الكتاب: كتاب الموطأ
المؤلف: الإمام مالك
الجزء: ٢
الوفاة: ١٧٩
المجموعة: فقه المذهب المالكي
تحقيق: تصحيح وتعليق : محمد فؤاد عبد الباقي
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٦ - ١٩٨٥ م
المطبعة:
الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: صححه ورقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه : محمد فؤاد عبد الباقي

(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)
(سورة الحشر الآية 6)
الموطأ
لامام الأئمة وعالم المدينة
مالك بن انس رضي الله عنه
" ما ظهر على الأرض كتاب بعد
كتاب الله، أصح من كتاب مالك "
" الإمام الشافعي "
الجزء الثاني
صححه، ورقمه، وخرج أحاديثه،
وعلق عليه
محمد فؤاد عبد الباقي
دار احياء التراث العربي
بيروت لبنان
441

1406 ه‍ 1985 م‍
442

(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلكم يتفكرون)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الجهاد
(1) باب الترغيب في الجهاد
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل الصائم القائم الدائم، الذي لا يفتر
من
صلاة ولا صيام، حتى يرجع).
أخرجه البخاري في: 65 - كتاب الجهاد والسير، 1 - باب فضل الجهاد والسير.
ومسلم في: 33 - كتاب الإمارة، 29 - باب فضل الشهادة في سبيل الله، حديث 110.
2 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله
(ع) قال: (تكفل الله لمن جاهد في سبيله، لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله،

1 - (لا يفتر) لا يضعف، ولا ينكسر. (من صلاة ولا صيام) تطوعا.
443

وتصدق كلماته، أن يدخله الجنة. أو يرده إلى مسكنه الذي خرج منه. مع ما نال من
أجر أو غنيمة).
أخرجه البخاري في: 56 - كتاب الجهاد والسير، 2 - باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله.
ومسلم في: 33 - كتاب الإمارة، 28 - باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، حديث 104.
3 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الخيل لرجل أجر. ولرجل ستر. وعلى رجل وزر. فأما الذي هي
له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله. فأطال لها في مزج أو روضة. فما أصابت في طيلها ذلك
من المرج أو الروضة، كان له حسنات. ولو أنها قطعت طيلها ذلك، فاستنت شرفا أو شرفين،
كان آثارها وأرواثها حسنات له. ولو أنها مرت بنهر، فشربت منه، ولم يرد أن يسقى
به، كان ذلك له حسنات. فهي له أجر. ورجل ربطها تغنيا وتعففا، ولم ينس حق الله
في رقابها ولا في ظهورها، فهي لذلك ستر. ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الاسلام

3 - (لرجل أجر) أي ثواب. (وعلى رجل وزر) أي إثم. (ربطها في سبيل الله) أي أعدها
للجهاد. (فأطال لها) الحبل الذي ربطها فيه حتى تسرح للرعي. (في مرج) موضع كلأ، وأكثر
ما يطلق على الموضع المطمئن. (أو روضة) أكثر ما يطلق الروضة في الموضع المرتفع. (فما أصابت)
أي أكلت وشربت ومشت. (في طيلها) حبلها الذي تربط به. (فاستنت) جرت بنشاط.
(شرفا أو شرفين) شوطا أو شوطين. سمي به لأن العالي يشرف على ما يتوجه إليه. والشرف العالي من
الأرض. (كانت آثارها) في الأرض بحوافرها عند خطواته. (به) أي من ذلك النهر. (تغنيا)
أي استغناء عن الناس. يقال تغنيت بما رزقني الله تغنيا، وتغانيت تغانيا، واستغنيت استغناء.
كلها بمعنى. والمعني أنه يطلب بنتاجها أو بما حصل من أجرتها ممن يركبها ونحو ذلك، تغنيا عن سؤال الناس.
(وتعففا) عن مسألتهم. (ورياء) أي إظهارا للطاعة، والباطن بخلافه. (ونواء) أي مناوأة
وعداوة. قال الخليل: نأوت الرجل ناهضته بالعداوة.
444

فهي على ذلك وزر) وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر، فقال: (لم ينزل على فيها شئ
إلا هذه الآية الجامعة الفاذة - فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا
يره)
أخرجه البخاري في: 56 - كتاب الجهاد والسير، 48 - باب الخيل لثلاثة.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة، 6 - باب إثم مانع الزكاة، حديث 24.
4 - وحدثني عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري، عن عطاء بن يسار، أنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بخير الناس منزلا؟ رجل آخذ بعنان فرسه،
يجاهد في سبيل الله. ألا أخبركم بخير الناس منزلا بعده؟ رجل معتزل في غنيمته. يقيم
الصلاة، ويؤتى الزكاة، ويعبد الله، لا يشرك به شيئا).
هذا حديث مرسل.
وقد وصله الترمذي، وحسنه في: 20 - كتاب فضائل الجهاد، 18 - باب ما جاء أي الناس خير.
وكذلك النسائي في: 23 - كتاب الزكاة، 74 - باب من يسأل بالله عز وجل ولا يعطى به.
5 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، قال أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن
الصامت، عن أبيه، عن جده، قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمع والطاعة، في اليسر والعسر،

(فهي علي ذلك وزر) أي إثم. (عن الحمر) هل لها حكم الخيل. أو عن زكاتها. (الجامعة الفاذة)
سماها جامعة لشمولها الأنواع من طاعة ومعصية، وفاذة لانفرادها في معناها.
4 - (بعنان) العنان بالكسر هو اللجام. (في غنيمته) مصغرا إشارة إلى قلتها.
5 - (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ليلة العقبة. وضمن بايع معنى عاهد، فعدي بعلى. (على السمع) له
بإجابة أقواله. (والطاعة) له بفعل ما يقول. (في اليسر والعسر) أي يسر المال وعسره.
445

والمنشط والمكره، وأن لا ننازع الامر أهله، وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا،
لا نخاف في الله لومة لائم.
أخرجه البخاري في: 93 - كتاب الأحكام، 43 - باب كيف يبايع الإمام الناس.
ومسلم في: 33 - كتاب الإمارة، 8 - باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في
المعصية، حديث 41
6 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، قال: كتب أبو عبيدة بن الجراح، إلى عمر
ابن الخطاب، يذكر له جموعا من الروم، وما يتخوف منهم. فكتب إليه عمر بن الخطاب:
أما بعد. فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة، يجعل الله بعده فرجا. وإنه لن يغلب
عسر يسرين. وأن الله تعالى يقول في كتابه - يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا
واتقوا الله لعلكم تفلحون.
(2) باب النهى عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو
7 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو.
قال مالك: وإنما ذلك، مخالفة أن يناله العدو.
أخرجه البخاري في: 56 - كتاب الجهاد والسير، 129 باب السفر بالمصاحف إلى ارض العدو.
ومسلم في: 33 - كتاب الامارة، 24 - باب النهي ان يسافر بالمصحف إلى ارض الكفار، حديث 93

(والمنشط) مصدر ميمي، من النشاط. (والمكره) مصدر ميمي، من الكراهة.
(وأن لا ننازع الأمر أهله) أي الملك والإمارة. (لا نخاف في الله) أي في نصرة دينه.
6 - (واربطوا) أقيموا على الجهاد.
446

(3) النهى عن قتل النساء والولدان في الغزو
8 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن ابن لكعب بن مالك، قال (حسبت
أنه قال عبد الرحمن بن كعب) أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قتلوا ابن أبي الحقيق
عن قتل النساء والولدان. قال: فكان رجل منهم يقول: برحت بنا امرأة ابن أبي الحقيق
بالصياح. فأرفع السيف عليها، ثم أذكر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكف. ولولا ذلك
استرحنا منها.
قال ابن عبد البر: اتفق رواة الموطأ على إرساله.
9 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه
امرأة مقتولة، فأنكر ذلك، ونهى عن قتل النساء والصبيان.
أخرجه البخاري في: 56 - كتاب الجهاد والسير، 148 - باب قتل النساء في الحرب.
ومسلم في: 32 - كتاب الجهاد والسير، 8 - باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب،
حديث 24 و 25
10 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى
الشام. فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان. وكان أمير ربع من تلك الأرباع. فزعموا
أن يزيد قال لأبي بكر: إما أن تركب، وإما أن أنزل. فقال أبو بكر: ما أنت بنازل،

8 - (برحت) أي أظهرت.
10 - (حبسوا) وقفوا. (إلا لمأكله) أي أكل. (نحلا) هو حيوان العسل.
447

وما أنا براكب. إني أحتسب خطأي هذه في سبيل الله. ثم قال له: إنك ستجد قوما زعموا
أنهم حبسوا أنفسهم لله. فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له. وستجد قوما فحصوا
عن أوساط رؤوسهم من الشعر. فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف. وإني موصيك بعشر:
لا تقتلن امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطعن شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا،
ولا تعقرن شاة، ولا بعيرا، إلا لمأكلة. ولا تحرقن نحلا، ولا تفرقنه، ولا تغلل،
ولا تجبن.
11 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز إلى عامل من عماله:
أنه بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية يقول لهم: (اغزوا باسم الله. في سبيل الله.
تقاتلون من كفر بالله. لا تغلوا. ولا تعذروا. ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا). وقتل ذلك
لجيوشك وسراياك إن شاء الله والسلام عليك.
أخرجه مسلم موصولا في: 32 - كتاب الجهاد والسير، 2 - باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث،
حديث 2.
(4) باب ما جاء في الوفاء بالأمان
12 - حدثني يحيى عن مالك، عن رجل من أهل الكوفة، أن عمر بن الخطاب كتب

11 - (سرية) قطعة من الجيش. (لا تغلوا) أي لا تخونوا في المغنم.
12 - (العلج) الرجل الضخم من كبار العجم. وبعض العرب يطلقه على الكافر مطلقا. والجمع علوج وأعلاج.
(أسند) صعد. (مطرس) كلمة فارسية معناها لا تخف. (ختر) الختر أقبح الغدر.
448

إلى عامل جيش، كان بعثه: إنه بلغني أن رجالا منكم يطلبون العلج. حتى إذا أسند في الجبل
وامتنع. قال رجل: مطرس (يقول لا تخف) فإذا أدركه قتله. وإني، والذي نفسي بيده،
لا أعلم مكان واحد فعل ذلك، إلا ضربت عنقه.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: ليس هذا الحديث بالمجتمع عليه. وليس عليه العمل.
وسئل مالك عن الإشارة بالأمان، أهي بمنزلة الكلام؟ فقال: نعم. وإني أرى أن يتقدم
إلى الجيوش: أن لا تقتلوا أحدا أشاروا إليه بالأمان لان الإشارة عندي بمنزلة الكلام.
وإنه بلغني أن عبد الله بن عباس قال: ما ختر قوم بالعهد، إلا سلط الله عليهم العدو.
(5) باب العمل فيمن أعطى شيئا في سبيل الله
13 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان إذا أعطى شيئا
في سبيل الله يقول لصحابه، إذا بلغت وادى القرى، فشأنك به.
14 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن سعيد بن المسيب كان يقول: إذا
أعطى الرجل الشئ في الغزو، فيبلغ به رأس مغزاته، فهو له.
وسئل مالك عن رجل أوجب على نفسه الغزو فتجهز. حتى إذا أراد أن يخرج متعه أبواه،

13 - (وادي القرى) موضع بقرب المدينة.
449

أو أحدهما. فقال: لا يكابرهما. ولكن يؤخر ذلك إلى عام آخر. فأما الجهاز، فإني أرى
أن يرفعه، حتى يخرج به. فإن خشي أن يفسد، باعه وأمسك ثمنه، حتى يشترى به
ما يصلحه للغزو. فإن كان موسرا، يجد مثل جهازه إذا خرج، فليصنع بجهازه ما شاء.
(6) باب جامع النفل في الغزو
15 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث
سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد. فغنموا إبلا كثيرة. فكان سهمانهم اثنى عشر بعيرا.
أو أحد عشرا بعيرا. ونفلوا بعيرا بعيرا.
أخرجه البخاري في: 57 - كتاب فرض الخمس / 15 - باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين.
ومسلم في: 32 - كتاب الجهاد والسير، 12 - باب الأنفال، حديث 35.
16 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول:
كان الناس في الغزو، إذا اقتسموا غنائمهم، يعدلون البعير بعشر شياه.
جاء في معناه موصولا عن رافع بن خديج.
أخرجه البخاري في: 47 - كتاب الشركة، 3 - باب قسمة الغنم.
ومسلم في: كتاب الأضاحي، 4 - باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم، حديث 21.

14 - (لا يكابرهما) أي لا يغالبهما ويعاندهما.
15 - (قبل) أي جهة. (سهمانهم) جمع سهم، أي نصيب كل واحد. (ونفلوا) أي أعطى
كل واحد منهم زيادة على السهم المستحق له.
16 - (يعدلون البعير بعشر شياه) أي يجعلونها معادلة أي مماثلة له وقائمة مقامه.
(لفظهم) ألقاهم في الساحل.
450

قال مالك في الأجير في الغزو: إنه إن كان شهد القتال، وكان مع الناس عند القتال،
وكان حرا، فله سهمه. وإن لم يفعل ذلك، فلا سهم له. وأرى أن لا يقسم إلا لمن شهد
القتال من الأحرار.
(7) باب مالا يجب فيه الخمس
قال مالك، فيمن وجد من العدو على ساحل البحر بأرض المسلمين، فزعموا أنهم تجار
وأن البحر لفظهم. ولا يعرف المسلمون تصديق ذلك إلا أن مراكبهم تكسرت، أو عطشوا
فنزلوا بغير إذن المسلمين: أرى أن ذلك للامام. يرى فيهم رأيه. ولا أرى لمن أخذهم
فيهم خمسا.
(8) باب ما يجوز للمسلمين أكله قبل الخمس
قال مالك: لا أرى بأسا أن يأكل المسلمون إذا دخلوا أرض العدو من طعامهم، ما وجدوا
من ذلك كله قبل أن يقع في المقاسم.
قال مالك: وأنا أرى الإبل والبقر والغنم بمنزلة الطعام. يأكل منه المسلمون إذا
دخلوا أرض العدو. كما يأكلون من الطعام. ولو أن ذلك لا يؤكل حتى يحضر الناس
451

المقاسم، ويقسم بينهم، أضر ذلك بالجيوش. فلا أرى بأسا بم أكل من ذلك كله، على
وجه المعروف. ولا أرى أن يدخر أحد من ذلك شيئا يرجع به إلى أهله.
وسئل مالك عن الرجل يصيب الطعام في أرض العدو، فيأكل منه ويتزود، فيفضل
منه شئ، أيصلح له أن يحبسه فيأكله في أهله، أو يبيعه قبل أن يقدم بلاده فينتفع
بثمنه؟ قال مالك: إن باعه وهو في الغزو، فإني أرى أن يجعل ثمنه في غنائم المسلمين. وإن
بلغ به بلده، فلا أرى بأسا أن يأكله وينتفع به، إذا كان يسيرا تافها.
(9) باب ما يرد قبل أن يقع القسم مما أصاب العدو
17 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عبد لعبد الله بن عمر أبق. وأن فرسا له
عار. فأصابهما المشركون. ثم غنمهما المسلمون. فردا على عبد الله بن عمر. وذلك قبل أن
تصيبهما المقاسم.
وصله البخاري في: 56 - كتاب الجهاد والسير، 187 - باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجدوه المسلم.
قال، وسمعت مالكا يقول: فيما يصيب العدو من أموال المسلمين: إنه إن أدرك قبل
أن تقع فيه المقاسم، فهو رد على أهله. وأما ما وقعت فيه المقاسم، فلا يرد على أحد.
وسئل مالك عن رجل حاز المشركون غلامه، ثم غنمه المسلمون. قال مالك: صاحبه أولى

17 - (أبق) أي هرب. (عار) أي انطلق هاربا على وجهه. قال البخاري: مشتق من العير، وهو
الوحش، أي هرب. قال ابن التين: أراد أنه فعل فعله في النفار.
452

به بغير ثمن، ولا قيمة، ولا غرم، ما لم تصبه المقاسم. فإن وقعت فيه المقاسم، فإني أرى
أن يكون الغلام لسيده بالثمن، إن شاء.
قال مالك في أم ولد رجل من المسلمين، حازها المشركون، ثم غنمها المسلمون. فقسمت
في المقاسم، ثم عرفها سيدها بعد القسم: إنها لا تسترق. وأرى أن يفتديها الامام لسيدها
فإن لم يفعل فعلى سيدها أن يفتديها ولا يدعها. ولا أرى للذي صارت له أن يسترقها، ولا
يستحل فرجها. وإنما هي بمنزلة الحرة. لان سيدها يكلف أن يفتديها، إذا جرحت.
فهذا بمنزلة ذلك. فليس له أن يسلم أم ولده تسترق، ويستحل فرجها.
وسئل مالك عن الرجل يخرج إلى أرض العدو في المفاداة، أو في التجارة، فيشترى الحر
أو العبد، أو يوهبان له. فقال: أما الحر، فان ما اشتراه به، دين عليه. ولا يسترق. وإن
كان وهب له، فهو حر. وليس عليه شئ. إلا أن يكون الرجل أعطى فيه شيئا مكافأة
فهو دين على الحر. بمنزلة ما اشترى به. وأما العبد، فإن سيده الأول مخير فيه. إن شاء أن
يأخذه، ويدفع إلى الذي اشتراه ثمنه، فذلك له. وإن أحب أن يسلمه أسلمه. وإن كان
وهب له فسيده الأول أحق به. ولا شئ عليه. إلا أن يكون الرجل أعطى فيه شيئا
مكافأة فيكون ما أعطى فيه غرما على سيده إن أحب أن يفتديه.
453

(10) باب ما جاء في السلب في النفل
18 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير بن أفلح، عن أبي محمد، مولى أبى قتادة، عن أبي قتادة بن ربعي، أنه قال: خرجنا مع رسول الله () عام
حنين. فلما التقينا كان للمسلمين جولة. قال: فرأى رجلا من المشركين قد علا رجلا
من المسلمين. قال: فاستدرت له، حتى أتيته من ورائه، فضربته بالسيف على حبل عاتقه.
فأقبل على فضمني ضمة، وجدت منها ريح الموت. ثم أدركه الموت، فأرسلني. قال:
فلقيت عمر بن الخطاب. فقلت: ما بال الناس؟ فقال: أمر الله. ثم إن الناس رجعوا. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا، له عليه بينة، فله سلبه) قال فقمت.
ثم قلت: من يشهد لي؟ ثم جلست. ثم قال ذلك، الثالثة. فقمت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(مالك يا أباه قتادة؟) قال: فأقصصت عليه القصة. فقال رجل من القوم: صدق. يا رسول
الله وسلب ذلك القتيل عندي. فأرضه عنه يا رسول الله. فقال أبو بكر: لا هاء الله. إذا
لا يعمد إلى أسد من أسد الله، يقاتل عن الله ورسوله، فيعطيك سلبه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

18 - (جولة) أي حركة فيها اختلاط، وتقدم وتأخر. (قد علا رجلا من المسلمين) أي ظهر عليه،
وأشرف على قتله، وصرعه وجلس عليه ليقتله. (على حبل عاتقة) عرق أو عصب عند موضع الرداء من
العنق، بين العنق والمنكب. (ريح الموت) أي شدة كشدته. (سلبه) ما يوجد مع المحارب من
ملبوس وغيره. (لا هاء الله) هو قسم، أي لا والله. (لا يعمد) لا يقصد. (إلى أسد) أي إلى
رجل كأنه أسد في الشجاعة.
454

(صدق. فأعطه إياه) فأعطانيه. فبعت الدرع. فاشتريت به مخرفا في بنى سلمة. فإنه
لأول مال تأثلته في الاسلام.
أخرجه البخاري في: 57 - كتاب فرض الخمس، 18 - باب من لم يخمس للأسلاب.
ومسلم في: 32 - كتاب الجهاد والسير، 13 - باب استحقاق القاتل سلب القتيل، حديث 41
19 - حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن القاسم بن محمد، أنه قال: سمعت رجلا
يسأل عبد الله بن عباس عن الأنفال؟ فقال ابن عباس: الفرس من النفل. والسلب من النفل.
قال ثم عاد الرجل لمسألته: فقال ابن عباس، ذلك أيضا. ثم قال الرجل: الأنفال التي قال
الله في كتابه ما هي؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب.
قال وسئل مالك عمن قتل قتيلا من العدو، أيكون له سلبه بغير إذن الإمام؟ قال:
لا يكون ذلك لاحد بغير إذن الإمام. ولا يكون ذلك من الامام إلا على وجه الاجتهاد.
ولم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قتل قتيلا فله سلبه) إلا يوم حنين.

(مخرفا) أي بستانا. سمي به لأنه يخترف منه الثمر، أي يجتني. (تأثلته) أي اقتنيته وأصلته، وأثلة
كل شئ أصله.
(19) (أن يحرجه) أي يضيق عليه. (صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب) روى الدارمي عن
سليمان بن يسار ونافع، قالا: قدم المدينة رجل فجعل يسأل عن متشابه القرآن. فأرسل إليه عمر. وقد أعد له
عراجين النخل. فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ. قال وأنا عبد الله عمر. فضربه حتى دمي رأسه.
فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي. ثم نفاه إلي البصرة.
455

(11) باب ما جاء في إعطاء النفل من الخمس
20 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزناد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: كان
الناس يعطون النفل من الخمس.
قال مالك وذلك أحسن ما سمعت إلى في ذلك.
وسئل مالك عن النفل، هل يكون في أول مغنم؟ قال: ذلك على وجه الاجتهاد من الامام.
وليس عندنا في ذلك أمر معروف موقوف، إلا اجتهاد السلطان. ولم يبلغني أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم نفل في مغازيه كلها. وقد بلغني أنه نفل في بعضها يوم حنين. وإنما ذلك على وجه
الاجتهاد من الامام، في أول مغنم وفيما بعده.
(12) باب القسم للخيل في الغزو
21 - حدثني يحيى عن مالك، أنه قال: بلغني أن عمر بن عبد العزيز كان يقول:
للفرس سهمان. وللرجل سهم.
رواه نافع عن ابن عمر.
أخرجه البخاري في: 56 - كتاب الجهاد والسير، 51 - باب سهام الفرس.
ومسلم في: 32 - كتاب الجهاد والسير، 17 - باب قسمة الغنائم بين الحاضرين، حديث 57.
قال مالك ولم أزل أسمع ذلك.
وسئل مالك، عن رجل يحضر بأفراس كثيرة، فهل يقسم لها كلها؟ فقال: لم أسمع
456

بذلك. ولا أرى أن يقسم إلا لفرس واحد. الذي يقاتل عليه.
قال مالك: لا أرى البراذين والهجن إلا من الخيل. ذن الله تبارك وتعالى قال في كتابه
- والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة - وقال عز وجل - وأعدوا لهم ما استطعتم من
قوة ومن رباط الخيل، ترهبون به عدو الله وعدوكم - فأنا أرى البراذين والهجن من الخيل،
إذا أجازها الوالي. وقد قال سعيد بن المسيب. وسئل عن البراذين، هل فيها من صدقه؟
فقال: وهل في الخيل من صدقه؟.
(13) باب ما جاء في الغلول
22 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الرحمن بن سعيد، عن عمرو بن شعيب، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدر من حنين، وهو يريد الجعرانة، سأله الناس، حتى دنت به ناقته
من شجرة، فتشبكت بردائه، حتى نزعته عن ظهره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ردوا على
ردائي. أتخافون أن لا أقسم بينكم ما أفاء الله عليكم؟ والذي نفسي بيده، لو أفاء الله
عليكم مثل سمر تهامة نعما، لقسمته بينكم. ثم لا تجدوني بخيلا، ولا جبانا، ولا كذابا)

21 - (والهجن) جمع هجين، كبرد وبريد. وهو ما أحد أبويه عربي. وقيل الهجين الذي أبوه عربي.
وأما الذي أمه عربية فيسمى المقرف. (ما استطعتم من قوة) قال صلى الله عليه وسلم: هي الرمي.
22 - (فتشبكت بردائه) أي علق شوكها به. (ما أفاء الله عليكم) أي ما رده الله عليكم من الغنيمة.
وأصل الفئ الرد والرجوع. ومنه سمي الظل، بعد الزوال، فيئا. لرجوعه من جانب إلي جانب. فكأن أموال
الكفار، سميت فيئا، لأنها كانت في الأصل للمؤمنين. (سمر تهامة) جمع سمرة. شجرة طويلة متفرقة الرأس،
قليلة الظل، صغيرة الورق والشوك، صلبة الخشب.
457

فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس، فقال: (أدوا الخياط والمخيط. فإن الغلول عار،
ونار، وشنار على أهله يوم القيامة) قال، ثم تناول من الأرض وبرة من بغير، أو شيئا، ثم
قال: (والذي نفسي بيده، ما لي مما أفاء الله عليكم. ولا مثل هذه، إلا الخمس والخمس
مردود عليكم).
قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرساله.
ووصله النسائي في: 38 - كتاب قسم الفئ، حديث 7.
23 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، أن زيد بن
خالد الجهني قال: توفى رجل يوم حنين. وإنهم ذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فزعم زيد أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا على صاحبكم) فتغيرت وجوه الناس لذلك. فزعم زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن صاحبكم قد غل في سبيل الله (قال ففتحنا متاعه، فوجدنا خرزات من
خرز يهود، ما تساوين درهمين.
أخرجه أبو داود في: 15 - كتاب الجهاد، 133 - باب في تعظيم الغلول.
والنسائي في: 21 - كتاب الجنائز، 66 - باب الصلاة على من غل.
وابن ماجة في: 24 - كتاب الجهاد، 34 - باب الغلول.
24 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة
الكناني، أنه بلغه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الناس في قبائلهم يدعو لهم. وأنه ترك قبيلة

(الخياط) أي الخيط، واحد الخيوط المعروفة. (المخيط) الإبرة، بلا خلاف. (وشنار) أقبح العيب والعار.
23 - (قد غل في سبيل الله) أي خان في الغنيمة.
458

من القبائل. قال، وإن القبيلة وجدوا في بردعة رجل منهم عقد جزع، غلولا. فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر عليهم، كما يكبر على الميت.
قال ابن عبد البر: لا أعلم هذا الحديث روى مسندا بوجه من الوجوه.
25 - وحدثني عن مالك، عن ثور بن زيد الديلي، عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع،
عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع رسولا لله صلى الله عليه وسلم عام خيبر. فلم نغنم ذهبا ولا ورقا، إلا
الأموال، الثياب والمتاع. قال، فأهدى رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما أسود، يقال له
مدعم. فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادى القرى. حتى إذا كنا بوادي القرى، بينما مدعم
يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه سهم عائر. فأصابه فقتله. فقال الناس: هنيئا له الجنة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلا. والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذ يوم خيبر من المغانم
لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارا) قال فلما سمع الناس ذلك، جاء رجل بشراك أو شراكين
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (شراك أو شراكان من نار).
أخرجه البخاري في: 83 - كتاب الأيمان والنذور، 33 - باب هل يدخل في الأيمان والنذور والأرض
والغنم والزروع والأمتعة؟
ومسلم في: 1 - كتاب الأيمان، 46 - باب غلظ تحريم الغلول، حديث 183.

24 - (بردعة) حلس يجعل تحت الرحل. هذا أصله لغة. وفي عرف زماننا، هي للحمار بمنزلة السرج
للفرس. (عقد) قلادة. (جزع) خرزقيه بياض وسواد. الواحدة جزعة مثل تمر وتمرة. (غلولا) أي خيانة.
25 - (وجه) أي توجه. (عائر) أي لا يدري من رمى به. وقيل هو الحائد عن قصده.
(الشملة) كساء يشتمل به ويلتف فيه. وقيل إنما تسمى شملة إذا كان لها هدب. (بشراك) سير
النعل على ظهر القدم.
459

26 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه بلغه عن عبد الله بن عباس، أنه
قال: ما ظهر الغلول في قوم قط إلا القى في قلوبهم الرعب. ولا فشا الزنا في قوم قط إلا كثر
فيهم الموت. ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق. ولا حكم قوم بغير
الحق إلا فشا فيهم الدم. ولا ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو.
قال ابن عبد البر: قد رويناه متصلا عنه. ومثله لا يقال رأيا.
(14) باب الشهداء في سبيل الله
27 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (والذي نفسي بيده، لوددت أنى أقاتل في سبيل الله، فأقتل. ثم أحيا
فأقتل. ثم أحيى فأقتل). فكان أبو هريرة يقول ثلاثا: أشهد بالله.
أخرجه البخاري في: 94 - كتاب التمني، 1 - باب ما جاء في التمني.
ومسلم في: 33 - كتاب الإمارة، 28 - باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، حديث 106.
28 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: (يضحك الله إلى رجلين: يقتل أحدهما الاخر. كلاهما يدخل الجنة. يقاتل هذا
في سبيل الله فيقتل. ثم يتوب الله على القاتل، فيقاتل فيستشهد).
أخرجه البخاري في، 56 - كتاب الجهاد، 28 - باب الكافر يقتل المسلم، ثم يسلم.
ومسلم في: 33 - كتاب الإمارة، 35 - باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر، حديث 128.

26 - (الغلول) الخيانة في الغنيمة. (ختر) غدر. وقد تقدم أنه أقبح الغدر.
460

29 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (والذي نفسي بيده، لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله،
إلا جاء يوم القيامة، وجرحه يثعب دما. اللون لون دم. والريح ريح المسك).
أخرجه البخاري في: 56 - كتاب الجهاد، 10 - باب من يجرح في سبيل الله عز وجل.
ومسلم في: 33 - كتاب الإمارة، 28 - باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، حديث 105
30 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، أن عمر بن الخطاب كان يقول: اللهم
لا تجعل قتلى بيد رجل صلى لك سجدة واحدة. يحاجني بها عندك يوم القيامة.
31 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن
عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله.
إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر، أيكفر الله عنى خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) فلما أدبر الرجل، ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمر به فنودي له. فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم (كيف قلت؟) فأعاد عليه قوله. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم. إلا الدين.
كذلك قال لي جبريل).
أخرجه مسلم في: 33 - كتاب الإمارة، 32 - باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين،
حديث 117
32 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، أنه بلغه أن رسول

29 - (لا يكلم) لا يجرح. (يثعب دما) أي يجري متفجرا، أي كثيرا.
461

الله صلى الله عليه وسلم قال لشهداء أحد (هؤلاء أشهد عليهم) فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله
بإخوانهم؟ أسلمنا كما أسلموا. وجاهدنا كما جاهدوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلى. ولكن
لا أدرى ما تحدثون بعدي) فبكى أبو بكر. ثم بكى. ثم قال: أئنا لكائنون بعدك؟
قال ابن عبد البر: مرسل عند جميع الرواة، لكن معناه يستند من وجوه صحاح كثيرة.
33 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا. وقبر
يحفر بالمدينة. فاطلع رجل في القبر، فقال: بئس مضجع المؤمن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(بئس ما قلت) فقال الرجل: إني لم أرد هذه يا رسول الله. إنما أردت القتل في سبيل الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا مثل للقتل في سبيل الله. ما على الأرض بقعة هي أحب إلى أن يكون
قبري بها، منها) ثلاث مرات، يعنى المدينة.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا أحفظه مسندا، ولكن معناه موجودا من رواية مالك وغيره.
(15) باب ما تكون فيه الشهادة
34 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، أن عمر بن الخطاب كان يقول: اللهم
إني أسألك شهادة في سبيلك. ووفاة ببلد رسولك.
فيه انقطاع.
وقد وصله البخاري في: 29 - كتاب فضائل المدينة، 12 - باب حدثنا مسدد.

33 - (فاطلع رجل في القبر) أي نظر فيه.
462

35 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن عمر بن الخطاب قال: كرم المؤمن
تقواه. ودينه حسبه. ومروءته خلقه. والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء. فالجبان
يفر عن أبيه وأمه. والجرئ يقاتل عما لا يؤوب به إلى رجله. والقتل حتف من الحتوف.
والشهيد من احتسب نفسه على الله.
(16) باب العمل في غسل الشهيد
36 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب غسل
وكفن وصلى عليه. وكان شهيدا. يرحمه الله.
37 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن أهل العلم، أنهم كانوا يقولون: الشهداء في
سبيل الله لا يغسلون، ولا يصلى على أحد منهم، وإنهم يدفنون في الثياب التي قتلوا فيها.
قال مالك: وتلك السنة فيمن قتل في المعترك، فلم يدرك حتى مات.
قال: وأما من حمل منهم فعاش ما شاء الله بعد ذلك، فإنه يغسل ويصلى عليه. كما عمل
بعمر بن الخطاب.

35 - (والقتل حتف من الحتوف) أي نوع من أنواع الموت. كالموت بمرض أو نحوه، فيجب أن
لا يرتاع منه، ولا يهاب هيبة تورث الجبن.
(والشهيد من احتسب نفسه على الله) أي رضي بالقتل في طاعة الله، رجاء ثوابه تعالى.
463

(17) باب ما يكره من الشئ يجعل في سبيل الله
38 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن عمر بن الخطاب كان يحمل في
العام الواحد على أربعين ألف بعير. يحمل الرجل إلى الشام على بعير. ويحمل الرجلين
إلى العراق على بعير. فجاءه رجل من أهل العراق، فقال: احملني وسحيما. فقال له عمر بن
الخطاب: نشدتك الله أسحيم زق؟ قال له: نعم.
(18) باب الترغيب في الجهاد
39 - حدثني يحيى عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك،
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء، يدخل على أم حرام بنت ملحان، فتطعمه.
وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت. فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فأطعمته.
وجلست تفلي في رأسه. فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما. ثم استيقظ، وهو يضحك. قالت فقلت:
ما يضحك يا رسول الله؟ قال: (ناس من أمتي. عرضوا على غزاة في سبيل الله. يركبون
ثبج هذا البحر. ملوكا على الأسرة. أو مثل الملوك على الأسرة) (يشك إسحاق) قالت

38 - (فقال: احملني وسحيما. فقال عمر بن الخطاب: أنشدك الله؟ أسحيم زق؟) قال الباجي: أراد
الرجل التحيل على عمر ليوهمه أن له رفيقا يسمى سحيما، فيدفع إليه ما يحمل رجلين، فينفرد هو به. وكان عمر
يصيب المعنى بظنه، فلا يكاد يخطئه. فسبق إلي ظنه أن سحيما الذي ذكره، هو الزق.
(39) (تفلي) تفتش. (ثبج هذا البحر) أي وسطه أو معظمه أو هو له. (ملوكا) نصب بنزع
الخافض. أي مثل ملوك. (على الأسرة) جمع سرير. كسرر.
464

فقلت له: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. فدعا لها. ثم وضع رأسه فنام. ثم استيقظ
يضحك. قالت فقلت له: يا رسول الله ما يضحك؟ قال: (ناس من أمتي. عرضوا على
غزاة في سبيل الله. ملوكا على الأسرة. أو مثل الملوك على الأسرة) كما قال في الأولى.
قالت فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. فقال (أنت من الأولين) قال، فركبت
البحر في زمان معاوية. فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر. فهلكت.
أخرجه البخاري في: 56 - كتاب الجهاد، 3 - باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء.
ومسلم في: 33 - كتاب الإمارة، 49 - باب فضل الغزو في البحر، حديث 160.
40 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لولا أن أشق على أمتي، لا حببت أن لا أتخلف عن سرية تخرج
في سبيل الله. ولكني لا أجد ما أحملهم عليه. ولا يجدون ما يتحملون عليه، فيخرجون.
ويشق عليهم أن يتخلفوا بعدي. فوددت أنى أقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا فأقتل، ثم
أحيى فأقتل).
أخرجه البخاري في: 56 - كتاب الجهاد، 119 - باب الجعائل والحملان.
ومسلم في: 33 - كتاب الإمارة، 28 - باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، حديث 103 و 106
41 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، قال: لما كان يوم أحد، قال رسول الله (ص)

40 - (لولا أن أشق علي أمتي) بعدم طيب نفوسهم بالتخلف عني، ولا قدرة لهم على
آلة السفر، ولا
إلى ما أحملهم عليه. (سرية) قطعة من الجيش تبعث إلى العدو. (فوددت) تمنيت.
41 - (أحد) جبل بالمدينة على أقل من فرسخ منها. لأن، بين أولها وبين بابها المعروف بباب البقيع،
ميلين وأربع أسباع ميل، تزيد يسيرا.
465

(من يأتيني بخبر سعد بن الزبيع الأنصاري؟) فقال رجل: أنا يا رسول الله. فذهب الرجل
يطوف بين القتلى. فقال له سعد بن الربيع: ما شأنك؟ فقال له الرجل: بعثني إليك
رسول الله صلى الله عليه وسلم لآتيه بخبرك. قال: فاذهب إليه فاقرأه منى السلام. وأخبره أنى قد طعنت
اثنتي عشرة طعنة. وأنى قد أنفذت مقاتلي. وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله، إن قتل
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواحد منهم حي.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا أحفظه ولا أعرفه إلا عند أهل السير. فهو عندهم مشهور معروف.
42 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب في الجهاد،
وذكر الجنة، ورجل من الأنصار يأكل تمرات في يده. فقال: إني لحريص على الدنيا إن
جلست حتى أفرغ منهن. فرمى ما في يده. فحمل بسفه، فقاتل حتى قتل.
مرسل. وصله الشيخان عن جابر بن عبد الله.
أخرجه البخاري في: 64 - كتاب المغازي، 17 - باب غزوة أحد.
ومسلم في: 33 - كتاب الإمارة، 41 - باب ثبوت الجنة للشهيد، حديث 143.
43 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن معاذ بن جبل، أنه قال: الغزو غزوان:
فغزو تنفق فيه الكريمة، ويياسر فيه الشريك، ويطاع فيه ذو الامر، ويجتنب فيه الفساد.

(يطوف) يمشي. (إني قد أنفذت مقاتلي) المقاتل جمع مقتل. يعني أن الرماح والسهام دخلت في
المواضع التي إذا أصابتها الجراحة قتلت.
42 - (حتى أفرغ منهن) أي من أكل التمرات.
43 - (تنفق فيه الكريمة) أي كرائم المال وخياره. (ويياسر فيه الشريك) أي يؤخذ باليسر والسهولة
مع الرفيق نفعا بالمعونة، وكفاية للمؤنة. وقال الباجي: يريد موافقته في رأيه مما يكون طاعة، ومتابعته عليه،
وقلة مشاحته فيما يشاركه فيه، من نفقة أو عمل. (ويطاع فيه ذو الأمر) بأن يفعل ما أمر به، إذا لم يكن
معصية. إذ لا طاعة فيها. إنما الطاعة في المعروف.
466

فذلك الغزو خير كله. وغزو لا تنفق فيه الكريمة، ولا يياسر فيه الشريك، ولا يطاع
فيه ذو الامر، ولا يجتنب فيه الفساد، فذلك الغزو لا يرجع صاحبه كفافا.
هذا الحديث موقوف. وقد روى عن معاذ مرفوعا.
فأخرجه أبو داود في: 15 - كتاب الجهاد، 24 - باب في من يغزو ويلتمس الدنيا.
والنسائي في: 25 - كتاب الجهاد، 46 - باب فضل الصدقة في سبيل الله عز وجل.
(19) باب ما جاء في الخيل والمسابقة بينها، والنفقة في الغزو
44 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة).
أخرجه البخاري في: 56 - كتاب الجهاد والسير، 43 - باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة.
ومسلم في: 33 - كتاب الإمارة، 26 - باب الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، حديث 96.
45 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق
بين الخيل التي قد أضمرت في الحفياء. وكان أمدها ثنية الوداع. وسابق بين الخيل التي لم

(كفافا) من كفاف الشئ وهو خياره. أو من الرزق. أي لا يرجع بخير أو بثواب يغنيه. أو لا يعود
رأسا برأس، بحيث لا أجر ولا وزر، بل عليه الوزر العظيم.
44 - (نواصيها) جمع ناصية. الشعر المسترسل علي الجبهة. ويحتمل أنه كني بالنواصي عن جميع الفرس.
كما يقال: فلان مبارك الناصية.
45 - (سابق) أجرى بنفسه، أو أمر، أو أباح. (أضمرت) بأن علفت حتى سمنت، وقويت. ثم
قلل علفها بقدر القوت، وأدخلت بيتا وغشيت بالجلال حتى حميت وعرفت. فإذا جف عرقها، خف لحمها وقويت
على الجرى. (الحفياء) مكان خارج المدينة. (أمدها) أي غايتها. (ثنية الوداع) سميت بذلك لأن
الخارج من المدينة يمشي معه المودعون إليها. قال سفيان: بين الحفياء إلي ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة.
467

تضمر من الثنية إلى مسجد بنى زريق. وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها.
أخرجه البخاري في: 8 - كتاب الصلاة، 41 - باب هل يقال مسجد بني فلان؟
ومسلم في: 33 - كتاب الإمارة، 25 - باب المسابقة بين الخيل وتضميرها، حديث 95.
46 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ليس
برهان الخيل بأس، إذا دخل فيها محلل. فإن سبق أخذ السبق وإن سبق لم يكن عليه شئ.
47 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رئي وهو يمسح وجه
فرسه بردائه. فسئل عن ذلك؟ فقال: (إني عوتبت الليلة في الخيل).
مرسل.
وصله ابن عبد البر من طريق عبيد الله بن عمرو الفهري، عن مالك، عن يحيى، عن أنس.
48 - وحدثني عن مالك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين خرج إلى خيبر، أتاها ليلا. وكان إذا أتى قوما بليل لم يغر حتى يصبح. فخرجت يهود
بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا: محمد، والله. محمد، والخميس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

(بني زريق) قبيلة من الأنصار. وإضافة مسجد إليهم إضافة تمييز لا ملك.
46 - (السبق) أي الرهن الذي يوضع لذلك.
48 - (بمساحيهم) جمع مسحاة. كالمجارف، إلا أنها من حديد. (ومكاتلهم) جمع مكتل. القفة
الكبيرة، يحول فيها التراب وغيره. (الخميس) الجيش. سمي خميسا لأنه خمسة أقسام: ميمنة، وميسرة،
ومقدمة، وقلب وجناحان.
468

(الله أكبر. خربت خيبر. إنا إذا نزلنا بساحة قوم، فساء صباح المنذرين).
أخرجه البخاري في: 56 - كتاب الجهاد، 102 - باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والنبوة.
ومسلم في: 32 - كتاب الجهاد والسير، 43 - باب غزوة خيبر، حديث 120 و 121.
49 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بو عوف، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة:
يا عبد الله هذا خير. فمن كان من أهل الصلاة دعى من باب الصلاة. ومن كان من أهل
الجهاد، دعى من باب الجهاد. ومن كان من أهل الصدقة، دعى من باب الصدقة. ومن كان
من أهل الصيام، دعى من باب الريان). فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله. ما على من
يدعى من هذه الأبواب من ضرورة. فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها؟ قال (نعم.
وأرجو أن تكون منهم).
أخرجه البخاري في: 30 - كتاب الصوم، 4 - باب الريان للصائمين.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة، 27 - باب من جمع الصدقة وأعمال البر، حديث 85 و 86.

(خربت خبير) أي صارت خرابا. (بساحة قوم) بفنائهم، وقريتهم، وحصونهم. وأصل الساحة
الفضاء بين المنازل. (فساء صباح المنذرين) أي بئس الصباح صباح من أنذر بالعذاب.
49 - (من أنفق زوجين) أي شيئين من نوع واحد من أنواع المال. (في سبيل الله) في طلب ثواب الله.
(من باب الريان) مشتق من الري. فخص بذلك لما في الصوم من الصبر على ألم العطش والظمأ في الهواجر.
(ما على من يدعي من هذه الأبواب من ضرورة) ما، نافية. و، من، زائدة. أي ليس ضرورة على من
دعي منها.
469

(20) باب إحراز من أسلم من أهل الذمة أرضه
سئل مالك: عن إمام قبل الجزية من قوم فكانوا يعطونها. أرأيت من أسلم منهم.
أتكون له ارضه، أو تكون للمسلمين، ويكون لهم ماله؟ فقال مالك: ذلك يختلف. أما
أهل الصلح، فإن من أسلم منهم فهو أحق بأرضه وماله. وأما أهل العنوة الذين أخذوا عنوة،
فمن أسلم منهم فإن ارضه وماله للمسلمين. لان أهل العنوة قد غلبوا على بلادهم. وصارت
فيئا للمسلمين. وأما أهل الصلح، فإنهم قد منعوا أموالهم وأنفسهم. حتى صالحوا عليها.
فليس عليهم إلا ما صالحوا عليه.
(21) باب الدفن في قبر واحد من ضرورة، وإنفاذ أبى بكر رضي الله عنه
عدة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
49 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، أنه بلغه: أن عمرو بن
الجموح وعبد الله بن عمر، الأنصاريين، ثم السلميين، كانا قد حفر السيل قبرهما. وكان قبرهما
مما يلي السيل. وكانا في قبر واحد. وهما ممن استشهد يوم أحد. فحفر عنهما ليغيرا من
مكانهما. فوجد لم يتغيرا، كأنهما ماتا بالأمس. وكان أحدهما قد جرح، فوضع يده على جرحه،
فدفن وهو كذلك. فأميطت يده عن جرحه، ثم أرسلت، فرجع كما كانت. وكان
بين أحد وبين يوم حفر عنهما، ست وأربعون سنة.

49 - (أميطت) أي نحيت.
470

قال مالك: لا بأس أن يدفع الرجل والثلاثة في قبر واحد. من ضرورة. ويجعل
الأكبر مما يلي القبلة.
50 - حدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أنه قال: قدم على أبي بكر
الصديق مال من البحرين. فقال: من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأي أو عدة، فليأتني.
فجاءه جابر بن عبد الله، فحفن له ثلاث حفنات.
قال أبو عمر: منقطع باتفاق رواة الموطأ. ومتصل من وجوه صحاح، عن جابر.
أخرجه البخاري في: 39 - كتاب الكفالة، 3 - باب من تكفل عن ميت دينا.
ومسلم في: 43 - كتاب الفضائل، 14 - باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، فقال: لا.
حديث 60 و 61

50 - (وأي) أي وعد وضمان. (عدة) وعد. (حفنات) جمع حفنة، وهي ما يملأ الكفين.
471

بسم الله الرحمن الرحيم
22 - كتاب النذر والايمان
(1) باب ما يجب من النذور في المشي
1 - حدثني - يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتيبة بن مسعود،
عن عبد الله بن عباس، أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها
نذر، ولم تقضه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقضه عنها).
أخرجه البخاري في: 55 - كتاب الوصايا، 19 - باب ما يستحب، لمن يتوفى فجأة، أن يتصدقوا عنه.
ومسلم في: 26 - كتاب النذر، 1 - باب الأمر بقضاء النذر، حديث 1.
2 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمته، أنها حدثته عن جدته:
أنها كانت جعلت على نفسها مشيا إلى مسجد قباء. فماتت ولم تقضه. فأفتى عبد الله بن عباس
ابنتها: أن تمشى عنها.
قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: لا يمشي أحد عن أحد.

(كتاب النذر والأيمان)
(النذر) مصدر نذر ينذر. وهو لغة، الوعد بخير أو شر. وفي الشرع التزام قربة غير لازمة بأصل الشرع.
(الأيمان) جمع يمين، وهي خلاف اليسار. أطلقت علي الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل يمين صاحبه.
2 - (قباء) على ثلاثة أميال من المدينة.
472

3 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن حبيبة، قال: قلت لرجل، وأنا حديث
السن: ما على الرجل أن يقول على مشى إلى بيت الله، ولم يقل على نذر مشى. فقال لي رجل: هل
لك أن أعطيك هذا الجرو، لجرو قثاء في يده، وتقول: على مشى إلى بيت الله؟ قال فقلت: نعم.
فقلته وأنا يومئذ حديث السن. ثم مكثت حتى عقلت. فقيل لي: إن عليك مشيا. فجئت
سعيد بن المسيب فسألته عن ذلك؟ فقال لي: عليك مشى. فمشيت.
قال مالك: وهذا الامر عندنا.
(2) باب فيمن نذر مشيا إلى بيت الله فعجز
4 - حدثني يحيى عن مالك، عن عروة بن أذينة الليثي، أنه قال: خرجت مع جدة لي
عليها مشى إلى بيت الله. حتى إذا كنا ببعض الطريق عجزت. فأرسلت مولى لها يسأل
عبد الله بن عمر. فخرجت معه. فسأل عبد الله بن عمر. فقال له عبد الله بن عمر: مرها
فلتركب، ثم لتمش من حيث عجزت.
قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: ونرى عليها، مع ذلك، الهدى.
وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن سعيد بن المسيب، وأبا سلمة بن عبد الرحمن، كانا
يقولان مثل قول عبد الله بن عمر.

3 - (الجرو) الصغير من كل شئ. (حتى عقلت) تفقهت.
473

5 - حدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: كان على مشى. فأصابتني خاصرة،
فركبت، حتى أتيت مكة. فسألت عطاء بن أبي رباح وغيره. فقالوا: عليك هدى. فلما
قدمت المدينة، سألت علماءها فأمروني أن أمشى مرة أخرى من حيث عجرت. فمشيت.
قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: فالامر عندنا فيمن يقول على مشى إلى بيت الله، أنه
إذا عجز ركب. ثم عاد فمشى من حيث عجز. فإن كان لا يستطيع المشي فليمش ما قدر عليه.
ثم ليركب. وعليه هدى بدنة أو بقرة أو شاة، إن لم يجد إلا هي.
وسئل مالك عن الرجل يقول للرجل أنا أحملك إلى بيت الله. فقال مالك: إن نوى أن
يحمله على رقبته، يريد بذلك المشقة ه ه ه، وتعب نفسه، فليس ذلك عليه. وليمش على رجليه.
وليهد. وإن لم يكن نوى شيئا، فليحجج وليركب، وليحجج بذلك الرجل معه. وذلك
أنه قال: أنا أحملك إلى بيت الله. فإن أبى أن يحج معه فليس عليه شئ. وقد قضى ما عليه.
قال يحيى: سئل مالك عن الرجل يحلف بنذور مسماة مشيا إلى بيت الله، أن لا يكلم
أخاه أو أباه بكذا وكذا، نذرا لشئ لا يقوى عليه. ولو تكلف ذلك كل عام لعرف أنه
لا يبلغ عمره ما جعل على نفسه من ذلك. فقيل له: هل يجزيه من ذلك نذر واحد أو نذور
مسماة؟ فقال مالك: ما أعلمه يجزئه من ذلك إلا الوفاء بما جعل على نفسه. فليمش ما قدر عليه
من الزمان. وليتقرب إلى الله تعالى بما استطاع من الخير.

5 - (فأصابتني خاصرة) أي وجعها.
474

(3) باب العمل في المشي إلى الكعبة
حدثني يحيى عن مالك، أن أحسن ما سمعت من أهل العلم، في الرجل يحلف بالمشي
إلى بيت الله. أو المرأة فيحنث، أو تحنث. أنه إن مشى الحالف منهما في عمة، فإنه يمشي
حتى يسعى بين الصفا والمروة. فإذا سعى فقد فرغ. وأنه إن جعل على نفسه مشيا في الحج،
فإنه يمشي حتى يأتي مكة. ثم يمشي حتى يفرغ من المناسك كلها. ولا يزال ماشيا حتى
يفيض.
قال مالك: ولا يكون مشى إلا في حج أو عمرة.
(4) باب مالا يجوز من النذور في معصية الله
6 - حدثني يحيى عن مالك، عن حميد بن قيس، وثور بن زيد الديلي، أنهما أخبراه عن
رسول الله ص)، وأحدهما يزيد في الحديث على صاحبه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما
في الشمس. فقال (ما بال هذا؟) فقالوا: نذر أن لا يتكلم، ولا يستظل من الشمس،
ولا يجلس، ويصوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مروه فليتكلم، وليستظل، وليجلس،
وليتم صيامه).
هذا حديث مرسل. وقد جاء موصولا عن ابن عباس.
أخرجه البخاري في: 83 - كتاب الأيمان والنذور، 31 - باب النذر فيما لا يملك، وفي معصية.
475

قال مالك: ولم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بكفارة. وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يتم ما كان لله طاعة، ويترك ما كان لله معصية.
7 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، أنه سمعه يقول: أتت
امرأة إلى عبد الله بن عباس، فقالت: إني نذرت أن أنحر ابني. فقال ابن عباس: لا تنحري
ابنك، وكفري عن يمينك. فقال شيخ عند ابن عباس: وكيف يكون في هذا كفارة؟
فقال ابن عباس: إن الله تعالى قال - والذين يظاهرون منكم من نسائهم - ثم جعل فيه من
الكفارة ما قد رأيت.
8 - وحدثني عن مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي، عن القاسم بن محمد ابن الصديق،
عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من نذر أن يطيع الله فليطعه. ومن نذر أن يعصى الله
فلا يعصه).
أخرجه البخاري في: 83 - كتاب الأيمان والنذور، 28 - باب النذر في الطاعة.
قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من نذر أن يعصى الله
فلا يعصه، أن ينذر الرجل أن يمشي إلى الشام، أو إلى مصر، أو إلى الربذة، أو ما أشبه ذلك.
مما ليس لله بطاعة. إن كلم فلانا، أو ما أشبه ذلك. فليس عليه في شئ من ذلك، شئ.
إن هو كلمه، أو حنث بما حلف عليه. لأنه ليس لله في هذه الأشياء طاعة. وإنما يوفى لله
بما له فيه طاعة.
476

(5) باب اللغو في اليمين
9 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين،
أنها كانت تقول: لغو اليمين قول الانسان: (لا. والله.). و (بلى والله.)
قال مالك: أحسن ما سمعت في هذا. أن اللغو حلف الانسان على الشئ. يستيقن أنه
كذلك. ثم يوجد على غير ذلك فهو اللغو.
قال مالك: وعقد اليمين، أن يحلف الرجل أن لا يبيع ثوبه بعشرة دنانير، ثم يبيعه
بذلك. أو يحلف ليضربن غلامه، ثم لا يضربه. ونحو هذا. فهذا الذي يكفر صاحبه عن
يمينه. وليس في اللغو كفارة.
قال مالك: فأما الذي يحلف على الشئ، وهو يعلم أنه آثم. ويحلف على الكذب،
وهو يعلم، ليرضى به أحد. أو ليعتذر به إلى معتذر إليه. أو ليقطع به مالا. فهذا أعظم
من أن تكون فيه كفارة
(6) باب مالا تجب فيه الكفارة من اليمين
10 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: من
قال: والله. ثم قال: إن شاء الله. ثم لم يفعل الذي حلف عليه، لم يحنث.
قال مالك: أحسن ما سمعت في الثنيا أنها لصاحبها. ما لم يقطع كذمه. وما كان من ذلك

10 - (الثنيا) من ثنيت الشئ، إذا عطفته. والمراد الاستثناء المذكور، أي الاخراج ب‍ (إن شاء الله)
لأن المستثنى، عطف بعد ما ذكره. لأنه، عرفا، إخراج بعض ما تناوله اللفظ.
477

نسقا، يتبع بعضه بعضا، قبل أن يسكت. فإذا سكت وقطع كلامه، فلا ثنيا له.
قال يحيى: وقال مالك في الرجل يقول: كفر بالله، أو أشرك بالله، ثم يحنث: إنه
ليس عليه كفارة. وليس بكفار، ولا مشرك. حتى يكون قلبه مضرا على الشرك والكفر.
وليستغفر الله. ولا يعد إلى شئ من ذلك. وبئس ما صنع.
(7) باب ما تجب فيه الكفارة من الأيمان
11 - حدثني يحيى عن مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من حلف بيمين، فرأى غيرها خيرا منها، فليكفر عن يمينه،
وليفعل الذي هو خير).
أخرجه مسلم في: 27 - كتاب الأيمان، 3 - باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها، حديث 12
قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: من قال: على نذر، ولم يسم شيئا. إن عليه كفارة
يمين.
قال مالك: فأما التوكيد فهو حلف الانسان في الشئ الواحد مرارا، يردد فيه الايمان
يمينا بعد يمين. كقوله: والله لا أنقصه من كذا وكذا، يحلف بذلك مرارا. ثلاثا أو أكثر
من ذلك.
قال: فكفارة ذلك كفارة واحدة. مثل كفارة اليمين. فإن حلف رجل مثلا فقال:
والله لا آكل هذا الطعام. ولا لبس هذا الثوب. ولا أدخل هذا البيت. فكان هذا في
478

يمين واحدة. فإنما عليه كفارة واحدة. وإنما ذلك كقول الرجل لامرأته: أنت الطلاق،
إن كسوتك هذا الثوب، وأذنت لك إلى المسجد يكون ذلك نسقا متتابعا، في كلام واحد.
فإن حنث في شئ واحد من ذلك، فقد وجب عليه الطلاق. وليس عليه فيما فعل، بعد ذلك،
حنث. إنما الحنث في ذلك حنث واحد.
قال مالك: الامر عندنا في نذر المرأة، إنه جائز بغير إذن زوجها، يجب عليها ذلك، ويثبت
إذا كان ذلك في جسدها. وكان ذلك لا يضر بزوجها. وإن كان ذلك يضر بزوجها، فله
منعها منه. وكان ذلك عليها حتى تقضيه.
(8) باب العمل في كفارة اليمين
12 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: من حلف
بيمين فأكدها، ثم حنث. فعليه عتق رقبة. أو كسوة عشرة مساكين. ومن حلف بيمين
فلم يؤكدها، ثم حنث. فعليه إطعام عشرة مساكين. لكل مسكين مد من حنطة.
فمن لم يجد، فصيام ثلاثة أيام.
13 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يكفر عن يمينه
بإطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مد من حنطة. وكان يعتق المرار إذا وكد اليمين.
وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، أنه قال: أدركت الناس

(فوكدها) قال أيوب، قلت لنافع: ما التوكيد؟ قال. ترداد الأيمان في الشئ الواحد.
479

وهم إذ أعطوا في كفارة اليمين، أعطوا مدا من حنطة بالمد الأصغر. ورأوا ذلك مجزئا عنهم.
قال مالك: أحسن ما سمعت في الذي يكفر عن يمينه بالكسوة. أنه، إن كسا الرجال،
كساهم ثوبا ثوبا. وإن كسا النساء كساهن ثوبين ثوبين. درعا وخمارا، وذلك أدنى ما يجزى
كلا في صلاته.
(9) باب جامع الأيمان
14 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك
عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يسير في ركب، وهو يحلف بأبيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن
الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا، فليحلف بالله أو ليصمت).
أخرجه البخاري في: 83 - كتاب الأيمان والنذور، 4 - باب لا تحلفوا بآبائكم.
ومسلم في: 27 - كتاب الأيمان، 1 - باب النهى عن الحلف بغير الله تعالى، حديث 3.
15 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (لا. ومقلب
القلوب).
قال الزرقاني: معلوم أن بلاغة صحيح. ولعل هذا بلغه من شيخه موسى بن عقبة.
أخرجه البخاري في: 83 - كتاب الأيمان والنذور، 3 - باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم.

15 - (ومقلب القلوب) بتقليب أغراضها وأحوالها. لا بتقليب ذات القلوب. قال الراغب: تقليب الله
القلوب والأبصار صرفها عن رأى إلى رأى. والتقليب الصرف.
480

16 - وحدثني عن مالك، عن عثمان بن حفص بن عمر بن خلدة، عن ابن شهاب، أنه
بلغه أن أبا لبابة بن عبد المنذر، حين تاب الله عليه، قال: يا رسول الله. أهجر دار قومي
التي أصبت فيها الذنب، وأجاورك. وأنخلع من مالي صدقه إلى الله، وإلى رسوله؟ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (يجزيك من ذلك الثلث).
17 - وحدثني عن مالك، عن أيوب بن موسى، عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي،
عن أمه، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه، أنها سئلت عن رجل قال: ما لي في رتاج الكعبة.
فقالت عائشة: يكفره ما يكفر اليمين.
قال مالك في الذي يقول مالي في سبيل الله، ثم يحنث. قال: يجعل ثلث ماله في سبيل الله.
وذلك للذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أمر أبى لبابة.

16 - (أهجر) بتقدير همزة الاستفهام.
17 - (رتاج الكعبة) أي بابها.
481

بسم الله الرحمن الرحيم
23 - كتاب الضحايا
(1) باب ما ينهى عنه من الضحايا
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن عمرو بن الحارث، عن عبيد بن فيروز، عن البراء بن
عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ما ذا يتقى ما الضحايا؟ فأشار بيده، وقال (أربعا) وكان
البراء يشير بيده ويقول: يدي أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم (العرجاء البين ظلعها. والعوراء
البين عورها. والمريضة البين مرضها. والعجفاء التي لا تنقى).
2 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يتقى من الضحايا والبدن،
التي لم تسن، والتي نقص من خلقها.
قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلى.

(كتاب الضحايا)
(الضحايا) جمع ضحية، كعطايا وعطية. والأضاحي جمع أضحية. والأضحى جمع أضحاة. مثل أرطى
وأرطاة، اسم يذبح من النعم، تقربا إلى الله تعالى في يوم العيد وتالييه.
قال عياض: سميت بذلك لأنها تفعل في الضحى، وهو ارتفاع النهار، فسميت بزمن فعلها. وقال غيره:
ضحى، ذبح الأضحية وقت الضحى. هذا أصله، ثم كثر حتى قيل ضحى في أي وقت كان في أيام التشريق.
1 - (ظلعها) أي عرجها، وهي التي لا تلحق الغنم في مشيها. (عورها) ذهاب بصر إحدى عينيها.
(والعجفاء) مؤنث أعجف، الضعيفة. (لا تنقى) أي لا نقى لها. والنقي الشحم.
2 - (التي لم تسن) أسن الإنسان وغيره إسنانا، إذا كبر. فهو مسن، والأنثى مسنة.
482

(2) باب ما يستحب من الضحايا
3 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر ضحى مرة بالمدينة. قال
نافع: فأمرني أن أشتري له كبشا فحيلا أقرن. ثم أذبحه يوم الأضحى، في مصلى الناس.
قال نافع: ففعلت. ثم حمل إلى عبد الله بن عمر، فحلق رأسه حين ذبح الكبش. وكان
مريضا لم يشهد العيد مع الناس. قال نافع: وكان عبد الله بن عمر يقول: ليس حلاق الرأس
بواجب على من ضحى. وقد فعله ابن عمر.
(3) باب النهى عن ذبح الضحية قبل انصراف الإمام
4 - حدثني - يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، أن أبا بردة بن نيار
ذبح ضحيته، قل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى. فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره
أن يعود بضحية أخرى. قال أبو بردة: لا أجد إلا جذعا يا رسول الله. قال (وإن لم تجد
إلا جذعا فاذبح).
أخرجه البخاري في: 13 - كتاب العيدين، 5 - باب الأكل يوم النحر.
ومسلم في: 35 - كتاب الأضاحي، 1 - باب وقتها، حديث 4 - 9.

3 - (فحيلا) أي بالغا. (أقرن) ذو قرنين. (حلاق) مصدر حلق شعره حلقا، من باب ضرب.
4 - (جذعا) ما استكمل سنة، ولم يدخل في الثانية.
483

5 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عباد بن تميم، أو عويمر بن أشقر
ذبح ضحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى. وأنه ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعود
بضحية أخرى.
أخرجه ابن ماجة في: 26 - كتاب الأضاحي، 12 - باب النهى عن ذبح الأضحية قبل الصلاة.
(4) باب ادخار لحوم الأضاحي
6 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثة أيام. ثم قال، بعد (كلوا، وتصدقوا،
وتزودوا، وادخروا).
أخرجه مسلم في: 35 - كتاب الأضاحي، 5 - باب ما كان من النهى عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث،
حديث 29.
7 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن واقد، أنه قال: نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثة أيام. قال عبد الله بن أبي بكر: فذكرت
ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن، فقالت: صدق. سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: دف
ناس من أهل البادية حضرة الأضحى، في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ادخروا لثلاث. وتصدقوا بما بقي) قالت: فلما كان بعد ذلك، قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

7 - (دف) أي أتى، والدافة الجماعة القادمة. (حضرة الأضحى) أي وقت الأضحى.
484

لقد كان الناس ينفعون بضحاياهم، ويجملون منها الودك، ويتخذون منها الأسقية. فقال
رسول الله (وما ذلك؟) أو كما قال. قالوا: نهيت عن لحوم الضحايا بعد ثلاث. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم. فكلوا، وتصدقوا،
وادخروا).
أخرجه مسلم في: 35 - كتاب الأضاحي، 5 - باب ما كان من النهى عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث،
حديث 28.
8 - وحدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري، أنه قدم
من سفر فقدم إليه أهله لحما. فقال: انظروا أن يكون هذا من لحوم الأضحى. فقالوا:
هو منها. فقال أبو سعيد: ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها؟ فقالوا: إنه قد كان من
رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعدك، أمر. فخرج أبو سعيد، فسأل عن ذلك. فأخبر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (نهيتكم عن لحوم الأضحى بعد ثلاث. فكلوا، وتصدقوا، وادخروا. ونهيتكم
عن الانتباذ، فانتبذوا. وكل مسكر حرام. ونهيتكم عن زيارة القبول، فزوروها. ولا
تقولوا هجرا).
يعنى لا تقولوا سوءا.
أخرجه البخاري في: 64 - كتاب المغازي: 12 - باب حدثني خليفة.
وفي: 66 - كتاب فضائل القرآن، 13 - باب فضل قل هو الله أحد.

(ويجملون) أي يذيبون. (الودك) الشحم. (الأسقية) جمع سقاء. (الدافة) أصله، لغة،
الجماعة تسير سيرا لينا.
8 - (الانتباذ) في أواني كالمزفت والنقير. (فانتبذوا) في أي وعاء كان.
485

(5) باب الشركة في الضحايا، وعن كم تذبح البقرة والبدنة
9 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله، أنه قال:
نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، البدنة عن سبعة. والبقرة عن سبعة.
أخرجه مسلم في: 15 - كتاب الحج، 62 - باب الاشتراك في الهدى، حديث 350.
10 - وحدثني عن مالك عن عمارة بن يسار، أن عطاء بن يسار أخبره، أن أبا أيوب
الأنصاري أخبره، قال،: كنا نضحى بالشاة الواحدة، يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته.
ثم تباهى الناس بعد، فصارت مباهاة.
قال مالك: وأحسن ما سمعت في البدنة والبقرة والشاة الواحدة، أن الرجل ينحر عنه
وعن أهل بيته البدنة. ويذبح البقرة والشاة الواحدة، هو يملكها ويذبحها عنهم ويشركهم
فيها. فأما أن يشترى النفر البدنة أو البقرة أو الشاة، يشتركون فيها في النسك والضحايا.
فيخرج كل انسان منهم حصة من ثمنها. ويكون له حصة من لحمها. فإن ذلك يكره. وإنما
سمعنا الحديث أنه لا يشترك في النسك. وإنما يكون عن أهل البيت الواحد.
11 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أنه قال: ما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وعن

9 - (الحديبية) واد بينه وبين مكة عشرة أميال، أو خمسة عشر ميلا على طريق جدة، ولذا قيل إنها
على مرحلة من مكة، أو أقل من مرحلة.
10 - (مباهاة) مغالبة ومفاخرة. (النفر) الجماعة من الرجال، من ثلاثة إلى عشرة، وقيل إلى تسعة.
ولا يقال نفر، فيما زاد على عشرة. (النسك) الهدايا.
486

أهل بيته إلا بدنة واحدة، أو بقرة واحدة.
قال مالك: ذ أدرى أيتهما قال ابن شهاب.
(6) باب الضحية عما في بطن المرأة، وذكر أيام الأضحى
12 - وحدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر قال: الأضحى يومان.
بعد يوم الأضحى.
وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن علي بن أبي طالب، مثل ذلك.
13 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر لم يكن يضحى عما في بطن المرأة.
قال مالك: الضحية سنة وليست بواجبة. ولا أحب لاحد ممن قوى على ثمنها، أن يتركها.
487

بسم الله الرحمن الرحيم
24 - كتاب الذبائح
(1) باب ما جاء في التسمية على الذبيحة
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقيل له: يا رسول الله. إن ناسا من أهل البادية يأتوننا بلحمان. ولا ندري هل
سموا لله عليها أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سموا لله عليها، ثم كلوها).
لم يختلف على مالك في إرساله.
ووصله البخاري عن عائشة في: 97 - كتاب التوحيد، 13 - باب السؤال بأسماء الله تعالى، والاستعاذة بها.
قال مالك: وذلك في أول الإسلام.
2 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي
أمر غلاما له أن يذبح ذبيحة. فلما أراد أن يذبحها قال له: سم الله. فقال له الغلام: قد
سميت. فقال له: سم الله. ويحك. قال له: قد سميت الله. فقال له عبد الله بن عياش:
والله. لا أطعمها أبدا.

(كتاب الذبائح)
(الذبائح) جمع ذبيحة. بمعنى مذبوحة.
1 - (بلحمان) جمع لحم.
488

(2) باب ما يجوز من الذكاة في حال الضرورة
3 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رجلا من الأنصار،
من بنى حارثة، كان يرعى لقحة له بأحد. فأصابها الموت. فذكاها بشظاظ. فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فقال (ليس بها بأس. فكلوها).
قال أبو عمر: مرسل عند جميع الرواة.
4 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن رجل من الأنصار، عن معاذ بن سعد، أو سعد
ابن معاذ، أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما لها بسلع. فأصيبت شاة منها.
فأدركتها، فذكتها بحجر. فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فقال (لا بأس بها. فكلوها).
أخرجه البخاري في: 73 - كتاب الذبائح والصيد، 19 - باب ذبيحة المرأة والأمة.
5 - وحدثني عن مالك، عن ثور بن زيد الدبلي، عن عبد الله بن عباس، أنه سئل عن ذبائح
نصارى العرب؟ فقال: لا بأس بها. وتلا هذه الآية - ومن يتولهم منكم فإنه منهم -.
6 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول: ما فرى الأوداج
فكلوه.

3 - (لقحة) ناقة ذات لبن. (ذكاها) التذكية: الذبح. (بشظاظ) الشظاظ: عود محدد الطرف.
4 - (بسلع) جبل بالمدينة.
(فرى) قطع. (الأوداج) جمع ودج. عرق في العنق. وهما ودجان.
489

وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول: ما ذبح
به، إذا بضع فلا بأس به، إذا اضطررت إليه.
(3) باب ما يكره من الذبيحة في الذكاة
7 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب،
أنه سأل أبا هريرة: عن شاة ذبحت فتحرك بعضها. فأمره أن يأكلها. ثم سأل عن ذلك
زيد بن ثابت، فقال: إن الميتة لتتحرك. ونهاه عن ذلك.
وسئل مالك عن شاة ترددت فتكسرت. فأدركها صابحها فذبحها. فسال الدم منها ولم
تتحرك. فقال مالك: إذا كان ذبحها ونفسها يجرى، وهي تطرف، فليأكلها.
(4) باب ذكاة ما في بطن الذبيحة
8 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: إذا نجرت
الناقة، فذكاة ما في بطنها في ذكاتها. إذا كان قد تم خلقه، ونبت شعره. فإذا خرج من
بطن أمه، ذبح حتى يخرج الدم من جوفه.
9 - وحدثني عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي، عن سعيد بن المسيب،
أنه كان يقول: ذكاة ما في بطن الذبيحة، في ذكاة أمه. إذا كان قد تم خلقه، ونبت شعره

6 - (إذا بضع) أي قطع.
7 - (تردت) سقطت من علو. (نفسها) أي دمها. (تطرف) تحرك بصرها.
490

بسم الله الرحمن الرحيم
25 - كتاب الصيد
(1) باب ترك أكل ما قتل المعراض والحجر
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أنه قال: رميت طائرين بحجر وأنا بالجرف.
فأصبتهما. فأن أحدهما فمات، فطرحه عبد الله بن عمر. وأما الاخر فذهب عبد الله بن عمر
يذكيه بقدوم، فمات قبل أن يذكيه، فطرحه عبد الله أيضا.
2 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن القاسم بن محمد كان يكره ما قتل المعراض
والبندقة.
3 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن سعيد بن المسيت كان يكره أن تقتل الانسية
بما يقتل به الصيد من الرمي وأشباهه.

1 - باب أكل ما قتل المعراض والحجر
(المعراض) خشبة ثقيلة، أو عصا في طرفها حديد. وقد يكون بغير حديدة. وفي القاموس: المعراض
سهم بلا ريش دقيق الطرفين، غليظ الوسط، يصيب بعرضه دون حده.
1 - (وأنا بالجرف) موضع بالمدينة. (بقدوم) بزنة رسول. آلة النجار. مؤنثة.
3 - (الإنسية) إذا توحشت. كبعير شرد، وبقرة.
491

قال مالك: ولا أرى بأسا بما أصاب المعراض إذا خسق وبلغ المقاتل أن يؤكل. قال
الله تبارك وتعالى - يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيدكم ورماحكم -
قال: فكل شئ ناله الانسان بيده، أو رمحه، أو بشئ من سلاحه، فأنقذه، وبلغ مقاتله،
فهو صيد. كمال قال الله تعالى.
4 - وحدثني عن مالك، أنه سمع أهل العلم يقولون: إذا أصاب الرجل الصيد، فأعانه
عليه غيره، من ماء أو كلب، غير معلم، لم يؤكل ذلك الصيد. إلا أن يكون سهم الرامي
قد قتله، أو بلغ مقاتل الصيد. حتى لا يشك أحد في أنه هو قتله. وأنه لا يكون للصيد
حياة بعده.
قال وسمعت مالكا يقول: لا بأس بأكل الصيد وإن غاب عنك مصرعه، إذا وجدت به
أثرا من كلبك، أو كان به سهمك. ما لم يبت. فإذا بات، فإنه يكره أكله.
(2) باب ما جاء في صيد المعلمات
5 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول، في الكلب
المعلم: كل ما أمسك عليك. إن قتل، وإن لم يقتل.

(خسق) أي ثبت. قال ابن فارس. خسق السهم الهدف، إذا ثبت فيه وتعلق.
5 - (الكلب المعلم) هو الذي إذا زجر انزجر. وإذا رأسل أطاع. والتعليم شرط. لقوله تعالى - وما
علمتم من الجوارح مكلبين - قال ابن حبيب: والتكليب التعليم. وقيل التسليط.
492

6 - وحدثني عن مالك، أنه سمع نافعا يقول: قال عبد الله بن عمر: وإن أكل، وإن
لم يأكل.
7 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن سعد بن أبي وقاص، أنه سئل عن الكلب المعلم
إذا قتل الصيد. فقال سعد: كل. وإن لم تبق إلا بضعة واحدة.
8 - وحدثني عن مالك، أنه سمع بعض أهل العلم يقولون، في البازي والعقاب والصقر
وما أشبه ذلك: أنه إذا كان يفقه كما تفقه الكلاب المعلمة، فلا بأس بأكل ما قتلت،
مما صادت. إذا ذكر اسم الله على إرسالها.
قال مالك: وأحسن ما سمعت في الذي يتخلص الصيد من مخالب البازي أو من الكلب،
ثم يتربص به فيموت، أنه لا يحل اكله.
قال مالك: وكذلك كل ما قدر على ذبحه، وهو في مخالب البازي، أو في في الكلب،
فيتركه صاحبه وهو قادر على ذبحه، حتى يقتله البازي أو الكلب. فإنه لا يحل أكله.
قال مالك: وكذلك الذي يرمى الصيد، فيناله وهو حي، فيفرط في ذبحه حتى يموت،
فإنه لا يحل أكله.

7 - (بضعة) بفتح الباء، وتكسر، وتضم. هي القطعة.
8 - (البازي) بزنة القاضي. فيعرب إعراب المنقوص. والجمع بزاة كقضاة. وفي لغة، باز. بزنة باب.
فيعرب بالحركات. ويجمع على أبواز كأبواب. وبيزان كبيبان. (العقاب) من الجوارح. أنثى. ويسافده
طائر من غير جنسه. (الصقر) من الجوارح. يسمى القطامي. وبه سمي الشاعر. والأنثى صقرة. قاله ابن
الأنباري. (مخالب) جمع مخلب. وهو للطائر والسبع كالظفر للانسان. لأن الطائر يخلب بمخالبه الجلد. أي يقطعه.
493

قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، أن المسلم إذا أرسل كلب المجوسي الضاري،
فصاد أو قتل، إنه كان معلما، فأكل ذلك الصيد حلال. لا بأس به. وإن لم يذكه
المسلم. وإنما مثل ذلك، مثل المسلم يذبح بشفرة المجوسي، أو يرمى بقوسه أو بنبله،
فيقتل بها. فصيده ذلك وذبيحته حلال. لا بأس بأكله. وإذا أرسل المجوسي كلب المسلم
الضاري على صيد، فأخذه، فإنه لا يؤكل ذلك الصيد. إذ أن يذكى. وإنما مثل ذلك،
مثل قوس المسلم ونبله، يأخذها المجوسي فيرمى بها الصيد فيقتله. وبمنزلة شفرة المسلم
يذبح بها المجوسي، فلا يحل أكل شئ من ذلك.
(3) باب ما جاء في صيد البحر
9 - وحدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل عبد الله
ابن عمر، عما لفظ البحر. فنهاه عن أكله.
قال نافع: ثم انقلب عبد الله فدعا بالمصحف، فقرأ - أحل لكم صيد البحر وطعامه -
قال نافع: فأرسلني عبد الله بن عمر إلى عبد الرحمن بن أبي هريرة: إنه لا بأس بأكله.

(عندنا) أي بدار الهجرة. (الضاري) صفة لكلب. أي المعود بالصيد.
(وإن لم يذكه) التذكية الذبح. وهو قطع الحلقوم والمرئ. وقيل قطعهما مع قطع الودجين. وقيل قطع
الحلقوم والمرئ وأحد الودجين. وقال مالك: يجزئ قطع الأوداج، وإن لم يقطع الحلقوم. (بشفرة)
الشفرة السكين العريض. جمعها شفار ككتاب. وشفرات كسجدات. (نبله) سهامة. مؤنثة لا واحد
لها من لفظها.
9 - (وطعامه) أي طعام البحر: وهو ما قذفه ميتا. أو نضب عنه الماء بلا علاج.
494

10 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن سعد الجاري، مولى عمر بن الخطاب،
أنه قال: سألت عبد الله بن عمر، عن الحيتان يقتل بعضها بعضا، أو تموت صردا. فقال ليس
بها بأس. قال سعد: ثم سألت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال مثل ذلك.
11 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة،
وزيد بن ثابت، أنهما كانا لا يريان بما لفظ البحر بأسا.
12 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن ناسا من
أهل الجار، قدموا فسألوا مروان بن الحكم، عما لفظ البحر. فقال: ليس به بأس. وقال:
اذهبوا إلى زيد بن ثابت، وأبي هريرة فاسألوهما عن ذلك. ثم ائتوني فأخبروني ماذا يقولان.
فأتوهما، فسألوهما. فقالا: لا بأس به. فأتوا مروان فأخبروه. فقال مروان: قد قلت لكم.
قال مالك: لا بأس بأكل الحيتان. يصيدها المجوسي. لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في البحر
(هو الطهور ماؤه، الحل ميتته).
قد تقدم مسندا في: 2 - كتاب الطهارة، 3 - باب الطهور للوضوء، حديث 12.
قال مالك: وإذا أكل ذلك، ميتا، فلا يضره من صاده.

10 - (الجاري) نسبة إلى الجار. بلد قرب المدينة النبوية. (صردا) أي من البرد.
495

(4) باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع
13 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ثعلبة
الخشني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أكل كل ذي ناب من السباع حرام).
قال ابن عبد البر: هكذا قال يحيى في هذا الحديث، ولم يتابعه أحد من رواة الموطأ عليه. ولا من رواة ابن
شهاب. وإنما لفظهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع.
فأخرجه البخاري في: 72 - كتاب الصيد والذبائح، 3 - باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع،
حديث 14.
14 - وحدثني عن مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن عبيدة بن سفيان الحضرمي،
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أكل كل ذي ناب من السباع حرام).
قال مالك: وهو الأمر عندنا.
أخرجه مسلم في: كتاب الصيد والذبائح، 3 - باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، حديث 15
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 562، تحقيق أحمد محمد شاكر.

13 - (الخشني) منسوب إلى بني خشين، من قضاعة. (ذي ناب) قال ابن الأثير: الناب السن
التي خلف الرباعية.
496

(5) باب ما يكره من أكل الدواب
15 - حدثني يحيى عن مالك، أن أحسن ما سمع في الخيل والبغال والحمير، أنها لا تؤكل.
لان الله تبارك وتعالى قال - والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة - وقال تبارك وتعالى
في الانعام - لتركبوا منها ومنها تأكلون - وقال تبارك وتعالى - ليذكروا اسم الله على
ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر -.
قال مالك: وسمعت أن البائس هو الفقير، وأن المعتر هو الزائر.
قال مالك: فذكر الله الخيل والبغال والحمير للركوب والزينة. وذكر الانعام
للركوب والأكل.
قال مالك: والقانع هو الفقير أيضا.

15 - (الخيل) جماعة الأفراس. لا واحد له من لفظه: أو مفرده خائل. سميت بذلك لاختيالها.
(والبغال) جمع كثرة لبغل. وجمع القلة أبغال: والأنثى بغلة، والجمع بغلات، مثل سجدة وسجدات.
(والحمير) جمع حمار. ويجمع أيضا على حمر وأحمرة. والأنثى أتان، وحمارة نادر.
(وزينة) مفعول له. (الأنعام) الإبل والبقر والغنم. (ليذكروا اسم الله) التلاوة - ويذكروا
اسم الله في أيام معلومات - (فكلوا منها) وأطعموا البائس الفقير. وقال بعد ذلك - والبدن جعلناها لكم
من شعائر الله لكم فيها خير. فاذكروا اسم الله عليها صواف، فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع
و المعتر. (وأن المعتر هو الزائر) الذي يعتريك ويتعرض لك لتعطيه، ولا يفصح بالسؤال. (والقانع
هو الفقير أيضا) وقيل هو السائل. قال الشماخ:
لمال المرء يصلحه فيغني * مفاقره أعف من القنوع
أي السؤال. يقال منه. قنع قنوعا إذا سأل. وقنع قناعة إذا رضي بما أعطي. وأصل هذا كله، الفقر
والمسكنة وضعف الحال.
497

(6) باب ما جاء في جلود الميتة
16 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن
مسعود، عن عبد الله بن عباس، أنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة. كان أعطاها مولاة
لميمونة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال (أفلا انتفعتم بجلدها)؟ فقالوا: يا رسول الله إنها ميتة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما حرم أكلها).
أخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 61 - باب الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
ومسلم في: 3 - كتاب الحيض، 27 - باب طهارة جلود الميتة بالدباغ، حديث 101.
17 - وحدثني مالك عن زيد بن أسلم، عن ابن وعلة المصري، عن عبد الله بن عباس،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا دبغ الإهاب فقد طهر).
أخرجه مسلم في: 3 - كتاب الحيض، 27 - باب طهارة جلود الميتة بالدباغ، حديث 105.
18 - وحدثني عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن محمد بن عبد الرحمن بن
ثوبان، عن أمه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يستمتع بجلود الميتة
إذا دبغت.
أخرجه أبو داود في: 31 - كتاب اللباس، 38 - باب في أهب الميتة.
والترمذي في: 22 - كتاب اللباس، 7 - باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت.
والنسائي في: 41 - كتاب الفروع والعتيرة، 6 - باب الرخصة في الاستمتاع بجلود الميتة إذا دبغت.
وابن ماجة في: 32 - كتاب اللباس، 25 - باب لبس جلود الميتة إذا دبغت.

16 - (حرم) حرم وحرم روايتان.
17 - (الإهاب) يجمع على أهب. ككتاب وكتب. الجلد مطلقا. قال في الفائق: سمي إهابا لأنه أهبة
للحى، وبناء للحماية له على جسده كما قيل المسك لإمساكه ما وراءه. (طهر) بفتح الهاء وضمها. والفتح أفصح.
498

(7) باب ما جاء فيمن يضطر إلى أكل الميتة
19 - حدثني يحيى عن مالك، أن أحسن ما سمع في الرجل، يضطر إلى الميتة: أنه
يأكل منها حتى يشبع، ويتزود منها. فإن وجد عنها غنى طرحها.
وسئل مالك، عن الرجل يضطر إلى الميتة. أيأكل منها، وهو يجد ثمر القوم أو زرعا
أو غنما بمكانه ذلك؟ قال مالك: إن ظن أن أهل ذلك الثمر، أو الزرع، أو الغنم، يصدقونه
بضرورته، حتى لا يعد سارقا فتقطع يده، رأيت أن يأكل من أي ذلك وجد، ما يرد جوعه،
ولا يحمل منه شيئا. وذلك أحب إلى من أن يأكل الميتة. وإن هو خشي أن لا يصدقوه،
وأن يعد سارقا بما أصاب من ذلك، فإن أكل الميتة خير له عندي. وله في أكل الميتة
على هذا الوجه سعة. مع أنى أخاف أن يعدو عاد ممن لم يضطر إلى الميتة، يريد استجازة
أخذ أموال الناس وزروعهم وثمارهم بذلك، بدون اضطرار.
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت.
499

بسم الله الرحمن الرحيم
26 - كتاب العقيقة
(1) باب ما جاء في العقيقة
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن رجل من بنى ضمرة، عن أبيه، أنه
قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة؟ فقال (لا أحب العقوق) وكأنه إنما كره الاسم.
وقال (من ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل).
قال ابن عبد البر: ولا أعلم معنى هذا الحديث روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه.
ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
أخرجه أبو داود في: 16 - كتاب الأضاحي، 21 - باب العقيقة.
والنسائي في: 40 - كتاب العقيقة، 1 - باب أخبرنا أحمد بن سليمان.

(كتاب العقيقة)
(العقيقة) أصلها، كما قال الأصمعي وغيره: الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد. وسميت الشاة
التي تذبح عنه عقيقة. لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح. قال أبو عبيد: فهو من تسمية الشئ باسم غيره، إذا
كان معه. أو من سببه.
وقيل هي الذبيحة. سميت بذلك لأن مذبح الشاة ونحوها يعق. أي يشق ويقطع.
وقد أنكر أحمد قول الأصمعي وغيره أنها الشعر. بأن لا وجه له. وإنما هي الذبح نفسه.
قال أبو عمر: وهذا أولى وأقرب إلى الصواب اه. الزرقاني
1 - (العقوق) أي العصيان وترك الاحسان. (ينسك) أي يتطوع بقربة إلى الله تعالى.
500

2 - وحدثني عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أنه قال: وزنت فاطمة بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين، وزينب وأم كلثوم، فتصدقت بزنة ذلك فضة.
3 - وحدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن محمد بن علي بن الحسين،
أنه قال: وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين، فتصدقت بزنته فضة.
(2) باب العمل في العقيقة
4 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر لم يكن يسأله أحد من
أهله عقيقة، إلا أعطاه إياها. وكان يعق عن ولده بشاة شاة. عن الذكور والإناث.
5 - وحدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث
التيمي، أنه قال: سمعت أبي يستحب العقيقة، ولو بعصفور.
6 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أنه عق عن حسن وحسين ابني علي بن أبي طالب.
أخرجه أبو داود في: 16 - كتاب الأضاحي، 21 - باب في العقيقة.
والنسائي في: 40 - كتاب العقيقة، 4 - باب كم يعق عن الجارية.
7 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، أن أباه عروة بن الزبير كان يعق عن
بنيه، الذكور والإناث، بشاة شاة.
501

قال مالك: الامر عندنا في العقيقة، أن من عق فإنما يعق عن ولده بشاة شاة. الذكور
والإناث. وليست العقيقة بواجبة. ولكنها يستحب العمل بها. وهي من الامر الذي لم يزل
عليه الناس عندنا. فمن عق عن ولده فإنما هي بمنزلة النسك والضحايا. لا يجوز فيها عوراء
ولا عجفاء ولا مكسورة ولا مريضة. ولا يباع من لحمها شئ، ولا جلدها، ويكسر عظامها،
ويأكل أهلها من لحمها. ويتصدقون منها. ولا يمس الصبي بشئ من دمها.

7 - (النسك) الهدايا. (عجفاء) ضعيفة. (ويكسر عظامها) تكذيبا للجاهلية في تحرجهم من ذلك.
وتفصيلهم إياها من المفاصل.
502

بسم الله الرحمن الرحيم
27 - كتاب الفرائض
(1) باب ميراث الصلب
حدثني يحيى عن مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، والذي أدركت عليه أهل العلم
ببلدنا، في فرائض المواريث: أن ميراث الولد من والدهم، أو والدتهم، أنه إذا توفى الأب
أو الأم. وتركا ولدا رجالا ونساء. فللذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين
فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف. فإن شركهم أحد بفريضة مسماة، وكان
فيهم ذكر، بدى بفريضة من شركهم. وكان ما بقي بعد ذلك بينهم، على قدر مواريثهم.
ومنزلة ولد الأبناء الذكور، إذا لم يكن ولد، كمنزلة الولد.
سواء ذكورهم كذكورهم.
وإناثهم كإناثهم. يرثون كما يرثون. ويحجبون كما يحجبون. فإن اجتمع الولد للصلب،

(كتاب الفرائض)
أي مسائل قسمة الموازين. جمع فريضة بمعنى مفروضة، أي مقدرة. لما فيها من السهام المقدرة. فغلبت على
غيرها. والفرض، لغة، التقدير. وشرعا، نصيب مقدر للوارث. ثم قيل للعلم بمسائل الميراث، علم الفرائض.
وللعالم به، فرضي. وفي الحديث «أفرضكم زيد» أي أعلمكم بهذا النوع اه. زرقاني.
(ميراث الصلب)
(بفريضة مسماة) كقوله تعالى: ولأبويه لكل واحد منهما السدس، مما ترك إن كان له ولد. وكالزوج
والزوجة. (ويحجبون) من دونهم في الطبقة.
503

وولد الابن، وكان في الولد للصلب ذكر. فإنه لا ميراث معه لاحد من ولد الابن. فإن
لم يكن في الولد للصلب ذكر، وكانتا ابنتين فأكثر من ذلك من البنات للصلب، فإنه
لا ميراث لبنات الابن معهن. إذ أن يكون مع بنات الابن ذكر، هو من المتوفى بمنزلتهن.
أو هو أطرف منهن. فإنه يرد، على من هو بمنزلته ومن هو فوقه من بنات الأبناء، فضلا
إن فضل. فيقتسمونه بينهم. للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن لم يفضل شئ، فلا شئ
لهم. وإن لم يكن الولد للصلب إلا ابنة واحدة، فلها النصف. ولابنة ابنه، واحدة كانت
أو أكثر من ذلك من بنات الأبناء، ممن هو من المتوفى بمنزلة واحدة، السدس. فإن كان
مع بنات الابن ذكر، هو من المتوفى بمنزلتهن. فلا فريضة ولا سدس لهن. ولكن
إن فضل بعد فرائض أهل الفرائض فضل، كان ذلك الفضل لذلك الذكر. ولمن هو بمنزلته،
ومن فوقه من بنات الأبناء. للذكر مثل حظ الأنثيين. وليس لمن هو أطراف منهم شئ.
فإن لم يفضل شئ فلا شئ لهم. وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه - يوصيكم الله
في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهم ثلثا ما ترك وإن
كانت واحدة فلها النصف.
قال مالك: الأطرف هو الأبعد.

(أطرف) أي أبعد. (فضلا) مفعول يرد.
504

(2) باب ميراث الرجل من امرأته والمرأة من زوجها
قال مالك: وميراث الرج من امرأته، إذا لم تترك ولدا ولا ولد ابن منه أو من غيره،
النصف. فإن تركت ولدا، أو ولد ابن، ذكرا كان أو أنثى، فلزوجها الربع، من بعد وصية توصى بها أو دين.
وميراث المرأة من زوجها، إذا لم يترك ولدا ولا ولد ابن، الربع. فإن ترك ولدا،
أو ولد ابن، ذكرا كان أو أنثى، فلامرأته الثمن. من بعد وصية يوصى بها أو دين. وذلك
أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه - ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن
ولد، فإن كان لهن ولد، فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين، ولهن
الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم،
من بعد وصية توصون بها أو دين -.

(ميراث الرجل من امرأته، والمرأة من زوجها)
(من بعد وصية) من بعد تنفيذ وصية. (أو دين) أو قضاء دين.
505

(3) باب ميراث الأب والأم من ولدهما
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، الذي لا اختلاف فيه، والذي أدركت عليه أهل
العلم ببلدنا: أن ميراث الأب من ابنه أو ابنته، أنه إن ترك المتوفى ولدا، أو ولد ابن ذكرا،
فإنه يفرض للأب السدس فريضة. فإن لم يترك المتوفى ولدا، ولا ولد ابن ذكرا، فإنه
يبدأ بمن شرك الأب من أهل الفرائض. فيعطون فرائضهم. فإن فضل من المال السدس،
فما فوقه، كان للأب. وإن لم يفضل عنهم السدس فما فوقه، فرض للأب السدس،
فريضة.
وميراث الأم من ولدها، إذ توفى ابنها أو ابنتها، فترك المتوفى ولدا أو ولد ابن، ذكرا كان أو أنثى، أو ترك من الاخوة اثنين فصاعدا، ذكورا كانوا أو إناثا، من أب وأم،
أو من أب أو من أم، فالسدس لها.
وإن لم يترك المتوفى، ولدا ولا ولد ابن، ولا اثنين من الاخوة فصاعدا، فإن للأم
الثلث كاملا. إلا في فريضتين فقط.
وإحدى الفريضتين، أو يتوفى رجل ويترك امرأته وأبويه. فلامرأته الربع. ولأمه
الثلث مما بقي. وهو الربع من رأس المال.
والأخرى: أن تتوفى امرأة. وتترك زوجها وأبويها. فيكون لزوجها النصف. ولأمها
الثلث مما بقي. وهو الربع من رأس المال.
والأخرى أن تتوفى امرأة. وتترك زوجها وأبويها. فيكون لزوجها النصف. ولأمها الثلث مما بقي. وهو السدس من رأس المال وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه - ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك
506

إن كان له ولد، فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة
فلأمه السدس -.
فمضت السنة أن الاخوة اثنان فصاعدا.
(4) باب ميراث الإخوة للأم
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، أن الاخوة للأم لا يرثون مع الولد. ولا مع ولد
الأبناء، ذكرانا كانوا أو إناثا، شيئا. ولا يرثون مع الأب ولا مع الجد أبى الأب، شيئا.
وأنهم يرثون فيما سوى ذلك. يفرض للواحد منهم السدس. ذكرا كان أو أنثى. فإن كانا
اثنين. فلكل واحد منهما السدس. فإن كانوا أكثر من ذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه
- وإن كان رجل يورث كلالة، أو امرأة، وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس.
فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث - فكان الذكر والأنثى، في هذه،
بمنزلة واحدة.

(ميراث الإخوة للأم)
(شيئا) مفعول يرثون. (حظ) نصيب. (كلالة) خبر كان. أي وإن كان رجل موروث منه
كلالة. أو يورث خبر كان، وكلالة حال من ضمير يورث. أي لا ولد ولا والد. على الأشهر في معنى الكلالة.
وهي في الأصل مصدر بمعنى الكلال، وهو ذهاب القوة من الإعياء.
507

(5) باب ميراث الإخوة للأب والأم
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، أن الإخوة للأب والأم لا يرثون مع الولد الذكر
شيطا، ولا مع ولد الابن الذكر شيطا. ولا مع الأب دنيا شيئا. وهم يرثون مع البنات وبنات
الأبناء، ما لم يترك المتوفى جدا أبا أب، ما فضل من المال. يكونون فيه عصبة. يبدأ بمن
كان له أصل فريضة مسماة. فيعطون فرائضهم. فإن فضل بعد ذلك فضل. كان للاخوة
للأب والأم. يقتسمونه بينهم على كتاب الله. ذكرانا كانوا أو إناثا. للذكر مثل حظ
الأنثيين. فإن لم يفضل شئ، فلا شئ لهم.
قال: وإن يترك المتوفى أبا، ولا جدا أبا أب، ولا ولدا، ولا ولد ابن، ذكرا كان
أو أنثى، فإنه يفرض للأخت الواحدة للأب والأم، النصف. فإن كانتا اثنتين، فما فوق
ذلك من الأخوات للأب والأم، فرض لهما الثلثان. فإن كان معهما أخ ذكر، فلا فريضة
لاحد من الأخوات. واحدة كانت أو أكثر من ذلك. ويبدأ بمن شركهم بفريضة مسماة.
فيعطون فرائضهم. فما فضل بعد ذلك من شئ، كان بين الإخوة للأب والأم، للذكر
مثل حظ الأنثيين. إلا في فريضة واحدة فقط. لم يكن لهم فيها شئ فاشتركوا فيها مع
بنى الأم في ثلثهم. وتلك الفريضة هي امرأة توفيت. وتركت زوجها، وأمها، وإخوتها
لأمه، إخوتها لأمها وأبيها. فكان لزوجها النصف. ولأمها السدس. ولإخوتها لأمها الثلث.

(ميراث الإخوة للأب والأم)
(دنيا) أي قربا. احترازا. من الجلد. أبي الأب. (ما فضل من المال) مفعول يرثون.
508

فلم يفضل شئ بعد ذلك فيشترك بنو الأب والأم في هذه الفريضة، مع بنى الأم في ثلثهم.
فيكون للذكر مثل حظ الأنثى. من أجل أنهم كلهم إخوة المتوفى لأمه. وإنما ورثوا
بالأم. وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه - وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة
وله أخ أو أخت فلك واحد منهما السدس. فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في
الثلث - فلذلك شركوا في هذه الفريضة. لأنهم كلهم إخوة المتوفى لأمه.
(6) باب ميراث الإخوة للأب
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا أن ميراث الإخوة للأب، إذا لم يكن معهم أحد
من بنى الأب والأم، كمنزلة الإخوة للأب والأم، سواء. ذكرهم كذكرهم. وأنثاهم
كأنثاهم. إذ أنهم لا يشركون مع بنى الأم في الفريضة، التي شركهم فيها بنو الأب والأم.
لأنهم خرجوا من ولادة الأم التي جمعت أولئك.
قال مالك: فإن اجتمع الإخوة للأب والأم، والإخوة للأب، فكان في بنى الأب والأم
ذكر، فلا ميراث لاحد من بنى الأب. وإن لم يكن بنو الأب والأم إلا امرأة واحدة، أو أكثر من ذلك من الإناث، ذكر معهن، فإنه يفرض للأخت الواحدة. للأب والأم، النصف.
ويفرض للأخوات للأب، السدس. تتمة الثلثين فإن كان مع الأخوات للأب ذكر،

(كلالة) أي لا والد ولا ولد.
(ميراث الإخوة للأب)
(خرجوا من ولادة الأم) أي أنها لم تلدهم الأم.
509

فلا فريضة لهن. ويبدأ بأهل الفرائض المسماة. فيعطون فرائضهم. فإن فضل بعد ذلك
فضل، كان بين الإخوة للأب. للذكر مثل حظ الأنثيين. وإن لم يفضل شئ فلا شئ
لهم فإن كان الإخوة للأب والأم، امرأتين، أو أكثر من ذلك من لا لإناث، فرض لهن
الثلثان. ولا ميراث معهن للأخوات للأب. إلا أن يكون معهن أخ لأب. فإن كان معهن
أخ لأب، بدئ بمن شركهم بفريضة مسماة. فأعطوا فرائضهم. فإن فضل بعد ذلك فضل،
كان بين الإخوة للأب للذكر مثل حض الأنثيين. وإن لم يفضل شئ، فلا شئ لهم.
ولبني الأم، مع بنى الأب والأم، ومع بنى الأب، للواحد السدس. وللاثنين فصاعدا الثلث:
للذكر مثل حظ الأنثى، هم فيه، بمنزلة واحدة، سواء.
(7) باب ميراث الجد
1 - حدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه بلغة أن معاوية بن أبي سفيان
كتب إلى زيد بن ثابت يسأله عن الجد. فكتب إليه زيد بن ثابت: إنك كتبت إلى تسألني
عن الجد. والله أعلم وذلك مما لم يكن يقضى فيه إلا الأمراء، يعنى الخلفاء. وقد حضرت
الخليفتين قبلك. يعطيانه النصف، مع الأخ الواحد. والثلث، مع الاثنين. فإن كثرت الاخوة، لم ينقصوه من الثلث.
510

2 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب، أن عمر بن الخطاب
فرض للجد، الذي يفرض الناس له اليوم.
3 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن سليمان بن يسار أنه قال: فرض عمر بن الخطاب،
وعثمان بن عفان، وزيد بن ثابت، للجد مع الاخوة، الثلث.
قال مالك: والامر المجتمع عليه عندنا، والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا، أن الجد،
أبا الأب، لا يرث مع الأب دنيا، شيئا. وهو يفرض له مع الولد الذكر، ومع ابن الابن
الذكر، السدس فريضة. وهو فيما سوى ذلك، ما لم يترك المتوفى أما أو اختار لأبيه، يبدأ
بأحد إن شركه بفريضة مسماة فيعطون فرائضهم. فإن فضلي من المال السدس فما فوقه،
فرض للجد السدس فريضة.
قال مالك: والجد، والإخوة للأب والأم، إذا شركهم أحد بفريضة مسماة. يبدأ بمن
شركهم من أهل الفرائض. فيعطون فرائضهم. فما بقي بعد ذلك للجد والاخوة من شئ،
فإنه ينظر أي ذلك أفضل لحظ الجد، أعطيه الثلث مما بقي له وللاخوة. أو يكون بمنزلة
رجل من الاخوة، فيما يحصل له ولهم، يقاسمهم بمثل حصة أحدهم، أو السدس من رأس المال
كله. أي ذلك كان أفضل لحظ الجد، أعطيه الجد. وكان ما بقي بعد ذلك للاخوة للأب
والأم. للذكر مثل حظ الأنثيين. إلا في فريضة واحدة. تكون قسمتهم فيها على غير ذلك.
وتلك الفريضة: امرأة توفيت. وتركت زوجها، وأمها، وأختها لأمها وأبيها، وجدها.
فللزوج النصف. وللأم الثلث. وللجد السدس. وللأخت للأم والأب النصف. ثم يجمع
511

سدس الجد، ونصف الأخت، فيقسم أثلاثا. للذكر مثل حظ الأنثيين. فيكون للجد
ثلثاه. وللأخت ثلثه.
قال مالك: وميراث الإخوة للأب مع الجد، إذا لم يكن معهم إخوة لأب وأم، كميراث
الإخوة للأب والأم، سواء. ذكرهم كذكرهم. وأنثاهم كأنثاهم. فإذا اجتمع الإخوة للأب
والأم، والإخوة للأب، فإن الإخوة للأب والأم، يعادون الجد بإخوتهم لأبيهم.
فيمنعونه بهم كثرة الميراث بعددهم. ولا يعادونه بالاخوة للأم. لأنه لو لم يكن مع الجد
غيرهم، لم يرثوا معه شيئا. وكان المال كله للجد. فما حصل للاخوة من بعد حظ الجد،
فإنه يكون للاخوة من الأب والأم. دون الإخوة للأب. ولا يكون للاخوة للأب معهم
شئ إلا أن يكون الإخوة للأب والأم امرأة واحدة. فإن كانت امرأة واحدة، فإنها
تعاد الجد بإخوتها لأبيها، ما كانوا. فما حصل لهم ولها من شئ، كان لها دونهم. ما بينها
وبين أن تستكمل فريضتها. وفريضتها النصف من رأس المال كله. فإن كان فيما يحاز لها
ولإخوتها لأبيها فضل عن نصف رأس المال كله، فهو لاخوتها لأبيها. للذكر مثل حظ
الأنثيين. فإن لم يفضل شئ، فلا شئ لهم.
512

باب ميراث الجدة
4 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عثمان بن إسحاق بن خرشة، عن
قبيصة بن ذؤيب، أنه قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها. فقال لها
أبو بكر: مالك في كتاب الله شئ. وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا. فارجعي
حتى اسأل الناس. فسأل الناس. فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاهما
السدس. فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري، فقال مثل ما قال
المغيرة. فأنفذه لها أبو بكر الصديق. ثم جاءت الجدة الأخرى، إلى عمر بن الخطاب تسأله
ميراثها. فقال لها: مالك في كتاب الله شئ. وما كان القضاء الذي قضى به إلا لغيرك. وما
أنا بزائد في الفرائض شيئا. ولكنه ذلك السدس. فإن اجتمعتما فهو بينكما. وأيتكما
خلت به فهو لها.
أخرجه أبو داود في: 18 - كتاب الفرائض، 5 - باب في الجدة.
والترمذي في: 27 - كتاب الفرائض، 10 - باب ما جاء في ميراث الجدة.
وابن ماجة في: 23 - كتاب الفرائض، 4 - باب ميراث الجدة.
5 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، أنه قال: أتت الجدتان
إلى أبي بكر الصديق. فأراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأم. فقال له رجل من الأنصار:

4 - (جاءت الجدة) أم الأم. (جاءت الجدة الأخرى) أم الأب. (خلت به) انفردت.
5 - (الجدتان) أم الأب وأم الأم.
513

أما إنك تترك التي لو ماتت وهو حي، كان إياها يرث. فجعل أبو بكر السدس بينهما.
6 - وحدثني عن مالك، عن عبد ربه بن سعيد، أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث
ابن هشام، كان لا يفرض إلا للجدتين.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، الذي لا اختلاف فيه، والذي أدركت عليه
أهل العلم بلدنا، أن الجدة أم الأم، لا ترث مع الأم دنيا، شيئا. وهي فيما سوى ذلك
يفرض لها السدس، فريضة. وأن الجدة أم الأب، لا ترث مع الأم، ولا مع الأب شيئا.
وهي فيما سوى ذلك يفرض لها السدس، فريضة. فإذا اجتمعت الجدتان، أم الأب وأم الأم،
وليس للمتوفى دونهما أب ولا أم. قال مالك: فإني سمعت أن أم الأم، إن كانت أقعدهما،
كان لها السدس، دون أم الأب. وإن كانت أم الأب أقعدهما، أو كانتا في القعدد من
المتوفى، بمنزلة سواء. فإن السدس بينهما، نصفان.
قال مالك: ولا ميراث لاحد من الجدات. إلا للجدتين. لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورث الجدة. ثم سأل أبو بكر عن ذلك. حتى أتاه الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه ورث
الجدة. فأنفذه لها. ثم أتت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب. فقال لها: ما أنا بزائد في
الفرائض شيئا. فإن اجتمعتما، فهو بينكما. وأيتكما خلت به فهو لها.
قال مالك: ثم لم نعلم أحد ورث غير جدتين. منذ كان الاسلام إلى اليوم.

6 - (أقعدهما) أقربها.
514

(9) باب ميراث الكلالة
7 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكفيك، من ذلك، الآية التي أنزلت في الصيف،
آخر سورة النساء).
أخرجه مسلم في: 23 - كتاب الفرائض، 2 - باب ميراث الكلالة، حديث 9.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، الذي لا اختلاف فيه، والذي أدركت عليه
أهل العلم ببلدنا، أن الكلالة على وجهين: فأما الآية التي أنزلت في أول سورة النساء التي
قال الله تبارك وتعالى فيها - وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل
واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث - فهذه الكلالة التي
لا يرث فيها الاخوة للأم. حتى لا يكون ولد ولا والد. وأما الآية التي في آخر سورة النساء
التي قال الله تبارك وتعالى فيها - يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرء هلك ليس
له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما
الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن
تضلوا والله بكل شئ عليم.
قال مالك: فهذه الكلالة التي تكون فيها الاخوة عصبة، إذا لم يكن ولد، فيرثون
مع الجد في الكلالة، فالجد يرث مع الاخوة، لأنه أولى بالميراث منهم. وذلك أنه يرث،
مع ذكور ولد المتوفى، السدس. والاخوة لا يرثون، مع ذكور ولد المتوفى، شيئا. وكيف

7 - (أن تضلوا) مفعول لأجله. بتقدير مضاف. أي كراهة أن تضلوا في حكمها. كذا قال
المبرد.
515

لا يكون كأحدهم، وهو يأخذ السدس مع ولد المتوفى؟ فكيف لا يأخذ الثلث مع الاخوة،
وبنو الأم يأخذون معهم الثلث؟ فالجد هو الذي حجب الاخوة للأم ومنعهم مكانه الميراث.
فهو أولى بالذي كان لهم. لأنهم سقطوا من أجله. ولو أن الجد لم يأخذ ذلك الثلث، أخذه
بنو الأم. فإنما أخذ ما لم يكن يرجع إلى الإخوة للأب. وكان الاخوة للأم هم أولى بذلك
الثلث من الإخوة للأب. وكان الجد هو أولى بذلك من الاخوة للأم.
(10) باب ما جاء في العمة
8 - حدثني يحيى عن مالك، عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن
عبد الرحمن بن حنظلة الزرقي، أنه أخبره، عن مولى لقريش كان قديما يقال له ابن مرسى،
أنه قال: كنت جالسا عند عمر بن الخطاب. فلما صلى الظهر، قال: يا يرفا. هلم ذلك الكتاب.
لكتاب كتبه في شأن العمة. فنسأل عنها ونستخبر فيها. فأتاه به يرفا. فدعا بتور أو قدح
فيه ماء. فمحا ذلك الكتاب فيه. ثم قال: لو رضيك الله وارثة، أقرك. لو رضيك الله
أقرك.

(هلم) أحضر. (تور) إناء يشبه الطشت. (لو رضيك الله وارثه أقرك) أثبتك في كتابه كما أقر
النساء الوارثات فيه.
516

9 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن أبي بكر بن حزم، أنه سمع أباه كثيرا يقول:
كان عمر بن الخطاب يقول: عجبا للعمة تورث ولا ترث.
(11) باب ميراث ولاية العصبة
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، الذي لا اختلاف فيه، والذي أدركت عليه أهل
العلم ببلدنا، في ولاية العصبة، أن الأخ للأب والأم، أولى بالميراث من الأخ للأب.
والأخ للأب، أولى بالميراث من بنى الأخ للأب والأم. وبنوا الأخ للأب والأم، أولى
من بنى الأخ للأب. وبنو الأخ للأب. أولى من بنى ابن الأخ للأب والأم. وبنو ابن
الأخ للأب، أولى من العم أخي الأب للأب والأم والعم أخو الأب للأب والأم، أولى
من العم أخي الأب للأب. والعم أخو الأب للأب، أولى من بنى العم أخي الأب للأب والأم.
وابن العمل للأب أولى من عم الأب أخي أبى الأب للأب والأم.
قال مالك: وكل شئ سئلت عنه من ميراث العصبة، فإنه على نحو هذا: أنسب المتوفى
ومن ينازع في ولايته من عصبته. فإن وجدت أحدا منهم يلقى المتوفى إلى أب لا يلقاه أحد
منهم إلى أب دونه. فاجعل ميراثه للذي يلقاه إلى الأب الأدنى، دون من يلقاه إلى فوق ذلك.
فإن وجدتهم كلهم يلقونه إلى أب واحد يجمعهم جميعا، فانظر أقعدهم في النسب. فإن كان
ابن أب فقط، فاجعل الميراث له دون الأطراف. وإن كان ابن أب وأم. وإن وجدتهم مستوين،

9 - (أقعدهم) أقربهم. (الأطرف) الأبعد. (الأرحام) القرابات.
517

ينتسبون من عدد الاباء إلى عدد واحد. حتى يلقوا نسب المتوفى جميعا. وكانوا كلهم جميعا
بنى أب، أو بنى أب وأم. فاجعل الميراث بينهم سواء. وإن كان والد بعضهم أخا والد المتوفى
للأب والأم، وكان من سواه منهم إنما هو أخو أبى المتوفى لأبيه فقط، فإن الميراث لبنى
أخي المتوفى لأبيه وأمه، دون بنى الأخ للأب. وذلك أن الله تبارك وتعالى قال - وأولوا
الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شئ عليم -.
قال مالك: والجد أبو الأب، أولى من بنى الأخ للأب والأم، وأولى من العم أخي
الأب للأب والأم بالميراث. وابن الأخ للأب والأم، أولى من الجد بولاء الموالي.
(12) باب من لا ميراث له
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، الذي لا اختلاف فيه، والذي أدركت عليه أهل
العلم ببلدنا: أن ابن الأخ للأم، والجد أبا الأم، والعم أخا الأب للأم، والخال، والجدة
أم أبى الأم، وابنة الأخ للأب والأم، والعمة، والخالة، لا يرثون بأرحامهم شيئا.
قال: وإنه لا ترث امرأة، هي أبعد نسبا من المتوفى، ممن سمى في هذا الكتاب، برحمها
شيئا. وإنه لا يرث أحد من النساء شيئا. إلا حيث سمين. وإنما ذكر الله تبارك وتعالى في
كتابه: ميراث الأم من ولدها، وميراث البنات من أبيهن، وميراث الزوجة من زوجها،
وميراث الأخوات للأب والأم، وميراث الأخوات للأب، وميراث الأخوات للأم وورثت
الجدة بالذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها. والمرأة ترث من أعتقت هي نفسها لان الله تبارك وتعالى
قال في كتابه - فإخوانكم في الدين ومواليكم -.
518

(13) باب ميراث أهل الملل
10 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن علي بن حسين بن علي، على عمر بن
عثمان بن عفان، عن أسامة بن زيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرث المسلم الكافر).
أخرجه مسلم في: 3 - كتاب الفرائض، حديث 1.
11 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن علي بن أبي طالب، أنه أخبره: إنما ورث
أبا طالب عقيل وطالب. ولم يرثه على. قال: فلذلك تركنا نصيبنا من الشعب.
12 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، أن محمد بن الأشعث
أخبره، أنه عمة له يهودية أو نصرانية توفيت. وأن محمد بن الأشعث ذكر ذلك لعمر بن
الخطاب. وقال له: من يرثها؟ فقال له عمر بن الخطاب: يرثها أهل دينها. ثم أتى عثمان بن عفان
فسأله عن ذلك. فقال له عثمان: أتراني نسيت ما قال لك عمر بن الخطاب؟ يرثها أهل دينها.
13 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن إسماعيل بن أبي حكيم، أن نصرانيا،
أعتقه عمر بن عبد العزيز، هلك. قال إسماعيل: فأمرني عمر بن عبد العزيز، أن أجعل ماله
في بيت المال.

(الشعب) كان منزل بني هاشم.
519

14 - حدثني كعن مالك، عن الثقة، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: أبى عمر
ابن الخطاب أن يورث أحدا من الأعاجم. إلا أحدا ولد في العرب.
قال مالك: وإن جاءت امرأة حامل من أرض العدو، فوضعته في أرض العرب، فهو ولدها،
يرثها إن ماتت. وترثه إن مات، ميراثها في كتاب الله.
قال مالك: وكذلك كل من لا يرث، إذ لم يكن دونه وارث فإنه لا يحجب أحدا
عن ميراثه.
(14) باب من جهل أمره بالقتل أو غير ذلك
15 - حدثني يحيى عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن غير واحد من علمائهم:
أنه لم يتوارث من قتل يوم الجمل. ويوم صفين. ويوم الحرة. ثم كان يوم قديد. فلم يورث
أحد منهم من صاحبه شيئا. وإلا أنه قتل قبل صاحبه.

14 - (ولا ولاء) أي عتق. فإن كان رقيقا أخذ ماله بالملك، لا الإرث.
15 - (يوم الجمل) يوم الخميس عاشر جمادي الأولى. وقيل خامس عشرة. سنة ست وثلاثين.
أضيف
إلى الجمل الذي ركبته عائشة في مسيرها إلى البصرة. وخرجت مع طلحة والزبير في ثلاثة آلاف، تدعو الناس
إلى طلب قتلة عثمان. (يوم صفين) موضع قرب الرقة بشاطئ الفرات. كانت به الوقعة العظمى بين علي
ومعاوية غرة صفر سنة سبع وثلاثين. (يوم الحرة) أرض ذات حجارة سود، كأنها أحرقت بالنار. بظاهر
المدينة. وكانت به الوقعة بين أهلها وعسكر يزيد بن معاوية. (يوم قديد) موضع قرب مكة.
520

قال مالك: وذلك الامر لأذى لا اختلاف فيه. ولا شك عند أحد من أهل العلم ببلدنا.
وكذلك العمل في كل متوارثين هلكا، بغرق، أو قتل أو غير ذلك من الموت. إذ لم يعلم
أيهما مات قبل صاحبه، لم يرث أحد منهما من صاحبه شيئا. وكان ميراثهما لمن بقي من
ورثتهما. يرث كل واحد منهما ورثته من الاحياء.
وقال مالك: لا ينبغي أن يرث أحد أحدا بالشك. ولا يرث أحد أحدا إلا باليقين من
العلم، والشهداء. وذلك أن الرجل يهلك هو ومولاه الذي أبوه، فيقول بنو الرجل العربي:
قد ورثته أبونا. فليس ذلك لهم أن يرثوه بغير علم ولا شهادة. أنه مات قبله. وإنما يرثه
أولى الناس به من الاحياء.
قال مالك: ومن ذلك أيضا الاخوان للأب والأم. يموتان. ولأحدهما ولد. والاخر
لا ولد له. ولهما أخ لأبيهما، فلا يعلم أيهما مات قبل صاحبه. فميراث الذي لا ولد له،
لأخيه لأبيه. وليس لبني أخيه، لأبيه وأمه، شئ.
قال مالك: ون ذلك أيضا أن تهلك العمة وابن أخيها، أو ابنة الأخ وعمها، فلا يعلم
أيهما مات قبل. فإن لم يعلم أيهما مات قبل، لم يرث العلم من ابنة أخيه شيئا. ولا يرث
ابن الأخ من عمته شيئا.
521

(15) باب ميراث ولد الملاعنة وولد الزنا
16 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عروة بن الزبير كان يقول في ولد الملاعنة
وولد الزنا: إنه إذا مات ورثته أمه، حقها في كتاب الله عز وجل. وإخوته لأمه حقوقهم.
ويرث البقية، موالي أمه. حقها في كتاب الله عز وجل. إخوته لأمه حقوقهم.
ويرث البقية، موالي أمه. إن كانت مولاة. وإن كانت عربية، ورثت حقها. وورث
إخوته لأمه حقوقهم. وإن كان ما بقي للمسلمين.
قال مالك: وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك.
قال مالك: وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا.
522

(1) باب ما جاء في الخطبة
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن الأعرج، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه).
أخرجه البخاري في: 67 - كتاب النكاح، 45 - باب لا يخطب على خطبة أخيه.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 847، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
2 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يخطب
أحدكم على خطبة أخيه).
أخرجه البخاري في: 67 - كتاب النكاح، 45 - باب لا يخطب على خطبة أخيه.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 848، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
قال مالك: وتفسير قول رسول الله فيما نرى، والله أعلم، لا يخطب أحدكم على خطبة
أخيه. أن يخطب الرجل المرأة. فتركن إليه. ويتفقان على صداق واحد معلوم. وقد تراضيا.
فهي تشترط عليه لنفسها. فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه. ولم يعن بذلك،

1 - (يخطب) برفع يخطب. خبر بمعنى النهي. وهو أبلغ من صريح النهي. (خطبة) الخطبة،
بكسر الخاء، التماس النكاح.
2 - (نرى) نظن.
523

إذ خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره، ولم تركن إليه، أن لا يخطبها أحد. فهذا باب
فساد يدخل على الناس.
3 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، أنه كان يقول في قول
الله تبارك وتعالى - ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم
علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا - أن يقول
الرجل للمرأة، وهي في عدتها من وفاء زوجها: إنك على لكريمة. وإني فيك لراغب.
وإن الله لسائق إليك خيرا ورزقا. ونحوه هذه من القول.
(2) باب استئذان البكر والأيم في أنفسهما
4 - حدثني مالك، عن عبد الله بن الفضل، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن عبد الله
ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الأيم أحق بنفسها من وليها. والكبر تستأذن في نفسها.

3 - (عرضتم) لوحتم. (أكننتم) أضمرتم. (ستذكرونهن) أي بالخطبة. ولا تصبرون عنهن.
(سرا) السر النكاح، قال الشاعر:
لقد زعمت بسباسة اليوم أنني * كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي
(قولا معروفا) أي ما عرف شرعا من التعريض.
4 - (الأيم) من لا زوج له. رجلا كان أو امرأة. بكرا أو ثيبا. قال الشاعر:
لقد إمت حتى لامني كل صاحب * رجاء سليمي أن تئيم، كما إمت
والمراد هنا الثيب. (أحق بنفسها من وليها) لفظة أحق للمشاركة. أي أن لها في نفسها، في النكاح،
حقا. ولوليها. وحقها آكد من حقه. (تستأذن في نفسها) أي يستأذنها وليها. أبا كان أو غيره. تطييبا لنفسها.
524

وإذنها صماتها).
5 - حدثني عن مالك، أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها. أو ذي الرأي من أهلها. أو السلطان.
6 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، كانا ينكحان
بناتهما الابكار، ولا يستأمرانهن.
قال مالك: وذلك الامر عندنا في نكاح الابكار.
قال ملاك: وليس للبكر جواز في مالها، حتى تدخل بيتها، ويعرف من حالها.
7 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وسليمان ابن يسار، كانوا يقولون في البكر، يزوجها أبوها بغير إذنها: إن ذلك لازم لها.

(صماتها) أي سكوتها.
6 - (ولا يستأمرانهن) أي يستأذنانهن.
525

(3) باب ما جاء في الصداق والحباء
8 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله! إني قد وهبت نفسي لك. فقامت قياما
طويلا. فقال رجل، فقال: يا رسول الله زوجنيها. إن لم تكن لك بها حاجة. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (هل عندك من شئ تصدقها إياه؟) فقال: ما عندي إلا إزاري هذه. فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (إن أعطيتها إياه، جلست لا إزار لك. فالتمس شيئا) فقال: ما أجد شيئا. قال:
(التمس ولو خاتما من حديد) فالتمس فلم يجد شيئا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل معك
من القرآن شئ؟) فقال: نعم. معي سورة كذا، وسورة كذا. لسور سماها. فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أنكحتكها بما معك من القرآن).
أخرجه البخاري في: 67 - كتاب النكاح، 40 - باب السلطان ولي.
ومسلم في: 16 - كتاب النكاح، 12 - باب الصداق. وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير
ذلك، حديث 76.
9 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال. قال عمر
ابن الخطاب: أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون، أو جذام، أو برص، فمسها، فلها صداقها
كاملا. وذلك لزوجها غرم على وليها.

(ما جاء في الصداق والحباء)
(الصداق) بفتح الصاد وبكسرها، ويجمع على صدق. والثالثة لغة الحجاز صدقة وتجمع على صدقات.
وفي التنزيل - وآتو النساء صدقاتهن - والرابعة لغة تميم صدقة والجمع صدقات. مثل غرفة وغرفات. وأصدقها
بالألف أعطاها صداقها. (والحباء) الإعطاء بلا عوض.
526

قال مالك: وإنما يكون ذلك غرما على وليها لزوجها، إذ كان وليها الذي أنكحها،
ابن عم، أو مولى، أو من العشيرة، ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها، فليس عليه غرم. وترد
تلك المرأة ما أخذته من صداقها. ويترك لها قدر ما تستحل به.
10 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن ابنة عبيد الله بن عمر، وأمها بنت زيد بن الخطاب،
كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر. فمات ولم يدخل بها. ولم يسم لها صداقا. فابتغت أمها
صداقها. فقال عبد الله بن عمر: ليس لها صداق. ولو كان لها صداق لم نمسكه، ولم نظامها.
فأبت أمها أن تقبل ذلك. فجعلوا بينهم زيد بن ثابت. فقضى أن لا صداق لها. ولها الميراث.
11 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته إلى بعض
عماله: أن كل ما اشترط المنكح، من كان أبا أو غيره، من حباء أو كرامة. فهو للمرأة
إن ابتغته.
قال مالك، في المرأة ينكحها أبوها، ويشترط في صداقها الحباء يحبى به: إن ما كان من
شرط يقع به النكاح، فهو لابنته إن ابتغته. وإن فارقها زوجها، قبل أنى دخل بها، فلزوجها
سطر الحباء الذي وقع به النكاح.
قال مالك، في الرجل يزوج ابنه صغيرا لا مال له: إن الصداق على أبيه إذا كان الغلام
يوم تزوج لا مال له. وإن كان للغلام مال فالصادق في مال الغلام. إلا أن يمسى الأب

11 - (شطر) أي نصف.
527

أن الصداق عليه وذلك النكاح ثابت على الابن إذا كان صغيرا، وكان في ولاية أبيه.
قال مالك، في طلاق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وهي بكر، فيعفو أبوها عن نصف
الصداق: إن ذلك جائز من أبيها، فيما وضع عنه.
قال مالك: وذلك أن الله تبارك وتعالى قاف في كتابه - إلا أن يعفون - فهن النساء اللاتي
قد دخل بهن - أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح - فهو الأب في ابنته البكر، والسيد في أمته.
بها: إنه لا صداق لها.
قال مالك: لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من رعب دينار. وذلك أدنى ما يجب فيه القطع.
(4) باب إرخاء الستور
12 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن عرم بن
الخطاب قضى في المرأة إذا تزوجها الرجل، أنه إذا أرخيت الستور، فقد وجب الصداق.
13 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أن زيد بن ثابت كان يقول: إذا دخل الرجل
بامرأته، فأرخيت عليهما الستور، فقد وجب الصداق.

(وذلك أدنى ما يجب فيه القطع) أي في السرقة. فقاسه عليها، بجامع أن كل عضو يستباح بقدر من المال
فلابد أن يكون مقدرا بها.
528

وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: إذ دخل الرجل بالمرأة
في بيتها، صدق الرجل عليها. إذ دخلت عليه في بيته، صدقت عليه.
قال مالك: أرى ذلك في المسيس. إذ دخل عليها في بيتها فقالت قد مسني، وقال لم أمسها،
صدق عليها. فإن دخلت عليه في بيته. فقال لم أمسها، وقالت قد مسني، صدقت عليه.
(5) باب المقام عند البكر والأيم
14 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم،
عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن أبيه، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة، وأصبحت عنده، قال لها: (ليس بلك على أهلك هو ان.
إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن. وإن شئت ثلثت عندك ودرت) فقالت: ثلث.
أخرجه مسلم في: 17 - كتاب الرضاع، 12 - باب قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب
الزفاف، حديث 41 - 44.

13 - (في المسيس) أي الجماع.
(المقام عند البكر وعند الثيب)
(المقام) بفتح الميم وضمها. قال الجوهري: قد يكون كل منهما بمعنى الإقامة، وقد يكون بمعنى موضع
القيام. لأنك إن جعلته من قام يقوم فمفتوح. وإن جعلته من أقام يقيم فمضموم.
14 - (ليس بك على أهلك هوان) أي لا أفعل فعلا يظهر به هوانك على. وأراد ب (أهلك) نفسه الكريمة.
وكل من الزوجين أهل. (سبعت) أي أقمت سبعا. (ثلثت) أي أقمت ثلاثا.
529

15 - و. حدثني عن مالك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، أن ه كان يقول: للبكر
سبع، وللثيب ثلاث.
أخرجه البخاري في: 67 - كتاب النكاح، 100 - باب إذا تزوج البكر على الثيب.
و 101 - إذا تزوج الثيب على البكر.
ومسلم في: 17 - كتاب الرضاع، 12 - باب قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج
عندها عقب الزفاف، حديث 45 - 46.
قال مالك: وذلك الأمر عندنا.
قال مالك: فإن كانت له امرأة غير التي تزوج. فإنه يقسم بينهما. بعد أن تمضى أيام
التي تزوج بالسواء. ولا يحسب على التي تزوج، ما أقام عندها.
(6) باب مالا يجوز من الشروط في النكاح
16 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن سعيد بن المسيب سئل عن المرأة تشترط
على زوجها أنه لا يخرج بها من بلدها. فقال سعيد بن المسيب: يخرج بها إن شاء.
قال مالك: فالامر عندنا أنه إذ شرط الذجل للمرأة وإن كان ذلك عند عقدة النكاح،
أن لا أنكح عليك، ولا أتسرر: إن ذلك ليس بشئ. إلا أن يكون في ذلك يمين بطلاق،
أو عتاقة، فيجب ذلك عليه، ويلزمه.

16 - (عقدة النكاح) أي إبرامه وإحكامه.
530

(7) باب نكاح المحلل وما أشبهه
17 - حدثني يحيى عن مالك، عن المسور بن رفاعة القرظي، عن الزبير بن عبد الرحمن
ابن الزبير، أن رفاعة بن سموأل طلق امرأته، تميمة بنت وهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث ا.
فنكحت عبد الرحمن بن الزبير. فاعترض عنها. فلم يستطع أن يمسها. ففارقها. فأراد رفاعة
أن ينكحها. وهو زوجها الأول الذي كان طلقها. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فنهاه عن
تزويجها. وقال (لا تحل لك حتى تذوق العسيلة).
أخرجه البخاري في، 87 - كتاب اللباس، 6 - باب الإزار المهدب.
و 23 - باب ثياب الخضر.
ومسلم في: 16 - كتاب النكاح، 16 - باب لا تحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره
ويطأها ثم يفارقها وتنقضي عدتها، حديث 111 - 115.
18 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم، أنها سئلت عن رجل طلق امرأته البتة. فتزوجها بعده رجل آخر. فطلقها
قبل أن يمسها هل يصلح لزوجها الأول أن يتزوجها؟ فقالت عائشة: لا حتى يذوق عسيلتها.
19 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن القاسم بن محمد، سئل عن رجل طلق امرأته
البتة. ثم تزوجها بعده رجل آخر. فمات عنها قبل أن يمسها. هل يحل لزوجها الأول أن

17 - (ففارقها) أي طلقها. (العسيلة) تصغير عسلة. وهي كناية عن الجماع. شبه لذته بلذة العسل
و حلاوته. فاستعار لها ذوقا. وأنث العسل في التصغير، لأنه يذكر ويؤنث. أي قطعة من العسل.
18 - (البتة) من البت، وهو القطع. كأنه قطع العصمة التي بها.
531

راجعها؟ فقال القاسم بن محمد: لا يحل لزوجها الأول أن يراجعها.
قال مالك، في المحلل: إنه لا يقيم على نكاحه ذلك، حتى يستقبل نكاحا جديدا.
فإن أصابها في ذلك، فلها مهرها.
(8) باب مالا يجمع بينه من النساء
20 - وحدثني يحيى عن مالك، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها).
أخرجه البخاري في: 67 - كتاب النكاح، 27 - باب لا تنكح المرأة على عمتها.
ومسلم في: 16 - كتاب النكاح، 3 - باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح،
حديث 33.
21 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن كان يقول:
ينهى أن تنكح المرأة على عمتها. أو على خالتها. وأن يطأ الرجل وليدة. وفى بطنها جنين
لغيره.

19 - (المحلل) أي المتزوج مبتوتة، بقصد إحلالها لباتها.
21 - (وليدة) أي أمة.
532

(9) باب مالا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته
22 - وحدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال، سئل زيد بن ثابت عن
رجل تزوج امرأة، ثم فارقها قبل أن يصيبها. هل تحل له أمها؟ فقال زيد بن ثابت: لا،
الأم مبهمة. ليس فيها شرط. وإنما الشرط في الربائب.
23 - وحدثني عن مالك، عن غير واحد، أن عبد الله بن مسعود استفتى وهو بالكوفة،
عن نكاح الأم بعد الابنة، إذا لم تكن الابنة مست. فأرخص في ذلك. ثم إن ابن مسعود
قدم المدينة. فسأل عن ذلك، فأخبر أنه ليس كما قال. وإنما الشرط في الربائب. فرجع
ابن مسعود إلى الكوفة، فلم يصل إلى منزله، حتى أتى الرجل الذي أفتاه بذلك. فأمره أن
يفارق امرأته.
قال مالك، في الرجل تكون تحته المرأة، ثم ينكح أمها فيصيبها، إنها تحرم عليه امرأته.
ويفارقهما جميعا. ويحرمان عليه أبدا. إذا كان قد أصاب الأم. فإن لم يصب الأم، لم تحرم
عليه امرأته، وفارق الأم.
وقال ماكل، في الرجل يتزوج المرأة، ثم ينكح أمها فيصيبها: إنه لا تحل له أمها أبدا.
ولا تحل لأبيه، ولا لابنه. ولا تحل له ابنتها، وتحرم عليه امرأته.
قال مالك: فأما الزنا فإنه لا يحرم شيئا من ذلك. لان الله تبارك وتعالى قال - وأمهات

22 - (يصيبها) يجامعها. (الأم مبهمة) أي لا تحل بحال.
23 - (مست) أي جومعت.
533

نسائكم - فإنما حرم ما كان تزويجا، ولم يذكر تحريم الزنا. فكل تزويج كان على
وجه الحلال يصيب صاحبه امرأته، فهو بمنزلة التزويج الحلال.
فهذا الذي سمعت. والذي عليه أمر الناس عندنا.
(10) باب نكاح الرجل أم امرأة قد أصابها على وجه ما يكره
قال مالك، في الرجل يزنى بالمرأة، فيقام عليه الحد فيها. إنه ينكح ابنتها. وينكحها
ابنه إن شاء. وذلك أنه أصابها حراما. وإنما الذي حرم الله، ما أصيب بالحلال أو على وجه
الشبهة بالنكاح. قال الله تبارك وتعالى - لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء -.
قال مالك: فلو أن رجلا نكح امرأة في عدتها نكاحا حلالا. فأصابها. حرمت على ابنه
أن يتزوجها. وذلك أن أباه نكحها على وجه الحلال، لا يقام عليه فيه الحد. ويلحق به الولد
الذي يولد فيه، بأبيه. وكما حرمت على ابنه أن يتزوجها، حين تزوجها أبوه في عدتها، وأصابها،
فكذلك يحزم على الأب ابنتها إذا هو أصاب أمها.
534

(11) باب جامع مالا يجوز من النكاح
24 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
عن الشغار. والشغار أن يزوج الرجل ابنته، على أن يزوجه الاخر ابنته. ليس بينهما صداق.
أخرجه البخاري في: 67 - كتاب النكاح، 28 - باب الشغار.
ومسلم في: 16 - كتاب النكاح، باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه، حديث 57.
24 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عبد الرحمن ومجمع
ابني يزيد بن جارية الأنصاري، عن خنساء بنت خدام الأنصارية، أن أباها زوجها وهي
ثيب، فكرهت ذلك. فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد نكاحه.
أخرجه البخاري في: 67 - كتاب النكاح، 42 - باب إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود.
26 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزبير المكي، أن عمر بن الخطاب أتى بنكاح لم
يشهد عليه إلا رجل وامرأة. فقال هذه نكاح السر. ولا أجيزه. ولو كنت تقدمت فيه،
لرجمت.

24 - (الشغار) مصدر شاغر يشاغر شغارا ومشاغرة. مأخوذ من قولهم شغر البلد عن السلطان إذا
خلا عنه. لخلوه عن الصداق، أو لخلوه عن بعض الشرائط. وقال ثعلب: من قولهم شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول.
كأن كلا من الوليين يقول للآخر: لاترفع رجل ابنتي حتى أرفع رجل ابنتك. وفي التشبيه بهذه الهيئة القبيحة
تقبيح للشغار وتغليظ على فاعله.
26 - (تقدمت) أي سبقت غيري، وفي رواية تقدمت أي سبقني غيري. (لرجمت) أي فاعله.
535

27 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب. وعن سليمان بن يسار،
أن طليحة الأسدية. وكانت تحت رشيد الثقفي فطلقها. فنكحت في عدتها. فضربها عمر بن
الخطاب. وضرب زوجها بالمخفقة ضربات. وفرق بينهما. ثم قال عمر بن الخطاب: أيما امرأة
نكحت في عدتها. فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها، فرق بينهما. ثم اعتدت
بقية عدتها من زوجها الأول. ثم كان الاخر خاطبا من الخطاب. وإن كان دخل بها، فرق
بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول. ثم اعتدت من الاخر. ثم لا يجتمعان أبدا.
قال مالك: وقال سعيد بن المسيب: ولها مهرها بما استحل منها.
قال مالك: الامر عندنا في المرأة الحرة، يتوفى عنها زوجها، فتعتد أربعة أشهر وعشرا:
إنها لا تنكح إن ارتابت من حيضتها، حتى تستبرى نفسها من تلك الريبة، إذا خافت الحمل.
(12) باب نكاح الأمة على الحرة
28 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، سئلا
عن رجل كانت تحته امرأة حرة. فأراد أن ينكح عليها أمة. فكرها أن يجمع بينهما.
29 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول:
لا تنكح الأمة على الحرة. إلا أن تشاء الحرة. فإن طاعت الحرة، فلها الثلثان من القسم.

27 - (بالمخفقة) الدرة التي يضرب بها.
536

قال مالك: ولا ينبغي لحر أن يتزوج أمة، وهو يجد طولا لحرة. ولا يتزوج أمة إذا
لم يجد طولا لحرة، إلا أن يخشى العنت. وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه ومن
لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم
المؤمنات - قال - ذلك لمن خشي العنت منكم -.
(13) باب ما جاء في الرجل يملك امرأته، وقد كانت تحته ففارقها
30 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبد الرحمن، عن زيد بن ثابت،
أنه كان يقول، في الرجل يطلق الأمة ثلاثا، ثم يشتريها، إنها لا تحل له، حتى تنكح
زوجا غيره.
31 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، سئلا
عن رجل زوج عبدا له جارية، فطلقها العبد البتة، ثم وهبها سيدها له. هل تحل له بملك
اليمين؟ فقالا: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.

29 - (طولا) غني أي مهرا. (العنت) الزنا. وأصله المشقة. سمي به الزنا لأنه سببه، بالحد في
الدنيا، والعقوبة في الآخرة.
31 - (البتة) أي جميع طلاقه، وهو اثنتان.
537

32 - وحدثني عن مالك، أنه سأل ابن شهاب عن رجل كانت تحته أمة مملوكة فاشتراها
وقد كان طلقها واحدة فقال: تحل له بملك يمينه ما لم يبت طلاقها. فإن بت طلاقها، فلا تحل
له بملك يمينه حتى تنكح زوجا غيره.
قال مالك، في الرجل ينكح الأمة فتلد منه ثم يبتاعها: إنها لا تكون أم ولد له، بذلك
الولد الذي ولدت منه، وهي لغيره، حتى تلد منه، وهي في ملكه. بعد ابتياعه إياها.
قال مالك: وإن اشتراها وهي حامل منه، ثم وضعت عنده، كانت أم ولده بذلك الحمل،
فيما نرى، والله أعلم.
(14) باب ما جاء في كراهية إصابة الأختين بملك اليمين، والمرأة وابنتها
33 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود،
عن أبيه، أن عمر بن الخطاب سئل عن المرأة وابنتها، من ملك اليمين. توطأ إحداهما بعد الأخرى.
فقال عمر: ما أحب أن أخبرهما جميعا. ونهى عن ذلك.
34 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب، أن رجلا سال عثمان
ابن عفان عن الأختين من ملك اليمين، هل يجمع بينهما؟ فقال عثمان: أحلتهما أية. وحرمتهما
آية. فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك.

33 - (أخبرهما) أي أطأهما. يقال للحراث خبير. ومنه المخابرة.
34 - (أحلتهما آية) يريد قوله - والمحصنات من النساء إلا ما ملك أيمانكم. (وحرمتهما آية) يعني
قوله - وأن تجمعوا بين الأختين -.
538

قال، فخرج من عنده، فلقى رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن ذلك؟ فقال:
لو كان لي من الامر شئ، ثم وجدت أحدا فعل ذلك، لجعلته نكالا.
قال ابن شهاب: أراه علي بن أبي طالب.
35 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن الزبير بن العوام مثل ذلك.
قال مالك، في الأمة تكون عند الرجل فيصيبها، ثم يريد أن يصيب أختها، إلا لا تحل
له، حتى يحرم عليه فرج أختها. بنكاح، أو عتاقة، أو كتابة، أو ما أشبه ذلك. ويزوجها
عبده، أو غيره عبده.
(15) باب النهى عن أن يصيب الرجل أمة كانت لأبيه
36 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وهب لابنه جارية. فقال:
لا تمسها. فإني قد كشفتها.
وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن المجبر، أنه قال: وهب سالم بن عبد الله لابنه
جارية. فقال: لا تقربها. فإني قد أردتها، فلم أنشط إليها.

(نكالا) عبرة مانعة لغيره من ارتكاب مثل ما فعل. قال الأزهري: النكال العقوبة التي تنكل الناس عن
فعل ما جعلت له جزاء. (أراه) أي أظن الصحابي القائل هذا.
36 - (كشفتها) معناه أنه نظر إلى بعض ما تستره من جسدها على وجه طلب التلذذ والاستماع.
(أردتها) أي على الجماع. (فلم أنبسط إليها) لم أجامعها بعد كشفها.
539

37 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن أبا نهشل بن الأسود، قال للقاسم
ابن محمد: إني رأيت جارية لي منكشفا عنها، وهي في القمر. فجالست منها مجلس الرجل
من امرأته. فقالت: إني حائض. فقمت. فلم أقربها بعد. أفأهبها لابني يطؤها؟ فنهاه القاسم
عن ذلك.
38 - وحدثني عن مالك، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عبد الملك بن مروان، أنه
وهب لصاحب له جارية. ثم سأله عنها. فقال: قد هممت أن أهبها لابني، فيفعل بها كذا
وكذا. فقال عبد الملك: لمروان كان أورع منك. وهب لابنه جارية. ثم قال: لا تقربها.
فإني قد رأيت ساقها منكشفة.
(16) باب النهى عن نكاح إماء أهل الكتاب
قال مالك: لا يحل نكاح أمة يهودية ولا نصرانية. لان الله تبارك وتعالى يقول في كتابه
- والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم - فهن الحرائر
من اليهوديات والنصرانيات. وقال الله تبارك وتعالى - ومن لم يستطع منكم طولا أن
ينكح لا محصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات - فهن الإماء
المؤمنات.
قال مالك: فإنما أحل الله، فيما نرى، نكاح الإماء المؤمنات. ولم يحلل نكاح إماء أهل
الكتاب. اليهودية والنصرانية.
540

قال مالك: والأمة اليهودية والنصرانية تحل لسيدها بملك اليمين. ولا يحل وطئ أمة
مجوسية بملك اليمين.
(17) باب ما جاء في الإحصان
39 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أنه قال:
المحصنات من النساء هن ولات الأزواج. ويرجع ذلك إلى أن الله حرم الزنا.
40 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، وبلغه عن القاسم بن محمد، أنهما كانا يقولان:
إذا نكح الحر الأمة فمسها، فقد أحصنته.
قال مالك: وكل من أدركت كان يقول ذلك: تحصن الأمة الحر. إذا نكحها فمسها،
فقد أحصنته.
قال مالك: يحصن العبد الحرة إذا مسها بنكاح. ولا تحصن الحرة العبد، إلا أن يعتق،
وهو زوجها، فيمسها بعد عتقه. فإن فارقها قبل أن يعتق فليس بمحصن. حتى يتزوج بعد
عتقه، ويمس امرأته.
قال مالك: والأمة إذا كانت تحت الحر ثم فارقها قبل أن تعتق. فإن لا يحصنها نكاحه
إياها وهي أمة. حتى تنكح بعد عتقها. ويصيبها زوجها. فذلك إحصانها. الأمة إذا كانت

40 - (إلا أن يعتق) أي يعتقه سيده.
541

تحت الحر، فتعتق وهي تحته. قبل أن يفارقها. فإنه يحصنها إذا عتقت وهي عنده، إذ هو
أصابها بعد أن تعتق.
وقال مالك: والحرة النصرانية، واليهودية، والأمة المسلمة يحصن الحر المسلم. إذا
نكح إحداهن، فأصابها.
(18) باب نكاح المتعة
41 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله والحسن، ابني محمد بن علي
ابن أبي صالب ع ن أبيهما، عن علي بن أبي طالب (ع)، أنه رسول الله (ع) نهى عن متعة
النساء يوم خبير. وعن أكل لحوم الحرم الانسية.
أخرجه البخاري في: 64 - كتاب المغازي، 38 - باب غزوة خيبر.
ومسلم في: 16 - كتاب النكاح، 2 - باب نكاح المتعة، حديث 29 - 32.
42 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، أنه خولة بنت
حكيم
دخلت على عمر بن الخطاب فقال: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة. فحملت منه. فخرج
عمر بن الخطاب فزعا، يجر رداء. فقال: هذه المتعة. ولو كنت تقدمت فيها، لرجمت.

41 - (متعة النساء) هو النكاح لأجل معلوم أو مجهول. سميت بذلك لأن الغرض منها مجرد التمتع،
دون التولد وغيره من أغراض النكاح.
542

(19) باب نكاح العبيد
43 - حدثني يحيى عن مالك، أن ه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول: ينكح العبد
أربع نسوة.
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.
قال مالك: والعبد مخالف للمحلل. إن أذن له سيده. ثبت نكاحه. وإن لم يأذن له
سيده. فرق بينهما. والمحلل يفرق بينهما على كل حال، إذ أريد بالنكاح التحليل.
قال مالك، في العبد إذا ملكته امرأته، أو الزوج يملك امرأته: إن ملك كل واحد
منهما صاحبه، يكون فسخا بغير طلاق. وإن تراجعا بنكاح بعد، لم تكن تلك الفرقة
طلاقا.
قال مالك: والعبد إذا أعتقته امرأته، إذ ملكته، وهي في عدة منه، لم يتراجعا إلا
بنكاح جديد.
(20) باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله
44 - حدثني مالك، عن ابن شهاب، أنه بلغه أن نساء كن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلمن بأرضهن. وهن يغر مهاجرات. وأزواجهن، حين أسلمن، كفار. منهن بنت الوليد
ابن المغيرة. وكانت تحت صفوان بن أمية. فأسلمت يوم الفتح. وهرب زوجها صفوان بن أمية
من الاسلام فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمه وهب بن عمير. برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
543

أمانا لصفوان بن أمية. ودعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام. وأن يقدم عليه. فإن رضى أمرا
قبله. وإذ سيرة شهرين، فلما قدم صفوان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه، ناداه، على رؤوس
الناس، فقال: يا محمد! إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك. وزعم أنك دعوتني إلى القدوم
عليك. فإن رضيت أمرا قبلته. وإلا سيرتني شهرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (انزل أبا وهب)
فقال: لا والله. لا أنزل حتى تبين لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بل لك تسير أربعة أشهر)
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هوازن بحنين. فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعيره أداء وسلاحا
عنده. فقال صفوان: أطوعا أم كرها / فقال (بل طوعا). فأعاره الأداة والسلاح التي عنده.
ثم خرج صفوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافر. فشهد حنينا والطائق، وهو كافر. وامرأته
مسلمة. ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين امرأته. حتى أسلم صفوان. واستقرت عنده
امرأته بذلك النكاح.
قال ابن عبد البر: لا أعلمه يتصل من وجه صحيح. وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير. وابن
شهاب إمام أهلها. وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده، إن شاء الله اه‍.
وقد روى بعضه مسلم في: 43 - كتاب الفضائل، 14 - باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم قط فقال لا.
وكثرة عطائه، حديث 59.
45 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أنه قال: كان بين إسلام صفوان وبين إسلام
امرأته نحو من شهر.
قال ابن شهاب: ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى الله ورسوله، وزوجها كافر مقيم بدار
الكفر، إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها وإلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها.
544

46 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام،
وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل. فأسلمت يوم الفتح. وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل
من الاسلام. حتى قدم اليمن. فارتحلت أم حكيم. حتى قدمت عليه باليمن. فدعته إيل
الاسلام فأسلم. وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح. رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب إليه
فرحا. ما عليه رداء. حتى بايعه. فثبتا على نكاحهما ذلك.
قال مالك: وإذا أسلم الرجل قبل امرأته. وقعت الفرقة بينهما. إذ عرض عليها الاسلام
فلم تسلم. لان الله تبارك وتعالى يقول في كتابه - ولا تمسكوا بعصم الكوافر -.
(21) باب ما جاء في الوليمة
47 - وحدثني يحيى عن مالك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، أن عبد الرحمن
ابن عوف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة. فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخبره أنه تزوج.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كم سقت إليها؟). فقال: زنة نواة من ذهب. فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (أو لم ولو بشاة).
أخرجه البخاري في: 67 - كتاب النكاح، 54 - باب الصفرة للمتزوج.
ومسلم في: 16 - كتاب النكاح، 12 - باب الصداق وكونه تعليم قرآن وخاتم حديد، حديث
79 - 83.

47 - (كم سقت إليها) أي مهرا.
545

48 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: لقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يؤلم بالوليمة، ما فيها خبز ولا لحم.
جاء في موصولا عند ابن ماجة في: 9 - كتاب النكاح، 24 - باب الوليمة.
49 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا
دعى أحدكم إلى وليمة فليأتها).
أخرجه البخاري في: 67 - كتاب النكاح، 17 - باب حق إجابة الوليمة والدعوة.
ومسلم في: 16 - كتاب النكاح 15 - باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، حديث 96.
50 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أنه كان يقول:
شر الطعام طعام الوليمة. يدعى لها الأغنياء. ويترك المساكين. ومن لم يأت الدغوة فقد
عصى الله ورسوله.
أخرجه البخاري في: 67 - كتاب النكاح، 72 - باب من تراك الدعوة فقد عصى الله ورسوله.
ومسلم في: 16 - كتاب النكاح، 15 - باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، حديث 107.
51 - وحدثني عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك
يقول: إن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه. قال أنس: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذلك الطعام. فقرب إليه خبزا من شعير، مرقا فيه دباء. قال أنس: فرأيت رسول الله

51 - (الدباء) القرع، أو المستدير منه.
546

صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حول القصعة. فلم أزال أحب الدباء بعد ذلك اليوم.
أخرجه البخاري في: 70 - كتاب الأطعمة، 4 - باب من تتبع حوالي القصة مع صاحبه.
ومسلم في: 36 - كتاب الأشربة، 21 - باب جواز أكل المرق واستحباب أكل اليقطين،
حديث 144.
(22) باب جامع النكاح
52 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا تزوج
أحدكم المرأة. أو اشترى الجارية. فليأخذ بناصيتها. وليدع بالبركة. وإذا اشترى البعير.
فليأخذ بذروة سنامه. وليستعذ بالله من الشيطان.
مرسل.
53 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزبير الملكي، أن رجلا خطب إلى رجل أخته.
فذكر أنها قد كانت أحدثت. فبلغ ذلك عمر بن الخطاب. فضربه، أو كاد يضربه. ثم
قال: مالك وللخبر.

52 - (بذورة) أي أعلى.
53 - (أحدثت) أي زنت. (مالك وللخبر) يعني أي غرض لك في إخبار الخاطب بذلك.
547

54 - وحدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أن القاسم بن محمد، وعروة
ابن الزبير، كانا يقولان، في الرجل يكون عنده أربع نسوة، فيطلق إحداهن البتة: أنه
يتزوج إن شاء ولا ينتظر أن تنقضي عدتها.
55 - وحدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أن القاسم بن محمد، وعروة
ابن الزبير، أفتيا الولد بن عبد الملك، عام قدم المدينة بذلك. غير أن القاسم بن محمد
قال: طلقها في مجالس شتى.
56 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال:
ثلاث ليس فيهن لعب: النكاح، والطلاق، والعتق.
أصل هذا حديث مرفوع.
أخرجه أبو داود في: 13 - كتاب الطلاق، باب الطلاق في الهزل.
والترمذي في: 11 - كتاب الطلاق، 9 - باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق.
وابن ماجة في: 10 - كتاب الطلاق، 13 - باب من طلق أو نكح أو راجع لاعبا.
57 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن رافع بن خديج، أنه تزوج بنت محمد
ابن مسلمة الأنصاري. فكانت عنده حتى كبرت. فتزوج عليها فتاة شابة. فأثر الشابة
عليه، فنا شدته الطلاق فطلقها واحدة. ثم أمهلها. حتى إذا كادت تحمل راجعها. ثم عاد

57 - (فناشدته) طلبت منه.
548

فآثر الشابة. فنا شدته الطلاق فطلقها واحدة. ثم راجعها. ثم عاد فآثر الشابة. فنا شدته
الطلاق. فقال: ما شئت. إنما بقيت واحدة. فإن شئت استقررت، على ما ترين من الأثرة.
وإن شئت فارقتك، قالت: بل أستقر على الأثرة. فأمسكها على ذلك. ولم ير رافع عليه
إثما حين قرت عنده على الأثرة.

(الأثرة) الاستئثار.
549

(1) باب ما جاء في البتة
1 - حدثني يحيى عن مالك، أنه يلغه أن رجلا قال لعبد الله بن عباس: إني طلقت
امرأتي مائة تطليقة. فماذا ترى على؟ فقال له ابن عباس: طلقت منك لثلاث. وسبع
وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا.
2 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن رجلا جاء إلى عبد الله بن مسعود. فقال: إني طلقت
امرأتي ثماني تطليقات. فقال ابن مسعود: فماذا قيل لك؟ قال: قيل لي إنها قد بانت منى.
فقال ابن مسعود: صدقوا. من طلق كما أمره الله فقد بين الله له. ومن لبس على نفسه لبسا،
جعلنا لبسه ملصقا به. لا تلبسوا على أنفسكم ونتحمله عنكم. هو كما يقولون.
3 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن حزم، أن عمر بن عبد العزيز
قال ه: البتة، ما يقول الناس فيها؟ قال أبو بكر: فقلت له: كان أبان بن عثمان يجعلها واحدة.

2 - (لبس) خلط.
550

فقال عمر بن عبد العزيز: لو كان الطلاق ألفا، ما أبقت البتة منها شيئا. من قال البتة فقد
رمى الغاية الصوى.
4 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أن مروان بن الحكم كان يقضى في الذي يطلق
امرأته البتة، أنها ثلاث تطليقات.
قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلى في ذلك.
(2) باب ما جاء في الخلية والبرية وأشباه ذلك
5 - حدثني يحيى عن مالك، أن بلغه أنه كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق: أن
رجلا قال لامرأته: حبلك على غاربك. فكتب عمر بن الخطاب إلى عامله: أن مره يوافيني
بمكة في الموسم. فبينهما عمر بطوف بالبيت، إذ لقيه الرجل فسلم عليه. فقال عمر: من
أنت؟ فقال: إنا اذى أمرت أن أجلب عليك. فقال له عمر: أسألك برب هذه البنية، ما أردت
بقولك حبلك على غاربك؟ فقال له الرجل: لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك.
أردت، بذلك، الفراق. فقال عمر بن الخطاب: هو ما أردت.

2 - باب ما جاء في الخلية والبرية وأشباه ذلك
(الخلية) قال في المصباح. وخلت المرأة من مانع النكاح خلوا فهي خلية. ونساء خليات. وناقة خلية
مطلقة من عقالها. فهي ترعى حيث شاءت. ومنه يقال في كتاب الطلاق: هي خلية.
5 - (البنية) قال الجوهري: على فعيلة، الكعبة.
551

6 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن علي بن أبي طالب كان يقول، في الرجل يقول
لامرأته: أنت على حرام: إنها ثلاث تطليقات.
قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في ذلك.
7 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول في الخلية والبرية:
إنها ثلاث تطليقات. كل واحدة منهما.
8 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، أن رجلا كانت
تحته وليدة لقوم. فقال لأهلها: شأنكم بها. فرأى الناس أنها تطليقة واحدة.
9 - وحدثني عن مالك، أنه سمع ابن شهاب يقول، في الرجل يقول لامرأته: برئت
منى وبرئت منك: إنها ثلاث تطليقات بمنزلة البتة.
قال مالك، في الرجل يقول لامرأته: أنت خلية أو برية أو بائنة: إنها ثلاث
تطليقات للمرأة التي قد دخل بها. ويدين في التي لم يدخل بها. أواحدة أراد أم ثلاث ا.
فإن قال واحدة أحلف على ذلك. وكان خاطبا من الخطبا. لأنه لا يخلى

8 - (شأنكم بها) أي خذوها.
9 - (يدين) أي يوكل إلي دينه.
552

المرأة التي قد دخل بها زوجها ولأي بينها ولا يبريها إلا ثلاث تطليقات. والتي لم يدخل بها،
تخليها وتبريها وتبينها الواحدة.
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.
(3) باب ما يبين من التمليك
10 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن رجلا جاء إلى عبد الله بن عمر فقال: يا أبا
عبد الرحمن، إني جعلت أمر امرأتي في يدها، فطلقت نفسها، فماذا ترى؟ فقال عبد الله بن
عمر: أراه كما قالت. فقال الرجل: لا تفعل، يا أبا عبد الرحمن. فقال ابن عمر: أنا أفعل؟
أنت فعلته.
11 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: إذا ملك الرجل
امرأته أمرها، فالقضاء ما قضت به. إلا أن ينكر عليها ويقول: لم أرد إلا واحدة.
فيحلف على ذلك، ويكون أملك بها، ما كانت في عدتها.
553

(4) باب ما يجب فيه تطليقة واحدة من التمليك
12 - حدثني يحيى عن مالك، عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت، عن خارجة بن زيد
ابن ثابت، أنه أخبره أنه كان جالسا عند زيد بن ثابت. فأتاه محمد بن أبي عتيق وعيناه تدمعان.
فقال له زيد ما شأنك؟ فقال: ملكت امرأتي أمرها ففارقتني. فقال له زيد: ما حملك على
ذلك؟ قال: القدر. فقال زيد: ارتجعها إن شئت. فإنما هي واحدة. أن أملك بها.
13 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، أن رجلا من ثقيف
ملك امرأته أمرها. فقالت: أنت الطلاق. فسكت. ثم قالت: أنت الطلاق. فقال: بفيك
الحجر. ثم قالت: أنت الطلاق. فقال: بفيك الحجر. فاختصما إلى مروان بن الحكم.
فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة، وردها إليه.
قال مالك، قال عبد الرحمن: فكان القاسم يعجبه هذه القضاء. ويراه أحسن ما سمع
في ذلك.
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك، وأحبه إلى.
554

(5) باب ما لا يبين من التمليك
14 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين،
أنها خطبت على عبد الرحمن بن أبي بكر، قريبة بنت أبي أمية. فزوجوه. ثم إنهم عتبوا
على عبد الرحمن، وقالوا: ما زوجنا إلا عائشة. فأرسلت عائشة إلى عبد الرحمن. فذكرت
ذلك له فجعل أمر قريبة بيدها. فاختارت زوجها. فلم يكن ذلك طلاقا.
15 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبليه، أن عائشة زوج النبي (ص)
زوجت حفصة بنت عبد الرحمن، المنذر بن الزبير. وعبد الرحمن غائب بالشام. فلما قدم
عبد الرحمن قال: ومثلي يصنع هذه به؟ ومثلي يفتات عليه؟ فكلمت عائشة المنذر بن الزبير.
فقال المنذر: فإن ذلك بيد عبد الرحمن. فقال عبد الرحمن: ما كنت لأرد أمرا قضيتيه.
فقرت حفصة عند المنذر. ولم يكن ذلك طلاقا.
16 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة، سئلا عن الرجل،
يملك امرأته أمرها، فترد ذلك إليه، ولا تقضى فيه شيئا؟ فقالا: ليس ذلك بطلاق.
وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن قال: إذا ملك الرجل

14 - (خطبت على عبد الرحمن) أي خطبت له. (ما زوجنا إلا عائشة) أي إنما وثقنا بفضلها وحسن
خلقها، وأنها لا ترضى لنا بأذى، ولا إضرار في وليتنا.
15 - (ومثلي يفتات عليه) افتات فلان افتياتا إذا سبق بفعل شئ واستبد برأيه، ولم يؤامر فيه من هو أحق منه بالأمر فيه.
555

امرأته أمرها. فلم تفارقه وقرت عنده. فليس ذلك بطلاق.
قال مالك، في المملكة إذا ملكها زوجها أمرها، ثم افترقا، ولم تقبل من ذلك شيئا.
فليس بيدها من ذلك شئ. وهو لها ما داما في مجلسهما.
(6) باب الإيلاء
17 - حدثني يحيى عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب،
أنه كان يقول: إذا آلى الرجل من امرأته، لم يقع عليه طلاق. وإن مضت الأربعة الأشهر.
حتى يوقف. فإما أن يطلق. وإما أن يفئ.
قال مالك: وذلك الامر عندنا.
18 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: أيما رجل
آلى من امرأته، فإنه إذا مضت الأربعة الأشهر، وقف. حتى يطلق، أو بفئ. ولا يقع
عليه طلاق. إذ مضت الأربعة الأشهر، حتى يوقف.

17 - (قرت) ثبتت.
(باب الإيلاء)
قال عياض: الإيلاء الحلف، وأصله الامتناع من الشئ. يقال آلي يولي إيلاء. وتألى تأليا. وائتلى ائتلاء.
ومنه قوله تعالى - ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة - ثم استعمل فيما إذا كان الامتناع منه لأجل اليمين
فنسبوا اليمين إليه، فصار الإيلاء الخلف. وهو في عرف الفقهاء الحلف على ترك وطئ الزوجة. 18 - (حتى يوقف) عند الحاكم. (وإما أن يفئ) يطأ ويكفر عن يمينه.
556

وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أن سعيد بن المسيب، وأبا بكر بن عبد الرحمن،
كانا يقولان، في الرجل يولى من امرأته: إنها إذا مضت الأربعة الأشهر، فهي تطليقة.
ولزوجها عليها الرجعة. ما كانت في العدة.
19 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن مروان بن الحكم كان يقضى في الرجل إذا آلى
من امرأته: أنه إذا مضت الأربعة الأشهر، فهي تطليقة. وله عليها الرجعة. ما دامت
في عدتها.
قال مالك: وعلى ذلك كان رأى ابن شهاب.
قال مالك، في الرجل يولى من امرأته، فيوقف، فيطلق عند انقضاء الأربعة الأشهر.
ثم يراجع امرأته: أنه إن لم يصبها حتى تنقضي عدتها، فلا سبيل له إليها. ولا رجعة له
عليها. إلا أن يكون له عذر، من مرض، أو سجن: أو ما أشبه ذلك من العذر. فإن ارتجاعه
إياها ثابت عليها. فان مضت عدتها ثم تزوجها بعد ذلك، فإن إن لم يصبها حتى تنقضي
الأربعة الأشهر، وقف أيضا. فإن لم يفي دخل عليه الطلاق بالايلاء الأول. إذا مضت
الأربعة الأشهر ولم يكن له عليها رجعة. لأنه نكحها ثم طلقها قبل أن يمسها. فلا عدة
له عليها، ولا رجعة.
قال مالك، في الرجل يولى من امرأته، فيوقف بعد الأربعة الأشهر، فيطلق، ثم يرتجع
ولا يمسها، فتنقضي أربعة أشهر قبل أن تنقضي عدتها، إنه لا يوقف، ولا يقع عليه طلاق.
وإنه إن أصابها قبل أن تنقضي عدتها، كان أحق بها. وإن مضت عدتها قبل أن يصيبها.
فلا سبيل له إليها. وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.

19 - (أو يفئ) يرجع إلى جماعها.
557

قال مالك، في الرجل يولى من امرأته، ثم يطلقها، فتنقضي الأربعة الأشهر قبل انقضاء
عدة الطلاق. قال: هما تطليقتان. إن هو وقف ولم يفي. وإن مضت عدة الطلاق قبل الأربعة
الأشهر، فليس الايلاء بطلاق. وذلك أن الأربعة الأشهر التي كانت توقف بعدها، مضت
وليست له، ويؤمئذ، بامرأة.
قال مالك: ومن حلف أن لا يطأ امرأته يوما أو شهرا، ثم مكث حتى ينقضي أكثر
من الأربعة الأشهر، فأما من حلف على أكثر من
الأربعة الأشهر. فأما من حلف أن لا يطأ امرأته أربعة أشهر، أو أدنى من ذلك، فلا أرى
عليه إيلاء. لأنه إذا دخل الاجل الذي يوقف عنده، خرج من يمينه، ولم يكن عليه وقف.
قال مالك: من حلف لامرأته أن لا يطأها حتى تفطم ولدها، فإن ذلك لا يكون إيلاء.
وقد بلغني أن علي بن أبي طالب سئل عن ذلك، فلم يره إيلاء.
(7) باب إيلاء العبد
حدثني يحيى عن مالك، أنه سأل ابن شهاب عن إيلاء العبد؟ فقال: هو نحو إيلاء الحر.
وهو عليه واجب. وإيلاء العبد شهران.
558

(8) باب ظهار الحر
20 - حدثني يحيى عن مالك، عن سعيد بن عمرو بن سليم الزرقي، أنه سأل القاسم
ابن محمد، عن رجل طلق امرأة: إن هو تزوجها. فقال القاسم بن محمد: إن رجلا جعل امرأة
عليه كظهر أمه، إن هو تزوجها. فأمره عمر بن الخطاب، إن هو تزوجها، أن لا يقربها،
حتى يكفر كفارة المتظاهر.
21 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن رجلا سأل القاسم بن محمد وسليمان بن يسار،
عن رجل تظاهر من امرأته قبل أن ينكحها؟ فقالا: إن نكحها، فلا يمسها حتى يكفر
كفارة المتظاهر.
22 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال، في رجل تظاهر
من أربعة نسوة له بكلمة واحدة: إنه ليس عليه إلا كفارة واحدة.

(ظهار الحر)
الظهار مصدر ظاهر. مفاعلة من الظهر. فيصح أن يراد به معان مختلفه ترجع إلى الظهر معنى ولفظا
بحسب
اختلاف الأغراض. فيقال ظاهرت فلانا إذا قابلت ظهره بظهرك حقيقة، وإذا غايظته أيضا، وإن لم تدابره
حقيقة. باعتبار أن المغايظة تقتضي هذه المقابلة. وظاهرته إذا نصرته. لأنه يقال قوى ظهره إذا نصره. وظاهر
من امرأته إذا قال: أنت علي كظهر أمي. وظاهر بين ثوبين إذا لبس أحدهما فوق الآخر، على اعتبار جعل ما يلي
كل منهما الآخر ظهرا للثوب.
20 - (طلق امرأته إن هو تزوجها) أي علق طلاقها على تزوجه إياها.
22 - (بكلمة واحدة) بأن قال: أنتن علي كظهر أمي.
559

وحدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، مثل ذلك.
قال مالك: وعلى ذلك الامر عندنا. قال الله تعالى في كفارة المتظاهر - فتحرير رقبة
من قبل أن يتماسا -. - فمن لم يجد فصيام شهر بن متتابعين من قبل أن يتماسا، فمن لم يستطع
فإطعام ستين مسكينا -.
قال مالك، في الرجل يتظاهر من امرأته في مجالس متفرقة. قال: ليس عليه إلا كفارة
واحدة. فإن تظاهر ثم كفر، ثم تظاهر بعد أن يكفر، فعلية الكفارة أيضا.
قال مالك: ومن تظاهر من امرأته ثم مسها قبل أن يكفر، ليس عليه إلا كفارة واحدة.
ويكف عنها حتى يكفر. وليستغفر الله. وذلك أحسن ما سمعت.
قال مالك: والظاهر من ذوات المحارم، من الرضاعة والنسب، سواء.
قال مالك: وليس على النساء ظهار.
قال مالك، في قول الله تبارك وتعالى - والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا -.
قال: سمعت أن تفسير ذلك أن يتظاهر الرجل من امرأته. ثم يجمع على إمساكها وإصابتها.
فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة. وإن طلقها، ولم يجمع بعد تظاهره منها،
على إمساكها وإصابتها، فلا كفارة عليه.
قال مالك: فإن تزوجها بعد ذلك، لم يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر.
قال مالك، في الرجل يتظاهر من أمته: إنه إن أراد أن يصيبها، فعليه كفارة الظاهر،
قبل أن يطأها.

(وليس علي النساء ظهار) فإذا تظاهرت المرأة من زوجها لم يلزمها شئ. لأن الله تعالي إنما جعله للرجال.
فلا مدخل فيه للنساء. (يجمع) يعزم ويصمم.
560

قال مال.: لا يدخل على الرجل إيلاء في تظاهره. إلا أن يكون مضارا لا يريد أن يفئ
من تظاهره.
23 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، أنه سمع رجلا يسأل عزوة بن الزبير
عن رجل قال لامرأته: كل امرأة أنكحها عليك، ما عشت، فهي على كظهر أمي. فقال عروة
ابن الزبير: يجزيه عن ذلك عتق رقبة.
(9) باب ظهار العبيد
24 - حدثني يحيى عن مالك، أنه سأل ابن شهاب عن ظهار العبد؟ فقال: نحو ظهار الحر.
قال مالك: يريد أنه يقع عليه كما يقع على الحر.
قال مالك: وظهار العبد عليه واجب. وصيام العبد في الظهار شهران.
قال مالك، في العبد يتظاهر من امرأته، إنه لا يدخل عليه إيلاء. وذلك أنه لو ذهب
يصوم صيام كفارة المتظاهر. دخل عليه طلاق الايلاء. قبل أن يفرغ من صيامه.
561

(10) باب ما جاء في الخيار
25 - حدثني يحيى عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد،
عن عائشة أم المؤمنين، أنها قالت: كان في بريرة بن أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد،
عن عائشة أم المؤمنين، أنها قالت: كان في بريرة ثلاث سنن. فكانت إحدى السنن الثلاث
أنه أعتقت فخيرت في زوجها. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أولاء لمن أعتق). ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
(أم صلى الله عليه وسلم والبرمة تفور بلحم. فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(ألم أر برمة فيها لحم؟) فقالوا: بلى. يا رسول الله. ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة،
وأنت لا تأكل الصدقة. فقال رسول الله. ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة،
وأنت لا تأكل الصدقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هنو عليها صدقة، وهو لنا هدية)
أخرجه البخاري في: 68 - كتاب الطلاق، 14 - باب لا يكون بيع الأمة طلاقا.
ومسلم في: 20 - كتاب العتق، 2 - باب إنما الولاء لمن أعتق، حديث 14.
26 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول، في الأمة
تكون تحت العبد فتعتق: إن الأمة لها الخيار ما لم يمسها.
قال مالك 6 وإن مسها زوجها فزعمت أنه جهلت، أن لها الخيار. فإنها تتهم ولا تصدق
بما ادعت من الجهالة. ولا خيرا لها بعد أن يمسها.

25 - (ثلاث سنن) أي علم بسببها ثلاثة أحكام من الشريعة. (والبرمة) قال ابن الأثير هي القدر
مطلقا. وجمعها برم. وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز. (وأدم) جمع إدام. وهو ما يؤكل
مع الخبز، أي شئ كان.
562

وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، أن مولاة لبنى عدى
يقال لها زبراء. أخبرته أنها كانت تحت عبد. وهي أمة يومئذ. فعتقت. قالت: فأرسلت
إلى حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. فدعتني. فقالت: إني مخبرتك خبرا. ولا أحب أن تصنعي شيئا.
إن أمرك بيدك، ما لم يمسسك زوجك. فإن مسك فليس لك من الامر شئ. قالت، فقلت:
هو الطلاق. ثم الطلاق. ثم الطلاق. ففارقته ثلاثا.
28 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال: أيما رجل تزوج
امرأة وبه جنون أو ضرر، فإنها تخير. فإن شاءت قرت. وإن شاءت فارقت.
29 - قال مالك، في الأمة تكون تحت العبد، ثم تعتق قبل أن يدخل بها، أو يمسها:
إنها إن اختارت نفسها فلا صداق لها. وهي تطليقة. وذلك الامر عندنا.
30 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أنه سمعه يقول: إذا خير الرجل امرأته،
فاختارته. فليس ذلك بطلاق.
قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت.
قال مالك، في المخيرة: إذ خيرها زوجها، فاختارت نفسها، فقد طلقت ثلاثا. وإن قال
زوجها: لم أخيرك إلا واحدة. فليس له ذلك. وذلك أحسن ما سمعته.
قال مالك: وإن خيرها فقالت: قد قبلت واحدة وقال لم أرد هذه وإنما خيرتك في الثلاث

28 - (فإن شاءت قرت) أي بقيت عنده.
563

جميعا. أنها إن لم تقبل إلا واحدة، أقامت عنده على نكاحها. ولم يكن ذلك فراقا. إن شاء الله تعالى.
(11) باب ما جاء في الخلع
31 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أنها
أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصاري، أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس. وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح. فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس. فقال لها
رسول الله صلى الله عليه وسلم (من هذه؟) فقالت: أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله. قال (ما شأنك؟)
أقلت: لا أنا ولا ثابت بن قيس. لزوجها. ف لما جاء زوجها ثابت بن قيس، قال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم (هذه حبيبة بنت سهل. قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر) فقالت حبيبة: يا رسول الله
كل ما أعطاني عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: (خذ منها) فأخذ منها.
وجلست في بيت أهلها.
أخرجه أبو داود في: 13 - كتاب الطلاق، 17 - باب في الخلع.
والنسائي في: 27 - كتاب الطلاق، 34 - باب ما جاء في الخلع.
وابن ماجة في: 10 - كتاب الطلاق، 22 - باب المختلعة تأخذ ما أعطاها.

(ما جاء في الخلع)
الخلع مأخوذ من الخلع. وهو النزع، سمي به لأن كلا من الزوجين لباس للآخر في المعنى. قال تعالي
- هي لباس لكم وأنتم لباس لهن - فكأنه بمفارقة الآخر نزع لباسه. وضم مصدره تفرقة بين الحسي والمعنوي.
31 - (الفلس) بقية الظلام.
564

32 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن مولاة لصفية بنت أبي عبيد، أنها اختلعت
من زوجها بكل شئ لها. فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر.
قال مالك، في المفتدية التي تفتدي من زوجها: أنه إذا علم أن زوجها أضربها، وضيق
عليها، وعليم أنه ظالم لها، مضى الطلاق. ورد عليها مالها.
قال فهذا الذي كنت أسمع. واذى كنت أسمع. والذي عليه أمر الناس عندنا.
قال مالك: لا بأس بأن تفتدي المراة من زوجها، بأكثر مما أعطاها.
(12) باب طلاق المختلعة
33 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن ربيع بنت معوذ بن عفراء، جاءت هي
وعمها إلى عبد الله بن عمر. فأخبرته أنها اختلعت من زوجها في زمان عثمان بن عفان. فبلغ
ذلك عثمان بن عفان، فلم ينكره. وقال عبد الله بن عمر: عدتها عدة المطلقة. وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وابن شهاب،
كانوا يقولون: عدة المختلعة مثل عدة المطلقة. ثلاثة قروء.
قال مالك، في المفتدية: إنها لا ترجع إلى زوجها إلا بنكاح جديد. فإن هو نكحها،
ففارقها قبل أن يمسها، لم يكن له عليها عدة من الطلاق الاخر. وتبنى على عدتها
الأولى.
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.

(ثلاثة قروء) القرء الحيض. وجمعه أقراء وقروء وأقرؤ. والقرء أيضا الطهر، وهو من الأضداد.
565

قال مالك: إذ افتدت المرأة من زوجها بشئ، على أن يطلقها. فطلقها طلاقا متتابعا نسقا،
فذلك ثابت عليه. فإن كان بين ذلك صمات، فما أتبعه بعد الصمات فليس بشئ.
(13) باب ما جاء في اللعان
34 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن
عويمرا العجلاني إلى عاصم بن عدي الأنصاري. فقال له: يا عاصم. أرأيت رجلا وجد
مع امرأته رجلا، أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ سل لي، يا عاصم، عن ذلك، يا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها. حتى كبر
على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رجع عاصم إلى أهله، جاءه عويمر. فقال: يا عاصم.
ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عاصم لعويم.: لم تأتني بخير. قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم
المسألة التي سألته عنها. فقال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها. فأقبل عويمر حتى أتى

(نسقا) أي بلا فاصل. وهو بمعنى «متتابعا». (صمات) مصدر صمت أي سكت.
(ما جاء في اللعان)
اللعان مصدر لاعن. سماعي لا قياسي. والقياسي الملاعنة. من اللعن وهو الطرد والإبعاد. يقال لاعنته امرأته
ملاعنة ولعانا فتلاعنا. لعن بعض بعضا. ولا عن الحاكم بينهما لعانا حكم. وفي الشرع كلمات معلومة جعلت
حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العاربه. وسميت لعانا لاشتمالها على كلمة اللعن، تسمية للكل باسم
البعض. ولأن كلا من المتلاعنين يبعد عن الآخر بها، إذ يحرم النكاح بها أبدا.
34 - (أرأيت رجلا) أي أخبرني عن حكم رجل. (حتى كبر) أي عظم.
566

رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس. فقال: يا رسول الله. أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا،
أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أنزل فيك وفي صاحبتك.
فاذهب فأت بها). قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما فرغا من
تلاعنهما، قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها. فطلقها ثلاثا. قبل أن
يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال مالك، قال ابن شهاب: فكانت تلك، بعد، سنة المتلاعنين.
أخرجه البخاري في: 68 - كتاب الطلاق، 4 - باب من أجاز طلاق الثلاث.
ومسلم في: 19 - كتاب اللعان، حديث 1.
35 - وحدثني عن مالك، عن نفاع، عن عبد الله بن عمر، أن رجلا لاعن امرأته في
زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانتفل من ولدها. ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما. وألحق الولد
بالمرأة.
أخرجه البخاري في: 68 - كتاب الطلاق، 35 باب يلحق الولد بالملاعنة.
ومسلم في: 19 - كتاب اللعان، حديث 8.
قال مالك: قال الله تبارك وتعالى - والذين يرمون أن أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم
فشاهده أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أنه لعنة الله عليه إن كان

(وفي صاحبتك) أي زوجتك. (فكانت تلك بعد سنة المتلاعنين) فلا يجتمعان بعد الملاعنة أبدا.
فتحرم عليه بمجرد اللعان تحريما مؤبدا، ظاهرا وباطنا، سواء صدقت أو صدق.
35 - (وانتفل) أي تبرأ. (يرمون أزواجهم) يقذفونهم بالزنا.
567

من الكاذبين. ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة
أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين -.
قال مالك: السنة عندنا أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا. وإن أكذب نفسه جلد الحد.
والحق به الولد. ولم ترجع إليه أبدا. وعلى هذه، السنة عندنا، التي لاشك فيها،
ولا اختلاف.
قال مالك: وإذا فارق الرجل امرأته فراقا باتا. ليس له عليها فيه رجعة، ثم أنكر
حملها. لاعنها إذا كانت حاملا. وكان حملها يشبه أن يكون منه. إذ ادعته. ما لم يأت
دون ذلك من الزمان الذي يشك فيه. فلا يعرف أنه منه.
قال: فهذا الامر عندنا. والذي سمعت من أهل العلم.
قال مالك: وإذا قذف الرجل امرأته، بعد أن يطلقها ثلاث ا. وهي حامل. ويقر بحملها.
ثم يزعم أنه رآها تزني قبل أن يفارقها، جلد الحل. ولم يلاعنها. إن أنكر حملها بعد
أن يطلقها ثلاثا، لاعنها.
قال: وهذا الذي سمعت.
قال مالك: والعبد بمنزلة الحر في قذفه ولعانه. ويجرى مجرى الحر في ملاعنته. غير أنه
ليس على من قذف مملوكة حد.
قال مالك: والأمة المسلمة والحرة النصرانية واليهودية تلاعن الحر المسلم إذا تزوج

(ويدرأ) يدفع. (العذاب) أي حد الزنا. (ادعته) أي ادعت أنه منه.
(جلد الحد) لأنه قذف أجنبية.
568

إحداهن فأصابها. وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه - والذين يرمون أزواجهم - فهن
من الأزواج. وعلى هذا، الامر عندنا.
قال مالك: والعبد إذا تزوج المرأة الحرة المسلمة، أو الأمة المسلمة، أو الحرة النصرانية.
أو اليهودية، لاعنها.
قال مالك، في الرجل يلاعن امرأته فينزع، ويكذب نفسه بعد يمين أو يمينين، ما لم
يلتعن في الخامسة: إنه إذا نزع قبل أن يلتعن جلد الحد. ولم يفرق بينهما.
قال مالك، في الرجل يطلق امرأته. فإذا مضت الثلاثة الأشهر قالت المرأة: أنا حامل.
قال: إن أنكر زوجها حملها، لاعنها
قال مالك، في الأمة المملوكة لاعنها زوجها ثم يشتريها: إنه لا يطؤها، وإن ملكها.
وذلك أن السنة مضت، أن المتلاعنين لا يتراجعان أبدا.
قال مالك: إذا لاعن الرجل امرأته قبل أن يدخل بها، فليس لها إلا نصف الصداق
(14) باب ميراث ولد الملاعنة
36 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عروة بن الزبير كان يقول في ولد الملاعنة
وولد الزنا: أنه إذا مات ورثته أمه حقها في كتاب الله تعالى. وإخوته لأمه حقوقهم. ويرث

(فينزع) أي يرجع.
36 - (الملاعنة) بفتح العين وكسرها. وهي التي وقع اللعان بينها وبين زوجها. (حقها) بالنصب.
بدل من ضمير ورثته.
569

البقية موالي أمه. وإن كانت مولاة. وإن كانت عربية ورثت حقها. وورث إخوته لأمه
حقوقهم. وكان ما بقي للمسلمين.
قال مالك: وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك. وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا.
(15) باب طلاق البكر
37 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن
محمد بن إياس بن البكير، أنه قال: طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها. ثم بدا له
أن ينكحها. فجاء فذهبت معه أسأل له. فسأل عبد الله بن عباس وأبا هريرة عن
ذلك. فقالا: لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجا غيرك. قال: فإنما طلاقي إياها واحدة.
قال ابن عباس: إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل.
38 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن
النعمان بن أبي عياش الأنصاري، عن عطاء بن يسار، أنه قال: جاء رجل يسأل عبد الله بن عمر
ابن العاص، عن رجل طلق امرأته ثلاثا، قبل أن يمسها. قال عطاء: فقلت إنما طلاق البرك
واحدة. فقال لي عبد الله بن عمرو بن العاص: إنما أنت قاص. الواحدة تبينها، والثلاثة
تحرمها حتى تنكح زوجها غيره.

(مولاة) أي معتقة. (عربية) أي حرة.
38 - (إنما أنت قاص) أي صاحب قصص ومواعظ، لا تعلم غوامض الفقه. (تبينها) أي تجعلها
بائنا. فلا يعيدها إلا بعقد جديد، وصداق.
570

39 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، أنه
أخبره عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري، انه كان جالسا مع عبد الله بن الزبير، وعاصم.
ابن عمر بن الخطاب. قال: فجاءهما محمد بن إياس بن البكير. فقال: إن رجلا من أهل البادية
طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها. فماذا تريان؟ فقال عبد الله بن الزبير: إن هذا الامر
مالنا فيه قول. فاذهب إلى عبد الله بن عباس، وأبي هريرة. فكنى تركتهما عند عائشة. فسلهما.
ثم ائتنا فأخبرنا. فذهب فسألهما. فقال ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة، فقد جاءتك
معضلة. فقال ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة، فقد جاءتك
معضلة. فقال أبو هريرة: الواحدة تبينها، والثلاثة تحرمها حتى تنكح زوجها غيره.
وقال ابن عباس: مثل ذلك.
قال مالك: وعلى ذلك، الامر عندنا. الثيب إذ ملكها الرجل فلم يدخل بها، إنها
تجرى مجرى البكر. الواحدة تبينها، والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره.
(16) باب طلاق المريض
40 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن طلحة بن عبد الله بن عوف. قال،
وكان أعلمهم بذلك. وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أن عبد الرحمن بن عوف طلق
امرأته البتة وهو مريض. فورثها عثمان بن عفان منه، بعد انقضاء عدتها.

39 - (معضلة) أي شديدة.
571

41 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن الفضل، عن الأعرج، أن عثمان بن عفان ورث
نساء ابن مكمل منه. وكان طلقهن وهو مريض.
42 - وحدثني عن مالك، أن سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول: بلغني أن امرأة
عبد الرحمن بن عوف سألته أن يطلقها. فقال: إذ حضت ثم طهرت فآذنيني. فلم تحض حتى
مرض عبد الرحمن بن عوف. فلما طهرت آذنته، فطلقها البتة. أو تطليقة. لم يكن بقي له
عليها من الطلاق غيره. عبد الرحمن بن عوف يومئذ مريض. فورثها عثمان بن عفان منه،
بعد انقضاء عدتها.
43 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان. قال: كانت
عند جدي حبان امرأتان. هاشمية وأنصارية. فطلق الأنصارية وهي ترضع فمرت بها سنة.
ثم هلك عنها ولم تحض. فقالت: أنا أرثه. لم أحض. فاختصمتا إلى عثمان بن عفان. فقضى لها
بالميراث فلامت الهاشمية عثمان. فقال: هذا عمل ابن عمك. هو أشار علينا بهذا. يعين
علي بن أبي طالب.
44 - وحدثني عن مالك، أنه سمع ابن شهاب يقول: إذ طلق الرجل امرأته ثلاثا
وهو مريض فإنها ترثه.

(فآذنيني) أي أعلميني. (البتة) أي ثلاثا.
572

قال مالك: وإن طلقها وهو مريض قبل أن يدخل بها، فلها نصف الصداق ولها الميراث،
ولا عدة عليها. وإن دخل بها ثم طلقها، فلها المهر كله، والميراث. البكر والثيب في هذه
عندنا سواء.
(17) باب ما جاء في متعة الطلاق
45 - حدثني يحيى عن مالك، انه بلغه أن عبد الرحمن بن عوق طلق امرأة له. فمتع
بوليدة.
وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: لكل مطلقة متعة.
إلا التي تطلق، وقد فرض لها صداق ولم تمس، فحسبها نصف ما فرض لها.
46 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أنه قال: لكل مطلقة متعة.
قال مالك: وبلغني عن القاسم بن محمد مثل ذلك.
قال مالك: ليس للمتعة عندنا حد معروف. في قليلها ولا كثيرها.
573

(18) باب ما جاء في طلاق العبد
47 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزناد، عن سليمان بن يسار، أن نفيعا، مكاتبا
كان لام سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم أو عبدا لها، كانت تحته امرأة حرة. فطلقها اثنتين ثم أراد
أن يراجعها. فأمره أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي عثمان بن عفان، فيسأله عن ذلك. فلقيه عند
الدرج آخذا بيد زيد بن ثابت. فسألهما. فابتدراه جميعا فقالا: حرمت عليك. حرمت عليك.
48 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن نفيعا، مكاتبا
كان لام سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، طلق امرأة حرة تطليقتين. فاستفتى عثمان بن عفان فقال:
حرمت عليك.
49 - وحدثني عن مالك، عن عبد ربه بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي
أن نفيعا، مكاتبا كان لام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، استفتى زيد بن ثابت. فقال: إني طلقت امرأة حرة تطليقتين. فقال زيد بن ثابت: حرمت عليك.
50 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: إذ طلق العبد
امرأته تطليقتين، فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره. حرة كانت أو أمة. وعدة
الحرة ثلاث حيض. وعدة الأمة حيضتان.

47 - (الدرج) موضع بالمدينة.
574

51 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول، من أذن لعبده أن
ينكح، فالطلاق بيد العبد. ليس بيد غيره من طلاق ه شئ. فأما أن يأخذ الرجل أمة
غلامه، أو أمة وليدته، فلا جناح عليه،
(19) باب نفقة الأمة إذا طلقت وهى حامل
قال مالك: ليس على حر ولا عبد طلقا مملوكة، ولا على عبد طلق حرة طلاقا بائنا، نفقة
وإن كانت حاملا. إذ لم يكن له عليها رجعة.
قال مالك، وليس على حر أن يسترضع لابنه، وهو عبد قوم آخرين. ولا على عبد أن
نيفق من ماله على ما يملك سيده، إلا بإذن سيده.
(20) باب عدة التي تفقد زوجها
52 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن عمر
ابن الخطاب قال: أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو؟ فإنها تنتظر أربع سنين. ثم تعتد
أربعة أشهر وعشرا. ثم تحل.
قال مالك: وإن تزوجت بعد انقضاء عدتها، فدخل بها وجها أو لم يدخل بها. فلا سبيل
لزوجها الأول إليها.
قال مالك: وذلك الامر عندنا. وإن أدركها زوجها قبل أن تتزوج، فهو أحق بها.
575

قال مالك: وأدركت الناس ينكرون الذي قال بعض الناس على عمر بن الخطاب، أنه
قال: يحير زوجها الأول إذا جاء، في صداقها أو في امرأة ه
.
قال مالك: وبلغني أن عمر بن الخطاب قال، في المرأة يطلقها زوجها وهو غائب عنا،
ثم يراجعها، فلا يبلغها رجعته، وقد بلغها طلاقه إياها فتزوجت: أنه إن دخل بها زوجها
الاخر، أولم يدخل بها، فلا سبيل لزوجها الأول الذي كان طلقها، إليها.
قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلى، في هذا، وفي المفقود.
(21) باب ما جاء في الأقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض
53 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض.
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(مره فليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تظهر، ثم إن شاء أمسك بعد.
وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء).
أخرجه البخاري في: 68 - كتاب الطلاق، 1 - باب قول الله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء.
ومسلم في: 18 - كتاب الطلاق، 1 - باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، حدثنا يحيى بن
يحيى التميمي.
54 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين،

53 - (أمسك بعد) أي بعض الطهر من الحيض الثاني.
576

أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. حين دخلت في الدم من الحيضة
الثالثة
قال ابن شهاب: فذكر ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن. فقالت: صدق عروة. وقد جادلها
في ذلك ناس فقالوا: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه - ثلاثة قروء - فقالت عائشة:
صدقتم. تدرون ما الأقراء لا؟ إنما الأقراء الأطهار.
55 - وحدثني عن مالك. عن ابن شهاب، أنه قال: سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول:
ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول هذا. يريد قول عائشة.
56 - وحدثني عن مالك، عن نافع، وزيد بن أسلم، عن سليمان بن يسار، أن الأحوص
هلك بالشام. حين دخلت امرأته في الدم من الحيضة الثالثة. وقد كان طلقها. فكتب
معاوية بن أبي سفيان إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك. فكتب إليه زيد: إنها إذا دخلت
في العدم من الحيضة الثالثة، فقد برئت منه، وبرئ منها. ولا ترثه ولا يرثها.

54 - (جادلها) خاصمها بشدة. (إنما الأقراء الأطهار) قال أبو عمر: لم تختلف العلماء ولا الفقهاء أن
القرء، لغة، يقع على الطهر والحيضة، إنما اختلفوا في المراد في الآية. فقال جمهور أهل المدينة: الأطهار. وقال العراقيون:
الحيض. وحديث ابن عمر يدل للأول، لقوله: ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر
الله. فأخبر أن الطلاق للعدة لا يكون إلا في طهر. فهو بيان لقوله تعالى: - فطلقوهن لعدتهن -.
56 - (فقد برئت منه وبرئ منها) مثل سلم، وزنا ومعنى. أي انقطعت العلاقة بينهما.
577

57 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وأبى بكر
ابن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وابن شهاب، أنهم كانوا يقولون: إذ دخلت المطلقة
في الدم من الحيضة الثالثة، فقد بانت من زوجها ولا ميراث بينهما. ولا رجعة له عليها.
58 - وحدثني عن مالك، عن نافع، ن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: إذ طلق
الرجل امرأته، فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة، فقد برئت منه وبرئ منها.
قال مالك: وهو الامر عندنا.
59 - وحدثني عن مالك، عن الفضيل بن أبي عبد الله، مولى المهري، أن القاسم بن
محمد، وسالم بن عبد الله، كانا يقولان إذ طلقت المرأة فدخلت في الدم، من الحيضة الثالثة،
فقد بانت منه وحلت.
60 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن سعيد بن المسيب، وابن شهاب، وسليمان ابن يسار، أنهم كانوا يقولون: عدة المختلعة ثلاثة قروء.
61 - وحدثني عن مالك، أنه سمع ابن شهاب يقول: عدة المطلقة الأقراء. وإن تباعدت.
62 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن رجل من الأنصار، أن امرأته سألته
الطلاق. فقال لها: إذا حضت فآذنيني. فلما حاضت آذنته. فقال: إذ طهر فآذنيني.
578

فلما طهرت آذنته. فطلقها.
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.
(22) باب ما جاء في عدة المرأة في بيتها إذا طلقت فيه
63 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، وسليمان بن
يسار، أنه سمعهما يذكران، أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق ابنة عبد الرحمن بن الحكم
البتة. فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم. فأرسلت عائشة أم المؤمنين إلى مروان بن الحكم،
وهو يومئذ أمير المدينة. فقالت: اتق الله واردد المرأة إلى بيتها. فقال مروان، في حديث
سليمان: إن عبد الرحمن غلبني. وقال مروان، في حديث القاسم: أو ما بلغك شأن فاطمة
بنت قيس؟ فقالت عائشة: لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة. فقال مروان: إن كان بك
الشر، فحسبك ما بين هذين من الشر.
أخرجه البخاري في: 68 - كتاب الطلاق، 41 باب قصة فاطمة بنت قيس.
64 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، كانت
تحت عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، فطلقها البتة. فانتقلت فأنكر ذلك عليها عبد الله بن عمر.

63 - (فانتقلها) أي نقلها أبوها. (إن كان بك الشر) أي إن كان عندك أن سبب خروج فاطمة
بنت قيس ما وقع بينها وبين أقارب زوجها من الشر. (فحسبك) أي يكفيك.
579

65 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر طلق له، في مسكن
حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وكان طريقة إلى المسجد. فكان يسلك الطريق الأخرى، من
أدبار البيوت، كراهية أن يستأذن عليها. حتى راجعها.
66 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن سعيد بن المسيب سئل عن المرأة
يطلقها زوجها وهي في بيت بكراء، على من الكراء؟ فقال سعيد بن المسيب: على زوجها.
قال: فإن لم يكن عند زوجها؟ قال: فعليها. قال: فإن لم يكن عندها؟ قال: فعلى الأمير.
(23) باب ما جاء في نفقة المطلقة
67 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة
ابن عبد الرحمن بن عوف، عن فاطمة بنت قيس، أنه أبا عمرو بن حفص طلقها البتة. وهو
غائب بالشام. فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته. فقال: والله مالك علينا من شئ. فجاءت
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال (ليس لك عليه نفقة) وأمرها أز تعتد في بيت
أم شريك. ثم قال (تلك امرأة يغشاها أصحابي. اعتدى عند عبد الله بن أم مكتوم. فإنه
رجل أعمى. تضعين ثيابك عنده، فإذا حللت فآذنيني) قالت: فلما حللت ذكرت له، أن

66 - (على من الكراء) في مدة العدة. (فإن لم يكن عند زوجها) شئ للكراء.
67 - (البتة) يعني بها آخرة الثلاث تطليقات. (تلك امرأة يغشاها أصحابي) أي يلمون بها،
و يردون عليها، ويزورونها. لصلاحها. وكانت كثيرة المعروف والنفقة في سبيل الله، والتضييف للغرباء من
المهاجرين وغيرهم.
580

معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم بن هاشم خطباني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما أبو جهم
فلا يضع عصاه عن عاتقه. وأما معاوية فصعلوك لا مال له. انكحي أسامة بن زيد)
قالت: فكرهته. ثم قال (انكحي أسامة بن زيد) فنكحته. فجعل الله في ذلك خيرا.
واغتبطت به.
أخرجه مسلم في: 18 - كتاب الطلاق، 6 - باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها، حديث 35.
ورواه الشافعي في الرسالة فقرة، 856، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
68 - وحدثني عن مالك، أنه سمع ابن شهاب يقول: المبتوتة لا تخرج من بيتها حتى
تحل. وليست لها نفقة. إلا أن تكون حاملا، فينفق عليها، حتى تضع حملها.
قال مالك: وهذا الامر عندنا.
(24) باب ما جاء في عدة الأمة من طلاق زوجها
69 - قال مالك: الامر عندنا في طلاق العبد الأمة، إذ طلقها وهي أمة، ثم عتقت بعد،
فعدتها عدة الأمة. لا يغير عدتها عتقها. كانت له عليها رجعة. أو لم تكن له عليها رجعة.
لا تنتقل عدتها.

(فلا يضع عصاه عن عاتقه) أي كثير الأسفار. أو كثير الضرب للنساء.
(اغتبطت به) أي حصل لي منه ما قرت عيني به، وما يغبط فيه ويتمنى.
69 - (بعد) أي بعد الطلاق.
581

قال مالك: ومثل ذلك، الحد. يقع على العبد. ثم يعتق بعد أن يقع عليه الحد. فإنما حده
حد عبد.
قال مالك: والحر يطلق الأمة ثلاثا وتعتد بحيضتين. والعبد يطلق الحرة تطليقتين.
وتعتد ثلاثة قروء.
قال مالك: في الرجل تكون تحته الأمة، ثم يبتاعها فيعتقها. إنها تعتد عدة الأمة حيضتين.
ما لم يصبها. فإن أصابها بعد مليكه إباها، قبل عتاقها، لم يكن عليها إلا الاستبراء بحيضة.
(25) باب جامع عدة الطلاق
70 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، وعن يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي،
عن سعيد بن المسيب، أنه قال: قال عمر بن الخطاب: أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة
أو حيضتين. ثم رفعتها حيضتها. فإنها تنتظر تسعة أشهر. فإن بان بها حمل فذلك. وإلا
اعتدت بعد التسعة الأشهر، ثلاثة أشهر، ثم حلت.
وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول: الطلاق
للرجال. والعدة للنساء.

(ما لم يصبها) يجامعها.
70 - (ثم رفعتها حيضتها) أي لم تأتها.
582

71 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن قال: عدة المستحاضة
سنة.
قال مالك: الامر عندنا في المطلقة التي ترفعها حيضتها حين يطلقها زوجها، أنا تنتظر
تسعة أشهر. فإن لم تحض فيهن، اعتدت ثلاثة أشهر. فإن حاضت قبل أن تستكمل
الأشهر الثلاثة، استقبلت الحيض فإن مرت بها تسعة أشهر قبل أن تحيض. اعتدت ثلاثة
أشهر. فإن حاضت الثانية قبل أن تستكمل الأشهر الثلاثة، استقبلت الحيض. فإن مرت
بها تسعة أشهر قبل أن تحيض. اعتدت ثلاث ة أشهر. فإن حاضت الثالثة كانت قد استكملت
عدة الحيض. فإن لم تحض استقبلت ثلاثة أشهر. ثم حلت ولزوجها عليها، في ذلك، الرجعة
قبل أن تحل. إلا أن يكون قد بت طلاقها.
قال مالك: السنة عندنا، أن الرجل إذا طلق امرأته وله عليها رجعة، فاعتدت بعض
عدتها، ثم ارتجعها، ثم فارقها قبل أن يمسها: أنها لا تبنى على ما مضى من عدتها. وأنها
تستأنف من يوم طلقها عدة مستقبلة. وقد ظلم زوجها نفسه وأخطأ. إن كان ارتجعها
ولا حاجة له بها.
قال مالك: والامر عندنا، أن المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر، ثم أسلم. فهو أحق بها
ما دامت في عدتها. فإن انقضت عدتها، فلا سبيل له عليها. وإن تزوجها بعد انقضاء عدتها،
لم يعد ذلك طلاقا. وإنما فسخها منه الاسلام بغير طلاق.
583

(26) باب ما جاء في الحكمين
72 - حدثني يحيى عن مالك: أنه بلغه أن علي بن أبي طالب قال في الحكمين، اللذين
قال الله تعالى - وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا
إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا -: إن إليهما الفرقة بينهما، والاجتماع.
قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت من أهل العلم، أن الحكمين يجوز قولهما بين الرجل
وامرأته، في الفرقة والاجتماع.
(27) باب يمين الرجل بطلاق مالم ينكح
73 - وحدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله
ابن مسعود، وسالم ابن عبد الله، والقاسم بن محمد، وابن شهاب، وسليمان بن يسار، كانوا يقولون:
إذا حلف الرجل بطلاق المرأة قبل أن ينكحها ثم أثم، إن ذلك لازم له إذا نكحها.

72 - (شقاق بينهما) أصله شقاقا بينهما. فأضيف الشقاق إلى الظرف على سبيل الاتساع. كقوله تعالى
- بل مكر الليل والنهار - أصله بل مكر في الليل. والشقاق العداوة والخلاف. لأن كلا منهما يفعل ما يشق على
صاحبه. أو يميل إلى شق، أي ناحية، غير شق صاحبه. والضمير للزوجين، وإن لم يجر لهما ذكر، لذكر
ما يدل عليهما. (حكما من أهله) رجلا يصلح للحكومة والإصلاح بينهما. (إن يريدا) أي الحكمان.
(يوفق الله بينهما) أي الزوجين. أي يقدرهما على ما هو الطاعة. من إصلاح أو فراق. (يجوز) أي
ينفذ.
584

وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول، فيمن قال: كل امرأة
أنكحها فهي طالق: إنه إذا لم يسم قبيلة أو امرأة بعينها فلا شئ عليه.
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت.
قال مالك، في الرجل يقول لامرأته: أنت الطلاق. وكل امرأة أنكحها فهي طالق.
وماله صدقه إن لم يفعل كذا وكذا، فحنث. قال: أما نساؤه، فطلاق كما قال. وأما قوله:
كل امرأة أنكحها فهي طالق. فإنه إذا لم يسم امرأة بعينها، أو قبيلة أو أرضا أو نحو
هذا، فليس يلزمه ذلك. وليتزوج ما شاء. وأما ماله فليتصدق بثلثه.
(28) باب أجل الذي لا يمس امرأته
74 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول:
من تزوج امرأة فلم يستطع أن يمسها فإنه يضرب له أجل، سنة. فإن مسها، وإلا فرق
بينهما.
75 - وحدثني عن مالك، أنه سأل ابن شهاب: متى يضرب له الاجل؟ أمن يوم يبنى
بها أم من يوم ترافعه إلى السلطان؟ فقال: بل من يوم ترافعه إلى السلطان.

73 - (ثم أثم) أي حنث.
75 - (ترافعه) ترفعه. (إلى السلطان) الحاكم.
585

قال مالك: فأما الذي قد مس امرأته ثم اعترض عنها، فإني لم أسمع أنه يضرب له أجل، ولا يفرق بينهما.
(29) باب جامع الطلاق
76 - وحدثني يحيى عن مالك، عن أب شهاب، أنه قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لرجل من ثقيف، أسلم وعنده عشر نسوة حين أسلم الثقفي (أمسك منهن أربعا. وفارق
سائرهن).
قال ابن عبد البر: هكذا رواه جماعة رواة الموطأ، وأكثر رواة ابن شهاب.
ووصله الترمذي في: 9 - كتاب النكاح، 33 - باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده عشر نسوة.
وابن ماجة في: 9 - كتاب النكاح، 40 - باب الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة.
77 - وحدثني عن مالك، ن ابن شهاب، أنه قال: سمعت سعيد بن المسيب، وحميد
ابن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن يسار،
كلهم يقول: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: أيما امرأة طلقها زوجها
تطليقة أو تطليقتين ثم تركها حتى تحل وتنكح زوجا غيره، فيموت عنها أو يطلقها، ثم
ينكحها زوجها الأول، فإنها تكون عنده على ما بقي من طلاقها.
قال مالك: وعلى ذلك، السنة عندنا، التي لا اختلاف فيها.

(اعترض عنها) منعه عن جماعها مانع.
76 - (لرجل من ثقيف) هو غيلان بن سلمة الثقفي.
77 - (ثم تركها حتى تحل) بالخروج من العدة.
586

87 - وحدثني عن مالك، عن ثابت بن الأحنف، أنه تزوج أم ولد لعبد الرحمن بن زيد
ابن الخطاب. قال: فدعاني عبد الله بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب. فجئته فدخلت عليه.
فإذا سياط موضوعة. وإذا قيدان من حديد. وعبدان له قد أجلسهما. فقال: طلقها وإلا، والذي
يحلف به، فعلت بك كذا وكذا. قال فقلت: هي الطلاق ألفا. قال فخرجت من عنده،
فأدركت عبد الله بن عمر 7 بطريق مكة. فأخبرته بالذي كان من شأني. فتغيظ عبد الله
وقال: ليس ذلك بطلاق. وإنها لم تحرم عليك. فارجع إلى أهلك. قال فلم تقررني نفسي
حتى أتيت عبد الله بن الزبير وهو يومئذ بمكة، أمير عليها. فأخبرته بالذي كان من شأني.
وبالذي قال لي عبد الله بن عمر. قال فقال لي عبد الله بن الزبير: لم تحرم عليك. فارجع
إلى أهلك. وكتب إلى جابر بن الأسود الزهري، وهو أمير المدينة، يأمره أن يعاقب عبد الله
ابن عبد الرحمن. وأن يخلى بيني وبين أهلي. قال: فقدمت المدينة فجهزت صفية، امرأة
عبد الله بن عمر، امرأتي، حتى أدخلتها على، بعلم عبد الله بن عمر. ثم دعوت عبد الله بن عمر،
يوم عرسي، لوليمتي فجاءني.
79 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، أنه قال: سمعت عبد الله بن عمر قرأ
- يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن -.
قال مالك: يعنى بذلك، أن يطلق في كل طهر مرة.

78 - (والذي يحلف به) هو الله سبحانه وتعالى. (ليس ذلك بطلاق) للإكراه. (أن يعاقب
عبد الله بن عبد الرحمن) يعزره على ما فعل. (أهلي) زوجتي.
79 - (لقبل عدتهن) أي في استقبال عدتهن.
587

80 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: كان الرجل إذا طلق
امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها، كان ذلك له. وإن طلقها ألف مرة. فعمد رجل
إلى امرأته فطلقها. حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها. ثم طلقها. ثم قال: لا. والله، لا آويك
إلى ولا تحلين أبدا. فأنزل الله تبارك وتعالى - الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح
بإحسان - فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ. من كان طلق منهم أو لم يطلق.
هذا مرسل.
وقد وصله الترمذي في: 11 - كتاب الطلاق، 16 - باب حدثنا قتيبة.
81 - وحدثني عن مالك، عن ثور بن زيد الديلي، أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها
ولا حاجة له بها. ولا يريد إمساكها. كيما يطول، بذلك، عليها العدة ليضارها. فأنزل الله
تبارك وتعالى - ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه - يعظهم الله
بذلك.
82 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن سيد بن المسيب وسليمان بن يسار سئلا عن
طلاق السكران؟ فقالا: إذا طلق السكران جاز طلاقه. وإن قتل قتل به.
قال مالك: وعلى ذلك، الامر عندنا.

80 - (فعمد) قصد. (شارفت) قاربت. (ولا تحلين أبدا) لغيري. (آويك) من أوى
المتعدية.
81 - (ضرارا) مفعول به.
588

وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: إذا لم يجد الرجل ما ينفق
على امرأته فرق بينهما.
قال مالك: وعلى ذلك، أدرك أهل العلم ببلدنا.
(30) باب عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا
83 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد ربه بن سعيد بن قيس، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن،
أنه قال: سئل عبد الله بن عباس، وأبو هريرة، عن المرأة الحامل يتوفى عنها زوجها؟ فقال
ابن عباس: آخر الأجلين. وقال أبو هريرة: إذا ولدت فقد حلت. فدخل أبو سلمة بن
عبد الرحمن على أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك؟ فقال أم سلمة: ولدت سبيعة
الأسلمية بعد وفاة زوجها بنصف شهر. فخطبها رجلان أحدهما شاب والاخر كهل. فحطت
إلى الشاب. فقال الشيخ: لم تحلى بعد. وكان أهلها غيبا. ورجا، إذا جاء أهلها، أن يؤثروه بها.
فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (قد حللت فانكحي من شئت).
أخرجه النسائي في: 27 - كتاب الطلاق، 56 - باب عدة الحامل المتوفى عنها زوجها.
84 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه سئل عن المرأة يتوفى
عنها زوجها وهي حامل؟ فقال عبد الله بن عمر: إذا وضعت حملها فقد حلت. فأخبره رجل

83 - (آخر الأجلين) بالنصب. أي تتربص آخر الأجلين. (فحطت) أي مالت ونزلت بقلبها.
(غيبا) جمع غائب. كخادم وخدم. (يؤثروه بها) يقدمونه على غيره.
589

من الأنصار كان عنده أن عمر بن الخطاب قال: لو وضعت وزوجها على سريره لم يدفن بعد،
لحت.
85 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة، أنه
أخبره: أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد
حللت فانكحي من شئت).
أخرجه البخاري في: 68 - كتاب الطلاق، 39 - باب وأولات الأحمال أجلهن أن يضمن حملهن.
86 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، أن عبد الله بن عباس
وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، اختلفا في المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال. فقال
أبو سلمة: إذا وضعت ما في بطنها فقد حلت. وقال ابن عباس: آخر الأجلين. فجاء أبو هريرة
فقال: أنا مع ابن أخي. يعنى أبا سلمة. فبعثوا كريبا مولى عبد الله بن عباس، إلى أم سلمة،
زوج النبي صلى الله عليه وسلم يسألها عن ذلك. فجاء هم فأخبرهم أنها قالت: ولدت سبيعة الأسلمية بعد
وفاة زوجها بليال. فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (قد حللت فانكحي من شئت).
أخرجه النسائي في: 27 - كتاب الطلاق، 56 - باب عدة المتوفى عنها زوجها.
وعن يحيى بن سعيد. أخرجه مسلم في: 18 - كتاب الطلاق، 8 - باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها
بوضع الحمل، حديث 57.
وله طرق في الصحيحين والسنن.
قال مالك: وهذا إذ مر الذي لم يزل عليه أهل العلم عندنا.

86 - (تنفس) أي تلد.
590

(31) باب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها حتى تحل
87 - حدثني يحيى عن مالك، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب
بنت كعب بن عجرة، أن الفريعة بنت مالك بن سنان، وهي أخت أبي سعيد الخدري،
أخبرتها: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بنى خدرة. فإن زوجها
خرج في طلب أعبد له أبقوا. حتى إذا كانوا بطف القدوم لحقهم فقتلوه. قالت: فسألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي في بنى خدرة. فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه
ولا نفقة قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) قالت: فانصرفت. حتى إذا كنت في الحجرة ناداني
رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوامر بي فنوديت له فقال (كيف قلت)؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت
له من شأن زوجي. فقال (امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله) قالت: فاعتددت فيه
أربعة أشهر وعشرا. قالت فلما كان عثمان بن عفان، أرسل إلى فسألني عن ذلك؟ فأخبرته.
فاتبعه وقضى به.
أخرجه أبو داود في: 13 - كتاب الطلاق، 44 - باب في المتوفى عنها تنتقل.
والترمذي في: 11 - كتاب الطلاق، 23 - باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها.
والنسائي في: 27 - كتاب الطلاق، 60 - باب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها حتى تحل.
ورواه الشافعي في الرسالة. فقرة 1214، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
88 - وحدثني عن مالك، عن حميد بن قيس المكي، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد

87 - (بالقدوم) قال ابن الأثير: بالتخفيف والتشديد. موضع على ستة أميال من المدينة.
(الكتاب) أي المكتوب من العدة.
591

ابن المسيب، أن عمر بن الخطاب كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء، يمنعهن الحج.
وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه بلغه أن السائب بن خباب توفى. وإن امرأته
جاءت إلى عبد الله بن عمر فذكرت له وفاة زوجها. وذكرت له حرثا لهم بقناة. وسألته
هل يصلح لها أن تبيت فيه؟ فنهاها عن ذلك. فكانت تخرج من المدينة سحرا. فتصبح
في حرثهم، فتظل فيه يومها. ثم تدخل المدينة إذا أمست فتبيت في بيتها.
89 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، أنه كان يقول، في المرأة البدوية
يتوفى عنها زوجها، إنها تنتوي حيث انتوى أهلها.
قال مالك: وهذا الامر عندنا.
90 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: لا تبيت
المتوفى عنها زوجها، ولا المبتوتة، إلا في بيتها.
(32) باب عدة أم الولد إذا توفى عنها سيدها
91 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: سمعت القاسم بن محمد
يقول: إن يزيد بن عبد الملك فرق بين رجال وبين نساءهم. وكن أمهات أولاد رجال هلكوا.

88 - (البيداء) طرف ذي الحليفة. (بقناة) موضع بالمدينة.
89 - (تنتوي حيث انتوى أهلها) أي تنزل حيث نزلوا.
592

فتزوجوهن بعد حيضة أو حيضتين. ففرق بينهم حتى يعتدون أربعة أشهر وعشرا. فقال
القاسم بن محمد: سبحان الله يقول في كتابه - والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا - وما هن من الأزواج.
92 - وحدثني مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: عدة أم الولد، إذا توفى
عنها سيدها، حيضة.
وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، أنه كان يقول: عدة
أم الولد، إذا توفى عنها سيدها، حيضة.
قال مالك: وهو الامر عندنا.
قال مالك: وإن لم تكن ممن تحيض، فعدتها ثلاثة أشهر.
(33) باب عدة الأمة إذا توفى عنها سيدها أو زوجها
93 - حدثني يحيى عن مالك، انه بلغه: أن سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار،
كانا يقولان: عدة الأمة، إذا هلك عنها زوجها، شهران وخمس ليال.
94 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب مثل ذلك.
قال مالك، في العبد يطلق الأمة طلاقا لم يبتها فيه، له عليها فيه الرجعة، ثم يموت
وهي في عدتها من طلاقه: إنها تعتد عدة الأمة المتوفى عنها زوجها. شهرين وخمس ليال.
593

وإنها إن عتقت وله عليها رجعة، ثم لم تختر فراقه بعد العتق، حتى يموت، وهي في عدتها
من طلاقه، اعتدت عدة الحرة المتوفى عنها زوجها. أربعة أشهر وعشرا. وذلك أنها إنما
وقعت عليها عدة الوفاة بعد ما عتقت. فعدتها عدة الحرة.
قال مالك: وهذا الامر عندنا.
(34) باب ما جاء في العزل
95 - حدثني يحيى عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن محمد بن يحيى بن حبان،
عن ابن محيريز، أنه قال: دخلت المسجد، فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه، فسألته
عن العزل؟ فقال أبو سعيد الخدري: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بنى المصطلق.
فأصبنا سبيا من سبى العرب. فاشتهينا النساء. واشتدت علينا العزبة. وأحببنا الفداء. فأردنا
أن نعزل. فقلنا: نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله؟ فسألناه عن ذلك. فقال
(ما عليكم أن لا تفعلوا. ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة).
أخرجه البخاري في: 49 - كتاب العتق، 13 - باب من ملك من العرب رقيقا.
ومسلم في: 16 - كتاب النكاح، 21 - باب حكم العزل، حديث 125.

(ما جاء في العزل)
(العزل) هو الإنزال خارج الفرج.
95 - (فاشتهينا النساء) أي جماعهن. (العزبة) أي فقد الأزواج والنكاح. (بينا أظهرنا) أي
بيننا. و - أظهر - زائدة. (ما عليكم أن لا تفعلوا) أي ليس عدم الفعل واجبا عليكم. أو - لا - زائدة.
أي لا بأس عليكم في فعله. وحكى ابن عبد البر عن الحسن البصري أن معناه النهي. أي لا تفعلوا العزل.
(نسمة) أي نفس. (كائنة) أي قدر كونها في علم الله. (إلا وهي كائنة) أي موجودة في
الخارج. سواء عزلتم أم لا. فلا فائدة في العزل.
594

96 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن عامر بن سعد
ابن أبي وقاص، عن أبيه، انه كان يعزل.
97 - وحدثني عن مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن ابن أفلح، مولى
أبى أيوب الأنصاري، عن أم ولد لأبي أيوب الأنصاري، أنه كان يعزل.
98 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان لا يعزل. وكان
يكره العزل.
99 - وحدثني عن مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن الحجاج بن عمرو بن غزية،
أنه كان جالسا عند زيد بن ثابت. فجاء ابن قهد. رجل من أهل اليمن. فقال: يا أبا سعيد.
إن عندي جواري لي، ليس نسائي اللاتي أكن بأعجب إلى منهن. وليس كلهن يعجبني أن
تحمل منى. أفأعزل؟ فقال زيد بن ثابت: أفته يا حجاج. قال فقلت: يغفر الله لك. إنما نجلس
عندك لنتعلم منك. قال: أفته. قال فقلت: هو حرثك. إن شئت سقيته. وإن شئت أعطشته.
قال وكنت أسمع ذلك م نزيد. فقال زيد: صدق.
100 - وحدثني عن مالك، عن حميد بن قيس المكي، عن رجل يقال له ذفيف، أنه

99 - (أكن) أي أضم إلى. (هو حرثك) أي تحل زرعك الولد. (أعطشته) أي منعته السقي.
595

قال: سئل ابن عباس عن العزل؟ فدعا جارية له. فقال: أخبريهم. فكأنها استحيت. فقال:
هو ذلك. أما أنا فأفعله. يعنى أنه يعزل.
قال مالك: لا يعزل الرجل المرأة الحرة. إلا بإذنها. ولا بأس أن يعزل عن أمته. بغير
إذنها. ومن كانت تحته أمة قوم، فلا يعزل إلا بإذنهم.
(35) باب ما جاء في الإحداد
101 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم،
عن حميد بن نافع، عن زينب بنت أبي سلمة، أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة. قالت
زينب: دخلت على أم حبيبة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفى أبوها أبو سفيان بن حرب. فدعت
أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره. فدهنت به جارية. ثم مسحت بعارضيها. ثم

100 - (لا يعزل الرجل المرأة) أي لا يعزل ماءه عنها. فنصب على التوسع.
(ما جاء في الإحداد)
(الإحداد) امتناع المرأة المتوفى عنها زوجها من الزينة كلها. من لباس وطيب وغيرهما. وكل ما كان من
دواعي الجماع.
وقال المازري: الإحداد الامتناع من الزينة. يقال: أحدت المرأة فهي محد. وحدت فهي حاد. إذا
امتنعت من الزينة. وكل ما يصاغ من - حد - كيفما تصرف فهو بمعنى المنع.
101 - (خلوق) بوزن صبور. نوع من الطيب. (بعارضيها) أي جانبي وجهها. وجعل العارضين
ماسحين تجوزا، والظاهر أنها جعلت الصفرة في يديها، ومسحتها بعارضيها. والباء للإلصاق أو الاستعانة.
ومسح يتعدى بنفسه وبالباء.
596

قالت: والله، مالي بالطيب من حاجة. غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لامرأة
تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال. إلا على زوج أربعة أشهر
وعشرا.
102 - قالت زينب: ثم دخلت على زينب بنت جحش. زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفى
أخوها. فدعت بطيب فمست منه. ثم قال: والله مالي بالطيب حاجة. غير أنى سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث
ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا).
103 - قالت زينب: وسمعت أمي أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: جاءت امرأة إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله. إن ابنتي توفى عنها زوجها. وقد اشتكت عينيها.
أفتكحلهما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) مرتين أو ثلاثا. كل ذلك يقول (لا) ثم قال
((إنما هي أربعة أشهر وعشرا. وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمى بالبعرة على رأس
الحول).
قال حميد بن نافع. فقلت لزينب: وما ترمى بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب:
كانت المرأة إذا توفى عنها زوجها. دخلت حفشا ولبست شر ثيابها. ولم تمس طيبا ولا شيئا
حتى تمر بها سنة. ثم تؤتى بدابة. حمار أو شاة أو طير. فتفتض به. فقلما تفتض بشئ

103 - (حفشا) بيتا رديئا.
597

إلا مات. ثم تخرج. فتعطى بعرة فترمى بها. ثم تراجع، بعد، ما شاءت من طيب
أو غيره.
قال مالك: والحفش البيت الردئ وتفتض تمسح به جلدها كالنشرة.
أخرج هذه الأحاديث الثلاثة:
البخاري في: 68 - كتاب الطلاق، 46 - باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا.
ومسلم في: 18 - كتاب الطلاق، 9 - باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة، حديث 58.
104 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد، عن عائشة وحفصة
زوجي النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن
تحد على ميت فوق ثلاث ليال. إلا على زوج).
أخرجه مسلم في: 18 - كتاب الطلاق، 9 - باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة، حديث 63.
105 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لامرأة حاد على
زوجها، اشتكت عينيها، فبلغ ذلك منها: اكتحلي بكحل الجلاء بالليل. وامسحيه بالنهار.

(تفتض تمسح به جلدها) قال ابن وهب: معناه تمسح بيدها عليه أو على ظهره. وقيل معناه تمسح به
ثم تفتض، أي تغتسل بالماء العذب. والافتضاض الاغتسال بالماء العذب للإنقاء. حتى تصير كالفضة.
(كالنشرة) في النهاية: النشرة، بالضم، ضرب من الرقية والعلاج، يعالج به من كان يظن أن به مسا من
الجن. سميت نشرة لأنه ينشر عنه ما خامره من الداء. أي يكشف ويزال.
104 - (فبلغ ذلك منها) أي بلغ الوجع منها مبلغا قويا. (بكحل الجلاء) كحل خاص.
598

106 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار، أنهما
كانا يقولان، في المرأة يتوفى عنها زوجها: إنها إذا خشيت على بصرها من رمد، أو شكو
أصابها: إنها تكتحل وتتداوى بدواء أو كحل، وإن كان فيه طيب.
قال مالك: وإذا كانت الضرورة. فإن دين الله يسر.
107 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن صفية بنت أبي عبيد اشتكت عينيها، وهي
حاد على زوجها عبد الله بن عمر. فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمصان.
قال مالك: تدهن المتوفى عنها زوجها بالزيت والشبرق، وما أشبه ذلك. إذا لم يكن
فيه طيب.
قال مالك: ولا تلبس المرأة الحاد على زوجها شيئا من الحلي. خاتما ولا خلخالا. ولا غير
ذلك من الحلي. ولا تلبس شيئا من العصب. إلا أن يكون عصبا غليظا. ولا تلبس ثوبا
مصبوغا بشئ من الصبغ. إلا بالسواد. ولا تمتشط إلا بالسدر. وما أشبه مما لا يختمر
في رأسها.

107 - (ترمصان) أي يجمد الوسخ في موقعهما. والرجل أرمص والمرأة رمصاء. (الشبرق) دهن
السمسم. (العصب) برود يمنية يعصب غزلها، أي يجمع ويشد، ثم يصبغ وينسج، فيأتي موشيا
، لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ. يقال: برد عصب وبرود عصب، بالتنوين والإضافة. وقيل: هي برود مخططة.
والعصب الفتل. والعصاب الغزال.
599

108 - وحدثني عن مالك: أنه بلغه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وهي حاد
على أبي سلمة. وقد جعلت على عينيها صبرا. فقال (ما هذا يا أم سلمة)؟ فقالت: إنما هو صبر
يا رسول الله. قال (اجعليه في الليل وامسحيه بالنهار).
وصله أبو داود في: 13 - كتاب الطلاق، 44 - باب فيما تجتنبه المعتدة في عدتها.
والنسائي في: 27 - كتاب الطلاق، 16 - باب الرخصة للحادة أن تمتشط في عدتها بالسدر.
قال مالك: الاحداد على الصبية التي لم تبلغ المحيض، كهيئته على التي قد بلغت المحيض.
تجتنب ما تجتنب المرأة البالغة، إذا هلك عنها زوجها.
قال مالك: تحد الأمة إذا توفى عنها زوجها، شهرين وخمس ليال، مثل عدتها.
قال مالك: ليس على أم الولد إحداد إذا هلك عنها سيدها. ولا على أمة يموت عنها
سيدها، إحداد. وإنما الإحداد على ذوات الأزواج.
109 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت تقول:
تجمع الحاد رأسها بالسدر والزيت.

108 - (صبرا) هو الدواء المر.
600

بسم الله الرحمن الرحيم
30 - كتاب الرضاع
(1) باب رضاعة الصغير
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن،
أن عائشة أم المؤمنين أخبرتها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها. وأنها سمعت صوت رجل
يستأذن في بيت حفصة. قالت عائشة: فقلت، يا رسول الله. هذا رجل يستأذن في بيتك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أراه فلانا). لعم لحفصة من الرضاعة. فقالت عائشة: يا رسول الله،
لو كان فلان حيا، لعمها من الرضاعة، دخل على؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم. إن الرضاعة
تحرم ما تحرم الولادة).
أخرجه البخاري في: 52 - كتاب الشهادات، 7 - باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض.
ومسلم في: 17 - كتاب الرضاع: 1 - باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة، حديث 1.
2 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين، أنها
قالت: جاء عمى من الرضاعة يستأذن على. فأبيت أن آذن له على، حتى اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن ذلك. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك. فقال: (إنه عمك فأذني له) قالت: فقلت،

1 - (لعمها) اللام بمعنى عن. أي عن عمها.
601

يا رسول الله. إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل. فقال: (إنه عمك. فليلج عليك).
قالت عائشة: وذلك بعد ما ضرب علينا الحجاب.
وقالت عائشة: يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة.
أخرجه البخاري في: 67 - كتاب النكاح، 117 - باب ما يحل من الدخول والنظر إلى النساء في الرضاع.
ومسلم في: 17 - كتاب الرضاع، 2 - باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل، حديث 7.
3 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين،
أنها أخبرته: أن أفلح، أخا أبى القعيس، جاء يستأذن عليها. وهو عمها من الرضاعة. بعد أن
أنزل الحجاب. قالت: فأبيت أن آذن له على. فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي
صنعت. فأمرني أن آذن له على.
أخرجه البخاري في: 67 - كتاب النكاح، 22 - باب لبن الفحل.
ومسلم في: 17 - كتاب الرضاع 2 - باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل، حديث 3.
4 - وحدثني عن مالك، عن ثور بن زيد الدبلي، عن عبد الله بن عباس، أنه كان يقول:
ما كان في الحولين، وإن كان مصة واحدة، فهو يحرم.
5 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عمرو بن الرشيد، أن عبد الله بن عباس
سئل عن رجل كانت له امرأتان، فأرضعت إحداهما غلاما، وأرضعت الأخرى جارية.

2 - (فليلج) فليدخل.
3 - (بعد أنزل الحجاب) أي آيته أو حكمه.
602

فقيل له: هل يتزوج الغلام الجارية؟ فقال: لا. اللقاح واحد.
أخرجه الترمذي في: 10 - كتاب الرضاع، 2 - باب ما جاء في لبن الفحل.
6 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا رضاعة إلا لمن
أرضع في الصغر. ولا رضاعة لكبير.
7 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن سالم بن عبد الله بن عمر أخبره: أن عائشة
أم المؤمنين، أرسلت به وهو يرضع، إلى أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق.
فقالت: أرضعيه عشر رضعات حتى يدخل على. قال سالم: فأرضعتني أم كلثوم ثلاث رضعات
ثم مرضت فلم ترضعني غير ثلاث رضعات. فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أن أم كلثم
لم تتم لي عشر رضعات.
8 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته: أن حفصة
أم المؤمنين أرسلت بعاصم بن عبد الله بن سعد إلى أختها، فاطمة بنت عمر بن الخطاب،
ترضعه عشر رضعات ليدخل عليها، وهو صغير يرضع. ففعلت. فكان يدخل عليها.

5 - (اللقاح) اسم ماء الفحل. كأنه أراد أن ما الفحل الذي حملتا منه واحد. واللبن، التي أرضعت كل
واحدة منهما، أصله ماء الفحل. ويحتمل أن يكون بمعنى الإلقاح. يقال: ألقح الناقة إلقاحا ولقاحا، كما يقول:
أعطى إعطاء وعطاء. والأصل فيه للإبل. ثم يستعار للنساء.
8 - (ليدخل عليها) إذا بلغ.
603

9 - وحدثني عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، أنه أخبره: أن عائشة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل عليها من أرضعته أخواتها، وبنات أخيها. ولا يدخل عليها من
أرضعه نساء إخوتها.
10 - وحدثني عن مالك، عن إبراهيم بن عقبة، أنه سأل سعيد بن المسيب عن الرضاعة؟
فقال سعيد: كل ما كان في الحولين، وإن كانت قطرة واحدة، فهو يحرم. وما كان بعد
الحولين، فإنما هو طعام يأكله.
قال إبراهيم بن عقبة: ثم سألت عروة بن الزبير؟ فقال: مثل ما قال سعيد بن المسيب.
11 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: سمعت سعيد بن المسيب
يقول: لا رضاعة إلا ما كان في المهد. وإلا ما أنبت اللحم والدم.
وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أنه كان يقول: الرضاعة، قليلها وكثرت تحرم.
والرضاعة من قبل الرجال تحرم.
قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: الرضاعة، قليلها وكثيرها إذا كان في الحولين
تحرم. فأما ما كان بعد الحولين، فإن قليله وكثيره لا يحرم شيئا. وإنما هو بمنزلة الطعام.

11 - (في المهد) وهو ما يمهد للصبي لينام فيه. (من الرجال) أي من جهتهم.
604

(2) باب ما جاء في الرضاعة بعد الكبر
12 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، أنه سئل عن رضاعة الكبير؟ فقال:
أخبرني عروة بن الزبير، أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة. وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وكان قد شهد بدرا. وكان تبنى سالما الذي يقال له سالم مولى أبى حذيفة. كما تبنى
رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة. وأنكح أبو حذيفة سالما. وهو يرى أنه ابنه. أنكحه
بنت أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة. وهي يومئذ من المهاجرات الأول. وهي
من أفضل أيامى قريش. فلما أنزل الله تعالى في كتابه، في زيد بن حارثة، ما أنزل. فقال
- ادعوهم لابائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم -
رد كل واحد من أولئك إلى أبيه. فإن لم يعلم أبوه رد إلى مولاه. فجاءت سهلة بنت سهيل،
وهي امرأة أبى حذيفة. وهي من بنى عامر بن لوى. إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله،
كنا نرى سالما ولدا، وكان يدخل على. وأنا فضل. وليس لنا إلا بيت واحد. فماذا ترى
في شأنه؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها). وكانت تراه

12 - (وأنكح) أي زوج. (أيامي) جمع أيم. من لازوج لها. بكرا أو ثيبا. (أقسط) أعدل
(مواليكم) بنو عمكم. (نري سالما) نعتقد. (ولدا) بالتبني. (فضل) أي مكشوفة الرأس
و الصدر. وقيل على ثوب واحد لا إزار تحته. وقيل متوحشة بثوب على عاتقها خالفت بين طرفيه. قال ابن عبد
البر: أصحها الثاني. لأن كشف الحرة الصدر، لا يجوز عند محرم ولا غيره. (أرضعيه خمس رضعات)
قال أبو عمر: صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه. فأما أن تلقمه المرأة ثديها، فلا ينبغي عند أحد من
العلماء. وقال عياض: ولعل مهملة حلبت لبنها فشربه من غيره أن يمس ثديها، ولا التقت بشرتاهما. إذ لا يجوز
رؤية الثدي ولا مسه ببعض الأعضاء. قال النووي. وهو حسن.
605

ابنا من الرضاعة. فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين. فيمن كانت تحب أن يدخل عليها
من الرجال. فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق. وبنات أخيها. أن
يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال. وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن
بتلك الرضاعة أحد من الناس. وقلن: ذ. والله، ما نرى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم
سهلة بنت سهيل، إلا رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، في رضاعة سالم وحده. لا. والله،
لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد.
فعلى هذا كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في رضاعة الكبير.
قال ابن عبد البر: هذا حديث يدخل في السند، أي الموصول. للقاء عروة عائشة وسائر أزواجه صلى الله عليه وسلم.
وللقائه سهلة بنت سهيل. وقد وصله جماعة.
وقد أخرجه مسلم، من طرق، عن عائشة.
في: 17 - كتاب الرضاع، 7 - باب رضاعة الكبير، حديث 26 و 27 و 28.
ومن طرق، عن زينب بنت أم سلمة، عن أمها.
في: 17 - كتاب الرضاع، 7 - باب رضاعة الكبير، حديث 29 و 30 و 31.
13 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، أنه قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمر.
وأنا معه عند دار القضاء. يسأله عن رضاعة الكبير؟ فقال عبد الله بن عمر: جاء رجل إلى
عمر بن الخطاب. فقال: إني كانت لي وليدة. وكنت أطؤها. فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها.
فدخلت عليها. فقالت: دونك. فقد، والله، أرضعتها. فقال عمر: أوجعها. وأت جاريتك
فإنما الرضاعة رضاعة الصغير.

13 - (وليدة) أمة. (فعمدت) قصدت. (أوجعها) أي امرأتك. (وأت جاريتك)
أي طاها، وهذا معنى إبجاعها.
606

14 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد،
أن رجلا سأل أبا موسى الأشعري فقال:
إني مصصت عن امرأتي من ثديها لبنا، فذهب في بطني. فقال أبو موسى: لا أراها إلا قد
حرمت عليكم. فقال عبد الله بن مسعود: انظر ماذا تفتى به الرجل؟ فقال أبو موسى: فماذا
تقول أنت؟ فقال عبد الله بن مسعود: لا رضاعة إلا ما كان في الحولين.
فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شئ، ما كان هذا الحبر بين أظهركم.
قال أبو عمر. منقطع. ويتصل من وجوه.
(3) باب جامع ما جاء في الرضاعة
15 - وحدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن سليمان بن يسار، وعن عروة
ابن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يحرم من الرضاعة ما يحرم
من الولادة).
أخرجه الترمذي في. 10 - كتاب الرضاع، 1 - باب ما جاء يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب:
16 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، أنه قال: أخبرني عروة
ابن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين، عن جدامة بنت وهب الأسدية، أنها أخبرتها: أنها

14 - (مصصت) شربت شربا رفيقا. (أراها) أظنها. (انظر) تأمل. (ما كان) أي وجد.
(الحبر) بفتح عند جمهور أهل الحديث. وقطع به ثعلب. وبكسرها، وقدمه الجوهري والمجد أي العالم
(بين أظهركم) أي بينكم. و - أظهر - زائدة.
607

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة. حتى ذكرت أن الروم
وفارس يصنعون ذلك. فلا يضر أولادهم).
قال مالك: والغيلة أن يمس الرجل امرأته وهي ترضع.
أخرجه مسلم في: 16 - كتاب النكاح، 23 - باب جواز الغيلة، حديث 140 و 141 و 142.
17 - وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن عمرة بنت عبد الرحمن،
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن - عشر رضعات معلومات
يحرمن - ثم نسخن ب‍، - خمس معلومات - فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فيما يقرأ من القرآن.
قال يحيى، قال مالك: وليس، على هذا، العمل.
أخرجه مسلم في: 17 - كتاب الرضاع، 6 - باب التحريم بخمس رضعات، حديث 24.

16 - (الغيلة) اسم من الغيل والغيال. والغيلة، بالفتح، المرة الواحدة. وقيل لا تفتح الغين إلا مع حذف
الهاء وذكر ابن السراج الوجهين في غيلة الرضاع. أما غيلة القتل، فبالكسر لا غير.
608

بسم الله الرحمن الرحيم
31 - كتاب البيوع
(1) باب ما جاء في العربان
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن الثقة عنده، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان.
أخرجه أبو داود في: 22 - كتاب البيوع، 67 - باب في العربان.
وابن ماجة في: 12 - كتاب التجارات، 22 - باب بيع العربان.
قال مالك: وذلك، فيما نرى، والله أعلم، أن يشترى الرجل العبد أو الوليدة. أو يتكارى
الدابة. ثم يقول للذي اشترى منه، أو تكارى منه: أعطيك دينارا أو درهما أو أكثر من
ذلك أو أقل. على أنى إن أخذت السلعة، أو ركبت ما تكاريت منك، فالذي أعطيتك هو

(كتاب البيوع) جمع بيع. وجمع لاختلاف أنواعه. كبيع العين، وبيع الدين، وبيع المنفعة، والصحيح، والفاسد، وغير
ذلك. وهو، لغة، المبادلة. ويطلق أيضا على الشراء. ومنه - وشروره بثمن بخس -.
(ما حاء في بيع العربان)
العربان، ويقال عربون وعربون. قال ابن الأثير: قيل سمي بذلك فيه إعرابا لعقد البيع.
أي إصلاحا وإزالة فساد. لئلا يملكه غيره باشترائه. وفي الذخيرة: العربان، لغة، أول الشئ اه. زرقاني.
609

من ثمن السلعة. أو من كراء الدابة: وإن تركت ابتياع السلعة، أو كراء الدابة، فما أعطيتك،
لك باطل بغير شئ.
قال مالك: والامر عندنا، أنه لا بأس بأن يبتاع العبد التاجر الفصيح، بالأعبد من
الحبشة. أو من جنس من الأجناس ليسوا مثله في الفصاحة ولا في التجارة، والنفاذ والمعرفة.
لا بأس بهذا أن تشترى منه العبد بالعبدين. أو بالأعبد. إلى أجل معلوم. إذا اختلف فبان
اختلافه. فإن أشبه بعض ذلك بعضا حتى يتقارب، فلا يأخذ منه اثنين بواحد إلى أجل.
وإن اختلفت أجناسهم.
قال مالك: ولا بأس بأن تبيع ما اشتريت من ذلك قبل أن تستوفيه. إذا انتقدت ثمنه
من غير صاحبه الذي اشتريته منه.
قال مالك: لا ينبغي أن يستثنى جنين في بطن أمه، إذا بيعت. لان ذلك غرر. لا يدرى
أذكر هو أم أنثى. أحسن أم قبيح. أو ناقص أو تام. أو حي أو ميت. وذلك يضع
من ثمنها.
قال مالك، في الرجل يبتاع العبد أو الوليد بمائة دينار إلى أجل. ثم يندم البائع. فيسأل
المبتاع أن يقيله بعشرة دنانير، يدفعها إليه نقدا. أو إلى أجل. ويمحو عنه المائة دينار
التي له.
قال مالك:: لا بأس بذلك. وإن ندم المبتاع، فسأل البائع أن يقيله في الجارية أو العبد،

1 - (باطل بغير شي) أي لا رجوع لي به عليك. (النفاذ) المضي في أمره. ((والمعرفة) بالأخذ
والعطاء. (فبان) ظهر. (تستوفيه) تقبضه. (يضع) ينقص.
610

ويزيده عشرة دنانير نقدا أو إلى أجل. أبعد من الاجل الذي اشترى إليه العبد أو الوليدة.
فإن ذلك لا ينبغي. وإنما كره ذلك لان البائع كأنه باع منه مائة دينار له، إلى سنة قبل
أن تحل. بجارية وبعشرة دنانير نقدا. أو إلى أجل أبعد من السنة. فدخل في ذلك بيع
الذهب بالذهب إلى أجل.
قال مالك، في الرجل يبيع من الرجل الجارية بمائة دينار إلى أجل. ثم يشتريها بأكثر
من ذلك الثمن الذي باعها به إلى أبعد من ذلك الاجل. الذي باعها إليه، إن ذلك لا يصلح.
وتفسيره ما كره من ذلك، أن يبيع الرجل الجارية إلى أجل. ثم يبتاعها إلى أجل أبعد منه.
يبيعها بثلاثين دينارا إلى شهر.
ثم يبتاعها بستين دينارا إلى سنة. أو إلى نصف سنة. فصار،
إن رجعت إليه سلعته بعينها، وأعطاه صاحبه ثلاثين دينارا، إلى شهر، بستين دينار إلى سنة،
أو إلى نصف سنة. فهذا لا ينبغي.
(2) باب ما جاء في مال المملوك
2 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب قال:
من باع عبدا وله مال. فماله للبائع. إلا أن يشترطه المبتاع.
أخرجه البخاري في: 42 - كتاب الشرب والمساقاة، 17 - باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل
ومسلم في: 21 - كتاب البيوع، 15 - باب من باع نخلا عليه ثمر، حديث 80.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، أن المبتاع إن اشترط مال العبد فهو له. نقدا كان
أو دينا أو عرضا. يعلم أو لا يعلم. وإن كان للعبد من المال أكثر مما اشترى به، كان
ثمنه نقدا أو دينا أو عرضا. وذلك أن مال العبد ليس على سيده فيه زكاة. وإن كانت للعبد
611

جارية استحل فرجها بملكه إياها. وإن عتق العبد، أو كاتب، تبعه ماله. وإن أفلس،
أخذ الغرماء ماله. ولم يتبع سيده بشئ من دينه.
(3) باب ما جاء في العهدة
3 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أن
أبان بن عثمان، وهشام بن إسماعيل، كانا يذكران في خطبتهما عهدة الرقيق. في الأيام الثلاثة
من حين يشترى العبد أو الوليدة. وعهدة السنة.
قال مالك: ما أصاب العبد أو الوليدة في الأيام الثلاثة، من حين يشتريان حتى تنقضي
الأيام الثلاثة. فهو من البائع. وإن عهدة السنة من الجنون والجذام والبرص. فإذا مضت
السنة. فقد برئ البائع من العهدة كلها.
قال مالك: ومن باع عبدا أو وليدة من أهل الميراث، أو غيرهم بالبراءة، فقد برى
من كل عيب. ولا عهدة عليه إلا أن يكون علم عيبا فكتمه. فإن كان علم عيبا فكتمه،
لم تنفعه البراءة. وكان ذلك البيع مردودا. ولا عهدة عندنا إلا في الرقيق.

2 - (الغرماء) أصحاب الديون.
3 - (فهو من البائع) أي ضمانه عليه. فللمشتري رده. (مردودا) أي له رده.
612

4 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله ابن
عمر باع غلاما له بثمانمائة درهم. وباعه بالبراءة. فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر:
بالغلام داء لم تسمه لي. فاختصما إلى عثمان بن عفان. فقال الرجل: باعني عبدا وبه داء لم
يسمه. وقال عبد الله: بعته بالبراءة. فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر أن يحلف له،
لقد باعه العبد وما به داء يعلمه. فأبى عبد الله أن يحلف. وارتجع العبد. فصح عنده.
فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا. أن كل من ابتاع وليدة فحملت، أو عبدا فأعتقه.
وكل أمر دخله الفوت حتى لا يستطاع رده. فقامت البينة، إنه قد كان به عيب عند الذي
باعه. أو علم ذلك باعتراف من البائع أو غيره. فإن العبد أو الوليدة يقوم وبه العيب
الذي كان به يوم اشتراه. فيرد من الثمن قدر ما بين قيمته صحيحا وقيمته وبه ذلك العيب.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا في الرجل يشترى العبد، ثم يظهر منه على عيب
يرده منه، وقد حدث به عند المشترى عيب آخر: إنه، إذا كان العيب الذي حدث به
مفسدا، مثل القطع أو العور أو ما أشبه ذلك من العيوب المفسدة. فإن الذي اشترى العبد
بخير النظرين. إن أحب أن يوضع عنه من ثمن العبد، بقدر العيب الذي كان بالعبد يوم

4 - (بالبراءة) أي من العيوب. (يرده منه) أي يوجب له رده. (العور) فقد بصر إحدى
عينيه. (بخير النظرين) أحبهما إليه.
613

اشتراه، وضع عنه. وإن أحب أن يغرم قد ما أصاب العبد من العيب عنده، ثم يرد
العبد، فذلك له. وإن مات العبد عند الذي اشتراه، أقيم العبد وبه العيب الذي كان به يوم
اشتراه. فينظر كم ثمنه؟ فإن كانت قيمة العبد يوم اشتراه بغير عيب، مائة دينار. وقيمته
يوم اشتراه وبه العيب، ثمانون دينارا. وضع عن المشترى ما بين القيمتين. وإنما تكون
القيمة يوم اشترى العبد.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا. أن من رد وليدة من عيب وجده بها. وكان قد
أصابها: أنها إن كانت بكرا فعليه ما نقص من ثمنها. وإن كانت ثيبا فليس عليه في إصابته
إياها شئ لأنه كان ضامنا لها.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا. فيمن باع عبدا أو وليدة أو حيوانا بالبراءة.
من أهل الميراث أو غيرهم. فقد برئ من كل عيب فما باع. إلا أن يكون علم في ذلك
عيبا فكتمه. فإن كان علم عيبا فكتمه، لم تنفعه تبرئته. وكان ما باع مرودا عليه.
قال مالك، في الجارية تباع بالجاريتين، ثم يوجد بإحدى الجاريتين عيب ترد منه.
قال: تقام الجارية التي كانت قيمة الجاريتين. فينظر كم ثمنها؟ ثم تقام الجاريتان بغير العيب
الذي وجد بإحداهما. تقامان صحيحتين سالمتين. ثم يقسم ثمن الجارية التي بيعت بالجاريتين
عليهما، بقدر ثمنها. حتى يقع على كل واحدة منهما حصتها من ذلك. على المرتفعة بقدر
ارتفاعها. وعلى الأخرى بقدرها. ثم ينظر إلى التي بها العيب. فيرد بقدر الذي وقع عليها

(يغرم) يدفع. (أقيم) قوم. (تقام) تقوم. (المرتفعة) التي لا عيب فيها). ((الأخرى) المعيبة.
614

من تلك الحصة. إن كانت كثيرة أو قليلة. وإنما تكون قيمة الجاريتين عليه يوم
قبضهما.
قال مالك، في الرجل يشترى العبد فيؤاجره بالإجارة العظيمة، أو الغلة القليلة. ثم
يجد به عيبا يرد منه: إنه يرده بذلك العيب. وتكون له إجارته وغلته. وهذا الامر
الذي كانت عليه الجماعة ببلدنا. وذلك لو أن رجلا ابتاع عبدا، فبنى له دارا قيمة بنائها
ثمن العبد أضعافا. ثم وجد به عيبا يرد منه، رده. ولا يحسب للعبد عليه إجارة فيما عمل
له. فكذلك تكون له إجارته، إذا آجره من غيره. لأنه ضامن له. وهذا الامر عندنا.
قال مالك: الامر عندنا، فيمن ابتاع رقيقا في صفقة واحدة. فوجد في ذلك الرقيق عبدا
مسروقا. أو وجد بعبد منهم عيبا. إنه ينظر فيما وجد مسروقا. أو وجد به عيبا فإن كان
هو وجه ذلك الرقيق أو أكثره ثمنا. أو من أجله اشترى وهو الذي فيه الفضل فيما يرى
الناس. كان ذلك البيع مردودا كله. وإن كان الذي وجد مسروقا. أو وجد به العيب
من ذلك الرقيق في الشئ اليسير منه. ليس هو وجه ذلك الرقيق. ولا من أجله اشترى.
ولا فيه الفضل فيما يرى الناس. رد ذلك الذي وجد به العيب. أو وجد مسروقا بعينه،
بقدر قيمته من الثمن الذي اشترى به أولئك الرقيق.

(يرد منه) أي من أجله. (صفقة واحدة) أي عقد واحد.
615

(5) باب ما يفعل بالوليدة إذا بيعت والشرط فيها
5 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود،
أخبره: أن عبد الله بن مسعود ابتاع جارية من امرأته زينب الثقفية. واشترطت عليه أنك
إن بعتها فهي لي بالثمن الذي تبيعها به. فسأل عبد الله بن مسعود عن ذلك، عمر بن الخطاب.
فقال عمر بن الخطاب: لا تقربها وفيها شرط لاحد.
6 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: لا يطأ الرجل
وليدة، إلا وليدة، إن شاء باعها. وإن شاء وهبها. وإن شاء أمسكها. وإن شاء صنع بها
ما شاء.
قال مالك، فيمن اشترى جارية على شرط أن لا يبيعها ولا يهبها أو ما أشبه ذلك
من الشروط، فإنه لا ينبغي للمشترى أن يطأها. وذلك، أنه لا يجوز له أن يبيعها ولا أن
يهبها. فإذا كان لا يملك ذلك منها، فلم يملكها ملكا تاما. لأنه قد استثنى عليه فيها
ما ملكه بيده غيره. فإذا دخل هذا الشرط، لم يصلح. وكان بيعا مكروها.
616

(6) باب النهى عن أن يطأ الرجل وليدة ولها زوج
7 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، أن عبد الله بن عامر أهدى لعثمان بن عفان
جارية. ولها زوج. ابتاعها بالبصرة. فقال عثمان: لا أقربها حتى يفارقها زوجها. فأرضي
ابن عامر زوجها، ففارقها.
8 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أن
عبد الرحمن بن عوف ابتاع وليدة. فوجدها ذات زوج. فردها.
(7) باب ما جاء في ثمر المال يباع أصله
9 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(من باع نخلا قد أبرت. فثمرها للبائع. إلا أن يشترط المبتاع).
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 90 - باب من باع نخلا قد أبرت.
ومسلم في: 21 - كتاب البيوع، 15 - باب من باع نخلا عليه ثمر، حديث 77.

7 - (ففارقها) أي طلقها. فحلت لعثمان بعد العدة.
9 - (أبرت) التأبير: التلقيح. وهو أن يشق طلع الإناث، ويؤخذ من طلع الذكر فيذر فيه، ليكون
ذلك، بإذن الله، أجود مما لم يؤبر. وهو خاص بالنخل. وألحق به ما انعقد من ثمر وغيرها.
617

(8) باب النهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها
10 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها. نهى البائع والمشترى.
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 85 - باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها.
ومسلم في: 21 - كتاب البيوع، 13 - باب النهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها، حديث 49.
11 - وحدثني عن مالك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى عن بيع الثمار حتى تزهي. فقيل له: يا رسول الله، وما تزهي؟ فقال: (حين تحمر)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرأيت إذا منع الله الثمرة، فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟)
أخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 58 - باب من باع ثماره أو نخله أو أرضه أو زرعه.
وفي: 34 - كتاب البيوع، 87 - باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها.
ومسلم في: 22 - كتاب المساقاة، 3 - باب وضع الجوائح، حديث 15.
12 - وحدثني عن مالك، عن أبي الرجال، محمد بن عبد الرحمن بن حارثة، عن أمه
عمرة بنت عبد الرحمن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة.
هذا مرسل. وقد وصله ابن عبد البر.

10 - (بيع الثمار) منفردا عن النخل. نهي تحريم.
11 - (تزهى) قال الخليل: أزهى النخل، بدا صلاحه. قال ابن الأثير: أزهى يزهي، إذا احمر واصفر.
(إذا منع الله الثمرة) بأن تلفت.
فالمعنى: لا ينبغي أن يأخذ أحدكم مال أخيه باطلا. لأنه إذا تلفت الثمرة لا يبقى للمشتري، في مقابلة ما دفعه، شئ.
618

قال مالك: وبيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها من بيع الغرر.
13 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن خارجة بن زبد بن ثابت، عن زيد بن ثابت،
أنه كان لا يبيع ثماره حتى تطلع الثريا.
قال مالك: والامر عندنا في بيع البطيخ والقثاء والخربز والجزر، إن بيعه إذا بدا صلاحه
حلال جائز. ثم يكون للمشترى ما ينبت حتى ينقطع ثمرة، ويهلك. وليس في ذلك
وقت يؤقت. وذلك أن وقته معروف عند الناس. وربما دخلته العاهة. فقطعت ثمرته،
قبل أن يأتي ذلك الوقت. فإذا دخلته العاهة، بجائحة تبلغ الثلث فساعدا. كان ذلك
موضوعا عن الذي ابتاعه.
(9) باب ما جاء في بيع العرية
14 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، عن زيد بن ثابت، أن

13 - (القثاء) اسم لما يقول له الناس الخيار والعجور والفقوس. وبعضهم يطلقه على نوع يشبه الخيار.
(الخربز) صنف من البطيخ معروف. شبيه بالحنظل. أملس، مدور الرأس، رقيق الجلدة.
(ما جاء في العرية)
بزنة فعيلة. قال الجمهور: بمعنى فاعلة. لأنها عريت بإعراء مالكها، أي إفراده لها من باقي النخل، فهي
عارية. وقيل بمعنى مفعولة، من عراه يعروه، إذا أتاه. لأن مالكها يعروها أي يأتيه. فهي معروة والجمع عرايا.
و هي، لغة، النخلة. وفسرها مالك فقال: العرية أن يعري الرجل الرجل نخله، ثم يتأذى بدخوله عليه، فرخص
له أن يشتريها منه.
619

رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها.
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 82 - باب بيع المزابنة.
ومسلم في: 21 - كتاب البيوع، 14 - باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، حديث 60.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 908، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
14 - وحدثني عن مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان، مولى ابن أبي أحمد،
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بخرصها. فيما دون خمسة أوسق.
أو في خمسة أوسق.
أخرجه البخاري في 34 - كتاب البيوع، 83 - باب الثمر علي رؤوس النخل.
ومسلم في: 21 - كتاب البيوع، 14 - باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، حديث 71.
يشك داود قال: خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق.
قال مالك: وإنما تباع العرايا بخرصها من التمر. يتحرى ذلك ويخرص في روس النخل.
وإنما أرخص فيه لأنه أنزل بمنزلة التولية والإقالة والشرك. ولو كان بمنزلة غيره من
البيوع، ما أشرك أحد أحدا في طعامه حتى يستوفيه. ولا أقاله منه. ولا ولاه أحدا حتى يقبضه
المبتاع.

14 - (العرية) الرطب، أو العنب على الشجر. (بخرصها) قال ابن الأثير: خرص النخلة الكرمة،
يخرصها خرصا، إذا حرز ما عليها من الرطب تمرا، ومن العنب زبيبا. فهو من الخرص، لأن الخرص إنما هو
تقدير بظن. والاسم الخرص، بالكسر. (والشرك) أي تشريك غيره فيما اشتراه بما اشتراه.
620

(10) باب الجائحة في بيع الثمار والزرع
15 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الرجال، محمد بن عبد الرحمن، عن أمه عمرة
بنت عبد الرحمن، أنه سمعها تقول: ابتاع رجل ثمر حائط في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعالجه
وقام فيه حتى تبين له النقصان. فسأل رب الحائط أن يضع له أو أن يقيله. فحلف أن لا يفعل.
فذهب أم المشترى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تالي
أن لا يفعل خيرا) فسمع بذلك رب الحائط. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله،
هو له.
هذا الحديث مرسل. وقد وصله الشيخان.
فأخرجه البخاري في: 53 - كتاب الصلح، 10 - باب هل يشير الإمام بالصلح.
ومسلم في: 22 - كتاب المساقاة، 4 - باب استحباب الوضع من الدين، حديث 19.
16 - وحدثني عن مالك، أن ه بلغه أن عمر بن عبد العزيز قضى بوضع الجائحة.
قال مالك: وعن ذلك، الامر عندنا.
قال مالك: والجائحة التي توضع عن المشترى، الثلث فساعدا. ولا يكون ما دون ذلك
جائحة.

(الجائحة في بيع الثمار والزروع)
الجائحة، لغة، المصيبة المستأصلة. جمعها جوائح وعرفا، ما أتلف من معجوز عن دفعه، قدرا، من ثمر أو نبات.
15 - (بضع) يسقط. (تألى) حلف. وهو من الألية اليمين. يقال: آلى يولي إيلاء. وتألى يتألى
تأليا. والاسم الألية.
621

(11) باب ما يجوز في استثناء الثمر
17 - حدثني يحيى عن مالك، عن ربيعة بن عبد الرحمن، أن القاسم بن محمد كان يبيع ثمر
حائطه، ويستثنى منه.
18 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، أن جده محمد بن عمر بن حزم
باع ثمر حائط له يقال له الأفرق. بأربعة آلاف درهم. واستثنى منه بثمانمائة درهم، تمرا.
19 - وحدثني عن مالك، عن أبي الرجال، محمد بن عبد الرحمن بن حارثة، أن أمه عمرة
بنت عبد الرحمن كانت تبيع ثمارها وتستثنى منها.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا أن الرجل إذا باع ثمر حائطه، أن له أن يستثنى
من ثمر حائطه ما بينه وبين ثلث الثمر. لا يجاوز ذلك وما كان دون الثلث فلا بأس بذلك.
قال مالك: فأما الرجل يبيع ثمر حائطه، ويستثنى من ثمر حائطه، ثمر نخلة أو نخلات
يختارها، ويسمى عددها. فلا أرى بذلك بأسا. لان رب الحائط إنما استثنى شيئا من ثمر
حائط نفسه. وإنما ذلك شئ احتبسه من حائط. وأمسكه لم يبعه. وباع من حائطه
ما سوى ذلك.

18 - (الأفراق) موضع بالمدينة.
19 - (احتبسه) أي منعه.
622

(12) باب ما يكره من بيع التمر
20 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التمر بالتمر مثلا بمثل) فقيل له: إن عاملك على خيبر يأخذ الصاع
بالصاعين. فقال رسول الله: (ادعوه لي) فدعى له. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتأخذ
الصاع بالصاعين؟) فقال: يا رسول الله لا يبيعونني الجنيب بالجمع صاعا بصاع. فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بع الجمع بالدراهم. ثم ابتع بالدراهم جنيبا).
مرسل. قال ابن عبد البر: وصله داود بن قيس، عن زيد بن عطاء، عن أبي سعيد الخدري.
21 - وحدثني عن مالك، عن عبد الحميد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف، عن سعيد
ابن المسيب، عن أبي سعيد الخدري، وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا
على خيبر. فجاءه بتمر جنيب. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكل تمر خيبر هكذا؟) فقال:
لا. والله، يا رسول الله. إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين. والصاعين بالثلاثة. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تفعل. بع الجمع بالدراهم. ثم ابتع بالدراهم جنيبا).
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 89 - باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه.
ومسلم في: 22 - كتاب المساقاة: 18 - باب بيع الطعام مثلا بمثل، حديث 95.

20 - (الجنيب) نوع جيد من التمر. (بالجمع) تمر ردي، مجموع من أنواع مختلفة.
21 - (عبد الحميد) رواه يحيى وابن نافع وابن يوسف. وقال جمهور رواه الموطأ: عبد المجيد. وهو المعروف.
و كذا ذكره البخاري والعقيلي وهو الصواب. والأول غلط. قاله أبو عمر. (جنيب) نوع من أعلى التمر.
قيل الكبيس. وقيل الطيب. وقيل الصلب. وقيل الذي خرج منه حشفه ورديئه. وقيل الذي لا يخلط بغيره.
(الجمع) التمر الردئ المجموع من أنواع مختلفة. (ابتع) اشتر.
623

22 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن يزيد، أن زيدا أبا عياش، أخبره، أنه سأل
سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت؟ فقال له سعد: أيتهما أفضل؟ قال: البيضاء. فنهاه
عن ذلك. وقال سعد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن اشتراء التمر بالرطب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أينقص الرطب إذا يبس؟) فقالوا: نعم. فنهى عن ذلك.
أخرجه أبو داود في: 22 - كتاب البيوع، 18 - باب في التمر بالتمر.
والترمذي في: 12 - كتاب البيوع، 14 - باب ما جاء في النهى عن المحاقلة والمزابنة.
والنسائي في: 44 - كتاب البيوع، 36 - باب اشتراء التمر بالرطب.
وابن ماجة في: 12 - كتاب التجارات، 53 - باب بيع الرطب بالتمر.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 907، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
(13) باب ما جاء في المزابنة والمحاقلة
23 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
عن المزابنة. والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلا. وبيع الكرم بالزبيب كيلا.

22 - (البيضاء) الشعير. (بالسلت) حب بين الحنطة والشعير، ولا قشر له كقشر الشعير. فهو
كالحنطة في ملاسته، وكالشعير في طبعه وبرودته. قال الجوهري: ويكون في الغور والحجاز. (أيتها أفضل)
أي أكثر في الكيل.
(ما جاء في المزابنة والمحاقلة)
مفاعلة من الزبن. وهو الدفع الشديد. ومنهم الزبانية، ملائكة النار. لأنهم يزبنون الكفرة فيها، أي
يدفعونهم. ويقال للحرب: زبون لأنها تدفع أبناءها إلى الموت. وناقة زبون: إذا كانت تدفع حالبها عن الحلب.
سمي به هذا البيع المخصوص، لأن كل واحد من المتبايعين يزبن، أي يدفع الآخر عن حقه، يما يزداد فيه.
فإذا وقف أحدهما على ما يكره تدافعا. فيحرص أحدهما على فسخ البيع، والآخر على إمضائه.
و المحاقلة مفاعلة من الحقل، وهو الحرث. وقال بعض اللغويين: اسم للزرع في الأرض وللأرض التي يزرع
فيها. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «ما تصنعون بمحاقلكم»؟ أي بمزارعكم.
23 - (المزابنة) قال القزاز: أصله أن المغبون يريد فسخ البيع، والغابن لا يريد فسخه. فيتزابنان عليه،
أي يتدافعان. (الكرم) شجر العنب. والمراد العنب نفسه.
624

أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 82 - باب بيع المزابنة.
ومسلم في: 21 - كتاب البيوع، 14 - باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، حديث 72.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 906، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
24 - وحدثني عن مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان، مولى ابن أبي أحمد،
عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة. والمزابنة اشتراء
الثمر بالتمر في رؤوس النخل. والمحاقلة كراء الأرض بالحنطة.
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 82 - باب بيع المزابنة.
ومسلم في: 21 - كتاب البيوع، 17 - باب كراء الأرض، حديث 105.
25 - وحدثني عن مالك عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
عن المزابنة والمحاقلة. والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر. والمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة.
واستكراء الأرض بالحنطة.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث مرسل في الموطأ عند جميع الرواة. وكذا رواه أصحاب ابن شهاب، عنه.
قال ابن شهاب: فسألت سعد بن المسيب عن استكراء الأرض بالذهب والورق؟
فقال: لا بأس بذلك.
قال مالك: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة. وتفسير المزابنة: أن كل شئ من
الجزاف الذي لا يعلم كليه ولا وزنه ولا عدده، ابتيع بشئ مسمى من الكيل أو الوزن
أو العدد. وذلك أن يقول الرجل للرجل يكون له الطعام المصبر الذي لا يعلم كيله من

25 - (الورق) الفضة. (المصبر) المجموع بعضه فوق بعض. (الخبط) ما يسقط من ورق الشجر.
625

الحنطة أو التمر أو ما أشبه ذلك من الأطعمة. أو يكون للرجل السلعة من الحنطة أو النوى
أو القضب أو العصفر أو الكرسف أو الكتان أو القز أو ما أشبه ذلك من السلع. لا يعلم
كيل شئ من ذلك ولا وزنه ولا عدده. فيقول الرجل لرب تلك السلعة: كل سلعتك
هذه. أو مر من يكيلها. أو زن من ذلك ما يوزن. أو عد من ذلك ما كان يعد. فما نقص
عن كيل كذا وكذا صاعا. لتسمية يسميها. أو وزن كذا وكذا رطلا. أو عدد كذا وكذا،
فما نقص من ذلك فعلى غرمه لك حتى أو فيك تلك التسمية فما زاد على تلك التسمية فهو لي.
أضمن ما نقص من ذلك على أن يكون لي ما زاد. فليس ذلك بيعا. ولكنه المخاطرة
والغرر. والقمار. يدخل هذا. لأنه لم يشتر منه شيئا بشئ أخرجه. ولكنه ضمن له
ما سمى من ذلك الكيل أو الوزن أو العد. على أن يكون له ما زاد على ذلك. فإن نقصت
تلك السلعة عن تلك التسمية، أخذ من مال صاحبه ما نقص بغير ثمن ولا هبة، طيبة بها
نفسه. فهذا يشبه القمار. وما كان مثل هذا من الأشياء فذلك يدخله.
قال مالك: ومن ذلك أيضا أن يقول الرجل للرجل، له الثوب: اضمن لك من ثوبك
هذا كذا وكذا ظهارة قلنسوة. قدر كل ظهارة كذا وكذا. لشئ يمسيه. فما نقص من
ذلك فعلى غرمه حتى أوفيك. وما زاد فلي. أو أن يقول الرجل للرجل: أضمن لك من ثيابك

(النوى) البلح. (الكرسف) القطن. (الكتان) قال ابن دريد: الكتاب عربي. سمي بذلك
لأنه يكتن، أي يسود إذا ألقى بعضه فوق بعض. (القز) معرب. قال الليث: هو ما يعمل منه الإبريسيم.
ولذا قال بعضهم: القز والإبريسيم، مثل الحنطة والدقيق. (غرمه) دفعه. (الغرر) بيع الغرر هو
ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول. وقال الأزهري: بيع الغرر ما كان على غير عهدة ولا ثقة، وتدخل
فيه البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان، من كل مجهول. (ظهارة) ما يظهر للعين. وهو خلاف بطانة.
626

هذى كذا وكذا قميصا. ذرع كل قميص كذا وكذا. فما نقص من ذلك فعلى غرمه.
وما زاد على ذلك فلي. أو أن يقول الرجل للرجل، له الجلود من جلود البقر أو الإبل: أقطع
جلودك هذه نعالا على إمام يريه إياه. فما نقص من مائة زوج فعلى غرمه. وما زاد فهو لي
بما ضمنت لك. ومما يشبه ذلك، أن يقول الرجل للرجل عنده حب البان: اعصر حبك هذا.
فما نقص من كذا وكذا رطلا. فعلى أن أعطيكه. وما زاد فهو لي. فهذا كله وما أشبهه
من الأشياء، أو ضارعه، من المزابنة. التي لا تصلح ولا تجوز وكذلك أيضا إذا قال الرجل
للرجل، له الخبط أو النوى أو الكرسف أو الكتان أو القضب أو العصفر: أبتاع منك
هذا الخبط بكذا وكذا صاعا. من خبط يخبط مثله خبطه. أو هذا النوى بكذا وكذا صاعا
من نوى مثله. وفي العصفر والكرسف والكتان والقضب مثل ذلك. فهذا كله يرجع
إلى ما وصفنا من المزابنة.
(14) باب جامع بيع الثمر
26 - قال مالك: من اشترى ثمرا من نخل مسماة، أو حائط مسمى، أو لبنا من غنم مسماة:
إنه لا بأس بذلك. إذا كان يؤخذ عاجلا. يشرع المشترى في أخذه عند دفعه الثمن. وإنما
مثل ذلك، بمنزلة راوية زيت. يبتاع منها رجل بدينار أو دينارين. ويعطيه ذهبه. ويشترط
عليه أن يكيل له منها. فهذا لا بأس به. فإن انشقت الرواية. فذهب زيتها، فليس للمبتاع

(ذرع) قدر. (البان) شجر معروف، وهو الخلاف. (ضارعه) شابهه. (القضب) نبت معروف.
627

إلا ذهبه. ولا يكون بينهما بيع. وأما كل شئ كان حاضرا، يشترى على وجهه، مثل اللبن
إذا حلب، والرطب يستجنى، فيأخذ المبتاع يوما بيوم: فلا بأس به. فإن فنى قبل أن
يستوفى المشترى ما اشترى، رد عليه البائع من ذهبه، بحساب ما بقي له. أو يأخذ منه
المشترى سلعة بما بقي له. يتراضيان عليها. ولا يفارقه حتى يأخذها. فإن فارقه، فإن ذلك
مكروه. لأنه يدخله الدين بالدين. وقد نهى عن الكالئ بالكالئ. فإن وقع في بيعهما أجل،
فإنه مكروه. ولا يحل فيه تأخير ولا نظرة. ولا يصلح إلا بصفة معلومة، إلى أجل مسمى
فيضمن ذلك البائع للمبتاع. ولا يسمى ذلك في حائط بعينه. ولا في غنم بأعيانها.
وسئل مالك، عن الرجل يشترى من الرجل الحائط، فيه ألوان من النخل، من العجوة
والكبيس والعذق، وغير ذلك من ألوان التمر. فيستثنى منها ثمر النخلة أو النخلات،
يختارها من نخله؟ فقال مالك: ذلك لا يصلح. لأنه إذا صنع ذلك، ترك ثمر النخلة من
العجوة. ومكيلة ثمرها خمسة عشر صاعا. وأخذ مكانها ثمر نخلة من الكبيس. ومكيلة
ثمرها عشرة أصوع. فإن أخذ العجوة التي فيها خمسة عشر صاعا. وترك التي فيها عشرة أصوع
من الكبيس. فكأنه اشترى العجوة بالكبيس متفاضلا. وذلك مثل أن يقول الرجل
للرجل، بين يديه صبر من التمر: قد صبر العجوة فجعلها خمسة عشر صاعا. وجعل صبرة
الكبيس عشرة آصع. وجعل صبرة العذق اثنى عشر صاعا. فأعطى صاحب التمر دينارا

26 - (يستجنى) أي يجني. (الكالئ) بالكالئ أي الدين بالدين. (نظرة) تأخير. (ألوان)
أنواع. (العجوة) نوع من أجود تمر المدينة. (الكبيس) نوع من التمر، ويقال من أجوده.
(والعذق) أنواع من التمر. ومنه عذق ابن الحبيق، وعذق ابن طاب، وعذق ابن زيد. (أصوع)
جمع قلة لصاع. ويجمع كثرة على صيعان. (بين يديه) أي عنده. (صبرة) عن ابن دريد: اشتريت
الشئ صبرة، أي بلا كيل ولا وزن. وجمعها صبر مثل غرفة وغرف. (صبر العجوة) أي جمعها.
628

على أنه يختار. فيأخذ أي تلك الصبر شاء.
قال مالك: فهذا لا يصلح.
وسئل مالك، عن الرجل يشترى الرطب من صاحب الحائط. فيسلفه الدينار. ماذا له
إذا ذهب رطب ذلك الحائط؟ قال مالك: يحاسب صاحب الحائط. ثم يأخذ ما بقي له من ديناره.
إن كان أخذ بثلثي دينار رطبا، أخذ ثلث الدينار. الذي بقي له. وإن كان أخذ ثلاثة أرباع
ديناره رطبا. أخذ الربع الذي بقي له. أو يتراضيان بينهما. فيأخذ بما بقي له من ديناره عند
صاحب الحائط ما بدا له. إن أحب أن يأخذ تمرا، أو سلعة سوى التمر، أخذها بما فضل له
فإن أخذ تمرا أو سلعة أخرى فلا يفارقه حتى يستوفى ذلك منه.
قال مالك: وإنما هذا بمنزلة أن يكرى الرجل راحلته بعينها. أو يؤاجر غلامه،
الخياط أو النجار أو العمال، لغير ذلك من الاعمال. أو يكرى مسكنه. ويستلف إجارة
ذلك الغلام. أو كراء ذلك المسكن. أو تلك الراحلة. ثم يحدث في ذلك حدث بموت
أو غير ذلك. فيرد رب الراحلة أو العبد أو المسكين، إلى الذي سلفه ما بقي من كراء
الراحلة أو إجارة العبد أو كراء المسكن. يحاسب صاحبه بما استوفى من ذلك. إن كان
استوفى نصف حقه، رد عليه النصف الباقي الذي له عنده. وإن كان أقل من ذلك، أو أكثر
فبحساب ذلك يرد إليه ما بقي له.
قال مالك: ولا يصلح التسليف في شئ من هذا يسلف فيه بعينه. إلا أن يقبض المسلف
ما سلف فيه عند دفعه الذهب إلى صاحبه. يقبض العبد أو الراحلة أو المسكن. أو يبدأ

(فلانة) أي المعينة. وإطلاقها على غير الإنس أنكره بعضهم. ورد بأن في الحديث «ماتت فلانة» لشاة.
629

فيما اشترى من الرطب فيأخذ منه عند دفعه الذهب إلى صاحبه. لا يصلح أن يكون في شئ
من ذلك تأخير ولا أجل.
قال مالك: وتفسير ما كره من ذلك، أن يقول الرجل للرجل: أسلفك في راحلتك
فلانه أركبها في الحج. وبينه وبين الحج أجل من الزمان. أو يقول مثل ذلك في العبد
أو المسكن. فإنه إذا صنع ذلك، كان إنما يسلفه ذهبا، على أنه إن وجد تلك الراحلة صحيحة
لذلك الاجل الذي سمى له، فهي له بذلك الكراء. وإن حدث بها حدث من موت أو غيره،
رد عليه ذهبه. وكانت عليه على وجه السلف عنده.
قال مالك: وإنما فرق، بين ذلك، القبض. من قبض ما استأجر أو استكرى فقد خرج
من الغرر، والسلف الذي يكره. وأخذ أمر معلوما. وإنما مثل ذلك، أن يشترى الرجل
العبد أو الوليدة فيقبضهما وينقد أثمانهما. فإن حدث بهما حدث من عهدة السنة، أخذ ذهبه
من صاحبه الذي ابتاع منه. فهذا لا بأس به. وبهذا مضت السنة في بيع الرقيق.
قال مالك: ومن استأجر عبد بعينه أو تكارى راحلة بعينها إلى أجل. يقبض العبد
أو الراحلة إلى ذلك الاجل. فقد عمل بما لا يصلح. لا هو قبض ما استكرى أو استأجر،
ولا هو سلف في دين يكون ضامنا على صاحبه حتى يستوفيه.

(الغرر) الخطر. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر. وهو مثل بيع السمك في الماء، والطير في الهواء.
630

(15) باب بيع الفاكهة
27 - قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، أن من ابتاع شيئا من الفاكهة. من رطبها
أو يابسها. فإنه لا يبيعه حتى يستوفيه. ولا يباع شئ منها بعضه ببعض، إلا يدا بيد.
وما كان منها مما ييبس، فيصير فاكهة يابسة تدخر وتؤكل. فلا يباع بعضه ببعض.
إلا
يدا بيد. ومثل بمثل. إذا كان من صنف واحد. فإن كان من صنفين مختلفين، فلا بأس
بأن يباع منه اثنان بواحد. يدا بيد. ولا يصلح إلى أجل. وما كان منها مما لا ييبس ولا يدخر
وإنما يوكل رطبا. كهيئة البطيخ والقثاء والخربز والأترج والموز والرمان وما كان
مثله. وإن يبس لم يكن فاكهة بعد ذلك. وليس هو مما يدخر ويكون فاكهة. قال: فأراه
حقيقا أن يؤخذ منه من صنف واحد، اثنان بواحد. يدا بيد. فإذا لم يدخل فيه شئ من
الاجل، فإنه لا بأس به.

27 - (يدا بيد) أي مناجزة. (ومثلا بمثل) أي متساويا. (الخربز) نوع من البطيخ.
(الأترج) فاكهة معروفة. الواحدة أترجة. (الرمان) فعال. ونونه أصلية. ولذا ينصرف. الواحدة
رمانة.
631

(16) باب بيع الذهب بالفضة تبرا وعينا
28 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
السعدين أن يبيعا آنية من المغانم من ذهب أو فضة. فباعا كل ثلاثة بأربعة عينا، أو كل
أربعة بثلاثة عينا. فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أريتما فردا).
مرسل. ورواه ابن وهب عن الليث بن سعيد. وعمرو بن الحارث، عن يحيى بن سعيد، أنه حدثهما أن
عبد الله بن أبي سلمة حدثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم... الخ.
29 - وحدثني عن مالك، عن موسى بن أبي تميم، عن أبي الحباب سعيد بن يسار،
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الدينار بالدينار، والدرهم، لا فضل
بينهما).
أخرجه مسلم في: 22 - كتاب المساقاة، 15 - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا، حديث 85.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 759، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
30 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل. ولا تشفوا بعضها على بعض. ولا تبيعوا الورق

(بيع الذهب بالورق عينا وتبرا)
حالان من الذهب. فالتبر ما كان من الذهب غير مضروب. فإن ضرب دنانير فهو عين.
28 - (السعدين) سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة. (المغانم) أي مغانم خيبر. (أربيتما) أربي
الرجل، دخل في الربا.
29 - (لافضل بينهما) أي زيادة.
30 - (إلا مثلا بمثل) أي إلا حال كونهما متماثلين، أي متساويين. (تشفوا) من الإشفاف، أي
لا تفضلوا. والشف، بالكسر، الزيادة.
632

بالورق. إلا مثلا بمثل. ولا تشفوا بعضها على بعض. ولا تبيعوا منها شيئا. غائبا بناجز).
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 78 - باب بيع الفضة بالفضة.
ومسلم في: 22 - كتاب المساقاة، 14 - باب الربا، حديث 75.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 758، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
31 - وحدثني عن مالك، عن حميد بن قيس المكي، عن مجاهد، أنه قال: كنت مع
عبد الله بن عمر. فجاءه صائغ. فقال له: يا أبا عبد الرحمن، إني أصوغ الذهب. ثم أبيع
الشئ من ذلك بأكثر من وزنه. فأستفضل من ذلك قدر عمل يدي. فنهاه عبد الله عن ذلك.
فجعل الصائغ يردد عليه المسألة. وعبد الله ينهاه. حتى انتهى إلى باب المجسد. أو إلى دابة
يريد أن يركبها. ثم قال عبد الله بن عمر: الدينار بالدينار. والدرهم بالدرهم. لا فضل
بينهما. هذا عهد نبينا إلينا. عهدنا إليكم.
رواه الشافعي في الرسالة، فقرة 760، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
32 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن جده مالك بن أبي عامر، أن عثمان بن عفان
قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعوا الدينار بالدينارين. ولا الدرهم بالدرهمين).
وصله مسلم من طريق ابن وهب، عن مخرمة بن بكير، عن سليمان بن يسار.
في: 22 - كتاب المساقاة، 14 - باب الربا، حديث 78.

(غائبا) مؤجلا. (بناجز) أي بحاضر.
31 - (أصوغ الذهب) أي أجعله حليا. (الشئ) المصوغ. (فأستفضل) أي فأستبقى.
(لا فضل) زيادة. (عهد) أي وصية.
633

33 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن معاوية بن أبي سفيان
باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها. فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل. فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسا. فقال أبو الدرداء:
من يعذرني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويخبرني عن رأيه. لا أساكنك
بأرض أنت بها. ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب. فذكر ذلك له. فكتب عمر
ابن الخطاب إلى معاوية: أن لا تبيع ذلك. إلا مثلا بمثل. وزنا بوزن.
قال أبو عمر: لا أعلم أن هذه القصة عرضت لمعاوية مع أبي الدرداء، إلا من هذا الوجه.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 1228، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
34 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب قال:
لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثل بمثل. ولا تشفوا بعضها على بعض. ولا تبيعوا الورق
بالورق إلا مثلا بمثل. ولا تشفوا بعضها على بعض. ولا تبيعوا الورق بالذهب، أحدهما
غائب، والاخر واجز. وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فذ تنظره إني أخاف عليكم الرماء.
والرماء هو الربا.
تقدم هذا مرفوعا عن أبي سعيد. وذكر هذا الموقوف إشارة لاستمرار العمل به، ولذكر الزيادة.

33 - (سقاية) هي البرادة يبرد فيها الماء، تعلق. (إلا مثلا بمثل) أي سواء في القدر. (من
يعذرني) أي من يلومه على فعله ولا يلومني عليه. أو من يقوم بعذري إذا جازيته بصنعه، ولا يلومني على ما أفعله
به. أو من ينصرني. يقال: اعذرته، إذا نصرته.
34 - (ولا تشفوا) أي تفضلوا بعضها على بعض. ويطلق الشف، لغة، أيضا، على النقص. وهو من
أسماء الأضداد.
634

35 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب
قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب. إلا مثلا بمثل. ولا تشفوا بعضها على بعض. ولا تبيعوا
الورق بالورق. إلا مثلا بمثل. ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا شيئا منها غائبا بناجز.
وإن استنظرك إلى أن يلج بيته. فلا تنظره. إني أخاف عليكم الرماء. والرماء هو الربا.
36 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن القاسم بن محمد أنه قال: قال عمر بن الخطاب:
الدينار بالدينار. والدرهم بالدرهم. والصاع بالصاع. ولا يباع كالئ بناجز.
37 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: لا ربا
إلا في ذهب أو في فضة. أو ما يكال أو يوزن. بما يؤكل أو يشرب
37 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب فيقول:
قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض.
قال مالك: ولا بأس أن يشترى الرجل الذهب بالفضة. والفضة بالذهب. جزافا.
إذا كان تبرا أو حليا قد صيغ. فأما الدراهم المعدودة. والدنانير المعدودة. فلا ينبغي
لاحد أن يشترى شيئا من ذلك جزافا. حتى يعلم ويعد. فإن اشترى ذلك جزافا، فإنما يراد

35 - (استنظرك) طلب تأخيرك.
36 - (كالئ) أي مؤجل.
37 - (حليا) مفرد حلي.
635

به الغرر، حين يترك عده ويشترى جزافا. وليس هذا من بيوع المسلمين. فأما ما كان
يوزن من التبر والحلي. فلا بأس أن يباع ذلك جزافا وإنما ابتياع ذلك جزافا، كهيئة الحنطة
والتمر ونحوهما من الأطعمة التي تباع جزافا، ومثلها يكال، فليس بابتياع ذلك جزافا، بأس.
قال مالك: من اشترى مصحفا أو سيفا أو خاتما. وفي شئ من ذلك ذهب أو فضة. بدنانير
أو دراهم. فإن ما اشترى من ذلك وفيه الذهب بدنانير، فإنه ينظر إلى قيمته. فإن كانت
قيمة ذلك الثلثين، وقيمة ما فيه من الذهب الثلث، فذلك جائز لا بأس به. إذا كان ذلك
يد بيد. ولا يكون فيه تأخير. وما اشترى من ذلك بالورق، مما فيه الورق، نظر إلى قيمته.
فإن كان قيمة ذلك الثلثين، وقيمة ما فيه من الورق الثلث. فذلك جائز لا بأس به. إذا
كان ذلك يدا بيد. ولم يزل ذلك من أمر الناس عندنا.
(17) باب ما جاء في الصرف
38 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري،
أنه التمس صرفا بمائة دينار. قال فدعاني طلحة بن عبيد الله. فتراوضنا حتى اصطرف منى.
وأخذ الذهب يقلبها في يده. ثم قال: حتى يأتيني خازني من الغابة. وعمر بن الخطاب يسمع.

38 - (فتراوضنا) أي تجاذبنا في البيع والشراء. وهو ما يجري بين المتبايعين من الزيادة والنقصان. كأن
كل واحد منهما يروض صاحبه، من رياضة الدابة. وقيل هي المواصفة بالسلعة بأن يصف كل منهما سلعته للآخر.
(فأخذ الذهب يقلبها في يده) الذهب يذكر ويؤنث. (الغابة) موضع قرب المدينة به أموال لأهلها.
و كان لطلحة بها مال نخل وغيره.
636

فقال عمر: والله لا تفارقه حتى تأخذ منه. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالورق
ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء. والشعير
بالشعير ربا الا هاء).
أخرجه البخاري في 34 - كتاب البيوع، 76 - باب بيع الشعير بالشعير.
ومسلم في: 22 - كتاب المساقاة، 15 - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا، حديث 79.
قال مالك: إذا اصطرف الرجل دراهم بدنانير. ثم وجد فيها درهما زائفا فأراد رده.
انتقض صرف الدينار. ورد إليه ورقه. وأخذ إليه ديناره. وتفسيره ما كره من ذلك، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء).
وقال عمر بن الخطاب: وإن
استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره. وهو إذا رد عليه درهما من صرف، بعد أن يفارقه،
كان بمنزلة الدين أو الشئ المستأخر. فلذلك كره ذلك. وانتقض الصرف. وإنما أراد عمر
ابن الخطاب، أن لا يباع الذهب والورق والطعام كله عاجلا بآجل. فإنه لا ينبغي أن
يكون في شئ من ذلك تأخير ولا نظرة. وإن كان من صنف واحد. أو كان مختلفة
أصنافه.

(إلا هاء وهاء) اسم فعل بمعنى خذ يقال: هاء درهما. أي خذ درهما. فنصب درهما باسم المفعول، كما ينصب
بالفعل. يقول أحدهما: خذ. ويقول الآخر: خذ. (والبر) الحنطة. (زائفا) أي رديئا.
(ولا نظرة) أي تأخير.
637

(18) باب المراطلة
39 - حدثني يحيى عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، أنه رأى سعيد بن المسيب
يراطل الذهب بالذهب. فيفرغ ذهبه في كفة الميزان ويفرغ صاحبه الذي يراطله ذهبه
في كفة الميزان الأخرى. فإذا اعتدل لسان الميزان، اخذ وأعطى.
قال مالك: إذ مر عندنا في بيع الذهب بالذهب، والورق، مراطلة: أنه لا بأس
بذلك. أن يأخذ أحد عشر دينارا بعشرة دنانير. يدا بيد. إذا كان وزن الذهبين سواء.
عينا بعين. وإن تفاضل العدد. والدراهم أيضا في ذلك، بمنزلة الدنانير.
قال مالك: من راطل ذهبا بذهب. أو ورقا بورق. فكان بين الذهبين. فضل مثقال.
فأعطى صاحبه قيمته من الورق، أو من غيرها. فلا يأخذه. فإن ذلك قبيح. وذريعة إلى
الربا. لأنه إذا جاز له أن يأخذ المثقال بقيمته. حتى كأنه اشتراه على حدته. جاز له أن يأخذ
المثقال بقيمته مرارا. لان يجيز ذلك البيع بينه وبين صاحبه.
قال مالك: ولو أنه باعه ذلك المثقال مفردا ليس معه غيره، لم يأخذه بعشر الثمن الذي
أخذه به. لان يجوز له البيع. فذلك الذريعة إلى إحلال الحرام. والامر المنهى عنه.
قال ملاك، في الرجل يراطل الرجل، ويعطيه الذهب العتق الجياد، ويجعل معها تبرا

(باب المراطلة)
مفاعلة من الرطل. قال الزرقاني: ولم أجد لغويا ذكرها. وإنما يذرون الرطل، وهي، عرفا، بيع الذهب
بالذهب والفضة بالفضة، وزنا. (مراطلة) أي وزنا. (يدا بيد) أي مناجزة. (ذريعة) وسيلة.
(لأن) لأجل أن. (العتق) جمع عتيق. برد وبريد.
638

ذهبا غير جدة ويأخذ من صاحبه ذهبا كوفية مقطعة. وتلك الكوفية مكروهة عند
الناس. فيتبايعان ذلك مثلا بمثل: إن ذلك لا يصلح.
قال مالك: وتفسير ما كره من ذلك، أن صاحب الذهب الجياد أخذ فضل عيون ذهبه
في التبر الذي طرح مع ذهبه. ولولا فضل ذهبه على ذهب صاحبه، لم يراطله صاحبه بتبره
ذلك، إلى ذهبه الكوفية. فامتنع. وإنما مثل ذلك كمثل رجل أراد أن يبتاع ثلاثة أصول
من تمر عجوة. بصاعين ومد من تمر كبيس. فقيل له: هذا لا يصلح. فجعل صاعين من
كبيس، وصاعا من حشف. يريد أن يجيز، بذلك، بيعه. فذلك لا يصلح لأنه لم يكن
صاحب العجوة، ليعطيه صاعا من العجوة بصاع من حشف. ولكنه إنما أعطاه ذلك،
لفضل الكبيس. أو أن يقول الرجل للرجل: بعني ثلاثة أصوع من البيضاء. بصاعين ونصف
من حنطة شامية. فيقول: هذا لا يصلح إلا مثلا بمثل. فيجعل صاعين من حنطة شامية.
وصاعا من شعير. يريد أن يجيز، بذلك، البيع فيما بينهما. فهذا لا يصلح. لأنه لم يكن
ليعطيه بصاع من شعير، صاعا من حنطة بيضاء، لو كان ذلك الصاع مفردا. وإنما أعطاه إياه
لفضل الشامية على البيضاء. فهذا لا يصلح. وهو مثل ما وصفنا من التبر.
قال مالك: فكل شئ من الذهب والورق والطعام كله. الذي لا ينبغي أن يباع إلا
مثلا بمثل فلا ينبغي أن يجعل مع الصنف الجيد من المرغوب فيه، الشئ الردئ المسخوط،
ليجاز البيع. وليستحل بذلك ما نهى عنه من الامر الذي لا يصلح، إذا جعل ذلك مع
الصنف المرغوب فيه. وإنما يريد صاحب ذلك أن يدرك بذلك، فضل جودة ما يبيع.

(حشف) ردئ التمر. (البيضاء) الحنطة. (حنطة شامية) هي السمراء.
639

فيعطى الشئ الذي لو أعطاه وحده، لم يقبله صاحبه. ولم يهمم بذلك. وإنما يقبله من أجل
الذي يأخذ معه، لفضل سلعة صاحبه على سلعته فلا ينبغي لشئ من الذهب والورق والطعام
أن يدخله شئ من هذه الصفة. فإن أراد صاحب الطعام الردي، أن يبيعه بغيره، فليبعه
على حدته. ولا يجعل مع ذلك شيئا. فلا بأس به إذا كان كذلك.
(19) باب العينة وما يشبهها
40 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه).
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 51 - باب الكيل على البائع والمعطى.
ومسلم في: 21 - كتاب البيوع، 8 - باب بطلان بيع البيع قبل القبض، حديث 32.
41 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه).
أخرجه مسلم في: 21 - كتاب البيوع، 8 - باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، حديث 36.

(العينة وما يشبهها)
(العينة) قال في المصباح: فسرها الفقهاء بأن يبيع متاعه إلى أجل. ثم يشتريه في المجلس بثمن حال
ليسلم به من الربا. وقيل لهذا البيع عينة، لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا، أي نقدا حاضرا. وذلك
حرام إذا اشترط المشتري على البائع أن يشتريها منه بثمن معلوم.
40 - (حتى يستوفيه) أي يقبضه.
640

42 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم
نبتاع الطعام. فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله. من المكان الذي ابتعناه فيه. إلى
مكان سواه، قبل أن نبيعه.
أخرجه مسلم في: 21 - كتاب البيوع، 8 - باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، حديث 33.
43 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن حكيم بن حزام ابتاع طعاما، أمر به عمر بن
الخطاب للناس. فباع حكيم الطعام قبل أن يستوفيه فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فرده عليه.
وقال: لا تبع طعاما ابتعته حتى تستوفيه.
44 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن صكوكا خرجت للناس في زمان مروان بن الحكم.
من طعام الجار. فتبايع الناس تلك الصكوك بينهم، قبل أن يستوفوها. فدخل زيد بن ثابت
ورجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، على مروان بن الحكم. فقالا: أتحل بيع الربا يا مروان؟
فقال: أعوذ بالله. وما ذاك؟ فقالا: هذه الصكوك. تبايعها الناس ثم باعوها. قبل أن يستوفوها.
فبعث مروان الحرس يتبعونها. ينزعونها من أيدي الناس. ويردونها إلى أهلها.
وصله مسلم بمعناه من طريق الضحاك بن عثمان، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن
أبي هريرة في: 21 - كتاب البيوع، 8 - باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، حديث 40.

44 - (صكوكا) جمع صك. ويجمع أيضا على صكاك. وهو الورقة التي يكتب فيها ولي الأمر برزق من
الطعام لمستحقه. (زمان مروان بن الحكم) أي إمارته. (الجار) موضع بساحل البحر يجمع فيه العام
ثم يفرق على الناس بصكاك. (أتحل) أي أتجيز؟. (أعوذ بالله) أي أعتصم به من أن أحل الربا.
641

45 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن رجلا أراد أن يبتاع طعاما من رجل إلى أجل.
فذهب به الرجل الذي يريد أن يبيعه الطعام إلى السوق. فجعل يريه الصبر ويقول له:
من أيها تحب أن ابتاع لك؟ فقال المبتاع، أتبيعني ما ليس عندك؟ فأتيا عبد الله بن عمر
فذكرا ذلك له. فقال عبد الله بن عمر للمبتاع: لا تبتع منه ما ليس عنده. وقال للبائع:
لا تبع ما ليس عندك
46 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع جميل بن عبد الرحمن المؤذن،
يقول لسعيد بن المسيب: إني رجل ابتاع من الأرزاق التي تعطى الناس بالجار. ما شاء الله.
ثم أريد أن أبيع الطعام المضمون على إلى أجل. فقال له سعيد: أتريد أن توفيهم من تلك
الأرزاق التي ابتعت؟ فقال: نعم. فنهاه على ذلك.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، الذي لا اختلاف فيه، أنه من اشترى طعاما، برا
أو شعيرا أو سلتا أو ذرة أو دخنا. أو شيئا من الحبوب القطنية. أو شيئا مما يشبه القطنية.
مما تجب فيه الزكاة. أو شيئا من الأدم كلها، الزيت والسمن والعسل والخل والجبن
والشبرق (والشريق) واللبن. وما أشبه ذلك من الأدم. فإن المبتاع، لا يبيع شيئا من ذلك، حتى
يقبضه ويستوفيه.

45 - (الصبر) جمع صبرة، وهو الطعام المجتمع كالكومة.
46 - (بالجار) محل معلوم بالساحل. (أو سلتا) السلت ضرب من الشعير، أبيض، لا قشر له.
وقيل هو نوع من الحنطة. والأول أصح، لأن البيضاء الحنطة. (القطنية) واحدة القطاني. كالعدس
والحمص واللوبيا، ونحوها. (الأدم) جمع إدام. بزنة كتاب وكتب، والإدام ما يؤكل مع الخبز، أي شئ
كان. (الشبرق أو الشيرق) دهن السمسم. قال البوني وهو السيرج أيضا (بالجيم).
642

(20) باب ما يكره من بيع الطعام إلى أجل
47 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزناد، أنه سمع سعيد بن المسيب وسليمان
ابن يسار ينهيان أن يبيع الرجل حنطة بذهب إلى أجل. ثم يشترى بالذهب تمرا، قبل
أن يقبض الذهب.
48 - وحدثني عن مالك، عن كثير بن فرقد، أنه سأل أبا بكر بن محمد بن عمرو
ابن حزم: عن الرجل يبيع الطعام من الرجل بذهب إلى أجل، ثم يشترى بالذهب تمرا
قبل أن يقبض الذهب؟ فكره ذلك، ونهى عنه.
وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، بمثل ذلك.
قال مالك: وإنما نهى سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وأبو بكر بن محمد بن عمرو
ابن حزم، وابن شهاب، عن لا يبيع الرجل حنطة بذهب. ثم يشترى الرجل بالذهب
تمرا. قبل أن يقبض الذهب من بيعه الذي اشترى منه الحنطة. فأما أن يشترى بالذهب
التي باع بها الحنطة، إلى أجل، تمرا من غير بائعه الذي باع منه الحنطة. قبل أن يقبض الذهب
ويحيل الذي اشترى منه التمر على غريمه الذي باع منه الحنطة. بالذهب التي له عليه.
في ثمر التمر. فلا بأس بذلك.
قال مالك: وقد سألت عن ذلك غير واحد من أهل العلم، فلم يروا به بأسا.

48 - (يبيع الطعام من الرجل) أي إليه. (عن أن لا) لا، زائدة للتأكيد. نحو ما منعك أن لا تسجد.
643

(21) باب السلفة في الطعام
49 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: لا بأس بأن
يسلف الرجل الرجل في الطعام الموصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى. ما لم يكن
في زرع لم يبد صلاحه، أو تمر لم يبد صلاحه.
قال مالك: الامر عندنا فيمن سلف في طعام بسعر معلوم. إلى أجل مسمى. فحل الاجل.
فلم يجد المبتاع عند البائع وفاء مما ابتاع منه فأقاله. فإنه لا ينبغي له أن يأخذ منه إلا ورقه
أو ذهبه أو الثمن الذي دفع إليه بعينه. وإنه لا يشترى منه بذلك الثمن شيئا. حتى يقبضه
منه وذلك أنه إذا أخذ غير الثمن الذي دفع إليه. أو صرفه في سلعة غير الطعام الذي ابتاع
منه. فهو بيع الطعام قبل أن يستوفى.
قال مالك: وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل أن يستوفى.
قال مالك: فإن ندم المشترى فقال للبائع: أقلني وأنظرك بالثمن الذي دفعت إليك.
فإن ذلك لا يصلح. وأهل العلم ينهون عنه. وذلك أنه لما حل الطعام لمشتري عل البائع،
أخر عنه حقه، على أن يقيله. فكان ذلك بيع الطعام إلى أجل، قبل أن يستوفى.
قال مالك: وتفسير ذلك، أن المشترى حين حل الاجل. وكره الطعام. أخذ به دينارا إلى أجل.
وليس ذلك بالإقالة. وإنما الإقالة ما لم يزدد فيه البائع ولا المشترى. فإذا وقعت فيه الزيادة
بنسيئة إلى أجل. أو بشئ يزداده أحدهما على صاحبه. أو بشئ ينتفع به أحدهما، فإن ذلك

49 - (وأنظرك) أؤخرك. (بنسيئة) بتأخير.
644

ليس بالإقالة وإنما تصير الإقالة، إذا فعلا ذلك بيعا. وإنما أرخص في الإقالة والشرك،
والتولية، ما لم يدخل شيئا من ذلك زيادة، أو نقصان، أو نظرة. فإن دخل ذلك، زيادة
أو نقصان، أو نظرة، صار بيعا. يحله ما يحل البيع. ويحرمه ما يحرم البيع.
قال مالك: من سلف في حنطة شامية، فلا بأس أن يأخذ محمولة، بعد محل الاجل.
قال مالك: وكذلك من سلف في صنف من الأصناف. فلا بأس أن يأخذ خيرا مما سلف
فيه. أو أدنى بعد محل الاجل. وتفسير ذلك: أن يسلف الرجل في حنطة محمولة. فلا بأس
أن يأخذ شعيرا أو شامية. وإن سلف في تمر عجوة، فلا بأس أن يأخذ صيحانيا أو جمعا.
وإن سلف في زبيب أحمر، فلا بأس أن يأخذ اسود. إذا كان ذلك كله بعد محل الاجل.
إذا كانت مكيلة ذلك سواء. بمثل كيل ما سلف فيه.
(22) باب بيع الطعام بالطعام لا فضل بينهما
50 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه: أن سليمان بن يسار قال: فنى علف حمار سعد
ابن أبي وقاص. فقال لغلامه: خذ من حنطة أهلك. فابتع بها شعيرا. ولا تأخذ إلا مثله.
51 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار، أنه أخبره: أن عبد الرحمن

(نظرة) تأخير. (بعد محل) أي جلول (أو جمعا) أي تمرا رديا.
645

ابن الأسود بن عبد يغوث. فنى علف دابته. فقال لغلامه: خذ من حنطة أهلك طعاما.
فابتع بها شعيرا. ولا تأخذ إلا مثله.
52 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن القاسم بن محمد، عن ابن معيقيب الدوسي،
مثل ذلك.
قال مالك: وهو الامر عندنا.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، أن لاتباع الحنطة بالحنطة. ولا التمر بالتمر.
ولا الحنطة بالتمر. ولا التمر بالزبيب. ولا الحنطة بالزبيب ولا شئ من الطعام كله،
إلا يدا بيد. فإن دخل، شيئا من ذلك، الاجل. لم يصلح. وكان حراما. ولا شئ من الأدم
كلها، إلا يدا بيد.
قال مالك: ولا يباع شئ من الطعام والادم إذا كان من صنف واحد، اثنان بواحد.
فلا يباع مد حنطة بمدى حنطة. ولا مد تمر بمدى تمر. ولا مد زبيب بمدى زبيب.
ولا ما أشبه ذلك من الحبوب والادم كلها. إذا كان من صنف واحد. وإن كان يدا بيد.
إنما ذلك بمنزلة الورق بالورق والذهب بالذهب. لا يحل في شئ من ذلك الفضل. ولا يحل
إذ مثلا بمثل. يدا بيد.
قال مالك: وإذا اختلف ما يكال أو يوزن، مما يؤكل أو يشرب، فبان اختلافه.
فلا بأس أن يؤخذ منه اثنان بواحد. يدا بيد. ولا بأس أن يؤخذ صاع من تمر بصاعين
من حنطة. وصاع من تمر بصاعين من زبيب. وصاع من حنطة بصاعين من سمن. فإذا كان
646

الصنفان من هذا مختلفين. فلا بأس باثنين منه بواحد. أو أكثر من ذلك. يد بيد. فإن
دخل ذلك، الاجل، فلا يحل.
قال مالك: ولا تحل صبرة الحنطة بصبرة الحنطة. ولا بأس بصبرة الحنطة بصبرة التمر.
يدا بيد. وذلك أنه لا بأس أن يشترى الحنطة بالتمر جزافا.
قال مالك: وكل ما اختلف من الطعام والادم. فبان اختلافه. فلا بأس أن يشترى بعضه
ببعض. جزافا. يد بيد. فإن دخله الاجل فلا خير فيه. وإنما اشتراء ذلك جزافا. كاشتراء
بعض ذلك بالذهب والورق جزافا.
قال مالك: وذلك، أنك تشترى الحنطة بالورق جزافا. والتمر بالذهب جزافا، فهذا
حلال. لا بأس به.
قال مالك: ومن صبر صبرة طعام. وقد علم كيلها. ثم باعها جزافا. وكتم المشترى كيلها،
فإن ذلك لا يصلح. فإن أحب المشترى أن يرد ذلك الطعام على البائع، رده بما كتمه كيله
وغره. وكذلك كل ما علم البائع كيله وعدده من الطعام وغيره، ثم باعه جزافا. ولم يعلم
المشترى ذلك. فإن المشترى إن أحب أن يرد ذلك على البائع رده. ولم يزل أهل العلم
ينهون عن ذلك.
قال مالك: ولا خير في الخبز، قرص بقرصين. ولا عظيم بصغير. إذا كان بعض ذلك
أكبر من بعض. فأما إذا كان يتحرى أن يكون مثلا بمثل. فلا بأس به. وإن لم يوزن:
قال مالك: لا يصلح مد زبد ومد لبن بمدى زبد. وهو مثل الذي وصفنا من التمر الذي
يباع صاعين من كبيس، وصاعا من حشف، بثلاثة أصوع من عجوة، حين قال لصاحبه: إن صاعين
647

من كبيس بثلاثة أصوع من العجوة لا يصلح. ففعل ذلك ليجيز بيعه. وإنما جعل صاحب
اللبن اللبن مع زبده. ليأخذ فضل زبده على زبد صاحبه. حين أدخل معه اللبن.
قال مالك: والدقيق بالحنطة مثلا بمثل. لا بأس به، وذلك لأنه أخلص الدقيق فباعه
بالحنطة مثلا بمثل. ولو جعل نصف المد من دقيق، ونصفه من حنطة، فباع ذلك بمد من
حنطة، كان ذلك مثل الذي وصفنا. لا يصلح. لأنه إنما أراد أن يأخذ فضل حنطته الجيدة،
حتى جعل معها الدقيق. فهذا لا يصلح.
(23) باب جامع بيع الطعام
53 - حدثني يحيى عن مالك، عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم، انه سأل سعيد بن
المسيب فقال: إني رجل أبتاع لاطعام. يكون من الصكوك بالجار. فربما ابتعت منه بدينار
ونصف درهم. فأعطى بالنصف طعاما. فقال سعيد: لا. ولكن أعط أنت درهما. وخذ
بقيته طعاما.
54 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن محمد بن سيرين كان يقول: لا تبيعوا الحب
في سنبله حتى يبيض.
قال مالك: من اشترى طعاما بسعر معلوم إلى أجل مسمى. فلما حل الاجل، قال الذي

53 - (الجار) موضع بساحل البحر يجمع فيه الطعام ثم يفرق على الناس بصكاك.
648

عليه الطعام لصاحبه: ليس عندي طعام. فبعني الطعام الذي لك على إلى أجل. فيقول صاحب
الطعام: هذا لا يصلح. لأنه قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفى. فيقول
الذي عليه الطعام لغريمه: فبعني طعاما إلى أجل حتى أقضيكه. فهذا لا يصلح. لأنه إنما
يعطيه طعاما ثم يرده إليه. فيصير الذهب الذي أعطاه ثمن الذي كان له عليه. ويصير الطعام
الذي أعطاه محللا فيما بينهما. ويكون ذلك، إذا فعلاه، بيع الطعام قبل أن يستوفى.
قال مالك، في رجل له على رجل طعام ابتاعه منه. ولغريمه على رجل طعام مثل ذلك
الطعام. فقال الذي عليه الطعام لغريمه أحيلك على غريم، لي عليه مثل الطعام الذي لك على،
بطعامك الذي لك على.
قال مالك: إن كان الذي عليه الطعام إنما هو طعام ابتاعه. فأراد أن يحيل غريمه بطعام
ابتاعه. فإن ذلك لا يصلح. وذلك بيع الطعام قبل أن يستوفى فإن كان الطعام سلفا حالا.
فلا بأس أن يحيل به غريمه. ذن ذلك ليس ببيع. ولا يحل بيع الطعام قبل أن يستوفى.
لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، غير أن أهل العلم قد اجتمعوا على أنه لا بأس بالشرك
والتولية والإقالة، في الطعام وغيره.
قال مالك: وذلك أن أهل العلم أنزلوه على وجه المعروف. ولم ينزلوه على وجه البيع.
وذلك مثل الرجل يسلف الدراهم النقص. فيقضى دراهم وازنة. فيها فضل. فيحل له
ذلك. ويجوز. ولو اشترى منه دراهم نقصا. بوازنة. لم يحل ذلك. ولو اشترط عليه حين
أسلفه وازنة. وإنما أعطاه نقصا. لم يحل له ذلك.
649

قال مالك: ومما يشبه ذلك، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المزابنة وأرخص
في بيع العرايا بخرصها من التمر. وإنما فرق بين ذلك: أن بيع المزابنة بيع على وجه
المكايسة والتجارة. وأن بيع العرايا على وجه المعروف، لا مكايسة فيه.
قال مالك: ولا ينبغي أن يشترى رجل طعاما بربع أو ثلث أو كسر من درهم. على أن
يعطى بذلك طعاما إلى أجل. ولا بأس أن يبتاع الرجل طعاما بكسر من درهم إلى أجل.
ثم يعطى درهما ويأخذ بما بقي له من درهمه سلعة من السلع. لأنه أعطى الكسر الذي عليه،
فضة. وأخذ ببقية درهمه سلعة. فهذا لا بأس به.
قال مالك: ولا بأس أن يضع الرجل عند الرجل درهما. ثم يأخذ منه بربع أو بثلث
أو بكسر معلوم، سلعة معلومة. فإذا لم يكن في ذلك سعر معلوم. وقال الرجل: آخذ منك
بسعر كل يوم، فهذا لا يحل. لأنه غرر. يقل مرة ويكثر مرة. ولم يفترقا على بيع
معلوم.
قال مالك: ومن باع طعاما جزافا ولم يستثن منه شيئا ثم بدا له أن يشترى منه شيئا.
فإنه لا يصلح له أن يشترى منه شيئا. إلا ما كان يجوز له أن يستثنى منه. وذلك الثلث
فما دونه. فإن زاد على الثلث صار ذلك إلى المزابنة وإلى ما يكره. فلا ينبغي له أن يشترى
منه شيئا. إلا ما كان يجوز له أن يستثنى منه. ولا يجوز له أن يستثنى منه إلا الثلث فما دونه.
وهذا الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا.
650

(24) باب الحكرة والتربص
56 - حدثني يحيى عن مالك: انه بلغه أن عمر بن الخطاب قال: لا حكرة في سوقنا.
لا يعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب، إلى رزق من رزق الله نزل بساحتنا. فيحتكرونه
علينا. ولكن أيما جالب جلب على عمود كبده في الشتاء والصيف، فذلك ضيف عمر.
فليبع كيف شاء الله. وليمسك كيف شاء الله.
57 - وحدثني عن مالك، عن يونس بن يوسف، عن سعيد بن المسيب، أن عمر
ابن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو ببيع زبيبا له بالسوق. فقال له عمر بن الخطاب:
إما أن تزيد في السعر. وإما أن ترفع من سوقنا.
58 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عثمان بن عفان كان ينهى عن الحكرة.

(باب الحكرة والتربص)
الحكرة: اسم من احتكر الطعام إذا حبسه إرادة للغلاء. والحكر والحكر لغة، بمعناه. والتربص: الانتظار
56 - (يعمد) يقصد. (فضول) زيادات عن أقواتهم. (أذهاب) جمع ذهب. كأسباب وسبب.
قال في النهاية: الذهب مكيال معروف باليمن، وجمعه أذهاب. (على عمود كبده) قال ابن الأثير: أراد به ظهره.
لأنه يمسك البطن ويقويه فصار كالعمود له. وقيل أراد أنه يأتي به على تعب ومشقة. وإن لم يكن ذلك الشئ
على ظهره، وإنما هو مثل. وقيل: يريد بكبده الحاملة. لأن الجالب إنما يحمل على دوابه لا على ظهره.
651

(25) باب ما يجوز من بيع الحيوان بعضه ببعض والسلف فيه
59 - حدثني يحيى عن مالك، عن صالح بن كيسان، عن حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب أن علي بن أبي طالب باع جملا له يدعى عصيفيرا، بعشرين بعيرا، إلى أجل.
60 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر اشترى راحلة بأربعة أبعرة
مضمونة عليه، يوفيها صاحبها بالربذة.
61 - وحدثني عن مالك، أنه سأل ابن شهاب عن بيع الحيوان، اثنين بواحد إلى أجل؟
فقال: لا بأس بذلك.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، أنه لا بأس بالجمل بالجمل مثله. وزيادة دراهم.
يدا بيد. ولا بأس بالجمل بالجمل مثله. وزيادة دراهم. الجمل بالجمل يدا بيد. والدراهم
إلى أجل. قال ولا خير في الجمل بالجمل مثله. وزيادة دراهم. الدراهم نقدا، والجمل إلى أجل
وإن أخرت الجمل والدراهم، لا خير في ذلك أيضا.
قال مالك: ولا بأس أن يبتاع البعير النجيب بالبعيرين أو بالأبعرة من الحمولة من ماشية
الإبل وإن كانت من نعم واحدة. فلا بأس أن يشترى منها اثنان بواحد إلى أجل.
إذا

60 (بالربذة) قرية قرب المدينة.
61 - (النجيب) وزن كريم ومعناه. (الحمولة) الجماعة.
652

اختلفت فبان اختلافها. وإن أشبه بعضها بعضا. واختلفت أجناسها ولم تختلف. فلا يؤخذ
منها اثنان بواحد إلى أجل.
قال مالك: وتفسير ما كره من ذلك، أن يؤخذ البعير بالبعيرين ليس بينهما تفاضل في
نجابة ولا رحلة. فإذا كان هذا على ما وصفت لك، فلا يشترى منه اثنان بواحد إلى أجل.
ولا بأس أن تبيع ما اشتريت منها قبل أن تستوفيه، من غير الذي اشتريته منه، إذا انتقدت
ثمنه.
قال مالك: ومن سلف في شئ من الحيوان إلى أجل مسمى، فوصفه وحلاه، ونقد ثمنه، فذلك جائز. وهو لازم للبائع والمبتاع على ما وصفا وحليا. ولم يزل ذلك من عمل الناس
الجائز بينهم. والذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا.
(26) باب مالا يجوز من بيع الحيوان
62 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
عن بيع حبل الحبلة. كان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية. كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج

(ولا رحلة) أي حمل.
62 - (حبل الحبلة) الأول مصدر حبلت المرأة. والثاني جمع حابل كظالم وظلمة وكاتب وكتبة.
(الجزور) هو البعير، ذكرا كان أو أنثى.
(تنتج) أي تلد. وهي من الأفعال التي لم تسمع إلا مبنية للمجهول. نحو: جن، وزهى علينا،
أي تكبر.
653

الناقة. ثم تنتج التي في بطنها.
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 61 - باب بيع الغرر وحبل الحبلة.
ومسلم في: 21 - كتاب البيوع، 3 - باب تحريم بيع حبل الحبلة، حديث 5 و 6.
63 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أنه قال، لا ربا في
الحيوان. وإنما نهى من الحيوان عن ثلاثة: عن المضامين، والملاقيح، وحبل الحبلة.
والمضامين بيع ما في بطون إناث الإبل. والملاقيح بيع ما في ظهور الجمال.
قال مالك: لا ينبغي أن يشترى أحد شيئا من الحيوان بعينه إذا كان غائبا عنه. وإن كان
قد رآه ورضيه، على أن ينقد ثمنه، لا قريبا ولا بعيدا.
قال مالك: وإنما كره ذلك، لان البائع ينتفع بالثمن، ولا يدرى هل توجد تلك السلعة
على ما رآها المبتاع أم لا؟ فلذلك، كره ذلك. ولا بأس به إذا كان مضمونا موصوفا.

(ثم تنتج التي في بطنها) أي ثم تعيش المولودة، حتى تكبر ثم تلد.
63 - (المضامين) جمع مضمون، وهو بيع ما في بطون إناث الإبل.
(الملاقيح) جمع ملقوح، وهو بيع ما في ظهور الجمال.
654

(27) باب بيع الحيوان باللحم
64 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان باللحم.
قال ابن عبد البر: لا أعلمه يتصل من وجه ثابت.
65 - وحدثني عن مالك، عن داود بن الحصين، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول:
من ميسر أهل الجاهلية، بيع الحيوان باللحم، بالشاة والشاتين.
66 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول نهى
عن بيع الحيوان باللحم.
قال أبو الزناد: فقلت لسعيد بن المسيب: أرأيت رجلا اشترى شارفا بعشرة شياه؟
فقال سعيد: إن كان اشتراها لينحرها، فلا خير في ذلك.
قال أبو الزناد، وكل من أدركت من الناس ينهون عن بيع الحيوان باللحم.
قال أبو الزناد وكان ذلك يكتب في عهود العمال. في زمان أبان بن عثمان، وهشام ابن إسماعيل. ينهون عن ذلك.

66 - (شارفا) المسنة من النوق. والجمع الشرف مثل بازل وبزل.
655

(28) باب بيع اللحم باللحم
67 - قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا في لحم الإبل والبقر والغنم وما أشبه ذلك
من الوحوش أنه لا يشترى بعضه ببعض. إلا مثلا بمثل وزنا بوزن. يدا بيد. ولا بأس
به. وإن لم يوزن إذا تحرى أن يوزن مثلا بمثل. يد بيد.
قال مالك: ولا بأس بلحم الحيتان، بلحم الإبل والبقر والغنم، وما أشبه ذلك من
الوحوش كلها. اثنين بواحد. وأكثر من ذلك. يد بيد. فإن دخل، ذلك، الاجل،
فلا خير فيه.
قال مالك: وأرى لحوم الطير كلها مخالفة للحوم الانعام والحيتان. فلا أرى بأسا بأن
يشترى بعض ذلك ببعض. متفاضلا. يد بيد. ولا يباع شئ من ذلك، إلى أجل.
(29) باب ما جاء في ثمن الكلب
68 - حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث
ابن هشام، عن أبي مسعود الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب. ومهر
البغي. وحلوان الكاهن.
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 113 - باب ثمن الكلب.
ومسلم في: 22 - كتاب المساقاة، 9 - باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغى،
حديث 39.
656

يعنى بمهر البغي ما تعطاه المرأة على الزنا. وحلوان الكاهن رشوته، وما يعطى على أن
يتكهن.
قال مالك: أكره ثمن الكلب الضاري وغير الضاري لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن
الكلب.
(30) باب السلف وبيع العروض بعضها ببعض
69 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وسلف.
وصله أبو داود في: 22 - كتاب البيوع، 68 - باب في الرجل يبيع ما ليس عنده.
والترمذي في: 12 - كتاب البيوع، 19 - باب كراهية بيع ما ليس عندك. وقال: حسن صحيح.
والنسائي في: 44 - كتاب البيوع، 60 - باب بيع ما ليس عندك.
قال مالك: وتفسيره ذلك أن يقول الرجل للرجل: آخذ سلعتك بكذا وكذا. على أن تسلفني كذا وكذا. فإن عقد بيعهما على هذا فهو غير جائز. فإن ترك الذي اشترط السلف،
ما اشترط منه، كان ذلك البيع جائزا.
قال مالك. ولا بأس أن يشترى الثوب من الكتان، أو الشطوي، أو القصبي، بالأثواب.

69 - (الشطوي) نسبة إلى شطا، قرية بأرض مصر.
(القصبي) القصب ثياب ناعمة من كتان، الواحدة قصبي.
657

من الإتريبي، أو القسي، أو الزيقة، أو الثوب الهروي، أو المروى بالملاحف اليمانية
والشقائق. وما أشبه ذلك. الواحد بالاثنتين، أو الثلاثة يدا بيد. أو إلى أجل. وإن كان
من صنف واحد. فإن دخل، ذلك، نسيئة فلا خير فيه.
قال مالك: ولا يصلح حتى يتخلف. فيبين اختلافه. فإذا أشبه بعض ذلك بعضا. وإن
اختلفت أسماؤه. فلا يأخذ منه اثنين بواحد إلى أجل. وذلك أن يأخذ الثوبين من الهروي
بالثوب من المروى، أو القوهي. إلى أجل. أو يأخذ الثوبين من الفرقبي، بالثوب من
الشطوي. فإذا كانت هذه الأجناس على هذه الصفة. فلا يشترى منها اثنان بواحد،
إلى أجل.
قال مالك: ولا بأس أن تبيع ما اشتريت منها، قبل أن تستوفيه من غير صاحبه الذي
اشتريته منه. إذا انتقدت ثمنه.

(القسي) نسبة إلى قس. موضع بين العريش والفرماء من أرض مصر، منه الثياب القسية. وقد يكسر.
(الزيقة) نسبة إلى زيق، محلة بنيسابور. وقال البوني: ثياب تعمل بالصعيد غلاظ ردية.
(الهروي) نسبة إلى هراة، مدينة بخراسان.
(المروي) نسبة إلى مرو، بلدة بفاس.
(بالملاحف) جمع ملحفة، الملاءة التي يلتحف بها.
(الشقائق) من الثياب هي الأرز الضيقة الردية.
(القوهي) ثياب بيض.
(الفرقبي) نسبة إلى فرقب، كقنفذ. موضع. أو هي قباب بيض من كتان.
658

(31) باب السلفة في العروض
70 - حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، أنه قال:
سمعت عبد الله بن عباس، ورجل يسأله: عن رجل سلف في سبائب فأراد بيعها قبل أن يقبضا.
فقال ابن عباس: تلك الورق بالورق وكره ذلك
قال مالك: وذلك فيما نرى، والله أعلم، أنه أراد أن يبيعها من صاحبها الذي اشتراها
منه، بأكثر من الثمن الذي ابتاعها به. ولو أنه باعها من غير الذي اشتراها منه، لم يكن
بذلك بأس.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، فيمن سلف في رقيق أو ماشية أو عروض. فإذا
كان كل شئ من ذلك موصوفا. فسلف فيه إلى أجل فحل الاجل. فإن المشترى لا يبيع
شيئا من ذلك. من الذي اشتراه منه. بأكثر من الثمن الذي سلفه فيه. قبل أن يقبض
ما سلفه فيه. وذلك أنه إذا فعله، فهو الربا صار المشترى إن أعطى الذي باعه. دنانير
أو دراهم فانتفع بها. فلما حلت عليه السلعة ولم يقبضها المشترى. باعها من صاحبها بأكثر
مما سلفه فيما. فصار أن رد إليه ما سلفه وزاد من عنده.
قال مالك: من سلف ذهبا أو ورقا في حيوان أو عروض إذا كان موصوفا إلى أجل مسمى.
ثم حل الاجل. فإنه لا بأس أن يبيع المشترى تلك السلعة من البائع. قبل أن يحل الاجل.
أو بعد ما يحل. بعرض من العروض. يعجله ولا يؤخره. بالغا ما بلغ ذلك العرض. إلا

70 - (سبائب) جمع سبيبة. وهي شقة من الثياب. أي نوع كان. وقيل هي من الكتان.
659

الطعام. فإنه لا يحل أن يبيعه حتى يقبضه. وللمشتري أن يبيع تلك السلعة. من غير صاحبه
الذي ابتاعها منه، بذهب أو ورق أو عرض من العروض. يقبض ذلك ولا يؤخره. لأنه
إذا آخر ذلك قبح. ودخله ما يكره من الكالئ بالكالئ والكالئ بالكالئ أن يبيع الرجل
دينا له عن رجل. بدين على رجل آخر.
قال مالك: ومن سلف في سلعة إلى أجل. وتلك السلعة مما لا يؤكل ولا يشرب فإن
المشترى يبيعها ممن شاء. بنقد أو عرض. قبل أن يستوفيهما من غير صاحبها الذي اشتراها
منه. ولا ينبغي له أن يبيعها من الذي ابتاعها منه. إلا بعرض يقبضه ولا يؤخره.
قال مالك: وإن كانت السلعة لم تحل فلا بأس بأن يبيعها من صاحبها بعرض 2 مخالف
لها. بين خلافه. يقبضه ولا يؤخره.
قال مالك: فيمن سلف دنانير أو دراهم. في أربعة موصوفة. إلى أجل. فلما
حل الاجل. تقاضى صاحبها. فلم يجدها عنده. ووجد عنده ثيابا دونها من صنفها. فقال له
الذي عليه الأثواب: أعطيك بها ثمانية أثواب من ثيابي هذه: إنه لا بأس بذلك. إذا أخذ
تلك الأثواب التي يعطيه قبل أن يفترقا. فإن دخل ذلك، الاجل، فإنه لا يصلح وإن كان
ذلك قبل محل الاجل. فإنه لا يصلح أيضا. إلا أن يبيعه ثيابا ليست من صنف الثياب التي
سلفه فيها.

(الكالئ بالكالئ) أي النسيئة بالنسيئة. وذلك أن يشتري الرجل شيئا إلى أجل. فإذا حل الأجل لم يجد
ما يقضي به. فيقول: بعنيه إلى أجل آخر بزيادة شئ. فيبيعه منه. ولا يجري بينهما تقابض. يقال: كلأ الدين
كلوءا فهو كالئ إذا تأخر.
660

(32) باب بيع النحاس والحديد وما أشبههما مما يوزن
71 - قال مالك: الامر عندنا فيما كان مما يوزن. من غير الذهب والفضة. من النحاس
والشبه والرصاص والآنك والحديد والقضب والتين والكرسف. وما أشبه ذلك. مما يوزن.
فلا بأس بأن يؤخذ من صنف واحد. اثنان بواحد. يدا بيد. ولا بأس أن يؤخذ رطل حديد
برطلي حديد. ورطل صفر. برطلي صفر.
قال مالك: ولا خير فيه. اثنان بواحد من صنف واحد. إلى أجل. فإذا اختلف الصنفان
من ذلك. فبان اختلافهما. فلا بأس بأن يؤخذ منه اثنان بواحد. إلى أجل. فإن كان ا لصنف
منه يشبه الصنف الاخر. وإن اختلفا في الاسم. مثل الرصاص والآنك والشبه والصفر.
فإني أكره أن يؤخذ منه اثنان بواحد. إلى أجل.
قال مالك: وما اشتريت من هذه الأصناف كلها. فلا بأس أن تبيعه. قبل أن تقبضه.
من غير صاحبه الذي اشتريته منه. / ذا قبضت ثمنه. إذا كنت اشتريته كليلا أو وزنا. فإن اشتريته جزافا. فبعه من غير الذي اشتريته منه. بنقد. أو إلى أجل. وذلك أن ضمانه منك
إذا اشتريته جزافا. ولا يكون ضمانه منك إذا اشتريته وزنا. حتى تزنه وتستوفيه. وهذا
أحب ما سمعت إلى في هذه الأشياء كلها. وهو الذي لم يزل عليه أمر الناس عندنا.

71 - (الشبه) من المعادن ما يشبه الذهب في لونه. وهو أرفع الصفر. وهو أعلى النحاس.
(الآنك) الرصاص الخالص. ويقال الأسود. (القضب) كل نبت اقتضب فأكل طريا.
(الكرسف) القطن. (صفر) النحاس الجيد.
661

قال مالك: الامر عندنا فيما يكال أو يوزن. مما يؤكل ولا يشرب. مثل العصفر
والنوى والخبط والتكتم وما يشبه ذلك. أنه لا بأس بأن يؤخذ من كل صنف منه. اثنان
بواحد. يدا بيد. ولا يؤخذ من صنف واحد منه. اثنان بواحد. إلى أجل فإن اختلف
الصنفان. فبان اختلافهما. فلا بأس بأن يؤخذ منهما اثنان بواحد إلى أجل وما اشترى من
هذه الأصناف كلها. فلا بأس بأن يباع قبل أن يستوفى. إذا قبض ثمنه من غير صاحبه
الذي اشتراه منه.
قال مالك: وكل شئ ينفع به الناس من الأصناف كلها. وإن كانت الحصباء والقصة.
فكل واحد منهما بمثليه إلى أجل. فهو ربا. وواحد منهما بمثله. وزيادة شئ من الأشياء
إلى أجل. فهو ربا.

(الخبط) ما يخبط بالعصا من ورق الشجر ليعلف للدواب. (الكتم) نبت فيه حمرة يخلط بالوسمة
ويختضب به للسواد. وفي كتب الطب: الكتم من نبات الجبال. ورقه كورق الآس، يخضب به مدقوقا وله ثمر
كقدر الفلفل. ويسود إذا نضج. وقد يعتصر منه دهن يستصبح به في البوادي اه. مصباح.
(الحصباء) صغار الحصي. (القصة) الجص، بلغة أهل الحجاز.
662

(33) باب النهى عن بيعتين في بيعة
72 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة.
وصله الترمذي عن أبي هريرة في 12 - كتاب البيوع، 18 - باب ما جاء في بيعتين في بيعة. وقال:
حسن صحيح.
والنسائي في: 44 - كتاب البيوع، 73 - باب بيعتين في بيعة.
73 - وحدثني مالك، أنه بلغه أن رجلا قال لرجل: ابتع لي هذا البعير بنقد.
حتى أبتاعه منك إلى أجل. فسئل عن ذلك عبد الله بن عمر. فكرهه ونهى عنه.
73 - وحدثني مالك، أنه بلغه أن رجلا قال لرجل: ابتع لي هذه البعير بنقد.
حتى ابتاعه منك إلى أجل. فسئل عن ذلك عبد الله بن عمر. فكرهه ونهى عنه.
74 - وحدثني مالك، أه بلغه أن القاسم بن محمد سئل عن رجل اشترى سلعة بعشرة
دنانير نقدا. أو بخمسة عشر دينارا إلى أجل. فكره ذلك ونهى عنه.
قال مالك، في رجل ابتاع سلعة من رجل بعشرة دنانير نقدا. أو بخمسة عشر دينارا إلى
أجل. قد وجبت للمشترى بأحد الثمنين: أنه لا ينبغي ذلك. لأنه إن أخر العشرة كانت
خمسة عشر إلى أجل. وإن نقد العشرة كان إنما اشترى بها الخمسة عشر التي إلى أجل.
قال مالك، في رجل اشترى من رجل سلعة بدينار، نقدا. أو بشاء موصوفة، إلى أجل.
قد وجب عليه بأحد الثمنين: إن ذلك مكروه لا ينبغي. لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن
بيعتين في بيعة. وهذا من بيعتين في بيعة.
663

قال مالك، في رجل قال لرجل: أشتري منك هذه العجوة خمسة عشر صاعا. أو الصيحاني
عشرة أصوع. أو الحنطة المحمولة خمسة عشر صاعا. أو الشامية عشرة أصوع بدينار. قد
وجبت لي إحداهما: إن ذلك مكروه لا يحل. وذلك أنه قد أوجب له عشرة أصوع صيحانيا.
فهو يدعها وبأخذ عشرة أصوع من الشامية. فهذا أيضا مكروه لا يحل. وهو أيضا
يشبه ما نهى عنه من بيعتين في بيعة. وهو أيضا مما نهى عنه أن باع من صنف واحد من
الطعام. اثنان بواحد.
(34) باب بيع الغرر
75 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سعيد بن المسيب، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر.
مرسل باتفاق رواة الموطأ.
وقد رواه مسلم عن طريق عبيد الله بن عمر، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
في: 21 - كتاب البيوع، 2 - باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، حديث 4.

74 - (الصيحاني) نوع من التمر أجود من العجوة.
(بيع الغرر)
هو ما كان له ظاهر يغر المشتري، وباطن مجهول. وقال الأزهري: بيع الغرر ما كان على غير عهدة ولا
ثقة. وتدخل فيه البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان، من كل مجهول.
664

قال مالك: ومن الغرر والمخاطرة، أن يعمد الرجل قد ضلت دابته، أو أبق غلامه. وثمن
الشئ من ذلك خمسون دينارا. فيقول رجل: أنا آخذه منك بعشرين دينارا. فإن وجده المبتاع،
ذهب من البائع ثلاثون دينارا. وإن لم يجده، ذهب البائع من المبتاع بعشرين دينارا.
قال مالك: وفي ذلك عيب آخر. إن تلك الضالة إن وجدت لم يدر أزادت أم نقصت.
أم ما حدث بها من العيوب. فهذا أعظم المخاطرة.
قال مالك: والامر عندنا، أن من المخاطرة والغرر اشتراء ما في بطون الإناث. من النساء
والدواب. لأنه لا يدرى أيخرج أم لا يخرج. فإن خرج لم يدر أيكون حسنا أم قبيحا.
أم تاما أم ناقصا. أم ذكرا أم أنثى. وذلك كله يتفاضل. إن كان على كذا، فقيمته كذا.
وإن كان على كذا، فقيمته كذا.
قال مالك: ولا ينبغي بيع الإناث واستثناء ما في بطونها. وذلك أن يقول الرجل للرجل:
ثم شاتي الغريرة ثلاثة دنانير. فهي لك بدينارين. ولى ما في بطنها. فهذا مكروه. لأنه
غرر ومخاطرة.
قال مالك: ولا يحل بيع الزيتون بالزيت: ولا الجلجلان بدهن الجلجلان. ولا الزبد
بالسمن. لان المزابنة تدخله. لان الذي يشترى الحب وما أشبهه، بشئ مسمى مما يخرج
منه، لا يدرى أيخرج منه أقل من ذلك، أو أكثر. فهذا غرر ومخاطرة.
قال مالك: ومن ذلك أيضا، اشتراء حب البان بالسليخة. فذلك غرر. لان الذي يخرج

75 - (الغزيرة) الكثيرة اللبن: (الجلجلان) السمسم في قشره قبل أن يحصد.
(السليخة) دهن ثمر البان قبل أن يربب.
665

من حب البان، هو السليخة. لا بأس بحب البان بالبان المطيب. لان البان المطيب قد
طيب ونش وتحول عن حال السليخة.
قال مالك، في رجل باع سلعة من رجل. على أنه لا نقصان على المبتاع. إن ذلك بيع غير
جائز وهو من الخاطرة. وتفسير ذلك: أنه كأنه استأجره برج. إن كان في تلك السلعة.
وإن باع برأس المال أو بنقصان فلا شئ له. وذهب عناؤه باطلا. فهذا لا يصلح. وللمبتاع
في هذا أجرة بمقدار ما عالج من ذلك. وما كان في تلك السلعة من نقصان أو ربح، فهو
للبائع، وعليه. وإنما يكون ذلك، إذا فاتت السلعة وبيعت. فإن لم تفت فسخ البيع بينهما.
قال مالك: فأما أن ببيع رجل من رجل سلعة. يبت بيعها. ثم يندم المشترى فيقول
للبائع: صنع عنى. فيأبى البائع. ويقول: بع فلا نقصان عليك فهذا لا بأس به. لأنه ليس
من المخاطرة. وإنما هو شئ وضعه له. وليس على ذلك عقدا بيعهما. وذلك الذي عليه
الامر عندنا.
(35) باب الملامسة والمنابذة
76 - حدثنا يحيى عن مالك، عن محمد بن يحيى بن حبان: وعن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة.
أخرجه البخاري في: 43 - كتاب البيوع، 63 - باب بيع المنابذة.
ومسلم في: 21 - كتاب البيوع، 1 - باب إبطال بيع الملامسة والمنابذة، حديث 1.

(نش) أي خلط. ودهن منشوش مربب بالطيب. (ضع عني) أي أسقط عني.
666

قال مالك: والملامسة أن يلمس الرجل الثوب ولا ينشره. ولا يتبين ما فيه. أو يبتاعه
ليلا ولا يعلم ما فيه. والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه. وينبذ الاخر إليه ثوبه.
على غير تأمل منهما ويقول كل واحد منهما: هذا بهذا. فهذا الذي نهى عنه من الملامسة
والمنابذة.
قال مالك، في الساج المدرج في جرابه، أو الثوب القبطي المدرج في طيه: إنه لا يجوز
بيعهما حتى ينشرا. وينظر إلى ما في أجوافهما. وذلك أن بعهما من بيع الغرر. وهو من
الملامسة
قال مالك: وبيع الأعدال على البرنامج، مخالب لبيع الساج في جرابه. الثوب في طيه.
وما أشبه ذلك. فرق، بين ذلك، الامر المعمول به. ومعرفة ذلك في صدور الناس. وما
مضى من عمل الماضين فيه. وأنه لم يزل من بيوع الناس الجائزة. والتجارة بينهم. التي
لا يرون بها بأسا. لان بيع الأعدال على البرنامج، على غير نشر، لايراد به الغرر. وليس
يشبه الملامسة.

76 - (ينبذ) يطرح. (الساج) الطيلسان الأخضر أو الأسود. (جرابه) المزود أو الوعاء.
(القبطي) نسبة إلى القبط، بالكسر، نصارى مصر، على غير قياس. وقد تكسر القاف، في النسبة،
على القياس. (البرنامج) معرب برنامه بالفارسية. معناه الورقة المكتوب فيها ما في العدل.
667

(36) باب بيع المرابحة
77 - حدثني يحيى قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا في البرز يشتريه الرجل ببلد.
ثم يقدم به بلدا آخر. فيبيعه مرابحة: إنه لا يحسب فيه أجر السماسرة. ولا أجر الطي
ولا الشد. ولا النفقة. ولا كراء بيت. فأما كراء البز في حملانه، فإنه يحسب في أصل الثمن.
ولا يحسب فيه ربح. إلا أن يعلم الباع من يساومه بذل كله. فإن ربحوه عل ذل كله. بعد العلم به. فلا بأس به.
قال مالك، فأما القصارة والخياطة والصباغ. وما أشبه ذلك. فهو بمنزلة البز. يحسب
فيه الربح. كما يحسب في البز. فإن باع لبز ولم يبين شيئا مما سميت. إنه لا يحسب له فيه
ربح. فإن فات البر، فإن الراء يحسب. ولا يحسب عليه ربح. فإن لم يفت البز، فالبيع
مفسوخ بينهما إلا أن يتراضيا على شئ مما يجوز بينهما.
قال مالك، في الرجل يشترى المتاع بالذهب أو بالورق. والصرف يوم اشتراه عشرة
دراهم بدينار. فيقدم به بلدا فيبيعه مرابحة لا أو يبيعه حيث اشتراه. مرابحة على صرف ذلك
اليوم الذي باعه فيه. فإنه إن كان ابتاعه بدراهم. وباعه بدنانير. أو ابتاعه بدنانير، وباعه
بدراهم. وكان المتاع لم يفت. فالمبتاع بالخيار. إن شاء أخذه. وإن شاء تركه. فإن فات

77 - (البز) الثياب. أو متاع البيت، من الثياب ونحوها. (السماسرة) جمع سمسار. المتوسط
بين البائع والمشتري. (حملانه) أي حمله. (القصارة) قصرت الثوب قصرا، بيضته. والقصارة،
بالكسر، الصناعة.
668

المتاع، كان للمشترى بالثمن الذي ابتاعه به البائع. ويحسب للبائع الربح على ما اشتراه به.
على ما ربحه المبتاع.
قال ملاك: وإذا باع رجل سلعة قامت عليه بمائة دينار، للعشرة أحد عشر. ثم جاؤه بعد
ذلك أنها قامت عليه بتسعين دينارا. وقد فاتت السلعة. خير البائع. فإن أحب فله قيمة سلعته
يوم قبضت منه. إلا أن تكون القيمة أكثر من الثمن الذي وجب له به البيع أول يوم.
فلا يكون له أكثر من ذلك. وذلك مائة دينار وعشرة دنانير. وإن أحب ضرب له الربح
على التسعين. وإلا أن يكون الذي بلغت سلعته من الثمن أقل من القيمة. فيخير في الذي بلغت
سلعته. في رأس ماله وربحه. ذلك تسعة وتسعون دينارا.
قال مالك: وإن باع رجل سلعة مرابحة. فقال: قالم على بمائة دينار. ثم جاءه بعد ذلك
أنها قامت بمائة وعشرين دينارا. خير المبتاع. فإن شاء أعطى البائع قيمة السلعة يوم قبضها،
وإن شاء أعطى الثمن الذي ابتاع به على حساب ما ربحه. بالغا ما بلغ. إلا أن يكون ذلك
أقل من الثمن الذي ابتاع به المسلعة. فليس له أن ينقض رب السلعة من الثمن الذي ابتاعها به.
لأنه قد كان رضى بذلك. وإنما جاء رب السلعة يطلب الفضل. فليس للمبتاع في هذا حجة
على لا بائع. بأن يضع من الثمن الذي ابتاع به على البرنامج.

(الفضل) الزائد. (يضع) يسقط.
669

(37) باب البيع على البرنامج
78 - قال مالك: الامر عندنا في القوم يشترون السلعة. البز أو الرقيق. فيسمع به
الرجل فيقول لرجل منهم: البز الذي اشتريت من فلان قد بلغتني صفته وأمره. فهل لك
أن أربحك في نصيبك كذا وكذا؟ فيقول: نعم. فيربحه ويكون شريكا للقوم مكانه.
فإذا نظر إليه رآه قبيحا واستغلاه.
قال مالك: ذلك لازم له ولا خيار له فيه. إذا كان ابتاعه على برنامج وصفة معلومة.
قال مالك، في الرجل يقدم له أصناف من البز. ويحضره السوام. ويقرأ عليهم برنامجه.
ويقول: في كل عدل كذا وكذا ملحفة بصرية وكذا وكذا ريطة سابرية. ذرعها كذا
وكذا. ويسمى لهم أصنافا من البز بأجناسه. ويقول: اشتروا منى على هذه الصفة. فيشترون
الأعدال على ما وصف لهم. ثم يفتحونها فيستغلونها ويندمون.
قال مالك: ذلك لازم لهم إذا كان موافقا للبرنامج الذي باعهم عليه.
قال مالك: وهذا الامر الذي لم يزل عليه الناس عندنا. يجيزونه بينهم. إذا كان المتاع
موافقا للبرنامج. لم يكن مخلفا له.

78 - (السوام) جمع سائم من سام البائع السلعة سوما، عرضها للبيع. وسامها المشتري واستامها،
طلب بيعها. (ملحفة) ملاءة يلتحف بها. (بصرية) نسبة إلى البصرة، البلد المعروف.
(ريطة) كل ملاءة ليست لفقتين، أي قطعتين. والجمع رياط وريط. وقد يسمى كل ثوب رقيق ريطة.
(سابرية) نوع رقيق من الثياب. قيل إنه نسبة إلى سابور، كورة من كور فارس. (ذرعها) قياسها.
(فيستغلونها) أي يستكثرون ثمنها.
670

(38) باب بيع الخيار
79 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه. ما لم يتفرقا. إلا بيع الخيار).
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 44 - باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا.
ومسلم في: 21 - كتاب البيوع، 10 - باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، حديث 43.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 863، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
قال مالك: وليس لهذا عندنا حد معروف. ولا أمر معمول به فيه.
80 - وحدثني مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (أيما بيعين تبايعا. فالقول ما قال البائع. أو يترادان).
وصله الترمذي في: 12 - كتاب البيوع، 43 - باب ما جاء إذا اختلف البيعان.
قال ملاك، فيمن باع من رجل سلعة. فقال البائع عند مواجبة البيع: أبيعك على أن
أستشير فلانا. فإن رضى فقد جاز البيع. وإن كره فلا بيع بيننا. فيتبايعان على ذلك. ثم
يندم المشترى قبل أن يستشير البائع فلانا: إن ذلك البيع لازما لهما. على ما وصفا. ولا خيرا
للمبتاع. هو لازم له. إن أحب الذي اشترط له البائع أن يجيزه.
قال مالك: الامر عندنا في الرجل يشترى السلعة من الرجل. فيختلفان في الثمن. فيقول
البائع: بعتكها بعشرة دنانير. ويقول المبتاع ابتعتها منك بخمسة دنانير. إنه يقال للبائع:
إن شئت فأعطاها للمشترى بما قال. وإن شئت فالحلف بالله ما بعت سلعتك إلا بما قلت. فإن

79 - (بالخيار) اسم من الاختيار. وهو طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو رده.
671

حلف قيل للمشترى: إما أن تأخذ السعة بما قال البائع. وأما أن تحلف بالله ما اشتريتها
إلا بما قلت. فإن حلف برئ منها. وذلك أن كل واحد منهما مدع على صاحبه.
(39) باب ما جاء في الربا في الدين
81 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزناد، عن بسر بن سعيد، عن عبيد، أبى صالح
مولى السفاح، أنه قال: بعت بز لي من أهل دار نخلة. إلى أجل. ثم أردت الخروج إلى
الكوفة. ف عرضوا على أن أضع عنهم بعض الثمن. وينقدوني فسألت عن ذلك زيد بن ثابت.
فقال: لا آمرك أن تأكل هذا ولا توكله.
82 - وحدثني عن مالك، عن عثمان بن حفص بن خلدة، عن ابن شهاب، عن سالم بن
عبد الله، عن عبد الله بن عمر، أنه سئل عن الرجل يكون له الدين على الرجل إلى أجل.
فيضع عنه صاحب الحق ويعجله الاخر. فكره ذلك عبد الله بن عمر. نهى عنه.
83 - وحدثني مالك عن زيد بن أسلم، أنه قال: كان الربا في الجاهلية، أن يكون للرجل
على الرجل الحق إلى أجل. فإذا حل الاجل. قال: أتقضى أم تربى؟ فإن قضى، أخذ. وإلا

81 - (دار نخلة) محل بالمدينة فيه البزازون. (أضع عنهم) أسقط. (وينقدوني) يعجلوا لي
باقيه بعد الوضع، قبل الأجل.
83 - (تربي) أي تزيد حتى أصبر عليك.
672

زاده في حقه. وأخر عنه في الاجل.
قال مالك: والامر المكروه الذي لا اختلاف فيه عندنا. أن يكون للرجل على الرجل
الدين إلى أجل. فيضع عنه الطالب. يعجله المطلوب. وذلك عندنا بمنزلة الذي يؤخر دينه
بعد محله، عن غريمه. ويزيده الغريم في حقه. قال: فهذا الربا بعينه. لا شكل فيه.
قال مالك، في الرجل يكون له على الجرل مائة دينار. إلى أجل. فإذا حلت، قال له
الذي عليه الدين: بعني سلعة يكون ثمنها مائة دينار نقدا. بمائة وخمسين إلى أجل: هذا
بيع لا يصلح. ولم يزل أهل العلم ينهون عنه.
قال مالك: وإنما كره ذلك. لأنه إنما يعطيه ثمن ما باعه بعينه. ويؤخر عنه المائة الأولى.
إلى الاجل الذي ذلك له آخر مرة. ويزداد عليه خمسين دينارا في تأخيره عنه. فهذا مكروه.
ولا يصلح. وهو أيضا يشبه حديث زيد بن أسلم في بيع أهل الجاهلية. إنهم كانوا إذا حلت
ديونهم، قالوا للذي عليه الدين: إما أن تقضى وإما أن تربى! فإن قضى، أخذوا. وإلا زادوهم
في حقوقهم. وزادهم في الاجل.

(وأخر عنه في الأجل) بمعنى زاده في الأجل. (محله) أي حلوله. (الغريم) المدين.
(في تأخيره عنه) أي بسبب تأخيره عنه.
673

(40) باب جامع الدين والحول
84 - حدثنا يحيى عن مالك، أبى الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مطل الغنى ظلم. وإذا أتبع أحد كم على ملئ فليتبع).
أخرجه البخاري في: 38 - كتاب الحوالات، 1 - باب في الحوالة.
ومسلم في: 22 - كتاب المساقاة، 7 - باب تحريم مطل الغنى، حديث 33.
85 - وحدثني مالك عن موسى بن ميسرة، أنه سمع رجلا يسأل سعيد بن المسيب،
فقال: إني رجل أبيع بالدين. فقال سعيد: لا تبع إلا ما آويت إلى رحلك.
قال مالك، في الذي يشترى السلعة من الرجل. وعلى أن يوفيه تلك السلعة إلى أجل مسمى.
إما لسوق يرجو نفاقها فيه. وإما لحاجة في ذلك الزمان الذي اشترط عليه. ثم يخلفه البائع
عن ذلك الاجل. فيريد المشترى رد تلك السلعة على البائع: إن ذلك ليس للمشترى. وإن
البيع لازم له. وإن البائع لو جاء بتلك السلعة قبل محل الاجل لم يكره المشترى
على أخذها.

(جامع الدين والحول)
(الحول) التحول للدين على غير المدين.
84 - (المطل منع قضاء ما استحق أداؤه، مع التمكن من ذلك، وطلب صاحب الحق حقه.
و أصل المطل المد. تقول مطلت الحديدة أمطلها مطلا، إذا مددتها لتطول.
(ظلم) الظلم وضع الشئ في غير موضعه. والماطل وضع المنع موضع القضاء.
(ملئ) مأخوذ من الإملاء. يقال ملؤ الرجل أي صار مليئا. ورجل ملئ، غني مقتدر.
85 - (النفاق) الرواج.
674

قال مالك، في الذي يشترى الطعام فيكتاله. ثم يأتيه من يشتريه منه. فيخبر الذي
يأتيه أنه قد اكتاله لنفسه واستوفاه. فيريد المبتاع أن يصدقه ويأخذه بكيله: إن ما بيع
على هذه الصفة بنقد فلا بأس به. وما بيع على هذه الصفة إلى أجل فإنه مكروه. حتى
يكتاله المشترى الاخر لنفسه. وإنما كره الذي إلى أجل. لأنه ذريعة إلى الربا. وتخوف
أن يدار ذلك على هذا الوجه كيل ولا وزن. فإن كان إلى أجل فهو مكروه.
ولا اختلاف فيه عندنا.
قال مالك: لا ينبغي أن يشترى دين على رجلا غائب ولا حاضر. إلا بإقرار من الذي عليه
الدين. ولا على ميت، وإن علم الذي ترك الميت. وذلك أن اشتراء ذلك غرر. لا يدرى أيتم
أم لا يتم.
قال: وتفسير ما كره من ذلك، أنه إذا اشترى دينا على غائب، أو ميت. أنه لا يدرى
ما يلحق الميت من الدين، الذي لم يعلم به. فإن لحق الميت دين، ذهب الثمن الذي أعطى
المبتاع باطلا.
قال مالك: وفي ذلك أيضا عيب آخر. إنه اشترى شيئا ليس بمضمون له. وإن لم يتم
ذهب ثمنه باطلا. فهذا غرر لا يصلح.
قال مالك: وإنما فرق بين أن لا يبيع الرجل إلا ما عنده. وأن يسلف الرجل في شئ
ليس عنده أصله. أن صاحب العينة إنما يحمل ذهبه التي يريد أن يبتاع بها. فيقول: هذه

(العينة) فسرها الفقهاء بأن يبيع الرجل متاعه إلى أجل. ثم يشتريه في المجلس بثمن حال ليسلم به من الربا.
و قيل لهذا البيع عينة لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا، أي نقدا حاضرا، وذلك حرام إذا اشترط
المشتري على البائع أن يشتريها منه بثمن معلوم.
675

عشرة دنانير. فما تريد أن تريد أن أشتري لك بها؟ فكأنه يبيع عشرة دنانير نقدا. بخمسه عشر
دينارا إلى أجل. فلهذا، كره هذا. وإنما تلك الدخلة والدلسة.
(41) باب ما جاء في الشركة والتولية والإقالة
86 - قال مالك، في الرجل يبيع البز المصنف. ويستثنى ثيابا برقومها: إنه إن اشترط
أنى ختار من ذلك، الرقم، فلا بأس به. وإن لم يشترط أن يختار منه حين استثنى، فإني أراه
شريكا في عدد البز الذي اشترى منه. وذلك أن الثوبين يكون رقمهما سواء وبينهما تفاوت
في الثمن.
قال مالك: الامر عندنا، أنه لا بأس بالشرك والتولية والإقالة منه في الطعام وغيره.
قبض ذلك أو لم يقبض. إذا كان ذلك بالنقد. ولم يكن فيه ربح ولا وضعية ولا تأخير
للثمن. فإن دخل ذلك ربح أو وضعية أو تأخير من واحد منهما، صار بيعا يحله ما يحل البيع.
ويحرمه ما يحرم البيع. وليس بشرك ولا تولية ولا إقالة.
قال مالك: من اشترى سلعة بزا أو رقيقا. فبت به. ثم سأله رجل أن يشركه ففعل.
ونقدا الثمن صاحب السلعة جميعا. ثم أدرك السلعة شئ ينتزعها من أيدهما. فإن المشرك

(الدخلة) أي النية إلى التوصل إلى الربا. (الدلسة) التدليس.
86 - (المصنف) المجموع من أصناف. (برقومها) جمع رقم. رقمت الثوب رقما، من باب قتل،
وشيته، فهو مرقوم. (وضيعة) أي نقص. (ونقدا) قال الزرقاني: بالتثنية. أي المشتري ومن شركه.
(جميعا) قال الزرقاني: تأكيد لضمير التثنية.
676

يأخذ من الذي أشركه الثمن. ويطلب الذي أشرك بيعه الذي باعه السلعة بالثمن كله.
إلا أن يشترط المشرك على الذي أشرك بحضرة البيع. وعند مبايعة البائع الأول. وقبل أن
يتفاوت ذلك. أن عهدتك على الذي ابتعت منه. وإن تفاوت ذلك. وفات البائع الأول.
فشرط الاخر باطل. وعليه العهدة.
قال مالك، في الرجل يقول للرجل: اشترط هذه السلعة بيني وبينك. وانقد عنى وان ا
أبيعها لك: إن ذلك لا يصلح. حين قال: انقد عنى وأنا أبيعها لك. وإنما ذلك سلف
يسلفه إياه. على أن يبيعها له. ولو أن تلك السلعة هلكت. أو فاتت. أخذ ذلك الرجل
الذي نقد الثمن. من شريكه ما نقد عنه. فهذا من السلف الذي يجر منفعة.
قال مالك: ولو أن رجلا ابتاع سلعة. فوجبت له. ثم قال له رجل: أشركني بنصف
هذه السلعة، وأنا أبيعها لك جميعا. كان ذلك حلالا لا بأس به. وتفسير ذلك: أن هذا بيع
جديد باعه نصف السلعة. على أن يبيع له النصف الآخر.
677

(42) باب ما جاء في إفلاس الغريم
87 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر عبد الرحمن بن الحارث
ابن هشام، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما رجل باع متاعا. فأفلس ابتاعه منه. ولم
يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا. فوجده بعينه. فهو أحق به وإن مات الذي ابتاعه،
فصاحب المتاع فيه أسوة الغرماء).
قال ابن عبد البر: هكذا في جميع الموطآت. ولجميع الرواة عن مالك مرسلا. إلا عبد الرزاق فوصله.
88 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمر بن عبد العزيز، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن
أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل أفلس. فأدرك الرجل ماله بعينه. فهو أحق به من غيره).
أخرجه البخاري في: 43 - كتاب الاستقراض وأداء الديون، 14 - باب إذا وجد ماله عند مفلس في
البيع والقرض.
ومسلم في: 22 - كتاب المساقاة، 5 - باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس،
حديث 22.

(ما جاء في إفلاس الغريم)
يقال: أفلس الرجل، كأنه صار إلى حال ليس له فلوس. وبعضهم يقول: صار ذا فلوس بعد أن كان
ذا دراهم ودنانير. فهو مفلس والجمع مفاليس. وحقيقته الانتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر. وفي المفهم:
المفلس، لغة، من لا عين له ولا عرض. وشرعا، من قصر ما بيده عما عليه من الديون.
87 - (أيما) مركبة من «أي» وهي اسم ينوب مناب حرف الشرط. ومن «ما» المبهمة المزيدة.
قال الطيبي: من المقحمات التي يستغني بها عن تفصيل غير حاصر. أو عن تطويل غير ممل.
88 - (فأدرك) وجد.
678

قال مالك، في رجل باع من رجل متاعا. فأفلس المبتاع. فإن البائع إذا وجد شيئا من
متاعه بعينه، فإن اقتضى من ثمن
المبتاع شيئا. فأحب أن يرده ويقبض ما وجد من متاعه. ويكون فيما لم يجد إسوة الغرماء،
فذلك له.
قال مالك: ومن اشترى سلعة من السلع. غزلا أو متاعا أو بقعة من الأرض. ثم أحدث
في ذلك المشترى عملا. بنى البقعة دارا. أو نسج الغزل ثوبا. ثم أفلس الذي ابتاع ذلك.
فقال رب البقعة: أنا آخذ البقعة وما فيها من البنيان: إن ذلك ليس له. ولكن تقوم البقعة
وما فيها مما أصلح المشترى. ثم ينظر كم ثمن البقعة؟ وكم ثمن البنيان من تلك القيمة؟
ثم يكونان شريكين في ذلك. لصاحب البقعة بقدر حصته. ويكون للغرماء بقدر حصة
البنيان.
قال مالك: وتفسير ذلك أن تكون قيمة ذلك كله ألف درهم وخمسمائة درهم. فتكون
قيمة البقعة خمسمائة درهم وقيمة البنيان ألف درهم. فيكون لصاحب البقعة الثلث. ويكون للغرماء الثلثان.
قال مالك: وكذلك الغزل. وغيره. مما أشبه. إذا دخله هذا. ولحق المشترى دين.
لا وفاء له عنده. وهذا، العمل فيه.
قال مالك: فأما ما بيع من السلع التي لم يحدث فيها المبتاع شيئا. إلا أن تلك السلعة
نفقت وارتفع ثمنها. فصاحبها يرغب فيها والغرماء يريدون إمساكها. فإن الغرماء يخيرون.
679

بن أن يعطوا رب السلعة الثمن اذى باعها به. ولا ينقصوه شيئا، وبين أن يسلموا إليه سلعته.
وإن كانت السلعة قد نقض ثمنها، فالذي باعها بالخيار. إن شاء أن يأخذ سلعته ولا تباعة له
في شئ من مال غريمه. فذلك له. وإن شاء أن يكون غريما من الغرماء، يحاص بحقه، ولا
يأخذ سلعته. فذلك له.
وقال مالك، فيمن اشترى جارية أو دابة. فولدت عنده. ثم أفلس المشترى: فإن
الجارية أو الدابة وولدها للبائع. إلا أن يرغب الغرماء في ذلك. فيعطونه حقه كاملا.
ويمسكون ذلك.
(43) باب ما يجوز من السلف
89 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي رافع
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا. فجاءته إبل من الصدقة.
قال أبو رافع: فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضى الرجل بكره. فقلت: لم أجد في الإبل
إلا جملا خيارا رباعيا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعطه إياه. فإن خيار الناس أحسنهم قضاء).
أخرجه مسلم في: 22 - كتاب المساقاة، 22 - باب من استسلف شيئا فقضى خيرا منه، حديث 118.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 1606، بتحقيق أحمد محمد شاكر.

(لا تباعة) بزنة كتابة: الشئ الذي لك فيه بقية شبه ظلامة ونحوها. والمراد هنا،
لا رجوع.
(يحاص) تحاص القوم، إذا اقتسموا حصصا. وكذا المحاصة.
89 - (بكرا) هو الفتى من الإبل كالغلام من الذكور. (خيارا) يقال جمل خيار وناقة خيار،
أي مختار ومختارة. (رباعيا) والأنثى رباعية. وهو ما دخل في السنة السابعة. قال الهروي: إذا ألقى البعير
رباعيته في السنة السابعة فهو رباعي.
680

90 - وحدثني مالك، عن حميد بن قيس المكي، عن مجاهد، أنه قال: استسلف عبد الله
ابن عرم من رجل دراهم. ثم قضاه دراهم خيرا منها. فقال الرجل: يا أبا عبد الرحمن، هذه
خير من دراهمي التي أسلفتك. فقال عبد الله بن عمر: قد علمت. ولكن نفسي بذلك طيبة.
قال مالك: لا بأس بأن يقبض من أسلف شيئا من الذهب أو الورق أو الطعام أو الحيوان،
ممن أسلفه ذلك، أفضل مما أسلفه. إذا لم يكن ذلك على شرط منهما. أو عادة. فإن كان ذلك
على شرط. أو وأي. أو عادة. فذلك مكروه. ولا خير فيه. قال: وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى جملا رباعيا خيارا. مكان بكر استسلفه. وأن
عبد الله بن عمر استسلف دراهم. فقضى خيرا منها. فإن كان ذلك على طيب نفس من
المستسلف. ولم يكن ذلك على شرط ولا وأي ولا عادة. كان ذلك حلالا لا بأس به.
(44) باب مالا يجوز من السلف
91 - حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال في رجل أسلف رجلا
طعاما. على أن يعطيه إياه في بلد آخر. فكره ذلك عمر بن الخطاب. وقال: فأين الحمل؟
يعنى حملانه.
92 - وحدثني مالك، أنه بلغه أن رجلا أتى عبد الله بن عرم. فقال: يا أبا عبد الرحمن،

90 - (ممن) أي لمن. (وأي) المواعدة.
681

إني أسلفت رجلا سلفا. واشترطت عليه أفضل مما استلفته. فقال عبد الله بن عمر: فذلك
الربا. قال: فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن؟ فقال عبد الله: السلف على ثلاثة وجوه.
سلف تسلفه تريد به وجه الله، فلك وجه الله. وسلف تسلفه تريد به وجه صاحبك،
فلك وجه صاحبك وسلف تسلفه لتأخذ خبيثا بطيب، فذلك الربا. قال: فيكف تأمرني
يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أرى أن تشق الصحيفة. فإن أعطاك مثل الذي أسلفته قبلته. وإن
أعطاك دون الذي أسلفته فأخذته أجرت. وإن أعطاك أفضل مما أسلفته طيبة به نفسه فذلك
شكر. شكره لك ولك أجر ما أنظرته.
93 - وحدثني مالك عن نافع، أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: من أسلف سلفا
فلا يشترط إلا قضاءه.
94 - وحدثني مالك، انه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول: من أسلف سلفا
فلا يشترط أفضل منه. وإن كانت قبضة من علف، فهو ربا.
قل مالك: الامر المجتمع عليه عندنا. أن من استسلف شيئا من الحيوان بصفة وتحلية
معلومة. فإنه لا بأس بذل. وعليه أن يرد مثله. وإلا ما كان من الولائد. فإنه يخاف،
في ذلك، الذريعة إلى إحلال ما لا يحل. فلا يصلح. وتفسير ما كره من ذلك. أن يستسلف

92 - (وجه الله) أي الثواب من الله. (وجه صاحبك) أي التحبب إليه والحظوة.
(خبيثا بطيب) أي حراما بدل حلال. (أنظرته) أخرته.
94 - (الولائد) الإماء. جمع وليدة، وهي الأمة. (الذريعة) الوسيلة.
682

لرجل الجارية. فيصيبها ما بدا له. ثم يردها إلى صاحبها بعينها. فذلك لا يصلح ولا يحل.
ولم يزل أهل العلم ينهون عنه. ولا يرخصون فيه لاحد.
(45) باب ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة
95 - حدثني يحيى عن مالك:، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، ان رسول الله
قال (لا يبع بعضكم على بيع بعض).
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 58 - باب لا يبيع على بيع أخيه.
ومسلم في: 21 - كتاب البيوع، 4 - باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، حديث 7.
96 - وحدثني مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (لا تلقوا الركبان للبيع. ولا يبع بعضكم على بيع بعض. ولا تناجشوا. ولا يبع
حاضر لباد. ولا تصروا الإبل والغنم. فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين. بعد أن يحلبها.

96 - (لا تلقوا) أصله لا تتلقوا. فحذفت إحدى التائين. أي لا تستقبلوا. (الركبان)
الذين
يحملون المتاع إلى البلد قبل أن يقدموا. (للبيع) أي لمحل بيعها.
(ولا تناجشوا) بحذف إحدى التائين. تفاعل من النجش. والنجش في البيع هو أن يمدح السلعة لينفقها
ويروجها أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها، ليقع غيره فيها. والأصل فيه تنفير الوحش من مكان
إلى مكان.
(ولا بيع حاضر لباد) أي لا يكون سمسارا له. (ولا تصروا) من التصرية، مصدر صري يصري
إذا جمع. يقال: صريت الماء في الحوض أي جمعته. ومنه صري الماء في الظهر، إذا حبسه
سنين لا يتزوج.
فالتصرية، في عرف الفقهاء، جمع اللبن في الضرع، اليومين والثلاثة، حتى يعظم. فيظن المشتري أنه لكثرة اللبن.
وقال الشافعي: التصرية أن تربط أخلاف الناقة أو الشاة ويترك حلبها اليوم واليومين. فيزيد المشتري في ثمنها،
لما يرى من ذلك. (بخير النظرين) أي أفضل الرأيين.
683

إن رضيها، أمسكها. وإن سخطها، ردها وصاعا من تمر).
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 64 - باب تحريم النهى للبائع أن لا يحفل الإبل.
ومسلم في: 21 - كتاب البيوع، 4 - باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، حديث 11.
قال مالك: وتفسير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما نرى والله أعلم: لا يبع بعضكم على بيع
بعض. أنه إنما نهى أن يسوم الرجل على سوم أخيه. إذا ركن البائع إلى السائم. وجعل
يشترط وزن الذهب. ويتبرأ من لا عيوب وما أشبه هذا. مما يعرف به أن البائع قد أراد
مبايعة السائم فهذا الذي نهى عنه. والله أعلم.
قال مالك: ولا بأس بالسوم بالسلعة. توقف للبيع. فيسوم بها غير واحد.
قال: ولو ترك الناس السوم عند أول من يسوم بها. أخذت بشبه الباطل من الثمن.
ودخل على الباعة، في سلعهم، المكروه. ولم يزل الامر عندنا على هذا.
97 - قال مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش.
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 60 - باب النجش.
ومسلم في: 21 - كتاب البيوع، 4 - باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، حديث 13.
قال مالك: والنجش أن تعطيه بسلعته أكثر من ثمنها. وليس في نفسك اشتراؤها.
فيقتدى بك غيرك.

(إن رضيها) أي المصراة. (وصاعا من تمر) الواو بمعنى مع. أو لمطلق الجمع، لا مفعولا معه.
(السائم) المشتري.
97 - (النجش) لغة، تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد. ومنه قيل للصائد ناجش.
684

(46) باب جامع البيوع
98 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رجلا
ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخذع في البوع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا بايعت فقل لا خلابة)
قال: فكان الرجل إذا بايع يقول: لا خلابة.
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 48 - باب ما يكره من الخداع في البيع.
ومسلم في: 21 - كتاب البيوع، 12 - باب من يخدع في البيع، حديث 48.
99 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إذا جئت
أرضا يوفون المكيال والميزان، فأطل المقام بها. وإذا جئت أرضا ينقصون المكيال والميزان،
فأقلل المقام بها.
100 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، أنه سمع محمد بن المنكدر يقول: أحب
الله عبد الله. سمحا إن باع. سمحا إن ابتاع. سمحا إن قضى. سمحا إن اقتضى.
أخرجه البخاري من طريق أبي غسان محمد بن مطرف، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله مرفوعا.
في: 34 - كتاب البيوع، 16 - باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع.

98 - (لا خلابة) أي لا خديعة في الدين. لأن الدين النصيحة.
99 - (المقام) الإقامة.
100 - (عبدا) أي إنسانا. (سمحا) من السماحة وهي الجود. صفة مشبهة تدل على الثبوت.
(إن باع) بأن يرضى بقليل الربح. (سمحا إن قضى) أي أدى ما عليه طيبة به نفسه. ويقضي
أفضل ما يجد. ويعجل القضاء. (سمحا إن اقتضى) أي طلب قضاء حقه برفق ولين.
685

قال مالك، في الرجل يشترى الإبل أو الغنم أو البز أو الرقيق. أو شيئا من العروض
جزافا: إنه لا يكون الجزاف في شئ مما يعد عدا.
قال مالك، في الرجل يعطى الرجل السلمة ببيعها له. وقد قومها صاحبها قيمة. فقال: إن بعتها بهذا الثمن الذي أمرتك به، فلك دينار. أو شئ يسميه له. يتراضيان عليه. وإن
لم تبعها. فليس لك شئ: إنه لا بأس بذلك. إذ سمى ثمنا يبيعها به. وسيم أجرا معلوما.
إذا باع أخذه. وإن لم يبع فلا شئ له.
قال مالك: ومثل ذلك أن يقول الرجل للرجل: إن قدرت على غلامي الآبق. أو جئت
بجملي الشارد. فإن ذلك لا يصلح. لأنه كلما نقص دينار من ثمن السلعة، نقص من حقه
الذي سمى له. فهذا غرر. لا يدرى كم جعل له.
101 - وحدثني مالك عن ابن شهاب، أنه سأله عن الجرل يتكارى الدابة. ثم يكريها
بأكثر مما تكاراها به. فقال: لا بأس بذلك.

(الجعل) يقال: جعلت كذا جعلا وجعلا. وهو الأجر علي الشئ، فعلا أو قولا. المصدر بالفتح، والاسم بالضم.
101 - (تكارى) اكترى واستكرى تكارى، بمعنى. وأكرى الدار فهي مكراة.
686

32 - كتاب القراض
(1) باب ما جاء في القراض
1 - حدثني مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أنه قال: خرج عبد الله وعبيد الله ابنا
عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق. فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري. وهو أمير
البصرة. فرحب بهما وسهل. ثم قلا: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت. ثم قال:
بلى، هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين. فأسلفكماه. فتبتاعان به
متاعا من متاع العراق. ثم تبيعانه بالمدينة. فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون
الربح لكما. فقالا: وددنا ذلك. ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب، أن يأخذ منهما المال.
فلما قدما باعا فأربحا. فلما دفعا ذلك إلى عمر، قال: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟
قالا: لا. فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين. فأسلفكما. أديا المال وربحه. فأما
عبد الله، فسكت. وأما عبيد الله، فقال: ما ينبغي لك، يا أمير المؤمنين، هذا. لو نقض هذا

(القراض)
(القراض) هو أن يدفع إليه ما لا يتجر فيه. والربح مشترك بينهما. مشتق من القرض، وهو القطع.
لأنه قطع للمال. قطعة من ماله يتصرف فيها. أو قطعة من الربح. أو من المقارضة وهي المساواة لتساويهما في
الربح.
1 - (فلما قفلا) رجعا من الغزو. (فرحب بهما) قال مرحبا. (وددنا) أحببنا.
687

المال أو هلك لضمناه. فقال عمر: أدياه. فسكت عبد الله. راجعه عبيد الله. فقال رجل
من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين، لو جعلته قراضا. فقال عمر: قد جعلته قراضا. فأخذ
عمر رأس المال ونصف ربحه. وأخذ عبد الله وعبيد الله، ابنا عمر بن الخطاب، نصف ربح
المال.
2 - وحدثني مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده، أن عثمان بن عفان
أعطاه مالا قراضا يعمل فيه. على أن الربح بينهما.
(2) باب ما يجوز في القراض
3 - قال مالك: وجه القراض المعروف الجائز، أن يأخذ الرجل المال من صاحبه. على
أن يعمل فيه. ولا ضمان عليه. ونفقة العامل في المال، في سفره من طعامه وكسوته،
وما يصلحه بالمعروف، بقدر المال إذا شخص في المال، إذا كان المال يحمل ذلك. فإن
كان مقيما في أهله، فلا نفقة له من المال، ولا كسوة.
قال مالك: ولا بأس بأن يعين المتقارضان، كل واحد منهما صاحبه على وجه المعروف.
إذا صح ذلك منهما.
قال مالك: ولا بأس بأن يشترى رب المال ممن قارضه بعض ما يشترى من السلع. إذا

3 - (إذا شخص) أي سافر.
688

قال مالك، فيمن دفع إلى رجل وإلى غلام له مالا قراضا، يعملن فيه جميعا: إن ذلك جائز. لا بأس به. لان الربح مال لغلامه. لا يكون الربح للسيد. حتى ينتزعه منه. وهو
بمنزلة غيره من كسبه.
(3) باب مالا يجوز في القراض
4 - قال مالك: إذا كان لرجل على رجل دين. فسأله أن يقره عنده قراضا: أن ذلك
يكره حتى يقبض ماله. ثم يقارضه بعد، أو يمسك. وإنما ذلك، مخافة أن يكون أعسر
بماله. فهو يريد أن يؤخر ذلك. على أن يزيده فيه.
قال مالك، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا. فهلك بعضه قبل أن يعمل فيه. ثم عمل
فيه فربح. فأراد أنى جعل رأس المال بقية المال. بعد الذي هلك منه، قبل أن يعمل فيه.
قال مالك: لا يقبل قوله. ويجبر رأس المال من ربحه. ثم يقتسمان ما بقي بعد رأس المال
على شرطهما من القراض.
قال مالك: لا يصلح القراض إلا في العين من الذهب أو الورق ولا يكون في شئ من العروض
والسلع، ومن البيوع، ما يجوز إذا تفاوت أمره وتفاحش رده. فأما الربا، فإنه لا يكون
فيه إلا الرد أبدا ولا يجوز منه قليل ولا كثير. ولا يجوز فيه ما يجوز في غيره لان الله
تبارك وتعالى قال في كتابه - وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون -.

4 - (يقره) يبقيه. (لا تظلمون) بزيادة. (ولا تظلمون) بنقص.
689

(4) باب ما يجوز من الشرط في القراض
5 - قال يحيى قال مالك، في رجل دفع إلى رجل ما لا قراضا. وشرط عليه أن لا تشترى
بما لي إلا سلعة كذا وكذا. أو ينهاه أن يشترى سلعة باسمها.
قال مالك: من اشترط على من قارض أن لا يشترى حيوانا أو سلعة باسمها، فلا باسمها، فلا بأس
بذلك. ومن اشترط على من قارض أن لا يشترى إلا سلعة كذا وكذا، فإن ذلك مكروه.
إلا أن تكون السلعة، التي أمره أن لا يشترى غيرها، كثيرة موجودة. لا تخلف في شتاء
ولا صيف. فلا بأس بذلك.
قال مالك، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا. واشتراط عليه في شيئا من الربح. خالصا
دون صاحبه: فإن ذلك لا يصلح. وإن كان درهما واحدا. إلا أن يشترط نصف الربح له
ونصفه لصاحبه. أو ثلثه أو ربعه. أو أقل من ذلك أو أكثر. فإذا سمى شيئا من ذلك،
قليلا أو كثيرا. فإن كل شئ سمى من ذلك حلال وهو قراض المسلمين.
قال: ولكن إن اشترط أن له من الربح درهما واحدا. فما فوقه. خالصا له دون صاحبه.
وما بقي من الربح فهو بينهما نصفين. فإن ذلك لا يصلح. وليس على ذلك قراض المسلمين.
690

(5) باب مالا يجوز من الشرط في القراض
6 - قال يحيى: قال مالك: لا ينبغي لصاحب المال أن يشترط لنفسه شيئا من الربح
خالصا. دون العامل. ولا ينبغي للعامل أن يشترط لنفسه شيئا من الربح خالصا. دون صاحبه.
ولا يكون مع القراض بيع. ولا كراء، ولا عمل، ولا سلف، ولا مرفق، يشترطه أحدهما
لنفسه دون صاحبه. إلا أن يعين أحدهما صاحبه على غير شرط. على وجه المعروف. إذا صح
ذلك منهما. ولا ينبغي للمتقارضين أن يشترط أحدهما على صاحبه زيادة، من ذهب ولا فضة
ولا طعام، ولا شئ من الأشياء. يزداده أحدهما على صاحبه. قال: فإن دخل القراض شئ
من ذلك، صار إجارة. ولا تصلح الإجارة إلا بشئ ثابت معلوم. ولا ينبغي للذي أخذ المال
أن يشترط، مع أخذه المال، أن يكافئ. ولا يولى من سلعته أحدا. ولا يتولى منها شيئا
لنفسه. فإذا وفر المال. وحصل عزل رأس المال. ثم اقتسما الربح على شرطهما. فإن لم يكن
للمال ربح. أو دخلته وضيعة. لم يلحق العامل من ذلك شئ. لا مما أنفق على نفسه. ولا من الوضيعة. وذلك على رب المال في ماله. والقراض جائز على ما تراضى عليه رب المال
والعامل. من نصف الربح، أو ثلثه، أو ربعه، أو أقل من ذلك، أو أكثر.
قال مالك: لا يجوز للذي يأخذ المال قراضا أن يشترط أن يعمل فيه سنين لا ينزع منه.
قال: ولا يصلح لصاحب المال أن يشترط أنك لا ترده إلى سنين، لأجل يسميانه، لان

6 - (ولا مرفق) بفتح الميم وكسر الفاء، وعكسه. هو ما يرتفق به. (وفر) زاد.
(وضيعة) نقص.
691

القراض لا يكون إلى أجل. ولكن يدفع رب المال ماله إلى الذي يعمل له فيه. فإن بدا
لأحدهما أن يترك ذلك. والمال ناض لم يشتر به شيئا، تكره. وأخذ صاحب المال ماله.
وإن بدا لرب المال أن يقبضه، بعد أن يشترى به سلعة. فليس ذلك له. حتى يباع المتاع
ويصير عينا. فإن بدا للعامل أن يرده، وهو عرض، لم يكن ذلك له. حتى يبيعه، فيرده
عينا كما أخذه.
قال مالك: ولا يصلح لمن دفع إلى رجل مالا قراضا، أن يشترط عليه الزكاة في حصته
من الربح خاصة. لان رب المال، إذا اشترط ذلك، فقد اشترط لنفسه، فضلا من الربح
ثابتا. فيما سقط عنه من حصة الزكاة. التي تصيبه من حصته. ولا يجوز لرجل أن يشترط
على ما قارضه، أن لا يشترى إلا من فلان. لرجل يسميه. فذلك غير جائز. لأنه يصير له
أجيرا بأجر ليس بمعروف.
قال مالك، في الرجل يدفع إلى رجل مالا قراضا ويشترط على الذي دفع إليه المال الضمان.
قال: لا يجوز لصاحب المال أن يشترط في ماله غير ما وضع القراض عليه. وما مضى من سنة
المسلمين فيه. فإن نما المال على شرط الضمان. كان قد ازداد في حقه من الربح من أجل
موضع الضمان. وإنما يقتسمان الربح على ما لو أعطاه إياه على غير ضمان. وإن تلف المال
لم أر على الذي أخذه ضمانا. لان شرط الضمان في القراض باطل.
قال مالك، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا. واشترط عليه أن لا يبتاع به إلا نخلا

(والمال ناض) هو ما كان ذهبا أو فضة، عينا وورقا. وقد نض المال ينض إذا تحول نقدا، بعد أن كان متاعا.
(فضلا) أي زيادة. (يعد) أي يجاوز.
692

أو دواب. لأجل أنه يطلب ثمر النخل أو نسل الدواب. ويحبس رقابها. قال مالك: لا يجوز
هذا. وليس هذا من سنة المسلمين في القراض. إلا أن يشترى ذلك. ثم يبيعه كما يباع غيره من السلع.
قال مالك: لا بأس أن يشترط المقارض على رب المال غلاما يعينه به. على أن يقوم معه
الغلام في المال. إذا لم يعد أن يعينه في المال. لا يعينه في غيره.
(6) باب القراض في العروض
7 - قال يحيى: قال مالك: لا ينبغي لاحد أن يقارض أحدا إلا في العين. لأنه لا تنبغي
المقارضة في العروض. لان المقارضة في العروض إنما تكون على أحد وجهين. إما أن
يقول له صاحب العرض: خذ هذا العرض فبعه. فما خرج من ثمنه فاشتر به. وبع على
وجه القراض. فقد اشترط صاحب المال فضلا لنفسه. من بيع سلعته وما يكفيه من مؤونتها.
أو يقول: اشتر بهذه السلعة وبع. فإذا فرغت فابتع لي مثل عرضي الذي دفعت إليك.
فإن فضل شئ فهو بيني وبينك. ولعل صاحب العرض أن يدفعه إلى العامل في زمن هو فيه
نافق. كثير الثمن. ثم يرده العامل حين يرده وقد رخص. فيشتريه بثلث ثمنه. أو أقل
من ذلك. فيكون العامل قد ربح نصف ما نقص من ثمن العرض. في حصته من الربح.
أو يأخذ العرض في زمان ثمنه فيه قليل. فيعمل فيه حتى يكثر المال في يديه. ثم يغلو

7 - (نافق) رائج.
693

ذلك العرض. ويرتفع ثمنه حين يرده. فيشتريه بكل ما في يديه. فيذهب عمله وعلاجه
باطلا. فهذا غرر لا يصلح. فإن جهل ذلك. حتى يمضى. نظر إلى قدر أجر الذي دفع إليه
القراض، في بيعه إياه، وعلاجه فيعطاه. ثم يكون المال قراضا. من يوم نض المال.
واجتمع عينا. ويرد إلى قراض مثله.
(7) باب الكراء في القراض
8 - قال يحيى: قال مالك، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا. فاشترى به متاعا. فحمله
إلى بلد التجارة. فبار عليه. وخاف النقصان إن باعه. فتكارى عليه إلى بلد آخر. فباع بنقصان.
فاغترق الكراء أصل المال كله.
قال مالك: إن كان فيما باع وفاء للكراء، فسبيله ذلك. وإن بقي من الكراء شئ،
بعد أصل المال كان على العامل. ولم يكن على رب المال منه شئ يتبع به. وذلك أن رب
المال إنما أمره بالتجارة في ماله. فليس للمقارض أن يتبعه بما سوى ذلك من المال. ولو كان
ذلك يتبع به رب المال، لكان ذلك دينا عليه. من غير المال الذي قارضه فيه. فليس
للمقارض أن يحمل ذلك على رب المال.

8 - (فتكارى عليه) أي أكرى على حمله. (يحمل) يجعل.
694

(8) باب التعدي في القراض
9 - قال يحيى: قال مالك، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا. فعمل فيه فربح. ثم
اشترى من ربح المال أو من جملته جارية. فوطئها. فحملت منه. ثم نقص المال.
قال مالك: إن كان له مال، اخذت قيمة الجارية من ماله. فيجبر به المال. فإن كان فضل
بعد وفاء المال. فهو بينهما على القراض الأول. وإن لم يكن له وفاء، بيعت الجارية حتى
يجبر المال من ثمنها.
قال مالك، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا. فتعدى فاشترى به سلعة. وزاد في ثمنها
من عنده. قال مالك: صاحب المال بالخيار. إن بيعت السلعة بربح أو وضيعة. أو لم تبع.
إن شاء أن يأخذ السلعة، أخذها وقضاه ما أسلفه فيها. وإن أبى، كان المقارض شريكا له
بحصته من الثمن في النماء والنقصان. بحساب ما زاد العامل فيها من عنده.
قال مالك، في رجل أخذ من رجل مالا قراضا. ثم دفعه إلى رجل آخر. فعمل فيه قراضا
بغير إذن صاحبه: إنه ضامن للمال. إن نقص فعليه النقصان. وإن ربح فلصاحب المال
شرطه من الربح. ثم يكون للذي عمل، شرطه بما بقي من المال.
قال مال، في رجل تعدى فتسلف مما بيديه من القراض مالا. فابتاع به سلعة
لنفسه. قال مالك: إن ربح، فالربح على شرطهما في القراض. وإن نقص، فهو ضامن
للنقصان.

9 - (فيجبر به المال) أي نقصانه. (وضيعة) أي نقص.
695

قال مالك، في رجل دفع إلى رجلا مالا قراضا. فاستسلف منه المدفوع إليه المال مالا.
واشترى به سلمة لنفسه: إن صاحب المال بالخيار. إن شاء شركه في السلمة على قراضها.
وإن شاء خلى بينه وبينها. وأخذ منه رأس المال كله. وكذلك يفعل بكل من تعدى.
(9) باب ما يجوز من النفقة في القراض
10 - قال يحيى: قال مالك، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا: إنه إذا كان المال
كثيرا يحمل النفقة، فإذا شخص فيه العامل، فإن له أن يأكل منه، ويكتسى بالمعروف
من قدر المال. ويستأجر المال إذا كان كثيرا لا يقوى عليه بعض من يكفيه بعض
مؤونته. ومن الاعمال أعمال لا يعملها الذي يأخذ المال. وليس مثله يعملها. من ذلك تقاضى
الدين، ونقل المتاع، وشده وأشباه ذلك. فله أن يستأجر من المال من يكفيه ذلك. وليس
للمقارض أن يستنفق من المال. ولا يكتسى منه. ما كان مقيما في أهله إنما يجوز له النفقة
إذا شخص في المال. وان المال يحمل النفقة. فإن كان إنما يتجر في المال في البلد
الذي هو به مقيم، فلا نفقة له من المال ولا كسوة.
قال مالك، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا. فخرج به وبمال نفسه. قال: يجعل
النفقة من القراض ومن ماله، على قدر حصص المال.

10 - (شخص) سافر.
696

(10) باب مالا يجوز من النفقة في القراض
11 - قال يحيى: قال مالك، في رجل معه مال قراض. فهو يستنفق منه ويكتسى:
إنه لا يهب منه شيئا. ولا يعطى منه سائلا ولا غير. ولا يكافئ فيه أحدا. فأما إن اجتمع
هو وقوم. فجاؤوا بطعام وجاء هو بطعام. فأرجو أن يكون ذلك واسعا. إذا لم يتعمد أن
يتفضل عليهم. فإن تعمد ذلك، أو ما يشبهه، بغير إذن صاحب المال، فعليه أن يتحلل ذلك
من رب المال. فإن حلله ذلك، فلا بأس به. وإن أبى أن يحلله، فعليه أن يكافئه بمثل
ذلك. إن كان ذلك شيئا له مكافاة.
(11) باب الدين في القراض
12 - قال يحيى: قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا
فاشترى به سلمة. ثم باع السلعة بدين. فربح في المال. ثم هلك الذي أخذ المال. قبل أن
يقبض المال. قال: إن أراد ورثته أن يقبضوا ذلك المال، وهم على شرط أبيهم من الربح،
فذلك لهم. إذا كانوا أمناء على ذلك. فإن كرهوا أن يقتضوه، خلو بين صاحب المال
وبينه، لم يكلفوا أن يقتضوه. ولا شئ عليهم. ولا شئ لهم. إذا أسلموه إلى رب المال.
فإن اقتضوه. فلهم فيه من الشرط والنفقة، مثل ما كان لأبيهم في ذلك هم فيه بمنزلة أبيهم.

11 - (واسعا) أي جائزا. (يحلله) يسامحه.
697

فإن لم يكونوا أمناء على ذلك. فإن لهم أن يأتوا بأمين ثقة. فيقتضى ذلك المال. فإذا اقتضى
جميع المال. وجميع الربح. كانوا في ذلك بمنزلة أبيهم.
قال مالك، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا. على أنه يعمل فيه. فما باع به من دين فهو
ضامن له: إن ذلك لازم له. إن باع بدين فقد ضمنه.
(12) باب البضاعة في القراض
13 - قال يحيى: قال مالك، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا. واستسلف من صاحب
المال سلفا. أو استسلف منه صاحب المال سلفا. أو أبضع معه صاحب المال بضاعة يبيعها له.
أو بدنانير يشترى له بها سلعة. قال مالك: إن كان صاحب المال إنما أبضع معه، وهو يعلم
أنه لو لم يكن ماله عنده، ثم سأله مثل ذلك فعله، لإخاء بينهما، أو ليسارة مؤونة ذلك
عليه. ولو أبى ذلك عليه لم ينزع ماله منه. أو كان العامل إنما استسلف من صاحب المال.
أو حمل له بضاعته وهو يعلم أنه لو لم يكن عنده ماله فعل له مثل ذلك. ولو أبى ذلك
عليه لم يردد عليه ماله. فإذا صح ذلك منهما جميعا، وكان ذلك منهما على وجه المعروف،
ولم يكن شرطا في أصل القراض، فذلك جائز لا بأس به. وإن دخل ذلك شرط. أو خيف
أن يكون إنما صنع ذلك العامل لصاحب المال، ليقر ماله في يديه. أو إنما صنع ذلك
صاحب المال، لان يمسك العامل ماله. ولا يرده عليه. فإن ذلك لا يجوز في القراض.
وهو مما ينهى عنه أهل العلم.

13 - (أبضع) الشئ واستبضعه، جعله بضاعة. (أو ليسارة) لسهولة.
698

(13) باب السلف في القراض
14 - قال يحيى: قال مالك، في رجل أسلف رجلا مالا. ثم سأله الذي تسلف المال
أن يقره عنده قراضا. قال مالك: لا أحب ذلك حتى يقبض ماله منه. ثم يدفعه إليه قراضا
إن شاء، أو يمسكه.
قال مالك، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا. فأخبره أنه قد اجتمع عنده. وسأله أن
يكتبه عليه سلفا. قال: لا أحب ذلك. حتى يقبض منه ماله. ثم يسلفه إياه إن شاء،
أو يمسكه. وإنما ذلك، مخافة أن يكون قد نقص فيه. فهو يجب أن يؤخره عنه. على أن
يزيده فيه ما نقض منه. فذلك مكروه. ولا يجوز ولا يصلح.
(14) باب المحاسبة في القراض
15 - قال يحيى: قال مالك، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا. فعمل فيه فربح.
فأراد أن يأخذ حصته من الربح. وصاحب المال غائب. قال: لا ينبغي له أن يأخذ منه شيئا
إلا بحضرة صاحب المال. وإن أخذ شيئا فهو له ضامن. حتى يحسب مع المال إذا اقتسماه.
قال مالك: لا يجوز للمتقارضين أن يتحاسبا ويتفاصلا. والمال غائب عنهما. حتى يحضر
المال فيستوفى صاحب المال رأس ماله. ثم يقتسمان الربح على شرطهما.
قال مالك، في رجل أخذ مالا قراضا. فاشترى به سلمة. وقد كان عليه دين. فطلبه
699

غرماؤه. فأدركوه ببلد غائب عن صاحب المال. وفي يديه عرض مربح بين فضله. فأرادوا
أن يباع لهم العرض فيأخذوا حصته من الربح. قال: لا يؤخذ من ربح القراض شئ.
حتى يحضر صاحب المال فيأخذ ماله. ثم يقتسمان الربح على شرطهما.
قال مالك، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا، فتجر فيه فربح. ثم عزل رأس المال.
. وقسم الربح. فأخذ حصته وطرح حصة صاحب المال في المال. بحضرة شهداء أشهدهم
على ذلك. قال: لا تجوز قسمة الربح إلا بحضرة صاحب المال. وإن كان أخذ شيئا رده
حتى يستوفى صاحب المال رأس ماله. ثم يقتسمان ما بقي بينهما على شرطهما.
قال مالك، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا. فعمل فيه فجاءه. فقال له: هذه حصتك
من الربح. وقد أخذت لنفسي مثله. ورأس مالك وافر عندي. قال مالك: لا أحب ذلك.
حتى يحضر المال كله. فيحاسبه حتى يحصل رأس المال. ويعلم أنه وافر. ويصل إليه.
ثم يقتسمان الربح بينهما. ثم يرد إليه المال إن شاء، أو يحبسه. وإنما يجب حضور المال.
مخافة أن يكون العامل قد نقض فيه. فهو يحب أن لا ينزع منه. وأن يقره في يده.
(15) باب ما جاء في القراض
16 - قال يحيى: قال مالك، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا. فابتاع به سلعة.
فقال له صاحب المال: بعها. وقال الذي أخذ المال: لا أرى وجه بيع. فاختلفا في ذلك.
قال: لا ينظر إلى قول وأحل منهما. ويسئل عن ذلك أهل المعرفة والبصر بتلك السلعة.

16 - (والبصر) الخبرة.
700

فإن رأوا وجه بيع، بيعت عليهما. وإن رأوا وجه انتظار، انتظر بها.
قال مالك، في رجل أخذ من رجل مالا قراضا. فعمل فيه. ثم سأله صاحب المال عن
ماله. فقال: هو عندي وافر. فلما آخذه به، قال: قد هلك عندي منه كذا وكذا. لمال
يسميه. وإنما قلت لك ذلك لكي تتركه عندي، قال: لا ينتفع بإنكاره بعد إقراره
أنه عنده. ويؤخذ بإقراره على نفسه. إلا أن يأتي في هلاك ذلك المال بأمر يعرف به قوله.
فإن لم يأت بأمر معروف. أخذ بإقراره ولم ينفعه إنكاره.
قال مالك: وكذلك أيضا لو قال: ربحت في المال كذا وكذا، فسأله رب المال أن يدفع
إليه ماله وربحه. فقال: ما ربحت فيه شيئا. وما قلت ذلك إلا لان تقره في يدي: فذلك
لا ينفعه. ويؤخذ بما أقربه. وإلا أن يأتي بأمر يعرف به قوله وصدقه. فلا يلزمه ذلك.
قال ملاك، في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا. فربح فيه ربحا. فقال العامل: قارضتك
على أن لي الثلثين. وقال صاحب المال: قارضتك على أن لك الثلث. قال مالك: القول قوله
العامل. وعليه، في ذلك، اليمين. إذا كان ما قال يشبه قراض مثله. وكان ذلك نحوا مما يتقارض
عليه الناس. وإن جاء بأمر يستنكر، ليس على مثله يتقارض الناس، لم يصدق. ورد إلى
قراض مثله.
قال مالك، في رجل أعطى رجلا مائة دينار قراضا. فاشترى بها سلعة. ثم ذهب ليدفع
إلى رب السلعة المائة دينار. فوجدها قد سرقت. فقال رب المال: بع السلعة فإن كان
فيها فضل كان لي. وإن كان فيها نقصان كان عليك. لأنك أنت ضيعت. وقال المقارض:

(وافر) أي كامل. (القراض) بالخفض بدل من المال.
701

بل عليك وفاء حق هذا. إنما اشتريتها بمالك الذي أعطيتني. قال مالك: يلزم العامل المشترى
أداء ثمنها إلى البائع. ويقال لصاحب المال القراض: إن شئت فأد المائة الدينار إلى المقارض،
والسلعة بينكما. وتكون قراضا على ما كانت عليه المائة الأولى. وإن شئت فابرأ من
السلعة. فإن دفع المائة دينار إلى العامل كانت قراضا على سنة القراض الأول. وإن أبى،
كانت السلعة للعامل. وكان عليه ثمنها.
قال مالك، في المتقارضين إذا تفاصلا فبقي بيد العامل من المتاع الذي يعمل فيه خلق
القربة أو خلق الثوب أو ما أشبه ذلك. قال مالك: كل شئ من ذلك كان تافها، لأخطب
له، فهو للعامل. ولم أسمع أحدا أفتى برد ذلك وإنما يرد، من ذلك، الشئ الذي له ثمن.
وإن كان شيئا له اسم. مثل الدابة أو الجمل أو الشاذكونة. أو أشباه ذلك مما له ثمن.
فإني أرى أن يرد ما بقي عنده من هذا. إلا أن يتحلل صاحبه من ذلك.

(خلق) أي البالي. (تافها) قليلا. (لأخطب له) لا شأن له. (الشاذ كونة) ثياب غلاظ،
مضربة، تعمل باليمن.
702

33 - كتاب المساقاة
(1) باب ما جاء في المساقاة
1 - حدثنا يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ليهود خيبر، يوم افتتح خيبر: (أقركم فيها ما أقركم الله عز وجل. على أن الثمر بيننا
وبينكم) قال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرض بينه وبينهم.
ثم يقول: إن شئتم فلكم. إن شئتم فلي. فكانوا يأخذونه.
قال ابن عبد البر: أصله جميع رواة الموطأ. وأكثر أصحاب ابن شهاب.
2 - وحدثني مالك عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث
عبد الله بن رواحة إلى خيبر. فيخرص بينه وبين يهود خيبر. قال، فجمعوا له حليا من حلى
نسائهم. فقالوا له: هذا لك. وخفف عنا. وتجاوز في القسم. فقال عبد الله بن رواحة:

(كتاب المساقاة)
(المساقاة) مفاعلة من السقي. لأنه معظم عملها وأصل منفعتها وأكثرها مؤنة. والمفاعلة إما للواحد نحو
عافاك الله. أو لوحظ العقد، وهو منهما.
1 - (فيخرص) الخرص حزر ما على النخل من الرطب تمرا. يقال خرص النخل يخرصه.
2 - (حليا) ضبط بفتح فسكون، على أنه مفرد. وبضم فكسر فشد الياء، على أنه جمع. (وتجاوز
في القسم) أجمله وأغمض فيه.
703

يا معشر اليهود! والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلى وما ذاك بحامل على أن أحيف عليكم.
فأما عرضتم من الرشوة فإنها سخت. وإنا لا نأكلها. فقالوا: بهذا قامت السماوات
والأرض.
مرسل في جميع الموطآت
قال مالك: إذا ساقى الرجل النخل وفيها البياض، فما ازدرع الرجل الداخل في البياض،
فهو له.
قال مالك: وإن اشترط صاحب الأرض أنه يزرع في البياض لنفسه، فذلك لا يصلح. ولان
الرجل الداخل في المال، يسقى لرب الأرض. فذلك زيادة ازدادها عليه.
قال: وإن اشترط الزرع بينهما، فلا بأس بذلك. إذا كانت المؤونة كلها على الداخل
في المال. البذر والسقي والعلاج كله. فإن اشترط الداخل في المال على رب المال أن البذر
عليك. كان ذلك غير جائز. لأنه قد اشترط على رب المال زيادة ازدادها عليه. وإنما تكون
المساقاة على أن على الداخل في المال المؤونة كلها والنفقة. ولا يكون على رب المال منها
شئ. فهذا وجه المساقاة المعروف.
قال ملاك، في العين تكون بين الرجلين. فينقطع ماؤها. فيريد أحدهما أن يعمل
في العين. ويقول الاخر: لا أجد ما أعمل به: إنه يقال للذي يريد أن يعمل في العين:
اعمل وأنفق. ويكون لك الماء كله. تسقى به حتى يأتي صاحبك بنصف ما أنفقت. فإذا

(أحيف) أجور. (سحت) حرام. (الرجل الداخل) عامل المساقاة.
(البذر والسقي والعلاج كله) بيان للمؤونة.
704

جاء بنصف ما أنفقت أخذ حصته من الماء. وإنما أعطى الأول الماء كله. لأنه أنفق. ولو
لم يدرك شيئا بعمله، لم يعلق الاخر من النفقة شئ.
قال مالك: وإذا كانت النفقة كلها والمؤونة على رب الحائط. ولم يكن على الداخل
في المال شئ. إلا أنه يعمل بيده. إنما هو أجير ببعض الثمر. فإن ذلك لا يصلح. لأنه
لا يدرى كم إجارته إذا لم يسم له شيئا يعرفه ويعمل عليه. لا يدرى أيقل ذلك أم
يكثر؟.
قال مالك: وكل مقارض أو مساق فلا ينبغي له أن يستثنى من المال ولا من النخل شيئا
دون صاحبه. وذلك أنه يصير له أجيرا بذلك. يقول: أساقيك على أن تعمل لي في كذا وكذا
نخلة. وتسقيها وتأبرها. أقارضك في كذا وكذا من المال. على أن تعمل لي بعشرة دنانير.
ليست مما أقارضك عليه. فإن ذلك لا ينبغي ولا يصلح. وذلك الامر عندنا.
قال مالك: والسنة في المساقاة التي يجوز لرب الحائط أن يشترطها على المساقى، شد الحظار،
وخم العين، وسرور الشرب، وإبار النخل، وقطع الجريد، وجذ الثمر. هذا وأشباهه. على
أن للمساقي شطر الثمر أو أقل من ذلك. أو كثر إذا تراضيا عليه. غير أن صاحب الأصل
لا يشترط ابتداء عمل جديد. يحدثه العامل فيها. من بئر يحتفرها. أو عين يرفع رأسها.

(لم يعلق) لم يلزم. (وتأبرها) تلقحها وتصلحها. (شد الحظار) تحصين الزروب. والحظار
جمع حظيرة. وهي العيدان التي بأعلى الحائط لتمنع من التسور عليه. وقال ابن قتيبة: هو حائط البستان.
(وخم العين) تنقيتها. والمخموم النقي. (وسرو الشرب) السرو الكنس. والشرب، قال عياض:
هو الحفير الذي حول النخلة وهو كالحوض تشرب منه، واحدها شربة. (وإبار النخل) أي تذكيرها.
(وجذ الثمر) أي قطعه.
705

أو غراس يغرسه فيها. يأتي بأصل ذلك من عنده. أو صفيرة يبنيها. تعظم فيها نفقته.
وإنما ذلك بمنزلة أن يقول رب الحائط لرجل من الناس: ابن لي هاهنا بيتا. أو احفر لي بئرا.
أو أجر لي عينا. أو اعمل لي عملا. بنصف ثم حائطي هذا. قبل أن يطيب ثم الحائط.
ويحل بيعه. فهذا بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع
الثمار حتى يبدو صلاحها.
قال مالك: فأما إذا طاب الثمر وبدا صلاحه وحل بيعه، ثم قال رجل لرجل: اعمل لي
بعض هذه الاعمال، لعمل يسميه له، بنصف ثمر حائطي هذا. فلا بأس بذلك، إنما استأجره
بشئ معروف معلوم. قد رآه ورضيه. فأما المساقاة، فإنه إن لمى كن للحائط ثمر. أو قل
ثمره أو فسد. فليس له إلا ذلك. وأن الأجير لا يستأجر إلا بشئ مسمى. لا يتجوز ذلك إذا دخله
الغرر. لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر.
قال مالك: السنة في المساقاة عندنا، أنها تكون في أصل كل نخل أو كرم أو زيتون
أو رمان أو فرسك. أو ما أشبه ذلك من الأصول. جائز لا بأس به. على أن لرب المال نصف
الثمر من ذلك. أو ثلثه أو رعبه أو أكثر من ذلك أو أقل.
قال مالك: والمساقاة أيضا تجوز في الزرع إذا خرج واستقل. فعجز صاحبه عن سقيه
وعمله وعلاجه. فالمساقاة في ذلك أيضا جائزة.

(ضفيرة) موضع يجتمع فيه الماء كالصهريج. (الفرسك) الخوخ، أو ضرب منه أحمر أجرد، أو ما ينفلق
عن نواه. (الزرع إذا خرج) أي من الأرض.
706

قال مالك: لا تصلح المساقاة في شئ من الأصول مما تحل فيه المساقاة. إذا كان فيه ثمر
قد طاب وبدا صلاحه وحل بيعه. وإنما ينبغي أن يساقى من العام المقبل. وإنما مساقاة
ما حل بيعه من الثمال إجارة. لأنه إنما ساقى صاحب الأصل ثمرا قد بدا صلاحه. على أن يكفيه
إياه ويجذه له. بمنزلة الدنانير والدراهم يعطيه إياها. وليس ذلك بالمساقاة. إنما المساقاة
ما بين أن يجذ النخل إلى أن يطيب الثمر ويحل بيعه.
قال مالك: ومن ساقى ثمرا في أصل قبل أن يبدو صلاحه ويحل بيعه، فتلك المساقاة
بعينها جائزة.
قال مالك: ولا ينبغي أن تساقى الأرض البيضاء. وذلك أنه يحل لصاحبها كراؤها
بالدنانير والدراهم. وما أشبه ذلك من الأثمان المعلومة.
قال: فأما الرجل الذي يعطى أرضه البيضاء، بالثلث أو لأربع مما يخرج منها. فذلك مما
يدخله الغرر. لان الزرع يقل مرة ويكثر مرة. وربما هلك رأسا. فيكون صاحب الأرض
قد ترك كراء معلوما يصلح له أن يكرى أرضه به. وأخذ أمرا غررا. لا يدرى أيتم أم لا؟
فهذا مكروه. وإنما ذلك مثل رجل استأجر أجيرا للسفر بشئ معلوم. ثم قال الذي استأجر
الأجير: هل لك أن أعطيك عشر ما أربح في سفري هذا إجارة لك؟ فهذا لا يحل ولا
ينبغي.
قال مالك: ولا ينبغي لرجل أن يؤاجر نفسه ولا أرضه ولا سفينته إلا بشئ معلوم
لا يزول إلى غيره.

(ويجذه له) يقطعه. (لا يزول) لا ينتقل.
707

قال مالك: وإنما فرق بين المساقاة في النخل والأرض البيضاء، أن صاحب النخل لا يقدر
على أن يبيع ثمرها حتى يبدو صلاحه. وصاحب الأرض يكريها وهي أرض بيضاء لا شئ فيها.
قال مالك: والامر عندنا في النخل أيضا إنها تساقى السنين الثلاث والأربع وأقل من ذلك
وأكثر.
قال: وذلك الذي سمعت. وكل شئ مثل ذلك من الأصول بمنزلة النخل. يجوز فيه
لمن ساقى من السنين مثل ما يجوز في النخل.
قال مالك، في المساقى: إنه لا يأخذ من صاحبه الذي ساقاه شيئا من ذهب ولا ورق
يزداده. ولا طعام ولا شيئا من الأشياء. لا يصلح ذلك. ولا ينبغي أن يأخذ المساقى من
رب الحائط شيئا يزيده إياه، من ذهب ولا ورق ولا طعام ولا شئ من الأشياء. والزيادة
فيما بينهما لا تصلح.
قال مالك: والمقارض أيضا بهذه المنزلة لا يصلح. إذا دخلت الزيادة في المساقاة
أو المقارضة صارت إجارة. وما دخلته الإجارة فإنه لا يصلح. ولا ينبغي أن تقع الإجارة
بأمر غرر. لا يدرى أيكون أم لا يكون. أو يقل أو يكثر.
قال مالك، في الرجل يساقى الرجل الأرض فيها النخل والكرم أو ما أشبه ذلك من الأصول
فيكون فيها الأرض البيضاء.
قال مالك: إذا كان البياض تبعا للأصل. وكان الأصل أعظم ذلك. أو أكثره. فلا بأس
بمساقاته. وذلك أن يكون النخل الثلثين أو أكثر. ويكون البياض الثلث أو أقل من ذلك.
وذلك أن البياض حينئذ تبع للأصل. وإذا كانت الأرض البيضاء فيها نخل أو كرم أو ما يشبه
708

ذلك من الأصول. فكان الأصل الثلث أو أقل. والبياض الثلثين أو أكثر. جاز، في ذلك،
الكراء وحرمت فيه المساقاة. وذلك أن من أمر الناس أن يساقوا الأصل وفيه البياض.
وتكرى الأرض وفيها الشئ اليسير من الأصل. أو يباع المصحف أو السيف وفيهما الحلية
من الورق بالورق. أو القلادة أو الخاتم وفيهما الفصوص والذهب بالدنانير. ولم تزل
هذه البيوع جائزة يتبايعه الناس ويبتاعونها. ولم يأت في ذلك شئ موصوف موقوف عليه.
إذا هو بلغه كان حراما. أو قصر عنه كان حلالا. والامر في ذلك عندنا الذي عمل به الناس
وأجازوه بينهم، أنه إذا كان الشئ من ذلك الورق أو الذهب تبعا لما هو فيه، جاز بيعه.
وذلك أن يكون النصل أو المصحف أو الفصوص، قيمته الثلثان أو أكثر. والحلية قيمتها
الثلث أو أقل.
(2) باب شرط في الرقيق في المساقاة
3 - قال يحيى: قال مالك: إن أحسن ما سمع في عمال الرقيق في المساقاة. يشترطهم
المساقى على صاحب الأصل: إنه لا بأس بذلك. لأنهم عمال المال. فهم بمنزلة المال.
لا منفعة فيهم للداخل إلا أنه تخف عنه بهم المؤونة. وإن لم يكونوا في المال اشتدت
مؤونته. وإنما ذلك بمنزلة المساقاة في العين والنضح. ولن تجد أحدا يساقى في أرضين سواء
في الأصل والمنفعة. إحداهما بعين واثنة غزيرة. والأخرى بنضح على شئ واحد. لخفة

3 - (النضح) أي الماء الذي يحمله الناضح، وهو الجمل. (سواء) بالجر صفة، أي مستويين.
709

مؤنة العين. وشدة مؤنة النضح. قال: وعلى ذلك، الامر عندنا.
قال: والواثنة، الثابت ماؤها، التي لا تغور ولا تنقطع.
قال مالك: وليس للمساقي أن يعمل بعمال المال في غيره. ولا أن يشترط ذلك على الذي
ساقاه.
قال مالك: ولا يجوز للذي ساقى أن يشترط على رب المال رقيقا يعمل بهم في الحائط.
ليسوا فيه حين ساقاه إياه.
قال مالك: ولا ينبغي لرب المال أن يشترط على الذي دخل في ماله بمساقاة، أن يأخذ
من رقيق المال أحدا يخرجه من المال. وإنما مساقاة المال على حاله الذي هو عليه.
قال: فإن كان صاحب المال يريد أن يخرج من رقيق المال أحدا، فليخرجه قبل المساقاة.
أو يريد أن يدخل فيه أحدا، فليفعل ذلك قبل المساقاة. ثم ليساق بعد ذلك إن شاء.
قال: ومن مات من الرقيق أو غاب أو مرض، فعلى رب المال أن يخلفه.

(واثنة) دائمة لا تنقطع. (غزيرة) كثيرة الماء. (يخلفه) أي يأتي بعده.
710

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب كراء الأرض
(1) باب ما جاء في كراء الأرض
1 - حدثنا يحيى عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن حنظلة بن قيس الزرقي،
عن رافع بن خديج، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع.
قال حنظلة: فسألت رافع بن خديج، بالذهب والورق؟ فقال: أما بالذهب والورق،
فلا بأس به.
2 - وحدثني مالك عن ابن شهاب، أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن كراء الأرض
بالذهب والورق؟ فقال: لا بأس به.
3 - وحدثني مالك عن ابن شهاب، أنه سأل سالم بن عبد الله بن عمر، عن كراء المزارع؟
فقال: لا بأس بها. بالذهب والورق.
قال ابن شهاب: فقلت له: أرأيت الحديث الذي يذكر عن رافع بن خديج؟ فقال:
أكثر رافع. ولو كان لي مزرعة أكريتها.

1 - (المزارع) جمع مزرعة وهي مكان الزرع.
3 - (أرأيت) أخبرني. (أكثر رافع) أي أتى بكثير موهم لغير المراد.
711

4 - وحدثني مالك، أنه بلغه، أن عبد الرحمن بن عوف تكارى أرضا. فلم تزل في
يديه بكراء حتى مات. قال ابنه: فما كنت أراها إلا لنا، من طول ما مكثت في يديه.
حتى ذكرها لنا عند موته. فأمرنا بقضاء شئ كان عليه من كرائها. ذهب أو ورق.
5 - وحدثني مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان يكرى أرضه بالذهب
والورق.
وسئل مالك: عن رجل أكرى مزرعته بمائة صاع من تمر. أو مما يخرج منها من الحنطة
أو من غير ما يخرج منها؟ فكره ذلك.

4 - (أراها) أي أظنها.
712

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الشفعة
(1) باب ما تقع فيه الشفعة
1 - حدثنا يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب. وعن أبي سلمة
ابن عبد الرحمن بن عوف، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء.
فإذا وقعت الحدود بينهم، فلا شفعة فيه.
قال ابن عبد البر: مرسل عن مالك، لأكثر رواة الموطأ وغيرهم.
قال مالك: وعلى ذلك، السنة التي لا اختلاف فيها عندنا.

(كتاب الشفعة)
(الشفعة) لغة، الضم. من شفعت الشئ ضممته. فهو ضم نصيب إلى نصيب. ومنه شفع الأذان. وقيل:
من الشفع ضد الوتر. لأنه ضم نصيب شريكه إلى نصيبه. وهذا قريب مما قبله. وقيل: من الزيادة لأنه يزيد ما يأخذه
منه إلى ماله. وقيل: من الشفاعة لأنه يتشفع بنصيبه إلى نصيبه صاحبه. وقيل: لأنهم كانوا في الجاهلية، إذا
باع الشريك حصته أتى المجاور شافعا إلى المشتري ليوليه ما اشتراه. وهذا أظهر، وشرعا، استحقاق شريك أخذ
مبيع شريكه بثمن.
1 - (فيما لم يقسم) أي في كل مشترك مشاع قابل للقسمة. (الحدود) جمع حد. وهو هنا ما تتميز به
الأملاك بعد القسمة. وأصل الحد المنع. فتحديد الشئ يمنع خروج شئ منه ويمنع دخوله فيه.
713

2 - قال مالك: إنه بلغه أن سعيد بن المسيب سئل عن الشفعة، هل فيها من سنة؟
فقال: نعم. الشفعة في الدور والأرضين. ولا تكون إلا بين الشركاء.
3 - وحدثني مالك: أنه بلغه، عن سليمان بن يسار، مثل ذلك.
قال مالك، في رجل اشترى شقصا مع قوم في أرض بحيوان، عبد أو وليدة، أو ما أشبه
ذلك من العروض. فجاء الشريك يأخذ بشفعته بعد ذلك. فوجد العبد أو الوليدة قد هلكا.
ولم يعلم أحد قدر قيمتهما. فيقول المشترى: قيمة العبد أو الوليدة مائة دينار. ويقول
صاحب الشفعة الشريك: بل قيمتها خمسون دينارا.
قال مالك: يحلف المشترى أن قيمة ما اشترى به مائة دينار. ثم إن شاء أن يأخذ صاحب
الشفعة، أخذ أو يترك إلا أن يأتي الشفيع ببينة، أن قيمة العبد أو الوليدة دون ما قال المشترى.
قال مالك: من وهب شقصا في دار، أو أرض مشتركة، فأثابه الموهوب له بها نقدا
أو عرضا. فإن الشركاء يأخذونها بالشفعة إن شاؤوا. ويدفعون إلى الموهوب له قيمة مثوبته،
دنانير أو دراهم.
قال مالك: من وهب هبة في دار أو أرض مشتركة. فلم يثب منها. ولم يطلبها.
فأراد شريكه أن يأخذها بقيمتها. فليس ذلك له. ما لم يثب عليها. فإن أثيب، فهو
للشفيع بقيمة الثواب.

3 - (شقصا) قطعة. (بحيوان) متعلق باشترى. (عبدا ووليدة) بدل من حيوان. والوليدة
هي الأمة. (مثوبته) أي ما أثاب به. (فلم يثب منها) أي بدلها.
714

قال مالك، في رجل اشترى شقصا في أرض مشتركة. بثمن إلى أجل. فأراد الشريك
أن يأخذ بالشفعة.
قال مالك: إن كان مليا، فله الشفعة بذلك الثمن إلى ذلك الاجل. وإن كان مخوفا أن
لا يؤدى الثمن إلى ذلك الاجل، فإذا جاءهم بحميل ملي ثقة مثل الذي اشترى منه الشقص
في الأرض المشتركة، فذلك له.
قال مالك: لا تقطع شفعة الغائب غيبته. وإن طالت غيبته. وليس لذلك عندنا حد
تقطع إليه الشفعة.
قال مالك، في الرجل يورث الأرض نفرا من ولده ثم يولد لاحد النفر. ثم يهلك الأب.
فيبيع أحد ولد الميت حقه في تلك الأرض. فإن أخا البائع أحق بشفعته من عمومته،
شركاء أبيه.
قال مالك: وهذا الامر عندنا.
قال مالك: الشفعة بين الشكاء على قدر حصصهم. يأخذ كل انسان منهم بقدر نصيبه
إن كان قليلا فقليلا. وإن كان كثيرا فبقدره. وذلك إن تشاحوا فيها.
قال مالك: فأما أن يشترى رجل من رجل من شركائه حقه. فيقول أحد الشركاء:
أنا آخذ من الشفعة بقدر حصتي. ويقول المشترى: إن شئت أن تأخذ الشفعة كلها أسلمتها
إليك. وإن شئت أن تدع فدع. فإن المشترى إذا خيره في هذا وأسلمه إليه. فليس للشفيع
إلا أن يأخذ الشفعة كلها. أو يسلمها إليه. فإن أخذها فهو أحق بها. وإلا فلا شئ له.

(بحميل) ضامن. (ملي) غني.
715

قال مالك، في الرجل يشترى الأرض فيعمرها بالأصل يضعه فيها. أو البئر يحفرها. ثم
يأتي رجل فيدرك فيها حقا. فيريد أن يأخذها بالشفعة: إنه لا شفعة له فيها. إلا أن يعطيه
قيمة ما عمر. فإن أعطاه قيمة ما عمر، كان أحق بالشفعة. وإلا فلا حق له فيها.
قال مالك: من باع حصته من أرض أو دار مشتركة. فلما علم أن صاحب الشفعة يأخذ
بالشفعة، استقال المشترى، فأقاله. قال: ليس ذلك له. والشفيع أحق بها بالثمن الذي
كان باعها به.
قال مالك: من اشترى شقصا في دار أو أرض. وحيوانا وعروضا في صفقة واحدة.
فطلب الشفيع شفعته في الدار أو الأرض فقال المشترى: خذ ما اشتريت جميعا. فإني إنما
اشتريته جميعا.
قال مالك: بل يأخذ الشفيع شفعته في الدار أو الأرض. بحصتها من ذلك الثمن. يقام
كل شئ اشتراه من ذلك على حدته. على الثمن الذي اشتراه به. ثم يأخذ الشفيع شفعته
بالذي يصيبها من القيمة من رأس الثمن. ولا يأخذ من الحيوان والعروض شيئا. إلا أن يشاء
ذلك.
قال مالك: ومن باع شقصا من أرض مشتركة. فسلم بعض من له فيها الشفعة للبائع.
وأبى بعضهم إلا أن يأخذ بشفعته: إن من أبى أن يسلم يأخذ بالشفعة كلها. وليس له أن
يأخذ بقدر حقه ويترك ما بقي.
قال مالك، في نفر شركاء في دار واحدة. فباع أحدهم حصته، وشركاؤه غيب كلهم.

(على حدته) أي يتميز عن غيره.
716

إلا رجلا. فعرض على الحاضر أن يأخذ بالشفعة أو يترك. فقال: أنا آخذ بحصتي وأترك
حصص شركائي حتى يقدموا. فإن أخذوا فذلك. وإن تركوا أخذت جميع الشفعة.
قال مالك: ليس له إلا أن يأخذ ذلك كله أو يترك. فإن جاء شركاؤه، أخذوا منه
أو تركوا إن شاؤوا. فإذا عرض هذا عليه فلم يقبله، فلا أرى له شفعة.
(2) باب مالا تقع فيه الشفعة
4 - قال يحيى: قال مالك، عن محمد بن عمارة، عن أبي بكر بن حزم، أن عثمان بن عفان
قال: إذا وقعت الحدود في الأرض فلا شفعة فيها. ولا شفعة في بئر ولا في فحل النخل.
قال مالك: وعلى هذا، الامر عندنا.
قال مالك: ولا شفعة في طريق صلح القسم فيها أو لم يصلح.
قال مالك: والامر عندنا أنه لا شفعة في عرصة دار صلح القسم فيها أو لم يصلح.
قال مالك، في رجل اشترى شقصا من أرض مشتركة، على أنه فيها بالخيار. فأراد
شركاء البائع أن يأخذوا ما باع شريكهم بالشفعة. قبل أن يختار المشترى: إن ذلك لا يكون
لهم حتى يأخذ المشترى ويثبت له البيع فإذا وجب له البيع، فلهم الشفعة.
وقال مالك، في الرجل يشترى أرضا فتمكث في يديه حينا. ثم يأتي رجل فيدرك فيها
حقا بميراث: إن له الشفعة إن ثبت حقه. وإن ما أغلت الأرض من غلة فهي للمشترى الأول.

4 - (عرصه) ساحة. (شقصا) قطعة.
717

إلى يوم يثبت حق الاخر. لأنه قد كان ضمنها لو هلك ما كان فيها من غراس، أو ذهب به
سيل.
قال: فإن طال الزمان، أو هلك الشهود، أو مات البائع أو المشترى، أو هما حيان،
فنسى أصل البيع والاشتراء لطول الزمان، فإن الشفعة تنقطع. ويأخذ حقه الذي ثبت له.
وإن كان أمره على غير هذا الوجه في حداثة العهد وقربه، وأنه يرى أن البائع غيب الثمن
وأخفاه ليقطع بذلك حق صاحب الشفعة، قومت الأرض على قدر ما يرى أنه ثمنها. فيصير
ثمنها إلى ذلك. ثم ينظر إلى ما زاد في الأرض من بناء أو غراس أو عمارة. فيكون على ما يكون
عليه من ابتاع الأرض بثمن معلوم. ثم بنى فيها وغرس. ثم أخذها صاحب الشفعة بعد ذلك.
قال مالك: والشفعة ثابتة في مال الميت كما هي في مال الحي. فإن خشي أهل الميت
أن ينكسر مال الميت، قسموه ثم باعوه فليس عليهم فيه شفعة.
قال مالك: ولا شفعة عندنا في عبد ولا وليدة. ولا بعير ولا بقرة ولا شاة. ولا في شئ
من الحيوان. ولا في ثوب ولا في بئر ليس لها بياض. إنما الشفعة فيما يصلح أنه ينقسم
وتقع فيه الحدود من الأرض. فأما ما لا يصلح فيه القسم فلا شفعة فيه.
قال مالك: ومن اشترى أرضا فيها شفعة لناس حضور، فليرفعهم إلى السلطان. فإما أن
يستحقوا وإما أن يسلم له السلطان. فإن تركهم فلم يرفع أمرهم إلى السلطان. وقد علموا
باشترائه. فتركوا ذلك حتى طال زمانه. ثم جاؤوا يطلبون شفعتهم. فلا أرى ذلك لهم.
718

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الأقضية
(1) باب الترغيب في القضاء بالحق
1 - حدثنا يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة،
عن أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا بشر. وإنكم تختصمون
إلى، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض. فأقضى له على نحو ما أسمع منه. فمن
قضيت له بشئ من حق أخيه. فلا يأخذن منه شيئا. فإنما أقطع له قطعة من النار).
أخرجه البخاري في: 52 - كتاب الشهادات، 27 - باب من أقام البينة بعد اليمين.
ومسلم في: 30 - كتاب الأقضية، 3 - باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، حديث 4.
2 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب
اختصم إليه مسلم ويهودي. فرأى عمر أن الحق لليهودي فقضى له. فقال له اليهودي:
والله لقد قضيت بالحق. فضربه عمر بن الخطاب بالدرة. ثم قال: وما يدريك؟ فقال له
اليهودي: إنا نجد أنه ليس قاض يقضى بالحق، إلا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملك.
يسددانه ويوفقانه للحق. ما دام مع الحق. فإذا ترك الحق. عرجا وتركاه.

1 - (ألحن) أي أبلغ وأعلم. (فأقضى) فأحكم.
2 - (بالدرة) آلة يضرب بها.
719

(2) باب ما جاء في الشهادات
3 - حدثنا يحيى عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن
أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن أبي عمرة الأنصاري، عن زيد بن خالد الجهني،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبر كم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها.
أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها).
4 - وحدثني مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أنه قال: قدم على عمر بن الخطاب
رجل من أهل العراق. فقال: لقد جئتك لامر ماله رأس ولا ذنب. فقال عمر: ما هو؟ قال:
شهادات الزور. ظهرت بأرضنا. فقال عمر: أو قد كان ذلك؟ قال: نعم. فقال عمر: والله
لا يؤسر رجل في الاسلام بغير العدول.
وحدثني مالك، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال: لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين.

3 - (عن أبي عمرة الأنصاري) الصواب عن ابن أبي عمرة. كذا قال ابن وهب وعبد الرزاق عن مالك.
وسمياه فقالا: عن عبد الرحمن بن أبي عمرة. فرفعا الإشكال.
4 - (ماله رأس ولا ذنب) أي ليس له أول ولا آخر. (لا يؤسر) أي لا يحبس. والأسر:
الحبس، أو لا يملك ملك الأسير لإقامة الحقوق عليه. (بغير العدول) هم الصحابة الذين جميعهم عدول،
وبالعدول من غيرهم. فمن لم يكن صحابيا ولم تعرف عدالته لم تقبل شهادته حتى تعرف عدالته من فسقه (ولا
ظنين) أي متهم.
720

(3) باب القضاء في شهادة المحدود
قال يحيى عن مالك، أنه بلغه عن سليمان بن يسار وغيره أنهم سئلوا: عن رجل جلد الحد.
أتجوز شهادته؟ فقالوا: نعم. إذا ظهرت منه التوبة.
وحدثني مالك، أنه سمع ابن شهاب يسأل عن ذلك. فقال مثل ما قال سليمان بن يسار.
قال مالك: وذلك الامر عندنا. وذلك لقول الله تبارك وتعالى - والذين يرمون المحصنات
ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانون جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم
الفاسقون. إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم -.
قال مالك: فالامر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن الذي يجلد الحد ثم تاب وأصلح. تجوز
شهادته. وهو أحب ما سمعت إلى في ذلك.
(4) باب القضاء باليمين مع الشاهد
5 - قال يحيى: قال مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى
باليمين مع الشاهد.
قال ابن عبد البر: مرسل في الموطأ.
وأخرجه مسلم من حديث ابن عباس.
في: 30 - كتاب الأقضية، 2 - باب القضاء باليمين والشاهد، حديث 3.

(المحصنات) العفيفات.
721

6 - وعن ملاك، عن أبي الزناد، أن عمر بن عبد العزيز كبت إلى عبد الحميد بن
عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وهو عامل على الكوفة: أن اقض باليمين مع الشاهد.
7 - وحدثني مالك، أنه بلغه، أن أبا سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار سئلا:
هل يقضى باليمين مع الشاهد؟ فقالا: نعم.
قال مالك: مضت السنة في القضاء باليمين مع الشاهد الواحد. يحلف صاحب الحق مع
شاهده. ويستحق حقه. فإن نكل وأبى أن يحلف، أحلف المطلوب. فإن حلف سقط عنه
ذلك الحق. وإن أبى أن يحلف ثبت عليه الحق لصاحبه.
قال مالك: وإنما يكون ذلك في الأموال خاصة. ولا يقع ذلك في شئ من الحدود.
ولا في نكاح ولا في طلاق. ولا في عتاقة ولا في سرقة، ولا في فرية. فإن قال قائل:
فإن العتاقة من الأموال، فقد أخطأ. ليس ذلك على ما قال. ولو كان ذلك على ما قال، لحلف
العبد مع شاهدة إذا جاء بشاهد، أن سيده أعتقه. وأن العبد إذا جاء بشاهد على مال من الأموال
ادعاه، حلف مع شاهده واستحق حقه كما يحلف الحر.
قال مالك: فالسنة عندنا أن العبد إذا جاء بشاهد على عتاقته استحلف سيده ما أعتقه.
وبطل ذلك عنه.
قال مالك: وكذلك السنة عندنا أيضا في الطلاق. إذا جاءت المرأة بشاهد أن زوجها
طلقها. أحلف زوجها ما طلقها. فإذا حلف لم يقع عليه الطلاق.

7 - (فرية) الفرية: الكذب.
722

قال مالك: فسنة الطلاق والعتاقة في الشاهد الواحد واحدة. إنما يكون اليمين على
زوج المرأة. وعلى سيد العبد. وإنهما العتاقة حد من الحدود. لا تجوز فيها شهادة النساء.
لأنه إذا عتق العبد ثبتت حرمته. ووقعت له الحدود. وقعت له الحدود. ووقعت عليه. وإن زنى وقد أحصن
رجم. وإن قتل العبد قتل به وثبت له الميراث بينه وبين من يوارثه. فإن احتج محتج
فقال: لو أن رجلا أعتق عبده. وجاء رجل يطلب سيد العبد بدين له عليه. فشهد له، على
حقه ذلك، رجل وامرأتان. فإن ذلك يثبت الحق على سيد العبد. حتى ترد به عتاقته. إذا لم
يكن لسيد العبد مال غير العبد. يريد أن يجيز بذلك شهادة النساء في العتاقة. فإن ذلك
ليس على ما قال. وإنما مثل ذلك، الرجل يعتق عبده. ثم يأتي طالب الحق على سيده بشاهد
واحد. فيحلف مع شاهد. ثم يستحق حقه. وترد بذلك عتاقة العبد. أو يأتي الرجل
قد كانت بينه وبين سيد العبد مخالطة وملابسة. فيزعم أن له على سيد العبد مالا. فيقال
لسيد العبد: احلف ما عليك ما ادعى. فإن نكل وأبى أن يحلف، حلف صاحب الحق.
وثبت حقه على سيد العبد. فيكون ذلك يرد عتاقة العبد. إذا ثبت المال على سيده.
قال: وكذلك أيضا الرجل ينكح الأمة. فتكون لامرأته. فيأتي سيد الأمة إلى الرجل
الذي تزوجها فيقول: ابتعت منى جاريتي فلانة. أنت وفلان بكذا وكذا دينارا. فينكر
ذلك زوج الأمة. فيأتي سيد الأمة برجل وامرأتين. فيشهدون على ما قال. فيثبت بيعه.
ويحق حقه. وتحرم الأمة على زوجها. ويكون ذلك فراقا بينهما. وشاهدة النساء لا تجوز
في الطلاق.

(وإن قتل العبد قتل به) قال الزرقاني: وإن قتل العبد، أي الذي تحرر. قتل به، أي قاتله.
723

قال مالك: ومن ذلك أيضا، الرجل يفترى على الرجل الحر، فيقع عليه الحد. فيأتي رجل وامرأتان فيشهدون أن الذي افترى عليه عبد مملوك. فيضع ذلك الحد عن المفترى بعد أن
وقع عليه. وشهادة النساء لا تجوز في الفرية.
قال مالك: ومما يشبه ذلك أيضا مما يفترق فيه القضاء، وما مضى من السنة، أن المرأتين
يشهدان على استهلال الصبي. فيجب بذلك ميراثه حتى يرث. ويكون ماله لمن يرثه. إن
مات الصبي. وليس مع المرأتين، اللتين شهدتا، رجل ولا يمين. وقد يكون ذلك في الأموال
العظام. من الذهب والورق. والرباع والحوائط والرقيق. وما سوى ذلك من الأموال.
ولو شهدت امرأتان على درهم واحد. أو أقل من ذلك أو أكثر. لم تقطع شهادتهما شيئا.
ولم تجز إلا أن يكون معهما شاهد أو يمين.
قال مالك: ومن الناس من يقول لا تكون اليمين مع الشاهد الواحد. ويحتج بقول
الله تبارك وتعالى، وقوله الحق - واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين
فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء - يقول: فإن لم يأت برجل وامرأتين فلا شئ له.
ولا حلف مع شاهده.
قال مالك: فمن الحجة على من قال ذلك القول، أن يقال له: أرأيت لو أن رجلا ادعى
على رجل مالا. أليس يحلف المطلوب ما ذلك الحق عليه. فإن حلف بطل ذلك عنه. وإن
نكل عن اليمين حلف صاحب الحق إن حقه لحق. وثبت حقه على صاحبه فهذا مالا اختلاف
فيه عند أحد من الناس. ولا ببلد من البلدان. فبأي شئ أخذ هذا؟ أو في أي موضع من

(استهلال صبي) أي خروجه حيا من بطن أمه. (والحوائط) البساتين. (أرأيت) أخبرني.
724

كتاب الله وجده؟ فإن أقر بهذا فليقرر باليمن مع الشاهد. وإن لم يكن ذلك في
كتاب الله عز وجل. وأنه ليكفي من ذلك ما مضى من السنة. ولكن المرء قد يحب
أن يعرف وجه الصواب وموقع الحجة. ففي هذا بيان ما أشكل من ذلك. إن شاء الله
تعالى.
(5) باب القضاء فيمن هلك وله دين، وعليه دين، له فيه شاهد واحد
قال يحيى قال مالك، في الرجل يهلك وله دين، عليه شاهد واحد، وعليه دين للناس، لهم
فيه شاهد واحد. فيأبى ورثته أن يحلفوا على حقوقهم مع شاهدهم. قال: فإن الغرماء يحلفون
ويأخذون حقوقهم. فإن فضل فضل لم يكن للورثة منه شئ. وذلك أن الايمان عرضت
عليهم قبل، فتركوها. إلا أن يقولوا لم نعلم لصاحبنا فضلا. ويعلم أنهم إنما تركوا الايمان
من أجل ذلك. فإني أرى أن يحلفوا ويأخذوا ما بقي بعد دينه.
(6) باب القضاء في الدعوى
8 - قال يحيى: قال مالك، عن جميل بن عبد الرحمن المؤذن، أنه كان يحضر عمر
ابن عبد العزيز وهو يقضى بين الناس. فإذا جاءه الرجل يدعى على الرجل حقا، نظر. فإن

(فإن الغرماء) أصحاب الديون.
725

كان بينهما مخالطة أو ملابسة، أحلف الذي ادعى عليه. وإن لم يكن شئ من ذلك،
لم يحلفه.
قال مالك: على ذلك، الامر عندنا. أنه من ادعى على رجل بدعوى، نظر. فإن كانت
بينهما مخالطة أو ملابسة أحلاف المدعى عليه. فإن حلف بطل ذلك الحق عنه. وإن أبى
أن يحلف، ورد اليمين على المدعى، فحلف طالب الحق، أخذ حقه.
(7) باب القضاء في شهادة الصبيان
9 - قال يحيى: قال مالك، عن هشام بن عروة، أن عبد الله بن الزبير كان يقضى بشهادة
الصبيان فيما بينهم من الجراح.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، أن شهادة الصبيان تجوز فيما بينهم من الجراح.
ولا تجوز على غيرهم. وإنما تجوز شهادتهم فيما بينهم من الجراح وحدها. لا تجوز في غير
ذلك. إذا كان ذلك قبل أن يتفرقوا. أو يخببوا أو يعلموا. فإن افترقوا فلا شهادة لهم.
إلا أن يكونوا قد أشهدوا العدول على شهادتهم. قبل أن يفترقوا.

9 - (يخببوا) يخدعوا. من الخب، الخداع.
726

(8) باب ما جاء في الحنث على منبر النبي صلى الله عليه وسلم
10 - قال يحيى: حدثنا مالك، عن هشام بن هشام بن عتبة بن أبي وقاص، عن عبد الله بن نسطاس، عن
جابر بن عبد الله الأنصار، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على منبري آثما تبوأ مقعده
من النار).
أخرجه أبو داود في: 21 - كتاب الأيمان والنذور، 2 - باب ما جاء في تعظيم اليمين عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم.
وابن ماجة في: 13 - كتاب الأحكام، 9 - باب اليمين عند مقاطع الحقوق.
11 - وحدثني مالك عن العلاء بن عبد الرحمن، عن معبد بن كعب السلمي، عن أخيه عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري، عن أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتطع
حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة. وأوجب له النار.) قالوا: وإن كان شيئا
يسيرا يا رسول الله؟ قال (وإن كان قضيبا من أراك. وإن كان قضيبا من أراك. وإن كان
قضيبا من أراك) قالها ثلاث مرات.
أخرجه مسلم: 1 - كتاب الإيمان، 59 - باب وعيد من اقتطع حق مسلم، بيمين فاجرة، بالنار، حديث 218

10 - (على منبري) قال مالك: يريد عند منبري. وهو الآن في موضعه الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
في وسط المسجد. وهو بعيد من القبلة والمحراب. لأنه زيد في المسجد. فكانت اليمين عند منبره أولى. لأنه
موضع مصلاه صلى الله عليه وسلم. وأما القبلة والمحراب فشئ بني بعده اه. زرقاني (تبوأ) اتخذ.
11 - (بيمينه) أي بحلفه الكاذب. (قضيبا) فعيل بمعنى مفعول. أي غصنا مقطوعا.
(أراك) شجر يستاك بقضبانه، الواحدة أراكة. ويقال: هي شجرة طويلة، ناعمة كثيرة الورق والأغصان
ولها ثمر في عناقيد يسمى البرير، يملأ العنقود الكف.
727

(9) باب جامع ما جاء في اليمين على المنبر
12 - قال يحيى: قال مالك، عن داود بن الحصين، أنه سمع أبا غطفان بن طريف
المري يقول: اختصم زيد بن ثابت الأنصار وابن مطيع في دار كانت بينهما. إلى مروان
ابن الحكم. وهو أمير على المدينة. فقضى مروان على زيد بن ثابت اليمين على المنبر.
فقال زيد بن ثابت: أحلف له مكاني. قال فقال مروان: لا والله إلا عند مقاطع الحقوق.
قال فجعل زيد بن ثابت يحلف أن حقه لحق. ويأبى أن يحلف على المنبر. قال فجعل مروان
ابن الحكم يعجب من ذلك.
قال مالك: لا أرى أن يحلف أحد على المنبر، على أقل من ربع دينار. وذلك ثلاثة
دراهم.
(10) باب مالا يجوز من غلق الرهن
13 - قال يحيى:
حدثنا مالك عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغلق
الرهن).
قال أبو عمر: أرسله رواة الموطأ. إلا معن بن عيسى فوصله عن أبي هريرة.

12 - (مكاني) أي فيه
(باب ما لا يجوز من غلق الرهن)
(غلق) يغلق غلقا أي أستحقه المرتهن، إذا لم يفنك في الوقت المشروط.
13 - (لا يغلق) الرواية برفع القاف على الخبر. أي ليس يغلق. أي لا يذهب ويتلف باطلا قال أبو عبيد:
لا يجوز، لغة، غلق الرهن إذا ضاع. إنما يقال غلق إذا استحقه المرتهن فذهب به. قال: وهذا كان من فعل
الجاهلية، فأبطله صلى الله عليه وسلم بقوله «لا يغلق الرهن».
728

قال مالك: وتفسير ذلك، فيما. نرى والله أعلم، أن يرهن الرجل الرهن عند الرجل بالشئ.
وفي الرهن فضل هما رهن به. فيقول الراهن للمرتهن: إن جئتك بحقك، إلى أجل يسميه له.
وإلا فالرهن لك بما رهن فيه.
قال: فهذا لا يصلح ولا يحل. وهذا الذي نهى عنه، وإن جاء صاحبه بالذين رهن به
بعد الاجل، فهو له. وارى هذا الشرط منفسخا.
(11) باب القضاء في رهن الثمر والحيوان
قال يحيى: سمعت مالكا يقول، فيمن رهن حائطا له إلى أجل مسمى، فيكون ثمر
ذلك الحائط قبل ذلك الاجل: إن الثمر ليس برهن مع الأصل. إلا أن يكون اشترط ذلك،
المرتهن في رهنه. وإن الرجل إذا ارتهن جارية وهي حامل. أو حملت بعد ارتهانه إياها: إن
ولدها معها.
قال مالك: وفرق بين الثمر وبين ولد والجارية. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من باع نخلا
قد أبرت فثمرها للبائع. إلا أن يشترطه المبتاع).
قال: والامر الذي لا اختلاف فيه عندنا: أن من باع وليدة، أو شيئا من الحيوان، وفي
بطنها جنين. أن ذلك الجنين للمشترى. اشترطه المشترى أو لم يشرطه. فليست النخل
مثل الحيوان. وليس الثمر مثل الجنين في بطن أمه.

(فيما نرى) أي نظن. (حائطا) أي بستانا.
729

قال مالك: ومما يبين ذلك أيضا: أن من أمر الناس أن يرهن الرجل ثمر النخل. ولا يرهن
النخل. وليس يرهن أحد من الناس جنينا في بطن أمه. من الرقيق. ولا من الدواب.
(12) باب القضاء في الرهن من الحيوان
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا في الرهن: أن ما كان
من أمر يعرف هلاكه من ارض أو دار أو حيوان. فهلك في يد المرتهن. وعلى هلاكه.
فهو من الراهن. وإن ذلك لا ينقص من حق المرتهن شيئا. وما كان من رهن يهلك في يد
المرتهن. فلا يعلم هلاكه إلا بقوله. فهو من المرتهن. وهو لقيمته ضامن. يقال له: صفه.
فإذا وصفه، أحلف على صفته. وتسمية ماله فيه. ثم يقومه أهل البصر بذلك. فإن كان فيه
فضل عما سمى فيه المرتهن، أخذه الراهن. وإن كان أقل مما سمى، أحلف الراهن على ما سمى
المرتهن. وبطل عنه الفضل الذي سمى المرتهن. فوق قيمة الرهن. وإن أبى الراهن ان
يحلف، أعطى المرتهن ما فضل بعد قيمة الرهن. فإن قال المرتهن: لا علم لي بقيمة الرهن.
حلف الراهن على صفة الرهن. وكان ذلك له، إذا جاء بالأمر الذي لا يستنكر.
قال مالك: وذلك إذا قبض المرتهن الرهن. ولم يضعه على يدي غيره.
730

(13) باب القضاء في الرهن يكون بين الرجلين
قال يحيى: سمعت مالكا يقول، في الرجلين يكون لهما رهن بينهما. فيقوم أحدهما
ببيع رهنه. وقد كان الاخر أنظره بحقه سنة. قال: إن كان يقدر على أن يقسم الرهن.
ولا ينقض حق الذي أنظره بحقه. بيع له نصف الرهن الذي كان بينهما. فأوفى حقه.
وإن خيف أن ينقص حقه. بيع الرهن كله. فأعطى الذي قام ببيع رهنه، حقه من ذلك.
فإن طابت نفس الذي أنظره بحقه، أن يدفع نصف الثمن إلى الراهن. وإلا حلف المرتهن.
أنه ما أنظره إلا ليوقف لي رهني على هيئته. ثم أعطى حقه عاجلا.
قال: وسمعت مالكا يقول، في العبد يرهنه سيده، وللعبد مال: إن مال العبد ليس
برهن. إلا أن يشترطه المرتهن.
(14) باب القضاء في جامع الرهون
قال يحيى: سمعت مالكا يقول، فيمن ارتهن متاعا فهلك المتاع عند المرتهن. أقر
الذي عليه الحق بتسمية الحق. واجتمعا على التسمية. وتداعيا في الرهن. فقال الراهن:
قيمته عشرون دينارا. وقال المرتهن: قيمته دنانير. والحق الذي للرجل فيه عشرون

(14 - باب القضاء في جامع الرهون)
(تداعيا) أي تحالفا.
731

دينارا. قال مالك: يقال للذي بيده الرهن: صفه. فإذا وصفه، أحلف عليه. ثم أقام تلك
الصفة أهل المعرفة بها. فإن كانت القيمة أكثر مما رهن به، قيل للمرتهن: أردد إلى الراهن
بقية حقه. وإن كانت القيمة أقل مما رهن به، اخذ المرتهن بقية حقه من الراهن. وإن
كانت القيمة بقدر حقه، فالرهن بما فيه.
قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: الامر عندنا في الرجلين يختلفان في الرهن. ويرهنه
أحدهما صاحبه. فيقول الراهن: أرهنتكه بعشرة دنانير. ويقول المرتهن: ارتهنته منك
بعشرين دينارا والرهن ظاهر بيد المرتهن. قال: يحلف المرتهن حتى يحيط بقيمة الرهن.
فإن كان ذلك. لا زيادة فيه ولا نقصان عما حلف أن له فيه، أخذه المرتهن بحقه. وكان
أولى بالتبدئة باليمين. لقبضه الرهن وحيازته إياه. إلا أن يشاء رب الرهن أن يعطيه حقه
الذي حلف عليه، ويأخذ رهنه.
قال: وإن كان الرهن أقل من العشرين التي سمى. أحلف المرتهن على العشرين التي سمى.
ثم يقال للراهن: إما أن تعطيه الذي حلف عليه، وتأخذ رهنك. وإما أن تحلف على الذي
قلت أنك رهنته به، ويبطل عنك ما زاد المرتهن على قيمة الرهن. فإن حلف الراهن بطل
ذلك عنه. وإن لم يحلف لزمه غرم ما حلف عليه المرتهن.
قال مالك: فإن هلك الرهن، وتناكرا الحق. فقال الذي له الحق: كانت لي فيه عشرون
دينارا. وقال الذي عليه الحق: لم يكن لك فيه إلا عشرة دنانير. وقال الذي له الحق: قيمة
الرهن عشرة دنانير. وقال الذي عليه الحق: قيمته عشرون دينارا. قيل للذي له الحق:
صفه. فإذا وصفه، أحلف على صفته. ثم أقام تلك الصفة أهل المعرفة بها. فإن كانت قيمة
732

الرهن أكثر ما ادعى فيه المرتهن، أحلف على ما ادعى. ثم يعطى الراهن ما فضل من قيمة
الرهن. وإن كانت قيمته أقل مما يدعى فيه المرتهن، أحلف على الذي زعم أنه له فيه.
ثم قاصه بما بلغ الرهن. ثم أحلف الذي عليه الحق. على الفضل الذي بقي للمدعى عليه.
بعد مبلغ ثمن الرهن. وذلك أن الذي بيده الرهن، صار مدعيا على الراهن. فإن حلف
بطل عنه بقية ما حلف عليه المرتهن، مما ادعى فوق قيمة الرهن. وإن نكل، لزمه ما بقي
من حق المرتهن. بعد قيمة الرهن.
باب القضاء في كراء الدابة والتعدي بها
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: الامر عندنا في الرجل يستكرى الدابة إلى المكان
المسمى. ثم يتعدى ذلك المكان ويتقدم: إن رب الدابة يخير. فإن أحب أن يأخذ كراء
دابته إلى المكان الذي تعدى بها إليه، أعطى ذلك ويقبض دابته. وله الكراء الأول.
وإن أحب رب الدابة، فله قيمة دابته من المكان الذي تعدى منه المستكرى، وله
الكراء الأول. إن كان استكرى الدابة البدأة. فإن كان استكراها ذاهبا وراجعا، ثم
تعدى حين بلغ البلد الذي استكرى إليه، فإنما لرب الدابة نصف الكراء الأول. وذلك
أن الكراء نصفه في البداءة ونصفه في الرجعة. فتعدى المتعدى بالدابة. ولم يجب عليه.

(15 - باب القضاء في كراء الدابة والتعدي بها)
(البدأة) أي في الذهاب.
733

إلا نصف الكراء الأول. ولو أن الدابة هلكت حين بلغ بها البلد الذي استكرى إليه،
لم يكن على المستكرى ضمان. ولم يكن للمكري إلا نصف الكراء.
قال: وعلى ذلك، أمر أهل التعدي والخلاف، لما أخذوا الدابة عليه.
قال: وكذلك أيضا من أخذ مالا قراضا من صاحبه فقال له رب المال: لا تشتر به
حيوانا ولا سلعا كذا وكذا. لسلع يسميها. وينهاه عنها. ويكره أن يضع ماله فيها فيشترى
الذي أخذ المال، الذي نهى عنه. يريد بذلك أن يضمن المال. ويذهب بربح صاحبه. فإذا
صنع ذلك، فرب المال بالخيار. إن أحب أن يدخل معه في السلعة على ما شرطا بينهما من
الربع، فعل. وإن أحب، فله رأس ماله. ضامنا على الذي أخذ المال وتعدى.
قال: وكذلك، أيضا، الرجل يبضع معه الرجل بضاعة. فيأمره صاحب المال أن يشترى
له سلعة باسمها. فيخالف فيشترى ببضاعته غير ما أمره به. ويتعدى ذلك. فإن صاحب
ا لبضاعة عليه بالخيار. إن أحب أن يأخذ ما اشترى بماله، أخذه. وإن أحب أن يكون
المبضع معه ضامنا لرأس ماله، فذلك له.
(16) باب القضاء في المستكرهة من النساء
14 - حدثني مالك عن ابن شهاب، أن عبد الملك بن مروان قضى، في امرأة أصيبت
مستكرهة، بصداقها على من فعل ذلك بها.

(الخلاف) المخالفة.
734

قال يحيى: سمعت مالكا يقول: الامر عندنا في الرجل يغتصب المرأة. بكرا كانت
أو ثيبا. إنها إن كانت حرة فعليه صداق مثلها. وإن كانت أمة فعليه ما نقص من ثمنها.
والعقوبة في ذلك على المغتصب. ولا عقوبة على المغتصبة في ذلك كله وإن كان المغتصب
عبدا، فذلك على سيده. إلا أن يشاء أن يسلمه.
(17) باب القضاء في استهلاك الحيوان والطعام وغيره
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: الامر عندنا فيمن استهلك شيئا من الحيوان بغير إذن
صاحبه، أن عليه قيمته يوم استهلكه. ليس عليه أن يؤخذ بمثله من الحيوان. ولا يكون
له أن يعطى صاحبه، فيما استهلك، شيئا من الحيوان. ولكن عليه قيمته يوم استهلكه.
القيمة أعدل ذلك فيما بينهما، في الحيوان والعروض.
قال: وسمعت مالكا يقول، فيمن استهلك شيئا من الطعام بغير إذن صاحبه: فإنما يرد
على صاحبه مثل طعامه. بمكيلته من صنفه. وإنما الطعام بمنزلة الذهب والفضة. إنما يرد
من الذهب الذهب. ومن الفضة الفضة. وليس الحيوان بمنزلة الذهب في ذلك. فرق بين
ذلك السنة، والعمل المعمول به.
قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: إذا استودع الرجل مالا فابتاع به لنفسه وربح فيه.
فإن ذلك الربح له. لأنه ضامن للمال. حتى يؤديه إلى صاحبه.
735

(18) باب القضاء فيمن ارتد عن الإسلام
15 - حدثنا يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من غير دينه
فاضربوا عنقه).
مرسل عند جميع الرواة.
وهو موصول في البخاري عن طريق أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس.
في: 56 - كتاب الجهاد، 149 - باب لا يعذب بعذاب الله.
ولفظه (من بدل دينه فاقتلوه).
ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما نرى والله أعلم، من غير دينه فاضربوا عنقه. أنه من خرج
من الاسلام إلى غيره، مثل الزنادقة وأشباههم. فإن أولئك، إذا ظهر عليهم، قتلوا ولم يستتابوا.
لأنه لا تعرف توبتهم. وأنهم كانوا يسرون الكفر ويعلنون الاسلام. فلا أرى أن يستتاب.
فإن تاب، وإلا قتل. وذلك، لو أن قوما كانوا على ذلك، رأيت أن يدعوا إلى الاسلام
ويستتابوا. فإن تابوا قبل ذلك منهم. وإن لم يتوبوا قتلوا. ولم يعن بذلك، فيما نرى
والله أعلم، من خرج من اليهودية إلى النصرانية. ولا من النصرانية إلى اليهودية. ولا من
يغير دينه من أهل الأديان كلها. إلا الاسلام. فمن خرج من الاسلام إلى غيره، وأظهر ذلك،
فذلك الذي عنى به. والله أعلم.

15 - (يعن) بضم الياء وفتح النون، مبني للمجهول. وبفتح الياء وكسر النون، للفاعل. أي لم يرد
النبي صلى الله عليه وسلم. (عني) بالبناء للمفعول أو للفاعل. (به) أي الحديث المذكور.
736

16 - وحدثني مالك عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري، عن أبيه،
أنه قال: قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبى موسى الأشعري. فسأله عن الناس.
فأخبره. ثم قال له عمر: هل كان فيكم من مغربة خبر؟ فقال: نعم. رجل كفر بعد إسلامه.
قال: فما فعلتم به؟ قال: قربناه، فضربنا عنقه. فقال عمر: أفلا حبستموه ثلاثا. وأطعمتموه
كل يوم رغيفا. واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله؟ ثم قال عمر: اللهم إني لم أحضر.
ولم آمره. ولم أرض، إذ بلغني.
(19) باب القضاء فيمن وجد مع امرأته رجلا
17 - حدثنا يحيى عن مالك، عن سهيل بن أبي صالح السمان، عن أبيه، عن أبي هريرة،
أن سعد بن عبادة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا، أأمهله حتى
آتى بأربعة شهداء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم).
أخرجه مسلم في: 19 - كتاب اللعان، حديث 15.
18 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن رجلا من أهل
الشام، يقال له ابن خيبري، وجد مع امرأته رجلا فقتله، أو قتلهما معا. فأشكل على معاوية
ابن أبي سفيان القضاء فيه. فكتب إلى أبي موسى الأشعري، يسأل له علي بن أبي طالب

16 - (هل من مغربة خبر) أي هل من خبر جديد جاء من بلد بعيد.
17 - (أرأيت) أي أخبرني.
737

عن ذلك. فسأل أبو موسى، عن ذلك، علي بن أبي طالب. فقال له على: إن هذا الشئ ما هو
بأرضى. عزمت عليك لتخبرني. فقال له أبو موسى: كتب إلى معاوية بن أبي سفيان أن
أسألك عن ذلك. فقال على: أنا أبو حسن: إن لم يأت بأربعة شهداء، فليعط برمته.
(20) باب القضاء في المنبوذ
19 - قال يحيى: قال مالك: عن ابن شهاب، عن سنين أبى جميلة، رجل من بنى سليم،
أنه وجد منبوذا في زمان عمر بن الخطاب. قال: فجئت به إلى عمر بن الخطاب. فقال: ما حملك
على أخذ هذه النسمة؟ فقال: وجدتها ضائعة فأخذتها. فقال له عريفه: يا أمير المؤمنين،
إنه رجل صالح. فقال له عمر: أكذب؟ قال: نعم. فقال عمر بن الخطاب: اذهب فهو حر.
ولك ولاؤه. وعلينا نفقته.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: الامر عندنا في المنبوذ، انه حر. وأن ولاءه للمسلمين.
هم يرثونه ويعقلون عنه.

18 - (إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته) أي يسلم إلى أولياء المقتول، يقتلونه قصاصا. والرمة قطعة
من حبل. لأنهم كانوا يقودون القائل إلى ولي المقتول بحبل. ولذا قيل، القود.
19 - (عريفه) أي من يعرف أمور الناس حتى يعرف بها من فوقه، عند الحاجة لذلك.
738

(21) باب القضاء بإلحاق الولد بأبيه
20 - قال يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت، كان عتبة بن أبي وقاص، عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص، أن ابن وليدة
زمعة منى. فأقبضه إليك. قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد. وقال: ابن أخي. قد كان
عهد إلى فيه. فقام إليه عبد من زمعة فقال: أخي وابن وليدة أبى. ولد على فراشه. فتساوقا
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال سعد: يا رسول الله. ابن أخي. قد كان عهد إلى فيه. وقال
عبد بن زمعة: أخي. وابن وليدة أبى. ولد على فراشه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو لك
يا عبد من زمعة) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش. وللعاهر الحجر (ثم قال لسودة
بنت زمعة (احتجبي منه) لما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص. قالت: فما رآها حتى
لقي الله عز وجل.
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 3 - باب تفسير المشبهات.
ومسلم في: 17 - كتاب الرضاع، 10 - باب الولد للفراش، وتوفى الشبهات، حديث 36.

20 - (وليدة) أي جارية. (فتساوقا) أي تدافعا بعد تخاصمهما وتنازعهما في الولد. أي ساق كل
منهما صاحبه فيما ادعاه. (الولد للفراش) أل، للعهد. أي الولد للحالة التي يمكن فيها الافتراش، أي تأتي
الوطء. فالحرة فراش بالعقد عليها مع إمكان الوطء والحمل. فلا ينتفي عن زوجها، سواء أشبهه أم لا. وتجري
بينهما الأحكام من إرث وغيره... الخ. (وللعاهر) الزاني. اسم فاعل من عهر الرجل المرأة إذا أتاها
للفجور. وعهرت هي وتعهرت إذا زنت. والعهر الزنا. (الحجر) أي الخيبة، ولا حق له في الولد. والعرب
تقول في حرمان الشخص: له الحجر، وبفيه التراب، ونحو ذلك. ويريدون ليس له إلا الخيبة. (لسودة
بنت زمعة) أم المؤمنين.
739

21 - وحدثني مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهادي، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث
التيمي، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن أبي أمية، أن امرأة هلك عنها زوجها فاعتدت
أربعة أشهر وعشرا. ثم تزوجت حين حلت. فمكثت عند زوجها أربعة أشهر ونصف شهر.
ثم ولدت ولدا تاما. فجاء زوجها إلى عمر بن الخطاب. فذكر ذلك له فدعا عمر نسوة من
نساء الجاهلية، قدماء. فسألهن عن ذلك. فقالت امرأة منهن: أنا أخبرك عن هذه المرأة.
هلك عنها زوجها حين حملت منه. فأهريقت عليه الدماء. فحش ولدها في بطنها. فلما أصابها
زوجها الذي نكحها، وأصاب الولد الماء، تحرك الولد في بطنها. وكبر. فصدقها عمر
ابن الخطاب وفرق بينهما. وقال عمر: أما إنه لم يبلغني عنكما إلا خير. وألحق الولد
بالأول.
22 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، أن عمر بن الخطاب
كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الاسلام. فأتى رجلان. كلاهما يدعى ولد امرأة.
فدعا عمر بن الخطاب قائفا. فنظر إليهما. فقال القائف: لقد اشتركا فيه. فضربه عمر بن الخطاب
بالدرة. ثم دعا المرأة فقال: أخبرني خبرك فقالت: كان هذا، لاحد الرجلين، يأتيني.
وهي في إبل لأهلها. فلا يفارقها حتى يظن وتظن أنه قد استمر بها حبل. ثم انصرف عنها.

21 - (قدماء) جمع قديمة. أي مسنات، لهن معرفة. (عليه الدماء) أي علي الحمل. (فحش
ولدها) أي يبس. يقال: أحشت المرأة فهي محش، إذا صار ولدها كذلك. والحش: الولد الهالك في بطن
أمه. (وألحق الولد بالأول) أي الميت. لأنه ولده. إذ الولد للفراش.
22 - (يليط) يلصق، أي يلحق. (وهي في إبل أهلها) التفات. والأصل، وأنا. (استمر
بها حبل) أي حملت بالولد.
740

فأهريقت عليه دماء. ثم خلف عليها، هذا تعنى الاخر، فلا أدرى من أيهما هو؟ قال فكبر
القائف. فقال عمر للغلام: وال أيهما شئت.
23 - وحدثني مالك، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب، أو عثمان بن عفان، قضى أحدهما
في امرأة غرت رجلا بنفسها. وذكرت أنها حرة فتزوجها. فولدت له أولادا. فقضى أن
يفدى ولده بمثلهم.
(22) باب القضاء في ميراث الولد المستلحق
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: والقيمة أعدل في هذا، إن شاء الله.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: الامر المجتمع عليه عندنا في الرجل يهلك وله بنون.
فيقول أحدهم: قد أقر أبى أن فلانا ابنه: إن ذلك النسب لا يثبت بشهادة انسان واحد.
ولا يجوز إقرار الذي أقر إلا على نفسه في حصته من مال أبيه. يعطى الذي شهد له قدر ما يصيبه
من المال الذي بيده.
قال مالك: وتفسير ذلك، أن يهلك الرجل ويترك ابنين له، ويترك ستمائة دينار.
فيأخذ كل واحد منهما ثلاثمائة دينار. ثم يشهد أحدهما أن أباه الهالك أقر أن فلانا ابنه.
فيكون على الذي شهد، للذي استلحق، مائة دينار. وذلك نصف ميراث المستلحق. لو لحق.
ولو أقر له اذخر أخذ المائة الأخرى. فاستكمل حقه وثبت نسبه. وهو أيضا بمنزلة
741

المرأة تقر بالدين على أبيها أو على زوجها. وينكر ذلك الورثة. فعليها أن تدفع إلى الذي
أقرت له بالدين قدر الذي يصيبها من ذلك الدين. لو ثبت على الورثة كلهم. إن كانت امرأة
ورثت الثمن، دفعت إلى الغريم ثمن دينه. وإن كانت ابنة ورثت النصف، دفعت إلى الغريم
نصف دينه. على حساب هذا يدفع إليه من أقر له من النساء.
قال ملاك: وإن شهد رجل على مثل ما شهدت به المرأة أن لفلان على أبيه دينا. أحلف
صاحب الدين مع شهادة شاهده. وأعطى الغريم حقه كله. وليس هذا بمنزلة المرأة. لان
الرجل تجوز شهادته. ويكون على صاحب الدين، مع شهادة شاهده، أو يحلف. ويأخذ حقه
كله. فإن لم يحلف أخذ من ميراث الذي أقر له، قدر ما يصيبه من ذلك الدين. لأنه أقر
بحقه. وأنكر الورثة. وجاز عليه إقراره.
(23) باب القضاء في أمهات الأولاد
24 - قال يحيى: قال مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، أن
عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال يطؤون ولائدهم. ثم يعزلوهن. لا تأتيني وليدة يعترف
سيدها أن قد ألم بها، إلا ألحقت به ولدها. فاعزلوا بعد، أو اتركوا.

24 - (ولائدهم) إماءهم: جمع وليدة. (ثم يعزلوهن) قال الباجي: يحتمل أن يريد العزل المعروف،
أي عزل الماء مع الجماع بصبه خارج الفرج. ويحتمل أن يريد اعتزالهن في الوطء وإزالتهن عن حكم التسري،
انتفاء من الولد.
742

25 - وحدثني مالك عن نافع، ع ن صفية بنت أبي عبيد، أنه أخبرته: أن عمر بن الخطاب
قال: ما بال رجال يطؤون ولائدهم. ثم يدعون يخرجن. لا تأتيني وليدة يعترف سيدها
أن قد ألم بها، إلا قد ألحقت به ولدها. فأرسلوهن بعد، أو أمسكوهن.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: الامر عندنا في أم الولد إذا جنت جناية. ضمن
سيدها ما بينها وبين قيمتها. وليس له أن يسلمها. وليس عليه أن يحمل من جنايتها أكثر من
قيمتها.
(24) باب القضاء في عمارة الموات
26 - حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(من أحيا أرضا ميتة فهي له. وليس لعرق ظالم حق).
مرسل باتفاق الرواة.
قال مالك: والعرق الظالم كل ما احتفر أو أخذ أو غرس بغير حق.

25 - (يدعوهن) يتركوهن. (يخرجن) أي ثم يتوقفون فيما ولدن اه. زرقاني. (ألم بها)
أي جامعها.
(القضاء في عمارة الموات)
(الموات) قال الجوهري: الموات، بالضم، الموت. وبالفتح، ما لا روح فيه. والأرض التي لا مالك لها من
الآدميين، ولا ينتفع بها أحد.
26 - (وليس لعرق ظالم حق) ظالم، صفة لعرق على سبيل الاتساع. كان العرق بغرسه صار ظالما. حتى
كأن الفعل له. قال ابن الأثير: هو على حذف مضاف. فجعل العرق نفسه ظالما، والحق لصاحبه. أو يكون
الظالم من صفة العرق اه. أي لذي عرق ظالم.
743

27 - وحدثني مالك عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب
قال: من أحيا أرضا ميتة فهي له.
قال ملاك: وعلى ذلك، الامر عندنا.
(25) باب القضاء في المياه
28 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم،
أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في سيل مهزور ومذينب: (يمسك حتى الكعبين ثم
يرسل الأعلى على الأسفل).
وصله أبو داود في: 23 - كتاب الأقضية، 31 - أبواب من القضاء.
وابن ماجة في: 16 - كتاب الرهون، 20 - باب الشرب من الأودية، ومقدار حبس الماء.
29 - وحدثني مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ).
أخرجه البخاري في: 42 - كتاب الشرب والمساقاة، 2 - باب من قال إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى.
ومسلم في: 22 - كتاب المساقاة، 8 - باب تحريم بيع فضل الماء، حديث 36.

28 - (مهزور ومذينب) واديان يسيلان بالمطر بالمدينة. يتنافس أهل المدينة في سيلهما.
(يمسك) سيلهما. أي يمسكه الأعلى أي الأقرب إلى الماء، فيسقي زرعه أو حديقته.
29 - (الكلأ) اسم لجميع النبات. ثم الأخضر منه يسمى الرطب. والكلأ اليابس يسمى حشيشا.
744

30 - وحدثني مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن،
أنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يمنع نقع بئر).
مرسل. ووصله أبو قرة موسى بن طارق، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي. كلاهما عن مالك، عن أبي الرجال،
عن أمه، عن عائشة.
(26) باب القضاء في المرفق
31 - حدثني يحيى عن مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أن رسول الله
قال (لا ضرر ولا ضرار).
وصله ابن ماجة عن عبادة بن الصامت.
في: 13 - كتاب الأحكام، 17 - باب من بنى في حقه ما يضر بجاره.
32 - وحدثني مالك عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره) ثم يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها
معرضين. والله لأرمين بها بين أكتافكم.
أخرجه البخاري في: 46 - كتاب المظالم والغضب، 20 - باب لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره.
ومسلم في: 22 - كتاب المساقاة، 29 - باب عرز الخشب في جدار الجار، حديث 136.

(القضاء في المرفق)
(المرفق) بفتح الميم وكسر الفاء. وبفتحها وكسر الميم. ما ارتفق به. بهما قرئ - ويهئ لكم من
أمركم مرفقا - ومنه مرفق الإنسان.
31 - (لا ضرر) خبر بمعنى النهي. أي لا يضر إنسان أخاه فينقصه شيئا من حقه. (ولا ضرار)
أي لا يجازي من ضره بإدخال الضر عليه. بل يعفو. فالضر فعل واحد، والضرار فعل اثنين. فالأول إلحاق
مفسدة بالغير مطلقا. والثاني إلحاقها به على وجه المقابلة. أي كل منهما يقصد ضرر صاحبه.
745

33 - وحدثني مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أن أبيه، أن الضحاك بن خليفة
ساق خليجا له من العريض. فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة. فأبى محمد. فقال
له الضحاك: لم تمنعني؟ وهو لك منفعة. تشرب به أولا وآخر. ولا يضرك. فأبى محمد.
فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب. فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة. فأمره أن يخلى
سبيله. فقال محمد: لا. فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه؟ وهو لك نافع. تسقى به أولا
وآخرا. وهو لا يضرك. فقال محمد: لا. والله. فقال عمر: والله، ليمون به ولو على بطنك.
فأمره عمر أن يمر به. ففعل الضحاك.
34 - وحدثني مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أنه قال: كان، في حائط
جده، ربيع لعبد الرحمن بن عوف. فأراد عبد الرحمن بن عوف أن يحوله إلى ناحية من
الحائط، هي أقرب إلى أرضه. فمنعه صاحب الحائط. فكلم عبد الرحمن بن عوف عمر بن
الخطاب في ذلك، فقضى لعبد الرحمن بن عوف بتحويله.
(27) باب القضاء في قسم الأموال
35 - حدثني يحيى عن مالك، عن ثور بن زيد الديلي، أنه قال: بلغني أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية. وأيما دار أو أرض

34 - (ربيع) أي جدول. وهو النهر الصغير. (أرضه) أي أرض عبد الرحمن، ليكون أسهل في
سقيها من البعيد.
746

أدركها الاسلام ولم تقسم فهي على قسم الاسلام).
قال أبو عمر: تفرد بوصله إبراهيم بن طهمان. وقوله ثقة. عن مالك، عن ثور، عن عكرمة، عن ابن عباس.
36 - قال يحيى: سمعت مالكا يقول، فيمن هلك وترك أموالا بالعالية والسافلة:
إن البعل لا يقسم مع النضح. إلا أن يرضى أهله بذلك. وإن البعل يقسم مع العين. إذا
كان يشبهها. وأن الأموال إذا كانت بأرض واحدة، الذي بينهما متقارب، أنه يقام كل
مال منها ثم يقسم بينهم. والمساكن والدور بهذه المنزلة.
(28) باب القضاء في الضواري والحريسة
37 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن حرام بن سعد بن محيصة، أن ناقة
للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه. فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن على أهل الحوائط

36 - (بالعالية والسافلة) جهتان بالمدينة. (البعل) ما يشرب بعروقه من غير سقي ولا سماء. قاله
الأصمعي. وقيل هو ما سقته السماء، أي المطر. (النضح) الماء الذي يحمله الناضح، وهو البعير.
(28 - القضاء في الضواري والحريسة)
(الضواري) قال الباجي: يريد العوادي، وهو البهائم التي ضربت أكل زروع الناس. وقال عياض:
يعني المواشي الضارية لرعي زروع الناس، المعتادة له. (والحريسة) قال أبو عمر: الحريسة المحروسة في المرعى.
وقال عياض: حريسة الجبل هي ما في المراعى من المواشي. فحريسة بمعنة محروسة. وفي المصباح: حريسة الجبل،
الشاة يدركها الليل قبل رجوعها إلى مأواها فتسرق من الجبل.
37 - (الحوائط) البساتين.
747

حفظها بالنهار. وأن ما أفسدت المواشي بالليل، ضامن على أهلها.
قال ابن عبد البر: هكذا رواه مالك وأصحاب ابن شهاب، عنه مرسلا.
والحديث من مراسيل الثقات. وتلقاه أهل الحجاز وطائفة من العراق بالقبول. وجرى عمل أهل المدينة عليه.
قلت: أخرجه أبو داود موصولا في: 22 - كتاب البيوع، 90 - باب المواشي تفسد زرع قوم.
38 - وحدثني مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب،
أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة. فانتحروها. فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب.
فأمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم. ثمر قال عمر: أراك تجيعهم. ثم قال عمر: والله،
لأغرمنك غرما يشق عليك. ثم قال المزني: كم ثمن ناقتك؟ فقال المزني: قد كنت والله
أمنعها من أربعمائة درهم. فقال عمر: أعطه ثمانمائة درهم.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: وليس على هذا، العمل عندنا في تضعيف القيمة. ولكن
مضى أمر الناس عندنا. على أنه إنما يغرم الرجل قيمة البعير أو الدابة، يوم يأخذها.
(29) باب القضاء فيمن أصاب شيئا من البهائم
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: الامر عندنا فيمن أصاب شيئا من البهائم، إن على الذي
أصابها قد ما نقص من ثمنها.

(ضامن) قال الباجي: أي مضمون.
38 - (فانتحروها) أي نحروها.
748

(30) باب القضاء فيما يعطى للعمال
قال يحيى: وسمعت مالكا يقول، في الجمل يصول على الرجل فيخافه على نفسه فيقتله
أو يعقره: فإنه إن كانت له بينة، على أنه أراده وصال عليه فلا غرم عليه. وإن لم تقم
له بينة إلا مقالته، فهو ضامن للجمل.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول، فيمن دفع إلى الغسال ثوبا يصبغه فصبغه. فقال صاحب
الثوب: لم آمرك بهذا الصبغ. وقال الغسال: بل أنت أمرتني بذلك: فإن الغسال مصدق
في ذلك. والخياط مثل ذلك. والصائغ مثل ذلك. ويحلفون على ذلك. إلا أن يأتوا بأمر
لا يستعملون في مثله. فلا يجوز قولهم في ذلك. وليحلف صاحب الثوب. فإن ردها وأبى
أن يحلف، حلف الصباغ.
قال: وسمعت مالكا يقول، في الصباغ يدفع إليه الثوب فيخطئ به (فيدفعه إلى رجل
آخر) حتى يلبسه الذي أعطاه إياه: إنه لا غرم على الذي لبسه. ويغرم الغسال لصاحب الثوب.
وذلك إذا لبس الثوب الذي دفع إليه. على غير معرفة بأنه ليس له. فإن لبسه وهو يعرف
أنه ليس ثوبه، فهو ضامن له.

(يصول) يثب. (يعقره) بكسر قوائمه. (مقالته) أي دعواه. (والخياط مثل ذلك) يصدق
إذا قطع قميصا. وقال لربه: أمرتني به. وقال صاحبه: أمرتك بقباء، مثلا. (والصائغ مثل ذلك)
إذا صاغ الفضة أساور، وقال صاحبها: بل خلاخل. (فإن ردها) أي اليمين.
749

(31) باب القضاء في الحمالة والحول
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: الامر عندنا في الرجل يحيل الرجل على الرجل بدين
له عليه، أنه إن أفلس الذي أحيل عليه. أو مات فلم يدع وفاء. فليس للمحتال على الذي
أحاله شئ. وأنه لا يرجع على صاحبه الأول.
قال مالك: وهذا الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا.
قال مالك: فأما الرجل يتحمل له الرجل بدين له على رجل آخر. ثم يهلك المتحمل
. أو يفلس. فإن الذي تحمل له، يرجع على غريمه الأول.
(32) باب القضاء فبمن ابتاع ثوبا وبه عيب
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: إذا ابتاع الرجل ثوبا وبه عيب من حرق أو غيره قد
علمه البائع. فشهد عليه بذلك. أو أقربه. فأحدث فيه الذي ابتاعه حدثا من تقطيع
ينقص ثمن الثوب. ثم علم المبتاع بالعيب. فهو رد على البائع. وليس على الذي ابتاعه غرم
في تقطيعه إياه.
قال: وإن ابتاع رجل ثوبا وبه عيب من حرق أو عوار. فزعم الذي باعه أنه لم يعلم

(31 - باب القضاء في الحمالة والحول)
(الحمالة) قال ابن الأثير: الحمالة، بالفتح، ما يتحمله الإنسان عن غيره من دية أو غرامة. مثل أن يقع حرب
بين فريقين، يسفك فيها الدماء، فيدخل بينهم رجل يتحمل ديات القتلى ليصلح ذات البين. وقال القاضي عياض:
الحمالة هي الضمان. (والحول) جمع الحوالة، بالفتح، مأخوذة من: حولت الرداء، نقلت كل طرف إلى
موضع الآخر. فأحلته بدينه نقلته إلى ذمة غير ذمتك. وقال القاضي عياض: الحوالة من إحالة من له عليك دين،
بمثله على غريم لك آخر.
(32 - باب القضاء فيمن ابتاع ثوبا وبه عيب)
(عوار) بفتح العين. وفي لغة بضمها، العيب من شق وخرق وغير ذلك.
750

بذلك. وقد قطع الثوب الذي ابتاعه. أو صبغه. فالمبتاع بالخيار، إن شاء أن يوضع عنه
قدر ما نقص الحرق أو العوار من ثمن الثوب، ويمسك الثوب، فعل. وإن شاء أن يغرم ما نقص
التقطيع أو الصبغ من ثمن الثوب، ويرده، فعل. وهو في ذلك بالخيار. فإن كان المبتاع
قد صبغ الثوب صبغا يزيد في ثمنه، فالمبتاع بالخيار. إن شاء أن يوضع عنه قدر ما نقص
العيب من ثمن الثوب. وإن شاء أن يكون شريكا للذي باعه الثوب، فعل. وينظركم ثمن
الثوب وفيه الحرق أو العوار. فإن كان ثمنه عشرة دراهم، وثمن ما زاد فيه الصبغ خمسة
دراهم، كانا شريكين في الثوب. لكل واحد منهما بقدر حصته. فعلى حساب هذا، يكون
ما زاد الصبغ في ثمن الثوب.
(33) باب مالا يجوز من النحل
39 - حدثنا يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف.
وعن محمد بن النعمان بن بشير، انهما حدثاه عن النعمان بن بشير أنه قال: إن أباه بشيرا أتى
به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إني نحلت ابن هذا، غلاما كان لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(يمسك الثوب) يبقيه عنده. (يغرم) يدفع.
(33 - باب ما لا يجوز من النحل)
(النحل) بضم النون وإسكان الحاء، مصدر نحله إذا أعطاه بلا عوض. وبكسر النون وفتح الحاء، جمع
نحلة. قال تعالى - وآتوا النساء صدقاتهن نحلة - أي هبة من الله لهن، وفريضة عليكم.
39 - (نحلت) أي أعطيت.
751

(أكل ولدك نحلته مثل هذا؟) فقال: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فارتجعه).
أخرجه البخاري في: 51 - كتاب الهبة، 12 - باب الهبة للولد.
ومسلم في: 24 - كتاب الهبات، 3 - باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، حديث 9.
40 - وحدثني مالك عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
أنها قالت: إن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة. فلما حضرته
الوفاة قال: والله، يا بنية ما من الناس أحد أحب إلى غنى بعدي منك. ولا أعز على فقرا
بعدي منك. وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا. فلو كنت جدد تيه واحتزتيه كان لك.
وإنما هو اليوم مالك وارث. وإنما هما أخواك وأختاك. فاقتسموه على كتاب الله. قالت عائشة:
فقلت يا أبت، والله لو كان كذا وكذا لتركته. إنما هي أسماء فمن الأخرى؟ فقال أبو بكر:
ذو بطن بنت خارجة. أراها جارية.

40 - (جاد عشرين وسقا) قال عياض: أي ما يجد منه هذا القدر. والجاد، هنا، بمعنى المجدود. وجد
أي قطع. وقال ثابت: يعني أن ذلك يجد منها. وقال الأصمعي: هذه أرض جاد مائة وسق، أي يجد ذلك منها.
فهو صفة للنخل التي وهبها ثمرتها. يريد نخلا يجد منها عشرون وسقا. (بالغابة) موضع على بريد من المدينة
في طريق الشام. (ولا أعز) أي أشق وأصعب. (جددتيه) أي قطعتيه. (واحتزتيه) أي حزتيه.
(لو كان لي كذا وكذا) كناية عن شئ كثير أزيد مما وهبه بها. (ذو بطن بنت خارجة) قال عياض: أي
صاحب بطنها، يريد الحمل الذي فيه. (أراها) أي أظنها. (جارية) أي أنثى. فكان كما ظن رضي
الله عنه. سميت أم كلثوم. وقال بعض الفقهاء: وذلك لرؤيا رآها أبو بكر.
752

41 - وحدثني مالك عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد
القاري، أن عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا. ثم يمسكونها. فإن مات
ابن أحدهم، قال: مالي بيدي. لم أعطه أحدا. وإن مات هو، قال: هو لابني قاد كنت
أعطيته إياه. من نحله نحلة، فلم يجزها الذي نحلها، حتى يكون إن مات لورثته، فهي
باطل.
(34) باب مالا يجوز من العطية
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: الامر عندنا فيمن أعطى أحدا عطية لا يريد ثوابها.
فأشهد عليها. فإنها ثابتة للذي أعطيها. إلا أن يموت المعطى قبل أن يقبضها الذي أعطيها.
قال: وإن أراد المعطى إمساكها بعد أن أشهد عليها. فليس ذلك له. إذا قام عليه بها
صاحبها، أخذها.
قال مالك: ومن أعطى عطية. ثم نكل الذي أعطاها. فجاء الذي أعطيها بشاهد يشهد
له أنه أعطاه ذلك. عرضا كان أو ذهبا أو ورقا أو حيوانا. أحلف الذي أعطى مع شهادة
شاهده. فإن أبى لأذى أعطى أن يحلف، حلف المعطى. وإن أبى أن بحلف أيضا، أدى إلى
المعطى ما ادعى عليه إذا كان له شاهد واحد. فإن لم يكن له شاهد، فلا شئ له.
قال مالك: من أعطى عطية لا يريد ثوابها. ثم مات المعطى، فورثته بمنزلته. وإن

41 - (القاري) نسبة إلى القارة، بطن من خزيمة. (ينحلون) يعطون. (نحلا) عطية بلا
عوض. (لا يريد ثوابها) بل أراد ثواب الله تعالى. (نكل) قال الباجي: يريد أنكر ذلك.
753

مات المعطى قبل أن يقبض المعطى عطيته، فلا شئ له. وذلك أنه أعطى عطاء لم يقبضه.
فإن أراد المعطى أن يمسكها، وقد أشهد عليها حين أعطاها، فليس ذلك له. إذا قام صاحبها،
أخذها
(35) باب القضاء في الهبة
42 - حدثني مالك عن داود بن الحصين، عن أبي غطفان بن طريف المري، أن عمر بن الخطاب قال: من وهب هبة لصلة رحم، أو على وجه صدقة. فإنه لا يرجع فيها. ومن
وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب فهو على هبته. يرجع فيها، إذا لم يرض منها. قال يحيى: سمعت مالكا يقول: الامر المجتمع عليه عندنا، أن الهبة إذا تغيرت عند
الموهوب له للثواب. بزيادة أو نقصان. فإن على الموهوب له أن يعطى صاحبها قيمتها،
يوم قبضها.

42 - (فإنه لا يرجع فيها) أي لا يجوز له ذلك، ولا يعمل برجوعه. (الثواب) أي الجزاء عليها ممن
وهبها له.
754

(36) باب الاعتصار في الصدقة
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: الامر عندنا الذي لا اختلاف فيه. أن كل من تصدق
على ابنه بصدقة قبضها الابن. أو كان في حجر أبيه فأشهد له على صدقته. فليس له أن
يعتصر شيئا من ذلك. لأنه لا يرجع في شئ من الصدقة.
قال: وسمعت مالكا: يقول الامر المجتمع عليه عندنا فيمن نحل ولده نحلا. أو أعطاه
عطاء ليس بصدقة. إن له أن يعتصر ذلك. ما له أن يعتصر ذلك. ما لم يستحدث الولد دينا يداينه الناس به.
ويأمنونه عليه. من أجل ذلك العطاء الذي أعطاه أبوه. فليس لأبيه أن يعتصر من ذلك شيئا،
بعد أن يتكون عليه الديون. أو يعطى الرجل ابنه أو ابنته. فتنكح المرأة الرجل. وإنما
المرأة. قد نحلها أبوها النحل. إنما يتزوجها. يرفع في صداقها لغناها ومالها. وما أعطاها
أبوها. ثم يقول الأب: أنا أعتصر ذلك. فليس له ان يعتصر من ابنه ولا من ابنته شيئا
من ذلك. إذا كان على ما وصفت لك.

(36 - باب الاعتصار في الصدقة)
(الاعتصار) هو الحبس. وكل شئ حبسته ومنعته فقد عصرته. وقيل: الرجوع. واعتصر العطية إذا ارتجعها.
(فليس له أن يعتصر) أي يرتجع. (ويرتفع في صداقها) أي يزيد.
755

(37) باب القضاء في العمرى
43 - حدثني مالك عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن جابر
ابن عبد الله الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل أعمر عمري له ولعقبه. فإنها
للذي يعطاها. لا ترجع إلى الذي أعطاها أبدا) لأنه أعطى عطاء وقعت فيه الموارث.
44 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، أنه سمع مكحولا
الدمشقي سأل القاسم بن محمد العمرى، وما يقول الناس فيها؟ فقال القاسم بن محمد:
ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم. وفيها أعطوا.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول وعلى ذلك، الامر عندنا. أن العمرى ترجع إلى الذي
أعمرها. إذا لم يقل: هي لك ولعقبك.
45 - وحدثني مالك عن نافع، أن عبد الله بن عمر ورث من حفصة بنت عمر دارها.
قال: وكانت حفصة قد أسكنت بنت زيد بن الخطاب ما عاشت. فلما توفيت بنت زيد،
قبض عبد الله بن عمر المسكن. ورأس أنه له.

(37 - القضاء في العمرى)
(العمرى) يقال: أعمرته دارا أو أرضا أو إبلا، إذا أعطيته إياها قلت له: هي لك عمري، أو عمرك.
فإذا مت رجعت إلي.
واصطلاحا. قال الباجي: هي هبة منافع الملك، عمر الموهوب له. أو مده عمره وعمر عقبه.
756

(38) باب القضاء في اللقطة
46 - حدثني مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن يزيد، مولى المنبعث، عن زيد
ابن خالد الجهنمي، أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة. فقال (اعرف
عفاصها ووكاءها. ثم عرفها سنة. فإن جاء صاحبها، وإلا فشأنك بها) قال: فضالة الغنم
يا رسول الله؟ قال (هي لك، أو لأخيك، أو للذئب) قال: فضالة الإبل؟ قال (مالك ولها؟
معها سقاؤها وحذاؤها. ترد الماء، وتأكل الشجر، حتى يلقاها ربها).
أخرجه البخاري في: 45 - كتاب اللقطة، 4 - باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة، فهي لمن وجدها.
ومسلم في: 31 - كتاب اللقطة، حديث 1.
47 - وحدثني مالك عن أيوب بن موسى، عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني، أن

(38 - باب القضاء في اللقطة)
(اللقطة) الشئ الذي يلتقط. وهي بضم اللام فتح القاف على المشهور عند أهل اللغة والمحدثين. وقال
عياض: لا يجوز غيره.
46 - (عفاصها) أي وعاءها الذي تكون فيه النفقة، من جلد أو خرقة أو غير ذلك. من العفص.
وهو الثني والعطف. وبه سمي الجلد الذي يجعل على رأس القارورة، عفاصا. وكذلك غلافها. (وكاءها)
الوكاء الخيط الذي تشد به الصرة والكيس وغيرهما. (ثم عرفها) أي اذكرها للناس. (فإن جاء صاحبها)
فأدها إليه. فجواب الشرط محذوف. (وإلا فشأنك بها) وإلا يجئ صاحبها فالزم شأنك أي حالك. أي
تصرف بها. (فضالة الغنم) أي ما حكمها؟ (لك) أي هي لك إن أخذتها. وفيه حث على أخذها.
لأنه إذا علم أنه إذا لم يأخذها تعينت للذئب، كان ذلك أدعى له إلى أخذها. (فضالة الإبل) أي ما حكمها؟
(مالك ولها) استفهام إنكاري. (سقاؤها) جوفها. أي حيث وردت الماء شربت ما يكفيها حتى ترد ماء
آخر. وقيل عنقها، فتشرب من غير ساق يسقيها، لطوله. (وحذاؤها) أخفافها، فتقوي بها على السير
قطع البلاد البعيدة. (ربها) أي مالكها.
757

أباه أخره أنه نزل منزل قوم بطريق الشام. فوجد صرة فيها ثمانون دينارا. فذكرها
لعمر بن الخطاب. فقال له عمر: عرفها على أبواب المساجد. واذكرها لكل من يأتي من
الشأم، سنة. فإذا مضت السنة، فشأنك بها.
48 - وحدثني مالك عن نافع، ان رجلا وجد لقطة. فجاء إلى عبد الله بن عمر فقال له:
إني وجدت لقطة. فماذا ترى فيها؟ فقال له عبد الله بن عمر: عرفها. قال: قد فعلت. قال: زد.
قال: قد فعلت. فقال عبد الله لا آمرك أن تأكلها. ولو شئت، لم تأخذها.
(39) باب القضاء في استهلاك العبد اللقطة
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: الامر عندنا في العبد يجد اللقطة فيستهلكها، قبل
أن تبلع الاجل الذي أجل في اللقطة، وذلك سنة: أنها في رقبته. إما أن يعطى سيده ثمن
ما استهلك غلامه وإما أن يسلم إليهم غلامه. وإن أمسكها حتى يأتي الاجل الذي أجل في
اللقطة، ثم استهلكها، كانت دينا عليه. يتبع به. ولم تكن في رقبته ولم يكن على سيده
فيها شئ.

48 - (تأكلها) أي تملكها بلا ضمان.
(40 - باب القضاء في الضوال)
(الضوال) جمع ضالة. مثل دابة ودواب. والأصل في الضلال الغيبة. ومنه قيل للحيوان الضائع، ضالة،
بالهاء للذكر والأنثى. والجمع الضوال. ويقال لغير الحيوان، ضائع ولقطة. وضل البعير، غاب وخفي عن موضعه.
وأضللته بالألف، فقدته. قاله الأزهري اه زرقاني.
758

(40) باب القضاء في الضوال
49 - مالك عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، أن ثابت الضحاك الأنصاري
أخبره أنه وجد بعيرا بالحرة. فعلقه. ثم ذكره لعمر بن الخطاب. فأمره عمر أنه يعرفه
ثلاث مرات. فقال له ثابت: إنه قد شغلني عن ضيعتي. فقال له عمر: أرسله حيث وجدته.
50 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن السيب، أن عمر بن الخطاب
قال، وهو مسند ظهره، إلى الكعبة: من أخذ ضالة قهو ضال.
أصله حديث مرفوع عن زيد بن خالد الجهني، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه مسلم في: 31 - كتاب اللقطة، 1 - باب في لقطة الحاج، حديث 12.
51 - وحدثني مالك، أنه سمع ابن شهاب يقول: كانت ضوال الإبل في زمان عمر
ابن الخطاب إبلا مؤبلة. تناتج. لا يسمها أحد. حتى إذا كان زمان عثمان بن عفان، أمر
بتعريفها. ثم تباع. فإذا جاءه صاحبها، أعطى ثمنها.

49 - (الحرة) أرض ذات حجارة سود بظاهر المدينة. (فعقله) شده بالعقال، وهو الحبل.
(ضيعتي) عقاري.
50 - (ضال) أي عن طريق الصواب. أو آثم أو ضامن إن هلكت عنده، عبر به عن الضمان للمشاكلة.
51 - (مؤبلة) كمعظمة. هي في الأصل المجعولة للقنية. فهو تشبيه بليغ بحذف الأداة. أي كالمؤبلة
المقتناة في عدم تعرض أحد إليها واجتزائها بالكلأ. (تناتج) بحذف إحدى التاءين. أي تتناتج بعضها
بعضا، كالمقتناة.
759

(41) ضاء في الضوال
52 - حدثني مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة، عن أبيه،
عن جده، أنه قال: خرج سعد بن عبادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه. فحضرت أمه
الوفاة بالمدينة. فقيل لها: أوصى فقالت: فيمن أوصى؟ إنما المال سعد. فتوفيت قبل
أن يقدم سعد. فلما قدم سعد بن عبادة، ذكر ذلك له. فقل سعد: يا رسول الله، هل ينفعها أن
أتصدق عنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) فقال سعد: حائط كذا وكذا صدقة عنها. لحائط سماه.
أخرجه النسائي في: 30 - كتاب الوصايا، 7 - باب إذا مات الفجأة هل يستحب لأهله أن يتصدقوا عنه؟
53 - وحدثني مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن
رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها. وأراها لو تكلمت، تصدقت. أفأتصدق
عنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم).
أخرجه البخاري في: 55 - كتاب الوصايا، 19 - باب ما يستحب لن يتوفى فجأة أن يتصدقوا عنه.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة، 15 - باب وصول ثوب الصدقة عن الميت إليه، حديث 51.
وفي: 25 - كتاب الوصية، 2 - باب وصول ثواب الصدقات إلى الميت، حديث 12 و 13.
54 - وحدثني مالك، أنه بلغه أن رجلا من الأنصار من بنى الحارث بن الخزرج، تصدق
على أبويه بصدقة. فهلكا. فورث ابنهما المال. وهو نخل. فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال (قد أجرت في صدقتك. وخذها بميراثك).
قال ابن عبد البر: روى هذا الحديث من وجوه.

52 - (حائط) بستان.
53 - (افتلتت) أي أخذت فلتة، أي بغتة. (وأراها) أي أظنها.
54 - (فهلكا) أي ماتا. (المال) أي الذي تصدق به.
760

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الوصية
(1) باب الأمر بالوصية
1 - حدثني مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما حق امرئ
مسلم، له شئ يوصى فيه، يبيت ليلتين، إلا ووصيته عنده مكتوبة).
أخرجه البخاري في: 55 - كتاب الوصايا، 1 - باب الوصايا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم وصية الرجل مكتوبة عنده.
ومسلم في: 25 - كتاب الوصية، حديث 1 و 2 و 3.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، أن الموصى إذا أوصى في صحته أو مرضه بوصية،
فيها عتاقة رقيق من رقيقه، أو غير ذلك، فإنه يغير من ذلك ما بدا له، ويصنع من ذلك ما شاء
حتى يموت. وإن أحب أن يطرح تلك الوصية، ويبدلها، فعل. إلا أن يدبر مملوكا. فإن
دبر، فلا سبيل إلى تغيير ما دبر. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما حق امرئ مسلم له شئ
يوصى فيه، يبيت ليلتين، إلا ووصيته عنده مكتوبة).
قال مالك: فلو كان الموصى لا يقدر على تغيير وصيته. ولا ما ذكر فيها من العتاقة.
كان كل موص قد حبس ماله الذي أوصى فيه من العتاقة وغيرها. وقد يوصى الرجل في
صحته وعند سفره.
قال مالك: فالامر عندنا الذي لا اختلاف فيه، أنه يغير من ذلك ما شاء، غير التدبير.

1 - (ما) نافية، أي ليس. (عتاقة) مصدر كالعتق. (يغير) يبدل. (يطرح) يلقي،
أي يبطل. (يدبر مملوكا) أنثى أو ذكرا. بنحو أن يقول: أنت مدبر. قال في المصباح: دبر الرجل عبده
تدبيرا، إذا أعتقه بعد موته. (حبس) أي منع.
761

(2) باب جواز وصية الصغير والضعيف والمصاب والسفيه
2 - حدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه، أن عمرو بن سليم
الزرقي أخبره، أنه قيل لعمر بن الخطاب: إن هاهنا غلاما يفاعا. لم يحتلم. من غسان. ووراثه
بالشام. وهو ذو مال. وليس له هاهنا إلا ابنة عم له. قال عمر بن الخطاب: فليوص لها.
قال، فأوصى لها بمال يقال له بئر جشم. قال عمرو بن سليم: فبيع ذلك المال بثلاثين ألف
درهم. وابنة عمه التي أوصى لها، هي أم عمرو بن سليم الزرقي.
3 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن حزم، أن غلاما من غسان
حضرته الوفاة بالمدينة. ووارثه بالشام. فذكر ذلك لعمر بن الخطاب، فقيل له: إن فلانا
يموت. أفيوصى؟ قال: فليوص.
قال يحيى بن سعيد: قال أبو بكر: وكان الغلام ابن عشر سنين، أو اثنتي عشرة سنة.
قال، فأوصى ببئر جشم. فباعها أهلها بثلاثين ألف درهم.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: الامر المجتمع عليه عندنا. أن الضعيف في عقله.
والسفيه. والمصاب الذي يفيق أحيانا. تجوز وصاياهم. إذا كان معهم من عقولهم،
ما يعرفون ما يوصون به. فأما من ليس معه من عقله ما يعرف بذلك ما يوصى به، وكان
مغلوبا على عقله، فلا وصية له.

2 - (يفاعا) قال ابن الأثير: يريد به اليافع. واليفاع المرتفع من كل شئ. قال: وفي إطلاق اليفاع على
الناس غرابة. (غسان) قبيلة من الأزد.
762

(3) باب الوصية في الثلث لا تتعدى
4 - حدثني مالك عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، أنه قال:
جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع. من وجع اشتد بي. فقلت: يا رسول الله،
قد بلغ بي من الوجع ما ترى. وأنا ذو مال. ولا يرثني إلا ابنة لي. أفا تصدق بثلثي مالي؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) فقلت: فالشطر؟ قال (لا) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الثلث.
والثلث كثير. إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس.
وإنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله، إلا أجرت. حتى ما تجعل في في امرأتك) قال،
فقلت: يا رسول الله، أأخلف بعد أصحابي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنك لن تخلف، فتعمل
عملا صالحا، إلا ازددت به درجة ورفعة. ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر
بك آخرون. اللهم أمض لأصحابي هجرتهم. ولا ترددهم على أعقابهم. لكن البائس سعد
ابن خولة. يرثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة).
أخرجه البخاري في: 23 - كتاب الجنائز، 37 - باب رثى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة.
ومسلم في: 25 - كتاب الوصية، 1 - باب الوصية بالثلث، حديث 5.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول، في الرجل يوصى بثلث ماله لرجل. ويقول: غلامي
يخدم فلانا ما عاش. ثم هو حر. فينظر في ذلك، فيوجد العبد ثلث مال الميت. قال: فإن

4 - (أن تذر) تترك. (عالة) جمع عائل. عال يعيل إذا افتقر. (يتكففون) أي يسألونهم
بأكفهم. يقال: تكفف الناس واستكف، إذا بسط كفه للسؤال: أو سأل ما يكف عنه الجوع. أو سأل
كفافا من طعام. (أأخلف بعد أصحابي) المنصرفين معك بمكة، لأجل مرضى. وكانوا يكرهون الإقامة بها
لكونهم هاجروا منها وتركوها لله. (أن تخلف) بأن يطول عمرك، فلا تموت بمكة. (أمض) من
الإمضاء، وهو الإنفاذ، أي أتمم: (يرثي له) يتوجع ويتحزن لأجله.
763

خدمة العبد تقوم، ثم يتحاصان. يحاص الذي أوصى له بالثلث بثلثه. ويحاص الذي أوصى
له بخدمة العبد بما قوم له من خدمة العبد. فيأخذ كل واحد منهما من خدمة العبد، أو
من إجارته، إن كانت له إجارة، بقدر حصته. فإذا مات الذي جعلت له خدمة العبد ما عاش،
عتق العبد.
قال: وسمعت مالكا يقول، في الذي يوصى في ثلثه، فيقول: لفلان كذا وكذا.
ولفلان كذا وكذا. يسمى مالا من ماله. فيقول ورثته:
يخيرون، بين أن يعطوا أهل الوصايا وصاياهم، ويأخذوا جميع مال الميت. وبين أن يقسموا
ذهل الوصايا ثلث مال الميت. فيسلموا إليهم ثلثه. فتكون حقوقهم فيه إن أرادوا،
بالغا ما بلغ.
(4) باب أمر الحامل والمريض والذي يحضر القتال في أموالهم
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: أحسن ما سمعت في وصية الحامل وفي قضاياها في مالها
وما يجوز لها. أن الحامل كالمريض. فإذا كان المرض الخفيف، غير المخوف على صاحبه،
فإن صاحبه يصنع في ماله ما يشاء. وإذا كان المرض المخوف عليه، لم يجز لصاحبه شئ.
إلا في ثلثه.
قال: وكذلك المرأة الحامل. أول حملها بشرور سرور. وليس بمرض ولا خوف.
لان الله تبارك وتعالى قال في كتابه - فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحاق يعقوب - وقال

(ثم يتحاصان) قال في المصباح: وتحاص الغرماء، اقتسموا المال بينهم حصصا.
764

حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من
الشاكرين -.
فالمرأة الحامل إذا أثقلت لم يجز لها قضاء إلا في ثلثها. فأول الاتمام ستة أشهر. قال الله
تبارك وتعالى في كتابه. والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين - وقال - وحمله وفصاله
ثلاثون شهرا - فإذا مضت للحامل ستة أشهر من يوم حملت لم يجز لها قضاء في مالها، إلا
في الثلث.
قال: وسمعت مالكا يقول، في الرجل يحضر القتال: إنه إذا زحف في الصف للقتال،
لم يجز له أن يقضى في ماله شيئا. إلا في الثلث. وإنه بمنزلة الحامل والمريض المخوف
عليه. ما كان بتلك الحال.
(5) باب الوصية للوارث والحيازة
قال يحيى: سمعت مالكا يقول في هذه الآية: إنها منسوخة. قول الله تبارك وتعالى
إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين - نسخها ما نزل من قسمة الفرائض في كتاب الله
عز وجل.
قال: وسمعت مالكا يقول: السنة الثابتة عندنا التي لا اختلاف فيها أنه لا تجوز وصية
لوارث. إلا أن يجيز له ذلك ورثة الميت. وأنه إن أجاز له بعضهم. وأبى بعض. جاز له
حق من أجاز منهم. ومن أبى، أخذ حقه من ذلك.
قال: وسمعت مالكا يقول في المريض الذي يوصى، فيستأذن ورثته في وصيته وهو
765

مريض، ليس له من ماله إلا ثلثه. فيأذنون له أن يوصى لبعض ورثته بأكثر من ثلثه:
إنه ليس لهم أن يرجعوا في ذلك ولو جاز ذلك لهم، صنع كل وارث ذلك فإذا هلك الموصى،
أخذوا ذلك لأنفسهم. ومنعوه الوصية في ثلثه، وما أذن له به في ماله.
قال: فأما أن يستأذن ورثته في وصية يوصى بها لوارث في صحته، فيأذنون له. فإن ذلك
لا يلزمهم ولو رثته أن يردوا ذلك إن شاؤوا. وذلك أن الرجل إذا كان صحيحا كان أحق
بجميع ماله. يصنع فيه ما شاء إن شاء أن يخرج من جميعه، خرج فيتصدق به. أو يعطيه
من شاء وإنما يكون استئذانه ورثته جائزا على الورثة، إذا أذنوا له حين يحجب عنه ماله.
ولا يجوز له شئ إلا في ثلثه. وحين هم أحق بثلثي ماله منه. فذلك حين يجوز عليهم أمرهم
وما أذنوا له به. فإن سأل بعض ورثته أن يهب له ميراثه حين تحضره الوفاة فيفعل. ثم
لا يقضى فيه الهالك شيئا. فإنه رد على من وهبه. إلا أن يقول له الميت: فلان، لبعض
ورثته، ضعيف. وقد أحببت أن تهب له ميراثك فأعطاه إياه فإن ذلك جائز إذا سماه الميت له.
قال: وإن وهب له ميراثه. ثم أنفذ الهالك بعضه وبقي بعض. فهو رد على الذي وهب.
يرجع إليه ما بقي بعد وفاة الذي أعطيه.
قال: وسمعت مالكا يقول، فيمن أوصى بوصية فذكر أنه قد كان أعطى بعض ورثته
شيئا لم يقبضه. فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك فإن ذلك يرجع إلى الورثة ميراثا على كتاب
الله. لان الميت لم يرد أن يقع شئ من ذلك في ثلثه. ولا يحاص أهل الوصايا في ثلثه بشئ
من ذلك.
766

(6) باب ما جاء في المؤنث من الرجال ومن أحق بالولد
5 - حدثني مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن مخنثا كان عند أم سلمة، زوج
النبي صلى الله عليه وسلم. فقال لعبد الله بن أبي أمية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع: يا عبد الله، إن فتح الله عليكم
الطائف غدا، فأنا أدلك على ابنة غيلان. فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(لا يدخلن هؤلاء عليكم).
هكذا رواه الجمهور مرسلا.
وأخرجه البخاري متصلا في: 64 - كتاب المغازي، 56 - باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 13 - باب منع المخنث من الدخول على النساء الأجانب، حديث 32.
6 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، أنه قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: كانت
عند عمر بن الخطاب امرأة من الأنصار. فولدت له عاصم بن عمر. ثم إنه فارقها. فجاء عمر
قباء فوجد ابنه عاصما يلعب بفناء المسجد. فأخذ بعضده. فوضعه بين يديه على الدابة.
فأدركته جدة الغلام. فنازعته إياه. حتى أتيا أبا بكر الصديق. فقال عمر: ابني. وقالت

5 - (أن مخنثا) المخنث من فيه انخناث أي تكسر ولين كالنساء. وهو، كما في التمهيد، من لا أرب له
في النساء، ولا يهتدي إلى شئ من أمورهن. فيجوز دخوله عليهن. فإن فهم معانيهن، منع دخوله. لأنه
حينئذ ليس ممن قال الله تعالى فيهم - غير أولي الإربة من الرجال -. (فإنها تقبل بأربع) من العكن.
والعكنة هي ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا. (وتدبر بثمان) قال مالك والجمهور: معناه أن في بطنها
أربع عكن ينعطف بعضها على بعض، فإذا أقبلت رؤيت مواضعها بارزة، متكسرا بعضها على بعض. وإذا
أدبرت كان أطرافها عند منقطع جنبيها ثمانية. (عليكم) بالميم. في جمع النسوة للتعظيم. كقوله:
وإن شئت حرمت النساء سواكمو * وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
6 - (فنازعته إياه) طلبت أخذه منه فامتنع.
767

المرأة: ابني. فقال أبو بكر: خل بينها وبينه. قال، فما راجعه عمر الكلام.
قال: وسمعت مالكا يقول: وهذا الامر الذي آخذ به في ذلك.
(7) باب العيب في السلعة وضمانها
قال يحيى: سمعت مالكا يقول، في الرجل يبتاع السلعة من الحيوان أو الثياب أو العروض
فيوجد ذلك البيع غير جائز. فيرد ويؤمر الذي قبض السلعة أن يرد إلى صاحبه سلعته.
قال مالك: فليس لصاحب السلعة إلا قيمتها يوم قبضت منه. وليس يوم يرد ذلك إليه.
وذلك أنه ضمنها من يوم قبضها. فما كان فيها من نقصان بعد ذلك كان عليه. فبذلك كان
نماؤها وزيادتها له. وإن الرجل يقبض السلعة في زمان هي فيه نافقة. مرغوب فيها. ثم
يردها في زمان هي فيه ساقطة. لا يريدها أحد. فيقبض الرجل السلعة من الرجل. فيبيعها
بعشرة دنانير. ويمسكها وثمنها ذلك. ثم يردها وإنما ثمنها دينار. فليس له أن يذهب من
مال الرجل بتسعة دنانير. أو يقبضها منه الرجل فيبيعها بدينار. أو يمسكها. وإنما ثمنها
دينار. ثم يردها وقيمتها يوم يردها عشرة دنانير. فليس على الذي قبضها أن يغرم لصاحبها
من ماله تسعة دنانير. إنما عليه قيمة ما قبض يوم قبضه.
قال: ومما يبين ذلك. أن السارق إذا سرق السلعة. فإنما ينظر إلى ثمنها يوم يسرقها. فإن كان
يجب فيه القطع. كان ذلك عليه. وإن استأخر قطعه. إما في سجن يحبس فيه حتى ينظر
في شأنه وإما أن يهرب السارق ثم يؤخذ بعد ذلك فليس استئخار قطعه بالذي يضع عنه

(نافقة) أي رابحة. (ساقطة) بائرة كاسدة. (يجب فيه القطع) بأن بلغ النصاب. (يضع) يسقط.
768

حدا قد وجب عليه يوم سرق وإن رخصت تلك السلعة بعد ذلك ولا بالذي يوجب عليه
قطعا لم يكن وجب عليه يوم أخذها. إن غلت تلك السلعة بعد ذلك.
(8) باب جامع القضاء وكراهيته
7 - حدثني مالك عن يحيى بن سعيد، أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي: أن هلم
إلى الأرض المقدسة. فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدس أحد. وإنما يقدس الانسان
عمله. وقد بلغني أنك جعلت طبيبا تداوى. فإن كنت تبرئ فنعما لك. وإن كنت متطببا
فاحذر أن تقتل إنسانا فتدخل النار. فكان أبو الدرداء، إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه،
نظر إليهما. وقال: ارجعا إلى. أعيدا على قصتكما. فمتطبب، والله.
قال: وسمعت مالكا يقول: من استعان عبدا بغير إذن سيده في شئ له بال. ولمثله
إجارة. فهو ضامن لما أصاب العبد. إن أصيب العبد بشئ. وإن سلم العبد. فطلب سيده
إجارته لما عمل، فذلك لسيده. وهو الامر عندنا.
قال: وسمعت مالكا يقول، في العبد يكون بعضه حرا وبعضه مسترقا: إنه يوقف
ماله بيده. وليس له أن يحدث فيه شيئا. ولكنه يأكل فيه ويكتسى بالمعروف. فإذا
هلك، فماله للذي بقي له فيه الرق.

(لا تقدس أحدا) لا تطهره من ذنوبه ولا ترفعه إلى أعلى الدرجات. (طبيبا) أي قاضيا، سمي
بذلك لأنه يبرئ من الأمراض المعنوية، كما يبرئ المداوي من الحسية. (فنعما لك) أي نعم شيثا الإبراء.
(متطببا) أي متعاطيا لعلم الطب بدون إبراء.
769

قال: وسمعت مالكا يقول: الامر عندنا أن الوالد يحاسب ولده بما أنفق عليه من يوم
يكون للولد مال. ناضا كان أو عرضا. إن أراد الوالد ذلك.
8 - وحدثني مالك عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف المزني، عن أبيه، أن رجلا من
جهينة كان يسبق الحاج. فيشترى الرواحل فيغلى بها. ثم يسرع السير فيسبق الحاج. فأفلس.
فرفع أمره إلى عمر بن الخطاب. فقال: أما بعد. أيها الناس. فإن الأسيفع، أسيفع جهينة،
رضى من دينه وأمانته بأن يقال سبق الحاج. ألا وإنه قد دان معرضا. فأصبح قدرين به.
فمن كان له عليه دين فليأتنا بالغداة. نقسم ماله بينهم. وإياكم والدين. فإن أوله هم
وآخره حرب.
(9) باب ما جاء فيما أفسد العبيد أو جرحوا
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: السنة عندنا في جناية العبيد. أن كل ما أصاب العبد
من جرح جرح به إنسانا. أو شئ اختلسه. أو حريسة احترسها. أو ثمر معلق جذه أو أفسده

(ناضا) أي نقدا.
8 - (الرواحل) جمع راحلة. الناقة الصالحة للرحل. (فيغلي) يزيد. (أفلس) افتقر وقل ماله.
(رضي من دين وأمانته بأن يقال سبق الحاج) وذلك ليس بدين ولا أمانة. والمعنى بذلك ذمه تحذيرا لغيره
وزجرا له. (ألا وإنه قد دان معرضا) أي اشترى بدين ولم يهتم بقضائه.
(دين به) أي أحاط بماله الدين. (إياكم والدين) أي احذروه (حرب) بفتح الراء وسكونها. أي
أخذ مال الإنسان وتركه لا شئ له. (اختلسه) أخذه بخفية. (حريسة) فعلية بمعنى مفعولة، أي محروسة.
(احترسها) سرقها. وحريسة الجبل، الشاة يدركها الليل قبل رجوعها إلى مأواها. فتسرق من الجبل،
فلا قطع فيها. لأن الجبل ليس بحرز. (جذه) أي قطعه.
770

أو سرقة سرقها لا قطع عليه فيها. إن ذلك في رقبة العبد. لا يعدوا ذلك، الرقبة. قل ذلك
أو كثر. فإن شاء سيده أن يعطى قيمة ما أخذ غلامه، أو أفسد. أو عقل ما جرح، أعطاه.
وامسك غلامه. وإن شاء أن يسلمه، أسلمه. وليس عليه شئ غير ذلك. فسيده في ذلك
بالخيار.
(10) باب ما يجوز من النحل
9 - حدثني مالك عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن عثمان بن عفان قال: من
نحل ولدا له صغيرا. لم يبلغ أن يحوز نحله. فأعلن ذلك له. وأشهد عليها. فهي جائزة.
وإن وليها أبوه.
قال مالك: الامر عندنا. أن من نحل ابنا له صغيرا، ذهبا أو ورقا، ثم هلك. وهو يليه.
إنه لا شئ للابن من ذلك. إلا أن يكون الأب عزلها بعينها. أو دفعها إلى رجل وضعها لابنه
عند ذلك الرجل. فإن فعل ذلك فهو جائز للابن.

(عقل) دية. (بالخيار) بين فدائه وإسلامه.
9 - (نحل) قال في المصباح: ونحلته أنحله نحلا: أعطيته شيئا من غير عوض، بطيب نفس.
771

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب العتق والولاء
(1) باب من أعتق شركا له في مملوك
1 - حدثني مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أعتق
شركا له في عبد، فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوم عليه قيمة العدل. فأعطى شركاءه
حصصهم. وعتق عليه العبد. وإلا فقد عتق منه ما عتق).
قال مالك: والامر المجتمع عليه عندنا في العبد يعتق سيده منه شقصا. ثلثه أو ربعه
أو نصفه. أو سهما من الاسم بعد موته. أنه لا يعتق منه إلا ما أعتق سيده وسمى من ذلك

(كتاب العتق والولاء)
(العتق) إزالة الملك. يقال: عتق يعتق عتقا وعتاقا وعتاقة. قال الأزهري: مشتق من قولهم عتق
الفرس إذا سبق. عتق الفرخ إذا طار. لأن الرقيق يتخلص بالعتق ويذهب حيث شاء.
1 - (شركا) أي نصيبا. (عبد) قال القرطبي: العبد، لغة، المملوك الذكر. ومؤنثه أمة، من
غير لفظه. (يبلغ ثمن العبد) أي ثمن بقيته. (حصصهم) أي قيمة حصصهم. (شقصا) قال
ابن الأثير: الشقص والشقيص، النصيب في العين المشتركة، من كل شئ.
772

الشقص. وذلك أن عتاقه ذلك الشقص، إنما وجبت وكانت. بعد وفاة الميت. وأن سيده
كان مخيرا في ذلك ما عاش. فلما وقع العتق للعبد على سيده الموصى، لم يكن للموصى إلا
ما اخذ من ماله. ولم يعتق ما بقي من العبد. لان ماله قد صار لغيره. فكيف يعتق ما بقي
من العبد على قوم آخرين. ليسوا هم ابتدأوا العتاقة. ولا أثبتوها. ولا لهم الولاء. ولا يثبت
لهم. وإنما صنع ذلك الميت. هو الذي أعتق. وأثبت له الولاء. فلا يحمل ذلك في مال غيره.
إلا أن يوصى بأن يعتق ما بقي منه في ماله. فإن ذلك لازم لشركائه وورثته. وليس لشركائه
أن يأبوا ذلك عليه وهو في ثلث مال الميت. لأنه ليس على ورثته في ذلك ضرر.
قال مال: ولو أعتق رجل ثلث عبده وهو مريض. فبت عتقه. عتق عليه كله في ثلثه.
وذلك أنه ليس بمنزلة الرجل يعتق ثلث عبده بعد موته. لان الذي يعتق ثلث عبده بعد
موته، لو عاش رجع فيه. ولم ينفذ عتقه. وأن العبد الذي يبت سيده عتق ثلثه في مرضه،
يعتق عليه كله إن عاش. وإن مات أعتق عليه في ثلثه. وذلك أن أمر الميت جائز في ثلثه.
كما أن أمر الصحيح جائز في ماله كله.
(2) باب الشرط في العتق
2 - قال مالك: من أعتق عبدا له فبت عتقه، حتى تجوز شهادته وتتم حرمته ويثبت
ميراثه. فليس لسيده أن يشترط عليه مثل ما يشترط على عبده من مال أو خدمة. ولا يحمل
عليه شيئا من الرق. لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة
العدل. فأعطى شركاءه حصصهم. وعتق عليه العبد).
773

قال مالك: فهو، إذا كان له العبد خالصا، أحق باستكمال عتاقته. ولا يخلطها بشئ
من الرق.
(3) باب من أعتق رقيقا لا يملك مالا غيرهم
3 - حدثني مالك عن يحيى بن سعيد، وعن غير واحد، عن الحسن بن أبي الحسن البصري،
وعن محمد بن سيرين، أن رجلا في زمان رسول الله (ض) أعتق عبيدا له، ستة عند موته.
فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم. فأعتق ثلث تلك العبيد.
قال مالك: وبلغني أنه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم.
مرسل. وقد وصله مسلم عن عمران بن حصين في: 27 - كتاب الأيمان، 12 - باب من أعتق شركا له في
عبد، حديث 56.
قال الزرقاني: ومعلوم أن بلاغة صحيح. وقد رواه مسلم وأبو داود في حديث عمران.
4 - وحدثني مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أن رجلا في إمارة أبان بن عثمان أعتق
رقيقا له، كلهم جميعا. ولم يكن له مال غيرهم. فأمر بان بن عثمان بتلك الرقيق فقسمت
أثلاثا. ثم أسهم على أيهم يخرج سهم الميت فيعتقون. فوقع السهم على أحد الا ثلاث. فعتق
الثلث الذي وقع عليه السهم.

3 - (فأسهم) أي أقرع.
774

(4) باب القضاء في مال العبد إذا عتق
5 - حدثني مالك عن ابن شهاب، أنه سمعه يقول: مضت السنة أن العبد إذا عتق
تبعه ماله.
قال مالك: ومما يبين ذلك أن العبد إذا عتق تبعه ماله، ان المكاتب إذا كوتب تبعه
ماله. وإن لم يشترطه. وذلك أن عقد الكتابة هو عقد الولاء. إذا تم ذلك. وليس مال العبد
والمكاتب بمنزلة ما كان لهما من ولد. إنما أولادهما بمنزلة رقابهما ليسوا بمنزلة أموالهما.
لان السنة التي لا اختلاف فيها، أن العبد إذا عتق تبعه ماله. ولم يتبعه ولده. وأن المكاتب
إذا كوتب، تبعه ماله ولم يتبعه ولده.
قال مالك: ومما يبين ذلك أيضا، ان العبد والمكاتب إذا أفلسا أخذت أموالهما.
وأمهات أولادهما ولم تؤخذ أولادهما. لأنهم ليسوا بأموال لهما.
قال مالك: ومما يبين ذلك أيضا، أن العبد إذا بيع واشترط الذي ابتاعه، ماله. لم يدخل
ولده في ماله.
قال مالك: ومما يبين ذلك أيضا، أن العبد إذا جرح. أخذ هو وماله. ولم يؤخذه ولده.

5 - (رقابهما) أي ذواتهما.
775

(5) باب عتق أمهات الأولاد وجامع القضاء في العتاقة
6 - حدثني مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب قال: أيما وليدة
ولدت من سيدها. فإنه لا يبيعها ولا يهبها ولا يورثها. وهو يستمتع بها. فإذا مات فهي حرة.
7 - وحدثني مالك، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أتته وليدة قد ضربها سيدها بنار.
أو أصابها بها. فأعتقها.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، أنه لا تجوز عتاقة رجل، وعليه دين يحيط بماله.
وأنه لا تجوز عتاقة الغلام حتى يحتلم. أو يبلغ مبلغ المحتلم. وأنه لا تجوز عتاقة المولى
عليه في ماله، وإن بلغ الحلم، حتى بلى ماله.
(6) باب ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة
8 - حدثني مالك عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسار، عن عمر بن الحكم، أنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إن جارية لي كانت ترعى غنما لي. فجئتها وقد

6 - (وليدة) أي أمه. (يستمتع بها) بالوطء ومقدماته، والخدمة القليلة.
7 - (يحيط بماله) أي يستغرقه. (أو يبلغ مبلغ الاحتلام) قال الزرقاني: بأن يبلغ بغير الاحتلام.
كالسن. لأن من الرجال من لا يحتلم.
8 - (عمر بن الحكم) قال ابن عبد البر: كذا قال مالك. وهو وهم عند جميع علماء الحديث. وليس
في الصحابة عمر بن الحكم. وإنما هو معاوية بن الحكم. كما قال كل من روى هذا الحديث عن هلال أو غيره.
ومعاوية بن الحكم معروف في الصحابة. وحديثه هذا معروف.
776

فقدت شاة من الغنم. فسألتها عنا فقالت: أكلها الذئب. فأسفت عليها، وكنت من بني آدم
فلطمت وجهها. وعلى رقبة أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (أين الله؟) فقالت في المساء.
فقال (من أنا؟) فقالت: أنت رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعتقها).
رواه الشافعي في الرسالة، فقرة 242، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
9 - وحدثني مالك عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود، أن رجلا
من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية له سوداء. فقال: يا رسول الله إن على رقبة مؤمنة.
فإن كنت تراها مؤمنة أعتقها. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتشهدين أن لا إله إلا الله؟)
قالت: نعم. قال (أتشهدين أن محمد رسول الله؟) قالت: نعم. قال (أتوقنين بالبعث بعد
الموت؟) قالت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعتقها).
قال ابن عبد البر: ظاهره الإرسال. لكنه محمول على الاتصال. للقاء عبيد الله جماعة من الصحابة.
قال الزرقاني: وفيه نظر. إذ لو كان كذلك، ما وجد مرسل قط. فلعله أراد للقاء عبيد الله جماعة من الصحابة
الذين رووا هذا الحديث.
10 - وحدثني مالك، أنه بلغه عن المقبري، أنه قال: سطل أبو هريرة عن الرج
تكون عليه رقبة. هل يعتق فيها ابن زنا؟ فقال أبو هريرة: نعم. ذلك يجزى عنه.
11 - وحدثني مالك، أنه بلغه عن فضالة بن عبيد الأنصاري. وكان من أصحاب رسول

(فأسفت عليها) أي غضبت. (وكنت من بني آدم) تقديم لعذره. (لطمت وجهها) ضربتها
عليه ببياض كفى.
777

الله صلى الله عليه وسلم. أنه سول عن الرجل تكون عليه رقبة. هل يجوز له أن يعتق ولد زنا؟ قال: نعم.
ذلك يجزى عنه.
(7) باب مالا يجوز من العتق في الرقاب الواجبة
12 - حدثني مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن عمر سطل عن الرقبة الواجبة. هل تشترى
بشرط؟ فقال: لا.
قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في الرقاب الواجبة. أنه لا يشتريها الذي يعتقها فيما
وجب عليه. بشرط على أن يعتقها. لأنه إذا فعل ذلك فليست برقبة تامة. لأنه بضر من
ثمنها للذي يشترط من عتقها.
قال مالك: ولا بأس أن يشترى الرقبة في التطوع. ويشترط أن يعتقها.
قال مالك: إن أحسن ما سمع في الرقاب الواجبة، أنه لا يجوز أن يعتق فيها نصراني
ولا يهودي. ولا يعتق فيها مكاتب ولا مدبر. وأم ولد ولا معتق إلى سنين. ولا أعمى.
ولا بأس أن يعتق النصراني واليهودي والمجوسي. تطوعا. لان الله تبارك وتعالى قال في كتابه
- فإما منا بعد وإما فداء - فالمن العتاقة.
قال مالك: فأما الرقاب الواجبة التي ذكر الله في الكتاب. فإن لا يعتق فيها إلا رقبة
مؤمنة.

12 - (يضع) أي يسقط. (فإما منا بعد) أي بعد الوثاق. (وإما فداء) بمال أو أسرى مسلمين.
778

قال مالك: وكذلك في إطعام المساكين في الكفارات. ولا ينبغي أن يطعم فيها إلا المسلمون. ولا يطعم فيها أحد على غير دين الاسلام.
(8) باب عتق الحي عن الميت
13 - حدثني مالك عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، أن أمه أراد أن توصى. ثم أخرت ذلك إلى أن تصبح. فهلكت، وقد كانت همت بأن تعتق. فقال عبد الرحمن:
فقلت للقاسم بن محمد، أينفعها أن أعتق عنها؟ فقال القاسم: إن سعد بن عبادة قال لرسول
الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي هلكت. فهل ينفعها أن أعتق عنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم).
14 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، أنه قال: توفى عبد الرحمن بن أبي بكر في نوم
نامه. فأعتقت عنه عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم رقابا كثيرة.
قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلى في ذلك.
(9) باب فضل عتق الرقاب وعتق الزانية وابن الزنا
15 - حدثني مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرقاب، أيها أفضل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أغلاها ثمنا، وأنفسها

15 - (وأنفسها) أي أكثرها رغبة.
779

عند أهلها).
أخرجه البخاري عن أبي ذر في: 49 - كتاب العتق، 2 - باب أي الرقاب أفضل. ضمن حديث.
وكذلك مسلم في: 1 - كتاب الإيمان، 34 - باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال،
حديث 136.
16 - وحدثني مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه أعتق ولد زنا، وأمه.
(10) باب مصير الولاء لمن أعتق
17 - حدثني مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت:
جاءت بريرة فقال: إني كاتبت أهلي على تسع أواق. في كل عام أو قيد. فأعينيني. فقالت
عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم عنك، عددتها ويكون لي ولاؤك، فعلت. فذهبت
بريرة إلى أهلها. فقالت لهم ذلك. فأبوا عليها. فجاءت من عند أهلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس.
فقالت لعائشة: إني قد عرضت عليهم ذلك فأبوا على. إلا أن يكون الولاء لهم. فسمع ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسألها. فأخبرته عائشة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذيها واشترطي لهم الولاء.
فإنما الولاء لمن أعتق) ففعلت عائشة. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس. فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: ((أما بعد) فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ ما كان

17 - (كاتبت أهلي) قال في المصباح: قال الأزهري: الكتاب والمكاتبة أن يكاتب الرجل عبده أو أمته،
على مال منجم. ويكتب العبد عليه أنه يعتق إذا أدى النجوم. فالعبد مكاتب ومكاتب.
(أواق) بوزن جوار. والأصل أواقي. فحذفت إحدى الياءين تخفيفا، والثانية على طريقة قاض اه. زرقاني.
(خذيها) أي اشتريها منهم.
780

من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل. وإن كان مائة شرط. قضاء الله أحق. وشرط الله
أوثق. وإنما الولاء لمن أعتق).
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 73 - باب إذا اشترط شروطا في البيع لا تحل.
ومسلم في: 20 - كتاب العتق، 2 - باب إنما الولاء لمن أعتق، حديث 8.
18 - وحدثني مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن عائشة أم المؤمنين أرادت
أن تشترى جارية تعتقها. فقال أهلها: نبيعكها على أن ولاءها لنا. فذكرت ذلك. لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال (لا يمنعنك ذلك. فإنما الولاء لمن أعتق).
أخرجه البخاري (عن ابن عمر) في: 34 - كتاب البيوع، 73 - باب إذا اشترط شروطا في البيع لا تحل.
ومسلم في: 20 - كتاب العتق، 2 - باب إنما الولاء لمن أعتق، حديث 5.
19 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن بريرة جاءت
تستعين عائشة أم المؤمنين. فقالت عائشة: إن أحب أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة،
وأعتقك، فعلت. فذكرت ذلك بريرة لأهلها. فقالوا: لا. إلا أن يكون لنا ولاؤك.
قال يحيى بن سعيد: فزعمت عمرة أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله (ص). فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (اشتريها وأعتقيها. فإنما الولاء لمن أعتق).
قال الحافظ: صورة سياقه الإرسال. ولم تختلف الرواة عن مالك في ذلك.
ورواه البخاري في: 50 - كتاب المكاتب، 4 - باب بيع المكاتب إذا رضى.

(قضاء الله) أي حكمه. (أحق) بالاتباع من الشروط المخالفة. (وشرط الله) أي قوله - فإخوانكم
في الدين ومواليكم -. (أوثق) أقوى باتباع حدوده التي حدها.
19 - (أصب لهم ثمنك صبة واحدة) أي أدفعه عاجلا في مرة، تشبيها بصب الماء، وهو انسكابه.
(فزعمت) الزعم يستعمل بمعنى القول المحقق، أي قالت.
781

20 - وحدثني مالك عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله (ص 9
نهى عن بيع الولاء وعن هبته.
أخرجه البخاري في: 49 - كتاب العتق، 10 - باب بيع الولاء وهبته.
ومسلم في: 20 - كتاب العتق، 3 - باب النهى عن بيع الولاء وهبته، حديث 16.
قال مالك، في العبد يبتاع نفسه من سيده، على أنه يوالي من شاء: إن ذلك لا يجوز.
وإنما الولاء لمن أعتق ولو أن رجلا أذن لمولاه أو يوالي من شاء، ما جاز ذلك. لان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال (الولاء لمن أعتق) ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته. فإذا جاز
لسيده أن يشترط ذلك له، وأن يأذن له أن يوالي من شاء، فتلك الهبة.
(11) باب جر العبد الولاء إذا أعتق
21 - حدثني مالك عن ربيعة بن عبد الرحمن، أن الزبير بن العوام اشترى عبدا فأعتقه.
ولذلك العبد بنون من امرأة حرة. فلما أعتقه الزبير قال: هم موالي. وقال موالي أمهم: بل
هم موالينا. فاختصموا إلى عثمان بن عفان. فقضى عثمان للزبير بولائهم.
وحدثني مالك، أنه بلغه أن سعيد بن المسيب سئل عن عبد له ولد من امرأة حرة، لمن
ولاؤهم؟ فقال سعيد: إن مات أبوهم، وهو عبد لم يعتق، فولاؤهم لموالي أمهم.
قال مالك: ومثل ذلك، ولد الملاعنة من الموالي. ينسب إلى موالي أمه. فيكونون هم
مواليه. إن مات ورثوه. وإن جر جريرة عقلوا عنه. فإن اعترف به أبوه ألحق به. وصار

20 - (لمولاه) لعتيقه. (بيع الولاء) حق ميراث المعتق من العتيق.
21 - (وإن جر جريرة) فعيلة بمعنى مفعولة. ما يفعله الإنسان من ذنب.
(عقلوا عنه) قال في المصباح: عقلت القتيل عقلا، أديت ديته. وعقلت عنه، غرمت عنه ما لزمه من دية وجناية.
782

ولاؤه إلى موالي أبيه. وكان ميراثه لهم وعقله عليهم. ويجلد أبوه الحد.
قال مالك: وكذلك المرأة الملاعنة من العرب. إذا اعترف زوجها، الذي لاعنها، بولدها.
صار بمثل هذه المنزلة. إلا أن بقية ميراثه، بعد ميراث أمه وإخوته لأمه، لعامة المسلمين.
ما لم يلحق بأبيه. وإنما ورث ولد الملاعنة، الموالاة، موالي أمه. قبل أن يعترف به أبوه.
لأنه لم يكن له نسب ولا عصبة. فلما ثبت نسبه صار إلى عصبته.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا في ولد العبد من المرأة حرة. وأبو العبد حر:
أن الجلد أبا العبد بجر ولاء ولد ابنه الأحرار من امرأة حرة. يرثهم ما دام أبوهم عبدا. فإن
عتق أبوهم رجع الولاء إلى مواليه. وإن مات وهو عبد كان الميراث والولاء للجد. وإن
العبد كان له ابنان حران. فمات أحدهما. وأبوه عبد. جر الجد، أبو الأب، الولاء والميراث.
قال مالك، في الأمة تعتق وهي حامل. وزوجها مملوك. ثم يعتق زوجها قبل أن تضع
حملها. أو بعد ما تضع: إن ولاء ما كان في بطنها للذي أعتق أمه. لان ذلك الولد قد كان
أصابه الرق. قبل أن تعتق أمه. وليس هو بمنزلة الذي تحمل به أمه بعد العتاقة. لان
الذي تحمل به أمه بعد العتاقة، إذا أعتق أبوه، جر ولاءه.
قال مالك، في العبد يستأذن سيده أن يعتق عبدا له. فيأذن له سيده: إن ولاء العبد
المعتق، لسيد العبد، لا يرجع ولاؤه لسيده الذي أعتقه. وإن عتق.

(الملاعنة) لا عن زوجته، قذفها بالفجور. وتلاعنا، لعن كل واحد منهما الآخر. فالمرأة ملاعنة
وملاعنة. (جر) سحب.
783

(12) باب ميراث الولاء
22 - حدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عبد الملك
ابن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبيه، أنه أخبره أن العاصي بن هشام
هلك. وترك بنين له ثلاثة. واثنان لام، ورجل لعلة. فهلك أحد اللذين لام. وترك مالا
وموالي. واترك ابنه وأخاه لأب يه. فقال ابنه: قد أحرزت ما كان أبى أحرز من المال وولاء
الموالي. وقال أخوه: ليس كذلك. إنما أحرزت المال. وأما ولاء الموالي، فلا. أرأيت
لو هلك أخي اليوم ألست أرثه أنا؟ فاختصما إلى عثمان بن عفان. فقضى لأخيه بولاء الوالي.
23 - وحدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، أنه أخبره أبوه: أنه كان
جالسا عند أبان بن عثمان. فاختصم إليه نفر من جهينة ونفر من بنى الحارث بن الخزرج.
وكانت امرأة من جهينة عند رجل من بنى الحارث بن الخزرج. يقال له إبراهيم بن كليب.
فماتت المرأة. وتركت مالا وموالي. فورثها ابنها وزوجها. ثم مات ابنها. فقال ورثته:
لنا ولاء الموالي. قد كان ابنها أحرزه. فقال الجهنيون: ليس كذلك. إنما هو موالي صاحبتنا.
فإذا مات ولدها فلنا ولاؤهم. ونحن نرثهم. فقضى أبان بن عثمان للجهنيين بولاء الموالي.

22 - (لعلة) أي امرأة أخرى. والجمع علات. إذا كان الأب واحدا والأمهات شتى. قيل مأخوذ من
العلل وهو الشرب بعد الشرب. لأن الأب لما تزوج امرأة بعد أخرى صار كأنه شرب مرة بعد أخرى.
(أحرزت) ضممت وملكت. (أرأيت) أخبرني.
784

24 - وحدثني مالك، أنه بلغه أن سعيد بن المسيب قال، في رجل هلك وترك بنين
له، ثلاثة. وترك موالي أعتقهم هو عتاقة. ثم إن الرجلين من بنيه هلكا. وتركا أولادا.
فقال سعيد بن المسيب: يرث الموالي، الباقي من الثلاثة. فإذا هلك هو، فولده وولد إخوته
في ولاء الموالي، شرع، سواء.
(13) باب ميراث السائبة وولاء من أعتق اليهودي والنصراني
25 - وحدثني مالك، أنه سأل ابن شهاب عن السائبة؟ قال: يوالي من شاء. فإن مات
ولم يوال أحدا، فميراثه للمسلمين. وعقله عليهم.
قال مالك: إن أحسن ما سمع في السائبة أنه لا يوالي أحد. وأن ميراثه للمسلمين وعقله
عليهم.
قال مالك، في اليهودي والنصراني يسلم عبد أحدهما فيعتقه قبل أن يباع عليه: إن ولاء
العبد المعتق للمسلمين. وإن أسلم اليهودي أو النصراني بعد ذلك لم يرجع إليه الولاء أبدا.
قال: ولكن إذا أعتق اليهودي أو النصراني عبدا على دينهما. ثم أسلم المعتق قبل أن
يسلم اليهودي أو النصراني الذي أعتقه. ثم أسلم الذي أعتقه. رجع إليه الولاء. لأنه قد
كان ثبت له الولاء يوم أعتقه.

24 - (الموالي) بتقدير مضاف، أي ولاء الموالي. (شرع) أي سواء.
(13 - باب ميراث السائبة)
(السائبة) هي أن يقول لعبده: أنت سائبة. يريد به العتق.
785

قال مالك: وإن كان لليهودي أو النصراني ولد مسلم، ورث موالي أبيه اليهودي
أو النصراني، إذا أسلم المولى المعتق. قبل أن يسلم الذي أعتقه. وإن كان المعتق، حين
أعتق، مسلما. لم يكن لولد النصراني أو اليهودي المسلمين، من ولاء العبد المسلم شئ.
لأنه ليس لليهودي ولا للنصراني ولاء، فولاء العبد المسلم لجماعة المسلمين
786

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب المكاتب
(1) باب القضاء في المكاتب
1 - حدثني مالك عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: المكاتب عبد ما بقي عليه
من كتابته شئ.
قد ورد مرفوعا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه أبو داود في: 28 - كتاب العتق، 1 - باب في المكاتب.
وابن ماجة في: 19 - كتاب العتق، 3 - باب المكاتب.
2 - وحدثني مالك أنه بلغه، أن عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، كانا يقولان:
المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شئ.
قال مالك: وهو رأيي.

(39 - كتاب المكاتب)
(المكاتب) بالفتح، من تقع عليه الكتابة. وبالسر، من تقع منه. وكاف الكتابة تفتح وتكسر.
قال الراغب: اشتقاقها من «كتب» بمعنى أوجب. ومنه قوله تعالى - كتب عليكم الصيام. إن الصلاة كانت
على المؤمنين كتابا موقوتا -. أو بمعنى جمع وضم. ومنه كتب على الخط. فعلى الأول تكون مأخوذة في معنى
الالتزام. ومن الثاني مأخوذة من الخط لوجوده عند عقدها غالبا.
787

قال مالك: فإن هلك المكاتب. وترك مالا أكثر مما بقي عليه من كتابته. وله ولد
ولدوا في كتابته. أو كاتب عليهم. ورثوا ما بقي من المال. بعد قضاء كتابته.
3 - وحدثني مالك عن حميد بن قيس المكي، أن مكاتبا كان لابن المتوكل. هلك
بمكة. وترك عليه بقية من كتابته. وديونا للناس. وترك ابنته. فأشكل على عامل مكة
القضاء فيه. فكتب إلى عبد الملك بن مروان يسأله عن ذلك. فكتب إليه عبد الملك:
أن ابدا بديون الناس. ثم اقض ما بقي من كتابته. ثم اقسم ما بقي من ماله بين ابنته ومولاه.
قال مالك: الامر عندنا: أنه ليس على سيد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك. ولم أسمع
أن أحدا من الأئمة أكره رجلا على أن يكاتب عبده. وقد سمعت بعض أهل العلم إذا سئل
عن ذلك فقيل له: إن الله تبارك وتعالى يقول - فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا - يتلو
هاتين الآيتين - وإذا حللتم فاصطادوا. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا
من فضل الله -.
قال مالك: وإنما ذلك أمر أذن الله عز وجل فيه للناس. وليس بواجب عليهم.
قال مالك: وسمعت بعض أهل العلم يقول في قول الله تبارك وتعالى - وآتوهم من مال
الله الذي آتاكم - إن ذلك أن يكاتب الرجل غلامه. ثم يضع عنه من آخر كتابته شيئا مسمى.
قال مالك: فهذا الذي سمعت من أهل العلم. وأدركت عمل الناس على ذلك عندنا.
قال مالك: وقد بلغني أن عبد الله بن عمر كاتب غلاما على خمسة وثلاثين ألف درهم.
ثم وضع عنه من آخر كتابته خمسة آلاف درهم.

3 - (ثم يضع) يحط.
788

قال مالك: الامر عندنا، أن المكاتب إذا كاتبه سيده تبعه ماله. ولم يتبعه ولده.
إلا أن يشترطهم في كتابته.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول، في المكاتب يكاتبه سيده وله جارية بها حبل منه.
لم يعلم به هو ولا سيده يوم كتابته فإنه لا يتبعه ذلك الولد. لأنه لم يكل دخل في كتابته.
وهو لسيده. فأما الجارية فإنها للمكاتب لأنها من ماله.
قال مالك، في رجل ورث مكاتبا، من امرأته هو وابنها: إن المكاتب إن مات قبل
أن يقضى كتابته، اقتسما ميراثه على كتاب الله وإن أدى كتابته ثم مات، فميراثه لابن المرأة.
وليس للزوج من ميراثه شئ.
قال مالك، في المكاتب يكاتب عبده قال: ينظر في ذلك. فإن كان إنما أراد المحاباة
لعبده، وعرف ذلك منه بالتخفيف عنه. فلا يجوز ذلك. وإن كان إنما كاتبه على وجه الرغبة
وطلب المال، وابتغاء الفضل والعون على كتابته. فذلك جائز له.
قال مالك، في رجل وطئ مكاتبة له: إنها إن حملت فهي بالخيار. إن شاءت كانت
أم ولد. وإن شاءت قرت على كتابتها. فإن لم تحمل، فهي على كتابتها.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا في العبد يكون بين الرجلين، إن أحدهما لا يكاتب
نصيبه منه. أذن له بذلك صاحبه أو لم يأذن. إلا أن يكاتباه جميعا. لان ذلك يعقد له عتقا.
ويصير إذا أدى العبد ما كوتب عليه. إلى أن يعتق نصفه. ولا يكون على الذي كاتب بعضه،
أن يستتم عتقه. فذلك خلاف ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق شركا له في عبد قوم عليه
قيمة العدل).

(من امرأته) متعلق بورث. (شركا) أي نصيبا.
789

قال مالك: فإن جهل ذلك حتى يودي المكاتب. أو قبل أن يودي. رد إليه الذي كاتبه.
ما قبض من المكاتب. فاقتسمه هو وشريكه على قدر حصصهما. وبطلت كتابته. وكان
عبدا لهما على حاله الأولى.
قال مالك، في مكاتب بين رجلين. فأنظره أحدهما بحقه الذي عليه. وأبى الاخر أن
ينظره. فاقتضى الذي أبى أن ينظره، بعض حقه. ثم مات المكاتب. وترك مالا ليس فيه
وفاء من كتابته.
قال مالك: يتحاصان بقدر ما بقي لهما عليه. يأخذ كل واحد منهما بقدر حصته. فإن
ترك المكاتب فضلا عن كتابته، أخذ كل واحد منهما ما بقي من الكتابة. وكان ما بقي
بينهما بالسواء. فإن عجز المكاتب، وقد اقتضى الذي لم ينظره أكثر مما اقتضى صاحبه،
كان العبد بينهما نصفين. ولا يرد على صاحبه فضل ما اقتضى. لأنه إنما اقتضى الذي له
بإذن صاحبه. وإن وضع عنه أحدهما الذي له. ثم اقتضى صاحبه بعض الذي له عليه. ثم
عجز. فهو بينهما. ولا يرد الذي اقتضى عليه صاحبه شيئا. لأنه إنما اقتضى الذي له عليه.
وذلك بمنزلة الدين للرجلين. بكتاب واحد على رجل واحد. فينظره أحدهما. ويشح الاخر
فيقتضى بعض حقه. ثم يفلس الغريم. فليس على الذي اقتضى، أن يرد شيئا مما أخذ.

(يتحاصان) أي يقتسمان. (فضلا) أي زيادة. (ويشح) أي يأبى.
790

(2) باب الحمالة في الكتابة
4 - قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، أن العبيد إذا كوتبوا جميعا. كتابة واحدة.
فإن بعضهم حملاء عن بعض. وإنه لا يوضع عنهم، لموت أحدهم، شئ. وإن قال أحدهم:
قد عجزت. وألقى بيديه. فإن لأصحابه أن يستعملوه فيما يطيق من العمل. ويتعاونون بذلك
في كتابتهم. حتى يعتق بعتقهم. إن عتقوا ويرق برقهم. إن رقوا.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، أن العبد إذا كاتبه سيده. لم ينبغ لسيده أن يحتمل
له، بكتابة عبده، أحد. إن مات العبد أو عجز. وليس هذا من سنة المسلمين. وذلك أنه إن
تحمل رجل لسيد المكاتب، بما عليه من كتابته. ثم اتبع ذلك سيد المكاتب قبل الذي
تحمل له. أخذ ماله باطلا. لا هو ابتاع المكاتب، فيكون ما أخذ منه من ثمن شئ هو له.
ولا المكاتب عتق، فيكون في ثمن حرمة ثبتت له. فإن عجز المكاتب رجع إلى سيده.
وكان عبدا مملوكا له. وذلك أن الكتابة ليست بدين ثابت يتحمل لسيد المكاتب بها.
إنما هي شئ. إن أداه المكاتب عتق. وإن مات المكاتب وعليه دين، لم يحاص الغرماء
سيده بكتابته. وكان الغرماء أولى بذلك من سيده. وإن عجز المكاتب وعليه دين للناس.
رد عبدا مملوكا لسيده. وكانت ديون الناس في ذمة المكاتب. لا يدخلون مع سيده في شئ
من ثمن رقبته.

4 - (حملاء) ضامنون. (لم ينبغ) لم يجز. (حمل) ضمن. (قبل) أي جهة.
(ثمن حرمة) هي حرمة العتق.
791

قال مالك: إذا كاتب القوم جميعا كتابة واحدة. ولا رحم بينهم يتوارثون بها، فإن
بعضهم حملاء عن بعض ولا يعتق بعضهم دون بعض حتى يؤدوا الكتابة كلها. فإن مات
أحد منهم وترك مالا هو أكثر من جميع ما عليهم. أدى عنهم جميع ما عليهم. وكان فضل
المال لسيده. ولم يكن لمن كاتب معه من فضل المال شئ. ويتبعهم السيد بحصصهم التي
بقيت عليهم. من الكتابة التي قضيت من مال الهالك. لان الهالك إنما كان تحمل عنهم.
فعليهم أن يؤدوا ما عتقوا به من ماله. وإن كان للمكاتب الهالك ولد حر لم يولد في
الكتابة. ولم يكاتب عليه. لم يرثه. لان المكاتب لم يعتق حتى مات.
(3) باب القطاعة في الكتابة
5 - حدثني مالك، أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي (ص 9 كانت تقاطع مكاتبيها
بلا ذهب والورث. قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا في المكاتب يكون بين الشريكين. فإنه لا يجوز
لأحدهما أن يقاطعه على حصته. إلا بإذن شريكه. وذلك أن العبد وماله بينهما. فلا يجوز
لأحدهما أن يأخذ شيئا من ماله إلا بإذن شريكه. ولو قاطعه أحدهما دون صاحبه ثم حاز

(وكان فضل المال) أي ما بقي منه.
(3 - باب القطاعة في الكتابة)
(القطاعة) بفتح القاف وكسرها اسم مصدر قاطع. والمصدر المقاطعة. سميت بذلك لأنه قطع طلب سيده
عنه بما أعطاه. أو قطع له بتمام حريته بذلك. أو قطع بعض ما كان لي عنده. قاله عياض.
5 - (تقاطع مكاتبيها) كاتبت عدة. منهم سليمان وعطاء وعبد الله وعبد الملك. الأربعة أولاد يسار.
(بالذهب والفضة) أي تأخذه منهم عاجلا في نظير ما كاتبتهم عليه.
792

ذلك. ثم مات المكاتب وله مال. أو عجز. لم يكن لمن قاطعه شئ من ماله. ولم يكن له
أن يرد ما قاطعه عليه. ويرجع حقه في رقبته. ولكن من قاطع مكاتبا بإذن شريكه. ثم
عجز المكاتب. فإن أحب الذي قاطعه أن يرد الذي أخذ منه من القطاعة. ويكون على نصيبه
من رقبة المكاتب كان ذلك له. وإن مات المكاتب. وترك مالا. استوفى الذي بقيت له
الكاتبة. حقه الذي بقي له على المكاتب من ماله. ثم كان ما بقي من مال المكاتب بين الذين قاطعه وبين شريكه. على قدر حصصهما في المكتب. وإن شئت أن ترد على صاحبك نصف
الذي أخذت، ويكون العبد بينكما شطرين. وإن أبيت، فجميع العبد للذي تمسك بالرق
خالصا.
قال مالك، في المكاتب يكون بين الرجلين، فيقاطعه أحدهما بإذن صاحبه. ثم يقتضى
الذي تمسك بالرق منثل ما قاطع عليه صابح هو أو أكثر من ذلك. ثم يعجز المكاتب.
قال مالك: فهو بينهما، لأنه إنما اقتضى الذي له عليه. وإن اقتضى أقل مما أخذ الذي
قاطعه، ثم عجز المكاتب، فأحب الذي قاطعه أن يرد على صاحبه نصف ما تفضله به، ويكون
العبد بينهما نصفين، فذلك له. وإن أبى، فجميع العبد للذي لم يقاطعه. وإن مات المكاتب
وترك مالا. فأحب الذي قاطعه أن يرد على صاحبه نصف ما تفضله به. ويكون الميراث
بينهما. فذلك له. وإن كان الذي تمسك بالكتابة قد أخذ مثل ما قاطع عليه شريكه.
أو أفضل. فالميراث بينهما بقدر ملكهما. لأنه إما أخذ حقه.
وقال مالك، في المكاتب يكون بين الرجلين. فيقاطع أحدهما على نصف حقه بإذن
793

صاحبه. ثم يقبض الذي تمسك بالرق أقل مما قاطع عليه صاحبه. ثم يعجز المكاتب.
قال مالك: إن أحب الذي قاطع العبد أن يرد على صاحبه نصف ما تفضله به، كان العبد
بينهما شطرين. وإن أبى أن يرد فللذي تمسك بالرق حصة صاحبه الذي كان قاطع عليه
المكاتب.
قال مالك: وتفسير ذلك، أن العبد يكون بينهما شطرين. فيكاتبانه جميعا. ثم يقاطع
أحدهما المكاتب على نصف حقه. بإذن صاحبه. وذلك لأربع من جميع العبد. ثم يعجز
المكاتب. فيقال للذين قاطعه: إن شئت فاردد على صاحبك نصف ما فضلته به، ويكون
العبد بينكما شطرين. إن أبى، كان للذي تمسك بالكتابة ربع صاحبه الذي قاطع
المكاتب عليه خالصا. وكان له نصف العبد. فذلك ثلاثة أرباع العبد وكان للذي قاطع
ربع العبد. لأنه أبى أن يرد ثمن ربعه الذي قاطع عليه.
قال مالك، في المكاتب يقاطعه سيده. فيعتق. ويكتب عليه ما بقي من قطاعته دينا
عليه. ثم يموت المكاتب وعليه دين للناس.
قال مالك: فإن سيده لا يحاص غرماءه بالذي عليه من قطاعته و. لغرمائه أن يبدوا عليه.
قال مالك: ليس للمكاتب أن يقاطع سيده إذا كان عليه دين للناس. فيعتق ويصير
لا شئ له. الآن أهل الدين أحق بماله من سيده. فليس ذلك بجائز له.
قال مالك: الامر عندنا في الرجل يكاتب عبده. ثم يقاطعه بالذهب. فيضع عنه مما عليه
من الكتابة. على أن يعجل له ما قاطعه عليه: أنه ليس بذلك بأس. وإنما كره ذلك من
كرهه، لأنه أنزله بمنزلة الدين، يكون للرجل على الرجل إيل أجل، فيضع عنه، وينقده.
794

وليس مثل الدين. إنما كانت قطاعة المكاتب سيده، على أن عطيه مالا في أن يتعجل العتق. فيجب له الميراث والشهادة والحدود. وتثبت له حرمة العتاقة. ولم يشتر دراهم
بدراهم. ولا ذهبا بذهب. وإنما مثل ذلك مثل رجل قال لغلامه: ائتني بكذا وكذا دينارا.
وأنت حر. فوضع عنه من ذلك. فقال: إن جئتني بأقل من ذلك فأنت حر. فليس هذا دينا
ثابتا. ولو كان دينا ثابتا لحاص به السيد غرماء المكاتب، إذا مات أو أفلس. فدخل معهم
في مال مكاتبه.
(4) باب جراح المكاتب
6 - قال مالك: أحسن ما سمعت في المكاتب يجرح الرجل جرحا يقع فيه العقل عليه:
أن المكاتب إن قوى على أن يؤدى عقل ذلك الجرح مع كتابته، أداه. وكان على كتابته.
فإن لم يقو على ذلك، فقد عجز عن كتابته. وذلك أنه ينبغي ان يؤدى عقل ذلك الجرح
قبل الكتابة. فإن هو عجز عن أداء عقل ذلك الجرح، خير سيده. فإن أحب أن يؤدى
عقلا ذلك الجزح، فعل. وأمسك غلامه. وصار عبدا مملوكا. وإن شاء أن يسلم العبد إلى
المجروح أسلمه. وليس على السيد أكثر من أن يسلم عبده.
قال مالك، في القول يكاتبون جميعا، فيجرح أحدهم جرحا فيه عقل.
قال مالك: من جرح منهم جرحا فيه عقل، قيل له وللذين معه في الكتابة: أدوا جميعا
عقل ذلك الجرح. فإن أدوا ثبتوا على كتابتهم. وإن لم يؤدوا فقد عجزوا. ويخير سيدهم.
795

فإن شاء أدى عقل ذلك الجرح ورجعوا عبيدا له جميعا. إن شاء أسلم الجارح وحده ورجع
الآخرون عبيدا له جميعا. بعجزهم عن أداء عقل ذلك الجرح. الذي جرح صاحبهم. قال مالك: الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا، أن المكاتب إذا أصيب بجرح يكون له
فيه عقل. أو أصيب أحد من ولد المكاتب الذين معه في كتابته. فإن عقلهم عقل العبيد
في قيمتهم. وأن ما أخذ لهم من عقلهم يدفع إلى سيدهم الذي له الكتابة. يحسب ذلك
للمكاتب في آخر كتابته. فيوضع عنه ما أخذه سيده من دية جرحه.
قال مالك: وتفسير ذلك، أنه كأنه كاتبه على ثلاثة إلاف درهم. وكان دية جرحه
الذي أخذها سيده ألف درهم. فإذا أدى المكاتب إلى سيده ألفي درهم فهو حر. وإن كان
الذي بقي عليه من كتابته ألف درهم. وكان الذي أخذ من دية جرحه ألف درهم. فقد
عتق. وإن كان عقل جرحه أكثر مما بقي على المكاتب. أخذ سيد المكاتب ما بقي من
كتابته وعتق. وكان ما فضل بعد أداء كتابته للمكاتب. ولا ينبغي أن يدفع إلى المكاتب
شئ من دية جرحه. فيأكله ويستهلكه. فإن عجز رجع إلى سيده. أعور أو مقطوع اليد
أو معضوب الجسد. وإنما كاتبه سيده على ماله وكسبه. ولم يكاتبه على أن يأخذ ثمن
ولده ولا ما أصيب من عقل جسده. فيأكله ويستهلكه. ولكن عقل جراحات المكاتب
وولده الذين ولدوا في كتابته. أو كاتب عليهم. يدفع إلى سيده. ويحسب ذلك له في آخر كتابته.
796

(5) باب بيع المكاتب
7 - قال ماكل: إن أحسن ما سمع في الرجل يشترى مكاتب الرجل: أنه لا يبيعه.
إذا كان كاتبه بدنانير أو دراهم. إلا بعرض من العروض يعجله ولا يؤخره. لأنه إذا
أخره كان دينا بدين. وقد نهى عن الكالئ بالكالئ.
قال: وإن كاتب المكاتب سيده بعرض من العروض. من الإبل أو البقر أو الغنم
أو الرقيق. فإنه يصلح للمشترى أن يشتريه بذهب أو فضة أو عرض مخالف للعروض التي
كتابه سيده عليها. يعجل ذلك ولا يؤخره.
قال مالك: أحسن ما سمعت في المكاتب: أنه إذا بيع كان أحق باشتراء كتابته ممن
اشتراها. إذا قوى أن يؤدى إلى سده الثمن الذي باعه به نقدا. وذلك أن اشتراءه نفسه عتاقة.
والعتاقة تبدأ على ما كان معها من الوصايا. وإن باع بعض من كاتب المكاتب نصيبه منه.
فباع نصف المكاتب أو ثلثه أو ربعه. أو سهما من أسهم المكاتب. فليس للمكاتب
فيما بيع منه شفعة. وذلك أنه يصير بمنزلة القطاعة. وليس له أن بقاطع بعض من كاتبه. إلا
بإذن شركائه. أو ما بيع منه ليست له به حرمة تامة. وأن ماله محجور عنه. أن اشتراءه
بعضه يخاف عليه منه العجز. لما يذهب من ماله. وليس ذلك بمنزلة اشتراء المكاتب
نفسه كاملا. إلا أن يأذن له من بقي له فيه كتابة. فإن أذنوا له كان أحق بما بيع منه.
قال مالك: لا يحل بيع نجم من نجوم المكاتب. وذلك أنه غرر. إن عجز المكاتب
بطل ما عليه. وإن مات أو أفلس وعليه ديون للناس. لم يأخذ الذي اشترى نجمه بحصته
797

مع غرمائه شيئا. وإنما الذي يشترى نجما من نجوم المكاتب. بمنزلة سيده المكاتب.
فسيد المكاتب لا يحاص بكتابة غلامه غرماء المكاتب وكذلك الخراج أيضا يجتمع له
على غلامه. فلا يحاص، بما اجتمع له من الخراج، غرماء غلامه.
قال مالك: لا بأس بأن يشترى المكاتب كتابته بعين أو عرض مخالف لما كوتب
به من العين أو العرض. أو غير مخالف معجل أو مؤخر.
قال مالك، في المكاتب يهلك ويترك أم ولد، وولدا له صغارا. منها أو من غيرها. فلا
يقوون على السعي. ويخاف عليهم العجز عن كتابتهم. قال: تباع أم ولد أبيهم. إذا كان
في ثمنها ما يؤدى به عنهم جميع كتابتهم. أمهم كانت أو غير أمهم. يؤدى عنهم ويعتقون.
لان أباهم كان لا يمنع بيعها إذا خاف العجز عن كتابته: فهؤلاء إذا خيف عليهم العجز
بيعت أم ولد أبيهم. فيؤدى عنهم ثمنها. فإن لم يكن في ثمنها ما يؤدى عنهم. ولم تقو هي
ولا هم على السعي. رجعوا جميعا رقيقا لسيدهم.
قال مالك: الامر عندنا في الذي يبتاع كتابة المكاتب. ثم يهلك المكاتب قبل أن
يؤدى كتابته: أنه يرثه الذي اشترى كتابته. وإن عجز فله رقبته. وإن أدى المكاتب
كتابته إلى الذي اشتراها وعتق. فولاؤه للذي عقد كتابته. ليس للذي اشترى كتابته
من ولائه شئ.
798

(6) باب سعى المكاتب
8 - حدثني مالك، أنه بلغه أن عروة بن الزبير وسليمان بن يسار سئلا عن رجل
كاتب على نفسه وعلى بينه. ثم مات. هل يسعى بنو المكاتب في كتابة أبيهم أم هم عبيد؟
فقالا، بل يسعون في كتابة أبيهم ولا يوضع عنهم، لموت أبيهم، شئ.
قال مالك: وإن كانوا صغارا لا يطيقون السعي. لم ينتظر بهم أن يكبروا. وكانوا رقيقا
لسيد أبيهم. إلا أن يكون المكاتب ترك ما يؤدى به عنهم نجومهم. إلى أن يتكلفوا
السعي. فإن كان فيما ترك ما يودي عنهم. أدى ذلك عنهم. وتركوا على حالهم. حتى يبلغوا
السعي. فإن أدوا عتقوا. وإن عجزوا رقوا.
قال مالك، في المكاتب يموت ويترك مالا ليس فيه وفاء الكتابة.
ويترك ولدا معه في
كتابته. وأم ولد. فأرادت أم ولده أن تسعى عليهم: إنه يدفع إليها المال. إذا كانت مأمونة
على ذلك، قوية على السعي. وإن لم تكن قوية على السعي. ولا مأمونة على المال. لم تعط
شيئا من ذلك. ورجعت هي وولد المكاتب رقيقا لسيد المكاتب.
قال مالك: إذا كاتب القوم جميعا كتابة واحدة. ولا رحم بينهم. فعجز بعضهم وسعى
بعضهم حتى عتقوا جميعا. فإن الذين سعوا يرجعون على الذين عجزوا. بحصة ما أدوا عنهم.
لان بعضهم حملاء عن بعض.
799

(7) باب عتق المكاتب إذا أدى ما عليه قبل محله
9 - حدثني مالك، أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وغيره، يذكرون أن مكاتبا
كان للفرافصة بن عمير الحنفي، وأنه عرض عليه أن يدفع إليه جميع ما عليه من كتابته.
فأبى الفرافصة. فأتى المكاتب مروان بن الحكم. وهو أمير المدينة. فذكر ذلك له.
فدعا مروان الفرافصة. فقال له ذلك. فأبى. فأمر مروان بذلك المال أن يقبض من المكاتب،
فيوضع في بيت المال. وقال للمكاتب: اذهب فقد عتقت. فلما رأى ذلك الفرافصة،
قبض المال.
قال مالك: فالامر عندنا، أن المكاتب إذا أدى جميع ما عليه من نجومه. قبل محلها.
جاز ذلك له. ولم يكن لسيده أن يأبى ذلك عليه. وذلك أنه يضع عن المكاتب بذلك
كل شرط، أو خدمة أو سفر. لأنه لا تتم عتاقة رجل وعليه بقية من رق. ولا تتم حرمته.
ولا تجوز شهادته. ولا يجب ميراثه. ولا أشباه هذا أمره. ولا ينبغي لسيده أن يشترط
عليه خدمة بعد عتاقته.
قال مالك، في مكاتب مرض مرضا شديدا. فأراد أن يدفع نجومه كلها إلى سيده.
لان يرثه ورثة له أحرار. وليس معه، في كتابته، ولد له.
قال مالك: ذلك جائز له. لأنه تتم بذلك حرمته. وتجوز شهادته. ويجوز اعترافه بما
عليه من ديون الناس. وتجوز وصيته. وليس لسيده أن يأبى ذلك عليه، بأن يقول:
فر منى بماله.
800

(8) باب ميراث المكاتب إذا عتق
10 - حدثني مالك، أنه بلغه أن سعيد بن المسيب سئل عن مكاتب كان بين رجلين.
فأعتق أحدهما نصيبه. فمات المكاتب. وترك مالا كثيرا. فقال: يؤدى إلى الذي تماسك
بكتابته، الذي بقي له. ثم يقتسمان ما بقي بالسوية.
قال مالك: إذا كاتب المكاتب فعتق. فإنما يرثه أولى الناس بمن كاتبه من الرجال،
يوم توفى المكاتب، من ولد أو عصبة.
قال: وهذا أيضا في كل من أعتق. فإنما ميراثه لا قرب الناس ممن أعتقه. من ولد أو عصبة
من الرجال. يوم يموت المعتق. بعد أن يعتق. ويصير موروثا بالولاء.
قال مالك: الاخوة في الكتابة بمنزلة الولد. إذا كوتبوا جميعا كتابة واحدة. إذا
لم يكن لاحد منهم ولد. كاتب عليهم. أو ولدوا في كتابته. أو كاتب عليهم. ثم هلك
أحدهم وترك مالا. أدى عنهم جميع ما عليهم من كتابتهم. وعتقوا. وكان فضل المال
بعد ذلك لولده دون إخوته.
801

(9) باب الشرط في المكاتب
11 - حدثني مالك، في رجل كاتب عبده بذهب أو ورق. واشترط عليه في كتابته
سفرا أو خدمة أو ضحية: إن كل شئ من ذلك سمى باسمه. ثم قوى المكاتب على أداء
نجومه كلها قبل محلها.
قال: إذا أدى نجومه كلها وعليه هذا الشرط عتق فتمت حرمته. ونظر إلى ما شرط
عليه من خدمة أو سفر. أو ما أشبه ذلك مما يعالجه هو بنفسه. فذلك موضوع عنه. ليس
لسيده فيه شئ. وما كان من ضحية أو كسوة أو شئ يؤديه. فإنما هو بمنزلة الدنانير
والدراهم. يقوم ذلك عليه. فيدفعه مع نجومه. ولا يعتق حتى يدفع ذلك مع نجومه.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، الذي لا اختلاف فيه، أن المكاتب بمنزلة عبد
أعتقه سيده. بعد خدمة عشر سنين. فإذا هلك سيده الذي أعتقه قبل عشر سنين. فإن ما بقي
عليه، من خدمته، لورثته. وكان ولاؤه للذي عقد عتقه. ولولده من الرجال أو العصبة.
قال مالك، في الرجل يشترط على مكاتبه أنك لا تسافر ولا تنكح ولا تخرج من
أرضى إلا بإذني. فإن فعلت شيئا من ذلك بغير إذني، فمحو كتابتك بيدي.
قال مالك: ليس محو كتابته بيده، إن فعل المكاتب شيئا من ذلك. وليرفع سيده ذلك
إلى السلطان. وليس للمكاتب أن ينكح ولا يسافر ولا يخرج من أرض سيده إلا بإذنه.
اشترط ذلك أو لم يشترطه. وذلك أن الرجل يكاتب عبده بمائة دينار. وله ألف دينار
أو أكثر من ذلك. فينطلق فينكح المرأة. فيصدقها الصداق الذي يجحف بماله. ويكون
802

فيه عجزه. فيرجع إلى سيده عبدا لا مال له. أو يسافر فتحل نجومه وهو غائب. فليس
ذلك له. ولا على ذلك كاتبه. وذلك بيد سيده. إن شاء أذن له في ذلك، وإن شاء منعه.
(10) باب ولاء المكاتب إذا أعتق
12 - قال مالك: إن المكاتب إذا أعتق عبده، إن ذلك غير جائز له. إلا بإذن سيده،
فإن أجاز ذلك سيده له. ثم عتق المكاتب. كان ولاؤه للمكاتب. وإن مات المكاتب
قبل أن يعتق. كان ولاء المعتق لسيد المكاتب. وإن مات المعتق قبل أن يعتق المكاتب
ورثه سيد المكاتب.
قال مالك: وكذلك أيضا لو كاتب المكاتب عبدا. فعتق المكاتب الاخر قبل سيده
الذي كاتبه. فإن ولاءه لسيد المكاتب. ما لم يعتق المكاتب الأول الذي كاتبه. فإن
عتق الذي كاتبه، رجع إليه ولاء مكاتبه الذي كان عتق قبله. وإن مات المكاتب
الأول قبل أن يؤدى. أو عجز عن كتابته، وله ولد أحرار، لم يرثوا ولاء مكاتب أبيهم.
لأنه لم يثبت لأبيهم الولاء. ولا يكون له الولاء حتى يعتق.
قال مالك، في المكاتب يكون بين الرجلين. فيترك أحدهما للمكاتب الذي له عليه.
ويشح الاخر. ثم يموت المكاتب. ويترك مالا.
قال مالك: يقضى الذي لم يترك له شيئا ما بقي له عليه. ثم يقتسمان المال. كهيئته
لو مات عبدا. لان الذي صنع ليس بعتاقة. وإنما ترك ما كان له عليه.
803

قال مالك: ومما يبين ذلك، أن الرجل إذا مات وترك مكاتبا. وترك بنين رجالا ونساء.
ثم أعتق أحد البنين نصيبه من المكاتب: إن ذلك لا يثبت له من الولاء شيئا. ولو كانت
عتاقة، لثبت الولاء لمن أعتق منهم، من رجالهم ونسائهم.
قال مالك: ومما يبين ذلك أيضا، أنهم إذا أعتق أحدهم نصيبه. ثم عجز المكاتب.
لم يقوم، على الذي أعتق نصيبه، ما بقي من المكاتب. ولو كانت عتاقة، قوم عليه حتى يعتق
في ماله. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل، فإن
لم يكن له مال عتق منه ما عتق).
قال: ومما يبين ذلك أيضا، أن من سنة المسلمين التي لا اختلاف فيها، أن من أعتق
شركا له في مكاتب. لم يعتق عليه في ماله. ولو عتق عليه كان الولاء له دون شركائه.
ومما يبين ذلك أيضا، أن من سنة المسلمين، أن الولاء لمن عقد الكتابة. وأنه ليس لمن
ورث سيد المكاتب، من النساء، من ولاء المكاتب، وإن أعتق نصيبهن، شئ. إنما
ولاؤه لولد سيد المكاتب الذكور. أو صبته من الرجال.
(11) باب مالا يجوز من عتق المكاتب
13 - قال مالك: إذا كان القوم جميعا في كتابة واحدة. لم يعتق سيدهم أحد منهم،
دون مؤامرة أصحابه الذين معه في الكتابة، ورضا منهم وإن كانوا صغارا، فليس مؤامرتهم
بشئ. ولا يجوز ذلك عليهم.
804

قال: وذلك أن الرجل ربما كان يسعى على جميع القوم. ويؤدى عنهم كتابتهم. لتتم
به عتاقتهم. فيعمد السيد إلى الذي يؤدى عنهم. وبه نجاتهم من الرق. فيعتقه. فيكون
ذلك عجزا لمن بقي منهم. وإنما أراد، بذلك، الفضل والزيادة لنفسه. فلا يجوز ذلك على من
بقي منهم. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وهذا أشد الضرر.
قال مالك، في العبيد يكاتبون جميعا: إن لسيدهم أن يعتق منهم الكبير الفاني والصغير.
الذي لا يؤدى واحد منهما شيئا. وليس عند واحد منهما، عون ولا قوة في كتابتهم فذلك
جائز له.
(12) باب ما جاء في عتق المكاتب وأم ولده
14 - قال مالك، في الرجل يكاتب عبده. ثم يموت المكاتب ويترك أم ولده. وقد
بقيت عليه من كتابته بقية. ويترك وفاء بما عليه: إن أم ولده أمة مملوكة حين لم يعتق
المكاتب حتى مات. ولم يترك ولدا فيعتقون بأداء ما بقي. فتعتق أم ولد أبيهم بعتقهم.
قال مالك، في المكاتب يعتق عبدا له. أو يصدق ببعض ماله. ولم يعلم بذلك سيده.
حتى عتق المكاتب.
قال مالك: ينفذ ذلك غلبه. وليس للمكاتب أن يرجع فيه. فإن علم سيد المكاتب
قبل أن يعتق المكاتب، فرد ذلك ولم يجزه، فإنه، إن عتق المكاتب، وذلك في يده،
805

لم يكن عليه أن يعتق ذلك العبد. ولا أن يخرج تلك الصدقة. إلا أن يفعل ذلك طائعا
من عند نفسه.
(13) باب الوصية في المكاتب
15 - قال مالك: إن أحسن ما سمعت في المكاتب يعتقه سيده عند الموت: أن المكاتب
يقام عليه هيئته تلك. التي لو بيع كان ذلك الثمن الذي يبلغ. فإن كانت القيمة أقل مما بقي
عليه من الكتابة. وضع ذلك في ثلث الميت. ولم ينظر إلى عدد الدراهم التي بقيت عليه.
وذلك أنه لو قتل لم يغرم قاتله. إلا قيمته يوم قتله. ولو جرح لم يغرم جارحه. إلا دية
جرحه يوم جرحه. ولا ينظر في شئ من ذلك إلى ما كوتب عليه. من الدنانير والدراهم.
لأنه عبد ما بقي عليه من كتابته شئ. وإن كان الذي بقي عليه من كتابته، أقل من قيمته،
لم يحسب في ثلث الميت. إلا ما بقي عليه من كتابته. وذلك أنه إنما ترك الميت له ما بقي
عليه من كتابته. فصارت وصية أوصى بها.
قال مالك: وتفسير ذلك، أنه لو كانت قيمة المكاتب ألف درهم. ولم يبق من
كتابته إلا مائة درهم. فأوصى سيده له بالمائة درهم التي بقيت عليه. حسبت له في
ثلث سيده. فصار حرابها.
قال مالك، في رجل كاتب عبده عند موته، إنه يقوم عبدا. فإن كان في ثلثه سعة
لثمن العبد، جاز له ذلك.
806

قال مالك: وتفسير ذلك، أن تكون قيمة العبد ألف دينار. فيكاتبه سيده على مائتي
دينار عند موته. فيكون ثلث مال سيده ألف دينار. فذلك جائز له. وإنما هي وصية
أوصى له بها في ثلثه. فإن كان السيد قد أوصى لقوم بوصايا. وليس في الثلث فضل عن
قيمة المكاتب. بدى بالمكاتب. لان الكتابة عتاقة. والعتاقة تبدأ على الوصايا.
ثم تجعل تلك الوصايا في كتابة المكاتب. يتبعونه بها. ويخير ورثة الموصى. فإن أحبوا
أن يعطوا أهل الوصايا وصاياهم كاملة. وتكون كتابة المكاتب لهم. فذلك لهم.
وإن أبو وأسلموا المكاتب وما عليه إلى أهل الوصايا. فذلك لهم. لان الثلث صار في
المكاتب. ولان كل وصية أوصى بها أحد. فقال الورثة: الذي أوصى به صاحبنا أكثر
من ثلثه. وقد أخذ ما ليس له. قال: فإن ورثته يخيرون. فيقال لهم: قد أوصى صاحبكم
بما قد علمتم. فإن أحببتم أن تنفذوا ذلك لأهله. على ما أوصى به الميت. وإلا فأسلموا
أهل الوصايا ثلث مال الميت كله.
قال: فإن أسلم الورثة المكاتب إلى أهل الوصايا. كان لأهل الوصايا ما عليه من
الكتابة. فإن أدى المكاتب ما عليه من الكتابة أخذوا ذلك في وصاياهم. على قدر
حصصهم. وإن عجز المكاتب. كان عبدا لأهل الوصايا. لا يرجع إلى أهل الميراث.
لأنهم تركوه حين خيروا. ولان أهل الوصايا حين أسلم إليهم ضمنوه. فلو مات لم يكن
لهم على الورثة شئ. وإن مات المكاتب قبل أن يؤدى كتابته. وترك مالا هو أكثر
مما عليه. فماله لأهل الوصايا. وإن أدى المكاتب ما عليه، عتق. ورجع ولاؤه إلى عصبة
الذي عقد كتابته.
807

قال مالك، في المكاتب يكون لسيده عليه عشرة آلاف درهم. فيضع عنه عند موته
ألف درهم.
قال مالك: يقوم المكاتب. فينظركم قيمته؟ فإن كانت قيمته ألف درهم. فالذي
وضع عنه عشر الكتابة. وذلك في القيمة مائة درهم. وهو عشر القيمة. فيوضع عنه عشر
الكتابة. فيصير ذلك إلى عشر القيمة نقدا. وإنما ذلك كهيئته لو وضع عنه جميع ما عليه.
ولو فعل ذلك لم يحسب في ثلث مال الميت. إلا قيمة المكاتب ألف درهم. وإن كان
الذي وضع عنه نصف الكتابة. حسب في ثلث مال الميت نصف القيمة. وإن كان أقل
من ذلك أو أكثر، فهو على هذا الحساب.
قال مالك: إذا وضع الرجل عن مكاتبة عند موته ألف درهم من عشرة آلاف درهم.
ولم يسم أنها من أول كتابته أو من آخر. وضع عنه من كل نجم عشره.
قال مال: وإذا وضع الرجل عن مكاتبه عند موته ألف درهم. من أول كتابته أو
من آخر. وكان أصل الكتابة على ثلاثة آلاف درهم. قوم المكاتب قيمة النقد.
ثم قسمتا تلك القيمة. فجعل لتلك الألف التي من أول الكتابة حصتها من تلك القيمة.
بقدر قربها من الاجل. وفضلها. ثم الألف التي تلى الألف الأولى. بقدر فضلها أيضا.
ثم الألف التي تليها. بقدر فضلها أيضا. حتى يؤتى على آخر. تفضل كل ألف بقدر موضعها.
في تعجيل الاجل وتأخيره. لان ما استأخر من ذلك كل أقل في القيمة. ثم يوضع في ثلث
الميت، قدر ما أصاب تلك الألف من القيمة. على تفاضل ذلك. إن قل أو كثر. فهو على هذا
الحساب.
808

قال مالك، في رجل أوصى لرجل بربع مكاتب. أو أعتق ربعه. فهلك الرجل. ثم هلك
المكاتب. وترك مالا كثيرا أكثر مما بقي عليه.
قال مالك: يعطى ورثة السيد والذي أوصى له بربع المكاتب، ما بقي لهم على المكاتب.
ثم يقتسمون ما فضل. فيكون، للموصى بربع المكاتب، ثلث ما فضل بعد أداء الكتابة.
ولورثة سيده، الثلثان. وذلك أن المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شئ. فإنما يورث بالرق.
قال مالك، في مكاتب أعتقه سيده عند الموت. قال: إن لم يحمله ثلث الميت عتق منه
قدر ما حمل الثلث. ويوضع عنه من الكتابة قدر ذلك. إن كان على المكاتب خمسة إلاف
درهم. وكانت قيمته ألفي درهم نقدا. ويكون ثلث الميت ألف درهم. عتق نصفه. ويوضع
عنه شطر الكتابة.
قال مالك، في رجل قال في وصيته: غلامي فلان حر. وكاتبوا فلانا: تبدأ العتاقة
على الكتابة
809

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب المدبر
(1) باب القضاء في المدبر
1 - حدثني مالك، أنه قال: الامر عندنا فيمن دبر جارية له فولدت أولادا بعد تدبيره
إياها. ثم ماتت الجارية قبل الذي دبرها: إن ولدها بمنزلتها. قد ثبت لهم من الشرط مثل
الذي ثبت لها. ولا يضرهم هلاك أمهم. فإذا مات الذي كان دبرها، فقد عتقوا. إن وسعهم
الثلث.
وقال مالك: كل ذات رحم فولدها بمنزلتها. إن كان حرة، فولدت بعد عتقها،
فولدها أحرار. وإن كانت مدبرة، أو مكاتبة، أو معتقة إلى سنين، أو مخدمة، أو بعضها
حرا، أو مرهونة، أو أم ولد، فولد كل واحدة منهن على مثال حال أمه. يعتقون بعتقها.
ويرتقون برقها.
قال مالك، في مدبرة دبرت وهي حامل: إن ولدها بمنزلتها. وإنما ذلك بمنزلة رجل
أعتق جارية له وهي حامل. ولم يعلم بحملها.
قال مالك: فالسنة فيها أن ولدها يتبعها ويعتق بعتقها.

(40 - كتاب المدبر)
(المدبر) هو الذي علق سيده عتقه على موته. سمي به لأن الموت دبر الحياة. ودبر كل شئ: ما وراءه.
810

قال مالك: وكذلك لو أن رجلا ابتاع جارية وهي حامل، فوليدة وما في بطنها لمن
ابتاعها. اشترط ذلك المبتاع، أو لم يشترطه.
قال مالك: ولا يحل للبائع أن يستثنى ما في بطنها. لان ذلك غرر. يضع من ثمنها.
ولا يدرى أيصل ذلك إليه أم لا.
وإنما ذلك بمنزلة ما لو باع جنينا في بطن أمه. وذلك
لا يحل له. لأنه غرر.
قال مالك، في مكاتب أو مدبر ابتاع أحدهما جارية. فوطئها. فحملت منه وولدت.
قال: ولد كل واحد منهما من جاريته بمنزلة. يعتقون بعتقه. ويرقون برقه.
قال مال: فإذا أعتق هو. فإنما أم ولده ماه من ماله. يسلم إليه إذا أعتق.
(2) باب جامع ما في التدبير
2 - قال مالك، في مدبر قال لسيده: عجل لي العتق. وأعطيك خمسين منهما منجمة على.
فقال سيده: نعم. أنت حر. وعليك خمسون دينارا. تؤدى إلى كل عام عشرة دنانير. فرضى
بذلك، العبد. ثم هلك السيد بعد ذلك بيوم أو يومين أو ثلاثة.
قال مالك: يثبت له العتق. وصارت الخمسون دينارا دينا عليه. وجازت شهادته. وثبتت
حرمته. وميراثه وحدوده. ولا يضع عنه، موت سيده، شيئا من ذلك الدين.
قال مالك، في رجل دبر عبدا له. فمات السيد. وله مال حاضر ومال غائب. فلم يكن
في ماله الحاضر ما يخرج فيه المدبر.

2 - (ولا يضع عنه) لا يسقط.
811

قال: يوقف المدبر بماله. ويجمع خراجه حتى يتبين من المال الغائب. فإن كان فيما ترك
سيده، مما يحمله الثلث عتق بماله. وبما جمع من خراجه. فإن لم يكن فيما ترك سيده
ما يحمله، عتق منه قدر الثلث وترك ماله في يديه.
(3) باب الوصية في التدبير
3 - قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا. أن كل عتاقة أعتقها رجل. في وصية أوصى
بها، في صحة أو مرض: أنه يردها متى شاء. ويغيرها متى شاء. ما لم يكن تدبيرا. فإذا دبر،
فلا سبيل له إلى رد ما دبر.
قال مالك: وكل ولد ولدته أمة، أوصى بعتقها ولم تدبر. فإن ولدها لا يعتقون معها
إذا عتقت. وذلك أن سيدها يغير وصيته إن شاء. ويردها متى شاء. ولم يثبت لها عتاقة.
وإنما هي بمنزلة رجل قال لجاريته: إن بقيت عندي فلانة حتى أموت، فهي حرة.
قال مالك: فإن أدركت ذلك، كان لها ذلك. وإن شاء، قبل ذلك، باعها وولدها. لأنه
لم يدخل ولدها في شئ مما جعل لها.
قال: والوصية في العتاقة مخالفة للتدبير. فرق بين ذلك، ما مضى من السنة.
قال: ولو كانت الوصية بمنزلة التدبير. كان كل موص لا يقدر على تغيير وصيته.
وما ذكر فيها من العتاقة. وكان قد حبس عليه من ماله ما لا يستطيع أن ينتفع به.

3 - (فإن أدركت ذلك) أي بقيت عنده حتى مات. (في كلام واحد) أي منسوق بلا فاصل.
812

قال مالك، في رجل دبر رقيقا له جميعا في صحته. وليس له مال غيرهم: إن كان دبر
بعضهم قبل بعض، بدى بالأول فالأول. حتى يبلغ الثلث وإن كان دبرهم جميعا في مرضه.
فقال: فلان حر. وفلان حر. وفلان حر. في كلام واحد. إن حدث بي في مرضى هذا حدث
موت. أو دبرهم جميعا في كلمة واحدة. تحاصوا في الثلث. ولم يبدأ أحد منهم قبل
صاحبه. وإنما هي وصية. وإنما لهم الثلث. يقسم بينهم بالحصص. ثم يعتق منهم الثلث.
بالغا ما بلغ.
قال: ولا يبدأ أحد منهم إذا كان ذلك كله في مرضه.
قال مالك، في رجل دبر غلاما له. فهلك السيد ولا مال له إلا العبد المدبر. وللعبد مال.
قال: يعتق ثلث المدبر. ويوقف ماله بيديه.
قال مالك، في مدبر كاتبه سيده فمات السيد ولم يترك مالا غيره.
قال مالك: يعتق منه ثلثه. ويوضع عنه ثلث كتابته. ويكون عليه ثلثاها.
قال مالك، في رجل أعتق نصف عبد له وهو مريض. فبت عتق نصفه. أو بت عتقه كله.
وقد كان دبر عبدا له آخر قبل ذلك.
قال: يبدأ بالمدبر قبل الذي أعتقه وهو مريض. وذلك أنه ليس للرجل أن يرد ما دبر.
ولا أن يتعقبه بأمر يرده به. فإذا عتق المدبر. فليكن ما بقي من الثلث في الذي أعتق
شطره. حتى يستتم عتقه كله. في ثلث مال الميت. فإن لم يبلغ ذلك فضل الثلث. عتق
منه ما بلغ فضل الثلث. بعد عتق المدبر الأول.
813

(4) باب مس الرجل وليدته إذا دبرها
4 - حدثني مالك عن نافع، أن عبد الله بن عمر دبر جاريتين له. فكان يطؤهما وهما
مدبرتان.
5 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، أن سعيد بن المسيب كان يقول: إذا دبر الرجل
جاريته. فإن له أن يطأها. وليس له أن يبيعها ولا يهبها. وولدها بمنزلتها.
(5) باب بيع المدبر
6 - قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا في المدبر. أن صاحبه لا يبيعه. ولا يحوله
عن موضعه الذي وضعه فيه. وأنه إن رهق سيده دين. فإن غرماءه لا يقدرون على بيعه.
ما عاش سيده. فإن مات سيده ولا دين عليه فهو في ثلثه. لأنه استثنى عليه عمله ما عاش.
فليس له أن يخدمه حياته. ثم يعتقه على ورثته. إذا مات من رأس ماله وإن مات سيد
المدبر، ولا مال له غيره. عتق ثلثه. وكان ثلثاه لورثته. فإن مات سيد المدبر. وعليه
دين محيط بالمدبر. بيع في دينه. لأنه إنما يعتق في الثلث.
قال: فإن كان الدين لا يحيط إلا بنصف العبد. بيع نصفه للدين ثم عتق ثلث ما بقي
بعد الدين.

6 - (رهق) أي غشي.
814

قال مالك: لا يجوز بيع المدبر. ولا يجوز لاحد أن يشتريه. إلا أن يشترى المدبر نفسه
من سيده. فيكون ذلك جائزا له. أو يعطى أحد سيد المدبر مالا. ويعتقه سيده الذي دبره.
فذلك يجوز له أيضا.
قال مالك: وولاؤه لسيده الذي دبره.
قال مالك: لا يجوز بيع خدمة المدبر. لأنه غرر. إذا لا يدرى كم يعيش سيده. فذلك
غرر لا يصلح.
وقال مالك، في العبد يكون بين الرجلين. فيدبر أحدهما حصته: إنهما يتقاومانه. فإن
اشتراه الذي دبره، كان مدبرا كله. وإن لم يشتره، انتقض تدبيره. إلا أن يشاء الذي بقي
له فيه الرق. أن يعطيه شريكه الذي دبره بقيمته. فإن أعطاه إياه بقيمته، لزمه ذلك.
وكان مدبرا كله.
وقال مالك، في رجل نصراني دبر عبدا له نصرانيا، فأسلم العبد.
قال مالك: يحال بينه وبين العبد. ويخارج على سيده النصراني. ولا يباع عليه حتى يتبين
أمره. فإن هلك النصراني وعليه دين، قضى دينه من ثمن المدبر. إلا أن يكون في ماله
ما يحمل الدين. فيعتق المدبر.

(ما يحمل الدين) أي يسعه.
815

(6) باب جراح المدبر
7 - حدثني مالك أنه بلغه، أن عمر بن عبد العزيز قضى في المدبر إذا جرح. أن لسيده
أن يسلم ما يملك منه إلى المجروح. فيختدمه المجروح. يقاصه بجراحه. من دية جرحه.
فإن أدى قبل أن يهلك سيده، رجع إلى سيده.
قال مالك: والامر عندنا في المدبر إذا جرح. ثم هلك سيده. وليس له مال غيره أنه
يعتق ثلثه. ثم يقسم عقل الجرح أثلاثا. فيكون ثلث العقل على الثلث الذي عتق منه.
ويكون ثلثاه على الثلثين اللذين بأيدي الورثة. إن شاؤوا أسلموا الذي لهم منه إلى صاحب
الجرح. وإن شاؤوا أعطوه ثلث العقل. وأمسكوا نصيبهم من العبد. وذلك أن عقل ذلك
الجرح. إنما كانت جنايته من العبد. ولم تكن دينا على السيد. فلم يكن ذلك الذي
أحدث العبد. بالذي يبطل ما صنع السيد من عتقه وتدبيره. فإن كان على سيد العبد دين
للناس. مع جناية العبد. بيع من المدبر بقدر عقل الجرح. وقدر الدين. ثم يبدأ بالعقل
الذي كان في جناية العبد. فيقضى من ثمن العبد ثم يقضى دين سيده. ثم ينظر إلى ما بقي
بعد ذلك من العبد. فيعتق ثلثه. ويبقى ثلثاه للورثة. وذلك أن جناية العبد هي أولى
من دين سيده. وذلك أن الرجل إذا هلك. وترك عبدا مدبرا. قيمته خمسون ومائة دينار.
وكان العبد قد شج رجلا حرا موضوحة. عقلها خمسون دينارا، وكان على سيد العبد من الدين
خمسون دينارا.

7 - (موضحة) قال ابن الأثير: الموضحة هي التي تبدي وضح العظم، أي بياضه. والجمع المواضح.
816

قال مالك: فإنه يبدأ بالخمسين دينارا، التي في عقل الشجة. فتقضى من ثمن العبد. ثم
يقضى دين سيده. ثم ينظر إلى ما بقي من العبد. فيعتق ثلثه. ويبقى ثلثاه للورثة. فالعقل
أوجب في رقبته من دين سيده ودين سيده أوجب من التدبير الذي إنما هو وصية في ثلث
مال الميت. فلا ينبغي أن يجوز شئ من التدبير، وعلى سيد المدبر دين لم يقض. وإنما هو
وصية. وذلك أن الله تبارك وتعالى قال - من بعد وصية يوصى بها أو دين -.
قال مالك: فإن كان في ثلث الميت ما يعتق فيه المدبر كله، عتق. وكان عقل جنايته
دينا عليه. يتبع به بعد عتقه. وإن كان ذلك العقل الدية كاملة. وذلك إذا لم يكن
على سيده دين.
وقال مالك، في المدبر إذا جرح رجلا فأسلمه سيده إلى المجروح. ثم هلك سيده وعليه
دين. ولم يترك مالا غيره. فقال الورثة، نحن نسلمه إلى صاحب الجرح. وقال صاحب الدين:
أنا أزيد على ذلك: إنه إذا زاد الغريم شيئا فهو أولى به. ويحط عن الذي عليه الدين، قدر
ما زاد الغريم على دية الجرح. فإن لم يزيد شيئا، لم يأخذ العبد.
وقال مالك، في المدبر إذا جرح وله مال. فأبى سيده أن يفتديه. فإن المجروح يأخذ
مال المدبر في دية جرحه. فإن كان فيه وفاء، استوفى المجروح دية جرحه، ورد المدبر
إلى سيده. وإن لم يكن فيه وفاء، اقتضاه من دية جرحه، واستعمل المدبر بما بقي له من
دية جرحه.

(أوجب) أحق. (فأسلمه) أي أسلم خدمته. (اقتضاه) أي أخذه.
817

(7) باب ما جاء في جراح أم الولد
8 - قال مالك، في أم الولد تجرح: إن عقل ذلك الجرح ضامن على سيدها في ماله.
إلا أن يكون عقل ذلك الجرح أكثر من قيمة أم الولد. فليس على سيدها أن يخرج أكثر
من قيمتها. وذلك أن ربع العبد أو الوليدة. إذا أسلم غلامه أو وليدته، بجرح أصابه واحد
منهما. فليس عليه أكثر من ذلك، وإن كثر العقل. فإذا لم يستطع سيد أم الولد أن يسلمها،
لما مضى في ذلك من السنة، فإنه إذا أخرج قيمتها فكأنه أسلمها. فليس عليه أكثر
من ذلك.
وهذا أحسن ما سمت. وليس عليه أن يحمل من جنايتها أكثر من قيمتها.

8 - (ضامن) أي مضمون. كقولهم: سر كاتم أي مكتوم. وعيشة راضية أي مرضية.
818

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحدود
(1) باب ما جاء في الرجم
1 - حدثنا مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تجدون في التوراة
في شأن الرجم؟) فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فقال عبد الله بن سلام: كذبتم. إن فيها الرجم.
فأتوا بالتوراة فنشروها. فوضع أحدهم يده على آية الرجم. ثم قرأ ما قبلها وما بعدها. فقال
له عبد الله بن سلام: ارفع يدك. فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم. فقالوا: صدق. يا محمد.
فيها آية الرجم. فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما.
فقال عبد الله بن عمر: فرأيت الرجل يحني على المرأة. يقيها الحجارة.
أخرجه البخاري في: 86 - كتاب الحدود، 37 - باب أحكام أهل الذمة وإحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى
الإمام.
ورواه الشافعي في الرسالة، فقرة 692، بتحقيق أحمد محمد شاكر.

(41 - كتاب الحدود)
1 - (في شأن الرحم) أي في حكمه. (نفضحهم) أي نكشف مساويهم ونبينها للناس. (فنشروها)
أي فتحوها وبسطوها. (يحني) قال ابن عبد البر: كذا رواه أكثر شيوخنا عن يحيى. وقال بعضهم، عنه،
819

قال مالك: يعنى يحني يكب عليها حتى تقع الحجارة عليه.
2 - حدثني مالك عن يحيى عن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن رجلا من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق فقال له: إن الاخر زنى. فقال له أبو بكر: هل ذكرت هذا لاحد غيري؟
فقال: لا. فقال له أبو بكر: فتب إلى الله. واستتر بستر الله. فإن الله يقبل التوبة عن عباده.
فلم تقرره نفسه حتى أتى عمر بن الخطاب. فقال له مثل ما قال لأبي بكر. فقال له عمر مثل
ما قال له أبو بكر. فلم تقرره نفسه حتى جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له: إن الاخر زنى.
فقال سعيد: فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات. كل ذلك يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى إذا أكثر عليه. بعث رسول الله (ص) إلى أهله فقال: (أيشتكى أم به جنة؟) فقالوا:
يا رسول الله. والله إنه لصحيح. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبكر أم ثيب؟) فقالوا: بل ثيب.
يا رسول الله. فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم.
مرسل باتفاق الرواة عن مالك. وهو موصول في الصحيحين. عن أبي هريرة.
فأخرجه البخاري في: 86 - كتاب الحدود، 22 - باب لا يرجم المجنون والمجنونة.
ومسلم في: 29 - كتاب الحدود، 5 - باب من اعترف على نفسه بالزنى، حديث 16.

بالجيم. والصواب فيه عند أهل العلم، يجنأ، أي يميل. (يقيها الحجارة) اي حجارة الرمي.
2 - (الأخر) معناه الرذل الدنئ. كأنه يدعو على نفسه ويعيبها بما نزل به من مواقعة الزنا. وقال الأخفش
كني عن نفسه، وهذا انما يكون لمن حدث عن نفسه بقبيح، فكره أن ينسب ذلك إلى نفسه. (عن عباده)
أي منهم. (لم تقرره) أي لم تمكنه. (أيشتكي) أي مرضا أذهب عقله. (جنة) جنون.
(لصحيح) في العقل والبدن. (ثيب) أي تزوج زوجة، ودخل بها، وأصابها بعقد صحيح ووطء مباح
3 - (أسلم) قبيلة. قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم «أسلم سالمها الله».
820

3 - حدثني مالك عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: بلغني أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أسلم. يقال له. هزال (يا هزال. لو سترته بردائك لكان
خير لك) قال يحيى بن سعيد: فحدثت بهذا الحديث في مجلس فيه يزيد بن نعيم بن هزال
الأسلمي. فقال يزيد: هزال جدي. وهذا الحديث حق.
وصله أبو داود في: 37 - كتاب الحدود، 7 - باب الستر على أهل الحدود.
4 - حدثني مالك عن ابن شهاب، أنه أخبره أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا لي عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم. وشهد على نفسه أربع مرات. فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم.
مرسل. وقد رواه الشيخان.
فأخرجه البخاري في: 86 - كتاب الحدود، 22 - باب لا يرجم المجنون والمجنونة.
ومسلم في: 29 - كتاب الحدود، 5 - باب من اعترف على نفسه بالزنى، حديث 16.
قال ابن شهاب: فمن أجل ذلك يؤخذ الرجل باعترافه على نفسه.
5 - حدثني مالك عن يعقوب بن زيد بن طلحة، عن أبيه زيد بن طلحة، عن عبد الله
ابن أبي مليكة، أنه أخبره أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخبرته أنها زنت. وهي
حامل. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذهبي حتى تضعي) فلما وضعت جاءته. فقال لها رسول
الله صلى الله عليه وسلم (اذهبي حتى ترضعيه) فلما أرضعته جاءته. فقال (اذهبي فاستودعيه) قال فاستودعته.

5 - (عبد الله بن أبي مليكة) قال ابن عبد البر: هكذا قال يحيى. فجعل الحديث لعبد الله بن أبي مليكة
مرسلا عنه. وقال القعنبي وابن القاسم وابن بكير: مالك عن يعقوب بن زيد عن أبيه زيد بن طلحة بن عبد الله
ابن أبي مليكة، فجعلوا الحديث لزيد بن طلحة مرسلا، وهذا هو الصواب. (فاستودعيه) أي اجعليه عند
من يحفظه.
821

ثم جاءت. فأمر بها فرجمت.
وصله مسلم عن بريدة في: 29 - كتاب الحدود، 5 - باب من اعترف على نفسه بالزنى، حديث 23.
6 - حدثني مالك عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني، أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال
أحدهما: يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله. وقال الآخر، وهو أفقههما: أجل يا رسول الله.
فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم قال (تكلم) فقال: إن ابني كان عسيفا على هذا.
فزنى بامرأته. فأخبرني أن على ابني الرجم. فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي. ثم إني
سألت أهل العلم فأخبروني: أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام. وأخبروني أنما الرجم
على امرأته. فقال رسول الله: (أما والذي نفسي بيده، لا قضين بينكما بكتاب الله. أما
غنمك وجاريتك فرد عليك). وجلد ابنه مائة. وغربه عاما. وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي
امرأة الآخر. فإن اعترفت، رجمها. فاعترفت. فرجمها.
أخرجه البخاري في: 83 - كتاب الأيمان والنذور، 3 - باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم.
ومسلم في: 29 - كتاب الحدود، 5 - باب من اعترف على نفسه بالزنى، حديث 25.
ورواه الشافعي في الرسالة. فقرة 691، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
قال مالك: والعسيف الأجير.

6 - (عسيفا) أي أجيرا. (فافتديت منه بمائة شاة) متعلق بافتديت. و «من» للبدل، نحو
أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، أي افتديت بمائة شاة بدل الرجم. (فرد عليك) أي مردود. من إطلاق
المصدر على المفعول.
822

7 - حدثني مالك عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن هريرة، أن سعد بن عبادة
قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو أنى وجدت مع امرأتي رجلا، أمهله حتى أتى بأربعة شهداء؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم).
أخرجه مسلم في: 19 - كتاب اللعان، حديث 14.
8 - حدثني مالك عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله ابن عباس، أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: الرجم في كتاب الله حق على وزنى
من الرجال والنساء. إذا أحصن. إذا قامت البينة. أو كان الحبل أو الاعتراف.
هذا مختصر من خطبة لعمر طويلة. قالها في آخر عمره. رضى الله عنه.
رواها البخاري بتمامها في: كتاب الحدود، 31 - باب رجم الحبلى من الزناد إذا أحصنت.
ومسلم في: 29 - كتاب الحدود، 31 - باب رجم الثيب في الزنى، حديث 15.
9 - حدثني مالك عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، عن أبي واقد الليثي، أن
عمر بن الخطاب أتاه رجل، وهو بالشام. فذكر له أنه وجد مع امرأته رجلا. فبعث عمر
ابن الخطاب أبا واقد الليثي إلى امرأته. يسألها عن ذلك. فأتاها وعندها نسوة حولها فذكر
لها الذي قال زوجها لعمر بن الخطاب. وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله. وجعل يلقنها أشباه ذلك
لتنزع. فأبث أن تنزع. وتمت على الاعتراف. فأمر بها عمر فرجمت.

8 - (إذا أحصن) أي تزوج ووطئ مباحا، وكان بالغا عاقلا. (أو كان الحبل) أي وجدت المرأة حبلى.
9 - (لتنزع) أي ترجع. (وتمت) اشتدت وصلبت. وفي نسخة، وهو أظهر، وثبتت، من الثبوت.
823

10 - حدثني مالك عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه سمعه يقول: لما صدر
عمر بن الخطاب من منى، أناخ بالأبطح. ثم كوم كومة بطلحاء. ثم طرح عليها رداءه
واستلقى. ثم مد يديه إلى السماء فقال: اللهم كبرت سنى. وضعفت قوتي. وانتشرت رعيتي.
فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط. ثم قدم المدينة فخطب الناس، فقال: أيها الناس.
قد سنت لكم السنن. وفرضت لكن الفرائض. وتركتم على الواضحة. إلا أن تضلوا
بالناس يمينا وشمالا. وضرب بإحدى يديه على الأخرى ثم قال: إياكم أن تهلكوا عن آية
الرجم. أن يقول قائل لا نجد حدين في كتاب الله. فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا.
والذي نفسي بيده، لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى، لكتبتها
(الشيخ والشيخة فارجموها البتة) فإنا قد قرأناها.
قال مالك: قال يحيى بن سعيد: قال سعيد بن المسيب: فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل
عمر. رحمه الله.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: قوله الشيخ والشيخة، يعنى الثيب والثيبة.
فارجموها البتة.

10 - (أناخ) أي راحلته. (كوم) أي جمع. (كومة) أي قطعة. (بطحاء) أي صغار
الحصي. أي جمعها وجعل لها رأسا. (سني) أي عمري. (انتشرت) كثرت وتفرقت. (غير
مضيع) لما أمرتني به. (ولا مفرط) أي متهاون به. (على الواضحة) أي على الطريق الظاهرة التي
لا تخفى. (فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم) أمر برجم من أحصن، ماعز والغامدية، واليهودي واليهودية.
(الشيخ والشيخة) إذا زنيا. (البتة) أي قطعا. (فما انسلخ) أي مضى.
824

11 - وحدثني مالك أنه بلغه، أن عثمان بن عفان أتى بامرأة قد ولدت في ستة أشهر
فأمر بها أن ترجم. فقال له علي بن أبي طالب: ليس ذلك عليها. إن الله تبارك وتعالى يقول
في كتابه - وحمله وفصاله ثلاثون شهرا - وقال - والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين
لمن أراد أن يتم الرضاعة - فالحمل يكون ستة أشهر. فلا رجم عليها. فبعث عثمان بن عفان
في أثرها. فوجدها قد رجمت.
حدثني مالك أنه سأل ابن شهاب عن الذي يعمل عمل قوم لوط؟ فقال ابن شهاب: عليه
الرجم. أحصن أو لم يحصن.
(2) باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا
12 - حدثني مالك عن زيد بن أسلم، أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط. فأتى بسوط مكسور. فقال (فوق هذا) فأتى
بسوط جديد، لم تقطع ثمرته. فقال (دون هذا) فأتى بسوط قد ركب به ولان. فأمر
به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلد. ثم قال (أيها الناس. قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله. من
أصاب من هذه القاذورات شيئا، فليستتر بستر الله. فإنه من يبدي لنا صفحته، نقم عليه
كتاب الله).

12 - (فدعا له) أي طلب لأجله. (ثمرته) قال الجوهري: ثمر السياط عقد أطرافها. وقال أبو عمر:
أي لم يمتهن ولم يلن. (قد ركب به) أي ذهبت عقدة طرفه. (القاذورات) كل قول أو فعل يستقبح.
كالزنا والشرب والقذف. سميت قاذورة لأن حقها أن تقذر. فوصفت بما يوصف به صاحبها. (يبدي) بالياء،
للإشباع أي يظهر. (صفحته) هي، لغة، جانبه ووجهه وناحيته. والمراد من يظهر ما ستره أفضل.
825

13 - حدثني مالك عن نافع، أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته: أن أبا بكر الصديق
أتى برجل قد وقع على جارية بكر فأحبلها. ثم اعترف على نفسه بالزنا. ولم يكن أحصن.
فأمر به أبو بكر فجلد الحد. ثم نفى إلى فدك.
قال مالك، في الذي يعترف على نفسه بالزنا. ثم يرجع عن ذلك ويقول: لم أفعل.
وإنما كان ذلك منى على وجه كذا وكذا. لشئ يذكره: إن ذلك يقبل منه. ولا يقام عليه
الحد. وذلك أن الحد الذي هو لله، لا يؤخذ إلا بأحد وجهين: إما ببينة عادلة تثبت على صاحبها.
وإما باعتراف يقيم عليه. حتى يقام عليه الحد. فإن أقام على اعترافه، أقيم عليه الحد.
قال مالك: الذي أدركت عليه أهل العلم أنه لا نفى على العبيد إذا زنوا.
(3) باب جامع ما جاء في حد الزنا
14 - حدثني مالك عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟
فقال (إن زنت فاجلدوها. ثم إن زنت فاجلدوها. ثم إن زنت فاجلدوها. ثم بيعوها
ولو بضفير).

13 - (فدك) بلدة بينها وبين المدينة يومان. وبينها بين خيبر دون مرحلة.
14 - (ولم تحصن) بإسناد الإحصان إليها. لأنها تحصن نفسها بعفافها. وروي، لم تحصن، بإسناد
الإحصان إلى غيرها. ويكون بمعنى الفاعل والمفعول. وهو أحد الثلاثة التي جاءت نوادر. يقال: أحصن فهو
محصن وأسهب فهو مسهب. وأفلج فهو مفلج. (بضفير) الضفير الحبل. فعيل بمعنى مفعول. عبر به مبالغة
في التنفير عنها والحض على مباعدة الزانية، لما فيه من الاطلاع على المنكر والمكروه، والعون على الخبث.
826

أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 66 - باب بيع العبد الزاني.
ومسلم في: 29 - كتاب الحدود، 6 - باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى، حديث 33.
قال ابن شهاب: لا أدرى أبعد الثالثة أو الرابعة.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: والضفير الحبل.
15 - حدثني مالك عن نافع، أن عبدا كان يقوم على رقيق الخمس. وأنه استكره
جارية من ذلك الرقيق. فوقع بها. فجلده عمر بن الخطاب ونفاه. ولم يجلده الوليدة. لأنه
استكرهها.
16 - حدثني مالك عن يحيى بن سعيد، أن سليمان بن يسار أخبره، أن عبد الله بن عياش
ابن أبي ربيعة المخزومي قال: أمرني عمر بن الخطاب، في فتية من قريش، فجلدنا ولائد من
ولائد الامارة. خمسين خمسين. في الزنا.
(4) باب ما جاء في المغتصبة
قال مالك: الامر عندنا في المرأة توجد حاملا ولا زوج لها. فتقول: قد استكرهت.
أو تقول: تزوجت. إن ذلك لا يقبل منها وإنها يقام عليها الحد. إلا أن يكون لها على ما ادعت

16 - (ولائد) إماء، جمع وليدة.
(4 - باب ما جاء في المغتصبة)
(قد استكرهت) أي أكرهت على الزنا.
827

من النكاح بينة. أو على أنها استكرهت. أو جاءت تدمى، إن كانت بكرا. أو استغاثت
حتى أتيت وهي على ذلك الحال. أو ما أشبه هذا. من الامر الذي تبلغ فيه فضيحة نفسها.
قال: فإن لم تأت بشئ من هذا، أقيم عليها الحد. ولم يقبل منها ما ادعت من ذلك.
قال مالك: والمغتصبة لا تنكح حتى تستبرئ نفسها بثلاث حيض.
قال: فإن ارتابت من حيضتها، فلا تنكح حتى تستبرئ نفسها من تلك الريبة.
(5) باب الحد في القذف والنفي والتعريض
17 - حدثني مالك، عن أبي الزناد، أنه قال: جلد عمر بن عبد العزيز عبدا، في فرية،
ثمانين. قال
أبو الزناد: فسألت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ذلك؟ فقال: أدركت عمر بن الخطاب،
وعثمان بن عفان، والخلفاء هلم جرا. فما رأيت أحد جلد عبدا، في فرية، أكثر من أربعين.
18 - حدثني مالك عن زريق بن حكيم الأيلي: أن رجلا، يقال له مصباح، استعان ابنا له.
فكأنه استبطأه. فلما جاءه قال له: يا زان. قال، زريق: فاستعداني عليه. فلما أردت أن

(تدمى) يخرج منها الدم. (حتى أثبت) أي أتاها من يغيثها. (بثلاث حيض) إن كانت حرة.
لأن استبراءها كعدتها.
17 - (فرية) أي قذف.
18 - (زريق) ويقال فيه أيضا رزيق. (فاستعداني) طلب تقويتي ونصره.
828

أجلده، قال ابنه: والله لئن جلدته لأبوأن على نفسي بالزنا. فلما قال ذلك أشكل على أمره.
فكتبت فيه إلى عمر بن عبد العزيز. وهو الوالي يومئذ. أذكر له ذلك. فكتب إلى عمر:
أن أجز عفوه.
قال زريق: وكتبت إلى عمر بن عبد العزيز أيضا: أرأيت رجلا افترى عليه أو على أبويه
وقد هلكا أو أحدهما. قال: فكتبت إلى عمر: إن عفا فأجر عفوه في نفسه. وإن افترى
على أبويه وقد هلكا أو أحدهما فخذ له بكتاب الله. إلا أن يريد سترا.
قال يحيى: سمعت مالكا يقول: وذلك أن يكون الرجل المفترى عليه يخاف إن كشف
ذلك منه، أن تقوم عليه بينة. فإذا كان على ما وصفت فعفا، جاز عفوه.
19 - حدثني مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال في رجل قذف قوما جماعة:
أنه ليس عليه إلا حد واحد.
قال مالك: وإن تفرقوا فليس عليه إلا حد واحد.
حدثني مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة بن النعمان الأنصاري، ثم من
بنى النجار، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، أن رجلين استبا في زمان عمر بن الخطاب. فقال
أحدهما للاخر: والله ما أبى بزان، ولا أمي بزانية. فاستشار في ذلك عمر بن الخطاب. فقال

(لأبوأن) لأرجعن بمعنى لأقرن. (أجز) أمض. (عفوه) أي عن أبيه.
(أرأيت رجلا) أي أخبرني عن الحكم في رجل. (في نفسه) أي في حق نفسه.
(بكتاب الله) أي قوله - فاجلدوهم ثمانين جلدة -.
19 - (جماعة) أي مجتمعين. بأن قال لهم: يا زناة. أو أنتم زناة مثلا.
829

قائل: مدح أباه وأمه. وقال آخرون: قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا. نرى أن تجلده
الحد. فجلده عمر الحد، ثمانين.
قال مالك: لا حد عندنا إلا في نفى. أو قذف. أو تعريض يرى أن قائله إنما أراد بذلك
نفيا. أو قذفا. فعلى من قال ذلك، الحد تاما.
قال مالك: الامر عندنا أنه إذا نفى رجل رجلا من أبيه. فإن عليه الحد. وإن كانت أم
الذي نفى مملوكة. فإن عليه الحد.
(6) باب مالا حد فيه
قال مالك: إن أحسن ما سمع في الأمة يقع بها الرجل. وله فيها شرك. أنه لا يقام عليه
الحد. وأنه يلحق به الولد. وتقوم عليه الجارية حين حملت. فيعطى شركاؤه حصصهم
من الثمن. وتكون الجارية له. وعلى هذا، الامر عندنا.
قال مالك، في الرجل يحل للرجل جاريته: إنه إن أصابها الذي أحلت له قومت عليه
يوم أصابها. حملت أو لم تحمل. ودرئ عنه الحد بذلك. فإن حملت ألحق به الولد.
قال مالك، في الرجل يقع على جارية ابنه أو ابنته: أنه يدرأ عنه الحد. وتقام عليه الجارية.
حملت أو لم تحمل.

(قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا) فعدوله إلى هذا في مقام الاستباب دليل على أنه قد عرض بالقذف لمخاطبه.
(نفى) أي عن أب، لثابت نسبه. (قذف) رمى بالزنا ونحوه، صريح. (يقع بها الرجل) أي يطؤها.
(أصابها) جامعها. (وتقام الجارية) أي تقوم عليه.
830

20 - حدثني مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أن عمر بن الخطاب قال لرجل خرج
بجارية لامرأته معه في سفر. فأصابها. فغارت امرأته. فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب.
فسأله عن ذلك؟ فقال: وهبتها لي. فقال عمر: لتأتيني بالبينة. أو لأرمينك بالحجارة.
قال فاعترفت امرأته أنها وهبتها له.
(7) باب ما يجب فيه القطع
21 - حدثني مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه
ثلاثة دراهم.
أخرجه البخاري في: 86 - كتاب الحدود، 13 - باب قول الله تعالى - والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما -.
ومسلم في: 29 - كتاب الحدود، 1 - باب حد السرقة ونصابها، حديث 6.
22 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا قطع في ثمر مطلق. ولا في حريسة جبل) فإذا آواه المراح أو الجرين
فالقطع فيما يبلغ ثمن المجن.

21 - (مجن) مفعل، من الاجتنان. وهو الاستتار، والاختفاء مما يحاذره المستتر. وكسرت ميمه لأنه آلة.
22 - (ثمر معلق) بالنخل والشجر. قبل أن يجذ ويحرز. (حريسة جبل) قال ابن الأثير: أي
ليس فيما يحرس بالجبل، إذا سرق، قطع. لأنه ليس بحرز. وحريسة فعيلة بمعنى مفعولة. أي أن لها من يحرسها
يحفظها. ومنهم من يجعل الحريسة، السرقة نفسها. أي ليس فيما يسرق من الماشية بالجبل، قطع. (المراح)
موضع مبيت الغنم. (الجرين) موضع يجفف فيه الثمار والجمع جرن. كبريد وبرد.
831

قال أبو عمر: لم تختلف رواة الموطأ في إرساله. ويتصل معناه من حديث عبد الله بن عمرو، وغيره.
قلت: وصله النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
في: 46 - كتاب قطع السارق، 11 - باب الثمر المعلق يسرق.
و 12 - باب الثمر يسرق بعد أن يؤويه الجرين.
23 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرة بنت عبد الرحمن،
أن سارقا سرق في زمان عثمان أترجمه. فأمر بها عثمان بن عفان أن تقوم. فقومت بثلاثة دراهم.
من صرف اثنى عشر درهما بدينار. فقطع عثمان يده.
24 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: ما طال على وما نسيت (القطع في ربع دينار فصاعدا).
قال الزرقاني: وهذا الحديث، وإن كان ظاهره الوقف، لكنه مشعر بالرفع. وقد أخرجه الشيخان من طريق
عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة.
قلت: أخرجه البخاري في: 86 - كتاب الحدود، 13 - باب قول الله تعالى - والسارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما.
ومسلم في: 29 - كتاب الحدود، 1 - باب حد السرقة ونصابها، حديث 1 - 4.
25 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن عمرة بنت عبد الرحمن،
أنها قالت: خرجت عائشة زوج النبي (ع) إلى مكة. ومعها مولاتان لها. ومعها غلام لبنى

23 - (أترجة) قال الفيروزآبادي في قاموسه المحيط: والأترج والأترجة م (أي معروف) حامضه مسكن
غلمة النساء، ويجلو اللون والكلف. وقشره في الثياب يمنع السوس!!!... الخ.
وبعد. فما هو هذا المعروف؟
832

عبد الله بن أبي بكر الصديق فبعثت مع المولاتين ببرد مرجل. قد خيط عليه خرفة خضراء.
قالت: فأخذ الغلام البرد. ففتق عنه فاستخرجه. وجعل مكانه لبدا أو فروة. وخاط عليه.
فلما قدمت المولاتان المدينة دفعتا ذلك إلى أهله. فلما فتقوا عنه وجدوا فيه اللبد. ولم يجدوا
البرد. فكلموا المرأتين. فكلمتا عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أو كتبتا إليها، واتهمتا العبد.
فسئل العبد عن ذلك فاعترف. فأمرت به عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقطعت يده. وقالت
عائشة: القطع في ربع دينار فصاعدا.
وقال مالك: أحب ما يجب فيه القطع إلى، ثلاثة دراهم. وإن ارتفع الصرف أو اتضع.
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم. وأن عثمان بن عفان قطع في أترجة
قومت بثلاثة دراهم. وهذا أحب ما سمعت إلى في ذلك.
(8) باب ما جاء في قطع الآبق والسارق
26 - حدثني عن مالك، عن نافع، أن عبدا لعبد الله بن عمر سرق وهو آبق. فأرسل
به عبد الله بن عمر إلى سعيد بن العاص، وهو أمير المدينة، ليقطع يده. فأبى سعيد أن يقطع
يده. وقال: لا تقطع يد الآبق السارق إذا سرق. فقال له عبد الله بن عمر: في أي كتاب الله
وجدت هذا؟ ثم أمر به عبد الله بن عمر، فقطعت يده.

25 - (ببرد مرجل) بالجيم والحاء، أي عليه تصاوير الرجال أو الرحال. (ففتق عنه) أي نقض
خياطته. (لبدا) ما يتلبد من شعر أو صوف. (فروة) ما يلبس من جلد الغنم. (ارتفع الصرف)
زاد. (أو اتضع) نقص. (في مجن) أي في سرقة مجن.
833

27 - وحدثني عن مالك، عن زريق بن حكيم، أنه أخبره، أنه أخذ عبدا آبقا قد
سرق. قال فأشكل على أمره. قال فكتب فيه إلى عمر بن عبد العزيز. أسأله عن ذلك.
وهو الوالي يومئذ. قال فأخبرته أنني كنت أسمع أن العبد الآبق إذا سرق وهو آبق
كنت تسمع أن العبد الآبق إذا سرق لم تقطع يده. وأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه
- والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله، والله عزيز حكيم -
فإن بلغت سرقته ربع دينار فصاعدا، فاقطع يده.
وحدثني عن مالك أنه بلغه، أن القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وعروة بن الزبير
كانوا يقولون: إذا سرق العبد الآبق ما يجب فيه القطع، قطع.
قال مالك: وذلك الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا، أن العبد الآبق إذا سرق ما يجب فيه
القطع، قطع.
(9) باب ترك الشفاعة للسارق إذا بلغ السلطان
28 - وحدثني عن مالك عن ابن شهاب، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان، أن صفوان
ابن أمية قيل له: إنه من لم يهاجر هلك. فقدم صفوان بن أمية المدينة. فنام في المسجد
وتوسد رداءه. فجاء سارق فأخذ رداءه. فأخذ صفوان السارق. فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

27 - (نكالا) أي عقوبة لهما. (عزيز) غالب على أمره. (حكيم) في خلقه.
834

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أسرقت رداء هذا؟) قال: نعم. فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع
يده. فقال له صفوان: إني لم أرد هذا يا رسول الله. هو عليه صدقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(فهلا قبل أن تأتيني به).
قال ابن عبد البر: هكذا رواه جمهور أصحاب ما لم مرسلا.
قلت: وقد وصله النسائي في: 46 - كتاب قطع السارق، 4 - باب الرجل يتجاوز للسارق عن سرقته بعد
أن يأتي به الإمام.
وابن ماجة في: 20 - كتاب الحدود، 28 - باب من سرق من الحرز.
29 - وحدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أن الزبير بن العوام لقي رجلا
قد أخذ سارقا. وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان. فشفع له الزبير ليرسله. فقال: لا.
حتى أبلغ به السلطان. فقال الزبير: إذا بلغت به السلطان، فلعن الله الشافع والمشفع.
(10) باب جامع القطع
30 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، أن رجلا من أهل
اليمن، أقطع اليد والرجل، قدم. فنزل على أبي بكر الصديق. فشكا إليه أن عامل اليمن
قد ظلمه. فكان يصلى من الليل. فيقول أبو بكر: وأبيك. وليلك بليل سارق. ثم إنهم
فقدوا عقدا الأسماء بنت عميس امرأة أبى بكر الصديق فجعل الرجل يطوف معهم ويقول:

29 - (والمشفع) أي قابل الشفاعة.
30 - (يصلي من الليل) أي بعضه. (يطوف معهم) أي يدور مع الذين بعثوا للتفتيش على العقد.
835

اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح. فوجدوا الحلي عند صائغ، زعم أن الأقطع
جاءه به. فاعترف به الأقطع. أو شهد عليه به. فأمر به أبو بكر الصديق. فقطعت يده
اليسرى. وقال أبو بكر: والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي عليه من سرقته.
قال يحيى: قال مالك: الامر عندنا في الذي يسرق مرارا ثم يستعدى عليه، إنه ليس عليه
إلا أن تقطع يده. لجميع من سرق منه. إذا لم يكن أقيم عليه الحد. فإن كان قد أقيم
عليه الحد قبل ذلك، ثم سرق ما يجب فيه القطع، قطع أيضا.
31 - وحدثني عن مالك، أن أبا الزناد أخبره، أن عاملا لعمر بن عبد العزيز أخذ ناسا
في حرابة. ولم يقتلوا أحدا. فأراد أن يقطع أيديهم أو يقتل. فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز
في ذلك. فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: لو أخذت بأيسر ذلك.
قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: الامر عندنا في الذي يسرق أمتعة الناس. التي تكون
موضوعة بالأسواق محرزة. قد أحرزها أهلها في أوعيتهم. وضموا بعضها إلى بعض: إنه
من سرق من ذلك شيئا من حرزه. فبلغ قيمته ما يجب فيه القطع. فإن عليه القطع. كان
صاحب المتاع عند متاعه أو لم يكن. ليلا ذلك أو نهارا.
قال مالك، في الذي يسرق ما يجب عليه فيه القطع. ثم يوجد معه ما سرق فيدر إلى صاحبه:
إنه تقطع يده.

(بيت أهل هذا البيت) أي أغار عليهم ليلا بأخذ العقد.
31 - (في حرابة) أي مقاتلة. (لو أخذت بأيسر ذلك) أي أهونه لكان أحسن. فحذف جواب
لو. أو هي للتمني، فلا جواب لها.
836

قال مالك: فإن قال قائل: كيف تقطع يده وقد أخذ المتاع منه ودفع إلى صاحبه؟ فإنما
هو بمنزلة الشارب يوجب منه ريح الشراب المسكر وليس به سكر. فيجلد الحد.
قال: وإنما يجلد الحد في المسكر إذا شربه وإن لم يسكره. وذلك أنه إنما شربه ليسكره.
فكذلك تقطع يد السارق في السرقة التي أخذت منه. ولو لم ينتفع بها. ورجعت إلى صاحبها.
وإنما سرقها حين سرقها ليذهب بها.
قال مالك، في القوم يأتون إلى البيت فيسرقون منه جميعا. فيخرجون بالعدل يحملونه
جميعا. أو الصندوق أو الخشبة أو بالمكتل أو ما أشبه ذلك. مما يحمله القوم جميعا: إنهم
إذا أخرجوا ذلك من حرزه وهم يحملونه جميعا. فبلغ ثمن ما خرجوا به من ذلك ما يجب
فيه القطع. وذلك ثلاثة دراهم فصاعدا. فعليهم القطع جميعا.
قال: وإن خرج كل واحد منهم بمتاع على حدته. فمن خرج منهم بما تبلغ قيمته ثلاثة
دراهم فصاعدا. فعليه القطع. ومن لم يخرج منهم بما تبلغ قيمته ثلاثة دراهم فلا قطع عليه.
قال يحيى: قال مالك: الامر عندنا أنه إذا كانت دار رجل مغلقة عليه، ليس معه فيها
غيره، فإنه لا يجب، على من سرق منها شيئا، القطع. حتى يخرج به من الدار كلها. وذلك
أن الدار كلها هي حرزه. فإن كان معه في الدار ساكن غيره، وكان كل انسان منهم يغلق
عليه بابه، وكانت حرزا لهم جميعا، فمن سرق من بيوت تلك الدار شيئا يجب فيه القطع،
فخرج به إلى الدار، فقد أخرجه من حرزه إلى غير حرزه. ووجب عليه فيه القطع.
قال مالك: والامر عندنا في العبد يسرق من متاع سيده: أنه إن كان ليس من خدمه

(العدل) الحمل من الأمتعة ونحوها. (المكتل) الزنبيل. وهو ما يعمل من الخوص، يحمل فيه
التمر وغيره.
837

ولا من يأمن على بيته. ثم دخل سرا فسرق من متاع سيده ما يجب فيه القطع، فلا قطع عليه.
وكذلك الأمة، إذا سرقت من متاع سيدها، لا قطع عليها.
وقال، في العبد لا يكون من خدمه ولا ممن يأمن على بيته، فدخل سر فسرق من متاع
امرأة سيده ما يجب فيه القطع: إنه تقطع يده.
قال: وكذلك أمه المرأة. إذا كانت ليست بخادم لها ولا لزوجها. ولا ممن تأمن على بيتها.
فدخلت سرا. فسرقت من متاع زوج سيدتها ما يجب فيه القطع: أنها تقطع يدها.
قال مالك: وكذلك الرجل. يسرق من متاع امرأته. أو المرأة. تسرق من متاع زوجها.
ما يجب فيه القطع: إن كان الذي سرق كل واحد منهما من متاع صاحبه، في بيت سوى
البيت الذي يغلقان عليهما. وكان في حرز سوى البيت الذي هما فيه. فإن من سرق منهما
من متاع صاحبه ما يجب فيه القطع، فعليه القطع فيه.
قال مالك، في الصبي الصغير والأعجمي الذي لا يفصح: أنهما إذا سرقا من حرزهما أو غلقهما،
فعلى من سرقهما القطع. وإن خرجا من حرزهما وغلقهما، فليس على من سرقهما قطع.
قال: وإنما هما بمنزلة حريسة الجبل والثمر المعلق.
قال مالك: والامر عندنا، في الذي ينبش القبور: أنه إذا بلغ ما أخرج من القبر ما يجب
فيه القطع. فعليه فيه القطع.
وال مالك: وذلك أن القبر حرز لما فيه. كما أن البيوت حرز لما فيها.
قال: ولا يجب عليه القطع حتى يخرج به من القبر.
838

(11) باب مالا قطع فيه
32 - وحدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، أن
عبدا سرق وديا من حائط رجل فغرسه في حائط سيده. فخرج صاحب الودي يلتمس ودية
فوجده. فاستعدى على العبد، مروان بن الحكم. فسجن مروان العبد. وأراد قطع يده.
فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج. فسأله عن ذلك؟ فأخبره أنه سميع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول (لا قطع في ثمر ولا كثر) والكثر الجمار. فقال الرجل: فإن مروان بن الحكم
أخذ غلاما لي وهو يريد قطعه. وأنا أحب أن تمشى معي إليه فتخبره بالذي سمعت من
رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمشى معه رافع إلى مروان بن الحكم. فقال: أخذت غلاما لهذا؟ فقال:
نعم. فقال: فما أنت صانع به؟ قال: أردت قطع يده. فقال له رافع: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول (لا قطع في ثمر ولا كثر) فأمر مروان بالعبد فأرسل.
أخرجه أبو داود في: 37 - كتاب الحدود، 13 - باب مالا قطع فيه.
والترمذي في: 15 - كتاب الحدود، 19 - باب ما جاء لا قطع في ثمر ولا كثر.
والنسائي في: 46 - كتاب قطع السارق، 13 - باب مالا قطع فيه.
وابن ماجة في: 20 - كتاب الحدود، 27 - باب لا يقطع في ثمر ولا كثر.
33 - حدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، أن عبد الله بن عمرو
ابن الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب. فقال له: اقطع يد غلامي هذا. فإنه سرق.

32 - (وديا) أي نخلا صغارا. (لا قطع في ثمر) معلق على الشجر قبل أن يجذ ويحرز. (ولا
كثر) الكثر الجمار. أي جمار النخل وهو شحمه الذي يخرج به الكافور. وهو وعاء الطلع من جوفه.
سمي جمارا وكثرا لأنه أصل الكوافير، وحيث تجتمع وتكثر.
839

فقال له عمر: ماذا سرق؟ فقال سرق مرآة لامرأتي. ثمنها ستون درهما. فقال عمر: أرسله.
فليس عليه قطع. خادمكم سرق متاعكم.
34 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أن مروان بن الحكم أتى بإنسان قد اختلس
متاعا. فأراد قطع يده. فأرسل إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك؟ فقال زيد بن ثابت: ليس
في الخلسة قطع.
35 - وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد، أنه قال: أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو
ابن حزم أنه أخذ نبطيا قد سرق خواتم من حديد. فحبسه ليقطع يده. فأرسلت إليه عمرة
بنت عبد الرحمن، مولاة لها. يقال لها أمية. قال أبو بكر: فجاءتني وأنا بين ظهراني الناس.
فقالت: تقول لك خالتك عمرة: يا ابن أختي. أخذت نبطيا في شئ يسير ذكر لي. فأردت
قطع يده؟ قلت: نعم. قالت: فإن عمرة تقول لك: لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا.
قال أبو بكر: فأرسلت النبطي.
قال مالك: والامر المجتمع عليه عندنا في اعتراف العبيد، أنه من اعترف منهم على نفسه

34 - (اختلس) أي اختطف بسرعة على غفلة. (الخلسة) ما يخلس.
35 - (ظهراني الناس) أي بين الناس. وزيد «ظهراني» لإفادة أن إقامته بينهم على سبيل الاستظهار
بهم والاستناد إليهم. وكأن المعني أن ظهرا منهم قدامه، وظهرا وراءه، فكأنه مكنوف من جانبيه. هذا أصله.
ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم، وإن كان غير مكفوف بينهم.
840

بشئ يقع الحد والعقوبة فيه في جسده. فإن اعترافه جائز عليه، ولا يتهم أن يوقع على
نفسه هذا.
قال مالك: وأما من اعترف منهم بأمر يكون غرما على سيده. فإن اعترافه غير جائز
على سيده.
قال مالك: ليس على الأجير ولا على الرجل يكونان مع القوم يخدمانهم، إن سرقاهم،
قطع. لان حالهما ليست بحال السارق. وإنما حالهما حال الخائن. وليس على الخائن قطع.
قال مالك، في الذي يستعير العارية فيجحدها: إنه ليس عليه قطع. وإنما مثل ذلك مثل
رجل كان له على رجل دين فجحده ذلك. فليس عليه فيما جحده قطع.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا في السارق يوجد في البيت. قد جمع المتاع ولم يخرج
به: إنه ليس عليه قطع. وإنما مثل ذلك كمثل رجل وضع بين يديه خمرا ليشربها فلم يفعل.
فليس عليه حد. ومثل ذلك رجل جلس من امرأة مجلسا. وهو يريد أن يصيبها حراما.
فلم يفعل. ولم يبلغ ذلك منها. فليس عليها أيضا، في ذلك، حد.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، أنه ليس في الخلسة قطع. بلغ ثمنها ما يقطع فيه،
أو لم يبلغ.

(يصيبها) يجامعها. (ولم يبلغ ذلك منها) أي لم يدخل حشفته فيها.
841

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الأشربة
(1) باب الحد في الخمر
1 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، أنه أخبره أن عمر بن الخطاب
خرج عليهم فقال: إني وجدت من فلان ريح شراب. فزعم أنه شراب الطاء. وأنا سائل
عما شرب. فإن كان يسكر جلدته. فجلده عمر الحد تاما.
أخرجه البخاري في: 74 - كتاب الأشربة، 10 - باب الباذق. ومن نهى عن كل مسكر من الأشربة.
ونصه: وقال عمر: وجدت من عبيد الله ريح شراب. وأنا سائل عنه. فان كان يسكر جلدته.
2 - وحدثني عن مالك، عن ثور بن زيد الدبلي، أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر
يشربها الرجل. فقال له علي بن أبي طالب. نرى أن تجلده ثمانين. فإنه إذا شرب سكر.
وإذا سكر هذى. وإذا هذى افترى. أو كما قال. فجلد عمر في الخمر ثمانين.

1 - (الطلاء) هو ما طبخ من العصير حتى يغلظ. وشبه بطلاء الإبل. وهو القطران الذي يطلى به
الجرب.
2 - (هذي) خلط وتكلم بما لا ينبغي. (افترى) كذب وقذف.
842

أن عليه نصف حد الحر في الخمر. وأن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر،
قد جلدوا عبيدهم، نصف حد الحر في الخمر.
4 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ما من
شئ إلا الله يحب أن يعفى عنه. ما لم يكن حدا.
قال يحيى: قال مالك: والسنة عندنا، أن كل من شرب شرابا مسكرا، فسكر أو
لم يسكر، فقد وجب عليه الحد.
(2) باب ما ينهى أن ينتبذ فيه
5 - حدثني يحيى عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب
الناس في بعض مغازيه. قال عبد الله بن عمر: فأقبلت نحوه. فانصرف قبل أن أبلغه. فسألت
ماذا قال؟ فقيل لي: نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت.
أخرجه مسلم في: 36 - كتاب الأشربة 6 - باب النهى عن الانتباذ في المزفت والدباء، حديث 48.
6 - وحدثني عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة،

4 - (ما من شئ) نكرة وقعت في سياق النفي وضم إليها «من» الاستغراقية لإفادة الشمول. أي ليس
شئ من الذنوب.
5 - (ينبذ) يطرح. (الدباء) القرع. (المزفت) المطلي بالزفت. لأنه يسرع إليها الإسكار.
فربما شرب منه من لا يشعر بذلك ظانا أنه لم يبلغ الإسكار، وقد بلغه.
843

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت.
أخرجه مسلم في: 36 - كتاب الأشربة، 6 - باب النهى عن الانتباذ في المزفت والدباء، حديث 31 و 32.
(3) باب ما يكره أن ينبذ جميعا
7 - وحدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى أن ينبذ البسر والرطب جميعا، والتمر والزبيب جميعا.
قال ابن عبد البر: مرسل بلا خلاف أعلمه عن مالك.
وهو في الصحيحين من حديث ابن جريج عن زيد عن عطاء عن جابر.
فأخرجه البخاري في: 74 - كتاب الأشربة، 11 - باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر إذا كان مسكرا
ومسلم في: 36 - كتاب الأشربة، 5 - باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين، حديث 16 - 17.
8 - وحدثني عن مالك، عن الثقة عنده، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن عبد الرحمن
ابن الحباب الأنصاري، عن أبي قتادة الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب التمر
والزبيب جميعا، والزهو والرطب جميعا.
أخرجه البخاري في: 74 - كتاب الأشربة، 11 - باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر إذا كان مسكرا.
ومسلم في: 36 - كتاب الأشربة، 5 - باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين، حديث 24 و 25.
قال مالك: وهو الامر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا. أنه يكره ذلك لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه.

7 - (اليسر) التمر قبل إرطابه. واحدته بسرة. (والرطب) ما نضج من البسر. الواحدة رطبة.
(جميعا) أي في إناء واحد. لأن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط. (والتمر والزبيب جميعا) لاشتداد أحدهما بالآخر.
8 - (التمر والزبيب جميعا) لأن أحدهما يشتد به الآخر فيسرع الإسكار. (الزهو) هو البسر الملون
844

(4) باب تحريم الخمر
9 - وحدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع؟ فقال (كل شراب أسكر
فهو حرام).
أخرجه البخاري في: 74 - كتاب الأشربة، 4 - باب الخمر من العسل وهو البتع.
ومسلم في: 36 - كتبا الأشربة، 7 - باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام،
حديث 67 و 68.
10 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل
عن الغبيراء؟ فقال (لا خير فيها) ونهى عنها.
مرسل. قال ابن عبد البر: أسنده ابن وهب عن مالك عن زيد عن عطاء عن ابن عباس. قال: وما علمت
أحدا أسنده عن مالك إلا ابن وهب.
قال مالك: فسألت زيد بن أسلم: ما الغبيراء؟ فقال: هي الأسكركة.

(4 - باب تحريم الخمر)
(الخمر) ما خامر العقل. كما خطب بذلك عمر بحضرة الصحابة الأكابر ولم ينكره أحد. فشمل كل مسكر.
سميت بذلك لأنها تخمر العقل. أي تغطيه وتستره. وكل شئ غطى شيئا فقد خمره. كخمار المرأة لأنه يغطي رأسها.
و يقال للشجر الملتف، الخمر لأنه يغطي ما تحته. أو لأنها تركت حتى أدركت. يقال: خمر الرأي واختمر. أي ترك
حتى يتبين فيه الوجه.
9 - (البتع) هو شراب العسل. وكان أهل اليمن يشربونه.
10 - (الغبيراء) نبيذ الذرة وقيل نبيذ الأرز. وبه جزم أبو عمر. (الأسكركة) قال أبو عبيد: هي
ضرب من الشراب يتخذه الحبش من الذرة، يسكر، ويقال لها «السكركة».
845

11 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من
شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها، حرمها في الآخرة).
أخرجه البخاري في: 74 - كتاب الأشربة، 1 - باب قول الله تعالى: إنما الخمر والميسر والأنصاب
والأزلام.
ومسلم في: 36 - كتاب الأشربة، 8 - باب عقوبة من شرب الخمر إذا لم يتب منها، حديث 76.
(5) باب جامع تحريم الخمر
12 - حدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن ابن وعلة المصري، أنه سأل عبد الله
ابن عباس عما يعصر من العنب؟ فقال ابن عباس: أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواية خمر.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما علمت أن الله حرمها؟) قال: ذ. فساره رجل إلى جنبه. فقال
له صلى الله عليه وسلم (بم ساررته؟) فقال: أمرته أن يبيعها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الذي حرم
شربها، حرم بيعها) ففتح الرجل المزادتين. حتى ذهب ما فيهما.
أخرجه مسلم في: 22 - كتاب المساقاة، 12 - باب تحريم الخمر، حديث 68.
13 - وحدثني عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك،
أنه قال: كنت أسقى أبا عبيدة بن الجراح. وأبا طلحة الأنصاري. وأبي بن كعب. شرابا.

12 - (راوية خمر) أي مزادة. وأصل الراوية البعير يحمل الماء، والهاء فيه للمبالغة، ثم أطلقت الراوية
على كل دابة يحمل عليها الماء، ثم على المزادة. (بم ساررته) بأي شئ كلمته سرا، أي خفية. (المزادتين)
تثنية مزادة. القربة، لأنه يتزود فيها الماء.
846

من فضيخ وتمر. قال فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت. فقال أبو طلحة: يا أنس.
قم إلى هذه الجرار فاكسرها. قال فقمت إلى مهراس لنا. فضربتها بأسفله حتى تكسرت.
أخرجه البخاري في: 74 - كتاب الأشربة، 3 - باب نزل تحريم الخمر وهى من البسر والتمر.
ومسلم في: 36 - كتاب الأشربة، 1 - باب تحريم الخمر، حديث 9.
14 - وحدثني عن مالك، عن داود بن الحصين، عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ،
أنه أخبره عن محمود بن لبيد الأنصاري، أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام، شكا إليه أهل
الشام وباء الأرض وثقلها. وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشرب. فقال عمر: اشربوا هذا العسل.
قالوا: لا يصلحنا العسل. فقال رجل من أهل الأرض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب
شيئا لا يسكر؟ قال: نعم. فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث. فأتوا به عمر.
فأدخل فيه عمر إصبعه. ثم رفع يده. فتبعها يتمطط. فقال: هذا الطلاء. هذا مثل طلاء الإبل.
فأمرهم عمر أن يشربوه. فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله. فقال عمر: كلا والله.
اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم. ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم.
15 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رجالا من أهل العراق

13 - (فضيخ) شراب يتخذ من البسر المفضوخ، وهو المشدوخ. (الجرار) جمع جرة.
التي فيها
الشراب المذكور. (مهراس) حجر مستطيل ينقر ويدق فيه ويتوضأ. وقد استعير للخشبة التي يدق فيها
الحب، فقيل لها مهراس على التشبيه بالمهراس من الحجر أو الصفر الذي يهرس فيه الحبوب وغيرها.
14 - (من أهل الأرض) يعني أرض الشام. (يتمطط) يتمدد. (الطلاء) ما يطبخ من العصير
حتى يغلظ. (طلاء الإبل) أي القطران الذي يطلى به جربها.
847

قالوا له: يا أبا عبد الرحمن. إنا نبتاع من ثمر النخل والعنب. فنعصره خمرا فنبيعها. فقال
عبد الله بن عمر: إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس. أنى لا آمركم
أن تبيعوها. ولا تبتاعوها. ولا تعصروها. ولا تشربوها. ولا تسقوها. فإنها رجس من عمل
الشيطان.

(ثبتاعوها) تشتروها. (رجس) خبث مستقذر.
848

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب العقول
(1) باب ذكر العقول
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن
أبيه، أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في العقول: أن في النفس مائة
من الإبل. وفي الانف، إذا أوعى جدعا، مائة من الإبل. وفي المأمومة ثلث الدية. وفي
الجائفة مثلها. وفي العين خمسون. وفي اليد خمسون. وفي الرجل خمسون. وفي كل أصبع
مما هنالك عشر من الإبل. وفي السن خمس. وفي الموضحة خمس.

(43 - كتاب العقول)
(العقول) جمع عقل. يقال: عقلت القتيل عقلا، أديت ديته. قال الأصمعي: سميت الدية عقلا تسمية بالمصدر.
لأن الإبل كانت تعقل بفناء ولي القتيل. ثم كثر الاستعمال حتى أطلق العقل على الدية، إبلا كانت أو نقدا:
1 - (في النفس) أي في قتل النفس. (أوعي) أي أخذ كله. ووعى واستوعى، لغة، في الاستيعاب،
وهو أخذ الشئ كله. (جدعا) أي قطعا. (وفي المأمومة) قيل لها مأمومة لأن فيها معنى المفعولية في
الأصل. وجمعها على لفظها، مأمومات. وهي التي تصل إلى أم الدماغ، وهي أشد الشجاع. قال ابن السكيت:
وصاحبها يصعق لصوت الرعد ولرغاء الإبل، ولا يطيق البروز في الشمس. وتسمى أيضا آمة. وجمعها أوام.
مثل دابة ودواب. (وفي الجائفة) اسم فاعل من جافته تجوفه. إذا وصلت لجوفه. (مما هنا لك)
أي
في يد أو رجل. (وفي السن) أضراس أو ثنايا أو رباعيات. (الموضحة) الشجة التي تكشف العظم.
849

(2) باب العمل في الدية
2 - حدثني مالك أنه بلغه، أن عمر بن الخطاب قوم الدية على أهل القرى. فجعلها على
أهل الذهب ألف دينار. وعلى أهل الورق اثنى عشر ألف درهم.
قال مالك: فأهل الذهب أهل الشام وأهل مصر. وأهل الورق أهل العراق.
وحدثني يحيى عن مالك أنه سمع، أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو أربع سنين.
قال مالك: والثلاث أحب ما سمعت إلى في ذلك.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، أنه لا يقبل من أهل القرى، في الدية، الإبل.
ولا من أهل العمود، الذهب ولا الورق ولا من أهل الذهب، الورق ولا من أهل الورق، الذهب.
(3) باب ما جاء في دية العمد إذا قبلت وجناية المجنون
حدثني يحيى عن مالك، أن ابن شهاب كان يقول: في دية العمد إذا قبلت خمس وعشرون
بنت مخاض. وخمس وعشرون بنت لبون. وخمس وعشرون حقة. وخمس وعشرون جذعة.

2 - (تقطع) تنجم.
(3 - باب ما جاء في دية العمد)
(إذا قبلت) أي رضي بها ولي المقتول. بأن عفا عن الدية. (بنت مخاض) أتى عليها حول ودخلت
في الثاني. وحملت أمها. والمخاض الحامل. أي دخل وقت حملها وإن لم تحمل. (بنت لبون) وهي التي دخلت
في الثالثة فصارت أمها لبونها بوضع حملها. (حقة) وهي التي دخلت في الرابعة. (جذعة) وهي التي
دخلت في الخامسة. سميت بذلك لأنها جذعت، أي أسقطت مقدم أسنانها.
850

3 - وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد، أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية
ابن أبي سفيان: أنه أتى بمجنون قتل رجلا. فكتب إليه معاوية: أن اعقله ولا تقد منه.
فإنه ليس على مجنون قود.
قال مالك، في الكبير والصغير إذا قتلا رجلا جميعا عمدا: أن على الكبير أن يقتل.
وعلى الصغير نصف الدية.
قال مالك: وكذا الحر والعبد يقتلان العبد فيقتل العبد ويكون على الحر نصف قيمته.
(4) باب دية الخطأ في القتل
4 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن عراك بن مالك وسليمان بن يسار،
أن رجلا من بنى سعد بن ليث أجرى فرسا فوطئ على إصبع رجل من جهينة. فنزى منها فمات.
فقال عمر بن الخطاب للذي ادعى عليهم: أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات منها؟ فأبوا
وتحرجوا وقال للآخرين: أتحلفون أنتم؟ فأبوا. فقضى عمر بن الخطاب بشطر الدية على
السعديين.
قال مالك: وليس العمل على هذا.

3 - (أعقله) احبسه بالعقال، القيد. (ولا تقد منه) لا تقتص منه. من «أقاد الأمير القائل بالقتيل»
قتله به. (قود) أي قصاص.
4 - (فوطئ) أي مشى (فنزى) كعني. نزف، أي خرج الدم بكثرة منها. (للذي أدعى عليهم)
أي أولياء الذي أجرى. (وتحرجوا) أي فعلو ا فعلا جانبوا به الحرج وهو الإثم. وهذا مما ورد لفظه مخالفا
لمعناه. كتأثم وتحنث وتحرج. (للآخرين) أولياء المقتول. (السعديين) عاقلة الذي أجرى.
851

وحدثني عن مالك، أن ابن شهاب وسليمان بن يسار وربيعة بن أبي عبد الرحمن كانوا يقولون:
دية الخطأ عشرون بنت مخاض. وعشرون بنت لبون. وعشرون ابن لبون ذكرا. وعشرون
حقة. وعشرون جذعة.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا أنه لا قود بين الصبيان. وإن عمدهم خطا. ما لم
تجب عليهم الحدود ويبلغوا الحلم. وإن قتل الصبي لا يكون إلا خطأ. وذلك لو أن صبيا
وكبيرا قتلا رجلا حرا خطأ. كان على عاقلة كل واحد منهما نصف الدية.
قال مالك: ومن قتل خطأ. فإنما عقله مال لا قود فيه. وإنما هو كغيره من ماله. يقضى
به دينه. ويجوز فيه وصيته. فإن كان له مال تكون الدية قدر ثلثه، ثم عفى عن ديته،
فذلك جائز له. وإن لم يكن له مال غير ديته جاز له من ذلك، الثلث. إذا عفى عنه، وأوصى به.
(5) باب عقل الجراح في الخطأ
حدثني مالك: أن الامر المجتمع عليه عندهم في الخطأ أنه لا يعقل حتى يبرأ المجروح
ويصح. وأنه إن كسر عظم من الانسان يد أو رجل أو غير ذلك من الجسد، خطأ. فبرأ وصح
وعاد لهيئته. فليس فيه عقل. فإن نقص أو كان فيه عثل ففيه من عقله بحساب ما نقص منه.

(بنت مخاض وبنت لبون وابن لبون) بالنصب على التمييز للعدد. (لاقود) لا قصاص. (ما) أي مدة
كونهم صبيانا (وإنما هو) أي المال المأخوذ في الخطأ. (كغيره من ماله) أي القتيل.
(عقل الجراح في الخطأ)
(الجراح) جمع جرح. وهو هنا ما دون النفس. (لا يعقل) أي لا يؤخذ عقله، أي ديته. (أو
كان فيه عثل) قال في المشارق: أي أثر وشين. وأصله الفساد. وقال الزرقاني: أي برأ على غير استواء.
852

قال مالك: فإن كان ذلك العظم مما جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم عقل مسمى، فبحساب ما فرض
فيه النبي صلى الله عليه وسلم. وما كان مما لم يأت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم عقل مسمى، ولم تمض فيه سنة
ولا عقل مسمى، فإنه يجتهد فيه.
قال مالك: وليس في الجراح في الجسد، إذا كانت خطأ، عقل. إذا برأ الجرح وعاد لهيئته.
فإن كان في شئ من ذلك عثل أو شين. فإنه يجتهد فيه. إلا الجائفة. فإن فيها ثلث دية النفس.
قال مالك: وليس في منقلة الجسد عقل. وهي مثل موضحة الجسد.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا أن الطبيب إذا ختن فقطع الحشفة، إن عليه العقل.
وأن ذلك من الخطأ الذي تحمل ه العاقلة. وأن كل ما أخطأ به الطبيب أو تعدى، إذا لم يتعمد
ذلك، ففيه العقل.
(6) باب عقل المرأة
وحدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول:
تعاقل المرأة الرجل إلى ثلث الدية. إصبعها كإصبعه. وسنها كسنه. وموضحتها كموضحته.
ومنقلتها كمنقلته.

(عثل) أي عدم استواء. (المنقلة) قال ابن الأثير: هي التي تخرج منها صغار العظام وتنتقل عن أماكنها.
وقيل هي التي تنقل العظم أي تكسره. قال الزرقاني: بكسر القاف الشديدة وفتحها. قيل وهو أولى. لأنها
محل الجراح. وكذا ضبطه ابن السكيت. وهي التي ينقل منها فراش العظام، وهي مارق منها. وضبطه الفارابي
والجوهري بالكسر على إرادة نفس الضربة. لأنها تكسر العظم وتنقله. (إن عليه العقل) أي الدية
كاملة. (تعاقل المرأة الرجل) أي تساوى ديته ديتها.
853

وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، وبلغه عن عروة بن الزبير، أنهما كانا يقولان مثل
قول سعيد بن المسيب في المرأة. أنها تعاقل الرجل إلى ثلث دية الرجل. فإذا بلغت ثلث
دية الرجل كانت إلى النصف من دية الرجل.
قال مالك: وتفسير ذلك أنها تعاقله في الموضحة والمنقلة. وما دون المأمومة والجائفة
وأشباههما. مما يكون فيه ثلث الدية فصاعدا. فإذا بلغت ذلك كان عقلها في ذلك، النصف
من عقل الرجل.
وحدثني عن مالك، أنه سمع ابن شهاب يقول: مضت السنة أن الرجل إذا أصاب امرأته
بجرح أن عليه عقل ذلك الجرح. ولا يقاد منه.
قال مالك: وإنما ذلك في الخطأ. أن يضرب الرجل امرأته فيصيبها من ضربه ما لم يتعمد.
كما يضربها بسوط فيفقأ عينها. ونحو ذلك.
قال مالك، في المرأة يكون لها زوج وولد من غير عصبتها ولا قومها. فليس على زوجها،
إذا كان من قبيلة أخرى، من عقل جنايتها شئ. ولا على ولدها إذا كانوا من غير قومها.
ولا على إخوتها من أمها إذا كانوا من غير عصبتها ولا قومها. فهؤلاء أحق بميراثها. والعصبة
عليهم العقل منذ زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم. وكذلك موالي المرأة. ميراثهم لولد المرأة.
وإن كانوا من غير قبيلتها. وعقل جناية الموالي على قبيلتها.

(لا يقاد منه) لا يقتص منه. (عليهم العقل) أي دية جنايتها. (موالي المرأة) الذين أعتقتهم.
854

(7) باب عقل الجنين
5 - وحدثني يحيى يعن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف،
عن أبي هريرة، أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى. فطرحت جنينها. فقضى فيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة: عبد أو وليدة.
أخرجه البخاري في: 76 - كتاب الطب، 46 - باب الكهانة.
ومسلم في: 28 - كتاب القسامة. 11 - باب دية الجنين، حديث 34.
6 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة: عبد أو وليدة. فقال الذي قضى عليه: كيف أغرم
ما لا شرب ولا أكل. ولا نطق ولا استهل. ومثل ذلك بطل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما
هذا من إخوان الكهان).
مرسل عند رواة مالك.
وقد وصله البخاري عن أبي هريرة في: 76 - كتاب الطب، 46 - باب الكهانة.
ومسلم في: 28 - كتاب القسامة، 11 - باب دية الجنين، حديث 31.
وقال الزرقاني: وهذا الحديث رواه البخاري عن قتيبة عن مالك به مرسلا. ففيه أن مراسيل مالك صحيحة
عند البخاري.

5 - (بغرة) بياض في الوجه عبر به عن الجسد كله. إطلاقا للجزء على الكل. (عبد أو وليدة)
بجرهما. بدل من غرة.
6 - (قضى) حكم. (أغرم) الغرم أداء شئ لازم. قال في المصباح: غرمت الدية والدين وغير ذلك،
أغرم. من باب تعب. إذا أديته. غرما ومغرما وغرامة. (ما لا شرب ولا أكل. ولا نطق ولا استهل)
أي صاح عند الولادة. وهو من إقامة الماضي مقام المضارع. أي لم يشرب ولم يأكل... الخ.
(بطل) من البطلان. وفي رواية «يطل» أي يهدر ولا يضمن. يقال: طل دمه، إذا أهدر. من الأفعال
التي لا تستعمل إلا مبنية للمفعول. (من إخوان الكهان) لمشابهة كلامه كلامهم.
855

وحدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أنه كان يقول: الغرة تقوم خمسين
دينارا أو ستمائة درهم. ودية المرأة الحرة المسلمة خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم.
قال مالك: فدية جنين الحرة عشر ديتها. والعشر خمسون دينارا أو ستمائة درهم.
قال مال: ولم أسمع أحد يخالف في أن الجنين لا تكون فيه الغرة، حتى يزايل بطن
أمه ويسقط من بطنها ميتا.
قال مالك: وسمعت أنه إذا خرج الجنين من بطن أمه حيا ثم مات أن فيه الدية كاملة.
قال مالك: ولا حياة للجنين إلا بالاستهلال. فإذا خرج من بطن أمه فاستهل ثم مات
ففيه الدية كاملة. ونرى أن في جنين الأمة عشر ثمن أمه.
قال مالك: وإذا قتلت المرأة رجلا أو امرأة عمدا. والتي قتلت حامل. لم يقد منها حتى
تضع حملها. وإن قتلت المرأة وهي حامل، عمدا أو خطأ. فليس على من قتلها في جنينها شئ.
فإن قتلت عمدا قتل الذي قتلها. وليس في جنينها دية. وإن قتلت خطأ فعلى عاقلة قاتلها
ديتها. وليس في جنينها دية.
وحدثني يحيى: سئل مالك عن جنين اليهودية والنصرانية يطرح؟ فقال: أرى أن فيه
عشر دية أمه.
(8) باب ما فيه الدية كاملة
حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول، في الشفتين
الدية كاملة. فإذا قطعت السفلى ففيها ثلثا الدية.

(يزايل) يفارق. (الاستهلال) الصياح عند الولادة. (يطرح) بنحو ضرب بطنها.
856

حدثني يحيى عن مالك، أنه سأل ابن شهاب عن الرجل الأعور يفقأ عين الصحيح؟ فقال
ابن شهاب: إن أحب الصحيح أن يستقيد منه فله القود. وإن أحب فله الدية ألف دينار.
أو اثنا عشر ألف درهم.
وحدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن في كل زوج من الانسان الدية كاملة. وأن في
اللسان الدية كاملة. وأن في الاذنين، إذا ذهب سمعهما، الدية كاملة. اصطلمتا أو لم تصطلما.
وفي ذكر الرجل الدية كاملة. وفي الأنثيين الدية كاملة.
وحدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن في ثديي المرأة الدية كاملة.
قال مالك: وأخف ذلك عندي الحاجبان. وثديا الرجل.
قال مالك: الامر عندنا أن الرجل إذا أصيب من أطرافه أكثر من ديته فذلك له. إذا
أصيبت يداه ورجلاه وعيناه فله ثلاث ديات.
قال مالك، في عين الأعور الصحيحة إذا فقئت خطأ: إن فيها الدية كاملة.
(9) باب ما جاء في عقل العين إذا ذهب بصرها
حدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، أن زيد بن ثابت كان
يقول: في العين القائمة إذا طفئت مائة دينار.

(يستقيد) يقتص. (في كل زوج من الإنسان) كاليدين والرجلين والبيضتين والشفتين والعينين. (اصطلمتا)
أي قطعتا من أصلهما. (في ثديي المرأة الدية كاملة) إذا استأصلها بالقطع. وأما حلمتاهما وهما رأسهما فلا
تجب الدية فيهما إلا بشرط إبطال اللبن. (طفئت) قال في الأساس: ومن المجاز... وطفئت عينه. وقال في
المشارق: ومعناه ذهب بصرها من سبب ضربة ونحوها. وبقيت قائمة لم يتغير شكلها ولا صفتها، وقال الزرقاني:
أي أزيلت وقلعت!!!
857

قال يحيى: وسئل مالك عن شتر العين وحجاج العين؟ فقال: ليس في ذلك إلا الاجتهاد.
إلا أن ينقص بصر العين. فيكون له بقدر ما نقص من بصر العين.
قال يحيى: قال مالك: الامر عندنا في العين القائمة العوراء إذا طفئت. وفي اليد الشلاء
إذا قطعت. إنه ليس في ذلك إلا الاجتهاد. وليس في ذلك عقل مسمى.
(10) باب ما جاء في عقل الشجاج
وحدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سليمان بن يسار يذكر: أن
الموضحة في الوجه مثل الموضحة في الرأس. إلا أن تعيب الوجه فيزاد في عقلها، ما بينهما
وبين عقل نصف الموضحة في الرأس. فيكون فيما خمسة وسبعون دينارا. قال مالك: والامر عندنا أن في المنقلة خمس عشرة فريضة.
قال: والمنقلة التي يطير فراشها من العظم. ولا تخرق إلى الدماغ. وهي تكون في الرأس
وفي الوجه.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا أن المأمومة والجائفة ليس فيهما قود. وقد قال
ابن شهاب: ليس في المأمومة قود.

(شتر) أي قطع جفنها الأسفل. مصدر شتر، من باب تعب. (حجاج العين) العظم المستدير حولها.
وقال ابن الأنباري: الحجاج العظم المشرف على غار العين. (الشلاء) التي فسدت وبطل عملها.
(باب ما جاء في عقل الشجاج)
(الشجاج) جمع شجة، الجراحة، ويجتمع على شجات على لفظها. وإنما تسمى بذلك إذا كانت في الوجه أو الرأس.
(عقلها) ديتها. (فراشها) قال ابن الأثير: الفراش عظام رقاق تلى قحف الرأس. وكل عظم رقيق فراشة.
(ولا تخرق) أي ولا تصل. (الدماغ) المقتل من الرأس. (المأمومة) أي الشجة التي تبلغ أم الدماغ.
(قود) أي قصاص.
858

قال مالك: والمأمومة ما خرق العظم إلى الدماغ. ولا تكون المأمومة إلا في الرأس.
وما يصل إلى الدماغ إذا خرق العظم.
قال مالك: الامر عندنا أنه ليس فيما دون الموضحة من الشجاج عقل. حتى تبلغ الموضوحة.
وإنما العقل في الموضحة فما فوقها. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى الموضحة، في كتابه
لعمرو بن حزم. فجعل فيها خمسا من الإبل. ولم تقض الأئمة في القديم ولا في الحديث،
فيما دون الموضحة، بعقل.
وحدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: كل نافذة
في عضو من الأعضاء ففيها ثلث عقل ذلك العضو.
حدثني مالك: كان ابن شهاب لا يرى ذلك. وأنا لا أرى في نافذة في عضو من الأعضاء
في الجسد أمرا مجتمعا عليه. ولكني أرى فيها الاجتهاد. يجتهد الامام في ذلك. وليس في
ذلك أمر مجتمع عليه عندنا.
قال مالك: الامر عندنا أن المأمومة والمنقلة والموضحة لا تكون إلا في الوجه والرأس.
فما كان في الجسد من ذلك فليس فيه إلا الاجتهاد.
قال مالك: فلا أرى اللحى الأسفل والأنف من الرأس في جراحهما. لأنهما عظمان منفردان.
والرأس، بعدهما، عظم واحد.
وحدثني يحيى عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أن عبد الله بن الزبير أقاد من
المنقلة.

(الشجاج) أي الجراح. (ولم تقض الأئمة) أي الخلفاء. (كل نافذة) أي كل جراحة نافذة.
(اللحى) هو عظم الحنك الذي عليه الأسنان. وهو من الانسان حيث ينبت الشعر. وهو أعلى وأسفل.
859

(11) باب ما جاء في عقل الأصابع
وحدثني يحيى عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أنه قال: سألت سعيد بن المسيب:
كم في إصبع المرأة؟ فقال عشر من الإبل. فقلت: كم في إصبعين؟ قال: عشرون من الإبل.
فقلت: كم في ثلاث؟ فقال: ثلاثون من الإبل. فقلت: كم في أربع؟ قال: عشرون من الإبل.
فقلت: حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها؟ فقال سعيد: أعراقي أنت؟ فقلت:
بل عالم متثبت. أو جاهل متعلم. فقال سعيد: هي السنة يا ابن أخي.
قال مالك: الامر عندنا في أصابع الكف إذا قطعت فقد تم عقلها. وذلك أن خمس
الأصابع إذا قطعت. كان قلها عقل الكف. خمسين من الإبل. في كل إصبع عشرة
من الإبل.
قال مالك: وحساب الأصابع ثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار. في كل أنملة. وهي
من الإبل ثلاث فرائض وثلث فريضة.

(نقص عقلها) أي ديتها. (أعراق أنت) تأخذ بالقياس المخالف للنص. (هي السنة) قال الزرقاني:
فقوله هي السنة يدل على أنه أرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن عبد البر. وقد اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل.
وذكر بعضهم أنها تتبعت كلها فوجدت مسندة. (عقل الكف) أي إذا قطع معها.
860

(12) باب جامع عقل الأسنان
7 - وحدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن مسلم بن جندب، عن أسلم مولى
عمر بن الخطاب، أن عمر بن الخطاب قضى في الضرس بجمل. وفي الترقوة بجمل. وفي الضلع
بجمل.
وحدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قضى
عمر بن الخطاب في الأضراس ببعير بعير. وقضى معاوية بن أبي سفيان في الأضراس بخمسة
أبعرة، خمسة أبعرة.
قال سعيد بن المسيب: فالدية تنقص في قضاء عمر بن الخطاب وتزيد في قضاء معاوية.
فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين. فتلك الدية سواء. وكل مجتهد مأجور.
وحدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول:
إذا أصيبت السن فاسودت ففيها عقلها تاما. فإن طرحت بعد أن تسود ففيها عقلها
أيضا تاما.

7 - (وفي الترقوة) هي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق من الجانبين. والجمع التراقي وقيل
لا يكون لشئ من الحيوان، إلا الانسان خاصة. (الضلع) بكسر الضاد وفتح اللام، لغة الحجاز.
وسكون الأم لغة تميم. وهي مؤنثة. (بخمسة أبعرة) أي في كل واحد منها. ولذا كرر.
(بعيرين بعيرين) في كل ضرس.
861

(13) باب العمل في عقل الأسنان
8 - وحدثني يحيى عن مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي غطفان بن طريف المري: أنه
أخبره: أن مروان بن الحكم بعثه إلى عبد الله بن عباس. يسأله ماذا في الضرس؟ فقال عبد الله
ابن عباس: فيه خمس من الإبل. قال فردني مروان إلى عبد الله بن عباس. فقال: أتجعل مقدم
الفم مثل الأضراس؟ فقال عبد الله بن عباس: لو لم تعتبر ذلك إلا بالأصابع. عقلها سواء.
وحدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان يوسى بين الأسنان
في العقل. ولا يفضل بعضها على بعض.
قال مالك: والامر عندنا أن مقدم الفم والأضراس والأنياب، عقلها سواء. وذلك أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (في السن خمس من الإبل) والضرس سن من الأسنان. لا يفضل بعضها
على بعض.
(14) باب ما جاء في دية جراح العبد
وحدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار كانا يقولان:
في موضحة العبد نصف عشر ثمنه.

8 - (ماذا في الغرس) الذي يقلع خطأ. (لو لم ذلك إلا بالأصابع. عقلها سواء) أي لكفاك.
فحذف جواب " لو ". (في السن خمس من الإبل) هذا الحديث -
أخرجه النسائي في: 45 - كتاب القسامة، 44 - باب عقل الأسنان.
وابن ماجة في: 21 - كتاب الديات، 17، - باب دية الأسنان.
(14 - باب ما جاء في دية جراح العبد)
(موضحة العبد) الموضحة: الشجة التي تكشف العظم.
862

وحدثني مالك، أنه بلغه أن مروان بن الحكم كان يقضى في العبد يصاب بالجراح:
أن على من جرحه قدر ما نقص من ثمن العبد.
قال مالك: والامر عندنا أن في موضحة العبد نصف عشر ثمنه. وفي منقلته العشر ونصف
العشر من ثمنه. وفي مأمومته وجائفته، في كل واحدة منهما ثلث ثمنه. وفيما سوى هذه
الخصال الأربع، مما يصاب به العبد ما نقص من ثمنه، ينظر في ذلك بعد ما يصح العبد
ويبرأ. كم بين قيمة العبد بعد أن أصابه الجرح، وقيمته صحيحا قبل أن يصيبه هذا؟ ثم يغرم
الذي أصابه ما بين القيمتين.
قال مالك، في العبد إذا كسرت يده أو رجله ثم صح كسره. فليس على من أصابه شئ.
فإن أصاب كسره ذلك نقص أو عثل، كان على من أصابه قدر ما نقص من ثمن العبد.
قال مالك: الامر عندنا في القصاص بين المماليك كهيئة قصاص الأحرار. نفس الأمة
بنفس العبد. وجرحها بجرحه. فإذا قتل العبد عبدا عمدا خير سيد العبد المقتول. فإن شاء
قتل. وإن شاء أخذ العقل. فإن أخذ العقل أخذ قيمة عبده. وإن شاء رب العبد القاتل أن

(وفى منقلته) قال ابن الأثير: هي التي تخرج منها صغار العظام وتنتقل عن أما كنها. وقيل هي التي تنقل
العظم أي تكسره. وقال الزرقاني: بكسر القاف الشديدة وفتحها. قيل وهو أولى. لأنها محل الجراح.
وكذا ضبطه ابن السكيت. وهي التي ينقل منها فراش العظام. وهي مارق منها. وضبطه الفارابي والجوهري
بالكسر، على إرادة نفس الضربة. لأنها تكسر العظم وتنقله. (وفى مأمومته) قيل لها مأمومة أن فيها
معنى المفعولية في الأصل. وجمعها على لفظها، مأمومات. وهي التي تصل إلى أم الدماغ. وهي أشد الشجاج.
قال ابن السكيت: وصاحبها يصعق لصوت الرعد ولرغاء الإبل. ولا يطيق البروز في الشمس. وتسعى آمة
وجمعها أو أم. مثل دابة ودواب. (جائفته) الجائفة اسم فاعل من جافته تجوفه. إذا وصلت لجوفه.
(عثل) أي عدم استواء. قال في المشارق: أي أقر وشين. وأصله الفساد.
863

يعطى ثمن العبد المقتول فعل. وإن شاء أسلم عبده. فإذا أسلمه فليس عليه غير ذلك. وليس
لرب العبد المقتول، إذا أخذ العبد القاتل ورضى به، أن يقتله. وذلك في القصاص كله بين
العبد. في قطع اليد والرجل وأشباه ذلك، بمنزلته في القتل.
قال مالك، في العبد المسلم يجرح اليهودي أو النصراني: إن سيد العبد إن شاء أن يعقل
عنه ما قد أصاب فعل. أو أسلمه. فيباع فيعطى اليهودي أو النصراني، من ثمن العبد، دية
جرحه. أو ثمنه كله، إن أحاط بثمنه. ولا يعطى اليهودي ولا النصراني عبدا مسلما.
(15) باب ما جاء في دية أهل الذمة
وحدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز قضى أن دية اليهودي أو النصراني،
إذا قتل أحدهما، مثل نصف دية الحر المسلم.
قال مالك: الامر عندنا أن لا يقتل مسلم بكافر. إلا أن يقتله مسلم قتل غيلة. فيقتل به.
وحدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد: أن سليمان بن يسار كان يقول: دية المجوسي
ثماني مائة درهم.
قال مالك: وهو الامر عندنا.
قال مالك: وجراح اليهودي والنصراني والمجوسي في دياتهم على حساب جراح المسلمين
في دياتهم. والموضحة نصف عشر ديته. والمأمومة ثلث ديته. والجائفة ثلث ديته. فعلى
حساب ذلك، جراحاتهم كلها.
864

(16) باب ما بوجب العقل على الرجل في خاصة ماله
حدثني يحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان يقول: ليس على العاقلة
عقل في قتل العمد. إنما عليهم عقل قتل الخطأ.
وحدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، أنه قال: مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا
من دية العمد. إلا أن يشاؤا ذلك.
وحدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، مثل ذلك.
قال مالك: إن ابن شهاب قال: مضت السنة في قتل العمد حين يعفو أولياء المقتول، أن
الدية تكون على القاتل في ماله خاصة. إلا أن تعينه العاقلة، عن طيب نفس منها.
قال مالك: والامر عندنا أن الدية لا تجب على العاقلة، حتى تبلغ الثلث فصاعدا. فما بلغ
الثلث فهو على العاقلة. وما كان دون الثلث فهو في مال الجارح خاصة.
قال مالك: الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا، فيمن قبلت منه الدية في قتل العمد، أو
في شئ من الجراح التي فيها القصاص: أن عقل ذلك لا يكون على العاقلة. إلا أن يشاؤا.
وإنما عقل ذلك في مال القاتل أو الجارح خاصة. إن وجد له مال. فإن لم يوجد له مال،
كان دينا عليه. وليس على العاقلة منه شئ. إلا أن يشاؤا.
قال مالك: ولا تعقل العاقلة أحدا، أصاب نفسه عمدا أو خطأ، بشئ. وعلى ذلك رأى
أهل الفقه عندنا. ولم أسمع أن أحدا ضمن العاقلة من دية العمد شيئا. ومما يعرف به ذلك
أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه - فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه
865

بإحسان - فتفسير ذلك، فيما نرى والله أعلم: أنه من أعطى من أخيه شئ من العقل. فليتبعه
بالمعروف. وليؤد إليه بإحسان.
قال مالك، في الصبي الذي لا مال له. والمرأة التي لا مال لها. إذا جنى أحدهما جناية
دون الثلث: إنه ضامن على الصبي والمرأة في مالهما خاصة. إن كان لهما مال أخذ منه. وإلا
فجناية كل واحد منهما دين عليه. ليس على العاقلة منه شئ. ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل
جناية الصبي. وليس ذلك عليه.
قال مالك: الامر عندنا الذي لا اختلاف فيه، أن العبد إذا قتل كانت فيه القيمة يوم يقتل.
ولا تحمل عاقلة قاتله من قيمة العبد شيئا. قل أو كثر. وإنما ذلك على الذي أصابه في ماله
خاصة. بالغا ما بلغ. وإن كانت قيمة العبد الدية أو أكثر، فذلك عليه في ماله. وذلك
لان العبد سلعة من السلع.
(17) باب ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه
9 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، أن عمر بن الخطاب نشد الناس بمنى: من
كان عنده علم من الدية أن يخبرني؟ فقام الضحاك بن سفيان الكلابي فقال: كتب إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي، من دية زوجها. فقال له عمر بن الخطاب:
ادخل الخباء حتى آتيك. فلما نزل عمر بن الخطاب، أخبره الضحاك. فقضى بذلك عمر
ابن الخطاب.

9 - (نشد) طلب، أي منهم جواب قوله. (الخباء) الخيمة.
866

قال ابن شهاب: وكان قتل أشيم خطأ.
10 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب، أن رجلا من بنى مدلج
يقال قتادة. حذف ابنه بالسيف. فأصاب ساقه. فنزى في جرحه فمات. فقدم سرافة
ابن جعشم على عمر بن الخطاب. فذكر ذلك له. فقال له عمر: أعدد، على ماء قديد، عشرين
ومائة بعير. حتى أقدم عليك. فلما قدم إليه عمر بن الخطاب، أخذ من تلك الإبل ثلاثين
حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة. ثم قال: أين أخو المقتول؟ قال: هأنذا. قال: خذها.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ليس لقاتل شئ).
رواه الشافعي في الرسالة، فقرة 476، بتحقيق أحمد محمد شاكر.
وحدثني مالك: أنه بلغه، أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار سئلا: أتغلظ الدية
في الشهر الحرام؟ فقالا: لا. ولكن يزاد فيها للحرمة. فقيل لسعيد: هل يزاد في الجراح
كما يزاد في النفس؟ فقال: نعم.
قال مالك: أراهما أرادا مثل الذي صنع عمر بن الخطاب، في عقل المدلجي، حين أصاب
ابنه.

10 - (حذف) أي رمى. (فنزى) كعنى: نزف أي خرج الدم بكثرة منها.
(ماء قديد) موضع بين مكة والمدينة. (حقة) هي التي يخلت في الرابعة.
(جذعة) هي التي دخلت في الخامسة. سميت بذلك لأنها جذعت، أي أسقطت مقدم أسنانها.
(خلفة) الحوامل من الإبل.
867

11 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، عن عروة بن الزبير، أن رجلا من الأنصار
يقال له أحيحة بن الجلاح. كان له عم صغير. هو أصغر من أحيحة وكان عند أخواله.
فأخذه أحيحة فقتله. فقال أخواله: كنا أهل ثمة ورمه. حتى إذا استوى عل عممه. غلبنا
حق امرئ في عمه.
قال عروة: فلذلك لا يرث قاتل من قتل.
قال مالك: الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا، أن قاتل العمد لا يرث من دية من قتل شيئا.
ولا من ماله. ولا يحجب أحد وقع له ميراث. وأن الذي يقتل خطأ لا يرث من الدية شيئا.
وقد اختلف في أن يرث من ماله. لأنه لا يتهم على أنه قتله ليرثه. وليأخذ ماله. فأحب
إلى أن يرث من ماله. ولا يرث من ديته.
(18) باب ما جامع العقل
12 - حدثني يحيى عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبى سلمة

11 - (كنا أهل ثمة) قال أبو عبيد: المحدثون يروونه بالضم، والوجه عندي الفتح: والثم إصلاح
الشئ وإحكامه. يقال ثممت أثم ثما. (ورمه) قال الأزهري: هكذا روته الرواة. وهو الصحيح وإن
أنكر بعضهم. وقال ابن السكيت: يقال ماله ثم ولا رم، بضمهما، فالثم قماش البيت. والزم مرمة البيت. كأنه
أريد: كنا القائمين به منذ ولد إلى أن شب وقوى. (عممه) أي على طوله واعتدال شبابه. ويقال للنبت
إذا طال:، اعتم. (غلبنا حق امرى في عمه) أي أخذه منا قهرا علينا. (من قتل) أي الذي قتله.
868

ابن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (جرح العجماء جبار، والبئر جبار،
والمعدن جبار. وفي الركاز الخمس).
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب الزكاة، 66 - باب في الركاز الخمس.
ومسلم في: 29 - كتاب الحدود، 11 - باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار، حديث 45.
قال مالك: وتفسير الجبار أنه لا دية فيه.
وقال مالك: القائد والسائق والراكب، كلهم ضامنون لما أصابت الدابة. إلا أن ترمح
الدابة من غير أن يفعل بها شئ ترمح له. وقد قضى عمر بن الخطاب في الذي أجرى فرسه
بالعقل.
قال مالك: فالقائد والراكب والسائق أحرى، أن يغرموا، من الذي أجرى فرسه.
قال مالك: والامر عندنا في الذي يحفر البئر على الطريق، أو يربط الدابة، أو يصنع
أشباه هذا على طريق المسلمين. أن ما صنع من ذلك مما لا يجوز له أن يصنعه على طريق
المسلمين، فهو ضامن لما أصيب في ذلك من جرح أو غيره. فما كان من ذلك عقله دون ثلث
الدية، فهو في ماله خاصة. وما بلغ الثلث فصاعدا، فهو على العاقلة. وما صنع من ذلك مما
يجوز له أن يصنعه على طريق المسلمين، فلا ضمان عليه فيه. ولا غرم. ومن ذلك، البئر يحفرها
الرجل للمطر. والدابة، ينزل عنها الرجل للحاجة. فيقفها على الطريق. فليس على أحد في هذا غرم.

12 - (العجماء) تأنيث أعجم. وهو البهيمة، ويقال أيضا لكل حيوان غير الانسان. ولمن لا يفصح.
والمراد هنا الأول. سميت البهيمة عجماء، لأنها لا تتكلم. (جبار) أي هدر لا شئ فيه. (والمعدن)
المكان من الأرض يخرج منه شئ من الجواهر والأجساد. كذهب وفضة وحديد ونحاس ورصاص وكبريت
وغيرها. من عدن بالمكان، إذا أقام به، يعدن عدونا. أي إذا أنهار على من حفر فيه فهلك. فدمه جبار.
أي هدر لا ضمان فيه. (الركاز) دفن الجاهلية. (ترمح) تضرب يرجلها. (بالعقل) أي بالدية.
(أخرى) أولى.
869

وقال مالك، في الرجل ينزل في البئر. فيدركه رجل آخر في أثره. فيجبذ الأسفل الأعلى.
فيخران في البئر. فيهلكان جميعا: أن على عاقلة الذي جبذه، الدية.
قال مالك، في الصبي يأمره الرجل ينزل في البئر، أو يرقى في النخلة، فيهلك في ذلك: أن
الذي أمره ضامن لما أصابه من هلاك أو غيره.
قال مالك: الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا. أنه ليس على النساء والصبيان عقل يجب
عليهم أن يعقلوه مع العاقلة. فيما تعقله العاقلة من الديات. وإنما يجب العقل على من بلغ
الحكم من الرجال.
وقال مالك، في عقل الموالي تلزمه العاقلة إن شاؤوا. وإن أبوا كانوا أهل ديوان أو مقطعين
وقد تعاقل الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي زمان أبى بكر الصديق. قبل أن يكون ديوان.
وإنما كان الديوان في زمان عمر بن الخطاب. فليس لأحد أن يعقل عنه غير قومه ومواليه.
لان الولاء لا ينتقل. ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال (الولاء لمن أعتق).
قال مالك: والولاة نسب ثابت.
قال مالك: والامر عندنا فيما أصيب من البهائم، أن على من أصاب منها شيئا، قدر ما نقص
من ثمنها.
قال مالك، في الرجل يكون عليه القتل. فيصيب حد من الحدود: أنه لا يؤخذ به. و
ذلك أن القتل يأتي على ذلك كله. إلا الفرية. فإنها تثبت على من قيلت له. يقال له:
مالك لم تجلد من افترى عليك؟ فأرى أن يجلد المقتول الحد من قبل أن يقتل. ثم يقتل.
ولا أرى أن يقاد منه في شئ من الجراح إلا القتل. لان القتل يأتي على ذلك كله.

(يرقى) يصعد.
870

وقال مالك: الامر عندنا أن القتيل إذا وجد بين ظهراني قوم في قرية أو غيرها. يؤخذ
به أقرب الناس إليه دارا. ولا مكانا. وذلك أنه قد يقتل القتيل. ثم يلقى على باب قوم
ليلطخوا به. فليس يؤاخذ أحد بمثل ذلك.
قال مالك، في جماعة من الناس اقتتلوا. فانكشفوا. وبينهم قتيل أو جريح. لا يدرى
من فعل ذلك به: إن أحسن ما سمع في ذلك أن عليه العقل. وأن عقله على القوم الذين
نازعوه. وإن كان الجريح أو القتيل من غير الفريقين. فعقله على الفريقين جميعا.
(19) باب ما جاء في الغبن والسحر
13 - وحدثني يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن عمر
ابن الخطاب قتل نفرا. خمسة أو سبعة. برجل واحدة قتلوه قتل غيلة. وقال عمر: لو تمالا
عليه أهل صنعاء لقتلهم جميعا.
14 - وحدثني يحيى عن مالك، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، أنه بلغه،
أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها، سحرتها. وقد كانت دبرتها. فأمرت بها فقتلت.
قال مالك: الساحر الذي يعمل السحر. ولم يعمل ذلك له غيره. هو مثل الذي قال
الله تبارك وتعالى في كتابه - ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق - فأرى أن
يقتل ذلك. إذا عمل ذلك هو نفسه.

13 - (غيلة أي خديعة، أي سرا.
14 - (دبرتها) أي علقت حفصة عقتها على موتها.
871

(20) باب ما يجب في العمر
15 - وحدثني يحيى عن مالك، عن عمر بن حسين، مولى عائشة بنت قدامة، أن عبد الملك ابن مروان أقاد ولى رجل من رجل قتله بعصا. فقتله وليه بعصا.
قال مالك: والامر المجتمع عليه الذي لا اختلاف فيه عندنا. أن الرجل إذا ضرب الرجل
بعصا. أو رماه بحجر. أو ضربه عمدا. فمات من ذلك. فإن ذلك هو العمد وفيه القصاص.
قال مالك: فقتل العمد عندنا أن يعمد الرجل إلى الرجل فيضربه. حتى تفيظ نفسه.
ومن العمد أيضا أن يضرب الرجل الرجل في النائرة تكون بينهما. ثم ينصرف عنه وهو
حي. فينزى في ضربه. فيموت. فتكون، في ذلك، القسامة.
قال مالك: الامر عندنا أنه يقتل، في العمد، الرجال الأحرار بالرجل الحر الواحد. والنساء
بالمرأة كذلك. والعبيد بالعبد كذلك.
(21) باب القصاص في القتل
حدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه: أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان
يذكر أنه أتى بسكران قد قتل رجلا. فكتب إليه معاوية: أن اقتله به.

15 - (أقاد) أقاد القاتل بالقتل: قتله به. (تفيظ) تخرج. (النائرة) العداوة والشحناء،
مشتقة من النار. (فينزى) أي ينزف. (القسامة) خمسون يمينا.
872

قال يحيى: قال مالك: أحسن ما سمعت في تأويل هذه الآية، قول الله تبارك وتعالى - الحر
بالحر والعبد بالعبد - فهؤلاء الذكور - والأنثى بالأنثى - أن القصاص يكون بين الإناث
كما يكون بين الذكور. والمرأة الحرة تقتل بالمرأة الحرة. كما يقتل الحر بالحر. والأمة
تقتل بالأمة. كما يقتل العبد بالعبد. والقصاص يكون بين النساء كما يكون بين الرجال.
والقصاص أيضا يكون بين الرجال والنساء. وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه
- وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين وبالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والسن
بالسن والجروح قصاص - فذكر الله تبارك وتعالى أن النفس بالنفس. فنفس المرأة الحرة
بنفس الرجل الحر. وجرحها بجرحه.
قال مالك، في الرجل يمسك الرجل للرجل فيضربه فيموت مكانه: أنه، إن أمسكه،
وهو يرى أنه يريد قتله قتلا به جميعا. وإن أمسكه وهو يرى أنه إنما يريد الضرب مما يضرب
به الناس، لا يرى أنه عمد لقتله، فإنه يقتل القاتل. ويعاقب الممسك أشد العقوبة. ويسجن
سنة. لأنه أمسكه. ولا يكون عليه القتل.
قال مالك، في الرجل يقتل الرجل عمدا. أو يفقأ عينه عمدا. فيقتل القاتل أو تفقأ عين
الفاقئ قبل أن يقتص منه: أنه ليس عليه دية ولا قصاص. وإنما كان حق الذي قتل أو فقئت
عينه في الشئ، بالذي ذهب وإنما ذلك بمنزلة الرجل يقتل الرجل عمدا. ثم يموت القاتل.
فلا يكون لصاحب الدم، إذا مات القاتل، شئ. دية ولا غيرها. وذلك لقول الله تبارك
وتعالى - كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد -.

(الحر بالحر) يقتل، لا بالعبد. (كتبنا) فرضنا. (فيها) أي التوراة. (أن النفس بالنفس) أي
تقتل بالنفس إذا قتلها بغير حث. (والعين) تفقأ. (والأنف) يجدع. (والاذن) تقطع.
(والسن) تقلع. (والجروح قصاص) أي يقتص منها، إذا أمكن. (بالذي) الباء سببية. أي بسبب الذي.
873

قال مالك: فإنما يكون له القصاص على صاحبه الذي قتله. وإذا هلك قاتله الذي قتله،
فليس له قصاص ولا دية.
قال مالك: ليس بين الحر والعبد قود في شئ من الجراح. والعبد يقتل بالحر إذا قتله
عمدا. ولا يقتل الحر بالعبد وإن قتله عمدا. وهو أحسن ما سمعت.
(22) باب العفو في القتل العمد
حدثني يحيى عن مالك، أنه أدرك من يرضى من أهل العلم يقولون في الرجل إذا أوصى
أن يعفى عن قاتله إذا قتل عمدا: إن ذلك جائز له. وأنه أولى بدمه من غيره من أوليائه
من بعده.
قال مالك، في الرجل يعفو عن قتل العمد بعد أن يستحقه. ويجب له: إنه ليس على القاتل
عقل يلزمه. إلا أن يكون الذي عفا عنه اشترط ذلك عند العفو عنه.
قال مالك، في القاتل عمدا إذا عفى عنه: أنه يجلد مائة جلدة ويسجن سنة.
قال مالك: وإذا قتل الرجل عمدا وقامت، على ذلك، البينة. وللمقتول بنون وبنات. فعفا
لبنون وأبى البنات أن يعفون. فعفو البنين جائز على البنات. ولا أمر للبنات مع البنين في
القيام بالدم والعفو عنه.
874

(23) باب القصاص في الجراح
قال يحيى قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا، أن من كسر يدا أو رجلا عمدا، أنه
يقاد منه ولا يعقل.
قال مالك: ولا يقاد من أحد حتى تبرأ جراح صاحبه. فيقاد منه. فإن جاء جرح المستقاد
منه مثل جرح الأول حين يصح، فهو القود. وإن زاد جرح المستقاد منه أو مات، فليس
على المجروح الأول المستقيد شئ. وإن برأ جرح المستقاد منه. وشل المجروح الأول.
أو برأت جراحه وبها عيب أو نقص أو عثل. فإن المستقاد منه لا يكسر الثانية. ولا يقاد
بجرحه.
قال: ولكنه يعقل له بقدر ما نقص من يد الأول. أو فسد منها. والجراح في الجسد
على مثل ذلك.
قال مالك: وإذا عمد الرجل إلى امرأته ففقأ عينها. أو كسر يدها. أو قطع إصبعها.
أو شبه ذلك. متعمدا لذلك. فإنها تقاد منه. وأما الرجل يضرب امرأته بالحبل. أو بالسوط.
فيصيبها من ضربه ما لم يرد ولم يتعمد. فإنه يعقل ما أصاب منها على هذا الوجه. ولا يقاد منه.
وحدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه: أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أقاد من
كسر الفخذ.

(شلت) الشلل فساد في اليد. وقد شلت يمينه تشل شللا. وأشلها الله تعالى. (عثل) أي أثر وشين.
وأسله الفساد، قاله في المشارق.
875

(24) باب ما جاء في دية السائبة وجنايته
16 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي الزناد، عن سليمان بن يسار، أن سائبة أعتقه
بعض الحجاج. فقتل ابن رجل من بنى عائذ. فجاء العائذي، أبو المقتول، إلى عمر بن الخطاب.
يطلب دية ابنه. فقال عمر: لا دية له. فقال العائذي: أرأيت لو قتله ابني؟ فقال عمر:
إذا، تخرجون ديته. فقال: هو، إذا، كالأرقم. إن يترك يلقم. وإن يقتل ينقم.

16 - (السائبة) العبد. كان الرجل إذا قال لعبده: أنت سائبة، عتق ولا يكون ولاؤه له. بل يضع ماله
حيث شاء. (الأرقم) الحية التي فيها بياض وسواد، أو حمرة وسواد. (يلقم) أصله الأكل بسرعة
(ينقم) بكسر قاف من باب ضرب، لغة القرآن. وفى لغة بفتح القاف من باب تعب، وهي أولى، هنا، بالسجع.
ومعناه، إن تركت قتله قتلك. وإن قتلته كان له من يلتقم منك. وهو مثل من أمثال العرب مشهور. قال ابن
الأثير: كانوا في الجاهلية يزعمون أن الجن تطلب ثار الجان. وهي الحية الدقيقة، فربما مات قاتلها، وربما أصابه
خلل. وهذا مثل فيمن يجتمع عليه شر ان. لا يدرى يصنع بهما.
876

بسم الله الرحمن الرحيم
44 - كتاب القسامة
(1) باب تبرئة أهل الدم في القسامة
1 - حدثني يحيى عن مالك، عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل، عن سهل
ابن أبي حثمة، أنه أخبره رجال من كبراء قومه: أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر.
من جهد أصابهم. فأتى محيصة. فأخبر: أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير بئر
أو عين. فأتى يهود. فقال: أنتم والله قتلتموه. فقالوا: والله ما قتلناه. فأقبل حتى قدم على
قومه. فذكر لهم ذلك. ثم أقبل هو وأخوه حويصة، وهو أكبر منه، وعبد الرحمن.
فذهب محيصة ليتكلم. وهو الذي كان بخيبر. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (كبر كبر) يريد
السن. فتكلم السن. فتكلم حويصة. ثم تكلم محيصة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إما أن يردوا صاحبكم
وإما أن يؤذنوا بحرب) فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. فكتبوا: إنا والله ما قتلناه.

(44 - كتاب القسامة)
(القسامة) بفتح القاف مأخوذ من القسم وهو اليمين. وقال الأزهري،: القسامة اسم للأولياء الذين يحلفون
على استحقاق دم المقتول. وقيل مأخوذ من القسمة، لقسمة الايمان على الورثة، واليمين فيها من جانب المدعى.
قال أبو عمر: كانت في الجاهلية. فأقرها صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه في الجاهلية.
1 - (جهد) أي فقر شديد. (فقير) الفقير هو البئر القريبة القعر الواسعة الفم. وقيل الحفرة التي تكون
حول النخل. (كبر كبر) أي قدم الأكبر. (بدوا) أي يعطوا الدية. (يؤذنوا) يعلموا.
877

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن (أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟)
فقالوا: لا قال (أفتحلف لكم يهود؟) قالوا، ليسوا بمسلمين. فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من
عنده. فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار. قال سهل: لقدر كضتني منها ناقة حمراء.
أخرجه البخاري في: كتاب الأحكام، 38 - باب كتاب الحاكم إلى عماله.
ومسلم في: 28 - كتاب القسامة، - باب القسامة، حديث 6.
قال مالك: الفقير هو البئر.
2 - قال يحيى عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار، أنه أخبره: أن عبد الله
ابن سهل الأنصاري ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر. فتفرقا في حوائجهما. فقتل عبد الله
ابن سهل. فقدم محيصة. فأتى هو، وأخوه حويصة، وعبد الرحمن بن سهل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فذهب عبد الرحمن ليتكلم. لمكانه من أخيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كبر كبر) فتكلم
حويصة ومحيصة. فذكرا شأن عبد الله بن سهل. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتحلفون
خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم؟) قالوا: يا رسول الله. لم نشهد ولم نحضر.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (فتبرئكم يهود بخمسين يمينا؟) فقالوا: يا رسول الله. كيف نقبل
أيمان قو كفار؟
قال أبو عمر: لم يختلف على مالك في إرسال هذا الحديث.
وهو موصول في الصحيحين وغير هما، عن بشير عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج.
فأخرجه البخاري في: 87 - كتاب الديات، 22 - باب القسامة.
ومسلم في: 28 - كتاب القسامة، 1 - باب القسامة، حديث 2.

(وتستحقون دم صاحبكم) أي بدل دم صاحبكم، ففيه حذف مضاف. أو معنى صاحبكم، أو معنى، غريمكم. فلا حاجة
إلى تقدير. والجملة فيها معنى التعليل، أن المعنى أتحلفون لتستحقوا. وقد جاءت الواو بمعنى التعليل في قوله تعالى
- أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير - المعنى ليعفو. (فوداه) أعطى ديته. (ركضتني) أي رفستني رجلها.
2 - (كبر كبر) أي قدم الأسن ليتكلم. (فتبرئكم) أي تبرأ إليكم من دعواكم.
878

قال يحيى بن سعيد: فزعم بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وداء من عنده.
قال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا. والذي سمعت ممن أرضى في القسامة. والذي
اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث أن يبدأ بالايمان، المدعون في القسامة. فيحلفون.
وأن القسامة لا تجب إلا بأحد أمرين. إما أن يقول المقتول: دمى عند فلان. أو يأتي ولاة
الدم بلوث من بينة. وإن لم تكن قاطعة على الذي يدعى عليه الدم. فهذا يوجب القسامة
للمدعين الدم على من ادعوه عليه. ولا تجب القسامة عندنا إلا بأحد هذين الوجهين.
قال مالك: وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا. والذي لم يزل عليه عمل الناس أن
المبدئين بالقسامة أهل الدم. والذين يدعونه في العمد والخطأ.
قال مالك: وقد بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارثيين في قتل صاحبهم الذي قتل بخيبر.
قال مالك: فإن حلف المدعون استحقوا دم صاحبهم وقتلوا من حلفوا عليه. ولا يقتل
في القسامة إلا واحد. لا يقتل فيها اثنان. يحلف من ولاة الدم خمسون رجلا خمسين يمينا.
فإن قل عددهم أو نكل بعضهم ردت الايمان عليهم. إلا أن ينكل أحد من ولاة المقتول،
ولاة الدم، الذين يجوز لهم العفو عنه. فإن نكل أحد من أولئك فلا سبيل إلى الدم إذا
نكل أحد منهم.
قال يحيى: قال مالك: وإنما ترد الايمان على من بقي منهم. إذا نكل أحد ممن لا يجوز
له عفو. فإن نكل أحد من ولاة الدم الذين يجوز لهم العفو عن الدم، وإن كان وحدا،

(وداء) أعطاهم ديته. (تجب) تثبت أولى الدم. (بلوث) قال الأزهري: اللوث البينة الضعيفة
غير الكاملة. (نكل) نكل عن العدو نكولا، من باب قعد، وهذه لغة الحجاز. وهو الجبن والتأخر.
قال أبو زيد: نكل إذا أراد أن يصنع شيئا فهابه. ونكل عن اليمين امتنع منها.
879

فإن الايمان لا ترد على من بقي من ولاة الدم. إذا نكل أحد منهم عن الايمان. ولكن الايمان
إذا كان ذلك، تردد على المدعى عليهم فيحلف منهم خمسون رجلا، خمسين يمينا فإن لم يبلغوا
خمسين رجلا، ردت الايمان على من حلف منهم. فإن لم يوجد أحد إلا الذي أدعى عليه،
حلف هو خمسين يمينا وبرئ.
قال يحيى: قال مالك: وإنما فرق بين القسامة في الدم والايمان في الحقوق. أن الرجل
إذا داين الرجل استثبت عليه في حقه. وأن الرجل إذا أراد قتل الرجل لم يقتله في جماعة
من الناس. وإنما يلتمس الخلوة. قال: فلو لم تكن القسامة إلا فيما تثبت فيه البينة. ولو
عمل فيها كما يعمل في الحقوق، هلكت الدماء. واجترأ الناس عليا إذا عرفوا القضاء فيها.
ولكن إنما جعلت القسامة إلى ولاة المقتول. يبدون بها فيها ليكف الناس عن الدم.
وليحذر القاتل أن يؤخذ في مثل ذلك بقول المقتول.
قال يحيى: وقد قال مالك، في القوم يكون لهم العدد يتهمون بالدم. فيرد ولاة المقتول
الايمان عليهم. وهم نفر لهم عدد: انه يحلف كل انسان منهم عن نفسه خمسين يمينا. ولا
تقطع الايمان عليهم بقدر عددهم. ولا يبرؤون دون أن يحلف كل انسان عن نفسه خمسين
يمينا.
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.
قال: والقسامة تصير إلى عصبة المقتول. وهم ولاة الدم الذين يقسمون عليه. والذين
يقتل بقسامتهم.

(هلكت الدماء) أي ضاعت. (اجترأ) أسرع وهجم.
880

(2) باب من تجوز قسامة في العمد من ولاة الدم
قال يحيى: قال مالك: الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا، أنه لا يحلف في القسامة في العمد
أحد من النساء. وإن لم يكن للمقتول ولاة إلا النساء. فليس للنساء في قتل العمد قسامة
ولا عفو.
قال يحيى: قال مالك، في الرجل يقتل عمدا: انه إذا قام عصبة المقتول أو مواليه،
فقالوا: نحن نحلف ونستحق دم صاحبنا. فذلك لهم.
قال مالك: فإن أراد النساء أن يعفون عنه، فليس ذلك لهن. العصبة والموالي أولى بذلك
منهن. لأنهم هم الذين استحقوا الدم وحلفوا عليه.
قال مالك: وإن عفت العصبة أو الموالي، بعد أن يستحقوا الدم، وأبى النساء، وقلن:
لا ندع قاتل صاحبنا. فهن أحق وأولى بذلك. لان من أخذ القود أحق ممن تركه من النساء
والعصبة. إذا ثبت الدم ووجب القتل.
قال مالك، لا يقسم في قتل العمد من المدعين إلا اثنان فصاعدا. تردد الايمان عليهما
حتى يحلفا خمسين يمينا ثم قد استحقا الدم. وذلك الامر عندنا.
قال مالك: وإذا ضرب النفر الرجل حتى يموت تحت أيديهم قتلوا به جميعا. فإن هو مات
بعد ضربهم كانت القسامة. وإذا كانت القسامة لم تكن إلا على رجل واحد. ولم يقتل
غيره. ولم نعلم قسامة كانت قط إلا على رجل واحد.
881

(3) باب القسامة في قتل الخطأ
قال يحيى: قال مالك: القسامة في قتل الخطأ، يقسم الذين يدعون الدم ويستحقونه
بقسامتهم. يخلفون خمسين يمينا. تكون على قسم مواريثهم من الدية. فإن كان في الايمان
كسور إذا قسمت بينهم، نظر إلى اذى يكون عليه أك ثر تلك الايمان إذا قسمت. فيجبر
عليه تلك اليمين.
قال مالك: فإن لم يكن للمقتول ورثة إلا النساء. فإن يحلفن ويأخذن الدية. فإن
لم يكن له وارث إلا رجل واحد، حلف خمسين يمينا وأخذ الدية. وإنما يكون ذلك في قتل
الخطاء ولا يكون في قتل العمد.
(4) باب الميراث في القسامة
قال يحيى: قال مالك: إذا قبل ولاة الدم الدية فهي موروثة على كتاب الله. يرثها بنات
الميت وأخواته. ومن يرثه من النساء فإن لم يحرز السناء ميراثه كان ما بقي من ديته
لأولى الناس بميراثه مع النساء.
قال مالك: إذا قام بعض ورثه المقتول الذي يقتل خطا، يريد أن يأخذ من الدية بقدر
حقه منها. وأصحابه غيب. ولم يأخذ ذلك. ولم يستحق من الدية شيئا، قل ولا كثر. دون

(قسم مواريثهم) أي قدر مواريثهم. (على كتاب الله) ما فرضه فيه من الإرث. (لأولى) لأقرب.
(غيب) جمع غائب. كخادم وخدم.
882

أن يستكمل القسامة. يحلف خمسين يمينا. فإن حلف خمسين يمينا استحق حصته من الدية.
وذلك أن الدم لا يثبت إلا بخمسين يمينا. ولا يثبت الدية حتى يثبت الدم. فإن جاء بعد ذلك
من الورثة أحد، حلف من الخمسين يمينا بقدر ميراثه. وأخذ حقه حتى يستكمل الورثة
حقوقهم. إن جاء أخ لام فله السدس. وعليه من الخمسين يمينا، السدس. فمن حلف استحق
من الدية. ومن نكل بطل حقه. وإن كان بعض الورثة غائبا أو صبيا لم يبلغ، حلف
الذين حضروا خمسين يمينا. فإن جاء الغائب بعد ذلك، أو بلغ الصبي الحلم، حلف كل منهما.
يحلفون على قدر حقوقهم من الدية. وعلى قدر مواريثهم منها.
قال يحيى: قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت.
(5) باب القسامة في العبيد
قال يحيى: قال مالك: الامر عندنا في العبيد. أنه إذا أصيب العبد عمدا أو خطأ، ثم جاء
سيده بشاهد، حلف مع شاهده يمينا واحدة ثم كان له قيمة عبده. وليس في العبيد قسامة
في عمد ولا خطا. ولم أسمع أحدا من أهل العلم قال ذلك.
قال مالك: فإن قتل العبد عمدا أو خطأ، لم يكن على سيده العبد المقتول قسامة ولا يمين.
ولا يستحق سيده ذلك إلا ببينة عادلة. أو بشاهد. فيحلف مع شاهده.
قال يحيى: قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت.

(ببينة عادلة) شاهدين عدلين.
883

45 - كتاب الجماع
(1) باب الدعاء للمدينة وأهلها
1 - وحدثني يحيى بن يحيى قال: حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، عن أنس بن مالك، أن

(45 - كتاب الجامع)
قال ابن عربي في القبس: هذا كتاب اخترعه مالك في التصنيف لفائدتين: إحداهما أنه خارج عن رسم التكليف
المتعلق بالأحكام التي صنفها أبوابا، ورتبها أنواعا. والثانية أنه لما لحظ الشريعة وأنواعها، ورآها منقسمة إلى
أمر ونهي. وإلى عبادة ومعاملة. وإلى جنايات وعادات. نظمها أسلاكا، وربط كل نوع بجنسه. وشذت عنه
من الشريعة معان منفردة. لم يتفق نظمها في سلك واحد، لأنها متغايرة المعاني. ولا أمكن أن يجعل لكل واحد
منها بابا، لصغرها. ولا هو أراد أن يطيل القول فيما يمكن إطالة القول فيها. فجعلها أشتاتا، وسمي نظامها
«كتاب الجامع».
فطرق للمؤلفين ما لم يكونوا قبل به عالمين في هذه الأبواب كلها. ثم بدأ في هذا الكتاب بالقول في المدينة.
لأنها أصل الإيمان، ومعدن الدين، ومستقر النبوة. انتهى.
(1 - باب الدعاء للمدينة وأهلها)
المدينة في الأصل المصر الجامع. ثم صارت علما بالغلبة علي دار هجرته صلى الله عليه وسلم ووزنها فعيلة. لأنها من
«مدن»،
و قيل مفعلة لأنها من «دان». والجمع مدن ومدائن، بالهمز، على القول بأصالة الميم. ووزنها فعائل. وبغير
همز، على القول بزيادة الميم، ووزنها مفاعل. لأن للياء أصلا في الحركة، فترد إليه. ونظيرها في الاختلاف «معايش».
884

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اللهم بارك لهم في مكيالهم. وبارك لهم في صاعهم ومدهم) يعنى أهل المدينة.
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 35 - باب بركة صاع النبي صلى الله عليه وسلم ومده.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة، حديث 465.
2 - وحدثني يحيى عن مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة،
أنه قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (اللهم بارك لنا في ثمرنا. وبارك لنا في مدينتنا. وبارك لنا في صاعنا. وبارك لنا في مدنا.
اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك. وأنى عبدك ونبيك. وأنه دعاك لمكة وإني أدعوك
للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة، ومثله معه) ثم يدعوا أصغر وليده يراه. فيعطيه ذلك الثمر.
أخرجه مسلم في: 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة، حديث 473.
(2) باب ما جاء في سكنى المدينة والخروج منها
3 - حدثني يحيى عن مالك، عن قطن بن وهب بن عمير بن الأجدع، أن يحنس مولى
الزبير بن العوام أخبره، أنه كان جالسا عند عبد الله بن عمر في الفتنة. فأتته مولاة له تسلم عليه.

1 - (بارك) أنم وزد. (مكيالهم) آلة الكيل. أي فيما يكال في مكيالهم. (وبارك لهم
في صاعهم) أي فيما يكال فيه (وفي مدهم) فيما يكال فيه أيضا. فحذف المقدر لفهم السامع. وهو من باب
ذكر المحل وإرادة الحال. قال ابن عبد البر: هذا من فصيح كلامه وبلاغته صلى الله عليه وسلم. وفيه استعارة. لأن الدعاء
إنما هو للبركة في الطعام المكيل بالصاع والمد، لا في الظروف.
2 - (وإنه دعاك لمكة) بقوله - فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون -
(أصغر وليد) أي مولود. فعيل بمعنى مفعول.
885

فقالت: إني أردت الخروج يا أبا عبد الرحمن. اشتد علينا الزمان. فقال لها عبد الله بن عمر:
اقعدي لكع. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد، إلا كنت
له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة).
أخرجه مسلم في: 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة، حديث 482.
4 - وحدثني يحيى عن مالك، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، أن أعرابيا
بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الاسلام. فأصاب الاعرابي وعك بالمدينة. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: يا رسول الله أقلني بيعتي. فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي. فأبى.
ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي فأبى. فخرج الاعرابي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما المدينة كالكير.
تنفى خبثها. وينصع طيبها).
أخرجه البخاري في: 93 - كتاب الأحكام، 47 - باب من بايع ثم استقال البيعة.
ومسلم في 15: كتاب الحج، 88 - باب المدينة تنفى شرارها، حديث 489.

3 - (لكع) كذا ليحيى وحده. والصواب لكاع كما رواه غيره. قال عياض: يطلق لكع على اللئيم والعبد
والغبي الذي لا يهتدي لنطق ولا غيره. وعلى الصغير. قال ذلك ابن عمر لها إنكارا لما أرادته من الخروج وتثبيطا
لها وإدلالا عليها. لأنها مولاته. وقد يكون معناه يا قليلة العلم وصغيرة الحظ منه. لما فاتها من معرفة حق المدينة.
(لأوائها) قال أبو عمر: اللأواء تعذر الكسب وسوء الحال. وقال المازري: اللأواء الجوع وشدة الكسب.
(وشدتها) قال أبو عمر: الشدة الجوع.
4 - (وعك) أي حمى. (أقلني بيعتي) استقاله من الهجرة، ولم يرد الارتداد عن الإسلام. وحمله
بعضهم على الإقالة من المقام بالمدينة. (كالكير) المنفخ الذي ينفخ به النار. أو الموضع المشتمل عليها.
(خبثها) ما تبرزه النار من وسخ وقذر. (ينصع) يخلص، من النصوص وهو الخلوص. (طيبها) قال
عياض: يقال طيب ناصع إذا خلصت رائحته وصفت مما ينقصها.
886

5 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، أنه قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول:
سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (أمرت بقرية تأكل القرى.
يقولون: يثرب. وهي المدينة. تنفى الناس كما ينفى الكير خبث الحديد).
أخرجه البخاري في: 29 - كتاب فضائل المدينة، 2 - باب فضل المدينة وأنها تنفى الناس.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 88 - باب المدينة تنفى شرارها، حديث 488.
6 - وحدثني مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يخرج
أحد من المدينة رغبة عنها، إلا أبدلها الله خيرا منه).
قال أبو عمر: وصله معن بن عيسى وحده، عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة.
7 - وحدثني مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، عن سفيان
ابن أبي زهير، أنه قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (تفتح اليمين. فيأتي قوم يبسون.

5 - (أمرت بقرية) أي أمرني ربي بالهجرة إلى قرية. (تأكل القرى) أي تغلبها وتظهر عليها.
يعني أن أهلها تغلب أهل سائر البلاد، فتفتح منها. يقال: أكلنا بني فلان أي غلبناهم وظهرنا عليهم. فإن
الغالب المستولي على الشئ كالمفنى له إفناء الآكل إياه.
وفي موطأ ابن وهب. قلت لمالك: ما تأكل القرى، أي ما معناه؟ قال تفتح القرى. لأن من المدينة افتتحت القرى
كلها بالإسلام. (يثرب) كرهه صلى الله عليه وسلم لأنه من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة، أو من الثرب وهو الفساد.
وكلاهما قبيح. وكان صلى الله عليه وسلم. يحب الاسم الحسن ويكره القبيح. ولذا قال «يقولون يثرب». (المدينة) الكاملة
على الإطلاق. كالبيت للكعبة. فهو اسمها الحقيقي لها. (تنفي الناس) أي الخبيث الردئ منهم.
(الكير) قال أبو عمر: هو موضع نار الحداد والصائغ، وليس الجلد، الذي تسميه العامة كيرا. (خبث
الحديد) أي وسخه الذي تخرجه النار. أي أنها لا تترك فيها من في قلبه دغل. بل تميزه عن القلوب الصادقة
وتخرجه، كما تميز النار ردئ الحديد من جيده.
6 - (رغبة عنها) أي عن ثواب الساكن فيها.
7 - (فيأتي قوم) من أهل المدينة. (يبسون) أي يسيرون من قوله - وبست الجبال بسا - أي
سارت. وفي رواية «يبسون» ومعناه يزينون لهم الخروج من المدينة.
887

فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم. والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وتفتح الشام. فيأتي
قوم يبسون. فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم. والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وتفتح
العراق. فيأتي قوم يبسون. فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم. والمدينة خير لهم لو كانوا
يعلمون).
أخرجه البخاري في: 29 - كتاب فضائل المدينة، 5 - باب من رغب عن المدينة.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 90 - باب الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار، حديث 497.
8 - وحدثني يحيى عن مالك، عن ابن حماس، عن عمه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (لتتركن المدينة على أحسن ما كانت. حتى يدخل الكلب أو الذئب فيغذى على
بعض سواري المسجد. أو على المنبر) فقالوا: يا رسول الله. فلمن تكون الثمار ذلك الزمان؟
قال (للعوافي. الطير والسباع).
أخرجه البخاري في: 29 - كتاب فضائل المدينة، 5 - باب من رغب عن المدينة.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 91 - باب في المدينة حين يتركها أهلها، حديث 499.

(فيتحملون) من المدينة. (والمدينة خير لهم) لأنها لا يدخلها الدجال ولا الطاعون. والواو في الثلاثة
للحال. وهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بفتح هذه الأقاليم، وأن الناس يتحملون بأهليهم ويفارقون المدينة.
فكان ما قاله على ترتيب ما قال.
8 - (على أحسن ما كانت) من العمارة وكثرة الأثمار وحسنها. (فيغذي) أي يبول دفعة بعد دفعة.
(سواري المسجد) أعمدته. (العوافي) الطالبة لما تأكل، مأخوذ من عفوته، إذا أتيته تطلب معروفه.
(الطير والسباع) بالجر، بدل أو عطف بيان.
قال القاضي عياض: هذا مما جرى في العصر الأول وانقضى. فإنها صارت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم دار الخلافة ومعقل
الناس. حتى تنافسوا فيها بالغرس والبناء وتوسعوا في ذلك. وسكنوا منها ما لم يسكن قبل. وجلبت إليها خيرات
الأرض كلها. فلما انتهت حالها كمالا، انتقلت الخلافة عنها إلى الشام والعراق. وذلك الوقت أحسن ما كانت للدين
والدنيا. وأما الدين فلكثرة العلماء بها وكمالهم. وأما الدنيا فلعمارتها وغرسها واتساع حال أهلها.
888

9 - وحدثني مالك، أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز حين خرج من المدينة التفت إليها،
فبكى. ثم قال: يا مزاحم. أتخشى أن نكون ممن نفت المدينة؟.
(3) باب ما جاء في تحريم المدينة
10 - حدثني يحيى عن مالك، عن عمرو مولى المطلب، عن أنس بن مالك، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم طلع له أحد. فقال: (هذا جبل يحبنا ونحبه. اللهم إن إبراهيم حرم مكة. وأنا
أحرم ما بين لابتيها).
أخرجه البخاري في: 60 - كتاب الأنبياء، 10 - باب حدثنا موسى بن إسماعيل.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة، حديث 462.
11 - وحدثني مالك عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أنه كان
يقول: لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بين لابتيها حرام).
أخرجه البخاري في: 29 - كتاب فضائل المدينة، 4 - باب لابتى المدينة.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة، حديث 471.

10 - (طلع) ظهر. (ما بين لابتيها) تثنية لابة. قال ابن حبيب: أرض ذات حجارة سود، وجمعها
في القلة لا بات. وفي الكثرة لوب. كساحة وسوح. يعني الحرتين الشرقية والغربية. وهي حرار أربع. لكن
القبلية والجنوبية متصلتان. وتحريمه صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها، إنما يعني في الصيد.
11 - (ترتع) أي ترعى. (ما ذعرتها) أي ما أفزعتها ونفرتها. كنى بذلك عن عدم صيدها.
889

12 - وحدثني مالك عن يونس بن يوسف، عن عطاء بن يسار، عن أبي أيوب الأنصاري،
أنه وجد غلمانا قد ألجأوا ثعلبا إلى زاوية. فطردهم عنه.
قال مالك: لا أعلم إلا أنه قال: أفي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هذا؟
13 - وحدثني يحيى عن مالك عن رجل، قال: دخل على زيد بن ثابت وأنا بالأسواف. قد اصطدت نهسا. فأخذه من يدي فأرسله.
(4) باب ما جاء في وباء المدينة
14 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين: أنها
قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. وعك أبو بكر وبلال. قالت فدخلت عليها
فقلت: يا أبت كيف تجدك. ويا بلال كيف تجدك؟ قالت فكان أبو بكر إذا أخذته
الحمى يقول:
كل امرى مصبح في أهله والموت أدنى من شرك نعله

12 - (ألجأوا) اضطروا. (زاوية) ناحية من نواحي المدينة. يريدون اصطياده.
13 - (بالأسواف) موضع ببعض أطراف المدينة بين الحرتين. (نهسا) طائر يشبه الصرد، يديم
تحريك رأسه وذنبه. يصطاد العصافير ويأوي إلى المقابر.
14 - (وعك) أي حم. (تجدك) أي تجد نفسك أو جسمك. (مصبح) أي مصابا بالموت
صباحا. أو يسقي الصبوح، وهو شرب الغداة. وقيل المراد: يقال له صبحك الله بخير، وهو منعم.
(أدنى) أقرب (شراك نعله) سير نعله الذي على ظهر القدم. والمعنى أن الموت أقرب إليه من شراك نعله لرجله.
890

وكان ب لان إذا أقلع عنه يرفع عقيرته فيقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد، وحولي إذخر وجليل؟
وهل أردن يوما مياه مجنة؟ وهل يبدون لي شامة وطفيل؟ قالت عائشة: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته. فقال (اللهم حبب إلينا المدينة. كحبنا
مكة أو أشد. وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة).
أخرجه البخاري في: 63 - كتاب مناقب الأنصار، 46 - باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 86 - باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها، حديث 480.
15 - قال مالك:
وحدثني يحيى بن سعيد، أن عائشة قالت: وكان عامر بن فهيرة يقول:
قد رأيت الموت قبل ذوقه إن الجبان حتفه من فوقه
فيه انقطاع. لأن يحيى لم يدرك عائشة.

(أقلع) أي كف وزوال. (عقيرته) فعيلة بمعنى مفعولة. أي صوته ببكاء أو غناء. قال الأصمعي:
أصله أي رجلا انعقرت رجله، فرفعها على الأخرى وجعل يصيح. فصار كل من رفع صوته يقال: رفع عقيرته،
وإن لم يرفع رجله. قال ثعلب: وهذا من الأسماء التي استعملت على غير أصلها. (ليت شعري) أي مشعوري.
أي ليتني علمت بجواب ما تضمنه قولي. (بواد) وادي مكة. (إذخر) حشيش مكة ذو الرائحة الطيبة.
(جليل) نبت ضعيف يحشى به البيوت وغيرها. قال أبو عمر: إذخر وجليل نبتان من الكلأ طيب الرائحة،
يكونان بمكة وأوديتها. ولا يكادان يوجدان في غيرها. (مجنة) موضع على أميال من مكة، كان به سوق
في الجاهلية. (يبدون) يظهرن. (شامة وطفيل) جبلان بقرب مكة على نحو ثلاثين ميلا منها.
قال الخطابي. كنت أحسبهما جبلين حتى مررت بهما ووقفت عليهما. فإذا هما عينان من ماء.
(وصححها) من الوباء. (صاعها) كيل يسع أربعة أمداد. (ومدها) وهو رطل وثلث عند أهل
الحجاز. (بالجحفة) قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلا من مكة. وكانت تسمى مهيعة.
15 - (قد رأيت الموت) أي شدة تشابه شدته قبل ذوقه. (ذوقه) حلوله.
(الجبان) ضعيف القلب. (حتفه) هلاكه.
891

16 - وحدثني عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر، ع ن أبي هريرة، أنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (على أنقاب المدينة ملائكة. لا يدخلها الطاعون ولا الدجال).
أخرجه البخاري في: 29 - كتاب فضائل المدينة، 9 - باب لا يدخل الدجال المدينة.
ومسلم في: 15 - كتاب الحج، 87 - باب صيانة المدينة من دخول الطاعون والدجال إليها، حديث 485.
(5) باب ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة
17 - وحدثني عن مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم، أنه سمع عمر بن عبد العزيز
يقول: كان من آخر ما تلكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال (قاتل الله اليهود والنصارى.
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. لا يبقين دينان بأرض العرب).
مرسل. وهو موصول في الصحيحين عن عائشة.
ومسلم في: 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 3 - باب النهى عن بناء المساجد على القبور،
حديث 19.
18 - وحدثني عن مالك عن ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يجتمع دينان
في جزيرة العرب).

16 - (أنقاب) جمع قلة لنقب. وجمع الكثرة نقاب. قال ابن وهب: يعني مداخلها. وهي أبوابها وفوهات
طرقها التي يدخل إليها منها.
17 - (بأرض العرب) الحجاز كله.
18 - (جزيرة العرب) هي مكة والمدينة واليمامة. وقال ابن حبيب: جزيرة العرب من أقصى عدن وما والاها
من أقصى اليمن كلها إلى ريف العراق في الطول. وأما في العرض، فمن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف
الشام. ومصر في المغرب. وفي المشرق ما بين المدينة إلى منقطع السماوة.
892

قال مالك: قال ابن شهاب: ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب حتى أتاه الثلج واليقين،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) فأجلى يهود خيبر.
مرسل. وهو موصول في الصحيحين عن ابن عباس.
فأخرجه البخاري في: 58 - كتاب الجزية والموادعة، 6 - باب إخراج اليهود من جزيرة العرب.
ومسلم في: 25 - كتاب الوصية، 5 - باب ترك الوصية لمن ليس له شئ يوصى فيه، حديث 20.
19 - قال مالك: وقد أجلى عمر بن الخطاب يهود نجران وفدك. فأما يهود خبير فخرجوا
منها ليس لهم من الثمر ولا من الأرض شئ. وأما يهود فدك فكان لهم نصف الثمر ونصف
الأرض. لان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالحهم على نصف الثمر ونصف الأرض. فأقام لهم عمر
نصف الثمر ونصف الأرض. قيمة من ذهب وورق وإبل وحبال وأقتاب. ثم أعطاهم القيمة
وأجلاهم منها.
(6) باب جامع ما جاء في أمر المدينة
20 - وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله (ص 9 طلع له أحد.
فقال (هذا جبل يحبنا ونحبه).
مرسل عند جميع رواة مالك.

(ففحص) أي استقصى في الكشف. (الثلج) اليقين الذي لاشك فيه. (فأجلى) أي أخرج.
19 - (نجران) بلدة من بلاد همدان باليمن. (وفدك) بلدة بينها وبين المدينة يومان. وبينها وبين خيبر
دون مرحلة. (فأقام) أي قوم. (ورق) فضة. (حبال) جمع حبل. (أقتاب) جمع قتب وهو الرحل للبعير.
893

21 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، أن أسلم
مولى عمر بن الخطاب أخبره، أنه زار عبد الله بن عياش المخزومي فرأى عنده نبيذا وهو
بطريق مكة. فقال له أسلم: إن هذا الشراب يحبه عمر بن الخطاب. فحمل عبد الله بن عياش
قدحا عظيما. فجاء به إلى عمر بن الخطاب فوضعه في يديه. فقربه عمر إلى فيه ثم رفع رأسه.
فقال عمر: إن هذا لشراب طيب. فشرب منه. ثم ناوله رجلا عن يمينه. فلما أدبر عبد الله،
ناداه عمر بن الخطاب فقال: أأنت القائل لمكة خير من المدينة؟ فقال عبد الله: فقلت هي
حرم الله وأمنه وفيها بيته. فقال عمر: لا أقول في بيت الله ولا في حرمه شيئا. ثم قال عمر:
أأنت القائل لمكة خير من المدينة؟ قال: فقلت هي حرم الله وأمنه وفيها بيته. فقال عمر:
لا أقول في حرم الله ولا في بيته شيئا. ثم انصرف.
(7) باب ما جاء في الطاعون
22 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب،
عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن عبد الله بن عباس، أن عمر بن الخطاب خرج
إلى الشام. حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد. أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه. فأخبروه

21 - (نبيذ) تمر أو زبيب طرح في ماء.
(7 - باب ما جاء في الطاعون)
الطاعون بوزن فاعول. من الطعن، عدلوا به عن أصله ووضعوه دالا على الموت العام كالوبا.
22 - (بسرغ) قرية بوادي تبوك. يجوز فيها الصرف وعدمه. وقيل هي مدينة افتتحها أبو عبيدة.
و هي واليرموك والجابية متصلات. وبينها وبين المدينة ثلاثة عشر مرحلة. (الأجناد) جمع جند.
894

أن الوباء قد وقع بأرض الشام. قال ابن عباس، فقال عمر بن الخطاب: ادع لي المهاجرين
الأولين. فدعاهم فاستشارهم. وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام. فاختلفوا. فقال بعضهم.
:
قد خرجت لامر، ولا نرى أن ترجع عنه. وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب
رسول الله. ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء فقال عمر: ارتفعوا عنى. ثم قال: ادع لي
الأنصار. فدعوتهم فاستشارهم. فسلكوا سبيل المهاجرين. اختلفوا كاختلافهم. فقال:
ارتفعوا عنى. ثم قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريض. من مهاجرة الفتح. فدعوتهم
فاستشارهم. فسلكوا سبيل المهاجرين. واختلفوا كاختلافهم. فقال:
ارتفعوا عنى. ثم قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريض. من مهاجرة الفتح. فدعوتهم
فلم يختلف عليه منهم اثنان. فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء.
فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر. فأصبحوا عليه. فقال أبو عبيدة: أفرارا من قدر الله؟
فقال عمر: لو غريك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم. نفر من قدر الله إلى قدر الله. أرأيت لو كان لك
إبل فهبطت واديا له عدوتان. إحداهما مخصبة والأخرى جدبة، أليس آن رعيت الخصبة
رعيتها بقدر الله؟ وإن رعيت الجذبة رعيتها بقدر الله؟ فجاء عبد الرحمن بن عوف، وكان غائبا
في بعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا علما. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا سمعتم به

(الوبأ) قصره أفصح من مده. أي الطاعون. قال في المصباح: ويجمع الممدود على أوبئة مثل متاع وأمتعة. والمقصور
على أوباء مثل سبب وأسباب. (تقدمهم) تجعلهم قادمين. (مشيخة) جمع شيخ، وهو من طعن في
السن. (مهاجرة الفتح) قيل هم الذين أسلموا قبل الفتح، وهاجروا عامه، إذ لا هجرة بعده. وقيل هم
مسلمة الفتح الذين هاجروا بعده. قال عياض: وهذا أظهر. لأنهم الذين يطلق عليهم مشيخة قريش.
(مصبح) أي مسافر في الصباح راكبا. (على ظهر) أي على ظهر الراحلة راجعا إلى المدينة. (أفرارا
من قدر الله) أي أترجع فرارا من قدر الله. (لو غيرك قالها يا أبا عبيدة) لأدبته لاعتراضه علي في مسئلة
اجتهادية وافقني عليها أكثر الناس من أهل الحل والعقد. أو لكان أولى منك بتلك المقالة. أو لم أتعجب منه،
ولكني أتعجب منك مع علمك وفضلك كيف تقول هذا. أو هي للتمني، فلا تحتاج لجواب. (أرأيت)
أخبرني. (عدوتان) أي شاطئان وحافتان. (إذا سمعتم به) أي بالطاعون.
895

بأرض فلا تقدموا عليه. وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارا منه) قال فحمد الله
عمر، ثم انصرف.
أخرجه البخاري في: 76 - كتاب الطب، 30 - باب ما يذكر في الطاعون.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 32 - باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها، 98.
23 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن المنكدر، وعن سالم بن أبي النضر، مولى عمر
ابن عبيد الله، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد: ما سمعت
من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون؟ فقال أسامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الطاعون رجز أرسل
على طائفة من بين إسرائيل، أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه.
وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه).
أخرجه البخاري في: 60 - كتاب الأنبياء، 54 - باب حدثنا أبو اليمان.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 32 - باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها، حديث 92.
24 - وحدثني عن مالك، ع ن ابن شهاب، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، أن عمر
بن الخطاب خرج إلى الشام. فلما جاء سرغ، بلغه أن الوباء قد وقع بالشام. فأخبره عبد الرحمن

23 - (رجز) أي عذاب. (فلا تدخلوا عليه) لأنه تهور وإقدام على خطر. وليكون ذلك أسكن
للنفس وأطيب للعيش. (فرارا منه) لأنه فرار من القدر.
24 - (سرغ) هي قرية بوادي تبوك. وهي آخر عمل الحجاز. وقيل مدينة بالشام. قال ابن وضاح:
بينها وبين المدينة ثلاثة عشر مرحلة. بمنع الصرف والصرف. (الوباء) بالمد والقصر. وهو المرض العام.
المراد هنا الطاعون المعروف بطاعون عمواس. (بالشام) أي بدمشق. وهي أم الشام. وإليها كان مقصده.
896

ابن عوف، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه. وإذا وقع بأرض
وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه) فرجع عمر بن الخطاب من سرغ. 25 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب
إنما رجع بالناس من سرغ، عن حديث عبد الرحمن بن عوف.
أخرجه البخاري في: 76 - كتاب الطب، 30 - باب ما يذكر في الطاعون.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 32 - باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها، حديث 100.
25 - وحدثني عن مالك، أنه قال: بلغني أن عمر بن الخطاب قال: لبيت بركبة أحب إلى من عشرة أبيات بالشام.
قال مالك: يريد لطول الأعمار والبقاء. ولشدة الوباء بالشام.

26 - (بركبة) قال الباجي: هي أرض بني عامر. وهي بين مكة والعراق. وقال ابن عبد البر: الركبة
واد من أودية الطائف.
897

46 - كتاب القدر
(1) باب النهى عن القول بالقدر
1 - وحدثني عن مالك، ع ن أبى الزنار، عن الأعرج، ع ن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (تحاج آدم وموسى. فحج آدم موسى. قال له موسى: أنت آدم الذي أغويت الناس
وأخرجتهم من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي أعطاه الله علم كل شئ. واصطفاه
على الناس برسالته؟ قال: نعم قال: أفتلومني على أمر قد قدر على قبل أن أخلق؟)
أخرجه مسلم في: 46 - كتاب القدر، 2 - باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، حديث 14.
2 - وحدثني يحيى عن مالك، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن
ابن زيد بن الخطاب، أنه أخبره عن مسلم بن يسار الجهني، أن عمر بن الخطاب سطل عن هذه
الآية - وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم
قالوا بل شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين - فقال عمر بن الخطاب: سمعت

(46 - كتاب القدر)
1 - (تحاج) أصله تحاجج. أدغمت أولاهما في الأخرى. اي ذكر كل منهما حجته. (فحج آدم موسى)
أي غلبه بالحجة. (أغويت الناس) أي عرضتهم للإغواء لما كنت سبب خروجهم من الجنة.
2 - (من ظهورهم) بدل اشتمال مما قبله، بإعادة الجار. (قالوا بلى) أنت ربنا.
898

رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تبارك وتعالى خلق آدم. ثم مسح
ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية. فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون.
ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية. فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعلمون)
فقال رجل: يا رسول الله. ففيم العمل؟ قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله إذا خلق العبد
للجنة، استعمله بعمل أهل الجنة. حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة.
وإذا خلق العبد للنار. واستعمله بعمل أهل النار. حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار.
فيدخله به النار).
أخرجه أبو داود في: 39 - كتاب السنة، 16 - باب في القدر.
والترمذي في: 44 - كتاب التفسير، 7 - سورة الأعراف، حديث 2.
3 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تركت فيكم أمرين
لن تضلوا ما مسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه).
4 - وحدثني يحيى عن مالك، عن زياد بن سعد، عن عمرو بن مسلم، عن طاوس اليماني،
أنه قال: أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شئ بقدر.
قال طاوس: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل شئ بقدر حتى
العجز والكيس، أو الكيس والعجز).
أخرجه مسلم في: 46 - كتاب القدر، 4 - باب كل شئ بقدر، حديث 18.

3 - (مسكتم) أي أخذتم وتعلقتم واعتصمتم.
4 - (العجز) العجز يحتمل أنه على ظاهره وهو عدم القدرة. وقيل هو ترك ما يجب فعله والتسويف فيه
حتى يخرج وقته. ويحتمل أن يريد به عمل الطاعات. ويحتمل أمر الدنيا والآخرة. (والكيس) الكيس ضد
العجز وهو النشاط في تحصيل المطلوب.
899

5 - وحدثني مالك عن زاد بن سعد، عن عمرو بن دينار، أنه قال: سمعت عبد الله
ابن الزبير يقول في خطبته. إن الله هو الهادي والفاتن.
6 - وحدثني عن مالك، عن عمه أبى سهيل بن مالك، أنه قال: كنت أسير مع عمر
ابن العزير فقال: ما رأيك في هؤلاء القدرية؟ فقلت: ورأي أن تستتيبهم. فإن تابوا،
وإلا عرضتهم على السيف. فقال عمر بن عبد العزيز. وذلك رأيي.
قال مالك: وذلك رأيي.
(2) باب جامع ما جاء في أهل القدر
7 - وحدثني عن مالك، ن أبى الزناد، عن الأعرج، غن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح. فإنما لها ما قدر لها).
أخرجه البخاري في: 82 - كتاب القدر، 4 - باب وكان أمر الله قدرا مقدورا.
8 - وحدثني عن مالك، عن يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي. قال: قال معاوية
ابن أبي سفيان وهو على المنبر: أيها الناس إنه لا مانع لما أعطى الله. ولا معطى لما منع الله.

5 - (الهادي) الذي يبين الرشد من الغي. وألهم طرق المصالح الدينية كل مكلف. والدنيوية، كل حي.
(والفاتن) بمعنى المضل.
6 - (تستتيبهم) تطلب منهم التوبة عن القول بالقدر. (عرضتهم على السيف) أي قتلتهم به.
7 - (لتستفرغ صحفتها) أي تجعلها فارغة لتفوز بحظها م النفقة والمعروف والمعاشرة. وهذه استعارة
مستملحة تمثيلية.
900

ولا ينفع ذا الجد منه الجد. من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. ثم قال معاوية: سمعت هؤلاء
الكلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم. على هذا الأعواد. 9 - وحدثني يحيى عن مالك، أنه بلغه أنه كان يقال: الحمد لله الذي خلق كل شئ
كما ينبغي. الذي لا يعجل شئ أناه وقدره. حسبي الله وكفى. سمع الله لمن دعا. ليس وراء
الله مرمى.
10 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أنه كان يقال: إن أحدا لن يموت حتى يستكمل
رزقه. فأجملوا في الطلب.
جاء في معناه مرفوعا، عن جابر.
أخرجه ابن ماجة في: 12 - كتاب التجارات، 2 - باب الاقتصاد في طلب المعيشة.

8 - (ولا ينفع ذا الجد منه الجد) بفتح الجيم منهما على المشهور. أي لا ينفع صاحب الحظ من نزول عذابه
حظه، وإنما ينفعه عمله الصالح. وقال أبو عبيد: معناه لا ينفع ذا الغنى منه غناه. إنما تنفعه طاعته. (يفقهه)
يجعله فقيها. والفقه، لغة، الفهم. (على هذه الأعواد) أي أعواد المنبر النبوي.
9 - (أناه) أخره. أي لا يسبق وقته الذي وقته له. (حسبي الله) كافي في جميع الأمور. (سمع الله لمن
دعا) أي أجاب دعاءه. (ليس وراء الله مرمى) أي غاية يرمى إليها. أي تقصد بدعاء أو أمل أو رجاء. تشبيها
بغاية السهام.
10 - (فأجملوا في الطلب) بأن تطلبوه بالطرق الجميلة المحللة، بلا كد ولا جرص ولا تهافت على الحرام
والشبهات. أو غير منكبين عليه، مشتغلين، عن الخالق الرازق، به.
901

47 - كتاب حسن الخلق
(1) باب ما جاء في حسن الخلق
1 - وحدثني عن مالك 7 أن معاذ بن جبل قال: آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
وضعت رجلي في الغرز. أن قال (أحسن خلقك للناس. يا معاذ بن جبل).
هذا آخر الأحاديث الأربعة التي قالوا: إنها لم توجد موصولة في غير الموطأ. وذلك لا يضر مالكا الذي قال
فيه سفيان بن عيينة: كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا ما كان صحيحا. وإذا قال: بلغني فهو إسناد صحيح.
فقصور المتأخرين عن وجود هذه الأربعة، موصولة، لا يقدح فيها. فلعلها وصلت في الكتب التي لم تصل إليهم.
2 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،

(47 - كتاب حسن الخلق)
(الخلق) في النهاية: الخلق بضم اللام وسكونها. الدين والطبع والسجية. وحقيقته أنه، لصورة الإنسان
الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها، بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها.
ولها أوصاف حسنة وقبيحة. والثواب والعقاب يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثر مما يتعلقان بأوصاف
الصورة الظاهرة.
1 - (الغرز) في النهاية: الغرز ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب. وقيل هو الكور مطلقا،
مثل الركاب للسرج. (أحسن خلقك) بأن يظهر منه لمجالسه أو الوارد عليه البشر والحلم والإشفاق والصبر
على التعليم والتودد إلى الصغير والكبير.
902

أنها قالت: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين قط إلا اخذ أيسرهما. ما لم يكن إثما. فإن كان
إثما، كان أبعد الناس منعه. وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلا أن تنتهك حرمة الله. فينتقم
لله بها.
أخرجه البخاري في: 61 - كتاب المناقب، 23 - باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومسلم في: 43 - كتاب الفضائل، 20 - باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، حديث 77.
3 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه).
مرسل عند جماعة رواة مالك.
والحديث حسن، بل صحيح. أخرجه الترمذي وابن ماجة من حديث الزهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
فأخرجه الترمذي في: 34 - كتاب الزهد 11 - باب حدثنا سليمان بن عبد الجبار البغدادي.
وابن ماجة في: 36 - كتاب الفتن، 12 - باب كف اللسان في الفتنة.
4 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: استأذن رجل
على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت عائشة: وأنا معه في البيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بئس ابن العشيرة)
ثم أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت عائشة: فلم أنشب أن سمعت ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم معه.
فلما خرج الرجل. قلت: يا رسول الله، قلت فيه ما قلت. ثم لم ينشب أن ضحكت معه.

2 - (ما لم يكن إثما) أي مفضيا إلى إثم. (إلا أن تنتهك) أي لكن إذا انتهكت.
3 - (يعنيه) من «عناه كذا» إذا تعلقت عنايته به، وكان من قصده. يعني ترك الفضول كله على اختلاف أنواعه.
4 - (العشيرة) الجماعة أو القبيلة أو الأدنى إلى الرجل من أهله. وهم ولد أبيه وجده. (فلم أنشب أن
سمعت) أي لم ألبث. وحقيقته لم تتعلق بشئ غيره، ولا اشتغلت بسواه.
903

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره).
أخرجاه في الصحيحين من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر، عن عروة، عن عائشة. فأخرجه البخاري في: 78 - كتاب الأدب، 48 - باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب.
ومسلم في: 45 - كتاب الأدب، 22 - باب مداراة من يتقى فحشه، حديث 73.
5 - وحدثني عن مالك، عن عمه أبى سهيل بن مالك، عن أبيه، عن كعب الأحبار،
أنه قال: إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه، فانظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء.
6 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: بلغني أن المرء ليدرك بحسن
خلقه درجة القائم بالليل، الظامئ بالهواجر.
هذا الحديث أخرجه أبو داود في: 40 - كتاب الأدب، 7 - باب في حسن الخلق.
7 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سيعد، أنه قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول:
ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى. قال: إصلاح ذات البين.
وإياكم والبغضة. فإنها هي الحالقة.
موقوف لجميع رواة مالك.
8 - وحدثني عن مالك، أنه قد بلغه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (بعثت لأتمم حسن الأخلاق).
قال ابن عبد البر: هو حديث مدني صحيح متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره.

6 - (القائم بالليل) المتهجد. (الظامي بالهواجر) أي العطشان في شدة الحر بسبب الصوم.
7 - (إصلاح ذات البين) أي صلاح الحال التي بين الناس. (البغضة) شدة البغض. (الحالقة)
أي الخصلة التي شأنها أن تحلق، أي تهلك وتستأصل الدين. كما يستأصل الموسى الشعر.
8 - (بعثت لأتمم حسن الأخلاق) قال الباجي: كانت العرب أحسن الناس أخلاقا بما بقي عندهم من شريعة إبراهيم.
وكانوا ضلوا بالكفر عن كثير منها. فبعث صلى الله عليه وسلم ليتمم محاسن الأخلاق ببيان ما ضلوا عنه، وبما قضى به في شرعه.
وقال ابن عبد البر: يدخل فيه الصلاح والخير كله والدين والفضل والمروءة والإحسان والعدل. فبذلك بعث ليتممه.
904

(2) باب ما جاء في الحياء
9 - وحدثني عن مالك، عن سلمة الزرقي، عن زيد بن طلحة بن ركانة.
يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لكل دين خلق. وخلق الاسلام الحياء).
قال ابن عبد البر: رواه جمهور الرواة عن مالك مرسلا.
10 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء. فقال رسول الله (ص) (دعه. فإن
الحياء من الايمان).
أخرجه البخاري في: 2 - كتاب الإيمان، 16 - باب الحياء من الإيمان.
ومسلم في: 1 - كتاب الإيمان، 12 - باب شعب الإيمان، حديث 59.
(3) باب ما جاء في الغضب
11 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أن رجلا

9 - (الحياء) قال الراغب: الحياء انقباض النفس عن القبيح. وهو من خصائص الإنسان ليرتدع عن ارتكاب
كل ما يشتهي، فلا يكون كالبهيمة. وهو مركب من خير وعفة. ولذا لا يكون المستحيي شجاعا. وقلما يكون
الشجاع مستحييا. (خلق) سجية شرعت فيه. وحض أهل ذلك الدين عليها. (وخلق الإسلام
الحياء) أي طبع هذا الدين وسجيته التي بها قوامه، أو مروءة الإسلام التي بها جماله الحياء.
10 - (يعظ أخاه في الحياء) أي يلومه على كثرته وأنه أضر به ومنعه من بلوغ حاجته. (دعه) أي
اتركه على هذا الخلق السني.
905

أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن. ولا تكثر على فأنسى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تغضب).
مرسل عند الأكثر.
وأخرجه البخاري عن أبي صالح عن أبي هريرة في: 78 - كتاب الأدب، 76 - باب الحذر من الغضب.
12 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ليس الشديد بالصرعة. إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
أخرجه البخاري في: 78 - كتاب الأدب، 76 - باب الحذر من الغضب.
ومسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 30 - باب فضل من يمسك نفسه عند الغضب،
حديث 107.
(4) باب ما جاء في المهاجرة
13 - وحدثني عن مالك عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوم الأنصاري،

11 - (أعيش بهن) أي انتفع بهن في معيشتي. (لا تغضب) هذا من الكلام القليل الألفاظ الجامع
للمعاني الكثيرة والفوائد الجليلة. ومن كظم غيظه ورد غضبه أخزى شيطانه وسلمت له مروءته ودينه.
12 - (بالصرعة) أي الذي يكثر منه صرع الناس. والهاء للمبالغة في الصفة. قال الباجي: لم يرد نفي
الشدة عنه. فإنه يعلم بالضرورة شدته. وإنما أراد أنه ليس بالنهاية في الشدة. وأشد منه الذي يملك نفسه عند
الغضب. أو أراد أنها شدة ليس لها كبير منفعة. وإنما الشدة التي ينتفع بها شدة الذي يملك نفسه عند الغضب.
(إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) هذا من الألفاظ التي نقلت عن موضوعها اللغوي. لضرب من المجاز
والتوسع. وهو من فصيح الكلام وبليغه. لأنه لما كان الغضبان بحالة شديدة من الغيظ وقد ثارت عليه شدة
من الغضب، فقهرها بحلمه وصرعها بثباته وعدم عمله بمقتضى الغضب، كان كالصرعة الذي يصرع الرجال ولا يصرعونه.
906

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال. يلتقيان. فيعرض هذا.
ويعرض هذا. وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).
أخرجه البخاري في: 78 - كتاب الأدب، 62 - باب الهجرة وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لرجل أن
يهجر أخاه فوق ثلاث.
ومسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 8 - باب تحريم الهجر فوق ثلاث، حديث 25.
14 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا. ولا يحل لمسلم أن يهاجر
أخاه فوق ثلاث ليال).
أخرجه البخاري في: 78 - كتاب الأدب، 62 - باب الهجرة وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لرجل أن
يهجر أخاه فوق ثلاث.
ومسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 7 - باب النهى عن التحاسد والتباغض والتدابر،
حديث 23.
قال مالك: لا أحسب التدابر إلا الاعراض عن أخيك المسلم. فتدبر عنه بوجهك.
15 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

13 - (يعرض) قال المازري: أصله أن يولي كل واحد منهما الآخر، عرضه أي جانبه.
14 - (لا تباغضوا) بحذف إحدى التاءين فيه، وفي تالييه. أي لا تتعاطوا أسباب التباغض. ولا تفعلوا
الأهواء المضلة المقتضية للتباغض والتجانب. لأن التباغض مفسد للدين. (ولا تحاسدوا) بأن يتمنى أحدكم
زوال النعمة عن أخيه. (ولا تدابروا) أي لا يعرض أحدكم بوجهه عن أخيه ويوله دبره استثقالا وبغضا له.
بل يقبل عليه ويبسط له وجهه ما استطاع.
907

قال (إياكم والظن. فإن الظن أكذب الحديث. ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا
ولا تحاسد وا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا).
أخرجه البخاري في: 78 - كتاب الأدب، 58 - باب يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن.
ومسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 9 - باب تحريم الظن والتجسس والتنافس، حديث 28.
16 - وحدثني عن مالك، عن عطاء بن أبي مسلم عبد الله الخراساني، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم (تصافحوا يذهب الغل. وتهادوا تحابوا، وتذهب الشحناء).
قال ابن عبد البر: هذا يتصل من وجوه شتى، حسان كلها.
17 - وحدثني عن مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس. فيغفر لكل عبد مسلم
لا يشرك بالله شيئا. إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء. فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا.

15 - (إياكم والظن) أي اجتنبوا ظن السوء بالمسلم. فلا تتهموا أحدا بالفاحشة ما لم يظهر عليه ما يقتضيها.
والظن تهمة تقع في القلب بلا دليل. (فإن الظن أكذب الحديث) أي حديث النفس. لأنه يكون بإلقاء
الشيطان في نفس الإنسان. (ولا تجسسوا ولا تجسسوا) قال ابن عبد البر: هما لفظتان معناهما واحد. وهو
البحث والتطلب لمعايب الناس ومساويهم إذا غابت واستترت. (ولا تنافسوا) بحذف إحدى التاءين. من
المنافسة. وهي الرغبة في الشئ. قال القرطبي: أي لا تتنافسوا حرصا على الدنيا. إنما التنافس في الخير.
(وكونوا عباد الله إخوانا) قال القرطبي: اكتسبوا ما تصيرون به كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة
والمواساة والمعاونة والنصيحة.
16 - (تصافحوا) مفاعلة من الصفح. والمراد بها هنا الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد. (الغل)
الحقد والضغانة. (الشحناء) العداوة.
17 - (أنظروا) أخروا وأمهلوا.
908

أنظروا هذين حتى يصطلحا).
أخرجه مسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 11 - باب النهى عن الشحناء والتهاجر، حديث 34.
18 - وحدثني عن مالك، عن مسلم بن أبي مريم، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة،
أنه قال: تعرض أعمال الناس كل جمعة مرتين. يوم الاثنين ويوم الخميس. فيغفر لكل
عبد مؤمن. إلا عبدا كانت بينه وبين أخيه شحناء. فيقال اتركوا هذين حتى يفيئا. أو اركوا
هذين حتى يفيئا.
أخرجه مسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 11 - باب عن النهى الشحناء والتهاجر، حديث 36.

18 - (يفيئا) يرجعا عماهما عليه من التقاطع والتباغض إلى الصلح. (اركوا) يقال ركاه يركوه إذا أخره.
909

48 - كتاب اللباس
(1) باب ما جاء في لبس الثياب للجمال بها
1 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن جابر عبد الله الأنصاري، أنه قال:
خرجنا مع رسول الله (ص) في غزوة بنى أنمار. قال جابر: فبينا أنا نازل تحت شجرة، إذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت
إلى غرارة لنا. فالتمست فيها شيئا فوجدت فيها شيئا فوجدت فيها جرو قثاء. فكثره. ثم قربته إليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم. فقال (من أين لكم هذا؟) قال فقلت: خرجنا به يا رسول الله من المدينة. قال جابر: وعندنا صاحب لنا نجهزه يذهب يرعى ظهرنا. قال فجهزته. ثم أدبر يذهب في الظهر
وعليه بردان له قد خلقا. قال فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال (أما له ثوبان غير هذين؟)
فقلت: بلى يا رسول الله. له ثوبان في العيبة. كسوته إياهما. قال (فادعه فمره فليلبسهما).

(48 - كتاب اللباس)
1 - (بني أنمار) بناحية نجد في سنة ثلاث من الهجرة. وهي غزوة غطفان. (إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم)
أي أقبل. (هلم) أقبل (غرارة) شبه العدل. وجمعها غرائر. (جرو قثاء) قال أبو عبيد: الجرو
صغار القثاء والرمان. القثاء اسم لما يقول له الناس الخيار والعجور والفقوس. (يرعى ظهرنا) أي دوابنا.
سميت بذلك لأنه يركب على ظهورها. أو لكونها يستظهر بها ويستعان على السفر. (يذهب في الظهر)
يرعاه. (بردان) البرد ثوب مخطط وأكسية يلتحف بها. الواحدة بهاء. وجمعه أبراد وأبرد وبرود.
(خلقا) أي بليا. (العيبة) مستودع الثياب.
910

قال فدعوته فلبسهما. ثم ولى يذهب. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ماله ضرب الله عنقه.
أليس هذا خيرا له)؟ قال فسمعه الرجل. فقال: يا رسول الله، في سبيل الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(في سبيل الله) قال فقتل الرجل في سبيل الله.
2 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال: إني لأحب أن أنظر إلى القارئ
أبيض الثياب.
3 - وحدثني عن مالك، عن أيوب بن أبي تميمة، عن ابن سيرين، قال: قال عمر بن الخطاب:
إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم. جمع رجل عليه ثيابه.
هذا قطعة من حديث رواه البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة.
أخرجه في: 8 - كتاب الصلاة، 9 - باب الصلاة في القميص والسراويل والتبان والقباء.
(2) باب ما جاء في لبس الثياب المصبغة والذهب
4 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ
بالمشق. والمصبوغ بالزعفران.

(ماله) يلبس الخلقين مع تيسر الجديدين ووجودهما عنده. (ضرب الله عنقه) قال الباجي: هي كلمة
تقولها العرب عند إنكار الأمر. ولا تريد بها الدعاء على من يقال له ذلك. (في سبيل الله) أي الجهاد.
3 - (جمع رجل عليه ثيابه) خبر أريد به الأمر. يعني ليجمع. قاله ابن بطال. وقال ابن المنير: الصحيح أنه
كلام في معنى الشرط كأنه قال: إن جمع رجل عليه ثيابه فحسن.
4 - (المشق) المغرة. والمغرة الطين الأحمر.
911

قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: وأنا أكره أن يلبس الغلمان شيئا من الذهب.
لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تختم الذهب.
أخرجه الشيخان عن أبي هريرة.
فأخرجه البخاري في: 77 - كتاب اللباس، 45 - باب خواتيم الذهب.
ومسلم في: 37 - كتاب اللباس والزينة، 11 - باب في طرح خاتم الذهب، حديث 51.
فأنا أكرهه للرجال، الكبير منهم والصغير.
قال يحيى: وسمعت مالكا يقول في الملاحف المعصفرة في البيوت للرجال، وفي الأفنية.
قال: لا أعلم من ذلك شيئا حراما. وغير ذلك من اللباس أحب إلى.
(3) باب ما جاء في لبس الخز
5 - وحدثني مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها
كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت عائشة تلبسه.

(الملاحف) جمع ملحفة، الملاءة التي يلتحف بها. (المعصفرة) المصبوعة بالعصفر.
(الأفنية) أفنية الدور. جمع فناء. وفناء الدار ما امتد من جوانبها.
5 - (مطرف خز) الخز اسم دابة. ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها. والجمع خزوز بزنة فلوس. والمراد
ما سداه حرير ولحمته صوف مثلا. والمطرف ثوب أعلام. ويقال ثوب مربع.
912

(4) باب ما يكره للنساء لبسه من الثياب
6 - وحدثني عن مالك، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، أنها قالت: دخلت حفصة
بنت عبد الرحمن على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعلى حفصة خمار رقيق. فشقته عائشة، وكستها
خمارا كثيفا.
كذا وقفه يحيى ورواة الموطأ، إلا عبد الله بن نافع فقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه مسلم من طريق جرير، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
في: 37 - كتاب اللباس والزينة، 34 - باب النساء الكاسيات العاريات، حديث 125.
7 - وحدثني عن مالك، عن مسلم بن أبي مريم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أنه
قال: نساء كاسيات عاريات. مائلات مميلات. لا يدخلن الجنة. ولا يجدن ريحها. ريحها
يوجد من مسيرة خمسمائة سنة.
8 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام
من الليل. فنظر في أفق المساء فقال (ماذا فتح الليلة من الخزائن؟ وماذا وقع من الفتن؟
كم من كاسية في الدنيا، عارية يوم القيامة. أيقظوا صواحب الحجر).
مرسل. وقد وصله البخاري من طريق معمر، عن الزهري، عن هند بنت الحارث، عن أم سلمة.
في: 3 - كتاب العلم، 40 - باب العلم والعظة بالليل.

6 - (خمار) ثوب تغطي به المرأة رأسها.
7 - (كاسيات) قال ابن عبد البر: أراد اللواتي يلبسن من الثياب الشئ الخفيف الذي يصف، ولا يستر.
فهن كاسيات بالاسم. (مائلات) عن طاعة الله وما يلزمهن من حفظ فروجهن. وقيل مائلات متبخترات
في مشيهن (مميلات) غيرهن إلى مثل فعلهن. وقيل مميلات أكتافهن وأعطافهن.
8 - (الحجر) جمع حجرة وهي منازل أزواجه.
913

(5) باب ما جاء في إسبال الرجل ثوبه
9 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عرم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (الذي يجز ثوبه خيلاء، لا ينظر الله إليه يوم القيامة).
10 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (لا ينظر الله تبارك وتعالى، يوم القيامة، إلى من يجر إزارة بطرا)
أخرجه البخاري في: 77 - كتاب اللباس، 5 - باب من جر ثوبه من الخيلاء.
11 - وحدثني عن مالك، عن نافع وعبد الله بن دينار، وزيد بن أسلم. كلهم يخبره
عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا ينظر الله، يوم القيامة، إلى من يجز ثوبه
خيلاء).
أخرجه البخاري في: 77 - كتاب اللباس، 1 - باب قول الله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده.
ومسلم في: 37 - كتاب اللباس، 9 - باب تحريم جر الثوب خيلاء، حديث 42.
12 - وحدثني عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، أنه قال: سألت أبا سعيد
الخدري عن الإزار؟ فقال: أنا أخبرك بعلم. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إزرة المؤمن

9 - (خيلاء) كبرا وعجبا.
10 - (بطرا) قال عياض: جاءت الرواية بفتح الطاء على المصدر وبكسرها على الحال من فاعل يجر. أي
تكبرا وطغيانا. وأصل الطغيان عند النعمة واستعمل بمعنى الكبر. وقال الراغب: البطر دهش يعتري
الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها وصرفها إلى غير وجهها.
12 - (إزرة) الحالة وهيئة الائتزار.
914

إلى أنصاف ساقيه. لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين. ما أسفل من ذلك ففي النار.
ما أسفل من ذلك ففي النار. لا ينظر الله، يوم القيامة، إلى من جر إزاره بطرا).
أخرجه أبو داود في: 31 - كتاب اللباس، 27 - باب في قدر موضع الإزار.
وابن ماجة في: 32 - كتاب اللباس، 7 - باب موضع الإزار أين هو؟
(6) باب ما جاء في إسبال المرأة ثوبها
13 - وحدثني عن مالك، عن أبي بكر بن نفاع، عن أبيه نافع مولى ابن عمر، عن صفية
بنت أبي عبيد، أنها أخبرته عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت، حين ذكر الإزار:
فالمرأة يا رسول الله؟ قال (ترخيه شبرا) قالت أم سلمة: إذا ينكشف عنها. قال (فذراعا
لا تزيد عليه).
أخرجه أبو داود في: 31 - كتاب اللباس، 37 - باب في قدر الذيل.

(ما أسفل) قال الحافظ: «ما» موصول، وبعض صلته محذوف وهو «كان». و «أسفل» خبره فهو
منصوب ويجوز الرفع. أي ما هو أسفل. أفعل تفضيل. ويحتمل أنه فعل ماض. ويجوز أن «ما» نكرة
موصوفة ب «أسفل».
915

(7) باب ما جاء في الانتعال
14 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (لا يمشين أحدكم في نعل واحدة. لينعلهما جميعا أو ليحفهما جميعا).
أخرجه البخاري في: 77 - كتاب اللباس، 40 - باب لا يمشى في نعل واحدة.
ومسلم في: 37 - كتاب اللباس والزينة، 19 - باب إذا انتعل فليبدأ باليمين، حديث 68.
15 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين. وإذا نزع فليبدأ بالشمال. ولتكن اليمنى
أو لهما تنعل. وآخرهما تنزع).
أخرجه البخاري في: 77 - كتاب اللباس، 39 - باب ينزع نعل اليسرى.
16 - وحدثني عن مالك، عن عمه أبى سهيل بن مالك، عن أبيه، عن كعب الأحبار،
أن رجلا نزع نعليه. فقال: لم خلعت نعليك؟ لعلك تأولت هذه الآية - فاخلع نعليك
إنك بالوادي المقدس طوى - قال ثم قال كعب للرجل: أتدري ما كانت نعلا موسى؟
قال مالك: لا أدرى ما أجابه الرجل. فقال كعب: كانتا من جلد حمار ميت.

14 - (جميعا) قال ابن عبد البر. والضميران للقدمين، وإن يتقدم لهما ذكر. ولو أراد النعلين، لقال.
لينتعلهما أو ليحتف منهما. انتهى.
16 - (فقال) أي كعب. (المقدس) المطهر أو المبارك، الذي من الله به عليك. (طوى)
بدل أو عطف بيان. مضروب باعتبار المكان. وغير مصروف للتأنيث، باعتبار البقعة مع العلمية.
916

(8) باب ما جاء في لبس الثياب
17 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أنه قال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين. وعن بيعتين. عن الملامسة وعن المنابذة. وعن أن يحتبى
الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شئ. وعن أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على
أحد شقيه.
أخرجه البخاري في: 77 - كتاب اللباس، 21 - باب الاحتباء في ثوب واحد.
18 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب رأى حلة
سيراء تباع عند باب المسجد. فقال: يا رسول الله. لو اشتريت هذه الحلة فلبستها يوم الجمعة
وللوفد إذا قدموا عليك. فقال روسل الله صلى الله عليه وسلم (إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة).

17 - (عن الملامسة) بأن يلمس الثوب مطويا، أو في ظلمة. فيلزم بذلك البيع. ولا خيار له إذا رآه.
اكتفاء بلمسه. أو يقول: إذا لمسته فقد بعتك، اكتفاء بلمسه. أو على أنه إذا لمسه، انعقد البيع. ولا خيار. (وعن
المنابذة) أن ينبذ الرجل ثوبه وينبذ الآخر ثوبه. ويكون ذلك بيعهما من غير نظر للثوب ولا تراض. (وأن
يحتبي الرجل) بأن يعقد على أليتيه وينصب ساقيه ملتفا. (وعن أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد
شقيه) فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب. وهذه اللبسة هي المعروفة عند الفقهاء بالصماء. لأن يده حينئذ تصير
داخل ثوبه. فإن أصابه شئ يريد الاحتراس منه والاتقاء بيديه. تعذر عليه. وإن أخرجها من تحت الثوب
انكشفت عورته.
18 - (سيراء) قال مالك: أي حرير. وقال الأصمعي. ثياب فيه خطوط من حرير أو قز. وإنما قيل
لها سيراء لسير الخطوط فيها. وقيل حرير خالص. قال عياض وابن قرقول: ضبطناه على المتقنين حله سيراء
بالإضافة. كما يقال: ثوب خز. وعن بعضهم بالتنوين على الصفة أو البدل. قيل وعليه أكثر المحدثين. (لو
اشتريت) أي لكان حسنا. أو «لو» للتمني. لا للشرط. فلا تحتاج للجزاء. (من لا خلق له) من
لاحظ ولا نصيب له من الخير.
917

ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل. فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة. فقال عمر: يا رسول الله
أكسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لم أكسكها لتلبسها)
فكساها عمر أخاله مشركا بمكة.
أخرجه البخاري في: 11 - كتاب الجمعة، 7 - باب يلبس أحسن ما يجد.
ومسلم في: 37 - كتاب اللباس، 2 - باب تحريم استعمال إنا الذهب والفضة الخ، حديث 6.
19 - وحدثني عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه قال: قال أنس بن
مالك: رأيت عمر بن الخطاب، وهو يومئذ أمير المدينة، وقد رقع بين كتفيه برقع ثلاث.
لبد بعضها فوق بعض.

(عطارد) هو ابن حاجب بن زرارة بن عدي التميمي الدارمي. وفد في بني تميم وأسلم وحسن إسلامه.
19 - (رقع) كنفع. أي جعل رقعة مكان القطع. (برقع) جمع رقعة. (ليد) ألزق.
918

49 - كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم
(1) باب ما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم
1 - حدثني عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أنس بن مالك، أنه سمعه
يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير. وليس بالأبيض الأمهق
ولا بالآدم. ولا بالجعد القطط ولا بالبسط. بعثه الله على رأس أربعين سنة. فأقام بمكة
عشر سنين. وبالمدينة عشر سنين وتوفاه الله عز وجل على رأس ستين سنة. وليس في رأسه ولحيته عشرون عشرة بيضاء صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري في: 61 - كتاب المناقب، 23 - باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومسلم في: 43 - كتاب الفضائل، 31 - باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم ومبعثه وسنه، حديث 113.

(49 - كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم)
1 - (ليس بالطويل البائن) قال الحافظ: أي المفرط في الطول. وأصل البائن البعيد. فكأنه بعد عن
أنظاره. (الأمهق) أي شديد البياض كلون الجص. (بالآدم) أي ولا شديد السمرة، وإنما يخالط
بياضه الحمرة. (ولا بالجعد) أي منقبض الشعر، يتجعد ويتكسر كشعر الحبش والزنج. (القطط)
الشديد الجعودة. (بالسبط) أي المنبسط المسترسل. المراد أن شعره ليس نهاية في الجعودة و
هي تكسره
الشديد. ولا في السبوطة، وهي عدم تكسره تثنيه بالكلية. بل كان وسطا بينهما.
919

(2) باب ما جاء في صفة عيسى بن مريم عليه السلام، والدجال
2 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أراني
الليلة عند الكعبة. فرأيت رجلا آدم. كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال. له لمة كأحسن
ما أنت راء من اللمم قد رجلها فهي تقطر ماء. متكئا على رجلين، أو على عواتق رجلين.
يطوف بالكعبة. فسألت: من هذا؟ قيل: هذا المسيح بن مريم. ثم إذا أنا برجل جعد
قطط. أعور العين اليمنى. كأنها عنبة طافية. فسألت: من هذا؟ فقيل لي: هذا المسيح
الدجال).
أخرجه البخاري في: 77 - كتاب اللباس، 68 - باب الجعد.
ومسلم في: 1 - كتاب الإيمان، 73 - باب ذكر المسيح بن مريم والمسيح الدجال، حديث 273.

2 - (أراني) بلفظ المضارع. مبالغة في استحضار صورة الحال. أي أرى نفسي.
(آدم) أسمر
(أدم) جمع أدم. كسمر جمع أسمر. (لمة) شعر جاوز شحمة الأذنين، وألم بالمنكبين. فإن جاوزهما
فجمة. (رجلها) أي سرحها. (فهي تقطر ماء) من الماء الذي سرحها به. (عواتق) جمع عاتق.
وهو ما بين المنكب العتق. (جعد قطط) أي شديد جعودة الشعر. (طافية) أي بارزة. من طفا
الشئ يطفو، إذا علا على غيره. شبهها بالعنبة التي تقع في العنقود بارزة عن نظائرها.
920

(3) باب ما جاء في السنة في الفطرة
3 - وحدثني عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه، عن أبي هريرة،
قال: خمس من الفطرة. تقليم الأظفار، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة،
والاختتان.
موقوف لجميع رواة الموطأ. قال ابن عبد البر: وهو الصحيح عن مالك.
وهو في الصحيحين من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فأخرجه البخاري في: 77 - كتاب اللباس، 63 - باب قص الشارب.
ومسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 16 - باب خصال الفطرة، حديث 49.

(3 - باب ما جاء في السنة في الفطرة)
(الفطرة) أي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع. فكأنها أمر جبلي فطروا
عليه.
3 - (خمس) صفة موصوف محذوف. أي خصال خمس. أو على الإضافة أي خمس خصال.
(تقليم الأظفار) تفعيل من القلم وهو القطع. قال الجوهري: قلمت ظفري، بالتخفيف. وقلمت أظفاري،
بالتشديد. للتكثر والمبالغة. أي إزالة ما طال منها عن اللحم، بمقص أو سكين. (وقص الشارب)
وهو
الشعر النابت على الشفعة. (ونتف الإبط) يتأدى أصله بالحلق. لا سيما من يؤلمه النتف. (العانة) في
تقدير فعلة. وفيها اختلاف قول. فقال الأزهري وجماعة: هي منبت الشعر، فوق قبل المرأة و ذكر الرجل.
والشعر النابت عليها يقال له الإسب. وقال الجوهري: هي شعر الركب - والركب هو منبت العانة، وعن
الخليل هو للرجل خاصة. وقال الأزهري: الركب من أسماء الفرج - وقال ابن السكيت وابن الأعرابي: استعان
واستحد، حلق عانته. وعلى هذا، فالعانة الشعر النابت. (والاختتان) هو قطع القلفة التي تغطي الحشفة من
الرجل، وقطع بعض الجلدة التي بأعلى الفرج من المرأة كالنواة أو كعرف الديك. ويسمى ختان الرجل إعذارا،
وختان المرأة خفضا.
921

4 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: كان
إبراهيم صلى الله عليه وسلم أول الناس ضيف الضيف. وأول الناس اختتن. وأول الناس قص الشارب.
وأول الناس رأى الشيب، فقال: يا رب. ما هذا؟ فقال الله تبارك وتعالى: وقار يا إبراهيم.
فقال: رب. زدني وقارا.
قال يحيى: وسمعت مالكا يق. ل: يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرق الشفة. وهو الاطار.
ولا يجزه فيمثل بنفسه.
(4) باب النهى عن الأكل بالشمال
5 - وحدثني عن مالك، عن مالك، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله السلمي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى أن يأكل الرجل بشماله. أو يمشي في نعل واحدة. وأن يشتمل الصماء. وأن يحتبى
في ثوب واحد كاشفا عن فرجه.
أخرجه مسلم في: 37 - كتاب اللباس والزينة، 20 - باب اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد،
حديث 70.

4 - (الضيف) يطلق على الواحد وغيره. (الإطار) اللحم المحيط بالشفعة. (يجزه) يقطعه.
5 - (الصماء) أن يجعل الرجل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب، لأن يده تصير داخل
ثوبه فإذا أصابه شئ يريد الاحتراس منه والاتقاء بيديه تعذر عليه. وإن أخرجها من تحت الثوب انكشفت
عورته. (وأن يحتبى) احتبى الرجل جمع ظهره وساقيه بثوب أو غيره. وقد يحتبي بيديه. والاسم الحبوة.
922

عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب
بيمينه. فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله).
أخرجه مسلم في: 36 - كتاب الأشربة، 13 - باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما، حديث 105.
(5) باب ما جاء في المساكين
7 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس. فترده اللقمة واللقمتان. والتمرة
والتمرتان) قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال (الذي لا يجد غين يغنيه. ولا يفطن
الناس له فيتصدق عليه. ولا يقوم فيسأل الناس).
أخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 53 - باب قول الله تعالى لا يسألون الناس إلحاقا.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة، 34 - باب المسكين الذي لا يجد غني ولا يفطن له فيتصدق عليه،
حديث 101.
8 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن ابن بجيد الأنصاري ثم الحارثي، عن جدته،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ردوا المسكين ولو بظلف محرق).
أخرجه النسائي في: 23 - كتاب الزكاة، 70 - باب رد السائل.

(5 - باب ما جاء في المساكين)
(المساكين) جمع مسكين، من السكون، وكأنه من قلة المال سكنت حركاته. ولذا قال تعالى «أو مسكينا
ذا متربة» أي ألصق بالتراب.
7 - (فما المسكين) أي الكامل في المسكنة. (غني) أي يسارا. (لا يفعلن) لا ينتبه.
8 - (ردوا المسكين) أي أعطوه. (بظلف) هو للبقر والغنم كالحافر للفرس. (محرق) أي مشوي.
923

(6) باب ما جاء في معي الكافر
9 - حدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يأكل المسلم في معي واحد. والكافر يأكل في سبعة أمعاء).
أخرجه البخاري في: 70 - كتاب الأطعمة، 12 - باب المؤمن يأكل في معي واحد.
ومسلم في: 36 - كتاب الأشربة، 34 - باب المؤمن يأكل في معي واحد، حديث 185.
10 - وحدثني عن مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف كافر. فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة. فحلبت فشرب حلابها.
ثم أخرى فشربه. ثم أخرى فشربه. حتى شرب حلال سبع شياه. ثم إنه أصبح فأسلم.
فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة. فحلبت فشرب حلابها. ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المؤمن يشرب في معي واحد. والكافر يشرب في سبعة أمعاء).
أخرجه مسلم في: 36 - كتاب الأشربة، 34 - باب المؤمن يأكل في معي واحد، حديث 186.
(7) باب النهى عن الشراب في آنية الفضة والنفخ في الشراب
11 - حدثني عن مالك، عن نافع، عن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن عبد الله
ابن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

9 - (معي) مفرد أمعاء، كعنب وأعناب. وهي المصارين.
10 - (حلابها) الحلاب اللبن الذي يحلب. والحلاب أيضا والمحلب الإناء الذي يحلب فيه اللبن.
924

قال (الذي يشرب في إنية الفضة إنما يجر جر في بطنه نار جهنم).
أخرجه البخاري في: 74 - كتاب الأشربة، 28 - باب آنية الفضة.
ومسلم في: 37 - كتاب اللباس والزينة، 1 - باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة، حديث 1.
12 - وحدثني عن مالك، عن أيوب بن حبيب مولى سعد بن أبي وقاص، عن أبي المثنى
الجهني، أنه قال: كنت عند مروان بن الحكم. فدخل عليه أبو سعيد الخدري. فقال له
مروان بن الحكم: أسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النفخ في الشراب؟ فقال له
أبو سعيد: نعم. فقال له رجل: يا رسول الله إني لا أروى من نفس واحد. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأبن القدح عن فيك ثم تنفس) قال: فإني أرى القذاة فيه. قلال (فأهرقها).
أخرجه الترمذي في: 24 - كتاب الأشربة، 15 - باب ما جاء في كراهية النفخ في الشراب.
(قال أبو عيسى) هذا حديث حسن صحيح.
(8) باب ما جاء في شرب الرجل وهو قائم
13 - حدثني عن مالك، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان
ابن عفان كانوا يشربون قياما.

11 - (يجرجر في بطنه نار جهنم) أي يحدر فيها نار جهنم. فجعل الشرب والجرع جرجرة، وهي
صوت وقوع الماء في الجوف.
12 - (فأين) أمر من الإبانة، أي أبعد. (القذاة) عود أو شئ يتأذى به. (فأهرقها) صبها.
925

14 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، أن عائشة أم المؤمنين وسعد بن أبي وقاص
كانا لا يريان بشرب الانسان، وهو قائم، بأسا.
15 - وحدثني مالك، عن أبي جعفر القاري، أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر يشرب
قائما.
16 - وحدثني عن مالك، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، أنه كان يشرب قائما.
(9) باب السنة في الشرب ومناولته عن اليمين
17 - حدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي
بلبن قد شيب بماء من البئر. وعن يمينه أعرابي. وعن يساره أبو بكر الصديق. فشرب.
ثم أعطى الاعرابي. وقال (الأيمن فالأيمن).
أخرجه البخاري في: 74 - كتاب الأشربة، 18 - باب الأيمن فالأيمن.
ومسلم في: 36 - كتاب الأشربة 17 - باب استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ،
حديث 124.
18 - وحدثني عن مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الأنصاري، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب. فشرب منه. وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ. فقال للغلام

17 - (شيب) أي خلط. (الأيمن فالأيمن) بالنصب. أي أعط الأيمن.
926

(أتأذن لي أن أعطى هؤلاء؟) فقال الغلام: لا والله يا رسول الله. لا أوثر بنصيبي منك أحدا.
قال فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده.
أخرجه البخاري في: 74 - كتاب الأشربة، 19 - باب هل يستأذن الرجل من عن يمينه في الشرب.
ومسلم في: 36 - كتاب الأشربة، 17 - باب استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين
المبتدئ، حديث 127.
(10) باب جامع ما جاء في الطعام والشراب
19 - حدثني عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك
يقول. قال أبو طلحة لام سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا. أعرف فيه الجوع.
فهل عندك من شئ؟ فقالت: نعم. فأخرجت أقراصا من شعير. ثم أخذت خمارا لها. فلفت
الخبر ببعضه. ثم دسته تحت يدي. وردتني ببعضه. ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال
فذهبت به. فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد ومعه الناس. فقمت علهم. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (آرسلك أبو طلحة؟) قال فقلت: نعم. قال (للطعام؟) فقلت: نعم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه (قوموا) قال فانطلق. وانطلقت بين أيديهم. حتى جئت
أيا طلحة فأخبرته. فقال أبو طلحة: يا أم سليم. قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس. وليس
عندنا من الطعام ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله أعلم. قال فانطلق أبو طلحة، حتى لقي

18 - (فتله في يده) أي ألقاه.
19 - (وردتني ببعضه) أي جعلته رداء لي.
927

رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه حتى دخلا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(هلمي يا أم سليم. ما عندك؟) فأتت بذلك الخبز. فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت. وعصرت
عليه أم سليم عكة لها. فآدمته. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول. ثم قال
(ائذن لعشرة بالدخول) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال (ائذن لعشرة)
فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال (ائذن لعشرة) فأذن لهم فأكلوا حتى
شبعوا ثم خرجوا. ثم قال (ائذن لعشرة) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال
(ائذن لعشرة) حتى أكل القوم كلهم وشبعوا. والقوم سبعون رجلا، أو ثمانون رجلا.
أخرجه البخاري في: 70 - كتاب الأطعمة، 6 - باب من أكل حتى شبع.
ومسلم في: 36 - كتاب الأشربة، 20 - باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يشق برضاه،
حديث 142.
20 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (طعام الاثنين كافى الثلاثة. وطعام الثلاثة كافى الأربعة).
أخرجه البخاري في: 70 - كتاب الأطعمة، 11 - باب طعام الواحد يكفى الاثنين.
ومسلم في: 36 - كتاب الأشربة، 33 - باب فضيلة المواساة في الطعام القليل، حديث 178.
21 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن جابر برن عبد الله، أن رسول الله

(عكة) إناء من جلد مستدير يجعل فيه السمن غالبا، والعسل. (فآدمته) أدمت الخبز وآدمته إذا
أصلحت إساغته بالإدام. والإدام ما يؤتدم به مائعا كان أو جامدا. فآدمته: أي صيرت ما خرج من العكة
إداما له.
20 - (طعام الاثنين) المشبع لهما. (كافي الثلاثة) لقوتهم.
928

صلى الله عليه وسلم قال (أغلقوا الباب. وأوكوا السقاء. وأكفؤوا الاناء، أو خمروا الاناء. وأطفئوا
المصباح. فإن الشيطان لا يفتح غلقا. ولا يحل وكاء ولا يكشف إناء. وإن الفويسقة
تضرم على الناس بيتهم).
أخرجه مسلم في: 36 - كتاب الأشربة، 12 - باب الأمر بتغطية الإناء، حديث 96.
22 - وحدثني عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي شريح الكعبي،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. ومن
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم
ضيفه. جائزة يوم وليلة. وضيافته ثلاثة أيام. فما كان بعد ذلك فهو صدقة. ولا يحل له
أن يثوى عنده حتى يحرجه).
أخرجه البخاري في: 78 - كتاب الأدب، 31 - باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره.
ومسلم في: 31 - كتاب اللقطة، 3 - باب الضيافة ونحوها، حديث 14.
23 - وحدثني عن مالك، عن سمى مولى أبى بكر، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (بينما رجل يمشي بطريق إذا اشتد عليه العطش، فوجد بئرا. فنزل

21 - (أوكوا) شدوا واربطوا. (السقاء) القربة. وإيكاؤها: شد رأسها بالوكاء وهو الخيط.
(وأكفئوا) أي اقلبوه. ولا تتركوه للعق الشيطان ولحس الهوام وذوات الأقذار. (وخمروا) أي غطوا.
(غلقا) الغلق والمغلاق، ما يغلق به الباب. (وكاء) خيطا ربط به. (الفويسقة) الفارة.
22 - (ليصمت) أي يسكت عن الشر فيسلم. (جائزته) أي منحته وعطيته وإتحافه بأفضل ما يقدر عليه.
(يثوي) أي يقيم. (يحرجه) من الحرج، وهو الضيق. أي يضيق عليه.
929

فيها، فشرب، وخروج. فإذا كلب يلهث. يأكل الثرى من العطش. فقال الرجل: لقد
بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ منى. فنزل البئر فملأ خفه. ثم أمسكه بفيه
حتى رقى فسقى الكلب. فشكر الله. له فغفر له. فقالوا: يا رسول الله. وإن لنا في البهائم
لأجرا؟ فقال (في كل ذات كبد رطبة أجر).
أخرجه البخاري في: 42 - كتاب الشرب والمساقاة، 9 - باب فضل سقى الماء.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 41 - باب فضل ساقى البهائم المحترمة وإطعامها، حديث 153.
24 - وحدثني عن مالك، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله، أنه قال: بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل الساحل. فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح. وهم ثلاثمائة. قال
وأنا فيهم. قال فخرجنا. حتى إذا كنا ببعض الطريق فنى الزاد. فأمر أبو عبيدة بأزواد
ذلك الجيش فجمع ذلك كله. فكان مزودي تمر. قال فكان يقوتناه كل يوم قليلا
قليلا. حتى فنى. ولم انتهينا إلى البحر. فإذا حوت مثل الظرب. فأكل منه ذلك الجيش
ثماني عشرة ليلة. ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا. ثم أمر براحلة فرحلت.

23 - (يلهث) يرتفع نفسه بين أضلاعه. أو يخرج لسانه من العطش. (الثري) التراب الندي.
(رقى) كصعد، وزنا ومعنى. (وإن لنا في البهائم) أي في سقيها والإحسان إليها. (كبد رطبة)
أي رطبة برطوبة الحياة. أو لأن الرطوبة لازمة للحياة فيكون كناية عنها. أو هو من باب وصف الشئ
باعتبار ما يؤول إليه. فيكون معناه في كل كبد حري لمن سقاها حتى تصير رطبة.
24 - (قبل) أي جهة. (الساحل) أي ساحل البحر. (فأمر عليهم أبا عبيدة) أي جعله
أميرا على البعث. (فنى) فرغ. (مزودي تمر) المزود ما يجعل فيه الزاد. (لقد وجدنا فقدها) أي
مؤثرا. (حوت) اسم جنس لجميع السمك. وقيل مخصوص لما عظم منه. (الظرب) الجبل الصغير.
(بضلعين من أضلاعه فنصبا) بالتذكير. وإن كانت الضلع مؤنثة لأنه غير حقيقي، فيجوز تذكيره.
(الراحلة) المركب من الإبل: ذكرا كان أو أنثي. وبعضهم يقول. الراحلة الناقة التي تصلح أن ترحل، وجمعها
رواحل. (ترحل) رحلت البعير رحلا، من باب نفع، شددت عليه رحله.
930

ثم مرت تحتها ولم تصبها.
أخرجه البخاري في: 47 - كتاب الشركة، 1 - باب الشركة في الطعام والنهد والعروض.
ومسلم في: 34 - كتاب الصيد والذبائح، 4 - باب إباحة ميتة البحر، حديث 17 - 21.
قال مالك: الظرب الجبيل.
25 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عمرو بن سعد بن معاذ، عن جدته،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يا نساء المؤمنات. لا تحقرن إحداكن لجارتها، ولو كراع شاة
محرقا).
الحديث في الصحيحين من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة.
فأخرجه البخاري في: 51 - كتاب الهبة، 1 - باب حدثنا عاصم بن علي.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة، 29 - باب الحث على الصدقة ولو بالقليل، حديث 90.
26 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(قاتل الله اليهود. نهوا عن أكل الشحم فباعوه فأكلوا ثمنه).
مرسل. وهو موصول في الصحيحين عن أبي هريرة.
فأخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 103 - باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه.
ومسلم في: 22 - كتاب المساقاة، 12 - باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، حديث 73.

25 - (يا نساء المؤمنات) قال الباجي: رويناه بالمشرق بنصب نساء وخفض المؤمنات على الإضافة. من
إضافة الشئ إلى نفسه، كمسجد الجامع. أو من إضافة العام إلى الخاص، كبهيمة الأنعام. أو على تأويل نساء
بفاضلات، أي فاضلات المؤمنات. كما يقال رجال القوم، أي ساداتهم وأفاضلهم. (كراع) هو ما دون العقب
من المواشي والدواب والإنس. (محرقا) نعت لكراع. وهو مؤنث. فكاه حقه محرقة. إلا أن الرواية
وردت هكذا في الموطآت وغيرها. والمحرق المشوي.
931

27 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن عيسى ابن مريم كان يقول: يا بني إسرائيل
عليكم بالماء القراح. والبقل البري. وخبز الشعير. وإياكم وخبز البر. فإنكم لن
تقوموا بشكره.
28 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فوجد فيه
أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب. فسألهما. فقالا: أخرجنا الجوع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(وأنا أخرجني الجوع) فذهبوا إلى أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري. فأمر لهم بشعير عنده
يعمل. وقام يذبح نهم شاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نكب عن ذات الدر) فذبح لهم شاة.
واستعذب لهم ماء. فعلق في نخلة. ثم أتوا بذلك الطعام. فأكلوا منه. وشربوا من ذلك
الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لتسئلن عن نعيم هذا اليوم).
أخرجه مسلم عن أبي هريرة في: 36 - كتاب الأشربة، 20 - باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق
برضاه، حديث 140.
29 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن عمر بن الخطاب كان يأكل خبزا
بسمن. فدعا رجلا من أهل البادية فجعل يأكل ويتبع باللقمة وضر الصحفة. فقال عرم:
كأنك مقفر. فقال: والله ما أكلت سمنا ولا رأيت أكلا به منذ كذا وكذا. فقال

27 - (القراح) أي الخالص الذي لا يمازجه شئ. (البقل) كل نبات اخضرت به الأرض.
(البري) نسبة إلى البرية، وهي الصحراء. (وإياكم وخبز البر) البر هو القمح. أي احذروا أكله.
28 - (نكب) أي أعرض. (ذات الدر) أي اللبن. (واستعذب لهم ماء) أي جاء لهم بماء عذب.
29 - (وضر الصفحة) أي ما يعلق به من أثر السمن. والوضر الوسخ. (مقفر) أي لا إدام عندك.
932

عمر: لا آكل السمن حتى يحيا الناس من أول ما يحيون.
30 - وحدثني عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك،
أنه قال: رأيت عمر بن الخطاب، وهو يومئذ أمير المؤمنين، يطرح له صاع من تمر
فيأكله حتى أكل حشفها.
وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: سطل عمر بن
الخطاب عن الجراد فقال: وددت أن عندي قفعة. ونأكل منه.
31 - وحدثني عن مالك، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن حميد بن مالك بن خثيم،
أنه قال: كنت جالسا مع أبي هريرة بأرضه بالعقيق. فأتاه قوم من أهل لا مدينة على دواب.
فنزلوا عنده. قال حميد، فقال أبو هريرة: أذهب إلى أمي فقل: إن ابنك يقرئك السلام
ويقول: أطعمينا شيئا. قال فوضعت ثلاثة أقراص في صحفة، وشيئا من زيت وملح، ثم
وضعتها على رأسي، وحملتها إليهم. فلما وضعتها بين أيديهم، كبر ألو هريرة: وقال: الحمد لله
الذي أشبعنا من الخبز بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودين الماء والتمر. فلم يصب القوم
من الطعام شيئا. فلما انصرفوا، قال: يا ابن أخي. أحسن إلى غنمك. وامسح الرعام عنها.

(حتى يحيا الناس) أي يصيبهم الخصب والمطر.
30 - (يطرح) يلقي. (حشفها) يابسها الردي. (قفعة) شئ شبيه بالزنبيل من الخوص
ليس له عري، وليس بالكبير. وقيل شئ كالقفة، تتخذ، واسعة الأسفل ضيقة الأعلى.
31 - (بالعقيق) محل بقرب المدينة. (الرعام) مخاط رقيق يجري من أنوف الغنم.
933

وأطب مراحها. وصل في ناحيتها فإنها من دواب الجنة. والذي نفسي بيده ليوشك أن يأتي
على الناس زمان تكون الثلة من العنم أحب إلى صاحبها من دار مروان.
32 - وحدثني عن مالك، عن أبي نعيم وهب بن كيسان، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بطعام، ومعه ربيبه عمر بن سلمة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (سم الله وكل مما يليك).
مرسل عند الأكثر. وروى عن وهب عن عمر بن أبي سلمة موصولا: قال الحافظ: والمشهور عن مالك
إرساله كعادته.
وقد أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، في: 70 - كتاب الأطعمة، 3 - باب الأكل مما يليه.
33 - وحدثني عن مالك، عن أ يحيى بن سعيد، أنه قال: سمعت القاسم بن محمد يقول:
جاء رجل إلى عبد الله بن عباس فقال له: إن لي يتيما. وله إبل. أفأشرب من لبن إبله؟ فقال
ابن عباس: إن كنت تبغى ضالة إبله، وتهنأ جرباها، وتلط حوضها، وتسقيها يوم وردها،
فاشرب غير مضر بنسل، ولا ناهل في الحلب.
34 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان لا يؤتي أبدا بطعام

(أطب) نظف. (مراحها) مكانها الذي تأوي فيه. (الثلة) الطائفة القليلة. (مروان) هو
ابن الحكم أمير المدينة يؤمئذ.
33 - (ربيبه) ابن زوجته أم سلمة.
33 - (وتهنأ جرباها) أي تطليها بالهناء وهو القطران. (وتلط حوضها) اللط الإلصاق. يريد
تلصقه بالطين حتى تسد خلله. (يوم وردها) أي شربها. (بنسل) أي ولدها الرضيع. (ناهك)
أي مستأصل. (الحلب) قال الباجي: الحلب بفتح اللام، اللبن، وبتسكينها، الفعل.
934

ولا شراب، حتى الدواء، فيطعمه أو يشربه، إلا قال: الحمد لله الذي هدانا. وأطعمنا وسقانا. و
نعمنا. الله أكبر. اللهم ألفتنا نعمتك بكل شر. فأصبحنا منها وأمسينا بكل خير.
نسألك تماما وشكرها. لا خير إلا خيرك. ولا إله غيرك. إله الصالحين ورب العامين.
الحمد لله. ولا إله إلا الله. ما شاء الله. ولا قوة إلا بالله. اللهم بارك لنا فيما رزقتنا. وقنا
عذاب النار.
35 - قال يحيى. سئل مالك: هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها أو مع غلامها؟
فقال مالك: ليس بذلك بأس. إذا كان ذلك على وجه ما يعرف للمرأة أن تأكل معه من
الرجال.
قال: وقد تأكل المرأة مع زوجها. ومع فغيره ممن يؤاكله. أو مع أخيها على مثل
ذلك. ويكره للمرأة أن تخلو مع الرجل، ليس بينه وبينها حرمة.
(11) باب ما جاء في أكل اللحم
36 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن بن سعيد، أن عمر بن الخطاب قال: إياكم واللحم.
فإن له ضراوة كضراوة الخمر.

34 - (ألفتنا) ألفي أي وجد. (إله الصالحين) بالنصب على النداء، بحذف الأداة.
35 - (حرمة) أي قرابة نسب أو صهر أو رضاع.
935

وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن عمر بن الخطاب أدرك جابر بن عبد الله ومعه
حمال لحم. فقال: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين. قرمنا إلى اللحم فاشتريت بدرهم لحما.
فقال عمر: أما يريد أحدكم أن يطوى بطنه عن جاره أو ابن عمه؟ أين تذهب عنكم هذه
الآية - أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها -.
(12) باب ما جاء في لبس الخاتم
37 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يلبس خاتما من ذهب. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فنبذه. وقال (لا ألبسه أبدا). قال فنبذ
الناس خواتيمهم.
أخرجه البخاري في: 77 - كتاب اللباس، 47 - باب حدثنا عبد الله بن مسلمة.
38 - وحدثني عن مالك، عن صدقة بن يسار، أنه قال: سألت سعيد بن المسيب
عن لبس الخاتم؟ فقال: ألبسه: وأخبر الناس أنى أفتيتك بذلك.

36 - (ضراوة) أي عادة يدعو إليها ويشق تركها لمن ألفها، فلا يصبر عنه من اعتاده. (حمال لحم)
أي ما حمله الحامل. (قرمنا) أي اشتدت شهوتنا. (واستمتعتم) أي تمتعتم.
37 - (فنبذه) أي طرحه.
936

(13) باب ما جاء في نزع المعاليق والجرس من العنق
39 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عباد بن تميم، أن أبا بشير
الا نصارى أخبره: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره. قال فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا. قال عبد الله بن أبي بكر: حسبت أنه قال: والناس في مقيلهم (لا تبقين في رقبة
بعير قلاء من وتر، أو قلادة، إلا قطعت).
أخرجه البخاري في: 56 - كتاب الجهاد، 139 - باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل.
ومسلم في: 37 - كتاب اللباس والزينة، 38 - باب كراهة قلادة الوتر في رقبة البعير، حديث 105.

13 - باب ما جاء في نزع المعاليق والجرس من العنق)
(المعاليق) جمع معلاق. هو ما يعلق بالزاملة، نحو القمقمة والقربة والمطهرة. (الجرس) بالفتح اسم
الآلة. وبسكونها اسم الصوت.
937

50 - كتاب العين
(1) باب الضوء من العين
1 - وحدثني يحيى عن مالك، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أنه سمع أباه
يقول: اغتسل أبى، سهل بن حنيف، بالخرار فنزع جبة كانت عليه. وعامر بن ربيعة
ينظر. قال وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد قال فقال له عامر بن ربيعة: ما رأيت كاليوم.
ولا جلد عذراء. قال فوعك سهل مكانه. واشتد وعكه. فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر:
أن سهلا وعك. وأنه يغر رائح معك يا رسول الله. فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخبره سهل
باذن كان من شأن عامر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت.
إن العين حق. توضأ له عامر. فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس.
ظاهره الإرسال. لكنه محمول على أن أبا أمامة سمع ذلك من أبيه. ففي بعض طرقه عن أبي أمامة حدثني
أبي أنه اغتسل.
وحديث " العين حق " رواه الشيخان موصولا عن أبي هريرة.
فأخرجه البخاري في: 76 - كتاب الطب، 36 - باب العين حق.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 16 - باب الطب والمرض والرقى، حديث 41.

(50 - كتاب العين)
1 - (بالخرار) موضع قرب الجحفة. (واشتد وعكه) أي قوي ألمه. (ألا) بمعني هلا.
(بركت) أي قلت بارك الله فيك. (أن العين حق) أي الإصابة بها شئ ثابت في الوجود مقضي به في
الوضع الإلهي. لا شبهة في تأثيره في النفوس والأموال.
938

2 - وحدثني مالك، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أنه قال: رأى
عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل. فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة. فلبط سهل.
فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: يا رسول الله. هل لك في سهل بن حنيف. والله ما يرفع رأسه.
فقال (هل تتهمون له أحدا) قالوا: نتهم عامر بن ربيعة. قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا، فتغيظ
عليه. وقال (علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت. اغتسل له) فغسل عامر وجهه ويديه،
ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره، في قدح. ثم صب عليه. فراح سهل
مع الناس، ليس به بأس.
ظاهره الإرسال. لكنه سمع ذلك من والده.
أخرجه ابن ماجة في: 31 - كتاب الطب، 32 - باب العين.
(2) باب الرقية من العين
3 - حدثني عن مالك، عن حميد بن قيس المكي، أنه قال: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
بابني جعفر بي أبى طالب. فقال لحاضنتهما (مالي أراهما ضارعين) فقالت حاضنتهما:
يا رسول الله. إنه تسرع إليهما العين. ولم يمنعنا أن نسترقى لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك

2 - (مخبأة) المخبأة هي المخدرة المكنونة التي لا تراها العيون، ولا تبرز للشمس فتغيرها. يعني أن جلد
سهل كجلد المخبأة، إعجابا بحسنه. (فلبط) أي صرع وسقط إلى الأرض. (ما يرفع رأسه) من
شدة الوعك والصرع. (هل تتهمون أحدا) أنه عانه. (علام) لم؟ (بركت) دعوت له
بالبركة. (داخلة إزاره) هي الحقو، تجعل من تحت الإزار في طرفه، ثم يشد عليه الأزرة. وقال ابن
حبيب: هي الطرف المتدلي الذي يضعه المؤتزر أولا على حقوه الأيمن.
3 - (ضارعين) أي نحيلى الجسم.
939

من ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (استرقوا لهما. فإنه لو سبق شئ القدر، لسبقته العين). معضل. ورواه ابن وهب في جامعه عن مالك، عن حميد بن قيس، عن عكرمة بن خالد به مرسلا.
وجاء موصولا من وجوه صحاح عن أسماء بنت عميس.
فأخرجه الترمذي في: 26 - كتاب الطب، 17 - باب ما جاء في الرقية من العين.
وابن ماجة في: 31 - كتاب الطب، 33 - باب من استرقى من العين.
4 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، أن عروة بن الزبير
حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وفي البيت صبي يبكى.
فذكروا له أن به العين. قال عروة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا تسترقون له من العين؟)
قال أبو عمر: مرسل عند جميع رواة الموطأ. وهو صحيح يستند معناه من طرق ثابتة.
في الصحيحين من طريق الزهري عن عروة، عن زينب بنت أم سلمة، عن أمها.
فأخرجه البخاري في: 76 - كتاب الطب، 35 - باب رقية العين.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 21 - باب استحباب الرقية من العين، حديث 59.
(3) باب ما جاء في أجر المريض
5 - حدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين. فقال: انظروا ماذا يقول لعواده. فإن
هو، إذا جاؤه، حمد الله وأثنى عليه. رفعا ذلك إلى الله عز وجل. وهو أعلم. فيقول: لعبدي
على، إن توفيته، أن أدخله الجنة. وإن أنا شفيته أن أبدل له لحما خيرا من لحمه ودما خيرا

(استقروا لهما) أي اطلبوا من يرقيهما. (فإنه لو سبق شئ القدر) أي لو فرض أن لشئ قوة بحيث
يسبق القدر.
5 - (إن توفيته) أي أن أمته.
940

من دمه. وأن أكفر عنه سيئاته)
وصله ابن عبد البر من طريق عباد بن كثير المكي.
6 - وحدثني عن مالك، عن يزيد بن خصيفة، عن عروة بن الزبير، أنه قال: سمعت
عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يصيب المؤمن من مصيبة. حتى
الشوكة. إلا قص بها. أو كفر بها من خطاياه). لا يدرى يزيد، أيهما قال عروة.
أخرجه مسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 14 - باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض،
حديث 50.
7 - وحدثني مالك، عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصة، أنه قال: سمعت أبا الحباب
سعيد بن يسار يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به
خيرا يصب منه).
أخرجه البخاري في: 75 - كتاب المرضى، 1 - باب ما جاء في كفارة المرض.

6 - (مصيبة) أصلها الرمي بالسهم، ثم استعملت في كل نازلة. قال الكرماني: المصيبة، لغة،
ما ينزل بالإنسان مطلقا. وعرفا، ما نزل به من مكروه خاصة، وهو المراد هنا. (حتى الشوكة) المرة. من
مصدر شاكه. بدليل جعلها غاية للمعاني، وقوله في رواية «يشاكها». ولو أراد الواحدة من النبات لقال
«يشاك بها».
قال الحافظ: جوزوا فيه الحركات الثلاث. فالجر بمعني الغاية، أي ينتهي إلى الشوكة، أو عطفا على لفظ
مصيبة. والنصب بتقدير عامل، أي حتى وجدانه الشوكة. والرفع على الضمير في «يصيب». (قص) أي أخذ.
7 - (يصب منه) عند أكثر المحدثين. وهو الأشهر في الرواية، والفاعل ضمير «الله». وقال البيضاوي:
أي يوصل إليه المصائب ليطهره من الذنوب ويرفع درجته. وهي اسم لكل مكروه. وذلك لأن الابتلاء بالمصائب
طب إلهي يداوي به الإنسان من أمراض الذنوب المهلكة.
941

8 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن رجلا جاءه الموت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال رجل: هنيئا له. مات ولم يبتل بمرض. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويحك. وما يدريك
لو أن الله ابتلاه بمرض، يكفر به من سيئاته).
(4) باب التعوذ والرقية من المرض
9 - حدثني عن مالك، عن يزيد بن خصيفة، أن عمر بن عبد الله بن كعب السلمي
أخبره: أن نافع بن جبير أخبره، عن عثمان بن أبي العاص، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال
عثمان: وبي وجع قد كاد يهلكني. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (امسحه بيمينك سبع مرات.
وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شرما أجد) قتل فقلت ذلك فأذهب الله ما كان بي.
فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم.
أخرجه أبو داود في: 27 - كتاب الطب، 19 - باب كيف الرقى.
والترمذي في: 26 - كتاب الطب، 29 - باب حدثنا إسحاق بن موسى.
(قال أبو عيسى) هذا حديث حسن صحيح.
10 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، أن

8 - (ويحك) كلمة رحمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها. كما أن «ويل» كلمة عذاب لمن يستحقه.
و هما منصوبان بإضمار فعل. (وما يدريك) وما يعلمك.
9 - (أعوذ) أعتصم.
942

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان، إذا اشتكى، يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث. قالت فلما اشتد وجعه.
كنت أنا أقرأ عليه وأمسح عليه بيمينه. رجاء بتركها.
أخرجه البخاري في: 66 - كتاب فضائل القرآن، 14 - باب فضل المعوذات.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 20 - باب رقية المريض بالمعوذات والنفث، حديث 51.
11 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن أبا بكر
الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي. ويهودية ترقيها. فقال أبو كبر: أرقيها بكتاب
الله.
(5) باب تعالج المريض
12 - حدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، أن رجلا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه

10 - (إذا اشتكى) أي إذا مرض. والشكاية المرض. (المعوذات) الإخلاص والفلق والناس.
(وينفث) أي يخرج الريح من فمه في يده مع شئ من ريقه ويمسح جسده. وقال السيوطي: هو شبه البزاق بلا
ريق، أي يجمع يديه ويقرأ فيهما وينفث ثم يمسح بهما على موضع الألم. وقال الحافظ: أي يتفل بلا ريق أو مع
ريق خفيف، أي يقرأ ماسحا لجسده عند قراءتها.
وخص المعوذات لما فيها من الاستعاذة من: كل مكروه جملة وتفصيلا. ففي الإخلاص كمال التوحيد. وفي
الاستعاذة من شر ما خلق ما يعم الأشباح والأرواح. فابتدأ بالعم في قوله «من شر ما خلق» ثم ثنى بالعطف في
قوله «ومن شر غاسق» لأن انبثاث الشر فيه أكثر والتجوز منه أصعب. ووصف المستعاذ به في الثالثة،
بالرب ثم بالملك ثم بالإله وأضافها إلى الناس وكرره. وخص المستعاذ منه «بالوسواس» معنى به الموسوس
من الجنة والناس. فكأنه قيل، كما قال الزمخشري، أعوذ من شر الموسوس إلى الناس، بربهم الذي يملك
عليهم أمورهم، وهو إلههم ومعبودهم.
943

جرح فاحتقن الجرح الدم. وأن الرجل دعا رجلين من بنى أنمار. فنظر إليه. فزعما أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما (أيكما أطب؟) فقالا: أو في الطب خير يا رسول الله؟ فزعم زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء).
مرسل عند جميع الرواة. لكن شواهده كثيرة صحيحة مثبتة.
كحديث البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء "
في: 76 - كتاب الطب، 1 - باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء.
وحديث مسلم عن جابر، رفعه " لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله "
في: 39 - كتاب السلام، 26 - باب لكل داء دواء، حديث 69.
13 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، قال: يبلغني أن سعد بن زرارة اكتوى
في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذبحة، فمات.
وصله ابن ماجة في: 31 - كتاب الطب، 24 - باب من اكتوى.
14 - وحدثني عن مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر اكتوى من اللقوة. ورقى
من العقرب.

12 - (فاحتقن الجرح الدم) قال الباجي: أي فاض وخيف عليه منه. (أنمار) بطن من العرب.
(فزعما) أي قالا. (أطب) أي أعلم بالطب. (الأدواء) جمع داء وهو المرض.
13 - (الذبحة) قال في النهاية: بفتح الباء وقد تسكن. وجع يعرض في الحلق من الدم. وقيل هي
قرحة تظهر فيه فينسد معها وينقطع النفس.
14 - (اللقوة) داء يصيب الوجه.
944

(6) باب الغسل بالماء من الحمى
15 - حدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، أن أسماء بنت أبي بكر كانت، إذا أتيت بالمرأة وقد حمت تدعوا، أخذت الماء فصبته بينهما وبين
جيبها. وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نبردها بالماء.
أخرجه البخاري في: 76 - كتاب الطب، 28 - باب الحمى من فيح جهنم.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 26 - باب لكل داء دواء، حديث 82.
16 - وحدثني عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(إن الحمى من فيح جهنم فابردوها بالماء).
مرسل عند الجميع، إلا معن بن موسى بن عيسى. فرواه في الموطأ عن مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة.
أخرجه البخاري في: 76 - كتاب الطب، 28 - باب الحمى من فيح جهنم.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 26 - باب لك داء دواء، حديث 81.
وحدثني مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الحمى من فيح جهنم
فأطفئوها بالماء).
أخرجه البخاري في: 76 - كتاب الطب، 28 - باب الحمى من فيح جهنم.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 26 - باب لكل داء دواء، حديث 79.

15 - (بينها) أي بين الحمولة. (جيبها) أي بين طوقها وجسدها. (نبردها) من بردت
الحمي أبردها بردا، قتلتها أقتلها قتلا، أي أسكنت حرارتها.
16 - (فيح جهنم) أي سطوع حرها وفورانه. (فابردوها) من باب قتل. أي أسكنوا حرارتها.
945

(7) باب عيادة المريض والطيرة
17 - حدثني عن مالك، أنه بلغه عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا
عاد الرجل المريض خاض الرحمة. حتى إذا قعد عنده قرت فيه). أو نحو هذا.
18 - وحدثني عن مالك، انه بلغه عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن ابن عطية 7
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا عدوى ولا هام ولا صفر. ولا يحل الممرض على المصح.
وليحلل المصح حيث شاء) فقالوا: يا رسول الله. وما ذاك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنه أذى).

(7 - باب عيادة المريض والطيرة)
أصل عيادة عوادة. قلبت الواو ياء لكسره ما قبلها. يقال: عدت المريض أعوده عيادة، إذا زرته وسألته
عن حالته.
والطيرة التشاؤم بالشئ. وأصله أنهم كانوا في الجاهلية إذا خرج أحدهم لحاجة، فإن رأى الطير طار عن
يمينه تيمن به واستمر. وإن طار عن يساره تشاءم به ورجع. وربما هيجوا الطير ليطير.
17 - (خاض الرحمة) شبه الرحمة بالماء، إما في الطهارة وإما في الشيوع والشمول. ونسب إليها ما هو منسوب
إلى المشبه به من الخوض. (قرت) ثبتت.
18 - (لا عدوي) أي لا يعدي شئ شيئا. أي لا يسري ولا يتجاوز شئ من المرض إلى غير من هو به.
(ولا هام) اسم طائر من طيور الليل كانوا يتشاءمون به فيصدهم عن مقاصدهم. وقيل هو البومة. كانوا
يتشاءمون بها، فيزعمون أنه إذا وقعت هامة على بيت خرج منه ميت. أي لا يتطير به. وقيل المراد نفي زعمهم
أنه إذا قتل قتيل خرج من رأسه طائر فلا يزال يقول اسقوني حتى يقتل قاتله، فيطير. وقيل كانوا يزعمون أن
عظام الميت تصير هامة. وقيل أن روحه تنقلب هامة فتطير ويسمونها الصدي. قال النووي: وهذا تفسير
أكثر العلماء، وهو المشهور. قال: ويحوز أن المراد النوعان. وأنهما جميعا باطلان.
(ولا صفر) قال ابن الأثير: كانت العرب تزعم أن في البطن حية يقال لها الصفر تصيب الإنسان جاع وتؤذيه.
وإنها تعدي. فأبطل الإسلام ذلك. وقيل أراد به النسئ الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، وهو تأخير المحرم إلى
صفر، ويجعلون صفر هو الشهر الحرام - فأبطله. (الممرض) أي ذو الماشية المريضة. (المصح) ذو
الماشية الصحيحة.
946

51 كتاب الشعر
(1) باب السنة في الشعر
1 - وحدثني عن مالك، عن أبي بكر بن نافع، عن أبيه نافع، عن عبد الله بن عمر،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى.
أخرجه مسلم في: 2 - كتاب الطهارة، 16 - باب خصال الفطرة، حديث 53.
2 - وحدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أنه سمع
معاوية بن أبي سفيان، عام حج، وهو على المنبر، وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي.
يقول: يا أهل المدينة. أي علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه. ويقول
(إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم).
أخرجه البخاري في: 60 - كتاب الأنبياء، 54 - باب حدثنا أبو اليمان.
ومسلم في: 37 - كتاب اللباس والزينة، 33 - باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، حديث 122.

(51 - كتاب الشعر)
1 - (إحفاء الشوارب) أي إزالة ما طال منها على الشفتين حتى تبين الشفة بيانا ظاهرا. (وإعفاء
اللحي) جمع لحية. اسم لما ينبت على الخدين والذقن. ومعناه توفرها لتكثر. قال ابن الأثير: هو أن يوفر
شعرها ولا يقص كالشوارب. من عفا الشئ، إذا كثر وزاد. يقال أعفيته وعفيته.
2 - (قصة) أي خصلة. (حرسي) واحد الحرس. خدمه الذين يحرسونه.
947

3 - وحدثني عن مالك، عن زياد بن سعد، عن ابن شهاب، أنه سمعه يقول: سدل
رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ما شاء الله. ثم فرق بعد ذلك.
قال ابن عبد البر: كذا أرسله رواة مالك.
وهو موصول، عن ابن عباس، في الصحيحين.
أخرجه البخاري في: 77 - كتاب اللباس، 70 - باب الفرق.
ومسلم في: 43 - كتاب الفضائل، 24 - باب في سدل النبي صلى الله عليه وسلم شعره وفرقه، حديث 90.
قال مالك: ليس على الرجل ينظر إلى شعر امرأة ابنه، أو شعر أم امرأته، بأس.
4 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يكره الاخصاء
ويقول: فيه تمام الخلق.
5 - وحدثني عن مالك، عن صفوان بن سليم، أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أنا وكافل
اليتيم، له أو لغيره، في الجنة كهاتين. إذا اتقى) وأشار بإصبعيه الوسطى والتي تلى الابهام.
لمالك، في هذا، إسناد آخر أسنده مسلم في صحيحه.
في: 53 - كتاب الزهد والرقائق، 2 - باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم، حديث 42.
ورواه البخاري عن سهل بن سعد في: 78 - كتاب الأدب، 24 - باب فضل من يعول يتيما.

3 - (سدل ناصيته) أي أنزل شعرها على جبهته. (فرق) روي مشددا ومخففا. أي ألقى شعره إلى
جانبي رأسه فلم يترك منه شيئا على جبهته.
4 - (الإخصاء) هو سل الخصية. (فيه) أي في إبقائه.
5 - (كافل اليتيم) أي القيم بأمره ومصالحه، هبة من مال نفسه أو من مال اليتيم. (والتي تلي
الإبهام) هي السبابة.
948

(2) باب إصلاح الشعر
6 - حدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن أبا قتادة الأنصاري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن لي جمة. أفأرجلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم. وأكرمها) فكان أبو قتادة ربما دهنها
في اليوم مرتين. لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأكرمها).
7 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، أن عطاء بن يسار أخبره قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم في المسجد. فدخل رجل ثائر واللحية. فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن
أخرج. كأنه يعنى إصلاح شعر رأسه ولحيته. ففعل الرجل ثم رجع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(أليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان؟)
قال أبو عمر: لا خلاف عن مالك في إرساله. وجاء موصولا بمعناه عن جابر وغيره.
(3) باب ما جاء في صبغ الشعر
8 - حدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي،
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قال: وكان جليسا

6 - (جمة) شعر الرأس إذا بلغ المنكبين. (أفأرجلها) أسرحها. (وأكرمها) بصونها من
نحو وسخ وقذر. وبتعاهدها بالتنظيف والدهان.
7 - (ثائر الرأس) أي شعثه. (كأنه شيطان) في قبح المنظر. على عرف العرب في تشبيه القبيح
بالشيطان.
949

لهم. وكان أبيض اللحية والرأس. قال: فقد عليهم ذات يوم وقد حمرهما. قذل فقال له القوم:
هذا أحسن. فقال: إن أمي عائشة، زوج النبي (ص ث)، أرسلت إلى البارحة جاريتها نخيلة.
فأقسمت على لأصبغن. وأخبرتني أن أبا بكر الصديق كان يصبغ.
قال يحيى، سمعت مالكا يقول، في صبغ الشعر بالسواد: لم أسمع في ذلك شيئا معلوما.
وغير ذلك من الصبغ أحب إلى.
قال: وترك الصبغ كله واسع إن شاء الله. ليس على الناس فيه ضيق.
قال: وسمعت مالكا يقول: في هذا الحديث بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصبغ. ولو
صبغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود.
(4) باب ما يؤمر به من التعوذ
9 - حدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، قال: بلغني أن خالد بن الوليد قال لرسول
الله صلى الله عليه وسلم: إني أروع في منامي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (قل: أعوذ بكلمات الله التامة.
من غضبه وعقابه وشر عباده. ومن همزات الشياطين وأن يحضرون).
10 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى

9 - (أروع) أي يحصل لي روع، أي فزع. (التامة) أي الفاضلة التي لا يدخلها نقص.
(همزات الشياطين) نزغاتهم بما يوسوسون به. (وأن يحضرون) أي أن يصيبوني بسوء ويكونوا معي
في مكان. لأنهم إنما يحضرون بالسوء.
950

عفريتا من الجن. يطلبه بشعلة من نار. كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه. فقال له جبريل:
أفلا أعلمك كلمات تقولهن. إذا قلتهن طفئت شعلته، وخر لفيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(بلى) فقال جبريل: فقل: أعوذ بوجه الله الكريم. وبكلمات الله التامات. اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر. من شر ما ينزل من المساء وشر ما يعرج فيها. وشر ما ذرأ في الأرض
وشر ما يخرج منها. من فتن الليل والنهار. ومن طوارق الليل والنهار. إلا طارقا يطق
بخير. يا رحمن
مرسل.
11 - وحدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رجلا من
أسلم قال: ما نمت هذه الليلة. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أي شئ؟) فقال: لدغتني
عقرب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات
من شرما خلق، لم تضرك).
أخرجه مسلم في: 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 16 - باب في التعوذ من سوء القضاء
حديث 55.
12 - وحدثني عن مالك، عن سمى مولى أبى بكر، عن القعقاع بن حكيم، أن
كعب الأحبار قال: لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حمرا. فقيل له: وما هن؟ فقال:

10 - (خر لفيه) أي سقط عليه. (لا يجاوزهن) لا يتعداهن. (ذرأ) خلق. (طوارق
الليل) حوادثه التي تأتي ليلا.
951

أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شئ أعظم منه. وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن
بر ولا فاجر. وبأسماء الله الحسنى كلها. ما علمت منها وما لم أعلم. من شر ما خلق وبرأ
وذرأ.
(5) باب ما جاء في المتحابين في الله
13 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر، عن أبي الحباب
سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك
وتعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون لجلالي. اليوم أظلهم في ظلي. يوم لا ظل
إلا ظلي).
أخرجه مسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 12 - باب في فضل الحب في الله، حديث 37.
14 - وحدثني عن مالك، عن خبيب بن عبد الرحمن الأنصاري، عن حفص بن عاصم،
عن أبي سعيد الخدري، أو عن أبي هريرة، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبعة يظلهم
في ظله. يوم لا ظل إلا ظله. إمام عادل. وشاب نشأ في عبادة الله. ورجل قلبه متعلق
بالمسجد، إذا خرج منه حتى يعود إليه. ورجلان تحابا في الله، اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه.

13 - (لجلالي) أي لعظمتي. أي لأجل تعظيم حقي وطاعتي، لا لغرض دنيا.
14 - (متعلق) من العلاقة، وهي شدة الحب.
952

ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه. ورجل دعته ذات حسب وجماع. فقال: إني أخاف الله.
ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه).
أخرجه الشيخان، عن أبي هريرة.
والبخاري في: 86 - كتاب الحدود، 19 - باب فضل من ترك الفواحش.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة، 30 - باب فضل إخفاء الصدقة، حديث 91.
25 - وحدثني عن مالك، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا أحب الله العبد، قلا لجبريل: قد أحببت فلانا فأحبه. فيحبه
جبريل. ثم ينادى في أهل المساء: إن الله قد أحب فلانا فأحبوه. فيحبه أهل السماء. ثم يوضع
له القبول في الأرض.
أخرجه البخاري في: 97 - كتاب التوحيد، 33 - باب كلام الرب مع جبريل.
ومسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 48 - باب إذا أحب الله عبدا حببه لعياده،
حديث 157.
وإذا أبغض الله العبد. قال مالك: لا أحسبه إلا أنه قال في البغض مثل ذلك.
16 - وحدثني عن مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن أبي إدريس الخولاني، أنه قال:
دخلت مسجد دمشق. فإذا فتى شاب براق الثنايا. وإذا الناس معه، إذا اختلفوا في شئ،

(ففاضت عيناه) أي فاضت الدموع من عينيه. وأسند الفيض إلى العين مبالغة. كأنها هي التي فاضت.
15 - (القبول) المحبة والرضا وميل النفس. (في الأرض) في أهل الأرض.
16 - (براق الثنايا) أي أبيض الثغر، حسنه.
953

أسندوا إليه. وصدروا عن قوله. فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ بن جبل. فلما كان الغد،
هجرت. فوجدته قد سبقني بالتهجير. ووجدته يصلى. قال فانتظرته. فلما كان الغد،
هجرت. فوجدته قد سبقني التهجير. ووجدته يصلى. قال فانتظرته حتى قضى صلاته.
ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه. ثم قلت: والله إني لأحبك لله. فقال: الله؟ فقلت: الله.
فقال: الله؟ فقلت: الله. فقال: الله؟ فقلت: الله. قال، فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه.
وقال: أبشر. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي
للمتحابين في. والمتجالسين في. والمتزاورين في. والمتباذلين في).
17 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن عبد الله بن عباس، أنه كان يقول: القصد

(أسندوا إليه) أي صعدوا إليه. بمعني أنهم يقفون عند قوله. مأخوذ من «أسند إلى الجبل» إذا صعد
فيه. وفيه لطف هنا، لأنه جبل علم. بنص قوله صلى الله عليه وسلم «أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل».
(بالتهجير) أي التبكير إلى كل صلاة. لحديث «لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه» ولم يرد الخروج
في الهاجرة. قال الهروي. وهي لغة حجازية. (قضي صلاته) أي أتمها. (من قبل) أي من جهة.
(آلله) همزة الاستفهام وقعت بدلا عن حرف القسم. (فأخذ بحبوة ردائي) قال عياض: الاحتباء
أن ينصب الرجل ساقيه ويدير عليهما ثوبه، أو يعقد يديه علي ركبتيه معتمدا على ذلك. والاسم الحبوة
والحبية بضم الحاء وكسرها. وقوله «فأخذ بحبوة ردائي» أي مجتمع ثوبه الذي يحتبي به، وملتقي طرفيه في صدره.
(والمتباذلين في) قال الباجي: الذين يبذلون أنفسهم في مرضاته من الإنفاق على جهاد عدوه وغير ذلك مما أمروا به. وقال غيره: أي يبذل كل واحد منهم لصاحبه نفسه وماله في مهماته، في جميع حالاته، في الله.
كما فعل الصديق ببذل نفسه ليلة الغار، وبذل ماله.
17 - (القصد) أي التوسط في الأمور بين طرفي الإفراط والتفريط.
954

والتؤدة وحسن السمت، جزء من خمسة وعشرين جزاء من النبوة.
هو موقوف. وله حكم الرفع. إذ هو لا يقال رأيا.
وقد أخرجه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن سرخس عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(والتؤدة) أي الرفق والتأني (وحسن السمت) أي الهيئة، والمنظر. وأصل السمت الطريق، ثم
استعير للزي الحسن، والهيئة المثلي في الملبس وغيره. (جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة) قال الباجي:
يريد أن هذه من أخلاق الأنبياء وصفاتهم التي طبعوا عليها وأمروا بها وجبلوا على التزامها. قال: ونعتقد هذه
التجزئة. ولا ندري وجهها. يعني لأن ذلك من علوم النبوة. فطريق معرفة ذلك بالرأي والاستنباط مسدود.
955

52 - كتبا الرؤيا
(1) باب ما جاء في الرؤيا
1 - حدثني عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، عن أنس بن
مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الرؤيا الحسنة، من الرجل الصالح، جزء من ستة وأربعين
جزء من النبوة).
أخرجه البخاري في: 91 - كتاب التعبير، 2 - باب رؤيا الصالحين.
وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك.
2 - وحدثني عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن زفر بن صعصعة،

(52 - كتاب الرؤيا)
(الرؤيا) بالقصر، مصدر كالبشري. مختصة غالبا بشئ محبوب يري مناما. كذا قاله جمع. وقال آخرون.
الرؤيا كالرؤية. جعلت ألف التأنيث فيها مكان تاء التأنيث، للفرق بين ما يراه النائم واليقظان.
1 - (الرؤيا الحسنة) أي الصادقة أو المبشرة. (جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) قال ابن
العربي: أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها إلا ملك أو نبي. وإنما القدر الذي أراد صلى الله عليه وسلم بيانه أن الرؤيا جزء من أجزاء
النبوة في الجملة. لأن فيها اطلاعا على الغيب من وجه ما. وأما تفصيل النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة.
956

عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان، إذا إذا انصرف من صلاة الغداة، يقول
(هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟) ويقول (ليس يبقى بعدي من النبوة، إلا الرؤيا
الصالحة).
3 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات) فقالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال (الرؤيا
الصالحة يراها الرجل الصالح. أو ترى له. جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة).
مرسل. وصله البخاري من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة،
في: 91 - كتاب الرؤيا، 5 - باب المبشرات.
4 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه قال:
سمعت أبا قتادة بن ربعي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (الرؤيا الصالحة من الله.
والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم الشئ يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات
إذا استيقظ. وليتعوذ بالله من شررها. فإنها لن تضره إن شاء الله) قال أبو سلمة: إن كنت
لأرى الرؤيا هي أثقل على من الجبل. فلما سمعت هذا الحديث، فما كنت أباليها.
أخرجه البخاري في: 76 - كتاب الطب، 39 - باب النفث في الرقية.
ومسلم في: 42 - كتاب الرؤيا، حديث 2.

2 - (من صلاة الغداة) أي الصبح. (من النبوة) «أل» عهدية. أي نبوته.
3 - (المبشرات) جمع مبشرة، اسم فاعل للمؤنث من البشر. وهو إدخال السرور والفرح على المبشر.
و ليس جمع البشري، لأنها اسم بمعني البشارة. (ترى له) أي يراها له غيره.
4 - (الرؤيا الصالحة من الله) أي بشرح وتحذير وإنذار. (والحلم) بضم الحاء وسكون اللام أو
ضمها، الرؤية حسنة أو مكروهة. وهي المراد هنا. (من الشيطان) أي من إلقائه، يخوف ويحزن الإنسان بها.
(فما كنت أباليها) أي لا ألتفت إليها ولا ألقي لها بالا.
957

5 - وحدثني عن مالك، عن هشام، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان يقول، في هذا
الآية - لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة -.
قال: هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له.
(2) باب ما جاء في النرد
6 - حدثني عن مالك، عن موسى بن ميسرة، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى
الأشعري، أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله).
أخرجه أبو داود في: 40 - كتاب الأدب، 56 - باب النهى عن اللعب بالنرد.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي.
وحدثني عن مالك، عن علقمة بن أبي علقمة، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم،
أنه بلغها: أن أهل بيت في دارها كانوا سكانا فيها. وعندهم نرد. فأرسلت إليهم: لئن
لم تخرجوا لأخرجنكم من داري. وأنكرت ذلك عليهم.
7 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، انه كان، إذا وجد أحدا من أهله
يلعب بالنرد، ضربه وكسرها.
قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: لا خير في الشطرنج. وكرهها.
وسمعته يكره اللعب بها وبغيرها من الباطل. ويتلو هذا الآية - فماذا بعد الحق إلا
الضلال -.

6 - (النرد) لعبة وضعها أحد ملوك الفرس. وتعرفها العامة بلعب الطاولة.
958

بسم الله الرحمن الرحيم
53 - كتاب السلام
(1) باب العمل في السلام
1 - حدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يسلم الراكب على
الماشي. وإذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم).
مرسل باتفاق الرواة.
2 - وحدثني عن مالك، عن وهب بن كيسان، عن محمد بن عمرو بن عطاء، أنه قال:
كنت جالسا عند عبد الله بن عباس، فدخل عليه رجل من أهل اليمين. فقال: السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته. ثم زاد شيئا مع ذلك أيضا. قال ابن عباس، وهو يومئذ قد ذهب
بصره: من هذا ل؟ قالوا: هذا اليماني الذي يغشاك. فعرفوه إياه. قال فقال ابن عباس: إن
السلام انتهى إلى البركة.
قال يحيى: سئل مالك، هل يسلم على المرأة؟ فقال: أما المتجالة، فلا أكره ذلك.
وأما الشابة، فلا أحب ذلك.

2 - (إلي البركة) أي قوله «وبركاته». (المتجالة) العجوز التي انقطع أرب الرجال منها.
959

(2) باب ما جاء في السلام على اليهودي والنصراني
3 - حدثني عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم، فإنما يقول: السام عليكم. فقل:
عليك).
أخرجه البخاري في: 79 - كتاب الاستئذان، 22 - باب كيف يرد على أهل الذمة السلام.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 4 - باب النهى عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، حديث 8.
قال يحيى: وسئل مالك عن من سلم عن اليهودي أو النصراني هل يستقيله ذلك؟ فقال: لا.
(3) باب جامع السلام
4 - حدثني عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أبي مرة مولى عقيل
ابن أبي طالب، عن أبي وافد الليثي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينما هو جالس في المسجد والناس
معه. إذ أقبل نفر ثلاثة. فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد. فلما وقفا على
مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم سلما. فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها. وأما الاخر
فجلس خلفهم. وأما الثالث فأدبر ذاهبا فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا أخبر كم عن

3 - (السام عليكم) أي الموت. ومنه الحديث «لكل داء دواء إلا السام» قيل: وما السام يا رسول
الله؟ قال «الموت».
4 - (فرجه) هي الحلل بين الشيئين.
960

النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله. وأما الاخر فاستحيا فاستحيا الله منه.
وأما الاخر فأعرض فأعرض الله عنه).
أخرجه البخاري في: 3 - كتاب العلم، 8 - باب من قعد حيث ينتهى به المجلس.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 10 - باب من أتى مجلسا فوجد فرجة فجلس فيها، حديث 26.
5 - وحدثني عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، أنه
سمع عمر بن الخطاب، وسلم عليه رجل فرد عليه السلام. ثم سال عمر الرجل: كيف أنت؟
فقال أحمد إليك الله. فقال عمر: ذلك الذي أردت منك.
6 - وحدثني عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أن الطفيل بن أبي
ابن كعب أخبره: أنه كان يأتي عبد الله بن عمر. فيغدو معه إلى السوق. قال فإذا غدونا
إلى السوق، لم يمر عبد الله بن عمر على سقاط ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا أحد إلا

(فأوى) لجأ. (فآواه) أي جازاه بنظير فعله بأن ضمه إلى رحمته ورضوانه. أو يؤويه يوم القيامة إلى
ظل عرشه. فنسبة الإيواء إلى الله مجاز لاستحالته في حقه، لأنه الإنزال معه في مكان حسي. فالمراد لازمه وهو
إرادة إيصال الخير. ويسمي هذا المجاز مجاز المشاكلة والمقابلة. وفي التمهيد: أوي إلي الله يعني فعل ما يرضى الله
فحصل له من الثواب. (فاستحيا) أي ترك المزاحمة كما فعل رفيقه حياء منه صلي الله عليه وسلم ومن أصحابه.
(فاستحيا الله منه) أي رحمه ولم يعاقبه. فجازاه بمثل فعله. وهذا أيضا مشاكلة. لأن الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يذم به. وهذا محال على الله. فهو مجاز عن ترك العقاب. من ذكر الملزوم وإرادة
اللازم. (فأعرض) أي عن مجلسه صلى الله عليه وسلم ولم يلتفت إليه، بل ولى مدبرا. (فأعرض الله عنه) أي جازاه بأن
سخط عليه. وهذا أيضا مشاكلة. لأن الإعراض هو الالتفات إلى جهة أخرى وذلك لا يليق بالله تعالي، فهو مجاز
عن السخط والغضب.
5 - (سقاط) أي بائع ردئ المتاع. ويقال له أيضا سقطي، والمتاع الردئ سقط ويجمع على أسقاط.
قال الزرقاني: هو بفتح السين والقاف. وقال في النهاية. سقاط. (بيعة) الحالة من البيع. كالركبة والقعدة.
961

سلم عليه. قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يوما. فاستتبعني إلى السوق. فقلت به:
وما تصنع في السوق، وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا
تجلس في مجالس السوق؟ قبل وأقوال: اجلس بنا ههنا نتحدث. قال لي عبد الله بن عمر:
يا أبا بطن! وكان الطفيل ذا بطن: إنما نغدو من أجل السلام. نسلم على من لقينا.
7 - وحدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن رجلا سلم على عبد الله بن عمر. فقال 6
السلام عليك ورحمة الله وبركاته. الغاديات والرائحات. فقال له عبد الله بن عمر:
وعليك، ألفا. ثم كأنه كره.
ذلك
8 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه: إذا دخل البيت غير المسكون يقال: السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين.

(فاستتبعني) طلب مني أن أتبعه. (البيع) أي البائع. (السلع) جمع سلعة وهي البضاعة.
7 - (والغاديات والرائحات) معناه التي تغدو وتروح.
962

بسم الله الرحمن الرحيم
54 - كتاب الاستئذان
(1) باب الاستئذان
1 - حدثني مالك عن صوفان بن سليم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله
رجل فقال: يا رسول الله! أستأذن على أمي؟ فقال (نعم) قال الرجل: إني معها في البيت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (استأذن عليها) فقال الرجل: إني خادمها. فقال له رسول الله
(استأذن عليها. أتحب أن تراها عريانة؟) قال: لا. قال (فاستل أذن عليها).
قال أبو عمر: مرسل صحيح. ولا أعلمه يستند من وجه صحيح ولا صالح.
2 - وحدثني مالك، عن الثقة عنده، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد،
عن أبي سعيد الخدري، ع ن أبى موسى الأشعري، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الاستئذان
ثلاث. فإن أذن لك فادخل. وإلا فارجع).

(54 - كتاب الاستئذان)
(الاستئذان) طلب الإذن بالدخول المأمور به في قوله تعالى - لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا
و تسلموا على أهلها -. (إني معها في البيت) يريد أنهما ساكنان في بيت واحد. والله يقول - غير بيوتكم -
963

3 - وحدثني مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن غير واحد من علمائهم، أن أبا موسى
الأشعري جاء يستأذن على عمر بن الخطاب. فاستأذن ثلاثا ثم رجع. فأرسل عمر بن الخطاب
في اثره فقال: مالك لم تدخل؟ فقال أبو موسى: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (الاستئذان
ثلاث. فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع). فقال عمر: ومن يعلم هذا؟ لئن لم تأتني بمن
يعلم ذلك لأفعلن بك كذا وكذا. فخرج أبو موسى حتى جاء مجلسا في المسجد يقال له
مجلس الآن أر. فقال: إني أخبرت عمر بن الخطاب، أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
(الاستئذان ثلاث. فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع) فقال: لئن لم تأتني بمن يعلم هذا
لأفعلن بك كذا وكذا. فإن كان سمع ذلك أحد منكم فليقم معي. فقالوا لأبي سعيد
الخدري: قم معه. وكان أبو سعيد أصغرهم. فقام معه. فأخبر بذلك عمر بن الخطاب.
فقال عمر بن الخطاب لأبي موسى: أما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصله الشيخان من طريق عطاء بن أبي رباح، عن عبيد بن عمير.
فأخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 9 - باب الخروج في التجارة.
ومسلم في: 38 - كتاب الآداب، 7 - باب الاستئذان، حديث 36.

3 - (يتقول) يكذب.
964

(2) باب التشميت في العطاس
4 - حدثني عن عبد الله بن أبي بكر، عن أيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن
عطس فشمته. ثم إن عطس فشمته. ثم إن عطس فشمته. ثم إن عطس فقل: إنك مضنوك).
قال عبد الله بن أبي بكر: لا أدرى. أبعد الثالثة أو الرابعة؟
مرسل.
ولأبي داود عن أبي هريرة بمعناه في: 40 - كتاب الأدب، 92 - باب كم مرة يشمت العاطس.
5 - وحدثني مالك عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا عطس، فقيل له: يرحمك
الله. قاف: يرحمنا الله وإياكم، ويغفر لنا ولكم.
(3) باب ما جاء في الصور والتماثيل
6 - حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أن رافع بن إسحاق مولى الشفاء
أخبره، قال: دخلت أنا وعبد الله بن أبي طلحة على أبي سعيد الخدري نعوده. فقال لنا

4 - (فشمته) قال ثعلب: معناه أبعد الله عنك الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك. وقال ابن الأثير:
التشميت الدعاء بالخير والبركة. واشتقاقه من الشوامت وهي القوائم. كأنه دعا للعاطس بالثبات على طاعة الله
تعالى. وقيل: معناه أبعدك الله عن الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك. (مضنوك) أي مزكوم.
والضناك الزكام. يقال: أضنكه الله وأزكمه. قال ابن الأثير: والقياس مضنك ومزكم. ولكنه جاء على ضنك وزكم.
965

أبو سعيد: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تماثيل أو تصاوير)
شك إسحاق لا يدرى، أيتهما قال أبو سعيد.
قال ابن عبد البر: هذا أصح حديث في هذا الباب وأحسنه إسنادا. انتهى. قال الزرقاني: أي من أصحه وأحسنه.
7 - وحدثني مالك عن أبي النضر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أنه دخل
على أبي طلحة الأنصاري يعوده. قال فوجد عنده سهل بن حنيف. فدعا أبو طلحة إنسانا. فنزع
نمطا من تحته. فقال له سهل بن حنيف: لم تنزعه؟ قال: لان فيه تصاوير. وقد قال فيها
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد علمت. فقال سهل: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلا ما كان رقما في ثوب)؟
قال: بلى. ولكنه أطيب لنفسي.
لم يختلف رواة الموطأ في إسناد هذا الحديث ومتنه.
8 - وحدثني مالك عن نافع، عن القاسم بن محمد، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها
اشترت نمرقة فيها تصاوير. لما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام
على الباب فلم يدخل. فعرفت
في وجهه الكراهية. وقالت: يا رسول الله أتوب إلى الله. وإلى رسوله. فماذا أذنبت؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فما بال هذه النمرقة؟) قالت: اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة. يقال لهم: أحيوا

7 - (نمطا) ضرب من البسط له خمل رقيق. (رقما) أي نقشا ووشيا.
8 - (نمرقة) وسادة صغيرة. (تصاوير) أي تماثيل حيوان. (ما بال هذه النمرقة) أي ما شأنها
فيها تماثيل. (وتوسدها) بحذف إحدى التاءين. والأصل تتوسدها.
966

ما خلقتم) ثم قال:: (إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة).
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 40 - باب التجارة فيما يكره لبسه للرجل والنساء.
ومسلم في: 37 - كتاب اللباس والزينة، 26 - باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة،
حديث 96.
(4) باب ما جاء في أكل الضب
9 - حدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن سليمان
ابن يسار، أنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة بنت الحارث. فإذا ضباب فيها بيض.
ومعه عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد. فقال (من أين لكم هذا؟) فقالت: أهدته لي
أختي هزيلة بنتا لحارث. فقال لعبد الله بن عباس وخالد بن الوليد (كلا) فقالا: أو لا
تأكل أنت يا رسول الله؟ فقال (إني تحضرني من الله حاضرة) قالت ميمونة: أنسقيك
يا رسول الله من لبن عندنا؟ فقال (نعم) فلما شرب قال (من أين لكم هذا) فقالت: هدته لي أختي هزيلة. فقال رسول الله (أرأيتك جاريتك التي كنت استأمرتيني

9 - (ضباب) جمع ضب. قال في المصباح: الضب دابة تشبه الحرذون. وهي أنواع. فمنها ما هو على
قدر الحرذون، ومنها أكبر منه. ومنها دون العنز وهو أعظمها. ومن عجيب خلقته أن الذكر له زبان والأنثى
لها فرجان تبيض منهما!!! والجمع ضباب مثل سهم وسهام. وأضب أيضا، مثل فلس وأفلس. والأنثى ضبه.
وقال الزرقاني: هو حيوان بري كبير القد. قيل إنه لا يشرب الماء. وإن لحمه يذهب العطش. وإنه يعيش
سبعمائة سنة فأزيد ولا يسقط له سن. ويبول في كل أربعين يوما قطرة!!! (إني تحضرني من الله حاضرة)
قال ابن الأثير: أراد الملائكة الذين يحضرونه. و «حاضرة» صفة طائفة أو جماعة. (أرأيتك جاريتك)
أي
أخبريني عن شأن جاريتك. (استأمرتيني) أي استأذنتيني.
967

في عتقها. أعطيها أختك. وصلى بها رحمك ترعى عليها. فإنه خير لك).
مرسل. قال ابن عبد البر: وقد رواه بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن ميمونة.
10 - وحدثني مالك عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عبد الله بن
عباس، عن خالد بن الوليد بن المغيرة، أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة زوج
النبي. فأتي بضب محنوذ. فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده. فقال بعض النسوة
اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل منه. فقيل: هو ضب
يا رسول الله. فرفع يده. فقلت أحرام هو يا رسول الله؟ فقال (لا. ولكنه لم يكن
بأرض قومي، فأجدني أعافه. (قال خالد: فاجتررته فأكلته. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر.
هذا الحديث رواه البخاري عن خالد بن الوليد في: 72 - كتاب الذبائح والصيد، 33 - باب الضب.
ورواه مسلم عن ابن عباس في: 34 - كتاب الصيد والذبائح، 7 - باب إباحة الضب، حديث 43.
وانظر: الزرقاني ج 4 ص 193 طبعة المطبعة الكستلية عام 1280.
11 - وحدثني مالك عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رجلا نادى رسول
الله فقال: يا رسولا لله! ما ترى في الضب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لست بآكله ولا
بمحرمه).
هذا الحديث أخرجه الترمذي في: 23 - كتاب الأطعمة، 3 - باب ما جاء في أكل الضب.
(قال أبو عيسى) هذا حديث حسن صحيح.

10 - (محنوذ) مشوي بالحجارة المحماة. يقال: حنيذ ومحنوذ، كقتيل ومقتول. (فأهوى) أي مد
(أعافه) مضارع عفت الشئ. أي أجد نفسي تكرهه. (فاجتررته) أي جررته.
968

(5) باب ما جاء في أمر الكلاب
12 - حدثني مالك عن يزيد بن خصيفة تم السائب بن يزيد أخبره: انه سمع سفيان
ان أبى زهير وهو رجل من أزد شنوءة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث ناسا معه
عند باب المسجد فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من اقتنى كلبا لا يغنى عنه زرعا
ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط " قال: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: أي ورب هذا المسجد
أخرجه البخاري في: 41 - كتاب الحرث والمزارعة، 3 - باب اقتناء الكلب للحرث.
ومسلم في: 22 - كتاب المساقاة، 10 - باب الأمر بقتل الكلاب، حديث 61.
13 - وحدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من اقتنى
كلبا دلا كلبا ضاريا أو كلب ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان "
أخرجه البخاري في: 72 - كتاب الذبائح والصيد، 6 - باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية.
ومسلم في: 22 - كتاب المساقاة، 10 - باب الأمر بقتل الكلاب، حديث 50.
14 - وحدثني مالك عن نافع عن عبد الله عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر بقتل الكلاب
أخرجه البخاري في: 59 - كتاب بدء الخلق، 17 - باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم.
ومسلم في: 22 - كتاب المساقاة، 10 - باب الأمر بقتل الكلاب، حديث 43.

12 - (اقتني) افتعال من القنية، وهي الاتخاذ. أي من اتخذ. (لا يغني عنه) أي لا يحفظ له.
(ولا ضرعا) كناية عن المواشي. قال عياض: المراد بكلب الزرع يحفظه من الوحش بالليل والنهار،
لا الذي يحفظه من السارق. وكلب الماشية الذي يسرح معها، لا الذي يحفظها من السارق.
(إي) جواب بمعنى نعم. فيكون لتصديق الخبر.
13 - (ضاريا) أي معلما للصيد، معتادا له. (أو كلب ماشية) قال عياض: المراد به الذي يسرح
معها، لا الذي يحفظها من السارق.
969

(6) باب ما جاء في أمر الغنم
15 - حدثني مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (رأس الكفر نحو المشرق، والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل، والفدادين أهل
الوبر. والسكينة في أهل الغنم).
أخرجه البخاري في: 59 - كتاب بدء الخلق، 15 - باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال.
ومسلم في: 1 - كتاب الإيمان، 21 - باب تفاضل أهل الإيمان، حديث 85.
16 - وحدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن
أبيه، عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يوشك أن يكون خير مال
المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر. ويفر بدينه من الفتن).
أخرجه البخاري في: 59 - كتاب بدء الخلق، 15 - باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال.

15 - (رأس الكفر) أي منشؤه وابتداؤه. أو معظمه وشدته. (نحو المشرق) بالنصب. لأنه
ظرف مستقر، في محل رفع خبر المبتداء. قال الباجي: يحتمل أن يريد فارس، وأن يريد أهل نجد. وقال غيره:
المراد كفر النعمة لأن أكثر فتن الإسلام ظهرت من جهته. كفتنة الجمل وصفين والنهروان وقتل الحسين وقتل
مصعب بن الزبير وفتنة الجماجم. وإثارة الفتن وإراقة الدماء كفران نعمة الإسلام. (والفخر) أي ادعاء
العظمة والكبر والشرف. (والخيلاء) الكبر واحتقار الغير. (والفدادين) بدل من «أهل». جمع
فداد، وهو من يعلو صوته في إبله وخيله وحرثه ونحو ذلك. وقيل الفدادين الإبل الكبيرة من مائتين إلى ألف.
وقيل هم الجمالون والبقارون والحمارون والرعيان. وقال الخطابي: إنما ذم هؤلاء لاشتغالهم بمعالجة ما هم
فهي عن أمور دينهم. وذلك يفضي إلى قساوة القلب. وقال ابن فارس: هم أصحاب الحروث والمواشي.
(أهل الوبر) أي ليسوا من أهل المدر. لأن العرب تعبر عن أهل الحضر بأهل المدر، وعن أهل البادية
بأهل الوبر. (والسكينة) أي الطمأنينة والوقار والتواضع. قال ابن خالويه: لا نظير لها، أي في وزنها. إلا
قولهم: على فلان ضريبة، أي خراج معلوم.
16 - (يوشك) أي يقرب. (شعف الجبال) أي رؤوسها. (ومواقع القطر) القطر هو المطر.
أي بطون الأودية والصحاري إذ هما مواضع الرعي. (يفر بدينه) أي بسببه من الناس. أو مع دينه.
970

17 - وحدثني مالك عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يحتلبن أحد
ماشية أحد بغير إذنه لا أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته، فتكسر خزانته. فينتقل طعامه؟
وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم. فلا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه).
أخرجه البخاري في: 45 - كتاب اللقطة، 8 - باب لا تحتلب ماشية أحد بغير إذنه.
ومسلم في: 31 - كتاب اللقطة، 2 - باب تحريم حلب الماشية بغير إذن مالكها، حديث 13.
18 - وحدثني مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما من نبي إلا قد رعى غنما،
قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال (وأنا).
هذا البلاغ مما صح موصولا عن عبد الرحمن بن عوف، وجابر، وأبي هريرة.
وعن أبي هريرة أخرجه البخاري في: 37 - كتاب الإجارة، 2 - باب رعى الغنم على قراريط.
(7) باب ما جاء في الفأرة تقع في السمن. والبدء بالأكل قبل الصلاة
19 - وحدثني مالك عن نافع، أن ابن عمر كان يقرب إليه عشاؤه. فيسمع قراءة الإمام
وهو في بيته. فلا يعجل عن طعامه حتى يقضى حاجته منه.
20 - وحدثني مالك عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن

17 - (ماشية) قال في النهاية: الماشية تقع على الإبل والبقر والغنم. ولكنه في الغنم أكثر. (مشربته)
أي غرفته. (خزانته) مكانه أو وعاؤه الذي يخزن فيه ما يريد حفظه. (ضروع) جمع ضرع. وهو
للبهيمة كالثدي للمرأة. (أطعماتهم) جمع أطعمة وهي جمع طعام. والمراد هنا اللبن. فشبه ضروع المواشي
في ضبطها الألبان على أربابها، بالخزانة التي تحفظ ما أودعته من متاع وغيره.
971

عبد الله بن عباس، عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تقع
في السمن فقال (انزعوها. وما حولها فاطرحوه).
أخرجه البخاري في: 72 - كتاب الذبائح والصيد، 34 - باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب.
(8) باب ما يتقى من الشؤم
21 - وحدثني مالك عن أبي حازن بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (إن كان، ففي الفرس والمرأة والمسكن) يعنى الشؤم.
أخرجه البخاري في: 56 - كتاب الجهاد والسير، 47 - باب ما بذكر من شؤم الفرس.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم، حديث 119.
22 - وحدثني مالك عن ابن شهاب، عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر، عن عبد الله
ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الشؤم في الدار والمرأة والفرس).
أخرجه البخاري في: 67 - كتاب النكاح، 17 - باب ما يتقى من شؤم المرأة.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل وما يكون فيه الشؤم، حديث 115.
23 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، أنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت: يا رسول الله! دار سكناها والعدد كثير والمال وافر، فقل العدد وذهب المال.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعوها ذميمة).
قال ابن عبد البر: هذا حديث محفوظ عن أنس وغيره.
وعن أنس أخرجه أبو داود في: 27 - كتاب الطب، 24 - باب في الطيرة.

23 - (ذميمة) قال ابن عبد البر: أي مذمومة. يقول دعوها وأنتم لها ذامون وكارهون لما وقع في
نفوسكم من شؤمها.
972

(9) باب ما يكره من الأسماء
24 - حدثني مالك عن يحيى بن سعيد، أن رسول الله قال للقحة تحلب (من يحلب
هذه؟) فقام رجل. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما اسمك؟) فقال له الرجل: مرة. فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم (اجلس) ثم قال (من سحلب هذه؟) فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
(ما اسمك؟) فقال: حرب. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (اجلس) ثم قال (من يحلب هذه؟)
فقام رجل. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما اسمك) فقال: يعيش. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
(احلب).
مرسل أو معضل. وصله ابن عبد البر من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن عبد الرحمن
ابن جبير، عن يعيش الغفاري.
25 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، أن عمر بن الخطاب قال لرجل: ما اسمك؟
فقال: جمرة. فقال: ابن من؟ فقال: ابن شهاب. قال: ممن؟ قال: من الحرقة. قال: أين
مسكنك؟ قال: بحرة النار. قال: بأيها لا؟ قال: بذات لظى. قال عمر، أدرك أهلك فقد
احترقوا. قال فكان كما قال عمر بن الخطاب (ر).
منقطع. وصله أبو القاسم بن بشران في فوائده من طريق موسى بن عقبة عن نافع، عن ابن عمر.

24 - (لقحة) بكسر اللام وتفتح. ناقة ذات لبن.
973

(10) باب ما جاء في الحجامة وأجرة الحجام
26 - حدثني مالك عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، أنه قال: تحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حجمه أبو طيبة. فامر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر. وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه.
أخرجه البخاري في: 34 - كتاب البيوع، 39 - باب ذكر الحجام.
27 - وحدثني مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن كان دواء يبلغ الداء، فإن
الحجامة تبلغه).
هذا البلاغ مما صح بمعناه عن أبي هريرة وأنس وسمرة بن جندب.
28 - وحدثني مالك عن ابن شهاب، عن ابن محيصة الأنصاري أحد بنى حارثة، أنه
استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فنهاه عنها فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال
(اعلفه نضاحك). يعنى رقيقك.
قال ابن عبد البر: كذا رواه يحيى وابن القاسم. وهو غلط لا إشكال فيه على أحد من العلماء. وليس
لسعد بن محيصة صحبة. فكيف لابنه حرام؟
ولا خلاف أن الذي روى عنه الزهري هذا الحديث هو حرام بن سعد بن محصية.
وأخرجه الترمذي عن ابن محيصة عن أبيه في: 12 - كتاب البيوع، 47 - باب ما جاء في كسب الحجام.
وابن ماجة عن حرام بن محيصة عن أبيه في: 12 - كتاب التجارات، 10 - باب كسب الحجام.

26 - (من خراجه) ما يقرره السيد على عبده أن يؤديه إليه كل يوم أو شهر أو نحو ذلك.
27 - (تبلغه) أي تصل إليه.
28 - (نضاحك) جمع ناضح. قال ابن الأثير: هكذا جاء. وفسره بعضهم بالرقيق الذين يكونون في الإبل.
فالغلمان نضاح والإبل نواضح. والناضح هو الجمل الذي يستقى عليه الماء. وفي رواية «ناضحك» بالإفراد.
974

(11) باب ما جاء في المشرق
29 - حدثني مالك عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق ويقول (ها. إن الفتنة ههنا. إن الفتنة ههنا. من حيث يطلع
قرن الشيطان).
أخرجه البخاري في: 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده.
ومسلم في: 25 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 16 - باب الفتنة في المشرق من حيث يطلع
قرنا الشيطان حديث 45 - 49.
30 - وحدثني مالك، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أراد الخروج إلى العراق. فقال له
كعب الأحبار: لا تخرج إليها يا أمير المؤمنين. فإن بها تسعة أعشار السحر. وبها فسقة
الجن. وبها الداء العضال.
(12) باب ما جاء في قتل الحيات وما يقال في ذلك
31 - حدثني مالك عن نافع، عن أبي لبابة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات
التب في البيوت.

29 - (الفتنة) المحنة والعقاب والشدة وكل مكروه، وآيل إليه. كالكفر والإثم والفضيحة والفجور
والمصيبة وغيرها من المكروهات. (قرن الشيطان) أي حزبه وأهل وقته وزمانه وأعوانه. ونسب الطلوع
لقرنه مع أن الطلوع للشمس، لكونه مقارنا لها.
30 - (الداء العضال) هو الذي يعيي الأطباء أمره.
975

32 - وحدثني مالك عن نافع، عن سائبة، مولاة لعائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن
قتل الجنان التي في البيوت إلا ذا الطفيتين والأبتر. فإنها يخطفان البصر ويطرحان ما في
بطون النساء
مرسل. وهو موصول في الصحيحين بنحوه من حديث ابن عمر وعائشة وأبي لبابة.
فأخرجه البخاري عن ابن عمر وأبي لبابة في: 59 - كتاب بدء الخلق، 15 - باب خير مال المسلم غنم
يتبع بها شعف الجبال.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 37 - باب قتل الحيات وغيرها، حديث 128 - 134.
33 - وحدثني مالك عن صيفي مولى ابن أفلح، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة،
أنه قال: دخلت على أبي سعيد الخدري. فوجدته يصلى. فجلست أنتظره حتى قضى صلاته.
فسمعت تحريكا تحت سرير في بيته. فإذا حية. فقمت لأقتلها. فأشار أبو سعيد أن اجلس.
فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار. فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم. قال: إنه أتاه الفتى
يستأذنه وفقال: يا رسول الله ائذن لي أحدث بأهلي عهدا. فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال
(خذ عليك سلاحك. فإني أخشى عليك بنى قرظة) فانطلق الفتى إلى أهله. فوجد امرأته
قائمة بين البابين. فأهوى إليها بالرمح ليطعنها. وأدركته غيرة. فقالت: لا تعجل حتى

32 - (الجنان) جمع جان وهي الحية الصغيرة. وقيل الرقيقة الخفيفة. وقيل الرقيقة البيضاء.
وقيل ما لا يتعرض لأذية الناس. (ذا الطفيتين) تثنية طفية. وهي خوصة المقل. شبه
به الخطين اللذين على ظهر الحية. وقال ابن عبد البر: يقال إن ذا الطفيتين جنس من الحيات يكون على ظهره
خطان أبيضان. (والأبتر) مقطوع الذنب. أو الحية الصغيرة الذنب. وقال الداودي. هو الأفعى التي قدر
شبر أو أكثر قليلا. (يخطفان البصر) أي يمحوان نوره. (ويطرحان ما في بطون النساء) من الحمل.
33 - (بأهلي) أي امرأتي. (فأهوى) مد يده.
976

تدخل وتنظر ما في بيتك. فدخل فإذا هو بحية منطوية على فراشه. فركز فيها رمحه. ثم
خرج بها فنصبه في الدار. فاضطربت الحية في رأس الرحم. وخر الفتى ميتا. فما يدرى أيهما
كان أسرع موتا. الفتى أم الحية؟ فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (إن بالمدينة جنا
قد أسلموا. فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام. فإن بدا لكن بعد ذلك فاقتلوه. فإنما
هو شيطان)،
أخرجه مسلم في: 39 - كتاب السلام، 37 - باب قتل الحيات وغيرها، حديث 129.
(13) باب ما يؤمر به من الكلام في السفر
34 - حدثني مالك، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع رجله في الغرز وهو
يريد السفر يقول (باسم الله. اللهم أنت الصاحب في لا لسفر. والخليفة في الأهل. اللهم
ازو لنا الأرض وهون علينا السفر. اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر. ومن كآبة المنقلب
ومن سوء المنظر في المال والأهل).
هذا البلاغ مما صح عن عبد الله بن سرجس وابن عمر وأبي هريرة وغيرهم.
فأخرجه مسلم عن ابن عمر في: 15 - كتاب الحج د 75 - باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره،
حديث 425.

34 - (الغرز) هو الركاب. (اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل) قال الباجي: يعني
أنه لا يخلو مكان من أمره وحكمه. فيصحب المسافر في سفره بأن يسلمه ويعينه ويوفقه. ويخلفه في أهله
بأن يرزقهم ويعصمهم. فلا حكم لأحد في الأرض ولا في السماء غيره. (ازو) اطو. (وعثاء) شدة
وخشونة. (كآبة) أي حزن. (المنقلب) بأن يقلب الرجل وينصرف من سفره إلى أمر يحزنه
ويكتئب منه. (ومن سوء المنظر في المال والأهل) هو كل ما يسوء النظر إليه وسماعه فيهما.
977

وحدثني مالك عن الثقة عنده، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد،
عن سعد بن أبي وقاص، عن خولة بنت حيكم، أن رسول الله (ص (قال (من نزل منزلا
فليقل: أعوذ بكلمات من شرما خلق. فإنه لن يضره شئ حتى يرتحل).
أخرجه مسلم في: 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 16 - باب التعوذ من سوء القضاء
ودرك الشقاء وغيره، حديث 54 و 55.
(14) باب ما جاء في الوحدة في السفر للرجال والنساء
35 - حدثني مالك عن عبد الرحمن بن حرملة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن
جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الراكب شيطان. والراكبان شيطانان. والثلاثة ركب).
أخرجه أبو داود في: 15 - كتاب الجهاد، 79 - باب في الرجل يسافر وحده.
والترمذي في: 21 - كتاب الجهاد، 4 - باب ما جاء في كراهية أن يسافر الرجل وحده.
36 - وحدثني مالك عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول:
قال رسول لله صلى الله عليه وسلم (الشيطان يهم بالواحد والاثنين. فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم).
قال أبو عمر: مرسل باتفاق رواة الموطأ.
ووصله قاسم بن أصبغ من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن
المسبب، عن أبي هريرة.

(من نزل منزلا) مظنة للهوام والحشرات ونحوها مما يؤذي، ولو في غير سفر. (أعوذ) أعتصم.
(التامات) التي لا يعتريها نقص ولا خلل.
35 - (الراكب) أي الواحد. (شيطان) أي بعيد عن الخير في الأنس والرفق. وهذا أصل الكلمة
لغة. يقال بئر شطون أي بعيدة. وقال ابن قتيبة: بمعنى أن الشيطان يطمع في الواحد كما يطمع فيه اللص
والسبع. (والراكبان شيطانان) لأن كلا منهما متعرض لذلك، سميا بذلك لأن كل واحد من القبيلين يسلك سبيل
الشيطان في اختياره الوحدة في السفر. (والثلاثة ركب) لزوال الوحشة وحصول الأنس وانقطاع الأطماع عنهم.
36 - (يهم بالواحد والاثنين) أي باغتياله والتسلط عليه، أو بغيه وصرفه عن الحق وإغوائه بالباطل.
978

37 - وحدثني مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر. تسافر مسيرة يوم وليلة. إلا مع ذي محرم منها).
أخرجه البخاري في: 18 - كتاب تقصير الصلاة، 4 - باب في كم يقصر الصلاة.
ومسلم في: 25 - كتاب الحج، 74 - باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، حديث 421.
(15) باب ما يؤمر به من العمل في السفر
38 - حدثني مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك، عن خالد بن معدان، يرفعه
(إن الله تبارك وتعالى رفيق يحب الرفق، ويرضى به. ويعين عليه ما لا يعين على العنف.
فإذا ركبتم هذا الدواب العجم. فأنزلوها منازلها. ف إن كانت الأرض جدبة فانجوا عليها
بنقيها. وعليكم بسير الليل. فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار. وإياكم
والتعريس على الطريق. فإنها طرق الدواب ومأوى الحيات).
قال ابن عبد البر: هذا الحديث مسند من وجوه كثيرة. وهي أحاديث شتى محفوظة.
فأخرجه مسلم عن أبي هريرة في: 33 - كتاب الإمارة، 54 - باب مراعاة مصلحة الدواب في السير، حديث 178.

(ذي محرم منها) أي حرام منها بنسب أو صهر أو رضاع.
38 - (رفيق) أي لطيف بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر. (الرفق) لين الجانب بالقول
والفعل، والأخذ بأيسر الوجوه وأحسنها. أي يحب أن يرفق بعضكم ببعض. (ويرضى به) أي يثيب فاعله.
(العنف) الشدة والمشقة. (العجم) جمع عجماء، وهي البهيمة. سميت بذلك لأنها لا تتكلم.
(منازلها)
جمع منزل وهي المواضع التي اعتيد النزول منها. (فانجوا عليها) أي أسرعوا. والنجا، بالمد والقصر: السرعة.
أي اطلبوا النجا من تلك الأرض بسرعة السير عليها ما دامت بنقيها أو شحمها. فإنكم إن أبطأتم عليها في
أرض جدبة، ضعفت وهزلت. (التعريس) النزول آخر الليل لنحو نوم.
979

39 - وحدثني مالك عن سمى مولى أبى بكر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (السفر قطعة من العذاب. يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه. فإذا
قضى أحدكم نهمته من وجهه، فليعجل إلى أهله).
أخرجه البخاري في: كتاب العمرة، 19 - باب السفر قطعة من العذاب.
ومسلم في: 33 - كتاب الإمارة، 55 - باب السفر قطعة من العذاب، حديث 179.
(16) باب الأمر بالرفق بالمملوك
40 - حدثني مالك، أنه بلغه أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (للمملوك طعامه
وكسوته بالمعروف. ولا يكلف من العلم إلا ما يطيق).
أخرجه مسلم في: 27 - كتاب الأيمان، 10 - باب إطعام المملوك مما يأكل، وإلباسه مما يلبس ولا
يكلفه ما يغلبه، حديث 41.
41 - وحدثني مالك أنه بلغه، ان عمر بن الخطاب كان يذهب إلى العوالي كل يوم
سبت. فإذا وجد عبا في عمل لا يطيقه، وضع عنه منه.

39 - (نهمته) أي حاجته. (فليعجل) أي الرجوع.
40 - (للمملوك) الرقيق. ذكرا كان أو أنثى. (بالمعروف) أي بلا إسراف ولا تقتير. (إلا
ما يطيق) أي لا يكلفه إلا جنس ما يقدر عليه. أي ما يطيق الدوام عليه.
41 - (العوالي) القري المجتمعة حول المدينة.
980

42 - وحدثني مالك عن عمه أبى سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه سمع عثمان بن عفان
وهو يخطب، وهو يقول: لا تكلفوا الأمة، غير ذات الصنعة، الكسب. فإنكم متى
كلفتموها ذلك، كسبت بفرجها. ولا تكلفوا الصغير الكسب. فإنه إذا لم يجد سرق.
وعفوا إذا أعفكم الله. وعليكم، من المطاعم، بما طاب منها.
(17) باب ما جاء في المملوك وهبته
43 - حدثني مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (العبد.
إذا نصح لسيده. وأحسن عبادة الله. فله أجره مرتين).
أخرجه البخاري في: 39 - كتاب العتق، 16 - باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده.
ومسلم في: 27 - كتاب الأيمان، 11 - باب ثواب العبد وأجره إذا نصح لسيده، حديث 43.
44 - وحدثني مالك أنه بلغه، أن أمة كانت لعبد الله بن عمر الخطاب. رآها عمر
ابن الخطاب وقد تهيأت بهيئة الحرائر. فدخل على ابنته حفصة. فقال: ألم أر جارية أخيك
تجوس الناس، وقد تهيأت بهيئة الحرائر؟ وأنكر ذلك عمر.

42 - (كسبت بفرجها) أي زنت. (وعفوا) أي تنزهوا واستغنوا عن تكليف الأمة والصغير
المذكورين. (إذ أعفكم الله) أي أغناكم عن ذلك بما فتحه عليكم ووسعه من الرزق. (بما طاب)
أي بما حل.
44 - (تجوس الناس) أي تتخطاهم وتختلف عليهم. (تهيأت) تمثلت وتصورت.
981

بسم الله الرحمن الرحيم
55 - كتاب البيعة
(1) باب ما جاء في البيعة
1 - حدثني مالك عن عبد الله بن دينار، أن عبد الله بن عمر قال: كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، يقول لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيما استطعتم).
أخرجه البخاري في: 93 - كتاب الأحكام، 43 - باب كيف يبايع الإمام الناس.
ومسلم في: 33 - كتاب الإمارة، 22 - باب البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع، حديث 90.
2 - وحدثني مالك عن محمد بن المنكدر، عن أميمة بنت رقيقة، انها قالت: أتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة بايعنه على الاسلام. فقلن: يا رسول الله! نبايعك على أن لا نشرك
بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا
وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيما استطعتن وأطقتن) قالت
فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا. هلم نبايعك يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

(55 - كتاب البيعة)
1 - (على السمع) للأوامر والنواهي. (والطاعة) لله تعالى ورسوله ولولاة الأمور.
2 - (بهتان) أي بكذب يبهت سامعه، أي يدهشه لفظاعته. كالرمي بالزنا والفضيحة والعار.
(نفتريه) نختلقه. (بين أيدينا وأرجلنا) أي من قبل أنفسنا. فكني بالأيدي والأرجل عن الذات.
لأن معظم الأفعال بهما. أو أن البهتان ناشئ عما يختلقه القلب الذي هو بين الأيدي والأرجل ثم يبرزه بلسانه.
أو المعنى لا نبهت الناس بالمعايب كفاحا مواجهة. (علم نبايعك يا رسول الله) أي مصافحة باليد، كما يصافح
الرجال عند البيعة.
982

(إني لا أصافح النساء. إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة. أو مثل قوله لامرأة
واحدة).
أخرجه الترمذي في: 19 - كتاب السير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، 37 - باب ما جاء في بيعة النساء.
(قال أبو عيسى) هذا حديث حسن صحيح.
والنسائي في: 19 - كتاب البيعة، 18 - باب بيعة النساء.
3 - وحدثني مالك عن عبد الله بن دينار، أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك
ابن مروان يبايعه. فكتب إليه: بسم الله الرحمن الريح. أما بعد. لعبد الله عبد الملك
أمير المؤمنين سلام عليك. فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. وأقر لك بالسمع
والطاعة. على سنة الله وسنة رسوله. فيما استطعت.

3 - (فإني أحمد الله إليك) أي أنهي إليك حمد الله.
983

بسم الله الرحمن الرحيم
56 - كتاب الكلام
(1) باب ما يكره من الكلام
1 - حدثني مالك عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما).
أخرجه البخاري في: 78 - كتاب الأدب، 13 - باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال.
2 - وحدثني مالك عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (إذا سمعت الرجل يقول: هلك الناس. فهو أهلكهم).
أخرجه مسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 41 - باب النهى عن قول (هلك الناس) / حديث 139.
3 - وحدثني مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (لا يقل أحدكم: يا خيبة الدهر. فإن الله هو الدهر).
أخرجه البخاري في: 78 - كتاب الأدب، 101 - باب لا تسبوا الدهر.
ومسلم في 40 - كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، 1 - باب النهى عن سب الدهر، حديث 4.

(56 - كتاب الكلام)
1 - (فقد باء بها) أي رجع بها. أي بكلمة الكفر.
2 - (هلك الناس) إعجابا بنفسه وتيها بعلمه أو عبادته، واحتقارا للناس. (فهو أهلكهم) أي
أشدهم هلاكا لما يلحقه من الإثم في ذلك القول. أو أقربهم إلى الهلاك لذمه للناس وذكر عيوبهم وتكبره.
3 - (يا خيبة الدهر) الخيبة هي الحرمان والخسران. (فإن الله هو الدهر) أي المدبر للأمور، الفاعل
ما تنسبونه إلى الدهر من جلب الحوادث ودفعها.
984

4 - وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد، أن عيسى بن مريم لقي خنزيرا بالطريق.
فقال له: انفذ بسلام فقيل له: تقول هذا لخنزير؟ فقال عيسى: إني أخاف أن أعود لساني
النطق بالسوء.
(2) باب ما يؤمر به من التحفظ في الكلام
5 - حدثني مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن بلال بن الحارث المزني،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله. ما كان يظن أن تبلغ
ما يلغت. يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من
سخط الله. ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت. يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه).
روى بما يقاربه، مرفوعا عن أبي هريرة.
أخرجه البخاري في: 81 - كتاب الرقاق، 23 - باب حفظ اللسان.
ومسلم في: 53 - كتاب الزهد والرقاق، 6 - باب التكلم بالكلمة يهوى بها في النار، حديث 49 و 50.
6 - وحدثني مالك عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح السمان، أنه أخبره: أن أبا هريرة
قال: إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقى لها بالا يهوى بها في نار جهنم. وإن الرجل ليتكلم

4 - (انفذ) أي امض واذهب. (بسلام) أي سلامة مني فلا أوذيك.
5 - (من رضوان الله) أي كلام فيه رضاه تعالى. (من سخط الله) مصدر بمعنى اسم الفاعل أي من
الكلام المسخط أي المغضب لله الموجب عقابه.
6 - (لا يلقى لها بالا) أي لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن أنها تؤثر شيئا. (يهوي)
أي ينزل فيها ساقطا.
985

بالكلمة ما يلقى لها بالا يرفعه الله بها في الجنة.
هذا موقوف.
وقد رواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا.
أخرجه البخاري في: 81 - كتاب الرقاق، 23 - باب حفظ اللسان.
(3) باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله
7 - حدثني مالك عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر، أنه قلال: قدم رجلان من
المشرق فخطبا. فعجب الناس لبيانهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن من البيان لسحرا) أو قال
(إن بعض البيان لسحر).
أخرجه البخاري في: 76 - كتاب الطب، 51 - باب من البيان سحرا.
8 - وحدثني مالك، أنه بلغه: أن عيسى بن مريم كان يقول: لا تكثروا
الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم. فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون. ولا
تنظروا في دنوب الناس كأنكم أرباب. وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد. فإنما الناس
مبتلى ومعافى. فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية.
مرسل. وقد وصله العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه عن أبي هريرة,
أخرجه مسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 20 - باب تحريم الغيبة، حديث 70.

7 - (إن من البيان لسحرا) يعني أن منه لنوعا يحل من العقول والقلوب في التمويه محل السحر. فإن
الساحر بسحره يزين الباطل في عين المسحور حتى يراه حقا. فكذا المتكلم بمهارته في البيان وتقلبه في البلاغة
وترصيف النظم، يسلب عقل السامع ويشغله عن التفكر فيه والتدبر. حتى يخيل إليه الباطل حقا والحق باطلا.
فتستمال به القلوب كما تستمال بالسحر.
8 - (مبتلى ومعافى) أي مبتلى بالذنوب ومعافى منها.
986

9 - وحدثني مالك، أنه بلغه: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت ترسل إلى بعض أهلها
بعد العتمة فتقول: ألا تريحون الكتاب؟
(4) باب ما جاء في الغيبة
10 - حدثني مالك عن الوليد بن عبد الله بن صياد، أن المطلب بن عبد الله بن حنطب
المخزومي أخبره: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الغيبة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن تذكر
من المرء ما يكره أن يسمع) قال: يا رسول الله وإن كان حقا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا
قلت باطلا فذلك البهتان).
(5) باب ما جاء فيما يخاف من اللسان
11 - حدثني مالك عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
(من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة) فقال رجل: يا رسول الله لا تخبرنا. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مثل مقالته الأولى. فقال له الرجل: لا تخبرنا يا رسول الله.
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أيضا. فقال الرجل: لا تخبرنا يا رسول الله

9 - (العتمة) العشاء. (ألا تريحون الكتاب) أي الملائكة الكرام من كتب الكلام الذي
لا ثواب فيه.
10 - (ما الغيبة) أي ما حقيقتها التي نهينا عنها بقوله: ولا يغتب بعضكم بعضا. (البهتان) أي
الكذب. يقال: بهت فلانا أي كذب عليه. فبهت أي تحير. وبهت الذي كفر قطعت حجته فتحير.
والبهتان الباطل الذي يتحير فيه.
11 - (ولج) أي دخل.
987

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أيضا. ثم ذهب الرجل يقول مثل مقالته الأولى
فأسكته رجل إلى جنبه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما وقاه الله شر اثنين ولج الجنة. ما بين
لحييه وما بين رجليه. ما بين لحييه ومال بين رجليه. ما بين لحييه وما بين رجليه).
قال أبو عمر: مرسل بلا خلاف أعلمه عن مالك.
ورواه البخاري موصولا عن سهل بن سعد في: 81 - كتاب الرقاق، 23 - باب حفظ اللسان.
(6) باب ما جاء في مناجاة اثنين دون واحد
12 - وحدثني مالك عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن امر بن الخطاب دخل على أبي بكر
الصديق وهو يجبذ لسانه. فقال له عمر: مه. غفر الله لك. فقال أبو بكر: إن هذا
أوردني الموارد.
13 - حدثني مالك عن عبد الله بن دينار، قال: كنت أنا وعبد الله بن عمر عند دار خالد
ابن عقبة التي بالسوق. فجاء رجل يريد أن يناجيه. وليس مع عبد الله بن عمر أحد غيري،
وغير الرجل الذي يريد أن يناجيه. فدعا عبد الله بن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة. فقال لي
وللرجل الذي دعاه: استأخرا شيئا. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا يتناجى اثنان دون واحد).

(لحييه) هما العظمان في جانب الفم. وما بينهما هو اللسان. (وما بين رجليه) فرجه، لم يصرح به
استهجانا له واستحياء.
12 - (يجبذ) جبذ الشئ مثل جذبه. مقلوب منه. (مه) اكفف.
13 - (حتى كنا) أي صرنا.
988

14 - وحدثني مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا كان
ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون واحد).
أخرجه البخاري في: 79 - كتاب الاستئذان، 45 - باب لا يتناجى اثنان دون الثالث.
ومسلم في: 39 - كتاب السلام، 15 - باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه،
حديث 36.
(7) باب ما جاء في الصدق والكذب
15 - حدثني مالك عن صفوان بن سليم، أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أكذب
امرأتي يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا خير في الكذب) فقال الرجل: يا رسول الله!
أعدها وأقول لها؟ فقال رسول الله وصلى الله عليه وسلم (لا خير في الكذب) فقال الرجل: يا رسول الله!
أعدها وأقوال لها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا جناح عليك).
مرسل. قال أبو عمر: لا أحفظه مسندا بوجه من الوجوه.
16 - وحدثني مالك، أنه بلغه: أن عبد الله بن مسعود كان يقول: عليكم بالصدق
فإن الصدق يهدى إلى البر. والبر يهدى إلى الجنة. وإياكم والكذب. فإن الكذب يهدى
إلى الفجور. والفجور يهدى إلى النار. ألا النار ألا ترى أنه يقال: صدق وبر. وكذب وفجر
وصله البخاري في: 78 - كتاب الأدب، 69 - باب قول الله تعالى، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا
مع الصادقين.
ومسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 29 - باب قبح الكذب وحسن الصدق
وفضله، حديث 103 - 105.

15 - (أكذب) بحذف همزة الاستفهام. (أعدها) بتقدير همزة الاستفهام.
16 - (يهدي) أي يوصل صاحبه. (إلى البر) أي العمل الصالح الخالص. والبر اسم جامع للخير.
(إلى الفجور) أي يوصل إلى الميل عن الاستقامة والانبعاث في المعاصي. وهو اسم جامع لكل شر.
989

17 - وحدثني مالك، أنه بلغه أنه قيل للقمان: ما بلغ بك ما نرى؟ يريدون الفضل.
فقال لقمان: صدق الحديث وأداء الأمانة. وترك مالا يعنيني.
18 - وحدثني مالك، أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول: لا يزال العبد
يكذب وتنكت في قبله نكتة سوداء، حتى يسود قبله كله. فيكتب عند الله من الكاذبين.
19 - وحدثني مالك عن صفوان بن سليم، أنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون
المؤمن بخيلا؟ فقال (نعم) فقيل له:
أيكون المؤمن كذابا؟ فقال (لا).
مرسل أو معضل. قال أبو عمر: لا أحفظه مسندا من وجه ثابت. وهو حديث حسن مرسل.
(8) باب ما جاء في إضاعة المال وذي الوجهين
20 - حدثني مالك عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (إن الله يرضى لكم ثلاثا. ويسخط لكم ثلاثا. يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا
به شيئا. وأن تعتصموا بحبل الله جميعا. وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم. ويسخط لكم
قيل وقال. وإضاعة المال. كثرة السؤال.
أخرجه مسلم في: 30 - كتاب الأقضية، 5 - باب النهى عن كثرة المسائل من غير حاجة، حديث 10.

20 - (تعتصموا) تتمسكوا. (قيل وقال) قال مالك: هو الإكثار من الكلام نحو قول الناس
قال فلان وفعل فلان، والخوض فيما لا ينبغي. فهما مصدران أريد بهما المقاولة والخوض في أخبار الناس. وقيل
فعلان ماضيان. (وإضاعة المال) بصرفه في غير وجوهه الشرعية وتعريضه للتلف. (وكثرة السؤال)
قال أبو عمر: معناه عند أكثر العلماء التكثير من المسائل النوازل والأغلوطات.
990

21 - وحدثني مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله (ص) قال (من شر الناس ذو الوجهين. الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه).
أخرجه مسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 26 - باب ذم الوجهين وتحريم فعله، حديث 98.
وفي الصحيحين من طريق عراك بن مالك عن أبي هريرة.
أخرجه البخاري في: 93 - كتاب الأحكام، 27 - باب ما يكره من ثناء السلطان، وإذا خرج قال غير ذلك.
ومسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 26 - باب ذم ذي الوجهين وتحريم فعله، حديث 99.
(9) باب ما جاء في عذاب العامة بعمل الخاصة
22 - حدثني مالك، أنه بلغه: أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله
أنهلك وفينا الصالحون؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم. إذا كثر الخبث).
قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا يعرف لأم سلمة إلا من وجه ليس بالقوى.
وإنما هو معروف لزينب بنت جحش وهو مشهور محفوظ.
أخرجه البخاري في: 60 - كتاب الأنبياء، 7 - باب قصة يأجوج ومأجوج.
ومسلم في: 52 - كتاب الفتن، 1 - باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج، حديث 1.
23 - وحدثني مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم، أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول:
كان يقال: إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة. ولكن إذا عمل المنكر
جهاز استحقوا العقوبة كلهم.

22 - (الخبث) الفسوق والشر.
991

(10) باب ما جاء في التقى
24 - حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، قال:
سمعت عمر بن الخطاب، وخرجت معه حتى دخل حائطا فسمعته وهو يقول، وبيني وبينه
جدار، وهو في جوف الحائط: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ بخ. والله لتتقين الله
أو ليعذبنك.
25 - قال مالك: وبلغني أن القاسم بن محمد كان يقول: أدرك الناس وما يعجبون
بالقول. قال مالك: يريد، بذلك، العمل. إنما ينظر إلى عمله ولا ينظر إلى قوله.
(11) باب القول إذا سمعت الرعد
26 - حدثني مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير، أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث
وقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته. ثم يقول: إن هذا لوعيد،
لأهل الأرض شديد.

24 - (حائطا) أي بستانا. (بخ. بخ) كلمة تقال عند الرضا والإعجاب بالشئ. أو الفخر والمدح.
992

(12) باب ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم
27 - حدثني مالك عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين، أن
أزواج النبي، حين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر
الصديق. فيسألنه ميراثهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت لهن عائشة، أليس قد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم (لا نورث. ما تركنا فهو صدقه).
أخرجه البخاري في: 85 - كتاب الفرائض، 3 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا نورث. ما تركنا صدقة)
ومسلم في: 32 - كتاب الجهاد والسير، 16 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا نورث. ما تركنا فهو
صدقة)، حديث 51.
28 - وحدثني مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (لا يقتسم ورثتي دنانير. ما تركت، بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي، فهو صدقة).
أخرجه البخاري في: 85 - كتاب الفرائض، 3 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا نورث. ما تركنا صدقة)
ومسلم في، 32 - كتاب الجهاد والسير، 16 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا نورث. ما تركنا فهو
صدقة) حديث 55.

(12 - باب ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم)
(تركة) وتركة. مثل كلمة وكلمة ما خلفه الميت.
993

بسم الله الرحمن الرحيم
57 - كتاب جهنم
(1) باب ما جاء في صفة جهنم
1 - حدثني مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (نار بني آدم، التي يوقدون، جزء من سبعين جزأ من نار جهنم) فقالوا: يا رسول الله
إن كانت لكافية. قال (إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزأ).
أخرجه البخاري في: 59 - كتاب بدء الخلق، 10 - باب صفة النار وأنها مخلوقة.
ومسلم في: 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 12 - باب في شدة حر جهنم، حديث 30.
2 - وحدثني مالك عن عمه أبى سهيل بن مالك، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنه قال:
أترونها حمراء كناركم هذه؟ لهى أسود من القار. والقار الزفت.
قال الباجي: مثل هذا لا يعلمه أبو هريرة إلا بتوقيف. يعني لأنه إخبار عن مغيب. فحكمه الرفع اه‍
زرقاني.
994

بسم الله الرحمن الرحيم
58 - كتاب الصدقة
(1) باب الترغيب في الصدقة
1 - حدثني مالك، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الحباب سعيد بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال (من تصدق بصدقه من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا طيبا، كان إنما يضعفها في كف
الرحمن. يربيها كما يربى أحدكم فلوه أو فصيله. حتى تكون مثل الجبل).
مرسل عند يحيى وأكثر الرواة.
وهذا الحديث مجمع على صحته. وهو في الصحيحين وغيرهما.
فأخرجه البخاري في: 97 - كتاب التوحيد، 23 - باب قول الله تعالى تعرج الملائكة والروح إليه.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة، 19 - باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، حديث 63.
2 - وحدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك يقول:
كان أو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل. وكان أحب أمواله إليه بيرحاء.
وكانت مستقبلة المسجد. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب.
قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية - لكن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون - قام أبو طلحة إلى

(58 - كتاب الصدقة)
1 - (فلوه) مهره. لأنه يفلي أي يعظم. وقيل هو كل فطيم من حافر. والجمع أفلاء كعدو وأعداء.
(فصيله) هو ولد الناقة لأنه فصل عن رضاع أمه.
2 - (بيرحاء) موضع يعرف بقصر بني حديلة قبلي مسجد المدينة.
995

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن الله تبارك وتعالى يقول - لن تنالوا البر حتى تنفقوا
مما تحبون - وإن أحب أموالي إلى بيرحاء. وإنها صدقة لله. أرجو برها وذخرها عند الله.
فضعها يا رسول الله حيث شئت. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بخ! ذلك مال رابح. ذلك
مال رابح. وقد سمعت ما قلت فيه. وإني أرى أن تجعلها في الأقربين) فقال أبو طلحة:
أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبنى عمه.
أخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 44 - باب زكاة الأقارب.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة، 14 - باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج، حديث 42.
3 - وحدثني مالك عن زيد بن أسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أعطوا السائل وإن جاء
على فرس).
قال ابن عبد البر: لا أعلم في إرسال هذا الحديث خلافا عن مالك. وليس فيه مسند يحتج به، فيما أعلم.
4 - وحدثني مالك عن زيد بن أسلم، عن عرو بن معاذ الأشهلي الأنصاري، عن جدته،
أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا نساء المؤمنات. لا تحقرن إحداكن أن تهدى لجارتها
ولو كراع شاة محرقا).
جاء في الصحيحين عن أبي هريرة.
أخرجه البخاري في: 51 - كتاب الهبة، 1 - باب الهبة وفضلها والتحريض عليها.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة 29 - باب الحث على الصدقة ولو بالقليل، حديث 90.

(برها) أي خيرها. (وذخرها) أي أقدمها فأدخرها لأجدها.
3 - (أعطوا السائل وإن جاء على فرس) يعني لا تردوه وإن جاء على حالة تدل على غناه كركوب فرس.
فإنه لولا حاجته للسؤال ما بذل وجهه. بل هذا وشبهه من المستورين الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف.
4 - (كراع شاة) الكراع ما دون العقب. (محرقا) نعت لكراع. وهو مؤنث. فحقه محرقة.
لكن وردت الرواية هكذا في الموطآت وغيرها.
996

5 - وحدثني عن مالك، أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن مسكينا سألها وهي
صائمة وليس في بيتها إلا رغيف. فقالت لمولاة لها: أعطيه إياه فقالت: ليس لك ما تفطرين
عليه. فقالت: أعطيه إياه. قالت ففعلت. قالت: فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت. أو انسان.
ما كان يهدى لنا، شاة وكفنها. فدعتني عائشة أم المؤمنين فقالت: كل من هذا. هذا خير
من قرصك.
6 - وحدثني عن مالك، قال: بلغني أن مسكينا استطعم عائشة أم المؤمنين وبين يديها
عنب. فقالت لإنسان: خذ حبة فأعطه إباها. فجعل ينظر إليها ويعجب. فقالت عائشة:
أتعجب؟ كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة؟
(2) باب ما جاء في التعفف عن المسألة
7 - وحدثني عن مالك عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري،
أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم. ثم سألوه فأعطاهم. حتى نفد ما عنده
ثم قال (ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم. ومن يستعف يعفه الله. ومن يستغن
يغنه الله. ومن يتصبر يصبره الله. وما أعطى أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر).
أخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 5 - باب الاستعفاف عن المسئلة.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة، 42 - باب فضل التعفف والصبر، حديث 124.

5 - (وكفنها) قال في المشارق: قيل ما يغطيها من الأفراص والرغف.
7 - (نفد) أي فرغ. (يستعفف) أي يطلب العفة عن السؤال. (يعفه الله) أي يصونه عن
ذلك، أو يرزقه العفة. أي الكف عن الحرام. (ومن يستغن) يظهر الغنى، بما عنده من اليسير، عن المسئلة.
(يغنه الله) أي يمده بالغنى من فضله. (يتصبر) يعالج الصبر ويتكلفه على ضيق العيش وغيره من مكاره
الدنيا. (يصبره الله) يرزقه الله الصبر ويعينه عليه ويوفقه له.
997

8 - وحدثني عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وهو
على المنبر، وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة، (اليد العليا خير من اليد السفلى.
واليد العليا هي المنفقة. والسفلى هي السائلة).
أخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 18 - باب لا صدقة إلا عن ظهر غني.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة، 32 - باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، حديث 94.
9 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل
إلى عمر بن الخطاب بعطاء. فرده عمر. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (لم رددته؟) فقال: يا رسول الله
أليس أخبرتنا أن خيرا لأحدنا أن لا يأخذ من أحد شيئا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما ذلك
عن المسألة. فأما ما كان من غير مسألة فإنما هو رزق يرزقكه الله) فقال عمر بن الخطاب:
أما والذي نفسي بيده، لا أسأل أحد شيئا. ولا يأتيني شئ من غير مسألة إلا أخذته.
هذا مرسل باتفاق الرواة.
وجاء عن عمر في الصحيحين.
أخرجه البخاري في: 93 - كتاب الأحكام، 17 - باب رزق الحكام والعاملين عليها.
ومسلم في: 12 - كتاب الزكاة، 37 - باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير مسئلة ولا إسراف،
حديث 110 - 112.
10 - وحدثني عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال (والذي نفسي بيده. لان يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن

10 - (لأن يأخذ) قال ابن عبد البر: «ليأخذ» في جل الموطآت. وفي رواية معن وابن نافع «لأن
يأخذ» وهو الموافق لرواية الصحيح.
998

يأتي رجلا أعطاه الله من فضله. فيسأله أعطاه أو منعه).
أخرجه البخاري في: 24 - كتاب الزكاة، 50 - باب الاستعفاف عن المسئلة.
ومسلم من وجه آخر في: 12 - كتاب الزكاة، 35 - باب كراهة المسئلة للناس، حديث 106.
11 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن رجل من بنى أسد
أنه قال: نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد. فقال لي أهل: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله
لنا شيئا نأكله. وجعلوا يذكرون من حاجاتهم. فذهب إلى رسول الله. فوجدت
عنده رجلا يسأله. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا أجد ما أعطيك) فتولى الرجل عنه وهو
مغضب: وهو يقول: لعمري إنك لتعطى من شئت. فقال رسول الله (إنه ليغضب على
أن لا أجد ما أعطيه. من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا) قال الأسدي:
فقلت للحقة لنا خير من أوقية.
قال مالك: والأوقية أربعون درهما.
قال: فرجعت ولم أسأله. فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بشعير وزينب. فقسم لنا
منه حتى أغنانا الله عز وجل.
أخرجه النسائي في: 23 - كتاب الزكاة، 90 - باب إذا لم يكن له دراهم وكان له عدلها.

11 - (بقيع الغرقد) مقبرة المدينة. سميت بذلك لشجر غرقد كان هناك. وهو شجر عظيم ويقال إنه
العوسج. (عدلها) أي ما يبلغ قيمتها من غير الفضة. (إلحافا) أي إلحاحا. وهو أن يلازم المسؤول
حتى يعطيه. (لقحة) أي ناقة.
999

12 - وعن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، أنه سمعه يقول: ما نقصت صدقة من مال.
وما زاد الله عبدا بعفو إلا عز. وما تواضع عبد إلا رفعه الله.
قال مالك: لا أدرى أيرفع هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا.
مثله لا يكون رأيا. وأسنده عنه جماعة. وهو محفوظ مسند. قاله ابن عبد البر.
وأخرجه مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن
النبي صلى الله عليه وسلم في: 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 19 - باب استحباب العفو والتواضع، حديث 69.
(3) باب ما يكره من الصدقة
13 - حدثني عن مالك: أنه بلغه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تحل الصدقة لآل محمد.
إنما هي أوساخ الناس).
رواه مسلم من طريق جويرية بن أسماء عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن
الحارث بن عبد المطلب: أن عبد المطلب بن ربيعة بن حارث حدثه.
في: 12 - كتاب الزكاة، 51 - باب ترك استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، حديث 167.
14 - وحدثني عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
استعمل رجلا من بنى عبد الأشهل على الصدقة. فلما قدم سأله إبلا من الصدقة. فغضب
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجه. وكان مما يعرف منه الغضب في وجه أن تحمر
عيناه. ثم قال (إن الرجل ليسألني مالا يصلح لي ولا له. فإن منعته كرهت المنع. وإن
أعطيته، أعطيته مالا يصلح لي ولا له) فقال الرجل: يا رسول الله لا أسألك منها شيئا أبدا.
مرسل. ورواه أحمد بن منصور البلخي عن مالك، عن عبد الله، عن أبيه، عن أنس.
1000

15 - وحدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أنه قال: قال عبد الله بن الأرقم:
أدللني على بعير من المطايا أستحمل عليه أمير المؤمنين. فقلت: نعم. جملا من الصدقة.
فقال عبد الله بن الأرقم: أتحب أن رجلا بادنا في يوم حار غسل لك ما تحت إزاره ورفغيه
ثم أعطاكه فشربته؟ قال: فغضبت وقلت: يغرف الله لك. أتقول لي مثل هذا؟ فقال عبد الله
بن الأرقم: إنما الصدقة أو ساخ الناس. يغسلونها عنهم.

15 - (استحمل عليه أمير المؤمنين) أي أطلب منه أن يحملني عليه. (رفغيه) تثنية رفغ. والجمع
أرفاغ. مثل قفل وأقفال. قال ابن السكيت: هو أصل الفخذ. وقال ابن فارس: أصل الفخذ وسائر المغابن.
وكل موضع اجتمع فيه الوسخ فهو رفغ.
1001

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب العلم
(1) باب ما جاء في طلب العلم
1 - حدثني عن مالك، أنه بلغه أن لقمان الحكيم أوصى ابنه فقال: يا بنى جالس العلماء
وزاحمهم بركبتيك. فإن الله يحيى القلوب بنور الحكمة. كما يحيى الله الأرض الميتة
بوابل السماء.
1002

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب دعوة المظلوم
(1) باب ما يتقى من دعوة المظلوم
1 - حدثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له
يدعى هنيا على الحمى. فقال: يا هني. اضمم جناحك عن الناس. واتق دعوة المظلوم، فإن
دعوة المظلوم مستجابة. وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة. وإياي ونعم ابن عوف.
ونعم ابن عفان. فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع. وإن رب الصريمة رب
الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتني ببنيه فيقول: يا أمير المؤمنين! يا أمير المؤمنين! أفتاركهم
أنا؟ لا أبا لك. فالماء والكلأ أيسر على من الذهب والورق. وأيم الله إنهم ليرون أنى قد
ظلمتهم. إنها لبلادهم ومياههم. قاتلوا عليها في الجاهلية. وأسلموا عليها في الاسلام. والذي
نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا.

(60 - كتاب دعوة المظلوم)
1 - (اضمم جناحك عن الناس) أي اكفف يدك عن ظلمهم. (واتق دعوة المظلوم) أي اجتنب
الظلم لئلا يدعو عليك من تظلمه. (وأدخل) أي في الرعي. (الصريمة) أي القطعة القليلة من الإبل
نحو الثلاثين. وقيل من عشرين إلى أربعين. (والغنيمة) تصغير غنم. قيل إنها أربعون. والمراد القليل
منها كما دل عليه التصغير. (وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان) قال الحافظ: خصهما بالذكر على طريق
المثال. لكثرة نعمهما. لأنهما كانا من مياسير الصحابة ولم يرد منعهما البتة. وإنما أراد أنه إذا لم يسمح لرعي
نعم أحد الفريقين فنعم المقلين أولى. فنهى عن ايثارهما على غيرهما. أو تقديمهما قبل غيرهما. (لا أبالك) أصله
لا أب لك. وظاهره الدعاء عليه. لكنه على مجازه، لا على حقيقته. (فالماء والكلأ أيسر على من الذهب والورق)
أي أهون من إنفاقهما لهم. (المال الذي أحمل عليه) أي الإبل والخيل التي كان يحمل عليها من لا يجد ما يركب.
1003

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم
(1) باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم
1 - حدثني مالك عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير بن مطعم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لي خمسة أسماء. أنا محمد. وأنا أحمد. وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر. وأنا الحاشر
الذي يحشر الناس على قدمي. وأنا العاقب).
قال ابن عبد البر: كذا أرسله يحيى وأكثر الرواة.
تم الكتاب والحمد لله رب العالمين

(61 - كتاب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم)
1 - (العاقب) أي آخر الأنبياء. قال أبو عبيد: كل شئ خلف بعد شئ فهو غاقب. ولذا قيل لولد الرجل
بعده: هو عقبه. وكذا آخر كل شئ. وروى ابن وهب عن مالك قال: أي معنى العاقب ختم الله به الأنبياء.
وختم بمسجده هذا، المساجد، يعني مساجد الأنبياء.
قال الإمام الزرقاني: ولعل الإمام رحمه الله تعالى. ختم الكتاب بالأسماء النبوية بعد ما ابتدأه بالبسملة، محفوفا
بأسمائه عز وجل وأسماء رسوله صلى الله عليه وسلم، رجاء قبوله. اه
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. أصلي وأسلم على سيدنا ومولانا محمد بن
عبد الله، رسول الله وخاتم النبيين.
وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وكان الفراغ
من هذا التعليق في مساء الأحد الثامن عشر من شهر صفر عام 1371 من الهجرة النبوية. الموافق الثامن
عشر من شهر نوفمبر سنة 1951 من الميلاد. بقلم كاتبه العبد الفقير إلى مولاه الغني، محمد فؤاد عبد الباقي بن
المرحوم عبد الباقي بك صالح ابن المرحوم الحاج صالح محمد.
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين. آمين.
1004

" ختامه مسك وفى ذلك فليتنافس المتنافسون "
(83 / سورة المطففين / آية 26)
المراكز الأولى
لدائرة العلم الاسلامي
من نوابغ علماء الاسلامي
من نوابغ علماء المسلمين في القرن الثاني عشر، مفخرة الهند العلامة الواسع النظر، الغزير المعرفة، المبارك
الانتاج، ولى الله أحمد بن عبد الرحمين الدهلوي (114 - 1176)
وكان هذا الامام الجليل يرى أن علم الفقه والفتاوى في عصر الخلفاء الراشدين يدور على أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب، وأنه كان واسطة العقد في تثبيت السنة، وأسير عليها، وتوجيه الأمة في وجهتها.
وكان يعينه على ذلك فقهاء الصحابة مثل ابنه عبد الله، وعالم بني هاشم عبد الله بن العباس بن عبد الملك،
وأبي هريرة، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وأضرابهم.
فكأنه هؤلاء المركز الأول لدائرة العلم الاسلامي.
وبعد عصر الصحابة اضطلع بأعباء هذا العمل الجليل فقهاء التابعين السبعة: سعيد بن المسيب المخزومي،
وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود
الهذلي، وخارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري، وسيمان بن يسار الهلالي، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
وهذا هو المركز الثاني.
وبعد هؤلاء، تلاميذهم، من أمثال محمد بن شهاب الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وزيد بن أسلم
العدوي مولى أمير المؤمنين عمر، وربيعة الرأي التيمي أبو عبد الرحمن مولى آل المنكدر التيميين، وأبى الزناد
عبد الله بن ذكوان المدني مولى بنى أمية، ونافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب.
وهذه الطبقة هي المركز الثالث لدائرة المعارف الاسلامية.
ويرى علامة الهند أن الامام مالك بن أنس اليحصبي ورث علم هؤلاء كلهم.
1005

وأراد من تدوينه الموطأ تدوين ما حملوه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعناية ممتازة، كما يحفظ أثمن الأمانات وأنفسها.
قال ولى الله الدهلوي: إن المدينة المنورة كانت في عهد الامام مالك، ومن قبله، مرجع الفضلاء، ومحط
رجال العلماء، ولهذا كان ينبغ فهيا من عهد النبي صلى الله عليه وسلم كبار علماء الفتيا الذين كانوا قبلة العالم في العلم.
فورثهم جميعا الامام مالك واضطلع بأعباء هذا الامر الجليل، وأخذ عنهم العلم تداولا - كما يأخذ أحدنا من
الاخر بيده شيئا ملموسا، لا مجال للشك فيه، أخذا وعطاء، وأدرج في كتابه الموطأ ما حفظ عنهم، وصار
كتابه مرجعا لطوائف العلماء من المحدثين والفقهاء.
فمذهب الشافعي في الحقيقة تفصيل لكتاب الموطأ.
ورأس المال لفقه الإمام محمد بن الحسن الشيباني في المبسوط، هو ذاك العلم عن مالك.
وما كان منهم في عصر تبع التابعين إلا الإمام أبو حنيفة والامام مالك.
فأبو حنيفة لم يتسلسل عنه رواية الحديث بطريق الثقات.
وإن رؤوس المحدثين - مثل أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وأبى داود والنسائي وابن ماجة والدارمي
لم يرووا عنه (أي عن أبي حنيفة) حديثا واحدا.
أما الامام مالك فاتفق أهل الثقة قاطبة على أن الحديث إذا ثبت بروايته كان في الذروة العليا من الصحة.
والامامان المتأخران أحمد والشافعي - هما من تلاميذه والمستفيدين من علمه.
أما التزام الصحة، فقال الشافعي: ما على ظهر الأرض - بعد كتاب الله - أصح من كتاب مالك.
وفى رواية عنه: ما في الأرض - بعد كتاب الله - أكثر صوابا من موطأ مالك.
ويقول الدهلوي: إن أصحاب الكتب الستة (أي البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة)
والحاكم، في المستدرك على الصحيحين، بذلوا وسعهم في وصل مراسيل مالك ورفع موقوفاته.
فكأن هذه الكتب شروع للموطأ، وتتمات له.
ولا يوجد فيه موقوف صحابي أو أثر تابعي إلا وله مأخذ من الكتاب والسنة.
وقد تلقى الموطأ عن الامام مالك جمع غفير من كل طائفة.
منهم من خلفاء بنى العباس: الرشيد، وابناه الأمين والمأمون. وقيل الهدى والهادي أيضا.
ومن أئمة الاسلام المجتهدين الشافعي، ومحمد بن الحسن بلا واسطة، والإمام أحمد بواسطة
عبد الرحمن بن مهدي وآخرين، عنه. وأبو يوسف عن أحد شيوخه، عن مالك.
1006

ومن الصوفية ذو النون المصري.
ولا يوجد اليوم كتاب، من كتب أهل عصر مالك، غير الموطأ.
والامام البخاري إذا وجد حديثا متصلا مرفوعا مالك لا يعدل عنه إلى غيره، إلا إذا لم يكن على
شرطه، فيورد له شواهد.
ومبنى فقه الامام مالك على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، مسندا كان ذلك الحديث أو مرسل ثقات.
وبعده على قضايا عمر.
وبعده على فتاوى عبد الله بن عمر، وعمله.
وبعد ذلك على فتاوى سائر الصحابة، والفقهاء السبعة في المدينة (الذين ذكرنا أسماءهم آنفا)، وأبي سلمة
ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وأبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، وأبى بكر بن محمد
ابن عمرو بن حزم الأنصاري، وأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بن مروان.
أما اختيار مالك لعمل عبد الله بن عمر بن الخطاب، فلان أكابر الصحابة شهدوا له بالاستقامة وبالتفوق
في هذا الامر على سائر الصحابة (الذين بقوا بعد الفتنة).
قال حذيفة: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم توفى، وما منا أحد إلا وقد غير عما كان علين إ إلا عمر،
وعبد الله بن عمر.
وقالت أم المؤمنين عائشة: ما رأينا ألزم للامر الأول من عبد الله.
وقال محمد بن علي بن أبي طالب (المعروف بابن الحنفية): كان عبد الله بن عمر خير هذه الأمة.
وقال جابر بن عبد الله: إذا سركم أن تنظروا إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يغيروا ولم يبدلوا فانظروا إلى
عبد الله بن عمر.
وروى الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين (والحاكم معدود من الشيعة المعتلين) أن جعفر الصادق
روى عن أبيه محمد الباقر عن جده على زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب أنه قال: عبد الله بن
عمر أزهد القوم وأصوبهم رأيا.
وقال نافع: لو رأيت ابن عمر يتتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلت: إن هذا لمجنون.
1007

وقال أبو جعفر (محمد الباقر): لم يكن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا
أحذر أن لا يزيد ولا ينقض من ابن عمر.
وقال سعيد بن جبير: رأيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد وغيرهم، كانوا يرون أنه ليس أحد منهم على
الحال التي فارق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. غير ابن عمر.
وقال ابن شهاب الزهري: لا تعدلن عن رأي ابن عرم. فإنه قام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين سنة، فلم يخف
عليه شئ من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه.
وقال نافع: إن عبد الله بن عمر دخل الكعبة، فسمعته يقول في السجدة: اللهم قد تعلم، ما يمنعني من مزاحمة
قريش على هذه الدنيا إلا خوفك.
وبعد. فهذا أحد حملة الأمانات الاسلامية ممن اعتمد عليهم مالك في تدوينها في الموطأ.
ولا يتسع مثل هذه الكلمة لوصف بقية الرجال الذين حملوها معه أو بعده، صادقين مخلصين إلى زمن التدوين.
ومن عرف ذلك، عرف " أن الانسانية لم تعن بتحري الصحيح من تراثها، كما تحرى سلف
المسلمين الصحيح من أقوال نبيهم وأفعاله، صلوات الله وسلامه عليه، ورحمته على كل من خلفه
في تحقيق رسالته إلى يوم الدين ".
محب الدين الخطيب.
صاحب الفتح
1008