الكتاب: المبسوط
المؤلف: السرخسي
الجزء: ٢٣
الوفاة: ٤٨٣
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان

(الجزء الثالث والعشرون من)
كتاب
المبسوط لشمس الدين
السرخسي
وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالأصول أيضا سميت
صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني
الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير
ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط
ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي
أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الأمة السرخسي
(تنبيه) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة
جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان
دار المعرفة
بيروت - لبنان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب المزارعة)
(قال الشيخ الامام) الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي
سهل السرخسي رحمه الله لملاء اعلم بان المزارعة مفاعلة من الزراعة والاكتساب
بالزراعة مشروع أول من فعله آدم صلوات الله وسلامه عليه على ما روى أنه لما أهبط إلى
الأرض أتاه جبريل عليه السلام بحنطة وأمره بالزراعة وازدرع رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالجرف وقال عليه الصلاة والسلام الزارع بتاجر ربه عز وجل وقال عليه الصلاة والسلام
أطلبوا الرزق تحت خبايا الأرض يعنى عمل الزراعة والعقد الذي يجرى بين اثنين لهذا
المقصود يسمى مزارعة ويسمى مخابرة أيضا على ما روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة فقيل وما المخابرة قال المزارعة بالثلث والربع وإنما
سميت مخابرة من تسمية العرب الزارع خبيرا وقيل هذا الاشتقاق من معاملة رسول الله
صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر فسميت مخابرة بالإضافة إليهم وبيانه في الحديث الذي
بدئ الكتاب به ورواه عن أبي المطرف عن الزهري قال حدثني من لا أتهمه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود حين عاملهم على خيبر أقركم ما أقركم الله وفيه بيان ان المرسل
حجة فان الزهري رحمه الله أرسل الحديث حين لم يبين اسم الراوي ورواه محمد رحمه الله
مستدلا به على جواز المزارعة والمعاملة فقد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل
خيبر على الشطر وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل الجواز وتأويل ذلك عند أبي حنيفة
رحمه الله من وجهين أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر استرقهم وتملك
أراضيهم ونخيلهم ثم جعلها في أيديهم يعملون فيها للمسلمين بمنزلة العبد في نخيل مواليهم
وكان في ذلك منفعة للمسلمين ليتفرغوا للجهاد بأنفسهم ولأنهم كانوا أبصر بذلك العمل من
2

المسلمين وما جعل لهم من الشرط بطريق النفقة لهم فإنهم مماليك للمسلمين يعملون لهم في
نخيلهم فيستوجبون النفقة عليهم فجعل نفقتهم فيما يحصل بعملهم وجعل عليهم نصف ما يحصل
بعملهم ليكون ذلك ضريبة عليهم بمنزلة المولى يشارط عبده الضريبة إذا كان مكتسبا وقد نقل
بعض هذا عن الحسين بن علي رضي الله عنهما والثاني أنه من عليهم برقابهم وأراضيهم ونخيلهم
وجعل شطر الخارج عليهم بمنزلة خراج المقاسمة وللامام رأي في الأرض الممنون بها على
أهلها أن شاء جعل عليها خراج الوظيفة وان شاء جعل عليها خراج المقاسمة وهذا أصح
التأويلين فإنه لم ينقل عن أحد من الولاة انه تصرف في رقابهم أو رقاب أولادهم كالتصرف
في المماليك وكذلك عمر رضي الله عنه أجلاهم ولو كانوا عبيدا للمسلمين لما أجلاهم فالمسلم
إذا كان له مملوك في أرض العرب يتمكن من إمساكه واستدامة الملك فيه فعرفنا ان الثاني
أصح ثم بين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ما فعله من المن عليهم بنخيلهم وأراضيهم
غير مؤيد بقوله عليه الصلاة والسلام أقركم ما أقركم الله وهذا منه شبه الاستثناء وإشارة إلى
أنه ليس لهم حق المقام في نخيلهم على التأبيد لأنه علم من طريق الوحي انه يؤمر باجلائهم
فتحرز بهذه الكلمة عن نقص العهد لأنه كان أبعد الناس عن نقض العهد والغدر وفيه دليل
ان المن المؤقت صحيح سواء كان لمدة معلومة أو مجهولة وان الغدر ينتفى بمثل هذا الكلام وإن لم
يفهم الخصم فإنهم لم يفهموا مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صح منه التحرز عن
الغدر بهذا اللفظ قال وان بنى عذرة جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح
خيبر وجاءته يهود وادى القرى شركاء بين عذرة بالوادي فأعطوا بأيديهم وخشوا أن يغزوهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء كانوا بالقرب من أهل خيبر وان اليهود بالحجاز
كانوا ينتظرون ما يؤل إليه حال النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر فقد كانوا أعز اليهود
بالحجاز كما روى أنه كان بخيبر عشرة آلاف مقاتل فلما صاروا مقهورين ذلت سائر اليهود
وانقادوا لطلب الصلح فمنهم يهود وادى القرى جاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطوا
بأيديهم أي انقادوا له وطلبوا الأمان وخشوا أن يغزوهم فكان هذا من النصرة بالرعب
كما قال عليه الصلاة والسلام نصرت بالرعب مسيرة شهر فلما أعطوا بأيديهم والوادي حين
فعلوا ذلك نصفان نصف لبنى عذرة ونصف لليهود فجعل رسول الله الوادي أثلاثا ثلثا له وللمسلمين
وثلثا خاصة لبنى عذرة وثلثا لليهود فكان هذا بطريق الصلح من رسول الله صلى الله عليه
3

وسلم فدل أن للامام أن يصالح أهل بلده على بعض الأموال والأراضي إذا رضوا بذلك ثم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هم باجلاء اليهود إلى الشام على ما روى عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمع في جزيرة العرب دينان وقال عليه الصلاة والسلام ان عشت
إلى قابل لأخرجن نجران من جزيرة العرب وكان في ذلك إظهار فضيلة رسول الله صلى الله
عليه وسلم وفضيلة أمته حيث إن جزيرة العرب مولده ومنشأه طهر الله تلك البقعة عن سكني
غير المؤمن فيها وهي أفضل البقاع لان فيها الحرم وبيت الله تعالى حرم الله تعالى نعم مشاركة
غير المؤمن مع المؤمن في السكنى فيها إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن
يتمم ذلك ولم يتفرغ أبو بكر الصديق رضي الله عنه لذلك لأنه لم تطل مدة خلافته وقد كان
مشغولا بقتال أهل الردة حتى إذا كان في زمن عمر رضي الله عنه وكان قد سمع ذلك من
رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى اليهود من خيبر وأمر يهود الوادي أن يتجهزوا بالجلاء
إلى الشام وكان المعنى في ذلك أن اليهود إنما جاؤوا من الشام إلى أرض الحجاز وكان مقصود
رؤسائهم من ذلك طلب الحنيفية لما وجدوا في كتبهم من بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونعت أمته وبذلك كان يوصي بعضهم بعضا فلما بعث الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم
امتنعوا من متابعته والانقياد للحق الذي دعا إليه حسدا وكفرا قال الله تعالى وكانوا من قبل
يستفتحون على الذين كفروا الآية فجوزوا على سوء صنيعهم بان لا يمكنوا من المقام في أرض
العرب وأن يعودوا إلى الموضع الذي جاء من ذلك الموضع آباؤهم فلهذا أجلاهم عمر رضي الله عنهم
ثم احتج عليه يهود الوادي بقولهم إنما نحن في أموالنا قد أقرنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقاسمنا ومعنى هذا الكلام الإشارة منهم إلى الفرق بينهم وبين أهل خيبر فان
خيبر قد افتتحها المسلمون فصارت مملوكة لهم فاما نحن فصالحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
على بعض الأراضي فأقرنا في أموالنا على ما كنا عليه في الأصل ولم يظهر منا خيانة فليس لك
أن تجلينا من أرضنا فقال لهم عمر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكم
أقركم ما أقركم الله يعنى أن هذا اللفظ كان استثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الصلح الذي جرى بينه وبينكم فلا يمنعني ذلك من اجلائكم وان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد عد أن لا يجتمع في أرض العرب دينان وانى مجل من لم يكن له عهد من رسول الله صلى
الله عليه وسلم يعني عهدا خاصا سوى ذلك الصلح العام فقد كان ذلك مقيدا بالاستثناء وأنا
4

مقوم أموالكم هذه فمعطيكم أثمانها يعنى بهذا الاجلاء لا أبطل حقهم عن أموالكم ولا أتملكها
عليكم مجانا ولكني أعطيكم قيمتها وفيه دليل ان الملك الذمي من الحرمة ما لملك المسلم وانه متى
تعذر ايفاء العين في ملكه يجب ازالته بالقيمة ولهذا قلنا في الكافر إذا أسلم عبده يجبر على
بيعه وإذا أسلمت أم ولده تخرج إلى الحرية بالسعاية في القيمة وفيه دليل ان الامام إذا أحس
بالغدر من أهل بلدة من بلاد أهل الذمة وانهم يخبرون المشركين بعورات المسلمين يكون
له أن يجليهم من تلك الأرض إلى أرض أخرى وانه يقوم من أملاكهم ما يتعذر نقله فيعطيهم
عوض ذلك من بيت المال أو من أرض أخرى ان كانت لعامة المسلمين كما فعله عمر رضي الله عنه
فإنه أمر بأموالهم فقومت بتسعين ألف دينار فدفعها إليهم وأجلاهم وقبض أموالهم ثم قال
لبنى عذرة انا لن نظلمكم ولن نستأثر عليكم أنتم شفعاؤنا في أموال اليهود فإن شئتم أعطيتم
نصف ما أعطيناهم وأعطيتكم نصف أموالهم وإن شئتم سلمتم لنا البيع فتولينا الذي لهم وفيه
دليل أن الشفعة تستحق بالشركة في العقار فقد كانت بنو عذرة في الوادي شركاء وان أحد
الشركاء إذا اشترى فله الشفعة فيما اشترى كما للشريك الآخر وإنما يشتريه الامام للمسلمين
بمال بيت المسلمين ليستحق بالشفعة ولكن الاشكال في أنهم لم يطلبوا الشفعة حتى قال لهم عمر
رضي الله عنه ما قال والشفعة تبطل بترك الطلب بعد العلم بالبيع فقيل هم قد طلبوا الشفعة
وأظهروا ذلك بينهم ولكنهم احتشموا عمر رضي الله عنه فلم يجاهروه بذلك فلما بلغه طلبهم
قال ما قال وقيل هم عمر رضي الله عنه أن ذلك بيع شرعي وأن لهم الشفعة بذلك فعند ذلك
طلبوا الشفعة وقالوا بل نعطيكم نصف الذي أعطيتم من المال وتقاسمونا أموالهم فباعت بنو
عذرة في ذلك الرقيق والإبل والغنم حتى دفعوا إلى عمر رضي الله عنه خمسة وأربعين ألف
دينار فقسم عمر الوادي نصفين بين الامارة وبين بني عذرة وذلك زمان التحظير حين حظر
عمر رضي الله عنه الوادي نصفين يعنى جمع أنصباء المسلمين في جانب وانصباء بن عذرة في
جانب وكان ذلك أمرا عظيما قد اشتهر في العرب حتى جعلوه تاريخا وكانوا يسمون ذلك
زمان التحظير فيقول بعضهم لبعضهم كنت زمان التحظير ابن كذا سنة كما يكون مثله في
زماننا إذا حدث أمر عظيم في الناس يجعل التاريخ منه بمنزلة وقت الوباء وغيره وقال الزهري
رحمه الله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صالح أهل خيبر أعطاهم النخل على أن يعملوا
ويقاسمهم نصف الثمار وكان يبعث لقسمة ذلك عبد الله بن رواحة فيخرص عليهم فيقول إن شئتم
5

فلكم وإن شئتم فلنا وفى هذا الحديث بيان حكمين حكم المعاملة وقد بيناه وحكم الخرص فهو
دليل على أن للامام في الأراضي التي يكون للامام خراجها خراج المقاسمة وفى الأرض
العشرية أن يبعث من يخرص الثمار والزروع على أربابها إلا أن عند الشافعي هذا الخرص بمنزلة
الكيل حتى إذا ادعوا النقصان بعد ذلك لا يقبل قولهم الا بحجة وعندنا هذا الخرص لا يكون
ملزما إياهم شيئا لان الذي يخرص إنما يقول شيئا بظن والظن لا يغنى من الحق شيئا فالقول
قولهم في دعوى النقصان وعلى من يدعى عليهم الخيانة والسرقة اثبات ذلك بالبينة وعلى هذا
الأصل جوز الشافعي رحمه الله بيع العرايا وهو بيع الثمر على رؤس النخل بتمر مجدود على
الأرض خرصا فيما دون خمسة أوسق وقال الخرص بمنزلة الكيل ولم يجوز ذلك علماؤنا رحمهم
الله وقالوا الخرص ليس بمعيار شرعي تظهر به المماثلة فيكون هذا بيع الثمر بالثمر مجازفة وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر مثلا بمثل وتأويل ما فعله عبد الله بن رواحة رضي الله عنه
بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهين أحدهما أن ذلك كان على سبيل النظر
للمسلمين منه حتى يتحرز اليهود من كتمان شئ فقد كانوا في عداوة المسلمين بحيث لا يمتنعون
مما يقدروا عليه من الاضرار بالمسلمين وقيل كان ابن رواحة مخصوصا بذلك حتى كان خرصه
بمنزلة كيل غيره لا يتفاوت قد علم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق الوحي أو كان
له ذلك بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكونه مبعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم
وذلك بين فيما رواه بعد هذا ولا يوجد مثل ذلك في حق غيره ومعنى قوله إن شئتم فلكم وإن شئت
م فلنا أي أن شئتم أخذتم على ما خرصت وأعطيتمونا نصف ذلك بعد الادراك وإن شئتم
أخذنا ذلك وأعطيناكم نصف ذلك بعد الادراك فهذا منه بيان أنه عدل في الخرص ولم يمل إلى
المسلمين ولا قصد الحيف على اليهود وعن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع
خيبر إلى أهلها الذين كانت لهم على أن يعملوها فإذا بلغت الثمار كان لهم النصف وللمسلمين
النصف فبعث ابن رواحة رضي الله عنه فخرصها عليهم وقد بينا فائدة الحديث وفى اللفظ
المذكور في هذا الحديث دليل على ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله انه من عليهم بأراضيهم
وجعل عليهم نصف الخارج بطريق خراج المقاسمة وعن حجاج بن أرطأة قال سألت محمد بن علي
رضي الله عنه عن المزارعة بالثلث فالنصف فقال أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر
بالشطر وأبو بكر وعثمان وعلي رضى لله عنهم وأهلوهم إلى يومهم هذا يفعلونه وفيه دليل جواز
6

استعمال القياس فقد سئل عن المزارعة وجوازها استدلالا بالمعاملة التي كانت بين رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأهل خيبر في النخيل وقيل بل كانت بخيبر نخيل ومزارع فقد كان عقد
رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في المزارعة عقد مزارعة وفى هذا الحديث دليل لهما على أبي
حنيفة رحمه الله في جواز المزارعة والمعاملة وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر قال لليهود أقركم ما أقركم الله علي أن التمر بيننا وبينكم فكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ابن رواحة فخرص عليهم ثم يقول إن شئتم فلكم وإن شئت
م فلنا فكانوا يأخذونه وفى هذا الحديث بيان أن ما جرى بين رسول الله صلى الله عليه
وسلم وبينهم كان على طريقة الصلح وقد يجوز من الامام المعاملة بين بيت المال وبين الكفار
على طريق الصلح ما لا يجوز مثله فيما بين المسلمين فيضعف من هذه الوجه استدلالهم بمعاملة
رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم وفيه دليل هداية ابن رواحة رضي الله عنه في باب
الخرص فإنهم كانوا أهل نخل وقد علموا أنه أصاب في الخرص حين رغبوا في أخذ ذلك
وعن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه سلم كان يبعث ابن رواحة فيخرص بينه
وبين اليهود فجمعوا له حليا من حلى نسائهم فقالوا هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم
فقال يا معشر اليهود انكم أبغض خلق الله تعالى إلى وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم أما
الذي عرضتم من الرشوة فهو سحت وانا لا نأكلها فقالوا بهذا قامت السماوات والأرض وإنما
طلبوا من ابن رواحة رضي الله عنه ما ظهر منهم من الميل إلى أخذ الرشوة وترك بيان الحق
لأجله فإنهم كتموا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث أمته من كتابهم وحرفوا
الكلم عن مواضعه بهذا الطريق كما قال الله تعالى ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت
أيديهم وويل لهم مما يكسبون وما طلبوا منه التخفيف من غير ميل وخيانة فقد كان ابن
رواحة رضي الله عنه يفعل ذلك من غير طلبهم وبه كان أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على
ما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال للخراصين خففوا في الخرص فان في المال العرية والوصية
ثم إنه قطع طمعهم بما قال إنكم من أبغض خلق الله تعالى إلى وهكذا ينبغي لكل مسلم أن
يكون في بغض اليهود بهذه الصفة فإنهم في عداوة المسلمين بهذه الصفة كما قال الله تعالى
لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود وقال عليه الصلاة والسلام ما خلا يهودي
بمسلم الا حدثته نفسه بقتله وكان شكواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل وقت حتى قال
7

لو آمن بي اثنا عشر منهم آمن بي كل يهودي على وجه الأرض يعنى رؤساءهم ثم بين أن
هذا البغض لا يحمله على الحيف والظلم عليهم فالحيف هو الظلم قال الله تعالى أم يخافون أن
يحيف الله عليهم ورسوله فكيف يحمله ما عرضوا من الرشوة على الميل إليهم وقال أما الذي
عرضتم من الرشوة فإنها سحت يعني تناول السحت من معامليكم دون المسلمين وقد وصفهم
الله بذلك بقوله سماعون للكذب أكالون للسحت والسحت هو الحرام الذي يكون سببا
للاستئصال مأخوذ من السحت قال الله تعالى فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى أي
يستأصلكم فقالوا بهذا قامت السماوات والأرض يعنى ما يقوله حق وعدل وبالعدل قامت
السماوات والأرض وكان شيخنا الامام رحمه الله يقول في هذا لحديث إشارة إلى أن أمتعة
النساء وحليهن لم تزل عرضة لحوائج الرجال فان اليهود لحاجتهم إلى ذلك تحكموا على نسائهم
فجمعوا من حلي نسائهم حكى وأن رجلا من أهل العلم كانت له امرأة ذات يسار فسألها شيئا
من مالها لحاجته إلى ذلك فأبت فقال لا تكوني أكفر من نساء خيبر كن يواسين أزواجهن
بحليهن وأنت تأبى ذلك وعن ابن سيرين رحمه الله قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
ابن رواحة رضي الله عنه إلى خيبر فقال بعثني إليكم من هو أحب إلى من نفسي ولأنتم على
أهون من الخنازير ولا يمنعني ذلك من أن أقول الحق هكذا ينبغي لكل مسلم أن يكون في
محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة فيكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب
إليه من نفسه وأهله وولده وماله لأنه به نال العز في الدنيا والنجاة في الآخرة قال الله تعالى
وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها يعني بمتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصديقه
وينبغي أن يكون اليهود عند كل مسلم بهذه الصفة والمنزلة أيضا فهم شر من الخنازير فيما أظهروا
من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم حسدا وتعنتا فكأنه قال ذلك لأنه قد مسخ منهم
قردة وخنازير كما قال الله تعالى وجعل منهم القردة والخنازير واليه أشار رسول الله صلى الله
عليه وسلم حين حاصر بني قريظة فسمع من بعض سفائهم شتيمة فقال عليه الصلاة والسلام
أتشتموني يا أخوة القردة والخنازير فقال ما كنت فحاشا يا أبا القاسم قال وذلك لا يمنعني من أن
أقول الحق فقالوا بهذا قامت السماوات والأرض أي بالحق ومخالفة الهوى والميل بها ثم قال
قد خرصت عليكم نخيلكم ففيه دليل أن النخيل كانت مملوكة لهم وان ما كان يؤخذ منهم
بطرق خراج المقاسمة فإن شئتم فخذوه ولى عندكم الشطر وإن شئتم أخذته ولكم عند الشطر
8

فخذوه فان لكم فيه منافع فأخذوه فوجود فيه فضلا قليلا وهذا دليل على حذاقته في باب
الخرص وان خرصه بمنزلة كيل غيره حين لم يخف عليه الفضل اليسير وإنما تجوز بذلك لان
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمره بالتخفيف في الخرص ولم يترك النصيحة لهم في الاخذ
مع شدة بغضه إياهم فدل أنه لا ينبغي للمسلم أن يترك النصيحة لاحد من ولى أو عدو إذا كان
لا يخاف على نفسه لان نصيحته بحق الدين وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر بالشطر وقال لكم السواقط قيل المراد من السواقط ما يكسر
من الأغصان من النخيل مما يستعمل استعمال الحطب والأصح أن المراد ما سقط من الثمار
قبل الادراك فان ذلك مما لم يمكن ادخاره إلى وقت القسمة لأنه يفسد فشرط ذلك لهم دفعا
للحرج عنهم وفيه دليل على أن مثل هذا يجعل عفوا في حق المزاع والمعامل لأنه لا يتأنى
التحرز عنه الا بحرج والحرج مدفوع وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه
وسلم بعث ابن رواحة رضي الله عنه فحرث عليهم مائة وسق فقالت اليهود أشططم علينا فقال
عبد الله رضي الله عنه نحن نأخذه ونعطيكم خمسين وسقا فقالت بهذا تنصرون وقوله اشططم
علينا أي ظلمتمونا وزدتم في الخرص والشطط عبارة عن الزيادة قال عليه السلام لا وكس ولا
شطط وكان ذلك منهم كذبا وكانوا يعملون ذلك ولكن كان من عادتهم الكذب وقول الزور
مع علمهم بذلك كما وصفهم الله تعالى بقوله وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فرد
عليهم تعنتهم بما قال أنا نأخذه ونعطيكم خمسين وسقا فقالوا بهذا تنصرون أي بالعدل والتحرز
عن الظلم فالنصر موعود من الله تعالى للعادلين المتمسكين بالعدل والحق في الدنيا والآخرة
قال الله تعالى ان تنصروا الله ينصركم يعنى أن تنصروا الله تعالى بالانقياد للحق والدعاء إليه
واظهار العدل ينصركم ويثبت أقدامكم وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لا بأس
بالمزارعة بالثلث والربع واعلم بان المزارعة في جوازها اختلاف بين العلماء رحمهم الله وكان
الخلاف في الصدر الأول والتابعين رحمهم الله تعالى بعدهم واشتبهت فيها الآثار عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فجمع محمد رحمه الله ما نقل من الآثار في ذلك ثم بنى عليه بيان المسألة من
طريق المعنى فممن قال بجوازها من الصحابة رضي الله عنهم علي رضي الله عنه ومعاذ رضي الله عنه
على ما روى عن طاوس رحمه الله قال قدم علينا معاذ رضي الله عنه اليمن ونحن نعطى
أراضينا بالثلث والربع فلم يعب ذلك علينا وفيه بيان ان ترك التكثر ممن تعين عليه البيان
9

دليل التقرير فقد كان معاذ رضي الله عنه متعينا للبيان لأهل اليمن لان رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعثه إليهم ليبين لهم الاحكام واستدل بترك التكثير عليهم بعد ما اشتهر هذا العقد
بينهم على جوازه ثم روى عنه انه أمضى ذلك وفى هذا تنصيص على الفتوى بالجواز وعن طاوس
رحمه الله أنه سئل عن المخابرة في الأرض فقال خابروا على الشطر والثلث والربع ولا تخابروا
على كيل معلوم فكان طاوسا تعلم من معاذ رضي الله عنه وفيه دليل أن المزارعة على كيل
معلوم يشترطه أحدهما لا تجوز وبه يأخذ من يجوز المزارعة لان هذا الشرط يؤدى إلى قطع
الشركة في الخارج بعد حصوله وعن موسى بن طلحة قال اقطع عمر رضي الله عنه خمسة من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سعد بن مالك والزبير وخبابا ورأيت هذين
يعطيان أرضهما بالثلث والربع وعبد الله وسعدا رضي الله عنهم والمراد عبد الله بن مسعود
وقد ذكره مفسرا بعد هذا وهو من كبار فقهاء الصحابة وسعد بن مالك من العشرة وكانا
يباشران المزارعة بالثلث والربع وفي الحديث دليل ان للامام ولاية الاقطاع فيما ليس بملك
لإنسان بعينه لان ما كان الحق فيه لعامة المسلمين فالتدبير فيه إلى الامام وله أن يخص بعضهم
بشئ من ذلك على حسب ما يرى كما يفعله في بيت المال وعن أبي الأسود قال إنا كنا لنزارع
على عهد علقمة والأسود رحمهما الله بالثلث والربع فيما يعيبان ذلك علينا وهما من كبار أصحاب
على و عبد الله رضي الله عنهما وفتواهما في ذلك على موافقة فتوى على وعبد الله رضي الله عنه
ما حجة أيضا وعن محمد بن رافع بن خديج قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا
إلى قوم يطمس عليهم نخلا فجاء أرباب النخيل فقال يا رسول الله ان فلانا قد طمس علينا نخلنا
فقال عليه الصلاة والسلام قد بعثت رجلا في نفسي أمينا فان أحببتم أن تتخذوا نصيبكم بما طمس
والا أخذنا وأعطيناكم نصيبكم فقالوا هذا الحق وبالحق قامت السماوات والأرض والمراد
بالطمس المذكور في أول الحديث الحزر والمذكور ثانيا الظلم فالطمس هو الاستئصال ومنه
يقال عين مطموسة قال الله تعالى فطمسنا أعينهم وكان الحديث في ابن رواحة رضي الله عنه في
أهل خيبر وإن لم يفسره في هذه الرواية وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت رجلا
في نفسي أمينا في معنى الرد لتعنتهم عليه وهكذا ينبغي للامام أن يختار لعمله من هو أمين عنده
ثم يقبل قوله فيما يخبر به ولا يرده لطعن الطاعنين فالقائل بحق لا بد أن يطعن فيه بعض الناس
فالناس أطوار وقليل منهم الشكور وقد تحقق تعنتهم لما خيرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
10

فقالوا هذا الحق وبالحق قامت السماوات الأرض وبيانه في قوله تعالى ولو اتبع الحق أهواءهم
لفسدت السماوات والأرض وعن الضحاك رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه كان يكرى
الأرض الجرز بالثلث والربع وكان لا يرى بذلك بأسا والمراد به الأرض البيضاء التي تصلح
للزراعة قال الله تعالى أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز وعمر رضي الله عنه كان ممن
يرى جواز المزارعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أينما دار عمر فالحق معه رضي الله عنه
فهو حجة لمن يجوزها وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لرافع بن خديج ما حديث
بلغني عن عمومتك في كراء المزارع فقال دخل عمومتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم خرجوا الينا فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع فقال ابن
عمر رضي الله عنه قد كنت أعلم أنا كنا نكري الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم على أن لرب الأرض ماء في الربيع الساقي الذي يتفجر منه الماء وطائفة من الدين قال
لا أدرى كم هو قال محمد رحمه الله وهذا عندنا هو الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه
وسلم من كراء المزارع انهم كانوا يكرونها بشئ لا يدرون كم هو ولا ما يخرج وفيه دليل
أن النهى العام يجوز أن يقيد بالسبب الخاص إذا علم ذلك فقد قيد ابن عمر رضي الله عنه النهى
المطلق بما عرف من السبب والخصوصية وهو تأويل النهى عند من أجاز المزارعة قال المزارعة
بهذه الصفة لا تجوز لأنها تؤدي إلى قطع الشركة في الخارج مع حصولها فمن الجائز أن يحصل
الخارج في الجانب الذي شرط لأحدهما دون الجانب الآخر والربيع الساقي الماء وهو ماء
السيل ينحدر من الموضع المرتفع فيجتمع في موضع ثم يسقى من الأرض ولكن أبو حنيفة رحمه
الله أخذ بعموم النهى بحديثين رويا في الباب عن رافع بن خديج رضي الله عنه أحدهما أن
النبي صلى الله عليه وسلم مر بحائط فأعجبه فقال لمن هذا فقال رافع رضي الله عنه لي استأجرته فقال
عليه الصلاة والسلام لا تستأجره بشئ منه وهذا الحديث يمنع حمله على هذا التأويل والثاني
ما روى عن رافع ان خديج رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع
فقلت انا نكريها بما على الربيع الساقي فقال لا فقلت انا نكريها بالتبن فقال لا فقلت انا نكريها
بالثلث والربع فقال عليه السلام لا أزرعها أو أمنحها أخاك وهذا ان ثبت فهو نص وكان هذه
الزيادة لم تثبت عند من يرى جوازها وإنما الثابت القدر الذي رواه محمد رحمه الله عن رافع بن
خديج رضي الله عنه أن أسد بن ظهير جاء ذات يوم إلى قومه فقال يا بنى خارجة قد دخلت
11

عليكم اليوم مصيبة قالوا ما هي قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض
قلنا يا رسول الله انا نكريها بما يكون على الربيع الساقي من الأرض فقال عليه السلام لا ازرعها
أو امنحها أخاك وإنما سمى ذلك مصيبة لهم لان اكتسابهم كان بطريق المزارعة وكانوا قد
تعارفوا ذلك وكان يشق عليهم تركها فلو كان المراد التأويل الذي أشار إليه في الحديث الأول
لم يكن في ذلك كبير مصيبة لتمكنهم من تحصيل المقصود بدفع الأرض مزارعة بجزء شائع من
الخارج فهو دليل لأبي حنيفة رحمه الله وظاهر قوله عليه الصلاة والسلام ازرعها أو امنحها
أخاك يدل على سد باب المزارعة عليهم بالنهي مطلقا وبه يستدل من يقول من المتعسفة أنه لا يجوز
استئجار الأرض بالذهب والفضة لمقصود الزارعة ولكن ما روينا من حديث رافع بن خديج
رضي الله عنه وهو قوله لي استأجرته دليل على جواز ذلك وقد ذكر بعد هذا آثارا تدل على
جوازه والمراد ههنا الانتداب إلى ما هو من مكارم الأخلاق بأن يمنح الأرض غيره إذا استغنى
عن زراعتها بنفسه ولا يأخذ منه أجرا على ذلك وعن يعلى بن أمية وكان عاملا لعمر رضي الله عنه
على نجران فكتب إليه يذكر له أرض نجران فكتب إليه عمر رضي الله عنه ما كان من
أرض بيضاء يسقيها السماء أو تسقي سحا فادفعها إليهم لهم الثلث ولنا الثلثان وما كان من أرض
تسقى بالغروب فادفعها إليهم لهم الثلثان ولنا الثلث وما كان من كرم يسقيه السماء أو يسقي سحا فادفعه
إليهم لهم الثلث ولنا الثلثان وما كان يسقي بالغروب فادفعه إليهم لهم الثلثان ولنا الثلث والمراد
بالأراضي التي هي لبيت المال حق عامة المسلمين أنه يدفعها إليهم مزارعة (ألا ترى) أنه فاوت
في نصيبهم بحسب تفاوت عملهم بين ما تسقيها السماء أو تسقي بالغروب وهي الدوالي فهو
دليل لمن يجوز المزارعة وعن عمرو بن دينار قال قلت لطاوس يا أبا عبد الرحمن لو تركت
المخابرة فإنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها فقال أخبرني أعلمهم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها ولكنه قال يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ
منه خرجا معلوما أو قال خراجا معلوما وكل واحد من اللفظين لغة صحيحة والمراد بقوله
أعلمهم معاذ رضي الله عنه فكأنه أشار به إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمكم بالحلال
والحرام معاذ بن جبل أو قال ذلك لأنه أخذ العلم منه وهكذا ينبغي لكل متعلم أن يعتقد
في معلمه أنه أعلم أقر انه ليبارك له فيما أخذ منه ثم قد دعاه عمرو بن دينار إلى الاخذ بالاحتياط
والتحرز عن موضع الشبهة والاختلاف فأبى ذلك لأنه كان يعتقد فيه الجواز كما تعلمه من
12

أستاذه وفيه دليل انه لا بأس للانسان من مباشرة ما يعتقد جوازه وإن كان فيه اختلاف العلماء
رحمهم الله ولا يكون ذلك منه تركا للاحتياط في الدين وقوله يمنح أحدكم أخاه إشارة إلى
الانتداب الذي بيناه في الحديث الأول وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال لم ينه رسول الله
صلى الله عليه وسلم عنها حتى تظالموا كان الرجل يكرى أرضه ويشترط ما يسقيه الربيع
والنطف فلما تظالموا نهى عنها والنطف جوانب الأرض فهذا إشارة إلى التأويل الذي ذكره
محمد رحمه الله وأن النهى كان بناء على تلك الخصومة فكان تقييدا بها وعن أبن عمر رضي الله عنه
قال كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى زعم رافع بن خديج أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم نهى عنها فتركنا من أجل قوله يعنى من أجل رمايته وابن عمر كان معروفا
بالزهد والفقه بين الصحابة رضي الله عنهم وأشار بهذا إلى أنه يعتقد في المزارعة الجواز ولكنه
تركها لحيثية مطلق النهى المروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكم من حلال يتركه
المرء على طريق الزهد وإن كان يعتقد الجواز على ما جاء في الحديث لا يبلغ العبد محض الايمان
حتى يدع تسعة عشار الحلال مخافة الحرام وعن ابن عمر قال أكثر رافع رضي الله عنه على
نفسه ليكريها كراء الإبل معناه شدد الامر على نفسه بروايته النهى مطلقا من غير رجوعه
إلى سبب النهى ولأجل روايته يترك المزارعة ويكرى الأرض بالذهب والفضة كراء الإبل
فهو دليلنا على جواز الإجارة في الأراضي لمقصود الزراعة وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه
كان إذا أكرى الأرض اشترط على صاحبها أن لا يدخلها كلبا ولا يعذرها وهذا من المتقرر
الذي اختاره عمر رضي الله عنه ولسنا نأخذ به فلا بأس بادخال الكلب الأرض لحفظ الزرع
(ألا ترى) أن الحديث جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في ثمن الكلب للصيد
والحرث والماشية وقوله لا يعذرها أي لا يلقى فيها العذرة وهو ما ينفصل من بني آدم وقد
كان بين الصحابة خلاف في جواز استعمال ذلك في الأرض فابن عمر رضي الله عنه كان لا يجوز
ذلك وكذلك ابن عباس رضي الله عنهما كان ينهى عن القاء العذرة في الأرض وعن سعد رضي الله عنه
أنه كان يجوز ذلك وهكذا روى عن أبي هريرة رضي الله عنه حتى كان يباشر ذلك
بنفسه فعاتبه انسان على ذلك فجعل يقول مكيل بر بمكيل بر وعن أبي حنيفة فيه روايتان
في احدى الروايتين يجوز القاؤها في الأرض إذا كان غير مخلوط بالتراب وفى الرواية
الأخرى لا يجوز ذلك الا مخلوطا وهو الظاهر من المذهب إذا صار مغلوبا بالتراب فحينئذ
13

يجوز القاؤها في الأرض ويجوز بيعها لان المغلوب في حكم المستهلك فاما إذا كانت غير مخلوطة
بالتراب فلا يجوز بيعها ولا استعمالها في الأرض لنجاسة عينها بمنزلة الخمر وكانت هذه الحرمة
لاحترام بني آدم فبيع السرقين والقاؤه في الأرض جائز ولكن لاحترام بني آدم لا يجوز
ذلك في الرجيع وهو كالشعر فان شعر الآدمي لا ينتفع به بعد ما بان عنه بخلاف شعر سائر
الحيوانات وصوفها وعلى الرواية الأخرى عن أبي حنيفة إذا ألقاها في الأرض وخلطها
بالأرض وصارت مستهلكة فيها يجوز استعمالها كذلك ولكن لا يجوز بيعها غير مخلوطة بالتراب
وعن خالد الحذاء قال كنت عند مجاهد فذكر حديث رافع بن خديج رضي الله عنه في
كراء الأرض فرفع طاوس يده فضرب صدره ثم قال قدم علينا معاذ رضي الله عنه اليمن وكان
يعطى الأرض على الثلث والربع فنحن نعمل به إلى اليوم ومعنى ما قاله طاوس أن معاذا
رضي الله عنه كان أعلمهم بالحلال والحرام ومان يخفى عليه النهى الذي رواه رافع بن
خديج وقد كان يباشر المزارعة بالثلث والربع فنحن نتبرم في ذلك ونحمل النهى على ما حمله
معاذ رضي الله عنه فقد كان دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمد الله تعالى لما وفقه لما يرضى
به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن كليب بن وائل قال قلت لابن عمر رضي الله عنهما رجل
له أرض وماء وليس له بذر ولا بقر أعطاني أرضه بالنصف فزرعتها ببذري وبقري ثم قاسمته
فقال حسن وفيه منه دليل على أن العالم يفتى بما يعتقد فيه الجواز وإن كان لا يباشره فقد
روينا أن ابن عمر رضي الله عنهما ترك المزارعة لأجل النهى ثم أفتى بحسنها وجوازها للسائل
وعن جابر رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم مبشر فقال يا أم مبشر
من غرس هذا النخل مسلم أو كافر قالت بل مسلم قال عليه الصلاة والسلام لا يغرس المسلم
غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه انسان ولا دابة ولا سبع ولا طير الا كانت له صدقة يوم
القيامة وفى رواية وما أكلت العافية منها فهي له صدقة يعني الطيور الخارجة عن أوكارها
الطالبة لأرزاقها وفيه دليل أن المسلم مندوب إلى الاكتساب بطريق الزراعة والغراسة ولهذا
قدم بعض مشايخنا رحمهم الله الزراعة على التجارة لأنها أعم نفعا وأكثر صدقة وقد باشرها
رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما روينا أنه ازدرع بالجرف وفى الحديث رد على من يكره
من المتعسفة الغرس والبناء وقالوا انه يركن به إلى الدنيا وينتقص بقدره من رغبته في الآخرة
والآخرة خير لمن اتقى وهذا غلط ظنوه فإنه يتوصل بهذا الاكتساب إلى الثواب في الآخرة
14

وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام نعم مطية المؤمن الدنيا إلى الآخرة الغرس والبناء وإن كان
حسنا من كل واحد ولكن معنى القربة فيه إذا باشره المسلم دون الكافر فان الكافر ليس
من أهل القربة وهو مأمور بتقديم الاسلام على الاشتغال الغرس ولكن قد ورد أثر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يأثر عن ربه عز وجل حيث قال عمروا بلادي فعاش
فيها عبادي فلهذا قلنا هذا الفعل حسن من كل أحد وعن ابن المسيب رضي الله عنه انه كان
لا يرى بأسا بكراء الأرض البيضاء بذهب وفضة وعن جبير أنه كان لا يرى بأسا بإجارة
الأرض بدراهم أو بطعام مسمى وقال هل ذلك الا مثل دار أو بيت وهو حجة على مالك
رحمه الله فإنه لا يجوز إجارة الأرض بالطعام لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام لا يستأجر بشئ
منه ولكنا نقول الأرض غير منتفع بها كالدار والبيت وكل ما يصلح ثمنا في البيع يصلح أجرة
في الإجارة وتأويل النهى الاستئجار بأجرة مجهولة معدومة هي على خطر الوجود كما يكون
في المزارعة وهذا ينعدم في الاستئجار بطعام مسمى وربما يكون في هذا نوع رفق لان
من يستأجر الأرض للزراعة فأداء الطعام أجرة أيسر عليه من أداء الدراهم لقلة النقود في
أيدي الدهاقين وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن المحاقلة والمزابنة وقال إنما يزرع ثلاثة رجل له أرض فهو يزرعها أو رجل منح أرضا فهو
يزرع ما منح أو رجل استكرى أرضا بذهب أو فضة * والمزابنة بيع التمر على رؤس النخل بتمر
مجدود على الأرض خرصا فالنهي عنها حجه لنا في افساد ذلك العقد * والمحاقلة قيل بيع الحنطة
في سنبلها بحنطة والعرب تقول الحقلة تنبت الحقلة أي الحنطة تنبت السنبلة وقيل المحاقلة
المزارعة وهذا أظهر فقد فسره عليه الصلاة والسلام بقوله إنما يزرع ثلاثة فهو دليل لأبي حنيفة
على أن الانتفاع بالأرض للزراعة مقصور على هذه الطرق الثلاثة وان المزارعة بالربع والثلث
لا تكون صحيحة لان كلمة إنما لتقرير الحكم في المذكور ونفيه عما عداه وعن ابن عباس
رضي الله عنهما قال إن أمثل ما أنتم صانعون أن يستكرى أحدكم الأرض البيضاء بذهب أو
فضة عاما بعام يعنى أبعدها عن المنازعة والجهالة واختلاف العلماء رحمهم الله فان الأمثل
ما يكون أقرب إلى الصواب والصحة وذلك فيما يكون أبعد عن شبهة الاختلاف وعن مجاهد
قال اشترك أربعة نفر على عهد رسول الله صلى عليه وسلم فقال أحدهم من عندي البذر وقال
الآخر من عندي العمل وقال الآخر من عندي الفدان وقال الآخر من عندي الأرض
15

فقضى في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لصاحب الفدان أجرا مسمى وجعل لصاحب
العمل درهما كل يوم والحق الزرع كله لصاحب البذر وألغى الأرض وبهذا يأخذ من يجوز
المزارعة فيقول المزارعة بهذه الصفة فاسدة لما فيها من اشتراط الفدان وهي البقر وآلات
الزراعة على أحدهم مقصودا به وبما فيها من دفع البذر مزارعة على الانفراد وكل واحد من
هذين مفسد للعقد ثم في المزارعة الفاسدة الخارج كله لصاحب البذر لأنه بما بذره (ألا ترى)
أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحقه بصاحب البذر وألغى الأرض يعنى لم يجعل لصاحب الأرض
من الخارج شيئا إلا أنه يستوجب على صاحب البذر أجر مثل أرضه بل يستوجب ذلك عليه
كصاحب الفدان وقد أعطاه أجرا مسمى والمراد أجر المثل وصاحب العمل فقد أعطاه
درهما كل يوم وتأويله أن ذلك كان أجر مثله في عمله وكما أنه سلم لصاحب البذر منفعة الفدان
والعامل بحكم عقد فاسد فقد سلم له منفعة الأرض بعقد فاسد فيستوجب اجر المثل وبهذا
تبين أن المراد بالالغاء أنه لم يجعل لصاحب الأرض شيئا من الخارج فكان الطحاوي لا يصحح
هذا الحديث ويقول الخارج لصاحب الأرض أورد ذلك في المشكل وقال البذر يصير
مستهلكا لان النبات يحصل بقوة الأرض فيكون النابت لصاحب الأرض وجعل الأرض
كالأم وفى الحيوانات الولد يكون مملوكا لصاحب الأم لا لصاحب الفحل ولكن هذا وهم
منه والحديث صحيح وكل قياس بمقابلته متروك ثم في الحيوانات توجد الحضانة من الأم لماء
الفحل في رحمها وفى حجرها بلبنها نموه بعد الانفصال فلهذا جعلت تابعة للأم في الملك وذلك
لا يوجد في الأرض ثم الخارج نماء البذر (ألا ترى) أنه يكون من جنس البذر وقوة
الأرض ويكون بصفة واحد ثم جنس الخارج يختلف باختلاف جنس البذر فعرفنا أنه يكون
نماء البذر فيكون لصاحب البذر وهذا هو الحكم في كل مزارعة فاسدة أن للعامل أجر مثل
عمله ان عمل بنفسه أو باجرائه أو بغلمانه أو بقوم استعان بهم بغير أجر ويكون الخارج
لصاحب البذر في هذه المسألة بعينها قول جميع المتقدمين من أصحابنا رحمهم الله أما عند أبي
حنيفة رحمه الله فلان المزارعة فاسدة على كل حال وعندهما المزارعة فاسدة هنا كما بينا ثم صاحب
البذر يؤمر فيما بينه وبين ربه عز وجل أن ينظر إلى الخارج فيدفع فيه مثل ما بذر ومقدار
ما غرم فيه من الاجر لصاحب الأرض ولصاحب العمل ولصاحب البقر فيطيب له ذلك بما
غرم فيه ويتصدق بالفضل لتمكن الحنث فيه باعتبار فساد العقد والأصل في المزارعة الفاسدة
16

انه متى ربى زرعه في أرض غيره يؤمر بالتصدق بالفضل وان ربى زرعه في أرض نفسه
بعقد فاسد لا يؤمر بالتصدق في عقد فاسد وسيأتي بيان هذا الفصل في موضعه إن شاء الله
تعالى
(باب المزارعة على قول من يجيزها في النصف والثلث)
(قال رحمه الله) اعلم أن المزارعة والمعاملة فاسدتان في قول أبي حنيفة وزفر رحمهما
الله وفى قول أبى يوسف ومحمد وابن أبي ليلى هما جائزتان وقال الشافعي المعاملة في النخيل
والكروم والأشجار صحيحة ويسمون ذلك مساقاة والمزارعة لا تصح الا تبعا للمعاملة بان
يدفع إليه الكرم معاملة وفيه أرض بيضاء فيأمره أن يزرع الأرض بالنصف أيضا وقد قدمنا
بيان الكلام من حيث الاخبار في المسألة فاما من حيث المعنى فهما يقولان المزارعة عقد
شركة في الخارج والمعاملة كذلك فنصح كالمضاربة وتحقيقه من وجهين أحدهما أن الربح
هناك يحصل بالمال والعمل جميعا فتنعقد الشركة بينهما في الربح بمال من أحد الجانبين وعمل
من الجانب الآخر وها باعتبار عمل من أحد الجانبين وبذر وأرض من الجانب الآخر
أو نخيل من الجانب الآخر والدليل على أن للعمل تأثيرا في تحصيل الخارج أن الغاصب
للبذر أو الأرض إذا زرع كان الخارج له وجعل الزرع حاصلا بعمله والثاني أن بالناس
حاجة إلى عقد المضاربة فصاحب المال قد يكون عاجزا عن التصرف بنفسه والقادر على
التصرف لا يجد مالا يتصرف فيه فجوز عقد المضاربة لتحصيل مقصودهما فكذلك هنا
صاحب الأرض والبذر قد يكون عاجزا عن العمل والعامل لا يجد أرضا وبذرا ليعمل
فيجوز العقد بينهما شركة في الخارج لتحصيل مقصودهما وفى هذا العقد عرف ظاهر فيما بين
الناس في جميع البلدان كما في المضاربة فيجوز بالعرف وإن كان القياس يأباه كالاستبضاع وبهذا
الطريق جوز الشافعي رحمه الله المعاملة ولم يجوز المزارعة لان المعاملة بالمضاربة أشبه من
المزارعة فان في المعاملة الشركة في الزيادة دون الأصل وهو النخيل كما أن المضاربة الشركة
في الربح دون رأس المال وفى المزارعة لو شرط الشركة في الفضل دون أصل البذر بان شرطا
دفع البذر من رأس الخارج لم يجز العقد فجوزنا المعاملة مقصودا لهذا ولم نجوز المزارعة الا
تبعا للحاجة إليها في ضمن المعاملة وقد يصح العقد في الشئ تبعا وإن كان لا يجوز مقصودا
17

كالوقت في المنقول وبيع الشرب وهذا كله بخلاف دفع الغنم معاملة بنصف الأولاد أو الألبان
لان ذلك ليس في معنى المضاربة فان تلك الزوائد تتولد من العين ولا أثر لعمل الراعي والحافظ
فيها وإنما تحصل الزيادة بالعلف والسقي والحيوان يباشر ذلك باختياره فليس لعمل العامل
تأثير في تحصيل تلك الزيادة وليس في ذلك العقد عرف ظاهر في عامة البلدان أيضا ولهذا
لو فعل الغاصب لم يملك شيئا من تلك الزوائد فاما هنا فلعمل الزارع تأثير في تحصيل الخارج
وكذلك لعمل العامل من السقي والتلقيح والحفظ تأثير في جودة الثمار لان بدون ذلك
لا يحصل الا ما لا ينتفع به من الحشف فلهذا جوزنا المزارعة والمعاملة ولم نجوز المعاملة في
الزوائد التي تحصل من الحيوانات كدود القز والديباج وما أشبه ذلك وأبو حنيفة يقول هذا
استئجار بأجرة مجهوله معدومة في وجودها خطر وكل واحد من المعنيين يمنع صحة الاستئجار
والاستئجار بما يكون على خطر الوجود في معنى تعليق الإجارة بالخطر والاستئجار بأجرة
مجهولة بمنزلة بيع بثمن مجهول وكل واحد منهما عقد معاوضة يعتمد على تمام الرضا ثم البيع بثمن
مجهول يكون فاسدا فكذلك الاستئجار بأجرة مجهولة وهذا القياس سنده الأثر وهو قوله
عليه الصلاة والسلام من استأجر أجيرا فليعلمه أجره وبيان ما ذكرنا أن البذر إن كان من
قبل العامل فهو مستأجر للأرض بما سمى لصاحبها من الخارج وفى حصول الخارج خطر
ومقداره مجهول وإن كان من قبل رب الأرض فهو مستأجر للعامل والدليل على أن هذا
إجارة لا شركة انه يتعلق به اللزوم من جانب من لا بذر من قبله وكذلك من جانب الآخر
بعد القاء البذر في الأرض وعقد المعاملة يتعلق به اللزوم من الجانبين في الحال والشركة
والمضاربة لا يتعلق بهما اللزوم والدليل عليه أنه لا بد من بيان المدة واشتراط بيان المدة في
عقد الإجارة لاعلام ما تناوله القعد من المنفعة فاما في الشركة والمضاربة فلا يشترط التوقيت
ولا معنى لاعتبار العرف لان العرف يسقط اعتباره عند وجود النص بخلافه وقد وجد ذلك
هنا وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا تستأجره بشئ منه وقوله عليه الصلاة والسلام فليعلمه
أجره وكما وجد العرف هنا فقد وجد العرف في دفع الدجاج معامله بالشركة في البيض
والفروج وفى دفع البقر والغنم معامله للشركة في الأولاد والألبان والسمون وفي دفع دود
القز معاملة للشركة في الإبريسم ومعنى الحاجة يوجد هناك أيضا ثم لا يحكم بصحة شئ من
ذلك باعتبار العرف والحاجة فهنا كذلك وإذا ثبت فساد العقد على قوله كان الخارج كله
18

لصاحب البذر فإن كان صاحب البذر هو العامل فعليه أجر مثل الأرض فينبغي لصاحب
الأرض أن يشترى منه نصف الخارج بعد القسمة بما استوجب عليه من اجر المثل وكذلك
يفعله العامل إن كان البذر من قبل صاحب الأرض وبهذا الطريق يطيب لكل واحد منهما
على قوله ثم التفريع بعد هذا على قول من يجوز المزارعة والمعاملة وعلى أصول أبي حنيفة ان
لو كان يرى جوازها وأبو حنيفة رحمه الله هو الذي فرع هذه المسائل لعلمه أن الناس لا
يأخذون بقوله في هذه المسألة ففرع على أصوله ان لو كان يرى جوازها ثم المزارعة على قول
من يجيزها تستدعي شرائط ستة أحدها التوقيت لأن العقد يرد على منفعة الأرض أو على
منفعة العامل بعوض والمنفعة لا يعرف مقدارها الا ببيان المدة فكانت المدة معيارا للمنفعة بمنزلة
الكيل والوزن وهذا بخلاف المضاربة فان هناك بالتصرف المال لا يصير مستهلكا فلا حاجة
إلى اثبات صفة اللزوم كذلك العقد وهنا البذر يصير مستهلكا بالالقاء في الأرض فبنا حاجة
إلى القول بلزوم هذا العقد لدفع الضرر من الجانبين ولا يكون ذلك الا بعد علم مقدار المعقود
عليه من المنفعة والثاني أنه يحتاج إلى بيان من البذر من قبله لان المعقود عليه يختلف باختلافه
فان البذر إن كان هو من قبل العامل فالمعقود عليه منفعة الأرض وإن كان من قيل صاحب
الأرض فالمعقود عليه منفعة العامل فلا بد من بيان المعقود عليه وجهالة من البذر من جهته
تؤدى إلى المنازعة بينهما والثالث أنه يحتاج إلى بيان جنس البذر لان اعلام جنس الأجرة
لا بد منه ولا يصير ذلك معلوما الا ببيان جنس البذر والرابع أنه يحتاج إلى بيان نصيب من
لا بذر من قبله لأنه يستحق ذلك عوضا بالشرط فما لم يكن معلوما لا يصح استحقاقه بالعقد
شرطا والخامس أنه يحتاج إلى التخلية بين الأرض وبين العامل حتى إذا شرط في العقد ما تنعدم
به التخلية وهو عمل رب الأرض مع العامل لا يصح العقد والسادس الشركة في الخارج عند
حصوله حتى أن كان كل شرط يؤدى إلى قطع الشركة في الخارج بعد حصوله يكون مفسدا
للعقد ثم المزارعة على قول من يجيزها على أربعة أوجه أحدها أن تكون الأرض من أحدهما
والبذر والعمل والبقر وآلات العمل كله من الآخر فهذا جائز لان صاحب البذر مستأجر
للأرض بجزء معلوم من الخارج ولو استأجرها بأجرة معلومة من الدراهم والدنانير صح فكذا
إذا استأجرها بجزء مسمى من الخارج شائع والوجه الثاني أن تكون الأرض والبذر والبقر
والآلات من أحدهما والعمل من الآخر فهذا جائز أيضا لان صاحب الأرض استأجر العامل
19

ليعمل بآلاته له وذلك صحيح كما لو أستأجر خياطا ليخيط بإبرة صاحب الثوب أو طيانا ليجعل
الطين بآلة صاحب العمل والوجه الثالث أن تكون الأرض والبذر من أحدهما والبقر والآلات
من العامل وهذا جائز أيضا لان صاحب الأرض استأجره ليعمل بآلات نفسه وهذا جائز كما
إذا أستأجر خياطا ليخيط بإبرة نفسه أو قصارا ليقصر الثوب بآلات نفسه أو صباغا ليصبغ
الثوب بصبغ له فكذلك هنا وهذا لان منفعة البقر والآلات من جنس منفعة العامل لان
إقامة العمل يحصل بالكل فيجعل ذلك تابعا لعمل العامل في جواز استحقاقه بعد المزارعة
والرابع أن يكون البذر من قبل العامل والبقر من قبل رب الأرض وهذا فاسد في ظاهر
الرواية لان صاحب البذر مستأجر للأرض والبقر واستئجار البقر بجزء من الخارج مقصودا
لا يجوز وهذا لان منفعة البقر ليست من جنس منفعة الأرض فان منفعة الأرض قوة في طبعها
يحصل به الخارج ومنفعة البقر يقام به العمل فلانعدام المجانسة لا يمكن جعل البقر تبعا لمنفعة
الأرض ولا يجوز استحقاق منفعة البقر مقصودا بالمزارعة كما لو كان البقر مشروطا على أحدهما
فقط والأصل فيه حديث مجاهد في اشتراك أربعة نفر كما بينا وروى أصحاب الاملاء عن أبي
يوسف رحمه الله أن هذا النوع جائز أيضا للعرف ولأنه لما جاز أن يكون البقر مع البذر
مشروطا على رب الأرض في المزارعة فكذلك يجوز أن يكون البقر بدون الأرض مشروطا
عليه كما في جانب العامل لما جاز أن يكون البذر مع البقر مشروطا على العامل جاز أن يكون
البقر مشروطا عليه بدون البذر ثم في الوجوه الثلاثة ان حصل الخارج كان بينهما على الشرط
وإن لم يحصل الخارج فلا شئ لواحد منهما على صاحبه لأن العقد انعقد بينهما شركة في الخارج
ولئن كان إجارة فالأجرة يتعين محلها بتعيينها وهو الخارج ومع انعدام المحل لا يثبت الاستحقاق
وهكذا في الوجه الرابع على رواية أبى يوسف فأما في ظاهر الرواية فالخارج كله لصاحب
البذر لأنه نماء بذره فإنه يستحقه الغير عليه بالشرط بحكم عقد صحيح ولم يوجد وعليه لصاحب
الأرض أجرة مثل الأرض والبقر لأنه صار مستوفيا منفعة أرضه وبقره بحكم عقد فاسد ومن
أصحابنا رحمهم الله من يقول تأويل قوله عليه اجر المثل لأرضه وبقره أنه يغرم له أجر مثل
الأرض مكروبة فأما البقر فلا يجوز أن يستحقه بعقد المزارعة بحال فلا ينعقد العقد عليه صحيحا
ولا فاسدا ووجوب أجر المثل لا يكون بدون انعقاد العقد فالمانع لا يتقوم الا بالعقد والأصح
أن عقد المزارعة من جنس الإجارة ومنافع البقر يجوز استحقاقها الإجارة فينعقد عليها
20

عقد المزارعة بصفة الفساد ويجب اجر مثلها كما يجب أجر مثل الأرض وزعم بعض أصحابنا
ان فساد العقد هنا على أصل أبي حنيفة لأنه فسد العقد في حصة البقر ومن أصله أن العقد
إذا فسد بعضه فسد كله فاما عندهما فينبغي أن يجوز العقد في حصة الأرض وإن كان يفسد
في حصة البقر والأصح أنه قولهم جميعا لان حصة البقر لم يثبت فيه الاستحقاق أصلا وحصة
الأرض من المشروط مجهول فيفسد العقد فيه للجهالة وقد بينا نظيره في الصلح إذا صولح أحد
الورثة من العين والدين على شئ في التركة وسواء أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج فاجر المثل
واجب لصاحب الأرض والبقر لان محل وجوب الاجر هنا الذمة دون الخارج وإنما يجب
استيفاء المنفعة وقد تحقق ذلك سواء أحصل الخارج أم لم يحصل وقيل ينبغي في قياس قول
أبى يوسف رحمه الله أن لا يزاد باجر مثل أرضه وبقره على نصف الخارج الذي شرط له وفى
قول محمد يجب أجل المثل بالغا ما بلغ على قياس الشركة في الاحتطاب وقد بيناه في كتاب
الشركة فإن كان البذر من عند صاحب الأرض واشترط أن يعمل عنده مع العامل والخارج
بينهم أثلاث جازت المزارعة وللعامل ثلث الخارج والباقي كله لرب الأرض لان اشتراط
العبد على رب الأرض والبذر كاشتراط البقر عليه في هذا الفصل وانه صحيح فكذلك اشتراط
العبد عليه ثم المشروط للعبد إن لم يكن عليه دين فهو مشروط لصاحب الأرض وإن كان
عليه دين ففي قولهما كذلك وفى قياس قول أبي حنيفة المولى من كسب عبده المديون
كالأجنبي فكأنه دفع الأرض والبذر مزارعة إلى عاملين على أن لكل واحد منهما ثلث الخارج
حتى أن في هذه الفصل لو لم يشترط العمل على العبد ففي قولهما المشروط للعبد يكون لرب
الأرض فيجوز العقد وفى قياس قول أبي حنيفة المشروط للعبد كالمسكوت عنه لأنه لا يستحق
شيئا من غير بذر ولا عمل والمسكوت عنه يكون لصاحب البذر وإن كان البذر من العامل
والمسألة بحالها فالعقد فاسد لان اشتراط العمل على رب الأرض كاشتراط البقر عليه وذلك
مفسد للعقد وإن كان شرط ثلث الخارج لعبد العامل فإن كان البذر من قبل العامل ولا دين
على العبد فالعقد صحيح ولرب الأرض ثلث الخارج والباقي للعامل لان اشتراط العبد عليه كاشتراط
البقر والمشروط لعبده إن لم يكن عليه دين كالمشروط له وان شرط لعبده ثلث الخارج ولم
يشرط على عبده عملا فإن كان على العبد دين ففي قول أبى يوسف ومحمد هذا جائز والمشروط
للعبد يكون للعامل لأنه يملك كسب عبده المديون وعند أبي حنيفة كذلك الجواب لان
21

المشروط للعبد كالمسكوت عنه إذا لم يشترط عليه العمل فهو للعامل لأنه صاحب البذر بخلاف
ما إذا شرط عليه العمل والعبد مديون لان العبد منه كأجنبي فكأنه شرط عمل أجنبي آخر مع
صاحب البذر على أن يكون له ثلث الخارج وذلك مفسد للعقد في حصة العامل الآخر على
ما بينه في آخر الكتاب وإن كان البذر من عند صاحب الأرض واشترط أن يعمل هو مع العامل
لم يجز لان هذا الشرط يعدم التخلية بين العامل وبين الأرض والبذر وقد بينا نظيره في
المضاربة انه إذا شرط عمل رب المال مع المضارب يفسد العقد لانعدام التخلية والحاكم رحمه
الله في المختصر ذكر في جمله ما يكون فاسدا من المزارعة على قولهما يجمع بين الرجل وبين
الأرض ومراده أن يكون البقر والبذر مشروطا على أحدهما والعمل والأرض مشروطا على
الآخر وهذا فاسد الا في رواية عن أبي يوسف يجوز هذا بالقياس على المضاربة لان البذر
في المزارعة بمنزله رأس المال في المضاربة ويجوز في المضاربة دفع رأس المال إلى العامل فكذلك
يجوز في المزارعة دفع البذر مزارعة إلى صاحب الأرض والعمل فاما في ظاهر الرواية فصاحب
البذر مستأجر للأرض ولا بد من التخلية بين المستأجر وبين ما استأجر في عقد الإجارة
وتنعدم التخلية هنا لان الأرض تكون في يد العامل فلهذا فسد العقد ثم في كل موضع صار
الريع لصاحب البذر من قبل فساد المزارعة والأرض له لم يتصدق بشئ لأنه لا يتمكن في
الخارج خبث فان الخارج نماء البذر بقوة الأرض والأرض ملكه والبذر ملكه وإذا لم تكن
الأرض له تصدق بالفضل لأنه تمكن خبث في الخارج فان الخارج إنما يحصل بقوة الأرض
وبهذا جعل بعض مشايخنا الخارج لصاحب الأرض عند فساد العقد ومنفعة الأرض إنما سلمت
له بالعقد الفاسد لا بملكه رقبة الأرض فيتصدق لذلك بالفضل ونعني بالفضل أنه يرفع من الخارج
مقدار بذره وما غرم فيه المؤن والأجر ويتصدق بالفضل وإن كان هو العامل لا يرفع منه
أجر مثله لان منافعه لا تتقوم بدون العقد ولا عقد على منافعه إذا كان البذر من قبله فلهذا
لا يرفع أجر مثل نفسه من الخارج ولكن يتصدق بالفضل وما يشترط للبقر من الخارج
فهو كالمشروط لصاحب البقر لان البقر ليس من أهل الاستحقاق لنفسه فالمشروط له
كالمشروط لصاحبه وما يشترط للمساكين للخارج فهو لصاحب البذر لان المساكين
ليس من جهتهم أرض ولا عمل ولا بذر واستحقاق الخارج في المزارعة لا يكون الا بأحد
هذه الأشياء فكان المشروط لهم كالمسكوت عنه فيكون لصاحب البذر لان استحقاقه بملك
22

البذر لا يشترط والأجرة تستحق عليه بالشرط فلا يستحق الا بمقدار ما شرط له وإذا لم
يسم لصاحب البذر وسمي ما للآخر جاز لان من لا بذر من قبله إنما يستحق بالشرط فاما
صاحب البذر فيستحق بملكه البذر فلا ينعدم استحقاقه بترك البيان في نصيبه وان سمى نصيب
صاحب البذر ولم يسم ما للآخر ففي القياس هذا لا يجوز لأنهم ذكروا ما لا حاجة بهم إلى
ذكره وتركوا ما يحتاج إليه لصحة العقد ومن لا بذر من قبله يستحق بالشرط فبدون الشرط
لا يستحق شيئا ولكنه استحسن فقال الخارج مشترك بينهما والتنصيص على نصيب أحدهما
يكون بيان أن الباقي للآخر قال الله سبحانه وتعالى وورثه أبواه فلأمه الثلث معناه وللأب
ما بقي فكأنه قال صاحب البذر على أن لي ثلثي الخارج ولك الثلث وإذا قال له اعمل ببذري
في أرضى بنفسك وبقرك وأجرائك فما خرج فهو كله لي جاز والعامل معين لان صاحب
الأرض والبذر استعان به في العمل حين لم يشترط له بمقابلته شيئا ولان الذي من جانب
العامل منفعة والمنفعة لا تتقوم الا بالتسمية في العقد فإذا لم يسم لم تتقوم منافعه وان قال على
أن الخارج كله لك فهو جائز أيضا وصاحب الأرض معير لأرضه مقرض لبذره لأنه شرط
للعامل جميع الخارج ولا يستحق جميع الخارج الا بعد أن يكون البذر ملكا له ولتمليك البذر منه
هنا طريقان أحدهما الهبة والثاني القرض فيثبت الأدنى وهو القرض لأنه متيقن به ثم البذر عين
متقوم بنفسه فلا يسقط تقومه عنه الا بالتنصيص على الهبة ومنفعة الأرض غير متقومة بنفسها
فلا تتقوم الا بتسمية البدل بمقابلتها ولم يوجد فلهذا كان معير الأرض مقرضا للبذر بمنزلة ما لو دفع
إليه حانوتا وألف درهم قال اعمل بها في حانوتي على أن الربح كله لك فإنه يكون مقرضا للألف
معيرا للحانوت ولو قال ازرع في أرضى كرا من طعامك على أن الخارج كله لي لم يجز هذا
العقد لأنه دفع الأرض مزارعة بجميع الخارج وحكى عن عيسى بن أبان رحمه الله أنه قال
يجوز هذا لأنه شرط جميع الخارج لنفسه ولا يكون ذلك الا بملك البذر فكأنه استقرض
منه البذر وأمره بان يزرعه في أرضه فيصير قابضا له باتصاله بملكه وقد بينا نظير هذا في
كتاب الصرف ولكن ما ذكره في الكتاب أصح لان الأصل أن يكون الانسان في
القاء بذره في الأرض عاملا لنفسه وقوله على أن الخارج لي محتمل بجواز أن يكون المراد
الخارج لي عوضا عن منفعة الأرض ويجوز أن يكون المراد الخارج لي بحكم استقراض البذر
والمحتمل لا يترك الأصل به ولا يثبت تمليك البذر منه بالمحتمل فكان الخارج كله لصاحب
23

البذر وعليه أجر مثل الأرض لان صاحب الأرض ابتغى عن منفعة أرضه عرضا ولم ينل فله
أجر مثله أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج ولو قال ازرع لي في أرضي كرا من طعامك على
أن الخارج لي أو على أن الخارج نصفين جاز على ما قال والبذر قرض على صاحب الأرض أخرجت
الأرض شيئا أو لم تخرج لان قوله ازرع لي تنصيص على استقراض البذر منه فإنه لا يكون
عاملا له الا بعد استقراضه البذر منه فكان عليه بذرا مثل ما استقرض أخرجت الأرض شيئا
أو لم تخرج لأنه صار قابضا له باتصاله بملكه ثم إن كان قال إن الخارج بيننا نصفان فهي مزارعة
صحيحة وان قال على أن الخارج لي فهو استعانة في العمل وكان محمد بن مقاتل رحمه الله يقول
ينبغي أن يفسد العقد هنا لأنه مزارعة شرط فيها القرض إذا قال على أن الخارج بيننا نصفان
والمزارعة كالإجارة تبطل بالشرط الفاسد ولكن في ظاهر الرواية قال الاستقراض مقدم
على المزارعة فهذا فرض شرط فيه المزارعة والقرض لا يبطل بالشروط الفاسدة كالهبة وفى
الأصل استشهد فقال أرأيت لو قال أقرضني مائة درهم فاشتر لي بها كرا من الطعام ثم ابذره
في أرضي على أن الخارج بيننا نصفان ألم يكن هذا جائزا فكذلك ما سبق ألا أن هذا مكروه
لأنه في معنى قرض جر منفعة ولو دفع بذرا إلى صاحب الأرض على أن يزرعه في أرضه على
أن الخارج بينهما نصفان فهو فاسد وهذه مسألة دفع البذر مزارعة وقد بينا قول أبى يوسف
رحمه الله وحكم هذه المسألة على ظاهر الرواية نفى الاشكال في أنه أوجب لصاحب الأرض
اجرا مثل أرضه ولم يسلم الأرض إلى صاحب البذر فكيف يستوجب عليه أجر مثله ولكنا
نقول صارت منفعته ومنفعة الأرض حكما كلها مسلمة إلى صاحب البذر لسلامة الخارج
له حكما وكذلك إن لم تخرج الأرض شيئا لان عمل العامل بأمره في القاء البذر كعمله بنفسه
فيستوجب عليه اجر المثل في الوجهين جميعا وان قالا على أن الخارج لصاحب البذر فهو
جائز وصاحب البذر معين له في العمل معير لأرضه لأنه ما شرط بآراء منافعه ومنافع أرضه عوضا
فيكون متبرعا بذلك كله وان قال ازرعه لي في أرضك على أن الخارج لك لم يجز لأنه نص
على استئجار الأرض والعامل بجميع الخارج حين قال ازرعه لي في أرضك والخارج كله
لصاحب البذر وعليه للعامل اجر مثل أرضه وعمله وان قال ازرعه في أرضك لنفسك على
أن الخارج لي لم يجز لان قوله ازرعه لنفسك تنصيص على اقراض البذر منه ثم شرط جميع
الخارج لنفسه عوضا عما أقرضه وهذا شرط فاسد لان القرض مضمون بالمثل شرعا ولكن
24

القرض لا يبطل بالشرط الفاسد والخارج كله لرب الأرض وعليه مثل ذلك البذر لصاحبه
ولو دفع إليه الأرض على أن يزرع ببذره وبقره ويعمل فيها معه هذا الأجنبي لم يجز ذلك فيما
بينهما وبين الأجنبي وهو فيما بينهما جائز وثلث الخارج لصاحب الأرض وثلثاه لصاحب
البذر لان صاحب البذر استأجر بثلث الخارج وذلك فاسد كما لو كانت الأرض مملوكة له
وهذا فيما بينهما في معنى اشتراط عمل رب الأرض مع العامل ولكنهما عقدان مختلفان أحد
العقدين على منفعة الأرض والآخر على منفعة العامل فالمفسد في أحدهما لا يفسد الآخر فلهذا
كان لصاحب الأرض ثلث الخارج والباقي كله لصاحب البذر وعليه اجر مثل الرجل الذي عمل
معه وقد أجاب بعد هذا في نظير هذه المسألة فقال يفسد العقد كله وإنما اختلف الجواب
لاختلاف الموضوع فإنه قال هناك على أن يعمل معه الرجل الآخر فبهذا اللفظ يصير العقد
الفاسد مشروطا في العقد الذي جرى بين صاحب الأرض وبين صاحب البذر فيفسد كله
وهنا قال ويعمل معه لرجل الآخر والواو للعطف لا للشرط فقد جعل العقد الفاسد معطوفا على
العقد الصحيح لا مشروطا فيه فلهذا لم يفسد العقد بين صاحب الأرض وصاحب البذر ولو كان
البذر من قبل رب الأرض كانت المزارعة جائزة والخارج أثلاثا كما اشترطوا لان صاحب
الأرض والبذر استأجر عاملين وشرط لكل واحد منهما ثلث الخارج وذلك صحيح والله
أعلم بالصواب
(باب ما للمزارع أن يمنع منه بعد العقد)
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل أرضا مزارعة بالنصف يزرعها هذه السنة ببذره
وبقره ولما تراضيا على ذلك قال الذي أخذ الأرض مزارعة قد بدا لي في ترك زرع هذه السنة
أو قال أريد أن أزرع أرضا أخرى سوى هذه فله ذلك لان المزارعة على قول من يجيزها
إجارة والإجارة تنقض بالعذر وترك العمل الذي أستأجر العين لأجله عذر له في فسخ العقد
كمن استأجر حانوتا ليتجر فيه ثم بدا له ترك التجارة يكون ذلك عذرا له في الفسخ وكذلك
لو استأجر أرضا بدراهم أو بدنانير ليزرعها ثم بدا له ترك الزراعة يكون ذلك عذرا له في
الفسخ وهذا لان الإجارة جوزت لحاجة المستأجر ففي إلزام العقد إياه بعد ما بدا له ترك
ذلك العمل اضرار به فيؤدي إلى أن يعود إلى موضوعه بالابطال والضرر عذر في فسخ العقد
25

اللازم وكذلك أن قال أريد أن أزرع أرضا أخرى لان البذر من قبله وفى القاء البذر في
الأرض اتلاف البذر وقد يحصل الخارج وقد لا يحصل الخارج وفى إلزام العقد صاحب البذر
قبل الالقاء في الأرض اضرار به من حيث إنه يلزم اتلاف ملكه وذلك لا يجوز ثم له في
ترك هذه الأرض وزرعه أرضا أخرى غرض صحيح فتلك الأرض مملوكة له أو يمنحه إياها
صاحبها أو تكون أكثر ريعا من هذه الأرض فلا يجوز لنا أن نلزمه زراعة هذه الأرض
شاء أو أبى وهكذا لو كان استأجرها بدراهم أو دنانير إلا أن هناك لا يفسخ العقد إذا أراد
زراعة أرض أخر لان في إبقاء العقد بينهما مع اختياره أرضا أخرى للزراعة منفعة لصاحب
الأرض وهو أنه استوجب الاجر دينا في ذمته بالتمكن من الانتفاع وإن لم يزرع وفى
المزارعة لا فائدة في إبقاء العقد مع امتناعه من زراعة هذه الأرض لان حق صاحب الأرض
في الغلة والغلة لا تحصل بدون الزراعة فلهذا قلنا يفسخ العقد بينهما ثم في الاستئجار بالدراهم
إذا أراد ترك الزراعة أصلا يكون ذلك عذرا لأنه يتحرز عن اتلاف البذر بالقائه في الأرض
وإذا أراد أن يزرع أرضا أخرى لا يكون ذلك عذرا له وذلك لا يصير مستحقا له بمطلق العقد
وإذا كان البذر من جهة رب الأرض أجير العامل على أن يزرعها ان أراد ترك لزراعة سنته
تلك أو لم يرد لان العامل هنا أجير لرب الأرض وعلى الأجير الايفاء بما التزم بعد صحة العقد
وهذا لأنه ليس في ايفاء العقد الحاق ضرر به سوى ما التزمه بالعقد لأنه التزم بالعقد إقامة
العمل وهو قادر على إقامة العمل كما التزمه بالعقد وموجب العقود اللازمة وجوب تسليم
المعقود عليه فاما في الفصل الأول ففي إلزام العقد إياه الحاق ضرر به فيما لم يتناوله العقد لان
البذر ليس بمعقود عليه وفى القائه في الأرض اتلافه وان بدا لرب الأرض والبذر ان يترك
الزراعة في تلك الأرض أو في غيرها فله ذلك لأنه في إلزام العقد إياه اتلاف بذره والبذر
ليس بمعقود عليه فلا يجوز أن يلزمه اتلافه بالالقاء في الأرض إنما هو موهوم عسى يحصل
وعسى لا يحصل وإن كان البذر من العامل لم يكن لصاحب الأرض أن يمنع الزارع من
الزراعة لأنه مؤجر لأرضه ولا يلحقه بإيفاء العقد ضرر فيما لم يتناوله العقد وإنما الضرر عليه
في إلزام تسليم الأرض وقد التزم ذلك بمطلق الزراعة إلا أن يكون له عذر والعذر دين لا يقدر
على قضائه الا من ثمن هذه الأرض فان حبس فيه كان له أن يبيعها لقضاء الدين لان في ايفاء
العقد هنا الحاق الضرر به فيما لم يتناوله العقد وهو تعينه وقد بينا في كتاب الإجارات ان
26

مثل هذا عذر له في فسخ الإجارة وانه يفسخ العقد بنفسه في احدى الروايتين وفى الرواية
الأخرى القاضي هو الذي يتولى ذلك ببيعه في الدين على ما فسره في الزيادات ولو دفع نخلا
له معاملة بالنصف ثم بدا للعامل ان يترك العمل أو يسافر فإنه يجير على العمل أما إذا بدا له
ترك العمل فلان في ايفاء العقد لا يلحقه ضرر لم يلتزمه بالعقد لأنه التزم بالعقد إقامة العمل
ولا يلحقه سوى ذلك وأما في السفر فقد ذكر في غير هذا الموضع أن ذلك عذر له لان
بالامتناع يلحقه ضرر لم يلتزمه بالعقد وفيما ذكر هنا لا يكون عذرا له لأنه يتعلل بالسفر
ليمتنع من إقامة العمل الذي التزمه بالعقد وقيل إنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فهناك
وضع المسألة فيما إذا شرط عليه إقامة العمل بيده وبعد السفر لا يتمكن من ذلك ولا يجوز
أن يحول بينه وبين سفر يتلى به في المدة لما في ذلك من الضرر عليه وهنا وضع المسألة فيما
إذا لم يشترط عليه العمل بيده فهو متمكن من إقامة العمل باجرائه وأعوانه وغلمانه بعد السفر
بنفسه فلا يكون ذلك عذرا له في الفسخ وكذلك أن بدا لصاحب النخيل أن يمنع العامل
منه ويعمل بنفسه أو يدفعه إلى عامل آخر فذلك لا يكون عذرا له في الفسخ بخلاف من
البذر من قبله في باب المزارعة لان هناك هو يحتاج إلى اتلاف بذره بالالقاء في الأرض
وهنا رب النخيل لا يحتاج إلى ذلك فيكون العقد لازما من جانبه بنفسه كما في جانب العامل
وإنما العذر من جانبه أن يلحقه دين فادح لا وفاء عنده الا من ثمن النخل فإذا حبس فيه كان
ذلك عذرا له في فسخ المعاملة للبيع في الدين كما بينا في الأرض والله أعلم
(باب الأرض بين رجلين يدفعها أحدهما إلى صاحبه مزارعة)
(قال رحمه الله) وإذا كانت الأرض بين رجلين فدفعها أحدهما إلى صاحبه مزارعة
على أن يزرعها هذه السنة ببذره وبقره على أن الخارج بينهما نصفان فالمزارعة فاسدة لان
الدفع كأنه قال لصاحبه ازرع نصيبك من الأرض ببذرك على أن الخارج كله لك وهذه
مشهورة صحيحة أو قال وازرع نصيبي ببذرك على أن الخارج كله لي وهذا فاسد لأنه دفع الأرض
مزارعة بجميع الخارج وهي مطعونة عيسى رحمه الله وقد بيناها بالأمس * فان قيل لماذا لم يجعل
كأنه قال ازرع نصيبي ببذرك على أن الخارج بيننا نصفين وازرع نصيبك ببذرك على أن
الخارج بيننا نصفين حتى تصح المزارعة في نصيب الدافع من الأرض * قلنا لأنه يكون ذلك منه
27

انتهاب المعدوم وطمعا في غير مطمع وهو أن يشترط لنفسه جزأ بما أخرجه نصيب صاحبه
من غير أن يكون منه أرض أو بذر أو عمل والعاقل لا يقصد ذلك بكلامه عادة فلذلك حملناه
على الوجه الأول وأفسدنا المزارعة والخارج كله للزارع لأنه نماء بذره وعليه أجر مثل
نصف الأرض لصاحبه لأنه استوفى منفعة نصيبه من الأرض بعقد فاسد ويطيب له نصف
الخارج لأنه ربى نصف الزرع في أرض نفسه ولا فساد في ذلك النصف ويأخذ من النصف
الآخر ما أنفق فيه وغرم ويتصدق بالفضل لأنه ربى زرعه في أرض الغير بسبب فاسد
فيتصدق بالفضل ولو كان البذر من الدافع فالعقد فاسد لأنه يصير كأنه قال ازرع نصيبي
من الأرض ببذري على أن الخارج كله لي وهذا استعانة صحيحة لو اقتصر عليها ولكنه قال
وازرع نصيبك من الأرض ببذري على أن الخارج كله لك وهذا أيضا اقراض صحيح
للبذر لو اقتصر عليه ولكن الجمع بينهما يظهر الفساد باعتبار انه جعل بإزاء عمله في نصيب
الدافع منفعة اقراض البذر إياه أو تمليك البذر منه هبة في مقدار ما يزرع به نصيب نفسه
فلهذا فسد العقد والزرع كله للدافع لان اقراض شئ من البذر غير منصوص عليه وإنما
كنا نثبت التصحيح للعقد بينهما وليس فيه تصحيح العقد فلا يجعل مقرضا شيئا من البذر
منه فلهذا كان الخارج كله لصاحب البذر وللعامل عليه أجر مثل عمله وأجر حصته من
الأرض لان منفعة حصته من الأرض ومنفعة عمله سلمت للدافع بعقد فاسد ويطيب له
نصف الربع لأنه رباه في أرض نفسه ويأخذ من النصف الآخر نصف البذر وما غرم
من أجر مثل نصف الأرض ونصف أجر مثل العامل ويتصدق بالفضل لأنه رباه في
أرض غيره بسبب فاسد ولو كان البذر من العامل على أن ثلثي الخارج له وللدافع الثلث
جاز لان تقدير كلامه كأنه قال ازرع نصيبك ببذرك على أن الخارج كله لك وهي مشهورة
صحيحة وازرع نصيبي ببذرك على أن ثلثي الخارج منه لي والثلث لك وهي مزارعة صحيحة
ولا يتولد من الجمع بينهما فساد فكان الخارج بينهما على الشرط ولو كان البذر من الدافع
كان العقد فاسدا لأنه يصير كأنه قال ازرع نصيبي ببذري على أن لك ثلث الخارج وهذا
صحيح ولكنه قال وازرع نصيبك ببذرك على أن الخارج كله لك وهذا اقراض للبذر لو
اقتصر عليه إلا أنه باعتبار الجمع بينهما يظهر الفساد من حيث إنه جعل له بالعمل في نصيبه
من الأرض ثلث الخارج ومنفعة اقراض نصف البذر وكذلك أن كان شرط الثلثين للدافع
28

لأنه يصير كأنه قال ازرع نصيبي ببذرك على أن الخارج كله لي وهذه استعانة صحيحة
ولكنه قال وازرع نصيبك ببذري على أن لي ثلث الخارج وهذا دفع البذر مزارعة إلى
صاحب الأرض فلهذا كان فاسدا ولو كان البذر بينهما نصفين على أن ثلثي الخارج للعامل
وثلثه للآخر فهذا فاسد لان الدافع شرط للعامل ثلث الخارج من نصيبه من البذر وذلك
فاسد لان عمله يلاقى بذرا أو زرعا مشتركا بينهما وأحد الشريكين بعمله فيما هو فيه شريك
لا يستوجب الاجر على صاحبه فلهذا فسد العقد والخارج بينهما نصفان طيب لهما لان البذر
بينهما نصفان وكل واحد منهما إنما ربى زرعه في أرضه ولا أجر لواحد منهما على صاحبه
لان العامل إنما عمل فيما هو فيه شريك وهو لعمله فيما هو فيه شريك لا يستوجب الاجر
لان شريكه في المعمول يمنع تسليم العمل إلى غيره وبدون التسليم لا يجب الاجر فاسدا
كان العقد أو جائزا وكذلك لو شرط الثلثين للدافع ومعنى الفساد هنا أبين لان الدافع شرط
لنفسه جزأ مما يحصل في أرض العامل ببذره من غير أن يكون له في ذلك أرض ولا بذر
ولا عمل ولو اشترطا أن الخارج بينهما نصفان فهذا جائز لان العامل معين للدافع هنا فان المشروط
لكل واحد منهما بقدر حصته من البذر فكأنه قال ازرع أرضك ببذرك على أن الخارج كله
لك وازرع أرضى ببذري على أن الخارج كله لي وهذه استعانة صحيحة فيكون العامل معينا
له في نصيبه ولو اشترطا ثلثي البذر على الدافع وثلثه على العامل والريع نصفان فهذا فاسد لان
الدافع يصير كأنه قال ازرع أرضى ببذري على أن الخارج كله لي وازرع أرضك ببذرك
وبذري على أن الخارج كله لك وباعتبار الجمع بين هذين العقدين يفسد العقد لأنه جعل له
بإزاء عمله في نصيبه منفعة اقراض ثلث البذر وذلك فاسد ولأنه أوجب له جزأ من الخارج
من بذره بعمله فيما هو شريك فيه وذلك فاسد وما خرج فثلثاه لصاحب ثلثي البذر وثلثه
لصاحب ثلث البذر على قدر بذرهما والأجر للعامل لأنه عمل في شئ هو شريك فيه ولا
يتصدق صاحب الثلث بشئ منه لأنه رباه في أرض نفسه وصاحب الثلثين يغرم أجر مثل
سدس الأرض للعامل لأنه استوفى منفعة ثلث نصيبه من الأرض بعقد فاسد والشركة في
الأرض لا تمنع وجوب الاجر على الشريك كما لو استأجر أحد الشريكين من صاحبه بيتا ليحفظ
فيه الطعام المشترك ثم يطيب له نصف الزرع لأنه رباه في أرضه ويبقي سدس الزرع فيستوفى
منه ربع بذره وما غرم من أجر مثل سدس الأرض ويتصدق بالفضل لأنه ربى زرعه في
29

أرض غيره في ذلك الجزء بسبب فاسد ولو اشترطا أن ثلث البذر على الدافع وثلثيه على العامل
والخارج نصفان فهو فاسد لأنه يصير كأنه قال ازرع ببذرك نصيبك على أن الخارج كله لك
وازرع نصيبي ببذري وبذرك على أن الخارج كله لي وهذه مطعونة عيسى رحمه الله والعقد
فيها فاسد على رواية الكتاب لان في الجزء المشروط على العامل من البذر استئجار الأرض
بجميع ما تخرجه وذلك فاسد فيكون للعامل ثلثا الربع وعليه سدس اجر مثل الأرض لأنه
ربى زرعه في ثلث نصيب صاحبه وذلك سدس الأرض بعقد فاسد فيلزمه اجر مثل ذلك
ويطيب له نصف الربع ويرفع من السدس الباقي ربع نصيبه من البذر وما غرم من الاجر
ويتصدق بالفضل وثلث الريع طيب للدافع لأنه رباه في أرض نفسه ولو اشترطا البقر على
الدافع والبذر على العامل والخارج نصفان فهذا فاسد لأنه يصير كأنه قال ازرع نصيبك
ببذرك وبقري على أن الخارج كله لك وازرع نصيبي ببذري وبذرك على أن الخارج كله
لي وهذا فاسد من وجهين أحدهما ما بيننا والثاني أنه جعل له بإزاء عمله في نصيبه منفعة البقر
ليعمل به في نصيب نفسه ولو كان البذر كله من العامل والبقر من الدافع والشرط أن
يكون الخارج بينهما نصفين فهو فاسد لأنه جعل بإزاء منفعة عمله في نصيب منفعة البقر له
بزراعته نصيب نفسه وذلك مفسد للزراعة ثم الخارج كله لصاحب البذر وللآخر مثل
أجر بقره واجر مثل نصف الأرض يستوفى الزارع نصف الخارج فيطيب له ويأخذ من
النصف الآخر نصف البذر ونصف أجر البقر ونصف اجر مثل الأرض ويتصدق بالفضل
وكذلك لو اشترطا الثلثين لصاحب البذر لأنه يصير كأنه قال ازرع نصيبي من الأرض
ببذرك وبقري على أن لك ثلث الخارج وقد بينا أن البقر إذا كان مشروطا على صاحب
الأرض ولا بذر من قبله أن المزارعة تكون فاسدة والله أعلم
(باب اجتماع صاحب الأرض مع الآخر على العمل والبذر مشروط عليهما)
(قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى الرجل أرضا على أن يزرعها بنفسه وبقره والبذر
بينهما نصفان والخارج بينهما نصفان فهذه مزارعة فاسدة لان الدافع يصير كأنه قال ازرع
نصف الأرض ببذري على أن الخارج كله لي وازرع نصف الأرض ببذرك على أن الخارج
كله لك وكل واحد من هذين صحيح لو اقتصرا عليه لان أحدهما استعان بالعامل والآخر
30

اعاره الأرض ولكن عند الجمع بينهما يظهر المفسد بطريق المقابلة وهو أنه لما جعل للعامل
بإزاء عمله في نصف الأرض منفعة نصف الأرض وذلك في المزارعة لا يجوز والخارج بينهما
نصفان على قدر بذرهما ولا اجر للعامل لأنه عمل في شئ هو شريك فيه فإنه ألقى في الأرض
بذرا مشتركا ثم عمل في زرع مشترك فلا يستوجب الاجر ولصاحب الأرض على العامل
نصف أجر مثل الأرض لأنه استوفى منفعة نصف الأرض بحكم عقد فاسد وقد بينا أن
الشركة في الخارج لا تمنع وجوب أجر مثل الأرض لأنه يجب اجر مثل النصف الذي هو
مشغول بزرع العامل ثم يطيب نصف الخارج لصاحب الأرض لأنه رباه في أرضه وأما العامل
فيتصدق بالفضل فيما بينه وبين ربه لأنه رباه في أرض غيره بسبب فاسد وكذلك لو اشترط
للعامل ثلثي الخارج والفاسد هنا أبين لان الدافع شرط للعامل ثلث الخارج من نصيبه
ومنفعة نصف الأرض بإزاء عمله وذلك مفسد للعقد وكذلك لو اشترط لصاحب الأرض ثلثي
الخارج لان العامل جعل له بمقابلة منفعة نصف الأرض ثلث الخارج منه وعمله في النصف
الآخر من الأرض له وكذلك لو كان البذر ثلثاه من أحدهما بعينه واشترط الربع على
قدر البذر فهو فاسد إن كان ثلثا البذر من العامل فلمقابلة منفعة ثلثي الأرض بمقابلة عمله
في ثلث الأرض لصاحبه وإن كان ثلث البذر من قبل الدافع فلمقابلة منفعة ثلث الأرض
بعمله في ثلثي الأرض لصاحبه وكذلك أن اشترطا أن الريع بينهما نصفان فهذا فاسد والفساد
هنا أبين لأنه جعل الدافع للعامل ثلث منفعة الأرض وبعض الخارج من بذره بإزاء عمله
في نصيبه أو على عكس ذلك فيكون العقد فاسدا في الوجوه كلها والخارج بينهما على قدر
البذر وإذا دفع الرجل إلى الرجل أرضا له على أن يعمل فيها رب الأرض والمدفوع إليه
سنته هذه ببذر بينهما نصفان على أن الخارج بينهما نصفان فهذا جائز لأنه اعاره نصف
الأرض ليزرعه ببذر نفسه وزرع نصف الأرض بنفسه لنفسه وكل واحد منهما صحيح
ولا يظهر فساد بالجمع بينهما ولو اشترط لرب الأرض ثلثي الخارج كان هذا فاسدا لأنه
دفع إليه نصف الأرض مزارعة بثلث ما يخرج ولكن شرط عمل رب الأرض معه وهذا
شرط يعدم التخلية بين المستأجر وبين ما أستأجر فيفسد به العقد والخارج بينهما على قدر
بذرهما ولا أجر لواحد منهما على صاحبه لأنه عمل فيما هو شريك فيه ولصاحب الأرض
على الآخر أجر مثل نصف الأرض لأنه استوفى منفعة نصف الأرض بعقد فاسد ويطيب
31

لصاحب الأرض نصيبه ويتصدق العامل بما زاد على البذر والنفقة والأجر الذي غرمه لأنه
رباه في أرض غيره بسبب فاسد ولو اشترطا الثلثين للعامل كان فاسدا أيضا لان الدافع دفع
إليه نصف الأرض مزارعة بثلث الخارج وشرط عمل نفسه معه ثم جعل له منفعة نصف
الأرض بإزاء عمله مع ما شرط له من ثلث الخارج فهذا كان فاسدا والخارج بينهما نصفان
ولا أجر لصاحب الأرض على العامل هنا لأنه ما ابتغى على منافع أرضه عوضا حين لم يشترط
لنفسه فضلا بخلاف الأول فان هناك شرط الفضل لنفسه فعرفنا ان ابتغى على منافع الأرض
عوضا ولم ينل فكان له أجر مثل نصف الأرض على صاحبه ثم يطيب لكل واحد منهما
نصيبه من الزرع لان العامل لما لم يجب عليه الاجر عرفنا أن نصف الأرض كان في يده
بطريق العارية ولا فساد في ذلك فيطيب له الخارج ولو اشترطا العمل عليهما جميعا والخارج
بينهما نصفان والبذر من المدفوع إليه خاصة فعملا أو عمل صاحب الأرض وحده جعل له منفعة
نصف الأرض بمقابلة عمله في النصف الآخر معه من الأرض وشرط لنفسه مع ذلك منفعة
اقراض نصف البذر منه وذلك مفسد للعقد ثم الخارج كله لصاحب البذر ولصاحب الأرض
نصف اجر مثل أرضه وأجر مثل نفسه في عمله إن كان عمل لأنه لا شركة في الخارج هنا
فصاحب البذر استوفى منفعة أرضه وعمله بعقد فاسد فيجب عليه أجر المثل والله أعلم
(باب اشتراط شئ بعينه من الريع لأحدهما)
(قال رحمه الله) وإذا اشترطا أن يرفع صاحب البذر بذره من الريع والباقي بينهما
نصفان فهو فاسد أياما كان البذر لأن جواز المزارعة على قول من يجوزها لمتابعة الآثار
فأما القياس فما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله فمتى كان العقد لا على الوجه الذي ورد به
الأثر أخذ فيه بالقياس ثم المزارعة شركة في الخارج وكل شرط يؤدى إلى قطع الشركة بينهما
مع حصول الخارج في بعضه أو في كله كان مفسدا للعقد وقدر البذر من جملة الريع فان البذر
بالالقاء في الأرض يتلف فهذا الشرط يؤدى إلى قطع الشركة بينهما في بعض الريع أو في
جميعه إذا كان لا يحصل من الخارج الا قدر البذر وهذا بخلاف المضاربة لان رأس المال هنا
ليس من الربح فان بالتصرف لا يتلف رأس المال فاشتراط دفع رأس المال لا يوجب قطع
الشركة بينهما في شئ من الربح ثم اشتراطه دفع البذر هنا في كونه مخالفا لموجب العقد كاشتراط
32

كون رأس المال بينهما في المضاربة ولو اشترطا أن الربح ورأس المال كله نصفان فسد
العقد فهذا قياسه ولو اشترطا أن يرفع صاحب البذر عشر الخارج لنفسه والباقي بينهما نصفان
جاز لان هذا الشرط لا يؤدى إلى قطع الشركة في شئ من الريع بينهما مع حصول الخارج
فإنه ما من قدر يخرج الا ويبقى بعد رفع العشر منه تسعة أعشاره ثم هذا في المعنى اشتراط
خمسة ونصف من عشرة لصاحب البذر وأربعة ونصف للآخر وذلك لا يؤدى إلى قطع
الشركة في شئ من الريع وكذلك لو اشترط العشر لمن لا بذر من قبله والباقي بينهما نصفان
جاز لما قلنا ولو اشترطا رفع الخراج من الريع والباقي بينهما نصفان كان فاسدا لان الخراج
على رب الأرض وهو دراهم مسماة أو حنطة مسماة فاشتراط رفع الخراج بمنزله اشتراط
ذلك القدر من الخارج لرب الأرض وهذا شرط يؤدى إلى قطع الشركة في الريع مع
حصوله لجواز أن لا يحصل الا ذلك القدر أو دونه ولو كانت الأرض عشرية فاشترطا رفع
العشر ان كانت الأرض تشرب سحا أو نصف العشر ان كانت تشرب بدلو والباقي بينهما
نصفان فهذا جائز لان هذا الشرط لا يؤدى إلى قطع الشركة في الخارج فإنه ما من مقدار
تخرجه الأرض الا وإذا دفع منه العشر أو نصف العشر يبقى شئ ليكون مشتركا بينهما
نصفين فان حصل الخارج أخذ السلطان حقه من عشر أو نصف والباقي بينهما نصفان لأنهما
شرطا كذلك والمؤمنون عند شروطهم وإن لم يأخذ السلطان منهم شيئا أو أخذوا بعض
طعامهم سرا من السلطان فان العشر الذي شرط من ذلك للسلطان يكون لصاحب الأرض
في قول أبي حنيفة رحمه الله على قياس من أجاز المزارعة وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما
الله يكون بينهما نصفين وأصل المسألة فيما تقدم بيانه في الزكاة أن من أجر أرضه العشرية
فالعشر عند أبي حنيفة على رب الأرض وعندهما العشر في الخارج على المستأجر ففي المزارعة
رب الأرض مؤجر للأرض أو مستأجر للعامل إن كان البذر من قبله فالعشر عليه عند أبي
حنيفة في الوجهين فالمشروط للعبد مشروط لرب الأرض وعندهما العشر في الخارج فإذا
لم يأخذ السلطان منهما العشر أو أخذا بعض الطعام سرا من السلطان فالخارج بينهما نصفان
وكذلك المشروط للعشر يكون بينهما نصفين وكان ذلك مشروطا لهما ولو كان صاحبه قال
للعامل لست أدرى ما يأخذ السلطان منا العشر أو نصف العشر فإنما تلك على أن النصف لي مما
تخرج الأرض بعد الذي يأخذ السلطان ولك النصف فهذا فاسد في قياس قول أبي حنيفة
33

رحمه الله وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله هو جائز بينهما على ما قالا ومعنى هذه المسألة
أن الأرض قد تكون بحيث تكتفي بماء السماء عند كثرة الأمطار وقد تحتاج إلى أن تسقي
بالدلاء عند قلة المطر وفى مثله السلطان يعتبر الأغلب فيما يأخذ من العشر أو نصف العشر
فكأنهما قالا لا ندري كيف يكون حال المطر في هذه السنة وماذا يأخذ السلطان من الخارج
فتعاقدا على هذه الصفة ثم عند أبي حنيفة رحمه الله العشر أو نصف العشر يكون على رب
الأرض فبهذا الشرط هما شرطا لرب الأرض جزأ مجهولا من الخارج اما العشر أو نصف
العشر وذلك مفسد للعقد وعند أبي يوسف ومحمد العشر أو نصف العشر يكون في الخارج
والخارج بينهما نصفان فهذا في معنى اشتراط جميع الخارج بينهما نصفين وذلك غير مفسد
للعقد وإذا دفع إلى رجل أرضا من أرض الخراج يزرعها بنفسه وبذره وبقره فما خرج منها
دفع منه حظ السلطان وهو النصف مما تخرج وكان ما بقي بينهما لرب الأرض ثلثه وللعامل
الثلثان فهو جائز على ما اشترطا وإنما يعنى خراج المقاسمة وللامام رأى في الخراج بين خراج
المقاسمة وبين خراج الوظيفة وخراج المقاسمة جزء من الخارج حتى لا يجب الا بوجود حقيقة
الخارج بخلاف خراج الوظيفة فكان ذلك بمنزلة العشر عند أبي حنيفة وهو على رب الأرض
فالمشروط لخراج المقاسمة كأنه مشروط لرب الأرض وهذا الشرط لا يؤدي إلى قطع الشركة
وعندهما خراج المقاسمة في الخارج فيكون عليهما على قدر الخارج بينهما فكأنهما شرطا الثلث
والثلثين في جميع الخارج فيصح العقد فان أخذ السلطان من رب الأرض الخارج وترك
المقاسمة فالنصف الذي شرطاه للسلطان هو لرب الأرض والباقي بينهما على ما اشترطا
ومعنى هذا أن السلطان قد يفتح بلدة ويمن بها على أهلها ثم يتردد رأيه في توظيف خراج
المقاسمة عليهم أو خراج الوظيفة فلا يعزم على شئ من ذلك حتى يحصل الخارج أو كان جعل
عليهم خراج المقاسمة على أنه ان بدا له أن يجعل عليهم خراج الوظيفة فعل ذلك وقد يشترط
ذلك حتى لا يعطلوا الأراضي فيكون هذا من الامام نظرا لأرباب الخراج فإذا بدا له بعد
حصول الخارج أن يأخذ خراج الوظيفة فإنه يأخذ ذلك من رب الأرض ثم النصف المشروط
للسلطان يكون لرب الأرض أما عند أبي حنيفة رحمه الله فلا يشكل لان ذلك على رب الأرض
وإن كان خراج المقاسمة فالمشروط له مشروط لرب الأرض وعندهما لان بدل ذلك أخذه
السلطان من رب الأرض والغنم مقابل بالغرم فما شرط لخراج المقاسمة يكون لرب الأرض
34

بهذا الطريق وكذلك لو لم يأخذ السلطان خراجا ولا مقاسمة وترك ذلك أصلا أو أخذا شيئا
من الطعام سرا ثم قاسمهم السلطان ما بقي فأخذ نصفه فان ما أخذاه سرا لصاحب الأرض ثلثه
وللمزارع ثلثاه فقد عطف أحد الفصلين على الآخر بقوله وكذلك وجوابهما يختلف فإنه
يأخذ إذا لم يأخذ السلطان شيئا فعطف ذلك على المسألة الأولى دليل على أن المشروط لخراج
المقاسمة يكون لرب الأرض وفيما إذا أخذا شيئا من الطعام سرا نص على أنه يكون أثلاثا
بينهما ففيما ذكره في هذا النوع نوع من التشويش والحاصل أن على قول أبي حنيفة المشروط
للخراج يكون مشروطا لرب الأرض ففي الفصلين يكون النصف المشروط لخراج المقاسمة
يكون لرب الأرض والباقي بينهم أثلاثا وعند أبي يوسف ومحمد خراج المقاسمة في الخارج
الا إذا أخذ السلطان الخراج من رب الأرض فحينئذ يكون ذلك له عوضا عما أخذه السلطان
منه فإذا لم يأخذ منه شيئا أو أخذا شيئا من الطعام سرا فذلك مقسوم بينهما على أصل المشترط
لصاحب الأرض ثلثه وللمزارع ثلثاه وقد ذكر في بعض النسخ في هذا الفصل الأخير ان
ما أخذاه سرا يكون لصاحب الأرض ثلثاه وللمزارع ثلثه فعلى هذا يتفق الجواب في الفصول
الثلاثة ويتحقق العطف فان ذلك النصف لرب الأرض والثلث من النصف الباقي له فإذا أخذ
ثلثي الخارج فقد وصل إليه جميع هذا ولكن هذا الجواب بناء على قول أبي حنيفة فاما عندهما
فالتخريج ما ذكرنا وقيل بل هذا الجواب قولهم جميعا لان المقاسمة واجبة باسم الخراج
كالوظيفة والخراج مؤنة تجب على رب الأرض فالمشروط للخراج بمنزلة المشروط لرب
الأرض عندهما جميعا وكذلك لو كان البذر من صاحب الأرض والذي قلناه أولا من أن المسألة
على الخلاف هو الأصح وقد نص عليه في بعض نسخ الأصل ولو قال لا أدرى ما يأخذ السلطان
في هذه السنة المقاسمة أو الخراج فإنما تلك على أن أرفع مما تخر ج الأرض حظ السلطان
مقاسمة كان أو خراجا أو يكون ما بقي بيننا إلى الثلث ولك الثلثان فرضى المزارع بذلك فهذه
مزارعة فاسدة من أيهما كان البذر لان هذا شرط يؤدي إلى قطع الشركة في الخارج مع
حصول الخارج عشرا بان يأخذ السلطان خراج الوظيفة ويكون الخارج بقدر ذلك أو دونه
ثم الريع كله لصاحب البذر كما هو الحكم في المزارعة الفاسدة والخراج والمقاسمة أيهما كان
على صاحب الأرض لما بينا أن الخراج مؤنة للأرض فيكون على صاحب الأرض ثم إن كان
البذر من قبل صاحب الأرض فهو مستأجر للعامل ولو عمل بنفسه كان الخراج عليه فكذلك
35

إذا استأجر العامل فيه وإن كان البذر من قبل العامل قرب الأرض مؤجر للأرض ومنفعة
الأرض تحصل له بهذه الإجارة كما يحصل إذا استوفاها بنفسه فيكون الخراج عليه والله أعلم
(باب ما يفسد المزارعة من الشروط وما لا يفسدها
)
(قال رحمه الله) وإذا اشترط رب الأرض على العامل الحصاد فالمزارعة فاسدة من
أيهما كان البذر والأصل أن العمل الذي به تحصل الخارج أو يتربى في المزارعة الصحيحة
يكون على العامل وذلك بمنزلة الحفظ والسقي إلى أن يدرك الزرع لان المزارعة على قول
من يجيزها شركة في الخارج ورأس مال العامل فيها عمل مؤثر في تحصيل الخارج كما في
المضاربة وما يكون من العمل بعد الادراك التام إلى أن يقسم كالحصاد والدياس والتذرية
يكون عليهما لان الخارج ملكهما فالمؤنة فيه عليهما بقدر الملك وما يكون من العمل بعد
القسمة كالحمل إلى البيت والطحن يكون على كل واحد منهما في نصيبه خاصة لان بالمقاسمة
تميز ملك أحدهما عن ملك الآخر فيكون التدبير في ملك كل واحد منهما إليه فإذا شرطا
الحصاد على العامل فهذا لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لاحد المتعاقدين فيفسد به العقد كما لو
شرط رب الأرض الحمل والطحن عليه في نصيب نفسه ولان المزارعة تنتهي باستحصاد
الزرع (ألا ترى) أن الزرع بعد ما استحصد لو دفعه معاملة إلى رجل ليقيم فيه هذه
الاعمال بالثلث لم يجز بخلاف ما إذا كان الزرع بقلا فدفعه معاملة إلى من يحفظه ويسقيه بالثلث
فإذا شرط الحصاد على العامل فهذا عمل شرط عليه بعد انتهاء العقد واستحقاق العمل عليه
بالعقد وكل شرط يوجب عليه عملا بعد انتهاء العقد فهو فاسد يفسد به العقد وروى بشر
وابن سماعة عن أبي يوسف ان العقد لا يفسد بهذا الشرط ولكن إن لم يشترطا فهو عليهما وان
شرطا فهو على المزارع لان العرف الظاهر أن المزارع يباشر هذه الاعمال فهذا شرط
يوافق المتعارف فلا يفسد به العقد ولكن بمطلق العقد لا يستحق عليه الا ما يقتضيه العقد
فان شرط ذلك عليه صار مستحقا بالعرف كما لو اشترى حطبا في المصر بشرط أن يوفيه في
منزله وفى المعاملة قال هذا الشرط يفسد المعاملة لأنه ليس فيه عرف ظاهر وكان نصر بن
يحيى ومحمد بن سلمة رحمها الله يقولان هذا كله على العامل شرط عليه أو لم يشرط لان فيه
عرفا ظاهرا بتناوله والمعروف كالمشروط فقد جوزنا بعض العقود للعرف وإن كان القياس
36

يأباه كالاستبضاع فهذا مثله وهذا هو الصحيح في ديارنا أيضا وكان أبو بكر محمد بن الفضل
رحمه الله إذا استفتى في هذه المسألة قال فيها عرف ظاهر ومن أراد أن لا يتعطل فعليه أن
لا يمتنع مما هو العرف وكذلك لو اشترطا شيئا من ذلك على صاحب الأرض كان العقد فاسدا
لما بينا وفى جانب رب الأرض فساد العقد بهذا الشرط على الأقاويل كلها لأنه ليس فيه
عرف ظاهر (ألا ترى) أن رجلا لو جاء إلى رجل قد صار زرعه بقلا فعامله على أن يقوم
عليه ويسقيه حتى يستحصد فما خرج فهو بينهما نصفان كان جائزا ولو عامله بعد ما استحصد
على أن يحصده ويدوسه ويذريه وينقيه ويحمله إلى منزله أو إلى موضع كذا كان العقد فاسدا
وهذا لان المزارعة على قول من يجيزها إنما تكون باعتبار الأثر والأثر إنما جاء في مزارعة يكون
للعمل فيها تأثير في تحصيل الخارج وذلك لا يوجد في الفصل الثاني وفى الفصل الأول يوجد
ذلك لان الزرع يزداد بعمل العامل بمنزلة الثمار تخرج بعمل العامل فلهذا صح العقد هناك
ولم يصح هنا ولو دفع إليه أرضا وبذرا على أن يزرعها سنته هذه على أن ما رزق الله تعالى من
شئ فهو بيننا نصفان فصار قصيلا فأرادا أن يقصلاه ويبيعاه فحصاد القصيل وبيعه عليهما لأنهما
أنهيا العقد بما عزما عليه والقصل في القصيل كالحصاد بعد الاستحصاد لأنه عمل في ملك
مشترك وليس له تأثير في زيادة الخارج فكما أن الحصاد بعد الادراك عليهما فكذلك حصاد
القصيل عليهما ويستوي إن كان البذر من قبل رب الأرض أو المزارع ولو استحصد الزرع
فمنعهم السلطان من حصاده اما ظلما أو لمصلحة رأى في ذلك أو استوفى منهم الخراج فالحفظ
عليهما لان الحفظ بعد الاستحصاد بمنزلة الحصاد فان عقد المزارعة ينتهى بالحصاد ولو دفع
إلى رجل نخلا له معاملة على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقحه على أن الخارج بينهما نصفان فهو
جائز وعلى العامل حفظه بالليل والنهار حتى يصير تمرا لان عقد المعاملة قائم بينهما ما لم يصير
تمرا والحفظ من الاعمال التي تستحق على العامل بعقد المعاملة فإذا صار تمرا فقد انتهى العقد
وبقي التمر مشتركا بينهما فكان الحفظ بعد ذلك والجداد عليهما بقدر ملكيهما فان اشترط
صاحب النخل على العامل في أصل المعاملة بعد ما يصير تمرا كانت المعاملة فاسدة لأنه شرط
لنفسه منفعة عليه بعد انتهاء العقد ولو أراد في المعاملة الصحيحة ان يجداه بسرا فيبيعانه أو
يلقطانه رطبا فيبيعانه فان اللقاط والجذاذ عليها نصفين لما بينا انهما أنهيا العقد بما عزما عليه فان
الجذاذ قبل الادراك بمنزلته بعد الادراك ولكن الحفظ على العامل ما دام في رؤس النخيل
37

حتى يصير تمرا لان عقد المعاملة بينهما باق فإنه إنما ينتهى ضمنا للجذاذ واللقاط فلا يكون
منتهيا قبله وحال قيام العقد الحفظ مستحق على العامل والله أعلم
(باب الشرط فيما تخرج الأرض وفى الكراب وغيره)
(قال رحمه الله) إذا دفع الرجل أرضا له مزارعة بالنصف سنته هذه على أن البذر من
قبل العامل فقال صاحب الأرض اكربها ثم ازرعها فقال العامل أزرعها بغير كراب
فإنه ينظر في ذلك فإن كانت تزرع بغير كراب ويحصل الريع إلا أن بالكراب أجود
فإن شاء العامل كرب وان شاء لم يكرب وان كانت لا تخرج زرعا بغير كراب لم يكن له
أن يزرع الا بكراب لان المقصود بالمزارعة تحصيل الخارج فان العمل الذي لا بد منه لتحصيل
الخارج يصير مستحقا عليه بمطلق العقد وما يحصل الخارج بدونه لا يصير مستحقا عليه الا
بالشرط لان بمطلق العقد يستحق المعقود عليه بصفة السلامة ولا يستحق صفة الجودة الا
بالشرط فإذا كانت تلك الأرض بحيث لا يحصل ريعها الا بكراب فهذا عمل لا بد منه فيصير
مستحقا على العامل بمطلق العقد الا ان شاء أن يدع الزرع لان البذر من قبله فلا يكون العقد
لازما في حقه قبل القاء البذر في الأرض وإن كان الريع يحصل بغير كراب ومع الكراب
يكون أجود ولكن صفة الجودة لا تستحق بمطلق العقد وبدون الكراب صفة السلامة
تحصل في الريع فيتخير العامل لذلك وان كانت تخرج بعد الكراب شيئا قليلا نظرت فيه فإن كان
مما يقصد الناس ذلك بالزراعة تخير المزارع في الكراب وإن كان ذلك شيئا لا يقصده
الناس بالعمل يجبر على الكراب لان مطلق العقد يتقيد بالمتعارف ولان ما لا يقصد تحصيله
بالزراعة عادة يكون معينا وقضية عقد المعاوضة صفة السلامة عن العيب فيصير الكراب
مستحقا على العامل لتحصيل صفة السلامة لصاحب الأرض في نصيبه من الخارج وإذا كان
يخرج بغير كراب ما يقصد بالزراعة فأدنى السلامة يحصل بغير كراب والا على لا يصير
مستحقا الا بالشرط وكذلك أن زرع ثم قال لا أسقي ولكن أدعها حتى تسقيها السماء فإن كانت
تكتفي بماء السما إلا أن السقي أجود للزرع لم يجبر على السقي وان كانت مما لا يكفيه
سقي السماء أجبر على السقي وكذلك لو كان البذر من قبل صاحب الأرض في جميع ذلك
للمعنى الذي قلنا ولو دفع إليه أرضا وبذرا على أن يكربها ويزرعها سنته هذه بالنصف فأراد أن
38

يزرعها بغير كراب فليس له ذلك ويجبر على الكراب سواء كان البذر من قبل المزارع أو من
قبل رب الأرض لان أصل الريع وإن كان يحصل بغير كراب فمع الكراب أجود وصفة
الجودة تصير مستحقة بالشرط كصفة الجودة في المسلم فيه وصفة الكتابة والحبر في العبد
تصير مستحقة بالشرط وإن كان لا يستحق بمطلق العقد وكذلك لو شرط في المسلم فيه أن يوفيه
في مصر كذا فله أن يوفيه في أي ناحية من نواحي المصر شاء وان شرط عليه أن يوفيه في
منزله في المصر فليس له أن يوفيه في موضع آخر إلا أن يكون الريع يحصل بالكراب وغير
الكراب على صفة واحدة فحينئذ لا يعتبر هذا الشرط لأنه غير مفيد وكذلك أن كان الكراب
بحيث يضر بالزرع وقد يكون ذلك عند قوة الأرض فان الكراب يحرق الأرض والزرع
وإذا كان بهذه الصفة فليس على المزارع أن يكربها لان اعتبار الشرط للمنفعة لا للضرر
واشتراط التثنية على المزارع في المزارعة يفسد العقد قال لأنه يبقى منفعتها في الأرض بعد
مضى السنة بخلاف الكراب فإنه لا تبقي منفعته في الأرض بعد مضي السنة فاشتراطه لا يفسد
المزارعة وتكلموا في تفسير التثنية فقيل المراد أن يكربها مرتين ثم يزرع فعلى هذا اشتراط
التثنية في ديارنا لا يفسد المزارعة لأنه لا تبقى منفعتها بعد مضى السنة وفى الديار التي تبقى
منفعتها في الأرض بعد سنة ان كانت المزارعة بينهما سنة واحدة يفسد بهذا القد لأنه
لا تبقى منفعتها في الأرض بعد المدة وقيل معنى التثنية أن يكربها بعد ما يحصد الزرع فيردها
مكروبة وهذا الشرط مفسد للعقد لان المزارعة تنتهي بادراك الزرع فقد شرط عليه عملا بعد
انتهاء العقد وفيه منفعة لرب الأرض وقيل معنى التثنية أن يجعلها جداول كما يفعل بالمبطخة
فيزرع ناحية منها ويبقى ما بين الجداول مكروبا فينتفع رب الأرض بذلك بعد انتهاء المزارعة
وهذا مفسد للعقد والحاصل انه متى شرط على العامل ما تبقي منفعته لرب الأرض بعد مضى
المدة فالمزارعة تفسد به كما لو شرط عليه أن يكرب أنهارها والمزارعة بينهما سنة واحدة فان
كرب الأنهار تبقي منفعتها بعد انقضاء السنة وكذلك لو شرط عليه اصلاح مشاربها أو بناء
حائط فيها أو أن يسرجنها فهذا كله مما تبقى منفعته في الأرض بعد مضى مدة المزارعة فتكون
مفسدة للمزارعة ولو دفع إليه الأرض والبذر على أن يعمل سنته هذه على أنه ان زرع بغير
كراب فللمزارع ربع الخارج وان كربها ثم زرعها فللمزارع ثلث الخارج وان كرب
وثنى ثم زرع فالخارج بينهما نصفان فهذه مزارعة جائزة على ما اشترطا لأنه ذكر أنواعا من
39

العمل وأوجب له بمقابلة كل نوع شيئا معلوما من الخارج فيصح العقد كما لو دفع ثوبا إلى
خياط فقال إن خطته رومية فلك درهم وان خطته فارسية فلك نصف درهم وهذا لان
أوان لزوم العقد من الجانبين وانعقاد الشركة بينهما في الخارج عند القاء البذر في الأرض
والكراب والتثنية كل ذلك يسبق القاء البذر فعند لزوم العقد نوع العمل معلوم وبدله معلوم
فيجوز العقد كما في مسألة الخياطة فان وجوب الاجر عند إقامة العمل وذلك عند العمل
معلوم والبدل معلوم وقال عيسى رحمه الله هذا الجواب غلط لأنه ذكر قبل هذا ان اشتراط
التثنية على المزارع يفسد العقد وهنا قد شرط عليه التثنية وضم إليه نوعين آخرين من العمل
فتمكنت الجهالة هنا في العمل ومقدار البدل عند العقد مع اشتراط التثنية فلأن يكون مفسدا
للعقد كان أولى وإن كان لا يفسد العقد إذا كربها أو زرعها بغير كراب فينبغي أن يفسد
العقد إذا ثنى لأنه تعين ذلك بعمله فكأنه شرط ذلك في الابتداء بعينه ولكن ما ذكره في
الكتاب أصح أما إذا جعلنا تفسير التثنية أن يردها مكروبة فلا حاجة إلى الفرق بين هذا
وبين ما سبق وان جعلنا تفسير التثنية أن يكربها مرتين فهناك تعين عليه التثنية بالشرط وهي
مما تبقي منفعتها بعد مضى المدة فلا يجوز أن يجبر المزارع على اقامتها وهنا لا يتعين عليه التثنية
بل يتخير هو في ذلك أن شاء فعل وان شاء لم يفعل وهذا غير مفسد للعقد كما إذا أطلق
العقد يصح ويتخير المزارع بين أن يثنى الكراب وبين أن يكربها ويدع التثنية فان زرع
بعضها بكراب وبعضها بغير كراب وبعضها بكراب وثنيان فهو جائز وما زرعها بغير كراب
فالخارج بينهما يكون أرباعا وما زرعها بكراب فهو بينهما أثلاثا وما زرع بكراب وثنيان فهو
بينهما نصفان اعتبارا للبعض بالكل وهذا لأنه لا يتعين على صاحب الأرض والبذر شرط
عقده بهذا التبعيض وهو متعارف بين الناس أن يزرع بعض الأرض بكراب وثنيان وبعضها
بكراب وبعضها بغير كراب وهذا بخلاف مسألة الخياطة فان هناك ليس له أن يخيط بعض
الثوب رومية وبعضه فارسية لان ذلك يفوت المقصود على صاحب الثوب وهذا غير متعارف
في الثوب الواحد أن يخاط بعضه رومية وبعضه فارسية بل يعد ذلك عيبا في الثوب وكذلك
لو كان البذر من قبل المزارع في جميع ذلك وكذلك لو كان الشرط أن ما زرع بكراب وثنيان
فهو بينهما نصفان فهذا والأول سواء وقد طعنوا في هذه المسألة فقالوا ينبغي أن لا يصح العقد
هنا لان كلمة من للتبعيض فقد شرط عليه أن يزرع البعض بكراب والبعض بثنيان والبعض
40

بغير كراب وذلك البعض مجهول وهذه الجهالة تفضى إلى تمكن المنازعة لأن العقد لازم من
جانب العامل أو من جانب رب الأرض إذا كان البذر من قبل العامل فينبغي أن يفسد
العقد واستدلوا على هذا بما ذكره في آخر الباب من التخيير بين أجناس البذر بهذا اللفظ
وأفسدوا العقد به لهذا المعنى إلا أنا نقول حرف من قد يكون للصلة خصوصا في موضع يكون
الكلام بدونه مختلا قال الله تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان وإذا كان حرف من صلة
كان له أن يزرع الكل بأي نوع من الاعمال الثلاثة شاء فهذه المسألة والأولى سواء والفرق
بين هذا وبين التخيير في جنس البذر بهذا اللفظ نذكره في آخر الباب ولو دفع إليه الأرض
على أن يزرعها ببذره سنته هذه على أن يزرعها حنطة فالخارج بينهما نصفان وان زرعها شعيرا
فلصاحب الأرض ثلثه وان زرعها سمسما فلصاحب الأرض ربعه فهذا جائز على ما اشترطا لما
بينا ان أوان لزوم العقد وانعقاد الشركة عند القاء البذر في الأرض وعند ذلك المعقود عليه
معلوم والبذر معلوم والجهالة قبل ذلك لا تفضى إلى المنازعة وان زرعها بعضها حنطة وبعضها
شعيرا وبعضها سمسما فذلك جائز في كل نوع على ما اشترطا اعتبارا للبعض بالكل لأنه لما
رضى رب الأرض بان يزرع كلها على صفة يكون راضيا بان يزرع بعضها على تلك الصفة وبذلك
البذر كما في المسألة الأولى وكذلك لو دفع إليه أرضا ثلاثين سنة على أن ما زرع فيها من حنطة
أو شعير أو شئ من غلة الصيف أو الشتاء فهو بينهما نصفان وما غرس فيها من نخل أو شجر أو
كرم فهو بينهما أثلاثا فلصاحب الأرض الثلث وللعامل الثلثان فهو بينهما على ما اشترطا سواء
زرع الكل على أحد النوعين أو زرع بعضها وجعل في بعضها كرما قال ولا يشبه البيوع في
هذا الإجارات والإجارات في مثل هذا تجوز وذكر حماد عن إبراهيم رحمه الله قال سألته
عن الأجير أقول له ان عملت في كذا كذا فبكذا وان عملت كذا فبكذا فقال لا بأس به إنما
يكره ذلك في البيوع قيل معنى هذا الفرق أن في البيوع إذا اشترى أحد شيئين وسمي لكل
واحد منهما ثمنا ولم يشترط الخيار ثلاثة أيام لواحد منهما كان العقد فاسدا وفى الإجارات يكون
العقد صحيحا بدون شرط الخيار كما في مسألة الخياطة والمزارعة لان الثمن في البيع يجب بنفس
العقد والعقد يلزم بنفسه فإذا لم يشترط الخيار فيه كان المعقود عليه مجهولا والثمن مجهولا عند
لزوم العقد وهذه الجهالة تفضى إلى المنازعة وفى باب المزارعة العقد لا يلزم من جانب من
البذر من قبله قبل القاء البذر في الأرض وفى الإجارة العقد وإن كان يلزم بنفسه ولكن البدل
41

لا يجب الا بالعمل وعند ذلك العمل والبدل معلوم وجهالة صفة العمل قبل ذلك لا تفضى الا
المنازعة وقيل بل مراده من هذا الفرق أن في البيع إذا قال إلى شهر بكذا أو إلى شهرين بكذا
فهذا يكون مفسدا للعقد لجهالة مقدار الثمن عند وجوبه بالعقد وفى الإجارة وجوب البدل عند
إقامة العمل وكذلك في المزارعة انعقاد الشركة عند القاء البذر في الأرض وعند ذلك هو معلوم
وفى بعض النسخ قال ولا يشبه هذا البيوع والإجارات فهو إشارة إلى الفرق بين المزارعة والبيع
والإجارة إذ في المزارعة له أن يزرع بعضها حنطة وبعضها شعيرا وفى الإجارة في مسألة الخياطة
ليس له مثل ذلك وكذلك في البيع إذا اشترى أحد الثوبين على أنه بالخيار يأخذ أيهما شاء وسمى
لكل واحد منهما ثمنا ليس له أن يلتزم العقد في نصف كل واحد منهما لما في التبعيض في البيع
والإجارة من الضرر على البائع وعلى صاحب الثوب وذلك لا يوجد في المزارعة لأنه ليس في
زرعه البعض حنطة والبعض شعيرا معنى الاضرار بصاحب الأرض ثم فرق أبو يوسف رحمه
الله ومحمد رحمه الله بين الإجارة والمزارعة فيما إذا استأجر بيتا على أنه ان قعد فيه طحانا فله عشرة
دراهم وان قعد يبيع الطعام فيه فاجره خمسة دراهم فالعقد فاسد في قولهما وهو قول
أبي حنيفة الأول رحمه الله وقد بينا المسألة في الإجارات والفرق لهما بين هذه المسألة وبين
مسألة المزارعة ان هناك يجب الاجر بالتخلية وإن لم يسكنها المستأجر وعند التخلية مقدار
ما يجب عليه من الاجر مجهول وأما في المزارعة فالشركة لا تنعقد الا بالقاء البذر في الأرض
وعند ذلك حصة كل واحد منهما معلومة فيكون هذا قياس مسألة الخياطة الرومية والفارسية
على ما بينا ولو دفع إليه أرضا مزارعة على أن يزرعها ببذره وبقره وعمله على أن يزرع بعضها
حنطة وبعضها شعيرا وبعضها سمسما فما زرع منها حنطة بينهما نصفان وما زرع منها شعيرا
فلرب الأرض ثلثه وما زرع منها سمسما فلرب الأرض منه ثلثاه وللعامل ثلثه فهذا فاسد
كله لأنه نص على التبعيض هنا وذلك البعض مجهول في الحال وكذلك عند القاء البذر في
الأرض لأنه إذا زرع بعضها حنطة فلا يعلم ماذا يزرع في ناحية أخرى منها فكان العقد فاسدا
لهذا وعند فساد العقد الخارج كله لصاحب البذر وقد بينا حكم المزارعة الفاسدة وهذا بخلاف
الأول فان هناك حرف من صلة فله أن يزرع الكل شعيرا ان شاء وحنطة ان شاء وهنا
نص على التبعيض فليس له أن يزرعها كلها أحد الأصناف وكذلك لو قال خذها على أن
ما زرعت منها حنطة فالخارج بيننا نصفان وما زرعت منها شعيرا فلي ثلثه ولك ثلثاه وما
42

زرعت منها سمسما فلي ثلثاه ولك ثلثه فالعقد فاسد وهذه المسألة هي التي استشهد بها الطاعن
قال على القمي رحمه الله وجدت في بعض النسخ العتيقة في هذه المسألة زيادة أنه قال على
أن يزرع كل ذلك فيها فعلى هذا لا حاجة إلى الفرق بينه وتبين من هذه الزيادة ان مراده
من حرف من التبعيض فهو وما لو نص على التبعيض سواء وأما على ما ذكره في ظاهر
الرواية فوجه الفرق بين هذا وبين ما سبق أن الجهالة هنا تتمكن في صلب العقد لان الجهالة
في البذر فلا بد من بيان جنس البذر في عقد المزارعة وكذلك الاجر لا يصير معلوما الا ببيان
جنس البذر فكانت الجهالة متمكنة في صلب العقد فيفسد به العقد فأما في مسألة الكراب
والثنيان فالجهالة لم تتمكن في صلب العقد فالعقد بينهما صحيح بدون ذلك فلهذا لم تكن الجهالة
المتمكنة بذكر حرف التبعيض مفسدة للعقد هناك يوضح الفرق أن الكراب والثنيان
كل ذلك يسبق القاء البذر في الأرض وانعقاد الشركة عند القاء البذر وعند ذلك البعض
الذي ثنى والبعض الذي كرب معلوم فيجوز العقد وأما هنا عند القاء أحد الأصناف من البذر
في ناحية من الأرض العقد في الناحية الأخرى مجهول في حق جنس البذر وجنس البدل فلهذا
فسد العقد بهذا الشرط ولو دفع الأرض إليه ليزرعها ببذره على أنه ان زرعها حنطة فالخارج
بينهما نصفان وان زرعها شعيرا فالخارج للعامل فهذا جائز لأنه خيره بين المزارعة والإعارة
فاشتراط الخارج كله للعامل يكون إعارة للأرض منه وذلك صحيح واشتراط المناصفة بينهما
في الخارج من الحنطة يكون مزارعة صحيحة ولا يتولد من ضم أحدهما إلى الآخر سبب
مفسد وان سمى الخارج من الشعير لنفسه جاز في الحنطة ولم يجز في الشعير وهي مطعونة
عيسى رحمه الله على ما بينا وإذا دفع الأرض إلى صاحب البذر على أن الخارج كله لصاحب
الأرض إلا أنه ما جعل أحد العقدين مشروطا في الآخر ولكنه عطف أحدهما على الآخر
ففساد أحدهما لا يمنع صحة الآخر فان زرعها حنطة فالخارج بينهما نصفان وان زرعها شعيرا
فالخارج لصاحب البذر كما هو الحكم في المزارعة الفاسدة ولو دفع إليه أرضا وكر حنطة وكر
شعير على أنه ان زرع الحنطة فيها فالخارج بينهما نصفان والشعير مردود عليه وان زرعها
الشعير فالخارج لصاحب الأرض ويرد الحنطة كلها فهو كله جائز على ما اشترطا لأنه استعان
بالعامل في أحد العقدين واستأجره بنصف الخارج في الآخر وخيره بينهما وكل واحد
منهما صحيح عند الانفراد ولو اشترط الخارج من الشعير للعامل جاز أيضا لان اشتراط
43

جميع الخارج له يكون اقراضا منه وقد بينا هذا أنه بانفراده صحيح فكذلك عند التخيير
بينه وبين المزارعة ولو دفع إليه الأرض وحدها على أنه ان زرعها حنطة فالخارج بينهما نصفان
وان زرعها شعيرا فالخارج كله للعامل وان زرعها سمسما فالخارج كله لصاحب الأرض فلهذا
جاز في الحنطة والشعير على ما قالا لأن العقد في الحنطة مزارعة صحيحة بينهما في النصف وفى
الشعير إعارة للأرض من العامل وهو صحيح أيضا وأما في السمسم فلا يجوز لان في السمسم
يكون دفعا للأرض مزارعة بجميع الخارج وهي مطعونة عيسى رحمه الله لما بينا ولو كان البذر
من صاحب الأرض جاز في جميع ذلك على ما قالاه لأنه في الحنطة العقد مزارعة صحيحة
وفي السمسم استعانة بالعامل وفي الشعير اقراض للبذر منه وإعارة للأرض وكل واحد
صحيح عند الانفراد فكذلك إذا خيره بين هذه الأنواع لأنه ما جعل البعض مشروطا في
البعض إنما عطف البعض على البعض فلا يتولد من هذا العطف معنى يفسد به العقد والله أعلم
(باب العذر في المزارعة والاستحقاق)
(قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى الرجل أرضه سنته هذه على أن يزرعها ببذره
ونفقته بالنصف فلما تراضيا على ذلك أراد صاحب الأرض أن يأخذ أرضه قبل أن يعمل فيها
الذي قبضها شيئا وبعد ما كربها وحفر أنهارها وسوى مساقيها لم يكن له ذلك لأنه مؤاجر
لأرضه ولا يحتاج في المضي على هذا العقد إلى اتلاف شئ من ملكه فيلزم العقد بنفسه في
حقه كما لو أجرها بدراهم لم يكن له أن يفسخها الا بعذر الدين فان حبس في الدين ولا وفاء
عنده الا من ثمن الأرض فحينئذ يكون هذا عذرا لصاحب الأرض في فسخ المزارعة وبيع
الأرض في الدين لان في المضي على أن هذا العقد يلحقه ضرر في نفسه وإذا كان الضرر الذي
يلحقه في ماله يدفع صفة اللزوم فالضرر الذي يلحقه في النفس وهو الحبس في الدين أولى
(ألا ترى) أن العقد قد تمتنع صحته في الابتداء لدفع الضرر فان من باع جذعا من سقف
لا يمكنه تسليمه الا بضرر لا يجوز البيع ولو أجر ما يلحقه ضرر في تسليمه لا يلزمه الإجارة
فكذلك تنعدم صفة اللزوم بعذر الدين لدفع الضرر فان باعها بعد الدين لم يكن عليه من نفقة
العامل شئ لأنه لم يزد فيها مالا متقوما من عنده والذي أتى به مجرد المنفعة والمنفعة لا تتقوم الا
بالتسمية والعقد المسمى بمقابلة المنفعة هنا جزء من الخارج فإن لم يحصل الخارج بأن لم يزرع
44

أصلا لا يستوجب شيئا آخر ولان المزارع عامل لنفسه لان أستأجر الأرض ليقيم العمل
فيها لنفسه والعامل لنفسه لا يستوجب الاجر على غيره وإن لم يأخذها حتى زرعها فنبت الزرع
ولم يستحصد حتى حبس القاضي رب الأرض في الدين فأراد أن يأخذها ليبيعها فليس له
ذلك لان المزارعة تأكدت بالقاء البذر في الأرض والشركة انعقدت بينهما في الخارج وفى
البيع اضرار بالعامل في ابطال حقه في الزرع وفى التأخير إلى أن يستحصد الزرع ضرر بالغرماء
فان نصيب رب الأرض من الزرع يباع في دينهم أيضا وما فيه من النظر للكل يترجح
على ما فيه اضرار بالبعض ولئن كان في التأخير أضرار بالغرماء فضرر التأخير دون ضرر الابطال
وإذا لم يكن بد من الحاق الضرر بأحدهما ترجح أهون الضررين وإذا علم القاضي ذلك أخرجه
من السجن لأنه إنما يحبسه ليقضي دينه إذا كان متمكنا منه فإذا لم يكن عنده وفاء الا من ثمن
الأرض وهو غير متمكن من بيعها شرعا لم يكن ظالما في تأخير قضاء الدين وإنما يحبس الظالم
(ألا ترى) أن المديون إذا ثبت افلاسه عند القاضي أخرجه من السجن فهنا أيضا يخرجه
حتى يستحصد الزرع ولا يحول بين صاحب الدين وبين ملازمته كما في المفلس لجواز أن
يحصل في يده مال فإذا كان ملازما له أخذ ذلك المال بحقه والمال غاد ورائح فإذا استحصد
الزرع رد في الحبس حتى يبيع الأرض ونصيبه من الزرع لان المزارعة قد انتهت وتمكن
من قضاء الدين ببيع ملكه فيحبسه لذلك ولو كان دفع الأرض مزارعة ثلاث سنين فلما ثبت
الزرع لم يستحصد حتى مات رب الأرض فأراد ورثته أخذ أرضهم فليس لهم ذلك استحسانا
ولكن الأرض تترك في يد الزارع حتى يستحصد الزرع وفي القياس المزارعة تنتقض بموت
رب الأرض لأنها إجارة وإنما يستحق على رب الأرض بعقده ما يحدث على ملكه من
المنفعة فالمنفعة بعد الموت إنما تحدث على ملك الورثة ولم يوجد من جهتهم الرضا بذلك وفى
الاستحسان العقد يبقى بينهما لدفع الضرر عن المزارع فان في قلع الزرع من الضرر عليه
ما لا يخفى وكما يجوز نقض الإجارة لدفع الضرر يجوز ابقاؤها بعد ظهور سبب النقض لدفع
الضرر (ألا ترى) أن الإجارة تعقد ابتداء لدفع الضرر فان المستعير للأرض إذا زرعها ثم
بدا للمعير أن يستردها لم يكن له ذلك وتترك في يد المستعير باجر المثل إلى وقت ادراك
الزرع وكذلك إذا انتهت مدة إجارة الأرض والزرع يقل فإنها تترك إلى وقت الادراك
باجر المثل وهذا لأنه كان محقا في المزارعة في الابتداء فلا يقلع زرعه ويعقد بينهما عقد
45

الإجارة لدفع الضرر فكذلك هذا كان محقا في الابتداء فتبقي الإجارة لدفع الضرر وهو نظير
ما تقدم فيما إذا مات المكارى في طريق الحج أو مات صاحب السفينة والسفينة في لجة البحر
فإذا استحصد الزرع أخذوها وقد انتقضت الإجارة فيما بقي من السنين ولو مات قبل أن
يزرع انتقضت المزارعة وأخذ الوارث الأرض لأنه لا حاجة إلى ايفاء العقد هنا فان العقد
ما تأكد بالزراعة وليس في اعمال سبب النقض ابطال حق العامل عن الزرع ثم لا شئ على
الوارث من نفقة العامل لان المنافع لا تتقوم الا باعتبار التسمية والمسمي بمقابلة منفعة الأرض
جزء الخارج ولم يحصل ولو كان الوقت سنة واحدة فاجر العامل الزرع حتى زرع في آخر
السنة لم يمنع لان المزارعة باقية بينهما ببقاء شئ من المدة فان انقضت المدة والزرع بقل بعد
فالزرع بين العامل ورب الأرض نصفان كما كان الشرط بينهما والعمل فيما بقي عليهما لان
العمل كان على المزارع في المدة وقد انتهت المدة والعمل بعد ذلك يكون باعتبار الشركة في
الزرع وهما شريكان في الزرع فالعمل والمؤنة عليهما كنفقة العبد المشترك بينهما إذا كان
عاجزا عن الكسب وعلى العامل اجر مثل نصف الأرض لان المزارعة لما انتهت لم يبق
للعامل حق في منفعة الأرض وهو يستوفى منفعة الأرض بتربية نصيبه من الزرع فيها إلى
وقت الادراك فلا يسلم له ذلك بل عليه اجر مثل نصف الأرض لصاحبها كما لو كان استأجرها
بدراهم والزرع بقل كان عليه اجر مثلها إلى وقت الادراك بخلاف ما تقدم من موت رب
الأرض لان هناك بقي العقد بينهما ببقاء المدة ومنفعة الأرض كانت مستحقة في المدة فإذا
لم يعلم سبب التقضى بقي العقد كما كان فلا يلزمه اجر وهنا العقد ما تناول ما وراء المدة المذكورة
فالمنفعة فيما وراء المدة لا تسلم له الا باجر المثل فان أراد رب الأرض أن يأخذ الزرع بقلا لم
يكن له ذلك لما فيه من الاضرار بالعامل في ابطال حقه وهو كان محقا في الزراعة فيجب دفع الضرر
عنه وإذا كان يسلم لرب الأرض اجر مثل نصف الأرض كان هو في المطالبة بالقلع متعنتا قاصدا
للاضرار به فيرد عليه قصده وان أراد العامل أن يأخذه بقلا فله ذلك لأنه إنما كان يترك لدفع
الضرر عنه وقد رضي بالتزام الضرر ولأنه ناظر لنفسه من وجه فإنه يمتنع من التزام أجر مثل
نصف الأرض مخافة أن لا يبقى نصيبه بذلك ثم يقال لصاحب الأرض اقلعه فيكون بينكما أو
اعطه قيمة حصته منه أو أنفق على الزرع كله وارجع بحصته مما ينفق نصيبه لأنه زرع مشترك
بينهما في أرض أحدهما فلصاحب الأرض أن يتملك على شريكه نصيبه بقيمته كما في البناء
46

والأشجار المشتركة بينهما في ملك أحدهما وهذا لان المزارع لما رضى بالقلع فقد رضي بسقوط
حقه عن حصته مجانا فيكون أرضى بذلك إذا وصل إليه قيمة حصته أو رضى بقيمة حصته
بعد القلع لان أكثر ما فيه أن يبيع نصيبه مقلوعا وقيمة حصته قبل القلع أكثر فلصاحب
الأرض أن يعطيه ذلك أن شاء وان شاء ساعده على القلع فيكون المقلوع بينهما وان شاء
أنفق على الزرع كله لأنه محتاج إلى ابقاء حقه في نصيبه من الزرع حتى يستحصد ولا يتوصل
إلى ذلك الا بالانفاق فيكون له أن ينفق على الزرع كله بمنزلة العبد المشترك إذا كان عاجزا
عن الكسب لصغره وزمانة به وأحدهما غائب فللآخر أن ينفق عليه ولا يكون متبرعا في
نصيب الآخر بل يرجع عليه بما ينفق في نصيبه فهذا مثله إلا أنه لا يرجع الا بقدر نصيبه
حتى إذا كان نصيبه من النفقة أكثر من نصيبه من الزرع لم يرجع عليه بالفضل لان العامل
ما كان مجبرا على الانفاق فلا يكون له أن يلزمه الزيادة على نصيبه وإنما يرجع في نصيبه
باعتبار أن سلامة ذلك له بما أنفق وهذا المعنى لا يوجد فيما زاد على قيمة نصيبه من النفقة ولان
حق الانفاق إنما يثبت له باعتبار النظر منه لنفسه لا على سبيل الاضرار به وذلك يختص
بمقدار نصيبه من الزرع ولو كان البذر من صاحب الأرض فبدا له أن لا يزرع بعد ما كربها
العامل وحفر أنهارها كان له ذلك لأنه يتضرر بالمضي على العقد من حيث اتلاف البذر بالقائه
في الأرض ولا يعلم أيحصل الخارج أم لا ثم لا شئ عليه للعامل على ما بينا ان المنافع لا تقوم
الا بالتسمية والمسمى للعامل بإزاء عمله بعض الخارج ولم يحصل الخارج قال مشايخنا رحمهم الله
وهذا الجواب في الحكم فاما فيما بينه وبين ربه يعنى بأن يعطى العامل أجر مثل عمله لأنه إنما
اشتغل بإقامة العمل ليزرع فيحصل له الخارج فإذا أخذ الأرض بعد إقامة هذه الاعمال كان
هو غارا للعامل ملحقا الضرر به والغرور والضرر مدفوع فبقي بان يطلب رضاه وإن كان قد
زرع وصار الزرع بقلا لم يكن لصاحب الأرض اخراج العامل منه وان لحقه دين لا وفاء
عنده الا من ثمن هذه الأرض ولكنه يخرج من الحبس حتى يستحصد الزرع لأن العقد
تأكد بالقاء البذر في الأرض وانعقدت الشركة في الخارج وفى البيع اضرار بالمزارع من
حيث ابطال حقه في نصيبه من الزرع وهذا نظير الفصل الأول كما بينا ولو مات رب الأرض
عمل المزارع على حاله حتى يستحصد الزرع لما بينا من وجه الاستحسان في الفصل الأول ولو
انقضت السنة والزرع لم يحصد ترك في الأرض على حاله حتى يستحصد لأنه كان محقا في
47

المزارعة في الابتداء فلا يجوز أن يقلع زرعه قبل الاستحصاد والنفقة عليهما نصفان لان
الزرع بينهما نصفان واستحقاق العمل على العامل كان في المدة خاصة وعلى المزارع أجر مثل
نصف الأرض لأنه يستوفى منفعة نصف الأرض لتربية حصته فيها إلى وقت الادراك فان
أنفق أحدهما بغير أمر صاحبه ولا أمر قاض فهو متطوع في النفقة لان كل واحد منهما
غير مجبر على الانفاق فكان المنفق منهما متطوعا كالدار المشتركة بينهما إذا اشتريت فأنفق
أحدهما في مرمتها بغير أمر صاحبه كان متطوعا في ذلك ولو دفع إليه أرضا وبذرا على أن
يزرعها سنته هذه على أن الخارج بينهما نصفان فزرعها ولم يستحصد حتى هرب العامل
فأنفق صاحب الأرض بأمر القاضي على الزرع حتى استحصد ثم قدم المزارع فلا سبيل له
على الزرع حتى يوفى صاحب الأرض جميع نفقته أولا لقول القاضي لا نأمره بالانفاق حتى
يقيم البينة عنده على ما يقول لأنه يدعى ثبوت ولاية النظر للقاضي في الامر بالانفاق على
هذا الزرع ولا يعرف القاضي بينته فيكلفه إقامة البينة عليه ويقبل هذه البينة منه ليكشف
الحال بغير خصم أو يكون القاضي فيه خصمه كما يكون في الانفاق على الوديعة واللقطة فإذا
أقام البينة كان أمر القاضي إياه بالانفاق كامر المودع ولو كان حاضرا فيكون له أن يرجع
عليه بجميع ما أنفق بخلاف ما سبق فرجوعه هناك بقدر حصته من الزرع لان العمل
والانفاق هناك غير مستحق على العامل وأمر القاضي إنما ينفذ على الغائب باعتبار النظر له
وذلك في مقدار حصته من الزرع لا في ايجاب الزيادة دينا في ذمته وهنا العمل مستحق على
المزارع لو كان حاضرا أجبره القاضي عليه فيعتبر أمره في اثبات حق الرجوع عليه بجميع
النفقة ولا سبيل على الزرع حتى يوفيه نفقته لان نصيبه من الزرع إنما هو بالانفاق فيكون
محبوسا بما أنفق كالآبق يحبس بالجعل ولأنه استفاد نصيبه من جهة رب الأرض بهذه النفقة
فيكون بمنزلة المبيع محبوسا عنه بالثمن فان اختلفا في النفقة فالقول قول المزارع مع يمينه كما لو كان
هو الذي أمره بالانفاق وهذا لان رب الأرض يدعي عليه زيادة فيما استوجبه دينا في ذمته وهو
منكر لذلك وإنما يحلف على العلم لأنه استحلاف على فعل باشره غيره وهو الانفاق الذي كان
من صاحب الأرض ولو لم يهرب ولكن انقضت مدة المزارعة قبل أن يستحصد الزرع والمزارع
غائب فان القاضي يقول لصاحب الأرض أنفق عليه إن شئت فإذا استحصد لم يصل العامل إلى
الزرع حتى يعطيك نفقتك فان أبى أن يعطيك نفقتك أبيع حصته عليه من الزرع وأعطيك
48

من ثمنه حصته من النفقة فإن لم تف حصته بذلك فلا شئ لك عليه وهذا لان بعد انقضاء مدة
المزارعة المزارع لا يجبر على العمل لو كان حاضرا فامر القاضي عليه لا ينفذ الا بطريق النظر
له وذلك في أن يقصر الرجوع على مقدار حصته من الزرع وفى الزيادة على ذلك يلحقه
خسران وهو لم يرض به وبين ذلك لصاحب الأرض ليكون اقدامه على الانفاق على بصيرة
ولكن لا يكون القاضي غارا يحسب حصته من الزرع بحصته من النفقة لأنه حيى بتلك النفقة
فان أبى أن يعطى النفقة باع القاضي حصته قيل هذا بناء على قولهما فاما عند أبي حنفية فلا يبيع
القاضي حصته من ذلك لأنه لا يرى الحجر على الحر وبيع ماله عليه في دينه وقيل بل هو قولهم
جميعا لان الدين الذي لزمه تعلق بنصيبه من الزرع على معني أن سلامته له متعلقة بوصول النفقة
إلى صاحب الأرض فيباع فيه كما يباع المرهون والتركة في الدين ولا يتصدق واحد منهما بشئ
في هذه المسائل من الزرع الذي صار له لأنه لا يتمكن خبث ولا فساد في السبب الذي به سلم
لكل واحد منهما نصيبه من الزرع ولو كان البذر من العامل فزرع الأرض ثم مات المزارع قبل
أن يستحصد فقال ورثته نحن نعلمها على حالها فلهم ذلك لأنهم قائمون مقام المورث في ملك
نصيبه من الزرع فيقومون مقامه في العمل إذا اختاروا ذلك وهذا لان مقصود رب الأرض
إقامة العمل لا عين العامل (ألا ترى) أنه كان للعامل أن يستعين بهم أو بغيرهم في حياته ليقيموا
العمل فكذلك بعد وفاته إذا اختاروا العمل ولا أجر لهم في العمل لأنهم يعملون فيما لهم فيه شركه
على سبيل الخلافة عن مورثهم ولا أجر عليهم في الأرض ان عملوها بقضاء قاض أو بغير قضاء
قاض لأنهم قائمون مقام مورثهم وعقد المزارعة لم يبطل بموت مورثهم إذا اختاروا العمل وان
قالوا لا نعملها لم يجيروا على العمل لأنهم إنما يخلفون الميت في أملاكه وحقوقه وليس عليهم ايفاء
شئ مما كان مستحقا على مورثهم من ملكهم (ألا ترى) انهم لا يجبرون على قضاء ديونه من
ملكهم فكذلك لا يجبرون على إقامة العمل الذي كان مستحقا عليه بمنافعهم وقيل لصاحب
الأرض اقلع الزرع فيكون بينك وبينهم نصفين أو اعطهم قيمة حصتهم من الزرع وأنفق
على حصتهم فتكون نفقتك في حصتهم مما تخرج الأرض لان المزارعة قد انقطعت بموت
العامل إذا أبى الوارث إقامة العمل لفوات المعقود عليه لا إلى خلف وبقي الزرع مشتركا بينهما
فهو بمنزلة ما لو أنقضت مدة العمل والزرع بقل فأراد العامل أن يقلع نصيبه وقد بينا هناك أن
صاحب الأرض يتخير بين هذه الأشياء الثلاثة فهو قياسه إلا أن هناك إذا أراد صاحب الأرض
49

الانفاق فإنه يرجع بنصف النفقة في نصيب العامل وهنا يرجع بجميع النفقة في نصيب الورثة
لان هناك استحقاق العمل على العامل بمقابلة حصته من الزرع في المدة لا بعدها وقد انتهت
المدة فكانت النفقة عليهما نصفين وهنا المدة لم تنته وقد كان العمل مستحقا على المزارع بمقابلة
ما يسلم له من نصف الزرع وما كان مستحقا عليه يجب ايفاؤه من تركته ولا يسلم التركة للورثة
الا بعد ايفاء ما كان مستحقا عليه فلهذا رجع بجميع ما أنفق في حصة الورثة من الزرع فيستوفيه
ثم يعطيهم الفضل على ذلك وكذلك لو كان الذي مات رب الأرض وبقي العامل وكذلك
لو كان البذر من قبل رب الأرض ثم مات أحدهما فالامر فيه على ما بينا ان شاء المزارع إن كان
حيا أو ورثته إن كان ميتا أن يمضوا على المزارعة فذلك لهم وان أبوا خير رب الأرض
وورثته بين القلع وإعطاء قيمة حصة العامل وبين الانفاق على نحو ما ذكرنا ولو كان البذر من
العامل فلما صار الزرع بقلا انقضى وقت المزارعة فأيهما أنفق والآخر غائب فهو متطوع في
النفقة لان الغائب لو كان حاضرا لم يكن مجبرا على الانفاق فيكون صاحبه في الانفاق على
نصيبه متطوعا ولا أجر لصاحب الأرض على العامل لان اجر مثل نصف الأرض إنما يلزم
بالتزامه وهو اختياره إمساك الأرض إلى وقت الاستحصاد بعد مطالبة صاحب الأرض
بالتفريغ ولم يوجد ذلك وان رفع العامل الامر إلى القاضي وصاحب الأرض غائب فإنه يكلفه
البينة على ما ادعى لأنه ادعى ثبوت ولاية القاضي في الامر بالانفاق فلا يقبل ذلك منه الا ببينة
فان أتى بالبينة على الزرع أنه بينه وبين فلان الغائب أمره القاضي بالنفقة وان تأخرت إقامة
البينة وخيف على الزرع الفساد فان القاضي يقول له أمرتك بالانفاق ان كنت صادقا والنظر
لهذا يحصل لأنه إن كان صادقا في مقالته فالامر من القاضي في موضعه وإن كان كاذبا لم
يثبت حكم الامر لأنه عقله بالشرط فان أنفق حتى يستحصد ثم حضر رب الأرض كان
المزارع أحق بحصة رب الأرض حتى يستوفى نفقته فان بقي شئ كان لرب الأرض وان كانت
نفقته أكثر لم يرجع على رب الأرض بشئ لان أمر القاضي إنما نفذ في حق الغائب على وجه
النظر منه له وكذلك يقول له القاضي أنفق على أن تكون نفقتك في حصته من الزرع لدفع
الغرر ويجعل القاضي عليه اجر مثل نصف الأرض لان القاضي قام مقام الغائب في ما يرجع
إلى النظر له ولو كان حاضرا يلزمه أجر مثل نصف الأرض بتربية نصيبه من الزرع في
الأرض إلى وقت الادراك فكذلك القاضي يلزمه ذلك بخلاف ما لو أنفق بغير أمر القاضي
50

فان هناك ليس عن الغائب نائب ليلزمه اجر مثل نصف الأرض (ألا ترى) أنه لا يثبت له حق
الرجوع على الغائب بحصته فيما أنفق بغير أمر القاضي وثبت له حق الرجوع بحصته مما أنفق
بأمر القاضي فكذلك في اجر مثل نصف الأرض يقع الفرق بين الفصلين لهذا المعنى ولو
حضروا جميعا فقال المزارع يقلع الزرع وقال رب الأرض ينفق عليه وآخذ منك اجر مثل نصف
الأرض لم يكن له ذلك لأنه لابد أن يلزم المزارع دينا في ذمته وربما يتضرر به المزارع بأن
لا يفي نصيبه من الزرع بذلك فيكون له أن يأبى ذلك ثم يقول القاضي لصاحب الزرع إن شئت
فاقلع الزرع مع المزارع وإن شئت فاعطه نصف قيمة الزرع وإن شئت فأنفق على
الزرع كله وتكون حصته إلى حصة العامل من النفقة في حصته من الخارج ولا يجبر المزارع
على نفقة ولا أجر لان فيه اتلاف ملكه وأحد لا يجبر على ذلك وإن كان ينتفع به غيره
وان قال المزارع ينفق على الزرع وأبى ذلك صاحب الأرض وقال يقلع الزرع أمر القاضي
أن ينفق على الزرع فتكون نفقته على حصة صاحب الأرض في حصته من الزرع وعليه
أجر مثل نصف الأرض لأنه في اختيار الانفاق ناظر لنفسه ولصاحب الأرض فإنه يحي به
نصيبه من الزرع ويسلم له أجر مثل نصف الأرض وصاحب الأرض في الاباء متعنت قاصد
إلى الاضرار به فلا يلتفت القاضي إلى تعنته بخلاف الأول فان المزارع هناك يلزمه الاجر بما
اختاره صاحب الأرض من الانفاق ولو ساعده على ذلك فهو بالاباء يدفع الغرم عن نفسه وهنا
صاحب الأرض لا يلزمه شئ وكل شئ من هذا الباب أمر القاضي أحدهما بالنفقة كلها
وصاحبه غائب لم يأمره بذلك حتى تقوم البينة على الشركة فان خيف الهلاك عليه إلى أن
تقوم البينة قال القاضي أمرتك بالنفقة إن كان الامر كما وصفت وقد بينا وجه هذا ولو
كان البذر من صاحب الأرض فلما صار الزرع بقلا قال العامل لا أنفق عليه ولا أسقيه فان
القاضي يجبره على أن ينفق عليه ويسقيه لأنه التزم ذلك بمباشرة العقد طائعا فيجبر على ايفاء
ما التزمه فلو أجبره ولم يكن عنده ما أنفق أمر صاحب الأرض والبذر ان ينفق عليه ويسقيه
على أن يرجع بذلك كله على صاحبه وإن كان أكثر من نصيبه لان ذلك شئ يجبره عليه
وكل نفقة يجبر عليها صاحبها فلم ينفق فامر القاضي صاحبه بالنفقة فأنفق رجع بكلها على شريكه
هلكت الغلة أو بقيت وكل نفقة لا يجبر عليها صاحبها فأنفق شريكه بأمر القاضي فإنها تكون
في حصة الآخر فإن لم تف بها لم يكن للمنفق غير ذلك ولو أصاب الغلة آفة وتعذر عليه
51

بقاؤه للافلاس فيستحق النظرة إلى الميسرة ولا يبطل أصل الاستحقاق فيكون الآخر
كالفائت عنه شرعا فيما كان مستحقا عليه فيرجع بجميعه دينا في ذمته كما لو كان أمره بذلك
وفيما لم يكن هو مجبرا عليه لم يؤخذ منه الالتزام بمباشرة سببه وإنما يلزم القاضي ذلك على
سبيل النظر منه له ومعنى النظر إنما يتحقق إذا كان الالزام بقدر نصيبه من الغلة على وجه يبقي
ببقائه ولا يطالب بشئ بعد هلاكه فلهذا لا يعتبر أمر القاضي الا في هذا المقدار (ألا ترى)
أن عبدا صغيرا لو كان بين رجلين فقال أحدهما ليس عندي ما أنفق عليه ولا ما استرضع
به أجبره القاضي على ذلك فإن لم يقدر على ذلك وأمر شريكه فاسترضع له رجع عليه
بحصته من الاجر بالغا ما بلغ إذا كان رضاع مثله وإن كان أكثر من قيمة الصبي سواء بقي
الصبي أو هلك لأنه لما كان مجبرا على الانفاق كان أمر القاضي شريكه بالانفاق كامره لان
القاضي نائب عنه في ايفاء ما كان مستحقا عليه ودفع الظلم فيرجع عليه بنصيبه بالغا ما بلغ وبمثله
في الدابة المشتركة لما لم يكن مجبرا على الانفاق في القضاء فإذا أنفق الشريك لم يكن له أن
يرجع عليه فيما زاد على قيمة نصيبه ولا بعد هلاك الدابة فبهذا يتضح الفرق بينهما ولو أوصى
لرجل بنخل ولآخر بغلته فالنفقة على صاحب الغلة تسلم له بمقابلة ما ينفق والغرم مقابل
بالغنم فان أحاله فلم يخرج شيئا في سنته لم يجبر واحد منهما على النفقة أما صاحب النخل فلان
لا يسلم له شئ من الغلة ولأنه لا يجبر على الانفاق على ملكه في غير بني آدم وصاحب الغلة
إنما كان ينفق لتسلم له الغلة وفى هذه السنة لا يسلم له شئ من الغلة فلا يجبر على النفقة فان
أنفق عليه صاحب النخل حتى حمل لم يكن لصاحب الغلة شئ حتى يستوفى صاحب النخل
النفقة من الغلة وإن لم يخرج من الغلة فيما يستقبل مثل ما أنفق لم يكن له على صاحب الغلة
غرم نفقته وإنما نفقته فيما أخرجت النخل لان الغلة إنما حصلت بالنفقة فلا تسلم له الغلة حتى
يعطيه ما أنفق ولكن صاحب الغلة لم يكن مجبرا على الانفاق فلا يرجع بالفضل عليه
فكذلك الزرع الذي وصفنا قبل هذا. ولو أنفق عليه المزارع بأمر صاحبه رجع عليه بذلك
بالغا ما بلغ لأنه استقرض منه ما أمره بان ينفق عليه وقد أقرضه فيكون ذلك دينا عليه في
ذمته ولا سبيل على حصته من الزرع وهذا لان أمره على نفسه نافذ مطلقا فلا يتقيد بما
فيه نظر له وأمر القاضي عليه يتقيد بما فيه نظر له فيما لم يكن هو مجبرا عليه وإذا دفع الرجل
إلى رجل أرضا عشر سنين على أن يزرعها ما بدا له على أن ما أخرج الله تعالى في ذلك من
52

شئ فهو بينهما نصفان فغرسها نخلا أو كرما أو شجرا فأثمر ولم يبلغ الثمر حتى مات المزارع
أو رب الأرض فالثمر بمنزلة الزرع الذي لم يبلغ في جميع ما بينا لان لادراك الثمار نهاية معلومة
كالزرع فيبقى العقد بعد موت أحدهما إلى وقت الادراك لما فيه من النظر لهما وليس فيه
كثير ضرر على صاحب الأرض ولو مات رب الأرض وليس فيه ثمر انتقضت المزارعة
وصار الشجر بين ورثة الميت وبين المزارع نصفين فان الشجر كالبناء ليس له نهاية معلومة
في تفريغ الأرض منه وفى ابقاء العقد اضرار بصاحب الأرض وهو الوارث (ألا ترى) أن
المستعير لو زرع الأرض ثم بدا للمعير ان يستردها يبقى زرع المستعير إلى وقت الادراك
بأجر ولا يفعل مثله في الشجر والبناء فهذا مثله وكذلك لو مات المزارع وبقي صاحب
الأرض فان قال المزارع أنا آخذ من الورثة نصف قيمة الغرس لم يكن له ذلك والخيار فيه إلى
صاحب الأرض أو ورثته إن كان ميتا ان شاؤوا قلعوا ذلك وكان بينهم وان شاؤوا أعطوا
المزارع أو ورثته نصف قيمة ذلك لان الأشجار مشتركة بينهما وهي في أرض صاحب الأرض
فيكون بمنزلة البناء المشترك بينهما في أرض أحدهما والخيار في التملك بالقيمة إلى صاحب
الأرض دون الآخر لان البناء والشجر تبع للأرض حتى يدخل في البيع من غير ذكر بمنزلة
الصبغ في الثوب ولو اتصل صبغ انسان بثوب غيره كان الخيار في التملك إلى صاحب الثوب
لا إلى صاحب الصبغ وهذا لان الآخر لا يمكنه أن يتملك الأرض عليه لان الأرض أصل
فلا تصير تبعا لما هو تبع له وهو الشجر ولا في أن يتملك نصيبه من الأشجار لأنه لا يستحق
حق قرار الأشجار بهذه الأرض ولكن يؤمر بالقلع وصاحب الأرض ان تملك عليه نصيبه من
الأشجار كان ذلك مفيدا له لأنه يستحق حق قرار جميع هذه الأشجار في أرضه فلهذا كان
الخيار لصاحب الأرض وكذلك لو كانا حيين فلحق رب الأرض دين ولا وفاء عنده الا من
ثمن الأرض ولا ثمر في الشجر فان القاضي ينقض الإجارة ويجبر رب الأرض فإن شاء غرم
نصف قيمة الشجر والنخل والكرم وان شاء قلعه لان سبب الدين الفادح بقدر ابقاء العقد
بينهما فينقض القاضي الإجارة ليبيع الأرض في الدين ويكون ذلك بمنزلة انتقاض الإجارة
بموت أحدهما وكذلك لو أنقضت المدة لأن العقد قد ارتفع بانقضاء المدة وبقيت الأشجار
مشتركة بينهما في أرض أحدهما ولو كان العامل أخذ الأرض بدراهم مسماة لم يكن له
في هذه الوجوه خيار ولا لصاحب الأرض ويقال له اقلع شجرك لان الأشجار من وجه تبع
53

للأرض ومن وجه أصل ولهذا جاز بيع الأشجار بدون الأرض فلا بد من اعتبار الشبهين
فيقول لشبهه بالأصل من وجه لا يكون لصاحب الأرض أن يتملك عليه بغير رضاه إذا لم
يكن له شركة في الأشجار بمنزلة صاحب السفل لا يتملك على صاحب العلو علوه بالقيمة بغير
رضاه ولشبهه بالتبع من وجه كان له أن يتملك عليه نصيبه إذا كان شريكا له في الأشجار وهذا
لأنه إذا كان شريكا له في الأشجار فله أن يمنع شريكه من قلع الأشجار لأنه يبقى نصيبه من
الأشجار في أرض نفسه فلا يكون لاحد أن يبطل هذا الحق عليه بالقلع بغير رضاه ولا
يتمكن من قلع نصيب نفسه خاصة لان ذلك لا يكون الا بعد القسمة ولا تتحقق القسمة
بينهما ما لم تقلع الأشجار فاما إذا كانت الأشجار كلها لأحدهما والأرض للآخر فصاحب
الأشجار متمكن من قلع أشجاره على وجه لا يكون فيه ضرر على صاحب الأرض فلهذا
لا يكون لصاحب الأرض أن يتملك عليه الأشجار بقيمتها بغير رضاه إلا أن يكون قلع ذلك
يضر بالأرض اضرارا شديدا ويكون استهلاكا وفسادا فحينئذ يكون للمؤاجر أن يغرم
للمستأجر لان صاحب الأشجار ليس له أن يلحق الضرر الفاحش بصاحب الأرض وإذا
كان في القلع ضرر فاحش فقد بعد القلع واحتبست الأشجار في ملك صاحب الأرض فتحبس
بالقيمة بمنزلة من غصب ساحة وأدخلها في بنائه فإنه يضمن القيمة وليس لصاحب الساحة أن
يأخذ الساحة لما فيه من الاضرار بصاحب البناء ولو دفع إلى رجل أرضا مزارعة سنته هذه
يزرعها ببذره وعمله على أن الخارج بينهما نصفان فكربها العامل وبناها وحفر أنهارها ثم
استحقها رجل أخذها ولا شئ للمزارع على الذي دفعها إليه من نفقته وعمله لأنه لم يزد فيها
شيئا من عنده إنما أقام العمل وقد بينا ان المنفعة إنما تتقوم بالتسمية والمسمى بمقابلة عمله بعض
الخارج وذلك لا يحصل قبل الزراعة ولان المزارعة شركة في الخارج وابتداؤها من وقت
القاء البذر في الأرض فهذه أعمال تسبق العقد فلا يستوجب بسببها شيئا على الدافع ولو
استحقها بعد ما زرعها قبل أن يستحصد فإنه يأخذ الأرض ويأمر المزارع وصاحب الأرض
أن يقلعا الزرع لأنه تبين أن الأرض كانت مغصوبة والغاصب لا يكون في الزراعة محقا
فلا يستحق ابقاء زرعه ثم المزارع بالخيار ان شاء أخذ نصف الزرع على حاله ويكون النصف
للاخر الذي دفع إليه الأرض مزارعة وان شاء ضمن الذي دفع الأرض مزارعة نصف قيمة
الزرع ثابتا في الأرض وتسلم الزرع كله لأنه مغرور من جهته حين أعطاه الأرض على أنها
54

مملكه والذي جرى بينهما عقد معاوضة فيثبت الغرور بسببه وقد استحق ابقاء نصيبه من
الزرع إلى وقت الادراك فإذا فات عليه ذلك كان له أن يرجع عليه بقيمة حصته من الزرع
نابتا في الأرض كالمشترى للأرض إذا زرعها ثم استحقت وقلع زرعه وان أخذ نصف الزرع
كان النصف الآخر للذي دفع إليه الأرض لان الاستحقاق بعقده وهو الذي عقد وقد
بينا أن الغاصب إذا أجر الدار أو الأرض فالاجر له فكذا هنا يكون نصف الزرع
للدافع دون المستحق ثم المستحق في قول أبي حنيفة يضمن نقصان الأرض للزارع خاصة
ويرجع به على الذي دفع إليه الأرض وهو قول أبى يوسف الآخر وفى قوله الأول وهو
قول محمد المستحق بالخيار ان شاء ضمن نقصان الأرض الدافع وان شاء الزارع ثم يرجع المزارع
به على الدافع وهو بناء على مسألة غصب العقار فان العقار يضمن بالاتلاف بالانفاق وفى
الغصب خلاف فالدافع غاصب والمزارع في مقدار النقصان متلف لان ذلك حصل بمباشرته
المزارعة فعند أبي حنيفة وأبى يوسف الآخر الضمان للمستحق على المتلف دون الغاصب
وعند محمد له الخيار ثم المزارع إذا ضمن يرجع بما ضمن على الدافع لأنه كان مغرورا من جهته
فإنه ضمن له بعقد المعاوضة سلامة منفعة الأرض بعمل الزراعة له ولم يسلم فيرجع عليه
بسبب الغرور كالمغرور في جارية اشتراها واستولدها يرجع بقيمة الولد الذي ضمن على البائع
ولو كان العامل غرسها نخلا وكرما وشجرا وقد كان أذن له الدافع في ذلك فلما بلغ وأثمر
استحقها رجل فإنه يأخذ أرضه ويقلع من النخل والكرم والشجر ما فيها ويضمنان للمستحق
نقصان القلع إذا قلعا ذلك بالانفاق لان النقصان إنما يتمكن بالقلع بمباشرتهما القلع فكان ضمانه
عليهما ويضمن الغارس له أيضا نقصان الأرض في قول أبي حنيفة رحمه الله وهو قول أبى
يوسف الآخر ويرجع العامل بما ضمن من نقصان القلع والغرس على الدافع وفى قول أبى
يوسف الآخر وهو قول محمد رحمهما الله للمستحق أن يضمن الدافع جميع ذلك النقصان
وهو بناء على ما بينا فان في النقصان بالغرس الغارس هو المباشر للاتلاف والدافع غاصب في
ذلك وعند محمد الغاصب ضامن كالمتلف وعند أبي حنيفة وأبى يوسف ضمان ذلك للمستحق
على المتلف دون الغاصب ثم الغارس يرجع على الدافع لأجل الغرور الذي تمكن في عقد
المعاوضة بينهما
55

(باب العذر في المعاملة)
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل نخلا له معاملة على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقحه
فما أخرج الله تعالى في شئ منه فهو بينهما نصفان فقام عليه ولقحه حتى إذا صار بسرا أخضر
مات صاحب الأرض فقد انتقضت المعاملة بينهما في القياس وكان البسر بين ورثة صاحب
الأرض وبين العامل نصفين لان صاحب الأرض استأجر العامل ببعض الخارج ولو استأجره
بدراهم انقضت الإجارة بموت أحدهما أيهما مات فكذلك إذا استأجره ببعض الخارج ثم
انتقاضها بموت أحدهما بمنزلة اتفاقهما على نقضها في حياتهما ولو نقضاه والخارج بسر كان بينهما
نصفين ولكنه استحسن فقال للعامل أن يقوم عليه كما كان يقوم حتى يدرك الثمر وان
كره ذلك الورثة لان في انتقاض العقد بموت رب الأرض اضرارا بالعامل وابطالا لما كان
مستحقا له بعقد المعاملة وهو ترك الثمار في الأشجار إلى وقت الادراك وان انتقض العقد
يكلف الجداد قبل الادراك وفيه ضرر عليه وكما يجوز نقض الإجارة لدفع الضرر يجوز ابقاؤها
لدفع الضرر وكما يجوز أن ينعقد العقد ابتداء لدفع الضرر يجوز ابقاؤه لدفع الضرر بطريق
الأولى وان قال العامل أنا آخذ نصف البسر له ذلك لان ابقاء العقد لدفع الضرر عنه فإذا
رضي بالتزام الضرر انتقض العقد بموت رب الأرض الا انه لا يملك الحاق الضرر بورثة
رب الأرض فيثبت الخيار للورثة فان شاؤوا صرموا البسر فقسموه نصفين وان شاؤوا أعطوه
نصف قيمة البسر وصار البسر كله لهم وان شاؤوا أنفقوا على البسر حتى يبلغ ويرجعوا بنصف
نفقتهم في حصة العامل من الثمر لتحقق المساواة بينهما في ملك البسر واختصاص الورثة بملك
النخل والأرض واتصال الثمر بالنخل كاتصال النخل بالأرض واتصال البناء بالأرض وقد
بينا أن هناك عقد الشركة في النخل والبناء يكون الخيار لصاحب الأرض بين هذه الأشياء
الثلاثة فهذا مثله ولو كان مات العامل فلورثته أن يقوموا عليه وان كرهه صاحب الأرض
لأنهم قائمون مقامه وفى قيامهم على النخل تحصيل مقصود رب النخل وتوفير حقهم عليهم بترك
نصيب مورثهم من التمر في النخل إلى وقت الادراك كما صار مستحقا له فلا يكون لرب
النخل أن يأبى ذلك عليهم وان قالت الورثة نحن نصرمه بسرا كان لصاحب الأرض من
الخيار مثل ما وصفنا لورثته في الوجه الأول ولو ماتا جميعا كان الخيار في القيام عليه أو تركه إلى
56

ورثة العامل لأنهم يقومون مقام العامل وقد كان له في حياته هذا الخيار بعد موت رب
الأرض فكذلك يكون لورثته بعد موته وليس هذا من باب توريث الخيار بل من باب
خلافة الوارث المورث فيما هو حق مالي مستحق له وهو ترك الثمار على النخيل إلى وقت
الادراك فان أبوا أن يقوموا عليه كان الخيار إلى ورثة صاحب الأرض على ما وصفنا في الوجه
الأول ولو لم يمت واحد منهما ولكن انقضت مدة المعاملة والبسر أخضر فهذا والأول سواء
والخيار فيه إلى العامل فإن شاء عمل على ما كان يعمل حتى يبلغ الثمر ويكون بينهما نصفين
فان في الامر بالجذاذ قبل الادراك اضرارا بهما والضرر مدفوع وقد تقدم نظيره في الزرع
إلا أن هناك العامل إذا اختار الترك فعليه نصف أجر مثل الأرض لان استئجار الأرض
صحيح فينعقد بينهما عقد الإجارة على نصف الأرض إلى وقت الادراك وهنا لا أجر على
العامل لان استئجار النخيل لترك الثمار عليها إلى وقت الادراك باطل (ألا ترى) أن من
اشترى زرعا في أرض ثم أستأجر الأرض مدة معلومة جاز ولو استأجرها إلى وقت الادراك
وجب أجر المثل ولو اشترى ثمارا على رؤس الأشجار ثم استأجر الأشجار إلى وقت
الادراك لا يجب عليه أجر وإذا ظهر الفرق ابتنى على الفرق الاخر وهو ان هناك العمل
عليهما بحسب ملكهما في الزرع لان رب الأرض لما استوجب الاجر على العامل لا يستوجب
عليه العمل في نصيبه بعد انتهاء المدة وهنا العمل على العامل في الكل لأنه لا يستوجب رب
النخيل عليه أجرا بعد انقضاء المدة كما كان لا يستوجب عليه ذلك قبل انقضاء المدة فيكون
العمل كله على العامل إلى وقت الادراك كما قبل انقضاء المدة وان أبى ذلك العامل خير رب
النخيل بين الوجوه الثلاثة كما بينا ولو لم ينقض المعاملة ولكنه لحق رب النخل دين فادح لا وفاء
عنده الا ببيع النخل وفى النخل بسرا وطلع لم يجبر على بيع النخل ويخرج من السجن حتى
يبلغ الثمر وتنقضي المعاملة ثم يعاد في السجن حتى يقضى الدين لما بينا أن في البيع قبل الادراك
ضررا بالعامل في ابطال حقه وفى الترك اضرارا بالغرماء في تأخير حقهم وبمقابلة هذا الضرر
منفعة لهم وهو ادراك نصيب غريمهم من الثمر ليباع في دينهم فيكون مراعاة هذا الجانب
أولى ولو مات أحدهما أو انقضت المدة أو لحق صاحب الأرض دين فادح وقد سقى العامل
النخل وقام عليه وحفظه إلا أنه لم يخرج شيئا انقضت المعاملة ولم يكن له من منفعته شئ على
الذي دفع إليه معاملة لان المعاملة شركة في الخارج فإذا لم يحصل الخارج بعد لم تنعقد الشركة
57

بينهما في شئ فاعتراض هذه العوارض قبل انعقاد الشركة كاعتراضها في المزارعة قبل القاء
البذر في الأرض وقد بينا أن هناك العقد ينتقض ولا شئ للعامل على رب الأرض لان
تقوم منافعه بالمسمى ولم يحصل شئ منه فهذا مثله ولو كان الطلع قد خرج وهو اسم لأول
ما يبدو مما هو أصل التمر من النخل أو صار بسرا ثم استحقت الأرض كان النخل وما
فيه للمستحق لان النخل تبع للأرض كالبناء وكما أن باستحقاق الأرض يستحق البناء
فكذلك يستحق النخل والتمر زيادة متولدة من النخل والاستحقاق بحجة البينة يثبت في
الزيادة المتصلة والمنفصلة جميعا إذا كانت متولدة ثم يرجع العامل على الذي دفع إليه النخل
معاملة باجر مثله فيما عمل لأنه كان استأجره بنصف الخارج وقد حصل الخارج ثم لم يسلم
له بالاستحقاق فيفسد العقد ويبقي عمله مستوفى بعمل فاسد فيستوجب أجر المثل كما لو
استأجره للعمل بشئ بعينه فاستحق بعد ما أقام العمل ولو دفع إلى رجل زرعا له في أرض
قد صار بقلا معاملة على أن يقوم عليه ويسقيه حتى يستحصد فما خرج منها فهو بينهما نصفان
فهو جائز بالقياس على دفع النخيل معاملة لان الحب يتولد من النبات بعمل العامل كالتمر
من النخيل ولان الريع يحصل بعمله هنا فهو بمنزلة دفع الأرض والبذر مزارعة بل هذا
أقرب إلى الجواز من ذلك لأنه أبعد من الغرر فهناك لا يدرى أيكون الزرع أولا وهنا
الزرع ثابت فالظاهر أن يحصل الريع بعمله إلا أن يصيبه آفة وإذا جاز العقد ثمة فهنا أولى
فإذا قام عليه حتى أنقعد حبه ولم يستحصد حتى مات أحدهما فالعامل أو ورثته بالخيار ان شاء
مضي على العمل حتى يستحصد فيكون الخارج بينهما علي الشرط وان شاء نقض المعاملة
لان العامل استحق بتربية نصيبه من الزرع إلى وقت الادراك ووارثه يخلفه في ذلك وان
اختار نقض المعاملة فله ذلك لان ابقاء العقد بعد موت أحدهما كان لدفع الضرر عنه ثم
يخير صاحب الزرع أو وارثه بين القلع وبين اعطاء قيمة نصيب العامل يومئذ وبين الانفاق
على الزرع حتى يستحصد ثم يرجع بنصف نفقته من حصة العامل لأنه شريك في التبع
وهو مختص بملك الأصل وكذلك لو ماتا جميعا ولو لم يمت واحد منهما وكان دفعه إليه أشهرا
معلومة فانقضت قبل أن يستحصد الزرع فالزرع بينهما والنفقة عليهما وعلى العامل أجر
مثل نصف الأرض وقد بينا هذا في المزارعة والفرق بينه وبين المعاملة في الأشجار أن المعاملة
في الفصل هذا على قياس المزارعة فان قال العامل أريد قلعه خير صاحب الأرض بين
58

الأشياء الثلاثة كما وصفنا في المزارعة والمعاملة في النخيل وان أراد صاحب الأرض قلعه
وقال العامل أنا أنفق عليه قال القاضي له أنفق عليه حتى يستحصد وعليك أجر مثل نصف
الأرض فإذا استحصدت أخذت نصف النفقة من حصته لأنه مما يختار من الانفاق بقصد
دفع الضرر عن نفسه وعن صاحب الأرض فصاحب الأرض إذا أبى ذلك عليه كان متعنتا
فلا يلتفت القاضي إلى تعنته ولو لم تنقض المدة حتى استحصد الزرع ثم استحق رجل الأرض
بزرعها أخذها كلها ورجع العامل على الدافع باجر مثله فيما عمل لأنه كان استأجره ببعض
الخارج وقد حصل الخارج ثم لم يسلم له حين استحق فرجع عليه باجر مثله وإذا دفع إلى
رجل نخلا فيه طلع كفري على أن يقوم عليه ويلقحه ويسقيه فما خرج فهو بينهما نصفان ولم
يضرب له وقتا أو بين له وقتا معلوما فهو جائز لان بعد خروج الطلع لادراك الثمار نهاية
معلومة بطريق العادة والمعلوم بالعادة كالمشروط بالنص فلا يضرهما ترك التوقيت ثم التمر
هنا يحصل أو يزداد بعمل العامل فباعتباره تجوز المعاملة بينهما كما تجوز المعاملة قبل خروج
الطلع فان قام عليه حتى صار بسرا ثم مات أحدهما أو كلاهما وانقضى وقت المعاملة فالخيار
في العمل إلى العامل أو وارثه وان أبى أن يعمل خير صاحب النخل بين احدى الوجوه
الثلاثة ولم يفرق هنا في الجواب بين الموت وبين انقضاء الوقت لان الثمر خارج عند المعاملة
فالشركة بينهما تحصل عقيب العقد ولا يستوجب رب النخل الاجر على العامل عند انقضاء
المدة كما لا يستوجب عند موت أحدهما في المدة والعمل كله على العامل إذا اختار الترك إلى
وقت الادراك في الفصلين جميعا ولو لم يكن شئ من ذلك ولكن استحق الأرض والنخل
كان على الدافع أجر مثل العامل لأنه استأجره للعمل ببعض ما يحصل بعمله وقد حصل ثم
استحق فيستوجب عليه أجر المثل ولو استحقه المستحق بعد ما سقاه العامل وقام عليه وأنفق
إلا أنه لم يزدد شيئا حتى أخذه المستحق لم يكن للعامل على الدافع شئ لان أجر عمله نصف
ما تحصل بعمله من زيادة أو أصل ثمرة ولم يوجد ذلك فان قيل فأين ذهب قولكم ان الشركة
تحصل هنا عقيب العقد قلنا نعم ولكن فيما يحصل بعمله على أن يكون ما هو حاصل قبل عمله
تابع له فاما أن يستحق الشركة فيما هو حاصل قبل عمله مقصودا فلا لأن جواز هذا العقد
بينهما بالقياس على المعاملة في النخيل ولو شرطا هناك الشركة في النخيل الحاصل والثمر
الذي لم يحصل له لم يجز العقد فعرفنا أن المقصود هنا الشركة فيما يحصل من الزيادة بعمله فإذا لم
59

يحصل شئ من ذلك حتى استحقه المستحق لم يستوجب عليه شيئا من الاجر لأنه لم يستحق
شيئا مما صار مستحقا للعامل بعمله ولو لم يستحق ومات أحدهما انتقضت المعاملة لأنه لم يحصل
بعمله شئ فهو نظير موت رب النخيل في المعاملة قبل خروج الثمار ولا يرجع واحد منهما
على صاحبه بشئ فكان الكفرى كله لصاحب النخيل كما كان قبل العقد والله أعلم
(باب ما يجوز لاحد المزارعين أن يستثنيه لنفسه وما لا يجوز)
(قال رحمه الله) وإذا اشترطا في المزارعة والبذر من أحدهما أن للزارع ما أخرجت
ناحية من الأرض معروفة ولرب الأرض ما أخرجت ناحية منها أخرى معروفة فهو فاسد
لان هذا الشرط يؤدى إلى قطع الشركة بينهما في الريع مع حصوله لجواز أن يحصل الريع
في الناحية المشروطة لأحدهما دون الآخر لان صاحب الأرض شرط على العامل العمل
في ناحية من الأرض له على أن يكون له بمقابلته منفعة ناحية أخرى والخارج من ناحية
أخرى فيكون هذا بمنزلة ما لو شرط ذلك في أرضين وفى الأرضين إذا شرط أن يزرع
أحدهما ببذره على أن له أن يزرع الأخرى ببذره لنفسه كان العقد فاسدا فهذا مثله ثم
الزرع كله لصاحب البذر وقد بينا هذا الحكم في المزارعة الفاسدة وكذلك لو اشترطا أن
ما خرج من زرع على السواقي فهو للمزارع وما خرج من ذلك في الأتوار والأواعي فهو
لرب الأرض فالعقد فاسد لما قلنا وكذلك لو اشترطا التبن لأحدهما والحب للآخر كان العقد
فاسدا لان هذا الشرط يؤدى إلى قطع الشركة في الخارج مع حصوله فمن الجائز أن يحصل
التبن دون الحب بان يصيب الزرع آفة قبل انعقاد الحب وكل شرط يؤدى إلى قطع الشركة
في الخارج مع حصوله كان مفسدا للعقد ثم الكلام في التبن في مواضع أحدها انهما إذا
شرطا المناصفة بينهما في الزرع أو الريع أو الخارج مطلقا فالحب والتبن كله بينهما نصفان
لان ذلك كله حاصل بعمل الزارع والثاني أن يشترطا المناصفة بينهما في التبن والحب
لأحدهما بعينه فهذا العقد فاسد لان المقصود هو الحب دون التبن فهذا شرط يؤدى إلى
قطع الشركة بينهما فيما هو المقصود والثالث أن يشترطا المناصفة في الحب ولم يتعرضا للتبن
بشئ فهذا مزارعة صحيحة والحب بينهما نصفان لاشتراطهما الشركة فيما هو المقصود والتبن
لصاحب البذر منهما لان استحقاقه ليس بالشرط وإنما استحقاق الاجر بالشرط فإنما يستحق
60

الاجر بالشرط والمسكوت عنه يكون لصاحب البذر وبعض أئمة بلخ رحمهم الله قالوا في
هذا الفصل التبن بينهما نصفان أيضا لان فيما لم يتعرضا له يعتبر العرف والعرف الظاهر
المناصفة بينهما في التبن والحب جميعا ولان التبن في معنى التبع للحب واشتراط المناصفة في
المقصود بمنزلة اشتراطه في التبع ما لم يفصل عنه بشرط آخر فيه مقصود والرابع أن يشترطا
المناصفة بينهما في الحب والتبن لأحدهما بعينه فان شرطا التبن لصاحب البذر فهو جائز
لأنهما لو سكتا عن ذكره كان لصاحب البذر فإذا نصا عليه فإنما صرحا بما هو موجب للعقد
فلا يتغير به وصف العقد وان شرطا التبن للآخر لم يجز لان الآخر إنما يستحق بالشرط
فلو صححنا هذا العقد أدى إلى أن يستحق أحدهما شيئا من الخارج بالشرط دون صاحبه
بان يحصل التبن دون الحب بخلاف الأول فاستحقاق رب البذر ليس بالشرط بل لأنه
نماء بذره ثم التبن للحب قياس النخل للتمر ويجوز أن يكون النخل لصاحبه لا بشرط
المزارعة والتمر بينهما نصفان ولكن لا يجوز أن يكون النخل للعامل بالشرط في المعاملة والتمر
بينهما نصفان فكذلك في المزارعة ولو سميا لأحدهما أقفزة معلومة فسد العقد لان هذا
الشرط يؤدى إلى قطع الشركة في الخارج مع حصوله بأن يكون الخارج الا قفزة المعلومة
لأحدهما بعينه من غير زيادة ولو دفع إليه أرضا عشرين سنة على أن يزرعها ويغرسها ما بدا له
على أن ما أخرج الله تعالى من ذلك فهو بينهما نصفان فهو جائز لان التالة للأشجار بمنزلة
البذر للخارج واشتراط ذلك على العامل في المزارعة صحيح فكذلك اشتراط الغرس على
العامل بعد أن تكون المدة معلومة وما زرع وغرس بينهما نصفان حبه وتبنه وثمره ورطبه
وأصول الرطب وعنبه وكرمه وأصول الكرم وحطبه وعيدانه لان هذا كله حاصل بعمله
وبقوة أرض صاحبه فان الغروس تتبدل بالعلوق (ألا ترى) أن من غصب تالة فغرسها كان الشجر
له بمنزلة ما لو غصب بذرا فزرعه فإن كان الكل حاصلا بعمله وقد اشترطا المناصفة في جميعه
كان الكل بينهما نصفين ولو اشترطا أن التمر بينهما جاز والتمر بينهما على ما اشترطا فأما
الشجر والكرم وأصول الرطبة فهو للغارس يقلعه إذا انقضت المعاملة وهو نظير ما بينا إذا
شرط المناصفة في الحب أن التبن كله لصاحب البذر فهذا أيضا الثمر بينهما نصفان كما شرطا
والشجر وأصول الرطبة كله للغارس لان استحقاقه باعتبار ملك الأصل لا بالشرط ويقلعه
انقضت المعاملة لان عليه تسليم الأرض إلى صاحبها فارغة ولا يتمكن من ذلك الا بقلع
61

الأشجار وكذلك لو كان شرطا ذلك للغارس وان كانا شرطاه لرب الأرض كانت المعاملة
فاسدة كما بينا في التبن لان استحقاق رب الأرض بالشرط فلو جوزنا هذا الشرط أدى إلى
أن يثبت له استحقاق الخارج قبل أن يثبت لصاحبه بالشروط وربما لا يثبت لصاحبه بان
لا تحصل الثمار ولو كان الغرس والبذر من قبل صاحب الأرض كان جائز في جميع هذه
الوجوه إلا أن يشترط الشجر والكرم وأصول الرطبة للعامل فحينئذ تفسد المعاملة لان
استحقاق العامل هنا بالشرط فلا يجوز أن يسبق استحقاق صاحب الأرض في الخارج وان
شرطا التمر لأحدهما بعينه والشجر بينهما نصفان لم يجز لان المقصود بالمعاملة الشركة في
الثمار فهذا شرط يؤدى إلى قطع الشركة بينهما فيما هو المقصود فيفسد به العقد كما لو شرطا
في المزارعة الحب لأحدهما بعينه والتبن بينهما نصفين وقد بينا هذا وان اشترطا في المزارعة
ان ما خرج منها من حنطة فهو بينهما نصفان وما خرج من شعير فهو لصاحب البذر كله
يستوفيه فيأخذه فهذه مزارعة فاسدة وكذلك لو شرطا الشعير الذي سرق منها للذي ليس
من قبله البذر فهو فاسد والمراد من هذا انه قد يكون في الحنطة حبات شعير فتقلع وذلك
إذا اشتد حبه قبل أن تدرك الحنطة وتجف فإذا شرطا ذلك لأحدها بعينه فسد العقد لان
الحنطة والشعير كل واحد منهما ريع مقصود فهذا الشرط يؤدي إلى قطع الشركة في ريع
مقصود وذلك مفسد للعقد ومن الجائز أن يحصل الشعير ويصيب الحنطة آفة فيختص به
أحدهما وذلك ينفى صحة المزارعة بينهما ولو دفع زرعا في أرض قد صار بقلا مزارعة واشترطا
أن الحب بينهما نصفان والتبن لصاحب الأرض أو سكنا عنه فهو جائز والتبن لصاحب
الأرض ولو شرطا التبن للعامل فهو فاسد لان دفع الزرع الذي صار بقلا مزارعة كدفع
الأرض والبذر مزارعة وقد بينا هذا الحكم فيما إذا دفع الأرض والبذر مزارعة فكذلك إذا
دفع الفضل مزارعة والله أعلم
(باب عقد المزارعة على شرطين)
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل أرضا يزرعها سنته هذه ببذره وعمله على أنه ان
زرعها في أول يوم من جمادى الأولى فالخارج بينهما نصفان وان زرعها في أول يوم من جمادى
الآخرة فالثلثان من الخارج لرب الأرض والثلث للمزارع فالشرط الأول جائز والثاني
62

فاسد في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله على قول من أجاز المزارعة وفى قول أبى يوسف
ومحمد رحمهما الله الشرطان جائزان وهذه المسألة تنبنى على ما بينا في في الإجارات إذا دفع ثوبا
إلى خياط فقال إن خطته اليوم فلك درهم وان خطته غدا فلك نصف درهم ووجه البناء عليه
ان صاحب الأرض مؤاجر أرضه من صاحب البذر وإن كان البذر من قبل صاحب الأرض
فهو مستأجر للعامل وقد شرط عليه إقامة العمل في أحد الوقتين وسمى بمقابلة العمل في
كل وقت بدلا مخالفا للبدل الآخر فيكون بمنزلة الخياطة في اليوم وفى الغد عند أبي حنيفة
رحمه الله الشرط الأول صحيح والثاني فاسدا ما لأنه علقه بالأول أو لأنه اجتمع سببان في
الوقت الثاني فان زرعها في جمادى الأولى فالخارج بينهما نصفان وان زرعها في جمادى الآخرة
فالخارج كله لصاحب البذر وعليه أجر مثل الأرض إن كان البذر من قبل العامل وأجر
مثل العامل إن كان البذر من قبل صاحب الأرض وعندهما الشرطان جميعا جائزان فان
زرعها في جمادى الآخرة فالخارج بينهما أثلاثا ولو قال على أن ما زرع من هذه الأرض في
يوم كذا فالخارج منه بينهما نصفان وما زرع منها في يوم كذا فللمزارع ثلث الخارج ولرب
الأرض ثلثاه فهذا فاسد كله لأنه أجرها على شئ غير معروف فان مقدار ما يزرع منها في
الوقت الأول على شرط النصف غير معلوم وكذلك مقدار ما يزرع في الوقت الثاني على
شرط الثلث غير معلوم فيفسد العقد كله للجهالة كما لو دفع ثوبه إلى خياط على أن ما خاط منه
اليوم فبحساب درهم وما خاط منه غدا فبحساب نصف درهم كان فاسدا كله ولو كان في
المسألة الأولى زرع نصفها في أول يوم من جمادى الأولى ونصفها في أول يوم من جمادي
الآخرة فما زرع في الوقت الأول فهو بينهما على ما اشترطا وما زرع في الوقت فهو لصاحب
البذر في القول الأول وفى القول الثاني كل واحد منهما على ما اشترطا لان الشرط الأول
في المسألة الأولى كان صحيحا في القول الأول وفى القول الثاني الشرطان صحيحان فزراعة
البعض معتبرة بزراعة الكل إذ ليس في هذا التبعيض اضرار بأحد وهو نظير مسألة الخياطة
إذا خاط نصف الثوب اليوم ونصفه غدا فله فيما خاطه اليوم نصف درهم اعتبارا للبعض بالكل
وفيما خاطه غدا ربع درهم في قول أبى يوسف ومحمد وفى قول أبي حنيفة أجر مثله لا ينقص
عن ربع درهم ولا يزاد على نصف درهم اعتبارا للبعض بالكل بخلاف قوله على أن ما زرع
منها لان هناك صرح بالتبعيض والبعض الذي تناوله كل شرط مجهول في نفسه فكان العقد
63

فاسدا وهنا أضاف كل شرط إلى جملة وهي معلومة والتبعيض عند إقامة العمل ولا جهالة في
ذلك أيضا ولو قال على أنه ان زرعها بدالية أو سانية فالثلثان للمزارع والثلث لرب الأرض
وان زرعها بماء سيح أو سقت السماء فالخارج بينهما نصفان فهو جائز على ما اشترطا وهذا بناء
على قول أبي حنيفة الاخر فاما على قياس قوله الأول وهو قول زفر رحمه الله فيفسد الشرطان
جميعا لأنه ذكر نوعين من العمل وجعل بمقابلة كل واحد منهما جزأ من الخارج معلوما فهو
بمنزلة ما لو دفع ثوبا إلى خياط على أنه ان خاطه خياطة رومية فأجره درهم وان خاطه خياطة
فارسية فأجره نصف درهم وقد بينا هذا في الإجارات ولو قال على أن ما زرع منها بدلو فللعامل
ثلثاه ولرب الأرض ثلثه وان زرع منها بماء سيح فللعامل نصفه فهذه مزارعة فاسدة لجهالة كل
واحد من العملين فإنه صرح بالتبعيض وشرط أن يزرع بعضها بدلو على أن له ثلثي الخارج
وذلك البعض مجهول وكذلك فيما شرط الزراعة بماء السيح وهو بمنزلة رجل دفع إلى خياط
خمسة أثواب يقطعها قمصا وعلى أن ما خاط منها روميا فله درهم في كل ثوب وما خاط منها فارسيا
فله نصف درهم في كل ثوب وهناك يفسد العقد كله للجهالة فهذا قياسه ولو دفع إليه أرضا
يزرعها خمس سنين ما بدا له على أن ما خرج منها من شئ في السنة الأولى فهو بينهما نصفان
وفى السنة الثانية لرب الأرض الثلث وللمزارع الثلثان وسميا لكل سنة شيئا معلوما فهو جائز
من أيهما شرط البذر لأن هذه عقود مختلفة بعضها معطوف على البعض ففي السنة الأولى عقد
إجارة مطلق وفى السنة الثانية مضاف إلى وقت والإجارة تحتمل الإضافة إلى وقت في المستقبل
فيجعل في حق كل عقد من هذه العقود كأنهما أفردا ذلك العقد بخلاف الأول والعقد هناك
واحد باتحاد المدة وإنما التغاير في شرط البدل ثم جواز المزارعة للحاجة وهما يحتاجان إلى هذا
لان الأرض في السنة الأولى يكون فيها من القوة ما لا يحتاج إلى زيادة عمل لتحصيل الريع
وفى السنة الثانية يحتاج إلى زيادة في العمل لنقصان تمكن في قوة الأرض بالزراعة في السنة
الأولى فيشترط للمزارع زيادة في السنة الثانية باعتبار زيادة عمله وكذلك لو اشترطا أن البذر
في السنة الأولى من قبل الزارع وفى السنة الثانية من قبل رب الأرض وبينا نحو ذلك في كل سنة
فهو جائز لأنهما عقدان مختلفان أحدهما معطوف على الآخر ففي السنة الأولى العامل مستأجر
للأرض بنصف الخارج وفى السنة الثانية رب الأرض مستأجر للعامل بنصف الخارج وكل
واحد من العقدين صحيح عند الانفراد فكذلك عند الجمع بينهما وهو بمنزلة رجل دفع عبده
64

إلى حائك يقوم عليه في تعليم الحياكة خمسة أشهر على أن يعطيه في كل شهر خمسة دراهم
وعلى أن يعطيه الحائك في خمسة أشهر أخري في كل شهر عشرة دراهم فهو جائز على
ما اشترطا للمعنى الذي بينا لو دفع إليه أرضه ثلاث سنين على أن يزرعها في السنة الأولى ببذره
ما بدا له على أن الخارج بينهما نصفان وعلى أن يزرعها في السنة الثانية ببذره وعمله على أن
الخارج له وعليه أجر مائة درهم لرب الأرض وعلى أن يزرعها في الثالثة ببذر رب الأرض
على أن الخارج لرب الأرض وللمزارع أجر مائة درهم فهذا جائز كله لأن العقد بينهما
في السنة الأولى مزارعة صحيحة بنصف الخارج سواء كان البذر من قبل رب الأرض أو
من قبل العامل وفى السنة الثانية العامل استأجر الأرض بأجرة معلومة لمنفعة معلومة وفى
السنة الثالثة رب الأرض استأجر العامل ببدل معلوم لعمل معلوم وكل عقد من هذه العقود
صحيح عند الانفراد فكذلك عند الجمع لان الإضافة إلى وقت في المستقبل لا تمنع صحة الإجارة
وإذا دفع إلى رجل أرضا على أن يزرعها أرزا أو قال رزا كل ذلك لغة عشر سنين ويغرسها
نوى ببذره وعمله وعلى أن يحول ذلك من موضعه إلى موضع آخر من الأرض ويسقيه
ويقوم عليه على أن ما خرج منه فهو بينهما نصفان فهذا جائز سواء كان البذر من قبل العامل
أو من قبل رب الأرض لأن العقد بينهما مزارعة بشرائطها وإنما في هذا العقد زيادة شرط
الحوالة على العامل وهو من عمل الزراعة به يزكو الريع فيكون بمنزلة اشتراط عمل الكراب
والسقي عليه ثم الحوالة تكون في بعض الأشياء الذي تزرع كالباذنجان والأرز والأشجار
وذلك معلوم عند أهل الصنعة وربما يحتاج إليه في البعض دون البعض فلا يشترط اعلام
ما يحوله بعينه اما لأنه معلوم بالعادة أو لان في اشتراط اعلام ذلك بعض الحرج والحرج مدفوع
ولو دفع إليه أرضين على أن يزرع هذه أرزا أو هذه أرزا ببذره وعلى أن يحول ما يزرع في
هذه في هذه الأخرى وما يزرع في هذه في هذه الأخرى ويسقيه ويقوم عليه فما خرج فهو
بينهما نصفان فهذه مزارعة فاسدة لوجهين أحدهما أنه اشترط عليه العمل في أرضين في
إحداهما بالزراعة وفى الأخرى بالحوالة على أن تكون الشركة بينهما في الخارج من إحداهما
وذلك مفسد للعقد والثاني أنه شرط عليه شرطا لا يمكنه الوفاء به وهو تحويل جميع ما ينبت
في كل واحدة من الأرضين إلى الأرض الأخرى وربما لا يتمكن من ذلك بأن لا تتسع له
الأرض الأخرى * يوضحه أنه لا يحول جميع ما يزرع في هذه الأرض إلى الأرض الأخرى
65

الا بعد أن يقلعه من الأرض التي زرع فيها وعقد المزارعة في كل واحد من الأرضين معقود
على حدة فبالقلع ينتهى ويصير كأنه شرط عليه في كل عقد عملا بعد انتهاء عقد المزارعة وذلك
مفسد للعقد بخلاف الأرض الواحدة فالعقد فيها واحد ولا ينتهى بتحويل بعض ما نبت فيها
من موضع إلى موضع منها وكذلك في الأرضين لو شرطا الزرع في إحداهما والتحويل إلى
الأخرى والغرس في إحداهما والتحويل إلى الأخرى أو كانت أرضا واحدة وشرطا أن
يزرع أو يغرس ناحية منها معلومة على أن يحول ذلك في ناحية منها أخرى معلومة فهذا فاسد
لأنه إذا ميز احدى الناحيتين من الأخرى كانتا في معنى أرضين وكذلك هذا الجواب في
كل ما يحول كالزعفران ونحوه وإذا دفع إلى رجل أرضه سنته هذه على أن يزرعها ببذره قرطما
فما خرج منها من عصفر فهو للمزارع وما خرج من قرطم فهو لرب الأرض أو على عكس
ذلك فالعقد فاسد سواء كان البذر من قبل رب الأرض أو من قبل المزارع لان القرطم
والمصفر كل واحد منهما ريع مقصود في هذه الزراعة فاشتراط أحد الجنسين لكل واحد
منهما بعينه شرط يفوت المقصود بالمزارعة وهو الشركة بينهما في الريع وربما يؤدي إلى قطع
الشركة بينهما في الريع مع حصوله بأن يحصل أحدهما دون الآخر وقد يجوز أن يحصل العصفر
ثم تصيبه آفة فلا يحصل القرطم ويكون ذلك للذي شرط له العصفر فهو بمنزلة ما لو دفع إليه
أرضا ليزرعها حنطة وشعيرا على أن الحنطة لأحدهما بعينه والشعير للآخر بعينه وكذلك هذا في
كل شئ له نوعان من الريع كل واحد منهما مقصود كبزر الكتان إذا شرط لأحدهما بعينه
الكتان وللآخر البزر والرطبة إذا شرطا لأحدهما بعينه بزر الرطبة وللآخر العنب فالعقد
فاسد ولو شرطا القرطم لأحدهما بعينه والعصفر بينهما نصفان أو العصفر لأحدهما بعينه والقرطم
بينهما نصفان لم يجز ذلك من أيهما كان البذر لان كل واحد منهما ريع مقصود ولا يجوز في
المزارعة تخصيص أحدهما بشرط ريع مقصود له وكذلك هذا في الكتان وبزره والرطبة
وبزرها بخلاف مسألة التبن فإنه إذا شرط لصاحبه البذر والحب بينهما نصفان كان جائزا لان
التبن ليس بريع مقصود (ألا ترى) انه لا يشتغل بالزراعة لمقصود التبن خاصة بل المقصود
هو الحب فإذا شرطا الشركة فيما هو المقصود جاز العقد ان شرطا تخصيص صاحب البذر
بما ليس بمقصود فأما في هذه المسائل فكل واحد من النوعين مقصود فاشتراط تخصيص
أحدهما بأحد النوعين يقطع الشركة بينهما فيما هو مقصود وذلك مفسد للعقد واشتراط بزر
66

البطيخ أو القثاء لأحدهما بمنزلة اشتراط التبن لان ذلك غير مقصود بل هو تبع للمقصود كالتين
بخلاف بزر الرطبة فإنه مقصود وربما بلغ قيمة ألقت أو يزيد عليه فهو بمنزلة العصفر والكتان
على ما بينا والله أعلم
(باب اشتراط عمل العبد والبقر من أحدهما)
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل أرضا وبذرا على أن يزرعها هو وعبده هذا فما خرج
فللمزارع ثلثه ولعبده ثلثه ولرب الأرض ثلثه فهذا جائز وما خرج فللمزارع ثلثاه نصيبه
ونصيب عبده لان العبد ليس من أهل الملك بل المولى يخلفه في ملك ما يكون من كسبه
فاشتراط الثلث لعبد المزارع يكون اشتراطا للمزارع واشتراط عمل عبد المزارع معه كاشتراط
البقر عليه لان عمل الزراعة يتأتى له بالبقر وبمن يعينه على العمل ثم يجوز اشتراط العمل على
المزارع إذا كان البذر من قبله أو لم يكن فكذلك اشتراط عمل عبده معه يجوز وكذلك
لو لم يشترطا على العبد عملا ولكنه شرط لعبده ثلث الريع فالمشروط للعبد مشروط لمولاه
فكأنه شرط الثلثين للمزارع وهو بمنزلة ما لو شرط الثلث لبقره فذلك اشتراط منه لصاحب
البقر وسواء شرط العمل ببقره أو لم يشترط ولو شرط الثلث لمكاتبه أو لمكاتب رب الأرض
فان اشترط عمله عليه فهو جائز وهو مزارع معه له ثلث الريع لان المكاتب أحق بمكاسبه
وهو بمنزلة الحر يدا فهذا في معنى دفع الأرض والبذر مزارعة إلى حرين على أن لكل
واحد منهما ثلث الخارج وإن لم يشترط عليه عملا فالمزارعة جائزة بين المزارع ورب الأرض
فاشتراط ثلث الخارج للمكاتب باطل لان المشروط للمكاتب لا يكون مشروطا لمولاه
فان المولى لا يملك كسب مكاتبه ما بقيت الكتابة فالمشروط له كالمشروط لأجنبي آخر وبطلان
هذا الشرط لأنه ليس من جهته بذر ولا أرض ولا عمل والخارج لا يستحق الا بأحد هذه
الأشياء ولكن هذا الشرط وراء عقد المزارعة بين المزارع ورب الأرض فلا يفسد به العقد
بل يكون ثلث الريع للمزارع كما شرط له والثلثان لرب الأرض لان رب الأرض والبذر
لا يستحق بالشرط والمزارع هو الذي يستحق بالشرط فما وراء المشروط له يكون لرب
البذر ويجعل ما بطل الشرط فيه كالمسكوت عنه وكذلك لو شرط الثلث لامرأته أو لابنه
أو لأبيه فهو بمنزلة الشرط لأجنبي آخر ان شرط عليه العمل معه كان صحيحا وإن لم يشترط
67

عليه العمل معه كان باطلا والمزارعة بين رب الأرض والمزارع صحيحة بالثلث ولو كان البذر
من العامل فهو على هذا القياس ما شرط لعبد العامل فهو للعامل سواء شرط عليه العمل
أو لم يشترط والمزارعة جائزة وما شرط لمكاتبه أو لابنه أو لامرأته فهو كالمشروط لأجنبي
آخر فإن لم يشترط عليه أن يعمل معه فهذا الشرط باطل وذلك الثلث للعامل لأنه نماء بذره
وصاحب الأرض يستحق بالشرط فلا يستحق الا ما شرط له ولو شرط عليه العمل وعمل
معه فله أجر مثله على المزارع لان المزارع استأجر الأرض بثلث الخارج ثم استأجر العامل
بثلث الخارج ليعمل معه وقد بينا أن هذا العقد يفسد بينهما لانعدام التخلية حين شرط عمل
صاحب البذر المستأجر للأرض مع العامل الآخر ولكنهما عقدان مختلفان جرى بينه وبين
شخصين مختلفين فبفساد أحدهما لا يفسد الآخر فيكون للعامل الآخر أجر مثله على المزارع
لأنه استوفى عمله بعقد فاسد ولصاحب الأرض ثلث الخارج لأنه شرط له ذلك بعقد صحيح
وثلثا الزرع طيب للعامل لأنه لا يتمكن خبث من جانب الأرض حيث صح العقد بينه وبين رب
الأرض فيطيب له ثلثا الربع وكذلك لو شرط عمل رب الأرض فهو كاشتراط بقر رب
الأرض وذلك يفسد المزارعة بينهما وإن كان على العبد دين فعبد رب الأرض إذا كان مديونا
بمنزلة مكاتبه لان كسبه حق غرمائه والمشروط له لا يكون مشروطا لمولاه وكذلك لو شرط
عليه من العمل فالمشروط عليه لا يكون مشروطا على مولاه فيكون له أجر مثله والعقد صحيح
بين العامل الذي من قبله البذر وبين رب الأرض بثلث الخارج كما شرط لرب الأرض ولو دفع
إليه الأرض على أن يزرعها ببذره وعمله على أن له ثلث الخارج ولرب الأرض ثلثه وعلى أن
يكربها ويعالجها ببقر فلان على أن لفلان ثلث الخارج فرضي فلان بذلك فعلى العامل أجر
مثل البقر بثلث الخارج وقد بينا أن البقر لا يكون مقصودا في المزارعة فكان العقد بينهما
فاسدا وقد استوفى منفعة بقره فله أجر مثله عليه وثلث الخارج لرب الأرض وثلثاه للعامل
طيب لأنه لا فساد في العقد بينه وبين رب الأرض وإذا كان البذر من قبل رب الأرض
كان الثلثان له وعليه أجر مثل البقر لأنه استأجر العامل بثلث الخارج وهو جائز واستئجار
البقر مقصود بثلث الخارج وهو فاسد ولو كانا اشترطا عليه أن يعمل بنفسه مع بقره بالثلث
حتى استحصد الزرع جاز وهما مزارعان جميعا لان عمل البقر هنا تبع لعمل صاحبه وقد بينا
جواز اشتراط البقر على العامل في عقد المزارعة ولا فرق بين أن يشترط ذلك على العاملين
68

أو على أحدهما كسائر الآلات إذا شرط على أحد العاملين في الإجارة ولو كان البذر والبقر
من واحد والأرض من آخر والعمل من ثالث كان فاسدا لما فيه من دفع البذر والبقر مزارعة
ودفع كل واحد منهما على الانفراد مقصودا يفسد عقد المزارعة فدفعها أولى ثم الخارج
كله لصاحب البذر وعليه للعامل أجر مثل عمله ولصاحب الأرض أجر مثل أرضه يتصدق
صاحب البذر بالفضل لأنه ربى زرعه في أرض غيره بسبب فاسد ولو كان البذر من أحدهم
والبقر من الآخر والأرض والعمل من الآخر كان فاسدا أيضا وفيه حديث مجاهد رحمه الله
كما بينا ولو دفع إليه أرضا يزرعها سنته هذه ببذره وبقره وعمله على أن يستأجر فيها أجراء من
مال الزارع فهو جائز لان هذا شرط يقتضيه العقد فان العمل بمطلق العقد كله يصير متسحقا
على الزارع وله أن يقيمها بنفسه وأعوانه وأجرائه وهو الذي يستأجرهم لذلك فيكون
الاجر عليه في ماله وإن لم يذكر فالشرط لا يزيده الا وكادة ولو اشترطا أن يستأجر
الاجراء من مال رب الأرض فهذه مزارعة فاسدة لان الأجير الذي يستوجب الاجر من
مال رب الأرض يكون أجيرا له فإنه إنما يستوجب الاجر عليه إذا كان عاملا له واشتراط
عمل أجير رب الأرض كاشتراط عمل رب الأرض مع المزارع وذلك مفسد للمزارعة وكذلك
لو شرطا أن يستأجرا الاجراء من مال المزارع على أن يرجع به فيما أخرجت الأرض ثم
يقتسمان ما بقي نصفين فهذا فاسد لان القدر الذي شرطا فيه رجوع المزارع مع الريع بمنزلة
المشروط للمزارع فكأنه شرط له أقفزة معلومة من الخارج والباقي بينهما نصفان وذلك مفسد
للعقد لأنه يؤدى إلى قطع الشركة في الخارج مع حصوله وإن كان البذر من قبل رب
الأرض فاشترط على الزارع أجر الاجراء من ماله جاز لما بينا أن العمل كله مستحق عليه وهو
متمكن من اقامتها بنفسه وأجرائه ولو شرط أجر الاجراء على رب الأرض من ماله لم يجز
وهو بمنزلة اشتراط عمل رب الأرض والبذر مع المزارع وكذلك لو اشترطاه على الزارع
على أن يرجع به في الخارج فهو فاسد بمنزلة ما لو شرطا له ذلك العقد من الخارج فيفسد به
العقد ويكون الريع كله لصاحب البذر وللعامل أجر مثله فيما عمل وأجر مثل أجرائه فيما عملوا
ولا يشبه هذه المضاربة فإنه لو دفع إلى رجل مالا مضاربة بالنصف على أن أجر الاجراء من
المال كان جائزا لان ذلك شرط يقتضيه العقد فان أجر الاجراء بمنزلة نفقة المضارب إذا خرج
للعمل في مال المضاربة وذلك يكون في المال بغير شرط فأجراء العمل في مال المضاربة كذلك
69

فالشرط لا يزيده الا وكادة وهذا لان مقتضى المضاربة الشركة بينهما في الربح خاصة والربح
لا يظهر الا بعد أجر الاجراء كما لا يظهر الا بعد رفع رأس المال فهذا الشرط لا يغير مقتضى
العقد فاما عقد المضاربة فمقتضاه الشركة في جميع الريع فاشتراط أجر الاجراء من الريع
أو على أن يرجع به العامل في الريع بمنزلة اشتراط رفع صاحب البذر بذره من الريع وذلك
مفسد للعقد ولو كانا اشترطا أن أجر الاجراء على المضارب في ماله وعلى رب المال في ماله كان
ذلك باطلا وتفسد المضاربة لأنه يغير مقتضى العقد فان أجر الاجراء في مال المضاربة فإذا
شرط على أحدهما خاصة كان هذا شرطا مخالفا لموجب العقد فيفسد به العقد والله أعلم
(باب التولية في المزارعة والشركة)
(قال رحمه الله) رجل دفع إلى رجل أرضا وبذرا يزرعها سنته هذه على أن الخارج
بينهما نصفان ولم يقل له اعمل فيه برأيك فله أن يستأجر فيه الاجراء بماله لأنه التزم عمل
الزراعة في ذمته فإن شاء أقامه بنفسه وان شاء بأعوانه وأجرائه ولما استأجره رب الأرض
والبذر مطلقا لعمل الزراعة مع علمه أنه قد يعجز عن إقامة جميع الاعمال بنفسه وقد يبتلى بسوء
أو مرض لا يمكنه إقامة العمل معه فقد صار راضيا بإقامته العمل بأعوانه وأجرائه وليس
له أن يوليها أحدا فيدفعها إليه مع البذر يعملها على أن الخارج بينهما نصفان لأنه يوجب للغير
شركة في الخارج من يد رب الأرض فإنما رضى رب الأرض بشركته لا بشركة غيره ولأنه
لا يملك نصيبه قبل إقامة العمل فلا يتمكن من ايجابه لغيره بطلق العقد ولا يتمكن من ايجاب
نصيب رب الأرض لغيره لان رب الأرض لم يرض به وان فعل ذلك فعملها الرجل فالزرع
بين الآخر والأوسط نصفان لان الأول صار غاصبا للأرض والبذر بتولية العقد فيه إلى
الثاني وايجاب الشركة في الخارج ومن غصب أرضا وبذرا ودفعهما مزارعة كان الخارج بين
الغاصب والمزارع على شرطهما لا شئ منه لرب الأرض ولرب الأرض أن يضمن بذره أيهما
شاء لان كل واحد منهما غاصب فتعدى في حقه الثاني بالالقاء في الأرض لا على وجه رضى به
رب الأرض والأول بالدفع إلى الثاني مع ايجاب الشركة في الخارج منه وكذلك نقصان الأرض
في قول محمد وفي قياس قول أبى يوسف الأول يضمن أيهما شاء فاما في قياس قول أبي حنيفة
وأبى يوسف الآخر فإنما يضمن نقصان الأرض الثاني خاصة لأنه هو المتلف بعمله والعقار
70

يضمن بالاتلاف دون الغصب عندهما فان ضمن الثاني فله أن يرجع بما ضمن على الأول
لأنه مغرور من جهته وان ضمن الأول لم يرجع على الثاني بشئ لأنه ملك البذر بالضمان فإنما
دفع بذره مزارعة وكذلك نقصان الأرض عند محمد رحمه الله إذا ضمن الأول لم يرجع على
الثاني لأنه لا فائدة فيه فان الثاني يرجع على الأول بما يضمنه لأجل الغرور ولو قال له اعمل
فيه برأيك والمسألة بحالها فالتولية جائزة ونصف الخارج للمزارع الآخر ونصفه لرب
الأرض ولا شئ منه للمزارع الأول لأنه فوض الامر إلى رأيه على العموم والدفع إلى الغير
مزارعة بالنصف من رأيه فيقوم هو مقام رب الأرض والبذر ثم هو يقيم غيره مقام نفسه
في ثبوت حق الشركة له في الخارج بمقابلة عمله عند حصوله وقد رضى به صاحب الأرض
حين أجاز صنعه على العموم فهو كالوكيل يوكل غيره فيما وكل به فيصح منه إذا قيل له اعمل
فيه برأيك وان ثبت أن الثاني قائم مقام الأول فإنما يستحق النصف الذي كان يستحقه الأول
ولا يستحق شيئا من نصيب رب الأرض لأنه لم يرض بذلك فلهذا كان الخارج بين المزارع
الاخر وبين رب الأرض نصفين ولو لم يقل له اعمل فيه برأيك فأشرك فيه رجلا ببذر
من قبل ذلك الرجل واشتركا على أن يعملا بالبذرين جميعا على أن الخارج بينهما نصفان فعملا
على هذا فجميع الخارج بينهما نصفان والمزارع الأول ضامن لبذر صاحب الأرض لأنه
مخالف له بالقائه في الأرض على وجه يثبت للغير شركة في الخارج منه وان خلطه ببذر
الاخر فهو ضامن له بالخلط لأنه اشتراك لم يرض به صاحب الأرض والبذر ثم هو بالضمان
يملك بذر صاحب الأرض فظهر أنهما زرعا ببذر بينهما نصفين فيكون الخارج بينهما نصفين
على قدر البذر وهما ضامنان نقصان الأرض لأنهما باشرا عمل الزراعة فكانا مباشرين
اتلاف الجزء الذي تمكن النقصان في الأرض بذهاب قوتها فعليهما ضمان ذلك ولا يرجع
الثاني على الأول بشئ من النقصان لان الثاني عامل لنفسه والأول كالمعير منه لنصف
الأرض والمستعير لا يرجع بما يلحقه من الضمان على المعير ثم يأخذ كل واحد منهما من
نصيبه ما غرم وما أنفق ويتصدق بالفضل لأنه ربى زرعه في أرض غيره بغير رضاه ولو كان
أمره أن يعمل فيها برأيه ويشارك فيها من أحب والمسألة بحالها جاز ونصف الخارج للآخر
لأنه نماء بذره ونصفه بين الأول ورب الأرض نصفان لأنه نماء بذر رب الأرض والمزارع
موافق له في عمل الزراعة فيه فالخارج بينهما على الشرط ولا شئ لرب الأرض على واحد
71

منهما لان نصف الأرض زرعه الأول ونصفه زرعه الثاني والأول كالمعير منه لذلك النصف
وقد رضى به رب الأرض حين أمره أن يعمل في ذلك برأيه وان يشارك من أحب ولو لم
يكن شاركه ولكنه دفع إليه البذر على أن يعمل فيه ويبذر مثله من عنده في الأرض على
أن الخارج بينهما نصفان فهذه مزارعة فاسدة لان المزارع الأول قائم في الدفع مقام المالك
حين فوض الامر إلى رأيه على العموم وقد بينا أن المالك إذا دفع البذر والأرض إلى رجل
على أن يزرعها مع مثل ذلك البذر من عنده على أن الخارج بينهما نصفان لم يجز لأنه يجعل
منفعة نصف الأرض له بإزاء عمله لصاحب الأرض في النصف الآخر فهذا مثله ثم المزارع
الآخر له نصف الخارج لأنه نماء بذره وعليه أجر نصف مثل نصف الأرض لرب الأرض
لأنه استوفى منفعة نصف الأرض بعقد فاسد والذي يلي قبضه منه المزارع الأول لأنه وجب
بعقده ويكون نصف الزرع بين المزارع الأول ورب الأرض على الشرط لأنه نماء بذر رب
الأرض والمزارع الأول لم يصر مخالفا له بالدفع إلى الثاني بحكم عقد فاسد لان الامر مفوض
إلى رأيه فإنما يضمن بالخلاف لا بالفساد ويطيب لهما هذا النصف لأنه لا فساد في العقد الذي
جرى بينهما وقد صار هذا النصف من الزرع مربى في أرض رب الأرض فلا يتمكن فيه
الخبث وأما المزارع الآخر فيأخذ مما أخرج بذره ونفقته وما غرم من الاجر ويتصدق بالفضل
لأنه رباه في أرض غيره بعقد فاسد ولو لم يكن رب الأرض أمره أن يعمل فيه برأيه أو
يشارك في المزارعة والمسألة بحالها كان الخارج بين المزارع الأول والآخر نصفين لان الأول
صار ضامنا بذر رب الأرض بالخلاف فالخارج نماء بذرهما بسبب عقد فاسد جرى بينهما
فيكون بينهما نصفين على قدر البذر وللمزارع الأول على الآخر أجر مثل نصف الأرض
لأنه استوفى منفعة نصف الأرض بحكم عقد فاسد جرى بينهما والأول وان صار غاصبا
للأرض ولكن وجوب أجر المثل باعتبار العقد وهو العاقد فيكون بمنزلة من غصب أرضا
وأجرها ويضمنها رب الأرض نقصان الأرض في قول محمد رحمه الله وهو قول أبى يوسف
الأول لان الأول غاصب للأرض والثاني متلف في مقدار النقصان فيضمن أيهما شاء ويرجع
به الآخر على الأول إذا ضمن لأنه مغرور من جهته والغرور يتمكن بالعقد الفاسد كما يتمكن
بالعقد الصحيح وظاهر ما نقل في الكتاب يدل على أنه يضمن كل واحد منهما نصف النقصان
أيهما شاء فاما في قياس قول أبي حنيفة وأبى يوسف الآخر رحمهما الله فان رب الأرض
72

يضمن جميع النقصان المزارع الآخر لأنه هو المتلف وضمان النقصان في العقار يجب على المتلف
دون الغاصب عنده ثم يرجع به المزارع الآخر على الأول بحكم الغرور ولو دفع إلى رجل
أرضا وبذرا يزرعها سنته هذه بالنصف ولم يقل له اعمل فيه برأيك فدفعها المزارع إلى رجل
آخر على أن يزرعها سنته هذه بذلك البذر على أن للآخر ثلث الخارج وللأول ثلثاه فعملهما
الثاني على هذا فالخارج بينهما أثلاث كما شرطاه في العقد الذي جرى بينهما والمزارع
الأول صار مخالفا باشراك الغير في الخارج بغير رضا رب المال فلرب الأرض أن يضمن بذره
أيهما شاء وكذلك نقصان الأرض في قول محمد وأبى يوسف الأول فان ضمنها الآخر رجع
على الأول بذلك كله وان ضمنها الأول لم يرجع على الآخر وفى قول أبي حنيفة وأبى يوسف
الآخر رحمهما الله إنما يضمن نقصان الأرض للأجر ويرجع هو على الأول ثم يأخذ الأول
من نصيبه بذره الذي ضمن وما غرم ويتصدق بالفضل لتمكن الخبث في تصرفه بخلافه ولا
يتصدق الآخر بشئ قال لأنه كان أجيرا بنصف الخارج وهو سهو والصحيح أن يقال لأنه
كان أجيرا بثلث الخارج ومعنى هذا التعليل أن العقد بين الأول والثاني صحيح وإن كان الأول
غاصبا مخالفا فالثاني إنما استحق الاجر على عمله بعقد صحيح فلا يلزمه أن يتصدق بشئ بخلاف
ما سبق فهناك الثاني إنما استحق الخارج بكونه نماء بذره وقد رباه في أرض غيره بغير رضا
صاحب الأرض ولو كان رب الأرض قال له اعمل فيه برأيك والمسألة بحالها كان ثلث الخارج
للآخر ونصفه لرب الأرض وسدسه للمزارع الأول لان الأول لم يصر مخالفا بالدفع إلى الثاني
ولكنه أوجب له ثلث الخارج بعقد صحيح فينصرف ذلك إلى نصيبه خاصة وذلك ثلثا
نصيبه ورب الأرض مستحق لنصف الخارج كما شرط لنفسه ويبقى ثلث نصيب المزارع
الأول وذلك سدس جميع الخارج فيكون له بضمان العمل في ذمته وإن كان دفع إليه البذر
والأرض على أن يزرعها سنته هذه فما رزقه الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان
وقال له اعمل في ذلك برأيك فدفعها المزارع إلى رجل بالنصف فهو جائز وللآخر نصف
الخارج لان عقد المزارع الأول معه بعد تفويض الامر إلى رأي الأول على العموم كعقد
رب الأرض فيستحق هو نصف الخارج والنصف الآخر بين الأول وبين رب الأرض
نصفين لان رب الأرض ما شرط لنفسه هنا نصف جميع الخارج وإنما شرط لنفسه نصف
ما رزقه الله تعالى للأول وذلك ما وراء نصيب الآخر فكان ذلك بينهما نصفان وفيما تقدم
73

إنما شرط رب الأرض لنفسه نصف جميع الخارج فلا ينتقض حقه بعقد الأول مع الثاني
وكذلك لو قال على أن ما أخرج الله لك منها من شئ فهو بينا نصفين أو قال ما أصبت من
ذلك من شئ فهو بيننا نصفان فهذا وقوله وما رزقك الله سواء ولو لم يقل له اعمل فيه برأيك
والمسألة بحالها كان الأول مخالفا ضامنا حين زرعها الآخر لما قلنا والخارج بينهما نصفان ولا
شئ منه لرب الأرض ويضمن رب الأرض بذره أيهما شاء وفى نقصان الأرض خلاف كما
بينا ولو لم يزرع الآخر حتى ضاع البذر من يده أو غرقت الأرض ففسدت ودخلها عيب
ينقصها فلا ضمان على واحد منهما في شئ من ذلك لان الأول بمجرد الدفع إلى الثاني لا يصير
مخالفا (ألا ترى) انه لو دفع إليه البذر والأرض واستعان به في عمل الزراعة أو استأجره
على ذلك بدراهم لم يكن مخالفا وإنما يصير مخالفا بايجاب الشركة للغير في الخارج وذلك
لا يحصل بمجرد العقد ولا بدفع الأرض والبذر إليه وإنما تكون حقيقة الشركة عند حصول
الخارج وسببه القاء البذر في الأرض على طريق المزارعة فما لم يوجد هذا السبب لا يصير
واحد منهما مخالفا فهذا لا ضمان على واحد منهما لرب الأرض والدليل عليه أن الشركة بعقد
المزارعة لا تكون في البذر بل تكون في النماء الحاصل من البذر وسببه ليس هو قبض المزارع
البذر وإنما سببه القاء البذر في الأرض ولو دفع إليه أرضا وبذرا يزرعها سنته هذه بالنصف
وقال له اعمل فيه برأيك فدفعها المزارع إلى آخر مزارعة على أن للمزارع الآخر الثلثين مما
تخرج الأرض وللأول الثلث فهذا فاسد لان ايجاب الأول للثاني إنما يصح في مقدار نصيبه
من الخارج وقد أوجب له أكثر من نصيبه فالزيادة على مقدار نصيبه إنما يوجبها له في نصيب
رب الأرض والبذر وهو غير راض بذلك أو قال له اعمل فيه برأيك لأنه فوض الامر إلى
رأيه على العموم على أن يكون له نصف الخارج فلهذا فسد العقد وإذا حصل الخارج كان للآخر
أجر مثله على الأول لأنه استوفى عمله بحكم عقد فاسد جرى بينهما والزرع بين رب الأرض
والمزارع الأول نصفان لان عمل أجيره إجارة فاسدة بمنزلة عمل أجيره ان لو استأجره بالدراهم
إجارة صحيحة وذلك كعمله بنفسه فيكون الخارج بينهما على الشرط ويطيب لهما ذلك لأنه
لا فساد في العقد الذي جرى بينهما وإنما الفساد في العقد المعقود على عمل المزارع الآخر ولسببه
لا يتمكن الخبث في الخارج قال ولا يشبه هذا المضاربة يريد به ما بينا في كتاب المضاربة في هذه
الصورة بعينها لان للمضارب الآخر نصف الربح نصيب المضارب الأول ويرجع على الأول
74

بسدس الربح لان الربح دراهم أو دنانير فاستحقاق رب المال بعض ما شرطه الأول للثاني
لا يبطل العقد بينهما ولكن يثبت للآخر حق الرجوع على الأول بمثله كما لو استأجره بدراهم
أو دنانير بأعيانها فاستحقت وفى المزارعة الذي أوجبه الأول للآخر طعام بعينه وهو الخارج
من الأرض واستحقاق رب الأرض والبذر بعض ما أوجبه له يبطل العقد الذي جرى
بينهما * يوضح الفرق انه لا مجانسة بين الآخر وبين الخارج من الأرض فلا يمكن الجمع بينهما
للمزارع الآخر بعقد واحد وفى المضاربة الاجر من جنس الربح فيجوز أن يجمع بينهما
للمضارب الآخر على أن ما يأخذ مما شرط له من الربح مقدار ما تمكن الأول من تسليمه
إليه ويرجع عليه بما زاد على ذلك إلى تمام حقه دراهم أو دنانير ولو لم يكن قال له اعمل فيه
برأيك والمسألة بحالها كان المزارع الأول مخالفا والخارج بينه وبين الآخر أثلاثا على شرطهما
ويضمن رب الأرض بذره أيهما شاء وفي نقصان الأرض اختلاف كما بينا ولو كان رب
الأرض قال للأول اعمل فيه برأيك على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بيننا
نصفان والمسألة بحالها كان ثلثا الزرع للاخر والثلث بين الأول ورب الأرض نصفان لان
رب الأرض ما شرط هنا لنفسه نصف الخارج بل نصف ما يرزقه الله تعالى المزارع الأول وذلك
ما وراء نصيب مزارع الاخر فكان للمزارع الآخر جميع ما شرط له والباقي بين الأول ورب
الأرض نصفين على شرطهما
(باب تولية المزارع ومشاركته والبذر من قبله)
(قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى الرجل أرضا يزرعها سنته هذه ببذره على أن
الخارج بينهما نصفان وقال له أعمل في ذلك برأيك أو لم يقل فدفعها إلى المزارع وبذرا معها إلى
رجل من مزارعة بالنصف فهو جائز لان الأول هنا مستأجر للأرض بنصف الخارج وله أن
يتصرف في الأرض التي استأجرها بالدفع مزارعة على الوجه الذي يتصرف في أرض نفسه
(ألا ترى) أنه لو استأجرها بدراهم كان له أن يدفعها مع البذر مزارعة بالنصف فذلك إذا
استأجرها ببعض الخارج بخلاف ما سبق فهناك المزارع أجر رب الأرض بنصف الخارج
وحقيقة المعنى أن المستأجر عامل لنفسه فإنما يوجب الشركة للأجير في حق نفسه وأما الأجير
عامل المستأجر فإنما هو يوجب الشركة للآخر في الخارج من بذر رب الأرض فلهذا افترقا
75

ثم إذا حصل الخارج هنا فنصفه للآخر بمقابلة عمله كما أوجبه له صاحب البذر ونصفه لرب
الأرض بإزاء منفعة أرضه كما شرط له صاحب البذر ولا شئ لصاحب البذر لأنه أوجب
لغيره جميع الخارج من بذره بعقد صحيح وكذلك لو كان البذر من قبل الآخر لان الأول
مستأجر للأرض بنصف الخارج ثم أجرها من الآخر بنصف الخارج وللمستأجر أن يؤاجر
فيما تتفاوت الناس في استيفائه ولو كان الشرط للمزارع الآخر ثلث الخارج في المسألتين
جميعا جاز وللآخر الثلث ولرب الأرض النصف وللأول السدس طيب له لأنه نماء بذره في
المسألة الأولى وهو فاضل عما وجبه لغيره ولأنه عاقد العقدين جميعا في المسألة الثانية فيسلم
الفضل له باعتبار عقده فان قيل في المسألة الثانية وهو مستأجر للأرض وقد أجره بأكثر مما
استأجره في العقد الثاني من غير أن زاد من عنده شيئا فينبغي أن لا تطيب له الزيادة قلنا هذا
في أجر يكون مضمونا في الذمة فيقال إنه ربح حصل لا على ضمانة فاما في المزارعة فلا يتأتى
هذا لان الاجر في العقد جزء من الخارج ولا يكون مضمونا في ذمة أحد وسلامته لكل
واحد منهما باعتبار الشركة لا باعتبار أنه عوض عن منفعة الأرض ولو كان رب الأرض دفعها
إليه على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شئ فهو بينهما نصفان أو قال ما أصبت أو ما خرج
لك من ذلك ولم يقل اعمل فيه برأيك فدفعها المزارع وبذار معها إلى رجل بالنصف فنصف
الخارج للآخر والنصف الآخر بين الأول ورب الأرض نصفين لان رب الأرض إنما شرط
لنفسه هنا نصف ما يرزق الله المزارع الأول وهو ما وراء نصيب المزارع الآخر فيستوي إن كان
البذر من قبل الأول أو الآخر ولو دفع أرضه إلى الأول على أن يعملها ببذره على أن الخارج
بينهما نصفان فدفعها الأول إلى الآخر على أن يعملها ببذره على أن للآخر ثلثي الخارج وللأول
الثلث فعملها على ذلك فثلثا الخارج للآخر لان الخارج نماء بذره فلا يستحق الغير عليه شيئا
منه الا بالشرط وإنما شرط للأول ثلث الخارج ثم هذا الثلث يكون لرب الأرض ولرب الأرض
على المزارع الأول أجر مثل ثلث أرضه لأنه استأجرها منه بنصف الخارج وقد حصل الخارج
ولم يسلم له ثلث ذلك النصف بل استحقه المزارع للأجر واستحقاق بعض ما هو أجر للأرض
إذا كان بعينه يوجب الرجوع بحصته من أجر المثل اعتبار للبعض بالكل لأنه لو استحق جميعه
رجع بأجر مثل جميع الأرض فكذلك إذا استحق ثلثه ولو كان البذر من قبل الأول كان ثلثا
الخارج للأجير كما أوجبه له المزارع الأول والثلث لرب الأرض ولرب الأرض أجر مثل ثلث
76

أرضه على المزارع الأول * فان قبل هنا كل واحد منهما إنما يستحق الخارج على الأول بالشرط
وشرط النصف لرب الأرض كان أسبق فكان ينبغي أن لا يستحق الاجر بايجاب الأول له
شيئا من النصف الذي استحقه رب الأرض * قلنا نعم ولكن الاستحقاق لا يثبت حقيقة قبل
حصول الخارج وحكما قبل لزوم السبب والسبب في حق صاحب البذر لا يلزم قبل القاء
البذر في الأرض فصح منه اشتراطه ثلثي الخارج للاخر * يوضحه انا لو أبطلنا استحقاق
الاجر في بعض ما شرط له بطل استحقاقه في الكل لأنه لا يجوز الجمع له بين أجر المثل وشئ
من الخارج فإنه يعمل فيما هو شريك فيه فلا يستوجب الاجر ولو أبطلنا حق رب الأرض
فيما زاد على الثلث من الخارج استحق أجر المثل بمقابلة ذلك الجزء من الأرض فالضرر الذي
يلحقه يعوض بعدله والضرر الذي يلحق الاخر بغير عوض فلهذا كان الحكم فيه على ما ذكرنا
ولو كان الأول دفعها إلى الاخر منحة على أن يزرعها لنفسه * لخارج كله له لأنه نماء بذره ولم
يوجب منه شيئا لغيره والمزارع الأول مستأجر للأرض وللمستأجر أن يغرم لصاحب الأرض
على الأول أجر مثل أرضه لأنه استأجر الأرض منه بنصف الخارج وقد حصل الخارج
واستحقه الاخر فيكون للأول عليه أجر مثله لفساد العقد بينهما باستحقاق البدل ولو كان
البذر من قبل الأول فاستعان بانسان أو استأجره يعمل له فيها فنصف الخارج للأول ونصفه
لرب الأرض لان عمل أجيره ومعينه كعمله بنفسه ولو دفع إلى رجل أرضا يزرعها ببذره
بالنصف ولم يقل اعمل فيه برأيك فشارك فيها رجلا آخر فأخرجا جميعا بذرا على أن يعملا والخارج
بينهما نصفان جاز لان الأول استأجر الأرض فهو في التصرف فيها بمنزلة المالك للأرض
والمالك للأرض لو شارك فيها رجلا على أن يزرعها ببذر بينهما والخارج نصفان جاز ويكون هو
معيرا نصف الأرض من الآخر كذلك هنا ثم نصف الخارج للاخر لأنه نماء بذره ونصفه بين
الأول ورب الأرض نصفان لأنه شرط له نصف الخارج من الأرض بإزاء منفعة الأرض
وهذا الخارج الذي حصل له خارج من نصف الأرض فيستحق نصفه بالشرط وعلى الأول
لرب الأرض أجر مثل نصف أرضه لان الخارج من النصف الآخر قد استحقه المزارع
الآخر وقد كان المزارع الأول أوجب لرب الأرض نصف ذلك فإن لم يسلم له رجع عليه
باجر المثل في ذلك النصف ولو اشترطا العمل على الأجير خاصة فهو فاسد لما بينا أن الأول
جعل للثاني منفعة نصف الأرض بمقابلة عمله في النصف الآخر من الأرض له والمزارعة لا تحتمل
77

مثل هذه المقابلة ثم نصف الزرع للاخر لأنه نماء بذره وعليه نصف أجر مثل الأرض
للمزارع الأول لأنه استوفى منفعة نصف الأرض التي كانت مستحقة له بعقد فاسد ويتصدق
المزارع الآخر بالفضل لأنه ربح حصل له بسبب عقد فاسد تمكن في منفعة الأرض ونصف
الزرع بين الأول ورب الأرض نصفان على شرطهما لأنه لا فساد في العقد الذي جرى
بينها فما سلم لهما يكون على الشرط بينهما طيبا لهما وعلى الأول لرب الأرض أجر مثل نصف
أرضه لأنه شرط له النصف مما يخرج له جميع الأرض وإنما يسلم له النصف مما أخرجه
نصف الأرض فاما ما أخرجه النصف الآخر فقد استحق المزارع الاجر كله فلهذا كان
عليه أجر مثل نصف الأرض والله أعلم
(باب دفع المزارع الأرض إلى رب الأرض أو مملوكه مزارعة)
(قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى رجل أرضا وبذرا يزرعها سنته هذه على أن
الخارج بينهما نصفان فقبضها ثم استعان برب الأرض على عملها لم يضر ذلك والخارج بينهما
على الشرط في المزارعة والأجر له في عمله لان استعانته برب الأرض بمنزلة استعانته بغيره
وعمل المعين بمنزلة عمل المستعين به ثم رب الأرض والبذر ما أقام العمل على سبيل النقض منه
للمزارعة وإنما أقام العمل على سبيل التبرع منه على عامله وإن كان استأجره على ذلك
بدراهم معلومة كان الاجر باطلا لان وجوب الاجر يعتمد تسليم العمل إلى المستأجر وهو
عامل في أرض نفسه ببذره فلا يكون مسلما عمله إلى غيره فلهذا لا يستوجب عليه شيئا من
الاجر وإذا لم يستوجب الاجر كان هذا وما لو عمله على سبيل الإعانة سواء وهذا بخلاف
ما إذا كان عمل رب الأرض مشروطا في عقد المزارعة لان ذلك الشرط يعدم التخلية بين
المزارع وبين رب الأرض والبذر وقد بينا أن التخلية شرط العقد فكل شرط يفوته يكون
مفسدا للعقد فأما في هذا الموضع فلا ينعدم استحقاق التخلية بإعانة رب الأرض المزارع فهو
قياس المرهون إذا أعاده المرتهن من الراهن أو غصبه منه الراهن لم يبطل به الرهن بخلاف
ما إذا شرطا أن يكون في يد الراهن في بعض المدة وكذلك ولو دفعها إليه يزرعها على أن له
ثلث نصيبه فعملها على ذلك كان الامر بينهما على المزارعة الأولى لا يفسدها ما صنعا والشرط
باطل لان رب الأرض لا يكون مسلما عمله إلى المزارع فكما لا يستوجب عليه بمقابلة عمله
78

دراهم وان شرط ذلك عليه فكذلك لا يستوجب جزأ من نصيبه من الخارج بل يكون هو
متبرعا في العمل * فان قيل لماذا لم يجعل هذا من المزارع بمنزلة الحط لبعض نصيبه فقد شرط
لنفسه نصف الخارج في العقد الأول ثم حط ثلثه بالعقد الثاني قلنا لان عقد الإجارة تمليك
منفعة بعوض فلا يمكن أن يجعل هذا كناية عن الحط كما لا يجعل بيع المبيع من البائع قبل
القبض هبة ثم هذا الحط ليس بمطلق بل هو بمقابلة العمل وكما لا يستحق بمقابلة عمله في
أرضه وبذره عوضا على الغير فكذلك لا يستحق حط شئ مما استحقه الغير عليه ولو كان
استأجر على العمل اجراء كان اجر الاجراء على المزارع لان العمل مستحق عليه فإنما
استأجرهم لايفاء ما هو مستحق عليه فيكون الاجر لهم بمقابلة دين في ذمته ولو كان استأجر
على ذلك عبد رب الأرض بدراهم معلومة ولا دين عليه فالإجارة باطلة لان كسب العبد
الذي لا دين عليه لمولاه فكما لا يستحق المولى باعتبار عمله أجرا على المزارع وان شرط ذلك
عليه فكذلك لا يستحقه بعمل عبده وان شرط ذلك عليه وإن كان على العبد دين فالإجارة
جائزة والأجر واجب لان كسب العبد المديون لغرمائه فاستئجار العبد على العمل في
هذه الحالة كاستئجار بعض غرمائه وان استأجر مكاتب رب الأرض أو ابنه جاز لان
المولى من كسب مكاتبه وابنه أبعد منه من كسب عبده المديون وكذلك لو كان البذر
من قبل المزارع في جميع هذه الوجوه فهما في المعنى مستويان لان رب الأرض إنما يعمل
في الأرض وهو في عمله في أرضه لا يستوجب الاجر على غيره والمعاملة في جميع ذلك
قياس المزارعة ولو دفع إليه أرضا وبذرا يزرعها سنته هذه بالنصف فلما تراضيا على ذلك
أخذ صاحب الأرض البذر فبذره بغير أمر المزارع فأخرجت زرعا كثيرا فذلك كله لرب
الأرض وقد بطلت المزارعة لان عقد المزارعة لا يتعلق به اللزوم من قبل صاحب البذر
قبل القاء البذر في الأرض فينفرد صاحب الأرض بفسخ العقد وقد صار فاسخا حين أخذه
بغير أمر المزارع وزرعه لأنه لا يمكن أن يجعل معينا له لأنه استعان به وليس لاحد أن
يعين غيره بغير رضاه فكان فاسخا للعقد بخلاف الأول فان هناك يمكن أن يجعل معينا له
لأنه استعان به فلا يجعل فاسخا للعقد لأنه امتنع من العمل حتى استعان به فعرفنا أن قصده
اعانته لا فسخه العقد بينهما ولو كان البذر من قبل المزارع والمسألة بحالها كان الزرع لرب
الأرض لأنه غاصب للبذر حين أخذه بغير أمر المزارع فالعقد لم يكن لازما في جانب المزارع
79

قبل القاء البذر في الأرض وصاحب الأرض لا يملك أن يلزمه العقد بغير رضاه فيصير هو
غاصبا للبذر ومن غصب بذرا فزرعه في أرض نفسه أو غيره كان الخارج كله له وعليه بذر
مثل ذلك البذر ولا شئ له على المزارع لأنه لم يسلم للمزارع شئ من منفعة الأرض ولكن رب
الأرض فوتها عليه ولو فوتها غاصب آخر لم يكن لرب الأرض على المزارع شئ فهذا أولى والله أعلم
(باب الشروط التي تفسد المزارعة)
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل أرضا له مزارعة على أن يزرعها سنته هذه ببذره
وعمله بالنصف وعلى أن يكرى العامل أنهارها فالمزارعة فاسدة لان رب الأرض مؤاجر
أرضه بنصف الخارج وكرى الأنهار على المؤاجر كما لو أجرها بدراهم وهذا لان بكرى
الأنهار يأتيها الماء ويتمكن المستأجر من الانتفاع بها وما لم يتمكن المستأجر من الانتفاع
لا يستوجب الاجر فإذا ثبت أن كرى الأنهار على المستأجر قلنا إذا شرط على المستأجر
فكأنه شرط لنفسه مع نصف الخارج مؤنة كرى الأنهار بمقابلة منفعة الأرض وذلك
مفسد للعقد ثم منفعة كري الأنهار تبقى بعد مضي مدة المزارعة وشرط ما تبقى منفعته بعد
مضى المدة على المزارع مفسد للعقد فان عمل علي هذا وكري الأنهار كان الخارج للعامل
لان البذر من قبله ولصاحب الأرض أجر مثل أرضه لأنه استوفى منفعة أرضه بعقد فاسد
وللعامل على صاحب الأرض أجر مثل عمله في كرى الأنهار لأنه استوفى منفعة عمله بعقد فاسد
فيتقاصان ويترادان الفضل ولو لم يكن كرى الأنهار مشروطا على العامل في العقد ولكن
العامل كري الأنهار بنفسه فالمزارعة جائزة ولا أجر له في كريها لأنه تبرع بإيفاء ما ليس
بمستحق عليه فهو بمنزلة ما لو حوطها وكذلك اصلاح المسناة فان ذلك على رب الأرض بمنزلة
كرى الأنهار فان شرط على المزارع في العقد فسد به العقد وان باشره من غير شرط فالعقد
جائز ولا أجر له فيما عمل ولو كان البذر من رب الأرض وقد شرط على العامل لنفسه شيئا
وراء ما يقتضيه المزارعة ومنفعة هذا تبقى بعد مضى مدة المزارعة فيفسد به العقد ويكون الخارج
كله لصاحب الأرض وللعامل أجر مثل عمله في جميع ذلك لان صاحب الأرض استوفى جميع
عمله بعقد فاسد ولو اشترطا على رب الأرض كرى الأنهار واصلاح المسناة حتى يأتيه الشرب
كانت المزارعة جائزة على شرطهما سواء كان البذر من قبل العامل أو من قبل رب الأرض
80

لان هذا العمل على رب الأرض بدون الشرط فالشرط لا يزيده الا وكادة وليس شئ منها
على العامل فاشتراطهما عليه اشتراط عوض مجهول وهو خلاف ما يقتضيه العقد فيفسد به العقد
ونظيره ما لو استأجر دارا بدراهم مسماة على أن يطين رب الدار سطوحها وعلى أن يصلح
مساربها لمسيل الماء جاز ذلك لان هذا على رب الدار بدون الشرط فإنه إذا لم يفعله رب الدار
فوكفت البيوت وجاء من ذلك ضرر بين كان للمستأجر أن يخرج من الدار فاشتراطه عليه
لا يزيده الا وكادة ولو اشترط رب الدار ذلك على المستأجر كانت الإجارة فاسدة لان اشتراطه
هذه الاعمال عليه كاشتراط مؤنتها لنفسه بمقابلة منفعة الدار وهي مجهولة ولو اشترط على رب
الأرض كرابها أو الكراب والثنيان فإن كان البذر من العامل فالمزارعة فاسدة لأن العقد في
جانب الأرض يلزم بنفسه وموجبه التخلية بين الأرض والمزارع واشتراط الكراب والثنيان
عليه يفوت موجب العقد فيفسد به العقد ثم الكراب والثنيان من عمل الزراعة واشتراط بعض
عمل الزراعة على رب الأرض مفسد للعقد كاشتراط الحفظ ثم الخارج كله لصاحب البذر
ولصاحب الأرض أجر مثل أرضه وعمله في الكراب والثنيان ولم يرد به ان عمله في الكراب
والثنيان يتقوم على العامل وإنما مراده أنه يغرم أجر مثل الأرض مكروبة أو مكروبة مسناة
لأنه استوفى منفعتها في وقت القاء البذر فيها وهي بهذه الصفة وإن كان البذر من رب
الأرض فالمزارعة جائزة لان لزوم العقد من جهة صاحب البذر لا يكون قبل القاء البذر
في الأرض والكراب والثنيان يسبق ذلك فاشتراطه على رب الأرض لا يضر ولان
الكراب في الثنيان بالبقر يكون واشتراط البقر على رب الأرض جائز إذا كان البذر من
قبله ولا يجوز إذا كان البذر من قبل المزارع فكذلك اشتراط الكراب والثنيان ولو اشترط
على أحدهما بعينه أن يسرقنها أو يعذرها والبذر من قبل العامل فالمزارعة فاسدة لأنه ان
شرط لك على العامل فقد شرط عليه ما تبقي منفعته في الأرض بعد مضى مدة المزارعة
وشرط عليه اتلاف عين مال لا يقتضيه عقد المزارعة وذلك مفسد للعقد وان شرط على رب
الأرض فذلك بمنزلة شرط الكراب والثنيان عليه لان هذا من عمل الزراعة فاشتراطه على
رب الأرض يكون مفسدا للعقد ويكون الخارج كله للعامل ولصاحب الأرض أجر مثل
أرضه وأجر مثله عمله فيما عمل من ذلك وقيمة سرقينه إن كان ذلك من قبله وإن كان من قبل
العامل لم يكن له على رب الأرض من قبل ذلك شئ وإن كان فيه منفعة لرب الأرض فيما بقي
81

لان العامل إنما عمل لنفسه وما بقي لرب الأرض أثر عمله وإن لم يتقوم أصل عمله على رب
الأرض فكذلك أثر عمله وإن كان البذر من رب الأرض فإن كان اشترط عليه ذلك
فالمزارعة جائزة بمنزلة اشتراط الكراب والثنيان وهذا لان القاء السرقين والعذرة في الأرض
يكون قبل الزراعة وقبل الكراب أيضا وان لزوم العقد في جانب صاحب البذر عند القاء
البذر في الأرض فكأنه استأجره للعمل بنصف الخارج بعد ما فرغ من القاء العذرة والسرقين
وان شرطاه على العامل فالمزارعة فاسدة لأنهما شرطا على العامل ما تبقى منفعته بعد مضى
مدة المزارعة وللعامل أجر مثله فيما عمل وقيمة ما طرح من السرقين لان صاحب الأرض
استوفى ذلك كله بعقد فاسد فهو نظير من أستأجر صباغا إجارة فاسدة ليصبغ ثوبه بصبغ
من عنده ففعل ذلك فإنه يكون له أجر مثل عمله وقيمة صبغه لو اشترط على العامل أن
لا يعذرها ولا يسرقها والبذر منه أو من صاحب الأرض فالمزارعة جائزة والشرط باطل
لان هذا شرط لا طالب به فان في القاء العذرة والسرقين في الأرض منفعة للأرض وليس
فيه مضرة والمطالبة بالوفاء بالشرط يكون لتوفر المنفعة أو لدفع الضرر فإذا انعدم ذلك في
هذا الشرط عرفنا أنه لا مطالب به فلا يفسد العقد به واستدل في الكتاب بحديث ابن عمر
رضي الله عنه أنه كان إذا أجر أرضه اشترط على صاحبها أن لا يدخلها كلبا ولا يعذرها وقد
بينا أنه إنما كان يشترط ذلك لمعنى التقذر ولو كان هذا من الشروط التي تفسد الإجارة
ما اشترطه ابن عمر رضي الله عنه على من استأجر منه أرأيت لو اشترط عليه أن لا يدخلها
كلبا كما اشترطه ابن عمر رضي الله عنه كان هذا مفسدا للمزارعة وليس يفسدها هذا ويتخير
المزارع ان شاء أدخلها كلبا وان شاء لم يدخلها فكذلك إذا شرط عليه أن لا يعذرها ولا
يسرقنها يتخير المزارع في ذلك فلو اشترط العامل على رب الأرض دولابا أو دالية بأداتها
وذلك بعينه عند رب الأرض أو لم يكن عنده فاشتراه فأعطاه إياه فعمل على هذا والبذر
من العامل فالمزارعة فاسدة وان شرط ذلك لرب الأرض على العامل جاز وكان ذلك
على العامل وإن لم يشترط رب الأرض لأنه مما يسقى به الأرض والسقي على العامل
فاشتراطه ما يتأتى به السقي عليه يكون مقررا لمقتضى العقد وليس السقي على رب الأرض
فاشتراط ما يتأتى به السقي على رب الأرض بمنزلة اشتراط السقي عليه وذلك مفسد للعقد
وكذلك الدواب التي يسقى عليها بالدولاب ان اشترطها على رب الأرض فالمزارعة فاسدة
82

وان اشترطها على العامل جاز لان اشتراط الدولاب للسقي كاشتراط البقر للكراب وقد
بينا أن اشتراط البقر على رب الأرض مفسد للعقد إذا كان البذر من قبل العامل واشتراطها
على العامل لا يفسد العقد فكذلك اشتراط الدواب للسقي وكذلك لو اشترط الدولاب
والدواب على العامل وشرط علف الدواب كذا مختوما وشعيرا وسطا كل شهر وكذا من
ألقت وكذا من التبن بشئ معروف من ذلك على رب الأرض فالمزارعة فاسدة لان ما يشترط
على رب الأرض لعلف دواب المزارع يكون مشروطا للمزارع واشتراط شئ له من غير
ما تخرجه الأرض يكون مفسدا للمزارعة فإنها شركة في الخارج فلا يجوز أن يستحق
بها مال آخر فان حصل الخارج فهو كله لصاحب البذر ولصاحب الأرض أجر مثل أرضه
ومثل ما أخذ منه المزارع من الشعير وألقت والتبن لأنه استوفى ذلك بعقد فاسد ولو كان
اشتراط ذلك كله على العامل جاز لان علف دوابه عليه بغير شرط فالشرط لا يزيده الا وكادة
ولو كان البذر من رب الأرض فاشترط ذلك كله على صاحب العمل جاز بمنزلة اشتراط
البقر للكراب عليه وكذلك أن اشترط على رب الأرض لأنه لو اشترط عليه البقر للكراب
في هذه الحالة يجوز فكذلك إذا شرط عليه الدولاب والدواب للسقي وهذا لان المزارع أجيره
فإنما استأجره ليقيم العمل بأداة المستأجر وذلك صحيح وإذا اشترطا الدواب والدولاب على
رب الأرض وعلف الدواب شيئا معروفا على المزارع فسدت المزارعة لأنه شرط على
المزارع علف دواب غيره وذلك بمنزلة اشتراط رب الأرض على المزارع طعام غلامه وذلك
مفسد للمزارعة سواء سمى طعاما معروفا أو لم يسم لان ذلك بمنزلة الاشتراط منه لنفسه
وكذلك لو اشترطا الدواب والدولاب على المزارع وعلف الدواب على رب الأرض ولو
اشترطا الدابة وعلفها على أحدهما والدولاب على الاخر جاز لان علف الدابة مشروط
على صاحب الدابة وهو عليه بغير شرط ثم في هذا الفصل اشتراط الدواب والدولاب
على أحدهما صحيح أيهما كان فكذلك اشتراط كل واحد منهما على أحدهما بعينه يكون
صحيحا والله أعلم
(باب المزارعة يشترط فيها المعاملة)
(قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى رجل أرضا بيضاء مزارعة وفيها نخيل على أن
83

يزرعها ببذره وعمله على أن ما خرج من ذلك فهو بينهما نصفان واشترطا ذلك سنين معلومة
فهذا فاسد لان في حق الأرض العامل مستأجر لها بنصف الخارج على أن يزرعها ببذره وفى
حق النخيل رب النخيل مستأجر للعامل ليعمل فيها بنصف الخارج فهما عقدان مختلفان
لاختلاف المعقود عليه في كل واحد بينهما وقد جعل أحد العقدين شرطا في الآخر وذلك
مفسد للعقد لنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن صفقتين في صفقة ثم الخارج من الأرض
كله لصاحب البذر وعليه اجر مثل الأرض لصاحب الأرض ويتصدق المزارع بالفضل لأنه
ربى زرعه في أرض غيره بعقد فاسد والخارج من النخل كله لصاحب النخل وللعامل أجر مثل
عمله فيما عمل في النخيل ويطيب الخارج كله لصاحب النخل وكذلك لو كان الشرط بينهما في
النخل على الثلث والثلثين أو في الزرع على الثلث والثلثين فالجواب واحد وهذا أبين للمعنى
الذي بينا أن العقد مختلف فيها ولو كان البذر من صاحب الأرض والمسألة بحالها جاز العقد لأنه
استأجر العامل ليعمل في أرضه ونخله فيكون العقد بينهما واحدا لاتحاد المعقود عليه وهو
منفعة العامل فهو بمنزلة ما لو دفع إليه أرضين مزارعة ليزرعها ببذر صاحب الأرض وكذلك
لو اشترطا على العامل في النخيل تسعة أعشار الثمار وفى الزرع النصف لأن العقد لا يختلف
باختلاف مقدار البذر المشروط كما لو استأجره لعمل معلوم بمائة درهم وبدينار يكون العقد
واحدا وإنما يختلف العقد باختلاف المعقود عليه والمعقود عليه واحد وهو عمل العامل ولو
دفع إليه أرضا وكرما على نحو هذا كان الجواب كالجواب في النخل لاتفاقهما في المعنى ولو
دفع إليه أرضا بيضاء فيها نخيل فقال أدفع إليك هذه الأرض تزرعها ببذرك وعملك على أن
الخارج من ذلك بيني وبينك نصفان وأدفع إليك ما فيها من النخيل معاملة على أن تقوم عليه
وتسقيه وتلقحه فما خرج من ذلك فهو بيني وبينك نصفان أو قال لك منه الثلث ولى الثلثان وقد
وقتا لذلك سنين معلومة فهو جائز لأنه لم يجعل أحد العقدين هنا شرطا في الاخر وإنما جعله
معطوفا على الآخر لان الواو للعطف لا للشرط بخلاف الأول فهناك جعل أحد العقدين
شرطا في الآخر لان حرف على للشرط (ألا ترى) أنه لو قال أبيعك هذه الدار بألف درهم
على أن تستأجر منى هذه الدار الأخرى شهرا بخمسة دراهم كان هذا فسدا لان هذا بيع
شرطت فيه إجارة ولو قال أبيعك هذه الدار بألف وأؤجرك هذه الدار الأخرى شهرا بخمسة
دراهم كان جائزا لأنه لم يجعل أحدهما شرطا في صاحبه وكذلك لو قال أبيعك هذه الدار
84

بألف درهم على أن أبيعك هذه الأمة بمائة دينار كان العقد فاسدا بخلاف ما لو قال وأبيعك
هذه الأمة وقد أجاب في الزيادات في مسألة البيع بخلاف هذا وقد بينا وجه الروايات
والتوفيق فيما أملينا من شرح الزيادات وكذلك لو دفع إليه أرضا وكرما وقال ازرع هذه
الأرض ببذرك وقم على هذا الكرم فاكسحه واسقه فهذا صحيح لأنه ما شرط أحد العقدين
في الآخر فلا يفسد واحد منهما والله أعلم
(باب الخلاف في المزارعة)
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل أرضا مزارعة بالنصف سنته هذه فهو فاسد لأنها
لم يسميا البذر من أحدهما بعينه والمعقود عليه يختلف باختلاف من البذر من قبله لأنه إن كان
البذر من قبل رب الأرض فالمعقود عليه منفعة العامل وإن كان من قبل العامل فالمعقود
عليه منفعة الأرض وجهالة المعقود عليه مفسدة للعقد ثم هذه جهالة تفضى إلى المنازعة بينهما
لان كل واحد منها يقول لصاحبه البذر من قبلك وليس الرجوع إلى قول أحدهما بأولى من
الرجوع إلى قول الآخر ويحكى عن الهندواني رحمه الله أنه قال هذا في موضع ليس فيه عرف
ظاهر يكون البذر من أحدهما بعينه أو كان العرف مشتركا فأما في موضع يكون فيه عرف
ظاهر يكون البذر من أحدهما بعينه فان العقد يكون صحيحا والبذر من قبله لان الثابت
بالعرف كالثابت بالشرط كما لو اشترى بدراهم مطلقة تنصرف إلى نقد البلد للعرف فتنقطع
المنازعة بينهما بالرجوع إلى الظاهر المتعارف وكذلك لو قال للمزارع على أن تزرعها سنتك
هذه لان من البذر من قبله لا يتعين بهذا اللفظ فالمزارع هو الذي يزرع البذر سواء كان
البذر من رب الأرض أو من قبله ولو قال على أن تزرعها سنتك هذه لنفسك بالنصف فهو
جائز استحسانا والبذر من قبل المزارع لأنه إنما يكون عاملا لنفسه إذا كان البذر من قبله
فيكون هو مستأجرا للأرض فأما إذا كان البذر من قبل رب الأرض فيكون هو أجيرا عاملا
لرب الأرض ففي لفظه ما يدل على اشتراط البذر على المزارع فيكون ذلك كالتصريح به وكان
القياس أن لا يجوز حتى يسمى ما يزرعها لان بعض الزرع أضر على الأرض من بعض فما لم
يبين جنس البذر لا يصير مقدار ما يستوفيه من منفعة الأرض معلوما وهذه الجهالة تفضى
إلى المنازعة لان رب الأرض يطالبه بان يزرع فيها أقل ما يكون ضررا على الأرض والمزارع
85

يأبى إلا أن يزرع فيها أضر الأشياء بالأرض وكذلك في جهالة جنس البذر جهالة جنس
الاجر لان الاجر جزء من الخارج وذلك لا يصير معلوما الا بتسمية جنس البذر ولكنا
نستحسن أن نجيز العقد ونجعل له أن يزرعها ما بدا له من غلة الشتاء والصيف من الحنطة
والرطبة والسمسم والشعير ونحو ذلك أما لان بطريق العرف يحصل تعيين جنس البذر
بتعيين الأرض فان أهل الصنعة يعلمون كل أرض صالحة لزراعة شئ معلوم فيها أو لأنه
لا تجرى المنازعة بين رب الأرض والمزارع فيها لما لكل واحد منهما من الحظ في ذلك أو
لان المزارع مستأجر للأرض ومنفعة الأرض معلومة بتعين الأرض والضرر في أنواع
ما يزرعها فيها يتفاوت فلا يفسد العقد كما لو استأجر دار للسكنى ولم يبين من يسكنها وليس
له أن يغرس فيها كرما ولا شجرا لأنه قال في العقد ازرعها لنفسك وعمل الغرس غير عمل
الزراعة والتفاوت بينهما في الضرر على الأرض فاحش فلا يستفيد أعظم الضررين عند التصريح
بأدناهما كما لو أستأجر حانوتا ليسكنها لم يكن له أن يقعد فيها قصارا ولا حدادا ولو كان دفعها إليه
على أن يزرعها سنته هذه لصاحب الأرض بالنصف فهو جائز والبذر من رب الأرض لأنه
إنما يكون زارعا لصاحب الأرض إذا كان هو أجيرا له في العمل ولرب الأرض أن يستعمل
الزارع في زراعة ما بدا له فيها من غلة الشتاء والصيف استحسانا وكان القياس أن لا يجوز
حتى يبين ما يزرع أو يشترط التعميم فيقول على أن يزرع لي ما بدا لي من غلة الشتاء والصيف
لان العمل يتفاضل في ذلك والعمل في بعض أنواع الزرع يكون أشد على العامل من بعض
فاما أن يبين جنس البذر ليصير مقدار العمل به معلوما أو يصرح باشتراط الخيار لنفسه في
ذلك ولكن في الاستحسان لا يشترط هذا لما قلنا ولو دفعها إليه على أن يزرعها سنته هذه
ما بدا للمزارع من غلة الشتاء والصيف فهو جائز والبذر من قبل العامل لان تفويض الامر
إلى رأيه على العموم دليل أن يكون عاملا لنفسه في الزراعة ولو قال ما بدا لرب الأرض كان
البذر من رب الأرض لان التنصيص على كون الرأي فيه إليه دليل على أن المزارع عامل له
وذلك إذا كان البذر من قبل رب الأرض وكذلك لو قال رب الأرض تزرعها ما أحببت أنا
أو شئت أنا أو ما أردت أنا فهذا كله دليل على أن البذر من قبل رب الأرض ولو قال ما شئت
أنت أو ما أحببت أنت أو ما أردت أنت فهو دليل على أن البذر من العامل والعقد جائز في
الفصلين استحسانا وفى القياس لا يجوز حتى يبينا من البذر من قبله أيهما هو لان مع اشتراط
86

الرأي لأحدهما يجوز أن يكون البذر من قبل الآخر (ألا ترى) انهما لو صرحا بذلك كان
البذر من قبله فإذا سكتا عن ذكره كان من البذر من قبله مجهولا منهما ولكنه استحسن
فقال الظاهر أنه إنما شرط المشيئة والمحبة والإرادة في البذر على العموم لمن البذر من قبله وهذا
الظاهر يسقط اعتباره عند التصريح بخلافه وعند عدم التصريح بخلافه يبقى معتبرا كتقديم
المائدة بين يدي انسان يكون اذانا في التناول بدليل العرف وان صرح بخلافه فقال لا
تأكل لم يكن ذلك اذنا في التناول ولو دفع إليه أرضا وبذرا على أن يزرعها سنته هذه بالربع ولم
يسميا غير ذلك فالمزارعة جائزة والربع للزارع ان اختلفا فيه قبل العمل أو بعده لان حرف
الباء للالصاق وإنما يصحب الأعواض فيكون هذا اشتراط الربع لمن يستحق الخارج عوضا
وهو المزارع فإنه يستحقه عوضا عن عمله فاما صاحب الأرض والبذر فإنما يستحقه لأنه نماء
بذره * يوضحه ان المزارع هو المحتاج إلى بيان نصيبه بالشرط فاشتراط الربع مطلقا إنما ينصرف
إلى بيان نصيب من يحتاج إلى الشرط ولو قال دفعت إليك هذه الأرض على أن تزرعها ببذرك
وعملك بالربع كان الربع لرب الأرض لأنه هو الذي يستحق الخارج هنا عوضا عن منفعة
الأرض وهو المحتاج إلى الشرط للاستحقاق ولو دفعها إليه على أن يزرعها حنطة من عنده
بالنصف لم يكن له أن يزرعها غير الحنطة وإن كان أقل ضررا على الأرض لأنهما شرطا زراعة
الحنطة في عقد لازم وهذا شرط مفيد فيجب الوفاء به بخلاف ما إذا استأجرها بدراهم ليزرعها
حنطة فزرعها شيئا هو أقل ضررا على الأرض لم يضمن وعليه الاجر لان تعيين الحنطة هناك
غير مفيد في حق رب الأرض فان حقه في الاجر وهو دراهم يستوجبها بالتمكن من
الزراعة وإن لم يزرعها فلا يعتبر تعيينها بالحنطة الا في معرفة مقدار الضرر على الأرض فإذا
زرع فيها ما هو أقل ضررا لم يكن مخالفا اما في المزارعة فتعيين الحنطة شرط مفيد في حق
رب الأرض لان حق رب الأرض في نصف الخارج فإنما جعل له الاجر من الحنطة فلا
يكون له أن يحول حقه إلى شئ آخر بزراعته فيها وإن كان ذلك أقل ضررا لم يكن مخالفا وكذلك
لو قال خذ هذه الأرض لتزرعها حنطة فهذا شرط بمنزلة قوله عل أن تزرعها الحنطة وقد بينا هذه
الفصول في المضاربة ولو دفع إليه الأرض والبذر على أن يكون للمزارع ربع الخارج ولرب
الأرض نصفه فهو جائز وثلاثة أرباع الزرع لرب الأرض والبذر لان المزارع هو الذي يستحق
بالشرط فلا يستحق غير ما شرط له وما وراء ذلك مما هو مسكوت عنه يكون لصاحب البذر
87

لان استحقاقه يكون نماء بذره لا بالشرط ولو دفع إليه أرضا فقال قد أجرتك هذه الأرض
هذه السنة مزارعة بالنصف فهو جائز والبذر من العامل لان رب الأرض نص على أنه مؤاجر
للأرض وإنما يكون كذلك إذا كان البذر من قبل العامل وكذلك لو قال أجرتك هذه الأرض
هذه السنة على أن تزرعها بالنصف أو لتزرعها بالنصف فهو جائز والبذر من قبل العامل ولو
قال أجرتك هذه الأرض هذه السنة بالنصف كان فاسدا لأنه لم يسم زرعا ولا غرسا والتفاوت
بينهما في الضرر على الأرض فاحش ورب الأرض هو المؤاجر لأرضه لكل واحد منهما
فإذا لم يبينا ذلك كان العقد فاسدا فإن لم يتفاسخا حتى زرعها أو غرسها وقد أجرها إياه
سنين مسماة كان الخارج بينهما نصفين استحسانا لأنه تعين المعقود عليه في الانتهاء قبل
وجوب البدل فيجعل كتعينه في الابتداء وهو نظير ما تقدم في الإجارات إذا استأجر دابة
للركوب أو ثوبا للبس ولم يبين من يركبها ولا من يلبسها ولو قال له استأجرتك هذه السنة
تزرع في هذه الأرض بالنصف جاز والبذر من رب الأرض فما أعطاه من حبوب أو رطبة
فعليه أن يزرعها لأنه صرح باستئجاره للزراعة وإنما يكون رب الأرض مستأجرا للزارع إذا
كان البذر من قبله ولو أراد رب الأرض ان يدفع إليه شجرا أو كرما يغرسه فيها فللعامل أن
يمتنع من ذلك لأنه استأجره للزراعة وهذا العمل لا يقع عليه اسم الزراعة مطلقا إنما يسمى
غراسة وما شرط عليه في العقد عمل الغراسة فليس له أن يكلفه ذلك ولو قال استأجرتك
تعمل في هذه الأرض عشر سنين بالنصف فهذا فاسد لان العمل المشروط عليه مجهول
وبين عمل الزراعة والغراسة تفاوت عظيم فإن لم يتفاسخا حتى أعطاه رب الأرض بذرا فبذره
أو غرسا فغرسه وعمله كان الخارج منهما على شرطهما استحسانا وجعل التعيين في الانتهاء
بتراضيهما كالتعيين في الابتداء وهو نظير الأول على ما بينا والله أعلم
(باب اختلافهما في المزارعة فيما شرط كل واحد منهما لصاحبه)
(قال رحمه الله) وإذا كان البذر من رب الأرض فأخرجت الأرض زرعا كثير فقال رب
الأرض شرطت لك الثلث وقال المزارع شرطت لي النصف فالقول قول رب الأرض مع
يمينه لان المزارع يستحق عليه الخارج بمقابلة عمله بالشرط فهو يدعى زيادة فيما شرط له ورب
الأرض ينكر تلك الزيادة فالقول قوله مع يمينه وعلى المزارع البينة على ما أدعى وتترجح
88

بينته عند المعاوضة لما فيها من اثبات الزيادة ولا يصار إلى التحالف عند أصحابنا جميعا رحمهم الله
بعد استيفاء المنفعة لخلوه على الفائدة وقد بينا ذلك في الإجارات وان اختلفا قبل أن يزرع شيئا
تحالفا وترد اليمين عليه أيضا وهنا أول المزارعة لان المزارعة عقد محتمل للفسخ فإذا اختلفا في
مقدار البدل فيه حال قيام المعقود عليه تحالفا وترادا ويبدأ بالمزارع في اليمين وهذا قول أبى
يوسف الاخر وهو قول محمد رحمه الله وقد بينا ذلك في البيوع ان البداءة في البيع بيمين
المشترى لان أول التسليمين عليه فأول التسليمين على المزارع ثم العقد لازم في جانبه حتى
لا يتمكن من الفسخ من غير عذر وصاحب البذر يتمكن من ذلك فكانت اليمين في جانبه ألزم
وأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه لان نكوله كاقراره وان أقاما البينة قبل التحالف
أو بعده فالبينة بينة المزارع لأنها مثبتة للزيادة واليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة
ولو اختلفا والبذر من العامل وقد أخرجت الأرض الزرع فالقول قول العامل لان رب
الأرض هو الذي يستحق الخارج عليه بالشرط فإذا ادعى زيادة فيما شرط له كان عليه أن يثبت
تلك الزيادة بالبينة وعلى الآخر اليمين لانكاره وان اختلفا قبل أن يزرع تحالفا ويبدأ بيمين
صاحب الأرض لان أول التسليمين عليه ولان لزوم العقد هنا في جانبه وإذا دفع الرجل إلى
رجل أرضا وبذرا يزرعها سنته هذه على أن للمزارع ثلث الخارج ثلثه من نصيب أحدهما بعينه
والثلثان من نصيب الآخر فهذا جائز وله ستة من ثمانية عشر سهما والباقي بين صاحبي الأرض
خمسة أسهم منه للذي شرط للمزارع الثلثين من نصيبه وسبعة للآخر لان المزارع أجبرهما في
العمل وقد استأجراه بجزء معلوم من الخارج وبينا مقدار ماله من نصيب كل واحد منهما
من ذلك الجزء وذلك مستقيم فالأجير قد تسامح مع أحد المستأجرين دون الآخر وقد
تعينت مع أحدهما وطلب الاجر من الآخر فإذا صح هذا الشرط احتجنا في التخريج إلى
حساب له ثلث ينقسم أثلاثا وذلك تسعة إلا أن أصل الخارج بينهما نصفان فليس لتسعة
نصف صحيح فيضعف الحساب ويجعل الخارج على ثمانية عشر سهما نصيب كل واحد منهما
تسعة وقد شرطا للمزارع ثلث الخارج وهو ستة ثلثا ذلك وهو أربعة من نصيب أحدهما
ونصيبه كان تسعة فإذا استحق المزارع من ذلك أربعة بقي له خمسة وثلث ذلك وهو سهمان
من نصيب الاخر وقد كان نصيبه تسعة فلما استحق المزارع من ذلك سهمين بقي له سبعة
ولو كانا اشترطا للمزارع الثلث ولم يزد على هذا كان الزرع بينهما أثلاثا لان المشروط
89

للمزارع مطلقا يكون من النصيبين على السواء فإذا استحق المزارع ثلث الخارج بقي الباقي
بينهما على ما كان أصل الخارج فيكون بينهم أثلاثا ولو كان اشترطا الثلث للزارع ثلثه من
نصيب هذا بعينه والثلث من نصيب الآخر وما بقي بين صاحبي الأرض نصفين فللمزارع
الثلث ستة من ثمانية عشر والباقي بينهما لأحدهما خمسة وللآخر سبعة كما خرجنا واشتراط
المناصفة فيما بينهما فيما بقي باطل لان الذي شرط للمزارع ثلثي الثلث من نصيبه باشتراط المناصفة
في الباقي يستوهب من نصيب صاحبه سهما واحدا ليكون ستة له من الباقي ولصاحبه ستة
واستيهاب المعدوم باطل وهو طمع منه في غير مطمع ولأنه طمع في شئ من نصيب صاحبه
من الخارج من غير أن يكون له أرض ولا بذر ولا عمل وعقد المزارعة إنما كان بينهما وبين
المزارع والشرط الباطل فيما بينهما لا يؤثر في العقد الذي بينهما وبين الزارع ولو دفع رجل
إلى رجلين أرضا بينهما نصفين ليزرعاها ببذرهما وعملهما على أن لصاحب الأرض ثلث الخارج
ثلثه من نصيب أحدهما بعينه وثلثاه من نصيب الآخر فهو جائز لأنه أجر الأرض منهما
بجزء معلوم من الخارج وفاوت بينهما ذلك الاجر وذلك مستقيم فإنه لا تتفرق الصفقة في
حقه بهذا التفاوت فإذا حصل الخارج كان له الثلث ستة من ثمانية عشر والباقي بين العاملين على
اثنى عشر سهما خمسة للذي شرط لرب الأرض ثلثي الثلث من نصيبه لان نصيبه كان تسعة
وقد أوجب للمزارع من ذلك أربعة فبقي له خمسة والآخر إنما أوجب لرب الأرض سهمين
من نصيبه فبقي له سبعة فإذا كانا اشترطا أن الباقي بعد الثلث بينهما نصفان فهذه مزارعة فاسدة
لان الذي شرط ثلثي الثلث من نصيبه لرب الأرض شرط لنفسه سهما من نصيب صاحبه
ليستوي به وكان صاحبه عاقده عقد المزارعة في نصيبه بهذا السهم الذي شرط له وشرط عمله
معه وذلك مفسد لعقد المزارعة بخلاف الأول فهناك ليس بين صاحبي الأرض شبهة عقد
فاشتراط أحدهما لنفسه سهما من نصيب صاحبه استيهاب للمعدوم وإذا فسد العقد كان الخارج
بين المزارعين نصفين ولرب الأرض أجر مثل أرضه أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج * فان
قيل كان ينبغي أن لا يفسد العقد بينهما وبين رب الأرض لان المفسد ممكن فيما بينها ولم يتمكن
في العقد الذي فيما بينهما وبين رب الأرض * قلنا العقد كله صفقة واحدة بعضه مشروط في
البعض فيتمكن المفسد منه وفى جانب منه يفسد الكل ثم قد يمكن المفسد بينهما وبين رب
الأرض من وجه وهو ان الذي شرط الثلثين لرب الأرض من نصيبه كأنه شرط ربع ذلك
90

على صاحبه ليستوي به فيما بقي واشتراط شئ من الاجر في الإجارة على غير المستأجر يكون
مفسدا للإجارة ولو دفع رجلان أرضا وبذرا إلى رجل ليزرعها على أن للعامل ثلث الخارج
والثلثان من ذلك لاحد صاحبي الأرض ثلاثة أرباعه وللآخر ربعه فعمل على ذلك فللعامل
ثلث الخارج والباقي بين صاحبي الأرض نصفين لان البذر بينهما نصفان والعامل أجيرهما
بالثلث فاستحق الثلث بمطلق الشرط من نصيبهما سهمين وكان الباقي بينهما نصفين فالذي
شرط له ثلاثة أرباع ما بقي يكون شرطها له نصف ما بقي من صاحبه لنفسه وهذا منه استيهاب
المعدوم أو طمع في غير مطمع فيلغو ولو كان البذر من قبل العامل والمسألة بحالها جاز وكان الباقي
بينهما على الشرط ثلاثة أرباعه للذي شرط ذلك له وربعه للآخر لان العامل هنا مستأجر للأرض
منهما وإنما استحقاق الخارج عليه بالشرط فيكون لكل واحد منهما مقدار ما شرط لأحدهما
ثلاثة أرباع الثلثين وللآخر الربع بخلاف الأول فاستحقاقهما هناك يكون من الخارج نماء
بذرهما لا بالشرط * فان قيل هنا العامل يكون مستأجرا نصيب أحدهما من الأرض بجميع
الخارج لان الخارج من نصف الأرض ثلاثة أرباع الثلثين مثل ما شرط له واستئجار الأرض في
المزارعة بجميع الخارج لا يجوز * قلنا نعم ولكن لا يميز نصيب أحدهما من نصيب الآخر لما في
ذلك من تمكن الشيوع في العقد في نصيب كل واحد منهما وإذا لم يميز لم يتحقق هذا المعنى فبقي
العقد بينهما على جميع الأرض بثلثي الخارج وذلك صحيح بينهما وبين صاحب البذر ثم جعلا
ثلاثة أرباع الثلثين بمقابلة نصيب أحدهما من منفعة الأرض والربع بمقابلة نصيب الآخر
وذلك مستقيم فيما بينهما أيضا ولو دفع رجل إلى رجلين أرضا يزرعها ببذرهما وعملهما على أن
لصاحب الأرض ثلث الخارج وللعاملين الثلثين الربع من ذلك لأحدهما بعينه وثلاثة أرباعه
للآخر فهذا فاسد لأنهما استأجرا الأرض على أن يكون جميع الاجر على أحدهما وهو الذي
شرط له الربع من الباقي لان الذي شرط لنفسه ثلاثة أرباع ما بقي قد شرط لنفسه جميع
ما يخرجه بذره فعرفنا أنه شرط نصيبه من الاجر على صاحبه وذلك مفسد للعقد * ويوضحه
انهما شرطا لرب الأرض الثلث وذلك من نصيبهما نصفين فلما شرطا لأحدهما ثلاثة أرباع ما بقي
فكان الآخر عقد عقد المزارعة بنصف الباقي من نصيبه على أن يعمل هو معه وذلك مفسد
للمزارعة وإذا فسدت كان الخارج كله للمزارعين ولرب الأرض أجر مثل أرضه أخرجت
الأرض شيئا أو لم تخرج وهو الحكم في المزارعة الفاسدة وإذا دفع الرجل إلى الرجل أرضا يزرعها
91

ببذره وعمله على أن الخارج بينهما نصفان فلما حصل الخارج قال صاحب البذر شرطت لك
عشرين قفيزا من الخارج وقال رب الأرض شرطت لي النصف منه فالقول قول صاحب البذر
لان صاحب البذر يدعى عليه استحقاق نصف الخارج بالشرط وهو منكر لذلك فالقول
قول المنكر مع يمينه والبينة بينة رب الأرض لأنها ثبت لاستحقاق له ولا يقال الظاهر
يشهد لرب الأرض فان العقد الذي يجرى بين المسلمين الأصل فيه الصحة لان هذا الظاهر
يصلح لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق به وحاجة رب الأرض إلى ابتداء الاستحقاق فإذا
حلف صاحب البذر أعطاه أجر مثل أرضه لأنه مقر له بذلك القدر وإن لم تخرج الأرض
شيئا فقال المزارع شرطت لك النصف وقال رب الأرض شرطت لي عشرين قفيزا فالقول
قول المزارع لان رب الأرض يدعى لنفسه أجر المثل دينا في ذمة المزارع والمزارع منكر
لذلك ثم الظاهر يشهد للمزارع فان الأصل في العقود الصحة وحاجة المزارع إلى دفع استحقاق
رب الأرض والظاهر يكفي لذلك وان أقاما البينة فالبينة بينه المزارع أيضا لأنه يثبت بينته
اشتراط نصف الخارج ورب الأرض ليس يثبت بينته ما شهد به الشهود لأنهم شهدوا
باشتراط عشرين قفيزا وذلك لا يستحق بالشرط بل يفسد به العقد فيجب أجر المثل فتترجح
بينة من تثبت بينته صحة العقد وصحة الشرط ولو لم يزرع حتى اختلفا كان القول قول رب
الأرض ان ادعى أنه دفها بأقفزة معلومة لان المزارع يدعي عليه استحقاق منفعة الأرض
ووجوب تسليمها إليه ورب الأرض منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه وان ادعى رب
الأرض أنه دفها بالنصف فالقول قول المزارع أنه أخذها بعشرين قفيزا مع يمينه على ما ادعى
رب الأرض لان رب الأرض يدعى استحقاق بعض الخارج عليه والمزارع منكر لذلك
وقيل لا معنى ليمين المزارع هنا لأنه متمكن من فسخ العقد قبل القاء البذر في الأرض وقد
ادعى ما يفسد العقد فكان ذلك بمنزلة الفسخ منه ثم اليمين إنما تنبني على دعوى ملزمة
ودعوى رب الأرض لا تلزمه شيئا قبل الزراعة فلا معنى لاستحلافه فإن كان البذر من
صاحب الأرض فلما أدرك الزرع قال العامل شرطت لي النصف وقال رب الأرض شرطت
لك عشرين قفيزا من الخارج فالقول قول رب الأرض والبينة بينة العامل لان العامل يدعي
استحقاق جزء من الخارج على رب الأرض بالشرط ورب الأرض منكر لذلك فالقول قوله
مع يمينه والبينة بينة العامل لأنها تثبت الاستحقاق له وإن لم تخرج الأرض شيئا فقال العامل
92

شرطت لي عشرين قفيزا وقال رب الأرض شرطت لك النصف فالقول قول رب الأرض
لان العامل يدعى أجر العمل دينا في ذمته وهو منكر لذلك والبينة بينة رب الأرض أيضا
لأنه يثبت ببينته صحة العقد ويشهد شهوده باشتراط ما يثبت بالشرط في المزارعة والآخر
إنما يشهد شهوده باشتراط ما لا يثبت بالشرط في المزارعة فكان الاثبات في بينة رب الأرض
أظهر ولو لم يزرع حتى اختلفا فالقول قول الذي يدعى الفساد منهما مع يمينه لأنه ينكر وجوب
تسليم شئ عليه ولو أقاما البينة فالبينة بينة الذي يدعي المزارعة بالنصف أيهما كان لأنه
يثبت ببينته صحة العقد وكونه سببا للاستحقاق فتترجح بينته بذلك ولو أخرج زرعا كثيرا
فقال لصاحب الأرض والبذر شرطت لك النصف وزيادة عشرة أقفزة وقال العامل شرطت
لي النصف فالقول قول العامل لأنهما اتفقا على اشتراط النصف ثم ادعى رب الأرض
زيادة على ذلك والعامل منكر لتلك الزيادة ثم رب الأرض متعنت في كلامه لأنه يقر له
بزيادة ليبطل به أصل استحقاقه لا ليثبت حقه فيما أقر له به وقول المتعنت غير مقبول وان
أقاما جميعا البينة فالبينة بينة رب الأرض لأنه يثبت ببينته زيادة الشرط ولأنه يثبت ببينته
فساد العقد بعد ما ظهر باتفاقهما ما هو شرط الصحة وهو اشتراط نصف الخارج فالزيادة
هاهنا في بينته ولو ادعى رب الأرض انه اشترط له نصف ما تخرج الأرض الا خمسة أقفزة
وقال العامل لم يستثن شيئا فالقول قول رب الأرض لان الكلام المقيد بالاستثناء يكون
عبارة عما وراء المستثنى فالمزارع يدعى عليه استحقاق نصف كامل بالشرط ورب الأرض
ينكر الشرط في بعض ذلك النصف معنى فالقول قوله لانكاره والبينة بينة المزارع لأنه يثبت
صحة المزارعة والفضل فيما يدعيه لنفسه إن لم تخرج الأرض شيئا وقال المزارع شرطت لي
النصف وزيادة عشرة أقفزة وقال رب الأرض شرطت لك النصف فالقول قول رب الأرض
لاتفاقهما على اشتراط النصف وتفرد المزارع بدعوى الزيادة لا ليستحقها بل ليبطل العقد
بها والبينة بينة المزارع لأنه يثبت زيادة شرط ببينته ويثبت لنفسه أجر المثل دينا في ذمة رب
الأرض ولو قال المزارع شرطت لي النصف الا عشرة أقفزة وقال رب الأرض شرطت
لك النصف ولم تخرج الأرض شيئا فالقول قول رب الأرض لان المزارع يدعي الاجر دينا
في ذمة رب الأرض ورب الأرض منكر لذلك وان أقاما البينة فالبينة بينة رب الأرض
أيضا لأنه يثبت بينته شرط صحة العقد وان اختلفا قبل العمل فقال المزارع شرطت لي
93

النصف وزيادة عشرة أقفزة وقال رب الأرض شرطت لك النصف فالقول قول رب
الأرض في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله على قول من يرى جواز المزارعة وفى قول أبى
يوسف ومحمد القول قول المزارع وهذا لان رب الأرض يدعى صحة العقد ومن أصل أبي حنيفة
أن القول قول من يدعى الصحة * بيانه فيما تقدم في السلم إذا ادعى أحد المتعاقدين
الاجل في السلم وأنكره الآخر أن عند أبي حنيفة القول قول من يدعى الاجل أيهما كان
لأنه يدعي صحة العقد وعندهما القول قول رب السلم لان المسلم إليه إذا كان يدعى الاجل
ورب السلم منكر لدعواه فالقول قوله وإن كان في انكاره افساد العقد وإن كان المسلم إليه
منكرا للأجل فهو متعنت في هذا الانكار لان رب السلم يقر له بالأجل وهو ينكر ذلك
تعنتا ليفسد به العقد فهنا كذلك عند أبي حنيفة رحمه الله يجعل القول قول رب الأرض لأنه
يدعي صحة العقد وعندهما يجعل القول قول المزارع لان كلامهما خرج مخرج الدعوى والانكار
فرب الأرض يدعي على المزارع استحقاق تسليم النفس لإقامة العمل وهو منكر فالقول قوله
مع يمينه وإن كان في انكاره افساد العقد وان أقاما البينة فالبينة بينة المزارع في قولهم جميعا
لأنه يثبت السبب المفسد بعد تصادقهما على ما هو شرط الصحة ولا يثبت الفضل فيما شرط له
ولو قال المزارع شرطت لي النصف الا عشرة أقفزة وقال رب الأرض شرطت لك النصف
فالقول قول رب الأرض عندهم جميعا أما عند أبي حنيفة رحمه الله فلانه يدعى الصحة وأما
عندهما فلان المزارع متعنت لان رب الأرض يقر له بزيادة فيما شرط له والمزارع يكذبه
فيما أقر له به ليفسد به العقد فكان متعنتا فان أقاما البينة فالبينة بينة رب الأرض لأنه يثبت
شرط صحة العقد واستحقاق العمل على المزارع ببينته ولو قال المزارع قبل العمل شرطت
لي النصف وقال رب الأرض والبذر شرطت لك النصف وزيادة عشرة أقفزة فالقول قول
المزارع لأنهما اتفقا على شرط صحة العقد وهو اشتراط النصف ثم رب الأرض يدعى
شرط زيادة على ذلك ليفسد به العقد والمزارع منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه والبينة بينة
رب الأرض لاثباته الشرط المفسد مع تصادقهما على ما هو شرط صحة العقد ولو قال رب
الأرض شرطت لك النصف الا عشرة أقفزة وقال المزارع شرطت لي النصف فالقول
قول رب الأرض لان المزارع يدعى زيادة أقفزة فيما شرط ورب الأرض منكر لما قلنا إن
الكلام المصدر بالاستثناء يصير عبارة عما وراء المستثنى والبينة بينة المزارع لأنه يثبت الفضل
94

في المشروط له ببينته ولو كان البذر من قبل العامل كان حاله في جميع هذه الوجوه بمنزلة
حال رب الأرض حتى كان البذر من قبله للمعنى الذي أشرنا إليه وإذا دفع الرجل إلى رجلين
أرضا وبذرا على أن يزرعاها سنتهما هذه فما أخرج الله تعالى من ذلك فلأحدهما بعينه الثلث
منه ولرب الأرض الثلثان وللآخر على رب الأرض أجر مائة درهم فهو جائز على ما اشترطوا
لأنه استأجر أحدهما ببدل معلوم لعمل مدة معلومة واستأجر الاخر بجزء من الخارج مدة
معلومة وكل واحد من هذين العقدين جائز عند الانفراد فكذا عند الجمع بينهما فان
أخرجت الأرض زرعا كثيرا فاختلف العاملان فقال كل واحد منهما أنا صاحب الثلث
فالقول قول رب الأرض في ذلك لان كل واحد منهما يدعى استحقاق الثلث عليه بالشرط
فإذا صدق أحدهما فقد أقر له بالثلث وأنكر استحقاق الآخر فالقول قوله ثم لما كان كل
واحد منهما يستحق عليه كان القول قوله في بيان ما يستحقه كل واحد منهما عليه من الاجر
أو ثلث الخارج وان أقام كل واحد منهما البينة أنه صاحب الثلث أخذ الذي أقر له رب
الأرض الثلث باقراره وأخذ الآخر الثلث ببينته لأنه أثبت ما ادعاه بالبينة ولا شئ له من
الاجر لان من ضرورة استحقاقه ثلث الخارج ابتغاء الاجر الذي به أقر له رب الأرض
ولو لم تخرج الأرض شيئا فقال كل واحد منهما أنا صاحب الاجر فالقول قول رب الأرض
لما قلنا وان أقاما البينة فلكل واحد منهما على رب الأرض مائة درهم لأحدهما باقرار رب
الأرض له وللآخر باثباته بالبينة ولا يلتفت إلى بينة رب الأرض في هذا الوجه ولا في الوجه
الأول مع بينتهما لأنهما المدعيان للحق قبله والبينة على المدعى دون المنكر ولو كان دفع
الأرض إليهما على أن يزرعاها ببذرهما على أن ما خرج منه فلأحدهما بعينه نصفه ولرب الأرض
عليه أجر مائة درهم وللآخر ثلث الزرع ولرب الأرض سدس الزرع فهذا جائز لأنه أجر
الأرض منهما نصفها من أحدهما بمائة درهم ونصفها من الآخر بثلث ما يخرجه ذلك النصف
وكل واحد من هذين العقدين صحيح عند الانفراد وقد بينا أن باختلاف البدل لا تتفرق
الصفقة في حق صاحب الأرض فان زرعها فلم تخرج الأرض شيئا فقال كل واحد منهما
لرب الأرض أنا شرطت لك سدس الزرع فالقول قول كل واحد منهما فيما زعم أنه شرط له
لان رب الأرض يصدق أحدهما في ذلك ويدعي على الآخر وجوب الاجر دينا في ذمته
وهذا منكر لذلك فالقول قوله لانكاره مع يمينه وان أقاما البينة أخذ ببينة رب الأرض
95

لأنه يثبت للآخر ببينته دينا في ذمته ولو أخرجت زرعا كثيرا فادعى كل واحد منهما
انه هو الذي شرط له الاجر وادعى صاحب الأرض على أحدهما الاجر وعلى الآخر سدس
الزرع فإنه يأخذ الاجر من الذي ادعاه عليه لتصادقهما على ذلك وفى حق رب الأرض
يدعى عليه استحقاق بعض الخارج وهو منكر فالقول قوله ويقال لرب الأرض أقم البينة
على السدس الذي ادعيته عليه وان أقام البينة أخذ ببينة رب الأرض لأنه هو المدعى المثبت
لحقه ببينته ولو دفع رجل إلى رجل أرضا على أن يزرعها ببذره وعمله فما خرج منه فثلثاه
للعامل والثلث لاحد صاحبي الأرض بعينه وللآخر مائة درهم أجر نصيبه فهو جائز لأنه
استأجر من أحدهما نصيبه باجر مسمى واستأجر من الآخر نصيبه بثلث ما يخرجه نصيبه
وكل واحد منهما مستقيم فان أخرجت زرعا كثيرا فادعي كل واحد من صاحبي الأرض
أنه صاحب الثلث فالقول قول الزارع لان كل واحد منهما يدعى استحقاق الخارج عليه وان
أقام كل واحد من صاحبي الأرض البينة كان لكل واحد منهما ثلث الخارج لأنه أقر لأحدهما
بثلث الخارج والآخر أثبت ببينته استحقاق ثلث الخارج ولا يلتفت إلى بينة المزارع مع
بينتهما لأنهما المدعيان والبينة في جانب المدعى دون المنكر وإذا دفع الرجل إلى رجلين
أرضا وبذرا على أن لأحدهما بعينه ثلث الخارج وللآخر عشرين قفيزا من الخارج ولرب
الأرض ما بقي فزرعاها فأخرجت الأرض زرعا كثيرا فالثلث للذي سمى له الثلث والثلثان
لصاحب الأرض وللآخر أجر مثله أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج لان عقد المزارعة بينه
وبين الذي شرط له الثلث صحيح وبينه وبين الآخر فاسد لأنه شرط له شرطا يؤدي إلى قطع
الشركة في الخارج مع حصوله والمزارعة بمثل هذا الشرط تفسد ولكن عقده مع أحدهما
معطوف على العقد مع الآخر بحرف العطف وليس بمشروط فيه ففساد العقد بينه وبين
أحدهما لا يفسد العقد بينه وبين الآخر فان اختلفا في الذي شرط له الثلث منهما فالقول قول
رب الأرض لان كل واحد منهما يدعى الاستحقاق عليه بالشرط وان أقاما البينة كان لكل
واحد منهما ثلث الخارج لأحدهما باقرار رب الأرض له به وللاخر باثباته بالبينة ولو لم
تخرج الأرض شيئا كان القول قول رب الأرض في الذي له اجر مثله منهما فان أقام كل واحد
منهما البينة على ما ادعى فالبينة بينة رب الأرض لان رب الأرض صدق أحدهما فيما أدعى
عليه من اجر المثل وإنما بقيت الدعوى بينه وبين الاخر ورب الأرض ببينة تثبت شرط
96

صحة العقد بينه وبين الآخر والآخر ينفى ذلك ببينته وقد بينا أن البينة التي ثبت شرط
صحة العقد تترجح بخلاف ما سبق فهناك كل واحد من العقدين صحيح فلا يكون رب الأرض
ببينته مثبتا شرط صحة العقد ولو كان صاحب الأرض اثنين على مثل هذا الشرط دفعاه إلى
واحد والبذر من قبل المزارع كان في جميع هذه الوجوه مثل ما بينا من حكم صاحب
الأرض حين كان البذر من قبله لاستوائهما في المعنى وذلك يتضح لك إذا تأملت والله أعلم
(باب العشر في الزارعة والمعاملة)
(قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى رجل أرضا سنته هذه على أن يزرعها ببذره وعمله
بالنصف فأخرجت الأرض زرعا كثيرا والأرض أرض عشر ففي قياس قول أبي حنيفة
على قول من أجاز المزارعة يكون للمزارع نصف الخارج كاملا ويأخذ السلطان عشر جميع
الخارج من نصيب صاحب الأرض ان كانت تشرب سحا أو تسقيها السماء وان كانت تسقى بدلو
أو دالية فنصف عشر جميع الخارج على صاحب الأرض لأنه مؤاجر لأرضه بجزء من الخارج
ومن أصل أبي حنيفة رحمه الله ان من أجر أرضة العشرية فالعشر يكون على الآخر وعندهما
العشر في الخارج على المستأجر فهنا أيضا عندهما العشر على كل واحد منهما في الخارج
نصفان وان سرق الخارج قبل القسمة أو بعد القسمة فلا عشر عليهما لفوات محل الحق
وعند أبي حنيفة رحمه الله عشر جميع الخارج على رب الأرض فان سرق الطعام بعد ما حصد
أو حرق قبل أن يأخذ السلطان العشر يبطل عن رب الأرض نصفه ولزمه في ماله نصفه
لان حصة النصف الذي صار للمزارع من العشر صار دينا في ذمة الأرض فلا يسقط
ذلك عنه بهلاك الخارج وفى النصف الذي هو ملك رب الأرض العشر باق في عينه فإذا
هلك سقط عشر ذلك عنه لفوات المحل وكذلك لو كان البذر من قبل رب الأرض فإنه
مستأجر للعامل بنصف الخارج فيكون عشر الكل عليه عند أبي حنيفة لان العشر مؤنة
الأرض النامية كالخراج وهو المالك للأرض فإذا سرق الطعام بعد الحصاد سقط عنه النصف
حصة نصيبه من الخراج وأما حصة نصيب المزارع فصارت دينا في ذمته بتمليكه إياه من المزارع
فلا يسقط ذلك عنه بهلاك الخارج ولو أجر أرضه من رجل بمائة درهم يزرعها هذه السنة
فأخرجت زرعا كثيرا ثم نوى الاجر على المستأجر فعشر جميع الطعام على رب الأرض
97

في قول أبي حنيفة رحمه الله وقد صار ذلك دينا في ذمته وللآخر دين له على المستأجر فان
نوى دينه على المستأجر فان سرق طعام المستأجر لا يسقط عن المؤاجر العشر الذي صار
دينا عليه ولو استحصد الزرع فلم يحصد حتى هلك فالاجر واجب لان وجوب الاجر
بالتمكن من استيفاء المعقود عليه وقد تمكن المستأجر من ذلك وقد استوفاه حقيقة ولا عشر
على واحد منهما لان وجوب العشر عند الحصاد قال الله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده وإنما
يصير دينا في ذمة الآجر بعد وجوبه فإذا هلك الخارج قبل الحصاد لم يكن عليه شئ بخلاف
ما إذا هلك بعد الحصاد لان العشر قد تقرر وجوبه هنا وصار دينا في ذمة الآجر وكذلك في
المزارعة إذا هلك الزرع بعد ما استحصد قبل أن يحصد فلا عشر على واحد منهما في القولين
جميعا سواء كان البذر من قبل رب الأرض أو من قبل المزارع لان المحل فات قبل أن
يأتي وقت وجوب العشر فهو بمنزلة ما لو استهلك النصاب قبل تمام الحول والهلاك هنا في
حق المؤاجر بمنزلة الاستهلاك في مال الزكاة حتى إذا استهلك بعد تمام الحول فالزكاة دين
عليه فإذا هلك هنا بعد الحصاد يكون العشر دينا عليه وكذلك الجواب في معاملة النخيل
والكروم هو مثل الجواب في المزارعة انه إذا هلك قبل الجذاذ فلا عشر على رب النخيل
وان هلك بعد الجذاذ فعشر نصيب العامل دين عليه في قول أبي حنيفة فان الجذاذ في الثمار
بمنزلة الحصاد في الزرع وان استهلكه رجل فليس على رب النخيل في حصته شئ من العشر
إلا أن يستوفى بدله من المستهلك فحينئذ يؤدى عشره لان المحل فات وأخلف بدلا وان
استوفى منه بعض البدل يؤدى العشر بقدر ذلك اعتبارا للجزء بالكل ولو صالح الامام قوما
من أهل الحرب على أن صاروا ذمة له ووضع على رؤسهم شيئا معلوما وجعل خراج أراضيهم
ونخيلهم وأشجارهم المناصفة فذلك جائز لأنه نصف ناظر للمسلمين وربما يكون خراج
المقاسمة أنفع للفريقين من خراج الوظيفة فإذا دفع رجل أرضا مزارعة والبذر منه أو من العامل
أو أجرها بدراهم أو أعارها رجلا ليزرعها لنفسه أو دفع الأشجار معاملة كان الجواب في
جميع ذلك على نحو ما بينا في العشر لان الخراج هنا جزء من الخارج لا يجب الا بعد
حصول الخارج حقيقة فيكون بمنزلة العشر في التخريج على القولين كما بينا بخلاف خراج
الوظيفة فإنه يجب بالتمكن من الانتفاع وإن لم يزرع كان على رب الأرض في الوجوه كلها
وإذا دفع أرضا من أرض العشر وبذرا إلى رجل على أن يزرعها سنته هذه على أن للمزارع
98

عشرين قفيزا من الخارج فأخرجت الأرض زرعا كثيرا فللعامل أجر مثله وعلى رب الأرض
عشر جميع الخارج لأنه استأجر العامل إجارة فاسدة ولو استأجره إجارة صحيحة بدراهم
مسماة للعمل كان عشر جميع الخارج على رب الأرض فكذلك هنا ولا يرفع مما أخرجت
الأرض نفقة ولا أجر عامل لان بإزاء ما غرم من الاجر دخل في ملكه العوض وهو منفعة
العامل وصار إقامة العمل بأجيره كإقامته بنفسه ولو زرع الأرض كان عليه عشر جميع الخارج
من غير أن يرفع من ذلك بذرا أو نفقة أنفقها فكذلك أجر العامل ولو كان البذر من
العامل كان الخارج له وعليه أجر مثل الأرض ثم في قول أبي حنيفة رحمه الله عشر جميع
الخارج على رب الأرض وعندهما العشر في الخارج اعتبار للإجارة الفاسدة بالإجارة الصحيحة
في القولين ولو دفع إليه الأرض على أن يزرعها ببذر منهما فما خرج فهو بينهما نصفان
فالمزارعة فاسدة لأنه جعل منفعة نصف الأرض للعامل مقابلة عمله في النصف الآخر
لرب الأرض ثم الخارج بينهما نصفان لان البذر بينهما نصفان والخارج نماء البذر وعشر
الطعام كله على رب الأرض في قول أبي حنيفة رحمه الله لأنه صار مؤاجرا نصف الأرض
بما شرط بمقابلته من عمله في النصف الآخر فهو بمنزلة ما لو أجرها بدراهم وعندهما العشر
في الخارج ولرب الأرض نصف أجر مثل أرضه لأنه استوفى منفعة نصف الأرض بحكم
عقد فاسد ولهذا المعنى يكون العشر في نصيب العامل على رب الأرض في قول أبي حنيفة
لأنه قد حصل له منفعة ذلك النصف من الأرض وهو أجر المثل ولا أجر للعامل لأنه عمل
فيما هو شريك فيه فلا يستوجب الاجر على غيره ولو دفع إلى رجل أرض عشر على أن
يزرعها ببذره وعمله بالنصف فاستحصد الزرع ولم يحصد حتى استهلكه رجل أو سرقه وهو
مقربه فلا عشر على واحد منهما حتى يؤدى المستهلك ما عليه وما أدى من شئ كان على
رب الأرض عشره في قول أبي حنيفة رحمه الله سواء كان البذر من قبل العامل أو من قبل
رب الأرض لان حكم البدل حكم المبدل وسلامته بان يستوفى ممن عليه فأما ما كان دينا في
ذمته فهو كالتاوي وفى قولهما ما خرج من شئ أخذ السلطان عشر ذلك والباقي بينهما نصفان
وكذلك لو كانت الأرض مما صالح الامام أهلها على أن جعل خراجها نصف الخارج فان
خراج المقاسمة بمنزلة العشر وكذلك لو كان أجر أرضه العشرية بدراهم فزرعها المستأجر
فاستحصد زرعها ثم استهلكها مستهلك فلا عشر على واحد منهما حتى يؤدى المستهلك ما عليه
99

من البدل فإذا أدى شيئا منه فعند أبي حنيفة عشر مقدار ما وصل إلى المستأجر على رب الأرض
وعندهما عشر ذلك القدر في الخارج لان رب الأرض في حكم العشر بمنزلة ما لو كان زرعها
بنفسه عند أبي حنيفة رحمه الله وإذا غصب الرجل أرض عشر أو خراج فزرعها فأخرجت
زرعا كثيرا ولم تنقصها لزراعة شيئا فالخارج على الزارع والعشر عليه في الخارج لان رب
الأرض لم يسلم له شئ من منفعة الأرض ولا كان متمكنا من الانتفاع بها مع منع الغاصب
إياه من ذلك فلا يلزمه عشر ولا خراج فإذا تعذر ايجاب ذلك عليه وجب على الغاصب
لان المنفعة سلمت له من غير عوض فكما التحق هو بالمالك في سلامة منفعة الأرض له بغير
عوض فكذلك في وجوب العشر والخراج عليه ولو كانت المزارعة نقصت الأرض فعلى
الزارع غرم النقصان لان ذلك الجزء تلف بفعله فيجب عليه ضمانة ثم في قول أبي حنيفة رحمه
الله على ما ذكره أبو يوسف عشر جميع ما أخرجت الأرض على رب الأرض وكذلك أن
كانت له أرض خراج فعليه خراجها لان ما استوفى هو من قيمة النقصان منفعة سلمت له
باعتبار عمل الزراعة فكان بمنزلة ما لو أجر الأرض بذلك القدر فعليه العشر والخراج سواء
كان ما وصل إليه مثل العشر أو الخراج الواجب أو أقل أو أكثر وهذا يقوى قول من
يقول من أصحابنا رحمهم الله ان نقصان الأرض عوض عن منفعتها وان الطريق في معرفة
النقصان أن ينظر بكم تؤجر الأرض قبل المزارعة وبعدها فمقدار التفاوت هو نقصان الأرض
وفى هذا اختلاف بين أئمة بلخ فان بعضهم يقولون إن المنفعة عندنا لا تضمن بالاتلاف ولكن
النقصان في حكم بدل جزء فائت من العين وطريق معرفته أن ينظر بكم كانت تشترى تلك
الأرض قبل الزراعة وبكم تشتري بعدها فتفاوت ما بينهما هو النقصان والقول الأول أقرب
إلى الصواب بناء على الجواب الذي ذكره هنا فإنه جعل النقصان بمنزلة الأجرة عند أبي حنيفة
وأما في قول محمد فإن كان نقصان الأرض مثل الخراج أو أكثر فلرب الأرض قيمة النقصان
على الغاصب والخراج على رب الأرض يعطيه بما يستوفى وان كانت قيمة النقصان أقل من
الخراج فالخراج على الغاصب وليس عليه شئ من النقصان لرب الأرض فكأنه استحسن ذلك
لدفع الضرر عن رب الأرض فإنه لا يمكن ايجاب موجبين على الغاصب بسبب زراعة واحدة
فيجعل كأنه لم يتمكن نقصان في الأرض حتى يجب الخراج على الغاصب ولا يتضرر به رب
الأرض وأما العشر على قوله وعلى قول أبى يوسف ففي الخارج والخارج للغاصب فيؤدى
100

عشر الخارج ويغرم لصاحب الأرض النقصان مع ذلك كما يغرم الاجر لو كان استأجرها
منه وقع في بعض نسخ الأصل الجمع بين الخراج والعشر في تخريج قول محمد رحمه الله وهو
سهو إنما الصحيح ما ذكرناه والله أعلم
(باب المعاملة)
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل نخلا معاملة سنين معلومة بالنصف فهو جائز على
قول من يرى جواز المزارعة وكذلك معاملة للشجر والكرم والرطاب في قول علمائنا رحمهم
الله وقال الشافعي لا تجوز المعاملة الا في النخيل والكروم خاصة لأن جواز ذلك بالأثر وإنما
ورد الأثر في النخيل والكروم وهو ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ولكن
هذا فاسد فقد كان أهل خيبر يعملون في الأشجار والرطاب أيضا كما يعملون في النخيل
والكروم ثم هذا الكلام أنما يستقيم ممن لا يرى تعليل النصوص فإذا كان الشافعي يرى تعليل
النصوص فلا يستقيم منه معنى فيصير حكم المعاملة على النخيل والكروم باعتبار ان الأثر ورد
فيها فان أراد صاحب النخيل أن يخرج العامل لم يكن له ذلك الا من عذر بخلاف ما لو دفع
الأرض والبذر مزارعة لان صاحب البذر يحتاج إلى أن يلقى بذره في الأرض وفيه اتلاف
ملكه فله أن لا يرضى به وهنا صاحب النخيل لا يحتاج في ايفاء العقد إلى اتلاف شئ من
ماله فيلزم العقد في الجانبين بنفسه ولا ينفرد أحدهما بفسخه الا بعذر كسائر الإجارات والعذر
هنا أن يلحقه دين فادح لا وفاء عنده الا ببيع النخيل أو يكون العامل سارقا معروفا بالسرقة
فخاف منه على أخذ سعف النخل وسرقته أو على سرقة الثمار قبل الادراك وقد بينا أن هذا
عذر في سائر الإجارات نحو إجارة الظئر لما يلحقه فيه من ضرر لم يلزمه بالعقد فكذلك في
المعاملة وإن كان الثمر قد خرج ولم يبلغ ثم لحقه دين لا وفاء عنده الا ببيع النخيل لم يكن له أن
ينقض المعاملة ولا يبيعه حتى يبلغ الثمر فيباع نصيب صاحب النخل من النخل من الثمر في
الدين وتنتقض المعاملة فيما بقي وقد تقدم نظيره في المزارعة والمعنى فيهما سواء فان الشركة
انعقدت بينهما في الثمر ولادراكه نهاية معلومة ففي الانتظار توفير المنفعة ودفع الضرر من
الجانبين وفى نقض المعاملة في الحال اضرار بالعامل من حيث إن فيه ابطال حقه من نصيب
الثمر فلدفع الضرر قلنا يخرج رب النخيل من الشجر وتبقى المعاملة بينهما إلى أن يدرك ما خرج
101

من الثمر ولو أراد العامل ترك العمل قبل خروج الثمر لم يكن له ذلك إلا أن يمرض مرضا
يضعف عن العمل معه فيكون هذا عذرا ولا يقال ينبغي أن يؤمر في المرض أن يستأجر عاملا
ليقيم العمل لان في ذلك الحاق ضرر به لم يلتزمه بعقد المعاملة وإذا كان عليه في ايفاء العقد ضرر
فوق ما التزمه يصير ذلك عذرا في فسخ المعاملة قال في الأصل أو يريد سفرا أو يترك ذلك
العمل فيكون هذه عذرا له وقد بينا في أول الكتاب ان في هذا الفصل روايتين وتأويل ما
ذكر هنا أن العمل كان مشروطا بيده ولو دفع إلى رجل نخلا أو شجرا أو كرما معاملة بالنصف
ولم يسم الوقت جاز استحسانا على أول ثمرة تخرج في أول سنته وفي القياس لا يجوز لان هذا
استئجار للعامل وبهذا لا يصير المعقود عليه معلوما الا ببيان المدة فإذا لم يبينا لا يجوز العقد كما
في المزارعة ووجه الاستحسان أن لادراك الثمر أو انا معلوما في العادة ونحن نتيقن ان ايفاء
العقد مقصود هنا إلى أدراك الثمار والثابت بالعادة كالثابت بالشرط فصارت المدة معلومة وان
تقدم أو تأخر فذلك يسير لا يقع بسببه منازعة بينهما في العادة بخلاف المزارعة فان آخر المدة
هناك مجهول لجهالة أولها لان ما يزرع في الخريف يدرك في آخر الربيع وما يزرع في الربيع يدرك
في آخر الصيف وما يزرع في الصيف يدرك في آخر الخريف فلجهالة وقت ابتداء عمل المزارعة
يصير وقت النهاية مجهولا وهذه الجهالة تفضى إلى المنازعة بينهما فلهذا لا يجوز العقد الا ببيان
المدة ثم في المعاملة يتيقن ان العقد تناول أول ثمره وفيما وراء ذلك شك فلا يثبت الا المتيقن
وإذا لم يخرج ثمره في تلك السنة انتقضت المعاملة لأن العقد لا يتناول الا ذلك القدر من المدة
فكأنهما نصا على ذلك ولو دفع إليه أصول رطبة ثابتة في الأرض معاملة ولم يسم الوقت فهو فاسد
لان الرطبة ليست لها غاية ينتهى إليها نموها ولكنها تنمو ما تركت في الأرض بخلاف الثمار فان
لها غاية تنتهي إليها فإذا تركت بعد ذلك تفسد فإن كانت للرطبة غاية معلومة تنتهي إليها في
نباتها حتى تقطع ثم تخرج بعد ذلك فهذه معاملة جائزة والمعاملة في ذلك على أول جزة كما في
الثمار وكل شئ من هذا أخرنا فليس لواحد منهما أن ينقض المعاملة الا من عذر لان المعلوم
بالعادة من المدة لما جعل كالمشروط لها في جواز العقد فكذلك في لزومه ولو دفع إليه نخلا فيه
طلع معاملة بالنصف أو لم يسم الوقت أو دفعه إليه بعد ما صار بسرا أخضر أو أحمر غير أنه لم
ينته عظمه فهو جائز لأنه بحيث ينمو بعمل العامل وله نهاية معلومة فيجوز العقد باعتباره ولو
دفع إليه بعد ما تناهى عظمه وليس يزيد بعد ذلك قليلا ولا كثيرا الا انه لم يرطب فالمعاملة
102

فاسدة لأنه لا يزداد بعمله والشركة بعقد المعاملة إنما تصح فيما يحدث بعمل العامل أو يزداد
بعمله فإذا لم يكن بهذه الصفة كان العقد فاسدا وان عمل فيه العامل فله أجر مثله ولو اشترى
من رجل طلعا في نخل أو بسرا أخضر فتركه في النخل بغير أمر صاحبه حتى صار تمرا تصدق
المشترى بالزيادة لتمكن الخبث في المشترى بالزيادة الحاصلة فيه من نخل صاحب النخل بغير رضاه
ولو اشتراه وهو بسر أحمر قد انتهى عظمه لم يتصدق بشئ لأنه لم يزد فيه من النخل شئ وإنما
النضج واللون والطعم يحدث فيه بتقدير الله تعالى وسبب ذلك على ما جعله الله تعالى سببا الشمس
والقمر والكواكب فلا يتمكن فيه خبث وإنما أورد هذا لايضاح الفصل الأول وقد بينا تمام
هذا الفصل في البيوع ولو دفع إليه رطبة له في أرض قد صارت بلحا ولم تنته إلى أن تجذ فدفعها
إليه معاملة على أن يسقيها ويقوم عليها بالنصف ولم يسم وقتا معلوما فهو فاسد إلا أن يكون
للرطبة غاية معلومة تنتهي إليها فحينئذ يجوز ولو دفع إليه رطبة قد انتهى احرازها على أن
يقوم عليها ويسقيها حتى تخرج بذرها على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من بذر فهو بينهما نصفان
ولم يسميا وقتا فهو جائز استحسانا لان لادراك البذر أو انا معلوما عند المزارعين والبذر إنما
يحصل بعمل العامل فاشتراط المناصفة فيه يكون صحيحا والرطبة لصاحبها ولو اشترطا أن
الرطبة بينهما نصفان فسدت المعاملة لأنهما شرطا الشركة فيما لا ينمو بعمل العامل والرطبة
للبذر بمنزلة الأشجار للثمار فكما أن شرط الشركة في الأشجار المدفوعة إليه مع الثمار يكون
مفسدا للعقد فكذلك هنا ولو كان دفعها إليه وهي قداح لم تتناه والمسألة بحالها جاز العقد لان
الرطبة هنا تنمو بعمله فيجوز اشتراط المناصفة فيه ولادراك البذر أو ان معلوم فلا يضرهما
ترك التوقيت ولو دفع إلى رجل غراس شجر أو كرم أو نخل قد علق في الأرض ولم يبلغ الثمر
على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقح نخله فما خرج من ذلك فهو بينهما نصفان فهذه معاملة فاسدة
إلا أن يسمى سنين معلومة لأنه لا يدرى في كم تحمل النخل والشجر والكرم والأشجار
تتفاوت في ذلك بتفاوت مواضعها من الأرض بالقوة والضعف فان بينا مدة معلومة صار
مقدار المعقود عليه من عمل العامل معلوما فيجوز وإن لم يبينا ذلك لا يجوز ولو دفع إليه نخلا
أو كرما أو شجرا قد أطعم وبلغ سنين معلومة على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقح نخله ويكسح
كرمه على أن النخل والكرم والشجر والخارج كله بينهما نصفان فهذا فاسد لاشتراطهما
الشركة فيما هو حاصل لا بعمل العامل وهو الأشجار بمنزلة ما لو دفع الأرض مزارعة على
103

أن تكون الأرض والزرع بينهما نصفين ولو دفع إليه أصول رطبه على أن يقوم عليها ويسقيها
حتى تذهب أصولها وينقطع بيتها على أن الخارج بينهما نصفان فهو فاسد وكذلك النخل
والشجر لأنه ليس لذلك نهاية معلومة بالعادة وجهالة المدة في المعاملة تفسد المعاملة ولو دفع
إليه نخلا أو شجرا أو كرما معاملة أشهرا معلومة يعلم أنها لا تخرج ثمرة في تلك المدة بان
دفعها أول الشتاء إلى أول الربيع فهذا فاسد لان المقصود بالمعاملة الشركة في الخارج وهذا
الشرط يمنع ما هو المقصود فيكون مفسدا للعقد ولو اشترطا وقتا قد يبلغ الثمر في تلك المدة
وقد يتأخر عنها جاز لأنا لا نعلم تفويت موجب العقد فهذا الشرط إنما يوهم ذلك وهذا التوهم
في كل معاملة ومزارعة فقد يصيب الزرع والثمار آفة سماوية فان خرج الثمر في تلك المدة
فهو بينهما على ما اشترطا وان تأخر عن تلك المدة فللعامل أجر مثله فيما عمل إن كان تأخير
ذلك ليس من ذهاب في تلك السنة لأنه تبين انهما سميا من المدة ما لا تخرج الثمار فيها ولو كان
ذلك معلوما عند ابتداء العقد كان العقد فاسدا فكذلك إذا تبين في الانتهاء وبهذا يستدل على
جواب مسألة السلم انه إذا انقطع المسلم فيه من أيدي الناس في خلال المدة بآفة فإنه يتبين به
فساد العقد بمنزلة ما لو كان منقطعا عند ابتداء العقد وإن كان قد أحال في تلك السنة فلم يخرج
شيئا فهذه معاملة جائزة ولا أجر للعامل في عمله ولا شئ له لأنه بما حصل من الآفة لا يتبين
ان الثمار كانت لا تخرج في المدة المذكورة وإذا لم يتبين المفسد بقي العقد صحيحا وموجبه
الشركة في الخارج فإذا لم يحصل الخارج لم يكن لواحد منهما على صاحبه شئ وإن كان قد
خرج في تلك السنة ولم يحل إلا أن الوقت قد انقضى قبل أن يطلع الثمر فللعامل أجر مثله فيما
عمل لأنه تبين المفسد للعقد وهو انهما ذكرا مدة كانت الثمار لا تخرج فيها ولو كان هذا
معلوما في الابتداء كان العقد فاسدا فكذلك إذا تبين في الانتهاء في المعاملة الفاسدة للعامل
أجر مثله فيما عمل لان رب النخيل استوفى عمله بعقد فاسد والله أعلم
(باب من المعاملة أيضا)
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل أرضا بيضاء سنين مسماة على أن يغرسها نخلا
وشجرا وكرما على أن ما أخرج الله تعالى من ذلك من نخل أو شجرا وكرم فهو بينهما
نصفان وعلى أن الأرض بينهما نصفان فهذا كله فاسد لاشتراطهما الشركة فيما كان حاصلا
104

لا بعمله وهو الأرض فان قبضها وغرسها فأخرجت ثمرا كثيرا فيجمع الثمر والغرس لرب
الأرض وللغارس قيمة غرسه وأجر مثله فيما عمل وقد بينا في المسألة طريقين لمشايخنا رحمهم
الله في كتاب الإجارات إحداهما انه اشترى منه نصف الغرس بنصف الأرض والأخرى
انه اشترى منه جميع الغرس بنصف الأرض والأصح فيه أنه استأجره ليجعل أرضه بستانا
بآلات نفسه على أن يكون أجره نصف البستان الذي يظهر بعمله وآلاته وذلك في معنى
قفيز الطحان فيكون فاسدا ثم الغراس عين مال قائمة كانت للعامل وقد تعذر ردها عليه
للاتصال بالأرض فليزمه قيمتها مع أجر مثل عمله فيما عمل بمنزلة ما لو دفع إلى خياط ظهارة
على أن يبطنها أو يحشوها ويخيطها جبة بنصف الجبة كان العقد فاسدا وكانت له قيمة البطانة
والحشو وأجر مثل عمله فيما عمل وكذلك لو لم يشترط له من الأرض شيئا ولكنه قال على أن
يكون لك على مائة درهم أو شرط عليه كر حنطة أو شرط له نصف أرض أخرى معروفة
فالعقد فاسد في هذا كله لجهالة الغراس الذي شرطه عليه وكذلك هذا في الزرع ولو دفع إليه
أرضا على أن يزرعها سنته هذه كرا من حنطة بالنصف وعلى أن للمزارع على رب الأرض
مائة درهم كان العقد فاسدا لاشتراط الاجر المسمى للمزارع مع نصف الخارج ثم الخارج
كله لرب الأرض وعليه كر حنطة مثل الكر لذي بذره المزارع وأجر مثل عمله فيما عمل أخرجت
الأرض شيئا أو لم تخرج لان عمل المزارع في ذلك لرب الأرض بأمره فيكون كعمل رب
الأرض بنفسه وكذلك لو كان الغرس عند رب الأرض واشترط ما خرج من ذلك فهو
بينهما نصفان وعلى أن للعامل على رب الأرض مائة درهم فهو فاسد لاشتراط أجر المسمى
للعامل مع الشركة في الخارج فإنه لو صح هذا كان شريكا في الخارج فلا يستوجب الاجر
بعمله فيما هو شريك فيه وإذا عمل على هذا فالخارج كله لرب الأرض وللعامل أجر مثله
وكذلك لو شرط كر حنطة وسط أو شرط أن الأرض بينهما نصفان ولو كان الغرس من
قبل العامل وقد اشترط أن الخارج بينهما نصفان على أن لرب الأرض على المزارع مائة درهم
فهذا فاسد لاشتراط الاجر المسمى لصاحب الأرض مع الشركة في الخارج فإنه لو صح ذلك
كان هو يستوجب أجر الأرض للعامل فيما هو مشغول من الأرض بنصيب رب الأرض
من الغراس وذلك لا يجوز ثم الخارج كله للعامل ولرب الأرض أجر مثل أرضه لان العامل
هنا استأجر الأرض وعمل فيها لنفسه حين شرط لرب الأرض على نفسه أجرا مائة درهم مع
105

بعض الخارج فيكون عاملا لنفسه وقد استوفى منفعة الأرض بحكم عقد فاسد فعليه أجر
مثل الأرض بخلاف ما تقدم ولو كان الغرس والبذر من رب الأرض على أن الخارج بينهما
نصفان وعلى أن لرب الأرض على الزارع مائة درهم فهو فاسد أيضا ثم الخارج كله للعامل
ولرب الأرض أجر مثل أرضه وقيمة غرسه وبذر مثل بذره على الزارع لأنه كالمشترى
للبذر والغرس ببعض المائة التي شرطها له على نفسه فيه وظهر أنه عامل لنفسه وأنه مستأجر
للأرض مشتر للغرس والبذر بالمائة وبنصف الخارج ففسد العقد لجهالة الغرس ثم صار قابضا
للغرس والبذر بحكم عقد فاسد وقد تعذر عليه رده فيلزمه القيمة فيما لا مثل له والمثل فيما له
مثل ويلزمه اجر مثل الأرض وعليه أن يتصدق بالفضل لأنه رباه في أرض غيره بعقد
فاسد وكذلك لو شرط له الغارس مكان المائة حنطة أو شيئا من الحيوان بعينه أو بغير عينه
فالكل في المعنى الذي يفسد به العقد سواء ولو دفع إليه الأرض على أن يغرسها المدفوع إليه
لنفسه ما بدا له من الغرس ويزرعها ما بدا له على أن الخارج بينهما نصفان وعلى أن للغارس
على رب الأرض مائة درهم أو سمى شيئا غير المائة فهو فاسد والخارج كله للغارس ولرب
الأرض أجر مثل أرضه لان رب الأرض وان صار كالمشترى للغراس والبذر بما شرط له على
نفسه من المال المسمى ولكنه لم يملكه لفساد العقد وانعدام القبض من جهته فيكون الغارس
عاملا لنفسه فكان الكل له بخلاف ما سبق فهناك الغارس يصير قابضا لما اشتراه شراء فاسد
* فان قيل هنا ينبغي أن يصير رب الأرض قابضا أيضا باتصاله بأرضه * قلنا ابتداء عمله في الغرس
والزرع يكون لنفسه لأنه ملك له قبل أن يتصل بالأرض ثم هو في يد الغارس حقيقة
والمشترى شراء فاسدا وإن كان يملك المشترى بالقبض فرده مستحق شرعا لفساد العقد فلا
يجوز جعله في يد المشترى حكما مع كونه في يد البائع حقيقة لان يد البائع فيه يد بحق ويد
المشترى محرم شرعا فاما فيما سبق فبنقض العامل يخرج من يد رب الأرض ويصير العامل
قابضا له حقيقة وكذلك لو لم يشترط المائة واشترط أن الأرض بينهما نصفان ولو كان البذر
والغرس من رب الأرض على أن يغرسه ويبذره العامل لرب الأرض على أن ما خرج من
ذلك فهو بينهما نصفان وعلى أن لرب الأرض على العامل أجرا مائة درهم فهو فاسد والخارج
كله لرب الأرض وللعامل أجر مثل عمله لأنه صرح في كلامه بما ينفى بيع الغرس والبذر
منه فإنه شرط أن يعمل فيها لرب الأرض وإنما يكون عاملا لرب الأرض إذا كان الغرس والبذر
106

من جهته فعرفنا انه ما باع شيئا من ذلك من العامل ولكنه استأجره للعمل بنصف الخارج
وشرط عليه بإزاء نصف الخارج لنفسه أيضا مائة درهم فكان فساد العقد من قبل أن العامل
اشترى منه بعض الخارج الذي هو معدوم بالمسمى من المائة فكان الخارج لرب الأرض
وللعامل أجر مثل عمله ولو دفع إليه نخلا معاملة سنين مسماة على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقحه
فما أخرج الله تعالى من ذلك من شئ فهو بينهما نصفان وعلى أن لرب الأرض على العامل مائة
درهم أو اشترط العامل على رب الأرض مائة درهم فهو فاسد لاشتراط الأرض المسماة مع بعض
الخارج لأحدهما والخارج كله لصاحب النخل لأنه تولد من نخيله وكذلك لو كان قال للعامل
اعمل ذلك لنفسك أو قال اعمل لي أو قال اعمل ولم يقل لي ولا لك فهو سواء لان النخيل
مملوكة لصاحبها فيكون العامل في الوجوه كلها عاملا له سواء صرح بذلك أو بخلافه والله أعلم
(باب الأرض بين الرجلين يعملان فيها أو أحدهما)
(قال رحمه الله) وإذا كانت الأرض بين رجلين فاشترطا على أن يعملا فيها جميعا
سنتهما هذه ببذرهما وبقرهما فما خرج فهو بينهما نصفان فهو جائز لان كل واحد منهما عامل
في نصيبه من الأرض ببذره وبقره غير موجب لصاحبه شيئا من الخارج منه فان اشترطا
أن الخارج بينهما أثلاثا كان فاسدا لان الذي شرط لنفسه الثلث كأنه دفع نصيبه من الأرض
والبذر إلى صاحبه مزارعة بثلث الخارج منه على أن يعمل هو معه وذلك مفسد للعقد
ولان ما شرط من الزيادة على النصف لصاحب الثلثين يكون أجره له على عمله وإنما يعمل
فيما هو شريك فيه فلا يستوجب الاجر فيما هو شريك فيه على غيره ولو كان البذر منهما
أثلاثا والخارج كذلك كان جائزا لان الذي شرط لنفسه ثلث الخارج كأنه أعار شريكه ثلث
نصيبه من الأرض وأعانه ببعض العمل وذلك جائز ولو اشترطا أن الخارج نصفان كان
فاسدا لان الذي كان منه ثلث البذر شرط لنفسه بعض الخارج من بذر شريكة وإنما يستحق
ذلك بعمله والعامل فيما هو شريك فيه لا يستوجب الاجر على غيره إذ هو يصير دافعا سدس
الأرض من شريكه مزارعة بجميع الخارج منه وذلك فاسد ثم الخارج بينهما على قدر
بذرهما وعلى صاحب ثلثي البذر أجر مثل سدس الأرض لشريكه لأنه استوفى منفعة ذلك
القدر من نصيبه من الأرض بعقد فاسد ويكون له نصف الزرع طيبا لا يتصدق شئ منه
107

لأنه رباه في أرض نفسه وأما سدس الزرع فإنه يدفع منه ربع بذره الذي بذره وما غرم من
الاجر والنفقة فيه يتصدق بالفضل لأنه رباه في أرض غيره بعقد فاسد ويكون له نصف
لزرع طيبا لا يتصدق بشئ منه لأنه رباه في أرض غيره بعقد فاسد ولو كان الخارج والبذر
بينهما نصفين والعمل عليهما جميعا الا البقر فإنهما اشترطاه على أحدهما بعينه خاصة جاز والخارج
بينهما نصفان لان صاحب البقر معين لصاحبه ببقره حين لم يشترط لنفسه شيئا من الخارج
من بذر صاحبه ولو اشترطا لصاحب البقر ثلثي الخارج كانت المزارعة فاسدة لان الذي شرط
لنفسه الثلث كأنه استأجر البقر من صاحبه بثلث الخارج من نصيبه واستئجار البقر في المزارعة
مقصودا لا يجوز والخارج بينهما نصفان على قدر بذرهما ولصاحب البقر أجر مثل بقره فيما
كربت لأنها كربت الأرض قبل أن تقع الشركة بينهما في الزرع فكان مستوفيا هذه المنفعة
من بقره بحكم عقد فاسد ولو اشترطا البذر من عند أحدهما بعينه والبقر من الآخر والخارج
بينهما نصفان لم يجز لان صاحب البقر يصير دافعا أرضه وبقره مزارعة بنصف الخارج وقد
شرط في ذلك عمل رب الأرض والبقر مع صاحب البذر وكل واحد من هذين بانفراده
مفسد للعقد فإذا حصل الخارج فهو كله لصاحب البذر ولصاحب البقر أجر مثل بقره
وأجر مثل عمله وأجر مثل حصته من الأرض على صاحب البذر ثم يطيب نصف الزرع لصاحب
البذر لأنه رباه في أرض نفسه ويأخذ من النصف الآخر نصف ما غرم لصاحب البقر من
أجر مثل بقره وأجر علمه وجميع ما غرم له من أجر مثل الأرض ونصف البذر مع نصف
ما أنفق فيه ويتصدق بالفضل لأنه ربى هذا النصف في أرض غيره بعقد فاسد وكذلك لو
اشترطا لصحاب البذر ثلثي الخارج وللآخر ثلث الخارج فهذا وما سبق في التخريج سواء
لاستوائهما في المعنى وإذا دفع الرجلان أرضا لهما وبذرا إلى رجل على أن يزرعها سنته هذه
فما خرج فنصفه لاحد صاحبي الأرض وللآخر الثلث وللعامل السدس فهذه مزارعة فاسدة
لان أحد الدافعين صار مستأجرا للعامل أن يعمل في نصيبه بجزء مما يخرجه نصيب صاحبه
فإنه شرط لنفسه نصف الخارج وذلك جميع ما تخرجه أرضه وبذره فعرفنا أنه جعل أجر
العامل في نصيبه جزأ من الخارج من نصيب صاحبه وذلك لا يجوز والخارج بينهما نصفان
على قدر بذرهما وللعامل أجر مثل عمله فيما عمل ولو كان العامل حين اشترط السدس سمى
أن ذلك السدس من حصة أحدهما خاصة وهو الذي شرط لنفسه السدس فهذا تصريح
108

بالمعنى المفسد للعقد فلا يزداد العقد به الا فسادا ولو دفع رجل إلى رجل أرضا مزارعة بالنصف
واشترط حفظ الزرع حتى يستحصد على رب الأرض والبذر من قبله أو من قبل العامل
فالمزارعة فاسدة لان هذا شرط يعدم التخلية بين الأرض وبين العامل في مدة المزارعة
فيفسد به العقد ولو شرط الكراب على رب الأرض فإن كان البذر من قبل العامل فالعقد
فاسد وإن كان من قبل رب الأرض فالعقد جائز لأنه إذا كان البذر من قبل العامل فالعقد في
جانب رب الأرض يلزم بنفسه وهذا الشرط يعدم التخلية بعد لزوم العقد وإن كان من
جانب رب الأرض فلزوم العقد في جانبه إنما يكون عبد القاء البذر في الأرض والكراب
يسبق ذلك فكأنه استأجره لعمل الزراعة في أرض مكروبة وإذا كان النخيل بين رجلين
فدفعه أحدهما إلى صاحبه سنته هذه على أن يقوم عليه ويسقيه ويلقحه فما خرج من ذلك
فهو بينهما للعامل ثلثاه وللآخر ثلثه فهذا فاسد لان الذي شرط الثلث لنفسه استأجر صاحبه
للعمل في نصيبه بثلث الخارج من نصيبه وهو إنما يعمل فيما هو شريك لنفسه فيه واستئجار
أحد الشريكين صاحبه للعمل فيما هو فيه شريك باطل والخارج بينهما نصفان لا يتصدق
واحد منهما بشئ منه ولا أجر للعامل على شريكه لان قيام الشركة بينهما فيما يلاقيه عمله
يمنع تسليم عمله إلى صاحبه ولو كان اشترطا ان الخارج نصفان جاز وكان العامل معينا لشريكه
بعمله في نصيبه فإن كان الذي لم يعمل أمر العامل أن يشترى ما يلقح به النخل فاشتراه رجع
عليه بنصف ثمن ذلك في المسألتين جميعا لأنه وكيل في شراء نصف ما يلقح به النخل له وقد
أدى الثمن من عنده فيرجع عليه بذلك بخلاف العمل فإنه لا قيمة للعمل الا بتسمية العوض
وتسليم تام إلى من يكون العمل له والشركة تمنع من ذلك وهو نظير عبد بين اثنين أمر
أحدهما صاحبه بان يشترى له نفقة فينفق عليه بنصف الثمن ولو استأجره ليحلق رأسه باجر
لم يستوجب الاجر على شريكه لهذا المعنى ثم ما يذكر من التلقيح في النخل أنواع معلومة
عند أرباب النخيل منها ما يشترى فيدق ويذر على مواضع معلومة من النخيل ومنها ما يوجد
من فحولة النخل مما يشبه الذكر من بني آدم ثم يشق النخلة التي تحمل فيغرز ذلك فيها على
صورة الوطء بين الذكور والإناث ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا النوع من
أهل المدينة فاستقبحه ونهاهم عن ذلك فأحشفت النخل في تلك السنة فقال عهدي بثمار
نخيلكم على غير هذه الصفة قالوا نعم وإنما كانت تجيد الثمار بالتلقيح فانتهينا إذ منعتنا فأحشفت
109

فقال عليه الصلاة والسلام إذا أتيتكم بشئ من أمر دينكم فاعملوا به وإذا أتيتكم بشئ من
أمور دنياكم فأنتم أبصر بدنياكم وقيل إن النخيل على طبع الآدمي فان النخلة خلقت من فضل
طينة آدم عليه الصلاة والسلام على ما قال عليه الصلاة والسلام أكرموا النخلة فإنها عمتكم
ولهذا لا تثمر الا بالتلقيح كما لا تحمل الأنثى من بنات آدم الا بالوطئ وإذا قطعت رأسها يبست
من ساعتها كالآدمي إذا جز رأسه ولو اشترطا على أن يعملا جميعا فيه ويسقياه ويلقحاه بتلقيح
من عندهما هذه السنة فما خرج من ذلك فلأحدهما بعينه الثلثان وللآخر الثلث فهذا فاسد
لان أحدهما شرط لنفسه جزأ من الخارج من نصيب صاحبه من غير أن يكون له فيه نخل
ولا عمل أو استأجره صاحبه للعمل فيما هو شريك فيه أن كان عمله أكثر من عمل صاحبه
ولو دفع نخلا إلى رجلين يقومان عليه ويلقحانه بتلقيح من عندهما على أن لاحد العاملين بعينه
نصف الخارج وللآخر سدسه ولرب النخل ثلثه فهو جائز لان رب النخل استأجرهما للعمل
في نخيله وفاوت بينهما في الاجر وذلك جائز كما لو استأجر أحدهما للعمل بمائة درهم وللآخر
بمائة دينار وكذلك لو اشترطوا ان لاحد العاملين بعينه أجر مائة درهم على رب النخيل
وللآخر ثلث الخارج ولرب النخيل ثلثاه أو على عكس ذلك كان جائزا لأنه استأجر أحدهما
بعينه بأجر مسمى وللآخر بعينه بجزء من الخارج وكل واحد من هذين العقدين يصح عند
الانفراد بهذه الصفة فكذا إذا جمع بينهما ولو اشترطوا لصاحب النخل الثلث ولأحد
العاقدين بعينه الثلثين وللآخر أجرا مائة درهم على العامل الذي شرط له الثلثين كان هذا
فاسدا لان هذا بمنزلة رجل دفع إلى رجل نخلا له معاملة هذه السنة على أن لصاحب النخل
الثلث وللعامل الثلثين وعلى أن يستأجر العامل فلانا يعمل معه بمائة درهم فهذا شرط فاسد
والمعاملة تفسد به لأنه اشترط إجارة في إجارة (ألا ترى) أنه له أستأجر رجلا هذه السنة
بمائة درهم يقوم على العمل في نخيله على أن يستأجر فلانا يعمل معه بخمسين درهما كان العقد
فاسدا لأنه اشترط إجارة في إجارة واشتراط أحد العقدين في الآخر يكون مفسدا لهما
ولو دفع إلى رجل أرضا سنته هذه يزرعها ببذره وبقره بالنصف على أن يستأجر فلانا يعمل
معه بمائة درهم كان فاسدا ولو كان البذر من قبل صاحب الأرض والشرط كما وصفنا كان
العقد فاسدا أيضا هكذا ذكرنا هنا وقد تقدم قبل هذا انه إذا كان البذر من قبل المزارع
وشرط ان يعمل فلان معه بثلث الخارج ان العقد جائز بين رب الأرض والمزارع وهو فاسد
110

بين المزارع وبين فلان ولو كان البذر من قبل رب الأرض جاز بينه وبين ا لعاملين جميعا وهنا
أجاب في الفصلين جميعا بفساد العقد فمن أصحابنا رحمهم الله من يقول إنما اختلف الجواب
لاختلاف الموضوع لأنه قال هناك ويعمل معه فلان بثلث الخارج وحرف الواو للعطف
فيكون هذا عطف عقد فاسد على عقد جائز لاشتراط أحد العقدين في الآخر وهناك قال
وعلى أن يستأجر فلانا يعمل معه بمائة درهم وحرف على للشرط فيكون أحد العقدين
مشروطا في الآخر والأصح أن يقول هناك المشروط للآخر على صاحب البذر بثلث الخارج
فيكون العقد شركة من حيث الصورة وإنما يأخذ حكم الإجارة إذا فسدت الشركة لا تفسد
بالشروط الفاسدة فلما غلب هناك معنى الشركة صححنا العقد بين رب الأرض والمزارع وان
فسد العقد بين المزارع والعامل الآخر لاشتراط عمله معه في المزارعة وهنا إنما شرطا للعامل
أجرا مائة درهم فيكون المغلب هنا معنى الإجارة والذي كان بين رب الأرض والعامل
إجارة في الحقيقة لأنه اما أن يكون إجارة للأرض أو استئجارا للعامل فيكون ذلك إجارة
مشروطة في إجارة وذلك مفسد للعقد كما في المعاملة فان العقد إجارة على كل حال لان رب
النخيل أستأجر العامل ولهذا يلزم العقد بنفسه من الجانبين فيفسد العقد بينهما باشتراط
إجارة في إجارة ثم الخارج كله لصاحب البذر فإن كان هو صاحب الأرض فعليه أجر مثل
الزارع وأجر مثل الذي عمل معه لأنه كان أجيرا له فعمله كعمل المزارع بنفسه وعلى الزارع
أجر مثل الذي عمل معه فيما عمل لا يزاد على مائة درهم لأنه قد رضى بمقدار المائة وإن كان
البذر من قبل الزارع فعليه أجر مثل الأرض بالغا ما بلغ وأجر مثل الذي عمل معه
لا يزاد على مائة درهم وهذا يتأتى على قول محمد رحمه الله فاما على قول أبى يوسف رحمه
الله فلا يزاد باجر مثل الأرض على نصف الخارج على قياس شركة الاحتطاب وكذلك الشجر
يدفعه الرجل إلى رجلين معاملة على هذه السنة على أن نصف الخارج لصاحبه والنصف
الباقي لاحد العاملين بعينه وللعامل الثاني على شريكه أجر مائة درهم في عمله فهو فاسد
لاشتراط إجارة في إجارة * يوضح جميع ما قلنا أن اشتراط عمل قيمته مائة درهم على العامل
في جميع هذه المسائل سوى عمله بمنزلة اشتراط مائة درهم عليه لرب الأرض والنخل والشجر
وذلك مفسد للعقد ولو كان نخل بين رجلين فدفعاه إلى رجل سنة يقوم عليه فما خرج فنصفه
للعامل ثلثا ذلك النصف من نصيب أحدهما بعينه وثلثه من نصيب الآخر والباقي بين صاحبي
111

النخل ثلثاه للذي شرط الثلث من نصيبه للعامل وثلثه للآخر فهو على ما اشترطوا لان كل
واحد منهما استأجر العامل بجزء معلوم من نصيبه أحدهما بثلثي نصيبه والآخر بثلث نصيبه
وذلك مستقيم كما لو استأجره كل واحد منهما باجر مسمى وكان المشروط على أحدهما أكثر
من المشروط على الآخر ثم ما شرط على كل واحد منهما لنفسه الا قدر الباقي من نصيبه
فلا يتمكن فساد في هذا الشرط ولو اشترطوا أن نصف الخارج لاحد صاحبي النخل بعينه
نصيبه الذي هو له والنصف الآخر للعامل ثلثاه ولصاحب النخل ثلثه فهذه معاملة فاسدة
لأنهما استأجراه للعمل على أن يكون الاجر على أحدهما بعينه خاصة ثم الخارج بينهما نصفان
لا يتصدقان بشئ منه وعليهما أجر مثل العامل في عمله لهما ولا يقال ينبغي أن لا يجب الاجر
على الذي شرط النصف لنفسه لأنه ما أوجب للعامل شيئا من نصيبه وهذا لأنه استأجره للعمل
ولكن شرط أن يكون الاجر على غيره وبهذا الشرط لا يبقى أصل الإجارة فعليه أجر مثله فيما
عمل له ولو اشترطوا أن للعامل نصف الخارج ثلثه من نصيب أحدهما بعينه وثلثاه من نصيب
الآخر وعلى أن النصف الباقي بين صاحبي النخل نصفين فهو فاسد لان الذي شرط ثلثي
نصيبه للعامل لا يبقى له من نصيبه الا الثلث فاشتراط نصف ما بقي لنفسه يكون طمعا في غير
مطمع وهو بهذا الشرط يصير كأنه جعل بعض ما جعله أجرة للعامل من نصيب صاحبه لأنه
لا يتصور بقاء نصف النصف له مع استحقاق ثلثي النصف عليه فكأنه شرط للعامل ما زاد
على نصف النصف أجرة له من نصيب صاحبه وقد ذكر قبل هذا في المزارعة نظير هذه
المسألة وهو أن يكون الأرض والبذر منهما وقال اشتراط المناصفة في النصف الباقي باطل
ويقسم النصف الباقي بينهما على مقدار ما بقي من حق كل واحد منهما وهنا أفسد العقد
فاما أن يقال في الفصلين جميعا روايتان إذ لا فرق بينهما أو يقال هناك موضوع المسألة ان أصل
البذر غير مشترك بينهما قبل الالقاء في الأرض فالشرط الفاسد بينهما لا يفسد المزارعة بينهما
وبين المزارع وهنا أصل النخل كان مشتركا بينهما قبل المعاملة وقد جعلا الشرط الفاسد بينهما
مشروطا في المعاملة فيفسد به العقد ولو اشترطوا أن يقوم عليه العامل وأحد صاحبي النخل
بعينه والخارج بينهم أثلاثا فهو فاسد لأنها معاملة تنعدم فيها التخلية والعامل من ربى النخل
استأجر العامل ببعض نصيبه على أن يعمل هو معه وذلك مفسد للعقد ولو اشترطوا للذي
يعمل من صاحبي النخيل نصف الخارج والباقي بين الآخر والعامل نصفين كان جائزا لان العامل
112

من ربى النخيل عامل في نخيل نفسه إذا لا عقد بينه وبين العامل ولكن العامل أجر الآخر
بنصف نصيبه ليعمل له وذلك جائز ولو اشترطوا أن يعملا جميعا مع العامل على أن الخارج
بينهم أثلاث فهو فاسد لان كل واحد منهما استأجر العامل ببعض نصيبه وشرط عمله معه
فهذه معاملة لا يوجد فيها التخلية بين النخيل وبين العامل ولو كانا شرطا العمل على العامل وحده
في سنة بعد هذه السنة أو بعد ثلاث سنين فهو جائز لان المعاملة بمنزلة الإجارة وإضافة
الإجارة إلى وقت معلوم في المستقبل جائز وعطف العقد الجائز على العقد الفاسد لا يفسد المعطوف
لأنهما لا يجتمعان في وقت واحد وكذلك المزارعة على هذا من أيهما كان البذر لان في المزارعة
استئجار الأرض واستئجار العامل إن كان البذر من رب الأرض وإذا دفع الرجلان إلى
الرجلين نخلا لهما معاملة هذه السنة على أن يقوما عليه فما خرج فللعاملين نصفه لواحد منهما بعينه
ثلثا ذلك النصف وللآخر ثلثه والباقي بين صاحبي النخل نصفان فهو جائز على ما اشترطوا
لأنهما استأجرا كل واحد منهما بجزء معلوم من نصيبهما وفاوتا بين العاملين في مقدار الاجر
وذلك لا يمنع جواز العقد لأنهما يستحقانه بعملهما وقد يتفاوتان في العمل من حيث الحذاقة
أو الكثرة ولو اشترطوا أن النصف بين العاملين نصفان وما بقي من صاحبي النخل ثلثه لأحدهما
بعينه وثلثاه للآخر فالمعاملة فاسدة لأنه لم يبق لكل واحد منهما بعد ما اشترطا للعاملين الا
ربع الخارج فاشتراط أحدهما الزيادة على ذلك لنفسه من نصيب صاحبه طمع في غير مطمع
إذ هو اشتراط أجرة بعض أجره عملها له على شريكه وذلك مفسد لعقد المعاملة ولو اشترطوا
أن النصف للعاملين من نصيب أحدهما بعينه ثلثا ذلك النصف ومن نصيب الآخر ثلثه والباقي
بين صاحبي النخل ثلثاه للذي شرط الثلث وثلثه للذي شرط الثلثين فهو جائز على ما اشترطوا
لان كل واحد منهما استأجر العاملين للعمل في نصيبه بجزء معلوم من نصيبه وما شرط لنفسه
الا مقدار الباقي من نصيبه بعد ما شرط للعاملين وهذا ثابت بدون الشرط فلا يزيده الشرط
الا وكادة ولو اشترطوا أن النصف الباقي بين صاحبي النخل ثلثاه للذي شرط الثلثين وثلثه
للذي شرط الثلث كانت المعاملة فاسدة لان أحدهما شرط لنفسه زيادة على الباقي من نصيبه
وذلك منه طمع في غير مطمع وهو بالشرط الثاني كأنه جعل بعض ما استوجبه للعاملين أجرة
مشروطة على صاحبه ولو اشترطوا ثلث الخارج لاحد العاملين بعينه وثلثاه لصاحبي النخل
وللعامل الآخر اجر مائة درهم على صاحبي النخل جاز لأنهما استأجرا أحد العاملين بثلث الخارج
113

وهي معاملة صحيحة واستأجر الخارج الآخر للعمل باجر مسمى وهو إجارة صحيحة ولو كانوا
اشترطوا المائة على أحد صاحبي النخل بعينه كانت المعاملة فاسدة لان الذي استأجره أحدهما
بالدراهم إن كان استأجره لنفسه فعمل أجيره كعمله بنفسه واشتراط عمله في المعاملة يفسدها
وإن كان استأجره ليعمل لهما فاشتراط أجر أجيرهما على أحدهما خاصة يكون مفسدا للعقد
وقد جعلا ذلك مشروطا في المعاملة فالخارج لصاحبي النخل وللعامل على الذي شرط له الثلث
أجر مثله بالغا ما بلغ على صاحبي النخل لأنهما استوفيا عمله بعقد فاسد وتسمية الثلث له بعد فساد
العقد لا يكون معتبرا عند محمد رحمه الله فكان له أجر مثله بألفا ما بلغ وللعامل الاخر أجر
مثله لا يجاوز به مائة درهم على الذي شرط له المائة لأنه هو الذي عاقده عقد الإجارة والتزم
البدل له بالتسمية ثم يرجع هو على شريكه بنصف ما لزمه من ذلك لأنه عمل لها جميعا بحكم
عقد فاسد وهو في نصيب صاحبه بمنزلة النائب عنه في الاستئجار فيرجع عليه بما يلحقه من
الغرم في نصيبه ولو كانوا اشترطوا أن المائة على العامل الذي شرطوا له الثلث كانت المعاملة
فاسدة وقد بينا هذا فيما إذا كان العامل واحدا انه يفسد العقد لاشتراط الإجارة في الإجارة
فكذلك إذا كان العامل اثنين والخارج لصاحبي النخل وعليهما للذي شرط له الثلث أجر مثله
وأجر مثل صاحبه بالغا ما بلغ لان صاحبه أجره وعمل أجيره يقع له فيكون كعمله بنفسه
ولصاحبه عليه أجر مثله لا يجاوز به مائة درهم لأنه استوفى عمله بعقد فاسد وقد صح رضاه
بقدر المائة فلا يستحق الزيادة على ذلك وإذا دفع رجل إلى رجلين أرضا له هذه السنة يزرعانها
ببذرهما وعملهما فما أخرج الله تعالى منها فنصفه لاحد العاملين بعينه وثلثه للآخر والسدس
لرب الأرض فهو فاسد لأنهما استأجرا الأرض وشرطا أن يكون جميع الاجر من نصيب
أحدهما خاصة قان الآخر شرط لنفسه جميع الخارج من بذره ولو اشترطوا لأحدهما أربعة
أعشار الخارج وللآخر الثلث ولرب الأرض ما بقي فهو جائز لان كل واحد منهما استأجر
الأرض بجزء معلوم من نصيبه من الخارج أحدهما بخمسي نصيبه والآخر بثلث نصيبه وكما
يجوز التفاوت في أجرة العاملين بالشرط فكذلك في إجارة الأرض منهما ولو اشترطوا ان
نصف الخارج لأحدهما بعينه ولرب الأرض عليه مائة درهم وللآخر الثلث ولرب الأرض
السدس جاز على ما اشترطوا لان أحدهما استأجر نصف الأرض باجر مسمى والآخر بجزء
من الخارج وكل واحد منهما صحيح وبسبب اختلاف جنس الاجر أو منفعة العقد لا تتفرق
114

الصفقة في حق صاحب الأرض ولا يتمكن الشيوع ولو اشترطوا على أن ما خرجت الأرض
بينهما أثلاث ولرب الأرض على أحدهما بعينه مائة درهم كان فاسدا لان الذي التزم المائة جمع
لصاحب الأرض من نصيبه بين أجر المسمى وبعض الخارج وذلك مفسد للعقد وكذلك
لو اشترطوا المائة على رب الأرض لهما كان فاسدا لان رب الأرض التزم لهما مع منفعة الأرض
مائة درهم بمقابلة نصف الخارج ففيما يخص المائة من الخارج هو مشترى منهما وشراء المعدوم
باطل ففسد العقد لذلك وان اشترطا المائة على رب الأرض لأحدهما بعينه وقد اشترطوا ان
الخارج بينهم أثلاث ففي قياس قول أبي حنيفة رحمه الله على قول من أجاز المزارعة هذه مزارعة
فاسدة والخارج لصاحبي البذر ولرب الأرض عليهما أجر مثل الأرض وفى قول أبى يوسف
ومحمد رحمهما الله المزارعة بين رب الأرض والمزارع الذي لم يشرط عليه المال جائزة فيأخذ هو
الثلث ورب الأرض السدس ويكون نصف الخارج للمزارع الآخر وعليه لرب الأرض
أجر مثل نصف أرضه لان رب الأرض هنا إنما صار مشتريا بعض نصيب أحدهما بما شرط
له من المائة فإنما تمكن المفسد فيما بينهما الا ان من أصل أبي حنيفة رحمه الله أن الصفقة
الواحدة إذا فسد بعضها فسد كلها ومن أصلهما أن الفساد يقتصر على ما وجدت فيه العلة
المفسدة وقد بينا نظائره في البيوع وقيل بل هذا ينبنى على إجارة المشاع فان العقد لما فسد
بين رب الأرض وبين الذي شرط عليه المائة فلو صح في حق العامل الآخر كان إجارة
نصف الأرض مشاعا وذلك لا يجوز عند أبي حنيفة رحمه لله خلافا لهما والأول أصح لأن العقد
مع الفساد منعقد عندنا فلا يتمكن بهذا المعنى الشيوع في أصل العقد والله أعلم
(باب مشاركة العامل مع آخر)
(قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل لرجل نخلا له معاملة هذه السنة على أن يقوم عليه ويسقيه
ويلقحه فما خرج منه فهو نصفان ولم يأمره أن يعمل في ذلك برأيه فدفعه العامل إلى رجل
آخر معاملة على أن للآخر ثلث الخارج فعمل على ذلك فالخارج كله لصاحب النخل وللعامل
الآخر على الأول أجر مثله ولا أجر للأول على رب النخل لان العامل الأول خالف أمر
رب النخل حين دفعه إلى غيره معاملة فان رب النخيل إنما رضى بشركته في الخارج
لا بشركة الثاني فهو حين أوجب الشركة في الخارج في للعامل الثاني صار مخالفا لرب النخل فيما
115

أمره به بمنزلة الغاصب فلا يستوجب عليه الاجر بعد ما صار غاصبا سواء أقام العمل بنفسه أو
بنائبه ثم العامل الأول استأجر الثاني بثلث الخارج وقد حصل الخارج ولم يسلم له لاستحقاق
رب النخل ذلك عليه فإنه متولد من نخله فلا يستوجب عليه بدون رضاه وهو ما رضى بان
يستحق الثاني شيئا من الخارج ففسد العقد بينهما لاستحقاق الأجرة فيرجع على العامل
الأول باجر مثله فان هلك الثمر في يد العامل الآخر من غير عمله وهو في رؤس النخل
بآفة أصابته فلا ضمان عليه ولا على الأول لأنهما بمنزلة الغاصبين والزيادة المتولدة من عين
المغصوب إذا تلفت من غير صنع أحد لا تكون مضمونة وان هلك من عمل الأجير شئ
فإن كان ذلك عملا خالف فيه ما أمره به العامل الأول فالضمان فيه لصاحب النخل على
العامل الآخر دون الأول لأنه مباشر للاتلاف وإنما أتلفه بفعل أنشأه من عنده ولم يكن
مأمورا به من جهة العامل الأول فيقتصر حكم ذلك الفعل عليه كولد المغصوبة إذا أتلفه
متلف في يد الغاصب كان الضمان على المتلف دون الغاصب وان هلك في يدي من عمل في
شئ لم يخالف فيه ما أمره به الأول فلصاحب النخل أن يضمن أي العاملين شاء لان الثاني
وان باشر الاتلاف ولكن كان عاملا ذلك العمل للأول حين استوجب بمعاملته الاجر عليه
فيكون عمله كعمل الأول بنفسه فلصاحب العمل أن يضمن أيهما شاء فان ضمن الآخر رجع
على الأول بما ضمن لأنه مغرور من جهته حين عمل له بأمره وان ضمن الأول لم يرجع
على الآخر لأنه حين ضمن صار كالمالك ولو كان رب النخل أمر الأول أن يعمل فيه برأيه
والمسألة بحالها فدفعه إلى الآخر جاز لأنه فوض الامر إلى رأيه على العموم والاشراك والدفع
إلى الغير معاملة من رأيه ثم نصف الخارج لرب النخل وثلثه للآخر كما أوجبه له الأول من
نصيبه وبقي السدس للأول وهو طيب له لأنه استحق ذلك بالتزام العمل بالعقد ولو قال
رب النخل للأول ما رزقك الله فيه من شئ فهو بيننا نصفان أو ما أخرج الله لك أو قال له
اعمل فيه برأيك فدفعه إلى آخر معاملة بالثلث أو النصف كان جائزا والباقي بعد المشروط
للآخر بين الأول وصاحب النخل نصفين كما شرطا لان الذي رزق الله العامل الأول هو
الباقي وقد شرطا المناصفة فيه ولو دفع إلى رجل أرضا وبذرا مزارعة على أن للمزارع من
الخارج عشرين قفيزا ولرب الأرض ما بقي وقال له اعمل برأيك فيه أو لم يقل فدفع المزارع
الأرض والبذر إلى رجل بالنصف مزارعة فعمل فالخارج لرب الأرض لأنه نماء بذره وقد كان
116

العقد بينه وبين الأول فاسدا باشتراط مقدار معلوم له من الخارج بالعقدين فلا يصح منه
ايجاب الشركة للثاني في الخارج سواء قال له اعمل فيه برأيك أو لم يقل لأنه أجيره لا شريكه
في الخارج وإذا لم يصح منه اشراك الثاني في الخارج لم يصر مخالفا لصاحب الأرض والبذر فيما
فعله فيكون الخارج كله لرب الأرض وللآخر على الأول أجر مثله لأنه استأجره بثلث
الخارج وقد حصل الخارج ثم استحقه رب الأرض وللأول على رب الأرض أجر مثل ذلك
العمل لأنه لما لم يصر مخالفا لرب الأرض كان عمل أجيره كعمله بنفسه وقد سلم ذلك لرب
الأرض بعقد فاسد وكذلك إن لم تخرج الأرض شيئا لان بفساد العقد الأول يفسد العقد
الثاني فالثاني إنما أقام العمل بحكم إجارة فاسدة فيستوجب أجر المثل على من استأجره وإن لم
تخرج الأرض شيئا. كما لو استأجره رب الأرض إجارة فاسدة ولو دفع إليه الأرض
والبذر مزارعة بالنصف وقال اعمل فيه برأيك أو لم يقل فدفعها إلى آخر مزارعة على أن للآخر
منه عشرين قفيزا فالمزارعة بين الأول والثاني فاسدة وللثاني على الأول أجر مثله عمله
والخارج بين الأول ورب الأرض نصفان لأن العقد بينهما صحيح وعمل أجيره كعمله بنفسه
والأول لا يصير مخالفا وإن لم يكن رب الأرض قال له اعمل فيه برأيك لأنه إنما يصير مخالفا
بايجاب الشركة للغير في الخارج ولم يوجد ذلك ولو دفع إليه أرضا على أن يزرعها ببذره وعمله
بعشرين قفيزا من الخارج والباقي للمزارع أو كان شرط أقفزة للمزارع والباقي لرب
الأرض فدفعها المزارع إلى آخر مزارعة بالنصف والبذر من عند الأول أو من عند الآخر
فعمل فالخارج بين المزارعين نصفان لان الأول مستأجر للأرض إجارة فاسدة فيصح منه
استئجار العامل للعمل فيه أو اجارتها من غيره بالنصف إذا كان البذر من عند الآخر لان
الفاسد من العقد معتبر بالجائز في حكم التصرف فالخارج بين المزارعين نصفان ولرب الأرض
أجر مثل أرضه على الأول ولو لم يعمل الآخر في الأرض بعد ما تعاقدا المزارعة حتى أراد
رب الأرض أخذ الأرض وبعض ما تعاقدا عليه كان له ذلك لأن العقد بينه وبين الأول
إجارة فاسدة والإجارة تنقض بالعذر فإن كان البذر في العقد الثاني من عند الآخر ينقض
العقد الثاني بينه وبين الآخر لاستحقاق نقض العقد الأول بسبب الفساد وإن كان البذر
من عند الأول ينقض استئجار الأول للثاني لفساد العقد أيضا فإن كان الآخر قد زرع لم يكن
لرب الأرض أخذ أرضه حتى يستحصد الزرع لان المزارع الآخر محق في القاء البذر في
117

الأرض وفي القلع اضرار به من حيث ابطال حقه فيتأخر ذلك إلى أن يستحصد ولو كان
رب الأرض دفعها إلى الأول مزارعة بالنصف وقال له اعمل فيها برأيك أو لم يقل فدفعها
الأول وبذرا معها إلى الثاني مزارعة بعشرين قفيزا من الخارج شرطاه للثاني أو للأول فالعقد
الثاني فاسد وللآخر على الأول أجر عمله والخارج بين رب الأرض وبين الأول نصفان
لان اقامته العمل بأجيره كإقامته بنفسه واستئجار الأرض بنصف الخارج كان صحيحا بينهما
ولو كان البذر من الآخر كان الخارج كله له لأن العقد بينه وبين الأول فاسد والخارج نماء
بذره وعليه للأول اجر مثل الأرض لان الأول أجر الأرض منه إجارة فاسدة وقد استوفى
منافعها وعلى الأول لرب الأرض أجر مثل الأرض لأنه أجر الأرض بنصف الخارج وقد
حصل الخارج ثم استحقه الآخر فيرجع رب الأرض على الأول باجر مثل أرضه ولو دفع
إلى رجل نخلا له معاملة بالنصف وقال له اعمل فيه برأيك أو لم يقل فدفعه العامل إلى آخر
معاملة بعشرين قفيزا من الخارج فالخارج بين الأول وصاحب النخل نصفان وللآخر على
الأول أجر مثله لفساد العقد الذي جرى بينه وبين الآخر ثم الأول هنا لم يصر مخالفا لرب
النخل بالدفع إلى الثاني وإنما يصير مخالفا بايجاب الشركة للغير في الخارج ولم يوجد حين
وجد العقد الثاني وكان عمل أجيره كعمله بنفسه فلهذا كان الخارج بينه وبين صاحب النخل
نصفين ولو كان الشرط في المعاملة الأولى عشرين قفيزا لأحدهما بعينه وفى الثانية النصف
فالخارج لصاحب النخل لأن العقد الأول فساد فيفسد به العقد الثاني إذ الأول ليس بشريك
في الخارج فلا يكون له أن يوجب الشركة لغيره في الخارج وإذا لم تجز الشركة للثاني لم يصر
الأول مخالفا فيكون الخارج كله لصاحب النخل وللآخر على الأول أجر عمله وللأول على
صاحب النخل أجر ما عمل الآخر ولا ضمان عليهما في ذلك لانعدام سبب الضمان وهو
الخلاف والله أعلم
(باب مزارعة المرتد)
(قال رحمه الله) وإذا دفع المرتد أرضه وبذره إلى رجل مزارعة بالنصف فعمل على
ذلك وخرج الزرع فان أسلم فهو على ما اشترطا وان قتل على ردته فالخارج للعامل وعليه
ضمان البذر ونقصان الأرض للدافع في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله على قول من أجاز
118

المزارعة أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج وعلى قولهما هذه المزارعة صحيحة والخارج بينهما
على الشرط وهو بناء على اختلافهم في تصرفات المرتد عندهما تنفذ تصرفاته كما تنفذ من
المسلم وعند أبي حنيفة يوقف لحق ورثته فان أسلم نفذ عقد المزارعة بينهما فكان الخارج
على الشرط وان قتل على ردته بطل العقد وبطل أيضا اذنه للعامل في القاء البذر في الأرض
لان الحق في ماله لورثته ولم يوجد منهم الرضا بذلك فيصير العامل بمنزلة الغاصب للأرض
والبذر فيكون عليه ضمان البذر ونقصان الأرض أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج والخارج
كله له لأنه ملك البذر بالضمان وإن كان البذر على العامل وقتل المرتد على ردته فإن كان
في الأرض نقصان غرم العامل نقصان الأرض لان إجارة الأرض بطلت حين قتل على
ردته وكذلك الاذن الثابت في ضمنه فيكون صاحب الأرض كالغاصب للأرض والزرع
كله له وإن لم يكن في الأرض نقصان فالقياس أن يكون الخارج له ولا شئ عليه لأنه بمنزلة
الغاصب والغاصب للأرض لا يضمن شيئا الا إذا لم يتمكن فيها نقصان وفى الاستحسان يكون
الخارج على الشرط بين العامل وورثة المرتد لان ابطال عقده كان لحق ورثته في ماله والنظر
للورثة هنا في تنفيذ العقد لأنه إذا نفذ العقد سلم لهم نصف الخارج وإذا بطل العقد لم يكن لهم
شئ فنفذ عقده استحسانا بخلاف الأول فهناك لو نفذ العقد لم يجب لهم نقصان الأرض وربما
كان نقصان الأرض أنفع لهم من نصف الخارج وهو نظير العبد المحجور عليه إذا أجر نفسه
للعمل فان هلك في العمل كان المستأجر ضامنا قيمته ولا أجر عليه وان سلم وجب الاجر
استحسانا لان ذلك أنفع للمولى وهذا القياس والاستحسان على قول أبي حنيفة رحمه الله
وأما عندهما فالمزارعة صحيحة فإن كان المرتد هو المزارع والبذر منه فالخارج له ولا شئ لرب
الأرض من نقصان الأرض والبذر وغيره إذا قتل المرتد في قول أبي حنيفة رحمه الله لان
رب الأرض سلطه على عمل الزراعة وهو تسليط صحيح وشرط لنفسه عليه عوضا بمقابلته وقد
بطل التزامه للعوض حين قتل على ردته لحق ورثته فلهذا كان الخارج لورثة المرتد لأنه نماء
بذر المرتد ولا شئ عليهم لرب الأرض وإن كان البذر من قبل الدافع فالخارج على الشرط في
قولهم جميعا لان صاحب الأرض مستأجر للمرتد بنصف الخارج وحق ورثته لا يتعلق بمنافعه
(ألا ترى) أنه لو أعان غيره لم يكن لورثته عليه سبيل ولان المنفعة للورثة في تصحيح العقد هنا
فإنه لو لم تصح اجارته نفسه لم يكن لورثته من الخارج شئ والحجر بسبب الردة لا يكون فوق
119

الحجر بسبب الرق ولو كانا جمعيا مرتدين والبذر من الدافع فالخارج للعامل وعليه غرم البذر
ونقصان الأرض لان العامل صار كالغاصب للأرض والبذر حين لم يصح أمر الدافع إياه بالزراعة
فيكون الخارج له وعليه غرم البذر ونقصان الأرض لورثة الدافع ولو أسلما أو أسلم صاحب
البذر كان الخارج بينهما على الشرط كما لو كان مسلما عند العقد وهذا لان العامل أجير له
فاسلام من استأجره يكفي لفساد العقد سواء أسلم هو أو لم يسلم وإن كان البذر من العامل
وقد قتل على الردة كان الخارج له وعليه نقصان الأرض لان اذن الدافع له في عمل الزارعة
غير صحيح في حق ورثته فيغرم لهم نقصان الأرض وإن لم يكن فيها نقصان فلا شئ لورثة رب
الأرض لان استئجار العامل الأرض بنصف الخارج من بذره باطل لحق ورثته وكذلك إذا
أسلم رب الأرض فهو بمنزلة ما لو كان مسلما في الابتداء وان أسلما أو أسلم المزارع وقتل
الاخر على الردة ضمن المزارع نقصان الأرض لورثة المقتول على الردة لان أمره إياه بالمزارعة
غير صحيح في حق الورثة وإن لم ينقصها شيئا فالقياس فيه أن الخارج للمزارع ولا شئ لرب
الأرض ولا لورثته لبطلان العقد حين قتل رب الأرض على ردته وفى الاستحسان الخارج
بينهما على الشرط لان معنى النظر لورثة المقتول في تنفيذ العقد هنا كما بينا وعند أبي يوسف
ومحمد الخارج بينهما على الشرط ان قتلا أو أسلما أو لحقا بدار الحرب أو ماتا وكذلك قول أبي حنيفة
رحمه لله في مزارعة المرتدة ومعاملتها لان تصرفها بعد الردة ينفذ كما ينفذ من المسلمة
بخلاف المرتد وإذا دفع المرتد إلى مرتد أو مسلم نخيلا له معاملة بالنصف فعمل على ذلك ثم
قتل صاحب النخيل على ردته فالخارج لورثته لأنه تولد من نخل هم أحق به ولا شئ للعامل
لان المرتد كان استأجره ببعض الخارج وقد بطل استئجاره حين قتل على ردته لحق ورثته
ولو كان صاحب النخيل مسلما والعامل مرتدا فقتل على ردته بعد ما عمل أو مات أو لحق بدار
الحرب أو أسلم فهو سواء والخارج بينها على الشرط لان المرتد أجر نفسه ببعض الخارج ولا
حق لورثته في منافعه وفى تنفيذ هذا العقد منفعة ورثته ولو كانا عقدا المزارعة والمعاملة في جميع
هذه الوجوه وهما مسلمان والبذر من الدافع أو العامل ثم ارتد أحدهما أيهما كان ثم عمل العامل
وأدرك الزرع ثم قتل على الردة كان الخارج بينهما على الشرط عندهم جميعا لان ردته إنما توجب
التوقف في التصرفات التي ينشئها بعد الردة فاما ما نفذ من تصرفاته قبل الردة فلا يتغير حكمه
بردته فوجود الردة في حكم تلك التصرفات كعدمها
120

(باب مزارعة الحربي)
(قال رحمه الله) وإذا دخل الحربي دار الاسلام بأمان فدفع إليه رجل أرضا له وبذرا
مزارعة هذه السنة بالنصف فهو جائز والخارج بينهما على ما اشترطا لأنه التزم أحكامنا في
والمعاملات ما دام في ديارنا والمزارعة إجازة أو شركة أو كل واحدة منهما معاملة تصح بين
المسلم والحربي في هذه المدة لان الحول كامل لاستيفاء الجزية والكافر لا يمكن من المقام في
دارنا تمام مدة استيفاء الجزية بغير جزية فيتقدم إليه في الخروج فان أقام سنة بعد ما تقدم
إليه وضع عليه الخراج وجعله ذميا ولم يدعه يرجع إلى دار الحرب ولو اشترى الحربي المستأمن
أرضا عشرية أو خراجية فدفعها إلى مسلم مزارعة جاز والخارج بينهما على ما اشترطا ويوضع
عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله في أرضه الخراج ولا يترك أن يخرج إلى دار الحرب بل يجعله
ذميا لان خراج الرؤس تبع لخراج الأراضي فإذا التزم خراج الأرض كان ملتزما خراج
الرأس أيضا والاختلاف بينه وبين صاحبيه رحمهم الله فيما إذا كانت الأرض عشرية وقد تقدم
بيانه في كتاب الزكاة فيما إذا كان المشترى ذميا فكذلك إذا كان المشترى مستأمنا ولو دخل
المسلم دار الحرب بأمان فاشترى أرضا من أهل الحرب فدفعها إلى حربي مزارعة أو أخذ المسلم
أرض الحربي مزارعة بالنصف جاز لأنه يعاملهم ما دام في دار الحرب بالشركة والإجارة
والمزارعة لا يخرج منها * ولو كان اشترط لأحدهما عشرون قفيزا من الخارج جاز في قول
أبي حنيفة ومحمد يأخذها من سميت له من الخارج والباقي للآخر ان بقي شئ وفي قول أبى
يوسف المزارعة فاسدة والخارج لصاحب البذر وللآخر الاجر إذا أسلم وخرج الينا وهو
بناء على أن العقود التي تفسد بين المسلمين كعقد الربا هل يجرى بين المسلم والحربي في دار
الحرب وقد بيناه في كتاب الصرف والمزارعة بين المسلمين التاجرين في دار الحرب بمنزلتها
في دار الاسلام لأنهما مخاطبان باحكام الاسلام ومعنى الاحراز في مالهما قائم ومباشرتهما
المزارعة في دار الحرب وفى دار الاسلام سواء فيما يصح ويفسد والمزارعة بين مسلم تاجر
في دار الحرب وبين رجل أسلم هناك جائزة بالنصف وكذا بعشرين قفيزا من الخارج لأحدهما
في قول أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف ومحمد بمنزلة عقد الربابين التاجر في دار الحرب والذي
أسلم هناك وبين اللذين أسلما ولم يهاجرا وإذا اشترى المسلم أو التاجر أرضا في دار الحرب
فدفعها إلى حربي مزارعة بالنصف فلما استحصد الزرع ظهر المسلمون على تلك الدار فالزرع
121

والأرض كلهما لمن افتتحها لان الأرض وان كانت مملوكة للمسلم فهي بقعة من بقاع دار
الحرب فتصير غنيمة لظهور المسلمين على الدار والزرع قبل الحصاد تبع للأرض لاتصاله بها
ولهذا يستحق بالشفعة ولو كان الزرع حصد ولم يحمل من الأرض حتى ظهروا على الدار كانت
الأرض ونصيب الحربي من الزرع فيأ للمسلم نصيبه من الزرع لان التبعية زالت بالحصاد
وصارت كسائر المنقولات فنصيب الحربي من ذلك يصير غنيمة كسائر أمواله ونصيب
المسلم لا يصير غنيمة كسائر أمواله من المنقولات والدليل على زوال التبعية حكم الشفعة فان
الزرع المحصود لا يستحق بالشفعة وإن لم يحمل من الأرض ومن أيهما كان البذر فالجواب
سواء وكذلك لو كان صاحب الأرض هو الحربي والزارع هو المسلم فإن كان الزرع لم يحصد
فترك الامام أهلها وتركة في أيديهم يؤدون الخراج كما فعل عمر رضي الله عنه باهل السواد
كانت الأرض لصاحبها أيهما كان والزرع بينهما على ما اشترطا لان الامام قرر ملكهما فيه
بالمن وإذا جاز ذلك في حصة الحربي ففي حصة المسلم أولى ولو دخل مسلمان دار الحرب بأمان
فاشترى أحدهما أرضا فدفعها إلى صاحبه مزارعة بالنصف فاستحصد الزرع ولم يحصد حتى
ظهر المسلمون على الدار فالأرض والزرع فئ لما قلنا وان ظهروا علينا بعد ما حصد الزرع
فالأرض فئ والزرع بينهما على ما اشترطا لأنه منقول مشترك بين مسلمين في دار الحرب
فلا يصير غنيمة بالظهور على الدار وان دفعها المسلم إلى حربي مزارعة بالنصف والبذر من
أحدهما بعينه والعمل عليهما جميعا فأخرجت الأرض الزرع ثم أسلم أهل الدار وقد استحصد
الزرع أو لم يحصد جاز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمها الله والخارج بينهما على الشرط وفى
قول أبى يوسف رحمه الله الخراج لصاحب البذر وللآخر الاجر وهذا لان اشتراط عمل
صاحب الأرض مع المزارع في المزارعة إنما يفسد العقد في دار الاسلام فاما في دار الحرب
بين المسلم والحربي فهو على الخلاف الذي بينا ولو لم يسلم أهل الدار ولكن ظهر المسلمون على
الدار كانت الأرض وما فيها فيأ ولا شئ على صاحبه لأحدهما من أجر ولا غيره لأن هذه
المعاملة كانت في دار الحرب فلا يطالب أحدهما صاحبه بشئ منه بعد ما ظهر المسلمون على
الدار لان الأرض ان كانت للحربي فقد صارت غنيمة وكذلك أن كانت للمسلم فلا يكون
له أن يطالب صاحبه بأجرها ونفس الحربي تبدلت بالرق فلا تتوجه له المطالبة بالأجر على
المسلم ولا للمسلم عليه وان تركهم الامام في أرضهم كما ترك عمر رضي الله عنه أهل السواد
122

فهذا بمنزلة اسلامهم عليها لأنه يقرر ملكهم في أراضيهم وحريتهم في رقابهم بالمن كما يتقرر
ذلك بالاسلام لو أسلموا والمعاملة كالمزارعة في جميع ما ذكرنا وان كانت المزارعة ففي دار
الحرب بين الحربيين بالنصف أو بأقفزة مسماة من الخارج فأسلم أهل الدار قبل أن يحصد
الزرع وقد استحصد أو بعد ما حصد جاز على ما اشترطا لأنهما باشرا العقد حين لم يكونا
ملتزمين لاحكام الاسلام وقد كان الخارج بينهما على ما اشترطا قبل اسلامهما فيتأكد ملكهما
بالاسلام ولو أسلم أهل الدار قبل أن يزرع ثم زرع كانت المزارعة فاسدة على شرط الأقفزة
المسماة والخارج لصاحب البذر لأن العقد لا يتم من الجانبين قبل القاء البذر في الأرض
فالاسلام الطارئ قبل تمام العقد كالمقترن بأصل العقد ولو كان زرع ثم أسلموا وهو بقل لم
يسبل ثم عمل فيه بعد ذلك حتى استحصد كان فاسدا أيضا لان المقصود هو الحب والإسلام
حصل قبل حصول ما هو المقصود وهو الشركة بينهما في الحب الذي هو مقصود بخلاف
ما إذا أسلموا بعد الاستحصاد وهذا لان كل حال يجوز ابتداء عقد المزارعة فيها فاسلامهم في
تلك الحالة يفسد المزارعة بشرط عشرين قفيزا وكل حالة لا يجوز ابتداء عقد المزارعة فيها
فاسلامهم في تلك الحالة لا يؤثر في العقد اعتبار الحالة البقاء بحالة الابتداء وما دام الزرع بقلا
فابتداء المزارعة فيه يصح فإذا أسلموا وكان العقد بشرط عشرين قفيزا فسد بخلاف ما بعد
الاستحصاد والله أعلم
(باب مزارعة الصبي والعبد)
(قال رحمه الله) والعبد المأذون له في التجارة بمنزلة الحر في المزارعة وكذلك الصبي
الحر المأذون له في التجارة لان عقد المزارعة من عقود التجارة فإنه استئجار للأرض أو للعامل
أو هو عقد شركة في الخارج والتجار يتعاملون به فالمأذون فيه كالحر البالغ فان زارع العبد
انسانا فلم يزرع حتى حجر عليه مولاه فحيث كان للحر أن يمتنع عن المضي في المزارعة فلمولى
العبد أن يمتنع منه ويحجر عليه وحيث لم يكن للمولى منع العبد منه ولا يبطل العقد بحجر المولى
عليه لان منع المولى إياه بالحجر كامتناعه بنفسه وله أن يمتنع إذا كان البذر من قبله وليس له أن
يمتنع إذا كان البذر من قبل الآخر فكذلك منع المولى إياه بالحجر عليه وهذا لان الحجر
لا يبطل العقد اللازم في حالة الاذن ولا يمكن المولى من ابطاله وما لم يكن لازما فللمولى أن
123

يمتنع من التزامه بعد الحجر إلا أنه إذا كان البذر والأرض من العبد فحجر المولى عليه قبل
الزراعة فله أن يمنع الزارع من الزراعة وإذا أخذ العبد أرض الغير مزارعة ليزرعها ببذره ثم
حجر المولى عليه فنفس الحجر منع منه للمزارعة وينفسخ العقد به لان صاحب الأرض والبذر
إذا كان هو العبد ففي القاء البذر في الأرض اتلاف له وللمولى أن لا يرضى بذلك فما لم يمتنع
المزارع من القاء البذر في الأرض لا ينفسخ العقد وإذا كان العبد هو المزارع ببذره فبنفس
الحجر فات المعقود عليه فان العبد لا يملك البذر بعد ذلك بالقائه في الأرض ولا في منافعه
بإقامة عمل الزراعة بدون أذن المولى فلهذا جعل نفس الحجر عليه فسخا للزراعة وكذلك الصبي
الحر يحجر عليه أبوه أو وصيه وكذلك المعاملة في الاستئجار إلا أن في المعاملة الحجر بعد
العقد لا يبطل العقد أيهما كان العامل لان المعاملة تلزم بنفسها من الجانبين ولو لم يحجر عليه
ولكنه نهاه أو نهى مزارعه عن العمل بعد العقد أو نهاه عن العقد قبل أن يعقد كان نهيه
باطلا وله أن يعقد ويعمل وكذلك الصبي لان هذا حجر خاص في اذن عام وهو باطل
(ألا ترى) أن عند ابتداء الاذن لو استثنى المزارعة لم يصح استثناؤه فكذلك بعد الاذن
إذا نهاه عن العقد أو المضي عليه من غير أن يحجر عليه فإذا اشترى الصبي التاجر أرضا ثم
حجر عليه أبوه فدفعها مزارعة إلى رجل بالنصف يزرعها ببذره وعمله فالخارج للعامل وعليه
نقصان الأرض لان اذن الصبي في زراعة الأرض بعد الحجر باطل فكان العامل بمنزلة
الغاصب فعليه نقصان الأرض والخارج له وإن لم يتمكن في الأرض نقصان كان الخارج
بينهما على الشرط استحسانا لان منفعة الصبي في تصحيح العقد هنا فإنه لو بطل لم يسلم له شئ
ولا يحجر الصبي عما يتمحض منفعته من العقود كقبول الهبة ولا يتصدق واحد منهما بشئ
لأن العقد لما صح منه كان هو في ذلك كالبالغ أو المأذون ولو كان البذر من قبل الدافع كان
الخارج للعامل وعليه غرم البذر في الوجهين جميعا أو نقصان الأرض إن كان فيها نقصان
سواء أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج لان اذن الصبي في الزراعة والقاء بذره في الأرض
باطل فيكون المزارع كالغاصب للأرض والبذر منه فعليه غرم البذر ونقصان الأرض
والخارج له ويتصدق بالفضل لأنه حصل له بسبب حرام شرعا وإذا دفع الحر إلى العبد
المحجور عليه أرضا وبذرا مزارعة بالنصف سنته هذه فزرعها فحصل الخارج وسلم العامل
فالخارج بينهما على الشرط لأنه استأجر العبد للعمل بالنصف الخارج وقد بينا أن العبد المحجور
124

عليه إذا أجر نفسه وسلم من العمل وجب له الاجر استحسانا وان مات في العمل فصاحب
الأرض والبذر ضمان لقيمته لأنه غاصب له بالاستعمال والزرع كله له سواء مات قبل
الاستحصاد أو بعده لأنه يملك العبد بالضمان من حين دخل في ضمانه فإنما أقام عمل الزراعة
بعبد نفسه فالخارج كله له ويطيب له ذلك لأنه ربى زرعه في أرض نفسه ولكونه غاصبا للعبد
لا يتمكن الخبث في الزرع وان مات الصبي الحر من عمل الزراعة بعد ما استحصد الزرع فالزرع
بينهما على ما اشترطا طيب لهما كما لو أسلم الصبي لان باستحصاد الزرع تأكدت الشركة بينهما
في الخارج والصبي لا يملك بالضمان فان مات وجب على عاقلة صاحب الأرض دية الصبي لكونه
سببا لاتلافه على وجه هو متعد فيه لا يتغير حكم الشركة بينهما في الخارج بخلاف العبد
وكذلك الحكم في المعاملة في النخيل والأشجار ولو كان البذر من العامل وهو حر كان
الخارج كله للعامل لأنه نماء بذره اكتسبه بعمله والعبد في الاكتساب كالحر وإن كان
محجورا فلا شئ لرب الأرض من نقصان ولا غيره ما لم يعتق لأنه شرط بعض الخارج
لصاحب الأرض بعقده وذلك لا يصح من المحجور عليه حال رقه وإنما زرع الأرض بتسليط
صاحب الأرض إياه على ذلك فلا يغرم نقصان الأرض ما لم يعتق العبد فإذا عتق رجع عليه
رب الأرض باجر مثل أرضه لأنه كان شرط له نصف الخارج بمقابلة منفعة الأرض وقد
استوفى المنفعة وحصل الخارج ثم استحقه المولى فيكون عليه أجر مثل أرضه بعد العتق
ولا يرجع على الصبي بشئ وان كثر لان التزامه بالعقد غير صحيح في حقه في الحال ولا بعد
البلوغ وان مات العبد أو الصبي في عمل الأرض لم يضمنه رب الأرض لأنهما عملا لأنفسهما
فلا يكون صاحب الأرض مستعملا للعبد ولا متسببا لاتلاف الصبي وان كانت الأرض
لم تخرج شيئا فلا شئ على رب الأرض من ضمان بذرهما ولا غيره لأنهما عملا لأنفسهما
في القاء البذر في الأرض ولم يكن من صاحب الأرض عمل في بذرهما تسببا ولا مباشرة
وإذا حجر الرجل على عبده أو ابنه وفى يده نخل فدفعه إلى رجل معاملة بالنصف فالخارج
كله لصاحب النخل ولا شئ للعامل لأنهما شرطا للعامل نصف الخارج بمقابلة عمله وذلك
باطل من الصبي ومن العبد المحجور ما لم يعتق فإذا عتق العبد كان عليه أجر مثل العامل لان
التزام العبد في حق نفسه صحيح وقد استحق المولى الخارج بعد ما حصل الخارج وإذا دفع العبد
المحجور عليه أرضا مما كان في يده أو أرضا أخذها من أراضي مولاه إلى رجل يزرعها ببذره
125

وعمله هذه السنة بالنصف فزرعها العامل فأخرجت زرعا كثيرا ونقص الزرع الأرض فالخارج
للعامل وعليه نقصان الأرض لرب الأرض لأنه في حق المولى بمنزلة الغاصب للأرض فان
عقد المزارعة من المحجور عليه صحيح في حق المولى فان عتق العبد رجع العامل عليه بما أدى
إلى مولاه من نقصان الأرض لأنه صار مغرورا من جهة العبد بمباشرته عقد الضمان والعبد
يؤاخذ بضمان الغرور بعد العتق بمنزلة الكفالة ثم يأخذ العبد من المزارع نصف ما أخرجت
الأرض لأن العقد صح بينهما في حقهما فيكون الخارج بينهما على الشرط فإذا أخذ نصف
الخارج باعه واستوفى من ثمنه ما غرمه للمزارع فإن كان فيه فضل كان لمولاه لان ذلك
كسب اكتسبه في حال رقه وما اكتسب العبد في حال رقه يقضى دينه منه فان فضل
منه شئ فهو للمولى وان قال المولى قبل أن يعتق العبد أنا آخذ نصف ما أخرجت الأرض
ولا أضمن العامل نقصان الأرض كان له ذلك أن عتق العبد أو لم يعتق لأن العقد كان صحيحا
بين العبد والمزارع وإنما امتنع بعوده في حق المولى لدفع الضرر عنه أو لانعدام الرضا منه
به فيكون رضاه به في الانتهاء بمنزلة الرضا به في الابتداء وان كانت الأرض لم تنقصها الزراعة
شيئا فالخارج بين المولى والمزارع نصفان لان في تصحيح هذا العقد منفعة للمولى وهو سلامة
نصف الخارج له وإنما كان يمتنع صحته في حقه لدفع الضرر ولا ضرر هنا وإذا دفع العبد المحجور
عليه إلى رجل أرضا من أرض مولاه وبذرا من بذر مولاه أو ما كان من تجارته قبل أن
يحجر عليه مزارعة بالنصف فزرعها المزارع فأخرجت زرعا أو لم تخرج وقد نقص الأرض
الزرع أو لم ينقصها فللمولى أن يضمن المزارع بذره ونقصانه أرضه لان الزارع غاصب
لذلك في حق المولى فان اذن العبد المحجور عليه بالقاء البذر في الأرض في حق المولى باطل
فان ضمنه ذلك ثم عتق العبد رجع عليه المزارع بما ضمن من ذلك لأجل الغرور وكان نصف
الخارج للعبد يستوفى منه ما ضمن ويكون الفضل لمولاه وان شاء المولى أخذ نصف الزرع
فكان له ولم يضمن الزارع من البذر والنقصان شيئا لأن العقد صحيح فيما بين العبد والمزارع ونملأ
كان لا ينفذ في حق المولى لانعدام رضاه به فإذا رضى به تم العقد والله أعلم
(باب الكفالة في المزارعة والمعاملة)
(قال رحمه الله) وإذا دفع الرجل إلى رجل أرضا له يزرعها هذه السنة بالنصف وضمن
126

له رجل الزراعة من الزارع فالضمان باطل لان المزارع مستأجر للأرض عامل والمزارعة
لنفسه إلا أن يكون العمل مستحقا لرب الأرض عليه وإنما يصح الضمان بما هو مستحق على
الأصيل للمضمون له فإذا كان الضمان شرطا في المزارعة فالمزارعة فاسدة لأنها استئجار
للأرض فتبطل بالشرط الفاسد وإن لم يجعلاه شرطا في المزارعة صحت المزارعة والضمان
باطل وإن كان البذر من رب الأرض جاز الضمان والمزارعة في الوجهين جميعا لان رب
الأرض مستأجر للعامل وقد صارت إقامة العمل مستحقة لرب الأرض وهو مما تجري فيه
النيابة في تسليمه فيصح التزامه بالكفالة شرطا في العقد أو مقصودا بعد عقد المزارعة بمنزلة
الكفالة بالأجرة والثمن في البيع وان تعنت الزارع أخذ الكفيل بالعمل لأنه التزم المطالبة
بإيفاء ما كان على الأصيل وهو عمل الزراعة فإذا عمل وبلغ الزرع ثم ظهر المزارع كان الخارج
بينهما على ما اشترطا لان الكفيل كان نائبا عنه في إقامة العمل وللكفيل أجر مثل عمله إن كان
كفل بأمره لأنه التزم العمل بأمره وأوفاه فيرجع عليه بمثله ومثله أجر المثل كالكفيل
بالدين إذا أدى وإن كان الشرط على الزارع أن يعمل بنفسه لم يجز الضمان لان ما التزمه
العامل هنا لا تجرى النيابة في ايفائه وهو عمل المزارع بنفسه إذ ليس في وسع الكفيل ابقاء
ذلك فيبطل الضمان وتبطل المزارعة أيضا إن كان الضمان شرطا فيها والمعاملة في جميع ذلك
بمنزلة المزارعة ولو كان الكفيل كفل لرب الأرض بحصته مما تخرج الأرض والبذر من
صاحب الأرض أو من العامل فالكفالة باطلة لان نصيب رب الأرض من الزرع أمانة في
يد المزارع سواء كان البذر من قبله أو من قبل رب الأرض حتى لا يضمن ما يهلك منه بغير
صنعه والكفالة بالأمانة لا تصح بمنزلة الكفالة بالوديعة إنما تصح الكفالة بما هو مضمون
التسليم على الأصل ثم تبطل المزارعة ان كانت الكفالة شرطا فيها والمعاملة في هذا كالمزارعة
ولو كفل رجل لأحدهما عن صاحبه بحصته مما تخرج الأرض ان استهلكها صاحبها فإن كان
ذلك شرطا في أصل المزارعة فالمزارعة فاسدة وإن لم يكن شرطا فيها فالمزارعة جائزة
والكفالة جائزة لأنها أضيفت إلى سبب وجوب الضمان وهو الاستهلاك وإضافة الكفالة
إلى سبب وجوب الضمان صحيحة إلا أن هذا دين يجب لأحدهما على صاحبه لا بسبب
عقد المزارعة وعقد المزارعة بين اثنين بشرط أن يعطى أحدهما صاحبه كفيلا بدين آخر
وجب له عليه يكون صحيحا كعقد البيع على هذا الشرط فإذا شرطا الكفالة في المزارعة
127

فسدت المزارعة لهذا وإن لم يكن شرطا فيها جازت المزارعة والكفالة فان استهلك المضمون
منه شيئا ضمنه الكفيل ويأخذ به الطالب أيهما شاء وإذا كانت المزارعة فاسدة والبذر
من قبل العامل وضمن رجل لصاحب الأرض حصته مما تخرج الأرض فالضمان باطل
لأنه مع فساد المزارعة لا يستحق صاحب الأرض شيئا من الخارج والكفالة بما ليس بمضمون
على الأصل باطل ولا يؤخذ الكفيل باجر مثل الأرض لأنه لم يضمنه وإنما ضمن الطعام
وأجر مثل الأرض دراهم فلا يجوز أن يجب عليه بالكفالة غير ما التزمه وإذا كان الاجر
للعامل أو لرب الأرض كر حنطة بعينها لم يكن لصاحبه أن يبيعه قبل القبض لان الأجرة
في الإجارة بمنزلة العوض في البيع وما كان بعينه من العروض المستحق بالمبيع لا يجوز بيعه
قبل القبض فان هلك بعد العمل أو استهلكه الذي في يديه كان عليه أجر المثل لان بهلاكه
قبل التسليم فات القبض المستحق بالعقد فيفسد العقد ولزمه رد ما استوفى في تحكمه من
المنفعة وقد تعذر عليه رده فليزمه أجر مثله وإذا كان الشرط بعض الخارج في المزارعة والمعاملة
فاستحصد الزرع ولم يحصد أو بلغ التمر ولم يحرز ثم باع أحدهما حصته قبل أن يقبضها جاز
بيعه لان حصته أمانة في يد الآخر كالوديعة فينفذ تصرفه فيها قبل القبض وان هلك فلا ضمان
على واحد منهما لان هلاك الأمانة في يد الأمين كهلاكها في يد صاحبها وان استهلكها
أحدهما ضمن نصيب صاحبه لأنه استهلك ملكا تاما مشتركا بينهما فيضمن نصيب صاحبه
جبرانا لما أتلف من ملكه والله أعلم
(باب مزارعة المريض ومعاملته)
(قال رحمه الله) وإذا دفع المريض أرضه إلى رجل مزارعة يزرعها ببذره وعمله على
أن الخارج بينهما على كذا فزرعها فأخرجت زرعا كثيرا واجر مثل الأرض أكثر من
نصيب صاحبه أضعافا وعليه دين يحيط بماله وأجر الأرض ثم مات والمزارع أجنبي أو أحد
ورثته ونقصان الأرض أكثر من أجر مثلها فالخارج بينهما على ما اشترطا ولا شئ للعامل
من الاجر والنقصان لان تصرف المريض حصل فيما لا حق فيه لغرمائه ولا لورثته وهي
منفعة الأرض التي توجد في حياته فان حق الورثة إنما يتعلق بما يتصور بقاؤه بعد موته وحق
الغرماء إنما يتعلق بما يمكن ايفاء الدين منه (ألا ترى) أنه لو أعار المريض من صاحب البذر
128

أرضه ولم يشترط عليه عوضا بمقابلة منافعها لم يعتبر ذلك من ثلثه وكان ذلك منه في مرضه
وفي صحته سواء فكذلك إذا دفعها مزارعة بجزء يسير من الخارج وفى تصرفه محض منفعة
للغرماء والورثة وهو سلامة مقدار المشروط بمقابلة الأرض من الزرع لهم ولولا عقد المزارعة
ما سلم لهم ذلك وإذا ثبت صحة تصرفه وكان عمل العامل في الأرض باذن صحيح فلا يلزمه شئ
من نقصان الأرض ولو كان البذر من صاحب الأرض وسمى للعامل تسعة أعشار الخارج
ولا دين على المريض ولا مال غير الأرض والطعام فإنه ينظر إلى الزرع يوم خرج من الأرض
وصار له قيمة كم يساوى تسعة أعشاره فإن كان مثل أجر الأرض أو أقل منه فلما قام عليه وسقاه
حتى استحصد صار أكثر من أجر مثله وأكثر من ثلث مال رب الأرض فللمزارع
تسعة أعشار الخارج فإن كانت قيمة تسعة أعشاره حين خرج أكثر من أجر مثل المزارع
فقام عليه وسقاه حتى استحصد صار أكثر من أجر مثله وأكثر من ثلث ما ترك الميت
فأبى الورثة أن يجيزوا أخذ الزارع من حصته من الخارج أجر مثله وثلث ما ترك وصية له
إن لم يكن من ورثته والباقي لورثة صاحب الأرض لان صاحب الأرض استأجر العامل
بما جعل له من الخارج وإنما يصير المزارع بايجابه شريكا في الخارج حين ثبت الخارج فإذا كانت
قيمة ما نبت مثل أجر مثله أو أقل لم تمكن في تصرفه محاباة فيقدر ثم ملك المزارع في نصيبه
بعقد صحيح ثم الزيادة بعد ذلك أنما حدثت على ملك صحيح له فلا يعتبر ذلك من ثلث مال
الميت فأما إذا كانت قيمته حين نبت أكثر من أجر مثله فالزيادة على مقدار أجر المثل محاباة
له والمحاباة لا تسلم الا من الثلث بعد الدين فبقي الثابت كله موقوفا على حق المريض فيثبت
حقه في الزيادة الحادثة فيه فلا يسلم للمزارع من جميع ذلك بعد ما استحصد الزرع الا مقدار
أجر مثله وما زاد على ذلك إلى تمام المشروط له يكون وصية فيعتبر من ثلث ماله فيحتاج هنا
إلى معرفة شيئين أحدهما ان عمل المزارع وإن لم يكن مالا متقوما فبالعقد يتقوم بمقدار أجر
المثل ولا وصية في ذلك القدر من المشروط له كما لو استأجر المريض أجير العمل آخر له بل
أولى لان هناك استأجره بما كان حاصلا له لا بعمله وهنا استأجره بمال يحصل أو يزداد
بعمله والثاني انه يعتبر قيمة حصته حين يصير للزرع قيمة لا حين نبت لأنه يكون مملكا منه
نصيبه بعوض والتمليك إنما يجوز في الزرع بعد ما يصير متقوما كالتمليك بالبيع وهو وان
صار شريكا فيما نبت ولكنه يحتاج إلى قيمة نصيبه ليقابل ذلك باجر مثله وما ليس بمتقوم
129

لا يمكن معرفة قيمته فيعتبر أول أحوال امكان التقوم فيه كأحد الشريكين في الجنين إذا
أعتق نصيبه وهو موسر يضمن لصاحبه قيمة نصيبه معتبرا بما بعد الانفصال قال وإنما هذا
مثل رجل استأجر في مرضه رجلا ليخدمه سنته بجارية له بعينها لا مال له غيرها فدفعها إليه
وخدمه الرجل السنة كلها وولدت الجارية وزادت في بدنها ثم صارت تساوى أكثر من
أجر مثل الرجل ثم مات المريض فإن كانت قيمتها يوم وقعت الإجارة وقبضها الأجير مثل
أجر مثله أو أقل كانت له بزيادتها لأنه لا محاباة فيها ولا وصيه وإنما اعتبرت قيمتها وقت
القبض لان الأجرة قبل استيفاء المنفعة لا تملك بنفس العقد وإنما تملك بالقبض وان كانت
قيمتها يومئذ أكثر من أجر مثله فإنه يعطى الاخر منها مقدار أجر مثله وثلث ما ترك الميت
بعد ذلك من الجارية وولدها وصية له ويرد قيمة البقية على الورثة لأنه يمكن فيها معنى الوصية
بطريق المحاباة فلا تكون سالمة للأجير وتبقى موقوفة على حق المريض فيثبت حقه في الزيادة
متصلة كانت أو منفصلة فلا يسلم للأجير منها الا مقدار أجر مثله وثلث التركة بعد ذلك منها
ومن ولدها بطريق الوصية وفيما زاد على ذلك يلزمه رده إلا أنه تعذر الرد لمكان الزيادة
الحاصلة في يده بعد ما يملكها فرد قيمة الزيادة * فان قيل إنما يملكها بالقبض بحكم سبب فاسد
فينبغي ان يرد عينها مع الزيادة * قلنا لا كذلك بل كان السبب صحيحا يومئذ لان تصرف
المريض فيما يحتمل النقص بعد نفوذه يكون محكوما بصحته ثم ينقض بعد موته ما يتعذر
تنفيذه والمقصود من هذا النقص دفع الضرر عن الورثة وذلك يحصل برد قيمة الزيادة عليهم
ولو لم يكن في رد العين الا ضرر التبعيض على الأجير لكان ذلك كافيا في تحول حقهم إلى
القيمة وإن كان المزارع وارث المريض كان الجواب كذلك إلا أنه لا وصية له لقوله عليه
الصلاة والسلام لا وصية لوارث فإن كانت قيمة نصيبه أجر مثل المزارع أو أقل حين نبت
الزرع وصارت له قيمة فجميع المشروط سالم له وإن كان أكثر من أجر مثله فإنما يسلم له
من الخارج مقدار أجر مثله حين استحصد الزرع والباقي كله ميراث عن الميت وإن كان
المزارع أجنبيا وعلى الميت دين يحيط بماله كان المزارع أسوة الغرماء فإنما يثبت له من الحصة
في الزرع على ما تقدم ذكره حتى إذا لم يكن من قيمة حصته حين صار متقوما زيادة على
أجر مثله فقد صح تسمية حصته له في الكل الزيادة الحادثة بعد ذلك تكون زيادة على
ملكه إلا أن عين ذلك لا تسلم له المريض لا يملك تخصيص بعض الغرماء بقضاء الدين
130

الا بائعا اشترى منه ما تكون ماليته مثل ما أعطاه من الثمن لأنه يدخل في ملكه ما يقوم مقام
ما يخرجه في تعلق حق الغرماء به وذلك لا يوجد به فلهذا لا يختص العامل به ولكن لما ثبت
حقه بسبب لا محاباة فيه ولا تهمة كان هو أسوة الغرماء في تركته وان كانت حصته
أكثر من أجر مثل عمله فإنما يضرب مع الغرماء في الخارج بمقدار أجر مثل عمله حين
استحصد الزرع لان ما زاد على ذلك كان وصية له ولا وصية مع الدين وكذلك مسألة
الجارية هو أسوة الغرماء فيما ثبت له فيها على الوجه الذي بينا من الفرق بينما إذا كانت
قيمتها حين قبضها مثل أجر مثله في خدمته أو أكثر من ذلك ولا تشبه المزارعة في هذا
المضاربة فان المريض لو دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن للمضارب تسعة أعشار
الربح وربح عشرة آلاف ثم مات المريض وأجر مثل المضارب في عمله مائة درهم فان الورثة
يأخذون رأس المال والباقي بينهم وبين المضارب على الشرط ولا ينظر في هذا إلى أجر مثل
لان هناك رأس المال قد رجع إلى ورثته والربح بمال لم يكن لرب المال ولا يتعلق به حق
ورثته وغرمائه (ألا ترى) انه لو لم يشترط شيئا من الربح لنفسه بان أقرض المال منه كان
صحيحا ففي اشتراطه بعض الربح لنفسه منفعة غرمائه وورثته والبذر في المزارعة ليس يرجع
إلى رب الأرض وإنما يكون جميع الخارج بينهما فيكون تصرف المريض فيما تعلق به حق
غرمائه وورثته ولو كان يرجع إلى صاحب البذر رأس ماله ويكون ما بقي بينهما لكنا نجوز
ذلك أيضا كما نجوزه في المضاربة * فان قيل ينبغي أن ينظر إلى قيمة البذر ويقابل ذلك باجر
مثله ولا ينظر إلى قيمة الخارج * قلنا إنما ينظر إلى قيمة ما يوجبه للمزارع بمقابلة عمله وهو
لا يوجب له شيئا من البذر إنما يوجب له حصته من الخارج فلهذا ينظر إلى قيمة ما يوجبه له
والى أجر مثله وإذا دفع الصحيح إلى مريض أرضا له على أن يزرعها هذه السنة ببذره فما
خرج منها فهو بينهما نصفان فزرعها المريض ببذر من قبله ليس له مال غيره فأخرجت
زرعا كثيرا ثم مات من مرضه فإنه ينظر إلى حصة رب الأرض مما أخرجت الأرض يوم
صار الزرع متقوما كم قيمته لان المريض استأجر الأرض هنا بما أوجب لصاحبها من الحصة فإن كان
ت حصته يومئذ مثل أجر مثل الأرض أو أقل فان الخارج بينهما على الشرط لأنه لا وصية
فيها ولا محاباة وقد تم ملك رب الأرض في نصيبه ثم الزيادة حادثة بعد ذلك على ملكه وهذا
لأنه قابض لنصيبه باتصاله بأرضه أو بكونه في يد أمينه لان المزارع أمين في نصيب رب
131

الأرض ولهذا لو أصاب الزرع آفة لم يغرم له شيئا وان كانت حصته يومئذ أكثر من أجر مثل
الأرض نظر إلى حصته يوم تقع القسمة لأنه تمكن معنى الوصية هنا بطريق المحاباة فيثبت
حق المريض فيما يحدث من الزيادة فإنما يعطى رب الأرض منها مقدار أجر مثل أرضه وثلث
تركة الميت مما بقي بطريق الوصية وكذلك أن كان رب الأرض أحد ورثته إلا أنه لا وصية
له فلا يأخذ الا قدر أجر مثله من الخارج يوم تقع القسمة في الموضع الذي تتمكن فيه الوصية
ولو كان غير وارث وعلى الميت دين يحيط بماله كان الجواب كذلك الا انه أسوة الغرماء بما
ثبت له من ذلك فان المريض لم يدخل في ملكه ما يقوم مقام ما أوجبه له في تعلق حق الغرماء
به فيبطل تخصيصه إياه بذلك ويكون هو أسوة الغرماء بما ثبت له ولو كان الذي عليه دين
أقر في مرضه بدئ بحق رب الأرض لان حقه ثبت بسبب لا تهمة فيه فيكون هو بمنزلة غريم
الصحة يقدم حقه على المقر في المرض إلا أنه لا وصية له ما لم يقض الدين لان الدين مقدم
على الوصية وإن كان واجبا باقراره في المرض لكونه أقوى من الوصية (ألا ترى) أن الدين
يعتبر من جميع المال والوصية من الثلث وإذا دفع المريض نخلا له معاملة بالنصف فقام عليه
العامل ولقحه وسقاه حتى أثمر ثم مات رب النخيل ولا مال له غير النخيل وثمره فإنه ينظر
إلى الثمر يوم طلع من النخل وصار كفري وصارت له قيمة فإن كان نصف قيمته مثل أجر
العامل أو أقل فللعامل نصف الثمر وإن كان أكثر من أجر مثله نظر إلى مقدار أجر مثل
العامل يوم تقع القسمة فيعطى العامل ذلك وثلث تركة الميت مما بقي من حصته وصية له إلا أن
يكون وارثا فلا وصية له وهذا لان المريض استأجر العامل بما شرط له من الثمر وإنما يصير
شريكا في الثمر بعد طلوعه وإنما يمكن تقويمها حين تصير لها قيمة فلهذا يعتبر قيمة حصته عند
ذلك وإذا كان على المريض دين يحيط بماله فإن كانت قيمة النصف من الكفرى حين طلعت
مثل أجره ضرب مع الغرماء بنصف جميع الثمر لأنه لا محاباة هنا ولا وصية فتكون الزيادة
حادثة على ملك تام له إلا أن تخصيصه إياه بقضاء حقه يبطل فيكون هو أسوة الغرماء بنصف
جميع الثمر وان كانت قيمة نصفه أكثر من أجر مثله ضرب معهم في التركة بمقدار أجر مثله
لتمكن الوصية هنا بطريق المحاباة ولو دفع الصحيح إلى المريض نخلا له معاملة على أن للعامل
جزأ من مائة جزء ومما يخرج منه فقام عليه المريض باجرائه وأعوانه وسقاه ولحقه حتى
صار تمرا ثم مات ولا مال له غيره وعليه دين ورب النخل من ورثته وأجر مثل ذلك العمل
132

أكثر من حصته فليس له الا ما شرط له لان المريض إنما تصرف هنا فيما لاحق فيه لغرمائه
ولورثته وهو منافع بدنه (ألا ترى) انه لو أعانه بهذه الاعمال ولم يشرط لنفسه شيئا من الخارج
كان ذلك صحيحا منه ففي اشتراطه جزأ من الخارج بمقابلة عمله وان قل منفعة غرمائه وورثته
ولو دفع المريض إلى رجل زرعا له في أرض لم يستحصد أو كفري في رؤس النخيل أو ثمرا
في شجر حين طلع ولكنه أخضر ولم يبلغ بعد على أن يقوم عليه حتى يبلغ بالنصف فقام عليه
العامل حتى بلغ ثم مات صاحب الشجر والزرع ولم يدع مالا غيره فإنه ينظر إلى حصة العامل
يوم قام عليه فزاد في يده لأنه إنما يصير شريكا عند ذلك فان المعاملة ايجاب الشركة فيما يحصل
بعمله وأول أحوال ذلك حين تظهر زيادة من عمله فإن كانت قيمته أكثر من أجر مثله
كان له من حصته مقدار أجر مثله وقت القسمة وثلث التركة بطريق الوصية وكذلك أن
كان أحد ورثته إلا أنه لا وصية له وإن لم يكن من ورثته وكان على الميت دين يحيط بماله
ضرب العامل بما ثبت له من ذلك على ما وصفنا مع الغرماء ولا وصية له وهذا في التخريج
وما تقدم ذكره سواء وإذا استأجر المريض رجلا يخدمه هذه السنة بجارية بعينها فلما وقعت
الإجارة لم يخدمه حتى زادت الأمة وكانت قيمتها يوم وقعت الإجارة مثل أجر مثل الأجير
فخدمه السنة كلها ودفع إليه الجارية فولدت عند الأجير ثم مات المريض ولا مال له غيرها
فللأجير من الجارية وأولادها مقدار أجر مثله والثلث مما يبقى بطريق الوصية لأنه لم يملكها
بنفس العقد قبل استيفاء المنفعة فما زاد يكون على ملك المريض وتجعل هذه الزيادة كالموجودة
عند العقد فيتمكن معنى الوصية بهذا الطريق حين سلم الجارية إليه بعد استيفاء الخدمة وحدوث
الزيادة فإنما السالم له منها ومن أولادها مقدار أجر مثله عوضا عن الخدمة والثلث مما يبقي بطريق
الوصية أعطى وصية من الجارية فان بقي شئ كان له من أولادها في قياس قول أبي حنيفة
رحمه الله بناء على أصله ان في تنفيذ الوصية الجارية أصل والأولاد تبع على ما نبينه في الوصايا
إن شاء الله تعالى ويقال له أد قيمة ما بقي دراهم أو دنانيرا ورد الجارية وولدها ويكون لك أجر
مثلك في مال الميت لأنه يلحقه عيب التبعيض ولم يكن هو راضيا بذلك فيكون له أن يردها
بالعيب ولكن إذا ردها بطلت الوصية بالمحاباة له لان ذلك كان في ضمن العقد وقد بطل العقد
بالرد وان أبى أن يردها أعطى الورثة قيمة ما بقي لإزالة المحاباة ودفع الضرر عن الورثة ويرد
القيمة يندفع الضرر عنهم وثبوت الخيار له في الرد لهذا المعنى أيضا وهو انه يلزمه زيادة لم
133

يرض بالتزامها فيكون له أن يردها لذلك ولو كانت الجارية حين وقعت الإجارة دفعها المريض
إلى الأجير فلم يخدم الأجير حتى زادت في يده وصارت قيمتها أكثر من أجر مثله ثم خدمه
بعد ذلك حتى تمت السنة ومات المريض ولم يدع مالا غيرها وقد ولدت الجارية أولادا
فالجارية وجميع أولادها للأجير لأنه بالقبض قد ملكها وليس فيها فضل فتم ملكه في جميعها
لانعدام المحاباة ثم الزيادة حدثت على ملك تام له فيكون سالما له وكذلك أن كان الأجير أحد
ورثته إلا أن يكون ولدا أو زوجة فرد الجارية وولدها فيكون بينهم ميراثا لان استئجار الولد
والزوجة على الخدمة لا يجوز ولا يستوجبون الاجر بهذا العقد فتثبت هي في يد الأجير بسبب
باطل فعليه أن يردها مع الزيادة بخلاف المزارعة والمعاملة لان الولد والزوجة في ذلك العمل
كسائر الورثة فإنه غير مستحق عليهما دينا بخلاف الخدمة وإن لم يكن من ورثته وكان على
الميت دين يحيط بماله فإن كانت الجارية لا فضل فيها عن أجر مثله يوم قبضها الأجير قسمت هي
وولدها بين الغرماء وبينه ويضرب في ذلك الأجير بقيمتها وقيمة ولدها لأنه لا محاباة في تصرفه
هنا ولكن فيه تخصيص الأجير بقضاء حقه من ماله وذلك يرد لحق الغرماء الا ان الولد
حدث على ملك صحيح له فلهذا ضرب مع الغرماء بقيمتها وقيمة ولدها فما أصابه كان له في
الجارية وما أصاب الغرماء قيل له أد قيمة ذلك إلى الغرماء دراهم أن دنانير لان حقهم في
المالية لا في العين وبأداء القيمة يصل إليهم كمال حقهم ويندفع عنه ضرر التبعيض فان أبى ذلك
بيعت الجارية وولدها فقسم الثمن بينه وبين الغرماء يضرب الغرماء بدينهم ويضرب الأجير
بأجر مثله لأنه حين أبى ذلك تعذر ردها بسب عيب التبعيض أو بما لحقه من زيادة مال
لم يرض بالتزامه بعقد المعاوضة والأجرة إذا كانت بعينها فردت بالعيب ينفسخ العقد وتبقى
المنفعة مستوفاة بحكم عقد قد انفسخ فيكون رجوعه باجر مثله فلهذا يضرب باجر مثله وفى
هذا نوع اشكال فان الزيادة المنفصلة المتولدة بعد تمام الملك تمنع الرد بالعيب فيبقى أن لا يكون
له أن لا يردها ولكن يغرم للغرماء قيمة الزيادة دراهم أو دنانير ويمكن أن يقال الزيادة إنما تمنع
الرد إذا لم يجب ردها مع الأصل فإنه لا يجوز أن يسلم بغير عوض بعد رد الأصل وهذا لا يوجد
هنا فان حق الغرماء ثابت في الزيادة كما هو ثابت في الأم لأنه إن لم يثبت حقهم فيه باعتبار
صحة السبب وخلوه عن المحاباة فقد ثبت حقهم فيه ببطلان تخصيص الأجير بإيفاء حقه مراعاة
لحقهم وإن كان في قيمة الجارية يوم قبضها الأجير فضل عن أجر مثله وكانت قيمتها يوم وقعت
134

الإجارة مثل أجر الأجير الا ان الأجير لم يخدم المريض حين قبض الجارية يضرب الأجير
في الجارية وولدها بمقدار أجر مثله فما أصابه كان له في الجارية وولدها وقيل له أد قيمة ما أصاب
الغرماء فان أبى بيعت الجارية وولدها واقتسموا الثمن يضرب فيه الأجير بأجر مثله لأنه لم
يملكها بنفس العقد وإنما يملكها بالقبض وعند القبض لما كانت قيمتها أكثر من أجر مثله بقيت
موقوفة على حق المريض لتمكن الوصية فيها بطريق المحاباة فلهذا كان التخريج على ما قال وإذا
استأجر الرجل في مرضه رجلا يخدمه بجارية قيمتها ثلاثمائة درهم وأجر مثل الأجير في خدمته
مائة درهم فخدمة الأجير حتى أتم الخدمة وقبض الجارية ثم مات المريض ولا مال له غيرها
فالأجير بالخيار ان شاء أخذ الجارية كلها وأعطي الورثة أربعة اتساع قيمتها وان شاء نقض
الإجارة وردها على الورثة لان المريض حابى بقدر ثلثيها حين كان أجر مثله مثل قيمة ثلثها
والمحاباة وصية فلا تنفذ الا في مقدار الثلث فاحتجنا إلى حساب لثلثيه ثلث وذلك تسعة فثلثها
وهو ثلاثة يسلم له ومن الثلثين يسلم له الثلث بينهما وعليه إزالة المحاباة فيما وراء الثلث وذلك في
أربعة اتساع قيمتها فإذا اختار ذلك فقد وصل إلى الورثة كمال حقهم وثبوت الخيار له في العقد
لما لحقه من الزيادة وان نقض الإجارة وردها كان له في مال الميت أجر مثله مائة درهم وتباع
الجارية حتى يستوفى دينه والباقي للورثة وقد بطلت الوصية بالمحاباة حين اختار نقض العقد
ولا يشبه هذا ما وصفت لك قبله من المزارعة والمعاملة إذا كان فيها محاباة فان هناك إنما
يسلم له مقدار أجر مثله والثلث مما يبقى بطريق الوصية ويرد الفضل وإذا قال أعطى قيمة
الفضل لم يكن له ذلك لان الخارج من الزرع والثمار يحتمل التبعيض فلا يتضرر هو برد
الفضل على الورثة فلهذا لا يكون له أن ينقل حق الورثة من العين إلى القيمة ولو كان أجر
مثل الأجير يوم وقعت الإجارة ثلاثمائة درهم فدفع إليه المريض الجارية وخدمة الأجير
جميع السنة ثم مات المريض وقد زادت الجارية في بدنها أو في السعر أو ولدت في يد الأجير
قبل موت المريض بعد ما كملت السنة أو قبل أن تكمل وعلى المريض دين كثير فان الجارية
بزيادتها وولدها بينهم يضرب الأجير في ذلك بقيمتها وقيمة ولدها يختصمون وتضرب الغرماء
بدينهم لأنه لا محاباة هنا فكانت الجارية وولدها للأجير إلا أن تخصيص المريض إياه بقضاء
حقه من ماله يرد بعد موته فلهذا ضرب هو بقيمتها وقيمة ولدها يوم يختصمون فما أصاب
الأجير كان له من الجارية وولدها لان حقه في عينها وما أصاب الغرماء قيل للأجير أد قيمته
135

دراهم أو دنانير إلى الغرماء لان حقهم في المالية فان أبى أخذت الجارية وولدها وبيعا فضرب
الأجير في الثمن باجر مثله والغرماء بدينهم لأن العقد قد انفسخ حين أخذت من يده وانتقض
قبضه فيها بسبب سابق على قبضه ولو كانت الجارية لم تزد ولم تلد ولكنها نقصت في السعر
عند الأجير حتى صارت تساوى مائة والمسألة بحالها فلا ضمان على الأجير في نقصانها لان
نقصان السعر فتور رغائب الناس فيها ولا معتبر بذلك في شئ من عقود المعاوضات وبضرب
الغرماء في الجارية بدينهم والأجير بقيمتها وهي مائة درهم لان تخصيصه الأجير بقضاء حقه
مردود بعد موته ثم ما أصاب الأجير فهو له من عينها وما أصاب الغرماء قيل للأجير اعطهم
قيمة ذلك لان حقهم في المالية فان أبى بيعت الجارية وضرب الأجير في ثمنها باجر مثله ثلاثمائة
درهم لأن العقد قد انفسخ بانتقاض قبضه فيها فإنما يضرب هو باجر مثله والغرماء بدينهم
بخلاف الأول فهناك لم ينتقض قبضه فيها فإنما يضرب بقيمتها لذلك وان نقصت في البدن حتى
صارت تساوي مائة درهم فان قيمة الجارية يوم قبضها الأجير وهي ثلاثمائة بين الأجير وبين
الغرماء فما أصاب الغرماء ضمنه لهم الأجير في ماله وتسلم له الجارية وليس له أن يردها لأنها
دخلت في ضمانه يوم قبضها على وجه التملك بعقد المعاوضة وقد تعيبت في يده بالنقصان
الحاصل في بدنها فلا يملك أن يردها للعيب الحادث ولكن يغرم للغرماء حصتهم من ماليتها
يوم دخلت في ضمانه ولو دفع المريض نخلا له معاملة إلى رجل بالنصف فأخرج النخل كفري
يكون نصفه مثل أجر العامل أو أقل فقام عليه وسقاه حتى صار تمرا يساوى مالا عظيما ثم
صار حشفا قيمته أقل من قيمة الكفرى يوم خرج ثم مات المريض وعليه دين فان ماله يقسم
بين الغرماء والعامل يضرب فيه العامل بقيمة نصف الحشف فقط فما أصابه كان له في حصته
من الحشف وما أصاب الغرماء بيع لهم في دينهم ولا ضمان على العامل بالنقصان هنا لأنه كان
أمينا في الخارج فالزيادة إنما حصلت في عين هي أمانة بغير صنعه وتلفت بغير صنعه فلا يضمن
شيئا منها لاحد بخلاف ما سبق وإنما هذا بمنزلة ولد الجارية في المسألة الأولى التي ولدت
في يد الأجير أو مات أو حدث به عيب لم يضمنه الأجير لان الزيادة حدثت من غير
صنعه وهلكت كذلك فلا تكون مضمونة عليه وإن كان هو ضامنا للأصل ولو كان الميت
لا دين عليه والمسألة بحالها كان للعامل نصف الحشف وللورثة نصفه ولا ضمان على العامل فيما
136

صار من ذلك حشفا لأنه لو تلف الكل من غير صنع العامل لم يضمن لهم شيئا فإذا صار حشفا
أولى أن لا يضمن لهم النقصان والله أعلم بالصواب
(باب الوكالة في المزارعة والمعاملة)
(قال رحمه الله) وإذا وكل الرجل الرجل بأرض له على أن يدفعها مزارعة هذه السنة
فدفعها مزارعة بالثلث أو أقل أو بأكثر فهو جائز لان الموكل حين لم ينص على مقدار من
الخارج فقد فوض الامر فيه إلى رأيه فبأي مقدار دفعها مزارعة كان ممتثلا لامره محصلا
لمقصوده إلا أن يدفعها بشئ يعلم أنه حابى فيه بما لا يتغابن الناس في مثله فحينئذ لا يجوز ذلك
في قول من يجيز المزارعة لان مطلق التوكيل عندهم يتقيد بالمتعارف فان زرعها المزارع
فخرج الزرع فهو بين المزارع والوكيل على ما اشترطا لا شئ منه لرب الأرض لأنه صار
غاصبا مخالفا وغاصب الأرض إذا دفعها مزارعة كان الزرع بينه وبين المدفوع إليه على الشرط
ولرب الأرض أن يضمن نقصان الأرض في قول أبى يوسف الأول وهو قول محمد رحمهما
الله ان شاء الوكيل وان شاء المزارع فان ضمن المزارع رجع على الوكيل به لأنه مغرور من
جهته وفى قول أبى يوسف الآخر يضمن المزارع خاصة لأنه هو المتلف فأما الوكيل فغاصب
والعقار عنده لا يضمن بالغصب ثم يرجع المزارع على الوكيل للغرور فإن كان حابى فيه بما
يتغابن الناس في مثله فالخارج بين المزارع ورب الأرض على الشرط والوكيل هو الذي قبض
نصيب الموكل لأنه هو الذي أجر الأرض وإنما وجب نصيب رب الأرض بعقده فهو الذي
يلي قبضه وليس لرب الأرض أن يقبضه الا بوكالة من الوكيل فإن كان رب الأرض
أمر الوكيل أن يدفعها مزارعة ولم يسم سنة ولا غيرها جاز للوكيل أن يدفعها مزارعة سنته
الأولى فان دفعها أكثر من ذلك أو بعد هذه السنة ولم يدفع هذه السنة لم يجز في الاستحسان
وفى القياس يجوز لان التوكيل مطلق عن الوقت ففي أي سنة دفعها وفى أي مدة دفعها لم
يكن فعله مخالفا لما أمره الموكل به فجاز كالوكيل بإجارة الدور والرقيق ولكنه استحسن
وقال دفع الأرض مزارعة يكون في وقت مخصوص من السنة عادة والتقييد الثابت بالعرف
في الوكالة كالثابت بالنص فإذا دخله التقييد من هذا الوجه يحمل على أخص الخصوص وهو
وقت الزراعة من السنة الأولى كالوكيل يشترى الأضحية يتقيد بأيام الأضحية من السنة
137

الأولى بخلاف إجارة الدور والرقيق فإنها لا تختص بوقت عرفا فراعى فيها مطلق الوكالة
إنما المزارعة نظير التوكيل باكراء الإبل إلى مكة للحج عليها فإنها تختص بأيام الموسم في السنة
الأولى لان هذا يكون في وقت مخصوص من كل سنة عرفا فيحمل على أخص الخصوص
وهو قت خروج القافلة من السنة الأولى خاصة ولو كان البذر من رب الأرض كان هذا
أيضا على أن يدفعه بما يتغابن الناس فيه لان هذا توكيل بالاستئجار فان صاحب الأرض يكون
مستأجرا للعامل والتوكيل بالاستئجار كالتوكيل بالشراء فإنما ينفذ على الموكل إذا كان بغبن
يسير ورب الأرض هو الذي يلي قبض حصته وليس للوكيل قبضها الا باذنه لان رب
الأرض هنا ما استحق نصيبه بعقد الوكيل بل بكونه نماء بذره فان دفعه الوكيل بما لا يتغابن
الناس فيه كان الخارج بين الوكيل والمزارع على الشرط لأنه بالخلاف صار غاصبا للأرض
والبذر فيكون عليه ضمان مثل ذلك البذر للموكل فان تمكن في الأرض نقصان بالزراعة
فلرب الأرض أن يضمن النقصان أيهما شاء في قول أبى يوسف الأول وهو قول محمد لان
المزارع متلف والوكيل غاصب فان ضمن المزارع رجع به على الوكيل للغرور ولا يتصدق
الزارع بشئ مما صار له في هذه المسألة ولا في المسألة الأولى ولكن الوكيل يأخذ مثل ما غرم
من نقصان الأرض وبذرا مثل الذي غرم ويتصدق بالفضل لان الخبث تمكن في تصرف
الوكيل حين صار كالغاصب فعليه أن يتصدق بالفضل وإنما يدفعها الوكيل مزارعة هنا أيضا
في المسألة الأولى خاصة استحسانا فان دفعها بعد مضى تلك السنة فهو مخالف غاصب للأرض
والبذر والحكم فيه ما بينا في الفصل الأول وإذا وكل رجلا بان يأخذ له هذه الأرض مزارعة
هذه السنة على أن يكون له البذر من قبل الموكل فللوكيل أن يأخذها بما يتغابن الناس فيه
وان أخذها بما لا يتغابن الناس فيه لم يجز على الموكل إلا أن يرضى به ويزرعها عليه لأنه وكيل
بالاستئجار فهو بمنزلة الوكيل بالشراء فلا ينفذ تصرفه بالغبن الفاحش على الموكل إلا أن يرضى
به وزراعة الموكل بعد العلم بما صنع الوكيل دليل الرضا به فهو كصريح الرضا فان زرعها
الموكل فحصل الخارج كان الوكيل هو المأخوذ بحصة رب الأرض يستوفيه منه الموكل فيسلمه
إليه لان رب الأرض استحق ذلك بالشرط والوكيل هو الذي شرط له ذلك فان أخذ ذلك
رب الأرض من الموكل بغير محضر من الوكيل برئ الوكيل لوصول الحق إلى مستحقه
وإن كان الوكيل أخذها بما لا يتغابن الناس فيه وهو لم يخبره بذلك حتى زرعها الموكل وقد
138

أمره الوكيل بزراعتها كان الخارج للمزارع على الوكيل ولرب الأرض أجر مثل أرضه مما
أخرجت الأرض لان الوكيل استأجرها بما سمى من الخارج وقد حصل الخارج ثم استحق
الموكل فيكون لرب الأرض على الوكيل اجر مثل الأرض مما أخرجت الأرض لان ذلك من
ذوات الأمثال ولا شئ للوكيل على الموكل لأنه هو الذي أمره بزراعتها وقد كان استئجاره نافذا
عليه فالتحقت هذه بأرض مملوكة له دفعها إلى غيره وأمره أن يزرعها من غير أن يشترط عليه
شيئا وإن كان الوكيل دفع إليه الأرض ولم يأمره بزراعتها ولم يخبره بما أخذها به فالخارج
للمزارع لأنه نماء بذره وتصرف الوكيل بما لا يتغابن الناس فيه لم ينفذ عليه ولا شئ لرب الأرض
على الوكيل هنا لان الزارع بمنزلة الغاصب حين زرعها بغير أمر الوكيل ومن استأجر أرضا
فغصبها غاصب وزرعها لم يكن لرب الأرض على المستأجر أجرها بخلاف الأول فان هناك
الوكيل أمر الزارع بزرعها فيجعل بمنزلة ما لو زرعها بنفسه فيلزمه اجر مثلها لصاحبها ثم على
الزارع هنا نقصان الأرض لرب الأرض لأنه زرعها بغير إذن صاحب الأرض على وجه
الغصب ولا يرجع به على الوكيل لان الوكيل لم يغره بل هو الذي اغتر حين لم يسأل
الوكيل ولم يستكشف حقيقة الحال ويتصدق الزارع بالفضل لأنه ربى زرعه في أرض غيره
بسب خبيث وإذا لم يبين الوقت للوكيل هنا فهو على أول سنة وأول زراعة استحسانا ولو
كان وكله بان يأخذ له أرض فلان وبذرا من مزارعة فان أخذها بما يتغابن الناس فيه جاز ورب
الأرض هو الذي يقبض نصيبه من الزرع لأنه يملك نصيبه بكونه نماء بذره لا بشرط الوكيل
له ذلك بالعقد وان أخذ بما يتغابن الناس فيه لم يجز علي الموكل إلا أن يرضي به لأنه وكله
بان يؤاجره وذلك يتقيد بما يتغابن الناس فيه عند من يجيز المزارعة فان عمل المزارع في جميع
ما ذكرنا فحصل الخارج فهو بينهما على الشرط وإن كان الوكيل أخذه بما لا يتغابن الناس
فيه من قلة حصة المزارع وأمر المزارع فعمل ولم يبين ذلك له فالمزارع متطوع في عمله في
القياس والخارج كله لرب الأرض وفى الاستحسان الخارج بينهما على الشرط وجه القياس
ان تصرف الوكيل بالغبن الفاحش لم ينفذ على الموكل معينا في إقامة العمل وجه الاستحسان
انه إنما لا ينفذ تصرف الوكيل على الموكل فبقي الموكل بالغبن لدفع الضرر عن الموكل والضرر
هنا في امتناع نفوذ التصرف عليه لأنه إذا نفذ تصرفه عليه استحق ما شرط له من الخارج وان
قل ذلك وإذا لم ينفذ لم يستحق شيئا على أحد بمقابلة عمله وهو نظير القياس والاستحسان في العبد
139

إذا أجر نفسه في عمل وسلم من ذلك العمل فإن كان الموكل لم يسم للوكيل الوقت فهو على
أول سنة وزراعة استحسانا فان مضت السنة قبل أن يأخذ ثم أخذ لم يجبر الموكل على العمل
فان رضى به وعمل كان بينهما على الشرط بمنزلة ما لو أخذ أرضا وبذرا ليزرعها وإذا دفع
الرجل إلى الرجل نخلا ووكله بأن يدفعها معاملة هذه السنة أو لم يسم له وقتا فهذا على أول
سنة للعرف فان دفعه بما يتغابن الناس فيه جاز وصاحب النخل وهو الذي يلي قبض نصيبه
لأنه يملك التمر بملكه النخل لا بالعقد الذي باشره الوكيل فان دفعه بما لا يتغابن الناس فيه
فالخارج لصاحب النخل لأنه وكله باستئجار العامل فلا ينفذ تصرفه بالغبن الفاحش على
الموكل وللعامل اجر مثله على الوكيل لأنه استأجره ببعض الخارج وقد حصل الخارج
واستحقه رب النخل فيستوجب الرجوع باجر مثله ولو وكله بأن يأخذ نخلا بعينه فأخذه
بما يتغابن الناس فيه جاز على الشرط وصاحب النخل هو الذي يلي قبض نصيبه لأنه يملكه
بسبب تولده من نخله وان أخذه بما لا يتغابن الناس فيه من قلة نصيب العامل لم يلزم العامل
ذلك إلا أن يشاء فان عمله وقد علم نصيبه منه أو لم يعلم كان له نصيبه الذي سمى له أما إذا
علم به فلوجود دلالة الرضا منه بالاقدام على العمل بعد العلم بحقيقة الحال وأما إذا لم يعلم به فهو
استحسان لما فيه من المنفعة للعامل فإنه لو لم ينفذ تصرفه عليه لم يستوجب شيئا وإذا أمره أن
يأخذ له نخلا معاملة أو أرضا مزارعة أو أرضا وبذرا مزارعة ولم يعين شيئا من ذلك لم يجز
لان الوكيل عاجز عن تحصيل مقصود الموكل مع هذه الجهالة المستتمة فان العمل يختلف
باختلاف النخل والأراضي على وجه لا يمكن أن يوقف فيه على شئ معلوم وإذا أمره بأن
يدفع أرضه مزارعة أو أن يدفع نخله معاملة إلى رجل ولم يعين الرجل جاز لان دفع الأرض
مزارعة بمنزلة اجارتها ومن وكل غيره بأن يؤاجر أرضه مدة معلومة جاز وإن لم يبين من
يؤاجرها منه لان المعقود عليه منفعة الأراضي وهي معلومة لا تختلف باختلاف المستوفى
وكذلك في المعاملة مقدار العمل قد صار معلوما ببيان النخل على وجه لا يختلف باختلاف
العامل ولو أمره بأن يدفع أرضه هذه مزارعة فأعطاها رجلا وشرط عليه أن يزرعها حنطة
أو شعيرا أو سمسما أو أرزا فهو جائز لان دفع الأرض مزارعة لهذه الأشياء متعارف فمطلق
التوكيل ينصرف إلى هذه الأشياء كلها والوكيل يكون ممتثلا أمره في جميع ذلك وكذلك
لو وكله أن يأخذ له هذه الأرض وبذرا معها مزارعة فاخذها مع بذر حنطة أو شعيرا أو غير
140

ذلك من الحبوب جاز ذلك على الموكل لأنه وكله ليؤاجره في عمل الزراعة وهو في جميع
ذلك متعارف فمطلق التوكيل ينصرف إلى جميع ذلك ولو وكله أن يأخذ له هذه الأرض مزارعة
فأخذها من صاحبها للموكل على أن يزرعها حنطة أو شرط عليه شعيرا أو غيره لم يكن له أن
يزرع الا ما شرط عليه رب الأرض لان الوكيل إذا امتثل أمره كان عقده كعقد الموكل بنفسه
وهو لو أخذ أرضا مزارعة ليزرعها حنطة لم يكن له أن يزرعها غير الحنطة لان صاحب الأرض
إنما رضى بأن يكون أجر أرضه الحنطة فلا يملك المستأجر أن يحولها إلى غيره ولو وكله بان
يدفع أرضا له مزارعة هذه السنة فأجرها ليزرع حنطة أو شعيرا بكر من حنطة وسط أو
بكر من شعير وسط أو سمسم أو أرز أو غير ذلك مما تخرجه الأرض فذلك جائز استحسانا
وفى القياس هو مخالف لان الموكل إنما رضى بالمزارعة ليكون شريكا في الخارج وقد أتى بغير
ذلك حين أجرها بأجرة مسماة ولكنه استحسن فقال قد حصل مقصود الآمر على وجه
يكون أنفع له لأنه لو دفعها مزارعة فلم يزرعها أو أصاب الزرع إن لم يكن لرب الأرض شئ
وهنا تقرر حق رب الأرض دينا في ذمة المستأجر إذا تمكن من زراعتها وإن لم يزرع أو
أصاب الأرض آفة ومتى أتى الوكيل بجنس ما أمر به وهو أنفع للامر مما نص عليه لم
يكن مخالفا وإذا لم يكن مخالفا كان عقده كعقد الموكل بنفسه فللمستأجر أن يزرع ما بدا له
والتقييد بالحنطة أو الشعير غير مفيد هنا في حق رب الأرض فإنه لا شركة له في الخارج
بخلاف الدفع مزارعة وان أجرها بدراهم أو ثياب أو نحوها مما لا يزرع لم يجز ذلك على
الموكل لأنه خالف في الجنس فرب الأرض نص على أن يدفعها مزارعة وذلك إجارة الأرض
بشئ تخرجه الأرض فإذا أجرها أو كيل بشئ لا تخرجه الأرض كان مخالفا في جنس ما نص
عليه الموكل فهو بمنزلة الوكيل بالبيع بألف درهم إذا باع بألف دينار لا ينفذ على الموكل بخلاف
ما إذا باعه بألفي درهم وكذلك أن أمره أن يدفعها هذه السنة مزارعة في الحنطة خاصة فأجرها
بكر حنطة وسط جاز ويزرعها المزارع ما بدا له من الزراعات مما يكون ضرره على الأرض
مثل ضرر الحنطة أو أقل منها لان تسمية رب الأرض الحنطة معتبرة في معرفة مقدار
الضرر على الأرض به وهو لم يخالفه في الجنس حين سمى الآخر كر حنطة وسط وان
أجر بغير الحنطة صار مخالفا للموكل في جنس ما سمى له من أجر الأرض فلا ينفذ تصرفه
عليه ولو وكله أن يدفعها مزارعة بالثلث فدفعها على أن لرب الأرض الثلث جاز لان حرف
141

الباء يصحب الأعواض ورب الأرض هو الذي يستحق الخارج عوضا عن منفعة أرضه
فكان هذا بمنزلة التنصيص على اشتراط الثلث له فان قال رب الأرض إنما عنيت ان للمزارع
الثلث لم يصدق لان ما يدعيه يخالف الظاهر إلا أن يكون البذر من قبله فيكون القول قوله
حينئذ لان المزارع هو الذي يستوجب الخارج عوضا عن عمله بالشرط ولو وكله أن يدفعها
مزارعة بالثلث فأجرها من رجل بكر حنطة وسط مخالف لان رب الأرض هنا نص على
ما هو منافع أرض وهو ثلث الخارج وقد أجرها بغير ذلك ثم هنا نص على الشركة في
الخارج والإجارة بكر من حنطة ليس فيها معنى الشركة فكان هذا مخالفة في الجنس في
العقد الذي أمره به فان زرعها المستأجر كان الخارج للمزارع وعليه كر حنطة وسط
للمؤاجر لان المؤاجر صار غاصبا للأرض ولرب الأرض أن يضمن نقصان الأرض ان شاء
المزارع وان شاء الوكيل في قول أبى يوسف الأول وهو قول محمد رحمهما الله لان الوكيل
غاصب والمزارع متلف فان ضمنها المزارع رجع بها على الوكيل لأجل الغرور ويأخذ المؤاجر
من الكر الذي أخرجته الأرض ما ضمن ويتصدق بالفضل لأنه كسب خبيث وان وكله بان
يؤجرها بكر حنطة وسط فدفعها مزارعة بالنصف على أن يزرعها حنطة فزرعها فهو مخالف
لان ما أتى به أضر على الموكل مما أمره به لأنه أمره بعقد يتقرر به حقه في الاجر إذا تمكن
المستأجر من الانتفاع بها وإن لم ينتفع ولأنه نص على إجارة محضه وقد أتى بعقد الشركة
فكان مخالفا وتفريع هذه كتفريع الأولى ولو وكله أن يأخذ هذه الأرض مزارعة فاستأجرها
الوكيل بكر حنطة لم يجز على الآمر لان ما أتى به أضر عليه لان ألزمه الكر دينا في ذمته
عند تمكنه من الزراعة وإن لم يزرع وهو ما أمره بذلك فلا ينفذ تصرفه عليه إلا أن يرضي
به ولو وكله بان يأخذها له مزارعة بالثلث فأخذها الوكيل على أن يزرعها المزارع ويكون
للمزارع ثلث الخارج ولرب الأرض ثلثاه لم يجز هذا على المزارع لان الكلام الذي قال المزارع
إنما يقع على أن لرب الأرض الثلث لما بينا ان رب الأرض هو الذي يستحق الخارج عوضا
عن منفعة الأرض فما يصحبه حرف الباء يكون حصته من الخارج وقد أتى بضده ولو كان
أمره أن يأخذ الأرض والبذر والمسألة بحالها جاز ذلك على المزارع لان المعقود عليه هنا هو
عمل العامل وهو الذي يستحق الخارج بمقابلة عمله فإذا شرط الثلث له كان ممتثلا أمره ولو
وكله أن يدفع نخله هذا معاملة بالثلث فدفعها على أن الثلثين للعامل لم يجز ذلك على رب
142

النخيل لان العامل هو الذي يستحق الخارج بالشرط فإنما ينصرف أمر رب النخل بهذا
اللفظ إلى اشتراط الثلث له ولو وكله أن يأخذ له نخل فلان هذه السنة معاملة بالثلث فأخذه
على أن الثلثين لرب النخل جاز عليه لما قلنا ولو وكله أن يأخذ هذه الأرض هذه السنة وبذرا
معها مزارعة فأخذ الوكيل البذر والأرض على أن الخارج كله لرب الأرض وعليه للمزارع
كر حنطة وسط فهذا جائز كان البذر من حنطة أو من غيرها لان ما باشره من العقد
أنفع للموكل فإنه يستوجب الاجر بتسليم النفس وإن لم يستعمله أو أصاب الزرع آفة وان
شرط الآخر دراهم أو متاعا بعينه لم يجز وإنما استحسن إذا شرط له شيئا مما تخرجه
الأرض ان أجره لما بينا في الفصل الأول ولو أمره أن يأخذها له بالثلث والمسألة بحالها
لم يجز في شئ من ذلك لأنه نص على عقد الشركة في الخارج هنا ولأنه لا يدرى ان ثلث
الخارج يكون مثل ما شرط له من الاجر أو أقل أو أكثر ولو وكله أن يأخذ هذا
النخل معاملة فأخذه على أن الخارج لصاحب النخل وللعامل كر من تمر فارسي عليه جاز لأنه
اشترط له أفضل ما يخرج من النخل وهذا العقد أنفع له من الوجه الذي قلنا وإن كان شرط
له كرا من دقل جيد نظر في النخل فإن كان ذلك دقلا جاز وإن كان فارسيا لم يجز ذلك
على العامل بمنزلة ما لو شرط له كرا من حنطة أو شعير أو درهما وذلك لا ينفذ عليه إلا أن يرضى
به لان تعيينه النخل في المعاملة يكون تنصيصا على أن يكون أجره من جنس ما يخرج ذلك
النخل ولو وكله بان يأخذ له نخل فلان معاملة بالثلث فأخذه بكر تمر فارسي جيد لم يلزم
العامل إلا أن يشاء لأنه لا يدرى لعل الثلث أكثر مما شرط له فإن كان يعلم أن الثلث يكون
أقل من ذلك فهو جائز لأنه متيقن بتحصيل مقصوده فان قيل قد قلتم انه أمر بعقد الشركة
بهذا اللفظ وما أتى به من الإجارة غير الشركة قلنا نعم ولكن الأسباب غير مطلوبة بعينها
بل بمقاصدها فإنما يعتبر اختلاف السبب إذا لم يعلم بأنه حصل مقصوده الذي نص عليه على
وجه هو أنفع له فاما إذا علمنا ذلك يقينا فلا معنى لاعتبار الاختلاف في السبب فلهذا ينفذ
تصرفه عليه والله أعلم
(باب الزيادة والحط في المزارعة والمعاملة)
(قال رحمه الله) الأصل أن عقد المزارعة والمعاملة في حكم الزيادة في البدل والحط
143

نظير البيع والإجارة وقد بينا أن الزيادة هناك تصح حال قيام المعقود عليه وعلى وجه يبطل
ابتداء العقد ولا يصح بعد هلاك المعقود عليه والحط صحيح بعد هلاك المعقود عليه لان الحط
اسقاط محض وفى الزيادة معنى التمليك فكذلك في المزارعة والمعاملة وإذا تعاقد الرجلان
مزارعة أو معاملة بالنصف وعمل فيها العامل حتى حصل الخارج ثم زاد أحدهما الاخر من
نصيبه السدس وحصل له الثلثين ورضى بذلك الآخر فإن كان ذلك قبل استحصاد الزرع
ولم يتناهى عظم البسر جاز لان ابتداء العقد بينهما في هذه الحالة يصح ما دام المعقود عليه بحيث
يزداد بعمل العامل فتصح الزيادة أيضا من أيهما كان لصحابه وإن كان بعد استحصاد الزرع
وتناهى عظم البسر فإن كان الزائد صاحب النخل وصاحب البذر في المعاملة فهو باطل لان
ابتداء العقد بينهم في هذه الحالة لا يصح فكان بمعنى الزيادة في الثمن بعد هلاك المعقود عليه
وهذا لأن العقد قد انتهى فلا يمكن اسناد الزيادة على سبيل الالتحاق بأصل العقد وهي في الحال
هبة غير مقسوم فلا يكون صحيحا وإن كان الآخر هو الزائد فهو جائز لأنه يستوجب
بالشرط فيكون هذا منه حطا لا زيادة فإن كان شرط بمقابلة عمله نصف الخارج ثم حط
ثلث هذا النصف واكتفى بثلث الخارج والحط بعد هلاك المعقود عليه صحيح وكذلك
إن كان صاحب الأرض الذي لا بذر من قبله هو الذي زاد صاحب البذر لأنه يستوجب
بالشرط بمقابلة منفعة أرضه فيكون هذا منه حطا لا زيادة وإذا اشترطا الخارج في المعاملة
والزراعة نصفين واشترطا لأحدهما على صاحبه عشرين درهما فسدت المزارعة والمعاملة من
أيهما كان البذر أو الشرط لتضمن هذا العقد شراء المعدوم أو الجمع بين الشركة في الخارج
والأجرة دينا في الذمة بمقابلة عمل العامل أو منفعة الأرض ثم الخارج كله لصاحب البذر في
المزارعة ولصاحب النخل في المعاملة هذا هو حكم فاسد المزارعة والمعاملة وكذلك لو زاد
أحدهما صاحبه عشرين قفيزا إلا أن هذا الشرط يؤدى إلى قطع الشركة بينهما في الخارج
مع حصول الخارج وهو مفسد للعقد والله أعلم
(باب النكاح والصلح من الجناية والخلع والعتق والمكاتبة في المزارعة والمعاملة)
(قال رحمه الله) وإذا تزوج الرجل امرأة بمزارعة أرضه هذه السنة على أن يزرعها
ببذرها وعملها فما خرج فهو بينهما نصفان فالنكاح جائز والمزارعة فاسدة لاشتراط أحد العقدين
144

في الاجر والمزارعة كالبيع تبطل بالشروط الفاسدة والنكاح لا يبطل هكذا قال إبراهيم
النكاح يهدم الشرط والشرط يهدم البيع وعلى قول أبى يوسف التسمية صحيحة وصداقها
أجر مثل نصف الأرض وعلى قول محمد رحمه الله التسمية فاسدة ولها مهر مثلها إلا أن يجاوز
ذلك باجر مثل جميع الأرض فحينئذ لها أجر مثل جميع الأرض لان التزوج بذل منفعة الأرض
بمقابلة نصف الخارج وبمقابلة نصفها فان المشروط لها على الزوج ملك النكاح ونصف الخارج
لان البذر من قبلها فإنما تتوزع منفعة الأرض عليهما باعتبار القيمة كما هو قضية المقابلة ونصف
الخارج مجهول أصلا وجنسا وقدرا فكان ما يقابل البضع من منفعة الأرض مجهولا أيضا
جهالة التسمية ومثل هذه الجهالة تمنع صحة التسمية فيكون لها مهر مثلها كما لو تزوجها بثوب
إلا أن يتيقن بوجود الرضا منها يكون صداقها منفعة جميع الأرض لأنها لما رضيت به بمقابلة
سنين كانت بمقابلة أحدهما أرضا فلهذا لا يجاوز بالصداق أجر مثل جميع الأرض وأبو يوسف
يقول الانقسام بين البضع ونصف الخارج باعتبار التسمية لا باعتبار القيمة فيتوزع نصفين كما هو
قضية المقاسمة بين المجهول والمعلوم بمنزلة ما لو أوصى بثلث ماله لفلان وللمساكين كان لفلان
نصف الثلث فهنا أيضا يكون الصداق منفعة نصف الأرض والمنفعة مال متقوم في حكم الصداق
فتصح التسمية ويلزم تسليم منفعة نصف الأرض إليها وقد عجز عن ذلك لفساد المزارعة فيكون
لها اجر مثل نصف الأرض فان طلقها قبل الدخول بها كان لها في قول أبى يوسف رحمه الله
نصف المسمى وهو ربع اجر مثل الأرض وفى قول محمد رحمه الله لها المنفعة لفساد التسمية
وان زرعت المرأة زرعا فأخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج فجميع الخارج للمرأة لأنه نماء بذرها
وعليها في قياس قول أبى يوسف نصف أجر مثل الأرض ولا صداق لها على الزواج لأنها
استوفت منفعة جميع الأرض ونصف ذلك صداقها والنصف الآخر استوفته بحكم مزارعة
فاسدة فعليها أجر مثل نصف الأرض وعند محمد رحمه الله عليها أجر مثل جميع الأرض
فيتقاصان ويترادان فضلا إن كان وإن كان البذر من قبل الزوج فتزوجها على أن دفع أرضا
وبذرا مزارعة بالنصف والمسألة بحالها فالنكاح صحيح والمزارعة فاسدة وللمرأة مهر مثلها
بالغا ما بلغ عندهم جميعا لان الزوج شرط لها نصف الخارج بمقابلة البضع وبمقابلة العمل
والخارج مجهول الجنس والقدر ووجود أصله على خطر فلم يصح تسميته صداقا فكان لها مهر
مثلها بالغا ما بلغ وهو الأصل في هذا الجنس انه متى كان المشروط بمقابلة البضع بعض
145

الخارج فالتسمية فاسدة عندهم جميعا ومتى كان المشروط منفعة الأرض أو منفعة العامل
بمقابلة البضع ففي صحة التسمية اختلاف كما بينا حتى لو تزوجها على أن يأخذ أرضها ليزرعها ببذره
وعمله بالنصف فللمرأة مهر المثل بالاتفاق لان الزوج شرط لها نصف الخارج بمقابلة بضعها
ومنفعة الأرض ولو تزوجها على أن يأخذ أرضها وبذرا معها مزارعة بالنصف فالمسألة على
الاختلاف لأنها شرطت عمل الزوج بمقابلة بضعها ونصف الخارج فيكون الصداق نصف
عمل الزوج في قول أبى يوسف كما بينا ولو تزوجها على أن دفع إليها نخلا معاملة بالنصف
فلها مهر مثلها لان الزوج شرط لها نصف الخارج بمقابلة بضعها وعملها ولو تزوجها على أن
دفعت إليه نخلا معاملة بالنصف فالمسألة على الخلاف لان الزوج التزم العمل بمقابلة بضعها
ونصف الخارج فهذه ست مسائل في النكاح وست أخرى في الخلع على هذه الصورة
فالمرأة في الخلع بمنزلة الزوج في النكاح لان بذل الخلع عليها له ففي كل موضع ذكرنا في
النكاح أنه يكون لها صداق مثلها ففي الخلع يجب عليها رد المقبوض لان البضع لا يتقوم عند
خروجه من ملك الزوج وإنما يقوم باعتبار رد المقبوض وكذلك هذه المسائل الست في الصلح
من جناية العهد إلا أن في كل موضع كان الواجب في النكاح صداق مثلها ففي الصلح من
دم العمد الواجب الدية لان بذل النفس هو الدية عند فساد التسمية في الصلح بمنزله مهر المثل
في النكاح وأما كل جناية ليس فيها قصاص أو جناية خطا وقعت على الصلح عنها عقدة
مزارعة أو معاملة نحو ما وصفنا فان العقد في جميع ذلك فاسد بالاتفاق وأرش الجناية واجب
لان هذا صلح عن مال علي مال فيكون بمنزلة البيع يبطل بالشرط الفاسد كما تبطل المزارعة
فاشتراط كل واحد من العقدين في الآخر يفسد كل واحد منهما فأما العتق على شرط
المزارعة في جميع هذه الوجوه فعلى العبد فيه قيمة نفسه بالغا ما بلغت لان المولى إنما يزيل
عن ملكه في العتق مالا متقوما فعند فساد التسمية يكون رجوعه بقيمة العبد كما لو أعتق عبده
على خمر ولا يدخل هنا الخلاف بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله على قياس جعل العتق
إذا كان شيئا بعينه فاستحق أو هلك قبل القبض لان هناك التسمية كانت صحيحة وهنا أصل
التسمية فاسد فيكون هذا نظير العتق على الخمر وأما الكتابة على نحو ذلك فالكتابة فاسدة مع
المزارعة والمعاملة لان الكتابة لا تصح الا بتسمية البدل وهو عقد محتمل للفسخ بمنزلة البيع
فاشتراط كل واحد من العقدين في الآخر يفسدهما جميعا فان عملها المكاتب عتق ان خرج
146

شئ أو لم يخرج إذا كان محله محل آخر بان كان المولى صاحب النخل أو صاحب الأرض
والبذر لأنه أو في العمل المشروط عليه بمقابلة رقبته ومع فساد التسمية يترك العتق بإيفاء
المشروط كما لو كاتبه على خمر فأدى الخمر ثم للمكاتب على مولاه أجر مثله وللمولى عليه
رقبته فإن كانت قيمة رقيته أكثر من أجر المثل فعليه أن يؤدى الفضل وإن كان أجر مثله
أكثر من قيمة رقبته لم يكن على مولاه شئ لأنه نال العتق بمقابلة ما أوفى من العمل فلا
يتمكن استرداد شئ منه واسترداد بدله كاسترداده ثم في الكتابة الفاسدة المولى أحق بمنافعه
فلا يتقوم عليه منافعه الا بقدر ما يحتاج إليه المكاتب وذلك مقدار قيمة رقبته وإذا كان محل
المكاتب محل المستأجر بان كان البذر من قبل المكاتب لم يعتق وان زرع الأرض وحصل
الخارج لان الجعل هنا بعض الخارج وهو مجهول اللون والجنس والقدر ومثل هذه الجهالة
تمنع العتق وان أدى كما لو كاتبه على ثوب ثم الخارج كله في يد العبد هنا إلى أن يرده المولى
رقيقا وإذا رده المولى رقيقا كان الخارج للمولى باعتبار انه كسب عبده لا باعتبار انه مشروط
في الكتابة فلهذا لا يعتق العبد به والله أعلم
(باب عمل صاحب الأرض والنخل فيها بأمر العامل أو بغير أمره)
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل أرضا وبذرا على أن يزرعها هذه السنة بالنصف
فبذره العامل وسقاه فلما نبت قام عليه رب الأرض بنفسه وأجرائه وسقاه حتى استحصد
بغير أمر المزارع فالخارج بينهما نصفان ورب الأرض متطوع فيما صنع لان الشركة بينهما
قد انعقدت في الخارج حين بذره العامل وسقاه وصار العقد بحيث لا يملك رب الأرض
فسخه فإقامة العمل بعد ذلك كإقامة أجنبي آخر ولو عمل أجنبي آخر فيها كان متطوعا فيما صنع
والخارج بين رب الأرض والمزارع على الشرط فكذلك إذا فعل رب الأرض ذلك فإن كان
استأجر لذلك فعمل أجيره كعمله وأجر الأجير عليه لأنه هو الذي استأجره ثم رب
الأرض إنما عمل فيما هو شريك فيه فلا يستوجب الاجر على غيره ولو كان المزارع بذر
البذر فلم ينبت ولم يسقه حتى سقاه رب الأرض بغير أمره فنبت فلم يزل يقوم عليه ويسقيه
حتى استحصد فالخارج لرب الأرض والمزارع متطوع في عمله ولا أجر له وهو القياس ولكنا
نستحسن أن يجعل بينهما على ما اشترطا ويجعل رب الأرض متطوعا فيما عمل وجه القياس ان
147

رب الأرض استرد الأرض والبذر قبل انعقاد الشركة بينهما لان الشركة بينهما في الخارج لا في
البذر وبمجرد القاء البذر في الأرض وكونه في الجوالق سواء ولو أخذ رب الأرض البذر
وزرع بنفسه كان الخارج كله إليه لأنه صار مستردا في حال هو يملك فسخ المزارعة في تلك
الحالة فكذلك إذا استرده بعد الالقاء في الأرض قبل السقي وجه الاستحسان ان سبب
الشركة في الخارج القاء البذر فيقام هذا السبب مقام حقيقة الشركة ببيان الزرع (ألا ترى)
أنه يقام مقامه في لزوم العقد حتى لا يملك رب الأرض فسخه بعد ذلك قصدا ومنع المزارع
من العمل فيكون هذا منه إعانة للمزارع أو عمله فيما هو شريك فيه فيكون الخارج بينهما
على الشرط كما في الفصل الأول وهو نظير ما استشهد به لو أن رجلا بذر أرضا له فلم ينبت
حتى سقاه رجل فنبت كان الزرع الذي سقاه في القياس بمنزلة من غصب بذرا وزرعه وفى
الاستحسان الزرع لصاحب الأرض والذي سقاه معين له وهذا لأنه بعد الزراعة يكون
اذنا لكل واحد منهما في سقيه والقيام عليه مستعينا به دلالة فينزل ذلك منزلة أمره إياه
بذلك نصا بخلاف ما قبل الزراعة فله تدبير في تقديم عمل الزراعة وتأخيره واختيار ما يزرعه
في كل أرض فلا يكون هو آمر للغاصب بان يزرع بذره في أرضه فيكون الغاصب عاملا
لنفسه فكذلك في مسألة المزارعة بعد ما بذره المزارع هو كالمستعين بصاحب الأرض في
سقيه والقيام عليه فكأنه أمره بذلك نصفا فيكون رب الأرض عاملا له لا لنفسه ولو بذره
رب الأرض ولم يسقه ولم ينبت حتى سقاه المزارع وقام عليه حتى استحصد فالخارج بينهما
على ما اشترطا أما إذا كان ذلك بأمر المزارع فهو غير مشكل لأنه لو بذره وسقاه كان معينا
للمزارع فإذا بذره ولم يسقه أولى وأما إذا كان بغير أمره فلان بمجرد القاء البذر في الأرض
لم يحصل الخارج وإنما حصل بالسقي والعمل بعد وقد باشره المزارع فيكون الخارج بينهما
على الشرط وهذا الفعل من رب الأرض محتمل يجوز أن يكون على طريق الفسخ منه لعقد
المزارعة ويجوز أن يكون على وجه النظر لنفسه وللعامل كيلا يفوت الوقت لاشتغال المزارع
بعمل آخر أو لمرض حل به وبالاحتمال لا ينفسخ العقد فلهذا كان الخارج بينهما على الشرط
ولو أخذه رب الأرض فبذره في الأرض وسقاه فنبت ثم إن المزارع يقوم عليه ويسقيه حتى
استحصد فالخارج لرب الأرض والمزارع متطوع في عمله ولا أجر له لأنه قد استحكم
استرداد رب الأرض حين بذره وسقاه حتى نبت من حيث إن بالنبات تحصل الشركة
148

في الخارج ولم يوجد من جهة المزارع ليكون شريكا في الخارج فإنما نبت الخارج كله على مالك
رب الأرض وانفسخ به عقد المزارعة فصار كأن لم يكن ثم المزارع بالعمل بعد ذلك بغير أمره
متطوع فلا يستوجب عليه الاجر وإن كان البذر من قبل المزارع فبذره ولم يسقه حتى
سقاه رب الأرض وقام عليه حتى استحصد فالخارج بينهما علي الشرط استحسانا وكذلك لو
بذره رب الأرض ولم يسقه حتى سقاه المزارع وقام عليه حتى استحصد فالخارج بينهما على
الشرط ولو بذره رب الأرض وسقاه حتى نبت ثم قام عليه المزارع وسقاه فالخارج كله لرب
الأرض وهو ضمان لمثل ما أخذ من البذر والمزارع متطوع في عمله لأنه كان غاصبا لما
أخذ من البذر وقد استحكم ذلك بنباب الخارج على ملكه فكانت زراعته في هذه الأرض
وفى أرض له أخرى سواء فيكون الخارج كله له والمزارع متطوع لأنه عمل في زرع غيره
بغير أمره وإذا دفع إلى رجل نخلا له معاملة بالنصف فقام عليه العامل وسقاه وحفظه فلما
خرج طلعه أخذه صاحب النخل بغير أمر العامل وقام عليه وسقاه ولقحه حتى أدرك الخارج
فهو بينهما على ما اشترطا لان الشركة قد تأكدت بخروج الطلع فيكون رب النخل بعد
ذلك معينا للعامل في النخل بمنزلة أجنبي آخر بعينه ولا أجر لصاحب النخل في تلقيحه وعمله
لأنه متبرع فيه لم يأمره العامل به ولو كان العامل حين قبض النخل أخذه صاحبه بغير
أمره فسقاه وقام عليه حتى طلع طلعه ثم قبض منه العامل فلقحه وسقاه وقام عليه حتى صار تمرا
فجميع ما خرج لصاحب النخل ولا شئ للعامل منه لان الشركة إنما تنعقد بينهما بخروج
الطلع وحين خرج لم يكن وجد من العامل عمل فيه لا حقيقة ولا حكما فيكون الخارج كله
علي ملك صاحب النخل ثم لا يتغير ذلك بعمل العامل بل هو فيما عمل كأجنبي آخر ولو كان
صاحب النخل قبضه وسقاه وقام عليه فلم يخرج طلعه حتى قبضه العامل بغير أمر صاحبه فسقاه
وقام عليه حتى خرج طلعه ثم لقحه وقام عليه حتى صار تمرا فالخارج بينهما على الشرط لما بينا
ان الشركة إنما تنعقد عند حصول الطلع وقد وجد العمل من العامل عند ذلك على الوجه الذي
اقتضته المعاملة فيصير الخارج مشتركا بينهما كما في مسألة المزارعة بل أولى لان هناك رب
الأرض والبذر يملك فسخ العقد قصدا قبل القاء البذر في الأرض وهنا لا يملك ثم هناك
لا يجعل رب الأرض مستردا فيما أقام من العمل ويجعل الخارج بينهما على الشرط فهنا أولى وفى
جميع هذه المسائل لو كان رب الأرض والنخل فعل ما فعل بأمر العامل والمزارع كان الخارج
149

بينهما على الشرط لان المزارع استعان به في العمل وهو قصد اعانته لا إقامة العمل لنفسه
فتكون الاستعانة به بمنزلة الاستعانة بغيره ولو كان استأجر رب الأرض والبذر أو رب النخل
على ذلك باجر معلوم فالخارج بينهما على الشرط ولا أجر له على المزارع لأنه عمل فيما هو
شريك فيه ولو أمره أن يستأجر لذلك أجراء ففعل فالخارج بينهما على الشرط وأجر الاجراء
عليه ولو كانت المزارعة والمعاملة الأولى بالنصف ثم دفعها العامل إلى رب الأرض والنخل
ليعمل على أن له الثلثان من الخارج والثلث للعامل فالخارج بينهما نصفان على المزارعة الأولى
لان العامل استأجر رب الأرض والنخل للعمل بجزء من نصيبه ولو استأجره بدراهم لم
يستوجب الاجر فكذلك إذا استأجره بجزء من نصيبه ولا يجعل هذا حطا منه لبعض
نصيبه من الخارج لان هذا الحط في ضمن العقد الثاني لا مقصودا بنفسه وقد بطل العقد
الثاني فيبطل ما في ضمنه والله أعلم
(باب اشتراط بعض العمل على العامل)
(قال رحمه الله) وإذا دفع إلى رجل نخلا له معاملة على أن يلقحه فما خرج منه فهو بينهما
نصفان ولم يشترط صاحب النخل على العامل من السقي والحفظ والعمل شيئا غير التلقيح
نظرت فيه فإن كان النخل يحتاج إلى الحفظ والسقي فالمعاملة فاسدة لان العمل إنما يستحق
على العامل بالشرط ولا يستق عليه الا المشروط وذا كان الثمن لا يحصل بالعمل المشروط
عليه فما سواه من الاعمال يكون على رب النخل ولو شرط عليه ذلك فسد العقد لان موجب
المعاملة التخلية بين العامل وبين النخيل فاشتراط بعض العمل على رب النخل بعدم التخلية
يفسد به النقد فكذلك استحقاق ذلك عليه وإنما قلنا إن ذلك استحق عليه لان المقصود هو
على الشركة في الخارج فلا بد من إقامة العمل الذي به يحصل الخارج ولا يمكن ايجاب
ذلك على العامل من غير شرط فيكون على رب النخل ذلك ليتمكن من تسليم نصيب العامل
من الخارج إليه كما شرطه له فان لقحه العامل فله أجر مثله فيما عمل وقيمة ما لقحه به لأنه
صرف عين ماله ومنافعه إلى اصلاح ملك الغير بعقد فاسد فيستحق عليه أجر مثله بإزاء منافعه
وقيمة ما لقحه به بإزاء العين الذي صرفه إلى ملك الغير فان ابتغى العوض عن جميع ذلك ولم
ينل حين كان الخارج كله لصاحب النخل فكان له أجر مثله وقيمة ما لقحه به وإن كان
150

لا يحتاج إلى حفظ ولا إلى سقي ولا عمل غير التلقيح فالمعاملة جائزة لان العمل الذي يحصل
به الخارج مستحق على العامل بالشرط وما وراء ذلك غير محتاج إليه فلا يكون مستحقا على
رب النخل ما لا يحتاج إليه فذكره والسكوت عنه سواء وإن كان لا يحتاج إلي سقى ولكن
لو سقى كان أجود لثمرته الا ان تركه لا يضره فالمعاملة جائزة لان المستحق بعقد المعاوضة
صفة السلامة في العوض فأما صفة الجودة لا تستحق بمطلق العقد فلا يكون على رب النخل
شئ من العمل هنا وإن كان ترك السقي يضره ويفسد بعضه إلا أنه لا يفسد كله فالمعاملة
فاسدة لان بمطلق المعاوضة يستحق صفة السلامة عن العيب وذلك لا يحصل بالعمل المشروط
على العامل فلا بد من القول باستحقاق بعض العمل على رب النخل وهو ما يحصل به صفة
السلامة وذلك مفسد للعقد وإن كان ترك اشتراط التلقيح عليه وقد اشترط ما سواه لم يجز
لان ترك التلقيح يضره على ما بينا أن النخيل إذا لم يلقح أحشفت التمر فقد بقي بعض العمل
على صاحب النخل وهو ما يحصل به صفة السلامة وكذلك كل عمل لا يصلح النخل الا به ولم
يشترطه على العامل ولو كان النخل نخلا لا يحتاج إلى التلقيح وكان بحيث يحصل ثمره بغير
تلقيح إلا أن التلقيح أجود له فالمعاملة جائزة لان بمطلق العقد يستحق صفة السلامة لا صفة
الجودة ولو دفع إليه النخل ملقحا واشترط عليه الحفظ والسقي جاز لان التخلية بين النخل
والعامل إنما تشترط بعد العقد وقد وجد بخلاف ما إذا دفع إليه غير ملقح واشترط التلقيح
على رب النخل فان ذلك لا يجوز لان التخلية تنعدم عقيب العقد وما يلقحه صاحب النخل
والمعاملة يلزم بنفسها من الجانبين فاشتراط ما يفوت موجبه يفسد العقد وفى الأول التلقيح
من رب النخل كان قبل العقد فما هو موجب العقد وهو التخلية بين العامل والنخل عقيب
العقد موجود وان اشترطا أن يلقحه صاحبه ثم يحفظه العامل ويسقيه لم يجز لأن العقد انعقد
بينهما في الحال فالشرط مفوت موجب العقد وإن كان مضافا إلى ما بعد فراغ صاحب النخل
من التلقيح فذلك مجهول لا يدرى يعجله صاحب النخل أو يؤخره والجهالة في ابتداء مدة
المعاملة مفسدة للمعاملة إلا أن يشترط أن يلقحه في هذا الشهر صاحب النخل على أن يحفظه
العامل ويسقيه من غرة الشهر الداخل فيجوز لان ابتداء مدة المعاملة هنا في غرة الشهر الداخل
وهو معلوم والمعاملة عقد إجارة فتجوز اضافتها إلى وقت في المستقبل ولو دفعه إليه واشترط
التلقيح والسقي على العامل والحفظ على رب النخل لم يجز لان هذا الشرط يعدم التخلية في
151

جميع مدة المعاملة فالحفظ محتاج إليها لآن لدرك الثمار إلا أن يكون في موضع لا يحتاج إلى
الحفظ فتجوز المعاملة والشرط باطل لأنه إنما يعتبر من الشروط ما يكون مفيدا فأما ما لا يفيد
فالذكر والسكوت عنه سواء ولو اشترط التلقيح والحفظ على العامل والسقي على رب النخل
لم يجز أيضا لان هذا الشرط يعدم التخلية فإن كان قد يصلح بغير سقى الا ان السقي أفضل له
لم يجز أيضا لان صفة الجودة تستحق بالشرط فإذا كانت هذه تحصل بما شرط على رب النخل لم
يكن بد من اعتباره وإن كان السقي لا يزيد فيه شيئا ولا يضره تركه فالمعاملة جائزة والشرط
باطل لأنه ليس في هذا الشرط فائدة فذكره والسكوت عنه سواء ولو دفع إلى رجل أرضا
وبذرا على أن يزرعها هذه السنة فما خرج منه فهو بينهما نصفان ولم يشترط عليه سقيا ولا حفظا
فإن كانت أرضا يسقيها السماء لا يحتاج فيها إلى سقى ولا حفظ مثل أرض الجزيرة ونحوها
فالمزارعة جائزة على شرطهما لان ما يحصل به الخارج قد شرط على المزارع وما سواه من
العمل غير محتاج إليه فلا يكون مستحقا على واحد وإن كان لا يستغنى عن الحفظ والسقي
فالمزارعة فاسدة لأنه لا يستحق على العامل الا العمل المشروط فما وراء ذلك مما يحصل به
الخارج يكون على رب الأرض فكأنه شرط ذلك عليه وهو مفسد للعقد لانعدام التخلية
وإن كان الزرع لا يحتاج إلى سقي ولكنه لو سقى كان أجود له فهو جائز على شرطهما لان
بمطلق العقد يستحق صفة السلامة لا نهاية الجودة بخلاف ما إذا شرط ذلك على رب الأرض
في هذه الصورة لان صفة الجودة تستحق بالشرط وإن كان إذا ترك السقي هلك بعضه
وخرج بعضه حيا عامرا عطشانا فالمزارعة فاسدة لان بمطلق العقد يستحق صفة السلامة
وذلك لا يكون الا بما لم يشترط على العامل فيكون ذلك مستحقا على رب الأرض ولو اشترط
جميع العمل على العامل لا الحفظ فإنه اشترطه على رب الأرض فالمزارعة فاسدة لان بهذا
الشرط تنعدم التخلية وكذلك لو اشترط السقي على رب الأرض ولو اشترط على رب
الأرض أن يبذره كان هذا فاسدا لأن العقد ينعقد بينهما في الحال فالتخلية تنعدم إلى أن يفرع
رب الأرض من البذر فإن كان اشترط على رب الأرض السقي والسقي لو ترك لم يضره
ولكنه أجود للزرع ان سقى فالمزارعة فاسدة لان صفة الجودة تستحق بالشرط وإن كان السقي
لا يزيده خيرا فالمزارعة جائزة والشرط باطل لأنه غير مفيد وإن كان المطر ربما قل فزاد الزرع
وربما كثر فلم يزده السقي خيرا لم تجز المزارعة لان هذا الشرط معتبر مقيد من وجه والأصل في
152

الشرائط في العقد انه يجب اعتبارها الا عند التيقن بخلوها عن الفائدة ويبقى هنا موجب
اعتبار الشرط وباعتباره يفسد العقد لانعدام التخلية وإذا بذر الرجل فلم ينبت شئ حتى دفعها
إلى رجل على أن يسقيه ويحفظه فما خرج منه فهو بينهما نصفان فهو جائز لوجود التخلية بين
الأرض والمزارع عقيب العقد ولو دفعها إليه قبل أن يبذرها على أن يبذرها رب الأرض
ويسقيها المزارع ويحفظها فهذا فاسد لأن العقد انعقد بينهما في الحال والتخلية تنعدم إلى أن
يبذرها رب الأرض وإن كان رب الأرض اشترط له أن يبذر على أن يحفظ الزرع بعد ذلك
ويسقيه لم يجز أيضا لما بينا انهما أضافا العقد إلى وقت فراغ رب الأرض من البذر وذلك غير
معلوم فقد يعجل رب الأرض البذر وقد يؤخر ذلك وجهالة مدة المزارعة تفسد العقد إلا أن
يشترط أن يزرع في هذا الشهر على أن يحفظه العامل ويسقيه من غرة الشهر الداخل فيجوز
حينئذ لأنهما أضافا العقد إلى وقت معلوم فإنما ينعقد العقد بعد مجئ ذلك الوقت والتخلية
توجد عقيب انعقاد العقد ولو أن البذر من المزارع على أن الذي يلي طرح البذر في الأرض
رب الأرض واشترطا لذلك وقتا يكون السقي والحفظ بعده أو لم يشترطا فالمزارعة فاسدة
لان رب الأرض مؤاجر لأرضه والعقد يلزم من جانبه بنفسه فيلزمه تسليم الأرض فإذا
شرط عليه طرح البذر في الأرض فهذا شرط يعدم التخلية بخلاف الأول فهناك إنما يلزم العقد
من جهة صاحب البذر بعد القاء البذر في الأرض فيكون إضافة المزارعة إلى وقت معلوم ولكن
يدخل على هذا الحرف المعاملة فإنها تلزم بنفسها وقد بينا ان الجواب فيها وفي المزارعة إذا
كان البذر من قبل رب الأرض سواء فالوجه أن يقول اشتراط طرح البذر على رب
الأرض بمنزلة اشتراط البقر عليه إذا كان البذر من قبله غير مفسد للعقد وإذا كان البذر من
العامل مفسدا للعقد فكذلك إذا اشترطا طرح البذر في الأرض عليه وكذلك لو اشترط
الحفظ والسقي على رب الأرض فهذا شرط يعدم التخلية ولو لم يشترط الحفظ والسقي على
واحد منهما ودفعها إليه على أن يزرعها بالنصف جاز وكان السقي والحفظ على المزارع لان
رب الأرض إنما أجر أرضه وليس عليه من العمل قليل ولا كثير وإنما العمل الذي يحصل
به الخارج على المزارع فالسكوت عنه بمنزلة الاشتراط على المزارع وذلك غير مفسد للعقد
وإذا دفع إلى رجل أرضا على أن يزرعها ببذره وعمله بالنصف فزرعها فلما صار الزرع بقلا باع
رب الأرض الأرض بما فيها من الزرع أو لم يسم زرعها فالبيع موقوف لان المزارع مستأجر
153

للأرض ومع المؤاجر العين المستأجرة في مدة الإجارة تتوقف على إجارة المستأجر لان في
نفوذ العقد ضرر عليه لان المؤاجر لا يقدر على التسليم الا بإجارة المستأجر فيتوقف البيع
على اجارته كالراهن إذا باع المرهون فان أجازه المزارع جاز لان اجازته في الانتهاء كالاذن
في الابتداء والمانع من نفوذ العقد حقه وقد زال بإجازته ثم للشفيع أن يأخذ الأرض بما
فيها من الزرع أو يدع إذا كان باعها بزرعها لان الزرع تبع الأرض ما دام متصلا بها فيثبت
للشفيع حق الشفعة فيه ولو أراد أخذ الأرض دون الزرع أو الزرع دون الأرض أو أخذ
الأرض وحصة رب الأرض من الزرع دون حصة المزارع لم يكن له ذلك لأنه تمكن من
أخذ الكل فليس له أن يأخذ البعض لما فيه من تفريق الصفقة علي المشترى ثم يقسم الثمن
على قيمة الأرض والزرع فحصة الأرض لرب الأرض وحصة الزرع بينهما نصفان لان
الملك في الزرع بينهما نصفان وكذلك لو كان البذر من رب الأرض لان بعد القاء البذر في
الأرض العقد لازم من جهته فلا ينفذ بيعه الا بإجازة المزارع وإن لم يجزه حتى استحصد
الزرع ومضت السنة وقد باعها مع الزرع فللمشتري أن يأخذ الأرض ونصف الزرع بحصته
من الثمن إذا قسم على قيمة الأرض وقيمة الزرع يوم وقع البيع لان المزارعة قد انتهت
باستحصاد الزرع فزال المانع من التسليم فيتم العقد فيما هو ملك البائع ألا ترى أنه لو كان
ابتداء البيع منه بعد استحصاد الزرع كان جائزا في الأرض وحصته من الزرع فهذا مثله
وهو بمنزلة ما لو باع الراهن المرهون ثم افتكه الراهن قبل أن يفسخ البيع ثم للشفيع أن
يأخذ ما تم فيه العقد وهو الأرض وحصة رب الأرض من الزرع ما لم يحصد وليس له أن
يأخذ بعض ذلك دون بعض والجواب في المعاملة قياس الجواب في المزارعة في جميع
ما ذكرنا أن البيع قبل الادراك لا يجوز الا بإجازة العامل وبعد الادراك يجوز في حصة رب
النخل في التمر مع النخل وفى حصة العامل لا يجوز الا بإجازته فان جد النخل وحصد الزرع
في هذه المسائل قبل أن يأخذ الشفيع ذلك لم يكن للشفيع على الزرع ولا على التمر سبيل
لزوال الاتصال ولكنه يأخذ الأرض والنخل بحصتهما من الثمن ولو لم يذكر البائع التمر
والزرع في البيع لم يدخل شئ من ذلك فيه سواء ذكر في البيع كل حق هو لها أو مرافقها
أولم يذكر الا في رواية عن أبي يوسف رحمه الله فإنه يقول بذكر الحقوق والمرافق يدخل
التمر والزرع وان قال بكل قليل أو كثير هو فيها أو منها دخل الزرع والتمر إلا أن يكون
154

قال من حقوقها وقد بينا هذا في كتاب الشفعة ولو اختصم البائع والمشترى في ذلك قبل
أن يستحصد الزرع وتكمل السنة وأراد أحدهما نقض البيع وقد أبى المزارع أن يجيز البيع
فالامر في نقض البيع إلى المشترى لان البائع عاجز عن التسليم إليه لما أبى المزارع الإجازة
وفيه ضرر على المشترى فيكون له أن يفسخ البيع إلا أن يسلم له البائع ما باعه وإن كان
البائع هو الذي أراد نقض البيع فليس له ذلك لان البيع نافذ من جهته لمصادفته ملكه
ولا ضرر عليه في ابقائه فليس له أن ينقضه وهكذا في المرهون إذا أبى المرتهن أن يسلم
فان أراد المشترى فسخ العقد فله ذلك وان أراد البائع ذلك ليس له ذلك إذا أبى المشترى
ولم يذكر أن المزارع أو المرتهن إذا أراد نقض البيع هل له ذلك أم لا والصحيح انه
ليس له ذلك لأنه لا ضرر عليه في بقاء العقد بينهما إنما الضرر عليه في الاخراج من يده وله
أن يستديم اليد إلى أن تنتهي المدة وذلك لا ينافي بقاء العقد فلهذا لا يكون لواحد منهما
فسخ العقد فإن لم يرد واحد منهما نقض البيع وحضر الشفيع فأراد أخذ ذلك بالشفعة فله
ذلك لان وجوب الشفعة يعتمد لزوم العقد وتمامه من جهة البائع وقد وجد ذلك ثم يكون
هو بمنزلة المشترى ان سلم له المبيع والا نقضه فان قال البائع والمشترى لا يسلم لك البيع حتى
يسلم للمشترى لم يكن لهما ذلك لان حق الشفيع سابق على ملك المشتري شرعا ولكن
الامر فيه إلى الشفيع وهو بمنزلة المشترى في جميع ذلك حين قدمه الشرع عليه بعد ما طلب
الشفعة وان علم الشفيع بهذا الشراء فلم يطلبه بطلت شفعته وان سلم الشراء بعد ذلك
للمشترى فأراد الشفيع أن يطلب الشفعة فليس له ذلك لان سبب وجوب حقه قد تقرر
فتركه الطلب بعد تقرر السبب يبطل شفعته وإن لم يكن متمكنا من أخذه وان طلب الشفعة
حين علم فقال له البائع هات الثمن وخذها بالشفعة وإلا فلا شفعة لك فان سلم البائع الأرض
للشفيع فعليه أن يعطيه الثمن وإن لم يسلم الأرض فللشفيع أن يمنع الثمن حتى يعطيه الأرض
لأنه قام مقام المشترى في ذلك ولاحق للبائع في استيفاء الثمن ما لم يتمكن من تسليم المعقود
عليه ولا يبطل ذلك شفعته لأنه قد طلبها حين علم وكذلك لو كان البذر من رب الأرض
وكذلك هذا في معاملة النخيل في جميع ما ذكرنا والله أعلم
(باب موت المزارع ولا يدرى ما صنع في الزرع واختلافهما في البذر والشرط)
(قال رحمه الله) وإذا مات المزارع بعد ما استحصد الزرع ولم يوجد في الأرض زرع
155

ولا يدرى ما فعل فضمان حصة رب الأرض في مال المزارع من أيهما كان البذر لان بصيب
رب الأرض كان أمانة في يد المزارع فإذا مات مجهلا له كان دينا في تركته كالوديعة يصير
دينا بموت المودع في تركته إذا كان لا يعلم ما صنع بها وكذلك إذا مات العامل بعد ما طلع
التمر فبلغ أو لم يبلغ فلم يوجد في النخيل شئ لان نصيب رب النخل كان أمانة في يد العامل
وإذا مات رب الأرض أو المزارع أو ماتا جميعا فاختلف ورثتهما أو اختلف الحي منهما مع
ورثة الميت في شرط الأنصباء فالقول قول صاحب البذر أو ورثته مع اليمين لان الاجر
يستحق عليه بالشرط فإذا ادعى عليه زيادة في والمشروط أنكره هو كان القول قوله مع يمينه
إن كان حيا وإن كان ميتا فورثته يخلفونه فالقول قولهم مع ايمانهم بالله على علمهم والبينة بينة
الآجر لأنه يثبت الزيادة ببينته فان اختلفوا في صاحب البذر أيضا كان القول قول المزارع
مع يمينه على الثباب إن كان حيا وإن كان ميتا فالقول قول ورثته مع ايمانهم على العلم لان الخارج
في يد المزارع أو في يد ورثته فالقول قول ذي اليد عند عدم البينة والبينة بينة رب الأرض
لأنه خارج محتاج إلى الاثبات بالبينة ولو كانا حيين فاختلفا فأقام صاحب الأرض البينة انه
صاحب البذر وانه شرط للمزارع الثلث وأقام المزارع البينة انه صاحب البذر وانه شرط
لرب الأرض الثلث فالبينة بينة رب الأرض لأنه هو الخارج المحتاج إلى الاثبات بالبينة وان
علم أن البذر من قبل رب الأرض وأقاما البينة على الثلث والثلثين فالبينة بينة المزارع لأنه يثبت
الزيادة ببينته وإذا مرض رجل وفى يده أرض لرجل قد أخذها مزارعة وعليه دين في الصحة
والبذر من قبله فأقرانه شرط لصاحب الأرض الثلثين ثم مات وأنكر ذلك الغرماء فإن كان
أقر بعد ما استحصد الزرع بدئ بدين الغرماء لان هذا بمنزلة الاقرار بالعين والمريض إذا أقر
بدين أو عين لم يصدق في حق غرماء الصحة فيبدأ بدينهم فيقضى فان بقي شئ كان لصاحب
الأرض مقدار أجر مثلها من الثلثين الذي أقر له به ولان في مقدار أجر المثل أقر بسبب
موجب للاستحقاق وهو يملك مباشرة ذلك السبب في حق ورثته فيصح اقراره بذلك القدر
من جميع ماله فان بقي من الثلثين بعد ذلك شئ كان له من الثلث لان الزيادة على مقدار أجر
المثل محاباة منه والمريض لو أنشأ المحاباة في مرض موته اعتبرت من ثلثه فكذلك إذا أقر به وإن كان
أقر بذلك حين طلع الزرع وفى ثلثي الزرع فضل عن أجر المثل يوم أقر بذلك فلم يثبت
حتى استحصد الزرع ثم مات فان صاحب الأرض يضرب مع غرماء الصحة بمقدار أجر مثل
156

الأرض من الثلثين فيتحاصون في ذلك لأنه أقر بما يملك انشاءه فان ابتداء عقد المزارعة
قبل ادراك الزرع صحيح فتنفى التهمة على اقراره في مقدار أجر المثل ويجعل كما لو
أنشأ العقد ابتداء فتثبت المزاحمة بين غرماء الصحة وبين صاحب الأرض في ذلك بخلاف
الأول فان بعد استحصاد الزرع لا يجوز ابتداء عقد المزارعة بينهما فيتمكن في اقراره تهمة في
حق غرماء الصحة وإن كان الدين عليه باقراره في المرض ففي الفصل الأول يتحاصون في
ذلك لأنه أقر بدين ثم تعين وقد جمع بين الاقرارين حالة المرض فكأنهما وجدا معا وفى
الفصل الثاني بدئ باجر المثل لأنه لا تهمة في اقراره حال يتمكن من انشاء العقد ولهذا
كان مزاحما لغرماء الصحة ومن يزاحم غرماء الصحة يكون مقدما على المقر له في المرض
ولو كان البذر من قبل رب الأرض كان المريض مصدقا فيما أقر له به لان القول قول رب
البذر هنا في مقدار ما شرط له ولو أن المريض أقر انه كان معينا له كان القول قوله في ذلك
فإذا أقر انه كان مزارعة بجزء يسير أولى أن يقبل قوله في ذلك وإن كان عليه دين الصحة
لان اقراره هنا تصرف منه في منافعه ولا حق للغرماء والورثة في ذلك ولو كان المريض
رب الأرض وعليه دين الصحة فأقر في مرضه بعد ما استحصد الزرع انه شرط للمزارع
الثلثين ثم مات بدئ بدين الصحة لان هذا اقرار منه بالعين في مرضه فان بقي شئ كان
للمزارع مقدار أجر مثله من ثلثي الزرع لان اقراره بذلك القدر صحيح في حق الورثة فإنه
يقر بالعين بسبب لا محاباة فيه ولو أقر بالدين بعد اقراره في حق الورثة ثم الباقي من الثلثين
وصية له من الثلث لان الباقي محاباة فيكون وصية تعتبر من الثلث أقر بها أو أنشأها وإن كان
أقر بذلك حين زرع المزارع وفى ثلثي الزرع يومئذ فضل عن أجر مثله ثم مات بعد ما استحصد
الزرع يحاص المزارع غرماء الصحة بمقدار أجر مثله من ثلثي ما أخرجت الأرض بمنزلة ما لو
أنشأ العقد لان وجوب هذا القدر بسبب لا تهمة فيه ثم الباقي وصية له وإن كان الدين على
المريض باقراره في مرضه ففي الوجه الأول يتحاصون وفى الوجه الثاني بدئ باجر مثل
المزارع وحال رب الأرض في هذه المسألة كحال المزارع في المسألة الأولى وكذلك الحكم
في المعاملة إذا مرض صاحب النخل وأقر بشئ من ذلك فهو نظير الفصل الأول فيما ذكرنا
من التخريج وإن كان المريض هو العامل فقال شرط لي صاحب النخل السدس فالقول قوله
إذا صدقه صاحب النخل لان الذي من جهته مجرد العمل ولو قال كنت معينا له كان القول
157

قوله فهنا أولى ولا يقبل بينة غرماء العامل وورثته على دعوى الزيادة لأنه مكذب لهم في
ذلك والشهود إنما يثبتون الحق له فبعد ما أكذبهم لا تقبل شهادتهم له والورثة يقومون
مقامه ولو ادعى هو ذلك قبل موته وأقام البينة لا تقبل بينته فكذلك غرماؤه وورثته بعد
موته ولا يمين على رب النخل أيضا لان اليمين ينبنى على دعوى صحيحة وإن كان المريض
صاحب النخل والعامل أحد ورثته فأقر له بشرط النصف بعد ما بلغ التمر فاقراره باطل لأنه
أقر بالعين له واقرار المريض لوارثه بالعين باطل وإن كان أقر حين بدأ بالعمل وطلع الكفري
ثم مات بعد ما بلغ التمر أخذ العامل مقدار أجر مثله من نصف التمر لان اقراره هنا بمنزلة
انشاء العقد فلا تتمكن فيه التهمة بقدر أجر المثل ويحاص أصحاب دين الصحة به ويبدأ به قبل
الدين الذي أقر به في مرضه ولا حق له في الزيادة على ذلك لان الزيادة على ذلك وصية
للوارث ولا وصية لوارث وان أراد الوارث العامل أن يستحلف بقية الورثة على ما بقي له مما
أقر له به المريض بعد ما أخذ أجر مثله فان اقرار المعاملة كان في المرض فلا يمين عليهم لأنهم
لو أقروا بما أدعى لم يلزمهم شئ وان ادعى انها كانت في الصحة وانه أقر له بها في المرض
استحلفوا على عملهم لأنهم لو أقروا بما ادعي لزمهم فان أنكروا استحلفوا على عملهم لرجاء
نكولهم وإن كان المريض هو العامل ورب النخل من ورثته صدق فيما أقر به من قلة نصيبه
كما لو زعم أنه كان معينا له وهذا لان تصرفه في منافعه وللمريض أن يتبرع بمنافعه على وارثه
الا ان بينة غرمائه وورثته على الزيادة مقبولة في هذا الوجه ولهم أن يستحلفوه إن لم يكن
لهم بينة لان اقرار المريض فيما يكون فيه منفعة للورثة باطل ولو لم يقر بذلك كانت البينة منهم على
دعوى الزيادة مقبولة ويستحلف الخصم إذا أنكر فكذلك إذا طلب اقراره بما أقر به والله أعلم
(باب المزارعة والمعاملة في الرهن)
(قال رحمه الله) رجل رهن عند رجل أرضا ونخلا بدين عليه له فلما قبضه المرتهن
قال له الراهن احفظه واسقه ولقحه على أن الخارج بيننا نصفان ففعل ذلك فالخارج والأرض
والنخيل كله رهن والمعاملة فاسدة لان حفظ المرهون مستحق على المرتهن فلا يجوز أن
يستوجب شيئا بمقابلته على الراهن (ألا تري) انه لو استأجر على الحفظ لم يجز الاستئجار
فكان هذا بمنزلة ما لو شرط عليه ما سوى الحفظ من الاعمال فتكون المعاملة فاسدة والخارج
158

كله لرب النخل الا انه مرهون لأنه تولد من عين رهن وللمرتهن أجر مثله في التلقيح
والسقي دون الحفظ لان الحفظ مستحق عليه بحكم الرهن فأما التلقيح والسقي فقد أوفاه بعقد
فاسد ولا يقال ينبغي أن يبطل عقد الرهن يعقد المعاملة لان المرهون هو النخل والأرض وعقد
المعاملة يتناول منفعة العامل والعقد في محل لا يرفع عقدا آخر في محل آخر وكذلك لو كان
الرهن أرضا مزروعة وقد صار الزرع فيها بقلا ولو كان الرهن أرضا بيضاء فزارعه الراهن
عليها بالنصف والبذر من المرتهن جاز والخارج على الشرط لان صاحب البذر مستأجر للأرض
والمرتهن إذا استأجر المرهون من الراهن يبطل عقد الرهن لان الإجارة ألزم من الرهن
وقد طرأ العقدان في محل واحد فكان الثاني رافعا للأول فلهذا كان الخارج على الشرط
وليس للمرتهن أن يعيدها رهنا وان مات الراهن وعليه دين لم يكن المرتهن أحق بها من
غرمائه لبطلان عقد الرهن وإن كان البذر من الراهن كانت المزارعة جائزة وللمرتهن أن يعيد
الأرض في الرهن بعد الفراغ من الزرع لأن العقد هنا يرد على عمل المزارع فلا يبطل به عقد
الرهن إلا أن المرتهن صار كالمعير للأرض من رب الأرض (ألا ترى) انه لو دفعها إلى غيره
مزارعة برضا المرتهن والبذر من قبل الراهن كان المرتهن كالمعير للأرض لأنه رضى بان ينتفع
هو بالأرض وذلك بإعارة فيخرج به من ضمان الرهن ولكن لا يبطل به عقد الرهن لان
الإعارة أضعف من الرهن فيكون له أن يعيد الأرض في الرهن وإن كان الرهن أرضا بيضاء
وفيها محل فأمره الراهن بان يزرع الأرض ببذره وعمله بالنصف ويقوم على النخل ويسقيه
ويلقحه ويحفظه بالنصف أيضا ففعل ذلك كله فقد خرجت الأرض من الرهن وليس للمرتهن
أن يعيدها فيه والخارج بينهما على الشرط لان المرتهن صار مستأجرا للأرض وأما النخل والتمر
فلا تصح المعاملة فيها لأن العقد في النخل يرد على منفعة العامل فلا يبطل به عقد الرهن
وببقاء عقد الرهن الحفظ مستحق عليه ثم النخل والتمر لا يفتكهما الا بأداء جميع الدين وان
هلك النخل والتمر هلك بحصة قيمة النخل من الدين مع قيمة الأرض لأنه صار مضمونا
بذلك القدر حين رهنه والتمر الذي هلك صار كأن لم يكن وللعامل أجر مثل عمله في النخل
لا في الحفظ وكذلك أن كان البذر من رب الأرض الا ان الأرض تعود رهنا هنا إذا انقضت
المزارعة لان المرتهن هنا في معنى المعير لها من الراهن فان مات الراهن كان المرتهن أحق بها
من غرمائه سواء مات بعد ما أنقضت المزارعة أو قبلها لبقاء عقد الرهن واختصاص المرتهن
159

بالمرهون بحكم عقد الرهن وان نقصها الزرع شيئا ذهب من مال الراهن لما بينا انه من ضمان
الرهن حين كان المرتهن معيرا من الراهن والله أعلم
(باب الشروط الفاسدة التي تبطل وتجوز المزارعة)
(قال رحمه الله) وإذا شرط المزارع على رب الأرض مع حصته من الزرع دراهم
معلومة أو شيئا من العمل فسدت المزارعة لان باشتراط شئ من العمل عليه تنعدم التخلية
وباشتراط الدراهم علية يجتمع الإجارة مع الشركة في الخارج وذلك مفسد للمزارعة فان قال
أبطل الشرط لتجوز المزارعة لم يجز ولم يبطل بابطاله لان هذا شرط تمكن فيها هو من صلب
العقد ومن موجباته فباسقاطه لا ينقلب العقد صحيحا كاشتراط الخمر مع الألف في ثمن المبيع
وكذلك لو اشترط أحدهما على صاحبه الحصاد أو الدياس أو التنقية وقد بينا فساد العقد في
هذا الشرط وما فيه من اختلاف الروايات ثم هذا الشرط من صلب العقد فلا ينقلب العقد
صحيحا إذا أسقطه من شرط له ولو اشترطا لأحدهما خيارا معلوما في المزارعة جاز على
ما اشترطا لان عقد المزارعة يتعلق به اللزوم فيجوز اشتراط الخيار فيه مدة معلومة كالبيع
والإجارة وإن كان خيارا غير مؤقت أو إلى وقت مجهول فالمزارعة فاسدة فان أبطل صاحب
الخيار خياره وأجاز المزارعة جازت كما في البيع والإجارة وهذا لان هذا الشرط زائد على
ما تم به العقد فهو غير متمكن فيما هو موجب العقد والمعاملة قياس المزارعة في ذلك وان
اشترط أحدهما على صاحبه ان ما صار له لم يبعه ولم يهبه فالمزارعة جائزة والشرط باطل لأنه
لا منفعة فيه لواحد منهما والشرط الذي لا منفعة فيه ليس له مطالب فيلغوا ويبقي العقد صحيحا
وذكر في بعض نسخ الأصل ان على قول أبى يوسف الآخر تبطل المزارعة بهذا الشرط لان
فيه ضررا على أحدهما والشرط الذي فيه الضرر كالشرط الذي فيه المنفعة لأحدهما فكما أن
ذلك مفسد للعقد فكذا هذا قال لو شرط عليه أن يبيع نصيبه فيه بمائة درهم فسدت المزارعة
لان في هذا الشرط منفعة ولكن الفرق بينهما بما ذكرنا أن الشرط الذي فيه منفعة يطالب
به المنتفع والشرط الذي فيه الضرر لا تتوجه المطالبة من أحد فان أبطل صاحب الشرط شرطه
في الفصل الثاني لم تجز المزارعة أيضا لان في البيع منفعة لكل واحد منهما فلا يبطل الشرط
بابطال أحدهما إلا أن يجتمعا على ابطاله فحينئذ يجوز العقد وإن كان اشترط عليه أن يهب له
160

نصيبه فسدت المزارعة للمنفعة في هذا الشرط لأحدهما فان أبطله صاحبه جازت المزارعة
لان المنفعة في هذا الشرط للموهوب له خاصة فتسقط باسقاطه وهو شرط وراء ما تم به
العقد فإذا سقط صار كأن لم يكن فبقي العقد صحيحا والله أعلم
(كتاب الشرب)
قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل
السرخسي رحمه الله إملاء * اعلم بان الشرب هو النصيب من الماء للأراضي كانت أو لغيرها
قال الله تعالى لها شرب ولكن شرب يوم معلوم وقال تعالى ونبئهم ان الماء قسمة بينهم كل شرب
محتضر وقسمة الماء بين الشركاء جائزة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يفعلون
ذلك فأقرهم عليه والناس تعاملوه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من
غير نكير منكر وهو قسمة تجرى باعتبار الحق دون الملك إذا الماء في النهر غير مملوك لاحد
والقسمة تجرى تارة باعتبار الملك كقسمة الميراث والمشترى وتارة باعتبار الحق كقسمة الغنيمة
بين الغانمين ثم بدأ الكتاب بحديث رواه عن الحسن البصري رحمه الله ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال من حفر بئرا فلهم ما حوله أربعين ذراعا عطنا لما شقه والمراد الحفر في الموات
من الأرض عند أبي حنيفة رحمه الله باذن الامام وعندهما لا يشترط اذن الامام على ما نبينه
وظاهر الحديث يشهد لهما لان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الحفر فقط ومثل هذا في لسان
صاحب الشرع لبيان السبب لقوله عليه الصلاة والسلام من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر
ولكن أبو الحسن رحمه الله يقول اتفقنا على أن الاستحقاق لا يثبت بنفس الحفر ما لم يكن ذلك
في الموات من الأرض وهذا اللفظ لا يمكن العمل بظاهره الا بزيادة لا يدل اللفظ عليها فلا
يقوى الاستدلال بها ثم فيه دليل على أن البئر لها حريم مستحق من قبل أن حافر البئر
لا يتمكن من الانتفاع ببئره الا بما حوله فإنه يحتاج أن يقف على شفير البئر يسقى الماء والى
أن يبنى على شفير البئر ما يركب عليه البكرة والى أن ينبنى حوضا يجمع فيه الماء والى موضع
تقف فيه مواشيه عند الشرب وربما يحتاج أيضا إلى موضع تنام فيه مواشيه بعد الشرب
فاستحق الحريم لذلك وقدر الشرع ذلك بأربعين ذراعا وطريق معرفة المقادير النص دون
الرأي إلا أن من العلماء رحمهم الله من يقول أربعين ذراعا من الجوانب الأربعة من كل جانب
161

عشرة أذرع لان ظاهر اللفظ يجمع الجوانب الأربع والأصح ان المراد التقدير بأربعين ذراعا
من كل جانب لان المقصود دفع الضرر عن صاحب البئر الأول لكيلا يحفر أحد في حريمه بئرا
أخرى فيتحول إليها ما ببئره وهذا الضرر ربما لا يندفع بعشرة أذرع من كل جانب فان
الأراضي تختلف بالصلابة والرخاوة وفى مقدار أربعين ذراعا من كل جانب يتيقن بدفع هذا
الضرر ويستوى في مقدار الحريم بئر العطن وبئر الناضح عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما
حريم بئر العطن أربعون ذراعا وحريم بئر الناضح سبعون ذراعا واستدلا بحديث الزهري
أن النبي عليه الصلاة والسلام قال حريم العين خمسمائة ذراع وحريم بئر العطن أربعون ذراعا
وحريم بئر الناضح ستون ذراعا ولان استحقاق الحريم باعتبار الحاجة وحاجة صاحب البئر
الناضح إلى الحريم أكثر لأنه يحتاج إلى موضع يسير فيه الناضح ليستقى فيه الماء من البئر بذلك
وفى بئر العطن إنما يستقى بيده فلا يحتاج إلى هذا الموضع واستحقاق الحريم بقدر الحاجة
(ألا ترى) أن صاحب العين يستحق من الحريم أكثر مما يستحق صاحب البئر لان ماء
العين يفيض على الأرض ويحتاج صاحبه إلى اتخاذ المزارع حول ذلك لينتفع بما يفيض من الماء
والى أن ينبنى غديرا يجتمع فيه الماء فاستحق لذلك زيادة الحريم واستدل أبو حنيفة رحمه
الله بالحديث الأول فإنه عليه الصلاة والسلام قال من حفر بئرا فله ما حولها أربعون ذراعا
وليس فيه فصل بين بئر العطن والناضح ومن أصله أن العام المتفق علي قبوله والعمل به
يترجح على الخاص المختلف في قبوله والعمل به ولهذا رجح قوله عليه الصلاة والسلام ما أخرجت
الأرض ففيه العشر على قوله عليه الصلاة والسلام ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وعلى قوله
عليه الصلاة والسلام ليس في الخضراوات صدقة ورجح أصحابنا رحمهم الله قوله عليه الصلاة
والسلام التمر بالتمر مثلا بمثل على خبر العرايا ولان استحقاق الحريم حكم ثبت بالنص بخلاف
القياس لان الاستحقاق باعتبار عمله وعمله في موضع البئر خاصة فكان ينبغي أن لا يستحق
شيئا من الحريم ولكنا تركنا القياس بالنص فبقدر ما أنفق عليه الآثار ثبت الاستحقاق وما
زاد على ذلك مما اختلف فيه الأثر لا يثبت استحقاقه بالشك هذا أصل أبي حنيفة رحمه الله
في مسائل الحريم ولهذا لم يجعل للنهر حريما وكذلك في غير هذا الموضع فإنه قال لا يستحق
الغازي لفرسه الا سهما واحدا لان استحقاقه ثبت بخلاف القياس بالنص فلا يثبت الا
القدر المتيقن به فأما حريم العين خمسمائة ذراع كما ورد به الحديث لان الآثار اتفقت عليه
162

ولكن عند بعضهم الخمسمائة في الجوانب الأربعة من كل جانب مائة وخمسة وعشرون
ذراعا والأصح أن له خمسمائة ذراع من كل جانب وقد ذكر أبو يوسف في الأمالي هذا
مفسرا في بئر الناضح قال يتقدر حريمه بستين ذراعا من كل جانب إلا أن يكون الرشا أطول
من ذلك فهذا دليل على أن المذهب التقدير من كل جانب بما سمى من الذرعان ثم الاستحقاق
من كل جانب في الموات من الأرض بما لا حق لاحد فيه أما فيما هو حق الغير فلا حتى
لو حفر انسان بئرا فجاء آخر وحفر على منتهى حد حريمه بئرا فإنه لا يستحق الحريم من
الجانب الذي هو حريم صاحب البئر الأول وإنما يستحقه من الجوانب الاخر فيما لا حق
فيه لان في ذلك الجانب الأول قد سبق إليه وقد ثبت استحقاقه كما قال عليه الصلاة والسلام
منا مباح من سبق فلا يكون لاحد أن يبطل عليه حقه ويشاركه فيه وعن ابن مسعود رضي الله عنه
قال أسفل النهر آمر على أهل أعلاه حتى يرووا وفيه دليل انه ليس لأهل الا على
أن يسكروا النهر ويحبسوا الماء عن أهل الأسفل لان حقهم جميعا ثابت فلا يكون لبعضهم
ان يمنع حق الباقين ويختص بذلك وفيه دليل على أنه إذا كان الماء في النهر بحيث لا يجرى
في أرض كل واحد منهم الا بالسكر فإنه يبدأ باهل الأسفل حتى يرووا ثم بعد ذلك لأهل
الأعلى أن يسكروا ليرتفع الماء إلى أراضيهم وهذا لان في السكر احداث شئ في وسط النهر
المشترك ولا يجوز ذلك مع حق جميع الشركاء وحق أهل الأسفل ثابت ما لم يرووا فكان لهم
أن يمنعوا أهل الأعلى من السكر ولهذا سماهم آمرا لان لهم أن يمنعوا أهل الأعلى من السكر
وعليهم طاعتهم في ذلك ومن تلزمك طاعته فهو أميرك بيانه في قوله عليه الصلاة والسلام
صاحب الدابة العطوف أمير على الراكب لأنه يأمرهم بانتظاره وعليهم طاعته بحق الصحبة
في السفر وفيه حكاية أبى يوسف رحمه الله حين ركب مع الخليفة يوما فتقدمه الخليفة لجوده
ابنه فناداه أيها القاضي الحق بي فقال أبو يوسف ان دابتك إذا حركت طارت وان دابتي إذا
حركت قطعت وإذا تركت وقفت فانتظرني فان النبي عليه الصلاة والسلام قال صاحب الدابة
العطوف أمير على الراكب فامر بان يحمل أبو يوسف رحمه الله عل جنبة له وقال احمل أباك
على هذا أهون من تأميرك على وعن محمد بن إسحاق يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال
إذا بلغ الوادي الكعبين لم يكن لأهل الا على أن يحبسوه عن الأسفل والمراد به الماء في
الوادي والوادي اسم لموضع في أسفل الجبل ينحدر الماء من كل جانب من الجبل فيجتمع
163

فيه ويجرى إلى الموضع الذي ينتفع به الناس فقوله إذا بلغ الوادي الكعبين ليس بتقدير لازم
بالكعبين بل الإشارة إلى كثرة الماء لان في موضع الوادي سعة فذا بلغ الماء فيه هذه المقدار
فهو كثير يتوصل كل واحد منهم إلى الانتفاع به بقدر حاجته عادة فإذا أراد أهل الأعلى
أن يحبسوه عن أهل الأسفل فإنما قصدوا بذلك الا ضررا باهل الأسفل فكانوا متعنتين في
ذلك لا منتفعين بالماء وإذا كان الماء دون ذلك فربما لا يفضل عن حاجة أهل الأعلى فهم
منتفعون بهذا الحبس والماء الذي ينحدر من الجبل إلى الوادي على أصل الإباحة فمن يسبق
إليه فهو أحق بالانتفاع به بمنزلة النزول في الموضع المباح كل من سبق إلى موضع فهو أحق
به ولكن ليس له أن يتعنت ويقصد الاضرار بالغير في منعه عما وراء موضع الحاجة فعند
قلة الماء بدئ أهل الأعلى أسبق إلى الماء فلهم ان يحبسوه عن أهل الأسفل به قضى رسول الله
صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام رضى الله في حادثة معروفة وعند كثرة الماء يتم انتفاع
صاحب الأعلى من غير حبس فليس له أن يتعنت بحبسه عن أهل الأسفل وعن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار وفى الروايات الناس
شركاء في ثلاث وهذا أعم من الأول ففيه اثبات الشركة للناس كافة المسلمين والكفار في
هذه الأشياء الثلاثة وهو كذلك وتفسير هذه الشركة في المياه التي تجرى في الأودية والأنهار
العظام كجيحون وسيحون وفرات ودجلة ونيل فان الانتفاع بها بمنزلة الانتفاع بالشمس
والهواء ويستوى في ذلك المسلمون وغيرهم وليس لاحد أن يمنع أحدا من ذلك وهو بمنزلة
الانتفاع بالطرق العامة من حيث التطرق فيها ومرادهم من لفظة الشركة بين الناس بيان أصل
الإباحة والمساواة بين الناس في الانتفاع لا انه مملوك لهم فالماء في هذه الأودية ليس بملك
لاحد فأما ما يجري في نهر خاص لأهل قرية ففيه نوع شركة لغيرهم وهو حق السعة من
حيث الشرب وسقى الدواب فإنهم لا يمنعون أحدا من ذلك ولكن هذه الشركة أخص من
الأول فليس لغير أهل القرية أن يسقوا نخيلهم وزروعهم من هذا النهر وكذلك الماء في البئر
فيه لغير صاحب البئر شركة لهذا القدر وهو السعة وكذلك الحوض فان من جمع الماء في
حوضه وكرمه فهو أخص بذلك الماء مع بقاء حق السقي فيه للناس حتى إذا أخذ انسان من
حوضه ماء للشرب فليس له أن يسترده منه وإذا أتى إلى باب كرمه ليأخذ الماء من حوضه
للشرب فله أن يمنعه من أن يدخل كرمه لان هذا ملك خاص له ولكن إن كان يجد الماء قريبا
164

من ذلك الموضع في غير ملك أحد يقول له اذهب إلى ذلك الموضع وخذ حاجتك من الماء
لأنه لا يتضرر بذلك وإن كان لا يجد ذلك فاما أن يخرج الماء إليه أو يمكنه من أن يدخل
فيأخذ بقدر حاجته لان له حق السعة في الماء الذي في حوضه عند الحاجة فأما إذا أحرز الماء
في جب أو جرة أو قربة فهو مملوك له حتى يجوز بيعه فيه وليس لاحد أن يأخذ شيئا منه
الا برضاه ولكن فيه شبهة الشركة من وجه ولهذا لا يجب القطع لسرقته وعلى هذا حكم
الشركة في الكلأ في المواضع التي لا حق لاحد فيها بين الناس فيه شركة عامة فلا يكون
لاحد أن يمنع أحدا من الانتفاع به فاما ما نبت من الكلأ في أرضه مما لم ينبته أحد فهو
مشترك بين الناس أيضا حتى إذا أخذه انسان فليس لصاحب الأرض أن يسترده منه وإذا
أراد أن يدخل أرضه ليأخذ ذلك فلصاحب الأرض أن يمنعه من الدخول في أرضه ولكن
إن كان يجد ذلك في موضع آخر يأمره بالذهاب إلى ذلك الموضع وإن كان لا يجد وكان
بحيث يخاف على ظهره فاما أن يخرج إليه مقدار حاجته أو يمكنه من أن يدخل أرضه فيأخذ
مقدار حاجته فاما ما أنبته صاحب الأرض بان سقى أرضه وكربها لنبت الحشيش فيها لدوابه
فهو أحق بذلك وليس لاحد أن ينتفع بشئ منه الا برضاه لأنه حصل بكسبه والكسب
للمكتسب وهذا الجواب فيما لم ينبته صاحب الأرض من الحشيش دون الأشجار فاما في
الأشجار فهو أحق بالأشجار النابتة في أرضه من غيره لان الأشجار تحرز عادة وقد صار
محرزا له من يده الثابتة على أرضه فأما الحشيش فلا يحرز عادة وتفسير الحشيش ما تيسر على
الأرض مما ليس له ساق والشجر ما ينبت على ساق وبيان ذلك في قوله تعالى والنجم والشجر
يسجدان والنجم ما ينجم فتيسر على الأرض والشجر ما له ساق وبيان الشركة في النار ان من
أوقد نارا في صخر لا حق لاحد فيه فلكل واحد أن ينتفع بناره من حيث الاصطلاء بها
وتجفيف الثياب والعمل بضوءها فاما إذا أراد أن يأخذ من ذلك الجمر فليس له ذلك إذا منعه
صاحب النار لان ذلك حطب أو فحم قد أحرزه الذي أوقد النار وإنما الشركة التي أثبتها
رسول الله صلى الله عليه وسلم في النار والنار جوهر الحر دون الحطب والفحم فان أخذ
شيئا يسيرا من ذلك الجمر نظر فإن كان ذلك ما له قيمة إذا جعله صاحبه فحما كان له أن يسترده
منه وإن كان يسيرا لا قيمة له فليس له أن يسترده منه وله منه أن يأخذه من غير استئذان
لان الناس لا يمنعون هذا القدر عادة والمانع يكون متعنتا لا منتفعا وقد بينا ان المتعنت ممنوع
165

من التعنت شرعا وعن عائشة رضي الله عنها قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
بيع بقع الماء يعنى المستنقع في الحوض وبه نأخذ فان البيع تمليك فيستدعى محلا مملوكا والماء
في الحوض ليس بمملوك لصاحب الحوض فلا يجوز بيعه فلظاهر الحديث لا يجوز بيع الشرب
وحده لان ما يجرى في النهر الخاص ليس بمملوك للشركاء والبيع لا يسبق الملك وإنما الثابت
للشركاء في النهر الخاص حق الاختصاص بالماء من حيث سقي النخيل والزرع ولصاحب
المستنقع مثل ذلك وبيع الحق لا يجوز وعن الهيثم إن قوما وردوا ماء فسألوا أهله أن يدلوهم
على البئر فأبوا فسألوهم أن يعطوهم دلوا فأبوا أن يعطوهم فقالوا لهم ان أعناقنا وأعناق مطايانا
قد كادت تقطع فأبوا أن يعطوهم فذكروا ذلك لعمر رضي الله عنه فقال لهم عمر فهلا وضعتم
فيهم السلاح وفيه دليل انهم إذا منعوهم ليستقوا الماء من البئر فلهم أن يقاتلوهم بالسلاح فإذا
خافوا على أنفسهم أو على ظهورهم من العطش كان لهم في البئر حق السعة فإذا منعوا حقهم
وقصدوا اتلافهم كان لهم أن يقاتلوهم عن أنفسهم وعن ظهورهم كما لو قصدوا قتلهم بالسلاح
فاما إذا كان الماء محرزا في اناء فليس للذي يخاف الهلاك من العطش أن يقاتل صاحب الماء
بالسلاح على المنع ولكن يأخذ منه فيقاتله على ذلك بغير سلاح وكذلك في الطعام لأنه ملك
محرز لصاحبه ولهذا كان الاخذ ضامنا له فإذا جاز له أخذه لحاجته فالمانع يكون دافعا عن
ماله وقال عليه الصلاة والسلام من قتل دون ماله فهو شهيد فكيف يقاتل من إذا قتله كان
شهيدا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فاما البئر مباح غير مملوك لصاحب البئر فلا
يكون هو في المنع دافعا عن ملكه ولكنه مانع عن المضطر حقه فكان له أن يقاتله بالسلاح
وللأول أن يقاتل بما دون السلاح لان صاحب الماء مأمور بأن يدفع إليه بقدر ما يدفع به
الضرورة عنه فهو في المنع مرتكب ما لا يحل فيؤد به على ذلك بغير سلاح وليس مراد عمر
رضي الله عنه المقاتلة بالسلاح على منع الدلو فان الدلو كان ملكا لهم ولو كان المراد ذلك فتأويل
قوله فهلا وضعتم فيهم السلاح أي برهنتم عندهم ما معكم من السلاح ليطمئنوا إليكم فيعطونكم
الدلو لا أن يكون المراد الامر بالقتال وعن عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحيا
أرضا ميتة فهي له وليس لعرف ظالم حق وفيه دليل على أن الموات من الأراضي يملك بالاحياء
وأصح ما قيل في حد الموات أن يقف الرجل في طرف العمران فينادى بأعلى صوته فإلى أي
موضع ينتهى صوته يكون من فناء العمران لان سكان ذلك الموضع يحتاجون إلى ذلك
166

لرعى المواشي وما أشبه ذلك وما وراء ذلك من الموات ثم عند أبي حنيفة رحمه الله إنما يملكها
بالاحياء بعد اذن الامام وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لا حاجة فيه إلى اذن الامام لان
النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن في ذلك وملكها ممن أحياها أو لأنه لا حق لاحد فيها فكل
من سبقت يده إليها وتم احرازه لها فهو أحق بها كمن أخذ صيدا أو حطبا أو حشيشا أو وجد
معدنا أو ركازا في موضع لا حق لاحد فيه وأبو حنيفة استدل بقوله عليه الصلاة والسلام ليس
للمرء الا ما طابت به نفس امامه وهذا وإن كان عاما فمن أصله ان العام المتفق فعلى قبوله يترجح
على الخاص وقال صلى الله عليه وسلم الا ان عادى الأرض هي لله ورسوله ثم هي لكم من بعد
فما كان مضافا إلى الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم فالتدبير فيه إلى الامام فلا يستبد أحد
به بغير إذن الإمام كخمس الغنيمة فرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أشار إلى أن
هذه الأراضي كانت في يد المشركين ثم صارت في يد المسلمين بايجاف الخيل فكان ذلك
لهم من الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام وما كان بهذه الصفة لم يختص أحد بشئ منه
دون اذن الامام كالغنائم وقوله صلى الله عليه وسلم من أحيى أرضا ميتة لبيان السبب وبه نقول إن
سبب الملك بعد اذن الامام هو الاحياء ولكن اذن الامام شرط وليس في هذا اللفظ
ما ينفى هذا الشرط بل في قوله عليه الصلاة والسلام وليس لعرف ظالم حق إشارة إلى هذا
الشرط فالانسان على رأى الامام والاخذ بطريق التغالب في معنى عرق ظالم وقيل معنى
قوله عليه الصلاة والسلام وليس لعرق ظالم حق ان الرجل إذا غرس أشجارا في ملكه فخرجت
عروقها إلى أرض جاره أو خرجت أغصانها إلى أرض جاره فإنه لا يستحق ذلك الموضع من
أرض جاره بتلك الأغصان والعروق الظالمة فالظلم عبارة عن تحصيل الشئ في غير موضعه قيل
المراد بعرق الظالم أن يتعدى في الاحياء ما وراء أحد الموات فيدخل في حق الغير ولا يستحق
بذلك شيئا من حق الغير وعن عمر رضي الله عنه قال من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس بعد
ثلاث سنين حق والمراد بالمحجر المعلم بعلامة في موضع واشتقاق الكلمة من الحجر وهو
المنع فان من أعلم في موضع من الموات علامة فكأنه منع الغير من احياء ذلك الموضع فسمى
فعله تحجيرا وبيان ذلك أن الرجل إذا مر بموضع من الموات فقصد احياء ذلك الموضع فوضع
حول ذلك الموضع أحجارا أو حصد ما فيها من الحشيش والشوك وجعلها حول ذلك فمنع
الداخل من الدخول فيها فهذا تحجير ولا يكون أحياء إنما الاحياء أن يجعلها صالحة للزراعة بان
167

كربها أو ضرب عليها المسناة أو شق لها نهرا ثم بعد التحجير له من المدة ثلاث سنين كما
أشار إليه عمر رضي الله عنه لأنه يحتاج إلى أن يرجع إلى وطنه ويهيئ أسبابه ثم يرجع إلى ذلك
الموضع فيحييه فيجعل له من المدة للرجوع إلى وطنه سنة واصلاح أموره في وطنه سنة
والرجوع إلى ذلك الموضع سنة فإلى ثلاثة سنين لا ينبغي أن يشتغل باحياء ذلك الموضع غيره
ولكن ينتظره ليرجع وبعد مضى هذه المدة الظاهر أنه قد بدا له وانه لا يريد الرجوع إليها
فيجوز لغيره احياؤها هذا من طريق الديانة فاما في الحكم إذا أحياها انسان باذن الامام فهي
له لان بالتحجير لم تصر مملوكة للأول فسبب الملك هو الاحياء دون التحجير وعن طاوس
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان عادى الأرض لله ورسوله فمن أحيا أرضا ميتة فهي
له والمراد الموات من الأراضي سماه عاديا على معنى ان ما خربت على عهد عاد وفى العادات
الظاهرة ما يوصف بطوله مضى الزمان عليه ينسب إلى عاد فمعناه ما تقدم خرابه مما يعلم أنه
لا حق لاحد فيه وعن أبي معسر عن أشياخه رفعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى في
السراج من ماء المطر إذا بلغ الماء الكعبين أن لا يحبسه الا على جاره قال أبوه معسر السراج
السواقي وهي الجداول التي عند سفح الجبل يجتمع ماء السيل فيها ثم ينحدر منها إلى الوادي
وقد بينا أن مراده من هذا اللفظ العبارة عن كثرة الماء وعن سعيد بن زيد بن عمرو بن
نفيل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذ شبرا من أرض بغير حق طوقه الله من
سبع أرضين قيل معناه من تطوق في أرض الغير فالموضع الذي يضع عليه القدم بمنزلة شبر
من الأرض وقيل معناه من نقص من المسنات في جانب أرضه بان حول ذلك إلى أرض
جاره فذلك قدر شبر من الأرض أخذه أو كان أرضه بجنب الطريق فجعل المسناة على الطريق
لتتسع به أرضه فهو في معنى شبر من الأرض أخذه بغير حق وهو معنى الحديث الذي روى
لعن الله من غير منار الطريق يعنى العلامة بين الأرضين وقيل إنما ذكر رسول الله صلى الله
عليه وسلم الشبر على طريق التمثيل للمبالغة في المنع من غصب الأراضي وليس المراد به التحقيق ثم
في الحديث بيان عظم الماء ثم في غصب الأراضي وهو دليل أبي حنيفة رحمه الله في أنه لا ضمان على
غاصب الأراضي في الدنيا لان النبي عليه الصلاة والسلام بين جزاء الآخذ بالوعيد الذي ذكره
في القيامة ولو كان حكم الضمان ثابتا لكان الأولى أن يبينه لان الحاجة إلى معرفته أمس ثم جعل
المذكور من الوعيد جميع جزائه فلو أوجبنا الضمان مع ذلك لم يكن الوعد جميع جزائه
168

وللفقهاء في معنى مثل هذه الألفاظ طريقين أحدهما الحمل على حقيقته انه يطوق ذلك الموضع
في القيامة ليعرف به ما فعله ويكون ذلك عقوبة له كما قال عليه الصلاة والسلام لكل غادر
لواء يوم القيامة يركز عند باب استه تعرف به غدرته والمراد به بيان شدة العقوبة لا حقيقة
ما ذكر من أنه يطوق ذلك الموضع من الأرض يوم القيامة فقد قال الله تعالى يوم تبدل
الأرض غير الأرض وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لا تمنعوا الماء مخافة الكلأ يريد به أن صاحب البئر إذا كان له مرعي حول بئره فلا ينبغي
له أن يمنع من يستقى الماء من بئره لنفسه أو لظهوره مخافة أن يصيب ظهره من ذلك الكلأ
لان له في حق الشقة في ماء البئر فلا يمنعه حقه ولكن يحفظ جانب أرضه وما فيه من الكلأ
حتى لا يدخل دابة المستقي في ذلك الموضع وان شق عليه ذلك أخرج إليه من الماء مقدار
حاجته وحاجة ظهره وعن نافع رفع حديثه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تمنعوا أحدا
ماء ولا كلا ولا نارا فإنه متاع للمقوين وقوة للمستعينين والمقوي هو الذي فنى زاده والمستعين
هو المضطر المحتاج وقد بينا أن صاحب الشرع عليه الصلاة والسلام أثبت بين الناس في
هذه الأشياء الثلاثة شركة عامة بطريق الإباحة فلا ينبغي لاحد أن يمنع أحدا مما جعله الشرع
حقا له وإذا كان لرجل نهر أو بئر أو قناة فليس له أن يمنع ابن السبيل أن يسقى منها فيشرب
ويسقى دابته وبعيره وشياهه فان ذلك من الشقة والشقة عندنا الشرب لبنى آدم والبهائم
وهذا لان الحاجة إلى الماء تتجدد في كل وقت ومن سافر لا يمكنه أن يستحصب الماء من
وطنه لذهابه ورجوعه فيحتاج إلى أخذ الماء من الابار والأنهار التي تكون على طريقه
وفي المنع من ذلك حرج وكما يحتاج إلى ذلك لنفسه فكذلك يحتاج إليه لظهره لأنه في
العادة يعجز عن السفر بغير مركب وكذلك يحتاج إلي ذلك للطبخ والخبز وغسل الثياب وأحد
لا يمنع أحدا من ذلك فإن كان له جدول يجرى فيه الماء إلي أرضه وبجنب ذلك الموضع صاحب
ماشية إذا شربت الماشية منها انقطع الماء لكثرة المواشي وقلة ماء الجدول فقد اختلف
المتأخرون رحمهم الله في هذا الفصل منهم من يقول هذا من الشقة وليس لصاحب الجدول
ان يمنع ذلك وأكثرهم على أن له أن يمنع في مثل هذه الصورة لان الشقة ما لا يضر
بصاحب النهر والبئر فاما ما يضر به ويقطع حقه فله أن يمنع ذلك اعتبارا بسقي الأراضي والنخيل
والشجر والزرع فله أن يمنع من يريد سقي نخله وشجره وزرعه من نهره أو قناته أو بئره
169

أو عينه وليس لاحد أن يفعل ذلك الا باذنه إما لأنه يريد أن يسوى نفسه بصاحب الحق
فيما هو المقصود فالنهر والقناة إنما يشق لهذا المقصود وليس لغير المستحق أن يسوى نفسه
بالمستحق فيما هو المقصود بخلاف الشقة فذلك بيع غير مقصود لان النهر والقناة لا يشق
في العادة لأجله أو لأنه يحتاج إلى أن يحفر نهرا من هذا النهر إلى أرضه فيكسر به ضفة
النهر وليس له أن يكسر ضفة نهر الغير وكذلك في البئر يحتاج إلى أن يشق نهرا من رأس
البئر إلى أرضه وما حول البئر حق صاحب البئر حريما له فليس لغيره أن يحدث فيه شيئا
من ذلك بغير إذنه وكذلك أن كان يريد أن يجرى ماءه في هذا النهر مع صاحب النهر ليسقى
به أرضه لان النهر ملك خاص لأهل النهر فلا يجوز له أن ينتفع بملك الغير الا باذنه فإن كان
قد اتخذ شجره أو خضره في داره فأراد أن يسقي ذلك الموضع بحمل الماء إليه بالجرة فقد
استقضى فيه بعض المتأخرين من أئمة بلخ رحمهم الله وقالوا ليس له ذلك الا باذن صاحب
النهر والأصح انه لا يمنع من هذا المقدار لان الناس يتوسعون فيه والمنع منه يعد من الدناءة
قال عليه الصلاة والسلام ان الله يحب معالي الأمور ويبغض سفسافها فان أذن له صاحب
النهر في سقى أرضه أو عادة ذلك الموضع فلا بأس بذلك لان المنع كان لمراعاة حقه فإذا رضى
به فقد زال المانع وان باعه شرب يوم أو أقل من ذلك أو أكثر لم يجز لان ذلك الماء في
النهر غير مملوك إنما هو حق صاحب النهر وبيع الحق لا يجوز لأنه مجهول لا يدرى مقدار
ما يسلم له من الماء في المدة المذكورة وبيع المجهول لا يجوز وهو غرر فلا تدرى أن الماء يجرى
في ذلك الوقت في النهر أو لا يجرى وإذا انقطع الماء فليس للبائع تمكن اجرائه ونهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وكذلك لو استأجره لأنه يلتزم تسليم ما لا يقدر على
تسليمه أو تسليم ما لا يعرف مقداره ثم المقصود من هذا الاستئجار الماء وهو عين والاستئجار
المقصود لاستهلاك العين لا يجوز كاستئجار المرعى للرعي واستئجار البقرة لمنفعة اللبن بخلاف
استئجار الظئر فان لبن الآدمية في حكم المنفعة لان منفعة كل عضو بحسب ما يليق به فمنفعة
الثدي اللبن ولهذا لا يجوز بيع لبن الآدمية ولان العقد هناك يرد على منفعة التربية واللبن
آلة في ذلك بمنزلة الاستئجار على غسل الثياب فالحرض والصابون آلة في ذلك والاستئجار
لعمل الصناعة فان الصنع بمنزلة الآلة في ذلك فاما هنا لا مقصود في هذا الاستئجار سوى
الماء وهو عين وكذلك لو شرط في اجارته أو شرابه شرب هذه الأرض وهذا الشجر وهذا
170

الزرع أو قال حتى يكتفى فهذا كله باطل لمعنى الجهالة والغرر وإذا اشترى الرجل شرب ماء
ومعه أرض فهو جائز لان الأرض عين مملوكة مقدورة التسليم فالعقد يرد عليها والشرب
يستحق بيعا وقد يدخل في البيع بيع ما لا يجوز افراده بالبيع كالأطراف من الحيوانات
لا يجوز افرادها بالبيع ثم يدخل بيعا في بيع الأصل وبعض المتأخرين من مشايخنا رحمهم الله
أفتى أن يبيع الشرب وإن لم يكن معه أرض للعادة الظاهرة فيه في بعض البلدان وهذه
عادة معروفة بنسف قالوا المأجور الاستصناع للتعامل وإن كان القياس يأباه فكذلك بيع
الشرب بدون الأرض وإذا استأجر أرضا مع شربها جاز كما يجوز الشراء وهذا لان المقصود
الانتفاع بالأرض من حيث الزراعة والغراسة وإنما يحصل هذا المقصود بالشرب فذكر
الشرب مع الأرض في الاستئجار التحقيق ما هو المقصود بالاستئجار فلا يفسد به العقد
وإذا اشترى الرجل أرضا لم يكن له شربها ولا مسك ما بها لأن العقد يتناول عين الأرض
بذكر حدودها فما يكون خارجا من حدودها لا يدخل تحت العقد الا بالتسمية والشرب
والمسيل خارج من الحدود المذكورة فان اشترط شربها فله الشرب وليس له المسيل لان
الشرب غير المسيل فالمسيل الموضع الذي يسيل فيه الماء والشرب الماء الذي يسيل في المسيل
فباشتراط أحدهما لا يثبت له استحقاق الاجر وإنما يستحق المشروط خاصة ويجعل فيما لم
يذكر كأنه لم يشترط شيئا ولو اشترط مسيل الماء مع الشرب يستحق ذلك كله بالشرط
ولو اشتراها بكل حق هو لها كان له المسيل والشرب لأنهما من حقوقها فالمقصود بالأراضي
الانتفاع بها وإنما يتأتى ذلك بالمسيل والشرب فكانت من حقوقها كالطريق للدار وكذلك لو
اشترط مرافقها لان المرافق ما يترفق به فإنما يتأتى الترفق بالأرض بالشرب والمسيل وكذلك
لو اشترط كل قليل وكثير هو فيها أو منها كان له الشرب والمسيل لأنه من القليل والكثير
ثم المراد بقوله منها أي من حقوقها ولكنه حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ومثل
هذا الحذف عرف أهل اللسان وإذا أستأجر أرضا فليس له مسيل ماء ولا شرب في القياس
إذا أطلق العقد كما في الشراء فالمستأجر يستحق بالعقد بذكر الحدود كالمشترى فكما أن الشرب
والمسيل الذي هو خارج عن الحدود المذكورة لا يستحق بالشراء فكذلك بالاستئجار
ولكنه استحسن فجعل للمستأجر مسيل الماء والشرب هنا بخلاف الشراء لأن جواز
الاستئجار باعتبار التمكن من الانتفاع (ألا ترى) أن ما لا ينتفع به لا يجوز استئجاره كالمهر
171

الصغير والأرض السبخة والانتفاع بالأرض لا يتأتى الا بالشرب والمسيل فلو لم يدخلهما
يفسخ العقد والمتعاقدان قصدا تصحيح العقد فكان هنا ذكر الشرب والمسيل بخلاف الشراء
فموجبه ملك العين (ألا ترى) أن شراء ما لا يملك الانتفاع به جائز نحو الأرض السبخة
والمهر الصغير فلا يدخل في الشراء ما وراء المسمى بذكر الحدود وفى الكتاب ذكر حرفا
آخر فقال لان الأرض لم تخرج من يد صاحبها يعنى أن بعقد الإجارة لا يتملك المستأجر
شيئا من العين وإنما يملك الانتفاع به في المدة المذكورة فلو أدخلنا الشرب والمسيل لم يتضرر
صاحب الأرض بإزالة ملكه عنها وفى ادخالهما تصحيح العقد فأما البيع يزيل ملك العين عن
البائع ففي ادخال الشرب والمسيل في البيع إزالة ملكه عما لم يظهر رضاه به وذلك لا يجوز وهذا
نظير ما تقدم أن الثمار والزرع يدخل في رهن الأشجار والأرض من غير ذكر ولا يدخل
في الهبة وإذا ثبت أن بدون الشرط يدخل الشرب والمسيل في الأشجار فمع الشرط أولى
وكذلك أن شرط كل حق هو لها أو مرافقها أو كل قليل وكثير هو فيها أو منها فعند ذكر
هذه الألفاظ يدخل الشرب والمسيل في الشراء ففي الإجارة أولى وإذا كان نهر بين قوم لهم
عليه أرضون ولا يعرف كيف كان أصله بينهم فاختلفوا فيه واختصموا في الشرب فان الشرب
بينهم على قدر أراضيهم لان المقصود بالشرب سقي الأراضي والحاجة إلى ذلك تختلف بقلة
الأراضي وكثرتها فالظاهر أن حق كل واحد منهم من الشرب بقدر أرضه وقدر حاجته
والبناء على الظاهر واجب حتى يتبين خلافه فان قيل فقد استووا في اثبات اليد على المال في
النهر والمساواة في اليد توجب المساواة في الاستحقاق عند الاشتباه قلنا لا كذلك فاليد
لا تثبت على الماء في النهر لاحد حقيقة وإنما ذلك الانتفاع بالماء والظاهر أن انتفاع من له
عشر قطاع لا يكون مثل انتفاع من له قطعة واحدة ثم الماء لا يمكن احرازه باثبات اليد عليه
وإنما احرازه بسقي الأراضي فإنما ثبت اليد عليه بحسب ذلك وهذا بخلاف الطريق إذا
اختصم فيه الشركاء فإنهم يستوون في ملك رقبة الطريق ولا يعتبر في ذلك سعة الدار وضيقها
لان الطريق عين تثبت اليد عليه والمقصود التطرق فيه والتطرق فيه إلى الدار الواسعة والى
الدار الضيقة بصفة واحدة بخلاف الشرب على ما ذكرنا فإن كان الأعلى لا يشرب حتى
يسكر النهر على الأسفل ولكنه يشرب بحصته لان في السكر قطع منفعة الماء عن أهل الأسفل
في بعض المدة وليس لبعض الشركاء هذه الولاية في نصيب شركائه يوضحه أن في السكر
172

احداث شئ في وسط النهر ورقبة النهر مشتركة بينهم فليس لبعض الشركاء أن يحدث فيها
شيئا بدون اذن الشركاء وربما ينكسر النهر بما يحدث فيها عند السكر فان تراضوا على أن الأعلى
يسكر النهر حتى تشرب حصته أجزت ذلك بينهم لان المانع حقهم وقد انعدم بتراضيهم فان
اصطلحوا على أن يسكر كل واحد منهم في يومه أجزته أيضا فان قسمة الماء في النهر تكون
بالأجر تارة وبالأيام أخرى فان تراضوا على القسمة بالأيام جاز لهم ذلك وهذا لحاجتهم إلى ذلك
فقد يقل الماء في النهر بحيث لا يتمكن كل واحد منهم أن ينتفع بحصته من ذلك الا بالسكر
ولكنه إن تمكن من أن يسكر بلوح أو باب فليس له أن يسكر بالطين والتراب لان به ينكسر
النهر عادة وفيه اضرارا بالشركاء إلا أن يظهروا التراضي على ذلك فان اختلفوا لم يكن لاحد
منهم أن يسكره على صاحبه وان أراد أحد منهم أن يكترى منه نهرا لم يكن له ذلك الا برضاه
من أصحابه لان في كرى النهر كسر ضفة النهر المشترك بقدر فوهة النهر الذي يكريه وفى
الملك المشترك ليس لبعض الشركاء أن يفعل ذلك الا برضاء أصحابه كما لو أراد هدم الحائط
المشترك أو احداث باب فيه وكذلك أن أراد أن ينصب عليه رحا لم يكن له ذلك الا برضى
من أصحابه لان ما ينصب من الرحا إنما يضعه في ملك مشترك إلا أن تكون رحا لا تضر بالنهر
ولا بالماء ويكون موضعها في أرض خاص له فإن كان هكذا فهو جائز يعنى إذا لم يكن يغير
الماء عن سنته ولا يمنع جريان الماء بسبب الرحا بل يجرى كما كان يجرى قبل ذلك وإنما يضع
الرحا في ملك خاص له فإذا كان بهذه الصفة فله أن يفعل ذلك بغير رضا الشركاء لأنه إنما
يحدث ما يحدثه من الأبنية في خالص ملكه وبسبب الرحا لا ينتقص الماء بل ينتفع صاحب
الرحا بالماء مع بقاء الماء على حاله فمن يمنعه عن ذلك يكون متعنتا قاصدا إلى الاضرار به لا دافعا
الضرر عن نفسه فلا يلتفت إلى تعنته وان أراد أن ينصب عليها دالية أو سانية وكان ذلك لا يضر
بالنهر ولا بالشرب وكان بناء ذلك في ملكه خاصة كان له أن يفعل لما بينا انه يتصرف في
خالص ملكه ولا يلحق الضرر بغيره وان أراد هؤلاء القوم أن يكروا هذا النهر فان أبا حنيفة
رحمه الله قال عليهم مؤنة الكراء من أعلاه فإذا جاوز أرض رجل دفع عنه وقال أبو يوسف
ومحمد رحمهما الله الكراء عليهم جميعا من أوله إلى آخره بحصص الشرب والأراضي وبيان ذلك
أن الشركاء في النهر إذا كانوا عشرة فمؤنة الكراء من أول النهر على كل واحد منهم عشرة إلى
أن يجاوز أرض أحدهم فحينئذ تكون مؤنة الكراء على الباقين اتساعا إلى أن يجاوز أرضا
173

أخرى ثم يكون على الباقين أثمان على هذا التفصيل إلى آخر النهر وعندهما المؤنة عليهم اعتبارا
من أول النهر إلى آخره لان لصاحب الأعلى حقا في أسفل النهر وهو تسييل الفاضل عن حاجته
من الماء فيه فإذا سد ذلك فاض الماء على أرضه فأفسد زرعه فبهذا تبين أن كل واحد منهم ينتفع
بالنهر من أوله إلى آخر والدليل عليه أنه يستحق الشفعة بمثل هذا النهر وحق أهل الأعلى
وأهل الأسفل في ذلك سواء فإذا استووا في الغنم يستوون في الغرم أيضا وهو مؤنة الكراء
وأبو حنيفة رحمه الله يقول مؤنة الكراء على من ينتفع بالنهر بسقي الأرض منه (ألا ترى)
أنه ليس على أصحاب الشقة من مؤنة الكراء شئ وإذا جاوز الكراء أرض رجل فليس له في
كراء ما بقي منفعة سقي الأرض فلا يلزمه شئ من مؤنة الكراء ثم منفعته في أسفل النهر من
حيث أجراء فضل الماء فيه وصاحب المسيل لا يلزمه شئ من عمارة ذلك الموضع باعتبار تسييل
الماء فيه (ألا ترى) أن من له حق تسييل ماء سطحه على سطح جاره لا يلزمه شئ من عمارة
سطح جاره بهذا الحق ثم هو يتمكن من دفع الضرر عن نفسه بدون كرى أسفل النهر بأن
يسد فوهة النهر من أعلاه إذا استغنى عن الماء فعرفنا أن الحاجة المعتبرة في التزام مؤنة الكراء
الحاجة إلى سقى الأرض فرع بعض مشايخنا رحمهم الله أن الكراء إذا انتهى إلى فوهة أرضه
من النهر فليس عليه شئ من المؤنة بعد ذلك والأصح أن عليه مؤنة الكراء إلى أن يجاوز
حد أرضه كما أشار إليه في الكتاب لان له رأيا في اتحاد فوهة الأرض من أعلاها وأسفلها
فهو منتفع بالكراء منفعة سقي الأرض ما لم يجاوز أرضه ويختلفون فيما إذا جاوز الكراء أرض
رجل فسقط عنه مؤنه الكراء هل له أن يفتح الماء لسقى أرضه منهم من يقول له ذلك لان
الكراء قد انتهى في حقه حين سقطت مؤنته ومنهم من يقول ليس له ذلك ما لم يفرغ شركاؤه
من الكرى كما ليس له أن يسكر على شركائه فيختص بالانتفاع بالمأذون شركاؤه ولأجل
التحرز عن هذا الخلاف جري الرسم بأن يوجد في الكراء من أسفل النهر أو يترك بعض
النهر من أعلاه حتى يفرغ من أسفله قال وقال أبو حنيفة رحمه الله فيما أعلم ليس على أهل
الشقة من الكراء شئ لأنهم لا يحصون فمؤنة الكراء لا تستحق على قوم لا يحصون ولأنهم
لا يستحقون الشفعة لحق الشفعة ولأنهم اتباع والمؤنة على الأصول دون الاتباع (ألا ترى)
أن الدية في القتيل الموجود في المحلة على عاقلة أصحاب الحطة دون المشتريين والسكان قال
والمسلمون جميعا شركاء في الفرات وفي كل نهر عظيم أو واد يستقون منه ويسقون منه
174

الشقة والخف والحافر ليس لأحد أن يمنع أحدا من ذلك لان الانتفاع بمثل هذه الأنهار
كالانتفاع بالطرق العامة فكما لا يمنع أحد أحدا من التطرق في الطريق العام فكذلك
لا يمنعه من الانتفاع بهذا النهر العظيم وهذا لأن الماء في هذه الأنهار على أصل الإباحة ليس لأحد
فيه حق على الخصوص فان ذلك الموضع لا يدخل تحت قهر أحد لان قهر الماء يمنع
قهر غيره فالانتفاع به كالانتفاع بالشمس ولكل قوم شرب أرضهم ونخلهم وشجرهم لا يحبس
عن أحد دون أحد وان أراد رجل ان يكرى منه نهرا في أرضه فإن كان ذلك يضر بالنهر
الأعظم لم يكن له ذلك وإن كان لا يضر به فله ذلك بمنزلة من أراد الجلوس في الطريق فإن كان لم
يضر بالمارة لم يمنع من ذلك وإن كان يضربهم في المنع من التطرق يمنع من ذلك لكل واحد
منعه من ذلك الامام وغيره في ذلك سواء فكذلك في النهر الأعظم فان كسر ضفة النهر
الأعظم ربما يضر بالناس ضررا عاما من حيث أن الماء يفيض عليهم وقال عليه الصلاة والسلام
لا ضرر ولا ضرار في الاسلام وعند خوف الضرر يمنع من ذلك لدفع الضرر وعلى السلطان
كراء هذا النهر الأعظم ان احتاج إلى الكراء لان ذلك من حاجة عامة المسلمين ومال بيت
المال معد لذلك فإنه مال المسلمين أعد للصرف إلى مصالحهم (ألا ترى) أن مال القناطر والجسور
والرباطات على الامام من مال بيت المال فكذا كراء هذا النهر الأعظم وكذلك اصلاح مسناته
ان خاف منه غرقا فإن لم يكن في بيت المال مال فله أن يجبر المسلمين على ذلك ويحرجهم لان
المنفعة فيه للعامة ففي تركه ضرر عام والامام نصب ناظرا فيثبت له ولاية الاجبار فيما كان
الضرر فيه عاما لان العامة قل ما ينفقون على ذلك من غير اجبار وفى نظيره قال عمر رضى الله
لو تركتم لبعتم أولادكم وليس هذا النهر خاص لقوم ليس لأحد أن يدخل عليهم فيه ولهم أن
يمنعوا من أراد أن يسقى من نهرهم أرضه وشجره وزرعه لان ذلك شركة خاصة (ألا ترى)
انهم يستحقون به الشفعة بخلاف الشركة في الوادي والأنهار العظام فإنه لا تستحق به الشفعة
ثم في الشركة الخاصة التدبير في الكراء إليهم ومؤنة الكراء عليهم في مالهم وان طلب بعض
الشركاء فللامام أن يجبر الباقين على ذلك لدفع الضرر فأما إذا اتفقوا على ترك الكراء ففي
ظاهر الرواية لا يجبرهم الامام على ذلك كما لو امتنعوا من عمارة أراضيهم ودورهم وقال بعض
المتأخرين من أصحابنا رحمهم الله يجبرهم على ذلك لحق أصحاب الشقة في النهر قال أبو يوسف
وسألت أبا حنيفة رحمه الله عن الرجل استأجر النهر يصيد فيه السمك أو استأجر جهة يصيد
175

فيها السمك قال لا يجوز لان المقصود بهذا الاستئجار ما هو عين وهو السمك ولان السمك
في النهر والأجمة على أصل الإباحة لا اختصاص به لصاحب النهر والأجمة فلا يكون له أن يأخذ
العوض عنهم بطريق الإجارة والبيع ثم استئجار النهر لصيد السمك كاستئجار المقابض
للاصطياد فيها وذلك كله من باب الغرر ولو اشترى عشر نهر أو عشر قناة أو بئر أو عين ماء
بأرضه جاز لان الأرض أصلها مملوكة فقد اشترى جزأ مملوكا معلوما من عين مملوكة مقدور
التسليم بخلاف ما لو اشترى الشرب بغير أرضه وهو بمنزلة ما لو باع عشر الطريق يجوز بخلاف
ما لو باع حق التطرق فيه ولو استأجر حوضا أو بركة أو بئرا يستقى منه الماء كل شهر باجر
مسمى لم يجز لان المقصود الماء وهو عين لا يستحق اتلافه بالإجارة * نهر جار لرجل في
أرض رجل فادعى كل واحد منهما المسناة ولا يعرف في يد من هي قال أبو حنيفة رحمه الله
هي لرب الأرض يغرس فيها ما بدا له وليس له أن يهدمها وقال أبو يوسف ومحمد المسناة لصاحب
النهر وأصل المسألة أن من حفر نهرا باذن الامام في موضع لا حق لاحد فيه عند أبي حنيفة
لا يستحق له حريما وعندهما يستحق له حريما من الجانبين لملقى طينه والمشي عليه لاجراء الماء
في النهر وحريم النهر عندهما بقدر عرض النهر حتى إذا كان قدر عرض النهر بقدر ثلاثة
أذرع فله من الحريم بقدر ثلاثة أذرع من الجانبين جميعا وفى اختيار الطحاوي رحمه الله من كل
جانب ذراع ونصف وفيما نقل عن الكرخي رحمه الله انه يستحق من كل جانب بقدر
عرض النهر عندهما فاستحقاق الحريم لأجل الحاجة وصاحب النهر محتاج إلى ذلك كصاحب
البئر والعين ومتى كان المعنى في المنصوص عليه معلوما تعدى الحكم بذلك المعنى إلى الفرع وحاجة
صاحب النهر إلى المشي على حافتي النهر ليجرى الماء في النهر إذا احتبس بشئ وقع في النهر فإنه
لا يمكنه ان يمشي في وسط النهر وكذلك يحتاج إلى موضع يلقى فيه الطين من الجانبين عند
الكراء لما في النقل إلى أسفله من الحرج ما لا يخفى وأبو حنيفة رحمه الله يقول استحقاق الحريم
ثابت بالنص بخلاف القياس فلا يلحق به ما ليس في معناه من كل وجه والنهر ليس في معنى
البئر والعين لان الحاجة إلى الحريم هناك متحققة في الحال وهنا الحاجة موهومة باعتبار الكراء
وقد يحتاج إلى ذلك وقد لا يحتاج ثم هناك الانتفاع لا يتأتى بالبئر بدون الحريم وهنا يتأتى الا
في أن يلحقه ذلك بعض الحرج في نقل الطين أو المشي في وسط النهر فإذا لم يكن هذا في معنى
المنصوص يؤخذ فيه بأصل القياس (ألا ترى) ان من بنى قصرا في مغارة لا يستحق لذلك
176

حريما وإن كان قد يحتاج إلى ذلك لالقاء الكناسة فيه وهذا لان استحقاق الحريم لا يكون
بدون التقدير فيه ونصب المقادير بالرأي لا يكون فإذا ثبت ان من أصلهما ان صاحب النهر
يستحق الحريم قلنا عند المنازعة الظاهر شاهد له وعند أبي حنيفة لما كان لا يستحق للنهر
حريما فالظاهر شاهد لصاحب الأرض وعلى سبيل الابتداء في هذه المسألة هما يقولان عند
المنازعة القول قول ذي اليد وصاحب النهر مستعمل لحريم النهر لاستمساك الماء في النهر والقاء
الطين عليه والاستعمال يدفعها فباعتبار انه في يده جعل القول قوله كما لو اختصما في ثوب
وأحدهما لابسه وأبو حنيفة يقول الحريم من جنس الأرض صالح لما تصلح له الأرض وليس
من جنس النهر ومن حيث الانتفاع كما أن صاحب النهر يمسك الماء بالحريم في نهره فصاحب
الأرض يدفع الماء بالحريم عن أرضه فقد استويا في استعمال الحريم ويترجح جانب صاحب
الأرض من الوجه الذي قررنا فكان الظاهر شاهدا له فله أن يغرس فيه ما بدا له من الأشجار
ولكن ليس له أن يهدمه لان لصاحب النهر حق استمساك الماء في نهره فلا يكون لصاحب
الأرض أن يبطل حقه بهدمه بمنزلة حائط لرجل ولآخر عليه جذوع لا يكون لصاحب
الحائط أن يهدم الحائط وإن كان مملوكا له لمراعاة حص صاحب الجذوع وإذا قال الرجل
لرجل اسقني يوما من نهرك على أن أسقيك يوما من نهري الذي في مكان كذا لم يجز لان
معاوضة الماء بالماء لا تجوز وإن كان البدل معلوما لجهالة الشرب ومعنى الغرر فلان لا تجوز
معاوضة الشرب بالشرب ومعنى الغرر والجهالة فيه أظهر وأولى وكذا لو قال اسقني يوما
نخدمك عبدي هذا شهرا أو برقبته أو بركوب دابتي هذه شهرا أو بركوبها كذا كذا يوما
وما أشبه ذلك فهو كله باطل لمعنى الغرر والجهالة وعلى الذي أخذ العبد رده إن كان قائما بعينه
وقيمته إن كان مستهلكا وإن كان شرط خدمته شهرا وقد استوفاها فعليه أجر المثل لان
خدمة العبد ورقبته محل للعقد فإذا استوفاه بحكم عقد فساد كان عليه عوضه وليس له بما
أخذ الآخر من شربه قيمة ولا عوض لان الشرب ليس بمحل للعقد فلا يتناوله العقد فاسدا
ولا جائزا وكل عقد لا جواز له بحال فهو كالاذن فكما أنه لو سقى أرضه باذنه لم يكن عليه
من عوض الماضي فكذا بحكم العقد الباطل فيه لا يتقوم فلا يلزمه شئ وسئل أبو يوسف
عن نهر مرو وهو نهر عظيم قريب من الفرات إذا دخل مرو كان ماؤه قسمة بين أهله
بالحصص لكل قوم كوى معروفة فأخذ رجل أرضا كانت مواتا ولم يكن لها من ذلك
177

النهر شرب ثم كري لها نهرا من فوق مرو في موضع لا يملكه أحد فساق الماء إليها من ذلك
النهر العظيم قال إن كان هذا النهر يضر بأهل مرو ضررا بينا في مائهم فليس له ذلك ويمنعه
السلطان منه وإن كان لا يضر بهم فله ذلك ولم يكن لهم ان يمنعوه لأن الماء في هذا الوادي على
أصل الإباحة ولكل واحد من المسلمين حق الانتفاع به إذا كان لا يضر بغيره وهذا لأنه ما لم
يدخل في المقاسم لا يصير الحق فيه خالصا للشركاء ولهذا وضع المسألة فيما إذا أكرى نهرا
من فوق مرو فإذا كان لا يضربهم فبصرفه لا يمس حقوقهم ولا يلحق الضرر بهم فلا يمنعوه
من ذلك وإذا كان يضر بهم فكل أحد ممنوع من أن يلحق الضرر بغيره فكيف لا يمنع من
الحاق الضرر بالعامة والسلطان نائب عنهم في النظر لهم فيمنعه من ذلك لا بطريق انه يختص
به بل لأنه إلى تسكين الفتنة أقرب فاما لكل أحد أن يمنعه من ذلك والضرر يتوهم من
وجهين أحدهما من حيث كسر ضفة الوادي والثاني أنه يكثر دخول الماء في هذا النهر وربما
يتحول أكثر الماء إلى هذا الماء ليضر باهل مرو وقيل له فإن كان رجل له كوي معروفه
أله أن يزيد فيها قال إن كانت الكوى في النهر الأعظم فزاد في ملكه كوة أو كوتين ولا
يضر ذلك باهل النهر فله ذلك لأن الماء في النهر الأعظم لم يقع في المقاسم بعد فهو على أصل
الإباحة كمان كان قبل أن يدخل مرو فزيادة كوة أو كوتين خالص ملكه لا يكون أقوى
من سبق نهر ابتداء من هذا النهر الأعظم وهو غير ممنوع من ذلك كما بينا فهذا مثله فإن كان
نهر خاص لقوم فأخذ من هذه النهر الأعظم لكل رجل منهم في هذا النهر كوى مسماة لشربه
لم يكن لاحد منهم أن يزيد كوة وإن كان لا يضر باهل النهر الخاص لأن الماء في هذا النهر
الخاص قد وقع في المقاسمة والشركة في هذا النهر شركة خاصة حتى يستحق فيها الشفعة
وليس لبعض الشركاء أن يزيد فيما يستوفى على مقدار حقه سواء أضر ذلك بالشركاء أو لم
يضر فزيادة كوة في فوهة أرضه يكون ليزداد فيه دخول الماء على مقدار حقه وهو كالشركاء
في الطريق ليس لأحدهم أن يحدث فيه طريقا لدار لم يكن لها طريقا في هذه السكة الخاصة
بفتح باب حادث فان قيل كيف يمنع من احداث الكوة في لوح هو خالص ملكه قلنا لان
الكوى منهم سبب لبيان مقدار كل واحد منهم فلو لم يمنع من ذلك لكان إذا تقادم العهد
ادعى لنفسه زيادة حق واستدل بالكوى إن كان الماء يدخل في هذه الكوى في الحال
فسبب المنع ظاهر فان ما يدخل في هذه الكوى زيادة على حقه في النهر وكان هذه المسائل
178

سأل عنها إبراهيم بن رستم وأبو عصمة سعد بن معاذ المرويان أبا يوسف أو ابن المبارك رضي
الله عنهم ثم فرع محمد رحمه الله على ذلك فقال فسألته هل لاحد من أهل هذا النهر الخاص
أن يتخذ عليه رحا ماء يكرى لها نهرا منه في أرضه يسيل فيه ماء النهر ثم يعيده إليه وذلك
لا يضر بأهل الشرب قال ليس له ذلك لأنه من أعلاه إلى أسفله مشترك بينهم فليس لأحد
منهم أن يحدث فيه حدثا ولا يتخذ عليه جسرا ولا قنطرة الا برضاهم بمنزلة طريق خاص
بين قوم والجسر اسم لما يوضع ويرفع مما يتخذ من الخشب والألواح والقنطرة ما يتخذ من
الآجر والحجر ويكون موضوعا ولا يرفع وكل ذلك يحدثه من يتخذه في ملك مشترك فلا
يملكه الا برضاهم سواء كان منهم أو من غيرهم ثم من يتخذه إذا كرى له نهرا منه ففيه كسر
ضفة النهر وتغيير الماء عن سننه فلا بد أن ينتقص الماء منه فإنه إذا كان يجرى على سننه
لا يتبين فيه نقصان وإذا انفرج يتبين فيه النقصان وان عاد إلى النهر وكذلك العين أو البركة
يكون بين قوم فالشركة فيهما خاصة كما بينا وسألته عن نهر بين رجلين له خمس كوى من هذا
النهر الأعظم وأحد الرجلين أرضه في أعلى هذا النهر والآخر أرضه في أسفل هذا النهر فقال
صاحب الأعلى أنى أريد أن أشد بعض هذه الكوى لان ماء النهر يكثر فيفيض في أرضى
وأتأذى منه ولا يبلغك حتى يقل فيأتيك منه ما ينفعه قال ليس له ذلك لأنه يقصد الاضرار
بشريكه ثم ضرر النزلاء يلحق صاحب الأعلى بفعل صاحب الأسفل بل تكون أرضه في أعلى
النهر وبمقابلة هذا الضرر منفعة إذا قل الماء ولو سد بعض الكوى يلحق صاحب الأسفل
ضرر لنقصان صاحب الأعلى وهو ممنوع من ذلك كما لو أراد أن يسكر النهر وكذلك لو قال
اجعل لي نصف هذا النهر ولك نصفه فإذا كان في حصة سددت منها ما بدا لي وأنت في
حصتك تفتحها كلها فليس له ذلك لان القسمة قد تمت بينهما مرة بالكوى فلا يكون لاحد
أن يطالب بقسمة أخرى وفى القسمة الأولى الانتفاع بالماء لكل واحد منهما مستدام وفيما
يطالب هذا به يكون انتفاع كل واحد واحد منهما بالماء في بعض المدة وربما يضر ذلك بصاحب
الأسفل فان تراضيا على ذلك فلهما ما تراضيا عليه فان أقاما على هذا التراضي زمانا ثم بدا
لصاحب الأسفل أن ينقض فله ذلك لان كل واحد منهما معير لصاحبه نصيبه من الشرب
في نوبته من الشهر وللمعير أن يرجع متى شاء وكذلك لورثته بعد موته لأنهم خلفاؤه في ذلك
وهذا لأنه لا يمكن أن يجعل ما تراضيا عليه مبادلة فان بيع الشرب بالشرب وإجارة الشرب
179

بالشرب باطل وسألته عن نهر بين رجلين لهما أربع كوى فأضاف إليها رجل أجنبي كوتين
في نهرهما برضاهما حتى إذا انتهى إلى أسفل النهر كرى منه نهرا إلى أرضه ثم بدا لأحدهما أن
ينقضه بعد زمان أو بدا لورثته أو لبعضهم بعد موته نقضه فله ذلك لأنهم أعاروا الأجنبي
النهر ليجرى ماءه فيه إلى نهره خاصة فلهم أن يستردوا العارية متى شاؤوا لكل واحد منهم ذلك
في نصيبه (ألا ترى) أن لأحدهم أن يأبى ذلك في الابتداء فله أن ينقضه أيضا في الانتهاء
وهذا لان رضا بعض الشركاء معتبر في حقه لا في حق بقية الشركاء (ألا ترى) أن من
أراد أن يتطرق في طريق مشترك شركة خاصة فيرضى به بعض الشركاء دون البعض لم يكن
له أن يتطرق فيه وهذا لأنه لا يتصور انتفاعه بنصيب التراضي على الخصوص بل يكون
انتفاعه بنصيب جميع الشركاء فليس له أن ينتفع بنصيب المانع الا برضاه وسألته عن نهر
خاص من النهر الأعظم بين قوم لكل واحد منهم نهر منه فمنهم من يكون له كوتان ومنهم
من يكون له ثلاث فقال صاحب الأسفل لصاحب الأعلى أنكم تأخذون أكثر من نصيبكم
لان دفقة الماء وكثرته وفى رواية لان دفعة الماء وكثرته من أعلى النهر فدخل في كواكم
شئ كثير ولا ماء هنا الا وهو قليل غائر فنحن نريد ان ننقصكم بقدر ذلك ونجعل لكم
أيام معلومة ونسد فيها كوانا ولنا أياما معلومة تسدون فيها كواكم قال ليس لهم ذلك ويترك
على حاله كما كان قبل اليوم لأنها قسمت مرة فلا يكون لبعضهم أن يطالب بقسمة أخرى ثم
الأصل ان ما وجد قديما فإنه يترك على حاله ولا يغير الا بحجة وقد ذكرنا هذا في أول الوكالة
في حديث عثمان رضي الله عنه حيث قال أرأيت هذا الضفير أكان على عهد عمر رضي الله عنه
ولو كان جور الماء تركه عمر رضي الله عنه وكذلك أن قال أهل الأسفل نحن نريد أن
نوسع رأس النهر ونزيد في كواه وقال أهل الأعلى أن فعلتم ذلك كثر الماء حتى يفيض في
أرضنا وينز لم يكن لأهل الأسفل ان يحدثوا فيه شيئا لم يكن لأنهم يتصرفون فيما هو مشترك
على وجه بضر ببعض الشركاء فيمنعون من ذلك وان باع رجل منهم كوة له فيه كل يوم بشئ
معلوم أو أجرة لم يجز لأنه غرر لا يعرف وهو ليس بملك وبيع مجرد الحق باطل وسألته عن
هذا النهر إذا خافوا أن ينبثق وأرادوا أن يحصنوه فامتنع بعضهم من الدخول معهم قال إن
كان فيه ضرر عام أجبرتهم جميعا على تحصينه بالحصص لان في ترك الاجبار هنا تهييج الفتنة
وتسكين الفتنة لازم شرعا فلأجل التسكين يجبرهم الامام على تحصينه بالحصص فإن لم يكن
180

فيه ضرر عام لم أجبرهم عليه وأمرت كل انسان أن يحصن نصيب نفسه يعني بطريق الفتوى
لان التدبير في الملك يكون إلى المالك فإذا لم يكن فيه ضرر عام كان له رأى في ذلك من التعجيل
والتأجيل وربما لا يتمكن منه في كل وقت ولا يتفرغ لذلك بخلاف الكرى فان بعض الشركاء
في هذا النهر الخاص إذا امتنع من الكرى أجبر عليه إذا طلبه بعض الشركاء لان ذلك شئ
قد التزموه عادة فحاجة النهر إلى الكرى في كل وقت معلوم بطريق العادة فالذي يأبى الكرى
يريد قطع منفعة الماء عن نفسه وشركائه وليس له ذلك فلهذا أجبر عليه فأما البثق فموهوم غير
معلوم الوقوع عادة فإذا لم يكن فيه ضرر عام لا يجبر الممتنع من ذلك لحق موهوم لشريكه
وسألته عن رجل اتخذ في أرض له رحا ماء على هذا النهر الأعظم الذي للعامة مفتحة في أرضه
ومصبه في أرضه لا يضر بأحد فأراد بعض جيرانه أن يمنعوه من ذلك قال ليس له أن يمنعه
لان تصرفه في خالص ملكه وشق نهر من هذا النهر الأعظم لمنفعة الرحا كشق نهر من
هذا النهر الأعظم ليسقي به أرضا أحياها وقد بينا انه لا يمنع من ذلك لأنه لم يدخل الماء في
المقاسم بعد فهذا مثله قال وسألته عن هذا النهر الأعظم إذا كانت عليه أرض لرجل خدها الماء
فنقص الماء وجرز عن أرض فاتخذها هذا الرجل وجرها إلى أرضه قال ليس له ذلك لان
الأرض جرز عنها الماء من النهر الأعظم وهو حق العامة قد يحتاجون إليه إذا كثر الماء في
النهر الأعظم أو تحول إلى هذا الجانب فليس له أن يجعلها لنفسه بأن يضمها إلى أرضه إذا كان
ذلك يضر بالنهر ومنهم من يروى جرز وهو صحيح قال الله تعالى أو لم يروا انا نسوق الماء إلى
الأرض الجرز وسألته فقلت بلغني أن الفرات بأرض الجزيرة يجرز عن أرض عظيمة فيتخذها
الرجل مزرعة وهي في حد أرضه قال ليس له ذلك إذا كان يضر بالفرات لان هذا حق
عامة المسلمين وإن كان لا يضر بالفرات فله ذلك عندهما بغير إذن الإمام وعند أبي حنيفة
رحمه الله اذن الامام بمنزلة إيحاء الموات قال وإذا حصنها من الماء فقد أحياها لأن هذه
الأرض صالحة للزراعة وإن كان لا يتمكن من زراعتها لأجل الماء فإذا حصنها منه فقد أحياها
فأما سائر الأراضي فبمجرد التحصين لا يتم الاحياء بل ذلك تحجر فإنها إنما تصير صالحة
للزارعة إذا أحرق الحصائد فيها وبقي الحشيش منها وكربها فبذلك يتم احياؤها وسألته عن
نهر بين قوم يأخذ من هذا النهر الأعظم له فيه كوى مسماة ولكل رجل منهم نهر من
هذا النهر الخاص فأراد رجل أن يسد كوة له ويفتح كوة أعلى من تلك في ذلك النهر قال
181

ليس له ذلك لأنه يكسر ضفة النهر المشترك ويريد أن يزيد في حقه لان دخول الماء في أعلى
النهر من كوة يكون أكثر من دخوله في أسفل النهر في مثل تلك الكوة وهذا بخلاف
الطريق فمن يكون طريقه في أعلى السكة الخاصة إذا أراد أن يجعله في أسفل السكة لا يمنع
منه لان هناك هو بتصرفه لا يزيد في حقه فهو الذي يتطرق في ذلك الطريق سواء كان
باب داره في أعلى السكة أو في أسفلها ثم هناك إنما يتصرف في حائط هو ملكه بفتح باب
في أسفله (ألا ترى) انه لو أراد أن يفتح بابين أو ثلاثة أو يرفع جميع الحائط لم يمنعه أحد
من ذلك بخلاف الكوي فإنه إن أراد أن يزيد كوة أخرى منع من ذلك فكذلك إذا أراد أن
يحولها من جانب إلى جانب وسألته عن هذه الكوى لو أراد صاحبها أن يكريها فيسفلها
عن موضعها ليكون أكثر لاخذها من الماء قال له ذلك لأنه بالكرى يتصرف في خالص
ملكه (ألا ترى) ان له أن يكرى جميع النهر فكذلك له أن يكري هذا الموضع قال رضي الله عنه
وكان شيخنا الامام رحمه الله يقول هذا إذا علم أنها في الأصل كانت مسفلة فارتفعت
بانكباس ذلك الموضع من الماء فإنه بالكري يعيدها إلى الحالة الأولى وذلك حقه فاما إذا علم أنها
كانت بهذه الصفة فأراد أن يسفلها منع من ذلك لأنه يريد أن يزيد على مقدار حقه من
الماء وكذلك أن أراد أن يرفع الكوى وكانت متسفلة ليكون أقل للماء في أرضه فله ذلك وعلى
ما قال شيخنا الامام رحمه الله هذا إذا كان هو بالرفع يعيدها إلى ما كانت عليه في الأصل فأما
إذا أراد أن يغيرها عما كانت عليه في الأصل فيمنع عنه (قال الشيخ الامام رحمه الله) والأصح
عندي انه لا يمنع على كل حال لان القسمة في الأصل باعتبار سعة الكوة وضيقها من غير اعتبار
السفل والترفع هو العادة بين أهل مرو فإنما يمنع من يوسع الكوة ويضيقها ولا يمنع من أن
يسفلها أو أن يرفعها لأنه ليس فيه تغيير ما وقعت القسمة عليه وسألته عن نهر خاص لرجل من
هذا النهر الخاص أراد أن يقنطر فيه ويستوثق منه قال له ذلك لأنه يتصرف في خالص ملكه
وإن كان مقنطرا أو مستوثقا منه فأراد أن ينقص ذلك لعلة أو غير فإن كان ذلك لا يزيد في
أخذ الماء فله ذلك لأنه يرفع بناء هو خالص ملكه وإن كان يزيد في أخذه الماء منع منه لحق
الشركاء فان أراد أن يوسع فم النهر منع من ذلك لأنه بهذا التوسع يرفع ضفة النهر المشترك من
الجانبين وهو ممنوع من ذلك ثم يزيد على هذا مقدار حصة في أصل الماء أما في الموضع الذي
لا تكون القسمة بالكوى فغير مشكل أو في الموضع الذي تكون القسمة بالكوى إذا وسع
182

فم النهر احتبس الماء في ذلك الموضع فيدخل في كواه أكثر مما يدخل إذا لم يوسع فم النهر
وكذلك إذا أراد أن يؤخر الكوى عن فم النهر فجعلها في أربعة أذرع من فم النهر إلى أسفله
فليس له ذلك لأن الماء يحتبس في ذلك الموضع فيدخل في كواه أكثر مما يدخل إذا كانت
الكوى في فم النهر وسألته عن رجل مات ممن له هذا الشرب قال الشرب ميراث بين ورثته
لأنهم خلفاؤه يقومون مقامه في املاكه وحقوقه وقد تملك بالميراث ما لا يملك بسائر أسباب
الملك كالقصاص والدين والخمر يملك بالإرث فكذلك الشرب وان أوصى فيه بوصية جاز لان
الوصية أخت الميراث ثم ما امتنع البيع والهبة والصدقة في الشرب للغرور والجهالة أو لعدم
الملك فيه في الحال والوصية بهذه الأسباب لا تبطل (ألا ترى) أن الوصية بما يثمر نخيله
العام يصح فكذلك الوصية بالشرب وسألته عن أمير خراسان إذا جعل لرجل شربا في هذا
النهر الأعظم وذلك الشرب لم يكن فيما مضى أو كان له شرب كوتين فزاد مثل ذلك وأقطعه
إياه وجعل مفتحه في أرض يملكها الرجل أو في أرض لا يملكها قال إن كان ذلك يضر بالعامة
لم يجز فإن كان لا يضر بهم فهو جائز إذا كان ذلك في غير ملك أحد لان للسلطان ولاية
النظر دون الاضرار بالعامة ففيما لا يضر بالعامة يكون هذا الاقطاع منه نظرا لمن أقطعه إياه
وفيما يضر بهم يكون هذا الاقطاع اضرارا بالعامة وليس له ذلك يوضحه ان فيما يضر بهم
لكل واحد منهم أن يمنع من ذلك فالامام في الاقطاع يكون مبطلا حقه وله ولاية استيفاء
حق العامة لا ولاية الابطال وفيما لا يضر بهم قد كان له أن يحدث ذلك بغير اقطاع من الامام
فبعد الاقطاع أولى وإذا أصفى أمير خراسان شرب رجل وأرضه وأقطعها لرجل آخر لم يجز
ويرد إلى صاحبها الأول والى ورثته والمراد بالاصفاء الغصب ولكن حفظ لسانه ولم يذكر
لفظ الغصب في أفعال السلاطين لما فيه من بعض الوحشة واختار لفظ الاصفاء ليكون أقرب
إلى توقير السلطان وكان أبو حنيفة رحمه الله يوصى أصحابه بذلك فينبغي للمرء أن يكون مقبلا
على شأنه حافظا للسانه موقرا لسلطانه ثم في هذا الفعل السلطان كغيره شرعا قال النبي صلى الله
عليه وسلم على اليد ما أخذت حتى ترد وتمليك ملك غيره من غير المالك يكون لغوا فيجب رد
ذلك على صاحبه إن كان حيا وعلى ورثته بعد موته وهكذا فيما حازه لنفسه من أملاك الناس
(ألا ترى) ان عمر بن عبد العزيز رحمه الله لما استخلف أمر برد أموال بيت المال على أربابها
لان من كان قبله من بنى أمية كانوا أخذوها ظلما وإذا تزوج الرجل المرأة على شرب بغير
183

أرض فالنكاح جائز وليس لها من الشرب شئ لان الشرب بدون الأرض لا يحتمل التمليك
بعقد المعاوضة ولأنه ليس بمال متقوم ولهذا لا يضمن بالاتلاف بعقد ولا بغيره ثم هو مجهول
جهالة متفاحشة فلا يصح تسميته ولكن بطلان التسمية لا يمنع جواز النكاح بمنزلة ترك التسمية
فيكون لها مهر مثلها ان دخل بها والمتعة ان طلقها قبل الدخول بها ولو أن امرأة اختلعت من
زوجها على شرب بغير أرض كان باطلا ولا يكون له من الشرب شئ ولكن الخلع صحيح
وعليها أن ترد المهر الذي أخذت لأنها أطمعت الزوج بهذه التسمية فيما هو مرغوب فيه
فتكون غارة له بهذه التسمية والغرور في الخلع يلزمها رد ما قبضت كما لو اختلعت بما في بيتها
من المتاع فإذا ليس في بيتها شئ والصلح في الدعوى على الشرب باطل لان المصالح عليه مما
لا يملك بشئ من المعقود وقد بينا أن ما لا يستحق بشئ من المعقود فالصلح عليه باطل
وصاحب الدعوى على دعواه وحقه فإن كان قد شرب من ذلك الشرب مدة طويلة فلا
ضمان عليه فيه لان الشرب ليس بمحل للعقد أصلا فكان العقد فيه كالاذن المطلق فإن كان
الصلح عليه من قصاص في نفس أو فيما دونه فالصلح باطل وجاز العفو وعلى القاطع الدية وأرش
الجراحة لان الصلح من القود على شرب نظير الخلع على معنى ان جهالة البدل وان تفاحشت
في كل واحد منهما فالخلع والصلح صحيح باعتبار انه اسقاط ليس فيه تمليك الا ان في الصلح
عن القود إذا لم يثبت المسمى وتمكن في التسمية معني الغرور يجب رد الدية وفى الخلع يجب
رد المقبوض لان النفس تتقوم بالدية والبضع عند خروجه من ملك الزوج لا يتقوم فيجب
رد المقبوض لدفع الضرر والغرور ولو مات صاحب الشرب وعليه ديون لم يبع في دينه إلا أن
يكون معه أرض فيباع مع أرضه لان في حال حياته كان لا يجوز منه بيع الشرب بدون
الأرض فكذا بعد موته وقد تكلم مشايخنا رحمهم الله في أن الامام ماذا يصنع بهذا الشرب
فمنهم من يقول يتخذ حوضا ويجمع فيه ذلك الماء في كل يومه ثم يبيع الماء الذي جمعه في الحوض
بثمن معلوم فيقضي به الدين (قال الشيخ الامام الاجل) رحمه الله والأصح عندي انه ينظر
صاحب أرض ليس له شرب فيضم ذلك الشرب إلى أرضه ويبيعهما برضاه ثم ينظر إلى قيمة
الأرض بدون الشرب ومع الشرب فيجعل تفاوت ما بينهما من الثمن مصروفا إلى قضاء دين
الميت وما وراء ذلك لصاحب الأرض وإن لم يجد ذلك اشترى على تركة هذا الميت أرضا بغير
شرب ثم ضم هذا الشرب إليها وباعها فيصرف الثمن إلى قضاء ثمن الأرض المشتراة وما يفضل
184

من ذلك للغرماء وكذلك لو أوصي أن يباع من هذا الرجل أو يوهب له أو يتصدق عليه
كان ذلك باطلا لأنه لو باعه بنفسه في حياته لم يجز فكذلك إذا أوصى أن يباع منه بعد موته
قال إلا أن يكون معه أرض فيجوز من ثلثه يريد الهبة أو الصدقة أو المحاباة في البيع فان ذلك
يجوز من ثلثه قال وان أوصى أن يسقي أرض فلان يوما أو شهرا أو سنة من شربه أجزت
ذلك من ثلثه لما بينا أن الوصية بالشرب كالوصية بالغلة المجهولة وذلك ينفذ من ثلثه وان مات
الذي له الوصية بطلت وصيته في الشرب قال وهي بمنزلة الخدمة يعنى إذا أوصي بخدمة عبده
لإنسان فمات الموصى له بطلت الوصية وهذا لان الشرب كالمنفعة إلا أنها مجهولة جهالة
لا تقبل الاعلام والخدمة تقبل الاعلام ببيان المدة فيجوز استحقاقها بالإجارة إذا كانت
معلومة فيجوز استحقاقها بالوصية من الثلث وإن لم يكن معلوما ببيان المدة فكذلك استحقاق
الشرب بالوصية يجوز وان كانت مجهولة ولكن الاستحقاق للموصى له باعتبار حاجته فيبطل
بموته لان الورثة يخلفونه فيما كان ملكا أو حقا متأكدا له وذلك غير موجود في الشرب
كما في الخدمة فان أوصى أن يتصدق بشربه على المساكين فهذا باطل لان حاجة المساكين
إلى الطعام دون الماء وإنما يحتاج إلى الشرب من له أرض وليس للمساكين ذلك ولا بدل
للشرب حتى يصرف بدله إلى المساكين فإنه لا يحتمل البيع والإجارة فكان باطلا وكذلك
لو قال في حياته هو صدقة في المساكين ان فعلت كذا ففعله لم يلزمه شئ لأنه لا طريق
لتنفيذ هذه الوصية في عين الشرب ولا في بدله إلا أن يكون معه أرض فحينئذ تصح وصيته
ونذره فتنعقد يمينه فإذا حنث يجب تنفيذه في التصدق بعينه أو بقيمته بعد البيع ولو أوصى
بان يسقى مسكينا بعينه في حياته فذلك جائز فيه باعتبار عينه كما لو أوصى له بعين بخلاف
ما أوصي به في المساكين فتصحيح تلك الوصية باعتبار التقرب إلى الله تعالى يجعل شئ من
ماله خالصا لله تعالى ليكون مصروفا إلى سد خلة المحتاجين وذلك لا يتأتى في الشرب بدون
الأرض ولو باع الشرب بعبد وقبض العبد وأعتقه جاز عتقه ويضمن قيمته لأن العقد في
العبد فاسد فان شراء العبد من غير تسمية الثمن يكون فاسدا فكذلك عند تسمية الشرب
والمشترى شراء فاسدا يملك بالقبض فينفذ العتق فيه وعلى المشتري ضمان القيمة وكذلك
لو كانت أمة فوطئها فولدت منه كانت أم ولد وعليه قيمتها وعقرها وذكر هذه المسألة
في موضع آخر من هذا الكتاب ولم يذكر العقد وهو الأصح وقد قال في البيوع في المشتراة
185

شراء فاسدا وليس عليه عقر في وطئها وقد بينا في البيوع وجه الروايتين والتوفيق بينهما
وكذلك لو أجره بعبد فأعتقه لان البدل في الإجارة إذا كان عينا فهو كالمبيع فيصير مملوكا
بالقبض وينفذ العتق فيه ويجب رد قيمته ولو ادعى شربا في يدي رجل انه بغير أرض فإنه
ينبغي في القياس أن لا يقبل منه ذلك لان شرط صحة الدعوى اعلام المدعى في الدعوى
والشهادة والشرب مجهول جهالة لا تقبل الاعلام ولأنه يطلب من القاضي أن يقضى له بالملك
في المدعى إذا أثبت دعواه بالبينة والشرب لا يحتمل التمليك بغير أرض فلا يسمع القاضي فيه
الدعوى والخصومة كالخمر في حق المسلمين ولكن في الاستحسان يقبل ببينة ويقضي له به
لان الشرب مرغوب فيه ومنتفع به وقد يكون الاستحقاق فيه للانسان منفردا عن الأرض
بالميراث والوصية وقد يبيع الأرض بدون الشرب فيبقى له الشرب وحده فإذا استولى عليه
غيره كان له أن يدفع الظلم عن نفسه باثبات حقه بالبينة ثم القاضي لا يملكه بالقضاء شيئا ابتداء
ولهذا لا ينفذ قضاؤه باطنا في الاملاك المرسلة وإنما يظفر بقضاء حقه أو ملكه والشرب يحتمل
ذلك (ألا ترى) انه يقضى له بالدين بالحجة والدين في ذمة الغير لا يحتمل التمليك ابتداء وإذا
كانت لرجل أرض ولرجل فيها نهر يجرى فأراد رب الأرض أن لا يجرى النهر في أرضه لم
يكن له ذلك بل يترك على حاله لأنه وجد كذلك لان موضع النهر في يد صاحب النهر لأنه
مستعمل له باجراء مائة فيه فعند الاختلاف القول قوله في أنه ملكه فإن لم يكن في يده ولم يكن
جاريا سألته البينة على أن هذا النهر له فان جاء ببينة قضيت به له لاثباته حق نفسه بالحجة وإن لم
يكن له بينة على أصل النهر وجاء ببينة انه كان مجراه في هذا النهر يسوقه إلى أرضه حتى يسقيها
منه أجزت ذلك لأنهم شهدوا له بحق مستحق في النهر وهو المجرى وقد بينا نظائر هذا في
الطريق والمسيل وبينا أن الجهالة هناك لا تمنع قبول الشهادة فكذا المجرى هنا وكذلك المصب
إذا كان نهره ذلك يصب في أرض أخرى فمنعه صاحب الأرض السفلى المجرى وأقام بينة على
أصل النهر أنه له وأقام البينة على أن له فيه مصبا أجزت ذلك لان المصب كالمسيل ولو أقام
البينة ان له مسيل ماء على سطح جاره كانت البينة مقبولة فهذا مثله ولو سقى الرجل أرضه
أو شجرها أو ملأها ماء فسال من مائها في أرض رجل فغرقها لم يكن عليه ضمانها لأنه في
هذا التسبيب غير متعد بل هو متصرف في ملك نفسه وللإنسان أن يتصرف في ملك نفسه
مطلقا والمتسبب إذا لم يكن متعديا في تسببه لا يكون ضامنا كحافر البئر وواضع الحجر في
186

ملكه وهو نظير ما لو أوقد النار في أرضه فوقع الحريق بسبب ذلك فإنه لا يكون ضامنا
لكونه متصرفا في خالص ملكه وكذلك لو نزت أرض جاره من هذا الماء ولو اجتمع في هذا
الماء سمك فصاده رجل كان للصياد لقوله عليه الصلاة والسلام الصيد لمن أخذه وهو نظير
ما لو اصطاد من أرض رجل ظبيا فأن يكون له دون صاحب الأرض وإن كان لصاحب
الأرض أن يمنعه من الدخول في أرضه وإذا كانت لرجل أرض فيها مراعى فاجر مراعيها
أو باعها كل سنة بشئ مسمى ترعي فيها غنم مسماة فان ذلك لا يجوز لان المقصود هو
الكلأ وهو على أصل شركة الإباحة لا اختصاص لصاحب المرعى به ثم هذا استئجار
المقصود به استهلاك العين وشراء ما هو مجهول لا يعرف فيكون باطلا كبيع الشرب واجارته
ولو أخذ صاحب الأرض شيئا من هذا فأحرزه ثم باعه كان جائزا بمنزلة الماء الذي أحرزه
في الأواني وهذا لان ملكه بالاحراز فيه قد تم وهو متقوم لكونه منتفعا به ولو كان زرع
رجل قصيلا في أرضه ثم أجره من رجل يرعي فيه غنمه كان باطلا لان المقصود بهذا
الاستئجار استهلاك العين ولأنه إنما يستحق بالإجارة ما لا يجوز بيعه والقصيل عين يجوز
بيعه فلا يستحق بالإجارة على المستأجر قيمة ما رعت غنمه من ذلك لأنه صار مستوفيا مستهلكا
له بحكم عقد فاسد وهذا بخلاف الكلأ في المرعى فقد نبت ذاك من غير انبات أحد فكان
على أصل الإباحة المشترى والبائع في الانتفاع به سواء وهذا مما استنبته صاحب الأرض
فيكون مملوكا له حتى لو باعه جاز بيعه وإنما لم تجز اجارته لما قلنا ولمعنى الغرر فيه فإذا أتلف
ملكا متقوما لغيره بسبب عقد فاسد كان مضمونا عليه بقيمته ولو أستأجر مرعى لعبد بعينه
فرعاه في تلك السنة لم يضمن ما رعي ويأخذ عبده لأن العقد كان فاسدا فيسترد عبده بحكم
العقد الفاسد فإن كان المؤاجر قد أعتقه أو باعه جاز ذلك ويضمن قيمته لأنه ملكه بالقبض
بحكم عقد فاسد فينفذ عتقه فيه وهذا لان البيع محل للملك فينفذ العقد مقيدا بحكمه وهو
نظير ما إذا اشترى عبدا بشرب بخلاف العبد بالربح فهناك وان قبض المشترى لا يملكه ولا
ينفذ عتقه فيه بمنزلة البيع بالميتة والدم لان الربح لا يتقوم بالعبد بحال ولا يدخل في العقد
أصلا فبتسميته يخرج السبب من أن يكون تمليك مال بمال فاما الشرب والكلأ فمما يجوز
أن يستحق بالعقد تبعا للأرض وهو منتفع به شرعا (ألا ترى) انه يتصور فيه الاحراز
الموجب للملك وبعد الاحراز يكون مالا متقوما فقبل الاحراز ينعقد العقد بتسميته على
187

ما هو محل للتمليك بالعقد فينفذ عتقه فيه بعد القبض ولو تزوج امرأة على أن يرعي غنمها
في أرضه سنة كان لها مهر مثلها لان شرط صحة التسمية أن يكون المسمى مالا متقوما في
نفسه أو يستحق بذكره تسليم مال والكلاء والشرب قبل الاحراز ليس بمال فلا تصح
تسميته في النكاح ولو أوصى بكلا في أرضه سنين أو وهبه أو صالح عليه من قصاص أو مال
كان القول فيه كالقول في الشرب لاستوائهما في المعنى فكل واحد منهما مبقى على شركه
الإباحة قبل الاحراز ولو أحرق كلاء أو حصائد في أرضه فذهبت النار يمينا وشمالا وأحرقت
شيئا لغيره لم يضمنه لأنه غير متعد في هذا التسبب فان له أن يوقد النار في ملك نفسه مطلقا
وتصرف المالك في ملكه لا يتقيد بشرط السلامة قال بعض مشايخنا رحمهم الله وهذا إذا
كانت الرياح هادية حين أوقد النار فاما إذا أوقد النار في يوم ريح على وجه يعلم أن الريح
يذهب بالنار إلى ملك غيره فإنه يكون ضامنا بمنزلة ما لو أوقد النار في ملك غيره (ألا ترى)
أن من صب في ميزاب مائعا وهو يعلم أن ما تحت الميزاب انسان جالس فأفسد ذلك المائع
ثيابه كان الذي صبه ضامنا وإن كان صبه في ملك نفسه ولو أن رجلا أتى طائفة من
البطيحة مما ليس لأحد فيه ملك مما قد غلب عليه الماء فضرب عليه المسناة واستخرجه
وأحياه وقطع ما فيه من القصب رأيتها له بمنزلة أرض الميتة وكذلك ما عالج من أجمة أو جزيرة
في بحر بعد أن لا يكون لاحد فيه ملك لان هذا كله من جملة الموات وقد بينا حد الموات
فأعاد ذلك هنا وذكر أن كل أرض من السواد والجبال التي لا يبلغها الماء من أرض العرب
مما لم يكن لاحد فيها ملك فهو كله من الموات ومراده ما كان من فناء العمران وقد بينا
أن ذلك من حق السكان في العمران ولو أحياه وكان له مالك قبل ذلك رددته إلى مالكه
الأول ولم أجعل للثاني فيه حقا ولكنه ضامن لما قطع من قضبها لان ملك الغير محترم لحرمة
المالك فلا يكون له أن يتملك عليه بالاحياء بغير رضاه ولكنه أتلف ما قطع من قضبها وكانت
مملوكة لصاحبها فعليه ضمانها وإن كان الثاني قد زرعها فالزرع له وهو ضامن لما نقص من
الأرض بمنزلة من غصب أرضا فزرعها وان احتفر الرجل بئرا في مفازة باذن الامام فجاء
رجل آخر واحتفر في حريمها المذكورة بئرا كان للأول أن يسد ما احتفره الثاني لان حريم
البئر صار مملوكا لصاحب البئر إذا حفر باذن الامام والثاني متعد في تصرفه في ملكه فلا يستحق
بهذا التصرف شيئا ولأنه ضامن للنقصان وللأول أن يأخذه بسد ما احتفر وهو عرق ظالم
188

ولا حق له بظاهر الحديث وكذلك لو بني أو زرع أو أحدث فيه شيئا للأول أن يمنعه
من ذلك لملكه ذلك الموضع وما عطب في بئر الأول فلا ضمان عليه فيه لأنه غير متعد
في حفره وما عطب في بئر الثاني فهو مضمون على الثاني لأنه متعد في تسببه ولو أن الثاني
حفر بئرا بأمر الإمام في غير حريم الأول وهي قريبة منه فذهب ماء البئر الأول وعرف ان
ذهاب ذلك من حفر الثاني فلا شئ له عليه لأنه غير متعد فيما صنع بل هو محق في الحفر في
غير حريم الأول والماء تحت الأرض غير مملوك لاحد فليس له أن يخاصمه في تحويل ماء بئره
إلى بئر الثاني كالتاجر إذا كان له حانوت فاتخذ آخر جنبه حانوتا لمثل تلك التجارة فكسدت
تجارة الأول بذلك لم يكن له أن يخاصم الثاني ولو احتفر قناة بغير إذن الإمام في مفازه ثم
ساق الماء حتى أتى به أرضا فأحياها فإنه يجعل لقتاته ومخرج مائة حريما على قدر ما يصلحه
وهذا بناء على قولهما فاما عند أبي حنيفة رحمه الله إذا فعل ذلك باذن الامام يستحق الحريم
للموضع الذي يقع الماء فيه على وجه الأرض فأما إذا كان بغير إذا الامام فلا وهذا بمنزلة
ما لو أخرج عينا الا انه تحرز عن بيان المقدار فيه بالرأي ولم يجد في القناة نصا بعينه فقال حريمه
بقدر ما يصلحه فاما في الموضع الذي لا يقع ماؤه على الأرض من القناة فبمنزلة النهر إلا أنه
يجرى تحت الأرض وقد بينا الكلام في الحريم للنهر فكذلك القناة وإذا كانت القناة على هذا
الوجه بين رجلين والأرض بينهما ثم استحيا أحدهما أرضا أخرى فأراد أن يسقيها لم يكن له
ذلك بمنزلة نهر مشترك بين رجلين وهذا لأنه يريد أن يستوفى أكثر من حقه ويثبت لهذه
الأرض الأخرى شربا من هذه القناة فلا يملك ذلك الا برضا شريكه ولو كان نهر بين قوم
لهم عليه أرضون لكل رجل منهم أرض معلومة فأراد بعضهم أن يسوق شربه إلى أرض أخرى
لم يكن لها في ذلك النهر شرب فيما مضى فليس له ذلك لأنه يستوجب بذلك في النهر غير ما لم
يكن له قبل ذلك أما إذا كان يسقى أرضه التي لها شرب من هذا النهر مع ذلك فهو يستوفى
أكثر من حقه وإن كان يريد أن يسوق شربه الأول إلى هذه الأرض الأخرى لم يكن له
ذلك أيضا لأنه إذا فعل ذلك وتقادم العهد ادعى للأرض شربا من هذا النهر مع الأول واستدل
على ذلك بالنهر المعد لاجراء الماء فيه من ذلك النهر إلى هذه الأرض فهذا معنى قوله يستوجب
بذلك في النهر شربا لم يكن له قبل ذلك وكذلك لو أراد أن يسوق شربه في أرضه الأولى
حتى ينتهى إلى هذه الأخرى فليس له ذلك لأنه يستوفى فوق حقه فالأرض تنشف بعض
189

الماء قبل أن ينتهى إلى هذه الأرض الأخرى ثم هذا بمنزلة طريق بين قوم إذا أراد أحدهم
أن يفتح فيه طريقا من دار أخرى وساكن تلك الدار غير ساكن هذه الدار فهو ممنوع
من ذلك وقد بينا الفرق في كتاب القسمة بين هذا وبين ما إذا كان ساكن الدارين واحد
وإذا أراد هذا الرجل أن يسقي من هذا النهر نخيلا في أرض أخرى ليس لها في هذا النهر
شرب فليس له ذلك كما لو أراد أن يسقي زرعا من هذه الأرض الأخرى وإذا استأجر
أصحاب النهر رجلا يقسم بينهم الشرب كل شهر بشئ معلوم ويقوم على نهرهم فذلك جائز
لأن العقد يتناول منافعه التي توجد في المدة وهي معلومة ببيان المدة والبدل الذي بمقابلتها معلوم
وان استأجروه بشرب من النهر مكان الآخر لم يجز لان الأجرة إذا كانت معنية فهي كالمبيع
والشرب لا يجوز أن يكون مبيعا مقصودا ويكون له أجر مثله لأنه أوفاه منافعه بعقد فاسد ولو
أعطوه كفيلا بذلك لم يجز ولو لم يكن على الكفيل شئ لان الكفيل إنما التزم المطالبة بما هو
مستحق على الأصيل وليس على الأصيل من تسليم الشرب شئ فكذلك لا يجب على الكفيل
وإذا احتفر القوم بينهم نهرا على أن يكون بينهم على مساحة أراضيهم وتكون نفقته بينهم على
قدر ذلك ووضعوا على رجل منهم أكثر مما عليه غلطا رجع بذلك عليهم لأنهم استوفوا
ذلك منه بغير حق فعليهم رده ولو وضعوا عليه أقل من نصيبه رجعوا عليه بالفضل لأنه تبين
انه ما أوفاهم بعض ما كان مستحقا عليه ولم يوجد منهم اسقاط شئ من حقهم عنه فيكون لهم
أن يرجعوا عليه بالفضل وإذا كان نهر بين قوم فاصطلحوا على أن يسموا لكل رجل منهم
شربا مسمى وفيهم الغائب والشاهد فقدم الغائب فله أن ينقض لان قسمتهم لم تكن بحضرته
ولا بحضرة نائبه ولا ولاية لهم عليه في تمييز نصيبه بالقسمة فيكون له أن يبطلها ليستوفى
حقه فإن كانوا أوفوه حقه وحازوه وقسموه وأبانوه فليس له أن ينقض لأنه لو نقض احتاج
إلى اعادته من ساعته ولا يمكن من النقض لدفع الضرر عن نفسه ولا ضرر عليه في هذا
الموضع فكان في النقض متعنتا ولا تجوز الكفالة بثمن الشرب ولا بالأجرة بمقابلة الشرب
لان ذلك ليس بمستحق على المطلوب فلا يصح التزام المطالبة بالكفالة فان نقد الكفيل
الثمن رجع به على البائع الذي نقده ان شاء لأنه استوفى منه ما لم يكن مستحقا له وان شاء
رجع به على المشترى لأنه أدى عنه بأمره ثم يرجع به المشترى على البائع لأنه ملك المؤدى
بالضمان فكان بمنزلة ما لو أداه بنفسه وإذا وكل رجل وكيلا بشربه يسوقه إلى أرضه ويقوم
190

عليه فهو جائز لان جهة الانتفاع بالشرب تتعين وقد أناب الوكيل فيه مناب نفسه فلا
يحتاج بيانه لصحة التوكيل لان الحاجة إلى البيان لتمكن الوكيل من تحصيل مقصود الموكل
وذلك فيما لا تكون الجهة متعينة فيه وليس له أن يبيع شرب أرضه كما ليس لصاحب الشرب
أن يبيعه بنفسه ولا أن يسقى أرض غيره لان ذلك تبرع وبمطلق التوكيل لا يملك التبرع كمن
وكل غيره بماله ملك الحفظ بهذا اللفظ دون التبرع وإذا اتخذ الرجل مشرعة على شاطئ
الفرات ليستقى منها السقاؤون ويأخذ منهم الاجر لم يجز ذلك لأنه لم يبتعهم شيئا ولم يؤاجرهم
أرضا معناه انهم يأخذون الماء من الفرات في أوانيهم والماء في الفرات غير مملوك لصاحب
المشرعة ثم الموضع الذي اتخذ فيه المشرعة من الأرض غير مملوك له ولو كان مملوكا فهو لم
يؤاجرهم ذلك الموضع (ألا ترى) انه في يده على حاله وشرط إجارة الأرض تسليمها إلى
المستأجر ولأنهم لا ينتفعون بالأرض وإنما ينتفعون بالماء فما يعطونه من الماء لا يكون عوضا
عن منفعة الأرض بل هو أكل مال الغير بالباطل ولو تقبل هذه المشرعة كل شهر بشئ مسمى
تقوم فيه الدواب أجزت ذلك لأنه التزم الاجر بمقابلة منفعة الأرض فان ايقاف الدواب
في موضع من الأرض انتفاع بها ويد المستأجر تثبت عليه بايقاف الدواب فيها وهي معلومة
ببيان المدة فصحت الإجارة لذلك وكذلك لو أستأجر رجل قطعة منها يوما يقيم فيها بغير
آلة جاز وهذا بخلاف الأول فان السقائين ما استأجروا موضعا معلوما ولا بينوا لوقوفهم
مدة معلومة فبطلت الإجارة هناك للغرر والجهالة وان كانت هذه المشرعة لا يملكها الذي
اتخذها فلا ينبغي له هذا ولا يصلح له بمنزلة من أراد أن يبنى دكانا في الطريق ليؤاجره
من الناس منع من ذلك وهذا لان في الطريق حق عامة المسلمين فكذلك في موضع المشرعة
من شط الفرات حق جميع المسلمين فلا ينبغي له أن يحول بينهم وبين حقهم باتخاذ المشرعة
فيه ليؤاجره فيكتسب لنفسه ولو كانت في موضع لا حق فيه لاحد فاتخذ مشرعة في
ذلك المكان كان للمسلمين أن يستقوا من ذلك المكان بغير أجر كما كان لهم ذلك قبل أن
تتخذ فيه مشرعة وهذا لان بتصرفه لا يملك ابطال حق المسلمين ولا أن يحول بينهم وبين
حوائجهم وإنما أرخص له في ذلك إذا كانت الأرض له يملك رقبتها فحينئذ لا حق لاحد
فيه خصوصا في غير وقت الضرورة ولو أراد المسلمون أن يمروا في تلك الأرض ليسقوا
من ذلك الماء فمنعهم منه فإن لم يكن له طريق غيره لم يكن له أن يمنعهم وإن كان يملك رقبتها
191

ولكنهم يمرون في أرضه ومشرعته بغير إذنه لان الموضع موضع الحاجة والضرورة فالماء
سبب لحياة العالم قال الله تعالى وجعلنا من الماء كل شئ حي فإذا لم يجدوا طريقا آخر كان
هذا الطريق متعينا لوصولهم منه إلى حاجتهم فليس له أن يمنعهم من ذلك فإن كان لهم
طريق غير ذلك كان له أن يمنعهم من ذلك لأنه لا ضرورة إلى التطرق في ملكه وهو نظير
من أصابته مخمصة يباح له أن يتناول من طعام الغير فإن كان عنده مثل ذلك الطعام لم يكن له
أن يتناول من طعام الغير بغير إذنه إلا أن هناك عند الضرورة يجب الضمان لما في التناول من
اتلاف مال متقوم على صاحبه وهنا ليس في المرور بين أرضه اتلاف شئ عليه وإذا كان لرجل
نهر في أرض رجل فأراد أن يدخل في أرضه ليعالج من النهر شيئا فمنعه رب الأرض من
ذلك فليس له أن يدخل أرضه إلا أن يمضى في بطن النهر وكذلك القناة والبئر والعين لأنه
لا حق له في أرضه ولا نفع للحاجة إلى التطرق في أرضه لتمكنه من تحصيل مقصوده بان
يمضى في أرض النهر مع أن هذا فيه ضرر خاص وفى الأول ضرر عام وقد يتحمل عند الحاجة
إلى دفع الضرر العام ما لا يتحمل عند الحاجة إلى دفع الضرر الخاص فإن كان له طريق في الأرض
فله أن يمر في طريقه إلى النهر والعين والقناة لأنه يستوفى ما هو مستحق له وإذا اصطلح
الرجلان على أن يخرجا نفقة يحفران بها بئرا في أرض موات على أن يكون البئر لأحدهما
والحريم للآخر لم يجز لأنهما قصدا التفرق بين شيئين ثبت الجمع بينهما شرعا وهو البئر
والحريم ثم استحقاق الحريم على طريق التبع لتمكن الانتفاع به من البئر فلا يجوز أن يستحق
بالشرط مقصودا منفصلا عن البئر ثم في هذا الشرط اضرار بصاحب الأرض لأنه لا يتمكن
من الانتفاع ببئره من غير حريم واعتبار الشرط للمنفعة لا للضرر وسواء كانت المنفعة
بينهما مختلفة أو متفقة وان اشترطا أن يكون الحريم والبئر بينهما نصفين على أن ينفق أحدها
أكثر مما ينفق الآخر لم يجز لان النفقة عليهما بقدر الملك فشرط المناصفة في الملك يوجب
أن تكون النفقة بينهما نصفين شرعا فيكون اشتراط زيادة النفقة على أحدهما مخالفا لحكم الشرع
فان فعلا كذلك رجع صاحب الأكثر بنصف الفضل على صاحبه لأنه أنفق بأمر صاحبه
فلا يكون متبرعا في حصة صاحبه وإذا كانت بئر في أرض بين رجلين فباع أحدهما نصيبه
من البئر بطريقه في الأرض فان ذلك لا يجوز لأنه ببيع طريقا بينه وبين آخر وأحد الشريكين
في الأرض لا يملك أن يبيع طريقا فيها لا برضا شريكه ولو باع نصف البئر بغير طريق جاز
192

ولم يكن له طريق في الأرض لما بينا أن بتسمية البئر في البيع مطلقا لا يدخل الطريق الخاص
في ملك الغير كما أن بتسمية الدار والبيت في البيع لا يدخل الطريق وان باع نصيبه من
الأرض مع البئر ونصيبه نصف الأرض جاز كله لان البيع معلوم والمشترى يقوم مقام
البائع في ملكه ولا ضرر على الشريك في صحة هذا البيع والله أعلم
(باب الشهادة في الشرب)
(قال رحمه الله) وإذا كان لرجل نهر في أرض رجل فادعى رجل فيه شرب يوم في
الشهر وأقام البينة على ذلك قضى له به وكذلك مسيل الماء لان الثابت بالبينة كالثابت باتفاق
الخصمين عليه وقد بينا أن الجهالة في الشرب والمسيل لا تمنع اثباته بالبينة ولو ادعى يومين
في الشهر فجاء بشاهد على يوم في رقبة النهر وشاهد آخر على يومين ففي قياس قول أبي حنيفة
رحمه الله لا يقضي بشئ وفى قولهما يقضى بيوم وهو نظير ما تقدم من اختلاف الشاهدين
في التطليقة والتطليقتين والألف والالفين وإن كان المدعى يدعى شرب يوم في الشهر لم تقبل
الشهادة لأنه كذب أحد شاهديه وان شهدوا أن له شرب يوم ولم يسموا عددا ولم يشهدوا
ان له في رقبة النهر شيئا لم تجز شهادتهم لان المشهود به مجهول جهالة يتعذر على القاضي القضاء
معها وان ادعى عشر نهر أو قناة فشهد له أحدهما بالعشر والآخر بأقل من ذلك ففي قول
أبي حنيفة رحمه الله الشهادة باطلة وان شهدوا بالاقرار لاختلاف الشاهدين لفظا ومعنى
وعلى قولهما تقبل على الأقل استحسانا وان شهد أحدهما بالخمس بطلت الشهادة لأنه قد شهد
له بأكثر مما ادعى وإذا ادعى رجل أرضا على نهر شربها منه فأقام شاهدين انها له ولم يذكر
الشرب سببا فانى أقضي له بها وبحصته من الشرب لان الشرب تبع الأرض واستحقاق
التبع باستحقاق الأصل وان شهدوا له بالشرب دون الأرض لم نقض له من الأرض بشئ
لان المشهود به تبع ولا يستحق الأصل باستحقاق التبع (ألا ترى) انهم لو شهدوا له
بالبناء لا يستحق موضعه من الأرض ولو شهدوا له بالأرض استحق البناء تبعا وكذلك
الأشجار مع الثمار وإذا ادعى أرضا في يد رجل فشهد له شاهد أنها له وشهد آخر على اقرار
ذي اليد بذلك لم تقبل الشهادة لاختلافهما في المشهود به فان أحدهما شهد باقرار هو كلام
محتمل للصدق والكذب والاخر شهد له بملك الأرض وهما متغايران ولو كاتب رجل عبده
193

على شرب بغير أرض أو على أرض وشرب لم يجز أما الشرب بغير أرض فلا يستحق بالتسمية
في شئ من عقود المعاوضات في الأرض مع الشرب إذا لم تكن بعينها فهي مما لا يستحق دينا
بشئ من عقود المعاوضات وان كانت أرضا بعينها لغيره لم يجز أيضا لان عقد الكتابة يستدعى
تسمية البدل فتسمية عين هو مملوك لغير العاقد لا يكون صحيحا كالبيع ولا يتصور أن يكون
مملوكا لان كسبه عند الكتابة مملوك للمولى فإنما يصير هو أحق بكسبه بعد الكتابة فيكون
هذا من المولى مبادلة ملكه بملكه وقد بينا اختلاف الروايات في الكتابة على الأعيان في
كتاب العتاق وان شهد شاهد أن فلانا أوصى له بثلث أرضه وثلث شربه وشهد آخر بثلث شربه
دون أرضه فان يقضى بثلث الشرب له لاتفاق الشاهدين عليه لفظا ومعنى وليس له في ثلث
الأرض الا شاهد واحد ولو أوصى بثلث شربه بغير أرضه في سبيل الله تعالى أو في الحج
أو الفقراء أو في الرقاب كان باطلا لان صرف الموصى به إلى هذه الجهات يكون بتمليك العين
أو بالبيع وصرف الثمن إليها والشرب لا يحتمل شيئا من ذلك فإن كان أوصى بثلث حقه في
النهر في كل شئ من ذلك جاز لأنه أوصى معه بشئ من الأرض يعنى أرض النهر وهو مما
يحتمل التمليك مع الأرض وإذا كان لرجل أرض وشرب فادعى الرجل انه اشترى ذلك منه
بألف فشهد له شاهد انه اشترى الشرب والأرض بألف وشهد الآخر انه اشترى الأرض
وحدها بغير شرب أو لم يذكر شربا فهذه الشهادة لا تجوز لان المشترى يكذب أحد شاهديه
ولان القاضي لا يتمكن من القضاء بالشرب له لان الشاهد على شراء الشرب مع الأرض
واحد والمدعى غير راض بالتزام الألف بمقابلة الأرض بدون الشرب فإن كان هذا الثاني شهد
أنه اشتراها بكل حق هو لها أو بمرافقها أو بكل قليل وكثير هو فيها أو منها جازت الشهادة
لان الشرب يدخل في شراء الأرض بذكر هذه الألفاظ وإنما اختلف الشاهدان في العبارة
بعد اتفاقهما في المعنى وذلك لا يمنع العمل بشهادتهما كما لو شهد أحدهما بالهبة والآخر بالنحلة
ولو جحد المشترى البيع وادعي رب الأرض انه باعها بألف بغير شرب فزاد أحد شاهديه
الشرب أو الحقوق أو المرافق لم تجز الشهادة لان البائع مكذب أحد شاهديه وإذا باع الرجل
شربا بأمة وقبضها فوطئها فولدت منه فهي أم لود له لأنه ملكها بالقبض بحكم عقد فاسد وهو
ضامن لقيمتها ولم يذكر العقر هنا وقد بينا أن هذا هو الأصح خصوصا فيما إذا تعذر ردها
بان صارت أم ولد له ولو وطئها رجل بشبهة وأخذ بائع الشرب المهر أو قطع رجل يدها
194

أو فقأ عينها فاخذ المشترى أرش ذلك ثم ماتت الجارية عنده ضمن قيمتها والأرش والمهر له
لأنه إنما يضمن قيمتها من وقت القبض فيتقرر ملكه فيها من ذلك الوقت فكان الأرش
والعقر حاصلا بعد ملكه فيكون له وهذا بخلاف الولد فإنها لو ولدت ثم ماتت فالمشترى
ضامن لقيمتها وعليه رد الولد مع رد القيمة لان الولد ليس بعوض عن جزء مضمون منها وإنما
يتقرر له الملك بالضمان فيتقرر الملك في المضمون أو فيما هو عوض عن المضمون أو فيما هو تبع
للمضمون لان التبع يملك بملك الأصل والولد بعد الانفصال ليس بمضمون ولا هو عوض
عن المضمون ولا هو تبع للمضمون فلا يسقط عنه وجوب رد الولد بتقرر الضمان عليه في الأم
فاما الأرش فبدل جزء مضمون وقد سلم بدل هذا الجزء لمشتري الشرب حين ضمنه قيمتها
صحيحة فلا يجوز أن يسلم له بدل آخر إذ لا يسلم للمرء بدلان عن شئ واحد وكذلك المهر فإنه
عوض عن المستوفى بالوطئ والمستوفى بالوطئ في حكم جزء من العين وقد ضمن قيمة جميع
العين فيسلم له ما كان بدل جزء من العين * فان قيل المستوفى بالوطئ في حكم جزء ولكنه جزء غير
مضمون (ألا ترى) انه إذا لم يتمكن بالوطئ نقصان فيها وتعذر استيفاء العقر من الواطئ ردها
المشترى ولم يضمن شيئا * قلنا نعم المستوفي بالوطئ جزء غير مضمون حقيقة ولكنه في حكم جزء
من العين الذي هو مضمون ولهذا قلنا إن وطئ المشترى يمنع الرد بالعيب أو بمنزلة جزء هو
ثمره كالكسب فالكسب تبع للمضمون في حكم الملك فكذلك العقر المستوفى من الواطئ
* فان قيل فالولد أيضا خلف عن جزء هو مضمون وهو النقصان المتمكن بالولادة ولهذا
ينجبر به * قلنا الخلافة بحكم اتحاد السبب لا لأنه عوض عن ذلك الجزء وإنما يمتنع رد العوض
لوصول مثله إلى بائع الجارية وذلك غير موجود في الولد ولو كانت حية فأخذ البائع الجارية
تبعها الأرش والمهر لأنه لم يتقرر ملك المشتري فيها بل انعدم من الأصل بردها ولأنه كان
يلزمه رد هذا الجزء حال قيامه فكذلك يلزمه رد بدله مع رد الأصل والله أعلم
(باب الخيار في الشرب)
(قال رحمه الله) وإذا اشترى أرضا بشربها وهو بالخيار ثلاثة أيام وفى الأرض زرع
قد اشترطه معها ثم سقى الزرع من ذلك الشرب أو من غيره أو سقي بذلك الشرب زرعا
في أرض أخرى أو نخلا أو شجرا فهذا رضا وقطع للخيار لأنه تصرف في المشترى تصرفا
195

بصفة المالك وهو لا يملكه شرعا الا باعتبار الملك ويقصد بمباشرته اصلاح الملك واحرازه فكان
دليل الرضا بتقرر ملكه ودليل الرضا في اسقاط الخيار كصريح الرضا ولو كان الخيار للبائع
وصنع شيئا من ذلك فهو قطع للخيار وفسخ للعقد لأنه مقرر لملكه بما باشر من التصرف فيه
وكذلك لو كانت نخيلا فلقحها أو أرضا فكربها أو سرقنها فهو قطع للخيار وفسخ للعقد لأنه
مقرر لملكه وكذلك لوجد النخيل أو قطف الكرم فهذا كله تصرف باعتبار الملك ويقصد
به أحراز الملك واصلاحه وإذا اشترى عشر نهر أو بئر على أنه بالخيار ثلاثة أيام ثم سقى أرضا
له من ذلك فهذا قطع للخيار بخلاف ما لو سقي منه بقرا أو غنما له أو استقى للشقة من البئر
أو للوضوء فهذا لا يكون رضا لان سقى الأرض هو المقصود بالبئر والنهر ولا يملكه شرعا
الا باعتبار ملكه فاقدامه عليه يكون تقريرا لملكه وأما الاستقاء للشقة فغير مقصود بالنهر
والبئر ولا يختص ذلك بالملك شرعا فاقدامه عليه لا يكون دليل الرضا بملكه * يوضحه أن
قبل البيع كان يملك الاستقاء من هذا البئر للشقة فكذلك بعد فسخ البيع يملكه فعرفنا
انه لا أثر للبيع فيه وان اقدامه عليه لا يوجب تنفيذ البيع فأما سقى الأرض فما كان يملكه
قبل البيع ولا بعد فسخ البيع بل إنما يمكن منه باعتبار البيع فاقدامه عليه تقرير للبيع وكذلك
لو كان الخيار للبائع فالاستقاء للشقة لا يكون قطعا لخياره لان تمكنه منه ليس باعتبار قيام ملكه
شرعا (ألا ترى) انه يتمكن منه بعد تمام البيع بالإجارة بخلاف سقى الأرض منه وإذا اشترى
نهرا وهو بالخيار ثلاثة أيام فسقى أجنبي أرضا له من ذلك النهر والمشترى لا يعلم به فليس
هذا بقطع للخيار لأنه لم يتمكن بفعل الأجنبي نقصان في العين ولا وجد من المشترى دليل
الرضا به بخلاف ما لو عيبه أجنبي في يد المشترى فان خياره إنما يسقط هناك لتمكن النقصان
في العين وعجزه عن رده كما قبض وإذا اشترى نهرا بقناة وأسقط الخيار ثلاثة أيام فان سقى
أرضه مما اشترى فهو إجازة للبيع وان سقاها مما باع فهو نقض للبيع لان خياره فيما باع خيار
للبائع فسقيه فسقيه للأرض مما باع دليل تقرر ملكه فيما باع وفيما اشترى دليل الرضا بتملكه ولو
أن الآخر هو الذي سقي أرضه منهما أو من أحدهما لم يكن هذا نقضا للبيع ولا إجارة لان
البيع في جانبه لازم وهو غير متمكن من اسقاط خيار صاحبه وهو نطير ما لو اشترى عبدا
لجاريته وشرط الخيار لنفسه ثلاثة أيام فان أعتق ما باع فهو نقض منه للبيع وان أعتق ما اشترى
فهو إجازة وان فعل ذلك صاحبه لم يكن نقضا ولا إجازة لان عتق صاحبه فيما باع لم ينفذ
196

لزوال ملكه وفيما اشترى لا ينفذ لأنه لم يملكه فان خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه
ولو اشترى بئرا وهو بالخيار ثلاثة أيام وقبضها فانخسفت أو انهدمت أو ذهب ماؤها أو
نقص نقصانا فاحشا لزمه البيع لتغير المبيع في يد المشترى فإنه باختياره يملك الرد كما قبض
ولا يملك الحاق الضرر بالبائع بالرد عليه متغيرا وقد عجز عن رده كما قبض ولو كان الخيار
للبائع فذهب ماؤها عند المشترى فالبائع على خياره ان شاء أمضى البيع وأخذ الثمن وان شاء
رد المبيع وأخذ قيمة النقصان لأنها تعينت في ضمان المشترى وذلك لا يمنع البائع من التصرف
بحكم خياره وإذا فسخ البيع بقيت مضمونة عند المشترى بالقبض والعقار يضمن بالقبض بجهة
العقد فلهذا ضمنه النقصان ولو كان الخيار للمشترى فبناها وطواها حتى عادت كما كانت لم
يكن له أن يردها لان هذا تصرف بحكم الملك وهو مسقط للخيار فكيف يعود به خياره
الذي سقط وإذا اشترى بئرا وحريمها بشرط الخيار وفى حريمها كلا فأرعاها الغنم وأبابها
في عطن البئر لم يكن هذا رضا بمنزلة ما لو سقى منها غما له أو أباتها في العطن لان تمكنه من
الكلأ شرعا ليس باعتبار الملك فقد كان متمكنا منه قبل البيع وبعد فسخ البيع بخلاف ما لو
حفر بئرا في حريمها أو بنى فيها فان هذا التصرف لا يملكه الا باعتبار ملكه فيكون اقدامه
عليه دليل الرضا ولو كان فيه شجر مما تنبته الناس فأفسدته الغنم أو قلعته كان هذا ملزما له لأنه
بمنزلة العيب الحادث في يد المشترى وذلك مسقط لخياره وكذلك لو فعل ذلك أجنبي ولو
هدم البئر انسان فضمنه المشترى قيمة الهدم كان ذلك منه قطعا للخيار لان قبل التضمين
سقط خياره للتعنيت والتضمين تصرف باعتبار الملك فلا يجوز أن يعود به ما سقط من الخيار
وكرى النهر وكسر البئر رضا بالبيع لان هذا التصرف لا يفعل الا في الملك على قصد
الاصلاح فهو كالبناء والحفر في القناة وان وقع في البئر ما ينجسه من عذرة أو شاة أو
عصفور أو فارة فماتت فذلك يلزمه البيع سواء وجب نزح جميع الماء أو نزح بعض الدلاء
لأن الماء قد تنجس بما وقع في البئر قبل النزح منه فالنجاسة في الماء عيب في العرف والتعيب
في ضمان المشترى مسقط لخياره وإذا استعار من رجل نهرا ليسقى منه به أرضه ثم اشتراه
على أنه بالخيار ثم سقى به أرضه فهذا قطع للخيار لأنه بعد الشراء إنما سقى به بحكم البيع لا بحكم
الاستعارة فان الإعارة تنقطع بزوال ملك البائع بالبيع الثابت في حقه فتقدم الاستعارة وجودا
وعدما بمنزلة وذلك لو باع المشترى الشرب بغير أرض أو ساوم به أو أجره إجارة صحيحة
197

أو أجر الشرب إجارة فاسدة أو رهن واحدا منهما أو تزوج عليه أو أعاره واحد منهما
فزرع المستعير الأرض أو سقى بالشرب أو لم يفعل فهذا كله قطع للخيار لان ما باشر من
التصرف لا يفعله الا المالك عادة فاقدامه عليه دليل الرضا بملكه ولو اشترى رحاماه بنهرها
والبيت الذي هو فيه ومتاعها على أنه بالخيار ثلاثا فان طحن بها لم يكن رضا بها لان الطحن
للاختبار لا للاختيار فان مقصوده من اشتراط الخيار انه ينظر هل يتم مقصوده بها أو لا يتم
ولا يعرف ذلك الا بالطحن فهو نظير الاستخدام في المماليك وركوب الدابة للنظر إلى سيرها
فان نقصها الطحن أو انكسرت فهذا رضا منه بسبب التعيب في ضمانه لا بسبب الطحن ولو
اشترى أرضا وشربا وقال لي الرضا إلى ثلاثة أيام ان رضيت أجزت وان كرهت تركت
أو قال لي الخيار ثلاثة أيام فهذا جائز لان المقصود بهذه الألفاظ اشتراط الخيار لنفسه ثلاثة
أيام وإنما يبني الحكم على ما هو المقصود وإذا باع أرضا وشربا بجارية واشترط الخيار ثلاثة
أيام وكان مع الجارية مائة درهم فأنفقها لم يكن هذا رضا بخلاف ما إذا قبل الجارية أو جامعها
أو عرضها على البيع لان الجارية متعينة في العقد فاقدامه على تصرف فيها هو دليل الرضا
بملكها ويكون اسقاطا للخيار فأما المائة التي قبضها فغير متعينة في العقد (ألا ترى) أنه كان
لمشتري الأرض أن يعطي غيرها وانه بعد الفسخ لا يجب على البائع رد المقبوض من الدراهم
بعينه فلا يكون تصرفه فيها دليل الرضا بحكم البيع فكان على خياره بعد انفاقها ولو اشترى
أرضا وشربا وشرط الخيار في الأرض دون الشرب أو في الشرب دون الأرض فهذا بيع
فاسد لان الصفقة واحدة والثمن جملة والذي لم يشترط الخيار فيه يتم البيع فيه وثمنه مجهول
بمنزلة ما لو اشترى ثوبين بثمن واحد على أنه بالخيار في أحدهما بعينه وإذا اشترى العبد التاجر
أرضا وشربا بشرط الخيار ونقض مولاه البيع أو أجازه فنقضه باطل سواء كان على العبد دين
أو لم يكن لأنه حجر خاص في اذن عام واجازته تصح إن لم يكن عليه دين لان كسبه ملكه
(ألا ترى) انه يتمكن من التصرف فيه بالبيع والهبة ويسقط به خيار العبد لا محالة فكذلك
يصح منه اسقاط خياره وإن كان عليه دين لم يجز لأنه أجنبي من كسبه لا يتمكن فيه من التصرف
المسقط لخياره فكذلك لا يملك اسقاط خياره فيه قصدا وإن كان نهر بين قوم لهم عليه
أرضون ولبعض أرضهم سواني في ذلك النهر لبعضها دوالي وبعضها ليست لها ساقية ولا
دالية وليس لها شرب معروف من هذا النهر ولا من غيره فاختصموا في هذا النهر وادعي
198

صاحب الأرض ان لها فيه شربا وهي على شاطئ النهر فإنه ينبغي في القياس أن يكون النهر
بين أصحاب السواني والدوالي دون أهل الأرض لان يد أصحاب السواني والدوالي ثابتة عليه
بالاستعمال وليس لصاحب الأرض مثل ذلك اليد فهو نظير ما لو تنازع اثنان في ثوب وأحدهما
لابسه والآخر متعلق بذيله أو تنازعا في دابة وأحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها ولكنه
استحسن فقال النهر بينهم جميعا على قدر أراضيهم التي على شط النهر لان المقصود بحفر النهر سقى
الأراضي لا اتخاذ السواني والدوالي ففيما هو المقصود على حالهم على السواء في اثبات اليد فهو
بمنزلة ما لو تنازعا في حائط ولأحدهما عليه جرادي أو بواري أو تنازعا في دابة ولأحدهما عليها
مخلاة أو منديل فإنه لا يترجح بذلك لأنه تحمل ليس بمقصود فوجوده كعدمه فكذلك اتخاذ
السواني والدوالي على النهر تبع غير مقصود فلا يترجح بذلك صاحبه فإن كان يعرف لهم
شرب قبل ذلك فهو على ذلك المعروف والا فهو بينهم على قدر أراضيهم لان الشرب لحاجة
الأراضي فيتقدر بقدر الأرض وإن كان لهذا الأرض شرب معروف من غير هذا النهر فلها
شربها من ذلك النهر وليس لها من هذا النهر شئ لان الأرض الواحدة لا يجعل شربها من
نهرين عادة فكون شرب معروف لها من نهر آخر دليل ظاهر على أنه لا شرب لها في هذا
النهر وان كانت على شطه ولان صاحب هذه الأرض إنما كان يستحق لها شربا من هذا النهر
لحاجة الأرض إلى الشرب وقد انعدم ذلك بالشرب المعروف لها من نهر آخر فإن لم يكن لها
شرب من غيره قضيت لها فيه بشرب ولو كان لصاحبها أرض أخرى إلى جنبها ليس لها
شرب معلوم فانى أستحسن أن أجعل لأراضيه كلها ان كانت متصلة الشرب من هذا النهر
وفى القياس لا يستحق الشرب من هذا النهر للأرض الأخرى الا بحجة لأن هذه الأخرى
غير متصلة بالنهر بل الأرض الأولى حائلة بين النهر وبينها ولكنه استحسن فقال لابد للأرض
من شرب لان الانتفاع بها لا يتأتى الا بالشرب والظاهر عند اتصال أراضيه بعضها ببعض
ان تشرب كلها من هذا النهر فيجب البناء على هذا الظاهر ما لم يتبين خلافه فان قيل الظاهر
يعتبر في دفع الاستحقاق لا في اثبات الاستحقاق والحاجة هنا إلى اثبات الاستحقاق قلنا نعم
ولكن استحقاق المتنازعين له في هذا النهر غير ثابت الا بمثل هذا الظاهر فيصلح هذا الظاهر
له معارضا ومزاحما لخصمائه وإن كان إلى جانب أرضه أرض لآخر وأرض الأول بين النهر
وبينها وليس لهذه الأرض شرب معروف ولا يدرى من أين كان شربها فانى أجعل لها شربا
199

من هذا النهر أيضا لان ما قررنا من الظاهر لا يختلف باتحاد مالك الأرضين واختلاف المالك
إلا أن يكون النهر معروفا لقوم خاصا بهم فلا أجعل لغيرهم فيه شربا الا ببينة لان المنازعين
هنا دليل لاستحقاق سوى الظاهر وهو إضافة النهر إليهم وهذه الإضافة إضافة ملك أو إضافة
احداث أنهم هم الذين حفروا هذا النهر وهو مملوك لهم فلا يستحق غيرهم فيه شيئا الا ببينة
فإن كان هذا النهر يصب في أجمة وعليه أرض لقوم مختلفين ولا يدرى كيف كانت حاله
ولا لمن كان أصله فتنازع أهل الأرض وأهل الأجمة فيه فانى أقضى به بين أصحاب الأرض
بالحصص وليس لهم أن يقطعوه عن أهل الأجمة وليس لأهل الأجمة أن يمنعوه من المسيل في
أجمتهم لان النهر إنما يحفر لسقى الأراضي في العادة فالظاهر فيه شاهد لأصحاب الأراضي وهم
المنتفعون بالنهر في سقى أراضيهم منه ولكن لأهل الأجمة نوع منفعة أيضا وهو فضل الماء الذي
يقع في أجمتهم فلا يكون لأصحاب الأراضي قطع ذلك عنهم بالظاهر ولأصحاب الأراضي منفعة
في مسيل فضل الماء في الأجمة فلا يكون لأصحاب الأجمة أن يمنعوهم ذلك بمنزلة حائط تنازع فيه رجلان ولأحدهما فيه اتصال تربيع ولآخر عليه جذوع فالحائط لصاحب الاتصال
وليس له ان يكلف الآخر رفع حذوعه وهذا لان ما وجد على صفة لا يغير عنها الا بحجة
ملزمة والظاهر لا يكفي لذلك ولو أن رجلا بني حائطا من حجارة في الفرات واتخذ عليه رحا
يطحن بالماء لم يجز له ذلك في القضاء ومن خاصمه من الناس فيه هدمه لان موضع الفرات
حق العامة بمنزلة الطريق العام ولو بنى رجل في الطريق العام كان لكل واحد ان يخاصمه في ذلك
ويهدمه فأما بينه وبين الله تعالى فإن كان هذا الحائط الذي بناه في الفرات يضر بمجرى السفن
أو الماء بأن لم يسعه وهو فيه أثم وإن كان لا يضر بأحد فهو في سعة من الانتفاع بمنزلة الطريق
العام إذا بنى فيه بناء فإن كان يضر بالمارة فهو آثم في ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام لا ضرر
ولا ضرار في الاسلام وإن كان لا يضر بهم فهو في سعة من ذلك ومن خاصمه من مسلم أو
ذمي قضى عليه بهدمه لان الحق فيه للناس كافة فالمسلم والذمي في هذه الخصومة سواء (ألا ترى)
أن للذمي حق المرور في الطريق كما للمسلم فكان له في هذه الخصومة من المنفعة مثل ما للمسلم وكذلك
النساء والمكاتبون وأما العبد فلا خصومة له في ذلك لان العبد تبع لمولاه فلا حق له في
الانتفاع بالطريق والفرات مقصود بنفسه بخلاف المكاتب والمرأة فهما في ذلك كالحر والصبي
بمنزلة العبد تبع لا خصومة له في ذلك والمغلوب والمعتوه كذلك إلا أن يخاصم عنه أبوه أو
200

وصيه ولا فائدة في هذا الجواب الذي قاله انه يخاصم عن الصبي والمجنون أبوه أو وصيه
لأنهما يخاصمان في ذلك عن أنفسهما وان كانا قد أسقطا حقهما فهذا مما لا يسقط بالاسقاط
فلا معنى لخصومتهما على وجه النيابة وهما يملكان ذلك عن أنفسهما وإن كان نهر بين رجلين
لأحدهما ثلثاه وللآخر ثلثه فاصطلحا على أن يسقى صاحب الثلث منه يوما وصاحب الثلثين
يومين فهو جائز لأنهما اقتسما ماء النهر بينهما على تراض والمناوبة بالأيام في هذا كالقسمة
قال الله تعالى ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر وقال تعالى لها شرب ولكم شرب
يوم معلوم وإذا كانت الأرض في يد المشترى وهو بالخيار ثلاثة أيام فهدم البائع بناءها أو
أفسد نهرها أو بئرها لم يكن للمشترى أن يرد بخياره وقد لزمه البيع ويضمن البائع قيمة ذلك
لأنها تعيبت في ضمان المشترى والبائع صار كالأجنبي لان البيع من جهته تم بالتسليم وكذلك
لو كان المبيع عبدا فقتله البائع في يد المشترى كان البيع لازما للمشترى بالثمن وعلى البائع
قيمته وكذلك لو اشترى ثوبا وقبضه ولم يره فحرقه البائع في يد المشترى لزم البيع للمشترى
وهذا كله قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبى يوسف الأول ثم رجع فقال لا يسقط خيار
المشترى بما أحدث البائع في المبيع وليس البائع في ذلك كغيره من الأجانب لان تعذر الرد
عند التعيب في ضمان المشترى لدفع الضرر عن البائع وقد وجد منه الرضا بهذا الضرر حين
عيبه بخلاف ما إذا عيبه أجنبي والصحيح أن هذا الخلاف في خيار الشرط وخيار الرؤية وخيار
العيب سواء وقد بينا المسألة في كتاب البيوع ثلاثة نفر بينهم حرث حصدوه وجمعوه وفى يد
أحدهم وضعوه ليحفظ لهم فزعم أنه قد دفع نصيب الرجلين إلى أحدهما والمدفوع إليه ينكر
ذلك والآخر ينكر أن يكون دفع إليه حقه أو يقول دفع إليه بغير أمرى أو بقي الثلث في يد
الثالث وقال الدافع دفعت إلى صاحبي ثلثه أو حقه ثم قال دفعت إليه أيضا بعد ذلك ثلث صاحبه
بأمره وهما ينكران ذلك قال يقتسمون الثلث الذي بقي في يده بينهم أثلاثا ويضمن ثلث ما
دفع فيكون للآخرين بينهما نصفين وهذه المسألة تشتمل على أحكام ثلاثة حكم الاختصاص
وحكم أداء الأمانة وحكم الخلاف فاما بيان حكم الاختصاص فنقول جميع الزرع كان مشتركا
بين ثلاثتهم وكان الحافظ أمينا في نصيب الآخرين ودعواه الدفع إلى أحدهما بأمر صاحبه
بمنزلة دعواه دفع نصيب كل واحد منهما إليه والقول قول الأمين في براءته عن الضمان
ولكن قوله في استحقاق شئ على صاحبه والثلث الذي بقي في يده مشترك بين ثلاثتهم
201

باعتبار الأصل لأنه جزء من ذلك المشترك فهو يدعي استحقاق نصيب الآخرين من
هذا الثلث عليهما فلا يقبل قوله في ذلك ويقسم هذا الثلث بينهم أثلاثا باعتبار شركة الأصل
(الا ترى) أن المكيل لو كان مشتركا بين اثنين فظهر نصفه في يد أحدهما وزعم أن صاحبه
قد استوفى النصف الآخر وجحد صاحبه وحلف يجعل هذا النصف مشتركا بينهما والنصف
الآخر كالتاوي فكذلك هنا إذا حلف الآخر ان على دعواه يجعل هذا الثلث بينهم أثلاثا
وأما حكم الأمانة فقد زعم أنه دفع نصيب المدفوع إليه من الثلثين إليه فالقول فيه قوله مع
اليمين لأنه أمين ادعي رد الأمانة على صاحبه ولكن بيمينه ثبتت براءته عن الضمان ولا يثبت
الوصول إلى من زعم أنه دفع إليه كالمودع إذا ادعى رد الوديعة على الوصي فان الوصي لا يكون
ضامنا للصبي شيئا بيمين المودع وأما حكم الخلاف فقد زعم أنه قد دفع نصيب الآخر إلى شريكه
ودفع الأمين الأمانة إلى غير صاحبها موجب الضمان عليه إلا أن يكون الدفع بأمر صاحبها
فقد أقر بالسبب الموجب للضمان في نصيبه وهو ثلث الثلثين وادعي المسقط وهو أمره إياه بالدفع
إليه فلا يقبل قوله في ذلك الا بحجة وعلى المنكر اليمين فإذا حلف غرم له ثلث الثلثين ثم
هذا الثلث بين الآخرين نصفان لأنهما متفقان على أنه لم يدفع إليه شيئا وان هذا المقبوض
جزء من المشترك بينهما أو بدل جزء مشترك فيكون بينهما نصفين باعتبار زعمهما * رجل عمد
إلى نهر المسلمين عامة أو نهر خاص عليه طريق العامة أو لقوم خاص فاتخذ عليه قنطرة واستوثق
من العمل ولم يزل الناس والدواب يمرون عليه حتى انكسر أو وهي فوقع انسان فيه أو دابة
فمات أو عبر به انسان وهو يراه متعمدا يريد المشي عليه فلا ضمان عليه في شئ من هذا لان
ما فعله حسبة وقد وجد الرضا من عامة المسلمين باتخاذهم ذلك الموضع ممرا فكأنه فعله باذن
الامام فلهذا لا يضمن ما تلف بسببه وان وضع عارضة أو بابا في طريق المسلمين فمشى عليه
انسان متعمدا لذلك فانكسر الباب وعطب الماشي فضمان الباب الذي كسره ولا ضمان
على واضع الباب الذي عطب به لان الماشي متعمد المشي على الباب مباشر كسره (ألا ترى)
أن من أوطأ انسانا فقتله كان مباشرا لقتله حتى تلزمه الكفارة وواضع الباب وإن كان قد تسببه
متعديا ولكن الماشي تعمد المشي عليه ولا يعتبر التسبب إذا طرأت المباشرة عليه كمن حفر بئرا
في الطريق فتعمد انسان القاء نفسه في البئر أو ألقاه فيه غيره لا يكون على الحافر شئ وعلى
هذا من رش الطريق فتعمد انسان المشي في ذلك الموضع وزلقت رجله وعطب لم يكن على
202

الذي رش ضمان بخلاف من مشى على ذلك الموضع وكان لا يبصره بان كان أعمى أو كان ليلا
فحينئذ يجب الضمان على الذي رش الطريق إذا عطب به الماشي وتمام بيان هذه الفصول في
الديات واصلاح النهر العام على بيت المال لأنه من تمام نوائب المسلمين ومال بيت المال معد
لذلك ولو أن الوالي أذن لرجل أن ينصب طاحونة على ماء لقوم خاصة في أرض لرجل ولا
يضر أهل النهر شئ وأهل النهر يكرهون ذلك أو يضرهم والوالي يرى في ذلك صلاحا
للعامة فإنه لا ينبغي أن يضع ذلك الا باذن صاحب الأرض وصاحب النهر لأنه ملك خاص
وليس للامام ولاية النظر في الملك الخاص لإنسان بتقديم غيره فيه عليه بل هو في ذلك
كسائر الرعايا وإنما يثبت له حق الاخذ من المالك عند تحقق الضرورة وخوف الهلاك على
المسلمين بشرط العوض كما يكون لصاحب المخمصة فلهذا لم يعتبر اذن الامام هنا * أهل مدينة
بنوها بعد قسمة الوالي بينهم وترك فيها طريقا للعامة فرأى الوالي بعد ذلك أن يعطى بعض
الطريق أحدا ينتفع به ولا يضر ذلك باهل الطريق فإن كانت المدينة للوالي فهو جائز وان
كانت للمسلمين فلا ينبغي له أن يعطى منها شيئا ولا ينبغي للذي يعطى أن يأخذ من ذلك شيئا
لان الحق في ذلك الموضع ثابت للمسلمين وللامام ولاية استيفاء حقهم دون الاسقاط وايثار
غيرهم عليهم في ذلك (ألا ترى) أن الرجل لما جاء بكبة من شعر إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقال أخذتها من الفئ لأخيط بها برذعة بعير لي فقال عليه الصلاة والسلام اما نصيبي
منها فهو لك فلما تحرز رسول الله صلى الله عليه وسلم من تخصيصه بتلك الكبة دون سائر الغانمين
عرفنا أن على كل والى ان يتحرز من مثل ذلك أيضا * قوم اقتسموا أرضا لهم بينهم بالسوية ثم
اختلفوا في مقدار الطريق فإن كانوا قد اختلفوا بعد تمام القسمة فالقول قول المدعي عليه
لانكاره حق الغير فيما في يده وان كانوا لم يفرغوا من القسمة جعلوا الطريق بينهم على ما شاؤوا
وقد بينا الكلام في الطريق في كتاب القسمة وان الأثر المروى فيه بالتقدير بسبعة أذرع
غير مأخوذ به والى ذلك أشار هنا فقال بلغنا في ذلك عن عكرمة أثر يرفعه إذا اشتجر القوم في
الطريق جعل سبعة أذرع ولا نأخذ به لأنا لا ندري أحق هذا الحديث أم لا ولو علمنا أنه حق
أخذنا به ومعنى هذا انه أثر شاذ فيما يحتاج الخاص والعام إلى معرفته وقد ظهر عمل الناس
بخلافه فان الصحابة رضي الله عنهم فتحوا البلاد ولم ينقل عن أحد انه أخذ بهذا الحديث في
تقدير الطريق المنسوب إلى الناس بسبعة أذرع فعرفنا ان الحديث غير صحيح ولو علم أنه حق
203

وجب الاخذ به لان ما قدره صاحب الشرع عليه الصلاة والسلام بتقدير يجب العمل به ولا
يجوز الاعراض عنه بالرأي قولهم عشر بستات من ماء يجرى لهم جميعا في نهر ومنهم من يرى
عشر منتات وهو صحيح أيضا وكل واحد من اللفظين مستعمل في قسمة الماء وكل منت
ست بستات وكل بست ست شعرات وهو معروف بين أهل مرو ومقصوده ما قال إذا
أصفى منها من رجل منهم وقطع ذلك من نهرهم بحق الذي أصفى عنه من غير قسمة فهو
شريكهم فيما بقي والذي أصفى من حقهم جميعا فالاصفاء هو الغصب فمعناه إذا غصب الوالي
نصيب أحد الشركاء من الشرب وجعل ذلك لنفسه أو لغيره فهذا المغصوب يكون من حق
الشركاء كلهم وما بقي مشترك بينهم على أصل حقهم لان المغصوب كالمستهلك وما توى من
المشترك يتوى على الشركة وما يبقي يبقي على الشركة فهذا مثله رجل له مجرى ماء يجرى إلى
بستانه أو يجرى إلى دار قوم ميزاب له أو كان له ممشى في داره قوم قد كان يمشي فيه إلي منزله
فاختلفوا في ذلك من أين يعلم أنه للمدعى قال إذا شهدوا ان له طريقا فيها أو مجرى ماء أو
مسيل ماء قبلت الشهادة وقضى له بذلك لأنه يدعى لنفسه حقا في ملك الغير فلا تسمع دعواه
الا بحجة وما غاب عن القاضي علمه فالحجة فيه شهادة شاهدين ولا حاجة بالشاهدين إلى
بيان صفة الطريق والمجري والمسيل وان كانوا بينوا ذلك كان أحسن وقد بينا هذا في
كتاب الدعوى والله أعلم بالصواب
(تم الجزء الثالث والعشرون من كتاب المبسوط للامام السرخسي الحنفي رحمه الله)
(ويليه الجزء الرابع والعشرون وأوله كتاب الأشربة)
204