القاضي أبي علي النسفي رحمه الله تعالى: المحاذاة أن يحاذي عضو منها عضوا من
الرجل، حتى لو كانت المرأة على الظلة ورجل بحذائها أسفل منها، إن كان يحاذي الرجل شيئا منها
تفسد صلاته، وإنما عين هذه الصورة لتكون قدم المرأة محاذية للرجل، لان المراد بقوله أن يحاذي
عضو منها هو قدم المرأة لا غير، فإن محاذاة غير قدمها لشئ من الرجل لا يوجب فساد صلاته،
نص على هذا في فتاوى الامام قاضيخان في أواسط فصل من يصح الاقتداء به ومن لا يصح.
616

وقال: المرأة إذا صلت مع زوجها في البيت، إن كان قدمها بحذاء قدم الزوج لا تجوز صلاتهما
بالجماعة، وإن كان قدماها خلف قدم الزوج إلا أنها طويلة تقع رأس المرأة في السجود قبل رأس
الزوج جازت صلاتهما لان العبرة للقدم، ألا ترى أن صيد الحرم إذا كان رجلاه خارج الحرم ورأسه
في الحرم يحل أخذه، وإن كان على العكس لا يحل؟ انتهى كلام النهاية. ونقله في السراج وأقره،
وفي القهستاني: المحاذاة أن تسوى قدم المرأة شيئا من أعضاء الرجل، فالقدم مأخوذ في مفهومه
على ما نقل عن المطرزي، فمساواة غير قدمها لعضوه غير مفسدة ا ه‍. فقد ثبت بما ذكرناه وجود
المحاذاة بالقدم في مسألة الظلة المذكورة خلافا لما زعمه في البحر، وأنه لا فرق بين التعبير بالعضو
وبالقدم، خلافا لما زعمه في البحر أيضا، وأنه لو اقتدت به متأخرة عنه بقدمها صحت صلاتهما،
وإن لزم منه محاذاة بعض أعضائها لقدمه أو غيره في حالة الركوع أو السجود، لان المانع ليس محاذاة
أي عضو منها لأي عضو منه، ولا محاذاة قدمه لأي عضو منها، بل المانع محاذاة قدمها فقط لأي
عضو منه.
تنبيه: اعترض في البحر تفسير المحاذاة بما ذكر هنا الزيلعي بأنه قاصر لأنه لا يشمل التقدم،
وقد صرحوا بأن المرأة الواحدة تفسد صلاة ثلاثة إذا وقفت في الصف، من عن يمينها، ومن عن
يسارها، ومن خلفها، فالتفسير الصحيح للمحاذاة ما في المجتبى: المحاذاة المفسدة أن تقوم بجنب
الرجل من غير حائل أو قدامه ا ه‍. وأجاب في النهر بأن المرأة إنما تفسد صلاة من خلفها إذا كان
محاذيا لها، كما قيده به الزيلعي، وذكره في السراج أيضا، وصرح به الحاكم الشهيد في كافيه ا ه‍.
ويأتي تمامه قريبا. قوله: (امرأة) مفهومه أن محاذاة الخنثى المشكل لا تفسد، وبه صرح في
التاترخانية. قوله: (ولو أمة) ومثلها الخنثى كما قدمناه عن الامداد ح، ولا وجه للمبالغة بالأمة
ولعلها ولو أمه، بهاء الضمير ط. وعبارته في الخزائن: ولو محرمه أو زوجته، وخرج به الأمرد ا ه‍.
قوله: (كبنت تسع مطلقا) يفسره لاحقه. قال في البحر: واختلفوا في المشتهاة، وصحح
الزيلعي وغيره أنه لا اعتبار بالسن من السبع على ما قيل أو التسع، وإنما المعتبر أن تصلح للجماع
بأن تكون عبلة ضخمة. والعبلة: المرأة التامة الخلق ا ه‍. فكلام الشارح غير معتمد لأنه قد يوجد
خصوصا في هذا الزمان بنت تسع لا تطيق الوطئ ط. قوله: (أو فرجة تسع رجلا) معطوف على
حائل لكنه منون ولو وصفه بالجملة ا ه‍ ح. وفي معراج الدراية: لو كان بينهما فرجة تسع الرجل أو
أسطوانة، قيل لا تفسد، وكذا إذا قامت أمامه وبينهما هذه الفرجة ا ه‍.
واستشكله فلي البحر بما اتفقوا على نقله عن أصحابنا، من أن المرأة تفسد صلاة رجلين من
جانبيها، واحد عن يمينها، وواحد عن يسارها، وكذا المرأتان والثلاث. وكذا تفسد صلاة من
خلفها، فالواحدة تفسد من خلفها صلاة رجل، ولو كانتا اثنتين فصلاة رجلين، ولو ثلاثا فصلاة ثلاثة
ثلاثة إلى آخر الصفوف، ولو كن صفا بين الرجال والامام لا يصح اقتداء الرجال قال: ووجه إشكاله
أن الرجل الذي هو خلفها أو الصف الذي هو خلفهن بينه وبينها فرجة قدر مقام الرجل، وقد جعلوا
الفرجة كالحائل فيمن عن جانبها أو خلفها، فتعين أن يحمل على ما إذا كان خلفها من غير محاذيا
لها بحيث لا يكون بينه وبينها قدر مقام رجل، ولهذا قال في السراج السراج: ولو قامت وسط الصف صلاة
617

واحد عن يمينها وواحد عن يسارها وواحد خلفها بحذائها دون الباقين، فقد شرط أن يكون من خلفها
محاذيا لها للاحتراز عن وجود الفرجة، وكذا صرح به الزيلعي والحاكم الشهيد ا ه‍ ملخصا. وقدمنا
نحوه قريبا عن النهر. وأفاد في النهر أيضا أن اشتراط المحاذاة للفساد ليس شرطا خاصا بتقدم المرأة
الواحدة، بل الصف من النساء كذلك، أي فحيث لم يحاذهن صفوف الرجال فلا فساد.
والحاصل أن المراد من إفساد صلاة من خلفها أن يكون محاذيا لها من خلفها: أي بأن يكون
مسامتا لها غير منحرف عنها يمنة أو يسرة قدر مقام الرجل لا مطلق كونه خلفها، ومراد البحر من
تعين الحمل على المحاذاة ما ذكرنا، وليس مراده بالمحاذاة ما فهمه المحشي من قيام الرجل
خلفها، بأن يكون وجهه إلى ظهرها قريبا منها بحيث لا يكون بينه وبينها قدر مقام الرجل، لان
مرادهم أنها تفسد صلاة رجل من الصف الذي خلفها، ولا بد من وجود فرجة بين الصفين أكثر من
قدر مقام الرجل، وهذا منشأ الاشكال. وقد استشهد صاحب البحر على جوابه بعبارة السراج وغيرها
مما فيه التصريح بالصفوف، فعلم أن مراده اشتراط محاذاتها لمن خلفها في الصف المتأخر، فيتعين
حملها على ما ذكرناه، وإلا لزم أن لا يفسد الصف سوى صلاة صف واحد من الرجال، ولا الثلاث
سوى صلاة ثلاثة رجال من الصف الذي خلفهن فقط دون باقي الصفوف، فافهم. قوله: (في صلاة
وإن لم تتحد) أشار إلى تعميم الصلاة بما ذكره القهستاني بقوله: فريضة أو نافلة، واجبة أو سنة: أي
تطوع، أو فريضة في حق الامام تطوع في حق المقتدين. قال: وفيه إشارة إلى أن محاذاة المجنونة لا
تفسد، لان صلاتها ليست بصلاة في الحقيقة قوله: (على الصحيح) متعلق بمحذوف تقدير فسدت
صلاتهما ا ه‍ ح. وهذا بناء على قولهما: إنه لا يبطل أصل الصلاة بطلان وصفها، فإذا لم تصح
صلاتها ظهرا صحت نفلا، فهي متحدة من حيث أصل الصلاة وإن زاد عليها الامام بصف الفرضية،
فقوله وإن لم تتحد يعني صورة باعتبار نيتها. وأما على قول محمد بأنه يبطل الأصل ببطلان
الوصف فلا تفسد صلاة من حاذته لأنها ليست بمصلية، وقد جعله في البحر خلاف المذهب،
وسيأتي الكلام فيه. وأما في المنح من قوله: إنه مفرع على بقاء أصل الصلاة عند فساد الاقتداء،
فكأنه سبق قلم لان الاقتداء صحيح، وإنما فسدت نيتها الفرضية وبقي اقتداؤها في أصل صلاة
الامام وهو النفل وإن زاد عليها الامام بوصف الفرضية كما قلنا. أفاده الرحمتي. قوله: (وسيجئ)
أي في قوله: وإذا فسد الاقتداء لا يصح بشروعه في صلاة نفسه. قوله: (مطلقة) وهي ما عهد
مناجاة للرب سبحانه وتعالى، وهي ذات الركوع والسجود، أو الايماء للعذر. بحر. قوله: (خرج
الجنازة) وكذا سجدة التلاوة، كما في شرح المنية وغيره. وينبغي إخراجها بقوله في صلاة
وينبغي إلحاق سجدة الشكر بها، وكذا سجود السهو لعدم تحقق المحاذاة فيه بالقدم والساق حالة
القيام. تأمل. قوله: (فمحاذاة الخ) الأولى ذكره بعد قوله تحريمة كما فعل في شرح المنية، لان
الاحتراز عن هذه الصورة بتقييد الاشتراك بالتحريمة كما سنذكره، لا بمطلق الاشتراك، وإلا
فالاشتراك في اتحاد الصلاة مثلا موجود فيها. قوله: (ليس في صلاتها) بأن صليا منفردين أو مقتديا
أحدهما بإمام لم يقتد به الآخر. شرح المنية. قوله: (مكروهة) الظاهر أنها تحريمية لأنها مظنة الشهوة
618

والكراهة على الطارئ ط. قلت: وفي معراج الدراية: وذكر شيخ الاسلام مكان الكراهة الإساءة
والكراهة أفحش ا ه‍. قوله: (تحريمة) الاشتراك في التحريمة أن تبني صلاتها
على صلاة من حاذته أو على صلاة إمام من حاذته. بحر. وعلمت محترزه بما ذكرناه آنفا. قوله: (وإن سبقت ببعضها) أي
الصلاة، فلا يشترط أن تدرك أول الصلاة في الصبح، فلو سبقها بركعة أن ركعتين فحاذته فيما
أدركت تفسد عليه. بحر. وسواء كبرت قبل المحاذي أو معه أبعده ح. قوله: (وأداء) بأن يكون
أحدهما إماما للآخر، أو يكون لهما إمام فيما يؤديانه حقيقة كالمدرك، أو حكما كاللاحق ح.
والأولى أن يقول وتأدية، لئلا يتوهم مقابلته للقضاء مع أنها تفسد في كل صلاة. نهر.
وأورد صدر الشريعة هنا شيئين:
أحدهما: أن ذكر الأداء يغني عن التحريمة، إذ لا توجد الشركة في الأداء بدون الشركة في
التحريمة.
ثانيهما: أن الشركة في التحريمة غير شرط، فإن الامام إذا استخلف رجلا فاقتدت المرأة
بالخليفة وحاذت رجلا ممن اقتدى بالامام الأول فسدت صلاة الرجل، مع أنه لا شركة بينهما في
التحريمة. وأجاب في النهر عن الأول، بأنهم ذكروا الشركة في التحريمة، لان الشركة في الأداء
تتوقف عليها. وفرق بين التنصيص على الشئ وبين كونه لازما لشئ. وأجاب عنه أيضا في شرح
المنية بأنه احتراز عما لو اقتدى كل منهما بإمام غير الذي اقتدى به الآخر في صلاة واحدة لأنهما
اشتركا أداء، لأنه صدق عليهما أن لهما إماما فيما يؤديانه، لكنهما لم يشتركا تحريمة ا ه‍.
أقول: وفيه نظر، لان المراد أن يكون لهما إمام واحد تأمل. وأجيب عن الثاني بأن الشركة
ثابتة بين الإمام والمأموم تقديرا بناء على أن تحريما الخليفة مبنية على تحريمة الامام الأول فتحصل
المشاركة بينهما تحريمة، قوله: (كلاحقين) أي أحدهما امرأة، فلو حاذته في حال الأداء فسدت
صلاته ولو بعد فراغ الامام لاشتراكهما في الصلاة أداء حكما. قوله: (بخلاف المسبوقين) محترز
قوله وأداء فإنهما فإنهما وإن اشتركا تحريمة لم يشتركا أداء، لان المسبوق المنفرد فيما يقضي إلا في
مسائل ليست هذه منها، كما سيأتي، ومثله لو كان أحدهما مسبوقا والآخر لاحقا كما أفاده ح. وأما
لو كانا مسبوقين لاحقين، فقال في الفتح: فيه تفصيل، فإنهما لو اقتديا في الثالثة فأحداث فذهبا فتوضأ
ثم حاذته في القضاء، إن كان في الأولى أو الثانية وهي الثالثة والرابعة للامام تفسد لوجود الشركة
فيهما لأنهما فيهما لاحقان، وإن حاذته في الثالثة والرابعة فلا، لعدمها لأنهما مسبوقان، وهذا بناء
على أن اللاحق المسبوق يقضي وجوبا أولا لما لحق به ثم ما سبق به، وباعتباره تفسد وإن صح
عكسه عندنا خلافا لزفر ا ه‍. قال في النهر: وينبغي أنه إن نوى قضاء ما سبق به أولا أن ينعكس
حكم المسألة ا ه‍. قوله: (والمحاذاة في الطريق) معطوف على المسبوقين: أي لا تفسد أيضا إذا
حاذته في الطريق للطهارة فيما إذا سبقهما الحدث في الأصح، لأنهما غير مشتغلين بالقضاء بل
بإصلاح الصلاة لا بحقيقتها وإن كانا في حرمتها، إذ حقيقتها قيام وقراءة الخ. وليس شئ من ذلك
619

ثابتا فلم توجد الشركة أداء، وتمامه في الفتح. قوله: (كما في جوف الكعبة) قيد به، إذ لا تمكن
المحاذاة مع اختلاف الجهة في خارجها، فافهم. قوله: (وليلة مظلمة) بأن صليا بالتحري كل منهما
إلى جهة. قوله: (فسدت صلاته) جواب قوله وإذا حاذته) أي فسدت صلاته دونها إن لم يكن
إماما. نهر. فلو كان إماما فسدت صلاة الجميع، إلا إذا أشار إليها بالتأخير كما يأتي. قال في
البحر: وأشار بقوله فسدت صلاته إلى أنها لو اقتدت به مقارنة لتكبيره، محاذية له وقد نوى إمامتها
لم تنعقد تحريمته. وهو الصحيح كما في الخانية، لان المفسد للصلاة إذا قارن الشروع منع من
الانعقاد. قوله: (لو مكلفا) لان فساد صلاة الرجل لكونه هو المخاطب بتأخيرها، فإذا لم يؤخرها
فقد ترك فرض المقام. قال في الفتح: وفيه أي في هذا التعليل إشارة إلى اشتراط العقل والبلوغ،
فإن الخطاب إنما يتعلق بأفعال المكلفين، كذا في بعض شروح الجامع، فلا تفسد صلاة الصبي
بالمحاذاة على هذا ا ه‍. قوله: (إن نوى إمامتها) قال في البحر هذا القيد مستغنى عنه بذكر
الاشتراك السابق. وأقول: غير خاف أنه لا يفهم منه اشتراط النية وإن استلزمه بعد العلم بذلك.
نهر. قوله: (لا بعده) ظارهه أن صلاتها مع المحاذي صحيحة في هذه الصورة، لأنه يغتفر في البقاء
ما لا يغتفر في الابتداء ط.
أقول: وفي القنية رامزا إلى شرف الأئمة: ونية الامام إمامة النساء، تعتبر وقت الشروع لا
بعده اه‍. وظاهره أن ذلك شرط في صحة اقتدائهن، فلو نوى إمامة المرأة بعد شروعه لم يصح
اقتداؤها فلا تفسد صلاة من حاذته. تأمل قوله: (على الظاهر) هو استظهار من صاحب البحر بعد
حكايته روايتين في المسألة ويؤيده أن الفارسي في شرحه على تلخيص الجامع حكى الاشتراط بقيل
قوله: (عملت نيته) فلا تفسد المستثناة ولا غير المعينة لعدم صحة اقتدائهما قوله: (فسدت صلاتها)
ظاهره أنها لا تصير شارعة في الفرض ولا في نفل أيضا. وحكي في القنية في الثانية روايتين: أي بناء
على ما سيأتي، من أنه إذا فسد الاقتداء هل يصح شروعه في صلاة نفسه أم لا، وسيأتي الكلام عليه.
تنبيه: ظاهر إطلاقه أنه لا تصح صلاتها بلا نية الامام إمامتها في الجمعة والعيدين أيضا، فالنية
شرط فيهما أيضا. قال في النهر: وبه قال كثير، إلا أن الأكثر على عدمه فيهما، وهو الأصح كما
في الخلاصة، وجعل الزيلعي الأكثر على الاشتراط، وأجمعوا على عدمه في الجنازة ا ه‍. وظاهر
عود الضمير في صلاتها على المرأة المحاذية: أي لامام أو لمقتد أنها لو اقتدت غير محاذية لاحد
صح اقتداؤها وإن لم ينوها، إلا إذا نفى إمامة النساء كما في القهستاني، وحينئذ فلا يشترط لصحة
اقتداء المرأة نية الامام إمامتها إلا إذا كانت محاذية، وإلا فلا يشترط، وقدم المصنف في بحث النية
أن فيه اختلافا، وقدمنا هناك عن الحلية أنه يشترط أن لا تتقدم بعد وتحاذي أحدا من إمام أو مأموم،
فإن تقدمت وحاذت لا يبقى اقتداؤها ولا تتم صلاتها ا ه‍. وذكر في النهاية هنا أن هذا قول أبي
حنيفة الأول. وظاهره أن قوله الأخير اشتراط النية مطلقا والعمل على المتأخر كما لا يخفى،
ولهذا أطلق في متن المختار قوله، ولا تدخل المرأة في صلاة الرجال إلا أن ينويها الامام، ومثله في
متن المجمع. قوله: (كما لو أشار إليها بالتأخير الخ) قال في الفتح: وفي الذخيرة والمحيط: إذا
620

حاذته بعد ما شرع ونوى إمامتها فلا يمكنه التأخير بالتقدم خطوة أو خطوتين للكراهة في ذلك،
فتأخيرها بالإشارة وما أشبه ذلك، فإذا فعل فقد أخر فيلزمها التأخر، فإن لم تفعل فقد تركت حينئذ
فرض المقام فتفسد صلاتها دونه ا ه‍.
واستفيد من قوله بعد ما شرع، أنها لو حضرت قبل شروعه ونوى إمامتها محاذيا لها وقد أشار
إليها بالتأخر تفسد صلاته، فالإشارة بالتأخر إنما تنفع إذا حضرت بعد الشروع ناويا إمامتها. قال ط:
والظاهر أن الامام ليس بقيد ا ه‍: أي فلو حاذت المقتدي بعد الشروع وأشار إليها بالتأخر ولم تتأخر
فسدت صلاتها دونه، وينبغي أن يعد هذا في الشروط، بأن يقال: ولم يشر إليها بالتأخر إذا حضرت
بعد شروعه، وينبغي أن يكون هذا في المرأة البالغة، أما غيرها فغير مكلفة بفرضية المقام. تأمل.
قوله: (وشرطوا كونها عاقلة) مستغنى عنه بقوله في صلاة، لان المجنونة لا تنعقد صلاتها. نهر.
وقدمناه عن القهستاني. قوله: (وكونهما في مكان واحد) حتى لو كان أحدهما على دكان علو قامة
والآخر على الأرض لا تفسد صلاته. شرح المنية. وهذا وإن كان معلوما من المحاذاة إلا أن
المشايخ ذكروه إيضاحا. نهر عن المعراج. قوله: (في ركن كامل) أي في أداء ركن بالفعل عند
محمد. وعند أبي يوسف مقدار الركن. والذي في الخانية المحاذاة مفسدة قلت أو كثرت. قال في
البحر: وظاهر إطلاق المصنف اختياره. قوله: (فالشروط عشرة) بل أكثر بزيادة ما قدمه من كون
الذي حاذته مكلفا وبزيادة ما قدمناه من عدم الإشارة إليها بالتأخر إذا حضرت بعد شروعه. قوله:
(والصبيح المشتهى) إنما قيد بذلك لأنه محل الخلاف، وإلا فغيره لا يفسد بالاتفاق. قوله: (غير
معلول بالشهوة) أي ليست علة الفساد الشهوة، ولذا أفسدنا بالعجوز الشوهاء وبالمحرم كأمه وبنته،
وأما عدم الفساد فيمن لم تبلغ حد الشهوة كبنت سبع فلقصورها عن درجة النساء، فكان الامر
بتأخيرهن غير شامل لها ظاهرا، هذا ما ظهر لي فتأمله. قوله: (ولا يصح اقتداء الخ) المراد بالمرأة
الأنثى الشامل للبالغة وغيرها، كما أن المراد بالخنثى ما يشملهما أيضا. وأما الرجل، فإن أراد به
البالغ اقتضى بمفهومه صحة اقتداء الصبي بالمرأة والخنثى، وإن أريد به الذكر أفاد عدم صحة اقتداء
الصبي بالصبي، وكلاهما غير واقع، فالصواب في العبارة أن يقال: ولا يصح اقتداء ذكر بأنثى
وخنثى، ولا رجل بصبي ح عن شيخه السيد علي البصير.
أقول: والحاصل أن كلا من الامام والمقتدي إما ذكر أو أنثى أو خنثى، وكل منها إما بالغل أو
غيره، فالذكر البالغ تصح إمامته للكل، ولا يصح اقتداؤه إلا بمثله، والأنثى البالغة تصح إمامتها
للأنثى مطلقا فقط مع الكراهة، ويصح اقتداؤها بالرجل وبمثلها وبالخنثى البالغ، ويكره لاحتمال
أنوثته، والخنثى البالغ تصح إمامته للأنثى مطلقا فقط، لا لرجل ولا لمثله، لاحتمال أنوثته وذكورة
المقتدي، ويصح اقتداؤه بالرجل لا بمثله، ولا بأنثى مطلقا لاحتمال ذكورته. وأما غير البالغ، فإن
كان ذكرا تصح إمامته لمثله من ذكر وأنثى وخنثى، ويصح اقتداؤه بالذكر مطلقا، وإن كان أنثى تصح
621

إمامتها لمثله فقط. أما الصبي فمحتمل، ويصح اقتداؤها بالكل، وإن كان خنثى تصح إمامته لأنثى
مثله لا لبالغة ولا لذكر أو خنثى مطلقا، ويصح اقتداؤه بالذكر مطلقا فقط، هذا ما ظهر لي أخذا من
القواعد، قوله: (ولو في جنازة) بيان للاطلاق الراجع إلى الاقتداء بالصبي.
مطلب: الواجب كفاية هل يسقط بفعل الصبي وحده؟
قال الاسروشني: الصبي إذا أم في صلاة الجنازة ينبغي أن لا يجوز، وهو الظاهر، لأنها من
فروض الكفاية، وهو ليس من أهل أداء الفرض، ولكن يشكل برد السلام إذا سلم على قوم فرد
صبي جواب السلام ا ه‍.
أقول: مقتضى تعليله أنه لا يسقط الوجوب عن البالغين بصلاته على الجنازة وحده فضلا عن كونه
إماما. وقد ذكر في شرح التحرير أنه لم يقف على هذا في كتب المذهب، وإنما ظاهر أصول المذهب عدم
السقوط ا ه‍: أي لقولهم: إن الصبي ليس من أهل الوجوب.
أقول: ويشكل على ذلك ما مر من مسألة السلام، وتصريحهم بجواز أذان الصبي المراهق بلا
كراهة مع أنه قيل بأن الاذان واجب، والمشهور أنه سنة مؤكدة، قريبة من الواجب في لحوق الاثم،
وتصريحهم بأنه لو خطب صبي له منشور يوم الجمعة وصلى بالناس بالغ جاز، وتصريحهم بأنه تحل
ذبيحته إذا كان يعقل الذبح والتسمية: أي يعلم أنها مأمور بها، وكذا ما صرح به الاسروشني من أن
الصبي إذا غسل الميت جاز ا ه‍: أي يسقط به الوجوب. فسقوط الوجوب بصلاته على الميت
أولى لأنها دعاء وهو أقرب للإجابة من المكلفين. ولعل معنى قولهم: إنه ليس من أهل الوجوب،
أنه غير مكلف به. ولا ينافي ذلك وقوعه واجبا. وسقوط الوجوب عن المكلفين بفعله، يؤيد ذلك
ما صرح به في الفتح من باب المرتد، من أنهم اتفقوا على أن الصبي لو أقر بالشهادة يقع فرضا
ويلزمه تجديد إقرار آخر بعد البلوغ حتى على قول من ينفي وجوب الايمان على الصبي، فصار
كالمسافر لا تجب الجمعة عليه، ولو صلاها سقط فرضه اه‍
ولا يقال: إن ذلك في الاسلام لأنه لا يتنفل به فلا يقع إلا فرضا، لأنا نقول: المراد إثبات أنه
من أهل أداء الفرض، وقد ثبت بذلك فيقال مثله في صلاة الجنازة لأنه لا يتنفل بها أيضا، والاكتفاء
بأذانه وخطبته وتسميته ورده السلام دليل على الاكتفاء بصلاته على الجنازة، نعم يشكل ما لو صلى
في الوقت ثم بلغ فيه فإنه يعيدها لوقوع الأولى نفلا. وقد يجاب بأنه لما كان المعتبر آخر الوقت وهو
فيه بالغ لزمه إعادتها لوجود سبب الوجوب عليه، والوقت الذي صلى فيه ليس سببا للوجوب فكأنه
صلى قبل سبب الوجوب في حقه فلم يمكن جعلها فرضا. أما صلاة الجنازة فإن سببها حضورها وهو
موجود قبل بلوغه فأمكن وقوعها فرضا منه. تأمل، وهذا كله فيما لا يشترط فيه البلوغ، فلا يرد أنه
لو حج يلزمه الحج ثانيا بعد البلوغ، لان حجة الاسلام من شرطها البلوغ والحرية، بخلاف الحج
النفل. ومن هذا يظهر أنه لا تصح إمامته في الجنازة أيضا وإن قلنا بصحة صلاته وسقوط الواجب بها
عن المكلفين، لان الإمامة للبالغين: من شروط صحتها البلوغ، هذا ما ظهر لي في تقرير هذا
المحل، فاغتنمه فإنك لا تظفر به في غير هذا الكتاب، والحمد لله الملك الوهاب. قوله: (ونفل
على الأصح) قال في الهداية: وفي التراويح والسنن المطلقة جوزه مشايخ بلخ، ولم يجوزه مشايخنا،
ومنهم من حقق الخلاف في النفل المطلق بين أبي يوسف ومحمد. والمختار أنه لا يجوز في الصلوات
622

كلها ا ه‍. والمراد بالسنن المطلقة: السنن الرواتب والعيد في إحدى الروايتين، وكذا الوتر
والكسوفان والاستسقاء عندهما. فتح. قوله: (بمجنون مطبق) بكسر الباء والنسبة مجازية، لان المطبق
هو الجنون لا المجنون، فهو كقولك ضرب مؤلم، فإن المؤلم هو الضارب لا الضرب، وإنما لم
يصح الاقتداء به لأنه لا صلاة له لعدم تحقق النية ولعدم الطهارة. قوله: (في غير حالة إفاقته) وأما في
حالة الإفاقة فيصح كما في البحر عن الخلاصة. وظاهر أنه لا يصح ما لم يتحقق إفاقته قبل الصلاة،
حتى لو علم منه جنون وإفاقة ولم يعلم حاله وقت الصلاة لا يصح، وينبغي أنه لو علمت إفاقته بعد
جنونه أن يصح، ولا عبرة باحتمال عود الجنون استصحابا للأصل وهو الصحة، لان الجنون مرض
عارض. قوله: (أو معتوه) هو الناقص العقل، وقيل المدهوش من غير جنون، كذا في المغرب، وقد
جعلوه في حكم الصبي. قوله: (ومعذور بمثله الخ) أي إن اتحد عذرهما، وإن اختلف لم يجز كما في
الزيلعي والفتح وغيرهما. وفي السراج ما نصه: ويصلي من به سلس البول خلف مثله.
وأما إذا صلى خلف من به السلس وانفلات ريح لا يجوز، لا الامام صاحب عذرين والمؤتم
صاحب عذر واحد ا ه‍. ومثله في الجوهرة. وظاهر التعليل المذكور أن المراد من اتحاد العذر
الأثر لا اتحاد العين، وإلا لكان يكفيه في التمثيل أن يقول: وأما إذا صلى خلف من به انفلات ريح،
ولكان عليه أن يقول في التعليل: لاختلاف عذرهما، ولهذا قال في البحر: وظاهره أن سلسل البول
والجرح من قبيل المتحد، وكذا سلسل البول واستطلاق البطن ا ه‍: أي لاتحادهما في الأثر من حيث
إن كلا منهما حدث ونجاسة، وإن كان السلسل ليس عين الجرح، لكن اعترض في النهر ذلك بأنه
يقتضي جواز اقتداء ذي سلسل بذي نفلات، وليس بالواقع لاختلاف عذرهما ا ه‍. وهو مبني على أن
المراد بالاتحاد اتحاد العين: وهو ظاهر ما في شرح المنية الكبير، وكذا صرح في الحلية بأنه لا يصح
اقتداء ذي سلسل بذي جرح لا يرقأ أو بالعكس، وقال: كما هو المذهب، فإنه يجوز اقتداء معذور
بمثله إذا اتحد عذرهما لا إن اختلف ا ه‍. وبه علم أن الأحسن ما في النهر، وأنه كان ينبغي للشارح
متابعته على عادته، وأن ما قاله هنا تابع فيه صاحب البحر، وكذا ما مشى عليه في الخزائن حيث
قال: اقتداء المعذور بمثله صحيح إن اتحد عذرهما كذي سلس بمثله أو بذي جرح أو انطلاق، لا إن
اختلف، كذي انفلات بذي سلس، لان مع الامام حدث ونجاسة ا ه‍. فإنه خلاف المذهب كما
علمت. قوله: (وما في المجتبى) مبتدأ خبره قوله الآتي: أي لاحتمال الحيض أي ما في
المجتبى مفسر بكذا. قوله: (الاقتداء بالمخالف) (1) كذا في بعض النسخ، وسقط من بعض النسخ
لفظة الاقتداء. قوله: (أي لاحتمال الحيض) أي واحتمال ذكورة المقتدية وأنوثة الامام، ثم إن هذا

(1) قوله: (بالمخالف) كذا بخطه، والذي في نسخ الشارح بالمماثل، ولعله الأصوب فتأمل ا ه‍.
623

في الضالة ظاهر، وقد صرح به في القنية بقوله: ومن جوز اقتداء الضالة بالضالة فقط غلط غلطا
فاحشا لاحتمال اقتدائها بالحائض ا ه‍.
وأما في المستحاضة فمشكل، لان المستحاضة حقيقة لا تحتمل أن تكون حائضا، كمن تجاوز
دمها على عشرة في الحيض أو أربعين في النفاس، إلا أن يراد بها نحو المبتدأة قبيل تمام ثلاثة أيام
فإنها تترك الصلاة بمجرد رؤيتها الدم، فإن تم ثلاثا فبها، وإلا قضت، فهي قبل الثلاث يحتمل حالها
الحيض والاستحاضة، وكذا المعتادة إذا أتجاوز الدم على عادتها فإنها يحتمل أن ينقطع لعشرة فتكون
حائضا، أو لأكثر فتكون مستحاضة، فلا يجوز لمثلها الاقتداء بها. قال الرحمتي: الذي رأيته في
المجتبى: واقتداء المستحاضة بالمستحاضة يجوز، والضالة بالضالة لا يجوز كالخنثى المشكل
بالمشكل اه‍. وهذه لا إشكال فيها، ولعل نسخة صاحب البحر محرفة وتبعوه عليها. تأمل ا ه‍
لكن الذي في القهستاني موافق لما هنا. هذا، وقد ذكر في القنية روايتين، في الخنثى المشكل.
قوله: (فلو انتفى) أي الاحتمال ح. قوله: (بغير حافظ لها) شمل من يحفظها أو أكثر منها، لكن
بلحن مفسد للمعنى لما في البحر: الأمي عندنا من لا يحسن القراءة المفروضة، وعند الشافعي: من
لا يحسن الفاتحة. قوله: (ولا أمي بأخرس) أما اقتداء أخرس بأخرس أو أمي بأمي فصحيح ط عن أبي
السعود. قوله: (فصح عكسه) تفريع على التعليل، لان قدرة الأمي على التحريمة دليل على أنه
أقوى حالا من الأخرس، فصح اقتداء الأخرس به دون عكسه، ومفهومه أنه إذا لم يقدر صح اقتداء
كل منهما بالآخر. تأمل. قوله: (اتفاقا) بخلاف الأمي إذا أم أميا وقارئا فإن صلاة الكل فاسدة عند
الامام، لان الأمي يمكن أن يجعل صلاته بقراءة إذا اقتدى بقارئ، لان قراءة الإمام له قراءة، وليست
طهارة الامام وستره طهارة وسترا للمأموم حكما، فافترقا. بحر. قوله: (وكذا ذو جرح بمثله
وبصحيح) تبع في هذا التعبير صاحب البحر، والأولى: مثله وصحيحا، فإنا التقدير: وكذا لو أم ذو
جرح مثله وصحيحا، وأم يتعدى بنفسه ح. قوله: (بعاجز عنهما) أي بمن يومئ بهما قائما أو
قاعدا، بخلاف ما لو أمكناه قاعدا فيصح كما سيأتي. قال ط: والعبرة للعجز عن السجود، حتى لو
عجز عنه وقدر على الركوع أومأ. قوله: (وبمفترض فرضا آخر) سواء تغاير الفرضان اسما أو صفة،
كمصلي ظهر أمس بمصلي ظهر اليوم، بخلاف ما إذا فاتتهم صلاة واحدة من يوم واحد فإنه يجوز،
وكذا لو صلى ركعتين من العصر فغربت الشمس فاقتدى به آخر في الأخريين، لان الصلاة واحدة
وإن كان هذا قضاء للمقتدي. جوهرة. قوله: (لان اتحاد الصلاتين الخ) قدمنا أول الباب معنى
اتحادهما. قوله: (وصح أن معاذا الخ) أي صح عند أئمتنا وترجح، وهو جواب عما استدل به
الشافعي على جواز الفرض بالنفل، وهو ما في الصحيحين أن معاذا كان يصلي مع رسول الله (ص)
عشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة والجواب أن معاذا لما شكاه قومه قال
له (ص): يا معاذ لا تكن فتانا، إما أن تصلي معي، وإما أن تخفف على قومك رواه أحمد. قال
624

الحافظ ابن تيمية: فيه دلالة على منع اقتداء المفترض بالمتنفل، لأنه يدل على أنه متى صلى معه
امتنعت إمامته، وبالاجماع لا تمتنع إمامته بصلاة النفل معه، فعلم أن الذي كان يصليه مع النبي (ص) نفل اه‍. وقال الامام القرطبي في المفهم: الحديث يدل على أن صلاة معاذ مع النبي (ص) كانت
نافلة، وكانت صلاته بقومه هي الفريضة، وتمامه في حاشية نوح أفندي وفتح القدير. قوله: (ولا
ناذر بمتنفل) لان النذر واجب فيلزم بناء القوي على الضعيف ح. قوله: (لان كلا الخ) علة
للأخيرين، فإن المنذور فرض أو واجب. ورجح الشرنبلالي الأولى، فافهم. قوله: (إلا إذا نذر
أحدهما الخ) بأن قال بعد نذر منذورة صاحبه: ندرت تلك المندورة التي نذرها فلان. شرح المنية قوله:
(للاتحاد) لأنه لما نذر منذورة صاحبه فكأنهما نذرا صلاة بعينها، بخلاف ما إذا نذر كل منهما صلاة،
لان ما أوجبه كل منهما بنذره غير ما أوجبه الآخر، وليس منذور أحدهما أقوى من الآخر. قوله:
(لان المنذورة أقوى) أي من المحلوف عليها فإنها لا تخرج بالخلف عن كونها نافلة، ألا ترى أنه باق
على التخيير، إن شاء صلى وبر في يمينه، وإن شاء ترك وكفر؟ ولذا جاز اقتداء الحالف بالحالف
وبالمتنفل، وما وقع في المنح تبعا للبحر من أن الوجوب فيها عارض: غير صحيح، ولذا أضرب
عنه الشارح. رحمتي.
أقول: يؤيد هذا ما صرحوا به في كتاب الايمان من أن المحلوف عليه إن كان فرضا وجب
البر، أو معصية وجب الحنث، أو غيره خير: ترجح الحنث، وإن تساويا ترجح البر. تأمل. قوله:
(فصح عكسه) لان فيه بناء الضعيف على القوي، وهو جائز ط. قوله: (ويحالف) عطف على الناذر
الذي تضمنه. قوله: عكسه والتقدير: فصح اقتداء حالف بناذر وبحالف ح. وصورة الحلف بها
كما في الخاصة أن يقول: والله لأصلين ركعتين. بحر. وإنما صح اقتداء حالف بحالف لما علمته
من أنها لا تخرج بالحلف عن كونها نافلة، فكان اقتداء متنفل بمثله، وعلله في شرح المنية بقوله:
لان الواجب هو البر فبقيت الصلاتان نفلا في نفسهما ا ه‍. تأمل. قوله: (وبمتنفل) عطف على قوله
بحالف: أي صح اقتداء الحالف بالمتنفل لان المحلوف عليها نفل ح، وقوله في البحر: وقد يقال
إنها واجبة لتحقيق البر، فينبغي أن لا تجوز خلف المتنفل ا ه‍. علمت جوابه. قوله: (ومصليا) تثنية
مصل، وهو مبتدأ خبره. قوله: كناذرين يعني فلا يصح اقتداء أحدهما بالآخر لاختلاف السبب، فإن
طواف أحدهما غير طواف الآخر كما في البحر ح. وما في الخانية من أنه يصح بمنزلة اقتداء
المتطوع بالمتطوع الظاهر أنه مبني على القول بسنية ركعتي الطواف ويؤيده ما بحثه في البحر بقوله:
وينبغي أن يصح الاقتداء على القول بسنيتهما. قوله: (صح الاقتداء) أي للاتحاد، فكان كنذر أحدهما
عين ما نذره الآخر ح. قوله: (لا إن أفسداها منفردين) لاختلاف السبب كالناذرين. قوله: (والفرق لا
يخفى) هو أن الامام منفرد في حق نفسه، ولا يصير إماما إلا باقتداء غيره به فبقيا منفردين، وأما
المقتدي فلا تصح صلاته إلا بنية الاقتداء، والاقتداء يصح لمن نوى بناء صلاته على غيره. قوله:
625

(بمثلهما) وكذا لا حق بمسبوق وعكسه ح. قوله: (الاقتداء في موضع الانفراد) هذا يجري في اقتداء
المسبوق بمسبوق أو لاحق، وقوله كعكسه: يعني الانفراد في موضع الاقتداء يجري في اقتداء
اللاحق بلاحق أو مسبوق فإن اللاحق إذا قصد الاقتداء بغير إمامه فكأنه انفرد أولا عن إمامه، ثم
اقتدى فصح أنه انفرد في موضع الاقتداء ح. قوله: (ولا مسافر بمقيم الخ) أي ولا يصح اقتداء
مسافر بمقيم الخ.
وبيان ذلك أن صلاة المسافر قابلة للاتمام ما دام الوقت باقيا، بأن ينوي الإقامة، أو بأن يقتدي
بمقيم فيصير تبعا لامامه ويتم لبقاء السبب وهو الوقت. أما إذا خرج الوقت فقد تقررت في ذمته
ركعتين فلا يمكن إتمامها بإقامة أو غيرها، حتى أنه يقضيها في بلده ركعتين، فإذ اقتدى بعد الوقت
بمقيم أحرم بعد الوقت أو فيه لا يصح، لما قلنا ولما يأتي، بخلاف ما إذا اقتدى به في الوقت فإنه
يتم لما قلنا. قوله: (فيما يتغير بالسفر) احتراز عن الفجر والمغرب فإنه يصح في الوقت وبعده
لعدم تغيره. قوله: (فخرج) معطوف على قوله: أو فيه لان أو العاطفة قائمة مقام العامل وهو
أحرم، وقوله: فاقتدى معطوف على أحرم. قوله: (بل إن أحرم) أي المسافر المقتدي بالمقيم،
وعبر بأحرم بدل اقتدى لينبه على أن مجرد إدراك التحريمة في الوقت كاف في صحة الاقتداء ولزوم
الاتمام، فافهم. قوله: (فيكون) تفريع على عدم التغير ح. قوله: (باقتدائه) الباء للتصوير. قوله:
(في شفع أول أو ثان) نشر مرتب: أي أنه إذا اقتدى بالمقيم في الشفع الأول يكون اقتداء مفترض
بمتنفل في حق القعدة الأولى، فإنها فرض على المسافر لأنها أخر صلاته نفل في حق المقيم لأنها
أولى في حقه وأطلقوا النفل هنا على ما ليس بفرض وهو الواجب، لان النفل الزيادة والواجب
زائد على الفرض وإذا اقتدى به في الشفع الثاني يكون اقتداء مفترض بمتنفل أيضا في حق القراءة،
لأنها فرض بالنسب إلى صلاة المسافر نفل للمقيم، سواء قرأ المقيم في الأوليين وهو ظاهر، أو في
الأخريين فقط، لان محلها الأوليان فتلتحق بهما فتخلو الأخريان عنها حكما. ولا يراد اقتداء المتنفل
بالمفترض لما في النهاية من أنها أخذت حكم الفرض تبعا لصلاة الامام، ولذا لو أفسدها بعد
الاقتداء يقضيها أربعا.
تنبيه: يؤخذ من هذا أنه لو اقتدى مقيمون بمسافر وأتم بهم بلا نية إقامة وتابعوه فسدت
صلاتهم لكونه متنفلا في الأخريين، نبه على ذلك العلامة الشرنبلالي في رسالته في المسائل الاثني
عشرية، وذكر أنها وقعت له ولم يرها في كتاب. قلت وقد نقلها الرملي في باب المسافر عن
الظهيرية، وسنذكرها هناك أيضا. قوله: (ولا نازل براكب الخ) وكذا عكسه، والعلة في هذه المسائل
اختلاف المكان، وإنما صح لو كان معه على دابة واحدة لاتحاده، كما في الامداد أيضا، ففي اقتداء
النازل بالراكب مانع آخر وهو كونه اقتداء من يركع ويسجد بمن يومي بهما إلا إذا كان النازل موميا
أيضا. ثم إن هذا دليل على أن اختلاف المكان مانع من الاقتداء وإن لم يكن فيه اشتباه حال الامام،
لان الاشتباه إنما يعتبر في الحائل لا في اختلاف المكان كما سيأتي تحقيقه بعون الله تعالى، فافهم
626

قوله: (ولا غير الألثغ به) هو بالثاء المثلثة بعد اللام من اللثغ بالتحريك. قال في المغرب: هو الذي
يتحول لسانه من السين إلى الثاء، وقيل من الراء إلى الغين أو اللام أو الياء. زاد في القاموس: أو
من حرف إلى حرف. قوله: (على الأصح) أي خلافا لما في الخلاصة عن الفضلي من أنها جائزة،
لان ما يقوله صار لغة له، ومثله في التاترخانية.
مطلب في الألثغ
وفي الظهيرية: وإمامة الألثغ لغيره تجوز، وقيل لا، ونحوه في الخانية عن الفضلي، وظاهره
اعتمادهم الصحة، وكذا اعتمدها صاحب الحلية، قال: لما أطلقه غير واحد من المشايخ من أنه
ينبغي له أن لا يؤم غيره، ولما في خزانة الأكمل: وتكره إمامة الفأفاء ا ه‍ ولكن الأحوط عدم
الصحة كما مشى عليه المصنف ونظمه في منظومته (تحفة الاقران) وأفتى به الخير الرملي وقال في
فتاواه: الراجح المفتى به عدم صحة إمامة الألثغ لغيره، ممن ليس به لثغة، وأجاب عنه بأبيات،
منها قوله:
إمامة الألثغ للمغاير * تجوز عند البعض من أكابر
وقد أباه أكثر الأصحاب * لما لغيره من الصواب
وقال أيضا:
إمامة الألثغ للفصيح * فاسدة في الراجح الصحيح
قوله: (دائما) أي في آناء الليل وأطراف النهار، فما دام في التصحيح والتعلم ولم يقدر عليه
فصلاته جائزة وإن ترك جهده فصلاته فاسدة، كما في المحيط وغيره. قال في الذخيرة: وإنه مشكل
عندي، لان ما كان خلقة فالعبد لا يقدر على تغييره ا ه‍. وتماه في شرح المنية. قوله: (حتما)
أي بذلا حتما فهو مفروض عليه ط. قوله: (فلا يؤم إلا مثله) يحتمل أن يراد المثلية في مطلق اللثغ
فيصح اقتداء من يبدل الراء المهملة غينا معجمة بمن يبدلها لاما، وأن يراد مثلية في خصوص اللثغ،
فلا يقتدي من يبدلها غينا إلا بمن يبدلها غينا، وهذا هو الظاهر، كاختلاف العذر، فليراجع ح.
قوله: (إذا أمكنه الاقتداء بمن يحسنه) أي يحسن ما يلثغ هو به أو يحسن القرآن، وهذا مبني على أن
الأمي إذا أمكنه الاقتداء يلزمه، وفيه كلام ستعرفه. وعلى ما إذا ترك جهده، لما علمت من أنه ما
دام في التصحيح ولم يقدر عليه فصلاته جائزة، وإن ترك جهده فصلاته فاسدة، ولا بد أيضا من
تقييده بما إذا لم يقدر على قراءة قدر الفرض مما لا لثغ فيه، فإن قدر عليه وقرأه لا يلزمه الاقتداء
ولا بذل الجهد كما لا يخفى. قوله: (أو ترك جهده) أي وصلى غير مؤتم ولم يقدر على قراءة
المفروض مما لا لثغ فيه، أما لو اقتدى أو قرأ ما لا لثغ فيه فإنها تصح وإن ترك جهده. قوله: (أو
وجد قدر الفرض الخ) أي وصلى غير مؤتم ولم يقرأه وإلا صحت. وفي الولوالجية إن كان يمكنه
أن يتخذ من القرآن آيات ليس فيها تلك الحروف يتخذ إلا فاتحة الكتاب فإنه لا يدع قراءتها في
627

الصلاة ا ه‍. قوله: (وكذا من لا يقدر على التلفظ بحرف من الحروف) عطفه على ما قبله بناء على
أن اللثغ خاص بالسين والراء كما يعلم مما مر عن المغرب، وذلك كالرهمن الرهيم، والشيتان
الرجيم، والآلمين، وإياك نأبد، وإياك نستئين، السرات، أنأمت، فكل ذلك حكمه ما مر من بذل
الجهد دائما، وإلا فلا تصح الصلاة به.
مطلب: إذا كانت اللثغة يسيرة
تتمة: سئل الخير الرملي عما إذا كانت اللثغة يسيرة. فأجاب بأنه لم يرها لائمتنا، وصرح بها
الشافعية بأنه لو كانت يسير بأن يأتي بالحرف غير صاف لم تؤثر، قال: وقواعدنا لا تأباه ا ه‍.
وبمثله أفتى تلميذ الشارح المرحوم الشيخ إسماعيل الحائك مفتي دمشق الشام. قوله: (بأي وجه
كان) أي سواء كان لفقد أهلية الامام للإمامة كالمرأة والصبي، أو لفقد شرط فيه بالنسبة إلى المقتدي
كالمعذور والعاري، أو لفقد ركن فيه كذلك كالمومي والامي، أو لاختلاف الصلاتين كالمتنفل
بالمفترض، ونحو ذلك من المسائل المارة. قوله: (في صلاة نفسه) أي في صلاة مستقل بها في حق
نفسه، غير تابع فيها للامام، لا فرضا ونفك ما يدل عليه تفصيل الزيلعي كما أفاده ح، وكذا يدل
عليه تعليل الشارح وحكايته بانقلابها نفلا. قوله: (وهي غير صلاة الانفراد) لان لها أحكاما غير
الاحكام التي قصدها.
وحاصله: أنه إذا لم يصح شروعه فيما نوى لا يصح في غيره. قوله: (وادعى في البحر أنه
المذهب) أي ما صححه في المحيط ومشى عليه المصنف في متنه. قوله: (لكن كلام الخلاصة
الخ) عبارة الخلاصة: وفي كل موضع لا يصح الاقتداء هل يصير شارعا في صلاة نفسه؟ عند محمد:
لا. وعندهما يصير شارعا ا ه‍. قوله: (قلت وقد ادعى) أي صاحب البحر فيما مر: أي في مسألة
المحاذاة عند قول المتن في صلاة وقوله: بعد تصحيح السراج بخلافه أي خلاف ما ادعى في
البحر هنا أنه المذهب، والأولى حذف الباء أو إبدالها بلام التقوية لأنه مفعول صحيح، وقول: أنه
المذهب مفعول ادعى.
والحاصل: أن صاحب البحر نقل فيما مر عن السراج أنه لو اقتدت به المرأة في الظهر هو
يصلي العصر وحاذته بطلت صلاته على الصحيح، وقال: لان اقتداءها وإن لم يصح فرضا يصح
نفلا على المذهب، فكان بناء النفل على الفرض اه‍. وهو صريح في أنه إذا فسد الاقتداء بالفرض
لم يفسد الشروع، بل بقي الاقتداء بالنفل وإلا لم تفسد صلاته بمحاذاتها له، وتصريحه بأن هذ هو
المذهب مناقض لما ادعاه من أن المذهب ما في المحيط من عدم صحة الشروع. قوله: (وحينئذ
فالأشبه الخ) أي حين إذا اختلف كلام البحر في نقل ما هو المذهب، ولا يمكن إهمال أحد النقلين،
فالأشبه بالقواعد ما في الزيلعي مما يناسب كلا منهما ويحصل به التوفيق بهما، بحمل ما صححه في
628

المحيط من عدم صحة الشروع، وأصلا على ما إذا كان فساد الاقتداء لفقد شرط: أي أو نحوه مما
يلزم به فساد صلاة المقتدي، وبحمل ما صححه في السراج من صحة الاقتداء بالنفل وفساد
الوصف: أعني الفرضية فقط على ما إذا كان لاختلاف الصلاتين، فلو قهقه في صلاته هذه لا
ينتقض وضوءه في الوجه الأول وينتقض في الثاني.
ثم اعلم أن ما ادعى الشارح أنه الأشبه قد رده في البحر، حيث قال: ويرد هذا التفصيل ما
ذكره الحاكم في كافيه من أن المرأة إذا نوت العصر خلف مصلي الظهر لم تجز صلاتها ولم تفسد
على الامام صلاته ا ه‍. فهو صريح في عدم صحة شروعها لاختلاف الصلاتين. وقال: أي الحاكم
في موضع آخر: رجل قارئ، دخل في صلاة أمي تطوعا، أو في صلاة امرأة، أو جنب، أو على
غير وضوء ثم أفسدها، فليس عليه قضاؤها لأنه لم يدخل في صلاة تامة ا ه‍.
مطلب: الكافي للحاكم جمع كلام محمد في كتبه التي هي ظاهر الرواية
فعلم بهذا أن المذهب تصحيح المحيط من عدم صحة الشروع، لان الكافي جمع كلام محمد
في كتبه التي هي ظاهر الرواية. كلام البحر.
أقول: نعم ظاهر الفرع الأول مؤيد لما في المحيط ومخالف لما مر عن السرج، وأما الفرع
الثاني فلا، بل الامر فيه بالعكس، لان قوله ثم أفسدها صريح في صحة الشروع، وقوله لأنه لم
يدخل في صلاة تامة مؤيد لذلك، لأنه يفيد دخوله في صلاة ناقصة: أي في نفل غير مضمون، ولذا
قال: ليس عليه قضاؤها وفي هذا الفرع رد على ما فصله الزيلعي، لان الفساد فيه لفقد شرط مع أنه
صح شروعه كما علمت. ثم رأيت الرحمتي ذكر نحو ما ذكرته ولله الحمد.
والحاصل أن في المسألة روايتين: إحداهما صحة الشروع في صلاة نفسه وعليها ما في
السراج. والفرع الثاني من فرعي الكافي: والثانية عدم الصحة أصلا، وعليها ما في المحيط. والفرع
الأول وهي الأصح كما في القهستاني عن المضمرات. وذكر في النهر أن ما في السراج جزم به غير
واحد. قوله: (صف من النساء) المراد به ما زاد على ثلاث نسوة، فإنه يمنع اقتداء جميع من خلفه،
وإلا ففيه تفصيل بدليل ما قدمنا حاصله عن البحر، وهو ما اتفقوا على نقله عن أصحابنا، من أن
المرأة الواحدة تفسد صلاة رجلين من جانبيها ورجل خلفها، والثنتين صلاة اثنين من جانبيهما واثنين
خلفهما، والثلاث صلاة اثنين من جانبيهن وصلاة ثلاثة من خلفهن إلى آخر الصفوف، ولو كان
صف من النساء بين الرجال والامام لا يصح اقتداء الرجال بالامام ويجعل حائلا. قوله: (بلا حائل)
قيد للمنع، وقوله: أو ارتفاعهن بالجر عطف على حائل. وعبارة مفتاح السعادة: وفي الينابيع:
ولو كان صف الرجال على الحائط وصف النساء أمامهن أو كان صف النساء على الحائط وصف
الرجال خلفهن، إن كان الحائط مقدار قامة الرجل جازت صلاتهم، وإن كان أقل فلا، وإن كان
صف تام من النساء وليس بين الصفين حائل تفسد صلاة من خلفهن ولو عشرين صفا، ولو كان
بينهن وبين الرجال فاصل لا تفسد صلاتهم، وذلك الحائل مقدار مؤخر الرحل، أو مقدار خشبة
منصوبة، أو حائط قدر ذراع ا ه‍.
629

وحاصله أنه إذا كان صف النساء أمام صف الرجال يمنع، إلا إذا كان أحد الصفين على حائط
مرتفع قدر قامة، أو كان بينهما حائل مقدار مؤخر رحل البعير أو خشبة منصوبة أو حائط قدر ذراع،
وهذا مخالف لما في الخانية والبحر وغيرهما. وهو قوم صلوا على ظهر ظلة في المسجد وبحذائهم
من تحتهم نساء أجزأتهم صلاتهم لعدم اتحاد المكان بخلاف ما إذا كان قدامهم نساء فإنها فاسدة لأنه
تخلل بينهم وبين الامام صف من النساء وهو مانع من الاقتداء ا ه‍. وفي الولوالجية: قوم صلوا على
ظهر ظلة المسجد وتحتهم قدامهم نساء لا تجزيهم صلاتهم لأنه تخلل صف من النساء فمنع اقتداءهم،
وكذا الطريق ا ه‍. فهذا بإطلاقه صريح بأن الارتفاع غير معتبر في صف النساء. وفي المعراج عن
المبسوط: فإن كان صف تام من النساء ووراءهن صفوف الرجال فسدت تلك الصفوف كلها
استحسانا، والقياس أن تفسد إلا صلاة صف واحد، ولكن استحسن لحديث عمر مرفوعا وموقوفا
عليه من كان بينه وبين الامام نهر أو طريق أو صف من النساء فلا صلاة له اه‍. فهذا صريح في
أن الحائل غير معتبر في صف النساء، وإلا لفسدت صلاة الصف الأول من الرجال فقط، كونه صار
حائلا بين من خلفه وبين صف النساء كما هو القياس، فظهر أن ما ذكره الشارح من اعتبار الحائل أو
الارتفاع إنما هو فيما دون الصف التام من النساء كالواحدة والثنتين أما الصف فهو خارج عن القياس
اتباعا للأثر هذا ما ظهر فتدبر، والله أعلم. قوله: (أو طريق) أي نافذ أبو السعود عن شيخه ط.
قلت: ويفهم ذلك من التعبير عنه في عدة كتب بالطريق العام. وفي التاترخانية: الطريق في مسجد
الرباط والخان لا يمنع، لأنه ليس بطريق عام. قوله (تجري فيه عجلة) أي تمر، وبه عبر في بعض
النسخ. والعجلة بفتحتين. وفي الدرر: هو الذي تجري فيه العجلة والاوقار ا ه‍. وهو جمع وقر
بالقاف. قال في المغرب: وأكثر استعماله في حمل البغل أو الحمار كالوسق في حمل البعير. قوله:
(أو نهر تجري فيه السفن) أي يمكن ذلك، ومثله يقال في قوله: تجري فيه عجلة ط. وأما البركة أو
الحوض، فإن كان بحال لو وقعت النجاسة في جانب تنجس الجانب الآخر لا يمنع، وإلا منع، كذا
ذكره الصفار إسماعيل عن المحيط.
وحاصله أن الحوض الكبير المذكور في كتاب الطهارة يمنع: أي ما لم تتصل الصفوف حوله
كما يأتي. قوله: (ولو زورقا) بتقديم الزاي: السفينة الصغيرة كما في القاموس. وفي الملتقط: إذا
كان كأضيق الطريق يمنع، وإن بحيث لا يكون طريق مثله لا يمنع سواء كان فيه ماء أو لا. وقال أبو
يوسف: النهر الذي يمشي في بطنه جمل وفيه ماء يمنع، وإن كان يابسا واتصلت به الصفوف
جاز ا ه‍ إسماعيل. قوله: (ولو في المسجد) صرح به في الدرر والخانية وغيرهما. قوله: (أو
خلاء) بالمد المكان الذي لا شئ به. قاموس. قوله: (أو في مسجد كبير جدا الخ) قال في
الامداد: والفاصل في مصلى العيد لا يمنع وإن كثر. واختلف في المتخذ لصلاة الجنازة. وفي
النوازل: جعله كالمسجد، والمسجد وإن كبر لا يمنع الفاصل إلا في الجامع القديم بخوارزم، فإن
ربعه كان على أربعة آلاف أسطوانة، وجامع القدس الشريف: أعني ما يشتمل على المساجد الثلاثة:
الأقصى والصخرة والبيضاء كذا في البزازية ا ه‍. ومثله في شرح المنية. وأما قوله في الدرر: لا
يمنع من الاقتداء الفضاء الواسع في المسجد، وقيل يمنع ا ه‍، فإنه وإن أفاد أن المعتمد عدم المنع
630

لكنه محمول على غير المسجد الكبير جدا كجامع خوارزم والقدس بدليل ما ذكرناه، وكون الراجح
عدم المنع مطلقا يتوقف على نقل صريح، فافهم.
تتمة: في القهستاني: البيت كالصحراء. والأصح أنه كالمسجد، ولهذا يجوز الاقتداء فيه بلا
اتصال الصفوف كما في المنية ا ه‍. ولم يذكر حكم الدار فليراجع، لكن ظاهر التقييد بالصحراء
والمسجد الكبير جدا أن الدار كالبيت. تأمل. ثم رأيت في حاشية المدني عن جواهر الفتاوى أن
قاضيخان سئل عن ذلك، فقال: اختلفوا فيه، فقدره بعضهم بستين ذراعا، وبعضهم قال: إن كانت
أربعين ذراعا فهي كبيرة وإلا فصغيرة، هذا هو المختار ا ه‍.
وحاصله أن الدر الكبيرة كالصحراء، والصغيرة كالمسجد، وأن المختار في تقدير الكبيرة
أربعون ذراعا. وذكر في البحر عن المجتبى أن فناء المسجد له حكم المسجد، ثم قال: وبه علم أن
الاقتداء من صحن الخانقاة الشيخونية بالامام في المحراب صحيح وإن لم تتصل الصفوف، لان
الصحن فناء المسجد، وكذا اقتداء من بالخلاوي السفلية صحيح، لان أبوابها في فناء المسجد الخ،
ويأتي تمام عبارته. وفي الخزائن: فناء المسجد هو ما اتصل به وليس بينه وبينه طريق ا ه‍.
قلت: يظهر من هذا أن مدرسة الكلاسة والكاملية من فناء المسجد الأموي في دمشق، لان
بابهما في حائطه، وكذا المشاهد الثلاثة التي فيه بالأولى، وكذا ساحة باب البريد والحوانيت التي
فيها. قوله: (يسع صفين) نعت لقوله: خلاء والتقييد بالصفين صرح به في الخلاصة والفيض
والمبتغي. وفي الواقعات الحسامية وخزانة الفتاوى: وبه يفتي إسماعيل، فما في الدرر من تقييده
الخلاء بما يمكن الاصطفاف فيه غير المفتى به تأمل. قوله: (إلا إذا اتصلت الصفوف) الاستثناء
عائد إلى الطريق والنهر دون الخلاء، لان الصفوف إذا اتصلت في الصحراء لم يوجد الخلاء تأمل،
وكذا لو اصطفوا على طول الطريق صح إذا لم يكن بين الامام والقوم مقدار ما تمر فيه العجلة،
وكذا بين كل صف وصف كما في الخانية وغيرها.
فرع: لو أم في الصحراء وخلفه صفوف فكبر الصف الثالث قبل الأول يجوز. قنية من باب
مسائل متفرقة. قوله: (مطلقا) أي ولو كان هناك طريق أو نهر ح. قوله: (كأن قام في الطريق ثلاثة)
وصورة اتصال الصفوف في النهر: أن يقفوا على جسر موضوع فوقه أو على سفن مربوطة فيه ح.
أقول: وهذا في حق من لم يكن محاذيا للجسر، أما لو كان محاذيا له ولم يكن بينه وبين الصف
الآخر فضاء كثير يصح الاقتداء. ثم ظاهر إطلاقهم أنه إذا كان على النهر جسر فلا بد من اتصال
الصفوف، ولو كان النهر في المسجد كما في جامع دنقز الذي في دمشق. قوله: (وكذا اثنان عند
الثاني) والأصح قولهما كما في السراج، وكذا الاثنان كالجمع عند الثاني في الجمعة، وفي
المحاذاة: حتى لو كن ثنتين تفسدان صلاة اثنين اثنين خلفهما إلى آخر الصفوف. قال في المنظومة
النسفية في مقالات أبي يوسف:
واثنان في الجمعة جمع وكذا * سد الطريق ومحاذاة النساء
631

تتمة: صلوا في الصحراء وفي وسط الصفوف فرجة لم يقم فيها أحد مقدار حوض كبير عشر
في عشر، إن كانت الصفوف متصلة حوالي الفرجة تجوز صلاة من كان وراءها، أما لو كانت مقدار
حوض صغير لا تمنع صحة الاقتداء، كذا في الفيض، ومثله في التاترخانية. قوله: (بسماع) أي من
الامام أو المكبر. تاترخانية. قوله: (أو رؤية) ينبغي أن تكون الرؤية كالسماع، لا فرق فيها بين أن
يرى انتقالات الامام أو أحد المقتدين ح. قوله: (في الأصح) بناء على أن المعتبر الاشتباه وعدمه كما
يأتي، لا إمكان الوصول إلى الامام وعدمه. قوله: (ولم يختلف المكان) أي مكان المقتدي والامام.
وحاصله أنه اشترط عدم الاشتباه وعدم اختلاف المكان، ومفهومه أنه لو وجد كل من الاشتباه
والاختلاف أو أحدهما فقط منع الاقتداء، لكن المنع باختلاف المكان فقط فيه كلام يأتي. قوله:
(كمسجد وبيت) فإن المسجد مكان واحد، ولذا لم يعتبر فيه الفصل بالخلاء إلا إذا كان المسجد
كبيرا جدا، وكذا البيت حكمه حكم المسجد في ذلك لا حكم الصحراء كما قدمناه عن القهستاني.
وفي التاترخانية عن المحيط: ذكر السرخسي: إذا لم يكن على الحائط العريض باب ولا ثقب، ففي
رواية: يمنع لاشتباه حال الامام، وفي رواية: لا يمنع، وعليه عمل الناس بمكة، فإن الامام يقف
في مقام إبراهيم، وبعض الناس وراء الكعبة من الجانب الآخر وبينهم وبين الامام الكعبة ولم
يمنعهم أحد من ذلك ا ه‍. وبهذا يعلم أن المنبر إذا كان مسدودا لا يمنع اقتداء من يصلي بجنبه عند
عدم الاشتباه، خلافا لمن أفتى بالمنع وأمر بفتح باب فيه من علماء الروم. قوله: (عند اتصال
الصفوف) أي في الطريق أو على جسر النهر، فإنه مع وجود النهر أو الطريق يختلف المكان، وعند
اتصال الصفوف يصير المكان واحدا حكما فلا يمنع كما مر، وكأنه أراد بالحائل في كلام المصنف
ما يشمل الحائط وغيره كالطريق والنهر، إذ لو أريد به الحائط فقط لم يناسب ذكر هذا الكلام هنا.
تأمل؟. قوله: (درر) عبارتها: الحائل بينهما لو بحيث يشتبه به حال الامام يمنع وإلا فلا، إلا أن
يختلف المكان. قال قاضيخان: إذا قام على الجدار الذي يكون بين داره وبين المسجد ولا يشتبه
حال الامام يصح الاقتداء، وإن قام على سطح داره، وداره متصلة وبين المسجد ولا يشتبه
حال الامام يصح الاقتداء، وإن قام على سطح داره، وداره متصلة بالمسجد لا يصح اقتداؤه وإن كان
لا يشتبه عليه حال الامام، لان بين المسجد وبين سطح داره كثير التخلل فصار المكان مختلفا، أما
في البيت مع المسجد لم يتخلل إلا الحائط ولم يختلف المكان، وعند اتحاد المكان يصح الاقتداء
إلا إذا اشتبه عليه حال الامام اه‍.
أقول: حاصل كلام الدرر أن اختلاف المكان مانع مطلقا. وأما إذا اتحد، فإن حصل اشتباه منع
وإلا فلا، وما نقله عن قاضيخان صريح في ذلك. قوله: (لكن تعقبه في الشرنبلالية الخ) حيث ذكر
أن ما نقله عن الخانية من أنه لو قام على سطح داره المتصلة بالمسجد لا يصح الخ خلاف
الصحيح، لما في الظهيرية من أن الصحيح أنه يصح، ولما في البرهان من أنه لو كان بينهما حائط
كبير لا يمكن الوصول منه إلى الامام، ولكن لا يشتبه حاله عليه بسماع أو رؤية لانتقالاته لا يمنع
صحة الاقتداء في الصحيح، وهو اختيار شمس الحلواني ا ه‍.
632

وحاصل كلام الشرنبلالي أن المعتبر الاشتباه وعدمه فقط دون اختلاف المكان، فإن حصل
الاشتباه منع، سواء اتحد المكان أو لا، وإلا فلا.
واعترضه العلامة نوح أفندي بأن المشهور من مذهب النعمان أن الاقتداء لا يجوز عند اختلاف
المكان، والمكان في مسألة الظهيرية مختلف كما صرح به قاضيخان، فالصحيح أنه لا يصح ا ه‍.
أقول: ويؤيده أن الشرنبلالي نفسه صرح في الامداد بأنه لا يصح اقتداء الراجل بالراكب
وعكسه، ولا الراكب بالراكب لاختلاف المكان، إلا إذا كان راكبا دابة أمامه، وكذا ما ذكروه من أن
من سبقه الحدث فاستخلف غيره ثم توضأ يلزمه العود إلى مكانه ليتم مع خليفته إن كان بينهما ما
يمنع الاقتداء لئلا يختلف المكان. وأما ما صححه في الظهيرية في مسألة السطح فالظاهر أنه بناء على
ما إذا كان السطح متصلا بالمسجد، فحينئذ يصح الاقتداء ويكون ما في الخانية مبنيا على عدم
الاتصال المذكور، بدليل أنه في الخانية علل للمنع بكثرة التخلل واختلاف المكان: أي لكون
صحن الدار فاصلا بين السطح والمسجد فيفي أنه لولا ذلك لصح الاقتداء، ويؤيده ما في البدائع
حيث قال: لو كان على سطح بجنب المسجد متصل به ليس بينهما طريق فاقتدى به: صح اقتداؤه
عندنا، لأنه إذا كان متصلا به صار تبعا لسطح المسجد، وسطح المسجد له حكم المسجد، فهو
كاقتدائه في جوف المسجد إذا كان لا يشتبه عليه حال الامام ا ه‍.
فأنت ترى كيف علل الصحة بالاتصال كما علل في الخانية لعدمها بعدمه. وقد جزم صاحب
الهداية في مختارات النوازل بأن العبرة للاشتباه، ثم قال بعده: وإن قام على سطح داره واقتدى
بالامام إن لم يكن بينهما حائل ولا شارع يصح ا ه‍ فيتعين حمل ما في الظهيرية على ما إذا لم يكن
حائل كما قلنا، فيصح الاتحاد المكان.
وأما ما نقله الشرنبلالي عن البرهان فليس فيه تصحيح الاقتداء مع اختلاف المكان، لأنه
بتخلل الحائط لا يختلف المكان كما قدمناه عن قاضيخان. وفي التاترخانية: وإن صلى على سطح
بيته المتصل بالمسجد، ذكر شمس الأئمة الحلواني أنه يجوز، لأنه إذا كان متصلا بالمسجد لا يكون
أشد حالا من منزل بينه وبين المسجد حائط، ولو صلى رجل في مثل هذا المنزل وهو يسمع التكبير
من الامام أو المكبر يجوز، فكذلك القيام على السطح ا ه‍ فقد تحرر بما تقرر أن اختلاف المكان
مانع من صحة الاقتداء ولو بلا اشتباه، وأنه عند الاشتباه لا يصح الاقتداء وإن اتحد المكان. ثم رأيت
الرحمتي قرر كذلك، فاغتنم ذلك. قوله: (أن الصحيح اعتبار الاشتباه فقط) أي ولا عبرة باختلاف
المكان بناء على ما فهمه الشرنبلالي. وليس ذلك بمراد، لما علمت من أن اختلاف المكان مانع،
وإنما المراد التوفيق بين رواية الحسن عن الامام أن الحائط يمنع الاقتداء ورواية الأصل أنه لا يمنع،
فقيل إنه بإمكان الوصول منه وعدمه، واختار شمس الأئمة اعتبار الاشتباه وعدمه، وهذا هو الذي
اختاره جماعة من المتأخرين، وقدمناه أيضا عن مختارات النوازل والبدائع. قال في الخانية: لان
الاقتداء متابعة ومع الاشتباه لا يمكنه المتابعة. والذي يصحح هذا الاختيار ما روينا أن رسول
الله (ص) كان يصلي في حجرة عائشة والناس يصلون بصلاته ونحن نعلم أنهم ما كانوا متمكنين من
الوصول إليه في الحجرة ا ه‍. قوله: (ومفتاح السعادة) في بعض النسخ زيادة: ومجمع الفتاوى،
633

والنصاب، والخانية قوله: (وصح اقتداء متوضئ بمتيمم) أي عندهما، بناء على أن الخليفة عندهما
بين الآلتين وهما الماء والتراب والطهارتان سواء. وقال محمد: لا يصح في غير صلاة الجنازة بناء
على أن الخليفة عنده بين الطهارتين، فيلزم بناء القوي على الضعيف، وتمامه في الأصول، بحر.
قوله: (لا ماء معه) أي مع المقتدي، أما لو كان معه ماء فلا يصح الاقتداء، وهذا القيد مبني على
فرع إذا رأى المتوضئ المقتدي بمتيمم ماء في الصلاة لم يره الامام فسدت صلاته لاعتقاده فساد
صلاة إمامه لوجود الماء وعند زفر: لا تفسد، وينبغي حمل الفساد على ما إذا ظن علم إمامه به،
لان اعتقاده فساد صلاة إمامه بذلك، كذا في الفتح، وأقره في الحلية ولبحر، ونازعه في النهر،
وتبعه الشيخ إسماعيل بأن الزيلعي علل البطلان بأن إمامه قادر على الماء بإخباره ا ه‍: أي فكان اعتقاده
فساد صلاة إمامه مبنيا على القدرة المذكورة. وينبغي كما قال في الحلية تقييد المسألة بما إذا كان
تيممه لفقد الماء، أما لو كان لعجزه عن استعماله لمرض ونحوه يصح الاقتداء مطلقا، لان وجود
الماء حينئذ لا يبطل تيممه.
تنبيه: ذكر في النهر عن المحيط أن المراد بالفساد هنا فساد الوصف، حتى لو قهقهه المقتدي
انتقض وضوءه عندهما خلافا لمحمد. قال: وينبغي على ما اختاره الزيلعي أن يبطل الأصل أيضا، إذ
الفساد لفقد شرط وهو الطهارة ا ه‍. وتقدم الكلام على ذلك. قوله: (ولو مع متوضئ بسؤر حمار)
أي ولو كان المتيمم جامعا بين التيمم والوضوء بسؤر مشكوك فيه، ولا وجه للمبالغة هنا، ومفهومه
أنه لو أداها بالوضوء أولا لم يصح الاقتداء به في أدائها ثانيا بالتيمم وحده، لعدم تحقق أداء الفرض
به، أفاده ط. قوله: (ولو على جبيرة) الأولى قوله في الخزائن: على خف أو جبيرة، إذ لا وجه
للمبالغة هنا أيضا، لان المسح على الجبيرة أولى بالجواز، لأنه كالغسل لما تحته. على أنه استبعد
في النهر شمول ماسح له فجعله مفهوما بالأولى: أي فيدخل دلالة لا منطوقا. تأمل. قوله: (وقائم
بقاعد) أي قائم راكع ساجد أو موم، وهذا عندهما خلافا لمحمد. وقيد القاعد بكونه يركع ويسجد،
لأنه لو كان موميا لم يجز اتفاقا. والخلاف أيضا فيما عدا النفل، أما فيه فيجوز اتفاقا ولو في
التراويح في الأصح، كما في البحر. قوله: (لأنه (ص) الخ) الكلام على ذلك مبسوط في الفتح
وحاشية نوح وغيرهما، والغرض لنا معرفة الاحكام.
مطلب: في رفع المبلغ صوته زيادة على الحاجة
قوله: (إذ الصياح ملحق بالكلام) قال في الفتح بعده: وسيأتي أنه إذا ارتفع بكاؤه لمصيب
بلغته تفسد، لأنه تعرض لاظهارها، ولو صرح بها فقال: وامصيبتاه فسد فهو بمنزلته، وهنا معلوم أن
634

قصده إعجاب الناس به، ولو قال: اعجبوا من حسن صوتي وتحريري فيه أفسد، وحصول الحروف
لازم من التلحين ا ه‍. ملخصا. وأقره في النهر. واستحسنه في الحلية فقال: وقد أجاد فيما أوضح
وأفاد ا ه‍. ولم أر من تعقبه سوى السيد أحمد الحموي في رسالته القول البليغ في حكم التبليغ
بأنه صرح في السراج بين الامام إذا جهر فوق الحاجة فقد أساء ا ه‍. والإساءة دون الكراهة ولا
توجب الافساد، وقياسه على البكاء غير ظاهر، لان هذا ذكر بصيغته فلا يتغير بعزيمته، والمفسد
للصلاة الملفوظ لا عزيمة القلب.
مطلب: القياس بعد عصر الأربعمائة منقطع، فليس لأحد أن يقيس
على أن القياس بعد الأربعمائة منقطع، فليس لأحد بعدها أن يقيس مسألة على مسألة كما
ذكره ابن نجيم في رسائله ا ه‍.
أقول: فيه نظر لان الكمال لم يجعل الفساد مبنيا على مجرد الرفع حتى يرد عليه ما في
السراج، بل بناه على زيادة الرفع الملحق بالصياح، حيث قال: فإنهم يبالغون في الصياح زيادة على
حاجة الإبلاغ، والاشتغال بتحريرات النغم إظهارا للصناعة النغمية لا إقامة للعبادة، والصياح ملحق
بالكلام وقوله: وقياسه الخ كلام ساقط، لان ما ذكره قول أبي يوسف، حيث بني عليه عدم
الفساد، فيما لو فتح المصلي على غير إمامه، أو أجاب المؤذن، أو أخبر بما يسره، فقال: الحمد
لله، أو بما يعجبه فقال: سبحان الله على قصد الجواب، ونحو ذلك مما سيأتي في مفسدات الصلاة،
والمذهب الفساد في الكل، وهو قولهما لأنه تعليم وتعلم في الأولى، وفيا بقي قد أخرج الكلام
مخرج الجواب وهو يحتمله، فإن مناط كونه من كلام الناس عندهما كونه لفظا أفيد به معنى ليس من
أعمال الصلاة، لا كونه لإفادة ذلك، وكونه لم يتغير بعزيمته ممنوع، ألا ترى أن الجنب إذا قرأ على
قصد الثناء جاز.
وقد أوردوا على أصل أبي يوسف المذكور أشياء كما قالوا * (يا يحيى خذ الكتاب) *
لمن اسمه يحيى وغير ذلك مما سيأتي في محله، وحيث كان مناط الفساد عندهما كون اللفظ أفيد به
معنى ليس من أعمال الصلاة كان ذلك قاعدة كلية يندرج تحتها أفراد جزئية منها مسألتنا هذه، إذ لا
شك أنه لم يقصد الذكر، بل بالغ في الصياح لأجل تحرير النغم والاعجاب بذلك يكون قد أفاد به
معنى ليس من أعمال الصلاة، ولا يكون ذلك من القياس بل هو تصريح بما تضمنه كلام المجتهد
أو دل عليه دلالة المساواة. فالحق ما قاله المحقق ابن الهمام ومن تابعه من الاعلام كما بسطت
ذلك قديما في رسالة سميتها (تنبيه ذوي الأفهام على حكم التبليغ خلف الامام) فافهم، وقدمنا
مسائل متعلقة بالتبليغ أيضا في أول بحث سنن الصلاة، فراجعها. قوله: (وقائم بأحدب) القائم هنا
أيضا صادق بالراكع الساجد بالمومي ح. وفيه عن القاموس: والحدب: خروج الظهر ودخول
الصدر والبطن من باب فرح ا ه‍. قوله: (على المعتمد) هو قولهما، وبه أخذ عامة العلماء خلافا
لمحمد. وصحح في الظهيرية قوله: ولا يخفى ضعفه فإنه ليس أدنى حالا من القاعد وتمامه في
البحر. قوله: (وغيره أولى) مبتدأ وخبر: أي غير الأعرج كما في البحر، وغير خاف أن هذا الحكم
لا يخص الأعرج، بل غير كل من المتيمم والقاعد والأحدب كذلك ح. قوله: (وموم بمثله) سواء
635

كان الامام يومي قائما أو قاعدا. بحر. قوله: (إلا أن يومي الخ) فإنه لا يجوز لقوة حال المأموم.
بحر. قوله: (ومتنفل بمفترض) لا يقال: النفل يغاير الفرض، لان النفل مطلق والفرض مقيد،
والمطلق جزء المقيد، فلا يغايره، شرح المنية، والقراءة في الأخريين وإن كانت فرضا في النفل
ونفلا في الفرض، إلا أن صلاته بالاقتداء أخذت حكم الفرض تبعا لصلاة الامام، ولذا لو أفسدها
بعد الاقتداء يقضيها أربعا كما قدمناه عن النهاية.
تنبيه: قال القهستاني: وفي قوله: ومتنفل بمفترض إشارة إلى أنه لا تكره جماعة النفل إذا أدى
الامام الفرض والمقتدي النفل، وإنما المكروه ما إذا أدى الكل نفلا ا ه‍. ويدل له ما مر في
حديث معاذ، قوله: (في غير التراويح) أما فيها، فلا يصح الاقتداء بالمفترض على أنها تراويح، بل
يصح على أنها نفل مطلق ح. قوله: (في الصحيح خانية) أقول: ذكر ذلك في الخانية في باب صلاة
التراويح، فقال: إن نوي التراويح أو سنة الوقت أو قيام الليل في رمضان جاز، وإن نوي الصلاة أو
صلاة التطوع اختلف المشايخ فيه كاختلافهم في سنن المكتوبات. قال بعضهم: يجوز أداء السنن
بذلك. وقال بعضهم: لا يجوز، وهو الصحيح، لأنها صلاة مخصوصة فيجب مراعاة الصفة للخروج
عن العهدة، وذلك بأن ينوي السنة أو متابعة النبي (ص) كما في المكتوبة، فعلى هذا إذا صلى التراويح
مقتديا بمن يصلي المكتوبة أو بمن يصلي نافلة غير التراويح اختلفوا فيه. والصحيح أنه لا يجوز ا ه‍.
ومثله في الخلاصة والظهيرية. واستشكل في البحر. قوله: (مقتديا بمن يصلي المكتوبة) بأنه بناء
الضعيف على القوي: أي ومقتضاه الجواز. وأجاب في الشرنبلالية بأن ذلك ليس في عبارة الخانية.
قلت: وكأنه ليس في نسخته لاسقاط الكاتب، وإلا فقد رأيته فيها. وأجاب أيضا بأن المراد من نفى
الجواز نفي الكمال.
أقول: ولا يخفي بعده، الجواب أنه بنى تصحيح عدم الجواز على القول باشتراط نية التعيين
في السنن الرواتب والتراويح، كما هو صريح قوله: فعلى هذا الخ. لا يخفي أن الامام حيث كان مفترضا أو متنفلا نفلا آخر لم توجد منه نية التراويح فلا تتأدى
بنيته وإن عينها المقتدي كما صرح به العلامة قاسم في فتاواه. وعلى هذا باقي سنن الرواتب لا يصح
الاقتداء بها بمفترض أو بمتنفل نفلا آخر، فالظاهر أن تخصيص التراويح بالذكر في غير محله، وإنما
خصصها في الخانية لكون الباب معقودا لها. تأمل.
ثم اعلم أن ما ذكره المصنف هنا مخالف لما قدمه في شروط الصلاة. بقوله: وكفى مطلق نية
الصلاة لنفل وسنة وتراويح وذكر الشارح هناك أنه المعتمد، ونقلنا هناك عن البحر أنه ظاهر الرواية
عند عامة المشايخ، وصححه في الهداية وغيرها، ورجحه في الفتح، ونسبه إلى المحققين.
قلت: فعلى هذا يصح الاقتداء في التراويح وغيرها بمفترض وغيره. ومثلها سائر السنن
الرواتب كما تقيده عبارة الخانية. تأمل. قوله: (وكأنه لأنها سنة الخ) تابع في ذلك المصنف في منحه،
636

وتقدم هذا التعليل في كلام الخانية على أنه علة لاشتراط نية التعيين في التراويح وغيرها من السنن،
ومفهوم كلامه أنه أراد بمراعاة الصفة تعيينها، لقوله بأن ينوي السنة أو متابعة النبي (ص)، فافهم.
قوله: (بمن يراه سنة) أي بشرط أن يصليه بسلام واحد، لأن الصحيح اعتبار رأي المقتدي، وعلى
مقابله يصح مطلقا. وبقي قول ثالث، وهو أنه لا يصح مطلقا، وتمامه في ح. قوله: (وهو مقيم) لأنه
لو كان مسافرا لا يصح اقتداؤه بعد خروج الوقت بمقيم في الرباعية، وقوله: بعد الغروب ظرف
لاقتدى، وقوله: بمن متعلق باقتدى، وقوله: أحرم قبله أي قبل الغروب مقيما كان أو مسافرا
ا ه‍. ح ونظير هذا من يقتدي في الظهر معتقدا قول الصاحبين بمن يصليه معتقدا قول الإمام ولا
يضر التخالف بالأداء والقضاء ط. قوله: (للاتحاد) أي اتحاد صلاة الامام مع صلاة المقتدي في الصور
الثلاث: أما في الأولى فظاهر. وأما في الثانية فلان ما أتي به كل واحد منهما هو الوتر في نفس
الامر، واعتقاد أحدهما سنيته والآخر وجوبه أمر عارض لا يوجب اختلاف الصلاتين. وأما الثالثة
فلان كلا منهما عصر يوم واحد، نعم صلاة الامام أداء حيث أحرم قبل الغروب، وصلاة المقتدي
قضاء حيث أحرم بعده، وهذا القدر من الاختلاف لا يمنع الاقتداء، ألا ترى أنه يصح الأداء بنية
القضاء وبالعكس ح. قوله: (وإذا ظهر حدث إمامه) أي بشهادة الشهود أنه أحدث وصلى قبل أن
يتوضأ أو بإخباره عن نفسه وكان عدلا، وإلا ندب كما في النهر عن السراج.
مطلب: المواضع التي تفسد صلاة الامام دون المؤتم
قوله: (وكذا كل مفسد في رأي مقتدي) أشار إلى أن الحدث ليس بقيد، فلو قال المصنف كما
في النهر: ولو ظهر أن بإمامه ما يمنع صحة الصلاة لكان أولى، ليشمل ما لو أخل بشرط أو ركن،
وإلى أن العبرة برأي المقتدي، حتى لو علم من إمامه ما يعتقد أنه مانع والامام خلافه أعاد، وفي
عكسه لا، إذا كان الامام لا يعلم ذلك، ولو اقتدى بآخر فإذا قطرة دم وكل منهما يزعم أنها من
صاحبه أعاد المقتدي لفساد صلاته على كل حال كما في النهر عن البزازية. قوله: (بطلت) أي تبين
أنها لم تنعقد إن كان الحدث سابقا على تكبيرة الامام أو مقارنا لتكبيرة المقتدي أو سابقا عليها بعد
تكبيرة الامام. وأما إذا كان متأخرا عن تكبيرة المقتدي فإنها تنعقد أولا، ثم تبطل عند وجود الحدث
ح. قوله: (فيلزم إعادتها) المراد بالإعادة الاتيان بالفرض بقرينة. قوله: بطلت لا المصطلح عليها،
وهي الاتيان بمثل المؤدى لخلل غير الفساد. قوله: (لتضمنها) أي تضمن صلاة الامام، والأولى
التصريح به، أشار به إلى حديث الامام ضامن، إذ ليس المراد به الكفالة، بل التضمن بمعنى أن
صلاة الامام متضمنة لصلاة المقتدي، ولذا اشترط عدم مغايرتهما، فإذا صحت صلاة الامام صحت
صلاة المقتدي، إلا لمانع آخر، وإذا فسدت صلاته فسدت صلاة المقتدي لأنه متى فسد الشئ فسد
ما في ضمنه. قوله: (وهو محدث الخ) أي في اعتقاده، أما لو كان حدثه ونحوه على اعتقاد المقتدين
لا يلزمه الاخبار، نعم في التاترخانية عن الحجة: ينبغي للامام أن يحترز عن ملامسة النساء ومواضع
الاختلاف ما استطاع ا ه‍. قوله: (أو فاقد شرط) عطف عام على خاص. قال في الامداد: وقيدنا
ظهور البطلان بفوات شرط أو ركن: إشارة إلى أنه لو طرأ المفسد لا يعيد المقتدي في صلاته، كما
637

لو ارتد الامام أو سعى إلى الجمعة بعد ما صلى الظهر بجماعة وسعى هو دونهم فسدت صلاته فقط
كما في العناية، وكذا لو عاد إلى سجود التلاوة بعد ما تفرقوا كما سنذكره ا ه‍.
قلت: ومثله ما سنذكره في المسائل الاثني عشرية: لو سلم القوم قبل الامام بعد ما قعد قدر
التشهد ثم عرض له واحد منها فإنها تبطل صلاته وحده، وكذا إذا سجد هو للسهو ولم يسجد القوم
ثم عرض له ذلك كما في البحر. فهذه جملة مسائل تفسد فيها صلاة الامام مع صحة صلاة المؤتم،
ولا تنتقض القاعدة السابقة بذلك، لان هذا الفساد طارئ على صلاة الامام بعد فراغ الإمامة، فلا
إمام ولا مؤتم في الحقيقة، والله أعلم. قوله: (وهل عليهم إعادتها الخ) أي لو ظهر بطلانها
بإخباره، وهذا تفصيل لقول المصنف فيلزم إعادتها. قوله: (وقيل لا لفسقه) أي وخبر الفاسق غير
مقبول في الديانات، وهو محمول على ما إذا كان عامدا كما يشير إليه قوله: باعترافه وقوله في
النهر عن البزازية: وإن احتمل أنه قال ذلك تورعا أعادوا. قوله: (لان الصلاة دليل الاسلام) أي دليل
على أنه كان مسلما وأنه كذب بقوله: إنه صلى بهم وهو كافر، وكان ذلك الكلام منه ردة فيجبر
على الاسلام. ولا ينافي ذلك ما مر أو كتاب الصلاة من أنه لا يحكم بإسلامه بالصلاة إلا إذا
صلاها في الوقت مقتديا متمما، بخلاف ما إذا صلاها إماما أو منفردا، لان ذاك في الكافر الأصلي
المعلوم كفره، وما هنا ليس كذلك، فإن من جهلنا حاله نشهد له بالاسلام إذا استقبل قبلتنا كما في
الحديث، بل بمجرد إلقاء السلام كما في الآية، ولذا قال: لان الصلاة دليل الاسلام، ولم يقل لأنه
صار بها مسلما، فافهم. قوله: (بالقدر الممكن) متعلق بإخبار، وقوله: على الأصح متعلق بيلزم.
قوله: (لو معينين) أي معلومين. وقال: وإن تعين بعضهم لزمه إخباره. قوله: (وإلا) أي وإن لم
يكونوا معينين كلهم أو بعضهم لا يلزمه. قوله: (وصحح في مجمع الفتاوى) وكذا صححه الزاهدي
في القنية والحاوي وقال: وإليه أشار أبو يوسف. قوله: (مطلقا) أي سواء كان الفساد مختلفا فيه أو
متفقا عليه، كما في القنية والحاوي، فافهم. قوله: (لكونه عن خطأ معفو عنه) أي لأنه لم يتعمد
ذلك فصلاته غير صحيحة ويلزمه فعلها ثانيا لعلمه بالمفسد. وأما صلاتهم فإنها وإن لم تصح أيضا،
لكن لا يلزمهم إعادتها لعدم علمهم ولا يلزمه إخبارهم لعدم تعمده، فافهم. قوله: (لكن الشروح
الخ) أي كالمعراج فإنه شرح الهداية، ونقله في البحر أيضا عن المجتبى شرح القدوري للزاهدي.
تأمل. قوله: (تفسد صلاة الكل) أي عنده. وعندهما صلاة القارئ فقط لأنه تارك فرض القراءة مع
القدرة، وله أن الأميين أيضا تركاها مع القدرة عليها، إذ كانا قادرين على تقديم القارئ حيث حصل
الاتفاق في الصلاة والرغبة في اجماعة شرح المنية، وأشار بقوله: تفسد إلى ما قيل: إن
القارئ صح شروعه في صلاة الامام، وإذا جاء أوان القراءة تفسد، وصحح في الذخيرة عدمه فلا
تنتقض طهارته بالقهقهة، وتمامه في الزيلعي والبحر. قوله: (على المذهب) وجهه أن الفرائض لا
638

يختلف فيها الحال بين العلم والجهل. بحر. وإذا لم يشترط العلم فالنية أولى. زيلعي. قوله: (في
الأخريين) أي سواء قرأ في الأوليين أو في إحداهما أولا ولا، وفي الأولى خلاف زفر، ورواية عن
أبي يوسف والأخيرتان اتفاقا كما لو استخلفه في الأوليين، ذكره ح في الباب الآتي. قوله:
(لخروجه بصنعه) وهو الاستخلاف وهو الصحيح، تفسد عنده، وهي من الاثني عشرية. ح عن
العناية. قوله: (ولو تقديرا) أي ولا تقدير في حق الأمي لانعدام الأهلية، فقد استخلف من لا يصلح للإمامة ففسدت صلاتهم. أما صلاة الامام فلانه عمل كثير وصلاة القوم مبنية عليها. بحر. قوله:
(وصحت الخ) محترز. قوله: وإذا اقتدى الخ واحترز بالصحيح عن قول أبي حازم: لا تجوز صلاة
الأمي قياسا على المسألة الأولى لقدرته على القراءة بالاقتداء بالقارئ، وصحح في الهداية الأول
وقال: لأنه لم يظهر منهما رغبة في الجماعة ا ه‍.
وحاصله أنه إنما تعتبر قدرته على القراءة بالاقتداء حيث ظهرت منهما رغبة في الجماعة كما
أشار إليه في الكفاية، وظاهره أنه لا بد الرغبة من كل منهما، حتى لو حصلت من أحدهما لا
تكفي، وبه اندفع ما في ح من أن ما ذكر عن الهداية يقتضي أنه لو اقتدى أمي بمثله وصلى قارئ
وحده لا تصح صلاة الأميين لظهور رغبتهما في الجماعة ا ه‍. ويدفعه أيضا ما في الفتح عن
الكافي: إذا كان بجواره قارئ ليس عليه طلبه وانتظاره، لأنه لا ولاية له عليه ليلزمه، وإنما تثبت
القدرة إذا صادفه حاضرا مطاوعا ا ه‍.
وفي شرح المنية عن المحيط: إذا كان القارئ على باب المسجد أو بجوار المسجد والامي
في المسجد يصلي وحده جازت بلا خلاف، كذا إذا كان القارئ في صلاة غير صلاة الأمي
جازت، ولا ينتظر فراغ القارئ بالاتفاق، أما لو كان كل منهما في ناحية من المسجد وصلاتهما
متوافقة، فذكر القاضي أبو حازم أنه لا يجوز. وفي رواية: يجوز لأنه لم يظهر من القارئ رغبة في
أداء الصلاة بالجماعة ا ه‍. فإذا رغب الأمي في الجماعة دون القارئ لا يلزمه طلبه فيصلي وحده
أو يقتدي بأمي آخر راغب، لأنه لا بد من رغبة القارئ أيضا على هذه الرواية الثانية، وهي التي مر
تصحيحها عن الهداية، فافهم.
واعلم أن ما صححه الشارح هنا مخالف لما مر له في الألثغ من أنه متى أمكنه الاقتداء لزمه،
فتأمل. قوله: (فإنها تفسد في الأصح لما مر) أي من قوله: للقدرة على القراءة بالاقتداء بالقارئ
وتصحيح هذه المسألة ذكره في النهاية، وهو مخالف لما قبله الذي صححه في الهداية، فإن ما قبله
شامل لما إذا شرعا معا أو افتتح الأمي أولا، ثم القارئ أو بالعكس. ووفق في الفتح بحمل ما في
الهداية على الصورة الأولى والثانية من هذه الثلاث، وفيه نظر، فإن تعليل الهداية بعدم ظهروا الرغبة
في الجماعة يشمل صورة العكس أيضا فيخالف ما في النهاية المبني على اعتبار القدرة على القراءة
بالاقتداء، وإن لم تظهر منهما الرغبة في الجماعة. ويظهر لي أن هذا مبني على قول القاضي أبي
حازم: وذكر العلامة نوح أفندي بعد كلام.
639

أقول: الذي تحصل لنا من هذا كله أن بعض العلماء ذهبوا إلى أن الموجب لفساد صلاة الأمي
ترك القراءة مع القدرة عليها بعد ظهور الرغبة في الجماعة، وإليه جنح صاحب الهداية ومن حذا
حذوه، وأن بعضهم ذهبوا إلى أن الموجب لفسادها ترك القراءة مع القدرة عليها بالاقتداء بالقارئ،
سواء ظهرت الرغبة في صلاة الجماعة أو لا، وإليه مال صاحب النهاية ومن نحا نحوه.
مطلب: الاخذ بالصحيح أولى من الأصح
والتحقيق الأول الذي في الهداية، ولهذا انحط كلام أكثر العلماء عليه، ثم أيده بما مر في صدر
الكتاب عن شرح المنية من أن الاخذ بالصحيح أولى من الأصح، لان مقابل الأول فاسد، ومقابل الثاني
صحيح، فقائل الأصح موافق قائل الصحيح دون العكس، والاخذ بما اتفقا على أنه صحيح أولى.
تتمة: تقدم أنه لا يصح اقتداء أمي بأخرس لقدرة الأمي على التحريمة ويصح عكسه،
فالأخرس أسوأ حالا من الأمي، فتجري فيه الأحكام المذكورة.
فرع: سئل العلامة قاسم في فتواه عن رجل أخرى أدرك بعض صلاة الامام وفاته البعض.
فأجاب بأن صلاته فاسدة عند الامام، جائزة عند أبي يوسف، وقول الإمام هو الصحيح ا ه‍. ثم
رأيت المسألة في الذخيرة وفرضها في الأمي.
مطلب: في أحكام المسبوق والمدرك واللاحق
قوله: (واعلم أن المدرك الخ) حاصله أن المقتدي أربعة أقسام: مدرك، ولاحق فقط،
ومسبوق فقط، ولاحق مسبوق، فالمدرك لا يكون لاحقا ولا مسبوقا، وهذا بناء على تعريفه المدرك
تبعا للبحر والدرر بمن صلاها كاملة مع الامام: أي أدرك جميع ركعاتها معه، سواء أدرك معه التحريمة
أو أدركه في جزء من ركوع الركعة الأولى إلى أن قعد معه القعدة الأخيرة، سواء سلم معه أو قبله،
وأما على ما في النهر من تعريفه المدرك بمن أدرك أول صلاة الامام فإنه قد يكون لاحقا، وعليه
فيقال: المقتدي إما مدرك أو مسبوق، وكل منهما إما لاحق أو لا. واعلم أن التفرقة بين المدرك
واللاحق اصطلاحية. وفي اللغة: يصدق كل منهما على الآخر.
مطلب: فيما لو أتى بالركوع والسجود أو بهما مع الامام أو قبله أو بعده
قوله: (من فاتته الركعات الخ) المراد بالفوات أنه لم يصل جميع صلاته مع الامام بأن لم يصل
معه شيئا منها أو صلى بعضها، فيدخل فيه المقيم المقتدي بمسافر فإنه لم يفته شئ من صلاة
الامام بعد اقتدائه به ولكنه صلى معه بعض صلاة نفسه فيكون لاحقا في باقيها، هذا ما ظهر لي
فتدبره. قوله: (بعد اقتدائه) متعلق بقوله فاتته. ثم إن كان اقتداؤه في أول الصلاة فقد يفوته كلها،
بأن نام عقب اقتدائه إلى آخرها، وقد يفوته بعضها، وإن كان اقتداؤه في الركعة الثانية مثلا فقد فاته
بعضها ويكون لاحقا مسبوقا والأول لاحق فقط، نعم على تعريف النهر المار يكون مدركا لاحقا،
فافهم. قوله: (بعذر) متعلق بفاتته أيضا. قوله: (وزحمة) بأن زحمه الناس في الجمعة مثلا فلم يقدر
على أداء الركعة الأولى مع الامام وقدر على الباقي، فيصليها ثم يتابعه. قوله: (وسبق حدث) أي
لمؤتم، وكذا الامام إذا أدى المستخلف بعضها حال الذهاب إلى الوضوء ط. قوله: (وصلاة خوف)
أي في الطائفة الأولى، وأما الثانية فمسبوقة ا ه‍ ح. قوله: (ومقيم الخ) أي فهو لاحق بالنظر
640

للأخيرتين، وقد يكون مسبوقا أيضا كما إذا فاتته أول صلاة إمامه المسافر ط. قوله: (فإنه يقضي
ركعة) لان الركوع والسجود قبل الامام لغو، فينتقل ما في الركعة الثانية إلى الأولى، وما في الثالثة
إلى الثانية، وما في الرابعة إلى الثالثة، فبقيت عليه ركعة هو لاحق فيها.
هذا، وقد ذكر في الخانية وغيرها المسألة على خمسة أوجه:
الأول: أن يركع ويسجد قبل الامام (1) وهو ما ذكرنا.
الثاني: أن يأتي بهما بعده وهو ظاهر.
الثالث: أن يركع معه ويسجد قبله فإنه يقضي ركعتين، لأنه يلتحق سجدتاه في الثانية بركوعه
في الأولى لأنه كان معتبرا، ويلغو ركوعه في الثانية لوقوعه عقب ركوعه الأول بلا سجود بقي عليه
ركعة، ثم ركوعه في الثالثة مع الامام معتبر. ويلتحق به سجوده في رابعة الامام فيصير عليه الثانية
والرابعة فيقضيهما ركعتين، لان سجوده في الأولى لغو، فينتقل سجود الثانية إلى الأولى، وتبقى
الثانية بلا سجود فتبطل، لأنها بقيت قياما وركوعا بلا سجود، ثم لما ركع في الثالثة معه وسجد قبله
لغا سجودها، فإذا فعل في الرابعة كذلك انتقل سجودها إلى الثالثة وبطلت الرابعة، فقد صلى
ركعتين ويقضي ركعتين بلا قراءة.
الرابع: أن يركع قبله ويسجد معه فإنه يقضي أربع ركعات بلا قراءة، لان السجود مع الامام إذا
لم يتقدمه ركوع معه غير معتبر.
الخامس: أن يأتي بهما قبله ويدركه الامام فيهما، وهو جائز، لكنه يكره ا ه‍ ملخصا.
أقول: وإنما لم ينقل في الوجه الثالث سجود الركعة الثالثة إلى الثانية، بل بطلت لأنها لم يبق
فيها سوى قيام وركوع حصلا قبل تمام الركعة الأولى، فلذا بطلت ولم تكمل بسجود الثالثة، كما
يؤخذ من فرع في التاترخانية عن الحجة: لو ركع مع الامام ولم يقدر على السجود حتى قام الامام
فصلى معه الثانية وسجد فيها أربعا فإنه يكون سجدتان منهن للأولى ويعيد الركعة الثانية، لان القيام
والركوع الثاني لا يحسبان من الصلاة لأنهما حصلا قبل تمام الركعة الأولى. قوله: (وحكمه) أي
اللاحق. قوله: (عكس المسبوق) أي في الفروع الأربعة المذكورة، فإنه إذا قضى ما فاته يقرأ
ويسجد للسهو إذا سها فيه، ويتغير فرضه لو كان مسافرا ونوى الإقامة ويتابع إمامه قبل قضاء ما فاته،
فافهم. ويخالف اللاحق في صور أخر مذكورة في النهر. قال في البدائع: ولو توضأ اللاحق وقد فرغ
إمامه ولم يقعد في الثانية لا يقعد فيها موافقة للامام فيما هو أعلى من القعدة، وهو القيام لأنه خلفه
تقديرا. قوله: (ثم يتابع) عطف عفى يبدأ. قوله: (إن أمكنه إدراكه) قيد لقوله ويبدأ ثم يتابع
وقوله وإلا تابعه الخ تصريح بمفهوم هذا الشرط وليس بصحيح، والصواب إبدال قوله إن
أمكنه إدراكه بقوله إن أدركه مع إسقاط ما بعده، وحق التعبير أن يقول: ويبدأ بقضاء ما فاته بلا

(1) قوله: (الأول ان يركع ويسجد قبل الامام) لا يقال ان ذلك مفسد لصلاته، لان المسبوق إذا انفرد بركعة عن امامه
فسدت صلاته. لأنا نقول: الركوع والسجود ليسا ركعة تامة، لان من أركان الركعة القيام أيضا وقد تابع امامه فيه
وانما خالفه في مجرد الركوع والسجود ا ه‍. منه.
641

قراءة عكس المسبوق ثم يتابع إمامه إن أدركه ثم ما سبق به الخ. ففي شرح المنية: وحكمه أنه
يقضي ما فاته أولا، ثم يتابع الامام إن لم يكن قد فرغ ا ه‍. وفي النتف: إذا توضأ ورجع يبدأ بما
سبقه الامام به، ثم إن أدرك الامام في شئ من الصلاة يصليه معه ا ه‍. وفي البحر: وحكمه أنه يبدأ
بقضاء ما فاته بالعذر ثم يتابع الامام إن لم يفرغ، وهذا واجب لا شرط، حتى لو عكس يصح، فلو
نام في الثالثة واستيقظ في الرابعة فإنه يأتي بالثالثة بلا قراءة. فإذا فرغ منها صلى مع الامام الرابعة،
وإن فرغ منها الامام صلاها وحده بلا قراءة أيضا، فلو تابع الامام ثم قضى الثالثة بعد سلام الامام
صح وأثم ا ه‍. ومثله في الشرنبلالية وشرح الملتقى للباقاني، وهذا المحل مما أغفل التنبيه عليه
جميع محشي هذا الكتاب، والحمد لله ملهم الصواب. قوله: (ما سبق به بها الخ) أي ثم صلى اللاحق
ما سبق به بقراءة إن كان مسبوقا أيضا، بأن اقتدى في أثناء صلاة الامام ثم نام مثلا، وهذا بيان
للقسم الرابع وهو المسبوق اللاحق. وحكمه أنه يصلي إذا استيقظ مثلا ما نام فيه، ثم يتابع الامام
فيما أدرك، ثم يقضي ما فاته ا ه‍. بيانه كما في شرح المنية وشرح المجمع أنه لو سبق بركعة من
ذوات الأربع ونام في ركعتين يصلي أولا ما نام فيه ثم ما أدركه مع الامام ثم ما سبق به فيصلي ركعة
مما نام فيه مع الامام ويقعد متابعة له لأنها ثانية إمامه (1) ثم يصلي الأخرى، مما نام فيه، ويقعد لأنها
ثانيته ثم يصلي التي انتبه فيها، ويقعد متابعة لامامه لأنها رابعة، وكل ذلك بغير قراءة لأنه مقتد، ثم
يصلي الركعة التي سبق بها بقراءة الفاتحة وسورة، والأصل أن اللاحق يصلي على ترتيب صلاة
الامام، والمسبوق يقضي ما سبق به بعد فراغ الامام ا ه‍. قوله: (ولو عكس) أي بأن يبتدئ بما نام
فيه ثم بما سبق ثم بما أدرك، أو يبتدئ بما سبق ثم بما أدرك ثم بما نام، أو يبتدئ بما سبق ثم
بما نام ثم بما أدرك كما في شرح المجمع. قلت: وبقي (2) صورتان من صور العكس أيضا: أن
يبتدئ بما أدرك ثم بما نام ثم بما سبق، أو يبتدئ بما أدرك ثم بما سبق ثم بما نام. قوله: (صح
وأثم) أي خلافا لزفر، فعنده لا يصح، وعندنا يصح، لان الترتيب بين الركعات ليس بفرض لأنها
فعل مكرر في جميع الصلاة، وإنما هو واجب. قوله: (والمسبوق من سبقه الامام بها) أي بكل
الركعات، بأن اقتدى به بعد ركوع الأخير، وقوله: أو ببعضها أي بعض الركعات. قوله: (حتى
يثني الخ) تفريع على. قوله: منفرد فيما يقضيه بعد فراغ إمامه، فيأتي بالثناء والتعوذ لأنه للقراءة،
ويقرأ لأنه يقضي أول صلاته في حق القراءة، كما يأتي، حتى لو ترك القراءة فسدت.
ومن أحكامه أيضا: ما مر من أنه لو حاذته مسبوقة معه في قضاء ما
سبقا به لا تفسد صلاته، وأنه يتغير فرضه بنية الإقامة، ويلزمه السجود إذا سها
فيما يقضيه كما يأتي، وغير ذلك مما يأتي متنا وشرحا، وقد أوضح أحكامه

(1) قوله: (لأنها ثانية إمامه) اي بالنظر إلى الركعة الأولى التي صلاها الامام قبل اقتداء هذا
اللاحق به، فلذا يقعد على رأسها كما فعل إمامه ا ه‍. منه.
(2) قوله: (قلت وبقي الخ) حاصله ان صور العكس خمسة فصار جملة الصور الممكنة ستة
بهذه الصورة، نام أدرك سبق ا ه‍. منه.
642

في البحر في الباب الآتي. قوله: (أي بعد متابعته لامامه الخ) متعلق بقوله: يقضيه أي أن محل قضائه
لما سبق به إنما هو بعد متابعته لامامه فيما أدركه، عكس اللاحق كما مر، لكن هنا لو عكس بأن قضى
ما سبق به ثم تابع إمامه ففيه قولان مصححان. واستظهر في البحر وتبعه الشارح القول بالفساد، قال:
لموافقته القاعدة: أي قولهم الانفراد في موضع الاقتداء مفسد كعكسه، لكن في حاشيته للخير الرملي
عن البزازية أن الأول: أي عدم الفساد أقوى لسقوط الترتيب - وفي شرح الشيخ إسماعيل عن جامع
الفتاوى: يجوز عند المتأخرين، وعليه الفتوى ا ه‍ وبه جزم في الفيض. قوله: (ويقضي أول صلاته في
حق قراءة الخ) هذا قول محمد كما في مبسوط السرخسي، وعليه اقتصر في الخاصة وشرح الطحاوي
والأسبيجابي والفتح والدرر والبحر وغيرهم، وذكر الخلاف كذلك في السراج، لكن في صلاة
الجلابي أن هذا قولهما، وتمامه في شرح الشيخ إسماعيل.
وفي الفيض عن المستصفى: لو أدركه في ركعة الرباعي يقضي ركعتين بفاتحة وسورة ثم يتشهد
ثم يأتي بالثالثة بفاتحة خاصة عند أبي حنيفة. وقالا ركعة بفاتحة وسورة وتشهد ثم ركعتين أوهما
بفاتحة وسورة وثانيتهما بفاتحة خاصة اه‍. وظاهر كلامهم اعتماد قول محمد. قوله: (وتشهد بينهما) قال
في شرح المنية: ولو لم يقعد جاز استحسانا لا قياسا، ولم يلزمه سجود السهو لكون الركعة أول من
وجه ا ه‍. قوله: (إلا في أربع) استثناء من قوله وهو منفرد فيما يقضيه. قوله: (لا يجوز الاقتداء به)
وكذا لا يجوز اقتداؤه بغيره كما في الفتح وغيره، ولا حاجة إلى زيادته لان المنفرد كذلك. قوله: (وإن
صح استخلافه الخ) أي إذا سبق إمامه حدث فاستخلفه يصح، وذكر هذه المسألة في الدرر.
واعترضه في البحر بأن الكلام في المسبوق حالة القضاء، ولا يتصور استخلافه فيها. وأجاب
عنه في النهر بما أشار إليه الشارح بقوله: في حد ذاته الخ يعني أن الضمير في قوله: وإن صح
استخلافه عائد إلى المسبوق من حيث هو، لا بقيد كونه في حالة القضاء الذي الكلام فيه، لأنه في
حالة القضاء لا يمكن استخلافه. قوله: (فلا استثناء أصلا الخ) يعني أن ما في الأشباه من أن
قولهم: لا يجوز الاقتداء بالمسبوق، يستثنى منه أنه يصح استخلافه ليس في محله، لان صحة
استخلافه إنما هي قبل سلام إمامه وعدم صحة الاقتداء به بعده فلا استثناء. والعجب من صاحب
البحر حيث اعترض على الدرر بما مر، وقد جزم به في أشباهه. قوله: (نعم لو نسي الخ) حاصله
أنه لو اقتدى اثنان معه بإمام قد صلى بعض صلاته فلما قاما إلى القضاء نسي أحدهما عدد ما سبق به
فقضى ملاحظا للآخر بلا اقتداء به صح كما في الخانية والفتح، خلافا لظاهر القنية، ولما مشى عليه
في الوهبانية من الفساد وجزم به في جامع الفتاوى، ووفق ابن الشحنة بحمل الثاني على الاقتداء أو
بكونه قولا شاذا لا يعمل به، فافهم. قوله: (إجماعا) أي مع أن المنفرد لا يأتي بها عند أبي حنيفة
رحمه الله تعالى ح. قوله: (بخلاف المنفرد) فإنه لا يصير مستأنفا، لان الثانية عين الأولى من كل
وجه، أما المسبوق فيكون قد انتقل عن صلاة هو منفرد فيها من وجه إلى صلاة وهو منفرد فيها من
643

كل وجه فغايرت الأولى. قوله: (ولو قبل اقتدائه) متعلق بسهو: أي ولو كان سهو إمامه حصل قبل
اقتدائه به، لان السهو أورث نقصانا في تحريمة الامام، وهو قد بنى تحريمته عليها، فدخل النقصان
في صلاته أيضا، ولذا لو لم يسجد معه يجب عليه السجود في آخر صلاته كما يأتي، لان ذلك
النقصان لا يرفعه سواه. قوله: (عليه أن يعود) أي ملم يقيد الركعة بسجدة كما يأتي، وإذا عاد
إلى المتابعة ارتفض ما فعله من قيام وقراءة وركوع لوقوعه قبل صيرورته منفردا، حتى لو بنى عليه
من غير إعادته فسدت صلاته ما في شرح المنية. قوله: (وينبغي أن يصير الخ) أي لا يقوم بعد
التسليمة أو التسليمتين، بل ينتظر فراغ الامام بعدهما، كما في الفيض والفتح والبحر. قال
الزندويستي في النظم: يمكث حتى يقوم الامام إلى تطوعه أو يستند إلى المحراب إن كان لا تطوع
بعدها ا ه‍. قال في الحلية وليس هذا بلازم، بل المقصود ما يفهم أن لا سهو على الامام، أو
يوجد له ما يقطع حرمة الصلاة. ا ه‍، وقيده في الفتح بما إذا اقتدى بمن يرى سجود السهو بعد
السلام أما إذا اقتدى بمن يراه قبله فلا. واعترضه في البحر بأن الخلاف بين الأئمة إنما هو في
الأولوية، فربما اختار الإمام الشافعي أن يسجد بعد السلام عملا بالجائز، فلذا أطلقوا استنظاره ا ه‍.
وفيه بعد، فإن الظاهر مراعاته المستحب في مذهبه. قوله: (إن قبل قعود الامام الخ) قيد بقعود
الامام، لأنه لو رفع رأسه من السجدة قبل إمامه وقعد قدر التشهد وقام قبل أن يقعد إمامه قدر التشهد
لم يعتبر قعوده، حتى لو كان مدركا وسلم في هذه الصورة لم تصح صلاته، ثم المراد بقدر التشهد
قدر قراءته إلى عبده ورسوله بأسرع ما يكون، لا قراءته بالفعل كما مر في فرائض الصلاة. قوله:
(لا) أي لا يعتد بما أداه قبل قعود إمامه من قيام وقراءة، وإنما يعتد بما أداه بعده. قال في الفتح:
ولو قام قبله: أي قبل قدر التشهد، قال في النوازل: إن قرأ بعد فراغ الامام من التشهد ما تجوز به
الصلاة جاز وإلا فلا، هذا في المسبوق بركعة أو ركعتين، فإن كان بثلاث، فإن وجد منه قيام بعد
تشهد الامام جاز وإن لم يقرأ، لأنه سيقرأ في الباقيتين والقراءة فرض في ركعتين ا ه‍. وتمامه في
سهو المنية وشرحا. ومبنى هذا على أنه لا يعتد بقيامه قبل فراغ إمامه، فكأنه لم يقم وبعده يعتبر
قائما، فإن وجد منه حينئذ القراءة والقيام جاز وإلا فلا كما في الرملي. قوله: (وكره تحريما) أي
قيامه بعد قعود إمامه قدر التشهد لوجوب متابعته في السلام. قوله: (كخوف حدث) أي خوف سبق
الحدث. قوله: (وخروج) عطف على حدث. قوله: (وجمعة وعيد ومعذور) معطوفات على فجر.
ح. قوله: (وتمام) عطف على حدث وكذا مرور. ح. قوله: (فإن فرغ الخ) أي إذا قام بعد قعود
إمامه قدر التشهد فقضى ما سبق به وفرغ قبل سلام إمامه ثم تابعه بعد السلام، قيل تفسد، وقيل لا،
وعليه الفتوى، لأنه وإن كان اقتداؤه بعد المفارقة مفسدا، لكن هذا مفسد بعد الفراغ فهو كتعمد
الحدث في هذه الحالة. فتح وبحر. ومقتضى التعليل أن المتابعة إنما كانت في السلام فقط، كما
هو ظاهر كلام الشارح أيضا: فلو قصد متابعته في القعدة والتشهد تفسد لأنه يكون اقتداء قبل الفراغ.
قوله: (ولو لم يعد) مقابل قوله: فعليه أن يعود. قوله: (قيد بالسهو) أي في قوله: وعلى الامام
644

سجدتا سهو. قوله: (فرضت المتابعة) لان المتابعة في الفرض فرض، أما في الصلبية فظاهر، وأما
في التلاوية فلأنها ترفع القعدة، والقعدة فرض فالمتابعة فيها فرض ا ه‍ ح.
والحاصل أنه إذا لم يقيد ما قام إليه بسجدة لم يصر منفردا ويرتفض، فلو لم يتابع إمامه
فسدت صلاته، وقد أطلق الفساد هنا في الفتح وغيره، لكن فصل في الذخيرة في تذكر التلاوية بأنه
إن لم يتابع الامام فيها ينظر: إن وجد منه قيام وقراءة بعد فراغ الامام من القعدة الثانية مقدار ما تجوز
به الصلاة جازت صلاته وإلا فلا، لان يعود إمامه إلى التلاوية ارتفعت القعدة فصار كأنه قام إلى
قضاء ما سبق به قبل فراغ الامام من التشهد ا ه‍. ولم يذكر مثل ذلك في الصلبية لأنها ركن فعدم
المتابعة فيها مفسد مطلقا، بخلاف التلاوية لأنها واجبة. تأمل. قوله: (وهذا كله) أي عود المسبوق
ومتابعته لامامه في السهوية والصلبية والتلاوية ح قوله: (مطلقا) أي تابع أو لم يتابع لأنه انفرد،
وعليه ركنان السجدة والقعدة وهو عاجز عن متابعته بعد إكمال الركعة، فتح وبحر. قوله: (إن تابع)
لما في المتابعة من رفض ما لا يقبل الرفض ح. قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يتابع فيهما لا تفسد،
أما في السهوية فلأنها واجبة ولا ترفع القعدة، وإنما ترفع التشهد وهو واجب أيضا، وترك المتابعة
في الواجب لا وجب الفساد، وأما في التلاوية فلأنها واجبة ورفعها القعدة كان بعد استحكام انفراد
المسبوق فلا يلزمه ا ه‍ ح: أي لا يلزمه حكم الامام في رفع القعدة، كما لو ارتد إمامه بعد إتمامها أو
راح إلى الجمعة بعد ما صلى بهم الظهر بجماعة ارتفض في حقه لا حقهم، وتمامه في الفتح وسهو
البدائع. قوله: (ولو سلم ساهيا) قيد به لأنه لو سلم مع الامام على ظن أن عليه السلام معه فهو
سلام عمد فتفسد كما في البحر عن الظهيرية. قوله: (لزمه السهو) لأنه منفرد في هذه الحالة ح.
قوله: (وإلا لا) أي وإن سلم معه أو قبله لا يلزمه لأنه مقتد في هاتين الحالتين ح. وفي شرح المنية
عن المحيط إن سلم في الأولى مقارنا لسلامه فلا سهو عليه لأنه مقتد به، وبعده يلزم لأنه
منفرد ا ه‍. ثم قال: فعلى هذا يراد بالمعية حقيقتها، وهو نادر الوقوع ا ه‍.
قلت: يشير إلى أن الغالب لزوم السجود لان الأغلب عدم المعية، وهذا مما يغفل عنه كثير من
الناس فليتنبه له. قوله: (إن بعد القعود) أي قعود الامام القعدة الأخيرة. قوله: (تفسد) أي صلاة
المسبوق لأنه اقتداء في موضع الانفراد، ولان اقتداء المسبوق بغيره مفسد كما مر. قوله: (وإلا) أي
وإن لم يقعد وتابعه المسبوق لا تفسد صلاته، لان ما قام إليه الامام على شرف الرفض ولعدم تمام
الصلاة، فإن قيدها بسجدة انقلبت صلاته نفلا، فإن ضم إليها سادسة ينبغي للمسبوق أن يتابعه، ثم
يقضي ما سبق به وتكون له نافلة كالامام، ولا قضاء عليه لو أفسده لأنه لم يشرع فيه قصدا. رحمتي.
قوله: (فالأشبه الفساد) وفي الفيض: وقيل لا تفسد به يفتى. وفي البحر عن الظهيرية: قال الفقيه
أبو الليث: في زماننا لا تفسد، لان الجهل في القراء غالب ا ه‍. والله أعلم.
645

باب الاستخلاف
مناسبته للإمامة ظاهرة، ولذا ترجم به عادلا عما في الهداية وغيرها من الترجمة بباب الحدث
في الصلاة لأنها ترجمة بالسبب لا بالحكم، والأول أولى لأنه ترجمة بالحكم.
ولما كان الاستخلاف مشروطا بكون الحدث غير مانع للبناء ذكر الشارع شروط البناء، لأنه في
الحقيقة بناء من الخليفة على ما صلاه الامام. قوله: (كون الحدث سماويا) هو ما لا اختيار للعبد
فيه ولا في سببه كما يأتي في الشرح، فخرج بالأول ما لو أحدث عمدا، وبالثاني ما لو كان بسبب
شجة أو عضة أو سقوط حجر من رجل مشى على نحو سطح، فافهم. قوله: (من بدنه) احتراز عما
إذا أصابه من خارج نجاسة مانعة. وفيه إطلاق الحدث على النجس وهو تسامح، على أن النجاسة
المانعة من غير سبق حدث تمنع البناء، سواء كانت من بدنه أو من خارج، كما في البحر. وأيضا
النجاسة غير داخلة، لان الكلام في الحديث.
وقد يقال: احترز به عن الجنون، فإنه حدث من غير البدن إذا كان من الجن لا من مرض، وإلا
كان من البدن كالاغماء. تأمل. قوله: (غير موجب لغسل) خرج ما إذا أنزل بتفكر ونحوه. قوله: (ولا
نادر وجود) خرج نحو القهقهة والاغماء. قوله: (ولم يؤركنا مع حدث) خرج ما إذا سبقه الحدث
ساجدا فرفع رأسه قاصدا الأداء أو قرأ ذاهبا. قوله: (أو مشى) خرج ما إذا قرأ آيبا. قوله: (ولم يفعل
منافيا) خرج ما إذا أحدث عمدا بعد السماوي. قوله: (أو فعل له منه بد) خرج ما لو تجاوز ماء غير بئر
إلى أبعد منه بأكثر من قدر صفين بلا عذر. قوله: (ولم يتراخ) أما لو تراخى قدر أداء ركن بعذر كزحمة
أو نزول دم، فإنه يبني، وكذا لو كان حدثه بالنوم فمكث زمانا ثم انتبه، لان فسادها بالمكث لوجود
أداء جزء منها مع الحدث والنائم حال نومه غير مؤد شيئا. شرح المنية. قوله: (كمضي مدة مسحه)
وكرؤية المتيمم ماء، وخروج وقت المستحاضة. بحر. قوله: (ولو يتذكر فائتة الخ) أما لو تذكرها
فلا يصح بناؤه حتما، بل قد وقد، لأنه إن قضاها عقب التذكر كما هو المشروع فسدت الوقتية، وإن
أخرها حتى خرج وقت السادسة لم يبق صاحب ترتيب فصح البناء، فافهم. قوله: (ولم يتم المؤتم
في غير مكانه) المؤتم يشمل الامام الذي سبقه الحدث واستخلف فإنه مؤتم بخليفته، فإذا توضأ وكان
إمامه لم يفرغ من صلاته فعليه أن يعود ويتم صلاته خلف إمامه إن كان بينهما ما يمنع الاقتداء، حتى
لو أتم في مكانه فسدت، وأما المنفرد فيخير بين العود وعدمه. قوله: (غير صالح لها) كصبي وامرأة
وأمي، فإذا استخلف أحدهم فسدت صلاته وصلاة القوم، لأنه عمل كثير ليس من أعمال الصلاة،
وسيأتي تمام الكلام على هذه الشروط كلها. قوله: (سبق الامام حدث) أي حقيقة، أما لو ظن سبق
الحدث ثم ظهر عدمه، فسيأتي أنه تفسد صلاته وإن لم يخرج من المسجد إذا استخلف لأنه عمل
كثير. قوله: (لا اختيار للعبد فيه الخ) صفة كاشفة لقوله: سماوي ح.
646

أقول: والظاهر من كلامهم أن المراد بالعبد عندهما ما يشمل المصلي وغيره. وعند أبي
يوسف، المراد به المصلي، ففي حاشية نوح عن المحيط: لو أصاب المصلي حدث بغير فعله بأن
أصابه بندقة: أي من طين فشجته لا يبني عندهما، ويبني عند أبي يوسف لأنه لا صنع له فيه فصار
كالسماوي. ولهما: أنه حدث حصل بصنع العباد ولا يغلب وجوده، فلا يلحق بالسماوي. ولو وقع
عليه مدر من سطح أو كان يصلي تحت شجرة فوقع عليه الكمثري أو السفرجل فشجه أو أصابه شوك
المسجد فأدماه، قيل يبني لأنه حصل لا بصنع العباد، وقيل على هذا الخلاف، لان السقوط بسبب
الوضع والانبات. وقال في الظهيرية: ولو سقط من السطح مدر فشج رأسه، إن كان بمرور مار
استقبل الصلاة، خلافا لأبي يوسف، وإن كان لا بمرور مار، قيل يبني بلا خلاف، وقيل على
الاختلاف، وهو الصحيح ا ه‍.
قال الخير الرملي بعد كلام الظهيرية: أقول علم به أن الصحيح عدم البناء مطلقا، ويقاس عليه
وقوع السفرجلة، فإن كان بهزها فعلى الخلاف، وإلا فقيل يبني بلا خلاف، والصحيح أنه على
الخلاف ا ه‍. قوله: (كسفرجلة الخ) تمثيل للمنفي وهو ما فيه اختيار للعبد، فقد نقل في البحر
الاختلاف في وقوع سفرجلة أو طوبة من سطح، ثم نقل تصحيح عدم البناء إذا سبقه الحدث من
عطاسه أو تنحنحه. ونقل الرملي عن شرح المنية أن الأظهر عدم البناء في التنحنح دون العطاس.
وما في الشرنبلالية وتبعه المحشي من أنه في البحر صحح البناء فيهما ليس بالواقع. فافهم. قوله:
(غير مانع للبناء) نعت لحدث، وخرج به ما إذا كان الحدث مانعا للبناء، بأن كان الحدث واحدا من
أضداد الأشياء الثلاثة عشر، وهو ما أشار إليه بقوله كما قدمناه ح. قوله: (ليأتي بالسلام) قال ابن
الكمال: صرح بذلك في الهداية، وهذا صريح في أنه لا خلاف للامامين هنا، إذ لا خلاف لهما في
وجوب التسليم ا ه‍. وأراد به الرد على صدر الشريعة ومله خسرو، حيث عللا بأنه لم تتم صلاته،
لان الخروج بصنعه فرض عنده ولم يوجد. وعندهما تمت: أي فلا يستخلف. ورده في اليعقوبية
أيضا بأن هذا قول بعض المشايخ. وفي كلام صاحب الهداية إشارة إلى أن المختار قول الكرخي،
وهو أن الخروج بصنعه ليس بفرض اتفاقا. قوله: (استخلف) أشار إلى أن الاستخلاف حق الامام،
حتى لو استخلف القوم فالخليفة خليفته، فمن اقتدى بخليفتهم فسدت صلاته، ولو قدم الخليفة
غيره: إن قبل أن يقوم مقام الأول وهو: أي الأول في المسجد جاز، وإن قدم القوم واحدا أو تقدم
بنفسه لعدم استخلاف الامام جاز إن قام مقام الأول قبل أن يخرج من المسجد، ولو خرج منه فسدت
صلاة الكل دون الامام، كذا في الخانية. ولو تقدم رجلان فالأسبق أولى، ولو قدمهما القوم فالعبرة
للأكثر ولو استويا فسدت صلاتهم، وتمامه في النهر. قوله: (أي جاز له ذلك) حتى لو كان الماء
في المسجد فإنه يتوضأ ويبنه، ولا حاجة إلى الاستخلاف كما ذكره الزيلعي، وإن لم يكن في
المسجد فالأفضل الاستخلاف كما في المستصفى.
وظاهر المتون أن الاستخلاف أفضل في حق الكل، فما في شرح المجمع لابن الملك من أنه
يجب على إمام الاستخلاف صيانة لصلاة القوم فيه نظر. بحر. وقد يجاب عنه بما في النهر، من أنه
ينبغي وجوبه عند ضيق الوقت. قوله: (ولو في جنازة) هو الأصح. نهر عن السراج. قوله: (بإشارة)
647

متعلق بقوله استخلف قال في الفتح: والسنة أن يفعله محدودب الظهر آخذا بأنفه يوهم أنه رعف.
قوله: (ولو لمسبوق) أشار إلى أن استخلاف المدرك أولى كما يأتي مع بيان ما يفعله المسبوق.
قوله: (ويشير الخ) هذا إذا لم يعلم الخليفة، أما إذا علم فلا حاجة إلى ذلك. بحر. قوله:
(لسجود) أي لترك سجود، وكذا ما بعده من المعطوف ح. قوله: (ما لم يتقدم الخ) تخصيص لما
في المتن كالهداية. وحاصله أن حده الصفوف إن ذهب يمنة أو يسرة أو خلفا، وأما إن ذهب أماما
فحده السترة أو موضع السجود إن لم تكن له سترة. قال في الفتح: إنه الأوجه. وفي البدائع: إنه
الصحيح. قال في البحر: فما في الهداية من أن الامام إذا لم يكن بين يديه سترة فالمعتبر مشيه
مقدار الصفوفات خلفه ضعيف ا ه‍. لكن قال الخير الرملي: إن أغلب الكتب على اعتماد ما في
الهداية، فكيف يكون ضعيفا. قوله: (كالمنفرد) فإن المعتبر فيه موضع سجوده من الجوانب الأربع،
إلا إذا مشى أمامه وبين يديه سترة فيعطى لداخلها حكم المسجد. بحر عن البدائع. قوله: (وما لم
يخرج من المسجد) فإذ خرج بطلت الصلاة فلم يصح الاستخلاف ولو كانت الصفوف متصلة وهو
في أثنائها، لان المناط الخروج، وهذا عندهما. وعند محمد: يصح الاستخلاف من خارج، وبه
صرح الكمال وغيره. وفي الخلاصة: جعل الصحة قولهما وعدمها قول محمد، كذا في الشرنبلالية
ح. والمراد ببطلان الصلاة صلاة القوم والخليفة دون الامام في الأصح كما في البحر وغيره، لأنه
صار في حكم المنفرد.
تنبيه: في القنية عن شرح بكر وغير المساجد العظام، كمسجد المنصورية، ومسجد بيت
المقدس حكمها حكم الصحراء ا ه‍. قوله: (أو الجبانة) هي المصلى العام في الصحراء. مغرب.
قوله: (أو الدار) كذا أطلقها في الزيلعي والبحر. والظاهر أن المراد منها الصغيرة، لما قدمناه في
موانع الاقتداء أن الصغيرة كالمسجد والكبيرة كالصحراء، وأن المختار في تقدير الكبيرة أربعون
ذراعا. تأمل. قوله: (لو كان يصلي فيه) أي في أحد المذكورا ت ح. قوله: (ما لم يجاوز هذا الحد)
أي الصحراء أو المسجد ونحوه: أي فإذا تجاوزه خرج الامام عن الإمامة وإلا فلا. قال ابن الملك:
حتى لو اقتدى به إنسان ما دام في المسجد أو في الصفوف قبل الوضوء جاز ا ه‍. قوله: (ولم يتقدم
أحد ولو بنفسه) أشار إلى أنه يصير خليفة إذا قدمه الامام أو أحد القوم أو تقدم بنفسه كما قدمناه عن
النهر. قوله: (مقامه) معمول، لمحذوف أي قائما مقامه، لا لقوله: يتقدم إذ لا يقال تقدمت مقام
زيد ولا قعدت مجلس عمرو لعدم اتحاد مادتهما.
هذا، وقيد بقيامه لأنه لا يصير خليفة قبل ذلك، لكن هذا إذا لم ينو الخليفة الإمامة من
ساعته لما في الخانية وغيرها: إمام أحدث فقدم رجلا من آخر الصفوف ثم خرج من المسجد إن
نوى الخليفة الإمامة من ساعته صار إماما فتفسد صلاة من كان متقدما عليه فقط، وإن نوى أن يكون
إماما إذا قام مقام الأول وخرج الأول قبل أن يصل الخليفة إلى مكانه فسدت صلاتهم، لخلو مكان
648

الامام عن إمام، وشرط جواز صلاة الخليفة والقوم أن يصل الخليفة إلى المحراب قبل أن يخرج
الامام من المسجد، وإذا نوى الخليفة الإمامة من ساعته وخرج الامام من المسجد قبل أن يصل
الخليفة إلى المحراب لم تفسد صلاتهم، لأنه ما خلا المسجد عن الامام ا ه‍. قوله: (ناويا الإمامة)
قيد به لما في الدراية: اتفقت الروايات على أن الخليفة لا يكون إماما ما لم ينو الإمامة، ومقتضاه
أنه لا يكفي قيامه مقام الأول بدون النية. قوله: (وإن لم يجاوزه الخ) أو يجاوز الحد المذكور، وهذا
مبالغة على مفهوم قوله: ولم يتقدم أحد الخ يعني أنه على إمامته ما لم يتقدم أحد إلى مقامه ناويا
الإمامة، فإذا تقدم فقد خرج الأول عن الإمامة وصار مقتديا به، وإن لم يجاوز الحد المذكور. قوله:
(حتى لو تذكر الخ) تفريع على المفهوم المذكور. وهو أنه إذا تقدم أحد إلى مقامه فقد خرج الأول
عن الإمامة وصار مقتديا بالخليفة، سواء تجاوز المسجد ونحوه أو لا، وقوله: لأنه صار مقتديا علة
لقوله: لم تفسد صلاة القوم أي لأنه خرج عن كونه إماما لهم وإن لم يخرج من المسجد ونحوه فلا
يضرهم كلامه أو حدثه العمد ونحوه.
واستشكل ذلك في البحر بما ذكروا من أنه إذا استخلف لا يخرج الامام عن الإمامة بمجرده،
ولهذا لو اقتدى به إنسان من ساعته قبل الوضوء فإنه صحيح على الصحيح كما في المحيط، ولهذا
قال في الظهيرية والخانية: إن الامام لو توضأ في المسجد وخليفته قائم في المحراب ولم يؤد ركنا
فإنه يتأخر الخليفة ويتقدم الامام، ولو خرج الامام الأول من المسجد وتوضأ في رجع إلى المسجد
وخليفته لم يؤد ركنا فالامام هو الثاني ا ه‍.
ووفق في النهر بحمل ما ذكروا على ما إذا لم يقم الخليفة مقام الأول ناويا الإمامة، وما هنا
على ما إذا قام مقامه ونوى الإمامة ا ه‍. قلت: لكنه يخالفه ما في الظهيرية والخانية.
وقد يجاب بأنه لا يخرج عن الإمامة وهو في المسجد ما لم يقم الثاني مقامه، فإن قام مقامه
ناويا لها صار إماما، لكنه ما لم يؤد ركنا لم تتأكد إمامته من كل وجه، حتى إذا توضأ الأول قبل
خروجه من المسجد تنتقل الإمامة إليه لعدم تأكد إمامة الخليفة، بخلاف ما إذا فعل منافيا أو أدى
الثاني ركنا فإن الإمامة تثبت للثاني قطعا بلا انتقال.
تنبيه: علم مما مر أن شروط الاستخلاف ثلاثة: الأول: استجماع شرائط البناء المارة. الثاني:
أن يكون قبل مجاوزة الامام الحد المذكور. الثالث: أن يكون الخليفة صالحا للخلافة، وأن حكم
الاستخلاف صيرورة الثاني إماما وخروج الأول عن الإمامة وصيرورته في حكم المقتدي بالثاني،
وأن الثاني إنما يصير إماما، ويخرج الأول عن الإمامة بأحد أمرين: إما بقيام الثاني مقام الأول ينوي
صلاة الامام، أو بخروج الأول عن المسجد، حتى لو استخلف رجلا وهو في المسجد بعد ولم
يقم الخليفة مقامه فهو على إمامته. حتى لو جاء رجل فاقتدى به صح اقتداؤه، ولو أفسد صلاته
فسدت صلاة الجميع، وتمامه في البدائع.
فرع: في التاترخانية عن الصيرفية: لو أم قوما على شاهق جبل فألقته الريح ولم يدر أحي أم
ميت ولم يستخلفوا أحدا في الحال فسدت صلاتهم. قوله: (لم يحتج للاستخلاف) لما مر من أنه
649

جائز لا متعين، ولأنه باق على إمامته فلم يخل المسجد عن إمام، بخلاف ما إذا خرج من المسجد
فإن صلاة القوم تفسد لخلو مقامه عن إمام. ويوجد في بعض النسخ زيادة، وهي: فلو استخلف لم
تفسد صلاته. قوله: (واستئنافه أفضل) أي بأن يعمل عملا يقطع الصلاة، ثم يشرع بعد الوضوء.
شرنبلالية عن الكافي. وفي حاشية أبي السعود عن شيخه: فلو لم يعمل ما يقطع الصلاة بل ذهب
على الفور فتوضأ ثم كبر ينوي لاستئناف لم يكن مستأنفا بل بانيا ا ه‍.
قلت: هذا ظاهر في المنفرد، لان ما نواه هو عين صلاته من كل وجه، بخلاف الامام أو
المقتدي. تأمل قوله: (إن لم يكن تشهد) يعني إن لم يكن قعد قدر التشهد، فلو حصلت بعده لا
تفسد صلاته، لأنها قد تمت حتى على القول بفرضية الخروج بصنعه، أما في الحدث العمد فظاهر،
وأما في الجنون والاغماء والاحتلام فلان الموصوف بها لا يخلو عن اضطراب أو مكث يصير به
مؤديا جزءا من الصلاة مع الحدث، وكيفما كان فالصنع منه موجود كما في البحر وغيره، لكن
اعترض بأن المراد وجود عمل ينافي الصلاة عمدا ولا عمد من هؤلاء كما في شرح العلامة
المقدسي، قوله: (أو خروجه من مسجد) المراد: مجاوزة الحد المتقدم أعم من أن يكون في صحراء
أو مسجد أو جبانة أو دار. قوله: (بظن حدث) بأن خرج منه شئ فظن أنه دم مثلا. وظاهر أنه لو
لم يكن للظن دليل، بأن شك في خروج ريح ونحوه يستقبل مطلقا بالانحراف عملا بما هو القياس،
لكن لم أره منقولا. بحر. وقيد بظن الحدث لأنه لو ظن أنه افتتح بلا وضوء، أو أن مدة مسحه
انقضت، أو أن عليه فائتة، أو رأى سرابا فظنه ماء وهو متيمم، أو حمرة في ثوبه فظنها نجاسة
فانصرف تفسد بالانحراف وإن لم يخرج من المسجد، لأنه انصرف على سبيل الرفض، ولهذا لو
تحقق ما توهمه يستقبل، وهذا هو الأصل، والاستخلاف كالخروج من المسجد، لأنه عمل كثير
فتبطل. بحر: أي لو استخلف فتبين أنه لم يحدث فسدت صلاته وإن لم يخرج من المسجد لوجود
العمل الكثير من غير عذر، بخلاف ما إذا تحقق ما توهمه من العذر فإن العمل غير مفسد لقيام العذر،
فكان الاستخلاف كالخروج من المسجد يحتاج لصحته قصد الاصلاح وقيام العذر، كذا في العناية.
قوله: (أو احتلام الخ) الأحسن أو موجب غسل ليشمل الحيض. قهستاني. وأراد بالاحتلام:
الامناء، لان خروج المني بغير نوم لا يسمى احتلاما، وأفاد أن النوم نفسه غير مفسد، لكن هذا إذا
كان غير عمد لما في حاشية نوح أفندي: النوم إما عمد أو لا. فالأول ينقض الوضوء ويمنع البناء.
والثاني قسمان: ما لا ينقض الوضوء ولا يمنع البناء: كالنوم قائما أو راكعا أو ساجدا. وما ينقض
الوضوء ولا يمنع البناء: كالمريض إذا صلى مضطجعا فنام ينتقض وضوءه على الصحيح، وله
البناء، فغير العمد لا يمنع البناء اتفاقا سواء نقض الوضوء أولا، بخلاف العمد ا ه‍. ملخصا. قوله:
(لندرتها) أي ولفعل المنافي في صورة الحدث العمد. قوله: (إذا حصر) بكسر ثانيه وبفتح أوله أو
ضمه مبنيا للفاعل أو للمفعول، وبيانه في البحر: قوله: (عن قراءة قدر المفروض) فلو قرأ ما تجوز
به الصلاة لا يجوز الاستخلاف بالاجماع، كما في الهداية والدرر وكثير من كتب المذهب. قال في
البحر: وذكره في المحيط بصيغة قيل. وظاهره أن المذهب الاطلاق، وهو الذي ينبغي اعتماده لما
650

صرحوا به في فتح المصلي على إمامه بأنها لا تفسد على الصحيح، سواء قرأ الامام ما تجوز به
الصلاة أو لا، فكذا هنا يجوز الاستخلاف مطلقا ا ه‍. وأيده في الشرنبلالية بما في شرح الجامع
الصغير أن الاستخلاف هنا لا يفسد كالفتح، والفتح لو أفسد فليس لأنه عمل كثير، بل لأنه غير
محتاج إليه، وهنا هو محتاج إليه ا ه‍. قال في الشرنبلالية: والاحتياج للاتيان بالواجب أو
بالمسنون ا ه‍. وبه يندفع ما في النهر من التفرقة بينهما بأن الاستخلاف هنا عمل كثير بلا حاجة.
قلت: وقد يقال: الحاجة مسلمة في الواجب ولذا يستخلف للاتيان بالسلام، أما المسنون فلا.
ويمكن حمل قوله في الهداية: ما تجوز به الصلاة، على ما يشمل الواجب كما قدمنا أول باب الإمامة
من حمل قول الكافي بتقديم الأعلم بشرط حفظه ما تجوز به الصلاة على ما شمل عدم الكراهة.
تأمل. قوله: (فإنه لما أحس) عبارة البدائع فإنه كان يصلي بالناس بجماعة بأمر رسول الله (ص) في
مرضه الذي توفي فيه، فوجد (ص) خفة فحضر، فلما أحس الخ. قوله: (لما فعله) أي النبي (ص)،
وما كان جائزا له يكون جائزا لامته هو الأصل، لكونه قدوة لهم. بدائع. قوله: (وقالا تفسد) أي
لأنه يندر وجوده، فكان كالجنابة، وقيل إنه يتمها بلا قراءة عندهما. قال في البحر: والظاهر أن
عنهما روايتين. قوله: (وبعكس الخلاف) أي فيجوز الاستخلاف عندهما لا عند الامام ط. قوله:
(لو حصر) أي منع من المضي في الصلاة بسبب بول الخ. قوله: (لم أره) كذا في شر الملتقى
للباقاني عن بعض الأفاضل بلفظ: هذه مسألة لم نظفر بنقلها ا ه‍. ورأيت بهامش الخزائن بخط
الشارح: قلت: ظاهر كلامهم لا لتعليلهم بوروده يعني الاستخلاف على خلاف القياس ا ه‍.
أقول: ويؤيده ما في البحر حيث قال: وقيد بالمنع عنها: أي عن القراءة، لأنه لو أصاب
الامام وجع في البطن فاستخلف رجلا لم يجز، فلو قعد وأتم صلاته جاز ا ه‍. فأفاد أنه لو عجز عن
القيام أو عن الركوع والسجود لوجع يتم قاعدا لجواز اقتداء القائم بالقاعد، فلا حاجة إلى
الاستخلاف، فافهم، قوله: (ولا يستخلف الخ) أي ولا يبني لو كان منفردا، لأنه صار أميا فبطلت
صلاة القوم. ط عن البحر.
أقول: لم أر هذه العبارة في البحر، وكتبت فيما علقته عليه: لم يذكر
حكم صلاة القوم ولا حكم صلاته، أما صلاتهم ففسادها ظاهر، لان إمامهم صار أميا. وأما صلاة الامام ففي الفصل
السابع من الذخيرة أن القارئ إذا صلى بعض صلاته فنسي القراءة وصار أميا فسدت عنده
ويستقبلها. وعلى قولهما لا تفسد، ويبني عليها استحسانا، وهو قول زفر ا ه‍. قوله: (عطف على
المنفي) أي على ما دخل عليه حرف النفي في المتن، وهو قوله: لو نسي. قوله: (فلو منه) أي
من سبق حدثه فقط بنى، أما لو كان منه ومن خارج فلا يبني. بحر. قوله: (إذا لم يضطر له الخ)
قال في الخانية: قال الإمام أبو علي النسفي: إن لم يجد بدا من ذلك لم تفسد صلاته، وإلا بأن
651

تمكن من الاستنجاء وغسل النجاسة تحت القميص فسدت، وكذا المرأة لها أن تكشف عورتها
وأعضاءها في الوضوء إذا لم تجد بدا من ذلك. وقال بعضهم: إذا كشف عورته في الوضوء لا يبني،
وكذا المرأة. والصحيح هو الأول، لأن جواز البناء للمرأة منصوص عليه مع أنها تكشف عورتها في
الوضوء ظاهرا ا ه‍. قال نوح أفندي: وصحح الزيلعي الثاني، والاعتماد على تصحيح قاضيخان
أولى، ولهذا اختاره المصنف: يعني صاحب الدرر ا ه‍. لكن في الفتح عن الزيلعي أن الفساد مطلقا
ظاهر المذهب. قوله: (لأدائه ركنا) هذا يقتضي أن الحدث سبقه في حالة القيام، لان القراءة لا
تكون ركنا في غيره. ثم رأيت في المعراج عن المجتبى: أحدث في قيامه فسبح ذاهبا أو جائيا لم
تفسد، ولو قرأ فسدت، ولو أحدث في ركوعه أو سجوده لا تفسد بالقراءة ا ه‍. ورأيت مثله في
كافي النسفي فليحفظ. قوله: (مع حدث أو مشي) نشر مرتب ح. قوله: (في الأصح) متعلق بقوله:
قرأ وبقوله: بخلاف تسبيح ومقابله كما في الزيلعي: أنه لو قرأ ذاهبا تفسد وآيبا لا، وقيل
بالعكس، وقيل لو أحدث راكعا ورفع رأسه قائلا سمع الله لمن حمده لا يبني ا ه‍: يعني وإن أراد
بهذا الرفع الانصراف لا الأداء، وإلا فسدت إن لم يسمع كما يعلم مما سيأتي. قوله: (أو طلب الماء
بالإشارة) كذا في متن الدرر، ومثله في الخانية والسراج.
واستشكله الشرنبلالي بمسألة درء المار بالإشارة، وبمسألة ما إذا طلب من المصلي شئ فأشار
بيده أو رأسه بنعم أو بلا لا تفسد، وبأن ابن أمير حاج ذكر في الحلية أن القول بالفساد في رد المصلي
السلام بيده لم يعرف أن أحدا من أهل المذهب نقله، بل المنقول عنهم عدمه. وقال في البحر: إنه
الحق، وإنما ذكره بعض المشايخ استنباطا كما سيأتي بيانه في الباب الآتي. قال الشرنبلالي: فلا يبعد
أن يكون عدم الفساد بطلب الماء بالإشارة كرد السلام وغيره بها. وأجاب الرحمتي بأن طلب الماء
بالإشارة وقبوله منه يصير بمجموع ذلك عملا كثيرا، لأنه عقد هبة أو إجارة وهو مناف للصلاة كالشراء
بالمعاطاة، وليس هذا كرد السلام بالإشارة لمن تدبر. قوله: (بالمعاطاة) قيد به لظهور الفساد بالايجاب
والقبول درر. قوله: (للمنافاة) علة للمسألتين. قال في الشرنبلالية: وهذا مبني على أحد تفسيري
العمل الكثير ا ه‍. وهو ما لو رآه راء من بعيد لا يشك أنه ليس في الصلاة. قوله: (أو لنسيان) هو وما
بعده عطف على المستثنى وهو قدر ح. قال في شرح المنية: ولو وجد في الحوض موضعا
للتوضي فتجاوز إلى موضع آخر، إن لعذر كضيق مكان الأول بنى وإلا فلا، ولو قصد الحوض وفي
منزله ماء أقرب منه، إن كان البعد قدر صفين لا تفسد، وإن أكثر فسدت، وإن كان عادته التوضي من
الحوض ونسي الماء الذي في بيته وذهب إلى الحوض بنى، ولو كان الماء بعيدا وبقربه بئر يترك
البئر، لان النوح يمنع البناء على المختار، وقيل لا يمنع إن عدم غيره. قوله: (على المختار) أي وإن
لم يكن عنده ماء غيره كما علمت، فافهم. قوله: (إلا لعذر) وكذا لو تفكر فيمن يقدمه للصلاة إذا لم
ينو بقيامه حال تفكره الأداء كما في التاترخانية. قوله: (توضأ) أي إن وجد ماء وإلا تيمم، كما يعلم
652

من قولهم في التيمم أعيد ولو بناء. رملي. قلت: بل صرح به في البدائع هنا، وقال: لان ابتداء
الصلاة بالتيمم جائز، فالبناء أولى، فإن تيمم ثم وجد الماء، فإن وجده بعد ما عاد إلى مقامه استقبل،
وإن قبله في الطريق فالقياس كذلك. وفي الاستحسان يتوضأ ويبني ا ه‍. قوله: (فورا) أي بلا مكث
قدر أداء ركن بلا عذر كما علم مما قبله (بكل سنة) أي من سنن الوضوء، لان ذلك من باب
إكماله فكان من توابعه فيتحمل كما يتحمل الأصل. بدائع. فلو غسل أربعا لا يبني تاترخانية. قوله:
(بلا كراهة) لكن تقدم أن الاستئناف أفضل. قوله: (كمنفرد) أفاد أن الكلام الأول في الامام. وأما
المقتدي فذكره بعد. قوله: (وهذا كله) أي تخيير الامام بين العود إلى مكانه وعدمه. قوله: (وإلا عاد
إلى مكانه) أي الذي كان فيه أو قريبا منه مما يصح فيه الاقتداء، لأنه بالاستخلاف خرج عن الإمامة
وصار مقتديا بالخليفة كما مر. قوله: (لو بينهما ما يمنع الاقتداء) لان شرط الاقتداء اتحاد البقعة.
بدائع. قوله: (كالمقتدي) أي أصالة. قوله: (إن تعمد عملا ينافيها) أي ينافي الصلاة كالقهقهة. فلو
تعمدها بعد جلوسه قدر التشهد فصلاته تامة، وإن بطل وضوءه لوجودها في أثناء الصلاة دون وضوء
القوم لخروجهم منها بحدث إمامهم، وتمامه في البحر، وسيأتي. قوله: (ولو بعد سبق حدثه) نص
عليه الزيلعي ولم يحك فيه خلافا، ففيه رد لما في الحلية من أنها تبطل عنده لعدم الخروج بصنعه لا
عندهما. ووجه الرد كما في البحر أنه إذا أتى بمناف بعد سبق الحدث فقد خرج منها بصنعه. قوله:
(تمت) أي صحت، إذ لا شك أنها ناقصة لترك الواجب ط. قوله: (نعم تعاد) أي وجوبا ط. قوله: (ولو وجد المنافي) أي سوى الحدث السماوي المتقدم، لأنه وإن كان منافيا قياسا لكن الشرع اعتبره
غير مناف، أفاده ح. قوله: (بلا صنعة) مقابل. قوله: أن تعتمد الخ. قوله: (ولو بعده بطلت) أي بعد
القعود قدر التشهد، وشمل ما لو سلم الامام وعليه سهو فعرض واحد مما سيجئ، فإن سجد بطلت
وإلا فلا، ولو سلم القوم قبل الامام بعد ما قعد قدر التشهد ثم عرض له واحد منها بطلت صلاته دون
القوم، وكذا إذا سجد هو للسهو ولم يسجد القوم ثم عرض له. بحر. [مب]
المسائل الاثنا عشرية [/ مب]
قوله: (في المسائل الاثني عشرية) اشتهرت هذه النسبة، وهي خطأ عند أهل العربية، لان
العدد المركب العلمي إنما ينسب إلى صدره، فتقول في خمسة عشر علما لرجل أو غيره خمسي،
وغير العلمي لا ينسب إليه. بحر ونهر قوله: (عنده) أي عند أبي حنيفة.
ووجه بطلانها عنده على ما خرجه البردعي أن الخروج من الصلاة بصنع المصلي فرض عنده،
لأنه لا يمكن أداء فرض آخر إلا بالخروج من الأولى، وما لا يتوصل إلى الفرض إلا به يكون
فرضا. وقال الكرخي! هذا غلط، لان الخروج قد يكون بمعصية كالحدث العمد، ولو كان فرضا
653

لاختص بما هو قربة وهو السلام، فلا خلاف بينهم في أن الخروج بصنعه ليس فرضا، وإنما قال
الامام بالبطلان في هذه المسائل لمعنى آخر، وهو أن العوارض الآتية مغيرة للفرض كرؤية المتيمم
ماء، فإنه كان فرضه التيمم فتغير إلى الوضوء، وكذا بقية المسائل، بخلاف الكلام فإنه قاطع لا
مغير، والحدث العمد والقهقهة ونحوهما مبطلة لا مغيرة. وأيده في البحر بما في المجتبى بأن عليه
المحققين من أصحابنا، وبأنه صححه شمس الأئمة، لكن قدمنا في فرائض الصلاة عن المسائل
البهية الزكية على الاثني عشرية للعلامة الشرنبلالي تأييد كلام البردعي بأنه قد مشى على افتراض
الخروج بصنعه صاحب الهداية، وتبعه الشراح وعامة المشايخ وأكثر المحققين والامام النسفي في
الوافي والكافي والكنز وشروحه وصاحب المجمع وإمام أهل السنة الشيخ أبو منصور الماتريدي
قوله: (ورجحه الكمال الخ) أقول: إن الكمال لم يرجح قولهما صريحا، وإنما بحث في توجيه كلام
الامام على ما قاله كل من البردي والكرخي كما أوضحته فيما علقته على البحر قوله: (وفي
الشرنبلالية والأظهر قولهما الخ) أقول: عزا ذلك الشرنبلالي في رسالته إلى البرهان، ثم رده بأنه لا
وجه لظهوره فضلا عن كونه أظهر، لأنه استدل على ذلك بما ليس فيه دلالة عليه. ثم قال
الشرنبلالي بعد ما أطال في رده: ومن المقرر طلب الاحتياط في صحة العبادة لتبرأ ذمة المكلف
بها، وليس الاحتياط إلا بقول الإمام الأعظم: إنها تبطل ا ه‍. قلت: وعليه المتون قوله: (لكان
أولى) لان كلامه يوهم أن قوله ولو بلا صنعه) بعده بطلت مفروض في غير المسائل الاثني عشرية
مع أنه مخصوص بها وبما ألحق بها من المزايدات الآتية وغيرها قوله: (وأما مسألة الخ) جواب عما
أورده الزيلعي على الكنز من أن التقييد بالمتيمم غير مفيد، لان المتوضئ خلف المتيمم لو رأى
الماء في صلاته بطلت أيضا، لعلمه أن إمامه قادر على الماء بإخباره، وصلاة الامام تامة لعدم
قدرته، فلو قال: والمقتدى به لعلمه، وأجاب في البحر بأن المقتدي لم تبطل صلاته أصلا بل
وصفا.
ورده في النهر بأن المصنف استعمل البطلان بالمعنى الأعم، وهو إعدام الفرض، بقي الأصل
أولا: ثم قال: فالأولى ما قاله العيني: إن مسألة المقتدي بمتيمم ليس فيها إلا خلاف زفر.
والخلاف في هذه المسائل مفروض بين الامام وصاحبيه ا ه‍. فقول الشارح وتنقل نفلا ناظر
لجواب البحر أيضا، وقد علمت ما فيه أفاده ح قوله: (ففيها خلاف زفر) أي حيث قال بعدم
الفاسد كما قدمناه في الباب السابق قوله: (كما مر في بابه) ومر أيضا أنه إذا لم يجد ماء لغسل
الرجلين بعد تمام مدة المسح وهو في الصلاة فالأشبه الفساد لسراية الحدث إلى الرجل، لأن عدم
الماء لا يمنع السراية، ثم يتيمم له ويصلي. قاله الزيلعي، وتبعه في فتح القدير وشرح المنية،
وقدمنا أيضا هناك فيما إذا خاف تلف رجليه من البرد بطلان المسح السابق ولزوم استئناف مسح آخر
يعم الخف كالجبيرة، فكان المناسب عدم التقييد بشئ من القيدين قوله: (بلا صنع) بأن سمع
654

سورة الاخلاص مثلا من قارئ فحفظها بمجرد السماع، واحترز به عما لو حفظها بتعليم من
القارئ لأنه يكون عملا كثيرا، وبه يخرج من الصلاة بصنعه فلا يتأتى الخلاف قوله: (ولو كان
الأمي الخ) أشار إلى أن المراد بالامي أعم من أن يكون إماما أو منفردا أو مقتديا بأمي أو قارئ
قوله: (على ما عليه الأكثر) لان الصلاة بالقراءة حقيقة فوق الصلاة بالقراءة حكما، فلا يمكنه البناء.
بحر. وقد يمنع بأنها من المقتدي القارئ ليست إلا حكما. نهر قوله: (قال الفقيه الخ) هو الإمام أبو الليث، وصرح بمثل ما هنا في خزانة السروجي. وفي الجوهرة
: لا تبطل إجماعا. رملي. وجزم
به في الولوالجية إسماعيل. قال في البحر: ووجهه أن قراءة الإمام قراءة له، فقد تكامل أول الصلاة
وآخرها وبناء الكامل على الكامل جائز ا ه‍. قوله: (تصح به الصلاة) بأن يكون طاهرا أو نجسا،
وعنده ما يطهر به، أو ليس عنده إلا أن ربعه طاهر. نهر. فلو كان الطاهر أقل أو كان كله نجسا لا
تبطل، لان المأمور به الستر بالطاهر، فكان وجوده كعدمه، ولو قال تجب بدل تصح لكان أولى،
لان عبارته تشمل ما لو كان كله نجسا إذ الصلاة تصح فيه، مع أنه لو صلى عاريا لا تبطل، لأنها لا
تجب فيه بل هو مخير. أبو السعود ط قوله: (أو أعتقت الأمة) في حاشية المدني قال شيخنا المرحوم
السيد محمد أمين ميرغني في حاشيته على الزيلعي: أقول ذكر كثير من الشراح هذه المسألة ملحقة
بالمسائل الاثني عشرية، وفيه نظر، فإن فرض الستر إنما يلزمها مقتصرا من وقت عتقها لا مستندا،
فيكون عدم الستر قاطعا، والقاطع في أوانه منه، وفي غير أوانه مبطل، وها هنا في أوانه، لأنه بعد تمام
الأركان فصحت صلاتها وإن لم تستر من ساعتها، بخلاف العاري إذا وجد ثوبا، لان فرض الستر لزمه
قبل الشروع، فكان وجود الثوب في هذه الحالة مغيرا لما قبله، فكان مبطلا. وقد ذكر الزيلعي في باب
شروط الصلاة خلاف ما هنا، حيث قال: ولو أعتقت الأمة في صلاتها أو بعدما أحدثت فيها قبل أن
تتوضأ أو بعده تقنعت بعمر رقيق من ساعتها وبنت على صلاتها، وإن أرادت ركنا بعد العلم بالعتق بطلت
صلاتها، والقياس أن تبطل في الوجه الأول أيضا كالعريان إذا وجد ثوبا في صلاته وجه الاستحسان
أن فرض الستر لزمها في الصلاة وقد أتت به، والعريان لزمه قبل الشروط فيها فيستقبل كالمتيمم إذا
وجد فيها ماء انتهى. فعلم من كلامه صلاتها لو أعتقت بعد التشهد ولم تستتر ا ه‍.
أقول: وقد يجاب بأن الأصل في هذه المسائل أن كل ما يفسد الصلاة إذا وجد في أثنائها بصنع
المصلي يفسدها إذا وجد بعد التشهد بلا صنعه، وهذا المعنى موجود في مسألتنا هذه.
لا يقال: إن ترك التقنع في الحال مفسد لصلاتها بصنعها. لأنا نقول: الفساد مستند إلى سببه
الأول، وهو لزوم الستر بالعتق، كما في نزع الخف بعمل يسير فإنه بصنع المصلي. مع أنهم لم
يعتبروه، بل اعتبروا السبب السابق وهو لزوم الغسل بالحدث السابق: هذا ما ظهر لي، فتأمله
قوله: (خفه الواحد) قال في المنح: هو أولى مما وقع في الكنز بلفظ المثنى، لان الحكم كذلك في
الواحد، لما تقرر من أن نزع الخف ناقض قوله: (بعمل يسير) بأن كان واسعا لا يحتاج فيه إلى
المعالجة بالنزع. بحر قوله: (تتم اتفاقا) لأنه خروج بصنعه قوله: (وقدرة موم على الأركان) لان
655

آخر صلاته أقوى، فلا يجوز بناؤه على الضعيف. بحر قوله: (وتذكر فائتة الخ) أي تذكر المصلي
فائتة عليه إن كان منفردا أو إماما أو على إمامه إن كان مقتديا، وقوله: وهو أي من عليه الفائتة
مطلقا. وفي السراج: ثم هذه الصلاة لا تبطل قطعا عند أبي حنيفة، بل تبقى موقوفة إن صلى بعدها
خمس صلوات وهو يذكر الفائتة تنقلب جائزة ا ه‍. قال في البحر: فذكر المصنف لها في سلك
البطلان اعتمادا على ما يذكره في باب الفوائت قوله: (وتقديم القارئ أميا) أي فيما إذا كان
القارئ إماما فسبقه الحدث قوله: (مطلقا) أي سواء كان بعد القعود قدر التشهد أو قبله بقرينة
القول الآخر. وفيه أن استخلافه قبل التشهد مفسد اتفاقا، سواء كان في الركعتين الأوليين أو في
الأخريين ولم يقرأ في الأوليين أو إحداهما، وكذا لو قرأ في كل منهما، خلافا لزفر ورواية عن أبي
يوسف كما مر قبل هذا الباب، وليس هذا مما نحن فيه، لان الخلاف في الاثني عشرية منصوب بين
أبي حنيفة وصاحبيه، وذلك فيما بعد التشهد فقط، فالصواب حذف الاطلاق وأن يقول: وقيل لا
فساد بالاجماع ا ه‍، أفاده ح قوله: (وهو الأصح) قال في النهر: واختاره أبو جعفر وفخر الاسلام،
وصححه في الكافي وغيره. وقال في الفتح: وهو المختار قوله: (لأنه عمل كثير) أي ولا ضرورة
إليه هنا لعدم الاحتياج إلى إمام لا يصلح. نهر قوله: (من الثلاثة) وهي الطلوع والاستواء والغروب
قوله: (بأن بقي الخ) إشارة إلى دفع ما أورده في الكافي، من أنه لو شرع قبل بلوغ الظل مثله ثم بلغ
بعد القعود لم تبطل اتفاقا. أما عنده فلعدم دخول وقت العصر. وأما عندهما فلعدم قولهما بالفساد في
جميع هذه المسائل. فأجاب بتصوير المسألة بما ذكره ليتحقق الخلاف قوله: (بأن لم يعد الخ) أشار
إلى أن الامر موقوف، فإذا انقطع بعد القعود ودام وقتا كاملا بعد الوقت الذي صلى فيه يظهر أنه
انقطاع هو برء فيظهر الفساد عند أبي حنيفة فيقضيها، وإلا فمجرد الانقطاع لا يدل عليه، لأنه لو عاد
في الوقت الثاني فهي صحيحة. بحر قوله: (وكذا خروج وقته) لان المعتمد أن طهارة المعذور
تبطل بخروج الوقت قوله: (العشرين) لأنه زاد على الاثني عشر ثماني مسائل، وهي: وجود ماء
يزيل به نجاسة الثوب، وتقنع الأمة، وتذكر فائتة على إمامه، وزوال الشمس في العيد، ودخول وقت
من الأوقات الثلاثة في القضاء، والثامنة خروج وقت المعذور. وقد حاول في البحر فأرجع الأولى
والثانية إلى مسألة العاري، ومسائل دخول الأوقات المكروهة إلى مسألة الطلوع، والأخيرة إلى ظهور
الحدث السابق في مسألة مضي مدة المسح. وبقي مسألة تذكر فائتة على إمامه، وأرجعها المحشي
إلى تذكر فائتة عليه، ومسألة زوال الشمس في العيد وأرجعها إلى مسألة الطلوع، ولا يخفى ما في
ذلك من التكلف. على أن الفساد في الأولى والثانية لوجود الماء وزوال الرق لا لوجود الثوب، فإنه
كان موجودا قبل، ولو سلم اعتبار التداخل بمثل ما ذكر لزم أن لا تعد مسألة دخول وقت العصر مع
مسألة طلوع الشمس، فإن إحداهما تغني عن الأخرى، وأن يقتصر على إحدى المسائل الثلاث وهي
قدرة المتيمم على الماء، ومضي مدة المسح ونزع الخف، فإن في كل منها ظهر الحدث السابق، بل
656

يمكن التداخل في غيرها أيضا كما يظهر بالتأمل، فعلم أنهم لم يعتبروا ذلك، فلذا زاد الزيلعي بعض
المسائل على ما ذكروا، وتبعه في الفتح والدرر، والشيخ شعبان في شرح المجمع، وكذا صنع في
الذخيرة كما ذكره الشرنبلالي في رسالته، وزاد عليها نحوا من مائة مسألة لوجود الجامع بينها وبين ما
ذكروه، ووجود الأصل الذي يبتنى عليه البطلان في الاثني عشرية، وهو أن كل ما يفسد الصلاة إذا
وجد في أثنائها بصنع المصلي يفسدها أيضا إذا وجد بعد الجلوس الأخير بلا صنعه عند الامام لا
عندهما، فافهم قوله: (إذا بطلت) المراد بالبطلان كما مر ما يشمل بطلان الأصل والوصف أو الوصف
فقط قوله: (فيما إذا تذكر فائتة) أي عليه أو على إمامه، وقد علمت أن الامر موقوف في تذكر الفائتة
ولا تنقلب نفلا للحال ح قوله: (زاد في الحاوي الخ) أي الحاوي القدسي قبيل باب صلاة المسافر.
أقول: ويشكل عليه ما ذكره أصحاب المتون وغيرهم في باب صلاة المريض من أنه لو صلى بعض
صلاته بإيماء ثم قدر على الركوع والسجود يستأنف الصلاة، وذكر الشراح أن ذلك باتفاق أئمتنا الثلاثة،
خلافا لزفر، وأن هذا الخلاف مبني على الخلاف في جواز اقتداء الراكع الساجد بالمومي. فعندما لا
يجوز الاقتداء فكذا البناء هنا، وعند زفر يجوز. ولا يخفى أنت لزوم الاستئناف يقتضي فساد الصلاة من
أصلها، إلا أن يقال: يستأنف لو كانت الصلاة فرضا، بمعنى أنه يلزمه إعادة الفرض، لكن إطلاقهم
لزوم الاستئناف يشمل الفرض والنفل، ويدل عليه بناء الخلاف على الخلاف في جواز الاقتداء
بالمومي، فإنه لا يصح في الفرض ولا في النفل، فليتأمل. قوله: (ويزاد) أي على ما ينقلب نفلا،
وليس المراد أنها من المسائل المختلف فيها بين أبي حنيفة وصاحبيه كما قدمناه ح. أقول: حيث كان
مراد الشارح ذلك كان عليه أن يتمم ذكر المسائل التي تنقلب فيها الصلاة نفلا، فإن منها، كما في
الحاوي، ترك القعدة الأخيرة وركوع المسبوق وسجوده إذا أدرك الامام في السجدة الثانية قبل متابعته
فيها. قوله: (والظاهر الخ) ما استظهره ظاهر، لان الأوقات المكروهة لا تنافي انعقاد النفل ابتداء
فكيف بالبقاء؟ أفاده. ح و ط. قوله: (وهو مسافر) أي الامام، وهذا قيد لقوله: أو مقيما. قوله:
(صح) أي لوجود المشاركة في التحرية. بحر. قوله: (والمدرك أولى) لأنه أقدر على إتمام صلاته
بحر. وفيه إشارة إلى أن الأولى للامام أن لا يستخلف غير مدرك ولذلك الغير أن لا يقبل. قوله: (ولو
جهل الكمية الخ) فيه إجمال. وبيانه كما في النهر أنه إن علم كمية صلاة الامام وكان كلهم كذلك: أي
مسبوقين ابتدأ من حيث انتهى إليه الامام، وإلا أتم ركعة وقعد ثم قام وأتم صلاة نفسه، ولا يتابعه القوم
بل يصبرون إلى فراغه فيصلون ما عليهم وحدانا (1) ويقعد هذا الخليفة على كل ركعة احتياطا، وقيده

(1) قوله: (فيصلون ما عليهم وحدانا) اي لان من الجائز ان الذي بقي على الامام أخر الركعات فحين صلى الخليفة تلك
الركعة تمت صلاة الامام، فلو اقتدوا به فيما يقتضي عو كأن اقتدوا بمسبوق فيما يقضي فتفسد صلاتهم، وانما قال
يصبرون إلى فراغه: اي ولا يشتغلون بالقضاء قبل فراغه، ولجواز ان يكون بعض ما يقضي هذا الخليفة مما بقي على الامام
الأول، فيكون القوم انفردوا قبل فراغ امامهم من جميع الأركان فتفسد صلاتهم، أفاده في البحر عن الظهيرية ا ه‍. منه.
657

في الظهيرية بما إذا سبق الامام الحدث وهو قائم. قال في البحر: ولم ض يبينوا ما إذا سبقه وهو قاعد ولم
يعلم الخليفة كما كمية صلاته. وينبغي على قياس ما قالوه أن يصلي الخليفة ركعتين وحده وهم
جلوس، فإذا فرغ قاموا وصلى كل أربع وحده والخليفة ما بقي، ولا يشتغلون بالقضاء قبل فراغه.
واعلم أن اللاحق يشير إليهم أن لا يتابعوه حتى يفرغ مما فاته، لان الواجب عليه أن يبدأ بما
فاته أو ثم يتابعونه فيسلم بهم، فلو ترك الواجب قدم غيره ليسلم. وأما المقيم فيقدم بعد الركعتين
مسافرا يسلم بهم ثم يقضي المقيمون ركعتين منفردين بلا قراءة، حتى لو اقتدوا به بعد قيامه بطلت.
قوله: (احتياطا) أي للاحتمال في كل ركعة أنها آخر صلاة الامام ح. قوله: (فرضنا القعدتين) لان
القعدة الأولى فرض على إمامه وهو قائم مقامه، والثانية فرض عليه. قوله: (فرضت القراءة في
الأربع) لأنه لما قرأ في الركعتين نيابة عن الامام التحقت بالأوليين فخلت الأخريان عن القراءة،
فصار كأن الخليفة لم يقرأ في الأخريين فيلزمه القراءة فيما سبق به أيضا كما هو حكم المسبوق من
أنه منفرد فيما يقضيه، وفيها يلغز (1) أي مصل تفرض عليه القراءة في أربع، ركعات الفرض؟. قوله:
(قدم مدركا للسلام) أي ليسلم بالقوم، وفيه إيماء إلى أنه لا يقضي ما فاته أولا، فلو فعل ففي فساد
صلاته اختلاف، تصحيح، وقدم الشارح في الباب السابق أن الأظهر الفساد. قوله: (ثم لو أتى الخ)
أي بعد ما أتم صلاة الامام سواء قدم مدركا أولا. قوله: (لتمام أركانها) أي أركان صلاة المدركين
فلا يضرها المنافي، بخلاف ذلك المسبوق، لأنه بقي عليه ما سبق به فوقع المنافي في خلال
صلاته قوله: (في الأصح) راجع إلى قوله: إن لم يفرغ قال في الهداية: والامام الأول إن كان فرغ
لا تفسد صلاته، وإن لم يفرغ تفسد، وهو الأصح ا ه‍. واحترز بالأصح عن رواية أبي حفص أن
صلاته تامة أيضا لأنه مدرك أول الصلاة، وكأن هذه الرواية غلط من الكاتب لأنه فصل في المسألة
ثم قال فيهما إنها تامة، وظاهر التفصيل المخالفة. معراج. قوله: (لما مر) أي قبيل الاثني عشرية
ح. قال الزيلعي: لأنه لما استخلفه صار مقتديا به فتفسد صلاته بفساد صلاة إمامه، ولهذا لو صلى
ما بقي من صلاته في منزله قبل فراغ هذا المستخلف تفسد صلاته، لان انفراده قبل فراغ الامام لا
يجوز ا ه‍. وقدمنا تمام الكلام على ذلك عند قوله: وإن لم يجاوزه. قوله: (عند الامام) وعندهما
لا تفسد قياسا على الكلام والخروج من المسجد ولأبي حنيفة الفرق بين المنهي والمفسد كما
يأتي. قوله: (أي بعد) بيان للمراد، وإلا فلم يذكروا أن في تأتي بمعنى بعد، والأظهر جعله على
تقدير مضاف: أي في آخر قعوده. قوله: (إلا إذا قيد الخ) بأن قام قبل سلام إمامه وأتى بركعة.
والظاهر أن هذا جاز أيضا في المسألة التي قبله فيقيد به. قوله: وكذا تفسد صلاة من حاله كحاله.

(1) يوضع كالمطالب فوق سطر (18).
658

قوله: (لأنهما منهيان الخ) أي متممان للصلاة كما في الفتح. وفي العناية: المنهي ما اعتبره الشرع
رافعا للتحريمة عند فراغ الصلاة كالتسليم والخروج بفعل المصلي ا ه‍. وأما القهقهة والحدث العمد
فإنهما مفسدان لتفويتهما شرط الصلاة وهو الطهارة، فيفسدان الجزء الذي يلاقيانه من صلاة الامام
فيفسد مثله من صلاة المقتدي المسبوق، وقد بقي عليه فروض فلا يمكنه بناؤها على الفاسد،
بخلاف الامام والمدرك. قوله: (ولذا الخ) أي لكون الكلام والخروج من المسجد منهيين
مفسدين يجب على المقتدين المدركين السلام، بخلاف ما لم قهقه إمامهم أو أحدث عمدا فإنهم
يقومون بلا سلام لأنهما مفسدان. وفيها يلغز (1) أي مصل لا سلام عليه؟ وفي البحر: لو قهقه القوم
بعد الامام فعليه الوضوء دونهم لخروجهم منها بحدثه، بخلاف قهقهتهم بعد سلامه لأنهم لا يخرجون
منها بسلامة فبطلت طهارتهم، وإن قهقهوا معا أو القوم ثم الامام فعليهم الوضوء.
فالحاصل أن القوم يخرجون من الصلاة بحدث الامام عمدا اتفاقا، ولهذا لا يسلمون ولا
يخرجون منها بسلامه خلافا لمحمد. وأما بكلامه، فعن أبي حنيفة روايتان: وفي رواية كالسلام
فيسلمون وتنتقض طهارتهم بالقهقهة. وفي رواية كالحدث العمد، فلا سلام ولا نقض بها، كذا في
المحيط ا ه‍. وقدمنا في نواقض الوضوء عن الفتح أنه لو قهقه بعد كلام الامام عمدا فسدت طهارته،
وكسلامه على الأصح على خلاف ما في الخلاصة، وصححه في الخانية أيضا، ومشى عليه الشارح
هناك. قوله: (بخلاف المدرك) مرتبط بقوله: وتفسد صلاة مسبوق بقهقهة إمامه وحدثه العمد.
قوله: (وفي الظهيرية عدمه) قال: لان النائم كأنه خلف الامام والامام قد تمت صلاته، فكذلك
صلاة النائم تقديرا ا ه‍. قال في البحر: وفيه نظر، لان الامام لم يبق عليه شئ، بخلاف اللاحق.
قوله: (تأييد الأول) أقول: يؤيده أيضا ما جزم به المصنف قبل هذا من فساد صلاة الامام المحدث إن
لم يفرغ، وصححه الشارح تبعا للهداية كما مر، ولا يخفى أنه لاحق، ثم رأيته في النهر ذكر نحو
ذلك قوله: (لا خصوصية له) أي للامام، بل المقتدي والمنفرد حكمهما كذلك، فلو عبر بالمصلي
كما في النهر والعيني والمسكين لكان أولى. قوله: (على سبيل الفرض) لان إتمام الركن بالانتقال
عند محمد، ومع الحدث لا يتحقق. وعند أبي يوسف: وإن تم قبل الانتقال: لكن الجلسة والقومة
فرض عنده فلا يتحقق بغير طهارة، فلا بد من الإعادة على المذهبين، حتى لو لم يعد تفسد صلاته
ح عن الزيلعي. قوله: (ما ليرفع الخ) مرتبط بقوله: بنى وهو صادق بثلاث صور: بأن لم يرفع
رأسه أصلا بل مشى محدودبا، أو رفع مريدا للانصراف، أو لم يرد شيئا أصلا، ففي هذه الصورة

(1) يوضع كالمطالب فوق سطر (14).
659

يبني ولا تفسد كما يؤخذ مما يأتي. قوله: (ولو لم يرد الأداء) أي برفعه رأسه مسمعا أو مكبرا، لان
عبارة الكافي هكذا: ولو سبقه الحدث في الركوع فرفع رأسه قائلا سمع الله لمن حمده فسدت،
ولو رفع رأسه من السجود وقال: الله أكبر مريدا به أداء ركن فسدت، وإن لم يرد به الأداء ففيه
روايتان عن أبي حنيفة ا ه‍. وفي شرح المنية: ولو أحدث راكعا فرفع مسمعا لا يبني، لان الرفع
محتاج إليه للانصراف، فمجرده لا يمنع، فلما اقترن به التسميع ظهر قصد الأداء. وعن أبي يوسف:
لو أحدث في سجوده فرفع مكبرا ناويا لتمامه أو لم ينو شيئا فسدت. لا إن نوى الانصراف ا ه‍
وحاصله أنه برفع رأسه مسمعا أو مكبرا تفسد على رواية أبي يوسف، سواء أراد به الأداء أو
لا، إلا إذا نوى الانصراف، لان التسميع أو التكبير الذي هو أمارة قصد الأداء لا يعارض صريح
قصد الانصراف، وأن مجرد الرفع بلا تسمع أو تكبير ولا نية أداء غير مفسد لأنه محتاج إليه. قوله:
(فتفسد) أي إن قصد الأداء أو رفع مكبرا، وإلا خالف ما نقلناه. تأمل، والظاهر تقييده أيضا بما إذا
رفع مستويا قبل أن ينحرف عن القبلة. قوله: (ولو تذكر الخ) قيد بالركوع أو السجود، لأنه لو تذكر
السجدة في القعدة الأخيرة فسجدها أعاد القعدة. نهر. لأنها ما شرعت إلا خاتمة لافعال الصلاة.
واحترز بالسجدة عما لو تذكر في الركوع أنه لم يقرأ السورة فعاد إليها أعاده، لان الترتيب فيه
فرض. بحر. قوله: (فانحط من ركوعه) هذا إنما يصح على قول محمد، وأما على قول أبي يوسف
فإنه يعيد الركوع على سبيل الافتراض، لما أن القومة فرض عنده. ح قوله: (أو رفع من سجوده)
قيد بالرفع، لأن الصحيح أن السجود لا يتم إلا بالرفع حتى يصل إلى قرب الجلوس. رحمتي،
فافهم. قوله: (فسجدها) أفاد أن سجودها عقب التذكر غير واجب، لما في البحر عن الفتح: له أن
يقضي السجدة المتروكة عقب التذكر، وله أن يؤخرها إلى آخر الصلاة فيقضيها هناك ا ه‍. قوله:
(لسقوطه) أي سقوط وجوب الإعادة المبني على وجوب الترتيب، فإن الترتيب فيما شرع مقررا من
أفعال الصلاة واجب، يأثم بتركه عمدا، ويسقط بالنسيان، وينجبر بسجود السهو. قوله: (ولو
أخرها) هو مفهوم قوله: عقب الذكر كما في النهر ح. قوله: (قضاها فقط) يعني من غير إعادة
ركوع ولا سجود، لا افتراضا، ولا وجوبا، ولا ندبا، بل إن سجدها في أثناء القعدة الأخيرة أو
بعدها أعادها افتراضا لما قدمناه ح، وعليه سجود السهو لترك الترتيب فيما شرع مكررا ط. قوله:
(كما مر) أي قبيل قوله: واستئنافه أفضل. قوله: (تعين المأموم للإمامة) حتى لو أفسد صلاته لم
تفسد صلاة هذا الثاني، ولو أفسدها الثاني تفسد صلاة الأول لتحول الإمامة إليه، فإن جاء ثالث
واقتدى بهذا الثاني ثم أحدث الثاني صار الثالث
إماما لنفسه، فإن أحدث الثالث قبل رجوعهما أو
رجوع أحدهما فسدت صلاة الأولين لأنهما صارا مقتديين به، فإذا خرج إمامهما من المسجد تحقق
تباين المكان، فيفسد الاقتداء لفوات شرطه وهو اتحاد البقعة، ولو رجع أحدهما فدخل المسجد ثم
660

خرج الثالث جازت صلاتهم، لان الراجع صار إماما لهم لتعينه، ولو رجعا، فإن قدم أحدهما الآخر
قبل خروج الثالث من المسجد صار هو الامام، وإلا فسدت صلاتهما، لان أحدهما لم يصر إماما،
للتعارض بلا مرجح، فبقي الثالث إماما، فإذا خرج فات شرط الاقتداء وهو اتحاد البقعة ففسدت
صلاتهما، بدائع. قوله: (بلا نية) متعلق بقوله: تعين. قوله: (على الأصح) وقيل تفسد صلاة
الامام فقط، وقيل صلاتهما ح. قوله: (لبقاء الامام إماما الخ) قال في الذخيرة: لان تعين الواحد
للإمامة إنما كان للحاجة إلى إصلاح الصلاة، وفي جعله إماما ها هنا إفسادها، فبقي المقتدي لا إمام
له في المسجد، ففسدت صلاته. قوله: (فإن استخلفه) أي قبل القعود قدر التشهد، وإلا كان خارجا
بصنعه ط. قوله: (لما مر) هو قوله: البقاء الامام الخ ح. قوله: (لما مر) أي عند قوله: أو مكث
قدر أداء ركن بعد سبق الحدث من قوله: إلا لعذر كنوم ورعاف ح.
باب ما يفسد الصلاة، وما يكره فيها
الفساد والبطلان في العبادات سواء، لان المراد بهما خروج العبادة عن كونها عبادة بسبب
فوات بعض الفرائض، وعبروا عما يفوت الوصف مع بقاء الفرائض من الشروط والأركان بالكراهة
بخلاف المعاملات على ما عرف في الأصول. شرح المنية. قوله: (عقب العارض الخ) أي أن
المفسدات عوارض على الصحة، لكن منها اضطراري كسبق الحدث المذكور في الباب السابق،
ومنها اختياري كالتكلم ونحوه مما يأتي هنا، فلذا عقب أحدهما بالآخر، ولم يبين وجه تقديم الأول
على الثاني، وبينه في النهر بأن الاضطرار أعرف في العارضية: أي إنه الأصل في العروض. أفاده
ح. قوله: (يفسدها التكلم) أي يفسد الصلاة، ومثلها سجود السهو والتلاوة والشكر على القول به ط
عن الحموي قوله: (هو النطق بحرفين الخ) أي أدنى ما يقع اسم الكلام عليه المركب من حرفين
كما في القهستاني عن الجلابي. وقال في البحر وفي المحيط: والنفخ المسموع المهجى مفسد
عندهما، خلافا لأبي يوسف. لهما أن الكلام اسم لحروف منظومة مسموعة من مخرج الكلام لان
الافهام بهذا يقع، وأدنى ما يقع به انتظام الحروف حرفان انتهى. وينبغي أن يقال: إن أدناه حرفان أو
حرف مفهم كح أمرا، وكذا ق فإن فساد الصلاة بهما ظاهر ا ه‍.
أقول: وقد يقال: إن نحو ع وق أمرا منتظم من حروف تقديرا غير أنها حذفت لأسباب
صناعية، فهو داخل في تعريف الكلام المذكور بل هو كلام نحوي ولعل الشارح جزم به لذلك، ولم
ينبه على أنه بحث لصاحب البحر، فتدبر. وقد ظهر من هذا أن الحرف الواحد المهمل لا يسمى
كلاما، فلا يدخل في قول الهندية والزيلعي: إن الكلام مفسد قليلا كان أو كثيرا، كما لا يخفى،
فافهم. قوله: (ولو استعطف كلبا الخ) أي بما ليس له حروف مهجاة كما صرح به في الفتاوى الهندية،
661

ويشير إليه تعليل الشارح. بقوله: لأنه صوت لا هجاء له ا ه‍ ح. لكن في الجوهرة أن الكلام المفسد
ما يعرف في متفاهم الناس، سواء حصلت به حروف أم لا، حتى لو قال ما يساق به الحمار
فسدت ا ه‍. وذكر الزيلعي فيه خلافا حيث قال عند قول الكنز: والتنحنح بلا عذر. ولو نفخ في
الصلاة، فإن كان مسموعا تبطل وإلا فلا. والمسموع ما له حروف مهجاة عند بعضهم نحو: أف
وتف، وغير المسموع بخلافه، وإليه مال الحلواني. وبعضهم لا يشترط للنفخ المسموع أن يكون له
حروف مهجاة، وإليه ذهب خواهر زاده. وعلى هذا إذا نفر طيرا أو غيره أو دعاه بما هو مسموع ا ه‍.
لكن ما مر من تعريف الكلام عندهما يؤيد أن المسموع ما له حروف مهجاة، وبه جزم في البدائع
والفيض وشرح المنية والخلاصة، نعم استشكل الشرنبلالي عدم الفساد بما يساق به الحمار بأنه يصدق
عليه تعريف العمل الكثير الآتي. قوله: (عمده وسهوه الخ) يفيد أن بينهما فرقا بعد القعود مع أنهما
سيان أيضا في أنهما لا يفسدان الصلاة، ولو أسقط قوله: سيان فيكون عمده وسهوه بدلا من التكلم،
لسلم من هذا ح. قوله: (أو ناسيا) (1) أي بأن قصد كلام الناس ناسيا أنه في الصلاة. نهر.
مطلب في الفرق بين السهو والنسيان
واختلف في الفرق بين السهو والنسيان: ففي شرح التحرير لابن أمير حاج: ذهب الفقهاء
والأصوليون وأهل اللغة إلى عدم الفرق وفرق الحكماء بأن السهو زوال الصورة عن المدركة مع
بقائها في الحافظة، والنسيان زوالها عنهما معا، فيحتاج في حصولها إلى سبب جديد. وقيل النسيان
عدم ذكر ما كان مذكورا. والسهو غفلة عما كان مذكورا أو ما لم يكن، فالنسيان أخص منه مطلقا ا ه‍.
قوله: (أو نائما) هذه إحدى المسائل التي جعلوا فيها النائم في حكم اليقظان، وهي خمس وعشرون
ذكرها الشارح في شرحه على الملتقى نظما. قوله: (أو جاهلا) بأن لم يعلم أن التكلم مفسد ح.
قوله: (أو مخطئا) بأن أراد قراءة أو ذكرا فجرى على لسانه كلام الناس، ويأتي بيانه في مسألة: زلة
القارئ. قوله: (أو مكرها) أي بأن أكرهه أحد عليه، ولم يقل أو مضطرا كما لو غلبه سعال أو عطاس
أو جشاء لأنه غير مفسد لتعذر الاحتراز عنه. قال في البحر: ودخل في التكلم المذكور: قراءة التوراة
والإنجيل والزبور، فإنه يفسد كما في المجتبى. وقال في الأصل لم يجزه. وعن الثاني: إن أشبه
التسبيح جاز ا ه‍. قال في النهر: وأقول: يجب حمل ما في المجتبى على المبدل منها إن لم يكن ذكرا
أو تنزيها، وقد سبق أن غير المبدل يحرم على الجنب قراءته ا ه‍. قوله: (هو المختار) راجع إلى
التعميم المذكور، لكن لا بالنسبة إلى جميع أفراده بل إلى قوله: (أو نائما) فإن فيه خلافا عندنا، قال
في النهر: وبالفساد به قال كثير من المشايخ، وهو المختار خلافا لما اختاره فخر الاسلام ا ه‍. وأما
بقية المسائل فلم أر من ذكر فيها خلافا عندنا، بل فيها خلاف غيرنا. فقوله: (رفع عن أمتي الخطأ)
قال في الفتح: ولم يوجد بهذا اللفظ في شئ من كتب الحديث، بل الموجود فيها إن الله وضع عن
أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه رواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم، وقال صحيح على
شرطهما ح. قوله: (على رفع الاثم) وهو الحكم الأخروي، فلا يراد الدنيوي وهو الفساد لئلا يلزم

(1) قوله: (أو ناسيا) كذا بخطه، والأولى حذف أو كما هو في الشرح ا ه‍. مصححه.
662

تعميم المقتضي. ح عن البحر. قوله: (وحديث ذي اليدين) اسمه الخرباق، وكان في يديه أو إحداهما
طول، ولفظه أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: لم أنس ولم تقصر، قال: بل نسيت يا رسول الله،
فأقبل على القوم، فقال: أصدق ذو اليدين؟ فأومؤا أي نعم زيلعي ط. قوله: (منسوخ بحديث مسلم
الخ) هو ما أخرجه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله (ص)
إذا عطس رجل من القوم، فقلت له: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أماه، ما
شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتوني سكت، فلما
صلى رسول الله (ص) دعاني، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما
كهرني ولا ضربني ولا شتمني، ثم قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، إنما هو
التسبيح والتكبير وقراءة القرآن كذا في الفتح وشرح المنية. ومنع النسخ بأن حديث ذي اليدين رواه
أبو هريرة وهو متأخر الاسلام. وأجيب بجواز أن يرويه عن غيره ولم يكن حاضرا، وتمامه في
الزيلعي. قال في البحر: وهو غير صحيح، لما في صحيح مسلم عنه بينا أنا أصلي مع رسول
الله (ص) وساق الواقعة، وهو صريح في حضوره، ولم أر عنه جوابا شافيا ا ه‍.
أقول: أظن أن صاحب البحر اشتبه عليه حديث ذي اليدين معاوية بن الحكم الذي نقلناه عن
صحيح مسلم فليراجع. قوله: (ساهيا) يغني عنه قوله: على ظن إكمالها. قوله: (أو على ظن)
معطوف على قوله: على إنسان فافهم قوله: (أنها ترويحة مثلا) أي بأن كان يصلي العشاء فظن أنها
التراويح، ومثله ما لو صلى ركعتين من الظهر فسلم على ظن أنه مسافر أو أنها جمعة أو فجر قوله:
(أو سلم قائما) أي على ظن أنه أتم الصلاة. بحر قوله: (فإنه يفسدها) أي في الصور الثلاث، أما
السلام على إنسان فظاهر، وأما السلام على ظن أنها ترويحة فلانه قصد القطع على ركعتين. بخلاف
ما إذا ظن إكمالها فإنه قصد القطع على أربع باعتبار ظنه. وأما السلام قائما فلانه إنما اغتفر سهوه في
القعود، لان القعود مظنته بخلاف القيام، ولذلك اغتفر سهوه قائما في صلاة الجنازة، لان القيام
فيها مظنة السلام ا ه‍ قوله: (مطلقا) فسره قوله: وإن لم يقل عليكم وقوله: ولو ساهيا ح قوله:
(فسلام التحية الخ) هذا ما حرره في البحر بحثا ثم رآه مصرحا به في البدائع، ووفق به بين ما في
الكنز وغيره من إطلاق الفساد بالسلام وبين ما في المجمع وغيره من تقييده بالعمد، بحمل الأول
على الأول والثاني على الثاني، ودخل في قوله: إن عمدا ما لو ظن أنها ترويحة مثلا فسلم لأنه
تعمد السلام كما مر خلافا لمن وهم قوله: (لا بيده) أي لا يفسدها رد السلام بيده، خلافا لمن
عزا إلى أبي حنيفة أنه مفسد، فإنه لم يعرف نقله من أحد من أهل المذهب، وإنما يذكرون عدم
الفساد بلا حكاية خلاف، بل صريح كلام الطحاوي أنه قول أئمتنا الثلاثة، وكأن هذا القائل فهم من
قولهم ولا يرد بالإشارة أنه مفسد، كذا في الحلية لابن أمير حاج الحلبي، واستدرك في البحر على
قوله: فإنه لم يعرف الخ بأنه نقله صاحب المجمع وهو من أهل المذهب المتأخرين، ومع هذا
663

فالحق أن الفساد ليس بثابت في المذهب، وإنما استنبطه بعض المشايخ مما في الظهيرية وغيرها من
أنه لو صافح بنية التسليم فسدت، فقال: فعلى هذا تفسد أيضا إذا رد بالإشارة، ويدل لعدم الفساد
أنه عليه الصلاة والسلام فعله كما رواه أبو داود وصححه في الترمذي. وصرح في المنية بأنه
مكروه: أي تنزيها، وفعله عليه الصلاة والسلام لتعليم الجواز فلا يوصف فعله بالكراهة كما حققه
في الحلية ا ه‍. قوله: (قالوا تفسد) فيه إيماء إلى ما ذكره في البحر بحثا من أن الظاهر استواء حكم
الرد بالمصافحة وباليد وهو عدم الفساد للأحاديث الواردة في ذلك، وقوله: كأنه الخ فيه إيماء إلى
ما ذكره في النهر من أن هذا التعليل أولى من تعليل الزيلعي وغيره بأنه كلام معنى، لان الرد باليد
كلام معنى أيضا، فتدبر، وبالله التوفيق، كذا رأيته بخط الشارح في هامش الخزائن.
مطلب: المواضع التي يكره فيها السلام
قوله: (سلامك مكروه) ظاهره التحريم ط، وسيجئ التصريح بالاثم في بعضها قوله: (ومن
بعد ما أبدى الخ) فعل مضارع رباعي: أي أظهر، والمعنى وغير الذي أذكره هنا يسن، ولا يناقضه
قوله: والزيادة تنفع لأنه من كلام صاحب النهر كما ستعرفه، فافهم. قوله: (ذاكر) فسره بعضهم
بالواعظ لأنه يذكر الله تعالى ويذكر الناس به، والظاهر أنه أعم، فيكره السلام على مشتغل بذكر الله
تعالى بأي وجه كان. رحمتي قوله: (خطيب) يعم جميع الخطب ط. قوله: (ومن يصغي إليهم) أي
إلى من ذكر ولو إلى المصلي إذا جهر، وهو داخل في التالي ط. قوله: (مكرر فقه) أي ليحفظه أو
يفهمه قوله: (جالس لقضائه) قاس بعض مشايخنا الولاة والامراء على القاضي. قال شمس الأئمة
السرخسي: الصحيح الفرق، فالرعية يسلمون على الامراء والولاة، والخصوم لا يسلمون على
القضاة، والفرق أن السلام تحية الزائرين والخصوم ما تقدموا إلى القاضي زائرين، بخلاف الرعية:
فعلى هذا لو جلس القاضي للزيارة فالخصوم يسلمون عليه، ولو جلس الأمير لفصل الخصومة لا
يسلمون عليه، كذا في الثامن من كراهية التاترخانية، ومقتضى هذا أن الخصوم إذا دخلوا على
المفتي لا يسلمون عليه. تأمل قوله: (ومن بحثوا في الفقه) عبارة النهر: في العلم، وفي الضياء:
مذاكرة العلم، فيعم كل علم شرعي قوله: (أيضا) بوصل الهمزة للضرورة ط. قوله: (مدرس) أي
شيخ درس العلم الشرعي بقرينة ما ذكرناه آنفا. قوله: (الفتيات) جمع فتية: المرأة الشابة، ومفهومه
جوازه على العجوز، بل صرحوا بجواز مصافحتها عند أمن الشهوة قوله: (ولعاب) بضم اللام
وتشديد العين المهملة جمع لاعب. قوله: (وشبه) بكسر الشين: أي مشابه لخلقهم بالضم، والمراد
من يشابههم في فسقهم من سائر أرباب المعاصي، كمن يلعب بالقمار، أو يشرب الخمر، أو يغتاب
الناس، أو يطير الحمام، أو يغني، فقد نبه بلعب الشطرنج المختلف فيه على أن ما فوقه مثله
664

بالأولى، وسيأتي في الحظر والإباحة أنه يكره السلام على الفاسق لو معلنا، وإلا لا ا ه‍.
وفي فصول العلامي: ولا يسلم على الشيخ الممازح والكذاب واللاغي، ولا على من يسبه
الناس أو ينظر وجوه الأجنبيات، ولا على الفاسق المعلن، ولا على من يغني أو يطير الحمام ما لم
تعرف توبتهم. ويسلم على قوم في معصية، وعلى من يلعب بالشطرنج ناويا أن يشغلهم عما هم فيه
عند أبي حنيفة. وكره عندهما تحقيرا لهم ا ه‍. وظاهر قوله: ما لم تعرف توبتهم أن المراد كراهة
السلام عليهم في غير حالة مباشرة المعية، أما في حالة مباشرتها ففيه الخلاف المذكور قوله:
(يتمتع) الظاهر منه ما يعم مقدمات الجماع ط. قوله: (ودع كافرا) أي إلا إذا كان لك حاجة إليه فلا
يكره السلام عليه كما سيأتي في باب الحظر والإباحة. قوله: (ومكشوف عورة) ظاهره ولو الكشف
لضرورة ط. قوله: (حال التغوط) مراده ما يعم البول ط. قوله: (إلا إذا كنت الخ) انظر ما وجه
ذلك؟ مع أن الكراهة إنما هي في حالة وضع اللقمة في الفم، كما يظهر مما في حظر المجتبى:
يكره السلام على العاجز عن الجواب حقيقة كالمشغول بالاكل أو الاستفراغ، أو شرعا كالمشغول
بالصلاة وقراءة القرآن، ولو سلم لا يستحق الجواب اه‍. قوله: (وقد زدت عليه المتفقه على أستاذه)
كما في القنية والمغني ومطير الحمام وألحقته فقلت: كذلك أستاذ الخ، هكذا يوجد في بعض
النسخ، وهو من تتمة عبارة صاحب النهر، والبيت المذكور من نظمه قوله: (كذلك أستاذ) فيه أن
الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسلمون على النبي (ص) ح عن شيخه، والجواب أن المراد السلام عليه
في حالة اشتغاله بالتعليم كما يأتي، وبه يعلم أنه داخل في النظم السابق في قوله: (مدرس) وكذا
المغني ومطير الحمام داخلان في قوله: وشبه بخلقهم كما نبهنا عليه، ولكن الغرض ذكر ما وقع
التصريح به في كلامهم، وإلا ففي النظم السابق أشياء متداخلة يغني ذكر بعضها عن بعض، وعن هذا
زاد شيخ مشايخنا الشهاب أحمد المنيني كما نقله عنه الرحمتي أشياء أخر نظمها بقوله:
وزد عد زنديق وشيخ ممازح * ولاغ وكذاب لكذب يشيع
ومن ينظر النسوان في السوق عامدا * ومن دأبه سب الأنام ويردع
ومن جلسوا في مسجد لصلاتهم * وتسبيحهم هذا عن البعض يسمع
ولا تنس من لبى هنالك صرحوا * فكن عارفا يا صاح تحظى وترفع
قوله: (وصرح في الضياء الخ) أي نقلا عن روضة الزندويستي)، وذكر ح عبارته. وحاصلها:
أنه يأثم بالسلام على المشغولين بالخطبة أو الصلاة أو قراءة القرآن أو مذاكرة العلم أو الاذان أو
الإقامة، وأنه لا يجب الرد في الأولين لأنه يبطل الصلاة والخطبة كالصلاة، ويردون في الباقي
لامكان الجمع بين فضيلتي الرد، وما هم فيه من غير أن يؤدي إلى قطع شئ تجب إعادته. قال ح:
ويعلم من التعليل الحكم في بقية المسائل المذكورة في النظم ا ه‍.
665

قلت: لكن في البحر عن الزيلعي ما يخالفه، فإنه قال: يكره السلام على المصلي، والقارئ،
والجالس للقضاء، أو البحث في الفقه، أو التخلي، ولو سلم عليهم لا يجب عليهم الرد لأنه في
غير محله ا ه‍. ومفاده أن كل محل لا يشرع فيه السلام لا يجب رده.
مطلب: المواضع التي لا يجب فيها رد السلام
وفي شرح الشرعة: صرح الفقهاء بعدم وجوب الرد في بعض المواضع: القاضي إذا سلم
عليه الخصمان والأستاذ الفقيه إذا سلم عليه تلميذه أو غيره أوان الدرس، وسلام السائل، والمشتغل
بقراءة القرآن، والدعاء حال شغله، والجالسين في المسجد لتسبيح أو قراءة أو ذكر حال
التذكير ا ه‍. وفي البزازية: لا يجب الرد على الامام والمؤذن والخطيب عند الثاني، وهو
الصحيح ا ه‍. وينبغي وجوب الرد على الفاسق، لان كراهة السلام عليه للزجر فلا تنافي الوجوب
عليه. تأمل هذا.
وقد نظم الجلال السيوطي المواضع التي لا يجب فيها رد السلام ونقلها عنه الشارح في هامش
الخزائن فقال:
رد السلام واجب إلا على * من في الصلاة أو بأكل شغلا
أو شرب أو قراءة أو أدعيه * أو ذكر أو في خطبة أو تلبيه
أو في قضاء حاجة الانسان * أو في إقامة أو الاذان
أو سلم الطفل أو السكران * أو شابة يخشى بها افتتان
أو فاسق أو ناعس أو نائم * أو حالة الجماع أو تحاكم
أو كان في الحمام أو مجنونا * فواحد من بعدها عشرونا
قوله: بجزم الميم) كأنه لمخالفته السنة، فعلى هذا لو رفع الميم بلا تنوين ولا تعريف كان
كجزم الميم لمخالفته السنة أيضا ا ه‍ ح.
قلت: وقد سمع من العرب. سلام عليكم - بلا تنوين، وخرجه في مغني اللبيب على حذف ألف
أو تقدير مضاف: أي سلام الله، لكن قال في الظهيرية: ولفظ السلام: السلام عليكم، أو سلام
عليكم بالتنوين، وبدون هذين كما يقول الجهال لا يكون سلاما ا ه‍. وذكر في التاترخانية عن بعض
أصحاب أبي يوسف أن سلام الله عليكم دعاء لا تحية، وسنذكر بقية أبحاث السلام في كتاب الحظر
والإباحة قوله: (والتنحنح) هو أن يقول: أح بالفتح والضم. بحر قوله: (بحرفين) يعلم حكم
الزائد عليهما بالأولى، لكن يوهم أن الزائد لو كان بعذر يفسد، ويخالفه ظاهر ما في النهاية عن
المحيط، من أنه إن لم يكن مدفوعا إليه بل لاصلاح الحلق ليتمكن من القراءة إن ظهر له حروف
نحو قوله: اح اح وتكلف لذلك كان الفقيه إسماعيل الزاهد يقول: يقطع الصلاة عندهما لأنها
حروف مهجاة ا ه‍: أي والصحيح خلافه كما يأتي قوله: (بأن نشأ من طبعه) أي بأن كان مدفوعا
إليه قوله: (على الصحيح) لأنه يفعله لاصلاح القراءة فيكون من القراءة معنى كالمشي للبناء، فإنه
وإن لم يكن من الصلاة لكنه لاصلاحها فصار منها معنى شرح المنية عن الكفاية، لكنه لا يشمل ما
666

لو كان لاعلام أنه في الصلاة أو ليهتدي إمامه إلى الصواب. والقياس الفساد في الكل، إلا في
المدفوع إليه كما هو قول أبي حنيفة ومحمد لأنه كلام، والكلام مفسد على كل حال كما مر، وكأنهم
عدلوا بذلك عن القياس وصححوا عدم الفساد به إذا كان لغرض صحيح لوجود نص، ولعله ما في
الحلية عن سنن ابن ماجة عن علي رضي الله عنه قال: كان لي من رسول الله (ص) مدخلان: مدخل
بالليل، ومدخل بالنهار، فكنت إذا أتيته وهو يصلي تنحنح لي وفي رواية سبح وحملهما في
الحلية على اختلاف الحالات، والله تعالى أعلم قوله: (والدعاء بما يشبه كلامنا) هو ما ليس في
القرآن ولا في السنة ولا يستحيل طلبه من العباد، فإن ورد فيهما أو استحال طلبه لم يفسد كما في
البحر عن التجنيس وتقدم الكلام عليه في سنن الصلاة فراجعه قوله: (خلافا للشافعي) أشار إلى أن
فائدة ذكر الدعاء المذكور مع أنه داخل في الكلام هي التنبيه على ما فيه من الخلاف قوله: (والتأوه
الخ) قال في شرح المنية: بأن قال أوه بفتح الهمزة وتشديد الواو مفتوحة وبضم الهمزة وإسكان
الواو، أو قال: آه بمد الهمزة ا ه‍. وذكر في الحلية فيه ثلاث عشرة لغة ساقها في البحر قوله:
(والتأفيف الخ) قال في الحلية: أف اسم فعل لا تضجر، وفيه لغات انتهت إلى أربعين، منها ضم
الهمزة مع تثليث الفاء مخففة ومشددة، منونة وغير منونة، وقد تأتي مصدرا يراد به الدعاء بتاء في آخره
وبغير تاء فتنصب بفعل واجب الاضمار، وقد تردف حينئذ بتف على الاتباع له، ومنه قول القائل:
أفا وتفا لمن مودته * إن غبت عنه سويعة زالت
إن مالت الريح هكذا وكذا * مالت مع الريح أينما مالت
وظاهره أن تف ليس من أسماء التأفيف تأمل قوله: (والبكا) بالقصر: خروج الدمع،
وبالمد: صوت معه كما في الصحاح، فقوله بصوت للتقييد على الأول، وللتوضيح على الثاني.
إسماعيل قوله: (يحصل به حروف) كذا في الفتح والنهاية والسراج. قال في النهر: أما خروج الدمع
بلا صوت، أو صوت لا حرف معه فغير مفسد قوله: (إلا لمريض الخ) قال في المعراج: ثم إن
كان الأنين مع وجع مما يمكن الامتناع عنه: فعن أبي يوسف يقطع الصلاة، وإن كان مما لا يمكن لا
يقطع. وعن محمد: إن كان المرض خفيفا يقطع، وإلا فلا لأنه لا يمكنه القعود إلا بالأنين، كذا
ذكره المحبوبي ا ه‍. قوله: (وإن حصل حروف) أي لهذه المذكورات كلها كما في المعراج، لكن
ينبغي تقييده بما إذا لم يتكلف إخراج حروف زائدة على ما تقتضيه طبيعة العاطس ونحوه، كما لو
قال في تثاوبه هاه هاه مكررا لها فإنه منهي عنه بالحديث: تأمل، وأفاد أنه لو لم يحصل له حروف
لا تفسد مطلقا، كما لو سعل وظهر منه صوت من نفس يخرج من الانف بلا حروف قوله: (لا
لذكر جنة أو نار) لان الأنين، ونحوه إذا كان يذكرهما صار كأنه قال: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ
بك من النار، ولو صرح به لا تفسد صلاته، وإن كان من وجع أو مصيبة صار كأنه يقول: أنا مصاب
فعزوني، ولو صرح به تفسد، كذا في الكافي. درر قوله: (أو آرى) هي لفظة فارسية بمعنى نعم
667

كما صرح به في الفتاوى الهندية، وهو بفتح الهمزة ممدودة وكسر الراء وسكون الباء ح قوله:
(لدلالته على الخشوع) أفاد أنه لو كان استلذاذا بحسن النغمة يكون مفسدا ط. قوله: (وتشميت)
بالسين والشين المعجمة، والثاني أفصح درر. قوله: (لغيره) تبع فيه صاحب النهر، والأصوب
إسقاطه، لان تشميت مصدر مضاف لمفعوله والفاعل محذوف وهو المصلي، ولكن زاده ليقابله
بقوله: ولو العاطس لنفسه وتأويله أن قوله: لغيره بدل من عاطس لان الإضافة فيه على معنى
اللام: أي تشميته لعاطس فصار المعنى: تشميت المصلي لغيره، فافهم. قوله: (بيرحمك الله) قيد
به، لان السامع لو قال الحمد لله، فإن عنى الجواب اختلف المشايخ، أو التعليم فسدت، أو لم يرد
واحد منهما لا تفسد اتفاقا. نهر. وصحح في شرح المنية عدم الفساد مطلقا لأنه لم يتعارف جوابا.
قال: بخلاف الجواب السار بها: أي بالحمدلة للتعارف قوله: (ولو من العاطس لنفسه لا) أي لو
قال لنفسه يرحمك الله يا نفسي لا تفسد، لأنه لما لم يكن خطابا لغيره لم يعتبر من كلام الناس، لما
إذا قال: يرحمني الله. بحر قوله: (وبعكسه التأمين الخ) صورته ما في الظهيرية: رجلان يصليان
فعطس أحدهما، فقال رجل خارج الصلاة: يرحمك الله، فقالا جميعا: آمين تفسد صلاة العاطس دون
الآخر، لأنه لم يدع له ا ه‍. أي لم يجبه.
ويشكل عليه ما في الذخيرة: إذا أمن المصلي لدعاء رجل ليس في الصلاة تفسد صلاته ا ه‍.
وهو يفيد فساد صلاة المؤمن الذي ليس بعاطس وليس ببعيد كما لا يخفى. بحر. وأجاب في النهر
بأنا لا نسلم أن الثاني تأمين لدعائه لانقطاعه بالأول، وإلى هذا يشير التعليل ا ه‍.
وحاصله: أنه لما كان الدعاء للعاطس تعين تأمينه جوابا للداعي فلم يكن تأمين المصلي الآخر
جوابا، بخلاف ما إذا كان المؤمن واحدا فإنه يتعين تأمينه جوابا كما في مسألة الذخيرة. وأجاب العلامة
المقدسي بحمل ما في الذخيرة على ما إذا دعا له ليكون جوابا، أما إذا دعا لغيره فلا يظهر كونه جوابا
فلا تفسد ا ه‍. لكن ينافيه ما يذكره الشارح: لو دعا لاحد أو عليه فقال: أي المصلي آمين، تفسد،
وكذا ما في البحر عن المبتغى: لو سمع المصلي من مصل آخر ولا الضالين فقال آمين لا تفسد،
وقيل تفسد وعليه المتأخرون ا ه‍. فهذا يؤيد ما أجاب به في النهر، لان المؤمن واحد فتعين تأمينه
جوابا وإن لم يكن الدعاء له، فلذا لم يعرج الشارح على ما في البحر. فافهم. قوله: (وجواب خير
سوء) السوء بضم السين صفة خبر، وهو من ساء يسوء سوءا نقيض سر، والاسترجاع قول * (إنا لله وإنا
إليه راجعون) * ثم الفساد بذلك قولهما خلافا لأبي يوسف كما صححه في الهداية
والكافي، لان الأصل عنده أن ما كان ثناء أو قرآنا لا يتغير بالنية، وعندهما يتغير كما في النهاية، وقيل
إنه بالاتفاق، ونسبه في غاية البيان إلى عامة المشايخ. وفي الخانية أنه الظاهر، لكن ذكر في البحر أنه
لو أخبر بخبر يسره فقال الحمد لله فهو على الخلاف، ثم قال: ولعل الفرق على قوله إن الاسترجاع
لاظهار المصيبة وما شرعت الصلاة لأجله، والتحميد لاظهار الشكر والصلاة شرعت لأجله ا ه‍.
قلت: وهو مأخوذ من الحلية، وفيه نظر، إذ لو صح هذا الفرق على قول أبي يوسف لانتقض
الأصل المذكور، فالأولى ما في الهداية وغيرها من أن الفرع الأول على الخلاف أيضا، ولذا مشى
عليه في شرح المنية الكبير، فليتأمل قوله: (على المذهب) رد على ما في الظهيرية من تصحيح
668

عدم الفساد فإنه تصحيح مخالف للمشهور، وعلى ما في المجتبى من أنه لا فساد بشئ من الأذكار
التي يقصد بها الجواب في قول أبي حنيفة وصاحبيه، فإنه مخالف للمتون والشروح والفتاوى، كذا
في الحلية والبحر، فافهم. قوله: (لأنه الخ) بيان لوجه الفساد عندهما، فإن المناط كونه لفظا أفيد به
معنى ليس من أعمال الصلاة كونه وضع لإفادة ذلك. فتح. قوله: (كل ما قصد به الجواب) أي
عندهما لصيرورة الثناء كلام الناس بالقصد كخروج القراءة بقصد الخطاب، والجواب بما ليس بثناء
مفسد اتفاقا، كذا في غرر الأفكار، ومثله في الدرر حيث قال: قيد بالتحميد ونحوه، لان الجواب
بما ليس بثناء مفسد اتفاقا ا ه‍.
قلت: والمراد بما ليس بثناء: ما كان من غير القرآن، أما ما كان منه إذا قصد به الجواب فإنه
على الخلاف أيضا، وإن لم يكن ثناء كقوله: * (الخيل والبغال والحمير) * (النحل: 8) بدليل ما قدمناه
عن النهاية من أن الأصل عند أبي يوسف أن ما كان ثناء أو قرآنا لا يتغير بالنية. وعندهما يتغير، فلو
قيل: ما مالك؟ فقال: الإبل والبقر والعبيد مثلا، فسدت اتفاقا لأنه ليس قرآنا ولا ثناء. أما لو
أجاب عن خبر سار بالتحميد أو معجب بالتسبيح أو التهليل لا تفسد عنده، لأنه ثناء وإن لم يكن
قرآنا. واحترز بقصد الجواب عمنا لو سبح لمن استأذنه في الدخول على قصد إعلامه أنه في الصلاة
كما يأتي، أو سبح لتنبيه إمامه فإنه وإن لزم تغييره بالنية عندهما إلا أنه خارج عن القياس بالحديث
الصحيح: إذا نابت أحدكم نائبة وهو في الصلاة فليسبح قال في البحر: ومما ألحق بالجواب ما
في المجتبى: لو سبح أو هلل يريد زجرا عن فعل أو أمرا به فسدت عندهما ا ه‍.
قلت: والظاهر أنه لو لم يسبح ولكن جهر بالقراءة لا تفسد لأنه قاصد للقراءة، وإنما قصد
الزجر أو الامر بمجرد رفع الصوت. تأمل. قوله: (أو الخطاب الخ) هذا مفسد بالاتفاق، وهو مما
أورد نقضا على أصل أبي يوسف، فإنه قرآن لم يوضع خطابا لمن خاطبه المصلي، وقد أخرجه
بقصد الخطاب عن كونه قرآنا وجعله من كلام الناس قوله: (كقوله لمن اسمه يحيى أو موسى) يغني
عن قول المصنف مخاطبا لمن اسمه ذلك والظاهر أنها تفسد وإن لم يكن المخاطب مسمى بهذا
الاسم إذا قصد خطابه ط. قوله: (أو لمن بالباب الخ) لعل وجه جعله من الخطاب مع أنه ليس فيه
أداة نداء ولا خطاب أنه في معنى قوله: ادخل قوله: (تفسد إن قصد جوابه) ذكر في البحر أنه لو قال
مثل ما قال المؤذن، إن أراد جوابه تفسد، وكذا لو لم تكن له نية لأن الظاهر أنه أراد به الإجابة،
وكذلك إذا سمع اسم النبي (ص) فصلى عليه فهذا إجابة ا ه‍.
ويشكل على هذا كله ما مر من التفصيل فيمن سمع العاطس فقال: الحمد لله. تأمل. واستفيد
669

أنه لو لم يقصد الجواب بل قصد الثناء والتعظيم لا تفسد، لان نفس تعظيم الله تعالى والصلاة على
نبيه (ص) لا ينافي الصلاة كما في شرح المنية قوله: (وقيل لا) جزم به في البحر، والظاهر أنه مبني
على ما إذا لم يقصد الجواب وإلا أشكل عليه ما مر. تأمل. قوله: (فبسمل) يشكل عليه ما في
البحر: أو لدغته عقرب أو أصابه وجع فقال بسم الله، قيل تفسد لأنه كالنين، وقيل لا لأنه ليس من
كلام الناس. وفي النصاب: وعليه الفتوى، وجزم به في الظهيرية، وكذا لو قال يا رب كما في
الذخيرة ا ه‍. قوله: (فقال آمين) قدمنا الكلام فيه قريبا. قوله: (ولا يفسد الكل) أي إلا إذا قصد
الخطاب كما مر قوله: (حتى لو امتثل الخ) هذا امتثال بالفعل، ومثله ما لو امتثل بالقول، وهو ما
في البحر عن القنية: مسجد كبير يجهر المؤذن فيه بالتكبيرات فدخل فيه رجل أمر المؤذن أن يجهر
بالتكبير وركع الامام للحال فجهر المؤذن، إن قصد جوابه فسدت صلاته. قوله: (أو دخل فرجة
الخ) المعتمد فيه عدم الفساد ط. قوله: (ومر) أي في باب الإمامة عند قوله: ويصف الرجال
وقدمنا عن الشرنبلالي عدم الفساد وتقدم تمام الكلام عليه هناك قوله: (ويأتي) أي في هذا الباب
عند قول المصنف ورد السلام بيده قوله: (وفتحه على غير إمامه) لأنه تعلم وتعليم من غير
حاجة. بحر. وهو شامل لفتح المقتدي على مثله وعلى المنفرد وعلى غير المصلي وعلى إمام
آخر، لفتح الامام والمنفرد على أشخص كان إن أراد به التعليم لا التلاوة. نهر قوله: (وكذا
الاخذ) أي أخذ المصلي غير الامام بفتح من فتح عليه مفسد أيضا كما في البحر عن الخلاصة، أو
أخذ الامام بفتح من ليس في صلاته كما فيه عن القنية. قوله: (إلا إذا تذكر الخ) قال في القنية:
ارتج على الامام ففتح عليه من ليس في صلاته وتذكر، فإن أخذ في التلاوة قبل تمام الفتح لم
تفسد، وإلا تفسد لان لان تذكره يضاف إلى الفتح ا ه‍. بحر قال في الحلية: وفيه نظر لأنه إن حصل
التذكر والفتح معا لم يكن التذكر ناشئا عن الفتح، ولا وجه لإفساد الصلاة بتأخر شروعه في القراءة
عن تمام الفتح، وإن حصل التذكر بعد الفتح قبل إتمامه فالظاهر أن التذكر ناشئ عنه ووجبت إضافة
التذكر عليه فتفسد بلا توقف للشروع في القراءة على إتمامه ا ه‍. ملخصا.
قلت: والذي ينبغي أن يقال: إن حصل التذكر بسبب الفتح تفسد مطلقا: أي سواء شرع في
التلاوة قبل تمام الفتح أو بعده لوجود التعلم، وإن حصل تذكره من نفسه لا بسبب الفتح لا تفسد
مطلقا، وكون الظاهر أنه حصل بالفتح لا يؤثر بعد تحقق أنه من نفسه، لان ذلك من أمور الديانة لا
القضاء حتى يبني على الظاهر، ألا ترى أنه لو فتح على غير إمامه قاصدا القراءة لا التعليم لا تفسد
مع أن ظاهر حاله التعليم، وكذا لو قال مثل ما قال المؤذن ولم يقصد الإجابة، فليتأمل قوله:
670

(مطلقا) فسره بما بعده قوله: (بكل حال) أي سواء قرأ الامام قدر ما تجوز به الصلاة أم لا، انتقل
إلى آية أخرى أم لا، تكرر الفتح أم لا، هو الأصح. نهر. قوله: (إلا إذا سمعه المؤتم الخ) في
البحر عن القنية: ولو سمعه المؤتم ممن ليس في الصلاة ففتح به على إمامه يجب أن تبطل صلاة
الكل، لان التلقين من خارج ا ه‍. وأقره في النهر. ووجهه أن المؤتم لما تلقن من خارج بطلت
صلاته، فإذا فتح على إمامه وأخذ منه بطلت صلاته، لكن قال ح: وهذا يقتضي أنه لو سمعه من
مصل ولو غير صلاته ففتح به لا تبطل، وهو باطل كما لا يخفى، إلا أن يراد بقوله: من غير مصل
أي صلاته ا ه‍. قوله: (وينوي الفتح لا القراءة) هو الصحيح، لان قراءة المقتدي منهي عنها، والفتح
على إمامه غير منهي عنه. بحر.
تتمة: يكره أن يفتح من ساعته، كما يكره للامام أن يلجئه إليه، بل ينتقل إلى آية أخرى لا
يلزم من وصلها ما يفسد الصلاة، أو إلى سورة أخرى، أو يركع إذا قرأ قدر الفرض كما جزم به
الزيلعي وغيره. وفي رواية: قدر المستحب كما رجحه الكمال بأنه الظاهر من الدليل، وأقره في
البحر والنهر، ونازعه في شرح المنية، ورجح قدر الواجب لشدة تأكده قوله: (أو رآى) كلمة
فارسية كما في شرح المنية، وهي بمد الهمزة وكسر الراء بمعنى نعم كما تقدم قوله: (لأنه من
كلامه) بدليل الاعتياد قوله: (لأنه قرآن) هذا ظاهر في نعم، وكذا في آرى على رواية أن القرآن
اسم للمعنى، أما على رواية أنه اسم للنظم والمعنى فلا
تنبيه: وقع في ألغاز الأشباه: أي مصل قال نعم ولم تفسد صلاته؟ فقل: من اعتاد في
كلامه ا ه‍. قال في الخزائن: وفيه اشتباه: أي اشتبه عليه الحكم إن لم يكن سبق قلم قوله:
(مطلقا) أي سواء كان كثيرا أو قليلا عامدا أو ناسيا، ولذ قال ولو سمسمة ناسيا ومثله ما أوقع في
فيه قطرة مطر فابتلعها كما في البحر. قوله: (الحمصة) بكسر الحاء وتشديد الميم مكسورة ومفتوحة
ح. قوله: (قاله الباقاني) أي في شرح الملتقى ونصه: وقال البقالي: الصحيح أن كل ما يفسد به
الصوم تفسد به الصلاة ا ه‍. وعليه مشى الزيلعي تبعا للخلاصة والبدائع. قال في النهر: وجعل في
الخانية هذا قول البعض. وقال بعضهم: ما دون ملء الفم لا يفسد، وفرق بين الصلاة والصوم، وما
في الزيلعي أولى قوله: (أما المضغ فمفسد) أي إن كثر، وتقديره بالثلاث المتواليات كما في
غيره، كذ في شرح المنية. وفي البحر عن المحيط وغيره: ولو مضغ العلك كثير أفسدت، وكذا لو
كان في فيه إهليلجة فلاكها، فإن دخل في حلقه منها شئ يسير من غير أن يلوكها لا تفسد، وإن
كثر ذلك فسدت اه‍. قوله: (كسكر الخ) أفاد أن المفسد إما المضغ الكثير أو وصول عين المأكول
إلى الجوف، بخلاف الطعم. قال في البحر عن الخلاصة: ولو أكل شيئا من الحلاوة وابتلع عينها
فدخل في الصلاة فوجد حلاوتها في فيه وابتلعها لا تفسد صلاته، ولو أدخل الفانيد أو السكر في
فيه ولم يمضغه لكن يصلي والحلاوة تصل إلى جوفه تفسد صلاته اه‍. قوله: (ويفسدها انتقاله
671

الخ) أي بأن ينوي بقلبه مع التكبيرة الانتقال المذكور. قال في النهر: بأن صلى ركعة من الظهر مثلا
ثم افتتح العصر أو التطوع بتكبيرة، فإن كان صاحب ترتيب كان شارعا في التطوع عندهما، خلافا
لمحمد، أو لم يكن بأن سقط للضيق أو للكثرة صح شروعه في العصر لأنه نوى تحصيل ما ليس
بحاصل فخرج عن الأول، فمناط الخروج عن الأول صحة الشروع في المغاير ولو من وجه، فلذا
لو كان منفردا فكبر ينوي الاقتداء أو عكسه أو إمامة النساء فسد، الأول وكان شارعا في الثاني، وكذا
لو نوى نفلا أو واجبا أو شرع في جنازة فجئ بأخرى فكبر ينويهما أو الثانية يصير مستأنفا على
الثانية، كذا في فتح القدير ا ه‍. قوله: (أو عكسه) بالنصب عطفا على منفردا ح. قوله: (بخلاف نية
الظهر الخ) أي نيته مع التكبير كما مر. قال في البحر: يعني لو صلى ركعة من الظهر فكبر ينوي
الاستئناف للظهر بعينها لا يفسد ما أداه ويحتسب بتلك الركعة، حتى لو صلى ثلاث ركعات بعدها
ولم يقعد في آخرها حتى صلى رابعة فسدت الصلاة ولغت النية الثانية قوله: (مطلقا) أي سواء
انتقل إلى المغايرة أو المتحدة، لان التلفظ بالنية كلام مفسد للصلاة الأولى، فصح الشروع الثاني.
قوله: (أي ما فيه قرآن) عممه ليشمل المحراب، فإنه إذا قرأ ما فيه فسدت في الصحيح، بحر قوله:
(مطلقا) أي قليلا أو كثيرا، إماما أو منفردا، أميا لا يمكنه القراءة إلا منه أو لا قوله: (لأنه تعلم)
ذكروا لأبي حنيفة في علة الفساد وجهين:
أحدهما: أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير. والثاني: أنه تلقن من
المصحف فصار كما إذا تلقن من غيره. وعلى الثاني لا فرق بين الموضوع والمحمول عنده، وعلى
الأول يفترقان وصحح الثاني في الكافي تبعا لتصحيح السرخسي، وعليه لو لم يكن قادرا على
القراءة إلا من المصحف فصلى بلا قراءة: ذكر الفضلي أنها تجزيه، وصحح في الظهيرة عدمه،
والظاهر أنه مفرع على الوجه الأول الضعيف. بحر. قوله: (إلا إذا كان الخ) لأن هذه
القراءة مضافة
إلى حفظه لا إلى تلقنه من المصحف، ومجرد النظر بلا حمل غير مفسد لعدم وجهي الفساد، وهذا
استثناء من إطلاق المصنف، وهو قول الرازي، وتبعه السرخسي وأبو نصر الصفار، وجزم به في
الفتح والنهاية والتبيين. قال في البحر: وهو وجيه كما لا يخفى ا ه‍. فلذا جزم به الشارح. قوله:
(وقيل الخ) تقييد آخر لاطلاق المصنف. وعبارة الحلبي في شرح المنية: ولم يفرق في الكتاب
بين القليل والكثير، وقيل لا تفسد ما لم يقرأ قدر الفاتحة، وقيل ما لم يقرأ آية، وهو الأظهر لأنه
مقدار ما تجوز به الصلاة عنده قوله: (وهما بها) أي وجوزه الصاحبان بالكراهة.
مطلب في التشبه بأهل الكتاب
قوله: (لان التشبه بهم لا يكره في كل شئ) فإنا نأكل ونشرب كما يفعلون. بحر. عن شرح
الجامع الصغير لقاضيخان، ما في الذخيرة قبيل كتاب التحري. قال هشام: رأيت على أبي
يوسف نعلين مخصوفين بمسامير، فقلت: أترى بهذا الحديد بأسا؟ قال: لا، قلت: سفيان وثور بن
672

يزيد كرها ذلك لان فيه تشبها بالرهبان، فقال: كان رسول الله (ص) يلبس النعال التي لها شعر، وإنها
من لباس الرهبان، فقد أشار إلى أن صورة المشابهة فيما تعلق به صلاح العباد لا يضر، فإن الأرض
مما لا يمكن قطع المسافة البعيدة فيها إلا بهذا النوع. ا ه‍. وفيه إشارة أيضا إلى أن المراد بالتشبه
أصل الفعل: أي صورة المشابهة بلا قصد. قوله: (ليس من أعمالها) احتراز عما لو زاد ركوعا أو
سجودا مثلا فإنه عمل كثير غير مفسد لكونه منها غير أنه يرفض، لان هذا سبيل ما دون الركعة ط.
قلت: والظاهر الاستغناء عن هذا القيد على تعريف العمل الكثير بما ذكره المصنف. تأمل
قوله: (ولا لاصلاحها) خرج به الوضوء والمشي لسبق الحدث فإنهما لا يفسدانها ط. قلت: وينبغي
أن يزاد: ولا فعل لعذر احترازا عن قتل الحية أو العقرب بعمل كثير على أحد القولين كما يأتي، إلا
أن يقال: إنه لاصلاحها، لان تركه قد يؤدي إلى إفسادها. تأمل. قوله: (وفيه أقوال خمسة أصحها ما
لا يشك الخ) صححه في البدائع، وتابعه الزيلعي والولوالجي. وفي المحيط أنه الأحسن. وقال
الصدر الشهيد: إنه الصواب. وفي الخانية والخلاصة: إنه اختيار العامة. وقال في المحيط وغيره:
رواه الثلجي عن أصحابنا. حلية.
القول الثاني: أن ما يعمل عادة باليدين كثير وإن عمل بواحدة كالتعمم وشد السراويل، وما
عمل بواحدة قليل وإن عمل بهما كحل السراويل ولبس القلنسوة ونزعها إلا إذا تكرر ثلاثا متوالية،
وضعفه في البحر بأنه قاصر عن إفادة ما لا يعمل باليد كالمضغ والتقبيل.
الثالث: الحركات الثلاث المتوالية كثير، وإلا فقليل.
الرابع: ما يكون مقصودا للفاعل بأن يفرد له مجلسا على حده. قال في التاترخانية: وهذا القائل
يستدل بامرأة صلت فلمسها زوجها أو قبلها بشهوة، أو مص صبي ثديها وخرج اللبن تفسد صلاتها.
الخامس: التفويض إلى رأي المصلي، فإن استكثره فكثير، وإلا فقليل. قال القهستاني: وهو
شامل للكل وأقرب إلى قول أبي حنيفة، فإنه لم يقدر في مثله بل يفوض إلى رأي المبتلى ا ه‍. قال
في شرح المنية: ولكنه غير مضبوط، وتفويض مثله إلى العوام مما لا ينبغي، وأكثر الفروع أو
جميعها مفرع على الأولين. والظاهر أن ثانيهما ليس خارجا عن الأول، لان ما يقام باليدين عادة يغلب
ظن الناظر أنه ليس في الصلاة، وكذا قول من اعتبر التكرار ثلاثا متوالية فإنه يغلب الظن بذلك، فلذا
اختاره جمهور المشايخ ا ه‍. قوله: (ما لا يشك الخ) أي عمل لا يشك: أي بل يظن ظنا غالبا. شرح
المنية. وما بمعنى عمل، والضمير في بسببه عائد إليه، والناظر فاعل يشك والمراد به من
ليس له علم بشروع المصلي بالصلاة كما في الحلية والبحر. وفي قول الشارح من بعيد تبعا
للبدائع والنهر إشارة إليه، لان القريب لا يخفى عليه الحال عادة، فافهم. قوله: (وإن شك) أي اشتبه
عليه وتردد قوله: (لكنه يشكل بمسألة المس والتقبيل) أي ما لو مس المصلية بشهوة أو قبلها بدونها
فإن صلاتها تفسد، ولم يوجد منها فعل كما سيأتي في الفروع مع جوابه، وأصل الاستشكال لصاحب
الحلية وتبعه في البحر، فليس المراد صلاة المقبل والماس، فإنه لا يخفى فسادها على أحد من
673

الناس، فافهم. قوله: (فلا تفسد الخ) تفريع على أصح الأقوال، خلافا لما روى مكحول عن أبي
حنيفة أنه لو رفع يديه عند الركوع وعند الرفع منه تفسد، لان المفسد إنما هو العمل الكثير، وهو ما
يظن أن فاعله ليس في الصلاة، وهذا الرفع ليس كذلك، كذا في الكافي، نعم يكره لأنه فعل زائد
ليس من تتمات الصلاة. شرح المنية. وتسميتها تكبيرات الزوائد خلاف المصطلح لأنها في
الاصطلاح تكبيرات العيدين قوله: (ويفسدها سجوده على نجس) أي بدون حائل أصلا، ولو سجد
على كفه أو كمه فسد السجود لا الصلاة، حتى لو أعاده على طاهر جاز كما قدمه الشارح في فصل
إذا أراد الشروع لكن قدمنا هناك أن الحائل المتصل لا يعتبر حائلا لتبعيته للمصلي، وإلا لزم أن لا
يصح السجود معه ولو على طاهر، ولزم صحة الصلاة مع القيام على نجاسة تحت خفه، وتقدم تمام
الكلام هناك فراجعه. قوله: (في الأصح) وهو ظاهر الرواية كما في الحلية والبدائع والامداد. وقال
أبو يوسف: إن أعاده على طاهر لا تفسد، وهذا بناء على أنه بالسجود على النجس تفسد السجدة لا
الصلاة عنده. وعندهما تفسد الصلاة لفساد جزئها، وكونها لا تتجزى كما في شرح المنية.
ذكر في السراج رواية ثانية، وهي أنه لو أعاده على طاهر جاز عند أصحابنا الثلاثة، خلافا
لزفر، وقدمنا في فصل الشروع أن هذه رواية النوادر وأن عامة كتب الفروع والأصول على الرواية
الأولى. قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية من أن وضع اليدين والركبتين في السجود غير شرط،
فترك وضعهما أصلا غير مفسد، فكذا وضعهما على نجاسة، لكن قدمنا في أول باب شروط الصلاة
تصحيح الفساد عن عدة كتب وفي النهر أنه المناسب لاطلاق عامة المتون. وعلله في شرح المنية
بأن اتصال العضو بالنجاسة بمنزلة حملها وإن كان وضع ذلك العضو ليس بفرض، وبهذا علم أن ما
مشي عليه هنا تبعا للدرر ضعيف، كما نبه على نوح أفندي قوله: (عند الثاني) أي أبي يوسف.
وقيل إن أبا حنيفة مع محمد. حلية قوله: (في الكل) أي كل المسائل المذكورة من الكشف وما
بعده، وقيد ذلك في شرح المنية في أواخر الكلام على الشرط الثالث بما إذا كان بغير صنعه قال:
أما إذا حصل شئ من ذلك بصنعه فإن الصلاة تفسد في الحال عندهم كما في القنية ا ه‍. ومشى
عليه الشارح في باب شروط الصلاة. وفي الخانية وغيرها ما يدل على عدمه. قال في الحلية:
والأشبه الأول، وتقدم هناك تمام الكلام على ذلك فراجعه قوله: (وصلاته على مصلي مضرب)
أي مخيط، وإنما تفسد إذا كان النجس المانع في موضع قيامه أو جبهته أو في موضع يديه أو ركبتيه
على ما مر. ثم هذا قول أبي يوسف. وعن محمد يجوز. ووفق بعض المشايخ بحمل الأول على
كون الثوب مخيطا مضربا، والثاني على كونه مخيطا فقط، وهو ما كان جوانبه مخيطة دون وسطه لأنه
كثوبين أسفلهما نجس وأعلاهما طاهر، فلا خلاف حينئذ وصححه في المجمع. ومنهم من حقق
الاختلاف، فقال: عند محمد يجوز كيفما كان. وعند أبي يوسف لا يجوز. وفي التجنيس: الأصح أن
المضرب على الخلاف ومفهومه أن الأصح في غير المضرب الجواز اتفاقا، وهذا قول ثالث.
674

وفي البدائع بعد حكايته القول الثاني: وعلى هذا لو صلى على حجر الرحى أو باب أو بساط
غليظ أو مكعب أعلاه طاهر وباطنه نجس: عند أبي يوسف لا يجوز نظرا إلى اتحاد المحل، فاستوى
ظاهره وباطنه كالثوب الصفيق. وعند محمد يجوز لأنه صلى في موضع طاهر كثوب طاهر تحته ثوب
نجس، بخلاف الثوب الصفيق لأن الظاهر نفاذ الرطوبة إلى الوجه الآخر ا ه‍. وظاهره ترجيح قول
محمد وهو الأشبه. ورجح في الخانية في مسألة الثوب قول أبي يوسف بأنه أقرب إلى الاحتياط،
وتمامه في الحلية. وذكر في المنية وشرحها: إذا كانت النجاسة على باطن اللبنة أو الآجرة وصلى
على ظاهرها جاز، وكذا الخشبة إن كانت غليظة بحيث يمكن أن تنشر نصفين فيما بين الوجه الذي
فيه النجاسة والوجه الآخر وإلا فلا ا ه‍. وذكر في الحلية أن مسألة اللبنة والآجرة على الاختلاف
المار بينهما، وأنه في الخانية جزم بالجواز، وهو إشارة إلى اختياره، وهو حسن متجه، وكذا مسألة
الخشبة على الاختلاف، وأن الأشبه الجواز عليها مطلقا، ثم أيده بأوجه، فراجعه قوله: (ومبسوط
على نجس الخ) قال في المنية: وإذا أصابت الأرض نجاسة ففرشها بطين أو جص فصلى عليها
جاز، وليس هذا كالثوب، ولو فرشها بالتراب ولم يطين، إن كان التراب قليلا بحيث لو استشمه يجد
رائحة النجاسة لا تجوز، وإلا تجوز ا ه‍. قال في شرحها وكذا الثوب إذا فرش على النجاسة
اليابسة: فإن كان رقيقا يشف ما تحته أو توجد منه رائحة النجاسة على تقدير أن لها رائحة لا تجوز
الصلاة عليه، وإن كان غليظا بحيث لا يكون كذلك جازت ا ه‍.
ثم لا يخفى أن المراد إذا كانت النجاسة تحت قدمه أو موضع سجوده، لأنه حينئذ يكون قائما أو
ساجدا على النجاسة لعدم صلوح ذلك الثوب لكونه حائلا، فليس المانع هو نفس وجود الرائحة حتى
يعارض بأنه لو كان يقربه نجاسة يشم ريحها لا تفسد صلاته، فافهم قوله: (وتحويل صدره) أما تحويل
وجهه كله أو بعضه فمكروه لا مفسد على المعتمد كما سيأتي في المكروهات قوله: (بغير عذر)
قال في البحر في باب شروط الصلاة: والحاصل أن المذهب أنه إذا حول صدره فسدت، وإن كان
في المسجد إذا كان من غير عذر كما عليه عامة الكتب ا ه‍. وأطلقه فشمل ما لو قل أو كثر، وهذا
لو باختياره، وإلا فإن لبث مقدار ركن فسدت، وإلا فلا كما في شر المنية من فصل المكروهات
قوله: (فلو ظن حدثه الخ) محترز قوله: بغير عذر قوله: (لا تفسد) أي عند أبي حنيفة. شرح
المنية، وقوله وبعده فسدت أي بالاتفاق، لان اختلاف المكان مبطل إلا لعذر، والمسجد مع تباين
أكنافه وتنائي أطرافه كمكان واحد، فلا تفسد ما دام فيه، إلا إذا كان إماما واستخلف مكانه آخر ثم
علم أنه لم يحدث فتفسد وإن لم يخرج من المسجد، لان الاستخلاف في غير موضعه مناف كالخروج
من المسجد، وإنما يجوز عند العذر ولم يوجد، وكذا لو ظن أنه افتتح بلا وضوء فانصرف ثم علم أنه
كان متوضئا تفسد وإن لم يخرج منه، لان انصرافه على سبيل الرفض، ومكان الصفوف في الصحراء
له حكم المسجد، وتمامه في شر المنية في آخر الشرط الرابع، وتقدم في الباب السابق.
تنبيه: ذكر في المنية في باب المفسدات: أن لو استدبر القبلة على ظن الحدث ثم تبين خلافه
فسدت وإن لم يخرج من المسجد، وعلله في شرحها بأن استدباره وقع لغير ضرورة إصلاح الصلاة
675

فكان مفسدا ا ه‍. وهو مخالف لما مر عن عامة الكتب إلا أن يحمل على قولهما أو على الامام
المستخلف. تأمل قوله: (وإن كثر) أي وإن مشى قدر صفوف كثيرة على هذه الحالة، وهو مستدرك
بقوله: وهكذا. قوله: (منا لم يختلف المكان) أي بأن خرج من المسجد أو تجاوز الصفوف، لو
الصلاة في الصحراء فحينئذ تفسد، كما لو مشى قدر صفين دفعة واحدة. قال في شرح المنية: وهذا
بناء على أن الفعل القليل غير مفسد ما لم يتكرر متواليا، وعلى أن اختلاف المكان مبطل ما لم يكن
لاصلاحها، وهذا إذا كان قدامه صفوف، أما إن كان إماما فجاوز موضع سجوده، فإن بقدر ما بينه
وبين الصف الذي يليه لا تفسد، وإن أكثر فسدت، وإن كان منفردا فالمعتبر موضع سجوده، فإن
جاوزه فسدت وإلا فلا، والبيت للمرأة كالمسجد عند أبي علي النسفي، وكالصحراء عند غيره ا ه‍.
مطلب: في المشي في الصلاة
قوله: (وقيل لا تفسد حالة العذر) أي وإن كثر واختلف المكان، لما في الحلية عن الذخيرة أنه
روي أن أبا برزة (1) رضي الله عنه صلى ركعتي آخذا بقياد فرسه ثم انسل من يده، فمضى الفرس على
القبلة فتبعه حتى أخذ بقيادة، ثم رجع ناكصا على عقبيه حتى صلى الركعتين الباقيتين قال محمد في
السير الكبير: وبهذا نأخذ، ثم ليس في هذا الحديث فصل بين المشي القليل والكثير جهة القبلة، فمن
المشايخ من أخذ بظاهره ولم يقل بالفساد قل أو كثر استحسانا، والقياس الفساد إذا كثر، والحديث
خص حالة العذر فيعمل بالقياس في غيرها. وحكى الامام السعدي عن أستاذه الجواز فيما إذا مشى
مستقبلا وكان غازيا، وكذا الحاج وكل مسافر سفره عبادة. وبعض المشايخ أولوا الحديث.
ثم اختلفوا في تأويله: فقيل تأويله إذا لم يجاوز الصفوف أو موضع سجوده وإلا فسدت، وقيل
إذا لم يكن متلاحقا بل خطوة ثم خطوة، فلو متلاحقا تفسد إن لم يستدبر القبلة لأنه عمل كثير،
وقيل تأويله إذا مشى مقدار ما بين الصفين، كما قالوا فيمن رأى فرجة في الصف الأول فمشى إليها
فسدها، فإن كان هو في الصف الثاني لم تفسد صلاته، وإن كان في الصف الثالث فسدت ا ه‍.
ملخصا. ونص في الظهيرية على المختار أنه إذا كثر تفسد.
هذا، وذكر في الحلية أيضا في فصل المكروهات أن الذي تقتضيه القواعد المذهبية المستندة
إلى الأدلة الشرعية ووقع به التصريح في بعض الصور الجزئية أن المشي لا يخلو إما أن يكون بلا
عذر أو بعذر، فالأول إن كان كثيرا متواليا تفسد وإن لم يستدبر القبلة، وإن كان كثيرا عير متوال بل
تفرق في ركعات أو كان قليلا، فإن استدبرها فسدت صلاته للمنافي بلا ضرورة، وإلا فلا يكره،

(1) قوله: (أبا برزة) هو نضلة بن عبيد، أسلم قديما وشهد فتح مكة، ثم تحول إلى البصرة ثم غزا خراسان ومات بها في
أيام يزيد بن معاوية أو في آخر خلافة معاوية، كذا ذكره الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب. وذكر ابن حجر عن ابن
سعد انه كان من ساكني المدينة ثم البصرة وغزا خراسان. وذكر الخطيب انه شهد مع علي رضي الله عنه قتال الخوارج
بالنهروان، وغزا بعد ذلك خراسان فمات بها. وقال أبو علي محمد بن علي بن حمزة المروزي: قيل إنه مات
بنيسابور، وقيل بالبصرة بمفازة بين سجستان وهراة. وقال خليفة: مات بخراسان بعد سنة أربع وستين. فالحاصل من
هذه النقول ان ما اشتهر من كونه مدفونا بقرية برزة بدمشق ليس بثابت، ولعله كان رجلا كني بكنيته. والله أعلم، كذا
في شروح الدرر والغرر للعلامة الشيخ إسماعيل النابلسي والد سيدي والشيخ عبد الغني النابلسي ا ه‍. منه.
676

لما عرف أن ما أفسد كثيره كره قليله بلا ضرورة. وإن كان بعذر، فإن كان للطهارة عند سبق
الحدث أو في صلاة الخوف لم يفسدها ولم يكره أو كثر، استدبر أو لا، وإن كان لغير ما ذكر،
فإن استدبر معه فسدت قل أو كثر. وإن لم يستدبر فإن قل لم يفسد ولم يكره، وإن كثيرا
متلاحقا أفسد. وأما غير المتلاحق ففي كونه مفسدا أو مكروها خلاف، وتأمل ا ه‍. ملخصا. وقال
في هذا الباب: والذي يظهر أن الكثير الغير المتلاحق غير مفسد ولا مكروه إذا كان لعذر
مطلقا ا ه‍. قوله: (وقال الحلبي لا) الظاهر اعتماده للتفريع عليه ط. قوله: (خطوات) أي ومشى
بسبب الدفع أو الجذب ثلاث خطوات متواليات من غير أن يملك نفسه. وفي البحر عن الظهيرية:
وإن جذبته الدابة حتى أزالته عن موضع سجود تفسد ا ه‍. قوله: (أو وضع عليها) أي حمله رجل
ووضعه على الدابة تفسد، والظاهر أنه لكونه عملا كثيرا. تأمل. وأما لو رفعه عن مكانه ثم وضعه
أو ألقاه ثم قام وقف مكانه من غير أن يتحول عن القبلة فلا تفسد كما في التاترخانية قوله: (أو
أخرج من مكان الصلاة) أي مع التحويل عن القبلة كما في البحر ط. أقول: لم أر ذلك في البحر،
وأيضا فالتحويل مفسد إذا كان قدر أداء ركن، ولو كان في مكانه فالظاهر الاطلاق وأن العلة اختلاف
المكان لو كان مقتديا أو كونه عملا كثيرا. تأمل قوله: (أو مص ثديها ثلاثا الخ) هذا التفصيل مذكور
في الخانية والخلاصة، وهو مبني على تفسير الكثير بما اشتمل على الثلاث المتواليات، وليس
الاعتماد عليه. وفي المحيط: إن خرج اللبن فسدت لأنه يكون إرضاعا، وإلا فلا، ولم يقيده بعدد،
وصححه في المعراج. حلية وبحر قوله: (أو مسها الخ) حق التعبير أن يقول: أو مست أو قبلت
بالبناء للمجهول كنظائره السابقة لأنه معطوف على دفع الواقع صلة ل (من). والمسألة ذكرها في
الخلاصة بقوله: لو كانت المرأة في الصلاة فجامعها زوجها تفسد صلاتها وإن لم ينزل مني، وكذا
لو قبلها بشهوة أو بغير شهوة أو مسها لأنه في معنى الجماع. أما لو قبلت المرأة المصلي ولم
يشتهينها لم تفسد صلاتها ا ه‍. قوله: (والفرق الخ) قد خفي وجه الفرق على المحقق ابن الهمام.
وكذا على صاحب الحلية والبحر. وقال في شرح المنية، وأشار في الخلاصة إلى الفرق بأن تقبيله
في معنى الجماع: يعني أن الزوج هو الفاعل للجماع فإتيانه بدواعيه في معناه، ولو جامعها ولو بين
الفخذين تفسد صلاتها، فكذا إذا قبلها مطلقا لأنه من دواعيه، وكذا لو مسها بشهوة، بخلاف المرأة
فإنها ليست فاعلة للجماع فلا يكون إتيان دواعيه
وفي الخلاصة: لو نظر إلى فرج المطلقة رجعيا منها في معناهما لم يشته الزوج بشهوة يصير مراجعا ولا تفسد صلاته، في
رواية هو المختار، وهذا يشكل على الفرق المذكور، لأنه أتى بما هو من دواعي الجماع ولذا صار
مراجعا، إلا أن يقال: فساد الصلاة يتعلق بالدواعي التي هي فعل غير النظر والفكر. وأما النظر
والفكر فلا يفسدان على ما مر، لعدم إمكان التحرز عنهما، بخلاف فعل سائر الجوارح ا ه‍.
هذا، وذكر في البحر عن شرح الزاهدي أنه لو قبل المصلية لا تفسد صلاتها، ومثله في
الجوهرة وعليه فلا فرق قوله: (ذكره الحلبي) عبارته مع متن المنية ولو ضرب إنسانا بيد
677

واحدة من غير آلة أو ضربه بسوط ونحوه تفسد صلاته، كذا في المحيط وغيره، لأنه مخاصمة
أو تأديب أو ملاعبة وهو عمل كثير على التفسير الأول الذي عليه الجمهور اه‍. ثم قال مع المتن
في محل آخر (ولو أخذ المصلي حجرا فرمى به طائرا) ونحوه تفسد صلاته لأنه عمل كثير ولو
كان معه حجر فرمى به الطائر أو نحوه لا تفسد صلاته لأنه عمل قليل ولكن قد أساء
لاشتغاله بغير الصلاة، ولو رمى بالحجر الذي معه إنسانا ينبغي أن يفسد قياسا على ما إذا ضربه
بسوط أو بيده لما فيه من المخاصمة على ما مر ا ه‍.
قلت: لكن في التاترخانية عن المحيط أن هذا التفصيل خلاف ما في الأصل، فإن محمدا ذكر
في الأصل أن صلاته تامة، ولم يفصل بين ما إذا كان الحجر في يده أو أخذه من الأرض ا ه‍. وفي
الحلية أن ظاهر الخانية يفيد ترجيحه، فإنه ذكر الاطلاق ثم حكى التفصيل بقيل قوله: (بقي من
المفسدات الخ) قلت: بقي منها أيضا: محاذاة المرأة بشروطها، واستخلافه من لا يصلح للإمامة،
وخروجه من المسجد بلا استخلاف، ووقوفه بعد سبق الحدث قدر ركن، وأداؤه ركنا مع حدث أو
مشي، وإتمام المقتدي المسبوق بالحدث صلاته في غير محل الاقتداء، وكل ذلك تقدم قبل هذا
الباب، وكذا تقدم من ذلك تذكر فائتة لذي ترتيب، ووجود المنافي بلا صنعه قبل القعدة اتفاقا،
وبعدها على قول الإمام في الاثني عشرية، لكن بعض هذه يفسد وصف الفرضية لا أصل الصلاة،
كما لو قيد الخامسة بسجدة قبل القعدة الأخيرة قوله: (ارتداد بقلبه) بأن نوى الكفر ولو بعد حين أو
اعتقد ما يكون كفرا ط قوله: (وموت) أقول: تظهر ثمرته في الامام لو مات بعد القعدة الأخيرة
بطلت صلاة المقتدين به، فيلزمهم استئنافها، وبطلان الصلاة بالموت بعد القعدة قد ذكره الشرنبلالي
من جملة المسائل التي زادها على الاثني عشرية. ولا تظهر الثمرة في وجوب الكفارة فيما لو كان
أوصى بكفارة صلواته، لان المعتبر آخر الوقت، وهو لم يكن في آخر الوقت من أهل الأداء فلا
تجب عليه. قال في الخانية: سافر في آخر الوقت كان عليه صلاة السفر وإن لم يبق من الوقت إلا
قدر ما يسع فيه بعض الصلاة، ألا ترى أنه لو مات، أو غمي عليه إغماء طويلا، أو جن جنونا
مطبقا، أو حاضت المرأة في آخر الوقت يسقط كل الصلاة؟ فإذا سافر يسقط بعض الصلاة ا ه‍.
فافهم. قوله: (وجنون وإغماء) فإذا أفاق في الوقت وجب أداؤها، وبعده يجب القضاء ما لم يزد
الجنون والاغماء على يوم وليلة كما سيأتي في آخر صلاة المريض قوله: (وكل موجب لوضوء)
تبع فيه صاحب النهر، وفيه أنه قد يكون غير مفسد كالمسبوق بالحدث كما مر، فالأولى قول
البحر: وكل حدث عمد ط قوله: (وترك ركن بلا قضاء) كما لو ترك سجدة من ركعة وسلم قبل
الاتيان بها، وإطلاق القضاء على ذلك مجاز. قوله: (بلا عذر) إما به كعدم وجود ساتر أو مطهر
للنجاسة وعدم قدرة على استقبال فلا فساد ط قوله: (ومسابقة المؤتم الخ) داخل تحت قوله:
وترك ركن وإنما ذكره لأنه أتى بالركن صورة ولكنه لم يعتد به لأجل المسابقة، فافهم قوله:
(كأن ركع الخ) هنا خمس صور وهي: ما لو ركع وسجد قبله في كل الركعات فيلزمه قضاء ركعة بلا
قراءة، ولو ركع معه وسجد قبله لزمه ركعتان، ولو ركع قبله وسجد معه يقضي أربعا بلا قراءة، ولو
ركع وسجد بعده صح، وكذا لو قبله وأدركه الامام فيهما لكنه يكره، وبيانه في الامداد، وقدمناه في
678

أواخر باب الإمامة قوله: (وسلم مع الامام) قيد به لأنه قبل السلام ونحوه من كل ما ينافي الصلاة
لا يظهر الفساد لعدم تحقق الترك، فافهم قوله: (بعد تأكد انفراده) وذلك بأن قام إلى قضاء ما فاته
بعد سلام الامام أو قبله بعد قعوده قدر التشهد وقيد ركعته بسجدة، فإذا تذكر الامام سجود سهو
فتابعه فسدت صلاته قوله: (فتجب متابعته) فلو لم يتابعه جازت صلاته. لان ترك المتابعة في
السجود الواجب لا يفسد، ويسجد للسهو بعد الفراغ من قضائه قوله: (وعدم إعادته الجلوس)
يرجع إلى ترك الركن وعدم إعادة ركن أداه نائما يرجع إلى ترك الشرط وهو الاختيار ط. قوله:
(وقهقهة إمام المسبوق) أي إذا قهقه الامام بعد قعوده قدر التشهد تمت صلاته وصلاة المدرك خلفه،
وفسدت صلاة المسبوق خلفه لوقوع المفسد قبل تمام أركانه، إلا إذا قام قبل سلام إمامه وقيد
الركعة بسجدة، لتأكد انفراده كما مر في الباب السابق قوله: (في التكبير) أي تكبير الانتقالات، أما
تكبير الاحرام فلا يصح الشروع به، والفساد يترتب على صحة الشروع، فافهم. قوله: (كما مر) أي
في باب صفة الصلاة ح. قوله: (بالألحان) أي بالنغمات، وحاصلها كما في الفتح إشباع الحركات
لمراعاة النغم قوله: (إن غير المعنى) كما لو قرأ. الحمد لله رب العالمين. وأشبع
الحركات حتى أتى بواو بعد الدال وبياء بعد اللام والهاء وبألف بعد الراء، ومثله قول المبلغ: ربنا
لك الحامد، بألف بعد الراء، لان الراب هو زوج الام كما في الصحاح والقاموس، وابن الزوجة
يسمى ربيبا قوله: (وإلا لا الخ) أي وإن لم يغير المعنى فلا فساد، إلا في حرف مد ولين إن فحش
فإنه يفسد، وإن لم يغير المعنى. وحروف المد واللين هي حروف العلة الثلاثة الألف والواو والياء
إذا كانت ساكنة وقبلها حركة تجانسها، فلو لم تجانسها فهي حروف علة ولين لا مد.
تتمة: فهم مما ذكره أن القراءة بالألحان إذا لم تغير الكلمة عن وضعها ولم يحصل بها تطويل
الحروف حتى لا يصير الحرف حرفين، بل مجرد تحسين الصوت وتزيين القراءة لا يضر، بل يستحب
عندنا في الصلاة وخارجها، كذا في التاترخانية.
مطلب: مسائل زلة القارئ
قوله: (ومنها زلة القارئ) قال في شرح المنية: اعلم أن هذا الفصل من المهمات، وهو مبني
على قواعد ناشئة عن الاختلاف لا كما يتوهم أنه ليس له قاعدة يبني عليها، بل إذا علمت تلك
القواعد علم كل فرع أنه على أي قاعدة هو مبني ومخرج، وأمكن تخريج ما لم يذكر فنقول: إن
الخطأ إما في الاعراب أي الحركات والسكون ويدخل فيه تخفيف المشدد وقصر الممدود
وعكسهما، أو في الحروف بوضع حرف مكان آخر، أو زيادته أو نقصه أو تقديمه أو تأخيره، أو في
الكلمات أو في الجمل كذلك (1)، أوفي الوقت ومقابله. والقاعدة عند المتقدمين أن ما غير المعنى

(1) قوله: (كذلك) اي بوضع كلمة أو جملة مكان أخرى أو زيادتها أو نقصها أو تقديمها أو تأخيرها ا ه‍. منه.
679

تغييرا يكون اعتقاده كفرا يفسد في جميع ذلك، سواء كان في القرآن أو لا، إلا ما كان من تبديل
الجمل مفصولا بوقف تام وإن لم يكن التغيير كذلك، فإن لم يكن مثله في القرآن والمعنى بعيد
متغير تغييرا فاحشا يفسد أيضا، كهذا الغبار مكان هذا الغراب، وكذا إذا لم يكن مثله في القرآن ولا
معنى له كالسرائل مكان السرائر، وإن كان مثله في القرآن والمعنى بعيد ولم يكن متغيرا فاحشا تفسد
أيضا عند أبي حنيفة ومحمد، وهو الأحوط. وقال بعض المشايخ: لا تفسد لعموم البلوى وهو قول
أبي يوسف، وإن لم يكن مثله في القرآن ولكن لم يتغير به المعنى نحو قيامين مكان قوامية
فالخلاف على العكس، فالمعتبر في عدم الفساد عند عدم تغير المعنى كثيرا وجود المثل في القرآن
عنده والموافقة في المعنى عندهما، فهذه قواعد الأئمة المتقدمين. وأما المتأخرون كابن مقاتل وابن
سلام وإسماعيل الزاهد وأبي بكر البلخي والهندواني وابن الفضل والحلواني، فاتفقوا على أن الخطأ
في الاعراب لا يفسد مطلقا ولو اعتقاده كفرا لان أكثر الناس لا يميزون بين وجوه الاعراب. قال
قاضيخان: وما قاله المتأخرون أوسع، وما قاله المتقدمون أحوط، وإن كان الخطأ بإبدال حرف
بحرف، فإن أمكن الفصل بينهما بلا كلفة كالصاد مع الطاء بأن قرأ الطالحات مكان الصالحات
فاتفقوا على أنه مفسد، وإن لم يمكن إلا بمشقة كالظاء مع الضاد والصاد مع السين فأكثرهم على
عدم الفساد لعموم البلوى. وبعضهم يعتبر عسر الفصل بين الحرفين وعدمه. وبعضهم قرب المخرج
وعدمه، ولكن الفروع غير منضبطة على شئ من ذلك، فالأولى الاخذ فيه بقول المتقدمين لانضباط
قواعدهم وكون قولهم أحوط وأكثر الفروع المذكورة في الفتاوى منزلة عليه ا ه‍. ونحوه في الفتح،
وسيأتي تمامه قوله: (فلو في إعراب) ككسر قواما مكان فتحها، وفتح باء نعبد مكان ضمها ومثال
ما يغير * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * (فاطر: 82) بضم هاء الجلالة وفتح همزة العلماء، وهو
مفسد عند المتقدمين.
واختلف المتأخرون، فذهب ابن مقاتل ومن معه إلى أنه لا يفسد، والأول أحوط وهذا أوسع،
كذا في زاد الفقير لابن الهمام، وكذا: * (وعصى آدم ربه) * (طه: 121) بنصب الأول ورفع الثاني يفسد
عند العامة، وكذا * (فساء مطر المنذرين) * (الشعراء: 371) بكسر الذال - وإياك نعبد - بكسر الكاف
و - المصور - بفتح الواو، إلا إذا نصب الراء (1) أوقف عليها. وفي النوازل: لا تفسد
في الكل، وبه يفتى. بزازية وخلاصة قوله: (أو تخفيف مشدد) قال في البزازية: إن لم يغير المعنى
نحو * (قتلوا تقتيلا) * (الأحزاب: 16) لا يفسد، وإن غير نحو * (برب الناس) * (الناس: 1) * (وظللنا عليهم
الغمام) * (الأعراف: 061) * (إن النفس لامارة بالسوء) * (يوسف: 35) واختلفوا، والعامة على أنه
يفسد ا ه‍. وفي الفتح: عامة المشايخ على أن ترك المد والتشديد كالخطأ في الاعراب، فلذا قال
كثير بالفساد في تخفيف - رب العالمين - و - إياك نعبد - لان إيا مخففا الشمس، والأصح لا يفسد،
وهو لغة قليلة في إيا المشددة. وعلى قول المتأخرين لا يحتاج إلى هذا، وبناء على هذا - أفسدوها - بمد
همزة أكبر على ما تقدم ا ه‍. قوله: (وعكسه) قال في شرح المنية: وحكم تشديد المخفف كحكم
عكسه في الخلاف والتفصيل، فلو قرأ - أفعيينا - بالتشديد أو - اهدنا الصراط -
بإظهار اللام لا تفسد ا ه‍. أقول: وجزم في البزازية بالفساد إذا شدد - فأولئك هم العادون -

(1) قوله: (الا إذا نصب الراء) لأنه يصير مفعولا به البارئ، وإذا وقف على الراء يكون محتملا فلم يتحقق المفسد ا ه‍. منه.
680

قوله: (أو بزيادة حرف) قال في البزازية: ولو زاد حرفا لا يغير المعنى لا تفسد عندهما.
وعن الثاني روايتان كما لو قرأ: وانهى عن المنكر - بزيادة الياء، ويتعد حدوده يدخلهم نارا: وإن
غير أفسد مثل: وزرابيب مكان - زاربي مبثوثة - ومثانين مكان مثاني، وكذا - والقرآن
الحكيم - و - * (إنك لمن المرسلين) * (يس: 3) بزيادة الواو تفسد ا ه‍.: أي لأنه جعل جواب القسم
قسما كما في الخانية، لكن في المنية: وينبغي أن لا تفسد. قال في شرحها: لأنه ليس بتغيير
فاحش ولا يخرج عن كونه من القرآن، ويصح جعله قسما. والجواب محذوف كما في * (والنازعات
غرقا) * (النازعات: 1) الخ، فإن جوابه محذوف ا ه‍. أقول: والظاهر أن مثل زرابيب ومثانين يفسد
عند المتأخرين أيضا إذ لم يذكروا فيه خلافا. قوله: (أبو بوصل حرف بكلمة الخ) قال في البزازية:
الصحيح أنه لا يفسد، ا ه‍. وفي المنية: لا يفسد على قول العامة، وعلى قول البعض يفسد،
وبعضهم فصلوا بأنه إن علم أن القرآن كيف هو إلا أنه جرى على لسانه لا تفسد، وإن اعتقد أن
القرآن كذلك تفسد. قال في شرحها: والظاهر أن هذا الاختلاف إنما هو عند السكت على - إيا - ونحوها، والا فلا ينبغي لعاقل ان يتوهم فيه الفساد اه‍.
تتمة: وأما قطع بعض وإلا فلا ينبغي لعاقل أن يتوهم فيه الفساد ا ه‍ الكلمة عن بعض، فأفتى الحلواني بأنه مفسد. وعامتهم قالوا: لا يفسد
لعموم البلوى في انقطاع النفس والنسيان. وعلى هذا لو فعله قصدا ينبغي أن يفسد. وبعضهم قالوا:
إن كان ذكر الكلمة كلها مفسدا فذكر بعضها كذلك، وإلا فلا. قال قاضيخان: وهو الصحيح.
والأولى الاخذ بهذا في العمد وبقول العامة في الضرورة، وتمامه في شرح المنية قوله: (أو بوقف
وابتداء) قال في البزازية: الابتداء إن كان لا يغير المعنى تغييرا فاحشا لا يفسد، نحو الوقف على
الشرط قبل الجزاء والابتداء بالجزاء، وكذا بين الصفة والموصوف، وإن غير المعنى نحو - شهد الله
أنه لا إله - ثم ابتدأ - بإلا هو - لا يفسد عند عامة المشايخ، لان العوام لا يميزون، ولو
وقف على - وقالت اليهود - ثم ابتدأ بما بعده لا تفسد بالاجماع ا ه‍. وفي شرح المنية والصحيح
عدم الفساد في ذلك كله. قوله: (وإن غير المعنى به يفتى بزازية) ظاهره أنه ذكر في البزازية في جميع
ما مر وليس كذلك، وإنما ذكره في الخطأ في الاعراب، وقد ذكرنا لك عبارة البزازية في جميع ما مر،
فتدبر قوله: (إلا تشديد رب الخ) عزاه في الخانية إلى أبي علي النسفي، ثم قال: وعامة المشايخ
على أن ترك التشديد والمد كالخطأ في الاعراب لا يفسد في قول المتأخرين. وفي البزازية: ولو ترك
التشديد في - إياك - أو - رب العالمين - المختار أنه لا يفسد على قول العامة في جميع المواضع -.
وقدمنا عن الفتح أنه الأصح، فما مشى عليه الشارح ضعيف، على أنه لا وجه لذكره بعد مشيه على
عدم الفساد فيما يغير المعنى، إذ لا فرق. تأمل قوله: (ولو زاد كلمة) اعلم أن الكلمة الزائدة إما أن
تكون في القرآن أو لا، وعلى كل، إما أن تغير أو لا، فإن غيرت أفسدت مطلقا نحو - وعمل
صالحا - وكفر - فلهم أجرهم - ونحو - وأما ثمود فهديناهم - وعصيناهم، وإن
لم تغير، فإن كان في القرآن نحو - وبالوالدين إحسانا - وبرا - لم تفسد في قولهم، وإلا
نحو - فاكهة ونخل - وتفاح - ورمان - وكمثال الشارح الآتي لا تفسد. وعند أبي يوسف
لأنها ليست في القرآن، كذا في الفتح وغيره قوله: (أو نقص كلمة) كذا في بعض النسخ ولم يمثل له
681

الشارح. قال في شرح المنية: وإن ترك كلمة - من آية - فإن لم تغير المعنى مثل - وجزاء سيئة مثلها -
بترك سيئة الثانية لا تفسد وإن غيرت، مثل - فما لهم يؤمنون - بترك لا فإنه يفسد عنه العامة، وقيل
لا، والصحيح الأول قوله: (أو نقص حرفا) اعلم أن الحرف إما أن يكون من أصول الكلمة أو لا،
وعلى كل إما أن يغير المعنى أو لا، فإن غير نحو - خلقنا - بلا خاء أو - جعلنا - بلا جيم تفسد عند أبي
حنيفة ومحمد، ونحو: ما خلق الذكر والأنثى بحذف الواو قبل ما خلق تفسد، قالوا: وعلى قول
أبي يوسف لا تفسد، لان المقروء موجود في القرآن. خانية، وإن لم يغير كالحذف على وجه
الترخيم بشروطه الجائزة في العربية، نحو - يا مال - في - يا مالك - لا يفسد إجماعا.
مطلب: إذا قرأ قوله - تعالى جدك - بدون ألف لا تفسد
ومثله حذف الياء من تعالى في * (تعالى جد ربنا) * (الجن: 3) لا تفسد اتفاقا كما في شرح
المنية، ومثله في التاترخانية بدون حكاية الاتفاق قوله: (أو قدمه) قال في الفتح: فإن غير نحو
قوسرة في * (قسورة) * (المدثر: 15) فسدت وإلا فلا عند محمد، خلافا لأبي يوسف ا ه‍. ومثله
انفرجت بدل - * (انفجرت) * قوله: (أو بدله بآخر) هذا إما أن يكون عجزا كالألثغ وقدمنا حكمه في
باب الإمامة، وإما أن يكون خطأ، وحينئذ فإذا لم يغير المعنى، فإن كان مثله في القرآن نحو: إن
المسلمون لا يفسد، وإلا نحو: قيامين بالقسط، وكمثال الشارح لا تفسد عندهما، وتفسد عند أبي
يوسف، وإن غير فسدت عندهما، وعند أبي يوسف إن لم يكن مثله في القرآن، فلو قرأ أصحاب
الشعير بالشين المعجمة فسدت اتفاقا، وتمامه في الفتح قوله: (نحو من ثمره الخ) لف ونشر مرتب
قوله: (إلا ما يشق الخ) قال في الخانية والخلاصة: الأصل فيما إذا ذكر حرفا مكان حرف وغير
المعنى، إن أمكن الفصل بينهما بلا مشقة تفسد، وإلا يمكن إلا بمشقة كالظاء مع الضاد المعجمتين،
والصاد مع السين المهملتين، والطاء مع التاء، قال أكثرهم: لا تفسدا ه‍. وفي خزانة الأكمل قال
القاضي أبو عاصم: إن تعمد ذلك تفسد، وإن جرى على لسانه أو لا يعرف التمييز لا تفسد، وهو
المختار. حلية. وفي البزازية: وهو أعدل الأقاويل، وهو المختار ا ه‍.
وفي التاترخانية عن الحاوي: حكي عن الصفار أنه كأن يقول: الخطأ إذا دخل في الحروف
لا يفسد، لان فيه بلوى عامة الناس، لأنهم لا يقيمون الحروف إلا بمشقة ا ه‍. وفيها: إذا لم يكن
بين الحرفين اتحاد المخرج ولا قربه إلا أن فيه بلوى العامة كالذال مكان الصاد، أو الزاي المحض
مكان الذال والظاء مكان الضاد لا تفسد عند بعض المشايخ ا ه‍.
قلت: فينبغي على هذا عدم الفساد في إبدال الثاء سينا والقاف همزة كما هو لغة عوام زماننا،
فإنهم لا يميزون بنيهما ويصعب عليهم جدا كالذال مع الزاي، ولا سيما على قول القاضي أبي
عاصم وقول الصفار، وهذا كله قول المتأخرين، وقد علمت أنه أوسع، وأن قول المتقدمين أحوط.
قال في شرح المنية: وهو الذي صححه المحققون وفرعوا عليه، فاعمل بما تختار، والاحتياط
أولى، سيما في أمر الصلاة التي هي أول ما يحاسب العبد عليها. قوله: (وكذا لو كرر كلمة الخ)
قال في الظهيرية: وإن كرر الكلمة، وإن لم يتغير بها المعنى لا تفسد، وإن تغير نحو رب رب
العالمين ومالك مالك يوم الدين. قال بعضهم لا تفسد. والصحيح أنها تفسد، وهذا فصل يجب أن
682

يتأنى فيه لان فيه دقيقة، وإنما تقع التفرقة في هذا بمعرفة المضاف والمضاف إليه ا ه‍.
قلت: ظاهره أن الفساد منوط بمعرفة ذلك، فلو كان لا يعرفه أو لم يقصد معنى الإضافة وإنما
سبق لسانه إلى ذلك أو قصد مجرد تكرير الكلمة لتصحيح مخارج حروفها ينبغي عدم الفساد، وكذا لو
لم يقصد شيئا لأنه يحتمل الإضافة، يحتمل التأكيد، وعلى احتمال الإضافة يحتمل إضافة الأول إلى
محذوف دل عليه ما بعده كما هو مقرر في قولهم: يا زيد زيد اليعملات، وعند الاحتمال ينتفي
الفساد لعدم تيقن الخطأ، نعم لو قصد إضافة كل إلى ما يليه فلا شك في الفساد بل يكفر، هذا ما
ظهر لي، فتأمله. قوله: (كما لو بدل الخ) هذا على أربعة أوجه، لان الكلمة التي أتى بها، إما أن
تغير المعنى أو لا، وعلى كل، فإما أن تكون في القرآن أو لا، فإن غيرت أفسدت، لكن اتفاقا في
نحو: فلعنة الله على الموحدين، وعلى الصحيح في مثال الشارح لوجوده في القرآن، وقيد الفساد
في الفتح وغيره بما إذا لم يقف وقفا تاما، أما لو وقف ثم قال - لفي جنات - فلا تفسد، وإذا لم تغير
لا تفسد، لكن اتفاقا في نحو: الرحمن الكريم، وخلافا للثاني في نحو: إن المتقين لفي بساتين،
على ما مر، ومن هذا النوع تغيير النسب نحو: مريم ابنة غيلان فتفسد اتفاقا، وكذا عيسى بن لقمان
لان تعمده كفر، بخلاف موسى بن لقمان كما في الفتح، والله تعالى أعلم قولهما: (ولو مستفهما)
أشار به إلى نفي ما قيل إنه لو مستفهما تفسد عند محمد. قال في البحر: والصحيح عدمه اتفاقا لعدم
الفعل منه ولشبهة الاختلاف. قالوا: ينبغي للفقيه أن لا يضع جزء تعليقه بين يديه في الصلاة، لأنه
ربما يقع بصره على ما فيه فيفهمه فيدخل فيه شبهة الاختلاف ا ه‍: أي لو تعمده لأنه محل الاختلاف
قوله: (وإن كره) أي لاشتغاله بما ليس من أعمال الصلاة، وأما لو وقع عليه نظره بلا قصد وفهمه
فلا يكره ط. قوله: (بموضع سجوده) أي من موضع قدمه إلى موضع سجوده كما في الدرر، وهذا
مع القيود التي بعده إنما هو للإثم، وإلا فالفساد منتف مطلقا قوله: (في الأصح) هو ما اختاره
شمس الأئمة وقاضيخان وصاحب الهداية، واستحسنه في المحيط، وصححه الزيلعي، ومقابله ما
صححه التمرتاشي وصاحب البدائع، واختاره فخر الاسلام، ورجحه في النهاية والفتح أنه قدر ما
يقع بصره على المار لو صلى بخشوع: أي راميا ببصره إلى موضع سجوده، وأرجع في العناية
الأول إلى الثاني بحمل موضع السجود على القريب منه، وخالفه في البحر وصحح الأول، وكتبت
فيما علقته عليه عن التجنيس (1 (ما يدل على ما في العناية، فراجعه. قوله: (إلى حائط القبلة) أي
من موضع قدميه إلى الحائط إن لم يكن له سترة، فلو كانت لا يضر المرور وراءها على ما يأتي

(1) قوله: (عن التجنيس) عبارة التجنيس: والصحيح مقدار منتهى بصره وهو موضع سجوده: وقال أبو نصر مقدار ما بين
الصف الأول وبين مقام الامام وهذا عين الأول ولكن بعبارة أخرى. وفيما قرأنا على شيخنا منهاج الأئمة ان يمر
بحيث يقع بصره وهو يصلي صلاة الخاشعين: وهذه العبارة أوضح ا ه‍. ما في التجنيس لصاحب الهداية، فانظر كيف
جعل الكل قولا واحدا، وانما الاختلاف في العبارة لا في المعنى، فهذا دليل واضح على ما قاله المحقق الشيخ أكمل
الدين في العناية ا ه‍. منه.
683

بيانه قوله: (في بيت) ظاهره ولو كبيرا. وفي القهستاني: وينبغي أن يدخل فيه: أي في حكم
المسجد الصغير الدار والبيت قوله: (ومسجد صغير) هو أقل من ستين ذراعا، وقيل من أربعين،
وهو المختار كما أشار إليه في الجواهر. قسهتاني قوله: (فإنه كبقعة واحدة) أي من حيث إنه لم
يجعل الفاصل فيه بقدر صفين مانعا من الاقتداء تنزيلا له منزلة مكان واحد. بخلاف المسجد الكبير
فإنه جعل فيه مانعا، فكذا هنا يجعل جميما بين يدي المصلي إلى حائط القبلة مكانا واحدا، بخلاف
المسجد الكبير والصحراء، فإنه لو جعل كذلك لزم الحرج على المارة، فاقتصر على موضع
السجود، هذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل قوله: (ولو امرأة أو كلبا) بيان للاطلاق، وأشار به
إلى الرد على الظاهرية بقولهم: يقطع الصلاة مرور المرأة والكلب والحمار. وعلى أحمد في الكلب
الأسود، وإلى أن ما روي في ذلك منسوخ كما حققه في الحلية قوله: (أو مروره الخ) مرفوع
بالعطف على مرور مار: أي لا يفسدها أيضا مروره ذلك وإن أثم المار، فقوله: بشرط الخ قيد
للإثم كما تقدم. قال القهستاني: والدكان الموضع المرتفع كالسطح والسرير، وهو بالضم والتشديد
في الأصل، فارسي معرب كما في الصحاح أو عربي، من دكنت المتاع: إذا نضت بعضه فوق
بعض كما في المقاييس ا ه‍. قوله: (بعض أعضاء المار الخ) قال في شرح المنية: لا يخفى أن
ليس المراد محاذاة أعضاء المار جميع أعضاء المصلي، فإنه لا يتأتى إلا إذا اتخذ مكان المرور ومكان
الصلاة في العلو والتسفل، بل بعض الأعضاء بعضا، وهو يصدق على محاذاة رأس المار قدمي
المصلي ا ه‍. لكن في القهستاني: ومحاذاة الأعضاء للأعضاء يستوي فيه جميع أعضاء المار هو
الصحيح، كما في التتمة، وأعضاء المصلي كلها كما قاله بعضهم أو أكثرها كما قاله آخرون كما في
الكرماني. وفيه إشعار بأنه لو حاذى أقلها أو نصفها لم يكره، وفي الزاد أنه يكره إذا حاذى نصفه
الأسفل النصف الاعلى من المصلي كما إذا كان المار على فرس ا ه‍. تأمل. قوله: (وقيل دون
السترة) أي دون ذراع. قال في البحر: وهو غلط، لأنه لو كان كذلك لما كره مرور الراكب ا ه‍.
ومثله في الفتح قوله: (وإن أثم المار) مبالغة على عدم الفساد، لان الاثم لا يستلزم الفساد،
وظاهره أنه يأثم وإن لم يكن للمصلي سترة أربعا وسنذكر ما يفيده أيضا، وأنه لا إثم على المصلي،
لكن قال في الحلية: وقد أفاد بعض الفقهاء أن هنا صورا:
الأولى: أن يكون للمار مندوحة عن المرور بين يدي المصلي ولم يتعرض المصلي لذلك،
فيختص المار بالاثم إن مر.
الثانية: مقابلتها: وهي أن يكون المصلي تعرض للمرور، والمار ليس له مندوحة عن المرور
فيختص المصلي بالاثم دون المار.
الثالثة: أن يتعرض المصلي للمرور ويكون للمار مندوحة فيأثمان، أما المصلي فلتعرضه،
وأما المار فلمروره مع إمكان أن لا يفعل.
الرابعة: أن لا يتعرض المصلي ولا يكون للمار مندوحة فلا يأثم واحد منهما، كذا نقله الشيخ
684

تقي الدين بن دقيق العيد رحمه الله تعالى ا ه‍.
قلت: وظاهر كلام الحلية أن قواعد مذهبنا لا تنافيه حيث ذكره وأقره، وعزا ذلك بعضهم إلى
البدائع ولم أره فيها، ولو كان فيها لم ينقله في الحلية عن الشافعية، فافهم. والظاهر أن من الصورة
الثانية ما لو صلى عند باب المسجد وقت إقامة الجماعة، لان للمار أن يمر على رقبته كما يأتي،
وأنه لو صلى في أرضه مستقبلا لطريق العامة فهو من الصورة الثالثة، لان المار مأمور بالوقوف وإن
لم يجد طريقا آخر كما يظهر من إطلاق الأحاديث ما لم يكن مضطرا إلى المرور، هذا إن كان المراد
بالمندوحة إمكان الوقوف وإن لم يجد طريقا آخر، أما إن أريد بها تيسر طريق آخر أو إمكان مروره
من خلف المصلي أو بعيدا منه وبعدمها عدم ذلك فحينئذ يقال: إن كان للمار مندوحة على هذا
التفسير يكون ذلك من الصورة الثالثة أيضا، وإلا فمن الصورة الثانية، ويؤيد التفسير الأول قوله:
وأما المار فلمروره مع إمكان أن لا يفعل وكذا تعليلهم كراهة الصلاة في طريق العامة بأن فيه منع
الناس عن المرور، فإن مفاده أنه لا يجوز لهم المرور وإلا فلا منع، إلا أن يراد به المنع الحسي لا
الشرعي، وهو الأظهر. وعليه فلو صلى في نفس طريق العامة لم تكن صلاته محترمة كمن صلى
خلف فرجة الصف فلا يمنعون من المرور لتعديه، فيتأمل.
تنبيه: ذكر في حاشية المدني: لا يمنع المار داخل الكعبة وخلف المقام وحاشية المطاف،
لما روى أحمد وأبو داود عن المطلب بن أبي وداعة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما
يلي باب بني سهم والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة وهو محمول على الطائفين فيما
يظهر، لان الطواف صلاة، فصار كمن بين يديه صفوف من المصلين انتهى. ومثله في البحر
العميق، وحكاه عز الدين بن جماعة عن مشكلات الآثار للطحاوي، ونقله الملة رحمه الله في منسكه
الكبير، ونقله سنان أفندي أيضا في منسكه ا ه‍. وسيأتي إن شاء الله تعالى تأييد ذلك في باب
الاحرام من كتاب الحج قوله: (لحديث البزار الخ) ذكر في الحلية أن الحديث في الصحيحين
بلفظ لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه
قال أبو النضر: أحد رواته لا أدري قال أربعين يوما أو شهرا أو سنة. قال: وأخرجه البزار وقال:
أربعين خريفا وفي بعض روايات البخاري: ماذا عليه من الاثم ا ه‍. والخريف: السنة، سميت
به باعتبار بعض الفصول قوله: (في ذلك) لفظ: في هنا للسببية قوله: (ولو ستارة ترتفع) أي
تزول بحركة رأسه إذا سجد، وهذه الصورة ذكرها سعدي جلبي جوابا عن صاحب الهداية، حيث
اختار أن الحد موضع السجود كما مشى عليه المصنف، فأورد عليه أنه مع الحائل كجدار أو
أسطوانة لا يكره، والحائل لا يمكن أن يكون في موضع السجود. فأجاب سعدي جلبي لأنه يجوز أن
يكون ستارة معلقة إذا ركع أو سجد يحركها رأس المصلي ويزيلها من موضع سجوده ثم تعود إذا قام
أو قعد ا ه‍. وصورته: أن تكون الستارة من ثوب أو نحوه معلقة في سقف مثلا ثم يصلي قريبا منه،
فإذا سجد تقع على ظهره ويكون سجوده خارجا عنها، وإذا قام أو قعد سبلت على الأرض وسترته.
تأمل قوله: (ولو كان فرجة الخ) كان تامة وفرجة فاعلها. قال في القنية: قام في آخر الصف في
المسجد بينه وبين الصفوف مواضع خالية، فللداخل أن يمر بين يديه ليصل الصفوف لأنه أسقط
حرمة نفسه فلا يأثم المار بين يديه، دل عليه ما ذكر في الفردوس برواية ابن عباس رضي الله تعالى
685

عنهما عن النبي (ص) أنه قال: من نظر إلى فرجة في صف فليسدها بنفسه، فإن لم يفعل فمر مار
فليتخط على رقبته فإنه لا حرمة له أي فليتخط المار على رقبة من لم يسد الفرجة ا ه‍.
قلت: وليس المراد بالتخطي الوطئ على رقبته لأنه قد يؤدي إلى قتله ولا يجوز، بل المراد أن
يخطو من فوق رقبته، وإذا كان له ذلك فله أن يمر من بين يديه بالأولى، فافهم. ثم هذه المسألة
بمنزلة الاستثناء من قوله وإن أثم المار وقد علمت التفصيل المار، ويستثنى أيضا ما قدمناه من
داخل الكعبة وخلف المقام وحاشية المطاف.
تتمة: في غريب الرواية: النهر الكبير ليس بسترة (1)، وكذا الحوض الكبير والبئر سترة أراد
المرور بين يدي المصلي، فإن كان معه شئ يضعه بين يديه ثم يمر ويأخذه، ولو مر اثنان يقوم
أحدهما أمامه ويمر الآخر ويفعل الآخر، هكذا يمران، وإن معه دابة فمر راكبا أثم، وإن نزل وتستر
بالدابة ومر لم يأثم، ولو مر رجلان متحاذيين فالذي يلي المصلي هو الآثم. قنية.
أقول: وإذا كان معه عصا لا تقف على الأرض بنفسها فأمسكها بيده ومر من خلفها هل يكفي
ذلك؟ لم أره. قوله: (ندبا) لحديث إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، ويدع أحدا يمر بين
يديه رواه الحاكم وأحمد وغيرهما، وصرح في المنية بكراهة تركها، وهي تنزيهية. والصارف للامر
عن حقيقته ما رواه أبو داود عن الفضل بن العباس رأينا النبي صلى الله عليه وسلم في بادية لنا
يصلي في صحراء ليس بين يديه سترة وما رواه أحمد أن ابن عباس صلى في فضاء ليس بين
يديه شئ كما في الشرنبلالية قوله: (وكذا المنفرد) أما المقتدي فسترة الامام تكفيه كما يأتي.
قوله: (نحوها) أي من كل موضع يخاف فيه المرور قال في البحر عن الحلية: إنما قيد بالصحراء
لأنها المحل الذي يقع فيه المرور غالبا، وإلا فالظاهر كراهة ترك السترة فيما يخاف فيه المرور، أي
موضع كان ا ه‍ قوله: (بقدر ذراع) بيان لأقلها ط. والظاهر أن المراد به ذراع اليد كما صرح به
الشافعية، وهو شبران. قوله: (وغلظ أصبع) كذا في الهداية، لكن جعل في البدائع بيان الغلظ قولا
ضعيفا، وأنه لا اعتبار بالعرض. وظاهره أنه المذهب. بحر. ويؤيده ما رواه الحاكم وقال: على شرط
مسلم، أنه (ص) قال: يجزي من السترة قدر مؤخرة الرحل ولو بدقة شعرة ومؤخرة بضم الميم
وهمزة ساكنة وكسر الخاء المعجمة: العود الذي في آخر رحل البعير كما في الحلية. قوله: (بقربه)
متعلق بقوله: يغرز أو بمحذوف: صفة لسترة أو حال منها. قوله: (دون ثلاثة أذرع) الأولى أن
يبدل دون بقدر، لما في البحر عن الحلية: السنة أن لا يزيد ما بينه وبينها على ثلاثة أذرع ط.
بقي هل هذا شرط لتحصيل سنة الصلاة إلى السترة، حتى لو زاد على ثلاثة أذرع تكون صلاته إلى
غير سترة أم هو سنة مستقلة، لم أره. قوله: (والأيمن أفضل) صرح به الزيلعي. قوله: (ولا يكفي
الوضع) أي وضع السترة على الأرض إذا لم يكن غرزها، وهذا ما اختاره في الهداية، ونسبه في

(1) قوله: (ليس بسترة) الظاهر أن هذا مفروض فيما إذا كان في مسجد صغير، اما في المسجد الكبير أو الصحراء فهو
وان لم يكن سترة ولكن المكروه هو المرور في موضع سجوده أو قريبا منه، ومن مر خلف النهر الكبير يكون بعيدا من
المصلى تأمل ا ه‍. منه.
686

(غاية البيان) إلى أبي حنيفة ومحمد، وصححه جماعة منهم قاضيخان معللا بأنه لا يفيد المقصود.
بحر. قوله: (ولا الخط) أي الخط في الأرض إذا لم يجد ما يتخذه سترة، وهذا على إحدى
الروايتين أنه ليس بمسنون، ومشى عليه كثير من المشايخ، واختاره في الهداية، لأنه لا يحصل به
المقصود إذ لا يظهر من بعيد. قوله: (وقيل يكفي) أي كل من الوضع والخط: أي يحصل به السنة،
فيسن الوضع كما نقله القدوري عن أبي يوسف، ثم قيل يضعه طولا لا عرضا ليكون على مثال
الغرز. ويسن الخط كما هو الرواية الثانية عن محمد، لحديث أبي داود فإن لم يكن معه عصا
فليخط خطا وهو ضعيف، لكنه يجوز العمل به في الفضائل، ولذا قال ابن الهمام: والسنة أولى
بالاتباع مع أنه يظهر في الجملة، إذ المقصود جمع الخاطر بربط الخيال به كي لا ينتشر، كذا في
البحر وشرح المنية. قال في الحلية: وقد يعارض تضعيفه بتصحيح أحمد وابن حبان وغيرهما له.
قوله: (فيخط طولا الخ) قال في شرح المنية: وقال أبو داود: قالوا الخط بالطول، وقالوا بالعرض
مثل الهلال اه‍. وذكر النووي أن الأول المختار ليصير شبه ظل السترة. بحر.
تنبيه: لم يذكروا ما إذا لم يكن معه سترة ومعه ثوب أو كتاب مثلا هل يكفي وضعه بين يديه؟
والظاهر نعم كما يؤخذ من تعليل ابن الهمام المار آنفا، وكذا لو بسط ثوبه وصلى عليه، ثم المفهوم
من كلامهم أنه عند إمكان الغرز لا يكفي الوضع، وعند إمكان الوضع لا يكفي الخط. قوله:
(ويدفعه) أي إذا مر بين يديه ولم تكن له سترة، أو كانت ومر بينه وبينها كما في الحلية والبحر،
ومفاده إثم المار وإن لم تكن سترة كما قدمناه. وفي التارخانية: وإذا دفعه رجل آخر لا بأس به،
سواء كان في الصلاة أو لا. قوله: (فلو ضربه الخ) أي إذا لم يمكن دفعه إلا بذلك، لان الشافعية
صرحوا بأنه يلزم الدافع تحري الأسهل كما في دفع الصائل. قوله: (خلافا لنا الخ) أي أن المفهوم
من كتب مذهبنا أن ما يقوله الشافعي خلاف قولنا، فإنهم صرحوا في كتبنا بأنه رخصة، والعزيمة عدم
التعرض له، فحيث كان رخصة يتقيد بوصف السلامة. أفاده الرحمتي. بل قولهم: ولا يزاد على
الإشارة صريح في أن الرخصة هي الإشارة، وأن المقاتلة غير مأذون بها أصلا. وأما الامر بها في
حديث فليقاتله فإنه شيطان فهو منسوخ، لما في الزيلعي عن السرخسي أن الامر بها محمول على
الابتداء حين كان العمل في الصلاة مباحا ا ه‍. فإذا كانت المقاتلة غير مأذون بها عندنا كان قتله جناية
يلزمه موجبها من دية أو قود، فافهم. قوله: (أو جهر بقراءة) خصه في البحر بحثا بالصلاة الجهرية
وبما يجهر فيه منها، وعليه فالمراد زيادة رفع الصوت عن أصل جهره، والظاهر شمول السرية لان
هذا الجهر مأذون فيه فلا يكره. على أن الجهر اليسير عفو، والمكروه قدر ما تجوز به الصلاة في
الأصح كما في سهو البحر، فإذا جهر في السرية بكلمة أو كلمتين حصل المقصود ولم يلزم
المحذور. فتدبر. قوله: (أو إشارة) أي باليد أو الرأس أو العين. بحر. قوله: (ولا يزاد عليها) أي
على الإشارة بما ذكر، فلا يدرأ بأخذ الثوب ولا بالضرب الوجيع كما في القهستاني عن التمرتاشي.
ويؤخذ منه فساد الصلاة لو بعمل كثير، بخلاف قتل الحية على أحد القولين فيه كما يأتي. قوله: (لا
بهما) أي لا يجمع بين التسبيح والإشارة، لان بأحدهما كفاية فيكره كما في الهداية جازما به خلافا لما
687

في الشرنبلالية (1) فإنه تحريف لما في الهداية كما أفاده الشارح في هامش الخزائن قوله: (لا ببطن
على بطن) أي بل بظهر أصابع اليمنى على صفحة كف اليسرى كما في البحر وغيره عن غاية
البيان لكن لم يظهر وجهه، إذ ببطن اليمنى على ظهر اليسرى أقل عملا، فكأن هذا حمل الشارح
على تغيير العبارة والتنصيص على محل الكراهة وهو الضرب ببطن على بطن رحمتي. قوله: (للكل)
أي للمقتدين به كلهم، وعليه فلو مر مار في قبلة الصف في المسجد الصغير لم يكره إذا كان للامام
سترة، وظاهر التعميم شمول المسبوق، وبه صرح القهستاني، وظاهره الاكتفاء بها ولو بعد فراغ
إمامه، وإلا فما فائدته؟ وقد يقال: فائدته التنبيه على أنه كالمدرك لا يطلب منه نصب سترة قبل
الدخول في الصلاة وإن كان يلزم أن يصير منفردا بلا سترة بعد سلام إمامه لان العبرة لوقت الشروع
وهو وقته كان مستترا بسترة إمامه. تأمل.
مطلب: مكروهات الصلاة
قوله: (ولو عدم المرور الخ) أي لو صلى في مكن لا يمر فيه أحد ولم تواجه الطريق لا يكره
تركها، لان اتخاذها للحجاب عن المار. قال في البحر عن الحلية: ويظهر أن الأولى اتخاذها في هذا
الحال وإن لم يكره الترك لمقصود وآخر، وهو كف بصره عما وراءها وجمع خاطره بربط الخيال ا ه‍
وقيدوا بقولهم: ولم يواجه الطريق، لان الصلاة في نفس الطريق: أي طريق العامة مكروهة بسترة
وبدونها، لأنه أعد للمرور فيه فلا يجوز شغله بما ليس له حق الشغل كما في المحيط. وظاهره أن
الكراهة للتحريم، وتمامه في
مطلب: في الكراهة التحريمية والتنزيهية
قوله: (هذه تعم التنزيهية الخ) قال في البحر: والمكروه في هذا الباب نوعان:
أحدهما: ما يكره تحريما وهو المحمل عند إطلاقهم كما في زكاة الفتح، وذكر أنه في رتبة
الواجب لا يثبت إلا بما يثبت به الواجب يعني بالنهي الظني الثبوت أو الدلالة، فإن الواجب يثبت
بالامر الظني الثبوت أو الدلالة.
ثانيهما: المكروه تنزيها، ومرجعه إلى ما تركه أولى، وكثيرا ما يطلقونه كما ذكره في الحلية
فحينئذ إذا ذكروا مكروها فلا بد من النظر في دليله، فإن كان نهيا ظنيا يحكم بكراهة التحريم إلا
لصارف للنهي عن التحريم إلى الندب، وإن لم يكن الدليل نهيا بل كان مفيدا للترك الغير الجازم
فهي تنزيهية ا ه‍.
قلت: ويعرف أيضا بلا دليل نهي خاص، بأن تضمن ترك واجب أو ترك سنة، فالأول مكروه
تحريما، والثاني تنزيها، ولكن تتفاوت التنزيهية في الشدة والقرب من التحريمية بحسب تأكد السنة،

(1) قوله: (خلافا لما في الشرنبلالية) فإنه قال: وقال في الهداية: قيل يكره، فتوهم ان عبارة الهداية قبل بالياء المثناة
تحت، وليس هي كذلك بل هي بالباء الموحدة متصل بما قبله وهذا لفظها، ويدرأ بالإشارة أو يدفع بالتسبيح لما روينا من
قبل ويكره الجمع بينهما لان بأحدهما كفاية ا ه‍. كذا بخط الشارح في هامش الخزائن ا ه‍. منه.
688

فإن مراتب الاستحباب متفاوتة كمراتب السنة والواجب والفرض، فكذا أضدادها كما أفاده في شرح
المنية، وسيأتي في آخر المكروهات تمام ذلك قوله: (وإلا فتنزيهية) راجع إلى قوله: فإن نهيا
أي وإن لم يكن نهيا بل كان مفيدا للترك الغير الجازم، وإلى قوله: ولا صارف أي وإن كان نهيا
ولكن وجد الصارف له عن التحريم فهي فيهما تنزيهية كما علمته من عبارة البحر، فافهم. قوله:
(تحريما للنهي) الأولى تأخيره عن المضاف إليه ط. قوله: (أي إرساله بلا لبس معتار) قال في شرح
المنية: السدل: هو الارسال من غير لبس، ضرورة أن إرسال ذيل القميص ونحوه لا يسمى
سدلا ا ه‍. ودخل في قوله: ونحوه عذبة العمامة. وقال في البحر: وفسره الكرخي بأن يجعل ثوبه
على رأسه أو على كتفيه ويرسل أطرافه من جانبه إذا لم يكن عليه سراويل ا ه‍. فكراهته لاحتمال
كشف العورة، وإن كان مع السراويل فكراهته للتشبه بأهل الكتاب، فهو مكروه مطلقا، وسواء كان
للخيلاء أو غيره ا ه‍ ثم قال في البحر: وظاهر كلامهم يقتضي أنه لا فرق بين أن يكون الثوب محفوظا
من الوقوع أولا، فعلى هذا تكره في الطيلسان الذي يجعل على الرأس، وقد صرح به في شرح
الوقاية ا ه‍: أي إذا لم يدره على عنقه، وإلا فلا سدل. قوله: (وكذا القباء بكم إلى وراء) أي
كالأقبية الرومية التي يجعل لاكمامها خروق عند أهل العضد إذا أخرج المصلي يده من الخرق وأرسل
الكم إلى ورائه مثلا فإنه يكره أيضا لصدق السدل عليه، لأنه إرخاء من غير لبس، لان لبس الكم
يكون بإدخال اليد فيه، وتمامه في شرح المنية. قوله: (كشد) هو شئ يعتاد وضعه على الكتفين
كما في البحر، وذلك نحو الشال. قوله: (فلو من أحدهما لم يكره) مخالف لما في البحر حيث ذكر
في الشد أنه إذا أرسل طرفا منه على صدره وطرفا على ظهره يكره. قوله: (وخارج صلاته في
الأصح) أي إذا لم يكن للتكبر فالأصح أنه لا يكره. قال في النهر: أي تحريما وإلا فمقتضى ما مر أنه
يكره تنزيها ا ه‍. وما مر هو قوله: لأنه صنيع أهل الكتاب قال الشيخ إسماعيل: وفيه بحث، لأن الظاهر من كلامهم أن تخصيص أهل الكتاب بفعله معتبر فيه كونه في الصلاة فلا يظهر التشبه وكراهته
خارجها ا ه‍ قوله: (وفي الخلاصة) استدراك على قوله: وكذا القباء الخ ح، لكن قال في شرح
المنية وفي الخلاصة: المصلي إذا كان لابسا شقة أو فرجي ولم يدخل يديه اختلف المتأخرون في
الكراهة، والمختار أنه لا يكره، ولم يوافقه على ذلك أحد سوى البزازي. والصحيح الذي عليه
قاضيخان والجمهور أنه يكره، لأنه إذا لم يدخل يديه في كميه صدق عليه اسم السدل لأنه إرسال
للثوب بدون أن يلبسه ا ه‍. قال في الخزائن: بل ذكر أبو جعفر أنه لو أدخل يديه في كميه ولم يشد
وسطه أو لم يزر أزراره فهو مسئ، لأنه يشبه السدل ا ه‍.
قلت: لكن قال في الحلية: فيه نظر ظاهر بعد أن يكون تحته قميص: أو نحوه مما يستر البدن،
بل اختلف في كراهة شد وسطه إذا كان عليه قميص ونحوه، ففي العتابية أنه يكره لأنه صنيع أهل
الكتاب. وفي الخلاصة: لا يكره ا ه‍. وجزم في نور الايضاح بعدم الكراهة. قوله: (والأحوط
الثاني) لم يظهر وجهه بل فيه كف الثوب وشغل اليدين عن السنة. تأمل رحمتي. ولذا قال في
689

البحر: ولا يخفى ما فيه ا ه‍. بل الأحوط لبسه لما مر عن الجمهور من أن عدم إدخال يديه فيه
مكروه. قوله: (أي رفعه) أي سواء كان من بين يديه أو من خلفه عند الانحطاط للسجود. بحر.
وحرر الخير الرملي ما يفيد أن الكراهة فيه تحريمية. قوله: (ولو التراب) وقبل لا بأس بصونه عن
التراب. بحر عن المجتبى. قوله: (كمشمر كم أو ذيل) أي كما لو دخل في الصلاة وهو مشمر كمه
أو ذيله، وأشار بذلك إلى أن الكراهة لا تختص بالكف وهو في الصلاة، كما أفاده في شرح المنية،
لكن قال في القنية: واختلف فيمن صلى وقد شمر كميه لعمل كان يعمله قبل الصلاة أو هيئته
ذلك ا ه‍. ومثله ما لو شمر للوضوء ثم عجل لادراك الركعة مع الامام. وإذا دخل في الصلاة كذلك
وقلنا بالكراهة فهل الأفضل إرخاء كميه فيها بعمل قليل أو تركهما؟ لم أره: والأظهر الأول بدليل
قوله الآتي: ولو سقطت قلنسوته فإعادتها أفضل تأمل.
هذا، وقيد الكراهة في الخلاصة والمنية بأن يكون رافعا كميه إلى المرفقين. وظاهره أنه لا
يكره إلى ما دونهما. قال في البحر: والظاهر الاطلاق لصدق كف الثوب على الكل ا ه‍. ونحوه في
الحلية. وكذا قال في شرح المنية الكبير: إن التقييد بالمرفقين اتفاقي. قال: وهذا لو شمرهما خارج
الصلاة ثم شرع فيها كذلك، أما لو شمر وهو فيها تفسد لأنه عمل كثير. قوله: (وعبثه) هو فعل
لغرض غير صحيح، قال في النهاية: وحاصله أن كل عمل هو مفيد للمصلي فلا بأس به. أصله ما
روي أن النبي (ص) عرق في صلاته فسلت العرق عن جبينه أي مسحه لأنه كان يؤذيه فكان مفيدا،
وفي زمن الصيف كان إذا قام من السجود نفض ثوبه يمنة أو يسرة لأنه كان مفيدا كيلا تبقى
صورة، فأما ما ليس بمفيد فهو العبث ا ه‍. وقوله: كي لا تبقى صورة يعني حكاية صورة الالية
كما في الحواشي السعدية، فليس نفضه للتراب، فلا يرد ما في البحر عن الحلية من أنه كان يكره
رفع الثوب. كي لا يتترب لا يكون نفضه من التراب عملا مفيدا. قوله: (للنهي) وهو ما أخرجه
القضاعي عنه (ص) إن الله كره لكم ثلاثا: العبث في الصلاة، والرفث في الصيام، والضحك في
المقابر وهي كراهة تحريم كما في البحر. قوله: (إلا لحاجة) كحك بدنه لشئ أكله وأضره،
وسلت عرق يؤلمه ويشغل قلبه، وهذا لو بدون عمل كثير. قال في الفيض: الحك بيد واحدة في
ركن ثلاث مرات يفسد الصلاة إن رفع يده في كل مرة ا ه‍.
وفي الجوهرة عن الفتاوى: اختلفوا في الحك، هل الذهاب والرجوع مرة أو الذهاب مرة
والرجوع أخرى. قوله: (ولا بأس به خارج صلاة) وأما ما في الهداية من أنه حرام فقال السروجي:
فيه نظر، لان العبث خارجها بثوبه أو بدنه خلاف الأولى ولا يحرم، والحديث قيد بكونه في
الصلاة ا ه‍. بحر. قوله: (وصلاته في ثياب بذلة) بكسر الباء الموحدة وسكون الذال المعجمة:
الخدمة والابتذال، وعطف المهنة عليها عطف تفسير، وهي بفتح الميم وكسرها مع سكون الهاء،
وأنكر الأصمعي الكسر. حلية. قال في البحر: وفسرها في شرح الوقاية بما يلبسه في بيته ولا
يذهب به إلى الأكابر، والظاهر أن الكراهة تنزيهية ا ه‍. قوله: (لم يمنعه من القراءة) قال في الحلية:
الأولى أن يقول بحيث يمنعه من سنة القراءة كما ذكره في الخلاصة حتى لو كان لا يخل بها لا يكره
كما في البدائع، ثم قول قاضيخان: ولا بأس أن يصلي وفي فيه دراهم أو دنانير لا تمنعه عن
690

القراءة، يشير إلى أن الكراهة تنزيهية ا ه‍. قوله: (فلو منعه) بأن سكت أو تلفظ بألفاظ لا تكون قرآنا.
شرح المنية. قوله: (للتكاسل) أي لأجل الكسل، بأن استثقل تغطيته ولم يرها أمرا مهما في الصلاة
فتركها لذلك، وهذا معنى قولهم: تهاونا بالصلاة، وليس معناه الاستخفاف بها والاحتقار لأنه كفر.
شرح المنية. قال في الحلية: وأصل الكسل ترك العمل لعدم الإرادة، فلو لعدم القدرة فهو لعجز.
مطلب: في الخشوع
قوله: (ولا بأس به للتذلل) قال في شرح المنية: فيه إشارة إلى أن الأولى أن لا يفعله وأن
يتذلل ويخشع بقلبه فإنهما من أفعال القلب اه‍. وتعقبه في الامداد بما في التجنيس من أنه يستحب له
ذلك، لان مبنى الصلاة على الخشوع ا ه‍.
قلت: واختلف في أن الخشوع من أفعال القلب كالخوف، أو من أفعال الجوارح كالسكون، أو
مجموعهما. قال في الحلية: والأشبه الأول، وقد حكي إجماع العارفين عليه وأن من لوازمه: ظهور
الذل، وغض الطرف، وخفض الصوت، وسكون الأطراف، وحينئذ فلا يبعد القول بحسن كشفه إذا
كان ناشئا عن تحقيق الخشوع بالقلب، ونص في الفتاوى العتابية على أنه لو فعله لعذر لا يكره، وإلا
ففيه التفصيل المذكور في المتن، وهو حسن. وعن بعض المشايخ أنه لأجل الحرارة والتخفيف
مكروه، فلم يجعل الحرارة عذرا وليس ببعيد ا ه‍ ملخصا. قوله: (ولو سقطت قلنسوته الخ) هي ما
يلبس في الرأس كما في شرح المنية، ولفظ قلنسوته ساقط من بعض النسخ، المسألة ذكرها في شرح
المنية فيما يفسد الصلاة عن الحجة. وفي الدرر عن التاترخانية: والظاهر أن أفضلية إعادتها حيث لم
يقصد بتركها التذلل على ما مر. قوله: (وصلاته مع مدافعة الأخبثين الخ) أي البول والغائط. قال في
الخزائن: سواء كان بعد شروعه أو قبله، فإن شغله قطعها إن لم يخف فوت الوقت، وإن أتمها أثم لما
رواه أبو داود لا يحل لاحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي وهو حاقن حتى يتخفف أي مدافع
البول، ومثله الحاقب: أي مدافع الغائط والحازق: أي مدافعهما، وقيل مدافع الريح ا ه‍. وما ذكره
من الاثم صرح به في شرح المنية وقال: لأدائها مع الكراهة التحريمية.
بقي ما إذا خشي فوت الجماعة ولا يجد جماعة غيرها، فهل يقطعها كما يقطعها إذا رأى على ثوبه
نجاسة قدر الدرهم ليغسلها أو لا، كما إذا كانت النجاسة أقل الدرهم؟ والصواب الأول، لان ترك
سنة الجماعة أولى من الاتيان بالكراهة: كالقطع لغسل قدر الدرهم فإنه واجب، ففعله أولى من فعل
السنة، بخلاف غسل ما دونه فإنه مستحب فلا يترك السنة المؤكد لأجله، كذا حققه في شرح المنية.
تنبيه: ذكر في الحلية بحثا أن خوف فوت الجنازة كخوف فوت الوقت في المكتوبة، وذكر أن
الكراهة جارية في سائر الصلوات ولو تطوعا. قوله: (وعقص شعره الخ) أي ضفره وفتله، والمراد
به أن يجعله على هامته ويشده بصمغ، أو أن يلف ذوائبه حول رأسه كما يفعله النساء في بعض
الأوقات، أو يجمع الشعر كله من قبل القفا ويشده بخيط أو خرقة كي لا يصيب الأرض إذا سجد،
وجميع ذلك مكروه، لم روي الطبراني أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يصلي الرجل ورأسه
معقوص وأخرج الستة عنه (ص) أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء، وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا
691

شرح المنية. ونقل في الحلية عن النووي أنها كراهة تنزيه، ثم قال: والأشبه بسياق الأحاديث أنها
تحريم إلا إن ثبت على التنزيه إجماع فيتعين القول به. قوله: (أما فيها فيفسد) لأنه عمل كثير بالاجماع
شرح المنية. قوله: (للنهي) هو ما أخرجه عبد الرزاق عن أبي ذر رضي الله عنه: سألت النبي (ص)
عن كل شئ حتى سألته عن مسح الحصا، فقال: واحدة أو دع وروى الستة عن معيقيب أنه عليه
الصلاة والسلام قال: لا تمسح الحصا وأنت تصلي، فإن كنت ولا بد فاعلا فواحدة شرح المنية.
قوله: (إلا لسجوده التام الخ) بأن كان لا يمكنه تمكين جبهته على وجه السنة إلا بذلك، وقيد بالتام
لأنه لو كان لا يمكنه وضع القدر الواجب من الجبهة إلا به تعين ولو أكثر من مرة.
مطلب: إذا تردد الحكم بين سنة وبدعة كان ترك السنة أولى
قوله: (وتركها أولى) لأنه إذا تردد الحكم بين سنة وبدعة كان ترك السنة راجحا على فعل
البدعة مع أنه كان يمكنه التسوية قبل الشروع في الصلاة. بحر. قوله: (وفرقعة الأصابع) هو غمزها
أو مدها حتى تصوت، وتشبيكها: هو أن يدخل أصابع إحدى يديه بين أصابع الأخرى. بحر. قوله:
(للنهي) هو ما رواه ابن ماجة مرفوعا لا تفرقع أصابعك وأنت تصلي وروي في المجتبى حديثا
أنه نهى أن يفرقع الرجل أصابعه وهو جالس في المسجد ينتظر الصلاة وفي رواية وهو يمشي
إليها وروى أحمد وأبو داود وغيرهما مرفوعا إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى
المسجد فلا يشبك بين يديه فإنه في صلاة ونقل في المعراج الاجماع على كراهة الفرقعة والتشبيك
في الصلاة. وينبغي أن تكون تحريمية للنهي المذكور. حلية وبحر. قوله: (ولا يكره خارجها
لحاجة) المراد بخارجها ما ليس من توابعها، لان السعي إليها والجلوس في المسجد لأجلها في
حكمها كما مر، لحديث الصحيحين لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه وأراد
بالحاجة نحو إراحة الأصابع، فلو لدون حاجة بل على سبيل العبث كره تنزيها، والكراهة في الفرقعة
خارجها منصوص عليها، وأما التشبيك فقال في الحلية: لم أقف لمشايخنا فيه على شئ، والظاهر
أنه لو لغير عبث بل لغرض صحيح ولولا راحة الأصابع لا يكره، فقد صح عنه (ص) أنه قال:
المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك أصابعه فإنه لإفادة تمثيل المعنى، وهو التعاضد
والتناصر بهذه الصورة الحسية. قوله: (والتخصر الخ) لما في الصحيحين وغيرهما نهى رسول
الله (ص) عن الخصر في الصلاة وفي رواية عن الاختصار وفي أخرى عن أن يصلي الرجل
مختصرا وفيه تأويلات أشهرها ما ذكره الشارح، وتمامه في شرح المنية والبحر. قال في البحر
والذي يظهر أن الكراهة تحريمية في الصلاة للنهي المذكور ا ه‍. ولان فيه ترك سنة الوضع كما في
الهداية، لكن العلة الثانية لا تقتضي كراهة التحريم، نعم تقتضي كراهة وضع اليد على عضو آخر
غير الخاصرة. قوله: (للنهي) هو ما رواه الترمذي وصححه عن أنس عن النبي (ص) إياك والالتفات
في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة وروى
البخاري أنه (ص) قال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد. وقيده في الغاية بأن يكون لغير
692

عذر، وينبغي أن تكون تحريمية كما هو ظاهر الأحاديث. بحر. قوله: (وببصره يكره تنزيها) أي من
غير تحويل الوجه أصلا. وفي الزيلعي وشرح الملتقى للباقاني أنه مباح، لأنه (ص) كان يلاحظ أصحابه
في صلاته بموق عينيه ا ه‍. ولا ينافي ما هنا بحمله على عدم الحاجة، أو أراد بالمباح ما ليس
بمحظور شرعا، وخلاف الأولى غير محظور. تأمل. قوله: (وبصدره تفسد) أي إذا كان بغير عذر كما
مر بيانه في مفسدات الصلاة. قوله: (وقيل الخ) قاله في الخلاصة أيضا. والأشبه ما في عامة
الكتب من أنه مكروه لا مفسد، وقيد عدم الفساد به في المنية والذخيرة بما إذا استقبل من ساعته،
قال في البحر: وكأنه جمع بين ما في الفتاوى وما في عامة الكتب بحمل الأول على ما إذا لم يستقبل
من ساعته، والثاني على ما إذا استقبل من ساعته، وكأنه ناظر إلى أن الأول عمل كثير، والثاني
قليل، وهو بعيد، فإن الاستدامة على هذا القليل لا تجعله كثيرا، وإنما كثيره تحويل صدره ا ه‍.
أقول: يظهر لي أنه إذا أطال التفاته بجميع وجهه يمنة أو يسرة ورآه راء من بعيد لا يشك أنه
ليس في الصلاة. تأمل. قوله: (وإقعاؤه الخ) قال في النهر: لنهيه (ص) عن إقعاء الكلب، وفسره
الطحاوي: بأن يقعد على أليتيه وينصب فخذيه ويضم ركبتيه إلى صدره واضعا يديه على الأرض
والكرخي: بأن ينصب قدميه ويقعد على عقبيه ويضع يديه على الأرض. والأصح الذي عليه العامة
هو الأول: أي كون هذا هو المراد بالحديث، لا أن ما قاله الكرخي غير مكروه، وكذا في الفتح.
قال في البحر: وينبغي أن تكون الكراهة تحريمية على الأول تنزيهية على الثاني.
أقول: إنما كانت تنزيهية على الثاني بناء على أن هذا الفعل ليس بإقعاء، وإنما الكراهة بترك
الجلسة المسنونة لما علل به في البدائع، ولو فسر الاقعاء بقول الكرخي تعاكست الاحكام ا ه‍
كلام النهر.
والحاصل أن الاقعاء مكروه لشيئين: للنهي عنه، ولان فيه ترك الجلسة المسنونة، فإن فسر بما
قاله الطحاوي وهو الأصح كان مكروها تحريما لوجود النهي عنه بخصوصه، وكان بالمعنى الذي قاله
الكرخي مكروها تنزيها لترك الجلسة المسنونة لا تحريما لعدم النهي عنه بخصوصه، وإن فسر بما قاله
الكرخي انعكس الحكم المذكور.
قلت: وفي المغرب بعد ما فسره بما مر عن الطحاوي قال: وتفسير الفقهاء أن يضع أليتيه
على عقبيه بين السجدتين وهو عقب الشيطان ا ه‍. وعزاه في البدائع إلى الكرخي وقال: وهو عقب
الشيطان الذي نهى عنه في الحديث ا ه‍: أي فيما أخرجه مسلم عن عائشة أنه كان ينهى عن عقب
الشيطان، وأن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع. وفي رواية: عن عقبة الشيطان، بضم فسكون،
وهو مكروه أيضا كما في الحلية وغيرها. وقال العلامة قاسم في فتاواه: وأما نصب القدمين
والجلوس على العقبين فمكروه في جميع الجلسات بلا خلاف نعرفه، إلا ما ذكره النووي عن
الشافعي في قول له: إنه يستحب بين السجدتين. قوله: (وافتراش الرجل ذراعيه الخ) أي بسطهما
في حالة السجود، وقيد بالرجل اتباعا للحديث المار آنفا، ولأن المرأة تفترش. قال في البحر: قيل
وإنما نهى عن ذلك لأنها صفة الكسلان والتهاون بحاله مع ما فيه من التشبه بالسباع والكلاب.
والظاهر أنها تحريمية للنهي المذكور من غير صارف ا ه‍. قوله: (وصلاته إلى وجه إنسان) ففي
صحيح البخاري وكره عثمان رضي الله تعالى عنه أن يستقبل الرجل وهو يصلي، وحكاه القاضي
693

عياض عن عامة العلماء، وتمامه في الحلية. وقال في شرح المنية: وهو محمل ما رواه البزار على
أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلا يصلي إلى رجل فأمره أن يعيد الصلاة ويكون الامر
بالإعادة لإزالة الكراهة، لأنه الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة وليس للفساد ا ه‍. والظاهر أنها
كراهة تحريم، لما ذكر، ولما في الحلية عن أبي يوسف قال: إن كان جاهلا علمته، وإن كان عالما
أدبته ا ه‍. ولأنه يشبه عبادة الصورة. قوله: (ككراهة استقباله) الضمير للمصلي، وهو من إضافة
المصدر إلى مفعوله ط. قوله: (ولو بعيدا ولا حائل) قال في شرح المنية: ولو كان بينهما ثالث
ظهره إلى وجه المصلي لا يكره لانتفاء سبب الكراهة وهو التشبه بعبادة الصورة ا ه‍. وظاهره عدم
الكراهة ولو كانت تقع المواجهة في حالة القيام لما في النهر والحلية، واستظهره في الحلية بأن
القاعد يكون سترة للمصلي بحيث لا يكره المرور وراءه، فكذا هنا يكون حائلا.
قلت: لكن في الذخيرة نقل قول محمد في الأصل: وإن شاء الامام استقبل الناس بوجهه إذا
لم يكن بحذائه رجل يصلي، ثم قال: ولم يفصل: أي محمد بين ما إذا كان المصلي في الصف
الأول أو الأخير، وهذا هو ظاهر المذهب، لأنه إذا كان وجهه مقابل وجه الامام في حالة قيامه يكره
ولو بينهما صفوف ا ه‍. ثم رأيت الخير الرملي أجاب بما لا يدفع الايراد. والأظهر أن ما مر عن
شرح المنية مبني على خلاف ظاهر الرواية، فتأمل. قوله: (لما مر) أي في مفسدات الصلاة،
وقدمنا أن الكراهة فيه تنزيهية. قوله: (وإجابته برأسه) قال في الامداد: وبه ورد الأثر عن عائشة
رضي الله عنها، وكذا في تكليم الرجل المصلي، قال تعالى: * (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في
المحراب) * وهل يجيب السلام بعد السلام من الصلاة؟ ذكر الخطابي والطحاوي أن
النبي (ص) رد على ابن مسعود بعد فراغه من الصلاة كذا في مجمع الروايات ا ه‍. قوله: (أما لو قيل
الخ) هو ما وعد به فيما تقدم قبيل قوله: وفتحه على إمامه وقدمنا هناك ضعفه عن الشرنبلالية ح.
قوله: (خلافا لما مر عن البحر) أي في باب الإمامة، وقدمنا الكلام عليه هناك، فراجعه. قوله:
(لترك الجلسة المسنونة) علة لكونه مكروها تنزيها، إذ ليس فيه نهي خاص ليكون تحريما. بحر.
قوله: (بغير عذر) أما به فلا، لان الواجب يترك مع العذر فالسنة أولى. وعليه يحمل ما في صحيح
ابن حبان من صلاته عليه الصلاة والسلام متربعا أو تعليما للجواز. بحر. قوله: (لأنه عليه الصلاة
والسلام الخ) نقله في شر المنية عن ابن الهمام. وفي البحر عن صاحب الكنز وغيره، ورد به على
ما قيل في وجه الكراهة إنه فعل الجبابرة، نعم في شرح المنية أن الجلوس على الركبتين أولى،
لأنه أقرب إلى التواضع. تأمل. قوله: (والتثاؤب) في المصباح: التثاؤب بالمد وبالواو عامي. وفي
مختار الصحاح: تثاءبت بالمد ولا تقل تثاوبت وهو كما في الحلية والبحر: التنفس الذي ينفتح منه
694

الفم لدفع البخارات المنفخة في عضلات الفلك، وهو ينشأ من امتلاء المعدة وثقل البدن ا ه‍.
قلت: ولهذا السبب كان من الشيطان كما في حديث الصحيحين أنه (ص) قال: التثاؤب من
الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع وفي رواية لمسلم فليمسك بيده على فيه، فإن
الشيطان يدخله وألحق باليد الكم وهذا إذا لم يمكنه كظمه: أي رده وحبسه، فقد صرح في
الخلاصة بأنه إن أمكنه عند التثاؤب أن يأخذ شفته بسنه فلم يفعل وغطى فاه بيده أو بثوبه يكره، كذا
روي عن أبي حنيفة. قال في البحر: ووجهه أن تغطية الفم منهي عنها كما رواه أبو داود وغيره،
وإنما أبيحت للضرورة، ولا ضرورة إذا أمكنه الدفع، ثم في المجتبى: يغطي فاه بيمينه، وقيل
بيمينه في القيام وفي غيره بيساره ا ه‍.
قلت: ووجه القيل أظهر لأنه لدفع الشيطان كما مر، فهو كإزالة الخبث وهي باليسار أولى،
لكن في حالة القيام لما كان يلزم من دفعه باليسار كثرة العمل بتحريك اليدين كانت اليمنى أولى،
وقدمنا في آداب الصلاة عن الضياء أنه بظهر اليسرى. وفي الحلية عن بعضهم أنه مخير بينهما، وأنه
إن سد باليمنى يخير فيه بظاهرها أو باطنها، وإن باليسرى فبظاهرها ا ه‍. ولم أر من تعرض للكراهة
هنا هل هي تحريمية أو تنزيهية؟ إلا أنه تقدم في آداب الصلاة أنه يندب كظم فمه عند التثاؤب، وحينئذ
فترك الكظم مندوب (1) وأما التثاؤب نفسه فإن نشأ من طبيعته بلا صنعه فلا بأس، وإن تعمده ينبغي أن
يكره تحريما لأنه عبث، وقد مر أن العبث مكروه تحريما في الصلاة وتنزيها
خارجها. قوله: (ولو خارجها) أي لاطلاق الحديث المار وتقييده في بعض الروايات بالصلاة لكون الكراهة فيها أشد، فلا
تنافي بينهما. تأمل. قوله: (والأنبياء محفوظون منه) قدمنا في آداب الصلاة أن إخطار ذلك بباله مجرب
في دفع التثاؤب. قوله: (للنهي) أي في حديث إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه رواه
ابن عدي، إلا أن في سنده من ضعف، وعلل في البدائع بأن السنة أن يرمي ببصره إلى موضع
سجوده، وفي التغميض تركها. ثم الظاهر أن الكراهة تنزيهية، كذا في الحلية والبحر، وكأنه لأن علة
النهي ما مر عن البدائع، وهي الصارف له عن التحريم، قوله: (إلا لكمال الخشوع) بأن فات فوت
الخشوع بسبب رؤية ما يفرق الخاطر فلا يكره، بل قال بعض العلماء: إنه الأولى، وليس ببعيد.
حلية وبحر. قوله: (لان العبرة للقدم) ولهذا تشترط طهارة مكانه رواية واحدة بخلاف مكان السجود،
إذ فيه روايتان، وكذا لو حلف لا يدخل دار فلان يحنث بوضع القدمين وإن كان باقي بدنه خارجها،
والصيد إذا كان رجلاه في الحرم ورأسه خارجه فهو صيد الحرم ففيه الجزاء. بحر. قوله: (مطلقا)
راجع إلى قوله: وقيام الامام في المحراب وفسر الاطلاق بما بعده وكذا سواء كان المحراب من
المسجد كما هو العادة المستمرة أو لا كما في البحر. قوله: (إن علل بالتشبه الخ) قيد للكراهة.
وحاصله أنه صرح محمد في الجامع الصغير بالكراهة ولم يفصل، فاختلف المشايخ في سببها:
فقيل كونه يصير ممتازا عنهم في المكان لان المحراب في معنى بيت آخر وذلك صنيع أهل الكتاب،

(1) قوله: (وحينئذ فترك الكظم مندوب) هكذا بخطه، وفيه نظر لا يخفى ا ه‍. مصححه.
695

واقتصر عليه في الهداية واختاره الامام السرخسي وقال: إنه الأوجه: وقيل اشتباه حاله على من في
يمينه ويساره. فعلى الأول يكره مطلقا، وعلى الثاني لا يكره عند عدم الاشتباه. وأيد الثاني في
الفتح بأن امتياز الامام في المكان مطلوب، وتقدمه واجب وغايته اتفاق الملتين في ذلك، وارتضاه
في الحلية وأيده، لكن نازعه في البحر بأن مقتضى ظاهر الرواية الكراهة مطلقا، وبأن امتياز الامام
المطلوب حاصل بتقدمه بلا وقوف في مكان آخر، ولهذا قال في الولوالجية وغيرها: إذا لم يضق
المسجد بمن خلف الامام لا ينبغي له ذلك لأنه يشبه تباين المكانين انتهى. يعني: وحقيقة اختلاف
المكان تمنع الجواز فشبهة الاختلاف توجب الكراهة، والمحراب وإن كان من المسجد فصورته
وهيئته اقتضت شبهة الاختلاف ا ه‍ ملخصا.
قلت: أي لان المحراب إنما بني علامة لمحل قيام الامام ليكون قيامه وسط الصف كما هو
السنة، لا لان يقوم في داخله، فهو وإن كان من بقاع المسجد لكن أشبه مكانا آخر فأورث الكراهة،
ولا يخفى حسن هذا الكلام، فافهم، لكن تقدم أن التشبه إنما يكره في المذموم وفيما قصد به التشبه
لا مطلقا، ولعل هذا من المذموم. تأمل. هذا وفي حاشية البحر للرملي: الذي يظهر من كلامهم
أنها كراهة تنزيه. تأمل ا ه‍.
تنبيه: في معراج الدراية من باب الإمامة: الأصح ما روي عن أبي حنيفة أنه قال: أكره للامام
أن يقوم بين الساريتين أو زاوية أو ناحية المسجد أو إلى سارية، لأنه بخلاف عمل الأمة ا ه‍. وفيه
أيضا: السنة أن يقوم الامام إزاء وسط الصف، ألا ترى أن المحاريب ما نصبت إلا وسط المساجد
وهي قد عينت لمقام الامام ا ه‍. وفي التاترخانية: ويكره أن يقوم في غير المحراب إلا
لضرورة ا ه‍. ومقتضاه أن الامام لو ترك المحراب وقام في غيره يكر ولو كان قيامه وسط الصف،
لأنه خلاف عمل الأمة، وهو ظاهر في الامام الراتب دون غيره والمنفرد، فاغتنم هذه الفائدة فإنه وقع
السؤال عنها ولم يوجد نص فيها. قوله: (للنهي) وهو ما أخرجه الحاكم أنه (ص) نهى أن يقوم الامام
فوق ويبقى الناس خلفه وعللوه بأنه تشبه بأهل الكتاب، فإنهم يتخذون لامامهم دكانا. بحر. وهذا
التعليل يقضي أنها تنزيهية، والحديث يقتضي أنها تحريمية، إلا أن يوجد صارف. تأمل رملي.
قلت: لعل الصارف تعليل النهي بما ذكر. تأمل. قوله: (وقيل الخ) هو ظاهر الرواية كما في
البدائع. قال في البحر: والحاصل أن التصحيح قد اختلف، والأولى العمل بظاهر الرواية وإطلاق
الحديث ا ه‍. وكذا رجحه في الحلية. قوله: (في الأصح) وهو ظاهر الرواية، لأنه وإن لم يكن فيه
تشبه بأهل الكتاب لكن فيه ازدراء بالامام حيث ارتفع كل الجماعة فوقه، أفاده في شرح المنية،
وكأن الشارح أخذ التصحيح تبعا للدرر من قول البدائع: جواب ظاهر الرواية أقرب إلى الصواب،
ومقابله قول الطحاوي بعدم الكراهة لعدم التشبه، ومشى عليه في الخانية قائلا: وعليه عامة المشايخ
قال ط: ولعل الكراهة تنزيهية لان النهي ورد في الأول فقط. قوله: (وهذا كله) أي الكراهة في
المسائل الثلاث لا كما يتوهم من ظاهر كلام المصنف من قوله: عند عدم العذر قيد لقوله وكره
عكسه فقط فافهم. قوله: (كجمعة وعيد) مثال للعذر، وهو على تقدير مضاف: أي كزحمة جمعة
وعيد. قوله: (فلو قاموا الخ) تفريع على عدم الكراهة عند العذر في جمعة وعيد. قال في المعراج:
696

وذكر شيخ الاسلام إنما يكره هذا إذا لم يكن من عذر، أما إذا كان فلا يكره كما في الجمعة إذا كان
القوم على الرف، وبعضهم على الأرض لضيق المكان. وحكى الحلواني عن أبي الليث: لا يكره
قيام الامام في الطاق عند الضرورة بأن ضاق المسجد على القوم ا ه‍. وبه علم أن قوله: والامام
على الأرض أي ومعه بعض القوم. قوله: (كما لو كان الخ) محترز قوله: وانفراد الامام على
الدكان قال في البحر: قيد الانفراد، لأنه لو كان بعض القوم مع الامام، قيل يكره، والأصح لا،
وبه جرت العادة في جوامع المسلمين في أغلب الأمصار، كذا في المحيط اه‍. وظاهره أنه لا يكره
ولو بلا عذر، وإلا كان داخلا فيما قبله. تأمل. قوله: (ومن العذر الخ) أي في الانفراد في مكان
مرتفع، وهذا حكاه في البحر تبعا للحلية مذهبا للشافعي، وأنه قيل: إنه رواية عن أبي حنيفة.
قلت: لكن في المعراج ما نصه: وبقولنا قال الشافعي رحمه الله تعالى، إلا إذا أراد الامام تعليم
القوم أفعال الصلاة، أو أراد المأموم تبليغ القوم فحينئذ لا يكره عندنا ا ه‍. وبه علم أنه كما يكره
انفراد الامام في مكان عال بلا عذر يكره انفراد المأموم وإن وجدت طائفة مع الامام، فافهم. قوله:
(وقدمنا الخ) أي في باب الإمامة عند قوله: ويصف الرجال حيث قال: ولو صلى على رفوف
المسجد إن وجد في صحنه مكانا كره كقيامه في صف خلف صف فيه فرجة ا ه‍. ولعله يشير بذلك
إلى أنه لولا العذر المذكور كان انفراد المأموم مكروها. قوله: (لكن قالوا الخ) القائل صاحب
القنية، فإنه عزا إلى بعض الكتب: أتى جماعة ولم يجد في الصف فرجة قيل يقوم وحده ويعذر،
وقيل يجذب واحدا من الصف إلى نفسه فيقف بجنبه. والأصح ما روى هشام عن محمد أنه ينتظر إلى
الركوع، فإن جاء رجل وإلا جذب إليه رجلا أو دخل في الصف، ثم قال في القنية: والقيام وحده
أولى في زماننا لغلبة الجهل على العوام، فإذا جره تفسد صلاته ا ه‍. قال في الخزائن: قلت:
وينبغي التفويض إلى رأي المبتلى، فإن رأى من لا يتأذى لدين أو صداقة زاحمه أو عالما جذبه وإلا
انفرد ا ه‍. قلت: وهو توفيق حسن اختاره ابن وهبان في شرح منظومته. قوله: (فلذا قال الخ) أي
فلم يذكر الجذب لما مر. قوله: (ولبس ثوب فيه تماثيل) عدل عن قول غيره تصاوير لما في
المغرب: الصورة عام في ذي الروح وغيره، والتمثال خاص بمثال ذي الروح، ويأتي أن غير ذي
الروح لا يكره. قال القهستاني: وفيه إشعار بأنه لا تكره صورة الرأس، وفيه خلاف كما في اتخاذها
كذا في المحيط. قال في البحر: وفي الخلاصة وتكره التصاوير على الثوب صلى فيه أو لا،
انتهى، وهذه الكراهة تحريمية. وظاهر كلام النووي في شرح مسلم الاجماع على تحريم تصوير
الحيوان، وقال: وسواء صنعه لما يمتهن أو لغيره، فصنعته حرام بكل حال، لان فيه مضاهاة لخلق
الله تعالى، وسواء كان في ثوب أو بساط أو درهم وإناء وحائط وغيرها ا ه‍. فينبغي أن يكون حراما
لا مكروها إن ثبت الاجماع، أو قطعية الدليل بتواتره ا ه‍ كلام البحر ملخصا. وظاهر قوله: فينبغي
الاعتراض على الخلاصة في تسميته مكروها.
قلت: لكن مراد الخلاصة اللبس المصرح به في المتون، بدليل قوله في الخلاصة بعد ما مر:
697

أما إذا كان في يده وهو يصلي لا يكره وكلام النووي في فعل التصوير، ولا يلزم من حرمته حرمة
الصلاة فيه بدليل أن التصوير يحرم، ولو كانت الصورة صغيرة كالتي على الدرهم أو كانت في اليد
أو مستترة أو مهانة مع أن الصلاة بذلك لا تحرم، بل ولا تكره، لأن علة حرمة التصوير المضاهاة
لخلق الله تعالى، وهي موجودة فكل ما ذكره. وعلة كراهة الصلاة بها التشبه، وهي مفقودة فيما
ذكر كما يأتي، فاغتنم هذا التحرير. قوله: (فوق رأسه) أي في السقف. معراج. قوله: (تمثال) أي
مرسوم في جدار أو غيره أو موضوع أو معلق كما في المنية وشرحها.
أقول: والظاهر أنه يلحق به الصليب وإن لم يكن تمثال ذي روح، لان فيه تشبها بالنصارى.
ويكره التشبه بهم في المذموم وإن لم يقصده كما مر. قوله: (منصوبة) أي بحيث لا توطأ ولا يتكأ
عليها، قال في الهداية: ولو كانت الصورة على وسادة ملقاة أو على بساط مفروش لا يكره لأنها
تداس وتوطأ، بخلاف ما إذا كانت الوسادة منصوبة أو كانت على الستر لأنها تعظيم لها. قوله:
(والأظهر الكراهة) لكنها فيه أيسر، لأنه لا تعظيم فيه ولا تشبه. معراج. وفي البحر قالوا: وأشدها
كراهة ما يكون على القبلة أمام المصلي، ثم ما يكون فوق رأسه، ثم ما يكون عن يمينه ويساره على
الحائط، ثم ما يكون خلفه على الحائط أو الستر ا ه‍.
قلت: وكأن عدم التعظيم في التي خلفه وإن كانت على حائط أو ستر أن في استدبارها
استهانة لها فيعارض ما في تعليقها من التعظيم، بخلاف ما على بساط مفروش ولم يسجد عليها
فإنها مستهانة من كل وجه وقد ظهر من هذا أن علة الكراهة في المسائل كلها إما التعظيم أو التشبه
على خلاف ما يأتي. قوله: (ولا يكره) قدر لا يكره مع قول المصنف الآتي: لا لطول الفصل
فيكون الآتي تأكيدا، فافهم. قوله: (تحت قدميه) وكذا لو كانت على بساط يوطأ أو مرفقة يتكأ عليها
كما في البحر، والمرفقة: وسادة الاتكاء كما في المغرب. قوله: (عبارة الشمني الخ) أشار بذلك
إلى ما في العبارة الأولى من الاشكال، وهو أنها إذا كانت في يده تمنعه عن سنة الوضع هو مكروه
بغير الصورة فكيف بها اللهم إلا أن يراد أن لا يمسكها بل تكون معلقة بيده ونحو ذلك، كذا في
شرح المنية، وأراد بنحو ذلك: ما لو كانت مرسومة في يده. وفي المعراج: لا تكره إمامة من في
يده تصاوير، لأنها مستورة الثياب لا تستبين فصارت كصورة نقش خاتم ا ه‍. ومثله في البحر عن
المحيط وظاهره عدم الكراهة ولو كانت بالوشم، ويفيد عدم نجاسته لما أوضحناه في آخر باب
الأنجاس، فراجعه. قوله: (غير مستبين) الظاهر أن المراد به ما يأتي في تفسير الصغير. تأمل.
قوله: (ومفاده) أي مفاد التعليل بأنها مستورة. قوله: (لا المستتر بكيس أو صرة) بأن صلى ومعه
سرة أو كيس فيه دنانير أو دراهم فيها صور صغار فلا تكره لاستتارها. بحر. ومقتضاه أنها لو كانت
مكشوفة تكره الصلاة، مع أن الصغيرة لا تكره الصلاة معها كما يأتي، لكن يكره كراهة تنزيه جعل
الصورة في البيت: نهر قوله أو ثوب آخر كان فوق الثوب الذي فيه صورة ثوب ساتر له فلا تكره
698

الصلاة فيه لاستتارها بالثوب. بحر. قوله: (لا تتبين الخ) هذا أضبط مما في القهستاني
بحيث قال: بحيث لا تبدو للناظر إلا بتبصر بليغ كما في الكرماني، أو لا تبدو له من بعيد كما في المحيط. ثم
قال: لكن في الخزانة: إن كانت الصورة مقدار طير يكره، وإن كانت أصغر فلا ا ه‍. قوله: (أو
مقطوعة الرأس) أي سواء كان من الأصل أو كان لها رأس ومحي، وسواء كان القطع بخيط خيط على
جميع الرأس حتى لم يبق له أثر، أو يطليه بمغرة أو بنحته، أو بغسله لأنها لا تعبد بدون الرأس عادة،
وأما قطع الرأس عن الجسد بخيط مع بقاء الرأس على حاله فلا ينفي الكراهة، لان من الطيور ما هو
مطوق فلا يتحقق القطع بذلك، وقيد بالرأس لأنه لا اعتبار بإزالة الحاجبين أو العينين لأنها تعبد
بدونها، وكذا لا اعتبار بقطع اليدين أو الرجلين. بحر. قوله: (أو ممحوة عضو الخ) تعميم بعد
تخصيص، وهل مثل ذلك ما لو كانت مثقوبة البطن مثلا؟ والظاهر أنه لو كان الثقب كبيرا يظهر به
نقصها فنعم، وإلا فلا، كما لو كان الثقب لوضع عصا تمسك بها كمثل صور لخيال التي يلعب بها
لأنها تبقى معه صورة تامة. تأمل. قوله: (أو لغير ذي روح) لقول ابن عباس للسائل فإن كنت لا
بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له رواه الشيخان، ولا فرق في الشجر بين المثمر وغيره خلافا
لمجاهد. بحر. قوله: (لأنها لا تعبد) أي هذه المذكورا ت وحينئذ فلا يحصل التشبه.
فإن قيل: عبد الشمس والقمر والكواكب والشجرة الخضرا قلنا: عبد عينه لا تمثاله، فعلى
هذا ينبغي أن يكره استقبال عين هذه الأشياء. معراج: أي لأنها عين ما عبد، بخلاف ما لو صورها
واستقبل صورتها. قوله: (وخبر جبريل الخ) هو قوله للنبي (ص) إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا
صورة رواه مسلم وهذا إشارة إلى الجواب عما يقال: إن كانت علة الكراهة فيما مر كون المحل
الذي تقع فيه الصلاة لا تدخله الملائكة، لان شر البقاع بقعة لا تدخلها الملائكة، ينبغي أن تكره ولو
كانت الصورة مهانة، لان قوله: ولا صورة نكرة في سياق النفي فتعم، وإن كانت العلة التشبه بعبادتها
فلا تكره إلا إذا كانت أمامه أو فوق رأسه. والجواب أن العلة هي الأمر الأول، وأما الثاني فيفيد أشدية
الكراهة غير أن عموم النص المذكور مخصوص بغير المهانة، لما روى ابن حبان والنسائي استأذن
جبريل عليه السلام على النبي (ص) فقال: ادخل فقال: كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير؟ فإن
كنت لا بد فاعلا فاقطع رؤوسها أو أقطعها وسائد أو اجعلها بسطا نعم يرد على هذا ما إذا كانت على
بساط في موضع السجود، فقد مر أنه يكره مع أنها لا تمنع دخول الملائكة، وليس فيها تشبه لان عبدة
الأصنام لا يسجدون عليها، بل ينصبونها ويتوجهون إليها، إلا أن يقال: فيها صورة التشبه بعبادتها حال
القيام والركوع وتعظيم لها إن سجد عليها ا ه‍. ملخصا من الحلية والبحر.
أقول: الذي يظهر من كلامهم أن العلة إما التعظيم أو التشبه كما قدمناه، والتعظيم أعم، كما
لو كانت عن يمينه أو يساره أو موضع سجوده فإنه لا تشبه فيها بل فيها تعظيم، وما كان فيه تعظيم
وتشبه فهو أشد كراهة، ولهذا تفاوتت رتبتها كما مر، وخبر جبريل عليه السلام معلوم بالتعظيم بدليل
الحديث الآخر وغيره، فعدم دخول الملائكة إنما هو حيث كانت الصورة معظمة، وتعليل كراهة
699

الصلاة بالتعظيم أولى من التعليل بعدم الدخول، لان التعظيم قد يكون عارضا، لان الصورة إذا
كانت على بساط مفروش تكون مهانة لا تمنع من الدخول، ومع هذا لو صلى على ذلك البساط
وسجد عليها تكره، لان فعله ذلك تعظيم لها. والظاهر أن الملائكة لا تمنع من الدخول بذلك
الفعل العارض، وأما ما في الفتح عن شرح عتاب من أنها لو كانت خلفه أو تحت رجليه لا تكره
الصلاة، ولكن تكره كراهة جعل الصورة في البيت للحديث فظاهره الامتناع من الدخول ولو مهانة،
وكراهة جعلها في بساط مفروش، وهو خلاف الحديث المخصص كما مر. قوله: (في امتناع
ملائكة الرحمة) قيد بهم، إذ الحفظة لا يفارقون الانسان إلا عند الجماع والخلاء، كذا في شرح
البخاري. وينبغي أن يراد بالحفظة ما هو أعم من الكرام الكاتبين والذين يحفظونه من الجن. نهر.
وانظر ما قدمناه قبل فصل القراءة. قوله: (فنفاه عياض) أي وقال: إن الأحاديث مخصصة. بحر.
وهو ظاهر كلام علمائنا، فإن ظاهره أن ما لا يؤثر كراهة في الصلاة لا يكره إبقاؤه، وقد صرح في
الفتح وغيره بأن الصورة الصغيرة لا تكره في البيت. قال: ونقل أنه كان على خاتم أبي هريرة
ذبابتان ا ه‍. ولو كانت تمنع دخول الملائكة كره إبقاؤها في البيت لأنه يكون شر البقاع، وكذا
المهانة كما مر، وهو صريح قوله في الحديث المار أو أقطعها وسائد، أو اجعلها بسطا وأما ما مر
عن شرح عتاب، فقد علمت ما فيه.
تنبيه: هذا كله في اقتناء الصورة، وأما فعل التصوير فهو غير جائز مطلقا لأنه مضاهاة لخلق
الله تعالى كما مر.
خاتمة قال في النهر: جوز في الخلاصة لمن رأى صورة في بيت غيره أن يزيلها، وينبغي أن
يجب عليه، ولو استأجر مصورا فلا أجر له لان عمله معصية، كذا عن محمد، ولو هدم بيتا فيه تصاوير
ضمن قيمته خاليا عنها ا ه‍. وسيأتي في باب متفرقات البيوع متنا وشرحا ما نصه اشترى ثورا أو
فرسا من خزف لأجل استئناس الصبي لا يصح ولا قيمة له فلا يضمن متلفه، وقيل بخلافه يصح
ويضمن. قنية. وفي آخر حظر المجتبى عن أبي يوسف: يجوز بيع اللعبة وأن يلعب بها الصبيان ا ه‍.
قوله: (وكره تنزيها) كذا عزاه في البحر إلى الحلية لابن أمير حاج، ثم قال: لكن ظاهر قول النهاية لا
يباح أنها تحريمية. وأجاب في النهر بأن المكروه تنزيها غير مباح: أي غير مستوي الطرفين.
واعترضه الرملي بأن الغالب إطلاقهم غير المباح على المحرم أو المكروه تحريما وإن كان
يطلق على ما ذكر. قلت: ويؤيده قول الدرر للنهي عنه، لكن قال محشيه نوح أفندي: لم أجد النهي
عنه صريحا فيما عندي من الكتب ا ه‍. ولذا اقتصر غيره على التعليل بأنه ليس من أفعال الصلاة ولو
كان فيه نهي خاص لذكروه، نعم ذكر في الحلية فيما رواه الأصبهاني نهى رسول الله (ص) عن عد
الآي في المكتوبة ورخص في السبحة أي النافلة، لكن قال في الحلية: إن ثبت هذا ترجح القول
بعدم الكراهة في النافلة، وإلا ترجح القول بعدمها مطلقا مرادا بها التنزيهية ا ه‍. وحيث لا نهي ثابت
يتعين تأويل ما في النهاية بما في النهر، ولذا مشى عليه الشارح، فتدبر. قوله: (باليد) أي بأصابعه
700

أو بسبحة يمسكها كما في البحر. قوله: (ولو نفلا) بيان للاطلاق، وهذا باتفاق أصحابنا في ظاهر
الرواية. وعن الصاحبين في غير ظاهر الرواية عنهما أنه لا بأس به، وقيل الخلاف في الفرائض ولا
كراهة في النوافل اتفاقا. وقيل في النوافل ولا خلاف في الكراهة في الفرائض. نهر.
قوله: (فلا يكره) هذا ظاهر الرواية وهو الأصح، وكرهه بعضهم نهر. ويدل للأول ما أخرجه
الترمذي وحسن النووي إسناده عن يسيرة (1) قالت: قال لنا رسول الله (ص): عليكن بالتسبيح
والتقديس، وأعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات، ولا تغفلن فتنسين الرحمة وتمامه في
الحلية. قوله: (كعده الخ) أي في الصلاة، وهذا محترز قوله: باليد قال في البحر: أما الغمز
برؤوس الأصابع أو الحفظ بالقلب فهو غير مكروه اتفاقا والعد باللسان مفسد اتفاقا ا ه‍. وما قيل
من أنه يكره بالقلب لاخلاله بالخشوع ففيه نظر ظاهر كما في الحلية.
مطلب: الكلام على اتخاذ المسبحة
قوله: (لا بأس باتخاذ المسبحة) بكسر الميم: آلة التسبيح. والذي في البحر والحلية والخزائن
بدون ميم. قال في المصباح: السبحة خرزات منظومة، وهو يقتضي كونها عربية. وقال الأزهري:
كلمة مولدة، وجمعها مثل غرفة وغرف ا ه‍. والمشهور شرعا إطلاق السبحة بالضم على النافلة. قال
في المغرب: لأنه يسبح فيها. ودليل الجواز ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان
والحاكم وقال: صحيح الاسناد عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله (ص) على امرأة
وبين يديها نوى أو حصا تسبح به فقال: أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل؟ فقال: سبحان
الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك،
وسبحان الله عدد ما هو خالق، والحمد لله مثل ذلك، والله أكبر مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك،
ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك فلم ينهها عن ذلك، وإنما أرشدها إلى ما هو أيسر وأفضل،
ولو كان مكروها لبين لها ذلك. ولا يزيد السبحة على مضمون هذا الحديث إلا بضم النوى في
خيط، ومثل ذلك لا يظهر تأثيره في المنع، فلا جرم أن نقل اتخاذها والعمل بها عن جماعة من
الصوفية الأخيار وغيرهم، اللهم إلا إذا ترتب عليه رياء وسمعة فلا كلام لنا فيه، وهذا الحديث أيضا
يشهد لأفضلية هذا الذكر المخصوص على ذكر مجرد هذه الصيغة ولو تكرر يسيرا، كذا في الحلية
والبحر، قوله: (لا يكره قتل حية أو عقرب) لخبر الشيخين اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية،
والعقرب نهر. وأما قتل القملة والبرغوث فسيأتي. قوله: (إن خاف الأذى) أي بأن مرت بين يديه
وخاف الأذى وإلا فيكره. نهاية. وفي البحر عن الحلية: ويستحب قتل العقرب بالنعل اليسرى إن
أمكن، لحديث أبي داود كذلك، ويقاس عليه الحية. قوله: (إذ الامر للإباحة) جواب عما يقال: لم
لم يكن قتلهما مستحبا للامر بالقتل؟ ط. قوله: (فالأولى الخ) أي حيث كان الامر بالقتل منفعتنا،
فما يخشى منه الأذى الأولى تركه، وهو قتل الحية البيضاء التي تمشي مستوية لأنها جان لقوله عليه

(1) قوله عن يسيرة بضم الياء المثناة التحتية وفتح السين حلية، ا ه‍. منه.
701

الصلاة والسلام اقتلوا ذا الطفيتين والأبتر، وإياكم والحية البيضاء فإنها من الجن كما في
المحيط. وقال الطحاوي: لا بأس بقتل الكل لان النبي (ص) عهد مع الجن أن لا يدخلوا بيوت
أمته، فإذا دخلوا فقد نقضوا العهد فلا ذمة لهم والأولى هو الاعذار والانذار، فيقال: ارجع بإذن
الله، فإن أبى قتله ا ه‍: يعني الانذار في غير الصلاة. بحر. قال في الحلية: ووافق الطحاوي غير
واحد آخرهم شيخنا: يعني ابن الهمام فقال: والحق أن الحل ثابت إلا أن الأولى الامساك عما فيه
علامة الجن لا للحرمة بل لدفع الضرر المتوهم من جهتهم ا ه‍ والطفيتان، بضم الطاء المهملة
وإسكان الفاء الخطان الأسودان على ظهر الحية. والأبتر: الأفعى، قيل هو جنس كأنه مقطوع
الذنب، وقيل صنف أزرق مقطوع الذنب إذا نظرت إليه الحامل ألقت ا ه‍. قوله: (على الأظهر) كذا
قاله الامام السرخسي، وقال: لأنه عمل رخص فيه للمصلي، فهو كالمشي بعد الحدث. بحر. قوله:
(لكن صحح الحلبي الفساد) حيث قال تبعا لابن الهمام: فالحق فيما يظهر هو الفساد، والامر بالقتل لا
يستلزم صحة الصلاة مع وجوده كما في صلاة الخوف، بل الامر في مثله لإباحة مباشرته وإن كان
مفسدا للصلاة ا ه‍. ونقل كلام ابن الهمام في الحلية والبحر والنهر وأقروه عليه، وقالوا: إن ما ذكره
السرخسي رده في النهاية بأنه مخالف لما عليه عامة رواة شروح الجامع الصغير ومبسوط شيخ الاسلام
من أن الكثير لا يباح اه‍. قوله: (إلى ظهر قاعد الخ) قيد بالظهر احترازا عن الوجه فإنها تكره إليه كما
مر، وفي قوله: يتحدث إيماء إلى أنه لا كراهة لو لم يتحدث بالأولى، ولذا زاد الشارح ولو وفي
شرح المنية: أفاد به نفي قول من قال بالكراهة بحضرة المتحدثين، وكذا بحضرة النائمين وما روي عنه
عليه الصلاة والسلام لا تصلوا خلف نائم ولا متحدث ضعيف. وصح عن عائشة رضي الله عنها
قالت: كان رسول الله (ص) يصلي من صلاة الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة، فإذا أراد أن يوتر
أيقظني فأوترت رواياه في الصحيحين وهو يقتضي أنها كانت نائمة، وما في مسند البزار أن
رسول الله (ص) قال: نهيت أن أصلي إلى النيام والمتحدثين فهو محمول على ما إذا كانت لهم
أصوات يخاف منها التغليظ أو الشغل، وفي النائمين إذا خاف ظهور شئ يضحكه ا ه‍. قوله: (مطلقا)
أي معلقا أو غير معلق، وأشار به إلى أن قول الكنز وغيره معلق غير قيد.
وفي شرح المنية: وجه عدم الكراهة أن كراهة استقبال بعض الأشياء باعتبار التشبه بعبادها
والمصحف والسيف لم يعبدهما أحد، واستقبال أهل الكتاب للمصحف للقراءة منه لا للعبادة. وعند
أبي حنيفة يكره استقباله للقراءة، ولذا قيد يكونه معلقا وكون السيف آلة الحرب مناسب لحال
الابتهال إلى الله تعالى، لأنها حال المحاربة مع النفس والشيطان، وعن هذا سمي المحراب ا ه‍.
قوله: (أو شمع) بفتح الميم على الأوجه والسكون ضعيف مع أنه المستعمل، قاله ابن قتيبة، وعدم
الكراهة هو المختار كما في غاية البيان. وينبغي الاتفاق عليه فيما لو كان على جانبيه كما هو
المعتاد في ليالي رمضان. بحر: أي في حق الامام، أما المقابل لها من القوم فتلحقه الكراهة على
مقابل المختار. رملي. قوله: (لان المجوس الخ) علة للثلاثة قبله ط. قوله: (قنية) ذكر ذلك في
702

القنية في كتاب الكراهية. ونصه: الصحيح أنه لا يكره أن يصلي وبين يديه شمع أو سراج لأنه لم
يعبدهما أحد، والمجوس يعبدون الجمر لا النار الموقدة، حتى قيل: لا يكره إلى النار الموقدة ا ه‍.
وظاهره أن المراد بالموقدة التي لها لهب، لكن قال في العناية: إن بعضهم قال: تكره إلى شمع أو
سراج، كما لو كان بين يديه كانون فيه جمر أو نار موقدة ا ه‍. وظاهره أن الكراهة في الموقدة متفق
عليها كما في الجمر. تأمل. قوله: (لما مر) علة لعدم الكراهة وهو كونها مهانة ح. قوله: (يكره
اشتمال الصماء) لنهيه عليه الصلاة والسلام عنها، وهي أن يأخذ بثوبه فيخلل به جسده كله من رأسه
إلى قدمه ولا يرفع جانبا يخرج يده منه، سمي به لعدم منفذ يخرج منه يده كالصخرة الصماء، وقيل أن
يشتمل بثوب واحد ليس عليه إزار، وهو اشتمال اليهود. زيلعي. وظاهر التعليل بالنهي أن الكراهة
تحريمية كما في نظائره. قوله: (والاعتجار) لنهي النبي (ص) عنه، وهو شد الرأس، أو تكوير عمامته
على رأسه وترك وسطه مكشوفا. وقيل أن يتنقب بعمامته فيغطي أنفه، إما للحر أو للبرد أو للتكبر.
إمداد. وكراهته تحريمية أيضا لما مر. قوله: (والتلثم) وهو تغطية الانف والفم في الصلاة، لأنه يشبه
فعل المجوس حال عبادتهم النيران. زيلعي. ونقل ط عن أبي السعود أنها تحريمية. قوله: (والتنخم)
هو إخراج النخامة بالنفس الشديد لغير عذر. وحكمه كالتنحنح في تفصيله كما في شرح المنية: أي
فإن كان بلا عذر وخرج به حرفان أو أكثر أفسد، وفي بعض النسخ: والتختم، والمراد به لبس
الخاتم في الصلاة بعمل قليل. قوله: (وكل عمل قليل الخ) تقدم الفرق بينه وبين الكثير. قوله:
(كتعرض لقملة الخ) قال في النهر: ويكره قتل القمل عند الامام. وقال محمد: القتل أحب إلي،
رأى ذلك فعل لا بأس به، ولعل الامام إنما اختار الدفن لما فيه من التنزه عن إصابة الدم يد القاتل
أو ثوبه وإن كان معفوا عنه، هذا إذا تعرضت القملة ونحوها بالأذى، وإلا كره الاخذ فضلا عن
غيره، وهذا كله خارج المسجد، أما فيه فلا بأس بالقتل بشرط تعرضها له بالأذى، ولا يطرحها في
المسجد بطريق الدفن أو غيره إلا إذا غلب على ظنه أنه يظفر بها بعد الفراغ من الصلاة، وبهذا
التفصيل يصلح الجمع بين ما سبق عن الامام أنه يدفنها في الصلاة: أي في غير المسجد، وبين من ما
روي عنه أنه لو دفنها في المسجد أساء ا ه‍.
وفي الامداد عن الينبوع للسيوطي عن ابن العماد: طرح القمل في المسجد، إن كان ميتا حرم
لنجاسته، وإن كان حيا ففي كتب المالكية كذلك، لان فيه تعذيبا له بالجوع، بخلاف البرغوث لأنه
يأكل التراب، وعلى هذا يحرم طرح القمل حيا في غير المسجد أيضا ا ه‍. قال في الامداد:
والمصرح به في كتبنا أنه لا يجوز إلقاء قشر القملة في المسجد ا ه‍.
قلت: الظاهر أن العلة تقذير المسجد، وإلا فالمصرح به عندنا أن ما لا نفس له سائلة إذا مات
في الماء لا ينجسه.
مطلب: في بيان السنة والمستحب والمندوب والمكروه وخلاف الأولى
قوله: (وترك كل سنة ومستحب) السنة قسمان: سنة هدى وهي المؤكدة. وسنة زوائد
703

والمستحب غيره وهو المندوب، أو هما قسمان. وقد يطلق عليه سنة، وقدمنا تحقيق ذلك كله في
سنن الضوء. قال في البحر عند قوله: وعلى بساط فيه تصاوير: الحاصل أن السنة إن كانت
مؤكدة قوية لا يبعد كون تركها مكروها تحريما، وإن كانت غير مؤكدة فتركها مكروه تنزيها. وأما
المستحب أو المندوب فينبغي أن يكره تركه أصلا، لقولهم: يستحب يوم الأضحى أن لا يأكل أولا
إلا من أضحيته، ولو أكل من غيرها ليكره، فلم يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة، إلا أنه
يشكل عليه قولهم: المكروه تنزيها مرجعه إلى خلاف الأولى، ولا شك أن ترك المستحب خلاف
الأولى ا ه‍.
أقول: لكن صرح في البحر في صلاة العيد عند مسألة الاكل بأنه لا يلزم من ترك المستحب
ثبوت الكراهة، إذ لا بد لها من دليل خاص ا ه‍. وأشار إلى ذلك في التحرير الأصولي، بأن خلاف
الأولى ما ليس فيه صيغة نهي كترك صلاة الضحى، بخلاف المكروه تنزيها، والظاهر أن خلاف
الأولى أعم، فكل مكروه تنزيها خلاف الأولى، ولا عكس، لان خلاف الأولى قد لا يكون مكروها
حيث لا دليل خاص كترك صلاة الضحى. وبه يظهر أن كون ترك المستحب راجعا إلى خلاف
الأولى لا يلزم منه أن يكون مكروها إلا بنهي خاص، لان الكراهة حكم شرعي، فلا بد له من
دليل، والله تعالى أعلم. قوله: (وحمل الطفل) أي لغير حاجة. قوله: (وما ورد الخ) جواب سؤال
هو: أنه كيف يكون مكروها وقد ورد في الصحيحين وغيرهما عن أبي قتادة أن النبي (ص) كان
يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت النبي (ص)، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها؟ وقد أجيب
عنه بأجوبة: منها ما ذكره الشارح أنه منسوخ بما ذكره من الحديث، وهو مردود بأن حديث إن
في الصلاة لشغلا كان قبل الهجرة، وقصة أمامة بعدها. ومنها ما في البدائع: أنه (ص) لم يكره منه
ذلك، لأنه كان محتاجا إليه لعدم من يحفظها، أو للتشريع بالفعل أن هذا غير مفسد، ومثله أيضا في
زماننا لا يكره لواحد منا فعله عند الحاجة، أما بدونها فمكروه ا ه‍. وقد أطال المحقق ابن أمير حاج
في الحلية في هذا المحل، ثم قال: إن كونه للتشريع بالفعل هو الصواب الذي لا يعدل عنه كما
ذكره النووي، فإنه ذكر بعضهم أنه بالفعل أقوى من القول، ففعله ذلك لبيان الجواز، وأن الآدمي
طاهر، وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه في معدته، وأن ثياب الأطفال وأجسادهم طاهرة
حتى تتحقق نجاستها، وأن الافعال إذا لم تكن متوالية لا تبطل الصلاة فضلا عن الفعل القليل، إلى
غير ذلك، وتمامه فيه.
تتمة: بقي من المكروهات أشياء أخر ذكرها في المنية ونور الإيضاح وغيرها: منها الصلاة
بحضرة ما يشغل البال ويخل بالخشوع كزينة ولهو ولعب، ولذلك كرهت بحضرة طعام تميل إليه
نفسه، وسيأتي في كتاب الحج قبيل باب القرآن: يكره للمصلي جعل نحو نعله خلفه لشغل قلبه.
ومنها ما في الخزائن: تغطية الانف والفم، والهرولة للصلاة، والاتكاء على حائط أو عصا في
الفرض بلا عذر لا في النفل على الأصح، ورفع يديه عند الركوع، والرفع منه، وما روي من الفساد
شاذ، وإتمام القراءة راكعا والقراءة في غير حالة القيام، ورفع الرأس ووضعه قبل الامام، والصلاة
في مظان النجاسة كمقبرة وحمام، إلا إذا غسل موضعا منه ولا تمثال، أو صلى في موضع نزع
الثياب، أو كان في المقبرة موضع أعد للصلاة ولا قبر ولا نجاسة فلا بأس كما في الخانية ا ه‍.
704

وتقدم تمام هذا في بحث الأوقات المكروهة. وفي القهستاني: لا تكره الصلاة في جهة قبر إلا إذا
كان بين يديه، بحيث لو صلى صلاة الخاشعين وقع بصره عليه كما في جنائز المضمرات. قوله:
(ويباح قطعها) أي ولو كانت فرضا كما في الامداد. قوله: (لنحو قتل حية) أي بأن يقتلها بعمل
كثير، بناء على ما مر من تصحيح الفساد به. قوله: (وند دابة) أي هربها، وكذا لخوف ذئب لي
غنم، نور الايضاح. قوله: (وفور قدر) الظاهر أنه مقيد بما بعده من فوات ما قيمته درهم، سواء
كان ما في القدر له أو لغيره. رحمتي. قوله: (وضياع ما قيمته درهم) قال في مجمع الروايات: لان ما
دونه حقير فلا يقطع الصلاة لأجله، لكن ذكر في المحيط في الكفالة أن الحبس بالدانق يجوز، فقطع
الصلاة أولى، وهذا في مال الغير، أما في ماله لا يقطع، والأصح جوازه فيهما ا ه‍. وتمامه في
الامداد. والذي مشى عليه في الفتح التقييد بالدرهم. قوله: (ويستحب لمدافعة الأخبثين) كذا في
مواهب الرحمن ونور الايضاح، لكنه مخالف لما قدمناه عن الخزائن وشرح المنية، من أنه إن كان
ذلك يشغله: أي يشغل قلبه عن الصلاة وخشوعها فأتمها يأثم لأدائها مع الكراهة التحريمية،
ومقتضى هذا أن القطع واجب لا مستحب، ويدل عليه الحديث المار لا يحل لاحد يؤمن بالله
واليوم الآخر أن يصلي وهو حاقن حتى يتخفف اللهم إلا أن يحمل ما هنا على ما إذا لم يشغله،
لكن الظاهر أن ذلك لا يكون مسوغا، فليتأمل. ثم رأيت الشرنبلالي بعد ما صرح بندب القطع كما
هنا قال: وقضية الحديث توجيه. قوله: (وللخروج من الخلاف) عبارته في الخزائن: ولإزالة نجاسة
غير مانعة لاستحباب الخروج من الخلاف، وما هنا أعم لشموله لنحو ما إذا مسته امرأة أجنبية.
قوله: (إن لم يخف الخ) راجع لقوله: للخروج الخ. وأما قطعها لمدافعة الأخبثين فقدمنا عن شرح
المنية أن الصواب أن يقطعها وإن فاتته الجمعة، ويقطعها لغسل قدر الدرهم. قوله: (ويجب)
الظاهر منه الافتراض ط. قوله: (لإغاثة ملهوف) سواء استغاث بالمصلي أو لم يعين أحدا في
استغاثته إذا قدر على ذلك، ومثله خوف تردي أعمى في بئر مثلا إذا غلب على ظنه سقوطه. إمداد.
قوله: (لا لنداء أحد أبويه الخ) المراد بهما الأصول وإن علوا، وظاهر سياقه أنه نفي لوجوب الإجابة
فيصدق مع بقاء الندب والجواز ط.
قلت: لكن ظاهر الفتح أنه نفي للجواز، وبه صرح في الامداد بقوله: أي لا يجوز قطعها بنداء
أحد أبويه من غير استغاثة وطلب إعانة لان قطعها لا يجوز إلا لضرورة. وقال الطحاوي: هذا في
الفرض، وإن كان في نافلة إن علم أحد أبويه أنه في الصلاة وناداه لا بأس أن لا
يجيبه، وإن لم يعلم يجيبه ا ه‍. قوله: (إلا في النفل) أي فيجيبه وجوبا وإن لم يستغث لأنه ليم عابد بني إسرائيل على
تركه الإجابة. وقال (ص) ما معناه: لو كان فقيها لأجاب أمه وهذا إن لم يعلم أنه يصلي. فإن علم
لا تجب الإجابة. لكنها أولى كما يستفاد من قوله: لا بأس الخ. فقوله: فإن علم تفصيل الحكم
المستثنى ط.
705

وقد يقال: إن لا بأس هنا لدفع ما يتوهم أن عليه بأسا في عدم الإجابة وكونه عقوقا فلا يفيد
أن الإجابة أولى: وسيأتي تمامه في باب إدراك الفريضة.
مطلب: في أحكام المسجد
قوله: (ويكره الخ) لما فرغ من بيان الكراهة في الصلاة شرع في بيانها خارجها مما هو من
توابعها. بحر. قوله: (تحريما) لما أخرجه الستة عنه (ص) إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا
تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا ولهذا كان الأصح من الروايتين كراهة الاستدبار كالاستقبال.
بحر. قوله: (استقبال القبلة بالفرج) يعم قبل الرجل والمرأة. والظاهر أن المراد بالقبلة جهتها كما في
الصلاة، وهو ظاهر الحديث المار، وأن التقييد بالفرج يفيد ما صرح به الشافعية أنه لو استقبلها
بصدره وحول ذكره عنها لم يكره، بخلاف عكسه كما قدمناه في باب الاستنجاء، وتقدم هناك أن
المكروه والاستقبال أو الاستدبار لأجل بول أو غائط، فلو للاستنجاء لم يكره: أي تحريما. وفي
النهاية: ولو غفل عن ذلك وجلس يقضي حاجته ثم وجد نفسه كذلك فلا بأس، لكن إن أمكنه
الانحراف ينحرف، فإنه عد ذلك من موجبات الرحمة، فإن لم يفعل فلا بأس ا ه‍. وكأنه سقط
الوجوب عند الامكان لسقوطه ابتداء بالنسيان ولخشية التلوث، وتقدم هناك أيضا كراهة استقبال
الشمس والقمر: أي لأنهما من الآيات الباهرات، ولما معهما من الملائكة كما في السراج، وقدمنا
أن الظاهر أن الكراهة فيه تنزيهية ما لم يرد نهي خاص، وأن المراد استقبال عينهما لا جهتهما ولا
ضوئهما، وتقدم تمام ذلك كله هناك، فراجعه. قوله: (كما كره لبالغ) الظاهر منه التحريم ط. قوله:
(إمساك صبي ليبول نحوها) أي جهتها، لأنه يحرم على البالغ أن يفعل بالصغير ما يحرم على الصغير
فعله إذا بلغ ولذا يحرم على أبيه أن يلبسه حريرا أو حليا لو كان ذكرا أو يسقيه خمرا ونحو ذلك.
قوله: (مد رجليه) أو رجل واحدة، ومثل البالغ الصبي في الحكم المذكور ط. قوله: (أي عمدا)
أي من غير عذر، أما بالعذر أو السهو فلا. ط. قوله: (لأنه إساءة أدب) أفاد أن الكراهة تنزيهية ط،
لكن قدمنا عن الرحمتي في باب الاستنجاء أنه سيأتي أنه بمد الرجل إليها ترد شهادته. قال: وهذا
يقتضي التحريم، فليحرر. قوله: (إلا أن يكون) ما ذكر من المصحف والكتب، أما القبلة فهي إلى
عنان السماء. قوله: (مرتفع) ظاهره ولو كان الارتفاع قليلا ط.
قلت: أي بما تنتفي به المحاذاة عرفا، ويختلف ذلك في القرب والبعد، فإنه في البعد لا تنتفي
بالارتفاع القليل. والظاهر أنه مع البعد الكثير لا كراهة مطلقا. تأمل. قوله: (غلق باب المسجد)
الأفصح إغلاق، لما في القاموس: غلق الباب يغلقه لغة ردية في أغلقه ا ه‍. قال في البحر: وإنما
كره لأنه يشبه المنع من الصلاة، قال تعالى: * (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه) * (البقرة: 411)
ومن هنا يعلم جهل بعض مدرسي زماننا من منعهم من يدرس في مسجد تقرر في
تدريسه، وتمامه فيه. قوله: (إلا لخوف على متاعه) هذا أولى من التقييد بزماننا، لان المدار على
706

خوف الضرر، فإن ثبت في زماننا في جميع الأوقات ثبت كذلك إلا في أوقات الصلاة، أو لا فلا،
أو في بعضها ففي بعضها، كذا في الفتح. وفي العناية: والتدبير في الغلق لأهل المحلة، فإنهم إذا
اجتمعوا على رجل وجعلوه متوليا بغير أمر القاضي يكون متوليا انتهى. بحر ونهر. قوله: (الوطئ
فوقه) أي الجماع. خزائن أما الوطئ فوقه بالقدم فغير مكروه إلا في الكعبة لغير عذر، لقولهم:
بكراهة الصلاة فوقها. ثم رأيت القهستاني نقل عن المفيد كراهة الصعود على سطح المسجد ا ه‍.
ويلزمه كراهة الصلاة أيضا فوقه، فليتأمل. قوله: (لأنه مسجد) علة لكراهة ما ذكر فوقه. قال
الزيلعي: ولهذا يصح اقتداء من على سطح المسجد بمن فيه إذا لم يتقدم على الامام. ولا يبطل
الاعتكاف بالصعود إليه، ولا يحل للجنب والحائض والنفساء الوقوف عليه، ولو حلف لا يدخل هذه
الدار فوقف على سطحها يحنث ا ه‍. قوله: (إلى عنان السماء) بفتح العين، وكذا إلى تحت الثرى كما
في البيري عن الأسبيجابي. بقي لو جعل الواقف تحته بيتا للخلاء هل يجوز كما في مسجد محلة
الشحم في دمشق؟ لم أره صريحا، نعم سيأتي متنا في كتاب الوقف أنه لو جعل تحته سردابا لمصالحه
جاز. تأمل. قوله: (واتخاذه طريقا) في التعبير بالاتخاذ إيماء إلى أنه لا يفسق بمرة أو مرتين، ولذا عبر
في القنية بالاعتياد. نهر. وفي القنية: دخل المسجد فلما توسطه ندم، قيل يخرج من باب غير الذي
قصده، وقيل يصلي ثم يتخير في الخروج، وقيل إن كان محدثا يخرج من حيث دخل إعداما لما
جنى ا ه‍. قوله: (بغير عذر) فلو يعذر جاز، ويصلي كل يوم تحية السجد مرة. بحر على الخلاصة:
أي إذا تكرر دخوله تكفيه التحية مرة. قوله: (بفسقه) يخرج عنه بنية الاعتكاف وإن لم يمكث ط عن
الشرنبلالي. قوله: (وإدخال نجاسة فيه) عبارة الأشباه: وإدخال نجاسة فيه يخاف منها التلويث ا ه‍.
ومفاده الجواز لو جافة، لكن في الفتاوى الهندية: لا يدخل المسجد من على بدنه نجاسة قوله:
(وعليه فلا يجوز الخ) زاد لفظ عليه إشارة إلى أن ما ذكره من قوله فلا يجوز ليس بمصرح به في
كتب المتقدمين، وإنما بناه العلامة قاسم على ما صرحوا به من عدم جواز إدخال النجاسة المسجد،
وجعله مقيدا لقولهم: إن الدهن النجس يجوز الاستصباح به كما أفاده في البحر. قوله: (ولا تطيينه
بنجس) في الفتاوى الهندية: يكره أن يطين المسجد بطين قد بل بماء نجس، بخلاف السرقين إذا
جعل فيه الطين، لان في ذلك ضرورة، وهو تحصيل غرض لا يحصل إلا به، كذا في السراجية ا ه‍.
قوله: (والفصد) ذكره في الأشباه بحثا، فقال: وأما الفصد فيه في إناء فلم أره، وينبغي أن لا
فرق ا ه‍: أي لا فرق بينه وبين البول، وكذا لا يخرج فيه الريح من الدبر كما في الأشباه.
واختلف فيه السلف، فقيل لا بأس، وقيل يخرج إذا احتاج إليه، وهو الأصح. حموي عن
شرح الجامع الصغير للتمرتاشي. قوله: (ويحرم الخ) لما أخرجه المنذري مرفوعا جنبوا مساجدكم
صبيانكم ومجانينكم، وبيعكم وشراءكم، ورفع أصواتكم، وسل سيوفكم، وإقامة حدودكم،
وجمروها في الجمع، واجعلوا على أبوابها المطاهر بحر.
والمطاهر جمع مطهرة بكسر الميم، والفتح لغة: وهو كل إناء يتطهر به كما في المصباح،
707

والمراد بالحرمة كراهة التحريم لظنية الدليل. وأما قوله تعالى: * (أن طهرا بيتي للطائفين) * (البقرة: 521)
الآية فيحتمل الطهارة من أعمال أهل الشرك. تأمل. وعليه فقوله: وإلا فيكره أي تنزيها. تأمل.
قوله: (وصلاته فيهما) أي في النعل والخف الطاهرين أفضل مخالفة لليهود، تاترخانية. وفي
الحديث صلوا في نعالكم، ولا تشبهوا باليهود رواه الطبراني كما في الجامع الصغير رامزا
لصحته وأخذ منه جمع من الحنابلة أنه سنة، ولو كان يمشي بها في الشوارع، لان النبي (ص) وصحبه
كانوا يمشون بها في طرق المدينة ثم يصلون بها.
قلت: لكن إذا خشي تلويث فرش المسجد بها ينبغي عدمه وإن كانت طاهرة. وأما المسجد
النبوي فقد كان مفروشا بالحصا في زمنه (ص) بخلافه في زماننا، ولعل ذلك محمل ما في عمد
المفتي من أن دخول المسجد متنعلا من سوء الأدب تأمل. قوله: (لا يكره ما ذكر) أي من الوطئ
والبول والتغوط نهر. قوله: (فوق بيت الخ) أي فوق مسجد البيت: أي موضع أعد للسنن
والنوافل، بأن يتخذ له محراب وينظف ويطيب كما أمر به (ص)، فهذا مندوب لكل مسلم، كما في
الكرماني وغيره. قهستاني. فهو كما لو بال على سطح بيت فيه مصحف، وذلك لا يكره كما في
جامع البرهاني. معراج. قوله: به يفتى نهاية) عبارة النهاية: والمختار للفتوى أنه مسجد في حق
جواز الاقتداء الخ، لكن قال في البحر: ظاهره أنه يجوز الوطء والبول والتخلي فيه، ولا يخفى ما
فيه، فإن الباني لم يعده لذلك فينبغي أن لا يجوز وإن حكمنا بكونه غير مسجد، وإنما تظهر فائدته
في حق بقية الاحكام، وحل دخوله للجنب والحائض ا ه‍. ومقال هذا المختار ما صححه في
المحيط في مصلى الجنازة أنه ليس له حكم المسجد أصلا، وما صححه تاج الشريعة أن مصلى
العيد له حكم المساجد، وتمامه في الشرنبلالية. قوله: (كفناء مسجد) هو المكان المتصل به ليس
بينه وبينه طريق، فهو كالمتخذ لصلاة جنازة أو عيد فيما ذكر من جواز الاقتداء وحل دخوله لجنب
ونحوه كما في آخر شرح المنية. قوله: (ورباط) هو ما يبنى لسكني فقراء الصوفية، ويسمى الخانقاه
والتكية. رحمتي. قوله: (ومدرسة) ما يبنى لسكني طلبة العلم ويجعل لها مدرس ومكان للدرس،
لكن إذا كان فيها مسجد فحكمه كغيره من المساجد. ففي وقف القنية: المساجد التي فيها
المدارس مساجد لأنهم لا يمنعون الناس من الصلاة فيها، وإذا أغلقت يكون فيها جماعة من
أهلها ا ه‍. وفي الخانية: دار فيها مسجد لا يمنعون الناس من الصلاة فيه، إن كانت الدار لو
أغلقت كان له جماعة ممن فيها فهو مسجد جماعة تثبت له أحكام المسجد من حرمة البيع والدخول،
وإلا فلا، وإن كان لا يمنعون الناس من الصلاة فيه ا ه‍. قوله: (ومساجد حياض) مسجد الحوض
مصطبة يجعلونها بجنب الحوض، حتى إذا توضأ أحد من الحوض صلى فيها ا ه‍ ح. قوله:
(وأسواق) أي غير نافذة يجعلون مصطبة للصلاة فيها ح وذلك كالتي تجعل في خان التجار. قوله:
(قوارع) أي فإنها ليست كالمذكورات. قال في أواخر شرح المنية: والمساجد التي على قوارع
708

الطرق ليس لها جماعة راتبة في حكم المسجد، لكن لا يعتكف فيها اه‍.
مطلب: كلمة لا بأس دليل على المستحب غيره، لان البأس الشدة
قوله: (ولا بأس الخ) في هذا التعبير كما قال شمس الأئمة: إشارة إلى أنه لا يؤجر، ويكفيه
أن ينجو رأسا برأس ا ه‍. قال في النهاية: لان لفظ لا بأس دليل على أن المستحب غيره، لان
البأس الشدة ا ه‍. ولهذا قال في حظر الهنية عن المضمرات: والصرف إلى الفقراء أفضل، وعليه
الفتوى ا ه‍. وقيل يكره لقوله (ص) إن من أشراط الساعة أن تزين المساجد الحديث. وقيل
يستحب، لما فيه من تعظيم المسجد. قوله: (لأنه يلهي المصلي) أي فيخل بخشوعه من النظر إلى
موضع سجوده ونحوه، وقد صرح في البدائع في مستحبات الصلاة أنه ينبغي الخشوع فيها، ويكون
منتهى بصره إلى موضع سجوده الخ، وكذا صرح في الأشباه أن الخشوع في الصلاة مستحب.
والظاهر من هذا أن الكراهة هنا تنزيهية، فافهم. قوله: (ويكره التكلف الخ) تخصيص لما في المتن
من نفي البأس بالنقش، ولهذا قال في الفتح: وعندنا لا بأس به، ومحمل الكراهة التكلف بدقائق
النقوش ونحوه خصوصا في المحراب ا ه‍ فافهم. قوله: (ونحوها) كأخشاب ثمينة وبياض بنحو
سبيداج ا ه‍ ط. قوله: (وظاهره الخ أي ظاهر التعليل بأنه يلهي، وكذا إخراج السقف والمؤخر،
فإن سببه عدم الالهاء، فيفيد أن المكروه جدار القبلة بتمامه، لأن علة الالهاء لا تخص الامام، بل
بقية أهل الصف الأول كذلك، ولذا قال في الفتاوى الهندية: وكره بعض مشايخنا النقش على
المحراب وحائط القبلة لأنه يشغل قلب المصلي ا ه‍. ومثله يقال في حائط الميمنة أو الميسرة لأنه
يلهي القريب منه. قوله: (لو بماله الحلال) قال تاج الشريعة: أما لو أنفق في ذلك مالا خبيثا ومالا
سببه الخبيث والطيب فيكره، لان الله تعالى لا يقبل إلا الطيب، فيكره تلويث بيته بما لا يقبله ا ه‍
شرنبلالية. قوله: (إلا إذا خيف الخ) أي بأن اجتمعت عنده أموال المسجد وهو مستغن عن العبارة،
وإلا فيضمنها كما في القهستاني عن النهاية. قوله: (وتمامه في البحر) حيث قال: وقيدوا بالمسجد،
إذ نقش غيره موجب للضمان، إلا إذا كان معدا للاستغلال تزيد الأجرة به فلا بأس به، وأرادوا من
المسجد داخله فيفيد أن تزيين خارجه مكروه، وأما من مال الوقف فلا شك أنه لا يجوز للمتولي
فعله مطلقا لعدم الفائدة فيه، خصوصا إذا قصد به حرمان أرباب الوظائف كما شاهدناه في زماننا.
مطلب: في أفضل المساجد
قوله: (أفضل المساجد مكة) أي مسجد مكة، وكذا ما بعده إلى قوله: الأقدم ح. وفي
تسهيل المقاصد للعلامة أحمد بن العماد أن أفضل مساجد الأرض الكعبة لأنه أول بيت وضع للناس،
709

ثم المسجد المحيط بها لأنه أقدم مسجد بمكة، ثم مسجد المدينة، لقوله (ص) صلاة في مسجدي
هذا تعدل ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام حموي ملخصا.
وفي البيري: واختلف في المراد في المسجد الحرام الذي فيه المضاعفة المذكورة: فقيل
بقاع الحرام، وقيل الكعبة وما في الحجر من البيت، وقيل الكعبة وما حولها من المسجد، وجزم به
النووي وقال إنه الظاهر. وقال الشيخ ولي الدين العراقي: ولا يختص التضعيف بالمسجد الذي كان
في زمنه (ص)، بل يشمل جميع ما زيد فيه، بل المشهور عند أصحابنا أنه يعم جميع مكة، بل جميع
حرمها الذي يحرم صيده كما صححه النووي. انتهى ما أفاده شيخ مشايخنا محمد بن ظهيرة القرشي
الحنفي المكي ا ه‍ ملخصا.
تنبيه: هذه المضاعفة خاصة بالفرض لقوله (ص) صلاة أحدكم في بيته أفضل من صلاته في
مسجدي هذا إلا المكتوبة وإلا وقع التعارض بينه وبين الحديث الأول، كذا حكاه ابن رشد
المالكي في القواعد عن أبي حنيفة كما في الحلية عن غاية السروجي، وتمامه فيها. قوله: (ثم
القدس) لأنه أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، والمنصوص على المضاعفة فيها.
قوله: (ثم قبا) بالقصر والمد منصرف وغير منصرف، والقاف مضمومة ط لأنه المسجد الذي أسس
على التقوى من أول يوم. قوله: (ثم الأقدم ثم الأعظم) كذا في الحلية عن الأجناس. والذي في
البحر بعد القدس: ثم الجوامع، ثم مساجد المحال، ثم مساجد الشوارع لأنها أخف رتبة لأنه لا
يعتكف فيها إذا لم يكن لها إمام معلوم ومؤذن، ثم مساجد البيوت لأنه لا يجوز الاعتكاف فيها إلا
للنساء ا ه‍. وفي القهستاني: مساجد الشوارع هي التي بنيت في الصحارى مما ليس لها مؤذن وإمام
راتبان كما في الجلابي ا ه‍.
والحاصل أن بعد القدس الجوامع: أي المساجد الكبيرة الجامعة للجماعة الكثيرة، لكن
الأقدم منها أفضل كمسجد قبا، ثم الأعظم: أي الأكثر جماعة، ثم الأقرب فالأقرب. وفي آخر شرح
المنية بعد نقله ما مر عن الأجناس: ثم الأقدم أفضل لسبقه حكما، إلا إذا كان الحادث أقرب إلى
بيته فإنه أفضل حينئذ لسبقه حقيقة وحكما، كذا في الواقعات. وذكر في الخانية ومنية المفتي
وغيرهما أن الأقدم أفضل، فإن استويا في القدم فالأقرب، ولو استويا فيهما وقوم أحدهما أكثر، فإن
كان فقيها يقتدى به يذهب للأقل جماعة تكثيرا لها بسببه وإلا تخير. والأفضل اختيار الذي إمامه أفقه
وأصلح، ومسجد حيه وإن قل جمعا أفضل من الجامع وإن كثر جمعه ا ه‍ ملخصا.
وحاصله أن في تقديم الأقدم على الأقرب خلافا، لكن عبارة الخانية هكذا: وإذا كان في
منزله مسجدان يذهب إلى ما كان أقدم الخ. وظاهره أن هذا التفصيل في مسجد الحي. تأمل.
قوله: (أفضل اتفاقا) أي من الأقدم وما بعده لاحرازه فضيلتي الصلاة والسماع ط. قوله: (ومسجد
حيه أفضل من الجامع) أي الذي جماعته أكثر من مسجد الحي، وهذا أحد قولين حكاهما في القنية،
والثاني العكس، وما هنا جزم به في شرح المنية كما مر، وكذا في المصفى والخانية، بل في
الخانية: لو لم يكن لمسجد منزله مؤذن فإنه يذهب إليه ويؤذن فيه ويصلي ولو كان وحده لان له
710

حقا عليه فيؤديه. قوله: (والصحيح الخ) قدمنا الكلام مستوفى على هذه المسألة في شروط الصلاة
قبيل بحث القبلة، فراجعه. قوله: (وقيل إن تخطى) هو الذي اقتصر عليه الشارح في الحظر حيث
قال: فرع يكره إعطاء سائل المسجد إلا إذا لم يتخط رقاب الناس في المختار، لان عليا تصدق
بخاتمه في الصلاة فمدحه الله تعالى بقوله: * (ويؤتون الزكاة وهم راكعون) * (المائدة: 56) ط. قوله:
(وإنشاد ضالة) هي الشئ الضائع وإنشادها السؤال عنها. وفي الحديث إذا رأيتم من ينشد ضالة في
المسجد فقولوا لا ردها الله عليك.
مطلب: في إنشاد الشعر
قوله: (أو شعر الخ) قال في الضياء المعنوي: العشرون: أي من آفات اللسان الشعر، سئل
عنه (ص) فقال: كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح ومعناه أن الشعر كالنثر يحمد حين يحمد، ويذم حين
يذم. ولا بأس باستماع نشيد الاعراب، وهو إنشاد الشعر من غير لحن.
ويحرم هجو مسلم ولو بما فيه، قال (ص) لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن
يمتلئ شعرا فما كان منه في الوعظ والحكم وذكر نعم الله تعالى وصفة المتقين فهو حسن، وما
كان من ذكر الأطلال والأزمان والأمم فمباح، وما كان من هجو وسخف فحرام، وما كان من وصف
الخدود والقدود والشعور فمكروه، كذا فصله أبو الليث السمرقندي، ومن كثر إنشاده وإنشاؤه حين
تنزل به مهماته ويجعله مكسبة له تنقص مروءته وترد شهادته ا ه‍. وقدمنا بقية الكلام على ذلك في
صدر الكتاب قبل رسم المفتي.
هذا، وقد أخرج الامام الطحاوي في (شرح مجمع الآثار) أنه (ص) نهى أن تنشد الاشعار في
المسجد، وأن تباع فيه السلع، وأن يتحلق فيه قبل الصلاة، ثم وفق بينه وبين ما ورد أنه (ص) وضع
لحسان منبرا ينشد عليه الشعر، بحمل الأول على ما كانت قريش تهجوه به ونحوه مما فيه ضرر، أو
على ما يغلب على المسجد حتى يكون أكثر من فيه متشاغلا به. قال: وكذلك النهي عن البيع فيه
هو الذي يغلب عليه حتى يكون كالسوق، لأنه (ص) لم ينه عليا عن خصف النعل فيه، مع أنه لو
اجتمع الناس لخصف النعال فيه كره، فكذلك البيع وإنشاد الشعر، والتحلق قبل الصلاة، فما غلب
عليه كره، وما لا فلا ا ه‍.
مطلب في رفع الصوت بالذكر
قوله: (ورفع صوت بذكر الخ) أقول: اضطرب كلام صاحب البزازية في ذلك، فتارة قال: إنه
حرام، وتارة قال: إنه جائز، وفي الفتاوى الخيرية من الكراهية والاستحسان: جاء في الحديث ما
اقتضى طلب الجهر به نحو وإن ذكرني في ملا ذكرته في ملا خير منهم رواه الشيخان. وهناك
أحاديث اقتضى طلب الاسرار، والجمع بينهما بأن ذلك يختلف باختلاف الاشخاص والأحوال، كما
جمع بذلك بين أحاديث الجهر والاخفاء بالقراءة. ولا يعارض ذلك حديث خير الذكر الخفي لأنه
711

حيث خيف الرياء أو تأذى المصلين أو النيام، فإن خلا مما ذكر، فقال بعض أهل العلم: إن الجهر
أفضل، لأنه أكثر عملا، ولتعدي فائدته إلى السامعين، ويوقظ قلب الذاكر فيجمع همه إلى الفكر،
ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم، ويزيد النشاط ا ه‍ ملخصا، وتمام الكلام هناك فراجعه. وفي
حاشية الحموي عن الامام الشعراني: أجمع العلماء سلفا وخلفا على استحباب ذكر الجماعة في
المساجد وغيرها. إلا أن يشوش جهرهم على نائم أو مصل أو قارئ الخ. قوله: (والوضوء) لان
ماءه مستقذر طبعا فيجب تنزيه المسجد عنه، كما يجب تنزيهه عن المخاط والبلغم. بدائع. قوله:
(إلا فيما أعد لذلك) انظر هل يشترط إعداد ذلك من الواقف أم لا؟ وفي حاشية المدني عن الفتاوى
العفيفية: ولا يظن أن ما حول بئر زمزم يجوز الوضوء أو الغسل من الجنابة فيه لان حريم زمزم يجري
عليه حكم المساجد، فيعامل بمعاملتها: من تحريم البصاق. والمكث مع الجنابة فيه، ومن حصول
الاعتكاف فيه، واستحباب تقديم اليمنى، بناء على أن الداخل من مسجد لمسجدين له ذلك ا ه‍.
قوله: (كتقليل نز) النز: بفتح النون وكسرها وبالزاي المعجمة، ما يتحلب من الأرض من الماء،
يقال: نزت الأرض: صارت ذات نز، كذا في الصحاح.
مطلب: في الغرس في المسجد
قال في الخلاصة غرس الأشجار في المسجد لا بأس به إذا كان فيه نفع للمسجد، بأن كان
المسجد ذا نز والأسطوانات لا تستقر بدونها، وبدون هذا لا يجوز ا ه‍. وفي الهندية عن الغرائب: إن
كان لنفع الناس بظله، ولا يضيق على الناس، ولا يفرق الصفوف لا بأس به، وإن كان لنفع نفسه
بورقه أو ثمره أو يفرق الصفوف، أو كان في موضع تقع به المشابهة بين البيعة والمسجد يكره ا ه‍.
هذا، وقد رأيت رسالة للعلامة ابن أمير حاج بخطه متعلقة بغراس المسجد الأقصى رد فيها
على من أفتى بجوازه فيه، أخذا من قولهم: لو غرس شجرة للمسجد فثمرتها للمسجد فرد عليه
بأنه لا يلزم من ذلك حل الغرس إلا للعذر المذكور، لان فيه شغل ما أعد للصلاة ونحوها، وإن
كان المسجد واسعا أو كان في الغرس نفع بثمرته، وإلا لزم إيجار قطعه منه، ولا يجوز إبقاؤه أيضا،
لقوله عليه الصلاة والسلام ليس لعرق ظالم حق لان الظلم وضع الشئ في غير محله، وهذا
كذلك الخ ما أطال به. ورأيت في آخر الرسالة بخط بعض العلماء أنه وافقه على ذلك المحقق ابن
أبي شريف الشافعي. قوله: (وأكل ونوم الخ) وإذا أراد ذلك ينبغي أن ينوي الاعتكاف، فيدخل
ويذكر الله تعالى بقدر ما نوى، أو يصلي ثم يفعل ما شاء. فتاوى هندية. قوله: (وأكل نحو ثوم) أي
كبصل ونحوه مما له رائحة كريهة، للحديث الصحيح في النهي عن قربان آكل الثوم والبصل المسجد.
قال الامام العيني في شرحه على صحيح البخاري: قلت: علة النهي أذى الملائكة وأذى المسلمين،
ولا يختص بمسجده عليه الصلاة والسلام، بل الكل سواء لرواية مساجدنا بالجمع، خلافا لمن
شذ ويلحق بما نص عليه في الحديث كل ما له رائحة كريهة مأكولا أو غيره، وإنما خص الثوم هنا
بالذكر، وفي غيره أيضا بالبطل والكراث لكثرة أكلهم لها، وكذلك ألحق بعضهم بذلك من بفيه
بخر أو به جرح له رائحة، وكذلك القصاب، والسماك، والمجذوم والأبرص أولى بالالحاق. وقال
سحنون: لا أرى الجمعة عليهما. واحتج بالحديث، وألحق بالحديث كل من آذى الناس بلسانه،
712

وبه أفتى ابن عمر وهو أصل في نفي كل من يتأذى به. ولا يبعد أن يعذر المعذور، بأكل ما له ريح
كريهة، لما في صحيح ابن حبان عن المغيرة بن شعبة قال: انتهيت إلى رسول الله (ص) فوجد مني
ريح الثوم، فقال: من أكل الثوم؟ فأخذت يده فأدخلتها فوجد صدري معصوبا، فقال: إن لك
عذرا وفي رواية الطبراني في الأوسط اشتكيت صدري فأكلته وفيه فلم يعنفه (ص)
وقوله (ص) وليقعد في بيته صريح في أن أكل هذه الأشياء عذر في التخلف عن الجماعة. وأيضا
هنا علتان: أذى المسلمين وأذى الملائكة، فبالنظر إلى الأولى يعذر في ترك الجماعة وحضور
المسجد، وبالنظر إلى الثانية يعذر في ترك حضور المسجد ولو كان وحده ا ه‍ ملخصا.
أقول: كونه يعذر بذلك ينبغي تقييده بما إذا أكل ذلك بعذر أو أكل ناسيا قرب دخول وقت
الصلاة، لئلا يكون مباشرا لما يقطعه عن الجماعة بصنعه. قوله: (وكل عقد) الظاهر أن المراد به
عقد مبادلة ليخرج نحو الهبة. تأمل. وصرح في الأشباه وغيرها بأنه يستحب عقد النكاح في
المسجد، وسيأتي في النكاح. قوله: (بشرطه) وهو أن لا يكون للتجارة، بل يكون ما يحتاجه لنفسه
أو عياله بدون إحضار السلعة. قوله: (بأن يجلس لأجله) فإنه حينئذ لا يباح بالاتفاق، لان المسجد ما
بني لأمور الدنيا. وفي صلاة الجلابي: الكلام المباح من حديث الدنيا يجوز في المساجد، وإن كان
الأولى أن يشتغل بذكر الله تعالى، كذا في التمرتاشي هندية. وقال البيري ما نصه: وفي المدارك
* (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) * المراد بالحديث: الحديث المنكر لما جاء
الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش انتهى. فقد أفاد أن المنع خاص
بالمنكر من القول، أما المباح فلا. قال في المصفى: الجلوس في المسجد للحديث مأذون شرعا،
لان أهل الصفة كانوا يلازمون المسجد، وكانوا ينامون، ويتحدثون، ولهذا لا يحل لاحد منعه، كذا
في الجامع البرهاني.
أقول: يؤخذ من هذا أن الامر الممنوع منه إذا وجد بعد الدخول بقصد العبادة لا يتناوله ا ه‍.
قوله: (الاطلاق أوجه) بحث مخالف للمنقول مع ما فيه من شدة الحرج ط. قوله: (وتخصيص مكان
لنفسه) لأنه يخل بالخشوع، كذا في القنية: أي لأنه إذا اعتاده ثم صلى في غيره يبقى باله مشغولا
بالأول، بخلاف ما إذا لم يألف مكانا معينا. قوله: (وليس له الخ) قال في القنية: له في المسجد
موضع معين يواظب عليه، وقد شغله غيره. قال الأوزاعي: له أن يزعجه، وليس له ذلك
عندنا ا ه‍ أي لان المسجد ليس ملكا لاحد، بحر عن النهاية.
قلت: وينبغي تقييده بما إذا لم يقم عنه على نية العود بلا مهلة، كما لو قام للوضوء مثلا،
ولا سيما إذا وضع فيه ثوبه لتحقق سبق يده تأمل.
مطلب: فيمن سبقت يده إلى مباح
وفي شرح السير الكبير للسرخسي: وكذا كل ما يكون المسلمون فيه سواء كالنزول في
الرباطات، والجلوس في المساجد للصلاة، والنزول بمنى أو عرفات للحج، حتى لو ضرب
فسطاطه في مكان كان ينزل فيه غيره فهو أحق، وليس للآخر أن يحوله، فإن أخذ موضعا فوق ما
713

يحتاجه فللغير أخذ الزائد منه، فلو طلب ذلك منه رجلان فأراد إعطاء أحدهما دونا لآخر فله ذلك،
ولو نزل فيه أحدهما فأراد الذي أخذه أولا وهو غني عنه أن لا ينزل فيه آخر فلا، لأنه اعترض على
يده يد أخرى محقة لاحتياجها، إلا إذا قال: إنما كنت أخذته لهذا الآخر بأمره لا لنفسي، فإذا حلف
على ذلك له إخراجه، لأنه تبين أن يده فيه كانت يدا آمرة وحاجة الآمر تمنع من إثبات اليد
عليه ا ه‍ ملخصا. قال الخير الرملي: ومثل المسجد مقاعد الأسواق التي يتخذها المحترفون، من
سبق لها فهو الأحق بها، وليس لمتخذها أن يزعجه، إذ لا حق له فيها ما دام فيها، فإذا قام عنها
استوى هو وغيره فيها. ومذهب الشافعية بخلافه كما نصوا عليه في كتبهم ا ه‍. والمراد بها التي لا
تضر العامة، وإلا أزعج القاعد فيها مطلقا. قوله: (وإذا ضاق الخ) أقول: وكذا إذا لم يضق، لكن
في قعوده قطع للصف. قوله: (بل ولأهل المحلة الخ) قال في القنية: وكذا الأهل المحلة أن يمنعوا
من ليس منهم عن الصلاة فيه إذا ضاق بهم المسجد ا ه‍. قوله: (ولهم نصب متول) أي ولولا بلا
نصب قاض كما قدمناه عن العناية. قوله: (لا لدرس أو ذكر) لأنه ما بني لذلك وإن جاز فيه، كذا
في القنية. قوله: (فاستماع العظة أولى) الظاهر أن هذا خاص بمن لا قدر له على فهم الآيات
القرآنية والتدبر في معانيها الشرعية والاتعاظ بمواعظها الحكمية، إذ لا شك أن من له قدرة على
ذلك يكون استماعه أولى، بل أوجب، بخلاف الجاهل، فإنه يفهم من المعلم والواعظ ما لا يفهمه
من القارئ، فكان ذلك أنفع له. قوله: (ولا ينبغي الكتابة على جدرانه) أي خوفا من أن تسقط
وتوطأ. بحر عن النهاية. قوله: (خفاش) كرمان: الوطواط قاموس. قوله: (لتنقيته)، جواب سؤال
حاصله أنه (ص) قال: أقروا الطير على مكانتها فإزالة العش مخالفة للامر، فأجاب بأنه للتنقية، وهي
مطلوبة، فالحديث مخصوص بغير المساجد ط.
714