الكتاب: البحر الرائق
المؤلف: ابن نجيم المصري
الجزء: ٤
الوفاة: ٩٧٠
المجموعة: فقه المذهب الحنفي
تحقيق: ضبطه وخرج آياته وأحاديثه: الشيخ زكريا عميرات
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٨ - ١٩٩٧ م
المطبعة:
الناشر: منشورات محمد علي بيضون - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

البحر الرائق
شرح
كنز الدقائق
(في فروع الحنفية)
للشيخ الإمام أبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود المعروف بحافظ الدين النسفي
المتوفى سنة 710 ه‍
والشرح " البحر الرائق "
للإمام العلامة الشيخ زين الدين بن إبراهيم بن محمد المعروف بابن نجيم المصري الحنفي
المتوفى سنة 970 ه‍
ومعه الحواشي المسماة
منحة الخالق على البحر الرائق
للعلامة الشيخ محمد أمين عابدين بن عمر عابدين بن عبد العزيز المعروف بابن عابدين الدمشقي الحنفي
المتوفى سنة 1252 ه‍
ضبطه وخرج آياته وأحاديثه
الشيخ زكريا عميرات
تنبيه
وضعنا متن كنز الدقائق في أعلى الصفحات، ووضعنا أسفل منه مباشرة نص البحر الرائق
ووضعنا في أسفل الصفحات حواشي الشيخ ابن عابدين
الجزء الرابع
منشورات
محمد علي بيضون
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
1

جميع الحقوق محفوظة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
باب التعليق
باب التعليق
لما فرغ من بيان المنجز شرع في المعلق. والتعليق من علقه تعليقا جعله معلقا كذا في
القاموس. وفي المصباح: علقت الشئ بغيره وأعلقته بالتشديد والألف فتعلق اه‍. وفي
الاصطلاح: ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى. وتعبيره بالتعليق أولى
من تعبير الهداية باليمين لشمول التعليق الصوري وإن لم يكن يمينا كالتعليق بحيضها وطهرها
أو بحيضها حيضة أو بما لا يمكنه الامتناع عنه كطلوع الشمس ومجئ الغد أو بفعل من
أفعال قلبها كالمحبة والمشيئة أو بفعل من أفعال قلبه فإنه في هذه المواضع ليس بيمين كما في
المحيط، فلا يحنث لو كان حلف أن لا يحلف بها مع أن بعضها مذكور في هذا الباب كالمحبة
والحيض حيضة بخلاف إن دخلت أو إن حضت. وفي تلخيص الجامع: لو حلف لا
3

يحلف يحنث بالتعليق لوجود الركن دون الإضافة لعدمه إلا أن يعلق بأعمال القلب أو بمجئ
الشهر في ذوات الأشهر لأنه يستعمل في التمليك أو بيان وقت السنة فلا يتمحض للتعليق
ولهذا لم يحنث بتعليق الطلاق بالتطليق لاحتمال حكاية الواقع ولا ب‍ " إن أديت فأنت حر وإن
عجزت فأنت رقيق لأنه تفسير الكتابة، ولا ب‍ " إن حضت حيضة أو عشرين حيضة لاحتمال
تفسير السنة اه‍. وشرط صحة التعليق كون الشرط معدوما على خطر الوجود فخرج ما كان
محققا كقوله أنت طالق إن كان السماء فوقنا فهو تنجيز، وخرج ما كان مستحيلا كقوله إن
دخل الجمل في سم الخياط فأنت طالق فلا يقع أصلا لأن غرضه منه تحقيق النفي حيث
علقه بأمر محال وهذا يرجع إلى قولهما إمكان البر شرط انعقاد اليمين خلافا لأبي يوسف.
وعلى هذا ظهر ما في الخانية: لو قال لها إن لم تردي علي الدينار الذي أخذتيه من كيسي
فأنت طالق فإذا الدينار في كيسه لا تطلق امرأة. ولو قال إن حضت وهي حائض أو
مرضت وهي مريضة فعلى حيضة مستقبلة. ولو قال للصحيحة إن صححت فأنت طالق
طلقت الساعة، وكذا لو قال إن أبصرت أو سمعت وهي بصيرة أو سميعة لأن الصحة
والسمع أمر يمتد فكان لبقائه حكم الابتداء بخلاف الحيض والمرض فإنهما مما لا يمتد. ولو
قال لعبده إن ملكتك فأنت حر عتق حين سكت، وتمامه في المحيط من باب الشرط الذي
يحتمل الحال والاستقبال. وبهذا علم أن قولهم إن ما كان محققا تنجيز ليس على إطلاقه بل
فيما لبقائه حكم ابتدائه.
ومن شرائطه وجود رابط حيث كان الجزاء مؤخرا وسيأتي بيانه. ومن شرائطه أن لا
يفصل بين الشرط والجزاء فاصل أجنبي فإن كان ملائما وذكر لاعلام المخاطبة أو لتأكيد ما
خاطبها بمعنى قائم في المنادى فإنه لا يضر كقوله لامرأته أنت طالق يا زانية إن دخلت
الدار تعلق الطلاق بالدخول ولا حد ولا لعان لأنه لتأكيد ما خاطبها به كقوله يا زينب
بخلاف ما إذا قال يا زانية أنت طالق إن دخلت فإنه قاذف، وتمامه في المحيط من باب ما
يتخلل بين الشرط والجزاء. وفي الخانية: لو قال إن دخلت الدار يا عمرة فأنت طالق ويا
زينب فدخلت عمرة الدار طلقت ويسأل عن نيته في زينب، فإن قال نويت طلاقها أيضا
طلقت أيضا، ولو قال ذلك بغير واو فقال نويت طلاقها مع عمرة طلقتا جميعا، ولو قدم
الطلاق فقال يا عمرة أنت طالق إن دخلت الدار ويا زينب فدخلت عمرة الدار طلقتا جميعا،
ولو قال لم أنو طلاق زينب لا يقبل قوله وتمامه فيها. وفي تلخيص الجامع من باب الاستثناء
4

يكون على الجميع والبعض يا زانية إن تخلل الشرط والجزاء أو الايجاب والاستثناء لم يكن قذفا
في الأصح، وإن تقدم أو تأخر كان قذفا لأنه للاستحضار عنه عرفا ولاثبات الصفة وضعا
فلاءم من وجه دون آخر فعلق خللا ونجز طرفا عملا بهما كيا طالق، وقد يعلق الخبر للنفي
كالاقرار اه‍. ومن شرطه أن لا يكون الظاهر قصد المجازاة فلو سبته بنحو قرطبان وسفلة
فقال إن كنت كما قلت فأنت طالق تنجز، سواء كان الزوج كما قالت أو لم يكن، لأن الزوج
في الغالب لا يريد إلا إيذاءها بالطلاق، فإن أراد التعليق يدين، وفتوى أهل بخارى عليه
كما في فتح القدير. ومن شرطه الاتصال فلو ألحق شرطا بعد سكوته لم يصح. وفي
الظهيرية: رجل له فأفأة أو ثقل في لسانه لا يمكنه إتمام الكلام إلا بعد مدة فحلف بالطلاق
وذكر الشرط والاستثناء بعد تردد وتكلف، إن كان معروفا بذلك جاز استثناؤه وتعليقه اه‍.
وركنه أداة شرط وفعله وجزاء صالح فلو اقتصر على أداة الشرط لم يكن تعليقا اتفاقا واختلفوا
في تنجيزه فلذا قال في الظهيرية: لو قال أنت طالق إن ولم يزد تطلق للحال في قول محمد
ولا تطلق في قول أبي يوسف والفتوى على قول أبي يوسف لأنه ما أرسل الكلام إرسالا ذكره
في الجامع العتابي. وكذلك لو قال أنت طالق ثلاثا لولا، أو قال وإلا، أو قال إن كان، أو
قال إن لم يكن، لا تطلق في قول أبي يوسف وبه أخذ محمد بن سلمة اه‍.
قوله: (إنما يصح في الملك كقوله لمنكوحته إن زرت فأنت طالق أو مضافا إليه كأن
نكحتك فأنت طالق) أي معلقا بسبب الملك كقوله لأجنبية إن نكحتك أي تزوجتك فإن
النكاح سبب للملك فاستعير السبب للمسبب أي إن ملكتك بالنكاح كقوله إن اشتريت عبدا
5

فهو حر أي إن ملكته بسبب الشراء بخلاف ما لو قال الوارث لعبد مورثه إن مات سيدك
فأنت حر فإنه لا يصح التعليق لأن الموت ليس بموضوع للملك بل موضوع لابطاله بخلاف
الشراء. وفي كشف الاسرار: ولو قال لحرة أن ارتديت فسبيت فملكتك فأنت حرة صح اه‍.
لأن السبي من أسباب الملك الموضوعة، ولو مثل بقوله أنت طالق يوم أتزوجك لكان أولى
وفي المعراج: وتمثيله غير مطابق لأنه تعليق محض بحرف الشرط ولو إضافة إلى النكاح لا يقع
كما لو قال أنت طالق مع نكاحك أو في نكاحك - ذكره في الجامع - بخلاف أنت طالق مع
تزوجي إياك فإنه يقع وهو مشكل. وقيل الفرق أنه لما أضاف التزوج إلى فاعله واستوفى
مفعوله جعل التزويج مجازا عن الملك لأنه سببه وحمل مع علي بعد تصحيحا له وفي نكاحك لم
يذكر الفاعل فالكلام ناقص فلا يقدر بعد النكاح فلا يقع ويصح النكاح اه‍. أطلق الملك فأفاد
أنه يشمل الحقيقي كالملك حال بقاء النكاح، والحكمي كبقاء العدة والتعليق يصح فيهما،
وقدمنا عند شرح قوله آخر الكنايات والصريح يلحق الصريح أن تعليق طلاق المعتدة فيهما
صحيح في جميع الصور إلا إذا كانت معتدة عن بائن وعلق بائنا كما في البدائع اعتبارا
للتعليق بالتنجيز. وفي المصباح: زاره يزوره زيارة وزورا قصده فهو زائر وزور وزوار مثل
سافر وسفر وسفار، ونسوة زور أيضا وزوار وزائرات والمزار يكون مصدرا وموضع الزيارة
والزيارة في العرف قصد المزور إكراما له واستئناسا به اه‍. وقدمنا في أول كتاب الحج أنه لو
حلف لا يزوره فلقيه من غير قصد فإنه لا يحنث وينبغي تقييدها بما قاله في المصباح من
الاكرام والاستئناس للعرف فلا يحنث في مسألة الكتاب إلا مع القصد للاكرام، فلو كان
الشرط زيارتها فذهبت من غير قصد الاكرام لم يحنث، وفي عرفنا زيارة المرأة لا يكون الا
بطعام معها يطبخ عند المزور. وفي المحيط: حلف يزرون فلانا غدا أو ليعودنه فأتى بابه
واستأذنه فلم يؤذن له لا يحنث، فإن أتى بابه ولم يستأذنه يحنث حتى يصنع في ذلك ما يصنع
الزائر والعائد من الاستئذان. والفرق أن في الأول لم يتصور البر فلم ينعقد اليمين، وفي
الثاني يتصور وهكذا ذكر في العيون. وعلى قياس من قال إن لم أخرج من هذا المنزل اليوم
فمنع أو قيد حنث يجب أن يحنث، هنا في الوجهين وهو المختار لمشايخنا وفي النوازل: حلف
لا يزور فلانا لا حيا ولا ميتا فشيع جنازته لا يحنث وإن زار قبره يحنث هو المختار لأن زيارة
الميت زيارة قبره عرفا لا تشييع جنازته اه‍. وأطلق المضاف إلى الملك فشمل ما إذا خصص أو
عمم كقوله كل امرأة خلافا لمالك في الثاني معللا بانسداد باب النكاح عليه. وأجيب بأنه لا
6

مانع من انسداده إما لدينه خوفا من جوره أو لدنياه لعدم يساره، ويمنع انسداده لامكان أن
يزوجه فضولي ويجيز بالفعل كسوق الواجب إليها وبإمكان أن يتزوجها بعدما وقع الطلاق
عليها لأن كلمة كل لا تقتضي التكرار إلا أن صحته لا فرق فيها بين أن يعلق بأداة الشرط
أو بمعناه إن كانت المرأة منكرة، فإن كانت معينة يشترط أن يكون بصريح الشرط، فلو قال
هذه المرأة التي أتزوجها طالق فتزوجها لم تطلق لأنه عرفها بالإشارة فلا تؤثر فيها الصفة وهي
أتزوجها بل الصفة فيها لغو فكأنه قال هذه طالق كقوله لامرأته هذه المرأة التي تدخل هذه
الدار طالق فإنها تطلق للحال دخلت أو لا بخلاف قوله إن تزوجت هذه فإنه يصح.
وفي الذخيرة: والتعريف بالاسم والنسب كالتعريف بالإشارة، فلو قال فلانة بنت
فلان التي أتزوجها طالق فتزوجها لم تطلق. وأورد عليه ما ذكره في الجامع: رجل اسمه
محمد بن عبد الله وله غلام فقال إن كلم غلام محمد بن عبد الله هذا أحد فامرأته طالق أشار
الحالف إلى الغلام لا إلى نفسه، ثم إن الحالف كلم الغلام بنفسه تطلق ولو كان التعريف
بالاسم كالتعريف بالإشارة لم تطلق امرأته كما لو أشار إلى نفسه. والجواب أن تعريف الحاضر
بالإشارة والغائب بالاسم والنسب وفي مسألة محمد بن عبد الله الحالف حاضر فتعريفه
بالإشارة أو الإضافة ولم يوجدا فبقي منكرا فدخل تحت اسم النكرة، وفي مسألة الطلاق
الاسم النسب في الغائب لا في الحاضر فيحصل بهما التعريف وتلغو الصفة حتى إن في
مسألة الطلاق لو كانت فلانة حاضرة عند الحلف فبذكر اسمها ونسبها لا يحصل التعريف ولا
تلغو الصفة ويتعلق الطلاق بالتزوج. هكذا ذكره شيخ الاسلام في الجامع. وفرق بعضهم
بأن التعريف بالإضافة والإشارة لا يحتمل التنكير بوجه ما، والتعريف بالاسم والنسب يحتمل
التنكير، ولو قال كل امرأة أتزوجها ما دامت عمرة حية أو قال حتى تموت عمرة فهي طالق
فتزوج عمرة، ذكر محمد في الكتاب أنها لا تطلق، وعامة المشايخ على أن تأويل المسألة أن
عمرة كانت مشارا إليها فلو كانت غير مشار إليها تطلق وتدخل تحت اسم النكرة. وعلى
قياس ما ذكره شيخ الاسلام ينبغي أن يقال: إذا كانت عمرة حاضرة تطلق وإذا كانت غائبة
لا تطلق وتمامه في الذخيرة. وقدم التعليق في الملك لأنه لا خلاف فيه، وأخر المعلق به لأن
الشافعي قائل بعدم صحته خصص أو عمم لحديث أبي داود والترمذي وحسنه مرفوعا لا
نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك، ولا طلاق له فيما لا يملك ولنا
7

أن هذا تعليق لما يصح تعليقه وهو الطلاق فيلزم كالعتق والوكالة والحاجة داعية إليه لأن نفسه
قد تدعوه إلى تزويجها مع عمله بفساد حالها ويخشى غلبتها عليه فيؤيسها بتعليق طلاقها
بنكاحها فطاما لها، والحديث محمول على نفي التنجيز وما هو مأثور عن السلف رضي الله
عنهم كالشعبي والزهري وجماعة كما رواه ابن أبي شيبة في مصنفة وهو وإن كان ظاهرا لنا
لكن لما كانوا في الجاهلية يطلقون قبل التزوج تنجيزا ويعدونه طلاقا إذا وجد النكاح نفاه
صاحب الشرع، والخلاف هنا مبني على أن المعلق بالشرط هل هو سبب للحال أولا نفيناه
وأثبته؟ وتحقيقه أن اللفظ الذي ثبتت سببيته شرعا لحكم إذا جعل جزاء الشرط هل نسلبه
سببيته لذلك الحكم قبل وجود معنى الشرط كأنت طالق وحرة جعل شرعا سببا لزوال الملك
فإذا دخل الشرط منع الحكم عنده، وعندنا منع سببيته فتفرعت الخلافية، فعندنا ليس بطلاق
قبل وجود الشرط فلم يتناوله الحديث، وعنده طلاق فيتناوله، والأوجه قولنا لأن الحنث هو
السبب عقلا لا اليمين، ولان السبب هو المفضي إلى الحكم والتعليق مانع من الافضاء لمنعه
من الوصول إلى المحل، والأسباب الشرعية لا تصير أسبابا قبل الوصول إلى المحل فضعف
قوله إن السبب هو قوله أنت طالق والشرط لم يعدمه. وإنما آخر الحكم وأورد بأنه يجب أن
يلغو كالأجنبية.
وأجيب بأنه لو لم يرج لغا كطالق إن شاء الله، وأما غيره فبعرضية أن يصير سببا فلا
يلغى تصحيحا لكلام العاقل أو نقول: لما توقف الحكم على الشرط صار الشرط كجزء سببه
ولا يرد علينا البيع المؤجل فإنه سبب قبل حلوله لأن الاجل دخل على الثمن فقط، وكذا لا
يرد البيع بشرط الخيار لأن الشرط بعلى لتعليق ما بعده فقط لغة فأتيك على أن تأتيني المعلق
إتيان المخاطب فكذا قوله بعتك على أني بالخيار أي في الفسخ، فالمعلق الفسخ لا البيع وهو
منجز فتعلق الحكم دفعا للضرر لا لأن المعلق ينعقد سببا للحال. وكذا لا يرد المضاف كقوله
أنت طالق غدا فإنه عندنا سبب في الحال لأن التعليق يمين وهو للبر وهو إعدام موجب
المعلق فلا يفضي إلى الحكم، أما الإضافة فلثبوت حكم السبب في وقته لا لمنعه فيتحقق
السبب بلا مانع إذ الزمان من لوازم الوجود وهو معنى ما فرق به الزيلعي وهو مردود لأنه يرد
عليه أن اليمين لا توجب الاعدام مطلقا بل في المنع، أما في الحمل فلا نحو إن بشرتني
بقدوم ولدي فأنت حر فإن المقصود إيجاد الشرط لا إعدامه. وفرقوا بينهما أيضا بأن الشرط
على خطر الوجود بخلاف المضاف وهو مردود لأنه يقتضي تسوية المضاف والمعلق في نحو
8

يوم يقدم زيد وإن قدم في يوم كذا لأن كلا منهما على خطر الوجود، وإن استويا في عدم
انعقاد السببية للخطر استويا في الأحكام فيلزم منه عدم جواز التعجيل فيما لو قال علي
صدقة يوم يقدم فلان لعدم جواز التقديم على السبب وإن كان بصورة الإضافة مع أن الحكم
في المضاف جواز التعجيل قبل الوقت بخلافه في المعلق، ويقتضي أيضا كون إذا جاء غد
فأنت حر كإذا مت فأنت حر لأنه لا خطر فيهما فيكون الأول مضافا فيمتنع بيعه قبل الغد
كما قبل الموت لانعقاده سببا في الحال كما عرف في التدبير لكنهم يجيزون بيعه قبل الغد،
ويفرقون بين أنت حر غدا فلا يجيزون بيعه قبل الغد، وبين إذا جاء غد فأنت حرة فيجيزونه
مع أنه لا خطر فيهما. وقد يقال في الفرق بينهما إن الإضافة ليست بشرط حقيقة لعدم كلمة
الشرط لكنه في معنى الشرط من حيث إن الحكم يتوقف عليه فمن حيث إنه ليس بشرط لا
يتأخر عنه ولا يمنع السببية، ومن حيث إنه في معنى الشرط لا ينزل في الحال فقلنا بأنه
ينعقد سببا للحال ويقع مقارنا ويتأخر الحكم عملا بالشبهين. وفي الخانية من أول كتاب
الإجارات: رجل قال لغيره أجرتك داري هذه رأس الشهر كل شهر بكذا جاز في قولهم،
ولو قال إذا جاء رأس الشهر فقد أجرتك هذه الدار كل شهر بكذا قال الفقيه أبو الليث وأبو
بكر الإسكاف: يجوز. وقال أبو القاسم الصفار: لا يجوز لأنه تعليق التمليك فلا يصح كما
لو علقها بشرط آخر، ويؤيده ما ذكره في الجامع: رجل حلف أن لا يحلف ثم قال لامرأته
إذا جاء غد فأنت طالق كان حانثا في يمينه، وهذا يؤيد قوله. والذي يؤيد قول الفقيه أبي
الليث ما ذكر في المنتقى: رجل له خيار الشرط في البيع فقال أبطلت خياري غدا أو قال
أبطلت خياري إذا جاء غد كان ذلك جائزا قال: فليس هذا كقوله إن لم أفعل كذا فقد أبطلت
خياري فإن ذلك لا يصح لأن هذا وقت يجئ لا محالة. ولو أجر داره كل شهر بكذا ثم قال
إذا جاء رأس الشهر فقد أبطلت الإجارة. قال الفقيه أبو بكر: كما يصح تعليق الإجارة
بمجئ الشهر يصح تعليق فسخها بمجئ الشهر وغيره من الأوقات، ومسألة المنتفي في
تعليق إبطال الخيار تؤيد قوله. قال شمس الأئمة السرخسي قال بعض أصحابنا: إضافة
الفسخ إلى الغد وغيره من الأوقات صحيح وتعليق الفسخ بمجئ الشهر وغير ذلك لا يصح
والفتوى على قوله اه‍. فقد تحرر عندنا أن المعلق بشرط على خطر ليس كالمضاف اتفاقا وبما
ليس فيه خطر فيه اختلاف المشايخ فسوى بينهما الفقيهان في الإجارة، وفرق بينهما الصفار،
والافتاء بالفرق بينهما في فسخ الإجارة افتاء بقول الصفار بالفرق في الإجارة، فالفتوى على
الفرق في الإجارة وفسخها ومسألة الجامع تؤيده وإنما خرج عن ذلك مسألة المنتفى.
ثم اعلم أن المراد بالصحة في قوله إنما يصح اللزوم فإن التعليق في غير الملك
والمضاف إليه صحيح موقوف على إجازة الزوج حتى لو قال أجنبي لزوجة إنسان إن دخلت
الدار فأنت طالق توقف على الإجازة فإن أجازه لزم التعليق فتطلق بالدخول بعد الإجازة لا
9

قبلها، وكذا الطلاق المنجز من الأجنبي موقوف على إجازة الزوج فإذا أجازه وقع مقتصرا على
وقت الإجازة ولا يستند بخلاف البيع الموقوف فإنه بالإجازة يستند إلى وقت البيع حتى ملك
المشتري الزوائد المتصلة والمنفصلة. والضابط فيه أن ما يصح تعليقه بالشرط فإنه يقتصر، وما
لا يصح تعليقه فإنه يستند وتمامه في تلخيص الجامع، ودخل تحت المضاف إلى الملك ما لو
قال لمعتدته إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا، فهذا وما لو قال لأجنبية سواء كما في الخلاصة:
وللحنفي أن يرفع الامر إلى شافعي يفسخ اليمين المضافة، فلو قال إن تزوجت فلانة فهي
طالق ثلاثا فتزوجها فخاصمته إلى قاض شافعي وادعت الطلاق فحكم بأنها امرأته وأن
الطلاق ليس بشئ حل له ذلك، ولو وطئها الزوج بعد النكاح قبل الفسخ ثم فسخ يكون
الوطئ حلالا إذا فسخ، وإذا فسخ بعد التزوج لا يحتاج إلى تجديد العقد، ولو قال كل امرأة
أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة وفسخ اليمين ثم تزوج امرأة أخرى لا يحتاج إلى الفسخ في
كل امرأة. كذا ذكر في الخلاصة. وفي الظهيرية أنه قول محمد وبقوله يفتي، وكذلك في قوله
كل عبد اشتريته وإذا عقد أيمانا على امرأة واحدة فإذا قضى بصحة النكاح بعد ارتفعت
الايمان كلها، وإذا عقد على كل امرأة يمينا على حدة لا شك أنه إذا فسخ على امرأة لا
ينفسخ على الأخرى، وإذا عقد يمينه بكلمة كلما فإنه يحتاج إلى تكرار الفسخ في كل يمين
اه‍. فهي أربع مسائل في شرح المجمع للمصنف فإن أمضاه قاض حنفي بعد ذلك كان
أحوط اه‍. وفي الخانية: حكم الحاكم كالقضاء على الصحيح اه‍. وفي البزازية وعن الصدر
أقول: لا يحل لاحد أن يفعل ذلك. وقال الحلواني: يعلم ولا يفتى به لئلا يتطرق الجهال إلى
هدم المذهب. وعن أصحابنا ما هو أوسع من ذلك وهو أنه لو استفتى فقيها عدلا فأفتاه
ببطلان اليمين حل له العمل بفتواه وإمساكها. وروي أوسع من هذا وهو أنه لو أفتاه مفت
بالحل ثم أفتاه آخر بالحرمة بعدما عمل بالفتوى الأولى فإن يعمل بفتوى الثاني في حق امرأة
أخرى لا في حق الأولى، ويعمل بكلا الفتوتين في حادثتين لكن لا يفتى به اه‍. وفيها قبيل
الرجعة والتزوج فعلا أولى من فسخ اليمين في زماننا. وينبغي أن يجئ إلى عالم ويقول له ما
10

حلف واحتياجه إلى نكاح الفضولي فيزوجه العالم امرأة ويجيز بالفعل فلا يحنث، وكذا إذا قال
لجماعة لي حاجة إلى نكاح الفضولي فيزوجه واحد منهم، أما إذا قال لرجل اعقد لي عقد
فضولي يكون توكيلا اه‍. وسيأتي في آخر الايمان.
واعلم أن الفسخ من الشافعي إنما محله قبل أن يطلقها ثلاثا لما في الخانية: رجل قال
لامرأته إذا تزوجتك فأنت طالق فتزوجها وطلقها ثلاثا ثم إنها رفعت أمرها إلى القاضي ليفسخ
اليمين فإن القاضي لا يفسخ لأنه لو فسخ تطلق ثلاثا بالتنجيز بعد النكاح فلا يفيد اه‍. فإن
قلت: لم وسع أصحابنا في فسخ اليمين المضافة ما لم يوسعوا في غيره مع أن دليلهم ظاهر؟
قلت: قد اختلج هذا في خاطري كثيرا ولم أر عنه جوابا حتى رأيت الزاهدي في المجتبى قال:
وقد ظفرت برواية عن محمد أنه لا يقع وبه كان يفتي كثير من أئمة خوارزم اه‍. وشرط
قاضيخان لجواز فسخ اليمين المضافة أن لا يكون القاضي أخذ على ذلك مالا، فإن أخذ لا ينفذ
فسخه عند الكل، وإن أخذ على الكتابة فإن كان بقدر أجرة المثل نفذ، وإن كان أزيد لا ينفذ،
والأولى أن لا يأخذ مطلقا وتمامه فيها. وفي المحيط من باب عطف الشروط بعضها على بعض:
لو قال إن تزوجتك وإن تزوجتك فأنت طالق لم يقع حتى يتزوجها مرتين، ولو قدم الجزاء فهو
على تزويج واحد وكذا لو وسطه. ولو قال أنت طالق إن تزوجتك فإن تزوجتك أو وسط الجزاء
لم يقع حتى يتزوجها مرتين فقد فرق بين الفاء والواو بعده فجعله بالواو إعادة للشرط الأول
وبالفاء جعله شرطا مبتدأ. ولو قال أنت طالق إن تزوجتك ثم تزوجتك ففي قياس قول أبي حنيفة
على التزويج الأول، ولو قال إن تزوجتك ثم تزوجتك فأنت طالق انعقدت في الأخيرة
اه‍. وفي البزازية: إن تزوجت فلانة فهي طالق إن تزوجت فلانة فتزوج لا يقع، فإن طلقها ثم
11

تزوجها وقع. وفي المحيط من باب تعليق اليمين بالشرط: لو قال كل امرأة أتزوجها فهي
طالق إن كلمت فلانا فتزوج امرأة قبل الكلام وامرأة بعده طلقت التي تزوجها قبل الكلام،
ولو قدم الشرط بأن قال إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها فهي طالق طلقت التي تزوجها
بعد الكلام وكذا إذا وسطه ا ه‍، وفي الباب أضافة الطلاق إلى الملك لو قال إذا تزوجت
امرأة فهي طالق فتزوج امرأتين تطلق أحداهما والبيان إليه، ولو كان قال وحدها لا يقع شئ
فإن تزوج أخرى بعدهما وقع عليها. ولو قال يوم أتزوجك فأنت طالق قال ذلك ثلاث مرات
فتزوجها يقع الثلاث لأن هذه أيمان، ولو قال إذا تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي
ووالله لا أقربك ثم تزوجها وقع الطلاق ويلغو الظهار والايلاء عند أبي حنيفة خلافا لهما لما
عرف أن عنده ينزل الطلاق أولا فتصير مبانة، وعندهما ينزلن جملة. ولو قال إن تزوجتك
فوالله لا أقربك وأنت علي كظهر أمي وأنت طالق فتزوجها وقع الطلاق وصح الظهار والايلاء
لأنها بنزول الظهار والايلاء لا تصير مبانة، وكذا لو قال إن تزوجتك فأنت طالق إن تزوجتك
فأنت علي كظهر أمي ثم تزوجها صحا لأنهما يمينان ذكر لكل واحدة شرطا على حدة وهو
التزوج فنزلا معا اه‍. وفي باب الحلف على التزويج إن تزوجت امرأة فعبدي حر فتزوج
صبية حنث، ولو حلف لا يشتري امرأة فاشترى صغيرة لم يحنث. والفرق أن اسم المرأة
مطلقا لا يتناول الصغيرة إلا أن في الشراء اعتبر ذكر المرأة لأن الشراء قد يكون للرجل وقد
يكون للمرأة ولم يعتبر ذلك المرأة في النكاح لأن النكاح لا يكون إلا للمرأة فلغا ذكرها. ولو
قال إن كلمت امرأة فكلم صبية لا يحنث لأن الصبي مانع عن هجران الكلام فلا تراد الصبية
في اليمين المعقودة على الكلام عادة ولا كذلك التزوج اه‍. وفي الذخيرة في نوع آخر في
دخول شخص واحد تحت اليمينين: إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق ثم قال كل امرأة
أتزوجها فهي طالق ثم تزوج فلانة طلقت تطليقتين بحكم اليمينين لأنها فلانة وامرأة، وكذلك
لو قال إن كلمت فلانا فأنت طالق وإن كلمت انسانا فأنت طالق فكلمت فلانا تطلق تطليقتين
12

بحكم اليمينين اه‍. قوله: (فيقع بعده) أي يقع الطلاق بعد وجود الشرط في المسألتين، سواء
كان التعليق في الملك أو مضافا إليه. وفي فتح القدير: وقوله وقع عقيب النكاح يفيد أن
الحكم يتأخر عنه وهو المختار لأن الطلاق المقارن لا يقع كقوله أنت طالق مع نكاحك إذ لا
يثبت الشئ منتفيا ثم قال: وأما قولهم إنه ينزل سببا عند الشرط كأنه عند الشرط أوقع
تنجيزا فالمراد الايقاع حكما ولهذا إذا علق العاقل الطلاق ثم جن عند الشرط تطلق ولو كان
كالملفوظ حقيقة لم يقع لعدم أهليته اه‍. وأشار بقوله بعده إلى أنه لو قال إن تزوجتك فأنت
طالق قبله ثم نكحها لم يقع وهو قولهما لأن المعلق كالملفوظ عند الشرط. ولو قال وقت
النكاح أنت طالق قبل أن أنكحك لا تطلق كذا هذا. وأوقعه أبو يوسف بإلغاء الظرف لعدم
قدرته على الايقاع فيه. وفي المحيط: لو قال كل امرأة أتزوجها في قرية كذا فهي طالق ثلاثا
فتزوجها في غير تلك القرية لم يحنث لأنه لم يتزوجها في تلك القرية، ولو قال من قرية كذا
حنث حيثما تزوجها. ولو قال إن تزوجت امرأة ما دمت بالكوفة فهي طالق ففارق الكوفة ثم
عاد إليها فتزوج امرأة لم تطلق لانتهاء اليمين بالمفارقة، ولو قال لامرأته إن تزوجت عليك ما
عشت فحلال الله علي حرام ثم قال لامرأته إن تزوجت عليك فالطلاق واجب علي ثم تزوج
عليها يقع على كل واحدة منهما تطليقة على القديمة والحديثة ويقع تطليقة أخرى يصرفها إلى
أيتهما شاء لأن اليمين الأولى انصرفت إلى الطلاق عرفا فينصرف إلى طلاق كل واحدة منهما
واليمين الثانية يمين بطلاق واحدة، فإذا تزوج امرأة انحلت اليمينان جميعا اه‍. وفي المحيط
من كتاب الايمان: لو قال إن فعلت كذا فكل امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج ثم فعل لا
تطلق لأن المعلق بالفعل طلاق المتزوجة بعده ولم يوجد، وإذا نوى تقديم النكاح على الفعل
صحت نيته لأنه نوى ما يحتمله لأنه يحتمل التقديم والتأخير فصار كأنه قال كل امرأة أتزوجها
فهي طالق إن فعلت.
قوله: (فلو قال لأجنبية إن زرت فأنت طالق فنكحها فزارت لم تطلق) لأنه حين صدر
لا يصح جعله إيقاعا لعدم المحل ولا يمينا لعدم معنى اليمين وهو ما يكون حاملا على البر
13

لإخافته لأنه لم يصدر مخيفا لعدم ظهور الجزاء عند الفعل وهو الزيارة هنا لعدم ثبوت المحلية عند
وجود الشرط، ومعنى الإخافة هنا لزوم نصف المهر إن تزوجها لأنه حينئذ يقع الطلاق فيجب
المال فيمتنع عن التزوج خوفا من ذلك، وقد أورد على هذا قوله إذا حضت فأنت طالق فإنه يمين
مع أنه لا حمل فيه ولا منع، وأجيب بأن العبرة فيه للغالب لا للشاذ كذا في فتح القدير. وأشار
المصنف إلى مسائل: الأولى لو قال كل امرأة أجتمع معها في فراش فهي طالق فتزوج امرأة لا
تطلق، ومثله كل جارية أطؤها حرة فاشترى جارية فوطئها لا تعتق لأن العتق لم يضف إلى الملك
كذا في المحيط. وفي الولوالجية: إذا قال الرجل لأجنبية إن طلقتك فعبدي حر يصح ويصير كأنه
قال إن تزوجتك وطلقتك فعبدي حر، ولو قال لها إن طلقتك فأنت طالق ثلاثا لا يصح لأن ذكر
الطلاق ذكر النكاح الذي لا يستغنى عنه الطلاق لا ذكر لما لا يستغني عنه الجزاء اه‍. الثانية لو قال
لوالديه إن زوجتماني امرأة فهي طالق ثلاثا فزوجاه امرأة بغير أمره لا تطلق لأن التعليق لم يصح
لاه غير مضاف إلى ملك النكاح لأن تزويج الوالدين له بغير أمره غير صحيح لأنه غير مضاف إلى
ملك النكاح لأنه لم يأمرهما بالتزويج عند التعليق كذا في المحيط. ولا فرق في حق هذا الحكم بين
أن يزوجاه بأمره أو بغير أمره لما في المعراج: ولو قال لغيره إن زوجتني امرأة فهي طالق فزوجه
بأمره أو بغير أمره لا تطلق لأن التعليق لم يصح اه‍. الثالثة لو قال إن تزوجت فلانة قبل فلانة فهما
طالقان فتزوج الأولى طلقت، واختلفوا فيما إذا تزوج الثانية فقال في المحيط: تطلق أيضا. وقيل:
ينبغي أن لا تطلق لأن نكاح الثانية غير مذكور صريحا ولا ضرورة. ولو قال إن تزوجت زينب قبل
عمرة بشهر فهما طالقتان فتزوج زينب ثم عمرة بعدها بشهر طلقت زينب للحال لوجود الشرط
ولا يستند ولا تطلق عمرة لأنه ما أضاف طلاقها إلى نكاحها لأن تزوجها لم يصر مذكورا وتمامه في
المحيط. الرابعة لو قال إن تزوجت امرأة أو أمرت إنسانا بالتزوج لي امرأة فهي طالق ثم أمر غيره
أن يزوجه امرأة ففعل المأمور لا تطلق امرأة الحالف لأنه حنث بالامر لا إلى جزاء وهو نظير ما روي
عن أبي يوسف: لو قال رجل إن تزوجت فلانة أو خطبتها فهي طالق فخطب امرأة وتزوجها لا
يحنث في يمينه لأنه حنث بالخطبة كذا في الخانية. وحاصل ما ذكره في الذخيرة أنه إذا قال إن
تزوجت فلانة فهي طالق وإن أمرت من يزوجنيها فهي طالق فأمر إنسانا فزوجها منه طلقت لأنهما
يمينان فانحلال أحدهما لا يوجب انحلال الأخرى. ولو قال إن تزوجت وإن أمرت من يزوجنيها
14

فهي طالق فأمر رجلا فزوجها منه لم تطلق لأن اليمين واحدة والشرط شيئان الامر والتزويج
فبمجرد الامر لا تنحل اليمين، ولذا لو تزوجها من غير أن يأمر أحدا بذلك لا تطلق لأنه بعض
الشرط، فإن أمر بعد ذلك رجلا فقال زوجني فلانة وهي امرأته على حالها طلقت لأنه كل
الشرط. ولو قال إن خطبت فلانة أو تزوجتها فهي طالق فخطبها ثم تزوجها لا تطلق لأن شرط
حنثه أحد شيئين، فإذا خطبها فقد وجد شرط الحنث والمرأة ليست في نكاحه فانحلت اليمين لا إلى
حنث، فإذا تزوجها بعد ذلك واليمين منحلة فلا تطلق. وقوله لأنه حنث بالخطبة يدل على أنها
يمين منعقدة وفائدتها لو زوجه فضولي فبلغه فأجاز طلقت، ونظيرها إن تزوجت فلانة أو أمرت
من يزوجنيها فأمر غيره فزوجها منه لا تطلق وتمامه فيها من فصل التعليقات. وفي تتمة الفتاوى
في مسألتي الامر والخطبة بأو وهذا رد على من يقول اليمين غير منعقدة لأن الشرط أحدهما
وأحدهما بعينه صالح والآخر لا فإنه نص على الحنث حتى لو تزوج قبل الامر في المسألة الأولى
أو قبل الخطبة في المسألة الثانية لو تصور فإنها تطلق اه‍.
وفي الخانية: قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق ونوى من بلد كذا أو نوى امرأة حبشية
أو غيرها لا يكون مصدقا في ظاهر الرواية قضاء، ولو قال أي امرأة أتزوجها فهي طالق
كانت على امرأة واحدة إلا أن ينوي جميع النساء. ولو قال إن تزوجت امرأة من بنات فلان
فهي طالق وليس لفلان بنت ثم ولد له بنت فتزوجها الحالف قالوا لا يحنث في يمينه ويشترط
قيام البنت وقت اليمين، ولا يدخل في اليمن ما يحدث بعد اليمين كما لو حلف أن لا
يتزوج من أهل هذه الدار وليس لتلك الدار أهل ثم سكنها قوم فتزوج الحالف منهم امرأة لا
يحنث في يمينه ويشترط وجود الأهل عند اليمين إلا أن هذا الجواب يوافق قول محمد، وأما
قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف يدخل في هذا اليمين من كان موجودا وقت اليمين ومن
يحدث بعده كمن حلف أن لا يكلم ابن فلان وليس لفلان ابن ثم ولد له ابن فكلمه الحالف
حنث في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، ولا يحنث في قول محمد. ولو قال والله لا أتزوج
امرأة من أهل الكوفة فتزوج امرأة من أهل الكوفة ولدت بعد اليمين حنث، فرق محمد بين
هذا وبين بنت فلان لأن أهل الكوفة قوم لا يحصون فلم يكن الحامل على اليمين غيظ لحقه
من جهة الأهل بل الحامل على اليمين معنى في الكوفة فيدخل الموجود والحادث. بخلاف بنت
فلان لأن الحامل على اليمين غيظ لحفه من جهة فلان فيدخل فيه الموجود لها الحادث. ولو حلف
أن لا يتزوج من نساء أهل البصرة فتزوج جارية ولدت بالبصرة ونشأت بالكوفة واستوطنت بها
حنث الحالف في قول أبي حنيفة لأن المعتبر عنده في هذه الولادة، ولو حلف أن لا يتزوج من
15

أهل بيت فلان فتزوج بنت بنت فلان لا يحنث لأن هذا الاسم لا يتناول أولاد البنات. ولو قال
إن تزوجت امرأة إلى خمس سنين فهي طالق فتزوج في السنة الخامسة طلقت لأنها لا تنتهي قبل
مضي السنة الخامسة كما لو أجر داره إلى خمس سنين. ولو قال إن أكلت من خبز والدي ما لم
أتزوج فاطمة فكل امرأة أتزوجها فهي طالق فأكل ثم تزوج فاطمة بعد الاكل طلقت. ولو قال
كل امرأة أتزوجها ما لم أتزوج فاطمة فهي طالق فماتت فاطمة أو غابت فتزوج غيرها طلقت في
الغيبة ولا تطلق في الموت، أما في الغيبة فلانه ما تزوج فاطمة حال بقاء اليمين فيحنث، وأما
في الموت فلا يحنث في قول أبي حنيفة ومحمد لأن عندهما يمينه تبطل بالموت فلا يحنث بعده.
ولو قال كل امرأة أتزوجها فقد بعت طلاقها منك بدرهم ثم تزوج بامرأة فقالت التي كانت
عنده حين علمت بنكاح غيرها قبلت أو قالت طلقتها أو قالت اشتريت طلاقها طلقت التي
تزوجها، وإن قالت التي كان عنده قبل أن يتزوج أخرى قبلت لا يصح قبولها لأن ذلك قبول
قبل الايجاب اه‍. وفي الكافي للحاكم: لو قال يوم أتزوجك فأنت طالق وأنت طالق وأنت
طالق ثم تزوجها طلقت واحدة في قول أبي حنيفة وثلاثا عندهما. ولو قال يوم أتزوجك فأنت
طالق يوم أتزوجك فأنت طالق يوم أتزوجك فأنت طالق ثم تزوجها طلقت ثلاثا، وكذلك إن
وإذا ومتى وكلما. وإن قال أنت طالق وطالق وطالق يوم أتزوجك ثم تزوجها طلقت
ثلاثا بخلاف ما إذا أخر الطلاق فإن الأولى تقع فقط اه‍. ثم قال: لو قال إذا تزوجت امرأة فهي
طالق فتزوج امرأتين في عقدة واحدة فإحداهما طالق والخيار له، وإن نوى امرأة وحدها لم يدين
في القضاء. ولو قال إن تزوجت امرأة وحدها لم تطلق واحدة منهما فإن تزوج أخرى بعدها
طلقت اه‍. وفي القنية: قال لأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق من جهتي أو طلقتك صح
وصار كأنه قال إن دخلت الدار وتزوجتك فأنت طالق. ولو قال لأجنبية إن ولدت فأنت طالق
مني فتزوجها فولدت طلقت اه‍. وهو مشكل ولو زاد قوله من جهتي كما لا يخفى.
قوله: (وألفاظ الشرط إن وإذا وإذا ما وكل وكلما ومتى ومتى ما) وهو في اللغة كما
في القاموس إلزام الشئ والتزامه في البيع ونحوه كالشريطة والجمع شروط. وفي المثل
الشرط أملك عليك أم لك. وبزغ الحجام بشرط ويشرط فيهما. والدون اللئيم السافل.
والجمع أشراط. وبالتحريك العلامة والجمع أشراط وكل مسيل صغير يجئ من قدر عشرة
أذرع. وأول الشئ ورزال المال وصغارها. والاشراف أشراط أيضا ضد ا ه‍. وعند
الأصوليين كما في التلويح تعليق حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة ويزاد في أن
فقط أي من غير اعتبار ظرفية ونحوها كما في إذا ومتى ا ه‍. وفي المعراج: الشروط
16

شرعية وعقلية وعرفية ولغوية. فالشرعية كالوضوء وستر العورة واستقبال القبلة وطهارة
الثوب والمكان والبدن فيتوقف وجود الصلاة عليها ولا يلزم من وجودها وجود الصلاة.
والعقلي كالحياة مع العلم فيلزم من وجود العلم الحياة من غير عكس. والعرفية ويقال لها
الشرطية العادية كالسلم مع صعود السطح فيلزم من الصعود وجوده من غير عكس. واللغوية
مثل التعليقات فيلزم من وجود الشرط وجود المشروط. قالوا: وهو حقيقة السبب وبهذا قال
النحويون في الشرط والجزاء مع السببية للأول والمسببية للثاني والمعتبر من المانع وجوده ومن
الشرط عدمه ومن السبب وجوده وعدمه ا ه‍. وقال قبله: إنما قال ألفاظ الشرط دون
حروفه كما قال بعضهم لأن عامتها اسم كمتى وإذا ا ه‍. وليس مقصود المؤلف الحصر
في الألفاظ الستة وقد ذكر في جوامع الفقه لو ولولا. وفي فتح القدير: وإنما لم يذكر
المصنف لو لأن مقصودة ينافيه أعني التعليق على ما على خطر الوجود لأنها أفادت تحقق
عدمه فلا يحصل معنى اليمين ولعدم حصوله لم تذكر لما وإن كان لو دخلت فأنت طالق
تعليق للطلاق كما ذكره التمرتاشي ويروى عن أبي يوسف لكنه ليس معناها الأصلي ولا
المشهور ولذا قال بعضهم: لا يتعلق. وفي الحاوي في فروعنا: قال أنت طالق لو تزوجتك
تطلق إذا تزوجها، ولو قال أنت طالق لولا دخولك أو لولا أبوك أو مهرك لا يقع، وكذا في
الاخبار بأن قال طلقتك أمس لولا كذا ا ه‍. ولا محل للتردد لأن المذهب أن لو بمعنى
الشرط. قال في المحيط: وكلمة لو بمعنى الشرط فإنها تستعمل هذه الكلمة لأمر مترقب
منتظر فصار بمعنى الشرط الذي هو مترقب الثبوت وعلى خطر الوجود فتوقف عليه حتى لو
قال لامرأته أنت طالق لو دخلت الدار لم تطلق حتى تدخل، ولو قال أنت طالق لو حسن
خلقك سوف أراجعك طلقت الساعة لأن لو دخلت على المراجعة، وكذا لو قدم أبوك
راجعتك. وعن أبي يوسف أنت طالق لو دخلت الدار لطلقتك فهذا رجل حلف بطلاق
امرأته ليطلقها إن دخلت الدار فإذا دخلت لزمه أن يطلقها ولا يقع إلا بموت أحدهما كقوله
إن لم آت البصرة ا ه‍. وفي المعراج: وإنما لم يذكر المصنف كلمة لو مع أنها للشرط وضعا
ذكره في شرح المفصل باعتبار أنه يعمل عمل الشرط معنى لا لفظا وغيرها يعمل معنى ولفظا
حتى تجزم في مواضع الجزم وفي غير مواضع الجزم لزم دخول الفاء في جزائهن بخلاف لو
انتهى. ولم يذكر من مع أنها من الجوازم لفظا ومعنى ومن مسائلها فرع غريب في المعراج:
17

رجل قال لنسوة له من دخلت منكن الدار فهي طالق فدخلت واحدة مرارا طلقت بكل مرة
لأن الدخول لما أضيف إلى جماعة فيراد به تعميمه عرفا مرة بعد مرة كقوله تعالى * (ومن قتله
منكم متعمدا) * [المائدة: 59] فإنه أفاد عموم الصيد ولهذا ذكر محمد في السير الكبير: لو
قال الأمير من قتل قتيلا فله سلبه فقتل واحد قتليين فله سلبهما. قيل لا حجة لمحمد في
الاستشهادين لأن الصيد في قوله لا تقتلوا الصيد عام باعتبار اللام الاستغراقية والقتيل عام
لوقوعه في سياق الشرط ولو استشهد بقوله تعالى * (وإذا رأيت الذين يخوضون) * [الانعام:
86] الآية * (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا) * [الانعام: 45] الآية. فإن إذا في ذلك
تفيد التكرار. وعن بعض الحنابلة أن متى تقتضي التكرار والصحيح أن غير كلما لا
يوجب التكرار ا ه‍. والحاصل أن أدوات الشرط إن ومن وما ومهما وأي وأين
وأنى ومتى ومتى ما وحيث وحيثما وإذا وإذا ما وإيان وكيفما عند الكوفيين ولم يذكر
النحاة كلا وكلما فيها لأنهما ليسا من أدوات الشرط وإنما ذكرهما الفقهاء لثبوت معنى
الشرط معهما وهو التعليق بأمر على خطر الوجود وهو الفعل الواقع صفة الاسم الذي أضيف إليه.
قالوا: وكلها جازمة إلا لو وإذا والمشهور
أنه إنما يجزم ب‍ " إذا في الشعر وكذا لو. والمراد ب‍ " إن المكسورة فلو فتحها تنجز وهو قول
الجمهور لأنها للتعليل، ولا يشترط وجود العلة وهذا مذهب البصريين واختاره محمد.
ومذهب الكوفيين أنها بمعنى إذا واختاره الكسائي وهو منهم وتمامه في المعراج. وأشار
بقوله ألفاظ الشرط إلا أنه لا يتحقق التعليق إلا بالفاء في الجواب في موضع وجوبها إلا
أن يتقدم الجواب فيتعلق بدونها على خلاف في أنه حينئذ هو الجواب أو يضمر الجواب
بعده والمقدم دليله. وأما الفقيه فنظره من جهة المعنى فلا عليه من اعتبار الجواب كذا في
فتح القدير. وكون الأول هو الجواب مذهب الكوفيين، وكونه دليلا عليه مذهب
البصريين. فإن قلت: ما فائدة الاختلاف بين أهل البلدين؟ قلت: يجوز عند البصريين
ضربت غلامه إن ضربت زيد أعلى إن ضمير غلامه لزيد لرتبة الجزاء عند البصريين بعد
الشرط، ولا يجوز عند الكوفيين لرتبته قبل الأداة كما أشار إليه الرضى. وفي الألفية لابن
مالك.
18

واقرن بفا حتما جوابا لو جعل * شرطا لأن أو غيرها لم ينجعل
وتوضيحه كما في المغني أنها واجبة في جواب لا يصلح أن يكون شرطا قال: وهو
منحصر في ست مسائل. إحداها أن يكون الجواب جملة اسمية نحو * (إن تعذبهم فإنهم
عبادك) * [المائدة: 811] الثانية أن يكون فعلها جامدا نحو * (إن تبدوا الصدقات فنعما هي) *
[البقرة: 172] الثالثة أن يكون فعلها انشائيا نحو * (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني) * [آل
عمران: 13] الرابعة أن يكون فعلها ماضيا لفظا ومعنى نحو * (إن يسرق فقد سرق أخ له من
قبل) * [يوسف: 77] الخامسة أن يقترن بحرف الاستقبال نحو * (من يرتد منكم عن دينه
فسوف يأتي الله بقوم يحبهم) * [البقرة: 712] ونحو * (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) * [آل
عمران: 511] السادسة أن يقترن بحرف له الصدر كرب وإنما دخلت في نحو * (ومن عاد
فينتقم الله منه) * [المائدة: 59] لتقدير الفعل خبر المحذوف فالجملة اسمية وقد مر أن إذا
الفجائية تنوب عن الفاء نحو * (وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون) * [الروم:
36] وإن الفاء قد تحذف للضرورة كقوله:
من يفعل الحسنات الله يشكرها
وعن المبرد أنه منع من ذلك حتى في الشعر وزعم أن الرواية من يفعل الخير فالرحمن
يشكره. وعن الأخفش أن ذلك واقع في النثر الفصيح وأن منه قوله تعالى * (إن ترك خيرا
الوصية للوالدين) * [البقرة: 081] وتقدم تأويله. وقال ابن مالك: يجوز في النثر نادرا ومنه
حديث اللقطة فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها وكما تربط الفاء الجواب بشرطه كذلك
تربط شبه الجواب بشبه الشرط وذلك في نحو الذي يأتيني فله درهم ا ه‍ ما في المغني:
وذكر المرادي في شرح الألفية أحد عشر موضعا لوجوب الاقتران بالفاء وهي: الجملة
الاسمية والفعلية الطلبية والفعل غير المتصرف والمقرون بالسين أو سوف أو قد أو منفيا بما أو
لن وإن والمقرون بالقسم والمقرون برب. قال: فهذه الأجوبة تلزمها الفاء لأنها لا يصلح جعلها
شرطا وخطب التمثيل سهل ا ه‍. وهذا لا يخالف قول المغني أنها منحصرة في ست لأن
حرف الاستقبال شامل للسين وسوف ولن وما له الصدر شامل للقسم ورب. والأضبط
19

والأخصر ما ذكره الرضى أنها واجبة في أربعة مواضع: أحدها الجملة الطلبية كالأمر والنهي
والاستفهام والتمني والعرض والتحضيض والدعاء. الثاني الجملة الانشائية كنعم وبئس وما
تضمن معنى انشاء المدح والذم وكذا عسى وفعل التعجب. والقسم الثالث الجملة الاسمية.
الرابع كل فعلية مصدرة بحرف سوى لا ولم في المضارع سواء كان الفعل المصدر ماضيا أو
مضارعا ا ه‍. وظاهره أن الطلبية لا تدخل تحت الانشائية ولذا صرح بعده بما يفيد التغاير
فقال: إن الجملة الانشائية متجردة عن الزمان والطلبية متمحضة للاستقبال وتمامه فيه. وفي
شرح التوضيح من بحث الصلة الانشائية ما قارن لفظها معناها والطلبية ما تأخر وجود
معناها عن وجود لفظها ا ه‍. وهذا كله عند النحاة، وأما في علم المعاني فالطلبية من أقسام
الانشائية لأنها ما ليس لها خارج تطابقه أو لا تطابقه، والخبرية ما لها خارج تطابقه أو لا
تطابقه. وبما قررناه ظهر أن قول الزيلعي أن مواضعها سبع ونظمها بعضهم فقال:
طلبية واسمية وبجامد وبما وقد ولن وبالتنفيس
قاصر عن الاستيفاء وزيادة المحقق عليه في فتح القدير ما ذكره المرادي ليس تحريرا
والحق ما أسلفناه عن الرضى. فإذا عرف ذلك تفرع عليه أنه لو لم يأتي بالفاء في موضع
وجوبها فإنه يتنجز ك‍ " إن دخلت الدار أنت طالق فإن نوى تعليقه دين، وكذا إن نوى
تقديمه. وعن أبي يوسف أنه يتعلق حملا لكلامه على الفائدة فتضمر الفاء. قلت: الخلاف
مبني على جواز حذفها اختيارا فأجازه أهل الكوفة وعليه فرع أبو يوسف، ومنعه أهل البصرة
وعليه تفرع المذهب، وقد حكى الرضى خلاف الكوفيين كما ذكرناه، فإن قلت: يرد على
البصريين قوله تعالى * (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) * [الانعام: 121] قلت: قد أجاب عنه
الرضى بأنه بتقدير القسم ويجوز أن يكون قوله تعالى * (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان
حجتهم) * [الجاثية: 52] مثله أي بتقدير القسم، ويجوز أن تكون إذا لمجرد الوقت من دون
ملاحظة الشرط كما لم يلاحظ في قوله تعالى * (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) *
[الشورى: 93] وقوله تعالى * (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) * [الشورى: 73] ا ه‍. ولو
أجاب بالواو وفي موضع وجوب الفاء تنجز وإن نوى تعليقه بدين. وفي المعراج: ولو نوى
تقديمه قيل يصح وتحمل الواو على الابتداء وفيه ضعف لأن واو الابتداء لا تستعمل في أول
الكلام ا ه‍. وظاهر ما في المحيط أنه لو نوى تعليقه لا يدين فإنه قال: ولا تصح نية التعليق
20

أصلا لأنه يحتاج إلى اسقاط حرف الواو ثم إلى اضمار حرف الفاء ولان الاضمار إنما يصح متى
أظهر ما أضمر لا يختل الكلام وهنا لو ظهر ما أضمر اختل الكلام لأنه يصير إن دخلت الدار
فوأنت طالق ولو لم يأت بحرف التعليق ك‍ " أنت طالق دخلت الدار تنجز لعدم التعليق. ولو قدم
الجواب وأخر الشرط لكن ذكره بالواو ك‍ " أنت طالق وإن دخلت الدار تنجز لأن الواو في مثله
عاطفة على شرط هو نقيض المذكور على ما عرف في موضعه تقديره إن لم تدخلي وإن دخلت و
إن هذه هي الوصلية. كذا في فتح القدير وهو اختيار لقول الجرمي وهو ليس بمرضى عند
الرضى لأنه يلزمه أن يأتي بالفاء في الاختيار فتقول زيد وإن كان غنيا فبخيل لأن الشرط لا يلغي
بين المبتدأ والخبر اختيارا، وأما على ما اخترنا من كون الواو اعتراضية فيجوز لأن الاعتراضية بين
أي جزئين من الكلام كانا بلا فصل إذا لم يكن أحدهما حرفا ا ه‍. وقال قبله: وشرط دخولها أن
يكون ضد الشرط المذكور أولى بذلك المقدم الذي هو كالعوض عن الجزاء من ذلك الشرط كقوله
أكرمه وإن شتمني فالشتم بعيد من إكرامك الشاتم وضده وهو المدح أولى بالاكرام، وكذلك
اطلبوا العلم ولو بالصين. والظاهر أن الواو الداخلة على كلمة الشرط في مثله اعتراضية ونعني
بالجملة الاعتراضية ما تتوسط بين أجزاء الكلام ومتعلقاته معنى مستأنفا لفظا على طريق الالتفات
إلى آخره. وفي المحيط: وذكر الكرخي أنه لو نوى بيان الحال على معنى أنت طالق في حال
دخولك تصح نيته ديانة لا قضاء لأن الواو في مثله تذكر للحال كقوله أنت طالق وأنت راكبة ا ه‍.
وقال الرضى: وعن الزمخشري في مثله الحال فيكون الذي هو كالعوض عن الجزاء عاملا
في الشرط أيضا على أنه حال كما عمل جواب متى عند بعضهم في متى النصب على أنه ظرفه
ومعنى الظرفية والحال متقاربان، ولا يصح اعتراض الجرمي عليه بأن معنى الاستقبال الذي في
أن يناقض معنى الحال الذي في الواو لأن حالية الحال باعتبار عامله مستقبلا كان العامل أو
ماضيا نحو اضربه غدا مجردا أو ضربته أمس مجردا واستقبالية شرط أن باعتبار زمن التكلم
فلا تناقض بينهما ا ه‍ كلام الرضى. وهو مؤيد لقول الكرخي. ولو ذكره بالفاء كانت طالق فإن
دخلت الدار قال في المعراج: لا رواية فيه. ولقائل إن يقول: تطلق لأن الفاء صارت فاصلة،
ولقائل أن يقول لا تطلق لأن الفاء حرف التعليق ا ه‍.
وفي فتح القدير: وقياس المذكور في حرف الفاء في موضع وجوبها وذكر الواو مع
الجواب أن يكون التنجيز موجب اللفظ إلا أن ينوي التعليق لاتحاد الجامع وهو عدم كون
التعليق إذ ذاك مدلول اللفظ فلا يثبت إلا بالنية، والفاء وإن كان حرف تعليق لكن لا يوجبه
إلا في محله فلا أثر له هنا ا ه‍. وثم كالواو قال في المحيط: لو قال أنت طالق ثم إن
دخلت الدار طلقت للحال ولا تصح نية التعليق أصلا لأنه لا يحتمله لأن ثم للتعقيب مع
الفصل والتعليق للوصل فكان بينهما مضادة ا ه‍. ثم اعلم أن ما المذكورة بعد أداة شرط
زائدة. قال الرضى: وأما ما فتزاد مع الخمس كلمات المذكورة إذا أفادت معنى الشرط نحو
21

إذا ما تكرمني أكرمك بغير الجزم ومتى ما تكرمني أكرمك بمعنى متى تكرمني ولا تفيد
ما معنى التكرير ولو أفادتها لم تكن زائدة، فمن قال إن متى للتكرير فمتى ما مثله، ومن
قال ليس للتكرير فكذا متى ما وأيا ما تفعل أفعل وأينما تكن أكن * (فاما نذهبن بك) *
[الزخرف: 14] وقد تدخل بعد أيان أيضا قليلا وليست في حيثما وإذ ما زائدة لأنها
هي المصححة لكونهما جازمين فهي الكافة أيضا عن الإضافة ا ه‍. ذكره في بحث حروف
الزيادة ولم يذكر هنا ما في كلما لكونها ليست زائدة لإفادتها التكرار ولذا قال: وتفيد كل
التكرار بدخول ما عليه دون غيره من أدوات الشرط ا ه‍. وفي المحيط وعن أبي يوسف: لو
قال أنت طالق لدخلت الدار فهذا يخبر أنه دخل الدار وأكده باليمين فيصير كأنه قال إن لم أكن
دخلت الدار فإن لم يكن دخل الدار طلقت. ولو قال أنت طالق لا دخلت الدار يتعلق بالدخول
لأن لا حرف نفي وقد أكده بالدخول فكان الطلاق معلقا بالدخول. ولو قال أنت طالق
لدخولك الدار طلقت الساعة لأن اللام للتعليل فقد جعل الدخول علة للوقوع وجدت العلة أو
لا. ولو قال أنت طالق بدخولك الدار أو بحيضك لم تطلق حتى تدخل أو تحيض لأن الباء
للوصل والالصاق وإنما يتصل الطلاق ويلتصق بالدخول إذا تعلق به. ولو قال أنت طالق على
دخولك الدار إن قبلت يقع وإلا فلا لأنه استعمل الدخول استعمال الأعواض فكان الشرط
قبول العوض لا وجوده كما لو قال أنت طالق على أن تعطيني ألف درهم ا ه‍. وفي فتح
القدير: ويقع في الحال بقوله أنت طالق إن دخلت وبقوله ادخلي الدار وأنت طالق فيتعلق
بالدخول لأن الحال شرط مثل أدي إلي ألفا وأنت طالق لا تطلق حتى تؤدي ا ه‍. وسيأتي في
العتق أنه على القلب أي كوني طالقا في حال الأداء وكن حرا في حال الأداء. وقوله لأن الحال
شرط منقوض بأنت طالق وأنت مريضة فإنه يقع للحال فالتعليل الصحيح أن جواب الامر
بالواو كجواب الشرط بالفاء كذا في المعراج. وفيه: لو قال أدي إلي ألفا فأنت طالق بالفاء يتنجز
لأنها للتعليل كقوله افتحوا الأبواب وأنتم آمنون يتعلق، ولو قال فأنتم آمنون لا يتعلق للتفسير،
ولو قال أنت طالق ووالله لا أفعل كذا فهو تعليق ويمين، ولو قال أنت طالق والله لا أفعل كذا
طلقت في الحال. ذكرهما في جوامع الفقه.
قوله: (ففيها إن وجد الشرط انتهت اليمين) أي في ألفاظ الشرط إن وجد المعلق عليه
انحلت اليمين وحنث وانتهت لأنها غير مقتضية للعموم والتكرار لغة فبوجود الفعل مرة يتم
الشرط ولا يتم بقاء اليمين بدونه وإذا تم وقع الحنث فلا يتصور الحنث مرة أخرى إلا بيمين
22

أخرى أو بعموم تلك اليمين ولا عموم. وفي المحيط معزيا إلى الجامع الأصل: إن إضافة
الجمع إلى الواحد يعتبر جمعا في حق الواحد، والجمع المضاف إلى الجمع يعتبر آحادا في حق
الآحاد ولا يعتبر جميعا في حق الآحاد، فلو قال إن دخلتما هذه الدار فلا بد من دخولهما،
وإن قال هاتين الدارين فدخلت كل واحدة دارا على حدة طلقتا، ولو قال إن ولدتما ولدا أو
حضتما حيضة فولدت إحداهما أو حاضت طلقتا لعدم إمكان الاجتماع بخلاف إن ولدتما أو
حضتما أو إن ولدتما ولدين أو حضتما حيضتين لا بد من ولادة كل واحدة وحيضها، وكذا
إن أكلتما هذا الرغيف لا بد من أكلهما للامكان. وإن قال إن لبستما قميصين لا بد من
لبسهما معا للحنث فلا يحنث بلبسهما متفرقين بخلاف هذين القميصين يحنث بلبسهما
متفرقين كان تغديت رغيفين يحنث بأكلهما متفرقين بخلاف إن أكلت رغيفين لا بد من أكلهما
معا. وأفاد بإطلاقه أنه لو زاد على إن أبدا فإنها لا تفيد التكرار كما لو قال إن تزوجت
فلانة أبدا فهي طلاق فتزوجها طلقت ثم إذا تزوجها ثانيا لا تطلق. كذا أجاب أبو نصر
الدبوسي كما في فتح القدير وعلله البزازي في فتاواه بأن التأبيد ينفي التوقيت لا التوحيد
فيتأبد عدم التزوج ولا يتكرر. ومن مسائل إن ما في الواقعات الحسامية والمحيط: لو كان
له أربع نسوة فقال لواحدة منهن إن لم أبت عندك الليلة فالثلاث طوالق ثم قال للثانية مثل
ذلك ثم قال للثالثة مثل ذلك ثم قال للرابعة مثل ذلك ثم بات عند الأولى وقع عليها الثلاث
لأنه انحل عليها ثلاثة أيمان، ويقع على كل واحدة منهن ممن لم يبت عندهن تطليقتان لأنه
انحل على كل واحدة منها ثنتان، ولو بات مع ثنتين وقع على كل واحدة منهما تطليقتان وعلى
الأخريين على كل واحدة منهما تطليقة. يخرج على هذا الأصل أنه لو بات مع الثلاث وقع
على كل واحدة منهن تطليقة لأنه انحل على كل واحدة منهن واحدة وهي اليمين التي عقدت
على التي لم يبت عندها، ولا يقع على هذه التي لم يبت عندها شئ لأن الايمان التي عقدت
على الثلاث لم ينحل شئ منها على الرابعة وهي التي لم يبت عندها ا ه‍. ومنها ما في
الخانية: إن دخلت الدار إن دخلت الدار إن دخلت الدار فأنت طالق فهذه على دخلة واحدة،
ولو قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت فهذا على دخلتين، ولو قال إن قلت لك أنت
طالق فأنت طالق ثم قال قد طلقتك تطلق ثنتين واحدة بالتطليق وواحدة باليمين ا ه‍. والفرع
الأخير يفيد أن قولهم إن التعليق يراعي فيه اللفظ ولا يقوم لفظ آخر مقامه يستثنى منه
المرادف له فإن قوله قد طلقتك مرادف لقوله أنت طالق من جهة إفادة وقوع الطلاق
. ومنها ما في الصيرفية: إن لم تمت فلانة غدا فأنت طالق فمضى الغد وهي حية يقع لامكانه
23

بخلاف إن تكلمت الموتى حيث لا يقع لعدمه. ومنها ما فيها أيضا: قالت لزوجها لك مع
فلانة شغل ولك معها حديث فقال إن كنت أعرف أنه رجل أو امرأة فأنت كذا قال: إن كان
له معها حديث أو شغل وقع وإلا فلا لأن الاعتبار هنا للمعنى لا للحقيقة والمعنى ترك
التعرض. ومنها ما لو قال إن لم أكن اليوم في العالم أو في هذه الدنيا فحلال الله علي حرام
يحبس حتى يمضي اليوم سواء حبسه القاضي أو الوالي أو في بيت لأن الحبس يسمى نفيا قال
تعالى * (أو ينفوا من الأرض) * [المائدة: 33] ا ه‍ ومنها ما في الخانية أيضا لو قال أنت طالق
إن دخلت الدار ثلاثا ينصرف الثلاث إلى الطلاق إلا أن ينوي الدخول، ولو قال أنت طالق
إن دخلت الدار عشرا فهي على الدخول عشر مرات لا إلى الطلاق ا ه‍. ومنها ما فيها أيضا:
قال إن لم أجامعها ألف مرة فهي طالق قالوا هذا على المبالغة والكثرة دون العدد ولا تقدير في
ذلك والسبعون كثير ا ه‍. ومنها ما فيها لو قال لامرأته إن تكوني امرأتي فأنت طالق ثلاثا فإن
لم يطلقها واحدة بائنة متصلة بيمينه تطلق ثلاثا، ولو قال إن أنت امرأتي فأنت طالق ثلاثا
طلقت ثلاثا ا ه‍. ودل اقتصاره على استثناء كلما أن من لا تقيد التكرار فعلى هذا ما في
الغاية: لو قال لنسوة له من دخلت منكن الدار فهي طالق فدخلت واحدة منهن الدار مرارا
طلقت بكل مرة تطليقة لأن الفعل وهو الدخول أضيف إلى جماعة فيراد به تعميم الفعل عرفا
مرة بعد أخرى كقوله تعالى * (ومن قتله منكم متعمدا) * [المائدة: 59] أفاد العموم واستدل
عليه بما ذكر في السير الكبير: إذا قال الإمام من قتل قتيلا فله سلبه فقتل واحد قتيلين فله
سلبهما ا ه‍. وهو مشكل لأن عموم الصيد لكون الواجب فيه مقدرا بقيمة المقتول وفي
السلب بدلالة الحال وهو أن مراده التشجيع وكثرة القتل. كذا في التبيين.
والحق أن ما في الغاية أحد القولين فقد نقل القولين في القنية في مسألة صعود السطح
ودل أيضا على أن إذا لا تفيد التكرار، وأما قوله تعالى * (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا
فاعرض عنهم) * [الانعام: 86] فإنما حرم القعود مع الواحد في كل مرة من العلة لا من
الصيغة كمن فيما تقدم لما فيهما من ترتيب الحكم وهو الجزاء في الأول ومنع القعود على
المشتق منه وهو القتل والخوض فيتكرر به كما في فتح القدير. ودل أيضا على أن أيا لا تفيد
التكرار. وفي المحيط وجوامع الفقه: لو قال أي امرأة أتزوجها فهو على امرأة واحدة بخلاف
كل امرأة أتزوجها حيث يعم بعموم الصفة ا ه‍. واستشكله في التبيين وفتح القدير حيث لم
يعم أي امرأة أتزوجها بعموم الصفة ولم يجيبا عنه، وقد ظهر لي أنه لا إشكال فيه من حيث
24

الحكم وهو منقول في الخلاصة والولوالجية أيضا. وزاد في البزازية إلا أن ينوي جميع النساء
لأن الصفة هنا ليست عامة لأن الفعل وهو أتزوج مسند إلى خاص وهو المتكلم فهو نظير ما
صرح به الأصوليون في الفرق بين أي عبيدي ضربته لا يتناول إلا واحدا وبين أي عبيدي
ضربك يعتق الكل إذا ضربوا لأنه في الأول أسند إلى خاص، وفي الثاني إلى عام بخلاف كل
امرأة أتزوجها فإن العموم إنما هو من كلمة كل لا من الوصف إذ الوصف خاص كلما
قلنا، وإنما الاشكال في قوله حيث تعم بعموم الصفة لأنها لا عموم لها فيهما إلا أن
الاشكال لتسليم عمومها وأنه ينبغي أن يكون كذلك في أي كما فعلا. فإن قلت: هذا
يقتضي أنه لو قال أي امرأة زوجت نفسها مني فهي طالق أن يتناول جميع النساء لأن الوصف
هنا عام لأنه لم يستند إلى معين فهو كقوله أي عبيدي ضربك بل أولى لتنكير المضاف إليه.
قلت: الحكم كذلك كما في الخلاصة من الفصل الرابع في اليمين في النكاح ويدل على ما
قررناه ما ذكره الحاكم في الكافي: لو قال لنسوة أيتكن أكلت من هذا الطعام شيئا فهي طالق
فأكلن جميعا منه طلقن كلهن، وكذلك لو قال أيتكن دخلت هذه الدار فدخلنها، وكذلك لو
قال أيتكن شاءت فهي طالق فشئن جميعا، ولو قال أيتكن بشرتني بكذا فبشرنه جميعا طلقن،
وإن بشرته واحدة قبل الأخرى طلقت وحدها ا ه‍. وفي المحيط: لو قال لعبيده أيكم حمل
هذه الخشبة فهو حر فحملوها جميعا إن كانت الخشبة بحيث يطيق حملها واحد لم يحنث لأن
كلمة أي تتناول الواحد المنكر من الجملة فكان شرط الحنث حمل الواحد ولم يوجد بكماله،
وإن كانت بحيث لا يحملها الواحد عتقوا لأن في العرف يراد به حملهم على الشركة لما تعذر
25

حملها على الواحد فصار كأنه قال أيكم حملها مع أصحابه، ونظيره لو قال أيكم شرب ماء هذا
الوادي فشربوا جميعا عتقوا لأن المراد منه شرب البعض عرفا لأن شرب الكل متعذر فصار
كأنه قال أيكم شرب بعض هذا الماء فهو حر. ولو قال أيكم شرب ماء هذا الكوز وكان ماؤه
يمكن شربه للواحد بدفعة أو دفعتين فشربوا جميعا لم يعتق واحد منهم، وإن حملها بعضهم
يعتق لأن كلمة أي تتناول واحدا منكرا من الجملة لكنها صارت عامة بعموم الوصف وهو
الحمل فتتناول كل واحد على الانفراد على سبيل البدل لا على العموم والشمول بخلاف قوله
إن حملتم هذه الخشبة فأنتم أحرار فحملها بعضهم لم يعتق لأن اللفظ عام بصيغته فيتناول الكل
لعمومه فما لم يوجد الحمل منهم لا يتحقق شرط الحنث ا ه‍. وبه علم أن قولهم إنها تعم
بعموم الوصف ليس على إطلاقه.
قوله: (إلا في كلما لاقتضائها عموم الافعال كاقتضاء كل عموم الأسماء) لأن كلمة
كل موضوعة لاستغراق ما دخلت عليه كان ليس معه غيره غير أن كلما تدخل على
الافعال وكل تدخل على الأسماء فيفيد كل منهما عموم ما دخلت عليه، فإذا وجد فعل
واحد أو اسم واحد فقد وجد المحلوف عليه فانحلت اليمين في حقه وفي حق غيره من
الافعال، والأسماء باقية على حالها فيحنث كلما وجد المحلوف عليه غير أن المحلوف عليه
طلقات هذا الملك وهي متناهية. فالحاصل أن كلما لعموم الافعال وعموم الأسماء ضروري
فيحنث بكل فعل حتى ينتهي طلقات هذا الملك، وكل لعموم الأسماء وعموم الافعال
ضروري، ولو قال المصنف إلا في كل وكلما لكان أولى لأن اليمين في كل وإن انتهت
في حق اسم بقيت في حق غيره من الأسماء كما سيأتي. وفي الولوالجية: الطلاق والعتاق
متى علق بشرط متكرر يتكرر، واليمين متى علق بشرط متكرر لا يتكرر حتى لو قال كلما
دخلت الدار فوالله لا أكلم فلانا فدخلت الدار مرارا فكلمه بعد ذلك لا يحنث إلا في يمين
واحدة. ولو قال كلما دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت فلانا فدخل الدار مرارا ثم كلمه
مرة يحنث في الايمان كلها. والفرق أن انعقاد اليمين بالله ليس إلا ذكر اسم الله تعالى مقرونا
26

بخبر وذكر اسم الله تعالى مقرون بخبر الدخول والكلام، فكما أن لانعقاد اليمين تعلقا بالدخول
كان لها تعلق بالكلام بدليل أنه لو قال إن دخلت والله ولم يقل لا أكلم لا ينعقد فلم ينفسخ ليكن
تصحيح اليمين بالله تعالى معلقا بالدخول وحده وإنما تصحيحها بالدخول والكلام جميعا والدخول
متكرر والكلام غير متكرر والمعلق بشرط متكرر وغير متكرر لا يتكرر فأما اليمين بالطلاق والعتاق
وغيرهما فمعلق بالدخول وحده، ألا ترى أنه لو اقتصر عليه صح فلم يكن لانعقاد اليمين تعلق
بالكلام فيبقى اليمين معلقا بالدخول وحده والدخول يتكرر لأنه أدخل فيه كلمة كلما والمعلق
بشرط متكرر يتكرر فيصير قائلا عند كل دخلة إن كلمت فلانا فامرأته طالق، ولو كرر هذه المقالة
ثم كلمه مرة يحنث في الايمان كلها لأن الشرط الواحد يصلح شرطا للايمان كلها ا ه‍. وزاد
البزازي على الطلاق والعتاق الظهار. وفي المحيط معزيا إلى الجامع: أصله أن الجزاء متى علق
بشرط مكرر وغير مكرر فإنه لا يتكرر بتكرر المكرر لأن المعلق بشرطين لا ينزل إلا عند وجودهما،
فلو قال كلما دخلت هذه الدار فعلي حجة إن ضربتك فدخل مرارا ولم يضربه إلا مرة فإنه يلزمه
الحج بعدد الدخلات لأن المعلق بالشرط كالمرسل عند وجود الشرط فكأنه قال عند كل دخلة علي
حجة إن ضربتك بخلاف ما لو ضربه ودخل ثم دخل مرة أخرى فإنه لا يلزمه حجة أخرى ما لم
يضربه ثانيا، وكذلك لو قال كلما دخلت الدار فامرأته طالق وعبده حر إن ضربت فلانا لأنه علق
بشرط مكرر وهو الدخول عتقا أو طلاقا معلقا بالضرب ا ه‍.
قوله: (فلو قال كلما تزوجت امرأة يحنث بكل امرأة ولو بعد زوج آخر) بيان لبعض
تفاريع كل وكلما وهي مسائل منها: مسألة الكتاب ووجهه أن الشرط ملك يوجد في
المستقبل وهو غير محصور وكلما أوجد هذا الشرط تبعه ملك الثلاث فيتبعه جزاؤه. وحاصل ما
ذهب إليه أبو يوسف أن كلما إنما توجب التكرار في المعينة لا في غير المعينة بادعاء اتحاد
الحاصل بين كل وكلما إذا نسب فعلها إلى منكر متكرر لأن الحاصل كل تزوج لكل امرأة
وفي مثله تنقسم الآحاد فلزم بالضرورة أنها إذا انحلت في فعل انحلت في اسمه فلا يتكرر
الحنث في امرأة واحدة وهو مردود لانقسام الآحاد على الآحاد عند التساوي وهو منتف لأن
دائرة عموم الافعال أوسع لأن كثيرا من أفراده ما يتحقق بالتكرار من شخص واحد وقد فرض
عمومه بكلما فلا يعتبر كل اسم بفعل واحد فقط. ومنها لو قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق
فكل امرأة تزوجها تطلق واحدة فإن تزوجها ثانيا لا تطلق لاقتضائها عموم الأسماء لا عموم
27

الافعال، ولو نوى بعض النساء صحت نيته ديانة لا قضاء لأن نية تخصيص العام خلاف
الظاهر. وقال الخصاف: تصح نيته في القضاء أيضا وهذا مخلص لمن يحلفه ظالم فأخذ بقوله لا
بأس به لأن الحالة دلالة ظاهرة، كذا في المحيط والفتوى على ظاهر المذهب وإن أخذ بقول
الخصاف إذا كان الحالف مظلوما فلا بأس به كذا في الولوالجية. ومنها: لو كان له أربع نسوة
فقال كل امرأة تدخل الدار فهي طالق فدخلت واحدة طلقت ولو دخلن طلقن، فإن دخلت
تلك المرأة مرة أخرى لا تطلق. ولو قال كلما دخلت فدخلت امرأة طلقت ولو دخلت ثانيا
تطلق وكذا ثالثا، فإن تزوجت بعد الثلاث وعادت إلى الأول ثم دخلت لم تطلق خلافا لزفر.
ومنها لو قال كلما تزوجت امرأة ودخلت الدار فهي طالق فتزوج امرأة مرتين ثم دخلت الدار لم
تطلق إلا مرة واحدة لأن قوله ودخلت عطف على التزوج وحكم المعطوف حكم المعطوف
عليه وكلمة كلما توجب التكرار فصار الدخول مكررا أيضا بخلاف ما لو قال كلما تزوجت
امرأة فهي طالق إن دخلت الدار فتزوجها مرارا ودخلت مرة طلقت ثلاثا لأنه لم يعطفه على
الشرط المتكرر وإنما جعله شرطا ب‍ " إن وهي لا تفيد التكرار فصار الدخول شرط الحنث في
الايمان كلها، كذا في المحيط. ومنها لو قال كلما تزوجت امرأة فهي طالق. وعبد من عبيدي
حر فتزوج امرأة طلقت وعتق عبد من عبيده، ولو تزوج أخرى طلقت ولا يعتق عبد من
عبيده. كذا ذكره الأسبيجابي. وأصله أن الكلام إذا كان تاما مستقلا بنفسه يؤخذ حكمه من
نفسه لا من غيره، وإن كان ناقصا غير مستقل بنفسه ولا مفهوم المعنى بذاته يؤخذ حكمه من
غيره لئلا يلغو بنفسه والكناية لا تستقل بنفسها فأخذ حكمها من المكنى عنه والصريح معتبر
بنفسه، فلو قال كل امرأة لي تدخل الدار فهي طالق وعبد من عبيدي حر فدخلن طلقن ولم يعتق
إلا عبد واحد لأن العبد صريح مستقل بنفسه فلم ينعطف على الأول وأنه نكرة في الاثبات
فيخص. ولو قال كلما والمسألة بحالها عتق أربعة عبيد لأن كلما أوجبت تعميم الفعل فصار
كل دخول شرطا على حدة وعتق العبد معلق بالدخول، ومن ضرورة تكرار الشرط تكرر الجزاء
حتى يفيد، ومن ضرورة تكرار الجزاء تعميم الاسم. ولو قال كل جارية لي تدخل فهي حرة
وولدها وعبد من عبيدي حر فدخلن جميعا عتقن وعتق الأولاد كلهم ولم يعتق إلا عبد واحد.
ولو قال كل دار دخلتها فعلي حجة فدخل دورا لم يلزمه إلا حجة لأنه صرح بالحجة وهي نكرة
في الاثبات فتخص ولم يقترن بها ما يوجب تعميمها ولم يعلقها بشرط مكرر فإن الدخول غير
مكرر لأن كلمة كل تجمع الأسماء دون الافعال. ولو قال فعلي بها حجة لزمه بكل دار حجة،
وتمامه في المحيط إلا أنه يشكل بفرع الأسبيجابي ولعل الصواب في عبارة الأسبيجابي كل امرأة
أتزوجها دون كلما كما لا يخفى.
28

ومنها ما في الكافي وغيره: لو قال كلما نكحتك فأنت طالق فنكحها في يوم ثلاث
مرات ووطئها في كل مرة طلقت طلقتين وعليه مهران ونصف. وقال محمد: بانت بثلاث
وعليه أربعة مهور ونصف. ولو قال كلما نكحتك فأنت طالق بائن فنكحها ثلاث مرات في
يوم ووطئ في كل مرة بانت بثلاث إجماعا وعليه خمسة مهور ونصف وتوضيحه فيه. ومنها
ما لو قال كلما دخلت هذه الدار فامرأتي طالق وله أربع نسوة فدخلها أربع مرات ولم يعين
واحدة منهن بعينها يقع بكل دخلة واحدة إن شاء فرقها عليهن وإن شاء جمعها على واحدة.
ولو قال كلما دخلت هذه الدار وكلمت فلانا أو فكلمت فلانا فعبد من عبيدي حر فدخلت
مرارا وكلمت مرة لم يعتق إلا عبد واحد. ولو قال كلما دخلت هذه الدار فإن كلمت فلانا
فأنت طالق فدخلت ثلاثا ثم كلمت فلانا طلقت ثلاثا، ولو قال كلما دخلت هذه الدار فكلما
كلمت فلانا فأنت طالق فاليمين الثانية تصير معلقة بالدخول وإذا دخلت الدار انعقدت اليمين
الثانية فإذا كلمت فلانا ثلاث مرات بعد ذلك طلقت ثلاثا، كذا في المحيط. ومنها ما في
الخانية والمحيط: رجل له أربع نسوة فقال كل امرأة لم أجامعها منكن الليلة فالأخريات طوالق
فجامع واحدة منهن وطلع الفجر طلقت المجامعة ثلاثا لأنها مطلقة بترك جماعة كل واحدة
منهن وسائرهن طلقن كل واحدة ثنتين لأن في حق سائرهن ترك جماع امرأتين في حق كل
واحدة سواها وعلى هذا القياس فافهم. ومنها ما في الخانية: قال كلما قعدت عندك فامرأته
طالق فقعد عنده ساعة طلقت ثلاثا لأن الدوام على القعود وعلى كل ما يستدام بمنزلة
الانشاء. ولو قال كلما ضربتك فأنت طالق فضربها بيديه جميعا طلقت ثنتين وإن ضربها بكف
واحد لا تطلق إلا واحدة، وإن وقعت الأصابع متفرقة لأن في اليدين تكرار الضرب لأن
الضرب بكل يد ضربة على حدة فكان ذلك بمنزلة الضرب بضغث واحد، أما في الوجه
الثاني لم يتكرر الضرب لأن الأصل في الضرب هو الكف والأصابع تبع لها فلم يتعدد
الضرب. فلو قال لامرأته كلما طلقتك فأنت طالق فطلقها واحدة يقع طلاقان طلاق بالتطليق
وطلاق بقوله كلما طلقتك فأنت طالق. ولو قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق
29

فطلقها واحدة طلقت ثلاثا ا ه‍. ومنها ما في المحيط: ثم المنعقد بكلمة كلما يمين واحدة.
للحال ويتجدد انعقادها مرة بعد أخرى كلما حنث في يمينه، أما أيمان منعقدة على رواية
الجامع أيمان منعقدة للحال انحلت بعضها وبقي بعضها منعقدة بعد الحنث إلى أن يوجد
شرطها، وعلى رواية المبسوط المنعقدة للحال يمين واحدة ويتجدد انعقادها مرة بعد أخرى
كلما حنث لأن الجزاء لم يذكر إلا مرة وهو المعتبر. وجه رواية الجامع أن كلما بمنزلة تكرار
الشرط والجزاء والفتوى على رواية الجامع لأنه أحوط ا ه‍. ولم يذكر ثمرة الاختلاف، وينبغي
أن تظهر الثمرة فيما إذا حلف بالطلاق لا يحلف بأن قال كلما حلفت فأنت طالق ثم علق
بكلمة كلما، فعلى رواية الجامع يقع الآن الثلاث، وعلى رواية المبسوط يقع الآن واحدة.
وأما إذا حلف بالله أن لا يحلف فينبغي أن تجب كفارة واحدة للحال اتفاقا لأنه لا يعلم ما زاد
على اليمين الواحدة. وفي البزازية من كتاب القضاء: لو قال لامرأة كلما تزوجتك فأنت
طالق ثلاثا ثم تزوجها ورفع الحال إلى حاكم يرى صحة النكاح فقضى بها ثم طلقها ثلاثا ثم
تزوجها بعد دخول زوج آخر اختلف المشايخ في أنه هل يحتاج إلى القضاء ثانيا بناء على أن
المنعقدة بكلمة كلما للحال يمين واحدة يتجدد انعقادها كلما وقع الحنث وهو رواية
الأصل، أم المنعقدة بها في الحال أيمان كما هو رواية الجامع وهو الأصح فيحنث في البعض
لوجود الشرط وتبقى الباقية منعقدة؟ فمن قال بهذا شرط القضاء ثانيا. ومن قال بالأول لم
يشترط القضاء ثانيا ا ه‍. وهذا بيان ثمرة الاختلاف في المعلق بالتزوج لا مطلقا.
قوله: (وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها) لأنه لم يوجد الشرط والجزاء باق لبقاء محله
فتبقى اليمين، وسيأتي ان زوال الملك بالثلاث مبطل للتعليق فكان مراده هنا الزوال بما دون
الثلاث بأن طلقها بعد التعليق واحدة أو ثنتين فانقضت عدتها ثم تزوجها ثم وجد الشرط
طلقت. أطلق الملك فشمل ملك النكاح وملك اليمين حتى لو قال لعبده إذا دخلت الدار
فأنت حر فباعه ثم اشتراه فدخل عتق. وقيد بزوال الملك لأن زوال إمكان البر المصحح
للتعليق مبطل له أيضا. وتفرع على ذلك فروع منها ما في البزازية: قال لها إن لم أدفع إليك
الدينار الذي علي إلى شهر فأنت كذا فأبرأته قبل الشهر بطل اليمين ا ه‍. ومنها ما في القنية:
30

إن لم تردي ثوبي الساعة فأنت طالق فأخذه هو قبل أن تدفع إليه لا يحنث، وقيل يحنث،
وهكذا إن لم تجيئي بفلان فأنت طالق فجاء فلان من جانب آخر بنفسه. فالحاصل أنه متى
عجز عن الفعل المحلوف عليه واليمين موقتة بطلت عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي
يوسف. دعا امرأته إلى الوقاع فأبت فقال متى يكون فقالت غدا فقال إن لم تفعلي هذا المراد
غدا فأنت طالق ثم نسياه حتى مضى الغد لا يحنث. حلف ليخرجن ساكن داره اليوم
والساكن ظالم غالب يتكلف في إخراجه فإن لم يمكنه فاليمين على التلفظ باللسان ا ه‍. وذكر
قبله فيها فروعا تحتاج إلى التوفيق: حلف إن لم يخرب بيت فلان غدا فقيد ومنع فلم يخربه
حتى مضى الغد اختلف فيه والمختار للفتوى الحنث. قال لها وهي في بيت أمها إن لم أذهب
بك إلى داري فأنت طالق ثم أخرجها من دار أمها فهربت منه فلم يقدر على أخذها وقع.
حلف لا يسكن فلم يقدر على الخروج إلا بطرح نفسه من الحائط بعد ما أوثق لم يحنث ولو
وجد الباب مغلقا لم يمكنه فتحه ففي حنثه قولان. ولو قال إن لم أخرج من هذا منزل اليوم
فقيد ومنع حنث، وكذا لو قال لها في منزل والدها إن لم تحضري في منزلي الليلة فأنت طالق
فمنعها الوالد من الحضور تطلق هو المختار. ولو قال لأصحابه إن لم أذهب بكم الليلة إلى
منزلي فذهب بهم بعض الطريق فأخذهم العسس فحبسهم لا يحنث. إن لم أعمل هذه السنة
في المزارعة بتمامها فمرض ولم يتم حنث ولو حبسه السلطان لا يحنث ا ه‍. أقول: إن قوله
إن لم أخرج وإن لم أذهب بك وإن لم أخرج وإن لم تحضري منزلي سواء في أن القيد والمنع لا
يمنع الحنث لأنه إكراه وللاكراه تأثير في الفعل بالاعدام كالسكنى لا في العدم، والمعلق عليه
31

في هذه المسائل العدم فلم يؤثر فيه الاكراه وإنما يشكل مسألة العسس فإن الشرط العدم وقد
أثر فيه الحبس، وكذا يشكل مسألة إن لم أعمل هذه السنة فإن الشرط العدم وقد أثر فيه
حبس السلطان. ومنها ما في الخانية: امرأة دفعت من كيس زوجها درهما فاشترت به لحما
وخلط اللحام الدرهم بدراهمه وقال لها الزوج إن لم تردي علي ذلك الدرهم اليوم فأنت طالق
فمضي اليوم وقع الطلاق لوجود شرطه، فإن أراد الحيلة للخروج عن اليمين أن تأخذ المرأة
كيس اللحام وتسلمه إلى الزوج ا ه‍. وذكر قبله رجل دفع إلى امرأته درهما ثم قال ما فعلت
بالدرهم فقالت اشتريت به اللحم فقال الزوج إن لم تردي علي ذلك الدرهم فأنت طالق وقد
ضاع الدرهم من يد القصاب قالوا ما لم يعلم أنه أذيب ذلك الدرهم أو سقط في البحر لا
يحنث ا ه‍. ومفهومه أنه إذا لم يمكن رده فإنه يحنث فعلم به أن قولهم يشترط لبقاء اليمين
إمكان البر إنما هو في المقيدة بالوقت فعدمه مبطل لها، أما المطلقة فعدمه موجب للحنث،
والحاصل أن إمكان البر شرط لانعقاد اليمين مطلقا مطلقة كانت أو مقيدة، وأما في البقاء فإن
كانت مقيدة فيشترط بقاء إمكان البر لبقائها، وإن كانت مطلقة فلا ولذا قال في الكتاب من
باب اليمين في الأكل والشرب: إن لم أشرب ماء هذا الكوز اليوم فكذا ولا ماء فيه أو كان
فصبت أو أطلق ولا ماء فيه لا يحنث وإن كان فصبه حنث ا ه‍. وسنوضحه إن شاء الله
تعالى.
وفي الخانية: رجل قال لأصحابه إن لم أذهب بكم الليلة إلى منزلي فامرأته طالق فذهب
32

بهم بعض الطريق فأخذهم اللصوص وحبسوهم قالوا لا يحنث في يمينه، وهذا الجواب
يوافق قول أبي حنيفة ومحمد أصله مسألة الكوز اه‍. بقي ها هنا مسألتان كثر وقوعهما:
الأولى حلف بالطلاق ليؤدين له اليوم كذا فعجز عن الأداء بأن لم يكن معه شئ ولا وجد من
يقرضه، الثانية ما يكتب في التعاليق أنه متى نقلها أو تزوج عليها وأبرأته من كذا مما لها عليه
فدفع لها جميع ما عليه قبل الشرط فهل تبطل اليمين؟ فالجواب أن قوله في القنية أنه متى
عجز عن المحلوف عليه واليمين موقتة فإنها تبطل يقتضي بطلانها في الحادثة الأولى إلا أن
يوجد نقل صريح بخلافه، وأما الثانية فقد يقال إن الابراء بعد الأداء ممكن فإنه لو دفع الدين
إلى صاحبه ثم قال الدائن للمديون قد أبرأتك براءة إسقاط قال في الذخيرة: صح الابراء
ويرجع المديون بما دفعه. ذكره في كتاب البيوع في مسألة الابراء من الثمن والحط منه إلا أن
يوجد نقل بخلافه فيتبع. وفي المحيط قبيل القسم الخامس في الطاعات والمحرمات من كتاب
الايمان: لو قال لامرأته إن كنت زوجتي غدا فأنت طالق ثلاثا فخلعها في الغد إن نوى
بذلك كونها امرأة له في بعض النهار تطلق، وإن لم يكن له نية لم تطلق لأن البر إنما يتصور
في آخر النهار، ولو خلعها قبل غروب الشمس ثم تزوجها قبل غروب الشمس طلقت لأنها
امرأته قبل الغروب، ولو خلعها قبل الغروب ثم تزوجها بعد الغروب كانت امرأته وبر في
يمينه لأنه لم تكن امرأته قبل الغروب اه‍. وفي القنية: إن سكنت في هذه البلدة فامرأته طالق
33

وخرج على الفور وخلع امرأته ثم سكنها قبل انقضاء العدة لا تطلق لأنها ليست بامرأته وقت
وجود الشرط اه‍. فقد بطلت اليمين بزوال الملك هنا فعلى هذا يفرق بين كون الجزاء فأنت
طالق وبين كونه فامرأته طالق لأنها بعد البينونة لم تبق امرأته فليحفظ هذا فإنه حسن جدا.
وفي القنية أيضا: إن فعلت كذا فحلال الله علي حرام ثم قال إن فعلت كذا فحلال الله علي
حرام ففعل أحد الفعلين حتى بانت امرأته ثم فعل الآخر فقيل لا يقع الثاني لأنها ليست
بامرأته عند وجود الشرط، وقيل يقع وهو الأظهر اه‍. فعلى الأظهر قوله حلال الله علي
حرام مثل أنت طالق والأظهر عندي أنه مثل امرأتي طالق كما لا يخفى. فإن قلت: قد
جعلوا زوال الملك مبطلا لليمين فيما لو حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه فخرجت بعد الطلاق
وانقضاء العدة لم يحنث وبطلت اليمين بالبينونة حتى لو تزوجها ثانيا ثم خرجت بلا إذن لم
يحنث، لا يقال إن البطلان لتقييده بامرأته لأنها لم تبق امرأته لأنا نقول لو كان لاضافتها إليه لم
يحنث فيما لو حلف لا تخرج امرأته من هذه الدار فطلقها وانقضت عدتها وخرجت، وفيما لو
قال إن قبلت امرأتي فلانة فعبدي حر فقبلها بعد البينونة مع أنه يحنث فيهما كما في المحيط
معللا بأن الإضافة للتعريف لا للتقييد. قلت: اليمين مقيدة بحال ولاية الاذن والمنع بدلالة
34

الحال وذلك حال قيام الزوجية فسقط اليمين بزوال النكاح كما لو حلف لا يخرج إلا بإذن غريمه
فقضى دينه ثم خرج لم يحنث بخلاف ما إذا حلف لا يخرج إلا بإذن فلان وليس بينهما معاملة
لأنها مطلقة كما في المحيط من باب اليمين على الفور أو التراخي. ثم اعلم أن مما يبطل
التعليق ارتداد الزوج ولحاقه بدار الحرب عنده خلافا لهما حتى لو دخلت الدار بعد لحاقه
وهي في العدة لا تطلق حتى لو جاء ثانيا مسلما فتزوجها ثانيا لا ينقص من عدد الطلاق
شئ، كذا في شرح المجمع للمصنف. والبطلان عنده لخروج المعلق عن الأهلية لا لزوال
الملك، فلو قال المؤلف وزوال الملك بغير ارتداد وثلاث لا يبطلها لكان أولى باليمين لأن
زوال الملك بعد الامر باليد يبطله لما في القنية: لو قال لها أمرك بيدك ثم اختلعت منه وتفرقا
ثم تزوجها ففي بقاء الامر بها روايتان والصحيح أنه لا يبقى قال لها إن غبت عنك أربعة
أشهر فأمرك بيدك ثم طلقها وانقضت عدتها وتزوجت ثم عادت إلى الأول وغاب عنها أربعة
أشهر فلها أن تطلق نفسها اه‍. والفرق بينهما أن الأول تنجيز للتخيير فيبطل بزوال الملك
والثاني تعليق التخيير فكان يمينا فلا يبطل.
قوله: (فإن وجد الشرط في الملك طلقت وانحلت اليمين) لأنه قد وجد الشرط والمحل
قابل للجزاء فينزل ولم تبق اليمين لأن بقاءها ببقاء الشرط والجزاء ولم يبق واحد منهما. وفي
القنية: قال لها إن خرجت من الدار إلا بإذني فأنت طالق فوقع فيها غرق أو حرق غالب
فخرجت لا يحنث اه‍. مع كون الشرط قد وجد ولكن الشرط الخروج بغير إذنه لغير الغرق
والحرق. وفيها قبيل النفقة: قال لزوجته الأمة إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم أعتقها
مولاها فدخلت وقع ثنتان. وفي جامع الكرخي: طلقت ثنتين وملك الزوج الرجعة له امرأة
جنب وحائض ونفساء فقال أخبثكن طالق طلقت النفساء. وفي أفحشكن على الحائض لأنه
نص اه‍. أطلق الملك فشمل ما إذا وجد في العدة كما قدمناه قبيل باب التفويض، وليس مراده
أن يوجد جميع الشرط في الملك بل الشرط تمامه فيه حتى لو قال لها إذا حضت حيضتين فأنت
طالق فحاضت الأولى في غير ملك والثانية في ملك طلقت، وكذلك إن تزوجها قبل أن تطهر
من الحيضة الثانية بساعة أو بعد ما انقطع عنها الدم قبل أن تغتسل وأيامها دون العشرة فإذا
35

اغتسلت أو مضى عليها وقت صلاة طلقت لأن الشرط قد تم وهي في نكاحه، وكذا لو قال
إن أكلت هذا الرغيف فأنت طالق فأكلت عامة الرغيف في غير ملكه ثم تزوجها فأكلت ما
بقي منه طلقت لأن الشرط تم في ملكه والحنث به يحصل، كذا في المبسوط. وسيصرح بأن
الملك يشترط لآخر الشرطين وكلامنا هنا في الشرط الواحد. وفي البزازية: أنت طالق إن
فعلت كذا وكذا لا تطلق ما لم يوجد الكل وإن كرر حرف الشرط. إن أكلت أو شربت إن
قدم الجزاء فأي شئ وجد منها يقع الطلاق وترتفع اليمين وإن أخر الطلاق لا يقع ما لم
توجد الأمور على قول محمد، وعلى قول أبي يوسف إذا وجد واحد يقع الطلاق ويرتفع
اليمين اه‍. ومما يناسب قوله فإن وجد الشرط طلقت ما في المحيط من باب الايمان التي
يكذب بعضها بعضا: إذا حلف المدعى عليه بالطلاق فقال امرأته طالق إن كان لك علي ألف
وبرهن المدعي وقضى به حنث الحالف عند أبي يوسف وهي رواية عن محمد، وعنه أنه لا
يحنث. ولو برهن على إقرار المدعي بألف ذكر في واقعات الناطفي أنه لا يحنث. ولو حلف
رجلان في أيديهما دار حلف كل أن الدار داره وبرهنا كانت بينهما ويحنثان وإن كانت في يد
أحدهما حنث صاحب اليد لتقديم بينة الخارج عليه. حلف بالله أنه لم يدخل هذه الدار اليوم
ثم قال عبده حر إن لم يكن دخلها اليوم لا كفارة ولا يعتق عبده لأنه إن كان صادقا في
اليمين بالله تعالى لم يحنث ولا كفارة، وإن كان كاذبا فهو يمين الغموس فلا توجب الكفارة
واليمين بالله تعالى لا مدخل لها في القضاء فلم يصر فيها مكذبا شرعا فلم يتحقق شرط
الحنث في اليمين بالعتق وهو عدم الدخول حتى لو كانت اليمين الأولى بعتق أو طلاق حنث
في اليمينين لأن لها مدخلا في القضاء. ولو ادعى على رجل دينا فحلف المدعى عليه
بالطلاق ما له عليه شئ فأقام المدعي البينة وقضى به له ينظر، إن قال كان له على دين
وأوفيته لم تطلق امرأته، وإن قال لم يكن له علي شئ قط طلقت امرأته وتمامه فيه. ثم اعلم
أن ها هنا مسائل في الايمان تحمل على المعنى دون ظاهر اللفظ منها: لو قال سكران لآخر
إن لم أكن عبدا لك فامرأته طالق ثلاثا لا يحنث إن كان متواضعا له. ومنها إن وضعت يدك
على المغزل فكذا فوضعت يدها عليه ولم تغزل لا يحنث. ومنها إن دفعت لأخيك شيئا ودفع
إليها أرزا لتدفع إليه لا يحنث. ومنها خرج من داره وحلف لا يرجع ثم رجع لشئ نسيه في
داره لا يحنث، كذا في القنية. وفيها: لو قال لامرأتين له أطولكما حياة طالق لا تطلق في
الحال، فلو كانت إحداهما بنت ستين سنة والأخرى بنت عشرين سنة فماتت العجوز قبل
36

الشابة طلقت الشابة في الحال ولا يستند خلافا لزفر. قال رحمه الله: ولو ماتتا معا لا تطلق
واحدة منهما. إن لم تخرج الفساق من النار فأنت طالق ثلاثا لا تطلق لتعارض الأدلة اه‍.
وفيها: دعا امرأته إلى الوقاع فأبت فقال متى يكون قالت غدا فقال إن لم تفعلي لي هذا المراد
غدا فأنت طالق ثم نسياه حتى مضى الغد لا يحنث اه‍. وهذا يستثنى من قولهم إذا فعل
المحلوف عليه ناسيا يحنث. والجواب أن الحنث شرطه أن يطلب منها غدا وتمتنع ولم يطلب
فلا استثناء قوله: (وإلا لا وانحلت) أي إن لم يوجد الشرط في الملك لا يقع الطلاق وتنحل
اليمين إن وجد في غير الملك، وأما بمجرد عدم الشرط في الملك لا تنحل. ثم اعلم أنه
تعتبر الأهلية وقت التعليق. قال في القنية: وفي الطريقة الرضوية أجمعنا أن الأهلية في تعليق
الطلاق تعتبر وقت اليمين لا وقت الشرط حتى لو كان مفيقا وقت اليمين مجنونا وقت الشرط
يصح ويقع وعلى العكس لا يصح اليمين اه‍.
قوله: (وإن اختلفا في وجود الشرط فالقول له) أي للزوج لأنه منكر وقوع الطلاق
وهي تدعيه وهذا أولى من التعليل بأنه متمسك بالأصل لأن الأصل عدم الشرط والقول لمن
يتمسك بالأصل لأن الظاهر شاهد له اه‍. لأنه لا يشمل ما إذا كان الظاهر شاهدا لها والحكم
قبول قوله مطلقا فلذا لو قال لها إن لم تدخلي هذه الدار اليوم فأنت طالق فقالت لم أدخلها
وقال الزوج بل دخلتيها فالقول له وإن كان الظاهر شاهدا لها وهو أن الأصل عدم الدخول
لكونه منكرا. وأقوى منه لو قال لها إن لم أجامعك في حيضتك فالقول له أنه جامعها مع أن
الظاهر شاهد لها من وجهين: كون الأصل عدم العارض، وكون الحرمة مانعة له من
الجماع. قيد بالشرط لأن الاختلاف لو كان في وقت المضاف كان القول لها كما إذا قال لها
أنت طالق للسنة ثم قال جامعتك وهي طاهرة لا يقبل قوله بخلاف ما إذا كانت حائضا لأنه
يمكنه إنشاء الجماع فيه وإن لم يجز شرعا، أما إذا كانت طاهرة فلكونه اعترف بالسبب لما
قدمنا أن المضاف ينعقد سببا للحال بخلاف المعلق. وفي الكافي من هذا الباب: لو قال
لامرأته الموطوءة أنت طالق للسنة لا يقع إلا في طهر حال عن الطلاق والوطئ عقيب حيض
حال عن الطلاق والوطئ فإذا حاضت وطهرت وادعى الزوج جماعها وطلاقها في الحيض لا
يقبل قوله في منع الطلاق السني لانعقاد المضاف سببا للحال وإنما يتراخى حكمه فقط،
فدعوى الطلاق أو الجماع بعده دعوى المانع فلا يقبل قوله في منع وقوع الطلاق في الطهر
لكن يقع طلاق آخر بإقراره بالطلاق في الحيض وإن ادعى الطلاق أو الجماع وهي حائض
37

صدق. ولو قال إن لم أجامعك في حيضتك فأنت طالق فادعى الجماع في الحيض لا تطلق
لأنه علق الطلاق بصريح الشرط والمعلق بالشرط إنما ينعقد سبيا عند الشرط لما عرف، فإذا
أنكر الشرط فقد أنكر السبب فيقبل قوله. وكذا لو قال والله لا أقربك أربعة أشهر فمضت
المدة ثم ادعى قربانها في المدة لا يقبل لأن الايلاء سبب في الحال لكن تراخي وقوع الطلاق
إلى مضي المدة وقد مضت المدة ووقع ظاهرا، فدعوى القربان في المدة دعوى المانع فلا يقبل.
ولو ادعى القربان قبل مضي المدة يقبل قوله لأنه لم يقع الطلاق بعد وقد أخبر عما يملك
انشاءه فيقبل قوله. وإن قال إن لم أقربك في أربعة أشهر فأنت طالق فمضت المدة ثم ادعى
القربان في المدة لا يقع لأنه علق الطلاق بصريح الشرط فمتى أنكر الشرط فقد أنكر السبب
فيقبل قوله. وإن قال عبده حر إن طلقتك ثم خيرها فقالت اخترت نفسي في المجلس وادعى
أنك أخذت في عمل آخر قبل الاختيار وأنكرت وقع الطلاق والعتق لأن سبب الطلاق وجد
والظاهر وقوعه فدعواه الاعراض دعوى المبطل فلا يقبل، وإذا ثبت الطلاق ثبت العتق لبنائه
عليه. ولو قال عبده حر إن لم تشتغلي بعمل آخر فادعى الاشتغال بعمل آخر قبل الاختيار لا
يعتق لأنه أنكر شرط العتق وتطلق لما مر. ولو باع عبده بالخيار ثلاثة أيام للبائع ثم قال إن تم
البيع بيننا فعبده حر فمضت مدة الخيار ثم ادعى النقض في المدة لا يقبل ويثبت الملك والعتق
لأن المدة إذا مضت فالظاهر ثبوت الملك نظرا إلى السبب، وإذا ثبت الملك ثبت العتق. ولو
قال إن لم أنقض البيع في الثلاث فعبدي حر فادعى النقض بعده لم يعتق لانكاره شرط العتق
والملك ثابت لما مر اه‍. وفيه من آخر كتاب الايمان: لو قال كل أمة لي حرة إلا أمهات
أولادي ثم ادعى أمية الولد فيهن أو بعضهن لا يصدق، سواء كان معهن ولد أو لا.
والأصل أن السيد إذا أوجب العتق بلفظ عام واستثنى بوصف خاص ثم ادعى وجود ذلك،
فإن كان الوصف عارضا لا يقبل قوله، وإن كان أصليا قبل قوله لأن القول قول من يتمسك
بالأصل. وإن أوجب العتق بلفظ خاص ثم أنكر وجود ذلك الوصف فالقول قوله لأنه ينكر
الاعتاق أصلا وهنا أوجب العتق بلفظ عام واستثنى بوصف خاص عارضي فكان مدعيا
إبطال العتق الثابت أصلا فلم يصدق، وقيام الولد لا يدل على صدق دعواه لاحتمال أن
يكون من غيره ولكن يثبت نسب الولد منه لحصول الدعوة في ملكه وعتق الولد، ولم تصر
الأمة أم ولده لأنها عتقت بالايجاب العام. ولو عرف دعوى النسب من المولى قبل الخصومة
واختلفوا فقال المولى كنت ادعيت قبل اليمين ولم تعتق الأمة وقالت الأمة ادعيت بعد اليمين
وقد عتقت فالقول للمولى لأن أمية الولد تثبت في الحال والحال يدل على ما قبله لما عرف.
فإن قيل للأمة ظاهر آخر وهو أن الأصل عدم أمية الولد قلنا: هي بظاهرها تثبت
الاستحقاق وهو يدفع. ولو قال إلا أمة خبازة أو اشتريتها من زيد أو نكحتها البارحة أو إلا
ثيبا وادعى ذلك لا يصدق لأن هذه صفة عارضة لكن القاضي يريها النساء، فإن قلن ثيب لا
38

تعتق ويحلف السيد لأن شهادتهن ضعيفة فلا بد من مؤيد وهو حلف المولى، وإن قلن بكر أو
أشكل عليهن عتقت بالايجاب العام لعدم صفة ثبوت المستثنى، وإن كانت ثيبا وخاصم
واختلفوا فقال أصبتها قبل الحلف وقالت أصبتني بعد الحلف فالقول له لأن الحال يدل على ما
قبله. وكذا لو قال إلا أمة بكرا أو لم أشترها من فلان أو لم أطأها البارحة أو إلا خراسانية ثم
ادعى ذلك فالقول قوله لأن هذه صفة أصلية إذا الأصل هي البكارة وعدم الولادة وعدم
الشراء من فلان وعدم الوطئ، وكذا الخراسانية لأن الخراسانية من يكون مولدها بخراسان
فكانت صفة أصلية مقارنة لحدوث الذات. ولو قال كل أمة لي بكر أو ثيب أو اشتريتها من
فلان أو لم اشترها منه أو نكحتها البارحة أو ولدت مني أو لم تلد مني أو خبازة أو غير خبازة
فهي حرة ثم أنكر هذه الأوصاف فالقول له لأنه أوجب العتق بوصف خاص ثم أنكر وجود
ذلك الوصف فكان القول قوله اه‍. ويجري هذا في الطلاق أيضا، فلو قال كل امرأة لي طالق
إلا امرأة خبارة أو وطئتها البارحة ونحوه وادعى ذلك لا يقبل إلى آخر المسائل. ثم اعلم أن
ظاهر المتون يقتضي أنه لو علق طلاقها بعدم وصول نفقتها شهرا ثم ادعى الوصول وأنكرت
فالقول قوله في عدم وقوع الطلاق، وقولها في عدم وصول المال، وقد جزم به في القنية
فقال: إن لم تصل نفقتي إليك عشرة أيام فأنت طالق ثم اختلفا بعد العشرة فادعى الزوج
الوصول وأنكرت هي فالقول له اه‍. لكن صحح في الخلاصة والبزازية كما قدمناه في فصل
39

الامر باليد أنه لا يقبل قوله في كل موضع يدعي إيفاء حق وهي تنكر كما قبل قولها في عدم
وصول المال وهو يقتضي تخصيص المتون وكأنه ثبت في ضمن قبول قولها في عدم وصول
المال، وهذا التقرير في هذا المحل من خواص هذا الشرح إن شاء الله تعالى.
قوله: (إلا إذا برهنت) أي أقامت البينة على وجود الشرط لأنها نورت دعواها بالحجة.
أطلقه فشمل ما إذا كان الشرط عدميا فإن برهانها عليه مقبول لما في جامع الفصولين: الشرط
يجوز إثباته ببينة ولو كان نفيا كما لو قال لقنه إن لم أدخل الدار فأنت حر فبرهن القن أنه لم
يدخلها يعتق. قيل فعلى هذا لو جعل أمرها بيدها إن ضربها بغير جناية ثم ضربها وقال
ضربتها بجناية وبرهنت أنه ضربها بغير جناية ينبغي أن تقبل بينتها وإن أقامت على النفي
لقيامها على الشرط حلف إن لم تجئ صهرتي هذه الليلة فامرأتي كذا فشهد أنه حلف كذا ولم
تجئ صهرته في تلك الليلة وطلقت امرأته تقبل لأنها على النفي صورة وعلى إثبات الطلاق
حقيقة، والعبرة للمقاصد لا للصورة كما لو شهدا أنه أسلم واستثنى وشهد آخران أنه أسلم
ولم يستثن تقبل بينة إثبات الاسلام ولو كان فيها نفي إذ غرضهما إثبات إسلامه. ثم رقم
بعلامة مح قال: تقبل على الشرط وإن كان نفيا اه‍. فإن قلت سيأتي في كتاب الايمان في
هذا المختصر أنه لو قال عبده حر إن لم يحج العام فشهدا بنحره في الكوفة لم يعتق يعني
عندهما خلافا لمحمد، وعللوا لهما بأنها شهادة نفي معنى لأنها بمعنى لم يحج العام فهذا يدل
على أن شهادة النفي لا تقبل على الشرط. قلت: قد اختلفوا في بناء هذه المسألة فقيل إنها
مبنية على مسألة اشتراط الدعوى في شهادة عتق القن. قال في جامع الفصولين: فعلى هذا
لو وضعت المسألة في الأمة ينبغي أن تعتق وفاقا إذ دعواها العتق لا يشترط اه‍. فيحنئذ لا
إشكال. وأما على ما علل به في الهداية من أنها قامت على النفي لأن المقصود منها نفي الحج
40

لا إثبات التضحية لأنها لا مطالب بها فصار كما إذا شهدوا أنه لم يحج. غاية الأمر أن هذا
النفي مما يحيط به علم الشاهد ولكنه لا يميز بين نفي ونفي تيسيرا اه‍. فمشكل ولذا قال في
فتح القدير: إن قول محمد أوجه، ظاهره تسليم أنها على الشرط مقبولة ولو نفيا وقد نقله عن
المبسوط أيضا وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى. ولو قال المصنف ولو ادعى عليه أن الشرط قد
وجد وأنكر فالقول له إلا إذا شهدت البينة لكان أولى لأنه لا يشترط دعوى المرأة للطلاق
ولا أن تبرهن لأن الشهادة على عتق الأمة وطلاق المرأة تقبل حسبة بلا دعوى، ولا يشترط
حضور المرأة والأمة لكن يشترط حضور الزوج والمولى صح تحضر المرأة ليشير إليها الشهود
ط. لو شهدا أنه أبان امرأته فلانة فقالت لم يطلقني وقال الزوج ليس اسمها فلانة وشهدا أن
اسمها فلانة فالقاضي يفرق بينهما ويماثله عتق الأمة، فلو شهدا أنه حررها وأن اسمها كذا
وقالت لم يحررني فالقاضي يحكم بعتقها والشهادة بحرمة المصاهر والايلاء والظهار بدون
الدعوى تقبل ويشترط حضور المشهود عليه، وقيل لا تقبل بدون الدعوى في الايلاء والظهار
وفي عتق الأمة والطلاق بدون الدعوى قيل يحلف وقيل لا فليتأمل عند الفتوى، كذا في
جامع الفصولين. وفي القنية: ادعت أنه طلقها من غير شرط والزوج يقول طلقتها بالشرط
ولم يوجد فالبينة فيه بينة المرأة، ولو ادعت عليه أنه حلف لا يضربها وادعى هو أنه لا يضربها
من غير ذنب وأقاما البينة فيثبت كلا الامرين وتطلق بأيهما كان اه‍. وفي القنية من باب
البينتين والمتضادتين: ولو قال لامرأته إن شربت مسكرا بغير إذنك فأمرك بيدك فأقامت بينة
على وجود الشرط وأقام الزوج بينة أنه كان بإذنها فبينة المرأة أولى اه‍.
قوله: (وما لا يعلم إلا منها فالقول لها في حقها كان حضت فأنت طالق وفلانة أو إن
كنت تحبيني فأنت طالق وفلانة فقالت حضت أو أحبك طلقت هي فقط) عليه الأئمة الأربعة
لأنها أمينة مأمورة بإظهار ما في رحمها. وفائدته ترتيب أحكام الطهر وهو فرع قبول قولها كما
قبل إخبارها بالحيض في انقضاء العدة وحرمة جماعها وبالطهر وبقولها طهرت في حله وهي
41

متهمة في حق غيرها إن كذبها الزوج وإن صدقها طلقت فلانة أيضا. والحاصل أن المنظور
إليه في حقها مشرعا الاخبار به لأنها أمينة، وفي حق ضرتها متهمة وشهادتها على ذلك شهادة
فرد ولا بعد في أن يقبل قول الانسان في حق نفسه لا في حق غيره كأحد الورثة إذا أقر
بدين على الميت اقتصر على نصيبه إذا لم يصدقه الباقون، والمشتري إذا أقر بالمبيع لمستحق لا
يرجع بالثمن على البائع، كذا في فتح القدير. وقد يقال: إن المقر في المسألتين لم يتعد ضرر
إقراره إلى أحد وهنا تعدى إلى الزوج بقطع العصمة مع كونها متهمة في حق نفسها أيضا ولا
بد من قيام الحيض عند الاخبار، أما بعد الانقطاع فلا لأنه ضرورة فيشترط قيام الشرط
بخلاف إن حضت حيضة حيث يقبل قولها في الطهر الذي يلي الحيضة لا قبله ولا بعده لأنها
أخبرت عن الشرط حال عدمه، والمعنى فيه أن الشرع جعلها أمينة فيما تخبر به عن الحيض
والطهر ضرورة إقامة الأحكام المتعلقة بهما فما دامت الأحكام قائمة كان الاسمان قائمين من
جهة الشرع فتصدق، وإذا كانت الأحكام منقضية كان الاسمان غير ثابتين فلا تصدق بخلاف
المودع لو قال رددتها أو هلكت يصدق ولا يشترط لتصديقه قيام الأمانة لأنه صار أمينا من
جهة صاحب المال صريحا وابتداء لا لضرورة حيث ائتمنه صاحب المال مطلقا، كذا في
المعراج. قيد بقوله إن حضت لأنه لو قال لامرأتيه إن حضتما فأنتما طالقان فقالتا حضنا لم
تطلق واحدة منهما إلا أن يصدقهما، فإن صدق إحداهما وكذب الأخرى طلقت المكذبة.
وإن كن ثلاثا فقال ذلك فقلن حضنا لم تطلق واحدة منهن إلا أن يصدقهن، وكذا إن صدق
إحداهن، فإن صدق ثنتين فقط طلقت المكذبة دون المصدقات، ولو كن أربعا والمسألة بحالها
لم يطلقن إلا أن يصدقهن، وكذا إن صدق إحداهن أو اثنتين، وإن صدق ثلاثا فقط طلقت
المكذبة دون المصدقات والوجه ظاهر من الشرح وفي المحيط قال لنسائه الأربع إذا حضتن
حيضة فأنتن طوالق فقالت واحدة حضت حيضة وصدقها الزوج طلقن لأن شرط وقوع
الطلاق عليهن حيضة واحدة منهن لأن اجتماعهن على حيضة واحدة لا يتصور فيجعل ذلك
مجازا عن حيضة إحداهن كما لو قال لامرأتيه إذا حضتما حيضة فأنتما طالقان فحاضت
إحداهما طلقتا وإن كذبها طلقت وحدها تطليقه لأنها مصدقة في حقها دون ضراتها، ولو
42

قالت كل واحدة حضت حيضة طلقت كل واحدة تطليقة صدقها الزوج أو كذبها لأن كل
واحدة مصدقة شرعا فيما بينها وبين زوجها. ولو قال كلما حضتن حيضة فأنتن طوالق
فقالت كل واحدة حضت حيضة، فإن كذبهن طلقت كل واحدة تطليقة لأنه ثبت حيضة كل
واحدة في حق نفسها خاصة دون صواحبها فلم يوجد في حق كل واحدة إلا شرط طلاق
واحدة، وإن صدق واحدة دون الثلاث طلقت كل واحدة من الثلاث ثنتين والمصدقة واحدة
لأنه ثبت في حق المصدقة دون حيض صواحبها وثبت في حق كل واحدة من المكذبات
حيضتان حيضها بإخبارها وحيضة المصدقة بالتصديق، وإن صدق منهن اثنتين طلقت كل
مصدقة اثنتين لوجود حيضتين في حق كل واحدة حيضتها وحيضة صاحبتها المصدقة وكل
مكذبة ثلاثا لوجود ثلاث حيض في حقها حيضتها وحيضتي المصدقتين، وإن صدق ثلاثا
طلقت كل واحدة ثلاثا لثبوت ثلاث حيض في حق المصدقات وأربع حيض في حق المكذبة
اه‍.
ثم اعلم أن الوقوع على الضرة لم ينحصر في تصديقه وإنما يتوقف على تصديقه إذا لم
يعلم وجود الحيض منها، أما إذا علم طلقت فلانة أيضا، كذا في الجوهرة. وقيد بكونه لا
يعلم إلا منها لأنه لو كان يعلم من غيرها توقف الوقوع على تصديقه أو البينة كالدخول
والكلام اتفاقا. واختلفوا فيما لو علق طلاقها بولادتها فقالا يقع الطلاق بشهادة القابلة. وقال
الإمام الأعظم: لا بد من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين كما في الجوهرة. ولا يشمل ما لو
علقه على فعل بغير إذنها لما في البزازية: إن شربت مسكرا بغير إذنك فأمرك بيدك وشرب ثم
اختلفا في الاذن فالقول له والبينة لها وفي الصيرقية إن ذهبت إلى بيت أبي بغير إذنك فأنت
طالق فادعى إذنها وأنكرت فالقول له لأنه ينكر وقوع الطلاق اه‍ مع أن الاذن لا يستفاد إلا
منها ولكن يطلع عليه بالقول بخلاف الحيض والمحبة والبغض ومن قبيل الدخول والكلام ما
لو علق بقوله إن كنت جائعة في بيتي. قال قاضيخان: إن لم تكن جائعة في غير الصوم لا
يكون حانثا. ومنه ما لو علقه بقوله إن لم أشبعك من الجماع قال القاضي: إن جامعها حتى
43

أنزلت فقد أشبعها اه‍. وفي القنية: والمسرة كالمحبة وكذا الغيرة باللسان لا بالقلب اه‍. وقد
سوى المصنف بين المحبة والحيض وليس بينهما فرق إلا من وجهين: أحدهما أن التعليق
بالمحبة يقتصر على المجلس لكونه تخييرا حتى لو قامت وقالت أحبك لا تطلق، والتعليق
بالحيض لا يبطل بالقيام كسائر التعليقات والثاني أنها إذا كانت كاذبة في الأخيار تطلق في
التعليق بالمحبة لما قلنا، وفي التعليق بالحيض لا تطلق فيما بينه وبين الله تعالى حتى يحل
وطؤها ديانة لأن حقيقة المحبة والبغض أمر خفي لا يوقف عليها من قبل أحد لا من قبلها
ولا من قبل غيرها لأن القلب يتقلب لا يستقر على شئ، فلما لم يوقف عليها تعلق الحكم
بإخبارها لأنه دليل عليها لأن أحكام الشرع لا تناط بأحكام خفية. وفي الفوائد الظهيرية: لو
قال أنت طالق إن كنت أنا أحب كذا ثم قال لست أحبه وهو كاذب فهي امرأته يسعه وطؤها
ديانة. قال شمس الأئمة: وهذا مشكل لأنه يعرف ما في قلبه حقيقة وإن كان لا يعرف ما
في قلبها لكن الطريق ما قلنا أن الحكم يدار على الظاهر وهو الاخبار وجودا وعدما، وكذا
الحكم لو قال إن كنت تبغضيني، ولو قال إن كنت تحبيني بقلبك فقالت أحبك طلقت ديانة
وقضاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأن المحبة فعل القلب فكان إطلاقها وتقييدها بالقلب سواء
وإنما يفيد التأكيد. وقال محمد: لا تطلق ديانة لأن المحبة عمل القلب وجعل اللسان خلفا
عنه وعند التقييد بالقلب تبطل الخلفية فيبقى الحكم متعلقا بالأصل، كذا في المعراج. والظاهر
من كلام مشايخنا أنه لا فرق بين التعليق بمحبتها إياه أو بمحبتها فراقه وذكره في المعراج عن
غير أهل المذهب فقال: وفي التبصرة للخمي: قال لها إن كنت تحبين فراقي فأنت طالق
فقالت أحب ثم قالت كنت لاعبة قال: أرى أن يقع عليها. ثم نقله عن الأنوار للمالكية.
وذكر في المحيط مسألة ما إذا قال إن كنت تحبين الطلاق ولا فرق بين الطلاق والفراق فكان
منقولا عن أصحابنا أيضا. وأطلق في المحبة فشمل ما إذا قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله
في نار جهنم فأنت طالق ولا يتيقن بكذبها لأنها لشدة بغضها إياه قد تحب التخلص منه
بالعذاب، كذا في الهداية. وذكر قاضيخان: قال لامرأته إن سررتك فأنت طالق فضربها
فقالت سرني قالوا: لا تطلق امرأته لأنا نتيقن بكذبها. قال مولانا رضي الله تعالى عنه: وفيه
إشكال وهو أن السرور مما لا يوقف عليه فينبغي أن يتعلق الطلاق بخبرها ويقبل قولها في
ذلك وإن كنا نتيقن بكذبها كما لو قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله بنار جهنم فأنت طالق
فقالت أحب يقع الطلاق عليها. ولو أعطى ألف درهم فقالت لم يسرني كان القول قولها ولا
يقع الطلاق لاحتمال أنها طلبت الألفين فلا يسرها الألف اه‍.
44

قلت: بينهما فرق، وقوله وإن كنا نتيقن بكذبها ممنوع لما سمعته عن الهداية من أنه
لا يتيقن بكذبها. وبهذا ظهر أنه لو علق بفعل قلبي وأخبرت به فإن تيقنا بكذبها لم يقع وإلا
وقع. وفي البدائع: إن كنت تكرهين الجنة تعلق بإخبارها بالكراهة مع أنها لا تصل إلى حالة
تكره الجنة فقد تيقنا بكذبها. وقد يقال: إن لشدة محبتها للحياة الدنيا تكره الجنة لأنها لا
تتوصل إليها إلا بالموت وهي تكرهه فلم يتيقن بكذبها. وهل تكفر المرأة بقولها أنا أحب
عذاب جهنم وأكره الجنة؟ قلت: ظاهر كلامهم هنا عدمه. وفي المحيط لو قال لامرأتيه
أشدكما حبا للطلاق وأشدكما بغضا له طالق فقالت كل واحدة أنا أشد حبا في ذلك لا يقع
شئ لأن كل واحدة مخيرة في حق نفسها شاهدة على صاحبتها بما في ضميرها لأنها تقول أنا
أشد حبا منها وهي أقل حبا مني وهي غير مصدقة في الشهادة على صاحبتها فلم يتم الشرط
اه‍. وقيد بمحبتها لأنه لو علقه بمحبة غيرها فظاهر ما في المحيط أنه لا بد من تصديق
الزوج فإنه قال: لو قال أنت طالق إن لم تكن أمك تهوى ذلك فقالت الام أنا لا أهوى
وكذبها الزوج لا تطلق. فإن صدقها طلقت لما عرف. وروى ابن رستم عن محمد أنه لو قال
إن كان فلان مؤمنا فأنت طالق لا تطلق لأن هذا لا يعلمه إلا هو ولا يصدق هو على غيره
وإن كان هو بين مسلمين يصلي ويحج. ولو قال لآخر لي إليك حاجة فاقضها لي فقال امرأته
طالق إن لم أقض حاجتك فقال حاجتي أن تطلق زوجتك فله أن لا يصدقه فيه ولا تطلق
زوجته لأنه محتمل للصدق والكذب فلا يصدق على غيره اه‍. وأطلق في المرأة فشمل ما إذا
كانت مراهقة لم تحض بعد لما في المحيط: لو قال لامرأته المراهقة إن حضت فأنت طالق
فقالت حضت، أو قال لغلامه المراهق إن احتلمت فأنت حر فقال احتلمت، تصدق المرأة ولا
يصدق الغلام في رواية هشام لأن الغلام ينظر إليه كيف يخرج منه المني ولا يستطاع ذلك في
الحيض لأنها تدخل الدم في الفرج فلا يعلم منها أو من غيرها، وفي رواية يصدق الغلام
أيضا وهي الأصح لأن الاحتلام يعرفه غيره كالحيض ولذلك إذا قال احتلمت في حال
إشكال أمره يصدق فيما له وفيما عليه لأنه أخبر بخبر يحتمل الصدق والكذب فيصدق
كالجارية اه‍. ولم أر صريحا أن المرأة إذا قبل قولها في حقها في الحيض والمحبة فهل يكون
بيمينها أو بلا يمين. ووقع في الوقاية أنه قال صدقت في حقها خاصة وظاهره أنه لا يمين
عليها ويدل عليه قولهم إن الطلاق معلق بإخبارها وقد وجد ولا فائدة في التحليف لأنه وقع
45

بقولها والتحليف لرجاء النكول وهي لو أخبرت ثم قالت كنت كاذبة لا يرتفع الطلاق
لتناقضها كما سيأتي نقله عن الكافي قريبا إن شاء الله تعالى.
قوله: (وبرؤية الدم لا يقع فإن استمر ثلاثا وقع من حين رأت) يعني لا يقع برؤيته فيما
إذا علق الطلاق بحيضها، سواء كان ب‍ " إن أو بفي أو مع نحو أنت طالق في حيضك أو
مع حيضك أو إن حضت لأنه لم يتحقق كونه حيضا حينئذ، فإذا استمر حينئذ ثلاثة أيام
بلياليها وقع الطلاق من حين رأت الدم لأنه بالامتداد تبين أنه حيض من الابتداء فيجب على
المفتي أن يعينه فيقول طلقت من حين رأت الدم. وليس هذا من باب الاستناد وإنما هو من
باب التبيين ولذا قال من حين رأت. وقال المصنف في شرح المجمع: إنه تبين بالانتهاء أنه
حيض من الابتداء. وأظهر منه ما في المحيط: لو قال لها عبده حر إن حضت فقالت رأيت
الدم وصدقها الزوج لا يحكم بعتقه حتى يستمر ثلاثة أيام فيحكم بعتقه من حين رأت لأن
الدم لا يكون حيضا حتى يستمر ثلاث أيام، والظاهر وإن كان فيه الاستمرار ولكن الظاهر
يكفي للدفع فيدفع به العبد استخدام المولى عن نفسه ولا يكفي للاستحقاق فإذا استمر تبين
أنه كان حيضا فيعتق من حين رأت الدم حتى لو جنى أو جنى عليه كان أرشه أرش الأحرار
لأنه يظهر عتقه ولا يستند بمنزلة قوله إن كان فلان في الدار فأنت حر فظهر ذلك في آخر
النهار يظهر عتقه بخلاف قوله أنت حر قبل موتي بشهر فمات بعده بشهر وقد جنى العبد
كان حكمه حكم العبيد عند أبي حنيفة لأن ثمة العتق يثبت مستندا والاستناد لا يظهر في حق
الفائت والمتلاشي، فإن قال الزوج انقطع الدم في الثلاثة وأنكرت المرأة والعبد فالقول لهما
لأن الزوج أقر بوجود شرط العتق ظاهرا لأن رؤية الدم في وقته يكون حيضا ولهذا تؤمر
بترك الصلاة والصوم ثم ادعى عارضا يخرج المرئي من أن يكون حيضا فلا يصدق فإن صدقته
المرأة وكذبه العبد في الأيام الثلاثة فالقول لهما وإن كان بعدها فالقول للعبد اه‍. وفي الكافي
46

في مسألة إن حضت فعبدي حر وضرتك طالق إذا رأت الدم فقالت حضت وصدقها أنه قبل
الاستمرار يمنع الزوج عن وطئ المرأة واستخدام العبد في الثلاثة لاحتمال الاستمرار فلو
صدقها الزوج ثم قالت كان الطهر قبل الدم عشرة أيام لم تصدق لأنه بعد إقرارها بالحيض
رجوع بخلافه بعد إقرارها برؤية الدم. ولو ادعى الزوج أن الدم كان قبله الطهر عشرة أيام
وقالت بل عشرين فالقول لها، ولو قال وهي حائض إن طهرت فعبدي حر فقالت طهرت
بعد ثلاثة أيام وكذبها الزوج لا يعتق وإن صدقها أو مضت العشرة عتق، وإن قالت بعد
العشرة عاودني الدم في العشرة وصدقها الزوج وكذبها العبد عتق، وكذا لو قالت ذلك بعدما
أقرت بالانقطاع. وإن كان حيضها خمسة فقال لها إن حضت هذه المرة ستة فعبدي حر فقالت
رأيت الدم في اليوم السادس إلى آخر اليوم وكذبها الزوج فالقول له لانكاره شرط العتق
بخلاف ما إذا علق عتقه بأصل الحيض فادعى الزوج الانقطاع في الثلاث وادعت الامتداد
فالقول لها، وإن صدقها الزوج بالدم في اليوم السادس توقف العتق، فإن جاوز العشرة تبين
أنه لم يكن حيضا ولم يعتق وإن لم يجاوز عتق، فإن مضت فادعت الانقطاع فيها وادعى
المجاوزة فالقول له ولا عتق. ولو أخبرت في العشرة بالانقطاع ثم قالت عاودني الدم لا يقبل
قولها وإن صدقها الزوج، ولو كانت عادتها خمسة فطلقها في مرض موته فحاضت حيضتين
ثم مات الزوج في الثالثة بعد خمسة فقالت الورثة طهرت على رأس الخمسة ولا ميراث لك
وقالت لم ينقطع وأرى الدم في الحال فالقول لها لأن الأصل في كل ثابت دوامه فهي تتمسك
بهذا الظاهر لدفع الحرمان وهو حجة للدفع وتمامه في الكافي. ومن أحكام الوقوع من
الابتداء أنها لو كانت غير مدخولة وتزوجت حين رأت الدم فإن النكاح صحيح. ومن
أحكامه أنها لا تحسب هذه الحيضة من العدة لأنها بعض حيضة لأنه حين كان الشرط رؤية
الدم لزم أن يقع الطلاق بعد حيضها.
وفي الخانية: رجل قال لامرأته قبل الدخول إذا حضت فأنت طالق فقالت حضت
وتزوجت من ساعتها ثم ماتت قال محمد: ميراثها للزوج الأول دون الثاني. وقال: لا يدري
أكان ذلك حيضا أو لا ا ه‍. ومن أحكامه أيضا أن الطلاق بدعي. ومنها أنه لو خالعها في
الثلاث بطل الخلع لكونها مطلقة ذكرهما في الجوهرة. وفي الثاني نظر لأن الخلع يلحق
47

الطلاق الصريح كما قدمناه في آخر باب الكنايات. وذكر المؤلف في المستصفى من باب
المسح على الخفين الأحكام تثبت بطرق أربعة: الاقتصار كما إذا أنشأ الطلاق أو العتاق وله
نظائر جمة، والانقلاب وهو انقلاب ما ليس بعلة علة كما إذا علق الطلاق أو العتاق بالشرط
فعنده وجود الشرط ينقلب ما ليس بعلة علة. والاستناد وهو أن يثبت في الحال ثم يستند وهو
دائر بين التبيين والاقتصار وذلك كالمضمونات تملك عند أداء الضمان مستندا إلى وقت وجود
السبب، وكالنصاب فإنه يجب الزكاة عند تمام الحول مستندا إلى وقت وجوده، وكالطهارة في
المستحاضة والتيمم ينقض عند خروج الوقت ورؤية الماء مستندا إلى وقت الحدث، ولذا قلنا:
لا يجوز المسح لهما. والتبيين وهو أن يظهر في الحال أن الحكم كان ثابتا من قبل مثل أن
يقول في اليوم إن كان زيد في الدار فأنت طالق وتبين في الغد وجوده فيها فيقع الطلاق في
اليوم ويعتبر ابتداء العدة منه، وكما إذا قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم لا
يقضي بوقوع الطلاق ما لم يمتد ثلاثة أيام، فإذا امتد ثلاثة أيام حكمنا بوقوع الطلاق من حين
حاضت. والفرق بين التبيين والاستناد أن التبيين يمكن أن يطلع عليه العباد وفي الاستناد لا
يمكن، وفي الحيض يمكن أن يطلع عليه بأن يشق بطنها فيعلم أنه من الرحم. وكذا يشترط
المحلية في الاستناد دون التبيين، وكذا الاستناد يظهر أثره في القائم دون المتلاشي، وأثر
التبيين يظهر فيهما فلو قال أنت طالق قبل موت فلان بشهر لم تطلق حتى يموت فلان بعد
اليمين بشهر، فإن مات لتمام الشهر طلقت مستندا إلى أول الشهر فتعتبر العدة من أوله. ولو
وطئها في الشهر صار مراجعا لو كان الطلاق رجعيا وغرم العقر لو كان بائنا، ويرد الزوج
بدل الخلع إليها لو خالعها في خلاله ثم مات فلان ولو مات فلان بعد العدة بأن كانت
بالوضع أو لم تجب العدة لكونه قبل الدخول لا يقع الطلاق لعدم المحل. وبهذا تبين أنه فيها
بطريق الاستناد لا بطريق التبيين وهو الصحيح، ولو قال أنت طالق قبل قدوم فلان بشهر يقع
مقتصرا على القدوم لا مستندا ا ه‍.
قوله: (وفي إن حضت حيضة يقع حين تطهر) يعني إما بمضي العشرة مطلقا أو
بانقطاع الدم مع أخذ شئ من أحكام الطاهرات إذا انقطع لأقل منها لأن الحيضة اسم
للكاملة، وكذا إذا قال نصف حيضة أو ثلثها أو سدسها أو أنت طالق مع حيضتك أو في
حيضتك بالتاء كقوله إن صمت يوما أو صليت صلاة لا يحنث إلا بصوم يوم كامل وبشفع
بخلاف ما تقدم لأنه يدل على جنس الحيض فهو كقوله إن صمت أو صليت. وأشار بقوله
48

حين تطهر إلى أنه ليس ببدعي. وأشار بقوله حين رأت الدم إلى أنه بدعي وإلى أنها لو
كانت حائضا لا تطلق ما لم تطهر ثم تحيض كقوله لطاهرة إذا طهرت فأنت طالق لم تطلق
حتى تحيض ثم تطهر لما قدمنا أن اليمين تقتضي شرطا مستقبلا. وفي الصحاح: الحيضة
بالفتح المرة الواحدة والحيضة بالكسر الاسم والجمع الحيض ا ه‍. وفي الخانية: لو قال لها
وهي حائض إذا حضت فأنت طالق فهو على حيض في المستقبل، ولو قال لها إن حضت
غدا فأنت طالق وهو يعلم أنها حائض فهو على دوام ذلك الحيض إلى الغد إن دام إلى أن يطلع
الفجر من الغد طلقت لأن الحيضة الثانية لا يتصور حدوثها من الغد فيحمل على الدوام إذا
علم ا ه‍. وفي الكافي: لو قالت بعد عشرة أيام حضت وطهرت وكذبها الزوج تطلق لأنها
أخبرت عن الأمانة في أوانها، ولو قالت بعد مضي شهر إني حضت وطهرت ثم حضت
حيضة أخرى وأنا الآن حائض لا يقبل قولها، ولكن إذا طهرت يقع لأنها أخرت الاخبار عن
أوانه فصارت متهمة. ولو قال إذا حضت فأنت طالق فقالت بعد خمسة أيام حضت وأنا
حائض الساعة فالقول لها لأن الاخبار في أوانه، ولو قالت حضت وطهرت لا تصدق حتى
تحيض لأنها أخبرت والحال منافية لما أخبرت ا ه‍. وفي تلخيص الجامع للصدر: من ملك
الانشاء ملك الاخبار كالوصي والمولى والمراجع والوكيل بالبيع ومن له الخيار. قال إذا حضت
حيضة فأنت طالق فقال بعد مدة محتملة حضت وطهرت وقع، ولو قالت حضت وطهرت
وأنا حائض لا حتى تطهر، ولو قال إذا حضت فقالت حضت منذ خمسة أيام وقع ولا تتهم
في التأخير للعذر، ولو قالت وطهرت لا ا ه‍. وذكر في باب الحنث يقع الحيض والفعل:
قال أنت طالق قبل أن تحيضي حيضة بشهر فحاضت بعده طلقت ولا ينتظر الطهر للبينونة
واختلفوا، والأصح فيه أنه يقتصر. ولو قال قبل قدوم فلان أو موت فلان بشهر وتقدم
القدوم يقع والموت لا بخلاف ما إذا قدم ومات للتعليق ا ه‍. وفي الجوهرة: إذا حضت
نصف حيضة فأنت طالق وإذا حضت نصفها الآخر فأنت طالق لا يقع شئ ما لم تحض
وتطهر، فإذا حاضت وطهرت وقع تطليقتان. ولو قال لها وهي حائض إذا حضت فأنت
طالق أو قال وهي مريضة إذا مرضت فهذا على حيض في المستقبل ومرض في المستقبل، فإن
نوى ما يحدث من هذا الحيض أو ما يزيد من هذا المرض فهو كما نوى، وكذا إذا قال
لصاحبة الرعاف إن رعفت، وكذا إذا قال للحبلى إذا حبلت فهو على حبل في المستقبل، ولو
49

نوى الحبل الذي هو فيه لا يحنث لأنه ليس له أجزاء متعددة وإنما هو معنى واحد بخلاف
الحيض وإخوانه لأن له أجزاء ا ه‍. وفي المحيط: لو قال إذا حضت حيضة فأنت طالق ثم
قال إن حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت حيضة يقع واحدة باليمين الأول، فإذا حاضت
أخرى يقع أخرى باليمين الثانية لأن الحيضة الأولى كل الشرط لليمين الأولى وشطر الشرط
لليمين الثانية، فإذا حاضت أخرى فقد تم الشرط لليمين الثانية، فإن قال ثم إذا حاضت
والمسألة بحالها لا يقع شئ حتى يوجد حيضتان بعد الأولى لأن كلمة ثم للتعقيب مع
التراخي فيقتضي وجود الحيضتين بعد الأولى ا ه‍.
قوله: (وفي إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فثنتين فولدتهما ولم يدر
الأول تطلق واحدة قضاء وثنتين تنزها ومضت العدة) لأنها لو ولدت الغلام وقعت واحدة
وتنقضي عدتها بوضع الجارية ثم لا يقع أخرى به لأنه حال انقضاء العدة، ولو ولدت الجارية
أولا وقعت تطليقتان وانقضت عدتها بوضع الغلام ثم لا يقع شئ آخر به لما ذكرنا أنه حال
انقضاء العدة فإذا في حال تقع واحدة وفي حال تقع ثنتان فلا تقع الثانية بالشك والأولى أن
يؤخذ بالثنتين تنزها واحتياطا والعدة منقضية بيقين لما بينا. قيد بقوله لم يدر الأول لأنه لو
علم فقد بيناه وإن اختلفا فالقول للزوج لانكاره. وأشار بمضي العدة إلى أنه لا رجعة ولا
إرث كما في غاية البيان. وقيد بقوله إن ولدت لأنه لو قال إن كان حملك غلاما فطالق
واحدة أو جارية فثنتين فولدتهما لم تطلق لأن حملك اسم جنس مضاف فيعم كله فما لم يكن
الكل غلاما أو جارية لم يقع كما في قوله إن كان ما في بطنك غلاما والباقي بحاله. وقوله
إن كان ما في هذا العدل حنطة فهي طالق أو دقيقا فطالق فإذا فيه حنطة ودقيق لا تطلق
بخلاف قوله إن كان في بطنك غلام والباقي بحاله حيث تقع الثلاث. وقيد بقوله فولدتهما
أي الغلام والجارية لأنها لو ولدت غلاما وجاريتين ولم يدر الأول وقع الثلاث تنزها وثنتين
قضاء، ولو ولدت غلامين وجارية وقعت واحدة قضاء وثلاث تنزها، وقدمنا أن الولادة لا
تثبت بقولها اتفاقا بل لا بد من نصاب الشهادة عنده وامرأة عندهما. ولو علق طلاقها
بولادتها ولدا فولدت ميتا طلقت وسيأتي تمامه في الايمان. وفي المحيط: قال كلما ولدت
50

ولدا فأنت طالق فولدت ولدين في بطن، فإن كان بينهما أقل من ستة أشهر طلقت بالأول
وانقضت عدتها بالثاني ولا يقع طلاق آخر، ولو ولدت ثلاثة أولاد وقع ثنتان، ولو ولدت
ثلاثا بين كل ولدين ستة أشهر وقع ثلاث وتعتد بثلاث حيض. ولو قال لامرأته الحامل كلما
ولدت فأنت طالق للسنة فولدت ثلاثة في بطن واحدة لم يقع عندهما حتى تطهر من نفاسها
فيقع في كل طهر تطليقة، وعند محمد وزفر طلقت واحدة بالولد الأول وتنقضي عدتها
بالأخير. ولو قال لامرأتيه كلما ولدتما ولدا فأنتما طالقان فولدت إحداهما ثم الأخرى آخر ثم
الأولى آخر ثم الأخرى آخر في بطن واحدة حتى ولدت كل واحدة ولدين، طلقت الأولى
ثنتين وانقضت عدتها بولدها الثاني والأخرى ثلاثا وانقضت عدتها بولدها الثاني، ولو كان بين
ولدي كل واحدة ستة أشهر فأكثر إلى سنتين طلقت الأولى ثنتين وانقضت عدتها بالولد الثاني
وثبت نسب الولدين وطلقت الأخرى واحدة وانقضت عدتها بالولد الأول ولا يثبت نسب
ولدها الثاني. ولو قال لامرأته الحامل إذ ولدت ولدا فأنت طالق ثنتين ثم قال إن كان الولد
الذي تلدينه غلاما فأنت طالق فولدت غلاما طلقت ثلاثا. ولو قال إن كان الولد الذي في
بطنك غلاما والمسألة بحالها طلقت وتمامه في المحيط. وقيد بالولادة لأنه لو علق طلاقها
بحبلها فالمستحب أن لا يطأها إلا بالاستبراء لتصور حدوث الحبل ولا يقع الطلاق ما لم تلد
لأكثر من سنتين من يوم اليمين لأنه علقه بحدوث الحبل بعد اليمين ويتوهم حدوث الحبل
قبل اليمين إلى سنتين فوقع الشك في الموقع فلا يقع بالشك، كذا في المحيط. وذكر قاضيخان
أنه لو قال إن لم تكوني حاملا فأنت طالق ثلاثا فجاءت بولد لأقل من سنتين بيوم من وقت
اليمين لا تطلق في الحكم، وإن جاءت لأكثر من سنتين بيوم طلقت، فإن حاضت بعد اليمين
لا يقربها لاحتمال أن لا تكون حاملا، وكذا إذا لم تحض لا ينبغي له أن يقربها حتى تضع
ا ه‍.
قوله: (والملك يشترط لآخر الشرطين) لأن صحة الكلام بأهلية المتكلم إلا أن الملك
يشترط حالة التعليق ليصير الجزاء غالب الوجود لاستصحاب الحال فتصح اليمين وعند تمام
الشرط لينزل الجزاء لأنه لا ينزل إلا في الملك وفيما بين ذلك الحال حال بقاء اليمين فيستغنى
عن قيام الملك إذ بقاؤه بمحله وهو الذمة، فالمراد من اشتراطه لآخرهما بيان عدم اشتراطه
51

لأولهما فلا ينافي اشتراطه وقت التعليق.، وأيضا علم الاشتراط وقت التعليق من قوله أول
الباب فلو قال لأجنبية إن زرت فأنت طالق لم يصح لكن في القنية قبيل النفقات معزيا إلى
الملتقط: قال حلال الله علي حرام إن فعلت كذا وليس له امرأة فتزوج ثم فعل ذلك الفعل لا
تطلق حج طلقت ا ه‍. وينبغي الاعتماد على الأول لما ذكرنا، وأراد من الشرطين أمرين يتعلق
الطلاق بهما ولا يقع بأحدهما، سواء كانا شرطين حقيقة بتعدد أداة الشرط أو لا. أما الأول
فبأن عطف شرطا على آخر وأخر الجزاء نحو إذا قدم فلان وإذا قدم فلان فأنت طالق فإنه
لا يقع حتى يقدما لأنه عطف شرطا محضا على شرط لا حكم له ثم ذكر الجزاء فيتعلق بهما
فصارا شرطا واحدا فلا يقع إلا بوجودهما، فإن نوى الوقوع بأحدهما صحت نية تقديم الجزاء
على أحدهما وفيه تغليظ، أو بأن كرر أداة الشرط بغير عطف كقوله إن أكلت أو لبست فأنت
طالق فإنها لا تطلق ما لم تلبس ثم تأكل فيقدم المؤخر، وكذا لو قال كل امرأة أتزوجها إن
كلمت فلانا فهي طالق يقدم المؤخر فيصير التقدير إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها طالق.
واستغنى عن الفاء بتقدير الجزاء فالكلام شرط الانعقاد والتزوج شرط الانحلال وأصله قوله
تعالى * (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) * [هود:
34] فالمعنى إن كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم. ووجه
المسألة أنه لا يمكن أن يجعل الشرطان شرطا واحدا لنزول الجزاء لعدم العطف وإن روي عن
محمد في غير رواية الأصول أنه رجع عن التقديم والتأخير وأقر كل شرط في موضعه وهو
رأي إمام الحرمين من الشافعية لأن الأصل عدم التقرير إلا بدليل والكلام في موجب اللفظ
ولا الشرط الثاني مع ما بعده هو الجزاء للأول لعدم الفاء الرابطة، ونية التقديم والتأخير أحق
من إضمار الحرف لأنه تصحيح للمنطوق من غير زيادة شئ آخر فكان قوله إن أكلت
مقدما من تأخير لأنه في حيز الجواب المتأخر. والتقدير إن لبست فإن أكلت فأنت طالق،
وهذا بناء على ما قدمناه من لزوم التخبيز في مثل إن دخلت الدار أنت طالق، وعلى ما قدمناه
عن أبي يوسف من لزوم إضمار الفاء يجب أن لا يعكس الترتيب. وفي التجريد: لو قال
لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت فلانا لا بد من اعتبار الملك عند الشرط الأول
فإن طلقها بعد الدخول بها ثم دخلت الدار وهي في العدة ثم كلمت فلانا وهي في العدة
طلقت ا ه‍. وهو على الظاهر من التقديم والتأخير فكان المتقدم شرط الانحلال فيعتبر الملك
عنده. وعلى هذا لو قال إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتيني فأنت طالق لا تطلق حتى تسأله
52

أولا ثم يعدها ثم يعطيها لأنه شرط في العطية الوعد وفي الوعد السؤال فكأنه قال إن
سألتيني إن وعدتك إن أعطيتك، كذا في فتح القدير. وهذا إذا لم يكن الشرط الثاني مترتبا
على الأول عادة، فإن كان كذلك كان كل شرط في موضعه نحو إن أكلت إن شربت فأنت
كذا كان الاكل مقدما والشرب مؤخرا حتى إذا شرب ثم أكل لم يعتق وإن أكل ثم شرب
عتق. ولو قال إن شربت إن أكلت يؤخر الشرط الأول، ولو قال إن دعوتني إن أجبتك يقر
كل شرط في موضعه، ولو قال إن أجبتك إن دعوتني تؤخر الإجابة، ولو قال إن لبست
طيلسانا إن أتيتني يقر كل في موضعه، ولو قال إن أتيتني إن لبست طيلسانا يؤخر الاتيان،
ولو قال إن ركبت الدابة إن أتيتني يقر كل في موضعه بخلاف إن أتيتني إن ركبت الدابة
لأنهما متى كانا مرتبين عرفا أضمرت كلمة ثم وإذا لم يكونا مرتبين عرفا لم يثبت العطف
بينهما لا عرفا ولا ذكرا، فمتى أقر كل شرط في موضعه لا يتصل الجزاء بأحد الشرطين
ا ه‍. كذا في المحيط: وفي البزازية وفي الفارسية: المقدم مقدم والمؤخر مؤخر وعليه
الاعتماد. وذكر القاضي في تفسيره أن قوله * (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم) *
شرط ودليل جواب والجملة دليل جواب قوله تعالى * (إن كان الله يريد أن يغويكم) * تقدير
الكلام إن كان الله يريد أن يغويكم فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي ا ه‍. وجعل
في فتح القدير من هذا القبيل قوله تعالى * (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي
أن يستنكحها) * [الأحزاب: 05] قال: فالمعنى إن أراد أن ينكح مؤمنة وهبت نفسها فقد
أحللناها ا ه‍. وذكر القاضي أن قوله تعالى * (إن أراد النبي) * شرط للشرط الأول في
استيجاب الحل فإن وهبتها نفسها منه لا توجب له حلا إلا بإرادته نكاحها فإنها جارية مجرى
القبول ا ه‍. فلم تكن من هذا القبيل. وفي المعراج: إنها محتملة للامرين فإن إرادة النبي
متأخرة فإنها كالقبول، ويحتمل تقدم إرادة النبي فإذا فهمت ذلك وهبت نفسها له ا ه‍.
وذكر في المحيط أنها على ثلاثة أوجه: أحدها إذا أخر الجزاء عن الشرطين، والثاني إذا
قدمه، والثالث إذا وسطه. أما الأول والثاني فعلى التقديم والتأخير، وأما الثالث فيقر كل
شرط في موضعه ولا يكون من المسائل المعترضة لأنه لا حاجة إلى التقديم والتأخير لأنه تخلل
الجزاء بين الشرطين بحرف الوصل وهو الفاء فيكون الأول شرطا لانعقاد اليمين والثاني شرط
الحنث ا ه‍. وكذا في البدائع في مسألة توسط الجزاء فقال: لو قال لامرأته إذا دخلت الدار
فأنت طالق إن كلمت فلانا يشترط قيام الملك عند وجود الشرط الأول وهو الدخول لأنه
جعل الدخول شرط انعقاد اليمين كأنه قال عند الدخول إن كلمت فلانا فأنت طالق واليمين
لا تنعقد إلا في الملك ومضافة إلى الملك، فإن كانت في ملكه عند دخول الدار صحت اليمين
المتعلقة بالكلام، فإذا كلمت يقع وإن لم تكن في ملكه عند الدخول بأن طلقها وانقضت
عدتها ثم دخلت لم يصح التعليق وإن كلمت، وإن طلقها بعد الدخول ثم دخلت في العدة
53

ثم كلمت فيها طلقت ا ه‍. والحاصل أن الجزاء إذا كان متوسطا فلا بد من الملك عن
الشرطين وأن كل شرط يقر في موضعه فلم تكن هذه المسألة داخلة تحت قوله والملك يشترط
لآخر الشرطين إلا باعتبار أن الشرط الأول هو شرط الانعقاد، وقدمنا أن الملك لا بد منه
وقت التعليق فحينئذ ليس معلقا إلا بشرط واحد فجعله في فتح القدير من قسم تقديم المؤخر
منهما من كلام التجريد وهو لما علمت أن كل شرط في موضعه. وهذا كله إذا كان الشرط
الثاني غير الأول، فإن كان عينه فقال في البزازية: إن دخلت هذه الدار فعبدي حر وهما
واحد فالقياس عدم الحنث حتى تدخل دخلتين فيها، وفي الاستحسان يحنث بدخول واحد
ويجعل الباقي تكرارا وإعادة، ولقائل أن يقول: لو جعل الثاني تكرارا لزم ثبوت الحرية حالا
على قول الإمام ويصير الثاني فاصلا كما في أنت حر وحد إن شاء الله، ويجاب بأن يجعل الثاني
تكرارا معنى لا لفظا لأن الثاني عطف على الأول ولا يعطف الشئ على نفسه، والعبرة في
الباب للفظ فإذا انتفى التكرار لفظا كان الثاني حشوا فصار فاصلا، وفيما نحن فيه الثاني غير
معطوف على الأول فأمكن جعل الثاني تكرارا فكان واحد معنى فلا يفصل، ونظيره حر حر
إن شاء الله تعالى ا ه‍. وقدمنا عن المحيط أنه لو قال إن تزوجتك وإن تزوجتك فأنت طالق لم
يقع حتى يتزوجها مرتين بخلاف ما إذا قدم الجزاء أو وسطه ا ه‍. فعلى هذا يفرق بين ما إذا
كان بالواو وبدونه فيما إذا أخر الجزاء وكانا بمعنى واحد فليحفظ. وذكر في الخانية هذه
المسألة ثم قال: ولو قال إذا دخلت الدار فأنت طالق إذا دخلت هذه الدار لا تطلق ما لم
تدخل مرتين ولا تطلق ما لم يتزوج مرتين ا ه‍. فعلى هذا إذا كانا بمعنى واحد بلا عطف فإن
تأخر الجزاء عنهما فالشرط أحدهما، وإن توسط فلا بد من الفعل مرتين. وقيدنا بكون
الامرين تعلق الطلاق بهما لأنه لو قدم الجزاء وأخر الشرط ثم ذكر شرطا آخر بعطف فإن
الطلاق فيه معلق بأحدهما نحو أنت طالق إذا قدم فلان وإذا قدم فلان أو ذكر بكلمة أن أو
متى فأيهما قدم أولا يقع الطلاق ولا ينتظر قدوم الآخر، ولو قدما معا لا يقع إلا واحدة.
ولا بد من الملك عند أيهما وجد، وكذا لو وسط الجزاء مع العطف نحو إن قدم فلان فأنت
طالق وإذا قدم فلان فأيهما سبق وقع، ثم لا يقع عند الشرط الثاني شئ إلا أن ينوي أن
يقع عند كل واحد تطليقة فتقع أخرى عند الثاني، وأما الثاني أعني ما ليا شرطين حقيقة
وهو أن يكون فعلا متعلقا بشيئين من حيث هو متعلق بهما نحو إن دخلت هذه الدار وهذه
أو إن كلمت أبا عمرو وأبا يوسف فكذا فإنهما شرط واحد إلا أن ينوي الوقوع بأحدهما
54

فاشترط للوقوع قيام الملك عند آخرهما. وكذا إذا كان فعلا قائما باثنتين من حيث هو قائم
بهما نحو إذا جاء زيد وعمرو فكذا فإن الشرط مجيئهما. فإذا عرف هذا فقصر الشارح كلام
المصنف على القسم الثاني مما لا ينبغي، واعتراض الكمال على الشارح في جعله مسألة الكلام
من تعدد الشرط سهو لأنه إنما جعله من قبيل الشرط المشتمل على وصفين وعليه حمل عبارة
المصنف لا من قبيل تعدد الشرط.
والحاصل أنه إذا كرر أداة الشرط من غير عطف فإن الوقوع يتوقف على وجودهما،
سواء قدم الجزاء عليهما أو أخره عنهما أو وسطه، لكن إن قدمه أو أخره فالملك يشترط عند
آخرهما وهو الملفوظ به أولا على التقديم والتأخير، وإن وسطه فلا بد من الملك عندهما وإن
كان بالعطف فإنه موقوف على أحدهما إن قدم الجزاء أو وسطه. وأما إذا أخره فإنه موقوف
عليهما وإن لم يكرر أداة الشرط فإنه لا بد من وجود الشيئين قدم الجزاء عليهما أو أخره
عنهما. هذا ما ظهر لي من كلامهم. وفي الولوالجية: إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق
وطالق إن كلمت فلانا فالطلاق الأول والثاني يتعلق بالشرط الأول، والثالث بالشرط
الثاني حتى لو دخلت طلقت تطليقتين، ولو كلمه طلقت واحدة لا أن يصير الشرط الأول
شرط الانعقاد في حق الكل والثاني شرط الانحلال في حق الكل لأنا علقنا الجزاء الثاني
بالدخول كان الجزاء مؤخرا عن الشرط، ولو علقناه بالكلام كان الجزاء مقدما على الشرط
والأصل في الشرط هو التقديم فمهما أمكن حفظه على الأصل لا يغير. ولو قال امرأته
طالق إن دخلت الدار وعبدي حر وعلي المشي إلى بيت الله تعالى إن كلمت فلانا فالطلاق
على الدخول والعتق والمشي على الكلام الحق الجزاء المتوسط بالشرط الأخير هنا بخلاف ما
تقدم لأن ثمة الكلام متفق عليه لأنه عطف الاسم على الاسم فصار الوصل أصلا، وإنما
يقطع لضرورة ولا ضرورة في حق المتخلل، وأما هنا فالكلام منقطع لأنه عطف الاسم
على الفعل فلا يلحق بالأول إلا الضرورة لأنه أمكن إلحاقه بالثاني انتهى. وتمام تفريعات
الطلاق المعلق بالتزوج وبالكلام مذكور في تتمة الفتاوى من فصل تعليق الطلاق بالملك.
وفي البزازية من الايمان: والطلاق المضاف إلى وقتين ينزل عند أولهما والمعلق بالفعلين
55

عند آخرهما والمضاف إلى أحد الوقتين كقوله غدا أو بعد غد ينزل بعد غد، ولو علق بأحد
الفعلين ينزل عند أولهما والمعلق بفعل ووقت يقع بأيهما سبق انتهى. وقدمناه في فصل
إضافة الطلاق إلى الزمان. وفي الخانية: قال لها إن دخلت دار فلان وفلان يدخل في
دارك فأنت طالق فدخلت المرأة دار فلان وفلان لم يدخل دارها حنث في يمينه لأنه يراد
باليمين أحدهما دون الجمع انتهى.
قوله: (ويبطل تنجيز الثلاث تعليقه) أي تعليق الثلاث على ما يشير إليه أكثر الكتب
والأولى أن يعود إلى الزوج ليشمل ما دون الثلاث، كذا في شرح مسكين. قلت: الأولى أن
يعود إلى الطلاق لأن الكلام فيه حتى لو قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا أو قال
واحدة أو قال ثنتين ثم طلقها ثلاثا ثم عادت إليه بعد زوج آخر ثم دخلت لم تطلق لأن الجزاء
طلقات هذا الملك لأنها هي المانع لأن الظاهر عدم ما يحدث واليمين تعقد للمنع أو الحمل،
وإذا كان الجزاء ما ذكرناه وقد فات بتنجيز الثلاث المبطل للمحلية فلا تبقي اليمين. قيد
بالثلاث لأنه لو نجز أقل منها لا يبطل التعليق لأن الجزاء باق لبقاء محله، فلو طلقها ثنتين ثم
عادت إليه بعد زوج أخر وقد كان علق الثلاث ثم وجد المعلق طلقت ثلاثا اتفاقا، أما عندهما
فلوقوع المعلق كله لأن الزوج الثاني هدم الواقع، وأما عند محمد فلوقوع واحدة من المعلق لأن
الثاني لا يهدم عنده، ولو كان المعلق طلقة والمنجز ثنتين ثم عادت إليه بعد زوج آخر ثم وجد
الشرط فعند محمد تحرم حرمة غليظة بالمنجز والمعلق، وعندهما لا تحرم إذ يملك بعد وقوع
الطلاق المعلق ثنتين لهدم الثاني ما نجزه الأول. وقيد بالطلاق لأن الملك إذا زال بعد تعليق
العتق لا يبطل التعليق كما إذا قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه ثم
دخل عتق لأن العبد بصفة الرق محل للعتق وبالبيع لم تفت تلك الصفة حتى لو فاتت بالعتق
بطلت اليمين حتى لو ارتد ولحق بدار الحرب ثم سبي ثم ملكه المولى ودخل الدار لم يعتق،
كذا في المعراج. وصوابه حتى لو ارتدت لأن المرتد لا يملك بالسبي وإنما هو في الأمة.
وقيد بتعليق الطلاق لأن تنجيز الثلاث لا يبطل الظهار منجزا كان أو معلقا كما إذا قال إن
دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم طلقها ثلاثا ثم دخلت بعدما عادت إليه بعد زوج آخر
كان مظاهرا لأن الظهار تحريم الفعل لا تحريم الحل الأصلي لكن قيام النكاح شرط له فلا
يشترط بقاؤه لبقاء المشروط كالشهود في النكاح بخلاف الطلاق لأنه تحريم للحل الأصلي.
56

وفي فتح القدير: وأورد بعض أفاضل أصحابنا أنه يجب أن لا يقع إلا واحدة كقول زفر
لقولهم المعلق تطليقات هذا الملك، والفرض أن الباقي من هذا الملك ليس إلا واحدة فصار
كما لو طلق امرأته ثنتين ثم قال أنت طالق ثلاثا فإنما يقع واحدة لأنه لم يبق في ملكه
سواها. والجواب أن هذه مشروطة، والمعنى أن المعلق طلقات هذا الملك الثلاث ما دام ملكه
لها فإذا زال بقي المعلق ثلاثا مطلقة كما هو اللفظ لكن بشرط بقائها محلا للطلاق، فإذا نجز
اثنتين زال ملك الثلاث فبقي المعلق ثلاثا مطلقة ما بقيت محليتها وأمكن وقوعها وهذا ثابت
في تنجيزه الثنتين فيقع والله أعلم انتهى. وقدمنا أن مما يبطل التعليق لحاقه بدار الحرب قال
في المجمع: فلحاقه مرتدا مبطل لتعليقه أي عند الإمام. وقالا: لا لأن زوال الملك لا يبطله.
وله أن إبقاء تعليقه باعتبار قيام أهليته وبالارتداد ارتفعت العصمة فلم يبق تعليقه لفوات
الأهلية فإذا عاد إلى الاسلام لم يعد بعد ذلك التعليق الذي حكم بسقوطه لاستحالة عود
الساقط، وكذا في شرح المصنف. ومما يبطله فوت محل الشرط كفوت محل الجزاء كما إذا قال
إن كلمت فلانا فأنت طالق فمات فلان كذا في النهاية. ومنه ما إذا قال إن دخلت هذه الدار
فأنت طالق فجعلت الدار بستانا كما في المعراج. وقدمنا أن مما يبطله زوال إمكان البر وذكرنا
فروعا عليه عند شرح قوله وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها. وفي القنية: حلف لا يخرج
من بخارى إلا بإذن هؤلاء الثلاثة فجن أحدهم لا يخرج لأنه إن أفاق المجنون حنث ولو مات
أحدهما لم يحنث لبطلان اليمين انتهى.
قوله: (ولو علق الثلاث أو العتق بالوطئ لم يجب العقر باللبث) أي لم يجب مهر المثل
للمطلقة ثلاثا والمعتقة بالمكث من غير فعل لأن الجماع هو إدخال الفرج في الفرج وليس له
دوام حتى يكون لدوامه حكم ابتدائه كمن حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها لا يحنث
باللبث، وكذا لو حلف أن لا يدخل دابته الإصطبل وهي فيه فأمسكها فيه لم يحنث. وفي
الفوائد الظهيرية: الجماع عبارة عن الموافقة والمساعدة في أي شئ كان فإن محمدا كثيرا ما
يقول في كتاب الحج على أهل المدينة ألستم جامعتمونا في كذا أي وافقتمونا. وحكي عن
الطحاوي أنه كان يملي على ابنته مسائل يقول في املائه ألسنا قد جامعناكم على كذا أو لستم
قد جامعتمونا على كذا فتبسمت ابنته يوما من ذلك فوقع بصره عليها فقال: ما شأنك؟
فتبسمت مرة أخرى فأحس الطحاوي أنها ذهبت إلى الجماع المعروف بهذا اللفظ فقال: أو
يفهم من هذا؟ فاحترق غضبا وقطع الاملاء ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم لا أريد حياة
بعد هذا فتمنى الموت فمات بعد ذلك من نحو خمسة أيام، كذا في المعراج. أشار بنفي العقر
57

فقط إلى ثبوت الحرمة باللبث فإن الواجب عليه النزع للحال وإلى أنه لو جامع في رمضان
ناسيا فتذكر ودام على ذلك حتى أنزل فعليه القضاء، وإن نزع من ساعته لا. وقيدنا المكث
بكونه من غير فعل لأنه لو تحرك لزمه مهربه لأنه كالايلاج ولذا قالوا أولج ثم قال لها إن
جامعتك فأنت طالق أو حرة إن نزع أو لم ينزع ولم يتحرك حتى أنزل لا تطلق ولا تعتق، وإن
حرك نفسه طلقت وعتقت ويصير مراجعا بالحركة الثانية ويجب للأمة العقر ولا حد عليهما
ولو جامع عامدا قبل الفجر وطلع الفجر وجب النزع في الحال فإن حرك نفسه قضى وكفر
كما لو حرك بعد التذكر في الأولى، كذا في البززية وغيرها من الصوم، وفي المعراج: ولو
قال إن وطئتك فيمينه على الجماع. وقال ابن قدامه الحنبلي: وعن محمد بن الحسن يمينه على
الوطئ بالقدم ولو قال أردت به الجماع ولم يقبل وقد غلط ابن قدامة في النقل عن محمد فإن
محمدا ذكر في أيمان الجامع لو قال لها إن وطئتك فهو على الجماع في فرحها بذكره ولو
نوى الدوس بالقدم لا يصدق في الصرف عن الجماع ويحنث بالدوس بالقدم أيضا لاعترافه به
على نفسه. ولو قال إن وطئت من غير ذكر امرأة فهو على الدوس بالقدم وهو في اللغة
والعرف باتفاق أصحابنا ا ه‍. والعقر بالضم مهر المرأة إذا وطئت على شبهة، وبالفتح الجرح
من عقره أي جرحه فهو عقير، كذا في الصحاح. وفي القاموس: العقر بالضم دية الفرج
المغصوب وصداق المرأة ا ه‍. وفي المصباح: العقر بالضم دية فرج المرأة إذا غصبت على
نفسها ثم كثر ذلك حتى استعمل في المهر انتهى. واللبث من لبث بالمكان لبثا من باب تعب
وجاء في المصدر السكون للتخفيف واللبث بالفتح، والمرة بالكسر الهيئة، والنوع والاسم
اللبث بالضم، كذا في المصباح. وفي القاموس: اللبث بفتح اللام وسكون الباء المكث من
لبث كسمع وهو نادر لأن المصدر من فعل بالكسر قياسه التحريك إذا لم يتعد انتهى. وهو
أولى مما في المصباح لايهامه أن المصدر بفتح الباء وأن السكون جائز قوله: (ولم يصر به
مراجعا في الرجعي إلا إذا أولجه ثانيا) أي لم يصر باللبث مراجعا إذا كان المعلق بالجماع طلاقا
رجعيا عند محمد لأن الدوام ليس بتعرض للبضع. وقال أبو يوسف: يصير مراجعا لوجود
المساس بشهوة وهو القياس، وجزم المصنف بقول محمد دليل على أنه المختار لأنه فعل واحد
فليس لآخره حكم على حدة. وقيل: ينبغي أن يصير مراجعا عند الكل لوجود المساس
بشهوة، كذا في المعراج: وينبغي تصحيح قول أبي يوسف لظهور دليله والاستثناء في كلام
المصنف راجع إلى المسألتين فإذا أولج ثانيا وجب عليه مهر المثل وصار مراجعا فجعل الشارح
إياه راجعا إلى الثانية قصور. وقيد بالمسألتين لأن الحد لا يجب بالايلاج ثانيا وإن كان جماعا لما
فيه من شبهة أنه جماع واحد بالنظر إلى اتحاد المقصود وهو قضاء الشهوة في المجلس الواحد
وقد كان أوله غير موجب للحد فلا يكون آخره موجبا له. وإن قال ظننت أنها علي حرام كما
58

في المعراج ووجب المهر لأن البضع المحترم لا يخلو عن عقر أو عقر. وفي المعراج: ولقائل
أن يقول إذا أخرج ثم أولج في العتق ينبغي أن يجب الحد لأنه وطئ لا في ملك ولا في شبهة
وهي العدة بخلاف الطلاق لوجود العدة، وجوابه ما ذكر في الكتاب أن هذا ليس بابتداء
فعل من كل وجه لاتحاد المجلس والمقصود ا ه‍. وقيدنا بالتعليق للاحتراز عما روي عن محمد
لو أن رجلا زنى بامرأة ثم تزوجها في تلك الحالة فإن لبث على ذلك ولم ينزع وجب مهران
مهر بالوطئ ومهر بالعقد، وإن لم يستأنف الادخال لأن دوامه على ذلك فوق الخلوة بعد
العقد، كذا نقلوا، وتخصيص الرواية بمحمد لا يدل على خلاف بل لأنها رويت عنه دون
غيره. وفي البزازية: حلف لا يقربها فاستلقى وجاءت وقضت منه حاجتها يحنث فيما عليه
الفتوى ولو نائما لا يحنث. قال لامته إن جامعتك فأنت حرة فالحيلة أن يبيعها من غيره ثم
يتزوجها ويطؤها فتنحل لا إلى جزاء ثم يشتريها منه فيطؤها فلا تعتق. حلف لا يغشاها وهو
عليها فاليمين على الاخراج ثم الادخال فإن دام عليها لا يحنث وذكر في أول الفصل الثالث
عشر في الجماع لا يحنث بالجماع فميا دون الفرج وإن أنزل إلا إذا نوى انتهى.
قوله: (ولا تطلق في أن نكحتها عليك فهي طالق فنكح عليها في عدة البائن) يعني لا
تطلق امرأته الجديدة فيما إذا قال للتي تحته إن تزوجت عليك امرأة فهي طالق فطلق امرأته
بائنا ثم تزوج أخرى في عدتها لأن الشرط لم يوجد لأن التزوج عليها أن يدخل عليها من
ينازعها في الفراش ويزاحمها في القسم ولم يوجد قيد بالبائن لأنه لو كان رجعيا طلقت كما
في شرح مسكين. وفي البزازية من فصل الامر باليد جعل أمر المرأة التي يتزوجها عليها بأن
قال إن تزوجت عليك امرأة فأمرها بيدك أو قال ما دمت امرأتي ثم طلقها بائنا أو خالعها
وتزوج أخرى في عدتها ثم تزوج بالأولى لا يصير الامر بيدها لأن المراد حال المنازعة في
القسم ولم يوجد وقت الادخال، وإن قال إن تزوجت امرأة فأمرها بيدك فأبانها ثم تزوج
بأخرى صار الامر بيدها ا ه‍. وفي القنية من باب تفويض الطلاق: إن تزوجت عليك امرأة
فأمرها بيدك ثم دخلت المرأة في نكاحه بنكاح الفضولي وأجاز بالفعل ليس لها أن تطلقها،
ولو قال إن دخلت امرأة في نكاحي فلها ذلك وكذا في التوكيل بذلك انتهى. وفي آخر
الايمان: إن سكنت في هذه البلدة فامرأته طالق وخرج في الفور وخلع امرأته ثم سكنها قبل
انقضاء عدتها لا تطلق لأنها ليست بامرأته وقت وجود الشرط. قال إن فعلت كذا فحلال الله
علي حرام ثم قال إن فعلت كذا فحلال الله علي حرام لفعل الآخر ففعل أحد الفعلين حتى
بانت امرأته ثم فعل الآخر فقيل لا يقع الثاني لأنها ليست بامرأته عند الشرط، وقيل يقع وهو
59

الأظهر انتهى. وفي القنية: طلقها ثم قال إن أمسكت امرأتي إلى مماتي فهي طالق ثلاثا يتركها
حتى تنقضي عدتها ثم يتزوجها بعد يوم لا يقع لأنها بمضي العدة خرجت عن أن تكون
امرأته فبالنكاح لم يمسك امرأته انتهى قوله: (ولا في أنت طالق إن شاء الله متصلا وإن ماتت
قبل قوله إن شاء الله). أي لا يقع الطلاق لحديث رواه الترمذي وحسنه مرفوعا من حلف
على يمين وقال إن شاء الله لم يحنث وقد بحث فيه المحقق ابن الهمام في كتاب الايمان.
قيد بالاتصال لأنه لو كان بينهما سكوت كثير بلا ضرورة ثبت حكم الكلام الأول بخلاف ما
إذا كان السكوت بالجشاء أو التنفس وإن كان له منه بد أو بامساك غيره فمه أو كان بلسانه
ثقل فطال في تردده، والفاصل اللغو يبطل المشيئة فلذا طلقت ثلاثا في قوله أنت طالق ثلاثا
وثلاثا إن شاء الله وفي قوله أنت طالق وطالق وطالق وطالق إن شاء الله، وفي قوله أنت
طالق ثلاثا وواحدة إن شاء الله كقوله عبده حر وحر إن شاء الله بالواو بخلاف ما إذا كان
بدونها للتأكيد بخلاف حر وعتيق إن شاء الله لكونه تفسيرا وهو إنما يكون بغير لفظ الأول
وبخلاف طالق واحدة وثلاثا إن شاء الله لكونه أفاد التكميل كقوله أنت طالق وطالق وطالق
إن شاء الله. وفي المجتبي من كتاب الايمان: لو قال أنت طالق رجعيا إن شاء الله
يقع ولو قال بائنا لا يقع لأن الأول لغو دون الثاني. وفي القنية بعده: ولو قال أنت طالق
رجعيا أو بائنا إن شاء الله يسأل عن نيته فإن عنى الرجعي لا يقع وإن عنى البائن يقع ولا
60

يعمل الاستثناء انتهى. وصوابه إن عنى الرجعي يقع لعدم صحة الاستثناء للفاصل، وإن عنى
البائن لم يقع لصحة الاستثناء. وفي البزازية: أنت طالق ثلاثا يا زانية إن شاء الله يقع وصرف
الاستثناء إلى الوصف، وكذا أنت طالق يا طالق إن شاء الله وكذا أنت طالق يا صبية إن
شاء الله، يصرف الاستثناء إلى الكل ولا يقع الطلاق كأنه قال يا فلانة، والأصل عنده أن
المذكور في آخر الكلام إذا كان يقع به طلاق أو يلزم به حد كقوله يا طالق يا زانية فالاستثناء
على الكل انتهى.
وأطلق فشمل ما إذا أتى بالمشيئة عن قصد أو لا فلا يقع فيهما، وكذا إذا كان لا يعلم
المعنى فلو شهد أنه استثنى متصلا وهو لا يذكره قالوا: إن كان بحال لا يدري ما يجري على
لسانه لغضب جاز له الاعتماد عليهما وإلا لا. وشمل ما إذا ادعى الاستثناء وأنكرته فإن
القول قوله وكذا في دعوى الشرط، ولو شهدوا أنه طلق أو خالع بلا استثناء أو شهدوا بأنه
لم يستثن تقبل وهذا مما تقبل فيه البينة على النفي لأنه في المعنى أمر وجودي لأنه عبارة عن
ضم الشفتين عقيب التكلم بالموجب، وإن قالوا أطلقوا ولم نسمع منه غير كلمة الخلع والزوج
يدعي الاستثناء فالقول له لجواز أنه قاله ولم يسمعوه والشرط سماعه لاسماعهم على ما عرف
في الجامع الصغير، وفي الصغرى إذا ذكر البدل في الخلع لا تسمع دعوى الاستثناء، كذا في
البزازية. وفي الخانية: لو قال الزوج طلقتك أمس وقلت إن شاء الله ففي ظاهر الرواية يكون
61

القول قول الزوج، وذكر في النوادر خلافا بين أبي يوسف ومحمد، فقال على قول أبي يوسف
يقبل قول الزوج، وعلى قول محمد لا يقبل قوله ويقع الطلاق وعليه الاعتماد والفتوى
احتياطا في أمر الفروج في زمن غلب على الناس الفساد انتهى. وأشار بصحة المشيئة في
الطلاق إلى صحتها في كل ما كان من صيغ الاخبار وإن كانت انشاءات شرعا فدخل البيع
والاعتكاف والعتق والنذر بالصوم، وخرج الأمر والنهي. فلو قال أعتقوا عبدي في بعد موتي
إن شاء الله لا يصح الاستثناء، وكذا بع عبدي من بعد موتي إن شاء الله لا يصح الاستثناء،
وكذا بع عبدي هذا إن شاء الله لم يبعه. وخرج ما لم يختص باللسان كالنية فلو قال نويت أن
أصوم إن شاء الله صح صومه. وأشار بإسناد المشيئة إلى الله تعالى إلى كل من لم يوقف له على
مشيئة كإن شاء الجن أو الانس أو الملائكة أو الحائط فلا يقع في الكل فخرج من يوقف له
عليها كإن شاء زيد فهو تمليك له معتبر فيه مجلس علمه فإن شاء فيه طلقت وإلا خرج الامر
من يده. وصورة مشيئته أن يقول شئت ما جعله إلى فلان ولا تشترط فيه نية الطلاق ولا
ذكره كما في الجوهرة. ودخل في كلامه ما إذا علقه بمشيئة الله ومشيئة من يوقف على
مشيئته كما إذا قال إن شاء الله وشاء زيد فلا وقوع وإن شاء زيد كما في البدائع. وقدمنا عن
تلخيص الجامع حكم ما إذا قال أمرها بيد الله وبيدك. وأشار بكلمة أن إلى ما كان بمعناها
فدخل إلا أن يشاء الله أو ما شاء الله أو إذا شاء الله أو بمشيئة الله. وبالمشيئة إلى ما كان
بمعناها كالإرادة والمحبة والرضا بجميع الأدوات المتقدمة لا فرق بين إن والباء فخرج ما لم
يكن بمعناها كأمره وحكمه وإرادته وقضائه وإذنه وعلمه وقدرته فإنه يقع للحال إن كان
بالباء، وإن أضافه إلى العبد. وخرج أيضا ما إذا كان باللام فإنه يقع في الوجوه كلها وإن
أضافه إلى العبد، وأما إذا كان بفي وأضافه إلى الله تعالى فإنه لا يقع في الوجوه كلها إلا في
62

قوله طالق في علم الله، وإلا في قوله في قدرة الله إن أراد بالقدرة ضد العجز لأن قدرة الله
تعالى موجودة قطعا كالعلم سواء بخلاف ما إذا لم ينو لأنها بمعنى التقدير ولا يعلم تقديره
كذا في المحيط. والحاصل أنه إن أتى ب‍ " إن لم يقع في الكل، وإن أتى بالباء لم يقع في المشيئة
والإرادة والرضا والمحبة ووقع في الباقي، وإن أتى بفي لم يقع إلا في علم الله، وإن أتى
باللام وقع في الكل، وإن أضافه إلى العبد كان تمليكا في الأربعة الأولى وهي المشيئة وأخواتها
وما بمعناها كالهوية والرؤية تعليقا في الستة وهي الامر وأخواته.
وأطلقه فشمل ما إذا كتب الطلاق والاستثناء أو كتب الطلاق واستثنى بلسانه أو طلق
بلسانه واستثنى بالكتابة يصح كما في البزازية. وأشار ب‍ " إن بدون الواو إلى أنه لو قال أنت
طالق وإن شاء الله فإنه لا يصح الاستثناء كما في الجوهرة، ولو قدم المشيئة ولم يأت بالفاء
صحت المشيئة ولا تطلق لكونه إبطالا وعليه الفتوى كما في الخانية، وهو الأصح كما في
البزازية معزيا كل منهما إلى أبي يوسف. وقد حكى صاحب المجمع خلافا فيه فقال: وإن
شاء الله أنت طالق يجعله تعليقا وهما تطليقا فأفاد أنه يقع عند أبي يوسف لكونه تعليقا عنده
63

والشرط فيه الفاء في الجواب المتأخر فإذا لم يأت به لا يتعلق فينجز ولغت المشيئة، ولا يقع
عند أبي حنيفة ومحمد لأنه ليس بتعليق. هذا ما يقتضيه ما في المتن وقرره الزيلعي وابن الهمام
وغيرهما، وقد خالف شارح المجمع فنسب إلى أبي يوسف القائل بالتعليق عدم الوقوع وإليهما
الوقوع نظرا إلى ما نقله قاضيخان في هذه المسألة من أن عدم الوقوع قول أبي يوسف.
فالحاصل أن ثمرة الخلاف تظهر فيما إذا قدم المشيئة ولم يأت بالفاء في الجواب ويصدق على
القول بالوقوع ديانة أنه أراد الاستثناء كما في الجوهرة ولو أجاب بالواو فهو استثناء اجماعا.
وفي الأسبيجابي: لا يصح الاستثناء بذكر الواو بالاجماع. قال في الجوهرة: وهو الأظهر.
وتظهر أيضا فيمن حلف بالطلاق إن حلف بطلاقها ثم قال أنت طالق إن شاء الله حنث على
القول بالتعليق لا الابطال. قال في فتح القدير: وفي فتاوى قاضيخان الفتوى على قول أبي
يوسف إلا أنه عزى إليه الابطال فتحصل على أن الفتوى على أنه إبطال اه‍. فظاهره أن
الفتوى على عدم الوقوع فيما إذا قدم المشيئة ولم يأت بالفاء وفيما إذا حلف بالطلاق إن حلف
64

بطلاقها ثم حلف مستثنيا وليس كذلك لما صرح به قاضيخان بأن الفتوى على عدم الوقوع في
الأولى وهو قول أبي يوسف كما قدمناه. وصرح في البزازية بأن الفتوى على الوقوع في
المسألة الثانية وهو قول أبي يوسف. وقوله إلا أنه أي قاضيخان عزا إليه أي إلى أبي يوسف
الابطال سهو وإنما عزى إليه اليمين ولا بأس بسوق عبارته بتمامها قال: ولو قال إن شاء الله
أنت طالق لا تطلق في قول أبي يوسف وتطلق في قول محمد والفتوى على قول أبي يوسف،
وكذا لو قال إن شاء الله وأنت طالق ثم اختلف أبو يوسف ومحمد أن الطلاق المقرون
بالاستثناء في موضع يصح الاستثناء هل يكون يمينا قال أبو يوسف: يكون يمينا حتى لو
قال إن حلفت بطلاقك فعبدي حر ثم قال لها أنت طالق إن شاء الله حتى يصح الاستثناء
حنث في قول أبي يوسف. وقال محمد: لا يكون يمينا ولا يحنث. وعلى هذا لو قال لامرأته
أنت طالق إن دخلت الدار وعبده حر إن كلمت فلانا إن شاء الله تعالى على قول محمد
ينصرف الاستثناء إلى الطلاق والعتاق جميعا، وعلى قول أبي يوسف ينصرف الاستثناء إلى
اليمين الثانية اه‍. فقد ظهر بهذا أن أبا يوسف قائل بأنها يمين لا إبطال وأن على القول
بالتعليق لا يقع الطلاق فيما إذا قدم الشرط ولم يأت بالفاء في الجزاء كما في شرح المجمع لا
أنه يقع على القول به، وأن شارح المجمع قد غلط كما توهمه في فتح القدير، وأن أبا يوسف
القائل بعدم الوقوع في الأولى قائل بالوقوع في الثانية، وأن الفتوى على قوله في المسألتين.
65

فتحصل من هذا أن الفتوى على أنه تعليق لا إبطال ولكن فيه إشكال وهو أن مقتضى التعليق
الوقوع عند عدم الفاء لعدم الرابط، ومما يظهر فيه ثمرة الخلاف ما لو قال كنت طلقتك أمس
إن شاء الله فعندهما لا يقع، وعند أبي يوسف يقع، كذا في المحيط. فثمرة الخلاف تظهر في
هذه وفيما إذا أخر الجواب ولم يأت بالفاء أو أتى بالواو وحلف أن لا يحلف أو تعقب جملا
وقيد بموتها لأنه إذا مات الزوج قبل الاستثناء وهو يريده يقع الطلاق وتعلم إرادته بأن
ذكر لآخر قصده قبل التلفظ بالطلاق. والفرق بين موتها وموته أن الاستثناء خرج الكلام من
أن يكون ايجابا والموت ينافي الموجب دون المبطل بخلاف موته لأنه لم يتصل به الاستثناء كذا
في الهداية. وفي البزازية: لو قال أنت طالق إن شاء الله أنت طالق فالاستثناء ينصرف إلى
الأول ويقع الثاني عندنا خلافا لزفر فإنه ينصرف إليهما عنده ولا يقع شئ، وكذا لو قال
أنت طالق ثلاثا إن شاء الله أنت طالق وقعت واحدة في الحال وينبغي أن يكون المفتى به قول
زفر لأن إن شاء الله صالح لتعليق الطلاق الأول اتفاقا ولتعليق الأخير أيضا وإن لم تكن الفاء
فيه لما تقدم أن عند أبي يوسف إذا قدم الشرط وأخر الجزاء ولم يأت بالفاء لا يقع شئ وعليه
الفتوى. وأشار بقوله إن شاء الله إلى أنه لو قال أنت طالق إن لم يشأ الله لا يقع شئ فأفاد
أنه لو قال أنت طالق واحدة إن شاء الله وأنت طالق اثنتين إن لم يشأ الله لا يقع شئ أما في
الأول فللاستثناء، وأما في الثاني فلانا لو أوقعناه علمنا أن الله تعالى شاء لأن الوقوع دليل
المشيئة لأن كل واقع بمشيئة الله تعالى وهو علق في الثاني بعدم مشيئة الله تعالى لا بمشيئته جل
وعلا فيبطل الايقاع ضرورة. ولو قال أنت طالق اليوم واحدة إن شاء الله وإن لم يشأ فثنتين
فمضى اليوم ولم يطلقها طلقت ثنتين لأن وقوع ثنتين تعلق بعدم مشيئة الله تعالى الواحدة في
اليوم وبمضيه بلا طلاق وجد الشرط. ثم اعلم أن مذهبنا كما قدمناه عدم الوقوع في المعلق
بالمشيئة نواه وعلم معناه أولا، وعند مالك يقع مطلقا، وعند الشافعي إن نواه وعلمه لا يقع
66

وإلا يقع، وعند المعتزلة كما في البزازية إن كان يمسكها بمعروف لا يقع الطلاق وإن كان
يسئ معا شرتها يقع لأن الطلاق في الأول حرام والقبائح لا تعلق لها بمشيئة الله تعالى، وفي
الثاني واجب وبه تتعلق مشيئته تعالى وإن كان لا يحسن ولا يضر فالطلاق مباح. وهل يتعلق
بالمباح مشيئة الله تعالى ففيه خلاف بين المعتزلة اه‍. وقيد بقوله إن شاء الله لأنه لو قال أنت
طالق كيف شاء الله فإنها تطلق رجعية كما في الخلاصة وقدمناه. وفي المحيط: ولو حرك
لسانه بالاستثناء يصح وإن لم يكن مسموعا عند الكرخي، وعند الهند وإني لا يصح ما لم يكن
مسموعا على ما مر في الصلاة اه‍.
قوله: (وفي أنت طالق ثلاثا إلا واحدة تقع ثنتان وفي الاثنتين واحدة وفي إلا ثلاثا
ثلاث) شروع في بيان الاستثناء وهو في الأصل نوعان: وضعي وعرفي. فالعرفين ما تقدم
من التعليق بالمشيئة والوضعي هو المراد هنا وهو بيان ب إلا أو إحدى أخواتها أن ما بعدها لم
يرد بحكم الصدر قد اتفقوا على أن ما بعد إلا لم يرد بحكم الصدر فالمقربة ليس إلا سبعة
في علي عشرة إلا ثلاثة، وإنما اختلفوا هل أريد ما بعد إلا بالصدر فأكثر الأصوليين أنه لم
يرد وكلمة إلا قرينة عليه، وجماعة على أنه أريد ما بعد إلا ثم أخرج ثم حكم على
الباقي. والمراد أنه أريد عشرة في هذا المثال وحكم على سبعة فإرادة العشرة باق بعد الحكم،
وما نسب إلى الشافعي من القول بالمعارضة فمعناه أنه أسند الحكم إلى العشرة مثلا ثم نفي
الحكم عن ثلاثة فتعارضا صورة، ثم ترجح الثاني فيحكم أن المراد بالأول ما سواه وليس
مراده حقيقة النسبة إليهما لأن حقيقة التناقض لم يقل به عاقل فاندفع ما ذكره الشارح وغيره
من الاستدلال عليه بقوله تعالى * (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) * [العنكبوت: 41]
لأنه في غير محل النزاع وتمامه في التحرير لابن الهمام. ولم يقيد المصنف بالاتصال هنا اكتفاء
بما ذكره فميا قبله لما قدمنا أن كلا منهما استثناء ويبطل الاستثناء بأربعة: بالسكتة اختيارا،
وبالزيادة على المستثنى منه كأنت طالق ثلاثا إلا أربعا، وبالمساواة، وباستثناء بعض الطلاق
كأنت طالق إلا نصفها، كذا في البزازية. وزاد في الخانية خامسا فقال: والخامس ما يؤدي
67

إلى تصحيح بعض الاستثناء وإبطال البعض كما لو قال أنت طالق ثنتين وثنتين إلا ثلاثا، لو
قال أنت طالق ثلاثا يا فلانة إلا واحدة وقعت اثنتان ولا يصير النداء فاصلا لأنه للتأكيد كما
في الولوالجية. وأشار باستثناء الثنتين إلى جواز استثناء الأكثر، وأفاد بقوله وفي إلا ثلاثا
ثلاث عدم جواز استثناء الكل من الكل وحاصله أنه إذا كان المستثنى منه أو بمساو ولم
يكن بعده استثناء آخر فإن الاستثناء باطل، فالأول كمسألة الكتاب وكقوله نسائي طوالق إلا
نسائي، وعبيدي أحرارا إلا عبيدي، وكما إذا أوصى بثلث ماله. ومن المساوي أنت طالق
ثلاثا إلا واحدة وواحدة وواحدة أو الاثنتين وواحدة. وفي الولوالجية من آخر العتق: قال
لعبيده الثلاث أنتم أحرار إلا فلانا وفلانا وفلانا يقع العتق ولا يصح الاستثناء لأنه استثناء
الكل من الكل اه‍. وفي قياسه أنتن طوالق إلا فلانة وفلانة وفلانة وليس له أربعة وهو من
قبيل المساوي بخلاف ما إذا كان بغير المساوي كقوله كل امرأة لي طالق إلا هذه وليس له
سواها لا تطلق لأن المساواة في الوجود لا تمنع صحته إن عم وضعا لأنه تصرف صيغي
كقوله نسائي طوالق إلا زينب وهندا وعمرة وبكرة، وأوصيت بثلث مالي إلا ألفا والثلث ألف
فإنه يصح، وعبيدي أحرار إلا فلانا وفلانا وليس له إلا هما. وفي الجوهرة: واختلفوا في
استثناء الكل قال بعضهم هو رجوع، وقال بعضهم هو استثناء فاسد وليس برجوع وهو
الصحيح لأنهم قالوا في الموصي إذا استثنى جميع الموصى به فإنه يبطل الاستثناء والوصية
صحيحة ولو كان رجوعا لبطلت الوصية لأن الرجوع فيها جائز اه‍. وفي المحيط: لو قال
أنت طالق ثنتين وثنتين إلا ثنتين، إن نوى الاستثناء عن إحدى الثنتين لم يصح لأنه استثناء
الكل من الكل، وإن نوى واحدة من الأولى وواحدة من الأخرى يصح، وإن لم تكن له نية
يصح الاستثناء ويقع ثنتان خلافا لزفر لأنه أمكن تصحيح الاستثناء بأن يصرف إلى كلا
العددين فيصير مستثنى من كل جملة واحدة فيصرف إليهما تصحيحا لكلامه، وروى هشام
عن محمد لو قال أنت طالق ثنتين وثنتين إلا ثلاثا أو أنت طالق ثنتين وأربعا إلا خمسا وقع
الثلاث لأنه تعذر تصحيح الاستثناء لأن استثناء الثلاث من الثنتين لا يصح لأنه يزيد عليه ولا
استثناء نصف الثلاث من كل ثنتين لأنه استثناء جميع الثنتين لأن ذكر نصف ما لا يتجزئ
كذكر كله ولا استثناء واحدة من إحدى الثنتين لأنه يبقى ثنتين استثناء من الأخرى وأنه لا
يصح. ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة أو ثنتين ومات قبل البيان طلقت واحدة في رواية
ابن سماعة عن أبي يوسف. وفي رواية أخرى يقع اثنتان. ولو قال أنت طالق عشرا إلا تسعا
يقع واحدة لأن الاستثناء يرد على اللفظ فيكون العبرة للفظ لا للحكم وباعتبار هذا اللفظ
68

استثناء البعض من الكل. ولو قال إلا ثمانيا تقع اثنتان، ولو قال إلا سبعا يقع الثلاث. ولو
قال للمدخولة أنت طالق أنت طالق أنت طالق إلا واحدة يقع الثلاث، وكذا لو قال أنت
طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة لأنه ذكر كلمات متفرقة فيعتبر كل كلام في حق
صحة الاستثناء كأنه ليس معه غيره، وكذا لو قال أنت طالق بائن وأنت طالق غير بائن إلا
تلك البائن لا يصح الاستثناء، وكذا لو قال هذه طالق وهذه وهذه إلا هذه، ولو قال أنتن
طوالق إلا هذه صح الاستثناء اه‍.
وقيدنا بكونه لم يكن بعده استثناء آخر لأنه لو كان بعده ما يكون جبرا للصدر فإنه
يصح كقوله أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا الا واحدة فإنها تطلق واحدة والأصل أنه إذا تعدد
الاستثناء بلا وأو كان كل اسقاطا مما يليه فوقع اثنتان في قوله أنت طالق ثلاثا الاثنتين إلا
واحدة، ولزمه خمسة في قوله له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلا
أربعة إلا ثلاثا إلا ثنتين إلا واحدة. وفي المحيط: وطريقة أخرى لمعرفتها أن تأخذ الثلاث
بيمينك والثنتين بيسارك والواحدة بيمينك ثم تسقط ما اجتمع في يسارك مما اجتمع في يمينك
فما بقي فهو الواقع اه‍. وقيد بقوله إلا واحدة لأنه لو قال أنت طالق ثلاثا إلا نصف
واحدة لا يصح الاستثناء ووقع الثلاث على المختار، وقد ذكر المصنف المستثنى والمستثنى منه
من غير وصف لأنه لو قال أنت طالق ثلاثا بائنة إلا واحدة أو ثلاثا البتة إلا واحدة وقع
اثنتان رجعيتان، ولو قال أنت طالق اثنتين إلا واحدة بائنة أو إلا واحدا بائنا تطلق واحدة
رجعية، ولو قال أنت طالق اثنتين البتة إلا واحدة تقع واحدة بائنة، وكذا لو قال أنت طالق
ثنتين إلا واحدة البتة تقع واحدة بائنة وتمامه في البزازية وفي الولوالجية أنت طالق ثلاثا إلا
واحدة غدا أو قال إلا واحدة إن كلمت فلانا يصير قائلا أنت طالق اثنتين غدا أو إن كلمت
فلانا، ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة للسنة كانت طالقا اثنتين للسنة عند كل طهر تطليقة
واحدة لأنه صار كأنه قال أنت طالق اثنتين للسنة وتمامه في المحيط. ولو قال أنت بائن ينوي
ثلاثا إلا واحدة طلقت اثنتين بائنتين. وقال محمد: طلقت واحدة. ولو قال أنت طالق ثلاثا
إلا نصفها يقع ثنتان، ولو قال إلا أنصافهن يقع الثلاث، كذا في الخانية والله سبحانه وتعالى
أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
69

باب طلاق المريض
لما كان المرض من العوارض أخره ومعناه ضروري فتعريفه تعريف بالأخفى، والمراد به
هنا من عجز عن القيام بحوائجه خارج البيت كعجز الفقيه عن الاتيان إلى المسجد، وعجز
السوقي عن الاتيان إلى دكانه، فأما من يذهب ويجئ ويحم فلا وهو الصحيح. وهذا في
حقه، أما في حقها فيعتبر عجزها عن القيام بمصالحها داخل البيت، كذا في البزازية. وزاد
في فتح القدير أن لا تقدر على الصعود إلى السطح. وفي صلاة المريض الذي يباح له ترك
القيام أن يكون بحيث يلحقه بالقيام ضرر على الأصح كما في الجوهرة. وليس الحكم هنا
مقصورا على المريض بل المراد من يخاف عليه الهلاك غالبا وإن كان صحيحا كما سيأتي. وقد
علم من كلامهم أنه لا يجوز للزوج المريض التطليق لتعلق حقها بماله إلا إذا رضيت به.
قوله: (طلقها رجعيا أو بائنا في مرض موته ومات في عدتها ورثت وبعدها لا) لأن
الزوجية سبب إرثها في مرض موتة والزوج قصد إبطاله فيرد عليه قصده بتأخير عمله إلى
زمن انقضاء العدة دفعا للضرر عنها وقد أمكن لأن النكاح في العدة يبقى في حق بعض
الآثار فجاز أن يبقى في حق إرثها عنه بخلاف ما بعد الانقضاء لأنه لا إمكان والزوجية في
هذه الحالة ليست بسبب لارثه عنها فيبطل في حقه خصوصا إذا رضي به. وفي الظهيرية:
وإن كانت المطلقة في المرض مستحاضة وكان حيضها مختلفا ففي الميراث يؤخذ بالأقل لأن المال
لا يستوجب بالشك اه‍. أطلق الرجعي ليفيد أنها ترث وإن طلق في الصحة ما دامت في
العدة لبقاء الزوجية بينهما حقيقة حتى حل الوطئ وورثها إذا ماتت فيها، ولا يشترط أهليتها
للإرث وقت الطلاق بل وقت موته حتى لو كانت في الرجعي مملوكة أو كتابية ثم أعتقت أو
أسلمت في العدة ورثته. وأطلق البائن فشمل الواحدة والثلاث. وترك المصنف قيد الطواعية
ولا بد منه لأنه لو أكره على طلاقها البائن لا ترث كما لو أكرهت على سؤالها الطلاق فإنها
70

ترث كما في القنية، وذكر في جامع الفصولين خلافا فيه. وقيد بأن يكون في مرضه احترازا
عما إذا طلق في الصحة ثم مرض ومات وهي في العدة لا ترث منه، ولو قال صحيح
لامرأتيه إحداكما طالق ثم بين في مرضه في إحداهما صار فارا بالبيان وترث لأنه كالانشاء
في حق الإرث للتهمة وتمامه في الكافي. وأراد به المرض الذي اتصل به الموت لأن حقها لا
يتعلق بما له إلا به، فلو طلقها في مرضه ثم صح ثم مات وهي في العدة لا ترث منه كما
سيأتي. ولو طلقها في مرضه ثم قتل أو مات من غير ذلك المرض غير أنه لم يبرأ فلها الميراث
لأنه قد اتصل الموت بمرضه، كذا في الظهيرية. ولا بد في البائن أن تكون أهلا للميراث
وقت الطلاق والموت وما بينهما وسيأتي. ولا يشترط عمله بأهليتها للميراث حتى لو طلقها
بائنا في مرضه وقد كان سيدها أعتقها قبل ولم يعلم به الزوج كان فارا، وكذا لو كان تحته
كتابية فأسلمت فطلقها الزوج ثلاثا وهولا يعلم بإسلامها كما في الظهيرية، بخلاف ما لو
قال المولى لامته أنت حرة غدا. وقال الزوج أنت طالق ثلاثا بعد غد إن علم الزوج بكلام
المولى كان فارا وإلا فلا كما في الخانية لأنه وقت التعليق لم يقصد إبطال حقها حيث لم يعلم
وإن صارت أهلا قبل نزول الطلاق ولم تكن حرة وقت التعليق لأن عتقها مضاف بخلاف ما
إذا كانت حرة وقته ولم يعلم به لأنه أمر حكمي فلا يشترط العلم به ولو علق طلاقها البائن
بعتقها كان فارا كما في الظهيرية. ولو علق طلاقها بمرضه كما إذا قال إن مرضت فأنت
طالق ثلاثا يكون فارا لأنه جعل شرط الحنث المرض مطلقا كما في الولوالجية، وصححه في
الخانية. وشمل كلامه ما إذا وكل بطلاقها وهو صحيح ثم مرض فطلق الوكيل بشرط أن
يقدر على عزله، أما إذا لم يستطع عزله حتى طلقها في مرضه لا ترث منه كما في الظهيرية.
وفي الولوالجية: لو قالت بعد موته طلقني في مرضه ثلاثا وكذبها الورثة في الطلاق في
71

المرض ورثته لأنهم يدعون عليها الحرمان بالطلاق في الصحة وهي تنكر فيكون القول لها كما
لو قالت طلقني وهو نائم.، وقالوا في اليقظة كان القول لها. وفي الخانية: لو كانت المرأة
أمة قد عتقت ومات الزوج فادعت المرأة العتق في حياة الزوج وادعت الورثة أنه كان بعد
موته فالقول للورثة ولا يعتبر قول مولاها كما إذا ادعت أنها أسلمت في حياته وقال الورثة
أسلمت بعد موته فالقول لهم والقول لها في إنه مات قبل انقضاء عدتها مع اليمين، فإن
نكلت لا إرث لها. ولو تزوجت قبل موته ثم قالت لم تنقض عدتي لا يقبل قولها ولو لم
تتزوج لكنها قالت أيست ثم مات بعد مضي ثلاثة أشهر من وقت إقرارها لا ميراث لها اه‍.
وفي المحيط: وإن لم يعلم منها كفر فقالت الورثة كنت كتابية وأسلمت بعد موت الزوج وهي
تقول ما زلت مسلمة فالقول قولها لأن الورثة يدعون بطلان حقها وهي تنكر. ولو مات
الزوج كافرا فقالت امرأة مسلمة أسلمت بعد موت زوجي وقالت الورثة بل كنت مسلمة قبل
موته فالقول لهم لأنه ظهر بطلان حقها حيث كانت مسلمة للحال فهي تدعي ثبوت حقها في
ماله والورثة ينكرونه اه‍. وأشار بقوله في عدتها إلى أنها مدخولة فلو أبانها قبل الدخول بها
فلا ميراث لها لأنه تعذر إبقاء الزوجية في غير حالة العدة كما في المحيط. وقيد بموته لأنه
لو ماتت المرأة لم يرثها الزوج بحال لأن الزوج بالطلاق رضي ببطلان حقه، كذا في المحيط.
وفي جامع الفصولين: طلقها في المرض فمات بعد مضي العدة فالمشكل من متاع البيت
لوارث الزوج إذ صارت أجنبية بمضي العدة ولم يبق لها يد ولو مات قبل العدة فالمشكل من
متاع البيت للمرأة عند أبي حنيفة لأنها ترث فلم تكن أجنبية فكأنه مات قبل الطلاق اه‍.
قوله: (ولو أبانها بأمرها أو اختلعت منه أو اختارت نفسها بتفويضه لم ترث) لأنها
رضيت بإبطال حقها للامر منها بالعلة في الأولى ولمباشرتها العلة في الأخيرين، أما في
التخيير فظاهر لأنه تمليك منها، وأما في الخلع فلان التزام المال علة العلة لأنه شري الطلاق.
قيد بالبائن لأنها لو سألته الرجعي فطلقها لا يمتنع إرثها لما قدمنا أنها زوجة حقيقة. وقيد
بكونه طلق بأمرها لأنها لو طلقت نفسها بائنا فأجاز ترث لأن المبطل للإرث إجازته كما في
القنية. وأراد بالامر الرضا بالطلاق فخرج ما لو أكرهت على سؤالها الطلاق فإنها ترث لعدم
72

الرضا، وشمل ما لو وقعت الفرقة بتمكين ابن الزوج فلا ترث إلا أن يكون أبوه أمره بذلك
فقربها مكرهة لأنه بذلك ينتقل إليه فيصير كالمباشر، وشمل ما إذا فارقته بسبب الجب أو العنة
أو خيار البلوغ والعتق فلا ترث لرضاها، وكذا لو ارتدت وهو مريض. وأشار باختلاعها منه
إلى مباشرتها لعلة الطلاق فدخل فيه ما لو أبانها في مرضه ثم قال لها إذا تزوجتك فأنت طالق
ثلاثا ثم تزوجها في العدة ومات من مرضه حيث لا ترث لأنه موت في عدة مستقبلة فأبطل
حكم الفرار بالطلاق الأول والطلاق الثاني وإن وقع إلا أن شرطه وهو التزوج حصل بفعلها
فلا يكون فرارا خلافا لمحمد، كذا في الخانية. وقيد باختلاعها منه لأنه لو خلعها أجنبي من
زوجها المريض مرض الموت فلها الإرث لو مات الزوج في مرضه ذلك وهي في العدة لأنها
لم ترض بهذا الطلاق فيصير الزوج فارا، كذا في جامع الفصولين. ولم يذكر المصنف حكم ما
إذا وقعت الفرقة من قبلها في مرض موتها ولا يخفى أنه لما تعلق حقها بما له في مرض موته
تعلق حقه بما لها في مرض موتها، فلو باشرت سبب الفرقة وهي مريضة وماتت قبل انقضاء
عدتها ورثها كما إذا وقعت الفرقة باختيارها نفسها في خيار البلوغ والعتق أو بتقبيلها ابن
زوجها وهي مريضة لأنها من قبلها ولذا لم يكن طلاقا وهذا ظاهر، وأما إذا وقعت بسبب
الجب أو العنة أو العان وهي مريضة فمشى الشارح على أنها كالأول. وفي الخانية ونقله في
فتح القدير عن الجامع أنه لا يرثها لأنها طلاق فكانت مضافة إليه وعزاه في المحيط إلى الجامع
أيضا مقتصرا عليه وجزم به في الكافي فكان هو المذهب. وإذا ارتدت المرأة ثم ماتت أو
لحقت بدار الحرب إن كانت الردة في الصحة لا يرثها زوجها، وإن كانت في المرض ورثها
زوجها استحسانا بخلاف ما إذا ارتد فقتل أو لحق بدار الحرب أو مات على الردة فإنها ترثه
مطلقا. وإن ارتدا معا ثم أسلم أحدهما ثم مات أحدهما إن مات المسلم لا يرث المرتد وإن
كان الذي مات مرتدا هو الزوج ورثته المسلمة وإن كانت المرتدة قد ماتت فإن كانت ردتها في
المرض ورثها الزوج المسلم، وإن كانت في الصحة لم ترث، كذا في الخانية. وفي الكافي:
الأصل أن المأمورين بالطلاق بغير بدل ينفرد كل واحد منهما بالايقاع والمأمورين بالطلاق
بالبدل لا ينفرد أحدهما بالايقاع بل يشترط اجتماعهما وأن التمليك يقتصر على المجلس
والتوكيل، لا ومن عمل لنفسه فهو مالك ومن عمل لغيره فهو وكيل. وامرأة الفار لم ترث
إن باشرت علة الفرقة أو شرطها أو أخر وصفي العلة أو إحدى العلتين، وإن باشرت بعض
العلة أو بعض الشرط لم يبطل حقها من الإرث. قال المريض لامرأتيه بعد الدخول طلقا
73

أنفسكما ثلاثا فطلقت كل نفسها وصاحبتها على التعاقب طلقتا ثلاثا بتطليق الأولى وتطليق
الأخرى نفسها بعد ذلك وصاحبتها باطل فإذا طلقت الأولى نفسها وصاحبتها طلقتا وورثت
الثانية دون الأولى بخلاف ما إذا ابتدأت الأولى فطلقت صاحبتها دون نفسها حيث يقع
الطلاق على صاحبتها ولم يقع عليها لأنها في حق نفسها مالكة والتمليك يقتصر على
المجلس، فإذا بدأت بطلاق صاحبتها خرج الامر من يدها وورثت، وكذا لو ابتدأت كل
واحدة بتطليق صاحبتها لأن كل واحدة طلقت بتطليق غيرها. وإن طلقت كل واحدة
نفسها وصاحبتها معا طلقتا ولم يرثا لأن كل واحدة طلقت بتطليق نفسها، وإن طلقت
إحداهما بأن قالت إحداهما طلقت نفسي وقالت الأخرى طلقت صاحبتي وخرج الكلامان
معا طلقت تلك الواحدة ولا ترث، وإن طلقت إحداهما نفسها ثم طلقتها صاحبتها طلقت
ولا ترث وعلى العكس ترث.
هذا كله إذا كانتا في مجلسهما ذلك، فإن قامتا عن مجلسهما ذلك ثم طلقت كل نفسها
وصاحبتها معا أو على التعاقب أو طلقت كل واحدة صاحبتها ورثتا، ولو طلقت كل واحدة
منهما نفسها لم تطلق واحدة منهما. ولو قال طلقا أنفسكما ثلاثا إن شئتما فطلقت إحداهما
نفسها وصاحبتها لم تطلق واحدة منهما حتى تطلق الأخرى نفسها وصاحبتها، فلو طلقت
الأخرى بعد ذلك نفسها وصاحبتها ثلاثا طلقتا وورثت الأولى دون الثانية، لو قامتا عن
المجلس ثم طلقت كل واحدة كليهما متعاقبا أو معا لا يقع. ولو قال أمركما بأيديكما ناويا
التفويض صار تمليكا حتى لا تنفرد إحداهما بالطلاق ويقتصر على المجلس وهو كالتعليق
بالمشيئة إلا في حكم واحد وهو أنهما إذا اجتمعا على طلاق واحدة منهما يقع، وفي قوله إن
شئتما لا يقع. ولو قال طلقا أنفسكما بألف فقالت كل واحدة طلقت نفسي وصاحبتي بألف
معا أو متعاقبا بانتا بألف ويقسم على مهريهما ولم يرثا، ولو طلقت إحداهما طلقت بحصتها من
الألف وإن قامتا من المجلس بطل الامر. اه‍ مختصرا قوله: (وفي طلقني رجعية فطلقها ثلاثا
ورثت) لما قدمنا أن الرجعي لا يزيل النكاح فلم تكن بسؤالها راضية ببطلان حقها، وأراد من
ذكر الرجعية نفي سؤالها البائن فدخل ما لو قالت طلقني ولم تزد عليه فطلقها بائنا فإنها ترث
لأنه ينصرف إلى الرجعي عند الاطلاق كما في الخانية، وكذا ينصرف إليه في الوكالة
والتفويض والانشاء فلم تكن بسؤالها راضية ببطلان حقها. والمراد بالثلاث البائن فدخل ما
لو طلقها واحدة بائنة أيضا ولم أر حكم ما إذا سألته واحدة بائنة فطلقها ثلاثا وظاهر المحيط
أنها ترث فإنه قال: لو قالت له طلقني فطلقها ثلاثا ورثت استحسانا لأنها سألته في الواحدة
74

وقد طلقها ثلاثا انتهى. ولم يعلل بالرجعي وإنما علل بالواحدة وينبغي أن لا ميراث لها
لرضاها بالبائن.
قوله: (وإن أبانها بأمرها في مرضه أو تصادقا عليها في الصحة ومضى العدة فاقر أو
أوصى لها فلها الأقل منها ومن ارثها) أي لها الأقل من كل واحد من المقر به والموصى به
ومن إرثها منه لأن العدة باقية في المسألة الأولى وهي سبب التهمة والحكم يدار على دليل
التهمة، وفي الثانية قال الإمام ببقاء التهمة أيضا لأن المرأة قد تختار الطلاق لينفتح باب الاقرار
والوصية فيزيد حقها والزوجان قد يتواضعان على الاقرار بالفرقة وانقضاء العدة وهذه التهمة
في الزيادة فرددناها ولا تهمة في قدر الميراث فصححناه. وهما قالا في الثانية بنفي التهمة
لكونها أجنبية لعدم العدة بدليل قبول شهادته لها وجواز وضع الزكاة فيها وتزوجها بزوج
آخر. وأجاب الإمام الأعظم رضي الله عنه بأنه لا مواضعة عادة في حق الزكاة والشهادة
والتزوج فلا تهمة. هذا حاصل ما في الهداية وقرره الشارحون من غير تعقب وهو ظاهر في
أنه إذا أقر بالطلاق منذ زمان وصدقته أن العدة تعتبر من وقت الطلاق بدليل أنهم اتفقوا هنا
أنه يجوز له دفع الزكاة إليها وشهادته لها وتزوجها وهو خلاف ما صرحوا به في العدة من أن
الفتوى على أن العدة تعتبر من وقت الاقرار كما في الهداية والخانية وغيرهما، فلا يثبت شئ
من هذه الأحكام ولا تزوجه بأختها وأربع سواها أيضا فحينئذ ظهرت التهمة في إقراره
ووصيته، واندفع به ما ذكره السروجي في غايته من أنه ينبغي تحكيم الحال فإن كان جرى
75

بينهما خصومة وتركت خدمته في مرضه فذلك يدل على عدم المواضعة فلا تهمة وإلا فلا
تصح للتهمة. وقد رده في فتح القدير بوجه آخر بأن حقيقة الخصومة ليست ظاهرة إذ
الايصاء لها بأكثر من الميراث ظاهر في أن تلك الخصومة ليست على حقيقتها كما يفعله أهل
الحيل للأغراض انتهى. وظهر بما ذكرنا سهو الشمني في شرح النقاية حيث قال: وفي
الذخيرة لا بد من تحكيم الحال فإن كان حال خصومة وغضب يقع الطلاق عليها بهذا الاقرار
وإن لم يكن كذلك لا يقع انتهى. فإن صاحب الذخيرة إنما ذكر تحكيم الحال فيما إذا قالت
لك امرأة غيري أو تزوجت علي فقال كل امرأة لي طالق فإنه قال قيل الأولى تحكيم الحال إن
كان قد جرى بينهما مشاجرة وخصومة تدل على غضبه يقع الطلاق عليها أيضا وإن لم يكن
كذلك لا يقع انتهى. فقاس السروجي مسألتنا هنا على ما في الذخيرة كما صرح به في فتح
القدير، ولا يخفى على عاقل فساد قول من قال إن الطلاق الصريح لا يقع إلا في الخصومة،
ولم يذكر صاحب الذخيرة هذه المسألة أصلا فكيف تنسب إليه؟ ودلت المسألة على أن المريضة
إذا اختلعت بمهرها الذي على الزوج ولم يكن قريبا لها فإنه ينظر إلى المسمى في بدل الخلع
وإلى ثلث ما لها إن ماتت بعد انقضاء العدة وإلى المسمى في بدل الخلع وإلى قدر ميراثه منها إن
ماتت قبل انقضاء العدة فيكون له الأقل، وتمامه في البزازية من الخلع. وأشار إلى أن ما
تأخذه منه له شبه بالدين وشبه بالميراث فللأول لو أرادت أن تأخذ من عين التركة ليس على
الورثة ذلك بل لهم أن يعطوها من مال آخر اعتبارا لزعمها أن ما تأخذه دين، وللثاني لو
هلك شئ من التركة قبل القسمة فهو على الكل، ولو طلبت أن تأخذه دنانير والتركة
عروض ليس لها ذلك. وفي فصول العمادي: وهذا كله إذا كانت عدتها لم تنقض، أما إذا
76

انقضت عدتها من وقت الاقرار ثم مات فلها جميع ما أقر لها به أو أوصى انتهى. وفي جامع
الفصولين: قال لها في مرضه قد كنت ابنتك في صحتي أو جامعت أم امرأتي أو بنت امرأتي
أو تزوجتها بلا شهود أو بيننا رضاع قبل النكاح أو تزوجتك في العدة وأنكرت المرأة ذلك
بانت منه وترثه لا لو صدقته انتهى. وفيه: ادعت على زوجها المريض أنه طلقها ثلاثا فجحد
وحلفه القاضي فحلف ثم صدقته ومات ترثه لو صدقته قبل موته لا لو بعده انتهى. وفي
شرح الوقاية: واعلم أن حرف من في قوله فلها الأقل منه ومن الإرث ليس صلة لافعل
التفضيل إذ لو كان لوجب أن يكون الواجب أقل من كل واحد منهما وليس كذلك بل حرف
من للبيان وأفعل التفضيل استعمل باللام فيجب أن يقال أو من الإرث لأنه لما قال الأقل
بينه بأحدهما وصلة الأقل محذوفة وهي من الآخر أي فلها أحدهما الذي هو أقل من الآخر
فتكون الواو بمعنى أو أو تكون الواو على معناها لكن لا يراد بها المجموع بل الأقل الذي
هو الإرث تارة والموصى به أخرى فتكون الواو للجمع وهو أن الأقلية ثابتة لكن بحسب
زمانين انتهى.
قوله: (ومن بارز رجلا أو قدم ليقتل بقود أو رجم فأبانها ورثت أن مات في ذلك
الوجه أو قتل) بيان لحكم الصحيح الملحق بالمريض هنا وهو من كان غالب حاله الهلاك كما
في النقاية وغيرها. والأولى أن يقال من يخاف عليه الهلاك غالبا على أن الغلبة تتعلق بالخوف
وإن لم يكن الواقع غلبة الهلاك فإن في المبارزة لا يكون الهلاك غالبا إلا أن يبرز لمن علم أنه
ليس من أقرانه بخلاف غلبة خوف الهلاك. ودخل تحته من كان راكب السفينة إذا انكسرت
وبقي على لوح أو افترسه السبع وبقي في فمه كما ذكره الشارح، وقد يوهم أن الانكسار
شرط لكونه فارا وليس كذلك فقد قال في المبسوط: فإن تلاطمت الأمواج وخيف الغرق
77

فهو كالمريض. وكذا في البدائع. وقيده الأسبيجابي بأن يموت من ذلك الموج، أما لو سكن
ثم مات لا ترث انتهى. والحامل لا تكون فارة إلا في حال الطلق. وفي المجتبى: واختلف
في تفسير الطلق فقيل الوجع الذي لا يسكن حتى تموت أو تلد، وقيل وإن سكن لأن الوجع
يسكن تارة ويهيج أخرى والأول أوجه اه‍. والمسلول والمفلوج والمقعد ما دام يزداد ما به فهو
غالب الهلاك وإلا فكالصحيح وبه كان يفتي برهان الأئمة والصدر الشهيد، وذكر في جامع
الفصولين فيه أقوالا فنقل أولا أنه إن لم يكن قديما فهو كمريض ولو قديما فكصحيح، وثانيا
لو لم يرج برؤه بتداو فكصحيح وإلا فكمريض، وثالثا لو طال وصار بحال لا يخاف منه
الموت فكصحيح. واختلف في حد التطاول فقيل سنة وبعضهم اعتبروا العرف فما يعده
تطاولا فتطاول وإلا فلا. ورابعا إن لم يصر صاحب فراش فكصحيح وإلا فمريض. وخامسا
لو يزداد كل يوم فهو مريض لو ينتقص مرة ويزداد أخرى فلو مات بعد سنة فكصحيح ولو
مات قبل سنة فمريض اه‍. وأشار بقوله إن مات في ذلك الوجه أو قتل إلى أنه لو طلق
بعدما قدم للقتل ثم خلى سبيله أو حبس ثم قتل أو مات فهو كالمريض ترثه لأنه ظهر فراره
بذلك الطلاق ثم ترتب موته فلا يبالي بكونه بغيره كالمريض إذا طلق ثم قتل. وفي فتح
القدير: وأما في حال فشو الطاعون فهل يكون لكل من الأصحاء حكم المرض؟ فقال به
الشافعية ولم أره لمشايخنا اه‍. وفي جامع الفصولين: ثم من له حكم المريض لو طلقها ومات
في العدة ترثه مات بهذه الجهة أو بجهة أخرى ولذا قال في الأصل: مريض صاحب الفراش
لو أبانها ثم قتل ترثه. طعن فيه عيسى بن أبان فقال: لا ترثه إذ مرض الموت ما هو سبب
للموت ولم يوجد ولكنا نقول: قد اتصل الموت بمرضه حين لم يصح حتى مات وقد يكون
للموت سببان فلا يتبين بهذا أن مرضه لم يكن مرض موته وأن حقها لم يكن ثابتا في ماله اه‍.
78

وفي المصباح: برز الشئ بروزا من باب قعد ظهر وبارز في الحرب مبارزة وبرازا فهو
مبارز اه‍. وفيه: والسل بالكسر مرض معروف وأسله الله بالألف أمرضه بذلك فسل هو
بالبناء للمفعول وهو مسلول من النوادر ولا يكاد صاحبه يبرأ منه. وفي كتب الطب أنه من
أمراض الشباب لكثرة الدم فيهم وهو قروح تحدث في الرئة اه‍. وفيه: والفالج مرض
يحدث في أحد شقي البدن طولا فيبطل إحساسه وحركته وربما كان في الشقين ويحدث
بغتة إلى آخره.
قوله: (ولو محصورا أو في صف القتال لا) أي لا ترث لأنه لا يغلب خوف الهلاك،
وكذا راكب السفينة قبل خوف الغرق، والحامل قبل الطلق، والمحصور الممنوع سواء كان في
حصن أو حبس لقتل من رجم أو قصاص أو غيره، وكذا من نزل بمسبعة أو مخيف من
عدو. وفي المصباح: حصره العدو حصرا من باب قتل أحاطوا به ومنعوه من المضي لامره
قوله: (ولو علق طلاقها بفعل أجنبي أو بمجئ الوقت والتعليق والشرط في مرضه أو بفعل
نفسه وهما في مرضه أو الشرط فقط أو بفعلها ولا بد لها منه وهما في المرض أو الشرط ورثت
وفي غيرها لا) لأن في الوجه الأول والثاني إذا كان التعليق والشرط في مرضه وجه القصد
إلى الفرار عن الميراث في حال تعلق حقها بما له بخلاف ما إذا كان التعليق في الصحة
والشرط في المرض لأن التعليق السابق يصير تطليقا عند الشرط حكما لا قصدا ولا ظلم إلا
عن قصد فلا يرد تصرفه. والمراد من الطلاق في قوله علق طلاقها البائن لأن حكم الفرار
لا يثبت إلا به. وأطلق في فعل الأجنبي فشمل ما إذا كان له منه بد كدخول الدار أو لا
كصلاة الظهر. وأما الوجه الثالث وهو ما إذا علقه بفعل نفسه فلوجود قصد الابطال. أما
بالتعليق أو بمباشرة الشرط في المرض. وأطلقه فشمل ما إذا كان له بد منه أو لا فإنه وإن لم
يكن له بد من فعل الشرط فله من التعليق ألف بد فيرد تصرفه دفعا للضرر عنها، وشمل ما
إذا فوض طلاقها لرجل في صحته فطلقها الأجنبي في المرض وكان يقدر الزوج على عزله
لأنه لما أمكنه عزله في المرض ولم يفعل صار كأنه أنشأ التوكيل في المرض. ودخل في الأول
ما إذا لم يمكنه عزله. ودخل في التعليق بفعله ما إذا قال في صحته إن لم آت البصرة فأنت
طالق ثلاثا فلم يأتها حتى مات ورثته وإن ماتت هي وبقي الزوج ورثها لأنها ماتت وهي
79

زوجته. فالحاصل أن المسألة على ثمانية أوجه لأنه إما أن يعلق بمجئ الوقت أو بفعل أجنبي
أو بفعلها أو بفعله، وكل على وجهين إما أن يكون التعليق في الصحة والشرط في المرض أو
كانا في المرض، فإن كان بفعل أجنبي أو بمجئ الوقت لا يكون فارا إلا إذا كانا في
المرض، وإن كان بفعله فإنه يكون فارا حيث يكون الشرط في المرض فقط، وإن كان بفعلها
فقط فكذلك إن كان ذلك الفعل لا يمكنها تركه، وإن كان يمكنها تركه لا يكون فارا. ولو
قال لها إن لم أطلقك فأنت طالق فلم يطلقها حتى مات ورثته، ولو ماتت هي وبقي الزوج لم
يرثها، وكذا لو قال إن لم أتزوج عليك فأنت طالق ثلاثا فلم يفعل حتى مات ورثته، ولو
ماتت هي وبقي الزوج لم يرثها كذا في البدائع وفي الخانية: رجل قال لامرأته في صحته إن
شئت أنا وفلان فأنت طالق ثلاثا ثم مرض فشاء الزوج والأجنبي الطلاق معا أو شاء الزوج
ثم الأجنبي ثم مات الزوج لا ترث، وإن شاء الأجنبي أولا ثم الزوج ورثت ا ه‍. وحاصله
أن الطلاق معلق على مشيئتهما فإذا شاءا معا لم يكن الزوج تمام العلة فلا يكون فارا بخلاف ما
إذا تأخرت مشيئة الزوج لأنه حينئذ تمت العلة. وأما الوجه الرابع وهو ما إذا علقه بفعلها فإن
كان التعليق والشرط في المرض والفعل مما لها بد منه ككلام زيد لم ترث لرضاها، وإن كان
لا بد لها منه طبعا كالأكل أو شرعا كصلاة الظهر فلها الميراث لاضطرارها، وأما إذا كان
التعليق في الصحة فلا ميراث لها عند محمد مطلقا لفوات الصنع منه في مرضه، وعندهما
ترث إن كان مما لا بد لها منه وصححوا قول محمد.
قوله: (ولو أبانها في مرضه فصح فمات أو أبانها فارتدت فأسلمت فمات لم ترث) لما
قدمنا أنه لا بد أن يكون المرض الذي طلقها فيه مرض الموت فإذا صح تبين أنه لم يكن مرض
80

الموت. وفي معراج الدراية: قيل هذا إن كان به حمى ربع فزالت ثم صار به حمى غب، أما
إذا كان به حمى ربع فزالت ثم عادت إليه فإن الثانية تجعل عين الأولى ويكون لها الميراث وفيه
نظر، لأنها لما زالت لم يبق لها تعلق بماله ا ه‍. وفي قانون شاه في الطب: وأما حمى
السوداوية خارج العروق وداخلها فهي حمى الربع فيجب أن يراعى فيها حفظ القوة، وأما
حمى الغب بكسر الغين ففي المصباح هي التي تأتي يوما وتغيب يوما ا ه‍. وإن في البائن لا
بد أن تستمر أهليتها للإرث من وقت الطلاق إلى وقت الموت. أطلق البائن فشمل الثلاث
والواحدة، وأشار بارتدادها إلى أنها لو كانت كتابية أو مملوكة وقت الطلاق ثم أسلمت أو
أعتقت لا ترث. وقيد بالبائن لأن المطلقة رجعيا إنما يشترط أهليتها للإرث وقت الموت كما
قدمناه. وفي المحيط: ولو ارتد الزوجان معا ثم أسلم الزوج ومات لا ترث منه لأنها مرتدة،
وإن أسلمت المرأة ثم مات الزوج مرتدا ورثته لأن الفرقة قد وقعت ببقاء الزوح على الردة
فصار بمنزلة ارتداده ابتداء، ولو ارتد المسلم فمات أو لحق بدار الحرب وله امرأة مسلمة في
العدة ورثت، ولو ارتدت المرأة فماتت أو لحقت بدار الحرب معتدة لم يرث منها، وإن كانت
مريضة فارتدت ثم ماتت ورث الزوج منها استحسانا لأن الفرقة حصلت بعدما تعلق حقه
بمالها، ولو قال لامرأته الحرة الكتابية أنت طالق ثلاثا غدا ثم أسلمت قبل الغد أو بعده فلا
ميراث لها منه لأنها ليست من أهل الميراث منه في الحال، ولو أضاف الطلاق إلى حالة يثبت
لها الإرث فيها فلا يصير فارا، ولو قال إن أسلمت فأنت طالق ثلاثا ورثت لأنه أضاف
الطلاق إلى ما بعد الاسلام وهو حالة تعلق حقها بماله، ولو أسلمت فطلقها ثلاثا وهو لا
يعلم بإسلامها ترث، ولو أسلمت امرأة الكافر ثم طلقها ثلاثا في مرضه ثم أسلم ومات
وهي في العدة لا ترث لأن التطليق حصل في حالة لا تستحق المرأة الإرث منه، وكذلك
العبد إذا طلق امرأته في مرضه ثم أعتق لا ترث ا ه‍ قوله: (وإن طاوعت ابن الزوج أو لا
عن أو آلى مريضا ورثت) يعني لو أبانها في مرضه ثم طاوعت ابن الزوج ترث لأن الأهلية
للإرث لم تبطل بالمطاوعة لأن المحرمية لا تنافي الإرث. قيد بكون المطاوعة بعد الإبانة لأن
الفرقة لو وقعت بتقبيل ابن زوجها لا ترث مطاوعة كانت أو مكرهة، أما إذا كانت مطاوعة
فلرضاها بإبطال حقها، وأما إذا كانت مكرهة فلم يوجد من الزوج إبطال حقها المتعلق
بالإرث لوقوع الفرقة بفعل غيره، كذا في البدائع. وبه علم أن اقتصار الشارحين على
المطاوعة لا ينبغي، وخرج ما لو طاوعته بعد الرجعي فإنها لا ترث كما لو طاوعته حال قيام
النكاح. وفي الخانية: لو طاوعت ابن زوجها وهي مريضة ثم ماتت في العدة ورثها الزوج
استحسانا ا ه‍. وقيد بالمطاوعة لأنها لو قبلته لا ترث، وفي المسألة الثانية إنما ورثت وإن
كانت الفرقة بفعلها وهو آخر اللعانين لأنه يلحق بالتعليق بفعل لا بد لها منه إذ هي ملجأة إلى
الخصومة لدفع عار الزنا عن نفسها. وأطلقه فشمل ما إذا كان القذف في الصحة أو في
81

المرض لأن العبرة لكون اللعان في المرض وفيه خلاف محمد. وأراد بالايلاء في المرض
أن يكون مضي المدة في المرض أيضا لأن الايلاء في معنى تعليق الطلاق بمضي أربعة أشهر
خالية عن الوقاع فيكون ملحقا بالتعليق بمجئ الوقت وقد تقدم أنه لا بد أن يكون التعليق
والشرط في مرضه قوله: (وإن آلى في صحته وبانت منه في مرضه لا) أي بانت بالايلاء في
مرضه لا ترث لما تقدم أنه لا بد أن يكون التعليق والشرط في مرضه، وهنا وإن تمكن من
إبطاله بالفئ لكن بضرر يلزمه وهو وجوب الكفارة عليه فلم يكن متمكنا مطلقا كما قدمناه
في مسألة الوكيل إذا لم يتمكن من عزله. وفي الخانية: لو طلق المريض امرأته بعد الدخول
طلاقا بائنا ثم قال لها إذا تزوجتك فأنت طالق ثلاثا ثم تزوجها في العدة طلقت ثلاثا، فإن
مات وهي في العدة فهذا موت في عدة مستقبلة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف فيبطل حكم
ذلك الفرار بالتزوج وإن وقع الطلاق بعد ذلك لأن الزوج حصل بفعلهما فلا يكون فارا.
وعلى قول محمد لتمام العدة الأولى فإن كان الطلاق الأول في المرض ورثت وإن كان الطلاق
الأول في الصحة لم ترث ا ه‍ والله أعلم.
باب الرجعة
بكسر الراء وفتحها والفتح أفصح. وفي المصباح: وأما الرجعة بعد الطلاق فبالفتح
والكسر وبعضهم اقتصر على الفتح وهو أفصح. قال ابن فارس: والرجعة مراجعة الرجل
أهله وقد تكسر وهو يملك الرجعة على زوجته وطلاق رجعي بالوجهين أيضا ا ه‍. وقدمنا
أن الطلاق الصريح وما في حكمه يعقب الرجعة. وضبطه في البدائع بأن يكون الطلاق
صريحا بعد الدخول حقيقة غير مقرون بعوض ولا بعدد الثلاث نصا ولا إشارة ولا موصوف
بصفة تنبئ عن البينونة أو تدل عليها من غير حرف العطف ولا مشبه بعدد أو صفة تدل
عليها قوله: (وهي استدامة الملك القائم في العدة) أي الرجعة إبقاء النكاح على ما كان ما
دامت في العدة لقوله تعالى * (فامسكوهن بمعروف) * [البقرة: 822] لأن الامساك استدامة
الملك القائم لا إعادة الزائل، وقوله تعالى * (وبعولتهن أحق بردهن) * [البقرة: 822] يدل على
عدم اشتراط رضاها وعلى اشتراط العدة إذ لا يكون بعدها بعلا والرد يصدق حقيقة بعد
82

انعقاد سبب زوال الملك وإن لم يكن زائلا بعد كما بعد الزوال. وأشار المؤلف إلى أنه ليس في
الرجعة مهر ولا عوض لأنها استبقاء ملك والمهر يقابله ثبوتا لابقاء. ولو قال راجعتك بألف
درهم إن قبلت المرأة صح ذلك وإلا لا لأنه زيادة في المهر. وفي المرغيناني والحاوي: قال
راجعتك على ألف درهم قال أبو بكر لا تجب عليه الألف ولا تصير زيادة في المهر كما في
الإقالة، كذا في المعراج. ولو قال لها زدتك في مهرك لا يصح، كذا في الولوالجية. وأفاد به
أنه لو طلق امرأته الأمة رجعيا ثم تزوج حرة كان له أن يراجع الأمة ولو كانت الرجعة
استحداث ملك لما كان له مراجعتها لحرمة إدخال الأمة على الحرة ولهذا كان الملك باقيا في
حق الإرث والايلاء والظهار واللعان وعدة الوفاة، ويتناولها قوله زوجاتي طوالق وجواز
الاعتياض بالخلع ونحو ذلك حتى صح الخلع والطلاق بمال بعد الطلاق الرجعي. ومن
أحكامها أنه لا يصح إضافتها إلى وقت في المستقبل ولا تعليقها بالشرط كما إذا قال إذا جاء
غد فقد راجعتك أو إن دخلت الدار فقد راجعت امرأتي. وتصح مع الاكراه. والهزل
واللعب والخطأ كالنكاح كذا في البدائع. وفي الخلاصة: وبالطلاق يتعجل المؤجل ولو
راجعها لا يتأجل، وصححه في الظهيرية. وفي الصيرفية: لا يكون حالا حتى تنقضي
العدة. وقيد بقيام العدة لأنه لا رجعة بعد انقضائها والقول في انقضاء العدة بالحيض قول
المرأة ولا تصدق في انقضائها في أقل من شهرين، كذا في الحاوي القدسي. وفي البزازية:
وإذا أسقطت تام الخلق أو ناقص الخلق بطل حق الرجعة لانقضاء العدة، ولو قالت ولدت لا
تقبل بلا بينة، فإن طلب يمينها بالله تعالى لقد أسقطت بهذه الصفة حلفت اتفاقا ا ه‍. وفيها:
لو قال بعد الخلوة بها وطئتك وأنكرت فله الرجعة وإن أنكر الزوج الوطئ لا رجعة له ا ه‍.
وأشار بالاستدامة إلى أنه لو طلقها على مال بعد الطلاق الرجعي يصح كما في القنية.
قوله: (وتصح في العدة إن لم يطلق ثلاثا ولو لم ترض براجعتك أو راجعت امرأتي وبما
يوجب حرمة المصاهرة) بيان لشرطها وركنها فشرطها إن لا يكون الطلاق ثلاثا كما ذكره
ومراده أن لا يكون بائنا سواء كان واحدة أو ثنتين، وقدمنا الرجعي والثنتان في الأمة
كالثلاث في الحرة بشرط أن لا يكون رقها ثابتا بإقرارها، ولهذا لو كان اللقيط امرأة متزوجة
وقد طلقها ثنتين ثم أقرت بالرق فله الرجعة لأنها متهمة في إبطال حقه بخلاف ما لو كان
طلقها واحدة ثم أقرت بالرق فإنه يصير طلاقها ثنتين لا يملك الزوج عليها بعد ذلك إلا
83

طلقة واحدة وتمامه في الخانية في باب اللقيط. وفي القنية: قبيل النفقة: قال لزوجته الأمة إن
دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم أعتقها مولاها فدخلت وقع ثنتان. وفي جامع الكرخي:
طلقت ثنتين وملك الزوج الرجعة انتهى. وأطلق في المرأة فشمل المسلمة والكتابية والحرة
والمملوكة لاطلاق الدلائل كما في المحيط. وأما ركنها فقول أو فعل، فالأول صريح وكناية.
أما الأول فراجعتك وراجعت امرأتي. وجمع بينهما ليفيد ما إذا كانت حاضرة فخاطبها أو
غائبة وارتجعتك ورجعتك ورددتك وأمسكتك ومسكتك فيصير مراجعا بلا نية ومنه النكاح
والتزوج فلو تزوجها في العدة كان رجعة في ظاهر الرواية، كذا في البدائع، وهو المختار
كذا في الولوالجية، وعليه الفتوى كذا في الينابيع. فقول الشارحين أنه ليس برجعة عند أبي
حنيفة خلافا لمحمد على غير ظاهر الرواية كما لا يخفى فعلم أن لفظ النكاح يستعار للرجعة.
وهل يستعار لفظ الرجعة للنكاح؟ قال في الخلاصة: ولو طلق امرأته ثم قال إن راجعتك
فأنت طالق فإذا انقضت عدتها فتزوجها لم تطلق ولو كان الطلاق بائنا تطلق. وعلل له في
المحيط بأنها لما لم تكن محلا انصرف إلى النكاح مجازا انتهى. وحاصله أنه إذا أمكن انصراف
اللفظ إلى حقيقته وقت التعليق وانصرف إليه لا يصير بعده مجازا وإلا صار مجازا، وأما الكناية
فنحو أنت عندي كما كنت أو أنت امرأتي فيتوقف على النية. وأما الثاني أعني الفعل فأفاد أن
كل فعل أوجب حرمة المصاهرة فإن الرجعة تصح به وسوى بين القول والفعل في الصحة
للاحتراز عن الكراهة فإنها مكروهة بالفعل كما في الجوهرة، فدخل الوطئ والتقبيل بشهوة
على أي موضع كان فما أو خدا أو ذقنا أو جبهة أو رأسا والمس بلا حائل أو بحائل يجد
الحرارة معه بشهوة والنظر إلى داخل الفرج شهوة بأن كانت متكئة والوطئ في الدبر على المفتى
به لأنه لا يخلو عن مس بشهوة، ولا فرق بين كون التقبيل والمس والنظر بشهوة منه أو منها
بشرط أن يصدقها سواء كان بتمكينه أو فعلته اختلاسا أو كان نائما أو مكرها أو معتوها، أما
إذا ادعته وأنكره لا تثبت الرجعة، وقدمنا في باب التعليق أنه لو قال لها إن جامعتك فأنت
طالق فجامعها ومكث بعدما جامعها فهو رجعة عند محمد. وقال أبو يوسف: لا يكون رجعة
إلا أن يتنحى عنها، ولا تقبل الشهادة على فعلها لأن الشهوة لا تعرف إلا بقولها. وخرج ما
إذا كانت هذه الأفعال بغير شهوة أو نظر إلى غير داخل الفرج بشهوة ولو إلى حلقة الدبر فإنه
لا يكون مراجعا لكنه مكروه كما في الولوالجية. وفي الجوهرة: ولو صدقها الورثة بعد موته
أنها لمسته بشهوة كان ذلك رجعة انتهى. وفي المعراج: والأمة لو فعلت بالبائع في الخيار كان
فسخا لأن الفسخ قد يحصل بفعلها كما لو زنت أو قتلت نفسها، وأبو يوسف سوى بين
الخيار والرجعة في أنهما لا يثبتان بفعلها، ومحمد أثبت الرجعة دون الفسخ. وفي البدائع:
84

أبو حنيفة سوى بينهما في الثبوت. وفي شرح الطحاوي: لو قال أبطلت رجعتي أو لا رجعة
لي عليك لا تبطل الرجعة انتهى. وفي القنية: أجاز مراجعة الفضولي صح ويصير مراجعا
بوقوع بصره على فرجها بشهوة من غير قصد المراجعة انتهى. واختلف فيما إذا طلق رجعيا
ثم جن ثم راجعها بقول أو فعل فقيل لا يصح بهما، وقيل يصح بهما، وقيل تصح بالفعل
دون القول كما في القنية من غير ترجيح، واقتصر البزازي على الأخير ولعله الراجح لما
عرف أنه مؤاخذ بأفعاله دون أقواله. وعلله في الصيرفية بأنه استدامة النكاح والرضا ليس
بشرط ولهذا لو أكره على الرجعة بالفعل يصح انتهى. وفي الحاوي القدسي: وإذا راجعها
بقبلة أو لمس فالأفضل أن يراجعها بالاشهاد ثانيا ا ه‍. وفي المحيط: قال أبو يوسف: ويكره
التقبيل واللمس بغير شهوة إذا لم يرد الرجعة، ويكره أن يراها متجردة لأنه لا يأمن من أن
يشتهي فيصير به مراجعا ثم يحتاج إلى الطلاق فيؤدي إلى تطويل العدة انتهى.
قوله: (والاشهاد مندوب عليها) أي على الرجعة وفاقا لمالك والشافعي على الأظهر
خروجا من خلاف عند الشافعي ومالك وإن كان ضعيفا وعملا بقوله تعالى * (واشهدوا ذوي
عدل منكم) * [الطلاق: 2] بناء على أنه للندب بدليل أنه أمر بالاشهاد بعد الامر بشيئين:
الامساك والمفارقة: فلو كان الاشهاد واجبا في الرجعة مندوبا في المفارقة للزم استعمال اللفظ
الواحد في حقيقته ومجازه وهو ممنوع عندنا، واحترازا عن التجاحد وعن الوقوف في مواضع
التهم. وأشار المصنف رحمه الله إلى أن الرجعة على ضربين: سني وبدعي. فالسني أن
يراجعها بالقول ويشهد على رجعتها ويعلمها ولو راجعها بالقول ولم يشهد أو أشهد ولم
يعلمها كان مخالفا للسنة كما في شرح الطحاوي قوله: (ولو قال بعد العدة راجعتك فيها
فصدقته تصح وإلا لا) أي وإن لم تصدقه لا تصح الرجعة لأنه أخبر عن شئ لا يملك
إنشاءه في الحال وهي تنكره فكان القول لها من غير يمين لما عرف في الأشياء الستة، وإن
صدقته صحت لأن النكاح يثبت بتصادقهما فالرجعة أولى، ونظيره الوكيل بالبيع، إذا قال قبل
العزل كنت بعته من فلان صدق بخلاف ما لو قاله بعد العزل كذا في الكافي. وفي تلخيص
85

الجامع للصدر: من ملك الانشاء ملك الاخبار كالوصي والمولى والمراجع والوكيل بالبيع ومن
له الخيار انتهى. ولو أقام بينة بعد العدة أنه قال في عدتها قد راجعتها أو أنه قال قد جامعتها
كان رجعة لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وهذا من أعجب المسائل فإنه يثبت إقراره نفسه
بالبينة بما لو أقر به في الحال لم يكن مقبولا كذا في المبسوط. قيد بقوله بعد العدة لأنه لو
قال في العدة كنت راجعتك أمس ثبتت وإن كذبته لملكه الانشاء في الحال. قوله: (كراجعتك فقالت مجيبة مضت عدتي) يعني لو قال لها راجعتك فأجابته بقولها
مضت عدتي لا تصح الرجعة عند أبي حنيفة لأنها صادفت حال انقضاء العدة فلا تصح.
وقالا: تصح والقول له لأنها صادفت العدة لبقائها ظاهرا ما لم تخبر بالانقضاء وقد سبقت
الرجعة خبرها بالانقضاء كما لو قال طلقتك فقالت مجيبة انقضت عدتي فإنه يقع الطلاق،
وكالموكل إذا قال للوكيل عزلتك فقال الوكيل مجيبا له بعت لا يصح كذا في المحيط. وله أن
قوله راجعتك إنشاء وهو إثبات أمر لم يكن فلا يستدعي سبق الرجعة. وقولها انقضت عدتي
إخبار وهو إظهار أمر قد كان فيقتضي سبق الانقضاء ضرورة. ومسألة الطلاق قيل على
الخلاف فلا يقع عنده كما لو قال أنت طالق مع انقضاء عدتك والأصح أنه يقع لاقرار الزوج
بالوقوع كما لو قال بعد انقضاء العدة كنت طلقتها في العدة كان مصدقا في ذلك بخلاف
الرجعة. قيد بكونها إجابته من غير سكوت لأنها لو سكتت ساعة تصح الرجعة اتفاقا. وأشار
بكون الزوج بدأها إلى أنها لو بدأت فقالت انقضت عدتي فقال الزوج مجيبا لها موصولا
بكلامها راجعتك لا يصح بالأولى ولهذا لم يذكر الأسبيجابي فيها خلافا. وإذا لم تصح الرجعة
في مسألة الكتاب تستحلف عنده، والفرق بينها وبين الأولى أن اليمين فائدتها النكول وهو
بذل عنده، وفي المسألة الأولى تحليفها على الرجعة وبذلها لا يجوز، وفي الثانية تحليفها على
مضي عدتها وهو الامتناع عن التزوج والاحتباس في منزل الزوج وبذله جائز. وأما مذهبهما
في المسألة الثانية فقد عرفت أنه صحة الرجعة فلا يتصور أن يقال تستحلف المرأة بالاجماع كما
ذكره الشارح وقلده في فتح القدير وشرح المجمع وقد اقتصر على أنها تستحلف عند أبي
حنيفة في البدائع وغاية البيان والاقطع والخلاصة والولوالجية فكان نقل الاجماع سهوا قوله:
(ولو قال زوج الأمة بعد العدة راجعت فيها فصدق سيدها وكذبته أو قالت مضت عدتي
وأنكرا فالقول لها) أي أنكر الزوج والمولى وقبول قولها في الأولى قول أبي حنيفة لأن الرجعة
تبتني على قيام العدة والقول فيها قولها. وقالا: القول للمولى لأن البضع حقه كإقراره عليها
بالنكاح. قيد بتصديق السيد لأن المولى لو كذبه وصدقته الأمة فالقول قول المولى على الصحيح
86

لأن ملكه قد ظهر للحال بخلاف الأول لاعترافه ببقاء العدة ولا يظهر ملكه معها. فالحاصل
أنه لا فرق في الحكم بين المسألتين وهو عدم صحة الرجعة وإن اختلف التصوير. وقيد
بكونها قالت مضت عدتي لأنها لو قالت ولدت يعني انقضت عدتي بالولادة لا يقبل إلا ببينة،
وكذا لو قالت أسقطت سقطا مستبين الخلق وللزوج أن يطلب يمينها على أنها أسقطت بهذه
الصفة بالاتفاق، ولا فرق في هذا بين الحرة والأمة كذا في فتح القدير. وفي شرح النقاية:
لو قالت انقضت عدتي ثم قالت لم تنقض كان له الرجعة لأنها أخبرت بكذبها في حق عليها
انتهى.
قوله: (وتنقطع إن طهرت من الحيض الأخير لعشرة وإن لم تغتسل ولا قل لا حتى
تغتسل أو يمضي وقت صلاة) أي وتنقطع الرجعة إن حكم بخروجها من الحيضة الثالثة إن
كانت حرة أو الثانية إن كانت أمة لتمام عشرة أيام مطلقا. وليس المراد من الطهارة هنا
الانقطاع لأنها بمضي العشرة خرجت من الحيض وإن لم ينقطع. وأشار بمضي الوقت إلى أنه
لا بد من خروجه لتصير الصلاة دينا في ذمتها فإن كان الطهر في آخر الوقت فهو ذلك الزمن
اليسير الذي تقدر فيه على الاغتسال والتحريمة لا ما دونه، وإن كان في أوله لم يثبت هذا
حتى يخرج جميعه لأن الصلاة لا تصير دينا إلا بذلك. وعلى هذا لو طهرت في وقت مهمل
87

كبعد الشروق لا تنقطع الرجعة إلى دخول وقت العصر. وأطلق الاغتسال فشمل ما إذا
اغتسلت بسؤر الحمار ولو مع وجود الماء المطلق فإنه تنقطع الرجعة لاحتمال طهارته وإن
كانت لا تصلي به لاحتمال النجاسة ولذا لا يقربها الزوج ولا تتزوج بآخر احتياطا كما في
التتارخانية. وإنما شرط في الأقل أحد الشيئين لأنه لما احتمل عود الدم لبقاء المدة فلا بد من
أن يتقوى الانقطاع بحقيقة الاغتسال أو يلزم شئ من أحكام الطاهرات فخرجت الكتابية
لأنه لا يتوقع في حقها أمارة زائدة فاكتفى بالانقطاع، كذا ذكره الشارحون وظاهره أن القاطع
للرجعة الانقطاع لكن لما كان غير محقق اشترط معه ما يحققه فأفاد أنها لو اغتسلت ثم عاد
الدم ولم يجاوز العشرة كان له الرجعة وتبين أن الرجعة لم تنقطع بالغسل، ولو تزوجت بعد
الانقطاع للأقل قبل الغسل ومضي الوقت تبين صحة النكاح، هكذا أفاد في فتح القدير بحثا
وهو وإن خالف ظاهر المتون لكن المعنى يساعده والقواعد لا تأباه قوله: (أو تتيمم وتصلي)
أي لا تنقطع الرجعة عند فقد الماء حتى تتيمم وتصلي به فرضا كان أو غيره، ولا يكفي مجرد
التيمم عندهما لأنها طهارة ضرورية لم تشرع إلا عند العجز عن الماء فلا بد لها من مؤكد فلا
ينافيه قولهما في باب الإمامة أنها طهارة مطلقة حتى جوز اقتداء المتوضئ بالمتيمم لأن
88

مرادهما بالاطلاق أنه يرفع الحدث إلى غاية وجود الماء كالطهارة بالماء فهي مطلقة من هذه
الجهة وإن كانت ضرورية من جهة أخرى، وكذا لا ينافيه قول الكل في باب التيمم أيضا إنها
مطلقة لما علمت، ولا تنافى هنا أيضا بين قول محمد هنا إنها مطلقة حتى اكتفى بمجرد التيمم
لانقطاعها وبين قوله في باب الإمامة أنها ضرورية حتى منع اقتداء المتوضئ بالمتيمم لما علمت
أن الاطلاق من جهة والضرورة من جهة أخرى لكن محمد عمل بالاحتياط فيهما وقد رجح
في فتح القدير قولهما في الإمامة. وقوله في الرجعة وتمام تحقيقه فيه. قيد توقف الانقطاع
على الصلاة لأن حل قربان الزوج لها غير متوقف عليها بل يجوز قبل الصلاة وأجمعوا أن
حلها للأزواج متوقف على صلاتها بذلك التيمم كما ذكره الأسبيجابي. وأشار بقوله حتى
تصلي إلى أنها لا تنقطع حتى تفرغ من الصلاة على الصحيح لاحتمال وجود الماء في أثنائها
فتبطل. وقيد بالصلاة لأنها لو قرأت القرآن بعد التيمم أو مست المصحف أو دخلت المسجد
لا تنقطع الرجعة لأنها اتباع الصلاة فلا يعطى لها حكمها. وقال الكرخي: تنقطع لأنه من
أحكام الطاهرات.
قوله: (ولو اغتسلت ونسيت أقل من عضو تنقطع ولو عضو إلا) لأن ما دون العضو
يتسارع إليه الجفاف لقلته فلا يتيقن بعدم وصول الماء إليه. قيد بالانقطاع لأنه لا يحل لزوجها
أن يقربها ولا يحل لها أن تتزوج يزوج آخر ما لم تغسل تلك اللمعة أو بمضي عليها أدنى
وقت صلاة مع القدرة على الاغتسال كما ذكره الأسبيجابي. والمراد بالعضو نحو اليد والرجل
وبما دونهما نحو الإصبع والإصبعين وبعض العضو والساعد وأحد المنخرين، وترك المضمضة
أو الاستنشاق كترك عضو عند أبي يوسف وعنه وهو قول محمد كترك ما دون العضو. وقيد
بالنسيان لأنها لو تعمدت اخلاء ما دون العضو لا تنقطع قوله: (ولو طلق ذا حمل أو ولد
وقال لم أطأها راجع) يعني لو طلق امرأته وهي حامل أو بعد ما ولدت في عصمته وقال لم
أجامعها فله الرجعة لأنها مبنية على الدخول وقد ثبت حكما لثبوت النسب لأنه يثبت بظهور
الحمل بأن ولدت لأقل من ستة أشهر فلم يلتفت إلى قوله لم أطأها لأنه صار مكذبا شرعا
ومن صار مكذبا شرعا بطل زعمه ما لم يتعلق بإقراره حق الغير فلا يرد ما أورده في الكافي
بأن من أقر بعبد لآخر ثم اشتراه ثم استحق من يده ثم وصل إليه فإنه يؤمر بالتسليم إلى المقر
له وإن صار مكذبا شرعا لكونه تعلق بإقراره حق الغير بخلاف مسألة الرجعة. ثم اعلم أن
89

من فروع الأصل المذكور ما إذا اختلف البائع والمشتري في ثمن العقار فقال المشتري اشتريته
بألف وقال البائع بعته بألفين وأقام البينة فإن الشفيع يأخذها بألفين لأن القاضي كذب المشتري
في إقراره. ومن فروعه أيضا أن المشتري إذا أقر بالملك للبائع ثم استحق المبيع من يده بالبينة
فإن له الرجوع عليه بالثمن لكونه صار مكذبا في إقراره حين قضى القاضي به للمستحق
والفرعان في الخلاصة. ومنه ما في التلخيص: لو ادعى عليه كفالة معينة فأنكرها فبرهن
المدعي وقضى على الكفيل فإن له الرجوع على المديون إذا كانت بأمره عندنا لكونه صار مكذبا
في إنكارها حين قضى القاضي بها عليه. وقيد في الخلاصة الأصل المذكور في كتاب القضاء
من الفصل الثالث منه بأن يكون القضاء بالبينة، أما إذا قضى القاضي باستصحاب الحال فإنه
لا يصير مكذبا كما لو اشترى عبدا وأقر أن البائع أعتقه قبل البيع وكذبه البائع فقضى
القاضي بالثمن على المشتري لم يبطل إقرار المشتري بالعتق حتى يعتق عليه. وكذا المديون إذا
ادعى الايفاء أو الابراء على صاحب الدين وجحد الدائن وحلف وقضى القاضي له بالدين
على الغريم لا يصير الغريم مكذبا حتى لو وجدت بينة الايفاء أو الابراء تقبل ا ه‍. فكان
دلالة على الوطئ ودلالة الشرع أقوى من صريح العبد لاحتمال الكذب من العبد دون
الشارع. فعلم بما قررناه أن الحمل يثبت قبل الوضع ويثبت النسب به قبله لما صرحوا به في
باب خيار العيب أن حمل الجارية المبيعة يثبت بظهوره قبل الوضع بشهادة امرأة حتى كان
للمشتري ردها بعيب الحبل قبل الوضع، وفي باب ثبوت النسب أنه يثبت بالحبل الظاهر
فاندفع ما اعترض به صدر الشريعة على المشايخ بأن قولهم له الرجعة تساهل لأن وجود
الحمل وقت الطلاق إنما يعرف إذا ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق فإذا ولدت
انقضت العدة فلا يملك الرجعة فيكون المراد أنه راجع قبل وضع الحمل فولدت لأقل من
ستة أشهر يحكم بصحة الرجعة السابقة، ولا يراد أنه يحل له الرجعة قبل وضع الحمل لأنه لما
أنكر الوطئ والشرع لا يحكم بوجود الحمل وقت الطلاق بل إنما يحكم به إذا ولدت لأقل من
ستة أشهر من وقت الطلاق فلم يوجد تكذيب الشرع قبل وضع الحمل، فالصواب أن يقال:
90

ومن طلق حاملا منكرا وطأها فراجعها فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر صحت الرجعة.
وأما مسألة الولادة فصورتها أنه طلق امرأته التي ولدت قبل الطلاق منكرا وطأها فله الرجعة
ا ه‍. وقيد بكون الولادة قبل الطلاق لأنها لو ولدت بعده تنقضي به العدة فتستحيل الرجعة.
قوله: (وإن خلا بها ثم قال لم أجامعها ثم طلقها لا) أي لا يملك الرجعة لأن الملك
يتأكد بالوطئ وقد أقر بعدمه فيصدق في حق نفسه والرجعة حقه ولم يصر مكذبا شرعا لأن
تأكيد المهر المسمى يبتنى على تسليم المبدل لا على القبض، والعدة تجب احتياطا لاحتمال
الوطئ فلم يكن القضاء بها قضاء بالدخول. قيد بإنكاره الجماع لأنه لو قال جامعتها وأنكرت
المرأة فله الرجعة لأن الظاهر شاهد له فإن الخلوة دلالة الدخول، فإن لم يخل بها فلا رجعة له
عليها لأن الظاهر شاهد لها، كذا في الولوالجية. وفي المبسوط: فإن قيل الظاهر حجة لدفع
الاستحقاق والزوج إنما يريد استحقاق الرجعة بقوله قلنا: ليس كذلك بل الزوج إنما يستبقي
ملكه بما يقول ويدفع استحقاقها نفسها والظاهر يكفي لذلك قوله: (وإن راجعها ثم ولدت
بعدها لأقل من عامين صحت تلك الرجعة) يعني راجعها والمسألة بحالها. والمراد بالصحة
ظهور صحة الرجعة السابقة لأن العدة لما وجبت ثبت نسب الولد منه وظهر أن العلوق كان
سابقا على الطلاق فنزل واطئا قبل الطلاق دون ما بعده لأن على الاعتبار الثاني يزول الملك
بنفس الطلاق لعدم الوطئ قبله فيحرم الوطئ والمسلم لا يفعل الحرام، وهو وإن كان لا
يكذب لكن لما لزم أحد الاعتبارين من الزنا أو كذبه فجعله كاذبا أخف من حمله على الزنا
قوله: (إن ولدت فأنت طالق فولدت ثم ولدت من بطن آخر فهي رجعة) يعني ثم ولدت بعد
ستة أشهر وإن كان أكثر من سنتين إذا لم تقر بانقضاء عدتها لأنه وقع الطلاق عليها بالولد
الأول ووجبت العدة فيكون الولد الثاني من علوق حادث منه في العدة لأنها لم تقر بانقضاء
العدة فيصير مراجعا حملا لأمرها على الصلاح كما إذا طلقها رجعيا فجاءت بولد لأكثر من
سنتين. قيد بكونه من بطن آخر لأنه لو كان بينهما أقل من ستة أشهر لا يكون رجعة لأن
الثاني ليس بحادث بعد الولد الأول كما إذا طلقها رجعيا فجاءت بولد لأقل من سنتين قوله:
(كلما ولدت فأنت طالق فولدت ثلاثة في بطون فالولد الثاني والثالث رجعة) لوقوع الطلاق
91

بالأول وثبتت الرجعة بالثاني والثالث ويقع بكل طلقة أخرى فتحرم حرمة غليظة ويثبت نسب
الأولاد من الزوج وعليها العدة بالأقراء. قيد بكونهم في بطون أي بين كل واحد مدة الحمل
فأكثر إذ لو كان بين الولادتين أقل منها لا يكون رجعة ويقع طلقتان بالأول والثاني ولا يقع
بالثالث شئ لانقضاء العدة به، ولو كان الأولان في بطن والثالث في بطن تقع تطليقة
واحدة بالأولى لا غير وتنقضي العدة بالثاني ولا يقع بالثالث شئ، ولو كان الأول في بطن
والثاني والثالث في بطن يقع ثنتان بالأول والثاني وتنقضي العدة بالثالث فلا يقع به شئ،
كذا في فتح القدير. وفي المحيط: ولو ولدت ولدين في بطن وقع بالأول ولا يقع بالثاني
لمصادفته انقضاء العدة، والمراد من كون الولد الثاني والثالث رجعة أنه ظهر صحة الرجعة
السابقة بهما كما قدمناه أنه يحمل على أنه بوطئ حادث قوله: (والمطلقة الرجعية تتزين) يعني
لزوجها إذا كانت الرجعة مرجوة لأنها حلال للزوج لأن النكاح قائم بينهما ثم الرجعة
مستحبة والتزين حامل عليها فيكون مشروعا. قيدنا بكونه لزوجها لأنه لو كان غائبا فلا
تتزين لفقد العلة، وقيدنا بالرجعية لأن المعتدة من طلاق بائن لا يجوز لها التزين مطلقا لحرمة
النظر إليها وعدم مشروعية الرجعة، كذا في غاية البيان. وخرجت المعتدة عن وفاة فإنها تحد.
وقيدنا بكونها مرجوة لأنها لو كانت تعلم أنه لا يراجعها لشدة بغضها فإنها لا تفعل ذلك كما
ذكره في شرح مسكين: وقد صرحوا بأن للزوج أن يضرب امرأته على تركها الزينة إذا طلبها
منها لأنها حقه وهو شامل للمطلقة رجعيا.
قوله: (وندب إن لا يدخل عليها حتى يؤذنها) أي يعلمها بدخوله إما بخفق النعل أو
بالتنحنح أو بالنداء أو نحو ذلك. أطلقه فشمل ما إذا قصد رجعتها أو لا، فإن كان الأول
فإنه لا يأمن أن يرى الفرج بشهوة فتكون رجعة بالفعل من غير إشهاد وهو مكروه من جهتين
كما قدمناه، وإن كان الثاني فلانه ربما يؤدي إلى تطويل العدة عليها بأن يصير مراجعا بالنظر
من غير قصد ثم يطلقها وذلك إضرار بها. فبهذا علم أنه لا يحتاج إلى حمل المتون على ما إذا لم
يقصد رجعتها كما فعل في الهداية وغيرها، وإنما هي على إطلاقها كما لا يخفى، وقد صرح
92

بالاطلاق الولوالجي في فتاواه قوله: (ولا يسافر بها) يعني يحرم عليه السفر بها لقوله تعالى
* (ولا تخرجوهن من بيوتهن) * [الطلاق: 1] ولحرمته لم يكن رجعة لأن الرجعة مندوبة
والمسافرة بها حرام، ومراده إذا كان يصرح بعدم رجعتها، أما إذا سكت كانت رجعة دلالة
كما أشار إليه في فتح القدير وشرح الجامع الصغير للقاضي وفتاويه والبدائع وغاية البيان
معللين بأن السفر دلالة الرجعة فانتفى به ما ذكره الشارح من أن السفر ليس دلالة الرجعة
وأورد أن التقبيل بشهوة يكون رجعة وإن نادى على نفسه بعدم الرجعة وجوابه الفرق بالحل
والحرمة كما نقلنا، كذا في فتح القدير. وأجاب الشمني بأن التقبيل رجعة حقيقة لا دلالة
بخلاف السفر فإنه رجعة دلالة لأنه يستلزم شيئا تثبت به الرجعة. قيد بالسفر أي بإنشائه لأنه
لو طلقها في السفر لها أن تمشي معه، ذكره الأسبيجابي. ومراده من المسافرة بها إخراجها من
بيتها لا السفر الشرعي المقدر بثلاثة أيام لأنه يحرم إخراجها إلى ما دونه أيضا للنهي المطلق
لكن لا يكون رجعة دلالة. واعلم أن في الهداية ما يدل على أن حرمة المسافرة بها مقيدة بما
إذا لم يراجعها في عدتها لأنه تبين أن المبطل للعصمة عمل عمله من وقت الطلاق حتى
احتسبت الأقراء الماضية من العدة فكانت المسافرة بأجنبية، أما إذا راجعها في عدتها تبين أنه لم
يعمل عمله فزالت الحرمة قوله: (والطلاق الرجعي لا يحرم الوطئ) لما قدمناه من الآيات
والمعنى أول الباب فلا يلزم به عقر، والشافعي لما حرمه أوجب له العقر. وفي المعراج معزيا
إلى الروضة للشافعية: لو وطئها فلا حد عليه، وإن كان عالما بالتحريم وفيه وجه ضعيف لا
يجب التعزير إن كان جاهلا أو يعتقد إباحته وإلا فيجب، ولو وطئها ولم يراجعها يجب مهر
المثل، ولو راجعها فالنص وجوب مهر المثل. وفي الروضة أيضا قال الشافعي: إنها زوجته
في خمس مواضع من كتاب الله: في آية الميراث والايلاء والظهار واللعان والطلاق وعدة
الوفاة وكذا في عدم اشتراط الولي في الرجعة وعدم اشتراط لفظة النكاح والتزويج ورضاها
عند الكل ا ه‍. وأشار إلى أن الخلوة بها لا تحرم لكنها مكروهة كراهة تنزيهية إن لم يكن من
قصده المراجعة وإلا فلا، وكذا القسم لأنه لو ثبت لها القسم فخلا بها فربما أدى إلى المساس
بشهوة فيصير مراجعا وهو لا يريدها فيطلقها فتطول العدة عليها حتى لو كان من قصده
المراجعة كان لها القسم، كذا في البدائع والله سبحانه وتعالى أعلم.
93

فصل فيما تحل به المطلقة قوله: (وينكح مبانته في العدة وبعدها) أي المبانة بما دون الثلاث لأن المحلية باقية لأن
زوالها معلق بالطلقة الثالثة فينعدم قبلها ومنع الغير في العدة لاشتباه النسب ولا اشتباه في
الاطلاق له قوله: (لا المبانة بالثلاث لو حرة وبالثنتين لو أمة حتى يطأها غيره ولو مراهقا
بنكاح صحيح وتمضي عدته لا بملك يمين) أي لا ينكح مبانته بالبينونة الغليظة. أطلقه فشمل
ما إذا كان قبل الدخول أو بعده كما صرح به في الأصل، وأما ما عن المشكلات فيمن طلق
امرأته قبل الدخول بها ثلاثا فله أن يتزوجها بلا تحليل. وأما قوله تعالى * (فإن طلقها فلا تحل
له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * [البقرة: 032] ففي المدخول بها ا ه‍. فمعناه أنه طلقها
ثلاثا متفرقة فلا يقع إلا بالأولى لا الثلاث بكلمة واحدة كما ذكره العلامة البخاري شارح
الدرر فحينئذ لا حاجة إلى ما في فتح القدير من أنها زلة عظيمة إلى أن قال لا يبعد إكفار
مخالفه. وفي القنية أن سعيد بن المسيب رضي الله عنه رجع عن مذهبه في أن الدخول بها
ليس بشرط في صيرورتها حلالا للأول ولو قضى به قاض لا ينفذ قضاؤه، فإن شرط
الدخول ثبت بالآثار المشهورة. م فع: يحتال في التطليقات الثلاث ويأخذ الرشى بذلك
ويزوجها للأول بدون دخول الثاني هل يصح النكاح وما جزاء من يفعل ذلك قالوا: إن يسود
وجهه ويبعد. فع فقيه يفتي بمذهب سعيد بن المسيب ويزوج للأول قال: بقيت مطلقة
بثلاث ويعزر الفقيه ا ه‍. وشمل ما إذا طلقها أزواج كل زوج ثلاثا قبل الدخول فتزوجت
بآخر فدخل بها تحل للكل. وأشار بالوطئ إلى أن الشرط الايلاج بشرط كونه عن قوة نفسه
وإن كان ملفوفا بخرقة إذا كان يجد لذة حرارة المحل، فلو أولج الشيخ الكبير الذي لا يقدر
على الجماع لا بقوته بل بمساعدة اليد لا يحلها للأول إلا إن انتعش وعمل بخلاف من في
94

آلته فتور وأولجها فيها حتى التقى الختانان فإنها تحل به. وخرج المجبوب الذي لم يبق له شئ
يولج في محل الختان فلا تحل بسحقه حتى تحبل، ودخل الخصي الذي مثله يجامع فيحلها.
وأراد بالمراهق الذي مثله يجامع وتتحرك آلته ويشتهي الجماع، وقدره شمس الاسلام بعشر
سنين. واحترز به عن الصغير الذي لا يجامع مثله فلا يحلها. وأطلق الوطئ فشمل ما إذا
وطئها في حيض أو نفاس أو إحرام وإن كان حراما. وشمل ما إذا كان الزوج الثاني مسلما
أو ذميا فتحل الذمية بوطئ الذمي لزوجها المسلم، وسواء كان حرا أو عبدا ولهذا قالوا: لو
حافت ظهور أمرها في التحليل تهب لمن تثق به ثمن عبد فيشتري لها مراهقا فيزوجها منه
بشاهدين ثم يهب العبد لها فيبطل النكاح ثم تبعث العبد إلى بلد آخر فلا يظهر أمرها. وهذا
مبني على ظاهر المذهب من أن الكفاءة في النكاح ليست بشرط في الانعقاد، وأما على رواية
الحسن المفتى بها فلا يحلها العبد لفقد الكفاءة لكن بشرط أن يكون لها ولي، أما إذا لم يكن لها
ولي فيحلها اتفاقا، والأولى أن يكون حرا بالغا فإن مالكا يشترط الانزال كما في البزازية.
وأشار بالوطئ إلى أن المرأة لا بد أن يوطأ مثلها، أما إذا كانت صغيرة لا يوطأ مثلها لا تحل
للأول بهذا الوطئ، وإلى أنه لا بد من التيقن بكونه في المحل حق لو كانت المرأة مفضاة لا
تحل للأول بعد دخول الثاني إلا إذا حبلت ليعلم أن الوطئ كان في قبلها. وفي القنية: المحلل
إذا أولج في مكان البكارة تحل للأول والموت لا يقوم مقام الدخول في حق التحليل ا ه‍.
مع أنه نقل في المحيط من كتاب الطهارة أنه لو أتى امرأة وهي عذراء لا غسل عليه ما لم ينزل
لأن العذرة مانعة من مواراة الخشفة ا ه‍. وأراد بالنكاح الصحيح النافذ فخرج النكاح الفاسد
والموقوف كما لو تزوجها عبد بغير إذن سيده ثم وطئها قبل الإجازة لا يحلها إلا إذا وطئها
بعد الإجازة. وأشار إلى أن الانزال ليس بشرط لأنه مشبع. ودخل في قوله لا يملك يمين
ثلاث صور: الأولى أن الأمة لو طلقها زوجها اثنتين وانقضت عدتها فوطئها المولى لا تحل
لزوجها. الثانية لو اشتراها الزوج بعد الثنتين لا تحل له بوطئه حتى تتزوج بغيره. الثالثة لو
كانت تحته حرة فطلقها ثلاثا ثم ارتدت ولحقت بدار الحرب ثم استرقها م تحل له حتى تتزوج
بزوج آخر.
95

وفي مناقب البزازي: إذا كان العقد بلا ولي بل بعبارة المرأة أو كان بلفظ الهبة أو كان
بحضرة فاسقين ثم طلقها ثلاثا ثم أراد أن تحل له بلا زوج فإنه يرفع الامر إلى شافعي فيقضي
ببطلان النكاح وبزوجها له بعقد جديد ولا يرد أن القضاء بفساد النكاح يستلزم حرمة الوطئ
المتقدم وأن الأولاد متولدة من وطئ حرام لأنا نقول: القضاء يعمل في القائم والآتي لا في
الماضي ا ه‍. وفي فتاويه: وإن حافت أن لا يطلقها المحلل تقول له حتى يقول إن تزوجتك
وجامعتك فأنت طالق ا ه‍. وأطلق فشمل ما إذا كان الزوج الأول معترفا بالطلاق الثلاث أو
منكرا بعد أن كان الواقع الطلاق الثلاث ولهذا قالوا: لو طلقها ثلاثا وأنكر لها أن تتزوج
بآخر وتحلل نفسها سرا منه إذا غاب في سفر فإذا رجع التمست منه تجديد النكاح لشك
خالج قلبها لا لانكار الزوج النكاح. وقد ذكر في القنية خلافا فرقم للأصل بأنها إن قدرت
على الهروب منه لم يسعها أن تعتد وتتزوج بآخر لأنها في حكم زوجية الأول قبل القضاء
بالفرقة، ثم رمز شمس الأئمة الأوزجندي وقال: قالوا هذا في القضاء ولها ذلك ديانة،
وكذلك إن سمعته طلقها ثلاثا ثم جحد وحلف أنه لم يفعل وردها القاضي عليه لم يسعها
المقام معه ولم يسعها أن تتزوج بغيره أيضا. قال - يعني البديع: والحاصل أنه على جواب
شمس الاسلام الأوزجندي ونجم الدين النسفي والسيد أبي شجاع وأبي حامد والسرخسي
يحل لها أن تتزوج بزوج آخر فيما بينها وبين الله تعالى، وعلى جواب الباقين لا يحل انتهى.
وفي الفتاوى السراجية: إذا أخبرها ثقة أن الزوج طلقها وهو غائب وسعها أن تعتد وتتزوج
ولم يقيده بالديانة والله أعلم. قال المصنف رحمه الله: وقد نقل في القنية قبل ذلك عن شرح
السرخسي ما صورته: طلق امرأته ثلاثا وغاب عنها فلها أن تتزوج بزوج آخر بعد العدة
ديانة. ونقل آخر أنه لا يجوز في المذهب الصحيح ا ه‍. قلت: إنما رقم لشمس الأئمة
الأوزجندي وهو الموافق لما تقدم عنه والقائل بأنه المذهب الصحيح العلاء الترجماني ثم رقم
بعده لعمر النسفي وقال: حلف بثلاثة فظن أنه لم يحنث وعلمت الحنث وظنت أنها لو أخبرته
ينكر اليمين فإذا غاب عنها بسبب من الأسباب فلها التحلل ديانة لا قضاء. قال عمر
96

النسفي: سألت عنها السيد أبا شجاع فكتب أنه يجوز. ثم سألته بعد مدة فقال: إنه لا يجوز.
والظاهر أنه إنما أجاب في امرأة لا يوثق بها ا ه‍. كذا في شرح المنظومة. وفي البزازية:
شهد أن زوجها طلقها ثلاثا إن كان غائبا ساغ لها أن تتزوج بآخر، وإن كان حاضرا لا لأن
الزوج إن أنكرا احتيج إلى القضاء بالفرقة ولا يجوز القضاء بها إلا بحضرة الزوج ا ه‍. وفيها:
سمعت بطلاق زوجها إياها ثلاثا ولا تقدر على منعه إلا بقتله إن علمت أنه يقربها تقتله
بالدواء ولا تقتل نفسها. وذكر الأوزجندي أنها ترفع الامر إلى القاضي فإن لم يكن لها بينة
تحلفه، فإن حلف فالاثم عليه، وإن قتلته فلا شئ عليها والبائن كالثلاث ا ه‍. وفي
التتارخانية: وسئل الشيخ أبو القاسم عن امرأة سمعت من زوجها أنه طلقها ثلاثا ولا تقدر
أن تمنعه نفسها هل يسعها أن تقتله في الوقت الذي يريد أن يقربها ولا تقدر على منعه إلا
بالقتل؟ فقال: لها أن تقتله. وهكذا كان فتوى الإمام شيخ الاسلام عطاء بن حمزة أبي
شجاع. وكان القاضي الإمام الأسبيجابي يقول: ليس لها أن تقتله. وفي الملتقط: وعليه
الفتوى. وفي فتاوى الشيخ الإمام محمد بن الوليد السمرقندي في مناقب أبي حنيفة عن
عبد الله بن المبارك عن أبي حنيفة أن لها أن تقتله. وفي المحيط في مسألة النظم: وينبغي لها
أن تفتدي بمالها وتهرب منه فإن لم تقدر قتلته متى علمت أنه يقربها ولكن ينبغي أن تقتله
بالدواء وليس لها أن تقتل نفسها. قلت قال في المنتفى: وإن قتلته بالآلة يجب عليها القصاص
ا ه‍. وفي التتمة: سئل عن امرأة حرمت على زوجها ولا تقدر أن تتخلص ولو غاب عنها
سحرته وردته إليها هل يحتال في قتلها بالسم وغيره ليتخلص منها؟ قال: لا يحل ويبعد عنها
بأي وجه قدر والله أعلم ا ه‍.
قوله: (وكره بشرط التحليل للأول) أي كره التزوج الثاني بشرط أن يحلها للأول بأن
قال تزوجتك على أن أحللك له أو قالت المرأة ذلك، أما لو نويا كان مأجورا لأن مجرد النية
في المعاملات غير معتبر. وقيل: المحلل مأجور وتأويل اللعن إذا شرط الاجر كذا في
البزازية. والمراد بالكراهة كراهة التحريم فينتهض سببا للعقاب لما روى النسائي والترمذي
وصححه مرفوعا: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له. لأنه لو كان فاسدا لما سماه
محللا، ولو كان غير مكروه لما لعنه. وهل هذا الشرط لازم؟ قال في البزازية: زوجت المطلقة
نفسها من الثاني بشرط أن يجامعها ويطلقها لتحل للأول قال الإمام: النكاح والشرط جائزان
97

حتى إذا أبى الثاني طلاقها أجبره القاضي على ذلك وحلت للأول ا ه‍. ونقله في غاية البيان
عن روضة الزندوسني ورده في فتح القدير بأن هذا مما لم يعرف في ظاهر الرواية ولا ينبغي
أن يعول عليه ولا يحكم به لأنه بعد كونه ضعيف الثبوت تنبو عنه قواعد المذهب لأنه لا شك
أنه شرط في النكاح لا يقتضيه العقد والعقود في مثله على قسمين. منها ما يفسد كالبيع
ونحوه، ومنها ما يبطل فيه ويصح الأصل، ولا شك أن النكاح مما لا يبطل بالشروط الفاسدة
بل يبطل الشرط ويصح هو فيجب بطلان هذا وأن لا يجبر على الطلاق، نعم يكره الشرط
كما تقدم من مجمل الحديث ويبقى ما وراءه وهو قصد التحليل بلا كراهة ا ه‍. قوله: (ويهدم
الزوج الثاني ما دون الثلاث) حتى لو طلقها واحدة وانقضت عدتها وتزوجت بآخر وطلقها
وانقضت عدتها منه ثم تزوجها الأول يملك عليها ثلاثا إن كانت حرة وثنتين إن كانت أمة،
ولا يتحقق في الأمة إلا هدم طلقة واحدة، وعند محمد يملك عليها ثنتين في الحرة وواحدة
في الأمة، ومراده إن دخل بها ولو لم يدخل بها لا يهدم اتفاقا كما في القنية. وقد أخذ أبو
حنيفة وأبو يوسف فيها بقول شبان الصحابة رضي الله عنهم كابن عباس وابن عمر، وأخذ
محمد بقول الأكابر كعمر وعلي رضي الله عنهما. وحاصل ما استدلوا به من قوله صلى الله عليه وسلم
لعن الله المحلل والمحلل له بطريق الدلالة أنه لما كان محللا في الغليظة ففي الخفيفة أولى،
أو بالقياس بجامع كونه زوجا، ورده المحقق في فتح القدير والتحرير بأن التحليل إنما جعل
في حرمتها بالثلاث فلا حرمة قبلها فظهر أن القول ما قاله محمد وباقي الأئمة الثلاث.
قوله: (ولو أخبرت مطلقة الثلاث بمضي عدته وعدة الزوج الثاني والمدة تحتمله له أن
يصدقها إن غلب على ظنه صدقها) يعني للزوج الأول أن يتزوجها لأنه معاملة أو أمر ديني
لتعليق الحل به وقول الواحدة فيهما مقبول وهو غير مستنكر إذا كانت المدة تحتمله، وقد اقتصر
المصنف في إخبارها على ما ذكر وذكره في الهداية مبسوطا فقال: قالت قد انقضت عدتي
وتزوجت ودخل بي الزوج وطلقني وانقضت عدتي. وفي النهاية إنما ذكر إخبارها هكذا
مبسوطا لأنها لو قالت حللت لك فتزوجها ثم قالت لم يكن الثاني دخل بي إن كانت عالمة
بشرائط الحل لم تصدق وإلا تصدق وفيما ذكرته مبسوطا لا تصدق في كل حال. وعن
السرخسي لا يحل له أن يتزوجها حتى يستفسرها لاختلاف بين الناس في حلها بمجرد
العقد. وفي التفاريق: لو تزوجها ولم يسألها ثم قالت ما تزوجت أو ما دخل بي صدقت إذ
98

لا يعلم ذلك إلا من جهتها. واستشكل بأن إقدامها على النكاح دليل على اعتراف منها
بصحته فكانت متناقضة فينبغي أن لا يقبل منها كما لو قالت بعد التزوج بها كنت مجوسية أو
مرتدة أو معتدة أو منكوحة الغير أو كان العقد بغير شهود، ذكره في الجامع الكبير وغيره
بخلاف قولها لم تنقض عدتي. ولو قال الزوج لها ذلك وكذبته تقع الفرقة كأنه طلقها ولذا
يجب عليه نصف المهر المسمى أو كماله ا ه‍. من قائله. ثم رأيت في الخلاصة ما يوافق
الاشكال المذكور. وقال في الفتاوى في باب الباء: لو قالت بعدما تزوجها الأول ما تزوجت
بآخر وقال الزوج الأول تزوجت بآخر ودخل بك لا تصدق المرأة ا ه‍. ولو قال الزوج
النكاح وقع فاسدا لأني جامعت أمها إن صدقته المرأة لا تحل للزوج الأول، وإن كذبته تحل،
كذا أجاب القاضي الإمام. ولو قالت دخل بي الثاني والثاني منكر فالمعتبر قولها، وكذا على
العكس. وفي النهاية: ولم يمر بي لو قال المحلل بعد الدخول كنت حلفت بطلاقها إن
تزوجتها هل تحل للأول. قلت: يبتني الامر على غالب ظنها إن كان صادقا عندها فلا تحل له،
وإن كان كاذبا تحل. وعن الفضلي: لو قالت تزوجني فإني تزوجت غيرك وانقضت عدتي
فتزوجها ثم قالت ما تزوجت صدقت إلا أن تكون أقرت بدخول الثاني كأنه - والله أعلم -
يحمل قولها تزوجت على العقد وقولها ما تزوجت على معنى ما دخل بي لا على إنكار ما
اعترفت به ولذا قال إلا أن تكون أقرت بدخول الثاني فإنه لم يقبل قولها فإنه حينئذ تكون
مناقضة صريحة، كذا في فتح القدير. وأشار بقبول قولها إلى أنه لا عبرة بقول الزوج الثاني
حتى لو قال لم أدخل بها أو كان النكاح فاسدا وكذبته فالمعتبر قولها، ولو قال الزوج الأول
لها ذلك يعتبر قوله في حق الفرقة كأنه طلقها لا في حقها حتى يجب لها نصف المسمى أو
كماله إن دخل بها. وأشار بقوله إن غلب على ظنه صدقها إلى أن عداتها ليست شرطا ولهذا
قال في البدائع وكافي الحاكم وغيرهما: لا بأس أن يصدقها إذا كانت ثقة عنده أو وقع في
قلبه صدقها، وبقبول قول المطلقة إلى أن منكوحة رجل قالت لآخر طلقني زوجي وانقضت
عدتي جاز تصديقها إذا وقع في الظن صدقها عدلة كانت أم لا، ولو قالت نكاحي الأول
فاسد ليس له أن يصدقها وإن كانت عدلة، كذا في البزازية وفيها: سمع رجل من امرأة أنها
مطلقة الثلاث والزوج يقول لا بل مطلقة الثنتين لا يسع لمن سمع منها أن يحضر نكاحها
ويمنعها ما استطاع. أراد أن يتزوج امرأة فشهد عنده أو عند القاضي أن لها زوجا فتزوجها
لا يفرق انتهى. وفيها: قالت طلقني ثلاثا ثم أرادت تزويج نفسها منه ليس لها ذلك أصرت
عليه أم كذبت نفسها ا ه‍. وقيد بقوله والمدة تحتمله لأن المدة لو لم تحتلمه فإنه لا يصدقها
واحتمالها أن يذكر لكل عدة ما يمكن وهو شهران عند أبي حنيفة، وتسعة وثلاثون يوما
عندهما، تمامه في الشرح ولكن في القنية برقم شب: قالت المعتدة أسقطت سقطا استبان
خلقه أو بعض خلقه تصدق وتنقضي به العدة وإن أخبرت بعد الطلاق بساعة أو يوم ففي
99

بق: إذا قالت انقضت عدتي في يوم أو أقل تصدق أيضا وإن لم تقل سقط لاحتماله بو:
خلافه ا ه‍. فقولهم الامكان بشهرين عند الإمام محله ما إذا لم تقل أسقطت سقطا استبان
بعض خلقه وجزمهم بهذه المدة دليل على ضعف قول من قال بقبول قولها انقضت عدتي بعد
يوم أو أقل لاحتمال سقوط سقط من غير تصريح منها بذلك والله سبحانه وتعالى أعلم
بالصواب وإليه المرجع والمآب.
باب الايلاء
لما كان الايلاء يوجب البينونة في ثاني الحال كالطلاق الرجعي أولاه به وهو لغة اليمين
وشرعا قوله: (هو الحلف على ترك قربانها أربعة أشهر أو أكثر) أي الزوجة وهو تعريف لاحد
قسمي الايلاء الحقيقي وهو ما اشتمل على القسم كقوله آليت أن لا أقربك أو حلفت أو والله
أو ما يؤل إليه كقوله أنا منك مول قاصدا به الايجاب أو أنت مثل امرأة فلان وقد كان
فلان آلى من امرأته لأن معناه أنا منك حالف، وكذا الثاني يؤول إليه فانجل إلى القسم، وأما
ما كان في معنى اليمين وهو اليمين بتعليق ما يستشقه على القربان فسنتكلم عليه بعده. وبهذا
سقط اعتراض ابن الهمام تبعا للشارح من أنه يرد عليه اليمين بتعليق ما لا يستشقه كقوله إن
وطئتك فلله علي أن أصلي ركعتين فإنه لا يكون موليا مع أن التعريف شامل له مع أن في
كونه موليا اختلافا فما ذكروه من عدم كونه موليا هو قول أبي يوسف. وقال محمد: يكون
موليا كما في المجتمع فجاز أن يكون المؤلف قصد تعريف الايلاء المتفق عليه وإن كان المعتمد
قول أبي يوسف كما سيأتي. والتعريف الشامل لكل من القسمين السالم من الايراد قولنا
اليمين على ترك قربانها أربعة أشهر فصاعدا بالقسم أو بتعليق ما يستشقه على القربان، وعلى
100

هذا فقولهم المولي من لا يخلو عن أحد المكروهين من الطلاق أو الكفارة مبنى على أحد قسمي
الايلاء الحقيقي فلا يعترض عليهم بالمعنوي كما في فتح القدير، والشامل لهما المولي من لا
يخلو أحد المكروهين من الطلاق لزوم ما يشق عليه وأوردت عليه إيلاء الذمي على قول أبي
حنيفة فإنه إذا قربها خلا عنهما كما سيأتي ولكن قال في الكافي: إنه ما خلا عن حنث لزمه
بدليل أنه يحلف في الدعاوي بالله العظيم ولكن منع من وجوب الكفارة عليه مانع وهو كونها
عبادة وهو ليس من أهلها وما إذا قال لأربع نسوة والله لا أقربكن صار موليا منهن ويمكنه
قربان ثلاث من غير شئ يلزمه لأنه لا يحنث إلا يقربان جميعهن. وركنه الحلف المذكور،
وشرطه محليه المرأة بأن تكون منكوحة وقت تنجيز الايلاء فلا يرد ما لو قال إن تزوجتك
فوالله لا أقربك فتزوجها فإنه يصير موليا عندنا كما في المبسوط. وأهلية الزوج للطلاق عنده
وللكفارة عندهما فيصح ايلاء الذمي عنده مما فيه كفارة نحو والله لا أقربك فإن قربها لا
تلزمه كفارة. وفائدة كونه موليا أن المدة لو مضت بلا قربان بانت بتطليقة ولا يصح عندهما،
أما لو آلى بما هو قربة كالحج لا يصح اتفاقا أو بما لا يلزم كونه قربة كالعتق فإنه يصح اتفاقا
فإيلاء الذمي على ثلاثة أوجه وعدم النقص عن أربعة أشهر في الحرة من الشرائط فهي
ثلاث. وحكمه لزوم الكفارة أو الجزاء المعلق بتقدير الحنث بالقربان ووقوع طلقة بائنة بتقدير
البر.
قوله: (كقوله والله لا أقربك أربعة أشهر أو والله لا أقربك) لقوله تعالى * (للذين يؤلون
من نسائهم تربص أربعة أشهر) * [البقرة: 622] وأفاد بالمثالين أنه لا فرق بين تعيين المدة أو
الاطلاق لأنه كالتأبيد وبإطلاقه إلى أن هذا اللفظ صريح فيه لأنه لم يشترط فيه النية ومثله لا
أجامعك، لا أطؤك، لا أباضعك، لا أغتسل منك من جنابة، فلو ادعى أنه لم يعن الجماع لا
يصدق قضاء ويصدق ديانة. والكناية كل لفظ لا يسبق إلى الفهم معنى الوقاع ويحتمل غيره
ما لم ينو نحو لا أمسك ولا آتيك، ولا أغشاك، لا المسك، لأغيظنك، لأسؤنك، لا أدخل
101

عليك، لا أجمع رأسي ورأسك، لا أضاجعك، لا أدنو منك، لا أبيت معك في فراش، لا
يمس جلدي جلدك، لا أقرب فراشك، فلا يكون إيلاء بلا نية ويدين في القضاء. وفي غاية
البيان معزيا إلى الشامل: حلف لا يقربها وهي حائض لا يكون موليا لأن الزوج ممنوع عن
الوطئ بالحيض فلا يصير المنع مضافا إلى اليمين ا ه‍. وبهذا علم أن الصريح وإن كان لا
يحتاج إلى النية لا يقع به لوجود صارف. وقيد المصنف بالقسم لأنه لو قال لا أقربك ولم يقل
والله لا يكون موليا، كذا ذكر الأسبيجابي. وفي البدائع: لو آلى من امرأته ثم قال لامرأته
الأخرى أشركتك في إيلائها لم يصح فإن كان مكان الايلاء ظهار صح، والفرق أن الشركة
في الايلاء لو صحت لثبتت الشركة في المدة فيصير كل واحد منهما أقل من أربعة أشهر
وهذا يمنع صحة الايلاء انتهى. والطلاق كالظهار وهو يفيد أنه لو آلى منها مدة لو قسمت
خص كل واحدة منهما أربعة أشهر فأكثر فإنه يكون موليا من الثانية بالتشريك. وذكر
الكرخي لو قال لامرأته أنت علي حرام ثم قال لامرأته الأخرى قد أشركتك معها كان موليا
من كل منهما لأن إثبات الشركة لا يغير موجب اليمين هنا فإنه لو قال أنتما علي حرام كان
موليا من كل واحدة منهما على حدة وتلزمه الكفارة بوطئهما بخلاف قوله والله لا أقربكما
لأن هذا صار إيلاء لما يلزمه من هتك حرمة الاسم وذلك لا يتحقق إلا بقربانهما. وأما قوله
أنتما علي حرام صار إيلاء باعتبار معناه وهو إثبات التحريم وإثبات التحريم قد وجد في
كل واحدة منهما فيثبت الايلاء في حق كل واحدة منهما، ولو حلف لا يقربها في زمان أو
مكان معين لا يكون موليا خلافا لابن أبي ليلى لأنه يمكنه قربانها في مكان آخر أو زمان
آخر، ولو حلف لا يقرب امرأته وأجنبية لا يصير موليا ما لم يقرب الأجنبية لأنه يمكنه قربان
امرأته من غير شئ يلزمه لأن الايلاء واحد ولا يصح في حق الأجنبية في حق الطلاق
فكذلك في حق امرأته فإذا قرب الأجنبية لا يمكنه قربانها إلا بكفارة تلزمه وصار كما لو
حلف لا يقرب امرأته وأمته، ولو حلف لا يقربها إن شاءت يتوقف على مشيئتها لأنه طلاق
مؤجل فيجوز تعليقه بمشيئتها كالطلاق المنجز، كذا في المحيط. ومن الكنايات أنت علي مثل
102

امرأة فلان وقد كان فلان آلى من امرأته فإن كان نوى الايلاء كان موليا وإلا فلا. ومنها ما لو
قال أنت علي كالميتة كذا في الظهيرية وسيأتي أنت علي حرام. وأراد بقوله والله ما ينعقد به
اليمين كقوله تالله وعظمة الله وجلاله وكبريائه فخرج ما لا ينعقد به اليمين كقوله وعلم الله
لا أقربك وعلي غضب الله وسخطه إن قربتك وإن جعل للايلاء غاية إن كان لا يرجى
وجودها في مدة الايلاء كان موليا كما إذا قال والله لا أقربك حتى أصوم المحرم وهو في
رجب أو لا أقربك إلا في مكان كذا وبينه مسيرة أربعة أشهر فصاعدا فإنه يكون موليا،
وإن كان أقل لم يكن موليا. وكذا إذا قال حتى تفطمي طفلك وبينها وبين الفطام أربعة
أشهر فصاعدا فإنه يكون موليا وإن كان أقل لم يكن موليا. وإن قال لا أقربك حتى تطلع
الشمس من مغربها أو حتى تخرج الدابة أو الدجال كان القياس أن لا يكون موليا لأنه يرجى
وجود ذلك ساعة فساعة. وفي الاستحسان يكون موليا لأن هذا اللفظ في العرف والعادة
إنما يكون للتأبيد. وكذا إذا قال حتى تقوم الساعة أو قال حتى يلج الجمل في سم الخياط
فإنه يكون موليا، فإن كان يرجى وجوده في المدة لا مع بقاء النكاح فإنه يكون موليا أيضا
مثل أن يقول والله لا أقربك حتى تموتي أو أقتل أو حتى أطلقك ثلاثا فإنه يكون موليا
إجماعا. وكذا إذا كانت أمة فقال لا أقربك حتى أملكك أو أملك شقصا منك يكون موليا.
وإن قال حتى أشتريك لا يكون موليا لأنه قد يشتريها لغيره ولا يفسد النكاح. ولو قال حتى
أشتريك لنفسي لا يكون موليا أيضا لأنه ربما يشتريها لنفسه شراء فاسدا. ولو قال اشتريتك
لنفسي وأقبضك كان موليا. وإن كان يرجى وجوده مع بقاء النكاح كان موليا مثل أن يقول
إن قربتك فعبدي حر، كذا في الجوهرة. وقيد بالقربان لأنه لو قال والله لا يمس جلدي
جلدك لا يكون موليا لأنه يحنث في يمينه بالمس بدون الجماع في الفرج. ولو قال والله لا
يمس فرجي فرجك يكون موليا لأنه يراد بهذا الكلام الجماع في الفرج. ولو قال لامرأته إن
قربتك أو دعوتك إلى فراشي فأنت طالق لا يكون موليا لأنه يمكنه قربانها من غير وقوع
103

الطلاق بأن يدعوها إلى الفراش فيحنث، ثم يقربها بعد ذلك من غير أن يحنث بالقربان. ولو
قال لامرأته إن اغتسلت من جنابتي ما دمت امرأتي فأنت طالق ثلاثا وأعاد هذا القول وكانت
المرأة حاملا ولم يقربها بعد المقالة حتى وضعت حملها بعد أربعة أشهر فصاعدا فإنها تبين
بواحدة عند انقضاء أربعة أشهر لأنه كان موليا وتنقضي عدتها بوضع الحمل، فإن تزوجها
بعد ذلك لا يكون موليا لو قربها لا يحنث لأن اليمين كانت موقتة إلى بقاء النكاح وبعدما
وقعت تطليقة بالايلاء لا يقع عليها طلاق آخر وإن مضت أربعة أشهر أخرى قبل وضع
الحمل لأن المبانة بالايلاء لا يقع عليها طلاق آخر بحكم ذلك الايلاء وإن كانت في العدة ما
لم تتزوج وتمامه في الخانية. وعلم أن القربان مصدر قرب يقرب من باب فعل بكسر العين
في الماضي وفتحها في المضارع وله مصدران: القربان والقرب بمعنى الدنو، كذا في ضياء
الحلوم.
قوله: (فإن وطئ في المدة كفر) بتشديد الفاء أي لزمته الكفارة إذا كانت يمينه بالله
تعالى وبه قالت الأئمة الثلاثة. ووعد المغفرة بسبب الفئ الذي هو مثل التوبة لا ينافي الزام
الكفارة لأنه حكم دنيوي وذاك أخروي. قيد بالوطئ لأنه لو كفر قبله لا يكون كفارة، كذا
ذكر الأسبيجابي. وأطلق في الوطئ فشمل ما إذا جن بعد الايلاء ثم وطئها انحلت وسقط
الايلاء، كذا في فتح القدير قوله: (وسقط الايلاء) بإجماع الفقهاء حتى لو مضت أربعة أشهر
لا يقع طلاق لانحلال اليمين بالحنث وسواء حلف على أربعة أشهر أو أطلق أو على الأبد
قوله: (وإلا بانت) أي إن لم يطأ في المدة وهي أربعة أشهر وقعت عليه طلقة بائنة لأنه قد
وقع التخلص من الظلم ولا يكون بالرجعي لأنه بسبيل من أن يردها إلى عصمته ويعبد
الايلاء فتعين البائن لتملك نفسها وتزول سلطنته عنها جزاء لظلمه وهو مروي عن عثمان بن
عفان وزيد بن ثابت وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وتمامه في فتح
القدير. وذكر الأسبيجابي أن العدة من وقت البينونة وبه فارق الطلاق الرجعي فإنه وإن
أوجب بينونة في ثاني الحال كالايلاء لكن العدة فيه من وقت الطلاق لا البينونة. وفي
المبسوط: وإذا ادعى أنه قد جامعها فإن ادعى في الأربعة الأشهر فالقول قوله، وإن ادعى
ذلك بعد مضي المدة لم يقبل قوله بناء على الأصل المعروف أنه متى أقر بما يملك انشاءه لا
يكون متهما، فلو أقام بينة على مقالته في الأربعة الأشهر أنه قد جامعها فهي امرأته لأنه
الثابت بإقراره كالثابت بالمعاينة وهي من أعجب المسائل أنه لا يقبل إقراره بعد مضي المدة
ويتمكن من إثباته بالبينة ا ه‍.
قوله: (وسقط اليمين لو حلف على أربعة أشهر) لأنها موقتة بوقت فلا تبقى بعد مضيه
قوله: (وبقيت لو على الأبد) أي بقيت اليمين لو كان حلف على الأبد سواء صرح به أو أطلق
104

لعدم ما يبطلها من حنث أو مضى وقت قوله: (فلو نكحها ثانيا وثالثا ومضت المدتان بلا فئ
بانت بأخريين) يعني لو تزوجها بعدما بانت بالايلاء ثم مضت المدة بعد التزوج الثاني بانت
بتطليقة أخرى. وكذا لو تزوجها بعد ذلك ثالثا ومضت المدة بانت بثالثة. وتعتبر المدة من
وقت التزوج لأن به يثبت حقها في الجماع وبامتناعه صار ظالما فيجازى بإزالة نعمة النكاح.
وأشار إلى أنه لا يتكرر الطلاق قبل التزوج لأنه لا حق لها في الجماع قبله وهو الأصح
بخلاف ما لو أبانها بتنجيز الطلاق ثم مضت مدة الايلاء وهي في العدة حيث تقع أخرى
بالايلاء لأنه بمنزلة التعليق بمضي الزمان والمعلق لا يبطل بتنجيز ما دون الثلاث. وفي
الظهيرية: لو قال والله لا أقربك أبدا فمضت أربعة أشهر ووقع الطلاق ثم مضت أربعة أشهر
أخرى وهي في العدة تقع أخرى، وكذلك هذا في الكرة الثالثة. ولو تزوجها بعد انقضاء
العدة تعتبر مدة الايلاء الثاني من وقت التزوج، ولو تزوجها في العدة تعتبر المدة من وقت
وقوع الطلاق الأول ا ه‍. قوله: (فإن نكحها بعد زواج آخر لم تطلق) لتقييده بطلاق هذا
الملك وقد انتهى بالثلاث سواء وقعت متفرقة بسبب الايلاء المؤبد أو نجزها بعد الايلاء قبل
مضي مدته ثم عادت إليه بعد زوج آخر لبطلان الايلاء فلا يعود بالتزوج قوله: (فلو وطئها
كفر لبقاء اليمين) أي لو وطئها بعد ما عادت إليه بعد زوج آخر لزمه التكفير عن يمينه لبقائها
في حقه وإن لم يبق في حق الطلاق. وفي الجامع الكبير للصدر الشهيد: الايلاء يصح في
المنكرة حلف لا يقرب إحداهما ومضت المدة بانت واحدة ويخير، فإن مضت مدة أخرى قبله
بانت الأخرى للتعيين ودلت أن الايلاء يبطل بالبينونة وأنه لا ينعقد على المبانة في العدة وهو
الأصح بخلاف الإبانة بغيره، وعلى هذا تكرار مدة الواحدة بخلاف كلما مضت أربعة أشهر
فأنت بائن ينوي الطلاق اه‍. ومن باب اليمين في الايلاء يوجب طلاقا ويتعدد بتعدد المدة
وكفارة في الحنث وتتعدد بتعدد الاسم. قال كلما دخلت واحدة من هاتين الدارين فوالله لا
أقربك ودخلها، أو قال كلما دخلت هذه ودخلها مرتين يتعدد في حق الطلاق دون الكفارة،
ولو قال فعلي يمين إن قربتك تعددا. قال في مجلس مرتين إذا جاء غد فوالله لا أقربك تعدد
الكفارة بالوطئ لتعدد الاسم والطلاق بالبر لا لاتحاد المدة، وعند زفر تتعدد، ولو علقه بوقتين
تعددا لتعددهما. قال كلما دخلت فأنت طالق ثلاثا إن قربتك أو فعبدي هذا حر يتعدد الايلاء
والجزاء متحد لتعذره. قال كلما دخلت فإن قربتك فعلي يمين أو نذر أو حجة يتعدد ويشترط
مع كل دخلة قربان للعطف. قال كلما دخلت فوالله لا أقربك أو قدم القسم يتعدد الطلاق
105

دون الكفارة، ولو قال إن قربتك فأنت طالق كلما دخلت لا يكون موليا لأن به ينعقد ويمكنه
أن لا يدخل. آلى مرارا في مجلس ونوى التكرار يتحد الطلاق والكفارة وإن عطف يتعدد
الكفارة وتطلق ثلاثا يتبع بعضها قياسا وهو قول محمد وزفر، وواحدة استحسانا وهو قولهما
ا ه‍ قوله: (ولا إيلاء فيما دون أربعة أشهر) يعني في الحرة بدليل أنه سيذكر حكم الأمة وبه
قال الأئمة الأربعة وظاهر الآية صحة الايلاء فيما دونها لأنه إنما خص بالأربعة مدة التربص
وأما الحلف فمطلق، وما ذكره الشارح وغيره من المعنى فمصادرة كما في فتح القدير ولكن كان
مشايخنا إنما تمسكوا بفتوى ابن عباس على أنه تفسير للآية وتمامه في العناية والله أعلم.
قوله: (والله لا أقربك شهرين وشهرين بعد هذين الشهرين إيلاء) لأن الجمع بحرف
الجمع كالجمع بلفظه وقوله بعد هذين الشهرين قيد اتفاقي لأنه لو لم يذكره كان الحكم
كذلك. قيد بالواو بدون تكرار النفي والقسم لأنه لو كرر النفي بأن قال والله لا أقربك
شهرين ولا شهرين أو كرر القسم بأن قال والله لا أقربك شهرين والله لا أقربك شهرين لا
يكون موليا لأنهما يمينان فتتداخل مدتهما حتى لو قربها قبل مضي شهرين يجب عليه
كفارتان، ولو قربها بعد مضيهما لا تجب عليه لانقضاء مدتهما. وحكم اليمين كحكم الايلاء
في عدم التعدد إذا كانت بالواو فقط والتعدد إذا تكرر حرف النفي أو القسم، ولا فرق في
تكرار القسم بين تكرار المقسم عليه أو لا حتى لو قال والله والله لا أفعل كذا فهو يمينان في
ظاهر الرواية كقوله والله لا أفعل كذا والله لا أفعل كذا. واعلم أنه لا تلازم بين كونه إيلاء
ويمينا فلذلك قد يتعدد البر والحنث وقد يتحدان وقد يتعدد البر ويتحد الحنث وقلبه مثال
الأول: إذا جاء غد فوالله لا أقربك إذا جاء بعد غد فوالله لا أقربك فتعدد الايلاء لتعدد المدة
وتعدد اليمين لتعدد الذكر فإن تركها أربعة أشهر من اليوم الأول بر في الأولى وبانت، فإذا
مضى يوم آخر بر في الثانية وطلقت أيضا، ولو قربها بعد الغد تجب كفارتان وإن قربها في
الغد تجب كفارة واحدة. ومثال الثاني: والله لا أقربك أربعة أشهر وكذا مسألة الكتاب.
106

ومثال الثالث كلما دخلت هذه الدار فوالله لا أقربك فدخلتها في يوم ثم في يوم ثم في يوم
آخر فإن قربها تجب كفارة واحدة لاتحاد الحنث، وإن تركها أربعة أشهر من اليوم الأول بانت
بطلقة، فإذا مضى يوم آخر بانت بطلقة أخرى، وكذا إذا مضي يوم آخر بانت بثالثة لتعدد
البر، وفي فتح القدير: وفي هذا المثال نظر لأن الحلف بالله وقع جزاء لشرط متكرر فيلزم
تكرره. ولا يشكل بأنه لا حلف عند الشرط الثاني والثالث لأنه لم يوجد فيه ذكر اسم الله
تعالى وإلا لزم أن لا حلف عند الشرط الأول أيضا، ومع ذلك ثبت الحلف عنده ولعله اشتبه
بوالله كلما دخلت الدار لا أقربك أو بكلما دخلت الدار فوالله لا أقربك ا ه‍. والجواب لا
اشتباه لأن المنقول في الفتاوى كالولوالجية والبزازية أن الطلاق والعتاق والظهار متى علق
بشرط متكرر يتكرر واليمين لا وإن علق بمتكرر حتى لو قال كلما دخلت الدار فوالله لا
أكلم زيدا فدخل الدار مرارا لا يتكرر اليمين لأنه إنشاء عقد والانشاء لا يتكرر بلا تكرر
صيغته، ألا ترى أنه لا يتعدد وإن سمى التعدد لأن الكفارة لا تلزم بلا هتك حرمة اسم الله
تعالى ا ه‍. وقوله والالزام أن لا حلف عند الشرط الأول ممنوع لأنه صريح قيد كما لا
يخفي. ومثال الرابع أعني اتحاد الايلاء وتعدد اليمين: إذا جاء غد فوالله لا أقربك ثم قال في
المجلس إذا جاء غد فوالله لا أقربك فهو إيلاء واحدا في حكم البر حتى لو مضت أربعة أشهر
من الغد طلقت وإن قربها فعليه كفارتان لاتحاد المدة وتعدد الاسم.
قوله: (ولو مكث يوما ثم قال والله لا أقربك شهرين بعد الشهرين الأولين أو قال والله لا
أقربك سنة إلا يوما أو قال بالبصرة والله لا أدخل مكة وهي بها لا) أي لا يكون موليا في
هذه المسائل الثلاث. أما في الأولى فلان الثاني إيجاب مبتدأ أو قد صار ممنوعا بعد اليمين
الأولى شهرين وبعد الثانية أربعة إلا يوما فلم تتكامل مدة المنع. أراد باليوم مطلق الزمان لأنه
لا فرق بين مكثه يوما أو ساعة، وتقييده بقوله بعد الشهرين اتفاق أيضا لأنه لو لم يذكره لا
يكون موليا أيضا لكن بينهما فرق من وجه أخر وهو أنه عند ذكره تتعين مدة اليمين الثانية،
وعند عدمه تصير مدتهما واحدة وتتأخر الثانية عن الأولى بيوم ولكن في مسألة الكتاب
107

تتداخل المدتان، فلو قربها في الشهرين الأولين لزمته كفارة واحدة، وكذا في الشهرين
الأخيرين لأنه لم يجتمع علي شهرين يمينان بل على كل شهرين يمين واحدة، وقد توارد
شروح الهداية من النهاية ومختصريها وغاية البيان على الخطأ عند كلامهم على هذه المسألة
فاحذره، كذا في فتح القدير. وأقول: وقيد بالوقت لأنه لو أطلق بأن قال والله لا أقربك ثم
قال بعد ساعة والله لا أقربك ثم بعد ساعة قال والله لا أقربك فقربها بعد اليمين الثالثة لزمه
ثلاث كفارات لتداخل المحلوف عليه، ولو لم يقربها حتى مضت أربعة أشهر بانت وعند تمام
الثانية وهو ساعة بعدها تبين بأخرى إذا كانت في العدة، وعند تمام الثالثة تبين بثالثة بلا
خلاف. وفي الجوهرة: ولو كرر والله لا أقربك ثلاثا في مجلس واحد، فإن أراد التكرار
فالايلاء واحد واليمين واحدة، وإن لم يكن له نية فالايلاء واحد واليمين ثلاث، وإن أراد
التغليظ والتشديد فالايلاء واحد واليمين ثلاث في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وإذا تعدد
المجلس تعدد الايلاء واليمين وتمامه فيها. وأما الثانية وهو ما إذا قال والله لا أقربك سنة إلا
يوما فإن المولى من لا يمكنه القربان في المدة إلا بشئ يلزمه ويمكنه ها هنا القربان من غير
شئ يلزمه لأن المستثنى يوم منكر ولو قربها في يوم صار موليا إذا غربت الشمس من ذلك
اليوم ولا يكون موليا بمجرد القربان بخلاف قوله سنة إلا مرة فإنه إذا قربها صار موليا من
ساعته، ولا بد فيها من كون الباقي من السنة أربعة أشهر فأكثر، ذكره الأسبيجابي. قيد
بالايلاء لأن في الإجارة ينصرف إلى اليوم الأخير من السنة لأن الصرف إلى الأخير
لتصحيحها فإنها لا تصح مع التنكير ولا كذلك اليمين في الايلاء، وأما اليمين في غيره
فقالوا ينصرف إلى الأخير كقوله والله أكلم فلانا سنة إلا يوما فاحتاجوا إلى الفرق بين
اليمينين. وفرق صاحب النهاية بأن المعنى الحامل وهو المغايظة المقتضية لعدم كلامه في الحال
منظور فيه بأنه مشترك الالزام إذ الايلاء أيضا يكون عن المغايظة، كذا في فتح القدير تبعا
للشارح. وقد يقال لا يلزم في الايلاء أن يكون عن مغايظة كما إذا كان برضاها الخوف غيل
108

على ولدها وعدم موافقة مزاجهما ونحوه فيتفقان عليه لقطع لجاج النفس كما صرح به في
فتح القدير أول الباب ولم يتنبه له هنا وتأجيل الدين كالإجارة. وقيد باليوم لأنه لو قال إلا
نقصان يوم انصرف إلى الأخير لأن النقصان منها لا يكون إلا من آخرها عرفا والتقييد بالسنة
اتفاقي لأنه لو أطلق فقال لا أقربك إلا يوما لا يكون موليا أيضا لكن إذا قربها هنا صار موليا
مطلقا، وكذا لا فرق بين الاقتصار على اليوم وبين وصفه بقوله إلا يوما أقربك فيه في كونه
لا يكون موليا لكن هنا لا يصير موليا أبدا قربها أو لا بخلاف ما تقدم. وقيد بالاستثناء لأنه
لو قال لا أقربك سنة كان موليا ووقع عليه طلقتان فقط إذا تركها السنة كلها ولا تقع الثالثة،
كذا في الولوالجية. وأما المسألة الثالثة وهو ما إذا كان في بلدة وامرأته في أخرى فحلف لا
يدخل البلدة التي هي فيها لأنه يمكنه القربان من غير شئ يلزم بالاخراج من البلد بوكيله أو
نائبه قبل مضي المدة، فإن كان لا يمكنه بأن كان بينهما ثمانية أشهر صار موليا على ما في
جوامع الفقه، وأما على ذكره قاضيخان فالعبرة لأربعة أشهر، والذي يظهر ضعفه لامكان
خروج كل منهما إلى الآخر فيلتقيان في أقل من ذلك وقدمنا بعض مسائل الايلاء المغيا بغاية
عن الجوهرة. وفي الجامع للصدر الشهيد: الغاية كالشرط. قال لا أقربك حتى أقتل أو تقتلي
أو أقتلك أو تقتليني أو أملكك أو تملكيني أو ما دام النكاح بيننا فهو ومول، وحتى أشتريك
لا خلافا فالزفر دليله التعليق. ولو قال حتى أعتق عبدي أو أطلق امرأتي صار موليا خلافا
لأبي يوسف. ولو قال حتى أقتله أو أضربه أو يأذن لي لا لامكان الغاية فإن وحدت الغاية
سقطت اليمين، وكذا إن تعذرت عندهما خلافا لأبي يوسف وهي معروفة. ولو قال حتى
أقتلك أو فلانا وقتله بطلت، وإن مات صار موليا بعده. ولو قال حتى تموت أو يموت
ومات بطلت. قال في رجب لا أقربك حتى أصوم شعبان فأفطر أول يوم منه أو عمل ما لا
يستطيع معه الصوم بطلت يمينه، وعند أبي يوسف يصير موليا من وقت التعذر، عند محمد
من وقت اليمين وخالف أصله، ولو قال حتى أصوم المحرم فهو مول بالاتفاق، وكذا حتى
تخرج الدابة أو تطلع الشمس من مغربها ا ه‍.
قوله: (وإن حلف بحج أو صوم أو عتق أو صدقة أو طلاق أو آلى من المطلقة الرجعية
فهو مول) هذا شروع في القسم الثاني من الايلاء وهو الايلاء المعنوي وهو اليمين بتعليق ما
109

يستشقه على القربان كإن قربتك فلله علي حج. وخرج اليمين بما لا يستشقه كإن قربتك فلله
علي صلاة ركعتين أو فلله علي صلاة ركعتين في بيت المقدس لأنه لا يلزمه بتعيين المكان شئ
عندنا فله صلاتهما في غيره كما خرج فعلي اتباع جنازة أو سجدة تلاوة أو قراءة القرآن أو
تسبيحة، ودخل ما لو قال فلله علي مائة ركعة لأنه يشق على النفس كما في فتح القدير بحثا.
وإطلاق أن الصلاة مما لا يستشقه كما فعل الشارح مما لا ينبغي، هذا إن علل الصلاة بما لا
يستشق، أما إذا علل بأن الصلاة لا يحلف بها عادة كما في شرح المجمع للمصنف قال،
فالتحق بصلاة الجنازة وسجدة التلاوة فلا فرق بين الركعتين ومائة ركعة كما لا يخفى. ودخل
الهدي والاعتكاف واليمين وكفارة اليمين وذبح الولد لأنه يلزمه بالنذر به ذبح شاة عندنا كما
في البدائع. وأراد بالصوم غير المعين كقوله فلله علي صوم يوم أو شهر، والمعين إن كان بمدة
الايلاء أو أكثر كقوله فلله علي صوم أربعة أشهر أولها هذا الشهر مثلا، وأما إذا كان بأقل
منها كقوله فلله علي صوم هذا الشهر فليس بمول لأنه يمكنه ترك القربان إلى أن يمضي ذلك
ثم يطأها بلا شئ يلزمه. وأطلق العتق فشمل عتق العبد المعين كقوله فلله علي عتق هذا
العبد وغيره كقوله فلله علي عتق عبد سواء كان منجزا أو معلقا حتى لو قال فكل مملوك
اشتريته فهو حر صار موليا خلافا لأبي يوسف. كما أطلق الطلاق فشمل طلاقها وطلاق
غيرها منجزا أو معلقا حتى لو قال فكل امرأة أتزوجها من أهل الاسلام طالق صار موليا.
وفي التلخيص من باب الايلاء يكون في موطنين: وفي إن قربتك فأنت طالق كلما دخلت
فليس بمول لأن له مدفعا بالترك أو بحمل الغير بخلاف فكل مملوك أملك حرا وأخر الجزاء
كان موليا للاعراض اه‍. ومن باب الفئ في اليمين: قال إن قربتك فعبداي حران فباع
أحدهما ثم اشتراه وباع الآخر أو قدم بيعه فهو مول من وقت شرائه وفي وأحدهما حر من
وقت اليمين اه‍. ولو باع العبد المعين سقط الايلاء لأنه صار بحال يمكنه قربانها بغير شئ
يلزمه، ولو ملكه بسبب شراء أو غيره عاد الايلاء من وقت الملك إن لم يكن وطئها قبله، فإن
كان وطئها قبل تجدد الملك لم يعد لسقوط الايلاء، ولو مات العبد المعين قبل البيع سقط
الايلاء لقدرته على الوطئ بغير شئ، وعلى هذا التفصيل موت المرأة المعلق طلاقها أو إبانتها
ثم تزوجها. وفي الجامع للصدر: قال أنت طالق ثلاثا قبل أن أقربك
110

بشهر أو قبل أن أقربك بشهر إذا قربتك لا يصير موليا قبل الشهر وبعده يصير إلا إذا قربها فيه والثاني تأكيد بخلاف
والله لا أقربك إن قربتك للتعليق. قال أنت طالق قبل أن أقربك يتنجز، وقيل لا ويصير
موليا اه‍. وفي الخانية: قال لامرأته إن قربتك فعبدي هذا حر فمضت أربعة أشهر وخاصمته
إلى القاضي وفرق بينهما ثم أقام العبد البينة أنه حر الأصل القاضي يقضي بحريته ويبطل
الايلاء وترد المرأة إلى زوجها لأنه تبين أنه لم يكن موليا اه‍. وأما صحة الايلاء من المطلقة
رجعيا وإن لم يكن لها حق في الوطئ فباعتبار أن وطأها مباح، فإن كانت تعتد بالأقراء
فلاحتمال امتداد عدتها حتى تمضي مدة الايلاء فتبين، وإن كانت بالأشهر فلاحتمال أن
يراجعها قبل مضيها، فإن لم يراجعها حتى مضت عدتها قبل مضيها سقط الايلاء لفوات
محله.
قوله: (ومن المبانة والأجنبية لا) أي لا يصح الايلاء لفوات محله وهو الزوجة ولو
وطئها كفر لانعقادها في حق وجوب الكفارة عند الحنث لأن انعقاد اليمين يعتمد التصور
حسا لا شرعا، ألا ترى أنها تنعقد على ما هو معصية. وفي الخانية: رجل آلى من امرأته ثم
طلقها تطليقة بائنة إن مضت أربعة أشهر من وقت الايلاء وهي في العدة طلقت أخرى
بالايلاء، وإن انقضت عدتها ثم تمت مدة الايلاء يقع الطلاق بالايلاء. رجل آلى من امرأته ثم
طلقها ثم تزوجها إن تزوجها قبل انقضاء العدة كان الايلاء على حاله حتى لو تمت أربعة
أشهر من وقت الايلاء يقع عليها تطليقة أخرى بحكم الايلاء، وإن تزوجها بعدما طلقها بعد
111

انقضاء العدة كان موليا تعتبر مدة الايلاء من وقت التزوج اه‍ قوله: (ومدة إيلاء الأمة
شهران) لأن الرق منصف. أطلقه فشمل ما إذا كان الزوج حرا أو عبدا ذكره الأسبيجابي.
ولا يرد عليه الايلاء من أمته لأن شرطه المحلية وهي بالزوجية كما قدمناه، ولو طلقها زوجها
بعد الايلاء رجعيا أو بائنا ثم أعتقت في المدة انتقلت المدة إلى مدة إيلاء الحرائر ذكره
الأسبيجابي. وفي الجامع الكبير للصدر الشهيد: تحته حرة وأمة حلف لا يقرب إحداهما
ومضي شهران بانت الأمة لسبق مدتها، فلو عتقت قبلها كملت مدتها، وكذا لو أبانها ثم
عتقت بخلاف العدة فلو مضت مدة أخرى بانت الحرة. وعن أبي يوسف لا وتتعين له الأمة
كالحنث فإن تزوجها بعد البينونة عاد إيلاؤها وكذا هما لكن إن رتب بانت الأولى عند تمام
مدتها من وقت العقد والثانية بمدة ثانية بخلاف ما لو بانت قبلها. قال لامرأته وأمته والله لا
أقرب إحداكما لم يكن موليا، وكذا لو أعتق الأمة ثم تزوجها ومن وطئها كفر ويمكنه تركه
كالأجنبية بخلاف واحدة منكما لعمومه. وعلى هذا لو قال لزوجته لا أقرب إحداكما أو
واحدة منكما لعمومه استحسانا. قال إن قربت إحداكما فالأخرى علي كظهر أمي وبانت
إحداهما بالايلاء أو بغيره بطل إيلاء الأخرى بخلاف فالأخرى طالق ما دامت في العدة، ولو
قال فإحداكما أو فواحدة أو فهي لا لتعينها. قال إن اشتريت جارية فهي حرة صح فيمن في
ملكه دون من يملكها خلافا لزفر.
قوله: (وإن عجز المولى عن وطئها بمرضه أو مرضها أو بالرتق أو بالصغر أو بعد مسافة
ففيؤه أن يقول فئت إليها) لأنه أذاها بذكر المنع فيكون إرضاؤها بالوعد باللسان. أراد ببعد
المسافة أن يكون بينهما مسافة لا يقدر على قطعها في مدة الايلاء، فإن قدر لا يصح فيؤه
باللسان كما في البدائع. وقيد بالقول لأن المريض لو فاء بقلبه لا بلسانه لا يعتبر، كذا في
الخانية. وليس مراده خصوص لفظ فئت إليها بل ما يدل عليه كقوله رجعتك أو راجعتك أو
ارتجعتك أو أبطلت الايلاء أو رجعت عما قلت ونحوه. ودخل تحت العجز أن تكون ممتنعة
منه أو كانت في مكان لا يعرفه وهي ناشزة أو حال القاضي بينهما لشهادة الطلاق الثلاث
للتزكية أو كانت محبوسة أو محبوسا إذا لم يقدر على مجامعتها في السجن فإن قدر عليه ففيؤه
112

الجماع، كذا في غاية البيان. وقيد بما ذكره من أنواع العجز الحقيقي احترازا عن العجز
الحكمي مثل أن يكون محرما وقت الايلاء وبينه وبين الحج أربعة أشهر، فعندنا لا يكون فيؤه
إلا بالجماع لأن المتسبب باختياره بطريق محظور فيما لزمه فلا يستحق تخفيفا. وأراد بكون
الفئ باللسان معتبرا مبطلا للايلاء في حق الطلاق، أما في حق بقاء اليمين باعتبار الحنث
فلا، حتى لو وطئها بعد الفئ باللسان في مدة الايلاء لزمته الكفارة لتحقق الحنث. وفي
البدائع: ومن شروط صحة الفئ بالقول قيام ملك النكاح وقت الفئ بالقول وهو أن يكون
في حال ما يفئ إليها زوجته غير بائنة منه، فإن كانت بائنة منه ففاء بلسانه لم يكن ذلك فيئا
ويبقى الايلاء لأن الفئ بالقول حال قيام النكاح إنما يرفع الايلاء في حق حكم الطلاق
بحصول إيفاء حقها به ولا حق لها حالة البينونة بخلاف الفئ بالجماع فإنه يصح بعد ثبوت
البينونة حتى لا يبقى الايلاء بل يبطل لأنه حنث بالوطئ فانحلت اليمين وبطلت ولم يوجد
الحنث ها هنا فلا تنحل اليمين فلا يرتفع الايلاء اه‍ قوله: (وإن قدر في المدة ففيؤه الوطئ)
لكونه خلفا عنه فإذا قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل بطل كالمتيمم إذا رأى الماء
في صلاته. قيد بكونه في المدة لأنه لو قدر عليه بعدها لا يبطل، وشمل كلامه ما إذا كان
قادرا وقت الايلاء ثم عجز بشرط أن يمضي زمان يقدر على وطئها بعد الايلاء، وما إذا كان
عاجزا وقته ثم قدر في المدة، وأما لو آلى إيلاء مؤبدا وهو مريض فبانت بمضي المدة ثم صح
وتزوجها وهو مريض ففاء بلسانه لم يصح عندهما خلافا لأبي يوسف وصححوا قوله، كذا في
فتح القدير. وفي الجامع الكبير للصدر: الجامع أصل واللسان خلفه آلى في مرضه وفاء
بلسانه بطل إيلاؤه في حق الطلاق فإن صح قبل تمام المدة بطل لقدرته على الأصل كالمتيمم،
ولو لم يفئ حتى بانت فصح ثم مرض فتزوجها ففيؤه بالجماع. وعن أبي يوسف وزفر لأنه
113

حرام كالخلوة لكنه بتقصيره كمن أحرم بالحج ثم آلى أو آلى وهو صحيح ثم بانت ثم مرض
وتزوجها بخلاف إن تزوجتك فوالله لا أقربك. آلى في مرضه ثم أعاده بعد عشرة أيام وصح
في بعض المدة فكما مر اه‍ قوله: (أنت علي حرام إيلاء إن نوى التحريم أو لم ينو شيئا) لأن
الأصل في تحريم الحلال إنما هو اليمين عندنا على ما سنذكره في الايمان إن شاء الله تعالى.
ولا فرق في الأحكام كلها بين أن يذكر كلمة علي أو لم يذكر، وما ذكره في خزانة الأكمل
عن العيون من أنه لو قال أنت حرام أو بائن ولم يقل مني فهو باطل سهو منه حيث نقله
عن العيون، وفي العيون ذكر ذلك من جانب المرأة فقال لو جعل أمر امرأته بيدها فقالت
للزوج أنت علي حرام أو أنت مني بائن أو حرام أو أنا عليك حرام أو بائن وقع، ولو قالت
أنت بائن أو حرام ولم تقل مني فهو باطل. ووقع في بعض نسخ العيون: ولو قال بغير تاء
التأنيث فظن صاحب الأكمل أنها مسألة مبتدأة وظن أنه لو قال ذلك الرجل لامرأته فهو
باطل. قال رضي الله عنه: وعند هذا ازداد سهو شيخنا نجم الدين البخاري فزاد فيها لفظة
لها فقال: لو قال لها أنت حرام أو بائن فهو باطل والمسألة مع تاء التأنيث مذكورة في
الواقعات الكبرى المرتبة وغير المرتبة في مسائل العيون فعرف به سهوهما، كذا في القنية. قيد
بالزوج لأن الزوجة لو قالت لزوجها أنا عليك حرام أو حرمتك صار يمينا حتى لو جامعها
طائعة أو مكرهة تحنث بخلاف ما لو حلف لا يدخل هذه الدار فأدخل فيها مكرها لا يحنث
ومعناه أدخل محمولا، ولو أكره على الدخول فدخل مكرها حنث، كذا في البزازية.
وحرمتك علي أو لم يقل علي أو أنت محرمة علي أو حرام علي أو لم يقل علي أو أنا عليك
حرام أو محرم أو حرمت نفسي عليك بمنزلة أنت علي حرام كما في البزازية وقوله أنت علي
كالحمار أو الخنزير أو ما كان محرم العين فهو كقوله أنت علي حرام كما في البزازية. قوله:
(وظهار إن نواه) أي الظهار وهذا عندهما. وقال محمد: ليس بظهار لانعدام التشبيه بالمحرمة
وهو الركن فيه. ولهما أنه أطلق الحرمة وفي الظهار نوع حرمة والمطلق يحتمل المقيد، كذا في
الهداية تبعا للقدوري وشمس الأئمة، وليس الخلاف مذكورا في ظاهر الرواية ولذا لم يذكره
الحاكم الشهيد في مختصره ولا الطحاوي.
114

قوله: (وكذب إن نوى الكذب) لأنه نوى حقيقة كلامه إذ حقيقته وصفها بالحرمة وهي
موصوفة بالحل فكان كذبا وأورد لو كان حقيقة كلامه لانصرف إليه بلا نية لكنكم تقولون
عند عدم النية ينصرف إلى اليمين. والجواب أن هذه حقيقة أولى فلا تنال إلا بالنية واليمين
الحقيقة الثانية بواسطة الاشتهار، وقيل لا يصدق قضاء. وقال شمس الأئمة السرخسي: بل
فيما بينه وبين الله تعالى لكونه يمينا ظاهرا لأن تحريم الحلال يمين بالنص فلا يصدق قضاء في
نيته خلاف الظاهر وهذا هو الصواب على ما عليه العمل والفتوى كما سنذكره. والأول قول
الحلواني وهو ظاهر الرواية ولكن الفتوى على العرف الحادث كذا في فتح القدير وفيه نظر،
لأن العمل والفتوى إنما هو في انصرافه إلى الطلاق من غير نية لا في كونه يمينا. وفي
المصباح: الكذب بفتح الكاف وكسر الذال وبكسر الكاف وسكون الذال هو الاخبار عن
الشئ بخلاف ما هو سواء فيه العمد والخطأ ولا واسطة بين الصدق والكذب على مذهب
أهل السنة والاثم يتبع العمد اه‍ قوله: (وبائنة إن نوى الطلاق) سواء نوى واحدة أو ثنتين
قوله: (وثلاث إن نواه) أي الثلاث لأن الحرام من الكنايات وهذا حكمها وقدمنا أن النية
شرط في الحالة المطلقة أي الخالية عن الغضب والمذاكرة، وأما مع أحدهما فليست شرطا
للوقوع قضاء. وشمل قوله وبائنة إن نوى الطلاق ما إذا طلقها واحدة ثم قال لها أنت علي
حرام ناويا ثنتين فإنه وإن تم به الثلاث لم يقع بالحرام إلا واحدة. وقوله في فتح القدير لم
يقع شئ سبق قلم وعبارة غيره: لم تصح نيته بخلاف ما إذا نوى الثلاث به فإنه يصح
ويقع ثنتان تكملة للثلاث كما في الخانية وقدمناه. وفي البزازية: أنت علي حرام ألف مرة
يقع واحدة وفي كل موضع تشترط النية ينظر المفتي إلى سؤال السائل إن قال قلت كذا هل
يقع يقول نعم إن نويت وإن قال كم يقع يقول واحدة ولا يتعرض لاشتراط النية لأن كم
عبارة عن عدد الواقع وذلك يقتضي أصل الواقع وهذا حسن اه‍. ثم قال فيها: قال لها
مرتين أنت علي حرام ونوى بالأول الطلاق وبالثاني اليمين فعلى ما نوى. قال لامرأتيه أنتما
علي حرام ونوى الثلاث في إحداهما والواحدة في الأخرى صحت نيته عند الإمام وعليه
الفتوى. ولو قال نويت الطلاق في إحداهما واليمين في الأخرى عند الثاني يقع الطلاق
115

عليهما، وعندهما كما نوى. قال لثلاث أنتن علي حرام ونوى الثلاث في الواحدة واليمين في
الثانية والكذب في الثالثة طلقت ثلاثا، وقيل هذا على قول الثاني، وعلى قولهما ينبغي أن
يكون على ما نوى اه‍.
قوله: (وفي الفتاوى إذا قال لامرأته أنت علي حرام والحرام عنده طلاق ولكن لم ينو
طلاقا وقع الطلاق) يعني قضاء لما ظهر من العرف في ذلك حتى لو قال لامرأته إن تزوجتك
فحلال الله علي حرام فتزوجها تطلق ولهذا لا يحلف به إلا الرجال. قيدنا بالقضاء لأنه لا يقع
الطلاق ديانة بلا نية. وذكر الإمام ظهير الدين: لا نقول لا تشترط النية لكن يجعل ناويا
عرفا. فإن قلت: إذا وقع الطلاق بلا نية ينبغي أن يكون كالصريح فيكون الواقع رجعيا
قلت: المتعارف به إيقاع البائن، كذا في البزازية. فلو قال المصنف ويقع البائن لكان أولى.
وقوله أنت معي في الحرام بمنزلة قوله أنت علي حرام وكذا قوله حلال المسلمين علي حرام.
وفي المواضع التي يقع الطلاق بلفظ الحرام إن لم تكن له امرأة إن حنث لزمته الكفارة.
والنسفي على أنه لا تلزمه وإن كان له أكثر من زوجة واحدة. قال في الفتاوى: يقع على كل
تطليقة واحدة بخلاف الصريح فإنه لا يقع إلا واحدة فيما إذا قال امرأته طالق وله أكثر من
واحدة. وأجاب شيخ الاسلام الأوزجندي أنه لا يقع إلا على واحدة وإليه البيان وهو
الأشبه، كذا في البزازية والخلاصة والذخيرة. وفي فتح القدير: وعندي أن الأشبه ما في
الفتاوى لأن قوله حلال الله أو حلال المسلمين يعم كل زوجة فإذا كان فيه عرف في الطلاق
116

يكون بمنزلة قوله هن طوالق لأن حلال الله يشملهن على سبيل الاستغراق لا على سبيل البدل
كما في قوله إحداكن طالق، وحيث وقع الطلاق بهذا اللفظ وقع بائنا اه‍. ويوجد في بعض
النسخ وفي الفتاوى وفي بعضها وفي الفتوى والأولى لا يدل على أنه هو المفتى به مع أن هذا
القول هو المفتي به عند المتأخرين ولذا قال في البزازية: ومشايخنا أفتوا في أنه لو قال أنت
علي حرام والحلال عليه حرام أو حلال الله عليه حرام أو حلال المسلمين عليه حرام أن الكل
بائن بلا نية، وإذا حلف بهذه الألفاظ على فعل في المستقبل ففعل وليست له امرأة عليه
الكفارة، وإذا كان له امرأة وقت الحلف وماتت قبل الشرط أو بانت لا إلى عدة ثم باشر
الشرط الصحيح أنه لا تطلق امرأته المتزوجة وعليه الفتوى لأن حلفه صار حلفا بالله تعالى
وقت الوجود فلا ينقلب طلاقا. خالعها ثم قال حلال الله علي حرام إن شرب إلى سنة
وشرب لا يقع لعدم الملك والإضافة إليه، ولو قال لها إن تزوجتك فحلال الله علي حرام
فتزوجها تطلق. قال بعضهم: والصحيح خلافه لوقوعه على القائمة لا على المتزوجة فلو لم
تكن في نكاحه وقت وجود الشرط امرأة لا يقع على فلانة أيضا وتمامه في البزازية. وفي قوله
حلال الله عليه حرام وله امرأتان ولم تكن له نية طلقتا وإن نوى إحداهما دين لا في القضاء،
وفتوى الإمام الأوزجندي على أنه يقع على واحدة وعليه البيان وقد ذكرناه. وفي الظهيرية:
حلف بهذه الألفاظ أنه لم يفعل كذا وكان فعله وله امرأتان وأكثر بن، وإن ليست له امرأة فلا
117

شئ عليه لأنه إن حمل على الطلاق فلا يراد به شئ آخر، وإن حمل على اليمين فهو غموس.
وفي فوائد شيخ الاسلام: قال حلال الله عليه حرام إن فعل كذا وفعله وحلف بطلاق امرأته
إن فعل كذا وفعله وله امرأتان فأراد أن يصرف هذين الطلاقين في واحدة منهما أشار في
الزيادات إلى أنه يملك ذلك. وفي الذخيرة: إن فعل كذا فحلال الله عليه حرام ثم حلف
كذلك على فعل آخر وحنث في الأول ووقع الطلاق على امرأته ثم حنث في اليمين الثانية
وهي في العدة، قيل لا يقع والأشبه الوقوع لالتحاق البائن بالبائن إذا كان معلقا. قالت أنا
عليك حرام فقال لا أدري أحلال أم حرام لا يقع شئ. قال بين يدي أصحابه من كانت
امرأته عليه حراما فليفعل هذا الامر ففعله واحد منهم قال في المحيط: هذا إقرار منه بحرمتها
عليه في الحكم. وقيل لا يكون إقرارا بالحرمة. قال ثلاث مرات حلال الله عليه حرام إن
فعل كذا ووجد الشرط وقع الثلاث، كذا في البزازية والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب الخلع
لما اشترك مع الايلاء في أن كلا منهما قد يكون معصية وقد يكون مباحا وزاد الخلع
عليه بتسمية المال أخر عنه لأنه بمنزلة المركب من المفرد، وقدما على الظهار واللعان لأنهما لا
ينفكان عن المعصية. وهو لغة النزع يقال خلعت النعل وغيره خلعا نزعته، وخالعت المرأة
118

زوجها مخالعة إذا افتدت منه وطلقها على الفدية فخلعها هو خلعا والاسم الخلع بالضم، وهو
استعارة من خلع اللباس لأن كل واحد منهما لباس للآخر فإذا فعلا ذلك فكان كل واحد
نزع لباسه عنه، كذا في المصباح. وشرعا على ما اخترناه إزالة ملك النكاح المتوقفة على قبولها
بلفظ الخلع أو ما في معناه. وقولي هذا أولى من قول بعض الشارحين أخذه المال بإزاء ملك
النكاح لمغايرته المفهوم اللغوي من كل وجه والأصل أن يتحد جنس المفهومين، ويزاد في
الشرعي قيد لاخراج اللغوي ولأنه يرد عليه الطلاق على مال وليس مساويا له في جميع
أحكامه لاستقلال حكم الخلع باسقاط الحقوق وإن اشتركا في البينونة. ويرد عليه أيضا ما إذا
عري عن البدل كما سنذكره. وقولي أيضا أولى مما اختاره في فتح القدير من أنه إزالة ملك
النكاح ببدل بلفظ الخلع لأنه يرد عليه ما إذا قال خالعتك ولم يسم شيئا فقبلت فإنه خلع
مسقط للحقوق - كما في الخلاصة - إلا أن يقال مهرها الذي سقط به بدل فلم يعر عن
البدل. فإن قلت: لو كانت قبضت جميع المهر ما حكمه؟ قلت: ذكر قاضيخان أنها ترد عليه
ما ساق إليها من الصداق كما ذكره الحاكم الشهيد في المختصر وجواهر زاده وأخذ به ابن
الفضل، قال القاضي: وهذا يؤيد ما ذكرنا عن أبي يوسف أن الخلع لا يكون إلا بعوض اه‍.
وسيأتي تمامه آخر الباب. وإنما قيدنا بالمفاعلة لأنه لو قال خلعتك ناويا وقع بائنا غير مسقط
كما سيأتي وهو خارج عن تعريفنا بقولنا المتوقفة على قبولها لعدم توقفه كما في الخلاصة.
ويرد عليه أيضا ما إذا كان بلفظ المباراة فإنه يقع به البائن وتسقط الحقوق كالخلع بلفظه وما
إذا كان بلفظ البيع والشراء فإنه خلع مسقط للحقوق على ما صححه في الصغرى وإن صرح
قاضيخان بخلافه فلذا زدنا في تعريفنا أو ما في معناه. واستفيد من قولنا إزالة ملك
النكاح أنه لو خالع المطلقة رجعيا بمال فإنه يصح ويجب المال، ولو خالعها بمال ثم خالعها
في العدة لم يصح كما في القنية ولكن يحتاج إلى الفرق بين ما إذا خالعها بعد الخلع حيث لم
يصح، وبين ما إذا طلقها بمال بعد الخلع حيث يقع ولا يجب المال وقد ذكرناه في آخر
119

الكنايات. وخرج الخلع بعد الطلاق البائن وبعد الردة فإنه غير صحيح فيهما فلا يسقط المهر
ويبقى له بعد الخلع ولاية الجبر على النكاح في الردة كما في البزازية.
قوله: (الواقع به وبالطلاق على مال طلاق بائن) أي بالخلع الشرعي، أما الخلع فلقوله
عليه الصلاة والسلام الخلع تطليقة بائنة ولأنه يحتمل الطلاق حتى صار من الكنايات
والواقع بالكناية بائن. وفي الخلاصة: ولو قضى بكون الخلع فسخا قيل ينفذ وقيل لا اه‍.
والظاهر الأول لأنه قضى في فصل مجتهد فيه، ومذهبنا قول الجمهور، ومن العلماء من قال
بعدم مشروعيته أصلا، ومنهم من قيده بما إذا كرهته وخاف أن لا يوفيها حقها وأن لا
توفيه، ومنهم من قال لا يجوز إلا بإذن السلطان. وقالت الحنابلة: لا يقع به طلاق بل هو
فسخ بشرط عدم نية الطلاق فلا ينقص العدد. وقال قوم: وقع به رجعي فإن راجعها رد
البدل الذي أخذه وتمامه في فتح القدير. أطلقه فشمل ما إذا كان بغير عوض أيضا، وما إذا
وقع بلفظ الخلع أو البيع أو المباراة وما إذا لم ينو الطلاق به ولكن بشرط ذكر العوض حتى لو
قال لم أعن الطلاق مع ذكره لا يصدق قضاء ويصدق ديانة لأن الله تعالى عالم بما في سره
لكن لا يسع المرأة أن تقيم معه لأنها كالقاضي لا تعرف منه إلا الظاهر، كذا في المبسوط.
وحال مذاكرة الطلاق كالنية كذا في الخانية. وفي البزازية: ادعى الاستثناء أو الشرط في
الخلع وكذبته فيه فالقول له إلى أن قال: والفتوى على صحة دعوى المغير والمبطل إلا إذا ظهر
ما ذكرنا من التزام البدل أو قبضه أو نحوه ادعى الاستثناء وقال قبضت ما قبضت منك بحق
لي عليك وقالت بل لبدل الخلع فالقول له لأنه أنكر وجوب البدل عليها وأقر أن له عليها
مالا واحدا لا مالين والمرأة مقرة أن له عليها مالا آخر فيكون القول له بخلاف ما إذا لم يدع
120

الاستثناء لأنه يدعي عليها بدل الخلع وهي تنكر فالقول لها اه‍. وأما إذا لم يذكر العوض فهو
من الكنايات فيتوقف على النية أو مذاكرة الطلاق إن كان بلفظ الخلع أو المباراة، وإن كان
بلفظ البيع كبعت نفسك أو طلاقك فلا لأنه خلاف الظاهر. وقد أفاد بوقوع البائن حكمه
وسيأتي بيان صفته أنه يمين من جانبه معاوضة من جانبها فلا يصح رجوعه عنه ولا يبطل
بقيامه عن المجلس وصح مضافا منه وانعكست الأحكام في حقها لو بدأت كما سيأتي. ولم
يذكر شرطه لأن شرطه شرط الطلاق ولكن لا بد من القبول منها حيث كان على مال أو كان بلفظ
خالعتك أو اختلعي ولذا قال في المحيط: لو قال لها اختلعي فقالت اختلعت تطلق
ويسقط المهر لأن قوله اختلعي أمر بالطلاق بلفظ الخلع والمرأة تملك الطلاق بأمر الزوج
فصار بمنزلة ما لو قال لها طلقي نفسك طلاقا بائنا بخلاف قوله اشتري نفسك مني فقالت
اشتريت لا تطلق ما لم يقل الزوج بعت لأنه أمر بالخلع الذي هو معاوضة
لأن الشراء معاوضة فلا يصح الامر إذا لم يكن البدل مذكورا معلوما.
وأما إذا ذكر مالا مجهولا بأن قال اخلعي نفسك بمال فقالت اختلعت نفسي بألف
درهم لا يتم الخلع ولا تطلق حتى يقول الزوج خلعت لأنه لم يصح تفويض الخلع إليها لأنه
إذا ذكر المال كان خلعا حقيقة والخلع لا يصح إلا بتسمية البدل والبدل ها هنا مجهول فلم
يصح، وإن ذكر مالا معلوما بأن قال اخلعي نفسك بألف درهم فقالت اختلعت بألف درهم
121

ولم يقل الزوج خلعت أو قالت المرأة خالعني بألف درهم فقال الزوج خالعت ولم تقل المرأة
قبلت تم الخلع في رواية ولم يتم في أخرى والكتابة والصلح عن دم العمد على الروايتين.
وكذا لو قال اشترى ثلاث تطليقات بكذا فقالت اشتريت بخلاف النكاح. وفي النوادر: لو
قال لها اشتريت مني ثلاث تطليقات بكذا فقالت اشتريت لا يتم الخلع ما لم يقل الزوج بعت
وهو الصحيح إلا إذا أراد به التحقيق دون المساومة لأنه لم يوجد الامر بالخلع والخلع معاوضة
فلا يتم بركن واحد اه‍. وفي جامع الفصولين: كل طلاق وقع بشرط ليس بمال فهو
رجعي، وفيه أن القبول في المعلق إنما يكون بعد وجود الشرط. وفي الكافي: القبول في
المضاف إنما يكون بعد وجود الوقت ولا يصح القبول قبله لأن الايجاب معلق بالشرط
والمعلق بالشرط عدم قبل الشرط فلا يصح القبول قبل الايجاب اه‍. وفي التجنيس ما يفيد
صحة القبول في المعلق قبل وجود الشرط فإنه قال: لو قال إن دخلت الدار فقد خلعتك على
ألف فتراضيا عليه ففعلت صح الخلع. وفي الوجيز كما في الكافي وأقول: لو قيل بصحة
القبول في المضاف قبل وجود الوقت لانعقاده سببا للحال عندنا وبعدم صحته في المعلق قبل
وجود الشرط لعدم انعقاده سببا للحال لكان حسنا لتخريجه على الأصول. وفي المجتبى: باع
طلاقها منها بمهرها فهو براءة من المهر والطلاق رجعي ويشترط في قبولها علمها بمعناه
فلو قال لها اختلعي نفسك بكذا ثم لقنها بالعربية حتى قالت اختلعت وهي لا تعلم بذلك
فالصحيح أنه لا يصح ما لم تعلم المرأة ذلك لأنه معاوضة كالبيع بخلاف الطلاق والعتاق
والتدبير لأنه إسقاط محض والاسقاط يصح مع الجهل، كذا في المحيط. وقولها فعلت في
جواب قوله خلعت نفسك مني بكذا ليس بقبول على الصحيح المختار إلا إذا أراد به
التحقيق. ولو قالت لزوجها اخلعني على ألف درهم فقال الزوج مجيبا لها أنت طالق صار
كقوله خلعتك لأن هذا يحتمل أن يكون جوابا فيجعل جوابا لها وهو المختار كما في الخانية.
ولو قال بعت منك طلاقك بمهرك فقالت طلقت نفسي بانت منه بمهرها بمنزلة قولها
اشتريت لأنه يصح جوابا ويصح ابتداء فيجعل جوابا لها، وقيل يقع رجعيا والأول أصح.
ولو قال لها اخلعي نفسك فقالت قد طلقت لزمها المال إلا أن ينوي بغير مال. ولو قال بعت
منك تطليقة فقالت اشتريت يقع الطلاق رجعيا مجانا لأنه صريح. ولو قال لها بعت نفسك
122

منك فقالت اشتريت يقع الطلاق بائنا لأن هذا كناية وهي بائنة. ولو قال لها بعت منك أمرك
بألف درهم إن اختارت نفسها في المجلس وقع الطلاق ولزمها المال لأنه ملكها الطلاق
بالمال، فإذا اختارت فقد تملكت. ولو قال لامرأته كل امرأة أتزوجها فقد بعت طلاقها منك
بدرهم ثم تزوج امرأة فالقبول إليها بعد التزوج، فإن قبلت بعد التزوج طلاقها أو طلقتها
يقع، وإن قبلت قبله لا يقع لأن هذا الكلام من الزوج خلع بعد التزوج فيشترط القبول
بعده. ولو قالت المرأة بعت منك مهري ونفقة عدتي فقال اشتريت فالظاهر أنها لا تطلق لأن
الزوج ما باع نفسها ولا طلاقها منها إنما اشترى مهرها وهذا لا يكون طلاقا لكن الأحوط أن
يجدد النكاح، كذا في المحيط.
وفي القنية في الباب المعقود للمسائل التي لم يوجد فيها رواية ولا جواب شاف
للمتأخرين آخرها: قالت لزوجها أبرأتك من المهر بشرط الطلاق الرجعي فقال لها أنت طالق
طلاقا رجعيا يقع بائنا للمقابلة في المال كمسألة الزيادات. أنت طالق اليوم رجعيا وغدا أخرى
بألف فالألف مقابل بهما وهما بائنتان أم رجعيا وهل يبرأ الزوج لوجود الشرط صورة أو لا
يبرأ اه‍. وفي الذخيرة: أنت طالق الساعة واحدة وغدا أخرى بألف درهم فقبلت وقعت
واحدة في الحال بنصف الألف وأخرى غدا بغير شئ، وإن تزوجها قبل مجئ الغد ثم جاء
الغد تقع أخرى بخمسمائة. أنت طالق الساعة واحدة أملك الرجعة وغدا أخرى بألف فقبلت
وقعت واحدة للحال بغير شئ وفي الغد أخرى بالألف، ولو قال أنت طالق اليوم بائنة
وغدا أخرى بألف وقع للحال واحدة بائنة بغير شئ وغدا أخرى بالألف. ولو قال أنت
123

طالق واحدة وأنت طالق أخرى بألف فقبلت وقعتا بألف. ولو قال أنت طالق الساعة واحدة
أملك الرجعة وغدا أخرى أملك الرجعة بألف فقبلت انصرف البدل إليهما، وكذا لو قال
أنت طالق الساعة ثلاثا وغدا أخرى بائنة بألف وأنت طالق الساعة واحدة بغير شئ وغدا
أخرى بغير شئ بالألف فالبدل ينصرف إليهما اه‍.
قوله: (ولزمها المال) أي في المسألتين لأنه ما رضي بخروج بعضها عن ملكه إلا به
فلزمها المال بالقبول. ولو قال وكان المسمى له لكان أولى ليشمل ما إذا قبله غيرها وسيأتي
آخر الباب بيان خلع الفضولي إن شاء الله، وليشمل الابراء حتى لو قالت له أبرأتك عما لي
عليك على طلاقي ففعل جازت البراءة وكان الطلاق بائنا، وكذا لو طلقها على أن تبرئه من
الألف التي كفل بها للمرأة من فلان صح والطلاق بائن كما في البزازية. وقيد به احترازا عن
التأخير فإنه ليس بمال وأنما تتأخر فيه المطالبة كما لو قالت له طلقني على أن أؤخر مالي
عليك فطلقها، فإن كان للتأخير غاية معلومة صح التأخير، وإن يكن له غاية معلومة لا يصح
والطلاق رجعي على كل حال كما في البزازية أيضا. ولو قال قد خلعتك على ألف قال ثلاث
مرات فقبلت طلقت ثلاثا بثلاثة آلاف لأنه لم يقع شئ إلا بقبولها لأن الطلاق يتعلق بقبولها
124

في الخلع فوقع الثلاث عند قبولها جملة بثلاثة آلاف. ولو قال بعت منك تطليقة بألف فقالت
اشتريت ثم قاله ثانيا وثالثا كذلك وقال أردت التكرار لا يصدق ويقع الثلاث ولم يلزمها إلا
الألف لأنها ملكت نفسها بالأولى وقد صرح بالطلاق في اللفظ الثانية والثالثة والصريح يلحق
البائن، كذا في المحيط. ولو اتفقا على الخلع وقالت بغير جعل فالقول لها لأن صحة الخلع لا
تستدعي البدل فتكون منكرة فيكون القول لها، ولو ادعت الخلع والزوج ينكره فشهد أحدهما
بألف والآخر بألف وخمسمائة لا يقبل ولا يثبت الخلع لأنها تحتاج إلى إثبات أن الزوج علق
الطلاق بقبول المال والطلاق المعلق بقبول الألف غير الطلاق المعلق بقبول الألفين
إذ هما شرطان مختلفان فكان كل واحد يشهد بغير ما يشهد به الآخر فلا يقبل، ولو كان
الزوج هو المدعي وقد ادعى ألفا وخمسمائة والمسألة بحالها تقبل على الألف لأن الطلاق وقع
بإقرار الزوج فبقي دعوى الزوج دينا مجردا واتفق الشاهدان على الألف وانفرد أحدهما بزيادة
خمسمائة فيقضي بما اتفقا عليه وإن كان يدعي ألفا لا يقبل وقد كذب أحد شاهديه لما عرف
ويقع الطلاق بإقراره. وإذا شهد شاهدان أنه طلقها قبل الخلع ثلاثا تسترد المال لأنها بمباشرة
الخلع وإن كانت مقرة بصحة الخلع ظاهرا فإذا ادعت الفساد بعد ذلك صارت متناقضة في
الدعوى إلا أن البينة على الطلاق تقبل من غير دعوى فيثبت أنه أخذ المال بعد البينونة فلزمه
الرد، كذا في المحيط. أطلق في لزومها المال فشمل المكاتبة ولكن لا يلزمها المال إلا بعد
العتق ولو بإذن المولى لحجرها عن التبرع ولو بالاذن كهبتها، وشمل الأمة وأم الولد ولكن
بشرط إذن المولى فيلزمها للحال لانفكاك الحجر بإذن المولى فظهر في حقه كسائر الديون. وفي
الجامع: لو خلع الأمة مولاها على رقبتها وزوجها حر فالخلع واقع بغير شئ، ولو كان
الزوج مكاتبا أو عبدا أو مدبرا جاز الخلع وصارت لسيد العبد والمدبر لأنها لا تصير مملوكة
للزوج بل للمولى فلا يبطل النكاح، وفي الحر لو ملك رقبتها بعد النكاح لبطل ولو بطل بطل
الخلع فكان في تصحيحه ابطاله. وأما المكاتب فإنه يثبت له فيها حق الملك وحق الملك لا
يمنع بقاء النكاح فلا يفسد النكاح كما لو اشترى زوجة أمة تحت عبد خلعها مولاها على عبد
في يديه ثم استحق العبد المخلوع عليه فلا شئ على المولى لأنه لم يضف العبد المخلوع عليه
إلى نفسه ولا ضمنه فكان العقد مضافا إلى الأمة، وتباع الأمة في قيمة العبد المستحق لأن
المولى يملك ايجاب بدل الخلع عليها فظهر في حقه فتعلق برقبتها، فإن كان عليها دين آخر
قبله بدأ به لأنه وجب باختيار المولى فلم يظهر في حق الغريم كما في الصلح، فإن بقي شئ
يؤخذ من الأمة بعد العتق فإن كان المولى ضمن بدل الخلع أخذ به، كذا في المحيط. وفي
الظهيرية: امرأة قالت لزوجها اختلعت منك بكذا وهو ينسج كرباسا فجعل ينسج وهو
125

يخاصمها ثم قال خلعت قالوا إن لم يطل ذلك فهو جواب اه‍. وفي جامع الفصولين: قال
خلعتك بكذا درهما فجعلت المرأة تعد الدراهم فلما تم العد قالت قبلت ينبغي أن يصح اه‍.
وفي كافي الحاكم: وإذا خلع الرجل امرأتيه على ألف درهم فإن الألف تنقسم عليهما على
قدر ما تزوجهما عليه من المهر اه‍. وفي البزازية: اختلعا وهما يمشيان إن كان كلام كل
منهما متصلا بالآخر صح، وإن لم يكن متصلا لا يصح ولا يقع الطلاق أيضا، ولو اختلعا
وزعمت تمام الخلع وادعى القيام ثم القبول فالقول له لأنه انكار الخلع اه‍.
ودخل تحت الطلاق على مال لو طلقها على إعطاء المال لما في الخانية: لو قال لامرأته
أنت طالق على أن تعطيني ألف درهم فقالت قبلت تطلق للحال وإن لم تعط ألفا لامرأته أنت
طالق على دخولك الدار فقبلت تطلق للحال وإن لم تدخل لأن كلمة على لتعليق الايجاب
بالقبول لا للتعليق بوجود القبول اه‍. ولو قال ولزمها المال إن لم تكن مريضة مرض الموت
ولا سفيهة ولا مكرهة لكان أولى لأن المحجورة بالسفه لو قبلت الخلع وقع ولا يلزمها المال
ويكون بائنا إن كان بلفظ الخلع رجعيا إن كان بلفظ الطلاق كما في شرح المنظومة. وأما
المريضة فقال في جامع الفصولين: مريضة اختلعت من زوجها بمهرها ثم ماتت ينظر إلى
ثلاثة أشياء: إلى ميراثه منها وإلى بدل الخلع وإلى ثلث مالها فيجب أقلها لا الزيادة، كذا في
شحي وفي حل في هذه الصورة: لو لم يدخل بها سقط نصف المهر بطلاقه والنصف
الآخر وصية وهو لغير الوارث فصح من الثلث، فلو دخل بها وماتت بعد مضي العدة فكل
المهر وصية وتصح من الثلث إذا الاختلاع تبرع ولو ماتت في العدة هكذا عند أبي يوسف
ومحمد إذا الزوج لم يبق وارثا لرضاه بالفرقة وعند أبي حنيفة يعطى الأقل من ميراثه ومن
بدل الخلع ومن الثلث إذ اتهما في حق سائر الورثة ولم يتهما في الأقل وهو نظير ما قلنا جميعا
في طلاقها بسؤالها في مرض الموت. وحاصل التفاوت بين مضي العدة عدم مضيها أنه بعد
مضيها لا ينظر إلى قدر حق الزوج في الميراث وإنما ينظر إلى الثلث فيسلم للزوج قدر الثلث
من بدل الخلع ولو أكثر من ميراثه، وقبل مضيها لا ينظر إلى الثلث وإنما ينظر إلى ميراثه
فيسلم للزوج قدر إرثه من بدل الخلع دون ثلث المال لو ثلثه أكثر كذا. ولو كان الزوج
ابن عمها فلو لم يرث منها بأن كان لها عصبات أخر أقرب منه فهو والأجنبي سواء، ولو
يرثها بقرابة وماتت بعد مضيها ينظر إلى بدل الخلع وإلى إرثه بالقرابة، فلو كان البدل قدر إرثه
أو أقل سلم له ذلك، ولو أكثر فالزيادة على قدر إرثه لا تسلم له إلا بإجازة الورثة. هذا لو
كانت مدخولة وإلا فالنصف يعود إلى الزوج بطلاق قبل دخوله لا بحكم الوصية وفي
النصف الآخر ينظر لو كان الزوج أجنبيا فهو متبرع فيصح من الثلث، ولو كان ابن عمها
126

ويرثها فله الأقل من إرثه ومن نصف المهر. هذا لو ماتت في ذلك المرض، ولو برئت منه
سلم للزوج كل البدل كهبتها منه ثم يرثها ولا إرث بينهما بالزوجية ماتت في العدة أو بعدها
لتراضيهما ببطلان حقه. هذا لو كانت مريضة فلو اختلعت صحيحة والزوج مريض فالخلع
جائز بالمسمى قل أو كثر ولا إرث بينهما مات في العدة أو بعدها، ولو خالها أجنبي من
الزوج بمال ضمنه للزوج وكان ذلك في مرض موت الأجنبي جاز ويعتبر البدل من ثلث مال
الأجنبي، فلو كان الزوج مريضا حين تبرع الأجنبي بخلعها فلها الإرث لو مات الزوج من
مرضه ذلك وهي في العدة لأنها لم ترض بهذا الطلاق فيعتبر الزوج فارا اه‍. ولو كانت
مكرهة على القبول لم يلزمها البدل. وفي القنية: ولو اختلفا في الكره بالخلع والطوع فالقول
له مع اليمين اه‍. وفي الظهيرية: لو قالت طلقني ثلاثا بألف درهم طلقني ثلاثا بمائة دينار
فطلقها ثلاثا طلقت بمائة دينار ولو كان الايجاب من الزوج بالمالين لزمها المالان اه‍. وأشار
بقوله ولزمها المال إلى أنه لا يتصور أن يلزمه مال في الخلع ولذا قال في المجتبى: خلعتك
على عبدي وقف على قبولها ولم يجب شئ قلنا: الظاهر أنه عنى بقوله وقف على قبولها أي
وقوع الطلاق ومعرفة هذه المسألة من أهم المهمات في هذا الزمان لأن الناس يعتادون إضافة
الخلع إلى مال الزوج يعد إبرائها إياه من المهر، فبهذا علم أنها إذا قبلت وقع الطلاق ولم يجب
على الزوج شئ. وفي منية الفقهاء: خلعتك بمالي عليك من الدين فقبلت ينبغي أن يقع
الطلاق ولا يجب شئ ويبطل الدين، ولو كانت اختلعت على عبد ثم تبين أنه عبد الزوج
بتصادقهما ينبغي أن لا يلزمها شئ لسلامة البدل له اه‍. وظاهر اقتصاره على لزومها المال أنه
لو تخالعا ولم يذكرا من المال شيئا أن لا يصح الخلع وهو رواية عن محمد لأنه لا يكون إلا
بالمال ولكن الأصح أنه يصح، كذا في المجتبى. وفي الخانية: الزيادة في البدل بعد الخلع غير
صحيحة.
127

قوله: (وكره له أخذ شئ إن نشز) أي كرهها والنشوز يكون من الزوجين وهو كراهة
كل واحد منهما صاحبه كما في المغرب. وفي المصباح: نشزت المرأة من زوجها نشوزا من
بابي قعد وضرب عصت زوجها وامتنعت عليه، ونشز الرجل من امرأته نشوزا بالوجهين
تركها وجفاها. وفي التنزيل * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا) * [النساء: 128]
وأصله الارتفاع يقال نشز من مكانه نشوزا بالوجهين إذا ارتفع عنه. وفي السبعة وإذا قيل
انشزوا فانشزوا بالضم والكسر والنشز بفتحتين المكان المرتفع من الأرض والسكون لغة فيه
اه‍. وأراد بالكراهة كراهة التحريم المنتهضة سببا للعقاب، والحق أن الاخذ في هذه الحالة
حرام قطعا لقوله تعالى * (فلا تأخذوا منه شيئا) * [النساء: 20] ولا يعارضه الآية الأخرى
* (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * [البقرة: 229] لأن تلك فيما إذا كان النشوز من قبله
فقط والأخرى فيما إذا خافا أن لا يقيما حدود الله فليس من قبله فقط نشوز على أنهما لو
تعارضا كانت حرمت الاخذ ثابتة بالعمومات القطعية فإن الاجماع على حرمة أخذ مال المسلم
بغير حق وفي إمساكها لا لرغبة بل إضرارا وتضييقا ليقتطع ما لها في مقابلة خلاصها من
الشدة التي هي معه فيها ذلك وقال تعالى * (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد
ظلم نفسه) * [البقرة: 231] فهذا دليل قطعي على حرمة أخذ مالها كذلك فيكون حراما إلا
أنه لو أخذ جاز في الحكم أي يحكم بصحة التمليك وإن كان بسبب خبيث وتمامه في فتح
القدير. وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي جرير عن ابن زيد في الآية قال: ثم رخص بعد فقال
* (فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * قال فنسخت هذه تلك
اه‍ والحاصل أن ما في النساء منسوخ بآية البقرة وهو يقتضي حل الاخذ مطلقا إذا رضيت.
أطلقه فشمل القليل والكثير ويلحق به الايراء عما لها عليه فإنه لا يجوز أيضا إذا كان النشوز
منه لأنه اعتداء وإضرار قوله: (وإن نشزت لا) أي لا يكره له الاخذ إذا كانت هي الكارهة.
أطلقه فشمل القليل والكثير وإن كان أكثر مما أعطاها وهو المذكور في الجامع الصغير، وسواء
كان منه نشوز لها أيضا أو لا، فإن كانت الكراهة من الجانبين فالإباحة ثابتة بعبارة قوله تعالى
* (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * [البقرة: 922] وإن كانت من جانبها فقط فبدلالتها
128

بالأولى والمذكور في الأصل كراهة الزيادة على ما أعطاها، وينبغي حمله على خلاف الأول كما
ينبغي حمل الحديث عليه أيضا وهو قوله أما الزيادة فلا لأن النص نفي الجناح مطلقا فتقييده
بخبر الواحد لا يجوز لما عرف في الأصول ولذا قال في فتح القدير: إن رواية الجامع أوجه
وصحح الشمني رواية الأصل لأحاديث ذكرها.
قوله: (وما صلح مهر أصلح بدل الخلع) لأن ما صلح عوضا للمتقوم أولى أن يصلح
عوضا لغير المتقوم فإن البضع غير متقوم حالة الخروج ومتقوم حالة الدخول فمنع الأب من
خلع صغيرته على مالها وجاز له تزوج ولده بماله، ونفذ خلع المريضة من الثلث، وجاز
تزويج المريض بمهر المثل من جميع ماله فصح الخلع على ثوب موصوف أو مكيل أو موزون
كالمهر، وكذا على زراعة أرضها أو ركوب دابتها وخدمتها على وجه لا يلزم خلوة بها أو
خدمة أجنبي لأن هذه تجوز مهرا وبطل البدل فيه لو كان ثوبا أو دارا كالمهر ووجب عليها رد
المهر. وأشار إلى أن هذا الأصل لا ينعكس كليا فلا يصح أن يقال ما لا يصلح مهرا لا يصلح
بدلا في الخلع لأنه لو خالعها على ما في بطن جاريتها أو غنمها صح وله ما في بطونها ولا
يجوز مهرا بل يجب مهر المثل، وكذا على أقل من عشرة، وكذا على ما في يدها، كذا في
التبيين وفتح القدير. وذكر في غاية البيان أنه مطرد منعكس كليا لأن الغرض من طرد الكلي
أن يكون مالا متقوما ليس فيه جهالة مستتمة وما دون العشرة بهذه المثابة، ومن عكس الكلي
أن لا يكون مالا متقوما أو أن يكون فيه جهالة مستتمة وما دون العشرة مال متقوم ليس فيه
جهالة فلا يرد السؤال لا على الطرد الكلي ولا على عكسه اه‍. وفي المحيط: لو اختلعت على
ثوب لم يتبين جنسه أو على دار فله المهر وفي العبد يلزمها الوسط، ولو اختلعت على ما
تكتسبه العام أو على ما ترثه من المال أو على أن تزوجه امرأة وتمهرها عنه فالشرط باطل وترد
المهر، ولو اختلعت بحكمه أو بحكمها صح فإن حكمت ولم يرض الزوج رجع بالمهر، ولو
خلعها على ألف إلى الحصاد ثبت الاجل، ولو قالت إلى قدوم فلان أو موته وجب المال
حالا، ولو خالعها على دراهم معينة فوجدها ستوقة يرجع بالجياد، وكذلك الثوب على أنه
هروي فإذا هو مروي يرجع بهروي وسط ولا يرد بدل الخلع إلا بعيب فاحش فإن كان حلال
129

الدم أو اليد فأمضى عنده رجع عليها بقيمته عند أبي حنيفة، وعندهما بنقصان قيمته لأن كونه
حلال الدم بمنزلة الاستحقاق عنده، وعندهما بمنزلة النقصان. ولو اختلعت على عبد بعينه
فمات في يدها أو استحق فعليها قيمته، فإن ظهر أنه كان ميتا وقت الانخلاع فله مهرها.
ولو خلعها على حيوان ثم صالحته على دراهم أو مكيل أو موزون جاز يدا بيد. ولو خالعها
على عبد ومهرها ألفا ثم زادها ألفا ثم استحق العبد رجع عليها بألف وبنصف قيمة العبد لأن المرأة
بذلت العبد بإزاء البضع وألف درهم فانقسم العبد عليهما نصفين: نصفه بدل الخلع
ونصفه بيعا بالألف، والمبيع متى استحق ثمنه رجع بثمنه وبدل الخلع متى استحق تجب قيمته
فيرجع بنصف قيمة العبد. ولو خلع امرأتيه على عبد قسمت قيمته على مسميهما في العقد
لأنه قيمة بضعيهما لا على مهر مثليهما لأن الزيادة على المسمى مكروهة في الخلع والزيادة في
بدل الخلع باطلة لأنها زادت بعد هلاك المعقود عليه فصار كما لو زاد في بدل الصلح عن دم
العمد فإنها لا تصح اه‍. وفي التتارخانية: إذا قال لامرأتيه إحداكما طالق بألف درهم
والأخرى بمائة دينار فقبلتا طلقتا بغير شئ. وروى ابن سماعة عن محمد: إذا قال لامرأتيه
إحداكما طالق بألف فقبلتا ومات فعلى كل واحدة منهما خمسمائة ولا ميراث اه‍. وفي القنية:
اختلعت نفسها بالمهر بشرط أن الزوج يعطيها كذا منا من الأرز الأبيض وخالعها به ينبغي أي
يصح ولا يشترط بيان مكان الايفاء عند أبي حنيفة لأن الخلع أوسع من البيع ففي بت:
خالعها على ثوب بشرط أن تسلم إليه الثوب فقبلت فهلك الثوب قبل التسليم لم تبن لأنه
يجعل نفس التسليم شرطا. مخ: وهبت مهرها لأخيها فأخذ أخوها منه المهر قبالة ثم اختلعت
نفسها منه بشرط أن تسلم له القبالة غدا فقبل ولم تسلم إليه القبالة غدا لا تحرم. ولو اختلعت
بشرط الصك أو قالت بشرط أن يرد عليها أقمشتها فقيل لا تحرم ويشترط كتابة الصك ورد
الأقمشة في المجلس. خلعتك على عبدي وقف على قبولها ولم يجب شئ. خلعتك بمالي
عليك من الدين وقبلت ينبغي أن يقع الطلاق ولا يجب شئ ويبطل الدين. ادعت مهرها
على زوجها فأنكره ثم اختلعت نفسها بمهرها وقبل ثم تبين بالشهود أنها كانت امرأته قبل الخلع
فليس له شئ. ولو اختلعت على عبد ثم تبين أنه عبد الزوج ولا ذلك إلا بالتصادق فينبغي
أن لا يلزمها شئ لأن ما هو بدل الخلع يسلم له كما لو علم أنه عبده. وسئل لو كان الخلع
على دراهم أو دنانير ثم تبين أنها للزوج لم يجب شئ اه‍. وفي الخانية: ويجوز الرهن والكفالة
ببدل الخلع. وفي المجتبى: فوضت الخلع إلى زوجها أو العبد إلى المولى ففعل بغير حضرتهما
جاز والواحد يتولى الخلع من الجانبين. وفي عتاق الأصل الواحد يكون وكيلا من الجانبين في
130

العتاق والخلع والصلح عن دم العمد إذا كان البدل مسمى وإلا لا يكون في ظاهر الرواية،
وعن محمد أنه يكون اه‍.
قوله: (فإن خالعها أو طلقها بخمر أو خنزير أو ميتة وقع بائن في الخلع رجعي في
غيره مجانا) لأن الخلع على ما لا يحل صحيح لأنه لا يبطل بالشرط الفاسد ولا يجب له شئ
لأنها لم تغره والبضع غير متقوم في الأصل حالة الخروج وإنما يتقوم بتسمية المال. وفي
المجتبى: وإنما يلزم المال بالالتزام أو باستهلاك المال أو بملكه ولم يوجد، ولما بطل العوض
كان العامل في الخلع لفظه وهو يوجب البينونة لأنه من الكنايات الموجبة لقطع وصلة
النكاح، وفي الثاني الصريح وهو رجعي فقوله مجانا عائد إلى المسألتين. وفي المصباح: فعلته
مجانا أي بغير عوض. قال ابن فارس: المجان عطية الشئ بلا ثمن. وقال الفارابي: هذا
الشئ لك مجانا أي بلا بدل اه‍. وأوجب زفر عليها رد المهر كما في المحيط. قيد بكونها
سمت محرما لأنها لو سمت له حلالا كخالعني على هذا الحل فإذا هو خمر فلها أن ترد المهر
المأخوذ إن لم يعلم الزوج بكونه خمرا، وإن علم به فلا شئ له. وفي المحيط: لو خلعها على
عبد فإذا هو حر رجع بالمهر عندهما، وعند أبي يوسف بقيمته لو كان عبدا لما عرف في
النكاح. وقيد بالخلع والطلاق لأن الكتابة على خمر أو خنزير فاسدة وعلى ميتة أو دم باطلة
فيعتق إن أداه في الأولى مع وجوب قيمة نفسه لأن ملك المولى متقوم ولا يعتق في الثانية،
والنكاح بالكل صحيح مع وجوب مهر المثل لتقوم البضع عند الدخول. ثم اعلم أن البدل
وإن لم يجب في الخلع والطلاق فلا يقعان إلا بقبولها ولذا قال في البزازية: لو قالت له
خالعني بمال أو على مال ولم تذكر قدره لا يتم في ظاهر الرواية بلا قبولها. وإذا لم بجب
البدل هل يقع الطلاق؟ قيل يقع وبه يفتى، وقيل لا يقع وهو الأشبه بالدليل اه‍. قوله: (
كخالعني على ما في يدي ولا شئ في يدها) أي يقع الطلاق البائن من غير شئ عليها
لعدم تسمية شئ تصير به غارة له، وأشار إلى أنه لو قال لها خالعتك على ما في يدي ولا
شئ في يده إنه لا شئ له أيضا إذ لا فرق بينهما، فلو كان في يده جوهرة لها فقبلت فهي
له وإن لم تكن علمت ذلك لأنها هي التي أضرت بنفسها حين قبلت الخلع قبل أن تعلم ما في
يده، ولو اشترى منها بهذه الصفة كان جائزا ولا خيار لها فالخلع أولى، كذا في المبسوط.
وأشار إلى أنها لو قالت خالعني على ما في بيتي أو ما في بيتي من شئ ولا شئ في بيتها
131

أنها كمسألة الكتاب لأن الشئ يصدق على غير المال، كذا في فتح القدير. وكذا لو قالت
على ما في يدي من شئ أو على ما في بطن جاريتي ولم تلد لأقل من ستة أشهر، كذا في
المجتبى. وفي المحيط: لو اختلعت على ما في بطن جاريتي أو غنمها أو ما في نخلها صح
وله ما في بطنها، وإن لم يكن فلا شئ له، ولو حدث بعده في بطونها فللمرأة لأن ما في
بطنها اسم للموجود للحال. ولو اختلعت على حمل جاريتها وليس في بطنها حمل ترد المهر
لأنها غرته حيث أطمعته فيما له قيمة لأن الحمل مال متقوم ولكن في وجوده احتمال
وتوهم ويصح الخلع بعوض موهوم بخلاف ما في البطن لأنه قد يكون مالا وقد لا يكون
كريح أو ما يحويه البطن اه‍. وفي التتارخانية: لو طلقها على أن تبريه عن كفالة نفس فلان
فالطلاق رجعي، ولو طلقها على أن تبريه عن الألف التي كفلها لها عن فلان فالطلاق بائن
اه‍.
قوله: (وإن زادت من مال أو من دراهم ردت مهرها أو ثلاثة دراهم) يعني ردت
مهرها فيما إذا قالت خالعني على ما في يدي من مال ولم يكن في يدها شئ وردت ثلاثة
دراهم فيما إذا قالت خالعني على ما في يدي من دارهم ولم يكن في يدها شئ لأنها في
الأولى لما سمت مالا لم يكن الزوج راضيا بالزوال إلا بالعوض ولا وجه إلى إيجاب المسمى
وقيمته للجهالة ولا إلى قيمة البضع أعني مهر المثل لأنه غير متقوم حالة الخروج فتعين
إيجاب ما قام به على الزوج، كذا في الهداية. وقيده في الخلاصة بعدم العلم فقال: لو
خالعها على ما في هذا البيت من المتاع وعلم أنه لا متاع في هذا البيت وقع وقع الطلاق ولا
يلزمها شئ وذكر اليد مثال، والبيت والصندوق وبطن الجارية والغنم كاليد. وقوله من
مال مثال أيضا والمتاع والحمل للبطن كالمال فإذا قالت على ما في بطن جاريتي أو غنمي
من حمل ردت المهر. وفي المحيط: لو خالعها بما لها عليه من المهر ثم تبين أنه لم يبق عليه
شئ من المهر لزومها رد المهر لأنه طلقها بطمع ما نص عليه فلا يقع مجانا، فإن علم
الزوج أنه لا مهر لها عليه وأن لا متاع في البيت في مسألة على ما في البيت من متاع لا
يلزمها شئ لأنها لم تطمعه فلم يصر مغرورا اه‍. وفي الثاني ذكرت الجمع ولا غاية لأقصاه
وأدناه ثلاثة فوجب الأدنى كما لو أقر بدراهم أو أوصى بدراهم وأورد عليه أن من
للتبعيض فينبغي وجوب درهم أو درهمين. وأجيب بأنها هنا للبيان لأن الأصل أن كل
موضع تم الكلام بنفسه ولكنه اشتمل على ضرب إبهام فهي للبيان وإلا فللتبعيض، وقولها
خالعني على ما في يدي كلام تام بنفسه حتى جاز الاقتصار عليه ولا فرق في الحكم بين
ذكر الجمع منكرا أو معرفا. وأورد عليه إذا كان معرفا أنه ينبغي وجوب واحد فقط لما
عرف أن الجمع المحلي كالمفرد المحلي كما لو حلف لا يشتري العبيد أو لا يتزوج النساء.
وأجيب بأنه إنما ينصرف إلى الجنس إذا عرى عن قرينة العهد كما في المثالين وقد وجدت
132

القرينة هنا على العهد وهو قولها على ما في يدي، كذا في الكافي. وأوضحه في فتح
القدير فقال: لأن قولها على ما في يدي أفاد كون المسمى مظروفا بيدها وهو عام يصدق
على الدراهم وغيرها فصار بالدراهم عهد في الجملة من حيث هو مما صدقات لفظ ما وهو
مبهم وقعت من بيانا له ومدخولها هو المبين لخصوص المظروف والدراهم مثال، والمراد
أنها بينت المبهم بجمع كالدنانير وينبغي أن يكون قولها على ما في هذا البيت من الشياه أو
الخيل أو البغال أو الحمير كذلك يلزمها ثلاثة من المسمى. ثم رأيت في المعراج: لكن زاد
الثياب وفيه نظر للجهالة المتفاحشة. وقيد بقوله ولا شئ في يدها لأنه لو كان في يدها
مال متقوم كان له قليلا كان أو كثيرا ولا يلزمها رد المهر في الأولى، وأما في الثانية فلا بد
أن يكون في يدها جمع مما سمته، فلو كان في يدها درهم أو درهمان لزمها تكملة الثلاثة،
كذا في الخانية والمبسوط. وبهذا علم أن في كلام المصنف مسامحة لأن عدم وجود شئ في
يدها شرط لرد المهر في الأولى، وعدم وجود الثلاثة شرط في الثانية، وكلامه لا يفيده.
وأفاد بقوله ردت المهر أنه مقبوض فيدل على أنه لو لم يكن مقبوضا برئ منه ولا شئ
عليها كما ذكره العمادي في فصوله وفي الجوهرة. ثم إذا وجب الرجوع بالمهر له وكانت
قد أبرأته منه لم يرجع عليها بشئ لأن عين ما يستحقه قد سلم له بالبراءة فلو رجع عليها
يرجع لأجل الهبة وهي لا توجب على الواهب ضمانا اه‍. وفي البزازية: والحاصل أنه إذا
سمى ما ليس بمتقوم لا يجب شئ، وإن سمى موجودا معلوما يجب المسمى، وإن سمى
مجهولا جهالة مستدركة فكذلك، وإن فحشت الجهالة وتمكن الخطر بأن خالعها على ما يثمر
نخلها العام أو على ما في البيت من المتاع ولم يكن فيه شئ بطلت التسمية وردت ما
قبضت اه‍.
وقيد بالخلع لأن السيد لو أعتق عبده على ما في يده من الدراهم وليس في يده شئ
يجب عليه قيمة نفسه لأن منافع البضع غير متقومة حالة الخروج فلا يشترط كون المسمى
معلوما بخلاف العبد فإنه متقوم في نفسه، وبخلاف النكاح حيث يجب مهر المثل لأنه متقوم
حالة الدخول، كذا في البدائع. ودلت المسألة الأولى على أنه لو خالعها على عبد بعينه مثلا
وقد كان ميتا قبل الخلع أنه يرجع عليها بالمهر الذي أخذته منه للغرور بخلاف ما لو مات
بعده حيث تجب قيمته كما لو استحق وظهور حريته كموته قبل الخلع فيرجع عليها بالمهر
133

عندهما، وعند أبي يوسف بقيمته لو كان عبدا كالمهر وقتله عنده بسبب كان عندها كاستحقاقه
فيرجع بقيمته، كذا لو قطع يده، كذا في المبسوط. وأشار بقوله ردت المهر إلى صحة الخلع
على المهر وقد قال في الجوهرة: وإن وقع الخلع على المهر صح فن لم تقبضه المرأة سقط عنه
وإن قبضته استرده منها اه‍. وفي الولوالجية: خلعها بما لها عليه من المهر ظنا منه أن لها عليه
بقية المهر ثم تذكر أنه لم يبق عليه شئ من المهر وقع الطلاق بمهرها فيجب عليها أن ترد المهر
لأنه طلقها بطمع ما بقي عليه فلا يقع مجانا، أما إذا علم أن لا مهر لها عليه فلا شئ له اه‍.
وفي القنية: ادعت مهرها على زوجها فأنكره ثم اختلعت نفسها بمهرها وقبل ثم تبين
بالشهود أنها كانت أبرأته قبل الخلع فليس له شئ، ولو اختلعت على عبد ثم تبين أنه عبد
الزوج ولا يعلم ذلك إلا بالتصادق ينبغي أن لا يلزمها شئ لأن ما هو بدل الخلع مسلم له
كما لو علم أنه عبده قوله: (فإن خالعها على عبد أبق لها على أنها برية من ضمانه لم تبرأ) لأنه
عقد معاوضة فيقتضي سلامة العوض واشتراط البراءة شرط فاسد فبطل فكان عليها تسليم
عينه إن قدرت، وتسليم قيمته إن عجزت. أشار إلى أن الخلع لا يبطل بالشروط الفاسدة
كالنكاح ولذا قال في العمادي: لو خالعها على أن يمسك الولد عنده صح الخلع وبطل
الشرط اه‍. وفي الخانية: لو اختلعت من زوجها على أن جعلت صداقها لولدها أو على أن
تجعل صداقها لفلان الأجنبي قال محمد: الخلع جائز والمهر للزوج ولا شئ للولد ولا
للأجنبي اه‍. ومعنى اشتراطها البراءة أنها إن وجدته سلمته وإلا فلا شئ عليها. وقيد
باشتراط البراءة من ضمانه لأنها لو اشترطت البراءة من عيب في البدل صح الشرط وإنما
صحت تسمية الآبق في الخلع لأن مبناه على المسامحة بخلاف البيع لأن مبناه على المضايقة،
فالعجز عن التسليم يفضي إلى المنازعة فيه ولا كذلك هنا لأن العجز عن التسليم هنا دون
العجز عن التسليم فيما إذا اختلعت على عبد الغير أو على ما في بطن غنمها وذلك جائز
فكذا هنا. وقيد بالشرط الفاسد لأن الشرط لو كان ملائما لم يبطل ولذا قال في القنية:
خالعها على ثوب بشرط أن تسلم إليه الثوب فقبلت فهلك الثوب قبل التسليم لم تبن لأنه
يجعل نفس التسليم شرطا. وهبت مهرها لأخيها فأخذ أخوها منه المهر قبالة ثم اختلعت
نفسها منه بشرط أن تسلم إليه القبالة غدا فقبل ولم تسلم إليه القبالة غدا لم تحرم. ولو
اختلعت بشرط الصك أو قالت بشرط أن يرد إليها أقمشتها فقبل لا تحرم ويشترط كتبه الصك
134

ورد الأقمشة في المجلس اه‍. وفي الخانية: رجل قال لغيره طلق امرأتي على شرط أن لا
تخرج من المنزل شيئا فطلقها المأمور ثم اختلفا فقال الزوج إنها قد أخرجت من المنزل شيئا
وقالت المرأة لم أخرج، ذكر في النوادر أن القول قول الزوج ولم يقع الطلاق. قالوا: هذا
الجواب صحيح إن كان الزوج قال للمأمور قل لها أنت طالق إن لم تخرجي من الدار شيئا
فقال لها المأمور ذلك ثم ادعى الزوج أنها قد أخرجت من المنزل شيئا فيكون القول قوله لأنه
منكر شرط الطلاق، أما إذا كان الزوج قال للمأمور قل لامرأتي أنت طالق على أن لا تخرجي
من المنزل شيئا فقال لها المأمور ذلك فقبلت ثم قال الزوج إنها قد أخرجت من المنزل شيئا لا
يقبل قوله لأن في هذا الوجه الطلاق يتعلق بقبول المرأة، فإذا قبلت يقع الطلاق للحال،
أخرجت من المنزل شيئا أو لم تخرج كما لو قال لامرأته أنت طالق على أن تعطيني ألف درهم
فقالت قبلت تطلق للحال وإن لم تعطه ألفا. وكذا لو قال لامرأته أنت طالق على دخولك
الدار فقبلت تطلق للحال وإن لم تدخل الدار لأن كلمة على لتعليق الايجاب بالقبول لا
للتعليق بوجود القبول اه‍. واستفيد من قوله لم تبرأ أن العقد يقتضي سلامة العوض فلذا
قال في التتارخانية: لو قال لها أنت طالق غدا على عبدك هذا فقبلت وباعت العبد ثم جاء
الغد يقع الطلاق وعليها قيمة العبد اه‍.
قوله: (قالت طلقني ثلاثا بألف فطلق واحدة له ثلث الألف وبانت) لأن الباء تصحب
الأعواض وهو ينقسم على المعوض ويشترط أن يطلقها في المجلس حتى لو قام فطلقها لا
يجب شئ، - كذا في فتح القدير - بخلاف ما إذا بدأ هو فقال خالعتك على ألف فإنه يعتبر
في القبول مجلسها لا مجلسه حتى لو ذهب من المجلس ثم قبلت في مجلسها ذلك صح
قبولها، كذا في الجوهرة. أشار بطلبها الثلاث إلى أنه لم يطلقها قبله إذ لو كان طلقها ثنتين ثم
قالت طلقني ثلاثا على أن لك ألف درهم فطلقها واحدة كان عليها كل الألف لأنها التزمت
المال بإيقاع البينونة الغليظة وقد تم ذلك بإيقاع الثلاث، كذا في المبسوط والخانية. وينبغي أن
لا فرق فيها بين الباء وعلى لأن المنظور إليه حصول المقصود لا اللفظ ولذا قال في
الخلاصة: لو قالت طلقني أربعا بألف فطلقها ثلاثا فهي بالألف، لو طلقها واحدة فبثلث
الألف اه‍. وقيد بكونه طلق واحدة إذا لو طلق الثلاث كان له جميع الألف، سواء كان بلفظ
واحد أو متفرقة بعد أن تكون في مجلس واحد، كذا في فتح القدير لا يقال كيف وقع الثاني
مع أن البائن لا يلحق البائن إلا إذا كان معلقا لأنا نقول: قد أسلفنا أن مرادهم من البائن ما
كان بلفظ الكناية لا مطلق البائن حتى صرحوا بوقوع أنت طالق ثلاثا بعد البينونة. وفي
التتارخانية: ثم في قولها طلقني ثلاثا بألف إذا طلقها ثلاثا متفرقة في مجلس واحد القياس أن
تقع تطليقة واحدة بثلث الألف وتقع الاخريان بغير شئ، وفي الاستحسان تقع الثلاث
135

بالألف، ومن مشايخنا من قال: ما ذكر من جواب الاستحسان محمول على ما إذا وصل
التطليقات بعضها ببعض، أما إذا فصل بين كل تطليقة بسكوت لا يجب جميع الألف وإن
حصل الايقاع في مجلس واحد. ومنهم من يقول: إذا كان المجلس واحدا لا يشترط الوصل
وهو الصحيح اه‍. قيد بقوله ثلاثا لأنها لو قالت طلقني واحدة بألف فقال أنت طالق ثلاثا
فإن اقتصر ولم يذكر المال طلقت ثلاثا بغير شئ في قول أبي حنيفة. وقال صاحباه: تقع
واحدة بألف وثنتان بغير شئ ولو قال أنت طالق ثلاثا بألف يتوقف ذلك على قبول المرأة إن
قبلت تقع الثلاث بالألف، وإن لم تقبل لا يقع شئ. ولو قالت طلقني واحدة بألف فقال لها
الزوج أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة تقع الثلاث واحدة بألف وثنتان بغير شئ عند
الكل، كذا في الخانية.
قوله: (وفي علي وقع رجعي مجانا) أي في قولها طلقني ثلاثا على ألف أو على أن لك
علي ألفا فطلقها واحدة وقع رجعيا بغير شئ عليها عند الإمام خلافا لهما، فهما جعلاها
كالباء وهو جعلها للشرط والمشروط لا يتوزع على أجزاء الشرط، ألا ترى أنه ذكر في السير
الكبير لو أمن الإمام ثلاث سنين بألف دينار فبدا للإمام أن ينبذ إليهم بعد سنة رد عليهم ثلثا
الألف، ولو أمن على ألف دينار رد الكل، كذا في المحيط. قيد بكونه طلقها واحدة لأنه لو
طلقها ثلاثا استحق الألف وإن طلقها ثلاثا متفرقات في مجلس واحد لزمها الألف لأن الأولى
والثانية تقع عنده رجعية فإيقاع الثالثة وجد وهي منكوحته فيستوجب عليها الألف درهم،
وإن طلقها ثلاثا في ثلاث مجالس عندهما يستوجب ثلث الألف، وعنده لا يستوجب شيئا،
كذا في المحيط. وحاصل ما حققه في فتح القدير أن كلمة على مشتركة بين الاستعلاء
واللزوم فإذا اتصلت بالأجسام المحسوسة كانت للاستعلاء وفي غيره للزوم وهو صادق على
الشرط المحض نحو أنت طالق على أن تدخلي الدار، وعلى المعاوضة كبعني هذا على ألف
واحمله على درهم سواء كانت شرطا محضا كما مثلنا، أو عرفا نحو افعل كذا على أن أنصرك،
والمحل المتنازع فيه يصح فيه كل من الشرط والمعاوضة ولا مرجح، وكون مدخولها مالا لا
يرجح معنى الاعتياض فإن المال يصح جعله شرطا محضا كإن طلقتني ثلاثا فلك ألف فلا
136

يجب المال بالشك ولا يحتاط في اللزوم إذا الأصل فراغ الذمة. ومنهم من جعلها للاستعلاء
حقيقة وللزوم مجازا لأن المجاز خير من الاشتراك ورد بأن المعنى الحقيقي ليس إلا لتبادر ذلك
المعنى عند أهل اللسان وهو متبادر كتبادر الاستعلاء، وكون المجاز خيرا من الاشتراك إنما
هو عند التردد، أما عند قيام دليل الحقيقة وهي التبادر بمجرد الاطلاق فلا. وذكر في
التحرير ما يرجح قولهما بمنع قوله في دليله ولا مرجح بل فيه مرجح العوضية وهو أن
الأصل فيما علمت مقابلته العوضية ولا يرد عليه لو قالت طلقني وضرتي على ألف فطلقها
وحدها حيث وافقهما أنه يلزمها حصتها من الألف لأنه لا غرض لها في طلاق ضرتها حتى
يجعل كالشرط بخلاف اشتراط الثلاث بتحصيل البينونة الغليظة، كذا ذكروا. ولا يخلو من
شئ فإن لها غرضا في أنه إذا طلقها لا تبقى ضرتها معه بعدها فالأولى أن نكون على
الاختلاف أيضا كما في غاية البيان معزيا للمختلف. ثم رأيت في التتارخانية أن الأصح أنها
على الخلاف وفيها: ما لو قالت طلقني وضرتي على ألف علي فطلق إحداهما لا رواية فيها.
ولقائل أن يقول يلزمها حصتها من الألف، ولقائل أن يقول لا يلزمها شئ حتى يطلقهما
جميعا. وفي المحيط: قالت طلقني وفلانة وفلانة على ألف فطلق واحدة ومهورهن سواء يجب
ثلث الألف لأنها أمرته بعقود لأن طلاق كل واحدة على مال خلع على حدة فانقسم الألف
عليهن ضرورة أنه لا بد أن يكون لكل عقد بدل على حدة لتصح المعاوضة اه‍. وهذا التعليل
لا يرد عليه شئ.
قوله: (طلقي نفسك ثلاثا بألف أو على ألف فطلقت نفسها واحدة لم يقع شئ) لأنه لم
يرض بالبينونة إلا بسلامة الألف كلها له بخلاف قولها له طلقني ثلاثا بألف لأنها لما رضيت
بالبينونة بألف كانت ببعضها أولى أن ترضى فظهر الفرق بين ابتدائه وابتدائها. وفي الخانية:
رجل قال لغيره طلق امرأتي ثلاثا للسنة بألف فقال لها الوكيل في وقت السنة أنت طالق ثلاثا
للسنة بألف فقبلت تقع واحدة بثلث الألف، فإن طلقها الوكيل في الطهر الثاني تطليقة بثلث
الألف فقبلت تقع أخرى بغير شئ، وكذا لو طلقها الثالثة في الطهر الثالث. ولو طلقها
الوكيل أولا تطليقة بثلث الألف ثم تزوجها الزوج ثم طلقها الوكيل تطليقة ثانية بثلث الألف
137

تقع الثانية بثلث الألف، وكذا الثالثة على هذا الوجه اه‍. وفي المحيط: قال للمدخولة طلقي
نفسك ثلاثا للسنة بألف فقالت طلقت نفسي ثلاثا للسنة بألف، فإن كانت طاهرة من غير
جماع طلقت للحال واحدة ولا تقع الثانية والثالثة إلا بتجديد الايقاع في مجلس السنة فيقعان
بغير شئ. هكذا ذكر الزعفراني لأنه فوض إليها إيقاع كل تطليقة في كل طهر فيكون بمنزلة
المضاف إلى وقت كل طهر لم يجامعها فيه فلا تملك إيقاعها حتى يجئ الوقت وقد أمرها
بالايقاع فلا بد من التجديد وإنما يقعان مجانا لأنها بانت بالأولى فلا تملك نفسها بالثانية
والثالثة ألا ترى أنه لو أمرها أن تطلق نفسها ببدل بعدما أبانها ففعلت وقع مجانا، وفي رواية
محمد لا يقع بهذا القول أبدا لأنه تعذر إيقاعهما بعوض لما بينا وتعذر إيقاعهما بغير عوض
لأن الزوج لم يرض بوقوعهما مجانا فلم يقعا اه‍. والحاصل أنه لا يخلو إما أن تسأله الطلاق أو
يسألها على مال، فإن كان الأول، فإما أن يجنبها بالموافقة أو لا، فإن كان الأول فظاهر
واستحق المسمى، وإن كان الثاني، فإما أن تسأله بالباء أو به على، فإن كان بالباء وقع ما
تلفظ به وانقسم المال على عدد الطلقات فكان له بحسابه إن لم يحصل مقصودها، فإن حصل،
فإن كانت الواحدة مكملة للثلاث استحق الكل، وإن كان به على، فإما إن كانت المخالفة
بأنقص أو بأزيد، فإن كان بأنقص وقع بغير شئ، وإن كان الثاني كما لو سألته واحدة بألف
فطلقها ثلاثا، فإن ذكر المال في جوابه وقع الثلاث بالمسمى إن قبلت وإلا فلا، وإن لم يذكر
المال وقع الثلاث بغير شئ. وهذا كله إن ذكر الثلاث بكلمة واحدة، وإن ذكر متفرقة وقعت
الأولى بالمال وثنتان بغير شئ.
قوله: (أنت طالق بألف أو على ألف فقبلت لزم وبانت) يعني إن قبلت في المجلس لزم
المال وبانت المرأة وهو تكرار لأنه علم من قوله أو الباب الواقع به وبالطلاق على مال طلاق
بائن ولزمها المال إلا أنه زاد القبول هنا فقط، ولو ذكره عند قوله ولزمها المال لاستغنى عن
التطويل. وفي التتارخانية: لو قال لامرأته أنت طالق واحدة بألف فقالت قبلت نصف هذه
التطليقة طلقت واحدة بألف بلا خلاف، ولو قالت قبلت نصفها بخمسمائة كان باطلا. ولو
قالت لزوجها طلقني واحدة بألف فقال الزوج أنت طالق نصف تطليقة بألف درهم طلقت
تطليقة بألف درهم، ولو قال أنت طالق نصف تطليقة بخمسمائة طلقت واحدة بخمسمائة
اه‍. وفي المحيط معزيا إلى المتنقى: أنت طالق أربعا بألف فقبلت طلقت ثلاثا بألف، وإن
138

قبلت الثلاث لم تطلق لأنه علق الطلاق بقبولها الألف بإزاء الأربع اه‍. وفي المحيط: لو قال
لغير المدخولة أنت طالق ثلاثا للسنة بألف أو على ألف ولا نية له طلقت واحدة بثلث الألف
لأن جميع الأوقات في حق غير المدخولة وقت لطلاق السنة وقد قابل الألف بالثلاث فيتوزع
عليها، فإن تزوجها ثانيا طلقت أخرى بثلث الألف، وكذلك ثالثا لأن الايقاع كان صحيحا
فلا يرتفع بزوال الملك، فإذا وجد الملك، فإذا وجد الملك وجد الشرط فوقع ولا يحتاج إلى قبول جديد منها
لأن القبول يشترط في مجلس الخطاب وقد وجد إلا أن الوقوع تأخر لعدم المحل كما لو قال
أنت طالق غدا بألف فقبلت فجاء غد طلقت بألف من غير قبول، وإن كانت مدخولة وقعت
واحدة في طهر لم يجامعها فيه بثلث الألف ثم أخرى في الطهر الثاني وأخرى في الثالث بغير
شئ لأن البدل يجب مقابلا بملك النكاح وقد زال بالأولى فلا تملك نفسها بالثانية ليصح
الاعتياض عنها، وإن قبلت وهي مجامعة لم يقع شئ حتى تحيض وتطهر فيقع حينئذ كما
ذكرنا اه‍.
ثم اعلم أن الطلاق على مال يمين من جهته فتصح إضافته وتعليقة ولا يصح رجوعه
ولا يبطل بقيامه عن المجلس، ويتوقف على البلوغ إليها إذا كانت غائبة ومن جهتها مبادلة فلا
يصح تعليقها ولا إضافتها، ويصح رجوعها قبل قبول الزوج لو ابتدأت ويبطل بقيامها ومثل
قوله علي ألف على أن تعطيني ألفا بخلاف إذا أعطيتني أو إذا أجبتني بألف فلا تطلق حتى
تعطيه للتصريح بجعل الاعطاء شرطا بخلافه مع علي حتى إنه إذا كان على الزوج دين لها
وقعت المقاصة في مسألة على أن تعطيني دون أن أعطيتني إلا أن يرضى الزوج طلاقا مستقبلا
بألف له عليها، وذلك لأنه يقال على أن تعطيني كذا ويراد قبوله في العرف قال تعالى * (حتى
يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * [التوبة: 92] أي حتى يقبلوا للاجماع على أن بقبولها
139

ينتهي الحرب منهم ولكن بين أن وبين إذا ومتى فرق فإن في أن يتوقف الطلاق على
الاعطاء في المجلس بخلاف إذا ومتى. وفي جوامع الفقه: قال لأجنبية أنت طالق على
ألف إن تزوجتك فقبلت ثم تزوجها لا يعتبر القبول إلا بعد التزوج لأنه خلع بعد التزوج
فيشترط القبول بعد كذا في فتح القدير ولو قال لأنه طلاق على مال بعد التزوج لكان أولى.
وقد طلب مني بالمدرسة الصرغتمشية الفرق بين على أن تعطيني حيث توقف على القبول وبين
على أن تدخلي الدار حيث توقف على الدخول، وطلب أيضا الفرق بين أنت طالق على
دخولك الدار حيث توقف على قبولها لا على الدخول كما في الخانية وبين على أن تدخلي
حيث لا يكفي القبول مع أن إن والفعل بمعنى المصدر وها هنا قاعدة في الطلاق على مال
الأصل أنه متى ذكر طلاقين وذكر عقيبهما مالا يكون مقابلا بهما إذ ليس أحدهما بصرف
البدل إليه بأولى من الآخر إلا إذا وصف الأول بما ينافي وجوب المال فيكون المال حينئذ
مقابلا بالثاني، ووصفه بالمنافي كالتنصيص على أن المال بمقابلة الثاني وإن شرط وجوب المال
على المرأة حصول البينونة لأنه إنما يلزمها التملك نفسها. فلو قال لها أنت طالق الساعة
واحدة وغدا أخرى بألف أو قال على أنك طالق غدا أخرى بألف أو قال اليوم واحدة وغدا
أخرى رجعية بألف فقبلت تقع واحدة بخمسمائة للحال وغدا أخرى بغير شئ إلا أن يعود
ملكه قبله لأنه جمع بين تطليقة منجزة وتطليقة مضافة إلى الغد وذكر عقيبهما مالا فانصرف
إليهما، ألا ترى أنه لو ذكر مكان البدل استثناء ينصرف إليهما فيقع اليوم واحدة بخمسمائة،
فإذا جاء غد تقع أخرى لوجود الوقت المضاف إليه ولا يجب شئ لأنه شرط وجوب المال
بالطلاق الثاني حصول البينونة ولم تحصل لحصولها بالأولى حتى لو نكحها قبل مجئ الغد ثم
جاء الغد تقع أخرى بخمسمائة لوجود شرط وجوب المال. ولو قال أنت طالق الساعة واحدة
140

رجعية أو بائنة أو بغير شئ على أنك طالق غدا أخرى بألف تقع في الحال واحدة مجانا وغدا
أخرى بألف لتعذر الصرف إليهما لأنه وصف الأولى بما ينافي وجوب المال إلا أن في قوله
بائنة فيشترط التزوج لوجوب المال بالثاني. ولو قال أنت طالق ثلاثا للسنة بألف فقبلت يقع
في الطهر الأول واحدة بثلث الألف وفي الطهر الثاني أخرى مجانا لأنها بانت بالأولى ولا يجب
بالثانية المال إلا إذا نكحها قبل الطهر الثاني فحينئذ تقع أخرى بثلث الألف وفي الطهر الثالث
كذلك، كذا في فتح القدير. في التتارخانية: وإن طلق امرأته على أن تفعل كذا وقبلت لزمها
الطلاق على الفعل ثم ينظر، فإن كان جعلا فهو على ما ذكرت لك، وإن كان غير جعل فقد
مضي الطلاق. عن أبي يوسف: إذا طلق امرأته على أن تهب عنه لفلان ألف درهم أجبرها
على هذه الألف والزوج هو الواهب وإن لم يقل عنه لم تجبر على الهبة وعليها أن ترد المهر
والطلاق بائن ولا شئ عليها غير الهبة التي وهبت ولا رجوع في هذه الهبة لاحد. وعن
محمد في امرأة قالت لزوجها طلقني على أن أهب مهري من ولدك ففعل فأبت أن تهبه
فالطلاق رجعي ولا شئ عليها اه‍.
قوله: (أنت طالق وعليك ألف أو أنت حر وعليك ألف طلقت وعتق مجانا) يعني قبلا
أو لا عند الإمام، وعندهما وقع إن قبلا ولزمهما المال وإلا لا عملا بأن الواو للحال مجازا
لتعذر حملها على العطف للانقطاع لأن الأولى جملة إنشائية والثانية خبرية، وعنده الواو للعطف
هنا عملا بالحقيقة ولا انقطاع لأن التحقيق أن الجملة الأولى خبرية لا انشائية، كذا في فتح
القدير. وذكر في تحريره أن الأوجه أن الواو للاستئناف عدة أو غيره لا للعطف للانقطاع،
ولا شك أنه مجاز لكن ترجح على مجاز أنها للحال بالأصل وهو براءة الذمة وعدم إلزام المال
بلا معين، واتفقوا على أنها للحال في أد إلي ألفا وأنت حر وانزل وأنت آمن لتعذر
العطف لكمال الانقطاع بين الجملتين لكنه من باب القلب لأن الشرط الأداء والنزول،
واتفقوا على أنها بمعنى الباء وهو المعاوضة في قوله احمل هذا الطعام ولك درهم لأن
المعاوضة في الإجارة أصلية، واتفقوا على تعين الأصل وهو العطف من غير احتمال غيره في
141

خذه واعمل به في البز للانشائية فلا تتقيد المضاربة به ولو نوى، واتفقوا على احتمال
الامرين في أنت طالق وأنت مريضة أو مصلية لأنه لا مانع من كل منهما ولا معني فيتنجز
الطلاق قضاء ويتعلق ديانة إن أراده. فالضابط الاعتبار بالصلاحية وعدمها فإن تعين معنى
الحال تقيد وإلا فإن احتمل فالمعين النية وإلا كانت لعطف الجملة، كذا في التحرير والبديع.
وعلى هذا الخلاف لو قالت طلقني ولك ألف أو اخلعني ولك ألف ففعل فعنده وقع ولم يجب
المال. وقالا: يجب المال، كذا في الكافي. وفي المحيط: لو قالت طلقني ولك ألف فقال
طلقتك على الألف التي سميتها إن قبلت يقع الطلاق ويجب المال، وإن لم تقبل لا يقع الطلاق
ولم يجب عنده لأنها التمست طلاقا بغير عوض لأن قولها ولك ألف لم يكن تعويضا على
الطلاق فقد أعرض الزوج عما التمست حيث أوقع طلاقا بعوض، فإن قبلت وقع وإلا
بطل. وعندهما يقع ويجب المال ا ه‍. ثم اعلم أن الوقوع مجانا مع ذكر المال لا يختص بمسألة
الكتاب بل يكون في مسائل أخرى منها لو قال أنت طالق على عبدي هذا فإذا هو حر فقبلت
طلقت مجانا لعدم صحة التسمية، وأوجب عليها زفر قيمته قياسا على تسمية عبد الغير،
وفرقنا بإمكان تسليمه بإجازة مالكه في المقيس عليه وفي المقيس لا يتصور تسليمه. ومنها لو
قالت طلقني واحدة بألف أو على ألف فطلقها ثلاثا ولم يذكر الألف طلقت ثلاثا مجانا عنده
للمخالفة، وعندهما طلقت ثلاثا وعليها الألف بإزاء الواحدة لأنه مجيب بالواحدة مبتدئا
بالباقي، وإن ذكر الألف لا يقع شئ عنده ما لم تقبل المرأة، وإذا قبلت الكل وقع الثلاث
بالألف، وعندهما إن لم تقبل فهي طالق واحدة، فقط، وإن قبلت طلقت ثلاثا واحدة بألف
وثنتان بغير شئ، كذا في الكافي.
قوله: (وصح خيار الشرط لها لا له) لما قدمنا أنه معاوضة من جهتها ويمين من جهته
ولذا صح رجوعها قبل القبول ولا تصح إضافتها وتعليقها بالشرط، ولا يتوقف على ما وراء
المجلس وانعكست الأحكام من جانبه وهما منعاه من جانبها أيضا نظرا إلى جانب اليمين،
والحق ما قاله الإمام رضي الله تعالى عنه. أطلقه فشمل الخلع والطلاق على مال ويتفرع على
هذا الأصل مسائل منها ما لو قال أنت طالق على ألف على أنني بالخيار ثلاثة أيام فقبلت بطل
الخيار ووقع الطلاق. ومنها ما لو قال أنت طالق على ألف على أنك بالخيار ثلاثة أيام فقبلت
إن ردت الطلاق في الأيام الثلاثة بطل الطلاق، وإن اختارت الطلاق في الأيام الثلاثة وقع
142

ووجب الألف له، وعندهما الطلاق واقع في الوجهين والمال لازم عليها والخيار باطل في
الوجهين، كذا في الكافي وغيره. وفي فتاوى قاضيخان من باب الاكراه: لو قال لامرأته
أنت طالق على ألف على إنك بالخيار ثلاثة أيام فقبلت يقع الطلاق ولها الخيار في قول أبي
حنيفة ا ه‍. وهو مشكل والظاهر أنه سبق قلم فإن الطلاق لا يقع قبل إسقاط الخيار إما
بالرضا أو بمضي المدة لا أنه وقع ثم يرتفع بالفسخ بالخيار ولذا قال في البدائع: إن أبا
يوسف ومحمدا يقولان في مسألة الخيار إن الخيار إنما شرع للفسخ والخلع لا يحتمل الفسخ.
وجواب أبي حنيفة عن هذا أن محل الخيار في منع انعقاد العقد في حق الحكم على أصل
أصحابنا فلم يكن العقد منعقدا في حق الحكم للحال بل موقوف إلى وقت سقوط الخيار
فحينئذ يعمل على ما عرف في البيوع ا ه‍. فإن قلت: هل يصح اشتراط الخيار لها بعد
الخلع؟ قلت: لم أره صريحا ومقتضى جعله كالبيع أن يصح لأن شرط الخيار اللاحق بعد البيع
كالمقارن مع أن فيه اشكالا لأن الطلاق وقع حيث كان بلا شرط فكيف يرتفع بعد وقوعه؟
وأطلق في المدة فشمل اشتراطه لها أكثر من ثلاثة عنده والفرق للإمام بينه وبين البيع أن
اشتراطه في البيع على خلاف القياس لأنه من التمليكات فيقتصر على مورد النص، وفي
الخلع على وفقه لأنه من الاسقاطات، والمال وإن كان مقصودا فيه بالنظر إلى العاقد لكنه تابع
في الثبوت في الطلاق الذي هو مقصود العقد كما أن الثمن تابع في البيع وبالنظر إلى
المقصود يلزم أن لا يتقدر بالثلاث، كذا في الكشف من آخر بحث الهزل، فعلى هذا إذا قدرا
وقتا ومضى بطل الخيار سواء كان ثلاثة أو أكثر ووقع الطلاق ولزم المال، وإذا أطلقا ينبغي
أن يكون لها الخيار في مجلسها فقط، فإن قامت منه بطل استنباطا مما إذا أطلقا في البيع لما أنه
له شبه البيع. وذكر الشارح أن جانب العبد في العتاق مثل جانب المرأة في الطلاق حتى صح
اشتراط الخيار له دون المولى. ثم اعلم أنهم نقلوا هنا أنه لا يصح تعليقها للخلع لكونه
معاوضة من جهتها، وقد ذكر الحاكم في الكافي أنها لو قالت إن طلقتني ثلاثا فلك علي ألف
درهم، فإن قبل في المجلس فله الألف، وإن قبل بعده فلا شئ له. وعزاه إليه في فتح
القدير ولم يتعقبه مع أنه تعليق منها له بصريح الشرط. وظاهر إطلاقهم أنه لا فرق بين أن
يعلق القبول أو الايجاب. وفي البزازية: خالعها وقالت إن لم أؤد البدل إلى أربعة أيام فالخلع
باطل فمضت المدة ولم تؤد فهذه بمنزلة شرط الخيار في الخلع وأنه على الخلاف إذا كان من
143

جانبها ا ه‍. يعني إذا مضت المدة قبل الأداء بطل الخلع وإن أدت في المدة وقع كمسألة خيار
العقد في البيع، واستفيد منه أن الخيار لا يتقيد بالثلاث كما قدمناه صريحا. وقيد بخيار
الشرط لأن خيار الرؤية لا يثبت في الخلع ولا في كل عقد لا يحتمل الفسخ كما ذكره
العمادي في فصوله، وأما خيار العيب في بدل الخلع فثابت في العيب الفاحش دون اليسير
والفاحش ما يخرجه من الجودة إلى الوساطة ومن الوساطة إلى الرداءة ا ه‍. وفي جامع
الفصولين: الأصل أن من له الرجوع عن خطابه قولا يبطل خطابه بقيامه ومن لا رجوع له لا
يبطل بقيامه ثم قال: والحاصل أن الخلع من جانبه يبطل بقيامها لا بقيامه ومن جانبها يبطل
بقيام كل منهما ا ه‍.
قوله: (طلقتك أمس بألف فلم تقبلي وقالت قبلت صدق بخلاف البيع) والفرق أن
الطلاق على مال بلا قبول عقد تام وهو عقد يمين فلا يكون إقراره به اقرارا بقبول المرأة، أما
البيع بلا قبول المشتري فليس ببيع فكان إقراره به اقرارا بقبول المشتري، فدعواه بعده عدم
قبول تناقض ومراده من تصديق الزوج قبول قوله مع يمينه كما نص عليه العمادي في
الفصول، ولو قيد المسألة بالمال كما في الهداية لكان أولى ولولا ما ذكره المصنف في الكافي
شرحا لقوله بخلاف البيع من أن صورته ما لو قال لغيره بعت منك هذا العبد بألف درهم
أمس فلم تقبل وقال المشتري قبلت إلى آخره لشرحت قوله بخلاف البيع بما لو قال بعتك
طلاقك أمس فلم تقبلي فقالت بل قبلت، فقد نص في فتح القدير أن القبول لها لمناسبته
للطلاق وفيه: ولو قال لعبده أعتقك أمس على ألف فلم تقبل وبعتك أمس نفسك منك بألف
فلم تقبل على قياس قول الزوج لها ا ه‍. وفي التتارخانية: لو أقاما بينة أخذ ببينة المرأة ا ه‍.
وفي البزازية: ادعى الخلع على حالها والمرأة تنكر يقع الطلاق بإقراره والدعوى في المال على
حالها وعكسه لا يقع كيفما كان ادعت المهر أو نفقة العدة، لأنه طلقها وادعى الخلع وليس
لها بينة ففي حق المهر القول لها وفي النفقة قوله ا ه‍. وينبغي حمله على ما إذا كان مدعيا أن
نفقة العدة من جملة بدل الخلع وعلى تقديره فالفرق أن المهر كان ثابتا عليه قبله فدعواه سقوطه
غير مقبول، وأما نفقة العدة فليست واجبة قبله وهي تدعي استحقاقها بالطلاق وهو ينكر
فكان القول له وهو مشكل فإنهما اتفقا على سبب استحقاقها لأن الخلع والطلاق يوجبان نفقة
العدة فكيف تسقط؟ وفي جامع الفصولين: اختلفا في كمية الخلع فقال مرتان وقالت ثلاث
قيل القول له، وقيل لو اختلفا بعد التزوج فقالت لم يجز التزوج لأنه وقع بعد الخلع الثالث
144

وأنكره فالقول له، ولو اختلفا في العدة وبعد مضيها فقال هي عدة الخلع الثاني وقالت هي
عدة الخلع الثالث فالقول لها فلا يحل النكاح ا ه‍. وفي القنية: لو أقامت بينة أن زوجها
المجنون خالعها في صحته وأقام وليه أو هو بعد الإفاقة بينة أنه خالعها في جنونه فبينة المرأة
أولى ا ه‍. وفي كافي الحاكم: قال لها قد طلقتك واحدة بألف فقبلت فقالت إنما سألتك
ثلاثا بألف فطلقتني واحدة فلك ثلثها فالقول للمرأة مع يمينها، فإن أقاما البينة فالبينة بينة
الزوج، وكذا لو اختلفا في مقدار الجعل بعد الاتفاق على الخلع أو قالت اختلعت بغير شئ
فالقول قولها والبينة بينة الزوج، أما إذا اتفقا أنها سألته أن يطلقها ثلاثا بألف وقالت طلقتني
واحدة وقال هو ثلاثا فالقول قوله إن كانا في المجلس، ألا ترى أنه لو قال لها أنت طالق
أنت طالق أنت طالق في مجلس سؤالها الثلاث بألف كان له الألف؟ فغاية هذا أن يكون
موقعا الباقي في المجلس فيكون مثله، وإن كان غير ذلك المجلس لزمها الثلاث، وإن كانت
في العدة فمن المتفق عليه ولا يكون للزوج إلا ثلث الألف، وإن قالت سألتك أن تطلقني
ثلاثا على ألف فطلقتني واحدة فلا شئ لك يعني على قول أبي حنيفة، وقال هو بل سألتني
واحدة على ألف فطلقتكها فالقول قولها على قول أبي حنيفة، وإن قالت سألتك ثلاثا بألف
فطلقتني في ذلك المجلس واحدة والباقي في غيره وقال بل الثلاث فيه فالقول لها، وإن قالت سألتك أن تطلقني أنا وضرتي على ألف فطلقتني وحدي وقال طلقتها معك وقد افترقا من ذلك
المجلس فالقول لها وعليها حصتها من الألف والأخرى طالق بإقراره، وكذا إذا قالت فلم
تطلقني ولا في ذلك المجلس، وفي مسألة خلع الثنتين بسؤال واحد تنبيه وهو أنه إذا خلع
امرأتيه على ألف كانت منقسمة على قدر ما تزوجهما عليه من المهر حتى لو سألتاه طلاقهما على
ألف أو بألف فطلق إحداهما لزم المطلقة حصتها من الألف على قدر ما تزوجها عليه، فإن طلق
الأخرى في ذلك المجلس أيضا لزمها حصتها لأن الألف تنقسم عليهما بالسوية، ولو طلقهما
بعدما افترقوا فلا شئ له. وإذا ادعت المرأة الخلع والزوج ينكره فأقامت بينة فشهد أحدهما
بالألف والآخر بألف وخمسمائة أو اختلفا في جنس الجعل فالشهادة باطلة. وإن كان الزوج هو
المدعي للخلع والمرأة تنكره فشهد أحد شاهديه بألف والآخر بألف وخمسمائة والزوج يدعي ألفا
وخمسمائة حازت شهادتهما على الألف، وإن ادعى ألفا لم تجز شهادتهما ولزمه الطلاق بإقراره،
كذا في فتح القدير. وفيه: لو اختلفا في مقدار العوض فالقول لها عندنا، وعند الشافعي
يتحالفان ا ه‍. وفي البزازية: دفعت بدل الخلع وزعم الزوج أنه قبضه بجهة أخرى، أفتى
الإمام ظهير الدين أن القول له، وقيل لها لأنها المملكة.
145

قوله: (ويسقط الخلع والمبارأة كل حق لكل واحد على الآخر مما يتعلق بالنكاح حتى لو
خالعها أو باراها بمال معلوم كان للزوج ما سمت له ولم يبق لأحدهما قبل صاحبه دعوى في
المهر مقبوضا كان أو غير مقبوض قبل الدخول بها أو بعده) لأن الخلع كالبراءة يقتضي البراءة
من الجانبين لأنه ينبئ عن الخلع وهو الفصل ولا يتحقق ذلك إلا إذا لم يبق لكل واحد منهما
قبل صاحبه حق وإلا تحققت المنازعة بعده. والمبارأة بالهمزة وتركها خطأ وهي أن يقول
الزوج برئت من نكاحك بكذا، كذا في شرح الوقاية. ولا يخفى وقوع الطلاق البائن في هذه
الصورة وقد صورها في فتح القدير بأن يقول بارأتك على ألف وتقبل ولم يذكر وقوع الطلاق
به، وقد صرح بوقوع الطلاق بهذا اللفظ في الخلاصة والبزازية لكن قال فيها نية الطلاق في
الخلع والمبارأة شرط الصحة إلا أن المشايخ لم يشترطوه في الخلع لغلبة الاستعمال، ولان
الغالب كون الخلع بعد مذاكرة الطلاق، فلو كانت المبارأة أيضا كذلك لا حاجة إلى النية وإن
كان من الكنايات وإن لم يكن كذلك فبقيت مشروطه في المباراة وسائر الكنايات على الأصل
ا ه‍. وشمل أول كلامه ستة عشر وجها لأنه لا يخلو إما أن لا يسميا شيئا أو سميا المهر أو
بعضه أو مالا آخر، وكل وجه على وجهين إما أن يكون المهر مقبوضا أو لا، وكل على
وجهين إما أن يكون قبل الدخول أو بعده، فإن لم يسميا شيئا برئ كل منهما كما صححه
في الخلاصة والبزازية. وعبارة الخلاصة: لو خالعها ولم يذكر العوض عليها فهو على وجوه:
الأول أن يسكت عنه: ذكر شمس الأئمة السرخسي في نسخته أنه يبرأ كل واحد منهما عن
دعوى صاحبه وذكر الإمام خواهر زاده أن هذا إحدى الروايتين عن أبي حنيفة، وهو
الصحيح وإن لم يكن على الزوج مهر فعليها رد ما ساق إليها من المهر لأن المال مذكور عرفا
بذكر الخلع، وفي رواية عن أبي حنيفة وهو قولهما أنه لا يبرأ أحدهما عن صاحبه ا ه‍.
وهكذا ذكر في البزازية وظاهر عبارتهما أولا أن المهر إذا كان مقبوضا فلا رجوع له عليها،
وصريح كلامهما ثانيا الرجوع. وقد صرح قاضيخان في فتاويه في هذه الصورة بأنها ترد ما
146

ساق إليها من المهر فحينئذ لم يبرأ كل منهما عن صاحبه، وقد ظهر لي أن محل البراءة لكل
منهما ما إذا خالعها بعد ما دفع لها معجل المهر وقد بقي مؤجله فإنه يبرأ عن مؤجله وتبرأ
هي عن معجله، ولذا قال في المحيط: وهو الصحيح أنه يسقط من المهر ما قبضت المرأة فهو
لها وما كان باقيا في ذمة الزوج يسقط ا ه‍. وفي البزازية: قال لها خلعتك فقالت قبلت لا
147

يسقط شئ من المهر ويقع الطلاق البائن بقوله إذا نوى ولا دخل لقبولها حتى إذا نوى الزوج
الطلاق ولم تقبل المرأة يقع البائن، وإن قال لم أرد الطلاق لا يقع ويصدق قضاء وديانة
بخلاف قوله خالعتك فقالت قبلت يقع الطلاق والبراءة ا ه‍. وحاصله أن الفرق بين
خلعتك وخالعتك من وجهين: الأول أن خلعتك لا يتوقف على القبول بخلاف
خالعتك. الثاني لا يبرأ في الأول ويبرأ في الثاني فلذا قال في الكتاب: حتى لو خالعها
بصيغة المفاعلة. الثاني أن يصرح بنفي العوض فيه كما لو قال لها اخلعي نفسك مني بغير
شئ ففعلت وقبل الزوج صح بغير شئ لأنه صريح في عدم المال ووقوع البائن، كذا في
البزازية. يعني فلا يبرأ كل منهما عن حق صاحبه كما لا يخفى. الثالث أن يقع ببدل على
الزوج.
قال في البزازية قال الإمام في الاسرار: يجوز الخلع ولا يجوز بدل المال. وقال
بعضهم: يجوز والمختار الجواز، وطريقه أن يحمل على الاستثناء من المهر لأن الخلع يوجب
براءته من المهر فكأنه قال إلا قدرا من المهر فإنه لا يسقط عني، فإن لم يكن عليه مهر يجعل
كان ذلك القدر استثنى عن نفقة العدة، فإن زاد على نفقة العدة يجعل كأنه زاد على مهرها
ذلك القدر قبل الخلع ثم خالع تصحيحا للخلع بقدر الامكان ا ه‍. وبه علم حكم ما إذا
خالعها واشترطت عليه أن يدفع لها بعض المهر فإنه صحيح. الرابع أن يقع بشرط أن يكون
المهر لولدها أو لأجنبي. قال في البزازية: خالعها على أن يجعل صداقها لولدها أو لأجنبي
جاز والمهر للزوج لا لغيره ا ه‍. وإن سميا المهر فإن كان مقبوضا رجع بجميعه وإلا سقط
عنه كله مطلقا في الأحوال كلها. وفي البزازية: خلع زوجته على أن ترد عليه جميع ما قبضت
منه وكانت وهبته أو باعته من إنسان ولم ترد ذلك عليه رجع عليها بقيمة ذلك إن عروضا
وبالمثل في المكيلات والموزونات كأنه استحق بدل الخلع فيرجع بالقيمة ا ه‍. وفيها: خالعها
بغير خسران يلحق الزوج إذا أبرأته عن مهرها يقع الطلاق وإلا لا لأن ارتفاع الخسران يكون
بسلامة المهر له ا ه‍. وإن سميا بعض المهر كالعشر مثلا فإن كان مقبوضا رجع بالمسمى فقط
148

إن كان بعد الدخول وسلم لها الباقي وبنصفه فقط إن كان قبله، وإن لم يكن مقبوضا سقط
الكل مطلقا المسمى بحكم الشرط والباقي بحكم لفظ الخلع. وإن سميا مالا آخر غير المهر فله
المسمى وبرئ كل منهما مطلقا في الأحوال كلها. وبما قررناه ظهر أن قولهم الخلع يسقط
كل الحقوق ليس في جميع الصور ويستثنى منه ما إذا خالعها على مهرها أو بعضه وكان
مقبوضا فإنها ترده ولا تبرأ. ومقتضى إطلاقهم البراءة إلا أن يقال إن مرادهم البراءة عن سائر
الحقوق ما عدا بدل الخلع والمهر بدل الخلع فلا تبرأ عنه كما لو كان مالا آخر. وبما قررناه
ظهر أن الوجوه أربعة وعشرون، لأنه إما أن يسكتا عن البدل أو ينفى أو يشترط على الزوج
أو عليها أو مهرها أو بعضه، وكل على وجهين إما أن يكون مقبوضا أو لا، وكل على
وجهين إما أن يكون قبل الدخول أو بعده. هذا إن كان المسمى معلوما موجودا متقوما أو
محمولا جهالة مستدركة كثوب هروي أو مروي. وإن فحشت الجهالة كمطلق ثوب أو تمكن
الخطر بأن خلعها على ما يثمر نخلها العام أو على ما في البيت وليس فيه شئ بطلت التسمية
وردت ما قبضت من المهر، كذا في البزازية. وقدمناه. ثم اعلم أنه بقي هنا صورة وهي ما
في البزازية: اختلفت مع زوجها على مهرها ونفقة عدتها على أن الزوج يرد عليها عشرين
درهما صح ولزم الزوج عشرون، دليله ما ذكر في الأصل: خالعت على دار على أن الزوج
يرد عليها ألفا لا شفعة فيه، وفيه دليل على أن إيجاب بدل الخلع عليه يصح. وفي صلح
القدوري: ادعت عليه نكاحا وصالحها على مال بذله لها لم يجز، وفي بعض النسخ جاز
والرواية الأولى تخالف المتقدم، والتوفيق أنها إذا خالعت على بدل
يجوز إيجاب البدل على الزوج أيضا ويكون مقابلا ببدل الخلع، وكذا إذا لم يذكر نفقة العدة في الخلع ويكون تقديرا
لنفقة العدة، أما إذا خالعت على نفقة العدة ولم تذكر عوضا آخر ينبغي أن لا يجب بدل الخلع
على الزوج وقد ذكرنا ما فيه من الوجه ا ه‍.
قيد بالخلع والمبارأة لأن الطلاق على مال لا يسقط شيئا مما يتعلق بالنكاح في ظاهر
الرواية وصححه الشارحون وقاضيخان وفي البزازية والولوالجية وعليه الفتوى بعد أن حكي
149

أن فيه روايتين عن الإمام وأن عندهما هو كالخلع. وفي موضع منها: طلقها على ألف قبل
الدخول ولها عليه ثلاثة آلاف تسقط ألف وخمسمائة بالطلاق قبل الدخول وبقي عليه ألف
وخمسمائة وتقاصا بألف، ولا ترجع عليه بخمسمائة عند البلخي وترجع عند غيره، وعليه
الفتوى بناء على أن صريح الطلاق بقدر من المال هل يوجب البراءة من المهر عند الإمام أم
لا، فالبلخي يوجبه وغيره لا ا ه‍. ثم اعلم أن الأولى في التعبير أن يقال إن الطلاق على مال
لا يسقط المهر فقد صرح في شرح الوقاية والخلاصة والبزازية والجوهرة بأن النفقة المقتضى بها
تسقط بالطلاق. وأطلقوه فشمل الطلاق بمال وغيره وسنتكلم عليه إن شاء الله تعالى
في كتاب النفقات. وأما الخلع بلفظ البيع والشراء فقال قاضيخان في فتاواه: إنه لا يوجب
البراءة عن المهر إلا بذكره اتفاقا وهو الصحيح. وصحح في الفتاوى الصغرى أنه يوجب
البراءة كالخلع واختاره العمادي في الفصول. وأطلق في الحق فشمل المهر والنفقة المفروضة
والماضية والكسوة كذلك، وأما المتعة فقال في البزازية: خالعها قبل الدخول وكان لم يسم
مهرا تسقط المتعة بلا ذكر ا ه‍. وأما نفقة العدة فلم تدخل تحت العموم لأنها لم تكن واجبة
قبل الخلع لتسقط به وإنما تسقط بالتنصيص. قال البزازي: اختلعت بمهرها ونفقة عدتها
صح وإن لم تجب النفقة بعد وهي مجهولة لدخولها تبعا كبيع الشرب تبعا للأرض وإن كان
مجهولا. وفي شرح الطحاوي: خالعها على نفقة العدة صح ولا تجب النفقة بخلاف ما لو
أبرأت الزوج عن النفقة في المستقبل لا يصح. وفي الظهيرية: إن أبرأته عن نفقة العدة بعد
الخلع لا يصح، وكذا بعد الطلاق وقيل يصح وهو الأشبه ا ه‍. ما في البزازية. وفيها في
موضع آخر: اختلعت بتطليقة بائنة على كل حق يجب للنساء على الرجال قبل الخلع وبعده ولم
يذكر الصداق ونفقة العدة تثبت البراءة عنهما لأن المهر ثابت قبل الخلع وبعد تثبت نفقتها
ا ه‍. وفي الخانية من العدة: رجل طلق امرأته ثم صالحته من نفقة العدة على شئ إن كانت
عدتها بالأشهر جاز الصلح لأن زمان العدة معلوم، وإن كانت عدتها بالحيض لا يجوز لأن
المدة غير معلومة ا ه‍. وأما السكني فلم يصح أسقاطها بحال لما أن سكناها في غير بيت
الطلاق معصية إلا إن أبرأته عن مؤنة السكن بأن كانت ساكنة في بيت نفسها أو تعطى
الأجرة من مالها فيصح التزامها ذلك، كذا في فتح القدير. أما إذا شرطا البراءة من نفقة
الولد وهي مؤنة الرضاع إن وقتا لذلك وقتا كسنة مثلا صح ولزم وإلا لا يصح. وفي
المنتفى: إن كان الولد رضيعا صح وإن لم يبين المدة وترضعه حولين ا ه‍. بخلاف الفطيم كذا
في فتح القدير. واقتصر في البزازية على ما في المنتفى فإن تركته على الزوج وهربت فللزوج
أن يأخذ قيمة النفقة منها ولها أن تطالبه بكسوة الصبي إلا إذا اختلعت على نفقته وكسوته
150

فليس لها أن تطالبه وإن كانت الكسوة مجهولة، سواء كان الولد رضيعا أو فطيما. ولو خالعته
على نفقة ولده شهرا وهي معسرة فطالبته بنفقته يجبر عليها وعليه الاعتماد لا على ما أفتى به
بعضهم من سقوط النفقة، كذا في فتح القدير: وهو المذكور في القنية.
وإن مات الولد قبل تمام الوقت كان للزوج الرجوع عليه بحصة الاجر إلى تمام المدة.
والحيلة في براءتها أن يقول الزوج خالعتك على أني برئ من نفقة الولد إلى سنتين. فإن مات
الولد قبلها فلا رجوع لي عليك، كذا في الخانية، بخلاف ما لو استأجر الطئر للارضاع سنة
بكذا على أنه إن مات قبلها فالاجر كله لها فالإجارة فاسدة، كذا في إجارات الخلاصة.
ومقتضى مسألة موت الولد قبل المدة أن نفقة العدة لو جعلت بدلا في الخلع ثم لم تسكن في
منزل الطلاق حتى صارت ناشزة وسقطت نفقتها أن يرجع الزوج عليها بالنفقة وأنه إذا شرط
أنها إذا لم تسكن فلا رجوع أن يصح الشرط كما لا يخفى فإن قلت: إذا خالعها على نفقة
العدة ثم تزوجها بعد خمسة أيام مثلا فهل يرجع عليها ببقية النفقة؟ قلت: نعم لما في القنية:
اختلعت نفسها بالمهر ونفقة العدة ونفقة ولده سنة ثم مات الولد بعد خمسة أيام وتزوجها
يرجع بنفقة بقية العدة وبقية نفقة ولده سنة ا ه‍. وهو دليل لما ذكرناه في مسألة النشوز. ثم
اعلم أن موتها وعدم وجود ولد في بطنها كموته في أثناء المدة من كونها ترد قيمة الرضاع كما
في المحيط. ولو اختلعت على أن تمسكه إلى وقت البلوغ صح في الأنثى لا الغلام، وإذا
تزوجت فللزوج أن يأخذ الولد ولا يتركه عندها، وإن اتفقا على ذلك لأن هذا حق الولد
وينظر إلى مثل إمساك الولد في تلك المدة فيرجع به عليها، كذا في فتح القدير. ومقتضاه أنها
لو قصرت في الانفاق عليه أن يرجع عليها بقيمة النفقة وينفق هو عليه نظرا له. وفي
الولوالجية من كتاب الصلح: صالحها على أن يطلقها على أن ترضع ولده سنتين على أن زادها
ثوبا بعينه وقبضته فاستهلكته وأرضعت الصبي سنة ثم مات فإن الزوج يرجع عليها إذا كانت
قيمة الثوب والمهر سواء بنصف قيمة الثوب وبربع قيمة الرضاع. ولو زادت مع ذلك شاة
قيمتها مثل قيمة الرضاع رجع عليها بربع الثوب وبربع قيمة الرضاع وسلمت له الشاة
151

وتوضيحه فيها وقد أطال في بيانه فليراجع. قيد بقوله مما يتعلق بالنكاح لأنهما لا يوجبان
البراءة من دين آخر سوى النكاح على الصحيح لأنه وإن كان مطلقا فقد قيدناه بحقوق النكاح
لدلالة الغرض. وادعى في الجوهرة الاجماع عليه وليس بصحيح فقد روي عن الإمام البراءة
عن سائر الديون كما في فتح القدير. فإن قلت: لو اختلعت على أن لا دعوى لكل على
صاحبه هل يشمل ما ليس من حقوق النكاح؟ قلت: مقتضى الابراء العام ذلك لكن المنقول
في البزازية: اختلعت على أن لا دعوى لكل على صاحبه ثم ادعى أن له عندها كذا من
القطن يصح لأن البراءة تختص بحقوق النكاح ا ه‍. وكأنه لما وقع في ضمن الخلع تخصص
بما هو من حقوق النكاح وأراد بالنكاح ما ارتفع بهذا الخلع لأنه إذا تزوج امرأة على مهر
مسمى ثم طلقها بائنة بعد الدخول ثم تزوجها ثانيا بمهر آخر ثم اختلعت منه على مهرها
برئ الزوج عن المهر الذي يكون في النكاح الثاني دون الأول، كذا في الخانية. وإنما نص
على المهر ليعلم سقوط باقي الحقوق بالأولى. وأطلق النكاح فانصرف إلى الصحيح فالخلع في
الفاسدة غير مسقط لمهر المثل كما في البزازية. وقيد بقوله خالعها المفيد لكونه خاطبها لأنه
لو خالعها مع أجنبي بمال فإنه لا يسقط المهر لأنه لا ولاية للأجنبي في إسقاط حقها وهو
خلع الفضولي وسنتكلم عليه مع خلع الوكيل والرسول إن شاء الله تعالى.
قوله: (ولو خلع صغيرة بمالها لم يجز عليها) أي لا يلزمها المال لأنه لا نظر لها فيه
لعدم تقوم البضع حالة الخروج، وإنما فسرنا عدم الجواز في كلامه بعدم لزوم المال لأن الصحيح
وقوع الطلاق كما في الهداية لأنه تعليق بشرط قبوله فيعتبر بالتعليق بسائر الشروط.
هذا إذا قبل الأب، فإن قبلت وهي عاقلة تعقل أن النكاح جالب والخلع سالب وقع الطلاق
بالاتفاق ولا يلزمها المال. وذكر صاحب المنظومة أن خلع الصغيرة بمال مع الزوج إن كان
بلفظ الخلع يقع البائن، وإن كان بلفظ الطلاق يقع الرجعي. وفي جامع الفصولين: لو طلق
الصبية بمال يقع رجعيا وفي الأمة يصير بائنا إذا الطلاق بمال يصح في الأمة لكنه مؤجل
وفي الصبية يقع بلا مال ا ه‍. وفي جوامع الفقه: طلقها بمهرها وهي صغيرة عاقلة فقبلت
وقعت طلقة ولا يبرأ. وإن قبل أبوها أو أجنبي روى هشام عن محمد أنه يقع، وروى
الهندواني عن محمد أنه لا يقع، فلو بلغت وأجازت جاز، كذا في فتح القدير. وذكر الشارح
ولو شرط الزوج البدل عليها توقف على قبولها إن كانت أهلا، فإن قبلت وقع اتفاقا ولا يلزم
المال، وإن قبل الأب عنها صح في رواية لأنه نفع محض لأنها تتخلص بلا مال، ولا يصح
في أخرى لأن قبولها بمعنى شرط اليمين وهو لا يحتمل النيابة وهذا هو الأصح ا ه‍. أطلق
في مالها فشمل مهرها الذي على الزوج ولذا قال في البزازية: والخلع على مهرها ومال آخر
سواء في الصحيح ا ه‍. وقيد بالصغيرة ليفيد أنه لو خلع كبيرته بلا إذنها فإنه لا يلزمها المال
بالأولى لأنه كالأجنبي في حقها. وفي البزازية: الكبيرة إذا خلعها أبوها أو أجنبي بإذنها جاز
152

والمال عليها وإن بلا إذنها لم يجز وترجع بالصداق على الزوج والزوج على الأب إن ضمن
الأب، وإن لم يضمن فالخلع يتوقف على قبولها إن قبلت تم الخلع في حق المال، وهذا دليل
على أن الطلاق واقع، وقيل لا يقع الطلاق ها هنا إلا بإجازتها ا ه‍. وقيد بالأب لأنه لو
جرى الخلع بين زوج الصغيرة وأمها فإن أضافت الام البدل إلى مال نفسها أو ضمنت تم
الخلع كالأجنبي، وإن لم تضف ولم تضمن لا رواية فيه، والصحيح أنه لا يقع الطلاق بخلاف
الأب. وإن كان العاقد أجنبيا ولم يضمن البدل إن كانت الصغيرة تعقل العقد والزوج
والصداق أنه ما هو يتوقف على إجازتها، وقيل لا يتوقف، ومذهب مالك أن الأب إذا علم
أن الخلع خير لها بأن كان الزوج لا يحسن عشرتها فالخلع على صداقها صحيح، فإن قضى به
قاض نفذ قضاؤه، كذا في البزازية. وفيها: وإذا أراد أن يصح خلع الصغيرة على وجه يسقط
المهر والمتعة عن زوجها يخالع أجنبي مع زوجها على مال قدر المهر والمتعة فيجب البدل على
الأجنبي للزوج ثم يحيل الزوج بما عليه من الصداق والمتعة لمن له ولاية قبض صداقها على
ذلك الأجنبي فيبرأ الزوج عن المهر ويكون في ذمة ذلك الرجل ا ه‍. وفيها من موضع آخر:
وحيلة أخرى أن يحيل الزوج بالصداق على الأب فيبرأ الزوج منه وينتقل إلى ذمة الأب والأب
يملك قبول الحوالة إذا كان المحتال عليه املا من المحيل والغالب كون الأب أملا من الزوج،
كذا لو كان المحتال عليه مثل المحيل في الملاءة، ذكره في الجامع الصغير. وذكر اسحق
الولوالجي أنه لا يملك قبولها لو مثله في الملاءة ولو كان المخالع وليا غير الأب جعله القاضي
وصيا حتى يملك قبولها. وذكر الحاكم حيلة أخرى وهو أن يقرب الأب بقبض صداقها ونفقة
عدتها ثم يطلقها الزوج بائنا. وهذا خاص بالأب لصحة إقراره بالقبض بخلاف سائر الأولياء
ويبرأ الزوج في الظاهر لاقرار الأب لا في إقرار غيره، ويكتب إقرار الأب بقبض حقها
وطلاق الزوج بائنا ا ه‍. وتعقبه في جامع الفصولين بأن الأب إذا كان كاذبا في الاقرار لم
يبرأ الزوج عند الله ويحرم عليه فلم تكن هذه الحيلة شرعية ولذا قال في الظاهر ا ه‍. وفيها
أيضا: وكلت الصغيرة بالخلع ففعل الوكيل في رواية يصح ويتم الخلع وله البدل، وفي رواية
لا إلا إذا ضمن الوكيل البدل، وإن لم يضمن الوكيل البدل لا يقع الطلاق. قال لها وهي
صغيرة إن غبت عنك فأمرك بيدك فطلقي نفسك مني متى شئت بعد أن تبرئي ذمتي من المهر
فوجد الشرط فطلقت نفسها بعد ما أبرأته لا يسقط المهر لعدم صحته ابراء الصغيرة ويقع
الرجعي لأنه كالقائل لها عند وجود الشرط أنت طالق على كذا وحكمه ما ذكرنا ا ه‍. وقيد
153

بالأنثى لأنه لو خلع ابنه الصغير لا يصح ولا يتوقف خلع الصغير على إجازة الولي ا ه‍.
وحاصله أنه في الصغيرة لا يلزم المال مع وقوع الطلاق وفي الصغير لا وقوع أصلا.
قوله: (ولو بألف على أنه ضامن طلقت والألف عليه) أي على الأب الملتزم لأن اشتراط
بدل الخلع على الأجنبي صحيح فعلى الأب أولى، ولا يسقط مهرها لأنه لم يدخل تحت ولاية
الأب فإذا بلغت تأخذ نصف الصداق إن كان قبل الدخول، وكله إن كان بعده من الزوج
ويرجع هو على الأب الضامن أو ترجع على الأب ولا يرجع هو على الزوج، ولو كان المهر
عينا أخذته من الزوج كله إن كان بعد الدخول، ونصفه إن كان قبله ويرجع الزوج على الأب
الضامن بقيمته، كذا في فتح القدير وليس بصحيح لأن هذا حكم ما إذا خالعها على صداقها
على أنه ضامن له فحينئذ إذا رجعت به على الزوج رجع الزوج به على الأب لضمانه، والكلام
هنا إنما هو فيما إذا خالعها على الألف على أنه ضامن لها وحكمه لزوم الألف عليه للزوج،
وإذا رجعت على الزوج بمهرها فلا رجوع له على أبيها لأنه لم يضمن له الصداق مع أن في
جامع الفصولين في مسألة ما إذا خالعها أبوها على مهرها وضمنه أنها ترجع على الأب لا على
الزوج، هذا لو ضمن مهرها للزوج وإلا فلا شك أن المهر لا يسقط بهذا الخلع لصغرها ا ه‍.
والظاهر أنها مخيرة إن شاءت رجعت على زوجها أو أبيها. وفي البزازية: خالعها أبوها أو
أجنبي على صداقها إن ضمن المخالع تم ووقع كائنا من كان العاقد وبعد البلوغ آخذت الزوج
بنصفه لو قبل الدخول وبكله لو بعده. وقال شمس الأئمة: ترجع به على الأب لا على
الزوج وإذا لم يضمن الأب لا شك أن الصداق لا يسقط، وهل تقع البينونة؟ وإن قبلت
الصغيرة وهي أهل للقبول وقع اتفاقا، وإن لم تقبل إن كان المخالع أجنبيا ولم يضمن لا يقع
اتفاقا، وتكلموا أنه هل يتوقف على إجازتها إذا بلغت قيل لا يتوقف وإن كان العاقد أبا ولم
يضمن للزوج قال بكر: اختلفت المشايخ في الوقوع. وقال الإمام الحلواني: فيه روايتان.
وفي حيل الأصل أنه لا يقع ما لم يضمن الأب الدرك له. وفي كشف الغوامض: إن الطلاق
يقع بقبول الأب على قول محمد بن سلمة وإن لم يضمن البدل أي الصداق ولا يجب البدل
على الأب ولا عليها. وعنه أن الخلع واقع بقبول الأب والبدل عليه وإن لم يضمن وفي طلاق
154

الأصل في خلع الأب على صداقها قبل الدخول بها أن الخلع جائز ولها نصف الصداق
ويضمن الأب للزوج نصف الصداق. قالوا: كيف صح الخلع على صداقها وهو ملكها ولا
ولاية له في إبطال ملكها؟ وكيف يصح ضمان الصداق للزوج وهو عليه؟ ولأي معنى
يضمن الأب نصف الصداق للزوج وقد ضمن الزوج ذلك لها؟ أجابوا عن ذلك بأن الخلع لما
أضيف إلى مهرها وذلك ملكها كان مضافا إلى مالها والإضافة إلى مال الغير بأن خالع على عبد
إنسان يصح كإضافة الشراء إلى مال غيره، فلما صح إضافة الشراء فلان يصح الخلع وهو
أقرب إلى الجواز أولى، لكن في باب الشراء يجب تسليم البدل على العاقد وفي الخلع لا يجب
إلا بضمان لرجوع الحقوق إلى من يقع له العقد غير أنه إذا ضمن رجع إليه الحقوق بالضمان
فإذا خلع وضمن صح وضمن البدل ووقع الطلاق بقبوله ووجب نصف المهر وسقط النصف
ويجب للزوج على الأب نصفه بضمانه تسليم كل المهر إلى الزوج، وإن كانت مدخولة فلها
جميع المهر عليه والأب يضمن للزوج لأنه ضمن تسليم الكل فلم يقدر فيضمن مثله ا ه‍.
ولا فرق في حكم ضمانه بين الصغيرة والكبيرة التي لم تأذن له ولكن إذا أجازته وقع
وبرئ من الصداق واعتبر هذا الخلع معاوضة بين الزوج والمخالع وطلاقا بلا بدل في حقها،
فإذا بلغ الخبر إليها فأجازت نفذ عليها وبرئ الزوج، وإن لم تجز رجعت عليه بمهرها والزوج
يرجع على الأب بحكم الضمان. وتقدير هذا الخلع كان المخالع قال له إذا بلغها الخبر
وأجازت كان البدل عليها، وإن لم تجزه فالبدل علي وما يجب على الأب من الضمان إنما يجب
بالعقد لا بحكم الكفالة، كذا في البزازية: ولذا قال في فتح القدير: المراد بالضمان هنا
التزام المال لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبي صحيح بخلاف بدل العتق لا يجوز اشتراطه
على الأجنبي لأنه يحصل به للعبد ما لم يكن حاصلا له وهو إثبات الأهلية وهو القوة عن ذلك
الاسقاط بخلاف إسقاط الملك في الخلع لا يحصل عنه للمرأة ما لم يكن حاصلا قبله فصار
الأب والأجنبي مثلها فإنه لم يحصل له شئ بخلاف العبد فإنه حصل له ما ذكرنا، والعوض
155

لا يجب على غير من يحصل له المعوض فصار كثمن المبيع إلا أن البيع يفسد بالشروط الفاسدة
والخلع لا يفسد بها ا ه‍. وبهذا علم الفرق بين ما يصح التزامه وما لا يصح. ومن صور
الالتزام أيضا ما في جامع الفصولين: لو زوج الأب بنته الكبيرة فطلبوا منه وقت الدخول أن
يهب للزوج شيئا من مهرها ينبغي أن يهب بإذنها وأن يضمن للزوج عنها فيقول إن أنكرت
هي الاذن بالهبة وغرمتك ما وهبته فأنا ضامن ما وهبته، ويصح هذا الضمان لاضافته إلى
سبب الوجوب لأن من زعم الأب والزوج أنها كاذبة في الانكار وأن ما أخذته دين عليها
للزوج فالأب ضمن بدين واجب فصح ا ه‍. والظاهر من آخر كلامه أن الضمان هنا بمعنى
الكفالة لا التزام المال ابتداء كما لا يخفى. وأشار بقوله لم يجز عليها إلى أن الأب فضولي في
خلع الصغيرة فيستفاد منه جواز خلع الفضولي. وحاصله كما في المحيط أن المتعاقدين من
يدخلان تحت حكم الايجابين وإن كان المخاطب في الخلع المرأة فالمعتبر قبولها، سواء كان
البدل مبهما أو معينا، أضاف البدل إلى نفسه أو لم يضفه، لأنها هي العاقدة، وإن كان
المخاطب هو الأجنبي إن أضاف البدل إلى نفسه فالمعتبر قبوله لأنه التزم تسليم ذلك من ملكه
وإن لم يضفه إلى نفسه ولا إلى أحد فالمعتبر قبولها لأنها الأصل فيه، فلو قال أجنبي للزوج
اخلع امرأتك على هذه الدار وهذه الألف فالقبول إلى المرأة، ولو قال على عبدي هذا وألفي
هذه ففعل وقع الخلع لأنه هو العاقد لما أضاف المال إلى نفسه، ولو قال لها الزوج خلعتك
على دار فلان فالقبول إليها، ولو قال لصاحب العبد خلعت امرأتي بعبدك والمرأة حاضرة
فالقبول لصاحب العبد، ولو قال رجل للزوج اخلعها على ألف فلان هذا أو على عبد فلان
أو على ألف على أن فلانا ضامن لها فالقبول لفلان، ولو قالت اخلعني على ألف على أن فلانا
ضامن له ففعل وقع الخلع فإن ضمن فلان أخذ الزوج من أيهما شاء وإلا فمنها فقط ا ه‍.
وفي البزازية: الخلع إذا جرى بين الزوج والمرأة فإليها القبول كان البدل مرسلا أو
مطلقا أو مضافا إلى المرأة أو الأجنبي إضافة ملك أو ضمان، ومتى جرى بين الأجنبي
والزوج فتى كان البدل مرسلا فالقبول إليها، وإن أضيف إلى الأجنبي إضافة ملك أو ضمان
فإلى الأجنبي لا إلى المرأة اه‍. وأما الوكيل به فقال في الخانية: وكيل المرأة بالخلع إذا قبل
الخلع يتم الخلع وهل يطالب الوكيل ببدل الخلع فالمسألة على وجهين: إن كان الوكيل أرسل
البدل إرسالا بأن قال للزوج اخلع امرأتك بألف درهم أو على هذه الألف وأشار إلى ألف
للمرأة كان البدل على المرأة ولا يطالب به الوكيل، وإن أضاف الوكيل البدل إلى نفسه إضافة
ملك أو ضمان بأن قال اخلع امرأتك على ألفي هذه أو على هذه الألف وأشار إلى نفسه أو
156

على ألف على أني ضامن كان البدل على الوكيل ولا تطالب به المرأة، وللوكيل أن يرجع على
المرأة قبل الأداء وبعده وإن لم تكن المرأة أمرته بالضمان بخلاف الوكيل بالنكاح من قبل الزوج
إذا ضمن المهر للمرأة ولم يكن الضمان بأمر الموكل فإنه لا يرجع على الموكل اه‍. ولا ينفرد
أحد الوكيلين به بخلاف الطلاق والوكيل بالطلاق لا يملك الخلع والطلاق على مال إن كانت
مدخولة على الصحيح لأنه خلاف إلى شر بخلاف غيرها فإنه إلى خير. ولو زعم رجل أنه
وكيلها بالخلع فخالعها معه على ألف ثم أنكرت المرأة التوكيل فإن ضمن الفضولي المال للزوج
وقع الطلاق وعليه المال وإلا إن لم يدع الزوج التوكيل لم يقع، وإن ادعاه وقع ولا يجبر المال،
كذا في المحيط. ولو وكله بأن يخالعها بعد شهر فمضت المدة ولم يخالعها الوكيل لا يجبر
الوكيل على الخلع وإن طلبت المرأة وبمضي المدة لا ينعزل الوكيل. وذكر الإمام محمد أن
توكيل الصبي والمعتوه عن البالغ العاقل بالخلع صحيح الواحد لا يصلح في الخلع وكيلا من
الجانبين بأن وكلت رجلا بالخلع فوكله الزوج أيضا، سواء كان البدل مسمى أو لا، وعن
محمد أنه يصح، كذا في البزازية والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
باب الظهار
هو في اللغة مصدر ظاهر امرأته إذا قال لها أنت علي كظهر أمي، كذا في الصحاح
والمغرب. وفي المصباح: قيل إنما خص ذلك بذكر الظهر لأن الظهر من الدابة موضع
الركوب والمرأة مركوبة وقت الغشيان فركوب الام مستعار من ركوب الدابة، ثم شبه ركوب
الزوجة بركوب الام الذي هو ممتنع وهو استعارة لطيفة فكأنه قال ركوبك للنكاح حرام علي،
وكأن الظهار طلاقا في الجاهلية فنهوا عن الطلاق بلفظ الجاهلية وأوجب عليهم الكفارة
تغليظا في النهي اه‍. والمذكور في كتب الشافعية أنه كان طلاقا في الجاهلية يوجب حرمة
مؤبدة لا رجعة فيه، وفي الشريعة ما ذكره بقوله: (هو تشبيه المنكوحة بمحرمة عليه على
157

التأبيد) أراد بالمنكوحة ما يصح إضافة الطلاق إليه من الزوجة وهو أن يشبهها أو عضوا منها
يعبر به عنها أو جزء شائعا منها لما سيأتي. وأراد بالمشبه به عضوا يحرم إليه النظر من عضو
محرمة عليه على التأبيد لما سنذكره أيضا. وأراد بالزوج المسلم لاظهار للذمي عندنا. وأطلقه
فشمل السكران والمكره والأخرس بإشارته كما في التتارخانية. وقيد بالمنكوحة احترازا عن
الأمة والأجنبية على ما سيصرح به، ولم يقيدها بشئ ليشمل المدخولة وغيرها الكبيرة
والصغيرة الرتقاء وغيرها العاقلة والمجنونة والمسلمة والكتابية. وقيد بالتأبيد لأنه لو شبهها
بأخت امرأته لا يكون مظاهرا لأن حرمتها موقتة بكون امرأته في عصمته وكذا المطلقة ثلاثا.
وأطلق الحرمة فشمل الحرمة نسبا وصهرية ورضاعا، وأراد بالتأبيد تأبيد الحرمة باعتبار وصف
لا يمكن زواله لا باعتبار وصف يمكن زواله فإن المجوسية محرمة على التأبيد، ولو قال كظهر
مجوسية لا يكون ظهارا - ذكره في جوامع الفقه - لأن التأبيد باعتبار دوام الوصف وهو غير
لازم لجواز إسلامها بخلاف الأمية والأختية وغيرهما، كذا في فتح القدير. والتحقيق أن
حرمة المجوسية ليست بمؤبدة بل هي موقتة بإسلامها أو بصيرورتها كتابية فلا حاجة إلى ما
ذكره كما لا يخفى ولذا علل في المحيط بأنها ليست بمحرمة على التأبيد وضم إلى المجوسية
المرتدة. وشمل كلامه التشبيه الصريح والضمني فدخل ما لو ظاهر من امرأته ثم قال للأخرى
أنت علي مثل هذه ينوي الظاهر فإنه يكون مظاهرا ولو بعد موتها وبعد التكفير باعتبار تضمن
قوله لها أنت علي كظهر أمي فالتشبيه فيها باعتبار خصوص وجه الشبه المراد لا باعتبار نفس
التشبيه بها، وكذا لو كانت امرأة رجل آخر ظاهر زوجها منها فقال أنت علي مثل فلانة ينوي
ذلك صح ولو كان بعد موتها، وكذا لو ظاهر من امرأته ثم قال لاخرى أشركتك في
ظهارها.
فالحاصل أن حقيقة الظهار الشرعي تشبيه الزوجة أو جزء شائع منها أو ما يعبر به عن
الكل بما لا يحل النظر إليه من المحرمة على التأبيد كذا قالوا، ولو قالوا من محرم دون محرمة
صفة لشخص المتناول للذكر والأنثى لكان أولى لأنه لو قال أنت علي كفرج أبي أو قريبي كان
158

مظاهرا إذ فرجهما في الحرمة كفرج أمه، كذا في المحيط. وينبغي عدم التقييد بالأب
والقريب لأن فرج الرجل الأجنبي محرم على التأبيد أيضا. وأشار بقوله بمحرمة إلى أن
المشبه الرجل لأنه لو كان المرأة بأن قالت أنت علي كظهر أمي أو أنا عليك كظهر أمك
فالصحيح كما في المحيط أنه ليس بشئ فلا حرمة ولا كفارة، ومنهم من أوجب عليها
الكفارة. ثم اختلفوا هل هي كفارة يمين أو ظهار؟ ورجح ابن الشحنة أنها كفارة يمين، وذكر
ابن وهبان تفريعا على القول بوجوب الكفارة أنها تجب بالحنث إن كانت كفارة يمين وإن
كانت كفارة ظهار فإن كان تعليقا يجب متى تزوجت به، وإن كانت في نكاحه تجب للحال ما
لم يطلقها لأنه لا يحل لها العزم على منعه من الجماع اه‍. وفي الخانية: ولو شبهها بمزنية
الأب أو الابن قال محمد: لا يكون ظهارا. وقال أبو يوسف: يكون ظهارا. وهو الصحيح
ولو شبهها بأم امرأة أو ابنة امرأة قد زنى بها يكون ظهارا اه‍. ولو قبل أجنبية بشهوة ثم شبه
زوجته بابنتها لم يكن مظاهرا عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف، كذا في الولوالجية.
فلذا زاد في النهاية لفظة اتفاقا في التعريف وتبعه الشارح وغيره. وما في الدراية أنه لو
شبهها بأم امرأة زنى بها أبوه أو ابنه كان مظاهرا مشكل لأن غايته أن تكون كأم زوجة أبيه أو
ابنه وهي حلال، كذا في فتح القدير. والظاهر أنه سبق قلم وقد ظهر لي أنه لا حاجة إلى قيد
159

الانفاق، أما في تشبيهها بمزنية الأب أو الابن فقد علمت أنه يكون مظاهرا على الصحيح مع
أنه لا اتفاق على تحريمها لمخالفة الشافعي. وأما في مسألة تشبيهها بابنة المقبلة بشهوة فلان
حرمة البنت عليه ليست مؤبدة لارتفاعها بقضاء الشافعي بحلها كما في المحيط فارقا بين
التقبيل والوطئ بأن حرمة الوطئ منصوص عليها فلم ينفذ قضاء الشافعي بحل أصول المزنية
وفروعها بخلاف التقبيل. وعلى هذا لو شبهها بالملاعنة لا يكون مظاهرا لأن حرمتها موقتة
بتكذيبه نفسه، ولو شبهها بالأخت من لبن الفحل لا يكون مظاهرا لأن حرمتها موقتة بقضاء
الشافعي بحلها فهي كالمقبلة، وبهذا التقرير إن شاء الله تعالى استغنى عما في فتح القدير.
وأطلق في التشبيه فشمل المعلق ولو بمشيئتها كالطلاق والموقت كأنت علي كظهر أمي
يوما أو شهرا، فإن أراد قر بأنها في ذلك الوقت فإنه لا يجوز بغير كفارة ويرتفع الظهار
بمضي الوقت كما في الخانية، ولو قال لها أنت علي كظهر أمي كل يوم فهو ظهار واحد،
ولو قال في كل يوم تجدد الظهار كل يوم، فإذا مضى يوم بطل ظهار ذلك اليوم وكان مظاهرا
منها في اليوم الآخر وله أن يقربها ليلا، ولو قال لها أنت علي كظهر أمي اليوم وكلما جاء
يوم كان مظاهرا منها اليوم وإذا مضى بطل هذا الظهار وله أن يقربها في الليل فإذا جاء غد
كان مظاهرا ظهارا آخر دائما غير موقت، وكذا كلما جاء يوم صار مظاهر ظهارا آخر مع بقاء
الأول. وإذا قال أنت علي كظهر أمي رمضان كله ورجب كله فكفر في رجب سقط ظهار
رجب وظهار رمضان استحسانا والظهار واحد، وإن كفر في شعبان لم يجز. أنت علي كظهر
أمي إلا يوم الجمعة ثم كفر، إن كفر في يوم الاستثناء لم يجز وإلا يجوز. أنت علي كظهر أمي
إلى شهر لا يكون مظاهرا قبله كذا في التتارخانية وغيرها. وفيها عن أبي يوسف: أنت علي
كظهر أمي إذا جاء غد كان باطلا ولو قال أنت علي كظهر أمي أمس كان باطلا اه‍ والفرعان
مشكلان لأن الأول من قبيل إضافة الظهار أو تعليقة اه‍. وهما صحيحان كما قدمناه وقد
صرح بهما في البدائع. والثاني ينبغي أن يكون كالطلاق إن كان نكحها قبل أمس كان مظاهرا
الآن، وإن كان نكحها اليوم كان لغوا. والحاصل أن هنا أربعة أركان: المشبه والمشبه والمشبه به
وأداة التشبيه. أما الأول وهو المشبه وهو بكسر الباء فهو الزوج البالغ العاقل المسلم - وزاد
160

في التتارخانية - العالم ولا يخض ما فيه. وأما الثاني وهو المشبه بفتح الباء المنكوحة أو عضو
منها يعبر به عن كلها أو جزء شاسع. وأما الثالث وهو المشبه به عضو لا يحل النظر إليه من
محرمة عليه تأبيدا. وأما الرابع وهو الدال عليه وهو ركنه وهو صريح وكناية، فالصريح أنت
علي كظهر أمي ومني وعندي ومعي كعلى ولم أر حكم ما إذا قال أنت كظهر أمي بدون إضافة
له وينبغي أن لا يكون مظاهرا لاحتمال أنه قصد أنها كظهر أمه على غيره وأنا منك مظاهر
وظاهرت منك من الصريح. وفي التتارخانية وعن أبي يوسف: لو قال أنت مني مظاهرة أنه
يكون باطلا. وشرطه في المرأة كونها زوجة ولو أمة فلا يصح من أمته ولا من مبانته ولا من
أجنبية إلا إذا أضافه إلى التزوج كما سيأتي. وفي الرجل كونه من أهل الكفارة فلا يصح من
ذمي وصبي ومجنون لأن الكافر ليس من أهل الكفارة. وفي التتارخانية: يلزم الذمي كفارة
الظهار إذا ظاهر وفي صحته عن أبي يوسف نظر إنما نقله المشايخ عن الشافعي. والحاصل أنه
تعالى قيد بقوله منكم في الآية الأولى وهو قوله تعالى * (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما
هن أمهاتهم أن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وأنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو
غفور) * [المجادلة: 2] ولما شرع في بيان الكفارة لم يقيده بقوله منكم فقال * (والذين
يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) * [المجادلة: 3] لكن
لما لم يكن أهلا للكفارة لم يصح ظهاره. قال بعضهم: والعجب من الشافعي أنه قيد الرقبة
بالايمان ولم يجوز أن يملك الكافر المؤمن وصحح ظهاره فكان تناقضا. ورده بعض الشافعية
بأنا عينا لكفارته الاطعام ولا يلزم من صحة الظهار أن يكون المظاهر أهلا لكل الأنواع بدليل
أن ظهار العبد صحيح عندنا مع أنه ليس أهلا لغير الصوم. ولو ظاهر المسلم ثم ارتد والعياذ
بالله تعالى بقي ظهاره عند أبي حنيفة حتى لو أسلم لا يحل القربان إلا بالكفارة، وعندهما لا
يبقى لأن المرتد ليس أهلا لحكمه وهو الكفارة، وله أن الحال حال بقاء حكمه وهو الحرمة لا
حال الانعقاد والكفر ليس بمناف للحرمة وحكمه حرمة الوطئ ودواعيه إلى غاية الكفارة.
قوله: (حرم الوطئ ودواعيه بأنت على كظهر أمي حتى يكفر) أما حرمة الوطئ
فبالكتاب والسنة، وأما حرمة الدواعي فإن دخولها تحت النص المفيد لحرمة الوطئ وهو قوله
تعالى * (من قبل أن يتماسا) * [المجادلة: 3] لأنه لا موجب فيه للحمل على المجاز وهو الوطئ
لامكان الحقيقة، ويحرم الجماع لأنه من أفراد التماس فيحرم الكل بالنص، كذا في فتح
161

القدير. وقد يقال إن الموجب للحمل على المجاز موجود وهو صدق التماس على المس بغير
شهوة وليس بمحرم اتفاقا فالتحقيق خلاف ما زعم أنه التحقيق وهو أن الأصل أن الوطئ إذا
حرم حرم ما كان داعيا إليه لأن طريق المحرم محرم وقد استمر هذا في الاستبراء والاحرام
والاعتكاف، وخرج في الصوم والحيض عن هذا الأصل لنص صريح وهو أنه عليه السلام
كان يقبل بعض نسائه وهو صائم وكان يقبلها وهي حائض، وحكمته لزوم الحرج لو حرمت
الدواعي في الصوم والحيض لكثرة وقوعهما بخلاف غيرهما. وعن محمد للمظاهر تقبيلها إذا
قدم من سفره بغير شهوة للشفقة والدواعي المباشرة والتقبيل واللمس عن شهوة والنظر إلى
فرجها بشهوة كما في البدائع. ولا يدخل فيها النظر إليها بشهوة. وفي التتارخانية: ولا يحرم
النظر إلى ظهرها وبطنها ولا إلى الشعر والصدر. وفي الهداية أن اللفظ الصريح أعني - أنت
علي كظهر أمي - لا يكون إلا ظهارا ولو نوى به الطلاق لا يصح لأنه منسوخ فلا يتمكن من
الاتيان به وهو يقتضي أن الظهار كان طلاقا في الاسلام حتى يوصف بالنسخ مع أنه قال
أولا إنه كان طلاقا في الجاهلية وهو يقتضي أن جعله ظهارا ليس ناسخا ولم أر أحدا من
شراحها تعرض لذلك. وذكر الإمام فخر الدين الرازي في التفسير الكبير البحث الثاني أن
الظهار كان من أشد طلاق الجاهلية لأنه في التحريم أوكد ما يمكن، فإن كان ذلك الحكم
مقررا في الشرع كانت الآية ناسخة له وإلا لم يعد ناسخا في الشرع إلا في عادة الجاهلية لكن
الذي روي أنه عليه السلام قال لها: حرمت أو ما أراك إلا قد حرمت عليه كالدلالة على أنه
كان شرعا، فأما ما روي أنه توقف في الحكم فلا بدل على ذلك اه‍. وأشار المصنف إلى أن
هذه الحرمة لا ترتفع إلا بالكفارة فلا يبطل الظهار بزوال ملك النكاح ولا ببطلان حل المحلية
حتى لو ظاهر منها ثم طلقها بائنا ثم تزوجها لا يحل له وطؤها حتى يكفر، وكذا إذا كانت
زوجته أمة وظاهر منها ثم اشتراها، وكذا إذا كانت حرة فارتدت - والعياذ بالله تعالى عن
الاسلام - ولحقت بدار الحرب فسبيت ثم اشتراها. وفي المحيط: أسلم زوج المجوسية فظاهر
منها قبل عرض الاسلام عليها صح لكونه من أهل الكفارة اه‍. قالوا: وللمرأة أن تطالبه
بالوطئ وعليها أن تمنعه من الاستمتاع بها حتى يكفر وعلى القاضي أن يجبره على التكفير دفعا
162

للضرر عنها بحبس، فإن أبى ضربه ولا يضرب في الدين، ولو قال كفرت صدق ما لم
يعرف بالكذب. وفي التتارخانية: إذا أبى عن التكفير عزره بالضرب والحبس إلى أن يكفر أو
يطلق. ثم اعلم أن تعليقه بمشيئة الله تعالى تبطله ولو قال إن شاء فلان فالمشيئة إليه.
قوله: (فلو وطئ قبله استغفر ربه فقط) أي لو وطئ قبل التكفير لا يجب عليه كفارة
لأجل الوطئ والواجب الكفارة الأولى لما رواه الترمذي في المظاهر يواقع قبل أن يكفر قال:
كفارة واحدة. وأما الاستغفار فمنقول في الموطأ من قول مالك، والمراد منه التوبة من هذه
المعصية وهي حرمة الوطئ قبل الكفارة قوله: (وعوده عزمه على وطئها) أي عود المظاهر
المذكور في الآية عزمه على وطئ المظاهر منها وهو بيان لسبب وجوب الكفارة. وقد اختلف
فيه أصحابنا على أقوال محكية في البدائع، فالعامة على أن السبب مجموع الظهار والعود لأنه
المذكور قبل فاء السببية ولان الكفارة دائرة بين العقوبة والعبادة فلا بد أن يكون سببها دائرا
بين الحظر والإباحة حتى تتعلق العقوبة بالمحظور وهو الظهار والعبادة بالمباح وهو العزم على
وطئها لأنه نقض للمنكر، وقيل الظهار سبب للإضافة والعود شرط، وقيل عكسه، وقيل هما
شرطان والسبب أمر ثالث وهو كون الكفارة طريقا متعينا لايفاء حقها وكونه قادرا على
إيفائه، وقيل كل منهما شرط وسبب ومن جعل السبب العزم أراد به العزم المؤكد حتى لو
عزم ثم بدا له أن لا يطأها لا كفارة عليه لعدم العزم المؤكد لا أنها وجبت بنفس العزم ثم
163

سقطت كما قال بعضهم لأن الكفارة بعد سقوطها لا تعود إلا بسبب جديد، كذا في
البدائع. لكن أورد على من جعل العود وحده سببا أن الحكم بتكرر بتكرر سببه لا شرطه
والكفارة تتكرر يتكرر الظهار لا العزم، وأنه لو قدمها على العزم صح ولو كان سببا لم يصح،
ولكن دفع الثاني بأنها إنما وجبت لرفع الحرمة الثابتة في الذات فتجوز بعد ثبوتها كما قلنا في
الطهارة إنها جائزة قبل إرادة الصلاة مع أنها سببها لأنها شرعت لرفع الحدث فتجوز بعد
وجوده، وأورد على من جعله الظهار فقط أن السبب ما دار بين محظور ومباح وهو محظور
فقط فلا يصلح للسببية، وسنجيب عنه في الكفارة، ولم يظهر لي ثمرة الاختلاف بين الأقوال
لاتفاقهم على جواز التكفير بعد الظهار قبل العزم، وعلى عدمه قبل الظهار، وعلى تكررها
بتكرر الظهار وإن لم يتكرر العزم، وعلى أنه لو عزم ثم ترك فلا إثم، وعلى عدم الكفارة لو
أبانها بعده وبعد العزم، ومراد المشايخ من قولهم العزم على وطئها العزم على استباحة وطئها
لا العزم على نفس الوطئ لأنهم قالوا: المراد في الآية ثم يعودون بنقض ما قالوا رفعه وهو
إنما يكون باستباحتها بعد تحريمها لكونه ضدا للحرمة لا نفس وطئها ولقد أبعد من قال إن
المراد تكرار الظهار لأنه لو كان كذلك لقال تعالى ثم يعيدون ما قالوا من الإعادة لا من
العود وتمام تحقيقه في التفسير الكبير للإمام فخر الدين.
قوله: (وبطنها وفخذها وفرجها كظهرها) أي الام وهي المشبه به وقدمنا أن المعتبر فيه
عضو لا يحل النظر إليه من محرمة تأبيدا وهذه الأعضاء كذلك، فخرج عضو يحل النظر إليه
كاليد والرجل والجنب فلا يكون ظهارا. وفي الخانية: أنت علي كركبة أمي في القياس يكون
مظاهرا، ولو قال فخذك كفخذ أمي لا يكون مظاهرا اه‍. لفقد الشرط في الثانية من جهة
المشبه قوله: (وأخته وعمته وأمه رضاعا كأمه) أي نسبا لما قدمنا أن المعتبر في المشبه به كونها
محرمة تأبيدا نسبا أو صهرا أو رضاعا، فخرج من لا تحرم تأبيدا كأخت امرأته وعمتها وخالتها
164

والمرتدة والمجوسية والملاعنة والمقبلة حراما والمطلقة ثلاثا والأخت رضاعا من لبن الفحل
خاصة كإن رضع على امرأة لها لبن من زوج له بنت من غير المرضعة فإن الرضيع بعد بلوغه
إذا شبه امرأته بهذه البنت لا يكون مظاهرا وقد أوضحنا ذلك فيما تقدم. وما في الدراية
معزيا إلى شرح القدوري لو شبهها بأم امرأة زنى بها أبوه أو ابنه كان مظاهرا غلط لأن غايته
أن تكون كأم زوجة أبيه أو ابنه وهي حلال، والتعبير بالغلط أولى من قوله في فتح القدير
مشكل لأنه لا يقال إلا فيما يمكن تأويله وهذا ليس كذلك. وفي البزازية من فصل الخلوة:
خلا بامرأة ثم قال لزوجته أنت علي كظهر أم تلك المرأة لا يكون مظاهرا. والمراد خلا بامرأة
أجنبية لا بزوجته لأن أمها حرام بالعقد تأبيدا قوله: (ورأسك ووجهك وفرجك ورقبتك
ونصفك وثلثك كانت) يعني أن المعتبر في المشبه أن يذكر ذاتها أو جزأ شائعا منها أو عضوا
يعبر به عن كلها. وضابطه ما صح إضافة الطلاق إليه كان مظاهرا به فخرج اليد والرجل،
فلو قال بطنك علي كظهر أمي لا يكون مظاهرا لانتفاء الشرط من جهة المشبه. وفي الخانية:
رأسك كرأس أمي لا يكون مظاهرا اه‍. للانتفاء من جهة المشبه به قوله: (وإن نوى بأنت علي
مثل أمي برا أو ظهارا أو طلاقا فكما نوى وإلا، لغا) بيان للكنايات فمنها: أنت علي مثل أمي
أو كأمي فإن نوى الكرامة قبل منه لأنه مستعمل فيه فالتقدير أنت عندي في الكرامة كأمي،
وإن نوى الظهار كان ظهارا بكونه كناية فيه. وأشار إلى أن صريحه لا بد فيه من ذكر العضو
فحينئذ لا يحتاج إلى النية ولا تصح فيه نية الطلاق والايلاء لأنها تغيير للمشروع. وإذا نوى
الطلاق في مسألة الكتاب كان بائنا كلفظ الحرام وإن لم ينو شيئا كان باطلا، ولم يتعرض لنية
الايلاء به للاختلاف فأبو يوسف جعله إيلاء لأنه أدنى من الظهار، ومحمد جعله ظهارا نظرا
إلى أداة التشبيه، وصحح أنه ظهار عند الكل لأنه تحريم مؤكد بالتشبيه وذكر علي ليس
بشرط في مسألة الكتاب إذ أنت مثل أمي كذلك كما في الخانية. وقيد بالتشبيه لأنه لو خلا
عنه بأن قال أنت أمي لا يكون مظاهرا لكنه مكروه لقربه من التشبيه وقياسا على قوله يا أخية
165

المنهي عنه في حديث أبي داود المصرح بالكراهة، ولولا التصريح بها لأمكن القول بالظهار
فعلم أنه لا بد في كونه ظهارا من التصريح بأداة التشبيه شرعا ومثله قوله يا بنتي يا أختي
ونحوه.
قوله: (وبانت على حرام كأمي ظهارا أو طلاقا فكما نوى) لأنه لما زاد على المثال الأول
لفظة التحريم امتنع إرادة الكرامة وصحت نية الظهار والطلاق ولم يبين ما إذا لم ينو شيئا
للاختلاف، فمحمد جعله ظهارا، وأبو يوسف إيلاء والأول أوجه قوله: (وبانت علي حرام
كظهر أمي طلاقا أو إيلاء فظهار) لأنه لما زاد على المثال الثاني لفظة الظهار كان صريحا فيه
فكان مظاهرا سواء نواه أو نوى الطلاق أو الايلاء أو لم تكن له نية قوله: (ولا ظهار إلا من
زوجته) أي ابتداء. أطلقها فشملت الحرة والأمة المدبرة وأم الولد أو بنتها أو مكاتبة أو
مستسعاة، فلا يصح من أمته موطوءة كانت أو غير موطوءة، قنة أو مدبرة أو أم ولد أو ابنتها
أو مكاتبة أو مستسعاة، لأن النص لم يتناولها لأن حقيقة إضافة النساء إلى رجل أو رجال إنما
تتحقق مع الزوجات لأنه المتبادر حتى صح أن يقال هؤلاء جواريه لا نساؤه ولهذا لم تدخل
في نص الايلاء أيضا ولا في قوله وأمهات نسائكم حتى لا تحرم عليه أم أمته قبل وطئ
أمته. واستدل الإمام الرازي في تفسيره على عدم دخول الإماء تحت نسائنا بقوله تعالى * (أو
نسائهن) * [النور: 13] والمراد منه الحرائر ولولا ذلك لما صح عطف قوله تعالى * (أو ما ملكت
أيمانهن) * [النور: 13] لأن الشئ لا يعطف على نفسه اه‍. قيدنا بالابتداء لأنه في البقاء لا
يحتاج إلى كونها زوجة كما قدمنا أنه لو ظاهر من زوجته الأمة ثم ملكها بقي الظهار، وكما
خرجت الأمة خرجت الأجنبية والمبانة حتى لو علق الظهار بشرط ثم أبانها ثم وجد الشرط
في العدة لا يصير مظاهرا بخلاف الإبانة المعلقة والفرق في البدائع. وحاصله أن وقت وجود
166

الشرط صادق في التشبيه فلا ظهار، وأما في الطلاق ففائدة وقوع المعلق بعد تقدم الإبانة
تنقيص العدد وتصح إضافته إلى الملك أو سببه كالطلاق بأن قال إن تزوجتك فأنت علي كظهر
أمي فإن نكحها كان مظاهرا. وفي التتارخانية: لو قال إذا زوجتك فأنت طالق ثم قال إذا
تزوجتك فأنت علي كظهر أمي فتزوجها يكون مظاهرا ومطلقا جميعا، ولو قال إذا تزوجتك
فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي فتزوجها يقع الطلاق ولا يلزم الظهار في قول أبي حنيفة.
وقال صاحباه: لزماه جميعا. ولو قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي مائة مرة
فعليه لكل مرة كفارة اه‍ قوله: (فلو نكح امرأة بغير أمرها فظاهر منها فأجازته بطل) لأنه
صادق في التشبيه في ذلك الوقت ولا يتوقف على الإجازة كالنكاح لأن الظهار ليس بحق من
حقوقه حتى يتوقف بتوقفه بخلاف إعتاق المشتري من الغاصب فإنه يتوقف لتوقف الملك
وينفذ بنفاذه كما أفاده المصنف في البيوع بقوله وصح عتق مشتر من غاصب بإجازة بيعه
لأن الاعتاق حق من حقوق الملك بمعنى أنه إذا ملك العبد ثبت له حق أن يعتقه كما في فتح
القدير. ويرد عليه الطلاق فإنه على هذا التفسير من حقوق النكاح بمعنى أنه إذا نكحها ثبت
له حق أن يطلقها فيقتضي أنه لو طلقها في النكاح الموقوف توقف بتوقفه ونفذ بنفاذه مع أن
المصرح به في جامع الفصولين أنه لو طلقها ثلاثا في النكاح الموقوف لم تحرم عليه ولا تقبل
الإجازة وصار مردودا، ولهذا فسر كون الاعتاق من حقوق الملك بكونه منهيا له في العناية
وهذا لا يرد عليه الطلاق قوله: (أنتن علي كظهر أمي ظهار منهن) لأنه أضاف الظهار إليهن
فكان كإضافة الطلاق إليهن قوله: (وكفر لكل) أي لزمه الكفارة لكل واحدة إذا عزم على
وطئها لأن الكفارة لرفع الحرمة وهي تتعدد بتعددهن. وإنما قال وكفر لكل ولم يكتف بقوله
كان مظاهرا منهن لأن مالكا وأحمد قالا: يكون مظاهرا من الكل. ولكن اكتفيا بكفارة
واحدة. قيد بالظهار لأنه لو آلى منهن كان موليا منهن وعليه كفارة واحدة لأنها في الايلاء
تجب لهتك حرمة اسم الله تعالى وهو ليس بمتعدد. وأشار إلى أنه لو ظاهر من امرأته مرارا
في مجلس أو مجالس فعليه لكل ظهار كفارة إلا أن ينوي به الأول كما ذكره الأسبيجابي
وغيره. وفي بعض الكتب فرق بين المجلس والمجالس والمعتمد الأول، وقدمنا في باب
167

التعليق عن البزازية أن الظهار كالطلاق والعتاق متى علق بشرط متكرر فإنه يتكرر كما لو قال
كلما دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي يتكرر الظهار بتكرر الدخول بخلاف اليمين والله
أعلم.
فصل في الكفارة
من كفر الله عنه الذنب محاه ومنه الكفارة لأنها تكفر الذنوب. وكفر عن يمينه إذا فعل
الكفارة، كذا في المصباح. وفي القاموس: الكفارة ما كفر به من صدقة وصوم ونحوهما اه‍.
وفي المحيط، إنها منبئة عن الستر لغة لأنها مأخوذة من الكفر وهو التغطية والستر قال الشاعر:
في ليلة كفر النجوم غمامها
أي سترها اه‍. والكلام فيها يقع في مواضع في معناها، وقد قدمناه. وفي سببها وهو
قسمان: سبب مشروعيتها وسبب وجوبها، فالأول ما هو سبب لوجوب التوبة وهو إسلامه
وعهده مع الله أن لا يعصيه وإذا عصاه تاب لأنها من تمام التوبة لأنها شرعت للتكفير. والثاني
قال في التنقيح: سببها ما نسبت إليه من أمر دائر بين الحظر والإباحة يعني بأن يكون مباحا
من وجه محظورا من وجه آخر. والحاصل أن السبب يكون على وفق الحكم فالقتل خطأ مباح
باعتبار عدم التعمد محظور باعتبار عدم التثبت، والافطار عمدا مباح نظرا إلى أنه يلاقي فعل
نفسه الذي هو مملوك له ومحظور لكونه جناية على العبادة، وأما كفارة اليمين فسببها إما اليمين
168

المعقودة للإضافة إليها وهي دائرة بين الحظر والإباحة أو الحنث وهو دائر أيضا. وأما كفارة
الظهار فعلى القول بأن المضاف إليها سبب وهو الظهار وهو قول الأصوليين فإنما كان دائرا بين
الحظر والإباحة مع أنه منكر من القول وزورا باعتبار أن التشبيه يحتمل أن يكون للكرامة فلم
يتمحض كونه جناية، وأما على قول من جعل السبب مركبا من الظهار والعود فظاهر لكونه
الظاهر محظورا والعود مباحا لكونه إمساكا بالمعروف ونقضا للقول الزور. والذي يظهر أنه لا
ثمرة للاختلاف في سببها لأنهم اتفقوا على أنه لو عجلها بعد الظهار قبل العود جاز ولو كرر
الظهار تكررت الكفارة وإن لم يتكرر العزم، ولو عزم ثم ترك فلا وجوب، ولو عزم ثم أبانها
سقطت، ولو عجلها قبل الظهار لم يصح. وفي الطريق المعينة لا استحالة في جعل المعصية سببا
للعبادة التي حكمها أن تكفر المعصية وتذهب السيئة خصوصا إذا صار معنى الزجر فيها
مقصودا، وإنما المحال أن تجعل سببا للعبادة الموصلة إلى الجنة. وأما ركنها فالفعل المخصوص
من إعتاق وصيام وإطعام على ما سيأتي. وأما شروطها فكل ما هو شرط انعقاد سبب وجوبها
من اليمين والظهار والافطار والقتل، وأما شرائط وجوبها القدرة عليها، وأما شرائط الصحة
فنوعان: عامة وخاصة. فما يعمها النية وشرطها المقارنة لفعل التكفير فإن تأخرت عنه لم يجز
وسيأتي بيان ما إذا أعتق رقبة عن كفارتين، وسيأتي بيان شرط صحة كل نوع من أنواعها.
ومصرفها مصرف الزكاة فلا يجوز إطعام الغني ولا مملوكه ولا الهاشمي إلا الذمي فإنه مصرف
لها دون الحربي. وأما صفتها فهي عقوبة وجوبا لكونها شرعت أجزية لافعال فيما معنى الحظر
عبادة، أداء لكونها تتأدى بالصوم والاعتاق والصدقة وهي قرب والغالب فيها معنى العبادة إلا
كفارة الفطر في رمضان فإن جهة العقوبة فيها غالبة بدليل أنها تسقط بالشبهات كالحدود، ولا
تجب مع الخطأ بخلاف كفارة اليمين لوجوبها مع الخطأ وكذا كفارة القتل الخطأ، وأما كفارة
الظهار فقالوا: إن معنى العبادة فيها غالب وخالفهم صدر الشريعة في الأصول فجعلها ككفارة
الفطر معنى العقوبة فيها غالب لكونه منكرا من القول وزورا. ورده في التلويح بأنه فاسد نقلا
وحكما واستدلالا. أما الأول فلتصريحهم بخلافه، وأما الثاني فلان من حكم ما تكون العقوبة
فيه غالبة أن تسقط بالشبهة وتتداخل ككفارة الصوم حتى لو أفطر مرارا لم تلزمه إلا كفارة واحدة
ولا تداخل في كفارة الظهار حتى لو ظاهر من امرأته مرارا لزمه لكل ظهار كفارة. وأما الثالث
فلانه لم يتحقق كونه جناية لاحتمال أن يكون التشبيه للكرامة وتمامه فيه. وأما حكمها فسقوط
الواجب عن ذمته وحصول الثواب المقتضي لتكفير الخطايا، وهي واجبة على التراخي على
الصحيح لكون الامر مطلقا حتى لا يأثم بالتأخير عن أول أوقات الامكان ويكون مؤديا لا
169

قاضيا ويتضيق في آخر عمره ويأثم بموته قبل الأداء ولا تؤخذ من تركته إن لم يوص ولو تبرع
الورثة جاز إلا في الاعتاق والصوم، كذا في البدائع. فإن أوصى كان من الثلث اه‍. وأما
أنواعها فخمس كفارة الظهارة وكفارة القتل وكفارة الفطر وهي مرتبة: الاعتاق ثم الصوم ثم
الاطعام إلا كفارة القتل فإنه لا إطعام بعد الصوم وكفارة اليمين وهي مخبر فيها كما سيأتي،
وكفارة جزاء الصيد وقد تقدم في جنايات الاحرام. وزاد في البدائع كفارة الحلق ولكن المذكور
في الآية الفدية * (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * [البقرة: 196].
قوله: (وهو تحرير رقبة) أي التكفير المستفاد من قوله حتى يكفر والتحرير من حرر
المملوك عتق حرارا من باب لبس وحرره صاحبه ومنه * (فتحرير رقبة) * [النساء: 29] وتحرر
بمعنى حر قياس، كذا في المغرب. فالتحرير بمعنى الاعتاق وهو أولى من قول الهداية عتق
رقبة فإنه لو ورث من يعتق عليه فنوى به الكفارة مقارنا لموت المورث لا يجزيه عنها لعدم
الصنع منه بخلاف ما إذا نوى عند العلة الموضوعة للملك كالشراء والهبة كما سيأتي. والرقبة
من الحيوان معروفة وهي في معنى المملوك من تسمية الكل باسم البعض، كذا في المغرب.
وفي الهداية: هي عبارة عن الذات أي الشئ المرقوق المملوك من كل وجه فشمل الذكر
والأنثى الصغير والكبير ولو رضيعا. وفي البدائع: فإن قيل الصغير لا منافع لأعضائه فينبغي
أن لا يجوز إعتاقه عن الكفارة كالزمن ولذا لا يجوز إطعامه عن الكفارة فكذا إعتاقه، فالجواب
عن الأول أن أعضاء الصغير سليمة لكنها ضعيفة وهي بعرض أن تصير قوية فأشبه المريض،
وأما إطعامه عن الكفارة فجائز بطريق التمليك لا الإباحة، والمسلم والكافر ولو مجوسيا أو
مرتدا أو مرتدة أو مستأمنا. وفي التتارخانية: والمرتد يجوز عند بعض المشايخ، وعند بعضهم
لا يجوز والمرتدة تجوز بلا خلاف اه‍. وأما إعتاق العبد الحربي في دار الحرب فغير جائز
عنها، كذا في فتح القدير. وفي التتارخانية: لو أعتق عبدا حربيا في دار الحرب إن لم يخل
سبيله لا يجوز، وإن خلى سبيله ففيه اختلاف المشايخ، بعضهم قالوا لا يجوز اه‍. وشمل
الصحيح والمريض واستثنى في الخانية مريضا لا يرجى برؤه فإنه لا يجوز لأنه ميت حكما
اه‍. وفي التتارخانية: وأما إعتاق حلال الدم فعن محمد إذا قضى بدمه عن ظهاره ثم عفى
عنه لم يجز. البقالي: إذا أعتق عبدا حلال الدم قد قضى بدمه ثم عفى عنه أو كان أبيض
العينين فزال البياض أو كان مرتدا فأسلم فإنه لا يجوز. وفي جامع الجوامع: جاز المديون
والمرهون ومباح الدم ويجوز إعتاق الآبق إذا علم أنه حي اه‍. ثم اعلم أنه لا بد أن تكون
الرقبة غير المرأة المظاهر منها لما في الظهيرية والتتارخانية: أمة تحت رجل ظاهر منها ثم
170

اشتراها وأعتقها عن ظهارها قيل لم تجز في قول أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف اه‍.
ولا بد أن يكون المعتق صحيحا لأنه لو كان مريضا أعتق عبده عن كفارته وهو لا يخرج من
ثلث ماله فمات من ذلك المرض لا يجوز عن كفارته وإن أجازت الورثة، ولو أنه برئ من
مرضه جاز، كذا في التتارخانية. وخرج بقوله من كل وجه الجنين إذا أعتقه عنها وولدته
لأقل من ستة أشهر فإنه لا يجوز لأنه رقبة من وجه جزء من أجزاء الام من وجه حتى يعتق
بإعتاق الام، كذا في المحيط. وقوله من كل وجه متعلق بالمرقوق لا بالمملوك، كذا في
العناية. وفي المحيط: ولو أعتق عبدا قد غصبه أحد جاز عن الكفارة إذا وصل إليه، ولو
ادعى الغاصب أنه وهبه منه فأقام بينة زور حكم له الحاكم بالعبد لم يجز عتقه عن الكفارة لأنه
بمعنى الهالك، ولو أعتق عبدا مديونا عن الكفارة واختار الغرماء استسعاء العبد جاز لأن
استغراق الدين برقبته واستسعاءه لا يخل بالرق والملك فإن السعاية لم توجب الاخراج عن
الحرية فوقع تحريرا من كل وجه بغير بدل عليه اه‍. وفي البدائع: وكذا لو أعتق عبدا رهنا
فسعى العبد في الدين فإنه يجوز عن الكفارة ويرجع على المولى لأن السعاية ليست ببدل عن
الرق.
قوله: (ولم يجز الأعمى ومقطوع اليدين أو إبهاميهما أو الرجلين والمجنون) لأن الأصل
أن فوات جنس المنفعة يمنع الجواز والاختلال والعيب لا يمنع لأن بفوات جنس المنفعة تصير
القربة فائتة من وجه بخلاف نقصانها فيدخل تحت عدم الجواز ساقط الأسنان لأنه لا يقدر
على المضغ كما في الولوالجية، ودخل أشل اليدين والرجلين والمفلوج اليابس الشق والمقعد
والأصم الذي لا يسمع شيئا على المختار لأنه بمنزلة العمى كما في الولوالجية، وشمل مقطوع
اليد والرجل من جانب واحد لأن منفعة المشي فائتة، وكذا من كل يد ثلاثة أصابع مقطوعة
لفوات منفعة البطش كمقطوع الابهامين، وجاز العنين والخصي والمجبوب خلافا لزفر،
ومقطوع الاذنين والمذاكير والرتقاء والقرناء والعوراء والعمشاء والبرصاء والرمداء والخنثى
وذاهب الحاجبين وشعر اللحية والرأس ومقطوع الانف والشفتين إذا كان يقدر على الاكل
والأصم الذي يسمع إذا صيح عليه لأنه بمنزلة العور. وأراد بالجنون المطبق، وكذا المعتوه
المغلوب كما في الكافي لأن منفعة العقل أصلية، وأما الذي يجن ويفيق فإنه يجزئ عتقه،
كذا في الكفاية. وأطلقه ومراده إذا أعتقه في حال إفاقته. واعلم أنهم اعتبروا هنا فوات
171

جنس المنفعة ولم يعتبروا كمال الزينة واعتبروه في الديات فألزموا بقطع الاذنين الشاخصتين
تمام الدية وجوزوا هنا عتق مقطوعهما إذا كان السمع باقيا، ومثله فيمن حلقت لحيته فلم
تنبت لفساد المنبت. والفرق بين البابين أن كمال الزاينة مقصود في الحر فباعتبار فواته يصير
الحر هالكا من وجه وزائد على ما يطلب من المماليك فباعتبار فواته لا يصير المرقوق هالكا من
وجه، كذا في فتح القدير. فإن قلت: إن جنس المنفعة فات في الخصي والمجبوب لأنه لا
مني فلا نسل لهما قلت قال في المحيط: إنه لم يفت خروج البول ولان منفعة النسل عائدة
إلى العبد لا منفعة للمولى في كون عبده فحلا بل ازدادت قيمته في حق المولى بالخصي والجب
فلم تصر الرقبة هالكة من وجه. وفي الولوالجية: إن منفعة النسل زائدة على ما يطلب من
المماليك. وها هنا فرع حسن من الخانية من كتاب الوكالة: رجل وكل رجلا وقال اشتر لي
جارية بكذا أعتقها عن ظهاري فاشترى عمياء أو مقطوعة اليدين أو الرجلين ولم يعلم بذلك
لزم الآمر وكان له أن يرد ولو علم الوكيل بذلك لا يلزم الآمر اه‍. قوله: (والمدبر وأم الولد)
أي لا يجوز تحريرهما عن الكفارة لاستحقاقهما الحرية بجهة فكان الرق فيهما ناقصا والاعتاق
عن الكفارة يعتمد كمال الرق كالبيع فلذا لا يجوز بيعهما، والمكاتب لما كان الرق فيه كاملا
جاز إعتاقه عن الكفارة حيث لم يؤد شيئا، ولا عبرة هنا بكمال الملك ونقصانه وإنما لم يستلزم
نقصان الملك نقصان الرق لأن محل الملك أعم من محل الرق لأن الملك يثبت في الأمتعة وغير
الآدمي دون الرق وبالبيع يزول الملك دون الرق والاعتاق يزيلهما. وإنما عتق المدبر وأم
الولد بقوله كل مملوك أملكه فهو حر دون المكاتب لأن هذه اليمين تقتضي ملكا كاملا لا رقا
كاملا والملك فيهما كامل حتى ملك إكسابهما واستخدامها، ووطئ المدبرة وأم الولد والملك
في المكاتب ناقص لأنه ملك نفسه يدا ولذا لا يملك المولى كسبه ويحرم عليه وطئ مكاتبته.
والحاصل أن جواز البيع والاعتاق عن الكفارة يعتمد كمال الرق فجاز بيع المكاتب برضاه
وإعتاقه عنها وانعكس فيهما، وحل الوطئ يعتمد كمال الملك فحرم في المكاتب وانعكس
فيهما.
قوله: (والمكاتب الذي أدى شيئا) أي لا يجوز تحريره عنها لأنه تحرير بعوض، وذكر في
الاختيار أن السيد لو أبرأه عن بدل الكتابة أو وهبه عتق فلو قال لا أقبل صح عتقه ولم يبرأ
من بدل الكتابة فينبغي أن لا يجزئ عن الكفارة لأنه عتق ببدل كما لا يخفى. وروى الحسن
172

عن أبي حنيفة أنه إذا أعتق المكاتب عنها بعد أداء البعض صح لأن عتقه معلق بأداء كل البدل
فلا يثبت شئ من العتق بأداء البعض، كذا في المحيط. وما في الكتاب ظاهر الرواية. وفي
التتارخانية: لو عجز عن أداء بدل الكتابة ثم أعتقه يجوز، سواء كان أدى شيئا أو لم يؤد،
وهي الحيلة لمن أراد أن يعتق مكاتبه بعد أداء البعض كما في الينابيع. في كافي الحاكم: ولو
أعتق عنها على جعل لم يجزه عنها فإن وهب له الجعل بعد ذلك لم يجز أيضا ا ه‍ قوله: (فإن لم
يؤد شيئا أو اشترى قريبه ناويا بالشراء الكفارة أو حرر نصف عبده عن كفارته ثم حرر باقيه
عنها صح) أما الأول فلما قدمنا أن الرق فيه كامل وإن كان الملك فيه ناقصا وجواز الاعتاق
عنها يعتمد كمال الرق لا كمال الملك. أشار إلى أن عتق المرهون والمستأجر والموصي بخدمته
عنها جائز بالأولى لوجود ملك الرقبة وإن فاتت اليد، ودل كلامه على أن الكتابة تنفسخ
بإعتاقه لرضاه بذلك لكن قالوا: إن الانفساخ ضروري فيتقدر بقدر الضرورة وهو جواز
التكفير فتنفسخ الكتابة بالنظر إلى جوازه لا مطلقا بدليل أن الأولاد والأكساب سالمة له. ثم
اعلم أن السيد لو مات وله مكاتب فأعتقه وارثه عن كفارته لم يجز إجماعا كما نقله الفخر
الرازي في التفسير الكبير. قال: فدل على أن الملك كان فيه ضعيفا ا ه‍. والفرق على مذهبنا
أن المكاتب لا ينتقل إلى ملك الوارث بعد موت سيده لبقاء الكتابة بعد موته فلا ملك للوارث
فيه بخلاف سيده حال الكتابة، وإنما جاز إعتاق الوارث له لتضمنه الابراء من بدل الكتابة
المقتضي للاعتاق. وأما الثاني أعني ما إذا اشترى قريبه أي محرمه ناويا بالشراء الكفارة ومراده
ما إذا دخل محرمه في ملكه بصنع منه فنوى وقت الملك عتقه عن كفارته أجزأه، شراء كان أو
هبة أو قبول صدقة أو وصية فخرج الإرث، فلو نوى وقت موت مورثه إعتاقه عنها لم يجز
عنها لعدم الصنع. وقيد بكون النية عند الشراء لأنها لو تأخرت عن الصنع لم يجز عنها. وما
في الخانية من باب عتق القريب لو وكل رجلا بأن يشتري أباه فيعتقه بعد شهر عن ظهاره
فاشتراه الوكيل يعتق كما اشتراه ويجزيه عن ظهار الآمر ا ه‍. فمبني على إلغاء قوله بعد شهر
لمخالفته المشروع وهو عتق المحرم عند الشراء، وأشار باشتراط النية عند الشراء إلى اشتراط
قرانها بعلة العتق لكون الشراء علة العتق القريب فأفاد أنه لو قال لعبده إن دخلت الدار فأنت
حر ناويا كونه عن الظهار وقت التعليق أجزأه، وإن تأخرت النية عنه لم يجزه، ولا فرق بين
173

أن يصرح بقوله عن ظهاري أو ينوي، فلو نوى وقت التعليق أن يكون حرا عن ظهاره ثم
نوى أن يكون عن كفارة قتله كان عن الظهار، وكذا لو نوى وقته أن يكون تطوعا ثم نوى
عنها لم يصح، كذا في البدائع معللا بأن اليمين لا يحتمل الفسخ بناء على أن المنوي كالملفوظ
به. وفي التتارخانية: وعلى هذا لو قال إن اشتريت هذا العبد فهو حر عن ظهاري ثم قال إن
اشتريته فهو حر عن ظهار فلانة ثم قال لامرأة أخرى كذلك ثم اشتراه فهو حر عن ظهار
الأولى ا ه‍.
ثم اعلم أنه لو وكل في إعتاقه عبده عن كفارته ثم نوى قبل إعتاق المأمور أن يكون
عن جهة أخرى فإنه يجوز فهما من كلام المحيط من باب الاحصار لو بعث المحصر بهدي
الاحصار ثم زال وحدث آخر فإن علم أن يدرك الهدى ونوى أن يكون لاحصاره الثاني
جاز، وكذا لو دفع خمسة أصوع طعام لرجل وأمره بالتصدق على عشرة مساكين عن كفارة
يمينه فلم يتصدق حتى كفر الآمر وحنث في آخري ثم تصدق المأمور جاز عن الثانية إذا
نواها الآمر، وكذا لو بعث هديا لجزاء صيد ثم أحصر فنوى أن يكون للاحصار، ولو قلد
بدنة وأوجبها تطوعا ثم أحصر فنوى أن تكون لاحصاره جاز ا ه‍. ثم اعلم أنهم جعلوا
المعلق هنا علة للعتق مع قولهم إن المعلق لا ينعقد سببا للحال وإنما ينعقد سببا عند وجود
الشرط فينبغي على هذا الأصل أن لا تصح النية وقت التعليق وإنما تصح وقت وجود الشرط
والحكم فيها بالعكس وجوابه في فتح القدير من كتاب الايمان من باب اليمين في الطلاق
والعتاق، وقد ذكروا فيه أنه لو اشترى أم ولده أي من استولدها بنكاح ناويا عن كفارته فإنه
لا يجوز لأن العلة الاستيلاد ولم تقارنه النية. وأما الثالث أعني ما إذا حرر نصف عبده ثم
حرر باقيه قبل المسيس فلكونه أعتق رقبة كاملة بكلامين والنقصان متمكن على ملكه بسبب
التحرير عنها ومثله غير مانع كمن أضجع شاة للأضحية فأصابت السكين عينها. قيد بقوله
حرر باقية لأنه لو حرر نصفا آخر من رقبة أخرى لا يجوز تكميل العتق بالعتق من
شخص آخر عند أبي حنيفة، وأما تكميله بالاطعام كما لو حرر عنها نصف عبد وأطعم عن
الباقي لم يجز أيضا عند أبي حنيفة لأنها إنما تتأدى بإعتاق رقبة أو بإطعام مساكين مقدرة ولم
يوجد واحد منهما، وتكميل العتق بالعتق من شخص آخر لا يجوز فلان لا يجوز تكميله
174

بالتمليك من جنس آخر أولى. وعندهما يجوز لأن العتق عندهما لا يتجزى فصار معتقا للكل
وكان متبرعا بالاطعام، كذا في المحيط. ولو حرر عبدين بينه وبين غيره لم يجز عن الكفارة
لأن الواجب تحرير رقبة واحدة وتخليصها عن الرق وهو ما حرر رقبة واحدة ولم يصرف العتق
إلى شخص بل حرر نصفا من كل رقبة كما لو فرق طعام مسكين على اثنين، ولو كان شاتان
بين رجلين فذبحاهما عن نسكهما أجزأهما لأن الاشتراك في النسك جائز، ألا ترى أنه تجزئ
البدنة عن سبعة فكان المعتبر في باب النسك مقدار الشاة وقد وجد، كذا في المحيط أيضا.
وخرج بقوله حرر باقيه ما إذا لم يحرر باقيه أصلا فإعتاق النصف لا يكفي عنها عنده،
وعندهما لما أعتق النصف عتق الكل بلا سعاية فأجزأ عن الكفارة، كذا في الكافي.
قوله: (وإن حرر نصف عبد مشترك وضمن باقيه أو حرر نصف عبده ثم وطئ التي
ظاهر منها ثم حرر باقيه لا) أي لا يجزيه عن الكفارة، أما الأول فلان نصيب صاحبه قد
انتقص على ملكه لتعذر باقيه لاستدامة الرق فيه ثم يتحول إليه بالضمان ومثله يمنع الكفارة
كالتدبير. والمراد بضمان القيمة إعتاق النصف الآخر بعد التضمين وإلا فمجرد الضمان لا
يكفي لوضع المسألة، ودل كلامه على أنه لو كان معسرا وسعى العبد في بقية قيمته حتى عتق
كله لا يجزيه عنها بالأولى، وهذا عند الإمام، وأما عندهما إن كان المعتق موسرا ضمن قيمة
نصيب شريكه أجزأه عنها لأنه عتق كله بإعتاق البعض، وإن كان معسرا لا يجزئه والخلاف
مبنى على تجزء الاعتاق وعدمه. وبما قررناه علم أن المعتق إذا كان معسكرا لم يجز اتفاقا لأنه
عتق بعوض وإن لم يكن البدل حاصلا للمعتق بل لشريكه لأن المانع أن يلزم العبد بدل في
مقابلة تحرير رقبته. وفي الكافي: فإن قيل المضمونات تملك عند أداء الضمان مستندا إلى
وقت وجود السبب فصار نصيب الساكت ملكا للمعتق زمان الاعتاق فكان النقصان في ملكه
لا في ملك شريكه. قلنا: الملك في المضمون يثبت بصفة الاستناد في حق الضامن والمضمون
له لا في حق غيرهما فتمكن النقصان في نصيب الساكت في حق غيرهما والكفارة غيرهما فلم تجز
ا ه‍. والحاصل أن النقصان إن كان على ملك المعتق أجزأه، وإن كان على ملك غيره لا
يجزئه. وفي فتح القدير: إن التعييب ضرورة إقامة المأمور به ليس كالتعييب بصنعه مختارا حتى
إنه لو فقأ عين الشاة مختارا عند الذبح نقول لا يجزئه فكان المشترك أولى بالاجزاء من العبد
المختص لأن مالك النصف لا يقدر على عتقه إلا بطريق عتق نصفه فحاله أشبه بذابح الشاة
من مالكه على الكمال. وجوابه أن المعنى أنه حصل بسبب إقامة الواجب وهذا القدر كاف
175

في عدم ما نعيته لا يتوقف على كونه بحيث لا يمكن إقامة الواجب إلا كذلك فإن الشارع لما
أطلق له العتق بمرة ومرة كان لازمه أنه إذا حصل النقص بسببه مطلقا لا يمنع وتمامه فيه.
وأما الثاني فعدم الاجزاء قول الإمام لكونه متجزئا عنه وشرط الاعتاق أن يكون قبل المسيس
بالنص وإعتاق النصف حصل بعده، وعندهما إعتاق النصف إعتاق للكل فحصل الكل قبل
المسيس، وأورد عليه أن هذا يقتضي أن لا يجوز إعتاق رقبة كاملة بعد المسيس مع أنه جائز.
وأجيب بأنه قبل المسيس الثاني وبطل إعتاق ذلك النصف عنها كما في النهاية.
قوله: (فإن لم يجد ما يعتق صام شهرين متتابعين ليس فيهما رمضان وأيام منهية) أي إن
لم يملك رقبة ولا ثمنها فاضلا عن قدر كفايته لأن قدرها مستحق الصرف فصار كالعدم،
فمن له خادم يحتاج إلى خدمته لا يجزئه الصوم بخلاف من له مسكن لأنه كلباسه ولباس
أهله، صرح به في الخزانة. وفي الجوهرة: لو كان له عبد للخدمة لا يجوز له الصوم إلا أن
يكون زمنا فيجوز ا ه‍. والضمير في يكون يعود ظاهرا إلى المولى. وفي التتارخانية: ومن
ملك رقبة لزمه العتق وإن كان محتاجا إليها ا ه‍. وظاهره أنه يعتقها ولو كان السيد زمنا
فحينئذ يرجع الضمير في كلام الجوهرة للعبد، والمعنى إلا أن يكون العبد بحال لا يجزئ
عنها، ومن الكفاية قدر كفايته للقوت، فإن كان محترفا فقوت يومه والذي لا يعمل قوت
شهر. وفي المحيط: معسر له دين على الناس أو عبد غائب يجزئه الصوم يريد بالغائب أنه لم
يكن مملوكا له، فأما إذا كان في ملكه لا يجزه الصوم لأنه قادر على إعتاقه، فأما الدين إذا لم
يقدر على أخذه من مديونه فقد عجز عن التكفير بالمال فيجزئه الصوم، أما إذا قدر على أخذه
منه لم يجزه الصوم. وكذلك امرأة تزوجت على عبد وزوجها قادر على أدائه إذا طالبته بذلك
ووجب عليها كفارة لم يجزها الصوم، وإن كان له مال ووجب عليه دين مثله يجزئه الصوم
بعدما قضى دينه لأنه غير واجد للمال، فأما قبل قضاء الدين فقيل يجزئه لأن محمدا علل
وقال بأنه تحل له الصدقة وهذا إشارة إلى أن ماله ملحق بالعدم حكما لكونه مستحق الصرف
إلى الدين كالماء المستحق للعطش. وقيل: لا يجزئه لأن محمدا ذكر ما يدل عليه لأنه خص
الصوم بما بعد قضاء الدين وذلك لأن ملك المديون في ماله كامل بدليل إنه يملك جميع
التصرف فيه ا ه‍. وفي البدائع: لو كان في ملكه رقبة صالحة للتكفير يجب عليه تحريرها،
سواء كان عليه دين أو لم يكن، لأنه واجد حقيقة ا ه‍. وحاصله أن الدين لا يمنع تحرير
الرقبة الموجودة ويمنع وجوب شرائها بمال على أحد القولين. فإن قلت: إذا كان عليه كفارتا
176

ظهار لامرأتين وفي ملكه رقبة فقط فصام عن إحداهما ثم أعتق عن ظهار الأخرى هل يجزئه
الصوم عن الأولى.
قلت: لم أره صريحا ولكن في المحيط في نظيره ما يقتضي عدم الاجزاء قال: عليه
كفارتا يمين وعنده طعام يكفي لإحداهما فصام عن إحداهما ثم أطعم عن الأخرى لا يجوز
صومه لأنه صام وهو قادر على التكفير بالمال فلا يجزئه ا ه‍. وبما نقلناه عن المحيط من أن
من له عبد غائب في ملكه لا يجزئه الصوم ظهر أن ما ذكره الإمام فخر الدين الرازي عن
أصحاب الشافعي استنباطا من تعبيره تعالى بعدم الوجود عند الانتقال إلى الصوم وبعدم
الاستطاعة عند الانتقال إلى الاطعام من أنه لو كان له مال غائب فإنه ينتظره ولا يصوم، ومن
كان مريضا مرضا يرجى برؤه فإنه يطعم ولا ينتظر الصحة ليصوم، موافق لمذهبنا أيضا في
الصوم لا في الاطعام لما سيأتي وإن كان المال أعم من العبد لأنه لا فرق بين العبد وبين قدر
ما يشتري به. وأراد بالأيام المنهية الخمسة المعروفة وهي يوما العيد وأيام التشريق لأن الصوم
بسبب النهي فيها ناقص فلا يتأدى به الكامل، وشهر رمضان في حق الصحيح المقيم لا يسع
غير فرض الوقت قيدنا بالمقيم الصحيح لأن المسافر له أن يصوم عن واجب آخر وفي المريض
روايتان كما علم في الأصول في بحث الامر. وفي اقتصاره على نفي الأيام المنهية وشهر
رمضان دلالة على أنه لا يشترط أن لا يكون فيهما وقت نذر صومه لأن المنذور المعين إذا نوى
فيه واجبا آخر وقع عما نوى بخلاف رمضان كما علم في الصوم. وفي كلامه إشارة إلى أن
هذه الأيام لو دخلت على الصوم انقطع التتابع صامها أولا لامكان وجود شهرين يصومها
خاليين عنها فلذا قطع النفاس والمرض التتابع وكان حيضها غير قاطع لصوم كفارتها لعدم
الامكان وينبغي أن يكون مخصوصا بكفارة قتلها أو فطرها في الحيض لأنها لا تجد شهرين
خاليين عن حيضها بخلاف كفارة اليمين فإنها تجد ثلاثة أيام خالية عنه. ثم رأيت الفرق
مصرحا به في المحيط. وفي البدائع: عليها أن تصل أيام القضاء بعد الحيض بما قبله حتى لو
لم تصل وأفطرت يوما بعد الحيض استقبلت لتركها التتابع بلا ضرورة بخلاف نفاسها، وهذا
مما خالف فيه النفاس الحيض فإن النفاس قاطع للتتابع في صوم كل كفارة لها بخلاف الحيض
فإنه غير قاطع في كفارة الفطر والقتل. وعن محمد في المنتفى: لو صامت شهرا ثم حاضت
ثم أيست استقبلت لأنها قدرت على مراعاة التتابع فلزمها التتابع. وعن أبي يوسف: إنها إذا
حبلت في الشهر الثاني بنت، كذا في المحيط. فعلى الأول قولهم حيضها غير قاطع في كفارة
الشهرين إلا إذا أيست بعده فحينئذ يقطع، وأما صوم المضللة عن الكفارة فقد استوفاه في
177

المحيط من الحيض، وقد أفاد كلامه أن كل صوم شرط فيه التتابع نصا فحكمه كالكفارة فإذا
أفطر فيه يوما بطل ما قبله ولزمه الاستقبال كالمنذور المشروط فيه التتابع معينا أو مطلقا
بخلاف المعين الخالي عن اشتراطه فإن التتابع فيه وإن لزم لكن لا يستقبل إذا أفطر فيه يوما
كرجب مثلا لأنه لا يزيد على رمضان وحكمه ما ذكرنا كما في فتح القدير من الايمان. وأراد
بعدم الوجود عدما مستمرا إلى فراغ صوم الشهرين حتى لو قدر على الاعتاق في اليوم الأخير
قبل غروب الشمس وجب عليه الاعتاق وكان صومه تطوعا والأفضل إتمامه، وإن أفطر لا
قضاء عليه لأنه شرع فيه مسقطا لا ملتزما خلافا لزفر. وقيد الصوم بعدم الوجود لأنه غير
جائز من القادر على التحرير لترك الواجب في قوله تعالى * (فتحرير رقبة) * [النساء: 29] إذ
المعنى فالواجب عليه تحرير رقبة لا عملا بمفهوم الشرط كما لا يخفى. واليسار والاعسار
معتبران وقت التكفير أي الأداء لا وقت الوجوب كمذهب أحمد، ولا أغلظ الحالين كمذهب
الشافعي، لأن القدرة إنما يحتاج إليها للأداء فيشترط وجودها وعدمها عند الأداء، وفي
المحيط: لو صام بالأهلة فاتفق تسعة وخمسين يوما جاز، ولو صام بغير الأهلة تسعة وخمسين
يوما يصوم ثانيا لأن الأصل اعتبار الشهر بالأهلة، فإن غم الهلال اعتبر كل شهر ثلاثين يوما
ا ه‍. وينبغي أن يقال: فاتفق ثمانية وخمسين جاز لجواز كون كل منهما تسعة وعشرين يوما
وقد أفاده في التتارخانية.
قوله: (فإن وطئ فيهما ليلا أو يوما ناسيا أو أفطر استأنف الصوم) أي وطئ المظاهر
منها عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: الشرط عدم فساد الصوم فلو جامعها ليلا أو
نهارا ناسيا لا يستأنف. والصحيح قولهما لأن المأمور به صيام شهرين متتابعين لا مسيس
فيهما فإذا جامعها في خلالهما لم يأت بالمأمور به وإذا أفطر في خلالهما انقطع التتابع. أطلق
في الليل فشمل العمد والنسيان كما صرح به في البدائع، والتقييد بالعمد في أكثر الكتب
اتفاقي لا للاحتراز عنه كما في بعض شروح المجمع فاحترز منه فإنه غلط، وقد صرح في
غاية البيان والعناية بأنه قيد اتفاقي. وقيد بالنسيان في اليوم لأنه لو جامعها نهارا عمدا
استأنف اتفاقا لوجود المسيس عندهما ولفساد الصوم عنده. وإنما لم يعف عن النسيان في
وطئ المظاهر منها كما عفى عنه في الصوم لأنه في الصوم على خلاف القياس للحديث فلا
يلحق به غيره. ولو قال المصنف ولو جامعها فيهما مطلقا أو أفطر استأنف لكان أولى ومن
التطويل أعرى. قيدنا بوطئ المظاهر منها لأنه لو وطئ غيرها فيهما فإن بطل صومه كأن كان
نهارا عامدا دخل تحت قوله أو أفطر فيستأنف وإلا لا وهذا بالاتفاق. وقيد بكفارة الظهار
لأنه لو وطئ وطئا لا يفسد الصوم في كفارة القتل لم يستأنف كما في الجوهرة. وأطلق في
178

الافطار فشمل ما إذا كان لعذر كسفر أو مرض أو لا كما في العناية قوله: (ولم يجز للعبد إلا
الصوم) أي إلا صوم الشهرين المتتابعين لأن العبد لا يملك وإن ملك والاعتاق والاطعام
شرطهما الملك فإن أعتق المولى عنه أو أطعم لم يجز وإن كان بأمره لأنه ليس بأهل للملك فلا
يصير مالكا بتمليكه للحديث لا يملك العبد شيئا ولا يملكه مولاه ولا يثبت عتقه في ضمنه
لأنه إنما يصح أن لو كان تبعا والاعتاق أصل الأهلية فلا يثبت اقتضاء، كذا في الكافي.
وإذا تعين الصوم للكفارة وقد تعلق بها حق المرأة لم يكن للسيد أن يمنعه بخلاف صوم بقية
الكفارات له أن يمنعه عن صومها لعدم تعلق حق عبد بها. وفي فتح القدير من باب جنايات
الاحرام: ولا يجوز إطعام المولى عنه إلا في الاحصار فإن المولى يبعث عنه ليحل هو فإذا عتق
فعليه حجة وعمرة ا ه‍. ولم يعلل لاستثناء هذه المسألة. فإن قلت: لم لم يكن الرق منصفا
لصوم الكفارات مع أنه منصف نعمة وعقوبة؟ قلت: لما فيه من معنى العبادة وهي لم تتنصف
بالرق كالصلاة وصوم رمضان وإن كان الغالب في بعضها معنى العقوبة احتياطا. ثم رأيت
تعليل مسألة دم الاحصار فقال في البدائع: لو أحصر العبد بعد ما أحرم بإذن المولى ذكر
القدوري في شرح مختصر الكرخي أنه لا يلزم المولى إنفاذ هدي لأنه لو لزمه يلزمه لحق العبد
ولا يجب للعبد على مولاه حق فإذا أعتقه وجب عليه. وذكر القاضي في شرح مختصر
الطحاوي أن على المولى أن يذبح عنه هديا في الحرم فيحل لأن هذا الدم وجب لبلية ابتلي بها
العبد بإذن المولى فصار بمنزلة النفقة والنفقة على المولى فكذا دم الاحصار ا ه‍. وأما كفارة
الميت إذا مات وعليه كفارة وأوصى بإخراجها من ثلث ماله فإن كانت كفارة يمين خبر
الوصي بين الاطعام وبين الكسوة وبين التحرير وفي كفارة القتل والظهار والافطار يتعين
التحرير إن بلغت قيمته الثلث وإلا تعين الاطعام ولا دخل للصوم في الكل، كذا في
179

البدائع. فإن قلت: هل لنا حر ليس له كفارة إلا بالصوم؟ قلت: المحجور عليه بالسفه على
قولهما المفتى به لا يكفر إلا بالصوم حتى لو أعتق عنها صح العتق ولا يجزئ عنها ويلزمه
الصوم كما في شرح المنظومة من الحجر.
قوله: (فإن لم يستطع الصوم أطعم ستين فقيرا كالفطرة أو قيمته) أي إن لم يقدر على
الصوم لمرض لا يرجى برؤه أو كبر. أراد بالاطعام الاعطاء تمليكا لأنه سيصرح بالإباحة ولذا
قال في البدائع: إذا أراد التمليك أطعم كالفطرة وأراد الإباحة أطعمهم غداء وعشاء. وقيد
بالفقير لأن الغني لا يجوز إطعامه في الكفارات تمليكا وإباحة ومن له مال وعليه دين لعبد
فقير في هذا كما في البدائع. وأشار بذكر الفقير إلى أنه المراد في الآية فالمسكين والفقير سواء
فيها. وأفاد بقوله كالفطرة أي كصدقة الفطر أنه لا يجوز إطعام أصله وفرعه واحد الزوجين
ومملوكه والهاشمي، وأنه يجوز إطعام الذمي لأن مصرفها مصرفها وهو مصرف الزكاة إلا
الذمي فإنه مصرف فيما عدا الزكاة بخلاف الحربي فإنه ليس بمصرف لشئ ولو كان مستأمنا.
ولو دفع بتحر فبان أنه ليس بمصرف أجزأه عندهما خلافا لأبي يوسف كما عرف في الزكاة
كما في البدائع، وأنه يملك نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير أو دقيق كل كأصله
وكذا السويق. واختلفوا هل يعتبر الكيل أو القيمة فيهما كما في صدقة الفطر وأنه لو دفع
البعض من الحنطة والبعض من الشعير فإنه جائز إذا كان قدر الواجب كأن يدفع ربع صاع
من بر ونصفا من شعير. وإنما جاز التكميل بالآخر لاتحاد المقصود وهو الاطعام ولا يجوز
180

التكميل بالقيمة كما لو أدى نصفا من تمر جيد يساوي صاعا من الوسط. وأفاد بعطف القيمة
أنه لا بد أن تكون من غير المنصوص عليه فلو دفع منصوص عليه عن منصوص آخر بطريق
القيمة لم يجز إلا أن يباع المدفوع الكمية المقدرة شرعا، فلو دفع نصف صاع تمر يبلغ قيمة
نصف صاع بر لا يجوز فالواجب عليه أن يتم للذين أعطاهم القدر المقدر من ذلك الجنس
الذي دفعه لهم، فإن لم يجدهم بأعيانهم استأنف في غيرهم ولا يقال لو أطعم خمسة وكسا
خمسة في كفارة اليمين حيث تجوز لكسوة عن الاطعام مع أن كلا منهما منصوص عليه لأنا
نقول قال في البدائع: لو أطعم خمسة على وجه الإباحة وكسا خمسة فإن كان على وجه
المنصوص عليه لا يجوز، وإن أخرجه على وجه القيمة، فإن كان الطعام أرخص من الكسوة
أجزأه، وإن كانت الكسوة أرخص من الطعام لم يجزه لأن الكسوة تمليك فجاز أن تكون بدلا
عن الاطعام. ثم إن كانت قيمة الكسوة مثل قيمة الطعام فقد أخرج قيمة الطعام، وإن كانت
أغلا فقد أخرج قيمة الطعام وزيادة، وإن كانت قيمة الكسوة أرخص لا يكون الطعام بدلا
عنه لأن طعام الإباحة ليس بتمليك فلا يقوم مقام التمليك وهو الكسوة لأن الشئ لا يقوم
مقام ما هو فوقه. ولو أطعم خمسة وكسا خمسة جاز وجعل أغلاهما ثمنا بدلا عن أرخصهما
ثمنا أيهما كان لأن كل واحد منهما تمليك فجاز أن يكون أحدهما بدلا عن الآخر ا ه‍. وأشار
بقوله كالفطرة إلى أنه لو أعطى مسكينا أقل من نصف صاع لا يجزيه كما قدمه الشارح في
صدقة الفطر ونقل أن الجواز قول الكرخي، فما نقله هنا من الجواز إما غفلة عما قدمه وإما
على قول الكرخي. ثم اعلم أن الكفارات كلها لا يجوز إعطاء فقير فيها أقل من نصف صاع
حتى فدية الصلاة حتى لو أعطى عن صلاة أقل من المسكين لم يجز كما في المحيط. وقد فرق
في العناية بين الكفارة وصدقة الفطر وقد علمت أنه مفرع على الضعيف. وفي التتارخانية:
181

لو أعطى ستين مسكينا كل مسكين مدا من الحنطة لم يجز وعليه أن يعيد مدا آخر على كل
مسكين، فإن لم يجد الأولين فأعطى ستين آخرين كل مسكين مدا لم يجز ا ه‍. وفي المحيط:
لو أعطى عشرة مساكين كل مسكين مدا مدا ثم استغنى المساكين ثم افتقروا فأعاد عليهم مدا
مدا لا يجوز، وكذا لو أدى إلى المكاتبين مدا مدا ثم ردوا إلى الرق ومواليهم أغنياء ثم كوتبوا
ثانيا ثم أعاد عليهم لم يجز لأنهم صاروا بحال لا يجوز الأداء إليهم فصاروا كجنس آخر ا ه‍.
قوله: (فلو أمر غيره أن يطعم عنه عن ظهاره ففعل أجزأه) لأنه طلب منه التمليك معنى
والفقير قابض له أولا ثم لنفسه فيتحقق تملكه ثم تمليكه كهبة الدين من غير من عليه الدين إذا
سلطه على القبض، ولما كان طلب التمليك متنوعا إلى هبة وقرض والأصل البراءة لا رجوع
على الآمر في ظاهر الرواية. وفي التتارخانية: إن قال الآمر على أن لا رجوع للمأمور فلا
رجوع، وإن قال على أن ترجع علي رجع عليه، وإن سكت الآمر ففي الدين يرجع اتفاقا،
وفي الكفارة والزكاة لا يرجع عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف يرجع ا ه‍. والحاصل أنهم
فرقوا بين الامر بقضاء الدين وبين الامر بأداء الزكاة والتكفير مع أن الكل واجب على الآمر،
وقد رأيت الفرق في السراج الوهاج من كتاب الوكالة معزيا إلى الإمام الكرخي بأنه لو رجع
بلا شرط رجع بأكثر مما أسقط عن ذمة الآمر، ألا ترى أن الوجوب كان من أحكام الآخرة
دون الدنيا، ولو ثبت الرجوع بمطلق الامر لرجع بحق مضمون في الدنيا والآخرة ولا يجوز
أن يرجع بأكثر مما أسقط عن ذمته ا ه‍. وفي البزازية من كتاب الوكالة ذكر ضابطا حسنا لما
يرجع بلا شرط وما يرجع بشرط الرجوع فانظره ثمة. قيد بالاطعام لأنه لو أمر أجنبيا أن
يعتق عنه فأعتق لا يجزئه عندهما خلافا لأبي يوسف. والفرق على قولهما أن التمليك بغير
بدل هبة ولا جواز لها بدون القبض ولم يوجد القبض في الاعتاق ووجد في الاطعام
والكسوة في كفارة اليمين كالاطعام، كذا في البدائع. وإن كان بجعل سماه أجزأه اتفاقا،
وإن أعتق عنه بغير أمره لم يجز اتفاقا لوقوعه عن المعتق، كذا في الولوالجية. وخرج الصوم
أيضا فلو أمره أن يصوم عنه فصام لا يجزئه، كذا في غاية البيان. وقيد الاطعام بالامر لأنه لو
182

أطعم عنه بلا أمره لا يجزئه لعدم ملكه ولعدم النية، وأما تكفير الوارث عن الميت ففي كفارة
اليمين يجوز الاطعام أو الكسوة وفي كفارة الظهار بالاطعام ولا يجوز التبرع عنه في كفارة
القتل لأن التبرع بالاعتاق غير جائز، كذا في المحيط قوله: (وتصح الإباحة في الكفارات)
أي في إطعام الكفارات قوله: (والفدية دون الصدقات والعشر) لو رود الاطعام في الكفارات
والفدية هو حقيقة في التمكين من الطعم. وإنما جاز التمليك باعتبار أنه تمكين، أما الواجب
في الزكاة الايتاء وفي صدقة الفطر الأداء وهما للتمليك حقيقة. فإن قلت: هل يجوز الجمع
بين الإباحة والتمليك لرجل واحد أو لبعض المساكين دون البعض أو أن يعطي نوعا للبعض
ونوعا للبعض؟ قلت: أما الأول ففي التتارخانية: إذا غداه وأعطاه مدا ففيه روايتان. واقتصر
في البدائع على الجواز لأنه جمع بين شيئين حائزين على الانفراد. وإن غداهم وأعطاهم قيمة
العشاء أو عشاهم وأعطاهم قيمة الغداء يجوز. وأما الثانية كما إذا ملك ثلاثين وأطعم ثلاثين
غداء وعشاء فهو جائز. وأما الثالثة فقال في الكافي: ويجوز تكميل أحدهما بالآخر. فإن
قلت: هل المباح له الطعام يستهلكه على ملك المبيح أو على ملك نفسه؟ قلت: إذا صار
مأكولا زال ملك المبيح عنه ولم يدخل في ملك أحد، ذكره في البدائع. قيدنا بالاطعام لأن
الإباحة في الكسوة في كفارة اليمين لا تجوز كما لو أعار عشرة مساكين كل مسكين ثوبا،
كذا في المحيط. وجعل الفدية كالكفارة ظاهر الرواية، وروى الحسن عن الإمام أنه لا بد من
التمليك لأنها تنبئ عنه كفدية العبد الجاني لا بد فيها من تمليك الأرش.
قوله: (والشرط غدآن أو عشاءان مشبعان أو غداء وعشاء) أي الشرط في طعام الإباحة
أكلتان مشبعتان لكل مسكين والسحور كالغداء، فلو غداهم يومين أو عشاهم كذلك أو
غداهم وسحرهم أو سحرهم يومين أجزأه. ولو غدى ستين مسكينا وعشى ستين غيرهم لم
يجزه إلا أن يعيد على أحد النوعين منهم غداء أو عشاء، ولو غدى واحدا وعشى آخر لم يجز.
183

وقيد بالشبع لأنه لو كان فيهم من هو شبعان قبل الاكل أو صبي ليس بمراهق لا يجزئه،
واختلف المشايخ فيه ومال الحلواني إلى عدم الجواز. وفي المصباح: الاكل معروف والاكل
بضمتين وإسكان الثاني للتخفيف، المأكول والاكلة بالفتح المرة، وبالضم اللقمة. والغداء بالمد
طعام الغداة والعشاء بالفتح، وبالمد طعام العشاء بالكسر. والسحور بفتح السين ما يؤكل في
السحر ما قبل الصبح، وبالضم الاكل وقته. وأشار به إلى أنه لا معتبر بعد الشبع إلى مقدار
الطعام حتى روي عن أبي حنيفة في كفارة اليمين لو قدم أربعة أرغفة إلى عشرة مساكين
وشبعوا أجزأه وإن لم يبلغ ذلك صاعا أو نصف صاع، كذا في التتارخانية. وإلى أنه لا بد من
الادام في خبز الشعير والذرة ليمكنهم الاستيفاء إلى الشبع بخلاف خبز البر. وقد اختلف
المشايخ في جواز إطعام خبز الشعير بالإدام بناء على أن محمدا نص على خبز البر في الزيادات
فقال البعض لا يجوز بخبز الشعير، وبعضهم جوزه مع الادام وإليه مال الكرخي كما في
التتارخانية. وفي الينابيع: لو أطعم مائة وعشرين مسكينا في يوم واحد أكلة واحدة مشبعة لم
يجز إلا عن نصف الاطعام فإن أعاده على ستين مسكينا أجزأه ا ه‍. وفي البدائع: أوصى بأن
يكفر عنه فأطعم الوصي الغداء للعدد المنصوص عليه ثم ماتوا قبل العشاء يستأنف فيغدي
ويعشي غيرهم لأنه لا سبيل إلى التفريق ولا يضمن الوصي شيئا لأنه غير متعد إذ لا صنع له
في الموت ا ه‍. وينبغي أن المكفر إذا غدى العدد ثم غابوا أن ينتظر حضورهم أو يعيد الغداء
مع العشاء على عدد غيرهم، وينبغي في الوصي أن ينتظر لرجاء حضورهم قوله: (وإن أعطى
فقيرا شهرين صح) لأن المقصود سد خلة المحتاج والحاجة تتجدد بتجدد الأيام فتكرر المسكين
بتكرر الحاجة حكما فكان تعدادا حكما. قيد بالتمليك لأنه لو أطعم مسكينا غداه وعشاه
ستين يوما لا يجزئه في قول أبي يوسف الأخير كما في التتارخانية فيحتاج إلى الفرق بين
الإباحة والتمليك في حق الواحد. والحق أن لا فرق على المذهب لما في البدائع: لو أعطى
طعام عشرة مساكين في كفارة اليمين في عشرة أيام لمسكين واحد غداه وعشاه عشرة أيام
أجزأه عندنا. وفي المصباح: الخلة بالفتح الفقر والحاجة قوله: (ولو في يوم لا إلا عن يومه)
184

أي لو أعطى فقيرا ثلاثين صاعا في يوم لا يجزئه إلا عن واحد لفقد التعدد حقيقة وحكما
لعدم تجدد الحاجة. أطلقه فشمل ما إذا أعطاه بدفعة واحدة أو متفرقا على الصحيح كما في
المحيط. وفي طعام الإباحة لا يجوز في يوم واحد وإن فرق بلا خلاف كما في التتارخانية.
والكسوة في كفارة اليمين كالاطعام حتى لو أعطى مسكينا واحدا عشرة أثواب في عشرة أيام
يجوز في كفارة اليمين لتجدد الحاجة حكما باعتبار تجدد الزمان. وفي البدائع في كفارة
اليمين: لو غدى رجلا واحدا عشرين يوما أو عشى واحدا عشرين يوما أجزأه عندنا. وفي
المحيط: لو أعطى مسكينا عن فدية صوم يومين عليه فعن أبي يوسف روايتان، وفي رواية
يجزئه عنهما، وفي رواية لا يجزئه. قيل: وهذا قول أبي حنيفة كما في كفارة اليمين.
قوله: (ولا يستأنف بوطئها في خلال الاطعام) لأن الله تعالى إنما شرط في التحرير
والصوم أن يكون قبل التماس ولم يشترطه في الاطعام ولا يحمل المطلق على المقيد وإن وردا
في حادثة واحدة بعد أن يكونا حكمين - كذا في الكافي - إلا أنه منع من الوطئ قبله لجواز
أن يقدر على الصوم والاعتاق فتنتقل الكفارة إليهما فيتبين أن الوطئ كان حراما قوله: (ولو
أطعم عن ظهارين ستين فقيرا كل فقير صاعا صح عن واحد وعن إفطار وظهار صح عنهما)
لأنه في الأول زاد في قدر الواجب ونقص عن المحل فلا يجوز إلا بقدر المحل لأن النية في
الجنس الواحد لغو وفي الجنسين معتبرة، وكذلك لو أطعم عشرة مساكين عن يمينين لكل
مسكين صاعا فهو على هذا الخلاف، كذا في البدائع. أطلقه فشمل ما إذا كان الظهاران
لامرأتين أو لواحدة. والحاصل أن النقصان عن العدد لا يجوز فالواجب في الظهارين إطعام
مائة وعشرين فلا يجوز صرف الواجب إلى الأقل كما لو أطعم ثلاثين مسكينا لكل واحد
صاعا فإنه لا يكفي عن ظهار واحد، والمراد بالمدفوع البر إذ لو كان تمرا أو شعيرا فموضوع
المسألة أعطى لكل فقير صاعين ولا بد من تقييد المسألة بأن يكون دفعها دفعة واحدة، أما لو
كان بدفعات جاز اتفاقا كما في الكافي معللا بأنه في المرة الثانية كمسكين آخر. ورجح في
فتح القدير قول محمد بأنه كما يحتاج إلى نية التعيين عند اختلاف الجنس يحتاج إليها لتمييز
بعض أشخاص ذلك الجنس وقد اعتبروا ذلك في العتق فإنه لو كان عليه كفارتا ظهار
185

لامرأتين فاعتق عبدا ناويا عن إحداهما صح تعيينه ولم يلغ وحل له وطؤها مع اتحاد الجنس
فليصح في الاطعام لثبت غرضه وهو حلهما معا قوله: (ولو حرر عبدين عن ظهارين ولم
يعين صح عنهما ومثله الصيام والاطعام) حتى لو صام عنهما أربعة أشهر أو أطعم عنهما مائة
وعشرين مسكينا صح عنهما من غير تعيين لأن الجنس متحد فلا حاجة إلى نية التعيين. قيد
بقوله عن ظهارين لأنه لو كان عليه كفارة يمين وكفارة ظهار وكفارة قتل فأعتق عبيدا عن
الكفارات لا يجزئه عن الكفارة، ولو أعتق كل رقبة ناويا عن واحدة منها لا بعينها جاز
بالاجماع ولا يضر جهالة المكفر عنه، كذا في المحيط قوله: (وإن حرر عنهما رقبة أو صام
شهرين صح عن واحد وعن ظهار وقتل لا) لأن نية التعيين في الجنس الواحد لغو وفي
المختلف مفيد فإذا لغا له أن يعين أيهما شاء ويجامع تلك المرأة التي عينها. وأراد بالرقبة
المؤمنة، أما لو أعتق كافرة عن ظهار وقتل كان عن الظهار وإن اختلف الجنس لأن الكافرة لا
تصلح لكفارة القتل، وجعل له في البدائع نظيرا حسنا هو ما إذا جمع بين المرأة وبنتها أو
أختها ونكحهما معا، فإن كانتا فارغتين لم يصح العقد على كل منهما، وإن كانت إحداهما
متزوجة صح في الفارغة. والأصل أن ما اختلف سببه فهو المختلف وما اتحد سببه فهو
المتحد، فالصلوات كلها من قبيل المختلف حتى الظهرين من يومين وصوم أيام رمضان من
قبيل المتحد إن كان في سنة واحدة، وإن كان من سنتين فهو من قبيل المختلف. ولو نوى
ظهرا أو عصرا أو صلاة جنازة لم يكن شارعا في واحدة منهما للتنافي وعدم الرجحان، ولو
نوى ظهرا ونفلا لم يكن شارعا أصلا عند محمد للتنافي، وعند أبي يوسف يقع عن الفرض
لأنه أقوى. ولو نوى صوم القضاء والنفل أو الزكاة والتطوع أو الحج المنذور والتطوع يكون
تطوعا عند محمد لبطلانهما بالتعارض فانصرف إلى النفل، وعن أبي يوسف يقع عن الأقوى
ترجيحا له عند التعارض. ولو نوى حجة الاسلام والتطوع فهو عن الحجة اتفاقا للقوة عند
الثاني ولبطلان الجهة بالتعارض وهي تتأدى بالمطلق. ثم اعلم أن من عليه كفارات أيمان أعتق
186

عن إحداهن وأطعم عن أخرى وكسا عن أخرى أو أعتق عنها عبدا ولا ينوي كل واحدة
بعينها جاز استحسانا حلافا لزفر نظرا إلى أنهما مختلفان ونحن نقول: الجنس متحد فهو
كالصوم بخلاف صلاة الظهر لأن نية التعيين ثمة لم تشترط باعتبار أن الواجب مختلف متعدد
بل باعتبار أن مراعاة الترتيب واجبة عليه ولا يمكنه مراعاة الترتيب إلا بنية التعيين حتى لو
سقط الترتيب بكثرة الفوائت تكفيه نية الظهر لا غير، كذا في المحيط. وهو تفصيل حسن في
الصلوات ينبغي حفظه.
والحاصل أنه إذا نوى شيئين فإن كانا فرضين لم يصح اتفاقا، وإن كان أحدهما فرضا
والآخر نفلا فعند أبي يوسف يقع عن الأقوى، سواء كان الأقوى يتأدى بمطلق النية كالصوم
والحج أو لا كالصلاة. وعند محمد في الأول يقع عن الفرض لأنه لما بطلت النيتان للتعارض
بقي مطلق النية، وفي الثاني لم يصح. وفي فتح القدير: ومما يعكر على الأصل الممهد ما عن
أبي يوسف في المنتقى: لو تصدق عن يمين وظهار فله أن يجعله عن أحدهما استحسانا وقدمنا
في باب شروط الصلاة مسائل من هذا النوع فارجع إليه. وقولهم هنا لو نوى ظهرا وعصرا
وصلاة جنازة بواو العطف في صلاة الجنازة لأنها لو كانت بأو لم يصح لأنهم قالوا: لو
نوى ظهرا أو صلاة جنازة كان عن الظهر كما قدمناه. ثم اعلم أن قولهم إن نية التعيين في
الجنس الواحد لغو يرد عليه ما لو كان عليه كفارتا ظهار لامرأتين فأعتق عبدا عن إحداهما
صح التعيين وله أن يطأ التي كفر عنها دون الأخرى ولم يجب عنه في فتح القدير وهو بناء
على ما فهمه من ظاهر العبارة أن المراد أن نية تعيين بعض الافراد في الجنس المتحد لغو، وقد
قرر المراد في النهاية بما يدفع الابراء فقال: أراد به تعميم الجنس بالنية ألا ترى أنه إذا عين
ظهار إحداهما للتكفير صح وحل له قربانها، كذا في الفوائد الظهيرية. والله أعلم.
187

باب اللعان
مصدر لاعن ملاعنة ولعانا. يقال لاعن امرأته ملاعنة ولعانا وتلاعنا. والتعنا لعن
بعض بعضا، ولاعن الحاكم بينهما لعانا حكم، والتلعين التعذيب، ولعنه كجعله طرده
وأبعده فهو لعين وملعون، والجمع ملاعين والاسم اللعان واللعانية. واللعن بالضم من يلعنه
الناس، واللعنة كهمزة الكثير اللعن لهم، واللعين من يلعنه كل واحد كالملعن والشيطان
والممسوخ والمشؤم والمسيب وما يتخذ في المزارع كهيئة الرجل والمنخري المهلك، كذا في
القاموس. والأصل فيه الآيات التي في سورة النور وهو قوله تعالى * (والذين يرمون أزواجهم
ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين والخامسة
أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب إن تشهد أربع شهادات بالله أنه
لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ولولا فضل الله عليكم
ورحمته وإن الله تواب حكيم) * [النور: 6] وقد اختلف في سبب نزولها فروى البخاري
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريك
ابن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: البينة وإلا حد في ظهرك. فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا
على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: البينة وإلا حد في ظهرك.
فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله تعالى ما يبرئ ظهري من الحد.
فنزل جبريل فأنزل الله * (والذين يرمون أزواجهم) * حتى بلغ * (إن كان من الصادقين) *
فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الله يعلم أن أحدكما
كاذب فهل منكما تائب. ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وعظها وقال إنها موجبة
فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين شائع الأليتين خدلج الساقين فهو
لشريك بن سحماء فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله تعالى لكان
لي ولها شأن. في المصباح: خدلج أي ضخم. وأخرج البخاري أيضا عن سهل بن سعد قال:
جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا
فقتله أيقتل به أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه عويمر
188

فقال: ما صنعت إنك لم تأتني بخير سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب السائل فقال عويمر: والله
لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأسألنه فأتاه فوجده قد أنزل عليه فدعا بها فلاعن بينهما فقال عويمر:
إن انطلقت بها يا رسول الله فقد كذبت عليها ففارقها قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم فصارت سنة
للمتلاعنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبصروها فإن جاءت به أسحم العينين عظيم الأليتين فلا
أراه إلا قد صدق، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا، فجاءت به مثل النعت
المكروه. وذكر البقاعي أنه لا يمتنع أن يكون للآية الواحدة عدة أسباب معا أو منفرقا ا ه‍.
وتمام الروايات باختلاف طرقها في الدر المنثور للجلال الأسيوطي رحمه الله تعالى.
قوله: (هي شهادات مؤكدات بالايمان مقرونة باللعن قائمة مقام حد القذف في حقه
ومقام حد الزنا في حقها) وهذا بيان للركن فدل على اشتراط أهليتهما للشهادة في حق كل
منهما كما سيصرح به لا أهلية اليمين كما ذهب إليه الشافعي، ودل على أنهما لو التعنا عند
قاض فلم يفرق بينهما حتى مات أو عزل فإن الثاني يعيد اللعان كما لو شهدا عنده فمات أو
عزل قبل القضاء، كذا في البدائع. والمراد بكونه قائما مقام حد القذف في حقه أن يكون
بالنسبة إليها لا مطلقا، إذا لو كان مطلقا لم تقبل شهادته أبدا مع أنها مقبولة كما ذكره الشارح
في حد القذف، وفي الاختيار لا تقبل شهادته بعد اللعان أبدا، ولو قذف بكلمة أو بكلمات
أربع زوجات له بالزنا لا يكفيه لعان واحد لهن بل لا بد من أن يلاعن كلا منهن على حدة
بخلاف ما إذا قذفها مرارا حيث يجب لعان واحد كما لو قذف أجنبية مرارا أو أجنبيات
بكلمة أو كلمات يجب حد واحد لحصول المقصود وهو دفع العار عنهن ولا يحصل ذلك في
اللعان إلا بالنسبة إلى كل واحدة، ولو قذفهن ولم يكن من أهل اللعان اكتفى بحد واحد للكل
للتداخل، كذا في البدائع. والمراد بكونه قائما مقام حد الزنا في حقها أن يكون بالنسبة إلى
الزوج حتى لا يثبت اللعان بالشهادة على الشهادة ولا بكتاب القاضي إلى القاضي ولا بشهادة
النساء، وإذا قذفها إنسان بعد اللعان إن رماها زوجها بالزنا ثم قذفها هو أو غيره حد لأن
لعانه كحده مؤكد لعفتها، وإن قذفها بنفي الولد ثم قذفها هو أو غيره لا يحد لوجود أمارة
الزنا، وإن أكذب نفسه بعد اللعان ثم قذفها هو أو غيره حد القاذف، سواء كان اللعان بالزنا
أو بنفي الولد. وسببه قذفه لزوجته قذفا يوجب الحد في الأجنبية، وأهله أهل الأداء
للشهادة، وحكمه حرمة الوطئ بعد التلاعن ولو قبل التفريق بينهما ووجوب التفريق بينهما
ووقوع البائن بالتفريق. واستفيد من كونه قائما مقام الحد سواء كان بالنسبة إليه أو إليها أنه لا
يحتمل العفو والابراء والصلح على مال حتى لو صالحها على الترك بمال ردت المال ولها
المطالبة بعد العفو، وأنه لا يحتمل التوكيل إلا في إثباته على قول الإمام كالحدود، كذا في
البدائع. واعلم أنه ليس المراد أن اللعان قائم مقام الحدين في حالة واحدة وإنما المراد أنه قائم
189

مقام حد القذف في حقه إن كان كاذبا وهي صادقة، وقائم مقام حد الزنا في حقها إن كانت
كاذبة وهو صادق فافهم. وفي البدائع: وأما شرائط وجوب اللعان فبعضها يرجع إلى القاذف
خاصة، وبعضها إلى المقذوف خاصة، وبعضها إليهما جميعا، وبعضها إلى المقذوف به،
وبعضها إلى المقذوف فيه، وبعضها إلى نفس القذف. أما الأول فواحدة وهو عدم إقامة البينة
على صدقه، وأما الثاني فإنكارها وجود الزنا منها وعفتها عنه، وأما الثالث فالزوجية بينهما
والحرية والعقل والاسلام والبلوغ والنطق وعدم الحد في قذف، فلا لعان في قذف المنكوحة
فاسدا، ولا بقذف المبانة ولو واحدة بخلاف قذف المطلقة رجعيا، ولو قذف زوجته بزنا كان
قبل الزوجية وجب اللعان ولا لعان بقذف زوجته الميتة. وقال الشافعي: يلاعن على قبرها.
وأما ما يرجع إلى المقذوف به فهو الزنا، وأما المقذوف فيه فدار الاسلام، وأما نفس القذف
فالرمي بصريح الزنا وسيأتي في الحدود.
قوله: (ولو قذف زوجته بالزنا وصلحا شاهدين وهي ممن يحد قاذفها أو نفى نسب الولد
وطالبته بموجب القذف وجب اللعان) أي بصريح الزنا الموجب للحد في الأجنبية، فلو قذفها
بعمل قوم لوط فلا لعان عنده، وعندهما يجب اللعان بناء على الحد كما في البدائع. وفي
التتارخانية: رجل قذف امرأة رجل فقال الزوج صدقت هي كما قلت كان قاذفا حتى
يلاعن، ولو قال صدقت مطلقا من غير زيادة لم يكن قاذفا ا ه‍. وضمير صلحا للزوجين.
وأطلقها فشمل غير المدخولة والمراد صلاحيتهما لأدائها على المسلم لا للتحمل فلا لعان بين
كافرين وإن قبلت شهادة بعضهم على بعض عندنا لأن اللعان شهادات مؤكدات بالايمان فلا
يكتفي بأهلية الشهادة بل لا بد معها من أهلية اليمين والكافر ليس من أهل الكفارة، كذا في
البدائع. ولا بين كافرة ومسلم ولا بين مملوكين ولا إذا كان أحدهما مملوكا أو صبيا أو مجنونا
أو محدودا في قذف، ولا يرد عليه لعان الأعمى والفاسق فإنه يجري بين الأعميين والفاسقين
مع أنهما لا تقبل شهادتهما لأنهما من أهل الأداء إلا أنه لا تقبل للفسق في الفاسق ولعدم
التمييز في الأعمى حتى لو قضى قاض بشهادة الفاسق والأعمى صح قضاؤه بخلاف ما إذا
قضى بشهادة المملوك أو الصبي فإنه لا يصح، ولم يحتج إلى التمييز لأن المشهود عليه الزوجية
وهو قادر على أن يفصل بين نفسه وامرأته. وروى ابن المبارك عن الإمام الأعمى لا يلاعن.
وقيد بكونها ممن يحد يقاذفها احترازا عما لو كانت وطئت بنكاح فاسد وكان لها ولد وليس
له أب معروف أو زنت في عمرها ولو مرة أو وطئت وطئا حراما ولو مرة بشبهة لا يجري
190

اللعان. وتفرع على هذا الشرط لو قذفها فتزوجت غيره فادعى الأول الولد لزمه وحد للقذف
وإن ولدت من الثاني لا شئ عليه إن كان قبل إكذاب الأول، وإن كان بعد الاكذاب لا عن
كما في التتارخانية. ولما كانت المرأة هي المقذوفة دونه اختصت باشتراط كونها ممن يحد قاذفها
بعد اشتراط أهلية الشهادة، ولما كان الزوج ليس مقذوفا وإنما هو شاهد اشترط في حقه كما
اشترط في حقها أهلية الشهادة، ولم تشترط عفته لأنه لو كان فاسقا بالزنا جرى اللعان بينه
وبينها وإن كان لا يحد قاذفه لما قدمنا من جريانه بين الفاسقين، فهذا وجه تخصيصها بهذا
الشرط كما حققه الشارح ردا على صاحب النهاية. وأراد بكونها ممن يحد قاذفها أن تكون
عفيفة عن الزنا فقط لأن كونها من أهل الشهادة يدل على اشتراط الحرية والتكليف والاسلام
فلم يبق من شرائط الاحصان إلا العفة كما أفاده في شرح الوقاية. وأراد بنفي نسب الولد
نفي نسب ولدها، وأطلقه فشمل ولدها منه أو من غيره بأن يقول هذا الولد من الزنا أو هذا
الولد ليس مني وما إذا صرح معه بالزنا أو لم يصرح على مختار صاحب الهداية والشارح
خلافا لما في المحيط والمبتغي. والحق الاطلاق لأن قطع النسب من كل وجه يستلزم الزنا فلا
عبرة باحتمال كون الولد من غيره بوطئ بشبهة ولهذا قال في البدائع: هذا الاحتمال ساقط
بالاجماع للاجماع على أنه إن نفاه عن الأب المشهور بأن قال له لست لأبيك يكون قاذفا لامه
حتى يلزمه حد القذف مع وجود هذا الاحتمال وقد ظهر لي أن قول من قال لا يجب حد ولا
لعان بنفي الولد عن أبيه إذا لم يصرح بالزنا محمول على حالة الرضا، وقول من أوجبه وإن لم
يصرح به محمول على حالة الغضب وبه يندفع إلزام التناقض على صاحب النهاية والدراية.
وإنما حملناه على ذلك لتصريحهم بالتفصيل في باب حد القذف - والله الموفق - بخلاف قوله
وجدت معها رجلا يجامعها فإنه ليس بقذف لأن الجماع لا يستلزم الزنا.
وقيد بطلبها لأنها لو لم تطالبه فلا لعان لأنه حقها لدفع العار عنها فيشترط طلبها، ولا
بد من كونه في مجلس القاضي، كذا في البدائع. ومراده طلبها إذا كان القذف بصريح الزنا
أما بنفي الولد فالطلب حقه أيضا لاحتياجه إلى نفي من ليس ولده عنه. وأشار بعدم اشتراط
الفور في الطلب إلى أن سكوتها لا يبطل حقها وإن طالت المدة لأن تقادم الزمان لا يوجب
بطلان الحق في القذف والقصاص كما ذكره الأسبيجابي. وزاد في الجوهرة وحقوق العباد،
وفي خزانة الفقه، ولو سكتت ولم ترفع إلى الحاكم كان أفضل وينبغي للحاكم أن يقول لها
اتركي وأعرضي عن هذا لأنه دعاء إلى الستر فإن تركت مدة ثم خاصمت فلها ذلك كما في
191

البدائع. ولا يخفى أن وجوب اللعان مقيد بعجزه عن إقامة البينة على زناها وعدم إكذاب
نفسه بعده وعدم تصديقها له، فإن أقام بينة على زناها فإن كانوا أربعة رجال رجمت لو
محصنة، وجلدت لو غير محصنة، وإن كانا رجلين فقط على إقرارها بالزنا يندرئ اللعان ولا
تحد المرأة، وكذا لو كانا رجلا وامرأتين شهدوا على تصديقها فلا حد عليهما ولا لعان. وهذا
كله إذا أقر بالقذف، فإن أنكره فأقامت رجلين وجب اللعان لا رجلا وامرأتين وإن لم يكن
لها بينة لا يستحلف الزوج، ذكره الإمام الأسبيجابي رحمه الله. وتقبل شهادة الزوج على زناها
مع ثلاثة إن لم يكن قذفها وإلا فلا تقبل، وتحد الثلاثة حد القذف ويلاعن الزوج ولو لم
يقذفها وشهد مع ثلاثة غير عدول فلا حد عليه ولا على الثلاثة ولا لعان، كذا في المحيط.
وفيه أيضا: ولو شهدا على أبيهما أنه قذف ضرة أمهما لا تقبل لأنهما بشهادتهما يشهدان
لامهما بخلوص الفراش لها لأن اللعان سبب الفرقة حتى لو كان أبوهما محدودا في قذف
تقبل لأن هذا القذف موجب للحد دون اللعان قال: ولا بد في وجوب اللعان من أن لا
يقذف أمها فلو قال لها يا زانية بنت الزانية وجب الحد لقذف أمها واللعان لقذفها فإن اجتمعا
على المطالبة بدأ بحده ليسقط اللعان بخروجه عن أهلية الشهادة، وإن لم تطالب الام وطالبته
المرأة وجب اللعان ويحد للام بطلبها بعده في ظاهر الرواية. وذكر الطحاوي أنه لا يحد بعد
اللعان وهذا غير سديد لعدم المانع من إقامته، وإن كانت أمها ميتة فلها المطالبة بهما، فإن
خاصمته فيهما بدأ بالحد ليسقط اللعان، وإن بدأت بالخصومة لنفسها وجب اللعان ثم لها
المطالبة بقذف أمها فيحد له. وعلى هذا التفصيل لو قدف أجنبيه بالزنا ثم نكحها ثم قذفها
فلها المطالبة باللعان والحد، كذا في البدائع. والحاصل أنه إذا اجتمع قذفان وفي تقديم
موجب أحدهما إسقاط الآخر بدأ بالمسقط كما إذا قذفها وقذفته فإنه يبدأ بحدها ليسقط اللعان
كما سيأتي في باب حد القذف. وفي المحيط: لو قال لها أنت طالق ثلاثا يا زانية وجب الحد
ولا لعان، ولو قال يا زانية أنت طالق ثلاثا فلا حد ولا لعان ا ه‍. ولو قال قذفتك قبل أن
أتزوجك أو قد زنيت قبل أن أتزوجك فهو قذف في الحال فيلاعن. وما في خزانة الأكمل
من أنه يلاعن في قوله زنيت ويحد في قوله قذفتك قبل أن أتزوجك أوجه، كذا في فتح
القدير.
قوله: (فإن أبى حبس حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيحد) لأنه حق مستحق عليه وهو
قادر على إيفائه فيحبس حتى يأتي بما هو عليه أو يكذب نفسه ليرتفع السبب في اللعان وهو
التكاذب هكذا قالوا. والتحقيق أن القذف هو السبب فإن التكاذب شرط. قيد وجوب الحد
192

بالاكذاب لعدم وجوبه بمجرد الامتناع من اللعان وهذا هو المذكور في ظاهر الرواية كما نص
عليه الحاكم في الكافي. وبه علم أن ما ذكره الولوالجي من وجوب الحد عليه بمجرد امتناعه
سهو ليس مذهبا لأصحابنا، وحمله في غاية البيان على أنه قول بعض المشايخ بعيد لتوقفه على
النقل ولان الولوالجي ذكر أنها لو امتنعت بعد لعانه تحد حد الزنا ولم يقل به أحد من أصحابنا
كما سنوضحه قوله: (فإن لاعن وجب عليها اللعان) لما قدمناه. أفاد أن لعانها مؤخر عن
لعانه لأنه في حكم الشاهد عليها بقذفه وهي مسقطة بشهادتها ما حققه عليها من الزنا فلا
يصح أن تبتدئ المرأة كما لا يصح أن يبتدئ المدعي عليه بما يسقط الدعوى عن نفسه، كذا
في شرح الأقطع. وفي الاختيار: فإن التعنت المرأة أولا ثم الزوج أعادت ليكون على الترتيب
المشروع، فإن فرق بينهما قبل الإعادة جاز لأن المقصود تلا عنهما وقد وجد قوله: (فإن أبت
حبست حتى تلاعن أو تصدقه) لما قدمناه. ولم يقل أو تصدقه فتحد للزنا كما وقع في بعض
نسخ القدوري لكونه غلطا لأن الحد لا يجب بالاقرار مرة فكيف يجب بالتصديق مرة وهو لا
يجب بالتصديق أربع مرات لأن التصديق ليس بإقرار قصدا فلا يعتبر في حق وجوب الحد
ويعتبر في درئه ليندفع به اللعان ولا يجب به الحد، ولو صدقته في نفي الولد فلا حد ولا
لعان وهو ولدهما لأنهما لا يملكان إبطال حقه قصدا، والنسب إنما ينتفي باللعان ولم يوجد.
وبهذا ظهر أن ما قاله في شرح الوقاية وتبعه شارح النقاية من أنها إذا صدقته ينتفي نسب
ولدها منه غير صحيح كما نبه عليه في شرح الدرر والغرر، ولم يذكر المؤلف حكم ما إذا
امتنعا من اللعان بعد ما ترافعا، صرح الأسبيجابي في شرح الطحاوي أنهما يحبسان إذا امتنعا
من اللعان بعد الثبوت وينبغي حمله على ما إذا لم تعف المرأة، أما إذا عفت فإنه لا يحبسهما
كما لو عفا المقذوف فإنا وإن قلنا لا يصح العفو في حد القذف واللعان إلا أنهما لا يقامان
إلا بطلب كما سنوضحه في باب حد القذف. فإن قلت: ظاهر الآية يشهد للشافعي القائل
بأنها إذا امتنعت من اللعان تحد حد الزنا وهي قوله تعالى * (ويدرأ عنها العذاب إن تشهد) *
[النور: 6] أي الحد لأن اللام للعهد الذكري أي العذاب المذكور السابق وهو الحد. قلنا:
المراد منه الحبس كقوله تعالى في آية الهدهد * (لأعذبنه) * [النمل: 12] ورد في التفسير
لأحبسنه. والاختلاف مبني على أن الأصل في قذف الزوجات عند الشافعي الحد عملا بالآية
الأولى وهي قوله تعالى * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم) *
[النور: 4] الآية. وبين بآية اللعان أن القاذف إذا كان زوجا له أن يدفع الحد عنه باللعان،
وإذا كان المقذوف زوجة القاذف لها أن تدفع حد الزنا عنها بلعانها فأيهما امتنع عن اللعان
193

وجب الأصل وهو الحد. وعندنا آية اللعان ناسخة للأولى في حق الزوجات لأن الخاص
المتأخر عن العام ينسخ العام بقدره فلم تبق الآية الأولى متناولة للزوجات فصار الواجب
بقذف الزوجة اللعان فأيهما امتنع عنه حبس حتى يأتي به كالمديون إذا امتنع عن إيفاء حق
عليه، ولذا لما قذف هلال زوجته قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: البينة وإلا حد في ظهرك، فدل
على أنه كان في الابتداء يوجب الحد كقذف الأجنبيات ثم لما نزلت آية اللعان انتسخ في حق
الزوجات كما في البدائع والعناية.
قوله: (فإن لم يصلح شاهدا حد) لأنه لما تعذر اللعان لمعنى من جهته لا من جهتها صير
إلى الموجب الأصلي وهو حد القذف. وعدم صلاحيته للشهادة بكونه عبدا أو محدودا في
قذف أو كافرا بأن أسلمت ثم قذفها قبل عرض الاسلام عليه. قيدنا به لأن الزوج لو كان
صبيا أو مجنونا فلا حد ولا لعان والأصل أن اللعان إذا سقط لمعنى من جهته، فإن كان
القذف صحيحا وجب الحد عليه، وإن لم يكن القذف صحيحا فلا حد ولا لعان، كذا في
البدائع. فلو قال فإن لم يصلح شاهدا وكان أهلا للقذف حد لكان أولى. وفي الينابيع:
زوجان كافران أسلمت المرأة ولم يسلم الزوج ولم يعرض القاضي الاسلام عليه حتى قذفها
بالزنا وجب عليه الحد فإن أقيم بعض الحد ثم أسلم فقذفها ثانيا قال أبو يوسف: أقيم عليه
بقية الحد ثم يلاعنا. وقال زفر: لا لعان بينهما. وفي النافع. وإن كانا ذميين فأسلمت المرأة
وقذفها قبل أن يعرض الاسلام عليه فلا لعان ويجد الزوج، كذا في التتارخانية قوله: (وإن
صلح وهي ممن لا يحد قاذفها فلا حد ولا لعان) لأنها إن لم تكن عفيفة فهو صادق في قوله
وإن كانت صغيرة أو مجنونة أو محدودة في قذف فلفقد أهليتها للشهادة، أما في الصغيرة
والمجنونة فظاهر، وأما في المحدودة العفيفة فلان قذفه مع أهلية اللعان إنما يوجب اللعان فإذا
امتنع لعدم أهليتها له امتنع الحد أيضا، وإن كانت ممن يحد قاذفها فلو قال وإن صلح وهي
ليست أهلا للشهادة لكان أولى ليدخل المحدودة في قذف ولم تدخل في عبارته لأنها ممن يحد
قاذفها كما لا يخفى. ولم يتعرض صريحا لما إذا لم يصلحا لأداء الشهادة وقد فهم من اشتراطه
أولا أنه لا لعان. وأما الحد فإن كانا صغيرين أو مجنونين أو كافرين أو مملوكين فلا يجب،
وأما إذا كانا محدودين في قذف فإنه يجب الحد عليه لأن امتناع اللعان لمعنى من جهته، وكذا
194

إذا كان هو عبد أو هي محدودة في قذف يحد لأن قذف العفيفة ولو كانت محدودة موجب
للحد مطلقا. قيد بنفي الحد واللعان لأن التعزير واجب لأنه إذا أذاها وألحق الشين بها فيجب
حسما لهذا الباب، كذا في الاختيار. وفي الكافي: وإن كانا محدودين في قذف فعليه الحد
لأن قذفه باعتبار حاله غير موجب للعان فيكون موجبا للحد، ولا يجوز أن يقال امتناع
جريان اللعان لكونها محدودة لأن أصل القذف من الرجل فإنما يظهر حكم المانع في حقها
بعد قيام الأهلية في جانبه فأما بدون الأهلية في جانبيه معتبر بحالها ا ه‍. وتحقيقه كما في
العناية أن المانع من الشئ إنما يعتبر مانعا إذا وجد المقتضي لأنه عبارة عما ينفي به الحكم مع
وجود المقتضي، وإذا لم يكن الزوج أهلا للشهادة لم ينعقد قذفه مقتضيا للعان فلا يعتبر المانع
والقذف في نفسه موجب للحد فيحد بخلاف ما إذا وجدت الأهلية من جانبه فإنه ينعقد قذفه
مقتضيا له، فإذا ظهر عدم أهليتها بطل المقتضي فلا يجب الحد لأنه إنما انعقد اللعان وقد
أبطله المانع ا ه‍. ثم الاحصان يعتبر عند القذف حتى لو قذفها وهي أمة أو كافرة ثم أسلمت
أو أعتقت لا حد ولا لعان، كذا ذكره الشارح. ثم اعلم أن اللعان بعد وجوبه يسقط
بالطلاق ولا يجب الحد ولا يعود اللعان يتزوجها بعده لأن الساقط لا يعود ويسقط بزناها
ووطئها بشبهة وبردتها، وإن أسلمت بعده لا يعود بإكذابه نفسه ولا يحد بخلاف ما إذا أكذب
نفسه بعد اللعان وبموت شاهد القذف وغيبته بخلاف ما لو عميا أو فسقا أو ارتدا كما في
فتح القدير. ولو أسند الزنا بأن قال زنيت وأنت صبية أو مجنونة وهو معهود وهي الآن أهل
فلا لعان بخلاف وأنت ذمية أو أمة أو منذر أربعين سنة وعمرها أقل تلاعنا لاقتصاره كما في
فتح القدير أيضا.
قوله: (وصفته ما نطق به النص) أي صفة اللعان ما دلت عليه آلة اللعان من الابتداء
بالزوج ثم بالزوجة بالألفاظ المخصوصة، وظاهره أنه متعين وقدمنا أن المرأة لو بدأت ثم
الزوج أعادت، ولو فرق القاضي قبل إعادتها صح، وفي الغاية تجب الإعادة وقد أخطأ السنة
ورجحه في فتح القدير بأنه الوجه وهو قول مالك لأن النص أعقب الرمي بشهادة أحدهم
وشهادتها الدارئة للحد عنها بقوله ويدرأ عنها العذاب ولان الفاء دخلت على شهادته على
وزان ما قلنا في سقوط الترتيب في الوضوء من أنه أعقب جملة الافعال للقيام إلى الصلاة وإن
كان دخول الفاء على غسل الوجه فانظره ثمة ا ه‍. والظاهر أنه أراد بالصفة الركن كقولهم
باب صفة الصلاة أي ماهيتها فيكون بيانا للشهادات الأربع، وإنما أولناه بذلك لأن صفته على
195

وجه السنة لم ينطق به النص وإنما ورد في السنة فالذي نقله المشايخ أن القاضي يقيمهما
متقابلين ويقول له التعن فيقول الزوج أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا
ويقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا يشير إليها في
كل مرة ثم تقول المرأة أربع مرات اشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا وتقول
في الخامسة غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا. وإنما ذكر
الغضب في جانبها في الخامسة لأنهن يستعملن اللعن كثيرا كما في الحديث يكثرن
اللعن فكان الغضب أردع لها، هكذا ذكر المشايخ. وذكر البقاعي في المناسبات أن
الغضب أبلغ من اللعن الذي هو الطرد لأنه قد يكون بسبب غير الغضب وسبب التغليظ
عليها الحث على اعترافها بالحق لما يعضد الزوج من القرينة من أنه لا يتجشم فضيحة أهله
المستلزم لفضيحته إلا وهو صادق ولأنها مادة الفساد وهاتكة الحجاب وخالطة الأنساب
ا ه‍. وفي رواية الحسن أنه لا بد أن يقول إني لمن الصادقين فيما رميتك به من الزنا وهي
تقول إنك لمن الكاذبين فيما رميتني به من الزنا بالخطاب لأن في الغيبة شبهة واحتمالا وفي
ظاهر الرواية لم يعتبر هذا لأن كل واحد منهما يشير إلى صاحبه والإشارة أبلغ أسباب
التعريف، كذا في الكافي. هذا كله إذا كان القذف بالزنا، وإن كان بنفي الولد ذكراه وإن
كان بهما ذكراهما، وزاد بعضهم بعد القسم الذي لا إله إلا هو. والقيام ليس بشرط لأنه
إما شهادة وإما يمين والقيام ليس بشرط فيهما إلا أنه مندوب إليه لقوله صلى الله عليه وسلم: يا عاصم قم
فاشهد وللمرأة قومي فاشهدي ولان الحدود مبناها على الشهر. فإن قلت: هل يشرع
الدعاء باللعن على الكاذب المعين؟ قلت: قال في غاية البيان من العدة وعن ابن مسعود
رضي الله عنه إنه قال: من شاء باهلته أن صورة النساء القصرى نزلت بعد التي في سورة
البقرة أي من شاء المباهلة أي الملاعنة باهلته. وكانوا يقولون إذا اختلفوا في شئ بهلة الله
على الكاذب منا قالوا هي مشروعة في زماننا أيضا ا ه‍. وقد سئلت في درس الصرغتمشية
حين قرأت باب اللعان من الهداية أنهما لو تلاعنا ثم وجد الزوج بينة على صدقه هل
196

تقبل؟ فأجبت بأني لم أر فيها نقلا وينبغي أن لا تقبل لأن القذف أخذ موجبه من اللعان
وكأنها حدت للزنا فلا تحد ثانيا إلا أن يوجد نقل فيجب اتباعه.
قوله: (فإن التعنا بانت بتفريق الحاكم ولا تبين قبله) أي الحاكم الذي وقع اللعان عنده
حتى لو لم يفرق الحاكم حتى عزل أو مات فالحاكم الثاني يستقبل اللعان عندهما خلافا لمحمد،
كذا في الاختيار. وأفاد أنه لو مات أحدهما قبل التفريق ورثه الآخر وأنه لو زالت أهلية
اللعان في الحال بما لا يرجى زواله بأن أكذب نفسه أو قذف أحدهما انسانا فحد للقذف أو
وطئت وطأ حراما أو خرس أحدهما لم يفرق بينهما بخلاف ما إذا جن قبل التفريق حيث
يفرق بينهما لأنه يرجى عود الاحصان، وأنه لو ظاهر منها في هذه الحالة أو طلقها أو آلى
منها صح لبقاء النكاح، وأشار إلى أن القاضي يفرق بينهما ولو لم يرضيا بالفرقة كما في شرح
النقاية. وفي التتارخانية: ولو تلاعنا فجن أحدهما يفرق ولو تلاعنا فوكل أحدهما بالتفريق
وغاب يفرق، ولو زنت لا يفرق لزوال الاحصان، وإنما توقفت البينونة على التفريق لأنه لما
حرم الاستمتاع بينهما باللعان فات الامساك بالمعروف فوجب عليه التسريح، وإذا لم يسرح
ناب القاضي منابه لأنه نصب لدفع الظلم ويدل عليه أنه عليه الصلاة والسلام لاعن بين
عويمر وبين امرأته فقال عويمرا كذبت عليها إن أمسكتها هي طالق ثلاثا فأوقع الثلاث بعد
التلاعن ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم، وكذا في واقعة هلال قال الراوي: فلما فرغ فرق النبي صلى الله عليه وسلم
بينهما. فدل على قيام النكاح قبل التفريق وهي تطليقة بائنة وهو خاطب إذا أكذب نفسه
عندهما، وعند أبي يوسف هي حرمة مؤبدة كما سيأتي. وفي شرح النقاية: وأما قول البيهقي
في المعرفة أن عويمر حين طلقها ثلاثا كان جاهلا بأن اللعان فرقة فصار كمن شرط الضمان
197

في السلف وهو يلزمه شرط أو لم يشرط بخلاف المظاهر ا ه‍. والجواب أن الاستدلال إنما
هو بعدم إنكاره عليه السلام عليه لا بمجرد فعله كما لا يخفى، ويقع في بعض الشروح زيادة
الفاء في قوله هي طالق ثلاثا وهي من النساخ لأن الواقع أن عويمر أنجز طلاقها لا أنه علقه
بالامساك. وفي التتارخانية: وإن أخطأ القاضي ففرق بينهما بعد وجود أكثر اللعان من كل
واحد منهما وقعت الفرقة، ولو التعن كل واحد مرتين ففرق القاضي بينهما لم تقع الفرقة،
ولو فرق بينهما بعد لعان الزوج قبل لعان المرأة نفذ حكمه لكونه مجتهدا فيه ا ه‍. وينبغي أن
يقيد بغير القاضي الحنفي أما هو فلا ينفذ. وفي فتح القدير: وطؤها حرام بعده قبل التفريق
وإن كان النكاح قائما لقوله عليه السلام المتلاعنان لا يجتمعان أبدا وفي التتارخانية: ولها
النفقة والسكنى ما دامت في العدة.
قوله: (وإن قذف بولد نفى نسبه وألحقه بأمه) لأن المقصود من هذا اللعان نفي الولد
فيوفر عليه مقصوده ويتضمنه القضاء بالتفريق. وفي البدائع: ولوجوب قطع النسب شرائط:
الأول التفريق. الثاني أن يكون بحضرة الولادة أو بعدها بيوم أو يومين. الثالث أن لا يتقدم
منه إقرار به صريحا أو دلالة كسكوته عند التهنئة مع عدم رده. الرابع أن يكون الولد حيا
وقت قطع النسب وهو وقت التفريق فلو نفاه بعد موته لاعن ولم ينقطع نسبه، وكذا لو
جاءت بولدين أحدهما ميت فنفاهما يلاعن ولزماه. وكذا لو نفاهما ثم مات أحدهما أو قتل
قبل اللعان لزماه، وأما اللعان فذكر الكرخي أنه يلاعن ولم تذكر الخلاف. وذكر ابن سماعة
الخلاف فقال: عند أبي يوسف يبطل، وعند محمد لا يبطل. الخامس أن لا تلد بعد التفريق
ولدا آخر من بطن واحد فلو ولدت فنفاه ولا عن الحاكم بينهما وفرق بينهما وألزم الولد أمه
ثم ولدت آخر من الغد لزماه وبطل قطع نسب الأول، ولا يصح نفيه الآن لأنها أجنبية
واللعان ماض لأنه لما ثبت الثاني ثبت الأول ضرورة وإن قال الزوج هما ابناي لا حد عليه ولا
يكون مكذبا نفسه لاحتمال الاخبار ربما لزمه شرعا. السادس أن لا يكون محكوما بثبوته
198

شرعا، فإن كان لا يقطع نسبه. وقد ذكر الإمام محمد في الجامع الكبير خمس مسائل مسألتان
في كتاب الشهادات من التلخيص: إحداهما في كتاب المعاقل امرأة ولدت ولدا فانقلب هذا
الولد على رضيع فمات الرضيع وقضى بديته على عاقلة الأب ثم نفى الا ب نسبه يلاعن
القاضي بينهما ولا يقطع نسب الولد منه لأن القضاء بالدية على عاقلة الأب قضاء بكون الولد
منه فلا ينقطع النسب بعده. الثانية في الزيادات إذا قال لامرأتيه وقد دخل بهما إحداكما
طالق ثلاثا ولم يبين حتى ولدت إحداهما لأكثر من سنتين من وقت الطلاق كانت الولادة بيانا
لوقوعه على الأخرى لأن الولد حصل من علوق حادث بعد الطلاق وتعينت التي ولدت
للنكاح، فإن نفي الولد لاعن القاضي بينهما ولا يقطع النسب لأن حكم الشرع بكون الولد
بيانا حكم بكونه منه وبعد الحكم به لا ينقطع باللعان. وثلاث مسائل في كتاب الدعوى:
الأولى امرأة ولدت وزوجها غائب ففطمت ولدها وطلبت من القاضي أن يفرض لها النفقة
وللولد برهنت ثم حضر الزوج ونفي الولد لاعن وقطع النسب مع أنه محكوم به حيث فرض
القاضي نفقته. الثانية لو أنكر الدخول بعدما ولدت ثبت النسب ووجب لها كمال المهر فلو
نفاه يلاعن ويقطع النسب مع أنه محكوم به حين قضى لها بكمال المهر. الثالثة المطلقة طلاقا
رجعيا إذا ولدت لأكثر من سنتين تكون رجعة ولو نفاه لاعن وقطع نسبه مع أنه محكوم به.
وقد حكي أن عيسى بن أبان كتب إلى محمد بن الحسن حين كان بالرقة يستفرقه بين المسألتين
الأوليين وبين الثلاث فكتب محمد رحمه الله أنه متى حصل القضاء بالنسب ضرورة القضاء
بأمر ليس من حقوق النكاح فإنه يمنع قطع النسب باللعان، وتمامه في شرح تلخيص الجامع
من باب شهادة الملاعنة بالولد. ومن المواضع المانعة من قطع النسب أن يقذفها أجنبي بنفي
الولد ويحده القاضي لها فإنه حكم منه بثبوت نسبه فإذا نفاه بعده أبوه لا ينتفى كما في فتح
القدير وسيأتي عن الذخيرة. ثم إذا قطع النسب عن الأب وألحق الولد بالام يبقى النسب في
حق سائر الأحكام من الشهادة والزكاة وعدم القصاص على الأب بقتله ونحو ذلك من
199

الأحكام إلا أنه لا يجري التوارث بينهما، ولا نفقة على الأب لأن النفي باللعان ثبت شرعا
بخلاف الأصل بناء على زعمه وظنه مع كونه مولودا على فراشه وقد قال صلى الله عليه وسلم الولد
للفراش فلا يظهر في حق سائر الأحكام ا ه‍. ويزاد السابع أن يكون النكاح صحيحا فلا
لعان بالقذف بنفي الولد في النكاح الفاسد والوطئ بشبهة ولا ينتفى النسب. وقيد بالزوجية
لأنه لو نفي نسب ولد أم الولد فإنه ينتفى بمجرد قوله بلا لعان. ويزاد الثامن أن يكون
العلوق في حال يجري ف يه اللعان حتى لو علق وهي كافرة لا ينتفى.
وفي شهادات الجامع: ولدت توأمين فنفاهما ومات أحدهما عن أمه وأخيه وأخ منها
فالسدس لها والثلث لهما والباقي يرد كأولاد العاهرة لانقطاع النسب وفيها اختلاف يعرف
في موضعه ا ه‍. وفي تتمة الفتاوى من الفرائض: ولد الملاعنة وولد الزنا في حكم الميراث
بمنزلة ولد رشيدة ليس له أب ولا قرابة أب فلا يرث هذا الولد من الأب وقرابته ولا يرث
الأب ولا قرابته من هذا الولد لأن قوم الأب تبع له في قطع النسب وهو ولد الام فيرث
منها ومن قرابتها وترث الام وقرابتها، وأما ابن ابن الملاعنة فله أب وقوم الأب وهم الاخوة
وليس له جد صحيح ولا قومه وهم الأعمام والعمات لأب وأم أو لأب فإذا ثبت حرمة
المصاهرة بين الزوجين ثم حدث بينهما ولد ثم مات الأب اختلفوا في ميراث هذا الولد منه
للاختلاف في هذه الحرمة فلم يكن كولد الزنا كما لو جاءت بولد بعد النكاح المعلق طلاقها
الثلاث به فإن النسب فيه ثابت للاختلاف. ا ه‍ باختصار. وفي تلخيص الجامع: لو ملك
النافي الام لا يجوز بيعها. وفي شرحه وصورته: رجل نفى نسب ولد امرأته الحرة ولاعن
القاضي بينهما وقطع نسب الولد ثم ارتدت والعياذ بالله تعالى عن الاسلام ثم سبيت وملكها
الزوج النافي فإنه لا يجوز له بيعها لأن نسب الولد ثابت حكما لقيام فراشها ولا تصح دعوة
غير النافي لهذا الولد وإن صدقه الثاني، وتصح دعوة النافي مطلقا ولو كان المنفي كبيرا
جاحدا للنسب من النافي. وفي التتارخانية: ولا ينتفى من أحكام النسب من جهة الزوج
200

سوى التوارث وإيجاب النفقة وما عداهما من أحكام النسب من جهة الزوج قائمة. وفي
الذخيرة: وكل نسب ثبت بإقراره أو بطريق الحكم لم ينتف بعد ذلك وبيانه فيما روي عن أبي
يوسف في رجل جاءت امرأته بولد فنفاه فلم يلاعنها حتى قذفها أجنبي بالولد فحد فقد ثبت
نسب الولد ولا ينتفى بعد ذلك، ولو نفى ولد زوجته اللعان ومهما مما لا لعان بينهما لا
ينتفى، سواء وجب الحد أو لم يجب، وكذا إذا كانا من أهل اللعان ولم يتلاعنا فإنه لا ينتفى،
وكذا إذا كان العلوق في حال لا لعان بينهما ثم صارا بحال يتلاعنان نحو إن كانت المرأة أمة
أو كتابية حالة العلوق فأعتقت أو أسلمت فإنهما لا يتلاعنان ولا ينتفي نسب الولد. وفي
السغناقي: ولو قال لامرأته يا زانية ولها ولد منه ثبت اللعان ولا يلزم نفي الولد فإن أكذب
نفسه حده القاضي ا ه‍ ولذا قيد النفي بقذف الولد احترازا عما إذا قذفها بالزنا ولها منه
ولد فإنه لا ينتفي نسبه. ثم اعلم أن هذا الولد وإن قطع القاضي نسبه عن أبيه لم تصح دعوى
أحد لنسبه وإن صدقة الولد كما في التتارخانية وهو مستفاد من قولهم إن قطع النسب لا
يظهر إلا في مسألتين. وفي قوله نفي نسبه أي القاضي وألحقه بأمه إشارة إلى أن التفريق
بينهما لا يكفي لنفي نسب الولد فلذا روي عن أبي يوسف أنه لا بد أن يقول قطعت نسب
هذا الولد عنه بعدما قال فرقت بينكما. وفي المبسوط: هذا هو الصحيح لأنه ليس من
ضرورة التفريق نفي النسب كما بعد الموت يفرق بينهما باللعان ولا ينتفى نسبه عنه، كذا في
النهاية. وفي المجمع: ولو ماتت بنته المنفية عن ولد فادعاه فنسبه غير ثابت منه أي عند
الإمام. وقالا: يثبت. قيد بموتها لأنها لو كانت حية ثبت نسبها بدعوة ولدها اتفاقا. وقيد
بالبنت لأن الولد المنفي لو كان ذكرا فمات وترك ولدا ثبت نسبه من المدعي وورث الأب منه
اتفاقا لحاجة الولد الثاني إلى ثبوت النسب فبقاؤه كبقاء الأول. وقيد بدعوة الولد لأنه لو ادعى
البنت المنفية حية ثبت نسبها اتفاقا وتمامه في شرحه. وفي الذخيرة: لا يشرع اللعان بنفي
الولد في المجبوب والخصي ومن لا يولد له ولد.
قوله: (فإن أكذب نفسه حد) لاقراره بوجوب الحد عليه. أطلقه فشمل ما إذا اعترف
به وما إذا أقيمت عليه بينة أنه أكذب نفسه لأنه الثابت بالبينة عليه كالثابت بإقراره كما في
201

الولوالجية. وشمل الاكذاب صريحا وضمنا ولهذا لو مات الولد المنفي عن مال فادعى الملاعن
لا يثبت نسبه ويحد، فإن كان قد ترك ولدا ثبت نسبه من الأب وورثه الأب لاحتياج الحي إلى
النسب، ولو ترك بنتا ولها ابن فأكذب الملاعن نفسه يثبت نسب الولد منه عند الإمام خلافا
لهما، كذا في فتح القدير. وظاهر ما في الكتاب أن الاكذاب بعد اللعان ووجوب الحد عليه
ليس باعتبار قذفه الأول لأنه أخذ بموجبه وهو اللعان بل باعتبار القذف الثاني الذي تضمنه
كلمات اللعان كشهود الزنا إذا رجعوا فإنهم يحدون باعتبار ما تضمنته شهادتهم من القذف،
أما إذا أكذب نفسه قبل اللعان ينظر، فإن لم يطلقها قبل الاكذاب حد أيضا، وإن أبانها ثم
أكذب نفسه فلا حد ولا لعان لأن اللعان أثره التفريق بينهما وهو لا يتأتى بعد البينونة
لحصوله بالإبانة وهو لا يصح بدون حكمه ولا يجب الحد لأن قذفه وقع موجبا للعان فلا
ينقلب موجبا للحد. وعلى هذا لو قال يا زانية أنت طالق ثلاثا لا حد ولا لعان، ولو قال
أنت طالق ثلاثا يا زانية حد أطلق في الاكذاب فشمل ما إذا أنكر الولد بعدما ادعاه ولذا قال
أيضا في فتح القدير: لو أقامت البينة على الزوج أنه ادعاه وهو ينكر يثبت النسب منه ويحد
ا ه‍. وفي جامع الصدر الشهيد: قذفها بنفي الولد ولاعن فتزوجت غيره فادعاه صح ويحد،
فإن ولدت من الثاني فنفاه لاعن وينتفى إن علق بعد إكذابه وقبله لا، وينبغي أن لا يلاعن
لاستناده نظيره زنيت وأنت صبية بخلاف وأنت ذمية أو رقيق أو منذ أربعين سنة وعمرها
عشرون سنة وإن تردد يقطع استحسانا وقياسا لا نظيره أسلمت زوجته أو أعتقت ثم ولدت
فنفاه ا ه‍. ثم اعلم أن ولد أم الولد إذا نفاه المولى وقلنا بصحته فإن حكمه حكم ولد
المنكوحة إذا نفي في سائر الأحكام فلا تقبل شهادة أحد للآخر بعد إعتاق الولد، ولا يضع
أحدهما زكاته فيه، وتحرم المناكحة بينهما، ولا يرث أحدهما صاحبه بالقرابة لكن المولى يرث
منه بالولاء إذا لم يكن عصبة أقرب منه، وتجب نفقته على المولى بعد إعتاقه بحكم الملك، كذا
في شرح التلخيص من الشهادات قوله: (وله أن ينكحها) أي للملاعن بعد التفريق أن
يتزوجها إذا أكذب نفسه. أطلقه فشمل ما إذا حد أو لم يحد فتقييد الشارح الحل بالحد اتفاقي،
وكذا إذا أكذبت نفسها فصدقته. فالحاصل أن الفرقة باللعان يزول بها ملك النكاح وتوجب
حرمة الاجتماع والتزوج ما داما على حال اللعان، فإن أكذب أحدهما نفسه جاز التناكح
والاجتماع عند الإمام والثالث. وقال الثاني: إنها توجب حرمة مؤبدة كحرمة الرضاع
202

والمصاهرة لقوله عليه السلام والمتلاعنان لا يجتمعان أبدا ويقتضي قوله أن الفرقة لا تتوقف
على القضاء كما أشار إليه في فتح القدير. ولهما أن عويمرا طلق الملاعنة ثلاثا فصار سنة
المتلاعنين لأنه يجب عليه أن يطلقها فإن لم يفعل ناب القاضي منابه كما في العنين فكانت
الفرقة طلاقا، وأما الحديث فلا يمكن العمل بحقيقته لأن حقيقة المتفاعل المتشاغل بالفعل ولما
فرغا منه زالت الحقيقة فانصرف المراد إلى الحكم وهو أن يكون حكمه باقيا وبعد الاكذاب لم
يبق حكمه لبطلانه فلم يبق حقيقة ولا حكما فجاز اجتماعهما ونظيره قوله تعالى في قصة
أصحاب الكهف * (إنهم أن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا
أبدا) * [الكهف: 02] أي ما داموا في ملتهم، ألا ترى أنهم إذا لم يفعلوا أفلحوا كذا هذا،
كذا في البدائع. وقد بحث المحقق ابن الهمام في فتح القدير بأنه لما لم تمكن الحقيقة وصير إلى
المجاز كان له مجازان: أحدهما ما ذكرتم من إرادة من بينهما تلاعن قائم حكما. والثاني من
وجد بينهما تلاعن في الخارج. وعلى هذا التقدير لا يجتمعان بعد الاكذاب بينهما إذ ارتفاع
حكمه لا يوجب ارتفاع كونه قد تحقق له وجود في الخارج ولكن بقي النظر في أي
الاحتمالين أرجح وأظن أن الثاني أسرع إلى الفهم ا ه‍.
قوله: (وكذا إذا قذف غيرها فحد أو زنت فحدت) يعني له أن ينكحها أيضا إذا خرجا
أو أحدهما عن أهلية اللعان. أطلقه فشمل ما إذا خرسا أو أحدهما، وأراد بالزنا الوطئ الحرام
وإن لم يكن زنا شرعيا - كما ذكره الأسبيجابي - لزوال عفتها. ولو قال وكذا إن قذف
أحدهما فحد لكان أولى لشموله المتلاعنين ولو أسقط قوله فحد لكان أولى لأن بمجرد
زناها حلت له سواء حدت بأن وقع اللعان قبل الدخول ثم زنت فجلدت أو لم تحد لزوال
العفة. وإنما قيدنا بهذه الصورة لأنه لو كان بعد الدخول كان حدها الرجم وهو إهلاك فلا
يتصور القول بحلها بعده واستغنى بها عن تغيير الرواية بأنها زنت بالتشديد أي نسبت غيرها
للزنا لمخالفته للرواية لأنها بتخفيف النون. وفي فتح القدير: واستشكل بأن زوال أهلية
الشهادة بطرق الفسق مثلا لا يوجب بطلان ما حكم به القاضي عنها في حال قيام العدالة فلا
يوجب بطلان ذلك اللعان السابق الواقع في حال الأهلية ليبطل أثره من الحرمة اه‍. قوله:
(ولا لعان بقذف الأخرس) لفقد الركن منه وهو التلفظ بالشهادات ولهذا لو قال أحلف مكان
أشهد لا يجوز. ولو قال ولا لعان إذا كانا أخرسين أو أحدهما لكان أولى للعلة المذكورة إذا
كانت خرساء ولاحتمال تصديقها لو كانت ناطقة. وأشار إلى أنه لا يثبت بالكتابة كما لا
203

يثبت بإشارة الأخرس للشبهة، وإلى أنه لو خرس أحدهما بعد اللعان وقبل التفريق فلا تفريق
ولا حد كما لو ارتد أو أكذب نفسه قوله: (ولا ينفى الحمل) لأنه لا يتيقن بقيامه عند القذف
لاحتمال أنه انتفاخ ولو تيقنا بقيامه وقته بأن ولدت لأقل من ستة أشهر صار كأنه قال إن
كنت حاملا فحملك ليس مني والقذف لا يصح تعليقه بالشرط وهذا قول الإمام، وعندهما
يجري اللعان إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر للتيقن بقيامه وجوابه ما مر. وأما الإرث
والوصية فيتوقفان على الولادة فيثبتان للولد لا للحمل، وأما عتقه فكذلك لقبوله التعليق
بالشرط، وأما رد المبيعة بعيب الحمل فلان الحمل ظاهر واحتمال الريح شبهة والرد بالعيب لا
يمتنع بالشبهة، وكذا النسب يثبت مع الشبهة، وأما وجوب النفقة للمطلقة إذا ادعت حملا
فلقبول قولها في أمر عدتها، والحق أن قول صاحب الهداية إن الأحكام لا تترتب عليه قبلها
لا يراد به كل الأحكام وإنما يراد به بعضها كما في العناية وقد كتبنا في القواعد الفقهية
مسائل أخرى تترتب عليه قبلها قوله: (وتلاعنا بزنيت وهذا الحمل منه ولم ينف الحمل)
لوجود القذف بصريح الزنا ونفي الحمل غير صحيح لأن قطع النسب حكم عليه ولا تترتب
الأحكام عليه ولا له قبل الانفصال قوله: (ولو نفي الولد عند التهنئة وابتياع آلة الولادة صح
وبعده لا ولاعن فيهما) أي فيما إذا صح نفيه أو لم يصح لوجود القذف فيهما. والتهنئة
بالهمز من هنأته بالولد بالتثقيل والهمز، كذا في المصباح. فالتفصيل المذكور بين أن تقوم
دلالة على إقراره بالولد أولا إنما هو في صحة النفي وعدمه لا في اللعان كما في المتون
والشروح، وبه علم أن ما ذكره الولوالجي من أن اللعان إنما يجري إذا نفى بعد الولادة في
مدة قصيرة أما بعد مدة طويلة فلا يصح سهو، ودل كلامه على أنه لو أقر صريحا بالولد ثم
نفاه لا يصح بالأولى كما قدمناه ولم يقدر مدة الولادة بوقت وهو ظاهر الرواية وقد قالوا: إن
الاقرار بالولد الذي ليس منه حرام كالسكوت لاستلحاق نسب من ليس منه، وقد ذكر المصنف
تبعا للهداية شيئين قبول التهنئة وشراء آلة الولادة وزاد في الاختيار ثالثا أن يقبل هدية الأهل
فهي ثلاث لا يصح نفيه بعد واحدة منها، والحق أنها أربع والرابع سكوته حتى مضى وقت
التهنئة وشراء الآلة وهي ثلاثة أيام في رواية وسبعة في أخرى كما في الكافي. وقبول التهنئة
ذكر ما يدل على القبول مثل أحسن الله، بارك الله، جزاك الله، رزقك الله مثله أو أمن على دعاء
المهنئ، كذا في فتح القدير. ولو كان غائبا لم يعلم بالولادة تعتبر المدة بعد قدومه.
204

قوله: (وإن نفى أول التوأمين وأقر بالثاني حد) لأنه أكذب نفسه بدعوى الثاني. التوأم
والأنثى توأمة والاثنان توأمان والجمع توائم وتوأم كدخان، كذا في المصباح قوله:
(وإن عكس لاعن) بأن أقر بالأول ونفى الثاني لأنه قاذف بنفي الثاني ولم يرجع عنه قوله:
(وثبت نسبهما فيهما) أي في المسألتين لأنهما خلقا من ماء واحد، والتوأمان ولدان بين
ولادتهما أقل من ستة أشهر، وفيه إشارة إلى أنه لو نفاهما ثم مات أحدهما قبل اللعان لزماه
وقدمنا تفاريعه. ولو جاءت بثلاثة في بطن واحد فنفى الثاني وأقر بالأول والثالث يلاعن
وهم بنوه، ولو نفى الأول والثالث وأقر بالثاني يحدوهم بنوه، كذا في شرح النقاية. اعلم أنه
في صورة ما إذا أقر بالأول ونفى الثاني إذا قال بعده هما ابناي أو ليسا بابني فلا حد فيهما،
كذا في فتح القدير. وفي شهادات الجامع للصدر الشهيد من باب شهادة ولد الملاعنة: باع
أحد التوأمين وقد ولدا في ملكه وأعتقه المشتري فشهد لبائعه تقبل، فإن ادعى الباقي ثبت
نسبهما وانتقض البيع والعتق والقضاء ويرد ما قبض أو مثله إن هلك للاستناد كتحويل
العقد، وإن كان القضاء قصاصا في طرف أو نفس فأرشه عليه دون العاقلة لأنه بدعواه. ثم
اعلم أنه إذا نفي نسب التوأمين ثم مات أحدهما عن توأمه وأمه وأخ لامه فالإرث أثلاث
فرضا وردا، للأم السدس وللأخوين الثلث والنصف يرد عليهم. وهذا يبين أن قطع النسب
يجري في التوأم لأنه لو لم يقطع نسبه عن أخيه التوأم لكان عصبة يأخذ الثلثين وقطع النسب
عن الأخ التوأم بالتبعية لأبيهما وقد قدمناه عن الجامع وتمامه في شرح التلخيص من باب
شهادة ولد الملاعنة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
باب العنين وغيره
يقال رجل عنين لا يقدر على إتيان النساء أو لا يشتهي النساء، وامرأة عنينة لا تشتهي
الرجال، والفقهاء يقولون به عنة. وفي كلام الجوهري ما يشبهه ولم أجده لغيره ولفظه: عن
امرأته تعنينا بالبناء للمفعول إذا حكم عليه القاضي بذلك أو منع عنها بالسحر، والاسم
205

منه العنة. وصرح بعضهم بأنه لا يقال عنين به عنة كما يقوله الفقهاء فإنه كلام ساقط قال:
والمشهور في هذا المعنى كما قال ثعلب وغيره رجل عنين بين التعنين والعنية. وقال في البارع
بين العنانة بالفتح. قال الأزهري: وسمي عنينا لأن ذكره يعن بقبل المرأة عن يمين وشمال
يعترض إذا أراد إيلاجه، كذا في المصباح. وجمعه عنن. وأما عند الفقهاء فهو من لا يصل إلى
النساء مع قيام الآلة لمرض به وإن كان يصل إلى الثيب دون البكر أو إلى بعض النساء دون
بعض سواء كانت آلته تقوم أو لا كما في العناية ولذا قال في شرح المنظومة: الشكاز بفتح
المعجمة وكاف مشددة وبعد الألف زاي هو الذي إذا جذب المرأة أنزل قبل أن يخالطها ثم لا
تنتشر آلته بعد ذلك لجماعها وهو من قبيل العنين لها المطالبة بالتفريق، وإن كان يصل إلى
الثيب دون البكر أو إلى بعض النساء دون بعض لضعف طبيعته أو لكبر سنه أو سحر فهو
عنين في حق من لا يصل إليها لفوات المقصود في حقها فإن السحر عندنا حق وجوده
وتصوره ويكون أثره كما في المحيط. ولا يخرج عن العنة بإدخاله في دبرها خلافا لابن عقيل
فإنه يقول: الدبر أشد من القبل، كذا في المعراج. وفيه: إذا أولج الحشفة فقط فليس بعنين
وإن كان مقطوعها فلا بد من إيلاج بقية الذكر، وينبغي أن يقال يكفي الايلاج بقدر الحشفة
من مقطوعها، ولم أر حكم ما إذا قطعت ذكره وإطلاق المحبوب يشمله وهو في تحرير
الشافعية لكن قولهم لو رضيت به فلا خيار لها ينافيه وله نظيران: أحدهما لو خرب المستأجر
الدار، الثاني لو أتلف البائع المبيع قبل القبض.
قوله: (وجدت زوجها مجبوبا فرق في الحال) وهو من استؤصل ذكره وخصيتاه يقال
جببته جبا من باب قتل قطعته وهو مجبوب بين الجباب بالفتح والكسر، كذا في المصباح.
وإنما لم يؤجل لعدم الفائدة ولما كان التفريق لفوات حقها توقف على طلبها ولم يذكره هنا
اكتفاء بما ذكره في العنين. وأشار إلى أنه لوجب بعد الوصول إليها مرة لا خيار لها كما إذا
صار عنينا بعده. ويلحق بالمجبوب من كان ذكره صغيرا جدا كالزر لا من كانت آلته قصيرة
لا يمكن إدخالها داخل الفرج فإنها لاحق لها في المطالبة بالتفريق، كذا في المحيط. وظاهره
أنه إذا كان لا يمكن إدخالها أصلا فإنه كالمجبوب لتقييده بالداخل. وأطلق الزوج المجبوب
فشمل الصغير والمريض بخلاف العنين حيث ينتظر بلوغه أو برؤه لاحتمال الزوال. وأراد
206

بالمرأة من لها حق المطالبة بالجماع لأنها لو كانت صغيرة انتظر بلوغها في المجبوب والعنين
لاحتمال رضاها بخلاف ما لو كان أحدهما مجنونا فإنه لا يؤخر إلى عقله في الجب والعنة
لعدم الفائدة ويفرق بينهما للحال في الجب، وبعد التأجيل في العنين لأن الجنون لا يعدم
الشهوة بخصومة ولي إن كان وإلا فمن ينصبه القاضي. ولو جاء الولي ببينة في المسألتين على
رضاها بعنته أو جبه أو على علمها بحاله عند العقد لم يفرق، ولو طلب يمينها على ذلك
تحلف، فإن نكلت لم يفرق وإن حلفت فرق، كذا في فتح القدير. وقالوا: لو جاءت امرأة
المجبوب بولد بعد التفريق إلى سنتين يثبت نسبه ولا يبطل التفريق بخلاف العنين حيث يبطل
التفريق لأنه لما ثبت نسبه لم يبق عنينا. ونظر فيه الشارح بأن الطلاق وقع بتفريقه. وهو بائن
فكيف يبطل ألا ترى أنها لو أقرت بعد التفريق أنه كان قد وصل إليها لا يبطل التفريق.
وجوابه أن ثبوت النسب من المجبوب باعتبار الانزال بالسحق والتفريق بينهما باعتبار الجب
وهو موجود بخلاف ثبوته من العنين فإنه يظهر به أنه ليس بعنين والتفريق باعتباره بخلاف ما
استشهد به من إقرارها فإنها متهمة في إبطال القضاء لاحتمال كذبها فظهر أن البحث بعيد كما
في فتح القدير. وفي الخانية من فصل العنين: إذ اشهد شاهدان بعد تفريق القاضي على إقرار
المرأة قبل التفريق أنه وصل إليها يبطل تفريق القاضي، ولو أقرت بعد التفريق أنه قد وصل
إليها لم تصدق على إبطال تفريق القاضي اه‍. والحاصل أن تفريق القاضي في العنين يبطل
بمجئ الولد وإقامة البينة على إقرارها بالوصول. وفي التتارخانية: كان الزوج مجبوبا ولم
تعلم بحاله فجاءت بولد فادعاه وأثبت القاضي نسبه ثم علمت بحاله وطلبت الفرقة فلها
ذلك اه‍. وأطلق في المرأة ولا بد من تقييدها بأن لا تكون رتقاء فإن الرتقاء إذا وجدته مجبوبا
لا خيار لها كما في الخانية، وأن تكون حرة لأن زوج الأمة إذا كان مجبوبا أو عنينا فالخيار إلى
207

المولى في قول أبي حنيفة، فإن رضي المولى لا حق للأمة، وإن لم يرض كانت الخصومة له كما
في العزل. وقال أبو يوسف: الخيار إلى الأمة كقوله في العزل. واختلفوا في قول محمد فقيل
مع أبي يوسف كما في العزل، وقيل مع الإمام هنا، كذا في الخانية. ولم يقيد التفريق بالطلب
للحال لأنها لو وجدته مجبونا فأقامت معه زمانا وهو يضاجعها كانت على خيارها، ولم يذكر
حكم ما إذا اختلفا في كونه مجبوبا. وحكمه أنه إذا كان يعرف حقيقة حاله بالمس من غير نظر
يمس من وراء الثياب ولا تكشف عورته، وإن كان لا يعرف إلا بالنظر أمر القاضي أمينا
لينظر إلى عورته فيخبر بحاله لأن النظر إلى العورة يباح عند الضرورة، كذا في الخانية. ولم
يذكر المصنف صفة الفرقة هنا اكتفاء بما ذكره في العنين وهو طلاق بائن كفرقة العنين كما في
الخانية. والحاصل أن المجبوب كالعنين إلا في خصلة واحدة وهي أن العنين يؤجل والمجبوب
لا، كذا في التتارخانية. ويزاد مسألة بطلان التفريق بمجئ الولد كما قد عملت. والثالثة لا
ينتظر بلوغه. والرابعة لا تشترط صحته. وفي فتح القدير: وما نقل عن الهند وإني أنه يؤتى
بطست فيه ماء بارد فيجلس فيه العنين فإن تلقص ذكره وانزوى علم أنه لا عنة به وإلا علم
أنه عنين، لو اعتبر هذا لزم أن لا يؤجل سنة لأن التأجيل ليس إلا ليعرف أنه عنين على ما
قالوا إذ لا فائدة فيه إن أجل مع ذلك لكن التأجيل لا بد منه لأنه حكمه اه‍. والحاصل أن
طلبها التفريق في العنين له شرائط مختصة بهما فالمختص به أن يكون الزوج بالغا صحيحا لم
يصل إليها مرة فالصبي لا يؤجل إلا بعد بلوغه والمريض بعد صحته والمختص بها أن تكون
حرة بالغة غير رتقاء وقرناء غير عالمة بحاله قبل النكاح وغير راضية به بعده.
قوله: (وأجل سنة لو عنينا أو خصيا) وهو من نزع خصيتاه وبقي ذكره وهو بفتح الخاء
فعيل بمعنى مفعول مثل جريح وقتيل والجمع خصيان. والخصيتان بالتاء البيضتان الواحدة
خصية وبدون التاء الخصيان الجلدتان، وجمع الخصية خصي كمدية ومدي. وخصيت العبد
أخصيه خصاء بالكسر والمد سللت خصيته، وخصيت الفرس قطعت ذكره فهو مخصي،
ويجوز استعمال فعيل ومفعول فيهما، كذا في المصباح. ولا فرق هنا بين سلهما وقطعهما إذا
كان ذكره لا ينتشر. قيدنا به لأن آلته لو كانت تنتشر لا خيار لها كما في المحيط، وعلى هذا
لا حاجة إلى عطفه على العنين لأنه إن لم يكن عنينا فلا تأجيل وإلا فهو داخل فيه ولذا لم
يصرح بالخنثى الذي يبول من مبال الرجال والصبي الذي بلغ أربع عشرة سنة والشيخ الكبير
وحكم الثلاث التأجيل كالعنين كما في الخانية لدخول الكل تحت اسم العنين. قال في
الخانية: يؤجل الشيخ الكبير إن كان لا يصل إليها اه‍. والمراد من المؤجل الحاكم ولا عبرة
208

بتأجيل غيره. قال في الخانية أيضا: وتأجيل العنين لا يكون إلا عند قاضي مصر أو مدينة
فلا يعتبر تأجيل المرأة ولا تأجيل غيرها اه‍. وأما رضاها به عند غير الحاكم فمسقط لحقها
كما في الخلاصة. ولو عزل القاضي بعدما أجله بنى المتولي على تأجيل الأول وابتدأ السنة من
وقت الخصومة واستفيد من وضع المسألة أن نكاح العنين صحيح فإن علمت بعنته وقت
النكاح فلا خيار لها كما لو علم المشتري بعيب المبيع، وإن لم تعلم به وقته وعلمت بعده كان
لها الخصومة وإن طال الزمان كما في الخانية. وفي المحيط: والإمام المتبع في أحكام العنين
عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم ولم ينقل عن أقرانهم خلافه فحل محل
الاجماع، ولان عدم الوصول قد يكون لعلة معترضة وقد يكون لآفة أصلية فلا بد من ضرب
مدة لاستبانة العلة من العنة فقدر بسنة لاشتمالها على الفصول الأربع اه‍. وقد كتبنا في
القواعد الفقهية في مذهب الحنفية أن قاضيا لو قضى بعدم تأجيل العنين لم ينفذ قضاؤه ولم
يقيد المرأة بشئ. ولا بد من كونها حرة وغير رتقاء كما قدمناه في زوجة المجبوب، وعلله
في الاختيار بأن الرتقاء لا حق لها في الوطئ فلا تملك الطلب، ولو اختلفا في كونها رتقاء
يريها النساء كما في التتارخانية. وأطلق الزوج فشمل المعتوه لما في الخانية: والمعتوه إذا زوجه
وليه امرأة فلم يصل إليها أجله القاضي سنة بحضرة الخصم عنه. ولا بد من تقييد الزوج
بكونه صحيحا كما سيأتي أن المريض لا يؤجل حتى يصح ولم يذكره محمد. واختلفوا في تلك
السنة فقيل شمسية وهي تزيد على القمرية بأحد عشر يوما. قال في الخلاصة: وعليه
الفتوى. وقيل قمرية وهي ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما وصححه في الواقعات والولوالجية
وهو ظاهر الرواية كما في الهداية فكان هو المعتمد لأنه الثابت عن صاحب المذهب. وفي
الخانية: إذا ثبت عدم الوصول أجله القاضي طلب أو لم يطلب ويكتب التأجيل ويشهد على
التاريخ. وفي المجتبي: إذا كان التأجيل في أثناء الشهر يعتبر بالأيام إجماعا كما ذكره في
العدة.
قوله: (فإن وطئ وإلا بانت بالتفريق إن طلبت) أي طلبا ثانيا فالأول للتأجيل والثاني
للتفريق. وذكر خجامسكين أن قوله إن طلبت متعلق بالجميع وهو حسن وطلب وكيلها
بالتفريق عند غيبتها كطلبها على خلاف فيه ولم يذكره محمد. وأطلقه فشمل ما إذا طلبت على
209

التراخي أولا وثانيا ولذا لو خاصمته ثم تركت مدة فلها المطالبة ولو طاوعته في المضاجعة تلك
الأيام كما في الخانية. ولما كانت هذه فرقة قبل الدخول حقيقة كانت بائنة ولها كمال المهر
وعليها العدة لوجود الخلوة الصحيحة. وأشار إلى أنه لو وطئها مرة لا حق لها في المطالبة
لسقوط حقها بالمرة قضاء وما زاد عليها فهو مستحق ديانة لا قضاء كما في جامع قاضيخان.
وفي فتاواه: لو كان يأتيها فيما دون الفرج حتى ينزل وتنزل ولا يصل إليها في فرجها وقامت
معه على ذلك زمانا وهي بكر أو ثيب ثم خاصمته إلى القاضي سنة، ولو وطئها
بعد التأجيل سقط حقها ولو حائضا أو نفساء أو صائمة أو محرمة، كذا في المعراج وإلى أن
الزوج لو طلب أن يؤجل بعد السنة ولو يوما لا يجيبه القاضي إلا برضاها ولها الرجوع واختيار
الفرقة، كذا في الاختيار. وقدمنا أن المراد بالزوجة الحرة، أما الأمة فالخيار لمولاها لا لها
كالاذن في العزل، وفي المحيط: فرق بينهما ثم تزوجها ثانيا لا خيار لها لرضاها بالمقام معه،
ولو تزوج أخرى عالمة بحاله لا خيار لها وعليه الفتوى، ولو كان له امرأة يصل إليها وولدت
منه أولا ثم أبانها ثم تزوجها ولم يصل في النكاح الثاني فهو عنين لأنها باعتبار كل عقد يتجدد
لها حق المطالبة اه‍. وفي المعراج: ويؤهل الصبي هنا للطلاق في مسألة الجب لأنه مستحق عليه
كما يؤهل بعتق القريب ومنم من جعله فرقة بغير طلاق والأول أصح اه‍.
قوله: (فلو قال وطئت وأنكرت وقلن بكر خيرت وإن كانت ثيبا صدق بحلفه) أطلقه
فشمل ما إذا وقع الاختلاف في الابتداء بأن ادعى الوصول إليها وأنكرت أو، في الانتهاء
فإن قوله خيرت شامل لتخيير تأجيله سنة في الابتداء أو لاختيار الفرقة بعد التأجيل.
وحاصله أنها إن كانت ثيبا فالقول قوله في الوطئ ابتداء وانتهاء مع يمينه فإن نكل في الابتداء
يؤجل سنة ولا يؤجله إلا إذا ثبت عدم الوصول إليها، وإن نكل في الانتهاء تخير للفرقة،
وإن كانت بكرا ثبت عدم الوصول إليها بقولهن فيؤجل في الابتداء ويفرق في الانتهاء وبهذا
ظهر أن ما ذكره الشارح من أن المصنف لم يذكر كيفية ثبوت العنة في الابتداء وذكره في
الانتهاء غفلة عما فهمته من كرمه لما قررنا أن التخيير شامل لهما. والتقييد بقوله وقلن
210

المفيد للجماع اتفاقي أو لبيان الأولى للاكتفاء بقول الواحدة والاثنتان أحوط، وفي البدائع
أوثق، وفي الأسبيجابي أفضل. وشرط الحاكم الشهيد في الكافي عدالتها. وطريق معرفة أنها
بكر أن تبول على جدار فإن وصل إليه فبكر وإلا فلا، أو يرسل في فرجها ما في بيضة فإن
دخل فثيب وإلا فبكر، أو يرسل في فرجها أصغر بيضة للدجاجة فإن دخلت من غير عنف
فهي ثيب وإلا فبكر. وفي الخانية: وإن شهد البعض بالبكارة والبعض بالثيابة يريها غيرهن
اه‍. وفي المعراج: لو وجدت ثيبا وزعمت أن عذرتها زالت بسبب أخر من غير وطئه
كإصبعه وغيرها فالقول قوله لأنه الظاهر والأصل عدم أسباب أخر. وفي المحيط: عنين أجله
القاضي سنة وامرأته ثيب فوطئها وادعت بعد الحول أنه لم يطأها وقالت حلفه فأبى أن يحلف
ففرق القاضي بينهما لم يسعها أن تتزوج بآخر ولم يسعه أن يتزوج بأختها اه‍ قوله: (وإن
اختارته بطل حقها) أطلقه فشمل الاختيار حقيقة وحكما كما إذا قامت من مجلسها أو أقامها
أعوان القاضي قبل أن تختار شيئا أو قام القاضي قبل أن تختار لامكان أن تختار مع القيام
وعليه الفتوى، كذا في المحيط والواقعات وفي البدائع: ظاهر الرواية أنه لا يتوقف على
المجلس. وقيد بقوله بانت بالتفريق لأن الفرقة لا تقع باختيارها نفسها بل لا بد من تطليق
الزوج بائنة أو تفريق القاضي إن امتنع. وقيل تقع باختيارها، وجعله في الخلاصة ظاهر
الرواية والأول رواية الحسن. وأشار ببطلانه باختيارها إلى أنه لو فرق بينهما ثم تزوجها ثانيا
لم يكن لها خيار لرضاها بحاله كما لو تزوجته عالمة بحاله على المفتي به كما في المحيط. وفي
211

الخانية: فرق بين العنين وبين امرأته ثم تزوج أخرى تعلم بحاله اختلفت الروايات والصحيح
أن للثانية حق الخصومة لأن الانسان قد يعجز عن امرأة ولا يعجز عن غيرها. ويحتسب من
السنة أيام حيضها ورمضان وحجه وغيبته لا بمرض أحدهما على المفتى به مطلقا كما في
الولوالجية. وصحح في الخانية أن الشهر لا يحتسب وما دونه يحتسب. وفي المحيط أصح
الروايات عن أبي يوسف أن نصف الشهر وما دونه يحتسب وما زاد على النصف لا يحتسب
ولا بحجها وغيبتها وحبسها وامتناعها من المجئ إلى السجن بعد حبسه بعد أن يكون فيه
موضع خلوة ولو على مهرها. وفي الخلاصة: لو كان محرما وقت الخصومة أجله بعد
الاحرام. وفي الخانية: لو وجدت زوجها مريضا لا يقدر على الجماع لا يؤجل ما لم يصح
وإن طال المرض اه‍. وفيها: وإن كان الزوج مظاهرا منها إن كان قادرا على الاعتاق أجله
القاضي، وإن كان عاجزا عنه أمهله القاضي شهرين للكفارة ثم يؤجل، وإن ظاهر بعد
التأجيل لا يلتفت إليه ويحتسب ذلك عليه اه‍. وفي المحيط الجامع: أصله أن كل موضع
تجري الوكالة فيه ينتصب الولي فيه خصما فالتفريق بسبب الجب وخيار البلوغ وعدم الكفاءة
تجري الوكالة فيه فانتصب الولي فيه خصما، وكل موضع لا تجري الوكالة فيه لا ينتصب الولي
خصما فيه كالفرقة بالاباء عن الاسلام واللعان اه‍.
قوله: (ولم يخير أحدهما بعيب) أي لا خيار لاحد الزوجين بعيب في الآخر لأن
المستحق بالعقد هو الوطئ والعيب لا يفوته بل يوجب فيه خللا ففواته بالموت قبل التسليم لا
يوجب الخيار فاختلاله أولى. وفي الهداية: إن اختلاله بالموت لا يوجب الفسخ فبالعيب
أولى. واعترض عليه جميع الشارحين بأن النكاح مؤقت بحياتهما ولم يجيبوا وأجبت عنه
بجوابين: الأول أن النكاح ينتهي بالموت لا أنه ينفسخ قالوا والشئ بانتهائه يتقرر ولا
212

ينفسخ. والثاني وهو الأحسن أنه على حذف مضاف تقديره لا يوجب خيار الفسخ حتى لا
يسقط بالموت شئ من مهرها. أطلق العيب فشمل الجذام والبرص والجنون والرتق والقرن،
وخالف الشافعي ومالك وأحمد في هذه الخمسة، وخالف محمد في الثلاثة الأول إذا كانت
بالزوج فتخير المرأة بخلاف ما إذا كانت بها فلا يخير لقدرته على دفع الضرر عن نفسه بالطلاق
دونها، ويرد عليه تخيير الغلام إذا بلغ عند محمد فإنه قادر بالطلاق. ويمكن أن يجاب بأن خيار
البلوغ لدفع ضرر فعل الغير بخلافه هنا لأن الزوج فعله كما لا يخفى. الجذام من الجذم بفتح
الجيم القطع وهو مصدر من باب ضرب ومنه يقال جذم بالبناء للمفعول إذا أصابه الجذام لأنه
يقطع اللحم ويسقطه وهو مجذوم. قالوا: ولا يقال فيه من هذا المعنى أجذم وزان أحمر، كذا في
المصباح. وفي القاموس: والجذام كالغراب علة تحدث من انتشار السوداء في الجسد كله فيفسد
مزاج الأعضاء وهيآتها وربما انتهى إلى تأكل الأعضاء وسقوطها عن تقرح جذم فهو مجذوم
ومجذم وأجذم، وهم الجوهري في منعه اه‍. والبرص محركة بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد
مزاج. برص كفرح فهو أبرص وأبرصه الله ثم قال في موضع آخر: وجن بالصم جنا وجنونا
واستجن مبنيا للمفعول، وتجنن وتجان وأجنه الله فهو مجنون. وأما الرتق ضد الفتق ومحركة جمع
رتقة، ومصدر قولك امرأة رتقاء بينة الرتق لا يستطاع جماعها أو لا خرق لها الا المبال خاصة.
وفي المصباح: رتقت المرأة رتقا من باب تعب فهي رتقاء إذا استد مدخل الذكر من فرجها فلا
يستطاع جماعها. والقرن مثل فلس العفلة وهو لحم ينبت في الفرج في مدخل الذكر كالغدة
الغليظة وقد يكون عظما. ويحكى أنه اختصم إلى القاضي شريح في جارية بها قرن فقال أقعدوها
فإن أصاب الأرض فهو عيب وإلا فلا. وقال القلعي: القرن بفتح الراء بمنزلة العفلة فأوقع
المصدر موقع الاسم وهو سائغ، كذا في المصباح. والرتق بفتح التاء كما في العناية. وقد كتبنا في
القواعد الفقهية في مذهب الحنفية أن القاضي لو قضى برد أحد الزوجين بعيب نقذ قضاؤه. وفي
213

القنية من الكراهية: جراح اشترى جارية رتقاء فله شق الرتق وإن تألمت اه‍. ولم أر حكم شق
الرتقاء المنكوحة وقالوا في تعليل عدم ردها لامكان شقه ولكن ما رأيت هل يشق جبرا أم
لا. وفي المعراج: لو تراضى العنين وزوجته على النكاح بعد التفريق فله أن يتزوجها إلا
رواية عن أحمد حيث قال لا يجتمعان أبدا كفرقة اللعان وهذا باطل لا أصل له والله أعلم
بالصواب.
باب العدة
لما ترتبت في الوجود على الفرقة بجميع أنواعها أوردها عقيب الكل. وهي لغة
الاحصاء عددت الشئ أحصيته إحصاء. وفي شرح المجمع للمصنف العدة مصدر عد
الشئ يعده. وسئل عليه السلام متى تكون القيامة قال: إذا تكاملت العدتان أي عدة أهل
الجنة وعدة أهل لنار، أي عددهم. وسمي زمان التربص عدة لأنها تعده. ويقال على
المعدود. وفي الدر النثير أي إذا تكاملت عند الله برجوعهم إليه. وفي المصباح: وعدة المرأة
قيل أيام أقرائها مأخوذ من العد والحساب، وقيل تربصها المدة الواجبة عليها والجمع عدد مثل
سدرة وسدر. وقوله تعالى * (فطلقوهن لعدتهن) * [الطلاق: 1] قال النحاة: للام بمعنى في
أي في عدتهن اه‍.
وفي الشريعة ما ذكره بقوله: (هي تربص يلزم المرأة عند زوال النكاح أو شبهته) أي
لزوم انتظار انقضاء مدة والتربص التثبت والانتظار قال الله تعالى * (فتربصوا حتى حين) *
[المؤمنون: 52] وقال تعالى * (يتربص بكم الدوائر) * [التوبة: 89] وقال تعالى * (فتربصوا إنا
معكم متربصون) * [التوبة: 25] كذا في البدائع. وإنما قدرنا اللزوم لأن التربص فعلها
وقد قالوا إن ركنها حرمات أي لزومات كحرمة تزوجها على الغير. ونقلوا عن الشافعي أن
ركنها التربص عنده وفرعوا على الاختلاف تداخل العدتين، فعندنا يتداخلان خلافا له
وانقضاؤه بدون علمها عندنا خلافا له وهذا أولى مما في البدائع من جعلها في الشرع عندنا
اسما لأجل ضرب لانقضاء ما بقي من آثار النكاح، وعند الشافعي اسما لفعل التربص
214

لأنه على هذا التقدير يكون ركنها نفس الاجل وقد صرحوا بخلافه إلا أنه لو صح اندفع
الاشكال الوارد على عدة الصغيرة إذ ليس في العدة وجوب شئ بل هي مجرد انقضاء الأجل
، والثابت في هذه المدة عدم صحة التزوج لا خطاب أحد بل وضع الشارع عدم
الصحة لو فعل. ويرد على ما في الكتاب عدة الصغيرة إذ لا لزوم في حقها ولا تربص
واجب، وأجيب بأنها أليست هي الخاطبة بل الولي هو المخاطب بأن لا يزوجها حتى تنقضي
مدة العدة ولهذا لم يطلق أكثر المشايخ لفظ الوجوب على عدة الصغيرة لعدم خطابها وإنما
يقولون تعتد. وقيد بقوله يلزم المرأة لأن ما يلزم الرجل من التربص عن التزوج إلى مضي
عدة امرأته في نكاح أختها ونحوه لا يسمى عدة اصطلاحا لاختصاصه بتربصها وإن وجد
معنى العدة فيه، ويجوز إطلاق العدة عليه شرعا كما أفهمه ما في فتح القدير. فعلى هذا ما
في الكتاب معناها الاصطلاحي. وأما في الشريعة فهي تربص يلزم المرأة والرجل عند وجود سببه.
وقد ضبط الفقيه أبو الليث رحمه الله في خزانة الفقه المواضع التي يمتنع الانسان من
الوطئ فيها حتى تمضي مدة في عشرين موضعا: نكاح أخت امرأته وعمتها وخالتها وبنت أختها وبنت
أخيها والخامسة وإدخال الأمة على الحرة ونكاح أخت الموطوءة في نكاح فاسدا
أو في شبهة عقد، ونكاح الرابعة كذلك، ونكاح المعتدة للأجنبي، ونكاح المطلقة ثلاثا
، ووطئ الأمة المشتراة، والحامل من الزنا إذا تزوجها، والحربية إذا أسلمت في دار الحرب
وهاجرت إلينا وكانت حاملا فتزوجها رجل، والمسبية لا توطأ حتى تحيض أو يمضي شهر
إن كانت لا تحيض لصغر أو كبر، ونكاح المكاتبة ووطؤها لمولاها حتى تعتق أو تعجز
نفسها، ونكاح الوثنية والمرتدة والمجوسية لا يجوز حتى تسلم ودخل تحت شبهة النكاح
الفاسد، ومن زفت إليه غير امرأته فوطئها. ولكن خرج عن التعريف عدة أم الولد إذا
مات مولاها أو أعتقها فإنها واجبة عندنا مع أنها لم تكن عند زوال النكاح أو شبهته. هذا
ما أوردته قبل الاطلاع على الاصطلاح ثم رأيته عرفها فيه بما يدخل عدة أم الولد فقال:
هي اسم لأجل ضرب لانقضاء ما بقي من آثار النكاح أو الفراش. وقال في إيضاح
الاصلاح: لا بد منه لتنظيم عدة أم الولد اه‍. وفي بعض النسخ أو شبهه بإضافة الشبه إلى
ضمير النكاح، وعلى النسخة الأولى بإضافة الشبهة إليه، فعلى النسخة الثانية تدخل عدة أم
الولد لأنها تربص يلزمها عند زوال شبه النكاح لما أن لها فراشا كالحرة وإن كان أضعف
215

من فراشها وقد زال بالعتق ولكن لا يدخل من زفت إليه غير امرأته وقلن امرأتك إلا على
النسخة الأولى. وعليها فينبغي أن يقال: قوله أو شبهته معطوف على الزوال لا على
النكاح لأنه لو عطف عليه لاقتضى أنها لا تجب إلا عند زوال الشبهة وليس كذلك. وأما
سبب وجوبها فلكل نوع منها سبب، فعدة الأقراء لوجوبها أسباب منها: الفرقة في النكاح
الصحيح سواء كانت بطلاق أو بغير طلاق بعد وطئ أو خلوة، ومنها عدة النكاح الفاسد
سببها تفريق القاضي أو المشاركة وشرطها أن تكون بعد الوطئ حقيقة، ومنها عدة الوطئ
عن شبهة فسببها الوطئ، ومنها عدة أم الولد وسببها عتق المولى باعتاقه أو موته وأما عدة
من لم تحض لصغر أو كبر سببها الطلاق. وشرط وجوبها إما الصغر أو الكبر أو عدم
الحيض رأسا. والثاني الدخول حقيقة أو حكما، وأما عدة الحمل فسببها الفرقة أو الوفاة،
كذا في البدائع مختصرا وهو مخالف لما في فتح القدير من أن سبب وجوبها عقد النكاح
المتأكد بالتسليم أو ما يجري مجراه من الخلوة والموت ولو فاسدا، وأما الفرقة فشرطها
فالإضافة في قولهم عدة الطلاق إلى الشرط اه‍. والظاهر ما في فتح القدير لعدم صلاحية
الطلاق والموت للسببية لما في المصفي كان القياس أن لا تجب العدة بالطلاق والموت لأنهما
مزيلان للنكاح والشئ إذا زال يزول جميع آثاره وإنما وجبت بالنص على خلاف القياس
اه‍. وحكمها حرمة نكاحها على غيره وحرمة نكاح أختها وأربع سواها كذا قالوا، وينبغي
الاقتصار على الثاني لأن حرمة نكاحها على غيره من المحرمات التي قدمنا أنها الركن.
ومحظوراتها حرمة التزين والتطيب - خصوصا في المبانة - والخروج من المنزل عموما كما
سيأتي في الحداد. وأنواعها حيض وأشهر ووضع حمل لتعرف براءة رحم وللتعبد ولاظهار
حزن على زوج. وإلى هنا ظهر أن الكلام فيها في عشرة مواضع: معناها لغة وشرعا
واصطلاحا وركنها وشرطها وسببها وحكمها ومخطوراتها وأنواعها ودليلها.
216

قوله: (عدة الحرة للطلاق أو الفسخ ثلاثة أقراء) أي حيض ظاهر في أن العدة اسم
للأجل المضروب كما في البدائع على إرادة مدة ثلاثة أقراء لأنه أوقع ثلاثة خبرا للعدة على
تقدير الرفع فهو مخالف لما قدمناه من التحقيق، وأما على تقدير نصب ثلاثة فالمراد كون
عدتها في مدة ثلاثة أقراء لأن الحرمات تتعلق في مدة الأقراء فكان ظرف زمان معربا واقعا
خبرا عن اسم معنى نحو السفر غدا لكنه على تقدير الرفع اعتبر فيه الاطلاق المجازي أعني
إطلاق العدة على نفس المدة. أطلق الطلاق فشمل البائن والرجعي ولم يقيد بالدخول بناء على
أن الأصل في النكاح الدخول ولا بد منه حقيقة أو حكما حتى تجب على مطلقة بعد الخلوة
ولو فاسدة كما بيناه فيها، ولم أر حكم ما إذا وطئها في دبرها أو أدخلت منيه في فرجها ثم
طلقها من غير إيلاج في قبلها. وفي تحرير الشافعية وجوبها فيهما ولا بعد أن بحكم على
المذهب بالثاني لأن إدخال المني محتاج إلى تعرف البراءة أكثر من مجرد الايلاج والأصل في هذا
النوع قوله تعالى * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * [البقرة: 822] والمراد بهن
المدخولات اللاتي يحضن وهو خبر بمعنى الامر وأصل الكلام ليتربصن ولام الامر محذوفة
فاستغنى عن ذكره، وإخراج الامر في صورة الخبر تأكيد له وللاشعار بأنه مما يتلقى بالمسارعة
إلى امتثاله نحو قولهم في الدعاء رحمك الله أخرج في صورة الخبر ثقة بالاستجابة كأن
الرحمة وجدت فهو يخبر عنها. وبناؤه على المبتدأ يدل على زيادة التأكيد، ولو قيل يتربص
المطلقات لم يكن بتلك الوكادة لأن الجملة الاسمية تدل على الدوام والثبات بخلاف الفعلية.
وفي ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص وزيادة تعب إذ نفوسهن طوامح إلى الرجال فأمرن
أن يقمعن أنفسهن ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص. وانتصب ثلاثة على الظرف
أي مدة ثلاثة قروء وجاء المميز على جمع الكثرة دون القلة التي هي الأقراء لجواز استعمال
أحد الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجميعة، ولعل القروء أكثر في جمع القرء من
الأقراء فأوثر عليه تنزيلا لقليل الاستعمال منزلة المهمل، كذا في المعراج. والقرء مشترك بين
الحيض والطهر، وأوله أصحابنا في الآية بالحيض، والشافعي بالطهر وموضعه الأصول.
217

وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا طلقها في الطهر فإنه تنقضي العدة برؤية قطرة من الدم من
الحيضة الثالثة عنده، وعندنا لا تنقضي العدة ما لم تطهر منها، كذا في غاية البيان.
وفي المبسوط: الحيضة الأولى لتعرف براءة الرحم، والثانية لحرمة النكاح، والثالثة
لفضيلة الحرية وشمل جميع أسبابه من الفسخ بخيار البلوغ والعتق وملك أحد الزوجين
صاحبه وردة أحدهما، وقدمنا في نكاح الأولياء جملة الفرق والايراد على قولهم أنه لا
يحتمل الفسخ بعد التمام، ثم رأيت في إيضاح الاصلاح هنا أنه لا فرق بين الطلاق أو
الفسخ أو الرفع ثم قال: اعلم أن النكاح بعد التمام لا يحتمل الفسخ فكل فرقة بغير طلاق
قبل تمام النكاح كالفرقة بخيار البلوغ والفرقة بخيار العتق والفرق بعدم الكفاءة فسخ، وكل
فرقة بغير طلاق بعد تمام النكاح كالفرقة بملك أحد الزوجين الآخر والفرقة بتقبيل ابن
الزوج ونحوه رفع وهذا واضح عند من له خبرة في هذا الفن اه‍. وعدم الكفاءة ومن هذا
النوع ما إذا تزوج المكاتب بنت مولاه بإذنه ثم مات المكاتب بعد موت المولى لا عن وفاء
فإن النكاح يفسد وتعتد بثلاث حيض إن كانت مدخولا بها وسقط مهرها بقدر ما ملكت
منه وإلا فلا عدة، وإن مات عن وفاء تعتد عدة الوفاة دخل بها أو لم يدخل، ولها الصداق
والإرث لأنا حكمنا بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته، وقدمنا في فصل التحليل أن
العدة لا تظهر في حق المطلق حيث كان دون الثلاث وهكذا في الفسخ، فلو اشترى
زوجته بعد الدخول لا عدة عليها له وتعتد لغيره حتى لا يزوجها من الغير ما لم تحض
حيضتين، ولهذا لو طلقها السيد في هذه العدة لم يقع طلاقه لأنها معتدة بالنسبة إلى غيره
ولهذا تحل له بملك اليمين بخلاف ما إذا اشترت الحرة زوجها بعد الدخول وقد كان قال
لها أنت طالق للسنة وهي حائض ثم طهرت من حيضها وقع الطلاق لعدم ارتفاع عدة
الطلاق بدليل حرمة وطئها. ولا بد في انقضاء عدتها من الاقرار بالطلاق لأنه لو طلقها
وأقام معها زمانا منكرا طلاقها لم تنقض عدتها، هكذا اختاره المشايخ كذا في المحيط وسيأتي
زيادة بيان له. ولو اشترى المكاتب زوجته ثم مات فإن ترك وفاء فهو حر في آخر حياته
وفسد نكاحه، فإن لم يكن دخل بها فلا عدة لوقوع الفرقة قبل الدخول وهي أمة، فإن
218

كانت ولدت منه تعتد بثلاث حيض حيضتان بالفرقة وثلاث بالوفاة إلا أنها تتداخل وتحد
في الأوليين دون الثالثة، كذا في المحيط. وأطلق الحرة فشمل المسلمة والكتابية تحت مسلم
فالكتابية تحت المسلم كالمسلمة حرتها كحرتها وأمتها كأمتها، وأما إذا كانت تحت ذمي فلا
عدة عليها إذا كانوا لا يدينون ذلك إلا إذا كانت حاملا عند الإمام خلافا لهما وقد مرت،
وذكرها في البدائع هنا. وفي الولوالجية قال: إلا أن تكون حاملا فتمنع من التزوج إن كان
ذلك في دينهم اه‍. فقيد الحامل بأن تكون في دينهم العدة لها. وفي البزازية: شهدا أن
زوجها طلقها ثلاثا إن كان غائبا ساغ لها أن تتزوج بآخر، وإن كان حاضرا لا لأن الزوج
إذا أنكر احتيج إلى القضاء بالفرقة ولا يجوز القضاء بها إلا بحضرة الزوج. وفيها: لو شهد
عندها رجلان أنه طلقها ليس لها أن تمكن من نفسها وإن أخبرها واحد ليس لها الامتناع
اه‍. فقد قبل خبر الواحد العدل بموته عندها ولم يقبل بطلاقه، وذكر في الاستحسان لو
أخبر الابن رجلان أن فلانا قتل أباه ليس له أن يقتله حتى يحكم القاضي بشهادتهما بخلاف
المرأة إذا أخبرها عدلان بالطلاق فإنه يحرم عليها التمكين من غير حكم بشهادتهما. ولو
برهن القاتل عند ابن المقتول أنه قتله للردة أو للقصاص إن كان الشاهدان ممن لو شهدا عند
الحاكم تقبل شهادتهما ليس للابن قتله وإلا فله اه‍.
قوله: (وثلاثة أشهر إن لم تحض) أي عدة الحرة إن لم تكن من ذوات الحيض لصغر أو
كبر مدة ثلاثة أشهر لقوله تعالى * (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن
ثلاثة أشهر) * [الطلاق: 4] في حق الآيسة وقوله تعالى * (واللائي لم يحضن) * [الطلاق: 4]
في حق الصغيرة ومن بلغت بالسن ولم تحض. وشمل قوله إن لم تحض أيضا البالغة إذا لم تر
دما أو رأت وانقطع قبل التمام، ومن بلغت مستحاضة، والمستحاضة التي نسيت عادتها وهو
مما يلغز به فيقال: شابة ترى ما يصلح حيضا في كل شهر وعدتها بالأشهر لكن في التحقيق
لما نسيت عادتها جاز كونها أول كل شهر وآخره فإذا قدرت بثلاثة أشهر علم أنها حاضت
ثلاث حيض بيقين بخلاف ما لم تنس فإنها ترد إلى أيام عادتها فجاز كون عدتها أول الشهر
فتخرج من العدة بخمسة أو ستة من الثالث. وفي فتح القدير أخذا من الزيلعي في الحيض:
219

واعلم أن إطلاقهم الانقضاء بثلاثة أشهر في المستحاضة الناسية لعادتها لا يصح إلا فيما إذا
طلقها أول الشهر، أما إذا طلقها بعد ما مضى من الشهر قدر ما يصلح حيضة فينبغي أن
يعتبر ثلاثة أشهر غير باقي هذا الشهر ا ه‍. اعلم أن ما ذكره في فتح القدير أن تقدير عدتها
بثلاثة أشهر قول المرغيناني وذكر هو في الحيض اختلافا قال: والفتوى على قول الحاكم من
أن طهرها مقدر بشهرين فعلى هذا لا بد من ستة أشهر للاطهار وثلاث حيض بشهر احتياطا.
والمراد بالصغيرة من لم تبلغ سن الحيض والمختار المصحح أنه تسع، وعن الإمام الفضلي أنها
إذا كانت مراهقة لا تنقضي عدتها بالأشهر بل يوقف حالها حتى يظهر هل حبلت من ذلك
الوطئ أم لا، فإن ظهر حبلها اعتدت بالوضع وإن لم يظهر فبالأشهر ا ه‍. وفي فتح القدير:
ويعتد بزمن التوقف من عدتها لأنه كان ليظهر حبلها فإذا لم يظهر كان من عدتها ا ه‍. وفي
التتارخانية: امرأة رأت الدم وهي بنت ثلاثين سنة مثلا رأت يوما دما لا غير ثم طلقها
زوجها قال: ليست هي آيسة. وقال أبو جعفر: تعتد بالشهور لأنها من اللائي لم يحضن وبه
تأخذ ا ه‍. وفي الصغرى واعتبار الشهور في العدة بالأيام دون الأهلة بالاجماع إنما الخلاف
بين أبي حنيفة وصاحبيه في الإجارة ا ه‍. وفي المجتبى جعله على الخلاف كالإجارة والدين
وإنما تعتبر بالأيام اجماعا مدة العنين. وفي التتارخانية: امرأة بلغت فرأت يوما دما ثم انقطع
عنها الدم حتى مضت سنة ثم طلقها زوجها فعدتها بالأشهر ا ه‍. وخرج بقوله إن لم تحض
الشابة الممتد طهرها فلا تعتد بالأشهر وصورتها: إذا رأت ثلاثة أيام وانقطع ومضى سنة أو
أكثر ثم طلقت فعدتها بالحيض إلى أن تبلغ إلى حد الإياس وهو خمس وخمسون سنة في
المختار، كذا في البزازية. ومن الغريب ما في البزازية قال العلامة والفتوى في زماننا على
قول مالك في عدة الآيسة ا ه‍. ولو قضى قاض بانقضاء عدة الممتد طهرها بعد مضي تسعة
220

أشهر نفذ كما في جامع الفصولين. ونقل في المجمع أن مالكا يقول: إن عدتها تنقضي
بمضي حول. وفي شرح المنظومة أن عدة الممتد طهرها تنقضي بتسعة أشهر كما في الذخيرة
معزيا إلى حيض منهاج الشريعة ونقل مثله عن ابن عمر قال: وهذه المسألة يجب حفظها لأنها
كثيرة الوقوع. وذكر الزاهدي وقد كان بعض أصحابنا يفتون بقول مالك في هذه المسألة
للضرورة خصوصا الإمام والدي ا ه‍.
قلت: لكنه مخالف لجميع الروايات لا يفتى به نعم لو قضى مالكي به نفذ. وفي فتح
القدير: ثم أكثر المشايخ لا يطلقون لفظ الوجوب على هذه الصغيرة لأنها غير مخاطبة بل
يقولون تعتد. وفي المبسوط قال بعض علمائنا: هي لا تخاطب بالاعتداد لكن الولي يخاطب
بأن لا يزوجها حتى تنقضي مدة العدة مع أن العدة مجرد مضي المدة فثبوتها في حقها لا يؤدي
إلى توجيه خطاب الشرع عليها، ولا يخفى أن القائل الأول قوله مبني على أنه يراها الحرمات
أو التربص الواجب، فإن قلت على تقدير كونها مضي المدة أليس أن فيها يجب أن لا تتزوج
فلا بد أن يتعلق خطاب نهي التزوج بالولي فجعلها المدة كما قال شمس الأئمة لا يستلزم
انتفاء قول الأول ويخاطب الولي بأن لا يزوجها، فالجواب لا يلزم فإنا إذا قلنا إنها المدة
فالثابت فيها عدم صحة التزوج لا خطاب أحد بل وضع الشارع عدم الصحة لو فعل ا ه‍.
والحاصل أن الصغيرة أهل لخطاب الوضع وهذا منه كما خوطب الصغيرة والصغيرة بضمان
المتلفات، ولو حاضت الصغيرة في الأشهر الثلاثة تستأنف العدة بالحيض، ولو حاضت
الكبيرة حيضة ثم أيست استأنفت بالشهور تحرزا عن الجمع بين الأصل والخلف، وقد فسر
القاضي قوله تعالى إن ارتبتم شككتم وجهلتم ا ه‍. وإذا كان هذا مع الارتياب ففي غيره
بالأولى، كذا في غاية البيان. وفي الفخر الرازي: إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ الإياس
أهو دم حيض أو استحاضة. وروي أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: يا رسول الله قد
عرفنا عدة التي تحيض فما عدة التي لم تحض؟ فنزلت * (واللائي يئسن) * [الطلاق: 4] فقام
رجل فقال: ما عدة الصغيرة فنزل * (واللائي لم يحضن) * [الطلاق: 4] أي هي بمنزلة الكبيرة
221

فقام آخر فقال: ما عدة الحوامل فنزل * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) *
[الطلاق: 4] ا ه‍ وذكر في الدر المنثور للاسيوطي أن السائل عن المسائل الثلاث أعني عن
الكبرى والصغرى والحامل أبي بن كعب رضي الله عنه. وأخرج عن مجاهد في قوله تعالى
* (إن ارتبتم) * إن لم تعلموا الحيض أم لا. فإن قلت: لم لم يكتف بقوله * (واللائي لم يحضن) *
عما قبلها؟ قلت الآيسة يصدق عليها أنها حاضت فلم تدخل تحت قوله * (واللائي لم يحضن) *
لأن المعنى لا حيض لهن أصلا إما للصغر أو بلغت ولم تحض فلذا أفردها.
قوله: (وللموت أربعة أشهر وعشر) أي عدة المتوفى عنها زوجها بعد نكاح صحيح إذا
كانت حرة أربعة أشهر وعشرة أيام لقوله تعالى * (والذي يتوفون منكم ويذرون أزواجا
يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * [البقرة: 432] أي عشرة أيام بناء على أنه إذا ذكر
عدد الأيام أو الليالي فإنه يدخل ما بإزائه من الآخر، وبه اندفع قول الأوزاعي إن العدة أربعة
أشهر وعشر ليال أخذا من تذكير العدد أعني العشر في الكتاب كما سمعت، وفي السنة في
حديث لا حداد إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا. والحاصل أن الأوزاعي يقول بتسعة
أيام وعشر ليال حتى لو تزوجت في اليوم العاشر جاز، هكذا فرعه في معراج الدراية على
قول الأوزاعي وتبعه في فتح القدير لكن في فتاوى قاضيخان حكي عن الفضلي كقول
الأوزاعي فقال: وحكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل أنه قال: تعتد أربعة أشهر
وعشر ليال لأن الله تعالى ذكر العشر مذكرا وجمع الليالي بذكر لفظ التذكير وجمع الأيام بلفظ
التأنيث فعلى قوله تزيد العدة بليلة واحدة وهذا أقرب إلى الاحتياط ا ه‍. فظاهره أن من اعتبر
الليالي إنما زاد لا أنه نقص فإذا تزوجت في اليوم العاشر لم يجز اتفاقا، وإنما يظهر الاختلاف
222

فيما إذا مات قبل طلوع الفجر وتربصت الأهلة الأربعة فإن عدتها لا تنقضي بمضي اليوم
العاشر من الخامس بل لا بد من مضي الليلة التي بعد العاشر على قول الفضلي والأوزاعي،
وعلى قول العامة تنقضي بغروب الشمس، ولا يخفى أن الأول أحوط. وفي المجتبى أن
العشر عشرة أيام وعشر ليال من الشهر الخامس عندنا. وقال ابن عمر: عشر ليال وتسعة أيام
ا ه‍. وأكثر أهل العربية أن العدد إنما يكون عكس المعدود تذكيرا وتأنيثا حيث كان المعدود
مذكورا، وأما إذا كان محذوفا فإنه يجوز ترك التاء في العدد الذي معدوده مذكر كقوله عليه
السلام من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كذا في بعض شروح الألفية وذكره الكرماني
في شرح حديث بني الاسلام على خمس. والنكتة في عدم الاتيان بالتاء ما ذكره الرازي أن
هذه أيام الحزن والمكروه ومثل هذه الأيام تسمى بالليالي استعارة كقولهم خرجنا ليالي الفتنة
وتمامه فيه.
وفي المحيط: إذا اتفق عدة الطلاق والموت في غرة الشهر اعتبرت الشهور بالأهلة،
وإن انقصت عن العدد، وإن اتفق في وسط الشهر فعند الإمام تعتبر بالأيام فتعتد في الطلاق
بتسعين يوما، وفي الوفاة بمائة وثلاثين يوما. وعندهما يكمل الأول من الأخير وما بينهما
بالأهلة ومدة الايلاء. واليمين أن لا يكلم فلانا أربعة أشهر والإجارة سنة في وسط الشهر
وسن الرجل متى ولد في أثنائه، وصوم الكفارة إذا شرع فيه من وسط الشهر على هذا
الاختلاف ا ه‍. وقدمنا عن المجتبى تأجيل العنين إذا كان في أثناء الشهر فإنه يعتبر بالأيام
إجماعا، ويستثنى أيضا من الخلاف لو طلق الحامل في وسط الشهر فإنه يفصل بين كل
طلاقين بثلاثين يوما فإذا طلقها الثالثة فقد بانت منه بثلاث وبقي من عدتها ثلاثون يوما وهو
223

قول الكل وهو الصحيح لأن عندهما تعذر اعتبار الأهلة في جميع العدة لأنا لو اعتبرنا الشهر
الثاني والثالث بالهلال في حق انقضاء العدة فربما ينقصان يومين، فمتى اعتبرنا الفاصل بين
الطلاقين ثلاثين يوما يبقى بعد الطلقة الثالثة ثمانية وعشرون يوما وذلك أقل من شهر ولا
يجوز انقضاء العدة به، كذا في المحيط وفي الصغرى واعتبار العدة بالأيام اجماعا إنما الخلاف
في الإجازة ا ه‍. ونقله عنها في التتارخانية. وفي التتارخانية: امرأة الغائب إذا أخبرها رجل
بموت زوجها وأخبرها رجلان بحياته فإن كان الذي أخبر بموته شهد أنه عاين موته أو
جنازته وكان عدلا وسعها أن تعتد وتتزوج، هذا إذا لم يؤرخا، فإن أرخا وتاريخ شهود الحياة
متأخر فشهادتهما أولى. وفي النسفية: سئل عن امرأة لها زوج غائب أخبرها رجل بموته
فاعتدت وتزوجت ودخل بها فجاء آخر وأخبرها أنه حي في بلد كذا وأنا رأيته فهل يحل لها
المقام مع الثاني؟ فقال: إن كانت صدقت المخبر الأول لا يمكنها أن تصدق المخبر الثاني ولا
يبطل النكاح الثاني ولهما أن يقرا على ذلك النكاح. وفي شهادات البزازية: قال رجل لامرأة
سمعت أن زوجك مات لها أن تتزوج إن كان المخبر عدلا، فإن تزوجت بآخر وأخبرها
جماعة بأنه حي إن صدقت الأول صح النكاح، كذا في فتاوى النسفي. وفي المنتقى: شرط
عدالة المخبر ولا يشترط تصديقها. وفي النوازل: لو عدلا لكن أعمى أو محدودا في قذف
جاز، ولو شهد عندها عدل أن زوجها ارتد هل لها أن تتزوج؟ فيه روايتان: في رواية لسبر
لا يجوز وفي الاستحسان يجوز. وأطلق في عدة الحرة للموت فشمل المسلمة والكتابية تحت
المسلم صغيرة كانت أو كبيرة أو آيسة، سواء كان زوجها حرا أو عبدا، قبل الدخول أو
بعده، ولم يخرج عنها إلا الحامل فإنها تعتد بالوضع في الوفاة أيضا ولذا أخر عدة الحامل
عن المتوفى عنها زوجها للإشارة إلى أنها باقية على عمومها كما سترى. وفي البدائع أن
سببها الموت وشرط وجوبها النكاح الصحيح فلا تجب في النكاح الفاسد ا ه‍. وسيأتي أن
مبدأها من وقت الوفاة لا من وقت العلم بها ولا بد من بقاء النكاح صحيحا إلى الموت فلو
فسد قبله لم تجب عدة الوفاة ولهذا قدمنا أن المكاتب لو اشترى زوجته ثم مات عن وفاء لم
تجب عدة الوفاء فإن لم يدخل بها فلا عدة أصلا، وإن دخل بها فولدت منه صارت أم ولد
له فعدتها ثلاث حيض، وإن لم تكن ولدت منه فعليها أن تعتد بحيضتين لفساد النكاح قبل
الموت، وإن لم يترك وفاء تعتد بشهرين وخمسة أيام عدة الوفاء لأنهما مملوكان للمولى كما
في الخانية، ولكن ذكر في المحيط أنها إذا ولدت منه وقلنا عدتها ثلاث حيض تحد في
الأولين دون الثالثة، ولو تزوج المكاتب بنت مولاه فإن مات عند وفاء فعدتها عدة الحرة
224

عن وفاة دخل بها أم لا وإلا لم تعتد للوفاة، فإن لم يدخل فلا عدة، وإن دخل بها تعتد
بثلاث حيض.
قوله: (وللأمة قرآن ونصف المقدر) أي وعدة الأمة حيضتان في الطلاق بعد الدخول
إن كانت ممن تحيض وإلا فشهر ونصف في الطلاق وشهران وخمسة أيام في الوفاة. أطلقها
فشمل القنة وأم الولد والمدبرة والمكاتبة والمستسعاة على قول الإمام، سواء كانت معتقة البعض
أو لا كالمعتقة في مرض الموت إذا كانت لا تخرج من الثلث، والمدبرة بعد موت مولاها في
زمن السعاية فإن المستسعى كالمكاتب عنده وحر مديون عندهما، ولا بد من قيد الدخول في
الأمة إلا في المتوفى عنها زوجها. والحاصل أن الرق منصف نعمة وعقوبة لكن في الصلاة
والصوم والطهارة هما سواء، وفي صوم الكفارات هما سواء، وفي أجل العنين هما سواء
بخلاف إيلاء الأمة فإنها على النصف كما قدمناه، وفي الحدود على النصف، وفي النكاح على
النصف، وفي الطلاق على النصف واعتباره بالمرأة، وفي القصاص هما سواء بخلاف
الأطراف فهو منصف إلا في العبادات وما فيه معنى العبادة والايلاء والقصاص. ودليل
التنصيف في عدة الأمة الحديث وعدتها حيضتان. وأورد عليه في الكافي أنه معارض
بعموم القطعي وتخصيص العام ابتداء لا يجوز بخبر الواحد والقياس ولهذا قال أبو بكر الأصم
بأن عدتها ثلاثة أقراء، وأجاب عنه بأنه من المشاهير تلقته الأمة بالقبول أو لأن الآية إنما هي
في الحرائر بدليل السياق * (مما آتيتموهن) * [البقرة: 922] * (حتى تنكح) * [البقرة: 032] *
(فيما افتدت به) * [البقرة: 922]. وفي كافي الحاكم: توفي عن امرأة وهي مملوكة واعتدت
بشهرين وخمسة أيام وأقرت بانقضاء عدتها ثم ولدت لأكثر من ستة أشهر من يوم الاقرار لم
يلزم الزوج، وإن لم تقر لزمه الولد إلى سنتين، وفي الخانية: امرأة قالت في عدة الوفاة لست
بحامل ثم قالت من الغد أنا حامل كان القول قولها، وإن قالت بعد أربعة أشهر وعشرة أيام
لست بحامل ثم قالت أنا حامل لا يقبل قولها وسيأتي في آخر الباب.
225

قوله: (وللحامل وضعه) أي وعدة الحامل وضع الحمل لقوله تعالى * (وأولات الأحمال
أجلهن أن يضعن حملهن) * [الطلاق: 4] أطلقها فشمل الحرة والأمة المسلمة والكتابية مطلقة
أو متاركة في النكاح الفاسد أو وطئ بشبهة والمتوفى عنها زوجها لاطلاق الآية. وقال ابن
مسعود رضي الله عنه: من شاء باهلته إن سورة النساء القصرى نزلت بعد التي في البقرة
يريد بالقصرى * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) * [الطلاق: 1] وبالطولى * (والذين يتوفون
منكم) * [البقرة: 432] الآية. والمباهلة الملاعنة. وفي رواية من شاء لاعنته وفي رواية
حالفته وكانوا إذا اختلفوا في أمر يقولون لعنة الله على الكاذب منا. قالوا: وهي مشروعة
في زماننا كما في غاية البيان وفتح القدير. وقال عمر رضي الله عنه: لو وضعت وزوجها
على سريره لانقضت عدتها ويحل لها أن تتزوج. وعن علي وابن عباس رضي الله عنهم تعتد
الحامل المتوفي عنها زوجها بأبعد الأجلين يعني لا بد من وضع الحمل ومضي أربعة أشهر
وعشر، هذا معنى أبعد الأجلين: وفي التفسير الكبير للإمام الرازي أن الشافعي لم يقل إن آية
القصرى مخصصة لآية الطولى لوجهين: الأول أن كل واحدة من هاتين الآيتين أعم من
الأخرى من وجه وأخص منها من وجه، فإن الحامل قد يتوفى عنها زوجها وقد لا يتوفى،
والمتوفي عنها زوجها قد تكون حاملا وقد لا تكون فامتنع أن تكون إحداهما مخصصة
للأخرى. الثاني أن قوله تعالى * (وأولات الأحمال أجلهن) * إنما ورد بعد ذكر المطلقات فربما
كانت في المطلقة فلهذين السببين لم يعول الشافعي رحمه الله على القرآن وإنما عول على السنة
وهو حديث سبيعة الأسلمية ا ه‍. وحاصل ما في التلويح إنهما متعارضان في حق الحامل
والمتوفى عنها زوجها فعلى رأي على من عدم معرفة التاريخ يثبت حكم التعارض بقدر ما
تعارضا فيه فرجعنا إلى السنة، وعلى رأي ابن مسعود القائل بتأخر القصرى كانت القصرى
ناسخة للطولى فيما تعارضا فيه وهي الحامل المتوفى عنها زوجها فقط ا ه‍. ما في التلويح
هنا. وليس معناه كما قلناه في زوجة الفار، وقد سها صاحب المعراج ففسر أبعد الأجلين
المروي عن علي رضي الله عنه بأربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض، ونقله عن فتاوى
قاضيخان وإنما هذا في عدة امرأة الفار وأنه لا دخل للحيض في عدة الحامل أصلا ولهذا
قال في المحيط: عن علي تعتد بأبعد الأجلين وهما الأشهر ووضع الحمل. وهكذا في فتح
226

القدير. وإنما قالا بذلك لعدم علمهما بالتاريخ فكان ذلك أحوط، وعامة الصحابة رضي الله
عنهم لما علموا التاريخ قالوا بوضع الحمل لتأخر آيته. قال القاضي في تفسيره: وهو حكم
يعم المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن والمحافظة على عمومه أولى من المحافظة على عموم قوله
تعالى * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) * [البقرة: 432] لأن عموم أولات الأحمال
بالذات وعموم أزواجا بالعرض والحكم يتعلل ها هنا بخلافه. ثم ولأنه صح أن سبيعة
بنت الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد حللت
فتزوجي. ولأنه متأخر النزول فتقديمه تخصيص وتقديم الآخر بناء العام على الخاص والأول
أرجح للوفاق عليه ا ه‍.
وفي الدر المنثور عن ابن مسعود رضي عنه مرفوعا: نسخت سورة النساء القصرى كل
عدة وأولات الأحمال أجل كل حامل مطلقة أو متوفى عنها زوجها أن تضع حملها. وأخرج
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنها نزلت بعد سبع سنين. ونقل عن أبي بن كعب وأبي
سعيد الخدري رضي الله عنه وعمر وابنه وأبي هريرة وعائشة والمسور بن محزمة رضي الله
227

عنهم كقول ابن مسعود. ومعنى قول القاضي إن عموم أولات بالذات أن الموصول من صيغ
العموم، ومعنى قوله إن عموم أزواجا بالعرض أن عمومه بدلي لا يصلح لتناول جميع
الأزواج في حال واحد، ومعنى قوله إن الحكم يتعلل هنا أن الحكم هنا معلل بوصف
الحملية بخلاف ذلك، وقوله والأول أرجح أي التخصيص أولى من النسخ لأنا إذا أخرنا
آية الحمل عن آية الوفاة كانت مخصصة لآية الوفاة، وإذا قدمنا آية الحمل على آية الوفاة كانت
رافعة لما في الخاص من الحكم وهو نسخ. وفي المعراج: حمل أهل العلم آية البقرة على
الحوامل تخصيصا بآية القصرى والتخصيص أولى من دعوى النسخ ا ه‍. وفي البدائع: إن
كان بين نزول الآيتين زمان يصلح للنسخ فينسخ الخاص المتقدم بالعام المتأخر كما هو مذهب
مشايخنا بالعراق ولا يبنى العام على الخاص أو يعمل بالنص العام على عمومه ويتوقف في
حق الاعتقاد كما هو مذهب مشايخ سمرقند ولا يبنى العام على الخاص ا ه‍. وذكر البقاعي
في المناسبات: لما كان توحيد الحمل لا ينشأ عنه لبس وكان الجمع ربما أوهم أنها لا تحل
واحدة منهما حتى تضع جمعا قال حملهن ا ه‍. وذكر الفخر الرازي أنه قرئ أحمالهن ثم
قال أن يضعن حملهن ولم يقل أن يلدن لأنه لو قاله لانقضت بولادة أحد الولدين ا ه‍.
يعني وهو بعض الحمل فلا تنقضي حتى تضع جميع ما في البطن لأن الحمل اسم لجميع ما
في البطن ولهذا قال الأصوليون: لو قال إن كان حملك ذكرا فأنت حرة فولت ذكرا وأنثى لا
تعتق لأنه اسم لجميع ما في البطن كقوله إن كان ما في بطنك ذكر. وفي البدائع: وشرط
228

وجوبها أن يكون الحمل من نكاح، صحيحا كان أو فاسدا، ولا تجب على الحامل من الزنا
لأن الزنا لا يوجب العدة إلا أنه إذا تزوج امرأة وهي حامل من الزنا جاز النكاح. وفي فتح
القدير: لو تزوجت بعد الأشهر ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من المدة ظهر فساد
النكاح وألحق بالميت ا ه‍. فعند أبي حنيفة ومحمد لا يجوز له أن يطأها ما لم تضع كيلا يكون
ساقيا ماء زرع غيره فظهر أن الحامل من الزنا لا عدة عليها أصلا، وأما الموطوءة بشبهة
فعدتها بالأقراء كما سيأتي إلا إذا كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل كما في تزوج الحامل التي
من الزنا ثم طلقها فولدت انقضت عدتها عندهما بالوضع. وفي البدائع: وقد تنقضي العدة
بوضع الحمل من الزنا بأن تزوجت الحامل من الزنا ثم طلقها فولدت انقضت عدتها عندهما
بالوضع. ولدت وفي بطنها آخر تنقضي العدة بوضع الآخر لأن الحمل اسم لجميع ما في
البطن، وإذا أسقطت سقطا استبان بعض خلقه انقضت به العدة لأنه ولد، وإن لم يستبن
بعض خلقه لم تنقض لأن الحمل اسم لنطفة متغيرة بدليل أن الساقط إذا كان علقة أو مضغة لم
تنقض به العدة لأنها لم تتغير فلا يعرف كونها متغيرة بيقين إلا باستبانة بعض الخلق، كذا في
المحيط. وفي التتارخانية قال: إذا ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدا ثم ولدت لستة أشهر
ثبت نسب الثاني أيضا وانقضت به العدة ولا يجب به العقر. وفي الكافي للحاكم: قال لها
كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدين في بطن واحد طلقت بالأول وانقضت العدة
بالآخر ولا يقع به طلاق، ولو ولدت ثلاثة في بطن وقعت طلقتان وانقضت العدة بالثالث،
ولو كان بين الولدين ستة أشهر ولم تقر بانقضاء العدة طلقت ثلاثا وتعتد بالأقراء بعد الثالث
ا ه‍.
وفي الخانية: طلقها رجعيا فتزوجت في العدة ثم طلقها الثاني فجاءت بولد لأكثر من
سنتين من طلاق الأول ولستة أشهر من طلاق الثاني فإن الولد للثاني، ولو تزوجت المنعي
إليها زوجها ثم ولدت أولادا ثم جاء الزوج الأول حيا كان الإمام أبو حنيفة يقول: الأولاد
للأول ثم رجع عنه وقال للثاني وعليه الفتوى. ا ه‍ منتفي. قال محمد في نوادر ابن رستم:
لو خرج من قبل الرأس نصف البدن غير الرأس أو خرج من قبل الرجلين نصف البدن غير
الرجلين انقضت به العدة وفسر فقال: النصف من البدن هو من أليتيه إلى منكبيه ولا يعتد
بالرأس ولا بالرجلين. وقال في الهارونيات: لو خرج أكثر الولد لم تصح الرجعة وحلت
للأزواج. وقال مشايخنا: لا تحل للأزواج أيضا لأنه قام مقام الكل في حق انقطاع الرجعة
229

احتياطا ولا يقوم مقامه في حق حلها للأزواج احتياطا. وفي نوادر ابن سماعة: لو جاءت
المبانة المدخولة بولد فخرج رأسه لأقل من سنتين وخرج الباقي لأكثر من سنتين لم يلزمه حتى
يخرج الرأس ونصف البدن لأقل من سنتين ويخرج الباقي لأكثر من سنتين أو يخرج من قبل
الرجلين الأكثر من البدن لأقل من سنتين ويخرج ما بقي لأكثره، ولو خرج الرأس فقتله
إنسان وجبت الدية ولا يجب القصاص، وكذلك في أذنيه، ولو قطع الرجلين قبل الرأس
وجبت الدية. وفي نوادر ابن هشام: قال لجاريته أنت حرة وقد خرج رأس الولد مع نصف
البدن لا تعتق حتى يخرج النصف سوى الرأس. ا ه‍. ما في المحيط. والحاصل أن خروج
الأكثر كالكل في جميع الأحكام إلا في حلها للأزواج على قول المشايخ، وخروج الرأس فقط
أو مع الأقل لا اعتبار به فلا تنقضي به العدة ولا يثبت نسب من المبانة إذا كان لأقل من
سنتين والباقي للأكثر، ولا قصاص بقطعهما ودليل مسألة العتق في المحيط محرفة من
الكاتب. وحاصلها أن الحمل يتبع الام في العتق فإذا أعتقت بعد خروج بعضه، فإن خرج
الأكثر أو النصف لا يتبعها، وإن خرج الأقل يتبعها. وفي المحيط أيضا: تزوج بامرأة فجاء
بسقط بعد أربعة أشهر إلا يوما لم يجز النكاح إن كان قد استبان خلقه لأنه لا يستبين خلقه إلا
في مائة وعشرين يوما أربعين يوما نطفة وأربعين علقة وأربعين مضغة ثم ينفخ فيه الروح،
وإن سقط لأربعة أشهر تامة فهو من الزوج والعمل على مائة وعشرين يوما، وإن تزوجها في
عشر من الشهر فخمسة أشهر بالأهلة وعشرين يوما من السادس في لزوم الولد ا ه‍. وفي
الخانية: المتوفي عنها زوجها إذا ولدت لأكثر من سنتين من وقت الموت يحكم بانقضاء عدتها
قبل الولادة بستة أشهر وزيادة فتجعل كأنها تزوجت بزوج آخر بعد انقضاء عدتها وحبلت من
الثاني ا ه‍. والحاصل أن السقط الذي استبان بعض خلقه يعتبر فيه أربعة أشهر وتام الخلق
ستة أشهر، كذا في المجتبى. وفي التتارخانية: المعتدة عن وطئ بشبهة إذا حبلت في العدة ثم
وضعت انقضت عدتها. وفي البزازية: لو قالت المعتدة ولدت لا يقبل قولها بلا بينة فإن
طلب يمينها بالله لقد أسقطت سقطا مستبين الخلق حلفت اتفاقا ا ه‍.
قوله: (وزوجة الفار أبعد الأجلين) أي وعدة المطلقة بائنا في مرض موته بغير رضاها
عدة الوفاة وعدة الطلاق فالمراد بأبعد الأجلين مضي أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض
حتى لو مضت هذه المدة ولم تحض ثلاثا كانت في العدة حتى تحيض ثلاثا، ولو حاضت ثلاثا
قبل تمام هذه المدة لم تنقض حتى تتم كما ذكره في الخانية والعناية. واعترضه في فتح القدير
بأنه مقصر لأنه لا يصدق إلا إذا كانت الأربعة الأشهر وعشرا بعد من الثلاث حيض وحقيقة
230

الحال أنها لا بد أن تتربص الأجلين ا ه‍. وجوابه أنه لا بأس بعد التصريح بالمراد فلا تقصير.
وفي المجتبى يعني بأبعد الأجلين عدة الوفاة إن كانت أطول وعدة الطلاق إن كانت أطول.
قلت: ويعتبر الحيض من وقت الطلاق لا الوفاة ا ه‍. فعلى هذا قول من فسره بالأربعة
الأشهر والعشر فيها ثلاث حيض مشكل لأنه يقتضي أنه لا بد أن تكون الحيض كلها في عدة
الوفاة، وعلى ما في المجتبى لو حاضت حيضتين قبل وفاته ولم تحض بعد وفاته إلا واحدة
ومضت عدة الوفاة كفي بخلاف ما في الخانية. قيدنا بكونه بائنا لأنه لو طلقها رجعيا فعدتها
عدة الوفاة، سواء طلقها في الصحة أو في المرض بطريق انتقال عدة الطلاق إلى عدة الوفاة
وترث منه. وقيدنا بكونه في مرض موته لأنه لو طلقها بائنا في صحته لم تنتقل ولا ترث،
وما ذكره المصنف قولهما. وقال أبو يوسف: عدتها ثلاث حيض لأن النكاح قد انقطع قبل
الموت بالطلاق ولزمها ثلاث حيض، وإنما تجب عدة الوفاة إذا زال النكاح بالوفاة إلا أنه بقي
في حق الإرث لا في حق تغيير العدة بخلاف الرجعي لأن النكاح باق من كل وجه. ولهما
أنه لما بقي في حق الإرث يجعل باقيا في حق العدة احتياطا فيجمع بينهما، كذا في الهداية.
وأورد على قولهما لو ارتد زوج المسلمة فمات أو قتل على ردته ترثه زوجته المسلمة وعدتها
بالحيض فقد بقي في حق الإرث ولم يبق في حق العدة فكذا في زوجة الفار. والجواب منع
حكم المسلمة بل يلزمها عدة الوفاة على ما أشار إليه الكرخي فهو على الاختلاف، وقيل
عدتها بالحيض إجماعا لأن النكاح ما اعتبر باقيا إلى وقت الموت في حق الإرث لأن المسلمة لا
ترث الكافر فيستند استحقاقه إلى وقت الردة. وقد استفيد بما ذكرناه أن وضع المسألة فيما إذا
لم تحض ثلاثا قبل موته، أما إذا حاضت ثلاثا قبل موته فقد انقضت عدتها ولم تدخل تحت
231

المسألة لأنه لا ميراث لها إلا إذا مات قبل انقضاء العدة، وقد أشكل ذلك على بعض حنفية
العصر لعدم التأمل. وفي فتح القدير: وهذا الحكم ثابت في صور: إحداها هذه. والثانية
إذا قال لزوجتيه أو زوجاته إحداكن طالق بائن ومات قبل البيان فعلى كل واحدة الاعتداد
بأبعد الأجلين، ولو بين في إحداهما كان ابتداء العدة من وقت البيان. والثالثة إذا مات
زوجها وسيدها ولم يدر أيهما مات أولا وعلم أن بينهما شهرين وخمسة أيام فصاعدا ا ه‍. ولا
بد من تقييد المسألة الأولى بأن يكون قد دخل بهما فلو لم يدخل بهما اعتدتا بعدة الوفاة فقط،
ولو دخل بإحداهما دون الأخرى ينبغي أن تعتد المدخولة بأبعد الأجلين وغيرها بعدة الوفاة،
ولا بد من كونهما من ذوات الأقراء لأنهما لو كانتا لا تحيض فعدة الوفاة، وإن كانت إحداهما
تحيض والأخرى لا فعلى التي تحيض أبعد الأجلين والأخرى عدة الوفاة، هذا ما فهمته ولم
أره صريحا. والحاصل أن المرأة لا تعتد بأبعد الأجلين إلا في ثلاث مسائل، وينبغي أن يزاد
رابعة على قول محمد ذمي أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع أو أم وبنتها ومات بلا بيان فإن
محمدا يخيره، وهما أبطلا نكاح الكل حيث لم يعلم الآخر كما في المجمع ولم أر من نبه عليه.
قوله: (ومن عتقت في عدة الرجعي لا البائن والموت كالحرة) أي وعدة الأمة إذا
أعتقت وهي معتدة عن طلاق رجعي كعدة الحرة في الابتداء فتتغير عدتها إلى عدة الوفاة، فإن
كانت من ذوات الأقراء صارت عدتها ثلاثة حيض وإلا فثلاثة أشهر بخلاف ما إذا كانت
معتدة عن بائن أو وفاة فإن عدتها لا تتغير لبقاء النكاح في الرجعي من كل وجه وزواله في
البائن والموت. قيد بالعدة لأن الأمة لو آلى منها ثم أعتقت انتقل مدة إيلائها إلى مدة الحرائر
لأن البينونة ليست من أحكام الايلاء في الابتداء لأنها لا تثبت إلا بعد المدة فكانت الزوجية
قائمة للحال فأشبه الطلاق الرجعي. وفي فتح القدير: وقد صور الانتقال إلى جميع كميات
العدة البسيطة وهي أربعة: صورتها أمة صغيرة منكوحة طلقت رجعيا فعدتها شهر ونصف
232

فلو حاضت في أثنائها انتقلت إلى حيضتين، فلو أعتقت قبل مضيهما صارت ثلاث حيض،
فلو مات زوجها انتقلت إلى أربعة أشهر وعشر ا ه‍ وفيه نظر، لأن هذه الصورة لم يجتمع فيها
جميع كميات العدة أي عددها البسيطة لأن عدة الآيسة من جملة كميات العدة البسيطة ولم
يذكرها ولذا قال في الخانية: وقد يجب على المرأة أربع عدد ولو ذكر كذلك لسلم. وحاصل
مسائل انتقال العدة مسائل: الأولى صغيرة اعتدت فبلغت في خلالها تستقبل بالحيض، مبتوتة
كانت أو رجعية. الثانية آيسة حاضت في أثناء الشهور أو حبلت تستقبل بالحيض أو
بالوضع. الثالثة اعتدت بحيضة أو حيضتين ثم ارتفع حيضها لا تخرج من العدة ما لم تيأس
فإذا أيست استقبلتها بالأشهر. الرابعة آيسة اعتدت بالأشهر ثم حاضت وستأتي. الخامسة
أعتقت الأمة بعد الطلاق أو الموت وقد قدمناها. السادسة مات زوج الحرة المطلقة في عدتها
وقد قدمناها في زوجة الفار.
قوله: (ومن عاد دمها بعد الأشهر الحيض) أي وعدة من اعتدت بالأشهر لإياسها ثم
رأت دم الحيض فينتقض ما مضى من عدتها وعليها أن تستأنف العدة بالحيض، ومعناه إذا
رأت الدم على العادة لأن عوده يبطل إياسها وهو الصحيح فظهر أنه لم يكن خلفا، وهذا لأن
شرط الخلفية تحقق اليأس وذلك باستدامة العجز إلى الممات كالفدية في حق الشيخ الفاني،
كذا في الهداية. وظاهره فساد الأنكحة المباشرة قبل رؤية الدم وعبده وهو لازم الانتقاض
كما في فتح القدير. واختلفوا في معنى قوله إذا رأت الدم على العادة فقيل معناه إذا كان
سائلا كثيرا احترازا عما إذا رأت بلة يسيرة، وقيل معناه ما ذكر وأن يكون أحمر أو أسود،
فلو كان أصفر أو أخضر أو تربية لا يكون حيضا، وقيل معناه أن يكون على العادة الجارية
حتى لو كان عادتها قبل الإياس أصفر فرأته كذلك انتقض. هكذا حكى الأقوال في فتح
القدير من غير ترجيح، وصرح في المعراج بأن الفتوى على القول الأول. وشمل إطلاق
المصنف كالهداية ما إذا رأت قبل الحكم بإياسها أو بعده وهذا الاطلاق بجملته مختار صاحب
الهداية وهو أحد الأقوال. وحاصله ينتقض مطلقا، وسواء كان بعد الشهور أو في أثنائها،
ولكن عبارة المصنف فيما إذا كان بعد الأشهر. الثاني لا ينتقض مطلقا واختاره الأسبيجابي.
الثالث ينتقض إن رأته قبل تمام الأشهر وإن كان بعدها فلا وبه أفتى الصدر الشهيد، وفي
المجتبي وهو الصحيح المختار للفتوى. الرابع تنتقض على رواية عدم التقدير للإياس التي هي
ظاهر الرواية فإنما ثبت الامر على ظنها فلم حاضت تبين خطؤها، ولا ينتقض على رواية
233

التقدير له واختاره في الايضاح، واقتصر عليه في الخانية، وجزم به القدوري والجصاص
ونصره في البدائع. الخامس تنتقض إن لم يكن حكم بإياسها وإن حكم به فلان كان يدعي
أحدهما فساد النكاح فيقضي بصحته وهو قول محمد بن مقاتل وصححه في الاختيار.
السادس تنتقض في المستقبل فلا تعتد إلا بالحيض للطلاق بعده لا للماضي فلا تفسد الأنكحة
المباشرة بعد الاعتداد بالأشهر. وصححه في النوازل فقد تحرر أن فيها ستة أقوال مصححة
فيجب النظر فيما ثبت عن صاحب المذهب الإمام الأعظم رضي الله عنه. وقد صرح الأقطع
وتبعه في غاية البيان بأن ظاهر الرواية القول بالانتقاض مطلقا وهو مختار صاحب الهداية
فتعين المصير إليه ولكنه مبني على اشتراط تحقق اليأس في خلفية الأشهر بالنص وإن تحقق
اليأس لا يكون إلا باستدامة الانقطاع إلى الممات. وضعفه في فتح القدير بمنع قوله وذلك
باستدامة العجز إلى الممات إلى آخره بناء على أن اليأس حقيقة اعتقاد عدم الوقوع أبدا لا العلم
بعدم وجوده. وفي القاموس: اليأس القنوط وهو ضد الرجاء وقطع الامل ا ه‍. ويمكن أن
يقال إن في المسألة ثمانية أقوال: الخمسة الأخيرة والثلاثة المذكورة في تفسير قول صاحب
الهداية إن رأت الدم على العادة. ثم اعلم أنه لا تقدير لسن الإياس في ظاهر الرواية.
وإياسها على هذا أن تبلغ من السن ما لا يحيض فيه مثلها وذلك يعرف بالاجتهاد والمماثلة في
تركيب البدن والسمن والهزال، وفي رواية فيه تقدير. قال الصدر الشهيد: المختار خمس
وخمسون سنة وعليه أكثر المشايخ، وفي المنافع وعليه الفتوى، كذا في المعراج. ثم قال بعده
قال ابن مقاتل: حده خمسون سنة وهو مروي عن عائشة رضي الله عنها وعليه الفتوى. وقيل
ستون، وقيل لا تلد لستين إلا قرشية. وقال الصفار: سبعون سنة. وقدر محمد في الروميات
خمسا وخمسين سنة، وفي غيرهن ستين وعنه سبعين وفي الخانية: لا فرق بين الرومية وغيرها
وهو خمس وخمسون سنة وعليه الفتوى. وفي الاختيار: المرأة إذا لم تحض أبدا حتى بلغت
مبلغا لا يحيض فيه أمثالها غالبا حكم بإياسها. وذكر في الجامع الصغير إذا بلغت ثلاثين سنة
ولم تحض حكم بإياسها. وفي القنية: طلق المدخول بها وعمرها خمس وخمسون سنة ثم مضى
عليها أربعة أشهر لا تحيض ليس له أن يتزوج بنت أخيها حتى تنقضي مدة الحبل ثم ثلاثة
أشهر للاحتياط ا ه‍.
234

قوله: (والمنكوحة نكاحا فاسدا والموطوءة بشبهة وأم الولد الحيض للموت وغيره) أي
عدة هؤلاء ثلاث حيض في الحرة التي تحيض، وحيضتان في الأمة، ووضع الحمل إن كانت
حاملا، والأشهر إن كانت آيسة، وتركه لظهوره وفهمه مما قدمه، ولو صرح به لكان أولى.
وإنما كان كذلك لأنها وجبت لتعرف براءة الرحم لا لقضاء حق النكاح إذ لا نكاح صحيح.
والحيض هو المعرف وإنما لم يكتف بحيضة كالاستبراء لأن الفاسد ملحق بالصحيح، وعدة
الوفاة إنما وجبت لاظهار الحزن على فوات زوج عاشرها إلى الموت ولا زوجية. وشمل قوله
وغيره الفرقة في النكاح الفاسد وهي إما بتفريق القاضي أو بالمتاركة، وابتداؤها من وقت
الفرقة، وفي الموت من وقت الموت. ودخل تحت النكاح الفاسد النكاح بغير شهود ونكاح
المحارم مع العلم بعدم الحل عند الإمام خلافا لهما وقد مرت المسألة في كتاب النكاح.
ومثال الموطوءة بشبهة أن تزف إليه غر امرأته والموجودة ليلا على فراشه إذا دعاها فأجابته.
وفي كتب الشافعية إذا أدخلت منيا فرجها ظنته مني زوج أو سد وجبت العدة عليها
كالموطوءة بشبهة ولم أره لأصحابنا والقواعد لا تأباه لأن وجوبها لتعرف براءة الرحم كما
سيأتي في الحدود، ووجوبها بسبب أن الشبهة تقام مقام الحقيقة في موضع الاحتياط وإيجاب
العدة من باب الاحتياط ولا حداد عليها في هذه العدة لما سيأتي. وللموطوءة بشبهة أن تقيم
مع زوجها الأول ونفقتها وسكناها على زوجها الأول لأن النكاح بينهما قائم إنما حرم
الوطئ، وليس لها أن تخرج إلا بإذن زوجها الأول فإن أذن لها فلها أن تخرج وإن لم تنقض
عدتها ذكره القاضي الأسبيجابي. ومراده إذا لم تكن راضية بالوطئ، أما إذا كانت راضية عالمة
فلا نفقة لها ولهذا قال في الخانية: المنكوحة إذا تزوجت رجلا ودخل بها الثاني ثم فرق بينهما
لا يجب على الزوج الأول نفقتها ما دامت في العدة لأنها لما وجبت العدة عليها صارت ناشزة
اه‍. وقيد الوطئ بشبهة لأنه لو تزوج امرأة الغير عالما بذلك ودخل بها لا تجب العدة عليها
حتى لا يحرم على الزوج وطؤها وبه يفتى لأنه زنا والمزني بها لا تحرم على زوجها. وفي شرح
المنظومة: إذا زنت المرأة لا يقربها زوجها حتى تحيض لاحتمال علوقها من الزنا فلا يسقي
ماء زرع غيره اه‍. ويجب حفظه لغرابته بخلاف ما إذا لم يعلم كما في الذخيرة والخانية.
وفي فتح القدير أول الباب فرع: تنقضي عدة الطلاق البائن والثلاث بالوطئ المحرم بأن
وطئها وهي معتدة عالما بجرمتها بخلاف ما لو ادعى الشبهة أو كان منكرا طلاقها فإنها تستقبل
العدة اه‍. والباء في قوله بالوطئ المحرم بمعنى مع أي مع الوطئ المحرم كقولك اشتريت
235

الفرس بسرجه. هذا هو المراد وليس الوطئ المحرم سببا لانقضاء ولا آلة له. وقيد بالنكاح
الفاسد لأن المنكوحة نكاحا موقوفا كنكاح الفضولي لا تجب فيه العدة قبل الإجازة لأن النسب
لا يثبت فيه لأنه موقوف فلم ينعقد في حق حكمه فلا يؤثر شبهة الملك والحل والعدة وجبت
صيانة للماء المحترم عن الخلط واحترازا عن اشتباه الأنساب، كذا في الاختيار والمحيط وهو
مشكل مخالف للرواية فقد نقل الزيلعي في النكاح الفاسد ما نصه: وذكر في كتاب الدعوى
من الأصل إذا تزوجت الأمة بغير إذن مولاها ودخل بها الزوج وولدت لستة أشهر منذ
تزوجها فادعاه المولى والزوج فهو ابن الزوج. فقد اعتبره من وقت النكاح لا من وقت
الدخول ولم يحك خلافا. قال الحلواني: هذه المسألة دليل على أن الفراش ينعقد بنفس العقد
في النكاح الفاسد خلافا لما يقوله البعض إنه لا ينعقد إلا بالدخول اه‍. فهو صريح في ثبوت
النسب فيه ويتبعه وجوب العدة فكان ما في المحيط والاختيار سهوا. وفي الخانية: أم ولد
تزوجت بغير إذن المولى فولدت لستة أشهر فصاعدا من وقت النكاح فادعاه المولى والزوج فإن
الولد يكون للزوج في قولهم جميعا اه‍.
وأما عدة أم الولد فلأنها وجبت بزوال الفراش فأشبه عدة النكاح، وفراش أم الولد
وإن كان أضعف من فراش المنكوحة إلا أنهما يشتركان في أصل الفراش والمحل محل
الاحتياط فالحق القاصر بالكامل احتياطا. وفي كافي الحاكم: لو أعتق أم ولده لا نفقة لها في
عدته وإمامنا فيه عمر رضي الله عنه فإنه قال: عدة أم الولد ثلاث حيض. ودخل تحت قوله
وغيره عتقها وهو مقيد بأن تكون من ذوات الحيض، فإن كانت من ذوات الأشهر ومات
مولاها أو أعتقها فعدتها ثلاثة أشهر كما ذكرناه، وإن كانت حاملا فوضع الحمل كما في
الخانية، وبأن لا تكون منكوحة ولا معتدة لزوج، فإن كانت لا عدة عليها من المولى إجماعا
لأنه لا فراش لها من المولى ووجوب العدة بزواله. والتحقيق أن يقال: الشرط في وجوب
عدة المولى أن لا تحرم عليه بسبب من الأسباب وأسباب الحرمة عليه ثلاثة: نكاح الغير وعدته
والثالث تقبيل ابن المولى. فلا عدة عليها بموت المولى أو إعتاقه بعد تقبيل ابنه كما في الخانية
قال: ولذا لو أتت بولد بعد حرمتها لستة أشهر لا يثبت نسبه ما لم يدعه اه‍. فلو طلقها بعد
الاعتاق عليها عدة الحرائر وبانقضاء عدة النكاح تعود عدة المولى ثلاث حيض، ولو مات
المولى والزوج ولا يدري الأول فهي على ثلاثة أوجه: الأول أن يعلم أن بين موتهما أقل من
شهرين وخمسة أيام فعليها أن تعتد بأربعة أشهر وعشر لأن المولى إن كان مات أولا ثم مات
الزوج وهي حرة فلا يجب بموت المولى شئ وتعتد للوفاة عدة الحرة، وإن كان الزوج مات
أولا وهي أمة لزمها شهران وخمسة أيام ولا يلزمها بموت المولى شئ لأنها معتدة الزوج، ففي
حال يلزمها أربعة أشهر وعشر، وفي حال نصفها فلزمها الأكثر احتياطا، ولا تنتقل عدتها
على الاحتمال. الثاني لما قدمنا أنها لا تنتقل في الموت الثاني أن يعلم أن بين موتيهما شهرين
236

وخمسة أيام فعليها أن تعتد بأربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض احتياطا لأن المولى إن كان
مات أولا لم تلزمها عدته لأنها منكوحة وبعد موت الزوج يلزمها أربعة أشهر وعشر لأنها
حرة، وإن مات الزوج أولا لزمها شهران وخمسة أيام وقد انقضت عدتها منه لأنها مصورة أن
بينهما هذه أو أكثر، فموت المولى بعده يوجب عليها ثلاث حيض فتجمع بينهما احتياطا.
الثالث أن لا يعلم كم بين موتيهما ولا الأول منهما فكالأول عنده، وكالثاني عندهما، كذا في
المعراج وغيره. وقيد بأم الولد لأن المديرة والأمة إذا أعتقت أو مات سيدها لا عدة عليهما
بالاجماع كما ذكره الأسبيجابي. وفي فروق الكرابيسي: المعتدة في عدة الزوج تغسل زوجها
ولا تغسل مولاها في عدته إذا كانت أم ولد لأنها ليست عدة النكاح بل هي استبراء اه‍. ومما
يتعلق بأم الولد حكاية لطيفة ذكرها في المعراج لما أخرج شمس الأئمة من السجن زوج
السلطان أمهات الأولاد من خدامه الأحرار فسأل العلماء عن هذه فقالوا: نعم ما فعلت فقال
شمس الأئمة له: أخطأت لأن تحت كل خادم حرة وهذا تزوج الأمة على الحرة فقال
السلطان: اعتقهن وأجدد العقد. فسأل العلماء فقالوا: نعم ما فعلت. فقال شمس الأئمة
له: أخطأت لأن العدة تجب عليهن بعد الاعتاق فكان تزويج المعتدة من الغير، فأنسى الله
تعالى العلماء الجواب في هاتين المسألتين ليظهر فضل شمس الأئمة اه‍. ولكن حكاها محب
الدين بن الشحنة فيما كتبه على الهداية على غير هذا لوجه وهو أنه لما خطأه في الثانية أغراه
عليه القاضي فحبسه وأن هذا كان سبب حبسه. وأن القاضي حينئذ كان فخر الاسلام
البزدوي، وأن طلبته وعلماء عصره لا ينقطعون عنه ولا يتركون الاشتغال عليه فمنعوا عنه
كتبه فأملى المبسوط من حفظه. وقيل: كان سبب حبسه أن السلطان أراد أن يأخذ من الرعية
مظلمة كبيرة ثم ترك بعضها فمدحه القاضي فأنكر عليه شمس الأئمة فقال: لا يمدح إذا ترك
جميعه فكيف بترك بعضه؟ فحبسه.
وحكى شمس الأئمة في المبسوط واقعة مناسبة للموطوءة بشبهة دالة على أفضلية الإمام
رضي الله تعالى عنه على علماء زمانه هي: رجل زوج ابنيه بنتين وعمل الوليمة وجمع العلماء
وفيهم أبو حنيفة رضي الله عنه لكنه لم يكن حينئذ من المشهورين، ففي أثناء الليل سمعوا
ولولة النساء فأخبروا أنهن غلطن فأدخلت زوجة كل أخ على أخيه فسألوا العلماء
فأجابوا بأن كل واحد يجتنبها حتى تنقضي عدتها فتعود إلى زوجها فعسر ذلك الجواب فقال
الإمام رضي الله عنه: يطلق كل زوجته ويعقد على موطوءته ويدخل عليها للحال لأنه
صاحب العدة بعد ما سأل كل واحد من الأخوين عن مراده فقال كل مرادي موطوءتي لا
المعقود عليها فرجع العلماء إلى جوابه. ثم رأيت بعد ذلك أن أعود إلى شرح المسألة الخلافية
في أم الولد إذا لم تعلم كم بين موتهما توضيحا للطلاب فقال في شرح المجمع وقالا: يجمع
بين العدتين احتياطا لجواز أن يكون المولى مات أولا فعتقت ثم مات الزوج فوجب عليها عدة
237

الوفاة، وجواز أن يكون الزوج مات أولا وانقضت شهران وخمسة أيام ثم مات المولى فيجب
ثلاث حيض. وهذا لأن موت المولى سبب للاعتداد بثلاث حيض وقيام حق الزوج مانع وقد
وقع الشك في بقاء المانع فوجب حكم السبب احتياطا لها كما لو تزوج بنتين في عقدة وثلاثا
في عقدة وأربعا في عقدة ومات مجهلا فإن العدة تجب على الجميع لوجود السبب ووقوع
الشك في المانع في حق التفريق وهو تقديم نكاح فريق آخر بخلاف ما إذا وقع الشك في
السبب فإنه لا يحتاط لاثبات الحكم لتعذر ثبوت الحكم بدون السبب كما إذا قال إن لم أفعل
كذا فأنت طالق ثم مات ولا يعلم وجد الشرط أم لا فإنها لا تعتد عدة الطلاق لوقوع الشك
في السبب لأنه ينعقد عند وجود الشرط ووجوده مشكوك فيه، وله أن الواقع ليس إلا
للاحتمال إلا أن أحد الاحتمالين ثابت والاحتمال الآخر محتمل. بيان هذا أن موت الزوج
بعد المولى يوجب الاعتداد بعدة الوفاة قطعا وهذا الاحتمال ثابت، واحتمال موت الزوج قبل
موت المولى ليس بموجب الاعتداد بثلاث حيض قطعا لجواز أن يكون موت المولى بعد الزوج
قبل انقضاء شهرين وخمسة أيام فلا يجب، وجواز أن يكون بعد انقضاء هذه المدة فتجب فيها
فالاحتمال ثابت على أحد التقديرين دون الآخر فكان الاحتمال الثابت قطعا قائما مقام
الحقيقة عملا بالاحتياط، ولا يقام احتمال وجوب العدة عن المولى لأن شبهة الشبهة ساقطة
الاعتبار بالاجماع بخلاف وجوب العدة على أولئك النساء لثبوت احتمال وجوب العدة عليهن
لأن نكاح كل فريق إما أن يكون متقدما أو لم يكن، فإن تقدم وجبت العدة قطعا وإلا لا
تجب قطعا فيكون الاحتمال ثابتا فيلحق بالحقيقة اه‍. وقال في فتح القدير بعد الدليلين: ولا
يخفى أنه مشترك الالزام. وفي الكافي للحاكم الشهيد: إن قولهما احتياط. وفي فتح القدير:
إن الاحتياط إنما يكون بعد ظهور السبب لأنه العمل بأقوى الدليلين. ثم قال في الكافي:
ولا ميراث لها من زوجها لأني لم أعلم أنها كانت حرة يوم موته اه‍. وفيه: ولا فرق بين
كون طلاقها رجعيا أو بائنا في الوجوه كلها. وفيه أيضا: لو مات عن أم ولده أو أعتقها
فجاءت بولد ما بينها وبين سنتين لزمه، وإن جاءت به لأكثر من سنتين لم يلزمه إلا أن يدعيه
فإن ادعاه لزمه اه‍. وفي الخانية: أم ولد أعتقها مولاها أو مات ولزمتها العدة ثم تزوجت في
العدة فجاءت بولد لسنتين من حين مات المولى أو أعتق ولستة أشهر منذ تزوجت وادعياه معا
كان للمولى في قولهم لمكان العدة التي كانت.
قوله: (وزوجة الصغير الحامل عند موته وضعه والحامل بعده الشهور) أي عدتها وضع
الحمل إذا أنت به لأقل من ستة أشهر من وقت موته، وعدتها الشهور إذا أنت به لستة أشهر
فأكثر أي عدة الوفاة أربعة أشهر وعشر، والحامل صفة زوجة وهو نعت مخصوص بالإناث
كحائض ولهذا لم يؤنث. وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وأوجب أبو يوسف عدة الوفاة في
الحالين لأن الحمل ليس ثابت النسب منه فاستوى الموجود عند الموت والحادث بعده. ولهما
238

إطلاق قوله تعالى * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * [الطلاق: 4] ولأنها مقدرة
بمدة وضع الحمل في أولات الأحمال، قصرت المدة أو طالت، لا للتعرف عن فراغ الرحم
لشرعها بالأشهر مع وجود الأقراء لكن لقضاء حق النكاح، وهذا المعنى يتحقق في حق
الصبي وإن لم يكن الحمل منه بخلاف الحمل الحادث لأنه وجبت العدة بالشهور فلا يتغير
بحدوث الحمل الحادث بعده وفيما نحن فيه كما وجبت وجبت مقدرة بمدة الحمل فافترقا،
كذا في الهداية. واختلفوا في الموجود والحادث فالصحيح في تفسيرهما ما قدمناه من أن
الحادث أن تأتي به بعد موته لستة أشهر من يوم الموت وهو قول عامة المشايخ. وقال
بعضهم: أن تضعه لأكثر من سنتين والأول أصح، كذا في العناية معزيا إلى النهاية. وأما
تفسير قيامه عند الموت أن تلده لأقل من ستة أشهر من وقت الموت، كذا في الفوائد
الظهيرية. ولم أر صريحا حكم دخول الصبي في النكاح الصحيح والفاسد في وجوب العدة
وقد صرحوا بفساد خلوته وبوجوب العدة بالخلوة الفاسدة الشاملة لخلوة الصبي، وإنما
الكلام فيما إذا أولج فيها في مكان ليس بخلوة هل تجب به العدة لو بلغ وطلقها. ثم رأيت
في شرح النكاح الفاسد من هذا الكتاب أني نقلت وجوب العدة عليها إذا وطئها الصبي
بنكاح فاسد وفي وجوب المهر عليه بالوطئ تفصيل فليرجع إليه. فعلم به أن دخوله في
الصحيح موجب للعدة عليها بالأولى وخلوته كدخوله فيها، فحاصله أن الزوج الصبي كالبالغ
في الصحيح والفاسد وفي الوطئ بشبهة في الوفاة والطلاق والتفريق ووضع الحمل كما لا
يخفى فليحفظ. ثم رأيت في القنية ما نصه: تجب العدة بدخول زوجها الصبي المراهق وفي
آحاد الجرجاني في قول أبي حنيفة وأبي يوسف أن المهر والعدة واجبان بوطئ الصبي، وفي
قول محمد تجب العدة دون المهر ثم قال: ولا خلاف بينهم لأنهما أجابا في مراهق يتصور منه
الاعلاق، ومحمد أجاب فيمن لا يتصور منه الاعلاق لأن ذكره في حكم أصبعه. وفي نظم
الزندوستي: زنت العاقلة البالغة بصبي أو مجنون لا حد عليهما وعليها العدة ولا مهر لها اه‍.
ولهذا صور المسألة الحاكم الشهيد في الكافي فيما إذا كان رضيعا.
قال في الهداية: ولا يلزم امرأة الكبير إذا حدث لها الحمل بعد الموت لأن النسب
يثبت منه فكان كالقائم عند الموت حكما اه‍. ومراده بقوله إذا حدث ظهوره بعد الموت فهو
كالظاهر عنده تبعا لثبوت النسب منه ولذا قيدناه بأن تلده لأقل من سنتين، أما إذا ولدته
لسنتين فأكثر من موته كانت عدتها بالشهور للتيقن بحدوثه عند الموت حقيقة وحكما لأنه غير
ثابت النسب وعند التأمل لا معنى للايراد المجاب عنه بما ذكر أصلا، كذا في فتح القدير.
وفي المجتبى: حبلت المطلقة فعدتها بالوضع، وكذا لو تزوجت في عدة الوفاة وحبلت وعنه
خلافه بخلاف عدة الطلاق. وفي الايضاح: حبلت في عدة الوفاة فعدتها بالشهور وإن
حبلت معتدة عن ثلاث فعدتها بالوضع اه‍. وفي كافي الحاكم: إن مات المجنون عن امرأته
239

كان حكمه في العدة والولد حكم الرجل الصحيح. وفي الخانية قبيل المهر: زوج أمته من
رضيع ثم جاءت بولد فادعاه المولى ثبت نسبه لأنه أقر بنسب من يملكه وليس له نسب
معروف، ولو كان الزوج مجبوبا لم يثبت النسب من المولى لأنه ثابت النسب من الزوج وعلى
الزوج كل المهر لمكان الدخول حكما اه‍. والحق أن قول أبي يوسف موافق لقولهما وإنما هي
رواية شاذة عنه موافقة للشافعي وهو رواية عن الإمام أيضا كما حققه في فتح القدير وفيه:
وعلى هذا الخلاف إذا طلق الكبير امرأته فأتت بولد غير سقط لأقل من ستة أشهر من وقت
العقد بأن تزوجها حاملا من الزنا ولا يعلم الحال وإنما وضعت كذلك بعد الطلاق تعتد
بالوضع عندهما خلافا له. وإنما قلنا ولا يعلم ليصح كونه على هذا الخلاف لأنه لو علم لا
يصح العقد عند أبي يوسف لأنه يمنع العقد على الحبلى من الزنا بخلاف ما إذا لم يعلم فإنه
وإن لم يصححه لكن يوجب من الوطئ فيه العدة لأنه شبهة فيقع الخلاف في أنها بالوضع أو
بالأشهر اه‍. وفي البدائع: وقال أبو يوسف ومحمد في زوجة الكبير تأتي بولد بعد موته لأكثر
من سنتين وقد تزوجت بعد مضي أربعة أشهر وعشر إن النكاح جائز لأن إقدامها على النكاح
إقرار منها بالانقضاء ولم يرد ما يبطل ذلك. قوله: (والنسب منتف فيهما) أي في الموجود
وقت الموت والحادث بعده لأن الصبي لا ماء له فلا يتصور منه العلوق، ولا يرد ثبوت نسب
ولد امرأة المشرقي من المغربية لأن النكاح إنما أقمناه مقام العلوق لتصوره حقيقة وهو غير
متصور هنا حقيقة فافترقا. وظاهر إطلاقهم دخول المراهق وينبغي أن يثبت النسب احتياطا إلا
أن لا يمكن بأن جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت العقد كما في فتح القدير، ولهذا
صور المسألة الحاكم الشهيد في الكافي بما إذا كان رضيعا ودل كلامهم في زوجة الصغير أن
الحامل من الزنا إذا تزوجت ثم مات عنها زوجها فعدتها بوضع الحمل كما صرح به في
المعراج معزيا إلى قاضيخان وقدمنا أن الحامل من الزنا لا عدة عليها عندهما ولذا صححا
نكاحها لغير الزاني وإن حرما الوطئ. وإنما الكلام فيما إذا تزوجت على قول أبي حنيفة
ومحمد وهي حامل من الزنا ثم طلقها أو مات عنها فإنها تعتد بوضع الحمل. وفي كافي
الحاكم الشهيد في عدة امرأة الصغير إذا مات وهي حامل فإن عدتها بوضع الحمل قال لأنه
مات وهي حامل وإن كان من فجور، والخصي كالصحيح في الولد والعدة وكذلك المجبوب
إذا كان ينزل وإن لم ينزل لم يلزمه الولد فكان بمنزلة الصبي في الولد والعدة قوله: (ولم تعتد
بحيض طلقت فيه) للزوم النقص عن المقدر شرعا لو اعتد بها وهذا بالاجماع بخلاف الطهر
الذي وقع فيه الطلاق فإنه محسوب عند مالك والشافعي، وقد أورد عليهما لزوم النقصان عن
240

الثلاثة فأورد علينا لزوم الزيادة عليها والخاص، كما لا يحتمل النقصان لا يحتمل الزيادة.
وأجيب عنه بأنا لم نعتبر ذلك الزائد أصلا فلا زيادة على الخاص والحاصل لا اعتبار بالناقص
لا ابتداء ولا انتهاء.
قوله: (وتجب عدة أخرى بوطئ المعتدة بشبهة وتداخلتا والمرئي منهما وتتم الثانية إن
تمت الأولى) لأن المقصود التعرف عن فراغ الرحم وقد حصل بالواحدة فيتداخلان ومعنى
العبادة فيها تابع، ألا ترى أنها تنقضي بدون علمها ومن غير تركها الكف. أطلق الوطئ
بشبهة فشمل المطلق وغيره حتى لو حاضت المطلقة حيضة ثم تزوجت بآخر ووطئها، وفرق
بينهما ثم حاضت حيضتين بعد التفريق انقضت عدة الأول وحل للثاني أن يتزوجها
وليس لغيره أن يتزوجها حتى تحيض ثلاثا من وقت التفريق، وإن كان طلاق الأول رجعيا
كان له أن يراجعها قبل أن تحيض حيضتين لبقاء عدتها ولا يطؤها حتى تنقضي عدة الثاني،
فإن حاضت ثلاثا من وقت التفريق فقد انقضت العدتان، كذا في الخانية. والوطئ بشبهة
يتحقق في صور منها من زفت إلى غير زوجها، ومنها الموطوءة للزوج بعد الثلاث في العدة
بنكاح قبل زوج آخر، وفي العدة إذا قال ظننت أنها تحل لي. ومنها المبانة في الكناية إذا
وطئها في العدة، ومنها المعتدة إذا وطئها آخر في العدة بشبهة أو في عصمة فوطئها آخر
بشبهة ثم طلقها الزوج ففي هذه تجب عدتان فيتداخلان، كذا في فتح القدير أخذا من المعراج
أخذا من الينابيع ولكنه نظر في مسألة المعراج وهي الموطوءة للزوج بعد الثلاث إذا ادعى ظن
الحل بأنه من قبيل شبهة الفعل والنسب لا يثبت فيها بالوطئ وإن قال ظننت أنها تحل لي، وإذا
لم يثبت النسب لم تجب العدة لكن الأخيرة لم تدخل تحت كلام المصنف لأن كلامه في وطئ
المعتدة وتلك وطئ المنكوحة وإن اشتركنا في وجوب عدتين. قوله والمرئي منهما بيان لمعنى
التداخل ولكنه قاصر على من تحيض بعد أن كان قوله وتداخلتا شاملا لما إذا كانتا من جنس
واحد كوطئ المعتدة عن طلاق أو جنسين كوطئ المعتدة عن وفاة. وأما من لم تحض إذا وجبت
عليها عدتان فالأشهر لهما يتأديان بمدة واحدة حياة ووفاة، وكذا المعتدة عن وفاة إذا وطئت
بشبهة تعتد بالشهور وتحتسب بما تراه من الحيض، فلو لم تر فيها دما يجب أن تعتد بعد
الأشهر بثلاث حيض كما في فتح القدير. بقي صورتان لو كانت حائلا في عدة الطلاق أو
الموت فوطئت بشبهة فحبلت فظاهر ما في المعراج التداخل فتنقضي بوضع الحمل لأن الحامل
لا تحيض عندنا فينبغي أن يكتفي بوضع الحمل وقد قدمنا في بيان عدة امرأة الصغير معزيا إلى
المجتبى فارجع إليه.
وفي كافي الحاكم: لو تزوجت المعتدة برجل ودخل بها وفرق بينهما، فإن كانت حاملا
فوضعت انتقضت العدتان منهما جميعا. وفيه أيضا: لو تزوجت في عدتها من طلاق بائن
241

ودخل بها فولدت لأقل من سنتين منذ طلق الأول ولاقل من ستة أشهر منذ دخل الثاني لزم
الأول، وإن كان لأكثر من سنتين منذ طلقها الأول ولاقل من ستة أشهر منذ دخل الثاني لم
يلزم الأول ولا الثاني اه‍. بقي ما لو جاءت به لأقل من سنتين من طلاق الأول ولستة أشهر
من دخول الثاني وينبغي إلحاقه بالأول، وبقي ما لو جاءت به لأكثر من سنتين من طلاق
الأول ولستة أشهر من دخول الثاني، ولا شك بإلحاقه بالثاني فهي رباعية. وفي نسختي
الكافي للحاكم الشهيد سقط وتغيير في هذا المحل. وفي الجوهرة: ثم إذا تداخلتا عندنا
وكانت العدة من طلاق رجعي فلا نفقة على واحد منهما لها، وإن كانت من بائن فنفقتها على
الأول والزوجة إذا تزوجت بآخر وفرق بينهما بعد الدخول ووجبت عليها العدة فلا نفقة لها
في هذه العدة على زوجها لأنها منعت نفسها في العدة اه‍. فعلى هذا فالمنع الشرعي أقوى من
المنع الحسي لأنها لو منعته عن جماعها لها النفقة. وفي المجتبى: كل نكاح اختلف العلماء في
جوازه كالنكاح بلا شهود فالدخول فيه يوجب العدة، أما نكاح منكوحة الغير ومعتدته
فالدخول فيه لا يوجب العدة إن علم أنها للغير لأنه لم يقل أحد بجوازه فلم ينعقد أصلا فعلى
هذا يفرق بين فاسده وباطله في العدة ولهذا يجب الحد مع العلم بالحرمة لكونه زنا كما في
القنية وغيرها، ولو كان الواطئ في العدة والمطلق هو فلا نفقة لها بعد عدة الطلاق، كذا
في المجتبى. ثم اعلم أن المرئي إنما يكون منهما إذا كان بعد التفريق بينها وبين الواطئ
الثاني، أما إذا حاضت حيضة بعد وطئ الثاني قبل التفريق فإنها من عدة الأول خاصة وبقي
عليها من تمام عدة الأول حيضتان وللثاني ثلاث حيض، فإذا حاضت حيضتين كانت منهما
جميعا وبقيت من عدة الثاني حيضة، كذا في الجوهرة. فإن قيل: إذا كان الواطئ المطلق
فهل يشترط أن يكون بعد التفريق أيضا قلت: لم أره صريحا. وفي الولوالجية: رجل طلق
امرأته ثلاثا فلما اعتدت بحيضتين أكرهها على الجماع فإن جامعها منكرا طلاقها تستقبل
العدة، وإن كان مقرا بطلاقها لكن جامعها على وجه الزنا لا تستقبل، وكذلك من طلق
امرأته ثم أقام معها زمانا فعلى التفصيل اه‍. وشمل قوله المعتدة عن وطئ بشبهة لو وطئت
242

بشبهة ثانيا والمعتدة عن فاسد لو وطئت بشبهة للأول لكن ذكر في القنية خلافا في
الثانية.
قوله: (مبدأ العدة بعد الطلاق والموت) يعني ابتداء عدة الطلاق من وقته وابتداء عدة
الوفاة من وقتها، سواء علمت بالطلاق والموت أو لم تعلم حتى لو لم تعلم ومضت مدة العدة
فقد انقضت لأن سبب وجوبها الطلاق أو الوفاة فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب، كذا
في الهداية. وشرح عليه في العناية وغاية البيان والمعراج من غير تعقيب وهذا صريح فيما
نقلناه عن البدائع من بيان سببها مخالف لما في فتح القدير من أن الفرقة شرطها والنكاح
سببها. وقوله هنا إن في عبارة الهداية تساهلا فقد قدموا أن سببها النكاح والطلاق شرط وأن
الإضافة في قولنا عدة الطلاق إلى الشرط فالأولى أن يقال لأن عند الطلاق والموت يتم السبب
فيستعقبهما من غير فصل فيكون مبدأ العدة من غير فصل بالضرورة. وذكر الشارح الزيلعي
كما في فتح القدير فقال: وجعل صاحب الهداية السبب إنما هو الطلاق أو الموت وهو تجوز
لكونه معملا للعلة اه‍. وفي الكافي شرح الوافي وقال صاحب الهداية: سبب وجوبها
الطلاق أو الموت وقد نص في الاسرار أن سبب وجوبها نكاح متأكد بالدخول أو ما يقوم
مقامه مما يكمل المهر عند ثبوت ما يوجب الفرقة لا الفرقة فإنها شرط اه‍. وقدمنا أن ابتداء
العدة في الطلاق المبهم من وقت البيان يعني لكونه إنشاء من وجه. وفي الكافي للحاكم
وغاية البيان: إذا أتاها خبر موت زوجها وشكت في وقت الموت تعتد من الوقت الذي
تستيقن فيه بموته لأن العدة يؤخذ فيها بالاحتياط وذلك في العمل بيقين اه‍. وظاهر كلام
محمد في المبسوط كالمختصر أن العدة تعتبر من وقت الطلاق في إقراره بالطلاق من زمان
مضى إلا أن المتأخرين اختاروا وجوب العدة من وقت الاقرار حتى لا يحل له التزوج بأختها
وأربع سواها زجرا له حيث كتم طلاقها ولكن لا نفقة لها ولا كسوة إن صدقته في الاسناد
لأن قولها مقبول على نفسها. وفي الهداية: ومشايخنا يفتون في الطلاق أن ابتداءها من وقت
الاقرار نفيا لتهمة المواضعة اه‍. وهو المختار كما في الفتاوى الصغرى. وفي غاية البيان: أراد
بالمشايخ علماء بخارى وسمرقند لا جماعة التصوف الذين هم أهل البدعة اه‍. وهو عجيب
منه. والحاصل أنها إن كذبته في الاسناد أو قالت لا أدري فمن وقت الاقرار، وإن صدقته
243

ففي حقها من وقت الطلاق وفي حق الله من وقت الاقرار، وأما حكم وطئها في هذه المدة
فقال في الاختيار: لها أن تأخذ منه مهرا ثانيا لأنه أقربه وقد صدقته اه‍. وفي الخانية: رجل
تزوج امرأة ودخل بها ثم قال كنت حلفت إن تزوجت ثيبا قط فهي طالق ثلاثا ولم أعلم أنها
ثيب يقع الطلاق بإقراره، ثم إن صدقته المرأة كان لها نصف المهر بالطلاق قبل الدخول ومهر
المثل بالدخول وعليها العدة لهذا الوطئ ولا نفقة لها لأنها صدقته في وقوع الطلاق قبل
الدخول، وإن كذبته المرأة في اليمين فلها مهر واحد ولها النفقة والسكنى لأنها تزعم أن
الطلاق وقع عليها بإقراره بعد الدخول اه‍. ثم اعلم أن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء
ويوم القتل يدخل وقد وقعت حادثة في عدة الوفاة استخرجنا حكمها من هذه القاعدة
وأوضحناها في القواعد الفقهية. وفي القنية: طلقها ثلاثا ثم قال بعده كان قلبها طلقة
وانقضت عدتها فلم تقع الثلاث وصدقته في ذلك فقد ذكر في الجامع أنهما يصدقان، وذكر
علي البزدوي أنهما لا يصدقان وعليه الفتوى وإن لم تصدقه هي لا يصدق اه‍.
وفيها: طلقها ثلاثا ويقول كنت طلقتها قبل ذلك واحدة وانقضت عدتها، فإن كان
انقضاء العدة معلوما عند الناس لا يقع، الثلاث وإلا يقع ولو حكم عليه بوقوع الثلاث
بالبينة بعد إنكاره فلو أقام بينة أني كنت طلقتها قبل ذلك طلقة بمدة مديدة لا يلتفت إليه اه‍.
وفي فتح القدير: وعرف أن تقييده بالاقرار يفيد أن الطلاق المتقدم إذا ثبت بالبينة ينبغي أن
تعتبر العدة من وقت قامت لعدم التهمة لأن ثبوته بالبينة لا بالاقرار اه‍. وهو مقيد بما إذا
كان تأخير الشهادة لعذر، أما إذا كان لغير عذر لم تقبل الشهادة كما في القنية. وفي الخانية
الفتوى على أن العدة من وقت الاقرار صدقته أو كذبته ولا يظهر أثر تصديقها إلا في إسقاط
النفقة. ووفق السغدي فحمل كلام محمد على ما إذا كانا متفرقين، وكلام المشايخ على ما إذا
كانا مجتمعين لأن الكذب في كلامهما ظاهر وهذا هو التوفيق إن شاء الله تعالى. وفي فتح
القدير: إن فتوى المتأخرين مخالفة للأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين رضي الله عنهم
فينبغي أن يقيد بمحل التهمة ولذا قيده السغدي بأن يكونا مجتمعين. وفي الجوهرة: ولو أن
امرأة أخبرها ثقة أن زوجها الغائب مات أو طلقها ثلاثا أو أتاها كتاب من زوجها على يد ثقة
بالطلاق ولا تدري أنه كتابه أم لا إلا أن أكبر رأيها أنه حق فلا بأس أن تعتد وتتزوج، وكذا
لو قالت امرأة لرجل طلقني زوجي وانقضت عدتي لا بأس أن يتزوجها اه‍. وفي الذخيرة:
244

وإن شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا بعد ما دخل بها فلم يعد لا حتى مضى
أيام ثم عدلا وقضى القاضي بالفرقة بينهما تعتبر العدة من يوم الشهادة لا من يوم القضاء
اه‍. وهل يحال بينه وبينها بعد الشهادة قبل التزكية؟ كتبناها في القواعد الفقهية في السابع
عشر بعد الثلثمائة وكتبنا فيها ما تسمع فيها الشهادة بدون الدعوى وهي اثنتا عشرة مسألة.
وفي فتح القدير: ولو جعل أمر امرأته بيدها إن ضربها فضربها فطلقت نفسها فأنكر الزوج
الضرب فأقامت البينة عليه وقضى القاضي بالفرقة فالعدة من وقت القضاء أو من وقت
الضرب ينبغي أن يكون من وقت الضرب، ولو طلقها فأنكر فأقيمت البينة فقضى بالطلاق
فالعدة من وقت الطلاق لا القضاء اه‍. وفي المجتبى: قال إن فعلت كذا فأنت طالق ثلاثا
ثم فعلت ذلك ولم يعلم الزوج به ومضى عليه ثلاثة أقراء وتزوجت بآخر ودخل بها ثم
طلقها واعتدت ثم أخبرت زوجها بما صنعت وصدقها لم تحل له لأن عدة المطلقة ثلاثا من
وقت الفراق عندنا لا من وقت الطلاق، وعند زفر تحل لأنها من وقت الطلاق عنده، ولا
محل لقول المحقق ابن الهمام ينبغي أن تكون العدة من وقت الضرب بل يتعين الجزم بكونها
من وقت طلاقها نفسها لا من وقت القضاء ولا من وقت الضرب كما جزم به في
البزازية، كما لو ادعت الطلاق في شوال وقضى بالفرقة في المحرم فالعدة من وقت
الطلاق لا من وقت القضاء اه‍.
وفي الخانية: طلقها بائنا أو ثلاثا ثم أقام معها زمانا، إن أقام وهو ينكر طلاقها لا
تنقضي عدتها، وإن أقام وهو يقر بالطلاق تنقضي عدتها اه‍. فعلى هذا مبدأ العدة من وقت
ثبوت الطلاق في هذه المسألة. وفيها أيضا: قال لامرأته المدخولة كلما حضت وطهرت فأنت
طالق فحاضت ثلاثا كانت العدة عليها من وقت الطلاق الأول اه‍. فعلى هذا إذا حاضت
ثلاثا بانت بثلاث وبقي عليها حيضة من عدتها لكن الثالثة لا تقع إلا بالطهر. وفي القنية:
تزوجها نكاحا فاسدا وأنكر الدخول وهي تزعم أنها غير بالغة وأنه دخل بها لزمتها العدة حتى
يحرم نكاحها على غيره اه‍. فعلى هذا القول قوله في الدخول وعدمه في حق المهر وقولها في
وجوب العدة.
245

قوله: (وفي النكاح الفاسد بعد التفريق أو العزم على ترك وطئها) أي مبدأ العدة. وقال
زفر: من آخر الوطآت لأن الوطئ هو السبب الموجب. ولنا أن كل وطئ وجد في العقد
الفاسد يجري مجرى الوطأة الواحدة لاستناد الكل إلى حكم عقد واحد ولهذا يكتفي في الكل
بمهر واحد، فقبل المتاركة أو العزم لا تثبت العدة مع جواز وجود غيره، ولان التمكن على
وجه الشبهة أقيم مقام حقيقة الوطئ لخفائه ومساس الحاجة إلى معرفة الحكم في حق غيره.
وفي الخلاصة: المتاركة في النكاح الفاسد بعد الدخول لا تكون إلا بالقول كقوله تركتك أو
ما يقوم مقامه كتركتها أو خليت سبيلها، أما عدم المجئ فلا لأن الغيبة لا تكون متاركة لأنه
لو عاد تعود ولو أنكر نكاحها لا تكون متاركة اه‍. وقدمنا في النكاح الفاسد أنهما لو اختلفا
في الدخول فالقول له في المهر فلا يجب المهر وأن المراد بهذه العدة عدة المتاركة فلا عدة عليها
بموته إلا الحيض بعد الدخول، وأنه لا حداد ولا نفقة فيها، وإن تزوج أخت امرأته فاسدا
تحرم عليه إلى انقضاء عدتها وأن وجوبها فيه إنما هو في القضاء، أما في الديانة لو علمت أنها
حاضت بعد آخر وطئ ثلاثا حل لها التزوج من غير تفريق ونحوه وأن الطلاق فيه متاركة
وأن إنكار النكاح إن كان بحضرتها فمتاركة وإلا فلا، وإن علم غير المتاركة بالمتاركة شرط
على قول وصحح، وقيل لا وصحح ورجحنا الثاني، وأن المتاركة لا تختص بالزوج بل تكون
من المرأة أيضا ولذا ذكر مسكين في شرحه من صورها أن تقول له تركتك وقدمنا كثيرا من
أحكامه هناك فارجع إليه. وبما قررناه علم أن مجرد العزم لا يكفي بل لا بد من الاخبار بما
يدل عليه ولذا قال في العناية: العزم أمر باطن لا يطلع عليه وله دليل ظاهر وهو الاخبار به
فلو قال كما في الاصلاح أو إظهار عزمه لكان أولى. والمراد بالتفريق أن يحكم القاضي
بالتفريق بينهما كما في العناية. وفي الجوهرة وغاية البيان: لو فرق بينهما ثم وطئها وجب
الحد عليه اه‍. وينبغي أن يقيده بما إذا وطئها بعد انقضاء العدة وإلا فوطئ المعتدة لا يوجب
الحد. وجعل في التتمة قول زفر قول أبي القاسم الصفار البلخي وأن الإمام أبا بكر البلخي
يقول من وقت الفرقة. وفي البزازية في النكاح الفاسد: لا تعتد في بيت الزوج اه‍. وفي
246

القنية: تزوجها فاسدا فأحبلها فولدت لا تنقضي به العدة إن كان قبل المتاركة وإن كان بعدها
انقضت اه‍.
قوله: (ولو قالت مضت عدتي وكذبها الزوج فالقول لها مع الحلف) لأنها أمينة في ذلك
وقد اتهمت بالكذب فتحلف كالمودع إذا ادعى الرد والهلاك وقد ذكرنا في القواعد الفقهية
عشر مسائل لا يحلف فيها الأمين. وقد ذكرنا فيها مسألة لا يقبل فيها قول الأمين في الدفع،
وترك المصنف قيدا لا بد منه وهو كون المدة تحتمل الانقضاء على الخلاف الذي قدمناه وهو
شهران عنده وتسعة وثلاثون يوما عندهما، لأنه إذا لم تحتمله المدة لا يقبل قولها أصلا لأن
الأمين إنما يصدق فيما لا يخالفه الظاهر، أما إذا خالفه فلا كالوصي إذا قال أنفقت على اليتيم
في يوم واحد ألف دينار، كذا في البدائع. والخلاف المذكور في الحرة، أما الأمة فأقل مدة
تصدق فيها أربعون يوما على رواية محمد، وثلاثون يوما على رواية الحسن مع اتفاقهما في
الحرة على الستين عن الإمام. ومحل الخلاف أيضا فيما إذا لم يكن طلاقها معلقا بولادتها، أما
إذا طلقها عقيب الولادة فلا تصدق الحرة في رواية محمد في أقل من خمسة وثمانين يوما
ويجعل النفاس خمسة وعشرين يوما، وعلى رواية الحسن أقلها مائة يوم بزيادة أكثر النفاس.
وقال أبو يوسف: لا تصدق في أقل من خمسة وستين يوما. وقال محمد: لا تصدق في أقل
من أربعة وخمسين يوما وساعة. وإن كانت أمة فعلى رواية محمد عن الإمام لا تصدق في أقل
من خمسة وستين يوما بزيادة خمسة وعشرين على الأربعين، وعلى رواية الحسن لا تصدق في
أقل من خمسة وسبعين يوما بزيادة أربعين على خمسة وثلاثين. وقال أبو يوسف: لا تصدق في
247

أقل من سبعة وأربعين. وقال محمد: لا تصدق في أقل من ستة وثلاثين وساعة. وتوجيه
الروايات المذكورة في البدائع. وأطلق في قولها مضت عدتي فشمل ذات الأقراء والشهور
والخلاف المذكور في ذات الأقراء، وأما المعتدة بالشهور فلا بد من مضي المقدر شرعا. وفي
الخلاصة: المطلقة بالثلاث إذا جاءت بعد أربعة أشهر وقالت طلقني الثاني وانقضت عدتي أفتى
النسفي أنه لا بد من مدة أخرى للنكاح والوطئ وأفتى الأسبيجابي وأبو نصر أنها تصدق اه‍.
ثم اعلم أنه إذا كذبها الظاهر بالنسبة إلى المدة لا يقبل قولها عند عدم التفسير، أما لو فسرت
بأن قالت أسقطت سقطا مستبين الخلق أو بعضه قبل قولها لأن الظاهر لا يكذبها، كذا في
البدائع. فعلم أن انقضاءها لا ينحصر في إخبارها بل يكون به وبالفعل بأن تزوجت بزوج
آخر بعدما مضت مدة تنقضي في مثلها العدة حتى لو قالت بعده لم تنقض لم تصدق لا في
حق الزوج الأول ولا في حق الثاني لأن الاقدام عليه دليل الاقرار كذا في البدائع وفي فتح
القدير وعكس هذه المسألة إذا قال الزوج أخبرتني بأن عدتها قد انقضت، فإن كانت في مدة
لا تنقضي في مثلها لا يقبل قوله ولا قولها إلا أن تبين ما هو محتمل من إسقاط سقط مستبين
الخلق فحينئذ يقبل قولها، ولو كان في مدة تحتمله فكذبته لم تسقط نفقتها وله أن يتزوج
بأختها لأنه أمر ديني يقبل قوله فيه اه‍.
فالحاصل أنه يعمل بخبريهما بقدر الامكان بخبره فيما هو حقه وحق الشرع وبخبرها
في حقها من وجوب النفقة والسكنى، ولو جاءت بولد لأكثر من ستة أشهر يثبت نسبه منه
لأنه في النسب حقها أصلي كحق الولد لأنها تعير بولد ليس له أب معروف فلم يقبل قوله
ولا ينفذ نكاح أختها لأنه لا يتصور استحقاق النسب إلا ببقاء الفراش فصار الزوج مكذبا في
خبره شرعا بخلاف القضاء بالنفقة لأنه يتصور استحقاق النفقة لغير العدة فكأنه وجبت في
حقها بسبب العدة وفي حقه بسبب آخر، فإن تزوج أختها ومات فالميراث للأخرى، هكذا
ذكر محمد في النكاح. وقيل، إن قال هذا في الصحة ثم مات فالميراث للأخرى لا للمعتدة،
وإن قال في المرض فالميراث للمعتدة فإذا قضى بالميراث للمعتدة قيل يفسد نكاح أختها
والأصح أنه لا يفسد لأنه يتصور استحقاق الميراث بغير الزوجية فنزل منزلة استحقاق النفقة،
كذا في المحيط. وفي الخانية: امرأة قالت في عدة الوفاة لست بحامل ثم قالت من الغد أنا
حامل كان القول قولها، وإن قالت بعد أربعة أشهر وعشرة أيام لست بحامل ثم قالت أنا
حامل لا يقبل قولها إلا أن تأتي بولد لأقل من ستة أشهر من موت زوجها فيقبل قولها ويبطل
إقرارها بانقضاء العدة. رجل خلع امرأته فأقرت وقته وقالت أنا حائض غير حامل من زوجي
248

ثم أقرت في الشهرين قبل أن تقر بانقضاء العدة وقالت أنا حامل من زوجي فأنكر الزوج
الحمل لا تصح دعواها اه‍. وفي القنية: إذا قالت المعتدة انقضت عدتي في يوم أو أقل تصدق
أيضا، وإن لم تقر بسقط لاحتماله، ثم نقل خلافه عن بعض الكتب اه‍. فعلى الأول معنى
قولهم لا تصدق في أقل من ستين يوما فيما إذا قالت انقضت بالحيض لا مطلقا. وفيها
أيضا: ولدت ثم طلقها زوجها ومضى سبعة أشهر وتزوجت آخر لا تصح إذا لم تحض فيها
ثلاث حيض، قيل له: فإن لم تكن حاضت قبل الولادة؟ قال: الجواب كذلك لأن ولادتها
كالحيض لأن من لا تحيض لا تحبل اه‍. فرع في الخلاصة قال: جاءت امرأة إلى رجل وقالت
طلقني زوجي وانقضت عدتي ووقع في قلبه أنها صادقة وهي عدلة أو لا حل له أن يتزوجها
وإن قالت وقع نكاح الأول فاسدا لم تحل له وإن كانت عدلة. وفي البزازية: قالت ولدت لم
تقبل إلا ببينة ولو قالت أسقطت سقطا وقع مستبين الخلق قبل قولها وله أن يحلفها اه‍. وفي
المسألة الأولى نظر فقد صرحوا في باب ثبوت النسب أن عدتها تنقضي بإقرارها بوضع الحمل
وإن توقف الولادة على البينة إنما هو لأجل ثبوت النسب.
قوله: (ولو نكح معتدته وطلقها قبل الوطئ وجب مهر تام وعدة مبتدأة) وهذا عندهما.
وقال محمد: عليه نصف المهر وعليها إتمام العدة الأولى لأنه طلاق قبل المسيس فلا يوجب
كمال المهر ولا استئناف العدة، وإكمال العدة الأولى إنما وجبت بالطلاق الثاني فظهر حكمه
كما لو اشترى أم ولده ثم أعتقها. ولهما أنها مقبوضة في يده حقيقة بالوطأة الأولى وبقي أثره
وهو العدة فإذا جدد النكاح وهي مقبوضة ناب ذلك عن القبض المستحق في هذا النكاح
كالغاصب يشتري المغصوب الذي في يده يصير قابضا بمجرد العقد، فوضح بهذا أنه طلاق
بعد الدخول. وقال زفر: لا عدة عليها أصلا لأن الأولى قد سقطت بالتزوج فلا تعود والثانية
لم تجب وجوابه ما قلناه. وما قاله زفر فاسد لأنه يستلزم إبطال المقصود من شرعها وهو عدم
اشتباه الأنساب، كذا في فتح القدير. ومع ذلك هو مجتهد فيه صرح به في جامع الفصولين
لو قضى به قاض نفذ قضاؤه لأن للاجتهاد فيه مساغا وهو موافق لصريح القرآن * (ثم
طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) * [الأحزاب: 94] ا ه‍
249

وهذه أجدى المسائل المبنية على هذا الأصل وهو أن الدخول في النكاح الأول دخول في
الثاني أولا، ويتفرع عليه لو قال كلما تزوجتك فأنت طالق فتزوجها في يوم ثلاثا ودخل بها
في كل مرة ألزمه أربعة مهور ونصف وأبانها بثلاث وحكما بتطليقتين ومهرين ونصف أو بائنا
ألزمه بتلك المهور وهما بخمسة ونصف نصف مهر بالطلاق الأول قبل الدخول ومهران
بالتطليقتين لكونهما بعد الدخول حكما وثلاث مهور بالدخول ثلاثا وتمامه في شرح المجمع
من التعليق. ثم اعلم أن الدخول في الأول دخول في الثاني في حق المهر ووجوب العدة،
وأما في حق الرجعة لو كان الطلاق رجعيا لا يملكها كما في فتح القدير. ثانيها لو تزوجها
نكاحا فاسدا ودخل بها ففرق بينهما ثم تزوجها صحيحا وهي في العدة عن ذلك الفاسد ثم
طلقها قبل الدخول يجب عليه مهر كامل وعليها عدة مستقبلة عندهما. ولو كان على القلب
بأن تزوجها أولا صحيحا ثم طلقها بعد الدخول ثم تزوجها في العدة فاسدا لا يجب عليه
مهر ولا عليها عدة مستقبلة ويجب عليها اتمام العدة الأولى بالاتفاق. والفرق لهما أنه لا
يتمكن من الوطئ الفاسد فلا يجعل واطئا حكما لعدم الامكان حقيقة ولهذا لا يجعل واطئا
بالخلوة في الفاسد حتى لا تجب العدة بها ولا عليه المهر. وثالثها أنه لو دخل بها في الصحة
250

وطلقها بائنا ثم تزوجها في المرض في عدتها وطلقها بائنا قبل الدخول هل يكون فارا أم لا.
ورابعها لو تزوجت بغير كف ء ودخل بها ففرق القاضي بينهما بطلب الولي ثم تزوجها هذا
الرجل في العدة بمهر وفرق القاضي بينهما قبل أن يدخل بها كان عليه المهر الثاني كاملا
وعدة مستقبلة عندهما استحسانا، وعند محمد نصف المهر الثاني وعليها تمام العدة الأولى.
وخامسها تزوجها صغيرة ودخل بها ثم طلقها بائنا ثم تزوجها في العدة ثم ارتدت والعياذ
بالله تعالى ثم أسلمت فتزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول، هكذا ذكر في فتح القدير
بتكرار التزوج ثلاثا ولا حاجة إليه في التصوير ويكفي فيه أنه تزوجها مرتين وأن الردة
حصلت مرة واحدة فليتأمل. وسابعها تزوجها ودخل بها ثم طلقها بائنا ثم تزوجها في العدة
ثم ارتدت ثم أسلمت فتزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول. وثامنها تزوجها ودخل بها
ثم طلقها بائنا ثم تزوجها في العدة ثم ارتدت قبل الدخول. وتاسعها تزوج أمة ودخل بها ثم
أعتقت فاختارت نفسها ثم تزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول. وعاشرها تزوج أمة
ودخل بها ثم طلقها بائنا ثم تزوجها في العدة فأعتقت فاختارت نفسها قبل الدخول، كذا في
فتح القدير والمعراج.
قوله: (ولو طلق ذمي ذمية لم تعتد) عند الإمام. وقالا: عليها العدة. والخلاف فيما إذا
كانوا لا يعتقدونها، أما إذا اعتقدوها فعليها العدة اتفاقا وفيما إذا كانت حائلا، أما الحامل
فعليها العدة اتفاقا. وقيده الولوالجي وغيره بما إذا كانوا يدينونها. وأطلقه في الهداية معللا
بأن في بطنها ولدا ثابت النسب. وعن الإمام يصح العقد عليها ولا يطؤها كالحامل من الزنا
والأول أصح ا ه‍. وفي المعراج: وقع في بعض النسخ التقييد وفي بعضها يمنع من التزوج
ولم يذكر الزيادة ا ه‍. ولا فرق بين الطلاق والموت فلو تزوجها مسلم أو ذمي في فور
251

طلاقها جاز كما في فتح القدير. وقيد بالذمي لأن المسلم إذا طلق الذمية أو مات عنها فعليها
العدة اتفاقا لأنها حقه ومعتقده، كذا في فتح القدير. على هذا الخلاف المهاجرة إذا خرجت
إلينا مسلمة أو ذمية أو مستأمنة ثم أسلمت أو صارت ذمية فعنده إن تزوجت جاز إلا أن
تكون حاملا، وعنه لا يطؤها الزوج حتى يستبرئها بحيضة، وعنه لا يتزوجها إلا بعد
الاستبراء، وقالا عليها العدة، وأما إذا هاجر الزوج مسلما أو ذميا أو مستأمنا ثم صار مسلما
أو ذميا فإنه لا عدة عليها حتى جاز له التزوج بأختها وأربع سواها كما دخل دارنا لعدم تبليغ
أحكامنا إليها لا لأنها غير مخاطبة بالعدة، كذا في فتح القدير والله سبحانه وتعالى أعلم
بالصواب.
فصل في الاحداد
فيه لغتان: أحدت إحدادا فهي محد ومحدة إذا تركت الزينة لموته، وحدت المرأة على
زوجها تحد وتحد حدادا بالكسر فهي حاد بغيرها. وأنكر الأصمعي الثلاثي واقتصر على
الرباعي، كذا في المصباح. وفي القاموس: والحاد والمحد تاركة الزينة للعدة حدت تحد وتحد
حدادا وأحدت ا ه‍. وفي الشريعة ترك الزينة ونحوها من معتدة بطلاق بائن أو موت قوله:
(تحد معتدة البت والموت بترك الزينة والطيب والكحل والدهن إلا بعذر والحناء ولبس المزعفر
والمعصفر إن كانت مسلمة بالغة) أي تحد المبانة والمتوفى عنها زوجها بترك ما ذكر. أطلقه فشمل
الطلاق واحدة أو أكثر والفرقة كما في الخانية. وعبر بالاخبار عن فعلها لإفادة أنه واجب عليها
للحديث الصحيح لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج أربعة
252

أشهر وعشرا وتعقب بأنه لا دليل فيه على الايجاب لأن حاصله استثناء من نفي الحل فيفيد
ثبوت الحل ولا كلام فيه فالأولى الاستدلال بالرواية الأخرى إلا على زوجها فإنها تحد أربعة
أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، ولا تكتحل ولا تمس طيبا فصرح
بالنهي في تفصيل معنى ترك الاحداد، ولا خلاف في عدم وجوبه على المرأة بسبب غير الزوج
من الأقارب. وهل يباح؟ قال محمد في النوادر: لا يحل الاحداد لمن مات أبوها أو ابنها أو
أخوها أو أمها وإنما هو في الزوج خاصة. قيل: أراد بذلك فيما زاد على الثلاث لما في الحديث
من إباحته للمسلمات على غير أزواجهن ثلاثة أيام، كذا في فتح القدير. وفي التتارخانية سئل
أبو الفضل عن المرأة يموت زوجها أو أبوها أو غيرهما من الأقارب فتصبغ ثوبها أسود فتلبسه
شهرين أو ثلاثة أو أربعة تأسفا على الميت أتعذر في ذلك؟ فقال: لا. وسئل عنها علي بن أحمد
فقال: لا تعذر وهي آثمة إلا الزوجة في حق زوجها فإنها تعذر إلى ثلاثة أيام ا ه‍. وظاهره
منعها من لبس السواد تأسفا على موت زوجها أكثر من الثلاث. وقيد بالبت لأن المطلقة رجعيا
لا حداد عليها وينبغي أنها لو أرادت أن تحد على قرابة ثلاثة أيام ولها زوج له أن يمنعها لأن
الزينة حقه حتى كان له أن يضربها على تركها إذا امتنعت وهو يريدها، وهذا الاحداد مباح لها
لا واجب وبه يفوت حقه، كذا في فتح القدير. وفي التتارخانية: ويستحب لها تركه ولما وجب
في الموت إظهارا للتأسف على فوات نعمة النكاح فوجب على المبتوتة إلحاقا لها بالمتوفى عنها
زوجها بالأولى لأن الموت أقطع من الإبانة ولهذا تغسله ميتا قبل الإبانة لا بعدها.
وأطلق في ترك الطيب فلا تحضر عمله ولا تتجر فيه وإن لم يكن لها كسب إلا فيه.
ودخل في الزينة الامتشاط بمشط أسنانه ضيقة لا الواسعة كما في المبسوط، وشمل لبس
الحرير بجميع أنواعه وألوانه ولو أسود، وجميع أنواع الحلي من ذهب وفضة وجواهر، زاد في
التتارخانية القصب. وقوله إلا بعذر متعلق بالجميع لا بالدهن وحده فلها لبس الحرير
للحكة والقمل، ولها الاكتحال للضرورة، ولو أخر الاستثناء عن الجميع لكان أولى لجواز
253

لبس المعصفر والمزعفر إذا لم تجد غيره لوجوب ستر العورة. وذكر الدهن بعد الطيب ليفيد
حرمته وإن لم يكن مطيبا كالزيت الخالص منه والشيرج والسمن. وفي المجتبى: ولو اعتادت
الدهن فخافت وجعا فإن كان أمرا ظاهرا يباح لها ا ه‍. ويستثنى من المعصفر والمزعفر الخلق
الذي لا رائحة له فإنه جائز كما في الهداية. وقيد بإسلامها مع بلوغها لأنه لا حداد على
كافرة ولا صغيرة وقدمنا معنى وجوب العدة عليهما. ولم يقيد بالعقل مع أنه لا حداد على
مجنونة للاكتفاء بما يخرج الصغيرة لأن عدمه عليها ليس إلا لعدم تكليفها والمجنونة مثلها في
ذلك ولهذا قال الأسبيجابي رحمه الله تعالى: الأصل أن كل معتدة مخاطبة فارقت فراش زوج
حلال يجب عليها الاحداد وإلا فلا ا ه‍. ولم يقيد بالحرية لوجوبه على الأمة المنكوحة لكونها
مكلفة بحقوق الشرع ما لم يفت به حق العبد ولهذا لا يحرم عليها الخروج إلا إذا كانت في
بيت الزوج وقت الطلاق ولم يخرجها المولى ويحل إن أخرجها. والمدبرة والمكاتبة والمستسعاة
كالقنة، ولو أسلمت الكافرة في العدة لزمها الاحداد فيما بقي من العدة، كذا في الجوهرة.
وينبغي كذلك لو بلغت الصغيرة أو أفاقت المجنونة إذ لا فرق، واقتصاره على ترك ما ذكر
يفيد جواز دخول الحمام لها. ونقل في المعراج أن عندهم لها أن تدخل الحمام وتغتسل رأسها
بالخطمي والسدر، وفيه أن الحداد حق الشرع حتى لو أمرها الزوج بتركه لم يحل لها.
قوله: (لا معتدة العتق والنكاح الفاسد) أي لا حداد على أم الولد إذا أعتقت بإعتاق
سيدها أو موته، ولا على المعتدة من نكاح فاسد وهو مفهوم من اقتصاره على البت والموت.
وفي الخانية: لو تزوج أمة وملكها بعد الدخول وقد ولدت منه فسد النكاح بينهما ولا حداد
عليها، ولا يجوز لغيره أن يتزوجها حتى تحيض حيضتين، فإن أعتقها كان عليها عدتان: عدة
فساد النكاح وفيها الحداد وعدة العتق ولا حداد فيها فتحد في حيضتين دون الثالثة، ولو
أعتقها بعد حيضتين كان عليها أن تعتد بثلاث ا ه‍. وبهذا ظهر أن النكاح إذا فسد بعد صحته
يوجب الحداد بخلاف ما إذا كان فاسدا من أصله لأنه إنما وجب اظهارا للتأسف على فوات
نعمة النكاح وسببه النكاح الصحيح فلا يتأسف على الفاسد، واستفيد عدم وجوبه على المعتدة
من وطئ بشبهة بالأولى كما في المعراج. فالحاصل لا إحداد على كافرة ولا صغيرة ولا مجنونة
ولا معتدة عن عتق ولا معتدة عن نكاح فاسد ولا على معتدة عن وطئ بشبهة ولا معتدة عن
طلاق رجعي، فهن سبع لا حداد عليهن. فإن قلت: إن العلة لوجوبه أعني إظهار التأسف
254

على فوات نعمة النكاح وإن فاتت في مسألتي الكتاب بقيت أخرى أعني عدم اظهار الرغبة
فيما هو ممنوع فيها وهذه الأشياء للرغبة. أجيب بأن هذه حكمة فلا تطرد وتلك علة يزول
الحكم بزوالها كما في المعراج قوله: (ولا تخطب معتدة) أي تحرم خطبتها وهي بكسر الخاء
مصدر بمنزلة الخطب مثل قولك إنه لحسن القعدة والجلسة تريد القعود والجلوس. وفي
اشتقاقه وجهان: الأول أن الخطب هو الامر والشأن يقال ما خطبك أي ما شأنك فقولهم
خطب فلان فلانة أي سألها أمرا وشأنا في نفسها. والثاني أن أصل الخطبة من الخطاب الذي
هو الكلام، يقال خطب المرأة خطبة لأنه خاطب في عقد النكاح، وخطب خطبة أي خاطب
بالزجر والوعظ، والخطب الامر العظيم لأنه يحتاج فيه إلى خطاب كثير، كذا ذكر الإمام الرازي
. أطلقها فشمل المعتدة عن طلاق بنوعية وعن وفاة وعن عتق وعن غير ذلك ولم أره
صريحا، وعلم منه حرمة خطبة المنكوحة بالأولى وتحرم تصريحا وتعريضا كما في البدائع.
وقيد بالمعتدة لأن الخالية عن نكاح وعدة تحل خطبتها تصريحا وتعريضا لجواز نكاحها لكن
بشرط أن لا يخطبها غيره قبله فإن خطبها فعلى ثلاثة أوجه: إما أن تصرح بالرضا فتحرم، أو
بالرد فتحل، أو تسكت فقولان للعلماء ولم أر هذا التفصيل لأصحابنا وأصله الحديث
الصحيح لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه (1) وقيدوه بأن لا يأذن له. واستفيد من حرمة
خطبة المعتدة حرمة نكاحها على غير المطلق بالأولى وهو ظاهر ولكن جعلوا دليله قوله تعالى
* (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) * [البقرة: 235] ووجهه أن المراد لا
تعقدوا، وعبر عنه بالعزم لأنه سببه مبالغة في المنع عنه، وقيل هو باق على حقيقته والمراد به
الايجاب، يقال عزمت عليك أي أوجبت عليك والايجاب سبب للوجود ظاهرا فكان مجازا
255

عنه أي لا توجدوا عقد النكاح وهذا القول هو اختيار أكثر المحققين. وفي الكتاب وجهان:
أحدهما المكتوب والمعنى حتى تبلغ العدة المفروضة آخرها. الثاني أن الكتاب بمعنى الفرض
أي حتى يبلغ هذا الكتاب آخره ونهايته وتمامه في التفسير الكبير قوله: (وصح التعريض)
وهو لغة خلاف التصريح والفرق بينه وبين الكناية أن التعريض تضمين الكلام دلالة ليس
فيها ذكر كقولك ما أقبح البخل تعريض بأنه بخيل، والكناية ذكر الرديف وإرادة المردوف
كقولك فلان طويل النجاد وكثير رماد القدير يعني أنه طويل القامة ومضياف، كذا في
المغرب. والمراد به هنا أن يذكر شيئا يدل على شئ لم يذكره نحو أن يقول إني أريد أن أتزوج
امرأة من أمرها كذا أو من أمرها كذا كما فسره ابن عباس رضي الله عنهما، وما قيل إن منه
أن يقول لها إنك لجميلة وإني فيك لراغب وإنك لتعجبيني أو إني لأرجو ا أن أجتمع أنا وإياك
وإنك لدينة فهو غير سديد ولا يحل لأحد أن يشافه امرأة أجنبية لا يحل له نكاحها للحال
بمثل هذه الكلمات لأن بعضها صريح في الخطبة وبعضها صريح في إظهار الرغبة فلا يجوز
شئ من ذلك، كذا في البدائع. وظاهره أن التعريض جائز لكل معتدة وليس كذلك بل لا
يجوز إلا للمتوفي عنها زوجها بالاجماع، كذا في المعراج. وأما المطلقة فغير جائز لما فيه من
إيراث العداوة بين المطلق والخاطب بخلاف الميت فإن النكاح قد انقطع فلا عداوة من الميت
ولا ورثته والأصل في ذلك قوله تعالى * (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء
أو أكنتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا
معروفا) * [البقرة: 235] قال الرازي في تفسيره: أراد به المتوفى عنها زوجها بدليل سياق
الآية والمعنى لا إثم عليكم فيما ذكرتم لهن من الألفاظ الموهمة لإرادة نكاحهن أو أضمرتم في
أنفسكم فلم تنطقوا به تعريضا ولا تصريحا، علم الله أنكم ستذكرونهن فاذكروهن ولكن لا
تواعدوهن نكاحا، والاستثناء من لا تواعدوهن وهو منقطع لأن القول المعروف ليس داخلا
في السر والاستدراك مما قدرناه وتمامه في التفسير الكبير.
قوله: (ولا تخرج معتدة الطلاق) لقوله تعالى * (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا
أن يأتين بفاحشة مبينة) * [الطلاق: 1] أي لا تخرجوا المعتدات من المساكن التي كنتم تسكنون
فيها قبل الطلاق فإن كانت المساكن عارية فارتجعت من الساكن كان على الأزواج أن يعينوا
مساكن أخرى بطريق الشراء أو الكراء، وعلى الزوجات أيضا أن لا يخرجن حقا لله تعالى إلا
لضرورة ظاهرة فإن خرجن ليلا أو نهارا كان حراما. وقال ابن عباس رضي الله عنهما:
256

الفاحشة الزنا فيخرجن لإقامة الحد وبه قال الأكثرون. وقال ابن عمر رضي الله عنهما:
خروجها قبل انقضاء العدة. وقال بعضهم: العصيان الظاهر وهو النشوز عن المجاورة وجمع
بين النهي عن الاخراج والخروج لأن الاخراج إخراج الزوج لها غصبا وكراهة أو حاجة إلى
المسكن وأن لا يأذن لها في الخروج إذا طلبت، والخروج خروجهن بأنفسهن إذا أردن ذلك،
وقرئ مبينة بالكسر والفتح وتمامه في التفسير الكبير. وأخذ أبو حنيفة بتفسير ابن عمر
رضي الله عنهما، كذا ذكره الأسبيجابي. وذكر في الجوهرة أن أصحابنا قالوا: الصحيح
تفسيرها بالزنا كما فسره ابن مسعود رضي الله عنه. أطلقه فشمل الرجعي والبائن بنوعيه.
والمراد معتدة الفرقة سواء كانت بطلاق أو بغيره ولو كانت بمعصية كتقبيلها ابن الزوج كما
في البدائع، وما إذا خرجت بإذن المطلق وبغير إذنه حتى إن المطلقة رجعيا وإن كانت منكوحة
حكما لا تخرج من بيت العدة، ولو أذن الزوج بخلاف ما قبل الطلاق لأن الحرمة بعده للعدة
وهي حق الله تعالى فلا يملكان إبطاله بخلاف ما قبله لأن الحرمة لحق الزوج فيملك إبطاله
بالاذن، وسيأتي أنها تخرج حالة الضرورة كما إذا أخرجت أو انهدم البيت فهو مقيد بحالة
الاختيار. ولا بد من تقييدها بالحرية والتكليف لأن الأمة والمدبرة وأم الولد والمكاتبة
والمستسعاة يجوز لها الخروج في عدة الطلاق والوفاة لأن حالة العدة مبنية على حال النكاح،
ولا يلزمها المقام في منزل زوجها حال النكاح فكذا بعده، ولان الخدمة حق المولى فلا يجوز
إبطاله إلا إذا بوأها منزلا فحينئذ لا تخرج وله الرجوع، ولو بوأها في النكاح ثم طلقت
فللزوج منعها من الخروج حتى يطلبها المولى. وأما الصغيرة والمجنونة فلا يتعلق بهما شئ من
أحكام التكليف كما قدمناه في الحداد ولكن للزوج أن يمنع المجنونة تحصينا لمائه من الخروج،
ويمنع الصغيرة إذا كانت مطلقة رجعيا كما في البدائع. وفي المعراج وشرح النقاية: والمراهقة
كالبالغة في المنع من الخروج وكالكتابية في عدم وجوب الاحداد، وأما الكتابية فلا يحرم
عليها الخروج لأنها غير مخاطبة بحق الشرع إلا أن منعها الزوج صيانة لمائه، وكذا إذا أسلم
زوج المجنونة وأبت الاسلام، كذا في البدائع. وفي الظهيرية: الكتابية لا تخرج إلا بإذن
الزوج بخلاف المسلمة فإنها لا تخرج لا بإذن الزوج ولا بعدم الاذن ا ه‍. وبين العبارتين فرق
257

للمتأمل. وقيد بمعتدة الطلاق لأن معتدة الوطئ لا يحرم عليها الخروج كالمعتدة عن عتق كأم
الولد إذا أعتقها سيدها أو مات عنها والمعتدة عن نكاح فاسد أو وطئ بشبهة لأنه لا يفيد المنع
عن الخروج قبل التفريق فكذا في عدته إلا أن منعها الزوج لتحصين مائه فله ذلك، كذا في
البدائع. وينبغي أن يلحق به أم الولد إذا أعتقها سيدها فله منعها لتحصين مائة، فإن أعتقت
الامه في العدة أو أسلمت الكتابية حرم الخروج كما في البدائع. وينبغي أن يكون كذلك في
الصغيرة إذا بلغت والمجنونة إذا أفاقت. وفي الظهيرية: وسائر وجوه الفرق التي توجب العدة
من النكاح الصحيح والفاسد سواء يعني في حق حرمة الخروج من بيتها في العدة، فهذا
تنصيص على أن المنكوحة نكاحا فاسدا تعتد في بيت الزوج. وحكى فتوى شمس الاسلام
الأوزجندي أنها لا تعتد في منزل الزوج لأنه لا ملك له عليها ا ه‍. وفي المجتبى: لا تمنع
المعتدة عن نكاح فاسد من الخروج. وفي التتارخانية: إذا قبلت ابن زوجها فلا نفقة لها ولها
السكنى، والنصراني إذا طلق النصرانية فلها النفقة لا السكنى. وشمل أيضا المنزل المملوك
للزوج وغيره حتى لو كان غائبا وهي في دار بأجرة قادرة على دفعها فليس لها أن تخرج بل
تدفع وترجع إن كان بإذن الحاكم، وشمل خروجها إلى صحن دار فيها منازل لغيره بخلاف
ما إذا كانت المنازل له، وشمل أيضا المختلعة على نفقة عدتها فالصحيح المختار أنه لا يباح لها
الخروج وبه أفتى الصدر الشهيد كما لو اختلعت على أن لا سكنى لها ويلزمها أن تكتري بيت
الزوج كما في المعراج، ولو زارت أهلها والزوج معها أو لا فطلقها كان عليها أن تعود إلى
منزلها ذلك فتعتد كما في فتح القدير. وفي المجتبى: لو طلقت في غير مسكنها تعود إلى
مسكنها بغير تأخير.
قوله: (ومعتدة الموت تخرج يوما وبعض الليل) لتكتسب لأجل قيام المعيشة لأنه لا نفقة
258

لها حتى لو كان عندها كفايتها صارت كالمطلقة فلا يحل لها أن تخرج لزيارة ولا لغيرها ليلا
ولا نهارا. والحاصل أن مدار الحل كون خروجها بسبب قيام شغل المعيشة فيتقدر بقدره فمتى
انقضت حاجتها لا يحل لها بعد ذلك صرف الزمان خارج بيتها، كذا في فتح القدير.
وأقول: لو صح هذا عمم أصحابنا الحكم فقالوا لا تخرج المعتدة عن طلاق أو موت إلا
لضرورة لأن المطلقة تخرج للضرورة بحسبها ليلا كان أو نهارا، والمعتدة عن موت كذلك فأين
الفرق؟ فالظاهر من كلامهم جواز خروج المعتدة عن وفاة نهارا ولو كانت قادرة على النفقة
ولهذا استدل أصحابنا بحديث قريعة بنت أبي سعيد الخدري رحمه الله تعالى أن زوجها لما قتل
أتت النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنته في الانتقال إلى بني خدرة فقال لها: امكثي في بيتك حتى يبلغ
الكتاب أجله. فدل على حكمين إباحة الخروج بالنهار وحرمة الانتقال حيث لم ينكر خروجها
ومنعها من الانتقال. وروى علقمة أن نسوة من همدان نعي إليهن أزواجهن فسألن ابن
مسعود رضي الله عنه فقلن إنا نستوحش فأمرهن أن يجتمعن بالنهار فإذا كان بالليل فلترجع
كل امرأة إلى بيتها، كذا في البدائع. وفي المحيط عزاء الثاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الجوهرة:
يعني ببعض الليل مقدار ما تستكمل به حوائجها. وفي الظهيرية: والمتوفى عنها زوجها لا
بأس بأن تتغيب عن بيتها أقل من نصف الليل. قال شمس الأئمة الحلواني: وهذه الرواية
صحيحة ا ه‍. ولكن في الخانية: والمتوفى عنها زوجها تخرج بالنهار لحاجتها إلى نفقتها ولا
تبيت إلا في بيت زوجها ا ه‍. فظاهره أنها لو لم تكن محتاجة إلى النفقة لا يباح لها الخروج
نهارا كما فهمه المحقق.
قوله: (وتعتدان في بيت وجبت فيه إلا أن تخرج أو ينهدم) أي معتدة الطلاق والموت
يعتدان في المنزل المضاف إليهما بالسكنى وقت الطلاق والموت ولا يخرجان منه إلا لضرورة لما
تلوناه من الآية. والبيت المضاف إليها في الآية ما تسكنه كما قدمناه، سواء كان الزوج ساكنا
معها أو لم يكن، كذا في البدائع. ولهذا قدمنا أنها لو زارت أهلها فطلقها زوجها كان عليها
أن تعود إلى منزلها فتعتد فيه. واستفيد من كلامه أن أجر المنزل بعد وفاة الزوج من مالها إن
كان لها مال، وبعد الطلاق على الزوج، فإن كان الزوج غائبا فطولبت بالكراء فعليها إعطاؤه
من مالها حيث كانت قادرة وترجع به عليه إن دفعت بإذن القاضي، هكذا في البدائع
259

وغيرها، هكذا أطلقه الشيخان خواهر زاده وشمس الأئمة السرخسي، وظاهره أنها لا تخرج
منها قبل العدة وإن لم تكن مستأجرة ولا زوجها مستأجرا. وذكر شمس الأئمة الحلواني أن
المنزل إذا كان بأجارة ينظر، إن كانت مشاهرة فلها التحول وإن كانت إجارة إلى مدة طويلة
فليس لها التحول، كذا في الظهيرية. واستفيد أيضا أن المطلق لو طلب من القاضي أن
يسكنها بجواره لا يجيبه إلى ذلك وإنما تعتد في مسكن كانت تسكنه قبل المفارقة، كذا في
الظهيرية. وأطلق في الاخراج فشمل ما إذا أخرجها المطلق ظلما وتعديا وما إذا أخرجها
صاحب الدار لعدم قدرتهما على الكراء ووجدت منزلا بغير كراء وما إذا أخرجها الوارث
وكان نصيبها من البيت لا يكفيها. وفي المجتبى: كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها اشترت
من الأجانب وأولاده الكبار وكذا في الطلاق البائن ا ه‍. وظاهره وجوب الشراء عليها إن
كانت قادرة ويقال يجب الكراء والشراء إن أمكن وحكم ما انتقلت إليه حكم المسكن الأصلي
فلا تخرج منه على ما أسلفناه وتعيين المنزل الثاني للزوج في معتدة الطلاق ولها في الوفاة كما
في فتح القدير، وكذا إذا كان زوجها غائبا وطلقها فالتعيين لها، كذا في المعراج. وفي
المعراج أيضا: عين انتقالها إلى أقرب المواضع مما انهدم في الوفاة وإلى حيث شاءت في
الطلاق. والمراد بالانهدام خوفه - كما في الظهيرية - فلها الخروج إذا خافت الانهدام عليها
والمراد إذا خافت على نفسها أو متاعها من اللصوص فلها التحول للضرورة وليس المراد حصر
الاعذار فيما ذكره. فمنها ما في الظهيرية لو لم يكن معها أحد في البيت وهي تخاف بالليل
بالقلب من أمر الميت والموت إن كان الخوف شديدا كان لها التحول، وإن لم يكن شديدا
فليس لها التحول، كذا في الظهيرة. وفي القنية: خرجت المعتدة لاصلاح ما لا بد لها
كالزراعة وطلب النفقة وإخراج الكرم ولا وكيل لها فلها ذلك ا ه‍. ومنها: طلقها بالبادية
وهي معه في محفة أو خيمة والزوج ينتقل من موضع إلى آخر للكلأ والماء فإن كان يدخل
عليها ضرر بين في نفسها ومالها بتركها في ذلك الموضع فله أن يتحول بها وإلا فلا، كذا في
الظهيرية أيضا. وليس منها سفرها للحج أو للعمرة فلا تخرج المعتدة لسفر حج أو عمرة، كذا
في المعراج. وليس للزوج المسافرة بالمعتدة ولو عن رجعي وقدمناه في بابها، ولم يبين المصنف
حكم إقامته معها في منزل الطلاق.
260

قال في المجتبى: وإذا وجب الاعتداد في منزل الزوج فلا بأس بأن يسكنا في بيت
واحد إذا كان عدلا، سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا أو ثلاثا والأفضل أن يحال بينهما في
البينونة بستر إلا أن يكون الزوج فاسقا فيحال بامرأة ثقة تقدر على الحيلولة بينهما، وإن تعذر
فلتخرج هي وتعتد في منزل آخر، وكذا لو ضاق البيت وإن خرج هو كان أولى ولهما أن
يسكنا بعد الثلاث في بيت إذا لم يلتقيا التقاء الأزواج ولم يكن فيه خوف فتنة ا ه‍. وهكذا
صرح في الهداية بأن خروجه أولى من خروجها عند العذر، ولعل المراد أنه أرجح فيجب
الحكم به كما يقال إذا تعارض محرم ومبيح ترجح المحرم أو فالمحرم أولى، ويراد ما قلنا في
هذا لأنهم عللوا أولوية خروجه بأن مكثها واجب لا مكثه، كذا في فتح القدير. وقد استفيد
من كلامهم أن الحائل يمنع الخلوة المحرمة. قال في الظهيرية: يجعل بينهما حجاب حتى لا
يكون بينه وبين امرأة أجنبية خلوة، وإنما اكتفي بالحائل لأن الزوج معترف بالحرمة ا ه‍.
فيمكن أن يقال في الأجنبية كذلك وإن لم تكن معتدته إلا أن يوجد نقل بخلافه، وكذا حكم
السترة إذا مات زوجها وله أولاد كبار أجانب كما في المعراج. وأما نفقة هذه المرأة الحائلة
بينهما فقال في تلخيص الجامع الكبير للصدر الشهيد من باب ما يوضع عند العدل: شهدا أو
واحد عدل أنه طلقها ثلاثا وقد دخل يمنع من الخلوة بها مدة المسألة بأمينة نفقتها في بيت
المال لأنه يعتقد الحل والعدل كغيره وبخلاف المعتدة، فإن طلبت النفقة تفرض نفقة العدة
مدتها لأنها زوجة أو معتدة بخلاف ما قبل الدخول ا ه‍. وتمام مسائل الحيلولة في كتاب
القضاء من البزازية وغيرها. قوله: (بانت أو مات عنها في سفر وبينها وبين مصرها أقل من
ثلاثة أيام رجعت إليه) أي إلى مصرها مطلقا سواء كانت في المصر أو غيره، هذا إذا كان
المقصد ثلاثة أيام، أما إذا كان المقصد أقل فهي مخيرة قوله: (ولو ثلاثة أيام رجعت أو مضت)
أي لو كان بينها وبين مصرها ثلاثة أيام خيرت إذا كان المقصد كذلك وهي في المفازة ولكن
261

الرجوع أولى، أما إذا كان المقصد أقل من ثلاثة أيام تختار الأدنى قوله: (معها ولي أو لا)
متعلق بالصورتين قوله: (ولو كانت في مصر تعتد ثمة فتخرج بمحرم) فلا تخرج قبل
انقضائها مطلقا، سواء كان لها محرم أو لا. قيد بالبائن لأن المطلقة رجعيا تابعة للزوج ولا
تفارقه. وحاصل الوجوه كما في فتح القدير إما أن يكون بينهما وبين مصرها ومقصدها أقل
من السفر فتتخير والأولى الرجوع على ما في الكافي، وعلى ما في النهاية وغيرها يتعين
الرجوع. وإن كان أحدهما سفرا والآخر دونه فتختار ما دونه، فإن كان كل منهما سفرا فلا
يخلو إما أن يكون في مفازة أو مصر، فإن كانت في مفازة تخيرت والأولى الرجوع، وإن
كانت في مصر لم تخرج بغير محرم. وفي البدائع: لو كانت الجهتان مدة سفر فمضت أو
رجعت وبلغت أدنى المواضع التي تصلح للإقامة أقامت فيه واعتدت إن لم تجد محرما بلا
خلاف، وكذا إن وجدت عند أبي حنيفة، ومثله في المحيط والله أعلم بالصواب.
باب ثبوت النسب
لما كان من آثار الحمل ذكره عقيب العدة قوله: (ومن قال إن نكحتها فهي طالق فولدت
لستة أشهر منذ نكحها لزمه نسبه ومهرها) أما النسب فلأنها فراشه لأنها لما جاءت بالولد لستة
أشهر من وقت النكاح فقد جاءت به لأقل منها من وقت الطلاق فكان العلوق قبله في حالة
النكاح والتصور ثابت بأن تزوجها وهو مخالطها فوافق الانزال النكاح، والنسب مما يحتاط في
إثباته. والتزوج في هذه الحالة إما بتكلمهما وسماع الشهود أو بأنهما وكلا في التزويج
فزوجهما الوكيل وهما في هذه الحالة والثاني أحسن كما لا يخفى. ولقائل أن يقول: إن الحمل
على ما إذا تزوجها وهو مخالط لها حمل المسلم على الحرام وهو لا يجوز ولذا فر بعض المشايخ
عن إثبات هذا التصور وقال لا حاجة إلى هذا التكلف بل قيام الفراش كاف، ولا يعتبر
إمكان الدخول لأن النكاح قائم مقامه كما في تزوج المشرقي بمغربية بينهما مسيرة سنة
262

فجاءت بولد لستة أشهر من يوم تزوجها لكن في فتح القدير: والحق أن التصور شرط، ولذا
لو جاءت امرأة الصبي بولد لا يثبت نسبه والتصوير ثابت في المغربية لثبوت كرامات الأولياء
والاستخدامات فيكون صاحب خطوة أو جني ا ه‍. ولم يجب عما ذكرناه. قيد بأن تلده لستة
أشهر من غير زيادة ولا نقصان لأنها لو ولدته لأقل منها لم يثبت نسبه لأن العلوق حينئذ من
زوج قبل النكاح، ولو ولدته لأكثر منها لم يثبت أيضا لاحتمال حدوثه بعد الطلاق وقد
حكمنا به حيث حكمنا بعدم وجوب العدة لكونه قبل الدخول والخلوة ولم يتبين بطلان هذا
الحكم. وتعقبه في فتح القدير بأن نفيهم النسب هنا في مدة يتصور أن يكون منه وهو سنتان
ينافي الاحتياط في إثباته، والاحتمال المذكور في غاية البعد فإن العادة المستمرة كون الحمل
أكثر من ستة أشهر وربما يمضي دهور لم تسمع فيها الولادة لستة أشهر فكان لظاهر عدم
حدوثه وحدوثه احتمال فأي احتياط في إثبات النسب إذا نفيناه لاحتمال ضعيف يقتضي نفيه
وتركنا ظاهرا يقتضي ثبوته وليت شعري أي الاحتمالين أبعد، الاحتمال الذي فرضوه لتصور
العلوق منه ليثبتوا النسب وهو كونه تزوجها وهو يطؤها وسمع كلامهما الناس وهما على تلك
الحالة ثم وافق الانزال العقد، أو احتمال كون الحمل إذا زاد على ستة أشهر بيوم يكون من
غيره ا ه‍. وأما المهر فلانه لما ثبت النسب منه جعل واطئا حكما فتأكد المهر به. وقال أبو
يوسف في الاملاء: القياس أنه يجب مهر ونصف بالوطئ بعد وقوع الطلاق وقبله. والجواب
أنا إذا قدرنا أنه تزوجها حالة المواقعة لم تكن المواقعة بعد الطلاق فلا يلزمه إلا مهر واحد،
ذكر ابن بندار في شرح الجامع الصغير. وبه اندفع ما قيل لا يلزم من ثبوت النسب منه وطؤه
لأنه الحمل قد يكون بإدخال الماء الفرج بدون جماع مع أنه نادر والوجه الظاهر هو المعتاد.
وفي فتح القدير: واعلم أنه إذا كان الأصح في ثبوت هذا النسب إمكان الدخول وتصوره
ليس إلا بما ذكر من تزويجها حال وطئها المبتدأ به قبل التزوج وقد حكم فيه بمهر واحد في
263

صريح الرواية يلزم كون ما ذكره مطلقا ومنسوبا، وقدمناه في باب المهر من أنه لو تزوجها
في حال ما يطؤها كان عليه مهران مهر بالزنا لسقوط الحد بالتزوج قبل تمامه، ومهر بالنكاح
لأن هذا أكثر من الخلوة مشكلا لمخالفته لصريح المذهب. وأيضا الفعل واحد وقد اتصف
بشبهة الحل فيجب مهر واحد بخلاف ما لو قال إن تزوجتها فهي طالق ونسي فتزوجها
ووطئها حيث يجب مهر ونصف لأن الطلاق قبل الوطئ، أما هنا الطلاق مع الوطئ الحلال
في فعل متحد فصار الفعل كله له شبهة الحل وقد وجب المهر فلا يجب مهر آخر ا ه‍. وقد
دل كلام المصنف على مسألتين: إحداهما أن من طلق امرأته قبل الدخول بها فجاءت بولد
لأقل من ستة أشهر منذ طلقها أنه يلزمه لتيقننا بالعلوق حال قيام النكاح، وإن جاءت به لستة
أشهر أو أكثر لا يلزمه لعدم التيقن بذلك، ويستوي في هذا الحكم ذواب الاقرار وذوات
الأشهر. ثانيهما أن من تزوج امرأة فولدت لأقل من ستة أشهر من وقت النكاح لا يثبت
نسبه وستأتي صريحة. وذكر في النهاية أنه لا يكون محصنا بالوطئ في مسألة الكتاب قوله:
(ويثبت نسب ولد معتدة الرجعي وإن ولدته لأكثر من سنتين ما لم تقر بمضي العدة وكانت
رجعة في الأكثر منهما لا في الأقل منهما) أي من السنتين لاحتمال العلوق في حالة العدة
لجواز أنها تكون ممتدة الطهر، فإن جاءت به لأقل من سنتين بانت من زوجها لانقضاء العدة
وثبت نسبه لوجود العلوق في النكاح أو في العدة ولا يصير مراجعا لأنه يحتمل العلوق قبل
الطلاق، ويحتمل بعده فلا يصير مراجعا بالشك، وإن جاءت به لأكثر من سنتين كانت رجعة
لأن العلوق بعد الطلاق والظاهر أنه منه لانتفاء الزنا منها فيصير بالوطئ مراجعا والأصل أن
أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها سنتان، ففي كل موضع يباح الوطئ فيه فهي مقدرة بالأقل
وهو أقرب الأوقات إلا أن يلزم إثبات رجعة بالشك أو إيقاع طلاق بالشك أو استحقاق مال
264

بالشك فحينئذ يستند العلوق إلى أبعد الأوقات وهو ما قبل الطلاق لأن هذه الأشياء لا تثبت
بالشك، وفي كل موضع لا يباح الوطئ فيه فمدة الحمل سنتان ويكون العلوق مستندا إلى
أبعد الأوقات للحاجة إلى إثبات النسب وأمره مبني على الاحتياط، كذا في غاية البيان. أطلق
في الأكثر منهما فشمل عشرين سنة أو أكثر، وقيد بعدم إقرارها لأنها لو أقرت بانقضائها
والمدة محتملة بأن يكون ستين يوما على قول أبي حنيفة، وتسعة وثلاثين يوما على قولهما، ثم
جاءت بولد لا يثبت نسبه إلا إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الاقرار فإنه يثبت
نسبه للتيقين بقيام الحمل وقت الاقرار فيظهر كذبها. وإنما نفى الأقل بقوله لا في الأقل
منهما مع فهمه من التقييد بالأكثر لبيان أن حكم السنتين حكم الأكثر ولذا قال في الاختيار:
وإذا جاءت به لسنتين أو أكثر كان رجعة ا ه‍. وأطلق في المعتدة فشمل المعتدة بالحيض أو
بالأشهر ليأسها، ولا فرق بينهما كما في البدائع إلا إذا أقرت بانقضائها بالأشهر لإياسها
مفسرا بثلاثة أشهر فإنه يثبت نسب ولدها إذا جاءت به لأقل من سنتين من وقت الطلاق بائنا
كان أو رجعيا لأنها لما ولدت تبين أنها لم تكن آيسة فتبين أن عدتها لم تكن بالأشهر فلم يصح
إقرارها بانقضاء عدتها بالأشهر فصار كأنها لم تقر أصلا قوله: (والبت لأقل منهما) أي ويثبت
نسب ولد معتدة الطلاق البائن إذا ولدته لأقل من سنتين من وقت الطلاق لأنه يحتمل أن
يكون الولد قائما وقت الطلاق فلا يتيقن بزوال الفراش فيثبت النسب احتياطا قوله: (وإلا
لا) صادق بصورتين بما إذا أتت به لسنتين فقط، وبما إذا أتت به لأكثر منهما، واقتصر
الشارح على الثاني. وصرح في المجتبي والنقاية بأن حكم السنتين كالأكثر وهو ظاهر
المختصر، أما إذا أتت به لأكثر منهما فظاهر لأن الحمل حادث بعد الطلاق فلا يكون منه
لحرمة وطئها في العدة بخلاف الرجعي، وأما إذا أتت به لتمام السنتين فمشكل فإنهم اتفقوا
265

على أن أكثر مدة الحمل سنتان وألحقوا السنتين بالأقل منهما حتى أنهم أثبتوا النسب إذا جاءت
به لتمام سنتين، وجوابه بالفرق فإن في مسألة البيتوتة إذا جاءت به لسنتين من وقت الطلاق
لو أثبتنا النسب منه للزم أن يكون العلوق سابقا على الطلاق حتى يحل الوطئ فحينئذ يلزم
كون الولد في بطن أمه أكثر من سنتين وفي الحديث لا يمكث الولد أكثر من سنتين في بطن
أمه بخلاف غير المبتوتة لحل الوطئ بعد الطلاق، ولم يذكر المصنف في مسألة المبتوتة القيد
الذي ذكره في الرجعية وهو عدم الاقرار بانقضاء عدتها مع أنه قيد فيهما كما صرح به في
البدائع. وقوله وإلا لا مقيد بما إذا لم تلد ولدا قبله لأقل من سنتين وبينهما أقل من ستة
أشهر حتى لو ولدت توأمين أحدهما لأقل من سنتين والآخر لأكثر منهما ثبت نسبهما منه عند
أبي حنيفة وأبي يوسف كالجارية إذا ولدت ولدين بعد بيعها ثم ادعى البائع الأول ثبت نسبهما منه
لأنهما خلقا من ماء واحد.
وقال محمد: لا يثبت نسبهما لأن الثاني من علوق حادث فمن ضرورته أن يكون الأول
كذلك بخلاف مسألة الجارية لأنه يحتمل أن يكون الأول علق به وهو في ملكه لعدم
الاستحالة حتى لو ولدت أحدهما لأقل من سنتين والآخر لأكثر ينبغي أن يكون الحكم
كذلك. أو نقول: يمكن أن يفرق بينهما بأن البائع التزمه قصدا بالدعوة والزوج لم يدع حتى
لو أدعى الزوج الأول كان مثله، ولو خرج بعضه لأقل من سنتين وباقية لأكثر من سنتين لا
يلزمه حتى يكون الخارج لأقل من سنتين نصف بدنة أو يخرج من قبل الرجلين أكثر البدن
لأقل والباقي لأكثر، ذكره محمد. ولم يذكر المصنف رحمه الله أن عدتها انقضت بوضع الحمل
أو قبله. قالوا: فيما إذا ولدته لأكثر يحكم بانقضاء عدتها قبل ولادتها بستة أشهر عند أبي
حنيفة ومحمد فيجب أن ترد نفقة ستة أشهر حملا على أنه من غيره بنكاح صحيح وأقل مدة
الحمل ستة أشهر فقد أخذت مالا لا تستحقه في هذه الستة أشهر فترده. وقال أبو يوسف:
لا تنقضي إلا بوضع الحمل بدليل جواز عدم تزوجها بالغير قبل وضعه فيحمل على الوطئ
266

بشبهة. وذكر القاضي الأسبيجابي: وكذلك إذا طلق الرجل امرأته في حال المرض فامتد
مرضه إلى سنتين وامتدت عدتها إلى سنتين ثم مات ثم ولدت المرأة بعد الموت بشهر وقد كان
أعطاها النفقة إلى وقت الوفاة فإنها لا ترثه ويسترد منها نفقة خمسة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد
قاله. وقال أبو يوسف: ترث ولا يسترد منها شيئا اه‍. وأطلق في البت فشمل الواحدة
والثلاث كما في البدائع، وشمل الحرة والأمة لكن بشرط أن لا يملكها بعد الطلاق، فلو
تزوج أمة ثم دخل بها ثم طلقها واحدة ثم ملكها يلزمه ولدها إن جاءت به لأقل من ستة
أشهر من يوم الملك، ولا يلزمه إذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا كما سيأتي في آخر الباب
مفصلا. واعلم أن ثبوت النسب فيما ذكر من ولد المطلقة الرجعية والبائنة مقيد بما سيأتي من
الشهادة بالولادة أو اعتراف من الزوج بالحبل أو حبل ظاهر. وفي الخانية: المعتدة عن طلاق
بائن إذا تزوجت بزوج آخر في العدة وولدت بعد ذلك إن ولدت لأقل من سنتين من وقت
طلاق الأول ولاقل من ستة أشهر من وقت نكاح الثاني كان الولد للأول، وإن ولدت لأكثر
من سنتين من وقت طلاق الأول لا يلزم الأول، ثم ينظر، إن ولدت لستة أشهر من وقت
نكاح الثاني فالولد للثاني وإلا فلا اه‍. وبه علم أن ما في المختصر شامل لما إذا تزوجت
المبتوتة في العدة أو لم تتزوج، ولم يبين في الخانية فيما إذا أتت به لأقل من وقت طلاق الأول
ولستة أشهر من وقت نكاح الثاني. وفي البدائع: إنه للثاني والنكاح جائز لأن إقدامها على
التزوج دليل انقضاء عدتها من الأول، وكذلك إذا أتت به للأكثر من وقت الطلاق ولاقل من
ستة أشهر من وقت النكاح ولم يثبت من الأول ولا من الثاني فإن النكاح صحيح عندهما
خلافا لأبي يوسف بناء على تزوج الحامل من الزنا. هذا إذا لم يعلم أنها كانت معتدة وقت
النكاح، فإن علم وقع الثاني فاسدا فإن جاءت بولد فإن النسب يثبت من الأول إن أمكن
إثبات منه بأن جاءت به لأقل من سنتين منذ طلقها الأول أو مات ولستة أشهر فأكثر منذ
تزوجها الثاني، فإن جاءت به لأكثر من سنتين من وقت الطلاق ولستة أشهر من وقت التزوج
فهو للثاني، كذا في البدائع قوله: (إلا أن يدعيه) استثناء من النفي يعني إذا جاءت به المبتوتة
لأكثر وادعاء الزوج يثبت نسبه منه لأنه التزمه وله وجه بأن وطئها بشبهة في العدة، كذا في
الهداية وغيرها. وتعقبه في التبيين بأن المبتوتة بالثلاث إذا وطئها الزوج بشبهة كانت شبهة في
الفعل وفيها لا يثبت النسب وإن ادعاه نص عليه في كتاب الحدود فكيف أثبت به النسب هنا
اه‍. وجوابه تسليم أن شبهة الفعل لا يثبت النسب فيها وإن ادعاه إذا كانت متمحضة وإلا
فلا كما في المطلقة ثلاثا أو على مال فإنه لا يثبت النسب فيهما بالدعوة لأن الشبهة فيهما لم
267

تتمحض للفعل بل هي شبهة عقد أيضا فلا يكون بين النصين تناقض، وهذا أولى من حمل
بعضهم المذكور هنا على المبانة بالكنايات فإن الشبهة فيها شبهة المحل، وأما المطلقة ثلاثا أو
على مال فلا يثبت فيها النسب بالدعوة لأن المنصوص عليه هنا أعم من المبتوتة بالكنايات أو
بالثلاث أو على مال، وقد صرح ابن الملك في شرح المجمع أن من وطئ امرأة أجنبية زفت
إليه وقيل له إنها امرأتك فهي شبهة في الفعل وأن النسب يثبت إذا ادعاه، فعلم أنه ليس كل
شبهة في الفعل تمنع دعوى النسب. وأطلق في المختصر فأفاد أنه لا يشترط تصديق المرأة وفيه
روايتان كما في البدائع، والأوجه أنه لا يشترط لأنه ممكن منه وقد ادعاه ولا معارض ولذا لم
يشترطه السرخسي والبيهقي فدل على ضعف رواية الاشتراط، وغرابتها كغرابة ما نقله في
المجتبى أن توقف ثبوت النسب فيما إذا جاءت به للأكثر على الدعوى إنما هو قول أبي
يوسف، وأما عندهما فيثبت النسب بلا دعوة لاحتمال الوطئ بشبهة في العدة اه‍. وفي
البدائع: وكل جواب عرفته في المعتدة عن طلاق فهو الجواب في المعتدة من غير طلاق من
أساب الفرقة اه‍. قوله: (والمراهقة لأقل من تسعة أشهر وإلا لا) أي ويثبت نسب ولد المطلقة
المراهقة إذا أتت به لأقل من تسعة أشهر وقد كان دخل بها ولم تقر بانقضاء عدتها ولم تدع
حبلا، وإن جاءت به لتسعة أشهر فأكثر لا يثبت. وهذا عند أبي حنيفة ومحمد سواء، كان
الطلاق رجعيا أو بائنا كما أطلقه المصنف. وقال أبو يوسف: يثبت النسب إلى سنتين في
الطلاق البائن كالكبيرة وإلى سبعة وعشرين شهرا في الطلاق الرجعي لأنه يجعل واطئا في آخر
العدة وهي الثلاثة الأشهر ثم تأتي به لأكثر مدة الحمل وهي سنتان. ولهما أن لانقضاء عدة
الصغيرة جهة متعينة وهي الأشهر فبمضيها يحكم الشرع بالانقضاء وهو في الدلالة فوق
إقرارها لأنه لا يحتمل الخلاف والاقرار يحتمله، فإذا ولدت قبل مضي تسعة أشهر من وقت
الطلاق تبين أن الحمل كان قبل انقضاء العدة، وإن ولدته لتسعة أشهر فأكثر فهو حمل حادث
بعد انقضاء عدتها بالأشهر، وقد وقع في البدائع هذا غلط فاجتنبه فإنه قال: إذا لم تقر
268

بانقضاء عدتها فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق يثبت النسب وإن جاءت
به لستة أشهر أو لأكثر لا يثبت. وصوابه ابدال الستة بالتسعة كما في المختصر أو إبدال قوله
من وقت الطلاق بقوله من وقت انقضاء العدة بالأشهر الثلاثة والعبارتان سواء. قيد
المصنف بكونها مطلقة لأنها لو مات عنها زوجها ولم تقر بالحبل ولا بانقضاء العدة فعندهما إن
ولدت لأقل من عشرة أشهر وعشرة أيام يثبت النسب لأنه تبين أنه كان موجودا قبل مضي
عدة الوفاة وإلا لم يثبت لأنه حادث بعد مضيها. وعند أبي يوسف يثبت إلى سنتين كالكبيرة.
وإن أقرت بانقضاء العدة بعد أربعة أشهر وعشر ثم ولدت لستة أشهر فصاعدا لم يثبت النسب منه.
وقيدنا بكونه دخل بها لأنه لو لم يدخل بها وجاءت بولد فإن كان لأقل من ستة أشهر
من وقت الطلاق يثبت نسبه، وإن جاءت به لأكثر منها لا يثبت لحصول العلوق وهي أجنبية
كما في غاية البيان. وقيدنا بكونها لم تقر بانقضائها لأنها لو أقرت به بعد ثلاثة أشهر ولم تدع
حبلا ثم جاءت بولد، فإن كان لأقل من ستة أشهر من ستة أشهر من وقت الاقرار يثبت النسب، وإن
جاءت به لستة أشهر أو أكثر يثبت النسب لانقضاء العدة ومجئ الولد لمدة جبل تام بعده.
وقيدنا بكونها لم تدع حبلا لأنها لو أقرت بالحبل فهو إقرار منها بالبلوغ فيقبل قولها فصارت
كالكبيرة في حق ثبوت نسبه من حيث إنها لا يقتصر انقضاء عدتها على أقل من تسعة، فإن
كان الطلاق بائنا يثبت نسب ولدها لأقل من سنتين، وإن كان رجعيا يثبت نسبه إذا أتت به
لأقل من سبعة وعشرين شهرا كما في غاية البيان لا مطلقا فإن الكبيرة يثبت نسب ولدها في
الطلاق الرجعي لأكثر من سنتين وإن طال إلى سن الإياس لجواز امتداد طهرها ووطئه إياها
في آخر الطهر، وتعبير المصنف بالمراهقة أولى من تعبير كثير بالصغيرة لأن المراهقة هي التي
تلد لا ما دونها ومن تعبير الهداية بالصغيرة التي يجامع مثلها كما لا يخفى قوله: (والموت
لأقل منهما) معطوف على الرجعي أي ويثبت نسب ولد معتدة الموت إذا جاءت به لأقل من
سنتين من وقت الموت. وقال زفر: إذا جاءت به بعد انقضاء عدة الوفاة لستة أشهر لا يثبت
النسب لأن الشرع حكم بانقضاء عدتها بالشهور لتعين الجهة فصار كما إذا أقرت بالانقضاء
كما بينا في الصغيرة إلا أنا نقول: لانقضاء عدتها جهة أخرى وهو وضع الحمل بخلاف
الصغيرة لأن الأصل فيها عدم الحمل لأنها ليست بمحل له قبل البلوغ وفيه شك. أطلق في
معتدة الموت وهو مقيد بالكبيرة، وأما الصغيرة فقدمنا حكمها ومقيد بما إذا لم تقر بانقضاء
عدتها، وأما إذا أقرت فهي داخلة في عموم المسألة الآتية عقيب هذه. وشمل كلامه المدخول
269

بها وغيرها كما في البدائع، وشمل ما إذا كانت من ذوات الأقراء أو من ذوات الأشهر
لكن قيده في البدائع بأن تكون من ذوات الأقراء قال: وأما إذا كانت من ذوات الأشهر
فإن كانت آيسة أو صغيرة فحكمها في الوفاة ما هو حكمها في الطلاق وقد ذكرناه اه‍.
وقيد بالأقل لأنها لو جاءت بولد لأكثر من سنتين من وقت الموت لا يثبت نسبه، كذا في
البدائع. ولم أر من صرح بالسنتين وينبغي أن يكون كالأكثر كما تقدم في نظيره قوله:
(والمقرة بمضيها لأقل من ستة أشهر من وقت الاقرار وإلا لا) أي ويثبت نسب ولد المعتدة
المقرة بمضيها إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت الاقرار لأنه ظهر كذبها بيقين
فيبطل الاقرار، ولو جاءت به لستة أشهر أو أكثر من وقت الاقرار لم يثبت لأنا لم نعلم
بطلان الاقرار لاحتمال الحدوث بعده وهو المراد بقوله وإلا لا. وذكر في التبيين أن هذا
إذا جاءت به لأقل من سنتين من وقت الفراق بالموت أو بالطلاق، وإن جاءت به لأكثر
منهما لا يثبت وإن كان لأقل من ستة أشهر من وقت الاقرار كما إذا أقرت بعدما مضى
من عدتها سنتان إلا شهرين فجاءت بولد بعد ثلاثة أشهر من وقت الاقرار لم يثبت نسبه
منه لأن شرط ثبوته أن يكون لأقل من سنتين من وقت الفراق بالموت أو بالطلاق وبعده لا
يثبت، وإن لم تقر بالانقضاء فمع الاقرار أولى إلا إذا كان الطلاق رجعيا فحينئذ يثبت
ويكون مراجعا على ما بينا من قبل. بقي فيه إشكال وهو ما إذا أقرت بانقضاء عدتها ثم
جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت الاقرار ولاقل من سنتين من وقت الفراق ينبغي
أن لا يثبت نسبه إذا كانت المدة تحتمل ذلك بأن أقرت بعدما مضى سنة مثلا ثم جاءت
بولد لأقل من ستة أشهر من وقت الاقرار لأنه يحتمل أن عدتها انقضت في شهرين أو ثلاثة
270

أشهر ثم أقرت بعد ذلك بزمان طويل، ولا يلزم من إقرارها بانقضاء العدة أن تنقضي في
ذلك الوقت فلم يظهر كذبها بيقين إلا إذا قالت انقضت عدتي الساعة ثم جاءت بولد لأقل
من ستة أشهر من ذلك الوقت اه‍. وهذا الاشكال ظاهر ويجب أن يكون كلامهم محمولا على
ما إذا أقرت بالانقضاء الساعة كما يفهم من غاية البيان. أطلق المعتدة فشمل المعتدة عن
طلاق بنوعيه وعن وفاة كما في الهداية لكن في الخانية والآيسة تعتد بالأشهر، فإذا ولدت
ثبت نسب ولدها في الطلاق إلى سنتين أقرت بانقضاء العدة أو لم تقر اه‍. وقدمناه عن البدائع
فارجع إليه قوله: (والمعتدة أن جحدت ولادتها بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو حبل ظاهر
أو اقرار به أو تصديق الورثة) أي ويثبت نسب ولد المعتدة إن جحدت ولادتها بأحد أمور
أربعة فلا يثبت بشهادة امرأة واحدة عند أبي حنيفة خلافا لهما لأن الفراش قائم بقيام العدة
وهو ملزم للنسب والحاجة إلى تعيين الولد فيه فيتعين بشهادتها، وله أن العدة تنقضي بإقرارها
بوضع الحمل والمنقضي ليس بحجة فمست الحاجة إلى إثبات النسب ابتداء فيشترط كمال
الحجة. وإنما اكتفى بظهور الحبل أو الاعتراف به لأن النسب ثابت قبل الولادة والتعيين يثبت
بشهادتها، وإنما اكتفى بتصديق الورثة إذا كانت معتدة عن وفاة فصدقها الورثة في الولادة ولم
يشهد أحد عليها في قولهم جميعا لأن الإرث خالص حقهم فيقبل فيه تصديقهم، وأما في
النسب فظاهر المختصر أنه يثبت في حق غيرهم أيضا لأن الثبوت في حق غيرهم تبع للثبوت
في حقهم ولذا كان الأصح أنه لا يشترط في تصديقهم لفظ الشهادة في مجلس الحكم، ولذا
عبر في المختصر بلفظ التصديق دون الشهادة لأن ما ثبت تبعا لا تراعى فيه الشرائط، وقيل
يشترط ليتعدى إلى غير المصدق. وقيد بأن يكون المصدق جمعا من الورثة لأن المصدق لو كان
رجلا أو امرأة لم يشارك جميع الورثة. ولو صدقها رجل وامرأتان منهم شارك المصدقين
والمكذبين فكان ذلك كشهادة غيرهم إلا أنهم لم يعتبروا لفظ الشهادة والخصومة بين يدي
القاضي لأنه يشبه الاقرار لأنه يشاركهم بإقرارهم، فمن حيث إنه يشبه الشهادة اعتبر العدد،
ومن حيث إنه يشبه الاقرار ما اعتبرنا الخصومة وإتيان لفظ الشهادة توفيرا على الشبهين حظهما،
كذا في شرح الجامع الصغير لابن بندار. وحاصله أنه يشترط أحد شرطي الشهادة في تصديقهم
وهو العدد نظرا إلى أنه شهادة ولم يشترط لفظ الشهادة، وينبغي أن لا تشترط العدالة أيضا وعلى
هذا لو قال المصنف وتصديق ورثة بالتنكير لكان أولى لأن الألف واللام أبطلت معنى الجمعية
271

كما في قوله لا أشتري العبيد ولا أتزوج النساء لكن ذكر في البدائع أن العدد إنما اشترطه
من جعلها شهادة كما اشترط لفظها، ومن جعل التصديق اقرارا فلم يشترط لفظها ولم يشترط
العدد أيضا. وعبارة فتاوى قاضيخان: امرأة ولدت بعد موت زوجها ما بينها وبين سنتين إن
صدقها الورثة في الولادة يثبت نسب الولد من الميت في حق من صدقها. وهل يثبت النسب
في حق غيرهم؟ إن كان يتم نصاب الشهادة بهم يثبت، واختلفوا في اشتراط لفظ الشهادة
اه‍. وظاهره أن العدد لا بد منه ليتعدى في حق الكل عند الكل. وأطلق في المعتدة فشمل
المعتدة عن طلاق رجعي أو بائن والمعتدة عن وفاة كما صرح به في غاية البيان معزيا إلى فخر
الاسلام. وقيدها الإمام السرخسي بالطلاق البائن، والحق التفصيل في المعتدة عن طلاق
رجعي، إن أتت به لأقل من سنتين فكالمعتدة عن طلاق بائن لانقضاء فراشها بالولادة، وإن
أتت به لأكثر من سنتين يثبت نسب ولدها بشهادة القابلة من غير زيادة شئ اتفاقا كما في
المنكوحة لأن الفراش ليس بمنتقض في حقها لأنها تكون رجعة كما قدمناه. وصرح في
البدائع بأنه لا فرق بين الرجعي والبائن إلا أنه علل بما يخص الأول بقوله لأنها بعد انقضاء
العدة أجنبية في الفصلين جميعا. وقيد المصنف بقوله إن جحدت ولادتها لأنه لو اعترف
بولادتها وأنكر تعيين الولد فإنه يثبت تعيينه بشهادة القابلة إجماعا ولا يثبت نسب الولد إلا
بشهادتها إجماعا لاحتمال أن يكون هو غير هذا المعين، وظاهر كلام المصنف أنه لا يحتاج إلى
شهادة القابلة مع ظهور الحبل أو اعتراف الزوج بالحبل وقد صرح به في البدائع فقال: وإن
كان الزوج قد أقر بالحبل أو كان الحبل ظاهرا فالقول قولها في الولادة وإن لم تشهد لها قابلة
في قول أبي حنيفة، وعندهما لا تثبت الولادة بدون شهادة القابلة، وهكذا صرح في الغاية
وأنكر على صاحب ملتقى البحار في اشتراطه شهادة القابلة لتعيين الولد عند أبي حنيفة، ورده
في التبيين بأنه سهو فإن شهادة القابلة لا بد منها لتعيين الولد إجماعا في جميع هذه الصور،
وإنما الخلاف في ثبوت نفس الولادة، وأما نسب الولد فلا يثبت بالاجماع إلا بشهادة القابلة
لاحتمال أن يكون هو غير هذا المعين. وثمرة الاختلاف لا تظهر إلا في حق حكم آخر
كالطلاق والعتاق بأن علقهما بولادتها حتى يقع عند أبي حنيفة بقولها ولدت لأنها أمينة
لاعترافه بالحبل أو لظهوره فيقبل قولها، وعندهما لا يقع حتى تشهد قابلة اه‍. وذكر ابن
272

بندار أنه بعد الثبوت بقيت مؤتمنة فكان القول قولها إلا أن القابلة جعلت شرطا للعادة لأنها
لا تلد إلا بالقابلة وإني أقول: إن القابلة شرط زوال التهمة كاليمين في رد الوديعة واليمين في
دعوى انقضاء العدة، فإذا لم تشهد قابلة بقيت متهمة فلا يقبل قولها فيه اه‍ كلامه. وهو
يصلح توفيقا لكلامهم فمن نفى اشتراط شهادة القابلة أفاد أنها ليست شرطا حقيقة لثبوت
النسب، ومن أثبته أراد به أنها شرط لزوال التهمة عن نفسها وهو كلام حسن يجب قبوله.
وأفاد بقوله شهادة رجلين قبول شهادة الرجال على الولادة من الأجنبية وأنهم لا يفسقون
بالنظر إلى عورتها إما لكونه قد يتفق ذلك من غير قصد نظر ولا تعمد أو لضرورة كما في
شهود الزنا، ولا يخفى أنها إذا ولدت وجحد الزوج ولادتها وادعت أن حبلها كان ظاهرا
وأنكر ظهوره فلا بد من إقامة البينة عليه إما رجلين أو رجل وامرأتين، فظهور الحبل عند
الانكار إنما يكون بإقامة البينة لأن الحبل وقت المنازعة لم يكن موجودا حتى يكفي ظهوره
لأنها بعد الولادة ولم أر من صرح به قوله: (والمنكوحة لستة أشهر فصاعدا إن سكت وإن
جحد بشهادة امرأة على الولادة) أي يثبت نسب ولد المنكوحة حقيقة إذا جاءت به لستة أشهر
أو أكثر من وقت التزوج بأحد الشيئين: إما بالسكوت من غير اعتراف ولا نفي له، وإما
بشهادة القابلة عند إنكار الولادة لأن الفراش قائم والمدة تامة فوجب القول بثبوته، اعترف به
273

أو سكت أو أنكر، حتى لو نفاه لا ينتفي إلا باللعان. وفي التحقيق شهادة القابلة لم يثبت بها
النسب لأنه ثابت بقيام الفراش وإنما يثبت بها تعيين الولد. قيد بستة أشهر لأنها لو ولدته
لأقل منها لم يثبت نسبه لأن العلوق سابق على النكاح فلا يكون منه، ويفسد النكاح لاحتمال
أنه من زوج آخر بنكاح صحيح أو بشبهة، وأفاد أنها لو جاءت به لتمام ستة أشهر بلا زيادة
أنها كالأكثر. قالوا: لاحتمال أنه تزوجها واطئا لها فوافق الانزال النكاح والنسب يحتاط في
إثباته. ويرد عليه ما تقدم في المبتوتة حيث نفى نسب ما أتت به لتمام سنتين مع تصحيحه
بأنه طلقها حال جماعها وصادف الانزال الطلاق. وأجيب عنه بأن ثبوت النسب هنا لحمل
أمرها على الصلاح إذ لو لم يثبت هنا لزم كونه من زنا أو من زوج فتزوجت به وهي في
العدة، وأما عدم الثبوت هناك للشك فلا يستلزم نسبه فساد إليها لجواز كون عدتها قد
انقضت وتزوجت بزوج آخر فعلقت منه. أطلق المصنف في المرأة هنا وقيدها في الشهادات
بالعدالة، وقيدها في المبسوط بالحرية والاسلام ولم يشترط العدالة والظاهر الأول. وفي
الولوالجية: رجل تزوج بامرأة فجاءت بسقط قد استبان خلفه، فإن جاءت به لأربعة أشهر
جاز النكاح ويثبت النسب من الزوج الثاني، وإن جاءت به لأربعة أشهر إلا يوما لم يجز
النكاح لأن في الوجه الأول الولد للزوج الثاني، وفي الوجه الثاني من الزوج الأول لأن خلقه
لا يستبين إلا في مائة وعشرين يوما فيكون أربعين يوما نطفة وأربعين علقة وأربعين مضغة
اه‍. قوله: (فإن ولدت ثم اختلفا فقالت نكحتني منذ ستة أشهر وادعى الأقل فالقول لها وهو
ابنه) لأن الظاهر شاهد لها فإنها تدل ظاهرا من نكاح لا من سفاح ولا من زوج تزوجت بهذا
الزوج في عدته وهو مقدم على الظاهر الذي يشهد له وهو إضافة الحادث وهو النكاح إلى
أقرب الأوقات لأنه إذا تعارض ظاهران في ثبوت نسب قدم المثبت له لوجوب الاحتياط فيه
حتى إنه يثبت بالايماء مع القدرة على النطق بخلاف سائر التصرفات مع أن ظاهرها متأيد
274

بظاهره وهو عدم مباشرته النكاح الفاسد إن كان الولد من زوج أو حبل من الزنا على الخلاف
فيه، ولم يذكر المصنف حرمتها عليه بهذا النفي لأنه لا يلزم من تزوجها حاملا إثبات النسب
فيكون إقرارا بالفساد كما إذا تزوجها بلا شهود لجوازه وهي حامل من زنا فإنه صحيح على
الصحيح، ولان الشرع كذبه حيث أثبت النسب والشرع إذا كذب الاقرار يبطل، كذا في فتح
القدير. وذكر في الخلاصة في كتاب القضاء من الفصل الثالث فيمن يكون خصما ومن لا
يكون أن الاقرار إنما يبطل بتكذيب الشرع إذا كان التكذيب بالبينة، وأما إذا قضى
باستصحاب الحال فلا يبطل كما لو اشترى عبدا وأقر أن البائع أعتقه قبل البيع وكذبه البائع
فقضى القاضي بالثمن على المشتري لم يبطل إقرار المشتري بالعتق حتى يعتق عليه إلى آخر
ما فيها. ولم يذكر المصنف يمينها لأنه لا تحليف عند الإمام لأنه راجع إلى الاختلاف في النسب
والنكاح، وعندهما يستحلف وسيأتي أن الفتوى على قولهما في الأشياء الستة قوله: (ولو علق
طلاقها بولادتها وشهدت امرأة على الولادة لم تطلق) يعني لم يقع إلا بشهادة رجلين أو رجل
وامرأتين عند أبي حنيفة. وقالا: تطلق لأن شهادتها حجة في ذلك قال عليه السلام شهادة
النساء جائزة فيما لا يطلع عليه الرجل ولأنها لما قبلت على الولادة تقبل فيما يبتني عليها
وهو الطلاق. ولأبي حنيفة أنها ادعت الحنث فلا يثبت إلا بحجة تامة وهذا لأن شهادتهن
ضرورية في الولادة فلا تظهر في حق الطلاق لأنه ينفك عنها. وشرط في البدائع على
قولهما أن تكون المرأة عدلة. قيد بالطلاق لأن النسب يثبت بشهادتها وكذا ما هو من لوازمه
من أمومية الولد لو كانت لو كانت أمه، وثبوت اللعان فيما إذا نفاه ووجوب الحد بنفيه إن لم
يكن أهلا للعان وليس مراده خصوص الطلاق بل كل ما لم يكن من لوازم الولادة فالعتاق
كذلك قوله: (وإن كان أقر بالحبل طلقت بلا شهادة) أي بلا شهادة أحد أصلا عند أبي
حنيفة، وعندهما تشترط شهادة القابلة لأنه لا بد من حجة لدعواها الحنث وشهادتها حجة فيه
ما بيننا، وله أن الاقرار بالحبل إقرار بما يفضي إليه وهو الولادة ولأنه أقر بكونها مؤتمنة فيقبل
قولها في رد الأمانة، وعلى هذا الخلاف لو كان الحبل ظاهرا، أما عندهما فظاهر لأنها مدعية
فلا بد من إقامة البينة، وأما عنده فإن الطلاق تعلق بأمر كائن لا محالة فيقبل قولها فيه.
والحاصل أن التعليق إن كان بما هو معلوم الوقوع بعده وعلمه من جهتها كما بحيضها
وولادتها بعد الاقرار بحبلها أو ظهور حملها كان التزاما لتصديقها عند إخبارها به واعترافا بأنها
275

مؤتمنة فيه وإن لم يكن كذلك وهو التعليق بولادتها قبل الاعتراف بحبل سابق ولا ظهور حبل
حال التعليق لم يلتزم ذلك فيحتاج عند إنكاره إلى الحجة، ولا خلاف أن النسب لا يثبت
بدون شهادة القابلة، كذا في البدائع قوله: (وأكثر مدة الحمل سنتان) لقول عائشة رضي الله
عنها: الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين ولو بظل مغزل. رواه الدارقطني والبيهقي.
وهو لا يعرف إلا سماعا. وظل المغزل مثل لقلته لأن ظله حالة الدوران أسرع زوالا من
سائر الظلال وهو على حذف المضاف تقديره ولو بقدر ظل مغزل. ويروى ولو بفلكة مغزل
أي ولو بقدر دوران فلكة مغزل قوله: (وأقلها ستة أشهر) لقوله تعالى * (وحمله وفصاله ثلاثون
شهرا) * [الأحقاف: 51] ثم قال * (وفصاله في عامين) * [لقمان: 41] فيبقى للحمل ستة
أشهر، كذا في الهداية. وقد نقل في فتح القدير أنه لا خلاف للعلماء فيه وأورد على ما في
الهداية أنه مخالف لما قرره لأبي حنيفة في الرضاع من أن هذه المدة مضروبة بتمامها لكل من
الحمل والفصال غير أن المنقص قام في أحدهما وهو الحمل وهو حديث عائشة رضي الله
عنها. قلنا: قدمنا هناك أنه غير صحيح لما يلزم من أنه يراد بلفظ الثلاثين في إطلاق واحد
حقيقة ثلاثين وأربعة وعشرين باعتبار إضافتين فلعله رجع إلى الصحيح قوله: (فلو نكح أمة
فطلقها فاشتراها فولدت لأقل من ستة أشهر منه) أي من وقت الشراء قوله: (لزمه وإلا لا)
أي وإن ولدت لتمام ستة أشهر أو لأكثر منها لا يلزمه لأن في الوجه الأول ولد المعتدة فإن
العلوق سابق على الشراء، وفي الوجه الثاني ولد المملوكة لأنه يضاف الحادث إلى أقرب وقته
حيث لم يتضمن إبطال ما كان ثابتا بالدليل أو تر ك العمل بالمقتضى، وبه اندفع ما أورد عليه
كما علم في فتح القدير فلا بد من دعوته واقتصار الشارح على الأكثر في قوله وإلا لا
ينبغي وقد صرح في فتح القدير بما ذكرناه. وأطلق في الأمة فشمل المدخول بها وغيرها كما
أطلق في الطلاق فشمل الرجعي والبائن الواحدة والثنتين، وكل من الاطلاقين غير صحيح
فإن كان بعد الدخول فلا فرق بين الرجعي والبائن إذا كان واحدة، وإن كان قبل الدخول
276

فإنه لا يلزمه الولد إلا أن تجئ بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق إذا ولدت لتمام
ستة أشهر أو أكثر من وقت التزوج. وفي غاية البيان: ولنا فيه نظر لأن الطلاق قبل الدخول
بائن والحكم في المبانة أن نسب ولدها يثبت إلى سنتين من وقت الطلاق، نعم إن محمدا وضع
المسألة في الجامع الصغير في المدخول بها اه‍. وجوابه أن هذا حكم المبانة إ ذا كانت معتدة
وغير المدخول بها لا عدة عليها، وأما إذا كان الطلاق ثنتين فإنه يمتد نسب الولد إلى سنتين
من وقت الطلاق، وإن لم يدع فإن ولدت لأكثر من ذلك لا يثبت إلا إذا ادعاه لحرمتها حرمة
غليظة فيضاف العلوق إلى أبعد الأوقات وهو ما قبل الطلاق حملا لامرهما على الصلاح.
وذكر في غاية البيان أن في التقييد بالثنتين لهذا الحكم إيهاما لأنه ربما يظن ظان أن الطلاق
إذا كان واحدا بائنا لا يثبت النسب فيه إلى سنتين وليس كذلك لأن النسب في البائن يثبت إلى
سنتين من وقت الطلاق وإن لم يدع اه‍. وجوابه بالفرق بين البينونة الخفيفة وبين الغليظة فإن
في الخفيفة يعتبر وقت الشراء أيضا وهو أن تلده لأقل من ستة أشهر من وقت الشراء وإذا
كان لسنتين من وقت الطلاق، وفي الغليظة لا يعتبر ذلك حتى لو ولدت لأكثر من ستة أشهر
من وقت الشراء ولسنتين من وقت الطلاق ثبت نسبه بلا دعوة فظهر الفرق والايهام في فهمه
لا في كلام المشايخ. فالحاصل أنه يستثنى من حكم المسألة المذكورة في المختصر المطلقة قبل
الدخول والمبانة بالثنتين فإن فيهما لا اعتبار لوقت الشراء وإنما يعتبر وقت الطلاق، ففي
الأولى يشترط لثبوت نسبه ولادته لأقل من ستة أشهر، وفي الثاني لسنتين فأقل، وقد علم مما
قدمه المصنف أن هذه الأمة لو كان طلاقها رجعيا فإنه يثبت نسب ولدها وإن جاءت به لعشر
سنين بعد الطلاق أو أكثر، وإن كان بائنا فلا بد أن تأتي به لتمام سنتين أو أقل بعد أن يكون
لأقل من ستة أشهر من وقت الشراء في المسألتين فلا يرد عليه ما إذا أتت به المبتوتة لأكثر من
سنتين من وقت الطلاق ولاقل من ستة أشهر من وقت الشراء وإن كان داخلا في عبارته هنا
لما قدمه سابقا، والتقييد بالطلاق اتفاقي لأن الحكم فيما إذا لم يطلقها واشتراها كذلك أي
277

كحكم المطلقة فإن ولدته لستة أشهر أو أكثر من وقت الشراء لا يلزمه وإلا لزمه، وتقييده في
فتح القدير بالرجعي لا يفيد لأن البائن هنا كالرجعي إلا إذا كان غليظا. والمراد من الشراء
الملك أعم من أن يكون بشراء أو هبة أو إرث أو نحو ذلك لأن المفسد للنكاح الملك لا
خصوص سبب له. وأشار باقتصاره على الشراء إلى أنه لا فرق في هذا الحكم بين أن يعتقها
بعد الشراء أو لا. وعند محمد يثبت النسب إلى سنتين بلا دعوة من يوم الشراء لأنه بالشراء
بطل النكاح ووجبت العدة لكنها لا تظهر في حقه للملك وبالعتق ظهرت وحكم معتدة لم
تقر بانقضاء عدتها كذلك، ولو لم يعتقها ولكن باعها فولدت لأكثر من ستة أشهر منذ باعها
فعند أبي يوسف لا يثبت النسب وإن ادعاه إلا بتصديق المشتري لما مر أن النكاح بطل. وعند
محمد يثبت بلا تصديق كما قال في العتق إلا أنه لا يثبت بلا دعوة لأن العدة ظهرت ثم ولم
تظهر هنا. وقيد في فتح القدير حكم المسألة المذكورة في المختصر بما إذا اشتراها قبل أن تقر
بانقضاء عدتها ولم يبين مفهومه قوله: (ومن قال لامته إن كان في بطنك ولد فهو مني فشهدت
امرأة بالولادة فهي أم ولده) لأن الحاجة إلى تعيين الولد ويثبت ذلك بشهادة القابلة بالاجماع،
وقد ذكر في المختصر المرأة دون القابلة وكثيرا ما يذكرون القابلة، والظاهر أن كونها القابلة
ليس بشرط. أطلقه وقيدوه بأن تلده لأقل من ستة أشهر من وقت الاقرار وأن ولدته لستة
أشهر أو أكثر لا يلزمه لاحتمال أنها حبلت بعد مقالة المولى فلم يكن المولى مدعيا هذا الولد
بخلاف الأول لتيقننا بقيامه في البطن وقت القول فتيقناه بالدعوى، وما في غاية البيان من أن
هذا إذا ولدته لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق سبق قلم إذ لا طلاق هنا لأن الكلام في
الأمة المملوكة له، وإنما الاعتبار لوقت الاقرار. ومثله لو قال إن كان في بطنك ولد فهو حر
فولدت بعد ذلك لستة أشهر لم يعتق وإن ولدته لأقل منها عتق، ولا فرق بين أن يقول في
مسألة المختصر إن كان في بطنك ولد أو إن كان بها حبل فهو مني. وقيد بالتعليق لأنه لو
قال هذه حامل مني يلزمه الولد وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر إلى سنتين حتى ينفيه كما
في الغاية. قوله: (ومن قال لغلام هو ابني ومات فقالت أمه أنا امرأته وهو ابنه يرثانه)
278

والقياس أن لا ميراث لها لأن النسب كما يثبت بالنكاح الصحيح يثبت بالنكاح الفاسد
وبالوطئ عن شبهته وبملك اليمين فلم يكن قوله إقرارا بالنكاح. وجه الاستحسان أن المسألة
فيما إذا كانت معروفة بالحرية وبكونها أم الغلام، والنكاح الصحيح هو لمتعين لذلك وضعا
وعادة لأنه الموضوع لحصول الأولاد دون غيره فهما احتمالان لا يعتبران في مقابلة الظاهر
القوي، وكذا احتمال كونه طلقها في صحته وانقضت عدتها لأنه لما ثبت النكاح وجب الحكم
بقيامه ما لم يتحقق زواله. فإن قيل: إن النكاح يثبت بمقتضى ثبوت النسب وهو لا عموم له
فيتقدر بقدر الحاجة قلنا: النكاح غير متنوع إلى نكاح موجب للإرث والنسب وإلى غير
موجب لهما، فإذا تعين النكاح الصحيح لزم بلوازمه. وفي غاية البيان: إنه ليس من
الاقتضاء في شئ لأن المقتضي وهو النسب يصح بلا ثبوت المقتضي وهو النكاح بأن يكون
الوطئ عن شبهة أو تكون أم ولده فلم يفتقر ثبوت النسب إلى النكاح لا محالة قوله: (وإن
جهلت حريتها فقال وارثة أنت أم ولد أبي فلا ميراث لها) لأن ظهور الحرية باعتبار الدار
حجة في دفع الرق لا في استحقاق الإرث، وتقييده بقول الوارث اتفاقي لأن الجهل بحريتها
كاف لعدم ميراثها، قال الوارث أنت أم ولد أبي أو لم يقل كما أطلقه في غاية البيان معللا
بأن للوارث أن يقول ذلك، ولعل فائدته أن الوارث لو كان صغيرا فإنه لا ميراث لها أيضا
وإن لم يقل شيئا. ولم يذكر المصنف رحمه الله أن لها مهرا تعند إقرار الوارث أنها أم ولد أبيه.
وذكر التمرتاشي أن لها مهر مثلها لأنهم أقروا بالدخول ولم يثبت كونها أم ولد بقولهم، ورده
في غاية البيان بأن الدخول إنما يوجب مهر المثل في غير صورة النكاح إذا كان الوطئ عن
شبهة ولم يثبت النكاح هنا والأصل عدم الشبهة فبأي دليل يحمل على ذلك فلا يجب مهر
المثل. وأيضا إنما لم نوجب الإرث لأن الاستصحاب لا يصلح للاثبات فلو وجب مهر المثل
لكان صالحا للاثبات فلا يجوز اه‍. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
باب الحضانة
بيان لمن يحضن الولد الذي ثبت نسبه، وهي بكسر الحاء وفتحها تربية الولد، والحاضنة
279

المرأة توكل بالصبي فترضعه وتربية وقد حضنت ولدها حضانة من باب طلب، وحضن الطائر
بيضه حضنا إذا جثم عليه بكنفه يحضنه، كذا في المغرب، وفي ضياء الحلوم: حضنت عن حاجته
ولدها حضانة وحضنت الحمامة بيضها حضونا أي جعلته في حضنها، وحضنه عن حاجته
أي حبسه، وحضنه عن الامر إذا أنحاه عنه، والحضن ما دون الإبط. ثم اعلم أن الحضانة
حق الصغير لاحتياجه إلى من يمسكه فتارة يحتاج إلى من يقوم بمنفعة بدنه في حضانته وتارة
إلى من يقوم بما له حتى لا يلحقه الضرر وجعل كل واحد منهما إلى من أقوم به وأبصر،
فالولاية في المال جعلت إلى الأب والجد لأنهم أبصر وأقوم في التجارة من النساء، وحق
الحضانة جعل إلى النساء لأنهن أبصر وأقوم على حفظ الصبيان من الرجال لزيادة شفقتهن
وملازمتهن للبيوت، واتفقوا على أن الأب يجبر على نفقته مطلقا ويجب عليه إمساكه وحفظه
وصيانته إذا استغنى عن النساء لأن ذلك حق للصغير عليه، واختلفوا في وجوب حضانته
على الام ونحوها من النساء وفي جبرها إذا امتنعت، فصرح في الهداية بأنها لا تجبر لأنها
عست أن تعجز عن الحضانة وصححه في التبيين، وفي الولواجية وعليه الفتوى، وفي
الواقعات والفتوى على عدم الجبر لوجهين: أحدهما أنها ربما لا تقدر على الحضانة، والثاني أن
الحضانة حق الام والمولى ولا يجبر على استيفاء حقه اه‍. وفي الخلاصة وقال مشايخنا: ولا تجبر
280

الام عليها وكذلك الخالة إذا لم يكن لها زوج لأنها ربما تعجز عن ذلك اه‍. فأفاد أن غير الام
كالأم في عدم الجبر بل هو بالأولى كما في الولواجية. وذكر الفقهاء الثلاثة أبو الليث
والهندواني وخواهر زاده أنها تجبر على الحضانة وتمسك لهم في فتح القدير بما في كافي
الحاكم الشهيد الذي هو جمع محمد لو اختلعت على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع
جائز والشرط باطل لأن هذا حق الولد أن يكون عند أمه ما كان إليها محتاجا. زاد في
المبسوط: فليس لها أن تبطله بالشرط. فهذا يدل على أن قول الفقهاء الثلاثة هو جواب ظاهر
الرواية. وأما قوله تعالى (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) [الطلاق: 6] فليس الكلام في
الارضاع بل في الحضانة. قال في التحفة: ثم الام وإن كانت أحق بالحضانة فإنه لا يجب
عليها الرضاعة لأن ذلك بمنزلة النفقة ونفقة الولد على الوالد إلا أن لا يوجد من ترضعه
فتجبر. فالحاصل أن الترجيح قد الترجيح قد اختلف في هذه المسألة والأولى الافتاء بقول الفقهاء الثلاثة
لكن قيده في الظهيرية بأن لا يكون للصغير ذو رحم محرم فحينئذ تجبر الام كيلا يضيع الولد،
أما إذا كان له جدة مثلا وامتنعت الام من إمساكه ورضيت الجدة بإمساكه فإن يدفع إلى الجدة
لأن الحضانة كانت حقا لها، فإذا أسقطت حقها صح الاسقاط منها. وعزا هذا التفصيل إلى
الفقهاء الثلاثة. وعلله في المحيط بأن الام لما أسقطت حقها بقي حق الولد فصارت الام
بمنزلة الميتة أو المتزوجة فتكون الجدة أولى. وظاهر كلامهم أن الام إذا امتنعت وعرض على
من دونها من الحاضنات فامتنعت أجبرت الام لا من دونها ولذا قيدوا جواب المسألة بأن
رضيت الجدة بإمساكه. وذكر في السراجية أن الام تستحق أجرة على الحضانة إذا لم تكن
منكوحة ولا معتدة لأبيه وتلك الأجرة غير أجرة ارضاعه كما سيأتي في النفقات.
281

قوله: (أحق بالولد أمه قبل الفرقة وبعدها) أي في التربية والامساك لما قدمناه، ولما
روي أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثدي
له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال عليه السلام: أنت أحق به. ولان الام أشفق وإليه
أشار الصديق رضي الله عنه بقوله: ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر، قاله حين
وقعت الفرقة بينة وبين امرأته والصحابة رضي الله عنهم حاضرون متوافرون. أطلق في الام
وقيدوه بأن يكون أهلا للحضانة فلا حضانة للمرتدة، سواء لحقت بدار الحرب أو لا، لأنها
تحبس وتجبر على الاسلام، فإن تابت فهي أحق به. ولا للفاسقة كما في فتح القدير وغيره.
وفي القنية: الام أحق بالصغيرة وإن كانت سيئة السيرة معروفة بالفجور ما لم تعقل ذلك
282

اه‍. وينبغي أن يراد بالفسق في كلامهم هنا الزنا المقتضي لاشتغال الام عن الولد به
بالخروج من المنزل ونحوه لا مطلقة الصادق بترك الصلوات لما يأتي أن الذمية أحق بولدها
المسلم ما لم يعقل الأديان فالفاسقة المسلمة بالأولى، ولا لمن تخرج كل وقت وتترك البنت
ضائعة ولا للأمة وأم الواد والمدبرة والمكاتبة إذا ولدت قبل الكتابة، ولا للمتزوجة بغير
محرم، وكذلك لو كان الأب معسرا وأبت الام أن تربي إلا بأجر وقالت العمة أنا أربي بغير
أجر فإنه لا حضانة للام وتكون العمة أولى في الصحيح كما سيأتي، وسنذكر أن الكتابية أحق
بولدها المسلم ما لم يعقل الأديان قوله: (ثم أم الام) يعني بعد الام الأحق أمها وهو شامل لما
إذا كانت الام ميتة أو ليست أهلا للحضانة ففي كل منهما ينتقل الحق إلى أم الام لأن هذه
الولاية مستفادة من قبل الأمهات فكانت التي هي من قبلها أولى وإن علت، فالجدة من قبل
الام أولى من أم الأب ومن الخالة، وصححه الولوالجي. وذكر الخصاف في النفقات: فإن
كان للصغير جدة الام من قبل أبيها وهي أم أبي أمه فهذه ليست بمنزلة من كانت من قرابة
الام من قبل أمها، وكذلك كل من كان من قبل أبي الام فليس بمنزلة قرابة الام من قبل أمها
اه‍. وفي الولواجية: جدة الام من قبل الأب وهي أم أبي الام لا تكون بمنزلة من كانت
من قرابة الام لأن هذا الحق لقرابة الام اه‍. وظاهره تأخير أم أبي الام عن أم الأب بل عن
الخالة أيضا وقد صارت حادثة للفتوى في زماننا قوله: (ثم أم الأب وإن علت) فهي مقدمة
283

على الأخوات والخالات لأنها من الأمهات ولهذا تحرز من ميراثهن السدس ولأنها أوفر شفقة
للأولاد، وأما قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي داود " إنما الخالة أم " (1) فيحتمل كونه
في ثبوت الحضانة أو غيره إلا أن السياق أفاد إرادة الأول فيبقى أعم من كونه في ثبوت أصل
الحضانة أو كونها أحق بالولد من كل من سواها، ولا دلالة على الثاني والأول متيقن فيثبت
فلا يفيد الحكم بكونها أحق من أحد بخصوصه أصلا ممن له حق في الحضانة فيبقى المعنى
الذي عيناه بلا معارض من أن الجدة أم، كذا في فتح القدير. وفي القنية: صغيرة عند جدة
تخون حقها فلعمها أن يأخذها منها إذا ظهرت خيانتها.
قوله: (ثم الأخت لأب وأم ثم لام ثم لأب) يعني فهن أولى من العمات والخالات
لأنهن بنات الأبوين ولهذا قدمن في الميراث. وتقدم الأخت الشقيقة لأنها أشفق ثم يليها
الأخت من الام لأن الحق لهن من قبل الام، وأما الأخت لأب فذكر المصنف أنها مقدمة على
الخالة اعتبارا لقرب القرابة وتقديم المدلي بالام على المدلي بالأب عند اتحاد مرتبتهما قربا وهذه
رواية كتاب النكاح، وفي رواية كتاب الطلاق الخالة أولى لأنها تدلي بالام وتلك بالأب. ولم
يذكر المصنف أولاد الأخوات لأن فيهم تفصيلا فأولاد الأخوات لأب وأم أو لام أحق من
الخالات والعمات باتفاق الروايات، وأما أولاد الأخوات لأب ففي أحد الروايتين أحق من
الخالات اعتبارا بالأصل، والصحيح أن الخالات أولى من أولاد الأخوات لأب، والأخت لام
أولى من ولد الأخت لأب وأم، وبنات الأخت أولى من بنات الأخ لأن الخت لها حق في
الحضانة دون الأخ فكان المدلي لها أولى، وإذا اجتمع من له حق الحضانة في درجة فأورعهم
أولى ثم أكبر هم قوله: (ثم الخالات كذلك) أي فهن أولى من العمات ترجيحا لقرابة الام
وينزلن كما نزلت الأخوات، فترجح الخالات لأب وأم ثم لام ثم لأب وهو المراد بقوله
" كذلك ". والخالة هي أخت أم الصغير لا مطلق الخالة لأن خالة الام مؤخرة عن عمة الصغير
وكذلك خالة الأب كما سنبينه. وأفاد كلامه أن الخالة أولى من بنت الأخ لأنها تدلي بالام
وتلك بالأخ قوله: (ثم العمات كذلك) أي تقدم العمة لأب وأم ثم لأب، ولم يذكر
المصنف بعد العمات أحدا من النساء، والمذكور في غاية البيان وفتح القدير وغيرهما أن بعد
العمات خالة الام لأب وأم ثم لام ثم لأب ثم بعدهن خالة الأب لأب وأم ثم لام ثم لأب
284

ثم بعدهن عمات الأمهات والآباء على هذا التفصيل الترتيب. ولم يذكر المصنف أيضا بنات
الأخ وفي التبيين أن بنات الأخ أولى من العمات. ولم يذكر أيضا أولاد الخالة والعمة في
الحضانة لأنه لا حق لبنات العمة والخالة في الحضانة لأنهن غير محرم، وكذلك بنات الأعمام
والأخوال بالأولى، كذا في كثير من الكتب. وفي غاية البيان: والعمة أحق من ولد الخالة.
وهو تسامح لأنه لا حق لولد الخالة أصلا كما نقلناه قوله: (ومن نكحت غير محرم سقط
حقها) أي غير محرم من الصغير كالأم إذا تزوجت بأجنبي منه لقوله عليه الصلاة والسلام:
أنت أحق به ما لم تتزوجي ولان زوج الام إذا كان أجنبيا يعطيه نزرا وينظر إليه شزرا فلا
نظر له. والنزر الشئ القليل والشزر نظر البغض. ولذا قال في القنية: الام إذا تزوجت
بزوج آخر وتمسك الصغير معها أم الام في بيت الراب فللأب أن يأخذه منها اه‍.، فعلى
هذا تسقط الحضانة إما بتزوج غير المحرم أو بسكناها عند المبغض له لكن وقع لي تردد في أن
الخالة ونحوها إذا سكنت عند أجنبي من الصغير ولم تكن متزوجة هل تسقط حضانتها قياسا
على الجدة إذا سكنت في بيت بنتها المتزوجة، أو هذا خاص ببيت زوج الام باعتبار بغضه له
كما هو العادة؟ والذي يظهر الأول لأنه يتضرر بالسكنى في بيت أجنبي عنه، وكذا اختلف
في أجرة المسكن الذي يحضن فيه الصبي، فقيل يجب في ماله أن كان له مال وإلا فعلى من
تجب عليه نفقته. وفي التفاريق: لا تجب، كذا في خزانة الفتاوى. قيد بغير المحرم لأن
الزوج لو كان ذا رحم محرم للصغير كالجدة إذا كان زوجها الجد أو الام إذا كان زوجها عم
الصغير أو الخالة إذا كان زوجها عمه لا يسقط حقها لانتفاء الضرر عن الصغير. ودخل تحت
غير المحرم الذي ليس بمحرم كابن العم فهو كالأجنبي هنا، ولو ادعى أن الام تزوجت
وأنكرت ولقول لها وينبغي أن يكون مع اليمين قوله: (ثم تعود بالفرقة) أي تعود الحضانة
لزوال المانع فقولهم " سقط حقها " معناه منع مانع منه لأنه من باب زوال المانع لا من عود
الساقط كالناشزة لا نفقة لها ثم تعود بالعود إلى منزل الزوج. وأراد بالفرقة الطلاق البائن،
وأما الطلاق الرجعي فإنه لا يعود حقها به حتى تنقضي عدتها لقيام الزوجية. وفي الظهيرية
285

وغيرها: لو أقرت بالتزوج وادعت أنه طلقها وعاد حقها فيها فإن أبهمت الزوج كان القول
قولها، وإن عينت لا يقبل قولها في دعوى الطلاق.
قوله: (ثم العصبات بترتيبهم) يعني إن لم يكن للصغير أحد من محارمه من النساء
واختصم فيه الرجال فأولاهم به أقربهم تعصيبا لأن الولاية للأقرب فيقدم الأب ثم الجد أب
الأب وإن علا ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب، وكذا
كل من سفل من أولادهم ثم العم شقيق الأب ثم لأب وأما أولاد الأعمام فإنه يدفع إليهم
الغلام فيبدا بابن العم لأب وأم ثم ابن العم لأب، ولا تدفع إليهم الصغيرة لأنهم غير محارم،
وكذا لا تدفع إلى الام التي ليست بمأمونة وللعصبة الفاسق ولا إلى مولى العتاقة تحرزا عن
الفتنة. وبهذا علم أن إطلاق المصنف في محل التقييد لكن ينبغي أن يكون محل عدم الدفع إلى
ابن العم ما إذا كانت الصغيرة تشتهي وهو غير مأمون، أما إذا كانت لا تشتهي كبنت سنة
مثلا فلا منع لأنه لا فتنة، وكذا إذا كانت تشتهي وكان مأمونا. قال في غاية البيان معزيا إلى
تحفة الفقهاء: وإن لم يكن للجارية من عصباتها غير ابن العم فالاختيار إلى القاضي إن رآه
أصلح تضم إليه وإلا توضع على يد أمينة اه‍. ولم يذكر المصنف الدفع إلى ذوي الأرحام
286

قالوا: إذا لم يكن للصغير عصبة يدفع إلى الأخ لام ثم إلى ولده ثم إلى العم لام ثم إلى الخال
لأب وأم ثم لأب ثم لام لأن لهؤلاء ولاية عند أبي حنيفة في النكاح. وبهذا علم أن مرادهم
بذوي الأرحام هنا وفي باب ولاية إلا نكاح قرابة ليست بعصبة لا المذكور في الفرائض أنه
قريب ليس بذي سهم ولا عصبة لأن بعض أقارب الفروض داخل في ذوي الأرحام هنا
كالأخ لام، وإذا اجتمع مستحقو الحضانة في درجة كالاخوة والأعمام فاصلحهم أولى، فإن
تساووا فأورعهم، فإن تساووا فأسنهم. وفي البدائع: لا حق للرجال من قبل الام وهو
محمول على ما إذا كان من قبل الأب من هو موجود قوله: (والام والجدة أحق بالغلام حتى
يستغني وقدر بسبع) لأنه إذا استغنى يحتاج إلى تأديب والتخلق بآداب الرجال واخلاقهم
والأب أقدر على التأديب والتعنيف، وما ذكره المصنف من التقدير بسبع قول الخصاف اعتبارا
للقالب لأن الظاهر أن الصغير إذا بلغ السبع يهتدي بنفسه إلى الأكل والشرب واللبس
والاستنجاء وحده فلا حاجة إلى الحضانة، فلا مخالفة بين تقدير الاستغناء بالسن وبين ان يقدر
على الأشياء الأربعة وحده كما هو المذكور في الأصل، ولم يذكر الاستنجاء في المبسوط
وذكره في السير الكبير وزاد في نوادر ابن رشيد: ويتوضأ وحده. ثم من المشايخ من قال:
المراد من الاستنجاء تمام الطهارة بان يطهر وجهه وحده بلا معين. ومنهم من قال بل من
النجاسة وإن لم يقدر على تمام الطهارة وهو المفهوم من ظاهر كلام الخصاف. وفي غاية البيان
والتبيين والكافي ان الفتوى على قول الخصاف من التقدير بالسبع لأن الأب مأمور بان يأمره
بالصلاة إذا بلغها، وإنما يكون ذلك إذا كان الولد عنده. ولو اختلفا فقال ابن سبع وقالت
ابن ست لا يحلف القاضي أحدهما ولكن ينظر إن كان يأكل وحده ويلبس وحده ويستنجي
وحده دفع والا فلا، كذا في الظهيرية. واستغنى بذكر الاكل عن الشرب ولذا ذكر الشرب
في الخلاصة وجمع بين الأربعة في التبيين، واما ما في فتح القدير والخلاصة من عدم ذكر
الاستنجاء فسهو. وأشار المصنف رحمه الله بذكر الام والجدة إلى أن غيرهما أولى، فلو قال
" والحاضنة أحق به حتى يستغني " لكان أصرح.
قوله: (وبها حتى تحيض) أي الام والجدة أحق بالصغيرة حتى تحيض لأن بعد الاستغناء
تحتاج إلى معرفة آداب النساء والمرأة على ذلك أقدر، وبعد البلوغ تحتاج إلى التحصين والحفظ
والأب فيه أقوى واهدى. وبه علم أنه لو قال حتى تبلغ لكان أولى. وعن محمد انها تدفع إلى
الأب إذا بلغت حد الشهوة لتحقق الحاجة إلى الصيانة. قال في النقاية وهو المعتبر لفساد
الزمان. وفي نفقات الخصاف: وعن أبي يوسف مثله. وفي التبيين: وبه يفتى في زماننا
287

لكثرة الفساد. وفي الخلاصة وغياث المفتي: والاعتماد على هذه الروايات لفساد الزمان.
فالحاصل ان الفتوى على خلاف ظاهر الرواية فقد صرح في التجنيس بان ظاهر الرواية انها
أحق بها حتى تحيض واختلف في حد الشهوة. وفي الولوالجية: وليس لها حد مقدر لأنه
يختلف باختلاف حال المرأة. وفي التبيين وغيره: وبنت إحدى عشرة سنة مشتهاة في قولهم
جميعا. وقدره أبو الليث بتسع سنين وعليه الفتوى اه‍. وأشار المصنف إلى أنها لو زوجت
قبل ان تبلغ لا تسقط حضانتها. وقال في القنية: الصغيرة إذا لم تكن مشتهاة ولها زوج لا
يسقط حق الام في حضانتها ما دامت لا تصلح للرجال الا في رواية عن أبي يوسف إذا
كانت يستأنس بها اه‍. وظاهره انها إذا صلحت للرجال قبل البلوغ وقد زوجها أبوها فإنه لا
حضانة لامها اتفاقا فيحتاج اطلاق المختصر إلى تقييد، نعم على المفتى به فهو ظاهر ولم أر
حكم ما إذا اختلف الأب والام في حيضها فقالت الام لم تحض وقال الأب حاضت أو في
البلوغ بالسن، وينبغي أن يكون القول قول الام كما لو ادعى تزوجها وأنكرت بجامع انه
يدعى سقوط حقها وهي تنكر قوله: (وغيرهما أحق بها حتى تشتهي) أي غير الام والجدة أحق
بالصغيرة حتى تشتهي فيأخذها الأب. وفي الجامع الصغير: حتى تستغني لأنها لا تقدر على
استخدامها ولهذا لا تؤجرها للخدمة فلا يحصل المقصود بخلاف الام والجدة لقدرتهما عليه
شرعا. وأطلق في الجدة فشمل جدته من أمه ومن أبيه كما في فتح القدير. وفى الظهيرية: ولو أن
امرأة جاءت بالصبي تطلب النفقة من أبيه فقالت هذا ابن ابنتي منك وقد ماتت أمه فاعطني
نفقته فقال الأب صدقت هذا ابني من ابنتك فاما أمه فلم تمت وهي في منزلي وأراد اخذ الصبي
منها لم يكن له ذلك حتى يعلم القاضي أمه وتحضر هي فتأخذه لأنه لما أقر انها جدة الصبي فقد
أقر ان لها حق الحضانة ثم يدعى قيام من هو أولى منها وذا محتمل، فإن أحضر الأب امرأة فقال
هذه ابنتك وهذا ابني منها وقالت الجدة ما هذه ابنتي وقد ماتت ابنتي أم هذا الصبي فالقول في
هذا قول الرجل والمرأة التي معه ويدفع الصبي إليه لأن الفراش لهما فيكون الولد لهما، وصار
هذا كالزوجين إذا كان بينهما ولد فقالت المرأة هو ابني من زوج آخر وقال الرجل هو ابني من
امرأة أخرى فإنه يحكم بكونه ابنا لهما لأن الفراش لهما فيكون الولد لهما، وكذلك الجدة لو
حضرت وقالت هذا ابن ابنتي من هذا الرجل وقد ماتت أمه فقال الرجل هذا ابني من غير
ابنتك من امرأة لي فالقول قوله ويأخذ الصبي منها، ولو أحضر الرجل امرأة وقال هذا ابني من
هذه لا من ابنتك وقالت الجدة ما هذه أمه بل أمه ابنتي وقالت التي أحضرها الرجل صدقت ما
انا بأمه وقد كذب هذا الرجل ولكني امرأته فإن الأب أولى به فيأخذه. وعلل الخصاف رحمه الله
في الكتاب فقال: لأنه لما قال هذا ابني من هذه المرأة فقد أنكر كونها جدة له فيكون منكرا الحق
لها في الحضانة أصلا وهي أقرت له بالحق اه‍.
288

قوله: (ولا حق للأمة وأم الولد ما لم يعتقا) لعجزهما عن الحضانة بالاشتغال بخدمة
المولى، وإذا أعتقتا صارتا حرتين أو آن ثبوت الحق. ودخل تحت الأمة المدبرة لوجود الرق
فيها، وكذا المكاتبة داخلة تحت الأمة بالنسبة إلى الولد المولود قبل الكتابة، وأما إذا ولدته بعد
الكتابة فهي أولى بحضانته من غيرها لأنه صار داخلا في كتابتها. وأراد بالحق المنفى حق
الحضانة قالوا: ولا يفرق بينه وبين أمه للنهي عن ذلك. ولم يذكر المصنف ان الحق في
حضانة ولد الأمة للمولى أو لغيره. والحق التفصيل، فإن كان الصغير رقيقا فمولاه أحق به
حرا كان أبوه أو عبدا، وكذا لو عتقت أمه بعد وضعه فلا حق لها في حضانته إنما الحق
للمولى، سواء كانت منكوحة أبيه أو فارقها لأنه مملوكه. وأما إذا كان حرا فالحضانة لاقربائه
الأحرار ان كانت أمة أمة لا لمولاها ولا لمولاه الذي أعتقه، وان أعتقت كانت الحضانة لها
قوله: (والذمية أحق بولدها المسلم ما لم يعقل الأديان) لأن الحضانة تبتنى على الشفقة وهي
أشفق عليه فيكون الدفع إليها انظر له فإذا عقل الأديان ينزع منها لاحتمال الضرر. وأطلق
الذمية فشمل الكتابية والمجوسية كما في غاية البيان وغيره. وقيد بها للاحتراز عن المرتدة لأنه
لا حق لها فيها لأنها تحبس وتضرب فلا تتفرغ له، ولا في دفعه إليها نظر إذا أسلمت وتابت
يسلم الولد إليها. وقد جمع في الهداية بين شيئين فقال ما لم يعقل الأديان أو يخاف ان يألف
الكفر. فظاهره انه إذا خيف ان يألف الكفر نزع منها وان لم يعقل دينا وهي ورادة على
المصنف المقتصر على الأول. وفى شرح النقاية: لو خيف ان تغذيه بلحم خنزير أو خمر لم
ينزع منها بل يضم إلى ناس من المسلمين. والتقييد بالام اتفاقي إذ كل حاضنة ذمية كذلك كما
صرح في خزانة الأكمل: وأم الام بمنزلة الام مسلمة كانت أو كتابية أو مجوسية، وكذا كل
كافرة من نساء القرابة فهي بمنزلة الام اه‍.
قوله: (ولا خيار للولد عندنا ذكرا كان أو أنثى) وقال الشافعي: لهما الخيار لأن
النبي صلى الله عليه وسلم خير. ولنا انه لقصور عقله يختار من عنده الدعة والراحة لتخليته بينه وبين اللعب
فلا يتحقق النظر، وقد صح ان الصحابة رضي الله عنهم لم يخيروا. واما الحريث قلنا قد قال
عليه السلاة والسلام " اللهم اهده " فوفق لاختيار الا نظر بدعائه عليه السلام، أو يحمل على ما
إذا كان بالغا. والمراد بعدم تخييره عندنا انه إذا بلغ السن الذي ينزع من الام يأخذه الأب ولا
289

خيار للصغير. وفى فتح القدير: والمعتوه لا يخير ويكون عند الام، وينبغي أن يكون عند من
يقول بتخيير الولد، واما عندنا فالمعتوه إذا بلغ السن المذكور يكون عند الأب. ولم يذكر المصنف
رحمه الله حكم الولد إذا بلغ هل ينفرد بالسكنى أو يستمر عند الأب؟ وفى الظهيرية: فإذا بلغت
الجارية مبلغ النساء فإن كانت بكرا كان للأب ان يضمها إلى نفسه، وان كانت ثيبا فليس له ذلك
الا إذا لم تكن مأمونة على نفسها. والغلام إذا عقل واجتمع رأيه واستغنى عن الأب ليس للأب
ان يضمه إلى نفسه الا إذا لم يكن مأمونا على نفسه كان له ان يضمه إلى نفسه، وليس عليه نفقته
الا ان يتبرع. ومتى كانت الجارية بكرا يضمها إلى نفسه وإن كان لا يخاف عليها الفساد إذا كانت
حديثة السن، أما إذا دخلت في السن واجتمع لها رأى وعقلت فليس للأولياء حق الضم ولها
ان تنزل حيث أحبت حيث لا يتخوف عليها، وان كانت ثيبا مخوفا عليها وليس لها أب ولا جد
ولكن لها أخ أو عم ليس له ولاية الضم إلى نفسه بخلاف الأب والجد. والفرق ان الأب والجد
كان لهما ولاية الضم في الابتداء فجاز ان يعيداها إلى حجرهما إذا لم تكن مأمونة، اما غير الأب
والجد فلم يكن له ولاية الضم في الابتداء فلا يكون له ولاية الإعادة أيضا اه‍. وان لم يكن لها
أب ولا جد ولا عصبة أو كان لها عصبة مفسد فللقاضي ان ينظر في حالها، فإن كانت مأمونة
خلاها تنفرد بالسكنى، سواء كانت بكرا أو ثيبا والا وضعها عند امرأة أمينة ثقة تقدر على الحفظ
لأنه جعل ناظرا للمسلمين، كذا في التبيين. وذكر الأسبيجابي ان للأب ان يؤدب ولده البالغ
إذا وقع منه شئ. وفي الولوالجية: الابن إذا بلغ يتخير بين الأبوين فإن كان فاسقا يخشى عليه
شئ فالأب أولى من الام. وفى الخلاصة: امرأة خرجت من منزلها وتركت صبيا لها في المهد
فسقط المهد ومات الصغير لا شئ عليها لأنها لم تضيع فلا تضمن كما لو خرجت من منزلها
فجاء طرار فطر في البيت فلا ضمان عليها.
قوله: (ولا تسافر مطلقة بولدها الا إلى وطنها وقد نكحها ثم) لأن في السفر به اضرارا
بأبيه، فإذا خرجت به إلى وطنها وقد كان تزوجها الزوج فيه فلها ذلك لأنه التزم المقام فيه
عرفا وشرعا. قال عليه السلام " من تأهل ببلدة فهو منهم " (1) ولهذا يصير الحربي به ذميا،
كذا في الهداية. ودفعة في الكافي بان المصرح به ان الحربي لا يصير بتأهله في دار الاسلام
ذميا لامكان ان يطلقها ثم يعود إلى دار الحرب، وإنما ذلك في الحربية إذا تزوجت فإنها تصير
290

ذمية، وما في التبيين من ابدال الحربي بالحربية لا يناسب المقام لأن الكلام في الرجل. وشرط
المصنف لجواز سفرها به أمرين، واتفقوا انه ليس لها السفر به إلى مصر لم يتزوجها فيه،
واختلفوا فيما إذا أرادت الخروج إلى مصر غيره وطنها وقد كان التزوج فيه. أشار في الكتاب
إلى أنه ليس لها ذلك وهذا رواية كتاب الطلاق، وذكر في الجامع الصغير ان لها ذلك لأن
العقد متى وجد في مكان يوجب أحكامه فيه كما يوجب البيع التسليم في مكانه، ومن جملة
ذلك حق امساك الأولاد. وجه الأول ان التزوج في دار الغربة ليس التزاما للمكث فيه عرفا
وهذا أصح، كذا في الهداية. وفى شرح النقاية: وإنما قال المصنف تسافر دون تخرج لأنه لو
كان بين الموضعين تقارب بحيث يتمكن الأب من مطالعة ولده الرجوع إليه في نهاره جاز لها
ان تنتقل إليه، سواء كان وطنا لها أو لم يكن، وقع العقد فيه أو لم يقع لأن الانتقال إلى
قريب بمنزلة الانتقال من محلة إلى محلة في بلدة واحدة اه‍. والذي يظهر عدم صحة التعبير
بالسفر أو بالخروج على الاطلاق لأن السفر إن كان المراد به الشرعي لم يصح إذ لا يشترط في
منعها عن الخروج به أن يكون بين الوطنيين ثلاثة أيام، وإن كان المراد به السفر اللغوي لم
يصح أيضا لأنه إذا كان بين المكانين تقارب لا تمنع مطلقا فهو كالانتقال من محلة إلى أخرى،
وكذا التعبير بمطلق الخروج لا يصح والعبارة الصحيحة ليس لها الخروج وبالولد من بلدة إلى
أخرى بينهما تفاوت كما ذكرناه الا إذا انتقلت من القرية إلى المصر فإن لها ذلك لأن فيه نظرا
للصغير حيث يتخلق بأخلاق أهل المصر، وليس فيه ضرر بالأب وهي واردة على المصنف
وفى عكسه ضرر بالصغير لتخلقه بأخلاق أهل السواد فليس لها ذلك مطلقا. ويستثنى من
جواز نقله إذا وجد الأمران في دار الحرب فليس لها ان تنقله إليها إذا كان وطنها ونكحها فيه
لما فيه من الاضرار بالولد والوالد المسلم أو الذمي حتى لو كان الوالد والوالدة حربيين لها
ذلك. وقيد بالمطلقة لأن المنكوحة، ليس لها الخروج به من بلد إلى آخر مطلقا لأن حق السكنى
للزوج بعد ايفاء المعجل خصوصا بعدما خرجت معه. وأراد بالمطلقة المبانة بعد انقضاء العدة
لأن المطلقة رجعيا حكمها حكم المنكوحة، ومعتدة البائن ليس لها الخروج قبل انقضاء العدة
مطلقا. وقيد بالام لأن الام لو ماتت وصارت الحضانة للجدة فليس لها ان تنتقل إلى مصرها
291

بالولد لأنه لو لم يكن بينهما عقد، وكذا أم الولد إذا أعتقت لا تخرج الولد من المصر الذي فيه
الغلام لأنه لا عقد بين الأب وأم الولد كذا في فتح القدير. وغير الجدة كالجدة بالأولى.
وأطلق في الوطن فشمل القرية فلها ان تنقله من مصر إلى قرية وقع العقد بها وهي
قريتها كما في شرح الطحاوي وهو المنصوص عليه في الكافي للحاكم الشهيد، فما في شرح
البقالي من أنه ليس لها ذلك ضعيف. وقيد بالمرأة لأن الأب ليس له اخراج الولد من بلد أمه
حيث كان لها حق في الحضانة. قال في الظهيرية: وفى المنتقى ابن سماعة عن أبي يوسف:
رجل تزوج امرأة بالبصرة فولدت له ولدا ثم إن هذا الرجل اخرج ولده الصغير إلى الكوفة
وطلقها وخاصمته في ولدها وأرادت رده عليها قال: وإن كان الزوج أخرجه إليها بأمرها
فليس عليه ان يرده ويقال لها اذهبي إليه وخذيه. قال وإن كان اخراجه بغير أمرها فعليه ان
يجئ به إليها. ابن سماعة عن أبي يوسف في رجل خرج مع المرأة وولدها من البصرة إلى
الكوفة ثم رد المرأة إلى البصرة ثم طلقها فعليه ان يرد ولدها فيؤخذ بذلك لها اه‍. وفى
الحاوي القدسي: وإذا تزوجها في قرية من رستاق لها قرى قريبة بعضها من بعض فأرادت
ان تخرج بولدها من قرية إلى قرية لها ذلك ما لم تقطعه من أبيه إذا أراد ان يبصر ولده كل
يوم، وكذا الأب إذا أراد ان يخرجه إلى مثل ذلك، وليس له ان يخرجه من المصر إلى القرى
بغير رضا أمه إذا كان صغيرا اه‍. وفى المجمع: ولا يخرج الأب بولده قبل الاستغناء اه‍.
وعلله في الشرح بأنه لما فيه من الاضرار بالام بابطال حقها في الحضانة وهو يدل على أن
292

حضانتها إذا سقطت جاز له السفر به. وفى الفتاوى السراجية: سئل إذا اخذ المطلق ولده من
حاضنته لزواجها هل له ان يسافر به؟ فأجاب بأنه له ان يسافر به إلى أن يعود حق أمه اه‍.
وهو صريح فيما قلنا وهي حادثة الفتوى في زماننا والله أعلم.
باب النفقة هي في اللغة الانسان على عياله ونحو ذلك قال تعالى * (وما منعهم أن تقبل منهم
نفقاتهم) * [التوبة: 45] ويقال أنفق الرجل من النفقة قال تعالى * (لينفق ذو سعة من سعته) *
[الطلاق: 7] وأنفق القوم إذا أنفقت سوقهم، وأنفق الرجل إذا ذهب ماله ويقال منه قوله
تعالى * (إذا لأمسكتم خشية الانفاق) * [الاسراء: 001] أي خشية الفقر. ويقال نفقت السلعة
نفاقا نقيض كسدت، ونفقة الدابة تفوقا إذا ماتت، كذا في ضياء الحلوم. وبه علم أن النفقة
المرادة هنا ليست مشتقة من النفوق بمعنى الهلاك، ولا من النفق ولا من النفاق، بل هي
اسم للشئ الذي ينفقه الرجل على عياله. وأما في الشريعة فذكر في الخلاصة قال هشام:
سألت محمدا عن النفقة قال: النفقة هي الطعام والكسوة والسكنى ا ه‍. قالوا: ونفقة الغير
تجب على الغير بأسباب ثلاثة: بالزوجية والقرابة والملك. فبدأ بالأول لمناسبة ما تقدم من
النكاح والطلاق والعدة.
قوله: (تجب النفقة للزوجة على زوجها والكسوة بقدر حالهما) أي الطعام والشراب
بقرينة عطف الكسوة والسكنى عليها، والأصل في ذلك قوله تعالى * (لينفق ذو سعة من
سعته) * [الطلاق: 7] وقوله تعالى * (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) * [البقرة:
332] وقوله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف
وعليه إجماع الأمة، لأن النفقة جزاء الاحتباس فكل من كان محبوسا بحق مقصود لغيره كانت
293

نفقته عليه. أصله القاضي والعامل في الصدقات والمفتي والوالي والمضارب إذا سافر بمال
المضاربة والمقاتلة إذا أقاموا لدفع عدو المسلمين. واعترض بأن الرهن محبوس لحق المرتهن وهو
الاستيفاء ولذا كان أحق به من سائر الغرماء مع أن نفقته على الراهن. وأجيب بأنه محبوس
بحق الراهن أيضا وهو وفاء دينه عنه عند الهلاك مع كونه ملكا له. أطلق في الزوجة فشمل
المسلمة والكافرة الغنية والفقيرة، وأطلق في الزوج فشمل الغني والفقير والصغير والكبير
بشرط أن يكون للصغير مال وإلا فلا شئ على أبيه لها كما قدمناه في مهرها. ولم يذكر
المصنف طريق إيصال النفقة إليها وهو نوعان: تمكين وتمليك. فالتمكين متعين فيما إذا كان له
طعام وكثير وهو صاحب مائدة فتمكن المرأة من تناول مقدار كفايتها فليس لها أن تطالبه
بفرض النفقة وإن لم يكن بهذه الصفة، فإن رضيت أن تأكل معه فبها ونعمت، وإن خاصمته
في فرض النفقة يفرض لها بالمعروف وهو التمليك، كذا في غاية البيان. وظاهر ما في
الذخيرة أن المراد بصاحب الطعام الكثير أن ينفق على من لا تجب عليه نفقته فحينئذ هي
متعنتة في طلب الفرض لأنه إذا كان ينفق على من لا تجب عليه نفقته فلا يمتنع من الانفاق
على من عليه نفقته إلا إذا ظهر للقاضي أنه يضربها ولا ينفق عليها فحينئذ يفرض لها النفقة
ا ه‍. وظاهر ما في غاية البيان أن النفقة المفروضة تصير ملكا للمرأة دفعها إليها فلها
التصرف فيها من بيع وهبة وصدقة وادخار، ويدل على ذلك ما في الخلاصة: لو سرقت
الكسوة أو هلكت النفقة لا يفرض لها أخرى بخلاف المحارم، ولو فرض لها دراهم وبقي
294

منها شئ يفرض بخلاف المحارم ا ه‍. وفي الذخيرة: لو فرض لها القاضي عشرة دراهم
نفقة شهر فمضى الشهر وقد بقي من العشرة شئ يفر ض لها القاضي عشرة أخرى، وفرق
بين النفقة وبين الكسوة كما سنبينه في الكسوة. ويدل عليه أيضا ما فيها: أنهما لو اصطلحا
بعد فرض النفقة على شئ لا يصلح تقديرا للنفقة كان معاوضة كالعبد فلولا أنها ملكت
النفقة المفروضة لما كان معاوضة. وفي القنية: قال لها خذي هذه الدنانير الخمسة لنفقتك ولم
يعين الوقت فهو تمليك لا إباحة ا ه‍. فيفيد أنها تملك النفقة بفرض القاضي أو بدفع شئ
بالرضا لكن في الخلاصة والذخيرة إذا فرض القاضي النفقة فالزوج هو الذي يلي الانفاق إلا
إذا ظهر عند القاضي مطله فحينئذ يفرض النفقة ويأمره ليعطيها لتنفق على نفسها نظرا لها فإن
لم يعط حبسه ولا تسقط عنه النفقة ا ه‍. فهي وإن ملكتها بالفرض لم تتصرف فيها بالانفاق.
وتفرع على هذا ما لو قرر لها كل يوم مثلا قدرا معينا من النفقة فأمرته بإنفاق البعض
وأرادت أن تمسك الباقي فمقتضى التمليك أن لها ذلك كما تقدم التصريح به عن الخلاصة
والذخيرة في نفقة الشهر، ولا فرق بين نفقة شهر أو يوم فليس فائدة أنه يلي الانفاق مع
فرض القاضي إلا لكونه قواما عليها لا لأنه يأخذ ما فضل. وعلى هذا لو امرأته بشراء طعام
فاشترى لها فأكلت وفضل شئ واستغنت عنه في يومها فليس له أكله والتصرف فيه إليها
كما هو مقتضى التمليك. ويدل عليه أيضا أنها لو أسرفت في نفقة الشهر فأكلتها قبل مضيه
واحتاجت لا يفرض لها أخرى كما لو هلكت كما في الذخيرة. فالحاصل أن المفروضة أو
المدفوعة إليها ملك لها فلها الاطعام منها والتصدق. وفي الخانية: المرأة إذا فرضت لها النفقة
فأكلت من مال نفسها أو من مسألة الناس كان لها أن ترجع بالمفروض على زوجها ا ه‍. وفي
البدائع: وإذا طلبت المرأة من القاضي فرض النفقة قبل النقلة وهي بحيث لا تمتنع من التسليم
لو طالبها بالتسليم أو كان امتناعها لحق فرض القاضي لها إعانة لها على الوصول إلى حقها
الواجب، وإن كان بعدما حولها إلى منزله فزعمت عدم الانفاق أو التضييق فلا ينبغي له أن
يعجل بالفرض ولكن يأمره بالنفقة والتوسيع إلى أن يظهر ظلمه، فحينئذ يفرض عليه النفقة
ويأمره أن يدفعها إليها لتنفق على نفسها. ولو طلبت كفيلا بها خوفا من غيبته لا يجبره
295

القاضي على إعطاء الكفيل عند أبي حنيفة، واستحسن أبو يوسف أخذ كفيل بنفقة شهر.
ويشترط لوجوب الفرض على القاضي وجوازه منه شرطان: أحدهما طلب المرأة، والثاني
حضرة الزوج حتى لو كان الزوج غائبا فطلبت المرأة من القاضي فرض نفقة عليه لم يفرض
وإن كان عالما بالزوجية عند أبي حنيفة في قوله الأخير لأن الفرض من القاضي قضاء وقد
صح من أصلنا أن القضاء على الغائب لا يجوز من غير خصم، وقوله عليه السلام لامرأة أبي
سفيان كان على سبيل الفتوى لا على طريق القضاء بدليل أنه لم يقدر لها ما تأخذه، وفرض
النفقة من القاضي تقديرها، فإذا لم تقدر لم تكن فرضا فلم تكن قضاء وسيأتي تمامه فيما إذا
غاب وله مال عند مودعه. وفي الولوالجية: الفتوى على قول أبي يوسف في أخذ الكفيل
بنفقة شهر. ولم يذكر المصنف تقديرا للنفقة لما في الذخيرة وغيرها من أنه ليس في النفقة
عندنا تقدير لازم لأن المقصود من النفقة الكفاية وذلك مما يختلف فيه طباع الناس وأحوالهم
ويختلف باختلاف الأوقات أيضا، ففي التقدير بمقدار إضرار بأحدهما، والذي قال في
الكتاب إن كان الزوج معسرا فرض القاضي لها النفقة أربعة دراهم فهذا ليس بتقدير لازم بل
إنما قدره محمد لما شاهد في زمانه، فالذي يحق على القاضي في زماننا اعتبار الكفاية
بالمعروف، وأصله حديث هند حيث اعتبر الكفاية. وفي البدائع: وإذا كان وجوبها
على الكفاية فيجب على الزوج ما يكفيها من الطعام والإدام والدهن لأن الخير لا يؤكل عادة إلا
مأدوما، وأما الدهن فلا بد منه للنساء.
وفي الذخيرة قالوا: واللحم ليس من الادام خصوصا على أصل أبي حنيفة في اليمين
فينظر، إن كانت المرأة مفرطة اليسار تأكل الحلواء وما أشبه ذلك والزوج كذلك يفرض عليه
مثل ذلك، وإن كانا من أوساط الناس فعلى ما يأتدمون به في عاداتهم يفرض على الزوج
ا ه‍. وفي الأقضية يفرض الادام أيضا أعلاه اللحم وأدناه الزيت وأوسطه اللبن. وقيل في
الفقيرة لا يفرض الادام إلا إذا كان خبز شعير. وفي فتح القدير: والحق الرجوع في ذلك إلى
عرفهم ا ه‍. وفي المجتبى: والنفقة هي الخبز واللحم ودهن الرأس ودهن السراج وثمن الماء
ولون من الفاكهة، وعلى المعسر من الطعام خبز الشعير إذا كان ذلك طعام فقرائهم وعشرة
أساتير من اللحم وخمسة أساتير من الشحم والالية ولا شئ لها من الفاكهة ا ه‍. فصار
الحاصل أنه ينبغي للقاضي إذا أراد فرض النفقة أن ينظر في سعر البلد وينظر ما يكفيها
296

بحسب عرف تلك البلدة ويقوم الأصناف بالدراهم ثم يقدر بالدراهم كما في المحيط، أما
باعتبار حاله أو باعتبار حالهما، واختار المصنف الثاني وهو قول الخصاف، وفي الهداية وعليه
الفتوى، وفي الولوالجية وهو الصحيح وعليه الفتوى، وظاهر الرواية اعتبار حاله فقط وهو
قول الكرخي وبه قال جمع كثير من المشايخ ونص عليه محمد. وقال في التحفة والبدائع: إنه
الصحيح نظرا إلى قوله تعالى * (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله
لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها) * [الطلاق: 7] واستدل في الهداية لاعتبار حالهما بحديث
هند فإنه اعتبر حالهما، وأما النص فنقول بموجبه إنه مخاطب بقدر وسعه والباقي دين في
ذمته. وحاصله أنه عمل بالآية والحديث. واتفقوا على وجوب نفقة الموسرين إذا كانا
موسرين، وعلى نفقة المعسرين إذا كانا معسرين. وإنما الاختلاف فيما إذا كان أحدهما موسرا
والآخر معسرا فعلى ظاهر الرواية الاعتبار لحال الرجل، فإن كان موسرا وهي معسرة تجب
عليه نفقة الموسرين ولا يجب عليه أن يطعمها مما يأكل لكن قال مشايخنا: يستحب له أن
يؤاكلها لأنه مأمور بحسن العشرة معها وذا في أن يؤاكلها لتكون نفقتها ونفقته سواء، وإن
كان معسرا وهي موسرة وجب عليه نفقة المعسرين لأنها لما تزوجت معسرا فقد رضيت بنفقة
المعسرين، وأما على المفتي به فتجب نفقة الوسط في المسألتين وهي فوق نفقة المعسرة ودون
نفقة الموسرة، فإذا كان الزوج مفرطا في اليسار يأكل الحلواء واللحم المشوي والباجات والمرأة
فقيرة تأكل في بيتها خبز الشعير لا يجب عليها أن يطعمها ما يأكل في بيته بنفسه ولا ما كانت
تأكل في بيت أهلها ولكن يطعمها الوسط وهو خبز البر وباجة أو باجتين، كذا في الذخيرة.
وفي غاية البيان إنه إذا كان معسرا وهي موسرة وأوجبنا الوسط فقد كلفناه بما ليس في وسعه
فلا يجوز وهو غفلة عما في الهداية كما قدمناه من أنه مخاطب بقدر وسعه والباقي دين إلى
الميسرة فليس تكليفا بما ليس في وسعه. وفي المجتبى: إن شاء فرض لها أصنافا وإن شاء
قومها وفرض لها بالقيمة. ولم يذكر المصنف في أي وقت يدفع لها النفقة لأنه يختلف
باختلاف الناس قالوا: يعتبر في الفرض الأصلح والأيسر، ففي المحترف يوما بيوم أي عليه
297

أن يدفع نفقة يوم بيوم لأنه قد لا يقدر على تحصيل نفقة شهر مثلا دفعة، وهذا بناء على أن
يعطيها معجلا ويعطيها كل يوم عند المساء عن اليوم الذي يلي ذلك المساء لتتمكن من الصرف
في حاجتها في ذلك اليوم، وإن كان تاجرا يفرض عليه نفقة شهر بشهر، أو من الدهاقين
فنفقة سنة بسنة، أو من الصناع الذي لا ينقضي عملهم إلا بانقضاء الأسبوع كذلك، كذا في
فتح القدير وغيره.
وينبغي أن يكون محله ما إذا رضي الزوج وإلا لو قال التاجر الدهقان أو الصانع أنا
أدفع نفقة كل يوم معجلا لا يجبر على غيره لأنه إنما اعتبر ما ذكر تخفيفا عليه فإذا كان يضره
لا يفعل. وظاهر كلامهم أن كل مدة ناسبت حال الزوج فإنه يعجل نفقتها كما صرحوا به
في اليوم. وصرح به في التجنيس في نفقة الشهر أنها تفرض عليه وتدفع لها ثم قال: لو
فرض لها نفقة كل شهر فطلبتها كل يوم كان لها أن تطلب عند المساء لأن حصة كل يوم
معلوم فيمكنها المطالبة ولا كذلك ما دون اليوم ا ه‍. فإن قلت: إذا شرط عليها وقت العقد
أن النفقة تموين من غير تقدير والكسوة كسوة الشتاء والصيف، فهل لها بعد ذلك طلب
التقدير فيهما؟ قلت: لم أره صريحا والقواعد تقتضي أن لها ذلك لأن هذا الشرط ليس بلازم
298

إذ هو شرط فيما لم يكن واجبا بعد ولهذا قالوا: إن الابراء عن النفقة لا يصح إلا إذا وجبت
بالقضاء أو الرضا ومضت مدة فحينئذ يصح الابراء، كذا في البدائع. وفي البزازية: أنت
برئ من نفقتي ما دمت امرأتك فإن لم يفرض القاضي النفقة فالابراء باطل، وإن فرض لها
القاضي النفقة كل شهر عشرة دراهم صح الابراء من نفقة الشهر الأول دون ما سواها ا ه‍.
وهذا يدل عل أن التقدير في مثل هذا يقع على الشهر الأول دون ما عداه. فإن قلت: إذا
حكم مالكي في أصل العقد وفي شروطه وكتب وحكم بموجبه كما يفعل الآن ثم بعد ذلك
شكت المرأة وطلبت التقرير عند قاض حنفي فهل له تقريرها؟ قلت: لم أره صريحا أيضا وما
نقلوه في كتاب القضاء كما في فصول العمادي والبزازية من أن الحكم لا يرفع الخلاف إلا
إذا كان بعد دعوى صحيحة في حادثة من خصم على خصم، وما نقل الكل من أن شرط
صحة الحكم تقدم الدعوى والحادثة يقتضي أن للحنفي ذلك وقد كثر وقوعها في زماننا
خصوصا أن النفقة تتجدد في كل يوم وما يتجدد لم يقع فيه حكم. وفي القنية: قول القاضي
استديني عليه كل شهر كذا فرض منه كحبس المدعى عليه قضاء به.
وأشار المصنف بوجوب النفقة عليه إلى أنه إذا لم يعط الزوج لها نفقة ولا كسوة فلها أن
تنفق من طعامه وتتخذ ثوبا من كرباسه بغير إذنه كما في الذخيرة والقنية. ومن النفقة التي
على الزوج الحطب والصابون والأشنان والدهن للاستصباح وغيره وثمن ماء الاغتسال لأنه
مؤنة الجماع. وفي كتاب رزين جعله عليها. وفصل في ماء الطهر من الحيض بين أن يكون
حيضها عشرة أيام فعليها أو أقل فعليه، وأجرة القابلة على من استأجرها من الزوجة والزوج،
فإن جاءت بغير استئجار فلقائل أن يقول عليه لأنه مؤنة الجماع، ولقائل أن يقول عليها
كأجرة الطبيب، وأما ثمن ماء الوضوء فعليها، فإن كانت غنية تستأجر من ينقله ولا تنقله
299

بنفسها، وإن كانت فقيرة فإما أن ينقله الزوج لها أو يدعها تنقله بنفسها، كذا في الخلاصة.
وبه علم أن أجرة الحمام عليه لأنه ثمن ماء الاغتسال لكن له منعها من الحمام حيث لم تكن
نفساء كما سيأتي بيانه.، وسوى في الظهيرية بين ثمن ماء الاغتسال وماء الوضوء في
الوجوب عليه وهو الظاهر. وفي الواقعات: ماء وضوئها عليه غنية كانت أو فقيرة لأنها لا
بد لها منه فصار كالشرب ا ه‍. فظهر ضعف ما في الخلاصة، وفي الذخيرة: لو طلبت المرأة
من القاضي فرض النفقة وكان عليها دين فقال احسبوا لها نفقتها منه كان له ذلك لأن
الدينين من جنس واحد فتقع المقاصة كما في سائر الديون إلا أن في سائر الديون تقع المقاصة
تقاصا أو لم يتقاصا، وهنا يحتاج إلى رضا الزوج لوقوع المقاصة لأن دين النفقة أنقص من سائر
الديون لسقوطه بالموت بخلاف سائر الديون فكان دين الزوج أقوى فيشترط رضاه بالمقاصة
كما لو كان أحد الدينين جيدا والآخر رديئا ا ه‍. وفي نفقات الخصاف: لو كفل رجل لها
بالنفقة كل شهر عشرة دراهم لزمه شهر واحد عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف يقع على
الأبد وهو أرفق بالناس وعليه الفتوى. وأجمعوا أنه لو قال كفلت لك بنفقتك كل شهر كذا
أبدا أو ما دمتما زوجين فإنه يقع على الأبد ما داما زوجين. وأما الكسوة فقال في الظهيرية:
قدر محمد الكسوة بدرعين وخمارين وملحفة في كل سنة. واختلفوا في تفسير الملحفة قال
بعضهم الملاءة التي تلبسه المرأة عند الخروج. وقال بعضهم هي غطاء الليل تلبسه في الليل.
وذكر درعين وخمارين أراد بهما صيفيا وشتويا، ولم يذكر السراويل في الصيف ولا بد منه في
الشتاء وهذا في عرفهم، أما في عرفنا فتجب السراويل وثياب أخر كالجبة والفراش التي تنام
عليه واللحاف وما تدفع به أذى الحر البرد وفي الشتاء درع خز وجبة قز وخمار إبريسم. ولم
يذكر الخف والمكعب في النفقة لأن ذلك إنما يحتاج إليه للخروج وليس للزوج تهيئة أسباب
الخروج ا ه‍. وفي المجتبي أن ذلك يختلف باختلاف الأماكن والعادات فيجب على القاضي
اعتبار الكفاية بالمعروف في كل وقت ومكان، فإن شاء القاضي فرضها أصنافا وإن شاء قومها
وقضى بالقيمة. وفي الخلاصة: وتفرض الكسوة كل ستة أشهر إلا إذا تزوج وبنى بها ولم
يبعث إليها الكسوة لها أن تطالبه بالكسوة قبل مضي ستة أشهر. والكسوة كالنفقة في أنه لا
300

يشترط مضي المدة وللزوج أن يرفعها إلى القاضي حتى يأمرها بلبس الثوب لأن الزينة حقه
ا ه‍. وهو يدل على أن المرأة لو أمسكت النفقة وأكلت قليلا وقترت على نفسها فله أن يرفعها
إلى القاضي لتأكل بما فرض لها خوفا عليها من الهزال فإنه يضره. وفي غاية البيان معزيا إلى
الخصاف: ويجعل لها ما تنام عليه مثل الفراش ومضربة ومرقعة في الشتاء ولحافا تتغطى به.
قال شمس الأئمة في شرح كتاب النفقات: ذكر لها فراشا على حدة ولم يكتف بفراش واحد
لأنها ربما تعتزل عنه في أيام الحيض أو في زمان مرضها ا ه‍. وفي فتح القدير: ذكر في
الأصل الدرع من الكسوة والخصاف ذكر القميص وهما سواء إلا أن القميص يكون مجيبا من
قبل الكتف والدرع من قبل الصدر.
وفي البدائع الكسوة على الاختلاف كالنفقة من اعتبار حاله فقط أو حالهما على قول
الخصاف. وفي الذخيرة: إذا فرض لها القاضي الكسوة فهلكت أو سرقت منها أو خرقتها
قبل الوقت فليس عليه أن يكسوها حتى يمضي الوقت الذي لا تبقى إليه الكسوة. والأصل
أن القاضي متى ظهر له الخطأ في التقدير يرده فإذا لم يظهر له ذلك لا يرده، فإن تخرقت
الكسوة بالاستعمال قبل مضي الوقت ينظر، فإن تخرقت بخرق استعمالها لم يتبين الخطأ في
التقدير فلا يقضي بكسوة أخرى ما لم يمض ذلك الوقت، وإن تخرقت بالاستعمال المعتاد تبين
الخطأ في التقدير فيقضي بكسوة أخرى، وكذا الجواب في النفقة إذا ضاعت أو سرقت أو
أكلت أو أسرفت أو لم تسرف وكان ذلك قبل مضي الوقت فهو كما قلنا في الكسوة، ولو
مضت المدة والكسوة باقية، فإن لم تستعمل تلك الكسوة أصلا حتى مضى الوقت يفرض
القاضي لها كسوة أخرى لأنه لم يظهر خطأ القاضي في التقدير، وإن استعملت تلك
الكسوة، فإن استعملت معها كسوة أخرى في تلك المدة يفرض لها القاضي كسوة أخرى في
تلك المدة، وإن لم تستعمل مع هذه الكسوة كسوة أخرى لا يفرض لها أخرى لأنه ظهر
خطؤه في التقدير حيث وقت وقتا تبقى الكسوة وراء ذلك الوقت. فرق بين هذا وبين ما إذا
فرض لها القاضي عشرة دراهم نفقة شهر فمضى الشهر وقد بقي من العشرة شئ حيث
يفرض لها القاضي في النفقة عشرة أخرى، والفرق أن في باب النفقة لم يظهر خطأ القاضي
في التقدير بيقين لجواز أنه إنما بقي من العشرة شئ لتقتير وجد منها في الانفاق على نفسها
فبقي التقدير معتبرا فيقضي القاضي لها بعشرة أخرى، أما في باب الكسوة إذا لبست جميع
المدة ولم تتخرق فقد ظهر خطأ القاضي في التقدير بيقين لأنا تيقنا أنه لم يوجد منها التقتير في
اللبس. فرق بين نفقة الزوجات وكسوتهن وبين نفقة المحارم وكسوتهم فإن في الأقارب إذا
مضى الوقت وبقي شئ من الدراهم أو الكسوة فإن القاضي لا يقضي بأخرى في الأحوال
كلها لأنها باعتبار الحاجة في حقهم وفي حق المرأة معاوضة عن الاحتباس، ولهذا إذا ضاعت
النفقة أو الكسوة من أيديهم يفرض لهم أخرى لما ذكرنا ا ه‍. وقد استفيد من هذه المنقولات
301

أشياء منها: أن جميع ما تحتاج إليه المرأة من لباس بدنها وفرش بيتها مما تنام عليه وتتغطى به
فإنه لازم على الرجل، إما أن يأتي به، وإما إن يفرضه القاضي عليه أصنافا أو دراهم كل ستة
أشهر ويعجلها لها. وينبغي أن يلي الزوج شراء الأمتعة لها كما قدمناه في الانفاق إلا إذا ظهر
مطله أو خيانته في الشراء لها فحينئذ هي التي تلي ذلك بنفسها أو بوكيلها. ومنها أنها لو كان
لها أمتعه من فرش ونحوها لا يسقط عن الزوج ذلك بل يجب لها عليه ما ذكرناه، وإن كان
لها أمتعه فلا يلزمها إن تلبس متاعها ولا أن تنام على فراشها فبالأولى أن لا يلزمها أن تفرش
متاعها لينام عليه أو يجلس عليه. ومنها أنه إذا دفع لها نفقتها وأنفقت منها قليلا وأمسكت
الباقي فإن لها ذلك كما قدمناه. ومنها أن أدوات البيت كالأواني ونحوها على الرجل.
والحاصل أن المرأة ليس لها إلا تسليم نفسها في بيته، وعليه لها جميع ما يكفيها بحسب
حالهما من أكل وشرب ولبس وفرش، ولا يلزمها أن تستمتع بما هو ملكها ولا أن تفرش له
شيئا من فراشها. وإنما أكثرنا من هذه المسائل تنبيها للأزواج لما نراه في زماننا من تقصيرهم
في حقوقهن حتى إنه يأمرها بفرش أمتعتها جبرا عليها وكذلك لأضيافه، وبعضهم لا يعطي
لها كسوة حتى كانت عند الدخول غنية صارت فقيرة وهذا كله حرام لا يجوز نعوذ بالله من
شرور أنفسنا ومن سيأت أعمالنا. وأراد بالزوجة في قوله تجب للزوجة الزوجة في نفس
الامر بنكاح صحيح لأنه لا نفقة للزوجة بنكاح فاسد لا قبل التفريق ولا بعده، ولا نفقة
للزوجة ظاهرا إلا في نفس الامر ولهذا قال في الظهيرية: لو أن امرأة أخذت نفقتها من
زوجها أشهرا ثم شهد شاهدان أنها أخته من الرضاع يفرق بينهما ويرجع عليها الزوج بما
أخذت. وذكر قبله: أختان ادعت كل واحدة منهما أن هذا زوجها وهو يجحد فأقامتا البينة
على النكاح والدخول فلهما نفقة امرأة واحدة في مدة المسألة عن الشهود، نص عليه
الخصاف.
قوله: (ولو مانعة نفسها للمهر) أي يجب عليه النفقة ولو كانت المرأة مانعة نفسها بحق
كالمنع لقبض مهرها. والمراد منه المعجل إما نصا أو عرفا كما أسلفناه منع بحق فكان
فوت الاحتباس لمعنى من قبله فيجعل كلا فائت. أطلقه فشمل المنع بعد الدخول وهو قول الإمام
. وقالا: لا نفقة لها إذا كانت دون البلوغ لعدم صحة تسليم الأب وقد قدمناه. قيدنا
302

بالمعجل لأنه لو كان كله مؤجلا فامتنعت فلا نفقة لها لأنه نشوز كما في غاية البيان، وقدمنا
أن الفتوى على قول أبي يوسف من أن لها المنع فعلى هذا لا تسقط نفقتها لأن بحق. وأشار
المصنف إلى أن شرط وجوب النفقة تسليم المرأة نفسها إلى الزوج وقت وجوب التسليم،
ونعني بالتسليم التخلية وهي أن تخلى بين نفسها وبين زوجها برفع المانع من وطئها أو
الاستمتاع بها إذا كان المانع من قبلها أو من قبل غير الزوج، فلو تزوج بالغة حرة صحيحة
سليمة ونقلها إلى بيته فلها النفقة، وكذلك إذا لم ينقلها وهي بحيث لا تمنع نفسها وطلبت هي
النفقة ولم يطالبها هو بالنقلة فلها النفقة، فإن طالبها بالنقلة وامتنعت، فإن كان امتناعها بحق
بأن امتنعت لاستيفاء مهرها المعجل فلها النفقة، وكذا لو طالبها بالنقلة بعدما أوفاها المهر إلى
دار مغصوبة فامتنعت فلها النفقة لأنه بحق، ولو كانت ساكنة في منزلها فمنعته من الدخول
عليها لا على سبيل النشوز بل قالت له حولني إلى منزلك أو أكتر لي منزلا أنزله فإني محتاجة
إلى منزلي هذا آخذ كراه فلها النفقة، كذا في البدائع. وفي الذخيرة وقال بعض المتأخرين من
أئمة بلخ: لا تستحق النفقة إذا لم تزف إلى بيت الزوج. والفتوى على جواب الكتاب وهو
وجوب النفقة إذا لم يطالبها بالنقلة.
قوله: (لا ناشزة) بالجر عطف على الزوجة أي لا تجب النفقة للناشزة وهي في اللغة
العاصية على الزوج المبغضة له. يقال نشزت المرأة على زوجها فهي ناشزة. وعن الزجاج:
النشوز يكون بين الزوجين وهي كراهة كل واحد منهما صاحبه، كذا في المغرب. وفي
الشرع كما قال الإمام الخصاف: الخارجة عن منزل زوجها المانعة نفسها منه. والمراد بالخروج
كونها في غير منزله بغير إذنه ليشمل ما إذا امتنعت عن المجئ إلى منزله ابتداء بغير إيفاء
معجل مهرها، وما إذا خرجت من منزلها بعد الانتقال إليه. وأطلق الخروج فشمل الحقيقي
والحكمي وهو عدم تمكينها له من الدخول في منزها الذي يسكنان فيه قبل أن تسأله النقلة
303

لأنها كالخارجة. وعلله في الذخيرة بأنها صارت كأنها نشزت إلى موضع آخر فدل أنه خروج
من منزله حكما بخلاف ما إذا منعته بعد ما سألته النقلة كما قدمناه. وخرج ما إذا خرجت
من بيت الغصب أو امتنعت من الانتقال إليه فإنها لا تكون ناشزة كما قدمناه لأنه ليس منزلا
له أصلا بخلاف البيت الذي فيه شبهة كبيت السلطان ليس لها أن تمتنع وتصير ناشزة كما في
الخانية لعدم اعتبار الشبهة في زماننا كما في التجنيس. وقيد بالخروج لأنها لو كانت مقيمة
معه في منزله ولم تمكنه من الوطئ فإنها لا تكون ناشزة لأن الظاهر أن الزوج يقدر على تحصيل
المقصود منها بدليل أن البكر لا توطأ إلا كرها، وقد علم مما قدمناه أن المراد بمنعها نفسها منه
المنع بغير حق فلذا قال في الخلاصة: لو كان الزوج بسمرقند وكانت زوجته بنسف فبعث
إليها أجنبيا ليحملها إلى سمرقند ولم تذهب معه لعدم المحرم فإن لها النفقة. وشمل الخروج
الحكمي ما إذا طلب أن يسافر بها من بلدها وامتنعت فإنه لا نفقة لها على ظاهر الرواية من أن
له السفر بها، وأما على المفتى به فإنها لا تكون ناشزة كما قدمناه، وأشار إليه في الذخيرة
هنا. وأطلق في عدم وجوب النفقة للناشزة فشمل ما إذا كانت النفقة مفروضة فإن النشوز
يسقطها أيضا إلا إذا استدانت فإن المستدانة لا يسقطها النشوز على أصح الروايتين كالموت لا
يسقطها أيضا كما في الذخيرة وهو مما ينبغي حفظه. ولم يذكر ما إذا تركت النشوز وهو
بعودها إلى منزله لظهور أن النفقة تعود لأنه من باب زوال المانع. وفي الخلاصة: الناشزة إذا
عادت إلى بيت الزوج بعدما سافر زوجها أجابوا أنها خرجت عن أن تكون ناشزة ا ه‍.
وشمل تعريف الناشزة المنكرة للنكاح فإذا ادعى عليها النكاح فجحدت ثم أقام البينة
فلا نفقة لها. زاد في فتح القدير: وكذا إذا كان الزوج هو المنكر ثم قال: ولقائل أن يقول
وينبغي أن يجب لأنها صارت مكذبة شرعا، وكذا الزوج وإلا فلا يخفى ما فيه من الاضرار
وفتح باب الفساد خصوصا عند اضطرارها للنفقة مع حبسها ا ه‍. ولا يخفى أنهم إنما نفوا
وجوب النفقة ما دامت جاحدة، أما إذا عادت إلى التصديق وطلبت النفقة فإن لها النفقة،
وأما إذا كان الزوج هو المنكر فإنما نفوا وجوب النفقة عنه في مدة المسألة عن الشهود لا
مطلقا كما سنبينه بعد ذلك عن الظهيرية. وخرج عنه ما إذا أجرت نفسها لارضاع صبي
وزوجها شريف ولم تخرج من منزله. وذكر في الفوائد التاجية نقلين فيها: الثاني منهما كما
ذكرنا، والأول هو نشوز وإن لم تخرج ولا يخفى ضعفه. وفي الخلاصة: إن قال الزوج هي
ناشزة فلا نفقة لها علي، فإن شهدوا أنه أوفاها المعجل وهي لم تكن في بيت الزوج سقطت
النفقة، ولو شهدوا أنها ليست في طاعة الزوج للجماع لا تقبل لأنه يحتمل أنها تكون في بيته
304

ولا تكون في طاعته وبه لا تسقط النفقة لأن الزوج يغلب عليها ا ه‍. وبه علم أن الزوج إذا
ادعى نشوزها في مدة وأنكرت فالقول قولها مع يمينها، فإن حلفت أخذت النفقة، وإن
نكلت سقطت والبينة عليه وسيأتي أن لها الخروج من منزله بغير إذنه في مواضع وحينئذ لا
تكون ناشزة، فعلى هذا المراد بالخروج خروجها بغير حق لا بغير إذنه فقط لكن ذكر في
المجتبى: وإذا سلمت نفسها بالنهار دون الليل أو على عكسه لا تستحق النفقة لأن التسليم
ناقص. قلت: وبهذا عرف جواب واقعة في زماننا بأنه إذا تزوج من المحترفات التي تكون
عامة النهار في الكارخانة والليل مع الزوج لا نفقة لها ا ه‍. مع أنه سيأتي أن القابلة لها
الخروج.
قوله: (وصغيرة لا توطأ) أي لا نفقة للصغيرة إذا كانت لا تطيق الجماع لأن امتناع
الاستمتاع لمعنى فيها والاحتباس الموجب هو الذي يكون وسيلة إلى المقصود المستحق بالنكاح
ولم يوجد بخلاف المريضة كما سيأتي. وقال الشافعي: لها النفقة لأنها عوض عن الملك عنده
كما في المملوكة بملك اليمين، ولنا أن المهر عوض عن الملك ولا يجتمع العوضان عن
معوض واحد فلها المهر دون النفقة. أطلق في عدم وجوبها لها فشمل ما إذا كانت في بيت
الزوج أو في بيت أبيها، وقيد بالنفقة لأن للأب مطالبة الزوج بمهر الصغيرة التي لا توطأ
وإن كانت صغيرة جدا ويجبر الزوج على دفع المهر إليه لأنه يجب كله بنفس العقد وحق
القبض للأب، كذا في الخانية. وقيد بالصغيرة لأنها تجب كالمهر للكبيرة وإن كان الزوج
صغيرا جدا في ماله لأن العجز من قبله كالمجبوب والعنين، فإن لم يكن له مال لا تجب على
الأب نفقة امرأة ولده ويستدين الأب عليه ثم يرجع بذلك على الابن إذا أيسر، كذا في
الخانية. وفي الخلاصة: لا يجب على أبيه إلا إذا ضمنها كما في المهر ا ه‍. فلو أنفق عليها
أبوه ثم ولدت واعترفت أنها حبلت من الزنا فإنها لا ترد شيئا من النفقة لأن الحبل من الزنا،
وإن منع من الوطئ لا يمنع من دواعيه ومن الوطئ فيما دون الفرج وهذا كاف لوجوب النفقة
بخلاف ما إذا أقرت أنها حين تزوجت كانت حبلى فإنها ترد نفقة ستة أشهر لأنه لا نفقة في
النكاح الفاسد حملا لأمرها على أن الحبل من زوج آخر سابق فتصدق في حق نفسها لا في
حق الزوج، كذا في الذخيرة. والحاصل أن الصغيرة التي لا توطأ لا يجب لها نفقة صغيرا
كان الزوج أو كبيرا، والمطيقة للوطئ تجب نفقتها صغيرا كان الزوج أو كبيرا، واختلف في
305

حد المطيقة له والصحيح أنه غير مقدر بالسن وإنما العبرة للاحتمال والقدرة على الجماع فإن
السمينة الضخمة تحتمل الجماع وإن كانت صغيرة السن، كذا في التبيين. وذكر العتابي أنها
بنت تسع واختاره مشايخنا ا ه‍. وأطلق في التي لا تطيق الجماع فشمل ما إذا كانت تصلح
للخدمة أو الاستئناس فإنه لا نفقة لها خلافا لأبي يوسف فيما إذا أسكنها في بيته فإن لها
النفقة، واختاره صاحب الايضاح والتحفة كما في غاية البيان، وله أن يردها على قول أبي
يوسف. وقيد بالصغيرة لأن النفقة واجبة للقرناء والرتقاء والتي أصابها مرض يمنع الجماع
والكبيرة التي لا يمكن وطؤها لكبرها، سواء أصابتها هذه العوارض بعدما انتقلت إلى بيت
الزوج أو قبل ذلك، مع أنه لا احتباس للوطئ فيهن كالصغيرة التي لا توطأ، فأجبت بأن
المعتبر في إيجاب النفقة احتباس ينتفع به الزوج انتفاعا مقصودا بالنكاح وهو الجماع، أو
الدواعي والانتفاع من حيث الدواعي موجود في هؤلاء بأن يجامع فيما دون الفرج بخلاف
الصغيرة فإنها لا تكون مشتهاة أصلا. قالوا: فعلى هذا التعليل إذا كانت الصغيرة مشتهاة
يمكن جماعها فيما دون الفرج تجب النفقة، كذا في الذخيرة. والظاهر أن من كانت بحيث
تشتهي للجماع فيما دون الفرج فهي مطيقة للجماع في الجملة إلى آخر ما في فتح القدير.
وفي الخلاصة معزيا إلى الأقضية: أبو الصغيرة التي لا نفقة لها إذا طلب من القاضي فرض
النفقة لها على الزوج وظن الزوج أن ذلك عليه ففرض لها النفقة لا يجب شئ والفرض باطل
اه‍. ونظيره ما قدمناه عن الظهيرية: لو فرض لها القاضي النفقة فأخذتها أشهرا ثم شهد
الشهود أنها أخته من الرضاع وفرق القاضي بينهما رجع الزوج عليها بما أخذته من النفقة.
قوله: (ومحبوسة بدين ومغصوبة وحاجة مع غير الزوج ومريضة لم تزف) أي لا تجب
النفقة لهؤلاء لأن فوات الاحتباس ليس منه، أما في المحبوسة بدين فلان فوات الاحتباس
منها بالمماطلة وإن لم يكن منها بأن كانت عاجزة فليس منه ولذا أطلقه المصنف ليشمل ما إذا
كانت قادرة على أدائه أولا، وما إذا حبست قبل النقلة وبعدها هو المذكور في الجامع الكبير.
واستشهد له محمد رحمه الله بغصب العين المستأجرة من يد المستأجر حيث تسقط الأجرة عنه
لفوات الانتفاع لا من جهته وعليه الاعتماد، كذا في التبيين، وفي فتح القدير وعليه الفتوى،
306

وفي غاية البيان أن محمدا وضع المسألة في النفقة المفروضة لأنه بدونه لا تتصور المسألة
لسقوطها، ولو حذف المصنف قوله بدين لكان أولى لأن المحبوسة ظلما بغير حق لا نفقة
لها لأن المعتبر في سقوط نفقتها فوات الاحتباس لا من جهة الزوج وقد فات الاحتباس هنا
لا من جهته، وهذا هو الصحيح لأنه إذا كان الفوات من جهته أمكن القول ببقائه تقديرا،
وأما إذا كان لا من جهته فلم يكن الاحتباس باقيا تقديرا وبدونه لا يمكن إيجاب النفقة، كذا
في الذخيرة. وقيد بحبسها لأن الزوج لو حبس وهو يقدر على الأداء أولا يقدر أو حبس
ظلما أو هرب أو نشز كانت لها النفقة لأن الاحتباس هنا فات لمعنى من جهة الزوج، كذا في
الذخيرة. ولا فرق بين أن تحبسه هي لدين لها عليه أو يحبسه أجنبي. وفي الخلاصة أنها إذا
حبسته وطلب أن تحبس معه فإنها لا تحبس. وذكر في مآل الفتاوى أنه إذا خيف عليها الفساد
تحبس معه عند المتأخرين، وأما إذا غصبها رجل كرها وذهب بها فما في المختصر هو ظاهر
الرواية، وعن أبي يوسف أن لها النفقة. والفتوى على الأول لأن فوت الاحتباس ليس منه
ليجعل باقيا تقديرا، كذا في الهداية. وأما إذا حجت مع غير الزوج فلان فوات الاحتباس
منها. وعن أبي يوسف أن لها النفقة لأن إقامة الفرض عذر فيكون لها نفقة الحضر. وفي
رواية عنه يؤمر الزوج بالخروج معها والانفاق عليها إذا أرادت حجة الاسلام، كذا في
الذخيرة. أطلق الحج فشمل الفرض والنفل وما إذا حجت قبل أن تسلم نفسها أو بعده وهذا
هو ظاهر الرواية لأن الامتناع من جهتها فأوجب سقوطها، سواء كانت عاصية في الخروج أو
طائعة بخلاف الصلاة والصوم لوجود الاحتباس فلا يمنع اشتغالها بهما من وجوب النفقة،
كذا في الذخيرة.
وقيد بكون الحج مع غير الزوج الشامل لحجها وحدها أو مع محرم للاحتراز عما إذا
حج معها فإن لها النفقة اتفاقا وهي نفقة الحضر لا السفر فينظر إلى قيمة الطعام في الحضر
ولا ينظر إلى قيمته في السفر، ولا يلزمه الكراء ومؤنة السفر، وأما المريضة التي لم تزف
فالمراد بها المريضة التي لم تنتقل إلى بيت الزوج، وقد اختلفت عبارات الكتب في هذه المسألة
فظاهر المختصر أنها إذا مرضت قبل الدخول وهي في غير بيت الزوج فإنه لا نفقة لها،
ومفهومه أنها إن كانت في بيته فلها النفقة. وعلى هذا فالفرق بينها وبين الصحيحة إنما هو
من جهة أن الصحيحة إذا لم تمنع نفسها من الانتقال مع الزوج فلها النفقة طلبها الزوج أو لا
بخلاف المريضة فإنه لا نفقة لها وهي في بيتها مطلقا. وفي البدائع ما يخالفه فإنه قال: لو
307

كانت المرأة مريضة قبل النقلة مرضا يمنع من الجماع فنقلت وهي مريضة فلها النفقة بعد
النقلة وقبلها أيضا إذا طلبت النفقة فلم ينقلها الزوج وهي لا تمتنع من النقلة لو طالبها الزوج
وإن كانت تمتنع فلا نفقة لها كالصحيحة، كذا ذكره في ظاهر الرواية. وروي عن أبي يوسف
أنه لا نفقة لها قبل النقلة فإذا نقلت وهي مريضة فله أن يردها. وجه ظاهر الرواية أن التسليم
في حق التمكين من الوطئ إن لم يوجد فقد وجد في حق التمكين من الاستمتاع وهذا يكفي
لوجوب النفقة كما في الحائض والنفساء والصائمة صوم رمضان، وإذا امتنعت لم يوجد
التسليم شرعا ا ه‍. فحاصله أن ظاهر الرواية أن المريضة كالصحيحة فلا ينبغي ادخالها في
النساء اللاتي لا نفقة لهن. وفي التجنيس: المرأة قبل الدخول بها إذا مرضت وطلبت النفقة
يفرض لها النفقة إن لم يكن يحول بينه وبين أن يضمها إليه لأنها ما امتنعت من تسليم النفس،
وإن امتنعت من ذلك فلا نفقة عليه ا ه‍. وظاهره أنه إذا كان مرضها مانعا من النقلة فلا نفقة
لها وإن لم تمنع نفسها وعليه يحمل ما في المختصر. وحاصله أن المنقول في ظاهر الرواية
وجوب النفقة للمريضة، سواء كان قبل النقلة أو بعدها، وسواء كان يمكنه جماعها أو لا،
كان معها زوجها أو لا، حيث لم تمنع نفسها كما صرح به في البدائع والخلاصة والذخيرة
وغاية البيان معزيا إلى كافي الحاكم والمبسوط والشامل وشرح الطحاوي فكان هو المذهب،
وصححه في فتح القدير وقال: إن الفتوى عليه وذكر أن القائلين بعدمه فرعوه على اشتراط
التسليم حقيقة وهو مروي عن أبي يوسف وليس هو المختار. والذي ظهر لي أن ما ذكره
المشايخ إنما هو ظاهر الرواية لا أنه مفرع على رواية أبي يوسف فإن النفقة وإن كانت واجبة
للمريضة في ظاهر الرواية قبل الانتقال حيث لم تمنع نفسها لكن بشرط أن يمكنها الانتقال،
فلو كانت بحيث لا يمكنها الانتقال أصلا فلا نفقة لها لعدم التسليم تقديرا بدليل قولهم في
توجيه ظاهر الرواية أن التسليم حاصل في حق التمكين من الاستمتاع وإن لم يكن انتقالها
فات التسليم بالكلية، فهذا هو مراد الفارقين بين المريضة والصحيحة، فالمريضة التي لم تزف
308

لا نفقة لها إن كانت بحيث لا تقدر على الانتقال معه، سواء منعت نفسها بالقول أو لا.
وقيد بكونها لم تزف لأنها لو مرضت في بيت الزوج مرضا لا تستطيع معه الجماع لم تبطل
نفقتها بلا خلاف لأن التسليم المطلق هو التسليم الممكن من الوطئ والاستمتاع وقد حصل
بالانتقال لأنها كانت صحيحة، كذا في البدائع. وبه ظهر أن ما في الخانية من التفصيل لا
أصل له وعبارتها: إذا زفت المرأة إلى زوجها وهي صحيحة فمرضت في بيت الزوج مرضا لا
تحتمل الجماع إن كان بنى بها كان لها النفقة لأن المرأة لا تسلم عن المرض في عمرها، وإن
كان لم يدخل بها فمرضت مرضا لا تحتمل الجماع لا نفقة لها، وإن أغمي عليها اغماء كثير
فهو بمنزلة المرض ا ه‍. وفيها أيضا: لو مرضت في بيت الزوج بعد الدخول فانتقلت إلى دار
أبيها قالوا: إن كانت بحال يمكن النقل إلى منزل الزوج بمحفة أو نحوها فلم تنتقل فلا نفقة
لها، وإن كان لا يمكن نقلها فلها النفقة ا ه‍. وقيد بالنفقة لأن المداواة لا تجب عليه أصلا،
كذا في التبيين من باب صدقة الفطر. وقد ذكر المصنف ستا من النساء لا نفقة لهن. وفي
خزانة الفقه لأبي الليث عشر من النساء لا نفقة لهن، ولم يذكر المريضة وذكر خمسة والأمة إذا لم
يبوئها مولاها، والمنكوحة نكاحا فاسدا، والمرتدة، والمتوفى عنها زوجها، والمرأة إذا قبلت ابن
زوجها بشهوة، وسيأتي حكم نفقة الأمة والمتوفي عنها زوجها والمقبلة والمرتدة فلم يفت
المصنف إلا المنكوحة نكاحا فاسدا ولا حاجة إلى بيانه.
قوله: (ولخادم لو موسرا) أي تجب النفقة والكسوة لخادم المرأة لأن كفايتها واجبة عليه
وهذا من تمامه إذ لا بد لها منه فيلزمه للخادم أدى الكفاية لا تبلغ نفقة المرأة، وكذا كسوته
بأرخص ما يكون ويفرض للخادم خف لأنها تحتاج إلى الخروج بخلاف المرأة، كذا في
الخانية. وفسر في الهداية نفقة الخادم بما يلزم المعسر من نفقة امرأته وشرط في البدائع وشرح
الطحاوي في وجوب نفقة خادمها أن لا يكون له شغل غير خدمتها بأن يكون متفرغا لها.
وأطلق المصنف في الخادم ولم يضفه إليها للاختلاف في تفسيره فقيل هو كل من يخدمها حرا
كان أو عبدا. ملكا لها أوله أولهما أو لغيرهما. وظاهر الرواية عن أصحابنا الثلاثة كما في
الذخيرة أنه مملوكها فلو لم يكن لها خادم لا يفرض عليه نفقة خادم لأنها بسبب ملكها له فإذا
309

لم يكن في ملكها لا يلزمه نفقته كالقاضي إذا لم يكن له خادم لا يستحق نفقة الخادم في بيت
المال، وظاهر كلامهم أن خادمها هو المملوك لها، سواء كان عبدا أو جارية، ولهذا ذكر في
غاية البيان أن الخادم واحد الخدام، غلاما ما كان أو جارية. وبه تبين أن تفسير الزيلعي
خادمها بالجارية المملوكة لها في ظاهر الرواية فيه نظر، وينبغي أن يدخل المدبر والمدبرة تحته.
وبهذا علم أنه إذا لم يكن لها خادم مملوك لا يلزم الزوج كراء غلام يخدمها لكن يلزمه أن
يشتري لها ما تحتاج إليه من السوق كما صرح به في الفتاوى السراجية. وقيد بالخادم لأنه لا
يلزمه نفقة أكثر من خادم واحد لها وهذا عندهما. وقال أبو يوسف: يفرض لخادمين لأنها
تحتاج إلى أحدهما لمصالح الداخل وإلى الآخر لمصالح الخارج. ولهما أن الواحد يقوم بالامرين
فلا ضرورة إلى اثنين. قال الطحاوي: وروى صاحب الاملاء عن أبي يوسف أن المرأة إذا
كانت ممن يجل مقدارها عن خدمة خادم واحد أنفق على من لا بد لها منه من الخدام ممن هو
أكثر من الخادم الواحد أو الاثنين أكثر من ذلك. قال: وبه نأخذ، كذا في غاية البيان. وفي
الظهيرية والولوالجية: المرأة إذا كانت من بنات الاشراف ولها خدم يجبر الزوج على نفقة
خادمين ا ه‍. فالحاصل أن المذهب الاقتصار على واحد مطلقا والمأخوذ به عند المشايخ قول
أبي يوسف. وفي فتح القدير والذخيرة: لو كان له أولاد لا يكفيهم خادم واحد فرض عليه
لخادمين أو أكثر مقدار ما يكفيهم اتفاقا. وفي التجنيس: امرأة لها مماليك قالت لزوجها أنفق
عليهم من مهري فأنفق فقالت لا أجعلها من المهر لأنك استخدمتهم فما أنفق بالمعروف فهو
محسوب عليها لأنه بأمرها ا ه‍. وأطلق في وجوب نفقة الخادم فشمل ما إذا أراد الزوج أن
يخدمها أو يخدمها خادمه ولا ينفق على خادمها. قال في الخانية: وإن قال الزوج أخدمك
أو تخدمك جارية من جواري الصحيح أن الزوج لا يملك إخراج خادم المرأة من بيته وعلله
الولوالجي بأن المرأة عسى لا تتهيأ لها الخدمة بخدم الزوج، وظاهره أنه يملك إخراج ما عدا
خادم واحد من بيته لأنه زائد على قولهما وأطلق في المرأة فشمل الأمة والحرة الشريفة
الوضيعة لكن في الخلاصة معزيا إلى الفتاوى الصغرى: المنكوحة إذا كانت أمة لا تستحق
نفقة الخادم ونفقة الخادم لبنات الاشراف ا ه‍. ولا يتصور أن يكون للأمة خادم على ظاهر
الرواية لأنه المملوك للمرأة ولا ملك للأمة، وإنما هو على قول من فسر الخادم بكل خادم
مملوكا لها أو لا، وقد أخذ بعضهم بم في الخلاصة أنها إذا كانت من الأرذال لا تستحق نفقة
310

الخادم وإن كانت حرة لأنه قيدها ببنات الاشراف. قال في فتح القدير: ويوافقه ما قيد به
الفقيه أبو الليث كلام الخصاف حيث قال في أدب القاضي: لو فرض ما يحتاج إليه من
الدقيق والدهن واللحم والإدام فقالت لا أعجن ولا أخبز ولا أعالج شيئا من ذلك لا تجبر
عليه وعلى الزوج أن يأتيها بمن يكفيها عمل ذلك.
قال الفقيه أبو الليث: هذا إذا كان بها علة لا تقدر على الطبخ والخبز أو كانت ممن لا
تباشر ذلك، فإن كانت ممن تخدم نفسها وتقدر على ذلك لا يجب عليه أن يأتيها بمن يفعله،
وفي بعض المواضع تجبر على ذلك. قال السرخسي: لا تجبر ولكن إذا لم تطبخ لا يعطيها
الادام وهو الصحيح. وقالوا: إن هذه الأعمال واجبة عليها ديانة وإن كان لا يجبرها القاضي
ا ه‍. ولذا قال في البدائع: لو استأجرها للطبخ والخبز لم يجز ولا يجوز لها أخذ الأجرة على
ذلك لأنها لو أخذت لاخذت على عمل واجب عليها في الفتوى فكان في معنى الرشوة فلا
يحل لها الاخذ ا ه‍. وهو شامل لبنات الاشراف أيضا ولذا استدل في البدائع لوجوبه ديانة
بأنه عليه السلام قسم الأعمال بين علي وفاطمة فجعل أعمال الخارج على علي وأعمال الداخل
على فاطمة ا ه‍. مع أنها سيدة نساء العالمين رضي الله تعالى عنها وأبوها صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق
أجمعين. وقيد بيسار الزوج لأنه لا يجب عليه نفقة الخادم عند إعساره وهو رواية الحسن عن
أبي حنيفة وهو الأصح خلافا لما قاله محمد لأن الواجب على المعسر أدنى الكفاية وهي قد
تكتفي بخدمة نفسها، كذا في الهداية. وتعقبه في فتح القدير بأنه مخالف لما ذكره أولا من
لزوم اعتبار حالهما وأنه عند إعساره دونها ينفق بقدر حاله والباقي دين عليه، وقياسه أن
تجب النفقة للخادم دينا عليه ا ه‍. وقد يقال إنما قيل في نفقتها ذلك للجمع بين الدليلين
الآية وحديث هند وليس ذلك في الخادم فبقي على الأصل من اعتبار حاله. وفي الذخيرة:
ولا تقدر نفقة الخادم بالدراهم على ما ذكرنا في نفقة المرأة بل يفرض لها ما يكفيها بالمعروف
ولكن لا تبلغ نفقة خادمها نفقتها لأن الخادم تبع للمرأة فتنقص نفقة الخادم عن نفقتها، ولم
يرد بالنقصان النقصان في الخبز لأن النفقة بقدر الكفاية وعسى أن تستوفي الخادم من الخبز
في الاكل أكثر مما تستوفي المرأة، وإنما أراد به النقصان في الادام ا ه‍. وفيها أيضا:
والكسوة للخادم على المعسر قميص كرباس في الشتاء وإزار ورداء كأرخص ما يكون، وفي
311

الصيف قميص مثل ذلك وإزار. وعلى الموسر في الشتاء قميص وطئ وإزار كرياس وكساء
رخيص، وفي الصيف قميص مثل ذلك وإزار. ثم لم يفرض للخادمة الخمار وفرضها للمرأة
لأن الخمار لستر الرأس ورأس المرأة عورة ورأس الخادم ليس بعورة، وفرض لها الإزار لأن
الخادم تحتاج إلى الخروج. قال مشايخنا: ما ذكره محمد في الكتاب من ثياب الخادم فهو بناء
على عاداتهم وذلك يختلف باختلاف الأمكنة في شدة الحر والبرد باختلاف العادات في كل
وقت، فعلى القاضي اعتبار الكفاية في نفقة الخادم فيما يفرض في كل وقت ومكان ا ه‍. وما
ذكره من كسوة الخادم على المعسر إنما هو على قول محمد كما لا يخفى. وفي غاية البيان:
واليسار مقدر بنصاب حرمان الصدقة لا بنصاب وجوب الزكاة ا ه‍. وإن اختلفا في اليسار
والاعسار فالقول قوله إلا أن تقيم المرأة البينة ويشترط العدد والعدالة في هذا الخبر ولا
يشترط لفظة الشهادة، وإن أقاما البينة فبينتها أولى، كذا في الخانية. ثم اعلم أن نفقة الخادم
إنما تجب على الزوج بإزاء الخدمة فإن امتنعت من الطبخ والخبز وأعمال البيت لم تستحق
النفقة لأنه لم يوجد ما تستحق النفقة بمقابلتها بخلاف نفقة المرأة فإنها في مقابلة الاحتباس
فإذا لم تعمل تستحق النفقة وهذا هو ظاهر الرواية، كذا في الذخيرة.
قوله: (ولا يفرق بعجزه عن النفقة وتؤمر بالاستدانة عليه) لأنه لو فرق بينهما لبطل
حقه ولو لم يفرق لتأخر حقها والأول أقوى في الضرر لأن النفقة تصير دينا بفرض القاضي
فيستوفى في الثاني وفوت المال وهو تابع في النكاح فلا يلحق بما هو المقصود وهو التوالد
فلا يقاس العجز عن الانفاق على العجز عن الجماع في المجبوب والعنين. وأطلق في النفقة
فشمل الأنواع الثلاثة فلا يفرق بعجزه عن كلها أو بعضها، وقيد بالنفقة ليعلم حكم المهر
بالأولى. وفي غاية البيان معزيا إلى الفصول: إذا ثبت العجز بشهادة الشهود فإن كان القاضي
شافعي المذهب وفرق بينهما نقذ قضاؤه بالتفرق، وإن كان حنيفا لا ينبغي له أن يقضي
بالتفريق بخلاف مذهبه إلا إذا كان مجتهدا ووقع اجتهاده على ذلك، فإن قضى مخالفا لرأيه من
غير اجتهاد فعن أبي حنيفة روايتان ولو لم يقض ولكن أمر شافعي المذهب ليقضي بينهما في
هذه الحادثة فقضى بالتفريق نفذ إذا لم يرتش الآمر والمأمور، فإن كان الزوج غائبا فرفعت
المرأة الامر إلى القاضي وأقامت المرأة البينة أن زوجها الغائب عاجز عن النفقة وطلبت من
القاضي أن يفرق بينهما، فإن كان القاضي حنفيا فقد ذكرنا، وإن كان شافعيا ففرق بينهما
قال مشاخ سمرقند: جاز تفريقه لأنه قضى في فصلين مختلف فيهما التفريق بسبب العجز عن
312

النفقة والقضاء على الغائب، وكل واحد منهما مجتهد فيه. وقال ظهير الدين المرغيناني: لا
يصح هذا التفريق لأن القضاء على الغائب إنما يصح عند الشافعي وينفذ في إحدى الروايتين
عن أبي حنيفة إذا ثبت المشهود به، وهنا لم يثبت المشهود به عند القاضي وهو العجز لأن المال
غاد ورائح، ومن الجائز أن الغائب صار غنيا ولم يعلم به الشاهد لما بينهما من المسافة فكان
الشاهد مجازفا في هذه الشهادة. وقال صاحب الذخيرة: الصحيح لأنه لا يصح قضاؤه لأن
العجز لا يعرف حالة الغيبة لجواز أن يكون قادرا فيكون هذا ترك الانفاق لا للعجز عن
الانفاق، فإن رفع هذا القضاء إلى قاض آخر وأجاز قضاءه فالصحيح أنه لا ينفذ لأن هذا
القضاء ليس بمجتهد فيه لما ذكرنا أن العجز لم يثبت ا ه‍. وتعقبه في فتح القدير بقوله:
واعلم أن الفسخ إذا غاب ولم يترك لها نفقة يمكن بغير طريق إثبات عجزه بمعنى فقره وهو
أن تتعذر النفقة عليها. قال القاضي أبو الطيب من الشافعية: إذا تعذرت النفقة عليها بغيبته
ثبت لها الفسخ. قال في الحلية: وله وجه وجيه فلا يلزم مجئ ما قال ظهير الدين ا ه‍.
وهذا لا يرد ما قاله ظهير الدين لوجهين: الأول أنه ليس مذهب الشافعي. والثاني أن كلامه
في التفريق بسبب العجز لا في غيره. وفي الذخيرة: فرق بين النفقة وبين سائر الديون في
الامر بالاستدانة فإن في سائر الديون من عليه الدين إذا عجز عن قضاء الدين لا يؤمر
صاحب الدين بالاستدانة عليه، وهنا بعد ما فرض القاضي لها تؤمر بالاستدانة على الزوج.
والفرق بينهما أن المرأة لو لم تؤمر بالاستدانة عسى تموت جوعا أو يموت الزوج فتسقط نفقتها
فكان الامر بها لتأكيد حقها وهذا المعنى معدوم في سائر الديون. قال مشايخنا: ليس فائدة
الامر بالاستدانة بعد فرض القاضي النفقة إثبات حق للمرأة عليه لأن حق رجوعها ثابت
بالفرض، سواء أكلت من مال نفسها أو استدانت بأمر القاضي أو بغير أمره، ولكن فائدته أن
يرجع الغريم على الزوج وبدون الامر ليس له الرجوع عليه وإنما يرجع رب الدين على المرأة
وهي ترجع بالمفروض على الزوج. وفي تجريد القدوري: إن فائدته أن تحيل المرأة الغريم على
الزوج وإن لم يرض الزوج وبدونه لس لها ذلك.
313

وذكر الحاكم في المختصر أن فائدته الرجوع على الزوج بعد موت أحدهما وبدونه لا
رجوع. اه‍ ما في الذخيرة. فقد ذكر وللامر بالاستدانة ثلاثة فوائد لكن من جعل فائدتها
إمكان الإحالة علبه بدون رضاه ظاهره أنه ليس لرب الدين الاخذ من الزوج بدون الحوالة،
وعلى الأول له ذلك كما لا يخفى، ولم أر من ذكر الوجه في أمرها بالاستدانة دون أمره بذلك
مع أنه المديون فكان ينبغي أن يأمره القاضي بالاستدانة، وقد ظهر لي وجهه بأنه لو أمر ربما
تراخى في ذلك فيحصل لها الضرر فأمرت هي بالاستدانة لدفع الضرر، ولان الغريم يطمئن
لاستدانتها أكثر من استدانته باعتبار أنه يصير له المطالبة على شخصين الزوج والمرأة بخلاف
استدانة الزوج فإنه لا يطالب إلا الزوج، فلو أمره القاضي بالاستدانة لنفقتها قبل أن يأمره لم
يكن بعيدا، ولم أره منقولا. واختلف في معنى الاستدانة فذكر الخصاف وتبعه الشارحون أنها
الشراء بالنسيئة لتقضي الثمن من مال الزوج. وفي المجتبى معزيا إلى ركن الأئمة الصباغي أنها
الاستقراض فإذا استدانت هل تصرح بأني أستدين على زوجي أو تنوي؟ أما إذا صرحت
فظاهر وكذا إذا نوت، وإذا لم تصرح ولم تنو لا يكون الاستدانة عليه، ولو ادعت أنها نوت
الاستدانة عليه وأنكر الزوج فالقول له اه‍. وأطلق في الاستدانة فشمل قريب المرأة والأجنبي
ولكن ذكر في شرح المختار أن المرأة المعسرة إذا كان زوجها معسرا ولها ابن من غيره موسر
أو أخ موسر فنفقتها على زوجها ويؤمر الابن أو الأخ بالانفاق عليها ويرجع به على الزوج إذا
أيسر ويحبس الابن أو الأخ إذا امتنع لأن هذا من المعروف. قال الزيلعي: فتبين بهذا أن الإدانة
لنفقتها إذا كان الزوج معسرا وهي معسرة تجب على من كانت تجب عليه نفقتها لولا الزوج،
وعلى هذا لو كان للمعسر أولاد صغار ولم يقدر على إنفاقهم تجب نفقتهم على من تجب عليه
لولا الأب كالأم والأخ والعم ثم ترجع به على الأب إذا أيسر بخلاف نفقة أولاده الكبار
314

حيث لا يرجع عليه بعد اليسار لأنها لا تجب مع الاعسار فكان كالميت اه‍. وأقره عليه في
فتح القدير. وينبغي أن يكون محله إذا لم تجد أجنبيا يبيعها بالنسيئة أو يقرضها فحينئذ يتعين
على ولدها ونحوه، وأما إذا وجدت فلا. وفي فتح القدير: ولو امتنع من الانفاق عليها مع
اليسر لم يفرق ويبيع الحاكم ما له عليه وصرفه في نفقتها، فإن لم يجد ما له يحبسه حتى ينفق
عليها ولا يفسخ اه‍. وفي المجتبى والذخيرة: قال الزوج في مجلس أبي يوسف ليس عندي
نفقة فقال خذي عمامته وأنفقيها على نفسك، فيحتمل أنه علم أبو يوسف أن له عمامة أخرى
وإلا لاتباع العمامة في النفقة وسائر الديون. قال الخصاف: ولا يبيع مسكنه وخادمه ويبيع ما
سوى ذلك، وقيل يبيع ما سوى الإزار، وقيل يترك لنفسه دستا من الثياب ويبيع ما سوى
ذلك، وقيل دستين وبه قال السرخسي. ولو كان له ثياب حسنة يمكنه الاكتفاء بما دونها
يبيعها ويشتري ذلك ببعضها ويصرف الباقي إلى الديون والنفقة اه‍. وسيأتي تمامه في الحبس
وفي باب الحجر إن شاء الله تعالى.
قوله: (وتمم نفقة اليسار بطروه وأن قضى بنفقة الاعسار) لأن النفقة تختلف بحسب
اليسار والاعسار وما قضى به تقدير لنفقة لم تجب فإذا تبدل حاله فلها المطالبة بتمام حقها.
وزعم الشارح الزيلعي أن هذه المسألة تستقيم على قول الكرخي حيث اعتبر حال الرجل فقط
ولم يعتبر حال المرأة أصلا وهو ظاهر الرواية، ولا يستقيم على ما ذكره الخصاف من اعتبار
حالهما على ما عليه الاعتماد فيكون فيه نوع تناقض من الشيخ لأن ما ذكره أول الباب هو
قول الخصاف ثم ثنى الحكم على قول الكرخي اه‍. وأقره عليه في فتح القدير وهو مردود بل
هو مستقيم على قول الكل لأن الخلاف إنما يظهر فيما إذا كان أحدهما موسرا والآخر
معسرا، وكلام المصنف هنا أعم من ذلك، فلو كانا معسرين وقضى بنفقة الاعسار ثم أيسرا
فإنه يتمم نفقة اليسار اتفاقا، وإذا أيسر الرجل وحده فإنه يقضي بنفقة يساره ونفقة يساره في
حال إعسارها عند الخصاف هي الوسط، وكذا إذا أيسرت المرأة وحدها قضى بنفقة يسارها
وهي الوسط عنده فصر كلامه شاملا للصور الثلاث بهذا الاعتبار لأنه لم يقيد بيسار الزوج.
315

وإن قلنا أنه المراد كما وقع التصريح به في الهداية فهو محمول على يسارها أيضا، ومتى أمكن
الحمل فلا تناقض. وأشار المصنف إلى أن القاضي إذا فرض النفقة للمرأة فغلا الطعام أو
رخص فإن القاضي يغير ذلك الحكم، كذا في الظهيرية. وفي الذخيرة: وإذا فرض القاضي
لها مالا يكفيها فلها أن ترجع عن ذلك لأنه ظهر خطأ القاضي حيث قضى بما لا يكفيها
فعليه أن يتدارك الخطأ بالقضاء لها بما يكفيها، وكذلك إذا فرض على الزوج زيادة على ما
يكفيها فله أن يمتنع عن الزيادة اه‍. وفي الخلاصة: لو صالحته على أكثر من حقوقها في
النفقة والكسوة إن كان قدر ما يتغابن الناس في مثله جاز، وإن كان قدر ما لا يتغابن الناس
فالزيادة مردودة ويلزمه نفقة مثلها ولا يبطل القضاء، فلو أن القاضي فرض لها النفقة والسعر
غالي رخص ثم تسقط الزيادة، وهذا يدل على أنه لا يبطل القضاء وتبطل الزيادة اه‍. يعني لا
يبطل أصل التقدير بزيادة السعر أو نقصانه حتى لو مضت مدة لا تسقط النفقة إذ لو بطل
أصله لسقطت بمضي الزمان. وسيأتي في مسائل الصلح عن النفقة قريبا إن شاء الله تعالى.
قوله: (ولا تجب نفقة مضت إلا بالقضاء أو الرضا) لأن النفقة صلة وليست بعوض
عندنا فلم يستحكم الوجوب فيها إلا بالقضاء كالهبة لا توجب الملك فيها إلا بمؤكد وهو
القبض، والصلح بمنزلة القضاء لأن ولايته على نفسه أقوى من ولاية القاضي بخلاف المهر
لأنه عوض البضع. والمراد بعدم وجوبها عدم كونها دينا عليه فلا تكون دينا عليه يطالب به
ويحبس عليه إلا بإحدى هذين الشيئين فحينئذ تصير دينا عليه فتأخذه منه جبرا، سواء كان
غائبا أو حاضرا، لسواء أكلت من مال نفسها أو استدانت. وأطلق المصنف فشمل المدة
القليلة لكن ذكر في الغاية أن نفقة ما دون الشهر لا تسقط وعزاه إلى الذخيرة فكأنه جعل
القليل مما لا يمكن التحرز عنه إذ لو سقطت بمضي اليسير من المدة لما تمكنت من الاخذ
أصلا اه‍. والمراد بالرضا اصطلاحهما على قدر معين للنفقة إما أصنافا أو دراهم ولذا عبر
الحدادي بالفرض والتقدير، فإذا فرض لها الزوج شيئا معينا كل يوم ثم مضت مدة فإنها لا
تسقط، فهذا هو المراد بقولهم أو الرضا، وأما ما توهمه بعض حنفية العصر من أن المراد
بالرضا أنه إذا مضت مدة بغير فرض ولا رضا ثم رضي الزوج بشئ فإنه يلزمه فخطأ ظاهر
316

لا يفهمه من له أدنى تأمل. وأما ما سيأتي من مسائل الصلح بلا قضاء ولا رضا فالمراد أنهما
اصطلحا على شئ ثم مضت مدة بعده كما لا يخفى. وظاهر المتون والشروح أن المرأة ترجع
بالنفقة المفروضة، سواء شرط الرجوع لها أو لا، ويشكل عليه ما في الخانية والظهيرية
القاضي إذا فرض للمرأة النفقة فقال الزوج استقرضي كل شهر كذا وأنفقي على نفسك
ففعلت ليس لها أن ترجع على الزوج إلا أن يقول وترجعين بذلك على اه‍. ولم أر جوابا عنها
ولعل المراد أنها لا ترجع بما استقرضت وإنما ترجع بما فرض لها لأن المأمور باستقراضه قد
يكون أزيد أو من خلاف الجنس وإن لم يؤول بذلك فهو غلط محض كما لا يخفى. وفي
الظهيرية: إذا قال الرجل لآخر استدن علي لامرأتي وأنفق عليها كل شهر عشرة دراهم وقال
أنفقت وقالت المرأة صدق لم يصدق على ذلك إلا أن يكون القاضي فرض لها النفقة فحينئذ
يصدق لأنها أخذت بإذن القاضي، وكذا هذا في الأولاد الصغار اه‍. وأشار المصنف إلى أن
الابراء عن النفقة قبل القضاء والصلح باطل لما في الواقعات وغيرها: المرأة إذا أبرأت الزوج
عن النفقة بأن قالت أنت برئ من نفقتي أبدا ما كنت امرأتك فإن لم يفرض القاضي لها ا
لنفقة فالبراءة باطلة لأنها أبرأته قبل الوجوب، وإن كان فرض لها القاضي النفقة كل شهر
عشرة دراهم صح الابراء عن نفقة الشهر الأول ولم يصح عن نفقة ما سوى ذلك من
317

الشهور. وكذا لو قالت أبرأتك عن نفقة سنة لم يبدأ إلا من نفقة شهر واحد لأن القاضي لما
فرض نفقة كل شهر فإنما فرض لمعنى يتجدد بتجدد الشهر فما لم يتجدد الشهر لا يتجدد
الفرض، وما لم يتجدد الفرض لا تصير نفقة الشهر الثاني واجبا. ولو قالت بعدما مكثت
أشهرا أبرأتك من نفقة ما مضى وما يستقبل يبرأ من نفقة ما مضى ويبرأ من نفقة ما يستقبل
بقدر نفقة شهر ولا يبرأ زيادة على ذلك، وهو نظير من أجر عبده من رجل كل شهر بعشرة
دراهم ثم أبرأه من أجرة الغلام أبدا لا يبرأ إلا من أجرة شهر اه‍.
وأشار المصنف إلى أن الكفالة بالنفقة قبل الفرض أو التراضي على معين لا تصح وبعد
أحدهما تصح كما في الذخيرة: ولو أن المرأة قالت للقاضي إن زوجي يريد أن يغيب وأرادت
أن تأخذ منه كفيلا بالنفقة فإنه ليس لها ذلك لأنه النفقة لم تجب. وقال أبو يوسف: استحسن
ذلك وآخذ منه كفيلا بالنفقة شهرا. وعليه الفتوى لأن النفقة إن لم تجب للحال تجب بعده
فتصير كأنه كفل بما ذاب لها على الزوج فيجبر استحسانا رفقا بالناس، كذا في الواقعات.
زاد في الذخيرة أنه لا فرق في هذا الحكم بين أن تكون النفقة مفروضة أو لا. وفي الذخيرة
أيضا: ولو اختلفا فيما مضى من المدة من وقت القضاء أو من وقت الصلح فالقول قول
الزوج والبينة بينة المرأة لأنها تدعي زيادة دين والزوج ينكر فالقول قله مع يمينه، وإذا ادعى
الزوج الانفاق وأنكرت المرأة فالقول قولها مع اليمين كما في سائر الديون اه‍. وفي
الظهيرية: امرأة أقامت على رجل بينة بالنكاح فلا نفقة لها في مدة المسألة عن الشهود، ولو
أراد القاضي أن يفرض لها النفقة لما رأى من المصلحة ينبغي أن يقول لها إن كنت امرأته فقد
فرضت ذلك عليه في كل شهر كذا وكذا ويشهد على ذلك، فإذا مضى شهر وقد استدانت
وعدلت البينة آخذته بنفقتها منذ فرض لها اه‍. وهو يدل على ما قلنا من أن الفرض من
القاضي يصيرها دينا فلا تسقط بالمضي، وإن فرض القاضي النفقة قضاء لا يقال إنه ليس
بقضاء لعدم الدعوى لأنا نقول: طلبها التقدير دعوى ومسألة الابراء تدل على أن الفرض في
الشهر الأول تنجز وفيما بعده مضاف فتنجز بدخول الشهر وهكذا فلا يصح الرجوع عنه لما
في الخانية من الصلح: ولو صالحت المرأة زوجها عن نفقة كل شهر على دراهم ثم قال الزوج
318

لا أطيق ذلك فهو لازم لا يلتفت إليه إلا إذا تغير سعر الطعام ويعلم أن ما دون ذلك يكفيها
اه‍. فإذا كان هذا في الصلح ففي فرض القاضي أولى لأن له ولاية عامة، فإذا قرر القاضي
لها نفقة كل يوم أو كل شهر أو كل سنة لزم التقرير ما دامت في عصمته حيث لم يوجد
مسقط وكان بقدر حالهما. وفي خزانة المفتين: وإذا أراد القاضي أن يفرض النفقة يقول
فرضت عليك نفقة امرأتك كذا وكذا في مدة كذا وكذا أو يقول قضيت عليك بالنفقة لمدة كذا
يصح وتجب على الزوج حتى لا تسقط بمضي المدة لأن نفقة زمان مستقبل تصير واجبة بقضاء
القاضي حتى لو أبرأت بعد الفرض صح اه‍. وهو دليل على ما قلنا من أن فرضها قضاء وأنه
إذا فرضها ثم مضت مدة لم تسقط. وقد نقل في فتح القدير أنه لا نفقة لها فيما إذا ادعى
الزوج النكاح وهي تجحد أو عكسه، واستشكله بأن فيه إضرارا بها وهو سهو لأنه إذا كان
منكرا إنما نفوا النفقة في مدة المسألة عن الشهود لا مطلقا مع أن القاضي إذا فرض لها جاز،
وأما بعد قضاء القاضي بالنكاح بالبينة فلا شك في وجوبها. وقد علم من عطف المصنف
الرضا على القضاء أن فرض القاضي بطريق الجبر وقدمنا أنه إذا فرض عليه أكثر من حاله فإن
له أن يمتنع عن الزيادة، وكذا إذا اصطلحا على أزيد من نفقة المثل لما في الظهيرية: وإذا
صالح الرجل امرأته عن نفقة كل شهر على مائة درهم والزوج محتاج لم يلزمه إلا نفقة مثلها،
وإذا صالحها على دانق كل شهر جاز ولها أن تنقض إن لم يكفها اه‍.
وفي الذخيرة: وإذا صالحت المرأة زوجها من نفقتها على ثلاثة دراهم كل شهر فهو
جائز وكان ذلك تقديرا لنفقتها. والأصل أن الصلح بينهما متى حصل بشئ يجوز للقاضي
أن يفرضه في نفقتها بحال، فالصلح بينهما تقدير للنفقة ولا تعتبر معاوضة، سواء كان هذا
الصلح قبل فرض القاضي أو التراضي على شئ أو كان بعد أحدهما. وإذا وقع الصلح على
شئ لا يجوز للقاضي أن يفرضه على الزوج في نفقتها بحال كالثوب والعبد ينظران كان
الصلح بينهما قبل قضاء القاضي لها بالنفقة وقبل تراضيهما على شئ لكل شهر يعتبر الصلح
منهما تقديرا وبعد أحدهما يعتبر معاوضة. وفائدة اعتبار التقدير أن تجوز الزيادة عليه
والنقصان عنه، وفائدة اعتبار المعاوضة أن لا تجوز الزيادة على ذلك ولا النقصان، فإذا
صالحها على دراهم كل شهر ثم قالت لا تكفيني زيدت، ولو قال الرجل لا أطيقه فإنه لا
يصدق في ذلك فإنه التزمه باختياره، وذلك دليل على كونه قادرا على أداء ما التزم فيلزمه
جميع ذلك إلا أن يتعرف القاضي عن حاله بالسؤال من الناس فإذا أخبروه أنه لا يطيق ذلك
نقص عنه وأوجب على قدر طاقته، فإن لم يمض شئ من الشهر حتى صالحها من هذه
319

الدراهم عن شئ إن كان شيئا يجوز للقاضي أن يفرضه كما إذا صالح عن الدراهم على
ثلاث مخاتيم دقيق بعينه أو بغير عينه فهو تقدير للنفقة، وإن كان ثوبا أو نحوه فهو معاوضة
ولا يشبه هذا الديون كما إذا كان لرجل على آخر ثلاثة دراهم فصالحه من الدراهم على
ثلاثة مخاتيم دقيق بغير عينه فإن الصلح لا يجوز لأن الصلح فيه معاوضة لوجوب الدين قبل
الصلح فكان بيع دين بدين فلا يجوز إلا أن يدفع الدقيق في المجلس، وأما هنا فقبل مضي
الشهر فالنفقة لا تصير دينا فلم يكن معاوضة، وإنما هو تقدير للنفقة حتى لو مضى الشهر
وصارت الدراهم دينا ثم صالحها على دقيق بغير عينه لا يجوز أيضا لما قلنا اه‍. وقد علم
منه أن رضاهما وصلحهما على شئ صالح للنفقة بعد فرض القاضي النفقة مبطل لتقدير
القاضي حتى لا يلزمه إلا ما تراضيا عليه بعد فرض القاضي، فيستفاد منه أنهما لو اتفقا
على أن تأكل معه تموينا بعد فرض النفقة أو الاتفاق على قدر معين فإنه يبطل التقدير السابق
لرضاها بذلك وهي كثيرة الوقوع في زماننا. وفي الذخيرة أيضا: ولو صالحها من نفقة سنة
على ثوب جاز، فإن استحق الثوب، فإن وقع الصلح عليه بعد الفرض أو الرضا فإنها
ترجع بما فرض لها أو تراضيا عليه لأن أخذها الثوب شراء وقد انفسخ بالاستحقاق فعاد
دينها، وإن كان قبل القرض والتراضي رجعت بقيمة الثوب ولو صلحها على وصيف وسط
ولم يجعل له أجلا أو أجله، فإن كان قبل الفرض أو التراضي جاز، وإن كان بعد أحدهما
لا يجوز. وصلح المكاتبة على نفقتها جائز كالصلح عن مهرها لأنه حقها، وكذلك العبد
المحجور إذا صالح عن نفقة امرأته وقد تزوج بإذن المولى، وكذا صلح المكاتب عن نفقة
امرأته كل شهر جائز بالأولى اه‍.
قوله: (وبموت أحدهما تسقط المقضية) أي بموت أحد الزوجين تسقط النفقة المقضى
بها لأن النفقة صلة والصلاة تسقط بالموت كالهبة والدية والجزية وضمان العتق. أطلقه
فشمل ما إذا استدانت أولا، فإن كانت استدانت بغير إذن القاضي فإنها تسقط بموت
أحدهما كما لو أنفقت من مال نفسها، وإن كانت الاستدانة بأمر القاضي جزم في الظهيرية
بعدم السقوط وصححه في الذخيرة، ونسبه إلى الكافي للحاكم الشهيد لأن للقاضي ولاية
عامة بمنزلة استدانة الزوج بنفسه، ولو استدان الزوج بنفسه لا يسقط ذلك الدين للقاضي ولاية
عامة بمنزلة استدانة الزوج بنفسه، ولو استدان الزوج بنفسه لا يسقط ذلك الدين بموت
أحدهما كذا هذا اه‍. قيد بالموت لأن سقوط النفقة المقضي بها بالطلاق مختلف فيه فجزم في
النقاية بسقوطها به كالموت مسويا بينهما، وكذا في الجوهرة وذكر في الخانية والظهيرية:
320

وكما تسقط المفروضة بموت أحد الزوجين هل تسقط بالطلاق؟ اختلفوا فيه فقال بعضهم:
لا تسقط. وقال القاضي الإمام أبو علي النسفي: وجدت رواية في السقوط. وذكر البقالي أن
على قول محمد تسقط ولا رواية عن أبي يوسف. وذكر شمس الأئمة الحلواني زاد الخصاف
لسقوط النفقة المفروضة سببا آخر فقال: تسقط بموته وموتها وتسقط إذا طلقها أو أبانها اه‍.
هذه عبارتهما باللفظ. وفي الخلاصة والبزازية: وهل تسقط النفقة المفروضة بالطلاق؟ حكي
عن القاضي الإمام أبي علي النسفي أنها تسقط، وفي فتاوى البقالي ذكر الاختلاف بين أبي
يوسف ومحمد اه‍. وفي الذخيرة: لو طلقها الزوج في هذا الوجه يسقط ما اجتمع عليه من
النفقات بعد فرض القاضي، كذا حكي عن القاضي الإمام أبي علي النسفي. وكان يقول:
وجدنا رواية هذه المسألة في كتاب القاضي وبه كان يفتي الصدر الشهيد والشيخ الإمام ظهير
الدين المرغيناني. وشبهة بالذمي إذا اجتمع عليه خراج رأسه ثم أسلم يسقط عنه ما كان
اجتمع عليه. ووجه التشبيه به أن الذمي إنما كان يؤخذ منه خراج النفس لاصراره على الدين
الباطل وقد زال ذلك المعنى بالاسلام فتسقط الجزية، كذا ها هنا المرأة إنما تستحق النفقة
بالوصلة التي كانت بينهما وتلك الوصلة قد انقطعت بالطلاق، فأما إذا كانت النفقة مستدانة
بأمر القاضي فإنها لا تسقط بالطلاق وهو الصحيح لما ذكرنا أنه كاستدانة الزوج بنفسه اه‍. ما
في الذخيرة.
وفي المجتبى: ولو طلقها الزوج في هذه الوجوه فإنه يسقط ما اجتمع عليه من النفقات
بعد فرض القاضي اه‍. فقد ظهر من هذا أن الراجح عندهم سقوطها بالطلاق كالموت
خصوصا قد أفتى به الشيخان كما في الذخيرة، وظاهر كلامهم أنه لا فرق فيه بين الطلاق
الرجعي والبائن لأنه في عبارة الخانية والظهيرية قد عطف البائن على الطلاق فعلم أن الطلاق
رجعي قال العبد الضعيف: ينبغي ضعف القول بسقوطها بالطلاق ولو بائنا لأمور: الأول
أنهم اتفقوا على أنه يحبس في النفقة المفروضة إذا امتنع من دفعها ولو كانت تسقط بالطلاق
لامكنه أن يطلقها فتسقط ثم يراجعها. الثاني أنهم صرحوا بجواز أخذ الكفيل بالنفقة المفروضة
بقدر المدة التي فرضها القاضي مع أن الكفالة لا تصح إلا بدين صحيح. قالوا: وهو الذي لا
يسقط إلا بالأداء أو الابراء، فلو كان دين النفقة يسقط بالطلاق لم يكن صحيحا فلم تصح
الكفالة به، ولا يضرنا سقوطه بموت أحدهما لأنه لعارض أن أصله صلة والصلات تسقط
بالموت قبل القبض. الثالث وهو أقواها ما ذكروه في باب الخلع فإن الكل قد ذكروا أن
الطلاق على مال لا يسقط شيئا من حقوق النكاح بخلاف الخلع على مال ولا بأس بذكر
321

عباراتهم. قال في البدائع: ولا خلاف بينهم في الطلاق على مال أنه لا يبرأ به عن سائر
الحقوق التي وجبت لها بسبب النكاح اه‍. فقد أفاد عدم سقوط النفقة والكسوة المفروضتين
بالطلاق على مال لأنه صرح بسائر الحقوق وهي ثلاثة: المهر والنفقة والكسوة. ولا يمكن
حمله على المهر فقط لأنه يبطل به قوله سائر الحقوق. وقال قبله: وأما حكم الخلع
فإن كان بغير بدل بأن قال خالعتك ونوى به الطلاق فحكمه أن يقع الطلاق ولا يسقط شئ من المهر
والنفقة الماضية، وإن كان ببدل إلى آخره فهذا صريح في المسألة أيضا، وفي غاية البيان: أما
إذا كان العقد بلفظ الطلاق على مال فهل تقع البراءة عن الحقوق المتعلقة بالنكاح؟ ففي ظاهر
الرواية لا تقع لأن لفظ الطلاق لا يدل على إسقاط الحق الواجب بالنكاح، وفي رواية الحسن
عن أبي حنيفة تقع البراءة عنها لاتمام المقصود اه‍. وظاهره أن الطلاق إذا لم يكن علي مال لا
يسقط شيئا من الحقوق الواجبة اتفاقا. فهذا كله يدل على ضعف الرواية السابقة خصوصا أن
مفهوم الكتب حجة، وقد قيدوا سقوطها بموت أحدهما. وظاهر ما في الخانية والظهيرية أن
الخصاف زاد الطلاق من عنده وليس له أصل في المذهب، فالذي يتعين المصير إليه على كل
مفت وقاض اعتماد عدم السقوط خصوصا ما تضمنه القول بالسقوط من الاضرار بالنساء
حتى استفتيت وقت تأليف هذا المحل عن امرأة لها كسوة مفروضة تجمد لها عشر سنين ولم
يدفع لها الزوج ثم إنها رفعته إلى قاض وحكم عليه بالدفع فاستمهلها يوما ثم ذهب إلى قاض
رومي وخلعها عنده بغير علمها فحكم له القاضي الحنفي بسقوط الكسوة الماضية، ولا يخفى
ما في ذلك من الضرر. فإن قلت: لم لم تعتمد على تصحيح الزيلعي بقوله وكذا لا تسقط
بالطلاق في الصحيح لما ذكرنا قلت: لأن كلامه في النفقة المستدانة بأمر القاضي وكلامنا في
المفروضة فقط.
قوله: (ولا ترد المعجلة) أي لا ترد النفقة المعجلة بموت أحدهما ونحوه بأن عجل لها
نفقة شهر بعد فرض القاضي أو التراضي ثم مات أحدهما. أطلقه فشمل ما إذا كانت قائمة
أو هالكة، فإن كانت هالكة فلا ترد شيئا اتفاقا، وإن كانت قائمة أو مستهلكة فكذلك
عندهما. وقال محمد: يحتسب لها نفقة ما مضى وما بقي فهو للزوج، وعلى هذا الخلاف
322

الكسوة لأنها استعجلت عوضا عما تستحقه عليه بالاحتباس وقد بطل الاستحقاق بالموت
فبطل العوض بقدره كرزق القاضي ورزق المقاتلة. ولهما أنها صلة وقد اتصل بها القبض ولا
رجوع في الصلات بعد الموت لانتهاء حكمها كما في الهبة وفتح القدير، والفتوى على
قولهما، وجعله الولوالجي وأصحاب الفتاوى قول أبي يوسف قالوا: والفتوى عليه. وشمل
ما إذا كان المعجل الزوج أو أباه لما في الولوالجية وغيرها: أبو الزوج إذا دفع نفقة امرأة ابنه
323

مائة ثم طلقها الزوج ليس للأب أن يسترد ما دفع لأنه لو أعطاها الزوج والمسألة بحالها لم
يكن له ذلك عند أبي يوسف وعليه الفتوى، فكذا إذا أعطاها أبو الزوج اه‍. وشمل الموت
والطلاق لما ذكرناه، وكذا في الخانية: ولو عجل لها ثم طلقها لم يكن له أن يسترد، وفي فتح
القدير: والموت والطلاق قبل الدخول سواء، وفي نفقة المطلقة إذا مات زوجها اختلفوا، قيل
ترد، وقيل لا تسترد بالاتفاق لأن العدة قائمة في موته، كذا في الأقضية. فعلى هذا لا ينبغي
أن يقيد كلام المصنف بموت أحدهما كما فعله الزيلعي بل تجعل مستقلة، ووجهه أنها صلة
لزوجته ولا رجوع فيما يهبه لزوجته والعبرة لوقت الهبة لا لوقت الرجوع فالزوجية من الموانع
من الرجوع كالموت ودفع الأب كدفع ابنه فلا إشكال.
قوله: (ويباع القن في نفقة زوجته) يعني إذا كان تزوجه بإذن المولى لأنه دين وجب في
ذمته لوجود سببه وقد ظهر وجوبه في حق المولى فيتعلق برقبته كدين التجارة في العبد التاجر
ومراده عند عدم الفداء فإن للمولى أن يفديه لأن حقها في النفقة لا في عين الرقبة فلو مات
العبد سقطت، وكذا إذا قتل في الصحيح لأنه صلة، وكذا المهر، ولم أرهم صرحوا هنا بأن
المرأة إذا اختارت استسعاء في النفقة دون بيعه أن لها ذلك أم لا، لكن صرحوا في المأذون
له للتجارة إذا لحقه دين واختار الغرماء استسعاءه دون بيعه أن لهم ذلك، ذكره الزيلعي في
المأذون فينبغي أن يكون هنا كذلك. وينبغي أن المرأة إذا اختارت استسعاء لنفقتها كل يوم أن
يكون لها ذلك أيضا. قيدنا بإذن المولى لأنه لو تزوج بغير إذن المولى لا يباع في النفقة لعدم
وجوبها لعدم صحة النكاح ولذا لم يقيد المصنف بالاذن لأن عند عدمه لم تكن زوجة لتجب
لها النفقة، وكذا المهر لا يباع فيه ولو دخل بها لعدم ظهوره في حق المولى، وإنما يطالب به
بعد عتقه. وقيد بالقن وهو العبد الذي لا حرية فيه بوجه عند الفقهاء. وفي اللغة العبد إذا
ملك هو وأبواه يستوي فيه الاثنان والجمع والمذكر والمؤنث كما في شرح النقاية، لأن المكاتب
والمدبر وأم الولد لا يباعون فيها لعدم جواز البيع وإنما عليه السعاية إلا إذا عجز المكاتب
فإنه يباع لزوال المانع. وقيد بنفقة زوجته لأن نفقة أولاده لا تجب عليه، سواء كانت الزوجة
حرة أو أمة، أما إذا كانت حرة فلان الأولاد أحرارا تبعا لها والحر لا يستوجب النفقة على
العبد إلا الزوجة، وإن كانت المرأة أمة فنفقة الأولاد على مولى الأمة وإن كانت نفقة الام على
العبد لأن الأولاد تبع للام في الملك فتكون نفقة الأولاد على المالك لا على الزوج، كذا في
324

الولوالجية. زاد في الكافي للحاكم وشرحه للسرخسي وشرح الطحاوي والشامل: وكذلك
المكاتب لا تجب نفقة ولده، سواء كانت امرأته حرة أو قنة لهذا المعنى. وإذا كانت امرأة
المكاتب مكاتبة وهما لمولى واحد فنفقة الولد على الام لأن الولد تابع للام في كتابتها، ولهذا
كان كسب الولد لها وأرش الجناية عليه لها وميراثه لها فكذلك النفقة تكون عليها بخلاف ما
إذا وطئ المكاتب أمته فولدت حيث تجب نفقة الولد على المكاتب لأنه داخل في كتابته ولهذا
يكون كسبه له، وكذا أرش الجناية عليه له ولأنه جزؤه فإذا تبعه في العقد كانت نفقته عليه
كنفقة نفسه اه‍. ولم أر متى يباع القن في النفقة فإن القاضي إذا قرر لها نفقة كل شهر كذا
وطالبت بالنفقة هل يباع لأجل النفقة اليسيرة أو تصبر المرأة حتى يجتمع لها من النفقة قدر
قيمته؟ إن قلنا بالأول ففيه إضرار بالمولى ويقتضي أن يباع في نفقة يوم إذا طلبتها ولم يفده
السيد، وإن قلنا بالثاني ففيه إضرار بها خصوصا إذا كانت فقيرة. وذكر في الذخيرة ما يدل
على المراد ولفظها: فإذا اجتمع عليه من النفقة ما يعجز عن الأداء يباع فيه إلا أن يفديه المولى
اه‍. فإذا فرض القاضي لها نفقة شهر مثلا فطالبته وعجز عن أدائه باعه القاضي إن لم يفده
والله الموفق للصواب. وأطلق في بيعه لها فشمل سيده المزوج له وغيره، فإذا بيع فيها فاشتراه
من علم به أو لم يعلم ثم علم فرضي ظهر السبب في حقه أيضا، فإذا اجتمعت عليه النفقة
مرة أخرى يباع ثانيا، وكذا حاله عند المشتري الثالث وهلم جرا. ولا يباع مرة بعد أخرى إلا
في دين النفقة لأنها تتجدد شيئا فشيئا على حسب تجدد الزمان على وجه يظهر في حق السيد
فهو في الحقيقة دين حادث عند المشتري، وأما إذا لم يعلم المشتري بحاله أو علم بعد الشراء
ولم يرض فله رده لأن عيب اطلع عليه، كذا في فتح القدير. وقد فرق الولوالجي وغيره أيضا
بين دين النفقة وبين دين المهر بأن العبد إنما بيع في جميع المهر فإن المهر جميعه واجب، فإذا
بيع في جميع المهر مرة لا يباع مرة أخرى وإن بقي شئ من ذلك المهر، فأما النفقة فإنما تجب
شيئا فشيئا فإذا بيع فيها فإنما بيع فيما اجتمع من النفقة وصارت واجبة، وأما فيما لم يجتمع
ولم يصر واجبا لا يتصور البيع فيه، فإذا وجبت نفقة أخرى فهذا دين حادث لم يبع العبد فيه
مرة أخرى فجاز بيعه اه‍. وهذا يدل على أنه لو بيع في النفقة المجتمعة فلم يف بكلها فاشتراه
من هو عالم به فإنه لا يباع لبقية النفقة الماضية لأنها حينئذ كالمهر وإنما يباع لما يجتمع من النفقة
عند المشتري. وبهذا ظهر أن ما ذكره صدر الشريعة في شرح الوقاية من قوله صورته عبد
325

تزوج امرأة بإذن المولى ففرض القاضي النفقة عليه فاجتمع عليه ألف درهم فبيع بخمسمائة
وهي قيمته والمشتري عالم أن عليه دين النفقة يباع مرة أخرى بخلاف ما إذا كان الألف عليه
بسبب آخر فبيع بخمسمائة لا يباع مرة أخرى اه‍. سهو فاحش ظاهر لتصريحهم بأن دين
النفقة في الحقيقة دين حادث عند المشتري، ولأنه يلزم عليه أن يكون دين النفقة أقوى من
سائر الديون والامر بالعكس. وأطلق المصنف في الزوجة فشمل الحرة والأمة ويستثنى من
الأمة أمة سيد العبد فإنه لا نفقة لها على العبد، بوأها العبد بيتا أو لا، وإنما هي على المولى
لأنهما جميعا ملك المولى ونفقة المملوك على المالك، كذا في الذخيرة. وشمل بنت المولى فإن
لها النفقة على عبد أبيها لأن النفقة في معنى سائر الديون من وجه والبنت تستحق الدين على
الأب، وكذلك على عبد الأب، كذا في الذخيرة أيضا. وقد سئلت عن كفن امرأة العبد
وتجهيزها على القول المفتى به من إنه على الزوج وإن تركت مالا فأجبت بأني إلى الآن لم أرها
صريحة لكن تعليلهم لأبي يوسف بأن الكفن كالكسوة حال الحياة يقتضي أن يكون على العبد،
ومقتضاه أن يباع فيه كما يباع في كسوتها.
قوله: (ونفقة الأمة المنكوحة إنما تجب بالتبوأة) لأنه لا احتباس إلا بها فإن بوأها المولى
معه منزلا فعليه النفقة لتحقق الاحتباس وإلا فلا لعدمه. أطلق في الزوج فشمل الخر والقن
والمدبر والمكاتب، وأطلق في الأمة فشمل القنة والمدبرة وأم الولد، وأما المكاتبة فهي كالحرة
ولا يحتاج إلى التبوأة لاستحقاق النفقة لأن منافعها على حكم ملكها بصيرورتها أحق بنفسها
ومنافعها بعقد الكتابة ولهذا لم يبق للمولى ولاية الاستخدام فكانت كالحرة. والتبوأة أن يخلي
المولى بين الأمة وزوجها في منزل الزوج ولا يستخدمها، كذا في كافي الحاكم الشهيد وهو
يفيد أنه لو جاءت الأمة من منزل زوجها بعد التبوأة وخدمت المولى في بعض الأوقات من
غير أن يستخدمها لم يسقط كما صرح به في الذخيرة. وفيها: لو جاءت إلى بيت المولى في
وقت والمولى ليس في البيت فاستخدمها أهله ومنعوها من الرجوع إلى بيته فلا نفقة لها لأن
326

استخدام أهل المولى إياها بمنزلة استخدام المولى وفيه تفويت التبوأة اه‍. وظاهر قوله ولا
يستخدمها أنه لو استخدمها وهي في منزل الزوج فلا نفقة لها لأن التبوأة شرطين فإذا فقد أحدهما
فقدت، ويدل عليه قولهم لو استخدمها بعد التبوأة سقطت النفقة لكن علله في الهداية بقوله لأنه
فات الاحتباس وهو يدل على أنها خدمته في بيت المولى، وتعليل الزيلعي بقوله لزوال الموجب
أولى. وقيد بالأمة لأن نفقة الحرة واجبة مطلقا ولو كان زوجها عبدا، وما في الكتاب من تقييد
زوجة العبد إذا كانت حرة بالتبوأة فقال في الذخيرة إنه ليس بصحيح لأن الحرة لا تحتاج إليها
مطلقا. وقيد بالمنكوحة لأن نفقة المملوكة على سيدها مطلقا وقد تقدم أن التبوأة من السيد ليست
بلازمة تقديما لحقه على حق الزوج، ولو بوأ الأمة بعد الطلاق ولم يكن بوأها قبله فلا نفقة لها لأنها
لم تستحق بهذا الطلاق فلا تستحق بعده، وإن فاتت التبوأة بعد الطلاق ثم عادت تعود النفقة كما
في الولوالجية، ولا يشكل على التعليل الحرة إذا كانت ناشزة فطلقها زوجها فلها أن تعود إلى بيت
الزوج وتأخذ النفقة والسكنى كما ذكره الأسبيجابي للفرق المذكور في الولوالجية من أن في الأمة
النكاح حالة الطلاق لم يكن سببا لوجوب النفقة لأنه لم يكن سببا لوجوب الاحتباس إذ لا تجب
التبوأة، وفي الحرة النكاح حالة الطلاق سبب لوجوب النفقة إلا أنها فوتت بالنشوز فإذا عادت
وجبت اه‍. وظاهره أن تقدير النفقة من القاضي قبل التبوأة لا يصح لأنه قبل السبب ولم أره
صريحا. وفي الذخيرة والولوالجية: وإن كان للرجل نسوة بعضهن حرائر مسلمات وبعضهن إماء
327

ذميات فهن في النفقة سواء لأن النفقة مشروعة للكفاية وذلك لا يختلف باختلاف الدين والرق
والحرية إلا أن الأمة لا تستحق نفقة الخادم اه‍. وينبغي أن يكون هذا مفرعا على ظاهر الرواية
من اعتبار حاله، وأما على المفتى به فلسن في النفقة سواء لاختلاف حالهن يسارا وعسرا، فليست
نفقة الموسرة كنفقة المعسرة وليست نفقة الحرة كالأمة كما لا يخفى، ولم أر من نبه عليه.
قوله: (والسكنى في بيت حال عن أهله وأهلها) معطوف على النفقة أي تجب السكنى
في بيت أي الاسكان للزوجة على زوجها لأن السكنى من كفايتها فتجب لها كالنفقة، وقد
أوجبها الله تعالى كما أوجب النفقة بقوله تعالى * (أسكونهن من حيث سكنتم من وجدكم) *
[الطلاق: 6] أي من طاقتكم أي مما تطيقونه ملكا أو إجارة أو عارية إجماعا. وإذا وجبت
حقا لها ليس له أن يشرك غيرها فيه لأنها تتضرر به فإنها لا تأمن على متاعها ويمنعها ذلك
من المعاشرة مع زوجها ومن الاستمتاع إلا أن تختار لأنها رضيت بانتقاص حقها. ودخل في
الأهل الولد من غيرها لما بينا من قبل إلا أن يكون صغيرا لا يفهم الجماع فله إسكانه معها
كما في فتح القدير. وخرج عنه أمته وأم ولده فليس للمرأة الامتناع من إسكانهما معها على
المختار كما سيذكره المصنف آخر الكتاب لأنه يحتاج إلى الاستخدام فلا يستغني عنها. وإنما
ذكر البيت دون الدار لأنه لو أسكنها في بيت من الدار مفردا وله غلق كفاها لأن المقصود
حصل، كذا في الهداية. وقد اقتصر على الغلق فأفاد أنه ولو كان الخلاء مشتركا بعد أن
يكون له غلق بخصه وليس لها أن تطالبه بمسكن آخر، وبه قال الإمام لأن الضرر بالخوف
على المتاع وعدم التمكن من الاستمتاع قد زال ولا بد من كون المراد كون الخلاء مشتركا بينهم
وبين غير الأجانب، والذي في شرح المختار: ولو كان في الدار بيوت وأبت أن تسكن مع
328

ضرتها أو مع أحد من أهله إن أخلى لها بيتا وجعل له مرافق وغلقا على حدة ليس لها أن
تطلب بيتا، كذا في فتح القدير، وهو يفيد أنه لا بد للبيت من بيت الخلاء ومن مطبخ
بخلاف ما في الهداية، وينبغي الافتاء بما في شرح المختار، ويشترط أن لا يكون في الدار
أحد من أحماء الزوج يؤذيها كما في الخانية. قالوا: للزوج أن يسكنها حيث أحب ولكن بين
جيران صالحين. ولو قالت إنه يضربني ويؤذيني فمره أن يسكنني بين قوم صالحين فإن علم
القاضي ذلك زجره ومنعه عن التعدي في حقها وإلا يسأل الجيران عن صنيعه، فإن صدقوها
منعه عن التعدي في حقها ولا يتركها ثمة، وإن لم يكن في جوارها من يوثق به أو كانوا يميلون
إلى الزوج أمره بإسكانها بين قوم صالحين اه‍. ولم يصرحوا بأنه يضرب وإنما قالوا زجره ولعله
لأنها لم تطلب تعزيزه وإنما طلبت الاسكان بين قوم صالحين وقد علم من كلامهم أن البيت
الذي ليس له جيران فليس بمسكن شرعي. ثم اعلم أن المسكن أيضا لا بد أن يكون بقدر
حالهما كما تقدم في الطعام والكسوة فليس مسكن الأغنياء كمسكن الفقراء فلو أخر قوله بقدر
حالهما عن المسكن لكان أولى. وقدمنا أن النفقة إذا أطلقت فإنها تنصرف إلى الطعام والكسوة
والسكنى كما في الخلاصة، فقولهم يعتبر في النفقة حالهما يشمل الثلاثة كما لا يخفى. وفي
البزازية من الإجارات: تزوج بها وبنى بها في منزل كانت فيه بأجر ومضى عليه سنة فطالب
المؤجر المرأة بالاجر فقالت له أخبرتك أن المنزل بالكراء فعليك الاجر لا يلتفت إلى مقالتها
والاجر عليها لا على الزوج لأنها العاقدة اه‍. ومفهومه أنها لو سكنت بغير إجارة في وقف أو
مال يتيم أو ما كان معدا للاستغلال فالأجرة عليه. وفي البزازية: أجرت دارها من زوجها وهما
يسكنان فيه لا أجر عليه اه‍. ولم يذكر المصنف المؤنسة لأنها ليست بواجبة عليه كما في الفتاوى
السراجية يعني ليس عليه أن يأتي لها بامرأة تؤنسها في البيت إذا خرج إذا لم يكن عندها أحد.
329

قوله: (ولهم النظر والكلام معها) يعني في أي وقت اختار أهلها ذلك فلهم ذلك لما
في عدمه من قطيعة الرحم وليس له في ذلك ضرر، وقد أفاد كلامه أن له أن يمنع أهلها من
الدخول في بيته ولو والدة أو ولدا لأن المنزل ملكه، وله حق المنع من الدخول في ملكه.
وأما القيام على باب الدار فليس له منعهم منه كالكلام كما في الخانية واختاره القدوري،
وقيل لا يمنعهم من الدخول وإنما يمنعهم من القرار لأن الفتنة في المكث وطول الكلام
والصحيح خلاف كل من القولين قالوا: الصحيح أنه لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين ولا
يمنعهما من الدخول عليها في كل جمعة وفي غيرهما من المحارم في كل سنة، وإنما يمنعهم
من الكينونة عندها وعليه الفتوى كما في الخانية. وعن أبي يوسف في النوادر تقييد خروجها
بأن لا يقدرا على اتيانها، فإن كانا يقدران على اتيانها لا تذهب وهو حسن فإن بعض النساء لا
يشق عليها مع الأب الخروج وقد يشق ذلك على الزوج فتمتنع. وقد اختار بعض المشايخ
منعها من الخروج إليهما وقد أشار إلى نقله في شرح المختار، والحق الاخذ بقول أبي يوسف
إذا كان الأبوان بالصفة التي ذكرت، وإن لم يكونا كذلك ينبغي أن يؤذن لها في زيارتهما
الحين بعد الحين على قدر متعارف، أما في كل جمعة فبعيد فإن في كثرة الخروج فتح باب
الفتنة خصوصا إذا كانت شابة والزوج من ذو الهيئات بخلاف خروج الأبوين فإنه أيسر.
330

ولو كان أبوها زمنا مثلا وهو يحتاج إلى خدمتها والزوج يمنعها من تعاهده فعليها أن تعصيه
مسلما كان الأب أو كافرا، كذا في فتح القدير. وقد استفيد مما ذكرناه أن لها الخروج إلى
زيارة الأبوين والمحارم، فعلى الصحيح المفتي به تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبغير إذنه،
ولزيارة المحارم في كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه، وأما الخروج للأهل زائدا على ذلك فلها
ذلك بإذنه. قال في الظهيرية: ويجوز للرجل أن يأذن لها في الخروج إلى زيارة الوالدين
وتعزيتهما وعيادتهما وزيارة المحارم. وفي الخلاصة معزيا إلى مجموع النوازل: يجوز للرجل أن
يأذن لها بالخروج إلى سبعة مواضع: زيارة الأبوين وعيادتهما وتعزيتهما أو أحدهما وزيارة
المحارم، فإن كانت قابلة أو غسالة أو كان لها على آخر حق تخرج بالاذن وبغير الاذن والحج
على هذا، وفيما عدا ذلك من زيارة الأجانب وعيادتهم والوليمة لا يأذن لها ولا تخرج، ولو
أذن وخرجت كانا عاصيين. وتمنع من الحمام فإن أرادت أن تخرج إلى مجلس العلم بغير رضا
الزوج ليس لها ذلك، فإن وقعت لها نازلة إن سأل الزوج من العالم أو أخبرها بذلك لا
يسعها الخروج، وإن امتنع من السؤال يسعها الخروج من غير رضا الزوج، وإن لم تقع لها
نازلة لكن أرادت أن تخرج إلى مجلس العلم لتتعلم مسألة من مسائل الوضوء والصلاة، فإن
كان الزوج يحفظ المسائل ويذكر عندها فله أن يمنعها، وإن كان لا يحفظ فالأولى أن يأذن لها
أحيانا، وإن لم يأذن فلا شئ عليه، ولا يسعها الخروج ما لم يقع لها نازلة. وفي الفتاوى في
باب المهر: والمرأة قبل أن تقبض مهرها لها الخروج في حوائجها وتزور الأقارب بغير إذن
الزوج، فإن أعطاها المهر ليس لها الخروج إلا بإذن الزوج ا ه‍. وهكذا في الخانية إلا أنه زاد
أنها تخرج بغير الاذن أيضا إذا كانت في منزل يخاف السقوط عليها. وقيد الحج بالفرض مع
وجود المحرم، وقيد خروج القابلة والغاسلة بإذن الزوج، وفسر الغاسلة بمن تغسل الموتى،
وينبغي أن للزوج أن يمنع القابلة والغاسلة من الخروج لأن في الخروج إضرارا به وهي
محبوسة لحقه وحقه مقدم على فرض الكفاية بخلاف الحج الفرض لأن حقه لا يقدم على فرض
العين وينبغي أن يحمل كلامهم هنا على المرأة التي لم تكن مخدرة في مسألة خروجها للخصومة
عند القاضي لأنه حينئذ لا يقبل منها التوكيل، وأما إذا كانت مخدرة فليس لها الخروج بغير
331

إذن الزوج لقبول التوكيل منها بغير رضا الخصم، إما الزوج أو غيره ولم أر من نبه على هذا،
وسيأتي في باب التعزير المواضع التي يجوز للزوج أن يضرب امرأته فيها وقالوا هنا: له أن
يمنع امرأته من الغزل ولا تتطوع للصلاة والصوم بغير إذن الزوج، كذا في الظهيرية: وينبغي
عدم تخصيص الغزل بل له أن يمنعها من الأعمال كلها المقتضية للكسب لأنها مستغنية عنه
لوجوب كفايتها عليه، وكذا في العمل تبرعا لأجنبي بالأولى. وفي فتح القدير: وحيث أبحنا
لها الخروج فإنما يباح بشرط عدم الزينة وتغيير الهيئة إلى ما لا يكون داعية لنظر الرجال
والاستمالة قال الله تعالى * (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) * [الأحزاب: 33] وقول الفقيه
وتمنع من الحمام خالفه قاضيخان قال في فصل الحمام في فتاواه حيث قال دخول الحمام
مشروع للرجال والنساء جميعا خلافا لما قاله بعض الناس إلى آخره.
قوله: (وفرض لزوجة الغائب وطفله وأبويه في مال له عند من يقربه وبالزوجية
ويؤخذ منها كفيل) بيان لنفقة الزوجة إذا كان زوجها غائبا ولم يعطها نفقتها واستتبع نفقة
الفروع والأصول عند غيبته، ولا يخلو إما أن يكون له مال حاضر عند غيره أو لا، فصرح
بالأول وأشار إلى الثاني. أما الأول فشرط لفرض القاضي شيئين: أن يكون من عنده المال
مقرا به، وأن يكون مقرا بالزوجية لأنه لما أقر بهما فقد أقر بان حق الاخذ لها لأن لها أن
تأخذ من مال الزوج حقها من غير رضاه وإقرار صاحب اليد مقبول في حق نفسه لا سيما
ها هنا، وكذا الولد الصغير والأبوان لأن لهم أن يأخذوا نفقتهم من ماله بغير قضاء ولا
رضا وكان القضاء في حقهم إعانة وفتوى من القاضي، وحكم الولد الكبير الزمن أو
الأنثى مطلقا كالصغير لما سيأتي، وقيد بالطفل والأبوين للاحتراز عن غيرهم من الأقرباء
كالأخ والعم فإن نفقتهم إنما تجب بالقضاء لأنه مجتهد فيه والقضاء على الغائب لا يجوز،
وللاحتراز عن نفقة مملوكة. وأطلقه فيمن عنده المال فشمل مودعه ومضاربه قالوا وكذا
مديونه، فلو قال المصنف عنده أو عليه لكان أولى لأن عنده للأمانة فلو استعملت هنا
للأمانة والدين لكان جمعا بين الحقيقة والمجاز بلفظ واحدة وهو لا يجوز. وقوله بالزوجية
اكتفاء وإلا فكان ينبغي أن يقول بالزوجية والنسب لأنه لا تفرض النفقة لطفله وأبويه حتى
332

يكون مقرا بالنسب كما في التبيين. قالوا: وعلم القاضي بهما كإقراره بهما، وإن علم
القاضي أحدهما يحتاج إلى الاقرار بالآخر على الصحيح. وأطلق في المال وهو في محل
التقييد قالوا: هذا إذا كان المال من جنس حقها دراهم أو دنانير أو تبرا أو طعاما ما طعاما أو كسوة
من جنس حقها، أما إذا كان من خلاف جنس حقها لا تفرض النفقة فيه لأنه يحتاج إلى
البيع ولا يباع مال الغائب بالاتفاق، أما عند أبي حنيفة فلانه لا يباع على الحاضر فكذا على
الغائب، وأما عندهما فلانه إن كان يقضي على الحاضر لأنه يعرف امتناعه لا يقضي على
الغائب، لأنه لا يعرف امتناعه. وقيد بإقراره بهما لأنه لو جحد كون المال للغائب أو جحد
النكاح أو جحدهما لم تقبل بينهما على شئ من ذلك، أما على المال فلأنها بهذه البينة تثبت
الملك للغائب وهي ليست بخصم في إثبات الملك للغائب، وأما على الزوجية فلأنها بهذه
البينة تثبت النكاح على الغائب والمودع والمديون ليسا بخصم في إثبات النكاح على الغائب
ولا يمين للمرأة عليه لأنه لا يستحلف إلا من كان خصما، كذا في الخانية من كتاب
الوديعة وهي مما يستثنى من قولهم كل من أقر بشئ لزمه فإذا أنكره يحلف عليه، ولم يذكر
المصنف استحلاف المرأة قبل الفرض.
وفي الذخيرة: فإن القاضي يسأل المرأة هل عجل لها النفقة، فإن قالت لا يستحلفها
فإذا حلفت أمرها القاضي بإعطاء النفقة من ذلك. وفي الخانية أنه يحلفها أنه ما أعطاها
نفقة ولا كانت ناشزة. وقيد بنفقة من ذكر للاحتراز عن دين على الغائب فإن صاحب
الدين لو أحضر غريما أو مودعا للغائب لم يأمره القاضي بقضاء الدين وإن كان مقرا بالمال
وبدينه لأن القاضي إنما يأمر في حق الغائب بما يكون نظرا له وحفظا لملكه، وفي الانفاق
على زوجته من ماله حفظ ملكه وفي وفاء دينه قضاء عليه بقول الغير وهو لا يجوز، كذا
في الذخيرة. وأطلق في فرض النفقة فشمل ما إذا قال المودع إن الزوج أمرني أن لا أدفع
إليها شيئا فإن القاضي لا يلتفت إليه ويأمره بالانفاق ولا ضمان عليه، كذا في الذخيرة.
والضمير في قول المصنف فرض يعود إلى ما ذكر أولا وهو الثلاثة أي فرض النفقة
والكسوة والسكنى كما في الذخيرة. وإنما يأخذ منها كفيلا لجواز أنه قد عجل لها النفقة
أو كانت ناشزة أو مطلقة قد انقضت عدتها فكان النظر له في التكفيل بخلاف أخذ الكفيل
333

عند قسمة التركة بين الورثة فإنه ليس بحسن لجهالة المكفول له كما سيأتي. واختلف في
أخذ الكفيل هل هو واجب على القاضي أو حسن؟ ذهب السرخسي إلى الأول والخصاف
إلى الثاني، وصحح الصدر الشهيد الأول لأنه نصب ناظرا للعاجز فيجب عليه النظر إليه
وهو في أخذ الكفيل. وفي كتاب الأقضية أن القاضي لو لم يأخذ منها كفيلا دفع إليها
النفقة، فهذا إشارة إلى أن أخذ الكفيل نوع احتياط لا أن يكون لازما، كذا في الذخيرة.
وذكر في المستصفي قوله ويؤخذ منها أي من المرأة، وفي بعض النسخ، ويؤخذ منه أي من
آخذ النفقة أو من كل واحد من الأصناف المذكورين ا ه‍. وهذا يدل على أنه يؤخذ الكفيل
من الوالدين أيضا وهو الظاهر لأنه أنظر للغائب. وقد يقال إنه إنما يؤخذ منها لما تقدم،
وأما من الوالدين فإنما هو لاحتمال التعجيل، وقدمنا أن النفقة المعجلة للقريب إذا هلكت
أو سرقت فإنه يقضي له بأخرى بخلاف الزوجة فليس في أخذ الكفيل احتياط للغائب لأنه
لو كان عجل ثم ادعى الوالد هلاكها قبل منه. وقيد بكون المال عند شخص لأنه لو كان
له مال في بيته فطلبت من القاضي فرض النفقة، فإن علم بالنكاح بينهما فرض لها في
ذلك المال لأنه إيفاء لحق المرأة وليس بقضاء على الزوج بالنفقة كما لو أقر بدين ثم غاب
وله مال حاضر من جنس الدين وطلب صاحب الدين من ذلك قضى له به، أصله حديث
هند كما عرف. وينبغي للقاضي أن يحلفها أنه لم يعطها النفقة ويأخذ منها كفيلا كما
قدمناه، كذا في الذخيرة. ولو لم يكن له مال أصلا فطلبت من القاضي فرض النفقة فعندنا
لا يسمع البينة لأنه قضاء على الغائب، وعند زفر يسمع القاضي البينة ولا يقضي بالنكاح
ويعطيها النفقة من مال الزوج، وإن لم يكن له مال أمرها القاضي بالاستدانة، فإن حضر
الزوج وأقر بالنكاح أمره بقضاء الدين، وإن أنكر ذلك كلفها القاضي إعادة البينة، فإن لم
تعدها أمرها القاضي برد ما أخذت، وما يفعله القضاة في زماننا من قبول البينة من المرأة
وفرض النفقة على الغائب إنما ينفذ لا لأنه قول علمائنا الثلاثة في ظاهر الرواية وإنما ينفذ
لكونه مختلفا فيه، إما مع زفر أو مع أبي يوسف كما ذكره الخصاف وهو أرفق بالناس. ثم
على قول من يقول تفرض النفقة في هذه المسألة لا تحتاج المرأة إقامة البينة على أنه لم يخلف
نفقة، كذا في الذخيرة والخانية. والحاصل أن القاضي إذا لم يعلم النكاح فليس له فرض
النفقة على الغائب ولو أقامت المرأة البينة على ظاهر الرواية لكن لو سمع البينة وفرضها
334

وأمرها بالاستدانة جاز ونفذ كما هو قول زفر وأبي يوسف وعلينه العمل وهي من إحدى
المسائل الست التي يفتي فيها بقول زفر لحاجة الناس.
وفي فتح القدير: ونقل مثل قول زفر عن أبي يوسف فقوي عمل القضاة لحاجة
الناس إلى ذلك. وإذا كان للمرأة أولاد صغار وغاب الأب ولم يترك لهم نفقة تجبر الام على
الانفاق إن كان لها مال ثم ترجع بذلك على الأب، كذا في الخانية. وبهذا علم أن الرجل
إذا غاب وله زوجة وأولاد صغار ولم يترك شيئا فإن القاضي يسمع البينة منها على النكاح
إن لم يكن عالما به على ما عليه العمل ثم يفرض لها ولأولادها نفقة ثم يأمرها بالاستدانة،
فإذا جاء رجعت عليه بالمفروض لها ولأولادها. وأشار بقوله فرض إلى أن المودع
والمديون لو أنفقا بغير أمر القاضي فإن المودع ضامن ولا يبرأ المديون، ولا رجوع للمنفق
على من أنفق عليه كما في الذخيرة، وجعله في الخانية نظير المودع لو قضى بالوديعة دين
المودع بغير أمر القاضي فإنه يكون ضامنا اه‍. مع أنه في هذه المسألة لا فرق بين أمر
القاضي وعدمه فإنه ليس للقاضي أن يقضي دين الغائب من وديعته كما قدمناه، ولم يذكر
المصنف الحكم بعد حضور الزوج. قال في الذخيرة: فإن حضر الزوج وقال كنت أوفيت
النفقة أو أرسلت إليها النفقة فالقاضي يقول له أقم البينة، فإن أقامها أمرها القاضي برد ما
أخذت لأنه ظهر عند القاضي أنها أخذت بغير حق وللزوج الخيار إن شاء آخذها بذلك
وإن شاء آخذ الكفيل، فإن لم يكن للزوج بينة وحلفت المرأة على ذلك فلا شئ على
الكفيل، وإن نكلت عن اليمين ونكل الكفيل لزمهما المال وللزوج الخيار فقد ذكر في هذه
المسألة نكولهما ونكول المرأة أمر لازم، وأما نكول الكفيل فليس بلازم بل إذا نكلت المرأة
فذلك يكفي لثبوت الخيار للزوج وإن لم ينكل الكفيل لأن النكول إقرار والأصيل إذا أقر
بالمال لزم الكفيل وإن جحد الكفيل ولا ضمان على المودع لأن أمر القاضي بالدفع إليها قد
صح فصار كأمره بنفسه اه‍. ويخالفه ما في المبسوط وشرح الطحاوي من أنها لو أقرت أنها
335

تعجلت نفقتها فالزوج يأخذه من المرأة ولا يأخذه من الكفيل اه‍. وسيأتي في باب الكفالة
الفرق بين الكفالة بدين قائم في الحال كقوله كفلت بمالك عليه فلا يلزم الكفيل ما أقر به
الأصيل وبين الكفالة بدين يجب كقوله ما ثبت لك عليه أو ذاب فيلزم الكفيل كما في فتح
القدير. ولا يخفى أن الكفيل إنما ضمن الدين القائم للحال لأنها لما أخذت ثانيا ضمنها
فكان وقت الضمان الدين قائم في ذمتها للحال وهو ما أخذته ثانيا، فظهر بهذا أنه من
القسم الأول، فالحق ما في المبسوط كما في المجتبى ولم يذكر أنه يأخذ منها كفيلا بنفسها
أو بما أعطاها. وذكر في شس: فإذا حلفت فأعطاها النفقة أخذ منها كفيلا بذلك. بط:
وهو الصحيح اه‍. فقد صرح بأن الكفالة إنما هو بما أخذته قبل الكفالة فهو نظير قوله
كفلت بمالك عليه. وفي الخانية: وبعد ما أمر القاضي المودع أو المديون إذا قال المودع
دفعت المال إليها لأجل النفقة قبل قوله ولا يقبل قول المديون إلا ببينة اه‍. ولم يذكر قولها
وينبغي أن يكون كالبينة لأنها مقرة على نفسها. وفي الخانية: والوديعة أولى من الدين في
البداءة بالانفاق منها عليها. وفي الذخيرة: وينفق القاضي عليها من غلة الدار والعبد الذي
هو للغائب لأنه من جنس حقها. وأطلق المصنف في الغائب فشمل المفقود وغيره كما في
شرح الطحاوي ولم يقيد فيما عندي من الكتب الغيبة بشئ إلا في الفتاوى الصيرفية فإنه
قال: إيجاب النفقة في مال الغائب يشترط أن يكون مدة سفر اه‍. وهو قيد حسن يجب
حفظه فإنه فيما دونه ويسهل إحصاره ومراجعته.
336

قوله: (ولمعتدة الطلاق) أي تجب النفقة والكسوة والسكنى لمعتدة الطلاق. هذا هو
ظاهر المختصر، وذكر الزيلعي النفقة والسكنى ولم يذكر الكسوة، والمنقول في الذخيرة
والخانية والعناية والمجتبى أن المعتدة تستحق الكسوة، قالوا: وإنما لم يذكرها محمد في
الكتاب لأن العدة لا تطول غالبا فتستغني عنها حتى لو احتاجت إليها بفرض لها ذلك
اه‍. فظهر بهذا أن كسوة المعتدة على التفصيل إذا استغنت عنها لقصر المدة كما إذا كانت
عدتها بالحيض وحاضت أو بالأشهر فإنه لا كسوة لها، وإن احتاجت إليها لطول المدة
كما إذا كانت ممتدة الطهر ولم تحض فإن القاضي يفرض لها، وهذا هو الذي حرره
الطرسوسي في أنفع الوسائل وهو تحرير حسن مفهوم من كلامهم. أطلق الطلاق فشمل
البائن والرجعي لأنها جراء الاحتباس وهي محبوسة فيهما في حق حكم مقصود وهو
الولد إذ العدة واجبة لصيانة الولد فتجب النفقة. وفي المجتبى: ونفقة العدة كنفقة النكاح
وتسقط بمضي المدة إلا بفرض أو صلح، وإن استدانت عليه وهو غائب فإن كان بقضاء
ترجع عليه، وبغير قضاء اختلاف إلا بفرض أو صلح، وإن استدانت عليه وهو غائب
فإن كان بقضاء ترجع عليه، وبغير قضاء اختلاف الروايات والمشايخ اه‍. وفي الذخيرة:
والنفقة واجبة للمعتدة طالت المدة أو قصرت ويكون القول قولها في عدم انقضائها مع
يمينها، فإن أقام الزوج بينة على إقرارها بانقضائها برئ منها، وإن ادعت حبلا أنفق
عليها ما بينها وبين سنتين منذ يوم طلقها، فإن قالت كنت أظن أني حامل ولم أحض وأنا
ممتدة الطهر إلى هذه الغاية وأظن أن هذا الذي بي ريح وأنا أريد النفقة حتى تنقضي
عدتي، وقال الزوج قد ادعيت الحبل وأكثره سنتان فالقاضي لا يلتفت إلى قوله وتلزمه
النفقة ما لم تنقض العدة، إما بثلاث حيض أو بدخولها في حد الإياس ومضي ثلاث
أشهر بعده، فإن حاضت في هذه الأشهر الثلاثة استقبلت العدة بالحيض والنفقة واجبة
لها في جميع ذلك ما لم يحكم بانقضاء العدة، وهكذا في الخلاصة. وقد وقعت حادثة في
زماننا هي أنها ادعت الحبل ولم يصدقها فقرر لها نفقة على أنها إن لم تكن حاملا ردت ما
أخذته ولا يخفى أنه شرط باطل. وفي الخلاصة: المعتدة إذا لم تأخذ النفقة حتى انقضت
عدتها سقطت نفقتها. هذا إذا لم تكن مفروضة، أما إذا كانت مفروضة ذكر الصدر
337

الشهيد في الفتاوى الصغرى عن شمس الأئمة الحلواني أنه قال في المختار عندي أنها لا
تسقط اه‍. وذكر الخلاف في الخانية أيضا. وفي الذخيرة: إن كان القاضي أمرها
بالاستدانة واستدانت فلها الرجوع على الزوج لأنه كاستدانته بنفسه، وإن لم يأمرها
القاضي بالاستدانة ففيه خلاف. وأشار السرخسي إلى أنها تسقط حيث علل فقال: سبب
استحقاق هذه النفقة العدة والمستحق بهذا السبب في حكم العلة فلا بد من قيام السبب
لاستحقاق المطالبة ألا ترى الذمي إذا أسلم وعليه خراج رأسه لم يطالب بشئ منه فكذا
هنا وهو الصحيح اه‍. فعلى هذا لا بد من إصلاح المتون فإنهم صرحوا أنها تجب بالقضاء
أو الرضا وتصير دينا وهنا لا تصير دينا بالقضاء إلا إذا لم تنقض العدة وهو يرجح أن
المقضي بها تسقط بالطلاق لأنه يشترط للمطالبة بها قيام السبب.
وفي الذخيرة: على الزوج مؤنة سكنى المعتدة، فإن لم يكن له منزل مملوك يكتري
منزلا لها ويكون الكراء عليه، فإن كان معسرا تؤمر المرأة أن تستدين الكراء ثم ترجع على
الزوج إذا أيسر كما هو الحكم في النفقة حال قيام النكاح، وإن كان الطلاق بائنا، فإن كان
المنزل ملكا للزوج ينبغي أن يخرج الزوج من المنزل ويعتزل عنها ويتركها في ذلك المنزل إلى
انقضاء عدتها، وكذلك إن كان المنزل بالكراء وإن استكرى لها منزلا آخر يجوز لكن
الأفضل أن يتركها في المنزل الذي كانا يسكنان فيه قبل الطلاق، وإن كان الطلاق رجعيا
فقد ذكر الخصاف أنه يسكنها في المنزل الذي كانا يسكنان فيه قبل الطلاق لكن الزوج يخرج
أو يعتزل عنها في ناحية منه اه‍. وفيها أيضا: المعتدة إذا خرجت من بيت العدة تسقط
نفقتها ما دامت على النشوز، فإن عادت إلى بيت الزوج كان لها النفقة والسكنى، ثم
الخروج عن بيت العدة على سبيل الدوام ليس بشرط لسقوط نفقتها فإنها إذا خرجت زمانا
وسكنت زمانا لا تستحق النفقة، وفي فتاوى النسفي: المعتدة عن طلاق بائن إذا تزوجت
في العدة ووجد الدخول وفرق بينهما ووجبت العدة منهما لا نفقة على الزوج الثاني لفساد
نكاحه وهي على الأول إذا لم تخرج من بيت العدة، فإن خرجت فلا ولا توصف بالنشوز
بمنعها نفسها منه هنا لأن الطلاق بائن والحل زائل اه‍. وفي الذخيرة أيضا: وإذا صالح
الرجل امرأته عن نفقتها ما دامت في العدة على دراهم مسماة لا يزيدها عليها حتى تنقضي
العدة ينظر، إن كان عدتها بالحيض لا يجوز الصلح للجهالة، وإن كانت بالأشهر جاز
لعدمها، وإذا خلعها أو أبانها ثم صالحها عن السكنى على دراهم لا يجوز لأنه يؤدي إلى
إبطال حق الله تعالى في السكنى، وفي المحيط: خالعها على أن لا نفقة لها ولا سكنى فلها
السكنى دون النفقة لأن النفقة حقها فيصح الابراء عنها دون السكنى. وفي الولوالجية:
338

المختلعة بنفقة عدتها هل تخرج في حوائجها بالنهار تكلموا فيه والمختار أنها لا تخرج لأنها
هي التي أبطلت حقها في النفقة فلم يصح الابطال فيما يؤدي إلى إبطال حق الشرع اه‍.
قوله: (لا الموت والمعصية) أي لا تجب النفقة لمعتدة الموت ولا لمعتدة وقعت الفرقة بينها
وبين زوجها بمعصية من جهتها كالردة وتقبيل ابن الزوج، أما المتوفى عنها زوجها فلان
احتباسها ليس لحق الزوج بل لحق الشرع فإن التربص عبادة منها ألا ترى أن معنى التعريف
عن براءة الرحم ليس بمراعي فيه حتى لا يشترط فيه الحيض فلا تجب نفقتها عليه، لأن
النفقة تجب شيئا فشيئا ولا ملك له بعد الموت فلا يمكن إيجابها في ملك الورثة، أطلقه فشمل
ما إذا كانت حاملا لكنه قال في الظهيرية: وإذا أنفق الوصي على الحامل للحمل فضمنوه
يرجع على المرأة بما أنفق إلا أن يكون ذلك بإذن القاضي لأن عليا وشريحا كانا يريان ذلك
للحمل من جميع المال اه‍. وشمل السكنى والنفقة فلا سكنى لها أيضا، كذا في المبسوط.
وأما الفرقة بمعصية من جهتها فلأنها صارت حابسة نفسها بغير حق فصارت كما إذا كانت
ناشزة بخلاف المهر بعد الدخول لأنه وجد التسليم في حق المهر بالوطئ. قيد بالمعصية أي
بمعصيتها لأن الفرقة من قبلها بغير معصية كخيار العتق وخيار البلوغ والتفريق لعدم الكفاءة
لا تسقط نفقتها لأنها حبست نفسها بحق كما إذا حبست نفسها لاستيفاء المهر، فالحاصل أن
الفرقة إما من قبله أو من قبلها، فإن كانت من قبله فلها النفقة مطلقا، سواء كانت بمعصية
أو بغير معصية، طلاقا كانت أو فسخا كطلاقه ولعانه وعنته أو تقبيله بنت زوجته أو إيلائه
مع عدم فيئه حتى مضت أربعة أشهر أو إبائه عن الاسلام إذا أسلمت هي أو ارتد هو فعرض
عليه الاسلام فلم يسلم. وإن كانت من قبلها، فإن كان بمعصية فلا نفقة لها، وأما السكنى
فقالوا بوجوبها كما في الخانية وشرح الطحاوي. وفي فتح القدير لها السكنى في جميع الصور
لأن القرار في منزل الزوج حق عليها ولا تسقط بمعصيتها، أما النفقة فحق لها فتجازى
بسقوطها لمعصيتها. وبما قررناه علم أن المصنف لو قال ولمعتدة الطلاق أو الفسخ إلا إذا
وقعت الفرقة في معصيتها فلا نفقة لها إلا السكنى لكان أولى فإن كلامه خال عن معتدة
الفسخ والمعصية شاملة لمعصيتها ولمعصيته. وفي الذخيرة: وفرق بين النفقة وبين المهر فإن
الفرقة إذا جاءت من قبل المرأة قبل الدخول يسقط المهر، سواء كانت عاصية أو محقة، لأن
المهر عوض من كل وجه ولهذا لا يسقط بموت أحدهما فإذا فات العوض بمعنى من جهة من
339

له العوض سقط، فأما النفقة فعوض من وجه صلة من وجه فإذا كان بينهما اعتبر عوضا متى
جاءت بسبب هو معصية وصلة متى جاءت بحق.
قوله: (وردتها بعد البت تسقط نفقتها لا تمكين ابنه) يعني لو طلقها بائنا ثم ارتدت
سقطت نفقتها، ولو مكنت ابن زوجها بعد البينونة لا تسقط مع أن الفرقة فيهما بالطلاق لا
من جهتها بمعصية لأن المرتدة تحبس حتى تتوب ولا نفقة للمحبوسة والممكنة لا تحبس فلهذا
تقع الفرقة وفي الحقيقة لا فرق بين المسئلتين لأن المرتدة بعد البينونة لو لم تحبس تجب لها
النفقة كما في غاية البيان والمحيط كالممكنة، والممكنة إذا لم تلزم بيت العدة لا نفقة لها،
فليس للردة أو التمكين دخل في الاسقاط وعدمه، بل إن وجد الاحتباس في بيت العدة
وجبت وإلا فلا. ولو حبست المعتدة للردة ثم تابت ورجعت تجب النفقة لعود الاحتباس
كالناشزة إذا عادت لزوال المانع بخلاف المبانة بالردة إذا أسلمت لا تعود نفقتها السقوط نفقتها
أصلا بمعصيتها والساقط لا يعود. ولو لحقت بدار الحرب ثم عادت وتابت فلا نفقة لها
لسقوط العدة بالالتحاق حكما لتباين الدارين لأنه بمنزلة الموت فانعدم السبب الموجب، قيد
بالطلاق البائن لأن المعتدة عن رجعي إذا طاوعت ابن زوجها أو قبلها بشهوة فلا نفقة لها لأن
الفرقة لم تقع بالطلاق وإنما وقعت بسبب وجد منها وهو معصيتها. وأطلقه فشمل البائن
بالواحدة أو بالثلاث، وما في الهداية من تقييده بالثلاث اتفاقي، وفي المحيط: الأصل أن
كل امرأة لا نفقة لها يوم الطلاق فليس لها النفقة أبدا إلا الناشزة كالمعتدة عن النكاح الفاسد
والأمة المزوجة إذا لم يبوئها المولى بيتا اه‍. ثم قال بعده: ولو طلقها وهي مبوأة فلها النفقة،
فإن أخرجها المولى بطلت، فإن أعادها عادت النفقة فلو بوأها بعد الطلاق الرجعي وجبت
النفقة لأنها منكوحة بخلاف المبانة.
قوله: (ولطفله الفقير) أي تجب النفقة والسكنى والكسوة لولده الصغير الفقير لقوله
تعالى * (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) * [البقرة: 332] فهي عبارة في إيجاب
نفقة المنكوحات إشارة إلى أن نفقة الأولاد على الأب، وأن النسب له. وأنه لا يعاقب بسببه
فلا يقتل قصاصا بقتله ولا يحد بوطئ جاريته. وإن علم بحرمتها، وأن الأب ينفرد بتحمل
نفقة الولد ولا يشاركه فيها أحد، وأن الولد إذا كان غنيا والأب محتاجا لم يشارك الولد أحد
في نفقة الوالد، ذكره المصنف في شرح المنار. قيد بالطفل وهو الصبي حين يسقط من البطن
340

إلى أن يحتلم ويقال جارية طفل وطفلة، كذا في المغرب. وبه علم أن الطفل يقع على الذكر
والأنثى ولذا عبر به لأن البالغ لا تجب نفقته على أبيه إلا بشروط نذكرها. وقيد بالفقير لأن
الصغير إذا كان له مال فنفقته في ماله. ولا بد من التقييد بالحرية لما أسلفناه أن الولد المملوك
نفقته على مالكه لا على أبيه، حرا كان الأب أو عبدا. والحاصل أن الأب لا يخلو إما أن
يكون غنيا أو فقيرا والصغير كذلك، فإن كان الأب والصغير غنيين فإن الأب ينفق عليه من
مال نفسه إن كان حاضرا، وإن كان مال الصغير غائبا وجبت على الأب، فإذا أراد الرجوع
أنفق عليه بإذن القاضي، فلو أنفق بلا أمره ليس له الرجوع في الحكم إلا أن يكون أشهد أنه
أنفق ليرجع، ولو لم يشهد لكنه أنفق بنية الرجوع لم يكن له رجوع في الحكم وفيما بينه وبين
الله تعالى يحل له الرجوع. وإن كان للصغير عقارا وأردية أو ثياب واحتيج إلى النفقة كان
للأب أن يبيع ذلك كله وينفق عليه لأنه غني بهذه الأشياء. وإن كانا فقيرين فعند الخصاف أن
الأب بتكفف الناس وينفق على أولاده الصغار، وقيل نفقتهم في بيت المال. هذا إذا كان
عاجزا عن الكسب، وإن كان قادرا على الكسب اكتسب وأنفق، فإن امتنع عن الكسب حبس
بخلاف سائر الديون. ولا يحبس والد إن علا في دين ولده وإن سفل إلا في النفقة لأن في
الامتناع عن الانفاق إتلاف النفس، وإذا لم يف كسبه بحاجته أو لم يكتسب لعدم تيسره أنفق
عليهم القريب ورجع على الأب إذا أيسر وإن كان الأب غنيا والولد الصغير فقيرا فالنفقة على
الأب إلى أن يبلغ الذكر حد الكسب وإن لم يبلغ الحلم، فإذا كان هذا كان للأب أن يؤاجره
وينفق عليه من أجرته، وليس له في الأنثى ذلك، فلو كان الأب مبذرا يدفع كسب الابن إلى
أمين كما في سائر أملاكه، وإن كان الأب فقيرا والصغير غنيا لا تجب نفقته على أبيه بل نفقة
أبيه عليه، كذا في الذخيرة. وذكر الولوالجي أن في كل موضع أوجبنا نفقة الولد فإنه يدخل
341

فيه أولاده وأولاد البنات والبنين. وفي الذخيرة أن الام إذا خاصمت في نفقة الأولاد فإن
القاضي يفرض على الأب نفقة الصغار الفقراء ويدفع النفقة إليها لأنها أرفق بالأولاد. فإن
قال الأب إنها لا تنفق وتضيق عليهم لا يقبل قوله لأنها أمينة ودعوى الخيانة على الأمين لا
تسمع من غير حجة: فإن قال للقاضي سل جيرانها فالقاضي يسأل جيرانها احتياطا وإنما
يسأل من كان يداخلها، فإن أخبر جيرانها بمال قال الأب زجرها القاضي ومنعها عن ذلك
نظرا لهم. ومن مشايخنا من قال: إذا وقعت المنازعة بين الزوجين كذلك وظهر قدر النفقة
فالقاضي بالخيار إن شاء دفعها إلى ثقة يدفعها إليها صباحا ومساء ولا يدفع إليها جملة وإن شاء
أمر غيرها أن ينفق على الأولاد. وإذا صالحت المرأة زوجها على نفقة الأولاد الصغار موسرا
كان الزوج أو معسرا جاز. واختلف المشايخ في طريق جواز هذا الصلح فقال بعضهم: لأن
الأب هو العاقد من الجانبين كبيعه مال ولده الصغير في نفسه وشرائه كذلك. وقال بعضهم:
لأن العاقد الأب من جانب نفسه والام من جانب الصغار لأن نفقتهم من أسباب التربية
والحضانة وهي للام. ثم ينظر إن كان ما وقع عليه الصلح أكثر من نفقتهم بزيادة يسيرة فهو
عفو وهي ما تدخل تحت تقدير المقدرين، وإن كان لا تدخل طرحت عنه، وإن كان المصالح
عليه أقل بأن كان لا يكفيهم يزاد إلى مقدار كفايتهم.
قوله: (ولا تجبر أمه لترضع) لأنه كالنفقة وهي على الأب وعسى لا تقدر فلا تجبر عليه
قضاء وتؤمر به ديانة لأنه من باب الاستخدام وهو واجب عليها ديانة كما قدمناه. أطلقه
فشمل ما إذا كان الأب لا يجد من يرضعه أو كان الولد لا يأخذ ثدي غيرها. ونقل الزيلعي
والاتقاني أنه ظاهر الرواية لأنه يتغذى بالدهن وغيره من المائعات فلا يؤدي إلى ضياعه، ونقل
عدم الاجبار في هذه الحالة في المجتبى عن البعض ثم قال: والأصح أنها تجبر عند الكل اه‍.
وجزم به في الهداية، وفي الخانية وعليه الفتوى، وذكر في فتح القدير أنه الأصوب لأن قصر
الرضيع الذي لم يأنس الطعام على الدهن والشراب سبب تمريضه وموته اه‍. وفي الخانية:
وإن لم يكن للأب ولا للولد الصغير مال تجبر الام على الارضاع عند الكل اه‍. فجعل
342

الخلاف عند قدرة الأب بالمال. وفي غاية البيان معزيا إلى التتمة عن إجارة العيون عن محمد
فيمن استأجر ظئر الصبي شهرا فلما انقضى الشهر أبت أن ترضعه والصبي لا يقبل ثدي
غيرها قال: أجبرها أن ترضع قوله: (ويستأجر من يرضعه عندها) أي ويستأجر الأب من
يرضع الطفل عند الام لأن الحضانة لها والنفقة عليه. أطلقه هنا وقيده في الهداية بإرادة الام
للحضانة وهو مبني على ما صححه من أن الام لا تجبر عليها لأنها حقها، وعلى ما اختاره
الفقهاء الثلاثة من الجبر فليس معلقا بإرادتها لأنها حق الصبي عليها. وفي الذخيرة: لا يجب
على الظئر أن تمكث في بيت الام إذا لم يشترط عليها ذلك وقت العقد وكان الولد يستغني عن
الظئر في تلك الحالة، بل لها أن ترضع وتعود إلى منزلها كما لها أن تحمل الصبي إلى منزلها
أو تقول أخرجوه فترضعه عند فناء الدار ثم تدخل الولد على الوالدة إلا أن يشرط عند العقد
أن الظئر تكون عند الام فحينئذ يلزمها الوفاء بذلك الشرط اه‍. وفي الخزانة عن التفاريق: لا
تجب في الحضانة أجرة المسكن الذي يحضن فيه الصبي. وقال آخرون: تجب إن كان للصبي
مال وإلا فعلى من يجب عليه نفقته اه‍.
قوله: (لا أمة لو منكوحة أو معتدة) أي لا يستأجر أمه لو منكوحته أو معتدته لأن
الارضاع مستحق عليها ديانة قال الله تعالى: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) *
[البقرة: 233] إلا أنها عذرت لاحتمال عجزها، فإذا أقدمت عليه بالاجر ظهرت قدرتها
فكان الفعل واجبا عليه فلا يجوز أخذ الأجر عليه أطلق نفي المعتدة فشمل المعتدة عن رجعي
أو بائن وهو في الرجعي رواية واحدة، وفي البائن في رواية، وفي رواية أخرى جاز
استئجارها لأن النكاح قد زال. وجه الأول أنه باق في حق بعض الأحكام، كذا في الهداية
343

من غير ترجيح صريح، وإن كان تأخير وجه المنع يدل على أنه المختار عنده كما هو عادته
وصحح في الجوهرة الجواز فكان الأولى للمصنف أن يقيد المعتدة بالرجعي وذكر في فتح
القدير عن بعضهم أن ظاهر الرواية الجواز. وقيد بالام لأنه لو استأجر منكوحته لترضع ولده
من غيرها جاز لأنه لم يجب عليها إرضاعه بخلاف الام لأنه وجب عليها إرضاعه ديانة كما
قدمناه عن الهداية، وظاهره أنه لا يجوز لها أخذ الأجر من مال الصغير لو كان له مال لكن
في الذخيرة: هذا إذا لم يكن للصغير مال، أما إذا كان له مال هل يجوز أن يفرض أجرة
الرضاع في ماله؟ ذكر الصدر الشهيد أنه روي عن محمد أنه يفرض في مال الصبي. وهكذا
ذكر في إجارات القدوري وليس فيه اختلاف الروايتين ولكن ما روي عن محمد أنه يفرض
في مال الصبي تأويله إذا لم يكن للأب مال، وما ذكر أن الزوج إذا استأجرها لا يجوز تأويله
إذا فرض أجرة الرضاع من مال نفسه فلا تستحق ذلك كيلا يؤدي إلى اجتماع أجر الرضاع
مع نفقة النكاح في مال واحد، وهذا المعنى لا يتحقق إذا فرض لها في مال الصغير فقلنا إنها
تستحق ذلك اه‍. فالحاصل أن على تعليل صاحب الهداية لا تأخذ شيئا في مقابلة الارضاع
لا من الزوج ولا من مال الصغير لوجوبه عليها، وعلى ما علل به في الذخيرة من أن المنع
إنما هو لاجتماع واجبين في مال، وفي المجتبى: لو استأجر زوجته من مال الصبي لارضاعه
جاز وفي ماله لا يجوز حتى لا يجتمع عليه نفقة النكاح والارضاع اه‍.
344

قوله: (وهي أحق بعدها بعدها ما لم تطلب زيادة) أي الام أحق بإرضاع ولدها من
الأجنبية بعد انقضاء العدة ما لم تطلب أجرة زائدة على أجرة الأجنبية للارضاع فحينئذ لا
تكون أحق. وإنما جاز لها أخذ الأجرة بعد انقضاء عدتها لأن النكاح قد زال بالكلية
وصارت كالأجنبية. فإن قلت: إن وجوب الارضاع عليها هو المانع من أخذ الأجرة وهو
بعينه موجود بعد انقضائها فليست كالأجنبية. قلت: إن الوجوب عليها مقيد بإيجاب رزقها
على الأب بقوله تعالى * (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن) * [البقرة: 332] ففي حال
الزوجية والعدة هو قائم برزقها وفيما بعد العدة لا يقوم بشئ فتقوم الأجرة مقامة كما في
فتح القدير. وإنما كانت أحق لأنها أشفق فكان نظرا للصبي في الدفع إليها، وإن التمست
زيادة لم يجبر الزوج عليها دفعا للضرر عنه وإليه الإشارة بقوله تعالى * (لا تضار والدة وبولدها
ولا مولود له بولده) * [البقرة: 332] أي بإلزامه لها أكثر من أجرة الأجنبية. وفي
الذخيرة: لو صالحت المرأة زوجها عن أجر الرضاع على شئ إن كان الصلح حال قيام
النكاح وفي العدة عن طلاق رجعي لا يجوز، وإن كان عن طلاق بائن واحدة أو ثلاثا
جاز على إحدى الروايتين لأن الصلح على أن يعطيها شيئا لترضع ولدها استئجار لها، وإذا
جاز الصلح فهو كما لو استأجرها على عمل آخر من الأعمال على دراهم وصالحها عن
تلك الداهم على شئ بعينه جاز، وإن صالح عنها عل شئ بغير عينه لا يجوز إلا أن
يدفع ذلك في المجلس حتى لا يكون بيع دين بدين، وفي كل موضع جاز الاستئجار
ووجبت النفقة لا تسقط بموت الزوج لأنها أجرة وليست بنفقة اه‍. وكذا ذكر في
الولوالجية لا تسقط هذه الأجرة بموته بل يكون أسوة الغرماء اه‍. فالحاصل أنه أجرة فلذا
لا تتوقف على القضاء، وظاهر المتون أن الام لو طلبت الأجرة أي أجرة المثل والأجنبية
345

متبرعة بالارضاع فالأم أولى لأنهم جعلوا الام أحق في سائر الأحوال إلا في حالة طلب
الزيادة على أجرة الأجنبية. والمصرح به بخلافه كما في التبيين وغيره أن الأجنبية أولى لكن
هي أولى في الارضاع، أما في الحضانة ففي الولوالجية وغيرها: رجل طلق امرأته وبينهما
صبي وللصبي عمة أرادت أن تربيه وتمسكه من غير أجر من غير أن تمنع الام عنه والام
تأبى ذلك وتطالب الأب بالاجر ونفقة الولد، فالأم أحق بالولد، وإنما يبطل حق الام إذا
تحكمت الام في أجر الارضاع بأكثر من أجر مثلها. والصحيح أنه يقال للوالدة إما أن
تمسكي الولد بغير أجر وإما أن تدفعيه إلى العمة اه‍. ولم أر من صرح بأن الأجنبية كالعمة
في أن الصغير يدفع إليها إذا كانت متبرعة والام تريد الاجر على الحضانة ولا تقاس على
العمة لأنها حاضنة في الجملة، وقد كثر السؤال عن هذه المسألة في زماننا وهو أن الأب
يأتي بأجنبية متبرعة بالحضانة فهل يقال للام كما يقال، لو تبرعت العمة، وظاهر المتون أن
الام تأخذه بأجر المثل ولا تكون الأجنبية أولى بخلاف العمة على الصحيح إلا أن يوجد
نقل صريح في أن الأجنبية كالعمة. والظاهر أن العمة ليست قيدا بل كل حاضنة كذلك
بل الخالة كذلك بالأولى لأنها من قرابة الام.
ثم اعلم أن ظاهر الولوالجية أن أجرة الرضاع غير نفقة الولد للعطف وهو للمغايرة فإذا
استأجر الام للارضاع لا يكفي عن نفقة الولد لأن الولد لا يكفيه اللبن بل يحتاج معه إلى
346

شئ آخر كما هو المشاهد خصوصا الكسوة فيقرر القاضي له نفقة غير أجرة الارضاع وغير
أجرة الحضانة. فعلى هذا تجب على الأب ثلاثة أجرة الرضاع وأجرة الحضانة ونفقة الولد. أما
أجرة الرضاع فقد صرحوا بها هنا، وأما أجرة الحضانة فصرح بها قارئ الهداية في فتاواه،
وأما نفقة الولد فقد صرحوا بها في الإجارات في إجارة الظئر. قال الزيلعي فيها: والطعام
والثياب على الوالد، وما ذكره محمد في الدهن والريحان على الظئر فهو على عادة أهل الكوفة
اه‍. فالحاصل أن الام ليس عليها إلا الارضاع وإصلاح طعامه وغسل ثيابه. لكن في الخانية
وبعد الفطام يفرض القاضي نفقة الصغير على طاقة الأب ويدفع إلى الام حتى تنفق على
الأولاد اه‍. إلا أن يقال إن مراده النفقة الكاملة بخلافها في زمن الرضاع فإنها قليلة. وفي
المجتبى: وإذا كان للصبي مال فمؤنة الرضاع ونفقته بعد الفطام في مال الصغير ومدة الرضاع
ثلاثة أوقات: أدنى وهو حول ونصف، وأوسط وهو حولان ونصف حتى لو نقص عن
الحولين لا يكون شططا ولو زاد لا يكون تعديا فلو استغنى الولد دون الحولين ففطمته في
347

حول ونصف حل بالاجماع ولا تأثم، ولو لم يستغن بحولين حل لها أن ترضعه بعدهما عند
عامة المشايخ إلا عند خلف بن أيوب. وأما الكلام في استحقاق الأجرة فمنهم من قال إنه
على الخلاف حتى إن المبانة تستحق إلى الحولين ونصف عنده، وعندهما إلى حولين فقط،
وأكثر المشايخ على أن مدة الرضاع في حق الأجرة حولان عند الكل حتى لا تستحق بعد
الحولين إجماعا وتستحق في الحولين إجماعا. وظاهر كلامهم أن وجوب أجرة الرضاع لا
تتوقف على عقد إجارة مع الام بل تستحقه بالارضاع مطلقا في المدة المذكورة، وقد قدمنا أنه
ليس بفقه. وفي الظهيرية: وإذا أقرت المعتدة أنها قبضت نفقة أولادها الصغار لخمسة أشهر
ثم قالت إنها قبضت عشرين درهما ونفقة خمسة أشهر مائة درهم لم تصدق على ذلك وإن قالت
ضاعت النفقة فإنها ترجع على أبيهم بنفقتهم دون حصتها اه‍.
قوله: (ولأبويه وأجداده وجداته لو فقراء) أي تجب النفقة لهؤلاء، أما الأبوان فلقوله
تعالى * (وصاحبهما في الدنيا معروفا) * [لقمان: 51] أنزلت في الأبوين الكافرين، وليس من
المعروف أن الابن يعيش في نعم الله تعالى ويتركهما يموتان جوعا. وأما الأجداد والجدات
فلأنهما من الآباء والأمهات ولهذا يقوم الجد مقام الأب عند عدمه ولأنهم تسببوا لاحيائه
فاستوجبوا عليه الاحياء بمنزلة الأبوين. وشرط الفقر لأنه لو كان ذا مال فإيجاب النفقة في
ماله أولى من إيجابها في مال غيره بخلاف نفقة الزوجة حيث تجب مع الغنى لأنها تجب لأجل
الحبس الدائم كرزق القاضي، ولو ادعى الولد غنى الأب وأنكره الأب فالقول للأب والبينة
348

للابن. وفي المبتغى بالمعجمة: إذا كان الأب محتاجا وأبي الابن أن ينفق عليه وليس ثمة قاض
يرفع الامر إليه له أن يسرق من مال ابنه وبوجود قاض ثمة يأثم بسرقة ماله، وبإعطاء الابن
مالا يكفيه يجوز له أن يأخذ إلى أن تقع الكفاية، وبسرقته ما فوق الكفاية يأثم، وكذا إذا لم
يكن محتاجا ولم تكن نفقته عليه لا يجوز له أن يسرق مال ابنه اه‍. وأطلق في الابن ولم
يقيده. بالغنا مع أنه مقيد به لما في شرح الطحاوي: ولا يجبر الابن على نفقة أبويه المعسرين
إذا كان معسرا إلا إذا كان بهما زمانة أو بهما فقر فقط فإنهما يدخلان مع الابن ويأكلان معه
ولا يفرض لهما نفقة على حدة اه‍. وفي الخانية: ولا يجب على الابن الفقير نفقة والده الفقير
حكما إذا كان الوالد يقدر على العمل، وإن كان الوالد لا يقدر على عمل أو كان زمنا وللابن
عيال كان على الابن أن يضم الأب إلى عياله وينفق على الكل والموسر في هذا الباب من
يملك مالا فاضلا عن نفقة عياله ويبلغ الفاضل مقدارا تجب فيه الزكاة اه‍. وفي الخلاصة:
المختار في الفقير الكسوب أن يدخل الأبوين في النفقة. وقيد بفقرهم فقط لأنه لو كان فقيرا
وله قدرة على الكسب فإن الابن يجبر على نفقته وهو قول السرخسي. وقال الحلواني: لا يجبر
349

إذا كان الأب كسوبا لأنه غني باعتبار الكسب فلا ضرورة في إيجاب النفقة على الغير، وإذا
كان الابن قادرا على الكسب لا تجب نفقته على الأب فلو كان كل منهما كسوبا يجب أن
يكتسب الابن وينفق على الأب، فالمعتبر في إيجاب نفقة الوالدين مجرد الفقر. قيل: هو ظاهر
الرواية لأن معنى الأذى في إيكاله إلى الكد والتعب أكثر منه في التأفيف المحرم بقوله تعالى
* (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما) * [الاسراء: 32] كذا في فتح القدير. والقائل بأنه ظاهر
الرواية صاحب الذخيرة، والضمير في قوله ولأبويه يعود إلى الانسان المفهوم فأفاد بإطلاقه
أنه لا فرق بين الذكر والأنثى. وفي الهداية: وهي على الذكور والإناث بالسوية في ظاهر
الرواية وهو الصحيح لأن المعنى يشملهما اه‍. وفي الخلاصة وبه يفتى. وفي فتح القدير:
وهو الحق لتعلق الوجوب بالولادة وهو يشملهما بالسوية بخلاف غير الولاد لأن الوجوب
علق فيه بالإرث اه‍. وفي الخانية: فإن كان للفقير ابنان أحدهما فائق في الغنى والآخر يملك
نصابا كانت النفقة عليهما على السواء، وكذا لو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا فهي عليهما
على السواء اه‍.
وذكر في الذخيرة فيه اختلافا وعزاما في الخانية إلى مبسوط محمد، ونقل عن الحلواني
أنه قال قال مشايخنا: هذا إذا تفاوتا في اليسار تفاوتا يسيرا، أما إذا تفاوتا فيه تفاوتا فاحشا
يجب أن يتفاوتا في قدر النفقة. وأشار بقوله ولأبويه إلى أن جميع ما وجب للمرأة يجب
للأب والام على الولد من طعام وشراب وكسوة وسكنى حتى الخادم. قال في الخانية: وكما
يجب على الابن الموسر نفقة والده الفقير تجب عليه نفقة خادم الأب، امرأة كانت الخادم أو
جارية، إذا كان الأب محتاجا إلى من يخدمه اه‍. وفي الخلاصة: يجبر الابن على نفقة زوجة
أبيه ولا يجبر الأب على نفقة زوجة ابنه. وفي نفقات الحلواني قال: فيه روايتان، في رواية
كما قلناه، وفي رواية إنما تجب نفقة زوجة الأب إذا كان الأب مريضا أو به زمانة يحتاج إلى
الخدمة، أما إذا كان صحيحا فلا. قال في المحيط: فعلى هذا لا فرق بين الأب والابن فإن
الابن إذا كان بهذه المثابة يجبر الأب على نفقة خادمه اه‍. وظاهر ما في الذخيرة أن المذهب
350

عدم وجوب نفقة امرأة الأب أو جاريته أو أم ولده حيث لم يكن بالأب علة، وأن القول
بالوجوب مطلقا إنما هو رواية عن أبي يوسف. وفي الذخيرة أيضا: ثم إذا قضى القاضي
بالنفقة على الولدين للأب فأبى أحدهما أن يعطي للأب ما يجب عليه فالقاضي يأمر الآخر بأن
يعطي كل النفقة ثم يرجع على الأخ بحصته اه‍. ومراد المصنف من إيجاب نفقة الام على
الولد إذا لم تكن متزوجة لأنها على الزوج كبنته المراهقة إذا زوجها صارت نفقتها على زوجها،
وقدمنا أن الزوج لو كان معسرا فإن الابن يؤمر بأن يقرضها ثم يرجع عليه إذا أيسر، وقد
صرح به في الذخيرة هنا أيضا قال: فإن أبى الابن أن يقرضها النفقة فرض لها عليه النفقة
وتؤخذ منه وتدفع إليها لأن الزوج المعسر بمنزلة الميت. وأشار المصنف بقوله ولأبويه إلى أن
الاعتبار في وجوب نفقة الوالدين والمولودين إنما وهو القرب والجزئية ولا يعتبر الميراث
قالوا: وإذا استويا في القرب تجب على من له نوع رجحان، وإذا لم يكن لأحدهما رجحان
فحينئذ تجب النفقة بقدر الميراث، فإن كان للفقير ولد وابن ابن موسرين فالنفقة على الولد
لأنه أقرب، وإذا كانت له بنت وابن ابن فالنفقة على البنت خاصة، وإن كان الميراث بينهما
351

لأن البنت أقرب، وإذا كان له بنت بنت أو ابن بنت وأخ لأب وأم فالنفقة على ولد البنت
ذكرا كان أو أنثى وإن كان الميراث للأخ لا لولد البنت، ولو كان له والد ولد موسران
فالنفقة على ولده، وإن استويا في القرب لترجح الولد بتأويل أنت ومالك لأبيك. ولو كان
له جد وابن ابن فالنفقة عليهما على قدر ميراثهما على الجد السدس والباقي على ابن الابن،
والدليل على عدم اعتبار الميراث في هذه النفقة أنه لو كان أحدهما ذميا فالنفقة عليهما، وإن
كان الميراث للمسلم منهما. ولو كان للمسلم الفقير ابن نصراني وأخ مسلم فالنفقة على الابن
والميراث للأخ، ولو كان للفقير بنت ومولى عتاقة موسران فالنفقة على البنت وإن استويا في
الميراث، كذا في الذخيرة. وأطلق المصنف في الجد فشمل أب الأب وأب الام. جزم به في
الذخيرة وغيرها نقل الاختلاف في أب الام. وأطلق في الجدة فشمل الجدة من قبل الأب
والجدة من قبل الام. وفي الولوالجية: الأب إذا أخذ النفقة والكسوة المفروضتين معجلة
فضاع ذلك يفرض له أخرى، فلو مضت المدة وهي باقية لا يفرض له أخرى، بخلاف
الزوجة فيهما، وقد ذكرنا الفرق فيها في أول باب النفقات.
قوله: (ولا تجب مع اختلاف الدين إلا بالزوجية والولاد) أما الزوجية فلما ذكرنا أنها
352

واجبة لها بالعقد لاحتباسها بحق مقصود له، وهذا لا يتعلق باتحاد الملة، وأما غيرها فلان
الجزئية ثابتة وجزء المرء في معنى نفسه فكما تمتنع نفقة نفسه بكفره لا تمتنع نفقة جزئه إلا
أنهم إذا كانوا حربيين لا تجب نفقتهم على المسلم وإن كانوا متساويين لأنا نهينا عن البر في
حق من يقاتلنا في الدين. أطلق في الولاد فشمل الأبوين والأجداد والجدات والولد وولد
الولد. وفي المستصفى صورته: تزوج ذمي ذمية وحصل لهما ولد ثم أسلمت الذمية حكم
بإسلام الولد تبعا لها والنفقة على الأب. وهذا قبل عروض الاسلام، ويحتمل أن يعتقد الكفر
في صغره وكفره صحيح عند أبي حنيفة ومحمد اه‍. وقيد بالزوجية والولاد لأن فيما عدا
ذلك لا تجب مع اختلاف الدين فلا يجب على المسلم نفقة أخيه النصراني وعكسه لأن النفقة
متعلقة بالإرث بالنص بخلاف العتق عند الملك لأنه متعلق بالقرابة والمحرمية بالحديث، ولان
القرابة موجبة للصلة ومع الاتفاق في الدين آكد ودوام ملك اليمين أعلى في القطية من
حرمان النفقة فاعتبرنا في الأصل أصل العلة، وفي الأدنى العلة المؤكدة فلهذا افترقا.
قوله: (ولا يشارك الأب والولد في نفقة ولده وأبويه أحد) أما نفقة الولد فقدمناها،
وأما نفقة الوالدين فلان لهما تأويلا في مال الولد بالنص ولا تأويل لهما في مال غيره،
ولأنه أقرب الناس إليهما فكان الأولى باستحقاق نفقتهما عليه. أطلق في الأب فشمل الموسر
والمعسر لكن في الذخيرة إن كان الأب معسرا والام موسرة أمرت أن تنفق من مالها على
الولد فيكون دينا ترجع عليه إذا أيسر لأن نفقة الصغير على الأب، وإن كان معسرا كنفقة
نفسه فكانت الام قاضية حقا واجبا عليه بأمر القاضي فترجع عليه إذا أيسر، ثم جعل الام
أولى بالتحمل من سائر الأقارب حتى لو كان الامر معسرا والام موسرة وللصغير جد موسر
تؤمر الام بالانفاق من مال نفسها ثم ترجع على الأب، ولا يؤمر الجد بذلك لأنها أقرب إلى
353

الصغير. ولو كان الأب واجدا للنفقة لكن امتنع من النفقة على الصغير ففرض القاضي النفقة
على الأب فامتنع عن الأداء فالقاضي يأمرها أن تستدين عليه وتنفق على الصغير لترجع بذلك
على الأب، وكذلك لو غاب الأب بعد فرض نفقة الأولاد وتركهم بلا نفقة فاستدانت بأمر
القاضي وأنفقت عليهم رجعت عليه، وكذلك هذا الحكم في مؤنة الرضاع إذا كان الأب
معسرا فالقاضي يأمر الام بالاستدانة، فإذا أيسر رجعت عليه بالقدر الذي أمرها القاضي
بالاستدانة، وإن لم تستدن بعد الفرض لكن كانوا يأكلون من مسألة الناس فلا رجوع لها
لوقوع الاستغناء، فإن كانوا أعطوا مقدار نصف الكفاية سقط نصف النفقة عن الأب وتصح
الاستدانة في النصف الباقي وعلى هذا القياس، وكذا في نفقة المحارم وسيأتي تمامه. ولو كان
للفقير أولاد صغار وجد موسر لم تفرض النفقة على الجد ولكن يؤمر الجد بالانفاق صيانة
لولد الولد ويكون ذلك دينا على والد الصغار. وهكذا ذكر القدوري فلم يجعل النفقة على
الجد حال عسرة الأب، وقد ذكرنا في أول هذا الفصل أن الأب الفقير يلحق بالميت في
استحقاق النفقة على الجد وهذا هو الصحيح من المذهب، وما ذكره القدوري قول الحسن بن
صالح، هكذا ذكر الصدر الشهيد في أدب القاضي للخصاف. وإن كان الأب زمنا قضى
بنفقة الصغار على الجد ولم يرجع على أحد بالانفاق لأن نفقة الأب في هذه الحالة على الجد
354

فكذا نفقة الصغار. وعن أبي يوسف في صغير له والد محتاج وهو زمن فرضت نفقته على
قرابته من قبل أبيه دون أمه وكل من يجبر على نفقة الأب يجبر على نفقة الغلام، فإن لم يكن له
قرابة من قبل أبيه قضيت بالنفقة على أبيه وأمرت قرابة الام بالانفاق فيكون دينا على الأب.
وهذا الجواب إنما يستقيم إذا لم يكن في قرابة الام من يكون محرما للصغير ويكون أهلا
للإرث لأن شرط وجوب النفقة في غير قرابة الولاد المحرمية وأهلية الإرث، فأما إذا كان في
قرابة الام من كان محرما للصغير وهو أهل للإرث تجب عليه النفقة ويلحق الأب المعسر
بالميت لما ذكرناه اه‍. وحاصله أن الوجوب على الأب المعسر إنما هو إذا أنفقت الام الموسرة
وإلا فالأب كالميت والوجوب على غيره لو كان ميتا ولا رجوع عليه في الصحيح. وعلى هذا
فلا بد من إصلاح المتون والشروح كما لا يخفى. وأطلق في قوله في نفقة ولده فشمل
355

الصغير والكبير الزمن. وفي رواية أن نفقة الكبير تجب على الأبوين أثلاثا باعتبار الإرث
بخلاف الصغير والظاهر الأول.
قوله: (ولقريب محرم فقير عاجز عن الكسب بقدر الإرث لو موسرا) أي تجب النفقة
للقريب إلى آخره لأن الصلة في القرابة القريبة واجبة دون البعيدة، والفاصل أن يكون ذو
رحم محرم وقد قال تعالى: * (وعلى الوارث مثل ذلك) * [البقرة: 332] وفي قراءة عبد
الله بن مسعود وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك. قيد بالقريب لأن المحرم الذي
ليس بقريب كالأخ من الرضاع لا تجب نفقته. وقيد بالمحرم لأن الرحم غير المحرم لا تجب
نفقته كابن العم وإن كان وارثا، ولا بد أن تكون المحرمية بجهة القرابة لأنه لو كان قريبا
محرما لا من جهتها كابن العم إذا كان أخا من الرضاع فإنه لا نفقة له، كذا في شرح
الطحاوي، فلو كان له خال وابن عم فالنفقة على الخال لمحرميته لا على ابن العم وإن كان
وارثا لأن المراد من الوارث في الآية من هو أهل للميراث لا كونه وارثا حقيقة إذ لا يتحقق
ذلك إلا بعد الموت والخال وارث في الجملة، سواء كان وارثا في هذه الحالة أو لم يكن.
وعند الاستواء في المحرمية وأهلية الإرث يرجح من كان وارثا حقيقة في هذه الحالة حتى إذا
كان له عم وخال فالنفقة على العم لأنهما استويا في المحرمية، ويترجح العم على الخال لكونه
وارثا حقيقة، وكذلك إذا كان له عم وعمة وخالة فالنفقة على العم لا غير إن كان موسرا،
وإن كان معسرا فالنفقة على العمة والخالة أثلاثا على قدر ميراثهما ويجعل العم كالميت. وفي
القنية: يجبر الابعد إذا غاب الأقرب. وقيد بالفقر لأن الغنى نفقته على نفسه. وقيد بالعجز
عن الكسب وهو بالأنوثة مطلقا وبالزمانة والعمى ونحوها في الذكر، فنفقة المرأة الصحيحة
الفقيرة على محرمها فلا يعتبر في الأنثى إلا الفقر. وأما البالغ الفقير فلا بد من عجزه بزمانة
أو عمى أو فق ء العينين أو شلل اليدين أو مقطوع الرجلين أو معتوه أو مفلوج. زاد في
التبيين أن يكون من أعيان الناس يلحقه العار من التكسب أو طالب علم لا يتفرغ لذلك.
وفي المجتبى: البالغ إذا كان عاجزا عن الكسب وهو صحيح فنفقته على الأب، وهكذا قالوا
في طالب العلم إذا كان لا يهتدي إلى الكسب لا تسقط نفقته عن الأب بمنزلة الزمن والأنثى
اه‍. وفي القنية: والظاهر أنه لم يخف على أبي حامد قول السلف بوجوب نفقة طالب العلم
356

على الأب لكن أفتى بعدم وجوبها لفساد أحوال أكثر طلبة العلم فإن من كان منهم حسن
السيرة مشتغلا بالعلوم النافعة يجبر الآباء على الانفاق عليهم وإنما يطالبهم فساق المبتدعة
الذين شرهم أكثر من خيرهم يحضرون الدرس ساعة بخلافيات ركيكة ضررها في الدين أكثر
من نفعها ثم يشتغلون طول النهار بالسخرية والغيبة والوقوع في الناس مما يستحقون به لعنة
الله والملائكة والناس أجمعين، فيقذف الله البغض في قلوب آبائهم وينزغ عنهم الشفقة فلا
يعطون مناهم في الملابس والمطاعم فيطالبونهم بالنفقة ويؤذونهم مع حرمة التأفيف، ولو
علموا بسيرتهم السلف لحرموا الانفاق عليهم، ومن كان بخلافهم نادر في هذا الزمان فلا
يفرد بالحكم دفعا لخرج التمييز بين المصلح والمفسد. قلت: لكن نرى طلبة العلم بعد الفتنة
العامة المشتغلين بالفقه والأدب اللذين هما قواعد الدين وأصول كلام العرب والاشتغال
بالكسب يمنعهم عن التحصيل ويؤدي إلى ضياع العلم والتعطيل فكان المختار الآن قول
السلف، وهفوات البعض لا تمنع وجوب النفقة كالأولاد والأقارب اه‍.
واختلفوا في حد المعسر الذي يستحق هذه النفقة، فقيل هو الذي تحل له هذه
الصدقة، وقيل هو المحتاج. والذي له منزل وخادم هل يستحق النفقة على قريبه الموسر؟ فيه
اختلاف الرواية، في رواية لا يستحق حتى لو كانت أختا لا يؤمر الأخ بالانفاق عليها، وكذا
لو كانت بنتا وأما في رواية تستحق وهو الصواب، كذا في البدائع، وأطلق المصنف فيمن
تجب عليه هذه النفقة فشمل الصغير الغني والصغيرة الغنية فيؤمر الوصي بدفع نفقة قريبهما
المحرم بشرطه، كذا في أنفع الوسائل أيضا وقدمناه، وأفاد بقوله بقدر الميراث أنه لو تعدد
من تجب عليه النفقة فإنها تقسم عليهم بقدر ميراثهم لأن الله أوجب النفقة باسم الوارث
357

فوجب التقدير به، فإذا كان للصغير أم وعم أو أم وأخ لأب وأم فالنفقة عليهما على قدر
الميراث، وكذلك الرضاع عليهما أثلاثا لأن الرضاع نفقة الولد فتكون عليهما كنفقته بعد
الفطام. وروى الحسن عن أبي حنيفة أن في النفقة بعد الفطام الجواب هكذا، وأما ما يحتاج
إليه من النفقة قبل الفطام الرضاع كله على الام لأنها موسرة باللبن والعم معسر في ذلك
ولكن في ظاهر الرواية قدرة العم على تحصيل ذلك بماله يجعله موسرا فيه فلهذا كان بينهما
أثلاثا، فإن كان العم فقيرا والام غنية فالكل على الام، وإن كان له أم وأخ لام وأب أو أخ
لأب وعم أغنياء فالرضاع على الام والأخ أثلاثا بحسب الميراث لأن العم ليس بوارث في
هذه الحالة فيترجح الأخ على العم. وإذا كان للفقير الزمن ابن صغير معسر وليس بزمن ولهذا
المعسر ثلاثة إخوة متفرقين أهل يسار فنفقة الرجل على الأخ من الأب والام والأخ من الام
أسداسا، لأن الابن الصغير المعسر يجعل كالمعدوم في حق إيجاب النفقة على الغير وما لم يجعل
الابن كالمعدوم لا تصير الاخوة ورثة فيعتذر إيجاب النفقة عليهم حال قيام الابن فيجعل
الابن كالمعدوم ويجعل الميراث بين الأخ لأب وأم وبين الأخ لام أسداسا، ولو كان مكان
الابن بنت فنفقة الأب على الأخ لأب وأم خاصة لأنا لا نحتاج أن نجعلها كالمعدوم لأنه يرث
مع البنت وقد تعذر إيجاب النفقة على البنت فيجب على الأخ لأب وأم ونفقة الصغير على
العم والأخ خاصة لأن الأب المعسر كالمعدوم، وبعد الأب ميراث الولد للعم للأب والام
خاصة فكذا نفقة الولد عليهما. فإن كان مكان الاخوة أخوات متفرقات، فإن كان الولد ذكرا
فنفقة الأب على الأخوات أخماسا، لأن أحدا من الأخوات لا يرث مع الابن فلا بد أن يجعل
الابن كالمعدوم ليمكن إيجاب النفقة على الأخوات، وبعد الابن ميراث الأب بين الأخوات
358

أخماسا، ثلاثة أخماسه للأخت لأب وأم، وخمسه للأخت لأب، وخمسه للأخت لام فرضا
وردا، فالنفقة عليهم بحساب ذلك. ونفقة الولد على الأخت لأب وأم خاصة عندنا لأن
الوالد المعسر نجعله كالمعدوم، وعند عدم الوالد ميراث الولد للعمة لأب وأم خاصة عندنا
فالنفقة تكون عليها أيضا. وإذا كان الولد بنتا فنفقة الأب على الأخت لأب وأم خاصة لأنها
وارثة مع البنت فإن الأخوات مع البنات عصبة فلا تجعل البنت كالمعدوم، ولكن لو مات
الأب كان نصف ميراثه للبنت والباقي للأخت لأب وأم فكذا النفقة على الأخت لأب وأم،
ونفقة البنت على العمة لأب وأم خاصة عندنا لأن الأب المحتاج جعل كالمعدوم. وعند انعدام
الولد فميراث البنت يكون للعمة لأب وأم خاصة عندنا فكذا النفقة عليها وتمامه في
الذخيرة.
وعلم مما ذكرناه أن الولد الكبير داخل تحت القريب المحرم فتجب نفقته على الأب
بشرط العجز على رواية المبسوط. وعلى ما ذكره الخصاف في نفقاته فهي على الأب والام
أثلاثا، ثلثاها على الأب والثلث على الام. قال في الذخيرة: وإذا طلب الابن الكبير العاجز
أو الأنثى أن يفرض له القاضي النفقة على الأب أجابه القاضي ويدفع ما فرض لهم إليهم لأن
ذلك حقهم ولهم ولاية الاستيفاء اه‍. فعلى هذا لو قال الأب للولد الكبير أنا أطعمك ولا
أدفع إليك شيئا لا يلتفت إليه، وكذا الحكم في نفقة كل محرم لكن لا يشترط يسار الأب
لنفقة الولد الكبير العاجز لأنه كالصغير كما في البدائع. وشرط المصنف اليسار لأن الفقير لا
تجب عليه نفقة غير الأصول والفروع والزوجة. واختلف في حد اليسار على أربعة أقوال
مروية، الأصح منها قولان: أحدهما أنه مقدر بنصاب الزكاة. قال في الخلاصة: حتى لو
انتقص منه درهم لا تجب وبه يفتى. واختاره الولوالجي معللا بأن النفقة تجب على الموسر
ونهاية اليسار لا حد لها وبدايته النصاب فيقدر به اه‍. وثانيهما أنه نصاب حرمان الصدقة
359

وهو النصاب الذي ليس بنام. قال في الهداية: وعليه الفتوى. وصححه في الذخيرة لأنه لم
يشترط لوجوب صدقة الفطر غني موجب الزكاة وإنما شرط غني محرم للصدقة، فكذا في
حق إيجاب النفقة لأن النفقة بصدقة الفطر أشبه منها بالزكاة لأن في صدقة الفطر معنى المؤنة
ومعنى الصدقة، فإذا لم يشترط لوجوب صدقة الفطر غني موجب للزكاة وفي صدقة من وجه
مؤنة من وجه فلان لا يشترط لوجوب النفقة موجب للزكاة وأنها مؤنة من كل وجه كان أولى
اه‍. ورجح الزيلعي رواية محمد التي قدرت اليسار بما يفضل عن نفقة نفسه وعياله شهرا إن
كان من أهل الغلة، وإن كان من أهل الحرف فهو مقدر بما يفضل عن نفقته ونفقة عياله كل
يوم لأن المعتبر في حقوق العباد القدرة دون النصاب وهو مستغن عما زاد على ذلك فيصرفه
إلى أقاربه إذ المعتبر في حقوق العباد القدرة دون النصاب وهذا أوجه اه‍. وفي التحفة: وقول
محمد أرفق وفي غاية البيان: ومال شمس الأئمة السرخسي إلى قول محمد اه‍. ولم أر من
أفتى به من مشايخنا فالاعتماد على القولين الأولين والأرجح الثاني كما لا يخفى، وقدمنا أن
القول لمنكر اليسار والبينة لمدعيه. وفي القنية: له عم وجد أبو الأم فنفقته على أبي الام وإن
كان الميراث للعم، ولو كان له أم وأب لام موسران فعلى الام وفيه إشكال قوي لأنه ذكر في
الكتاب إذا كان له أم وعم موسران فالنفقة عليهما أثلاثا فلم يجعل الام أقرب من العم،
360

وجعل في المسألة المتقدمة أب الام أقرب من العم ولزم منه أن تكون النفقة على أب الام مع
الام ومع هذا أوجبها عل الام. ويتفرع من هذه الجملة فرع أشكل الجواب فيه وهو ما إذا
كانت له أم وعم وأب لام موسرون فيحتمل أن تجب على الام لا غير لأن أبا الام لما كان
أولى من العم والام أولى من أبي الام كانت الام أولى من العم لكن بترك جواب الكتاب،
ويحتمل أن يكون على الام والعم أثلاثا اه‍. وفي الخانية: صغير مات أبوه وله أم وجد أب
الأب كانت النفقة عليهما أثلاثا، الثلث على الام والثلثان على جد الأب اه‍. وبه علم أن
الجد ليس كالأب فيها.
قوله: (وصح بيع عرض ابنه لا عقاره للنفقة) والقياس أن لا يجوز له بيع شئ وهو
361

قولهما لأنه لا ولاية له لانقطاعها بالبلوغ ولهذا لا يملك حال حضرته، ولا يملك البيع في
دين له سوى النفقة، والمذكور في المختصر هو الاستحسان وهو قول الإمام رحمه الله لأن
للأب ولاية الحفظ في مال الغائب ألا ترى أن للوصي ذلك فللأب أولى لوفور شفقته، وبيع
المنقول من باب الحفظ ولا كذلك العقار لأنها محتصنة بنفسها. قيد بالأب لأن الام وسائر
الأقارب ليس لهم بيع شئ اتفاقا لأنهم لا ولاية لهم أصلا في التصرف حالة الصغر، ولا
في الحفظ بعد الكبر، وإذا جاز بيع الأب فالثمن من جنس حقه وهو النفقة فله الاستيفاء منه
كما لو باع العقار والمنقول على الصغير جاز لكمال الولاية، ثم له أن يأخذ منه نفقته لأنه
جنس حقه. ومحل الخلاف في الابن الكبير، أما الصغير فللأب بيع عرضه للنفقة إجماعا كما
في شرح الطحاوي، وله بيع عقاره وكذا المجنون بخلاف غير الأب لا يجوز له بيع العقار
مطلقا كما في فتح القدير. وقيد بالنفقة لأنه ليس للأب بيع عرض ابنه لدين له عليه سوى
النفقة اتفاقا، واستشكله الزيلعي بأنه إذا كان البيع من باب الحفظ وله ذلك فما المانع منه
لأجل دين آخر؟ وأجاب عنه في غاية البيان بأن النفقة لا تشبه سائر الديون لأنه حينئذ يلزم
القضاء على الغائب فلا يجوز بخلاف النفقة فإنها واجبة قبل القضاء وإنما قضى القاضي إعانة
فجاز بيع الأب لعدم القضاء على الغائب اه‍. وأشار بقوله للنفقة إلى أنه لا يجوز بيعه إلا
بقدر ما يحتاج إليه من النفقة ولا يجوز له أن يبيع الزيادة على ذلك كما في غاية البيان. وأطلق
المصنف في بيع العرض وهو مقيد بغيبته لأن الابن لو كان حاضرا ليس للأب البيع إجماعا
كما في الذخيرة. وإنما قال المصنف للنفقة ولم يقل لنفقته للإشارة إلى أنه يبيع لنفقته ونفقة
أم الغائب وإن كانت الام لا تملك البيع. قال في الذخيرة: الظاهر أن الأب يملك البيع
362

والام لا تملك ولكن بعد ما باع الأب فالثمن يصرف إليهما في نفقتهما اه‍. واحترز بالأب
أيضا عن القاضي لأنه ليس له البيع عند الكل لا في العروض ولا في العقار لا في النفقة
ولا في سائر الديون، يريد به إذا لم يكن السبب معلوما للحاكم، وإن كان معلوما ولكن
حاجة الأب لم تكن معلومة أو إن كانت معلومة إلا أنه يحتمل أن الابن أعطاها النفقة، وفي
هذه الوجوه كلها لا يبيع لأنه لو باع القاضي وصرف الثمن إليه لا يكون ذلك الثمن مضمونا
عليه لأنه قبض بأمر القاضي فيتضرر به الغائب فلذا لا يبيعه القاضي ولكن يفوض الامر إلى
الأب ويقول له إن كنت صادقا فيما تدعي وإلا فلا آمرك بشئ، وهو على هذا الوجه لا
يتضرر الغائب اه‍.
قوله: (ولو أنفق مودعه على أبويه بلا أمر ضمن) أي المودع ما أنفقه لأنه تصرف في
مال الغير بلا ولاية ولا نيابة لأنه نائب عنه في الحفظ لا غير. والمودع ليس بقيد لأن مديون
الغائب كذلك كما في الولوالجية. والأبوان ليسا بقيد بل الانفاق على الزوجة بلا أمر كذلك
كما في الخانية من كتاب الوديعة، وكذا على الأولاد. وقيد بكونه بلا أمر لأنه لو كان بأمر
الغائب فلا إشكال، وكذا إذا كان بأمر القاضي لأن أمره ملزم لعموم ولايته ولا يقال إنه
قضاء على الغائب ولا يجوز لأنا نقول نفقة هؤلاء واجبة قبل القضاء وقضاؤه إعانة لهم
فحسب، كذا في غاية البيان. وعند أمر القاضي لا فرق بين الأبوين والأولاد الصغار
والزوجة كما تقدم في قوله وفرض لزوجة الغائب إلى آخره. وأشار المصنف إلى أن المودع
لو قضى دين المودع بالوديعة فإنه يكون ضامنا ولم يضمنه الحاكم أبو إسحاق، والصحيح
الضمان كما أشار إليه محمد في كتاب الوديعة، كذا في الذخيرة. وأطلقه فظاهره أنه ولو كان
بأمر القاضي لأن الامر هنا بقضاء الدين قضاء على الغائب وهو لا يجوز بخلاف الامر
بالانفاق كما قدمنا الفرق. وإنما عبر المصنف بالضمان دون الحرمة لأنه إنما يضمن في
القضاء، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا ضمان عليه. ولو مات الغائب حل له أن يحلف
لورثته أنهم ليس لهم عليه حق لأنه لم يرد بذلك غير الاصلاح، كذا في فتح القدير. وأطلق
المصنف في الضمان فشمل ما إذا أمكن استطلاع رأي القاضي أولا لكن نقلوا عن النوادر أنه
مقيد بما إذا أمكن أما إذا لم يكن فلا ضمان استحسانا. قال في الذخيرة: وكذلك قال
مشايخنا في رجلين كانا في سفر فأغمى على أحدهما فأنفق الآخر على المغمي عليه من مال
المغمى عليه لم يضمن استحسانا، وكذا إذا مات فجهزه صاحبه من ماله لم يضمن استحسانا،
وكذا العبد المأذون في التجارة إذا مات مولاه فأنفق في الطريق لم يضمن، وكذا روي عن
مشايخ بلخ إذا كان للمسجد أوقاف ولم يكن لها متول فقام واحد من أهل المحلة في جميع
الأوقاف وأنفق على المسجد فيما يحتاج إليه من الحصر والحشيش لا يضمن استحسانا فيما بينه
وبين الله تعالى. وحكي عن محمد أنه مات واحد من تلامذته فباع محمد كتبه وأنفق في تجهيزه
363

فقيل له إنه لم يوص بذلك إلى أحد فتلا محمد قوله تعالى: * (والله يعلم المفسد من المصلح) *
[البقرة: 022] فما كان على قياس هذا الأصل لا ضمان عليه فيما بينه وبين الله تعالى
استحسانا، أما في الحكم فهو ضامن. وكذا الورثة الكبار إذا أنفقوا على الصغار ولم يكن
هناك وصي فإنهم متطوعون حكما، وأما ديانة فإنهم محسنون ويسعهم أن يقروا بما فضل من
نصيب الصغار فقط، ولو حلفوا فلا شئ عليهم، ونظيره إذا عرف الوصي الدين على الميت
فقضاه ولم يقر بذلك ولم يعرفه القاضي ولا الورثة لا يأثم. وكذا إذا كان لرجل عند رجل
وديعة وعلى صاحب الوديعة مثلها دين والمودع يعلم أنه مات ولم يقبض دينه وسع المودع أن
يقضي ذلك الدين بماله ولا يقربه، وكذا إذا كان لعمرو على زيد دين وعلى عمرو مثل ذلك
الدين لرجل آخر فمات عمرو وزيد يعرف أن عمرا لم يقض دينه يسع لزيد أن يقضي دين
عمرو بما لعمرو على زيد ولا يخبر ورثته بذلك اه‍. والأصل في ذلك أن خالد بن الوليد
أخذ الراية وتأمر من غير تأمير لأجل الاصلاح. ذكره الكرماني في شرح البخاري من
الجنائز. ولم يذكر المصنف أنه هل يرجع بما أنفقه على من أنفق عليه عند ضمانه؟ وقالوا لا
رجوع له لأن المودع ملك المدفوع بالضمان فكان متبرعا بملك نفسه، وظاهره أنه لا فرق بين
أن ينفق عليهم وبين أن يدفع الوديعة إليهم في وجوب الضمان وعدم الرجوع عليهم لوجود
العلة فيهما، ولم أر أنه إذا أنفق عليهم بلا أمر ثم أجاز المالك لظهور أنه لا ضمان لأن
الإجازة إبراء له من الضمان ولقولهم إن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة.
قوله: (ولو أنفقا ما عندهما لا) أي لا ضمان عليهما لأنهما استوفيا حقهما لأن نفقتهما
واجبة قبل القضاء على ما مر وقد أخذا جنس الحق. وفي الخلاصة: ولو أنفق على نفسه من
مال الابن ثم خاصمه الابن فقال أنفقته وأنت موسر وقال الأب أنفقته وأنا معسر قال انظر
إلى حال الأب يوم الخصومة إن كان معسرا فالقول قوله استحسانا في نفقة مثله، وإن كان
موسرا فالقول قول الابن، ولو أقاما البينة فالبينة بينة الابن اه‍. وحكم الزوجة والولد
كالأبوين إذا أنفقا ما عندهما لا ضمان عليهما بخلاف غيرهم من القريب المحرم العاجز فإنه
يضمن بالانفاق بغير قضاء ولا رضا. قال في الذخيرة: إن نفقة الوالدين والمولودين والزوجة
واجبة قبل القضاء حتى إذا ظفر أحد من هؤلاء بجنس حقهم كان له الاخذ بغير قضاء ولا
364

رضا. فأما نفقة سائر الأقارب لا تجب إلا بالقضاء أو الرضا حتى لو ظفروا واحد من
الأقارب بجنس حقه لم يكن له الاخذ إلا بقضاء أو رضا، ولذا يفرض القاضي في مال
الغائب نفقة الأولين فقط اه‍. قوله: (ولو قضى بنفقة الولاد والقريب ومضت مدة سقطت)
لأن نفقة هؤلاء تجب كفاية للحاجة حتى لا تجب مع اليسار وقد حصلت الكفاية بمضي المدة
بخلاف نفقة الزوجة إذا قضى بها القاضي لأنها تجب مع يسارها فلا تسقط بحصول الاستغناء
فيما مضى ولم أر من صرح بأنه يأثم ومقتضى وجوبها أنه يأثم بتركها إذا طلبها صاحبها
وامتنع مع أنهم قالوا إنها لا تجب إلا بالقضاء أو الرضا كما قدمناه عن الذخيرة، ولذا ليس
لمن هي له أن يأخذها بغير قضاء ولا رضا. وصرح الخصاف في أدب القاضي بأنها لا تجب
إلا بالقضاء للاختلاف فيها. واستشكله السروجي في الغاية من حيث إنهم جعلوا القاضي
نفسه هو الذي أوجب هذه النفقة والقاضي ليس بمشرع وما ذاك إلا للنبي صلى الله عليه وسلم وانقطع من
بعده فهو مشكل جدا. وتبعه على ذلك الطرسوسي في أنفع الوسائل وقال: لم لا؟ قيل: إن
الوجوب يثبت بقوله تعالى: * (وعلى الوارث مثل ذلك) * [البقرة: 332] فقضاء القاضي إعانة
له كما في نفقة الأولاد، كيف وإنهم قد استدلوا في أصل المسألة بهذه الآية على وجوب نفقة
القريب وكلمة علي للايجاب ولا يعكر على هذا اختلاف العلماء لأن المسائل الاختلافية
يعمل فيها على الاختلاف ولا يكون الاختلاف مؤثرا في عدم القبول فإن ذلك كان واجبا قبل
القضاء كما قلنا في نفقة المبتوتة أنه يقضي بها باعتبار أنها ثابتة قبل القضاء والقضاء إعانة لا
أن تعيين القاضي مثبت لها، وكذا بقية المسائل الخلافية، ولم يظهر لي الموجب لفرارهم من
365

هذا اه‍. وفي البدائع أن شرط وجوب نفقة القريب الطلب والخصومة بين يدي القاضي في
نفقة غير الولاد فلا تجب بدونه لأنها لا تجب بدون قضاء القاضي والقضاء لا بد له من
الطلب والخصومة اه‍. وهو صريح في أن الطلب من غير أن يكون بين يدي القاضي لا
يكون موجبا. وأطلق المصنف في المدة وهي مقيدة بالكثيرة، أما القليلة فلا تسقط وهي ما
دون الشهر كما ذكره في الذخيرة وتبعها الشارحون لأنها لو سقطت بالمدة اليسيرة لما أمكنهم
استيفاؤها. وفي فتح القدير: وكيف لا تصير القصيرة دينا والقاضي مأمور بالقضاء، ولو لم
تصر دينا لم يكن بالامر بالقضاء فائدة، ولو كان كلما مضى سقط لم يمكن استيفاء شئ ومثل
هذا قدمناه في غير المفروضة من نفقات الزوجات اه‍. وأطلق في نفقة الولاد فشمل الأصول
والفروع الصغار والكبار واستثنى في الذخيرة معزيا إلى الحاوي وأقره عليه الزيلعي نفقة
الصغير فإنها تصير عليه دينا على الأب بقضاء القاضي بخلاف نفقة سائر الأقارب. وفي
الواقعات: وإذا فرض نفقة الأب أو الابن فلم يقبض سنين ثم أيسر أو مات تبطل لأن هذا
صلة من وجه فلا يصير دينا من كل وجه اه‍. ولا يخفى أن تعليق البطلان على اليسار أو
الموت ليس بقيد لما ذكرناه.
قوله: (إلا أن يأذن القاضي بالاستدانة) يعني فلا تسقط بمضي المدة لأن القاضي له
ولاية عامة فصار إذنه كأمر الغائب فتصير دينا في ذمته، وقد أخل المصنف بقيد لا بد منه
وهو الاستدانة والانفاق مما استدانة كما قيده في المبسوط والنهاية وغيرهما حتى قال
الطرسوسي: ولقد غلط بعض الفقهاء هنا في مفهوم كلام صاحب الهداية وقال: إذا أذن
القاضي في الاستدانة ولم يستدن فإنها لا تسقط وهذا غلط، بل معنى الكلام إذن القاضي في
366

الاستدانة واستدان اه‍. قال في المبسوط: فلو أنفق بعد الاذن بالاستدانة من ماله أو من
صدقة تصدق بها عليه فلا رجوع له عليه لعدم الحاجة اه‍. وصرح في الذخيرة في نفقة
الأولاد الصغار أنهم إذا أكلوا من مسألة الناس فلا رجوع لامهم على الأب بشئ، فلو أعطوا
نصف الكفاية واستدانت الام لهم النصف رجعت بما استدانت وقد قدمناه. وأفاد المصنف
بعدم سقوطها بعد الاستدانة المأذون فيها أنه لو مات من عليه النفقة بعد ذلك لا تسقط على
الصحيح بل تؤخذ من تركته وأن دينها حينئذ مانع من وجوب الزكاة لأنه دين له مطالب من
جهة العباد. وفي الخانية: رجل غاب ولم يترك لأولاده الصغار نفقة ولامهم مال تجبر الام
على الانفاق ثم ترجع ذلك على الزوج اه‍. ولم يشترط الاستدانة ولا الاذن بها فيفرق بين ما
إذا أنفقت عليهم من مالها وبين ما إذا أكلوا من المسألة. وفي البزازية: قالت الام للقاضي
367

أفرض نفقة هذا الصغير على أبيه ومرني حتى أستدين عليه ففعله القاضي، وإذا استدانت عليه
وأيسر رجعت عليه، فإن لم ترجع عليه حتى مات لا تأخذه من تركته في الصحيح، وإن
أنفقت عليه من مالها أو من المسألة من الناس لا ترجع على الأب، وكذا في نفقة المحارم
اه‍. ثم اعلم أن الممتنع من نفقة القريب المحرم بشروطه يضرب ولا يحبس بخلاف الممتنع من
سائر الحقوق لأنه لا يمكن استدراك هذا الحق بالحبس لأنه يفوت بمضي الزمان فيستدرك
بالضرب بخلاف سائر الحقوق، كذا في البدائع. قوله: (ولمملوكه) أي تجب النفقة والكسوة
والسكنى لمملوكه على سيده للامر في قوله صلى الله عليه وسلم أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون
368

وعليه إجماع العلماء. قال الطحاوي: ذهب قوم إلى أن الرجل عليه أن يسوي بين مملوكه
وبين نفسه في الطعام والكسوة احتجاجا بما روينا، وخالفهم آخرون احتجاجا بما حدث
الطحاوي بإسناده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من
العمل ما لا يطيق فدل على أن للموالي أن يفضلوا أنفسهم على عبيدهم، ويدل عليه أيضا
حديث البخاري مرفوعا إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو
لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي علاجه والجواب عن الأول أنه ذكره بلفظ من وهي
للتبعيض فإذا أطعمهم الموالي من بعض ما يأكلون أو كسوهم من بعض ما يلبسون يحصل
الغرض، فلو كان المراد التسوية في الاكل والكسوة لقال مثل ما تأكلون ومثل ما تلبسون،
كذا في غاية البيان. وأجاب عنه في فتح القدير بأن المراد من جنس ما تأكلون وتلبسون لا
مثله فإذا ألبسه من الكتان والقطن وهو يلبس منهما الفائق كفى بخلاف إلباسه نحو الجوالق
والله أعلم. ولم يتوارث عن الصحابة أنهم كانوا يلبسون مثلهم إلا الافراد اه‍. والمراد
بالمملوك من كانت منافعه مملوكة لشخص، سواء كانت رقبته مملوكة له أو لا، فدخل المدبر
وأم الولد، وخرج المكاتب لأنه مالك لمنافعه. ولو أوصى بعبد لرجل وبخدمته لآخر فالنفقة
على من له الخدمة، فإن مرض في يد صاحب الخدمة إن كان مرضا لا يمنعه من الخدمة
كانت نفقته على صاحب الخدمة، وإن كان مرضا يمنعه من الخدمة كانت نفقته على صاحب
الرقبة، وإن تطاول المرض ورأي القاضي أن يبيعه فباعه يشتري بثمنه عبدا يقوم مقام الأول
في الخدمة، كذا في الخانية.
وزاد في المحيط أنه إن كان صغيرا لم يبلغ الخدمة فنفقته على صاحب الرقبة حتى يبلغ
الخدمة ثم على المخدوم لأنه ملك المنافع بغير عوض فصار كالمستعير، وكذا النفقة على الراهن
والمودع، وأما عبد العارية فعلى المستعير، وأما كسوته فعلى المعير، كذا في الواقعات، ولو
أوصى بجارية لانسان وبما في بطنها لآخر فالنفقة على من له الجارية، ومثله أوصى بدار
لرجل وسكناها لآخر فالنفقة على صاحب السكنى لأن المنفعة له فإن انهدمت فقال صاحب
السكنى أنا أبنيها وأسكنها كان له ذلك ولا يكون متبرعا لأنه مضطر فيه لأنه لا يصل إلى
حقه إلا به فصار كصاحب العلو مع صاحب السفل إذا انهدم السفل وامتنع صاحبه من البناء
لصاحب العلو أن يبنيه ويمنع صاحبه عنه حتى يعطي ما غرم فيه ولا يكون متبرعا. وأطلق
في المملوك فشمل ما إذا كان له أب موجود حاضر أولا، وشمل الأمة المتزوجة حيث لم
369

يبؤها منزلا للزوج، وشمل الصغير والكبير الذكر والأنثى الصحيح والمريض والزمن
والأعمى، وأما العبد الآبق إذا أخذه رجل ليرده على مولاه وأنفق عليه إن أنفق بغير أمر
القاضي كان متطوعا لا برجع، وإن رفع الامر إلى القاضي فسأل من القاضي أن يأمره
بالانفاق عليه نظر القاضي في ذلك، فإن رأى الانفاق أصلح أمره بالانفاق، وإن خاف أن
تأكله النفقة أمره القاضي بالبيع وإمساك الثمن، وكذا إذا وجد دابة ضالة في المصر أو في غير
المصر. وأما العبد المغصوب فإن نفقته على الغاصب إلى أن يرده إلى المولى فإن طلب من
القاضي أن يأمره بالنفقة أو بالبيع لا يجيبه لأن المغصوب مضمون على الغاصب إلا أن يكون
الغاصب مخوفا منه على العبد فحينئذ يأخذه القاضي ويبيعه ويمسك الثمن، وأما العبد الوديعة
إذا غاب صاحبه فجاء المودع إلى القاضي وطلب منه أن يأمره بالنفقة أو بالبيع فإن القاضي
يأمره بأن يؤاجر العبد وينفق عليه من أجره، وإن رأى أن يبيعه فعل. وأما العبد إذا كان بين
رجلين فغاب أحدهما وتركه عند الشريك فرفع الشريك الامر إلى القاضي وأقام البينة على
ذلك كان القاضي بالخيار إن شاء قبل هذه البينة، وإن شاء لم يقبل وإن قبل يأمره بالنفقة
ويكون الحكم ما هو الحكم في الوديعة، والكل من الخانية. وفي الخلاصة: الشريك إذا أنفق
على العبد في غيبة شريكه بغير إذن القاضي وبغير إذن صاحبه، وكذا النخل والزرع، وكذا
المودع والملتقط إذا أنفق على الوديعة واللقطة، وكذا في الدار المشتركة إذا اشتريت فأنفق
أحدهما بغير إذن صاحبه وبغير إذن أمر القاضي فهو متطوع وفي القنية: ونفقة المبيع على
البائع ما دام في يده هو الصحيح ثم رقم برقم آخر أنه يرفع البائع الامر إلى الحاكم فيأذن له
في بيعه أو إجارته، ثم رقم بأن نفقة العبد المبيع بشرط الخيار على من له الملك في العبد وقت
الوجوب، وقيل على البائع، وقيل يستدان فيرجع على من يصير له الملك كصدقة الفطر اه‍.
وفي وجوب نفقة البيع على البائع قبل تسليمه إشكال لأنه لا ملك له لا رقبة ولا منفعة
فينبغي أن تكون على المشتري وتكون تابعة للملك كالمرهون كما بحثه بعضهم كما في القنية
أيضا. وشمل كلام المصنف أيضا المملوك ظاهرا فلو شهدا عليه بحرية أمته فوضعها القاضي
على يد عدل لأجل المسألة على الشهود فالنفقة على من هي في يده، سواء ادعت الأمة الحرية
أو جحدت لوجوب نفقة المملوك على مولاه وإن كان ممنوعا منه، ولا رجوع للمولى بما
أنفقه، سواء زكيت الشهود أولا إلا إذا أجبره القاضي على الانفاق أو أكلت في بيته بغير
إذنه فيرجع بما أنفقه لأنه تبين أن لا ملك له. وإن كان عبدا أمره أن يكتسب وينفق على
نفسه إن كان قادرا عليه وإلا فعلى المدعى عليه، وتمامه في الذخيرة.
370

قوله: (فإن أبى ففي كسبه وإلا أمره ببيعه) أي أن امتنع المولى عن الانفاق فإن نفقته في
كسبه إن كان له كسب لأن فيه نظرا لهما حتى يبقى المملوك فيه حيا ويبقى فيه ملك المالك،
وإن لم يكن لهما كسب بأن كان عبدا زمنا أو جارية لا يؤجر مثلها أجبر المولى على بيعهما
لأنهما من أهل الاستحقاق، وفي البيع إيفاء حقهما وإيفاء حق المولى بالخلف بخلاف نفقة
الزوجة لأنها تصير دينا فكان إبطالا. وفي غاية البيان: إن كل ما لا يصلح للإجارة يجبر
المولى على الانفاق أو يبيع القاضي إذا رأى ذلك إلا المدبر وأم الولد فإنه يجبر على الانفاق لا
غير لأنه لا يمكن بيعهما اه‍. فلو قال المصنف كذلك لكان أولى. وعلم مما في الغاية أن
الامر بالبيع معناه بيع القاضي عليه. وفي شرح الأقطع ما ذكر من البيع ينبغي أن يكون على
قول أبي يوسف ومحمد لأنهما يريان البيع على الحر لأجل حق الغير، فأما أبو حنيفة فإنه لا
يرى جواز البيع على الحر ولكنه يحبسه حتى يبيعه إذا استحق عليه البيع اه‍. ولذا قال المصنف
أمر ببيعه ولم يقل باعه القاضي. قيد بالمملوك أي الرقيق لأن ما عداه من أملاكه إذا امتنع من
الانفاق فإنه لا يجبر عليه ولو كان حيوانا لأنها ليست من أهل الاستحقاق إلا أنه يفتي فيما
بينه وبين الله تعالى في الانفاق على الحيوانات لأنه عليه السلام نهى عن تعذيب الحيوان وفيه
ذلك، ونهى عن إضاعة المال وفيه إضاعته. وعن أبي يوسف أنه يجبر والأصح ما قلنا، كذا
في الهداية. ورجح الطحاوي رواية أبي يوسف قال: وبه نأخذ. قال في فتح القدير: وبه
قالت الأئمة الثلاثة. وغاية ما فيه أن يتصور فيه دعوى حسبة فيجبره القاضي على ترك
الواجب ولا بدع فيه وظاهر المذهب الأول والحق ما عليه الجماعة اه‍. وأما في غير
الحيوانات كالدور والعقار لا يفتى به أيضا إلا إذا كان فيه تضييع المال فيكون مكروها. وهذا
كله إذا لم يكن له شريك، فإن كانت دابة بين شريكين فامتنع أحدهما من الانفاق أجبره
القاضي لأنه لو لم يجبره لتضرر الشريك كما في المحيط. وذكر الخصاف أن القاضي يقول
للآبي إما أن تبيع نصيبك من الدابة أو تنفق عليها رعاية لجانب الشريك. وفي الذخيرة: لو
أوصى بنخل لواحد وبثمرته لآخر فالنفقة على صاحب الثمرة، وفي التبن والحنطة إن بقي من
ثلث ماله شئ فالنفقة في ذلك المال، وإن لم يبق فالتخليص عليهما لأن المنفعة لهما اه‍.
وفي فتح القدير وأقول: ينبغي أن يكون على قدر قيمة ما يحصل لكل منهما وإلا يلزم ضرر
371

صاحب القليل ألا ترى إلى قولهم في السمسم إذا أوصى بدهنه لواحد وبثجيرة لآخر أن
النفقة على من له الدهن لعده عدما وإن كان قد يباع، وينبغي أن يجعل كالحنطة والتبن في
ديارنا لأن الثجير يباع لعلف البقر وغيره، وكذا أقول فيما روي عن محمد ذبح شاة فأوصى
بلحمها لواحد وبجلدها لآخر فالتخليص عليهما كالحنطة والتبن أنه يكون على قدر الحاصل
لهما وقبل الذبح أجرة الذبح على صاحب اللحم لا الجلد اه‍.
وفي المجتبى: العبد إذا أقتر عليه مولاه في نفقته ليس له أن يأكل من مال مولاه لكن
يكتسب ويأكل إلا إذا كان صغيرا أو جارية أو عاجزا عن الكسب فله أن يأكل، وإن لم يأذن
له في الكسب فله أن يأكل من مال مولاه، وللعبد أن يأخذ من مال سيده قدر كفايته. ولو
تنازعا في عبد أو أمة في أيديهما يجبران على نفقته ونفقة الدابة المستأجرة على الآجر، وإذا
شرط العلف على المستأجر لم يضمن إن لم يعلفا حتى ماتت لأن بدل المنافع تعود إلى مالك
الرقبة. ومن ركب فرسا حبيسا في سبيل الله تعالى فنفقته عليه حتى يرده عليه، والأصل أن
من كانت له المنفعة أو بدلها فالنفقة عليه سواء كان مالكا أو لا اه‍. وفي فتح القدير: ويجوز
وضع الضريبة على العبد ولا يجبر عليها بل إن اتفقا على ذلك اه‍. وقيدنا الذي لا كسب له
بأن يكون زمنا إلى آخره تبعا لما في الهداية للاحتراز عما إذا كان صحيحا غير عارف بصناعة
فإنه لا يكون عاجزا عن الكسب لأنه يمكن أن يؤاجر نفسه في بعض الأعمال كحمل شئ
وتحويل شئ كمعين البناء، وما قدمناه نقلا عن الكافي في نفقة ذوي الأرحام ثبوته هنا
أولى، كذا في فتح القدير. وفي الخلاصة: ولو أعتق عبدا زمنا أو مقعدا سقطت نفقته عن
المولى وينفق عليه من بيت المال اه‍. والله سبحانه وتعالى أعلم.
372

كتاب العتق
ذكره عقيب الطلاق لأن كلا منهما إسقاط الحق. وقدم الطلاق لمناسبة النكاح. ثم
الاسقاطات أنواع تختلف أسماؤها باختلاف أنواعها، فإسقاط الحق عن الرق عتق، وإسقاط
الحق عن البضع طلاق، وإسقاط ما في الذمة براءة، وإسقاط الحق عن القصاص والجراحات
عفو. والاعتاق في اللغة الاخراج عن الملك، يقال أعتقه فعتق. والعتق الخروج عن الملك
يقال من باب فعل بالفتح يفعل بالكسر عتق العبد عتاقا إذا خرج عن الملك، وعتقت
الفرس، إذا سبقت ونجت، وعتق فرخ القطاة إذا طار. ويقال عتق فلان بعد استعلاج إذا
رقت بشرته بعد غلظ، ومصدره العتق والعتاق وليس منه العتاقة بمعنى القدم لأن فعله فعل
بالفتح يفعل بالضم وليس منه العتق بمعنى الجمال لأنه من هذا الباب أيضا وهو مضموم
العين أيضا، كذا في ضياء الحلوم. فالعتق اللغوي حينئذ هو العتق الشرعي وهو الخروج عن
المملوكية وهو أولى من قولهم إن العتق في اللغة القوة. وفي الشرع: قوة الشرعية لأن أهل
اللغة لم يقولوا أعتق العبد إذا قوي وإنما قالوا أعتق العبد، إذا خرج عن المملوكية. وإنما ذكر
والقوة في عتق الطير ونحوه. وركنه في الاعتاق اللفظي الانشائي اللفظ الدال عليه. وفي
البدائع ركنه اللفظ الذي جعل دلالة على العتق في الجملة أو ما يقوم مقام اللفظ اه‍. ويعرف
ذلك ببيان سببه. قالوا: سببه المثبت له قد يكون دعوى النسب، وقد يكون نفس الملك في
القريب، وقد يكون الاقرار بحرية عبد إنسان حتى لو ملكه عتق، وقد يكون بالدخول في
373

دار الحرب فإن الحربي إذا اشترى عبدا مسلما فدخل به إلى دار الحرب ولم يشعر عتق عند أبي
حنيفة، وكذا زوال يده عنه بأن هرب عن مولاه الحربي إلى دار الاسلام، وقد يكون اللفظ
المذكور. وأما سببه الباعث ففي الواجب تفريغ ذمته وفي غيره قصد التقرب إلى الله تعالى عز
وجل. وأنواعه أربعة: واجب ومندوب ومباح ومحظور. فالواجب الاعتاق في كفارة القتل
والظهار واليمين والافطار إلا أنه في باب القتل والظهار والافطار واجب على التعيين عند
القدرة عليه، وفي باب اليمين واجب على التخيير. والمندوب الاعتاق لوجه الله تعالى من غير
إيجاب لأن الشرع ندب إلى ذلك للحديث أيما مؤمن أعتق مؤمنا في الدنيا أعتق الله بكل
عضو منه عضوا منه من النار ولهذا استحبوا أن يعتق الرجل العبد والمرأة الأمة ليتحقق
مقابلة الأعضاء بالأعضاء لكنه ليس بعبادة حتى يصح من الكافر. وأما المباح فهو الاعتاق من
غير نية. وأما المحظور فهو الاعتاق لوجه الشيطان وسيأتي تمامه، وسيأتي بيان شرائطه وحكمه
زوال الملك أو ثبوت العتق على الاختلاف.
قوله: (هو إثبات القوة الشرعية للمملوك) أي الاعتاق شرعا. والقوة الشرعية هي
قدرته على التصرفات الشرعية وأهليته للولايات والشهادات ودفع تصرف الغير عليه.
وحاصله أنه إزالة الضعف الحكمي الذي هو الرق الذي هو أثر الكفر. وفي المحيط:
ويستحب للعبد أن يكتب للعتق كتابا ويشهد عليه شهودا توثيقا وصيانة عن التجاحد والتنازع
فيه كما في المداينة بخلاف سائر التجارات لأنه ما يكثر وقوعها فالكتابة فيها تؤدي إلى الحرج
ولا كذلك العتق. قوله: (ويصح من حر مكلف لمملوكه بانت حر أو بما يعبر به عن البدن
وعتيق ومعتق ومحرر وحررتك وأعتقتك نواه أو لا) بيان لشرائطه وصريحه وحكم الصريح.
أما شرائطه فذكر المصنف أنها ثلاثة: الأول منها لا حاجة إليه مع ذكر الملك لأن الحرية
للاحتراز عن إعتاق غير الحر وهو ليس بمالك كما سنبينه. واحترز بالمكلف عن عتق الصبي
فإنه لا يصح وإن كان عاقلا كما لا يصح طلاقه، وعن عتق المجنون فإنه لا يصح، وأما
الذي يجن ويفيق فهو في حالة إفاقته عاقل وفي حالة جنونه مجنون. وخرج المعتوه أيضا
والمدهوش والمبرسم والمغمى عليه والنائم فلا يصح إعتاقهم كما لا يصح طلاقهم. ولو قال
أعتقت وأنا صبي أو وأنا نائم كان القول قوله، وكذا لو قال أعتقته وأنا مجنون بشرط أن يعلم
جنونه، أو قال وأنا حربي في دار الحرب وقد علم ذلك لأنه لما أضافه إلى زمان لا يتصور منه
الاعتاق علم أنه أراد صيغة الاعتاق ولا حقيقته فلم يصر معترفا بالاعتاق كما لو قال أعتقته
374

قبل أن أخلق أو يخلق. وخرج باشتراط أن يكون مملوكا له إعتاق العبد المأذون له في التجارة
أو المكاتب لانعدام ملك الرقبة، وكذا لو اشترى العبد المأذون له في التجارة محرما منه أو
المكاتب كذلك فإنه لا يعتق عليهما لعدم ملكهما. ويرد على المصنف إعتاق عبد الغير فإنه
صحيح موقوف على إجازة سيده إن لم يكن وكيله، نعم هو شرط للنفاد وليس الكلام هنا إلا
في الصحة، ولو أبدله بقوله للمملوك لكان أولى لأن شرطه كما في المستصفى أن يكون
المحل مملوكا. والمراد بالمملوك المملوك رقبة وإن لم يكن في يده فصح إعتاق المولى المكاتب
والعبد المأذون والمشتري قبل القبض والمرهون والمستأجر والعبد الموصي برقبته لانسان
وبخدمته لآخر إذا أعتقه الموصى له بالرقبة. ولا يشترط أن يكون عالما بأنه مملوكه حتى لو
قال الغاصب للمالك أعتق رقبة هذا العبد فأعتقه وهو لا يعلم أنه عبده عتق ولا يرجع على
الغاصب بشئ، وكذا لو قال البائع للمشتري أعتق عبدي هذا وأشار إلى المبيع فأعتقه
المشتري ولم يعلم أنه عبده صح إعتاقه ويجعل قبضا ويلزمه الثمن كما في الكشف الكبير في
بحث القضاء. وأخرج باشتراط المملوكية عتق الحمل إذا ولدته لستة أشهر فأكثر لعدم التيقن
بوجوده وقته بخلاف ما إذا ولدته لأقل منها فإنه يصح. ويشترط وجود الملك للمعتق وقت
وجود الاعتاق لينفذ إن كان منجزا وإن كان معلقا بما سوى الملك وسببه فإنه يشترط وجود
الملك وقت التعليق كالتعليق بدخول الدار ونحوه. وكذا يشترط وقت نزول الجزاء، ولا
يشترط بقاء الملك فيما بينهما. وأما إذا كان معلقا بالملك كان ملكتك فأنت حر فلا يشترط له
شئ من ذلك.
ولم يشترط المصنف أن يكون صاحيا ولا طائعا لصحة عتق السكران والمكره عندنا
كطلاقهما، وكذا لم يشترط العمد لصحة عتق المخطئ، ولم يشترط قبول العبد للاعتاق لأنه
ليس بشرط إلا في العتق على مال فإن قبوله شرط كما سنذكره في بابه. وكذا لم يشترط
خلوه عن الخيار لعدم صحة الخيار فيه من جانب المولى فيقع العتق ويبطل الشرط، وأما من
جانب العبد في العتق على مال فلا بد من خلوه عن خياره حتى لورد العبد العتق في مدة
الخيار ينفسخ العقد ولا يعتق كما في الطلاق على مال، وكذا الصلح من دم العمد بشرط
الخيار، فإن كان من جانب المولى فهو باطل والصلح صحيح، وإن كان للقاتل فهو صحيح،
فإن فسخ العقد ففي القياس يبطل العفو، وفي الاستحسان لا يبطل ويلزم القاتل الدية. ولم
375

يشترط المصنف أيضا إسلام المعتق وهو المالك لأنه يصح من الكافر ولو مرتدة، وأما إعتاق
المرتد فموقوف عند الإمام نافذ عندهما. ولم يشترط أيضا أن يكون المالك صحيحا لأنه يصح
الاعتاق من المريض مرض الموت وإن كان معتبرا من الثلث لأنه وصية. وشرط في البدائع
عدم الشك في ثبوت الاعتاق فإن كان شاكا فيه لا يحكم بثبوته. وأما الثاني وهو صريحه فذكر
المصنف هنا أنه الحرية والعتق بأي صيغة كانت فعلا أو وصفا. فالفعل نحو أعتقتك وحررتك
أو أعتقك الله على الأصح وهو المختار كما في الظهيرية. والوصف نحو أنت حر ومحرر
وعتيق ومعتق وسيأتي حكم النداء بها. ومنه المولى أيضا كما سنبينه. ولا بد أن يكون خبر
المبتدأ فلو ذكر الخبر فقط توقف على النية ولذا قال في الخانية: لو قال حر فقيل له لمن عنيت
فقال عبدي عتق عبده. وأما المصدر فلم يذكره المصنف للتفصيل فيه فإن قال العتاق عليك أو
عتقك على كان صريحا إلا إذا زاد قوله عتقك علي واجب فإنه لا يعتق لجواز وجوبه عليه
بكفارة أو نذر بخلاف طلاقك علي واجب لأن نفس الطلاق غير واجب وإنما يجب حكمه
وحكمه وقوعه واقتضى هذا وقوعه، وأما العتق فجاز أن يكون واجبا، كذا في الظهيرية.
وأما إذا قال أنت عتق أو عتاق أو حرية فإنه لا يعتق إلا بالبينة، كذا في جوامع الفقه. قال
الكمال: فعلى هذا لا بد من ضابط الصريح. قلت: إن ما في جوامع الفقه ضعيف لما في
المحيط: لو قال أنت عتق يعتق وإن لم ينو كقوله لامرأته أنت طالق اه‍. فلا يحتاج إلى إصلاح
الضابط. وأما إذا كان تلفظ بالعتق مهجي كقوله أنت حر فإنه كناية يعتق بالنية كالطلاق كما
في الظهيرية. وأما التلفظ بالعتق العام فقال في الظهيرية: لو قال كل مالي حر لا يعتق عبيده
لأنه يراد به الصفا والخلو عن شركة الغير، ولو قال عبيد أهل بلخ أحرار ولم ينو عبده أو قال
كل عبد في الأرض حر أو قال كل عبيد أهل الدنيا أحرار أو كان مكان العتق طلاق اختلف
المتقدمون والمتأخرون في هذه المسألة، أما المتقدمون فقال أبو يوسف في نوادره لا يعتق،
وقال محمد في نوادر ابن سماعة يعتق. وأما المتأخرون فقال عصام بن يوسف لا يعتق، وقال
شداد يعتق. قال الصدر الشهيد: المختار للفتوى قول عصام. ولو قال كل عبيد في هذه الدار
أحرار وعبده فيهم عتق بالاتفاق، ولو قال ولد آدم كلهم أحرار لا يعتق عبده بالاتفاق
376

اه‍. وأما التلفظ بأفعل التفضيل ففي الخانية والظهيرية: لو قال أنت أعتق من هذا في ملكي
أو قال في السن لا يعتق في القضاء ويدين. وفي المجتبى: قال لعبده أنت أعتق من فلان أو
لامرأته أنت أطلق من فلانة وهي مطلقة إن نوى عتق وطلقت، وقيل يعتق بدون النية. ولو
قال أنت عتيق فلان يعتق بخلاف قوله أعتقك فلان اه‍.
وفي الظهيرية: لو قال لعبده نسبك حر أو أصلك حر إن علم أنه سبي لا يعتق، وإن
لم يعلم أنه سبي فهو حر، وهذا دليل على أن أهل الحرب أحرار. ولو قال أبواك حران لا
يعتق لاحتمال أنهما عتقا بعدما ولد، ولو قال لعبده تصبح غدا حرا كان العتق مضافا إلى
الغد. ولو قال تقوم حرا وتقعد حرا يعتق للحال، ولو قال صحيح لعبده أنت حر من ثلثي
يعتق من جميع المال، ولو قال لعبده افعل ما شئت في نفسك فإن أعتق نفسه قبل أن يقوم من
مجلسه عتق، ولو قام قبل أن يعتق نفسه لم يكن له أن يعتق نفسه وله أن يهب بنفسه وأن يبيع
نفسه وأن يتصدق بنفسه على من يشاء. ولو قال لعبدين له يا سالم أنت حر يا مبارك فهو على
الأول، ولو قال يا سالم أنت حر يا مبارك على ألف درهم كان على الأخير. وسئل أبو القاسم
عمن قال لفلان علي ألف درهم وإلا فعبدي حر ثم أنكر المال يكون إنكاره للمال إقرارا
بالعتق. قال: إن قال ليس علي شئ لم يكن إقرارا بالعتق. وإن قال لم يكن علي شئ كان
إقرارا بالعتق اه‍. وأما العتق بالجمع فقال في الخانية: لو قال عبيدي أحرار وهم عشرة عتق
عبيدة وإن كانوا مائة، وإن كان له خمسة أعبد فقال عشرة من مماليكي إلا واحدا أحرار عتقوا
جميعا لأن تقديره تسعة من مماليكي أحرار. ولو قال مماليكي العشرة أحرار إلا واحد عتق
أربعة منهم لأن ذكر العشرة على سبيل التفسير وذلك غلط منه فلغا فكان الاستثناء منصرفا إلى
مماليك فعتق أربعة. وفي الظهيرية عن محمد فيمن قال مماليكي الخبازون أحرار وله خبازون
وخبازات عتقوا كلهم لأن جمع المذكر ينتظم الإناث بطريق الاستتباع اه‍. وفي المحيط: رجل
له عبد واحد فقال أعتقت عبدا يعتق، ولو قال بعتك عبدا لا يصح لأن الجهالة تمنع صحة
البيع دون العتق اه‍. وأما الثالث وهو حكم الصريح فإنه لا يتوقف على النية لاستعماله فيه
شرعا وعرفا. ولو قال عنيت به الخبر كذبا لا يصدق في القضاء لعدو له عن الظاهر،
ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى. وفي الخانية: لو قال أردت به اللعب يعتق قضاء ودبانة،
وفي البدائع: لو قال عنيت به أنه كان حرا فإن كان مولودا لا يصدق أصلا لأنه كذب
377

محض، وإن كان مسببا لا يصدق قضاء ويصدق ديانة. ولو قال أنت حر من عمل كذا أو
أنت حر اليوم من هذا العمل عتق في القضاء، ولو دعى لعبده سالم يا سالم فأجابه مرزوق
فقال أنت حر ولا نية له عتق الذي أجابه. ولو قال عنيت سالما عتقا في القضاء، وأما فيما
بينه وبين الله تعالى فإنما يعتق الذي عنا خاصة. ولو قال يا سالم أنت حر فإذا هو عبد آخر
له أو لغيره عتق سالم لأنه لا مخاطبة ههنا إلا لسالم فينصرف إليه اه‍. وفي الظهيرية والخانية:
أمة قائمة بين يدي مولاها فسألها رجل أمة أنت أم حرة فأراد المولى أن يقول ما سؤالك عنها
أمة أم حرة فعجل في القول فقال هي حرة أمة عتقت في القضاء اه‍. وفي الخانية: لو قال
لعبده الذي حل له دمه بقصاص أعتقتك وقال عنيت به عن القتل عتق في القضاء وسقط عنه
الدم بإقراره اه‍. وقد ذكر المصنف أن العضو الذي يعبر به عن الكل كالكل كما إذا قال
رقبتك حر أو رأسك أو وجهك أو بدنك أو فرجك للأمة كما تقدم بيانه في الطلاق بخلاف
العضو الذي لا يعبر به عن الكل كاليد والرجل، وفي المجتبى: لو قال لعبده فرجك حر
عتق عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعن محمد روايتان. وكذا لو قال كبدك حر يعتق، ولو قال
بدنك بدن حر عتق، وكذا الفرج والرأس. وعن أبي يوسف رأسك رأس حر أنه لا يعتق،
ولو قال لها فرجك حر عن الجماع تعتق قضاء اه‍.
وفي الخانية: لو قال فرجك حر قال للعبد أو للأمة عتق بخلاف الذكر في ظاهر
الرواية، ولو قال لعبده أنت حرة أو قال لامته أنت حر يعتق في الوجهين، كذا روي عن أبي
حنيفة وأبي يوسف اه‍. وفي الخلاصة بخلاف ما إذا قال لرجل يا زانية يعني فلا يكون قذفا.
ولم يذكر المصنف الجزء الشائع كما ذكره في الطلاق للفرق بين العتاق والطلاق فإن الطلاق
لا يتجزأ اتفاقا فذكر بعضه كذكر كله، وأما العتق فيتجزأ عند الإمام، فإذا قال نصفك حر
وثلثك حر يعتق ذلك القدر خاصة عنده كما سيأتي، فما في غاية البيان من تسوية الطلاق
والعتاق في الإضافة إلى الجزء الشائع سهو كما لا يخفى. وفي الخانية: لو قال سهم منك حر
عتق السدس، ولو قال جزء منك حر أو شئ منك حر يعتق منه المولى ما شاء في قوله اه‍.
ولم يذكر المصنف الألفاظ الجارية مجرى الصريح. قال في البدائع: وأما الذي هو ملحق
بالصريح فهو أن يقول وهبت لك نفسك أو وهبت نفسك منك أو بعت نفسك منك ويعتق،
سواء قبل أو لم يقبل، نوى أو لم ينو، لأن الايجاب من الواهب والبائع إزالة الملك من
الموهوب والمبيع وإنما الحاجة إلى القبول من الموهوب له والمشتري لثبوت الملك لهما، وههنا
378

لا يثبت الملك للعبد في نفسه لأنه لا يصلح مملوكا لنفسه فبقي الهبة والبيع إزالة الملك عن
الرقيق لا إلى أوحد هذا معنى الاعتاق. وقد قال أبو حنيفة: إذا قال لعبده وهبت لك نفسك
وقال أردت وهبت له عتقه أي لا أعتقه لم يعتق في القضاء لأنه عدول عن الظاهر ويصدق
فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى ما يحتمله كلامه اه‍. وزاد في الخانية: تصدقت بنفسك
عليك. وفي هذه الألفاظ ثلاثة أقوال، فقيل إنها ملحقة بالصريح كما ذكرناه، وقيل إنها كناية
لا تحتاج إلى النية وكل منهما مبني على أن الصريح يخص الوضعي، والحق القول الثالث أنها
صرائح حقيقة كما قال به جماعة لأنه لا يخص الوضع واختاره المحقق ابن الهمام.
قوله: (وبلا ملك ولا رق ولا سبيل لي عليك إن نوى) بيان للكنايات لأن نفي هذه
الأشياء يحتمل بالبيع والكتابة والعتق، وانتفاء السبيل يحتمل بالعتق وبالارضاء حتى لا يكون
له سبيل في اللوم والعقوبة فصار مجملا، والمجمل لا يتعين بعض وجهه إلا بالنية. وبه اندفع
ما في غاية البيان من أنه ينبغي أن يقع العتق بلا نية إذا لم يكن البيع ونحوه من الأشياء المزيلة
موجودا لأن نفي الملك لما كان دائرا بين الاعتاق وغيره الاعتاق لم يكن موجودا في الواقع
تعين الاعتاق لا محالة كما هو الحكم في التردد بين الشيئين وإلا يلزم أن يكون كلام العاقل
لغوا فلا يجوز اه‍. وقوله في المختصر لي عليك متعلق بالثلاثة. قيد بقوله: لا سبيل لي
عليك لأنه لو قال لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء عتق في القضاء ولا يصدق أنه أراد به
غير العتق، ولو قال لا سبيل لي عليك إلا سبيل الموالاة دين في القضاء، كذا في البدائع.
وإذا لم يقع العتق في لا ملك لي أو خرجت عن ملكي فهل له أن يدعيه؟ قال في خلاصة
الفتاوى: لو قال لعبده أنت غير مملوك لا يعتق لكن ليس له أن يدعيه بعد ذلك ولا أن
يستخدمه، فإن مات لا يرث بالولاء، فإن قال المملوك بعد ذلك أنا مملوك له فصدقه كان
مملوكا له، وكذا لو قال له ليس هذا بعبدي لا يعتق اه‍. وظاهره أنه يكون حرا ظاهرا لا
معتقا فتكون أحكامه أحكام الأحرار حتى يأتي من يدعيه ويثبت فيكون ملكا له. ومن
الكنايات أيضا خليت سبيلك، لا حق لي عليك، وقوله لامته أطلقتك فتعتق بالنية. ومن
الكنايات أيضا كما في البدائع أمرك بيدك اختاري، فيتوقف على النية وسيأتي تمام ذلك.
واختلف في أنت لله ففي الظهيرية لا يعتق عند أبي حنيفة وإن نوى. وقال محمد: إن أراد
379

به العتق فهو حر، وإن أراد به الصدقة فهو صدقة، وإن أراد به أن كلنا لله تعالى لا يلزمه
شئ، ولو قال لعبده في مرضه أنت لوجه الله فهو باطل، وكذا أنت عبد الله، ولو قال
جعلتك لله في صحته أو في مرضه وقال لم أنو به العتق أو لم يقل شيئا حتى مات فإنه يباع،
وإن نوى العتق فهو حر اه‍.
قوله: (وهذا ابني أو أبي أو أمي وهذا مولاي أو يا مولاي أو يا حر أو يا عتيق)
معطوف على قوله أنت حر أي يصح بهذا ابني وما عطف عليه، وإنما أخرها مع أنها
صرائح لا تتوقف على النية لما فيها من التفصيل. أما الأول وهو الألفاظ التي ثبت بها
النسب فذكر المصنف منها ثلاثة: الابن والأب والام. فكل منها إما أن يكون على وجه
الصفة أو على وجه النداء، فإن كان على طريق الصفة بأن قال لمملوكه هذا ابني فهو على
وجهين: أما إن كان يصلح ابنا له بأن كان مثله يولد لمثله أولا، وكل منهما إما أن يكون
مجهول النسب أو معروفه، فإن كان يصلح ابنا له مجهول النسب ثبت النسب والعتق
بالاجماع، وإن كان معروف النسب من الغير لا يثبت النسب بلا شك ولكن يثبت العتق
عندنا، وإن كان لا يصلح ابنا له لا يثبت النسب بلا شك. وهل يعتق؟ قال أبو حنيفة
رضي الله عنه: يعتق سواء كان مجهول النسب أو معروفه. وقالا: لا يعتق وعلى هذا لو
قال لمملوكته هذه بنتي خلافا ووفاقا لهما أنه كلام محال فيرد ويلغو كقوله أعتقتك قبل أن
أخلق. وله أنه محال بحقيقته لكنه صحيح لمجازه لأنه إخبار عن حريته من حين ملكه،
وهذا لأن البنوة في المملوك سبب لحريته إما إجماعا أو صلة للقرابة، وإطلاق السبب وإرادة
المسبب مستجاز في اللغة تجوزا ولان الحرمة ملازمة للبنوة في المملوك والمشابهة في وصف
ملازم من طرق المجاز على ما عرف فيحمل عليه تحرزا عن الالغاء بخلاف ما استشهد به
لأنه لا وجه له في المجاز فتعين الالغاء. وهذا بخلاف ما إذا قال لغيره قطعت يدك خطأ
فأخرجهما صحيحتين حيث لم يجعل مجازا عن الاقرار بالمال والتزامه وإن كان القطع سببا
لوجوب المال لأن القطع خطأ سبب لوجوب مال مخصوص وهو الأرش وأنه يخالف مطلق
المال في الوصف حتى وجب على العاقلة في سنتين، ولا يمكن إثباته بدون القطع وما لم
يكن إثباته فالقطع ليس بسبب له. أما الحرية لا تختلف ذاتا وحكما فأمكن جعله مجازا عنه
380

والكلام في المسألة طويل في الأصول في بحث الحقيقة هل المجاز خلف عنها في التكلم
أو في الحكم. وصرح في فتح القدير بأنه يعتق، نوى أم لم ينو إذ لا تزاحم كيلا يلغي
كلام العاقل. ثم إن كان هذا دخل في الوجود عتق قضاء وديانة وإلا فقضاء ولا تصير أم
ولد له اه‍. وكذا صرح في الكشف الكبير بأنه يعتق فقضاء فيما إذا كان لا يولد مثله
لمثله، والمعتبر المماثلة في السن لا المشاكلة حتى لو كان المدعي أبيض ناصعا والمقول له
أسود أو على القلب يثبت النسب. وقيد بالمملوك لأنه لو قال لزوجته وهي معروفة النسب
من الغير هذه ابنتي لم تقع الفرقة اتفاقا كما عرف في الأصول. وأما الثاني وهو قوله هذا
أبي فإن كان يصلح أبا له وليس للقائل أب معروف يثبت النسب والعتق بلا خلاف، وإن
كان يصلح أبا له ولكن للقائل أب معروف لا يثبت النسب ويعتق عندنا، وإن كان لا
يصلح أبا له لا يثبت النسب بلا شك ولكن يعتق عند أبي حنيفة وعندهما لا يعتق. وأما
الثالث فهو قوله هذه أمي والكلام فيه كالكلام في الأب. ولو قال لعبده هذه بنتي أو قال
لامته هذا ابني اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يعتق، وقال بعضهم لا يعتق، ورجحه في
الهداية وفتح القدير، وفي المجتبى وهو الأظهر. ولو قال لمملوكه هذا عمي أو خالي يعتق
بلا خلاف بين أصحابنا وسيأتي الكلام على هذا أخي آخر الباب. ولو قال هذا ابني من
الزنا يعتق ولا يثبت النسب.
وأشار المصنف إلى أنه لا يشترط تصديق العبد المقر له بالنسب وفيه اختلاف، فقيل لا
يحتاج إلى تصديقه لأن إقرار المالك على مملوكه يصح من غير تصديقه، وقيل يشترط تصديقه
فيما سوى دعوى البنوة لأن فيه حمل النسب على الغير فيكون فيه إلزام العبد الحرية فيشترط
تصديقه. ولو قال لصغير هذا جدي فقيل هو على الخلاف وهو الأصح لأنه وصفه بصفة من
يعتق عليه بملكه، والأصل أنه إذا وصف العبد بصفة من يعتق عليه إذا ملكه فإنه يعتق عليه
إلا في قوله هذا أخي وهذه أختي. وأما الرابع أعني لفظ المولى فذكر المصنف أنه لا فرق بين
الخبر والنداء، أما الأول فلان اسم المولى وإن كان ينتظم الناصر ابن العم والمولاة في الدين
الاعلى والأسفل في العتاقة إلا أنه تعين الأسفل مرادا فصار كاسم خاص. وهذا لأنه المولى لا
يستنصر بمملوكه عادة والعبد نسبه معروف فانتفى الأول والثاني والثالث نوع مجاز والكلام
بحقيقته والإضافة إلى العبد تنافي كونه معتقا فتعين المولى الأسفل فالتحق بالصريح. وكذا إذا
قال لامته هذه مولاتي لما بينا، ولو قال عنيت به المولى في الدين أو الكذب يصدق فيما بينه
وبين الله تعالى ولا يصدق في القضاء لمخالفته الظاهر، كذا في الهداية. وصرح في التحفة
381

بأن لفظ المولى صريح لا يحتاج إلى النية. وذكر الولوالجي اختلاف المشايخ فمنهم من قال لا
يعتق بغير النية والأصح أنه صريح من كل وجه اه‍. وتعقبهم في غاية البيان بأنا لا نسلم أن
المولى صريح في إيقاع العتق، وهذا لأن الصريح مكشوف المراد ولفظ المولى مشترك ومع
استعماله في المعاني على سبيل البدل لا يكون مكشوف المراد فلا يكون صريحا. وقولهم إن
المولى لا يستنصر بمملوكه عادة لا نسلم ذلك بل تحصل له النصرة بمماليكه وخدمه، والذي
لا يحتاج إلى النصير والظهير هو الله تعالى وحده على أنا نقول: الصريح يفوق الدلالة والمتكلم
يصرح وينادي بأعلى صوته أني عنيت الناصر بلفظ المولى وله دلالة على ذلك حقيقة لأنه
مشترك وهم يقولون دلالة الحال من كلامك تدل على أن المراد من المولى هو المعتق الأسفل
ولا تعتبر إرادة الناصر ونحوه، وهذا في غاية المكابرة اه‍.
وأجاب عنه في فتح القدير بأن قوله استعمل في معان فلا يكون مكشوف المراد إن
أراد دائما منعناه لجواز أن ينكشف المراد من المشترك في بعض الموارد الاستعمالية لاقترانه
بما ينفي غيره اقترانا ظاهرا كما هو فيما نحن فيه، ومنعه أن المولى لا يستنصر بعبده لا
يلائم ما أسند به من قوله تحصل النصرة بهم لأن المراد أنه إذا حزبه أمر لا يستدعي للنصرة
عبده بل بني عمه وإن كان العبيد والخدم ينصرونه. وأما قوله الصريح يفوق الدلالة فكأنه
أراد الكناية فطغى قلمه فنقول هذا الصريح وهو قوله أردت الناصر بلفظ المولى إنما قاله
بعد قوله بما هو ملحق بالصريح في إرادة العتق فأثبت حكمه ذلك ظاهرا، وهذا الصريح
بعده رجوع عنه فلا يقبله القاضي والكلام فيه ونحن نقول فيما بينه وبين الله تعالى لو أراد
الناصر لم يعتق فأين المكابرة اه‍. وأما الثاني أعني في النداء فلانه لما تعين الأسفل مرادا
التحق بالصريح وبالنداء به يعتق بأن قال يا حر يا عتيق فكذا النداء بهذا اللفظ. وقيد
بالمولى لأنه لا يعتق في السيد والمالك إلا بالنية كقوله يا سيدي أو يا سيد أو يا مالكي لأنه
قد يذكر على وجه التعظيم والاكرام فلا يثبت به العتق بغير نية. وفي الظهيرية وغيرها: لو
قال أنت مولى فلان عتق في القضاء كقوله أنت عتيق فلان بخلاف أعتقك فلان. وعن أبي
القاسم الصفار أنه سئل عن رجل جاءت جاريته بسراج فوقفت بين يديه فقال لها المولى:
ما أصنع بالسراج ووجهك أضوأ من السراج يا من أنا عبدك؟ قال: هذه كلمة لطف لا
تعتق بها الجارية. وفي التنقيح: لو قال لعبده أنا عبدك المختار عدم العتق اه‍. وأما الثالث
وهو النداء بحر ونحوه كيا حر يا عتيق يا معتق فلانه ناداه بما هو صريح في الدلالة على
العتق لكون اللفظ موضوعا له ولا يعتبر المعنى في الموضوعات فيثبت العتق من غير نية.
واستثنى في الهداية ما إذا سماه حرا ثم ناداه يا حر لأن مراده الاعلام باسم علمه وهو ما
لقبه به، ولو ناداه بالفارسية يا أزاد وقد لقبه بالحر قالوا يعتق، وكذا عكسه لأن هذا ليس
بنداء باسم علمه فيعتبر إخبارا عن الوصف اه‍. وشرط في الظهيرية والخانية الاشهاد وقت
382

تسميته بحر. وفي المبسوط: إذا لم يكن هذا الاسم معروفا له يعتق في القضاء لأنه ناداه
بوصف يملك إيجابه به. وفرق في التنقيح بين تسميته بحر حيث لا يقع إذا ناداه وبين
تسمية المرأة بطالق حيث يقع إذا ناداها لأنه عهد التسمية بحر كالحر ابن قيس بخلاف طالق
لم تعهد التسمية به. وفي أكثر الكتب لم يفرق بينهما لأن العلم لا يشترط فيه أن يكون
معهودا والكلام فيما إذا أشهد وقت التسمية فيهما فالظاهر عدم الفرق. وفي الظهيرية. لو
بعث غلامه إلى بلد وقال له إذا استقبلك أحد فقل إني حر فذهب الغلام فاستقبله رجل
فسأله فأجابه بما قال المولى، فإن قال له سميتك حرا فقل إني حر لم يعتق أصلا، وإن لم
يقل له المولى ذلك يعتق قضاء لا ديانة اه‍. وفي المجتبى: بعث غلامة إلى بلد فقال له إذا
استقبلك أحد فقل إني حر ففعل عتق أو بعثه مع جماعة فقال لهم من سأل عنه عاشر أو
غيره فقولوا له إنه حر ففعلوا عتق ولا يعتق قبله قضاء وإلا ديانة، ولو كان المولى قال لهم
سميته حرا فقولوا له إنه حر فقالوا لا يعتق اه‍. وبه علم أنه إذا سماه حرا لا يعتق بالاخبار
أيضا فلا فرق بين أن يقولوا له يا حر أو هذا حر.
قوله: (لا بيا ابني ويا أخي ولا سلطان لي عليك وألفاظ الطلاق وأنت مثل الحر) أي لا
يقع العتق بهذه الألفاظ، أما في النداء بيا ابني ويا أخي لأن النداء إعلام المنادي إلا أنه إذا
كان بوصف يمكن إثباته من جهته كان لتحقيق ذلك الوصف في المنادى استحضارا له
بالوصف المخصوص كما في قوله يا حر على ما بيناه، وإن كان النداء بوصف لا يمكن إثباته
من جهته كان للاعلام المجرد دون تحقيق الوصف لتعذره، والبنوة لا يمكن إثباتها حالة النداء
من جهته لأنه لو انخلق من ماء غيره لا يكون ابنا له بهذا النداء فكان لمجرد الاعلام. ويروى
عن أبي حنيفة شاذا أنه يعتق فيهما والاعتماد على الظاهر، كذا في الهداية. ولا خصوصية
للابن والأخ بل كذلك لو قال يا أبي يا جدي يا خالي يا عمي أو لجاريته يا عمتي يا خالتي يا
أختي كما في غاية البيان. وفيهما عن تحفة الفقهاء أنه لا يعتق في هذه الألفاظ إلا بالنية
فحينئذ لا ينبغي الجمع بين هذه المسائل في حكم واحد لأن في مسألة النداء يتوقف على
النية، وفي لا سلطان وفي ألفاظ الطلاق لا يقع وإن نوى كما سنبينه. وأشار المصنف إلى أنه
لو قال يا ابن بغير إضافة لا يعتق بالأولى لأن الامر كما أخبر فإنه ابن أبيه، وكذا إذا قال يا
بني أو يا بنية لأنه تصغير الابن والبنت من غير إضافة والامر كما أخبر، كذا في الهداية.
وقد ذكر المصنف من الذي يثبت النسب على وجه الخبر ثلاثة: الابن والأب والام. ولم
يذكر الأخ ونحوه فلو قال هذا أخي لا يعتق. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يعتق. وجه
ظاهر الرواية أن الاخوة اسم مشترك يراد بها الاخوة في الدين قال الله تعالى: * (إنما المؤمنون
إخوة) * [الحجرات: 01] وقد يراد بها الاتحاد في القبيلة قال الله تعالى: * (وإلى عاد أخاهم
هودا) * [الأعراف: 56] وقد يراد بها الاخوة في النسب والمشترك لا يكون حجة. فإن قيل:
383

الأبوة والبنوة قد تكون بالرضاع فلم أثبتم العتق بهذين اللفظين عند الاطلاق؟ قيل له: البنوة
عن الرضاع مجاز والمجاز لا يعارض الحقيقة بخلاف الاخوة فإنها مشتركة في الاستعمال. ولو
قال لامته هذه عمتي أو هذه خالتي أو قال لغلامه هذا خالي أو عمي فإنه يعتق، كذا في
الظهيرية، وفرق بينهما في البدائع بأن الاخوة تحتمل الاكرام والنسب بخلاف العم لأنه لا
يستعمل للاكرام عادة. وهذا كله إذا اقتصر على هذا أخي من أبي أو من أمي أو من النسب
فإنه يعتق كما في فتح القدير وغيره، ولا يخفى أنه إذا اقتصر يكون من الكنايات فيعتق
بالنية، وأما عدم العتق بقوله لا سلطان لي عليك ولو نوى به العتق كما في الهداية لأن
السلطان عبارة عن السيد وسمي السلطان به لقيام يده، وقد يبقى الملك دون اليد كما في
المكاتب بخلاف قوله لا سبيل لي عليك لأن نفيه مطلقا بانتفاء الملك لأن للمولى على المكاتب
سبيلا فلهذا يحتمل العتق اه‍. وفي فتح القدير: واعلم أن بعض المشايخ مال إلى أنه يعتق
بالنية في لا سلطان لي عليك وبه قالت الأئمة الثلاثة.
وقال بعض المشايخ: إنه ليس ببعيد. وعن الكرخي فني عمري ولم يتضح لي الفرق بين
نفي السلطان والسبيل ومثل هذا الإمام لا يقع له مثل هذا إلا والمحل مشكل وهو به جدير،
أما أولا فلان اليد المفسر بها السلطان ليس المراد بها المجارحة المحسوسة بل القدرة، فإذا قيل
له سلطان أي يد يعني الاستيلاء وقد صرح في الكافي بأن السلطان يراد به الاستيلاء وإذا
كان كذلك كان نفيه نفي الاستيلاء حقيقة أو مجازا فصح أن يراد منه ما يراد بنفي السبيل بل
أولى بأدنى تأمل. وأما ثانيا فلان المانع الذي عينه من أن يراد به العتق وهو لزوم أن يثبت
باللفظ أكثر مما وضع له غير مانع إذ غاية الأمر أن يكون المعنى المجازي أوسع من الحقيقي
فلا بدع في ذلك بل هو ثابت في المجازات العامة، فإن المعنى الحقيقي فيها يصير فردا من
المعنى المجازي كذا هذا يصير زوال اليد من إفراد المعنى المجازي أعني العتق أو زوال الملك،
والذي يقتضيه النظر كون نفي السلطان من الكنايات اه‍. وأما عدم الوقوع بألفاظ الطلاق
ولو نوى العتق فهذا مذهبنا إلا رواية عن أبي يوسف أنه يقع بقوله لامته طلقتك ناويا العتق
كما في المجتبى. وجه المذهب أنه نوى ما لا يحتمله لفظه لأن الاعتاق لغة إثبات القوة
والطلاق رفع القيد، وهذا لأن العبد ألحق بالجمادات وبالاعتاق يحيى فيقدر ولا كذلك
المنكوحة فإنها قادرة إلا أن قيد النكاح مانع وبالطلاق يرتفع المانع فتظهر القوة، ولا خفاء أن
الأول أقوى ولان ملك اليمين فوق ملك النكاح فكان إسقاطه أقوى، واللفظ يصلح مجازا
384

عما هو دون حقيقته لا عن ما هو فوقه فلهذا امتنع في المتنازع فيه وانساغ في عكسه، كذا
في الهداية. وحاصله أن يستعار ألفاظ العتق للطلاق دون عكسه بناء على ما في الأصول من
جواز استعارة السبب للمسبب دون عكسه إلا أن يختص المسبب بالسبب فكالمعلول فيصح
استعارة كل منهما للآخر. أطلقه فشمل صريح الطلاق وكناياته فلا يقع بها العتق أصلا فلو
قال لامته فرجك علي حرام أو أنت علي حرام فإنها لا تعتق وإن نواه لأن اللفظ غير صالح له
فهو كما لو قال لها قومي واقعدي ناويا للعتق لأن اللفظ لما لم يصلح له لغا فبقي مجرد النية
وهي لا يقع بها شئ وسيأتي في الايمان أنه إن وطئها لزمه كفارة اليمين فليحفظ هذا.
ويستثنى من كنايات الطلاق أمرك بيدك أو اختاري فإنه يقع العتق به بالنية لأنه لما احتمل
العتق وغيره كان كناية فهو من كنايات العتق والطلاق ولا بدع فيه كما في البدائع، وقد يقال
إنهما من كنايات تفويض الطلاق فلا استثناء كما لا يخفى. وفي المحيط: لو قال لامته أمرك
بيدك وأراد العتق فأعتقت نفسها في المجلس عتقت وإلا فلا لأنه ملكها إيقاع العتق والاعتاق
إسقاط الملك كالطلاق فيقتصر حكمه على المجلس كما في الطلاق، ولو قال لها أعتقي
نفسك فقالت اخترت كان باطلا كما في الطلاق اه‍. وفي البدائع: ولو قال لها أمر عتقك
بيدك أو جعلت عتقك في يدك أو قال له اختر العتق أو خيرتك في عتقك أو في العتق لا
يحتاج فيه للنية لأنه صريح لكن لا بد من اختيار العبد العتق ويتوقف على المجلس لأنه تمليك
اه‍. وقيد بألفاظ الطلاق لأنه لو قال لامته أطلقتك أو قال لعبده ذلك يقع العتق إذا نوى كما
في فتح القدير لأنه كقوله خليت سبيلك بخلاف طلقتك كما قدمناه، وكذا إذا قال له اذهب
حيث شئت توجه أينما شئت من بلاد الله لا يدلي عليك لا يقع وإن نوى كما في المجتبى مع
أن أطلقتك من كنايات الطلاق يقع به بالنية فكيف وقع به العتق؟ والجواب أنه كناية فيهما
والممنوع استعارة ما كان من ألفاظ الطلاق خاصة صريحا أو كناية. وأما عدم العتق في قوله
أنت مثل الحر فلانه أثبت المماثلة بينهما وهي قد تكون خاصة. وقد تكون خاصة فلا يقع بلا
نية للشك، كذا في التبيين وهو يفيد أنه من الكنايات يقع به العتق بالنية، وقد صرح به في
غاية البيان معزيا إلى التحفة حيث قال: وقد قالوا إذا نوى يعتق فإنه ذكر في كنايات الطلاق
إذا قال لامرأته أنت مثل امرأة فلان وفلان قد آلى من امرأته ونوى الايلاء يصدق ويصير
موليا. وإنما لم يقع بدون النية لأن المثل للتشبيه التشبيه بين الشيئين لا يقتضي اشتراكهما من
385

جميع الوجوه فلذلك لم يعتق لا في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى. ومعنى المثل في
اللغة النظير، كذا في الجمهرة اه‍. وفي المحيط: لو قال ما أنت إلا مثل الحر لا يعتق، ولو
قال لحرة أنت حرة مثل هذه يعني أمته فأمته حرة، ولو قال أنت حرة مثل هذه الأمة لم تعتق
أمته اه‍. وفي الظهيرية: أخذ قميصا خاطه غلامه وقال هذه خياطة حر لا يعتق العبد لأنه
يراد به التشبيه اه‍. فقد علمت أن بعض هذه المسائل يعتق فيها بالنية وبعضها لا فلا ينبغي
إدخالها في سلك واحد. وفي الخانية: لو قال لعبده أنت حر يعني في النفس لم يدين في
القضاء، ولو قال أنت عتيق وقال عنيت به في الملك لا يدين في
القضاء، ولو قال أنت عتيق في السن لا يعتق، ولو قال أنت حر النفس يعني في الأخلاق عتق في القضاء اه‍. وفي
المحيط وغيره: لو قال لعبده بدنك بدن حر ورأسك رأس حر لم يعتق لأنه تشبيه وليس
بتحقيق لأنه لو أراد التحقيق لقال بدنك حر، ولو نون فقال رأسك رأس حر أو بدنك بدن
حر أو وجهك وجه حر عتق لأن هذا وصف له بالحرية وليس بتشبيه فصار كأنه قال رأسك
حر.
قوله: (وعتق بما أنت الا حر) لأن الاستثناء من النفي إثبات على وجه التأكيد كما في
كلمة الشهادة: كذا في الهداية. وفي فتح القدير: هذا هو الحق المفهوم من تركيب الاستثناء
لغة وهو بخلاف قول المشايخ في الأصول وقد بيناه في الأصول، وأنه لا ينافي قولهم
الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا، وأما كونه إثباتا مؤكدا فلو روده بعد النفي بخلاف الاثبات
المجرد اه‍. قوله: (وبملك قريب محرم ولو كان المالك صبيا أو مجنونا) معطوفا على قوله أول
الباب بأنت حر أي يصح العتق بملك قريب محرم للحديث من ملك ذا رحم محرم منه فهو
حر أو عتق عليه واللفظ بعمومه ينتظم كل قرابة مؤبدة بالمحرمية ولادا أو غيره، ولأنه ملك
قريبه قرابة مؤثرة في المحرمية فيعتق عليه وهذا هو المؤثر في قرابة الولاد. وذكر فخر الاسلام
البزدوي في بحث العلل أن العلة في عتق القريب بالملك شيئان: القرابة والملك. لكن العتق
يضاف إلى آخرهما فإن تأخر الملك أضيف إليه العتق كما إذا ملك قريبه، وإن تأخرت القرابة
وتقدم الملك أضيف العتق إلى القرابة كما إذا كان بين اثنين عبد ثم ادعى أحدهما إنه ابنه غرم
لشريكه وأضيف العتق إلى القرابة اه‍. قيد بالقريب لأنه لو ملك محرما بلا رحم كزوجة أبيه
أو ابنه لا يعتق لأنه ليس بينهما قرابة موجبة للصلة محرمة للقطيعة فلا يستحق العتق. وقيد
بالمحرم احترازا عن الرحم بلا محرم كبني الأعمام والأخوال والخالات إذا ملكه لم يعتق،
وخص عن النص المحرم للقطيعة بالاجماع لما أنهم كثير لا يحصون فلو عتقوا ربما حرجوا
الملاك فيه لتعذر معرفتهم بالكلية، لو خصت القرابة المحرمية عن النص أيضا لأدى إلى تعطيله
وذلك لا يجوز، وكذا لو ملك ذا رحم محرم من الرضاع فلا بد أن تكون المحرمية من جهة
386

القرابة وذو الرحم المحرم شخصان يدليان إلى أصل واحد ليس بينهما واسطة كالأخوين أو
أحدهما بواسطة والآخر بغير واسطة كابن الأخ مع العم في النسبة إلى الجد، كذا في المحيط،
وأطلق في المالك فشمل المسلم والكافر لأنهما يستويان في الملك وفيما يلزمهم من الصلة
وحرمة القطيعة. ويشترط أن يكون في دار الاسلام لأنه لا حكم لنا في دار الحرب فلو ملك
قريبه في دار الحرب أو أعتق المسلم عبده في دار الحرب لا يعتق خلافا لأبي يوسف، وعلى
هذا الخلاف إذا أعتق الحربي عبده في دار الحرب وذكر الخلاف في الايضاح. وفي الكافي
للحاكم: عتق الحربي في دار الحرب قريبه باطل ولم يذكر خلافا، أما إذا أعتقه وخلاه ففي
المختلف قال يعتق عند أبي يوسف وولاؤه له. وقالا: لا ولاء له لأن عتقه بالتخلية لا
بالاعتاق ثم قال: المسلم إذا دخل دار الحرب فاشترى عبدا حربيا فأعتقه ثمة فالقياس أنه لا
يعتق بدون التخلية، وفي الاستحسان يعتق بدونها ولا ولاء له عندهما قياسا، وله الولاء عند
أبي يوسف استحسانا. وفي المحيط: وإن كان عبده مسلما أو ذميا عتق بالاجماع لأنه ليس
بمحل للاسترقاق بالاستيلاء اه‍. والصبي جعل أهلا لهذا العتق وكذا المجنون حتى عتق
القريب عليهما عند الملك لأنه تعلق به حق العبد فشابه النفقة. وفي البدائع: ولو اشترى أمة
وهي حبلى من أبيه والأمة لغير أبيه جاز الشراء وعتق ما في بطنها ولا تعتق الأمة ولا يجوز
بيعها قبل أن تضع، وله أن يبيعها إذا وضعت، وإنما عتق الحمل لأنه أخوه وقد ملكه فيعتق
عليه اه‍. فأفاد أن الحمل داخل تحت قولهم وبملك قريب بناء على أنه مملوك قبل الوضع
مع أنهم قالوا: الحمل لا يدخل تحت اسم المملوك حتى لو قال كل مملوك لي حر لا يعتق
الحمل فيحتاج إلى الجواب. وأطلق المصنف في الملك فشمل ما إذا باشر سببه بنفسه أو بنائبه
فدخل ما إذا اشترى العبد المأذون ذا رحم محرم من مولاه ولا دين عليه فإنه يعتق بخلاف
المديون لا يعتق ما اشتراه عنده خلافا لهما. وخرج المكاتب إذا اشترى ابن مولاه فإنه لا يعتق
في قولهم جميعا كما في الظهيرية، وشمل الكل والبعض فإذا ملك بعض قريبه عتق عليه
بقدره كما سيأتي.
قوله: (وبتحرير لوجه الله وللشيطان وللصنم) أي يصح العتق بتحرير هو عبادة أو
معصية لأن الاعتاق هو الركن المؤثر في إزالة الرق وصفة القربة لا تأثير لها في ذلك، ألا
ترى أن العتق والكتابة بالمال مشروعان وإن عريا عن صفة القربة فلا ينعدم بعدمها أصل
العتق، ولا يخفى أن الاعتاق للصنم إنما هو صادر من كافر، وأما إذا صدر من مسلم فينبغي
387

أن يكفر به إذا قصد تعظيمه، وقدمنا أن أنواعه أربعة: فرض ومندوب ومباح ومعصية. وفي
المحيط أن الاعتاق قد يقع مباحا لا قربة بأن أعتق من غير نية أو أعتق لوجه فلان، وقد يقع
معصية بأن أعتقه لوجه الشيطان اه‍. ففرق بين الاعتاق لآدمي وبين الاعتاق للشيطان وعلل
حرمة الاعتاق للشيطان بأنه قصد تعظيمه، وكذا العتق بلا نية مباح كما في التبيين. وذكر في
فتح القدير أن من الاعتاق المحرم إذا غلب على ظنه أنه إن أعتقه يذهب إلى دار الحرب أو
يرتد أو يخاف منه السرقة وقطع الطريق وينفذ عتقه مع تحريمه خلافا للظاهرية. هذا وفي عتق
العبد الذمي ما لم يخف ما ذكرنا أجر لتمكينه من النظر في الآيات والاشتغال بما يزيل الشبهة
عنه، وأما ما عن مالك أنه إذا كان أغلى ثمنا من العبد المسلم يكون عتقه أفضل من عتق
المسلم لقوله عليه السلام أفضلها أغلاها - بالمهملة والمعجمة - فبعيد عن الصواب ويجب
تقييده بالأعلى من المسلمين لأنه تمكين المسلم من مقاصده وتفريغه. وأما ما يقال في عتق
الكافر مما ذكرنا فهو احتمال يقابله ظاهر، فإن الظاهر رسوخ الاعتقادات والفها فلا يرجع
عنه، وكذا نشاهد الأحرار بالأصالة منهم لا يزدادون إلا ارتباط بقاء يدهم فضلا عمن
عرضت حريته. نعم الوجه الظاهر في استحباب عتقه تحصيل الجزية منه للمسلمين، وأما
تفريغه للتأمل فيسلم فهو احتمال والله سبحانه وتعالى أعلم اه‍. وأراد بوجه الله رضاه مجازا
والوجه في اللغة يجئ على معان، يقال وجه الانسان وغيره وهو معروف، ووجه النهار
أوله، ووجه الكلام السبيل التي تقصدها به، ووجوه القوم ساداتهم، وصرفت الشئ على
وجهه أي على سننه. والشيطان واحد شياطين الانسان والجن بمعنى مردتهم، والنون أصليه
إن كان من شطن أي بعد عن الخير، وزائدة إن كان من شاط يشيط أي هلك. وأما الصنم
فهو صورة الانسان من خشب أو ذهب أو فضة فإن كان من حجر فهو وثن، كذا في غاية
البيان. قوله: (وبكره وسكر) أي يصح العتق مع الاكراه والسكر لصدور الركن من الأهل
في المحل. والاكراه حمل الغير على ما لا يرضاه. وأطلقه فشمل الملجئ وهو ما يفوت
النفس أو العضو وغير الملجئ، وأما السكر فأطلقه أيضا وهو مقيد بما كان من محرم أو
388

مثلث بقصد السكر، وأما ما كان طريقه مباحا كسكر المضطر إلى شرب الخمر والحاصل من
الأدوية والأغذية المتخذة من غير العنب والمثلث لا بقصد السكر بل بقصد الاستمراء والتقوي
ونقيع الزبيب بلا طبخ فإنه كالاغماء لا يصح معه تصرف ولا طلاق ولا عتاق، كذا في
التحرير، وقدمناه في الطلاق.
. قوله: (وإن أضافه إلى ملك أو شرط صح) أي إن أضاف العتق إلى ملك بأن قال إن
ملكتك فأنت حر أو إلى شرط كقوله لعبده إن دخلت الدار فأنت حر فإنه يصح ويقع العتق
إذا وجد الشرط، أما الإضافة إلى الملك ففيه خلاف الشافعي وقد بيناه في كتاب الطلاق.
وأما التعليق بالشرط فلانه إسقاط فيجري فيه التعليق بخلاف التمليكات على ما عرف
والإضافة إلى سبب الملك لإضافة إلى الملك كإن اشتريتك فأنت حر بخلاف إن مات مورثي
فأنت حر لا يصح لأن الموت لم يوضع سببا للملك فالإضافة إلى وقت كالتعليق بالشرط من
حيث إن الحكم لا يوجد فيهما إلا بعد وجود الشرط والوقت والمحل قبل ذلك على حكم
ملك المالك في جميع الأحكام إلا في التعليق بشرط الموت المطلق وهو التدبير وكذا
الاستيلاد، كذا في البدائع. والتعليق بأمر كائن تنجيز قال في الظهيرية: لو قال لعبده إن
ملكتك فأنت حر عتق للحال بخلاف قوله لمكاتبه إن أنت عبدي فأنت حر لا يعتق. قال
الفقيه أبو الليث: وبه نأخذ لأن في الإضافة قصورا اه‍. وفيها أيضا: رجل قال لعبد رجل
إن وهبك مولاك لي فأنت حر فوهبه له والعبد في يد الواهب لا يعتق قبل أو لم يقبل، وكذا
لو كان العبد في يد الموهوب له وقد ابتدأ الواهب بالهبة قبل الموهوب له أو لم يقبل، وإن
ابتدأ الموهوب له فقال هب لي هذا العبد والعبد في يد الموهوب له فقال صاحب العبد وهبت
لك عتق اه‍. ومن مسائل التعليق اللطيفة ما في الظهيرية: رجل قال لامته إذا مات والدي
فأنت حرة ثم باعها من والده ثم تزوجها ثم قال لها إن مات والدي فأنت طالق ثنتين فمات
الوالد كان محمد رحمه الله تعالى يقول أولا تعتق ولا تطلق ثم رجع وقال: لا يقع طلاق ولا
عتاق والمسألة على الاستقصاء في المبسوط اه‍. قوله: (ولو حرر حاملا عتقا) أي الام والحمل
تبعا لها إذ هو متصل بها فهو كسائر أجزائها ولو استثناه لا يصح كاستثناء جزء منها. وقال
أبو يوسف: إذا خرج أكثر الولد فأعتق الام لا يعتق الولد لأنه كالمنفصل في حق الأحكام ألا
ترى أنه تنقصني به العدة ولو مات في هذه الحالة يرث بخلاف ما إذا مات قبل خروج
الأكثر، هكذا ذكره الشارحون. وظاهره أن نسبة هذا التفصيل لأبي يوسف لكونه نقل عنه
وحده لا لأن الصاحبين يخالفانه فإنه موافق للقاعدة. وفي الخانية: رجل أعتق جارية إنسان
389

فأجاز المولى إعتاقه بعد ما ولدت يعتق الولد اه‍. وأطلق المصنف في عتق الحمل فشمل ما إذا
ولدته بعد عتقها لستة أشهر أو أقل أو أكثر لكن إن ولدته لأقل من ستة أشهر بعد عتقها فإنه
يعتق مقصودا لا بطريق التبعية حتى لا ينجر ولاؤه إلى مولى الأب، وإن ولدته لستة أشهر
فأكثر فإنه يعتق بطريق التبعية فحينئذ ينجر الولاء إلى مولى الأب كما في شرح الوقاية. وعلى
هذا فينبغي أن يحمل قوله هنا على ما إذا ولدته لأقل من ستة أشهر ليكون عتقه بطريق
الأصالة لئلا يلزم التكرار، ولأنه سيذكر أن الولد يتبع الام في الحرية والتبعية إنما تكون إذا
ولدته لستة أشهر فأكثر فيحمل عليه اللهم إلا أن يريد بالحرية الحرية الأصلية فلا إشكال ولا
تكرار.
قوله: (وإن حرره عتق فقط) أي إن حرر الحمل وحده عتق هو دون أمه لأنه لا وجه
إلى إعتاقها مقصود العدم الإضافة إليها ولا إليه تبعا لما فيه من قلب الموضوع. ثم إعتاق
الحمل صحيح ولا يصح بيعه ولا هبته لأن التسليم نفسه شرط في الهبة والقدرة عليه في
البيع ولم يوجد بالإضافة إلى الجنين وشئ من ذلك ليس شرطا في الاعتاق فافترقا. وأفاد
بقوله حرره أنه كان موجودا وقت التحرير ولن يتحقق وجوده إلا إذا ولدته لأقل من ستة
أشهر، وإن ولدته لستة أشهر فأكثر فإنه لا يعتق، ولا يكون قوله ما في بطنك حر إقرارا
بوجوده لعدم التيقن بوجوده وقته لجواز حدوثه إلا في مسألتين: إحداهما ما إذا كانت الأمة
معتدة عن طلاق أو وفاة فتلده لأقل من سنتين من وقت الفراق، وإن كان لأكثر من ستة
أشهر من وقت الاعتاق فحينئذ يعتق لأنه كان موجودا حين أعتقه بدليل ثبوت نسبه. ثانيهما
إذا كان حملها توأمين فجاءت بأولهما لأقل من ستة أشهر ثم جاءت بالثاني لستة أشهر أو أكثر
فإنه يعتق لأنه كان محكوما بوجوده حين أعتقه حتى ثبت نسبه. وتفرع على التفصيل السابق
مسألتان: إحداهما لو قال المولى ما في بطنك حر ثم قال إن حملت فسالم حر فولدت بعده
لستة أشهر فالقول له إن أقر أنها كانت حاملا يومئذ عتق الولد، وإن أقر أنه حمل مستقبل عتق
سالم لأنا تيقنا بعتق أحدهما وشككنا في الآخر لأنه لا يخلوا إما أن يكون العلوق والحمل كان
موجودا وقت الاعتاق أو كان حادثا بعده فرجع في البيان إليه. وإن جاءت به لأكثر من
سنتين يعتق سالم دون الولد لأنا تيقنا أنه لم يكن موجودا وقت الاعتاق، وإن جاءت به لأقل
390

من ستة أشهر يعتق الولد دون سالم لأنا تيقنا أنه كان موجودا وقت الاعتاق. ثانيهما لو قال
ما في بطنك أحر ثم ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا إن ضربها بعد العتق لأقل من ستة أشهر
تجب دية الجنين الحر لأبيه إن كان له أب حر، وإن لم يكن يكون لعصبة المولى لأن المولى قاتل
فلا يستحق الميراث، وإن ضرب لستة أشهر لا شئ عليه لأنه لم يعتق، كذا في المحيط.
وينبغي أن يقال: إن ولدته لأقل من ستة أشهر بعد العتق أو لستة أشهر ولا يذكر الضرب إذ
لا دخل له.
وفي البدائع: وكذا إذا قال إذا ولدت ما في بطنك فهو حر لا يعتق حتى تلده لأقل
من ستة أشهر من يوم حلف للتيقن بوجوده قبل الحلف إلا أن ههنا يعتق من حين حلف،
وفي إذا ولدت ما في بطنك من يوم تلد لاشتراطه الولادة اه‍. وأطلق المصنف في عتق
الحمل فشمل ما إذا أعتقه على مال، فإنه يصح ولا يجب المال إذ لا وجه إلى إلزام المال على
الجنين لعدم الولاية عليه، ولا إلى إلزامه الام لأنه في حق العتق نفس على حدة واشتراط بدل
العتق على غير المعتق لا يجوز على ما مر في الخلع، كذا في الهداية لكن لو أعتقه على مال
على أمه لا بد من قبولها لعتقه وإن لم يلزمها شئ لما في المحيط: ولو قال أعتقت ما في
بطنك على ألف عليك فقبلت فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر يعتق بلا شئ لأن العتق
معلق بقبول الأمة الألف وقد قبلت الألف فعتق الولد وبطل المال اه‍. وفي الظهيرية: لو قال
لامته ما في بطنك حرمتي أدى إلي ألفا أو إذا أدى إلي ألفا فوضعت لأقل من ستة أشهر فهو
حرمتي أدى إليه ألف درهم. وأطلق في تحرير الحمل فشمل ما إذا قال حملك حر أو ما في
بطنك حر أو قال العلقة أو المضغة التي في بطنك حر فإنه يعتق ما في بطنها، كذا في
الخانية. ولو قال أكبر ولد في بطنك فهو حر فولدت ولدين في بطن فأولهما خروجا أكبرهما
وهو حر، كذا في المحيط. وكذا لو قال إن حملت بولد فهو حر وليس منه إن ولدت ولدا
فهو حر لأنه لا يعتق إلا بعد الولادة حتى لو باع الام أو مات المولى قبل الولادة بطلت اليمين
كما في البدائع. ولم يشترط المصنف ولادته حيا بعد عتقه وظاهر ما في المحيط أنه شرط
قال: ولو أعتق أحد شريكي الأمة ما في بطنها فولدت توأما ميتا لا ضمان عليه لأن الاتلاف
لم يثبت يقينا لاحتمال أن الجنين لم يكن حيا ولم تنفخ فيه الروح أصلا فلا يجب الضمان
بالشك. ولو ولدت توأما حيا يضمن لأن الظاهر أن الحياة كانت موجودة فيه وقت الاعتاق،
ولو أعتق أحد الشريكين الجنين فضرب أجنبي بطنها وألقت ميتا فعلى الضارب نصف عشر
قيمته إن كان غلاما، وعشر قيمتها إن كانت جارية عند أبي حنيفة لأن معتق البعض كالمكاتب
391

عنده فالضرب صادفه وهو رقيق فيجب فيه ما يجب في جنين الأمة. وعندهما يجب فيه ما في
جنين الحرة ويضمن المعتق نصفه لشريكه لأن الشرع لما أوجب ضمانه على الضارب فقد حكم
بكونه حيا قبل الضرب فيكون المعتق بالاعتاق متلفا نصيب شريكه فيضمن نصف قيمته،
ويرجع بذلك فيما أدى الضارب لأن المعتق ملك نصيب صاحبه بالضمان فإن الجنين مما يقبل
النقل من ملك إلى ملك فإنه يملك بالوصية فصار نصيب صاحبه مكاتبا له، فهذا مكاتب
مات عن وفاء فيقضى منه سعايته وما بقي فميراث لورثته أو لمعتقه لأنه مات حرا اه‍. وأشار
المصنف إلى أن تدبير الحمل وحده صحيح بالأولى قالوا: ولا يجوز بيع الام إذا أعتق ما في
بطنها ويجوز هبتها. والفرق أن استثناء ما في بطنها عند بيعها لا يجوز قصدا فكذا حكما
بخلاف الهبة لكن لا يحكم ببطلان البيع إلا بعد الولادة لأقل من ستة أشهر، وفي المبسوط:
وبعد ما دبر ما في البطن لو وهب الام لا يجوز وهو الأصح. والفرق أن بالتدبير لا يزول
ملكه عما في البطن فإذا وهب الام بعد التدبير فالموهوب متصل بما ليس بموهوب فيكون
في معنى هبة المشاع فيما يحتمل القسمة، وأما بعد العتق ما في البطن غير مملوك اه‍. وفي
المحيط: لو قال لامته أنت حرة أو ما في بطنك عتقت إذا لم تكن حاملا لأن التخيير لم
يصح، ولو قال لامته الحامل أنت حرة وأما في بطنك حر فضرب إنسان بطنها فألقت جنينا
ميتا قد استبان خلقه قال يخير المولى، فإن أوقع العتق على الام عتق الجنين بعتقها وعلى
الضارب غرة للمولى، وإن مات المولى قبل البيان فضرب إنسان بطنها فألقت جنينا ميتا قد
استبان خلقه قال في الجنين غرة حر ويعتق نصف الأمة وتسعى في نصف قيمتها ولا سعاية
على الجنين اه‍. وفي الظهيرية: رجل أوصى بما في بطن جاريته لانسان فمات الموصي فأعتق
الورثة ما في بطن الجارية جاز إعتاقهم ويضمنون قيمة الولد يوم الولادة.
قوله: (والولد يتبع الام في الملك والحرية والرق والتدبير والاستيلاد والكتابة) لاجماع
الأمة ولان ماءه يكون مستهلكا بمائها فيرجح جانبها، ولأنه متيقن به من جهتها ولهذا يثبت
392

نسب ولد الزنا وولد الملاعنة منها حتى ترثه ويرثها لأنه قبل الانفصال هو كعضو من أعضائها
حسا وحكما حتى يتغذى بغذائها، ويدخل في البيع والعتق وغيرهما من التصرفات تبعا لها
فكان جانبها أرجح. وكذا يعتبر جانب الام في البهائم أيضا حتى إذا تولد بين الوحشي والأهلي
أو بين المأكول وغير المأكول يؤكل إذا كانت أمه مأكولة، وتجوز الأضحية به إذا كانت أمه يجوز
التضحية بها. وفي الظهيرية: لو قال القائل هل يصير الولد حرا من زوجين رقيقين من غير
إعتاق ولا وصية؟ قيل: نعم وصورته إذا كان للحر ولد هو عبد لأجنبي فزوج الأب جاريته من
ولده برضا مولاه فولدت الجارية ولدا فهو حر لأنه ولد ولد المولى. ولو عبر المصنف بالحمل أو
بالجنين بدل الولد لكان أولى لأنه لا يتبع الام في أوصافها إلا الحمل، وأما الولد بعد الوضع
فلا يتبعها في شئ مما ذكر حتى لو أعتق الام بعد الولادة لا يعتق الولد، وقد علمت مما قدمناه
أن المراد بالحرية هنا الحرية الأصلية، وأما الطارئة فقد أفادها أولا بقوله ولو أعتق حاملا
عتقا. وفي البدائع: لو اختلف المولى والمدبرة في ولدها فقال المولى ولدتيه قبل التدبير فهو رقيق
وقالت هي ولدته بعده فهو مدبر فالقول قول المولى مع يمينه على علمه، والبينة بينة المدبرة. ولو
كان مكان التدبير عتق فقال المولى للمعتقة ولدتيه قبل العتق وهو رقيق وقالت ولدته بعد العتق
وهو حر يحكم فيه الحال إن كان الولد في يدها فالقول قولها، وإن كان في يد المولى فالقول قوله
لأن الظاهر يشهد لمن هو في يده بخلاف المدبرة فإنها في يد المولى فكذا ولدها اه‍. وفي الخانية
من الدعوى في مسألة إعتاقها: لو كان الولد في أيديهما فكذلك يكون القول قولها لأنها تدعي
الولادة في أقرب الأوقات وفيه حرية الولد، ولو أقاما البينة فبينتها أولى لأن بينة المولى قامت
على نفي العتق وبينتها قامت على إثبات الحرية، وكذلك في الكتابة، وأما في التدبير فالقول
قول المولى لأنهما تصادقا على رق الولد. وذكر في المنتقى عن محمد: إن كان الولد يعبر عن
نفسه يرجع إليه ويكون القول للولد وإلا فالقول لمن هو في يده منهما اه‍.
وقد أشار المصنف بعطف الرق على الملك إلى المغايرة بينهما وهو كذلك فإن الملك هو
القدرة على التصرف ابتداء فخرج الولي والوصي والوكيل، وأما الرق فعجز حكمي عن
الولاية والشهادة والقضاء ومالكية المال كائن عن جعله شرعا عرضة للتملك والابتذال.
واختلفوا هل هو حق الله تعالى أو حق العامة؟ فقيل بالأول لأن الكفار لما استنكفوا عن
393

عبادته جعلهم الله أرقاء لعباده فكان سبب رقهم كفرهم أو كفر أصولهم، وقيل بالثاني لكونه
وسيلة إلى نفعهم وإقامة مصالحهم ودفع الشر عنهم قالوا: أول ما يؤخذ المأسور يوصف
بالرق ولا يوصف بالملك إلا بعد الاخراج إلى دار الاسلام والملك يوجد في الجماد والحيوان
غير الآدمي دون الرق، وبالبيع يزول ملكه دون الرق. وبالعتق يزول ملكه قصدا لأنه حقه
ويزول الرق ضمنا ضرورة فراغه عن حقوق العباد، ويتبين لك الفرق بينهما في القن وأم
الولد والمكاتب فإن الملك والرق كاملان في القن ورق أم الولد والمدبر ناقص حتى لا يجوز
عتقها عن الكفارة والملك فيها كامل حتى جاز وطئ أم الولد والمدبرة، والمكاتب رقه كامل
حتى جاز عتقه عن الكفارة، وملكه ناقص حتى خرج من يد المولى، ولا يدخل تحت قوله
كل مملوك أملكه فهو حر فحاصله أن جواز البيع يعتمد كمالهما، وحل الوطئ يعتمد كمال
الملك فقط، وجواز العتق عن الكفارة يعتمد كمال الرق فقط. وقيد بالتبعية فيما ذكر
للاحتراز عن النسب فإنه للأب لأن النسب للتعريف وحال الرجال مكشوفة دون النساء حتى
لو تزوج هاشمي أمة إنسان فأتى بولد فهو هاشمي تبعا لأبيه رقيق تبعا لامه كما في فتح
القدير، لأن الزوج قد رضي برق الولد حيث أقدم على تزوجها مع العلم برقها بخلاف
المغرور فإن ولده من الأمة حر لأنه لم يرض به لعدم علمه فانعلق حرا وجبت القيمة، وهو ما
يستثنى من كلام المصنف فإنه لم يتبع أمه في الرق والملك. وإنما لم يذكره هنا لأنه سيصرح به
في باب دعوة النسب وللاحتراز عن الدين فإنه يتبع خير الأبوين دينا لأنه أنظر له.
قوله: (وولد الأمة من سيدها حر) لأنه انعلق حرا للقطع بأن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم لم
يكن قط إلا حرا إلا أنه يعلق مملوكا ثم يعتق عليه كما هو ظاهر الهداية وغيرها. وفي
المبسوط: الولد يعلق حرا من الماءين لأن ماءه حر وماء جاريته مملوك لسيدها فلا تتحقق
المعارضة بخلاف ابنه من جارية الغير فإن ماءها مملوك لغيره فتتحقق المعارضة فيترجح جانبها
بأنه مخلوق من مائها بيقين كما قدمناه، وسيأتي أنه لا بد أن يعترف به، وفي آخر جامع
الفصولين: قد يكون الولد حرا من زوجين رقيقين بلا تحرير ووصية وصورته أن يكون للحر
ولد وهو قن لأجنبي فزوج الأب أمته من ولده برضا مولاه فولدت الأمة ولدا فهو حر لأنه
ولد ولد المولى اه‍. فعلى هذا ولد الأمة من سيدها أو ابن سيدها أو أبي سيدها حر وقد قدمناه
أيضا عن الظهيرية والله أعلم.
394

باب العبد يعتق بعضه
لا شك في كثرة وقوع عتق الكل وندرة عتق البعض وفي أن ما كثر وجوده فالحاجة
إلى بيان أحكامه أمس منها إلى ما يندر وجوده، وأن دفع الحاجة الماسة تقدم على النادرة فلذا
أخر هذا عما قبله قوله: (من أعتق بعض عبده لم يعتق كله وسعى فيما بقي وهو كالمكاتب)
وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: يعتق كله. واختلف المشايخ في تحرير محل النزاع، فذهب
صاحب الهداية وكثير إلى أنه مبني على أن الاعتاق يتجزأ عنده فيقتصر على ما أعتق. وعندهما
لا يتجزأ وأقام الدليل من الجانبين، وفي غاية البيان: والمراد من تجزئ الاعتاق والملك أن
يتجزأ المحل في قبول حكم الاعتاق وهو زوال الملك بأن يزول في البعض دون البعض وأن
يتجزأ المحل في قبول حكم الملك وهو أن يكون البعض مملوكا لواحد والبعض الآخر لآخر،
وليس معناه أن ذات الاعتاق أو ذات الملك تتجزأ لأن معناه واحد لا يقبل التجزي اه‍. وفي
فتح القدير: والذي يقتضيه النظر أن هذا غلط في تحرير محل النزاع فإنهم لم يتواردوا على محل
واحد في التجزي وعدمه فإن القائل العتق أو الاعتاق يتجزأ لم يرده بالمعنى الذي يريد به قائل
أنه لا يتجزأ وهو زوال الرق أو إزالته إذ لا خلاف بينهم في عدم تجزئه، بل زوال الملك
وإزالته ولا خلاف في تجزئه فلا ينبغي أن يقال اختلف في تجزئ العتق وعدمه ولا الاعتاق
بل الخلاف في التحقيق ليس إلا فيما يوجبه الاعتاق أولا وبالذات، فعنده زوال الملك ويتبعه
زوال الرق فلزم تجزؤ موجبه غير أن زوال الرق لا يثبت إلا عند زوال الملك عن الكل شرعا
لحكم الحدث لا يزول إلا عند غسل كل الأعضاء وغسلها متجزئ، وهذا لضرورة أن العتق
قوة شرعية هي قدرة على تصرفات شرعية ولا يتصور ثبوت هذه في بعضه شائعا فقطع بعدم
تجزئه، والملك متجزئ قطعا فلزم ما قلنا من زوال الملك عن البعض، وتوقف زوال الرق
على زوال الملك عن الباقي وحينئذ فينبغي أن يقام الدليل من الجانبين على أن الثابت به أولا
زوال الملك أو الرق لأنه محل النزاع والوجه منتهض لأبي حنيفة. أما المعنى فلان تصرف
الانسان يقتصر على حقه وحقه الملك، وأما الرق فحق الله أو حق العامة، وأما السمع فما
في الصحيحين مرفوعا من أعتق شريكا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه
395

قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق العبد عليه وإلا فقد عتق منه ما عتق إلى آخره
وقد أطال رحمه الله إطالة حسنة هنا كما هو دأبه ولسنا بصدد الدلائل. وقد صرح في البدائع
بأن العتق يتجزأ عنده، سواء كان بمعنى زوال الملك أو زوال الرق، وأن الرق يتجزأ ثبوتا
وزوالا لأن الإمام إذا ظهر على جماعة من الكفرة وضرب الرق على أنصافهم ومن على الانصاف
جاز، ويكون حكمهم وحكم معتق البعض في حالة البقاء سواء اه‍. وهو بعيد كما قرره
المحقق. ووفق في المجتبى بين عبارات المشايخ فمن قال إن العتق يتجزأ عنده لا يريد به والله
أعلم أنه يسقط ملك المعتق عن الشقص الذي أضاف إليه العتق ويبقى الملك في الباقي.
فإن قلت: إذا سقط ملكه عن الشقص المعتق يصير حرا كسائر الأحرار. قلت: هذا
يشكل بالمكاتب إذا مات مولاه فإنه يسقط الملك ولا يصير حرا كسائر الأحرار وإن قال بأن
العتق لا يتجزأ عندنا أراد ان خروجه عن كونه محلا للتمليك والتملك كالبيع والهبة والإرث
لا يتجزأ لأنه عبارة صحيحة لأنه من لوازم حقيقة العتق وذكر الملزوم وإرادة اللازم
جائز وخروجه عن محلية التمليك والملك متفق عليه بين أصحابنا لكن عندهما بزوال الرق
أصلا وعنده بسقوط الملك عن الشخص المعتق وفساده في الباقي هذا ما تضمنه شروح
الأسلاف والأخلاف في هذا الباب اه‍. والحاصل ان من أعتق بعض عبده عتق منه ذلك
القدر رأى زال ملكه عن ذلك القدر وبقي الرق فيه بتمامه وإذا لزم شرعا أن لا يبقى في الرق
لزم ان يسعى العبد في باقي قيمته لاحتباس مالية الباقي عنده وما لم يؤد السعاية فهو
كالمكاتب حيث يتوقف عتق كله على أداء البدل وكونه أحق بمكاسبه ولا يد للسيد عليه ولا
استخدام وكونه رقيقا كله الا انه يخالفه في أنه لو عجز لا يرد إلى الاستخدام بخلاف
المكاتب بسبب ان المتسعة زوال الملك عن بعضه لا إلى مالك صدقة عليه به وإنما يلزم
المال ضرورة الحكم الشرعي وهو تضمينه قهرا بخلاف المكاتب فإن عتقه في مقابلة التزامه
بعقد باختياره يقال ويفسخ بتعجيزه نفسه وقد ذكروا مسألة في الجنايات يخالف معتق
البعض فيها المكاتب أيضا هي ان المكاتب إذا قتل عمدا ولم يترك وفاء وله وارث غير المولى
يجب القصاص على القاتل لأنه مات رقيقا لانفساخ المكاتبة بموته عاجزا بخلاف معتق البعض
إذا قتل ولم يترك وفاء حيث لا يجب القصاص لأن العتق في البعض لا ينفسخ بموته عاجزا
وذكروا في البيوع كما في الحقائق ان الجمع بين العبد ومعتق البعض في بيعهما صفقة واحدة
396

كالجمع بين العبد والحر فيبطل فيهما لأن كتابة معتق البعض لا تقبل الفسخ بخلاف المكاتب
فهي ثلاث مسائل يخالف فيها معتق البعض المكاتب وإنما لم يذكروها نصا لأنهما اثران لعدم
قبول الفسخ كما لا يخفى وأطلق في البعض فشمل المعين والمبهم ولزمه بيانه. وفي جوامع
الفقه: الاستسعاء أن يؤاجره ويأخذ قيمة ما بقي من أجره قالوا وعلى هذا الخلاف التدبير
والاستيلاد.
قوله: (وان أعتق نصيبه فلشريكه ان يحرر أو يستسعى والولاء لهما أو يضمن لو موسرا
ويرجع به على العبد والولاء له) وهذا عند أبي حنيفة وقالا ليس له الا لضمان مع اليسار
والسعاية مع الاعسار ولا يرجع المعتق على العبد وهذه المسألة تنبني على أصلين أحدهما
تجزؤ الاعتاق وعدمه على ما بيناه والثاني ان يسار المعتق لا يمنع استسعاء العبد عنده
وعندهما يمنع لهما في الثاني قوله عليه السلام في الرجل يعتق نصيبه إن كان غنيا ضمن وإن كان
فقيرا سعى في حصة الآخر قسم والسمة تنافي الشركة وله انه ان احتبست مالية نصيبه
عند العبد فله ان يضمنه كما إذا هبت الريح بثوب انسان وألقته في صبغ غيره حتى انصبغ به
فعلى صاحب الثوب قيمة صبغ الآخر موسرا كان أو معسرا لما قلنا فكذا هنا الا ان العبد
فقير فيستسعيه وإنما ثبت الخيار للشريك الساكت لقيام ملكه في الباقي إذ الاعتاق يتجزأ
عنده وقد ذكر المصنف ان له الاعتاق والاستسعاء والتضمين وزاد عليه في التحفة خيارين
آخرين التدبير والكتابة وإنما تركهما المصنف لأن الكتابة ترجع إلى معنى الاستسعاء ولو
عجز استسعى ولو امتنع العبد من السعاية يؤاجره جبرا ويدل على أن الكتابة في معنى
الاستسعاء انه لو كاتبه على أكثر من قيمته إن كان من النقدين لا يجوز الا أن يكون قدرا
يتغابن الناس فيه لأن الشرع أوجب السعاية على قيمته فلا يجوز الأكثر وكذا لو كان صالحه
على عرض أكثر من قيمته جاز وإن كاتبه على حيوان جازت وأما التدبير ففي البدائع
والمحيط فإن اختار التدبير فدبر نصيبه صار نصيبه مدبرا عند أبي حنيفة لأن نصيبه باق على
ملكه فيحتمل التخريج إلى العتق والتدبير تخريج له إلى العتق إلا أنه لا يجوز له أن يتركه على
حاله ليعتق بعد الموت بل تجب عليه السعاية للحال فيؤدي فيعتق لأن تدبيره اختيار منه
للسعاية اه‍. فلما كان التدبير والكتابة راجعين إلى السعاية لم يذكرهما المصنف، وظاهر كلام
الكمال أنه لا فائدة لهما حيث يرجعان إليها. قلت: بل لهما فائدة، أما في التدبير فلان
الشريك المدبر إذا مات عتق العبد كله بسبب التدبير وسقطت عنه السعاية إذا كان يخرج من
ثلث ماله ولولا التدبير لسعى للورثة كالمكاتب، وأما في الكتابة فلان فائدتها تعيين البدل لأنه
لولا الكتابة لاحتيج إلى تقويمه وإيجاب نصف القيمة، وقد يحتاج فيها إلى القضاء عند التنازع
397

في المقدار ولا يدل عدم جواز الكتابة على أكثر من القيمة زيادة فاحشة على أنه لا فائدة لها
لأن الحكم كذلك في صلح الساكت مع الشريك المعتق.
قال في البدائع: ولو صالح الذي لم يعتق العبد المعتق على مال فإن هذا لا يخلو من
الأقسام التي ذكرناها في المكاتبة، فإن كان الصلح على الدراهم والدنانير على نصف قيمته
فهو جائز، وكذا إذا كان على أقل من نصف قيمته، وكذا إذا صالح على أكثر من نصف
القيمة مما يتغابن الناس في مثله، فأما إذا كان على أكثر من قيمته مما لا يتغابن الناس في مثله
فالفضل باطل في قولهم جميعا لأنه ربا اه‍. فالحق أن الخيارات خمسة كما هو في البدائع
وغيرها، وأطلق المصنف في تحرير الشريك فشمل العتق منجزا ومضافا. قال في فتح القدير:
وينبغي إذا أضافه أن لا تقبل منه إضافته إلى زمان طويل لأنه كالتدبير معنى ولو دبره وجب
عليه السعاية في الحال فيعتق كما صرحوا به فينبغي أن يضاف إلى مدة تشاكل مدة الاستسعاء
اه‍. وأشار المصنف بذكر هذه الخيارات إلى أنه ليس له خيار الترك على حاله لأنه لا سبيل إلى
الانتفاع به مع ثبوت الحرية في جزء منه فلا بد من تخريجه إلى العتق كما في البدائع، وإلى أنه
لو اختار واحدا مما ذكر تعين فإن اختار الاستسعاء فليس له التضمين وعكسه، نعم إذا احتار
الاستسعاء فله الاعتاق وإلى أنه ليس للساكت أن يختار التضمين في البعض والسعاية في
البعض كما في المبسوط. وأطلق في تضمين الموسر وهو مقيد بأن يكون الاعتاق بغير إذنه
فلو أعتق أحدهما نصيبه بإذن صاحبه فلا ضمان عليه، وإنما الاستسعاء في ظاهر الرواية.
وعن أبي يوسف أنه يضمن لأنه عنده ضمان تملك لا إتلاف، ولذا كان كل الولاء له وضمان
التملك لا يسقط بالرضا. وجه ظاهر الرواية أن ضمان الاعتاق ضمان إتلاف ولذا يختلف
باليسار والاعسار، وإنما ملك نصيب صاحبه بمقتضى الاعتاق تصحيحا له لا قصدا لأن
الاعتاق وضع لابطال الملك فثبوت الملك بما وضع لابطاله يكون تناقضا والمقتضي تبع
للمقتضى فكان حكمه حكم المقتضي، والمقتضى وهو الاعتاق لا يوجب الضمان مع الرضا
فلذا تبعه، كذا في المحيط. ولو كان الساكت جماعة فاختار بعضهم السعاية وبعضهم الضمان
فلكل منهم ما اختار في قول أبي حنيفة، كذا في البدائع. واختلف في حد اليسار هنا ففي
الهداية، ثم المعتبر يسار التيسير وهو أن يملك من المال قدر نصيب الآخر لا يسار الغنى لأن
به يقيد له النظر من الجانبين بتحقيق ما قصده المعتق من القربة وإيصال بدل حق الساكت
إليه. وجعله في فتح القدير ظاهر الرواية قال: وفي رواية الحسن استثنى الكفاف وهو المنزل
والخادم وثياب البدن. والذي يظهر أن استثناء الكفاف لا بد منه على ظاهر الرواية ولذا
اقتصر عليه في المحيط فقال: ثم حد اليسار أن يكون المعتق مالكا لمقدار قيمة ما بقي من
العبد سوى ملبوسه وقوت يومه لا ما يعتبر في حرمة الصدقة. وصححه في المجتبى. وتعتبر
قيمة العبد في الضمان والسعاية يوم الاعتاق لأنه سبب الضمان كالغصب، وكذلك يعتبر
398

يسار المعتق وإعساره يوم الاعتاق حتى لو أعتق وهو موسر ثم أعسر لا يبطل حق التضمين،
ولو أعتق وهو معسر ثم أيسر لا يثبت لشريكه حق التضمين لأن الضمان متى تعين على
المعتق أو السعاية على العبد شرعا برئ الآخر عن الضمان ولا يعود إليه أبدا كالغاصب مع
غاصب الغاصب إذا تعين الضمان على أحدهما باختيار المالك برئ الآخر عنه فكذا هذا. ولو
اختلفا في قيمة العبد يوم العتق، فإن كان العبد قائما يقوم العبد للحال لأنه أمكن معرفة
قيمته للحال بالعيان ورفع اختلافهما بالبيان، وإن كان العبد هالكا فالقول قول المعتق لأنه
تعذر معرفة قيمته بالعيان لأن أوصافه تتغير بالموت فيجب اعتبار قول واحد منهما والساكت
يدعي الزيادة والمعتق ينكر فيكون القول له، وإن اتفقا على أن الاعتاق سابق على الاختلاف
فالقول قول المعتق، كان العبد قائما أو هالكا، لأنه وقع العجز عن معرفة قيمته لأن قيمة
الشئ قد تزداد وقد تنقص بمضي الوقت فيكون القول قول المعتق لانكار الزيادة. وإن
اختلفا في الوقت والقيمة فقال المعتق أعتقته يوم كذا وقيمته مائة وقال الساكت أعتقته للحال
وقيمته مائتان يحكم بالعتق للحال لأن العتق أمر حادث، والأصل في الحوادث أن يحكم
بحدوثها حال ظهورها، فمن ادعى الحدوث حالة الظهور فهو متمسك بالأصل فيكون القول
له فكان العتق ثبت بتصادقهما للحال فيقوم العبد إن كان قائما ويكون القول للمعتق في
قيمته إن كان هالكا، وكذلك على هذا التفصيل لو اختلف الساكت والعبد في قيمته. وإن
اختلفا في يسار المعتق وإعساره والعتق متقدم على الخصومة إن كانت مدة يختلف فيها اليسار
والاعسار فالقول قول المعتق لأنه ينكر اليسار وشغل ذمته بالضمان، وإن كان لا يختلف يعتبر
للحال، فإن علم يسار المعتق للحال فلا معنى للاختلاف، وإن لم يعلم فالقول للمعتق.
ولو مات أحدهم قبل أن يختار الشريك شيئا فلا يخلو إما إن مات العبد أو المعتق أو
الساكت، فإن مات العبد ضمن المعتق في ظاهر الرواية لأنه ضمان إتلاف شرع لجبر الفائت
فلا يسقط بهلاك محل التلف كما لو هلك المغصوب، وفي رواية لا يضمن المعتق. وإن كان
للعبد كسب رجع بما ضمن المعتق فيه لأنه يملك نصيب الساكت بأداء الضمان من وقت
العتق فصار مكاتبا له. وهل للساكت أن يأخذ من تركة العبد قيمة نصيبه إذا لم يضمن المعتق؟
قيل: له ذلك كالمكاتب، وقال عامة مشايخنا: ليس له ذلك. وظاهر إطلاق محمد يدل عليه،
وأما إذا مات المعتق والعتق في صحته يؤخذ الضمان من ماله، وإن كان في مرضه فعندهما لا
يجب شئ على ورثته في ماله، وعند محمد يستوفى من ماله. وأما إذا مات الساكت فلورثته
أن يختار والاعتاق أو الضمان أو السعاية لأنهم قائمون مقام مورثهم، فإذا اختار بعضهم
العتق وبعضهم الضمان فلهم ذلك في ظاهر الرواية. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه ليس
لهم ذلك وصححه في المبسوط. وفي المجتبى: ومعنى قوله لورثته الاعتاق الابراء لا حقيقة
العتق لأن المستسعي بمنزلة المكاتب عنده، ولا تورث رقبة المكاتب بموت مولاه وإنما يورث
399

بدل الكتابة لكن لهم الابراء عن السعاية كذا هذا اه‍. وأشار المصنف بذكر هذه الخيارات إلى
أن الساكت لو ملك نصيبه من المعتق ببيع أو هبة فإنه لا يجوز استحسانا لأنه لم يبق محلا
للتمليك لأنه مكاتب عنده حر مديون عندهما بخلاف ما إذا ضمن المعتق نصيب الساكت فإنه
يملكه بالضمان ضرورة. قال قاضيخان في جامعه: وإذا ضمن المعتق وأدى الضمان ملك
نصيب الساكت فيخير في نصيب الساكت، إن شاء أعتق وإن شاء استسعى بمنزلة ما لو كان
الكل له فأعتق بعضه اه‍. ولذا كان الولاء كله له وإنما رجع المعتق على العبد بما ضمن
لقيامه مقام الساكت بأداء الضمان وقد كان للساكت الاستسعاء فكذا لمن قام مقامه بخلاف
العبد المستسعي لا رجوع له بما أدى على المعتق بإجماع أصحابنا لأنه أدى لفكاك رقبته بخلاف
المرهون إذا أعتقه الراهن المعسر حيث يرجع على المعتق إذا قدر على دفع القيمة للمرتهن لأنه
يسعى في فك رقبة قد فكت أو يقضي دينا على الراهن. وفي المجتبى: لو كان العبد بين
ثلاثة لأحدهم نصفه وللثاني ثلثه وللثالث سدسه فأعتقه صاحب النصف والثلث يضمنان
السدس نصفين والولاء للأول في النصف، وفيما ضمن من نصف السدس وللثاني في ثلثه،
وفيما ضمن من نصف السدس. وأطلق المصنف في الشريك وهو مقيد بمن يصح منه
الاعتاق، فلو كان الشريك صبيا ينتظر بلوغه إن لم يكن له ولي أو وصي، فإن كان له أحدهما
فله الخيار إن شاء ضمن وإن شاء استسعى أو كاتب لأنه ضمان نقل الملك فصار كالبيع،
واختيار السعاية كالكتابة. وللولي ولاية بيع مال الصبي وكتابة عبده، وللقاضي أن ينصب
وصيا ليختار أحدهما وليس لهما اختيار الاعتاق والتدبير والجنون كالصبي كما في البدائع.
وإن كان الشريك عبدا مأذونا فإن كان مديونا فله اختيار التضمين والاستسعاء، وإذا استسعى
فالولاء لمولاه لأنه أقرب الناس إليه، وإن لم يكن عليه دين فالخيارات الخمسة ثابتة للمولى إن
كان موسرا وإلا فالأربع والمكاتب كالمأذون والمديون.
قوله: (ولو شهد كل بعتق نصيب صاحبه سعى لهما) أي لو شهد كل واحد من
الشريكين أن شريكه أعتق نصيب نفسه سعى العبد لهما في قيمته لكل واحد منهما في نصيبه
عند أبي حنيفة، موسرين كانا أو معسرين، أو كان أحدهما موسرا والآخر معسرا، لأن كل
واحد منهما يزعم أن صاحبه أعتق نصيبه فصار مكاتبا في زعمه عنده، وحرم عليه
الاسترقاق فيصدق في حق نفسه فيمنع من استرقاقه ويستسعيه لأنا تيقنا بحق الاستسعاء كاذبا
كان أو صادقا لأنه مكاتبه أو مملوكه فلهذا يستسعيانه، ولا يختلف ذلك باليسار وبالاعسار لأن
حقه في الحالين في أحد الشيئين لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده، وقد تعذر التضمين
لانكار الشريك فتعين الآخر وهو السعاية والولاء لهما لأن كلا منهما يقول عتق نصيب
صاحبي عليه بإعتاقه وولاؤه له وعتق نصيبي بالسعاية وولاؤه لي وهو عبد ما دام يسعى لهما
بمنزلة المكاتب. وقالا: إن كانا موسرين فلا سعاية عليه لأن كل واحد منهما يتبرأ عن
400

سعايته بدعوى الضمان على صاحبه لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما إلا أن الدعوى لم
تثبت لانكار الآخر، والبراءة قد ثبتت لاقراره على نفسه. وإن كانا معسرين سعى لهما لأن
كل واحد منهما يدعي السعاية عليه صادقا كان أو كاذبا على ما بيناه إذ المعتق معسر، وإن
كان أحدهما موسرا والآخر معسرا سعى للموسر منهما لأنه لا يدعي الضمان على صاحبه
لاعساره وإنما يدعي عليه السعاية فلا يبرأ عنه، ولا يسعى للمعسر لأنه يدعي الضمان على
صاحبه ليساره فيكون مبرئا للعبد عن السعاية. والولاء موقوف في جميع ذلك عندهما لأن كل
واحد منهما يحيله على صاحبه ويتبرأ عنه فيبقى موقوفا إلى أن يتفقا على إعتاق أحدهما، كذا
في الهداية. فلو مات قبل أن يتفقا وجب أن يأخذه بيت المال كما في فتح القدير. ولم يذكر
المصنف تحليف كل منهما هنا وذكره في المستصفى فقال: والسعاية لهما بعد أن يحلف كل
واحد منهما على دعوى صاحبه لأن كل واحد منهما مدع ومنكر. وصرح في البدائع والمحيط
بأنه يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وفي فتح القدير: وهو أوجه فيجب في
الجواب المذكور وهو لزوم استسعاء كل منهما للعبد أنه فيما إذا لم يترافعا إلى قاض بل خاطب
كل منهما الآخر أنك أعتقت نصيبك وهو ينكر فإن هذه ليس حكمها إلا الاستسعاء إذ لو
أراد أحدهما التضمين أو أراداه ونصيبهما متفاوت فترافعا أو رفعهما ذو حسبة فيما لو استرقاه
بعد قولهما فإن القاضي لو سألهما فأجابا بالانكار فحلفا لا يسترق لأن كلا يقول إن صاحبه
حلف كاذبا واعتقاده أن العبد يحرم استرقاقه ولكل استسعاؤه. ولو اعترفا أنهما أعتقا معا أو
على التعاقب وجب أن لا يضمن كل الآخر إن كانا موسرين، ولا يستسعي العبد لأنه عتق
كله من جهتهما، ولو اعترف أحدهما وأنكر الآخر فإن المنكر يجب أن يحلف لأن فيه فائدة
فإنه إن نكل صار معترفا أو باذلا وصارا معترفين فلا يجب على العبد سعاية كما قلنا اه‍.
وتقييد المصنف بشهادة كل منهما قيد اتفاقي إذ لو شهد أحدهما على صاحبه أنه أعتقه وأنكره
الآخر فالحكم كذلك. قال في البدائع: لا تقبل شهادته على صاحبه وإن كانا اثنين لأنهما
يجران إلى أنفسهما مغنما، ولا يعتق نصيب الشاهد ولا يضمن لصاحبه ويسعى العبد في
قيمته بينهما، موسرين كانا أو معسرين في قول أبي حنيفة. وعندهما إن كان المشهود عليه
موسرا فلا سعاية للشاهد على العبد، وإن كان معسرا فله السعاية عليه، وهكذا في المحيط.
قوله: (ولو علق أحدهما عتقه بفعل فلان غدا وعكس الآخر ومضى ولم يدر عتق نصفه
وسعى في نصف لهما) أي لو علق أحد الشريكين عتق العبد المشترك بفعل زيد غدا كان قال
إن دخل زيد الدار غدا فأنت حر وعكس الشريك الآخر بأن قال مثلا إن لم يدخل زيد الدار
غدا فأنت حر ومضى الغد ولم يعلم دخوله أو عدمه فإنه يعتق نصف العبد بغير سعاية
ويسعى العبد في نصف قيمته للشريكين. وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد:
401

يسعى في جميع قيمته لأن المقضى عليه بسقوط السعاية مجهول ولا يمكن القضاء على المجهول
فصار كما إذا قال لغيره لك على أحدنا ألف درهم فإنه لا يقضي بشئ للجهالة كذا هذا،
أولهما: أنا تيقنا بسقوط نصف السعاية لأن أحدهما حانث بيقين ومع التيقن بسقوط النصف
كيف يقضي بوجوب الكل والجهالة ترتفع بالشيوع والتوزيع كما إذا أعتق أحد عبديه لا بعينه
أو بعينه ونسيه ومات قبل البيان أو الذكر. ويتأتى التفريع فيه على أن اليسار يمنع السعاية أو
لا يمنعها على الاختلاف الذي سبق، ولو قال المصنف بفعل فلان في وقت وعكس الآخر
في ذلك الوقت لكان أولى إذ لا فرق بين الغد واليوم والامس. صرح باليوم في المحيط،
وبالأمس في البدائع. وأطلق المصنف في سعاية النصف فشمل ما إذا كانا موسرين أو
معسرين. وفي فتح القدير: ولا يخفى أن من صورة المسألة أن يتفقا على ثبوت الملك لكل آلى
آخر النهار، قوله: (ولو حلف كل واحد بعتق عبده لم يعتق واحد) لأن المقضى عليه بالعتق
مجهول وكذا المقضى له فتفاحشت الجهالة فامتنع القضاء، وفي العبد الواحد المقضي له
والمقضى به معلوم فغلب المعلوم المجهول. قيد بكون كل واحد منهما له عبد تام لأنه لو كان
بين رجلين عبد إن قال أحدهما لاحد العبدين أنت حر، إن لم يدخل فلان هذه الدار اليوم،
وقال الآخر للعبد الآخر إن دخل فلان هذه الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم وتصادقا على
أنهما لا يعلمان دخل أو لم يدخل قال أبو يوسف: يعتق من كل واحد منهما ربعه ويسعى في
ثلاثة أرباع قيمته بين الموليين نصفين. وقال محمد: قياس قول أبي حنيفة أن يسعى كل واحد
منهما في جميع قيمته بينهما نصفين وبيان كل من القولين في البدائع قال: ومن هذا النوع ما
ذكره محمد بن سماعة عن أبي يوسف في عبد بين رجلين زعم أحدهما أن صاحبه أعتقه منذ
سنة وأنه هو أعتقه اليوم، وقال شريكه لم أعتقه وقد أعتقته أنت اليوم فاضمن لي نصف القيمة
لعتقك فلا ضمان على الذي زعم أن صاحبه أعتقه منذ سنة لأن قوله أنا أعتقته اليوم ليس
بإعتاق بل هو إقرار بالعتق، وأنه حصل بعد إقراره على شريكه بالعتق فلم يصح، وكذا لو
402

قال أعتقه صاحبي منذ سنة وأعتقته أنا أمس وإن لم يقر بإعتاق نفسه لكن قامت عليه بينة
أنه أعتقه أمس فهو ضامن لشريكه لظهور الاعتاق منه بالبينة فدعواه على شريكه العتق
المتقدم لا يمنع ظهور الاعتاق منه بالبينة ويمنع ظهوره بإقراره اه‍. وقيد بكون المعلق
متعددا لأنه لو قال عبده حر إن لم يكن فلان دخل هذه الدار اليوم ثم قال امرأته طالق إن ك
ان دخل اليوم عتق وطلقت لأن باليمين الأولى صار مقرا بوجود شرط الطلاق، وباليمين
الثانية صار مقرا بوجود شرط العتق. وقيل: لم يعتق ولم تطلق لأن أحدهما معلق بعدم
الدخول والآخر بوجوده وكل واحد من الشرطين دائر بين الوجود والعدم فلا ينزل الجزاء
بالشك، كذا في النهاية، وينبغي أن يفرق بين التعليق بالشرط الكائن وبغير الكائن فيقع
في المعلق بالكائن لا بغير الكائن لأن الاقرار يتصور في الكائن دون غيره، كذا في
التبيين. وهو وما قبله مردودان والحق الأول لأن صيغة إن لم يكن دخل تستعمل لتحقيق
الدخول في الماضي ردا على المماري في الدخول وعدمه فكان معترفا بالدخول وهو شرط
الطلاق فوقع بخلاف إن لم يدخل ليس فيها تحقيق وصيغة إن كان دخل ظاهرة لتحقيق
عدم الدخول ردا على من تردد فيه فكان معترفا بعدم الدخول وهو شرط وقوع العتق فوقع
بخلاف إن دخل فإنه ليس فيها تحقيق أصلا. والحاصل أنه قد اشتبه هذا التركيب على
القائل بعدم الوقوع فيهما بتركيب إن لم يدخل وإن دخل، إليه أشار في فتح القدير. وفي
تلخيص الجامع باب اليمين التي ستنقض صاحبتها: حلف بالعتق إن لم يكن دخل أمس
وبالطلاق إن كان دخل وقعا لأنه بكل يمين زعم الحنث في الأخرى لهذا لو أعتق أحدهما
ثم قال لكل واحد لم أعنك عتقا، ولا يلزم ما لو كانت الأولى والله إذا الغموس لا يدخل
تحت الحكم ليكذب به في الأخرى وتمامه فيه. وأشار المصنف بعدم عتقهما في مسألة
الكتاب إلى أنه لو اشتراهما إنسان صح وإن كان عالما بحنث أحد المالكين لأن كلا منهما
يزعم أنه يبيع عبده، وزعم المشتري في العبد قبل ملكه له غير معتبر كما لو أقر بحرية
عبد ومولاه ينكر ثم اشتراه صح، وإذا صح شراؤه لهما واجتمعا في ملكه عتق عليه
أحدهما لأن زعمه معتبر الآن ويؤمر بالبيان لأن المقضي عليه معلوم، كذا في فتح القدير،
وهو يفيد أن أحد المتحالفين لو اشترى العبد من الحالف الآخر فإنه يصح ويعتق عليه
أحدهما ويؤمر بالبيان لما ذكر كما لا يخفى. وفي المحيط: هذا إذا علم المشتري بحلفهما،
فإن لم يعلم فالقاضي يحلفهما ولا يجبر على البيان ما لم تقم البينة على ذلك اه‍.
403

قوله: (ومن ملك ابنه مع آخر عتق حظه ولم يضمن ولشريكه أن يعتق أو يستسعى)
لأنه ملك شقص قريبه فعتق عليه ولا ضمان عليه ولو كان موسرا لأنه رضي بإفساد نصيبه
كما إذا أذن له بإعتاق نصيبه صريحا ودلالة ذلك أنه شاركه فيما هو علة العتق وهو الشراء
لأن شراء القريب إعتاق وثبت لشريكه الاعتاق أو الاستسعاء لبقائه على ملكه كالمكاتب كما
قدمناه. وهذا كله عند الإمام. وقالا: في الشراء ونحوه يضمن الأب نصف قيمته إن كان
موسرا، ويسعى الابن لشريك أبيه إن كان معسرا. أطلق المصنف في الملك فشمل ما إذا كان
بالشراء أو الهبة أو الصدقة أو الوصية أو الامهار أو الإرث، وشمل ما إذا كان عالما بأنه ابنه
أولا وهو ظاهر الرواية عنه لأن الحكم يدار على السبب كما إذا قال لغيره كل هذا الطعام
وهو مملوك للآمر ولا يعلم الآمر بملكه، وذكر الابن اتفاقي لأن الحكم في كل قريب يعتق
عليه كذلك. وقيد بكونه ملكه مع آخر لأنه لو بدأ الأجنبي فاشترى نصفه ثم اشترى الأب
نصفه الآخر وهو موسر فالأجنبي بالخيار إن شاء ضمن الأب لأنه ما رضي بإفساد نصيبه،
وإن شاء استسعى الابن في نصف قيمته لاحتباس ماليته عنده. وهذا عند أبي حنيفة لأن يسار
المعتق لا يمنع السعاية عنده. وقالا: لا خيار له ويضمن الأب نصف قيمته لأن يسار المعتق
يمنع السعاية عندهما. وقيد بالقريب لأنه لو ملك مستولدته بالنكاح مع آخر فإنه يجب عليه
ضمان النصف لشريكه كيفما كان وإن كان ملكها بالإرث. والفرق أن ضمان أم الولد ضمان
تملك وذلك لا يختلف بين أن يكون بصنعه أو بغير صنعه ولهذا لا يختلف باليسار والاعسار.
وإنما صح شراء الابن مع آخر في مسألة الكتاب ولم يصح شراء العبد نفسه هو وأجنبي من
مولاه بالنسبة إلى حصة الأجنبي لاجتماع العتق والبيع في حق واحد في زمان واحد لأن بيع
نفس العبد منه إعتاق على مال فبطل البيع في حصة الأجنبي بخلاف مسألة الكتاب لأن شراء
القريب تملك في الزمان الأول وإعتاق في الزمان الثاني. وأشار المصنف إلى أنه لو حلف
أحدهما بعتق عبد إن ملك نصفه فملكه مع آخر فالحكم كذلك وهو على الاختلاف. قوله:
(وإن اشترى نصف ابنه ممن يملك ابنه لا يضمن لبائعه) لأن البائع شاركه في العلة وهو البيع
لأن علة دخول المبيع في ملك المشتري الايجاب والقبول وقد شاركه فيه. وهذا عند أبي حنيفة
موسرا كان أو معسرا. وقالا إن كان الأب موسرا يجب عليه الضمان. قيد بكونه ممن يملك
404

ابنه لأنه لو اشترى نصف ابنه من أحد الشريكين وهو موسر فإنه يلزم المشتري الضمان
بالاجماع للشريك الذي لم يبع، ولا يضمن للبائع شيئا لأن الشريك الذي لم يبع لم يشاركه في
العلة فلا يبطل حقه بفعل غيره، ولا يخفى أن في مسألة الكتاب إذا لم يضمن المشتري للبائع
كان له الخيار إن شاء أعتق نصيبه وإن شاء استسعى. وفي البدائع: رجل قال إن اشتريت
فلانا أو بعضه فهو حر فادعى رجل آخر أنه ابنه ثم اشترياه عتق عليهما ونصف، ولائه للذي
أعتقه وهو ابن للذي ادعاه لأن النسب ههنا لم يسبق اليمين فيعتق نصيب كل واحد منهما
عليه، وولاؤه بينهما لأنه عتق عليهما والولاء للمعتق اه‍. مع أنهم قالوا: إن المعتق آخر
العصبات فينبغي أن يكون ميراثه كله لأبيه مع وجوده ولا شئ للمعتق إلا أن يفرق بين
ثبوت النسب قبل العتق وبينه بعده.
قوله: (عبد لموسرين دبره واحد وحرره آخر ضمن الساكت المدبر والمدبر المعتق ثلثه
مدبر إلا ما ضمن) أي لو كان عبد بين ثلاثة دبره أحدهم ثم أعتقه آخر فللساكت وهو الذي
لم يدبر ولم يحرر أن يضمن المدبر وليس له أن يضمن المعتق، وللمدبر أن يضمن المعتق ثلث
العبد مدبرا وليس له أن يضمنه الثلث الذي ضمنه للساكت وإنما يضمن الساكت المدبر ثلث
قيمته قنا لأن التدبير يتجزى عند الإمام لأنه شعبة من شعبه فيكون معتبرا به فاقتصر على
نصيبه، وقد أفسد بالتدبير نصيب الآخرين فكان لكل واحد منهما أن يدبر نصيبه أو يعتق أو
يكاتب أو يضمن المدبر أو يستسعى العبد أو يتركه على حاله، فلما حرره الآخر تعين حقه فيه وسقط اختياره غيره فتوجه للشريك الساكت سببا ضمان تدبير المدبر وإعتاق المعتق فله
تضمين المدبر ليكون الضمان ضمان معاوضة إذ هو الأصل حتى جعل الغصب ضمان
معاوضة على أصلنا. وأمكن ذلك في التدبير لكونه قابلا للنقل من ملك إلى ملك وقت
التدبير وليس له تضمين المعتق لأن العبد عند ذلك مكاتب أو حر على اختلاف الأصلين، ولا
بد من رضا المكاتب بفسخه حتى يقبل الانتقال. ثم إن الشريك الذي أعتق نصيبه أفسد على
المدبر نصيبه مدبرا والضمان يتقدر بقدر المتلف ولا يضمنه قيمة ما ملكه بالضمان من جهة
الساكت لأن ملكه ثبت مستندا وهو ثابت من وجه دون وجه فلا يظهر في حق التضمين،
وقد استفيد من كلام المصنف أنه لو كان بين اثنين دبره أحدهما ثم حرره الآخر فللمدبر
تضمين المعتق ثلثه مدبرا إن كان موسرا، ولو كان حرره أحدهما ثم دبره الآخر فللمدبر أن
يستسعي العبد في نصف قيمته مدبرا لأنه بالتدبير اختار ترك الضمان، ولو لم يعلم أيهما أولا
فإن للمدبر تضمين المعتق ربع القيمة واستسعى العبد في ربع القيمة ويرجع المعتق بما ضمن
405

على العبد، وكذا لو صدر الاعتاق والتدبير منهما معا. وهذا كله عند الإمام. وعندهما:
المعتق أولى في الكل فإن كان المعتق موسرا ضمن للمدبر وإلا سعى العبد له في نصيبه، كذا
في المحيط. وذكر قاضيخان في شرح الجامع الصغير أن قولنا للشريك هذه الخيارات أنه
يصح منه هذه التصرفات، أما لا يؤذن بالاعتاق والاستسعاء لأن فيه إفساد نصيب المدبر لأن
المدبر كان متمكنا من استسعاء نصيبه على ملكه إلى وقت الموت وبعد الاعتاق والاستسعاء لا
يتمكن اه‍. وفي الهداية: وقيمة المدبر ثلثا قيمته قنا على ما قالوا، فلو كانت قيمته قنا سبعة
وعشرين دينارا ضمن له ستة دنانير لأن ثلثيها وهو قيمة المدبر ثمانية عشر وثلثها وهو
المضمون ستة، والمدبر يضمن للساكت تسعة. وإنما كان كذلك لأن الانتفاع بالوطئ والسعاية
والبدل وإنما زال الأخير فقط وإليه مال الصدر الشهيد وعليه الفتوى إلا أن الوجه المذكور
يخص المدبرة دون المدبر. وقيل: يسئل أهل الخبرة أن العلماء لو جوزوا بيع هذا فاتت المنفعة
المذكورة كم يبلغ فما ذكر فهو قيمته وهذا أحسن عندي، كذا في فتح القدير. وجوابه أن
الاستخدام هو المنظور إليه الشامل للعبد والجارية والوطئ من الاستخدام فالباقي في المدبر
شيئان: الاستخدام والسعاية. والفائت البدل وهذا المعنى يشمل العبد والجارية فلذا كان
المفتى به ما في الهداية. وأما قيمة أم الولد والمكاتب فسيأتي إن شاء الله تعالى. وقالا: العبد
للذي دبره أول مرة ويضمن ثلثي قيمته لشريكه موسرا كان أو معسرا بناء على أن التدبير لا
يتجزى عندهما. ولم يذكر المصنف أن للساكت الاستسعاء لظهوره لأن له أن يستسعي العبد
في ثلث قيمته وللمدبر أن يستسعي العبد في ثلث قيمته مدبرا إذا اختار عدم تضمين المعتق
كما في غاية البيان، ولم يذكر الولاء قال في الهداية: والولاء بين المعتق والمدبر أثلاثا، ثلثاه
للمدبر والثلث للمعتق لأن العبد عتق على ملكهما على هذا المقدار اه‍. ومراده أنه بين عصبة
المدبر والمعتق لأن العتق لا يثبت للمدبر إلا بعد موت مولاه كما في غاية البيان والنهاية.
وفي فتح القدير: وهو غلط لأن العتق المنجز يوجب إخراجه إلى الحرية بتنجيز أحد الأمور
من التضمين مع اليسار والسعاية والعتق حتى منع استخدام المدبر إياه من حين وجوده كما لو
أعتق أحد الشريكين ابتداء ودبره الآخر الساكت فإنه لا تتأخر حرية باقية إلى موته كما قدمناه
أول الباب إلى آخره.
وقيد المصنف باليسار لأن المدبر لو كان معسرا فللساكت الاستسعاء دون التضمين،
وكذا المعتق لو كان معسرا فللمدبر الاستسعاء دون تضمين المعتق، كذا في غاية البيان. وبهذا
علم أن تقييد المصنف بيسار الثلاثة ليس بقيد لأن الاعتبار ليسار المدبر والمعتق، وأما الساكت
406

فلا اعتبار بحاله من اليسار والاعسار. ولم يذكر المصنف رجوع المدبر بما ضمنه للساكت على
العبد وقد نص الحاكم الشهيد في الكافي بأنه يرجع على العبد بثلث قيمته قنا كما ضمن.
وقيد المصنف بكون الساكت اختار تضمين المدبر بعد تحرير الآخر لأنه لو اختار تضمين
المدبر. قبل إن يعتقه الآخر ثم أعتقه كان للمدبر أن يضمن المعتق ثلثي قيمته لأن الاعتاق
وجد بعد تملك المدبر نصيب الساكت فله أن يضمنه ثلث قيمته قنا مع ثلث قيمته مدبرا كما
هو صفته. قال في فتح القدير: وأورد بعض الطلبة على هذا أنه ينبغي أن يضمنه قيمة ثلثيه
مدبرا لأنه حين ملك ثلث الساكت بالضمان صار مدبرا لا قنا، ولذا قلنا في وجه كون ثلثي
الولاء له لأنه صار كأنه دبر ثلثيه ابتداء، والجواب لا يتم إلا بمنع كون الثلث الذي ملكه
بالضمان للساكت صار مدبرا بل هو قن على ملكه إذ لا موجب لصيرورته مدبرا لأن ظهور
الملك الآن لا يوجبه والتدبير يتجزى وذكرهم إياه في وجه كون ثلثي الولاء له غير محتاج إليه
إذ يكفي فيه أنه على ملكه حين أعتقه الآخر وأدى الضمان، وإنما لم يكن ولاؤه له لما ذكرنا
من أنه ضمان جناية لا تملك ا ه‍. وبما قررناه أولا علم أن الواو في قول المصنف وحرره
آخر بمعنى ثم قيد به لأنه لو أعتقه أحدهم ودبره الآخر وكاتب الآخر ولا يعلم الأول
فالتصرفات كلها جائزة ويسعى العبد للمدبر في سدس قيمته وضمن له المعتق أيضا سدس
قيمته مدبرا إن كان موسرا، ويسعى العبد في المكاتبة للثالث، فإن عجز فهو بالخيار، إن شاء
استسعى العبد في ثلث قيمته والولاء أثلاثا، وإن شاء ضمن المدبر المعتق ثلث قيمته نصفين
إذا كانا موسرين والولاء بينهما نصفان لأنهما لما جهلا التاريخ يجعل كان هذه التصرفات
وقعن معا، وأنها متجزئة عند أبي حنيفة فصحت. ثم لا شئ للمعتق على أحد، وإن أعتق
واحد وكاتب الآخر ودبر الثالث معا ليس لواحد الرجوع لأن تصرف كل واحد حصل في
ملك نفسه، وإن دبر أحدهم أولا ثم أعتق الثاني ثم كاتب الآخر ثبت للمدبر الرجوع على
المعتق بقيمة نصيبه ولا رجوع للمكاتب على أحد، فإن دبر ثم كاتب ثم أعتق فحكم المدبر
والمعتق ما ذكرنا. وأما المكاتب إذا عجز العبد يرجع على المعتق بقيمة نصيبه لأنه عاد عبدا له
والمعتق أتلفه، وإن كاتبه أولا ثم دبر ثم أعتق، فإن لم يعجز العبد يعتق عليه ولا ضمان له
على أحد، وإن عجز يرجع على المدبر بثلث قيمته لا على المعتق وتمام تفريعاته في المحيط.
قوله: (ولو قال لشريكه هي أم ولدك وأنكر تخدمه يوما وتتوقف يوما) أي تخدم المنكر
يوما ولا تخدم أحدا يوما. وهذا عند أبي حنيفة فلا سعاية عليها للمنكر ولا سبيل عليها
للمقر. وقالا: إن شاء المنكر استسعى الجارية في نصف قيمتها ثم تكون حرة، ولا سبيل عليها
لأنه لما لم يصدقه صاحبه انقلب إقرار المقر عليه كأنه استولدها فصار كما إذا أقر المشتري
على البائع أنه أعتق المبيع قبل البيع يجعل كأنه أعتق كذا هذا، فتمتنع الخدمة ونصيب المنكر
407

على ملكه في الحكم فتخرج إلى العتاق بالسعاية كأم ولد النصراني إذا أسلمت. ولأبي حنيفة
أن المقر لو صدق كانت الخدمة كلها للمنكر ولو كذب كان له نصف الخدمة فيثبت ما هو
المتيقن به وهو النصف، ولا خدمة للشريك الشاهد ولا استسعاء لأنه يبرأ عن جميع ذلك
بدعوى الاستيلاد والضمان والاقرار بأمومية الولد يتضمن الاقرار بالنسب وهو أمر لازم لا
يرتد بالرد فلا يمكن أن يجعل المقر كالمستولد. ونص الحاكم في الكافي على أن أبا يوسف
رجع إلى قول أبي حنيفة فالمخالف فيها محمد فقط، وعلى قوله ليس لأحد أن يستخدمها. أما
المقر فلانه تبرأ منها بالدعوى على شريكه، وأما المنكر فلانه لما أنكر نفذ الاقرار على المقر
فصار كإقراره أنه استولدها، ثم إذا أدت نصف قيمتها إلى المنكر عتق كلها لأن العتق لا
يتجزى عندهما، ولم يذكر المصنف حكم كسبها ونفقتها وجنايتها والجناية عليها وحكمها بعد
موت أحدهما. أما الأول ففي غاية البيان نصف كسبها للمنكر ونصفه موقوف اعتبارا
بمنافعها. وأما نفقتها فمن كسبها فإن لم يكن لها كسب ففي المختلف في باب محمد أن نفقتها
على المنكر ولم يذكر خلافا. وقال غيره: إن النصف على المنكر لأن نصف الجارية له. قال في
فتح القدير: وهو اللائق بقول أبي حنيفة. وينبغي على قول محمد أن لا نفقة لها عليه أصلا
لأنه لا خدمة له عليها ولا احتباس. وأما جنايتها والجناية عليها فموقوفة عند الإمام إلى
تصديق أحدهما صاحبه، وعلى قول أبي يوسف أولا وهو قول محمد تسعى في جنايتها بمنزلة
المكاتب وتأخذ أرش الجناية عليها فتستعين به كما في الكافي للحاكم وتبعه في غاية البيان
وفتح القدير، وقد نقل الزيلعي أن النصف موقوف والنصف على الجاحد عند الإمام، وفي
صحته عن الإمام نظر لما علمت أن مذهبه التوقف في الكل. وفي المحيط: وذكر محمد
التوقف على الاطلاق وهو الصحيح لأنه تعذر إيجاب يوجب الجناية في نصيب المنكر على
المنكر لأنه عجز عن دفعها بالجناية من غير صنع منه فلا تلزمه الفدية كما لو أبق أو مات بعد
الجناية بخلاف الجناية عليها لأنه أمكن دفع نصيب الأرش إلى المنكر، سواء كان نصيبه قنا أو
أم ولد فلا معنى للتوقف ا ه‍. وأما إذا مات المنكر فإنها تعتق لاقرار المقر أنها كانت كأم ولد
له ثم تسعى في نصف قيمتها لورثة المنكر، ولا تسعى للمقر لأنه يدعي الضمان دون السعاية
ولم أر حكمها إذا مات المقر لظهور أن الامر كما كان قبل موته فتخدم المنكر يوما وتتوقف
يوما. وقيد بقوله وأنكر لأنه لو صدقه كانت أم ولد له ولزمه نصف قيمتها ونصف عقرها
كالأمة المشتركة إذا أتت بولد فادعاه أحدهما كما سيأتي قوله: (وما لام ولد تقوم) أي ليس لها
قيمة عند أبي حنيفة. وقالا: إنها متقومة للانتقاع بها وطئا وإجارة واستخداما، وهذا هو دلالة
التقوم، وبامتناع بيعها لا يسقط تقومها كما في المدبر ألا ترى أن أم ولد النصراني إذا أسلمت
عليها السعاية وهذا آية التقوم غير أن قيمتها ثلث قيمتها قنه على ما قالوا لفوات البيع،
والسعاية بعد الموت بخلاف المدبر لفوات منفعة البيع، أما السعاية والاستخدام باقيان. ولأبي
408

حنيفة أن التقوم بالاحراز وهي محرزة للنسب لا للتقوم والاحراز للتقوم تابع ولهذا لا تسعى
لغريم ولا لوارث بخلاف المدبر. وهذا لأن النسب فيها متحقق في الحال وهو الحرية الثابتة
بواسطة الولد على ما عرف في حرمة المصاهرة إلا أنه لم يظهر عمله في حق الملك ضرورة
الانتقاع فعمل التسبب في إسقاط التقوم، وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت وامتناع البيع
فيه لتحقق مقصوده فافترقا، وفي أم ولد النصراني قضينا بكتابتها عليه دفعا للضرر من
الجانبين وبدل الكتابة لا يفتقر وجوبه إلى التقوم، كذا في الهداية. وفي غاية البيان: وهذا
تناقض من صاحب الهداية في كلامه لأنه جعل التدبير هنا سببا بعد الموت وجعله في باب
التدبير سببا في الحال، ومذهب علمائنا أن التدبير سبب في الحال بخلاف سائر التعليقات
فإنها ليست بأسباب في الحال اه‍. وجوابه أن كلامه في سقوط التقوم لام الولد، فحاصل
كلامه أن سبب سقوط التقوم في أمل الولد ثابت في الحال، وسبب سقوطه في المدبر متأخر
إلى ما بعد الموت لأن الأصل أن ينعقد السبب فيه بعد الموت كسائر التعليقات وإنما قلنا
بانعقاده سببا للحال على خلاف القياس لضرورة هي أن تأخره إلى وجود الشرط كغيره من
التعليقات يوجب بطلانه لأن ما بعد الموت زمان زوال أهلية التصرف فلا تتأخر سببية كلامه
فيتقدر بقدر الضرورة فيظهر أثره في حرمة البيع خاصة لا في سقوط التقوم فتتأخر سببيته
لسقوط التقوم إلى ما بعد الموت، وهذا هو محمل كلام المصنف فلا تناقض كما في فتح
القدير.
قوله: (فلا يضمن أحد الشريكين بإعتاقها) يعني لو كانت أمة بين رجلين ولدت
فادعياه جميعا فصارت أم ولد لهما ثم أعتقها أحدهما فلا ضمان عليه لشريكه موسرا كان أو
معسرا عند الإمام. وعندهما إن كان المعتق موسرا ضمن نصف قيمتها، وإن كان معسرا
سعت للساكت في نصف القيمة. قالوا: وينبني على هذا الأصل مسائل منها ما في المختصر،
والثانية إذا غصبها فهلكت عنده لا يضمن عنده، وعندهما يضمن. والثالثة إذا مات أحدهما
تعتق ولا تسعى في شئ للحي عنده، وعندهما تسعى في نصف قيمتها له. والرابعة إذا باع
جارية فجاءت بولد عند المشتري لأقل من ستة أشهر فماتت الجارية فادعى البائع أن الولد ابنه
ثبت نسبه منه ويأخذ الولد ويرد الثمن كله، وعندهما يرد حصة الولد ولا يرد حصة الام،
كذا في غاية البيان. وزاد في فتح القدير خامسة وهي ما إذا باعها وسلمها فماتت في يد
المشتري لا ضمان عليه عنده، ويضمن عندهما. وذكر في الكافي والنهاية أن أم الولد إذا
جاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت نسبه منه وعتق ولم يضمن لشريكه قيمة الولد عنده لأن أم
الولد كأمه فلا يكون متقوما عنده، وعندهما يضمن إن كان موسر ويسعى الولد له إن كان
معسرا. وتعقبه في التبيين بأن النسب يثبت مستندا إلى وقت العلوق فلم يعلق شئ منه على
409

ملك الشريك. وهكذا ذكر صاحب الهداية في باب الاستيلاد في القنة فضلا عن أن تكون
أم ولد قبله حتى قال: لا يغرم قيمة ولدها. وكذا ذكر غيره. ولم يذكروا خلافا فيه فكيف
يتصور أن يكون سقوط الضمان لأجل أنه كأمه عنده وعندهما يضمن وهو حر الأصل، ولو
كان مكان الدعوى إعتاق كان مستقيما ا ه‍. وحاصله أنهم صرحوا أن أحد الشريكين إذا
ادعى ولد الأمة فإنه لا يغرم قيمة الولد من غير خلاف لأنه ثبت نسبه مستندا إلى وقت
العلوق، فإذا كان لا ضمان عليه في ولد القنة فكيف يضمن قيمته من أو الولد عندهما مع أنه
حر الأصل؟ ولم أر جوابا عنه وهو سهو منه للفرق الظاهر بين ولد القنة وولد أم الولد لأنه
في ولد القنة إنما لا يضمن قيمته لشريكه لأنه لما ضمن لشريكه نصف قيمة الأمة تبين أن
الاستيلاد صادف ملكه بالتمام لأن النصف انتقل إليه فعلق الولد على ملكه، وولد الأمة من
مولاها حر فلا يغرمه، وفي أم الولد لم ينتقل نصيب شريكه إليه لأنها لا تقبل الانتقال من
ملك إلى ملك فلم يكن الاستيلاد في ملكه التام فهو في نصيب شريكه كالأجنبي وولد أم
الولد من الأجنبي كأمه فلذا لا يضمن عنده ويضمن عندهما، والدليل على ذلك أنه لا يضمن
نصف قيمة أم الولد عندهما في هذه الصورة لأن مدعي الولد لم يتلف على شريكه شيئا لأنها
أم ولد لهما قبل دعوى الشريك الولد الثاني، والدليل على ذلك أيضا ما نقله في البدائع أن
المدبرة بين رجلين إذا جاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت نسبه وصار نصفها أم ولد له ونصفها
مدبرة للشريك ويغرم نصف العقر ونصف قيمة الولد مدبرا، ولا يضمن نصف قيمة الام
بخلاف القنة إلى آخره. فقد علمت أنه لا تقاس المدبرة وأم الولد على القنة وسنوضحه في
بابها إن شاء الله تعالى والله سبحانه وتعالى أعلم. هذا ولو قرب أم الولد إلى مسبعة فافترسها
السبع يضمن لأن هذا ضمان جناية لا ضمان غصب.
قوله: (له أعبد قال لاثنين أحد كما حر فخرج واحد ودخل آخر وكرر ومات بلا بيان
عتق ثلاثة أرباع الثابت ونصف كل واحد من الآخرين) شروع في بيان بعض مسائل العتق
المبهم. وصورة هذه المسألة رجل له ثلاثة أعبد فدخل عليه اثنان فقال أحد كما حر فخرج
أحدهما ودخل آخر فقال أحد كما حر ومات المولى قبل أن يبين عتق من الثابت ثلاثة أرباعه
وهو الذي أعيد عليه القول، وعتق نصف كل واحد من الخارج والداخل عند أبي حنيفة وأبي
يوسف. وقال محمد: كذلك إلا في العبد الأخير فإنه يعتق ربعه، أما الخارج فلان الايجاب
الأول دائر بينه وبين الثابت فأوجب عتق رقبة بينهما لاستوائهما فيصيب كل واحد منهما
النصف غير أن الثابت استفاد بالايجاب الثاني ربعا آخر لأن الثاني دائر بينه وبين الداخل
410

فيتنصف بينهما غير أن الثابت استحق نصف الحرية بالايجاب الأول فشاع النصف المستحق
بالثاني في نصفيه، فما أصاب المستحق بالأول لغا وما أصاب الفارغ بقي فيكون له الربع
فتمت له ثلاثة الأرباع، ولأنه لو أريد هو بالثاني يعتق نصفه، ولو أريد به الداخل لا يعتق
هذا النصف فيتنصف فعتق منه الربع بالثاني. والنصف بالأول، وأما الداخل فمحمد
رحمه الله تعالى يقول: لما دار الايجاب الثاني بينه وبين الثابت وقد أصاب الثابت منه الربع
فكذا يصيب الداخل. وهما يقولان: إنه دائر بينهما وقضيته التنصيف وإنما نزل إلى الربع في
حق الثابت لاستحقاقه النصف بالايجاب الأول كما ذكرنا، ولا استحقاق للداخل من قبل
فيثبت فيه النصف. قيد بقوله ومات بلا بيان لأنه ما دام حيا يؤمر بالبيان وللعبيد
مخاصمته، فإن بدا بالبيان للايجاب الأول فإن عنى به الخارج عتق الخارج بالايجاب الأول
وتبين أن الايجاب الثاني بين الثابت والداخل وقع صحيحا لوقوعه بين عبدين فيؤمر بالبيان
لهذا الايجاب، وإن عنى بالايجاب الأول الثابت عتق الثابت بالايجاب الأول وتبين أن الايجاب
الثاني وقع لغوا لحصوله بين حر وعبد في جواب ظاهر الرواية، وإن بدأ بالبيان للايجاب
الثاني فإن عنى به الداخل بالايجاب الثاني بقي الايجاب الأول بين الخارج والثابت على حاله
كما كان فيؤمر بالبيان، وإن عنى به الثابت عتق الثابت بالايجاب الثاني وعتق الخارج بالايجاب
الأول لتعينه للعتق بإعتاق الثابت. وقيد بموته لأنه لو مات واحد منهم فإن مات الخارج عتق
الثابت بالايجاب الأول وتبين أن الايجاب الثاني وقع باطلا، وإن مات الثابت عتق الخارج
بالايجاب الأول والداخل بالايجاب الثاني لأن الثابت قد أعيد عليه الايجاب فموته يوجب
تعيين كل واحد منهما للعتق، وإن مات الداخل يؤمر المولى بالبيان للايجاب الأول، فإن عنى
به الخارج عتق الخارج بالايجاب الأول وبقي الايجاب الثاني بين الداخل والثابت فيؤمر
بالبيان، وإن عنى به الثابت تبين أن الايجاب الثاني وقع باطلا.
قوله: (ولو في المرض قسم الثلث على هذا) أي على قدر ما يصيبهم من سهام العتق،
وشرحه أن يجمع بين سهام العتق وهي سبعة على قولهما لأنا نجعل كل رقبة على أربعة
لحاجتنا إلى ثلاثة الأرباع فنقول: يعتق من الثابت ثلاثة أسهم ومن الآخرين من كل واحد
منهما سهمان فبلغ سهام العتق سبعة والعتق في مرض الموت وصية ومحل نفاذها الثلث فلا
بد أن تجعل سهام الورثة ضعف ذلك، فتجعل كل رقبة على سبعة وجميع المال أحد وعشرون،
فيعتق من الثابت ثلاثة ويسعى في أربعة، ومن الباقين من كل واحد سهمان ويسعى في خمسة
أسهم، فإذا تأملت وجمعت استقام الثلث والثلثان. وعند محمد يجعل كل رقبة على ستة لأنه
411

يعتق من الداخل عنده سهم فنقصت سهام العتق سهما فصار جميع المال ثمانية عشر وباقي
التخريج ما مر. فحاصله أنه يعتق على قوله من الثابت نصفه ويسعى في النصف، وعلى
قولهما يعتق نصفه إلا نصف سبع ويعتق من الخارج ثلثه سهمان ويسعى في الثلثين، وعلى
قولهما يعتق ثلثه إلا ثلث سبع ومن الداخل سدسه وهو سهم واحد، وعلى قولهما يعتق
سبعاه. قال في فتح القدير: ولا يخفى أن الحاصل لورثته لا يختلف ا ه‍. ولا يخفى أن قسمة
الثلث إنما هو عند عدم إجازة الورثة وضيق المال وعدم الدين، أما إذا كانوا يخرجون من
الثلث أو لا يخرجون لكن أجازت الورثة فالجواب كما إذا كان في الصحة يعتق من كل واحد
ما عتق ويسعى في الباقي، ولو كان على الميت دين مستغرق يسعى كل واحد في قيمته للغر
ماء ردا للوصية لأن العتق في مرض الموت وصية ولا وصية إلا بعد قضاء الدين، فإن كان
الدين غير مستغرق بأن كان ألفا وقيمة كل واحد من العبدين ألف مثلا يسعى كل واحد في
نصف قيمته ثم نصف كل واحد منهما وصية، فإن أجازت الورثة عتق النصف الباقي من كل
واحد وإلا يعتق من كل واحد ثلث نصف الباقي وهو السدس مجانا ويسعى في ثلثي
النصف، كذا في البدائع في مسألة ما إذا أعتق عبديه في المرض، ويستفاد منه مسألة الكتاب
كما لا يخفى. وأشار المصنف إلى أنه لو كان هذا في الطلاق فالحكم كذلك قال في الهداية:
ولو كان هذا في الطلاق وهن غير مدخول بهن ومات الزوج قبل البيان سقط من مهر
الخارجة ربعه، ومن مهر الثابتة ثلاثة أثمان، ومن مهر الداخلة ثمنه. قيل: هذا قول محمد.
وعندهما يسقط ربعه. وقيل: هو قولهما أيضا. وقد ذكرنا الفرق وتمام تفريعها في الزيادات
ا ه‍. وقد أوضحه في فتح القدير. ثم اعلم أن جهالة المعتق لا تخلو إما أن تكون أصلية وإما
أن تكون طارئة، فإن كانت أصلية وهي أن تكون الصيغة من الابتداء مضافة إلى أحد
المذكورين غير عين فصاحبه المزاحم لا يخلو إما أن يكون محتملا للاعتاق وهو ممن ينفذ إعتاقه
فيه كقوله لعبديه أحدكما حر فالكلام فيه في موضعين: الأول في كيفية هذا التصرف،
والثاني في أحكامه.
أما كيفيته فقيل إن العتق معلق بالبيان ولا يثبت العتق قبل الاختيار إلا أنه ها هنا
يدخل الشرط على الحكم لا على السبب كالتدبير والبيع بخيار الشرط بخلاف التعليق بسائر
412

الشروط، ونسب هذا القول إلى أبي يوسف. ويقال إنه قول أبي حنيفة أيضا. وقال بعضهم:
هو تنجيز العتق في غير المعين للحال واختيار العتق في أحدهما بيان ونسب هذا القول
لمحمد. ولم يكن منصوصا عليه من أصحابنا لكنه مدلول عليه ومشار إليه، أما الدلالة فلانه
ظهر الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد في الطلاق فيمن قال لامرأتيه إحداكما طالق أن العدة
تعتبر من وقت الاختيار في قول أبي يوسف والعدة إنما تجب من وقت وقوع الطلاق، فدل
أن الطلاق لم يكن واقعا. وفي قول محمد يعتبر من وقت الكلام السابق وهو يدل على أن
الطلاق قد وقع من حين وجوده. وأما الإشارة فإنه روي عن أبي يوسف أنه قال: إذا أعتق
أحد عبديه تعلق العتق بذمته ويقال له أعتق. وفيه إشارة إلى أنه غير نازل في المحل. ومعنى
قوله أعتق اختر العتق لاجماعنا أنه لا يكلف بإنشاء العتق. وذكر محمد في الزيادات يقال له
بين، وفيه إشارة إلى الوقوع في غير المعين. ثم القائلون بالبيان اختلفوا في كيفية البيان فمنهم
من قال إنه إظهار محض، وقيل إظهار من وجه، إنشاء من وجه هذا غير سديد، لأن القول
الواحد لا يكون إظهارا وإنشاء. وأما الأحكام فنقول إن للمولى أن يستخدمهما ويستغلهما
قبل الاختيار، وهذا يدل على أنه غير واقع ولو جنى عليهما قبل الاختيار فلا يخلو إما إن
كانت من المولى أو من الأجنبي، وكل لا يخلو إما أن يكون على النفس أو على ما دون
النفس، فإن كانت من المولى على ما دون النفس بأن قطع يدهما فلا شئ عليه وهو يدل على
عدم نزول العتق، وسواء قطعهما معا أو على التعاقب، وإن كان على النفس بأن قتلهما، فإن
كان على التعاقب فالأول عبد والثاني حر فتلزمه دية الثاني وتكون لورثته ولا يرث المولى منها
شيئا، وإن قتلهما معا بضربة واحدة فعليه نصف دية كل واحد منهما وهذا يؤيد القول بنزول
العتق في غير المعين. وإن كانت من أجنبي فيما دون النفس بأن قطع إنسان يدهما فعليه أرش
العبيد للمولى وهو نصف قيمة كل واحد منهما، قطعهما معا أو على التعاقب، وهو يدل على
عدم نزوله. وإن كانت في النفس فلا يخلو إما أن يكون القاتل واحدا أو اثنين، فإن كان
واحدا فإن قتلهما معا فعلى القاتل نصف قيمة كل واحد منهما وتكون للمولى وعليه نصف
دية كل واحد منهما لورثتهما، وهذا يدل على أن العتق نازل في غير العين، وإن قتلهما على
التعاقب يجب على القاتل قيمة الأول للمولى ودية الثاني للورثة.
413

وإن كان القاتل اثنين، فإن كانا معا فعلى كل واحد منهما القيمة نصفها للورثة ونصفها
للمولى، وإنما لم تجب دية لأن من تجب عليه الدية منهما مجهول بخلاف ما إذا كان واحدا.
وإن كان على التعاقب فعلى الأول القيمة للمولى وعلى الثاني الدية للورثة، ولو كانا أمتين
فولدت كل واحدة ولدا أو إحداهما فاختار المولى عتق إحداهما عتقت هي وعتق ولدها، سواء
كان للأخرى ولد أو لم يكن. أما على قول التنجيز فظاهر، وهكذا على قول التعليق لانعقاد
السبب فيسرى كالاستيلاد. ولو ماتا معا قبل الاختيار وقد ولدت كل ولدا خير المولى فيختار
عتق أي الوالدين شاء كما كان مخيرا فيهما، ولو قتل الأمتين رجل خير المولى في الولدين
فأيهما اختار عتقه لا يرث من أرش أمه شيئا لأنه إنما عتق بالاختيار وهو بعد موت الام فلا
يرث منها بل يكون الكل للمولى، وهذا نص مذهب التعليق. ولو وطئتا بشبهة قبل الاختيار
يجب عقرهما للمولى كالأرش وهو يؤيد قول التعليق، ولو باعهما صفقة واحدة فسد البيع على
المذهبين لانعقاد السبب على قول التعليق كما لو جمع بين قن ومدبر في البيع ولم يبين حصة
كل واحد منهما من الثمن، ولو قبضهما المشتري وملك أحدهما وأعتقهما المشتري أمر البائع
باختيار العتق، وأيهما اختار عتقه عتق الآخر على المشتري، فإن مات البائع قبل البيان قام
الوارث مقامه، فإن لم يعتق المشتري حتى مات البائع لم ينقسم العتق بينهما حتى يفسخ
القاضي البيع، فإذا فسخه انقسم وعتق في كل نصفه. ولو وهبهما قبل الاختيار أو تصدق
بهما أو تزوج عليهما تخير فيختار العتق في أيهما شاء، وتجوز الصدقة والهبة والامهار في
الآخر لأن حرية أحدهما لا يوجب بطلان هذه التصرفات لأنه لو جمع في الهبة بين حر وعبد
فإنه يصح في العبد، وإن مات المولى قبل أن يبين العتق في أحدهما بطلت الهبة والصدقة
فيهما وبطل إمهاره لشيوع العتق بموته، ولو أسرهما أهل الحرب كان للمولى أن يختار العتق
ويكون الآخر لأهل الحرب، فإن لم يختر حتى مات بطل ملك أهل الحرب لشيوع الحرية
414

فيهما. ولو اشتراهما من أهل الحرب تاجر فللمولى أن يختار عتق أيهما شاء ويأخذ الآخر
بحصته من الثمن، فإن اشترى التاجر أحدهما فاختار المولى عتقه عتق وبطل الشراء، فإن
أخذه المولى من الذي اشتراء بالثمن عتق الآخر. ولو أعتق أحد عبديه في صحته ثم بين في
المرض فإنه يعتق من جميع المال، وإن كانت قيمته أكثر من الثلث، وهذا يدل على أن إضافة
العتق إلى المجهول إيقاع وتنجيز إذا لو كان تعليقا لاعتبر من الثلث كالانشاء في المرض،
وسيأتي بيان ما يكون بيانا وما لا يكون بيانا. ولو قال أحد عبيدي حر ثلاث مرات وله ثلاثة
عتقوا جميعا، ولو قال أحدكم حر وكرره ثلاثا لم يعتق إلا واحد لأن أحدهم عتق باللفظ
الأول، ثم الثاني جمع بين حر وعبدين فقال أحدكم فلم يصح، ثم باللفظ الثالث جمع بين
عبد وحرين فلم يصح ذلك أيضا. ولو قال لعبده أنت حر أو مدبر يؤمر بالبيان، فإن قال
عنيت به الحرية عتق، وإن قال عنيت التدبير صار مدبرا، فإن مات قبل البيان والقول في
الصحة عتق نصفه بالاعتاق البات ونصفه بالتدبير لشيوع العتقين فيه إلا أن نصفه يعتق مجانا
من جميع المال، ونصفه يعتق من الثلث، سواء كان التدبير في المرض أو في الصحة، إن
خرج من الثلث عتق كل النصف، وإن لم يكن له مال غيره عتق ثلث النصف ويسعى في
ثلثي النصف وهو ثلث الكل.
وأما الحكم بعد موت المولى من غير بيان فإنه يعتق من كل واحد منهما نصفه والخيار
لا يورث لشيوع العتق ويسعى في نصفه. وهذا كله إذا كان المزاحم له محتملا للعتق وهو
415

ممن ينفذ إعتاقه فيه، فإن كان مما لا ينفذ إعتاقه فيه بأن جمع بين عبده وعبد غيره وقال
أحدكما حر لا يعتق عبده، إلا بالنية لاحتماله كلا منهما، وإن كان المزاحم مما لا يحتمل
الاعتاق كما إذا جمع بين عبد وبهيمة أو حائط أو حجر وقال أحدكما حر توقف على النية
لأن الصيغة للاخبار وهو صادق. ولو جمع بين عبده ومدبره وقال أحدكما حر لا يصير
عبده مدبرا إلا بالنية، وأما الجهالة الطارئة بأن أضافه إلى أحدهما بعينه ثم نسيه فالكلام فيه
في موضعين: أحدهما في كيفية هذا التصرف. ثانيهما في أحكامه. أما الأول فلا خلاف
في أن أحدهما حر قبل البيان والبيان فيه إظهار، وأما الثاني فهي ضربان: ضرب يتعلق
بحياة المولى والآخر بعد موته. أما الأول فإنه يمنع عن وطئهن واستخدامهن والحيلة في أن
يباح له وطؤهن أن يعقد عليهن عقد النكاح فتحل له الحرة منهن ويأمره القاضي بالبيان،
فإن امتنع حبسه ليبين، وإن ادعى كل ولا بينة وجحد استحلفه القاضي لكل واحد منهما
بالله ما أعتقته، فإن نكل لهما عتقا، وإن حلف لهما أمر بالبيان لأن حرية أحدهما لا ترتفع
باليمين، فإن حلف المولى للأول عتق الذي لم يحل له، وإن لم يحلف له عتق هو، وإن
حلف لهما وكانا أمتين يحجب عنهما حتى يبين. والبيان في هذه الجهالة نوعان: نص
ودلالة أو ضرورة. فالنص أن يعينه بقوله، وأما الدلالة أو الضرورة فهو أن يفعل أو يقول
ما يدل على البيان كأن يتصرف في أحدهما تصرفا لا يصح إلا في الملك من البيع والهبة
والاعتاق. وكذا إذا كانا أمتين فوطئ أحداهما عتقت الأخرى بلا خلاف بخلاف الجهالة
الأصلية عند الإمام. وإن كن عشرا فوطئ إحداهن تعينت الموطوءة للرق حملا لامره على
الصلاح، وتعينت الباقيات لكون المعتقة فيهن فتتعين بالبيان نصا أو دلالة. وكذا لو وطئ
الثانية والثالثة إلى التاسعة فتتعين الباقية وهي العاشرة للعتق، ولو ماتت واحدة منهن قبل
البيان فالأحسن أن لا يطأ الباقيات قبل البيان، فلو فعل جاز لاحتمال أن يتذكر أن المعتقة
هي الميتة لأن الحي هنا لا يتعين للعتق بخلاف الجهالة الأصلية. ولو كانتا اثنتين فماتت
واحدة منهما لا تتعين الباقية للعتق لأن الميتة لم تتعين للملك فوقف تعينها للعتق على
البيان. ولو قال المولى هذا مملوك وأشار إلى أحدهما تعين الآخر للعتق دلالة أو ضرورة،
416

ولو باعهما صفقة واحدة كان البيع فاسدا، وكذا لو كانوا عشرة باعهم صفقة، ولو
باعهم على الانفراد جاز البيع في التسع وتعين العاشر للعتق. وأما الثاني فهو أن المولى إذا
مات قبل البيان يعتق من كل منهما نصفه مجانا ويسعى كل في نصفه كما في الجهالة
الأصلية، كذا في البدائع مع اختصار وحذف الدلائل.
قوله: (والبيع والموت والتحرير والتدبير بيان في العتق المبهم) لأنه لم يبق محلا للعتق
أصلا بالموت والتحرير وللعتق من جهته بالبيع وللعتق من كل وجه بالتدبير فتعين الآخر،
ولأنه بالبيع قصد الوصول إلى الثمن وبالتدبير إبقاء الانتفاع إلى موته، والمقصودان ينافيان
العتق الملتزم فتعين الآخر دلالة. والاستيلاد والكتابة كالتدبير، والمراد بالتحرير أن يعتق
أحدهما ناويا استئناف العتق عليه أو لا نية له لا بيان للمبهم، فلو قال لأحدهما أنت حر أو
أعتقتك ولم يقل بذلك اللفظ أو بالعتق السابق، فإن أراد به عتقا مستأنفا عتقا جميعا، وهذا
بالاعتاق المستأنف وذلك باللفظ السابق، وإن قال عنيت به الذي لزمني بقولي أحدكما حر
يصدق في القضاء ويحمل قوله أعتقتك على اختيار العتق أي اخترت عتقك. وأشار بالبيع
إلى كل تصرف لا يصح إلا في الملك كهبة أحدهما أو صدقته أو رهنه أو إجارته أو الايصاء به
أو تزويجه فكان إقدامه دليلا على اختياره العتق المبهم في الآخر، وهذا على القول بأن العتق
غير نازل. وأما على القول بنزوله فالاقدام عليها يكون اختيارا للملك في المتصرف فيه فيتعين
الآخر للعتق ضرورة. وشرط في الهداية التسليم في الهبة والصدقة ليكون تمليكا. وظاهر
البدائع أنه ليس بشرط لأن المساومة إذا كانت بيانا فهذه التصرفات أولى بلا قبض. وفي
الكافي أن ذكر التسليم وقع اتفاقا. وأطلق في البيع فشمل الصحيح والفاسد مع القبض
وبدونه، وشمل المطلق وبشرط الخيار لاحد المتعاقدين لاطلاق الكتاب والمعنى ما قلنا،
والعرض على البيع ملحق به في المحفوظ عن أبي يوسف. وأطلق في التحرير فشمل المعلق
والمنجز، فإن قال لأحدهما إن دخلت الدار فأنت حر عتق الآخر. وقيد بالعتق المبهم لأن
الموت في النسب المبهم أو أمومية الولد المبهمة لا يكون بيانا فلو قال أحد هذين ابني أو أحد
هاتين أم ولدي فمات أحدهما لم يتعين الآخر للحرية والاستيلاد لأنه ليس بإنشاء بل إخبار
417

عن شئ سابق والاخبار يصح في الحي والميت فيقف على بيانه بخلاف أحدكما حر إنشاء
والانشاء لا يصح إلا في الحي. وأطلق في الموت فشمل القتل، سواء قتله المولى أو أجنبي،
فإن كان القتل من المولى فلا شئ عليه، وإن كان من الأجنبي فعليه قيمة العبد المقتول
للمولى، فإن اختار المولى عتق المقتول لا يرتفع العتق عن الحي ولكن يكون لورثة المقتول لأن
المولى قد أقر بحريته فلا يستحق شيئا من قيمته، وقيد بالموت احترازا عن قطع اليد فإنه لا
يعتق الآخر، سواء كان القطع من المولى أو من الأجنبي. فإن كان من أجنبي وبين المولى
العتق في غير المجني عليه فالأرش للمولى بلا شك، وإن بينه في المجني عليه ذكر القدوري
أن الأرش للمولى لا للمجني عليه. وذكر الأسبيجابي أن الأرش للمجني عليه وهو قياس
مذهب التنجيز والأول قياس مذهب التعليق. وفي فتح القدير: وما يقع به البيان في العتق
المبهم المنجز يقع به في العتق المبهم المعلق كان قال إذا جاء زيد فأحد كما حر، فلو مات
أحدهما قبل الشرط أو تصرف فيه بإزالة الملك ثم جاء زيد عتق الباقي. وفرق بين البيان
الحكمي والصريح، فإن الحكمي قد رأيت أنه يصح قبل الشرط بخلاف الصريح فإنه لو قال
قبل الشرط اخترت أن يعتق فلان ثم وجد الشرط لا يعتبر لأنه اختيار قبل وقته كما لو قال
أنت حر إن دخلت هذه أو هذه ثم عين أحداهما للحنث لا يصح تعيينه. ولو باع أحدهما أو
كلاهما ثم اشتراهما ثم جاء زيد ثبت حكم العتق المبهم فيعتق أحدهما ويؤمر بالبيان لأن زوال
الملك بعد اليمين لا يبطلها ا ه‍. وفي الاختيار: لو قال أحدكما حر فقيل أيهما نويت فقال لم
أعن هذا عتق الآخر، فإن قال بعد ذلك لم أعن هذا عتق الأول أيضا، وكذلك طلاق إحدى
المرأتين بخلاف ما إذا قال لاحد هذين على ألف فقيل له هو هذا فقال لا لا يجب للآخر
شئ. والفرق أن التعيين واجب عليه في الطلاق والعتاق فإذا نفاه عن أحدهما تعين الآخر
إقامة للواجب، أما الاقرار لا يجب عليه البيان فيه لأن الاقرار للمجهول لا يلزم حتى لا يجبر
عليه فلم يكن نفي أحدهما تعيينا للآخر.
قوله: (لا الوطئ) أي لا يكون وطئ إحدى الأمتين بيانا للعتق المبهم إذا لم يكن معلقا
عند أبي حنيفة. وقالا: لا هو بيان فتعتق الأخرى لأن الوطئ لا يحل إلا في الملك وإحداهما
حرة فكان بالوطئ مستبقيا الملك في الموطوءة فتعينت الأخرى لزواله بالعتق كما في الطلاق،
وله أن الملك قائم في الموطوءة لأن الايقاع في النكرة وهي معينة فكان وطؤها حلالا فلا
يجعل بيانا ولهذا حل وطؤهما على مذهبه إلا أنه لا يفتى به. ثم يقال: العتق غير نازل قبل
418

البيان لتعلقه به أو يقال نازل في المنكر فيظهر في حق حكم يقبله والوطئ يصادف المعينة
بخلاف الطلاق لأن المقصود الأصلي من النكاح الولد وقصد الولد بالوطئ يدل على استبقاء
الملك في الموطوءة صيانة للولد، أما الأمة فالمقصود من وطئها قضاء الشهوة دون الولد فلا
يدل على الاستبقاء. وفي فتح القدير: الحق أنه لا يحل وطؤهما كما لا يحل بيعهما وقد وضع
في الأصول مسألة يجوز أن يحرم أحد أشياء كما يجوز إيجاب أحد أشياء كما في خصال
الكفارة، وحكم تحريم أحد أشياء جواز فعلها إلا واحدا لأنه لو عمها فعلا كان فاعلا
للمحرم قطعا ولا يعلم خلاف في ذلك، وثبوت الملك قد يمتنع معه الوطئ لعارض كالرضاع
والمجوسية فلا يستلزم قيامه حل الوطئ وقد أطال رحمه الله تعالى إطالة حسنة. والحاصل أن
الراجح قولهما وأنه لا يفتى بقول الإمام كما في الهداية وغيرها لما فيه من ترك الاحتياط مع
أن الإمام رحمه الله تعالى ناظر إلى الاحتياط في أكثر المسائل. قيدنا الوطئ بكونه غير معلق
لأنها لو علقت به عتقت الأخرى بالاتفاق. وقيد بالعتق المبهم لأن الوطئ في التدبير المبهم لا
يكون بيانا بالاجماع لأن التدبير لا يزيل ملك المنافع بخلاف العتق. وأشار المصنف إلى أنه لو
قبلها أو لمسها أو نظر إلى فرجها بشهوة لا يكون بيانا بالأولى وهو على الخلاف كما في
المحيط، وإلى أنه لو استخدم أحدهما طوعا أو كرها لا يكون بيانا وهو بالاجماع لأن
الاستخدام لا ينافي إنشاء العتق ولا يبطله الانشاء لأنه لا يختص بالملك لأنه قد تستخدم الحرة
فلا يكون بيانا دلالة، كذا في المحيط قوله: (وهو والموت بيان في الطلاق المبهم) أي الوطئ
بيان للطلاق المبهم فتطلق التي لم يطأها كما إذا ماتت إحداهما تعينت الأخرى للطلاق، وقد
قدمنا الفرق بين الطلاق والعتق. ولا بد أن يكون الطلاق بائنا، أما لو كان رجعيا لا يكون
الوطئ بيانا لطلاق الأخرى لحل وطئ المطلقة الرجعية. وهل البيان يثبت في الطلاق
بالمقدمات في الزيادات لا يثبت. وقال الكرخي: يحصل بالتقبيل كما يحصل بالوطئ، كذا في
فتح القدير. قيد بالوطئ والموت لأنه لو طلق إحداهما ينبغي أن لا يكون بيانا لأن المطلقة يقع
الطلاق عليها ما دامت في العدة فلا يدل على أن الأخرى هي المطلقة.
قوله: (ولو قال إن كان أول ولد تلدينه ذكرا فأنت حرة فولدت ذكر أو أنثى ولم يدر
الأول رق الذكر وعتق نصف الام والأنثى) لأن كل واحد منهما يعتق في حال دون حال وهو
ما إذا ولدت الغلام أولا عتقت الام بالشرط والجارية لكونها تبعا لها لأن الام حرة حين
ولدتها، وترق في حال وهو ما إذا ولدت الجارية أولا لعدم الشرط فيعتق نصف كل واحدة
وتسعى في النصف. أما الغلام فيرق في الحالين فلهذا يكون عبدا، وهذا الجواب كما ترى
419

في الجامع الصغير من غير خلاف فيه. والمذكور لمحمد في الكيسانيات في هذه المسألة أنه لا
يحكم بعتق واحد منهم لأنا لم نتيقن بعتق، واعتبار الأحوال بعد التيقن بالحرية، ولا يجوز
إيقاع العتق بالشك فعن هذا حكم الطحاوي بأن محمدا كان أولا مع أبي حنيفة وأبي يوسف
ثم رجع. وفي النهاية عن المبسوط أن هذا الجواب ليس جواب هذا الفصل بل في هذا
الفصل لا يحكم بعتق واحد ولكن يحلف المولى بالله ما يعلم أنها ولدت الجارية أولا، فإن نكل
فنكوله كإقراره، وإن حلف فكلهم أرقاء. وأما جواب هذا الفصل إنما هو فيما إذا قال إن
كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة، وإن كانت جارية فهي حرة، فولدتهما ولا يدري
الأول فالغلام رقيق والأنثى حرة ويعتق نصف الام، ولا شك أن هذا ليس جواب الكتاب
لأن في هذه الصورة يعتق جميع الجارية على كل حال لأنها إن ولدت الجارية أولا عتقت
بالشرط، وإن ولدت الغلام أولا عتقت تبعا للام، وأما انتصاف عتق الام فلأنها تعتق في
ولادة الغلام أولا وترق في الجارية، وجواب الكتاب عتق نصفها مع نصف الام. وصحح
في النهاية ما في الكيسانيات لأن الشرط الذي لم يتيقن وجوده إذا كان في طرف واحد كان
القول قول من أنكر وجوده كما إذا قال إن دخلت الدار غدا فأنت حر فمضى الغد ولا
يدري أدخل الدار أم لا للشك في شرط العتق، فكذا وقع الشك في شرط العتق وهو ولادة
الغلام أولا. وأما إذا كان الشرط مذكورا في طرفي الوجود والعدم كان أحدهما موجودا لا
محالة فحينئذ يحتاج إلى اعتبار الأحوال. فإن قلت: المفروض في مسألة الكتاب تصادقهم على
عدم علم المتقدم والمتأخر، فكيف يحلف ولا دعوى ولا منازع؟ قلت: هو محمول على دعوى
من خارج حسبة عتق الأمة أو بنتها لوجود الشرط، وقد عرف أن الأمة لو أنكرت العتق
وشهد به يقبل فعلى هذا جاز أن يدعى رجل حسبة إذا لم تكن بينة ليحلف لرجاء نكوله، هذا
ولكن المذكور في المبسوط في تعليله صرح بأن الام تدعي العتق والمولى ينكر والقول للمنكر
مع يمينه، فأفاد أن ذلك في صورة دعوى الام وهي غير هذه الصورة التي في الكتاب.
واعلم أن ما ذكر في النهاية من ترجيح ما في الكيسانيات حقيقته إبطال قول أبي حنيفة وأبي
يوسف مع أنه لم يرو عنهما رواية شاذة تخالف ذلك في الجواب، واستدلاله بأن الشرط
الكائن في طرف واحد إلى آخر قد ينظر فيه بأن ذلك في الشرط الظاهر لا الخفي، ولذا قيد
في المبسوط حيث قال: إذا قال إن فعلت كذا فأنت حر وذلك من الأمور الظاهرة كالصوم
والصلاة ودخول الدار فقال العبد فعلت لا يصدق إلا ببينة بخلاف قوله إن كنت تحبيني إلى
420

آخره. فيمكن أن تكون الولادة من الأمور التي ليست ظاهرة فيوجب الشك فيها اعتبار
الأحوال فيعتق نصف الام كما في الجامع والله أعلم، كذا في فتح القدير وفيه نظر، لأن
جعل الولادة من الأمور الخفية كمحبة القلب لا يصح لأن المراد بالأمور الظاهرة ما يمكن
اطلاع الغير عليها، والمراد بالخفية ما لا يمكن اطلاع الغير عليه، ولا شك أن الولادة مما
يمكن الاطلاع عليها ولذا اتفقوا أنه لا يقبل قول المرأة في الولادة ولو كانت كالمحبة لقبل
قولها، وإنما اختلفوا هل يكتفي بشهادة المرأة أو لا بد من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين
كما قدمناه. فالحق أن المسألة مشكلة لأنها لا توافق الأصول ولا يمكن الحكم بإبطال هذا
الجواب كما في النهاية لأن جوابها نص الجامع الصغير، ولولا ذلك لتعين القول بما في
النهاية، وقد ظهر للعبد الضعيف أن مشايخنا يعتبرون الأحوال عند تعدد الشرط وعند التعليق
بشرط واحد له جزآن كمسألتنا.
قوله: (فإن العتق معلق على شرطه له جزآن) إحداهما ولادة الغلام، وثانيهما كونه
أول، ففي كل منهما إذا تحقق وجود البعض ووقع التردد في تعيينه فحينئذ تعتبر الأحوال،
فإن في مسألتنا تحقق ولادة الغلام لكن لم يدر أنه أول بخلاف التعليق بدخول الدار ونحوه
فإن الشرط شئ واحد ولم يتحقق وجوده فلا تعتبر الأحوال. فالحاصل أن الشرط إذا كان
مركبا من جزئين فهو كالتعليق بشرطين. وبهذا التقدير يصح ما في الجامع الصغير وتتوافق
الفروع مع الأصول كما لا يخفى. والمراد بعدم علم الأول تصادقهم على عدم الأول تصادقهم على عدم معرفة
الأول، وقيد به لأنهم لو اتفقوا على أن ولادة الغلام أولا أو اتفقوا على أن ولادة الجارية
أولا فلا يعتق أحد في الثاني ويعتق كل الام والجارية في الأول فهي ثلاثة، والرابعة لو
اختلفا فادعت الام ولادة الغلام أولا وأنكر المولى والجارية صغيرة فالقول قول المولى لأنه
ينكر شرط العتق، ويحلف على العلم لأنه فعل الغير، فإن حلف لم يعتق واحد منهما إلا
أن تقيم البينة بعد ذلك، وإن نكل عتقت الام والبنت لأن دعوى الام حرية الصغير معتبرة
لأنها نفع محض ولها عليها ولاية لا سيما إذا لم يعرف لها أب. الخامسة أن تدعي الام بأن
الغلام هو الأول ولم تدع البنت وهي كبيرة فإنه يحلف المولى، فإن حلف لم يعتق واحد
منهم، وإن نكل عتقت الام دون البنت لأن النكول حجة ضرورية فلا تتعدى ولا ضرورة
421

في غير المدعية، هكذا ذكروا، وهذا يشير إلى أنها لو أقامت البينة تتعدى. السادسة أن
تدعي البنت وهي كبيرة أن الغلام هو الأول ولم تدع الام فتعتق البنت إذا نكل دون الام لما
ذكرنا. وقيد بكون الشرط واحدا لأنه لو كان متعددا فهو على وجوه: الأول لو قال إن
كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة، وإن كان جارية فهي حرة فولدتهما، فإن علم أنه
أولا عتق الام والجارية لا غير، وإن علم أن الجارية هي الأولى عتقت لا غير، وإن لم
يعلم فالجارية حرة على كل حال والغلام عبد على كل حال ويعتق نصف الام وتسعى في
نصف قيمتها، وإن اختلفا فالقول قول المولى. الثاني لو قال إن كان أول ولد تلدينه غلاما
فهو حر، وإن كانت جارية فأنت حرة فولدتهما، فإن علم أنه الأول عتق هو لا غير، وإن
علم أنها أولا عتقت الام والغلام لا غير، وإن لم يعلم فالغلام حر على كل والجارية رقيقة
على كل حال ويعتق نصف الام. الثالث أن تلد غلامين وجاريتين والمسألة بحالها، فإن
علم أن الأول ذكر عتق هو لا غير، وإن علم أنه جارية فهي رقيقة ومن سواها أحرار،
وإن لم يعلم الأول يعتق من الغلامين من كل واحد منهما ثلاثة أرباعه ويسعى في ربع
قيمته ويعتق من الام نصفها ويعتق من البنتين من كل واحدة ربعها. الرابع لو قال إذا
ولدت غلاما ثم جارية فأنت حرة، وإن ولدت جارية ثم غلاما فالغلام حر فولدتهما، فإن
كان الغلام أولا عتقت الام والغلام والجارية رقيقان، وإن كانت الجارية أولا عتق الغلام
والام والجارية رقيقان، وإن لم يعلم الأول باتفاقهما فالجارية رقيقة، وأما الغلام والام فإنه
يعتق من كل واحدة منهما نصفه، وإن اختلفا فالقول قول المولى مع يمينه. الخامس لو
ولدت غلامين وجاريتين والمسألة بحالها، فإن ولدت غلامين ثم جاريتين عتقت الام
وعتقت الجارية الثانية بعتقها وبقي الغلامان والجارية الأولى رقيقا، وإن ولدت غلاما ثم
جاريتين ثم غلاما عتقت الام والجارية الثانية والغلام الثاني بعتق الام، وإن ولدت جاريتين
ثم غلامين عتق الغلام الأول وبقي من سواه رقيقا، وكذا إذا ولدت جارية ثم غلامين ثم
جارية عتق الغلام الأول لا غير، وكذا إذا ولدت جارية ثم غلاما ثم جارية ثم غلاما عتق
الغلام الأول، وإن لم يعلم باتفاقهم يعتق من الأولاد من كل واحد بعه ويعتق من الام
نصفها، وإن اختلفوا فالقول قول المولى مع يمينه، كذا في البدائع بحذف التعليل.
قوله: (ولو شهدا أنه حرر أحد عبديه أو أمتيه لغت إلا أن تكون في وصية أو طلاق
مبهم) وهذا عند الإمام. وقالا: الشهادة مقبولة ويؤمر بأن يوقع العتق على أحدهما قياسا على
422

ما إذا شهدا أنه طلق إحدى نسائه فإنها جائزة ويجبر على أن يطلق إحداهن بالاجماع وهو
المراد بقوله أو طلاق مبهم وهو استثناء منقطع لأن صدر الكلام لم يتناول آخره. وفرق
الإمام بينهما، أما في عتق العبد فالفرق أن الشهادة على عتق العبد لم تقبل من غير دعوى
العبد ولم يتحقق هنا لأن الدعوى من المجهول لا تتحقق فلا تقبل الشهادة. وعندهما لما لم
تكن دعواه شرطا قبلت. أما في الطلاق فعدم الدعوى لا يوجب خللا في الشهادة. لأنها
ليست بشرط فيه، وأما في عتق الأمة فإنها لا تقبل عنده وإن كانت الدعوى ليست شرطا
فيه لأنه إنما لم تشترط الدعوى لما أنه يتضمن تحريم الفرج فشابه الطلاق لكن العتق المبهم
لا يوجب تحريم الفرج عنده على ما ذكرنا فصار كالشهادة على عتق أحد العبدين. والمراد
بقوله إلا أن تكون في وصية أنهما شهدا أنه أعتقه في مرض موته فإن القياس أن لا
تقبل لما ذكرنا. والاستحسان قبولها لأن العتق في المرض وصية والخصم معلوم وهو
الموصي وله خلف وهو الوصي أو الوارث فتتحقق الدعوى من الخلف، ولان العتق يشيع
بالموت فيهما فصار كل واحد منهما معينا. وكذا لو شهدا على تدبير أحدهما، سواء كان
في صحته أو مرضه، لأنه وصية ولو في الصحة. وأطلق المصنف في شهادتهما بعتق أحد
العبدين فشمل ما إذا كانت الشهادة بعد موت المولى وهو قول البعض لأن العتق في الصحة
ليس بوصية فلا تقبل شهادتهما، والأصح قبولها اعتبارا للشيوع لما عرف أن الحكم إذا علل
بعلتين لا ينتفي بانتفاء أحدهما فكان ينبغي للمصنف أن يقول في حياته كما لا يخفى لكن قال
في فتح القدير: ولقائل أن يقول شيوع العتق الذي هو مبني على صحة كون العبدين مدعيين
يتوقف على ثبوت قوله أحد كما حر ولا مثبت له إلا الشهادة وصحتها متوقفة على الدعوى
الصحيحة من الخصم فصار ثبوت شيوع العتق متوقفا على ثبوت الشهادة، فلو أثبتت الشهادة
بصحة خصومتها وهي متوقفة على ثبوت العتق فيهما شائعا لزم الدور، وإذا لم يتم وجه ثبوت
هذه الشهادة على قوله لزم ترجيح القول بعدم قبولها، وعلى هذا يبطل الوجه الثاني من وجهي
الاستحسان في المسألة التي قبل هذه ا ه‍. أقول: إن هذا من العجب العجاب من هذا المحقق
لأن صحة كونهما مدعيين لا يتوقف على الثبوت إذ يلزم مثله في كل دعوى بأن يقال: صحة
كونه مدعيا متوقفة على ثبوت قوله، وثبوت قوله متوقف على تقدم الدعوى الصحيحة، وإنما
صحة الدعوى متوقفة على كون المدعي معلوما مع بقية الشرائط، فإذا كان المولى حيا لم يدع كل
منهما عتق نفسه لجهالة المعتق فلم تسمع الشهادة لعدم تقدم الدعوى، وإذا مات المولى شاع
العتق فجاز لكل واحد منهما أن يدعي أن نصفه حر فإذا ادعى ذلك سمعت دعواه وقبل
423

برهانه، فقد ظهر صحة الوجه الثاني وبطلان قول من زعم بطلانه، ولهذا صحح القول
المذكور فخر الاسلام والمصنف في الكافي وارتضاه الشارحون والله هو الموفق للصواب.
وشمل إطلاق المصنف ما إذا كان العبدان يدعيان العتق أو أحدهما كما في البدائع.
وأشار المصنف إلى أنهما لو شهدا أنه حرر أمة بعينها وسماها فنسيا اسمها لا تقبل لأنهما لم
يشهدا بما تحملاه وهو عتق معلومة بل مجهولة، وكذا الشهادة على طلاق إحدى زوجتيه
وسماها فنسياها. وعند زفر تقبل ويجبر على البيان ويجب أن يكون قولهما كقول زفر في هذا
لأنها كشهادتهما على عتق إحدى أمتيه وطلاق إحدى زوجتيه، كذا في فتح القدير. وإلى أنه
لو شهدا أنه أعتق عبده سالما وله عبدان كل واحد اسمه سالم والمولى يجحد لم يعتق واحد
منهما في قول أبي حنيفة لأنه لا بد من الدعوى لقبول هذه الشهادة عنده، ولا يتحقق هنا من
المشهود له لأنه غير معين منهما فصارت كمسألة الكتاب الخلافية بخلاف ما لو كان له عبد
واحد اسمه سالم وشهدا أنه أعتق عبده سالما ولا يعرفونه فإنه يعتق لأنه كان متعينا لما أوجبه،
وكون الشهود لا يعرفون عين المسمى لا يمنع قبول شهادتهم، كما أن القاضي يقضي بالعتق
بهذه الشهادة وهو لا يعرف العبد بخلاف ما لو شهدوا ببيعه، كذا في فتح القدير. وذكر
فروعا آخري هنا تناسب الشهادات أخرنا ذكرها إليها. والفرق بين البيع والاعتاق أن البيع لا
يحتمل الجهالة أصلا والعتق يحتمل ضربا منها، ألا ترى أنه لا يجوز بيع إحدى العبدين ويجوز
عتق أحدهما، كذا في البدائع والله أعلم.
باب الحلف بالدخول
هكذا في بعض النسخ والأولى باب الحلف بالعتق كما في الهداية. والمراد منه أن يجعل
424

العتق جزاء على الحلف بأن يعلق العتق بشئ وهو شروع في بيان التعليق بعد ما ذكر مسائل
التنجيز. وإنما ذكر مسألة التعليق بالولادة في باب عتق البعض لبيان أنه يعتق منه البعض
عند عدم العلم. والحلف بفتح الحاء مع سكون اللام وكسرها مصدر قولهم حلف بالله يحلف
حلفا وحلفا القسم، وبكسر الحاء مع سكون اللام العهد قوله: (ومن قال إن دخلت فكل
مملوك لي يومئذ حر عتق ما يملكه بعده به) أي بعد هذا القول بالدخول لأن التنوين في يومئذ
عوض عن الجملة المضاف إليها لفظ إذ تقديره إذا دخلت. ولفظ يوم ظرف للمملوك فكان
التقدير كل من يكون في ملكي وقت الدخول حر. وهذا في الحقيقة إضافة عتق المملوك يوم
الدخول إلى يوم الدخول، والمملوك لا يكون إلا بملك فصار كأنه قال إن ملكت مملوكا وقت
الدخول فهو حر وهو يصدق بملك قبل الدخول يقارن بقاءه الدخول فكأنه إضافة العتق إلى
الملك الموجود عند الدخول بخلاف قوله لعبد غيره إن دخلت الدار فعبدي حر فاشتراه فدخل
لا يعتق لأنه لم يضف العتق إلى ملكه لا صريحا ولا معنى. والمراد باليوم هنا مطلق الوقت
حتى لو دخل ليلا عتق ما في ملكه لأنه أضيف إلى فعل لا يمتد وهو الدخول وإن كان في
اللفظ إنما أضيف إلى لفظ إذ المضافة للدخول لكن معنى إذ غير ملاحظ وإلا كان المراد
يوم وقت الدخول، وهو وإن كان يمكن على معنى يوم الوقت الذي فيه الدخول تقييدا لليوم
به لكن إذا أريد به مطلق الوقت يصير المعنى وقت وقت الدخول ونحن نعلم مثله كثيرا في
الاستعمال الفصيح كنحو ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ولا يلاحظ فيه شئ من ذلك فإنه
لا يلاحظ في هذه الآية وقت يغلبون يفرح المؤمنون، ولا يوم وقت يغلبون يفرحون،
ونظائره كثيرة في كتاب الله تعالى وغيره، فعرف أن لفظ إذ لم يذكر إلا تكثيرا للعوض عن
الجملة المحذوفة أو عمادا له أعني التنوين لكونه حرفا واحدا ساكنا تحسينا لم يلاحظ معناها،
ومثله كثير في أقوال أهل العربية في بعض الألفاظ لا يخفى على من له نظر فيها، كذا في
فتح القدير. ولو قال المصنف عتق ما هو مملوك له وقت الدخول لكان أظهر لأن ما كان
في ملكه وقت الحلف واستمر إلى وقت الدخول لم يملكه بعد اليمين ملكا متجددا. وفي
البدائع: لو قال كل مملوك أملكه اليوم فهو حر ولا نية له وله مملوك فاستفاد في يومه ذلك
مملوكا آخر عتق ما في ملكه وما استفاد ملكه في اليوم، وكذا لو قال هذا الشهر أو هذه
السنة لأنه لما وقت باليوم أو الشهر أو السنة فلا بد وأن يكون التوقيت مفيدا، ولو لم يتناول
إلا ما في ملكه يوم الحلف لم يكن مفيدا، فإن قال عنيت أحد الصنفين دون الآخر لم يدين
في القضاء لأنه نوى تخصيص العموم وأنه خلاف الظاهر فلا يصدق في القضاء ويصدق فيما
بينه وبين الله تعالى لأن الله تعالى مطلع على نيته. وفي البدائع أيضا: لو قال كل مملوك اشتريه
فهو حر إن كلمت فلانا أو إذا كلمت فلانا أو إذا جاء الغد ولا نية له فهذا يقع على ما يشتريه
قيل الكلام، فكل مملوك اشتراه قبل الكلام ثم كلم عتق، وما اشتراه بعد الكلام لا يعتق،
425

ولو قدم الشرط فقال إن كلمت فلانا أو إذا كلمت فلانا أو إذا جاء غد فكل مملوك اشتريه
فهو حر فهذا على ما يشتريه بعد الكلام لا قبله حتى لو كان اشترى مماليك قبل الكلام ثم
كلم لا يعتق واحد منهم، وما اشتراه بعده يعتق، ولو قال كل مملوك اشتريه إذا دخلت الدار
فهو حر، أو قال إن قدم فلان فهذا على ما يشتري بعد الفعل الذي حلف عليه ولا يعتق ما
اشترى قبل ذلك إلا أن يعينهم.
قوله: (ولو لم يقل يومئذ لا) أي لا يعتق ما يملكه بعده وإنما يعتق من كان في ملكه
وقت التكلم لأن قوله كل مملوك لي يختص بالحال والجزاء حرية المملوك في الحال يتعلق في
الحال بمملوك أي المملوك في الحال حريته هي الجزاء، وإنما كانت للحال لأن المختار في
الوصف من اسم الفاعل والمفعول أن معناه قائم حال التكلم بمن نسب إليه على وجه قيامه به
أو وقوعه عليه، واللام للاختصاص، فلو لم يكن في ملكه شئ يوم حلف كان اليمين لغوا.
ولا فرق بين كون العتق معلقا كما في الكتاب أو منجزا، أو سواء قدم الشرط أو أخره،
وسواء كان التعليق ب‍ " إن كما في الكتاب أو بغيرها كإذا دخلت أو إذا ما أو متى أو متى ما.
وقوله لي ليس بقيد لأنه لو قال كل مملوك أملكه فهو حر ولا نية له فإنه لما كان في ملكه
يوم حلف فقط لأن صيغة افعل وإن كانت تستعمل للحال والاستقبال لكن عند الاطلاق
يراد به الحال عرفا وشرعا ولغة. أما العرف فإن من قال فلان يأكل أو يشرب أو يفعل كذا
يريد به الحال. ويقول الرجل ما أملك ألف درهم ويريد به الحال. وأما الشرع فإن من قال
أشهد أن لا إله إلا الله يكون مؤمنا، ولو قال أشهد أن لفلان علي فلان كذا كان شاهدا.
وأما اللغة فإن هذه الصيغة موضوعة للحال على طريق الأصالة لأنه ليس للحال صيغة أخرى
وللاستقبال سين وسوف فكانت الحال أصلا فيها والاستقبال دخيلا، فعند الاطلاق ينصرف
إلى الحال. ولو قال عنيت به ما استقبل ملكه عتق ما ملكه للحال وما استحدث الملك فيه لما
ذكرنا أن ظاهرها للحال وبنيته يصرفه عن ظاهره فلا يصدق فيه ويصدق في قوله أردت ما
يحدث ملكي فيه في المستقبل فيعتق عليه بإقراره كما إذا قال زينب طالق وله امرأة معروفة
بهذا الاسم ثم قال لي امرأة أخرى بهذا الاسم عنيتها طلقت المعروفة بظاهر اللفظ والمجهولة
باعترافه كذا ها هنا. وكذا لو قال كل مملوك أملكه الساعة فهو حر إن هذا يقع على ما في
ملكه وقت اليمين ولا يعتق ما يستفيده بعد ذلك إلا أن يكون نوى ذلك فيلزمه ما نوى لأن
المراد من الساعة المذكورة هي الساعة المعروفة عند الناس وهي الحال لا الساعة الزمانية التي
يذكرها المنجمون فيتناول هذا الكلام من كان في ملكه وقت التكلم لا من يستفيده من بعد،
فإن قال أردت به من أستفيده في هذه الساعة الزمانية يصدق فيه لأن اللفظ يحتمله وفيه
تشديد على نفسه ولكن لا يصدق في صرف اللفظ عمن يكون في ملكه للحال، وسواء
أطلق أو علق بشرط قدم الشرط أو أخره، كذا في البدائع.
426

قوله: (والمملوك لا يتناول الحمل) لأن اللفظ يتناول والمملوك المطلق والجنين مملوك تبعا
للام لا مقصودا، ولأنه عضو من وجه واسم المملوك يتناول الأنفس دون الأعضاء ولهذا لا
يملك بيعه منفردا ولا يجزئ عتقه عن الكفارة، فلو قال كل مملوك لي حر وله حمل أوصى له
به دون أمه، أو قال كل مملوك لي ذكر فهو حر وله جارية حامل فولدت ذكرا لأقل من ستة
أشهر، أو قال إن اشتريت مملوكين فهما حران فاشترى جارية حاملا فإن الحمل في هذه
الصور الثلاث لا يعتق لما ذكرنا، ولا تعتق الام في المسألة الثانية أيضا لتقييده بالذكورة، ولا
في مسألة الثالثة كما في البدائع لأن شرط الحنث شراء مملوكين والحمل لا يسمى مملوكا على
الاطلاق، وكذا لو قال للحامل كل مملوك لي غيرك حر لم يعتق الحمل كما في المحيط. وإنما
قيدنا بالصور الأربع لأنه لو قال كل مملوك لي حر وله جارية حاملة فإن الحامل تدخل فيعتق
الحمل تبعا لها كما في الهداية. وهذا بناء على أن لفظة مملوك إما لذات متصفة بالمملوكية
وقيد التذكير ليس جزء المفهوم، وإذا كان التأنيث جزء مفهوم مملوكة فيكون مملوك أعم من
مملوكة فالثابت فيه عدم الدلالة على التأنيث لا الدلالة على عدم التأنيث. وأما أن الاستعمال
استمر فيه على الأعمية فوجب اعتباره كذلك، كذا في فتح القدير. قيد بعدم تناول الحمل
فقط لأنه يتناول العبيد ولو مرهونين أو مأذونين أو مأجورين، والإماء وإن كن حوامل
وأمهات أولاده وأولادهما والمدبر والمدبرة. ولو نوى الذكور فقط لم يصدق في القضاء لأنه
خلاف الظاهر في عرف الاستعمال ويصدق ديانة مع أن طائفة من الأصوليين على أن جمع
الذكور يعم النساء حقيقة وضعا. وفي الذخيرة: قال مماليكي كلهم أحرار ونوى الرجال دون
النساء لم يذكره وقالوا: لا يصدق ديانة بخلاف قوله كل مملوك لي ونوى التخصيص يصدق
ديانة ا ه‍. فإن قلت: ما الفرق وفي الوجهين نية تخصيص العام؟ فالجواب أن كلهم تأكيد
للعام قبله وهو مماليكي لأنه جمع مضاف فيعم وهو يرفع احتمال المجاز غالبا والتخصيص
يوجب المجاز فلا يجوز بخلاف قوله كل مملوك لي فإن الثابت به أصل العموم فقط فقبل
التخصيص. وفي المحيط: لو قال لم أنو المدبرين قيل لم يدين قضاء وديانة، والصحيح أنه
يصدق ديانة لأنه لا يمكن تخصيص العام إلا باعتبار الوصف فإن الخصوص لا يمتاز عن
العام إلا باعتبار الوصف فلو لم يصح التخصيص في حق الوصف ما أمكن تخصيص عام أبدا
ا ه‍. وأشار بعدم تناوله للحمل إلى أنه لا يتناول ما لم يكن مملوكا على الاطلاق فلا يتناول
المكاتب لأنه مملوك من وجه إذ هو حر يدا، وقدمنا أنه لا يدخل تحت لفظ العبد أيضا ولا
يتناول المشترك إلا بالنية ولا عبيد عبده التاجر وهو قول أبي يوسف، سواء كان على العبد
دين أو لا، وعلى قول محمد عتقوا نواهم أو لا، عليه دين أولا، وعلى قول أبي حنيفة إن لم
427

يكن عليه دين عتقوا إذا نواهم وإلا فلا، وإن كان عليه دين لم يعتقوا وإن نواهم، كذا في
فتح القدير والنهاية وغيرهما. وبه علم أن ما في المجتبى من أنه لا يدخل العبد المرهون
والمأذون في التجارة سبق قلم. وذكر في المحيط أنه لا يتناول المشترك إلا إذا ملك النصف
الآخر بعده فإنه يعتق في قوله إن ملكت مملوكا فهو حر لأنه وجد الشرط وهو مملوك كامل
فلو باع نصيبه ثم اشترى نصيب شريكه لم يعتق استحسانا لأنه لم يجتمع في ملكه مملوك كامل
بخلاف إن ملكت هذا العبد فهو حر فملك نصفه ثم باعه ثم ملك النصف الثاني فإنه يعتق
النصف الذي في ملكه لأن حالة تعيين المملوك يراد به الملك فيه مطلقا لا مجتمعا ا ه‍.
قوله: (كل مملوك لي أو أملكه فهو حر بعد غد أو بعد موتي يتناول من ملكه منذ حلف
فقط) لما قدمنا أن قوله كل مملوك لي للحال وكذا كل مملوك أملكه لأن المضارع للحال كما بيناه،
فمن كان في ملكه وقت اليمين يصير حرا في المسألتين بعد غد. وفي قوله بعد موتي يصير من
كان في ملكه وقت اليمين مدبرا في المسألتين فلا يعتق من اشتراه بعد اليمين في التقييد بقوله
بعد موتي. قيد بكون الظرف ظرفا للحرية لأنه لو جعله ظرفا للملك كما إذا قال كل مملوك
أملكه غدا فهو حر ولا نيه له ذكر محمد في الجامع أنه يعتق كل من ملكه في غد ومن كان في
ملكه قبله. وقال أبو يوسف. لا يعتق إلا من استفاد ملكه في غد ولا يعتق من جاء غد وهو في
ملكه وهو رواية ابن سماعة عن محمد. وعلى هذا الخلاف إذا قال كل مملوك أملكه رأس شهر كذا
فهو حر ورأس الشهر الليلة التي يهل فيها الهلال ومن الغد إلى الليل للعرف. وعن أبي يوسف
فيمن قال كل مملوك أملكه يوم الجمعة فهو حر قال: ليس هذا على ما في ملكه إنما هو على ما
يملكه يوم الجمعة، وهذا على أصل أبي يوسف صحيح لأنه أضاف العتق إلى زمان مستقبل، فأما
إذا قال كل مملوك أملكه إذا جاء غد فهو حر فهذا على ما في ملكه في قولهم لأنه جعل مجئ الغد
شرطا لثبوت العتق لا غير فيعتق من في ملكه ولكن عند مجئ الغد، كذا في البدائع.
قوله: (وبموته عتق من ملكه بعده من ثلثه أيضا) أي بموت المولى يعتق من ملكه بعد
قوله كل مملوك لي أو أملكه حر بعد موتي من ثلث ماله كما يعتق من كان في ملكه للحال من
ثلث المال. فالحاصل أن من كان في ملكه وقت اليمين مدبر مطلق أو من ملكه بعدها فليس
بمدبر مطلق وإنما هو مدبر مقيد فيعتقان بموت المولى عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو
يوسف: يعتق من كان في ملكه يوم حلف ولا يعتق ما استفاده بعد يمينه لأن اللفظ حقيقة
للحال على ما بينا فلا يعتق به ما سيملكه ولهذا صار هو مدبرا دون الآخر. ولهما أن هذا
إيجاب عتق وإيصاء حتى اعتبر من الثلث وفي الوصايا تعتبر الحالة المنتظرة والحالة الراهنة ألا
428

ترى أنه يدخل في الوصية بالمال يستفيده بعد الوصية وفي الوصية لأولاد فلان من يولد له
بعدها والايجاب إنما يصح مضافا إلى الملك أو إلى سببه، فمن حيث إنه إيجاب العتق يتناول
العبد المملوك اعتبارا للحالة الراهنة فيصير مدبرا حتى لا يجوز بيعه، ومن حيث إنه إيصاء
يتناول الذي يشتريه اعتبارا للحالة المتربصة وهي حالة الموت وقبل الموت حالة التمليك
استقبال محض فلا يدخل تحت اللفظ، وعند الموت يصير كأنه قال كل مملوك أملكه فهو حر
بخلاف قوله بعد غد على ما تقدم لأنه تصرف واحد وهو إيجاب العتق وليس فيه إيصاء
والحالة محض استقبال فافترقا. ولا يقال إنكم جمعتم بين الحال والاستقبال لأنا نقول: نعم
ولكن بشيئين مختلفين إيجاب عتق ووصية، وإنما لا يجوز ذلك لا بسبب واحد، كذا في
الهداية. وتعقبه في فتح القدير بأن هذا قول للعراقيين غير مرضي في الأصول وإلا لم يمتنع
الجمع مطلقا ولم يتحقق خلاف فيه لأن الجمع قط لا يكون إلا باعتبارين وبالنظر إلى شيئين، ولو
أمكن أن يقال أن لفظه أوجب تقدير لفظ إذا كان وصية وهو ما قدرناه عند موته من قوله كل
عبد لي حر فيعتق به ما استحدث ملكه والموجب للتقدير ما ذكرنا من تحقيق مقصود الوصية من
الثواب والبر للأصحاب، وهذا الموجب لا يحتاج إلى تقديم تقديره عند ملك العبد وإلا كان
مدبرا مطلقا، وإنما يحتاج إليه عند موته من قوله فلا تتعلق به عبارته عند ملكه لا الصريحة لأنها
لم تتناول إلا الحال، ولا المقدرة لتأخير تقديرها إلى ما قبل الموت فلا يكون مدبرا لا مطلقا ولا
مقيدا كان رافعا للاشكال ا ه‍. وحاصله أن عتق ما ملكه بعده بموته ليس من اللفظ المذكور
ليلزم الجمع بين الحال والاستقبال وإنما هو من لفظ آخر مقدر دل عليه تحقيق مقصوده من
الثواب فلا جمع بلفظ واحد بل بلفظين مذكور ومقدر. وأفاد بقوله من ثلثه أنهما إن خرجا من
الثلث عتق جميع كل منهما، وإن ضاق عنهما يضرب كل منهما بقيمته فيه، وإن كان على المولى
دين مستغرق فإنهما ليسعيان له في جميع قيمتهما كما هو حكم المدبر بعد موت مولاه. وأشار
المصنف إلى أنه لو قال كل مملوك أملكه إذا مت فهو حر فالحكم كذلك والله أعلم.
باب العتق على جعل
أخره لأن الأصل عدمه. والجعل في اللغة بضم الجيم ما يجعل للعامل على عمله ثم
429

سمى به ما يعطي المجاهد ليتعين به على جهاده. وأجعلت له أعطيته له والجعائل جمع جعيلة
أو جعالة بالحركات بمعنى الجعل، كذا في المغرب. والمراد منه هنا العتق على مال قوله:
(حرر عبده على مال فقبل عتق) أي قبل العبد وذلك مثل أن يقول أنت حر على ألف درهم
أو بألف درهم أو على أن تعطيني ألفا أو على أن تؤدي إلي ألفا أو على أن تجيئني بألف أو على
أن لي عليك ألفا أو على ألف تؤديها إلي، أو قال بعتك نفسك منك على كذا أو وهبت لك
نفسك على أن تعوضني كذا. وإنما توقف على قبوله لأنه معاوضة المال بغير المال إذ العبد لا
يملك نفسه، ومن قضية المعاوضة ثبوت الحكم بقبول العوض للحال كما في البيع فإذا قبل
صار حرا، وما شرط دين عليه حتى تصح الكفالة به بخلاف بدل الكتابة لأنه ثبت مع المنافي
وهو قيام الرق على ما عرف. وكما تصح به الكفالة جاز أن يستبدل به ما شاء يدا بيد لأنه
دين لا يستحق قبضه في المجلس فيجوز أن يستبدل به كالأثمان، ولا خير فيه نسيئة لأن
الدين بالدين حرام. ولم يقيد القبول بالمجلس لما عرف أنه لا بد لكل قبول من المجلس فإن
كان حاضرا اعتبر مجلس الايجاب، وإن كان غائبا يعتبر مجلس علمه، فإن قبل فيه صح، وإن
رد أو أعرض بطل. والاعراض عنه إنما يكون بالقيام أو بالاشتغال بعمل آخر يعلم أنه قطع
لما قبله، كذا في شرح الطحاوي. ولم يقيد المصنف العتق بالأداء لأنه يعتق قبله لأنه ليس
معلقا على الأداء وإنما هو معلق على القبول وقد وجد. وأفاد بقوله قبل أنه لا بد أن يقبل
في الكل فلو قال لعبده أنت حر بألف فقال قبلت في النصف فإنه لا يجوز عند أبي حنيفة لأن
العتق عنده يتجزأ، فلو جاز قبوله في النصف وجب عليه نصف البدل وصار الكل خارجا
عن يده لأنه يخرج الباقي إلى العتق بالسعاية والمولى ما رضي بزوال يده وصيرورته محجورا عن
التصرف إلا بألف. وعندهما يجوز ويعتق كله بجميع الألف لأنه لا يتجزأ عندهما فالقبول في
النصف قبول في الكل، ولو كان ذلك في الطلاق كان القبول في النصف قبولا في الكل
اتفاقا، وكذا كل ما لا يتجزأ كالدم وغيره. ولو قال لمولاه أعتقني على ألف فأعتق نصفه يعتق
نصفه بغير شئ، ولو كان بالباء يعتق نصفه بخمسمائة عند الإمام كما في الطلاق، كذا في
المحيط.
وقيد بكون العبد كله له لأنه لو كان له نصفه فقال له أنت حر على ألف فقبل فإنه يعتق
نصفه بخمسمائة إلا إذا أجاز الآخر يجب الألف بينهما عند أبي حنيفة لأن العتق يتجزأ عنده
بخلاف ما إذا قال أعتقت نصيبي بألف فقبل العبد لزمه الألف للمعتق لا يشاركه فيه الساكت
لأن الألف بمقابلة نصيبه، كذا في المحيط أيضا. وأطلق المصنف في المال فشمل جميع أنواعه
من النقد والعروض والحيوان وإن كان بغير عينه لأنه معاوضة المال بغير المال فشابه النكاح
والطلاق والصلح عن دم العمد، وكذا الطعام والمكيل والموزون إذا كان معلوم الجنس، ولا
يضره جهالة الوصف لأنها يسيرة ويلزمه الوسط في تسمية الحيوان والثوت بعد بيان جنسهما
430

من الفرس والحمار والعبد والثواب الهروي. ولو أتاه بالقيمة أجبر المولى على القبول، ولو لم
يسم الحنس بأن قال على ثوب أو حيوان أو دابة فقبل عتق ولزمه قيمة نفسه كما لو أعتقه على
قيمة رقبته فقبل عتق كما في المحيط. وأشار المصنف إلى أنه يعتق بالقبول ولو كان المال ملكا
للغير، فلو أعتقه على عبد مثلا فاستحق لا ينفسخ العتق، فإن كان بغير عينه فعلى العبد مثله
في المثلي والوسط في القيمي، وإن كان معينا رجع على العبد بقيمة نفسه عند أبي حنيفة وأبي
يوسف، وقال محمد بقيمة المستحق. وعلى هذا الخلاف إذا هلك قبل التسليم، وكذا على هذا
الاختلاف لو رده بعيب وليس للمولى الرد بالعيب اليسير عند أبي حنيفة، وإنما يرده بالعيب
الفاحش كالعيب في المهر، وقالا باليسير أيضا، كذا في البدائع. ولو اختلفا في المال جنسه
أو مقداره فالقول للعبد مع يمينه كما لو أنكر أصل المال، وإن أقاما البينة فالبينة للمولى
بخلاف ما إذا كان العتق معلقا بالأداء وهي المسألة الآتية فإن القول فيها قول المولى والبينة
بينة العبد، كذا في البدائع. وشمل إطلاق المال الخمر في حق الذمي فإنها مال عندهم،
فلو أعتق الذمي عبده على خمر أو خنزير فإنه يعتق بالقبول ويلزمه قيمة المسمى، فإن أسلم
أحدهما قبل قبض الخمر فعندهما على العبد قيمته، وعند محمد عليه قيمة الخمر، كذا في
المحيط. وقيد بكون المخاطب بالعتق معينا لأنه لو كان مجهولا كما إذا قال أحدكما حر على
ألف والآخر بغير شئ فقبلا عتقا بلا شئ لأن عتقهما متيقن ومن عليه المال مجهول فلا
يجب كرجلين قالا لرجل لك على أحدنا ألف وتمام تفريعاته في المحيط. وفي الذخيرة:
أنت حر على أن تحج عني فلم يحج فعليه قيمة حج وسط. سئل أبو جعفر عن رجل قال
لعبده صم عني يوما وأنت حر أو صل عني ركعتين وأنت حر قال: عتق وإن لم يصم وإن
لم يصل. ولو قال حج عني وأنت حر لا يعتق حتى يحج لأن الصوم والصلاة مما لا تجري
فيهما النيابة والحج مما يجري فيه النيابة، ولأنه لا مؤنة في الصوم والصلاة فلا يدل على
اشتراط بدل والحج فيه مؤنة فدل على أنه شرط ذلك بدلا ا ه‍. ثم اعلم أن الاعتاق على
مال من جانب المولى تعليق وهو تعليق العتق بشرط قبول العوض فيراعي فيه من جانبه
أحكام التعليق حتى لو ابتدأ المولى لم يصح رجوعه عنه قبل قبول العبد، ولا الفسخ ولا
النهي عن القبول، ولا يبطل بقيامه عن المجلس ولا يشترط حضرة العبد، ويصح تعليقه
بشرط وإضافته إلى وقت، ولا يصح شرط الخيار له ومن جانب العبد معاوضة فتراعي
أحكامها، فملك الرجوع لو ابتدأ أو بطل بقيامه قبل قبول المولى. وبقيام المولى، ولا يقف
على الغائب عن المجلس ولا يصح تعليقه ولا إضافته كما إذا قال اشتريت نفسي مني بألف
إذا جاء غد أو عند رأس الشهر بخلاف ما إذا قال إذا جاء غد فأعتقني على كذا جاز لأن
هذا توكيل منه بالاعتاق حتى يملك العبد عزله قبل وجود الشرط وبعده قبل أن يعتقه،
ولو لم يعزل حتى عتقه نفذ اعتاقه ويجوز شرط الخيار له عند أبي حنيفة. ولو قال المولى
431

أعتقتك أمس بألف فلم تقبل فقال العبد قبلت فالقول قول المولى مع يمينه لأنه من جانبه
تعليق وهو منكر لوجود الشرط، كذا في البدائع.
قوله: (ولو علق عتقه بأدائه صار مأذونا) أي بأداء المال كأن يقول إن أديت إلي ألفا
فأنت حر فيصح ويعتق عند الأداء من غير أن يصير مكاتبا لأنه صريح في تعليق العتق
بالأداء وإن كان فيه معنى المعاوضة في الانتهاء وإنما صار مأذونا لأنه رغبة في الاكتساب
لطلبه الأداء منه ومراده التجارة دون التكدي فكان إذنا له دلالة. وذكر في فتح القدير أنه
يخالف المكاتب في إحدى عشرة مسألة: الأولى ما إذا مات العبد قبل الأداء وترك مالا فهو
للمولى ولا يؤدي منه عنه ويعتق بخلاف الكتابة. الثانية لو مات المولى وفي يد العبد كسب
كان لورثة المولى ويباع العبد بخلاف الكتابة. الثالثة لو كانت أمة فولدت ثم أدت فعتقت لم
يعتق ولدها لأنه ليس لها حكم الكتابة وقت الولادة بخلاف الكتابة. الرابعة لو قال العبد
للمولى حط عني مائة فحط عنه المولى وأدى تسعمائة لا يعتق بخلاف الكتابة. زاد في
البدائع أنه لو أدى مكان الدراهم دنانير لا يعتق وإن قبل لعدم الشرط. الخامسة لو أبرأ
المولى العبد عن الألف لم يعتق ولو أبرأ المكاتب عتق، كذا ذكروها والظاهر أنه لا موقع لها
إذا الفرق بعد تحقق الابراء في الموضعين يكون والابراء لا يتصور في هذه المسألة لأنه لا
دين على العبد بخلاف الكتابة. السادسة لو باع المولى العبد ثم اشتراه أو رد عليه بخيار
عيب ففي وجوب قبول ما يأتي به خلاف عند أبي يوسف نعم، وعند محمد لا ولكن لو
قبضه عتق بخلاف الكتابة في أنه لا خلاف في أنه يجب أن يقبله ويعد قابضا. السابعة أنه
يقتصر على المجلس فلا يعتق ما لم يؤد في ذلك المجلس فلو اختلف بأن أعرض أو أخذ في
عمل آخر فأدى لا يعتق بخلاف الكتابة. وهذا إذا كان المذكور من أدوات الشرط لفظة
إن فإن كان لفظ إذا أو متى فلا يقتصر على المجلس. الثامنة أنه يجوز للمولى بيع
العبد بعد قوله ذلك قبل أن يؤدي بخلاف الكاتبة. التاسعة أن للسيد أن يأخذ ما يظفر به
مما اكتسبه قبل أن يأتيه بما يؤديه بخلاف المكاتب. العاشرة أنه إذا أدى وعتق وفضل عنده
مال مما اكتسبه كان للسيد فيأخذه بخلاف المكاتب. الحادية عشرة لو اكتسب العبد مالا قبل
تعليق السيد فأداه بعده إليه عتق وإن كان السيد يرجع بمثله على ما سيذكر بخلاف الكتابة
لا يعتق بأدائه لأنه ملك المولى إلا أن يكون كاتبه على نفسه وماله فإنه حينئذ يصير أحق به
432

من سيده، فإذا أدى منه عتق ا ه‍. وفي البدائع ذكر محمد في الزيادات إذا قال إن أديت
إلي ألفا في كيس أبيض فأنت حر فأداها في كيس أسود لا يعتق وفي الكتابة يعتق ا ه‍.
وهي الثانية عشر. ولو قال إذا أديت ألفا في هذ الشهر فأنت حر فلم يؤدها في ذلك
الشهر وأداها في غيره لم يعتق، وفي الكتابة لا يبطل إلا بحكم الحاكم أو بتراضيهما كما
في البدائع. وهي الثالثة عشر. وفي المحيط: لو أمر غيره بالأداء فأدى لا يعتق لأن الشرط
أداؤه ولم يوجد فلا حاجة إلى أداء غيره لأنه قادر على أدائه بخلاف الكتابة لأنها معاوضة
حقيقة فيها معنى التعليق فكان الأصل فيها المعاوضة فكان المقصود حصول البدل ا ه‍.
وهي الرابعة عشر.
وفي الذخيرة إذا قال إن أديت إلي ألفا فأنت حر فاستقرض العبد من رجل ألفا
فدفعها إلى مولاه عتق العبد ورجع غريم العبد على المولى فيأخذ منه الألف لأنه أحق بها من
المولى من قبل أنه عبد مأذون له في التجارة وغرماء العبد المأذون أحق بماله حتى يستوفوا
ديونهم. ولو كان العبد استقرض من رجل ألفي درهم وقيمته ألفا درهم فدفع أحد الألفين
إلى مولاه وعتق بها وأكل الألف الأخرى فإن للمقرض أن يأخذ من المولى الألف التي
دفعها العبد إليه ويضمن المولى أيضا للغريم الألف درهم لأن المولى منع العبد بعتقه من أن
يباع بما عليه من الدين، وإن شاء المقرض اتبع العبد بجميع دينه أيضا ا ه‍. قيد بالتعليق
لأنه لو لم يأت في الجواب بالفاء لا يتعلق بل يتنجز، سواء كان الجواب بالواو كقوله إن
أديت إلي ألفا وأنت حر ولا كقوله إن أديت إلي ألفا أنت حر لكونه ابتداء لا جوابا لعدم
الرابط. وفي الذخيرة: قال لعبده أنت حر وأدا لي ألف درهم فهو حر ولا شئ عليه،
ولو قال أدا لي ألفا وأنت حر لم يعتق حتى يؤدي، ولو قال فأنت حر عتق للحال لأن
جواب الامر بالواو لا بالفاء فهي للتعليل أي أدا لي ألفا لأنك حر كقوله أبشر فقد أتاك
الغوث وتمامه في الأصول من بحث الواو. وقد قدمنا في بحث عتق الحمل من الظهيرية
أنه لو علق عتق الحمل بأدائه ألفا فإنه يتوقف العتق على أدائه، فإذا أدى بعد الولادة عتق
إذا ولدته لأقل من ستة أشهر. وقيد بأداء العبد لأنه لو علق عتقه بأداء أجنبي لا يصير
مأذونا له كما إذا قال إذا أديت إلي ألفا فعبدي هذا حر فجاء الأجنبي بألف ووضعها بين
433

يديه لا يجبر المولى على القبول ولا يعتق العبد، ولو حلف المولى أنه لم يقبض من فلان ألفا
لا يحنث، كذا في الخانية.
قوله: (وعتق بالتخلية) لأنه تعليق نظرا إلى اللفظ ومعاوضة نظرا إلى المقصود لأنه ما
علق عتقه بالأداء، إلا ليحثه على دفع المال فينال العبد شرف الحرية والمولى المال بمقابلته
بمنزلة الكتابة ولهذا كان عوضا في الطلاق في مثل هذا اللفظ حتى كان بائنا فجعلناه تعليقا
في الابتداء عملا باللفظ ودفعا للضرر عن المولى حتى لا يمتنع عليه بيعه، ولا يكون العبد
أحق بمكاسبه ولا يسري إلى الولد المولود قبل الأداء. وجعلناه معاوضة في الانتهاء عند
الأداء دفعا للضرر عن العبد حتى يجبر المولى على القبول، فعلى هذا بدور الفقه وتخرج المسائل
نظيره الهبة، بشرط العوض والتخلية رفع الموانع بأن يضعه بين يديه بحيث لو مد يده أخذه
فحينئذ يحكم القاضي بأنه قد قبضه فيه وفي ثمن المبيع وبدل الإجارة وسائر الديون، وهذا
معنى قولهم أجبره الحاكم على قبضه أي حكم به لا أنه يجبره على قبضه بحبس ونحوه. ولو
حلف المولى أنه لم يؤد إليه الألف حنث كما في الخانية. وإنما ذكر التخلية ليفيد أنه يعتق
بحقيقة القبض بالأولى، ويستثنى من إطلاق ما في المختصر مسائل لا يعتق فيها بالتخلية
الأولى لو كان المال مجهولا بأن قال إذا أديت إلي دراهم فأنت حر لا يجبر علي القبول لأن مثل
هذه الجهالة لا تكون في المعاوضة ولا يمكن حملها على الكتابة فتكون يمينا محضا ولا جبر
فيها كما في التبيين. وفي المحيط: لو قال إن أديت إلي كر حنطة فأنت حر فجاء بكر جيد
يجبر على القبول لأن الكر المطلق إنما ينصرف إلى الوسط لدفع الضرر من الجانبين، فإذا أتاه
بالجيد فقد أحسن في القضاء ورضي بهذا الضرر فبطل التعيين، وتعلق العتق بحنطة مطلقة.
ولو قال كر حنطة وسط فأتاه بكر جيد لا يجبر لأنه نص على التعليق بكر موصوفة وفي
الشروط يعتبر التنصيص ما أمكن كما في مسألة الكيس الأبيض. ولو قال أعتق عني عبدا
وأنت حر فأعتق عبدا مرتفعا لا يعتق، ولو قال أدا لي عبدا وأنت حر فأدى إليه عبدا مرتفعا
يعتق كما في الكر. والفرق أن في الأداء يكون المولى راضيا بالزيادة لأنه ادخال شئ في
ملكه فيكون نفعا محضا فلا ضرر، وأما العتق إخراج عن ملكه لأن كسبه مملوك للمولى ا ه‍.
الثانية لو كان العتق معلقا على أداء الخمر لا يجبر على القبول وإن كان يعتق بقبوله لأن المسلم
ممنوع عنها لحق الله تعالى. والثالثة لو كان معلقا على أداء ثوب أو دابة لا يجبر على القبول.
ولو أتى بثوب وسط أو جيد لأنه مجهول الجنس فلم يصلح عوضا، ولذا لو وصفه أجبر على
434

قبوله بأن قال ثوبا هرويا. الرابعة لو قال إن أديت إلي ألفا أو دابة فحججت بها أو وحججت
بها لا يعتق بتسليم الألف إليه ما لم يقبل لأنه علق العتق بشرطين فلا ينزل بوجود أحدهما
بخلاف ما لو قال إن أديت إلي ألفا أحج بها فإنه يعتق بتخلية الألف ويكون قوله أحج بها
البيان الغرض ترغيبا للعبد في الأداء حيث يصير كسبه مصروفا إلى طاعة الله تعالى لا على
سبيل الشرط، كذا في البدائع. ولو قال لعبدين له إن أديتما إلي ألفا فأنتما حران فأدى
أحدهما حصته لم يعتق أحدهما لأنه علق العتق بأداء الألف ولم يوجد، وكذا لو أدى أحدهما
الألف كله من عنده، وإن أدى أحدهما الألف وقال خمسمائة من عندي وخمسمائة بعث بها
صاحبي ليؤديها إليك عتقا لوجود الشرط حصة أحدهما بطريق الأصالة وحصة الآخر بطريق
النيابة لأن هذا باب تجري فيه النيابة فقام أداؤه مقام أداء صاحبه. ولو أدى عنهما رجل آخر
لم يعتقا إلا إذا قال أؤديها إليك على أنهما حران فقبلها المولى على ذلك عتقا ويرد المال إلى
المؤدي لأن المولى لا يستحق المال بعتق عبده قبل الغير بخلاف الطلاق، والفرق في البدائع.
وقدمنا عن المحيط أنه لو أمر غيره بالأداء فأدى لا يعتق مع تصريح صاحب البدائع في مسألة
العبدين بأن النيابة تجري في هذا الباب إلا أن يوفق بينهما بأن ما في المحيط إنما هو في الامر
من غير إعطاء شئ من العبد، وما في البدائع فيما إذا بعث مع غيره المال فلا إشكال. وفي
الهداية: ولو أدى البعض يجبر على القبول إلا أنه لا يعتق ما لم يؤد الكل لعدم الشرط كما إذا
حط البعض وأدى الباقي ثم لو أدى ألفا اكتسبها قبل التعليق رجع المولى عليه وعتق
لاستحقاقها، ولو كان اكتسبها بعده لم يرجع عليه لأنه مأذون من جهته بالأداء منه ا ه‍. ولم
أر صريحا أنه لو حجر على هذا العبد المأذون هل يصح حجره؟ وقد يقال إنه لا يصح حجره
لأن الاذن له ضروري لصحة التعليق بالأداء، وقد يقال إنه يصح لما أنه يملك بيعه فيملك
حجره بالأولى.
قوله: (وإن قال أنت بعد موتي بألف فالقبول بعد موته) لإضافة الايجاب إلى ما بعد
الموت فصار كما إذا قال أنت حر غدا على ألف درهم. وأشار المصنف بتأخير العتق عن
الموت إلى أنه لا يعتق بقبوله فلا يعتق إلا بإعتاق الوارث أو الوصي أو القاضي إذا امتنع
الوارث لأن العتق تأخر عن الموت إلى أن يقبل، والعتق متى تأخر عن الموت لا يثبت إلا
بإعتاق واحد من هؤلاء لأنه صار بمنزلة الوصية بالاعتاق، ذكره الإمام العتابي وجزم به
الأسبيجابي وقال: إن الوارث يملك عتقه تنجيزا وتعليقا، والوصي يملكه تنجيزا فقط، ولو
أعتقه الوارث عن كفارة يمينه جاز عن الميت لا عن الكفارة، والولاء للميت لا للوارث.
وصرح الصدر الشهيد بأن الأصح أنه لا يعتق بالقبول بل لا بد من إعتاق الوارث. وفي
الهداية قالوا: لا يعتق وإن قبل بعد الموت ما لم يعتقه الوارث لأن الميت ليس بأهل للاعتاق
435

وهذا صحيح ا ه‍. وتعقبه في غاية البيان بأنه ينبغي أن يعتق حكما لكلام صدر من الأهل
مضافا إلى المحل وإن كان الميت ليس بأهل للاعتاق. ولان القبول لم يعتبر في حال الحياة فإذا
لم يعتق بالقبول بعد الوفاة. إلا باعتاق واحد منهم لا يكون معتبرا بعد الوفاة أيضا فلا يبقى
فائدة لقبوله بعد الموت ا ه‍. وجوابه أن العتق الحكمي وإن كان لا يشترط
فيه الأهلية يشترط قيام الملك وقته، وهنا قد خرج ملك المعلق وبقي للوارث، ومتى خرج عن ملكه لا يقع
بوجود الشرط مع وجود الأهلية فما ظنك عند عدمها؟ وقوله إنه لا فائدة للقبول بعد الموت
ممنوع لأنه لولا القبول لم يصح إعتاق الوصي والقاضي لعدم الملك لهما ولم يلزم الوارث
الاعتاق. والحاصل أن المسألة مختلف فيها فظاهر إطلاق المتون أنه يعتق بالقبول بعد الموت من
غير توقف على إعتاق أحد وهو قول البعض كما يشير إليه لفظ الأصح وله أصله في الرواية
كما في غاية البيان، وصحح المتأخرون أنه لا يعتق بالقبول كما قدمنا، ولا فرق في المسألة
بين أن يؤخر ذكر المال أو يقدمه كان يقول أنت حر على ألف درهم بعد موتي كما في غاية
البيان، لكنه نقل الاجماع. وقد علمت أن الخلاف ثابت. وظهر بهذا أن قول الزيلعي
وقاضيخان في الفتاوي أنه لو قال له أنت حر على ألف درهم بعد موتي أن القبول فيه للحال
ليس بصحيح إذ لا فرق بينه وبين مسألة الكتاب. وقيد بأنت حر لأنه لو قال أنت مدبر على
ألف درهم فالقبول فيه للحال فإذا قبل صار مدبرا ولا يلزمه المال لأن الرق قائم والمولى لا
يستوجب على عبده دينا إلا أن يكون مكاتبا. وقد بحث فيه المحقق ابن الهمام بحثا حسنا
فراجعه. وفي الخانية أن القبول فيه بعد الموت كمسألة الكتاب.
وفي المحيط: لو قال لعبده حج عني حجة بعد موتي وأنت حر ولا مال له سواه يحج
عنه حجا وسطا ثم تعتقه الورثة ويسعى في ثلثي قيمته لأنه عتق بغير مال فيعتبر من الثلث،
فإن أوصى الميت مع هذا بثلث ماله لرجل قسم الثلث بين العبد والموصى له على أربعة ثلاثة
أرباعه منها للعبد ويسعى للموصى له في ربع ثلث رقبته وللورثة في ثلثي قيمته لأن العبد
موصى له بعتق جميع رقبته فيضرب بجميع الرقبة، والموصى له يضرب بالثلث فصار الثلث
بينهما على أربعة أسهم وجميع الرقبة على اثني عشر، فسلم للعبد ثلاثة ويسعى للموصى له
في سهم وللورثة ثمانية. ولو قال ادفع إلى الوصي قيمة حج يحج بها عني فدفع فعلى الورثة
أن يعتقوه ولا ينتظر الحج لأنه عتق بمال والحج مشورة وليس بشرط، فإن كانت قيمة الحج
أقل من قيمته نظر، إن كانت مقدار ثلثي قيمته جاز لأن الوصية بالعتق نافذة في الثلث، وإن
كانت أقل من ثلثي قيمته فعليه أن يسعى إلى تمام الثلثين ثم يدفع إلى الورثة أو إلى الوصي
436

مقدار حجة، فإن أجازت الورثة الحج فحج بذلك كله فثلثاه للورثة والثلث يحج به عنه من
حيث يبلغ، ولو قال لعبده ادفع إلى الوصي قيمة حجة فإذا دفعتها إليه فحج بها عني فأنت
حر لا يعتق العبد ما لم يحج عن الميت، ولو قال حج عني بعد الموت وأنت حر فمات وأبى
الورثة خروجه للحج ولا مال للميت غيره فلهم ذلك حتى يخدمهم مقدار ثلثي ما يحتاج إليه
للخروج إلى الحج، لأن مقدار ثلثيه صار حقا للورثة رقبة ومنفعة، وإذا خرج اشتغل عن
خدمتهم، وإذا حج وجب إعتاقه فيبطل حق الورثة عن منفعته وخدمته فيحبسونه
ويستخدمونه إلى العام القابل استيفاء لحقهم، فإن قال الورثة أخرج في هذا العام فقال
أخدمكم العام وأخرج السنة الثانية فليس للعبد ذلك، فإن أمكنه الخروج في العام وإلا أبطل
القاضي وصيته، فإن لم يطلب منه الورثة حتى مضت السنة فله أن يحج في السنة الثانية، إن
لم يكن الميت قال حج عني في هذه السنة، ولو قال حج عني بعد موتي بخمس سنين وأنت
حر فأبى الورثة أن يتركوه إلى خمس سنين فليس لهم ذلك ا ه‍. وفي الذخيرة: رجل قال
لعبده أنت حر بعد موتي إن لم تشرب الخمر فأقام أشهرا ثم شرب الخمر قبل أن يعتق بطل
عتقه، وإن رفع الامر إلى القاضي بعد موت المولى قبل أن يشرب فأمضى فيه العتق ثم شرب
الخمر بعد ذلك لم يرد إلى الرق، ولو قال لعبده أنت حر علي أن لا تشرب الخمر فهو حر
شرب الخمر أو لم يشرب ا ه‍. وأشار المصنف إلى أنه لو قال لعبده إن شئت فأنت حر بعد
موتي فإن المشيئة له بعد موته، وكذا إذا قال إذا جاء غد فأنت حر إن شئت كانت المشيئة إليه
بعد طلوع الفجر من الغد وكذا إذا قال أنت حر غدا إن شئت كانت المشيئة في الغد، ولو
قال إن شئت فأنت حر غدا كانت المشيئة للحال في قول أبي يوسف ومحمد وظاهر الرواية
عن أبي حنيفة، كذا في الخانية. وفي البدائع: لو قال أنت حر غدا إن شئت فالمشيئة في
437

الغد، ولو قال أنت حر إن شئت غدا فالمشيئة إليه في الحال لأن في الفصل الأول علق
الاعتاق المضاف إلى الغد بالمشيئة فيقتضي المشيئة في الغد، وفي الفصل الثاني أضاف الاعتاق
المعلق بالمشيئة إلى الغد فيقتضي تقدم المشيئة على الغد.
قوله: (ولو حرره على خدمته سنة فقبل عتق وخدمه) يعني من ساعته لأن الاعتاق على
الشئ يشترط فيه وجود القبول في المجلس لا وجود المقبول كسائر العقود، وعليه أن يخدمه
المدة المعينة وهو المراد بالسنة سنة أو أقل أو أكثر. ونص الحاكم الشهيد أن الخدمة هي الخدمة
المعروفة بين الناس. قيد بالمدة لأنه لو حرره على خدمته من غير مدة عتق وعليه أن يرد قيمة
نفسه لأن الخدمة مجهولة، وكذا لو قال لجاريته أنت حرة على أن تخدمني فلانة فقبلت عتقت
وردت قيمتها. وقال محمد: ترد قيمة الخدمة شهرا، كذا في الذخيرة. ونقل في الظهيرية عن
بعضهم أنها إن خدمته عمره أو عمرها لا شئ عليها، وإن أبت أن تخدمه عمره أو عمرها
تسعى في قيمتها ا ه‍. وقد وقع الاستفتاء عما إذا حرره على خدمته مدة معينة وقبل العبد
وعتق وكان له زوجة وأولاد فما حكم نفقته ونفقتهم إذا لم يكن له مال فإنه لا يتفرغ
للاكتساب بسبب خدمة المولى هذه المدة، فلم أر فيه نقلا، وينبغي أن يشتغل بالاكتساب
لأجل الانفاق على نفسه وعياله إلى أن يستغني عن الاكتساب فيخدم المولى المدة المعينة لأنه
الآن معسر عن أداء البدل فصار كما إذا أعتقه على مال ولا قدرة له عليه فإنه يؤخر إلى
الميسرة. قيد بكونه حرره على خدمته كان قال له أعتقتك على أن تخدمني لأنه لو قال إن
خدمتني كذا مدة فأنت حر لا يعتق حتى يخدمه لأنه معلق بشرط والأول معاوضة، ولم
يصرحوا هنا بأنه يكون مأذونا لأنه لا ضرورة إليه إذ الخدمة لا تتوقف على اكتساب المال
بخلاف إن أديت إلى ألفا فأنت حر كما قدمناه. وفي الذخيرة: لو قال اخدمني سنة وأنت
حر عتق الساعة ولا شئ عليه في قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: لا يعتق إلا بالخدمة
قبل أو لم يقبل. وفي الظهيرية: لو قال لامته عند وصيته إذا حذمت ابني وابنتي حتى يستغنيا
فأنت حرة، فإن كانا صغيرين تخدمهما حتى يدركا، فإن أدرك أحدهما دون الآخر تخدمهما
جميعا، وإن كانا مدركين تخدم البنت حتى تتزوج والابن حتى يحصل له ثمن جارية، فإذا
438

زوجت البنت وبقي الابن تخدمهما جميعا، وإن مات أحدهما وهما كبيران أو صغيران بطلت
الوصية ا ه‍. وفي شرح النقاية في مسألة إن خدمتني كذا: لو خدمه أقل منها أو أعطاه مالا
عن خدمته لا يعتق، وكذا لو قال إن خدمتني وأولادي سنة فمات بعض الأولاد لا يعتق
ا ه‍ قوله: (فلو مات تجب قيمته) أي لو مات المولى أو العبد قبل الخدمة وجبت قيمة العبد
عليه عندهما. وقال محمد: عليه قيمة الخدمة في المدة وقد قدمناه فيما إذا أعتقه على مال
فاستحق وسووا بين موت المولى وموت العبد وقد طعن عيسى وقال: هذا غلط فيما إذا مات
المولى بل يخدم الورثة ما بقي منها لأن الخدمة دين فيخلفه وارثه فيه بعد موته كما لو أعتقه
على ألف درهم فاستوفى بعضها ومات ولكن في ظاهر الرواية لا فرق بينهما لأن الخدمة
عبارة عن المنفعة وهي لا تورث فلا يمكن إبقاء عين المنفعة بعد موت المولى أو لأن الناس
يتفاوتون فيها فإن خدمة الفقراء أسهل من غيرهم، وخدمة الشيخ ليست كخدمة الشاب،
وقد تكون الورثة كثيرين وخدمة الواحد أسهل من خدمة الجماعة. وقيدنا بموته قبل الخدمة
لأنه لو خدمه بعض المدة كسنة من أربع سنين ثم مات فعلى قولهما عليه ثلاثة أرباع قيمته،
وعلى قول محمد عليه قيمة خدمته ثلاث سنين، كذا في شرح الطحاوي. وفي الحاوي
القدسي: وبقول محمد نأخذ. ولو أر حكم ما إذا مرض العبد مرضا لا يمكن معه الخدمة
وينبغي أن يكون كالموت.
قوله: (ولو قال أعتقها بألف على أن تزوجنيها ففعل وأبت أن تتزوجه عتقت مجانا) أي
لو قال أجنبي لمالك جارية إلى آخره، وحاصله أمره المخاطب بإعتاق أمته وتزويجها منه على
عوض معين مشروط على الأجنبي عن الأمة وعن مهرها فلما لم تتزوجه بطلت عنه حصة
المهر عنها، وأما حصة العتق فباطلة أيضا إذ لا يصح اشتراط بدل العتق على الأجنبي بخلاف
الخلع لأن الأجنبي فيه كالمرأة لم يحصل لها ملك ما لم تكن تملكه بخلاف العتق فإنه يثبت
للعبد فيه قوة حكمية هي ملك البيع والشراء والإجارة والتزويج وغيره ذلك، ولا يجب
العوض إلا على من حصل له المعوض فمعنى قوله مجانا أنها تعتق بغير شئ يلزمها أو يلزم
الآمر أي لا يلزم أحدا شئ. وأطلق فشمل ما إذا قال بألف علي أو لم يقل علي وكان الأولى
ذكرها كما في بعض نسخ الهداية ليفيد عدم الوجوب عند عدم ذكرها بالأولى. وأفاد بقوله
439

وأبت أن لها الامتناع من تزوجه لأنها ملكت نفسها بالعتق. وقيد بإبائها لأنها لو تزوجته
قسمت الألف على قيمتها ومهر مثلها فما أصاب قيمتها سقط عنه لما ذكرناه. وما أصاب
مهرها وجب لها عليه، فإن استويا بأن كان قيمتها مائة ومهرها مائة سقط عنه خمسمائة
ووجب لها خمسمائة عليه، وإن تفاوتا كأن كان قيمتها مائتين والمهر مائة سقط عنه ستمائة
وستة وستون وثلثان ووجب لها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث، كذا في فتح القدير. وبهذا
علم أن المصنف لو حذف قوله وأنت لكان أولى لأنها تعتق مجانا، سواء أبت أو تزوجته،
وأما وجوب المهر فشئ آخر. وكذا قوله على أن تزوجنيها ليس بقيد لأنها تعتق مجانا لو
قال أعتقها بالألف علي ففعل لكن إنما ذكره ليفرع عليه المسألة الثانية. وفي المحيط: لو قالت
لعبدها أعتقتك على ألف على أن تتزوجني على عشرة فقبل ذلك ثم أبى أن يتزوجها فعليه
الألف، فإن كانت قيمته أكثر من الألف سعى في تمام القيمة لأنه لم يف، وإن قالت أعتقتك
علي أن تتزوجني وتمهرني ألفا، فقيل ثم أبي ذلك عتق وعليه أن يسعى في قيمته، وإن
تزوجها على مائة ورضيت بذلك فلا سعاية عليه لأنه وفي لها بالتزوج وهي رضيت بدون ما
شرطت عليه من المهر، ولو دعاها العبد على أن يتزوجها على ألف فأبت المرأة فلا سعاية عليه
لأنه قد وفى لها بما شرطت عليه فجاء الامتناع من قبلها ا ه‍.
قوله: (ولو زاد عني قسم الألف على قيمتها ومهر مثلها ويجب ما أصاب القيمة فقط)
أي لو قال أعتقها عني بألف درهم على أن تزوجنيها فأبت أن تتزوجه قسمت الألف على
قيمتها وعلى مهر مثلها، فما أصاب القيمة أداه الآمر للمأمور، وما أصاب المهر سقط عنه لأنه
لما قال عني تضمن الشراء اقتضاء على ما عرف في الأصول والفروع لكن ضم إلى رقبتها
تزويجها وقابل المجموع بعوض هو ألف فانقسمت عليها بالحصة، ومنافع البضع وإن لم تكن
مالا لكن أخذت حكم المال لأنها متقومة حالة الدخول وإيراد العقد عليها ولم يبطل البيع
باشتراط النكاح لأنه مقتضي لصحة العتق فلا يراعي فيه شرائط البيع بل شرائط العتق وهو
المقتضي - بالكسر - حتى يعتبر في الآمر أهلية الاعتاق بخلاف ما إذا قال أعتق عبدك عني
بغير شئ فأعتقه حيث لا يسقط القبض عندهما خلافا لأبي يوسف، وقد قدمناه قبيل نكاح
الكافر. وفي الولوالجية: رجل قال جاريتي هذه لك على أن تعتق عني عبدك فلانا فرضي
بذلك ودفع الجارية إليه لا تكون له حتى يعتبر عبده لأنه طلب منه تمليك العبد يقتضي
440

الاعتاق بتمليك الجارية فما لم يعتق لم يوجد تمليك العبد فلا يتملك الجارية ا ه‍. وقيد بإبائها
في الثانية أيضا لأنها لو تزوجته فما أصاب قيمتها فهو للمولى، وما أصاب مهر مثلها كان
مهرا لها. وقيد المصنف باشتراط التزوج من الأجنبي لأنه لو أعتق أمته على أن تزوجه نفسها
فزوجته نفسها كان لها مهر مثلها عند أبي حنيفة ومحمد لأن العتق ليس بمال فلا يصلح مهرا،
وعند أبي يوسف يجوز جعل العتق صداقا لأنه صلى الله عليه وسلم أعتق صفية ونكحها وجعل عتقها مهرها.
قلنا: كان النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا بالنكاح بغير مهر فإن أبت أن تتزوجه فعليها قيمتها في قولهم
جميعا. وفي الخانية: أم الولد إذا أعتقها مولاها على أن تزوج نفسها منه فقبلت عتقت فإن
أبت أن تزوج نفسها منه لا سعاية عليها والله أعلم.
باب التدبير
بيان للعتق الواقع بعد الموت بعد ما بين الواقع في الحياة، وقدمه على الاستيلاد لشموله
الذكر والأنثى. وله معنيان: لغوي وفقهي، فالأول كما في المغرب الاعتاق عن دبر وهو ما
بعد الموت، وتدبر في الامر نظر في ادباره أي في عواقبه ا ه‍. وفي ضياء الحلوم: التدبير
عتق العبد والأمة بعد الموت، وتدبير الامر النظر فيه إلى ما تصير إليه العاقبة ا ه‍. والثاني ما
ذكره الشيخ رحمه الله تعالى وركنه اللفظ الدال على معناه. وشرائطه نوعان: عام وخاص،
فالعام هو ما قدمناه من شرائط العتق فلا يصح إلا من الأهل في المحل منجزا أو معلقا أو
مضافا، سواء كان إلى وقت أو إلى الملك أو إلى سببه. والخاص تعليقه بموت المولى فلو علقه
بموت غيره لا يكون مدبرا. وأن يكون بمطلق موته، وأن يكون بموته وحده كما سيأتي،
وأما صفته فالتجزي عنده خلافا لهما، فلو دبره أحدهما اقتصر على نصيبه وللآخر عند يسار
شريكه ست خيارات: الخمسة المتقدمة والترك على حاله كما عرف في البدائع. وسيأتي بيان
أحكامه من عدم جواز إخراجه عن الملك في حالة الحياة ومن عتقه من الثلث بعد موت المولى
إلى آخره قوله: (وهو تعليق العتق بمطلق موته) أي موت المولى فخرج بقيد الاطلاق التدبير
المقيد كتعليقه بموت موصوف بصفة كما سيأتي، وكذا التعليق بموته وموت غيره، وخرج
أيضا أنت حر بعد موتي بيوم أو بشهر فهو وصية بالاعتاق فلا يعتق بعد موت المولى إلا
بإعتاق الوارث أو الوصي كما في الذخيرة. وخرج بموته تعليقه بموت غيره كقوله إن مات
441

فلان فأنت حر فإنه لا يصير مدبرا أصلا لا مطلقا ولا مقيدا، فإذا مات فلان عتق من غير
شئ ولا يرد عليه تعليقه بموته إلى مدة لا يعيش مثله إليها كان مت إلى مائة سنة فأنت حر
ومثله لا يعيش إليها فإنه سيأتي أنه مدبر مطلق على المختار مع أنه لم يعلق عتقه بمطلق موت
المولى لأنه وإن كان مقيدا صورة فهو مطلق معنى. وأشار بالتعليق إلى أنه لو دبر عبده ثم
ذهب عقله فالتدبير على حاله وإن كان في التدبير معنى الوصية بخلاف ما إذا أوصى برقبته
لانسان ثم جن ثم مات حيث تبطل الوصية. والفرق أن التدبير اشتمل على معنى التعليق
والتعليق لا يبطل بالجنون ولهذا لا يبطل بالرجوع ولا كذلك الوصية، ولهذا جاز تدبير المكره
ولا يجوز وصيته، كذا في الظهيرية.
قوله: (كادامت فأنت حر وأنت حر يوم أموت أو عن دبر مني أو دبرتك) بيان لبعض
ألفاظه الصريحة فإنه إثبات العتق عن دبر واليوم هنا لمطلق الوقت فيعتق مات المولى ليلا أو
نهارا، لأنه قرن بفعل لا يمتد، فإن نوى باليوم النهار دون الليل صحت نيته لأنه نوى حقيقة
كلامه ثم لا يكون مدبرا لأنه علق عتقه بما ليس بكائن لا محالة وهو موته بالنهار وربما
يموت بالليل فلذا لا يكون مدبرا، كذا في المبسوط. أي لا يكون مدبرا مطلقا وإنما هو مقيد
فيعتق بموته نهارا وله بيعه. ومثل التعليق بإذا متى وإن والحدث كالموت فلو قال إن
حدث بي حدث فأنت حر فهو مدبر لأنه تعورف الحدث والحادث في الموت، كذا الوفاة
والهلاك لأن الاعتبار للمعنى، وكذا أنت حر مع موتي أو في موتي فإنه تعليق العتق بالموت
وفي تستعار بمعنى حرف الشرط كما عرف في الأصول. وقول الزيلعي تبعا لما في المحيط
أن حرف الظرف إذا دخل على الفعل يصير شرطا تسامح وإنما هو بمعناه لأنه لو كان شرطا
لطلقت في قوله لأجنبية أنت طالق في نكاحك مع أنها لا تطلق. وأفاد بقوله أنت حر يوم
أموت أن كل لفظ وقع به العتق للحال إذا أضيف إلى الموت فإنه يوجب التدبير كقوله أعتقتك
أو أنت عتيق أو عتق أو محرر بعد موتي. وفي الخانية والظهيرية: رجل قال لعبده لا سبيل
لاحد عليك بعد موتي قالوا يصير مدبرا ا ه‍. ولم يقيداه بالنية مع أن لا سبيل لي عليك كناية
لا يعتق بها إلا بالنية إلا أن يفرق بين قوله لي وبين قوله لاحد، وكذا بعد موتي قرينة لا
تتوقف على النية. وفي الحاوي القدسي: لو قال أعتقوه بعد موتي فهو مدبر ا ه‍. وقيد بكون
السيد واحدا لأنه لو كان بين اثنين فقالا إذا متنا فأنت حر لم يصر بذلك مدبرا ولهما أن
يبيعاه، فإذا مات أحدهما صار مدبرا من قبل الثاني وصار حكمه حكم عبد بين رجلين دبره
أحدهما. ولو كان كل واحد منهما قال إذا مت فأنت حر أو دبرتك أو دبرت نصيبي منك
وخرج القولان منهما جميعا صار مدبرا بينهما فلا يجوز بيعه، وأيهما مات عتق نصيبه وسعى
العبد للآخر في قيمة نصيبه منه وكان ولاؤه بينهما، كذا في الحاوي القدسي. ولا فرق في
العتق المضاف إلى الموت بين أن يكون معلقا بشرط آخر أو لا، فلو قال إن كلمت فلانا فأنت
442

حر بعد موتي فكلمه صار مدبرا لأنه بعد الكلام صار التدبير مطلقا، وكذا لو قال أنت حر
بعد كلامك فلانا وبعد موتي فكلمه فلان كان مدبرا، كذا في البدائع. وذكر محمد في الأصل
إذا قال أنت حر بعد موتي إن شئت فإن نوى بقوله إن شئت الساعة فشاء العبد في ساعته
تلك صار مدبرا لأنه علق التدبير بشرط وهو المشيئة وقد وجد كما إذا قال إن دخلت الدار
فأنت مدبر، وإن عنى به مشيئته بعد الموت فليس للعبد مشيئة حتى يموت المولى فإن مات
المولى فشاء بعد موته فهو حر من ثلثه. وذكر الحاكم في مختصره أن المراد منه أن يعتقه الوصي
أو الوارث. وفي المحيط: ولو نهاه عن المشيئة قبل موته جاز نهيه. ولا فرق في التدبير بين
أن يكون منجزا أو مضافا كما إذا قال أنت مدبر غدا أو رأس شهر كذا فإذا جاء الوقت صار
مدبرا.
وروى هشام عن محمد رحمه الله تعالى فيمن قال أنت مدبر بعد موتي فهو مدبر
الساعة لأنه أضاف التدبير إلى ما بعد الموت والتدبير بعد الموت لا يتصور فيلغو قوله بعد
موتي فيبقى قوله أنت مدبر، أو يجعل قوله أنت مدبر أي أنت حر فيصير كأنه قال أنت حر
بعد موتي. وفي الذخيرة معزيا إلى الأصل: لو قال أنت حر بعد موتي إن دخلت الدار لا
يصح هذا التصرف عندنا أصلا بخلاف ما إذا قال أنت حر بعد موتي إن شئت. والفرق أن
في فصل المشيئة صححنا تصرفه بطريق الوصية وتعليق الوصية بالمشيئة صحيح وتعذر
تصحيح هذا التصرف بطريق الوصية لأن تعليق الوصية بدخول الموصى له الدار باطل
ا ه‍. وفي المحيط: لو قال لامة إن ملكتك فأنت حرة بعد موتي فولدت فاشتراهما تصير
الام مدبرة دون الولد لأن التدبير ثبت في الام والولد منفصل عنها قبل الملك فلا يتصور
سراية حق التدبير إلى الولد كما لو قال إن ملكتك فأنت حرة فملكها عتقت ولا يعتق ولد
ولدته قبل الملك فكذا هذا، ولو قال المولى ولدت قبل التدبير وقالت بل بعده فالقول
للمولى مع يمينه على علمه والبينة لها ا ه‍. وفي الظهيرية: أنت حر الساعة بعد موتي يعتق
بعد الموت ا ه‍. وأشار المصنف بهذه الألفاظ إلى أنه لو قال أوصيت لك برقبتك أو عتقك
أو نفسك أو أوصيت لك بثلث مالي فإنه يكون مدبرا لأن التدبير وصية فإذا أتى بصريحها
كان مدبرا بالأولى، ولان الايصاء للعبد برقبته إزالة ملكه عن رقبته لأنه لا يثبت الملك
للعبد في رقبته إلا باعتاقه فهو كبيع نفس العبد منه. ولو قال العبد لا أقبل فهو مدبر
وليس رده بشئ كما في الظهيرية، وعن أبي يوسف فيمن أوصى بسهم من ماله لعبده فإنه
يعتق بعد موته، ولو أوصى له بجزء من ماله لم يعتق لأن السهم عبارة عن السدس فكان
443

سدس رقبته داخلا في الوصية، فأما الجزء عبارة عن شئ مبهم والتعيين فيه للورثة فلم
تكن الرقبة داخله له تحت الوصية، كذا في المحيط. وما عن أبي يوسف هنا جزم به في
الاختيار. وذكر الولوالجي لو قال مريض أعتقوا فلانا بعد موتي إن شاء الله تعالى صح
الايصاء. وفرق بين هذا وبين ما إذا قال هو حر بعد موتي إن شاء الله تعالى حيث لا
يصح، والفرق أن في المسألة الأولى أمر بالاعتاق والاستثناء في الأمور باطل وفي المسألة
الثانية إيجاب والاستثناء في الايجاب صحيح ا ه‍.
قوله: (فلا يباع ولا يوهب) شروع في بيان أحكامه. وقال الشافعي رحمه الله تعالى:
يجوز لأنه تعليق العتق بالشرط فلا يمتنع به البيع والهبة كما في سائر التعليقات، وكما في
المدبر المقيد ولان التدبير وصية وهي غير مانعة من ذلك. ولنا قوله عليه السلام المدبر لا
يوهب ولا يورث ولا يباع وهو حر من الثلث ولأنه سبب الحرية لأن الحرية تثبت بعد
الموت ولا سبب غيره، ثم جعله سببا في الحال أولى لوجوده في الحال وعدمه بعد الموت
لأن ما بعد الموت حال بطلان أهلية التصرف فلا يمكن تأخير السببية إلى زمان بطلان
الأهلية بخلاف سائر التعليقات لأن المانع من السببية قائم قبل الشرط لأنه يمين واليمين
مانع والمنع هو المقصود وأنه يضاد وقوع الطلاق والعتاق فأمكن تأخير السبب إلى زمان
الشرط لقيام الأهلية عنده فافترقا، ولأنه وصية الوصية خلافة في الحال لوراثة وإبطال
السبب لا يجوز في البيع وما يضاهيه ذلك أراد بالبيع الاخراج عن الملك بعوض وبالهبة
الاخراج بغير عوض فكأنه قال لا يخرج عن الملك. وفي الذخيرة وغيرها: كل تصرف لا
يقع في الحر نحو البيع والامهار فإنه يمنع في المدبر والمدبرة لأن المدبر باق على حكم الملك
المولى إلا أنه انعقد له سبب الحرية فكل تصرف يبطل هذا السبب يمنع المولى منه ا ه‍. فلذا
لا تجوز الوصاية به ولا رهنه لأن الرهن والارتهان من باب إيفاء الدين واستيفائه عندنا
فكان من باب تمليك العين وتملكها، كذا في البدائع. ومن هنا يعلم أن شرط الواقفين في
كتبهم أنها لا تخرج إلا برهن شرط باطل إذا لوقف أمانة في يد مستعيره فلا يتأتى الايفاء
والاستيفاء بالرهن سنوضحه إن شاء الله تعالى. وفي الظهيرية: فإن باعه وقضى القاضي
444

بجواز بيعه نفذ قضاؤه ويكون ذلك فسخا للتدبير حتى لو عاد إليه يوما من الدهر بوجه من
الوجوه ثم مات لا يعتق وهذا مشكل، لأنه يبطل بقضاء القاضي ما هو مختلف فيه وما هو
مختلف فيه لزوم التدبير لا صحة التعليق فينبغي أن يبطل وصف اللزوم لا غير ا ه‍. وسيأتي
في البيوع أن بيع المدبر باطل لا يملك بالقبض فلو باعه المولى فرفعه العبد إلى قاض حنفي
وادعى عليه أو على المشتري فحكم الحنفي ببطلان البيع ولزوم التدبير فإنه يصير متفقا عليه
فليس للشافعي أن يقضي بجواز بيعه بعده كما في فتاوى الشيخ قاسم وهو موافق للقواعد
فينبغي أن يكون كالحر، فلو جمع بينه وبين قن ينبغي أن يسري الفساد إلى القن كما سنبينه إن
شاء الله تعالى في محله. وفي الولوالجية من التدبير: رجل قال هذه أمتي إن احتجت إلى بيعها
أبيعها وإن بقيت بعد موتي فهي حرة فباعها جاز، كذا في فتاوى الصدر الشهيد ا ه‍. ولم
يصرح بأنها مدبرة تدبيرا مطلقا أو مقيدا. وفيها من كتاب الحيل: لو أراد أن يدبر عبده على
وجه يملك بيعه يقول إذا مت وأنت في ملكي فأنت حر فهذا يكون مدبرا مقيدا فيملك بيعه
فإذا مات وهو في ملكه عتق ا ه‍. فكذا في المسألة الأولى يكون مدبرا مقيدا لكن ذكر
الولوالجي رحمه الله في آخر الوصايا: لو قال لعبده إن مت وأنت في ملكي فأنت حر فله أن
يبيعه لأنه لما مات لم يبق في ملكه فلم يعتق ا ه‍. وهو ليس بمخالف لقوله في الحيل إنه
يعتق بموته لأن قوله في الوصايا لا يعتق معناه لو مات بعد بيعه، وأما لو مات وهو في
ملكه فإنه يعتق. وأشار المصنف بعدم جواز تمليكه إلى أنه لو كان المدبر بين اثنين أعتقه
أحدهما وهو موسر وضمن قيمة نصيب شريكه عتق المدبر ولم يتغير الولاء لأن العتق ها هنا
ثبت من جهة المدبر في الحقيقة لا من جهة الذي أعتقه لأن المعتق بأداء الضمان لا يملك
نصيب الشريك ها هنا لأن المدبر لا يقبل الانتقال من ملك إلى ملك، وإنما وجب الضمان
لاثبات الحيلولة بين المدبر والمولى، أما أن يقال إن المعتق يتملك نصيب صاحبه من المدبر فلا.
ولما كان هذا طريق العتق كان المعتق هو المدبر فلذا كان الولاء لهما على الشركة كما كان
أولا، كذا في الذخيرة. ولا يرد عليه أن يقبل الانتقال بالقضاء لأنه بالقضاء ينفسخ التدبير،
وأما ها هنا فالتدبير باق ولكن كان ينبغي أنه لو ضم إلى قن وبيعا صفقة واحدة أن يسري
الفساد إلى القن كالحر وسيتضح في محله إن شاء الله تعالى. وقيد بالبيع ونحوه لأنه يجوز إعتاقه
كأم الولد لأنه إيصال إلى حقيقة الحرية عاجلا، وتجوز كتابتهما لما فيها من تعجيل الحرية.
وفي المحيط: وإذا ولدت المدبرة من السيد فهي أم ولد وقد بطل التدبير لأن أمية الولد أقوى
في إفادة العتق من التدبير لأنها تعتق من جميع المال بخلاف المدبر فإنها تعتق من الثلث فيبطل
445

بها التدبير كالبيع إذا ورد على الرهن ا ه‍.
قوله: (ويستخدم ويؤجر وتوطأ وتنكح) أي ويستخدم المدبر ويؤجر وكذا المدبرة وتوطأ
المدبرة أي يجوز للمولى ذلك ويجوز أن يزوجها جبرا عليها وكذا المدبر كما تقدم في نكاح
الرقيق. وإنما جازت هذه التصرفات لأن الملك ثابت فيه وبه تستفاد ولاية هذه التصرفات.
وضابطها كما في الذخيرة أن كل تصرف يقع في الحر فإنه لا يمنع في المدبر والمدبرة لأنه لا
يبطل ما انعقد له من السبب. وأفاد المصنف رحمه الله بجواز ذلك أن أكساب المدبر والمدبرة
للمولى وكذا أرشهما وكذا مهرها للمولى لأنهما بقيا على حكم ملك المولى، كذا في الذخيرة.
ومن أحكامه أن دينه لا يتعلق برقبته لأنها لا تحتمل البيع ويتعلق بكسبه ويسعى في ديونه
بالغة ما بلغت. ومنها أن جنايته على المولى وهو الأقل من قيمته ومن أرش الجناية ولا يضمن
المولى أكثر من قيمة واحدة وإن كثرت الجنايات على ما سيأتي إن شاء الله تعالى. وولد المدبرة
بمنزلتها كالحرة فيعتق بموت سيد أمه إن كان التدبير مطلقا، أما ولد المدبرة تدبيرا مقيدا فلا
يكون مدبرا. ووقع في بعض نسخ الهداية أن ولد المدبر بالتذكير وليس بصحيح لأن التبعية
إنما هي للام لا للأب، وتدبير الحمل وحده جائز كعتقه فإن ولدته لأقل من ستة أشهر كان
مدبرا وإلا فلا قوله: (وبموته يعتق من ثلثه) أي بموت المولى يعتق المدبر من ثلث مال المولى
لما روينا من قوله عليه السلام وهو حر من الثلث ولان التدبير وصية لأنه تبرع مضاف إلى
وقت الموت والحكم غير ثابت في الحال فينفذ من الثلث، ولكونه وصية حتى لو قتله المدبر
فإنه يسعى في جميع قيمته لأنه لا وصية للقاتل، وأم الولد إذا قتلت مولاها فإنها تعتق ولا
شئ عليها إن كان القتل خطأ، كذا في شرح الطحاوي. وذكر قاضيخان في كتاب الحجر
أن المحجور عليه يصح تدبيره وبموته سفيها يعتق المدبر ويسعى في قيمته مدبرا، فإن كانت
قيمته مدبرا عشرة يسعى في عشرة ا ه‍. مع أنه نقل قبله أن وصية المحجور عليه جائزة من
ثلث ماله. وأطلق في الموت فشمل الحكمي بالردة بأن ارتد المولى عن الاسلام. والعياذ بالله
تعالى ولحق بدار الحرب لأنها مع اللحاق تجري مجرى الموت، وكذا المستأمن إذا اشترى عبدا
في دار الاسلام فدبره ولحق بدار الحرب فاسترق الحربي عتق مدبره، كذا في البدائع. وأطلق
في التدبير فشمل ما إذا كان في الصحة أو في المرض لأنه وصية في الحالين ويعتبر من ثلث
المال يوم مات المولى كما في الوصايا. وفي المحيط: إن المدبر يعتق في آخر جزء من أجزاء
حياة المولى ا ه‍. وهو التحقيق وعليه يحمل كلامهم.
446

قوله: (ويسعى في ثلثيه لو فقير أوكله لو مديونا) أي يسعى المدبر للورثة في ثلثي
قيمته لو كان المولى فقيرا ليس له مال إلا هو، وفي جميع قيمته لو كان المولى مديونا دينا
يستغرق ماله لما ذكرنا أنه وصية ومحل نفاذها الثلث والدين مقدم عليها. اعلم أن المدبر في
زمن سعايته كالمكاتب عند الإمام، وعندهما حر مديون فتتفرع الأحكام فلا تقبل شهادته ولا
يزوج نفسه عنده لما في المجمع من الجنايات: ولو ترك مدبرا فقتل خطأ وهو يسعى للوارث
فعليه قيمته لوليه. وقالا: ديته على عاقلته ا ه‍. وهكذا في الكافي وعلله بما ذكرناه. وكذا
المنجز عتقه في مرض الموت إذا لم يخرج من الثلث فإنه في زمن سعايته كالمكاتب عنده فلا
تقبل شهادته كما في شهادات البزازية، وحكم جنايته كجناية المكاتب كما في شرح المجمع
للمصنف. وقولهم هنا يعتق المدبر بموت المولى من ثلث المال يدل عليه فإن لم يخرج من
الثلث لم يعتق حتى يسعى ويؤديها. قيدنا بكون الدين مستغرقا لأن الدين لو كان أقل من
447

قيمته فإنه يسعى في قدر الدين والزيادة على الدين ثلثها وصية ويسعى في ثلثي الزيادة، كذا
في شرح الطحاوي وذكر في المجتبى أن القدوري أجمل القيمة ولم يبين أنه يسعى في قيمته قنا
أو مدبرا وذكر في بط أنه يسعى في قيمته مدبرا. وذكر محمد في كتاب الحجر إذا دبر السفيه
ثم مات يسعى الغلام في قيمته مدبرا وليس عليه نقصان التدبير كالصالح إذا دبر ومات
وعليه ديون ا ه‍. وقدمنا أن المفتى به أن قيمة المدبر ثلثا قيمته قنا، واختار الصدر الشهيد أنها
النصف، وفي الولوالجية وهو المختار لأن الانتفاع بالمملوك نوعان: انتفاع بعينه وانتفاع ببدله
وهو الثمن والانتفاع بالعين قائم وبالبدل فائت ا ه‍. وفي الظهيرية: وعتق المدبر يعتبر من
ثلث المال مطلقا كان أو مقيدا ا ه‍. ولم يبينه المصنف لأنه إذا علم حكم المطلق فالمقيد أولى.
وفي فتح القدير: إذا دبره ثم كاتبه ثم مات المولى وهو يخرج من ثلثه عتق بالتدبير وسقطت
عنه الكتابة فإن لم يكن له مال غيره فإنه يخير إن شاء سعى في جميع بدل الكتابة بجهة عقد
الكتابة وإن شاء سعى في ثلثي قيمته بالتدبير. وهذا عند الإمام لأن العتق يتجزى عنده وقد
تلقاه جهتا حرية فيتخير أيهما شاء، وعند أبي يوسف يسعى في الأقل منهما بغير خيار، وعند
محمد يسعى في الأقل من ثلثي قيمته ومن ثلثي بدل الكتابة. ولو كاتبه ثم دبره فعند أبي
حنيفة يتخير بين أن يسعى في ثلثي قيمته أو ثلثي بدل الكتابة، وعندهما يسعى في أقلهما عينا
وتمامه فيه. وذكر في الحاوي القدسي: لو قال لعبده أنت حر أو مدبر أمر بالبيان فإن مات
على ما كان فإن كان القول منه في الصحة عتق نصفه من جميع المال ونصفه من الثلث ا ه‍.
قوله: (ويباع لو قال إن مت من سفري أو من مرضي أو إلى عشر سنين أو عشرين سنة
أو أنت حر بعد موت فلان ويعتق إن وجد الشرط) بيان للمدبر المقيد وأحكامه. وحاصله أن
يعلق عتقه بموته على صفة لا بمطلقه كتقييده بموته في سفر أو مرض مخصوص أو بمدة
معينة يعيشان إلى مثلها أو بزيادة شئ بعد موت المولى كقوله إذا مت وغسلت أو كفنت
ودفنت فأنت حر فيعتق إذا مات استحسانا من الثلث لأنه يغسل ويكفن ويدفن عقيب الموت
448

قبل أن يتقرر ملك الوارث أو بترداده بين الموت والقتل كقوله إذا مت أو قتلت فليس بمدبر
مطلق عند أبي يوسف لأنه علقه بأحد الشيئين والقتل وإن كان موتا فالموت ليس بقتل،
وتعليقه بأحد الامرين يمنع كونه عزيمة في أحدهما خاصة فلا يصير مدبرا ويجوز بيعه. وقال
زفر: هو مدبر مطلق. ورجحه في فتح القدير بأنه أحسن لأن التعليق في المعنى بمطلق موته
لأنه لا تردد في كون الكائن أحد الامرين من الموت قتلا أو غير قتل، فهو في المعنى مطلق
الموت كيفما كان. وقيد بقوله إلى عشر سنين أو عشرين سنة لأنه لو قال إلى مائة سنة ومثله
لا يعيش إليها في الغالب فهو مدبر مطلق لأنه كالكائن لا محالة وهذا رواية الحسن عن أبي
حنيفة. وفي التبيين أنه المختار لكن ذكر قاضيخان أن على قول أصحابنا هو مدبر مقيد وهكذا
ذكره في الينابيع وجوامع الفقه. وفي فتح القدير: إن المصنف كالمناقض فإنه في النكاح
اعتبره توقيتا وأبطل به النكاح وهنا جعله تأبيدا موجبا للتدبير ا ه‍. وقد يجاب عنه بأنه في
باب النكاح اعتبره توقيتا للنهي عن النكاح الموقت، ولا شك أنه موقت صورة فالاحتياط في
منعه تقديما للمحرم على المبيح لأن النظر إلى الصورة يحرمه وإلى المعنى يبيحه، وأما هنا فنظر
إلى التأبيد المعنوي ولا مانع منه فإن الأصل اعتبار المعنى ما لم يمنع مانع فلا تناقض ولذا كان
هو المختار وإن كان الولوالجي جزم بأنه ليس بمدبر مطلق تسوية بينه وبين النكاح. وفي
الظهيرية: لو قال أنت حر قبل موتي بشهر كان مدبرا فإن مضى شهر صار مدبرا مطلقا عند
بعض المشايخ لتعلق العتق بمجرد الموت، وعند البعض بقي مدبرا مقيدا لتعلق العتق بموته
ومضى شهر يتصل بموته ا ه‍. وفي الخانية: ولو مات بعد شهر قيل يعتق من الثلث، وقيل
من جميع المال لأن على قول أبي حنيفة يستند العتق إلى أول الشهر وهو كان صحيحا فيعتق من
كله وهو الصحيح ا ه‍. وعلى قولهما يصير مدبرا بعد مضي الشهر قبل موته ا ه‍. وفي
المجتبى: لو قال أنت حر قبل موتي بشهر فليس بمدبر وإن كان يعتق بعد موته ويجوز بيعه،
ثم إذا مضى شهر قيل لا يجوز بيعه لأنه صار مدبرا مطلقا، وأكثر المشايخ على أنه يجوز بيعه
وهو الأصح ا ه‍. وليس من التدبير أنت حر بعد موتي بيوم أو بشهر وهو إيصاء بالعتق حتى
لا يعتق بعد موت المولى ومضى اليوم ما لم يعتقه الوصي، ويجب إعتاقه فيعتقه الوصي أو
الورثة، كذا في المجتبى أيضا. وفي الظهيرية: وإن أوصى بعتقه بعد موته فقتل العبد خطأ
بعد موته فالقيمة للورثة ا ه‍. وقد ذكر المصنف أن من هذا النوع أنت حر بعد موت فلان،
وظاهره أنه مدبر مقيد وليس كذلك ولذا قال في المبسوط: لو قال أنت حر بعد موت فلان لم
يكن مدبرا لأن موت فلان ليس بسبب للخلافة في حق هذا المولى ووجوب حق العتق باعتبار
449

معنى الخلافة، فلو مات فلان والمولى حي عتق العبد، وكذلك إن قال أنت حر بعد موتي
وموت فلان أو قال بعد موت فلان وموتي لا يكون مدبرا فإن مات فلان قبل المولى فحينئذ
يصير مدبرا ا ه‍.
وفي البدائع: لو قال إن مات فلان فأنت حر لم يكن مدبرا لأنه لم يوجد تعليق عتق
عبده بموته فلم يكن هذا تدبيرا بل كان تعليقا بشرط مطلق كالتعليق بسائر الشروط من
دخول الدار وكلام زيد وغير ذلك اه‍. فإن قلت: المصنف إنما ذكره في التدبير المقيد
لمساواته لحكمه من جواز البيع والعتق بالموت. قلت: بينهما فرق من جهة أخرى وهو أن
المدبر بقسميه يعتق من الثلث كما قدمناه، والمعلق عتقه بشرط غير موت المولى يعتق من جميع
المال إذا وجد الشرط ويبطل التعليق بموت المولى قبل وجود الشرط كما لو قال لعبده إن
دخلت الدار فأنت حر فمات المولى قبل الدخول بطلت اليمين ولا يعتق أصلا بخلاف المدبر.
وفي الظهيرية: عبد بين رجلين قال أحدهما إن مت أنا وفلان يعني شريكه فأنت حر لم يكن
مدبرا، وكذلك لو قال الآخر مثل ذلك، فإن مات أحدهما صار العبد مدبرا من الآخر اه‍.
وإنما جاز بيع المدبر المقيد لأن سبب الحرية لم ينعقد في الحال لتردد في هذا القيد لجواز أن لا
يموت منه فصار كسائر التعليقات بخلاف المدبر المطلق لأنه تعلق عتقه بمطلق الموت وهو
كائن لا محالة. وأفاد بقوله ويعتق إذا وجد الشرط أنه لا بد أن يموت في سفره هذا أو
مرضه هذا أو في المدة المعينة. فلو أقام أو صح أو مضت المدة ثم مات لم يعتق لبطلان اليمين
قبل الموت. وفي فتح القدير: من التدبير المقيد أن يقول إن مت إلى سنة فأنت حر فإن مات
قبل السنة عتق مدبرا، وإن مات المولى بعد السنة لا يعتق، ومقتضى الوجه كونه لو مات في
رأس السنة يعتق لأن الغاية هنا لولاها تناول الكلام ما بعدها لأنه يتنجز عتقه فيصير حرا بعد
السنة فتكون للاسقاط اه‍. وجوابه أن هذا الوجه ليس بمطرد لانتقاضه باليمين في قوله لا
أكمله إلى غد فإن الغاية لا تدخل في ظاهر الرواية فله أن يكلمه في الغد مع أنها غاية
إسقاط، وكذلك أكلت السمكة إلى رأسها لا تدخل الغاية مع أنه للاسقاط. وفي المجتبى: إن
مت من مرضي هذا فهر حر فقتل لا يعتق بخلاف ما لو قال في مرضى، ولو قال إن مت
من مرضي وبه حمى فتحول صداعا أو على عكسه قال محمد: هو مرض واحد اه‍. ففرق بين
من وفي. وذكر الولوالجي: رجل قال لعبديه أحد كما حر بعد موتي وأوصيت له بمائة
درهم ثم مات عتقا ولهما المائة بينهما لأنه لما مات شاع العتق فيهما فتشيع الوصية أيضا، ولو
450

قال لكل واحد منهما مائة درهم تبطل إحدى المائتين لأنها وقعت لعبده اه‍. وبه علم أن من
أوصى لعبده بقدر معين من ماله لا يكون مدبرا بخلاف الايصاء له برقبته أو بسهم من ماله
كما قدمناه والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب الاستيلاد
وهو طلب الولد في اللغة وهو عام أريد به خصوص وهو طلب ولد أمته أي
استلحاقه أي باب بيان أحكام هذا الاستلحاق الثابتة في الام. وأم الولد تصدق لغة على
الزوجة وغيرها ممن لها ولد ثابت النسب وغير ثابت النسب. وفي عرف الفقهاء أخص من
ذلك وهي الأمة التي ثبت نسب ولدها من مالك كلها أو بعضها. قوله: (ولدت أمة من
السيد لم تملك) لقوله عليه السلام أعتقها ولدها أخبر عن إعتاقها فيثبت بعض مواجبه
وهو حرمة البيع، ولان الجزئية قد حصلت بين الواطئ والموطوءة بواسطة الولد فإن المائين
قد اختلطا بحيث لا يمكن الميز بينهما على ما عرف في حرمة المصاهرة إلا أن بعد
الانفصال تبقى الجزئية حكما لا حقيقة فضعف السبب فأوجب حكما مؤجلا إلى ما بعد
الموت وبقاء الجزئية حكما باعتبار النسب وهو من جانب الرجال، فكذا الحرية تثبت في
حقهم لا في حقهن حتى إذا ملكت الحرة زوجها وقد ولدت منه لم يعتق بموتها، وبثبوت
عتق مؤجل يثبت حق الحرية في الحال فيمتنع جواز البيع وإخراجها لا إلى الحرية في الحال
ويوجب عتقها بعد موته. أطلق في الولد فشمل الولد الحي والميت لأن الميت ولد بدليل
أنه يتعلق به أحكام الولادة حتى تنقضي به العدة وتصير المرأة نفساء، وشمل السقط الذي
استبان بعض خلقه فإن لم يستبن شئ لا تكون أم ولد وإن ادعاه المولى. ولو قال المصنف
حبلت أمة من السيد مكان ولدت لكان أولى لما في البدائع والمحيط والخانية: لو قال
لجاريته حملها مني صارت أم ولد له لأن الاقرار بالحمل إقرار بالولد، وكذا لو قال هي
حبلى مني أو ما في بطنها من ولد فهو مني ولا يقبل منه بعده أنها لم تكن حاملا وإنما كان
ريحا ولو صدقته الأمة لأن في الحرية حق الله تعالى فلا يحتمل السقوط بإسقاط العبد
بخلاف ما إذا قال ما في بطنها مني ولم يقل من حمل أو ولد ثم قال بعده كان ريحا
وصدقته لم تصر أم ولد لاحتمال الولد والريح. ولو قال إن كانت حبلى فهو مني فأسقطت
451

مستبين الخلق كله أو بعضه صارت أم ولد، فإن ولدت لأقل من ستة أشهر صارت أم ولد
للتيقن بحملها حينئذ، وإن ولدته لأكثر لم تصر أم ولد اه‍. وأطلق في الولادة من السيد
فشمل ما إذا كان بجماع منه أو بغيره لما في المحيط عن أبي حنيفة: إذا عالج الرجل جاريته
فيما دون الفرج فأنزل فأخذت الجارية ماءه في شئ فاستدخلته فرجها في حدثان ذلك
فعلقت الجارية وولدت فالولد ولده والجارية أم ولد له اه‍. وأفاد بالولادة من السيد أنه لا
بد من ثبوت النسب منه أولا لتصير أم ولد له فإن السبب عندنا وثبوت النسب منه موقوف
على إقراره كما سيأتي. وبه اندفع ما في فتح القدير من أنهم أخلوا بقيد ثبوت النسب لأن
الولادة منه لا تتحقق إلا بالاعتراف فلا إحلال خصوصا قد صرحوا به بعد.
وأطلق في السيد فشمل ما إذا كان سيدها وقت الولادة أولا حتى لو تزوج جارية
إنسان فاستولدها ثم ملكها صارت أم ولد له لأن سبب الاستيلاء ثبوت النسب بخلاف ما إذا
زنى بجارية إنسان فولدت ثم ملكها لعدم ثبوت النسب. وشمل ما إذا كان مالكا كلها أو
بعضها لأن الاستيلاد لا يتجزى فإنه فرع النسب فيعتبر بأصله، وشمل السيد المسلم والكافر
ذميا أو مرتدا أو مستأمنا، كذا في البدائع. وأطلق الأمة فشمل القنة والمدبرة لاستوائهما في
إثبات النسب إلا أن المدبرة إذا صارت أم ولد بطل التدبير لأن أمية الولد أنفع لها لأنها لا
تسعى، كذا في البدائع. ويشكل عليه ما في المحيط من أنه يجوز إعتاقها وتدبيرها وكتابتها
لأن في الاعتاق إيصال حقها معجلا، وفي التدبير استجماع سبب الحرية، وفي الكتابة
استعجال حقها في العتق متى أدت البدل قبل موت المولى فلم تتضمن هذه التصرفات إبطال
حقها وملكه قائم فيها فصحت اه‍. فإنه على ما في البدائع ينبغي أن لا يصح التدبير فإن
الاستيلاد أقوى منه ولا فائدة فيه معه وفي الذخيرة: معنى قوله بطل التدبير أنه لا يظهر
حكم التدبير بعد ذلك فكأنه بطل لأنها تعتق من جميع المال. وأفاد بقوله لم تملك أنه لا يجوز
بيعها ولا هبتها ولا إخراجها عن الملك بوجه، وكذا لا يجوز رهنها. وليس المراد أنها لم تملك
لاحد لأنها باقية على ملك مولاها بدليل ما سيأتي من جواز وطئها. وأشار المصنف إلى أنه لو
452

قضى قاض بجواز بيعها لم ينفذ قضاؤه. قال في الخانية: وهو أظهر الروايات. وفي
الظهيرية: وإذا قضى القاضي بجواز بيع أم الولد نفذ قضاؤه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف،
وفي قول محمد لا يجوز بناء على المسألة الأصولية أن الاجماع المتأخر هل يرفع الاختلاف
المتقدم؟ عندهما لا يرفع لما فيه من تضليل بعض الصحابة، وعند محمد يرفع، والفتوى على
قول محمد في هذه المسألة أنه لا ينفذ قضاؤه اه‍. وفي الذخيرة: لو قضى قاض بجواز بيعها
لم ينفذ قضاؤه بل يتوقف على قضاء قاض آخر إمضاء وإبطالا اه‍. وفي المحيط: رجل أعتق
أم ولده ثم ارتدت وسبيت وملكها تصير أم ولد له لأن سبب صيرورتها أم ولد قائم وهو
إثبات النسب منه، فإن أعتق المدبرة ثم ارتدت وسبيت فملكها لا تصير مدبرة لأن إعتاق
المدبر وصل إليه بالاعتاق وبطل التدبير فلا يبقى عتقها معلقا بالموت بخلاف الاستيلاد فإنه لا
يبطل بالاعتاق والارتداد لقيام سببه وهو ثبات نسب الولد اه‍. وفي الخانية: وينبغي للمولى
أن يشهد على أن الجارية ولدت منه خوفا من أن يسترق ولده بعد وفاته، وقدمنا في تزوج
الأب جارية ابنه أن من أراد أن تلد أمته منه ولا تكون أم ولد أن يملكها لولده الصغير ثم
يتزوجها كما في الخانية.
قوله: (وتوطأ وتستخدم وتؤجر وتزوج) لأن الملك قائم فيها فأشبهت المدبرة، فكل
تصرف يبطل هذا الحق فإنه لا يجوز فيها، وما لا يبطله فهو جائز. وأفاد بالوطئ
والاستخدام أن الكسب والغلة والعقر والمهر للمولى لأنها بدل المنفعة والمنافع على ملكه،
وكذا ملك العين قائم. وأفاد بالتزويج أنه لا يجب عليه الاستبراء قالوا هو مستحب
كاستبراء البائع لاحتمال أنها حبلت منه فيكون النكاح فاسدا فكان تعريضا للفساد، ولو
زوجها فولدت لأقل من ستة أشهر فهو من المولى والنكاح فاسد لأنه تبين أنه زوجها وفي
بطنها ولد ثابت النسب منه، فإن ولدت لأكثر من ستة أشهر فهو ولد الزوج وإن ادعاه
المولى ولكن يعتق عليه لاقراره بحريته وإن لم يثبت نسبه. وفي المحيط: لو باع خدمتها منها
أو كاتبها على خدمتها جاز وتعتق إذا باع خدمتها منها. قوله: (فإن ولدت بعده ثبت نسبه
بلا دعوة بخلاف الأول) بيان لشرط صيرورتها أم ولد فأفاد أن الأمة إذا ولدت فإنها لا
تصير أم ولد إلا إذا ادعى الولد لنفسه لأن وطئ الأمة يقصد به قضاء الشهوة دون الولد
لوجود المانع عنه فلا بد من الدعوة بمنزلة ملك اليمين من غير وطئ بخلاف العقد لأن
الولد يتعين مقصودا منه فلا حاجة إلى الدعوة، فإذا اعترف بالولد الأول وجاءت بالثاني
فإنه يثبت نسبه من غير دعوة من المولى لأنه بدعوى الأول تعيين الولد مقصودا منه فصارت
453

فراشا كالمعقودة وفي الظهيرية: لو قال لجاريته إن كان في بطنك غلام فهو مني وإن كان
جارية فليس مني يثبت نسب الولد منه غلاما كان أو جارية. ولو قال إن كان في بطنك
ولد فهو مني إلى سنتين فولدت لأقل من ستة أشهر يثبت النسب منه، وإن ولدت لأكثر
من ستة أشهر لا يثبت النسب والتوقيت باطل اه‍. وأطلق في ثبوت نسب الثاني بلا دعوة
وهو مقيد بأن لا تكون حرمت عليه، سواء كانت حرمة مؤبدة أولا، فإن حرمت عليه لا
يثبت نسبه إلا بدعوة لأن الظاهر أنه ما وطئها بعد الحرمة فكانت حرمة الوطئ كالنفي دلالة
كما لو وطئها ابن المولى أو أبوه أو وطئ المولى أمها أو بنتها فجاءت بولد لأكثر من ستة
أشهر، أو زوجها فجاءت بولد لستة أشهر من وقت التزويج. وإن ادعى في الحرمة المؤبدة
يثبت النسب لأن الحرمة لا تزيل الملك وفي المزوجة يعتق عليه، وكذا إذا حرمت عليه
بكتابة، وإن حرمت عليه بما لا يقطع نكاح الحرة ولا يزيل فراشها كالحيض والنفاس
والاحرام والصوم فإنه يثبت النسب بلا دعوة لأنه تحريم عارض لا يغير حكم الفراش،
كذا في البدائع. وظاهر تقييده بالأكثر من الستة أنها لو ولدته بعد عروض الحرمة لأقل من
ستة أشهر فإنه يثبت نسبه بلا دعوة للتيقن بأن العلوق كان قبل عروضها، وقد ذكره في
فتح القدير بحثا.
وفي الظهيرية: أمة لرجل ولدت في ملكه ثلاثة أولاد في بطون مختلفة، فإن ادعى
الأصغر يثبت نسب الأصغر منه وله أن يبيع الأخيرين بالاتفاق، وإن ادعى نسب الأكبر ثبت
نسب الأكبر منه، والأوسط والأصغر بمنزلة الام لا يثبت نسبهما، وليس له أن يبيعهما لأنه
يحق عليه شرعا الاقرار بنسب ولد هو منه. ولما خص الأكبر بالدعوة بعد ما لزمه هذا شرعا
كان هذا نفيا منه للأخيرين، وولد أم الولد ينتفي نسبه بالنفي وهو نظير ما قيل السكوت لا
يكون حجة ولكن السكوت بعد لزوم البيان يجعل دليل النفي فهذا مثله اه‍. وقيد بالدعوة
لأنه لو قال كنت أطأ لقصد الولد عند مجيئها بالولد فإنه لا يثبت النسب لأنه لم يعترف
بالولد. وفي فتح القدير: ينبغي أن يثبت النسب بلا دعوة لأن ثبوته بقوله هو ولدي بناء على
أن وطأه حينئذ لقصد الولد، وعلى هذا قال بعض فضلاء الدرس: ينبغي أنه إذا أقر أنه كان
لا يعزل عنها وحصنها أن يثبت نسبه من غير توقف على دعواه، وإن كنا نوجب عليه في
هذه الحالة الاعتراف به فلا حاجة أن نوجب عليه الاعتراف ليعترف فيثبت نسبه بل يثبت
نسبه ابتداء، وأظن أن لا بعد في أن يحكم على المذهب بذلك اه‍. وأقول: إنه لا يصح أن
454

يحكم على المذهب به لتصريح أهله بخلافه. قال في البدائع: الأمة القنة أو المدبرة لا يثبت
نسب ولدها وإن حصنها المولى وطلب الولد من وطئها بدون الدعوة عندنا لأنها لا تصير
فراشا بدون الدعوة اه‍. فإن أراد الثبوت عند القاضي ظاهرا فقد صرحوا أنه لا بد من
الدعوة مطلقا، وإن أراد فيما بينه وبين الله تعالى فقد صرح في الهداية وغيرها بأن ما ذكرناه
من اشتراط الدعوة إنما هو في القضاء، أما فيما بينه وبين الله تعالى فإن كان وطئها وحصنها
ولم يعزل عنها يلزمه أن يعترف به ويدعيه لأن الظاهر أن الولد منه، وإن عزل عنها أو لم
يحصنها جاز له أن ينفيه لأن الظاهر يقابله ظاهر آخر. والتحصين منعها من الخروج والبروز
عن مظان الريبة، والعزل أن يطأها ولا ينزل في موضع المجامعة. وفي المجتبى معزيا إلى
تجريد القدوري: ويثبت نسب ولد الجارية من مولاها وإن لم يدعه. فهذا نص على أن دعوى
المولى ليس بشرط لصيرورتها أم ولد في نفس الامر وإنما يشترط لظهوره والقضاء عليه اه‍.
وفيه أيضا: لا يصح إعتاق المجنون وتدبيره ويصح استيلاده اه‍ مع أن الدعوى لا تتصور منه
فهذا إن صح يستثنى وهو مشكل.
. قوله: (وانتفى بنفيه) أي انتفى نسب الولد الثاني بنفي المولى من غير توقف على لعان
لأن فراشها ضعيف حتى يملك نقله بالتزويج بخلاف المنكوحة حيث لا ينفي نسب ولدها إلا
باللعان لتأكد الفراش. أطلق في النفي فشمل الصريح والدلالة كما إذا ولدت ولدين في
بطنين فادعى نسب الثاني كان نفيا للأول، وكذا لو كانوا ثلاثة فادعى نسب الثاني كان نفيا
للأول، وكذا لو كانوا ثلاثة فادعى نسب الأكبر كان نفيا لما بعده كما قدمناه. وشمل ما إذا
تطاول الزمان وهو ساكت بعد ولادته، وصرح في المبسوط بأنه إذا تطاول الزمان لا يملك
نفيه لأن التطاول دليل إقراره لوجود دليله من قبول التهنئة ونحوه فيكون كالتصريح،
455

واختلافهم في التطاول سبق في اللعان. وصرح في المبسوط أيضا بأنه إنما يملك نفيه وإذا لم
يقض به القاضي، فأما بعد القضاء فقد لزمه بالقضاء فلا يملك إبطاله اه‍. وينبغي أن يكون
المراد به قضاء غير الحنفي، وأما الحنفي فليس له الحكم به من غير صريح الدعوى. قوله:
(وعتقت بموته من كل ماله ولم تسع لغريمه) لحديث سعيد بن المسيب أن النبي عليه السلام
أمر بعتق أمهات الأولاد وأن لا يبعن في دين وأن لا يجعلن من الثلث. ولان الحاجة إلى
الولد أصلية فتقدم على حق الورثة والدين كالتكفين بخلاف التدبير فإنه وصية بما هو من
زوائد الحوائج، ولأنها ليست بمال متقوم حتى لا تضمن بالغصب عند أبي حنيفة فلا يتعلق
بها حق الغرماء كالقصاص بخلاف المدبر لأنه مال متقوم. أطلق في الموت فشمل الحكمي
كردته ولحوقه بدار الحرب، وكذا الحربي المستأمن إذا اشترى جارية بدار الاسلام واستولدها
ثم رجع إلى دار الحرب فاسترق الحربي عتقت الجارية لما ذكرنا في المدبر، كذا في البدائع.
وشمل كلامه ما إذا أقر بأنها ولدت منه في الصحة أو في المرض لكن إن كان في الصحة
فإنها تعتق من جميع المال، سواء كان معها ولد أو لم يكن، وإن كان الاقرار في المرض، فإن
كان معها ولد فكذلك الجواب وإلا فهي أم ولده وحكمها كالمدبر تعتق من ثلث المال، كذا
في شرح الطحاوي. وذكر في المحيط أنه لو قال لامته في مرضه ولدت مني، فإن كان هناك
ولد أو حبل تعتق من جميع المال وإلا فمن الثلث لأنه عند عدم الشاهد إقرار بالعتق وهو
وصية. وفي الخانية: وإذا عتقت بموته يكون ما في يدها من المال للمولى إلا إذا أوصى لها
به اه‍. وفي المجتبى عن محمد: مات مولى أم الولد ولها متاع وعروض ليس لها منها شئ
إلا أني استحسن أن أترك لها ملحفة وقميصا ومقنعة، فأما المدبر فلا شئ له من الثياب
وغيره اه‍. ولم يذكر المصنف هنا حكم ولد أم الولد من غير المولى لأنه قدمه في كتاب العتق
أن الولد أي الجنين يتبع الام في الاستيلاد، فإذا زوج المولى أم ولده لرجل فولدت فهو في
حكم أمه لأن حق الحرية يسري إلى الولد كالتدبير، ألا ترى أن ولد الحرة حر وولد القنة
رقيق والنسب يثبت من الزوج لأن الفراش له وإن كان النكاح فاسدا لأن الفاسد ملحق
بالصحيح في حق الأحكام، وإذا ادعاه المولى لا يثبت نسبه منه لأنه ثابت النسب من غيره
ويعتق الولد، كذا في الهداية. فإذا مات المولى عتق ولد أم الولد كأمه. وفي المحيط: لو
شهد أحدهما أنه أقر أنها ولدت هذا الغلام منه وشهد الآخر أنها ولدت هذه الجارية منه
456

فشهادتهما جائزة على أمية الولد لا على ثبات النسب لاختلافهما في الولد. فإن كان الولدان
لا يعلم أيهما أكبر فنصف كل واحد منهما بمنزلة أمه يعتق ذلك النصف بعتقها ويسعى كل
واحد منهما في نصف قيمته بعد موت المولى، وإن كان أحدهما أكبر من الآخر عتق الأصغر
بعتقها ويباع الأكبر ولا يثبت نسب واحد منهما، ومتى لم يعلم أيهما أكبر وأحدهما حادث
بعد ثبوت أمية الولد للام وهو مجهول فيشيع ذلك الحكم فيهما نصفان اه‍.
قوله: (ولو أسلمت أم ولد النصراني سعت في قيمتها) لأن النظر من الجانبين في
جعلها مكاتبة لأنه يندفع الذل عنها بصيرورتها حرة يدا والضرر عن الذمي لانبعاثها على
الكسب نيلا لشرف الحرية فيصل الذمي إلى بدل ملكه، أما لو أعتقت وهي مفلسة تتوانى في
الكسب ومالية أمية الولد يعتقدها الذمي متقومة فيترك وما يعتقده، ولأنها إن لم تكن متقومة
فهي محترمة وهذا يكفي لوجوب الضمان كما في القصاص المشترك إذا عفا أحد الأولياء يجب
المال للباقين. والمراد بقيمتها هنا ثلث قيمتها لو كانت قنة، كذا في غاية البيان. والمراد
بالنصراني الكافر. وترك المصنف قيدا وهو أن محل وجوب السعاية عليها فيما إذا عرض
الاسلام عليه فأبى، أما إذا أسلم فهي باقية على حالها. ولم يصرح بأنها في حال السعاية
مكاتبة وقد قالوا: إنها مكاتبة لكن إذا عجزت لا ترد في الرق. وشرط قاضيخان في الخانية
لكونها مكاتبه قضاء القاضي قال: وإذا قضى القاضي عليها بالسعاية كان حالها حال المكاتب
ما لم تؤد السعاية. وقال فخر الاسلام: ومعنى المسألة أن القاضي يقدر قيمتها فينجمها
عليها. وأشار بكونها أم ولده إلى أنه لو مات قبل السعاية عتقت بلا سعاية كما هو حكم
الولد، وإلى أن المدبر النصراني إذا أسلم فحكمه حكم أم الولد يسعى في قيمته وهي نصف
قيمته لو كان قنا أو الثلثان على ما مر. وقيد بأم الولد لأن القنة للنصراني إذا أسلمت فإن
المولى يؤمر بالبيع، وكذا قنه لأن البيع أوجب الحقوق لأن الكاتب ربما يعجز فيحتاج إلى بيعه
فصارت الكتابة بمنزلة البدل عن البيع، ولا يصار إلى البدل ما دام الأصل مقدورا عليه، كذا
في غاية البيان. وقيد مسكين الجبر على البيع بعرض الاسلام عليه فيأبى. وفي المحيط: وإذا
قضى القاضي عليها بالقيمة ثم ماتت ولها ولد ولدته في السعاية سعى الولد فيما عليها لأن
الولد صار مستسعى تبعا لامه كولد المكاتبة لأنها بمنزلة المكاتبة اه‍.
قوله: (ولو ولدت بنكاح فملكها فهي أم ولده) لأن السبب هو الجزئية على ما ذكرنا
من قبل والجزئية إنما تثبت بينهما بنسبة الولد الواحد إلى كل منهما كملا وقد ثبت النسب
فثبتت الجزئية بهذه الواسطة، وقد كان المانع حين الولادة ملك الغير وقد زال. قيد بالنكاح
457

احترازا عما إذا ولدت منه بالزنا ثم ملكها فإنها لا تصير أم ولد له لأنه لا نسب فيه للولد إلى
الزاني، وإنما يعتق على الزاني إذا ملكه لأنه جزؤه حقيقة بلا واسطة، نظيره من اشترى أخاه
من الزنا لا يعتق لأنه ينسب إليه بواسطة نسبه إلى الوالد وهي غير ثابتة والوطئ بالشبهة
كالنكاح كما في المحيط. وأطلق في الملك فشمل الكل والبعض ولذا قال في المحيط: وإذا
ولدت الأمة المنكوحة من الزوج ثم اشتراها هو وآخر تصير أم ولد للزوج لما قلنا، ويلزمه
قيمة نصيب شريكه لأنه بالشراء صارت أم ولد له وانتقل نصيب الشريك إليه بالضمان، وإن
ورثا معا الولد وكان الشريك ذا رحم محرم من الولد عتق عليهما جميعا، وإن كان الشريك
أجنبيا سعى الولد للشريك في حصته لأنه لما عتق نصيب الأب فسد نصيب شريكه اه‍.
وأشار المصنف بكونها أم ولد له إلى أن أولادها منه أحرار إذا ملكهم لأن من ملك ذا رحم
محرم منه عتق عليه الحديث. ولو ملك ولدا لها من غيره لا يعتق وله بيعه عندنا لأنها إنما
صارت أم ولد له من حين الملك لا من حين العلوق، وأما الولد الحادث في ملكه فحكمه
حكم أمه بالاتفاق إلا أنه إذا كان جارية لم يستمتع بها لأنه وطئ أمها هذه إجماعية وهي واردة
على إطلاق من قال إنه كأمه، كذا في فتح القدير. ويستثنى منه أيضا ما في الظهيرية: رجل
اشترى جارية هي أم ولد الغير من رجل أجنبي ولا علم له بحالها فولدت منه ولدا ثم
استحقها مولاها وقضى له بها، فعلى أبي الولد وهو المشتري قيمة الولد لمولى أم الولد بسبب
الغرور، وكان ينبغي أن لا يكون عليه شئ من قيمة الولد على قول أبي حنيفة لأن ولد أم
الولد لا مالية فيه كأمه إلا أنه ضمن مع هذا قيمته عنده لأنه إنما لا يكون فيه مالية بعد ثبوت
حكم أمية الولد فيه ولم يثبت في الولد لأنه علق حر الأصل فلذا كان مضمونا بالقيمة والله
أعلم اه‍. فحاصله أن ولد أم الولد من غير المولى كأمه إلا في مسألتين، فإذا ملك من
استولدها بالنكاح وبنتها من غير الحادثة قبل الملك والبنت الحادثة من رجل بعد الملك
وأعتقهن ثم اشتراهن بعد السبي والارتداد عدن كما كن في قول أبي يوسف يحرم عليه بيع
الام والبنت الثانية ولا يحرم عليه بيع البنت الأولى. وقال محمد: يحرم عليه بيع الام ولا يحرم
عليه بيع البنتين، كذا في الظهيرية.
قوله: (ولو ادعى ولد أمة مشتركة ثبت نسبه وهي أم ولده ولزمه نصف قيمتها ونصف
عقرها لا قيمته) أما ثبوت النسب فلانه لما ثبت في نصفه لمصادفته ملكه ثبت في الباقي
ضرورة أنه لا يتجزأ لما أن سببه لا يتجزأ وهو العلوق إذ الولد الواحد لا يعلق من مائين،
وأما صيرورتها أم ولد فلان الاستيلاد لا يتجزأ عنده، وعندهما يصير نصيبه أم ولد له ثم
يتملك نصيب صاحبه إذ هو قابل للملك. وأما ضمان نصف القيمة فلانه تملك نصيب
صاحبه لما استكمل الاستيلاد، وأما ضمان نصف العقر فلانه وطئ جارية مشتركة إذ الملك
458

ثبت حكما للاستيلاد فيعقبه الملك في نصيب صاحبه بخلاف الأب إذ استولد جارية ابنه لأن
الملك هناك ثبت شرطا للاستيلاد فيتقدمه فصار واطئا ملك نفسه. وأما عدم ضمان قيمة
الولد فلان النسب يثبت مستندا إلى وقت العلوق فلم يتعلق شئ منه على ملك شريكه.
أطلق في المدعي فشمل الحر والمكاتب، فإذا ادعى المكاتب ولد الأمة المشتركة فالحكم كذلك
كما في البدائع. وفي الظهيرية: وإن كانت بين حر ومكاتب فادعى المكاتب وحده ثبت نسبه
وضمن نصف قيمتها للشريك. وقال أبو يوسف: نصيب الشريك بحاله كما كان يستخدمها
كل واحد منهما يوما فإذا عجز المكاتب كان له أن يبيعها لأن حكم الاستيلاد في نصيب
المكاتب بصفة الاستقرار لم يثبت بدليل أنها تباع بعد العجز اه‍. ومثل المسلم الكافر والصحيح
والمريض مرض الموت لأنه من الحوائج الأصلية. وأطلق في الأمة فشمل ما إذا كانت حبلت
على ملكهما أو اشترياها حاملا لكنه يضمن في الثاني نصف قيمة الولد لأنها دعوة إعتاق لا
استيلاد. وفي الظهيرية: لو اشترى أخوان أمة حاملة فجاءت بولد فادعاه أحدهما فعليه
نصف قيمة الولد لأنه أعتقه بالدعوة، ولا يعتق على عمه بالقرابة لأن الدعوة قد تقدمت
فيضاف الحكم إلى الدعوة دون القرابة اه‍. وأطلق في وجوب نصف القيمة والعقر فشمل
الموسر والمعسر لأنه ضمان تملك بخلاف ضمان العتق وتعتبر القيمة يوم العلوق وكذا نصف
العقر. وشمل ما إذا كانت المدعي منهما الأب كما إذا كان مشتركة بين الأب وابنه فادعاه
الأب صح ولزمه نصف القيمة والعقر كالأجنبي بخلاف ما إذا استولدها ولا ملك له فيها
حيث لا يجب العقر عندنا. والفرق بينهما أن الجارية متى لم تكن ملكا له مست الحاجة إلى
إثبات الملك له فيها سابقا على الوطئ لئلا يكون فعله زنا، ومتى كانت مشتركة بينهما فقيام
الملك في شقص منها يكفي لاخراج فعله من أن يكون زنا فلم تمس الحاجة إلى إثبات الملك
سابقا على الوطئ فلذا يجب نصف العقر، كذا في الظهيرية.
قوله: (ولو ادعياه معا ثبت نسبه منهما وهي أم ولدهما وعلى كل واحد نصف العقر
وتقاصا وورث من كل إرث ابن وورثا منه إرث أب) أما ثبوت النسب منهما فلكتاب عمر إلى
شريح في هذه الحادثة لبسا فلبس عليهما ولو بينا لبين لهما، هو ابنهما يرثهما ويرثانه وهو
للباقي منهما، وكان ذلك بمحضر من الصحابة، وعن علي مثل ذلك. ولأنهما استويا في
سبب الاستحقاق فيستويان فيه، والنسب وإن كان لا يتجزى ولكن يتعلق به أحكام متجزئة
فما يقبل التجزئة يثبت في حقهما على التجزئة وما لا يقبلها يثبت في حق كل واحد منهما
459

كملا كان ليس معه غيره، ولا اعتبار بقول القائف وسرور النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في أسامة إنما
كان لأن الكفار كانوا يطعنون في نسب أسامة فكان قول القائف مقطعا لطعنهم فسر به. وأما
كونها أم ولد لهما فلصحة دعوى كل واحد منهما في نصيبه في الولد فيصير نصيبه فيها أم
ولد له تبعا لولدها، وأما لزوم نصف العقر على كل واحد منهما فلما قدمناه، وأما التقاص
فلعدم فائدة الاشتغال بالاستيفاء. وفائدة إيجاب العقر مع التقاص به أن أحدهما لو أبرأ
أحدهما عن حقه بقي حق الآخر. وأيضا لو قدر نصيب أحدهما بالدراهم والآخر بالدنانير
كان له أن يدفع الدراهم ويأخذ الدنانير كما في فتح القدير. وإن كان نصيب أحدهما أكثر من
نصيب الآخر يأخذ منه الزيادة. وأما ميراثه من كل واحد منهما ميراث ابن كامل فلانه أقر له
بميراثه كله وهو حجة في حقه، وأما إرثهما منه ميراث أب واحد إذا مات وهما حيان
فلاستوائهما في النسب كما إذا أقاما البينة. وأطلق في الشريكين وهو مقيد باستوائهما في
الأوصاف فلو ترجح أحدهما لم يعارضه المرجوح فيقدم الأب على الابن، والمسلم على الذمي،
والحر على العبد، والذمي على المرتد، والكتابي على المجوسي. والعبرة لهذه الأوصاف وقت
الدعوة لا العلوق كما في غاية البيان. وفي المبسوط: أمة بين مسلم وذمي ومكاتب ومدبر
وعبد ولدت فادعوه فالحر المسلم أولى لاجتماع الاسلام والحرية فيه مع الملك، فإن لم يكن فيه
مسلم بل من بعده فقط فالذمي أولى لأنه حر، والمكاتب والعبد وإن كانا مسلمين لكن نيل
الولد تحصيل الاسلام دون الحرية، ثم المكاتب لأن له حق ملك والولد على شرف الحرية
بأداء الكتابة، وإن لم يكن مكاتب وادعى المدبر والعبد لا يثبت من واحد منهما النسب لأنهم
ليس لهم ملك ولا شبهة ملك. قيل وجب أن يكون هذا الجواب في العبد المحجور وهبت
له أمة ولا يتعين ذلك بين أن يزوج منها أيضا، كذا في فتح القدير. وفي الظهيرية: ولو
كانت الجارية بين رجل وأبيه وجده فجاءت بولد فادعوه كلهم فالجد أولى اه‍. وقيد بكون
كل واحد منهما ادعى نسبه لأنها لو كانت بين رجلين فولدت ولدا فادعاه أحدهما وأعتقه
الآخر وخرج الكلامان معا كانت الدعوة أولى من الاعتاق لأن الدعوة تستند إلى حالة العلوق
والاعتاق فيقتصر على الحال اه‍.
وأطلق في كونها مشتركة بينهما ولم يقيد باستوائهما في القدر لأنها لو كانت بين اثنين
لأحدهما عشرها وللآخر تسعة أعشارها فجاءت بولد فادعياه معا فإنه ابنهما، ابن هذا كله
وابن ذلك كله، فإن مات ورثاه نصفين، وإن جنى عقل عواقلهما نصفين، وإن جنت الأمة
460

فعلى صاحب العشر عشر موجب الجناية وعلى الآخر تسعة أعشار موجبها، وكذا أولادها
لهما على هذا. ولو أن رجلين اشتريا عبدا ليس له نسب معروف أحدهما عشرة والآخر تسعة
أعشاره ثم ادعياه معا فهو ابنهما لا يفضل أحدهما على صاحبه في النسب، فإن جنى فجنايته
على عواقلهما أعشارا، كذا في الظهيرية. وقيد بكونهما اثنين للاختلاف فيما زاد عليهما،
فعند أبي حنيفة يثبت النسب من المدعيين وإن كثروا. وقال أبو يوسف: يثبت نسبه من اثنين
ولا يثبت نسبه من الثلاثة. وعند محمد يثبت من الثلاثة لا غير. وقال زفر: يثبت من خمسة
فقط وهو رواية الحسن بن زياد عن الإمام. وفي غاية البيان: لو تنازع فيه امرأتان قضى به
أيضا بينهما عند أبي حنيفة، وعندهما لا يقضي للمرأتين، وكذلك يثبت عند أبي حنيفة
للخمس. ولو تنازع فيه رجل وامرأتان يقضي به بينهم عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف
ومحمد يقضي للرجل ولا يقضي للمرأتين. وإذا تنازع فيه رجلان وامرأتان كل رجل يدعي
أنه ابنه من هذه المرأة والمرأة لا تصدقه على ذلك فعند أبي حنيفة يقضي بين الرجلين ولا
يقضي بين المرأتين اه‍. وأفاد بكونها أم ولد لهما أنها تخدم كلا منهما يوما وإذا مات أحدهما
عتقت ولا ضمان للحي في تركة الميت لرضا كل منهما بعتقها بعد الموت، ولا تسعى للحي
عند أبي حنيفة لعدم تقومها، وعلى قولهما تسعى في نصف قيمتها له. ولو أعتقها أحدهما
عتقت ولا ضمان عليه للساكت ولا سعاية في قول أبي حنيفة، وعلى قولهما يضمن إن كان
موسرا وتسعى إن كان معسرا، كذا في فتح القدير. فعلى هذا محل قول الإمام العتق يتجزأ
في القنة، أما في أم الولد فعتقها لا يتجزأ اتفاقا وقد نبه عليه في المجتبى. وفي البدائع: وإن
كانت الأنصباء مختلفة بأن كان لأحدهم السدس وللآخر الربع وللآخر الثلث وللآخر ما بقي
461

يثبت نسبه منهم، ويصير نصيب كل واحد من الجارية أم ولد له لا يتعدى إلى نصيب صاحبه
حتى تكون الخدمة والكسب والغلة بينهم على قدر أنصبائهم لأن كل واحد يثبت الاستيلاد
منه في نصيبه فلا يجوز أن يثبت فيه استيلاد غيره اه‍.
فالحاصل أن الأنصباء إذا كانت مختلفة فالحكم في حق الولد لا يختلف، فأما الاستيلاد
فيثبت لكل واحد منهما بقدر ملكه، كذا في الظهيرية. وأطلق المصنف في كونها أم ولد لهما
وهو مقيد بما إذا كانت حبلت في ملكهما بأن ولدت لستة أشهر فأكثر من يوم الشراء، أما
إذا اشترياها وهي حامل بأن ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الشراء فادعياه أو اشترياها
بعد الولادة ثم ادعياه فإنها لا تكون أم ولد لهما لأن هذه دعوة عتق لا دعوة استيلاد فيعتق
الولد مقتصرا على وقت الدعوة بخلاف الاستيلاد فإن شرطها كون العلوق في الملك وتستند
الحرية إلى وقت العلوق فيعلق حرا، وكذا لو كان الحمل على ملك أحدهما بالتزوج ثم
اشتراها هو وآخر فولدت لأقل من ستة أشهر من الشراء فادعياه فهي أم ولد الزوج، فإن
نصيبه صار أم ولد له والاستيلاد لا يحتمل التجزي عندهما ولا إبقاؤه عنده فيثبت في نصيب
شريكه أيضا، وكذا إذا حملت على ملك أحدهما رقبة فباع نصفها من آخر فولدت يعني لتمام
ستة أشهر من بيع النصف فادعياه يكون الأول أولى لكون العلوق أولى في ملكه، كذا في
فتح القدير. وهي ليست كأم ولد لواحد لأنها لو جاءت بعد ذلك بولد، لم يثبت نسبه من
واحد إلا بالدعوى لأن الوطئ حرام فتعتبر الدعوة، كذا في المجتبى. وأفاد بقوله وورثا منه
إرث أب أنه لو مات أحدهما قبل الولد فجميع ميراثه للباقي منهما، وأن الولاية عليه في
التصرف مشتركة ولذا قال في الخانية من باب الوصي: رجلان ادعيا صغيرا ادعى كل واحد
منهما أنه ابنه من أمة مشتركة بينهما فإنه يثبت نسبه منهما، فإن كان لهذا الولد مال ورثه من
أخ له من أمه أو وهب له أخوه لا ينفرد بالتصرف في ذلك المال أحد الأبوين عند أبي حنيفة
ومحمد، وعند أبي يوسف ينفرد اه‍. وأما ولاية الانكاح فلكل واحد منهما الانفراد به، قال
في التبيين: النسب وإن كان لا يتجزى لكن يتعلق به أحكام متجزئة كالميراث والنفقة
والحضانة والتصرف في المال، وأحكام غير متجزئة كالنسب وولاية الانكاح، فما يقبل
462

التجزئة يثبت بينهما على التجزئة، وما لا يقبلها يثبت في حق كل واحد منهما على الكمال
كأنه ليس معه غيره اه‍. وذكر في صدقة الفطر أن صدقة فطر الولد عليهما لكن عند أبي
يوسف على كل واحد منهما صدقة تامة، وعند محمد عليهما صدقة واحدة، وأما الام فلا
تجب على واحد منهما صدقتها اتفاقا. وذكر في الخانية من فصل الجزية: لو حدث بين
النجراني والتغلبي ولد ذكر من جارية وادعياه جميعا معا فمات الأبوان وكبر الولد لم تؤخذ منه
الجزية. وذكر في السير أنه إن مات التغلبي أولا تؤخذ منه جزية أهل نجران، وإن مات
النجراني أولا تؤخذ منه جزية أهل تغلب، وإن ماتا معا يؤخذ النصف من هذا والنصف من
هذا اه‍.
قوله: (ولو ادعى ولد أمة مكاتبه وصدقة المكاتب لزم النسب والعقر وقيمة الولد ولم
تصر أم ولده وإن كذبه لم يثبت) وعند أبي يوسف أنه يثبت النسب بدون تصديقه اعتبارا
بالأب يدعي ولد جارية ابنه. وجه الظاهر وهو الفرق أن المولى لا يملك التصرف في إكساب
مكاتبه حتى لا يتملكه والأب يملك تملكه فلا يعتبر تصديق الابن، وإنما لزمه العقر لأنه لا
يتقدمه الملك لأن ماله من الحق كاف لصحة الاستيلاد لما ذكر، وإنما لزمه قيمة الولد لأنه في
معنى المغرور حيث اعتمد دليلا وهو أنه كسب كسبه فلم يرض برقه فيكون حرابا لقيمة ثابت
النسب منه إلا أن القيمة هنا تعتبر يوم ولد وقيمة ولد المغرور يوم الخصومة. وإنما لم تصر
الجارية أم ولد للمولى لأنه لا ملك له فيها حقيقة كما في ولد المغرور، وإن كذبه المكاتب في
463

النسب لم يثبت من المولى لما بينا أنه لا بد من تصديقه، فلو ملكه يوما ثبت نسبه منه لقيام
الموجب وزوال حق المكاتب إذ هو المانع. قيد بأمة المكاتب لأنه لو وطئ المكاتبة فجاءت بولد
فادعاه ثبت نسبه، ولا يشترط تصديقها لأن رقبتها مملوكة له بخلاف كسبها. وفي التبيين:
ولو ولدت منه جارية غيره وقال أحلها لي مولاها والولد ولدي فصدقه المولى في الاحلال
وكذبه في الولد لم يثبت نسبه، فإن ملكها يوما ثبت نسبه وصارت أم ولد له، ولو صدقه في
الولد ثبت نسبه، ولو استولد جارية أحد أبويه أو امرأته وقال ظننت أنها تحل لي لم يثبت نسبه
منه ولا حد عليه، وإن ملكه يوما عتق عليه، وإن ملك أمه لا تصير أم ولد له لعدم ثبوت
نسبه اه‍. والله سبحانه وتعالى أعلم.
كتاب الايمان
مناسبتها للعتاق من حيث إن كلا منهما لا يؤثر فيه الهزل والاكراه كالطلاق، وقدم
العتاق عليه لقربه من الطلاق لاشتراكهما في الاسقاط. والايمان جمع يمين وهي في اللغة
مشتركة بين الجارحة والقسم والقوة. قالوا: إنما سمي القسم يمينا لوجهين: أحدهما أن
اليمين هي القوة والحالف يتقوى بالقسم على الحمل أو المنع. والثاني أنهم كانوا يتماسكون
بأيديهم عند القسم فسميت بذلك، وهذا يفيد أن لفظ اليمين لفظ منقول، ومفهومه لغة جملة
أولى إنشائية صريحة الجزئين يؤكد بها جملة بعدها خبرية. فخرج بقيد أولى نحو زيد قائم زيد
قائم فإن الأولى هي المؤكدة بالثانية من التوكيد اللفظي على عكس اليمين، وشمل الجملة
الفعلية كحلفت بالله لأفعلن أو أحلف، والاسمية سواء كانت مقدمة الخبر كعلي عهد الله أو
مؤخرته نحو لعمرك لأفعلن. وأسماء هذا المعنى التوكيدي ستة: الحلف والقسم والعهد
464

والميثاق والايلاء واليمين. وخرج بقيد الانشائية نحو تعليق الطلاق والعتاق فإن الأولى ليست
إنشائية فليست التعاليق إيمانا حقيقة. وأما مفهومه الاصطلاحي فجملة أولى إنشائية يقمم فيها
باسم الله تعالى أو صفته يؤكد بها مضمون ثانية في نفس السامع ظاهرا، أو يحمل المتكلم على
تحقيق معناها فدخلت بقيد الظهور الغموس أو التزام مكروه كفر أو زوال ملك على تقدير
ليمنع عنه أو محبوب ليحمل عليه فدخلت التعليقات مثل إن فعل فهو يهودي وإن دخلت
فأنت طالق بضم التاء لمنع نفسه وبكسرها لمنعها وإن بشرتني فأنت حر، كذا في فتح القدير.
وعرفها في الكافي بأنها عبارة عن تحقيق ما قصده من البر في المستقبل نفيا أو إثباتا. وعرفها
في التبيين بأنها عقد قوي به عزم الحالف على الفعل أو الترك. وفي شرح النقاية بأنها تقوى
الخبر بذكر الله تعالى أو بالتعليق. وظاهر ما في البدائع أن التعليق يمين في اللغة أيضا قال:
لأن محمدا أطلق عليه يمينا وقوله حجة في اللغة، وذكر أن فائدة الاختلاف تظهر فيمن حلف
لا يحلف ثم حلف بالطلاق أو العتاق فعند العامة يحنث، وعند أصحاب الظواهر لا يحنث،
وركنها اللفظ المستعمل فيها. وشرطها العقل والبلوغ والاسلام. ومن زاد الحرية كالشمني
فقدسها لأن العبد ينعقد يمينه ويكفر بالصوم كما صرحوا به. وزاد في المحيط ثالثا وهو كون
الخبر المضاف إليه اليمين محتملا للصدق والكذب متمثلا بين البر والهتك فيتحقق حكمه وهو
وجوب البر اه‍. وهو صحيح لما سيأتي أن إمكان البر شرط لانعقادها عندهما خلافا لأبي
يوسف كما في مسألة الكوز. وسببها إلغائي تارة إيقاع صدقه في نفس السامع، وتارة حمل
نفسه أو غيره على الفعل أو الترك. وحكمها شيئان: وجوب البر بتحقق الصدق في نفس
اليمين، والثاني وجوب الكفارة بالحنث، كذا في المحيط. وهو بيان لبعض أحكامها فإنه
سيأتي أن البر يكون واجبا ومندوبا وحراما، وأن الحنث يكون واجبا ومندوبا. وفي المحيط:
والأفضل في اليمين بالله تعالى تقليلها لأن في تكثير اليمين المضافة إلى الماضي نسبة نفسه إلى
الكذب، وفي تكثير اليمين المضافة إلى المستقبل تعريض اسم الله تعالى للهتك، واليمين بغيره
تعالى إلى مكروه وعند البعض للحديث لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت من كان حالفا
فليحلف بالله أو ليذر وقال بعضهم: إذا أضيف إلى الماضي يكره، وإذا أضيف إلى
465

المستقبل لا يكره وهو الأحسن لما روي أنه عليه الصلاة والسلام لما لاعن بين العجلاني وبين
امرأته قال العجلاني إن أمسكتها فهي طالق ثلاثا ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره. وفي
التبيين: لا تكره عند العامة. وفي الولوالجية: من أراد أن يحلف بالله تعالى فقال خصمه لا
أريد الحلف بالله تعالى يخشى عليه الكفر اه‍.
قوله: (فحلفه على ماض كذبا عمدا غموس) بيان لأنواعها وهي ثلاثة كما في أكثر
الكتب: الأول الغموس وهو أن يحلف على أمر ماض يتعمد الكذب فيه سميت غموسا لأنها
تغمس صاحبها في الذنب ثم في النار وسيأتي حكمها. أطلق في الماضي فشمل الفعل والترك
كما صرح به صدر الشريعة وقال: فإن قلت إذا قيل والله إن هذا حجر كيف يصح أن يقال
إن هذا الحلف على الفعل؟ قلت: تقدر كلمة كان أو يكون إذا أريد في الزمن الماضي أو
المستقبل وقوله كذبا عمدا حالان من الضمير في حلفه بمعنى كاذبا متعمدا ويصح أن يكونا
صفتين لمصدر محذوف أي حلفا. وفي المبسوط أن الغموس ليست بيمين حقيقة لأنها كبيرة
محضة واليمين عقد مشروع والكبيرة ضد المشروع ولكن سميت يمينا مجازا لأن ارتكاب هذه
466

الكبير بصورة اليمين كما سمي بيع الحر بيعا مجازا لوجود صورة البيع فيه ا ه‍. وقيد المصنف
بالماضي في الغموس واللغو قالوا: ويتأتيان أيضا في الحال ففي الغموس نحو والله ما لهذا
علي دين وهو يعلم خلافه، ووالله إنه زيد وهو يعلم أنه عمرو. وفي غاية البيان: وما وقع
من التقييد بالماضي فهو بناء على الغالب لأن الماضي شرط ا ه‍. وفي شرح الوقاية. فإن قلت
الحلف كما يكون على الماضي والآتي يكون على الحال فلم لم يذكره أيضا وهو من أقسام
الحلف؟ قلت: إنما لم يذكره لمعنى دقيق وهو أن الكلام يحصل أولا في النفس فيعبر عنه
باللسان فالاخبار المعلق بزمان الحال إذا حصل في النفس فعبر عنه باللسان، فإذا تم التعبير
باللسان انعقد اليمين فزمان الحال صار ماضيا بالنسبة إلى زمان انعقاد اليمين، فإذا قال كتبت
لا بد من الكتابة قبل ابتداء التكلم، وأما إذا قال سوف أكتب فلا بد من الكتابة بعد الفراغ
من التكلم يعني ابتداء الزمان الذي من ابتداء التكلم إلى آخره فهو زمان الحال بحسب
العرف، وهو ماض بالنسبة إلى آن الفراغ وهو آن انعقاد اليمين فيكون الحلف عليه الحلف على
الماضي ا ه‍. وإنما لم يقل المصنف الايمان ثلاثة كما قال غيره لأنها لا تنحصر في الثلاثة لأن
اليمين على الفعل الماضي صادقا ليس منها، وجواب صدر الشريعة بأن المراد حصر الايمان
التي يترتب عليها الأحكام ليس بدافع لأن هذه اليمين كاللغو لا إثم فيها فكان لها حكم.
قوله: (وظنا لغو) أي حلفه على ماض يظن أنه كما قال والامر بخلافه لغو فقوله ظنا
معطوف على كذبا سميت به لأنه اعتبار بها. واللغو اسم لما لا يفيد يقال لغا إذا أتى بشئ
لا فائدة فيه. وفي المغرب: اللغو الباطل من الكلام ومنه اللغو في الايمان لما لا يعقد عليه
القلب، وقد لغا في الكلام يلغو ويلغي ولغا يلغى ومنه قوله فقد لغوت. وقد اختلف في
تفسيره شرعا فذكر المصنف تبعا للهداية وكثير أنها الحلف على ماض يظن أنه كما قال من
فعل أو ترك، أو صفة والامر بضده كقوله والله لقد دخلت الدار، والله ما كلمت زيدا، أو
رأى طائرا من بعيد فظنه غرابا فقال والله إنه غراب أو قال إنه زيد وهو يظنه كذلك والامر
467

بخلافه في الكل. ومن الصفات ما في الخلاصة: رجل حلفه السلطان أنه لم يعلم بأمر كذا
فحلف ثم تذكر أنه كان يعلم أرجو أن لا يحنث ا ه‍. وقدمنا أنها تكون في الحال أيضا.
ومثله في المجتبى بقوله والله إن المقبل زيد يظنه زيدا فإذا هو عمرو. وفي البدائع قال
أصحابنا: هي اليمين الكاذبة خطأ أو غلطا في الماضي أو في الحال وهو أن يخبر عن الماضي
أو عن الحال على ظن أن المخبر به كما أخبر وهو بخلافه في النفي أو في الاثبات، وهكذا
روى ابن رستم عن محمد أنه قال: اللغو أن يحلف الرجل على الشئ وهو يرى أنه حق
وليس بحق. وقال الشافعي: يمين اللغو هي اليمين التي لا يقصدها الحالف وهو ما يجري
على ألسن الناس في كلماتهم من غير قصد اليمين من قولهم لا والله وبلى والله، سواء كان
في الماضي أو في الحال أو المستقبل. أما عندنا فلا لغو في المستقبل بل اليمين على أمر في
المستقبل يمين معقودة وفيها الكفارة إذا حنث قصد اليمين أو لم يقصد، وإنما اللغو في
الماضي والحال فقط، وما ذكر محمد على أثر حكايته عن أبي حنيفة أن اللغو ما يجري بين
الناس من قولهم لا والله وبلى والله فذلك محمول عندنا على الماضي أو الحال، وعندنا ذلك
لغو فيرجع حاصل الخلاف بيننا وبين الشافعي في يمين لا يقصدها الحالف في المستقبل،
فعندنا ليست بلغو وفيها الكفارة، وعنده هي لغو ولا كفارة فيها ا ه‍. وهو أعم مما في
المختصر باعتبار أن اليمين التي لا يقصدها الحالف في الماضي أو الحال جعلها لغوا، وعلى
تفسير المصنف لا تكون لغوا لأن الحلف على أمر يظنه كما قال لا يكون إلا عن قصد إلا أن
يقال: إنه يكون لغوا بالأولى فلا مخالفة. فالحاصل أن تفسيرنا اللغو أعم من تفسير الشافعي
وإنا نقول بقول الشافعي إلا في المستقبل. وذكر الإمام السرخسي في أصوله قال علماؤنا:
468

اللغو ما يكون خاليا عن فائدة اليمين شرعا ووضعا، فإن فائدة اليمين إظهار الصدق من
الخبر، فإن أضيف إلى خبر ليس فيه احتمال الصدق كان خاليا عن فائدة اليمين فكان لغوا.
وقال الشافعي: ما يجري على اللسان من غير قصد ولا خلاف في جواز إطلاق اللفظ على
كل واحد منهما ولكن ما قلناه أحق واستدل بقوله تعالى * (وقال الذي كفروا لا تسمعوا لهذا
القرآن والغوا فيه) * [فصلت: 62] الآية. ومعلوم أن مراد المشركين التعنت أي لم تقدروا على
المغالبة بالحجة فاشتغلوا بما هو حال عن الفائدة من الكلام ليحصل مقصودكم بطريق المغالبة
دون المحاجة ولم يكن مقصودهم التكلم بغير قصد. قال صاحب التقويم: ولم يرد تكلموا من
غير قصد فإن الامر به لا يستقيم ا ه‍. وفي المحيط: والصحيح قولنا لأن اللغو من الكلام ما
ليس بصواب ولا حسن فإن اللغو من الكلام القبيح الفاحش منه قال الله تعالى * (لا يسمعون
فيها لغوا إلا سلاما) * [مريم: 26] أي كلاما قبيحا. فاللغو هو الكلام القبيح الفاحش،
والخطأ الذي هو ضد العمد ليس بقبيح فاحش فلا يكون لغوا، فأما ما ذكرنا فهو كلام قبيح
فاحش فإنه كذب والكذب قبيح لأنه محظور، وأما الخطأ فليس بمحظور ا ه‍. وفي الخلاصة
والخانية: واللغو لا يؤاخذ به صاحبه إلا في الطلاق والعتاق والنذر وفي فتاوى محمد بن
الوليد: لو قال إن لم يكن هنا فلان فعلي حجة ولم يكن وكان لا يشك أنه فلان لزمه ذلك
ا ه‍. فقد علمت أن اليمين بالطلاق على غالب الظن إذا تبين خلافه موجب لوقوع الطلاق
وقد اشتهر عن الشافعية خلافه.
قوله: (واثم في الأولى دون الثانية) أي أثم إثما عظيما كما في الحاوي القدسي في
اليمين الأولى وهي يمين الغموس دون اليمين الثانية وهي يمين اللغو. والاثم في اللغة الذنب
وقد سمي الخمر إثما. وفي الاصطلاح عند أهل السنة استحقاق العقوبة. وعند المعتزلة لزوم
العقوبة بناء على جواز العفو وعدمه كما أشار إليه الأكمل في تقريره في بحث الحقيقة في
469

بحث إنما الأعمال بالنيات. وإنما أثم في الأولى لحديث ابن حبان مرفوعا من حلف
على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم حرم الله عليه الجنة وأدخله النار
وفي الصحيحين لقي الله وهو عليه غضبان وفي سنن أبي داود قال قال النبي عليه السلام
من حلف على يمين مصبورة كاذبا فليتبوأ مقعده من النار والمراد بالمصبورة الملزومة بالقضاء
أي المحبوس عليها لأنها مصبور عليها، كذا في فتح القدير. والأولى الاستدلال بحديث
البخاري عند عبد الله ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكبائر الاشراك بالله وعقوق الولدين وقتل
النفس واليمين الغموس فإنه أعم من أن يقتطع بها مال امرئ مسلم أو لا. وقد صرح في
غاية البيان وغيرها بأن اليمين الغموس كبيرة وهو أعم كما ذكرنا، وينبغي أن تكون كبيرة إذا
اقتطع بها مال امرئ مسلم أو أذاه وتكون صغيرة إذا لم يترتب عليها مفسدة. وإنما لم يأثم
في الثانية لقوله تعالى * (لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم) * [البقرة: 522] ولهذا جزم
المصنف بعدم الاثم في اللغو لكن الإمام محمد بن الحسن لم يجزم به وإنما علقه بالرجاء فقال:
الايمان ثلاثة يمين مكفرة. ويمين غير مكفرة، ويمين نرجو أن لا يؤاخذ بها الله تعالى
صاحبها. فاعترض عليه بأنه كيف يعلقه بالرجاء مع أنه مقطوع به فاختلف المشايخ في
الجواب عنه، ففي الهداية إلا أنه علقه بالرجاء للاختلاف في تفسيره ا ه‍. وتعقبه في فتح
القدير بأن الأصح أن اللغو بالتفسيرين الأولين وكذا بالثالث متفق على عدم المؤاخذة في
الآخرة، وكذا بالدنيا بالكفارة فلم يتم العذر عن التعليق بالرجاء فالأوجه ما قيل إن لم يرد به
التعليق بل التبرك باسم الله تعالى والتأدب فهو كقوله عليه السلام لأهل المقابر وإنا إن
شاء الله بكم لاحقون وأما بالتفسير الرابع فغير مشهور وكونه لغوا هو اختيار سعيد ا ه‍.
وأراد بالتفسيرين الأولين تفسيرنا وتفسير الشافعي، وبالثالث ما عن الشعبي ومسروق لغير
اليمين أن يحلف على معصية فينزل لاغيا بيمينه، وبالرابع قول سعيد أن يحرم على نفسه ما
470

أحل الله من قول أو عمل. والحاصل أن الأولى الجزم كما فعل المصنف لقطعية الدليل كالجزم
في نظائره مما في معناه اختلاف.
قوله: (وعلى آت منعقدة وفيها كفارة فقط) أي حلفه على آت تسمى منعقدة نفيا كان أو
إثباتا وحكمها وجوب الكفارة إذا حنث لقوله تعالى * (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان
فكفارته) * [المائدة: 98] الآية. والمراد منها اليمين في المستقبل بدليل قوله تعالى * (واحفظوا
أيمانكم) * [المائدة: 98] ولا يتصور الحفظ عن الحنث والهتك إلا في المستقبل. وقد اعترض
في التبيين على المصنف بأنه لا معنى لقوله فقط لأن في اليمين المنعقدة إثما أيضا ولفظ
الكفارة ينبئ عنه لأن معناها الستارة وهي لا تجب إلا لرفع المأثم ا ه‍. وهو مردود من
وجهين: أحدهما أن معنى قوله فقط أنه لا كفارة في غيرها من الغموس بيانا لذلك خلافا
للشافعي فإنه أوجب الكفارة في الغموس كالمنعقدة لأنها شرعت لدفع ذنب هتك حرمة
اسم الله تعالى، وقد تحقق بالاستشهاد بالله كاذبا فأشبه المعقودة، ولنا أنها كبيرة محضة
والكفارة عبادة حتى تتأدى بالصوم ويشترط فيها النية فلا تناط بها بخلاف المعقودة فإنها
مباحة، ولو كان فيها ذنب فهو متأخر متعلق باختيار مبتدأ وما في الغموس ملازم فيمتنع
الالحاق، كذا في الهداية. وذكر في فتح القدير أن المعقودة عند الشافعي ليست سوء المكسوبة
بالقلب، وكون الغموس قارنها الحنث لا ينفي الانعقاد عنده، وكونها لا تسمى يمينا لأنها لم
تنعقد للبر بعيد إذ لا شك في تسميتها يمينا لغة وعرفا وشرعا بحيث لا يقبل التشكيك،
فليس الوجه إلا ما قدمناه من أن شرعية الكفارة لدفع ذنب أصغر لا يستلزم شرعها لدفع
ذنب أكبر، وإذا أدخلها في مسمى المنعقدة وجعل المنعقدة تنقسم إلى غموس وغيرها عسر
النظر معه إلا أن يكون لغة أو سمع وقد روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد جيد عن النبي
عليه السلام في حديث مطول قال فيه خمس ليس فيهن كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس
بغير حق، وبهت المؤمن، والفرار من الزحف، ويمين صابرة يقتطع بها مال مسلم بغير
471

حق وكل من قال لا كفارة في الغموس لم يفصل بين اليمين المصبورة على مال وغيرها
ا ه‍. ثانيهما أن الاثم ليس لازما للمنعقدة بل قد يكون الحنث واجبا وقد يكون مستحبا فلم
يصح إطلاقه كما لا يخفى، والعجب منه أنه بعد يسير ناقض نفسه بأن قال: لو فعله الحالف
وهو مغمى عليه أو مجنون فإنه يحنث لتحقق الشرط حقيقة، ولو كانت الحكمة رفع الذنب
فالحكم يدار على دليله وهو الحنث لا على حقيقة الذنب كما أدبر الحكم على السفر لا على
حقيقة المشقة ا ه‍. فقد علم أنه لا يلزم في الكفارة أن تكون ستارة للذنب بل تجب ولا ذنب
أصلا.
قوله: (ولو مكرها أو ناسيا) أي في المنعقدة كفارة إذا حنث ولو كان حلف مكرها أو
ناسيا لقوله عليه السلام ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق واليمين. كذا
استدل مشايخنا، وتعقبهم في فتح القدير بأنه لو ثبت حديث اليمين لم يكن فيه دليل لأن
المذكور فيه جعل الهزل باليمين جدا والهازل قاصد لليمين غير راض بحكمه فلا يعتبر عدم
رضاه به شرعا بعد مباشرة السبب مختارا، والناسي بالتفسير المذكور لم يقصد شيئا أصلا ولم
يدر ما صنع، وكذا المخطئ لم يقصد قط التلفظ به بل بشئ آخر فلا يكون الوارد في الهازل
واردا في الناسي الذي لم يقصد قط مباشرة السبب فلا يثبت في حقه نصا ولا قياسا. وإذا
كان اللغو بتفسيرهم وهو أن يقصد اليمين مع ظن البر ليس لها حكم اليمين فما لم يقصده
أصلا بل هو كالنائم يجري على لسانه طلاق أو إعتاق لا حكم له أولى أن لا يكون له حكم
اليمين. وأيضا فتفسير اللغو المذكور في حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه كلام الرجل في
بيته كلا والله وبلى والله وإن لم يكن هو نفس التفسير الذي فسروا به الناسي فإن المتكلم كذلك
في بيته لا يقصد التكلم به بل يجري على لسانه بحكم العادة غير مراد لفظه ولا معناه كان
أقرب إليه من الهازل فحمل الناسي على اللاغي بالتفسير المذكور أولى من حمله على الهازل،
وهو الذي أدينه وتقدم لنا مثله في الطلاق غافلا ا ه‍. وفي التبيين: والمراد بالناسي المخطئ
كما إذا أراد أن يقول اسقني الماء فقال والله لا أشرب الماء. وذكر في الكافي أنه المذهول عن
التلفظ به بأن قيل له إلا تأتينا فقال بلى والله غير قاصد لليمين. وإنما ألجأنا إلى هذا التأويل
لأن حقيقة النسيان في اليمين لا تتصور ا ه‍. وذكر الشمني أن حقيقته متصورة بأن حلف أن
لا يحلف فنسي فحلف ا ه‍. وهو مردود لأنه فعل المحلوف عليه ناسيا لا أن حلفه كان
472

ناسيا. وفي فتح القدير: والناسي هو من تلفظ باليمين ذاهلا عنه ثم تذكر أنه تلفظ به. وفي
بعض النسخ الخاطئ وهو من أراد أن يتكلم بكلام غير الحلف فجرى على لسانه الحلف
ا ه‍. وهو الظاهر كما لا يخفى. وفي الخانية: رجل حلف أن لا يفعل كذا فنسي أنه كيف
حلف بالطلاق أو بالصوم قالوا: لا شئ عليه إلا أن يتذكر ا ه‍.
قوله: (أو حنث كذلك) أي مكرها أو ناسيا لأن الفعل الحقيقي لا ينعدم بالاكراه أو
النسيان وهو الشرط، وكذا إذا فعله وهو مغمى عليه أو مجنون لتحقق الشرط حقيقة، ولو
كان الحكمة رفع الذنب فالحكم يدار على دليله وهو الحنث لا على حقيقته الذنب، كذا في
الهداية. ومراده من الشرط السبب لأن الحنث عندنا سبب لوجوب الكفارة لا شرط كما
سيأتي، كذا في فتح القدير. وقد يقال: إن فعل المحلوف عليه شرط في الحنث والحنث سبب
للكفارة إلا أن يقال: إن الحنث هو عين فعل المحلوف عليه فحينئذ يحتاج إلى التأويل. قيد
بالحنث لأنه لو لم يحنث كما لو حلف أن لا يشرب فأوجر أو صب في حلقه الماء مكرها فإنه
لا اعتبار به. وقيده قاضيخان بأن يدخل في جوفه بغير صنعه فلو صب في فيه وهو مكره
فأمسكه ثم شربه بعد ذلك حنث ا ه‍ قوله: (واليمين بالله تعالى والرحمن والرحيم وجلاله
وكبريائه وأقسم وأحلف وأشهد وإن لم يقل بالله ولعمر الله وأيم الله وعهد الله وميثاقه وعلى
نذر ونذر الله وإن فعل كذا فهو كافر) بيان الألفاظ اليمين المنعقدة، فقوله بالله والرحمن
والرحيم بيان للحلف باسم من أسمائه تعالى لأنه يعتقد تعظيم الله تعالى فصلح ذكره حاملا
أو مانعا. وفي المجتبى: لو قال والله بغيرها كعادة الشطار فيمين. قلت: فعل هذا ما
يستعمله الأتراك بالله بغير هاء فيمين أيضا ا ه‍. بلفظه. وأفاد بعطف الرحمن على الله أن
المراد بالله اللفظ. وقيد به احترازا عن بسم الله فإنه ليس بيمين إلا أن ينويه. وفي المنتقى
رواية ابن رستم عن محمد أنه يمين مطلقا فليتأمل عند الفتوى. ولو قال وبسم الله يكون
يمينا، كذا في الخلاصة. وفي فتح القدير: قال بسم الله لأفعلن المختار أنه ليس بيمين لعدم
التعارف وعلى هذا بالواو إلا أن نصارى ديارنا تعارفوه فيقولون واسم الله ا ه‍. والظاهر أن
بسم الله يمين كما جزم به في البدائع معللا لأن الاسم والمسمى واحد عند أهل السنة
والجماعة فكان الحلف بالاسم حلفا بالذات كأنه قال بالله ا ه‍. والعرف لا اعتبار به في
473

الأسماء كما قدمناه. وذكر الولوالجي رجل قال لآخر الله لا تفعلن كذا أو قال والله لتفعلن
كذا وقال الآخر نعم، إن أراد المبتدئ أن يحلف وأراد المجيب الحلف يكون كل منهما حالفا
لأن قوله نعم جواب والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال فيصير كأنه قال نعم والله لأفعلن،
وإن أراد المبتدي الاستحلاف وأراد المجيب الوعد ليس على كل واحد منهما شئ لأن كل
واحد منهما نوى ما يحتمله، وإن أراد المبتدي الاستحلاف وأراد المجيب الحلف فالمجيب
الحالف والمبتدي لا لأن كل واحد منهما نوى ما يحتمله، وإن لم ينو واحد منهما شيئا ففي
قوله الله الحالف هو المجيب، وفي قوله والله الحالف هو المبتدي ا ه‍.
وأفاد بإطلاقه في اليمين بالله تعالى أنه لا يتوقف على النية ولا على العرف بل هو يمين
تعارفوه أولا وهو الظاهر من مذهب أصحابنا وهو الصحيح كما في الذخيرة وغيرها إذ لا
اعتبار بالعرف عند قيام دلالة النص، كذا في المحيط. وبه اندفع ما في الولوالجية من أنه لو
قال والرحمن لا أفعل كذا إن أراد به السورة لا يكون يمينا لأنه يصير كأنه قال والقرآن، وإن
أراد به الله تعالى يكون يمينا ا ه‍. فإن هذا التفصيل في الرحمن قول بشر المريسي كما في
الذخيرة والمذهب أنه يمين من غير نية. ومثل الحلف بالله الحلف بالذي لا إله إلا هو، ورب
السماوات والأرض، ورب العالمين، ومالك يوم الدين، والأول الذي ليس قبله شئ،
والآخر الذي ليس بعده شئ كما في فتح القدير. وأفاد بعطف الرحيم على الرحمن أنه لا
فرق في أسمائه بين أن تكون خاصة أو مشتركة كالحكيم والعليم والقدير والعزيز، فالصحيح
أنه لا يتوقف على النية خلافا لبعض المشايخ فيما كان مشتركا لأنه لما كان مستعملا لله تعالى
ولغيره لا تتعين إرادة أحدهما إلا بالنية. ورجحه في غاية البيان وهو خلاف المذهب لأن هذه
الأسماء وإن كانت تطلق على الخلق لكن تعين الخالق مرادا بدلالة القسم إذ القسم بغير الله لا
يجوز فكان الظاهر أنه أراد به اسم الله حملا لكلامه على الصحة إلا أن ينوي به غير الله فلا
يكون يمينا لأنه نوى ما يحتمله كلامه فيتصدق في أمر بينه وبين الله تعالى، كذا في البدائع.
وفي الذخيرة والولوالجية: لو قال والطالب والغالب لا أفعل كذا فهو يمين وهو متعارف أهل
بغداد ا ه‍. وهذا لا يدل على أن كونه يمينا موقوف على التعارف وإنما بعد ما حكم بكونها
يمينا أخبر بأن أهل بغداد تعارفوا الحلف بها، وبذلك اندفع ما في فتح القدير من أنه يلزم إما
اعتبار العرف فيما لم يسمع من الأسماء من الكتاب والسنة فإن الطالب لم يسمع بخصوصه بل
474

الغالب في قوله تعالى * (والله غالب على أمره) * [يوسف: 12] وإما كونه بناء على القول
المفصل في الأسماء ا ه‍. وأفاد بقوله وجلاله وكبريائه أن الحلف يكون بصفة من صفاته
تعالى لأن معنى اليمين وهو القوة حاصل لأنه يعتقد تعظيم الله تعالى وصفاته، ولم يقيد
المصنف الحلف بالصفات بالعرف ولا بد منه. قال في المحيط: وأما الحلف بصفات الله تعالى
فقد اختلفت عبارات مشايخنا في ذلك، قال عامة مشايخنا من حلف بصفة من صفات الله
تعالى صفة ذات أو صفة فعل ينظر، وإن تعارف الناس الحلف به يكون يمينا وإلا فلا لأن
صفات الله في الحرمة كذاته تعالى فإنها ليست باغيار الله بل صفات الله تعالى لا هو ولا غيره
لأنها ليست بحادثة في ذاته خلافا لما تقوله الكرامية هداهم الله أن لله تعالى صفات حادثة
وذاته محل الحوادث، وخلافا لما تقوله المعتزلة لعنهم الله أنه ليس لله صفات، وعند أهل السنة
كثرهم الله صفة ذاته كونه سميعا بصيرا حيا عليما قديرا وهو بجميع صفاته قديم والقديم لا
يجوز أن يكون محل الحوادث. وقال مشايخ العراق: إن حلف بصفة من صفات الذات يكون
يمينا إلا العلم لما تبين، وإن حلف بصفة من صفات الفعل لا يكون يمينا، والفاصل بينهما
إن كل صفة يوصف بها وبضدها كالرحمة والرأفة والسخط والغضب فهي من صفات الفعل،
كل صفة يوصف بها ولا يوصف بضدها كالقدرة والعزة والعظمة فهي من صفات الذات،
فألحقوا صفات الذات بالاسم ولم يلحقوا صفات الفعل بالاسم وعلى هذا تخرج المسائل ا ه‍.
وظاهره أن الكرامية مؤمنون والمعتزلة كافرون لدعائه للأولين بالهداية وعلى المعتزلة باللعن.
وفي فتح القدير: المراد بالصفة اسم المعنى الذي لا يتضمن ذاتا ولا يحمل عليها بهو هو
كالعزة والكبرياء والعظمة بخلاف نحو العظيم. وفي التبيين: والصحيح عدم الفرق لأن
صفات الله كلها صفات ذات وكلها قديمة فلا يستقيم الفرق والايمان مبنية على العرف فما
تعارف الناس الحلف به يكون يمينا وما لا فلا ا ه‍. وفي المسايرة للمحقق ابن الهمام:
اختف مشايخ الحنفية والأشاعرة في صفات الافعال والمراد صفات تدل على تأثير لها أسماء
غير اسم القدرة يجمعها اسم التكوين، فإن كان ذلك الأثر مخلوقا فالاسم الخالق والصفة
الخلق، أو رزقا فالاسم الرازق والصفة الترزيق، أو حياة فهو المحي، أو موتا فهو المميت.
فادعى متأخرو الحنيفة من عهد أبي منصور أنها صفات قديمة زائدة على الصفات المتقدمة
475

وليس في كلام أبي حنيفة والمتقدمين تصريح بذلك سوى ما أخذوه من قوله كان تعالى خالقا
قبل أن يخلف ورازقا قبل أن يرزق وذكروا له أوجها من الاستدلال. والأشاعرة يقولون ليست
صفة التكوين على فصولها سوى صفة القدرة باعتبار تعلقها بتعلق خاص، فالتخليق هو
القدرة باعتبار تعلقها بالمخلوق، والترزيق تعلقها بإيصال الرزق إلى آخر ما ذكره فيها. وأما
كونه خالفا بقوله أقسم أو أحلف أو أشهد وإن لم يقل بالله فلان هذه الألفاظ مستعملة في
الحلف وهذه الصيغة للحال حقيقة وتستعمل للاستقبال بقرينة فجعل حالفا للحال والشهادة
يمين قال الله تعالى * (قالوا نشهد أنك رسول الله) * [المنافقون: 1] ثم قال * (اتخذوا ايمانهم
جنة) * [المنافقون: 2] والحلف بالله هو المعهود المشروع وبغيره محظور فيصرف إليه. وأشار إلى
أنه لو قال حلفت أو أقسمت أو شهدت بالله أو لم يقل بالله فإنه يمين بالأولى. وأطلق في
كونه يمينا بلفظ المضارع فأفاد أنه لا يتوقف على النية كما في غاية البيان. وذكر في الهداية
خلافا فيه. وصحح في التبيين أنه يكون يمينا بلا نية. وأراد المصنف بهذه الألفاظ أن كلا
منها يصلح أن يكون قسما فإن ذكر المقسم عليه انعقدت اليمين فيحنث إذا نقضها فتجب عليه
الكفارة وإلا فلا. وقد ذكر محمد هذه الألفاظ كلها في الأصل ثم قال بعدها: فهذه كلها
أيمان فإذا حلف بشئ منها ليفعلن كذا وكذا فحنث وجبت عليه الكفارة ا ه‍. وفي المجتبى:
أشهد ليس بيمين ما لم يعلقه بالشرط، وقوله علي نذر يمين وإن سكت. وفي المنتفى وجامع
الكرخي ما يشبه خلاف مسألة النذر. قلت: فعلم بهذا أن هذه الألفاظ لا تكون يمينا ما لم
يعلق بشئ ا ه‍. فظهر بهذا أن ما في النهاية من أن قوله أقسم أو أشهد أو على يمين تنعقد
يمينا سواء ذكر المقسم عليه أو لا مستدلا بما ذكر في الذخيرة أن قوله على يمين موجب
للكفارة فهو سهو كما في غاية البيان وتوهم وخبط كما في فتح القدير، بل لا بد من ذكر
المقسم عليه، وإنما ترك ذكره في بعض المواضع للعلم به وهو مراد صاحب الذخيرة، وتحقيقه
أن الكفارة إنما تجب لستر الذنب في نقض اليمين المنعقدة فعلى أي شئ انعقدت اليمين حتى
يتصور نقض اليمين فتجب الكفارة. وأيضا قوله على يمين فيه احتمال لأنه يصح عليه أن يكون
يمين الغموس أو اليمين المنعقدة والكفارة لا تثبت بالاحتمال لأنها دائرة بين العبادة والعقوبة
والعقوبات تندرئ بالشبهات وذلك أنه ليس في الغموس كفارة، وكذا في المنعقدة عند قيام
البر فكيف تتصور الكفارة؟ وأيضا لو وجبت الكفارة بمجرد قوله على يمين يلزم تقديم المسبب
على السبب وهو فاسد لأن سبب الكفارة الحنث ولم يوجد لعدم انعقاد اليمين على شئ إلى آخر
ما في غاية البيان إلا أنه في فتح القدير قال: والحق أن قوله علي يمين إذا لم يزد عليه على وجه
الانشاء لا الاخبار يوجب الكفارة بناء على أنه التزام الكفارة بهذه العبارة ابتداء كما يأتي في قوله
علي نذر إذا لم يزد عليه فإنه مثله من صيغ النذر ولو لم يكن كذلك لغا بخلاف احلف و
اشهد ونحوهما ليست من صيغ النذر فلا يثبت به الالتزام ابتداء ا ه‍.
476

وفي المجتبى: اشهد بفتح الهمزة والهاء وضم الهمزة وكسر الهاء خطأ ثم قال: قال
علي يمين يريد به الايجاب لا كفارة عليه إذا لم يعلقه بشئ ا ه‍. وبه ندفع ما في فتح القدير.
وقيد بقوله أشهد لأنه لو قال اللهم إني عبدك أشهدك وأشهدك ملائكتك إني لا أدخل دار
فلان فليس بيمين لأن الناس لم يتعارفوا الحلف بهذا بخلاف قوله أشهد أو أشهد بالله لأن
ذلك يمينا عرفا كذا في المحيط. واعزم كأشهد كما في البدائع ومعناه أوجب فكان إخبارا
عن الايجاب في الحال وهذا معنى اليمين، وكذا لو قال عزمت لا أفعل كذا كان حالفا، وكذا
آليت لا أفعل كذا لأن الالية هي اليمين ا ه‍. وأما كونه حالفا بقوله لعمر الله فلان عمر الله
بقاؤه فكان صفة له لأنه من صفة الذات لأنه يوصف به لا بغيره فكان قال وبقاء الله كقدرته
وكبريائه ولقوله تعالى * (لعمرك أنهم لفي سكرتهم يعمهون) * [الحجر: 27] هو بالضم والفتح
إلا أن الفتح غلب في القسم حتى لا يجوز فيه الضم، وارتفاعه على الابتداء وخبره محذوف
والخبر قسمي أو يميني، كذا في المغرب. ولا تلحق المفتوحة الواو في الخط بخلاف عمر
والعلم فإنها ألحقت للتفرقة بينه وبين عمر. وقيد بكون اللام في أوله لأنه لو لم تدخله اللام
فإن القسم فيه محذوف ويكون منصوبا نصب المصادر فتقول عمر الله ما فعلت كما في الله
لأفعلن، وأما قولهم عمرك الله ما فعلت فمعناه بإقرارك له بالبقاء، وينبغي أن لا ينعقد يمينا
لأنه حلف بفعل المخاطب وهو إقراره واعتقاده كما في فتح القدير. وأما أيم الله فمعناه
أيمن الله وهو جميع يمين على قول الأكثر فخفف بالحذف حتى صار أيم الله ثم خففت أيضا
فقيل م الله لأفعلن كذا فتكون ميما واحدة، وبهذا نفى سيبويه أن يكون جمعا لأن الجمع لا
يبقى على حرف واحد. ويقال من الله بضم الميم والنون وفتحهما وكسرهما. وهمزة أيمن
بالقطع وإنما وصلت في الصول تخفيفا لكثرة الاستعمال. ومذهب سيبويه أنها همزة وصل
اجتلبت ليمكن بها النطق كهمزة ابن وامرئ من الأسماء الساكنة الأوائل، وإنما كان
يمينا لحديث البخاري وأيم الله إن كان لخليقا بالامارة كما في فتح القدير. وأشار المصنف
477

إلى أنه لو قال يمين الله لا أفعلن كذا فهو يمين صرح به في المجتبى. وأما كونه حالفا
بعهد الله وميثاقه فلان العهد في الأصل هي المواعدة التي تكون بين اثنين لوثوق أحدهما على
الآخر وهو الميثاق وقد استعمل في اليمين لقوله تعالى * (وأوفوا بعد الله إذا عاهدتم) *
[النحل: 19] الآية، فقد جعل العهد في القرآن يمينا كما ترى والميثاق في معناه، وكذا
الحلف بالذمة ولذا يسمى الذمي معاهدا. وأطلقه فشمل ما إذا لم ينو لغلبة الاستعمال للعهد،
والميثاق في معنى اليمين فينصر فإن إليه إلا إذا قصد غير اليمين فيدين. وفي الذخيرة: لو قال
إن فعلت كذا فعلي يمين إن شاء فلان ففعل ذلك الفعل وشاء فلان لزمه كما قال، وأما كونه
حالفا بقوله علي نذر ونذر الله فيشترط أن يذكر المحلوف عليه لكونها يمينا منعقدة نحو أن
يقول علي نذر الله لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا حتى إذا لم يف بما حلف عليه لزمته كفارة
اليمين، وأما إذا لم يسم شيئا بأن قال علي نذر الله فإنه لا يكون يمينا لأن اليمين إنما تتحقق
لمحلوف عليه ولكن تلزمه الكفارة فيكون هذا التزام الكفارة ابتداء بهذه العبارة، كذا في فتح
القدير.
وهذا كله إذا لم ينو بهذا النذر المطلق شيئا من القرب كحج أو صوم، فإن كان نوى
بقوله علي نذر إن فعلت كذا قربة مقصودة يصح النذر بها ففعل لزمته تلك القربة لما ذكره
الحاكم بقوله: فإن حلف بالنذر فإن نوى شيئا من حج أو عمرة فعليه ما نوى، وإن لم يكن
له نية فعليه كفارة اليمين ا ه‍. فيحمل الحديث من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين
على ما إذا لم تكن له نية. وقيد بلفظ النذر احترازا عن صيغة النذر كأن يقول لله علي كذا
صلاة ركعتين أو صوم يومين مطلقا عن الشرط أو معلقا به كما سيأتي الكلام عليه قريبا. وقد
خلط الزيلعي مسألة لفظ النذر بصيغة النذر وبينهما فرق تطلع عليه إن شاء الله. وفي
الولوالجية وغيرها: لو قال لله علي أن لا أكلم فلانا أنها ليست بيمين إلا أن ينوي لأن الصيغة
للنذر مع احتمال معنى اليمين ا ه‍. وأما مسألة الحلف بالتعليق بالكفر فلانه لما جعل الشرط
478

علما فقد اعتقده واجب الامتناع وقد أمكن القول بوجوبه لغيره بجعله يمينا كما نقول في
تحريم الحلال، ولا فرق بين أن يعلقه بالكفر أو بالتهود أو التنصر أو قال هو برئ من
الاسلام أو من القرآن أو القبلة أو الصوم رمضان أو أنا برئ مما في المصحف أو أعبد من
دون الله أو أعبد الصليب كما في المجتبى والمحيط، أو يعقد الزنار على نفسه كما يعقد
النصارى كما في الظهيرية. ولو قال أنا برئ من كل آية في المصحف فهو يمين واحدة، ولو
رفع كتابا فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم فقال أنا برئ مما فيه، إن فعلت كذا فهو يمين،
ولو قال إن فعلت كذا فأنا برئ من حجتي التي حججت ومن الصلاة التي صليت فليس
بيمين بخلاف قوله أنا برئ من القرآن الذي تعلمته لأنه في الأول تبرأ عن الفعل الذي فعل
لا عن الحجة المشروعة، وفي الثاني تبرأ عن القرآن الذي تعلمه والقرآن قرآن وإن تعلمه
فيكون التبري عنه كفرا. ولو قال إن فعلت كذا فأنا برئ من شهر رمضان، فإذا أراد البراءة
عن فرضه فهو يمين كما إذا قال إن فعلت كذا فأنا برئ من الايمان، وإن أراد البراءة عن
أجرها لا يكون يمينا لأنه شئ غيب، وإن لم يكن له نية لا يكون يمينا في الحكم، كذا في
المحيط. وفي المجتبى: لو قال صلاتي وصيامي لهذا الكافر إن فعلت كذا فليس بيمين. وفي
الولوالجية: لو قال إن فعلت كذا فاشهدوا علي بالنصرانية فعليه كفارة يمين لأنه بمنزلة إن
فعلت كذا فأنا نصراني، ولو قال إن فعلت كذا فأنا برئ من الكتب الأربعة فعليه كفارة
واحدة لأنها يمين واحدة، ولو قال أنا برئ من التوراة وبرئ من الإنجيل وبرئ من الزبور
وبرئ من الفرقان فعليه أربع كفارات لأنها أربعة أيمان، ولو قال أنا برئ من الله ورسوله
فعليه كفارة واحدة إن حنث لأنها يمين واحدة، ولو قال أنا برئ من الله وبرئ من رسوله
فعليه كفارتان إن حنث لأنهما يمينان اه‍. ثم قال: ولو قال إن فعلت كذا فأنا برئ من الله
ورسوله والله ورسوله بريئان منه ففعل فعليه أربع كفارات لأنها أربعة أيمان ا ه‍. وينبغي أن
يكونا يمينين الأولى أنا برئ من الله ورسوله كما تقدم، والثانية والله ورسوله بريئان منه،
لأن لفظ البراءة مذكور مرتين إلا أن يقال إنها في الثانية مذكورة مرتين بسبب التثنية فيكون
عليه ثلاث كفارات. وأما الأربع فلم يظهر لي وجهها، ثم رأيت بعد ذلك المسألة في
الظهيرية بتكرار لفظ البراءة بقوله: إن فعل كذا فهو برئ من الله وبرئ من رسوله
479

والله ورسوله بريئان منه فتعين أن يكون ما في الولوالجية كذلك والحذف من الكاتب ثم قال
في الظهيرية: والأصل في جنس هذه المسائل أنه متى تعددت صيغة البراءة تعددت الكفارة
وإذا اتحدت اتحدت.
وصحح في المجتبي والذخيرة أنهما يمينان قال: ولو قال إن فعلت كذا فأنا برئ من
الله ألف مرة ففعل لزمته كفارة واحدة ا ه‍. وفي الظهيرية أيضا: ولو قال إن فعلت كذا
فلا إله في السماء يكون يمينا، ولو قال إن فعلت كذا فهو برئ من المؤمنين قالوا يكون يمينا
أن البراءة من المؤمنين تكون لانكار الايمان ا ه‍. وينبغي أن الحالف إذا قصد نفي المكان
عن الله أنه لا يكون يمينا لأنه حينئذ ليس بكفر بل هو الايمان. وفي الذخيرة: قال هو يمين
ولا يكفر. وفيها: لو قال إن فعلت كذا فأنا برئ من الشفاعة الأصح أنه ليس بيمين. وعلله
في الظهيرية بأن الشفاعة وإن كانت حقا لكن من أنكرها صار مبتدعا لا كافرا ا ه‍. وفيها
أيضا سئل نجم الدين عمن قال إن كلمت فلانا فهو شريك الكفارة فيما قالوا على الله تعالى
مما لا يليق به فكلمه ماذا يجب عليه؟ قال: كفارة اليمين ا ه‍. وأشار المصنف إلى أنه إذا فعل
المحلوف عليه لا يكون كافرا لأنه صار يمينا. وقيد بكونه علقه على فعل في المستقبل لأنه لو
قال ذلك لشئ قد فعله في الماضي كان قال إن كنت فعلت كذا فهو كافر وهو عالم أنه قد
فعل فهو يمين الغموس لا كفارة فيها إلا التوبة والاستغفار. وهل يكفر حتى تكون التوبة
اللازمة عليه التوبة من الكفرة وتجديد الاسلام؟ قيل لا. وقيل نعم لأنه تنجيز معنى لأنه لما
علقه بأمر كائن فكأنه قال ابتداء هو كافر، والصحيح أنه إن كان عالما أنه يمين إما منعقدة أو
غموس لا يكفر بالماضي، وإن كان جاهلا وعنده أنه يكفر بالحلف في الغموس أو بمباشرة
الشرط في المستقبل يكفر فيهما لأنه لما أقدم عليه وعنده أنه يكفر فقد رضي بالكفر، كذا في
كثير من الكتب. وفي المجتبى والذخيرة، والفتوى على أنه إن اعتقد الكفر به يكفر وإلا فلا
في المستقبل والماضي جميعا. وفي قولهم يعلم الله أنه فعل كذا ولم يفعل كذا وهو يعلم خلافه
فيه اختلاف المشايخ، وعامتهم على أنه يكفر. ثم رقم في المجتبى رقما آخر: لو قال الله
يعمل أني ما فعلت كذا وهو يعلم أنه كاذب فقيل لا يكفر وهو رواية عن أبي يوسف لأنه
قصد ترويج الكذب دون الكفر.
قوله: (لا بعلمه وغضبه وسخطه ورحمته) أي لا يكون اليمين بعلم الله ونحوه لأن
الحلف بهذه الألفاظ غير متعارف والعرف معتبر في الحلف بالصفات، ولان العلم يذكر ويراد
480

به المعلوم ويقال اللهم اغفر علمك فينا أي معلومك، ولان الرحمة يراد بها أثرها وهو المطر
والجنة، والغضب والسخط يراد بهما العقوبة. وفي البدائع: وأما الصفة فصفات الله تعالى مع
أنها كلها لذاته على ثلاثة أقسام: منها ما لا يستعمل في عرف الناس وعاداتهم إلا في الصفة
نفسها فالحلف بها يكون يمينا، ومنها ما يستعمل في الصفة وفي غيرها استعمالا على السواء
والحلف بها يكون يمينا أيضا، ومنها ما يستعمل في الصفة وفي غيرها لكن استعمالها في
غير الصفة هو الغالب فالحلف بها لا يكون يمينا. ومن مشايخنا من قال: ما تعارفه الناس
يمينا يكون يمينا إلا ما ورد الشرع بالنهي عنه، وما لم يتعارفوه لا يكون يمينا، وبيان هذه
الجملة إذا قال وعزة الله وعظمته وجلاله وكبريائه يكون حالفا، وكذا وقدرة الله ما لم ينو
المقدور. وكذا وقوته وإرادته ومشيئته ورضاه ومحبته وإرادته وكلامه بخلاف الرحمة والغضب
والسخط والعلم إلا إذا أراد به الصفة، وأما وسلطان الله فقال القدوري: إن أراد به القدرة
كان حالفا وإلا فلا. ولو قال وأمانة الله ذكر في الأصل أنه يكون يمينا خلافا للطحاوي لأنها
طاعته، ووجه ما في الأصل أن الأمانة المضافة إلى الله تعالى عنه القسم يراد بها صفته. ولو
قال ووجه الله فهو يمين لأن الوجه المضاف إلى الله تعالى يراد به الذات. ولو قال لا إله
إلا الله لا أفعل كذا لا يكون يمينا إلا أن ينوي، وكذا قوله سبحان الله والله أكبر لا أفعل
كذا لعدم العادة، وملكوت الله وجبروته يمين لأنه من صفاته تعالى التي لا تستعمل إلا في
الصفة ا ه‍. ومن الغريب ما في الظهيرية لو قال وقدرة الله لا يكون يمينا وإن كان الله تعالى
لا يوصف بصدها لأن المراد بالقدرة المذكورة التقدير عرفا على ما عرف في الزيادات والله عز
وجل قد يقدر وقد لا يقدر ا ه‍. وهو مردود لما في الولوالجية وغيرها: لو قال وقدرة الله
كان يمينا لأن استعمال القدرة على المقدور به لم يكثر ككثرة استعمال العلم على المعلوم حتى
لو نوى المقدور لا يكون يمينا ا ه‍. وأشار المصنف إلى أنه لو قال وعذاب الله وثوابه ورضاه
ولعنة الله وأمانته أنه لا يكون يمينا، وفي الخانية: لو قال بصفة الله لا أفعل كذا لا يكون
يمينا لأن من صفاته ما يذكر في غيره فلا يكون ذكر الصفة كذكر الاسم.
قوله: (والنبي والقرآن والكعبة) أي لا يكون حالفا بها لأن الحلف بالنبي والكعبة حلف
بغير الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم ممن كان حالفا فليحلف بالله أو ليذر والحلف بالقرآن غير
481

متعارف مع أنه يراد به الحروف والنقوش، في فتح القدير: ثم لا يخفى أن الحلف بالقرآن
الآن متعارف فيكون يمينا كما هو قول الأئمة الثلاثة، وتعليل عدم كونه يمينا بأنه غيره تعالى
لأنه مخلوق لأنه حروف وغيره المخلوق هو الكلام النفسي منع بأن القرآن كلام الله منزل غير
مخلوق، ولا يخفى أن المنزل في الحقيقة ليس إلا الحروف المنقضية المنعدمة وما ثبت قدمه
استحال عدمه غير أنهم أوجبوا ذلك لأن العوام إذا قيل لهم إن القرآن مخلوق تعدوا إلى
الكلام مطلقا، وأما الحلف بكلام الله تعالى فيجب أن يدور مع العرف، وأما الحلف بجان
مريد ومثله الحلف بحياة رأسك وحياة رأس السلطان فذلك إن اعتقد أن البر فيه واجب
يكفر. وفي تتمة الفتاوى قال علي الرازي: أخاف على من قال بحياتي وحياتك أنه يكفر
ولولا أن العامة يقولونه ولا يعلمونه لقلت إن شرك. وعن ابن مسعود لأن أحلف بالله كاذبا
أحب إلي من أن أحلف بغير الله صادقا ا ه‍. قيد بالحلف بهذه الأشياء لأن التبري منها يمين
كقوله هو برئ من النبي إن فعل كذا كما قدمنا تفاصيله. وأشار المصنف إلى أنه لو قال
ودين الله وطاعته أو حدوده أو شريعته أو المصحف أنه لا يكون يمينا بالأولى كما في الخانية
قوله: (وحق الله) أي لا يكون يمينا وهو قول أبي حنيفة وهو قول محمد وإحدى الروايتين
عن أبي يوسف، وعنه رواية أخرى أنه يكون يمينا لأن الحق من صفات الله تعالى وهو حقيقة
فصار كأنه قال والله الحق، والحلف به متعارف. ولهما أنه يراد به طاعة الله إذ الطاعات
حقوقه فيكون حلفا بغير الله تعالى. وذكر في الاختيار أن المختار أنه يكون يمينا اعتبارا
بالعرف اه‍. قيد بالحق المضاف لأنه لو قال والحق يكون يمينا ولو قال حقا لا يكون يمينا
لأن المنكر منه يراد به تحقيق الوعد فكأنه قال افعل كذا حقيقة لا محالة وهذا قول البعض
والصحيح أنه إن أراد اسم الله تعالى يكون يمينا، كذا في الخانية. وفي المجتبى: وحقا أو
حقا اختلاف المشايخ والأكثر على أنه ليس بيمين. والحاصل أن الحق إما أن يكون معرفا أو
482

منكرا أو مضافا، فالحق معرفا سواء كان بالواو أو بالباء يمين اتفاقا كما في الخانية
والظهيرية، ومنكرا يمين على الأصح إن نوى، ومضافا إن كان بالباء فيمين اتفاقا، لأن الناس
يحلفون به، وإن كان بالواو ففيه الاختلاف السابق والمختار أنه يمين كما سبق. وبهذا علم أن
المختار أنه يمين في الألفاظ الثلاثة مطلقا. وأشار المصنف إلى أنه لو قال بحق الرسول أو
بحق الايمان أو بحق المساجد أو بحق الصوم أو الصلاة لا يكون يمينا، كذا في الخانية.
وفي المجتبى: وحرمة الله نظيره قوله وحق الله. وفي فتاوى النسفي: بحرمة شهد الله
وبحرمة لا إله إلا الله ليس بيمين.
قوله: (وإن فعلته فعلي غضب الله وسخطه أو أنا زان وسارق أو شارب خمر أو آكل
ربا) أي لا يكون يمينا. أما في الأول فلانه دعا على نفسه ولا يتعلق ذلك بالشرط ولأنه غير
متعارف، وأما في قوله هو زان إلى آخره فلان حرمة هذه الأشياء تحتمل النسخ والتبديل فلم
تكن في معنى حرمة اسم الله تعالى ولأنه ليس بمتعارف، كذا في الهداية. والأولى الاقتصار
على أنه ليس بمتعارف لأن كون الحرمة تحتمل الارتفاع أو تحتمله لا أثر له مع أنه لا حاجة
إلى التعليل بعدم التعارف أيضا لأن معنى اليمين أن يعلق ما يوجب امتناعه عن الفعل بسبب
لزوم وجوده عند الفعل، وليس بمجرد وجود الفعل يصير زانيا أو سارقا لأنه لا يصير كذلك
إلا بفعل مستأنف يدخل في الوجود ووجود هذه الفعل ليس لازما لوجود المحلوف عليه
حتى يكون موجبا امتناعه عنه فلا يكون يمينا بخلاف الكفر فإنه بالرضا به يكفر من غير
توقف على عمل آخر أو اعتقاد والرضا يتحقق بمباشرة الشرط فيوجب عنده الكفر لولا قول
طائفة من العلماء بالكفارة كما في فتح القدير. وفي المجتبى: لو قال هو يأكل الميتة إن فعل
كذا أو يستحل الخمر أو الخنزير فليس بيمين، أصله أن التعليق بما تسقط حرمته بحال ما
كالميتة والخمر والخنزير لا يكون يمينا، وما لا يسقط كألفاظ الكفر فيمين. ولو قال جميع ما
فعله المجوس أو اليهود فعلى عنقي إن فعلت كذا ففعل لا شئ عليه ا ه‍. وهو يفيد أن
استحلال الخمر والخنزير ليس بكفر إلا أن يقال إن جزاء الشرط هو الاستحلال في المستقبل
بخلاف ما لو قال إن فعلت كذا فأنا مستحل للخمر والخنزير. وفي الولوالجية: وأما في
483

الاستحلال فلان استحلال الدم لا يكون كفرا لا محالة فإن حالة الضرورة يصير حلالا
وكذلك لحم الخنزير ا ه‍. فأفاد أن ما يباح للضرورة ولا يكفر مستحله. وفي الظهيرية: لو
قال عصيت الله تعالى أن فعلت كذا أو قال عصيت الله في كل ما افترض على لا يكون
يمينا.
قوله: (وحروفه الباء والواو والتاء) أي وحروف القسم ولو عاد الضمير على اليمين
لأنثه لأنها مؤنثة سماعا كقوله والله وبالله وتالله لأن كل ذلك معهود في الايمان ومذكور في
القرآن قال تعالى * (فورب السماء والأرض أنه لحق) * وقال تعالى * (تالله لقد أرسلنا) * وقال
تعالى * (بالله إن الشرك لظلم عظيم) * وفيه احتمال كونه متعلقا بقوله تعالى * (لا تشرك) * وقدم
الباء قالوا: هي الأصل لأنها صلة الحلف والأصل أحلف أو أقسم بالله، وهي للالصاق
تلصق فعل القسم بالمحلوف به ثم حذف الفعل لكثرة الاستعمال مع فهم المقصود.
ولأصالتها دخلت في المظهر والمضمر نحو بك لأفعلن ثم ثني بالواو ولأنها بدل منها للمناسبة
المعنوية، وهي ما في الالصاق من الجمع الذي هو معنى الواو ولكونها بدلا انحطت عنها
بدرجة فدخلت على المظهر لا على المضمر. ولا يجوز إظهار الفعل معها لا تقول أحلف بالله
كما تقول أحلف والله، وأما التاء فبدل عن الواو لأنها من حروف الزيادة وقد أبدلت كثيرا
484

منها كما في تجاه وتخمه وتراث فانحطت درجتين فلم تدخل على المظهر إلا على اسم الله تعالى
خاصة، وما روي من قولهم تربي وترب الكعبة لا يقاس عليه، وكذا تحياتك، ولا يجوز
إظهار الفعل معها لا تقول أحلف تالله. ولم يذكر المصنف كغيره أكثر من الثلاثة وذكر في
التبيين أن له حروفا أخر وهي: لام القسم وحرف التنبيه وهمزة الاستفهام وقطع الألف
الوصل والميم المكسورة والمضمومة في القسم ومن كقوله لله وها الله وم الله ومن الله. واللام
بمعنى التاء ويدخلها معنى التعجب وربما جاءت التاء لغير التعجب دون اللام ا ه‍.
قوله: (وقد تضمر) أي حروف القسم فيكون حالفا كقوله الله لا أفعل كذا لأن حذف
الحرف متعارف بينهم اختصارا، ثم إذا حذف الحرف ولم يعوض عنه ها التنبيه ولا همزة
الاستفهام ولا قطع ألف الوصل لم يجز الخفض إلا في اسم الله، بل ينصب بإضمار فعل أو
يرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر إلا في اسمين فإنه التزم فيهما الرفع وهما: أيمن الله
ولعمر الله، كذا في التبيين وإنما قال المصنف تضمر ولم يقل تحذف للفرق بينهما لأن
الاضمار يبقى أثره بخلاف الحذف، وعلى هذا ينبغي أن يكون في حالة النصب الحرف
محذوفا لأنه لم يظهر أثره، وفي حالة الجر مضمرا لظهور أثره وهو الجر في الاسم. وفي
الظهيرية: بالله لا أفعل كذا وسكن الهاء أو نصبها أو رفعها يكون يمينا، ولو قال الله لا
أفعل كذا وسكن الهاء أو نصبها لا يكون يمينا إلا أن يعربها بالجر فيكون يمينا، وقيل يكون
يمينا مطلقا. ولو قال بله بكسر اللام لا أفعل كذا قالوا لا يكون يمينا إلا إذا أعرب الهاء
بالكسر وقصد اليمين ا ه‍. وينبغي أنه إذا نصب أن يكون يمينا بلا خلاف لأن أهل اللغة لم
يختلفوا في جواز كل واحد من الوجهين ولكن النصب أكثر كما ذكره عبد القاهر في
مقتصده، كذا في غاية البيان وبه اندفع ما في المبسوط من أن النصب مذهب أهل البصرة
والخفض مذهب أهل الكوفة إلا أن يكون مراده أن الخلاف في الأرجحية لا في أصل الجواز
485

فيه. قيد بإضمار الحروف لأنه لا يضمر في المقسم عليه حرف التأكيد وهو اللام والنون بل
لا بد من ذكرهما لما في المحيط: والحلف بالعربية أن تقول في الاثبات والله لا أفعلن كذا
ووالله لقد فعلت كذا مقرونا بكلمة التوكيد، وفي النفي تقول والله لا أفعل كذا ووالله ما
فعلت كذا حتى لو قال والله أفعل كذا اليوم فلم يفعل لا تلزمه الكفارة ويكون بمعنى قوله لا
أفعل كذا فتكون كلمة لا مضمرة فيه لأن الحلف في الاثبات عند العرب لا يكون إلا
بحرف التأكيد وهو اللام والنون كقوله والله لا أفعلن كذا قال الله تعالى * (تالله لأكيدن
أصنامكم) * [الأنبياء: 75] وإضمار الكلمة في الكلام استعملته العرب كقوله تعالى * (واسأل
القرية) * [يوسف: 38] أي أهلها فأما إضمار بعض الكلمة في البعض ما استعملته العرب
ا ه‍.
قوله: (وكفارته تحرير رقبة أو إطعام عشرة مساكين كما في الظهار أو كسوتهم بما
يستر عامة البدن) أي وكفارة اليمين بمعنى القسم أو الحلف لما قدمنا أنها مؤنثة والأصل في
ذلك قوله تعالى * (فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو
تحرير رقبة) * [المائدة: 98] وكلمة أو للتخيير فكان الواجب أحد الأشياء الثلاثة، والتخيير
486

لا ينافي التكليف لأن صحته بإمكان الامتثال وهو ثابت لأنه بفعل أحدها يبطل قول من قال
إن التخيير يمنع صحة التكليف فأوجب خصال الكفارة مع السقوط بالبعض كما أشار إليه
في التحرير. وفي شرح المنار: ولو أدى الكل لا يقع عن الكفارة إلا واحدة وهو ما كان
أعلى قيمة. ولو ترك الكل يعاقب على واحد منها وهو ما كان أدنى قيمة لأن الفرض يسقط
بالأدنى. وهي من الكفر بمعنى الستر وإضافتها إلى اليمين إضافة إلى الشرط مجازا لأن السبب
عندنا الحنث كما سيأتي. وعبر بالتحرير بمعنى الاعتاق دون العتق اتباعا للآية، وليفيد أن
الشرط الاعتاق فلو ورث من يعتق عليه فنوى عن الكفارة لا يجوز. وأفاد بقوله كما في
الظهار أي التحرير والاطعام هنا كالتحرير والاطعام في كفارة الظهار أنه يجوز الرقبة، مسلمة
كانت أو كافرة، ذكرا كان أو أنثى، صغيرة كانت أو كبيرة. ولا يجوز فائت جنس المنفعة ولا
المدبر وأم الولد ولا المكاتب الذي أدى بعض شئ ويجوز في الاطعام التمليك والإباحة، فإن
ملك أعطى نصف صاع من برا وصاعا من تمرا أو صاعا من شعير لكل مسكين، وإن أباح
غداهم وعشاهم، فإن كان بخبز البر لا يحتاج إلى الادام، وإن كان بغير خبز البر احتاج إليه
على التفاصيل المتقدمة في كفارة الظهار وفي الخلاصة: لو أعطى عشرة مساكين كل مسكين
ألف من من الحنطة عن كفارة الايمان لا يجوز إلا عن كفارة واحدة عند أبي حنيفة وأبي
يوسف، وكذا في كفارة الظهار وفي نسخة الإمام السرخسي: لو أطعم خمسة مساكين وكسا
خمسة مساكين أجزأه ذلك عن الطعام إن كان الطعام أرخص من الكسوة، وعلى القلب لا
يجوز. وهذا في طعام الإباحة، أما إذا ملك الطعام فيجوز ويقوم مقام الكسوة، ولو أدى إلى
مسكين مدا من حنطة ونصف صاع من شعير يجوز ا ه‍. وخرج السراويل بقوله بما يستر
عامة البدن، وصححه في الهداية لأن لابسه يسمى عريانا في العرف ولذا قال في الخانية: لو
حلف لا يلبس ثوبا من غزل فلانة فليس من غزلها سراويل لم يحنث في يمينه لكن ما لا
يجزئه عن الكسوة يجزئه عن الطعام باعتبار القيمة فلا بد أن يعطيه قميصا أو جبة أو إزارا أو
قباء سابلا بحيث يتوشح به عند أبي حنيفة وأبي يوسف وإلا فهو كالسراويل، ولا تجزئ
العمامة إلا أنه إن أمكن أن يتخذ منها ثوب يجزئ مما ذكرنا جاز، أما القلنسوة فلا تجزئ
بحال. قال الطحاوي: هذا كله إذا دفع إلى الرجل، أما إذا دفع إلى المرأة فلا بد من الخمار
مع الثوب لأن صلاتها لا تصح بدونه قال في فتح القدير: وهذا يشابه الرواية عن محمد في
487

دفع السراويل أنه للمرأة لا يكفي. وهذا كله خلاف ظاهر الجواب، وإنما ظاهر الجواب ما
يثبت به اسم المكتسي وينتفي عنه اسم العريان وعليه بنى عدم اجزاء السراويل لا صحة
الصلاة وعدمها فإنه لا دخل له في الامر بالكسوة إذا ليس معناه إلا جعل الفقير مكتسيا
ا ه‍. وفي الخلاصة: وفي الثوب يعتبر حال القابض إن كان يصلح للقابض يجوز وإلا فلا.
وقال بعض مشايخنا: إن كان يصلح لأوساط الناس يجوز. وقال شمس الأئمة: وهذا أشبه
بالصواب، ولو أعطى ثوبا خليقا عن كفارة اليمين إن أمكن الانتفاع به أكثر من نصف مدة
الجديد يعني أكثر من ثلاثة أشهر جاز ا ه‍. واعلم أنه لا بد من النية لصحة التكفير في
الأنواع الثلاثة كما صرح به في فتح القدير وأن مصرفها مصرف الزكاة. قال في الخانية: كل
من لا يجوز صرف الزكاة إليه لا يجوز صرف الكفارة إليه فلا يعطيها لأبيه وإن علا، ولا
لولده وإن سفل، وكذا الصدقة المنذورة ولو أعطى كفارة يمينه لامرأته وهي أمة لغيره
ومولاها فقير لا يجوز ذلك لأن الصدقة تتم بقبولها لا بقبول المولى وهي ليست بمحل لأداء
كفارته فلا يجوز كما لو أعطى أباه وأمه وهما مملوكان لفقير المولى لا يجوز ذلك ا ه‍. ويرد على
الكلية المذكورة الدفع إلى الذمي فإنه جائز في الكفارة دون الزكاة. وفي الخانية أيضا: لو
أعطى في كفارة اليمين عشرة مساكين كل مسكين مدا مدا ثم استغنوا ثم افتقروا ثم أعاد
عليهم مدا مدا عن أبي يوسف لا يجوز ذلك لأنهم لما استغنوا صاروا بحال لا يجوز دفع
الكفارة إليهم فبطل ما أدى كما لو أدى إلى مكاتب مدا ثم رده في الرق ثم كوتب ثانيا ثم
أعطاه مدا لا يجوز ذلك.
قوله: (وإن عجز عن أحدها صام ثلاثة أيام متتابعة) أي إن لم يقدر على الاعتاق
والاطعام والكسوة كفر بالصوم لقوله تعالى * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) * [المائدة: 98]
وشرطنا التتابع عملا بقراءة ابن مسعود متتابعات وقراءته كروايته وهي مشهورة جاز الزيادة
بها على القطعي المطلق. وأشار بالعجز إلى أنه لو كان عنده واحد من الأصناف الثلاث لا يجوز
له الصوم وإن كان محتاجا إليه ففي الخانية: ولا يجوز التكفير بالصوم إلا لمن عجز عما سوى
488

الصوم فلا يجوز لمن يملك ما هو منصوص عليه في الكفارة أو يملك بدله فوق الكفاف،
والكفاف منزل يسكنه وثوب يلبسه ويستر عورته وقوت يومه. ومن الناس من قال قوت
شهر وإن كان له عبد وهو محتاج إلى الخدمة لا يجوز له التكفير بالصوم لأنه قادر على
الاعتاق. ومن ملك مالا وعليه دين مثل ذلك ووجبت عليه الكفارة فقضى دينه بذلك المال
جاز له التكفير بالصوم، وإن صام قبل قضاء الدين اختلفوا فيه، قال بعضهم يجوز له
الصوم، وقال بعضهم لا يجوز، وفي الكتاب إشارة إلى القولين. ولو كان له مال غائب أو
دين على رجل وليس في يده ما يكفر عن يمينه جاز له الصوم قال: هذا إذا لم يكن المال
الغائب عبدا، فإن كان عبدا يجوز في الكفارة لا يجوز له التكفير بالصوم لأنه قادر على
الاعتاق ا ه‍. وفي المجتبى: ظاهر المذهب إذا فضل عن حاجته قدر ما يكفر به لا يجوز له
الصوم ا ه‍. والاعتبار في العجز وعدمه وقت الأداء لا وقت الحنث، فلو حنث وهو معسر
ثم أيسر لا يجوز له الصوم وفي عكسه يجوز. ويشترط استمرار العجز إلى وقت الفراغ من
الصوم فلو صام المعسر يومين ثم أيسر لا يجوز له الصوم، كذا في الخانية. وقيد بالتتابع لأنه
لو صام الثلاثة متفرقة لا يجوز له ولم يستثن العذر لما في الخلاصة: ولو حاضت المرأة في
الثلاثة استقبلت بخلاف كفارة الفطر. وأشار المصنف بالعجز إلى أن العبد إذا حنث لا يكفر
إلا بالصوم لأنه عاجز عن الثلاثة، ولو أعتق عنه مولاه أو أطعم أو كسا لا يجزئه، وكذا
المكاتب والمستسعي. ولو صام العبد فعتق قبل أن يفرغ ولو بساعة فأصاب مالا وجب عليه
استئناف الكفارة بالمال، كذا في فتح القدير. وفي المجتبى: كفر بالصوم وفي ملكه رقبة أو
ثياب أو طعام قد نسيه، قيل يجزئه عند أبي حنيفة ومحمد، والصحيح أنه لا يجزئه. وفي
الجامع الأصغر: وهب ماله وسلمه ثم صام ثم رجع بالهبة أجزأه الصوم والمعتبر في التكفير
حال الأداء لا غير ا ه‍. وهذا يستثنى من قولهم إن الرجوع في الهبة فسخ من الأصل. وفي
المجتبى أيضا، بذل ابن المعسر لأبيه مالا ليكفر به لا تثبت القدرة به إجماعا.
قوله: (ولا يكفر قبل الحنث) أي لا يصح التكفير قبل الحنث في اليمين، سواء كان
بالمال أو بالصوم، لأن الكفارة لستر الجناية ولا جناية واليمين ليست بسبب لأنها مانعة من
الحنث غير مغضية إليه بخلاف التكفير بعد الجرح قبل الموت لأنه مفض، ثم إذا كفر قبله لا
يسترده من الفقير لوقوعه صدقة. ولم يذكر المصنف مسألة تعداد الكفارة لتعدد اليمين وهي
مهمة. قال في الظهيرية: ولو قال والله والرحمن والرحيم لا أفعل كذا ففعل ففي الروايات
الظاهرة يلزمه ثلاث كفارات ويتعدد اليمين بتعدد الاسم لكن يشترط تخلل حرف القسم،
489

وروى الحسن عن أبي حنيفة أن عليه كفارة واحدة وبه أخذ مشايخ سمرقند وأكثر المشايخ على
ظاهر الرواية. ولو قال والله والرحمن لا أفعل كذا ففعل يلزمه كفارتان في قولهم جميعا.
والفرق على قول أولئك المشايخ أن الواو إذا اتحد ذكره يحتمل أن تكون واو عطف، ويحتمل
أن تكون واو القسم، ولا يثبت القسم بالشك بالشك والاحتمال بخلاف ما إذا تعدد ذكره لأن
أحدهما للعطف والآخر للقسم. ولو قال والله والله يتعدد اليمين في ظاهر الرواية، وروى
ابن سماعة عن محمد أن في الاسم الواحد لا يتعدد اليمين. ولو قال والله الله أو قال والله
الرحمن تكون يمينا واحدة ا ه‍. وفي الولوالجية: إذا أدخل بين اسمين حرف عطف كانا
يمينين، وإن كان بغير حرف العطف كان على سبيل الصفة والتأكيد تكون يمينا واحدة ا ه‍.
وفي الخلاصة معزيا إلى الأصل: إذا حلف على أمر أن لا يفعله ثم حلف في ذلك المجلس أو
في مجلس آخر أن لا يفعله أبدا ثم فعله، إن نوى يمينا مبتدأ أو التشديد أو لم ينو فعليه كفارة
يمينين، أما إذا نوى بالثاني الأول فعليه كفارة واحدة. وفي التجريد عن أبي حنيفة: إذا حلف
بأيمان فعليه لكل يمين كفارة والمجلس والمجالس سواء، ولو قال عنيت بالثاني الأول لم
يستقم ذلك في اليمين بالله تعالى، ولو حلف بحجة أو عمرة يستقيم. وفي الأصل أيضا:
ولو قال هو يهودي هو نصراني إن فعل كذا يمين واحدة، ولو قال هو يهودي إن فعل كذا هو
نصراني إن فعل كذا فهما يمينان. في النوازل: قال لآخر والله لا أكلمه يوما والله لا أكلمه
شهرا والله لا أكلمه سنة، إن كلمه بعد ساعة فعليه ثلاثة أيمان، وإن كلمه بعد الغد فعليه
يمينان، وإن كلمه بعد الشهر فعليه يمين واحده، وإن كلمه بعد سنة فلا شئ عليه ا ه‍.
وفي فتح القدير: وعرف فلي الطلاق أنه لو قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت
الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت وقع ثلاث تطليقات.
قوله: (ومن حلف على معصية ينبغي أن يحنث) بيان لبعض أحكام اليمين وحاصلها أن
المحلوف عليه أنواع: فعل معصية أو ترك فرض، فالحنث واجب وهو المراد بقوله ينبغي أن
يحنث أي يجب عليه الحنث الحديث البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع الله
فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه وحديث البخاري أيضا وإذا حلفت على يمين
490

فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك ثم اليمين في الحديث
بمعنى المقسم عليه لأن حقيقة اليمين جملتان إحداهما مقسم به والأخرى مقسم عليه فذكر
الكل وأريد البعض، وقيل ذكر اسم الحال وأريد المحل لأن المحلوف عليه محل اليمين ولان
فيما قلناه تفويت البر إلى جابر وهو الكفارة ولا جابر للمعصية في ضده. وأطلق في المعصية
فشمل النفي والاثبات فالأول مثل أن لا يصلي أو لا يكلم أباه فيجب الحنث بالصلاة وكلام
الأب، والثاني نحو ليقتلن فلانا كما في الهداية، ولا بد أن تكون اليمين موقتة بوقت كاليوم
وغدا لأنها لو كانت مطلقة لم يتصور الحنث باختياره لأنه لا يحنث إلا في آخر جزء من أجزاء
حياته فيوصي بالكفارة حينئذ إذا هلك الحالف ويكفر عن يمينه إذا هلك المحلوف عليه، كذا
في غاية البيان. الثاني أن يكون المحلوف عليه شيئا غيره أولى منه كالحلف على ترك وطئ
زوجته شهرا أو نحوه فالحنث أفضل لأن الرفق أيمن، ودليله الحديث المتقدم. وكذا لو حلف
ليضربن عبده، وهو يستأهل ذلك أو ليشكون مديونه إن لم يوافه غدا لأن العفو أفضل، وكذا
تيسير المطالبة الثالث أن يحلف على شئ وضده مثله كالحلف لا يأكل هذا الخبز أو لا يلبس
هذا الثوب فالبر في هذا وحفظ اليمين أولى. ولو قال قائل إنه واجب لقوله تعالى * (واحفظوا
أيمانكم) * [المائدة: 98] على ما هو المختار في تأويلها أنه البر فيها أمكن، كذا في فتح
القدير. ولم يذكر القسم الرابع وهو أن يكون المحلوف عليه يجب فعله، قيل اليمين كحلفه
ليصلين الظهر اليوم لظهور أن البر فرض، ومنه إذا كان المحلوف عليه ترك معصية فإن البر
واجب فيثبت وجوبان لامرين الفعل والبر. فحاصله أن المحلوف عليه إما فعل أو ترك وكل
منهما على خمسة أوجه لأنه إما أن يكون معصية أو واجبا أو هو أولى من غيره أو غيره أولى
منه أو مستويان وقد علمت أحكام العشرة قوله: (ولا كفارة على كافر وإن حنث مسلما) لما
قدمنا أن شرط انعقادها الاسلام لأنه ليس بأهل لليمين لأنها تعقد لتعظيم الله تعالى ومع
الكفر لا يكون معظما ولا هو للكفارة أهل ودليله قوله تعالى * (إنهم لا أيمان لهم) * [التوبة:
21] وأما قوله بعده * (نكثوا أيمانهم) * [التوبة: 21] فيعني صورة الايمان التي أظهروها.
والحاصل أنه لا بد من التأويل، وأما في لا أيمان لهم كما قال الشافعي إن المراد لا إيفاء لهم
بها، أو في نكثوا أيمانهم على قول أبي حنيفة أن المراد ما هو صورة الايمان دون حقيقتها
الشرعية، ويرجح الثاني بالفقه وهو أنا نعلم من كان أهلا لليمين يكون أهلا للكفارة وليس
الكافر أهلا لها. أطلقه فشمل المرتد. وأشار المصنف إلى أن الكفر يبطل اليمين فلو حلف
491

مسلما ثم ارتد والعياذ بالله تعالى ثم أسلم ثم حنث لا يلزمه شئ بعد الاسلام ولا قبله.
قالوا: ولو نذر الكافر بما هو قربة لا يلزمه شئ، وأما تحليفه القاضي وقوله عليه السلام
تبرئكم يهود بخمسين يمينا فالمراد كما قلنا صورة الايمان فإن المقصود منها رجاء النكول
لأنه يعتقد في نفسه تعظيم اسم الله تعالى وإن كان لا يقبل منه ولا يثاب عليه وهو المراد
بقولهم ومع الكفر لا يكون معظما.
قوله: (ومن حرم ملكه لم يحرم) أي لا يصير حراما عليه لذاته لأنه قلب المشروع
وتغييره ولا قدرة له على ذلك بل الله تعالى هو المتصرف في ذلك بالتبديل، وغيره إن استباحه
كفر أي عامله معاملة المباحة بأن فعل ما حرمه الله فإنه يلزمه كفارة اليمين لقوله تعالى * (يا أيها
النبي لم تحرم ما أحل الله لك) * [التحريم: 1] الآيتين. فبين الله تعالى أن نبيه عليه السلام
حرم شيئا مما هو حلال وأنه فرض له تحلته فعبر عن ذلك بقوله تحلة أيمانكم فعلم أن تحريم
الحلال يمين موجب للكفارة وما في بعض الروايات من أنه يحلف صريحا فليس هو في الآية
ولا في الحديث الصحيح إلى آخر ما في فتح القدير. ولو ذكر المصنف بدل الملك الشئ بأن
قال ومن حرم شيئا ثم فعله كفر لكان أولى ليشمل الأعيان والافعال وملكه وملك غيره وما
كان حلالا وما كان حراما فيدخل فيه ما إذا قال كلامك علي حرام أو معي أو الكلام معك
حرام كما في المبتغى. كذا إذا قال دخول هذا المنزل علي حرام ونحوه كما في المجتبى. ولو
قال لقوم كلامكم علي حرام أيهم كلم حنث. وفي مجموع النوازل: وكذا كلام فلان وفلان
علي حرام يحنث بكلام أحدهما، وكذا كلام أهل بغداد، وكذا أكل هذا الرغيف علي حرام
يحنث بأكل لقمة بخلاف ما لو قال والله لا أكلمهم لا يحنث حتى يكلمهم. وفي الخلاصة:
لو قال هذا الرغيف علي حرام حنث بأكل لقمة. وفي فتاوى قاضيخان قال مشايخنا:
الصحيح أنه لا يكون حانثا لأن قوله هذا الرغيف علي حرام بمنزلة قوله والله لا أكل هذا
الرغيف، ولو قال هكذا لم يحنث بأكل البعض ا ه‍. مع أن حرمة العين والمراد منها تحريم
الفعل فإذا قال هذا الطعام علي حرام فالمراد أكله، وكذا إذا قال هذا الثوب علي حرام فالمراد
لبسه إلا إذا نوى غيره كما في الخلاصة: ولو قال لدراهم في يده هذ الدراهم علي حرام إن
اشترى بها حنث وإن تصدق بها أو وهبها لم يحنث بحكم العرف كما في المحيط وغيره، ولا
خصوصية للدراهم بل لو وهب ما جعله حراما أو تصدق به لم يحنث لأن المراد بالتحريم
حرمة الاستمتاع. وفي المحيط: لو قال مالي علي حرام فأنفق منه شيئا حنث، وكذا مال فلان
علي حرام فأكل منه أو أنفق حنث، ويدخل فيه ما إذا قال هذا الطعام علي حرام لطعام لا
492

يملكه فيصير به حالفا حتى لو أكله حلالا أو حراما لزمته الكفارة، إلا إذا قصد به الاخبار
عنها وهو لا يدخل تحت عبارة المصنف أيضا، ويدخل فيه أيضا ما إذا قال هذه الخمر علي
حرام فإذا شربه كفر ففي فتاوى قاضيخان من فصل الاكل: الصحيح أنه إذا قال الخمر علي
حرام أو الخنزير علي حرام كان يمينا حتى إذا فعله كفر. وذكر في فصل تحريم الحلال: إذا
قال هذه الخمر علي حرام فيه قولان، والفتوى على أنه ينوي في ذلك، فإن أراد به الخبر لا
تلزمه الكفارة، وإن أراد به اليمين تلزمه الكفارة، وعند عدم النية لا تلزمه الكفارة ا ه‍.
وعبر المصنف بمن المفيدة للعموم ليشمل الذكر والأنثى فلذا قال في المجتبى والخلاصة:
قالت لزوجها أنت علي حرام أو قالت حرمتك علي نفسي فيمين حتى لو طاوعته في الجماع
أو أكرهها لزمتها الكفارة بخلاف ما إذا حلف لا يدخل هذه الدار فأدخل فإنه لا يحنث ا ه‍.
وقيد بكونه حرمه على نفسه لأنه لو جعل حرمته معلقة على فعله فإنه لا يلزمه الكفارة لما في
الخلاصة: لو قال إن أكلت هذا الطعام فهو علي حرام فأكله لا حنث عليه. وفي المحيط وفي
المنتقى: إذا قال لغيره كل طعام آكله في منزلك فهو علي حرام ففي القياس لا يحنث إذا أكله،
هكذا روى ابن سماعة عن أبي يوسف. وفي الاستحسان يحنث والناس يريدون بهذا أن أكله
حرام. وفي الحيل: إن أكلت عندك طعاما أبدا فهو حرام فأكله لم يحنث ا ه‍. وفي القنية: إن
دخلت عليك فما أخذت بيميني فحرام فإن دخل عليه صار يمينا، فإن ملك شيئا ولو شربة
ماء تلزمه كفارة اليمين ا ه‍.
قوله: (كل حل علي حرام فهو على الطعام والشراب) والقياس أن يحنث كما فرع لأنه
باشر فعلا مباحا وهو التنفس ونحوه وهذا قول زفر وجه الاستحسان أن المقصود وهو البر لا
يحصل مع اعتبار العموم وإذا سقط اعتباره ينصرف إلى الطعام والشراب للعرف فإنه يستعمل
فيما يتناول عادة فيحنث إذا أكل أو شرب، ولا يتناول المرأة إلا بالنية فلا يحنث بجماع
493

زوجته لاسقاط اعتبار العموم، وإذا نواها كان إيلاء ولا تصرف اليمين عن المأكول
والمشروب، وهذا كله جواب ظاهر الرواية، كذا في الهداية مع أن عبارة الحاكم في الكافي:
إذا قال الرجل كل حل علي حرام سئل عن نيته، فإن نوى يمينا فهو يمين يكفرها ولا تدخل
امرأته في ذلك إلا أن ينوي، فإن نواها دخلت، فإن أكل أو شرب أو قرب امرأته حنث
وسقط عنه الايلاء وإن لم يكن له نية فهو يمين يكفرها لا تدخل امرأته فهيا، ولو نوى به
الطلاق فالقول فيه كالقول في الحرام أي يصح ما نوى وإن نوى الكذب فهو كذب ا ه‍.
تقتضي أن الامر موقوف على النية وأنه لو نوى الكذب لا يلزمه شئ وهو غير مستفاد من
عبارة الهداية كما لا يخفى قوله: (والفتوى على أنه تبين امرأته من غير نية) لغلبة الاستعمال،
كذا في الهداية. وإن لم تكن له امرأة ذكر في النهاية معزيا إلى النوازل أنه يحنث وعليه الكفارة
ا ه‍. يعني إذا أكل أو شرب لانصرافه عند عدم الزوجة إلى الطعام والشراب لا كما يفهم من
ظاهر العبارة. وقال البزدوي في مبسوطه: هكذا قال بعض مشايخ سمرقند ولم يتضح لي
عرف الناس في هذا لأن من لا امرأة له يحلف به كما يحلف ذو الحليلة، ولو كان العرف
مستفيضا في ذلك لما استعمله إلا ذو الحليلة، فالصحيح أن يقيد الجواب في هذا فنقول: إن
نوى الطلاق يكون طلاقا، فأما من غير دلالة فالاحتياط أن يقف الانسان فيه ولا يخالف
المتقدمين. واعلم أن مثل هذا اللفظ لم يتعارف في ديارنا بل المتعارف فيه حرام علي كلامك
ونحوه كأكل كذا ولبسه دون الصيغة العامة، وتعارفوا أيضا الحرام يلزمني ولا شك في أنهم
يريدون الطلاق معلقا فإنهم يزيدون بعده لا أفعل كذا ولأفعلن وهو مثل تعارفهم الطلاق
يلزمني لا أفعل كذا فإنه يراد إن فعلت كذا فهي طالق ويجب إمضاؤه عليهم. والحاصل أن
المعتبر في انصراف هذه الألفاظ عربية كانت أو فارسية إلى معنى بلا نية التعارف فيه، فإن لم
494

يتعارف سئل عن نيته وفيما ينصرف بلا نية لو قال أردت غيره لا يصدقه القاضي وفيما بينه
وبين الله تعالى وهو مصدق، هكذا قال في فتح القدير. والحاصل أنه على ظاهر الرواية يحنث
بالأكل والشرب فقط ولا يقع عليه طلاق، وعلى المفتى به إن لم يكن له امرأة فكذلك، وإن
كان له امرأة وقع الطلاق عليها ولا يحنث بالأكل والشرب. وفي الظهيرية: رجل قال كل
حل علي حرام وقال كل حلال علي حرام أو قال حلال الله أو قال حلال المسلمين وله امرأة
ولم ينو شيئا قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل والفقيه أبو جعفر وأبو بكر الإسكاف
وأبو بكر بن سعيد: تبين امرأته بتطليقة وإن نوى ثلاثا فثلاث، وإن قال لم أنو الطلاق لا
يصدق قضاء لأنه صار طلاقا عرفا ولهذا لا يحلف به إلا الرجال، فإن كان له امرأة واحدة
تبين بتطليقة، وإن كن ثلاثا أو أربعا يقع على كل واحدة واحدة بائنة، وإن حلف بهذا اللفظ
إن كان فعل كذا وقد كان فعل وله امرأة واحدة أو أكثرين جميعا، وإن لم يكن له امرأة لا
يلزمه شئ لأنه جعل يمينا بالطلاق، ولو جعلناه يمينا بالله فهو غموس. وإن حلف بهذا على
أمر في المستقبل ففعل ذلك وليس له امرأة كان عليه الكفارة لأن تحريم الحلال يمين، وإن
كان له امرأة وقت اليمين فماتت قبل الشرط أو بانت لا إلى عدة ثم باشر الشرط لا تلزمه
الكفارة لأن يمينه انصرف إلى الطلاق وقت وجودها، وإن لم يكن له امرأة وقت اليمين ثم
تزوج امرأة ثم باشر الشرط اختلفوا فيه قال الفقيه أبو جعفر: تبين المتزوجة وقال غيره: لا
تبين وبه أخذ الفقيه أبو الليث وعليه الفتوى لأن يمينه جعل يمينا بالله تعالى وقت وجودها
فلا يكون طلاقا بعد ذلك ا ه‍. وقيد بصيغة العموم لأنه لو قال لزوجته أنت علي حرام فقد
قدم في باب الايلاء أنه ينصرف للزوجة فتطلق من غير نية.
495

قوله: (ومن نذر نذرا مطلقا أو معلقا بشرط ووجد وفى به) أي وفي بالمنذور لقوله عليه
السلام من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى وهو بإطلاقه يشمل المنجز والمعلق ولان المعلق
بالشرط كالمنجز عنده. أطلقه فشمل ما إذا علقه بشرط يريد كونه أو لا. وعن أبي حنيفة أنه
رجع عنه فقال: إن فعلت كذا فعلي حجة أو صوم سنة أو صدقة ما أملكه أجزأه عن ذلك
كفارة يمين. وهو قول محمد ويخرج عن العهدة بالوفاء بما سمى أيضا إذا كان شرطا لا يريد
كونه لأن فيه معنى اليمين وهو المنع وهو بظاهره نذر فيتخير ويميل إلى أي الجهتين شاء
بخلاف ما إذا كان شرطا يريد كونه كقوله إن شفى الله مريضي لانعدام معنى اليمين فيه. قال
في الهداية: وهذا التفصيل هو الصحيح وبه كان يفتي إسماعيل الزاهد كما في الظهيرية.
وقال الولوالجي: مشايخ بلخ وبخارى يفتون بهذا وهو اختيار شمس الأئمة، ولكثرة البلوى
في هذا الزمان وظاهر الرواية كما في المختصر للحديث المتقدم. ووجه الصحيح حديث
مسلم كفارة النذر كفارة اليمين وهو يقتضى السقوط بالكفارة مطلقا فتعارضا فيحمل
مقتضى الايفاء بعينه على المنجز أو المعلق بشرط يريد كون، وحديث مسلم على المعلق بشرط
لا يريد كونه لأنه إذا علقه بشرط لا يريده يعلم منه أنه لم يرد كونه المنذور حيث جعله مانعا
من فعل ذلك الشرط مثل دخول الدار وكلام زيد لأن تعليقه حينئذ لمنع نفسه عنه بخلاف
الشرط الذي يريد كونه إذا وجد الشرط فإنه في معنى المنجز ابتداء فيندرج في حكمه وهو
496

وجوب الايفاء. ثم اعلم أن هذا التفصيل وإن كان قول المحققين فليس له أصل في الرواية
لأن المذكور في ظاهر الرواية لزوم الوفاء بالمنذور عينا منجزا كان أو معلقا. وفي رواية
النوادر: وهو مخير فيهما بين الوفاء وبين كفارة اليمين قال في الخلاصة: وبه يفتي. فتحصل
أن الفتوى على التخيير مطلقا ولذا اعترض في العناية على تصحيح الهداية ا ه‍.
وأراد بقوله وفي إنه يلزمه الوفاء بأصل القربة التي التزمها لا بكل وصف التزمه لما
497

قدمناه أنه لو عين درهما أو فقيرا أو مكانا للتصدق أو للصلاة فإن التعيين ليس بلازم، وقدمنا
تفاريع النذر في الصلاة وفي آخر الصوم وأن شرائطه أربعة: أن لا يكون معصية لذاته فخرج
النذر بصوم يوم النحر لصحة النذر به لأنه لغيره، وأن يكون من جنسه واجب، وأن يكون
ذلك الواجب عبادة مقصودة، وأن لا يكون واجبا عليه قبل النذر، فلو نذر حجة الاسلام لم
يلزمه شئ غيرها. وبه عرف أن إطلاق المصنف في محل التقييد في الخلاصة: لو التزم بالنذر
أكثر مما يملكه لزمه ما يملكه هو المختار كما إذا قال إن فعلت كذا فألف درهم من مالي
صدقة ففعل وهو لا يملك إلا مائة لا يلزمه إلا المائة لأنه فيما لم يملك لم يوجد في الملك.
ولا مضافا إلى سببه فلم يصح كقوله مالي في المساكين صدقة ولا مال له لا يصح فكذا هذا،
كذا في الولوالجية. وفي الخلاصة أيضا: لو قال لله علي أن أهدي هذه الشاة وهي ملك الغير
لا يصح النذر بخلاف قوله لأهدين ولو نوى اليمين كان يمينا اه‍. فعلى هذا لا بد أن يزاد
شرط خامس وهو أن لا يكون ما التزمه ملكا للغير إلا أن يقال إن النذر به معصية لكن ليس
معصية لذاته وإنما هو لحق الغير. وفي الخلاصة: لو قال لله علي إطعام المساكين فهو على
498

عشرة عند أبي حنيفة. لله علي إطعام مسكين يلزمه نصف صاع من حنطة استحسانا. ولو قال
إن فعلت كذا فألف درهم من مالي صدقة لكل مسكين درهم واحد فحنث وتصدق بالكل
على مسكين واحد جاز. ولو قال لله علي أن أعتق هذه الرقبة وهو يملكها فعليه أن يفي بذلك
ولو لم يف يأثم ولكن لا يجبره القاضي. وفي مجموع النوازل: لو قال وهو مريض إن برئت
من مرضي هذا ذبحت شاة أو علي شاة أذبحها فبرئ لا يلزمه شئ، ولو قال علي شاة
أذبحها وأتصدق بلحمها لزمه، ولو قال لله علي أن أذبح جزورا وأتصدق بلحمه فذبح مكانه
سبع شياه جاز اه‍. وهو يدل على أن مرادهم بالواجب الفرض من قولهم وأن يكون من
جنسه واجب لأن الأضحية واجبة وهو الذبح لا التصدق مع أنه صريح بأنه لا يصح النذر
بالذبح من غير تصريح بالتصدق بلحمه، وقدمنا في باب الاعتكاف ما يجب فيه التتابع من
المنذور، وكذا في أول كتاب الصوم. وفي الولوالجية: لو قال لله علي أن أتصدق بمائة درهم
فأخذ إنسان فمه فلم يتم الكلام وهو يريد أن يقول إن فعلت كذا، فالاحتياط أن يتصدق،
فرق بين هذا وبين اليمين بالطلاق فإن ثمة إذا وصل الشرط بعد ما رفع يده عن فمه لا يقع
الطلاق، والفرق أن الطلاق محظور فيكلف لعدمه ما أمكن وقد أمكن بجعل هذا الانقطاع
غير فاصل كما لو حصل الانقطاع بالعطاس، أما الصدقة عبادة فلا يكلف لعدمها. ولو قال
إن دخلت الدار فلله علي أن أتصدق مثلا فدخل لا يلزمه شئ لأن المثل بمنزلة التشبيه وليس
في التشبيه إيجاب فلا يجب إلا أن يريد به الايجاب. ولو قال إن فعلت كذا فلله علي أن أكفن
الميت أو أن أضحي لا يكون يمينا لأن تكفين الميت ليس بقربة مقصودة، وأما التضحية فلان
التضحية واجبة عليه، ولو قال لله علي ثلاثون حجة كان عليه بقدر عمره اه‍. وأشار بقوله
وفى به إلى أنه معين مسمى فلو لم يكن مسمى كقوله إن فعلت كذا فعلي نذر، فإن نوى قربة
من القرب التي يصح النذر بها نحو الحج والعمرة فعليه ما نوى لأنه يحتمله لفظه فجعل ما
نوى كالمنطوق به، وإن لم يكن له نية فعليه كفارة اليمين. وكذا إن قال إن كلمت أبي فعلي
نذر أو إن صليت الظهر، فإن نوى معينا لزمه وإلا كفر. وفي الولوالجية: وإذا حلف بالنذر
499

وهو ينوي صياما ولم ينو عددا معلوما فعليه صيام ثلاثة أيام إذا حنث لأن إيجاب العبد معتبر
بإيجاب الله تعالى من الصيام وأدنى ذلك ثلاثة أيام وفي كفارة اليمين، وإن نوى صدقة ولم ينو
عددا فعليه إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع لما ذكرنا اه‍. وفي القنية: نذر أن
يتصدق بدينار على الأغنياء ينبغي أن لا يصح. قلت: وينبغي أن يصح إذا نوى أبناء السبيل
لأنهم محل الزكاة. ولو قال إن قدم غائبي فلله علي أن أضيف هؤلاء الأقوام وهم أغنياء لا
يصح، ولو نذر أن يقول دعاء كذا في دبر كل صلاة عشر مرات لم يصح، ولو قال لله علي
أن أصلي على النبي عليه الصلاة والسلام في كل يوم كذا يلزمه، وقيل لا يلزمه، ولو قال إن
ذهبت هذه العلة عني فلله علي كذا فذهبت ثم عادت إلى ذلك الموضع لا يلزمه شئ اه‍.
قوله: (ولو وصل بحلفه إن شاء الله تعالى بر) لقوله عليه الصلاة والسلام من حلف
على يمين وقال إن شاء الله تعالى فقد بر في يمينه إلا أنه لا بد من الاتصال لأنه بعد الفراغ
رجوع ولا رجوع في اليمين إلا إذا كان انقطاعه لتنفس أو سعال ونحوه فإنه لا يضر. وظاهر
كلام المصنف رحمه الله تعالى أن اليمين منعقدة إلا أنه لا حنث عليه أصلا لعدم الاطلاع على
مشيئة الله تعالى، وهذا قول أبي يوسف رحمه الله تعالى، وعند أبي حنيفة ومحمد رحمة الله تعالى
عليهما أن التعليق بالمشيئة إبطال ولذا قال في التبيين: وأراد بقوله بر عدم الانعقاد لأن فيه
عدم الحنث كالبر فأطلق عليه اه‍. وقد قدمنا فائدة الاختلاف في آخر باب التعليق من كتاب
الطلاق. وأشار المصنف رحمة الله تعالى عليه إلى أن النذر كذلك أيضا إذا وصله بالمشيئة لم
يلزمه شئ، وظاهر كلامهم أن كل شئ تعلق بالقول فالمشيئة المتصلة به مبطلة له عبادة أو
معاملة بخلاف المتعلق بالقلب كالنية كما قدمناه في الصوم والله تعالى أعلم.
500

باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والآتيان وغير ذلك
شروع في بيان الافعال التي يحلف عليها ولا سبيل إلى حصرها لكثرتها لتعلقها باختيار
الفاعل فنذكر القدر الذي ذكره أصحابنا في كتبهم والمذكور نوعان: أفعال حسية وأمور
شرعية. وبدأ بالأهم وهو الدخول ونحوه لأن حالة الحلول في مكان ألزم للجسم من أكله
وشربه، وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا الباب من الافعال خمسة: الدخول والخروج
والسكنى والآتيان والركوب. والأصل أن الايمان مبنية على العرف عندنا لا على الحقيقة
اللغوية كما نقل عن الشافعي، ولا على الاستعمال القرآني كما عن مالك، ولا على النية
مطلقا كما عن أحمد لأن المتكلم إنما يتكلم بالكلام العرفي أعني الألفاظ التي يراد بها معانيها
التي وضعت في العرف كما أن العربي حال كونه من أهل اللغة إنما يتكلم بالحقائق اللغوية
فوجب صرف ألفاظ المتكلم إلى ما عهد أنه المراد بها. ثم من المشايخ من جرى على هذا
الاطلاق فحكم بالفرع الذي ذكره صاحب الذخيرة والمرغيناني وهو ما إذا حلف لا يهدم بيتا
فهدم بيت العنكبوت أنه يحنث بأنه خطأ. ومنهم من قيد حمل الكلام على العرف بما إذا لم
يمكن العمل بحقيقته ولا يخفى أن هذا يصير المعتبر الحقيقة اللغوية إلا ما كان من الألفاظ
ليس له وضع لغوي بل أحدثه أهل العرف، وأن ماله وضع لغوي ووضع عرفي يعتبر معناه
اللغوي وإن تكلم به متكلم من أهل العرف، وهذا يهدم قاعدة حمل الايمان على العرف فإنه
لم يصير المعتبر إلا اللغة إلا ما تعذر وهذا بعيد إذ لا شك أن المتكلم لا يتكلم الا بالعرف
الذي به التخاطب، سواء كان عرف اللغة إن كان من أهل اللغة أو غيرها إن كان من غيرها.
نعم ما وقع استعماله مشتركا بين أهل اللغة وأهل العرف تعتبر اللغة على أنها العرف، وأما
الفرع المذكور فالوجه فيه أنه إن كان نواه في عموم بيتا حنث، وإن لم يخطر له وجب أن لا
يحنث لانصراف الكلام إلى المتعارف عند إطلاق لفظ بيت. وظهر أن مرادنا بانصراف
الكلام إلى العرف أنه إذا لم يكن له نية كان موجب الكلام ما هو معنى عرفيا له، وإن كان له
نية شئ واللفظ يحتمله انعقد اليمين باعتباره، كذا في فتح القدير. وفي الحاوي الحصيري:
والمعتبر في الايمان الألفاظ دون الأغراض. وفي الظهيرية من الفصل الثالث من الهبة: رجل
501

اغتاظ على غيره فقال إن اشتريت لك بفلس شيئا فامرأته طالق فاشترى له بدرهم شيئا لم
يحنث في يمينه فدل على أن العبرة بعموم اللفظ اه‍. وذكر الإمام الخلاطي في مختصر الجامع
فروعا مبنية على ذلك فقال باب اليمين في المساومة: حلف لا يشتريه بعشرة حنث بإحدى
عشرة، ولو حلف البائع لم يحنث به لأن مراد المشتري المطلقة ومراد البائع المفردة وهو
العرف، ولو اشترى أو باع بتسعة لم يحنث لأن المشتري مستنقص والبائع وإن كان مستزيدا
لكن لا يحنث بلا مسمى كمن حلف لا يخرج من الباب أولا بضربه سوطا أو لا يشتري
بفلس أو ليغدينه اليوم بألف فخرج من السطح وضرب بعصا واشترى بدينار وغدى برغيف
لم يحنث اه‍. وفي التنوير للإمام المسعودي شارحه: والحاصل أنه إذا كان في اليمين ملفوظ به
يجوز تعيين أحد محتمليه بالغرض، وأما الزيادة على الملفوظ فلا يجوز بالغرض ففي مسألة لا
أبيعه بعشرة فباعه بتسعة إنما لا يحنث البائع وإن كان غرضه المنع عن النقصان لأن الناقص
502

عن العشرة ليس في لفظه ولا يحتمله لفظه فلا يتقيد به اه‍. وفي الخلاصة من الجنس الخامس
من اليمين في الشراء: ولو أن البائع هو الذي حلف فقال عبده حر أن بعت هذا منك بعشرة
فباعه بعشرة دراهم ودينار أو بأحد عشر درهما لم يحنث، ولو باعه بتسعة لا يحنث أيضا. هذا
جواب القياس، وفي الاستحسان على عكس هذا فإن العرف بين الناس أن من حلف لا يبيع
بعشرة أن لا يبيعه إلا بأكثر من عشرة فإذا باعه بتسعة يحنث استحسانا اه‍. فالحاصل أن بناء
الحكم على الألفاظ هو القياس والاستحسان بناؤه على الأغراض، وسيأتي أنه هل يعتبر في
العرف عند التخاطب أو العمل.
قوله: (حلف لا يدخل بيتا لا يحنث بدخول البيت والمسجد والبيعة والكنيسة والدهليز
والظلة والصفة) لما قدمنا أن الايمان مبنية على العرف والبيت في العرف ما أعد للبيتوتة وهذه
البقاع ما بنيت لها. وأراد بالبيت الكعبة ولو عبر بها لكان أظهر. والبيعة - بكسر الباء - معبد
النصارى، والكنيسة معبد اليهود. والدهليز بكسر الدال ما بين الباب والدار فارسي معرب
كما في الصحاح. والظلة الساباط الذي يكون على باب الدار من سقف له جذوع أطرافها
على جدار الباب وأطرافها الأخرى على جدار الجار المقابل له. وإنما قيدنا به لأن الظلة إذا
503

كان معناها ما هو داخل البيت مسقفا فإنه يحنت بدخوله لأنه يبات فيه. وأطلق المصنف في
الدهليز والصفة وهو مقيد بما إذا لم يصلحا للبيتوتة، أما إذا كان الدهليز كبيرا بحيث يبات
فيه فإنه يحنث بدخوله لأن مثله يعتاد بيتوته للضيوف في بعض القرى وفي المدن يبيت فيه
بعض الاتباع في بعض الأوقات فيحنث. والحاصل أن كل موضع إذا أغلق الباب صار
داخلا لا يمكنه الخروج من الدار وله سعة تصلح للمبيت من سقف يحنث بدخوله، وعلى
هذا يحنث بالصفة سواء كان لها أربع حوائط كما هي صفاف الكوفة، أو ثلاثة على ما
صححه في الهداية بعد أن يكون مسقفا كما هي صفاف ديارنا لأنه يبات فيه. غاية الأمر أن
مفتحه واسع وسيأتي أن السقف ليس شرطا في مسمى البيت فيحنث وإن لم يكن الدهليز
مسقفا، كذا في فتح القدير. قوله: (وفي دار بدخولها خربة وفي هذه الدار يحنث وإن بنيت
دارا أخرى بعد الانهدام) أي في حلفه لا يدخل دارا لا يحنث بدخولها حربة، وفيما إذا حلف
لا يدخل هذه الدار فإنه يحنث بدخولها خربة، وإن بنيت دارا أخرى بعد الانهدام لأن الدار
اسم للعرصة عند العرب والعجم. يقال دار عامرة ودار غامرة أي خراب وقد شهدت أشعار
العرب بذلك والبناء وصف فيها غير أن الوصف في الحاضر لغو والاسم باق بعد الانهدام.
وفي الغائب تعتبر وأراد بالخربة الدار التي لم يبق فيها بناء أصلا، فأما إذا زال بعض حيطانها
وبقي البعض فهذه دار خربة فينبغي أن يحنث في المنكر إلا أن يكون له نية، كذا في فتح
القدير. والأصل أن الوصف في المعين لغو إن لم يكن داعيا إلى اليمين وحاملا عليها، وإن
كان حاملا عليها تقيدت به كمن حلف أن لا يأكل هذا البسر فأكله رطبا لم يحنث إلا إذا
كانت الصفة مهجورة شرعا فحينئذ لا يتقيد بها وإن كانت حاملة كمن حلف لا يكلم هذا
الصبي لا يتقيد بصباه كما سيأتي. قيد باليمين لأنه لو وكله بشراء دار منكرة فاشترى دارا
خربة نفذ على الموكل لتعرفها من وجه باعتبار بيان الثمن والمحلة وإلا لم تصح الوكالة للجهالة
المتفاحشة وهي في اليمين منكرة من كل وجه فافترقا. وأشار المصنف إلى أنه لو حلف لا
يدخل هذا المسجد فهدم فصار صحراء ثم دخله فإنه يحنث وهو مروي عن أبي يوسف قال:
هو مسجد وإن لم يكن مبنيا وهذا لأن المسجد عبارة عن موضع السجود وذلك موجود في
الخرب ولهذا قال أبو يوسف: إن المسجد إذا خرب واستغنى الناس عنه أنه يبقى مسجدا إلى
يوم القيامة، كذا في البدائع. وقول أبي يوسف يبقى المسجد بعد خرابه هو المفتى به كما
صرح به في الحاوي القدسي من كتاب الوقف.
قوله: (وإن جعلت بستانا أو مسجدا أو حماما أو بيتا لا كهذا البيت فهدم أو بنى آخر)
504

بيان لثلاث مسائل، الأولى لو حلف لا يدخل هذه الدار فخربت فجعلت بستانا أو مسجدا
أو حماما أو بيتا لا يحنث بدخوله فيه لأنها لم تبق دارا لاعتراض اسم آخر عليه، وكذا إذا
غلب عليها الماء أو جعلت نهرا فدخله. قيد بالإشارة مع التسمية لأنه لو أشار ولم يسم كما
إذا حلف لا يدخل هذه وإنه يحنث بدخولها على أي صفة كانت دارا أو مسجدا أو حماما أو
بستانا لأن اليمين عقدت على العين دون الاسم والعين باقية، كذا في الذخيرة. وأشار إلى أنه
لو دخله بعدما انهدم المبنى ثانيا من الحمام وما معه فإنه لا يحنث أيضا لأنه لا يعود إلى اسم
الدارية بالتشديد، وإلى أنه لو بنى دارا بعدما انهدم ما بنى ثانيا من الحمام وغيره فإنه لا يحنث
أيضا لأنه غير تلك الدار التي منع نفسه من الدخول فيها. الثانية لو حلف لا يدخل هذا
البيت فدخله بعد ما انهدم فإنه لا يحنث لزوال اسم البيت فإنه لا يبات فيه حتى لو بقيت
الحيطان وسقط السقف يحنث لأنه يبات فيه والسقف وصف فيه كما في الهداية لأن البيت
الصيفي ليس له سقف. وأشار المصنف إلى أنه لو كان البيت منكرا فإنه لا يحنث بالأولى.
والحاصل أن البيت لا فرق فيه بين أن يكون منكرا أو معرفا فإذا دخله وهو صحراء لا يحنث
لزوال الاسم بزوال البناء، وأما الدار ففرق فيه بين المنكرة والمعينة كما قدمناه. وفي البدائع:
لو انهدم السقف وحيطانه قائمة فدخله يحنث في المعين ولا يحنث في المنكر لأن السقف
بمنزلة الصفة فيه وهي في الحاضر لغو وفي الغائب معتبرة اه‍. الثالثة لو حلف لا يدخل هذا
البيت فهدم وبنى آخر فدخله لا يحنث لأن الاسم لم يبق بعد الانهدام وهذا المبنى غير البيت
الذي منع نفسه من دخوله. وأشار المصنف إلى جنس هذه المسألة من حيث المعنى وهو ما إذا
حلف لا يجلس إلى هذه الأسطوانة أو إلى هذا الحائط فهدما ثم بنيا بنقضهما لم يحنث لأن
الحائط إذا هدم زال الاسم عنه وكذا الأسطوانة فبطلت اليمين، وكذلك لو حلف لا يكتب
بهذا القلم فكسره ثم براه فكتب به لا يحنث لأن غير المبري لا يسمى قلما وإنما يسمى أنبوبا
فإذا كسره فقد زال الاسم عنه فبطلت اليمين، وكذلك إذا حلف على مقص فكسره ثم جعله
مقصا آخر غير ذلك لأن الاسم قد زال بالكسر، وكذلك كل سكين وسيف وقد كسر ثم
505

صنع مثله. ولو نزع مسمار ليقص ولم يكسره ثم أعاد فيه مسمارا آخر حنث لأن الاسم لم
يزل بزوال المسمار، وكذلك إن نزع نصاب السكين وجعل عليه نصابا آخر لأن السكين اسم
للحديد، ولو حلف على قميص لا يلبسه أو قباء محشوا أو مبطنا أو جبة مبطنة أو محشوة أو
قلنسوة أو خفين فنقض ذلك كله ثم أعاد يحنث لأن الاسم بقي بعد النقض، يقال قميص
مفتوق وجبة مفتوقة، واليمين المنعقدة على العين لا تبطل بتغير الصفة مع بقاء اسم العين.
وكذلك لو حلف لا يركب بهذا السرج فنقضه ثم أعاده، ولو حلف لا يركب هذه السفينة
فنقضها ثم استأنفها بذلك الخشب فركبها لا يحنث لأنها لا تسمى سفينة بعد النقض وزوال
الاسم يبطل اليمين. ولو حلف لا ينام على هذا الفراش ففتقه وغسله ثم حشاه بحشو وخلطه
ونام عليه حنث لأن فتق الفراش لا يزيل الاسم عنه، ولو حلف لا يلبس شقة غزل بعينها
فنقضها وغزلت وجعلت شقة أخرى لا يحنث لأنها إذا نقضت صارت خيوطا وزال الاسم
المحلوف عليه. ولو حلف على قميص لا يلبس فقطعه جبة محشوة فلبسه لا يحنث لأن الاسم
قد زال فزالت اليمين، ولو حلف لا يقرأ في هذا المصحف فخلعه ثم ألف ورقه وخرز دفيته
ثم قرأ فيه حنث لأن اسم المصحف باق وإن فرقه. ولو حلف على نعل لا يلبسها فقطع
شراكها وشركها بغيره ثم لبسها حنث لأن اسم النعل يتناولها بعد قطع الشراك، ولو حلفت
امرأة لا تلبس هذه الملحفة فخيط جانبها فجعلت درعا وجعلت لها جيبا ثم لبستها لم تحنث
لأنها درع وليست بملحفة، فإن أعيدت ملحفة فلبستها حنثت لأنها عادت ملحفة بغير تأليف
وزيادة ولا نقصان فهي على ما كانت عليه. وقال ابن سماعة عن محمد في رجل حلف لا ى
دخل هذا المسجد فزيد فهي طائفة فدخلها لا يحنث لأن اليمين وقعت على بقعة معينة فلا
يحنث بغيرها. ولو قال مسجد بني فلان ثم زيد فيه فدخل ذلك الموضع الذي زيد فيه حنث
وكذلك الدار لأنه علق يمينه على الإضافة وذلك موجود في الزيادة. ولو حلف لا يدخل في
هذا الفسطاط وهو مضروب في موضع فقلع وضرب في موضع آخر فدخل فيه حنث،
وكذلك القبة من العيدان وكذلك درج من عيدان أو منبر لأن الاسم في هذه الأشياء لا يزول
بنقلها من مكان إلى مكان، كذا في البدائع.
قوله: (والواقف على السطح داخل وفي طلق الباب لا) أي ليس بداخل لأن السطح
من الدار ألا ترى أن المعتكف لا يفسد اعتكافه بالخروج إلى سطح المسجد، فإذا حلف لا
يدخل هذه الدار فوقف على سطحها من غير دخول من الباب بأن توصل إليه من سطح آخر
فإنه يحنث، وقيل في عرفنا لا يحنث، وما في المختصر قول المتقدمين ومقابله قول المتأخرين،
506

ووفق بينهما في فتح القدير يحمل ما في المختصر على ما إذا كان للسطح حضير، وحمل مقابله
على ما إذا لم يكن له حضير أي ساتر. وأشار المصنف إلى أنه لو صعد على شجرة داخلها أو
قام على حائط فيها فإنه داخل فيحنث، ولو كان الحائط مشتركا بينه وبين جاره لم يحنث كما
في الظهيرية، وعلى قول المتأخرين لا، والظاهر قول المتأخرين في الكل لأنه لا يسمى داخل
الدار عرفا ما لم يدخل جوفها حتى صح أن يقال لم يدخل الدار ولكن صعد سطحها ونحوه.
وفي التبيين: والمختار أنه لا يحنث في العجم لأن الواقف على السطح لا يسمى داخلا
عندهم. وأشار المصنف إلى أنه لو نوى في حلفه لا يدخل دار فلان فدخل صحنها فإنه لا
يصدق قضاء لكن يصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنهم قد يذكرون الدار ويريدون صحنها
فقد نوى ما يحتمله كلامه كما في البدائع. وأفاد بإطلاقه أنه لا فرق في المحلوف عليه بين أن
يكون دارا أو بيتا أو مسجدا، فإن كان فوق المسجد مسكن فدخله لا يحنث لأنه ليس بمسجد
كما في البدائع أيضا. وأشار بقوله داخل إلى أن المحلوف عليه دخول الدار فقط للاحتراز
عما إذا حلف لا يدخل من باب هذه الدار فإنه إذا دخلها من غير الباب لم يحنث لعدم الشرط
وهو الدخول من الباب، فإن نقب للدار بابا آخر فدخل يحنث لأنه عقد يمينه على الدخول
من باب منسوبة إلى الدار وقد وجدوا الباب الحادث كذلك فيحنث، وإن عنى به الباب الأول
يدين فيما بينه وبين الله تعالى لأن لفظه يحتمله ولا يدين في القضاء لأنه خلاف الظاهر.
حيث أراد بالمطلق المقيد. وإن عين الباب فقال لا أدخل من هذا الباب فدخل من باب آخر
لا يحنث، وهذا مما لا شك فيه لأنه لم يوجد الشرط، كذا في البدائع. وقيد بالسطح لأنه لو
حلف لا يدخل دار فلان فحفر سردابا تحت دار فلان أو قناة فدخل ذلك السرداب أو القناة
لم يحنث لأنه لم يدخل، ولو كان للقناة موضع مكشوف في الدار فإن كان كبيرا يستقى منه
أهل الدار فإذا بلغ ذلك الموضع حنث لأنه من الدار فإن أهل الدار ينتفعون به انتفاع الدار
فيكون من مرافق الدار بمنزلة بئر الماء، وإن كان بئرا لا ينتفع به أهل الدار وإنما هو للضوء
لم يحنث لأنه ليس من مرافق الدار ولا يعد داخله داخل الدار، ولو اتخذ فلان سردابا تحت
داره وجعل بيوتا وجعل لها أبوابا إلى الطريق فدخلها الحالف حنث لأن السرداب تحت الدار
من بيوتها، كذا في المحيط. وأشار المصنف إلى أنه لو حلف لا يخرج من هذه الدار فصعد
سطحها فإنه لا يحنث لأنه داخل وليس بخارج، كذا في غاية البيان.
وفي المحيط: لو حلف لا يخرج من هذه الدار وفي الدار شجرة أغصانها خارج الدار
فارتقى تلك الشجرة حتى صار بحال لو سقط سقط في الطريق لا يحنث لأن الشجرة بمنزلة
507

بناء الدار اه‍. وإنما لا يكون داخلا إذا وقف في طاق الباب لأن الباب لاحراز الدار وما
فيها فلم يكن الخارج من الدار. والمراد بطاق الباب عتبته التي إذا أغلق الباب كانت خارجة
عنه وهي المسماة بأسكفة الباب، وأما العتبة التي لو أغلق الباب تكون داخلة فهي من الدار
فيحنث بالدخول فيها، ولو كان المحلوف عليه الخروج انعكس الحكم كما نص عليه الحاكم.
وقيد بكونه واقفا في طاق الباب أي بقدميه لأنه لو وقف بإحدى رجليه على العتبة وأدخل
الأخرى، فإن استوى الجانبان أو كان الجانب الخارج أسفل لم يحنث، وإن كان الجانب
الداخل أسفل حنث لأن اعتماد جميع بدنه على رجله التي هي في الجانب الأسفل، كذا في
كثير من الكتب. وفي الظهيرية معزيا إلى السرخسي: الصحيح أنه لا يحنث مطلقا اه‍. وهو
ظاهر لأن الانفصال التام لا يكون إلا بالقدمين. وفي الظهيرية بعده: ولو أدخل رأسه
وإحدى قدميه حنث. وأفاد المصنف رحمه الله دلالة أن حقيقة الدخول الانفصال من الخارج
إلى الداخل فلهذا لو أدخل رأسه ولم يدخل قدميه أو تناول منها لم يحنث ألا ترى أن السارق
لو فعل ذلك لم يقطع كما في البدائع. ولو دخل الدهليز فإنه يحنث ففرق بينهما إذا كان
المحلوف على دخوله الدار أو البيت ففي الأول يحنث بدخول دهليزه، وفي الثاني لا. وأما
صحن الدار أو البيت ففي الكافي: لو حلف لا يدخل بيت فلان ولا نية له فدخل في صحن
داره لم يحنث حتى يدخل البيت لأن شرط حنثه الدخول في البيت ولم يوجد ثم قال: وهذا
في عرفهم، وأما في عرفنا فالدار والبيت واحد فيحنث إن دخل صحن الدار وعليه الفتوى
اه‍. وفي الظهيرية: ولو قام على كنيف شارع أو ظلة شارعة إن كان مفتح الكنيف والظلة في
الدار كان حانثا. وفي المحيط: لو دخل حانوتا مشرعا من هذه الدار إلى الطريق وليس له
باب في الدار فإنه يحنث لأن من جملة الدار ما أحاطت به الدور، وإن دخل بستانا في تلك
الدار، فإن كان متصلا بها لم يحنث، وإن كان في وسطها حنث اه‍. وفي القنية: حلف لا
يدخل داره فدخل اصطبله لا يحنث. وفي الخلاصة معزيا إلى فتاوى النسفي: لو حلف لا
يدخل بيت فلان فجلس على دكان على بابه إن كان ينتفع به المحلوف عليه وهو تبع لبيته
يحنث - قال رحمه الله - وفيه نظر اه‍. وعلى هذا لو دخل حوشا بجنب البيت يحنث.
والحاصل أنه إذا حلف لا يدخل هذه الدار أو دار فلان فإنه يحنث بالوقوف على
سطحها أو حائطها أو شجرة فيها أو عتبة داخل الباب ودهليزها أو صحنها أو كنيفها أو
ظلتها بالشرط المذكور أو بستانها الذي في وسطها، ويحنث بدخولها على أي صفة كان
الحالف راكبا كان أو ماشيا أو محمولا بأمره حافيا أو منتعلا بشرط أن يكون مختارا لما في
508

الظهيرية: ولو جاء إلى بابها وهو يشتد في المشي أي بعدو فانعثر أو انزلق فوقع في الدار
اختلفوا فيه، والصحيح أنه لا يحنث. وإن دفعته الريح وأوقعته في الدار اختلفوا فيه
والصحيح أنه لا يحنث إن كان لا يستطيع الامتناع. وإن كان على دابة فجمحت وانفلتت
وأدخلته في الدار وهو لا يستطيع إمساكها لا يحنث، وإن أدخله إنسان مكرها فخرج منها ثم
دخل بعد ذلك مختارا اختلفوا فيه والفتوى على أنه يحنث اه‍. ووجهه أن الشرط لم يوجد
بالدخول مكرها بدليل عدم الحنث وقد وجد بالدخول ثانيا مختارا فحنث وسيأتي بعد ذلك
إيضاحه. ووضع القدم كالدخول فيما ذكرنا لأنه صار مجازا عن الدخول وهي مسألة الحقيقة
والمجاز في الأصول. وهذا كله باعتبار الدار، وأما باعتبار صفتها بالإضافة إلى فلان فإنه
يحنث إذا دخل دارا مضافة إلى فلان، سواء كان يسكتها بالملك أو بالإجارة أو بالعارية. وفي
المجتبى: لو قال إن دخلت دار زيد فعبدي حر وإن دخلت دار عمرو فامرأتي طالق فدخل
دار زيد وهي في يعد عمرو بإجارة يعتق وتطلق إذا لم ينو فإن نوى شيئا صدق اه‍. وفي
المحيط: لو حلف لا يدخل دار فلان وله دار يسكنها ودار غلة فدخل دارا لغلة لا يحنث إذا
لم يدل الدليل على دار الغلة وغيرها لأن داره مطلقا دار يسكنها اه‍. وفي الخانية: لو حلف
لا يدخل دار ابنته وابنته تسكن في دار زوجها أو حلف لا يدخل دار أمه وأمه تسكن في
بيت زوجها فدخل الحالف حنث اه‍. وقد وقعت حادثة هي أن رجلا حلف بالطلاق أن
أولاد زوجته لا يطلعون إلى بيته فطلع واحد هل يحنث؟ فأجبت بأنه لا يحنث ولا بد من
الجمع لأنه جمع ليس فيه الألف واللام. قال في الواقعات: إذا قال والله لا أكلم الفقراء أو
المساكين أو الرجال فكلم واحدا منهم بحنث لأنه اسم جنس بخلاف قوله رجالا أو نساء
509

اه‍. فقد علمت أن الجمع المعرف بالألف واللام كالمفرد وغيره على حقيقته ولا تأثير للإضافة
وعدمها بدليل ما في الواقعات أيضا: لو قال والله لا أكلم إخوة فلان والأخ واحد، فإن كان
يعلم يحنث إذا كلم ذلك الواحد لأنه ذكر الجمع وأراد الواحد، وإن كان لا يعلم لا يحنث
لأنه لم يرد الواحد فبقيت اليمين على الجمع كمن حلف لا يأكل ثلاثة أرغفة من هذا الحب
وليس فيه إلا رغيف واحد وهو لا يعلم لا يحنث اه‍. بلفظه. وهو صريح في أن الجمع
المضاف كالمنكر لكن قال في القنية: إن أحسنت إلى أقاربك فأنت طالق فأحسنت إلى واحد
منهم يحنث ولا يراد الجمع في عرفنا اه‍. فيحتاج إلى الفرق إلا أن يدعي أن في العرف
فرقا. ولو دخل دارا مملوكة لفلان وفلان لا يسكنها يحنث ولو حلف لا يدخل دار فلان
فدخل دار مشتركة بينه وبين فلا إن كان فلا يسكنها يحنث وإلا فلا. ولو حلف لا يدخل
دار فلان فأجر فلان داره فدخلها الحالف هل يحنث؟ فيه روايتان قالوا: ما ذكره أنه لا يحنث
ذلك قول أبي حنيفة وأبي يوسف لأن عندهما كما تبطل الإضافة بالبيع تبطل بالإجارة
والتسليم وملك اليد للغير، كذا في الظهيرية. وهي مسألة الأصول أيضا.
قوله: (ودوام الركوب واللبس والسكنى كالانشاء لا دوام الدخول) يعني لو حلف لا
يركب هذه الدابة وهو راكبها أو لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه أو لا يسكن هذه الدار وهو
ساكنها فإنه يحنث بالدوام كما لو ابتدأ بها بخلاف ما إذا حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها
فإنه لا يحنث بالاستمرار فيها، والقياس أن يحنث قياسا على غيره، والاستحسان الفرق بين
الفصلين وهو أن الدوام على الفعل لا يتصور حقيقة لأن الدوام هو البقاء والفعل المحدث
عرض والعرض مستحيل البقاء فيستحيل دوامه. وإنما يراد بالدوام تجدد أمثاله وهذا يوجد
في الركوب واللبس والسكنى ولا يوجد في الدخول لأنه اسم للانتقال من العورة إلى الحصن
والمكث قرار فيستحيل البقاء. تحقيقه أن الانتقال حركة والمكث سكون وهما ضدان ألا ترى
أنه يضرب لها مدة يقال ركبت يوما وليست يوما ولا يقال دخلت يوما. قال في التبيين:
والفارق بينهما أن كل ما يصح امتداده له دوام كالقعود والقيام والنظر ونحوه، وما لا يمتد
لا دوام له كالدخول والخروج اه‍. وفي المجتبى: والفارق بينهما صحة قران المدة به كاليوم
والشهر. وفي فتح القدير: ونظير المسألة حلف لا يخرج وهو خارج لا يحنث حتى يدخل ثم
510

يخرج، وكذا لا يتزوج وهو متزوج، ولا يتطهر وهو متطهر فاستدام الطهارة والنكاح لا يحنث
اه‍. والمراد بالدوام المكث ساعة على حاله، وقيد به لأنه لو نزل من ساعته أو نزع الثوب فإنه
لا يحنث. وقال زفر: يحنث لوجود الشرط وإن قل. ولنا أن اليمين تعقد للبر فيستثنى منه
زمان تحقيقه وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وأشار المصنف إلى أنه لو قال كلما ركبت فأنت
طالق وهو راكب ومكث ثلاث ساعات طلقت ثلاثا في كل ساعة طلقة بخلاف ما إذا لم يكن
راكبا فركب أنها تطلق واحدة ولا تطلق بالاستمرار. وفي المجتبى: وإنما يعطى للدوام حكم
الابتداء فيما يمتد إذا كانت اليمين حال الدوام، أما إذا كان قبله فلا، حتى لو قال كلما
ركبت هذه الدابة فلله علي أن أتصدق بدرهم ثم ركبها ودام عليها فعليه درهم واحد، ولو
قال ذلك حالة الركوب لزمه في كل ساعة يمكنه النزول درهم. قلت: في عرفنا لا يحنث إلا
بابتداء الفعل في الفصول كلها وإن لم ينو، وفيه عن أبي يوسف ما يدل عليه وإليه أشار
أستاذنا رحمه الله اه‍. فأفاد أن الساعة التي تكون دواما هي ما يمكنه النزول فيها، وأشار
المصنف إلى أنه لو حلف ليدخلنها غدا وهو فيها فمكث حتى مضي الغد حنث لأنه لم يدخلها
فيه إذ لم يخرج، ولو نوى بالدخول الإقامة فيه لم يحنث وإلى هنا فرغ المصنف من مسائل
الدخول لكنه لم يستوفها ونحن نذكر ما فاته منها تكثيرا للفائدة ولكثرة الاحتياج إلى مسائل
الايمان، ففي الظهيرية: لو حلف لا يدخل في هذه السكة فدخل دارا من تلك السكة لا من
السكة بل من السطح أو غيره اختلفوا فيه، والصحيح أنه لا يحنث إذا لم يخرج إلى السكة.
ولو حلف لا يدخل سكة فلان فدخل مسجدا في تلك السكة ولم يدخل السكة لا يحنث
رجل جالس في البيت في المنزل حلف لا يدخل هذا البيت فاليمين على ذلك البيت الذي
كان جالسا فيه لأن ما وراء ذلك البيت يسمى منزلا ودارا. هذا إذا كانت اليمين بالعربية،
فإن كانت بالفارسية فاليمين على دخول ذلك المنزل وتلك الدار، فإن قال عنيت ذلك البيت
الذي كنت جالسا فيه صدق ديانة لا قضاء لأن في الفارسية خانه اسم للكل. هذا إذا لم يشر
إلى بيت بعينه، فإن أشار إلى بيت بعينه فالعبرة للإشارة. امرأة حلفت أن لا يدخل زوجها
دارها فباعت دارها فدخل الزوج وهي تسكنها، إن كانت نوت أن لا يدخل دارا تسكنها
المرأة لا تبطل اليمين بالبيع، وإن لم يكن لها نية فاليمين على دار مملوكة لها.
وقال بعضهم: يعتبر في جنس هذه المسائل سبب اليمين إن كانت اليمين لغيظ من
صاحب الدار تبطل اليمين بالبيع، وإن كانت لضرر الجيران لا تبطل اليمين بالبيع. ولو حلف
لا يدخل محلة كذا فدخل دارا لها بابان أحدهما مفتوح في تلك المحلة والآخر مفتوح في محلة
511

أخرى حنث في يمينه لأن الدار تنسب إلى كل واحدة من المحلتين. وعن بعض المشايخ إذا
حلف لا يدخل الحمام فدخل المسلخ لا يحنث لأنه لا يراد من دخول الحمام ذلك. ولو
حلف لا دخل دار فلان فمات صاحب الدار ثم دخل الحالف إن لم يكن على الميت دين
مستغرق لا يحنث لأنها انتقلت إلى الورثة بالموت، وإن كان عليه دين مستغرق قال محمد بن
سلمة: يحنث لأنها بقيت على حكم ملك الميت. وقال الفقيه أبو الليث: لا يحنث وعليه
الفتوى لأنها لم تبق ملكا للميت من كل وجه. ولو حلف لا يدخل دارا يشتريها فلان فاشترى
فلان دارا وباعها من الحالف فدخل الحالف لا يحنث. ولو اشترى فلان دارا وهبها للحالف
ثم دخل الحالف حنث. ولو حلف لا يدخل قبرية كذا فدخل أراضي القرية لا يحنث وتكون
اليمين على عمرانها، وكذا لو حلف لا يشرب الخمر في قرية كذا فشرب في كرومها
وضياعها لا يحنث إلا أن يكون الكروم والضياع في العمران، وكذلك لو كان الكلام على
البلدة، ولو حلف لا يدخل كورة كذا أو رستاق كذا فدخل الأراضي حنث. ولو حلف لا
يدخل بغداد فمن أي الجانبين دخل حنث. ولو حلف لا يدخل مدنية السلام لا يحنث ما لم
يدخل من ناحية الكوفة لأن اسم بغداد يتناول الجانبين ومدنية السلام لا. ولو حلف لا
يدخل الري ذكر شمس الأئمة السرخسي أن الري في ظاهر الرواية يتناول المدينة والنواحي.
وروي عن هشام عن محمد أنه اسم للمدينة حتى لو استأجر دابة إلى الري ولم يذكر إلى المدنية
ولا إلى الرستاق بعينه في ظاهر الرواية تفسد الإجارة، وفي رواية هشام لا تفسد. ولو حلف
لا يدخل بغداد فمر بها في سفينة روى هشام أنه يحنث. وقال أبو يوسف: لا يحنث ما لم
يدخل إلى الجدة، وهذا بخلاف الصلاة فإن البغدادي إذا جاء من الموصل في السفينة فدخل
بغداد فأدركته الصلاة وهو في السفينة تلزمه صلاة الإقامة لا صلاة السفر. ولو حلف لا
يدخل في الفراة فركب سفينة في الفراة أو كان على الفراة جسر فمر على الجسر لا يحنث ما لم
يدخل الماء ولو حلف أن لا يدخل هذه الدار فاشترى صاحبها بجنب الدار بيتا وفتح باب
البيت إلى هذه الدار وجعل طريقه فيها وسد الباب الذي كان للبيت قبل ذلك فدخل الحالف
هذا البيت من غير أن يدخل هذه الدار قال محمد: يحنث لأن البيت صار من الدار اه‍. ما
في الظهيرية. والفتوى على قول أبي يوسف في مسألة المرور بالسفينة فيما إذا حلف لا يدخل
بغداد كما في الواقعات. وذكر في البدائع: لو حلف لا يدخل على فلان فدخل عليه بيته،
فإن قصده بالدخول حنث، وإن لم يقصده لا يحنث، وكذلك إن دخل عليه بيت غيره فإن
دخل عليه في مسجد أو ظلة أو سقيفة أو دهليز دار لم يحنث، وإن دخل عليه في فسطاط أو
خيمة أو بيت شعر لم يحنث إلا أن يكون الحالف من أهل البادية لأنهم يسمون ذلك بيتا
512

والتعويل في هذا الباب على العرف. وعن محمد لا يدخل على فلان هذه الدار فدخل الدار
وفلان في بيت من الدار لا يحنث وإن كان في صحن الدار يحنث. وكذا لو حلف لا يدخل
على فلان هذه القرية أنه لا يكون داخلا عليه إلا إذا دخل في بيته. قال محمد: لو حلف لا
يدخل على فلان فدخل على فلان بيته وهو يريد رجلا غيره يزوره لم يحنث لأنه لم يدخل على
فلان لما لم يقصده، وإن لم تكن له نية حنث اه‍.
وفي الذخيرة: قالوا: الصفة إذا لم تكن داعية إلى اليمين إنما لا تعتبر في المعين إذا
ذكرت على وجه التعريف، أما إذا ذكرت على وجه الشرط تعتبر وهو الصحيح ألا ترى أن
من قال لامرأته إن دخلت هذه الدار راكبة فهي طالق فدخلتها ماشية لا تطلق، واعتبرت
الصفة في المعين لما ذكرت على سبيل الشرط ا ه‍. وفي الواقعات: رجلان حلف كل واحد
منهما أن لا يدخل على صاحبه فدخلا في المنزل معا لا يحنثان لأنه لم يدخل واحد منهما على
صاحبه. قال لأخ امرأته إن لم تدخل بيتي كما كنت تدخل فامرأته طالق، فإن كان بينهما
كلام يدل على الفور فهو على الفور لأن الحال أوجب التقييد وإلا كانت اليمين علي الأبد
ويقع اليمين على الدخول المعتاد قبل اليمين حتى لو امتنع الأخ مرة مما كان المعتاد يحنث لأن
اليمين مطلقة فتنصرف إلى الأبد ا ه‍. وفي المحيط والولوالجية وغيرهما: لو قال إن أدخلت
فلانا بيتي فامرأته طالق فهو على أن يدخل بأمره لأنه متى دخل بأمره فقد أدخله، ولو قال إن
تركت فلانا يدخل بيتي فامرأته طالق فهو على الدخول بعلم الحالف فمتى علم ولم يمنع فقد
ترك، ولو قال إن دخل فلان بيتي فهو على الدخول أمر الحالف به أو لم
يأمر علم به أو لم يعلم لأن الشرط هو الدخول وقد وجد ا ه‍. وفي المحيط: لو قال إن دخل داري هذه أحد
فعبدي حر والدار له ولغيره فدخلها هو لم يحنث لأن المعرفة لا تدخل تحت النكرة كما لو قال
زوج بنتي من رجل لا يدخل المأمور تحت هذا الامر، ولو قال إن دخلت هذه الدار أحد
يحنث، إذا دخل هو، سواء كانت الدار له أو لغيره، لأن النكرة تدخل تحت النكرة، ولو قال
إن دخل دارك أحد فالمنسوب إليه خارج عن اليمين لأنه صار معرفا بالإضافة وتمامه فيه. وفي
الخانية: رجل قال لأمنعن فلانا من دخول داري فمنعه مرة بر في يمينه، فإن رآه مرة ثانية ولم
يمنعه لا شئ عليه. رجل حلف بطلاق امرأته أنه لم يدخل هذا اليوم ثم قال أوهمت وحلف
بطلاق امرأة أخرى أنه قد دخلها اليوم يلزمه طلاق الأولى ولا يلزمه طلاق الثانية لأنه يقول
اليمين الأولى كذب والثانية صدق فلا يحنث في الثانية. ولو حلف بعتق عبده أنه دخل هذه
الدار اليوم ثم قال لم أدخله وحلف بعتق عبد آخر أنه لم يدخلها اليوم ثم رجع وقال قد
دخلتها اليوم وحلف بعتق عبد آخر عتق العبيد الثلاث جميعا لأن الأول عتق بالكلام الثاني،
513

والوسط عتق بالكلام الثالث، وعتق الثالث بعتق الأول، لأن الحالف زعم أنه كاذب في
الكل فيلزمه عتق الكل. ولو قال إن دخلت الكوفة ولم أتزوج فعبدي حر، فإن دخل قبل
التزوج حنث، ولو قال فلم أتزوج فهذا على أن يكون التزوج بعد الدخول حين يدخل. ولو
قال إن دخلت الكوفة ثم لم أتزوج فهو على أن يتزوج بعد الدخول على الأبد ا ه‍. وفي
القنية: كان في البيت الشتوي فخاصم امرأته فقال إن دخلت هذا البيت إلى العيد فالحلال
عليه حرام، ثم قال نويت ذلك البيت بعينه يصدق. حلف لا يدخل على هؤلاء القوم ثم
دخل عتبة الباب فرأى واحدا منهم فرجع لا يحنث ا ه‍. وفي الخلاصة: قال لامرأته إن
دخلت دار أبيك فكل امرأة أتزوجها فهي طالق فدخل دار أبيها ثم إنها حرمت عليه فتزوجها
لا تطلق بتلك اليمين لأنها معرفة بإضافة اليمين فلا تدخل تحت النكرة، هذا في مجموع
النوازل. وفي النوازل: قال لامرأته إن دخلت الدار فنسائي طوالق فدخلت الدار وقع
الطلاق عليها وعلى غيرها، ولاعتماد على هذا دون ما ذكر في مجموع النوازل، ولو قال
لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق بغير خسران يشترط قبولها عند دخول الدار وتفسير غير
الخسران إن وهبت المهر ثم دخلت الدار ا ه‍. وفي العمدة: لو قال لا أدع فلانا يدخل هذه
الدار، فإن لم تكن الدار ملكا له فالمنع بالقول، وفي الملك بالقول والفعل، ولو حلف لا
يدخل دار فلان فاستعار فلان دار جاره واتخذ فيها وليمة ودخلها الحالف لا يحنث ا ه‍.
فقولهم إن المستعارة تضاف إليه معناه إذا سكنها لا إذا اتخذ فيها وليمة. وفي العدة: لو قال
والله لا أدخل هذه الدار وأدخل هذه الدار، فإذا دخل الأولى يحنث، وإن دخل الثانية لا
يحنث. ولو قال والله لا أدخل هذه الدار أو أدخل هذه الدار بنصب اللام، فإن دخل الدار
الأولى أولا ثم دخل الثانية يحنث، وإن دخل الثانية أولا ثم دخل الأولى لا يحنث لأن كلمة
أو بمنزله حتى ا ه‍. وفي مآل الفتاوى قال لا أدخل دار فلان أو دار الفلان لا فرق
بينهما عند أبي يوسف، ولو دخل دارا اشتراها بعد اليمين لا يحنث ا ه‍. ثم شرع المصنف
رحمه الله في الكلام على السكنى لأنها تعقب الدخول.
قوله: (لا يسكن هذ الدار أو البيت أو المحلة فخرج وبقي متاعه وأهله حنث) لأنه يعد
ساكنا ببقاء أهله ومتاعه فيها عرفا فإن السوقي في عامة نهاره في السوق ويقول أسكن ببلدة
كذا. والبيت والمحلة بمنزلة الدار، والمحلة هي المسماة في عرفنا بالجارة، قيد بالثلاثة.
514

والسكة كالمحالة لأنه لو كان اليمين على المصر أو البلدة لا يتوقف البر على نقل المتاع والاهل
كما روي عن أبي يوسف لأنه لا يعد ساكنا في الذي انتقل عنه عرفا بخلاف الأول وهو
المراد بقوله بخلاف المصر. والقرية بمنزلة المصر في الصحيح من الجواب كما في الهداية.
وأطلق الساكن فشمل من يستقل بسكناه أو لا. وهو مقيد بالمستقبل لأن الحالف لو كان
سكناه تبعا كابن كبير ساكن مع أبيه أو امرأة مع زوجها فحلف أحدهما لا يسكن هذه فخرج
بنفسه وترك أهله وماله وهي زوجها ومالها لا يحنث. وقيده الفقيه أبو الليث أيضا بأن يكون
حلفه بالعربية فلو عقد بالفارسية لا يحنث إذا خرج بنفسه وترك أهله وماله وإن كان مستقلا
بسكناه. وأشار إلى أنه لو لم يخرج فإنه يحنث بالأولى والكل مقيد بالامكان ولذا قالوا: لو بقي
فيها أياما يطلب منزلا آخر حتى يجده أو خرج واستغل بطلب دار أخرى لنقل الأهل والمتاع
أو خرج لطلب دابة لينتقل عليها المتاع فلم يجد أياما لم يحنث، وكذا لو كانت أمتعة كثيرة
فاشتغل بنقلها نفسه وهو يمكنه أن يستكري دابة فلم يستكر لم يحنث، وكذا لو أبت المرأة أن
تنتقل وغلبته وخرج هو ولم يرد العود إليه أو منع هو من الخروج بأن أوثق أو منع متاعه
فتكره أو وجد باب الدار مغلقا فلم يقدر على فتحه ولا على الخروج منه لم يحنث، وكذا لو
قدر على الخروج بهدم بعض الحائط ولم يهدم لا يحنث وليس عليه ذلك إنما تعتبر القدرة على
الخروج من الوجه المعهود عند الناس كما في الظهيرية بخلاف ما إذا قال إن لم أخرج من هذا
المنزل اليوم فامرأته طالق فقيد ومنع عن الخروج، أو قال لامرأته إن لم تجيئي الليلة إلى البيت
فأنت طلق فمنعها والدها حيث تطلق فيهما في الصحيح. والفرق أن شرط الحنث في مسألة
الكتاب الفعل وهو السكنى وهو مكره فيه وللاكراه تأثير في إعدام الفعل، والشرط في تلك
المسألة عدم الفعل ولا أثر للاكراه في إبطال العدم. وإن كان اليمين في الليل فلم يمكنه
الخروج حتى أصبح لم يحنث، كذا في التبيين وغيره. وفي التنجيس: رجل قال لامرأته إن
سكنت هذه الدار فأنت طالق وكانت اليمين بالليل فإنها معذورة حتى تصبح لأنها في معنى
المكره في هذه السكنى لأنها تخاف الخروج ليلا، ولو قال ذلك لرجل لم يكن معذورا لأنه لا
يخاف هذا هو المختار ا ه‍ ولا منافاة بينهما لأن ما في التبيين مفروض بأنه لا يمكنه الخروج
وما في التنجيس فيما إذا كان لا يخاف. والواو في قوله وبقي أهله ومتاعه بمعنى أو لأن
515

الحنث يحصل ببقاء أحدهما من غير توقف عليهما، فلو قال نويت التحول ببدني خاصة لم
يصدق في القضاء ويدين كما في البدائع. وأفاد أنه لا بد من نقل جميع الأهل والمتاع وهو في
الأصل بالاجماع. والمراد بالأهل زوجته وأولاده الذين معه وكل من كان يأويه لخدمته والقيام
بأمره كما في البدائع. وأما في الأمتعة ففيه اختلاف فقال الإمام: المتاع كالأهل حتى لو بقي
وتد حنث لأن السكنى تثبت بالكل فتبقى ببقاء شئ منه وقد صار هذا أصلا للإمام حتى لو
بقي صفة السكون في العصير يمنع من صيرورته خمرا وبقاء مسلم واحد في دار ارتد أهلها
يمنع من صيرورتها دار حرب، ولا يرد عليه أن الشئ ينتفي بانتفاء جزئه كالعشرة تنتفي
بانتفاء الواحد لأن ذلك في الاجزاء، أما في الافراد فلا كالرجال لا ينتفي بانتفاء واحد.
والفرق بين الفرد والجزء أنه إن صدق اسم الكل على كل واحد فالآحاد أفراد وإلا فأجزاء
كما عرف من بحث العام في الأصول. وقال أبو يوسف: يعتبر نقل الأكثر لتعذر نقل الكل
في بعض الأوقات. وقال محمد: يعتبر نقل ما تقوم به السكنى لأن ما راءه ليس من
السكنى.
وقد اختلف الترجيح فالفقيه أبو الليث في شرح الجامع الصغير قول الإمام وأخذ
به كما في غاية البيان، والمشايخ استثنوا منه ما لا تتأتى به السكنى كقطعة حصير ووتد كما
ذكره في التبيين وغيره. ورجح في الهداية قول محمد بأنه أحسن وأرفق بالناس، ومنهم من
صرح بأن الفتوى عليه كما في فتح القدير، وصرح كثير كصاحب المحيط والفوائد الظهيرية
والكافي بأن الفتوى على قول أبي يوسف فقد اختلف الترجيح كما ترى، والافتاء بمذهب
الإمام لأنه أحوط وإن كان غيره أرفق. ويتفرق على كون السكنى تبقى ببقاء اليسير من
المتاع عنده أنه لو انتقل المودع وترك الوديعة لا غير في المنزل المنتقل عنه لا يضمن. وعندهما
يضمن بكل حال، ذكره البزازي في فتاواه من كتاب الإجارة من فصل الخياط والنساج. وفي
المحيط: لو حلف لا يسكن دار فلان هذه فسكن منزلا منها حنث لأن الدار هكذا تسكن
عادة، فإن عنى أن لا يسكنها كلها لا يحنث حتى يسكنها كلها لأن الدار حقيقة اسم للجميع
فقد نوى الحقيقة، وظاهر كلام الصنف أنه لو نقل أهله ومتاعه منها فإنه يبر سواء سكن في
منزل آخر أو لا، وفيه اختلاف ففي الهداية: وينبغي أن ينتقل إلى منزل آخر بلا تأخير حتى
يبر فإن انتقل إلى السكة أو إلى المسجد قالوا لا يبر دليله في الزيادات أن من خرج بعياله من
مصره فلم يتخذ وطنا آخر يبقى وطنه الأول في حق الصلاة كذا هذا ا ه‍. وفي فتح القدير:
516

وإطلاق عدم الحنث أوجه وكون وطنه باقيا في حق إتمام الصلاة ما لم يستوطن غيره لا
يستلزم تسميته ساكنا عرفا بذلك المكان بل يقطع من العرف فيمن نقل أهله وأمتعته وخرج
مسافرا أنه لا يقال فيه إنه ساكن ا ه. وفصل الفقيه أبو الليث تفصيلا حسنا فقال: إن لم
يسلم داره المستأجرة إلى أهلها حنث وإن سلمها لا. وفي الظهيرية: والصحيح أنه يحنث ما لم
يتخذ مسكنا آخر. ولو يستوف المصنف رحمه الله مسائل اليمين على السكنى فنحن نذكرها
تتميما للفائدة. ففي البدائع: لو حلف لا يسكن هذه الدار ولم يكن ساكنا فيها
فالسكنى فيها أن يسكنها بنفسه وينقل إليها من متاعه ما يبات فيه ويستعمله في منزله، فإذا فعل ذلك فهو
حانث، وأما المساكنة فإذا كان رجل ساكنا مع رجل في دار فخلف أحدهما أن لا يساكن
صاحبه فإن أخذ في النقلة وهي ممكنة بر وإلا حنث. والنقلة على الخلاف المتقدم فإن لم ينتقل
للحال حنث لأن البقاء على المساكنة مساكنة وهو أن يجمعهما منزل واحد، فإن وهب متاعه
للمحلوف عليه أو أودعه أو أعاره ثم خرج في طلب منزل فلم يجد منزلا أياما ولم يأت الدار
التي فيها صاحبه قال محمد: إن كان وهب له المتاع وقبضه منه وخرج منه ساعته وليس من
رأيه العود فليس بمساكن، وكذلك إن أودعه المتاع ثم خرج لا يريد العود إلى ذلك المنزل،
وكذا العارية، ولو كان له في الدار زوجة فراودها الخروج فأبت ولم يقدر على إخراجها فإنه
لا يحنث ببقائها، وإذا حلف لا يساكن فلانا فساكنه في عرصة دار أو بيت أو غرفة حنث،
فإن ساكنه في دار هذا في حجرة وهذا في حجرة أو هذا في منزل وهذا في منزل حنث إلا
أن تكون دارا كبيرة. قال أبو يوسف: مثل دار الرقيق ودار الوليد بالكوفة، وكذا كل دار
عظيمة فيها مقاصير ومنازل، وعند محمد: إذا حلف لا يساكن فلانا ولم يسم دارا فسكن هذا
في حجرة وهذا في حجرة لم يحنث إلا أن يساكنه في حجرة واحدة، فإن سكن هذا في بيت
من دار وهذا في بيت آخر وقد حلف لا يساكنه ولم يسم دارا حنث في قولهم لأن بيوت
الدار الواحدة كالبيت الواحد. وقال أبو يوسف: فإن ساكنه في حانوت في سوق يعملان فيه
عملا أو يبيعان تجارة فإنه لا يحنث إلا بالنية أو يكون بينهما كلام يدل عليها. قالوا: إذا
حلف لا يساكن فلانا بالكوفة ولا نية له فسكن أحدهما في دار والآخر في دار أخرى في
517

قبيلة واحدة أو محلة واحدة أو درب واحد فإنه لا يحنث حتى يجمعهما السكنى في دار لأن
المساكنة المخالطة، وذكر الكوفة لتخصيص اليمين بها حتى لا يحنث بمساكنته في غيرها. ولو
حلف الملاح أن لا يساكن فلانا في سفينة فنزل مع كل أهله ومتاعه واتخذها منزله حنث،
وكذلك أهل البادية إذا جمعتهم خيمة وإن تفرقت الخيام لم يحنث وإن تقاربت. وإذا حلف أنه
لا يأوي مع فلان أو لا يأوي في مكان أو دار أو بيت فالايواء الكون ماكثا في المكان أو مع
فلان في مكان قليلا كان المكث أو كثيرا، ليلا كان أو نهارا، فإن نوى أكثر من ذلك فهو على
ما نوى، فإذا حلف لا يبيت مع فلان أو لا يبيت في مكان كذا فالبيت بالليل حتى يكون منه
أكثر من نصف الليل، وإن كان أقل من يحنث، وسواء نام في الموضع أو لم ينم. فلو حلف لا
يبيت الليلة في هذه الدار وقد ذهب ثلثا الليل ثم بات بقية ليلته قال محمد: لا يحنث لأن
البيتوتة إذا كانت تقع على أكثر الليل فقد حلف على ما يتصور فلم تنعقد يمينه ا ه‍.
وفي الواقعات: حلف لا يساكن فلانا فنزل منزله فمكث فيه يوما أو يومين لا يحنث
لأنه لا يكون ساكنا معه حتى يقيم معه في منزله خمسة عشر يوما، وهذا بمنزلة ما لو حلف
لا يسكن الكوفة فمر بها مسافرا فنوى أربعة عشر يوما لا يحنث، فإن نوى خمسة عشر يوما
يحنث. ولو سافر الحالف فسكن فلان مع أهله، قال أبو حنيفة يحنث، وقال أبو يوسف لا
وعليه الفتوى لأن الحالف لم يساكنه حقيقة ا ه‍. وفي الظهيرية: لو حلف لا يساكن فلانا
فدخل فلان دار الحالف غصبا فأقام الحالف معه حنث، علم الحالف بذلك أو لم يعلم. وإن
حرج الحالف بأهله وأخذ بالنقل حين نزل الغاصب لم يحنث، ولو حلف لا يساكن فلانا
فساكنه في مقصورة أو في بيت واحد من غير أهل ومتاع لا يحنث، ولو حلف لا يساكن
فلانا في دار وسمى دارا بعينها فتقا سماها وضرب كل واحد بينهما حائطا وفتح كل واحد
منهما لنفسه بابا فسكن الحالف في طائفة والآخر في طائفة حنث الحالف، ولو لم يعني الدار
518

في يمينه ولكن ذكر دارا على التنكير وباقي المسألة بحالها لا يحنث، ولو حلف لا يساكن
فلانا شهر كذا فساكنه ساعة في ذلك الشهر حنث لأن المساكنة مما لا يمتد، ولو قال لا أقيم
بالرقة شهرا لا يحنث ما لم يقم جميع الشهر، ولو حلف لا يسكن الرقة شهرا فسكن ساعة
حنث، ولو حلف لا يبيت الليلة في هذا المنزل فخرج بنفسه وبات خارج المنزل وأهله ومتاعه
في المنزل لا يحنث، وهذه اليمين تكون على نفسه لا على المتاع. ولو حلف لا يبيت على
سطح هذا البيت وعلى البيت غرفة وأرض الغرفة سطح هذا البيت يحنث إن بات عليه، ولو
حلف لا يبيت على سطح فبات على هذا لا يحنث، ولو قال والله لا أبيت في منزل فلان غدا
فهو باطل إلا أن ينوي الليلة الجائية، وكذا لو قال بعد ما مضى أكثر الليلة، ولو قال لا أكون
غدا في منزل فلان فهو على ساعة من الغد ا ه‍ وفي الخلاصة: لو قال والله لا أسكن هذه
الدار ثلاثين يوما أو قال لأسكنن هذه الدار ثلاثين يوما له أن يفرق، ولو حلف لا يسكن
هذه القرية فذهب على ما هو الشرط ثم عاد وسكن يحنث، هذا في الفتاوى الصغرى. وأفتى
القاضي الإمام أنه إن نوى الفور لا يحنث إذا عاد وسكن، وكذا إذا كان هناك مقدمة الفور.
وفي المحيط: حلف لا يقعد في هذه الدار ولا نية له قالوا: إن كان ساكنا فيها فهو على
السكنى، وإن لم يكن ساكنا فهو على القعود حقيقة، ولو قال والله لا يجمعني وإياك سقف
بيت فهذا على المجالسة، فإن جالسه في بيت أو فسطاط أو سفينة أو خيمة حنث، وإن صلى
في مسجد جماعة فصلى الآخر معه في القوم لم يحنث، وإن كان أحدهما في المسجد فجاء
الآخر فجلس إليه فقد حنث، وإن جلس بعيدا منه ولم يجلس إليه لم يحنث، وكذلك البيت
الواحد إذا كان يجلس هذا في مكان وهذا في مكان غير مجالس له لا يحنث ا ه‍.
519

قوله: (لا يخرج فاخرج محمولا بأمره حنث وبرضاه لا بأمره أو مكرها لا) أي لا يحنث
وهو شروع في بعض مسائل الحلف على الخروج. فإذا حلف لا يخرج من المسجد مثلا فأمر
إنسانا فحمله وأخرجه حنث لأن فعل المأمور مضاف إلى الآمر فصار كما إذا ركب دابة
فخرجت، ولو أخرجه مكرها لم يحنث لأن الفعل لم ينتقل إليه لعدم الامر، ولو حمله برضاه
لا بأمره لا يحنث في الصحيح لأن الانتقال بالامر لا بمجرد الرضا، وإذا لم بحنث فيهما لا
تنحل في الصحيح لعدم فعله. وقال السيد أبو شجاع: تنحل وهو أرفق بالناس، ويظهر أثر
هذا الاختلاف فما لو دخل بعد هذا الاخراج هل يحنث؟ فمن قال انحلت قال لا يحنث وهذا
بيان كونه أرفق بالناس، ومن قال لا تنحل قال حنث ووجبت الكفارة وهو الصحيح، كذا
في فتح القدير. وصوابه إن كان الحلف بأنه لا يخرج أن يظهر فيما لو دخل بعد هذا الاخراج
ثم خرج، وإن كان الحلف بأنه لا يدخل فنعم. قيد بكونه أخرج مكرها أي حمله المكره
وأخرجه لأنه لو خرج بنفسه مكرها وهو الاكراه المعروف وهو أن يتوعده حتى يفعل فإنه
حينئذ يحنث لما عرف أن الاكراه لا يعدم الفعل عندنا. ونظيره ما لو حلف لا يأكل هذا
الطعام فأكره عليه حتى أكله حنث، ولو أوجر في حلقه لا يحنث، كذا في فتح القدير.
وبهذا ظهر أن هذا الحكم لا يختص بالحلف على الخروج لأنه لو حلف لا يدخل فأدخل
محمولا بأمره حنث وبرضاه لا بأمره أو مكرها لا. وفي المجتبى: لو هبت به الريح وأدخلته
لم يحنث وفي الانحلال كلام، وفيمن زلق فوقع فيها أو كان راكبا دابة فانفلتت ولم يستطع
520

إمساكها فأدخلته خلاف ا ه‍. وفي البدائع: الخروج هو الانفصال من الحصن إلى العورة على
مضادة الدخول فلا يكون المكث بعد الخروج خروجا كما لا يكون المكث بعد الدخول
دخولا، ثم الخروج كما يكون في البلدان والدور والمنازل والبيوت تكون من الأخبية
والفساطيط والخيم والسفن لوجود حده، والخروج من الدور المسكونة أن يخرج الحالف بنفسه
ومتاعه وعياله كما إذا حلف لا يسكن، والخروج من البلدان والقرى أن يخرج الحالف ببدنه
خاصة. ولو قال والله لا أخرج وهو في بيت من الدار فخرج إلى صحن الدار لم يحنث إلا أن
ينوي، فإن نوى الخروج إلى مكة أو خروجا من البلد لم يصدق قضاء ولا ديانة لأن غير
المذكور لا يحتمل التخصيص. ولو قال إن خرجت من هذه الدار فأنت طالق فخرجت منها
من الباب أي باب كان ومن أي موضع كان من فوق حائط أو سطح أو نقب حنث لوجود
الشرط وهو الخروج من الدار، ولو قيد بباب هذه الدار لم يحنث بالخروج من غير الباب
قديما كان الباب أو حادثا، ولو عين بابا في اليمين تعين ولا يحنث بالخروج من غيره ا ه‍.
قوله: (كلا يخرج إلا إلى جنازة فخرج إليها ثم إلى حاجة) يعني لا يحنث لأن الموجود
خروج مستثنى والمضي بعد ذلك ليس بخروج. وفي البدائع: لو قال إن خرجت من هذه
الدار إلا إلى المسجد فأنت طالق فخرجت تريد المسجد ثم بدا لها فذهبت إلى غير المسجد لم ت
طلق لما ذكرنا. وأشار المصنف إلى أنه لو قال إن خرجت من هذه الدار مع فلان فأنت طالق
فخرجت وحدها أو مع فلان آخر ثم خرج فلان ولحقها فإنه لا يحنث لأن كلمة مع للقران
فيقتضي مقارنتها للخروج ولم يوجد لأن المكث بعد الخروج ليس بخروج كما في البدائع
أيضا: ولو خرج في مسألة الكتاب لغير الجنازة فإنه يحنث لوجود الشرط والاعتبار للقصد
521

عند الخروج. قال في الظهيرية: لو قال لها إن خرجت إلى منزل أبيك فأنت كذا فهو على
الخروج عن قصد ا ه‍. وفي المحيط: حلفت المرأة أن لا تخرج إلى أهلها قال أبو يوسف:
أهلها أبواها وليس أحد سواهما أهلها، فإن لم يكن لها أبوان فأهلها كل ذي رحم محرم منها،
فإن لم يكن لها إلا أم مطلقة فأهلها منزل أمها، فإن كان الأب متزوجا والام متزوجة فالاهل
منزل الأب دون منزل الام ا ه‍. قوله: (لا يخرج أو لا يذهب إلى مكة فخرج يريدها ثم رجع
يحنث وفي لا يأتيها لا) أي لا يحنث. والفرق بين الخروج والآتيان أن الخروج على قصد مكة
قد وجد وهو الشرط إذا الخروج هو الانفصال من الداخل إلى الخارج، وأما الاتيان فعبارة
عن الوصول قال الله تعالى * (فائتيا فرعون فقولا) * [الشعراء: 61] واختلف في الذهاب فقيل
هو كالاتيان، وقيل كالخروج وهو الأصح لأنه عبارة عن الزوال. أطلق في الحنث بالخروج
وهو مقيد بما إذا جاوز عمران مصره على قصدها، فلو خرج قاصدا مكة ولم يجاوز عمرانه لا
يحنث كما في الظهيرية وغيرها، وكأنه ضمن لفظ أخرج معنى أسافر للعلم بأن المضي إليها
سفر لكن على هذا لو لم يكن بينها وبينه مدة سفر ينبغي أن يحنث بمجرد انفصاله من الداخل
كما في فتح القدير. وفي المحيط: حلف لا يخرج إلى بغداد اليوم فخرج من باب داره يريد
بغداد ثم بداله فرجع لا يحنث ما لم يجاوز عمران مصره بهذه النية بخلاف ما إذا حلف لا
يخرج إلى جنازة فلان والمسألة بحالها يحنث. والفرق أن الخروج إلى بغداد سفر والمرء لا يعد
مسافرا ما لم يجاوز عمران مصره، ولا كذلك في الخروج إلى الجنازة. ولو كان في منزل من
داره في المسألة الثانية فخرج إلى صحن الدار ثم رجع لا يحنث ما لم يخرج من باب الدار لأنه
لا يعد خارجا في جنازة فلان ما دام في داره كما لا يعد خارجا إلى بغداد ما دام في مصره
فاستوت المسألتان معنى ا ه‍.
وفي البدائع قال عمر بن أسد: سألت محمدا عن رجل حلف ليخرجن من الرقة ما
الخروج؟ قال: إذا جعل البيوت خلف ظهره لأن من حصل في هذه المواضع جاز له القصر
ا ه‍. فالحاصل أن الخروج إن كان من البلد فلا يحنث حتى يجاوز عمران مصره، سواء كان
إلى مقصده مدة سفر أو لا، وإن لم يكن خروجا من البلد فلا يشترط مجاوزة العمران. وأشار
المصنف إلى أنه لو حلف أن لا يخرج إلى مكة ماشيا فخرج من أبيات المصر ماشيا يريد به مكة
522

ثم ركب حنث، ولو خرج راكبا ثم نزل فمشى لا يحنث، كذا في الظهيرية. وفيها أيضا:
رجل قال والله لأخرجن مع فلان العام إلى مكة إذا خرج مع فلان حتى جاوز البيوت وصار
بحيث يباح له قصر الصلاة بر في يمينه، وإن بداله أن يرجع رجع من غير ضرر، ولو حلف
أن لا يخرج من بغداد فخرج مع جنازة والمقابر خارجة من بغداد يحنث، ولو قال لامرأته إن
خرجت من ها هنا اليوم فإن رجعت إلى سنة فأنت طالق ثلاثا فخرجت اليوم إلى الصلاة أو
غيرها ثم رجعت، فإن كان سبب اليمين خروج الانتقال أو السفر لا تطلق ا ه‍. وفي القنية:
انتقل الزوجان من الرستاق إلى قرية فلحقه رب الديون فقال لها أخرجي معي إلى حيث كنا
فيه فأبت إلى الجمعة فقال إن لم تخرجي معي فكذا، فإن كان قد تأهب للخروج فهو على الفور
وإلا فلا. وإن خرجت معه في الحال إلى درب القرية ثم رجعت بر في يمينه، وإن أراد
زوجها الخروج أصلا ا ه‍. وفي المحيط: ولو حلف لا يخرج من الري إلى الكوفة فخرج من
الري يريد مكة وجعل طريقه إلى الكوفة ينظر، إن كان حيث خرج نوى أن يمر بالكوفة
حنث، وإن نوى أن لا يمر بالكوفة ثم بداله بعد ما خرج فصار إلى موضع آخر تقصر فيه
الصلاة فقصد أن يمر بالكوفة لا يحنث ا ه‍. ثم في الخروج والذهاب تشترط النية عند
الانفصال للحنث كما قدمناه، وفي الاتيان لا يشترط بل إذا وصل إليها يحنث، ونوى أو لم
ينو، لأن الخروج متنوع يحتمل الخروج إليها وإلى غيرها، وكذا الذهاب فلا بد من النية عند
ذلك كالخروج إلى الجنازة بخلاف الاتيان لأن الوصول غير متنوع. وفي المحيط: ليأتينه فأتاه
فلم يأذن له لا يحنث. وفي الذخيرة: إذا حلف الرجل أن لا تأتي امرأته عرس فلان فذهبت
قبل العرس وكانت ثمة حتى مضى العرس لا يحنث، هكذا ذكر في المنتقى وعلله فقال:
لأنها ما أتت العرس بل العرس أتاها. ولو حلف لا يأتي فلانا فهو على أن يأتي منزله أو
حانوته لقيه أو لم يلقه، وإن أتى مسجده لم يحنث، رواه إبراهيم عن محمد. وفي المنتقى:
رجل لزم رجلا وحلف الملتزم ليأتينه غدا فأتاه في الموضع الذي لزمه فيه لا يبر حتى يأتي
منزله، فإن كان لزمه في منزله فحلف ليأتينه غدا فتحول الطالب من منزله فأتى الحالف المنزل
الذي كان فيه الطالب فلم يجده لا يبر حتى يأتي المنزل الذي تحول إليه. ولو قال إن لم آتك
غدا في موضع كذا فعبدي حر فأتاه فلم يجده فقد بر إنما هذا على إتيان ذلك الموضع، وهذا
بخلاف ما إذا قال إن لم أوفك غدا في موضع كذا فأتى الحالف ذلك الموضع فلم يجده حيث
يحنث لأن هذا على أن يجتمعا ا ه‍. وقيد بالاتيان لأن العبادة والزيارة لا يشترط فيهما
الوصول ولذا قال في الذخيرة: إذا حلف ليعودن فلانا أو ليزورنه فأتى بابه فلم يؤذن له
523

فرجع ولم يصل إليه لا يحنث، وإن أتى بابه ولم يستأذن حنث. قال في المحيط: وعلى قياس
من قال إن لم أخرج من هذا المنزل اليوم فمنع أو قيد حنث فيجب أن يحنث هنا في الوجهين
وهو المختار لمشايخنا ا ه‍. ولو قال إن لم أرسل إليك نفقتك هذا الشهر فأنت طالق فأرسل بها
على يد إنسان وضاعت من يد الرسول لا يحنث لأنه قد أرسل، وكذا إذا قال إن لم أبعث
إليك نفقة هذا الشهر. ولو قال إن لم تجيئيني غدا بمتاع كذا فأنت طالق فبعثت به مع إنسان
قال: إن كان مراده وصول عين المتاع إليه لا يحنث، وإن كان غرضه أن تحمل بنفسها يحنث.
ولو قال الرجل لأصحابه إن لم أذهب بكم الليلة إلى منزلي فامرأته طالق فذهب بهم بعض
الطريق فأخذهم العسس فحبسهم لا تطلق امرأته، هكذا حكي عن الفقيه أبي جعفر. قال
الفقيه أبو الليث: هذا الجواب يوافق قولهما في مسألة الكوز وقد مر في أول النوع اختيار
الصدر الشهيد في جنس هذه المسائل بخلاف هذا ا ه‍. ما في الذخيرة، ولم أر من صرح
بلفظ الرواح من أئمتنا وهو كثير الوقوع في كلام المصريين وفي أيمانهم لكن قال الأزهري:
لغة العرب أن الرواح الذهاب، سواء كان أول الليل أو آخره أو في الليل. قال النووي في
شرح مسلم من كتاب الجمعة بعد نقله: وهذا هو الصواب ا ه‍. فعلى هذا إذا حلف لا يروح
إلى كذا فهو بمعنى لا يذهب وهو بمعنى الخروج يحنث بالخروج عن قصده وصل أولا.
قوله: (ليأتينه فلم يأته حتى مات حنث في آخر حياته) لأن البر قبل ذلك موجود ولا
خصوصية للاتيان بل كل فعل حلف أنه يفعله في المستقبل وأطلقه ولم يقيده بوقت لم يحنث
حتى يقع الإياس عن البر مثل ليضربن زيدا أو ليعطين فلانة أو ليطلقن زوجته وتحقق اليأس
عن البر يكون بفوت أحدهما فلذا قال في غاية البيان: وأصل هذا أن الحالف في اليمين
524

المطلقة لا يحنث ما دام الحالف والمحلوف عليه قائمين لتصور البر، فإذا فات أحدهما فإنه
يحنث ا ه‍. وبهذا ظهر أن الضمير في قوله حتى مات يعود إلى أحدهما أيهما كان، سواء
كان الحالف أو المحلوف عليه، لا أنه خاص بالحالف كما هو المتبادر من العبارة. وقيد
باليمين المطلقة لأنها لو كانت مقيدة كقوله إن لم أدخل هذه الدار اليوم فعبده حر فإن الحنث
معلق بآخر الوقت حتى إذا مات الحالف قبل خروج الوقت ولم يدخل الدار لا يحنث، وأما
إذا مضى الوقت قبل دخوله وهو حي عتق العبد، كذا في غاية البيان. ثم اعلم أن اليمين
المطلقة لا تكون على الفور إلا بقرينة ففي الظهيرية في الفصل السابع: ولو حلف إن رأى
فلانا ليضربنه فالرؤية على القريب والبعيد والضرب متى شاء إلا أن يعني الفور. وفي فتاوى
أبي الليث: رجل أراد أن يواقع امرأته وكانت امرأته على باب الدار فقال لها إن لم تدخلي معي
في الدار فأنت طالق فدخلت بعد ما سكنت شهوته وقع الطلاق عليها، وإن دخلت قبل
ذلك لم تطلق: وفي الفصل الخامس: حلف ليضربن غلامه في كل حق وباطل وليس له نية
فهو على أن يضربه كل ما شكى إليه بحق أو باطل ولا يكون يمينه على فور الشكاية ما لم ينو
ذلك ا ه‍. وسيأتي تمام مسائل الفور إن شاء الله تعالى قريبا قوله: (ليأتينه إن استطاع فهي
استطاعة الصحة) لأنها المرادة في العرف وهي سلامة الآلات وصحة الأسباب. وفسرها محمد
رحمه الله بقوله: إذا لم يمرض ولم يمنعه السلطان ولم يجئ أمر لا يقدر على إتيانه فلم يأته
حنث ا ه‍. فعلى هذا المراد بسلامة الآلات صحة الجوارح فالمريض ليس بمستطيع، والمراد
بصحة الأسباب تهيئة لإرادة الفعل على وجه الاختيار فخرج الممنوع ولذا ذكر في الاختيار أنها
سلامة الآلات ورفع الموانع. وفي المبسوط: الاستطاعة رفع الموانع ا ه‍. فينبغي أنه إذا نسي
اليمين سلامة الآلات ورفع الموانع. في المبسوط: الاستطاعة رفع الموانع ا ه‍. فينبغي أنه إذا
نسي اليمين لا يحنث لأن النسيان مانع، وكذا الوجن فلم يأته حتى مضى الغد كما لا يخفى
ولذا قال في غاية البيان: وحدها التهيؤ لتقييد الفعل على إرادة المختار قوله: (وإن نوى
القدرة دين) أي صدق فيما بينه وبين الله تعالى لأن حقيقتها فيما يقارن الفعل. ويطلق الاسم
على سلامة الآلات وصحة الأسباب في المتعارف فعند الاطلاق ينصرف إليه، وتصح نية
525

الأول ديانة لأنه حقيقة كلامه. وظاهر كلامه أنه لا يصدق قضاء لأنه خلاف الظاهر، وقيل
يصدق قضاء أيضا لأنه نوى حقيقة كلامه وإذا صدق لا يتصور حنثه أبدا لأنها لا تسبق
الفعل. ورجح في فتح القدير الأول بأنه أوجه لأنه وإن كان مشتركا بينهما لكن تعورف
استعماله عند الاطلاق عن القرينة لاحد المعنيين بخصوصه وهو سلامة آلات الفعل وصحة
أسبابه فصار ظاهرا فيه بخصوصه فلا يصدقه القاضي في خلاف الظاهر ا ه‍. وقد أظهر
الزاهدي في المجتبى اعتزاله في هذا المحل كما أظهره في القنية في موضعين من ألفاظ
التكفير عبارته في المجتبى قلت: وفي قوله حقيقة الاستطاعة فيما يقارن الفعل نظر قوي لأنه
بناه على مذهب الأشعرية والسنية أن القدرة تقارن الفعل وأنه باطل إذا لو كان كذلك لما كان
فرعون وهامان وسائر الكفرة الذين ماتوا على الكفر قادرين على الايمان وكان تكليفهم
بالايمان تكليفا بما لا يطاق، وكان إرسال الرسل والأنبياء وإنزال الكتب والأوامر والنواهي
والوعد والوعيد ضائعة في حقهم ا ه‍. وهو غلط لأن التكليف ليس مشروطا بهذه القدرة
حتى يلزم ما ذكره وإنما هو مشروط بالقدرة الظاهرة وهي سلامة الآلات وصحة الأسباب
كما عرف في الأصول.
قوله: (لا تخرجي إلا بإذني شرط لكل خروج إذن بخلاف إلا أن وحتى) أي بخلاف لا
تخرجي إلا أن آذن لك أو حتى أن آذن لك فأذن لها مرة انتهت اليمين حتى لو خرجت بإذنه
ثم خرجت بعده بغير إذنه لا يحنث. والفرق في الأول أن المستثنى خروج مقرون بالاذن لأنه
مفرغ للمتعلق فصار المعنى إلا خروجا ملصقا به فما لم يكن ملصقا بالاذن فهو داخل في
اليمين لعموم النكرة فيحنث به، وفي الثاني الاذن غاية، أما في حتى فظاهر، وأما في إلا
أن فتجوز ب‍ " إلا فيها لتعذر استثناء الاذن من الخروج وبالمرة يتحقق فينتهي المحلوف عليه.
وأما لزوم تكرار الاذن في دخول بيوته عليه السلام مع تلك الصيغة * (إلا أن يؤذن لكم) *
[الأحزاب: 35] فبدليل خارجي وهو تعليله بالأذى * (إن ذلكم كان يؤذي النبي) *
[الأحزاب: 35] وتمامه في الأصول في بحث الباء. ولا يرد أن لا أن آذن بمعنى إلا
بإذني لأن إن والفعل في تأويل المصدر ولا بد من تقدير الباء والآصار المعنى إلا خروجا
إذني فصار كالمسألة الأولى لأنه يلزم أحد الامرين. أما ما ذكر من تقدير الباء محذوفة أو ما قلنا
من جعلها بمعنى حتى مجازا أي حتى آذن لك. وعلى الأول يكون كالأول، وعلى الثاني
ينعقد على إذن واحد، وإذا لزم في إلا أن أحد المجازين وجب الراجح منهما، ومجاز غير
الحذف أولى من مجاز الحذف عندهم لأنه تصرف في وصف نفس اللفظ ومجاز الحذف تصرف
526

في ذاته بالاعدام مع الإرادة. وأشار المصنف بقوله شرط أنه لو نوى الاذن مرة واحدة لم
يصدق قضاء وعليه الفتوى كما في الولوالجية، لكنه يصدق ديانة لأنه نوى محتمل كلامه
فيستعار بمعنى حتى لكنه خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي بخلاف ما إذا نوى التعدد في
المسألة الثانية حيث يصدق قضاء لأنه محتمل كلامه وفيه تشديد على نفسه. ومثل قوله إلا بإذن
بغير إذني فيشترط لكل خروج إذن لأن المعنى فيهما واحد مع وجود الباء، والرضا والامر
والعلم كالاذن فيما ذكرنا، كذلك إن خرجت إلا بقناع أو بملحفة. ولو قال لها أذنت لك
في الخروج كلما أردت فخرجت مرة بعد أخرى لا يحنث فإن نهاها عن الخروج بعد ذلك
صح النهي وهذا قول محمد وبه أخذ الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل. ولو أذن لها في
الخروج ثم قال لها كلما نهيتك فقد أذنت لك فنهاها لا يصح نهيه إياها، ولو أذن لها بالعربية
ولا عهد لها بالعربية فخرجت حنث كما لو أذن لها وهي نائمة أو غائبة لم تسمع فخرجت
حنث. وقال بعضهم: هذا قول أبي حنيفة ومحمد. أما على قول أبي يوسف وزفر يكون إذنا.
وقال بعضهم: الاذن يصح بدون العلم والسماع في قولهم وإنما الخلاف بينهم في الامر على
قول أبي حنيفة ومحمد لا يثبت الامر بدون العلم والسماع. والصحيح أن على قولهما لا
يكون الاذن إلا بالسماع لأن الاذن إيقاع الخبر في الاذن وذلك لا يكون إلا بالسماع،
وأجمعوا أن إذن العبد في التجارة لا يكون إلا بالسماع. ولو كنست البيت هذه المرأة فخرجت
إلى باب الدار لكنس الباب حنث لأنها خرجت بغير إذنه، ولو أذن لها في الخروج إلى بعض
أهلها فلم تخرج ثم خرجت في وقت آخر إلى بعض أهلها. قال الفقيه أبو الليث: أخاف أن
يحنث، ولو أن المرأة سمعت سائلا يسأل شيئا بعد ما منعها زوجها عن الخروج إلا بإذنه فقال
لها الزوج ادفعي هذه الكسرة إليه، فإن كان السائل بحيث لا تقدر المرأة على الدفع إليه إلا
بالخروج فخرجت لا يحنث وإلا فيحنث. ولو قالت لزوجها تريد أن أخرج حتى أصير مطلقة
فقال الزوج نعم فخرجت طلقت لأن كلام الزوج هذا للتهديد لا للاذن، ولو قال لها
أخرجي أما والله لو خرجت ليخزينك الله تعالى ونحو ذلك قال محمد: لا يكون إذنا. وكذا
لو غضبت المرأة وتأهبت للخروج فقال الزوج دعوها تخرج لم يكن إذنا إلا أن ينوي الاذن.
وكذا لو قال الزوج في غضبه أخرجي ينوي التهديد والتوعيد يعني أخرجي حتى تطلقي لم
يكن ذلك إذنا. ولو قال لامرأته إن خرجت من هذه الدار فأنت طالق فخرجت قبل أن يقول
الزوج طالق لم يحنث حتى تخرج مرة أخرى إلا أن يكون ابتداء اليمين مخاشنة كانت بينهما في
الخروج فمتى كانت كذلك لا يحنث، وإن خرجت بعد ذلك لأن اليمين كانت على الخروج
الأول، الكل من الظهيرية.
وفي المبتغى بالغين المعجمة: وفي قوله لها إن خرجت من الدار إلا بإذني فأنت طالق
لا يحنث بخروجها الوقوع غرق أو حرق غالب فيها وكذا في القنية ا ه‍. وفي القنية: لو
527

حلف لا يشرب خمرا بغير إذنها فأذنت له أن يشربها في دار كذا فشربها في غيرها حنث ا ه‍.
وفي باب آخر منها: إن دفعت شيئا بغير إذني فأنت طالق فدفعت من مال نفسها بغير إذنه لم
يقع ا ه‍. وينبغي أن ينظر إلى السبب الداعي إلى اليمين كما لا يخفى. ثم اعلم أن في المسألة
الأولى إذا كانت اليمين بالطلاق ثم خرجت بغير إذن ووقع الطلاق ثم خرجت مرة ثانية بغير
إذن لا يقع شئ لانحلال اليمين بوجود الشرط، وليس فيها ما يدل على التكرار كما في
الظهيرية. ولو أذن لها أن تخرج في المسألة الأولى عشرة أيام فدخلت وخرجت مرارا في
العشرة لا يحنث. ولا فرق في المسألة الأولى بين أن يكون المخاطب الزوجة أو العبد حتى لو
قال المولى لعبده إن خرجت من هذه الدار إلا بإذني فأنت حر فإنه يشترط لكل خروج إذن،
فلو قال له أطع فلانا في جميع ما يأمرك به فأمره فلان بالخروج فخرج فالمولى حانث لوجود
شرط الحنث وهو الخروج من غير إذن المولى لأن المولى لم يأذن له بالخروج وإنما أمره بطاعة
فلان. وكذلك لو قال المولى لرجل ائذن له في الخروج فأذن له الرجل فخرج لأنه لم يأذن له
بالخروج وإنما أمر فلانا بالاذن، وكذلك لو قال له قل يا فلان مولاك قد أذن لك في الخروج
فقال له فخرج فإن المولى حانث لأنه لم يأذن له وإنما أمر فلانا بكذب، ولو قال المولى لعبده
بعد يمينه ما أمرك به فلان فقد أمرتك به فلان فقد أمرتك به فأمره الرجل بالخروج فخرج فالمولى حانث لأن
مقصود المولى من هذا أن لا يخرج إلى برضاه، فإذا قال ما أمرك به فهو لا
يعلم أن فلانا يأمره بالخروج والرضا بالشئ بدون العلم به لا يتصور فلم يعلم كون هذا
الخروج مرضيا به فلم يعلم كونه مستثنى فبقي تحت المستثنى منه. ولو قال المولى للرجل قد
أذنت له في الخروج فأخبر الرجل به العبد لم يحنث المولى. ولو قال لامرأته إن خرجت إلا
بإذني ثم قال لها إن بعت خادمك فقد أذنت لك لم يكن منه هذا إذنا لأنه مخاطرة، كذا في
البدائع: وقيد بالزوجة والعبد لأنه لو قال لا أكلم فلانا إلا يأذن فلان أو حتى يأذن أو إلا أن
يأذن أو إلا أن يقدم فلان أو حتى يقدم. أو قال الرجل في داره والله لا تخرج إلا بإذني فإنه
لا يتكرر الاذن في هذا كله لأن قدوم فلان لا يتكرر عادة والاذن في الكلام يتناول كلما
يوجد من الكلام بعد الاذن. وكذا خروج الرجل مما لا يتكرر عادة بخلاف الاذن للزوجة
فإنه لا يتناول إلا ذلك الخروج المأذون فيه لا كل خروج إلا بنص صريح فيه مثل أذنت لك
أن تخرجي كلما أردت الخروج ونحوه، فكان الاقتصار في هذا الوجود الصارف عن التكرار
لا لأن العرف في الكل على التفصيل المذكور، كذا في فتح القدير.
وأشار المصنف بالمسألة الثانية إلى أنه لو قال عبده حر إن دخل هذه الدار إلا أن ينسى
فدخلها ناسيا ثم دخل بعد ذلك ذاكرا لم يحنث بخلاف ما إذا قال إن دخل هذه الدار إلا
ناسيا فدخلها ناسيا ثم دخلها ذاكرا فإنه يحنث لأنه استثنى من كل دخول دخولا بصفة فبقي
ما سواه داخلا تحت اليمين بخلاف الأول فإنه بمعنى حتى فلما دخلها ناسيا انتهت اليمين،
528

وإلى أنه لو قال عبدي حر إن دخلت هذه الدار دخلة إلا أن يأمرني فلان فأمره فلان مرة
واحدة فإنه لا يحنث وقد سقطت اليمين بخلاف ما إذا قال إلا أن يأمرني بها فلان بزيادة بها
فأمره فدخل ثم دخل بعد ذلك بغير أمره فإنه يحنث. ولا بد من الامر في كل دخلة كقوله
إلا بأمر فلان كالمسألة الأولى كما في البدائع أيضا. وفي الظهيرية. قال لامرأته إن دخلت من
هذه الدار إلا لأمر لا بد منه فأنت طالق وللمرأة حق على رجل فأرادت أن تدعي ذلك
وخرجت لأجله قالوا: إن كانت تقدر على أن توكل بذلك حنث الحالف، وإن لم تقدر على
أن توكل لا يحنث. ولو حلف أن لا تخرج امرأته إلا بعلمه فخرجت وهو يراها فمنعها لم
يحنث، ولو أذن لها بالخروج فخرجت بغير علمه لا يحنث، وإن لم يأذن لها فخرجت وهو
يراها لا يحنث أيضا اه‍. ثم انعقاد اليمين على الاذن في قوله إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق
أو والله لا تخرجين إلا بإذني مقيد ببقاء النكاح لأن الاذن إنما يصح ممن له المنع، فلو أبانها ثم
تزوجها فخرجت بلا إذن لم يحنث وإن كان زوال الملك لا يبطل اليمين عندنا لأنها لم تنعقد إلا
على مدة بقاء النكاح. وكذا في العبد يشترط بقاء ملك المولى وسيأتي بيان أيضا في قوله حلف
ليعلمنه بكل داعر دخل البلدة تقيد بقيام ولايته، وهذا بخلاف ما إذا حلف لا تخرج امرأته
من هذه الدار ولا عبده فبانت منه أو خرج العبد عن ملكه ثم خرج فإنه يحنث، ولا يتقيد
بحال قيام الزوجية والملك لانعدام دلالة التقييد وهي قوله إلا بإذنه فيعمل بعموم اللفظ، فإن
عني به ما دامت امرأته دين فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يدين في القضاء لأنه خلاف
الظاهر. وكذلك من طولب بحق فحلف أن لا يخرج من دار مطالبه حنث بالخروج زال ذلك
الحق أو لم يزل لما قلنا، كذا في البدائع. وفي المحيط: رجل حلفه ثلاثة رجال أنه لا يخرج
من بخاري إلا بإذنهم فجن أحدهم قال لا يخرج، وإن مات أحد الثلاثة فخرج لم يحنث لأنه
ذهب الاذن الذي وقعت عليه اليمين. ولو قال إلا بإذن فلان فمات المحلوف عليه بطلت
اليمين عندهما خلافا لأبي يوسف بناء على أن فوات المعقود عليه يمنع بقاء اليمين عندهما،
وعنده لا يمنع اه‍
قوله: (ولو أرادت الخروج فقال أن خرجت أو ضرب العبد فقال إن ضربت تقيد به
كاجلس فتغد عندي فقال أن تغديت) بيان ليمين الفور مأخوذ من فور القدر إذا غلت،
واستعير للسرعة ثم سميت بها الحال التي لا ريث فيها فقيل جاء فلان من فوره أي من
ساعته. وسميت هذه اليمين به باعتبار فوران الغضب. انفرد أبو حنيفة بإظهارها وكانت
اليمين في عرفهم قسمين: مؤبدة وهي أن يحلف مطلقا، ومؤقتة وهي أن يحلف أن لا يفعل
كذا اليوم أو هذا الشهر فأخرج أبو حنيفة يمين الفور. قال في المحيط: ولم يسبقه أحد في
529

تسميتها ولا في حكمها ولا خالفه أحد فيه بعد ذلك فإن الناس كلهم عيال أبي حنيفة في هذا
اه‍. بل الناس عيال أبي حنيفة في الفقه كله وهي يمين مؤبدة لفظا مؤقتة معنى تتقيد بالحال
أو تكون بناء على أمر حالي، فمن الثاني امرأة تهيأت للخروج فحلف لا تخرج فإذا جلست
ساعة ثم خرجت لا يحنث لأن قصده أن يمنعها من الخروج الذي تهيأت له فكأنه قال إن
خرجت أي الساعة. ومنه من أراد أن يضرب عبده فحلف عليه لا يضربه فإذا تركه ساعة
بحيث يذهب فور ذلك ثم ضربه لا يحنث لذلك بعينه. ومن الأول اجلس فتغد عندي فيقول
إن تغديت فعبدي حر تقيد بالحال، فإذا تغدى في يومه في منزله لا يحنث لأنه يمين وقع
جوابا تضمن إعادة ما في السؤال والمسؤول الغد الحالي فينصرف الحلف إلى الغداء الحالي لتقع
المطابقة، وهذا كله عند عدم نية الحالف. وقيد بكونه قال إن تغديت ولم يزد عليه لأنه لو
زاد بأن قال إن تغديت اليوم أو معك فعبدي حر فتغدي في بيته أو معه في وقت آخر فإنه
يحنث لأنه زاد على حرف الجواب فيكون مبتدأ أو لا يقال إن موسى عليه السلام زاد في
الجواب حين سئل عن العصا ولم يكن مبتدأ لأنا نقول: لما سئل بما وهي تقع على ذات ما لا
يعقل والصفات فاشتبه عليه الحال فأجاب بهما حتى يكون مجيبا عن أيهما كان. وأشار
المصنف إلى أنه لو قال لامرأته عند خروجها من المنزل إن رجعت إلى منزلي فأنت طالق ثلاثا
ثم جلست فلم تخرج زمانا ثم خرجت ورجعت والرجل يقول نويت الفور فالظاهر أنه يصدق
لأنه لو قال إن خرجت ولا نية له ينصرف إلى هذه الخرجة فكذا إذا قال إن رجعت ونوى
الرجوع بعد هذه الخرجة كان أولى أن ينصرف إلى الرجوع عن هذه الخرجة، كذا في المحيط.
ثم اعلم أن التقييد تارة يثبت صريحا وتارة يثبت دلالة، والدلالة نوعان: دلالة لفظية ودلالة
حالية، فدلالة اللفظ نحو ما إذا حلف لا يدخل على فلان تقيد بحال حياة المحلوف عليه،
والدلالة الحالية كما في الكتاب. وفي المحيط: أصله أن الحالف متى أعقب الفعل فعلا
بحرف العطف وهو الفاء والواو فإن كان الفعل الثاني في العادة يفعل على فور الأول ولم
يفعل حنث، وإن لم يكن يفعل على فور الأول لا يحنث ما لم يمت، وإن ذكر الفعل الثاني
بحرف الشرط أو التراخي وهو حرف ثم فهو على الأبد لأن المشروط لا يتحقق إلا بعد
وجود الشرط وكلمة ثم على التراخي، فلو قال إن ضربتني فلم أضربك أو لقيتك فلم
أسلم عليك وإن كلمتني فلم أجبك فهو على الفور باعتبار العادة، وكذا لو قال إن استعرت
530

دابتك فلم تعرني أو دخلت الدار فلم أقعد. وإن ذكر بحرف الواو بأن قال إن كلمتك ولم تكلمني
فهذا يحتمل قبل وبعد فتعتبر نيته، ولو قال إن ركبت دابتي فلم أعطك دابتي فهو على الفور، ولو
قال إن أتيتني فلم آتك أو إن زرتني فلم أزرك فهو على الأبد إلى آخر ما ذكره ثم قال: لو قال
لامرأته إن لم تقومي الساعة وتجيئي إلى دار والدي فأنت طالق ثلاثا فقامت الساعة ولبست الثياب
وخرجت ثم رجعت وجلست حتى خرج الزوج فخرجت هي أيضا وأتت دار والده بعدما أتاها
الزوج لا يحنث لأن رجوع المرأة وجلوسها ما دامت في تهيؤ الخروج لا يكون تركا للفور، ألا ترى
أنه لو أخذها البول فبالت قبل لبس الثياب ثم لبست الثياب لم يحنث ألا ترى أن الرجل إذا قال
لامرأته إن لم تجيئي إلى الفراش هذه الساعة فأنت طالق وهما في التشاجر فطال بينهما كان على
الفور حتى لو ذهبت إلى الفراش لا يحنث، فإن خافت فوت الصلاة فصلت قال نصر بن يحيى:
حنث الرجل لأن الصلاة عمل آخر فينقطع به فور الأول. وعلى قياس الحسن بن زياد لا يحنث
لأنه عذر شرعا فصار مستثنى من يمينه شرعا وعرفا، ولو اشتغلت بالتطوع أو بالوضوء أو أكلت أو
شربت حنث لأن هذا ليس بعذر شرعا اه‍. وفي القنية: قال لها في الخصومة الحلال على حرام إن
لم تخرجي وقال ما أردت به الخروج للحال ثم خرجت بعد ساعات يحنث إن كانت الخصومة في
الخروج وإلا فلا. وفي الجامع: لو قال لها إن لم أضربك فأنت طالق فهي على أربعة أقسام: فإن
كان فيه دلالة الفور بأن قصد ضربها فمنع انصرف إلى الفور، وإن نوى الفور بدون الدلالة يصدق
أيضا لأن فيه تغليظا، وإن نوى الأبد أو لم تكن له نية انصرف إلى الأبد، وإن نوى اليوم أو الغد لم
تقبل نيته. ولو قال لها إن أخذت من مالي شيئا ولم تخبريني فكذا فأخذت ولم تخبره في الحال ولا
قبله وإنما أخبرته بعد أيام لا يحنث إن رأيت سارقا فلم أخبرك فهو على الفور، وإن قال ولم أخبرك
وإن لم أخبرك فعلى التراخي ولا بد من الشرطين. اه‍. ما في القنية.
قوله: (ومركب عبده مركبه إن ينو ولا دين) يعني لو حلف لا يركب دابة فلان فركب
دابة عبد فلان فإنه يحنث بشرطين: الأول أن ينويها. الثاني أن لا يكون عليه دين أي مستغرق
فإن لم ينو لا حنث مطلقا لأن الملك وإن كان للمولى إلا أنه يضاف إلى العبد عرفا وكذا شرعا
531

قال عليه السلام من باع عبدا وله مال الحديث. فتختل الإضافة إلى المولى فلا بد من
النية، فإن نواها ولا دين على العبد أو كان دينه غير مستغرق حنث لأنه شدد عل نفسه
بنيته، وإن كان الدين مستغرقا فلا حنث وإن نوى لأنه لا ملك للمولى في كسب عبده
المديون المستغرق عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: يحنث في الوجوه كلها إذا نوى لأن
الملك للمولى لكن الإضافة إليه قد اختلت لما ذكرنا فلا يدخل إلا بالنية. وقال محمد: يحنث
في الوجوه كلها نوى أو لم ينو اعتبارا للحقيقة لأن العبد وما في يده ملك المولى حقيقة
عنده. ونظير هذا الاختلاف ما لو قال كل مملوك لي حر فعند أبي يوسف لا يدخل عبيد
عبده التاجر إلا بالنية سواء كان على العبد دين أو لا، وعند محمد عتقوا نواهم أو لا، كان
عليه دين أو لا. وعند أبي حنيفة إن لم يكن عليه دين عتقوا إذا نواهم وإلا فلا، وإن كان
على العبد دين لم يعتقوا وإن نواهم. وفي المحيط: ولو ركب دابة مكاتبة لا يحنث لأن
ملكه ليس بمضاف إلى المولى لا ذاتا ولا يدا اه‍. ولم يذكر المصنف رحمه الله من مسائل
الركوب غير هذه المسألة ولا بأس بذكر بعض مسائله. قال في الواقعات: حلف لا يركب
فاليمين على ما يركب الناس من الفرس والبغل وغير ذلك، فلو ركب ظهر إنسان ليعبر
النهر لا يحنث لأن أوهام الناس لا تسبق إلى هذا اه‍. وفي الظهيرية: حلف أن لا يركب
دابة ولم ينو شيئا فركب حمارا أو فرسا أو برذونا أو بغلا حنث، فإن ركب غيرها نحو
البعير والفيل لا يحنث استحسانا إلا أن ينوي ولو حلف لا يركب فرسا فركب برذونا لا
يحنث، وكذلك لو حلف لا يركب برذونا فركب فرسا لأن الفرس اسم للعربي والبرذون
للعجمي والخيل ينتظم الكل. وهذا إذا كانت اليمين بالعربية، وإن كانت بالفارسية يحنث
بكل حال. ولو حلف لا يركب دابة فحمل على الدابة مكرها لا يحنث، وإن حلف لا
يركب أو لا يركب مركبا فركب سفينة أو محملا أو دابة حنث، ولو ركب آدميا ينبغي أن
لا يحنث، ولو حلف لا يركب على هذا السرج فزيد فيه أو نقص عنه فركب عليه حنث
اه‍. وفي الخلاصة: قال كلما ركبت دابة فلله علي أن أتصدق بها فركب دابة يلزمه التصدق
بها، فإن تصدق بها ثم اشتراها فركب مرة أخرى لزمه التصدق بها مرة أخرى ثم وثم
بخلاف مسألة التنجيز حيث يبطل التعليق، أما لو قال لأجنبية كلما تزوجتك فأنت طالق
ثلاثا فتزوجها تطلق ثلاثا، فلو تزوجت بآخر وعادت إليه فتزوجها تطلق ثلاثا ثم وثم اه‍.
والله أعلم.
532

باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام
الاكل إيصال ما يحتمله المضغ بفيه إلى الجوف مضغ أو لم يمضغ كالخبز واللحم
والفاكهة ونحوها. والشرب إيصال ما لا يحتمل المضغ من المائعات إلى الجوف مثل الماء
والنبيذ واللبن والعسل. فإن وجد ذلك يحنث وإلا فلا يحنث إلا إذا كان يسمى ذلك أكلا أو
شربا في العرف والعادة فيحنث، فإذا حلف لا يأكل كذا أو لا يشرب فأدخله في فيه ومضغه
ثم ألقاه لم يحنث حتى يدخله في جوفه لأنه بدون ذلك لا يكون أكلا وشربا بل يكون ذوقا.
ولو حلف لا يأكل هذه البيضة أو لا يأكل هذه الجوزة فابتلعها قال قد حنث لوجود حد
الاكل وهو ما ذكرنا، ولو حلف لا يأكل عنبا أو رمانا فجعل يمصه ويرمي تفله ويبتلع ماءه
لم يحنث في الاكل ولا في الشرب لأن ذلك ليس بأكل ولا شرب بل هو مص. وإن عصر
ماء العنب فلم يشربه وأكل قشره وحصرمه فإنه يحنث لأن الذاهب ليس إلا الماء وذهاب الماء
لا يخرجه من أن يكون آكلا له، ألا ترى أنه إذا مضغه وابتلع الماء أنه لا يكون آكلا له بابتلاع
الماء بل بابتلاع الحصرم فدل أن أكل العنب هو أكل القشر والحصرم منه وقد وجد فيحنث.
وقال هشام عن محمد في رجل حلف لا يأكل سكرا فأخذ سكرة فجلها في فيه فجعل يبتلع
ماءها حتى ذابت قال: لم يأكل لأنه حين أوصلها إلى فيه وصلت وهي لا تحتمل المضغ.
وكذلك روي عن أبي يوسف فيمن حلف لا يأكل رمانة فمص رمانة أنه لا يحنث. ولو حلف
لا يأكل هذا اللبن فأكله بخبز أو تمر أو حلف لا يأكل من هذا السعل فأكله بخبز يحنث لأن
اللبن هكذا يكون، وكذلك الخل لأنه من جملة إلا دام فيكون أكله بالخبز كاللبن، فإن أكل
ذلك بانفراده لا يحنث لأن ذلك شرب وليس بأكل، فإن صب على ذلك الماء ثم شربه لا
يحنث في قوله لا آكل لعدم الاكل ويحنث في قوله لا أشرب لوجود الشرب، وكذلك إن
حلف لا يأكل هذا الخبز فجففه ثم دقه وصب عليه الماء فشربه لا يحنث لأن هذا شرب لا
أكل، فإن أكله مبلولا أو غير مبلول يحنث لأن الخبز هكذا يؤكل عادة وكذلك السويق إذا
شربه بالماء فهو شارب وليس بأكل، كذا في البدائع. ولم يذكر المصنف الذوق وهو معرفة
الشئ بفيه من غير إدخال عينه ألا ترى أن الأكل والشرب مفطر لا الذوق، كذا في
533

الكافي. ولذا قال في الظهيرية: لو حلف لا يذوق في منزل فلان طعاما ولا شرابا فذاق فيه
شيئا أدخله في فيه ولم يصل إلى جوفه حنث ويمينه على الذوق حقيقة إلا أن يكون تقدمه
كلام. وبيان ذلك أن يقول له غيره تعالى تغد عندي اليوم فحلف لا يذوق في منزله طعاما
ولا شرابا فهذا على الأكل والشرب. وعن محمد فيمن حلف لا يذوق الماء فتمضمض للصلاة
لا يحنث لأن هذا لا يراد بذكر الذوق اه‍. وفي المحيط: حلف لا يأكل ولا يشرب فذاق لا
يحنث، ولو حلف لا يذوق فأكل أو شرب حنث لأن في الأكل والشرب ذوقا وزيادة اه‍.
وسيأتي بيان اللبس والكلام إن شاء الله تعالى.
قوله: (لا يأكل من هذه النخلة حنث بثمرها) لأنه أضاف اليمين إلى ما لا يؤكل
فينصرف إلى ما يخرج منه لأنه سبب له فيصلح مجازا عنه. والثمر بالمثلثة ما يخرج منها فيحنث
بالجمار والبسر والرطب والتمر والطلع والدبس الخارج من ثمرها. والجمار رأس النخلة
وهي شئ أبيض لين، والطلع ما يطلع من النخل وهو الكم قبل أن ينشق ويقال لما يبدو من
الكم طلع أيضا وهو شئ أبيض يشبه بلونه الأسنان وبرائحته المني، كذا في المغرب. وقيد
بالثمر لأنه لا يحنث بما تغير بصفة حادثة فلا يحنث بالنبيذ والناطف والدبس المطبوخ والخل
لأنه مضاف إلى فعل حادث فلم يبق مضافا إلى الشجر. ويحنث بالعصير لأنه لم يتغير بصنعة
جديدة ولو لم يكن للشجرة ثمرة ينصرف اليمين إلى ثمنها فيحنث إذا اشترى به مأكولا
وأكله. وأشار بقوله بثمرها إلى أنه لو قطع غصنا منها فوصله بشجرة أخرى فأكل من ثمر
تلك الشجرة من هذا الغصن أنه لا يحنث، وقال بعضهم: يحنث. وإلى أنه لو تكلف وأكل
من عين النخلة لا يحنث قالوا: وهو الصحيح، كذا في المحيط. وأشار بالنخلة إلى كل ما لا
يؤكل عينه. فلو حلف لا يأكل من هذا الكرم فهو على عنبه وحصرمه وزبيبة وعصيره - وفي
بعض المواضع - ودبسه والمراد عصيره فإنه ماء العنب وهو ما يخرج بلا صنع عند انتهاء نضج
العنب. وقيد بما لا يؤكل عينه لأنه ولو حلف لا يأكل من هذه الشاة فإنه يحنث باللحم
خاصة ولا يحنث باللبن والزبد لأنها مأكولة فينعقد اليمين عليها. وكذا لو حلف لا يأكل من
هذا العنب فإنه لا يحنث بزبيبه وعصيره لأن حقيقته ليست مهجورة فيتعلق الحلف بمسمى
العنب. وأطلق المصنف ولم يقيد بالنية للإشارة إلى أنه عند عدمها، فلو نوى أكل عينها لم
يحنث بأكل ما يخرج منها لأنه نوى حقيقة كلامه، كذا في المحيط. وينبغي أن لا يصدق قضاء
لأن المجاز صار متعينا ظاهرا فإذا نوى بخلاف الظاهر لا يقبل وإن كان حقيقة وله شواهد
كثيرة.
قوله: (ولو عين البسر والرطب واللبن لا يحنث برطبه وتمره وشيرازه بخلاف هذا
الصبي وهذا الشاب وهذا الحمل) لأن صفة الرطوبة والبسورة داعية إلى اليمين، وكذا كونه
534

لبنا فيتقيد به فإذا حلف لا يأكل هذا البسر فأكله بعدما صار رطبا أو حلف لا يأكل هذا
الرطب فأكله بعد ما صار تمرا يعني يابسا وهو بالتاء المثناة، أو حلف لا يأكل هذا اللبن فأكله
بعدما صار شيرازا أي رائبا وهو الخائر إذا استخرج ماؤه فإنه لا يحنث في هذه المسائل الثلاث
بخلاف ما إذا حلف لا يكلم هذا الصبي أو الشاب فكلمه بعد ما شاخ فإنه يحنث لأن
هجران المسلم بمنع الكلام منهي عنه فلم يعتبر الداعي في الشرع، ولان صفة الصبا داعية إلى
المرحمة لا إلى الهجران فلا تعتبر وتتعلق اليمين بالإشارة. وكذا لو حلف لا يأكل هذا الحمل
- بفتحتين ولد الشاة - فأكله بعد ما صار كبشا فإنه يحنث لأن صفة الصغر في هذا ليست
داعية إلى اليمين فإن الممتنع عنه أكثر امتناعا عن لحم الكبش. والأصل أن المحلوف عليه إذا
كان بصفة داعية إلى اليمين تقيد به في المعرف والمنكر فإن زالت زال اليمين عنه وما لا يصلح
داعية اعتبر في المنكر دون المعرف. قيد بقوله عين لأنه لو نكر فسيأتي. وقيد بهذا الصبي
لأنه لو حلف لا يكلم صبيا فكلم بالغا لا يحنث لأنه صار مقصودا بالحلف لكونه هو المعرف
للمحلوف عليه فيجب تقييد اليمين به وإن كان حراما، كذا في الكشف الكبير. فالصبي من
لم يبلغ وكذا الغلام فإذا بلغ فهو شاب وفتى إلى ثلاثين سنة أو ثلاث وثلاثين على الاختلاف
فهو كهل إلى خمسين سنة فهو شيخ كما في الذخيرة. وأشار المصنف إلى أنه لو حلف لا يأكل
هذا العنب فصار زبيبا أو لا يأكل هذا اللبن فصار جبنا أو حلف لا يأكل من هذه البيضة
فأكل من فراريجها أو لا يذوق من هذا الخمر فصار خلا أو حلف لا يأكل من زهرة هذه
الشجرة فأكل بعد ما صار لوزا أو مشمشا فإنه لا يحنث بخلاف ما إذا حلف لا يأكل تمرا
فأكل حيسا فإنه يحنث لأنه تمر مفتت فإن التمر بجميع أجزائه قائم إذ تفرقت أجزاؤه لا غير،
كذا في المحيط. وفسر الحيس في البدائع بأنه اسم لتمر ينقع في اللبن ويتشرب فيه اللبن،
وقيل هو طعام يتخذ من تمر ويضم إليه شئ من السمن أو غيره، والغالب هو التمر فكان
أجزاء التمر بحالها فيبقى الاسم اه‍. والكلام ليس بقيد في مسألتي الصبي لأنه لو حلف لا
يجامع هذه الصبية فجامعها بعد ما صارت كبيرة يحنث كما في البدائع. ولو حلف لا يأكل
من هذه الجدحة فأكلها بعد ما صارت بطيخا لا رواية فيه، واختلف المشايخ فيه، كذا في
البدائع أيضا. وفيها أيضا: إذا نوى في الفصول المتقدمة ما يوجب الحنث حنث لأنه شدد
على نفسه.
ثم اعلم أن الأصل فيما إذا حلف لا يأكل معينا فأكل بعضه إن كان يأكله الرجل في
مجلس أو يشربه في شربة فالحلف على جميعه، ولا يحنث بأكل بعضه لأن المقصود الامتناع عن
أكله وكل شئ لا يطاق أكله في المجلس ولا شربه في شربة يحنث بأكل بعضه لأن المقصود
من اليمين الامتناع عن أصله لا عن جميعه، فلو حلف لا يأكل من ثمر هذا البستان أو من
تمرها تين النخلتين أو من هذين الرغيفين أو من لبن هاتين الشاتين أو من هذا الغنم أو لا
535

أشرب من ماء هذه الأنهار فأكل أو شرب بعضه يحنث لأن كلمة من للتبعيض فكانت
اليمين متناولة بعض المذكور وقد وجد. وكذلك لو قبض دينارا فوجد درهمين زائفين فحلف
لا يأخذ منهما شيئا وأخذ أحدهما حنث. ولو قال لا أشرب لبن هاتين الشاتين ونحو ذلك لم
يحنث حتى يشرب من لبن كل شاة، ولا يعتبر شرب الكل لأنه غير مقصود. ولو حلف لا
يأكل سمن هذه الخابية فأكل بعضه حنث ولو كان مكان الاكل بيعا فباع بعضها لا يحنث لأن
الاكل لا يتأتى على جميعه في مجلس واحد ويتأتى البيع. ولو حلف لا يأكل هذه البيضة لا
يحنث حتى يأكلها كلها، ولو حلف لا يأكل هذا الطعام فإن كان يقدر على أكل كله دفعة
واحدة لا يحنث حتى يأكل كله، وإن لم يقدر حنث بأكل بعضه وهو الأصح المختار لمشايخنا.
ولو قال لامرأتيه إن أكلتما هذين الرغيفين فعبدي حر فأكلت كل واحدة منهما رغيفا عتق
العبد، وكذلك لو أكلت إحداهما الرغيفين إلا شيئا وأكلت الباقي الأخرى يحنث، كذا في
المحيط. وفي البدائع معزيا إلى الأصل بعد ما ذكر هذه المسائل قال: ولو قال لا آكل هذه
الرمانة فأكلها إلا حبة أو حبتين حنث في الاستحسان لأن ذلك القدر لا يعتد به فإنه يقال في
العرف لمن أكل رمانة وترك منها حبة أو حبتين أنه أكل رمانة، وإن ترك نصفها أو ثلثها أو
ترك أكثر مما لا يجري في العرف أنه يسقط من الرمانة لم يحنث لأنه لا يسمى أكلا لجميعها
اه‍. وبه يعلم أن اليسير من الرغيف وغيره كالعدم كاللقمة. وفي الواقعات: اغترف من
القدر ثم قال والله لا آكل من هذا القدر فأكل ما في القصعة لا يحنث لأن اليمين على ما بقي
في القدر. ثم قال في الفصل التاسع: قال إن أكلت هذا الرغيف اليوم فامرأته طالق ثلاثا
وإن لم آكله اليوم فأمته حرة فأكل النصف لم يحنث لانعدام شرط الحنث في اليمينين وهو أكل
الكل أو ترك الكل، ولو أخذ لقمة فوضعها في فيه فقال له رجل امرأتي طالق إن أكلتها وقال
آخر امرأتي طالق إن أخرجتها من فيك فأكل البعض وأخرج البعض لم يحنث أحدهما لأن
شرط الحنث أكل الكل أو إخراج الكل ولم يوجد. قال هذا الرغيف علي حرام فأكل بعضه
حيث وهذا بخلاف قوله لا آكل هذا الرغيف إذا كان مما يؤكل كله في مجلس واحد والفتوى
على ذلك اه‍. وقيد المصنف باليمين لأنه لو أوصى بهذا الرطب فصار تمرا ثم مات لم تبطل
الوصية لأن بعض الموصى به قد فات وفوات بعض الموصى به لا يوجب بطلانها، وفي
536

اليمين تناول بعض المحلوف عليه فلا يحنث بخلاف ما إذا أوصى بعنب ثم صار زبيبا ثم مات
الموصي بطلت الوصية. والفرق أن الرطب والتمر صنف واحد لقلة التفاوت بينهما بخلاف
العنب والزبيب فإنه تبديل وهلاك، كذا في غاية البيان. قوله: (لا يأكل بسرا فأكل رطبا لا
يحنث) لأنه ليس ببسر كما لو حلف لا يأكل عنبا فأكل زبيبا. قيد به لأنه لو حلف لا يأكل
جوزا فأكل منه رطبا أو يابسا، وكذلك اللوز والفستق والبندق والتين وأشباه ذلك لأن الاسم
يتناول الرطب واليابس جميعا، كذا في البدائع.
قوله: (وفي لا يأكل رطبا أو بسرا أو لا يأكل رطبا ولا بسرا حنث بالمذنب) وهو بكسر
النون كما في المغرب. يقال بسر مذنب وقد ذنب إذا بدا الارطاب من قبل ذنبه وهو ما سفل
من جانب القمع والعلاقة. وأما الرطب فهو ما أدرك من تمر النخل الواحدة رطبة، فالرطب
المذنب هو الذي أكثره رطب وشئ قليل منه بسر، والبسر المذنب عكسه. وهذا عند أبي
حنيفة. وقالا: لا يحنث في الرطب بالبسر المذنب ولا في البسر بالرطب المذنب لأن الرطب
المذنب يسمى رطبا والبسر المذنب يسمى بسرا وصار كما إذا كانت اليمين على الشراء. وله
أن الرطب المذنب ما يكون في ذنبه قليل بسر والبسر المذنب على عكسه فصار أكله أكل البسر
والرطب، وكل واحد مقصود في الاكل بخلاف الشراء فإنه يصادف الجملة فيتبع القليل فيه
الكثير، وفي أكثر الكتب المعتبرة أن محمدا مع أبي حنيفة. وحاصل المسائل أربع: وفاقيتان
وخلافيتان، فالوفاقيتان ما إذا حلف لا يأكل رطبا فأكل رطبا مذنبا، وما إذا حلف لا يأكل
بسرا فأكل بسرا مذنبا فيحنث فيهما اتفاقا. والخلافيتان ما إذا حلف لا يأكل رطبا فأكل بسرا
مذنبا، وما إذا حلف لا يأكل بسرا فأكل رطبا مذنبا فإنه يحنث عندهما خلا والآبي يوسف.
قوله: (ولا يحنث بشراء كباسة بسر فيها رطب في لا يشتري رطبا) أي لو حلف لا يشتري
رطبا فاشترى كباسة بسر فيها رطب لم يحنث لأن الشراء يصادف جملته والمغلوب تابع، ولو
كان اليمين على الاكل يحنث لأن الاكل يصادفه شيئا فشيئا فكان كل واحد منهما مقصودا،
وصار كما إذا حلف لا يشتري شعير أو لا يأكل فاشترى حنطة فيها حبات شعيرا أو أكلها
يحنث في الاكل دون الشراء لما قدمنا قال في الخانية: لو حلف لا يشتري ألية فاشترى شاة
مذبوحة كان حانثا، وكذا إذا حلف لا يشتري رأسا. والكباسة - بكسر الكاف - عنقود النخل
والجمع كبائس. قال في التبيين: بخلاف ما إذا عقد يمينه على المس حيث يحنث في الوجوه
كلها لأن المس فيها متصور حقيقة واسم المحلوف عليه باق بخلاف ما إذا حلف لا يمس قطنا
أو كتانا فمس ثوبا اتخذ منه حيث لا يحنث لزوال اسم القطن والكتان عنه فصار كمن حلف
لا يأكل سمنا أو زبدا أو لا يمسه فأكل لبنا أو مسه. قوله: (وبسمك في لا يأكل لحما) أي
537

لو حلف لا يأكل لحما لا يحنث بأكل لحم السمك وإن سماه الله تعالى لحما في القرآن
للعرف، وقد قدمنا أن الايمان مبنية عليه لا على الحقيقة وهو أولى مما في الهداية من أن
التسمية التي وقعت في القرآن مجازية لا حقيقية لأن اللحم منشؤه من الدم ولا دم في السمك
لسكونه في الماء ولذا حل بلا ذكاة فإنه ينتقض بالألية تنعقد من الدم، ولا يحنث بأكلها لمكان
العرف وهي أنها لا تسمى لحما. وأيضا يمنع أن اسم اللحم باعتبار الانعقاد من الدم لا
باعتبار الالتحام، ألا ترى أنه لو حلف لا يركب دابة فركب كافرا أو لا يجلس على وتد
فجلس على جبل أنه لا يحنث مع تسميتها في القرآن دابة وأوتادا. وهذا كله إذا لم ينو، أما إذا
نواه فأكل سمكا طريا أو مالحا يحنث. وفي المحيط: وفي الايمان يعتبر العرف في كل موضع
حتى قالوا: لو كان الحالف خوارزميا فأكل لحم السمك يحنث لأنهم يسمونه لحما، ولو
حلف لا يشتري خبزا فاشترى خبز الأرز لا يحنث إلا أن يكون بطبرستان اه‍.
قوله: (ولحم الخنزير والانسان والكبد والكرش لحم) لأن منشأ هذه الأشياء الدم
فصارت لحما حقيقة فيحنث بأكلها في حلفه لا يأكل لحما وإن كان لحم الخنزير والآدمي
حراما لأن اليمين قد تنعقد لمنع النفس عن الحرام كما لو حلف لا يزني أو لا يكذب تصح
يمينه، وكذا يدخل في العموم ألا ترى أنه لو حلف لا يشرب شرابا يدخل فيه الخمر حتى
تلزمه الكفارة بشربها لكونها شرابا حقيقة، ووجوب الكفارة في اليمين ليس لعينها بل لمعنى
في غيرها وهو هتك حرمة اسم الله تعالى. ولا يختلف ذلك بين أن تكون يمينه على الطاعة أو
على المعصية، وصحح الإمام العتابي أنه لا يحنث بأكل لحم الخنزير والآدمي. وقال في
الكافي: وعليه الفتوى اعتبارا للعرف وهذا هو الحق، وما في التبيين من أنه عرف عملي لا
يصلح مقيد اللفظ بخلاف العرف اللفظي ألا ترى أنه لو حلف لا يركب دابة لا يحنث
بالركوب على الانسان للعرف اللفظي لأن اللفظ عرفا لا يتناول إلا الكراع وإن كان في اللغة
يتناوله. ولو حلف لا يركب حيوانا يحنث بالركوب على الانسان لأن اللفظ يتناول جميع
الحيوانات والعرف العملي وهو أنه لا يركب عادة لا يصلح مقيدا اه‍. فقد رده في فتح القدير
بأنه غير صحيح لتصريح أهل الأصول بقولهم الحقيقة تترك بدلالة العادة إذ ليست العادة إلا
عرفا عمليا، ولم يجب عن الفرق بين الدابة والحيوان وهي واردة عليه إن سلمها. وفي
الخلاصة: لو حلف لا يأكل لحما فأكل شيئا من البطون كالكبد والطحال يحنث في عرف
أهل الكوفة، وفي عرفنا لا يحنث وهكذا في المحيط والمجتبى، ولا يخفى أنه لا يسمى لحما
538

في عرف أهل مصر أيضا فعلم أن ما في المختصر مبني على عرف أهل الكوفة، وأن ذلك
يختلف باختلاف العرف. وفي الخلاصة وغيرها: لو حلف لا يأكل لحما حنث بأكل لحم
الإبل والبقر والغنم والطيور، مطبوخا كان أو مشويا أو قديدا كما ذكره في الأصل. فهذا
من محمد إشارة إلى أنه لا يحنث بالني. وفي فتاوى أبي الليث عن أبي بكر الإسكاف أنه لا
يحنث وهو الأظهر، وعند الفقيه أبي الليث يحنث. ولو حلف لا يأكل من هذا اللحم شيئا
فأكل من مرقته لم يحنث إن لم يكن له نية المرقة اه‍. وفي الظهيرية: الأشبه أنه لا يحنث بأكل
النئ. وفي المحيط: حلف لا يأكل لحم شاة فأكل لحم عنز يحنث لأن الشاة اسم جنس
فيتناول الشاة أي الضأن وغيرها. وذكر الفقيه أبو الليث في نوازله أنه لا يحنث، سواء كان الحالف
قرويا أو مصريا، وعليه الفتوى لأنهم يفرقون بينهما عادة. ولو حلف لا يأكل لحم
بقرة لم يحنث بأكل لحم الجاموس لأنه وإن كان بقرا يعد في نصاب البقر ولكن خرج من
اليمين بتعارف الناس اه‍. وفي الخانية والرأس والأكارع لحم في يمين الاكل وليس بلحم
في يمين الشراء اه‍. وفي البدائع: حلف لا يأكل لحم دجاج فأكل لحم ديك حنث لأن
الدجاج اسم للذكر والأنثى جميعا. فأما الدجاجة فاسم للأنثى والديك اسم الذكر، واسم
الإبل يقع على الذكور والإناث، وكذا اسم الجمل والبعير والجزور، وهذه الأربعة تقع على
البخاتي والعراب، واسم البقر يقع على الأنثى والذكر كالشاة والغنم والنعجة اسم للأنثى
والكبش للذكر والفرس لهما كالبغل والبغلة والحمار للذكر والحمارة والاتان للأنثى.
قوله: (وبشحم الظهر في شحما) أي لو حلف لا يأكل شحما فأكل شحم الظهر لا
يحنث فهو معطوف على قوله وبسمك وهذا عند الإمام. وقالا: يحنث لوجود خاصية
الشحم فيه وهو الذوب بالنار. وله أنه لحم حقيقة ألا ترى أنه ينشأ من الدم ويستعمل
استعماله ويحصل به قوته. ولهذا يحنث بأكله في اليمين على أكل اللحم إجماعا كما في
المحيط، ولا يحنث ببيعه في اليمين على بيع الشحم. قال القاضي الأسبيجابي: إن أريد بشحم
الظهر شحم الكلية فقولهما أظهر وإن أريد به شحم اللحم فقوله أظهر اه‍. وفي فتح
القدير: صحح غير واحد قول أبي حنيفة وذكر الطحاوي قول محمد مع أبي حنيفة وهو قول
مالك والشافعي في الأصح. وقيد بشحم الظهر لأنه يحنث بشحم البطن اتفاقا. وذكر في
الكافي أن الشحوم أربعة: شحم البطن، وشحم الظهر، وشحم مختلط بالعظم، وشحم على
539

ظاهر الأمعاء. واتفقوا على أنه يحنث بشحم البطن والثلاثة على الخلاف اه‍. واليمين على
شراء اللحم كهي على أكله كما في التبيين. وفي فتح القدير: وما في الكافي لا يخلو من نظر
بل لا ينبغي خلاف في عدم الحنث بما على الأمعاء في العظم. قال الإمام السرخسي: إن
أحدا لم يقل بأن مخ العظم شحم اه‍. وكذا لا ينبغي خلاف في الحنث بما على الأمعاء لأنه
لا يختلف في تسميته شحما اه‍. وفسر في الهداية شحم الظهر بأنه اللحم السمين. وأشار
المصنف إلى أن المأمور بشراء اللحم إذا اشترى شحم الظهر لا يجوز على الآمر وهو مروي عن
محمد وهو دليل للإمام أيضا كما في المحيط. قوله: (وبألية في شحما ولحما) أي لا يحنث
يأكل ألية لو حلف لا يأكل لحما أو حلف لا يأكل شحما لأنها نوع ثالث حتى لا تستعمل
استعمال اللحوم والشحوم فلا يتناولها اللفظ معنى ولا عرفا. قوله: (وبالخبز في هذا البر)
أي لا يحنث بأكل الخبز في حلفه لا يأكل هذا البر فلا يحنث إلا بالقضم من عينها عند
الإمام. وقالا: إن أكل من خبزها حنث لأنه مفهوم منه عرفا. ولأبي حنيفة أن لها
حقيقة مستعملة فإنها تغلى وتقلى وتؤكل قضما وهي قاضية على المجاز المتعارف كما هو
الأصل عنده، ولو قضمها حنث عندهما على الصحيح لعموم المجاز كما إذا حلف لا يضع
قدمه في دار فلان وإليه الإشارة بقوله حنث في الخبز أيضا، كذا في الهداية. وصحح في
الذخيرة عنهما أنه لا يحنث بأكل عينها. وفي فتح القدير والمحيط: إنما يحنث بأكل عينها عند
الإمام إذا لم تكن نيئة بأن كانت مقلية كالبليلة في عرفنا، أما إذا قضمها نيئة لم يحنث لأنه غير
مستعمل أصلا. وأشار المصنف إلى أنه لو أكل من دقيقها أو سويقها فإنه لا يحنث بالأولى عند
الإمام. وأما عندهما فقالوا: لو أكل من سويقها حنث عند محمد خلافا لأبي يوسف. فيحتاج
أبو يوسف إلى الفرق بين الخبز والسويق، والفرق أن الحنطة إذا ذكرت مقرونة بالاكل يراد بها
الخبز دون السويق، ومحمد اعتبر عموم المجاز. وأطلقه المصنف فشمل ما إذا نوى عينها أو لم
تكن له نية كما في البدائع. ولا يخفى أنه إذا نوى أكل الخبز فإنه يصدق لأنه شدد على نفسه.
وقيد بكون الحنطة معينة لأنه لو حلف لا يأكل حنطة ينبغي أن يكون جوابه كجوابهما، ذكره
شيخ الاسلام. ولا يخفى أنه تحكم والدليل المذكور المتفق على إيراده في جميع الكتب يعم
المعينة والمنكرة وهو أن عينها مأكول، كذا في فتح القدير ولا فرق في الحكم بين أن يقول لا
آكل من هذه الحنطة أو هذه الحنطة كما في البدائع.
قوله: (وفي هذا الدقيق يحنث بخبزه لا بسفه) أي في حلفه لا يأكل هذا الدقيق لا
540

يحنث بأكل عينه لأن عينه غير مأكول بخلا ف الحنطة فانصرف إلى ما يتخذ منه فلو استفه كما
هو لم يحنث على الصحيح لتعين المجاز مرادا كما لو أكل عين النخلة كما قدمناه، وإن عنى
أكل الدقيق بعينه لم يحنث بأكل خبزه لأنه نوى الحقيقة. وفي المحيط: وكذلك لو أكل من
عصيدته يحنث لأنه قد يؤكل كذلك لأن أكل الدقيق هكذا يكون عند العقلاء فينصرف إلى ما
هو معتاد بينهم اه‍. وفي الظهيرية: حلف أن لا يأكل من هذا الدقيق فاتخذ منه خبيصا. قال
الفقيه أبو الليث: أخاف أن يحنثه اه‍. ومن الخبيص الحلواء فلو قال المصنف حنث بما يتخذ
منه لكان أولى. قوله: (والخبز ما اعتاده بلده فإذا حلف لا يأكل خبزا حنث بأكل خبز البر
والشعير) لأنه هو المعتاد في غالب البلاد فلو أكل من خبز القطائف لا يحنث لأنه لا يسمى
خبرا مطلقا إلا إذا نواه لأنه يحتمله، ولو أكل خبز الأرز بالعراق لم يحنث لأنه غير متعارف
عندهم حتى لو كان بطبرستان أو في بلد طعامهم ذلك حنث ولا يحنث بخبز الشعير إن كان
مصريا لأنهم لا يعتادون إلا خبز البر، ويحنث الحجازي واليمني بخبز الذرة لأنهم يعتادونه.
ودخل في الخبز الكماج لأنه خبز وزيادة للاختصاص باسم الزيادة لا للنقص. ولا يحنث
بالثريد لأنه لا يسمى خبزا مطلقا. وفي الخلاصة: حلف لا يأكل من هذا الخبز فأكله بعدما
تفتت لا يحنث لأنه لا يسمى خبزا. ولا يحنث بالعصيد والططماج ولا يحنث لو دقه فشربه.
وعن أبي حنيفة في حيلة أكله أن يدقه فيلقيه في عصيدة ويطبخ حتى يصير الخبز هالكا وقد
سئل المحقق ابن الهمام عن بدوي اعتاد أكل خبز الشعير فدخل البلدة المعتاد فيها أكل خبز
الحنطة واستمر هو لا يأكل إلا الشعير فحلف لا يأكل خبزا قال: فقلت لا ينعقد إلا على
عرف نفسه فيحنث بالشعير لأنه لم ينعقد على عرف الناس إلا لأن الحالف يتعاطاه فهو منهم
فينصرف كلامه لذلك وهذا منتف فيمن لم يوافقهم بل هو مجانب لهم اه‍. وفي الظهيرية:
يحنث بأكل الزما ورد وهو ما يقطع من الخبز مستدبرا بعد أن كان محشوا بالبيض وغيره، ولو
أكل الخبز مبلولا حنث. وفي الخانية أنه يحنث بأكل الرقاق اه‍. وينبغي أن يخص ذلك
بالرقاق البيساني بمصر، أما الرقاق الذي يحشى بالسكر واللوز فلا يدخل تحت اسم الخبز في
عرفنا كما لا يخفى. وفي الظهيرية: لو حلف لا يأكل خبز فلانة الخابزة والخابزة هي التي
تضرب الخبز في التنور دون التي تعجنه وتهيئه للضرب فإن أكل من خبز التي ضربته حنث
وإلا فلا اه‍.
قوله: (والشواء والطبيخ على اللحم) فإذا حلف لا يأكل الشواء لا يحنث إلا بأكل
اللحم دون الباذنجان والجزر لأنه يراد به اللحم المشوي عند الاطلاق إلا أن ينوي ما يشوي
من بيض وغيره لمكان الحقيقة. وكذا إذا حلف لا يأكل الطبيخ فهو على ما يطبخ من اللحم
541

وهذا استحسان اعتبارا للعرف، وهذا لأن التعميم متعذر فيصرف إلى خاص وهو متعارف
وهو اللحم المطبوخ بالماء إلا إذا نوى غير ذلك لأن فيه تشديدا، وإن أكل من مرقه يحنث لما
فيه من أجزاء اللحم ولأنه يسمى طبيخا وإن كان لا يسمى لحما كما قدمناه. وفي البدائع:
حلف لا يأكل من طبيخ امرأته فسخنت له قدرا قد طبخها غيرها أنه لا يحنث لأن الطبخ فعل
من طبخ وهو الفعل الذي يسهل به أكل اللحم وذلك وجد من الأول لا منها اه‍. وفي
التجريد: قيل اسم الطبخ يقع بوضع القدر لا بإيقاد النار، وقيل لو أوقد غيرها فوضعت هي
القدر لا يحنث اه‍. وفي عرفنا ليس واضع القدر طابخا قطعا ومجرد الايقاد كذلك، ومثله
يسمى صبي الطباخ يعني معينه، والطباخ هو المركب بوضع التوابل وإن لم يوقد، كذا في فتح
القدير. ويرد على المصنف شيئان: الأول أن الطبيخ ليس هو اللحم خاصة وإنما هو ما يطبخ
بالماء من اللحم حتى أن ما يتخذ قلية من اللحم لا يسمى طبيخا فلا يحنث به كما صرح به
في التبيين وغيره. فإن قيل إنه أراد به المطبوخ بالماء قلنا: لا يصح ذلك في الشواء لأنه لا
يحنث فيه إذا أكل لحما مطبوخا بالماء لأن اللحم المشوي هو الذي لم يطبخ بالماء وقد جعلهما
واحدا. والثاني أن الطبيخ لا يختص بالمطبوخ من اللحم لما في الخلاصة أنه يحنث بالأرز إذا
طبخ بودك، وكذا العدس كما في الظهيرية بخلاف ما إذا طبخ بزيت أو سمن. قال ابن
سماعة: الطبيخ يقع على الشحم أيضا. زاد في البدائع أنه يقع على ما طبخ بالألية أيضا. قال
في فتح القدير: ولا شك أن اللحم بالماء طبيخ وإنما الكلام في أنه المتعارف الظاهر أنه لا
يختص به اه‍. وأشار المصنف رحمه الله إلى أنه لو أكل سمكا مطبوخا لا يحنث لأنه لا يسمى
طبيخا في العرف كما صرح به في البدائع. وفي المغرب: الودك من الشحم أو اللحم ما
تحلب منه وقول الفقهاء ودك الميتة من ذلك اه‍. وحاصله أنه الدهن الخاص وهو دهن
الشحم أو اللحم. قال في تهذيب القلانسي: وما يطبخ مع الادهان يسمى مزورة اه‍.
ومراده غير دهن اللحم والشحم كما قدمناه. فعلى هذا لو حلف لا يأكل طبيخا لا يحنث
بأكل المزروة التي تفعل للمريض. قيد المصنف بالطبيخ لأنه لو حلف لا يأكل طعاما فأكل
خبزا أو فاكهة أو غير ذلك مما يؤكل على وجه التطعم كان حانثا، وإن أكل ما له طعم لكن
لا يؤكل على وجه التطعم كالسقمونيا ونحو ذلك لا يحنث في يمينه. كذا في الخانية وفي
الظهيرية: حلف لا يأكل طعاما فأكل ملحا أو خلا أو كامخا أو زيتا يحنث في يمينه، هكذا
رواه ابن رستم عن محمد. وقال: كل شئ يؤكل فهو طعام فقد جعل محمد الخل طعاما.
وقال أبو يوسف: الخل ليس بطعام. قال القدوري في كتابه: وحقيقة الطعام ما يطعم ولكن
يختص في العرف ببعض الأشياء، فإن السقمونيا وما أشبه ذلك من الأدوية الكريهة لا تسمى
طعاما اه‍. وفي البدائع: لو حلف لا يأكل طعاما فأكل شيئا يسيرا يحنث لأن قليل الطعام
طعام وفي المحيط: لو حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من نبيذه لم يحنث والنبيذ شراب
542

عند أبي يوسف. وقال محمد: هو طعام. ولو حلف لا يشتري طعاما مالا يحنث إلا بشراء
الحنطة والدقيق والخبز استحسانا، وفي الواقعات: حلف لا يأكل طعاما فأكل دواء إن كان
من الدواء الذي لا يكون له طعم ولا يكون غداء ويكون مرا كريها لا يحنث لأنه لا يسمى
طعاما، وإن كان دواء له حلاوة مثل الحلنجبين يحنث لأن له طعما ويكون به غداء. حلف لا
يأكل من طعام فلان فأكل من خله بطعام نفسه أو بزيته أو بملحه حنث لأنه أكل من طعامه
اه‍. وفي البدائع: حلف لا يأكل طعاما فاضطر إلى أكل ميتة فأكل منها لم يحنث.
قوله: (والرأس ما يباع في مصره) فلو حلف لا يأكل رأسا انصرفت يمينه إلى ما
يكبس في التنانير في تلك البلدة وتباع فيها من رؤس الإبل والبقر والغنم وهو المراد بقوله
ما يباع في مصره أي من الرؤس غير نئ. وخصه في الجامع الصغير برؤس البقر والغنم
عند الإمام، وعندهما بالغنم خاصة وهو اختلاف عصر، وفي زماننا هو خاص بالغنم فوجب
على المفتي أن يفتي بما هو المعتاد في كل مصر وقع فيه حلف الحالف كما أفاده في المختصر.
وما في التبيين من أن الأصل اعتبار الحقيقة اللغوية إن أمكن العمل بها وإلا فالعرف إلى آخره
مردود لأن الاعتبار إنما هو للعرف، وتقدم أن الفتوى على أنه لا يحنث بأكل لحم الخنزير
والآدمي ولذا قال في فتح القدير: ولو كان هذا الأصل المذكور منظورا إليه لما تجاسر أحد
على خلافه في الفروع ا ه‍. وفي البدائع: والاعتماد إنما هو على العرف وبما ذكرناه اندفع
ما ذكره الأسبيجابي أنه في الاكل يقع على الكل إذا أكل ما يسمى رأسا، وفي الشراء يقع على
رأس البقر والغنم عنده، وعندهما على الغنم خاصة، ولا يقع على رأس الإبل بالاجماع لما
علمت أنه في الاكل خاص بما يباع في مصره. وفي المغرب: يكبس في التنور يطم به التنور
أو يدخل فيه من كبس الرجل رأسه في قميصه إذا أدخله قوله: (والفاكهة التفاح والبطيخ
والمشمش لا العنب والرمان والرطب والقثاء والخيار) وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: يحنث في
الرمان والعنب والرطب أيضا، والأصل أن الفاكهة اسم لما يتفكه به قبل الطعام وبعده أي
يتنعم به زيادة على المعتاد، والرطب واليابس فيه سواء بعد أن يكون التفكه به معتادا حتى لا
يحنث بيابس البطيخ وهذا المعنى موجود في التفاح وأخواتها فيحنث بها وغير موجود في
القثاء والخيار لأنهما من البقول بيعا وأكلا فلا يحنث بهما. وأما العنب والرطب والرمان فهما
يقولان معنى التفكه موجود فيهما فإنها أعز الفواكه والتنعم بها يفوق التنعم بغيرها، وأبو
حنيفة يقول إن هذه الأشياء مما يتغذى بها ويتداوى بها فأوجب قصورا في معنى التفكه
للاستعمال في حالة البقاء، ولهذا كان اليابس منها من التوابل أو من الأقوات. وذكر في
الكشف الكبير أن هذا اختلاف عصر وزمان فأبو حنيفة أفتى على حسب عرفه وتغير العرف
في زمانهما وفي عرفنا ينبغي أن يحنث بالاتفاق ا ه‍. وفي الظهيرية قال محمد في الأصل:
543

التوت فاكهة. وعن أبي يوسف أن العناب فاكهة. وفي الأصل الجوز فاكهة. قال القدوري:
ثمر الشجر كلها فاكهة إلا الرمان والعنب والرطب والبطيخ من الفواكه، هكذا ذكر القدوري.
وروى الحاكم الشهيد في المنتقي عن أبي يوسف ذكر شمس الأئمة السرخسي في شرحه أن
البطيخ ليس من الفواكه فإنه ذكر أن ما لا يؤكل يابسه فاكهة فرطبه لا يكون فاكهة. وقال أبو
حنيفة: ليس الباقلاء الأخضر بفاكهة. والحاصل أن العبرة في جميع ذلك للعرف فما يؤكل على
سبيل التفكه عادة ويعد فاكهة في العرف يدخل تحت اليمين وما لا فلا ا ه‍. وفي المحيط: ما
روي أن الجوز واللوز من الفاكهة هو في عرفهم أما في عرفنا فإنه لا يؤكل للتفكه. وقال
محمد: قصب السكر والبسر الأحمر فاكهة، ولو حلف لا يأكل من فاكهة العام وثمار العام
فإن كان في أيام الفاكهة الرطبة فهو على الرطب، فإن أكل اليابس لا يحنث، وإن كان في غير وقتها
فهو على اليابس وهذا استحسان لتعارف الناس إطلاق اسم الفاكهة في وقت الرطب على
الرطب دون اليابس ا ه‍. وفي البدائع: لو حلف لا يأكل فاكهة فأكل زبيبا أو تمرا أو حب
الرمان لا يحنث بالاجماع والجوز رطبه فاكهة ويابسه إدام ا ه‍. قيد المصنف بالفاكهة لأنه لو
حلف لا يأكل الحلواء فالحلواء عندهم كل حلو ليس من جنسه حامض وما كان من جنسه
حامض فليس بحلواء، والمرجع فيه إلى العرف فيحنث بأكل الخبيص والعسل والسكر والناطف
والرب والرطب والتمر وأشباه ذلك، وكذا روي المعلى عن محمد إذا أكل تينا رطبا أو يابسا لأنه
ليس من جنسها حامض فخلص معنى الحلاوة فيه. ولو أكل عنبا حلوا أو بطيخا حلوا أو رمانا
حلوا أو إجاصا لم يحنث لأن من جنسه ما ليس بحلواء، وكذا الزبيب، وكذا إذا حلف لا
يأكل حلواة فهو مثل الحلواء، كذا في البدائع. وحاصله أن الحلو والحلواء والحلاوة واحد،
وهذا ليس في عرفنا فإن في عرفنا الحلو اسم للعسل المطبوخ على النار بنشاء ونحوه، وأما
الحلواء والحلاوة فاسم لسكر أو عسل أو ماء عنب طبخ على النار وعقد حتى صار جامدا
كالعقيد والفانيذ والحلاوة الجوزية والسمسمية ونحوها. وكذا قال في الظهيرية. قال القدوري:
المرجع في هذا إلى عادات الناس فعلى هذا لا يحنث في الفانيذ والعسل والسكر في بلادنا ا ه‍.
ولو حلف لا يأكل شهدا فأكل عسلا لا يحنث لأن العسل اسم للصافي والشهد اسم للمختلط،
ولو حلف لا يأكل سكرا فأكل سكرا بفيه وجعل يمتصه حتى ذاب فابتلع ماءه لم يحنث، كذا في
الظهيرية أيضا.
قوله: (والإدام ما يصطبغ كالخل والملح والزيت لا اللحم والبيع والجبن) أي هو
شئ يصبغ الخبز إذا اختلط به. وهذا عند أبي يوسف. وقال محمد: هو ما يؤكل مع الخبز
544

غالبا وهو رواية عن أبي يوسف لأن الادام من المآدمة وهي الموافقة وكل ما يؤكل مع الخبز
موافق له كاللحم والبيض ونحوه. ولهما أن الادام ما يؤكل تبعا والتبعية في الاختلاط حقيقة
ليكون قائما به، وفي أن لا يؤكل على الانفراد حكما وتمام الموافقة في الامتزاج أيضا، والخل
وغيره من المائعات لا تؤكل وحدها بل تشرب والملح لا يؤكل بانفراده عادة ولأنه يذوب
فيكون تبعا بخلاف اللحم وما يضاهيه لأنه يؤكل وحده إلا أن ينويه لما فيه من التشديد.
والعنب والبطيخ ليس بإدام بالاجماع وهو الصحيح. وبهذا ظهر أن تخصيص الزيلعي الادام
بالمائع صحيح في الملح أيضا باعتبار أنه يذوب في الفم ويحصل به صبغ الخبز. والاصطباغ
افتعال من الصبغ ولما كان ثلاثيه وهو صبغ متعديا إلى واحد جاء الافتعال منه لازما فلا يقال
اصطبغ الخبز لأنه لا يصل إلى المفعول حتى يقام مقام الفاعل إذا بنى الفعل له فإنما يقام غيره
من الجار والمجرور ونحوه فلذا يقال اصطبغ به. وذكر القلانسي في تهذيبه أن الفتوى على
قول محمد للعرف ا ه‍. وفي المحيط: وقول محمد أظهر وبه أخذ الفقيه أبو الليث ا ه‍.
ويكفيه الاستدلال بالعرف الظاهر لأن مبناها عليه فلا حاجة إلى الاستدلال له بالحديث سيد
إدامكم اللحم والحكاية هي أن ملك الروم كتب إلى معاوية أن ابعث إلى بشر إدام على يد شر
رجل فبعث إليه جبنا على يد رجل يسكن في بيت أصهاره وهو من أهل اللسان لأن كونه
سيده لا يستلزم أن يكون منه إذ يقال في الخليفة سيد العجم وليس هو منهم. وأما حكاية
معاوية فيتوقف الاستدلال بها على صحتها وهي بعيدة إذ يبعد من إمام عادل أن يتكلف
إرسال شخص إلى بلاد الروم ملتزما لمؤنته لغرض مهمل لكافر والسكن في بيت الصهر قط
لا يوجب أن يكون الساكن شر رجل فآثار البطلان تلوح على هذه القضية كما في فتح
القدير. قال التمرتاشي: وهذا الاختلاف بينهم على عكس اختلافهم فيمن حلف لا يأكل إلا
رغيفا فأكل معه البيض ونحوه لم يحنث عندهما، وحنث عند محمد. وإذا أكل الادام وحده
فإن كان حلف لا يأكل إداما حنث، وإن كان حلف لا يأتدم بإدام لا يحنث بأكله وحده فلا
بد من أن يأكل معه الخبز كما أشار إليه في الكشف الكبير. وفي المحيط: قال محمد: التمر
والجوز ليس بإدام لأنه يفرد بالاكل في الغالب فكذا العنب والبطيخ والبقل لأنه لا يؤكل تبعا
للخبز بل يؤكل وحده غالبا، وكذلك سائر الفواكه حتى لو كان في موضع يؤكل تبعا للخبز
غالبا يكون إداما عنده اعتبارا للعرف ا ه‍. وفي الظهيرية: والبقل ليس بإدام بلا خلاف على
الأصح. وفي البدائع: سئل محمد عمن حلف لا يأكل خبزا مأدوما فقال: الخبز المأدوم الذي
يثرد ثردا يعني في المرق والخل وما أشبهه فقيل له: فإن ثرد في ماء وملح فلم ير ذلك
545

مأدوما. وعن أبي يوسف أن تسمية هذه الأشياء على ما يعرف أهل تلك البلاد في كلامهم
ا ه‍.
قوله: (والغداء الاكل من الفجر إلى الظهر) أي التغدي الاكل في هذا الوقت وإنما
فسرناه به لأن الغداء في الحقيقة بفتح الغين المعجمة والمداسم لما يؤكل في الوقت الخاص لا
للاكل. وقد ترك المصنف قيدين ذكرهما قاضيخان في فتاواه فقال: التغدي الاكل المترادف
الذي يقصد به الشبع في وقت خاص وهو ما بعد طلوع الفجر إلى زوال الشمس مما يتغدى
به عادة، وغداء كل بلدة ما تعارفه أهل تلك البلدة ا ه‍. وفي التبيين: ومقدار ما يحنث به
من الاكل أن يكون أكثر من نصف الشبع لأن اللقمة واللقمتين لا تسمى غداء عادة، وجنس
المأكول يشترط أن يكون ما يأكله أهل بلدته عادة حتى لو شرب اللبن وشبع لا يحنث إن كان
حضريا وإن كان بدويا يحنث ا ه‍. وفي المحيط: لو حلف لا يتغدى فهو على الخبز فلو تغدى
بغير الخبز من الأرز والتمر واللبن لم يحنث إن كان غير بدوي. ولو حلف على فعل ماض بأن
قال والله ما تغديت اليوم وقد تغدى بأرز وسمن ينبغي أن يحنث، وإن تغدى المصري بالعنب
لم يحنث إلا أن يكون من أهل الرساتيق ممن عادتهم التغدي بالعنب في وقته ا ه‍. وقد
اختلف في أول وقته فذكر الأسبيجابي أنه طلوع الشمس وهكذا في الخلاصة، وينبغي أن
يكون هو المعتمد للعرف لأن الاكل قبل طلوع الشمس لا يسمونه غداء. وأشار المصنف
رحمه الله إلى أنه لو حلف ليأتينه غدوة فأتاه بعد طلوع الفجر إلى نصف النهار فقد بد وهو
غدوة لأنه وقت الغداء كما في البدائع: وأما الصحوة فمن بعد طلوع الشمس من الساعة
التي تحل فيها الصلاة إلى نصف النهار لأنه وقت الصلاة الضحى. قال محمد: إذا حلف لا
يصبح فالتصبيح عندي ما بين طلوع الشمس وارتفاع الضحى الأكبر، فإذا ارتفع الضحى
الأكبر ذهب وقت التصبيح لأن التصبيح تفعيل من الصباح والتفعيل للتكثير فيقتضي زيادة
على ما يفيده إلا صباح ا ه‍ قوله: (والعشاء منه إلى نصف الليل) أي التعشي الاكل من
الزوال إلى نصف الليل، وأما العشاء - بفتح العين والمد - فاسم للمأكول في هذا الوقت كما
تقدم في الغداء. والشرطان السابقان في التغدي يأتيان هنا. قلنا: وإنما كان كذلك لأن ما
بعد الظهر يسمى عشاء - بكسر العين - ولهذا يسمى الظهر إحدى صلاتي العشاء في
الحديث. وذكر الإمام الأسبيجابي أن هذا في عرفهم وأما في عرفنا فوقت العشاء بعد صلاة
546

العصر ا ه‍. وهذا هو الواقع في عرف أهل مصر لأنهم يسمون ما يأكلونه بعد الزوال
وسطانية. قيد بالعشاء لأن السحور هو الاكل بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر مأخوذ من
السحر وهو قريب السحر لكن روى المعلى عن محمد فيمن حلف لا يكلمه إلى السحر قال:
إذا دخل ثلث الليل الأخير فليكلمه لأن وقت السحر ما قرب من الفجر. وقال هشام عن
محمد: المساء مساءان: أحدهما إذا زالت الشمس ألا ترى أنك تقول إذا زالت كيف أمسيت.
والمساء الآخر إذا غربت الشمس فإذا حلف بعد الزوال لا يفعل كذا حتى يمسي كان ذلك
على غيبوبة الشمس لأنه لا يمكن حمل اليمين على المساء الأول فيحمل على الثاني، كذا في
البدائع.
قوله: (إن لبست أو أكلت أو شربت ونوى معينا لم يصدق أصلا) أي لا قضاء ولا
ديانة لأن النية إنما تصح في الملفوظ، والثوب والطعام والماء غير مذكور تنصيصا والمقتضى
بالفتح لا عموم له فلغت نية التخصيص فيه كما في الهداية وغيرها، فحنث بأي شئ أكل
أو شرب أو لبس. وتعقبهم في فتح القدير بأن التحقيق أن المفعول في لا آكل ولا ألبس ليس
من باب المقتضى لأن المقتضى ما يقدر لتصحيح المنطوق وذلك بأن يكون الكلام مما يحكم
بكذبه على ظاهره مثل رفع الخطأ والنسيان أو بعدم صحته شرعا مثل أعتق عبدك عني،
وليس قول القائل لا آكل يحكم بكذب قائله بمجرده ولا متضمنا حكما يصح شرعا، نعم
المفعول أعني المأكول من ضروريات وجود فعل الاكل ومثله ليس من باب المقتضى وإلا كان
كل كلام كذلك إذ لا بد أن يستدعي معناه زمانا أو مكانا فكان لا يفرق بين قولنا الخطأ
والنسيان مرفوعان وبين قام زيد وجلس عمرو فإنما هو من باب حذف المفعول اقتصارا أو
تناسيا. وطائفة من المشايخ وإن فرقوا بين المقتضى والمحذوف وجعلوا المحذوف يقبل العموم
قلنا لك أن تقول: إن عمومه لا يقبل التخصيص، وقد صرح من المحققين جمع بأن من
العمومات ما لا يقبل التخصيص مثل المعاني إذا قلنا بأن العموم من عوارض المعاني كما هو
من عوارض الألفاظ وغير ذلك فكذلك هذا المحذوف إذ ليس في حكم المنطوق لتناسيه
وعدم الالتفات إليه إذ ليس الغرض إلا الاخبار بمجرد الفعل على ما عرف أن الفعل المتعدي
قد ينزل منزلة اللازم لما قلنا، والاتفاق على عدم صحة التخصيص في باب المتعلقات من
الزمان والمكان حتى لو نوى لا يأكل في مكان دون آخر أو زمان لا تصح نيته بالاتفاق ا ه‍.
وفي البدائع: حلف لا يركب ونوى الخيل لا يصدق قضاء ولا ديانة. وفي فتح القدير:
حلف لا يغتسل أو لا ينكح وعنى من جنابة أو امرأة دون امرأة لا يصدق أصلا، وكذا لا
يسكن دار فلان وعنى بأجر ولم يسبق قبل ذلك كلام بأن استأجرها منه أو استعارها فأبى
فحلف ينوي السكن بالإجارة والإعارة لا يصح أصلا. وكذلك لو حلف لا يتزوج امرأة
ونوى كوفية أو بصرية لا يصح لأنه نية تخصيص الصفة، ولو نوى حبشية أو عربية صحت
547

ديانة لأنه تخصيص في الجنس. وفي البدائع: لو حلف لا يكلم هذا الرجل وعنى به ما دام
قائما لكنه لم يتكلم بالقيام كانت نيته باطلة وحنث إن كلمه، ولو حلف لا يكلم هذا القائم
دين لورود التخصيص على الملفوظ، وكذلك إذا قال والله لأضربن فلانا
خمسين وهو ينوي بسوط بعينه فبأي شئ ضربه فقد خرج من يمينه والنية باطلة. ولو قال
والله لا أتزوج امرأة وعنى امرأة كان أبوها يعمل كذا وكذا فهو باطل ا ه‍. وخرج عن هذا
الأصل فعل الخروج والمساكنة فإذا قال إن خرجت فعبدي حر ونوى السفر مثلا يصدق ديانة
فلا يحنث بالخروج إلى غيره تخصيصا لنفس الخروج بخلاف ما إذا نوى الخروج إلى مكان
خاص كبغداد حيث لا يصح لأن المكان غير مذكور، وكذا لو حلف لا يساكن فلانا ونوى
المساكنة في بيت واحد يصح قالوا: لأن الخروج في نفسه متنوع إلى سفر وغيره حتى اختلفت
أحكامها. وكذا المساكنة متنوعة إلى كاملة وهي المساكنة في بيت واحد وإلى مطلقة وهي ما
تكون في دار وفيه بحث مذكور في فتح القدير.
قوله: (ولو زاد ثوبا أو طعاما أو شرابا دين) أي قبل منه نية التخصيص ديانة لا قضاء
لأنه نكرة في الشرط فتعم كالنكرة في النفي لكنه خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي. وفي
البدائع: قال والله لا أتزوج امرأة على وجه الأرض ينوي امرأة بعينها قال يصدق فيما بينه
وبين الله تعالى بخلاف ما إذا قال لا أشتري جارية ونوى متولدة فإن نيته باطلة لأنه تخصيص
الصفة فأشبه الكوفية والبصرية ا ه‍. قيد المصنف رحمه الله بكونه نوى البعض دون البعض
548

لأنه لو نوى الكل صدق قضاء وديانة ولا يحنث أصلا لما في المحيط: لو حلف لا يأكل
طعاما أو لا يشرب شرابا وعنى جميع الأطعمة أو جميع مياه العالم يصدق في القضاء. وفي
البدائع: لو قال والله لا آكل الطعام أو لا أشرب الماء أو لا أتزوج النساء فيمينه على بعض
الجنس، وإن أراد به الجنس صدق لأنه نوى ما هو حقيقة كلامه. وفي الكشف الكبير: إذا
قال والله لا أشرب ماء أو الماء أو لا آكل طعاما أو الطعام أنه يقع على الأدنى لأنه هو المتيقن
وهو الكل لولا غيره فيكون فيه معنى الجنسية أيضا، فإن نوى الكل صحت نيته فيما بينه
وبين الله تعالى حتى لا يحنث أصلا لأنه نوى محتمل كلامه لأنه فرد من حيث أنه اسم جنس
لكنه عدد من وجه فلم يتناوله الفرد إلا بالنية، كذا في شرح الجامع لفخر الاسلام. وهذا
يشير إلى أنه لا يصدق قضاء إن كان اليمين بطلاق أو نحوه لأنه خلاف لظاهر إذ الانسان إنما
يمنع نفسه باليمين عما يقدر عليه وشرب كل المياه ليس في وسعه وفيه تخفيف عليه أيضا.
وقال شمس الأئمة: قالوا وإطلاق الجواب دليل على أنه يصدق قضاء وديانة إن كان اليمين
بطلاق ونحوه لأنه نوى حقيقة كلامه. وعن أبي القاسم الصفار أنه لا يصدق قضاء لأنه نوى
حقيقة لا تثبت إلا بالنية فصار كأنه نوى المجاز ا ه‍. ثم اعلم أن الفرق بين الديانة والقضاء
إنما يظهر في الطلاق والعتاق، وأما في الحلف بالله تعالى فلا يظهر لأن الكفارة حق الله ليس
للعبد فيها حق حتى يرفع الحالف إلى القاضي. وفي الواقعات: إذا استحلف الرجل بالله وهو
مظلوم فاليمين على ما نوى، وإن كان ظالما فاليمين على نية من استحلفه وبه أخذ أبو حنيفة
ومحمد. وفي اليمين بالطلاق اليمين على نية الحالف وفي الولوالجية من الطلاق: نية تخصيص
العام لا تصح. وعند الخصاف تصح حتى إن من حلف وقال كل امرأة أتزوجها فهي طالق
ثم قال نويت به من بلدة كذا لا تصح نيته في ظاهر المذهب. وقال الخصاف: تصح. وكذا
549

من غصب دراهم إنسان ووقت ما حلفه الخصم عاما نوى خاصا لا تصح نيته من ظاهر
المذهب. وقال الخصاف: تصح لكن هذا في القضاء أما فيما بينه وبين الله تعالى نية تخصيص
العام صحيحة بالاجماع مذكور في الكتب من مواضع منها الباب الخامس من أيمان الجامع
الكبير، وما قاله الخصاف مخلص لمن حلفه ظالم والفتوى على ظاهر المذهب فمتى وقت في يد
الظلمة وأخذ بقول الخصاف لا بأس به ا ه‍.
قوله: (لا يشرب من دجلة على الكرع بخلاف ماء دجلة) يعني لو حلف فلا يحنث لو يشرب من
دجلة فيمينه على الكرع وهو تناول الماء بالفم من موضعه نهرا أو إناء - كما في المغرب - فلا
يحنث لو شرب بإناء أو بيده بخلاف ما لو حلف لا يشرب من ماء دجلة فإنه يحنث بالشرب
من إناء أو غيره لأنه بعد الاغتراف بقي منسوبا إليه وهو الشرط. وقالا: هما سواء فيحنث
بالشرب من إناء لأنه المتعارف المفهوم - وله أن كلمة من للتبعيض وحقيقته في الكرع وهي
مستعملة ولهذا يحنث بالكرع اجماعا فمنعت المصير إلى المجاز وإن كان متعارفا، والتقييد
بدجلة اتفاقي لأن الفرات والنيل كذلك بل وكل نهر. وقيد بالنهر لأنه لو حلف لا يشرب
من هذا البئر أو من هذا الجب فإنه يحنث بشربه بالاناء اجماعا لأنه لا يمكن فيه الكرع فتعين
المجاز، وإن كان يمكن الكرع فعلى الخلاف، ولو تكلف وشرب بالكرع فيما لا يمكن الكرع
لا يحنث لأن الحقيقة والمجاز لا يجتمعان وأشار المصنف إلى أنه لو شرب من نهر يأخذ من
دجلة لا يحنث في المسألة الأولى لعدم الكرع في دجلة لحدوث النسبة إلى غيره ويحنث في
الثانية لأن يمينه انعقدت على شرب ماء منسوب إليها وهي لم تنقطع بمثله ونظيره ما إذا
حلف لا يشرب من ماء هذا الجب فحول إلى جب آخر فشرب منه حنث. وفي البدائع: لو
حلف لا يشرب من ماء دجلة فهذا وقوله لا أشرب من دجلة سواء لأنه ذكر الشرب من
النهر فكان على الاختلاف. ولو حلف لا يشرب من نهر يجري ذلك النهر إلى دجلة فأخذ من
دجلة من ذلك الماء فشربه لم يحنث لأنه قد صار من ماء دجلة لزوال الإضافة إلى النهر الأول
550

بحصوله في دجلة. ولو حلف لا يشرب من ماء المطر فمدت الدجلة من المطر فشرب لم
يحنث لأنه إذا حصل في الدجلة انقطعت الإضافة إلى المطر، فإن شرب من ماء واد سال من
المطر لم يكن فيه ماء قبل ذلك أو جاء من ماء مطر مستنقع حنث لأنه لما لم يضف إلى نهر
بقيت الإضافة إلى المطر كما كانت ا ه‍. وفي الظهيرية: لو حلف لا يشرب من الفرات لم
يحنث ما لم يكرع عند أبي حنيفة وهي معروفة غير أنا ذكرناها لفائدة وهي أن تفسير الكرع
عند أبي حنيفة أن يخوض الانسان في الماء ويتناول الماء بفمه من موضعه ولا يكون الكرع إلا
بعد الخوض في الماء فإنه من الكراع وهو من الانسان ما دون الركبة ومن الدواب ما دون
الكعب كذا قال الشيخ الإمام نجم الدين النسفي ا ه‍. وفي المحيط: لو حلف لا يشرب من
هذا الكوز فحقيقته أن يشرب منه كرعا حتى لو صب على كفه وشرب لا يحنث، ولو نوى
بقوله لا أشرب من الفرات ماء الفرات قيل تصح نيته لأنه نوى ما يحتمله لفظه لأن الشرب
لا يتحقق بدون الماء فكان الماء مضمرا فيه. وقيل لا تصح نيته لأنه نوى تعميم المقتضى فإن
الماء غير ملفوظ به، وإنما يثبت مقتضى ذكر الشرب والمقتضي لا عموم له فتكون نية التعميم
فيه باطلة. ولو حلف لا يشرب من ماء فرات أو ماء فراتا فشرب من ماء
دجلة أو من ماء عذب حنث لأنه ذكر الفرات صفة للماء لأنه عبارة عن العذب قال تعالى * (وأسقيناكم ماء
فراتا) * [المرسلات: 72] أي ماء عذبا بخلاف ماء الفرات لأنه أضافه إلى الفرات فقد أراد
بالفرات نهر الفرات ا ه‍.
وفي المجتبى: ولجنس هذه المسائل أصل حسن وهو أنه متى عقد يمينه على شئ ليس له
حقيقة مستعملة وله مجاز متعارف يحمل على المجاز إجماعا كما إذا حلف لا يأكل من هذه
النخلة وإن كان له حقيقة متعارفة يحمل على الحقيقة إجماعا كمن حلف لا يأكل لحما وإن كان
له حقيقة مستعملة ومجاز متعارف فعنده يحمل على الحقيقة، وعندهما يحمل عليهما ولكن لا
بطريق الجمع بين الحقيقة والمجاز ولكن بمجاز يعم أفرادهما وهو الأصح، ويبتنى عليه مسائل
كثيرة منها ما مرت، ومنها مسألة أكل الحنطة والدقيق ا ه‍. بلفظه. فقد صحح قولهما في
هذه المسائل وهو خلاف المنقول في الأصول عنهما فإنهم نقلوا أن عندهما المجاز المتعارف أولى
من الحقيقة لا أنه يحمل عليهما. ثم اعلم أن الشرب أن يوصل إلى جوفه ما لا يتأتى فيه
الهشم مثل الماء والنبيذ واللبن: فإذا حلف لا يشرب هذا اللبن فأكله لا يحنث ولو شربه
551

يحنث. وأكل اللبن أن يثرد فيه الخبز ويؤكل وشربه أن يشرب كما هو. ولو حلف لا يشرب
هذا العسل فأكله كذلك لا يحنث، ولو صب عليه ماء وشربه حنث، ولو حلف لا يشرب
مع فلان، فإن شرب شرابا وفلان شرب شرابا من نوع آخر حنث، ولو حلف لا يشرب
شرابا ولا نية له فأي شراب شربه من ماء أو غيره يحنث إذ الشرب اسم لما يشرب. وفي
حيل المبسوط: إذا حلف لا يشرب الشراب ولا نية له فهو على الخمر. قال شمس الأئمة
الحلواني: فإذا في المسألة روايتان، وفي فتاوى أهل سمرقند لا يحنث بشرب الماء وإذا حلف
لا يشرب لبنا فصب الماء في اللبن فالأصل في هذه المسألة وأجناسها أن الحالف إذا عقد يمينه
على مائع فاختلط ذلك المائع بمائع آخر من خلاف جنسه إن كانت الغلبة للمحلوف عليه
يحنث، وإن كانت الغلبة لغير المحلوف عليه لا يحنث، وإن كانا سواء القياس أن يحنث، وفي
الاستحسان لا يحنث. فسر أبو يوسف الغلبة فقال: إن كان يستبين لون المحلوف عليه
ويوجد طعمه. وقال محمد: تعتبر الغلبة من حيث الاجزاء، هذا إذا اختلط الجنس بغير
الجنس، أما إذا اختلط الجنس بالجنس كاللبن يختلط بلبن آخر فعند أبي يوسف هذا والأول
سواء يعني يعتبر الغالب غير أن الغلبة من حيث اللون والطعم لا يمكن اعتبارها هنا فيعتبر
بالقدر. وعند محمد يحنث ها هنا بكل حال لأن الجنس لا يستهلك الجنس قالوا: هذا
الاختلاف فيما يمتزج ويختلط، أما ما لا يمتزج ولا يختلط كالدهن وكان الحلف على الدهن
يحنث بالاتفاق، كذا في الظهيرية.
قوله (إن لم أشرب ماء هذا الكوز اليوم فكذا ولا ماء فيه أو كان فصب أو أطلق ولا ماء
فيه لا يحنث وإن كان فصب حنث) بيان لشرط من شروط انعقاد اليمين وهو إمكان تصور
البر في المستقبل، وكذا من شرط بقاءها، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: لا
يشترط لأنه يمكن القول بالانعقاد موجبا للبر على وجه يظهر في حق الخلف وهو الكفارة.
ولهما أنه لا بد من تصور الأصل لتنعقد في حق الخلف وبهذا لا تنعقد الغموس موجبة
552

للكفارة، ولا فرق على هذا الخلاف بين اليمين بالله تعالى أو بالطلاق ولهذا صورها في
المختصر يمين الطلاق أو العتاق، وقد ذكر المصنف مسألة الكوز وهي مفرعة على هذا
الأصل وذكر أنها على أربعة أوجه: وجهان في المقيدة ووجهان في المطلقة. أما في المقيدة
فهي على وجهين: أما أن لا يكون فيه ماء أصلا أو كان فيه ماء وقت الحلف ثم صب قبل
مضي الوقت، وفي كل منهما لا يحنث لعدم انعقاد اليمين في الأول ولبطلانها عند الصب في
الثاني عندهما، ولا فرق في الوقت بين أن يكون اليوم أو الشهر أو الجمعة. وأما المطلقة فعلى
وجهين: إما أن يكون فيه ماء أصلا فلا يحنث لعدم انعقاد اليمين أو كان فيه وصب فإنه يحنث
لانعقادها لامكان البر، ثم يحنث بالصب لأن البر يجب عليه كما فرغ فإذا صب فقد فات البر
فيحنث في ذلك الوقت كما لو مات الحالف والماء باق. وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين أن
يكون قد صبه هو أو غيره أو مال الكوز فانصب ما فيه من غير فعل أحد. وأما عند أبي
يوسف فيحنث في الوجوه كلها غير أنه في المؤقت يحنث في آخر الوقت، وفي المطلق يحنث
553

للحال إن لم يكن فيه ماء وإن كان فيه ماء يحنث عند الصب. وأطلق المصنف في عدم حنثه
في المسائل الثلاثة فشمل ما إذا علم الحالف أن فيه ماء أو لا، وما إذا علم أن لا ماء فيه.
وقيده الأسبيجابي بعدم علمه بأن لا ماء فيه، وأما إذا علم بأن لا ماء فيه يحنث بالاتفاق ا ه‍.
لأنه إذا علم وقعت يمينه على ما يخلق الله تعالى فيه وقد تحقق العدم فيحنث، وروي عن أبي
حنيفة في رواية أخرى أنه قال: لا يحنث علم أو لم يعلم وهو قول زفر ا ه‍. وصحح في
التبيين هذه الرواية في شرح قوله إن لم أقتل فلانا فكذا ولذا أطلق هنا في المختصر وجزم
بالاطلاق في فتح القدير.
وقد تفرع على هذا الأصل مسائل منها ما لو حلف ليقتلن زيدا اليوم فمات زيد قبل
مضي اليوم لا يحنث عندهما كما سيأتي بيانه. ومنها لو حلف ليأكلن هذا الرغيف اليوم فأكله
غيره قبل الليل. ومنها لو حلف ليقضين فلانا دينه غدا وفلان قد مات ولا علم له أو مات
أحدهما قبل مضي الغد أو قضاه قبله أو أبرأه فلان قبله لم تنعقد. ومنها ما لو قال لزيد إن
رأيت عمرا فلم أعلمك فعبدي حر فرآه مع زيد فسكت ولم يقل شيئا أو قال هو عمر ولا
يعتق عندهما. ومنها لو حلف لا يعطيه حتى يأذن فلان فمات فلان ثم أعطاه لم يحنث، وكذا
554

ليضربنه أو ليكلمنه. ومنها لو قال رجل لامرأته إن لم تهبي لي صداقك اليوم فأنت طالق وقال
أبوها إن وهبت له صداقك فأمك طالق فحيلة عدم حنثهما أن تشتري منه بمهرها ثوبا ملفوفا
وتقبضه، فإذا مضى اليوم لم يحنث أبوها لأنها لم تهب صداقها ولا الزوج لأنها عجزت عن
الهبة عند الغروب لأن الصداق سقط عن الزوج بالبيع، ثم إذا أرادت عود الصداق ردته
بخيار الرؤية، الكل في فتح القدير. ومنها ما في الولوالجية من تعليق الطلاق رجل قال إن لم
أدخل الليلة البلد ولم ألق فلانا فامرأته طالق فدخل ولم يصادفه في منزله فلم يلقه حتى أصبح
إن كان عالما بأنه غاب عن المنزل وقت الحلف يحنث، وإن لم يكن عالما لا يحنث ا ه‍. ومنها
ما في المبتغى: وفي يمينه لامرأته إن لم تصل صلاة الفجر غدا فأنت كذا لا يحنث بحيضها
بكرة في الأصح ا ه‍. ومنها لو قال لامرأته بعد ما أصبح إن لم أجامعك هذه الليلة فأنت
طالق ولم تكن له نية وكان يعلم أنه أصبح وقع يمينه على الليلة القابلة لأنه حلف نهارا
فينصرف إلى الليلة القابلة المستقبلة، وإن نوى تلك الليلة لا تنعقد اليمين عند أبي حنيفة
ومحمد فرعا لمسألة الكوز. ومنها قال إن نمت هذه الليلة في هذه الدار فامرأته كذا وقد انفجر
الصبح وهو لا يعلم لا يحنث في يمينه لأن شرط الحنث وهو النوم في الليلة الماضية لا
يتصور فصار كأنه قال إن صمت أمس فامرأته طالق لا يحنث في يمينه. ومنها ما لو قال إن
لم أبت الليلة في هذه الدار والمسألة بحالها فكذلك في قولهما. ومنها لو غاب الرجل عن
داره ساعة ثم رجع فظن أن المرأة غائبة عن الدار فقال إن لم آت بامرأتي إلى داري الليلة فهي
طالق ثلاثا فلما أصبح قالت المرأة كنت في هذه الدار لم يحنث عند أبي حنيفة ومحمد لأن
اليمين لم تنعقد، وإن قالت كنت غائبة، فإن صدقها الزوج طلقت لأن الزوج أقر بالطلاق.
ومنها ما لو قال إن لم تردي الدينار الذي أخذتيه من كيسي فأنت طالق فإذا الدينار في كيسه
555

لم تطلق لأن البر هنا لم يتصور فلم تنعقد اليمين فلا يترتب الحنث بمنزلة مسألة الكوز. ومنها
قوم حلفهم السلطان على أن يؤدوا اخراج تلك البلدة إلى وقت معلوم فأدى الخراج كله لكن
بعضهم بغير أمر الباقين أو أدى الخراج كله رجل واحد غيرهم بغير أمرهم لم يحنثوا في قول
أبي حنيفة ومحمد لأنه لما أدى واحد منهم أو غيرهم لم يبق الخراج عليهم فلا يتصور شرط البر
فتبطل اليمين عندهما لأنها مؤقتة بوقت، الكل في الواقعات. وقد قدمنا شيئا من مسائل هذا
النوع في تعليق الطلاق عند قوله وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها.
قوله: (حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن هذا الحجر ذهبا حنث للحال) يعني عندنا
وقال زفر: لا تنعقد لأنه مستحيل عادة فأشبه المستحيل حقيقة. ولنا أن البر متصور حقيقة
- بكسر الواو - أي ممكن لأن الصعود إلى السماء ممكن حقيقة ألا ترى أن الملائكة يصعدونها،
وكذا تحول الحجر ذهبا بتحويل الله تعالى بجعله صفة الحجرية صفة الذهبية أو بإعدام الاجراء
الحجرية وإبدالها بأجزاء ذهبية، فالتحويل في الأول أظهر وهو ممكن عند المتكلمين على ما هو
الحق، وإذا كان متصورا تنعقد اليمين موجبة لحلفة ثم يحنث بحكم العجز الثابت عادة كما إذا
مات الحالف فإنه يحنث مع احتمال إعادة الحياة، وبخلاف مسألة الكوز لأن شرب الماء الذي
في الكوز وقت الحلف ولا ماء فيه لا يتصور فلم تنعقد. قيد بكون اليمين مطلقة لأنها لو
كانت مؤقتة فإنه لا يحنث حتى يمضي ذلك الوقت حتى لو مات قبله لا كفارة عليه إذ لا
556

حنث وهو المختار. وقيد بالفعل لأنه لو حلف على الترك بأن قال إن تركت مس السماء
فعبدي حر لم تنعقد يمينه لأن الترك لا يتصور في غير المقدور قوله: (لا يكلمه فناداه وهو
نائم فأيقظه أو إلا بإذنه فإذن له ولم يعلم حنث) لأنه في المسألة الأولى كلمه وقد وصل إلى
سمعه، وقد شرط المصنف أن يوقظه وهي رواية المبسوط وعليه مشايخنا وهو المختار لأنه إذا
لم ينتبه كان كما إذا ناداه من بعيد وهو بحيث لا يسمع صوته لا يحنث. ولم يشترطه القدوري
كما إذا ناداه وهو بحيث يسمع لكنه لم يفهم لتغافله وهي من المسائل التي جعل النائم فيها
كالمستيقظ وهي خمس وعشرون ذكرناها في باب التيمم. وصحح الإمام السرخسي الحنث،
وإن لم يوقظه لما ذكره محمد في السير الكبير: إذا نادى المسلم أهل الحرب بالأمان من موضع
يسمعون صوته إلا أنهم لا يسمعون لشغلهم بالحرب فهو أمان ا ه‍. وقد فرق بأن الأمان
يحتاط في إثباته. وقيد بكونه نائما لأنه لو كان مستيقظا حنث إن كان بحيث يسمع صوته إن
أصغى إليه إذنه، وإن لم يسمع لعارض أمر كان مشغولا به أو كان أصم وإن كان لا يسمع
صوته لو أصغى إليه إذنه لشدة البعد لا يحنث، كذا في الذخيرة. وفيها: لا يحنث حتى
يكلمه بكلام مستأنف بعد اليمين منقطع عنها لا متصل بها، فلو قال موصولا إن كلمتك
557

فأنت طالق فاذهبي أو أخرجي أو قومي أو شتمها أو زجر متصلا لا يحنث لأن هذا من تمام
الكلام الأول فلا يكون مرادا باليمين إلا أن يريد به كلاما مستأنفا.
وفي المنتفى: لو قال فاذهبي أو واذهبي لا تطلق، ولو قال اذهبي طلقت لأنه منقطع
عن اليمين. وفي نوادر ابن سماعة عن محمد: لا أكلمك يوما أو غدا حنث لأنه كلمه
اليوم بقوله أو غدا ا ه‍. وتعقبه في فتح القدير بأنه لا شك في عدم صحته لأنه كلام
واحد فإنه إذا أراد أن يحلف على أحد الامرين لا يقال إلا كذلك. وعلى هذا إذا قال لآخر
إذا ابتدأتك بكلام فعبدي حر فالتقيا فسلم كل على الآخر معا لا يحنث وانحلت يمينه لعدم
تصور أن يكلمه بعد ذلك ابتداء، ولو قال لها أن ابتدأتك بكلام وقالت له هي كذلك لا
يحنث إذا كلمها لأنه لم يبتدئها ولا يحنث بعد ذلك لعدم تصور ابتدائها، ولو حلف لا
يكلمه فسلم على قوم هو فيهم حنث إلا أن يقصده فيصدق ديانة لا قضاء، أما لو قال
السلام عليكم إلا على واحد صدق قضاء عندنا، ولو سلم من الصلاة فإن كان إماما قيل
إن كان المحلوف عليه عن يمينه لا يحنث، وإن كان عن يساره حنث لأن الأولى واقعة في
الصلاة فلا يحنث بها بخلاف الثانية. وقيل لا يحنث بهما لأنهما في الصلاة من وجه. وكذا
عن محمد أنه لا يحنث بهما وهو الصحيح. ولو دق علي الباب فقال من حنث ولو ناداه
المحلوف عليه فقال لبيك أو لبى حنث، ولو كلمه الحالف بكلام لم يفهمه المحلوف عليه
ففيه روايتان. ولو أراد أن يأمر بشئ فقال وقد مر المحلوف عليه يا حائط اسمع افعل
كيت وكيت فسمعه المحلوف عليه فسمعه المحلوف عليه وفهمه لا يحنث لما روي أن عبد الرحمن بن عوف حلف
لا يكلم عثمان فكان إذا مر به يقول يا حائط اصنع كذا كذا ويا حائط كان كذا. ولو قال
لامرأته إن شكوت مني إلى أخيك فأنت طالق فجاء أخوها وعندها صبي لا يعقل فقالت
558

المرأة أن زوجي فعل بي كذا وكذا وخاطبت الصبي بذلك حتى سمع أخوها لا تطلق لأنها ما
شكت إليه لأنها لم تخاطبه. ولو قال إن شكوت بين يدي أخيك قال في الكتاب: هذا أشد
يريد به أنه يخاف عليه أن يحنث. والظاهر أنه لا يحنث لأنه يراد في العرف بالشكاية بين يديه
الشكاية إليه، كذا في الواقعات. ولو حلف لا يتكلم فناول امرأته شيئا فقال ها حنث، ولو
جاءه كافر يريد الاسلام فبين صفة الاسلام مسمعا له ولا يوجه إليه لم يحنث. وفي المحيط:
لو سبح الحالف للمحلوف عليه للسهو أو فتح عليه القراءة وهو مقتد لم يحنث، وخارج
الصلاة يحنث، ولو كتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولا لا يحنث لأنه لا يسمى كلاما عرفا
خلافا لمالك وأحمد واستدلالهم بقوله تعالى * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) * إلى قوله
* (أو يرسل رسولا) * [الشورى: 15] أجيب عنه بأن مبنى الايمان على العرف: واعلم أن
الكلام لا يكون إلا باللسان فلا يكون بالإشارة ولا بالكتابة، والاخبار والاقرار والبشارة
تكون بالكتابة لا بالإشارة، والايماء والاظهار والافشاء والاعلام يكون بالإشارة أيضا فإن
نوى في ذلك كله أي في الاظهار والافشاء والاعلام والاخبار كونه بالكلام والكتابة دون
الإشارة دين فيما بينه وبين الله تعالى. ولو حلف لا يحدثه لا يحنث إلا أنه يشافهه، وكذا لا
يكلمه يقتصر على المشافهة. ولو قال لا أبشره فكتب إليه حنث. وفي قوله إن أخبرتني أن
فلانا قدم ونحوه يحنث بالصدق والكذب، ولو قال بقدومه ونحوه فعلى الصدق خاصة،
وكذا إن أعلمتني وكذا البشارة ومثله إن كتبت إلى أن فلانا قدم فكتب قبل قدومه فوصل إليه
الكتاب حنث، سواء وصل إليه قبل قدومه أو بعده، بخلاف إن كتبت إلي بقدومه لا يحنث
حتى يكتب بقدومه الواقع، وذكر هشام عن محمد سألني هارون الرشيد عمن حلف لا يكتب
إلى فلان فأمر من يكتب إليه بإيماء أو إشارة هل يحنث؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين إذا كان
مثلك. قال السرخسي: وهذا صحيح لأن السلطان لا يكتب بنفسه وإنما يأمر به ومن عادتهم
الامر بالايماء والإشارة. ولو حلف لا يقرأ كتاب فلان فنظر فيه حتى فهمه لا يحنث عند أبي
يوسف، ويحنث عند محمد لأن المقصود الوقوف على ما فيه لا عين التلفظ به. ولو حلف لا
يكلم فلانا وفلانا لم يحنث بكلام أحدهما إلا أن ينوي كلا منهما فيحنث بكلام أحدهما وعليه
559

الفتوى وإن ذكر خلافه في بعض المواضع، كذا في فتح القدير. ولو قال لا أبلغك شيئا
فكتب إليه حنث، ولو قال لا أذكرك شيئا فهو على المواجهة ولا يحنث بالكتابة، ولو قال لا
أظهر سرك ولا أفشي أبدا فإن صرح إلى رجل واحد وذكره فقد أفشى سره، وكذلك يحنث
بالكتابة والرسالة إلى إنسان، كذا في المحيط. وفي الواقعات: حلف أن لا يكذب فسأله
إنسان عن أمر فحرك رأسه بالكذب لا يحنث ما لم يتكلم لأن الكذب تكلم بكلام هو كذب.
ابن بين زيد وعمر وحلف رجل لا يكلم ابن زيد وحلف الآخر لا يكلم ابن عمر وفكلما
هذا الابن حنثا لأن كل واحد كلم ابن من سمى: إن كلمت امرأة فعبدي حر فكلم صبية لم
يحنث. ولو قال إن تزوجت امرأة فتتزوج صبية حنث لأن الصبا مانع من هجران الكلام فلا
تراد الصبية في اليمين المعقودة على الكلام عادة ولا كذلك التزوج ا ه‍. وفي الظهيرية:
حلف لا يكلم امرأته فدخل داره وليس فيها غيرها فقال من وضع هذا حنث ولو كان معها
غيرها لا يحنث. ولو قال ليت شعري من وضع هذا لا يحنث لأنه استفهم نفسه. ولو قرأ
الحالف كتابا على المحلوف عليه والمحلوف عليه يكتب إن قصد الحالف املاء المحلوف عليه
قالوا يخاف عليه الحنث ا ه‍. وفي السراجية عن محمد بن الحسن أنه سأل حال صغره أبا حنيفة
فيمن قال لآخر والله لا أكلمك ثلاث مرات فقال أبو حنيفة: ثم ماذا؟ فتبسم محمد رحمه الله
وقال: انظر حسنا يا شيخ فنكس أبو حنيفة ثم رفع رأسه فقال: حنث مرتين. فقال له محمد:
أحسنت. فقال أبو حنيفة: لا أدري أي الكلمتين أوجع لي قوله انظر حسنا أو أحسنت ا ه‍.
وأما المسألة الثانية وهي ما إذا حلف لا يكلمه إلا بإذنه فأذن له ولم يعلم بالاذن حتى كلمه
فلان. الاذن مشتق من الاذان الذي هو الاعلام أو من الوقوع في الاذن وكل ذلك لا يتحقق
إلا بالسماع. وقال أبو يوسف: لا يحنث لأن الاذن هو الاطلاق وأنه يتم بالاذن كالرضا. قلنا:
الرضا من أعمال القلب ولا كذلك الاذن على ما مر ولا يخالفه ما في التتمة والفتاوي الصغرى
إذا أذن المولى لعبده والعبد لا يعلم لا يصح الاذن حتى إذا علم يصير مأذونا لأن الاذن يثبت
موقوفا على العلم فليس له قبل العلم حكم الاذن ولذا قال الشامل: إذا أذن لعبده فلم يعلم به
أحد من الناس فتصرف العبد ثم علم بإذنه لم يجز تصرفه.
560

قوله: (لا يكلمه شهرا فهو من حين حلف) لأنه لو لم يذكر الشهر تتأبد اليمين فذكر
الشهر لاخراج ما وراءه فبقي ما يلي يمينه داخلا عملا بدلالة الحالة بخلاف ما إذا قال والله
لأصومن شهرا أو لأعتكفن شهرا لأنه لو لم يذكر الشهر لا تتأبد اليمين فكان ذكره لتقدير
الصوم به وأنه منكر فالتعيين إليه بخلاف ما إذا قال إن تركت الصوم شهرا فإنه يتناول
شهرا من حين حلف لأن تركه مطلقا يتناول الأبد فذكر الوقت لاخراج ما وراءه فهو كقوله
إن تركت كلامه شهرا وإن لم أساكنه شهرا، ونظيره إذا آجره شهرا وكذا آجال الديون.
وأما الاجل في قوله كفلت لك بنفسك إلى شهر اختلف في أنها البيان ابتداء المدة أو
لانتهائها، فعن أبي يوسف لانتهاء المطالبة فلا يلزم بإحضاره بعد الشهر وإلحاقاها بآجال
الديون فجعلاها لبيان ابتدائها فلا يلزم بإحضارها قبل الشهر وهو أحسن، لأن الاجل في
مثله للترفية، كذا في فتح القدير. وفي البدائع: ولو حلف لا يكلمه شهرا يقع على ثلاثين
يوما، ولو قال الشهر يقع على بقية الشهر، ولو حلف لا يكلمه السنة يقع على بقية السنة.
وأشار المصنف إلى أنه لو حلف بالليل لا يكلمه يوما فإنه يحنث بكلامه من حين حلف إلى
أن تغيب الشمس من الغد يدخل في يمينه بقية الليل حتى لو كلمه فيما بقي من الليل أو
في الغد يحنث لأن ذكر اليوم للاخراج، وكذا لو حلف بالنهار لا يكلمه ليلة حنث بكلامه
من حين حلف إلى طلوع الفجر، ولو قال في بعض النهار لا أكلمه يوما فاليمين على بقية
اليوم والليلة المستقبلة إلى مثل تلك الساعة التي حلف فيها من الغد لأنه حلف على يوم
منكر فلا بد من استيفائه، ولا يمكن استيفاؤه إلا باتمامه من اليوم الثاني فيدخل الليل
بطريق التبع. وكذا إذا حلف لا يكلمه ليلة فاليمين من تلك الساعة إلى أن يجئ مثلها من
الليلة المستقبلة فيدخل النهار الذي بينهما في ذلك لأنه حلف على ليلة منكرة فلا بد من
الاستيفاء. فإن قال في بعض اليوم والله لا أكلمك اليوم فاليمين على ما بقي من اليوم،
فإذا غربت الشمس سقطت اليمين، وكذلك إذا قال بالليل والله لا أكلمك الليلة فإذا طلع
الفجر سقطت، ولو قال والله لا أكلمك اليوم ولا غدا فاليمين على بقية اليوم وعلى غد،
ولا تدخل الليلة التي بينهما في اليمين، كذا في البدائع: وفي الواقعات: حلف لا يكلمه
اليوم ولا غدا ولا بعد غد فله أن يكلمه بالليل لأنها أيمان ثلاثة، ولو لم يكرر حرف النفي
فهي يمين واحدة فيدخل الليل بمنزلة قوله ثلاثة أيام. وفي الظهيرية: ولو قال والله لا
561

أكلمك شهرا إلا يوما ولا نية له فله أن يختار أي يوم شاء، ولو قال شهرا إلا نقصان يوم
فهو على تسعة وعشرين يوما وهو مخالف للأول ا ه‍.
قوله: (لا يتكلم فقرأ القرآن أو سبح لا يحنث) لأنه لا يسمى متكلما عادة وشرعا.
أطلقه فشمل ما إذا كان في الصلاة أو خارجها، فإن كان في الصلاة فهو متفق عليه، وإن
كان خارجها فاختار القدوري الحنث، واختار خواهر زاده عدمه لما ذكرنا. وفي فتح القدير
أنه اختير للفتوى من غير تفصيل بين عقد اليمين بالعربية أو بالفارسية وإن كان ظاهر المذهب
التفصيل الذي ذكره القدوري لأن مبنى الايمان على العرف، وفي العرف المتأخر لا يسمى
التسبيح والقرآن كلاما حتى إنه يقال لمن يسبح طول يومه أو يقرأ لم يتكلم اليوم بكلمة ا ه‍.
لكن في الواقعات المختار للفتوى أن اليمين إذا كانت بالعربية لم يحنث بالقراءة في الصلاة
ويحنث بالقراءة خارجها، وإن كانت بالفارسية لا يحنث مطلقا ا ه‍. فقد اختلفت الفتوى
والافتاء بظاهر المذهب أولى. وفي التهذيب للقلانسي: الكلام في الحقيقة مفهوم ينافي
الخرس والسكوت وهو اختيار محققي أهل السنة لكن في العرف صوت مقطوع مفهوم يخرج
من الفم ولا تدخل فيه القراءة والتسبيح في الصلاة في عرفهم، وفي عرفنا لا تدخل في غير
الصلاة أيضا، وكذا قراءة الكتب ظاهرا وباطنا في عرفنا ا ه‍. فأفاد أنه لا يحنث إذا قرأ كتابا
أي كتاب كان. قيد بكونه حلف أنه لا يتكلم لأنه لو قال كلما تكلمت كلاما حسنا فأنت
طالق ثم قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر طلقت واحدة، ولو قال
سبحان الله الحمد لله لا إله إلا الله الله أكبر طلقت ثلاثا، كذا في الظهيرية. وفي
الواقعات: حلف لا يقرأ القرآن اليوم فقرأ في الصلاة أو خارجها يحنث لأنه قرأ القرآن، وإذا
قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فإذا نوى ما في سورة النمل يحنث، وإن نوى غير ما في سورة
النمل أو لا نية له لم يحنث لأنهم لا يريدون به قراءة القرآن. ولو حلف لا يقرأ سورة من
القرآن فنظر فيها حتى إذا أتى إلى آخرها لا يحنث بالاتفاق. أبو يوسف سوى بين هذا وبين
ما إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان، ومحمد فرق فقال: المقصود من قراءة كتاب فلان فهم ما فيه
وقد حصل، أما المقصود من قراءة القرآن عين القراءة إذ الحكم متعلق به، ثم عند محمد في
قوله لا يقرأ كتاب فلان إذا قرأ سطرا حنث وبنصف السطر لا لأن نصف السطر لا يكون
مفهوم المعنى غالبا والفتوى على قول أبي يوسف ا ه‍. قوله: (يوم أكلم فلانا فعلى الجديدين
فإذا قال يوم أكلم فلانا فامرأته طالق فهو على الليل والنهار فإن كلمه ليلا أو نهارا حنث) لأن
562

اسم اليوم إذا قرن بفعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت قال تعالى * (ومن يولهم يومئذ دبره) *
[الأنفال: 61] والكلام لا يمتد وقد تقدم تحقيقه في فصل إضافة الطلاق إلى الزمان. قيد
بقوله يوم أكلم لأنه لو قال والله لا أكلمك اليوم ولا غدا فاليمين على بقية اليوم وعلى غد،
ولا تدخل الليلة التي بينهما في اليمين لأنه أفرد كل واحد من الوقتين بحرف النفي فيصير
كل واحد منهما منفيا على الافراد، أصله قوله تعالى * (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في
الحج) * [البقرة: 791] ولو قال والله لا أكلمك اليوم وغدا دخلت الليلة التي بين اليوم والغد
في يمينه لأنه ها هنا جمع بين الوقت الثاني وبين الأول بحرف الجمع وهي الواو فصار وقتا
واحدا فدخلت الليلة المتخللة، ولو حلف لا يكلمه يومين تدخل فيه الليلة، وسواء كان قبل
طلوع الفجر أو بعده، وكذلك الجواب في الليل. ولو قال والله لا أكلمه يوما ولا يومين فهو
كقوله ثلاثة أيام في قول أبي يوسف ومحمد حتى لو كلمه في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث
يحنث. وذكر محمد في الجامع أنه على يومين حتى لو كلمه في اليوم الأول أو الثاني يحنث،
وإن كلمه في اليوم الثالث لا يحنث، كذا في البدائع قوله: (فإن نوى النهار صدق) لأنه نوى
حقيقة كلامه وهو مستعمل فيه أيضا. أطلق في تصديقه فشمل الديانة والقضاء، وعن أبي
يوسف أنه لا يصدق قضاء قوله: (وليلة أكلمه على الليل) لأنه حقيقة في سواد الليل كالنهار
للبياض خاصة ولم يجئ استعماله في مطلق الوقت بخلاف اليوم، وما ورد في أشعار بعض
العرب من إطلاقها على مطلق الوقت فإنما هو في صيغة الجمع وكلامنا في المفرد، وقدمنا أنه
لو حلف لا يكلمه ليلة فاليمين من تلك الساعة إلى أن يجئ مثلها من الليلة المستقبلة فيدخل
النهار الذي بينهما في ذلك، وإذا كان بالليل وقال لا أكلمه الليلة فإذا طلع الفجر سقطت.
قوله: (إن كلمته إلا أن يقدم زيد أو حتى أو إلا أن يأذن أو حتى فكذا فكلم قبل
قدومه أو إذنه حنث وبعدهما لا) أي وإن كلمه بعد القدوم أو الاذن لا يحنث لأنه غاية
واليمين باقية قبل الغاية ومنتهية بعدها فلا يحنث بالكلام بعد انتهاء اليمين أما حتى فكونها
للغاية ظاهر، وأما إلا أن فالأصل فيها أن للاستثناء وتستعار للشرط والغاية إذا تعذر
الاستثناء لمناسبة بينهما وهو أن حكم ما قبل كل واحد من الاستثناء والشرط والغاية يخالف ما
بعده. قيد بالشرط لأنه لو قال أنت طالق إلا أن يقدم فلان فإنه إن قدم فلان لا تطلق، وإن
563

لم يقدم حتى مات فلان طلقت وهي هنا للشرط كأنه قال إن لم يقدم فلان فأنت طالق. ولا
تكون للغاية لأنها إنما تكون لها فيما يحتمل التأقيت والطلاق مما لا يحتمله معنى فتكون فيه
للشرط وتمامه في فتح القدير. وفي المحيط: لو قال والله لا أكلمه في اليوم الذي يقدم فيه
فلان فكلمه في اليوم الذي قدم فيه فلان قبل قدومه حنث لأن شرط الحنث كلامه يوم
القدوم وقد وجد. وإن كلمه بعد القدوم قالوا يجب أن لا يحنث لأنه لم يجعل القدوم شرطا
لأنه لم يقرن به حرف الشرط ولكنه جعله معرفا لما هو شرط الحنث وهو الكلام. وإنما
يتصور القدوم معرفا للشرط إذا وجد الشرط قبله، فأما إذا وجد بعده لا يتصور كونه معرفا
لأن من ضرورة كون الشئ معرفا تقدم ذلك الشئ عليه كما لو قال لامرأته أنت طالق قبل
شهر رمضان بشهر كان رمضان معرفا لا شرطا. كذا لو قال أنت طالق قبل قدوم فلان بشهر
إذا قدم فلان قبل تمام الشهر لا تطلق، ولو عجل الكفارة قبل القدوم لا يصح لأنه لا حنث
قبل القدوم ا ه‍ قوله: (وإن مات زيد سقط الحلف) لما في الذخيرة: إذ الأصل أن الحالف إذا
جعل ليمينه غاية وفاتت الغاية بطلت اليمين عند أبي حنيفة ومحمد حتى إن من قال لغيره والله
لا أكلمك حتى يأذن لي فلان أو قال لغريمه والله لا أفارقك حتى تقضيني حقي فمات فلان
قبل الاذن أو برئ من المال فاليمين ساقطة في قولهما خلافا لأبي يوسف. وعلى هذا لو
حلف ليوفين ماله اليوم فأبراه الطالب، وعلى هذا تخرج جنس هذه المسائل إذا قال إن فعلت
كذا ما دمت ببخارى فكذا فخرج من بخارى ثم رجع وفعل ذلك لا يحنث فيجب أن يعلم
أن كلمة ما زال وما دام وما كان غاية تنتهي اليمين بها فإذا حلف لا يفعل كذا ما دام
ببخارى فخرج تنتهي يمينه بالخروج فإذا عاد عاد واليمين منتهية، فإذا فعل ذلك الفعل لا
يحنث في يمينه، كذا في فتاوى الفضلي. وعلى هذا إذا حلف لا يصطاد ما دام فلان في هذه
البلدة وفلان أمير هذه البلدة فخرج الأمير إلى بلدة أخرى لأمر فاصطاد الحالف قبل رجوعه
أو بعد رجوعه لا يحنث في يمينه لأن اليمين ينتهي بخروج الأمير. وفي فتاوى أبي الليث:
إذا حلف لا يدخل دار فلان ما دام فلان فيها فخرج فلان بأهله ثم عاد ودخل الحالف لا
يحنث في يمينه. وفي العيون: إذا حلف لا يكلم فلانا ما دام في هذه الدار فخرج بمتاعه
وأثاثه ثم عاد وكلمه لا يحنث. وإذا قال والله لا أكلم فلانا ما دام عليه هذا الثوب أو ما كان
564

عليه أو ما زال عليه فنزعه ثم لبسه وكلمه لا يحنث، ولو قال لا أكلمه وعليه هذا الثوب
فنزعه ثم لبسه وكلمه حنث لأن في هذه الصورة ما جعل اليمين موقتة بوقت بل قيده بصفة
فتبقى اليمين ما بقيت تلك الصفة. وفي فتاوى أبي الليث: إذا قال لأبويه إن تزوجت ما
دمتما حيين فكذا فتزوج امرأة في حياتهما حنث، فلو تزوج امرأة أخرى في حياتهما لا يلزمه
الحنث، ولو كان قال كل امرأة أتزوجها ما دمتما حيين يلزمه الحنث بكل امرأة يتزوجها ما
داما حيين، فإذا مات أحدهما سقط اليمين حتى لو تزوج امرأة بعد ذلك لا يلزمه حكم
الحنث لأن شرط الحنث الزوج ما داما حين ولا يتصور ذلك بعد موت أحدهما فيسقط، وإذا
حلف لا يأكل هذا الطعام ما دام في ملك فلان فباع فلان بعضه ثم أكل الحالف الباقي لا
يحنث لأن اليمين قد انتهى ببيع البعض. ولو قال لغريمه والله لا أفارقك حتى تقضيني حقي
اليوم ونيته أن لا يترك لزومه حتى يعطيه حقه فمضى اليوم ولم يفارقه ولم يعطه حقه لا
يحنث، فإن فارقه بعد مضي المدة يحنث. وكذلك إذا قال لا أفارقك حتى أقدمك إلى السلطان
اليوم أو حتى يخلصك السلطان مني فمضى اليوم ولم يفارقه ولم يقدمه إلى السلطان ولم يخلصه
السلطان فهو سواء لا يحنث إلا بتركه. ولو قدم اليوم فقال لا أفارقك اليوم حتى تعطيني
حقي فمضى اليوم ولم يفارقه ولم يعطه حقه لم يحنث، وإن فارقه بعد مضي اليوم لا يحنث لأنه
وقت للفراق ذلك اليوم وتمام مسائلها فيها.
قوله: (لا يأكل طعام زيد أو لا يدخل داره أو لا يلبس ثوبه أو لا يركب دابته إن أشار
وزال ملكه وفعل لم يحنث كالمتجدد وإن لم يشر لا يحنث بعد الزوال وحنث بالمتجدد وفي
الصديق والزوجة حنث في المشار بعد الزوال وفي غير المشار لا وحنث بالمتجدد) بيان لمسائل
الأصل فيها أنه إذا حلف على هجران محل مضاف إلى فلان كلا يكلم عبد فلان أو زوجته أو
صديقة أو لا يدخل داره أو لا يلبس ثوبه أو لا يركب فرسه أو لا يأكل طعامه، فلا شك أن
565

هذه الإضافة في الكل معرفة لعين ما عقد اليمين على هجره، سواء كانت إضافة ملك كعبده وداره
ودابته، أو إضافة نسبه أخرى غير الملك كزوجته وصديقه، فالإضافة مطلقا تفيد النسبة والنسبة
أعم من كونها نسبة ملك أو غيره فلا يصح جعل إضافة النسبة تقابل إضافة الملك كما في الهداية
وغيرها لأنه لا تقابل بين الأعم والأخص إلا أن يكون مخصوص عرف اصطلاحي. وإذا كانت
هذه الإضافة مطلقا للتعريف فبعد ذلك إما أن يقرن به لفظ الإشارة كقوله لا أكلم عبده هذا أو
لا، فعلى تقدير عدم الإشارة الظاهر أن الداعي في اليمين كراهته في المضاف إليه وإلا لعرفه باسمه
العلم ثم أعقبه بالإضافة إن عرض اشترك مثل لا أكلم راشدا عبد فلان ليزيل الاشتراك العارض
في اسم راشد، فلما اقتصر على الإضافة ولم يذكر اسمه ولا أشار إليه كان الظاهر أنه لمعنى في
المضاف إليه، وإن احتمل أن يهجر بغضا لذاته أيضا كالزوجة والصديق فلا يصار إليه بالاحتمال،
وحينئذ فاليمين منعقدة على هجر المضاف حال قيام الإضافة وقت الفعل بأن كان موجودا وقت
اليمين ودامت الإضافة إلى قوت الفعل أو انقطعت ثم وجدت بأن باع وطلق ثم استرد أو لم يكن
وقت اليمين فاشترى عبدا فكلمه حنث، وكذا لو لم تكن له زوجة فاستحدث زوجة. والحاصل أنه
إذا أضاف ولم يشر لا يحنث بعد الزوال في الكل لانقطاع الإضافة، ويحنث في المتجدد بعد اليمين
في الكل لوجودها. وإذا أضاف وأشار فإنه لا يحنث بعد الزوال والتجدد إن كان المضاف لا يقصد
بالمعاداة وإلا حنث. ولم يذكر المصنف العبد للاختلاف فالمذهب أنه كالدار لأنه لا يقصد بالمعاداة.
وروى ابن سماعة أنه كالصديق. ووجه الظاهر أنه العبد ساقط الاعتبار عند الأحرار فإنه يباع في
الأسواق كالحمار، فالظاهر أنه إن كان منه أذى إنما بقصد هجران سيده بهجرانه، وفي بعض
الشروح: لا أتزوج بنت فلان لا يحنث بالبنت التي تولد بعد اليمين بالاجماع وهو مشكل فإنها
إضافة نسبية فينبغي أن تنعقد على الموجود حال التزوج فلا جرم أن في التفاريق عن أبي يوسف إن
تزوجت بنت فلان أو أمته على الموجود والحادث، كذا في فتخ القدير.
وأطلق المصنف في زوال الملك في المسألة الأولى فشمل ما إذا زالت الملك من المحلوف
عليه إلى الحالف كما إذا حلف لا يأكل طعامك هذا فأهداه له فأكله لم يحنث في قياس قول
أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد يحنث. وكذلك في بقية المسائل لا فرق في الزوال بين أن
يكون إلى الحالف أو لا، كذا في الذخيرة. ولو حلف لا يأكل من غلة أرضه فأكل من ثمن
الغلة حنث لأنه في العرف يسمى آكلا غلة أرضه، وإن نوى أكل نفس ما يخرج منها صدق
ديانة وقضاء لأنه نوى الحقيقة، كذا في الذخيرة أيضا. ولو حلف لا يأكل من كسب فلان
فالكسب ما صار له بفعله كأخذ المباحات أو بقبوله في العقود، فأما الميراث فليس بكسبه لأن
566

الملك يثبت فيه بغير صنعه فلا يضاف إلى كسبه، فإذا حلف لا يأكل من كسب فلان فورث
المحلوف عليه شيئا وأكل الحالف لا يحنث. ولو اشترى الحالف من المحلوف عليه مما اكتسبه
المحلوف عليه وأكله لم يحنث لأن شرط الحنث أكل مكسوب فلان وهذا أكل مكسوب نفسه،
فلو وهبه له أو تصدق به عليه وأكله حنث، ولو مات المحلوف عليه وترك مالا اكتسبه وورثه
رجل فأكله الحالف حنث لأن الثابت للوارث عين الثابت للمورث، وكذلك لو ورثه الحالف
وأكله حنث لأنه كسب فلان الميت. قال في الواقعات: بخلاف قوله مال فلان الميت
وبخلاف ما لو انتقل إلى غيره بغير الميراث بشراء أو وصية حيث لا يحنث لأنه صار كسبا
للثاني، ولو حلف لا يأكل من ميراث فلان فمات المحلوف عليه ثم مات وارثه وورثه غيره
فأكله الحالف لم يحنث لأن بالإرث الثاني ينتسخ حكم الأول. ولو حلف لا يأكل من ميراث
أبيه شيئا فاشترى بما ورث طعاما وأكله حنث، ولو اشترى بالميراث شيئا واشترى بذلك
الطعام طعاما وأكله لم يحنث، ولو حلف لا يأكل من ملك فلان أو مما ملكه فلان فخرج
شئ من ملكه إلى ملك غيره وأكله الحالف لا يحنث، وكذلك لو حلف لا يأكل طعام فلان
ولو حلف لا يأكل مما يشتري فلان فاشترى لنفسه أو لغيره وأكله الحالف يحنث، ولو باعه
المحلوف عليه ثم أكل الحالف لا يحنث لأن الشراء الثاني فسخ للأول، ولو حلف لا يأكل من
مال فلان فغصب منه حنطة فطحنها أو دقيقا فخبزه وأكله يحنث، هكذا ذكر في موضع من
المنتقى، وذكر في موضع آخر منه لا يحنث. ولو قال لا آكل من طعام فلان فغصبه منه وأكله
حنث، ولو حلف لا يأكل مما زرع فلان فباع فلان زرعه وأكله الحالف يحنث لأن الزراعة لا
يفسخها الشراء، ولو حلف لا يأكل من طعام فلان وفلان بائع الطعام فاشترى منه وأكل
حنث، الكل من الذخيرة. والفرع الأخير وارد على قول المصنف وإن لم يشر لا يحنث بعد
الزوال فيقيد كلام المصنف بأن لا يكون فلان بائع الطعام. وعلله في الواقعات بأنه يراد به
طعامه باسم ما كان مجازا عرف ذلك بحكم دلالة الحال وكذا هذا في قوله لا ألبس من ثياب
فلان وهو نظير قوله لا آكل من مال أبوي بعد موتهما ا ه‍. وفي الذخيرة أيضا: لو حلف لا
يأكل من طعام فلان فأكل من طعام مشترك بينه وبين غيره يحنث لاطلاق الطعام على القليل
والكثير بخلاف الدار والثوب. ولو حلف لا يأكل من خبز فلان فأكل من خبز بينه وبين
غيره يحنث بخلاف ما إذا حلف لا آكل من رغيف فلان فأكل من رغيف بينه وبين آخر لا
يحنث لأن اسم الخبز يطلق على القليل والكثير ولا كذلك اسم الرغيف. ولو حلف لا يأكل
من طعام فلان فأكل من طعام مشترك بين الحالف وبين فلان لا يحنث لأن ما أكل الحالف هو
567

من حصته. ولو حلف لا يزرع أرض فلان فزع أرضا بينه وبين غيره حنث لأن كل جزء
من الأرض يسمى أرضا ولا كذلك الثوب والدار فإن كل جزء من الدار لا يسمى دارا،
وكذلك كل جزء من الثوب لا يسمى ثوبا ا ه‍. وفي الواقعات: حلف لا يأكل لحما يشتريه
فلان فاشترى سخلة وذبحها فأكله الحالف لا يحنث لأن فلانا ما اشتراه بعد ما صارح لحما.
ولو حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من خله بطعام نفسه أو بزيته أو بملحه حنث لأنه
أكل من طعامه، ولو حلف لا يأكل من مال ابنه وكان بينه وبين ابنه حب من خل فأكل منه
يحنث لأنه أكل من مال الابن ا ه‍. ويحتاج حينئذ إلى الفرق بين الطعام والمال كما لا يخفى.
وفي الواقعات أيضا: قال إن أكلت من مال ختني شيئا فامرأتي طالق فدفع إليه عجين ختنه
فجعل في عجين آخر وخبزه فأكل لأن العجين قد ذهب، وكذا لو حلف لا يشرب من شرابه
ولا يأكل من لحمه فأخذ ماء وملحا للمحلوف عليه وجعلهما في عجين لا يحنث إذا أكل من
ذلك الخبز لأن ذلك قد تلاشى. ولو حلف لا يأكل من كسب فلان فأكل كسرة مطروحة في
بيت المحلوف عليه، فإن كانت الكسرة بحال لا يعطي مثلها الفقير لا يحنث، وإن كان بحال
يعطي مثلها الفقير يحنث ا ه‍. ثم اعلم أن ما في المختصر إنما هو عند عدم النية، وأما إذا
نوى شيئا فهو على ما نوى لأنه محتمل كلامه. وفي الذخيرة: حلف لا يأكل من طحن فلان
أو من خبزه فهذا على الماضي والمستقبل، وكذلك قوله مما خبز فلان مما اشترى فلان على
الماضي والمستقبل ا ه‍.
قوله: (لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه فكلمه حنث) لأن الانسان لا يمتنع عن
كلام صاحب الطيلسان لأجل الطيلسان فكانت الإضافة للتعريف فتعلقت اليمين بالمعرف،
ولهذا لو كلم المشتري لا يحنث. وذكر الطيلسان للتمثيل لأنه لو قال لا أكلم صاحب هذه
الدار وهذا الطعام فالحكم كذلك كما في الذخيرة. قيد بهذه اليمين لأنه لو حلف لا يلبس
طيلسان فلان فهو كقوله لا يلبس ثوب فلان وفيه التفصيل السابق. والطيلسان معرب تيلسان
أبدلوا التاء طاء من لباس العجم مدور أسود لحمته وسداه صوف قوله: (الزمان والحين
منكرهما ستة أشهر) لأن الحين قد يراد به الزمان القليل قال الله تعالى * (فسبحان الله حين
تمسون) * [الروم: 71] وقد يراد به أربعون سنة قال تعالى * (هل أتى على الانسان حين من
الدهر) * [الانسان: 1] وقد يراد به ستة أشهر قال تعالى * (تؤتي أكلها كل حين) * [إبراهيم:
568

52] وهذا هو الوسط فينصرف إليه. وهذا لأن القليل لا يقصد بالمنع لوجود الامتناع فيه
عادة والمديد لا يقصد غالبا لأنه بمنزلة الأبد، ولو سكت عنه يتأبد فتعين ما ذكرناه. وكذا
الزمان يستعمل استعمال الحين فيقال ما رأيتك منذ حين ومنذ زمان بمعنى واحد. وهذا إذا لم
تكن له نية، أما إذا نوى شيئا فهو على ما نوى لأنه حقيقة كلامه ولا فرق في ذلك بين
الزمان والحين وهو الصحيح كما في البدائع. أطلقه فشمل الاثبات والنفي فإذا قال لأصومن
حينا أو الحين فهو كقوله لا أكلمه حينا أو الحين. وفي فتح القدير: ويعتبر ابتداء الستة أشهر
من وقت اليمين بخلاف قوله لأصومن حينا أو زمانا كان له أن يعين أي ستة أشهر شاء
وتقدم الفرق ا ه‍. وأشار المصنف إلى أنه لو قال لا أكلمه الأحايين أو الأزمنة بالجمع فهو
على عشر مرات ستة أشهر كما في شرح الطحاوي. ولو قال لا أكلمه كذا وكذا يوما فهو
على أحد وعشرين يوما، ولو قال كذا كذا فهو على أحد عشر. ولو حلف لا يكلمه بضعة
عشر يوما فهو على ثلاثة عشر يوما لأن البضع من ثلاثة إلى تسعة فيحمل على أقلها. ولو
حلف لا يكلمه الشتاء فأول ذلك إذا لبس الناس الحشو والفراء وآخره إذا ألقوها في البلد
الذي حلف فيه، والصيف على ضده وهو من حين القاء الحشو، وإلى لبسه، والربيع آخر
الشتاء ومستقبل الصيف إلى أن ييبس العشب، والخريف فصل ما بين الشتاء والصيف،
569

والمرجع في ذلك إلى اللغة، ولو حلف لا يكلمه إلى الموسم قال يكلمه إذا أصبح يوم النحر
لأنه أول الموسم وغره الشهر ورأس الشهر أول ليلة ويومها وأول الشهر إلى ما دون النصف
وآخره إذا مضى خمسة عشر يوما. ولو قال لله علي أن أصوم أول يوم من آخر الشهر وآخر
يوم من أول الشهر فعليه صوم يوم الخامس عشر والسادس عشر، كذا في البدائع.
قوله: (والدهر والابد العمر ودهر محمل) يعني لو حلف لا يكلمه الدهر معرفا أو الأبد
معرفا أو منكرا فهو العمر أي مدة حياة الحالف، وأما الدهر منكرا فقد قال أبو حنيفة: لا
أدري ما هو. وقالا: هو كالحين. وهذا هو الصحيح خلافا لما يقوله بعضهم من أن
الاختلاف بينهم في العرف أيضا. لهما أن دهرا يستعمل استعمال الحين والزمان يقال ما
رأيته منذ دهر ومنذ حين بمعنى واحد. وأبو حنيفة توقف في تقديره لأن اللغات لا تدرك
قياسا والعرف لم يعرف استمراره لاختلاف في الاستعمال والتوقف عند عدم المرجح من
الكمال، وقد توقف أبو حنيفة في أربعة عشر مسألة كما في السراج الوهاج وقد نقل لا
أدري عن الأئمة الأربعة بل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جبريل عليه السلام كما في الشرح. وبهذا
علم أن العلم بجميع المسائل الشرعية ليس بشرط في الفقيه أي المجتهد لأن الشرط التهيؤ
القريب كما بيناه أول الكتاب. وأشار المصنف إلى أنه لو قال لا أكلمه العمر فهو على الأبد.
واختلف جواب بشر بن الوليد في المنكر نحو عمرا فمرة قال في لله علي صوم عمر يقع على
يوم واحد، ومرة قال هو مثل الحين ستة أشهر إلا أن ينوي أقل أو أكثر. وفي البدائع أن
الأظهر أنه يقع على ستة أشهر.
قوله: (والأيام وأيام كثيرة والشهور والسنون عشرة ومنكرها ثلاثة) بيان لأقل الجمع في
باب الايمان وهو على وجهين: إما أن يكون معرفا أو منكرا، فإذا كان معرفا كما إذا حلف
لا يكلمه الأيام أو الجمع أو الشهور أو السنين انصرف إلى عشرة من تلك المعدودات،
وكذلك لا يكلمه الأيام أو الجمع أو الشهور أو السنين انصرف إلى عشرة عند عدم النية.
وهذا كله عند أبي حنيفة. وقالا: في الأيام ينصرف إلى أيام الأسبوع، وفي الشهور إلى اثني
عشر شهرا، وفي الجمع والسنين والدهور والأزمنة إلى الأبد لأن اللام للعهد إذا أمكن، وإن
لم يمكن فهي للاستغراق والعهد ثابت في الأيام والشهور كما ذكرنا ولا عهد في خصوص
ما سواهما فكان للاستغراق وهو استغراق سني العمر وجمعه. وله أنه جمع معرف باللام
فينصرف إلى أقصى ما عهد مستعملا فيه لفظ الجمع علي اليقين وهو عشرة لأنه يقال ثلاثة
رجال وأربعة رجال إلى عشرة رجال، فإذا جاوز العشرة ذهب الجمع فيقال عشر رجلا إلى
570

آخره. وإنما اعتبر أقصى المعهود وإن كان ما دونه معهود أيضا لأنها لاستغراق المعهود لأن
كل مرتبة من المراتب التي أولها ثلاثة وأقصاها عشرة ولا معن. فالحاصل أنهم اتفقوا على أنها
للعهد لكن اختلفوا في المعهود فهما قالا المعهود الأسبوع والسنة، وهو قال العشرة نظرا إلى أنها
أقصى المعهود، وقد أطال في فتح القدير في بيانه إطالة حسنة وتعرض للرد على ابن العز ولسنا
بصدد ذلك. وفي الذخيرة: لو قال والله لا أكلمك الجمع ولا نية له فله أن يكلمه في غير يوم
الجمعة لأن الجمع جمعة وهو اسم خاص لليوم الذي تقام فيه الجمعة، سمي به لاجتماع الناس
فيه لإقامة هذا الامر فيه فلا يتناول غيره من الأيام كما لو قال لا أكلمك إلا خمسة والآحاد
والأثانين، وإن نوى أيام الجمعة نفس الأسبوع فهو على ما نوى. وذكر في النوادر أن من قال علي
صوم جمعة إن نوى يوم الجمعة يلزمه صوم يوم الجمعة لا غير، وإن نوى أيام الجمعة يعني الأسبوع
أو لم تكن له نية يلزمه صوم الأيام السبعة بحكم غلبة الاستعمال يقول الرجل لغيره لم أرك منذ
جمعة، فعلى رواية النوادر صرف الجمعة إلى أيامها دون يوم الجمعة خاصة، وعلى رواية الجامع
الصغير صرف الجمعة المطلقة غير مقرونة باليوم إلى يوم الجمعة خاصة لأن هذا الاستعمال فيما إذا
ذكرت الجمعة مطلقة بلفظ الواحد أي لا بلفظ الجمع حتى قال مشايخنا: إذا قال والله لا أكلمك
جمعة ينصرف اليمين إلى الأيام السبعة لا إلى يوم الجمعة خاصة، كما ذكر في النوادر ا ه‍. فتبين
بهذا أنه إذا حلف لا يكلمه الجمع يترك كلامه عشرة أيام كل يوم هو يوم الجمعة لا أنه يترك كلامه
عشرة أسابيع كما قد يتوهم. قال في التبيين: ثم الجمع معرفا ومنكرا يقع على أيام الجمعة في المدة
وله أن يكلمه فيما بين الجمعات. وأما الجمع المنكر فذكر المصنف أنه إن وصفه بالكثرة فهو
كالمعرف كقوله لا أكلمه أياما كثيرة لأنه لما وصفه بالكثرة علم أنه لم يرد به الأقل وهو الثلاث
فينصرف إلى المعهود كالمعرف باللام، فعنده للعشرة، وعندهما للأسبوع. وعلى هذا لو قال إن
خدمتني أياما كثيرة فأنت حر فعنده للعشرة، وعندهما للأسبوع، وإن لم يصفه بالكثرة انصرف إلى
ثلاثة على ما ذكر في الجامع من غير خلاف وهو الصحيح لأنه ذكر لفظ الجمع منكرا فيقع على
أدنى الجمع الصحيح وهو ثلاثة. وذكر في الأصل أنه على عشرة أيام وسوى بين منكر الأيام
ومعرفها بخلاف السنين منكرا فإنه على ثلاثة اتفاقا كما في البدائع.
ولم يذكر المصنف الجمع المضاف وفيه تفصيل، ففي الذخيرة: لو حلف لا يركب دواب
فلان أو لا يلبس ثيابه أو لا يكلم عبيده ففعل بثلاثة مما سمى يحنث، وإن كان لفلان ثياب
ودواب وعبيد أكثر من ثلاثة فرق بين هذا وبين ما إذا حلف لا يكلم زوجات فلان لا يكلم
أصدقاء فلان لا يكلم إخوة فلان حيث لا يحنث ما لم يكلم الكل مما سمى. والفرق أن في
571

الفصل الأول المنع في فلان لا لمعنى هذه الأشياء فتتقيد اليمين باعتبار منسوبين إلى فلان وقد
ذكر النسبة باسم الجمع وأقل الجمع ثلاثة، أما في الفصل الثاني المنع لمعنى في هؤلاء فتعلقت
اليمين بأعيانهم وصار تقدير المسألة لا أكلم هؤلاء فما لم يكلم الكل لا يحنث. وإن نوى
الحالف في الفصل الأول الدواب كلها الغلمان كلها يدين فيما بينه وبين الله تعالى وفي
القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه، كذا في الزيادات. وظاهره أنه لا يحنث بواحدة في الكل.
وفي نوادر ابن سماعة عن أبي يوسف أنه لا يحنث بالواحد في بني آدم ويحنث في غيره فإذا
حلف لا يكلم عبيد فلان وله ثلاثة فكلم واحدا منهم لا يحنث ويمينه على الكل بخلاف لا
أركب دوابه ولا ألبس ثيابه. وفي الواقعات: قال والله لا أكلم إخوة فلان وله أخ والأخ
واحد، فإن كان يعلم يحنث إذا كلم ذلك الواحد لأنه ذكر الجمع وأراد الواحد، فإن كان لا
يعلم لا يحنث لأنه لم يرد الواحد فبقيت اليمين على الجمع كمن حلف لا يأكل ثلاثة أرغفة من
هذا الحب وليس له فيه إلا رغيف واحد وهو لا يعلم لا يحنث ا ه‍. وقيد المصنف بالأيام
ونحوها لأنه لو قال والله لا أكلم الفقراء أو المساكين أو الرجال فكلم واحدا منهم يحنث لأنه
اسم جنس بخلاف قوله رجالا أو نساء، كذا في الواقعات. ففي المنكر فلا فرق بين الكل،
وأما في المعرف فإنه ينصرف للمعهود إن أمكن، وإلا فهو للجنس لأن الألف واللام إذا
دخلت على الجمع ولا عهد فإنه يبطل معنى الجمعية كقوله لا اشتري العبيد لا أتزوج النساء
كما عرف في الأصول. وفي الذخيرة: الأصل أن الحكم إذا علق بجمع منكر كعبيد ورجال
ونساء يتعلق وقوعه بأدنى الجمع الصحيح وهو الثلاثة دون المثنى، ومتى علق بجميع معرف
بالألف واللام يتعلق بأدنى ما ينطلق عليه ذلك الاسم عند عامة المشايخ إذا لم يكن ثمة معهود
كالحكم المعلق باسم الجنس، وعند بعض المشايخ ينصرف إلى كل الجنس ا ه‍. وفي تهذيب
القلانسي: وأما الأطعمة والنساء والثياب يقع على واحد إجماعا، ولو نوى الكل صحت نيته
ا ه‍. وفي الظهيرية: لو قال والله لا أكلمك كل يوم من أيام هذه الجمعة فكلمه في تلك
الجمعة ليلا أو نهارا مرة واحدة حنث به، ولو قال والله لا أكلمك في كل يوم من أيام هذه
الجمعة لا يحنث حتى يكلمه في كل يوم، ولو ترك كلامه يوما واحدا لا يحنث، وإن كلمه
كل يوم لا يحنث إلا مرة واحدة لاتحاد الاسم، ولو حلف لا يكلم فلانا أيامه هذه قال أبو
يوسف: هو على ثلاثة أيام. ولو قال لا أكلمه أيامه فهو على العمر ولو قال لا أكلمك يوما
بعد الأيام عن محمد إن كلمه في سبعة أيام لا يحنث وبعد السبعة يحنث والمعنى فيه على أصل
محمد ظاهر ا ه‍ والله أعلم.
572

باب اليمين في الطلاق والعتاق
قال المصنف في الكافي: الأصل في هذا الباب أن الولد الميت ولد في حق غيره لا في
حق نفسه، وأن الأول اسم لفرد سابق والأخير لفرد لاحق، والوسط لفرد بين العددين
المتساويين وأن الشخص الواحد متى اتصف بواحد من هذه الثلاثة فلا يتصف بالآخر للتنافي
بينهما ولا كذلك الفعل لأن اتصافه بالأولية لا ينافي اتصافه بالآخرية لأن الفعل الثاني غير
الأول. فلو قال آخر تزوج أتزوج فالتي أتزوجها طالق طلقت المتزوجة مرتين لأنه جعل
الآخر وصفا للفعل وهو العقد وعقدها هو الآخر كما سيأتي بيانه قوله: (إن ولدت فأنت كذا
حنث بالميت بخلاف فهو حر فولدت ولدا ميتا ثم آخر حيا عتق الحي وحده) أي لو قال
لامرأته إن ولدت فأنت طالق أو قال لامته إن ولدت فأنت حرة فولدت ولدا ميتا طلقت المرأة
وعتقت الجارية لأن الموجود مولود فيكون ولدا حقيقة ويسمى به في العرف ويعتبر ولدا في
الشرع حتى تنقضي به العدة، والدم بعده نفاس وأمه أم ولد فيتحقق الشرط وهو ولادة الولد
بخلاف ما لو قال لامته إذا ولدت ولدا فهو حر فولدت ولدا ميتا ثم آخر حيا عتق الحي
وحده عند أبي حنيفة. وقالا: لا يعتق واحد منهما لأن الشرط قد تحقق بولادة الميت على ما
بينا فتنحل اليمين لا إلى جزاء لأن الميت ليس بمحل للحرية وهو الجزاء. ولأبي حنيفة أن
مطلق الاسم قد تقيد بوصف الحياة لأنه قصد إثبات الحرية جزاء وهي قوة حكمية تظهر في
دفع تسليط الغير فلا يثبت في الميت فيتقيد بوصف الحياة كما إذا قال إذا ولدت ولدا حيا
بخلاف جزاء الطلاق وحرية الام لأنه لا يصلح مقيدا. وأشار المصنف إلى أنه لو قال أول
ولد تلدينه فهو حر أنه يتقيد بوصف الحياة عنده حتى لو ولدت ولدا ميتا ثم آخر حيا عتق
الحي. وعندهما لا يعتق. وأما إذا قيده بالحياة نصا فإنه يعتق الحي اتفاقا وإلى أنه لو قال أول
عبد يدخل علي فهو حر فأدخل عليه عبد ميت ثم آخر حي فإنه يعتق الآخر الحي وهو
بالاجماع على الصحيح. والعذر لهما أن العبودية بعد الموت لا تبقى لأن الرق يبطل بالموت
بخلاف الولد أو الولادة. وأشار بالمسألة الأولى إلى أنها لو أسقطت سقطا مستبين الخلق فإنها
تطلق وتعتق لأنه ولد شرعا ولم لم يستبن شئ من خلقه لا يعتبر وتقدم حكمه في الحيض.
573

قوله: (أول عبد أملكه فهو حر فملك عبد أعتق ولو ملك عبدين ثم آخر لا يعتق
واحد منهم) لأن الأول اسم لفرد سابق وقد وجد في المسألة الأولى وانعدم التفرد في الثانية
في الأوليين وانعدم السبق في الثالث فانعدمت الأولية قوله: (ولو زاد وحده عتق الثالث) أي
لو قال أول عبد أملكه وحده فهو حر فملك عبدين ثم ملك آخر عتق العبد الثالث لأنه يراد
به التفرد في حال سبب الملك لأن وحده للحال لغة والثالث سابق في هذا الوصف، ولا
فرق بين أن يذكر الملك أو الشراء، ومراد المصنف من زيادة وحده أنه زاد وصفا للأول سواء
كان وحده أو لا فيشمل ما لو قال أول عبد أشتريه بالدنانير فهو حر فاشترى عبدا بالدراهم
أو بالعروض ثم اشترى عبدا بالدنانير فإنه يعتق. وكذا لو قال أول عبد أشتريه أسود فهو حر
فاشترى عبد أبيض ثم أسود فإنه يعتق. وقيد بوحده لأنه لو قال أول عبد أشتريه واحدا فهو
حر فاشترى عبدين ثم اشترى عبدا فإنه لا يعتق الثالث لاحتمال أن يكون حالا للعبد أو
للمالك فلا يعتق بالشك وتمامه في التبيين. وواحدا بالنصب على أنه حال، وأما إذا كان
مجرورا فهو صفه للعبد فهو كوحدة كما لا يخفى. ولو قال أول عبد أملكه فهو حر فملك
عبدا ونصف عبد عتق العبد الكامل لأن نصف العبد ليس بعبد فلم يشاركه في اسمه فلا
يقطع عنه اسم الأولية والفردية كما لو ملك معه ثوبا أو نحوه بخلاف ما إذا قال أول كر
أملكه فهو هدي فملك كرا ونصفا حيث لا يلزمه شئ لأن النصف يزاحم الكل في
المكيلات والموزونات لأنه بالضم يصير شيئا واحدا بخلاف الثياب والعبيد قوله: (فلو قال
آخر عبد أملكه فهو حر فملك عبد أو مات لم يعتق) لأن الآخر بكسر الخاء فرد لا حق ولا
574

سابق له فلا يكون لاحقا ولهذا يدخل في الأول فيستحيل أن يدخل في ضده، وفي فتح
القدير: وهذه المسألة مع التي تقدمت تحقق أن المعتبر في تحقق الآخرية وجود سابق بالفعل وفي
الأولية عدم تقدم غيره لا وجود آخر متأخر عنه وإلا لم يعتق المشتري في قوله أول عبد أشتريه
فهو حر إذا لم يشتر بعده غيره اه‍. والضمير في مات راجع إلى المالك قوله: (فلو اشترى عبدا
ثم عبدا ثم مات عتق الآخر) لأنه فرد لاحق فاتصف بالآخرية، ولم يذكر المصنف وقت عتقه
للاختلاف فعند الإمام يستند العتق إلى وقت الشراء حتى يعتبر من جميع المال إن كان اشتراه في
صحته عند أبي حنيفة وإلا من الثلث. وعندهما يعتق مقتصرا على حالة الموت فيعتبر من
الثلث على كل حال لأن الآخرية لا تثبت إلا بعدم شراء غيره بعده وذلك يتحقق بالموت فكان
الشرط متحققا عند الموت فيقتصر عليه، ولأبي حنيفة أن الموت معرف، فأما اتصافه بالآخرية
فمن وقت الشراء فيثبت مستندا وعلى هذا الخلاف تعليق الطلقات الثلاث به كما إذا قال آخر
امرأة أتزوجها فهي طالق ثلاثا فيقع عند الموت عندهما وترث بحكم أنه فار ولها مهر واحد
وعليها العدة أبعد الأجلين من عدة الطلاق والوفاة، فإن كان الطلاق رجعيا فعليها عدة الوفاة
وتحد، وعنده يقع منذ تزوجها، فإن كان دخل بها فلها مهر ونصف مهر بالدخول بشبهة
ونصف مهر بالطلاق قيل الدخول وعدتها بالحيض بلا حداد ولا ترث منه، ولو قال آخر امرأة
أتزوجها طالق فتزوج امرأة ثم أخرى ثم طلق الأولى ثم تزوجها ثم مات طلقت التي تزوجها
مرة لأن التي أعاد عليها التزوج اتصفت بكونها أولى فلا تتصف بالآخرية للتضاد كمن قال آخر
عبد أضربه فهو حر فضرب عبدا ثم ضرب آخر ثم أعاد الضرب في الأول ثم مات عتق
المضروب مرة بخلاف الفعل كما قدمناه أول الباب، وقيد بموت المولى لأنه لا يعلم أن الثاني
آخرا لا بموت المولى لجواز أن يشتري غيره فيكون هو الآخر ولم يذكر المصنف الأوسط. قال
في البدائع: ولو قال أوسط عبد أشتريه فهو حر فكل عبد فرد له حاشيتان متساويتان فيما قبله
وبعده فهو أوسط ولا يكون الأول ولا الآخر وسطا أبدا ولا يكون الوسط إلا في وتر ولا
يكون في شفع، فإذا اشترى عبدا ثم عبدا ثم عبدا فالثاني هو الوسط، فإذا اشترى رابعا خرج
الثاني من أن يكون أوسط، فإذا اشترى خامسا صار الثالث هو الوسط، فإذا اشترى سادسا
خرج من أن يكون أوسط وعلى هذا فقس اه‍.
قوله: (كل عبد بشرني بكذا فهو حر فبشره ثلاثة متفرقون عتق الأول) لأن البشارة اسم
575

لخبر سار صدق ليس للمبشر به علم عرفا ويتحقق ذلك من الأول دون الباقين، وأصله ما
روي أنه صلى الله عليه وسلم مر بابن مسعود وهو يقرأ القرآن فقال عليه السلام: من أحب
أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد، فابتدر إليه أبو بكر وعمر رضي
الله عنهما فسبق أبو بكر عمر فكان يقول: بشرني أبو بكر وأخبرني عمر. ولو كتب إليه
أحدهما كتابا بالبشارة يعتق إلا إذا نوى المشافهة لأن البشارة قد تكون بالكتابة لأن الكتابة من
الغائب بمنزلة الخطاب من الحاضر، وكذا لو أرسل إليه رسولا فإنه يعتق في البشارة والخبر
بخلاف الحديث لا يحنث إلا بالمشافهة. ولو حلف لا يدعو فلانا فكتب إليه يدعوه حنث كما
في الذخيرة. وقيدناها بالصدق لأنه لو بشره كذبا لا يقع لأنه وإن ظهر في بشرة الوجه
الفرح والسرور باعتبار الظاهر لكنه قد زال لما تبين له خلافه بخلاف من أخبرني أن فلانا قدم
فكذا فأخبره واحد كذبا فإنه يعتق لأنه ينطلق على الكذب والصدق بخلاف ما إذا قال من
أخبرني بقدومه فلا بد من الصدق كما قدمناه، ففي البشارة لا فرق بين أن يأتي بالباء أو لا
بخلاف الخبر، وقد علم الفرق في بحث الباء من الأصول والكتابة كالخبر، فلو قال إن
كتبت أن فلانا قدم فكذا فكتب كذبا عتق لأنها جمع الحروف وقد وجد بخلاف إن كتبت
بقدومه فلا بد من قدومه حقيقة، فلو كتب بقدومه غير عالم به وقد قدم حقيقة عتق بلغ الخبر
إلى الحالف أولا لوجود الشرط كما في المحيط. وأما الاعلام فلا بد فيه من الصدق لأن
الاعلام إثبات العلم والكذب لا يفيده، كذا في البدائع. ولا فرق فيه بين أن يأتي بالباء أولا
كما في الذخيرة. وخرج الخبر الضار فليس ببشارة عرفا وإن سماه الله بشارة في قوله تعالى
* (فبشرهم بعذاب أليم) * [آل عمران: 12] لأنه بشارة لغة والكلام في العرف. وفي المحيط:
لو قال أول من بشرني بقدوم فلان من عبيدي فهو حر فأرسل بعض عبيده عبدا آخر فقال قل
للمولى إن فلانا يقول لك قد قدم فلان فأبلغه ذلك العبد قال يعتق المرسل دون الرسول وهو
بمنزلة الكتابة، ولو قال الرسول إن فلانا قد قدم ولم يقل أرسلني إليك فلان عبدك بكذا عتق
الرسول دون المرسل قوله: (وإن بشروه معا عتقوا) لتحققها من الجميع قال تعالى * (فبشروه
بغلام عليم) * [الذاريات: 82].
576

قوله: (وصح شراء أبيه للكفارة لا شراء من حلف بعتقه وأم ولده) لأن شراء القريب
إعتاق لأنه عليه السلام جعل نفس الشراء إعتاقا لأنه لا يشترط غيره فصار نظير قوله سقاه
فأرواه فصادف النية العلة فأجزأه عن الكفارة، وأما شراء من حلف بعتقه كما إذا قال إن
اشتريت فلانا فهو حر فاشتراه ينوي به كفارة عن يمينه أو غيرها فإنه لا يجزئه لأن الشرط
قران النية بعلة العتق وهي اليمين، فأما الشراء فشرطه، وأما أم الولد فقد تقدم في الظهار أنه
لو أعتقها عن كفارته لا يجوز وليس هذا بمراده هنا. وأما قوله أم الولد معطوف على من
يعني أنه لو قال لامة قد استولدها بالنكاح إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يميني ثم
اشتراها فإنها تعتق لوجود الشرط ولا تجزئه عن الكفارة لأن حريتها مستحقة بالاستيلاد فلا
تضاف إلى اليمين من كل وجه بخلاف ما إذا قال لقنة إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة
يميني حيث يجزئه عنها إذا اشتراها لأن حريتها غير مستحقة بجهة أخرى فلم تختل الإضافة
إلى اليمين وقد قارنته النية. والحاصل أن النية إذا قارنت علة العتق ورق المعتق كامل صح
التكفير وإلا فلا. وقولهم هنا إن اليمين علة العتق من باب إطلاق الكل وإزادة الجزء لأن
العلة هو الجزاء وهو أنت حر لا مجموع اليمين من الشرط والجزاء. وقيد بالشراء لأنه لو
ورث قريبه ونواه عن كفارته لا يصح لأنه لم يوجد من جهته فعل حتى يجعل تحريرا، كذا في
المحيط. وينبغي أنه لو وهب له قريبه أو تصدق به عليه أو أوصى له به أو جعل مهرا لها
فنوى أن يكون عن كفارته عند قبوله فإنه يجوز لأن النية صادفت العلة الاختيارية بخلاف
الإرث لأنه جبري ولم أره منقولا صريحا وكلامهم يفيده دلالة قوله: (إن تسريت أمة فهي
حرة صح لو في ملكه وإلا لا) أي وإن لم يكن في ملكه لم يصح التعليق لأنها إن كانت في
ملكه فقد انعقدت اليمين في حقها لمصادفتها الملك، وهذا لأن الجارية منكرة في هذا الشرط
فتتناول لكل جارية على الانفراد. وأما إذا اشترى جارية وتسراها فإنها لا تعتق خلافا لزفر
فإنه يقول: التسري لا يصح إلا في الملك. فكان ذكره ذكر الملك فصار كما إذا قال لأجنبية
إن طلقتك فعبدي حر يصير التزوج مذكورا. ولنا أن الملك يصير مذكورا ضرورة صحة
التسري وهو شرط فيتقدر بقدره، ولا يظهر في حق صحة الجزاء وهو الحرية، وفي مسألة
الطلاق إنما يظهر في حق الشرط دون الجزاء حتى لو قال لها إن طلقتك فأنت طالق ثلاثا
فتزوجها وطلقها واحدة لا تطلق ثلاثا فهذا وزان مسألتنا. قيد بقوله فهي حرة لأنه لو قال
إن تسريت أمة فأنت طالق أو عبدي حر فتسري من في ملكه أو من اشتراه بعد التعليق فإنها
577

تطلق ويعتق العبد لوجود الشرط بلا مانع. قال في التبيين: لو قال لامة إن تسريت بك
فعبدي حر فاشتراها فتسرى بها عتق عبده الذي كان في ملكه وقت الحلف ولا يعتق من
اشتراه بعده اه‍. فاحفظ هذا فإن بعض أهل العصر فاس مسألة تعليق الطلاق بالتسري على
مسألة المختصر وهو غلط فاحش لأن المنكوحة يصح تعليق طلاقها بأي شرط كان. ثم اعلم
أن التسري هنا تفعل من السرية وهو اتخاذها والسرية إن كانت من السرور فإنها تسر بهذه
الحالة ويسر هو بها، أو من السرو والسيادة فضم سيئها على الأصل. وإن كانت من السر
بمعنى الجماع أو بمعنى ضد الجهر فإنها قد تخفى على الزوجات الحرائر فضمها من تغييرات
النسب كما قالوا دهري بالضم في النسبة إلى الدهر. وفي النسبة إلى السهل من الأرض سهلي
بالضم والفعل منه بحسب اعتبار مصدره. ومعنى التسري عند أبي حنيفة ومحمد أن يحصن
أمته ويعدها للجماع أفضى إليها بمائه أو عزل عنها. وعند أبي يوسف أن لا يعزل ماءه مع
ذلك فعرف أنه لو وطئ أمة له ولم يفعل ما ذكرناه من التحصين والاعداد لا يكون تسريا وإن
لم يعزل عنها وإن علقت منه، ولو حلف لا يتسرى فاشترى جارية فحصنها ووطئها حنث،
ذكره القدوري في التجريد عن أبي حنيفة ومحمد، كذا في فتح القدير.
قوله: (كل مملوك لي حر عتق عبيده القن وأمهات أولاده ومدبروه لا مكاتبه) لوجود
الإضافة المطلقة فيما عدا المكاتب إذا لملك ثابت فيهم رقبة ويدا، ولا يدخل المكاتب إلا بالنية
لأن الملك غير ثابت يدا فيه ولهذا لا يملك إكسابه، ولا يحل له وطئ المكاتبة بخلاف المدبر
وأم الولد فاختلت الإضافة ومعتق البعض كالمكاتب لما ذكرنا، وقد قدمنا الكلام عليه في
العتق المعلق فراجعه قوله: (هذه طالق أو هذه وهذه طلقت الأخيرة وخير في الأولين وكذا
العتق والاقرار) يعني لو قال لعبيده هذا حر أو هذا وهذا عتق الأخير وله الخيار في الأولين، وكذا
لو قال لفلان علي ألف درهم أو لفلان وفلان لزمه خمسمائة للأخير، وله أن يجعل
خمسمائة لأيهما شاء. والأصل هنا أن كلمة أو لاثبات أحد المذكورين وقد أدخلها بين
الأولين وعطف الثالث على الواقع منهما لأن العطف للمشاركة في الحكم فيختص بمحل
الحكم. وذكر في المغني في مسألة الاقرار أن النصف للأول والنصف للأخيرين والصواب
الأول وعليه المعنى لأن الثالث معطوف على من له الحق منهما فيكون شريكا له، ولو كان
معطوفا على ما يليه كما ذكر لكان المقربه للأول وحده أو للأخيرين لأنه أوجبه لاحد
578

المذكورين لا لهما فتنتفي الشركة إلا إذا مات قبل البيان. قيد بكون أو دخلت في الاثبات
لأنها لو دخلت في النفي كما إذا قال والله لا أكلم فلانا أو فلانا وفلانا، فإن كلم الأول
وحده حنث ولا يحنث بكلام أحد الأخيرين حتى يكلمهما فجعل الثالث في الكلام مضموما
إلى الثاني على التعيين، وفيما تقدم جعل مضموما إلى من وقع له الحكم لأن أو إذا دخلت
بين شيئين تناولت أحدهما منكرا إلا أن في الطلاق ونحوه الموضع موضع الاثبات فتخص
فتطلق إحداهما وفي الكلام الموضع موضع النفي فتعم عموم الافراد قال الله تعالى * (ولا تطع
منهم آثما أو كفورا) * [الانسان: 42] فصار كأنه قال لا أكلم فلانا ولا فلانا فينضم الثالث
إلى ما يليه لأنه لما كانت أو لعموم الافراد صار كل واحد منهما كلاما على حدة كان الأول
انقطع وشرع في الكلام الثاني والعطف فيه لا ينصرف إلى الأول بخلاف الطلاق وأمثاله، فإن
الاتصال فيه بين الكلامين ثابت فيكون الثالث معطوفا على من وجب له الحكم وتمامه في
التبيين، وقيد بما إذا لم يذكر للثاني والثالث خبرا، فإن ذكر له خبرا بأن قال هذه طالق أو
هذه وهذه طالقان أو قال هذا حر أو هذا وهذا حران فإنه لا يعتق واحد ولا تطلق بل يخير
إن اختار الايجاب الأول عتق الأول وحده وطلقت الأولى وحدها، وإن اختار الايجاب الثاني
عتق الأخيران وطلقت الأخيرتان والله أعلم.
579

باب اليمين في البيع والشراء والتزويج والصوم والصلاة وغيرها
لما كانت الايمان على هذه التصرفات أكثر منها على الصلاة والصوم والحج وما بعدها
قدمها عليها. والحاصل أن كل باب فوقوعه أقل مما قبله وأكثر مما بعده. واعلم أن العقود
أنواع ثلاثة: منها ما يتعلق حقوقه بمن وقع له العقد لا بالعاقد كالنكاح، ومنها ما يتعلق
حقوقه بالعاقد إذا كان العاقد أهلا لتعلق الحقوق به كالبيع والشراء، ومن العقود ما لا حقوق
له أصلا كالإعارة والابراء والقضاء والاقتضاء، كذا في فتاوى قاضيخان. وهذا أولى مما في
التبيين وفتح القدير وغيرهما من تقسيمها إلى نوعين: نوع تتعلق حقوقه بالعاقد، ونوع لا
تتعلق حقوقه بالآمر. فإنه يخرج عنها ما ليس له حقوق أصلا فما تتعلق حقوقه بالعاقد فإن
الحالف لا يحنث بمباشرة وكيله لوجود الفعل من الوكيل حقيقة وحكما، وما تتعلق حقوقه
بالآمر وما لا حقوق له أصلا فإنه يحنث الحالف أن لا يفعله بفعل وكيله كما يحنث بمباشرته
لأن الوكيل فيه سفير ومعبر، وقد جعل في المحيط العارية ونحوها مما تتعلق حقوقها بالآمر.
قوله: (ما يحنث بالمباشرة لا بالآمر البيع والشراء والإجارة والاستئجار والصلح عن مال
والقسمة والخصومة وضرب الولد) لأن العقد وجد من العاقد حتى كانت الحقوق عليه ولهذا
لو كان العاقد هو الحالف يحنث في يمينه فلم يوجد ما هو الشرط وهو العقد من الآمر وإنما
الثابت له حكم العقد إلا أن ينوي غير ذلك. أطلقه المصنف وهو مقيد بما إذا كان الحالف
يتولى العقود بنفسه، أما إذا كان الحالف ذا سلطان كالأمير والقاضي ونحوهما لا يتولى العقد
بنفسه فإنه يحنث بالامر أيضا لأنه يمنع نفسه عما يعتاده، فإن كان الآمر يباشره مرة ويفوض
أخرى يعتبر الأغلب كما في المحيط. وأطلق في الصلح عن مال وهو مقيد بأن يكون عن
الاقرار لأنه حينئذ بيع، أما الصلح عن إنكار فهو فداء لليمين في حق المدعى عليه فيكون
الوكيل من جانبه سفيرا محضا فكان من القسم الثاني كما سنبينه في كتاب الوكالة. فعلى هذا
إذا حلف المدعي أن لا يصالح فلانا عن هذه الدعوى أو عن هذا المال فوكل فيه لا يحنث
مطلقا، وإذا حلف المدعى عليه ثم وكل به، فإن كان عن إقرار حنث، وإن كان عن انكار أو
580

سكوت لا يحنث. وقيد بالصلح عن المال احترازا عما صرح به في القسم الثاني من الصلح
عن دم العمد، وفي المحيط: لو حلف لا يصالح رجلا في حق يدعيه عليه فوكل رجلا
فصالحه لم يحنث، ولو قال والله لا أصالح فلانا فأمر غيره فصالحه حنث في القضاء لأن
الصلح لا عهدة فيه اه‍. ولعل المراد بالفرع الثاني الصلح اللغوي بمعنى عدم العدواة والغيظ
لا بمعنى أنه عقد برفع النزاع الذي هو الصلح الفقهي. وفي الواقعات: حلف لا يشتري من
فلان فأسلم إليه في ثوب حنث لأنه اشترى مؤجلا. حلف لا يشتري عبد فلان فأجر به
داره لا يحنث لأنه ليس بشراء ألا ترى أنه لا شفعة فيها مع أن الشفعة تثبت في الشراء.
حلفه السلطان أن لا يشتري طعاما للبيع ثم اشترى طعاما لبيته ثم بداله فباعه لا يحنث لأنه ما
اشترى للبيع، وهذا كمن حلف لا تخرج امرأته إلى بيت والدتها فخرجت للمسجد ثم زارت
والدتها لا يحنث. حلف لا يشتري ثوبا جديدا فتفسير الجديد ما لا ينكسر حتى يصير شبه
الخلق ويجب أن يكون جديدا قبل الغسل وبعده لا لاعتبار العرف. حلف لا يشتري بقلا
فاشترى أرضا فيها مبقلة قد نبتت وشرط ذلك معها حنث. وكذلك لو حلف لا يشتري رطبا
فاشترى نخلا بها رطب وشرط ذلك حنث لأنه لو لم يشترط لا يدخل في البيع فإذا شرطه
حتى دخل يكون له حصة من الثمن فصار مشتريا له. حلف أن لا يبيع داره فأعطاها امرأته
في صداقها حنث، كذا ذكر هنا. ويجب أن يكون الجواب على التفصيل إن تزوجها على الدار
لا يحنث لأن هذا ليس ببيع، وإن تزوجها على الدراهم ثم أعطاها عوضا عن تلك الدراهم
حنث لأن هذا بيع اه‍. وفي البدائع: حلف لا يشتري ذهبا ولا فضة فاشترى من دراهم أو
دنانير أو آنية أو تبرا أو مصوغ حلية أو غير ذلك مما هو ذهب أو فضة فإنه يحنث في قول أبي
يوسف. وقال محمد: لا يحنث في الدراهم والدنانير للعرف. ولو حلف لا يشتري حديدا
فهو على مضروبه وإبره سلاحا كان أو غير سلاح في قول أبي يوسف. وقال محمد: إن
اشترى شيئا من الحديد يسمى بائعه حدادا يحنث وإلا فلا، وبائع الابر لا يسمى حدادا. ولو
حلف لا يشتري صفرا فاشترى طست صفر أو كوزا أو تورا حنث وكذلك عند محمد. وقال
محمد: لو اشترى فلوسا لا يحنث، ولو حلف لا يشتري صوفا فاشترى شاة على ظهرها
صوف لم يحنث، وكذا لو حلف لا يشتري لحما فاشترى شاة حية لم يحنث. ولو حلف لا
يشتري دهنا فهو على دهن جرت العادة بالادهان به، ولو حلف لا يشتري بنفسجا أو لا
581

يشمه فهو على الدهن والورق، وأما الحناء والورد فهو على الورق دون الدهن. ولو حلف لا
يشتري بزرا فاشترى دهن بزر حنث، وإن اشترى حبا لم يحنث اه‍.
وفي الظهيرية: ولو قال لامرأته إن اشتريت شيئا فأنت طالق فاشترت الماء قالوا: إن
اشترته في قربة أو جرة طلقت، وإن دفعت الجرة إلى السقاء وخبزا حتى يحمل لها الماء لا
تطلق. ولو باع عبده من رجل وسلم إلى المشتري ثم حلف البائع أن لا يشتريه من فلان ثم
إن المشتري أقال البيع وقبل البائع الإقالة لا يحنث، ولو كان الثمن ألف درهم فوقعت الإقالة
بمائة دينار أو بأكثر من الثمن الأول أو أقل حنث. قيل: هذا قولهما. وأما على قول أبي
حنيفة لا يحنث لكونه إقالة على كل حال على ما عرف. ولو حلف وقال والله ما اشتريت
اليوم شيئا وقد كان اشترى في ذلك اليوم أشياء لكن بالتعاطي فقد قيل يحنث في يمينه. وفي
مجموع النوازل: وضع المسألة في طرف المبيع فقال إذا حلف لا يبيع الخبز فجاء رجل فأعطاه
دراهم لأجل الخبز ودفع هو إليه الخبز لا يحنث. وذكر في شهادات القدوري ما يؤيده ما ذكر
في مجموع النوازل فقال: لا يسع لمن عاين ذلك أن يشهد على البيع بل يشهد على التعاطي.
وإلى هذا مال الماتريدي. ولو حلف لا يشتري قميصا فاشترى قميصا مقطعا غير مخيط لا
يحنث. ولو قال إن بعث غلامي هذا أحدا من الناس فامرأته كذا فباعه من رجلين حنث،
وكذا إذا قال إن أكل هذا الرغيف أحد فأكله اثنان حنث في يمينه. وفي القنية: حلف لا
يبيع فوهب بشرط العوض ينبغي أن يحنث. باع جاريته ثم قال إن دخلت هي في بيعي فهي
حرة فإن ردت عليه بغير قضاء تعتق وإلا فلا. حلف إن اشتراها يحنث بالإقالة حلف لا يبيع
يحنث ببيع التلجئة اه‍. وعلى هذا فالهبة بشرط العوض داخلة تحت يمين لا يهب نظرا إلى أنها
هبة ابتداء فيحنث، وداخلة تحت يمين لا يبيع نظرا إلى أنها بيع انتهاء فيحنث بها. ولو قال إن
أجرت داري هذه فهي صدقة ثم احتاج إلى إجارتها فالمخرج له عن اليمين أن يبيعها الحالف
من غيره ثم يوكل المشتري الحالف بالإجارة فيؤاجرها بعد القبض ثم يشتريها فتخرج عن
يمينه بالإجارة على ملك المشتري اه‍. وقد يقال لا حاجة إلى هذا التكليف لأنه لو وكل في
إجارتها لا يحنث فكذا لا يلزمه التصدق بها إلا أن يفرق بين النذر واليمين، وسيأتي الفرق بين
ضرب الولد وضرب الغلام. وفي الذخيرة: حلف لا يؤجر وله مستغلات آجرتها امرأته
582

وقبضت الأجرة فأنفقت أو أعطتها زوجها لا يحنث، وتركها في أيدي الساكنين لا يكون
إجارة فلو قال للساكنين اقعدوا في هذه المنازل فهو إجارة ويحنث، وكذا إذا تقاضى
منهم أجرة شهر لم يسكنوا فيه بخلاف ما إذا أنقده أجرة شهر قد سكنوا فيه فإنه ليس بإجارة اه‍.
قوله: (وما يحنث بهما النكاح والطلاق والخلع والعتق والكتابة والصلح عن دم العمد والهبة
والصدقة والقرض والاستقراض وضرب العبد والذبح والبناء والخياطة والايداع والاستيداع
والإعارة والاستعارة وقضاء الدين وقبضه والكسوة والحمل) بيان لثلاثة أنواع: الأول ما ترجع
حقوقه إلى الآمر. الثاني ما لا حقوق له أصلا. الثالث ما كان من الافعال الحسية. والضمير في
قوله بهما عائد إلى المباشرة والامر وفيه تسامح لأنه لا يحنث بمجرد الامر بل لا بد من فعل
الوكيل حتى لو حلف لا يتزوج فوكل به لا يحنث حتى يزوجه الوكيل، فلو قال وما يحنث بفعله
وفعل ما موره لكان أولى. وفسر الشارح الزيلعي الامر بالتوكيل وليس مقتصرا عليه بل هو أعم من
التوكيل والرسالة لأنه يحنث بالرسالة. والدليل على عدم اقتصاره على التوكيل أن من هذا النوع
الاستعواض والتوكيل به غير صحيح، وإنما حنث في هذا النوع بفعل المأمور لما أن غرض الحالف
التوقي عن حكم العقد وحقوقه وهذه العقود تنتقل إليه بحقوقها فصار كمباشرته في حق الأحكام
وصار الوكيل سفيرا ومعبرا ولهذا لا يستغنى عن إضافتها إلى الآمر. وما كان من الافعال حسيا
كضرب الغلام والذبح ونحوهما منقول أيضا إلى الآمر حتى لا يجب الضمان على الفاعل فكان
منسوبا إليه فيحنث. وقد فرق المصنف بين ضرب الولد وضرب العبد، فلو حلف لا يضرب ولده
فضربه غيره بأمره لا يحنث، ولو حلف لا يضرب عبده فضربه غيره بأمره حنث بناء على أن منفعة
ضرب الولد عائدة إلى الولد المضروب وهي التأدب والتثقيف أي التقويم وترك الاعوجاج في
الدين والمروءة والأخلاق فلم ينسب فعل المأمور إلى الآمر وإن كان يرجع إلى الأب أيضا لكن أصل
المنافع وحقيقتها إنما ترجع إلى المتصف بها فلا موجب للنقل بخلاف ضرب العبد فإن منفعته
راجعة إلى الآمر على الخصوص وهو ما يحصل من أدبه وانزجاره وإن كان نفعه يرجع إلى العبد لكنه
غير مقصود. فالحاصل أن المقصود من ضرب الولد حاصل له وإن حصل للأب ضمنا، والمقصود
من ضرب العبد حاصل للمولى وإن حصل للعبد ضمنا فافترقا. وفي فتح القدير: وما في عرفنا
583

وعرف عامتنا فإنه يقال ضرب فلان اليوم ولده وإن لم يباشر، ويقول العامي لولده غدا أسقيك
علقة ثم يذكر لمؤدب الولدان يضربه فيعد الأب نفسه أنه قد حقق إيعاده ذلك ولم يكذب فمقتضاه
أن تنعقد على معنى لا يقع به ضرب من جهتي ويحنث بفعل المأمور اه‍. وينبغي أن يكون مرادهم
بالولد الولد الكبير لأنه لا يملك ضربه فهو كما لو حلف لا يضرب حرا أجنبيا فإنه لا يحنث إلا
بالمباشرة لأنه لا ولاية له عليه فلا يعتبر أمره إلا أن يكون الحالف سلطانا أو قاضيا لأنهما يملكان
ضرب الأحرار حدا وتعزيرا فملكا الامر به. وأما الولد الصغير فكالعبد لما في فتاوى قاضيخان:
ولو حلف لا يضرب ولده الصغير فأمر غيره فضربه ينبغي أن يحنث الحالف لأن الأب يملك
ضرب ولده الصغير فيملك التفويض إلى غيره ويكون بمنزلة القاضي والسلطان اه‍. وإنما لم يجزم
به في الفتاوى لأن الولد أعم من الصغير والكبير ولم يخصص بالكبير في الروايات.
وفي الذخيرة: ولو حلف على امرأته لا يضربها فأمر غيره حتى ضربها فقد قيل إنها
نظير العبد فيحنث في يمينه، وقيل إنها نظير الولد فلا يحنث الحالف في يمينه اه‍. ولم يرجح
وينبغي ترجيح الثاني لأن معظم المنفعة تعود لها وإن حصلت للزوج ضمنا ولو نوى المباشرة
بنفسه فقط في هذه النوع قالوا: فما كان الحكميات كالتزوج والطلاق فإنه يصدق ديانة لا
قضاء، وما كان من الحسيات كالضرب والذبح فإنه يصدق ديانة وقضاء. والفرق أن الطلاق
ليس إلا تكلما بكلام يفضي إلى الوقوع والامر بذلك مثل التكلم به واللفظ ينتظمهما، فإذا
نوى أن لا يليه فقد نوى الخصوص في العام فلا يصدق قضاء لأنه خلاف الظاهر. وما كان
حسيا فإنه يعرف بأثره المحسوس في المحل وإنما يحصل بالفعل فكان فيه حقيقة والنسبة إلى
الآمر بالسبب مجاز، فإذا نوى الفعل بنفسه فقد نوى حقيقة كلامه. وقيد بالنكاح لأنه لو قال
والله لا أزوج فلانة فأمر رجلا فزوجها لا يحنث بخلاف التزوج. قال محمد بن الوليد:
سألت نجم الدين عن الفرق فقال: التزويج بأمره لا يلحقه حكمه والتزوج بأمره يثبت حكمه
لو وهو الحل، كذا في الفيض معزيا إلى مجموع النوازل. وفي البدائع: حلف لا يزوج بنته
الصغيرة فتزوجها رجل بغير أمره فأجاز حنث لأن حقوقه تتعلق بالمجيز، ولو حلف لا يزوج
ابنا له كبيرا فأمر رجلا فزوجه ثم بلغ الابن فأجاز أو زوجه رجل وأجاز الأب ورضي الابن
لم يحنث، وسيأتي تمامه في قوله لو حلف لا يتزوج فأجاز بالقول حنث وبالفعل لا. وفي
الظهيرية: رجل قال لامرأة لا يحل له نكاحها إن تزوجتك فعبدي حر فتزوجها حنث لأن
يمينه تنصرف إلى ما يتصور. عبد حلف أن لا يتزوج فزوجه مولاه وهو كاره لذلك لم يحنث
لأن لفظ النكاح وجد من المولى. ولو حلف رجل أن لا يتزوج امرأة فأذكره على النكاح فتزوج
584

حنث في يمينه لأنه وجد لفظ النكاح منه. رجل حلف أن لا يتزوج من أهل هذه الدار
وليس للدار أهل ثم سكنها قوم فتزوج منهم أو قال لا أتزوج من بنات فلان وليس لفلان
بنت ثم ولدت له بنت فتزوجها الحالف لا يحنث. ولو حلف لا يتزوج من أهل الكوفة
فتزوج امرأة من أهل الكوفة لم تكن ولدت قبل اليمين حنث. ولو حلف أن لا يتزوج
بالكوفة ثم أراد أن يتزوج فالمخرج له أن يوكل الرجل وكيلا والمرأة كذلك ثم يخرج الوكيلان
ويعقدان عقد النكاح خارج الكوفة فلا يحنث الحالف لأن المعتبر مكان العقد. ولو حلف لا
يتزوج امرأة إلا على أربعة دراهم فتزوج امرأة على أربعة دراهم وكمل القاضي عشرة أو زاد
الزوج بعد العقد من تلقاء نفسه في مهرها لا يحنث. ولو حلف لا يتزوج من نساء أهل
البصرة فتزوج امرأة كانت ولدت بالبصرة ونشأت بالكوفة يحنث الحالف في قول أبي حنيفة
لأن المعتبر عنده في هذا المولد دون المنشأ. ولو حلف لا يتزوج امرأة كان لها زوج قبله فطلق
امرأته تطليقة بائنة ثم تزوجها قال محمد لا يحنث في يمينه لأن يمينه تنصرف إلى غيرها. ولو
طلق امرأته ثم قال إن تزوجت امرأة باسمك فهي طالق ثم تزوجها لم تطلق. ولو قال إن
تزوجت امرأة بهذا الاسم فهي طالق فتزوجها طلقت.
والفرق أن فيما تقدم صارت معرفة بكاف الخطاب فلا تدخل تحت النكرة، وفيما تأخر لم
تصر معرفة فتدخل تحت النكرة. ولو حلف لا يتزوج امرأة على وجه الأرض ونوى امرأة بعينها
دين فيما بينه وبين الله تعالى لا في القضاء، ولو نوى كوفية أو بصرية لا يدين أصلا، وكذا لو نوى
امرأة عوراء أو عمياء، ولو نوى عربية أو حبشية دين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى الجنس اه‍.
وأطلق المصنف في الطلاق والعتاق وهو مقيد بأن يقعا بكلام وجد بعد اليمين، أما إذا وقعا بكلام
وجد قبل اليمين فلا يحنث حتى لو قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق ثم حلف أن لا يطلق
فدخلت لم يحنث لأن وقوع الطلاق عليها بكلام كان قبل اليمين. ولو حلف أن لا يطلق
ثم علق الطلاق بالشرط ثم وجد الشرط حنث، ولو وقع الطلاق عليها بمضي مدة الايلاء فإن كان الايلاء
قبل اليمين لا يحنث وإلا حنث. ولو فرق بينهما بالعنة لا يحنث عند زفر، وعن أبي يوسف
روايتان. وعلى هذا لو حلف أن لا يعتق يشترط للحنث وقوع العتق بكلام وجد بعد اليمين، ولو
أدى المكاتب فعتق فإن كانت الكتابة قبل اليمين لا يحنث، وإن كنت بعده يحنث، كذا في التبيين.
585

وفي الظهيرية: حلف ليطلقن فلانة اليوم وفلانة أجنبية أو مطلقته ثلاثا أو ممن لا يحل له نكاحها
أبدا تنصرف يمينه إلى صورة الطلاق اه‍. وفي المحيط: إذا حلف لا يكاتبه ففعله إنسان بغير أمره
فأجازه حنث اه‍. وأما الهبة والصدقة ففي الظهيرية: حلف أن لا يهب لفلان فوهب هبة غير
مقسومة حنث، وكذلك الاعمار والنحل والارسال إليه مع رسوله. وصورة الاعمار أن يقول
صاحب الدار لغيره هي لك ما دمت حيا فإذا مت ردت إلي، وكذا لو أمر غيره حتى وهب حنث،
وكذا لو أجاز هبة الفضولي عبده، ولو حلف لا يهب لفلان فوهب على عوض حنث ولا يحنث
بالصفة في يمين الهبة اه‍. وأما القرض والاستقراض ففي الظهيرية: حلف لا يستقرض
فاستقرض ولم يقرضه حنث. وأما الإعارة والاستعارة ففي الظهيرية: لو حلف لا يعبر ثوبه فلانا
فبعث فلان وكيلا إلى الحالف واستعاره فأعاره الحالف حنث، ولو حلف لا يستعير من فلان شيئا
فأردفه فلان على دابته فردفه لا يحنث اه‍. وفي الذخيرة: حلف لا يستعير من فلان شيئا ينصرف
إلى كل موجود تصح إعارته وكان ذلك عينا ينتفع به مع بقاء عينه، فإن دخل دار المحلوف عليه
ليستقي من بئره فاستعار منه الرشا والدلو اختلف المشايخ فيه، قيل يحنث، وقيل لا لأنه لم تثبت
يده عليهما لأنهما في يد صاحب الدار فلا يكون مستعيرا. وهذا إشارة إلى أن الإعارة لا تتم إلا
بالتسليم وهذا هو الطريق فيما إذا أردفه على دابته فعلى قياس هذا التعليل إذا استعار منه الرشا
والدلو من بئر ليس في ملك المحلوف عليه يحنث اه‍. وقد زاد في الخانية أن من هذا القسم تسليم
لنفقة فإذا حلف لا ينفق فوكل حنث. ولم يذكر المصنف الشركة.
وفي الظهيرية: ولو حلف لا يعمل مع فلان في قصارة ففعل مع شريك فلان حنث، ولو
عمل مع عبده المأذون لا يحنث لأن كل واحد من الشريكين يرجع بالعهدة على صاحبه ويصير
الحالف عاملا مع المحلوف عليه وإن كان عقد الشركة نفسه لا يوجب الحقوق، أما العبد المأذون
فلا يرجع بالعهدة على المولى فلا يصير الحالف شريكا لمولاه. ولو حلف لا يشارك فلانا في هذه
البلدة ثم خرجا عنها وعقدا عقد الشركة ثم دخلاها وعملا فيها، إن كان الحالف نوى في يمينه أن
لا يعقد عقد الشركة في البلدة لا يحنث، وإن نوى أن لا يعمل بشركة فلان حنث. وإن دفع
أحدهما إلى صاحبه مالا مضاربة فهذا والأول سواء لأن المضاربة شركة في عرفنا. ولو حلف لا
يشارك فلانا فأخرج كل واحد منهما دراهمه واشتركا حنث الحالف، خلطا أو لم يخلطا. ولو حلف
لا يشارك فلانا فشاركه بمال ابنه الصغير لا يحنث، ولو حلف لا يشارك فلانا ثم إن الحالف دفع
إلى رجل مالا بضاعة وأمره أن يعمل فيه برأيه فشارك المدفوع إليه المال الرجل الذي حلف رب
586

المال أن لا يشاركه يحنث لأن الحالف لأنه صار شريكا للمحلوف عليه لأن المستبضع لاحق له في
الربح فكان العامل شريحا لرب المال، ولو كان مكان المستبضع مضارب والمسألة بحالها لا يحنث
لأن المشارب له حق في الربح فكان المحلوف عليه شريكا للمضارب، ولو كان المستبضع حلف
أن لا يشارك أحدا فدفع المال شريكه بإذن المستبضع لا يحنث رجل. قال لأخيه إن شاركتك
فحلال الله علي حرام ثم بدالهما أن يشتركا قالوا: إن كان للحالف ابن كبير ينبغي أن يدفع الحالف
ماله إلى ابنه مصاربة ويجعل لابنه شيئا يسيرا من الربح ويأذن لابنه أن يعمل فيه برأيه، ثم إن للابن
أن يشارك عمه فإذا فعل الابن ذلك كان الابن ما شرط له الأب من لربح والفاضل على ذلك إلى
النصف يكون للأب ولا يحنث، ولو كان مكان الأب أجنبي فالجواب كذلك اه‍. وأشار المصنف
بقضاء الدين إلى أن الدفع كذلك. قال في المحيط: حلف لا يدفع إلى فلان ماله فأمر غيره فضمنه
ونقده بضمانه فهو حانث لأنه إذا أنقده رجع به عليه فصار كائنة دفعه إليه، وكذلك لو أحاله عليه
فأعطاه. ولو كانت الحوالة والكفالة بغير أمره لا يحنث بأدائه، وكذا إذا تبرع رجل بالأداء اه‍. ثم
أخدمها بغسل القصعة فغسلتها، فإن كان من عادة المرأة أنها تغسل بنفسها لا غير يقع الطلاق
لوجود الشرط، وإن كان من عادتها أنها لا تغسل إلا بخادمها وعرف الزوج ذلك لا يقع، وإن
كان من عادتها أنها تغسل بنفسها وبخادمها فالظاهر أنه يقع إلا إذا غنى الزوج الآمر بالغسل فلا
يقع اه‍. وأشار المصنف بقضاء الدين إلى أن الاعطاء كذلك ولذا قال في المحيط: حلف ليعطين
فلانا حقه فأمر غيره بالأداء أو أحاله فقبض بر ولو كان بغير أمره حنث اه‍. وإذا حنث بالامر في
حلفه لا يقضي دينه بر بالتوكيل في حلفه ليقضين دينه وكذا في قبضه نفيا واثباتا، فإذا حلف
ليقضين من فلان حقه فأخذ من وكيله أو كفيله أو من المختال عليه بأمر المطلوب بر، وإن كانت
الحوالة والكفالة بغير أمر المطلوب لم يبر، كذا في المحيط. ولم يذكر المصنف الحوالة والكفالة.
قال في المحيط: حلف لا يكفل عنه شيئا فكفل نفسه لا يحنث لأنه كفل به لا عنه لأن كلمة
عنه إنما تستعمل في الكفالة بالمال لا في الكفالة بالنفس. يقال كفل عنه أي بماله وكفل به أي
بنفسه. ولو كفل عن كفيله بأمره لا يحنث لأنه ما كفل عنه وإنما كفل عن غيره. لو حلف لا يكفل
فلانا أو لفلان فكفل بنفسه حنث، ولو كفل عنه بالمال لا يحنث. حلف لا يكفل عن فلان
فأحاله فلان على الحالف لغريمه إن كان للمحتال له دين على المحيل يحنث وإلا فلا لأن في
الحوالة ما في الكفالة وزيادة لأن فيها التزاما وضمانا اه‍. وفي الذخيرة: حلف لا يوضي
بوصية فوهب في مرض موته شيئا لا يحنث لأن ذلك ليس بوصية لكن أعطى الشرع لها
حكم الوصية فلا يظهر في حق حكم الحنث اه‍. وفي الوقعات: حلف لا يأتمن فلانا على
شئ فأراه درهما وقال انظر إلى هذا ولم يفارقه لا يحنث لأنه لم يأتمنه، ولو دفع إليه دابته
وقال أمسكها حتى أصلي فهو حانث لأنه أئتمنه عليه. ولم يذكر المصنف التولية وقد
587

صارت حادثة الفتوى فسئلت عن قاضي القضاة لو حلف لا يولي فلانا القضاء فوكل من
ولاه فأجبت: يحنث لأنه من قسم ما لا حقوق له فيحنث بفعل وكيله.
قوله: (ودخول اللام على البيع والشراء والإجارة والصياغة والخياطة والبناء كأن بعت
لك ثوبا لاختصاص الفعل بالمحلوف عليه بأن كان بأمره كان ملكه أولا وعلى الدخول
والضرب والأكل والشرب والعين كان بعت ثوبا لك لاختصاصها به بأن كان ملكه أمره أولا)
يعني أن اللام إذا تعلقت بفعل قبلها فلا يخلو إما أن يكون ذلك الفعل تجري فيه النيابة أولا،
فإن كان الأول فلا يخلو إما أن تلي اللام الفعل متوسطة بينه وبين المفعول أو تلي المفعول، فإن
كان الأول كقوله إن بعت لك ثوبا إن اشتريت لك ثوبا إن أجرت لك بيتا إن صنعت لك
خاتما إن خطت لك ثوبا إن بنيت لك بيتا فإن اللام للاختصاص والوجه الظاهر فيها التعليل،
ووجه إفادتها الاختصاص أنها تضيف متعلقها وهو الفعل لمدخولها وهو كاف الخطاب فيفيد
أن المخاطب مختص بالفعل، وكونه مختصا به يفيد أن لا يستفاد إطلاق فعله إلا من جهته
وذلك يكون بأمره، وإذا باع بأمره كأن يبيعه إياه من أجله وهي لام التعليل فصار المعقود
عليه أن لا يبيعه من أجله، فإذا دس المخاطب ثوبه بلا علمه فباعه لم يكن باعه من أجله لأن
ذلك لا يتصور إلا بالعلم بأمره، ويلزم من هذا كون هذا لا يكون إلا في الافعال التي تجري
فيها النيابة. وإن كان الثاني أعني ما إذا وقعت عقب المفعول كأن بعت ثوبا لك فهي
للاختصاص أيضا وهو اختصاص العين بالمخاطب وهو كون العين مملوكة للمخاطب فيحنث
إذا باع ثوبا مملوكا للمخاطب، سواء كان بإذنه أو بغير إذنه، لأن المحلوف عليه يوجد مع
588

أمره وعدم أمره وهو بيع ثوب مختص بالمخاطب لأن اللام هنا أقرب إلى الاسم الذي هو الثوب
منه للفعل والقرب من أسباب الترجيح. وأما الثاني أعني ما إذا كان الفعل لا تجري فيه النيابة
مثل الأكل والشرب وضرب الغلام لأنه لا يحتمل النيابة، فلا فرق بين أن تكون اللام عقب
الفعل أو عقب العين فإنها تكون لاختصاص العين بالمخاطب نحو إن أكلت لك طعاما أو طعاما
لك أو شرابا لك شرابا لك أو ضربت لك غلاما أو غلاما لك أو دخلت لك دارا أو
دار لك فيحنث بدخول دار تنسب إلى المخاطب وبأكل طعام يملكه، سواء كان بعلمه أو بأمره
أو دونهما. وفي فتاوى قاضيخان في فصل الاكل رجل قال والله لا أبيع لفلان ثوبا فباع الحالف
ثوبا للمحلوف عليه ليجيز صاحب الثوب حنث الحالف، أجاز المحلوف عليه أو لم يجز. ولو
باعه الحالف وهو لا يريد بذلك أن يكون البيع للمحلوف عليه وإنما يريد بيعه لنفسه لا يكون
حانثا اه‍. فهذا يفيد أن المحلوف عليه بيعه لأجله سواء كان بأمره أو لا وهو يتحقق بدون الامر
بأن يقصد الحالف بيعه لأجل فلان، وهذا مما يجب حفظه فإن ظاهر كلامهم هنا
يخالفه مع أنه هو الحكم، فلو حذف المصنف قوله بأن كان بأمره لكان أولى إلا أن يراد أن كلامهم هنا في
تعليق العتق والطلاق وكلام قاضيخان في اليمين بالله تعالى بدليل ما ذكره قاضيخان في الفتاوى
أيضا: رجل قال إن بعت لك ثوبا فعبدي حر فهذا على أن يبيع ثوبا بأمر المحلوف عليه، كان
الثوب ملكا للمحلوف عليه أو لم يكن. ولو قال إن بعت ثوبا لك فهو على أن يبيع ثوبا ملكا
للمحلوف عليه اه. والفرق بين اليمين بالله تعالى وبين غيرها بعيد كما لا يخفى لكن ذكر في
المحيط ما في المختصر عن الجامع وذكر الفرع المذكور في الخانية من فصل الاكل عن ابن سماعة
عن محمد فظاهره أنه ضعيف. وفي المحيط أيضا: حلف لا يشتري لفلان فأمر غيره بالشراء
والآمر ينوي الشراء للمحلوف عليه لا يحنث لأنه لم يشتر له لأن الشراء يقع للآمر لأنه قد وجد
589

نفاذا عليه فينفذ عليه فلا يقع للمحلوف عليه اه‍. وبهذا علم أنه لا فرق في المسألة الأولى بين
أن يذكر المفعول به أولا. وفي الظهيرية: وإن حلف لا يشتري لفلان ثوبا فأمره فلان أن
يشتري لابنه الصغير ثوبا فاشتراه لا يحنث، وكذا لو أمره أن يشتري لعبده ثوبا فاشتراه لا يحنث
اه‍. وبه علم أن في المسألة الأولى لا بد أن يكون قد أمره المحلوف عليه بأن يفعله لنفسه لا
مطلق الامر كما في المختصر وغيره. وأطلق المصنف الضرب فشمل ضرب الغلام وضرب
الولد. ووقع في الهداية التعبير بضرب الغلام فاختلفوا في الغلام فذكر ظهير الدين أن المراد
بالغلام يطلق على الولد قال الله تعالى * (فبشروه بغلام عليم) * [الذاريات: 82]
وذكر قاضيخان أن المراد به العبد للعرف ولان الضرب مما لا يملك بالعقد ولا يلزم به فانصرف
إلى المحل المملوك بالتقديم والتأخير على ما بينا.
قوله: (فإن نوى غيره صدق فيما عليه) أي فإن نوى غير ما هو ظاهر كلامه صدق
فيما فيه تشديد على نفسه ديانة وقضاء بأن باع ثوبا مملوكا للمخاطب بغير أمره في المسألة
الأولى ونوى بالاختصاص الملك فإنه يحنث ولولا نيته لما حنث، أو باع ثوبا لغير المخاطب
بأمر المخاطب في المسألة الثانية ونوى الاختصاص بالامر فإنه يحنث ولولا نيته لما حنث لأنه
نوى ما يحتمله كلامه بالتقديم والتأخير وليس فيه تخفيف فيصدقه القاضي أيضا، قيد بما عليه
لأنه لو نوى ما فيه تخفيف كعكس هاتين المسألتين فإنه يصدق ديانة لأنه محتمل كلامه، ولا
590

يصدق قضاء لأنه خلا ف الظاهر وهو منهم، وقدمنا أن هذا الفرق بين الديانة والقضاء لا
يتأتى في اليمين بالله تعالى لأن الكفارة لا مطالب لها. قوله: (إن بعته أو ابتعته فهو حر فعقد
بالخيار حنث) لوجود الشرط في المسألة الأولى وهو البيع والملك فيه قائم فينزل الجزاء، وكذا
في المسألة الثانية قد وجد الشرط وهو الشراء والملك قائم فيه. وقوله عقد بالخيار أي باع
في الأولى وشرط الخيار لنفسه واشترى في الثانية وشرط الخيار لنفسه، وكون الملك موجودا
في المسألة الأولى ظاهر لأنهم اتفقوا أن البائع إذا شرط الخيار لنفسه لا يخرج المبيع عن ملكه.
وأما في الثانية فكذلك عندهما لأن المبيع مملوك للمشتري عندهما، وأما عند الإمام فلان هذا
العتق بتعليقه والمعلق كالمنجز، ولو نجز المشتري بالخيار العتق يثبت الملك سابقا عليه فكذا
هذا. قيد بالخيار لأنه لو حلف لا يبيعه بأن قال إن بعته فهو حر فباعه بيعا صحيحا بلا خيار
لا يعتق لأنه خرج عن ملكه وسيأتي حكم الفاسد والباطل. ولا يخفى أنه إذا باعه بشرط
الخيار للمشتري أنه لا يعتق أيضا لأنه بات من جهته. وكذا إذا قال إن اشتريته فهو حر
فاشتراه بالخيار للبائع لا يعتق أيضا لأنه باق على ملك بائعه كما صرح به في الذخيرة،
وسواء أجاز البائع بعد ذلك أو لم يجز. وذكر الطحاوي أنه إذا أجاز البائع البيع يعتق لأن
الملك يثبت عند الإجازة مستندا إلى وقت العقد بدليل أن الزيادة الحادثة بعد العقد قبل
الإجازة تدخل في العقد، كذا في البدائع. وقيد بقوله إن ابتعته لأنه لو قال إن ملكته فهو
حر فاشتراه بشرط الخيار لا يعتق عند الإمام لأن الشرط وهو الملك لا يوجد عنده لعدم الملك
عنده كما عرف في بابه. وقيد بالتعليق لأن المشتري بالخيار لو كان ذا رحم محرم من المبيع
فإنه لا يعتق عليه إلا بمضي المدة عند الإمام لعدم الملك فإنه لم يوجد منه تكلمه بالاعتاق بعد
الشراء بشرط الخيار حتى سقط خياره، وإنما يعتق على القريب بحكم الملك ولا ملك
للمشتري بالخيار، والشارع إنما علق عتقه بالملك لا بالشراء، أما هنا فالايجاب المعلق صار
منجزا عند الشرط وصار قائلا أنت حر فينفسخ الخيار ضرورة، كذا في فتح القدير. وفي
الذخيرة: إذا قال إن اشتريت فلانا فهو حر فاشتراه لغيره هل تنحل يمينه؟ لم يذكر محمد هذه
المسألة في شئ من الكتب وحكي عن الفقيه أبي بكر البلخي أنه قال: لقائل أن يقول تنحل
يمينه ولقائل أن يقول لا تنحل وهو الأشبه لأنه إنما يراد بمثل هذه اليمين عرفا لشراء لنفسه
لا الشراء لغيره لأن العتق من جهة الحالف لا يقع إلا بالشراء لنفسه وصار تقدير المسألة كأنه
قال إن اشتريتك لنفسي فأنت حر، ولو صرح بذلك واشتراه لغيره لا تنحل يمينه فكذا هذا.
591

وبهذا الحرف يقع الفرق بين هذا وبين ما إذا قال لامرأته إن اشتريت غلاما فأنت طالق
فاشتراه لغيره أن اليمين تنحل لأن هناك لم يوجد ما يدل على إرادته الشراء لنفسه فإن الطلاق
من قبله يقع على امرأته اشتراه لنفسه أو لغيره أما هنا بخلافه اه‍. وفي الظهيرية: رجل قال
لامته إن بعت منك شيئا فأنت حرة ثم باع نصفها من الزوج الذي ولدت منه أو باع نصفها
من أبيها لا يقع عتق المولى عليها باليمين، ولو كان البيع من الأجنبي وقع عتق المولى عليها.
والفرق أن الولادة من الزوج والنسب من الام مقدم فيقع ما تقدم سبيه أولا، وهذا المعنى لا
يمكن اعتباره في حق الأجنبي، وكذا لو قال إن اشتريت من هذه الجارية شيئا فهي مدبرة ثم
اشتراها هو وزوجها الذي ولدت منه فهي أم ولد لزوجها ولا يقع عليها تدبير المشتري
للمعنى الذي أشرنا إليه اه‍. وقيد بكونه حلف بعتق العبد المبيع لأنه لو حلف لا يبيع أو
علق طلاق زوجته على البيع أو عتق عبده على البيع فباع بيعا فيه خيار للبائع أو للمشتري لم
يحنث في قول أبي يوسف، وحنث في قول محمد: قال محمد: سمعت أبا يوسف قال فيمن
قال إن اشتريت هذا العبد فهو حر فاشتراه على أن البائع بالخيار ثلاثة أيام فمضت مدة الثلاث
ووجب البيع يعتق وهو على أصله صحيح لأن اسم البيع عنده لا يتناول البيع المشروط فيه
الخيار فلا يصير مشتريا بنفس القبول بل عند سقوط الخيار والعبد في ملكه عند ذلك فيعتق.
وذكر القاضي الأسبيجابي في البيع بشرط خيار البائع أو المشتري أنه يحنث ولم يذكر
الخلاف، وأصل فيه أصلا وهو أن كل بيع يوجب الملك أو تلحقه الإجازة يحنث به وما لا
فلا، كذا في البدائع.
قوله: (وكذا بالفاسد والموقوف لا بالباطل) أي يحنث إذا عقد فاسدا أو موقوفا في
المسألتين وهو مجمل لا بد من بيانه، أما في المسألة الأولى وهو ما إذا قال إن بعتك فأنت حر
فباعه بيعا فاسدا فإن كان في يد البائع أو في يد المشتري غائبا عنه بأمانة أو رهن يعتق عليه
لأنه لم يزل ملكه عنه، وإن كان في يد المشتري حاضرا أو غائبا مضمونا بنفسه لا يعتق لأنه
بالعقد زال ملكه عنه. وأما في الثانية وهي ما إذا قال إن اشتريته فهو حر فاشتراه شراء
فاسدا، فإن كان في يد البائع لا يعتق لأنه على ملك البائع بعد، وإن كان في يد المشتري
وكان حاضرا عنده وقت العقد يعتق لأنه صار قابضا له عقب العقد فملكه، وإن كان غائبا
في بيته أو نحوه، فإن كان مضمونا بنفسه كالمغصوب يعتق لأنه ملكه بنفس الشراء، وإن كان
أمانة أو كان مضمونا بغيره كالرهن لا يعتق لأنه لا يصير قابضا عقب العقد، كذا في
البدائع. وفي المحيط عن أبي يوسف: لو قال إن اشتريت عبدا فهو حر فاشترى عبدا شراء
فاسدا ثم تتاركا البيع ثم اشتراه صحيحا قال: لا يعتق لأنه حنث في الشراء الفاسد لأنه شراء
حقيقة فانحلت اليمين وارتفعت بخلاف النكاح. لو حلف وقال إن تزوجتك فأنت طالق
فتزوجها فاسدا ثم تزوجها صحيحا طلقت لأن اليمين لم تنحل بالنكاح الفاسد لأنه ليس
592

بنكاح مطلق اه‍. وفي الذخيرة: حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا يحنث في يمينه وهو الصحيح
لأنه بيع تام ليس في المحل ما ينافي انعقاده إلا أنه تراخى حكمه وهو الملك، وأنه لا يدل
على نقصان فيه، وكذا إذا عقد يمينه على الماضي بأن قال إن كنت اشتريت اليوم أو قال إن
كنت بعت اليوم اه‍.
وأما في الموقوف فصورته فيما إذا كان الحالف البائع أن يبيعه لشخص غائب قبل عنه
فضولي فيعتق العبد على البائع لوجود الشرط، وإذا كان الحالف المشتري فإنه إذا اشتراه ببيع
الفضولي له فإنه يحنث عند إجازة البائع فيعتق العبد، وفي التبيين ما يخالفه. وأما إذا حلف لا
يشتري أو لا يبيع فاشترى أو باع موقوفا فإنه يحنث في يمينه قبل الإجازة، وأما بالعقد
الباطل فإنه لا يحنث به لأنه ليس ببيع لانعدام معناه وهو ما ذكر، ولانعدام حصول المقصود
منه وهو الملك لأنه لا يفيد الملك. وفي المحيط: حلف لا يشتري اليوم شيئا فاشترى عبدا
بخمر أو خنزير، قبض أو لم يقبض، أو اشترى عينا لم يأمره صاحبه بالبيع حنث قبل إجازة
صاحبه لأن هذا بيع فاسد والبيع الفاسد بيع حقيقة لما بينا. وكذا لو اشترى بالدين لأنه مال
ولو اشتراه بدم أو ميتة لا يحنث لأنه ليس ببيع لعدم المال بخلاف الخمر والخنزير لأنهما مال.
ولو اشترى مكاتبا أو مدبرا أو أم ولد لم يحنث لأن في المحل ما ينافي التمليك والتملك وهو
حق الحرية فلا ينعقد العقد فيه تمليكا فلا يتحقق بيعا إلا أن في المكاتب والمدبر يحنث إن أجاز
القاضي أو المكاتب لأن المنافي زال بالقضاء لأنه فصل مجتهد فيه، وبإجازة المكاتب انفسخت
الكتابة فارتفع المنافي فتم العقد اه‍. وهذا إذا اشترى هذه الأشياء، فلو اشترى بهذه الأشياء لم
يذكر محمد هذا الفصل واختلف المشايخ فيه قال بعضهم يحنث، وقال بعضهم لا يحنث، كذا
في الذخيرة، وفي الظهيرية: إذا حلف ليبيعن هذه وهي أم ولد له أو هذه المرأة الحرة أو هذا
593

الحر المسلم فباعهم بر في يمينه عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف في الحر المسلم كذلك. فأما
في أم الولد والحرة فاليمين على الحقيقة اه‍. وقيد بالبيع والشراء لأنه لو حلف لا يتزوج هذه
المرأة فهو على الصحيح دون الفاسد حتى لو تزوجها نكاحا فاسدا لا يحنث لأن المقصود من
النكاح الحل ولا يثبت بالفاسد بخلاف البيع المقصود منه الملك فإنه يحصل بالفاسد. وكذا لو
حلف لا يصلي ولا يصوم فهو على الصحيح حتى لو صلى بغير طهارة أو صام بغير نية لا
يحنث، ولو كان ذلك كله في الماضي بأن قال إن كنت تزوجت أو صليت أو صمت فهو على
الصحيح والفاسد لأن الماضي لا يقصد به الحل والتقرب وإنما يقصد به الاخبار عن المسمى
بذلك، فإن عنى به الصحيح دين في القضاء لأنه النكاح المعنوي، كذا في البدائع. وقدمنا
أنه لو حلف لا يهب فوهب هبة غير مقسومة حنث كما في الظهيرية، فعلم أن فاسد الهبة
كصحيحها، ولا يخفى أن الإجارة كذلك لأنها بيع.
قوله: (إن لم أبع فكذا فاعتق أو دبر حنث) يعني لو قال إن لم أبع هذا البعد فامرأته
طالق فأعتقه أو دبره فإنه يقع عليه الطلاق لأن الشرط قد تحقق وهو عدم البيع لفوات المحلية
وأورد عليه منع وقوع اليأس في العتق مطلقا بل في العبد، أما في الأمة فجاز أن ترتد بعد
العتق فتسبى فيملكها هذا الحالف فيعتقها، وفي التدبير مطلقا لجواز أن يقضي القاضي ببيع
المدبر أجيب بأن من المشايخ من قال لا تطلق لهذا الاحتمال، والصحيح أنها تطلق لأن ما
فرض من الأمور الموهومة الوقوع فلا تعتبر لأن الحلف على بيع هذا الملك لا كل ملك.
وأجيب أيضا عن المدبر أن بيعه بيع قن لانفساخ التدبير بالقضاء فيعتق. ولا فرق بين كون
العبد ذميا أو مسلما فيجري اختلاف المشايخ فيه والتصحيح. وأشار بالتدبير إلى أن الاستيلاد
كذلك كما في الذخيرة. والمراد بالتدبير المطلق منه ولا يحنث بالمقيد كما أشار إليه في فتح
594

القدير. وينبغي أنه إذا قال إن لم أبعك فأنت حر فدبره تدبيرا مطلقا أن يعتق لوجود الشرط
كما ذكروه، وكذا لو استولدها. وأما إذا قال إن لم أبعك فأنت حر فأعتقه فإنه يبطل التعليق
لأن تنجيز العتق يبطل تعليقه كتنجيز الثلاث يبطل تعليقه ويتفرع على الحنث لفوات المحل
فرعان في القاسمية: الأول لو قال لها إن لم تضعي هذا في هذا الصحن فأنت طالق فكسرته
وقع الطلاق. الثاني وعزاه إلى الذخيرة: لو قال لها إن لم تذهبي فتأتي بهذا الحمام فأنت طالق
فطار الحمام وقع الطلاق اه‍.
قوله: (قالت تزوجت على فقال كل امرأة لي طالق طلقت المحلفة) بكسر اللام أي المرأة
التي دعته إلى الحلف وكانت سببا فيه. وعن أبي يوسف أنها لا تطلق لأنه أخرجه جوابا
فينطبق عليه، ولان غرضه إرضاؤها وهو بطلاق غيرها فيتقيد به. وجه الظاهر عموم الكلام
وقد زاد على حرف الجواب فيجعل مبتدئا وقد يكون غرضه إيحاشها حين اعترضت عليه فيما
أحله الشرع، ومع التردد لا يصلح مقيدا، ولو نوى غيرها يصدق ديانة لا قضاء لأنه
تخصيص العام. واختار شمس الأئمة السرخسي وكثير من المشايخ رواية أبي يوسف، وفي
جامع قاضيخان وبه أخذ مشايخنا، وذكر في الغاية معزيا إلى الذخيرة: الأولى تحكم الحال إن
كان قد جرى بينهما مشاجرة وخصومة تدل على غضبه يقع الطلاق عليها أيضا وإن لم يكن
كذلك لا يقع اه‍. وفي الولوالجية: رجل قيل له ألك امرأة غير هذه المرأة؟ فقال: كل امرأة
لي فهي طالق. لا تطلق هذه المرأة. فرق بين هذا وبين ما إذا قالت المرأة لزوجها إنك تريد أن
تتزوج على امرأة أخرى فقال إن تزوجت امرأة فهي طالق حيث تطلق هذه المرأة إذا أبانها ثم
تزوجها. والفرق هو قول الزوج بناء على القول الأول فإنما يدخل تحت قوله ما يحتمل
الدخول تحت القول الأول فقولها إنك تزوجت على امرأة اسم المرأة يتناولها كما يتناول
غيرها، أما هنا قوله غير هذه المرأة لا يحتمل هذه المرأة فلا تدخل تحت قوله. ثم اعلم أن
النكرة تدخل تحت النكرة والمعرفة لا تدخل تحت النكرة إلا في العلم وبيانه كما في البدائع:
قال إن دخل داري هذه أحد فكذا فدخل الحالف لم يحنث لأن قوله أحد نكرة والحالف معرفة
بياء الإضافة، وكذا لو قال لرجل إن دخل دارك هذه أحد فكذا ففعله المحلوف عليه لم يحنث
595

الحالف لأن المحلوف عليه معرفة بكاف الخطاب، وكذا لو قال إن ألبست هذا القميص أحدا
فكذا فلبسه المحلوف عليه لم يحنث لكونه معرفة بالتاء التي للمخاطب، وإن ألبسه المحلوف
عليه الحالف حنث لأن الحالف نكرة فيدخل تحت النكرة. ولو قال إن مس هذا الرأس أحد
وأشار إلى رأسه لم يدخل الحالف فيه وإن لم يضفه إلى نفسه بياء الإضافة لأن رأسه متصل به
خلقة فكان أقوى من إضافته إلى نفسه بياء الإضافة. ولو قال إن كلم غلام عبد الله بن محمد
أحدا فعبدي حر فكلم الحالف وهو غلام الحالف واسمه عبد الله بن محمد حنث لأنه يجوز
استعمال العلم في موضع النكرة فلم يخرج الحالف عن عموم النكرة اه‍. وتمام تعريفاته في
الذخيرة.
قوله: (على المشي إلى بيت الله أو إلى الكعبة حج أو اعتمر ماشيا فإن ركب أراق دما
بخلاف الخروج أو الذهاب إلى بيت الله أو المشي إلى الحرم أو الصفا والمروة) لما قدمنا في باب
الهدى من كتاب الحج والفارق العرف وعدمه. أطلقه فشمل ما إذا كان في الكعبة أو غيرها
كما في الهداية لأن إيجاب أحد النسكين ليس باعتبار أنه مدلول اللفظ ولا يستلزمه، ولا
باعتبار الحكم بذلك مجازا ولا بالنظر إلى الغالب، بل لأنه تعورف إيجاب أحد النسكين به
فصار مجازا لغويا حقيقة عرفية مثل قوله على حجة أو عمرة ماشيا وتمامه في فتح القدير. وقد
قدم المصنف أنه لا يركب حتى يطوف للركن فيلزمه المشي من بيته لا من حيث يحرم، فإن
كان الناذر في مكة وأراد أن يجعل النسك الذي لزمه حجا فإنه يحرم من الحرم ويخرج إلى
عرفات ماشيا إلى أن يطوف للركن، وإن أراد إسقاطه بعمرة فعليه أن يخرج إلى الحل فيحرم
منه. واختلفوا في أنه يلزمه المشئ في ذهابه إلى الحل أو لا يلزمه إلا بعد رجوعه منه محرما،
والوجه يقتضي أنه يلزمه المشي لما قدمنا من أنه يلزمه المشئ من بلدته مع أنه ليس محرما منها
بل هو ذاهب إلى محل الاحرام فيحرم منه أعني المواقيت في الأصح لما قدمناه عن أبي حنيفة
لو أن بغداديا قال إلى آخر. وإنما لزمه دم بركوبه لأنه أدخل نقصا فيه. ومثل الخروج السفر
إلى بيت الله تعالى، وكذا الشد والهرولة والسعي إلى مكة. وقيد بالمشي إلى بيت الله لأنه لو
قال على المشي إلى أستار الكعبة أو باب الكعبة أو ميزا بها أو أسطوانة البيت أو إلى عرفات
ومزدلفة لا يلزمه شئ، ومسألة المشي إلى الحرم قوله. وقالا: يلزمه أحد النسكين، والوجه
596

في ذلك أن يحمل على أنه تعورف بعد أبي حنيفة إيجاب النسك به: كما تعورف بالمشي إلى
الكعبة فيرتفع الخلاف، كذا في فتح القدير قوله: (عبده حر إن لم يحج العام فشهدا بنحره
بالكوفة لم يعتق) وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: يعتق لأن هذه شهادة قامت
على أمر معلوم وهو التضحية ومن ضرورته انتفاء الحج فتحقق الشرط. ولهما أنها قامت على
النفي لأن المقصود منها نفي الحج لا إثبات التضحية لأنه لا مطالب لها فصار كما إذا شهدوا
أنه لم يحج. غاية الأمر أن هذا النفي مما يحيط به علم الشاهد ولكنه لا يميز بين نفي ونفي
تيسيرا، كذا في الهداية: وحاصله أنه لا يفصل في النفي بين أن يحيط به علم الشاهد فتقبل
الشهادة به أو لا فلا، بل لا تقبل الشهادة على النفي مطلقا، ولا يرد عليه ما ذكره في السير
الكبير شهد على رجل أنه قال المسيح ابن الله ولم يقل قول النصارى والرجل يقول وصلت به
ذلك قبلت هذه الشهادة وبانت امرأته وليس هو إلا لأنه أحاط به علم الشاهد لأنا نقول إنها
شهادة على أمر وجودي وهو السكوت لأنه انضمام الشفتين فصار كشهود الإرث إذا قالوا
نشهد أنه ورائه لا نعلم له وارثا غيره حيث يعطي كل التركة لأنها شهادة على الإرث والنفي
في ضمنه والإرث مما يدخل تحت القضاء بخلاف النحر. وأما ما في المبسوط من أن الشهادة
على النفي تقبل في الشروط حتى لو قال لعبده إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فشهدا أنه لم
يدخلها قبلت ويقضي بعتقه، وما نحن فيه من قبيل الشروط فأجيب عنه بأنها قامت بأمر
ثابت معاين وهو كونه خارجا فيثبت النفي ضمنا. وتعقبه في فتح القدير بأنه يرد عليه أن
العبد كما لا حق له في التضحية إذا لم تكن هي شرط العتق فلم تصح الشهادة بها كذلك لا
حق له في الخروج لأنه لم يجعل الشرط بل عدم الدخول كعدم الحج في مسألتنا. فلما كان
المشهود به مما هو وجودي متضمن للمدعى به من النفي المجعول شرطا قبلت الشهادة عليه،
وإن كان غير مدعى به لتضمنه المدعى به كذلك يجب قبول شهادة التضحية المتضمنة لنفي
المدعى به فقول محمد رحمه الله أوجه اه‍. فإن قلت: إن عدم الدخول هو الخروج لأنه لا
واسطة فله حق في الخروج قلت: لا نسلم أنه الخروج لأنه الانفصال من الداخل إلى
الخارج، فإن كان خارجا وقت اليمين واستمر صدق عليه أنه لم يدخل ولم يخرج لأنه لو
597

حلف لا يخرج من هذه الدار وهو خارجها لا يحنث حتى يدخل ثم يخرج كما قدمنا فليس
عدم الدخول هو الخروج. فالحاصل أن الشهادة على النفي المقصود لا تقبل، سواء كان نفيا
صورة أو معنى، سواء أحاط به علم الشاهد أو لا، وسيأتي تفاريعه في الشهادات إن شاء الله
تعالى.
قوله: (وحنث في لا يصوم بصوم ساعة بنية وفي صوما أو يوما بيوم) لوجود الشرط
في الأول بإمساك ساعة إذ الصوم هو الامساك عن المفطرات على قصد التقرب، وأما إذا
حلف لا يصوم صوما أو لا يصوم يوما فإنه لا يحنث بإمساك ساعة لأنه يراد به الصوم التام
المعتبر شرعا وذلك بإنهائه إلى آخر اليوم واليوم صريح في تقدير المدة به. ولا يقال المصدر
مذكور بذكر الفعل فلا فرق بين حلفه لا يصوم ولا يصوم صوما فينبغي أن لا يحنث في
الأول إلا بيوم لأنا نقول: الثابت في ضمن الفعل ضروري لا يظهره أثره في غير تحقيق
الفعل بخلاف الصريح لأنه اختياري يترتب عليه حكم المطلق فيوجب الكمال. قيد بيوم لأنه
لو حلف ليصومن هذا اليوم وكان بعد أن أكل أو بعد الزوال صحت اليمين وطلقت في
الحال مع أنه مقرون بذكر اليوم ولا كمال لأن اليمين تعتمد التصور والصوم بعد الزوال
والاكل متصور كما في صورة الناسي، وهو كما قال لامرأته إن لم تصل اليوم فأنت طالق
فحاضت من ساعتها أو بعد ما صلت ركعة صحت اليمين وطلقت للحال لأن دور الدم لا
يمنع كما في الاستحاضة بخلاف مسألة الكوز لأن محل الفعل وهو الماء غير قائم أصلا فلا
يتصور بوجه. واستشكله في فتح القدير على قول أبي حنيفة ومحمد لأن التصور شرعا منتف
وكونه ممكنا في صورة أخرى وهي صورة النسيان والاستحاضة لا يفيد فإنه حيث كان في
صورة الحلف مستحيلا شرعا لا يتصور الفعل المحلوف عليه لأنه لم يحلف إلا على الصوم
والصلاة الشرعيين، أما على قول أبي يوسف فظاهر أنهما ينعقدان ثم يحنث. واعلم أن
598

التمرتاشي ذكر أنه لو حلف لا يصوم فهو على الجائز لأنه لتعظيم الله تعالى وذلك لا يحصل
بالفاسد إلا إذا كانت اليمين في الماضي، وظاهره أنه يشكل على مسألة الكتاب فإنه حنثه بعد
ما قال ثم أفطر من يومه لكن مسألة الكتاب أصح لأنها نص محمد في الجامع الصغير اه‍.
وقد قدمنا في مسألة الكوز أن الأصح عدم الحنث فيما إذا قال لامرأته إن لم تصل صلاة
الفجر غدا فأنت كذا فحاضت بكرة. ونقلناه عن المنتقى فهو مؤيد لبحث المحقق بن الهمام.
والمراد بالبكرة وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كما لا يخفى فحينئذ لا يحنث في مسألة
الصوم أيضا على الأصح لكن جزم في المحيط بالحنث فيهما وفي الظهيرية ما بعد ما ذكر
الحنث: قيل هذا الجواب يستقيم على قول أبي يوسف، وأما على قولهما فلا يستقيم أصله
مسألة الكوز، وقيل لا بل هذا الجواب مستقيم على قول الكل. وذكر أبو الفضل في المسألة
تفصيلا فقال: إن كانت أطالت الصلاة بحيث لولا إطالتها إياها أمكنها أداؤها حنث، وإن لم
يكن منها هذه الإطالة لم يحنث إلا أن الصحيح ما قلنا أنه يحنث على كل حال لأن اليمين لا
تعتمد الصحة لكنها تعتمد الامكان والتصور وأنه ثابت ههنا اه‍. وفيه أيضا: لو قال إن لم
أصم شهرا فعبدي حر لا ينصرف إلى شهر يليه بل ينصرف إلى شهر في عمره بخلاف إن لم
أساكنك شهرا وإن لم آت البصرة شهرا ينصرف إلى ما يليه ولا يحنث حتى يتركه شهرا من
حين حلف. والفرق أن النفي معتبر بالاثبات لأن الأشياء تعرف بأضدادها، وفي الاثبات لو
قال إن صمت شهرا فعبدي حر تعلق الحنث بصوم شهر ولا ينصرف إلى ما يليه فكذلك في
النفي تعلق الحنث بترك الصوم في شهر ولا ينصرف إلى ما يليه، فذكر الوقت فيه لتقدير
الصوم به بخلاف المساكنة والضرب والآتيان ونحوه ما ذكر الوقت لتقدير الفعل به وإنما هو
لتقدير اليمين فتقيدت بالشهر الذي يليه. ولو قال إن تركت الصوم شهرا ينصرف إلى ما يليه
وإن صام يوما قبل مضي الشهر لم يحنث، ولو قال إن تركت صوم شهر أو قال إن لم أصم
شهرا أو قال إن صمت شهرا انصرف إلى جميع العمر وتمامه فيه. وفي حيل الولوالجية: حلف
بطلاق امرأته أن لا يصوم شهر رمضان فالحيلة فيه أن يسافر ولا يصوم.
قوله: (وفي لا يصلي بركعة وفي صلاة بشفع) أي لو حلف لا يصلي حنث إذا صلى
ركعة، ولو حلف لا يصلي صلاة لا يحنث إلا بصلاة شفع. والقياس في الأول أن يحنث
بالافتتاح اعتبارا بالشروع في الصوم، وجه الاستحسان أن الصلاة عبارة عن الأركان المختلفة
فما لم يأت بجميعها لا تسمى صلاة بخلاف الصوم لأنه ركن واحد وهو الامساك ويتكرر في
الجزء الثاني وأما في الثانية فالمراد بها الصلاة المعتبر شرعا وأقلها ركعتان للنهي عن البتيراء.
599

وقد صرح في الهداية في الأولى بأنه إذا سجد ثم قطع حنث، ويشكل عليه ما ذكره
التمرتاشي: حلف لا يصلي يقع على الجائزة فلا يحنث بالفاسدة إلا إذا كان اليمين في الماضي
إلا أن يكون المراد بالفاسدة أن تكون بغير طهارة ويكون ما في الذخيرة بيانا له وهو قوله:
حلف لا يصلي فصلى صلاة فاسدة بأن صلى بغير طهارة مثلا لا يحنث استحسانا، ولو نوى
الفاسدة يصدق ديانة وقضاء، ومع هذا يحنث بالصحيحة أيضا إلى آخره فظهر من كلامه أن
المراد بالفاسدة هي التي لا يوصف منها شئ بوصف الصحة في وقت بأن يكون ابتداء
الشروع غير صحيح، وأورد أن من أركان الصلاة القعدة وليست في الركعة الواحدة فيجب
أن لا يحنث بها. وأجيب بأن القعدة موجودة بعد رفع رأسه من السجدة وهذا أولا مبني على
توقف الحنث على الرفع منها وفيه خلاف المشايخ. والحق أنه يتفرع على الخلاف بين أبي
يوسف ومحمد في ذلك، والأوجه أن لا يتوقف لتمام حقيقة السجود بوضع بعض الوجه على
الأرض، ولو سلم فليست تلك القعدة هي الركن والأركان الحقيقية هي الخمسة والقعدة ركن
زائد على ما تحرر وإنما وجب للختم فلا تعتبر ركنا في حق الحنث، كذا في فتح القدير. وقد
قدمنا أن الأركان الأصلية ثلاثة: القيام والركوع والسجود. وأما القراءة فركن زائد والتحريمة
شرط ولذا قال في الظهيرية: ولو حلف لا يصلي فقام وركع وسجد ولم يقرأ فقد قيل لا
يحنث، وقد قيل يحنث، وهكذا ذكر في المنتقى. وقد علم مما ذكرنا أن النهي عن البتيراء مانع
لصحة الركعة لو فعلت. والبتيراء تصغير البتراء تأنيث الأبتر وهو في الأصل مقطوع الذنب
ثم صار يقال للناقص. وأشار المصنف بالمسألة الثانية إلى فرع مذكور في الذخيرة: قال لعبده
إن صليت ركعة فأنت حر فصلى ركعة ثم تكلم لا يعتق، ولو صلى ركعتين عتق بالركعة
الأولى لأنه في الصلاة الأولى ما صلى ركعة لأنها بتيراء بخلاف الثانية، ثم إذا حلف لا يصلي
صلاة فهل يتوقف حنثه على قعوده قدر التشهد بعد الركعتين؟ اختلفوا فيه والأظهر والأشبه
أنه في عقد يمينه على مجرد الفعل وهو إذا حلف لا يصلي صلاة لا يحنث قبل القعدة، وإن
عقدها على الفرض وهي من ذوات المثنى فكذلك لا يحنث حتى يقعد، وإن كان من ذوات
الأربع يحنث، ولو حلف لا يصلي الظهر لا يحنث حتى يتشهد بعد الأربع، كذا في الظهيرية.
وفيها: حلف لا يصلي خلف فلان فأمه فلان وقام الحالف عن يمينه حنث إن لم تكن
له نية، وإن نوى أن يكون حلفه لم يدين في القضاء. وعن أبي يوسف: لو قال لا أصلي
600

معك فصليا خلف إمام حنث إلا أن ينوي أن يصلي معه ليس بينهما غيرهما. ولو حلف أن
لا يؤم أحدا فشرع في الصلاة ونوى أن لا يؤم أحدا فجاء قوم واقتدوا به يحنث لأنه أمهم
وقصده أن لا يؤم أحدا أمر بينه وبين الله تعالى، فإذا نوى ذلك لا يحنث ديانة، وإن أشهد
الحالف قبل الشروع في الصلاة أنه يصلي صلاة نفسه ولا يؤم أحدا لا يحنث قضاء وديانة،
وكذلك لو صلى هذا الحالف بالناس الجمعة فهو على ما ذكرنا. ولو أم الناس في صلاة
الجنازة أو سجدة التلاوة لا يحنث لأن يمينه انصرفت إلى الصلاة المطلقة، ولو أمهم في النافلة
حنث وإن كانت الإمامة في النوافل منهيا عنها. وذكر الناطفي في المسألة الأولى أنه إذا نوى
أن لا يؤم أحدا فصلى خلفه رجلان جازت صلاتهما ولا يحنث لأن شرط الحنث أن يقصد
الإمامة ولم يوجد، ولو حلف لا يصلي الظهر خلف فلان أو قال مع فلان فكبر معه ثم
أحدث فذهب وتوضأ ثم عاد بعد ما خرج الإمام من الصلاة فأتم صلاته لا يحنث، ولو أنه
كبر مع فلان ونام في الركعة الأولى حتى فرغ الإمام من تلك الركعة ثم انتبه فاتبعه وصلى تمام
صلاته معه حنث، ولو حلف لا يصلي الجمعة مع فلان فأحدث الإمام فقدم الحالف فصلى
بهم الجمعة لا يحنث، ولو حلف لا يصلي الظهر بصلاة فلان فدخل معه في الظهر فأحدث
601

الإمام في أول الصلاة أو بعد ما صلى ثلاث ركعات فتقدم الحالف فصلى الحالف ما بقي
وسلم فقد صلى الظهر بصلاة فلان وهو حانث، وكذا لو أدرك معه منها ركعة وصلى ما بقي
فقد صلى بصلاته فيكون حانثا، ولو حلف ليصلين هذا اليوم خمس صلوات بالجماعة ويجامع
امرأته ولا يغتسل سئل الإمام ابن الفضل عن هذا فقال: ينبغي أن يصلي الفجر والظهر
والعصر بالجماعة ثم يجامع امرأته ثم يغتسل كما غربت الشمس ويصلي المغرب والعشاء
بالجماعة ولا يحنث. وإذا حلف الرجل وقال والله ما أخرت صلاة عن وقتها وقد كان نام
عن صلاة خرج وقتها فصلاها فقد قيل يحنث، وقد قيل لا يحنث. ولو حلف لا يصلي بأهل
هذا المسجد ما دام فلان يصلي فيه فمرض فلان ثلاثة أيام ولم يصل أو كان فلان صحيحا فلم
يصل في فصلى الحالف بعد ذلك فيه لا يحنث. ولو حلف لا يصلي في هذا المسجد فزيد فيه
فصلى فيه موضع الزيادة لا يحنث. ولو حلف لا يصلي في مسجد بني فلان فزيد فيه فصلى
في موضع الزيادة يحنث رجل قال لامرأته إن تركت الصلاة فأنت طالق فأخرت الصلاة عن
وقتها ثم قضتها هل يقع الطلاق عليها؟ اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يقع وبه كان يفتي
الشيخ الإمام سيف الدين عبد الرحيم الكرميني، وبعضهم قالوا يقع الطلاق وبه كان يفتي
القاضي الإمام ركن الاسلام على السغدي وهو الأشبه والأظهر. رجل قال لامرأته إن لم
تصبحي غدا ولم تصلي فأنت طالق فأصبحت وشرعت في الصلاة ثم طلعت الشمس، أفتى
شمس الأئمة الحلواني بعدم وقوع الطلاق، وأفتى ركن الاسلام السغدي رحمه الله هنا بالوقوع
وهو الأظهر والأبين. وعن محمد في رجل قال والله ما صليت اليوم يعني بجماعة قال
يصدق فيما بينه وبين الله تعالى. وكذلك لو قال والله ما صليت اليوم ظهرا يعني ظهر أمس
يصدق فيما بينه وبين الله تعالى. ولو قال والله ما صليت الظهر يعني بجماعة قال محمد لم
يصدق عندي في هذا. ولو صلى الظهر في السفر ثم قال والله ما صليت ظهرا يعني ظهر
مقيم يصدق فيما بينه وبين الله تعالى اه‍.
وفي المحيط: لو قال لعبده إن صليت فأنت حر فقال صليت وأنكر المولى لا يعتق لأنه
من الأمور الظاهرة يمكن لغيره الوقوف عليه بلا حرج اه‍. ولم يذكر المصنف اليمين في الحج
602

والعمرة والوضوء والغسل ونحن نذكر بعض مسائلها تتميما للفائدة. قال في الظهيرية: ولو
حلف لا يحج فهو على الصحيح دون الفاسد كما في الصوم والصلاة. قال الإمام الصفار:
اختلف المشايخ في أنه هل يجوز أن يقال فسد الحج أم لا إذا واقع امرأته قبل الوقوف بعرفة؟
قال بعضهم لا يجوز، وقال بعضهم يجوز، كذا ذكره في مناسك الجامع الصغير. ولو حلف
لا يحج أو لا يحج حجة لا فرق بينهما فإحرم بالحج لا يحنث حتى يقف بعرفة، رواه ابن
سماعة عن محمد. وروى بشر عن أبي يوسف أنه لا يحنث حتى يطوف أكثر طواف الزيارة.
ولو حلف لا يعتمر أو لا يعتمر عمرة لا فرق بينهما لم يحنث حتى يحرم بالعمرة ويطوف
أربعة أشواط، رواه بشر عن أبي يوسف. وإذا حلف لا يتوضأ من الرعاف فرعف ثم بال أو
بال ثم رعف ثم توضأ فالوضوء منهما جميعا فيحنث. ولو حلف أن لا يغتسل من امرأته هذه
من جنابة فأصابها ثم أصاب أخرى أو أصاب امرأة أخرى ثم أصاب المحلوف عليها واغتسل
فهذا اغتسال منهما ويحنث في يمينه، وكذلك المرأة إذا حلفت أن لا تغتسل من جنابة أو من
حيض فأصابها زوجها وحاضت واغتسلت فهو اغتسال منهما وتحنث في يمينها. وروى عن
أبي حنيفة فيمن قال إن اغتسلت من زينب فهي طالق وإن اغتسلت من عمرة فهي طالق
فجامع زينب ثم جامع عمرة واغتسل فهذا الاغتسال منهما ويقع الطلاق عليهما. قال أبو
عبد الله الجرجاني: إذا أجنبت امرأة ثم حاضت ثم اغتسلت كان الاغتسال من الأول دون
الثاني، وكذلك الرجل إذا رعف ثم بال فالوضوء يكون من الأول دون الثاني عند أبي عبد
الله الجرجاني. فالحاصل أن على قول أبي عبد الله الجرجاني إذا اجتمع الحدثان فالوضوء
بعدهما يكون من الأول إن اتحد الجنس أو اختلف. وقال الفقيه أبو جعفر: إن اتحد الجنس
بأن بال ثم بال أو رعف ثم رعف فالوضوء من الأول وإن اختلف الجنس فالوضوء يكون
منهما. وقال الشيخ الإمام الزاهد عبد الكريم: كنا نظن أن الوضوء من الحديثن إذا استويا
في الغلظ والخفة ومتى كان أحدهما أغلظ فالوضوء من أغلظهما، وقد وجدنا الرواية عن أبي
حنيفة أن الوضوء يكون منهما فرجعنا إلى قوله. وذكر الفقيه أبو جعفر في تأسيس النظائر أن
المرأة إذا أجنبت ثم حاضت فاغتسلت عند أبي يوسف يكون الغسل من الأول، وعند محمد
يكون منهما اه‍.
قوله: (إن لبست من غزلك فهو هدى فملك قطنا فغزلته فلبس فهو هدى) أي إن
603

لبست ثوبا من مغزولك وهذا عند أبي حنيفة. وقالا: ليس عليه أن يهدي حتى تغزله من
قطن ملكه يوم حلف، ومعنى الهدي التصدق به بمكة لأنه اسم لما يهدي إليها. لهما أن
النذر إنما يصح في الملك أو مضافا إلى سبب الملك ولم يوجد لأن اللبس وغزل المرأة ليسا من
أسباب الملك، وله أن غزل المرأة عادة يكون من قطن الزوج والمعتاد هو المراد وذلك سبب
لملكه ولهذا يحنث إذا غزلت من قطن مملوك. له وقت النذر لأن القصان لم يصر مذكورا وأفاد
أنه لو كان القطن مملوكا له وقت الحلف فغزلته فلبسه فإنه هدي بالأولى وهو متفق عليه. وفي
فتح القدير: والواجب في ديارنا أن يفتي بقولهما لأن المرأة لا تغزل إلا من كتان نفسها أو
قطنها فليس الغزل سببا لملكه للمغزول عادة فلا يستقيم جواب أبي حنيفة فيه ا ه‍. وفي
المحيط: حلف لا يلبس من غزل فلانة ونوى الغزل بعينه لا يحنث إذا لبسه لأنه نوى حقيقة
كلامه وإن كان ليس الغزل قبل النسج غير ممكن كما لو حلف لا يشرب الماء ونوى شرب
جميع المياه لم يحنث حتى لو لم تكن له نية يحمل على المنسوج عرفا لأنه عقد يمينه على ما لا
يتصور لبسه عرفا فينصرف إلى ما يصنع منه مجازا عرفا كما لو حلف لا يأكل من هذه النخلة
حلف لا يلبس ثوبا من غزل فلانة فلبس ثوبا من غزلها وغزل أخرى لا يحنث لأن بعض
الملبوس ليس من غزلها وبعض الثوب لا يسمى ثوبا كما لو حلف لا يلبس ثوب فلان فلبس
ثوبا بين فلان وبين آخر لم يحنث فكذا هنا، حتى لو حلف لا يلبس من غزل فلانة فلبس ثوبا
من غزلها وغزل غيرها حنث وإن كان من غزل فلانة خيط واحد لأن الغزل ليس باسم
لشئ مقدر فالبعض منه يسمى غزلا. وفي الجامع الصغير: حلف لا يلبس ثوبا من غزل
فلبس ثوبا من غزل وقطن كان في ملكه وقت اليمين يحنث، وكذلك إن لم يكن في ملكه عند
أبي حنيفة خلافا لهما. وفي المنتفى: حلف لا يلبس من غزل فلانة ولم يقل ثوبا فلبس ثوبا
زره وعراه من غزلها لا يحنث لأن الزر والعراء قبل الشد لا يصير ملبوسا بلبس القميص،
وبعد الشد لا يحنث وإن صار لابسا لأن هذا يسمى شدا ولا يسمى لبسا عرفا. وفي اللبنة
والزيق يحنث لأنه يسمى لابسا لهما عرفا بلبس الثوب. ولو لبس تكة من غزلها لا يحنث
عند أبي يوسف. وعند محمد يحنث، والفتوى على قول أبي يوسف لأنه لا يسمى لابسا في
التكة عرفا بخلاف ما إذا لبس تكة من حرير فإنه يكره اتفاقا لأن المحرم استعمال الحرير
مقصودا سواء صار لابسا أو لم يصر وقد وجد، وهذا المحرم باليمين اللبس ولم يوجد. ولم
604

يكره الزر والعري من حرير لأنه لا يعد لابسا ولا مستعملا، وكذا اللبنة والزيق لا يكره من
الحرير لأنه مستعمل له تبعا لا مقصودا فصار كالاعلام. ولو أخذ الحالف خرقة من غزلها
قدر شبرين ووضعها على عورته لا يحنث لأنه لا يسمى لابسا. وقال أبو يوسف: إذا رقع في
ثوبه شبرا حنث. ولو لبس ثوبا من غزلها فلما بلغ الذيل إلى السرة ولم يدخل كميه ورجلاه
بعد تحت اللحاف يحنث لأنه لبس. ولو حلف لا يلبس ثوبا من نسج فلان فنسجه غلمانه،
فإن كان فلان لم يعمل بيديه لم يحنث، وإن كان عمل حنث لأن حقيقة النسج ما يفعله بيده
فيحمل على الحقيقة ما أمكن وإلا يحمل على المجاز وهو الامر به. ولو حلف لا يلبس ثوبا
من غزلها فلبس كساء من غزلها حنث لأن هذا ثوب من غزلها وإن كان من الصوف ا ه‍.
وفي الظهيرية: حلف لا يلبس من غزل فلانة فلبس ثوبا خيط من غزل فلانة لا يحنث، ولو
لبس قلنسوة أو شبكة من غزل فلانة يحنث ا ه‍. وفي فتح القدير: ومعنى الهدي هنا ما
يتصدق به بمكة لأنه اسم لما يهدي إليها، فإن كان نذر هدي شاة أو بدنة فإنما يخرجه عن
العهدة ذبحه في الحرم والتصدق به هناك فلا يجزئه إهداء قيمته. وقيل في إهداء قيمة الشاة
روايتان. فلو سرق بعد الذبح فليس عليه غيره، وإن نذر ثوبا جاز التصدق في مكة بعينه أو
بقيمته، ولو نذر إهداء ما لم ينقل كإهداء دار ونحوها فهو نذر بقيمتها ا ه‍. فالحاصل أنه في
مسألة الكتاب لا يخرج عن العهدة إلا بالتصدق بمكة مع أنهم قالوا: لو التزم التصدق على
فقراء مكة بمكة ألغينا تعيينه الدرهم والمكان والفقير، فعلى هذا يفرق بين التزام بصيغة الهدي
وبينه بصيغة النذر.
قوله: (لبس خاتم ذهب أو عقد لؤلؤ لبس حلى) يعني لو حلف لا يلبس حليا فلبس
خاتم ذهب أو عقد لؤلؤ حنث، أما الذهب فلانه حلي ولهذا لا يحل استعماله للرجال، وأما
عقد اللؤلؤ فأطلقه فشمل المرصع وغيره وهو قولهما. وقال الإمام: لا يحنث بغير المرصع
605

لأنه لا يتحلى به عرفا إلا مرصعا. ومبنى الايمان على العرف، ولهما أن اللؤلؤ حلى حقيقة
حتى سمي به في القرآن في قوله تعالى * (وتستخرجون منه حلية تلبسونها) * [فاطر: 21]
وقيل هذا اختلاف عصر وزمان ويفتي بقولهما لأن التحلي به على الانفراد معتاد، كذا في
الهداية. ولهذا اختاره في المختصر. وأطلق الخاتم من الذهب فشمل ماله فص وما لا فص
له اتفاقا، وشمل ما إذا كان الحالف رجلا أو امرأة كما في الظهيرية. قوله: (لا خاتم فضة)
أي ليس بحلي عرفا ولا شرعا بدليل أنه أبيح للرجال مع منعهم من التحلي بالذهب والفضة.
وإنما أبيح لهما لقصد التختم لا لقصد الزينة فلم يكن حليا كاملا في حقهم وإن كانت الزينة
لازم وجوده لكنها لم تقصد به. أطلقه فشمل ما إذا كان مصوغا على هيئة خاتم النساء أو لا.
وقيده في النهاية بما إذا لم يكن مصوغا لأن ما صيغ على هيئة خاتم النساء بأن كان ذا فص
يحنث به وهو الصحيح. وأطلقه بعضهم كما في المختصر، ورجحه في فتح القدير لأن
العرف في خاتم الفضة نفي كونه حليا وإن كان زينة ا ه‍. وأشار المصنف إلى أنه على قياس
قول الإمام لا بأس للرجال بلبس اللؤلؤ الخالص، كذا في التبيين. وذكر القلانسي في تهذيبه
أنه على قياس قوله الذهب والفضة ليس بحلي قبل الصياغة حتى لو علقت في عنقها تبر
الذهب والفضة لا تحنث، وعندهما تحنث ا ه‍. وقيد بخاتم الفضة لأن الخلخال والدملج
والسوار حلي لأنه لا يستعمل إلا للتزين فكان كاملا في معنى الحلي، كذا في المحيط. وأشار
المصنف بعقد اللؤلؤ إلى أن عقد الزبرجد أو الزمرد كذلك، فأبو حنيفة شرط الترصيع وهما
أطلقا كما في المحيط. والحلي - بضم الحاء وتشديد الياء - جمع حلي - بفتح الحاء وسكون
اللام - كثدي وثدي. وقيد به لأنه لو حلف لا يلبس سلاحا ولا نية له فقلد سيفا أو ترسا لا
يحنث لأنه لم يلبس السلاح، ولو لبس درعا من حديد أو غيره يحنث، ولو حلف لا يشتري
سلاحا فاشترى سكينا أو حديدا لا يحنث لأن بائعه لا يسمى بائع السلاح، كذا في المحيط.
وفي الظهيرية: حلف لا يلبس ثوبا أو يشتري فيمينه على كل ملبوس يستر العورة وتجوز
الصلاة فيه حتى لو اشترى مسحا أو بساطا أو طنفسة ولبسها لا يحنث، والمسح الحلس وهو
البساط المنسوج من شعر المعزى، والطنفسة البساط المحشو. ولو اشترى فروا أو لبس فروا
يحنث، ولو اشترى قلنسوة أو لبسها لا يحنث، ولو اشترى ثوبا صغيرا يحنث، هكذا ذكر في
المبسوط. قالوا: أراد به أن يكون إزارا أو سراويل يستر العورة وتجوز الصلاة فيه حتى لو
اشترى منديلا يمتخط به لا يحنث. ولو حلفت المرأة أن لا تلبس ثوبا فتقنعت بقناع لم تحنث
606

إذا لم يبلغ مقدار الإزار، وإن بلغ حنثت. وإن حلف لا يلبس ثوبا فلبس لفافة لا يحنث،
وعلى قياس مسألة الخمار ينبغي أن يحنث إذا كانت اللفافة تبلغ مقدار الإزار. وإن اعتم
بعمامة عن محمد أنه لا يحنث، وعن أبي يوسف كذلك إلا أن تكون عمامة لو لفها كانت
إزارا أو رداء فحينئذ يحنث وفي السير الكبير: إن اسم الثوب لا ينتظم العمامة والقلنسوة
والخف. وذكر خواهر زاده أن هذا الجواب في عمائم العرب لأنها صغيرة لا يجئ منها
الثوب الكامل، فأما في عمائمنا فالجواب بخلافه لأنه يجئ منها المأزر. ولو حلف لا يلبس
قميصا فاتزر بقميص أو ارتدى بقميص لا يحنث، والأصل في جنس هذه المسائل أن من
حلف على لبس ثوب لا بعينه لا يحنث ما لم يوجد منه اللبس المعتاد. وإذا حلف على لبس
ثوب بعينه فعلى أي وصف لبسه حنث في يمينه. ولو حلف لا يلبس ثوبا فوضعه على عاتقه
يريد حمله أو عرضه على البيع لا يحنث. ولو حلف لا يلبس قباء أو هذ القباء فوضعه على
كتفيه ولم يدخل يديه في كميه ففي الوجه الأول اختلف المشايخ بعضهم قالوا: لا يحنث
استدلالا بما ذكره محمد في المناسك أن المحرم إذا فعل هكذا لا كفارة عليه. وبعضهم قالوا:
يحنث لأن القباء قد يلبس هكذا، وفي الوجه الثاني يحنث بلا خلاف. ولو حلف لا يلبس
قباء أو هذا البقاء فوضعه على اللحاف حالة النوم لا يحنث، هكذا حكى ظهير الدين المرغيناني
فتوى عمه شمس الاسلام الأوزجندي ا ه‍.
قوله: (لا يجلس على الأرض فجلس على بساط أو حصيرا ولا ينام على هذا الفراش
فجعل فوقه فراش آخر فنام عليه أو لا يجلس على سرير فجعل فوقه سريرا آخر لا يحنث) بيان
لثلاث مسائل: الأولى حلف لا يجلس على الأرض فجلس على بساط أو حصير المقصود أنه
جلس على حائل بينه وبين الأرض ليس بتابع للحالف فلا يحنث لأنه لا يسمى جالسا على
الأرض بخلاف ما إذا كان الحائل ثيابه لأنه تبع له فلا يصير حائلا، ولو خلع ثوبه فبسطه
وجلس عليه لا يحنث لارتفاع التبعية. الثانية حلف لا ينام على هذا الفراش فجعل فوقه فراشا
آخر فنام عليه فإنه لا يحنث لأنه مثله والشئ لا يكون تبعا لمثله فتنقطع النسبة إلى الأسفل.
قيد يكون الفراش مشارا إليه لو نكره فحلف لا ينام على فراش حنث بوضع الفراش على
الفراش لأنه نام على فراش نكرة. الثالثة حلف لا يجلس على سرير فجعل فوقه سريرا آخر لا
يحنث، هكذا ذكر المصنف وهو مشكل لأن هذا الحكم إنما هو فيما إذا كان السرير المحلوف
عليه معينا كما إذا حلف لا يجلس على هذا السرير فجعل فوقه سريرا آخر فجلس عليه لأنه
غيره، وأما إذا كان السرير المحلوف عليه نكرة يحنث بالجلوس على السرير الاعلى لأن اللفظ
607

المنكر يتناوله كما في التبيين. وقيد بالسرير لأنه لو حلف لا ينام على ألواح هذا السرير أو
ألواح هذه السفينة ففرش على ذلك فراشا لم يحنث لأنه لم ينم على الألواح، كذا في المحيط.
قوله: (ولو جعل على الفراش قرام أو على السرير بساط أو حصير حنث) لأن القرام
تبع للفراش لأنه ساتر رقيق يجعل فوقه كالتي في عرفنا الملاءة أي الملاءة المجعولة فوق
الطراحة فصار كأنه نام على نفس الفراش. وذكر الشمني أن القرام - بكسر القاف - ستر فيه
رقم ونقش. وفي الثانية يعد جالسا على السرير لأن الجلوس عليه في العادة هو الجلوس على
ما يفرش عليه. قال في فتح القدير: وهكذا الحكم في هذا الدكان وهذا السطح إذا حلف لا
يجلس على أحدهما فبسط عليه وجلس حنث. ولو بنى دكانا فوق الدكان أو سطحا على
السطح انقطعت النسبة عن الأسفل فلا يحنث بالجلوس على الاعلى، ولذا كرهت الصلاة على
سطح الكنيف والاصطبل. ولو بنى على ذلك سطحا آخر وصلى عليه لا يكره وفي كافي
الحاكم: حلف لا يمشي على الأرض فمشي عليها بنعل أو خف حنث، وإن كان على بساط
لم يحنث، وإن مشى على أحجار حنث لأنها من الأرض ا ه‍. وفي الواقعات: حلف لا ينام
على هذا الفراش فأخرج منه الحشوة ونام عليه لا يحنث ظاهرا لأنه لا ينطلق عليه اسم
الفراش، ولو رفع الظهارة ونام على الصوف والحشو ذكر بعد هذا أنه لا يحنث لأنه لا يسمى
فراشا ا ه‍. وفي المحيط: قال لامرأته إن نمت على ثوبك فأنت طالق فاتكأ على وسادة لها أو
وضع رأسه على مرفقة لها أو اضطجع على فراشها إن وضع جنبه أو أكثر بدنه على ثوب من
ثيابها حنث لأنه يعد نائما، وإن اتكأ على وسادة أو جلس عليها لم يحنث لأنه لا يعد نائما ا ه‍
والله أعلم.
باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك
والأصل هنا أن ما شارك الميت فيه الحي يقع اليمين فيه حالة الحياة والموت، وما
اختص بحالة الحياة تقيد بها قوله: (ضربتك وكسوتك وكلمتك ودخلت عليك تقيد بالحياة
بخلاف الغسل والحمل والمس) لأن الضرب اسم لفعل مؤلم متصل بالبدن والايلام لا يتحقق
في الميت ومن يعذب في القبر يوضع فيه الحياة في قول العامة، وكذلك الكسوة لأنه يراد بها
608

التمليك عند الاطلاق، ومنه الكسوة في الكفارة وهو من الميت لا يتحقق إلا أن ينوي به
الستر. وكذلك الكلام والدخول لأن المقصود من الكلام الافهام والموت ينافيه. والمراد من
الدخول عليه زيارته وبعد الموت يزار قبره لا هو بخلاف ما لو قال إن غسلته فأنت حر
فغسله بعد ما مات يحنث في يمينه لأن الغسل هو الإسالة ومعناه التطهير ويتحقق ذلك في
الميت. وكذا الحمل يتحقق بعد الموت قال عليه السلام من حمل ميتا فليتوضأ والمس للتعظيم
أو للشفقة فيتحقق بعد الموت. قال في شرح الطحاوي: الأصل أن كل فعل يلذ ويؤلم ويغم
ويسر يقع على الحياة دون الممات كالضرب والشتم والجماع والكسوة والدخول عليه ا ه‍.
ومثله التقبيل إذا حلف لا يقبلها فقبلها بعد الموت لا يحنث، وتقبيله عليه الصلاة والسلام
عثمان بن مظعون بعد ما أدرج في الكفن محمول على ضرب من الشفقة والتعظيم. وقيد
بالكسوة لأنه لو حلف لا يلبسه ثوبا لا يتقيد بالحياة قوله: (لا يضرب امرأته فمد شعرها أو
خنقها أو عضها حنث) لأنه اسم لفعل مؤلم وقد تحقق الايلام. أطلقه فشمل حالة المزاح
والغضب. وقيل إنه إن كان في حالة المزاح لا يحنث وإلا حنث. وكذلك إذا أصاب رأسه
أنفها في الملاعبة فأدماها لا يحنث لأنه لا يعد ضربا في الملاعبة، كذا في جامع قاضيخان.
ولا يشترط القصد في الضرب لما في عدة الفتاوى: حلف لا يضرب امرأته فضرب أمته
وأصاب رأس امرأته يحنث ا ه‍. وفي الذخيرة: حلف ليضربن عبده مائة سوط فجمع مائة
سوط وضربه مرة لا يحنث قالوا: هذا إذا ضربه ضربا يتألم به، أما إذا ضربه ضربا بحيث لا
يتألم به لا يبر لأنه صورة لا معنى والعبرة للمعنى. ولو ضربه بسوط واحد له شعبتان خمسين
مرة كل مرة تقع الشعبتان على بدنه بر في يمينه لأنه صارتا مائة سوط لما وقعت الشعبتان على
بدنه في كل مرة، وإن جمع الأسواط جميعا وضربه بها ضربة إن ضرب بعرض الأسواط لا يبر
لأن كل الأسواط لم تقع على بدنه وإنما يقع البعض، وإن ضربه برأس الأسواط ينظر، إن
كان قد سوى رؤوس الأسواط قبل الضرب حتى إذا ضربه ضربا أصابه رأس كل سوط بر
في يمينه، وأما إذا اندس من الأسواط شئ لا يقع به البر عليه عامة المشايخ وعليه الفتوى.
وقال محمد في الأصل: إذا حلف لا يضرب عبده فوجأه أو قرصه أو مد شعره أو زاد في
الجامع الصغير أو عضه حنث. ولو قال إن ضربتك فأنت طالق فضرب أمته فأصابها ذكر في
مجموع النوازل أنه يحنث لأن عدم القصد لا يعدم الفعل وبه كان يفتي الشيخ ظهر الدين
المرغيناني. وقيل: إنه لا يحنث لأنه لا يتعارف والزوج لا يقصده بيمينه. وهكذا ذكر البقالي
في فتاواه وهو الأظهر والأشبه ا ه‍. وفي الظهيرية: ولو حلف أن لا يضرب فلانا فرماه
609

بحجر أو نشابه أو نحوهما ذكر في النوازل أنه لا يحنث لأن ذلك رمي وليس بضرب، وإن
دفعه دفعا ولم يوجعه لا يحنث. وإن عضه أو خنقه أو مد شعره فألمه حنث في يمينه قالوا:
هذا إذا لم يكن في حالة المزاح، أما إذا كان في تلك الحال لا يحنث وهو الصحيح، وإن
تعمد غيره فأصابه لا يحنث. وكذا لو نفض ثوبه فأصاب وجهه فألمه لا يحنث. ولو قال
لامرأته إن لم أضربه حتى أتركك لا حية ولا ميتة قال أبو يوسف: هذا على أن يضربها ضربا
مبرحا ومتى فعل ذلك بر في يمينه. رجل حلف ليضربن عبده بالسياط حتى يموت أو حتى
يقتله فهو على المبالغة في الضرب، ولو قال حتى يغشى عليه أو حتى يستغيث أو حتى يبكي
فهذا على حقيقة هذه الأشياء. ولو قال إن لم أضربك بالسيف حتى يموت فهو على أن يضربه
بالسيف ويموت، ولو حلف ليضربن فلانا بالسيف ولم ينو شيئا فضربه بعرضه بر في يمينه.
ولو ضربه والسيف في غمده كما لو حلف ليضربن فلانا بالسوط فلف السوط في ثوب
وضربه فإنه لا يكون ضربا بالسوط. ولو جرحه بالسيف وهو في غمده لكن بعد ما انشق
الغمد بر في يمينه. رجل ضرب رجلا بمقبض فأس على رأسه ثم حلف أنه لم يضربه بالفأس
لا يحنث. رجل قال لامرأته إن لم أضرب ولدك على الأرض حتى ينشق نصفين فأنت طالق
فضربه على الأرض ولم ينشق واليمين كانت مؤقتة بيوم فمضى اليوم طلقت امرأته، وجعل
هذا بمنزلة ما لو قال إن لم أضربك حتى تبول فإنه يكون على الامرين. رجل أراد أن يضرب
فحلف أن لا يمنعه أحد عن ضربه فمنعه إنسان بعد ما ضربه خشبة أو خشبتين وهو
يريد أن يضربه أكثر من ذلك قالوا: حنث في يمينه لأن مراده أن لا يمنعه أحد حتى يضربه
إلى أن يطيب قلبه فإذا منعه عن ذلك حنث في يمينه. رجل قال لامرأته إن وضعت يدي على
جاريتي فهي حرة فضربها، قيل إن كانت اليمين لغيره المرأة لا يحنث لأن المراد من وضع اليد
على الجارية في هذ الحالة الوضع الذي يغيظها ويسوءها، والوضع على هذا الوجه لا يغيظها
ولا يسوءها بل يسرها. رجل حلف ليضربن فلانا ألف مرة فهذا على أن يضربه مرارا كثيرة
ولو قال إن لم أضربك اليوم فأنت طالق فأراد أن يضربها فقالت المرأة إن مس عضوك عضوي
فعبدي حر فضربها الرجل بخشب من غير أن يضع يده عليها لم يحنث لفقد الشرط وهو مس
عضوه عضوها، وكان ينبغي أن يحنث لأن المراد بالمس المذكور ها هنا الضرب عرفا وهو
نظير ما مر من قوله إن وضعت يدي على جاريتي. ولو قالت إن ضربتني فعبدي حر فالحيلة
610

أن تبيع المرأة العبد ممن تثق به ثم يضربها الزوج ضربا خفيفا في اليوم فيبر الزوج وتنحل يمين
المرأة لا إلى جزاء. رجل قال لامرأته كلما ضربتك فأنت طالق فضربها بكفه فوقعت الأصابع
متفرقة طلقت واحدة لأن الضرب حصل بالكف والأصابع تبع لها، وإن ضربها بيديه طلقت
اثنتين. رجل حلف بالله أن يضرب ابنته الصغيرة عشرين سوطا فإنه يضربها بعشرين شمراخا
وهو السعف وهو ما صغر من أغصان النخل. ولو قال إن لم تأتني حتى أضربك فهو على
الاتيان ضربه أو لم يضربه. ولو قال إن رأيت فلانا لأضربنه فعلى التراخي إلا أن ينوي الفور.
ولو قال إن رأيتك فلم أضربك فرآه الحالف وهو مريض لا يقدر على الضرب حنث، ولو
قال إن لقيتك فلم أضربك فرآن من قدر ميل لم يحنث ا ه‍ قوله: (إن لم أقتل فلانا فكذا
وهو ميت إن علم به حنث وإلا لا) أي وإن لم يعلم بموته لا يحنث لأنه إذا كان عالما فقد عقد
يمينه على حياة يحدثها الله تعالى وفيه وهو متصور فينعقد ثم يحنث للعجز العادي، وأما إذا لم
يعلم فقد عقد يمينه على حياة كانت فيه ولا يتصور فيصير قياس مسألة الكوز على الاختلاف
وليس في تلك المسألة تفصيل العلم هو الصحيح، كذا في الهداية. وفي الظهيرية: ولو
حلف ليقتلن فلانا ألف مرة فهو على شدة القتل. رجل حلف أن لا يقتل فلانا بالكوفة
فضربه بالسواد ومات بالكوفة حنث، وكذلك لو حلف أن لا يقتل فلانا يوم الجمعة فجرحه
يوم الخميس ومات يوم الجمعة ويعتبر فيه مكان الموت وزمانه لا زمان الجرح ومكانه بشرط
أن يكون الضرب والجرح بعد اليمين، فإن كانا قبل اليمين فلا حنث أصلا لأن اليمين تقتضي
شرطا في المستقبل لا في الماضي ا ه‍ قوله: (ما دون الشهر قريب وهو وما فوقه بعيد) لأن ما
دون الشهر يعد في العرف قريبا والشهر وما زاد عليه يعد بعيدا. يقال عند بعد العهد ما
لقيتك منذ شهر فإذا حلف ليقضين دينه إلى قريب فهو ما دون الشهر، وإن قال إلى بعيد فهو
الشهر وما فوقه. وكذا لو حلف لا يكلمه إلى قريب أو إلى بعيد ولفظ العاجل والسريع
كالقريب والآجل كالبعيد، وهذا عند عدم النية، فأما إن نوى بقوله إلى قريب وإلى بعيد مدة
معينة فهو على ما نوى حتى لو نوى سنة أو أكثر في القريب صحت، وكذا إلى آخر الدنيا
لأنها قريبة بالنسبة إلى الآخرة، كذا في فتح القدير. وينبغي أن لا يصدق قضاء لأنه خلاف
العرف الظاهر. وفي الولوالجية: إذا حلف ليقضين دينه قريبا فغاب المحلوف عليه فإن
الحالف يرفع الامر إلى القاضي، فإذا رفع إليه بر ولا يحنث لأن القاضي في هذه الصورة
611

انتصب نائبا عنه في هذا الحكم نظرا للحالف هو المختار للفتوى ا ه‍. وفي الظهيرية: لو
حلف لا يكلمه مليا أو طويلا إن نوى شيئا فهو على ما نوى، وإن لم ينو شيئا فهو على شهر
ويوم ا ه‍. وفيها من الفصل الخامس: حلف لا يحبس من حقه شيئا ولا نية له ينبغي له أن
يعطيه ساعة حلف يريد به أن يشتغل بالاعطاء حتى لو لم يشتغل به كما فرغ من اليمين حنث
في يمينه، طلب منه أو لم يطلب. وإن نوى الحبس بعد الطلب أو غيره من المدة كان كما
نوى وإن حاسبه وأعطاه كل شئ كان له لديه وأقربه لذلك الطالب ثم لقيه بعد أيام وقال
قد بقي لي عندك كذا وكذا من قبل كذا وكذا فتذكر المطلوب وقد كانا جميعا نسياه لم يحنث إن
أعطاه ساعة تذكر قوله: (ليقضين دينه اليوم فقضاءه نبهرجة أو زيوفا أو مستحقة بر ولو
رصاصا أو ستوقة لا) أي لا يبر لأن الزيافة والنبهرجة عيب والعيب لا يعدم الجنس ولهذا لو
تجوز به صار مستوفيا فيوجد شرط البر، وقبض المستحقة صحيح ولا يرتفع برده البر المتحقق
وإن ارتفع القبض لأن ارتفاع القبض لتضرر صاحب الدين ببطلان حقه لأنه لا يمكنه استيفاء
الجودة وحدها ولا استيفاء الجيد مع بقاء الاستبقاء الأول فتعين النقض ضرورة. وأما
الرصاص والستوقة فليس هي من جنس الدراهم حتى لا يجوز التجوز بهما في الصرف
والسلم. والزيوف الردي من الدراهم يرده بيت المال. والنبهرجة أرد أمن يرده النجار أيضا.
والستوقة هي التي غلب عليها النحاس، فإن غلبت الفضة لا يحنث لأن العبرة للغالب، كذا
في التبيين. والأولى أن يقال في النبهرجة أنه يردها من التجار المستقضى منهم ويقبلها السهل
منهم كما في فتح القدير. وذكر مسكين معزيا إلى الرسالة اليوسفية: النبهرجة إذا غلب عليها
النحاس لم تؤخذ، وأما الستوقة فحرام أخذها لأنها فلوس ا ه‍. ولا فرق في هذه المسائل بين
لفظ القضاء أو الدفع. وأطلق في المستحقة فشمل ما إذا رد بدلها في ذلك اليوم أو لا.
وأشار المصنف إلى أن المكاتب لو دفع إلى مولاه واحدا من الثلاثة الأول عتق ولا يبطل عتقه
برد المولى. ولو دفع الستوقة والرصاص لا يعتق كما في الفتح. وذكر الولوالجي في آخر
كتاب الشفعة أن الدراهم الزيوف بمنزله الجياد في خمس مسائل: أولها رجل اشترى دارا
بالجياد ونقد الزيوف أخذ الشفيع بالجياد لأنه لا يأخذها إلا بما اشترى وقد اشترى بالجياد
والثانية الكفيل إذا كفل بالجياد ونقد الزيوف يرجع على المكفول عنه بالحياد. والثالثة إذا
اشترى شيئا بالجياد ونقد البائع الزيوف ثم باعه مرابحة فإن رأس المال هو الجياد. والرابعة
حلف ليقضين حقه اليوم وكان عليه جياد فقضاه الزيوف لا يحنث. والخامسة إذا كان له على
آخر دراهم جياد فقبض الزيوف فأنفقها ولم يعلم إلا بعد الانفاق لا يرجع عليه بالجياد في
612

قول أبي حنيفة ومحمد كما لو قبض الجياد اه‍. وفي الظهيرية معزيا إلى النوازل: إذا قال
المديون لرب المال والله لأقضين مالك اليوم فأعطاه ولم يقبل قال: إن وضعه بحيث تناله يده
أراد لا يحنث، والمغصوب منه إذا حلف أن لا يقبض المغصوب فجاء به الغاصب وقال
سلمته إليك فقال المغصوب منه لا أقبل لا يحنث ويبرأ الغاصب من ضمان الرد اه‍. وفيها:
رجل حلف ليجهدن في قضاء ما عليه لفلان فإنه يبيع ما كان القاضي يبيعه عليه إذا رفع
الامر إلى القاضي.
قوله: (والبيع به قضاء لا الهبة) أي لو حلف ليقضين دينه اليوم فباع متاعا لصاحب
الدين بالدين فقد قضاه دينه وبر، ولو وهب الدائن الدين من المديون فليس بقضاء لأن قضاء
الدين طريقه المقاصة وقد تحققت بمجرد البيع ولا مقاصة في الهبة لأن القضاء فعله والهبة
إسقاط من صاحب الدين. أطلقه فشمل ما قبل قبض البيع واشتراط قبض المبيع في الجامع
الصغير وقع اتفاقا ليتقرر الثمن في الذمة لا أنه شرط للبر حتى لو هلك المبيع لا يرتفع البر
المحقق ببطلان الثمن، وشمل البيع الفاسد لكن يشترط قبض المبيع فيه لوقوع المقاصة لأنه لا
ملك قبله فيه لتحصل المقاصة. ولو كان الحالف هو الطالب بأن قال والله لأقبضن ديني اليوم
فالحكم كذلك وشمل ما إذا كان المبيع مملوكا للحالف أو لغيره وكذا قال في الظهيرية أن ثمن
المستحق مملوك ملكا فاسدا فملك المديون ما في ذمته. وأشار المصنف بالبيع إلى كل موضع
حصلت فيه المقاصة بينهما فلذا قالوا: لو تزوج الطالب أمة المطلوب على ذلك المال فدخل
عليها أو وجب عليه للمطلوب دين بالجناية والاستهلاك لا يحنث، وأفاد المصنف بقوله لا
الهبة أنه ليس بقضاء ولم يتعرض للحنث لأنه لا يحنث في اليمين الموقتة لأن البر غير ممكن
مع هبة الدين وإمكان البر شرط البقاء كما هو شرط الابتداء كما قدمناه في مسألة الكوز.
وعلى هذا لو حلف ليقضين دينه غدا فقضاه اليوم أو حلف ليقتلن فلانا غدا فمات اليوم أو
حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا فأكله اليوم فإنه لا يحنث وتقدم نظائرها. وهنا فروع حسنة
مذكورة في الظهيرية: لو قال لغريمه والله لا أفارقك حتى استوفي منك حقي ثم إنه اشترى
من مديونه عبدا بذلك الدين قبل أن يفارقه ثم فارقه قال محمد رحمه الله على قول من لم يجعله
حانثا إذا وهب الدين له قبل أن يفارقه وقبل المديون ثم فارقه لا يحنث وهو قول أبي حنيفة،
فههنا ينبغي أن لا يحنث. وعلى قول من يجعله حانثا في الهبة وهو قول أبي يوسف يكون
حانثا ها هنا، وإن لم يفارقه حتى مات العبد عند البائع ثم فارقه حنث. ولو باعه المديون عبد
613

الغيرة بذلك الدين ثم فارقه الحالف بعدما قبض الغريم العبد ثم إن مولى العبد استحقه ولم يجز
البيع لا يحنث الحالف لأن المديون ملك ما في ذمته بهذا البيع لأن ثمن المستحق مملوك ملكا
فاسدا. ولو باعه المديون عبدا على أنه بالخيار فيه وقبضه الحالف على ما له عليها من
الدين فهو استيفاء لما عليها من الدين. ولو باع المديون عبدا أو أمة بما عليه من الدين فإذا هو
مدبر أو مكاتب أو أم ولد أو كان المدبر وأم الولد لغير المديون ثم فارقة الطالب بعدما قبضه لا
يحنث. ولو وهب الطالب الألف للغريم فقبله أو أحال الطالب رجلا له عليه مال بماله على
مديونه أو أحال المطلوب الطالب على رجل وأبرأ الطالب المطلوب الأول لا يحنث الحالف في
هذا كله. ولو حلف ليأخذن من فلان حقه أو قال ليقبضن فأخذ بنفسه أو أخذ وكيله فقد بر في
يمينه، وكذا لو أخذه من وكيل المطلوب، وكذلك لو أخذه من رجل كفل بالمال عن المديون
بأمر المديون أو من رجل آخر أحال المديون عليه فقد بر في يمينه، كذا ذكره القدوري رحمه الله.
وذكر في العيون: إذا حلف الرجل لا يأخذ ماله من المطلوب اليوم فقبضه من وكيل المطلوب
حنث، فإن قبضه من متطوع لا يحنث، وكذلك لو قبضه من وكيله أو المحتال عليه لم يحنث.
قال القدوري: وكذلك لو حلف المديون ليقضين فلانا حقه فأمره غيره بالأداء أو أحاله فقبض
بر في يمينه وإن قضى عنه متبرع لم يبر. وفي العيون: حلف لا يقبض ماله على الغريم فأحال
الطالب رجلا ليس له على الطالب شئ على غريمه وقبض ذلك الرجل حنث في يمينه، وإن
كانت الخوالة قبل اليمين لم يحنث. وعلى هذا إذا وكل رجلا بقبض الدين من المديون ثم حلف
أن لا يقبض ماله عليه فقبض الوكيل بعد اليمين لا يحنث. وقد قيل: ينبغي أن يحنث وهذا
القائل قاس هذه المسألة على ما إذا وكل رجلا أن يزوجه امرأة أو وكله أن يطلقها ثم حلف أن لا
يتزوج أو لا يطلق ثم فعل الوكيل ذلك حنث. ولو حلف لا يقبض دينه من غريمة اليوم
فاشترى الطالب من الغريم شيئا في يومه وقبض المبيع اليوم حنث، وإن قبض المبيع غدا لا
يحنث. ولو اشترى منه شيئا بعد اليمين في يومه شراء فاسدا وقبضه، فإن كانت قيمته مثل
الدين أو أكثر حنث، وإن كانت قيمته أقل من الدين لا يحنث. وإن استهلك شيئا من ماله
اليوم، فإن كان المستهلك من ذوات الأمثال لا يحنث لأن الواجب بالاستهلاك مثله لا قيمته،
وإن كان من ذوات القيم، فإن كانت قيمته مثل الدين أو أكثر حنث لأنه صار قابضا بطريق
المقاصة ولكن يشترط أن يغصب أولا ثم يستهلك، فإن استهلكه ولم يغصبه بأن أحرقه لا يحنث
لأن شرط الحنث القبض، فإذا غصب أولا وجد القبض الموجب للضمان فيصير قابضا دينه
614

وبذلك، أما إذا استهلكه فلم يوجد القبض حقيقة فلا يصير قابضا دينه كرجلين لهما على رجل
دين مشترك فقبض أحدهما من المديون ثوبا واستهلكه كان لشريكه أن يرجع عليه بحصته من
الدين. وإن أحرقه من غير غصب لا يرجع شريكه عليه بشئ. رجل له على رجل ثمن مبيع
فقال إن أخذت ثمن ذلك الشئ فامرأته طالق فأخذ مكان ذلك حنطة وقع الطلاق لأنه أخذ
عوض الثمن وأخذ العوض ينزل منزلة أخذ المعوض، ولهذا لو كان له شريك في ذلك كان
لشريكه أن يرجع عليه بحصته. ولو حلف لا يفارق غريمة حتى يستوفي ماله عليه فقعد وهو
بحيث يراه ويحفظه فهو غير مفارق له، وكذلك لو حال بينهما ستر أو أسطوانة من أساطين
المسجد، وكذلك لو قعد أحدهما داخل المسجد والآخر خارج المسجد والباب بينهما مفتوح
بحيث يراه، وإن توارى عنه بحائط المسجد والآخر خارج المسجد فقد فارقه، وكذلك لو كان
بينهما باب مغلق إلا أن يكون المفتاح بيد الحالف بأن أدخله بيتا وغلق عليه بابه وقعد على
الباب فهذا لم يفارقه. وإن كان المحبوس هو الحالف والمخلى عنه هو المحلوف عليه وهو الذي
أغلق عليه الباب وأخذ المفتاح حنث الحالف. وفي الحيل: إذا نام الطالب أو غفل عن
المطلوب أو شغله إنسان بالكلام حتى هرب المطلوب لا يحنث في يمينه، وكذلك لو منعه
إنسان عن الملازمة حتى هرب المطلوب لا يحنث في يمينه. وفي مجموع النوازل: رجل حلف
بطلاق امرأته أنه يعطيها كل يوم درهما فربما يدفع إليها عند الغروب وربما يدفع إليها عند
العشاء قال، إذا لم يخل كل يوم وليلة عن دفع درهم بر في يمينه. وسئل الأوزجندي عمن
قال لصاحب الدين إن لم أقض حقك يوم العيد فكذا فجاء يوم العيد إلا أن قاضي هذه البلدة
لم يجعله عيدا ولم يصل فيه صلاة العيد لدليل لاح عنده وقاضي بلدة أخرى جعله عيدا قال:
إذا حكم قاضي بلدة بكونه عيدا يلزم ذلك أهل بلدة أخرى إذا لم تختلف المطالع كما في
الحكم بالرمضانية. وسئل أبو نصر الدبوسي عمن حلف غريمه أن يأتي منزله غدا ويريه
وجهه فأتاه فلم يجده وقد غاب لا يحنث في يمينه. اه‍ ما في الظهيرية قوله: (لا يقبض دينه
درهما دون درهم فقبض بعضه لا يحنث حتى يقبض كله متفرقا لا بتفريق ضروري) لأن
الشرط قبض الكل لكنه بوصف التفريق ألا ترى أنه أضاف القبض إلى دين معرف مضافا إليه
فينصرف إلى كله فلا يحنث إلا به ولا يحنث بالتفريق الضروري وهو أن يقبض دينه في وزنتين
ولم يتشاغل بينهما إلا بعمل الوزن لأنه قد يتعذر قبض الكل دفعة واحدة عادة فيصير هذا
القبض مستثنى عنه. وأشار المصنف إلى أن اليمين لو كانت موقتة باليوم بأن حلف لا يقبض
دينه درهما دون درهم اليوم فقبض البعض في اليوم متفرقا أو لم يقبض شيئا لم يحنث لأن
615

شرط الحنث أخذ الكل في اليوم متفرقا ولم يوجد، وإن أنه لو قبض الكل جملة ثم وجد
بعضها ستوقة فرد لم يحنث بالرد ما لم يستبدل لأن الستوقة غير معتد بها فلم يوجد قبض الكل
حتى يقبض البدل، فإذا قبضه وجد قبض الكل متفرقا بخلاف ما إذا وجد بعضها زيوفا
حيث لا يحنث مطلقا لأنه برحين وجد قبض الكل وبالرد لم ينتقض القبض في حقه على ما
مر. وقيد بقوله دينه لأنه لو قال لا يقبض من دينه درهما دون درهم أو إن قبضت من ديني
درهما دون درهم أو إن أخذت من ديني درهما دون درهم فقبض البعض حنث لأن شرط
الحنث هنا قبض البعض من الدين متفرقا، وفي مسألة الكتاب قبض الكل بصفة التفريق.
وفي الظهيرية: وفي الحيل: إذا حلف لا يأخذ ما له على فلان إلا جملة أو إلا جمعا ثم أراد
أخذه على التفاريق فالحيلة أن يترك من حقه درهما ويأخذ الباقي كيف يشاء وفيه أيضا: إذا
حلف لا يأخذ من فلان شيئا من حقه دون شئ ثم أراد أن يأخذه على التفاريق أو أراد أن
يترك بعض حقه يحنث لكن الحيلة له في ذلك أن يأخذ من غير قضاء عنه فلا يحنث، وإن لم
يكن للمطلوب من يؤدي عنه وكان للطالب من يقبض له لم يحنث في يمينه، وإذا حلف لا
يتقاضى فلانا فلزمه ولم يتقاضه لا يحنث اه‍. وفيها: ولو قال لا أفارقك اليوم حتى تعطيني
حقي اليوم وهو ينوي أن لا يترك لزومه فمضى اليوم ثم فارقه لا يحنث قوله: (إن كان لي الا
مائة أو غير أو سوى فكذا لم يحنث بملكها أو بعضها) لأن غرضه نفي ما زاد على المائة فكان
شرط حنثه ملك الزيادة على المائة لأن استثناء المائة استثناؤها بجميع أجزائها وغير وسوى
ك‍ " إلا لأن كل ذلك أداة الاستثناء. قيد بكونه ملك الدراهم أو بعضها لأنه لو قال إن كان لي
إلا مائة درهم فلم يكن له دراهم وكان له دنانير حنث لأن الدراهم مال الزكاة فالمستثنى منه
يكون مال الزكاة والدنانير من مال الزكاة، وكذلك لو كان عبدا للتجارة أو
عرضا للتجارة أو سوائم مما تجب فيه الزكاة يحنث، سواء كان نصابا أو لم يكن. ولو ملك عبدا للخدمة أو ما
ليس من جنس الزكاة كالدراهم والعقار والعروض لغير التجارة لا يحنث في يمينه لأنه لم
يوجد المسماة، كذا في شرح الطحاوي. وفي الجامع الصغير: عبده حر إن كنت أملك إلا
خمسين درهما فلم يملك إلا عشرة لم يحنث لأنها بعض المستثنى، ولو ملك زيادة على خمسين
إن كان من جنس مال الزكاة حنث. وفي خزانة الأكمل: لو قال امرأته طالق إن كان له مال
616

وله عروض وضياع ودور لغير التجارة لم يحنث. وقيد بقوله إن كان لي الا مائة لأنه لو
اختلف في قدر الدين فقال لي عليه مائة وقال الآخر خمسون فقال إن كان لي عليه إلا مائة
فهذا لنفي النقصان لأنه قصد بيمينه الرد على المنكر، وكذا لو ادعى أنه أعطى زيد المائة مثلا
فقال زيد لم يعطني إلا خمسين فقال إن كنت أعطيته إلا مائة فإنه يحنث بالأقل، كذا في فتح
القدير: وفي الظهيرية: ولو قال إن قبضت ما لي على فلان شيئا دون شئ فهو في المساكين
صدقة يعني ما له على فلان فقبض تسعة فوهبها لرجل ثم قبض الدرهم الباقي يلزمه التصدق
بالدرهم الباقي ويضمن مثل ما وهب ويتصدق بالضمان. ولو قال لا أتركك حتى تخرج من
هذه الدار فطلب إليه أن يتركه فقال قد تركتك ثم أبى أن يخرج فإنه يحنث بقوله تركتك اه‍
قوله: (لا يفعل كذا تركه أبدا) لأنه نفي الفعل مطلقا فعم الامتناع ضرورة عموم النفي. قيد
بكون اليمين مطلقة عن الوقت لأنها لو كانت مقيدة به كقوله والله لا أفعل كذا اليوم فمضى
اليوم قبل الفعل بر في يمينه لأنه وجد ترك الفعل في اليوم كله، وكذلك إن هلك الحالف
والمحلوف عليه بر في يمينه لأن شرط البر عدم الفعل وقد تحقق العدم، كذا في المحيط.
وقدمنا في أول كتاب الايمان أنه لو قال والله أفعل كذا أنها يمين النفي وتكون لا مقدرة
وليست للاثبات لأنه لا يجوز حذف نون التوكيد ولامه في الاثبات فليحفظ هذا. وفي شرح
المجمع في شرح قوله لا يفعل كذا تركه أبدا أن اليمين لا تنحل بفعله وهو سهو بل تنحل،
فإذا حنث بفعله مرة لا يحنث بفعله ثانيا قوله: (ليفعلنه بر بمرة) أي بفعل المحلوف عليه مرة
واحدة فإذا تركه بعد ذلك لا يحنث لأن الملتزم فعل واحد غير عين إذا المقام مقام الاثبات فيبر
بأي فعل فعله، وإنما يحنث بوقوع اليأس عنه وذلك بموته أو بفوت محل الفعل. قيد بكون
اليمين مطلقة لأنها لو كانت مؤقتة بوقت ولم يفعل فيه يحنث بمضي الوقت إن كان الامكان
باقيا في آخر الوقت، ولم يحنث إن لم يبق بأن وقع اليأس بموته أو بفوت المحل لأنه في
الموقتة لا يجب عليه الفعل إلا في آخر الوقت، فإذا مات الفاعل أو فات المحل استحال البر
في آخر الوقت فتبطل اليمين على ما ذكرنا في مسألة الكوز، ويتأتى فيه خلاف أبي يوسف
في فوت المحل. وفي الواقعات: حلف إن فعلت كذا ما دمت ببخارى فامرأته طالق فخرج
من بخارى ثم رجع ففعل لا يحنث لأنه انتهى اليمين. حلف لا يشرب النبيذ ما دام ببخارى
وفارق بخارى ثم عاد فشرب لا يحنث إلا إذا عنى بقوله ما دمت ببخارى أن تكون بخارى
وطنا له لأنه جعل كونه بالكوفة غاية ليمينه، وتمامه في الفصل الرابع منها قوله: (ولو حلفه
وال ليعلمنه بكل داعر دخل البلدة تقيد بقيام ولايته) بيان لكون اليمين المطلقة تصير مقيدة من
617

جهة المعنى كما في هذه المسألة لأنها مطلقة من حيث اللفظ لكن لما كان مقصود المستحلف
دفع شره أو شر غيره بزجره فلا يفيد فائدته بعد زوال سلطنته والزوال بالموت، وكذا بالعزل
في ظاهر الرواية. والداعر بالدال والعين المهملتين كل مفسد وجمعه دعار من الدعر وهو
الفساد، ومنه دعر العود يدعر بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع إذا فسد. وإذا
تقيدت بقيام ولايته بطلت اليمين بعزله فلا تعود بعد توليته. ولم يذكر المصنف أن اليمين على
الفور أو التراخي. وفي التبيين: ثم إن الحالف لو علم الداعر ولم يعلمه لم يحنث إلا إذا مات
هو أو المستحلف أو عزل لأنه لا يحنث في اليمين المطلقة بمجرد الترك بل باليأس عن الفعل،
وذلك بما ذكرنا إلا إذا كانت مؤقتة فيحنث بمضي الوقت مع الامكان وإلا فلا اه‍. وفي فتح
القدير: ولو حكم بانعقاد هذه للفور لم يكن بعيدا نظرا إلى المقصود وهي المبادرة لزجره ودفع
شره، فالدعر يوجب التقييد بالفور وفور علمه به اه‍. وليس العموم في قوله بكل داعر
على بابه لأنه لا يمكنه أن يعلمه بكل داعر في الدنيا، وإنما مراده كل داعر يعرفه أو في بلده
أو دخل البلد، وأشار المصنف رحمه الله إلى مسائل منها: لو حلف رب الدين غريمه أو
الكفيل بأمر المكفول عنه أن لا يخرج من البلد إلا بإذنه تقيد بالخروج حال قيام الدين والكفالة
لأن الاذن إنما يصح ممن له ولاية المنع وولاية المنع حال قيامه. ومنها لو حلف لا تخرج
امرأته إلا بإذنه تقيد بحال قيام الزوجية بخلاف ما إذا قال إن خرجت امرأته من هذه الدار
فعبده حر ولم يقيده بالاذن أو حلف لا يقبلها فخرجت بعد ما أبانها أو قبلها بعدما أبانها
حيث يحنث لأنه لم يوجد فيه دلالة التقييد في حال قيام الزوجية. وعلى هذا لو قال لامرأته
كل امرأة أتزوجها بغير إذنك طالق فطلق امرأته طلاقا بائنا أو ثلاثا ثم تزوج بغير إذنها طلقت
لأنه لم يقيد يمينه ببقاء النكاح لأنها إنما تتقيد به لو كانت المرأة تستفيد ولاية الاذن والمنع بعقد
النكاح. ومنها لو أن سلطانا حلف رجلا أن لا يخرج من البلد إلا بإذنه ثم خرج بعد عزله
بدون إذنه لا يحنث لأن اليمين تقيدت بحال قيام السلطنة، كذا في المحيط. ولم أر حكم ما
إذا حلفه وال ليعلمنه بكل داعر ثم عزل من وظيفته وتولى وظيفة أخرى أعلى منها كالدويدار
إذا حلف حقيرا ثم صار واليا وهو المسمى في زماننا بالصوباشاه، وينبغي أن لا يبطل اليمين
لأنه صار متمكنا من إزالة الفساد أكثر من الحالة الأولى قوله: (يبر بالهبة بلا قبول بخلاف
البيع) فإذا حلف ليهبن فلانا فوهب له فلم يقبل فإنه يبر، ولو حلف ليبيعن كذا فباعه فلم
618

يقبل المشتري لا يبر، وكذا في طرف النفي. والفرق أن الهبة عقد تبرع فيتم بالمتبرع ولهذا
يقال وهبت ولم يقبل ولان المقصود إظهار السماحة وذلك يتم به، وأما البيع فمعاوضة
فاقتضى الفعل من الجانبين. والأصل أن اسم عقد المعاوضة كالبيع والإجارة والصرف والسلم
والنكاح والرهن والخلع بإزاء الايجاب والقبول معا، وفي عقود التبرعات بإزاء الايجاب فقط
كالهبة والصدقة والعارية والعطية والوصية والعمري والاقرار والهدية. وقال زفر: هي كالبيع
وفي البيع وما معه الاتفاق على أنه للمجموع فلذا وقع الاتفاق على أنه لو قال بعتك أمس
هذا الثوب فلم تقبل فقال بل قبلت أو أجرتك هذه الدار فلم تقبل فقال بل قبلت القول قول
المشتري والمستأجر لأن إقراره بالبيع تضمن إقراره بالايجاب والقبول، وقوله فلم تقبل رجوع
عنه. وكذا على عدم الحنث إذا حلف لا يبيع فأوجب فقط، وعلى الحنث لو حلف ليبيعن
اليوم فأوجب فيه فقط ووقع الخلاف فيه لو كان بلفظ الهبة وعلى هذا الخلاف القرض. وعن
أبي يوسف أن قبول المستقرض لا بد منه فيه لأن القرض في حكم المعاوضة فلو قال أقرضني
فلان ألفا فلم أقبل لا يقبل قوله. ونقل عن أبي حنيفة فيه روايتان. والابراء يشبه البيع من
حيث إنه يفيد الملك باللفظ دون قبض والهبة لأنه تمليك بلا عوض ولهذا ذكر في الجامع أن
في القرض والابراء قياسا واستحسانا. وقال الحلواني فيهما كالهبة، وقيل الأشبه أن يلحق
الابراء بالهبة لعدم العوض والقرض بالبيع ولا يعلم خلاف أن الاستقراض كالهبة، كذا في
فتح القدير. وفي شرح المجمع لابن الملك وههنا دقيقة وهي أن حضرة الموهوب له شرط في
الحنث حتى لو وهب الحالف منه وهو غائب لا يحنث اتفاقا اه‍. وأشار المصنف إلى ما في
الخانية: رجل قال إن وهب لي فلان هذا العبد فهو حر فقال فلان وهبته لك فقال الحالف
قبلت وقبضته قال أبو يوسف: لا يعتق لأن الهبة هبة قبل القبول قوله: (لا يشم ريحانا لا
يحنث بشم ورد وياسمين) لأن الريحان عند الفقهاء ما لساقه رائحة طيبة كما لو رقه. وقيل في
عرف أهل العراق اسم لما لا ساق له من البقول مما له رائحة مستلذة. وقيل اسم لما ليس له
شجر. وعلى كل فليس الورد والياسمين منه وإن كان في اللغة اسم لكل ما طاب ريحه من
النبات. وفي فتح القدير: والذي يجب أن يعول عليه في ديارنا إهدار ذلك كله لأن الريحان
متعارف لنوع وهو ريحان الحماحم، وأما الريحان الترنجي منه فيمكن أن لا يكون لأنهم
619

يلزمونه التقييد فيقال ريحان ترنجي، وعندنا يطلقون اسم الريحان لا يفهم منه إلا الحماحم فلا
يحنث إلا بعين ذلك النوع اه‍. وما قاله هو والواقع في مصر. ويشم - بفتح الياء والشين -
مضارع شممت الطيب بكسر الميم في الماضي. هذه هي اللغة المشهورة الفصيحة، وأما
شممته أشمه بفتح الميم في الماضي وضمها في المضارع فقد أنكرها بعض أهل اللغة وقال:
هو خطأ. وصحح عدمه فقد نقلها الفراء وغيره وإن كانت ليست بفصيحة ثم يمين الشم
تنعقد على الشم المقصود. فلو حلف لا يشم طيبا فوجد ريحه لم يحنث ولو وصلت الرائحة إلى
دماغه كذا في فتح القدير. قوله: (البنفسج والورد على الورق) فلو حلف لا يشتري بنفسجا
أو وردا فاشترى ورقهما يحنث، ولو اشترى دهنهما لا يحنث لأنهما يقعان على الورق دون
الدهن في عرفنا، كذا في الكافي. وفي المبسوط: لو اشترى ورق البنفسج لا يحنث، ولو
اشترى دهنه يحنث لأن اسم البنفسج إذا أطلق يراد به الدهن ويسمى بائعه بائع البنفسج
فيصير هو بشرائه مشتري البنفسج أيضا وهو رواية الجامع الصغير. وذكر الكرخي أنه يحنث
بالورق كالدهن وهذا شئ يبتني على العرف، وفي عرف أهل الكوفة بائع الورق لا يسمى
بائع البنفسج وإنما يسمى بائع الدهن فبني الجواب في الكتاب على ذلك. ثم شاهد الكرخي
عرف أهل بغداد أنهم يسمون بائع الورق بائع البنفسج أيضا فقال: يحنث به. وقال: هكذا
في ديارنا أعني في المبسوط ولا يقال في أحدهما حقيقة وفي الآخر مجازا بل فيهما حقيقة
ويحنث فيهما باعتبار عموم المجاز، والياسمين قياس الورد لا يتناول الدهن لأن دهنه يسمى
زنبقا لا ياسمينا، وكذا الحناء يتناول الورق هذا إذا لم تكن له نية. وقال في الكافي: الحناء
تقع في عرفنا على المدقوق قوله: (حلف لا يتزوج فزوجه فضولي وأجاز بالقول حنث وبالفعل
لا) أي لا يحنث وهذا هو المختار كما في التبيين وعليه أكثر المشايخ والفتوى عليه كما في
الخانية، وبه اندفع ما في جامع الفصولين من أن الأصح أنه لا يحنث بالإجازة بالقول أيضا
لأن المحلوف عليه هو التزوج وهو عبارة عن العقد وهو مختص بالقول والإجازة اللاحقة
كالوكالة السابقة فيكون للفضولي حكم الوكيل، وللمجيز حكم الموكل، والإجازة بالفعل
بعث المهر أو شئ منه والمراد الوصول إليها، ذكره الصدر الشهيد. وقيل سوق المهر يكفي
سواء وصل إليها أم لا لأن المجوز الإجازة بالفعل وهي تتحقق بالسوق، وبعث الهدية لا
620

تكون إجازة لأنه لا يختص بالنكاح، ولو قبلها بشهوة أو جامعها تكون إجازة بالفعل لكن
يكره كراهة تحريم لقرب نفوذ العقد من المحرم. ولو أجاز في نكاح الفضولي بالكتابة هل
تكون إجازة بالقول أو بالفعل ذكر في إيمان الجامع في الفتاوى إذا حلف لا يكلم فلانا أو
قال والله لا أقول لفلان شيئا فكتب إليه كتابا لا يحنث. وذكر ابن سماعة في نوادره أنه
يحنث. قيد بكون التزوج بعد اليمين لأنه لو زوجه فضولي ثم حلف لا يتزوج فأجاز فإنه لا
يحنث بالقول أيضا لأنها تستند إلى وقت العقد، وفيه لا يحنث بمباشرته فبالإجازة أولى. وأشار
المصنف إلى أنه لو حلف لا يزوج عبده أو أمته فأجاز بالقول فإنه يحنث كما يحنث بالتوكيل
لأنه مضاف إلى متوقف على إذنه لملكه وولايته، وكذا الحكم في ابنه وابنته الصغيرين لولايته
عليهما، ولو كان كبيرين لا يحنث إلا بالمباشرة لعدم ولايته عليهما بل هو كالأجنبي عنهما
فتتعلق بحقيقة العقد وهو مباشرته العقد. ولو كان الحالف هو العبد أو الابن فزوجه مولاه
وهو كاره أو أبوه وهو مجنون حيث لا يحنثان به بخلاف المكره لوجود الفعل منه حقيقة
دونهما وفي جامع الفصولين: قال كل امرأة أتزوجها أو يزوجها غيري لأجلي وأجيزه فهي
طالق ثلاثا لا وجه لجوازه وفي رقم حر: فحيلته أن يزوجه فضولي بلا أمرهما فيجيزه هو
فيحنث قبل إجازة المرأة لا إلى جزاء لعدم الملك ثم تجيزه هي فأجازتها لا تعمل فيجددان
فيجوز إذ اليمين انعقدت على تزوج واحد، وهذه الحيلة إنما يحتاج إليها إذا قال في حلفه
وأحيزه، أما إذا لم يقل قال النسفي: يزوج الفضولي لأجله فنطلق ثلاثا إذ الشرط تزويج الغير
له مطلقا ولكنها لا تحرم عليه لطلاقها قبل الدخول في ملك الزوج. أقول: فيه تسامح لأن
وقوع الطلاق قبل الملك محال ا ه‍. وفي الخلاصة: لو قال كل امرأة تدخل في نكاحي فهي
طالق فهذا بمنزلة ما لو قال كل امرأة أتزوجها، وكذا لو قال كل امرأة تصير حلالا لي، ولو
قال كل عبد يدخل في ملكي فهو حر فاشترى فضولي عبدا فأجاز هو بالفعل يحنث عند الكل
لأن للملك أسبابا كثيرة ا ه‍. وعلل في عمدة الفتاوى للأول بأن الدخول في النكاح ليس له
إلا سبب واحد هو النكاح فلا فرق بين أن يذكره أو لا ا ه‍. فعلى هذا لو قال كل امرأة
تدخل في عصمتي فهي طالق فإنه يزوجه فضولي ويجيز بالفعل ولا يحنث كما لا يخفى. وفي
621

القنية: إن تزوجت عليك فأمرها بيدك فزوجه فضولي فأجاز بالفعل لا يصير الامر بيدها
بخلاف ما لو قال إن دخلت امرأة في نكاحي فأمرها بيدك فإن الامر يصير بيدها ا ه‍.
وها هنا تعليق كثير الوقوع في مصر وهو أن يقول إن تزوجت امرأة بنفسي أو بوكيلي أو
بفضولي فأنت طالق أو فهي طالق فهل له مخلص؟ قلت: إذا أجاز عقد الفضولي بالفعل فلا
يقع عليه طلاق لأن قوله أو بفضولي معطوف على قوله بنفسي والعامل فيه تزوجت وقد
صرحوا بأنه حقيقة في القول فقوله أو بفضولي إنما ينصرف إلى إجازته بالقول فقط، فلو زاد
عليه أو دخلت في نكاحي أو في عصمتي فالحكم كذلك لما قدمناه من أن الدخول فيه ليس
له إلا سبب واحد وهو التزوج وهو لا يكون إلا بالقول، فلو زاد عليه أو أجزت نكاح
فضولي ولو بالفعل فلا مخلص له إلا إذا كان المعلق طلاق المتزوجة فيرفع الامر إلى شافعي
ليفسخ اليمين المضافة كما قدمناه في باب التعليق قوله: (وداره بالملك والإجارة) أي لو حلف
لا يدخل دار فلان يحنث بدخول ما يسكنه بالملك والإجارة لأن المراد به المسكن عرفا فدخل
ما يسكنه بأي سبب كان بإجارة أو إعارة أو ملك باعتبار عموم المجاز. ومعناه أن يكون محل
الحقيقة فردا من أفراد المجاز لا باعتبار الجمع بين الحقيقة والمجاز. قيدنا بأن تكون مسكنه لأنه
لو لم يكن ساكنا فيها وهي ملكه لا يحنث. قال في الواقعات: حلف لا يدخل دار فلان
622

فدخل دارا بين فلان وغيره وفلان ساكنها لا يحنث إلا أن يدل الدليل على دار الغلة أو غيرها.
وأطلق في الملك فشمل الدار المشتركة، فلو حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارا مشتركة بين
فلان وغيره وفلان ساكنها يحنث لأن جميع الدار تصاف إليه بعضها بالملك وكلها بالسكنى، ولا
بد أن يكون سكني فلان بها لا بطريق التبعية، فلو حلف لا يدخل دار فلانة فدخل دارها
وزوجها ساكن فيها لا يحنث لأن الدار تنسب إلى الساكن والساكن هو الزوج، كذا في الواقعات
وقد قدمناها في بحث الدخول قوله: (حلف بأنه لا مال له وله دين على مفلس أو ملئ لا
يحنث) لأن الدين ليس بمال وإنما هو وصف في الذمة لا يتصور قبضه حقيقة ولهذا قيل: إن
الديون تقضي بأمثالها على معنى أن المقبوض مضمون على القابض لأنه قبضه لنفسه على وجه
التملك ولرب الدين على المدين مثله فالتقى الدينان قصاصا فصار غيره حقيقة وشرعا، أما
الحقيقة فظاهر، وأما الشرع فلا حاجة إلى اسقاط اعتباره لأن التصرف في الدين قبل القبض
جائز والمفلس بالتشديد رجل حكم القاضي بإفلاسه والملئ الغني، ذكره مسكين والله أعلم.
تم الجزء الرابع من البحر الرائق ويليه الجزء الخامس وأوله كتاب الحدود
623